الجزء الأول
آراء المفكرين في 61753 الأزهر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
كتب عباس محمود العقاد عن 61754 الأزهر:
«يكفي تاريخ كل فترة من حياة هذا المعهد الخالد للتعريف بوظيفته التي استقر عليها، وبيان مكانته التي تبوأها من الأمة في أيام خضوعها لسلطان الدخلاء الواغلين عليها، فقد تقرر بحكم العرف والتقليد وحكم العقيدة والسمعة أنه صوت الأمة الذي يسمعه الحاكم الدخيل من المحكومين. وأنه ملاذ القوة الروحية في نفوس أبناء الأمة وفي نفوس الحاكمين الذين يدينون بعقيدتها»
وكتب دائرة معارف كوليرز «»:
ويفد إلى الأزهر الألوف من دول العالم الإسلامي ويعتبر أقدم جامعة في العالم تدرس علوم القرآن والشريعة مع العلوم التطبيقية والأكاديمية.
وقال د. ثروت عكاشة وزير الثقافة في مصر في الندوة الدولية للعيد الألفي للقاهرة المنعقدة في مارس 1969.
ولقد هيىء لهذه المدينة منذ إنشائها أن تقوم فيها أقدم جامعة في العالم وهي جامعة الأزهر التي كانت منذ إنشائها منهلا للثقافة الدينية، مكنت القاهرة بذلك أن تحمي لواء الثقافة الدينية بين شعوب العالم الإسلامي. كما كانت تلك الجامعة الأزهرية مشعلا للفكر. فأيقظت
الرأي وأنارت الطريق أمام المفكرين. وكذلك كانت المنبعث للنهضة العربية في القرن الماضي. وأصبحت كعبة للقاصدين في الشرق والغرب.(1/5)
ولقد هيىء لهذه المدينة منذ إنشائها أن تقوم فيها أقدم جامعة في العالم وهي جامعة الأزهر التي كانت منذ إنشائها منهلا للثقافة الدينية، مكنت القاهرة بذلك أن تحمي لواء الثقافة الدينية بين شعوب العالم الإسلامي. كما كانت تلك الجامعة الأزهرية مشعلا للفكر. فأيقظت
الرأي وأنارت الطريق أمام المفكرين. وكذلك كانت المنبعث للنهضة العربية في القرن الماضي. وأصبحت كعبة للقاصدين في الشرق والغرب.
ثم قال: إن مما زاد من شأنها وقوعها في منطقة بين بحرين وبين قارتين ولقد مكن لها هذا الموقع أن تصبح حاضرة من حواضر العالم منذ زمن قديم وأن تتجمع فيها ثقافات فرعونية وأغريقية ولاتينية وبيزنطية وإسلامية ومسيحية. فاكتسبت بهذا مكانة ومنزلة على مر السنين.
يقول الدكتور بيير دودج. في كتابه عن «61755 الأزهر»: «إن الأزهر ظاهرة ظهرت مع الزمن شيئا فشيئا، عشرة قرون قام فيها حارسا أمينا على الدين الاسلامي وعلى اللغة العربية»:
وكتب الشيخ علي الطنطاوي من علماء سوريا:
«أولئكم علماء الأزهر، وهل في الدنيا معهد علم له قدم الأزهر، وعظمة الأزهر، وأثر الأزهر في الفكر البشري وفي الحضارة الإنسانية؟
أي معهد يجر وراءه أمجاد الف سنة؟ فالأزهر درة الدهر تكسرت على جدرانه أمواج القرون وهو قائم»
وكتب الدكتور احمد زكي:
«إني أدعو كل مفكر أن يفكر في الأزهر، وكل كاتب أن يكتب في الأزهر مدرسة الإسلام الكبرى، ليتحقق للأزهر ما يبتغيه وما ينبغي له على ضوء من الفكر هاد إن شاء الله».
وكتبت دائرة معارف القرن العشرين: إن الجامع الأزهر هو أقدم جامعة علمية في العالم، ويعتبر مركزا لنشر علوم القرآن عبر التاريخ.(1/6)
تصدير
الأزهر هو النشيد الإسلامي الخالد، الذي تردده الأجيال، وتتناقله الألسن من جيل إلى جيل، على مر العصور
والجامع الأزهر هو الدعامة الأولى التي استطاع الفاطميون من ألف سنة أن يحققوا بها أهدافهم الدينية والسياسية، وأن يهيمنوا بها على الشعوب الاسلامية ولا يزال المحراب الرابع الذي يقدسه ويجله المسلمون كافة، في مشارق الأرض ومغاربها.
والجامعة الأزهرية هي أقدم وأعرق الجامعات العلمية في العالم كله حتى اليوم.
وإن هذا التاريخ الخالد، والتراث العظيم، والمشاركة الجبارة، للأزهر الشريف، في الحياة المصرية والإسلامية عامة لهي الدافع الأكبر لنا على إخراج هذا التاريخ الحافل للأزهر، في ذكرى بنائه الألفية.
وإنه لمن دواعي الفخر للأزهر الشريف أن ينظر إليه المسلمون كافة خلال العشرة القرون الماضية، نظرة مملوءة بالإكبار والإجلال، وأن يعتبروه كعبتهم الثانية التي استبدت بشرف المحافظة على التراث الإسلامي المجيد.(1/7)
وفي هذه الدراسة تأريخ لحياة هذه الجامعة العريقة، من شتى جوانبها الروحية والعقلية والعلمية والتاريخية والله ولي التوفيق، وواهب السداد، وما توفيقي إلا بالله
المؤلف(1/8)
المؤلف
المقدّمة
الأزهر في مقدمة الجامعات العلمية التي سارت مع التاريخ أجيالا طوالا، فهو أطولها عمرا، وأجلها أثرا في تاريخ الفكر العربي والإسلامي وإن ألف سنة أو تزيد، قضاها الأزهر الجامعي، وشاهد أحداثها الضخمة، واشترك فيها في هذه الأحداث مؤثرا وموجها وبانيا لتاريخ ممعن في الطول، لا يمكن استيعاب حياة جامعة علمية لم تدون أخبارها فيه، إلا بمشقة وعسر وجهد وإرهاق شديد ولم تعمر في الشرق جامعات علمية غير الأزهر في القاهرة، والزيتونة في تونس
ولكن الأزهر ينفرد بضخامة ما أحدث من آثار في تاريخ العرب والمسلمين، من شتى النواحي الروحية والثقافية والفكرية والسياسية والقومية والاجتماعية، بل والاقتصادية كذلك.
والأزهر طول عصور التاريخ حارس التراث العربي، ومجدد الثقافة الإسلامية، والمشعل الذي يضيء ولا يخبو، والملاذ الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين من كل مكان، والضوء ينير لهم الطريق، ويبصرهم سواء السبيل والأزهر اليوم يتدثر برداء هذا المجد الخالد، وذلك التاريخ القديم المجيد، وإن كان قد أصبح وئيد الأثر والتأثير في حياة الناس، في المادية المظلمة التي يعش فيها عصرنا الحاضر، وسار وراء المتنافسين في ميدان التجديد والابتكار واليقظة الفكرية، وقيدته أغلال ثقيلة من الركود وفقدان الحيوية، وأساءت إلى سمعته بين الناس التيارات
السياسية التي كانت تدخل في العصور السابقة إلى أروقته ومحاريبه ومعاهده، هدامة، قاطعة ما بين الأزهر والناس من أسباب، واستغلال بعض الناس له، حفاظا على منصب، أو تملقا لذي سلطان.(1/9)
والأزهر طول عصور التاريخ حارس التراث العربي، ومجدد الثقافة الإسلامية، والمشعل الذي يضيء ولا يخبو، والملاذ الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين من كل مكان، والضوء ينير لهم الطريق، ويبصرهم سواء السبيل والأزهر اليوم يتدثر برداء هذا المجد الخالد، وذلك التاريخ القديم المجيد، وإن كان قد أصبح وئيد الأثر والتأثير في حياة الناس، في المادية المظلمة التي يعش فيها عصرنا الحاضر، وسار وراء المتنافسين في ميدان التجديد والابتكار واليقظة الفكرية، وقيدته أغلال ثقيلة من الركود وفقدان الحيوية، وأساءت إلى سمعته بين الناس التيارات
السياسية التي كانت تدخل في العصور السابقة إلى أروقته ومحاريبه ومعاهده، هدامة، قاطعة ما بين الأزهر والناس من أسباب، واستغلال بعض الناس له، حفاظا على منصب، أو تملقا لذي سلطان.
ولكن الأزهر مع ما انتابه في بعض الأحايين من الحيرة والتردد يسير اليوم منطلقا إلى غاياته وأهدافه ومثله، يتطلع في نظرة الواثق إلى المستقبل، ويحتقر هؤلاء المترددين والحائرين والمعوقين، وتنظر مئذنته الشماء في سخرية وإشفاق واحتقار، إلى الذين يحاولون أن يبنوا وأن يهدموا، فلا يستطيعون هدما ولا بناء.
والأزهر اليوم يأبى النوم والحياة حوله صاخبة مضطربة متحركة، وهو يكره اللهو وقد خلقه الله وخلق الحياة للعمل والجد والحيوية والنشاط.
وإذا كانت أول خطوة لفهم الإنسان لنفسه ولرسالته في الحياة هي أن يعرف تاريخه، ويعي ماضيه، ويدرس ما يتصل به من مقومات وخصائص وتراث، فإن هذا الكتاب لمما يساعد على هذه الدراسة وتلك المعرفة وهذا الوعي التي هي العنصر الأول في البعث واليقظة والإحياء (1)
وإني لأقدمه إلى القارىء، معتزا بأني أقدم له ثمرة مجهود شاق، وبتوفيق الله الذي لا ينساني، وما توفيقي إلا بالله
المؤلف
__________
(1) راجع كتابات لي عن الأزهر في:
ص 147قصص من التاريخ للمؤلف: قصة الأزهر الجامعي بعد عشرين عاما.
ص 50نداء الحياة للمؤلف: الأزهر الخالد.
ص 58نداء الحياة للمؤلف: الأزهر العظيم.
ص 65نداء الحياة للمؤلف: رسالة الأزهر في القرن العشرين.
ص 55فصول من الثقافة المعاصرة رسالة الأزهر في النصف الثاني من القرن العشرين.(1/10)
الباب الأوّل 61756 الأزهر خلاك التاريخ(1/11)
الفصل الأوّل 61757 مصر الإسلاميّة قبل إنشاء 61758 الأزهر
1
فتحت مصر في عهد عمر بن الخطاب عام 18هـ على يد عمرو بن العاص، وبنى بها مسجده الجامع المعروف اليوم باسم «جامع عمرو بن العاص» عام 21هـ (1)، واختط الجيزة في هذه السنة أيضا، كما اختط مدينة الفسطاط حول مسجده الجامع، واتخذها عاصمة مصر، وحفر خليج أمير المؤمنين الموصل للنيل بالبحر الأحمر (2).
ووفد كثير من القبائل العربية على مصر زرافات ووحدانا، وأقاموا بها، وذاعت اللغة العربية بين أهليها، بسبب اتصال العرب بأهل مصر واختلاطهم بهم.
وقد استقر بمصر كثير من الصحابة (3) ومشاهير التابعين (4) وأتباع التابعين (5)، ونشأت بها طبقة من المجتهدين كالليث بن سعد المتوفى (6)
__________
(1) 133ج 2حسن المحاضرة.
(2) راجع الجزء الأول من حسن المحاضرة للسيوطي.
(3) راجع 72ج 1حسن المحاضرة وما بعدها
(4) راجع 105ج 1حسن المحاضرة وما بعدها
(5) راجع 112ج 1حسن المحاضرة وما بعدها
(6) راجع ج 1201حسن المحاضرة وما بعدها(1/13)
عام 175هـ، وهاجر اليها الإمام الشافعي (1) المتوفى عام 204هـ، وخلفه البويطي المصري المتوفى عام 231هـ (2).
وقد نمت الحركة العلمية في الفسطاط، وكثرت الحلقات في مسجد عمرو الذي كان مركزا علميا لنشر الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة
وكبرت هذه الحركة العلمية واتسعت، ونمت وازدهرت، وأم هذا المسجد الجامع كثير من العلماء الأعلام، والأئمة المجتهدين، ممن أفادوا العالم الإسلامي، وأدوا له خدمة صادقة في ميادين الدين والشريعة، واللغة والعلوم وأشهر هؤلاء: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن لهيعة، ثم الليث بن سعد وقد كان للإمام محمد بن إدريس الشافعي بمسجد عمرو زاوية يدرس فيها مذهبه، ويدون آراءه، وعلى يديه تخرج كثير من العلماء الفضلاء الذين دونوا مذهبه، ونشروا علمه: كالربيع بن سليمان، والمازني، والبويطي، وغيرهم وكان أبو تمام يسقي الماء في جامع عمرو، وفيه كانت دراسته الأولى.
وقد انتشر المذهب الشافعي في مصر على يدي الشافعي وتلاميذه، ومن قبل كانت السيادة للمذهب المالكي، الذي كان أول من أدخله إلى مصر عثمان بن الحكم الجذامي (3) المتوفى عام 163هـ. كما كان أول محاولة لنشر المذهب الحنفي فيها على يد القاضي إسماعيل بن سميع الكندي (4)، الذي ولاه العباسيون قضاء مصر عام 164هـ، فعمل على نشر مذهب أبي حنيفة فيها، وكرهه المصريون من أجل ذلك كرها شديدا.
ويذكر السيوطي في كتابه حسن المحاضرة كثيرا ممن كانوا بمصر من
__________
(1) راجع ج 121ج 1حسن المحاضرة وما بعدها، 138ج 1ابن خلكان.
(2) راجع 123ج 1حسن المحاضرة وما بعدها.
(3) 190ج 1حسن المحاضرة.
(4) 196ج 1المرجع(1/14)
حفاظ الحديث ونقاده (1)، ومن المحدثين الذين لم يبلغوا درجة الحفظ (2)، كما يذكر من كان بها من الفقهاء الشافعية (3) والمالكية (4)
والحنفية (5) أما الحنابلة فكانوا قليلين فيها، ولم يسمع السيوطي كما يقول بخبرهم إلا في القرن السابع وما بعده (6) كما يذكر من كان بها من أئمة القراءات (7)، ومن الصلحاء والزهاد والصوفية (8) وأئمة النحو واللغة (9)، وأرباب المعقولات وعلوم الأوائل والحكماء والأطباء والمنجمين (10)، وقد ظل التدريس في الجامع العتيق عامر الحلقات مدة طويلة.
خضعت مصر أول ما خضعت للحكم لإسلامي للخلفاء الراشدين، ثم لدولة بني أمية، ثم لدولة بني العباس، وكان يختار لها ولاة يثق بهم الخلفاء
2
واستقل بمصر أحمد بن طولون وكان قد ولي الحكم فيها سنة 253 هـ، ثم أضيفت إليه نيابة الشام والعواصم والثغور وإفريقية، فأقام بها مدة طويلة، وبنى جامعه المشهور، وكان ميلاده في بغداد عام 214وكان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح السماني عامل بخاري إلى المأمون.
__________
(1) 145وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(2) 155وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(3) 167وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(4) 190وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(5) 197وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(6) 205وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(7) 207وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(8) 218وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(9) 228وما بعدها ج 1حسن المحاضرة
(10) 232ج 1حسن المحاضرة وما بعدها(1/15)
واستمر ابن طولون أميرا على مصر حتى مات بها عام 270هـ (1)، وولي بعده ابنه أبو الجيش خمارويه، وظل أميرا على مصر حتى قتل عام 282هـ، وولي بعده ابنه «جيش» فأقام تسعة أشهر قتل بعدها، وخلفه أخوه هارون بن خمارويه الذي ظل أميرا على مصر حتى قتل عام 292هـ، وولى عمه أبو المغانم شيبان، فورد من قبل المكتفي بعد اثني عشر يوما من ولايته محمد بن سليمان الواثقي الذي سلم إليه شيبان الأمر، واستصفى أموال آل طولون، وانقضت الدولة الطولونية، وامحت أيامها من تاريخ مصر السياسي.
كان من البدهي أن تكون عاصمة الملك في أيام الدولة الطولونية هي مدينة أحمد بن طولون، وأصبح مسجده المشهور محط الرحال، ومجلس العلماء، ومستقرا للحلقات العلمية الكثيرة التي تدرس فيها علوم الدين واللغة والأدب وظهر في مصر وفي حلقات مسجد أحمد بن طولون كثير من العلماء والأئمة والأدباء والشعراء.
ومع ذلك فقد ظل «مسجد عمرو» يؤدي رسالته بجانب المسجد الطولوني الكبير، بل ظل إلى أمد قريب يعج بالحلقات والعلماء، حتى لبروى أنه كان فيه قبل عام 749هـ بضع وأربعون حلقة، لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه (2).
أسس جامع ابن طولون (2) عام 263هـ، في مدينة أحمد بن طولون التي سماها «القطائع»، وفرغ من بنائه عام 266هـ. وصلى فيه القاضي بكار إماما وخطب فيه أبو يعقوب البلخي، وأملى فيه الحديث الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي (3)، وظلت الحلقات العلمية فيه إلى أمد بعيد، فكانت فيه دروس للتفسير والحديث والفقه على
__________
(1) راجع 9و 10ج 2حسن المحاضرة.
(2) 136ج 2حسن المحاضرة طبعة القاهرة 1327
(3) 137ج 2المرجع السابق(1/16)
المذاهب الأربعة، والقراءات والطب والميقات (1) وكان أعمر ما يكون في دولة بني طولون.
3
وفي عام 321هـ ولي على مصر من قبل خلفاء بني العباس محمد ابن طغج الإخشيدي الذي أقام الدولة الإخشيدية في مصر والشام، ومات في ذي الحجة عام 334هـ، وخلفه ابنه أبو القاسم أنوجور وكان صغيرا، فأقيم أستاذه كافور الإخشيدي وصيا عليه، وحكم المملكة باسمه، ومات أنوجور عام 349هـ، فقام أخوه على مقامه حتى مات عام 355هـ، فاستقرت المملكة باسم كافور ودعي له على المنابر في مصر والشام، ومات عام 357هـ، فولى المصريون بعده أبا الفوارس أحمد بن علي بن الإخشيد، فأقام شهورا حتى فتح الفاطميون مصر، وانتزعها جوهر الصقلي منه عام 358هـ.
وفي عهد الدولة الإخشيدية ظل المسجد العتيق ومسجد أحمد بن طولون يؤديان رسالتهما العلمية.
كانت الحلقات العلمية في هذين المسجدين حافلة بالعلماء والمتعلمين، وكانت تعقد حلقات خاصة في منازل أكابر العلماء والفقهاء، حيث كانوا يجتمعون بتلامذتهم، يقرأون ويدرسون بعض شروح الفقه الإسلامي، وبعض كتب العبادات والتصوف واللغة والأدب، ومن ذلك حلقة ببيت عبد الله بن الحكم الفقيه المالكي وولديه عبد الرحمن ومحمد، وكانوا من أنبغ الفقهاء المحدثين حتى أوائل القرن الثالث وهذه الأسرة هي التي أكرمت وفادة الإمام الشافعي في مصر وفي القرن الرابع كان العلماء في المسجد العتيق والمسجد الطولوني عديدين، وكان من أشهرهم: أبو القاسم بن قديد، وتلميده الكندي صاحب الكتاب
__________
(1) 138ج 2المرجع السابق.(1/17)
المشهور في تاريخ ولاة مصر وقضاتها، وأبو القاسم بن طباطبا الحسني الشاعر وكانت مجالس الدراسة والحلقات الأدبية الخاصة من تقاليد الحياة المصرية العالية، وشجع الإخشيدي وخلفاؤه العلوم والآداب ودراسة الشريعة، وكانت حلقة المتنبي الذي وفد إلى مصر عام 346هـ 597م من أحفل مجالس الأدب والشعر والنقد.
ولقد كانت السيدة نفيسة بنت سيدى حسن الأنور تعتكف بمسجد عمرو.(1/18)
الفصل الثاني 61759 مصر في ظلاك الدولة الفاطميّة
تمهيد:
إن شيعة علي كرم الله وجهه بعد قتل علي ظلت تتوارث الدعوة إلى خلافة آل البيت، لإعادة الملك والخلافة للعلويين، وزعم الكثير منهم أن الخلافة لم تصح ولن تصح لغير أهل البيت من أولاد علي ولما عجز العلويون عن الاستحواذ على السلطة من طريق السياسة والقوة، لقتل من خرج من أئمتهم، التمسوها من طريق الدين، فقالوا: إن الله لا يترك خلقه بدون إمام حق، واعتقدوا أن ذلك الإمام هو المهدي المنتظر، الذي يبيد المغتصبين، ويحيي مجد بيت رسول الله.
بدء الدعوة للفاطمية:
في عام 280هـ 893م ذهب أحد دعاة الشيعة، واسمه «أبو عبد الله الشيعي» إلى بلاد البربر بشمالي إفريقية، داعيا لعبيد الله بن محمد من نسل جعفر الصادق، فنجح في دعوته «وطرد الأمير الأغلبي الحاكم لتلك البلاد التابع للدولة العباسية، وذلك عام 296هـ 908م، وأعلن أن الخليفة الحقيقي للمسلمين ورئيس دينهم المنتظر هو إمامه «عبيد الله» الملقب بالمهدي، من نسل فاطمة بنت رسول الله، ولذلك سميت سلالته بالفاطميين.(1/19)
قيام الدولة الفاطمية:
حضر عبيد الله إلى بلاد المغرب، وظل ملكا عليها مدة كبيرة (322297هـ: 934910م)، كان الأمر فيها كله بيده، وأخضع قبائل العرب، والبربر، ودان له الحاكم المسلم الوالي على جزيرة صقلية، وجاهد في سبيل نشر الدين ومحاربة البدع في تلك البلاد، وكان من أكبر أمانيه فتح مصر، فأرسل لغزوها ثلاثة جيوش: اثنين منها بقيادة ابنه «أبي القاسم» فحال دون نجاحه عدة أمور، منها مجاعة في المغرب حدثت عام 316هـ، ووباء فشا في أحد هذه الجيوش، وفتكت عدواه بأهل المغرب وشغل عبد الله بالأمور الداخلية باقي حياته.
وفي عام 322هـ 934م خلفه ابنه الأكبر «القائم بأمر الله أبو القاسم محمد»، فبذل غاية همته في توسيع نطاق ملكه، وأرسل أسطولا أغار على شواطىء إيطاليا وفرنسا والأندلس، وأرسل جيشا إلى مصر هزمه الإخشيد، ووطد ملكه في شمال إفريقية.
وخلفه «المنصور إسماعيل» سنة 333هـ 945م، فسار في الملك سيرة أبيه نحو سبع سنوات.
ولما مات خلفه ابنه «المعز لدين الله أبو تميم معد» سنة 341هـ 953م، فكانت أيامه مبدأ عصر جديد في تاريخ الفاطميين، وكان مثقفا ثقافة عالية، سياسيا داهية، وطد ملكه في بلاد المغرب، فدانت له جميع رؤساء القبائل المغربية، وخضعت له مراكش بأكملها حتى شواطىء المحيط الأطلسي ثم صرف همه لفتح مصر، فحفر الآبار، وبنى أماكن للاستراحة في الطريق الموصل إليها، وكانت مصر وقتئذ في اضطراب لحقها عقب وفاة كافور، ولم يكن في وسع خلافة بغداد مساعدتها لاشتغالها بصد غارات القرامطة، وكان دعاة المعز ينشرون دعوتهم في أنحاء كثيرة من القطر المصري ووكل المعز قيادة الجيش الفاتح إلى أكبر قواده، وهو جوهر الصقلي الرومي الأصل، وكان تحت
إمرته مائة ألف مقاتل مزودين بالآلات الحربية، وبالمال الكثير.(1/20)
ولما مات خلفه ابنه «المعز لدين الله أبو تميم معد» سنة 341هـ 953م، فكانت أيامه مبدأ عصر جديد في تاريخ الفاطميين، وكان مثقفا ثقافة عالية، سياسيا داهية، وطد ملكه في بلاد المغرب، فدانت له جميع رؤساء القبائل المغربية، وخضعت له مراكش بأكملها حتى شواطىء المحيط الأطلسي ثم صرف همه لفتح مصر، فحفر الآبار، وبنى أماكن للاستراحة في الطريق الموصل إليها، وكانت مصر وقتئذ في اضطراب لحقها عقب وفاة كافور، ولم يكن في وسع خلافة بغداد مساعدتها لاشتغالها بصد غارات القرامطة، وكان دعاة المعز ينشرون دعوتهم في أنحاء كثيرة من القطر المصري ووكل المعز قيادة الجيش الفاتح إلى أكبر قواده، وهو جوهر الصقلي الرومي الأصل، وكان تحت
إمرته مائة ألف مقاتل مزودين بالآلات الحربية، وبالمال الكثير.
جوهر الصقلي فاتح 61760 مصر:
ولد جوهر بجزيرة صقلية نحو عام 300هـ، ومع أنه رومي الأصل إلا أنه نشأ في صقلية نشأة إسلامية خالصة، فقد دخل الإسلام جزيرة صقلية سنة 212هـ، ويرجح المؤرخون ان أباه كان مسلما (1).
واتصل جوهر ببلاط المعز، ويبدو أنه كان في حاشيته العسكرية، وقد قربه الخليفة الفاطمي، لما توسمه فيه من الإخلاص للدين، ولمواهبه الفذة وثقافته الواسعة، وظل يتدرج في سلك المناصب في دولة المعز، حتى اتخذه المعز كاتبا له عام 341هـ 953م، وهي السنة التي ولى المعز فيها الخلافة، ثم رقاه إلى منصب الوزارة سنة 347هـ، وولاه قيادة جيش كثيف لتوسيع ملك المعز في شمالي إفريقية، وقد انتصر جوهر، وتوغل في فتوحه حتى وصل إلى شاطىء المحيط الأطلسي.
ولما فكر المعز في فتح مصر أسند لجوهر قيادة الجيش الفاتح، ولما رحل جوهر من القيروان إلى مصر في يوم السبت 14ربيع الثاني عام 358هـ فبراير 969م، خرج الخليفة لتوديعه بنفسه، وقال: والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر وليدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب، ولينزلن في خرابات ابن طولون، ويبني مدينة تقهر الدنيا، وانشد ابن هاني الأندلسي المعزّ قصيدته:
رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع ... وقد راعني يوم من الحشر أروع
غداة كأن الأفق سد بمثله ... فعاد غروب الشمس من حيث تطلع
فلم أدر إذ ودعت كيف أودع ... ولم أدر إذ شيعت كيف أشيع
ألا إن هذا حشد من لم يذق له ... غرار الكرى جفن ولا بات يهجع
إذا حل في أرض بناها مدائنا ... وإن سار من أرض غدت وهي بلقع
__________
(1) تاريخ جوهر الصقلي لعلي إبراهيم حسن ط 1933.(1/21)
تحل بيوت المال حيث محله ... وجم العطايا والرواق المرفع
وكبرت الفرسان لله إذ بدا ... وظل السلاح المنتصى يتقعقع
وعب عباب الموكب الفخم حوله ... ورق كما رق الصباح الملمع
رحلت إلى الفسطاط أول رحلة ... بأيمن فأل بالذي أنت تجمع
فإن يك في مصر ظماء لمورد ... فقد جاءهم نيل سوى النيل يهرع
ووصل جوهر إلى برقة، ومنها سار حتى الإسكندرية في رجب 358هـ، ثم استمر في سيره فدخل مصر وقت الزوال من يوم الثلاثاء 17 شعبان عام 358هـ بناء على صلح عقد بين المصريين والفاطميين، وجاء في وثيقة الصلح الرسمية (1): إنه يتعهد ب «نشر العدل، وبسط الحق، وحسم الظلم، وقطع العدوان، ونفي الأذى ورفع الحزن، والقيام في الحق، وإعانة المظلوم، مع الشفقة والإحسان، وجميل النظر وكرم الصحبة، ولطف العشرة وافتقاد الأحوال، وحياطة أهل البلد في ليلهم ونهارهم الخ».
واتصل نبأ الفتح بالمعز فسر سرورا عظيما، ونظم ابن هانىء أمامه قصيدته:
تقول بنو العباس: هل فتحت مصر؟ ... فقل لبني العباس: قد قضي الأمر
وأخذ جوهر يعمل على بث الدعوة للمعز الفاطمي في مصر خاصة ولأهل بيته من العلويين عامة، واختط مدينة القاهرة المعزية، وبنى الأزهر الشريف، وصار جامع عمرو وجامع ابن طولون والجامع الأرهر مراكز للدعاية لعقائد العلويين الفاطميين ودعوتهم، كما كانت الدعوة لهذا المذهب تذاع على يدي داعي الدعاة ومن كان يعاونه من الدعاة.
خطب للمعز في جامع عمرو في التاسع عشر من شعبان سنة 358هـ 969م، وكان ذكر المعز في خطبة الجمعة بدل اسم الخليفة
__________
(1) 8067اتعاظ الحنفا(1/22)
العباسي حادثا خطيرا في تاريخ مصر، وفي يوم الجمعة 18من ذي القعدة سنة 358هـ دعا الخطيب لآل البيت وزاد في الخطبة: «اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم صل على الأئمة الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهديين» وفي يوم الجمعة 8جمادي الأولى 359هـ صلى جوهر بجامع ابن طولون وأذن المؤذنون: «حي على خير العمل»
أما الجامع الأزهر فقد كان أهم مركز للدعوة الفاطمية.
ولا ننسى أن نذكر أن جوهرا قد وضع أساس المدينة الجديدة «القاهرة المعزية» في الليلة التي دخل فيها مدينة الفسطاط، أي في 17 شعبان 358هـ 17يوليو 969م وأقام فيها قصر الخليفة المعز، ووضع أساسه في اليوم التالي وتشمل القاهرة المعزية على ما رواه المقريزي أحياء: الجامع الأزهر والجمالية والحسينية وباب الشعرية والموسكى والغورية وباب الخلق، وقد أحيطت القاهرة بسور كبير من اللبن، وكانت بولاق هي ميناء القاهرة، وقد أصبحت بولاق بعد ذلك بمدة كبيرة مدينة تجارية منذ سنة 713هـ، عندما أمر الملك الناصر بعمارتها وبنى بها الدور على شاطىء النيل فسكنها الناس وعمروها. وقد جعل جوهر للقاهرة أربعة أبواب هي بابا زويلة وباب النصر وباب الفتوح.
وبعد ذلك رحل المعز من مدينته المنصورية (1)، ودخل القاهرة في 7رمضان سنة 362هـ نصف يونيو 973م، وظل ملكا على مصر حتى توفي عام 365هـ، وتوفي بعده جوهر بمدة كبيرة، وذلك عام 381هـ (20/ 1ابن خلكان).
__________
(1) راجع الحديث عنها في كتاب «الموعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» للمقريزي 1366 ج 1. وهذا الاسم أطلقه إسماعيل بن المنصور ثالث الخلفاء الفاطميين على مدينة «صبرة» وتتصل بالقيروان وقد بناها المنصور الفاطمي في سنة 337هـ واستوطنها وسماها المنصورية (ص 25البكري).(1/23)
المعز الملك الفاطمي:
هو الخليفة الفاطمي الرابع، ينتسب إلى رسول الله عن طريق ابنته فاطمة الزهراء وإلى علي بن أبي طالب ابن عم الرسول.
ولد بمدينة المهدية قرب القيروان، وهي عاصمة الفاطميين، وذلك في 11رمضان سنة 317هـ، وأمه أم ولد. وربي تربية عالية، وكان ولي عهد أبيه المنصور، وولي الخلافة عام 341هـ وفي عام 348فتحت جيوشه بقيادة جوهر مصر.
خرج المعز من المنصورية دار ملكه يوم الاثنين 21شوال عام 361هـ: 5أغسطس عام 972ودخل الاسكندرية يوم السبت 23 شعبان 362هـ: 29مايو 973م.
وقد دخل القاهرة عام 362هـ 973م، وتوفي في 14ربيع الثاني 365هـ 20ديسمبر 975م، بعد أن وسع دولته، وصبغها بصبغة عالية من الحضارة والرقي والنهضة، وكانت القاهرة بعد إنشائها عاصمة ملكه الضخم.
كان نقش خاتم المعز يحمل شعار دولته وهو «لتوحيد الإله الصمد دعا الإمام معد، لتوحيد الإله العظيم دعا الامام أبو تميم».
وقد وضع على كل مصلحة من مصالح الحكومة موظفين: أحدهما مصري والآخر مغربي وكان عهده على قصره من أزهى عصور مصر وأزهرها، وزادت فيه ثروة البلاد زيادة كبيرة. وكانت القاهرة إذ ذاك تسمى «المدينة»، وكانت في الحقيقة عبارة عن قصرين عظيمين ولواحقهما:
بهما من السكان 30000نسمة، وكان بين القصرين ميدان عظيم يكفي لاستعراض 10000جندي، وكان ثروة الأسرة المالكة زمن المعز وبعده فوق ما يتصور، فإن إحدى بناته ماتت وتركت وراءها ما يعادل 000، 000، 2 دينارا، وأخرى تركت خمسة أكياس من الزمرد ومقادير كثيرة من الأحجار الكريمة الأخرى علاوة على 3000إناء فضي مطعم.(1/24)
وقد بذل «المعز» غاية وسعه في استجلاب محبة الناس واحترامهم له، بعدله، وحسن إدارته والتفاته إلى جميع دقائق شؤونهم. فكان يرأس بنفسه حفلة قطع الخليج، وزاد من محبتهم له إرساله كسوة فاخرة للكعبة كل عام. ومنع جنده من البقاء في المدينة بعد الغروب، اجتنابا لما عساه أن يحدث من الهياج، وألغى نظام جباية الخراج بواسطة الملتزمين، للخسارة التي كانت تلحق البلاد من وراء أرباحهم الباهظة، وبذلك زاد الخراج بدون أن يضر بمصلحة المزارعين.
وكان للمعز عدة أبناء، ومن بناته رشيدة بنت المعز، وعبدة بنت المعز (1).
وقد خلف المعز ابنه العزيز بالله أبو منصور نزار (2) 386365هـ:
966975 - م، وكان يعقوب بن كلس أكبر وزرائه.
وبعده تولى حكم مصر الحاكم بأمر الله أبو علي منصور 386 411هـ: 1021996م، وقد مات مقتولا.
وخلفه ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي 427411هـ:
10361021 - م.
وتولى بعده ابنه المستنصر بالله أبو تميم معد 487427هـ:
10941036 - م وظل الفاطميون يتوارثون حكم مصر (3)، حتى انتهى ملكهم منها عام 567هـ.
__________
(1) 114ج 5التمدن الاسلامي لجورجي زيدان.
(2) ولد في المهدية عام 344هـ.
(3) وهم: المستعلى بالله (495487هـ)، والآمر بأحكام الله المنصور (495 524هـ)، ثم الآمر بأحكام الله عبد المجيد (544524هـ)، ثم الظافر (544 549هـ)، ثم الفائز (555549هـ)، ثم العاضد (566555هـ)(1/25)
الفصل الثالث تأسيس 61761 الأزهر وبدء حياته الجامعيّة
الأزهر بيت العلم العتيق، ومثابة الثقافة الاسلامية، حمل لواء المعرفة في مصر وفي الشرق الإسلامي قرونا متصلة، وحفظ التراث الإسلامي دينا ولغة من عاديات الزمن، ونشره على الآفاق، ولم يبخل به على أي طالب علم قصده من مشارق الأرض أو مغاربها. وقد ظل الأزهر طوال ألف سنة وما يزال حتى اليوم كعبة العلم والدين، ومعقد آمال المسلمين، وقد تخرج فيه أفواج وأفواج من جلة العلماء انتشروا في بقاع الأرض، وحملوا معهم مشاعل المعرفة والثقافة التي تزودوا بها في الأزهر، فأضاؤو جنبات الأرض علما ونورا وتقى.
أنشأ الجامع الأزهر جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي «المعز لدين الله»، وشرع في بنائه يوم السبت لست بقين من شهر جمادى الأول (1) سنة 359هـ (970م)، وكمل بناؤه لسبع خلون من شهر رمضان سنة 361هـ 22يونيو 972م، وكان الغرض من إنشائه أن يكون رمزا للسيادة الروحية للدولة الفاطمية، ومنبرا للدعوة التي حملتها هذه الدولة الجديدة إلى مصر. وقد كتب بدائرة القبة التي في الرواق الأول وهي على يمين المحراب والمنبر ما نصه بعد البسملة: مما أمر ببنائه عبد الله
__________
(1) يذكر بعض المؤرخين انه شرع في بنائه في يوم السبت الرابع من شهر رمضان عام 359هـ (273ج 2المقريزي، 364ج 3القلقشندي).(1/27)
ووليه أبو تميم معد الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين، على يد عبده جوهر الكاتب الصقلي، وذلك في سنة ستين وثلثمائة».
وقد أطلق على هذا المسجد اسم الأزهر، نسبة إلى فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون، أو لأنه كان يحيط به قصور فخمة، تسمى بالقصور الزهراء، أو لأنه يظن أن هذا الجامع أكثر الجوامع فخامة ورواء، أو للتفاؤل بأنه سيكون أعظم المساجد ضياء ونورا.
وضع يوم السبت 24جمادى الأول سنة 359هـ الحجر الأساسي له «وظل العمال والمهندسون يعملون في بنائه عامين تقريبا حتى جاءت أول جمعة رمضان سنة 361هـ، فجمعت فيه، باحتفال رسمي هائل، تجلت فيه أبهة الملك وسؤدده وعظمته، التي اشهر بها الفاطميون أكثر من سواهم. والمقريزي يصف لنا هذا الاحتفال وصفا شائقا يفيض روعة وجلالا.
وبعد أن استقر سلطان المعز، وتم بناء المعقل الذي أقامه للدعوة، أفرغ جهده في إحكام دولته وتنظيمها، ووفق في ذلك أكثر توفيق، وقطع المعز الفاطمي كل علاقة بينه وبين الخليفة العباسي، وقضى على كل صلة روحية له في مصر، فقصر التدريس في الأزهر على المذهب الفاطمي في الفقه، وتعاليم الفقه، وتعاليم الشيعة في الدين والفلسفة والتوحيد، واستجلب لهذه الدراسة أكابر العلماء وفطاحل الفقهاء في عصره، وكان عددهم ثلاثين عالما، أجزل لهم العطاء وبنى لهم منازل فخمة ألحقت بالأزهر فيما بعد، وصارت من أروقته، وشرعوا يدرسون ويتفقهون في مذاهب الفاطميين وتعاليمهم ويهدمون بذلك المذاهب الأخرى التي كانت شائعة في بغداد مقر الخلافة وسائر البلاد الإسلامية، وكانت هذه النخبة الممتازة من الأساتذة وعلى رأسها كبير العلماء «أبو يعقوب قاضي الخندق» سببا من الأسباب التي جعلت الأزهر يصبح
قبل كل طالب من أقاصي الأرض بعد أن ذاع صيته في الآفاق. وذكر المقريزي أن أول ما درس في الأزهر الفقه الفاطمي على مذهب الشيعة، فإنه في صفر سنة 365هـ جلس قاضي مصر «أبو الحسن علي بن النعمان ابن محمد بن حيون» وأملى مختصر أبيه في الفقه على أهل البيت، ويعرف هذا المختصر بالاقتصار، وكان جمعا عظيما أثبتت فيه أسماء الحاضرين فكان الأزهر على ذلك ظل معطلا منذ افتتاحه أربع سنوات من التدريس حتى جاء صفر سنة 365هـ وافتتحت الدراسة فيه باجتماع عظيم حضره كثيرون، وقيدوا أسماءهم.(1/28)
وبعد أن استقر سلطان المعز، وتم بناء المعقل الذي أقامه للدعوة، أفرغ جهده في إحكام دولته وتنظيمها، ووفق في ذلك أكثر توفيق، وقطع المعز الفاطمي كل علاقة بينه وبين الخليفة العباسي، وقضى على كل صلة روحية له في مصر، فقصر التدريس في الأزهر على المذهب الفاطمي في الفقه، وتعاليم الفقه، وتعاليم الشيعة في الدين والفلسفة والتوحيد، واستجلب لهذه الدراسة أكابر العلماء وفطاحل الفقهاء في عصره، وكان عددهم ثلاثين عالما، أجزل لهم العطاء وبنى لهم منازل فخمة ألحقت بالأزهر فيما بعد، وصارت من أروقته، وشرعوا يدرسون ويتفقهون في مذاهب الفاطميين وتعاليمهم ويهدمون بذلك المذاهب الأخرى التي كانت شائعة في بغداد مقر الخلافة وسائر البلاد الإسلامية، وكانت هذه النخبة الممتازة من الأساتذة وعلى رأسها كبير العلماء «أبو يعقوب قاضي الخندق» سببا من الأسباب التي جعلت الأزهر يصبح
قبل كل طالب من أقاصي الأرض بعد أن ذاع صيته في الآفاق. وذكر المقريزي أن أول ما درس في الأزهر الفقه الفاطمي على مذهب الشيعة، فإنه في صفر سنة 365هـ جلس قاضي مصر «أبو الحسن علي بن النعمان ابن محمد بن حيون» وأملى مختصر أبيه في الفقه على أهل البيت، ويعرف هذا المختصر بالاقتصار، وكان جمعا عظيما أثبتت فيه أسماء الحاضرين فكان الأزهر على ذلك ظل معطلا منذ افتتاحه أربع سنوات من التدريس حتى جاء صفر سنة 365هـ وافتتحت الدراسة فيه باجتماع عظيم حضره كثيرون، وقيدوا أسماءهم.
واستوزر (المعز) وابنه (العزيز) من بعده الوزير يعقوب بن كلس، وهو يهودي الأصل ثم أسلم، ولعل الخليفة تخيره لما اشتهر عن اليهود من الحذق في الدعاية وإتقانها، وقد نشط الوزير فألف كتابا في الفقه، يتضمن ما سمعه من الخليفة المعز وابنه من بعده. وهذا الكتاب مبوب على أبواب الفقه الفاطمي، وكان يقرؤه على الناس، وكان يجلس بنفسه يوم الجمعة يقرأ على الناس في مجلس خاص به مصنفاته كما يجتمع يوم الثلاثاء بالفقهاء وجماعة المتكلمين وأهل الجدل.
قام المعز بتأسيس الأزهر إذن، واستوزر ابن كلس وعمل على استجلاب أكابر العلماء، وأوعز اليهم تدريس الفقه الفاطمي، ولم تقتصر هذه الدعوة في اتجاهها على هذه الناحية فقط، بل هناك ناحية سرية كان يقوم بها (داعي الدعاة) وأعوانه، من قبل الحكومة، ليبثوا تعاليم الشيعة ومبادئهم ودعوتهم من طريق السر والخفاء أحيانا ومن الجهر والعلانية في غالب الأحيان. وكان لهذا الداعي مجلس يفرده في الأزهر للنساء، وهذه الدعوة كما يقول المقريزي وضعوا فيها الكتب الكثيرة، وصارت علما من العلوم المدونة، ثم اضمحلت وذهبت بذهاب أهلها.
سلك الفاطميون في دعوتهم طريق الجهر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وسلكوا الخفاء والتستر إذا أعوزتهم الحاجة، وكانوا يدرسون الفقه
الفاطمي علانية لأنه الوسيلة المناسبة التي يستطيعون بها الدخول على سائر الشعب المصري، الذي كانت تهيمن عليه السنة ومذاهبها سيما المذهب الشافعي منها، ولأن حاجة الناس الى الفقه ماسة، ينظمون به شؤونهم ويحددون به أحوالهم الشخصية وما يتبعها من حقوق وواجبات، سيما وأن هذا الفقه في قضاياه ليس بعيد الخلاف مع السنة، بعد مزج التعاليم الشيعية وفلسفتها مع مبادىء التوحيد الإسلامي، وكان يقوم بكل هذا العلماء المعينون وأتباعهم وكانوا يمنحون مرتبات شهرية، وجعلوا ذلك بابا من أبواب الدعوة وكان القائم بهذه الدعوة هو داعي الدعاة، وهو من كبار الموظفين، وكان يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيّا بزيه، وكانت وظيفة قاضي القضاة وداعي الدعاة تسندان في كثير من الأحيان إلى رجل واحد، وقد خصص لداعي الدعاة قسم كبير من قصر الخلفاء الفاطميين، وكان يساعده في نشر تعاليم الفاطمية اثنا عشر نقيبا، كما كان له نواب ينوبون عنه في البلاد بلغ عددهم مائة وواحدا وخمسين، وكان فقهاء الدولة البارزون في الشريعة الإسلامية تحت نفوذه وله مكان خاص بالقصر هو (دار العلم)، فكانوا يتصلون به ويتلقون عنه الأوامر ويقدمون إليه في يوم الاثنين ويوم الخميس ما أعدوه للمحاضرة في أصول المذهب الفاطمي وكانت المحاضرات تعرض قبل إلقائها على الخليفة فيقرؤها ويذيلها بإمضائه ثم تبلغ اليهم عن طريق (داعي الدعاة) وهو الذي يعرضها بنفسه على الخليفة. وكان الداعي فوق هذا يعقد المجالس ويقرأ على الناس من مصنفاته، وكان يجلس على كرسي الدعوة في الإيوان الكبير فيحاضر الناس، ويعقد للنساء مجلسا خاصا بالأزهر، وفيه يلقنهن أصول مذهب الإسماعيلية أو الفاطمية.(1/29)
سلك الفاطميون في دعوتهم طريق الجهر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وسلكوا الخفاء والتستر إذا أعوزتهم الحاجة، وكانوا يدرسون الفقه
الفاطمي علانية لأنه الوسيلة المناسبة التي يستطيعون بها الدخول على سائر الشعب المصري، الذي كانت تهيمن عليه السنة ومذاهبها سيما المذهب الشافعي منها، ولأن حاجة الناس الى الفقه ماسة، ينظمون به شؤونهم ويحددون به أحوالهم الشخصية وما يتبعها من حقوق وواجبات، سيما وأن هذا الفقه في قضاياه ليس بعيد الخلاف مع السنة، بعد مزج التعاليم الشيعية وفلسفتها مع مبادىء التوحيد الإسلامي، وكان يقوم بكل هذا العلماء المعينون وأتباعهم وكانوا يمنحون مرتبات شهرية، وجعلوا ذلك بابا من أبواب الدعوة وكان القائم بهذه الدعوة هو داعي الدعاة، وهو من كبار الموظفين، وكان يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيّا بزيه، وكانت وظيفة قاضي القضاة وداعي الدعاة تسندان في كثير من الأحيان إلى رجل واحد، وقد خصص لداعي الدعاة قسم كبير من قصر الخلفاء الفاطميين، وكان يساعده في نشر تعاليم الفاطمية اثنا عشر نقيبا، كما كان له نواب ينوبون عنه في البلاد بلغ عددهم مائة وواحدا وخمسين، وكان فقهاء الدولة البارزون في الشريعة الإسلامية تحت نفوذه وله مكان خاص بالقصر هو (دار العلم)، فكانوا يتصلون به ويتلقون عنه الأوامر ويقدمون إليه في يوم الاثنين ويوم الخميس ما أعدوه للمحاضرة في أصول المذهب الفاطمي وكانت المحاضرات تعرض قبل إلقائها على الخليفة فيقرؤها ويذيلها بإمضائه ثم تبلغ اليهم عن طريق (داعي الدعاة) وهو الذي يعرضها بنفسه على الخليفة. وكان الداعي فوق هذا يعقد المجالس ويقرأ على الناس من مصنفاته، وكان يجلس على كرسي الدعوة في الإيوان الكبير فيحاضر الناس، ويعقد للنساء مجلسا خاصا بالأزهر، وفيه يلقنهن أصول مذهب الإسماعيلية أو الفاطمية.
ولم يكن ذلك كل ما قام به الفاطميون في نشر مذهبهم، فكانت هناك مجالس تعرض على الناس كل على حسب طبقته، فكان لأهل البيت مجلس، وللخاصة مجلس. وشيوخ الدولة مجلس، وللعامة والطارئين مجلس، والوافدين من البلاد الأجنبية مجلس.(1/30)
وكان عندما يفرغ داعي الدعاة من إلقاء محاضرته على المؤمنين والمؤمنات أقبلوا عليه فقبلوا يديه فيمسح على رؤوسهم بالجزء الذي عليه إمضاء الخليفة، وكان من اختصاص (داعي الدعاة) جمع النجوى وتدوين اسم من يدفع إليه أكثر من المال المقرر، والنجوى نوع من الصدقة مقدارها ثلاثة دراهم وثلث درهم، أما السادة الإسماعيلية فكان الواحد منهم يدفع ثلاثة وثلاثين دينارا وثلثي دينار ويمتازون عن عامة الناس فيعطى الواحد منهم رقعة مذيلة بإمضاء الخليفة وفيها هذه العبارة (بارك الله فيك وفي مالك وولدك ودينك) وقد لاقت الدعوة الفاطمية السياسية والدينية نجاحا عظيما في خلافة الحاكم بأمر الله، فقد بذل هذا الخليفة مجهودا كبيرا في نشرها حتى أرغم الناس عليها لقوانينه الجائرة وانضموا إليها مكرهين.
وأهم الكتب التي تبحث في هذه التعاليم كما يقول الأستاذ أحمد توفيق عياد: كتاب «أسرار الباطنية للباقلاني المتوفى سنة 403هـ» و «الملل والنحل» للشهرستاني و «رسائل إخوان الصفا»: ويجب أن يشار إلى وثيقة هامة في هذا الموضوع وهي المخطوط الموجود بدار الكتب بالقاهرة وعنوانها (رسائل الحاكم بأمر الله والقائمين بأمر دعوته). كما أنه يوجد مخطوط آخر في أربعة مجلدات بالمكتبة الأهلية بباريس عنوانه (المشاهد والأسرار التوحيدية لمولانا الحاكم).
ومنها يتبين أن الدعوة قد بنيت على آراء فلسفية مصدرها عقائد الباطنية والمعتزلة والفلسفة وهي أساس الشريعة عن الفاطميين قد حلت في عهد الحاكم في محل القرآن والسنة، ومنها يتضح كيف بلغت هذه الدعوة وعملت في عقول الأهالي حتى تجاسر الحاكم أن يدعي الألوهية وأن الله قد تجسم في شخصه. وهذه الدعوة تلخص لنا تعاليمهم، والأصل فيها أنهم أخذوا مذهب الأفلاطونية الحديثة وطبقوه على مذهبهم الشيعي تطبيقا غريبا، واستخدموا ما نقله إخوان الصفا في رسائلهم من هذا المذهب الأفلاطوني.(1/31)
ودعوتهم مرتبة على منازل، دعوة بعد دعوة، حتى تبلغ هذه الدعوات تسعا يبدأ الداعي أولا باستدراج المدعو بعد أن يكون قد وقف على هذه التعاليم ومبلغ إيمانه بدينه، ويستهويه إلى هالته العقلية، ويشرع يشككه في أفكاره بأسئلة إنكارية: ما معنى العدو بين الصفا والمروة؟ ولم كانت الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة وما بال الله قد خلق الدنيا في ستة أيام؟ أعجز عن خلقها في ساعة واحدة؟ وما معنى الصراط المضروب في القرآن مثلا والكاتبين والحافظين؟ أخاف أن نكابره ونجاحده حتى أدلى العيون وأقام علينا الشهود وقيد ذلك في القرطاس بالكتابة؟
وهكذا يستمر يلقي الأسئلة سراعا وينفث سموم الريب في النفس، ثم يعقب على هذه الأسئلة بأسئلة الغرض منها استهواء المدعو إلى حظيرة الفلسفة والهرطقة التي كانوا يقولون بها: أين أرواحكم؟ وكيف صورها وأين مستقرها، وما أول أمرها؟ والإنسان ما هو؟ وما حقيقته؟ وما الفرق بين حياته وحياة البهائم؟ وما معنى قول الفلاسفة: الانسان عالم صغير والعالم إنسان كبير؟ وأمثالها حتى إذا علم الداعي أن نفس المدعو قد تعلقت بما سأله عنه وطلب منه الجواب عنها، قال له حينئذ: لا تتعجل فإن دين الله أعلا وأجل من أن يبذل لغير أهله، ثم بعد حديث وإغواء يأخذ عليه عهدا ألا يفشي سرا، ولا يظاهر أحدا عليهم، ولا يطلب لهم غيلة، ولا يكتمهم نصحا! ولا يوالي عدوا لهم، فإذا أعطى العهد طلب منه جعلا من المال يجعله مقدمة أمام كشفه له الأمور وتعريفه إياها.
وينتقل إلى الدعوة الثانية ومرماها إثبات ضرورة وجوب الإمام الذي ينصبه الله للناس، وإلى تقرير أن الأئمة السبعة آخرهم محمد بن إسماعيل ابن جعفر، وهو صاحب ذلك الزمان، وعنده علم المستورات وبواطن المعلومات التي لا يمكن أن توجد عند أحد غيره، وعلى جميع الكافة اتباعه والخضوع له والانقياد إليه والتسليم له، لأن الهداية في موافقته واتباعه والضلال والحيرة في العدول عنه ثم ينتقل إلى تعليل اعتقادهم في الأئمة والنقباء الاثني عشر.(1/32)
وهنا يكون الداعي قد تمكن من نفس المدعو فيعمل على تعمير منطقة العقل ويدعوه إلى النظر في كلام أفلاطون وأرسطو وفيثاغورس، وينهاه عن قبول الأخبار والاحتجاج بالسمعيات.
ثم ينتقل إلى اثبات معجزة النبي الصادق والوحي على طريقة تعاليمهم الشيعية. وقد ظلت الدعوة قائمة الى هذه المبادىء، وكان من زعمائها في القرن الخامس الهجري «الحسن بن محمد الصباح».
وهذه التعاليم تظهر بجلاء في رسائل إخوان الصفا، وتوهم أن الروح التي أملتها روح عالية تتسع آفاقها لاستيعاب حيز كبير من حقائق هذا الوجود، وأن العقلية التي أخرجتها عقلية حرة جريئة. والواقع ربما خالف هذا فإن الفاطميين وإن كان يشم من كلامهم الدعوة إلى وحدة الوجود، والنظر إلى هذا العالم بعين الحكمة والاعتبار والتفلسف، إلا أنهم أفسدوا هذه النظرة السامية بحجرهم على العقول في الاعتقاد بأئمتهم، وأفسدوا كل شيء حينما حاولوا أن يستغلوا ما في هذه التعاليم من طرافة وطلاوة لمصلحتهم الخاصة، بمحاولة تطبيقها على ما تبتغي أهواؤهم السياسية، وأنهم حاولوا فرض شيء كثير من الاستبداد على عقول الناس ومشاعرهم لحد يكاد يبلغ الجمود، وآية ذلك ظاهرة في الفقه في هذا العصر، وتوقف التفكير فيه عند حد التقليد وعجزه عن الابتكار والرأي والقياس. وآية ذلك ظاهرة في بعض شعراء هذا العصر الذين أفسدت عليهم شاعريتهم حتى صاروا يؤلهون الحاكم ويعتقدون أن الله قد يتجسم في شخص الأئمة والخلفاء: من ذلك ما قاله ابن هانىء الأندلسي في المعز:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد ... وكأنما أنصارك الأنصار
وهو الذي تجدي شفاعته غدا ... حقا وتخمد إذ تراه النار
إنهم استمدوا تعاليمهم من الأفلاطونية الحديثة وأخذوا ما نقله
إخوان الصفا عنها وعن الفلسفة اليونانية فأفسدوها حينما أرادوا تطبيقها على الناس، يبتغون من وراء ذلك تشكيل عقائدهم بأسلوب يضمن لهم السلطان والإمامة. ومثل هذا الأسلوب في التفكير والاعتقاد أقرب الى أن يكون فارسيا منه إلى أي شيء آخر، وقد كان للشيعة أكبر عضد في فارس، ولعل المذهب تأثر كثيرا بعقلية الفرس الواقعية واعتقادهم في الحلول وتأليه الأكاسرة. ومثل هذا الأسلوب بعدما يكون عن النفسية المصرية فقد صعب تمثيله وهضمه فنبذته ولو أنها أكرهت عليه مدة طويلة.(1/33)
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد ... وكأنما أنصارك الأنصار
وهو الذي تجدي شفاعته غدا ... حقا وتخمد إذ تراه النار
إنهم استمدوا تعاليمهم من الأفلاطونية الحديثة وأخذوا ما نقله
إخوان الصفا عنها وعن الفلسفة اليونانية فأفسدوها حينما أرادوا تطبيقها على الناس، يبتغون من وراء ذلك تشكيل عقائدهم بأسلوب يضمن لهم السلطان والإمامة. ومثل هذا الأسلوب في التفكير والاعتقاد أقرب الى أن يكون فارسيا منه إلى أي شيء آخر، وقد كان للشيعة أكبر عضد في فارس، ولعل المذهب تأثر كثيرا بعقلية الفرس الواقعية واعتقادهم في الحلول وتأليه الأكاسرة. ومثل هذا الأسلوب بعدما يكون عن النفسية المصرية فقد صعب تمثيله وهضمه فنبذته ولو أنها أكرهت عليه مدة طويلة.
«ولا يمكننا أن نقدر مقدار النجاح في شيوع المذهب الإسماعيلي بمصر وقدر الذين انتحلوه من خاصة الأمة، إلا أنا نعلم أن أثره في العامة كان قليلا جدا لما يروى من أخبار نفورهم من مظاهر الاسماعيلية ومن عقائدهم، ويظهر أن بيئة الفقهاء لم تتقبله، ووسموه بميسم الكفر والإلحاد، فنفر الجمهور منه، وزاد نفرته السرية التي كانت تحيط بالدعوة، فزاد ذلك في تأييد اعتقادهم أنه خارج عن الدين توارثوه عن أئمتهم وعن علمائهم».
وهذه العبودية التي فرضها الفاطميون على العلماء بنشر تعاليمهم وحدها وتأييد مذهبهم الفاطمي في الفقه ومحاجتهم الناس، أثرت أثرا بليغا في تطور التشريع الإسلامي، فقد سار التشريع في هذا العهد في دور التقليد وعدم الاجتهاد. فإن الجو، لا يساعد العلماء على الابتكار والتجديد.
ولكن نلاحظ من ناحية أخرى أن نشاطهم في بث الدعوة أدى إلى خلق هذا النوع الجديد من العلوم الذي أطلق عليها «أدب البحث» وألفت في قواعدها الكتب، وكثرت مجالس النظر وشاعت المناظرات والمجادلات شيوعا.
وبقي مذهب الشيعة منتشرا في مصر قضاء وفي الأزهر دراسة، إلى أن انقرضت دولة الفاطميين.(1/34)
وعادت لمصر حينئذ السنة المحمدية، وأول مذهب سني درس بالأزهر المذهب الشافعي وانقرض من ذلك الحين المذهب الشيعي، ولم يبق له أثر بالأزهر سوى الجراية، تعطى لمن هو متمذهب بهذا المذهب، وهذا الجراية كانت تصرف لأصحابها لوقت قريب. هذا وتعاليم الشيعة الآن معمول بها في فارس وبمصر متحف خاص (بالبهائية) التي تعمل على حد هذه التعاليم، ويقرر الأستاذ (بيرم) في رسالة وضعها عن الأزهر وقدمها لمؤتمر المستشرقين المنعقد بمدينة (هامبورج) في أوائل سبتمبر سنة 1902أن العلوم الرياضية كانت تدرس بالأزهر، كالعلوم الفلكية والطبيعية والجغرافية، ولكنه استند في تقريره هذا إلى أنه استنتج ذلك من عناية الفاطميين بهذه العلوم وعنايتهم بالكتب وجمعها واستبعد ألا تكون هذه العلوم قد درست بالأزهر، والأزهر كان متأثرا في حياته بكثير من العوامل السياسية التي ظهرت وقتذاك. وإن ما كان يدرس فيه في عهد الفاطميين هو التعاليم الشيعية الإسماعيلية والدعوة إليها، والمذهب الفاطمي في الفقه وكان لهذه التعاليم أثر واضح في الحياة الخلقية في ذلك العصر، وقد عدد آفاتها الغزالي وآفات عقلية أوقفت التشريع الإسلامي عند حد التقليد وعدم الاجتهاد، وأصبح التشريع الإسلامي في هذا العصر هو المرحلة الأخيرة لتطوره. ولم يكن للعقول في ذلك الوقت سبيل الى الاجتهاد والقياس، واحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفرقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على هذا النوع من التنظير والتفرقة.
ومن هذا كله نعلن أن الأزهر اتخذ أول ما أنشىء مسجدا لعبادة الله والدعاية للفاطميين ودولتهم، ثم عقدت في جنباته حلقات الدروس العامة، فكان الأساتذة من فقهاء الشيعة يجلسون لإلقاء دروسهم على كل من يحضرها في الفقه واللغة والأدب والمنطق والطبيعيات والرياضيات.
وأول كتاب قرىء في الأزهر على ما ذكرناه هو «الإقتصار» في فقه آل البيت لأبي حنيفة النعمان بن أبي عبد الله بن محمد القيرواني قاضي
المعز لدين الله، وكان مالكي المذهب ثم انتحل المذهب الإسماعيلي فأخلص له، وكان من دعائم الدعوة الفاطمية. وكتابه «الدعائم» من أصول المذهب الإسماعيلي، ونهج على منهاجه الوزير يعقوب بن كلس في كتابه «مصنف الوزير» وله كتاب اسمه «مختصر الآثار فيما روي عن الائمة الأطهار» (1)، ومن كتبه أيضا: «الينبوع» «والمجالس والمسايرات». وتوفي النعمان هذا في شهر جمادى الآخرة عام 363هـ، وصلى عليه المعز لدين الله.(1/35)
وأول كتاب قرىء في الأزهر على ما ذكرناه هو «الإقتصار» في فقه آل البيت لأبي حنيفة النعمان بن أبي عبد الله بن محمد القيرواني قاضي
المعز لدين الله، وكان مالكي المذهب ثم انتحل المذهب الإسماعيلي فأخلص له، وكان من دعائم الدعوة الفاطمية. وكتابه «الدعائم» من أصول المذهب الإسماعيلي، ونهج على منهاجه الوزير يعقوب بن كلس في كتابه «مصنف الوزير» وله كتاب اسمه «مختصر الآثار فيما روي عن الائمة الأطهار» (1)، ومن كتبه أيضا: «الينبوع» «والمجالس والمسايرات». وتوفي النعمان هذا في شهر جمادى الآخرة عام 363هـ، وصلى عليه المعز لدين الله.
وكان يتولى درسة كتاب «الاقتصار» في الأزهر ابن النعمان واسمه أبو الحسن علي بن النعمان (2) وكتبه الأخرى كان بعضها يقرأ في
__________
(1) منه نسخة خطية في الفاتيكان رقم 11045
(2) كان علي شيعيا غاليا، وشاعرا مجودا (84ج 3شذرات الذهب) وتوفي أبو الحسن هذا عام 374هـ فولي القضاء بعده أخوه أبو عبد الله محمد وتوفي عام 389هـ (55ج 4 ابن خلدون).
ولأبي الحسن علي بن النعمان شعر في اليتيمة (384و 385ج 1) وكذلك لأخيه القاضي أبي عبد الله محمد بن النعمان شعر (385و 386ج 1اليتيمة).
وكان أبو الحسن علي بن النعمان أول من لقب بقاضي القضاة في يمصر (91ج 2حسن المحاضرة).
وكان علي بن النعمان محل عطف وثقة العزيز بالله ثاني خلفاء دولة هذا المذهب بمصر إلى أن قلد القضاء بالديار المصرية، والشام، والحرمين، والمغرب، وجميع مملكته، والخطابة والإمامة، ودار الضرب. وقرىء مرسوم توليته هذه الأشياء بالجامع الأزهر وبجامع عمرو، وكان أمرهما إليه. وكان من عادة الدولة وقتئذ أن من يقلد هذه الوظيفة يخلع عليه الخلع المذهبة، ويقلد السيف، ويتم له ذلك بلا طبل ولا بوق، إلا إذا ولي أمر الدعوة مع الحكم، فلقد كان للدعوة في خلعها الطبل، واليوق والبنود، ولا تزال الطبول والبنود موجودة بمصر حتى الساعة عند أرباب الطرق الصوفية، وهي بقية أو أثر من آثار هذه الدولة بمصر.
وكانت رتبة قاضي القضاة وقتئذ أجل رتب أرباب العمائم بمصر. ويكون في بعض الأوقات داعيا فيقال له حينئذ: قاضي القضاة وداعي الدعاة. وكانت العادة ألا يحضر لاملاك ولا جنازة إلا بإذن. وكان داعي الدعاة يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيا بزيه في اللباس وغيره.(1/36)
الأزهر، والبعض الآخر يقرأ في حلقات خاصة للذين يريدون التخصص في فقه الشيعة والدعوة الفاطمية.
وظل الجامع الأزهر مثابة لحلقات الدروس يلقيها بنو النعمان حتى سنة 369هـ، إذ بدأت حلقات الأزهر تتحول إلى دراسة جامعية منظمة مستقرة، فقد بدأ يعقوب بن كلس (1) وزير المعز لدين الله يقرأ بانتظام فيه كتابه المعروف بالرسالة الوزيرية في الفقه الشيعي، وكان يجلس بنفسه لقراءته في الناس خاصتهم وعامتهم، ويهرع لسماعه سائر الفقهاء والقضاة والأدباء وأكابر القصر ورجالات الدولة والدعوة، وكانت تمتاز حلقات ابن كلس بتحررها من القيود الرسمية، واتجاهها نحو الأهداف العلمية، وبذلك كانت أول مجالس جامعية عقدت بالجامع الأزهر.
وفي عام 988378استأذن ابن كلس الخليفة العزيز بالله في أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للقراءة والدرس يحضرون مجلسه ويلازمونه ويعقدون مجالسهم بالأزهر في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، وكان عددهم سبعة وثلاثين فقيها، وكان رئيسهم ومنظم حلقاتهم هو الفقيه أبو يعقوب قاضي الخندق، وقد رتب لهم العزيز أرزاقا وجرايات شهرية
__________
(1) كان يعقوب يهوديا، ولد في بغداد، وجاء إلى مصر سنة 334هـ، واتصل بكافور، وأسلم في شعبان 356هـ، ثم سار إلى بلاد المغرب واتصل بالمعز وكان رائدا لجيشه في فتح مصر، وحضر مع المعز إلى مصر عام 362هـ، ولما توفي رثاه مائة شاعر (397391 ج 3ابن خلكان).
ويروى أنه تسابق العزيز بالله الفاطمي مع وزيره يعقوب بن كلس بالحمام، فسبق حمام الوزير، فعز ذلك على العزيز، ووجد أعداء يعقوب إلى الطعن فيه سبيلا فقالوا للعزيز: إنه قد اختار من كل صنف أجوده وأعلاه، ولم يبق منه إلا أدناه حتى الحمام، وراموا بذلك أن يغروه به حسدا منهم لعله يتغير عليه، فاتصل ذلك بالوزير فكتب الى العزيز:
قل لأمير المؤمنين الذي ... له العلا والمثل الثاقب
طائرك السابق لكنه ... جاء وفي خدمته حاجب
فأعجبه ذلك منه، وسكن غضبه.(1/37)
وأنشأ لهم دارا للسكنى بجوار الأزهر، وخلع عليهم في يوم الفطر، وأجرى عليهم ابن كلس أيضا رزقا من ماله الخاص (1).
وفي عام 380هـ رتب المتصدون لقراءة العلم بالأزهر، وبذلك صار الأزهر معهدا جامعيا للعلم والتعليم والدراسة، وكان هؤلاء الأساتذة الذي رتبهم ابن كلس للقراءة والدرس بالأزهر وأقرهم العزيز بالله أول الأساتذة المدرسين الذين عينوا بالجامع الأزهر الشريف، ومن هذا التاريخ يبدأ الأزهر حياته الجامعية العلمية الصحيحة وفي الحق أن هذا يدل على أن ابن كلس كان وزيرا عظيما وعالما جليلا وأديبا كبيرا.
وكان يعقد بداره مجالس علمية وأدبية دورية ينتظم في سلكها أكابر الفقهاء والأدباء والشعراء (2)، وكان يشرف بنفسه على هذه المجالس، ويشترك في أعمالها، ويغدق العطاء على روادها. وقد أخذ ابن كلس بقسط حسن في التأليف والكتابة فوضع كتابا في القراءات، وكتابا في الفقه، وكتابا في آداب رسول الله، وكتابا في علم الأبدان والصحة، ومختصرا في فقه الشيعة مما سمعه من المعز لدين الله. وهو المعروف بالرسالة الوزيرية. وكان يقرأ كتبه على الناس تارة بالجامع الأزهر وتارة بداره، ويجتمع لديه الكتاب والنحاة والشعراء فيناظرهم ويصلهم، وكانت موائدة دائما منصوبة معدة للوافدين، وكان كثير الصلات والإحسان، وبالجملة فقد كان هذا الوزير والعالم الأديب مفخرة في جبين عصره، وقد أشاد شعراء العصر بجلاله وجوده، ومن ذلك ما قاله أحدهم حين أصابت الوزير علة في يده:
يد الوزير هي الدنيا فإن ألمت ... رأيت في كل شيء ذلك الألما
تأمل الملك وانظر فرط علته ... من أجله واسأل القرطاس والقلما
ومرض ابن كلس في شوال سنة 380هـ، فجزع عليه العزيز أيما
__________
(1) صبح الأعشي عن المسبحي 367ج 3، وخطط المقريزي ص 49ج 4.
(2) 47تاريخ الأزهر لعنان.(1/38)
جزع، ولبث يعوده ويرعاه، حتى توفي في الخامس من ذي الحجة، فحزن عليه حزنا شديدا، وأمر بتجهيزه تجهيز الأمراء والملوك، وخرج من القصر إلى داره في موكب صامت محزن، وشهد تجهيزه وصلى عليه بنفسه، ووقف حتى تم دفنه وهو يبكي بدمع غزير واحتجب في داره ثلاثا لا يأكل على مائدته، والحزن يشمل الخاصة والقصر كله، وأفاض الشعراء في رثاء الوزير الراحل ومديحه، فوصلهم العزيز جميعا، وعلى الجملة فقد سما ابن كلس في ظل الدولة الفاطمية إلى أرفع مكانة
ومهما كان فإن تلك الخطوة الأولى في ترتيب الأساتذة والدروس بالأزهر بطريقة منظمة مستقرة، كان لها أثر كبير في تطور الغاية التي علقتها الخلافة الفاطمية بادىء ذي بدء على إنشاء الجامع الأزهر، فقد كانت هذه الغاية كما رأينا أن يكون المسجد الجامع الجديد رمز الخلافة الجديدة ومنبرا لدعوتها (1).
ابتدأ الأزهر حياته العلمية المنظمة بخمسة وثلاثين طالبا. ولم يشجع هؤلاء بما رأينا فحسب، بل كان هناك لون آخر من ألوان التشجيع، فيحدثنا المقريزي أن العزيز بالله «خلع عليهم في يوم عيد فطر وحملهم على بغلات». ولم يكن الأزهر في ذلك العهد مقصورا على الرجال فحسب، بل كان للمرأة فيه نصيب فكن يفردن فيه بمجلس خاص (2).
وهكذا آلت تلك الحركة العلمية الميمونة إلى الأزهر، وازدهرت فيه وترعرعت حتى تخرج فيه أئمة فضلاء، وشيوخ أجلاء، خدموا الإسلام والمسلمين بالتأليف تارة، وبالتدريس أخرى، حتى أصبح مفخرة العالم الإسلامي عامة، ومصر خاصة.
__________
(1) راجع في هذا البحث وما يتعلق به: خطط المقريزي (الطبعة الأهلية) ج 4ص 49، 156، 157، ج 3ص 107، وابن خلكان ج 2ص 441.
(2) خطط المقريزي ج 2ص 226(1/39)
ولقد عالجت هذه الجامعة الكبرى علوم الدين، فيسرت سبلها، وأكثرت كتبها واهتمت بشؤون اللغة العربية، فهذبت طرقها، وأصلحت شأنها، وبقيت على مدى الأجيال والقرون قائمة بعملها، مضطلعة بمهمتها، حتى نبه ذكرها وذاع صيتها، وأمّها الطلاب من كل فج، ليغترفوا من منهلها، ويستضيئوا بنورها، وانحدر اليها العلماء من كل صوب، ليسهموا في النفع بها، ونشر آثارها، فازدهرت فيها أنواع العلوم والفنون، وأمدت العالم الإسلامي بما هو في حاجة إليه.
ولقد كان الأزهر الشريف منذ نشأته موضع عناية الخلفاء الفاطميين:
يتعهدونه بالعناية والرعاية، ويغدقون على من به من العلماء والطلبة العطايا والهبات، ويذهبون إليه بأنفسهم للصلاة والوقوف على حاله، مما كان له الأثر البالغ في حفز همم الشيوخ والطلبة إلى التفرغ للعلم.(1/40)
الفصل الرابع 61762 الأزهر في ظلاك الفاطميين
تمهيد:
مما تقدم نعلم أن الأزهر بدىء في بنائه في 24جمادى الأولى عام 359هـ إبريل 970م، وافتتح للصلاة في يوم الجمعة 7رمضان 361 هـ: 972م، وبدأ نظام الحلقات العلمية فيه من عام 365هـ: 976م، وصار جامعة إسلامية كبيرة من عام 378هـ: 988م.
وإن الفضل في ذلك يرجع الى المعز وقائده جوهر، ثم إلى أسرة القاضي النعمان الشيعي، ثم إلى الوزير يعقوب بن كلس.
وكان المسجد منذ نشأته يسمى جامع القاهرة باسم العاصمة الجديدة، وقد تكون تسميته بالجامع الأزهر قد تأخرت قليلا عن التسمية الأولى، ويرجح عنان (1) أن اسم «الجامع الأزهر» أطلق عليه بعد إنشاء القصور الفاطمية في عصر العزيز بالله، فقد كان يطلق عليها اسم القصور الزاهرة، ومنها أطلق على جامع القاهرة وهو مسجد الدولة الرسمي اسم الجامع الأزهر، واستمر مسجد القاهرة الجامع يعرف باسم جامع القاهرة (2) أو الجامع الأزهر حتى عصر المقريزي في أوائل القرن التاسع، ثم تقلص الاسم
__________
(1) 20تاريخ الجامع الأزهر لعنان
(2) ورد في اخبار العزيز بالله انه أقام طعاما في جامع القاهرة وهو الأزهر الشريف لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان.(1/41)
القديم جامع القاهرة شيئا فشيئا وغلب عليه اسم الجامع الأزهر، أو جامع الأزهر حتى عصرنا.
ولا بد أن يكون الأزهر قد أسهم في الحركة العقلية والعلمية في عصر المعز والعزيز بالله، وأن يكون أعلام الدين واللغة والأدب قد اتخذوا منه حلقة علمية منظمة.
فلقد جاء قوم من علماء المغاربة في ركب المعز، ومن أشهرهم النعمان بن محمد الذي تولى القضاء في مصر هو وأولاده وأسرته عهدا طويلا في ظلال الحكم الفاطمي، وكانت هذه الأسرة تقوم بالقضاء وبالدعوة والتأليف في المذهب الشيعي، وتتخذ من الأزهر مكانا مختارا لنشاطها العلمي، وكذلك ابن كلس الذي أشرف على تنظيم الأزهر تنظيما جامعيا علميا عاليا.
ومن أشهر العلماء الذين شهدوا عصر المعز والعزيز: ابن زولاق المصري المؤرخ (1) (387306هـ)، وعبد الغنى المصري (332 409هـ) وكان حافظ مصر في عصره (2)، والحسن بن الهيثم المصري الفيلسوف (3) واشتهر بعد عصر العزيز وتوفي عام 430هـ وابن يونس المصري المنجم المتوفى عام 399هـ (4) والجوفى النحوى المتوفى عام 430هـ (5) ولا شك أن هؤلاء العلماء وغيرهم قد كانت لهم حلقات في الأزهر.
ومن الأدباء والشعراء في هذا العهد أبو الرقعمق المتوفى عام
__________
(1) 238ج 1ابن خلكان، 230225ج 7معجم الأدباء وله كتاب في سيرة المعز وآخر في سيرة العزيز.
(2) 547ج 1ابن خلكان
(3) 114و 115إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي.
(4) 85و 86ج 2ابن خلكان.
(5) 6ج 2المرجع نفسه.(1/42)
399 - هـ الشاعر (1) وابن وكيع الشاعر المتوفى عام 393هـ (2)، والتهامي الشاعر المتوفى عام 416هـ (3) والمسبحي المصري الكاتب (366 420هـ) (4)، وأبو القاسم (5) عبد الغفار شاعر دولة العزيز والحاكم وقتله الحاكم عام 395هـ ولا شك أن هؤلاء الأدباء والشعراء كانوا يحفلون بإلقاء ثمرات قرائحهم على تلاميذهم في حلقات الأزهر العلمية الحافلة (6).
61763 - الأزهر في عصر الحاكم:
وفي عصر الحاكم (7) استمر الأزهر يؤدي مهمته العلمية، وإن كان الأزهر فوجىء بإقامة الخليفة جامعة جديدة سماها «دار الحكمة» أو دار العلم الشهيرة في سنة 395هـ 1005م.
ولكن الأزهر كان يومئذ بفعل الظروف والتطورات التي أشرنا إليها قد بدأ حياته الجامعية، ومع أن دار الحكمة لبثت مدى حين تنافس الأزهر وتستأثر دونه بالدراسة المتصلة المنظمة، فإنها لم تلبث لصرامة نظمها وإغراق برامجها في الشؤون المذهبية، أن اضطربت أحوالها وضعف نفوذها العلمي، هذا بينما كان الأزهر يسير في سبيل حياته الجامعية الوليدة بخطى بطيئة ولكن محققة، ويسير في نفس الوقت إلى التحرر من أغلال تلك الصبغة المذهبية العميقة التي كادت في البداية أن تقضي على صبغته الجامعية الصحيحة.
وقد وقف الحاكم وقفية على الأزهر ودار الحكمة وغيرها من
__________
(1) 70و 71ج 1المرجع نفسه، 334310ج 1اليتيمة
(2) 243، 244، ج 1المرجع نفسه 384356ج 1اليتمية.
(3) 5553ج 2المرجع نفسه
(4) 343342ج 2المرجع نفسه.
(5) 396ج 3المرجع نفسه.
(6) ويروى أن النساء كن يحضرن في الجامع الأزهر (226ج 2الخطط للمقريزي).
(7) ولد بالقاهرة عام 375هـ وتولى الخلافة عام 386هـ وقتل عام 411هـ.(1/43)
المساجد، وجامع الحاكم، وجامع المقس، وجامع راشدة، لإقامة الشعائر الدينية فيها، وصيانة مبانيها وهذا هو نص الاشهاد الشرعي على هذه الوقفية:
«هذا كتاب أشهد قاضي القضاة مالك بن سعيد بن مالك الفارقي على جميع ما نسب اليه مما ذكر، ووصف فيه، من حضر من الشهود في مجلس حكمه وقضائه بفسطاط مصر في شهر رمضان سنة اربعمائة، أشهدهم وهو يومئذ قاضي عبد الله ووليه المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين ابن الامام العزيز بالله صلوات الله عليهما، على القاهرة المعزية ومصر والاسكندرية والحرمين حرسهما الله، وأجناد الشام والرقة والرحبة ونواحي المغرب وسائر أعمالهن، وما فتحه الله ويفتحه لأمير المؤمنين من بلاد الشرق والغرب، بمحضر رجل متكلم أنه صحت عنده معرفة المواضع الكاملة والحصص الشائعة التي يذكر جميع ذلك ويحدد هذا الكتاب، وأنها كانت من أملاك الحاكم إلى أن حبسها على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة، والجامع براشدة والجامع بالمقس، اللذين أمر بإنشائهما وتأسيس بنائهما، وعلى دار الحكمة بالقاهرة المحروسة التي وقفها، والكتب التي فيها قبل تاريخ هذا الكتاب، منها ما يخص الجامع الأزهر والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة مشاعا جميع ذلك غير مقسوم: ومنها ما يخص الجامع بالمقس على شرائط يجري ذكرها. فمن ذلك ما تصدق به على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة، والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة، جميع الدار المعروفة بدار الضرب وجميع القيسارية المعروفة بقيسارية الصوف وجميع الدار المعروفة بدار الخرق الجديدة الذي كله بفسطاط مصر. ومن ذلك ما تصدق به على جامع المقس جميع أربعة الحوانيت والمنازل التي علوها والمخزنين الذي ذلك كله بفسطاط مصر بالراية، في جانب العرب من الدار المعروفة كانت بدار الخرق، وهاتان الداران المعروفتان بدار الخرق في الموضع المعروف بحمام الفار. ومن ذلك جميع الحصص
الشائعة من أربعة الحوانيت المتلاصقة التي بفسطاط مصر بالراية أيضا بالموضع المعروف بحمام الفار، وتعرف هذه الحوانيت بحصص القيسي بحدود ذلك كله وأرضه، وبنائه وسفله وعلوه وغرفه ومرتفقاته وحوانيته وساحاته وطرقه وممراته، ومجاري مياهه، وكل حق هو له داخل فيه وخارج عنه، وجعل ذلك كله صدقة موقوفة محرمة محبسة بتة، لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا تمليكها، باقية على شروطها، جارية على سبلها المعروفة في هذا الكتاب، لا يوهنها تقادم السنين ولا تغير بحدوث حدث، ولا يستثنى فيها ولا يتأول، ولا يستفتى بتجدد تحبيسها مدى الأوقات، وتستمر شروطها على اختلاف الحالات حتى يرث الله الأرض والسماوات، على أن يؤجر ذلك في كل عصر من ينتهي اليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة الله واجتلاب ما يوفر منفعتها من إشهارها عند ذوي الرغبة في إجارة أمثالها فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته، من غير إجحاف بما حبس ذلك عليه، وما فضل كان مقسوما على ستين سهما.(1/44)
«هذا كتاب أشهد قاضي القضاة مالك بن سعيد بن مالك الفارقي على جميع ما نسب اليه مما ذكر، ووصف فيه، من حضر من الشهود في مجلس حكمه وقضائه بفسطاط مصر في شهر رمضان سنة اربعمائة، أشهدهم وهو يومئذ قاضي عبد الله ووليه المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين ابن الامام العزيز بالله صلوات الله عليهما، على القاهرة المعزية ومصر والاسكندرية والحرمين حرسهما الله، وأجناد الشام والرقة والرحبة ونواحي المغرب وسائر أعمالهن، وما فتحه الله ويفتحه لأمير المؤمنين من بلاد الشرق والغرب، بمحضر رجل متكلم أنه صحت عنده معرفة المواضع الكاملة والحصص الشائعة التي يذكر جميع ذلك ويحدد هذا الكتاب، وأنها كانت من أملاك الحاكم إلى أن حبسها على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة، والجامع براشدة والجامع بالمقس، اللذين أمر بإنشائهما وتأسيس بنائهما، وعلى دار الحكمة بالقاهرة المحروسة التي وقفها، والكتب التي فيها قبل تاريخ هذا الكتاب، منها ما يخص الجامع الأزهر والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة مشاعا جميع ذلك غير مقسوم: ومنها ما يخص الجامع بالمقس على شرائط يجري ذكرها. فمن ذلك ما تصدق به على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة، والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة، جميع الدار المعروفة بدار الضرب وجميع القيسارية المعروفة بقيسارية الصوف وجميع الدار المعروفة بدار الخرق الجديدة الذي كله بفسطاط مصر. ومن ذلك ما تصدق به على جامع المقس جميع أربعة الحوانيت والمنازل التي علوها والمخزنين الذي ذلك كله بفسطاط مصر بالراية، في جانب العرب من الدار المعروفة كانت بدار الخرق، وهاتان الداران المعروفتان بدار الخرق في الموضع المعروف بحمام الفار. ومن ذلك جميع الحصص
الشائعة من أربعة الحوانيت المتلاصقة التي بفسطاط مصر بالراية أيضا بالموضع المعروف بحمام الفار، وتعرف هذه الحوانيت بحصص القيسي بحدود ذلك كله وأرضه، وبنائه وسفله وعلوه وغرفه ومرتفقاته وحوانيته وساحاته وطرقه وممراته، ومجاري مياهه، وكل حق هو له داخل فيه وخارج عنه، وجعل ذلك كله صدقة موقوفة محرمة محبسة بتة، لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا تمليكها، باقية على شروطها، جارية على سبلها المعروفة في هذا الكتاب، لا يوهنها تقادم السنين ولا تغير بحدوث حدث، ولا يستثنى فيها ولا يتأول، ولا يستفتى بتجدد تحبيسها مدى الأوقات، وتستمر شروطها على اختلاف الحالات حتى يرث الله الأرض والسماوات، على أن يؤجر ذلك في كل عصر من ينتهي اليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة الله واجتلاب ما يوفر منفعتها من إشهارها عند ذوي الرغبة في إجارة أمثالها فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته، من غير إجحاف بما حبس ذلك عليه، وما فضل كان مقسوما على ستين سهما.
من ذلك الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة المذكور في هذا الاشهاد الخمس والثمن ونصف السدس ونصف التسع، يصرف ذلك فيما فيه عمارته ومصلحته، وهو من العين المعزى الوازن ألف دينار واحدة وسبعة وستون دينارا ونصف دينار وثمن دينار، ومن ذلك للخطيب بهذا الجامع أربعة وثمانون دينارا، ومن ذلك لثمن ألف ذراع حصر عبدانية تكون عدة له بحيث لا ينقطع من حصره عند الحاجة إلى ذلك، ومن ذلك لثمن ثلاثة عشر ألف ذراع حصر مظفورة لكسوة هذا الجامع في كل سنة عند الحاجة إليها مائة دينار واحدة وثمانية دنانير، ومن ذلك لثمن ثلاثة قناطير زجاج وفراخها اثنا عشر دينارا ونصف وربع دينار، ومن ذلك لثمن عود هندي للبخور في شهر رمضان وأيام الجمع مع ثمن الكافور والمسك وأجرة الصانع خمسة عشر دينارا، ومن ذلك لنصف قنطار شمع بالفلفلي سبعة دنانير، ومن ذلك لكنس هذا الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط وأجرة
الخياطة خمسة دنانير ومن ذلك لثمن مشاقة لسرج القناديل عن خمسة وعشرين رطلا بالرطل الفلفلي دينار واحد، ومن ذلك لثمن فحم للبخور عن قنطار واحد بالفلفلي نصف دينار، ومن ذلك لثمن إردبين ملحا للقناديل ربع دينار ومن ذلك ما قدر لمؤنة الناس والسلاسل والتنانير والقباب التي فوق سطح الجامع أربعة وعشرون دينارا، ومن ذلك لثمن سلب ليف وأربعة أحبل وست دلاء أدم نصف دينار، ومن ذلك لثمن قنطارين خرقا لمسح القناديل نصف دينار، ومن ذلك لثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل، ولثمن مائتي مكنسة لكنس هذا الجامع دينار واحد وربع دينار، ومن ذلك لثمن أزيار فخار تنصب على المصنع ويصب فيها الماء مع أجرة حملها ثلاثة دنانير، ومن ذلك لثمن زيت وقود هذا الجامع راتب السنة ألف رطل ومائتا رطل مع أجرة الحمل سبعة وثلاثون دينارا ونصف، ومن ذلك لأرزاق المصلين يعنى الأئمة وهم ثلاثة وأربعة قومة، وخمسة عشر مؤذنا خمسمائة دينار وستة وخمسون دينارا ونصف، منها للمصلين، ولكل رجل منهم ديناران وثلثا دينار في كل شهر من شهور السنة، والمؤذنون والقومة ولكل رجل منهم ديناران في كل شهر، ومن ذلك للمشرف على هذا الجامع في كل سنة أربعة وعشرون دينارا. ومن ذلك لكنس المصنع بهذا الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ دينار واحد، ومن ذلك لمرمة ما يحتاج إليه في هذا الجامع في سطحه وأترابه وحياطته وغير ذلك مما قدر لكل سنة ستون دينارا، ومن ذلك لثمن مائة وثمانين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دانانير ونصف وثلث دينار، ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير، ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في السنة سبعة دنانير، ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقا والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر دينارا ونصف، ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اثنا عشر دينارا».(1/45)
من ذلك الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة المذكور في هذا الاشهاد الخمس والثمن ونصف السدس ونصف التسع، يصرف ذلك فيما فيه عمارته ومصلحته، وهو من العين المعزى الوازن ألف دينار واحدة وسبعة وستون دينارا ونصف دينار وثمن دينار، ومن ذلك للخطيب بهذا الجامع أربعة وثمانون دينارا، ومن ذلك لثمن ألف ذراع حصر عبدانية تكون عدة له بحيث لا ينقطع من حصره عند الحاجة إلى ذلك، ومن ذلك لثمن ثلاثة عشر ألف ذراع حصر مظفورة لكسوة هذا الجامع في كل سنة عند الحاجة إليها مائة دينار واحدة وثمانية دنانير، ومن ذلك لثمن ثلاثة قناطير زجاج وفراخها اثنا عشر دينارا ونصف وربع دينار، ومن ذلك لثمن عود هندي للبخور في شهر رمضان وأيام الجمع مع ثمن الكافور والمسك وأجرة الصانع خمسة عشر دينارا، ومن ذلك لنصف قنطار شمع بالفلفلي سبعة دنانير، ومن ذلك لكنس هذا الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط وأجرة
الخياطة خمسة دنانير ومن ذلك لثمن مشاقة لسرج القناديل عن خمسة وعشرين رطلا بالرطل الفلفلي دينار واحد، ومن ذلك لثمن فحم للبخور عن قنطار واحد بالفلفلي نصف دينار، ومن ذلك لثمن إردبين ملحا للقناديل ربع دينار ومن ذلك ما قدر لمؤنة الناس والسلاسل والتنانير والقباب التي فوق سطح الجامع أربعة وعشرون دينارا، ومن ذلك لثمن سلب ليف وأربعة أحبل وست دلاء أدم نصف دينار، ومن ذلك لثمن قنطارين خرقا لمسح القناديل نصف دينار، ومن ذلك لثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل، ولثمن مائتي مكنسة لكنس هذا الجامع دينار واحد وربع دينار، ومن ذلك لثمن أزيار فخار تنصب على المصنع ويصب فيها الماء مع أجرة حملها ثلاثة دنانير، ومن ذلك لثمن زيت وقود هذا الجامع راتب السنة ألف رطل ومائتا رطل مع أجرة الحمل سبعة وثلاثون دينارا ونصف، ومن ذلك لأرزاق المصلين يعنى الأئمة وهم ثلاثة وأربعة قومة، وخمسة عشر مؤذنا خمسمائة دينار وستة وخمسون دينارا ونصف، منها للمصلين، ولكل رجل منهم ديناران وثلثا دينار في كل شهر من شهور السنة، والمؤذنون والقومة ولكل رجل منهم ديناران في كل شهر، ومن ذلك للمشرف على هذا الجامع في كل سنة أربعة وعشرون دينارا. ومن ذلك لكنس المصنع بهذا الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ دينار واحد، ومن ذلك لمرمة ما يحتاج إليه في هذا الجامع في سطحه وأترابه وحياطته وغير ذلك مما قدر لكل سنة ستون دينارا، ومن ذلك لثمن مائة وثمانين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دانانير ونصف وثلث دينار، ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير، ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في السنة سبعة دنانير، ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقا والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر دينارا ونصف، ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اثنا عشر دينارا».(1/46)
وإلى هنا انقضى حديث الجامع الأزهر، وأخذ في ذكر الجامع براشدة، ودار العلم، وجامع المقس، ثم ذكر أن تنانير الفضة ثلاثة تنانير وتسعة وثلاثون قنديلا من الفضة، فللجامع الأزهر تنوران وسبعة وعشرون قنديلا، ومنها لجامع راشدة تنور واثنا عشر قنديلا، وشرط أن تعلق في شهر رمضان، وتعاد إلى مكان جرت العادة أن تحفظ فيه وشرط بعد ذلك في الوقف شروطا كثيرة ليس هنا مقام ذكرها وقد أسس الحاكم جامعه المشهور عام 393هـ، وخطب فيه وصلى فيه بالناس الجمعة وكانت دار الحكمة التي أنشأها يدرس فيها علوم القرآن واللغة والفلك والطب والرياضة والتنجيم وغيرها. واجتذبت الجامعة الجديدة إليها كثيرا من أعلام المشرق كالرحالة الفارسي ناصرى خسرو، ولبثت دار الحكمة تنافس الأزهر مدى قرن من الزمان، حتى أغلقت.(1/47)
الشيرازي داعي الدعاة الذي ناظر فيها المعري في عهد المستنصر الخليفة الفاطمي، وكان الشيرازي شاعرا كتب إلى المستنصر لما حسده الحساد باحتجاب الخليفة عنه بعد قدوم الشيرازي إلى مصر: كتب المؤيد الشيرازي:
أقسم لو أنك توجتني ... بتاج كسرى ملك المشرق
وأنلتني كل أمور الورى ... من قد مضى منهم ومن قد بقي
وقلت ان لا نلتقي ساعة ... أجبت يا مولاي أن نلتقي
لأن إبعادك لي ساعة ... شيب فودىّ مع المفرق
فأجاب المستنصر بالله بخطه:
يا حجة مشهورة في الورى ... وطود علم أعجز المرتقى
ما غلفت دونك أبوابنا ... إلا لأمر مؤلم مقلق
ولا حجبناك ملالا فثق ... بودنا وارجع الى الأليق
خفنا على قلبك من سمعه ... فصدنا صد أب مشفق
شيعتنا قد عدموا رشدهم ... في الغرب يا صاح وفي المشرق
فانشر لهم ما شئت من علمنا ... وكن لهم كالوالد المشفق
إن كنت في دعوتنا آخرا ... فقد تجاوزت مدى السبق
مثلك لا يوجد فيمن مضى ... من سائر الناس ولا من بقى
وللشيرازي محاضراته التي ألقاها في الأزهر مناظرا أبا العلاء المعري.
وله مؤلفات أخرى عدا سيرته وديوانه ومحاضراته، منها: كتاب الابتداء والانتهاء، وكتاب المسألة والجواب، وكتاب نهج العبادة، وشرح المعاد، والمسائل السبعون، ونهج الهداية للمهتدين، وأساس التأويل بالفارسية، والسبح السبع، والإيضاح والتبصير في فضل يوم القدير، وتأويل الأرواح، والمجالس المستنصرية. وقد لاحظنا أن هذه المحاضرات القصيرة، إنما كانت ملخصا لدروس طويلة فيما يظهر فلعله
كان يكتبها بعد إلقاء الدرس وتفهيمه على سبيل التسجيل والحفظ، لنكت هامة لينتفع القارىء، كما استفاد السامع.(1/49)
وله مؤلفات أخرى عدا سيرته وديوانه ومحاضراته، منها: كتاب الابتداء والانتهاء، وكتاب المسألة والجواب، وكتاب نهج العبادة، وشرح المعاد، والمسائل السبعون، ونهج الهداية للمهتدين، وأساس التأويل بالفارسية، والسبح السبع، والإيضاح والتبصير في فضل يوم القدير، وتأويل الأرواح، والمجالس المستنصرية. وقد لاحظنا أن هذه المحاضرات القصيرة، إنما كانت ملخصا لدروس طويلة فيما يظهر فلعله
كان يكتبها بعد إلقاء الدرس وتفهيمه على سبيل التسجيل والحفظ، لنكت هامة لينتفع القارىء، كما استفاد السامع.
وهذه هي المحاضرة الأولى من محاضراته:
الحمد لله الذي نظم بين الانسان والبهائم أن خلقهم من طين، ثم جعل نسلهما من ماء مهين، ثم اقتضت العناية الإلهية أن رمى في أخلاط الصورة الإنسانية من إكسير العقل بلغة أهل صنعة الكيمياء، ما عرج به أعلا المعارج من الفضل والعلياء، فصار ممن قال الله سبحانه فيه ومن أصدق منه قيلا {وَلَقَدْ كَرَّمْنََا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنََاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} {وَرَزَقْنََاهُمْ مِنَ الطَّيِّبََاتِ} * {وَفَضَّلْنََاهُمْ عَلى ََ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنََا تَفْضِيلًا}، فاستنزل بتدبيره الطير من الهواء واستخلص الحدث من لج الماء، واستعبد أجناس الحيوان طيرا وبهائم وسباعا، فمنها ما انتفع بلحومها، ومنها ما استمتع بجلودها وأصوافها وأوبارها استمتاعا، وجعل الفلك المحيط على عظم فضائه محصورا في سرادق فكره، بدل كون جسمه بالكون والفساد محصورا في سرادق ملكته وأسره، فهذا منفوعه الذي نفعه الله به في الدار الأولى، ثم جعله سلما يرتقي به إلى دائم البقاء في الدار الأخرى. فلولا نور استبصاره بالعقل، لما كانت رسالة عن مرسل تقبل، ولا أمر عن مرسل يؤخذ ويتحمل، ولا نفس بمعرفة توحيد الله سبحانه ترتسم وتنير، ولا لسان بمعارف الآخرة بين اللهوات يدور. وصلى الله على محمد خير رسول، استنار بنور سراجه، وسار على واضح منهاجه، وعلى وصيه الذي عرج به من أفق المجد إلى أعلا معراجه، وعلى آله الداعين إلى عذب المشرب وفراته، الناهين عن ملحه وأجاجه.
معشر المؤمنين: جعلكم الله ممن استنارت بنور العقل قلوبهم، وتجافت عن مضاجع الجهل جنوبهم، إن قوما من الآخذين الدين بالعادات، والجارين فيه على آثار الوالدين والوالدات، زعموا أن شرائع الأنبياء عليهم السلام التي هي أسباب النجاة، والطريق إلى دائم الحياة على غير العقل موضوعها. وفي سوى موقعه وقوعها فلو أنهم أنعموا
النظر، وجردوا من شوب العصبية والهوى الفكر، لعلموا أن أحدهم لو قيل له في شيء من خاصة أعماله، وما يصدر عنه من أقواله وأفعاله، إن فعلك هذا على غير أساس العقل موضوعه، ولا من مطالعه طلوعه، لاستشاط من ذلك غضبا، ولقام له مكذبا، وفي مثل هذه المواجهة مستذنبا، فكيف يرضون للأنبياء الذين هم سادات دينهم، والوسائط بينهم وبين ربهم ما لو قابلهم بمثله مقابل لكرهوه، أم كيف لا يعتبرون أن الخطاب في كتاب الله كله مع أولي الألباب بقوله الله تعالى: {«فَاتَّقُوا اللََّهَ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ} * وقوله: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَذِكْرى ََ لِأُولِي الْأَلْبََابِ}، وما يجري مجراه مما كثر وتكرر، وليس يخلو من كون هذه الأوضاع الشرعية ليس لها برهان من العقل عند الرسول عليه السلام، الآتي بها نفسه أو كون البرهان عنده فلم يشعر به، فإن كان لا برهان لها عنده فهو فحش، فلو أن سائلا سأله عن العلة التي اقتضت أن يجعل الصلاة خمسا، ولا يجعلها ستا، فكان يقول لا أدري، لكفاه طعنا أن يأتي بشيء لا يدري العلة فيه إذا سئل عنها، وإن كان لها برهان عند نفسه عقلى والبرهان مما يجمل الأقوال والأفعال ثم لم يظهره فلم يقم إذن بحق البلاغ، وهذا منتف عن الرسول عليه السلام، لأنه بلغ وقال في النادي: «اللهم اشهد أني بلغت» وسوى هذا فمعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكلف تكليف الشريعة إلا ذا عقل، فكيف يكلف ذا عقل ما كان موضوعه على غير عقل، لأن ما كان موضوعه على غير عقل، فهو بغير ذي عقل أولى منه بذي عقل، وما السبب في تولية العقل أولا وعزله آخرا؟ ولما لا تكون التولية آخرا ككونها أولا، أو العزل أولا ككونه آخرا؟ وهذا مما لا خفاء به على منصف.(1/50)
معشر المؤمنين: جعلكم الله ممن استنارت بنور العقل قلوبهم، وتجافت عن مضاجع الجهل جنوبهم، إن قوما من الآخذين الدين بالعادات، والجارين فيه على آثار الوالدين والوالدات، زعموا أن شرائع الأنبياء عليهم السلام التي هي أسباب النجاة، والطريق إلى دائم الحياة على غير العقل موضوعها. وفي سوى موقعه وقوعها فلو أنهم أنعموا
النظر، وجردوا من شوب العصبية والهوى الفكر، لعلموا أن أحدهم لو قيل له في شيء من خاصة أعماله، وما يصدر عنه من أقواله وأفعاله، إن فعلك هذا على غير أساس العقل موضوعه، ولا من مطالعه طلوعه، لاستشاط من ذلك غضبا، ولقام له مكذبا، وفي مثل هذه المواجهة مستذنبا، فكيف يرضون للأنبياء الذين هم سادات دينهم، والوسائط بينهم وبين ربهم ما لو قابلهم بمثله مقابل لكرهوه، أم كيف لا يعتبرون أن الخطاب في كتاب الله كله مع أولي الألباب بقوله الله تعالى: {«فَاتَّقُوا اللََّهَ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ} * وقوله: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَذِكْرى ََ لِأُولِي الْأَلْبََابِ}، وما يجري مجراه مما كثر وتكرر، وليس يخلو من كون هذه الأوضاع الشرعية ليس لها برهان من العقل عند الرسول عليه السلام، الآتي بها نفسه أو كون البرهان عنده فلم يشعر به، فإن كان لا برهان لها عنده فهو فحش، فلو أن سائلا سأله عن العلة التي اقتضت أن يجعل الصلاة خمسا، ولا يجعلها ستا، فكان يقول لا أدري، لكفاه طعنا أن يأتي بشيء لا يدري العلة فيه إذا سئل عنها، وإن كان لها برهان عند نفسه عقلى والبرهان مما يجمل الأقوال والأفعال ثم لم يظهره فلم يقم إذن بحق البلاغ، وهذا منتف عن الرسول عليه السلام، لأنه بلغ وقال في النادي: «اللهم اشهد أني بلغت» وسوى هذا فمعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكلف تكليف الشريعة إلا ذا عقل، فكيف يكلف ذا عقل ما كان موضوعه على غير عقل، لأن ما كان موضوعه على غير عقل، فهو بغير ذي عقل أولى منه بذي عقل، وما السبب في تولية العقل أولا وعزله آخرا؟ ولما لا تكون التولية آخرا ككونها أولا، أو العزل أولا ككونه آخرا؟ وهذا مما لا خفاء به على منصف.
والمعلوم أن الفلاسفة يدعون العلوم العقلية والأمور الحقيقية، وأن المسلمين يكفرونهم مع ذلك، لانقطاعهم عن سبب الرسالة، وقولهم أنهم غنوا عن الأنبياء في معرفة معالم نجاتهم، وأن الحاجة إليهم لسياسة أمور الدنيا فقط، بتحصين الدماء والأموال، ومنع القوي عن الضعيف.(1/51)
واعتقاد المحققين أن العلوم كلها التي منها العقليات التي يدعونها في علوم الأنبياء اجتمعت، ومنها تشعبت وتفرعت، وتصديقهم قول الله سبحانه {وَلََا رَطْبٍ وَلََا يََابِسٍ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ} وقوله جل جلاله {مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ}، فلو أن أحد الفلاسفة قدم على الرسول عليه الصلاة والسلام، يسأله عن الملائكة، والعرش، والكرسي، والجنة، والنار، وأوضاع شريعته: من صلاتها، وزكاتها، وصومها، وحجها، وجهادها، من حيث يدل عليه البرهان العقلي، أكان يقول النبي صلى الله عليه وسلّم، لا قبل لي ببرهان ذلك! حاشا لله وقول آخر مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال «أول ما خلق الله تعالى العقل، فقال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أجل منك، بك أثيب، وبك أعاقب» فإن كانت الشرائع على غير العقل موضوعها، فلا ثواب لها ولا عقاب على مقتضى الخبر، «بك أثيب وبك أعاقب».
معشر المؤمنين: دعو أهل الفرقة والخلاف، فإنهم أشياع غي بقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}: وتمسكوا في دينكم بالأدلة، واعرفوا المواقيت بالأهلة، وأصلحوا أموالكم، وطهروا سربالكم واحمدوا الله تعالى الذي فتح لكم إلى الحقائق أبصارا والناس عنها عمون، وكشف لكم حجبا فأنتم في رياضها تتنعمون. واجروا في مضمار التائبين العابدين واستشعروا شعار الراكعين الساجدين. وكونوا دعاة إلى أئمتكم بحسن الأفعال صامتين وقوموا آناء الليل قانتين. جعلكم الله من الذين إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وأوزعكم شكر عارفيه. إذ ألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا. والحمد لله القاهر سلطانه. الباهر برهانه. العظيم شانه.
الواسع إحسانه. وصلى الله على محمد المنزل عليه فرقانه. المزلزل للشرك بنيانه. وعلى وصيه مستودع علمه وترجمانه علي بن أبي طالب بيده يد الحق. والناطق بلسانه لسانه. وعلى الأئمة من ذريته المحفوظة بهم حدود الدين وأركانه وسلم تسليما، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/52)
ولقد أصيبت الحياة العقلية في مصر الإسلامية بكثير من الاضطراب والضعف في أواسط القرن الخامس الهجري كما يقول عنان، أي منذ اضطربت شؤون الخلافة الفاطمية في عهد المستنصر بالله، ونكبت مصر بالشدة العظمى، وعانت عسف القحط والوباء أعواما طويلة (446 464هـ)، وشغل المجتمع المصري حينا بما توالى عليه من الأرزاء والمحن، وشغل الخلفاء ورجال الدولة بالتنازع على السلطان وتدبير الانقلابات السياسية العنيفة عن تعهد الحركة الفكرية، وقترت الدولة على معاهد التعليم لنضوب مواردها، وبددت خزائن الكتب أثناء الفتنة وكانت من أنفس وأعظم ما عرف العالم الإسلامي (1) وكان لهذا الاضطراب أثره في الأزهر ودار الحكمة فركدت حركة الدرس والتحصيل تبعا لركود الحياة العامة واضطراب الحياة الخاصة. وفي أواخر القرن الخامس في عصر أمير الجيوش بدر الجمالي المتغلب على الدولة (487465هـ) وولده الأفضل شاهنشاه (515487هـ) عاد النظام والأمن والرخاء الى البلاد، وانتظمت الحياة العامة، واستعادت الحياة الفكرية نشاطها بما أسبغ عليها من الرعاية، وما بذل للإنفاق على معاهد الدرس من الأموال والأرزاق.
ويقول عنان: كان نظام الحلقات العلمية وقت إنشاء الجامع الأزهر هو نظام الدراسة الممتازة في مصر الإسلامية وفي معظم الأقطار الإسلامية الأخرى، وكان قوام الحياة الجامعية والفكرية في العالم الاسلامي
وكان طبيعيا أن الأزهر حينما أتيح له أن يدخل هذا الميدان الدراسي، أن تقوم الدراسة فيه وفقا لهذا النظام التقليدي المتوارث. ولم يك ثمة نظام آخر يمكن التفكير فيه في عصر لم تكن قد عرفت فيه المدارس بعد
وهكذا بدأت الدراسة في الأزهر في حلقات علمية وأدبية واستمرت كذلك على مر العصور. وعقدت أول حلقة للدرس بالأزهر في صفر
__________
(1) الخطط ج 2ص 354.
سنة 365هـ كما تقدم، وعقدها قاضي القضاة علي بن النعمان وقرأ فيها مختصر أبيه في فقه آل البيت وهو الكتاب المسمى «الاقتصار» في جمع حافل أثبتت فيه أسماء الحاضرين. وفي سنة 378هـ أذن العزيز بالله لوزيره ابن كلس أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للدرس والقراءة، وكانوا يعقدون «حلقاتهم» الدراسية بالجامع يوم الجمعة من بعد الصلاة إلى العصر، وهم أول أساتذة أجريت عليهم من الدولة رواتب خاصة حسبما قدمنا. وفي هذين النصين القديمين ما يوضح لنا نظم الدراسة الأساسية بالأزهر، وهي نظم كان قوامها الحلقة الدراسية، فيجلس الأستاذ ليقرأ درسه في حلقة من تلاميذه والمستمعين اليه، وتنظم الحلقات في الزمان والمكان طبقا للمواد التي تدرس، ويجلس أستاذ المادة من فقه أو حديث أو تفسير أو نحو أو بيان أو منطق أو غيرها في المكان المخصص لذلك من أروقة الجامع أو أبهائه، وأمامه للطلبة والمستمعون يصغون إليه ويناقشونه.(1/53)
سنة 365هـ كما تقدم، وعقدها قاضي القضاة علي بن النعمان وقرأ فيها مختصر أبيه في فقه آل البيت وهو الكتاب المسمى «الاقتصار» في جمع حافل أثبتت فيه أسماء الحاضرين. وفي سنة 378هـ أذن العزيز بالله لوزيره ابن كلس أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للدرس والقراءة، وكانوا يعقدون «حلقاتهم» الدراسية بالجامع يوم الجمعة من بعد الصلاة إلى العصر، وهم أول أساتذة أجريت عليهم من الدولة رواتب خاصة حسبما قدمنا. وفي هذين النصين القديمين ما يوضح لنا نظم الدراسة الأساسية بالأزهر، وهي نظم كان قوامها الحلقة الدراسية، فيجلس الأستاذ ليقرأ درسه في حلقة من تلاميذه والمستمعين اليه، وتنظم الحلقات في الزمان والمكان طبقا للمواد التي تدرس، ويجلس أستاذ المادة من فقه أو حديث أو تفسير أو نحو أو بيان أو منطق أو غيرها في المكان المخصص لذلك من أروقة الجامع أو أبهائه، وأمامه للطلبة والمستمعون يصغون إليه ويناقشونه.
وكان الأزهر مذ بدأت فيه الدراسة مفتوح الباب لكل مسلم يقصد إليه الطلاب من مشارق الأرض ومغاربها، وكان يضم بين طلبته دائما إلى جانب الطلاب المصريين عددا كبيرا من أبناء الأمم الاسلامية يتلقون الدراسة، وتجري عليهم الأرزاق، وتقيم كل جماعة منهم في مكان خاص بها. وهذا هو نظام الأروقة الشهير الذي نعتقد أنه بدأ في عصر مبكر جدا (1)، والذي استمر قائما حتى العصر الأخير، وما زالت منه إلى اليوم بقية بالجامع الأزهر. ومعظم سكان الأروقة الباقية اليوم من الطلبة الغرباء. ويذكر المقريزي أن عدد الطلبة الغرباء الذين كانوا يلازمون الإقامة بالأزهر في الأروقة الخاصة بهم في عصره أعني في أوائل القرن التاسع بلغ سبعمائة وخمسين، ما بين «عجم وزيالعة ومن أهل ريف
__________
(1) يستفاد من أقوال المقريزي أن نظام الأروقة قد بدأ بالأزهر منذ بناء الجامع ذاته (الخطط ج 4ص 54)(1/54)
مصر ومغاربة»، وهو رقم كبير يدل على ضخامة العدد الذي كان يضمه الأزهر بصفة عامة من طلاب مصر وطلاب الأمم الإسلامية المختلفة في تلك العصور.
أما مواد الدراسة بالأزهر في هذا العصر فلا ريب كما يقول عنان أن علوم الدين واللغة كانت في المقدمة دائما، وكان للعلوم الدينية بنوع خاص أوفر قسط، فعلوم القرآن والحديث والكلام والأصول والفقه على مختلف المذاهب، وكذلك علوم اللغة من النحو والصرف والبلاغة ثم الأدب والتاريخ، هذه كلها كانت زاهرة بالأزهر خلال العصور الوسطى.
وقد كانت الصبغة المذهبية تغلب كما رأينا على الدراسة بالأزهر ولا سيما في بادية عهدها، ولم يك ذلك غريبا في ظل دولة كالدولة الفاطمية نتشح بثوبها المذهبي العميق وكان من الطبيعي أيضا أن تحتل علوم الشيعة وفقه آل البيت من حلقاته الدينية المقام الأول، بيد أنه يمكن أن يقال من جهة أخرى إن هذه الصيغة المذهبية لم تكن دائما مطلقة، ولم تكن دائما لزاما على الطلاب. ونحن نعرف أن الخلافة الفاطمية على الرغم من استمساكها بصبغتها المذهبية العميقة لم تستطع أن تحشد سواد الشعب المصري إلى جانبها في هذا المضمار، ولم تحاول دائما أن تجري على سياسة الإرغام في طبعه بطابعها، وفي فرض لونها المذهبي على عقائده، بل نراها في أحيان كثيرة تلجأ في ذلك إلى سياسة الرفق والتسامح. ولنا في ذلك دليل في المرسوم الديني الذي أصدره الحاكم بأمر الله وهو من غلاة الفاطميين في سنة 398هـ (1008م) وفيه يقرر بعض الأحكام ويفسرها على أثر ما وقع بين الشيعة وأهل السنة من خلاف في فهمها، ويحاول أن يوفق في ذلك بين المذاهب المختلفة، وقد جاء فيه بعد الديباجة:
«يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون، صلاة الخميس للذين بما جاءهم فيها
يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون، يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربعون، يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون، لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والخالف فيهم بما خلف، لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده، وإلى الله ربه ميعاده، وعنده كتابه وعليه حسابه. ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم، لا يستعلى مسلم على مسلم بما اعتقده، ولا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمد، من جميع ما نصه أمير المؤمنين في سجله هذا، وبعده قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} {لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} {إِلَى اللََّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1).(1/55)
«يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون، صلاة الخميس للذين بما جاءهم فيها
يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون، يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربعون، يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون، لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والخالف فيهم بما خلف، لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده، وإلى الله ربه ميعاده، وعنده كتابه وعليه حسابه. ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم، لا يستعلى مسلم على مسلم بما اعتقده، ولا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمد، من جميع ما نصه أمير المؤمنين في سجله هذا، وبعده قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} {لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} {إِلَى اللََّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1).
وكانت الدراسة في دار الحكمة ذاتها وهي الجامعة الفاطمية المذهبية حرة تدرس فيها علوم السنة إلى جانب علوم الشيعة، وقد تحررت كثيرا من صبغتها المذهبية حينما أعيدت بعد إغلاقها في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله، فمن الواضح إذا أن الدراسة بالأزهر كانت حتى في الوقت الذي يشتد فيه تيار الدعوة المذهبية تحظى دائما بقسط من الحرية يزيد أو ينقص وفقا للظروف والأحوال. وكانت دار الحكمة تستأثر بعد ذلك بتدريس العلوم الدينية. بيد أن هذه الصبغة المذهبية خفت وطأتها
وأخذ الأزهر بنصيبه من العلوم بجانب الدين.
هذا وأما عن الكتب الدراسية التي كانت تدرس بالأزهر في العصر الفاطمي، فليس لدينا أيضا سوى إشارات موجزة جدا وأول كتاب درس بالأزهر هو كتاب «الاقتصار» الذي وضعه أبو حنيفة النعمان بن محمد القيرواني قاضي المعز لدين الله في فقه آل البيت، وكان يتولى قراءته وتدريسه بالأزهر ولده أبو الحسين علي بن النعمان كما قدمنا. واستمر في
__________
(1) راجع نص هذا المرسوم بأكمله في ابن خلدون ج 4ص 60(1/56)
قراءته مدى حين على يد بني النعمان الدين تعاقبوا في قضاء مصر حتى نهاية القرن الرابع. وكان للنعمان القيرواني كتب أخرى في فقه الإمامية (الشيعة) ذكر ابن زولاق مؤرخ المعز لدين الله أسماءها وهي كتاب «دعائم الإسلام»، الذي عنى بتدريسه في الأزهر فيما بعد عناية خاصة، وكتاب «اختلاف أصول المذاهب» وكتاب «الأخبار» وكتاب اختلاف الفقهاء» ومن المرجح أنها كانت تقرأ أو تدرس بالأزهر إلى جانب كتاب «الاقتصار» حتى أواخر القرن الرابع (1).
وقد انتهى إلينا بعض هذه المؤلفات الشيعية التي افتتحت بها الدعوة إلى دراسة فقه الإمامية بمصر. ويوجد بدار الكتب المصرية نسخة مصورة من المجلد الأول من كتاب «دعائم الإسلام»، وعنوانه الكامل «دعائم الإسلام في الحلال والحرام والقضايا والأحكام، من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله». ويقول النعمان القيرواني في ديباجته: «إنه لما اضطربت الأحكام واختلفت المذاهب وانقلبت أوضاعها، رأى عملا بقول رسول الله: «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه» أن يضع كتابا جامعا مختصرا بما جاء عن الأئمة من أهل بيت رسول الله، من جملة ما اختلف فيه الرواة عنهم في دعائم الإسلام، وذكر الحلال والحرام، والقضايا والأحكام، وهذه الدعائم حسبما ورد عن الإمام جعفر ابن محمد الصادق هي «الولاية والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد»، وهي الموضوعات التي يتناولها المجلد الأول من الكتاب.
وتوجد بدار الكتب نسخة مصورة قديمة من كتاب «الأخبار» أو «شرح الأخبار»، وقد ذكر النعمان القيراني موضوعه وطريقة تأليفه في مقدمته فيما يأتي، «آثرت منه الأخبار وجمعت منه الآثار في فضل الأئمة الأبرار حسبما وجدته وغاية ما أمكنني واستطعته فصححت ما بسطته في كتابي هذا وألفته، بأن عرضته على ولي الأمر وصاحب الزمان
__________
(1) ابن خلكان ج 2ص 319(1/57)
والعصر، مولاي المعز لدين الله أمير المؤمنين عليه السلام وعلى سلفه وخلفه، وأثبت منه ما أثبته وصح عنده وعرفه وأثره عن الأئمة الطاهرين وأجاز لي سماعه منه، وبأن أرويه لمن يأخذه عني وعنه عليه السلام، فبسطت في هذا الكتاب ما أثبته وأجازه وعرفه، وأسقطت ما أنكره من ذلك، وذلك مما نسبه إلى أهل الحق المبطلون وحرف من قولهم المحرفون».
ثم قرىء بالأزهر كتاب ألفه الوزير ابن كلس في الفقه الشيعي على مذهب الإسماعيلية مما سمعه في ذلك من المعز لدين الله والعزيز بالله، وهو المعروف بالرسالة الوزيرية وكان يجلس لقراءته وتدريسه بنفسه حسبما قدمنا. وأفتى الناس بما فيه (1).
فالكتب الأولى التي قررت للتدريس بالأزهر هي كتب اشتقت من المصادر المذهبية الرسمية أعني من أولياء الخلافة الفاطمية ذاتها، وكان لها صبغة رسمية واضحة. وكان التدريس بالأزهر يجري يومئذ على مذهب الشيعة بصفة رسمية. وشدد في ذلك بادىء ذي بدء حتى إنه في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة في عهد العزيز بالله، قبض على رجل وجد عنده كتاب «الموطأ» للإمام مالك. وجلد من أجل إحرازه (2).
وفي سنة ست عشرة وأربعمائة، أمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله ولد الحاكم بأمر الله بأن يدرس الدعاة للناس كتاب «دعائم الإسلام» وكتاب «مختصر الوزير» ورتب لمن يحفظهما مالا (3) والدعاة هم أساتذة دار الحكمة وقد كانوا يجلسون للتدريس بالجامع الأزهر في أحيان كثيرة (4)
وقد عرفنا موضوع كتاب «دعائم الإسلام» وعرفنا مؤلفه. أما «مختصر
__________
(1) راجع الاشارة الى من نال الوزارة لابن الصيرفي في ص 23، وابن خلكان ج 2ص 441، والخطط ج 4ص 157
(2) الخطط ج 1574.
(3) الخطط ج 2ص 169
(4) الخطط ج 3ص 226، تاريخ ابن ميسر ص 64.(1/58)
الوزير» فيلوح لنا أنه هو مؤلف ابن كلس أعني «الرسالة الوزيرية».
والمرجح أن كثيرا من الكتب الفقهية التي كانت تدرس بدار الحكمة كانت تدرس أيضا بالأزهر كما يقول عنان، وإن كنا لم نعثر على نصوص أو بيانات أخرى تلقي ضوءا على أنواع الكتب التي كانت تدرس بالأزهر في هذا العصر في العلوم الأخرى. وكانت تشمل مصنفات أعلام الأساتذة المعاصرين الذين انتهت إليهم الرياسة في بعض العلوم أو الذين تولوا التدريس بالأزهر يومئذ، مثل العلامة أبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي إمام العربية والنحو وصاحب كتاب إعراب القرآن وابن بابشاذ النحوي صاحب كتاب «المقدمة» «وشرح الجمل»، وابن القطاع اللغوي صاحب كتاب «الافعال»، وأبي محمد عبد الله بن بري المصري إمام اللغة في عصره، وأبي العباس أحمد بن هاشم المحدث والمقرىء، وأبي القاسم الرعيني الشاطي إمام القراءات وصاحب القصيدة الشهيرة في علم القراءات «حرز الأماني ووجه التهاني» (1)، وغيرهم ممن انتهت إليهم الرياسة في هذا العصر، واعتبرت مصنفاتهم متونا ومراجع. بل لقد لبثت مصنفات بعض أولئك الأئمة تدرس بالأزهر حتى العصر الأخير مثل قصيدة الشاطبي في القراءات.
على أن كثيرا من الكتب التي ألفت ودرست في هذا العهد، قد دثر بانتهاء الدولة الفاطمية وحرص الدولة الأيوبية التي خلفتها، على محو رسومها وآثارها.
هذا وقد عنيت الدولة الفاطمية عناية خاصة باقتناء الكتب وإنشاء المكتبات العظيمة، وكان بالقصر الفاطمي مكتبة جامعة يفيض المؤرخون كما يقول عنان في وصف عظمتها ونفاسة محتوياتها، وكان بها ما يزيد على مائتي ألف مجلد في سائر العلوم والفنون، في الفقه والحديث واللغة
__________
(1) توفي الحوفي سنة 430هـ وابن بابشاذ سنة 469هـ وابن القطاع سنة 515هـ وابن بري سنة 499هـ وابن هاشم سنة 445هـ. والشاطبي سنة 590هـ.(1/59)
والتاريخ والأدب والطب والكيمياء والفلك وغيرها. وقال ابن أبي طي بعد ما ذكر استيلاء صلاح الدين على القصر «ومن جملة ما باعوه خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا، ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر» (1). وكان بدار الحكمة مكتبة أخرى يرجع إليها الأساتذة والطلاب، وبها عدد كبير من الكتب الفلسفية والرياضية والروحانية وغيرها مما يتصل بدروس الحكمة (2).
وكانت في الواقع خلفا لمكتبة الاسكندرية الشهيرة. وكان للجامع الأزهر مكتبة خاصة به، وكانت المساجد الجامعة تزود في هذه العصور بمجموعات من الكتب ولا سيما كتب الحديث والفقه. ولكن يوجد ثمة ما يدل على أن الأزهر كان له من خزائن الكتب نصيب حسن، وكانت له مكتبة كبيرة ذات أهمية خاصة، فإن ابن ميسر يقول في أخبار سنة 517هـ إنه قد أسند إلى داعي الدعاة أبي الفخر صالح منصب الخطابة بالجامع الأزهر مع خزانة الكتب (3) وإسناد الإشراف على خزانة الكتب إلى داعي الدعاة، وهو أكبر رئيس ديني بعد قاضي القضاة، دليل على قيمتها وأهميتها.
وكان في مقدمة الأساتذة المدرسين في الأزهر بنو النعمان قضاة مصر، فكان القاضي أبو الحسن علي بن النعمان أول من درس بالأزهر، وكان فوق تضلعه في فقه آل البيت أديبا شاعرا، وتوفي سنة 374هـ، ودرس بالأزهر أيضا أخوه القاضي محمد بن النعمان المتوفى سنة 389هـ، ثم
__________
(1) الخطط ج 2ص 255253. ولعله لم يفق المكتبة الفاطمية في ضخامتها سوى مكتبة قرطبة الشهيرة التي بلغت ذروتها في عهد الحكم المستنصر بالله. وقدر ما بها يومئذ من الكتب بستمائة ألف مجلد.
(2) الخطط ج 2ص 254، و 334.
(3) أخبار مصر لابن ميسر ص 64(1/60)
ولده الحسين بن النعمان قاضي الحاكم بأمر الله (1). ومن المرجح أن فقيه مصر ومؤرخها الكبير الحسن بن زولاق (المتوفى سنة 387هـ)، كان من الذين تولوا الدراسة بالأزهر يومئذ، فقد كان صديق المعز لدين الله ومؤرخ سيرته، ثم صديق ولده العزيز من بعده. ومن المعقول أن يقع الاختيار عليه للتدريس بالمعهد الفاطمي الجديد، كما يقول عنان.
وهناك من أعلام الفكر والأدب في هذا العصر من كانت لهم صلة علية بالأزهر فتلقوا دراستهم كما يقول عنان أو تولوا التدريس فيه، فمنهم المسبحي الكاتب والمؤرخ الشهير، وهو الأمير المختار عز الملك محمد ابن عبد الله بن أحمد الحراني، ولد بمصر سنة 366هـ، وتوفي سنة 420هـ. وكان من أقطاب الأمراء والعلماء، تولى الوزارة للحاكم بأمر الله ونال حظوة لديه، وأخذ بقسط في مختلف علوم عصره، ومن المعقول أن يكون المسبحي وهو من أولياء الفاطمية وأقطاب علمائها من أساتذة المعهدين الفاطميين: دار الحكمة والأزهر. وشغف المسبحي بتدوين التاريخ وألف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير المسمى «أخبار مصر»، وهو أثر ضخم يتناول تاريخ مصر وما بها من الأبنية والعجائب، وذكر نيلها وأقاليمها ومجتمعاتها حتى أوائل القرن الخامس الهجري، ولم يصلنا هذا الأثر الذي يلقى بلا ريب أعظم ضوء على تاريخ الدولة الفاطمية في عصرها الأول، ولكن الشذور التي وصلتنا منه على يد المقريزي وغيره من المؤرخين المتأخرين تنوه بقيمة هذا الأثر ونفاسته. وكتب المسبحي كتبا أخرى في التاريخ والأدب والفلك ولكنا لم نتلق شيئا منها (2).
ومنهم أبو عبد الله القضاعي الفقيه والمحدث والمؤرخ، وهو محمد ابن سلامة بن جعفر. ولد بمصر في أواخر القرن الرابع، وتوفي بها
__________
(1) ابن خلكان ج 2ص 223219. وحسن المحاضرة ج 1ص 268، وذيل قضاة مصر (ملحق كتاب الكندي) ص 589و 610و 611
(2) راجع في ترجمة المسبحي، ابن خلكان ج 1ص 653وحسن المحاضرة ج 1ص 265(1/61)
سنة 454هـ. وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، تولى القضاء وغيره من مهام الدولة في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، وأوفده المستنصر سفيرا إلى تيودورا قيصرة قسطنطينية سنة 447هـ (1055م) ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر، وكتب عدة مصنفات في الحديث والفقه والتاريخ منها «الشهاب» و «مسند الأصحاب» وهما في الحديث وكتاب «مناقب الإمام الشافعي» و «أبناء الأنبياء» و «عيون المعارف» وهما مختصران في التاريخ، وكتاب «المختار في ذكر الخطط والآثار» وهو تاريخ مصر والقاهرة حتى عصره (1).
ومنهم الحوفي النحوي اللغوي، وهو أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن سعيد وكان من أئمة اللغة في عصره، واشتغل مدة طويلة بالتدريس في مصر والقاهرة، وألف كتبا كثيرة في النحو والأدب، منها كتاب «إعراب القرآن» وكانت وفاته في سنة 430هـ.
ومنهم أبو العباس أحمد بن هاشم المصري، وقد كان من كبار المحدثين والمقرئين واشتهر بتدريس علم القراءات، وتوفي سنة 445هـ.
ومنهم ابن بابشاذ النحوي الشهير، وهو أبو الحسن طاهر بن أحمد المصري المعروف بابن بابشاذ، كان إمام عصره في اللغة والنحو وألف فيهما عدة كتب ضخمة واشتغل حينا بديوان الإنشاء في عهد المستنصر بالله وتوفي سنة 469هـ.
ومنهم أبو عبد الله محمد بن بركات النحوي تلميذ القضاعي، كان أيضا من أئمة اللغة والنحو وتوفي سنة 520هـ.
وبعد فقد كان الأزهر بحق أعظم مؤسس لصرح الحياة العقلية والثقافية في عصر الفاطميين.
__________
(1) راجع في ترجمة القضاعي، ابن خلكان ج 1ص 585. والسبكي في طبقات الشافعية ج 3ص 63وأخبار مصر لابن ميسر في حوادث سنة 447هـ، وحسن المحاضرة ج 1 ص 188(1/62)
ونذكر في هذه المناسبة أن ممن عهد إليهم في التدريس في الأزهر عند إنشائه القاضي علي بن ميمون المتوفى 374هـ 984م وأخوه القاضي محمد المتوفى عام 998389م. وقد نبغ الحافظ السلفي المتوفي عام 576هـ ولا شك أنه كان له نشاط علمي في الأزهر.
ونحن نعلم مبلغ اهتمام الفاطميين بالعلوم الرياضية والطبية والفلكية والجغرافية تلك العلوم التي أنشأوا لها في عهد الحاكم سنة 395هـ مؤسسة خاصة أسموها دار الحكمة، وهذا مما يرجح في نظرنا أن هذه العلوم كانت موضوع دراسة في الأزهر أيضا، بالإضافة إلى العلوم الأخرى. غير أنه ليس من شك أن الصدارة والشطر الأكبر من العناية كانتا للعلوم النقلية الدينية ولا سيما علوم قانون الشريعة.
نعم إنه في عهد الدولة الفاطمية أعني في غضون قرنين كاملين اقتصر التعليم الديني على المذهب الشيعي، فأصبح هو المذهب السائد في التطبيقات العلمية والأحكام القضائية، وصارت مذاهب أهل السنة مجهولة، بل كانت كتبهم تصادر في بعض الأحيان.
61765 - الأزهر جامع الدولة الرسمي:
في يوم عيد الفطر سنة 362هـ ركب المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر عقب مقدمه إلى عاصمة ملكه الجديد بقليل، كما يقول عنان (1) إلى الجامع الأزهر لصلاة العيد، وألقى خطبة بليغة أبكى فيها الناس (2)، وكانت هذه أول صلاة رسمية يشهدها الخليفة الفاطمي بالجامع الأزهر.
واستمر الأزهر يستأثر بهذا الامتياز الرسمي في ظل الدولة الفاطمية
__________
(1) ص 95الأزهر لعنان
(2) المقريزي عن ابن زولاق في اتعاظ الحنفاء ص 92(1/63)
زهاء أربعين عاما تقام فيه الجمع الرسمية، ويخطب الخليفة فيه بنفسه في جمع رمضان وفي الأعياد، حتى تم إنشاء الجامع الحاكمي أو الجامع الأنور في عصر الحاكم بأمر الله، وكان الخليفة العزيز بالله قد بدأ بإنشائه منذ سنة 380هـ، وشهد به الجمعة في رمضان وخطب فيه غير مرة، ولكنه توفي قبل إتمامه، فعني ولده الحاكم بأمر الله بإتمامه منذ سنة 393هـ، واستغرق بناؤه عشر سنين. ولما تم بناؤه عني الحاكم بفرشه وتأثيثه عناية كبيرة، وزين بالستور الفخمة والتنانير الفضية، وأقيمت فيه الجمعة الرسمية في رمضان سنة 403هـ وصلى فيه الحاكم بالناس وكان يوما مشهودا (1)، وألفى الجامع الأزهر لأول مرة في جامع الحاكم منافسا ينازعه الصفة الرسمية التي استأثر بها حتى ذلك الحين. وكانت الجمعة الرسمية تقام أيضا من وقت إلى آخر في بعض المساجد الفاطمية الأخرى، مثل جامعي راشدة والمقسى اللذين أنشأهما الحاكم بأمر الله، وكانت الخطب الخلافية تلقي في الأزهر والجامع الحاكمي، وكذلك في جامعي عمرو وابن طولون اللذين لبثا يحتفظان دائما بهيبتهما القديمة (2)، بيد أن الجامع الأزهر لم يفقد من جراء هذه المنافسة مكانته الخاصة، بل كان دائما يعتبر في نظر الخلفاء الفاطميين ورجال الدولة مسجد الدولة الأول.
وكانت إقامة الجمعة والصلوات الموسمية الجامعة بالأزهر من أخص المظاهر المذهبية الرسمية التي أسبغتها عليه الخلافة الفاطمية، وقد رأينا فيما تقدم أن الجامع الأزهر أنشىء ليكون رمزا لإمامة الدولة الجديدة ومنبرا لدعوتها، وقد لبث الأزهر منذ إنشائه محتفظا بهذه الصفة بالرغم من قيام عدة أخرى من المساجد الفاطمية الجامعة التي نافسته فيما بعد في إقامة الجمعة والصلوات الموسمية، وكان الخليفة يشهد الصلاة أيام الجمع والأعياد الموسمية، ويخطب فيها بنفسه في أحيان كثيرة، وكانت خطبة
__________
(1) المقريزي في الخطط ج 4ص 56
(2) صبح الأعشى ج 3ص 503(1/64)
الجمعة الرسمية ما تزال على عهدها تلقى بالجامع الأزهر حتى أواخر الدولة الفاطمية (1).
وكان الخليفة يلقي خطب الجمعة في شهر رمضان بالجامع الأزهر قبل إنشاء الجامع الحاكمي وغيره من المساجد الفاطمية الجامعة، وكان يستريح الجمعة الأولى ويلقي الخطبة في الجمع الثلاث الأخيرة. وكان يركب إلى الصلاة في هيئة مخصوصة ويؤديها وفقا لرسوم وتقاليد معينة، وقد انتهت إلينا من أقوال المؤرخين المعاصرين نبذ شائقة في وصف هذه المواكب والرسوم المذهبية الفخمة، فمثلا يقول لنا المسبحي في حوادث سنة 380هـ ما يأتي:
«وفي يوم الجمعة غرة رمضان سنة ثمانين وثلثمائة ركب العزيز بالله إلى جامع القاهرة بالمظلة الذهبية، وبين يديه نحو خمسة آلاف ماش وبيده القضيب، وعليه الطيلسان والسيف، فخطب وصلى صلاة الجمعة وانصرف، فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدة في الطريق، وكان يوما عظيما ذكرته الشعراء» (2).
وكان للجامع الأزهر يستأثر منذ عهد المعز لدين الله حتى قيام الجامع الحاكمي بالخطب الرسمية الثلاث في رمضان، ثم كانت تلقى هذه الخطب بعد ذلك على الترتيب الآتي: الأولى بالجامع الحاكمي (أو الجامع الأنوار)، والثانية بالجامع الأزهر، والأخيرة بالجامع العتيق أو جامع عمرو، وقد نقل المؤرخون المتأخرون عن ابن الطوير وغيره من المؤرخين المعاصرين هيئة صلاة الجمعة في هذه الأيام المشهودة. وبيان ذلك كما يقول عنان أن يركب الخليفة في موكبه الفخم إلى الجامع ويخرج من باب الذهب والمظلة بمشدة الجوهر على رأسه، وقد ارتدى
__________
(1) راجع النجوم الزاهرة 5ص 176حيث يذكر أن خطبة الجمعة كانت تلقي بالإزهر حتى عهد الآمر بأحكام الله (525496هـ)
(2) المقريزي عن المسبحي في الخطط ج 4ص 61(1/65)
ثياب الحرير الأبيض الساذجة توقيرا للصلاة، ويدخل من باب الخطابة، وبين يديه القراء يتلون منذ خروجه من القصر، ومن حوله الجند والركابية. وإذا كانت الصلاة بالجامع الأزهر فإنه يخرج في موكبه إلى الجامع من باب الديلم الذى غدا باب المشهد الحسيني فيما بعد، ويعبر «الخوخ» (الدروب) السبع إلى رحبة الجامع الأزهر، وكانت هذه الرحبة ساحة ساشعة تقع في الجهة البحرية من الجامع، وكان يحتشد فيها الجند كلما قصد الخليفة إلى الأزهر، ثم يدخل الخليفة الجامع من بابه البحري، ويجوز إلى الدهليز الأول الصغير، ومنه إلى القاعة المعلقة التي كانت برسم جلوسه فيجلس في مجلسة، وترخى المقرمة الحرير وتحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار الجند، ومن الداخل حتى الباب بصبيان الخاص وغيرهم. ويقرأ المقرئون وتفتح أبواب الجامع حينئذ للناس بعد غلقها، ووضع الحجاب عليها قبل مقدم الخليفة، وتتخذ الأهبة منذ الصباح لاستقباله، فيأتي صاحب بيت المال وبين يديه الفرش المختص بالخليفة محمولا بأيدي الفراشين المميزين، ملفوفا في العراضي الديبقية، فيفرش في المحراب ثلاث طراحات فاخرات واحدة فوق أخرى، ويعلق ستران يمنة ويسرة يكتب في أولهما بالحرير الأحمر سورة الفاتحة وسورة الجمعة، ويكتب في الستر الثاني سورة «المنافقون» كتابة واضحة، فإذا استحق الأذان أذن مؤذنو القصر كلهم على باب مجلس الخليفة، وعندئذ يصعد قاضي القضاة إلى المنبر وفي يده مدخنة لطيفة من الخيزران يقدمها صاحب بيت المال وفيها ند خاص بالخليفة، ويبخر بها أعلى المنبر وهو يقبل درجاته. ثم يدخل مقصورة الخليفة مسلما بقوله: «السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي الخطيب ورحمة الله وبركاته «الصلاة يرحمك الله». فيخرج الخليفة وحوله الأساتذة المحنكون والوزراء والأمراء والحرس المسلح، ويصعد إلى أعلى المنبر تحت القبة المبخرة، ويقف الوزير بباب المنبر ووجهه إليه، فإذا جلس أشار إلى الوزير بالصعود فيصعد إليه ويقبل يديه ورجليه
بحيث يراه الناس، ثم يزر تلك القبة حتى تصير كالهودج، ثم ينزل مستقبلا للخليفة. ويقف ضابطا للمنبر، وينهض الخليفة فيلقي خطبة قصيرة من مسطور يعده له ديوان الإنشاء يتلو فيها آية من القرآن الكريم، ثم يصلي على أبيه علي بن أبي طالب وجده النبي عليه الصلاة والسلام، ويعظ الناس وعظا بليغا موجزا، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه ويتوسل بدعوات فخمة تليق به، ثم يدعو للوزير والجيوش بالنصر والظفر على الكافرين والمخالفين، ثم يختتم بقوله: «اذكروا الله يذكركم» فيصعد اليه الوزير، ويفك أزرة القبة ويعود القهقري، فينزل الخليفة ويقف للصلاة فوق الطراحات المذكورة في المحراب وحده إماما، وخلفه الوزير والقاضي ومن ورائهما الأساتذة والأمراء وأصحاب الرتب والمؤذنون بترتيب مخصوص، فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي، وأسمع القاضي المؤذنين فأسمعوا الناس، ويقرأ الخليفة في الركعة الأولى ما هو مكتوب على الستر الأيمن، وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب على الستر الأيسر، فإذا انتهت الصلاة خرج الناس وركبوا تباعا، ثم يعود الخليفة بموكبه إلى القصر والبوقات تضرب ذهابا وإيابا، ويتكرر هذا الترتيب والنظام في الجمعتين الأخريين (1).(1/66)
ثياب الحرير الأبيض الساذجة توقيرا للصلاة، ويدخل من باب الخطابة، وبين يديه القراء يتلون منذ خروجه من القصر، ومن حوله الجند والركابية. وإذا كانت الصلاة بالجامع الأزهر فإنه يخرج في موكبه إلى الجامع من باب الديلم الذى غدا باب المشهد الحسيني فيما بعد، ويعبر «الخوخ» (الدروب) السبع إلى رحبة الجامع الأزهر، وكانت هذه الرحبة ساحة ساشعة تقع في الجهة البحرية من الجامع، وكان يحتشد فيها الجند كلما قصد الخليفة إلى الأزهر، ثم يدخل الخليفة الجامع من بابه البحري، ويجوز إلى الدهليز الأول الصغير، ومنه إلى القاعة المعلقة التي كانت برسم جلوسه فيجلس في مجلسة، وترخى المقرمة الحرير وتحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار الجند، ومن الداخل حتى الباب بصبيان الخاص وغيرهم. ويقرأ المقرئون وتفتح أبواب الجامع حينئذ للناس بعد غلقها، ووضع الحجاب عليها قبل مقدم الخليفة، وتتخذ الأهبة منذ الصباح لاستقباله، فيأتي صاحب بيت المال وبين يديه الفرش المختص بالخليفة محمولا بأيدي الفراشين المميزين، ملفوفا في العراضي الديبقية، فيفرش في المحراب ثلاث طراحات فاخرات واحدة فوق أخرى، ويعلق ستران يمنة ويسرة يكتب في أولهما بالحرير الأحمر سورة الفاتحة وسورة الجمعة، ويكتب في الستر الثاني سورة «المنافقون» كتابة واضحة، فإذا استحق الأذان أذن مؤذنو القصر كلهم على باب مجلس الخليفة، وعندئذ يصعد قاضي القضاة إلى المنبر وفي يده مدخنة لطيفة من الخيزران يقدمها صاحب بيت المال وفيها ند خاص بالخليفة، ويبخر بها أعلى المنبر وهو يقبل درجاته. ثم يدخل مقصورة الخليفة مسلما بقوله: «السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي الخطيب ورحمة الله وبركاته «الصلاة يرحمك الله». فيخرج الخليفة وحوله الأساتذة المحنكون والوزراء والأمراء والحرس المسلح، ويصعد إلى أعلى المنبر تحت القبة المبخرة، ويقف الوزير بباب المنبر ووجهه إليه، فإذا جلس أشار إلى الوزير بالصعود فيصعد إليه ويقبل يديه ورجليه
بحيث يراه الناس، ثم يزر تلك القبة حتى تصير كالهودج، ثم ينزل مستقبلا للخليفة. ويقف ضابطا للمنبر، وينهض الخليفة فيلقي خطبة قصيرة من مسطور يعده له ديوان الإنشاء يتلو فيها آية من القرآن الكريم، ثم يصلي على أبيه علي بن أبي طالب وجده النبي عليه الصلاة والسلام، ويعظ الناس وعظا بليغا موجزا، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه ويتوسل بدعوات فخمة تليق به، ثم يدعو للوزير والجيوش بالنصر والظفر على الكافرين والمخالفين، ثم يختتم بقوله: «اذكروا الله يذكركم» فيصعد اليه الوزير، ويفك أزرة القبة ويعود القهقري، فينزل الخليفة ويقف للصلاة فوق الطراحات المذكورة في المحراب وحده إماما، وخلفه الوزير والقاضي ومن ورائهما الأساتذة والأمراء وأصحاب الرتب والمؤذنون بترتيب مخصوص، فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي، وأسمع القاضي المؤذنين فأسمعوا الناس، ويقرأ الخليفة في الركعة الأولى ما هو مكتوب على الستر الأيمن، وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب على الستر الأيسر، فإذا انتهت الصلاة خرج الناس وركبوا تباعا، ثم يعود الخليفة بموكبه إلى القصر والبوقات تضرب ذهابا وإيابا، ويتكرر هذا الترتيب والنظام في الجمعتين الأخريين (1).
وقد لبث الأزهر في العهد الفاطمي فضلا عن صبغته الجامعية وعن إقامة الجمع والصلوات الرسمية فيه مركزا لكثير من المظاهر والمناسبات الرسمية الأخرى.
فمن ذلك أنه كان مركز المحتسب، وكان منصب المحتسب من أهم المناصب الدينية في الدولة الفاطمية، وهو الثالث عندهم بعد قاضي القضاة وداعي الدعاة، وعمله يتناول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة، وله نواب في جميع أنحاء القطر، ويجلس بالجامع
__________
(1) راجع الخطط ج 4ص 61و 62وراجع أيضا صبح الأعشى ج 3ص 511509، والنجوم الزاهرة ج 4ص 103و 104.(1/67)
الأزهر وجامع مصر (جامع عمرو) يوما بعد يوم (1)، وكانت مجالس القضاء تعقد قبل قيام الجامع الأزهر بجامع عمرو والجامع الطولوني.
ومن ذلك أنه كان مركز الاحتفال الرسمي بالمولد النبوي الكريم، ففي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة صواني الحلوى التي أعدت بالقصر لتفرق في أرباب الرسوم: كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء الحضرة والخطباء وغيرهم، فيجلسون في الجامع مقدار قراءة للختمة الكريمة، ثم يعودون في موكبهم إلى القصر، وينتظرون تحت المنظرة التي يجلس فيها الخليفة، ثم تفتح إحدى طاقات المنظرة ويبدو منها وجه الخليفة، ثم يخرج أحد الأستاذين المحنكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يرد عليكم السلام، ويقرأ القراء ويخطب الخطباء بترتيب معلوم، فإذا انتهى الحفل أخرج الأستاذ يده مشيرا برد السلام كما تقدم، ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس (2).
وكان الاحتفال المحزن بيوم عاشوراء، أو مأتم عاشوراء، يقام بالجامع الأزهر قبل إنشاء المشهد الحسيني في سنة 549هـ، وكان هذا الحفل من أجمل المظاهر المذهبية التي رتبتها الدولة الفاطمية لإحياء ذكرى الحسين. ففي العاشر من المحرم يحتجب الخليفة عن الناس، وفي الضحى يركب قاضي القضاة والشهود، وقد ارتدوا ثياب الحداد، إلى الجامع الأزهر (أو المشهد الحسيني فيما بعد) في حفل من الأمراء والأعيان وقراء الحضرة والعلماء، ثم يأتي الوزير فيتبوأ صدر المجلس، ويجلس إلى جانبيه قاضي القضاة وداعي الدعاة، والقراء يتلون القرآن، ثم ينشد قوم من الشعراء أشعارا في رثاء الحسن والحسين وآل البيت، ويضج الحضور بالبكاء والعويل، ثم ينصرف الوزير إلى داره ويستدعي
__________
(1) صبح الأعشى ج 3ص 487
(2) صبح الأعشى ج 3ص 503(1/68)
القوم إلى القصر وقد فرشت أروقته بالحصر بدل البسط، فيجدون صاحب الباب في انتظارهم فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف مراتبهم، ويقرأ القراء وينشد المنشدون على النحو السابق. ثم يمد في القاعة سماط الحزن عند الظهر، وليس فيه سوى العدس والألبان والأجبان الساذجة والأعسال النحل والخبز الأسمر، ويدخل من شاء لتناول الطعام فإذا انتهى القوم انصرفوا إلى دورهم. ويعم الحزن والنواح القاهرة في ذلك اليوم، وتعطل الأسواق ويعتكف الناس حتى العصر، ثم تفتح الأسواق وتسترد العاصمة شيئا من نشاطها ومظهرها العادي (1).
وفي ليالي الوقود الأربع، وهي ليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان وليلة نصفه، كان الخليفة يقصد مساء إلى منظرة الجامع الأزهر، وكانت بجواره من الجهة القبلية وتشرف عليه ويجلس الخليفة في هذه المنظرة ومعه حرمه، وذلك لمشاهدة الزينات المضيئة والاحتفالات الفخمة التي كانت تقام في تلك الليالي الشهيرة (2). وإليك وصف المسبحى لبعض هذه الليالي. قال في حوادث شهر رجب سنة 380هـ «وفيه خرج الناس في لياليه على رسمهم في ليالي الجمع وليلة النصف إلى جامع القاهرة (يعني الجامع الأزهر) عوضا عن القرافة، وزيد فيه في الوقيد على حافات الجامع، وحول صحنه التنانير والقناديل والشمع على الرسم في كل سنة، والأطعمة والحلوى والبخور في مجامر الذهب والفضة وطيف بها، وحضر القاضي محمد بن النعمان ليلة النصف بالمقصورة ومعه شهوده ووجوه البلد، وقدمت إليه سلال الحلوى والطعام وجلس بين يديه القراء وغيرهم والمنشدون والناحة وأقام إلى نصف الليل، وانصرف إلى داره بعد أن قدم إلى من معه أطعمة من عنده وبخرهم»، وقال في حوادث شعبان من نفس السنة «وفي ليلة النصف من شعبان كان للناس جمع عظيم بجامع القاهرة من الفقهاء والقراء والمنشدين وحضر
__________
(1) راجع خطط المقريزي ج 2ص 291289، والنجوم الزاهرة ج 5ص 154153.
(2) الخطط ج 2ص 181و 345(1/69)
القاضي محمد بن النعمان في جميع شهوده ووجوه البلد ووقد التنانير والمصابيح على سطح الجامع ودور صحنه، ووضع الشمع على المقصورة وفي مجالس العلماء، وحمل إليهم العزيز بالله الأطعمة والحلوى، والبخور فكان جمعا عظيما» (1).
وهكذا كانت ليالي الوقود من المناسبات العامة التي يتبوأ فيها الجامع الأزهر مكانة خاصة، فيخرج الناس إليه من كل فج، ويبدو فيها المسجد الشهير كأنه شعلة من النور وتضاء في جوانبه وعلى حافاته المشاعل والواقدات الساطعة، ويعقد في صحنه مجلس حافل من القضاة والعلماء برياسة قاضي القضاة، ويبعث الخليفة إليهم بسلال من الأطعمة والحلوى الفاخرة، وتضاء جميع المساجد الأخرى وتبدو العاصمة الفاطمية كلها في حلل بديعة من الأنوار الساطعة.
هذا وقد وصف مؤرخو الدولة الفاطمية أيضا الموكب الرسمي الذي كان ينظم في ليالي الوقود، عقب الغروب، ويتقدمه القاضي، ومن حوله القراء والمؤذنون ويسيرون على ضوء المشاعل والشموع الساطعة إلى القصر، ثم ينتظمون في ميدان بين القصرين تجاه باب الزمرد، أحد أبواب القصر الغربية، وينتظرون هنالك حتى يطل عليهم الخليفة ويحييهم من إحدى طاقات المنظرة الخلافية (2).
كذلك كان الجامع الأزهر أيام المعز والعزيز والحاكم، مركزا لمجالس الحكمة الفاطمية. وكانت هذه المجالس الشهيرة التي رتبتها الخلافة الفاطمية لبث دعوتها وتوطيد إمامتها تتخذ صورة الدعوة إلى قراءة علوم آل البيت والتفقه فيها وكان يقوم بإلقاء هذه الدروس أيام المعز بنو النعمان، وهم أسرة مغربية نابهة قدمت في ركاب الخليفة الفاطمي، وتولت قضاء مصر زهاء نصف قرن وكانت مجالس الحكمة تعقد أحيانا
__________
(1) المقريزي عن المسبحي الخطط ج 2ص 345.
(2) راعع خطط المقريزي ج 2ص 346، وصبح الأعشى ج 3ص 501و 502(1/70)
في القصر وأحيانا في الجامع الأزهر، ويشترك في إلقائها بعض كبراء الدولة مثل الوزير ابن كلس وزير المعز ثم ولده العزيز، ثم عهد بعد ذلك إلى داعي الدعاة بالإشراف على تنظيم هذه الدعوة وبثها، ووضعت لها نظم ورسوم خاصة، وأحيطت مجالس الحكمة يومئذ بشيء من التحفظ واستحالت إلى نوع من الدعوة السرية تلقى في الخاصة قبل كل شيء، وتعقد مجالسها في القصر، وكان للكافة أيضا نصيب من تلك المجالس، فيعقد للرجال مجلس بالقصر، ويعقد للنساء مجلس بالجامع الأزهر.
وكان الداعي يشرف على هذه المجالس جميعا بنفسه أو بواسطة نقبائه ونوابه، وكانت الدعوة تنظم طبقا لمستوى الطبقات والأذهان، فلا يتلقى الكافة سوى مبادئها وأصولها العامة ويرتفع الدعاة بالخاصة والمستنيرين إلى مراتبها وأسرارها العليا (1).
ولا تعرف أية مناسبة أخرى غير مجالس الحكمة الفاطمية يمثل فيها النساء في الجامع الأزهر في ذلك العصر لشهود نوع من القراءة والدرس، بيد انه يوجد ما يدل على أن النساء كن يظهرن أحيانا في بعض العصور المتأخرة في حلقات الأزهر الدراسية، وقد كان من هؤلاء أم زينب فاطمة بنت عباس المعروفة بالبغدادية التي توفيت سنة 714هـ، وكانت فقيهة وافرة العلم. وانتفع بعلمها كثير من نساء مصر ودمشق (2) وذكر الجبرتي أيضا ما يفيد أنه كان ثمة سيدة فقيهة عمياء تحضر دروس الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر في أوائل القرن الثالث عشر الهجري (3).
61766 - الأزهر وتجديد مبانيه:
وقد تعهد الخلفاء الفاطميون الجامع الأزهر بالتجديد والعمارة في
__________
(1) الخطط ج 2ص 225و 226، وصبح الأعشى ج 3ص 487. وراجع كتاب الحاكم بأمر الله لعنان ص 163161.
(2) راجع خطط المقريزي ج 4ص 294، وحسن المحاضرة للسيوطي ج 1ص 182
(3) راجع ذلك في ترجمة الشيخ عبد الله الشرقاوي في حوادث سنة 1228هـ (ج 4ص 172).(1/71)
فرص عدة، ففي سنة 378هـ جدد فيه العزيز بالله أشياء، ثم جدده ولده الحاكم بأمر الله وزوده بمجموعة من التنانير الفضية، ورتب له في سنة 400هـ مع بعض المنشآت الفاطمية الأخرى أوقافا ينفق من ريعها على إدارته وشؤونه، فكانت أول وقفية رتبت للجامع الأزهر. وقام الخليفة المستنصر بالله أيضا بتجديد الأزهر، وجدده من بعده الحافظ لدين الله، وأنشأ فيه مما يلي الباب الغربي مقصورة عرفت بمقصورة فاطمة الزهراء وفي عهد الملك الظاهر بيبرس، قام الأمير عز الدين أيدمر الحلى، نائب السلطة بعمارته وتجديده تجديدا شاملا، وكان الخراب قد تطرق اليه، فأنفق على عمارته وإصلاحه وتجميله أموالا عظيمة، وسعى في اعادة خطبة الجمعة اليه كما سنذكر، وفي سنة 702هـ في عهد السلطان الملك الناصر وقعت بمصر زلزلة عظيمة، وسقطت منشآت عدة منها الجامع الأزهر، فقام أمراء الدولة على عمارة هذه المنشآت، وتولى عمارة الجامع الأزهر الأمير سلار، وأنشأ الأمير علاء الدين طيبرس نقيب الجيوش مدرسته التي عرفت باسمه «الطيبرسية» بجوار الجامع الأزهر من الجهة الغربية البحرية لتكون ملحقا له، وكمل بناءها في سنة 709هـ وقرر بها درسا للشافعية، وبعد ذلك بقليل أنشأ الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد، أستاذ دار الملك الناصر مدرسته المقابلة لها في الزاوية البحرية الغربية للجامع الأزهر، مكان دار الأمير عز الدين أيدمر الحلى وقد تم بناؤها عام 740هـ وأنشأ بها دروسا للشافعية والحنفية وملجأ للصوفية.
وقد حجبت المدرستان الطيبرسية والأقبغاوية واجهة الجامع الأزهر الغربية وما زالتا قائمتين في مكانهما إلى اليوم. وفي سنة 725هـ قام بتجديد الجامع الأزهر وعمارته القاضي نجم الدين محتسب القاهرة، ثم جددت عمارته سنة إحدى وستين وسبعمائة في عهد السلطان الملك الناصر حسن على يد الأمير سعد الدين بشير الجامدار، وكان يسكن على مقربة من الأزهر، فاستأذن السلطان في إصلاحه وقام فيه بعمارة شاملة، وأنشأ فيه دروسا جديدة للفقه الحنفي، ورتب لطلابه أطعمة توزع عليهم كل يوم،
وأوقف على ذلك أوقافا جليلة. وفي سنة 881هـ في عهد الملك الأشرف قايتباي أمر السلطان بإزالة الخلوات التي كانت بسطح الأزهر وفقا لفتوى صدرت بذلك، ورسم بتجديد الجامع وعمارة ما تشعث منه، وأمر بإنشاء المنارة الواقعة في الجهة البحرية الغربية إلى يمين المدرسة الأقبغاوية والباب الذي تعلوه، حسبما نقش على أحجار هذا الباب، وتمتاز هذه المنارة برشاقتها وزخارفها الجميلة. وفي أواخر عهد الأشرف أيضا، قام الخواجا مصطفى بن محمود بن رستم الرومي بعمارة الجامع الأزهر وتجديده، وأنفق عليه من أمواله جملة كبيرة، وانتهت هذه العمارة في سنة 900هـ. وأنشأ السلطان الغوري بالأزهر منارته الجميلة ذات الرأسين التي ما زالت قائمة إلى الآن في الجهة الغربية إلى جانب منارة الأشرف قايتباي.(1/72)
وقد حجبت المدرستان الطيبرسية والأقبغاوية واجهة الجامع الأزهر الغربية وما زالتا قائمتين في مكانهما إلى اليوم. وفي سنة 725هـ قام بتجديد الجامع الأزهر وعمارته القاضي نجم الدين محتسب القاهرة، ثم جددت عمارته سنة إحدى وستين وسبعمائة في عهد السلطان الملك الناصر حسن على يد الأمير سعد الدين بشير الجامدار، وكان يسكن على مقربة من الأزهر، فاستأذن السلطان في إصلاحه وقام فيه بعمارة شاملة، وأنشأ فيه دروسا جديدة للفقه الحنفي، ورتب لطلابه أطعمة توزع عليهم كل يوم،
وأوقف على ذلك أوقافا جليلة. وفي سنة 881هـ في عهد الملك الأشرف قايتباي أمر السلطان بإزالة الخلوات التي كانت بسطح الأزهر وفقا لفتوى صدرت بذلك، ورسم بتجديد الجامع وعمارة ما تشعث منه، وأمر بإنشاء المنارة الواقعة في الجهة البحرية الغربية إلى يمين المدرسة الأقبغاوية والباب الذي تعلوه، حسبما نقش على أحجار هذا الباب، وتمتاز هذه المنارة برشاقتها وزخارفها الجميلة. وفي أواخر عهد الأشرف أيضا، قام الخواجا مصطفى بن محمود بن رستم الرومي بعمارة الجامع الأزهر وتجديده، وأنفق عليه من أمواله جملة كبيرة، وانتهت هذه العمارة في سنة 900هـ. وأنشأ السلطان الغوري بالأزهر منارته الجميلة ذات الرأسين التي ما زالت قائمة إلى الآن في الجهة الغربية إلى جانب منارة الأشرف قايتباي.
وفي أثناء العهد التركي قام عدة من الولاة والأكابر بتجديد الأزهر، فجدده في سنة 1004هـ الشريف محمد باشا والي مصر ورتب به أطعمة للفقراء. وعمر به الوزير حسن باشا الوالي مقام الحنفية في سنة 1014هـ، ثم جدده الأمير إسماعيل بك ابن الأمير إيواظ بك القاسمي في أوائل القرن الثاني عشر. على أن أعظم عمارة أجريت بالجامع الأزهر في ذلك العهد هي التي قام بها الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدغلى في أواخر القرن الثاني عشر، فقد أنشأ هذا الأمير الكبير في الناحية الشرقية القبلية من الجامع بهوا كبيرا يشتمل على خمسين عمودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة، وأنشأ للجامع محرابا ومنبرا جديدين، وبنى في أعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة من الرخام لتعليم الأيتام من أطفال المسلمين القرآن، وأنشأ أيضا بداخله رحبة متسعة وصهريجا عظيما، وأنشأ له داخل هذه الرحبة مدفنا عليه قبة معقودة، كما أنشأ بتلك الجهة رواقا خاصا بطلاب الصعيد، وجدد المدرسة الطيبرسية وجعلها هي والمدرسة الأقبغاوية داخل الجامع، وأنشأ فيما بينهما بابا عظيما بالهيئة التي نراها اليوم. وأنشأ للجامع منارتين جديدتين، وتقع إحداها في الجهة
الشرقية القبلية والأخرى في الجهة الشرقية، وعلى الجملة فقد كانت هذه العمارة أعظم ما شهد الجامع الأزهر منذ قرون، ورتب هذا الأمير الكبير للجامع وطلابه مرتبات وأطعمة كثيرة، ومازال الجامع الأزهر بوجه عام على حاله التي جدده بها عبد الرحمن كتخدا، ما عدا تغييرات وإضافات قليلة أجريت في العهد الأخير (1).(1/73)
وفي أثناء العهد التركي قام عدة من الولاة والأكابر بتجديد الأزهر، فجدده في سنة 1004هـ الشريف محمد باشا والي مصر ورتب به أطعمة للفقراء. وعمر به الوزير حسن باشا الوالي مقام الحنفية في سنة 1014هـ، ثم جدده الأمير إسماعيل بك ابن الأمير إيواظ بك القاسمي في أوائل القرن الثاني عشر. على أن أعظم عمارة أجريت بالجامع الأزهر في ذلك العهد هي التي قام بها الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدغلى في أواخر القرن الثاني عشر، فقد أنشأ هذا الأمير الكبير في الناحية الشرقية القبلية من الجامع بهوا كبيرا يشتمل على خمسين عمودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة، وأنشأ للجامع محرابا ومنبرا جديدين، وبنى في أعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة من الرخام لتعليم الأيتام من أطفال المسلمين القرآن، وأنشأ أيضا بداخله رحبة متسعة وصهريجا عظيما، وأنشأ له داخل هذه الرحبة مدفنا عليه قبة معقودة، كما أنشأ بتلك الجهة رواقا خاصا بطلاب الصعيد، وجدد المدرسة الطيبرسية وجعلها هي والمدرسة الأقبغاوية داخل الجامع، وأنشأ فيما بينهما بابا عظيما بالهيئة التي نراها اليوم. وأنشأ للجامع منارتين جديدتين، وتقع إحداها في الجهة
الشرقية القبلية والأخرى في الجهة الشرقية، وعلى الجملة فقد كانت هذه العمارة أعظم ما شهد الجامع الأزهر منذ قرون، ورتب هذا الأمير الكبير للجامع وطلابه مرتبات وأطعمة كثيرة، ومازال الجامع الأزهر بوجه عام على حاله التي جدده بها عبد الرحمن كتخدا، ما عدا تغييرات وإضافات قليلة أجريت في العهد الأخير (1).
وهكذا لبث الأزهر خلال حياته الطويلة الحافلة موضع العناية والرعاية من الخلفاء والسلاطين والأمراء، يتعهدونه بالتجديد والإصلاح والنفقة المستمرة، ولم يحظ جامع آخر من جوامع مصر التاريخية بمثل ما حظي به الأزهر من رعاية، وقد يرجع أكبر الفضل في ذلك إلى ما يتمتع به الأزهر من الصفات العلمية إلى جانب صفته الدينية، وما زال الجامع الأزهر بفضل هذه الرعاية المستمرة يحتفظ بفخامته ورونقه وجدته بالرغم من عمره الألفي.
ومما يذكر بالاغتباط أن الأمراء الذين كانوا يبذلون الغالي والرخيص في تشييد هذا الجامع وتكبيره كانوا لا يبغون بذلك سوى وجه الله تعالى وخدمة العلم، لا حب الظهور والرياء، فقد ذكر المؤرخون أن الأمير طيبرس مشيد المدرسة الطيبرسية التي هي الآن من ملحقات الأزهر، لما فرغ من بناء مدرسته وأحضروا اليه حساب نفقاتها، استدعى بطست مملوء بالماء وغسل أوراق الحساب بأسرها من غير أن يقف على شيء منها، وقال: شىء خرجنا عنه لله لا نحاسب عليه!
وما زال الجامع الأزهر يحتل الموقع الذي أقيم فيه منذ ألف عام.
وما زالت فيه بقية من أبنية الفاطميين الأولى تحتل مكانها الأول داخل الصرح القائم، وهي تكاد تبلغ نصف المسجد الحالي، وقد وفقت إدارة الآثار العربية أخيرا إلى الكشف عن رأس المحراب الفاطمي القديم، وقد
__________
(1) راجع ترجمة الامير عبد الرحمن كتخدا وتفاصيل منشآته الكثيرة بالأزهر وغيره من المساجد والمدارس في عجائب الآثار للجبرتي ج 2ص 5وما بعدها(1/74)
كان مغطى بغطاء خشبي يرجع إلى عصر الملك الظاهر بيبرس البندقداري، فظهر بانتزاعه زخارف ونقوش فاطمية يرجح أنها ترجع الى عهد إنشاء المسجد الأول، أي في عهد جوهر والمعز.
ومقصورة الجامع الأزهر تنقسم الى قسمين: المقصورة الأصلية الكبيرة التي هي من إنشاء القائد جوهر وبها 76عمودا من الرخام الأبيض الجيد على صفوف متسامتة، والمقصورة الجديدة التي أحدثها الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1167هـ وبها خمسون عمودا من الرخام: فمجموع أعمدة المقصورتين 126عمودا، وإذا أضيف إلى هذا العدد ما بملحقات الجامع من الأعمدة بلغ عددها كلها 375عمودا، وأرض المقصورة الجديدة مرتفعة عن أرض المقصورة القديمة بنحو نصف ذراع بحيث يصعد من القديمة إلى الحديثة بدرجتين.
وقد أنشأ جوهر القنبقائي مدرسة رواق الجوهرية في أوائل القرن التاسع الهجري، ودفن بها سنة 744هـ.
وأنشىء في عهد عباس الثاني الرواق العباسي، واحتفل بافتتاحه في 24شوال سنة 1315هـ. وهو غاية في الدقة والفن.
وأعظم زيادة دخلت فيه هي كما ذكرنا بناية الأمير عبد الرحمن كتخدا حسن جاويش القازدغلي سنة 1167هجرية، فزادت في سعة هذا الجامع بمقدار النصف تقريبا، وهو عمل تاريخي جليل.
وبالأزهر الآن خمس منارات يؤذن عليها في الأوقات الخمس وفي الأسحار، وتضاء بالكهرباء في ليالي رمضان والمواسم، منها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن الجامع، إحداها منارة الأقبغاوية عن يسار الداخل إلى الأزهر أنشأها الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد مع مدرسة الأقبغاوية واثنتان عن يمين الداخل، فالتي بجانب الباب مما يلي الداخل أنشأها السلطان الأشرف قايتباي، والتي تليها من إنشاء السلطان الغوري وهي أعلى مناراته وأعظمها، والرابعة بباب الصعايدة،
والخامسة بباب الشربة، وهما من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا.(1/75)
وبالأزهر الآن خمس منارات يؤذن عليها في الأوقات الخمس وفي الأسحار، وتضاء بالكهرباء في ليالي رمضان والمواسم، منها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن الجامع، إحداها منارة الأقبغاوية عن يسار الداخل إلى الأزهر أنشأها الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد مع مدرسة الأقبغاوية واثنتان عن يمين الداخل، فالتي بجانب الباب مما يلي الداخل أنشأها السلطان الأشرف قايتباي، والتي تليها من إنشاء السلطان الغوري وهي أعلى مناراته وأعظمها، والرابعة بباب الصعايدة،
والخامسة بباب الشربة، وهما من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا.
ولقد كان الأزهر الشريف في أول نشأته موضع عناية الخلفاء الفاطميين في مصر، ومن بعدهم الملوك والأمراء والوزراء، وذوي الجاه منها، يتنافسون في خدمة هذا الجامع، ويتعهدون أهله، ويشرفون على حلقات الدروس فيه، وينشئون الأروقة لسكنى الطلبة، ويشيدون دور الكتب في علوم الدين والحكمة والفلسفة، مما كان له الأثر في حفز همم الشيوخ والطلبة إلى التفرغ للتعلم والتعليم. وقد استمر الأزهر يتسع نطاقه حتى بلغت مساحته الآن سوى ملحقاته 11380مترا مربعا.
ويقول الأستاذ محمد عبد الله دراز من كلمة نشرها في مجلة الأزهر عام 1952: البيت المعمور الذي أرسيت قواعده في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله على يدي قائده جوهر الصقلي في سنة 359هـ 970م كان يتألف في أول إنشائه من قسمين: «فناء» فسيح يحيط به نطاق من الأعمدة المعقودة، و «مقصورة» أو «مصلى» لا تقل عنه اتساعا، يشقها «مجاز» ممتد من بابها إلى المحراب. ولا تزال معالم القسمين قائمة إلى يومنا هذا لم ينلها تغيير جوهري.
نعم إن بعض أجزاء المقصورة قد تناولها شيء من الترميم استجابة لضرورة حفظها وصيانتها. ولكن سائر أجزائها لا تزال كما وضعت أول يوم، ولا سيما «المحراب» الذي تراه الآن بنقوشه ورسومه العتيدة، و «المجاز» الذي نشاهد أعمدته بنقوشها ورسومها الأولى. وكذلك نرى الأعمدة المضروبة حول الفناء قائمة على حالها لم تتسنّه، وإنما أضيف إليها في مبدأ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) نطاق آخر من الأعمدة من أمامها.
ولقد بقي الأزهر قرونا عدة مكتفيا بحدوده الأولى هذه، حتى كانت بداية القرن الثامن الهجري، فهناك أخذت تضاف اليه في عصور مختلفة زيادات كثيرة أصبحت في مجموعها أشبه بصوان يحيط به من كل جانب،
حتى صار «فناؤه» الخارجي «صحنا» داخليا، وحتى بلغت مساحة المسجد الآن 11380مترا مربعا، لا يدخل فيها حساب الملحقات.(1/76)
ولقد بقي الأزهر قرونا عدة مكتفيا بحدوده الأولى هذه، حتى كانت بداية القرن الثامن الهجري، فهناك أخذت تضاف اليه في عصور مختلفة زيادات كثيرة أصبحت في مجموعها أشبه بصوان يحيط به من كل جانب،
حتى صار «فناؤه» الخارجي «صحنا» داخليا، وحتى بلغت مساحة المسجد الآن 11380مترا مربعا، لا يدخل فيها حساب الملحقات.
أولى هذه الإضافات تستقبلنا بمجرد ما نضع أقدامنا في المسجد عند دخولنا من الباب الكبير الشمالي الغربي المطل على الميدان. ذلك أننا نجد أنفسنا في دهليز متوسط الاتساع، فاصل بين جناحين من الأبنية عن يمين وشمال، ونجد أمامنا بابا كبيرا آخر داخليا يفتح على صحن المسجد، فهذا الباب الداخلي الذي يفتح على الصحن هو أول حدود المسجد التاريخي. أما كل هذه الأبنية عن اليمين والشمال فيما بين البابين، وكذلك الأرض التي أقيمت عليها هذه الأبنية، فإنها من الزيادات التي ضمت إلى الجامع في القرن الثامن الهجري وما بعده.
فالجناح الأيمن (ما عدا منارتيه) أنشأه الامير طيبرس في سنة 709هـ (1309م) والجناح الأيسر بمنارته أقامه الأمير أقبغا في سنة 740هـ (1340م). والباب الداخلي والمنارة الرشيقة التي فوقه إلى يمين الداخل من عمل السلطان قايتباي في سنة 873هـ (1468م) والمنارة العظيمة ذات البرجين التوأمين وهي التي تلي هذه على اليمين أيضا من صنع السلطان الغوري في سنة 915هـ (1510م).
ولقد كان الجناحان في نظر مؤسسيهما مدرستين، ولكن التثقيف العقلي في رأيهما وكذلك هو دائما في نظر كل سياسة رشيدة لم يكن لينفصل عن التهذيب الروحي ولذلك أقام كل منهما في مدرسته محرابا (1)
أنيقا دقيقا من الرخام والذهب لا يزال يتحدى الزمان بنضارته وجدته، كأنما صنع أمس.
والجناحان (2) اليوم مشغول معظمهما بالمكتبة الأزهرية التي تعد من
__________
(1) بل إن مدرسة أقبغا تحتوي محرابين اثنين
(2) الجناح الأيسر حول إلى مكتبة منذ سنة 1114هـ (1896م). والجناح الايمن شغل جانب منه ببعض خزائن الكتب في عهد قريب.(1/77)
أنفس المكتبات في العالم، بما فيها من المخطوطات النادرة، والمجلدات التي تبلغ زهاء مائة ألف مجلد فلنغادر الآن هذه الزيادات، ولنعبر «الصحن» في خط مستقيم، ولندخل المقصورة نجتازها إلى المحراب هنالك سنشعر بشيء من الدهشة، إذ نجد المحراب غير مستند إلى جدار القبلة كما هو شأن المحاريب، بل نراه منعزلا تمام العزلة في وسط المصلى ونلاحظ فوق ذلك أن الأرض التي تمتد من خلف هذا المحراب، والتي تكاد تعادل مساحة الأرض التي أمامه، مرتفعة عن هذه بحيث يصعد اليها بدرجتين ونرى أخيرا أن هناك محرابا ثانيا مستندا كالعادة إلى الجدار الجنوبي الشرقي الذي هو جدار القبلة.
غير أن هذه الدهشة ستزايلنا متى عرفنا أن هذا الإيوان المرتفع قليلا، والمحراب الذي عليه، المتصل بالجدار، وكذلك البابان اللذان في هذا الجدار، والمنارتان المقامتان فوقهما، كل هذه زيادات جديدة في المقصورة أضيفت إليها أخيرا على يد الأمير (1) عبد الرحمن كتخدا في سنة 1167هـ (1753م). ومن السهل حينئذ أن نعرف إلى أي حد بلغ ورع هذا الأمير وتقواه في المحافظة على تراث سلفه الصالح، وعدم الجرأة على تغيير شيء من معالمه بغير ضرورة مادية وهذا هو ما يسمى في لغة العصر الحاضر: احترام الماضي وصيانة آثار القدماء.
وقبل أن نتأهب للإنصراف من هذه المقصورة يجمل بنا أن نقترب من جدارها الشمالي الشرقي فسنجد فيه بابا صغيرا ننفذ منه إلى مبنى جميل أقامه الأمير جوهر قانقباي المتوفى سنة 844هـ (1440م). لقد بناه هذا الأمير ليكون مدرسة صغيرة، ولكنه جمع فيها كل عناصر المسجد الكبير مع جمال التنسيق ودقة الفن. وفيها قبة تقوم على قبر بانيها.
__________
(1) إلى هذا الأمير يرجع الفضل أيضا في بناء الباب الكثير الذي في المدخل على الميدان، وفي تجديد واجهته اليمنى، وهي جدار المدرسة الطيبرسية.(1/78)
وقد جدد في عهد الخديوي إسماعيل في سنة 1282هـ (1865م) بناء أحد البابين اللذين في جدار القبلة، كما أنه في عهد توفيق جدد في سنة 1306هـ (1888م) بناء الإيوان الذي ينتهي بهذا الجدار، وهاتان المنشأتان المجددتان كانتا من عمل الأمير كتخدا كما يعلم مما أسلفناه.
على أن أحدث الزيادات وأفخمها هي المنشآت التي أقيمت منذ عام 1933وتم بعضها في ذلك الحين، ولا يزال العمل جاريا في تكميل باقيها. وهي مجموعات قائمة خارج نطاق المسجد، ولكنها تشرف عليه من الشمال والشمال الشرقي، ومن الشرق والجنوب الشرقي، وقد برز إلى الوجود في سنتي 1935و 1936م أربع عمارات كبيرة، خصصت واحدة منها لإدارة الجامعة، والثلاثة الباقية لسكنى الطلاب. وأما في عهدنا هذا فقد تم حتى اليوم:
1 - مدرج فخم على أحدث طراز يتسع لألفي مستمع.
2 - كلية للشريعة الإسلامية.
3 - كلية للغة العربية، والكلية الباقية وهي كلية أصول الدين في دور الإنشاء، ومن الأعمال المتوقع البدء فيها إنشاء.
1 - مكتبة فسيحة تتسع لنصف مليون مجلد.
2 - معهد ابتدائي وثانوي يحضر للكليات الأزهرية.
3 - مستشفى.
4 - حديقة.
ولما كانت أزمة المساكن لا تزال في حدتها، فإنه ينظر الآن في مشروع لبناء عدة بيوت أخرى لسكنى الطلاب، ولا سيما الوافدين منهم من الأقطار الخارجية الإسلامية، بحيث يتألف منها ومن المساكن القائمة الآن مدينة جامعية حقيقية تتصل بحرم المسجد ومنشآته.(1/79)
الفصل الخامس 61767 الأزهر في عهد الدولة الأيوبيّة
التاريخ السياسي للدولة:
قامت الدولة الأيوبية في مصر من عام 567هـ على يدي مؤسسها:
السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وقد دعم كيان دولته، ومحا من مصر المذهب الفاطمي، وأحل محله المذهب السني، وعني بنشر العلم وتشجيع العلماء، ووقف في وجه الصليبيين وقفات خالدات في تاريخ الشرق الاسلامي وكان عادلا محببا من قلوب الناس، وكانت مملكته من المغرب إلى تخوم العراق ومعها اليمن والحجاز (1)، ونشر العدل في الرعية وحكم بالقسط بين البرية وبنى المدارس والخوانق وأجرى الأرزاق على العلماء والصلحاء، مع الدين والورع والزهد والعلم، وهو الذي ابتنى قلعة القاهرة على جبل المقطم (2)
وأصبحت عاصمة البلاد في عهده، ويذكر السيوطي أنه رحل بولديه الأفضل والعزيز لسماع الحديث من السلفى (3). وتوفي عام 859هـ عن سبعة وخمسين عاما.
مات السلطان فخلفه على عرش مصر ابنه عماد الدين عثمان فسار
__________
(1) 26ج 2حسن المحاضرة ط 1327هـ.
(2) 26ج 2حسن المحاضرة ط 1327هـ.
(3) 26ج 2حسن المحاضرة(1/81)
سيرة حسنة ومات سنة 595هـ ودفن في قبة الامام الشافعي، فأقيم ولده المنصور مكانه، ولكن عم أبيه الملك العادل نزعه عام 996هـ وتولى مكانه.
والملك العادل أبو بكر بن أيوب هو أخو السلطان صلاح الدين، وكان شديد الحب للعلماء، وأبلى بلاء حسنا في مقاومة الغزو الصليبي للبلاد ومات عام 616هـ.
وخلفه ابنه الملك الكامل محمد، (616هـ 635هـ) وقد حكم مصر حوالي أربعين عاما، كان في العشرين عاما الأولى نائبا عن أبيه، وكان في العشرين عاما الأخيرة يحكم بنفسه بعد موت أبيه، وكان الكامل معظما للسنة النبوية وأهلها راغبا في نشرها والتمسك بها، مؤثرا الاجتماع مع العلماء، والكلام معهم حضرا وسفرا (1)، وقد أنشأ دار الحديث بالقاهرة، وعمر القبة على ضريح الشافعي وكان معظما للسنة وأهلها (2)، وتوفي يوم الأربعاء حادي عشر من رجب عام 635هـ، وأقيم بعده ابنه الملك العادل أبو بكر، ولكن الملك الصالح أيوب نزع الملك منه وتولى حكم مصر عام 637هـ.
كان الملك الصالح مهيبا جدا، دبر المملكة على أحسن وجه، وبنى المدارس الأربعة بين القصرين، وعمر قلعة بالروضة، وهو الذي أكثر من شراء الترك وعتقهم وتأميرهم، ولم يكن ذلك قبله فقام الشيخ عر الدين بن عبد السلام القومة الكبرى في بيع أولئك الأمراء وصرف ثمنهم في مصالح المسلمين (3)، ومات في ليلة النصف من شعبان عام 647هـ، وهو مستعد لقتال الصليبيين في المنصورة، فأخفت زوجته
__________
(1) 230ج 6النجوم الزاهرة.
(2) 33ج 2حسن المحاضرة.
(3) 34ج 2حسن المحاضرة.(1/82)
شجرة الدر موته، حتى حضر ابنه الملك المعظم توران شاه فتولى الملك في ذي القعدة عام 647هـ، وقاتل الإفرنج وكسرهم، وكان في عسكر المسلمين الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأسر الملك لويس السادس ملك فرنسا، وحبس في دار ابن لقمان بالمنصورة ثم نفرت قلوب الجيش من توارن شاه فقتلوه في 17محرم عام 648هـ، وولوا شجرة الدر مكانه وكان يخطب لها على المنابر بعد الدعاء للخليفة العباسي، ولم يل مصر امرأة في الإسلام قبلها، ولما وليت تكلم الشيخ عز الدين بن عبد السلام في بعض تصانيفه على ما إذا ابتلي المسلمون بولاية امرأة، وأرسل الخليفة العباسي المستعصم يعاتب أهل مصر في ذلك، وأقامت شجرة الدر في المملكة ثلاثة أشهر ثم عزلت نفسها، واتفق القواد على أن يملكوا الملك الأشرف موسى بن صلاح الدين يوسف بن المسعود بن الملك الكامل فملكوه في جمادى الأولى عام 648هـ، وجعلوا عز الدين أيبك التركماني مملوك الملك الصالح قيما عليه، وعظم شأن المماليك الأتراك من يومئذ، وفي عام 652هـ خلع عز الدين الملك الأشرف واستقل بالملك، وهو أول من ملك مصر من المماليك الأتراك، وتزوج شجرة الدر، ثم خطب عليها ابنة صاحب الموصل، فقتلته شجرة الدر عام 655، وخلفه ابنه المنصور، حتى قضى على ملك الدولة الأيوبية الأمير يوسف الدين قطز، الذي لقب نفسه بالملك المظفر، وذلك عام 657هـ.
ومن الجدير بالذكر أن ملوك الدولة الأيوبية كانوا يتلقون مراسيم ولايتهم من خلفاء بغداد العباسيين، مع استقلالهم السياسي والإداري على خلافة بغداد.
61768 - الأزهر في عهد الدولة الأيوبية:
بزوال الدولة الفاطمية من مصر وقيام الدولة الأيوبية مقامها، انمحت معالم الفقه الإسماعيلي الشيعي، فقد غالى الأيوبيون في القضاء على كل
أثر للشيعة، وأفتوا بإبطال إقامة الجمعة في الأزهر (1) ولبثت إقامة الجمعة معطلة. فيه نحو مائة عام، وذلك من عام 665567هـ.(1/83)
بزوال الدولة الفاطمية من مصر وقيام الدولة الأيوبية مقامها، انمحت معالم الفقه الإسماعيلي الشيعي، فقد غالى الأيوبيون في القضاء على كل
أثر للشيعة، وأفتوا بإبطال إقامة الجمعة في الأزهر (1) ولبثت إقامة الجمعة معطلة. فيه نحو مائة عام، وذلك من عام 665567هـ.
وفي عهد الدولة الأيوبية أنشئت عدة مدارس تنافس الأزهر في رسالته العلمية، فبنى صلاح الدين مدرسة للشافعية بجوار مسجد عمرو، ومدرسة أخرى للمالكية وعرفت باسم «دار الغزل» ثم عرفت بالمدرسة القمحية، ثم بنى مدرسة ثالثة للفقهاء الحنفية أطلق عليها اسم «المدرسة السيوفية»، كما بنى مدرستين أخريين لفقهاء المذهب الشافعي خاصة، وهو المذهب الذي كان عليه أكثر أفراد البيت الأيوبي نفسه، وكانت مدرسة منها بجوار الإمام الشافعي والأخرى بجوار المشهد الحسيني
ويحصى المقريزي المدارس التي بنيت في القاهرة وحدها بثماني عشرة مدرسة (2).
وقد بنيت في القاهرة والفسطاط معا نحو خمسة وعشرين مدرسة:
منها المدرسة الكاملية وتسمى دار الحديث، وقد أنشأها الملك الكامل عام 621هـ وكملت عمارتها سنة 622هـ، وتولى مشيختها أبو الخطاب عمر بن دحية ثم أخوه أبو عمرو عثمان بن دحية (3)، ومن مشايخها أيضا القسطلاني الشافعي وابن دقيق العيد.
ومن هذه المدارس المدرسة الصالحية وقد بناها الملك الصالح عام 639هـ وهي أربع مدارس للمذاهب الأربعة، وكانت من أجل مدارس القاهرة (4).
__________
(1) أصدر قاضي القضاة الشافعي صدر الدين عبد الملك بن درباس فتوى بأنه لا يجوز إقامة الجمعة في بلد واحد في مكانين فأبطل إقامتها بالأزهر وأقرها بالجامع الحاكمي
(2) 216193ج 4خطط المقريزي.
(3) 142ج 2حسن المحاضرة
(4) 142ج 2حسن المحاضرة(1/84)
ومنها المدرسة الفاضلية بناها القاضي الفاضل عام 580هـ وكان في مكتبتها مائة ألف كتاب مجلد (1).
وكانت كل مدرسة من هذه المدارس تتخصص في دراسة بعينها، وكان الغرض من إنشاء هذه المدارس هو منافسة الأزهر وصرف الطلاب عنه، وقد كان لقيام هذه المدارس وكثرتها خلال القرنين السابع والثامن، أي حتى بعد عصر الأيوبيين أثر كبير في سير الدراسة في الأزهر، إذ نافسته هذه المدارس منافسة شديدة وجذبت إليها أعلام الأساتذة، وقضى الأزهر في هذه المدة عصرا من الركود الطويل.
وقد كان الأيوبيون من الغلاة في المذهب الشافعي، وكانوا من أتباع الأشعري، وكان الحنابلة بمفردهم يكونون معسكرا مستقلا يناهض معسكر الأشاعرة، وكان من نتائج تصادم الأفكار بين أصحاب المذاهب المتعددة أن اشتدت روح التعصب والمغالاة، فكان كل فريق يدفع صاحبه بما يملك من أسلحة الهجوم، فكان أهل السنة يطعنون الشيعة بأنهم كفار زنادقة وفساق ملاحدة، وقد أصدر بلاط بغداد في سنة 402هـ في عهد الخليفة القادر بالله فتوى رسمية موقعا عليها من كبار الفقهاء والقضاة بهذا المعنى، طعنا في الفاطميين خلفاء مصر.
ومن ناحية أخرى لم يتوان الأشاعرة عن استعمال سلاح التكفير والتفسيق في شتى المناسبات، حتى بلغ الأمر فصل الحنابلة كفرقة تلز في قرن مع النصارى واليهود والباطنية. ومن طريف ما يروى أن منشىء المدرسة الرواحية في دمشق نص في حجة وقفيته على هذه المدرسة نصا يمنع دخول اليهود والمسيحيين والحنابلة لهذه المدرسة.
ومن هنا ورث الأزهر التعصب المذهبي الشديد إلى حد الإفتاء بالكفر وعدم صحة الاقتداء بالمخالف في المذهب، فقد أفتى ابن حجر الهيثمي بأن ابن تيمية العالم الفقيه كافر لا تصح الصلاة وراءه، وأمر
__________
(1) 255ج 2الخطط للمقريزي(1/85)
القاضي عياض بإحراق كتب الغزالي لما يوجد بها من أشياء لا يرتضيها أهل السنة. ونقل الكمال بن الهمام عن أحد علماء الحنفية أنه لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال.
وظل هذا التعصب يشتد ويشغل أمره العلماء، فاتهم كل مجتهد يخرج على التقاليد العلمية في عصره بالزندقة والضلال. والضلال يومذاك كانت كلمة ترادف التفكير الحر الذي لا يرضى بالتقليد، ولا يرضى أن يكون في آرائه من العبيد. وكان الضلال عنوان نضوج العقل، أو كما يقول الغزالي: وأستحقر من لا يحسد ولا يقذف، وأستصغر من بالكفر أو الضلال لا يعرف.
ولما كثرت المدارس في عهد الأيوبيين وأرادوا جذب أساتذة الأزهر إليها، أغدقوا لهم في العطاء، وأجزلوا في المرتبات، وبعد أن كان العلماء يعتمدون في العصور الأولى على أنفسهم في سد حاجات عيشهم عن طريق السعي وراء الرزق أو استجلاب الربح من صنعة أو حرفة، فكان منهم في العصر الأول البزاز والزجاج والصائغ والصباغ والفراء، إلى ما لهم من شهرة في العلم، أصبحوا في هذا العهد وما تلاه من عهود المماليك يعتمدون على الدولة وما تعطيهم من إعانات، وما تدره عليهم من غلات أوقاف، أو نظارات في حياتهم، مما مكن للدولة من ضمان بقائهم في صفها، ولم يدع للعلماء حرية كاملة في إبداء ما يرون من آراء على الوجه الذي يرضي الله والضمير والحق والعدل. بل كثيرا ما كان هذا النوع سببا في تحاسد العلماء وسعى بعضهم ببعض عند الأمراء، لتوجبه وظيفة أو إعطاء وقف.(1/86)
أشهر العلماء في عصر الدولة الأيوبيّة هل 61769 للأزهر وأثر 61770 الأزهر فيهم؟
نبغ في العصر الأيوبي كثير من العلماء والأدباء والشعراء، منهم:
الحسن الفارسي الفقيه الحنفي العالم باللغة والأدب والطب والهيئة المتوفى عام 598هـ (1). ومنهم: ابن الحاجب النحوي (646566هـ) المشهور (2)، والشاطبي (590538هـ) (3)، وابن الفارض (576 632هـ) الصوفي الزاهد الشاعر المعروف (4)، وعز الدين بن عبد السلام شيخ الاسلام (660577هـ) (5) واشتهر فيه من الصوفية سيدى أحمد البدوي (675596هـ) (6)، وعبد الرحيم القنائي المتوفي عام 592هـ (7)، وسواهم.
ومن العلماء أيضا الحافظ المنذري شيخ الإسلام (581 660هـ)، والسخاوي المصري (643558هـ) صاحب التفسير المشهور وشرح الشاطبية، وابن سرايا (651570هـ) المفسر العالم
__________
(1) 126ج 1حسن المحاضرة
(2) 194ج 1حسن المحاضرة
(3) 212ج 1حسن المحاضرة
(4) 221ج 1حسن المحاضرة
(5) 127ج 1حسن المحاضرة
(6) 223ج 1حسن المحاضرة
(7) 220ج 1حسن المحاضرة(1/87)
بالقراءات، وابن المنير (683620هـ) وكان إماما في النحو والأدب والأصول والتفسير
ومنهم ابن بري المتوفى عام 582هـ، وابن معطى المتوفى عام 628هـ، وكانا إمامين في العربية، وابن مالك الأندلسي المتوفي عام 672هـ وقد أقام بمصر حينا كما أقام بدمشق وحلب، وكذلك ابن الصلاح وتوفي عام 643هـ.
ومن الأدباء ابن شيث من أدباء القرن السادس، وابن أبي الأصبع المتوفي عام 654هـ، وابن الساعاتي المتوفى عام 604هـ، وأبو الحسين الجزار الشاعر، وأبو شامة المتوفي عام 695هـ، والتلعفري (675593هـ)، وابن واصل المتوفى عام 697هـ، والقاضي الفاضل المتوفى عام 596هـ، والعماد الأصبهاني المتوفى عام 597هـ.
ومن الحكماء الوزير القفطي (646568هـ).
ومن المؤرخين ابن شداد (615539هـ)، وابن عبد الظاهر (692620هـ).
ولا شك أنه كان لكثير من هؤلاء العلماء تلمذة على أساتذة الأزهر وحلقاته العلمية في العصر الفاطمي، فإذا كان الأزهر قد أوقف نشاطه العلمي في هذا العصر فأثره الروحي كان باقيا مستمرا.
وقد اشتهر في هذا العصر الكثير من الشعراء، منهم: البهاء زهير (656581هـ)، وابن مطروح (649592هـ)، وابن النبيه المتوفى عام 619هـ، وابن الساعاتي المتوفى عام 604هـ، وابن سناء الملك المتوفى عام 608هـ. وابن التعاويذي (584519هـ)، وسراج الدين الوارق المتوفى عام 655هـ. ولا شك أن نشأتهم الأدبية كانت أثرا لثقافة الأزهر اللغوية والأدبية التي ظلت متوارثة في عهد الأيوبيين.
على أن قطع صلاة الجمعة من الجامع الأزهر في تلك الحقبة لم
يبطل صفته الجامعية، فقد لبت محتفظا بصفته كمعهد للدرس والقراءة.(1/88)
على أن قطع صلاة الجمعة من الجامع الأزهر في تلك الحقبة لم
يبطل صفته الجامعية، فقد لبت محتفظا بصفته كمعهد للدرس والقراءة.
ومع أنه لم يكن يحظى في ذلك العصر بكثير من الرعاية الرسمية، فإنه لبث مع ذلك محتفظا بكثير من هيبته العلمية القديمة، فنراه مقصد علماء بارزين مثل عبد اللطيف البغدادي الذي وفد على مصر في سنة 589هـ أيام الملك العزيز ولد السلطان صلاح الدين، وتولى التدريس بالأزهر بضعة أعوام حتى وفاة الملك العزيز في سنة 595هـ (1).
__________
(1) كتاب الافادة والاعتبار لعبد اللطيف (مصر) في المقدمة.(1/89)
الفصل السادس 61771 الأزهر في ظلاك دولتي المماليك 923657هـ
التاريخ السياسي لهذا العصر:
ينقسم هذا العصر إلى عهدين: 1عهد دولة المماليك البحرية وينتهي عام 784هـ 1382م.
2 - وعهد دولة المماليك الشراكسة أو المماليك البرجية (784 923هـ: 15171382م).
أما دولة المماليك البحرية فتبدأ شكلا من عام 657هـ وإن كان بدؤها الحقيقي هو عام 648هـ: 1250م، حينما قتل توران شاه ودخلت مصر بعدها في نفوذ مماليك هذه الدولة، الذي كان الصالح أيوب يكثر من شرائهم وينزلهم في قلعة الروضة التي شيدها بجزيرة الروضة، حتى سموا لذلك بالمماليك البحرية، وقد بقي الملك في أيديهم إلى عام 784هـ، وكان عدد ملوكهم أربعة وعشرين سلطانا.
أولهم السلطان: عز الدين أيبك التركماني الذي ولي الحكم عام 648هـ، وتزوج شجرة الدر، وقتل عام 655هـ، فخلفه ابنه المنصور، الذي تولى الوصاية عليه «سيف الدين قطز»، ثم أعلن قطز توليه الملك وخلع المنصور عام 657هـ 1259م وبذلك تبدأ دولة المماليك البحرية في تاريخ مصر.
كان «قطز» هو المؤسس الحقيقي لهذه الدولة، تولى الملك عام 657هـ،
ولما سقطت بغداد عام 656هـ 1258م في أيدي التتار، وزحفوا نحو مصر، التقى بهم «قطز» في «عين جالوت» بفلسطين ثم في «بيسان» وهزمهم هزيمة ساحقة، وكان الفضل في ذلك لقائده «الأمير ركن الدين بيبرس»، وفي عودتهم إلى مصر قتل «بيبرس» السلطان «قطز» (1) وتولى مكانه حكم البلاد.(1/91)
كان «قطز» هو المؤسس الحقيقي لهذه الدولة، تولى الملك عام 657هـ،
ولما سقطت بغداد عام 656هـ 1258م في أيدي التتار، وزحفوا نحو مصر، التقى بهم «قطز» في «عين جالوت» بفلسطين ثم في «بيسان» وهزمهم هزيمة ساحقة، وكان الفضل في ذلك لقائده «الأمير ركن الدين بيبرس»، وفي عودتهم إلى مصر قتل «بيبرس» السلطان «قطز» (1) وتولى مكانه حكم البلاد.
تقلد السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري حكم مصر (676658هـ: 12771260م) وكان أشهر سلاطين المماليك البحرية، وقد نظم أمور الدولة والجيش، وأنشأ الأساطيل، وعني بتحصين الشام ولكي يعزز زعامته للإسلام دعا إلى مصر أحد أولاد الخلفاء العباسيين الذين فروا من وجه التتار من بغداد، وبايعه بالخلافة ولقبه بالمستنصر، واستمد سلطة الملك منه نائبا عنه عام 659هـ 1261م (2)، وكان أول من بايع الخليفة العباسي شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام (3)، وقد ذهب الخليفة لمحاربة التتار على رأس جيش مصري فقتل قرب دمشق عام 660هـ فتولى بعده لقب الخلافة العباسية في مصر الخليفة العباسي أبو العباس أحمد ولقب الحاكم بأمر الله (4).
وكان للسلطان «الظاهر بيبرس» أعمال حربية، وإصلاحات داخلية، محمودة وفي أيامه طيف بالمحمل وبكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة عام 675هـ، وهو أول من فعل ذلك بالديار المصرية.
__________
(1) كان قطز في أول ولايته قد عزم على فرض ضرائب جديدة على المصريين لينفقها على الجيش الذي سيوجهه إلى حرب التتار، فجمع العلماء لذلك، فحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام وصاح: لا يجوز أن يؤخذ شيء من الرعية حتى لا يبقى في بيت المال شيء وتبيعون مالكم من الحوائص في الآلات ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه ويتساووا في ذلك هم والعامة، وأما أموال العامة مع بقاء ما في أيدي الجندي من الأموال والآلات الفاخرة فلا (36ج 2حسن المحاضرة)
(2) راجع صفحة 40وما بعدها ج 2من كتاب «حسن المحاضرة» للسيوطي
(3) 44ج 2حسن المحاضرة.
(4) 47ج 2حسن المحاضرة(1/92)
وبعد وفاة بيبرس خلفه ولدان له أحدهما بعد الآخر ولم تطل مدتهما، وانتهى الأمر بتولي السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي (689678هـ: 12901279م)، فبقي الملك في بيته أكثر من مائة سنة، وساد في عهده العدل والسكينة.
وخلفه ابنه الأشرف خليل وكان شجاعا مقداما مظفرا عادلا، فقتل بعد ثلاث سنوات، ومما يذكر أنه هو الذي قضى على إمارات الصليبيين بالشام.
وخلفه أخوه الملك الناصر محمد بن قلاوون (741693هـ:
13411293 - م)، وقد هزم التتار قرب دمشق عام 702هـ 1303هـ هزيمة ساحقة اثناء محاولتهم التقدم لفتح مصر، وعني الناصر بشؤون بلاده الداخلية ونشر العلوم والمعارف، وشيد المباني الفخمة، وتوفي الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله في عهده عام 701هـ، ودفن بجوار السيدة نفيسة في قبة بنيت له، وهو أول خليفة مات بمصر من بني العباس، وولي الخلافة بعده ابنه أبو الربيع سليمان ولقب المستكفي بالله وخطب له على المنابر في مصر والشام (1)، ولم يكن السلطان قد أمضى عهد والده له بالخلافة حتى سأل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قاضي القضاة بمصر يومئذ: هل يصلح للخلافة أو لا؟ فقال الشيخ: نعم يصلح، فلما أشار الشيخ باستخلافه أمضى عهد والده له (1) ومات، في شعبان سنة 740هـ في قوص ودفن بها، وتولى بعده الخلافة الواثق بالله رغم معارضة قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، ومات الناصر عام 741هـ (1341م)، ولم يترك خلفا يقدر على القيام بعبء الملك بعده، ومن أبنائه السلطان حسن الذي بنى المدرسة العظيمة التي لم يخلف السلطان أعظم منها بناء ولا أتقن صناعة، وهي المشهورة الآن بجامع السلطان حسن بجوار قلعة القاهرة، وانتهى الامر بانقراض هذه الدولة
__________
(1) 49ج 2حسن المحاضرة(1/93)
واستيلاء المماليك الشراكسة على الملك.
وقد عزل الخليفة الواثق وبويع لأحمد بن المستكفي ولقب المستنصر ثم لقب بعد ذلك الحاكم بأمر الله لقب جده وذلك بحضور ابن جماعة وكتب له ابن فضل الله صورة المبايعة وذلك عام 742هـ ومات الخليفة عام 753هـ، وبويع بعده لأخيه المعتضد بالله وظل خليفة حتى مات عام 763هـ، وظل بنو العباس في مصر يتوارثون الخلافة إلى أمد بعيد.
وأما دولة المماليك الشراكسة فقد حكمت مصر من عام 784 923هـ، ومعظمهم من الشراكسة، بعكس المماليك البحريين فكانوا من الترك ولم يكن الملك في دولة المماليك الشراكسة وراثيا كما كان في بيت قلاوون، وعدد ملوك هذه الدولة ثلاثة وعشرون، حكم تسعة منهم مدة 125سنة، وحكم في التسع السنوات الأخرى أربعة عشر، وقد كان لملوك هذه الدولة ولع بالعلوم والآداب والفنون، وان كانوا لم يحرصوا على العدل في حكمهم.
وأشهر ملوكهم وأولهم: «الملك الظاهر سيف الدين برقوق» وقد مات عام 801هـ 1399م، وخلف مدرسته العظيمة بين القصرين بالنحاسين الشهيرة بجامع برقوق.
وخلفه ابنه فرج الذي حارب تيمورلنك، وعقد معه صلحا.
ومن ملوك هذه الدولة «المؤيد شيخ» باني الجامع المعروف بجامع المؤيد بجوار «باب زويلة».
ومنهم: الأشرف برسباي 841825هـ: 14381422م، وقايتباي 902873هـ: 14961468م، والغوري 922906هـ:
15161501 - م، وقد انتهى أمره بأن قتله السلطان سليم العثماني فاتح مصر عام 923هـ، وضم مصر إلى الدولة العثمانية.(1/94)
الأزهر في هذا العصر
1 - في عهد السلطان بيبرس والسلاطين بعده:
في سنة 665جدده الأمير عز الدين ايدمر الحلي بسبب أنه كان مجاورا له بالسكنى، وكانت داره مكان الأقبغاوية المجعولة مكتبة الأزهر الآن، فراعى حرمة الجوار وانتزع له أشياء كانت مغصوبة وأحاط أموره حتى جمع له شيئا صالحا مع ما تبرع به له من المال الجزيل، وأطلق له من السلطان جملة من المال وشرع في عمارته، فعمر الواهي من أركانه وجدرانه وأصلح سقوفه وبلطه وفرشه وكساه، حتى عاد حرما بعد أن كان باليا، واستجد به مقصورة حسنة وترك آثارا صالحة وكذا عمل فيه الأمير بيلبك الخازندار مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الشافعي ومحدثا يسمع الحديث النبوي، ووقف على ذلك الأوقاف الدرارة ورتب به سبعة لقراءة القرآن ومدرسا، وأقيمت فيه الجمعة يومئذ، وحضر فيه الأمراء والكبراء والعلماء، وكان يوما مشهودا، وبعد الفراغ من الجمعة قام الأمير عز الدين إلى داره ومعه الأمراء فقدم لهم موائد الطعام، وكان قد أخذ فتاوى من العلماء بجواز الجمعة فيه.
وهذا أول افتتاح الأزهر لصلاة الجمعة بعد انقطاعه منه في عصر الدولة الأيوبية.
وفي شهر الحجة سنة 702هـ حدثت زلزلة شديدة بديار مصر فسقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع عمرو، وغيرها، فتقاسم أمراء
الدولة عمارة الجوامع، فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة الجامع الحاكمي، وتولى الأمير سيف الدين بكشمر الجوكندار عمارة جامع الصالح، وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الأزهر، فجددوا مبانيها وأعادوا ما تهدم منها وفي 709بنيت فيه مدرسة الطيبرسية.(1/95)
وفي شهر الحجة سنة 702هـ حدثت زلزلة شديدة بديار مصر فسقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع عمرو، وغيرها، فتقاسم أمراء
الدولة عمارة الجوامع، فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة الجامع الحاكمي، وتولى الأمير سيف الدين بكشمر الجوكندار عمارة جامع الصالح، وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الأزهر، فجددوا مبانيها وأعادوا ما تهدم منها وفي 709بنيت فيه مدرسة الطيبرسية.
والأمير سلار كان من من مماليك الصالح علاء الدين بن المنصور قلاوون، واتصل بخدمة الأشرف وتوفي عام 710هـ.
وفي سنة 725هـ جددت عمارة الجامع الأزهر على يد القاضي نجم الدين محمد بن حسين بن علي الاسعردي محتسب القاهرة ثم في سنة 740أنشئت الأقبغاوية التي هي محل المكتبة الأزهرية الآن، وفي سنة 744تممت الجوهرية.
وفي سنة 761جددت عمارة الأزهر عندما سكن الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجمدار الناصري في دار الأمير فخر الدين ابان الزاهري الصالحي النجمي بخط الأبارين بجوار الجامع الأزهر بعدما هدمها وعمر داره التي تعرف في ذاك الوقت بدار بشير الجمدار، وأحب لقربه من الجامع الأزهر أن يؤثر فيه أثرا صالحا، فاستأذن السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون في عمارته وكان خصيصا به، فأذن له في ذلك وكان قد استجد بالجامع عدة مقاصير ووضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيقته، فأخرج الخزائن والصناديق ونزع تلك المقاصير وتتبع جدرانه وسقوفه بالإصلاح، حتى عادت كأنها جديدة، وبيض الجامع كله وبلطه، ومنع الناس من المرور فيه ورتب فيه مصحفا وجعل له قارئا، وأنشأ على باب الجامع القبلي حانوتا لسبيل الماء العذب في كل يوم وعمل فوقه مدرسة لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز ورتب للفقراء المجاورين طعاما يطبخ كل يوم. وأنزل إليه قدورا من نحاس جعلها فيه ورتب فيه دروسا للفقهاء من الحنفية يجلس مدرسهم لإلقاء الفقه في المحراب ووقف على ذلك أوقافا جليلة.(1/96)
وفي سنة 784هـ ولي الأمير بهادر المقدم على المماليك السلطانية نظر الجامع الأزهر، ونجز مرسوم السلطان برقوق بأن من مات من مجاوري الجامع الأزهر من غير وارث شرعي وترك شيئا فإنه يأخذه المجاورون بالجامع، ونقش بذلك على حجر عند الباب الكبير وهو غير موجود الآن.
وكان عدد طلبة الأزهر في أوائل القرن الثامن 570طالبا كما يقول المقريزي. وفي سنة 800هدمت منارة الأزهر وكانت قصيرة وعمرت بأطول منها وبلغت النفقة عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم، وكملت في ربيع الآخر من السنة المذكورة فعلقت القناديل فيها ليلة الجمعة من هذا الشهر وأوقدت حتى اشتعل الضوء من أعلاها إلى أسفلها، واجتمع القراء والوعاظ به وتلوا ختمة شريفة ودعوا للسلطان، ولم تزل هذه المنارة إلى شوال سنة 818فهدمت لميل ظهر فيها وعمل بدلها منارة من حجر على باب الجامع البحري بعدما هدم الباب وأعيد بناؤه بالحجر وركبت المنارة فوق عقده، وأخذ الحجر لها من مدرسة الملك الأشرف خليل التي كانت تجاه قلعة الجبل ثم هدمها الملك الناصر فرج بن برقوق، وقام بعمارة ذلك الأمير تاج الدين الشوبكي والى القاهرة ومحتسبها، وتمت سنة 818فلم تقم غير قليل ومالت حتى كادت تسقط، فهدمت سنة 827، وأعيدت وفي هذه السنة ابتدىء بعمل الصهريج الذي بوسط الجامع فوجد هناك آثار فسقية ماء ووجد أيضا جثث أموات. وتم بناؤه في ربيع الأول سنة 727هـ وعمل بأعلاه مكان مرتفع له قبة يسيل فيه الماء وغرس بصحن الجامع أربع شجرات ولم تفلح وماتت، ولم يكن للجامع الأزهر ميضأة عندما بني، ثم عملت ميضأته.
وفي سنة 818هـ تولى نظارة الجامع الأزهر الأمير سودوب حاجب الحجاب، فأهان طلبة الأزهر وأخرجهم منه وكان عددهم يومئذ 750طالبا من شتى البلاد الإسلامية وأنحاء مصر، وكان الأزهر يومئذ عامرا بتلاوة
القرآن ودراسته وأنواع العلوم والفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ.(1/97)
وفي سنة 818هـ تولى نظارة الجامع الأزهر الأمير سودوب حاجب الحجاب، فأهان طلبة الأزهر وأخرجهم منه وكان عددهم يومئذ 750طالبا من شتى البلاد الإسلامية وأنحاء مصر، وكان الأزهر يومئذ عامرا بتلاوة
القرآن ودراسته وأنواع العلوم والفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ.
وكان الإنسان إذا دخله يجد من الانس بالله والارتياح ما لا يجده في غيره وصار يقصده أرباب الأموال للتبرك ويصلون أهله بأنواع الذهب والفضة إعانة للمجاورين فيه على عبادة الله تعالى، فرأى سودوب المذكور ان يأمر بإخراجهم ومنعهم من المبيت به فأخرجهم وما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسي المصاحف، وقد حل بفقراء المجاورين بلاء شديد بعدما هجم عليهم مرة بعد العشاء الأخيرة، هو ومن كان معه من الغلمان والأعوان وغوغاء العامة ومن يريد النهب، فضربهم ونهبت فرشهم وعمائمهم وسلبت نقودهم فتشتت شملهم وساروا في القرى وتبذلوا بعد الصيانة وفقد الجامع كثيرا مما كان فيه، فعاجل الله الأمير سودوب بالانتقام وقبض عليه السلطان وسجنه.
وفي سنة 900أجرى مصطفى بن محمود بن رستم الرومي عمارة الجامع الأزهر وصرف عليه من ماله نحو خمسة عشر ألف دينار وجاء في غاية الحسن.
وأنشأ الملك الأشرف أبو النصر قايتباي ميضأة بالجامع الأزهر وفسقية معتبرة من داخلها، وقد أبدلت بحنفيات سنة 1317، وأنشأ أيضا سبيلا ومكتبا على باب الجامع وقد أزيل المكتب أيضا، وهو الذي أنشأ رواق الشوام ورواق المغاربة، وأنشأ المنارة العظيمة على يمين الداخل فيه.
وقد رتب الملك قانصوه الأشرف خال الناصر الخزيرة بالجامع الأزهر في شهر رمضان، والخزيرة عصيدة بلحم ثم لما جاء الملك قنصوه الغوري ضاعف ذلك في أيامه فرتب في شهر رمضان في مطبخ الجامع الأزهر كل سنة ستمائة وسبعين دينارا ومائة قنطار من العسل وخمسمائة أردب قمح، وبنى المنارة العظيمة ذات الرأسين به سنة 902هـ.
وللعلماء في سجل التاريخ الإسلامي ذكر، وللشيخ عز الدين بن عبد السلام خاصة نصيب من هذا المجد التليد.(1/98)
قدم الشيخ عز الدين إلى مصر سنة 639هـ من دمشق، فتلقاه صاحب مصر وسلطانها الصالح نجم الدين أيوب بالإكرام والإجلال، وأحاطه علماؤها وفقهاؤها بالتقدير والاحترام، حتى امتنع الشيخ زكي الدين المنذري عن الإفتاء تأدبا معه، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، فمنصب الفتيا متعين فيه وبالغ السلطان نجم الدين في إكرام الشيخ فولاه قضاء مصر والوجه القبلي، وقبل الشيخ المنصب على إن يؤدي فيه حق الله كما يجب، وأن تكون كلمة الشرع هي الفاصلة بين الحاكمين والمحكومين، فلا دالة لصاحب سلطان، ولا تهاون مع ذي جاه، ولكن الناس سواسية أمام الحق، وفي شرط الإسلام، وعلى هذا تقلد الشيخ المنصب وتحمل العمل فيه.
وكان أول موقف للشيخ تجاه أصحاب النفوذ والسلطان بين الناس، وكان موقفا عجبا، ذلك أن السلطان قد أكثر من شراء الترك وتأميرهم على البلاد ليكونوا أعوانه وعيونه، وقد استشرى أمر هؤلاء الأتراك وصاروا أصحاب الجاه والنفوذ على الرعية لا يبالون في ذلك بطشا ولا ظلما يقع على الناس، وما كان في الناس من يستطيع أن يتصدى لهم أو ينكر عليهم، ونظر الشيخ ابن عبد السلام فرأى في ذلك فسادا لا يستقيم به حق الدين ولا واجب الحكم، ولما بحث الشيخ الأمر في حقيقة هؤلاء الأمراء الأتراك رأى أنهم بحكم الشرع أرقاء لسادتهم من أبناء مصر، وذلك لأن السلطان قد اشتراهم بمال الدولة وما زال حكم الرق مستصحبا عليهم، وكان أن جلس الشيخ وكتب فتواه بأنه لم يثبت عنده أن هؤلاء الأمراء الأتراك أحرار وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين وأنه لا بد من بيعهم وصرف ثمنهم في وجوه الخير ومصالح الأمة. وكان من جملة هؤلاء الأمراء نائب السلطنة، وكلهم أصحاب حكم وسلطان.
وبلغت الفتوى أولئك الأمراء، فامتلأوا غضبا وغيظا، وأدهشتهم تلك الجرأة من ذلك الشيخ الفقيه عليهم، وأرسلوا إليه أن يكف عن هذا
الذي لا يليق معهم. وهم أصحاب الحكم والسلطان، ولكن الشيخ صمم على فتواه، وزاد على ذلك فصار لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا ولا أي تصريف في أمور الناس وشؤون الحكم حتى تعطلت مصالحهم، وتوقفت أعمالهم، وهم في كل هذا يتعاظمون ويعجبون من جرأة ذلك الشيخ، وما في مقدور أحد أن ينكر عليهم أي شيء.(1/99)
وبلغت الفتوى أولئك الأمراء، فامتلأوا غضبا وغيظا، وأدهشتهم تلك الجرأة من ذلك الشيخ الفقيه عليهم، وأرسلوا إليه أن يكف عن هذا
الذي لا يليق معهم. وهم أصحاب الحكم والسلطان، ولكن الشيخ صمم على فتواه، وزاد على ذلك فصار لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا ولا أي تصريف في أمور الناس وشؤون الحكم حتى تعطلت مصالحهم، وتوقفت أعمالهم، وهم في كل هذا يتعاظمون ويعجبون من جرأة ذلك الشيخ، وما في مقدور أحد أن ينكر عليهم أي شيء.
ورفع الأمراء الأمر إلى السلطان، وشكو إليه من هذه الجرأة التي هوت بمكانتهم بين الناس. وأرسل السلطان إلى الشيخ ابن عبد السلام يصرفه عن غايته، وبين له ما في هذه الفتوى من الإضرار بأولئك الأمراء الذين لهم شأنهم في شؤون الحكم، وكان ابن عبد السلام يقدر تماما أنه.
وفد على مصر غريبا لا أهل له، فقيرا لا مال عنده وليس له من قوام.
الحياة إلا هذا المنصب الذي يجلس فيه، وزمام المناصب كلها بيد السلطان، ولكن حب الدنيا لم يكن أفسد نفوس رجال الدين في ذلك الزمن، وما لرجل مثل ابن عبد السلام ترك وطنه راضيا، واحتمل السجن وشظف العيش في سبيل الرأي والحق، أن يثنيه عن الحق مطلب من مطلب العيش أو رغبة في منصب مهما يكن جاهه، فأرسل الى السلطان بأنه لا بد منفذ لفتواه لانها كلمة الشرع وحق الإسلام، وأنه سينادي على أولئك الأمراء بالبيع ويقبض ثمنهم، وإلا فإنه سيعزل نفسه من منصب القضاء ويترك فتواه قائمة في أقطار الإسلام يعول عليها المسلمون في تصريف أمورهم.
وانكمش السلطان بجبروته أمام الشيخ في إبائه وجرأته، وتلمس نائب السلطان بابا آخر لصرف الشيخ عن إصراره «فأرسل إليه بالملاطفة والملاينة والرجاء أن يراجع نفسه في تلك الفتوى الجريئة وأن يتصرف بما يتفق ومكانة الأمراء بين الناس، ولكن الشيخ الذي كان لا يرهبه في الحق شدة، كان من الأولى ألا تجدي معه في الحق ملاطفة أو ملاينة.
وعظم الخطب على نائب السلطنة، وثار به الغضب ثورته، وقال:
كيف ينادي علينا هذا الشيخ الفقيه بالبيع ونحن ملوك الأرض، والله لأضربنه بسيفي هذا «فما كان حكم الناس من شأن فقيه، ولا كانت أقدار الناس على ما يفتى به، ثم ركب في جماعته ليثأر لنفسه ولجماعته بالسيف، وليضع حدا لتطاوله عليهم وهم أمراء مصر وملوك الأرض!(1/100)
وعظم الخطب على نائب السلطنة، وثار به الغضب ثورته، وقال:
كيف ينادي علينا هذا الشيخ الفقيه بالبيع ونحن ملوك الأرض، والله لأضربنه بسيفي هذا «فما كان حكم الناس من شأن فقيه، ولا كانت أقدار الناس على ما يفتى به، ثم ركب في جماعته ليثأر لنفسه ولجماعته بالسيف، وليضع حدا لتطاوله عليهم وهم أمراء مصر وملوك الأرض!
ووقف نائب السلطنة على باب الشيخ ممتطيا صهوة جواده، والسيف في يده قائم كأنه متأهب لميدان حرب، وطرق الباب على الشيخ طرقات قوية عنيفة، فخرج ولد الشيخ يستطلع الأمر، فأذهله ما رأى من هيئة نائب السلطنة وجماعته وزاد من رعبه وفزعه أن سأله نائب السلطنة عن والده ليفتك به، وليتركه بدادا بسيفه، وأسرع ولد الشيخ الى داخل الدار فزعا جزعا ينبىء والده بالشر المتربص بالباب ويسأله أن يختفي، فلا يظهر نفسه حتى يدبر للهرب أو يؤذن الله بالفرج.
وابتسم الشيخ لما سمع، وهدّأ من روع ولده قائلا: لا عليك يا بني، فأبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم نهض إلى باب الدار، شامخا كالطود، جريئا كالأسد ثابتا يزيد من ثباته وهيبته إيمان قوي بالله يتضاءل كل ما في هذه الدنيا بجانبه، ووقف الشيخ الأعزل إلا من قوة الحق وصدق الأيمان أمام نائب السلطنة وهو في سلاحه وعتاده وجنده، وما زاد الشيخ على أن أرسلها نظرة حادة نافذة، فإذا بنائب السلطنة يذعن أمام هيبة الشيخ ويتضاءل في سلاحه وجنده، وإذا به يسرع فيغمد سيفه، ويترجل من فوق جواده، ويهوي على يد الشيخ يقبلها، وأطرافه يمسحها، ويسأله أن يغفر له ما فرط منه، وأن يتجاوز عما ارتكب في حقه، ويطلب منه الدعاء والرضاء «قائلا: ايش يا سيدي تريد أن تعمل».
قال الشيخ: أريد أن أنادي عليكم وأبيعكم. قال: وماذا تصنع بثمننا؟ قال: أصرفه في مصالح المسلمين، قال: ومن يقبض الثمن قال: أنا أقبضه وأتولى صرفه. قال: لك ما تشاء في أمرنا.
وأصبح الصباح في اليوم الثاني، وعقد مجلس كبير من رجالات
الدولة يحضره السلطان، وحشد الأمراء الأتراك بكامل عدهم فما تأخر نفر منهم، وأخذ قاضي القضاة الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينادي عليهم بالبيع واحدا واحدا، ويغالي في ثمنهم لأنهم أمراء ولأنهم ملوك الأرض وغالى أكثر ما غالى في ثمن نائب السلطنة، ودفع السلطان إلى الشيخ كل ما اشترط من مال، فوزعه على وجوه الخير ومصالح المسلمين، ثم أعتق الأمراء الأرقاء، ومنحهم حق الحرية في التصرف والبيع والشراء (1).(1/101)
وأصبح الصباح في اليوم الثاني، وعقد مجلس كبير من رجالات
الدولة يحضره السلطان، وحشد الأمراء الأتراك بكامل عدهم فما تأخر نفر منهم، وأخذ قاضي القضاة الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينادي عليهم بالبيع واحدا واحدا، ويغالي في ثمنهم لأنهم أمراء ولأنهم ملوك الأرض وغالى أكثر ما غالى في ثمن نائب السلطنة، ودفع السلطان إلى الشيخ كل ما اشترط من مال، فوزعه على وجوه الخير ومصالح المسلمين، ثم أعتق الأمراء الأرقاء، ومنحهم حق الحرية في التصرف والبيع والشراء (1).
اعتنى الظاهر بيبرس (2) كما قدمنا بأمر الأزهر فأعاد إليه خطبة الجمعة في الثامن عشر من ربيع الأول سنة 665هـ وشجع العلم فيه وحذا حذوه كثير من الأمراء فزاد الأمير بيبك الخازندار مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الشافعي. ورتب فيها محدثا، وسبعة لقراءة القرآن، ووقف على ذلك الأوقاف الدارة. وفي سنة 761هـ أحب الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجامدار الناصري عندما سكن بجوار الأزهر أن يؤثر فيه أثرا صالحا فأنشأ فيه مما أسداه إليه درسا لفقه الحنفية يلقى في المحراب الكبير، ووقف على هذا الدرس أوقافا كثيرة.
على هذا النحو سار الأزهر في عناية المماليك (2)، غير أنا نلاحظ أن الجامع الحاكمي أخذ ينافس الأزهر بعد أن أصلح من زلزال 702هـ، فلقد جاء الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فأنشأ بالجامع الحاكمي دروسا أربعة لأقراء الفقه على مذهب الأئمة الأربعة، ودرسا لاقراء الحديث النبوي، وجعل لكل درس مدرسا وعدة كثيرة من الطلبة، فرتب في تدريس الشافعية قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي، وفي تدريس الحنفية قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجي الحنفي،
__________
(1) المصري 14/ 9/ 1954م الأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف
(2) الأزهر مجلة المقتطف الشيخ منصور رجب.(1/102)
وفي تدريس المالكية قاضي القضاة زين الدين علي بن مخلوف المالكي، وفي تدريس الحنابلة قاضي القضاة شرف الدين الجواني، وفي درس الحديث الشيخ سعد الدين مسعود الحارثي، وفي درس النحو الشيخ أثير الدين أبا حيان، وفي درس القراءات السبع الشيخ نور الدين الشطنوفي، وفي التصدير لافادة العلوم علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي، وفي مشيخة الميعاد والمسجد عيسى بن الخشاب، وأنشئت به مكتبة جليلة وجعل فيه عدة متصدرين لتلقين القرآن الكريم، وعدة قراء يتناولون قراءته، ومعلما يقرىء أيتام المسلمين كتاب الله عز وجل. وأوقفت على ذلك الأوقاف الدارة بناحية الجيزة، والصعيد، والإسكندرية (1).
وأصدر برقوق قرارا «بأن من مات من مجاوري الأزهر من غير وارث شرعي وترك موجودا فإنه يأخذه المجاورون بالجامع».
وكان هذا لتقوية الأزهر بعد أن طغت عليه المدارس والجامع الحاكمي. ولم يكتف الظاهر برقوق بإصدار المرسوم بل أمر بنقشه على حجر عند الباب الكبير البحري ليكون بمثابة إعلان دائم.
نعرف شيئا عن نظام الأزهر والعلوم التي كانت تدرس فيه وبخاصة أيام المماليك الذين أنقذوه من اضطهاد الأيوبيين السنيين؟ بما ذكره المقريزي. فلقد رسم صورة لا بأس بها نرى فيها شيئا عن علومه ونظامه وعدد طلبته وما كان يجري فيه قال:
في سنة 818هـ ولي نظر هذا الجامع مع الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب فجرت في أيام نظره عدة حوادث لم يتفق مثلها وذلك أنه لم يزل في هذا الجامع منذ بني عدة من الفقراء يلازمون الإقامة فيه وبلغت عدتهم في هذه الأيام 750رجلا ما بين عجم وزيالعة ومغاربة ومن أهل ريف مصر ولكل طائفة رواق يعرف بهم فلا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن ودراسته وتلقيه والاشتعال بأنواع العلوم من الفقه والتفسير والحديث
__________
(1) خطط المقريزي ج 4ص 57(1/103)
والنحو ومجالس الوعظ وحلق الذكر، وصار أرباب الأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة إعانة للمجاورين فيه على عبادة الله تعالى وكل قليل تحمل إليهم أنواع الأطعمة والخبز والحلويات لا سيما في المواسم. فأمر هذا الناظر في جمادى الأولى من هذه السنة بإخراج المجاورين من الجامع ومنعهم من الإقامة فيه وإخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن.
ومن هذا نرى ان الأزهر كان في ذلك الوقت فوق كونه مدرسة لطلب العلم تدرس فيها العلوم المختلفة ومسجدا للعبادة ومكانا للوعظ، كان بجوار ذلك دارا للتصوف، وتروي دائرة المعارف الإسلامية عن ابن إياس ان ابن الفارض الصوفي كان مقيما بالأزهر. ويروي رشيد بن غالب صاحب شرح ديوان ابن الفارض ان والد عمر بن الفارض حين امتنع أن يقبل وظيفة قاضي القضاة ونزل عن حكم القاهرة ومصر بالنيابة عن الخليفة اعتزل الناس وانقطع إلى الله تعالى بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر ولعل ابنه كان يقيم معه بعد أن كان يعود من سياحته في جبل المقطم. وعلى كل فقد كانت المساجد والمدارس في ذلك الوقت مفتوحة للرياضة الروحية بجوار درس العلم، وكانت المدارس والمساجد تقبل طلاب التصوف كما كانت تقبل طلاب العلم، وتفتح صدرها لهؤلاء كما تفتح صدرها لأولئك. فمثلا البدر العيني صاحب عمدة القارىء شرح صحيح البخاري حينما حضر إلى القاهرة مع شيخه العلامة السيرامي سنة 788هـ جعله الظاهر برقوق في عداد صوفية البرقوقية.
ونرى الأمير الكبير سيف الدين شيخو الناصري لما أنشأ مسجده جعل فيه عشرين صوفيا، وأقام الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود الرومي الحنفي شيخا لهم ثم لما عمر الخانقاه تجاه الجامع نقل الأكمل والصوفية إليها وزاد عدتهم.
ويذكر صاحب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: ان الشيخ أحمد بن عيسى بن غلاب، المنعوت بشهاب الدين الكلبي المالكي، شيخ المحيا النبوي بالأزهر، أخذ التصوف عن الشيخ الشعراني
وجلس بالمحيا الشريف بعد والده، ووالده جلس بعد الشيخ البلقيني وهو جلس بعد الشيخ صالح، وهو جلس بعد الشيخ نور الدين الشوقي المدفون بزاوية الشيخ عبد الوهاب الشعراني.(1/104)
ويذكر صاحب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: ان الشيخ أحمد بن عيسى بن غلاب، المنعوت بشهاب الدين الكلبي المالكي، شيخ المحيا النبوي بالأزهر، أخذ التصوف عن الشيخ الشعراني
وجلس بالمحيا الشريف بعد والده، ووالده جلس بعد الشيخ البلقيني وهو جلس بعد الشيخ صالح، وهو جلس بعد الشيخ نور الدين الشوقي المدفون بزاوية الشيخ عبد الوهاب الشعراني.
2 - وقد أسهم الأزهر بنشاط كبير في هذا العصر، في شتى نواحي الحياة والعلم والثقافة.
وكان ابن الدماميني (827763هـ) الذي ولد بالإسكندرية، وفاق في النحو والنظم والنثر، وشارك في الفقه وغيره من العلوم، ومهر واشتهر ذكره يتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو (1).
وقد نبغ في هذا العهد من العلماء: الدماميني، وابن عقيل المتوفي عام 769هـ (2)، وابن هشام المتوفى عام 749هـ (2)، وابن إياس المؤرخ المتوفي عام 930هـ، وأبو حيان (745654هـ) (3)، وابن مكرم صاحب لسان العرب (761632هـ) (3)، والرضى النحوي المشهور المتوفى عام 684هـ (3)، وابن دقيق العيد (702625هـ) (4) وتقي الدين السبكي (756683هـ) (5)، وشيخ الإسلام البلقيني 724 805هـ (6) والعيني (7) 855762هـ، والشمنى (8) 872801هـ، وابن الهمام المتوفى عام 861هـ (9)، والسيوطى (911849هـ) (10)
__________
(1) 231ج 1حسن المحاضرة
(2) 230ج 1حسن المحاضرة ويذكر باحث ان ميلاده عام 707ووفاته كانت عام 761 هـ (228الحركة الفكرية في مصر لعبد اللطيف حمزة).
(3) 229ج 1حسن المحاضرة
(4) 128ج 1حسن المحاضرة
(5) 130ج 1حسن المحاضرة
(6) 135ج 1حسن المحاضرة
(7) 201ج 1حسن المحاضرة
(8) 202ج 1حسن المحاضرة
(9) 201ج 1حسن المحاضرة
(10) 140ج 1حسن المحاضرة(1/105)
وكان من الصالحين عبد العال خليفة أحمد البدوي المتوفى 732هـ (1).
ولا شك أن كثيرا من هؤلاء وسواهم قد اتصلوا بالأزهر اتصالا علميا، فجلسوا في حلقاته متعلمين، وتصدروها معلمين.
وكان بجوار الأزهر كذلك مدارس مشهورة منها المدرسة الظاهرية القديمة التي بناها بيبرس عام 661هـ، ورتب بها لتدريس الشافعية تقي الدين بن رزين، ولتدريس الحنفية محيي الدين بن عبد الرحمن بن الكحال بن العديم، ولتدريس الحديث الحافظ شرف الدين الدمياطي، ولتدريس القراءات كمال الدين القرشي.
ومنها المدرسة المنصورية التي بناها الملك المنصور قلاوون عام 679هـ ورتب فيها دروسا للفقه على المذاهب الأربعة والحديث والتفسير ودورسا كذلك للطب.
ومنها المدرسة الناصرية التي بناها الناصر محمد بن قلاوون عام 703وعين بها المدرسين للمذاهب الأربعة.
ومدرسة السلطان حسن التي بناها السلطان حسن بن الناصر محمد ابن قلاوون عام 758هـ.
والمدرسة الظاهرية الجديدة التي فرغ من بنائها عام 788هـ وعين السلطان فيها مدرسين للفقه على المذاهب الأربعة وللحديث والقراءات، وكان الشيخ سراج الدين البلقيني مدرسا فيها للتفسير.
ولكن هذه المدارس كلها كانت عالة على الأزهر، تأخذ منه، وتستمد علماءها من خريجيه وأساتذته، ويوجهها الأزهر توجيها علميا.
ومن أشهر من نبغوا في هذا العهد من العلماء والأدباء والشعراء:
الفيروزبادي صاحب القاموس المحيط المتوفى عام 817هـ، والقلقشندي
__________
(1) 225ج 1حسن المحاضرة.(1/106)
صاحب صبح الأعشي المتوفى عام 821هـ، والنويري صاحب نهاية الأرب المتوفى عام 732هـ، وابن فضل الله العمري المتوفي عام 748هـ صاحب ممالك الأبصار، وتقي الدين ابن حجة الحموي (767 837هـ) صاحب خزانة الأدب، وصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (824696)، وصفي الدين الحلى عبد العزيز بن علي (677 750هـ)، والشاب الظريف (688621هـ) وجمال الدين محمد بن نباتة المصري (768686هـ)، وابن الوردي (749689هـ)، والبوصيري (695608هـ)، وابن دقماق المتوفى عام 809هـ مؤرخ الديار المصرية، والمقريزي (845766هـ) ومحمد جمال الدين الوطواط المتوفى عام 718هـ والدميري صاحب حياة الحيوان المتوفى عام 808هـ، وهم كلهم إوجلهم أثر من آثار الأزهر العلمية.
وقد حضر ابن خلدون إلى مصر واشترك في الحياة العلمية فيها، وزار حلقات الأزهر العلمية، وتصدر للتدريس فيه.
كما هاجر إلى مصر في هذا العهد كثير من العلماء الذين جددوا شباب النهضة العلمية في العالم الإسلامي.
وقد كان من العلماء من يعرف كثيرا من العلوم العقلية والطبية وغيرها زيادة على العلوم الدينية والعربية، وهؤلاء لا يحصون، نذكر منهم على سبيل المثال: الشيخ أحمد عبد المنعم الدمنهوري المتوفى سنة 1192هجرية، فقد جاء في سند إجازته ما ملخصه: أنه تلقى في الأزهر العلوم الآتية، وله تآليف في كثير منها، وهي: الحساب والميقات، والجبر والمقابلة، والمنحرفات وأسباب الأمراض وعلاماتها، وعلم الأسطرلاب، والزيج والهندسة، والهيئة، وعلم الأرتماطيقي، وعلم المزاول، وعلم الأعمال الرصيدية، وعلم المواليد الثلاثة وهى الحيوان والنبات والمعادن، وعلم استنباط المياه، وعلاج البواسير، وعلم التشريح، وعلاج لسع العقرب، وتاريخ العرب والعجم.(1/107)
وممن تولى التدريس فيه الفخر البلبيسي الضرير أستاذ القراءات وإمام الأزهر، وتولى ابن حجر خطابة الأزهر حينا آخر.
على أنه يوجد مع ذلك في أنباء العصر ما يدل على أن الأزهر كان خلال هذه الحقبة يحتفظ بمكانته الخاصة يعاونه في ذلك اتساع حلقاته وأروقته، وتنوع دراساته، وهيبته القديمة، وما يلاقيه الطلاب فيه من أسباب التيسير في الدراسة وأحيانا في الإقامة. وقد غدا الأزهر منذ أواخر القرن السابع أي مذ عفت معاهد بغداد وقرطبة، كعبة الأساتذة والطلاب من سائر انحاء العالم الاسلامي، وغدا أعظم مركز للدراسات الإسلامية العامة.
ومنذ القرن الثامن الهجري أخذ يتبوأ الأزهر في مصر وفي العالم الإسلامي نوعا من الزعامة الفكرية والثقافية. وفي أنباء هذا القرن ما يدل على أن الأزهر كان يتمتع في ظل دولة السلاطين برعاية خاصة، وكان الأكابر من علمائه يتمتعون بالجاه والنفوذ، ويشغلون وظائف القضاء العليا، ويستأثرون بمراكز التوجيه والإرشاد. وكان هذا النفوذ يصل أحيانا إلى التأثير في سياسة الدولة العليا، وأحيانا في مصاير العرش والسلطان.
وربما كانت هذه الفترة في الواقع هي عصر الأزهر الذهبي من حيث الإنتاج العلمي الممتاز، ومن حيث تبوؤه لمركز الزعامة والنفوذ.
وفي أواخر القرن التاسع أخذت الحركة الأدبية في مصر الإسلامية في الاضمحلال وذلك تبعا لاضمحلال الدولة المصرية والمجتمع المصري. وكانت دولة السلاطين قد شاخت وأخذت تسير نحو الانهيار بخطى سريعة، وتصدع بناء المجتمع المصري وأخذ في الانحلال والتفكك واضطربت أحوال المعاهد والمدارس المصرية وتضاءلت مواردها، وفقدت كثيرا مما كانت تتمتع به من رعاية السلاطين والأمراء وأصاب الأزهر ما أصاب المعاهد الأخرى من الذبول والركود. ولم يمض قليل على ذلك حتى وقعت المأساة المروعة فانهارت الدولة المصرية، وفقدت مصر استقلالها التالد وسقطت صريعة الغزو العثماني سنة 922هـ (1517م).(1/108)
جلال الدين السيوطي
ترجم الشيخ لنفسه ترجمة وجيزة في كتابه (حسن المحاضرة) قال عن والده: هو الشيخ كمال الدين أبو المناقب السيوطي، الذي توفي وسن ولده جلال الدين ستة أعوام. وقد تأثر الولد بسيرة أبيه ميتا أكثر ممما كان يتأثر بها حيا.
اشتغل ببلده أسيوط وتولى القضاء قبل قدومه إلى القاهرة، وهذا يدلنا على أن مدرسة العلم في هذه الحقبة لم تكن قاصرة على الأزهر وإنما كانت في كثير من عواصم البلاد. كما هو الحال الآن، ثم ذكر لنا كيف كانت أحوال أبيه بعد قدومه إلى القاهرة. حيث درس على كبار الشيوخ علوم الفقه والأصول والكلام والنحو والإعراب والمعاني والمنطق والحديث، ثم يقول (وأتقن علوما جمة)، وبرع في كل فنونه. وأقر له كل من رآه في صناعة الإنشاء وأذعن له فيه أهل عصره كافة. بل كان شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوى في أوقات الحوادث يسأله في إنشاء خطبة تليق بذلك ليخطب بها في القلعة ثم يقول عن والده من الناحية الخلقية:
وكان على جانب عظيم من الدين والتحري في الأحكام وعزة النفس والصيانة، يغلب عليه حب الانفراد وعدم الاجتماع بالناس.
ثم عدد تآليفه فقال:(1/109)
«وله من التصانيف حاشية على شرح الألفية لابن المصنف.
وحاشية على شرح العضد كتب منها يسيرا، ورسالة في الإعراب وأجوبة على اعتراضات ابن المقري علي الحاوي وله كتاب في التصريف، وآخر في التوقيع».
هذه خلاصة وافية لما كتبه الشيخ جلال في ترجمة والده، وقد أسلفت أنه تركه بالموت وهو في سن السادسة. فكيف وهذه هي الحال كتب ترجمة أبيه المتوفى، وكيف تأثر بحياته؟
إنه لم يشاهد من حالات والده إلا حالة واحدة ساعده على مشاهدتها أنه كان يقوم بها في منزله، أما غيرها فلم يشاهده فيها. هذه الحالة هي التي حدثنا عنها بقوله:
«مواظبا على قراءة القراآن، يختم كل جمعة ختمة، ولم أعرف من أحواله شيئا بالمشاهدة إلا هذا».
وقد وجد عند والده كل آثاره العلمية والأدبية فحببه ذلك في الانقطاع لطلب العلم والأدب.
بيئة جلال الدين العلمية هي بيئة الأزهر الشريف بكل خصائصها الحقبة التي انتسب فيها جلال الدين إلى الأزهر هي منتصف القرن التاسع الهجري. وكان في الأزهر في ذلك الوقت قد قطع في بعثه الجديد أشواطا فإنه بعد أن عطله عن الحياة حسا ومعنى السلطان صلاح الدين الأيوبي، ليزيل بذلك كل أثر للفاطميين. واستبدل به مدارس تدرس فيها المذاهب الأربعة بعد هذا جاء عهد السلطان الظاهر بيبرس من ملوك الجراكسة، فقد ولي هذا السلطان ملك مصر عام 658هجرية وكان أول ما عني به من الشؤون بعث الأزهر بعثا جديدا بترميمه بعد التهدمة، وبإعداده ليكون معهدا علميا تدرس فيه العلوم الدينية، كما تدرس فيه العلوم العقلية مثل (المنطق آداب البحث والمناظرة) أما علوم التاريخ والجبر والمقابلة والإنشاء والأدب، فلم يكن لها نظام معين تدرس
به، فقد تدرس وقد لا تدرس، وإذا رغبها طالب لم يرغب فيها طلبة.(1/110)
بيئة جلال الدين العلمية هي بيئة الأزهر الشريف بكل خصائصها الحقبة التي انتسب فيها جلال الدين إلى الأزهر هي منتصف القرن التاسع الهجري. وكان في الأزهر في ذلك الوقت قد قطع في بعثه الجديد أشواطا فإنه بعد أن عطله عن الحياة حسا ومعنى السلطان صلاح الدين الأيوبي، ليزيل بذلك كل أثر للفاطميين. واستبدل به مدارس تدرس فيها المذاهب الأربعة بعد هذا جاء عهد السلطان الظاهر بيبرس من ملوك الجراكسة، فقد ولي هذا السلطان ملك مصر عام 658هجرية وكان أول ما عني به من الشؤون بعث الأزهر بعثا جديدا بترميمه بعد التهدمة، وبإعداده ليكون معهدا علميا تدرس فيه العلوم الدينية، كما تدرس فيه العلوم العقلية مثل (المنطق آداب البحث والمناظرة) أما علوم التاريخ والجبر والمقابلة والإنشاء والأدب، فلم يكن لها نظام معين تدرس
به، فقد تدرس وقد لا تدرس، وإذا رغبها طالب لم يرغب فيها طلبة.
لم يكن هناك مناهج ولا أوقات تضبط الدروس وتحدد أوقاتها. كما أن الطلبة كانوا أحرارا في كل شيء: في العلم الذي يختارونه. وفي الشيخ الذي يحضرون عليه، هذه الحرية في التحصيل هي التي مكنت الرعيل الذي كان فيه السيوطي من الإجادة والإتقان والتبحر في مختلف أنواع العلوم والفنون فكانوا أعلاما نابهين. أمثال السيوطي، والعز بن عبد السلام، والقرافي، وابن هشام والسبكي وأبناؤه، وزكريا الأنصاري وغيرهم:
كما كان الزهد في المال، طابعا للطلبة يقول العلامة ابن دقيق العيد:
لعمري لقد قاسيت بالفقر شدة
وقعت بها في حيرة وشتات
فإن بحت بالشكوى هتكت مروءتي
وإن لم أبح بالصبر خفت مماتي
وأعظم به من نازل بملمة
يزيل حيائي أو يزيل حياتي
وتحدث السيوطي عن قوة حافظته فقال:
«فحفظت القرآن ولى دون ثمان سنين. ثم حفظت العمدة ومنهاج الفقه والأصول وألفية ابن مالك» حفظ كل هذه المحفوظات قبل أن ينقطع إلى طلب العلم بالأزهر كما حدثنا.
وتحدث عن تبحره في العلوم وتعمقه في فهمها.
«ورزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع والذي اعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها
لم يصل إليه، ولا وقف عليه أحد من أشياخي، فضلا عمن هو دونهم ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها العقلية والقياسية، ومداركها ونقوضها وأجوبتها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله».(1/111)
«ورزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع والذي اعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها
لم يصل إليه، ولا وقف عليه أحد من أشياخي، فضلا عمن هو دونهم ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها العقلية والقياسية، ومداركها ونقوضها وأجوبتها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله».
ويقول أيضا: «وقد كملت عندي آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى».
ثم يقول في مقدمة كتابه (المزهر في علوم اللغة).
«هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه، واخترعت تنويعه وتبويبه. وذلك في علوم اللغة وشروط أدائها وسماعها، حاكيت به علوم الأحاديث في التقاسيم والأنواع، وأثبت فيه بعجائب وغرائب حسنة الإبداع، وقد كان كثير ممن تقدم يلم بأشياء من ذلك، ويعتني في تمهيدها ببيان المسالك، غير أن المجموع لم يسبقني إليه سابق، ولا طرق سبيله قبلي طارق».
هذا ما كتبه الشيخ متفرقا في ترجمته لنفسه، وفي مقدمات بعض كتبه.
ويقول السيوطي «وقد بلغت مؤلفاتي للآن ثلثمائة كتاب سوى ما غسلته ورجعت عنه».
ومن هذا العدد الكبير نعرف أنه كان سريع الكتابة إلى حد كبير، وهو في ذلك يشبه إمامنا الجاحظ في السرعة لا في إشراق الأسلوب، ولا في متانة التعبير، ولا في إجادة الإنشاء.
إن الثلثمائة كتاب التي ألفها السيوطي تدور في مدار العلوم الآتية كما ذكرها هو بتعبيراته:
1 - فن التفسير وتعلقاته والقراءات.
2 - فن الحديث وتعلقاته.
3 - فن الفقه وتعلقاته.(1/112)
4 - الأجزاء المفردة (وهي المؤلفات التي يتناول كل منها مسألة واحدة).
5 - فن العربية وتعلقاته.
6 - فن الأصول والبيان والتصوف.
7 - فن التاريخ والأدب.
هل درس السيوطي كل هذه العلوم في الأزهر؟ اذا صح أنه درس التفسير والحديث والأصول واللغة العربية وبقية ما عرف من العلوم الأزهرية في وقته، فهل درس أيضا التاريخ والأدب على الصورة التي رسمها لنا في تعداد الكتب التي ألفها، أنه لم يترك طبقة من الطبقات إلا ألف فيها كتابا: (الصحابة الحفاظ النحاة كبرى ووسطى وصغرى المفسرين الأصوليين الكتاب الشعراء الخلفاء).
كما أنه الف في التاريخ العام والخاص والرحلات كتبا كثيرة مثل (حسن المحاضرة رفع الباس عن بني العباس ياقوت الشماريخ في علم التاريخ رفع شأن الحبشان الرحلة الدمياطية).
فهل درس الطبقات والتاريخ وكتب اللغة والأدب في الأزهر فأهلته المدارسة ليؤلف فيها بهذه الغزارة كما ألف في العلوم الأزهرية؟
ان السيوطي كانت له صوفية علمية تجعله يدرس التاريخ والسير والمغازي على نفسه، ولم يكن في الأزهر حلقات لمثل هذه العلوم.
لقد شبهت جلال الدين السيوطي بالجاحظ في سرعة الأداء والكتابة، ولكنني فرقت بينهما من حيث طلاوة الأسلوب، وإشراق الديباجة. والآن أشبه مرة أخرى السيوطي بالجاحظ في كثرة الاطلاع ومتنوع الدراسات، فلقد كان الجاحظ يستأجر دكاكين الوراقين ليطلع على ما فيها من كتب وربما كان يقضي فيها الليالي بأكملها لنهمه في القراءة والاطلاع. وكذلك الشيخ السيوطي فإنه لم يترك كتابا في زمانه إلا قرأه واستفاد به.(1/113)
وقد كانت له رحلات، ولكنه لم يكشف لنا عن الدافع إليها، فقد قال في ترجمته.
«وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور» وهي رحلات بعضها شاق طويل، وأي رحلة أبعد من الهند؟ وأي متاعب أقسى في زمنه من الجمع بين الرحيل إلى الشام والحجاز واليمن والهند والغرب والتكرور؟ إنه طوف في ذلك بأكثر اجزاء نصف الكرة الشرقي.
وقد ولد السيوطي عام 849وانتقل الى رحمة الله عام 911 هجرية.(1/114)
الفصل السابع 61772 الأزهر في عهد الدولة العثمانيّة 1220923هـ
تمهيد:
خضعت مصر للحكم العثماني خضوعا تاما منذ عام 923، واستمرت ولاية عثمانية إلى أن وضع محمد علي يده عليها عام 1220هـ، وكان يتولى الحكم فيها الوالي التركي ومساعدوه، ويسنده الجيش والمماليك.
الحركة العلمية في 61773 الأزهر:
في أواخر القرن التاسع أخذت الحركة العلمية في مصر الإسلامية تضمحل، وكانت دولة السلاطين هي الأخرى في طريقها إلى الإنهيار، واضطربت أحوال المجتمع وتفككت عراه، وأصاب المدارس الركود، وأصاب الأزهر ما أصاب المعاهد الأخرى من الذبول، وفقدت مصر استقلالها، وسقطت في يد الأتراك العثمانيين سنة 922هـ (1517م) وتقلص ظل الازدهار العلمي، وانصرف كثير عن العلوم العقلية والفلسفة والرياضة والجغرافيا، وأخذ القول بحرمتها يقوى شيئا فشيئا، حتى تركت هذه العلوم من الأزهر، وبقيت مهجورة ينظر إليها بعين السخط، حتى صدرت أخيرا فتوى من شيخ الأزهر الشيخ الإنبابي والشيخ محمد محمد البنا المفتي بجواز تعلمها وعدم حرمة تدريسها.
وفي الحق أن الفتح العثماني قضى على مظاهر النشاط الفكري التي كانت مزدهرة في عهد السلاطين. فقد عني الغزاة الأتراك عقب الفتح
مباشرة بتجريد مصر الإسلامية من ذخائرها النفيسة في الآثار والكتب، وحمل كل ذلك الى القسطنطينية، وقد قبض الغزاة على العلماء الأعلام والزعماء وقادة الفكر وبعثوا بهم جميعا إلى تركيا، وهكذا انهار صرح الحركة الفكرية الإسلامية، وتضاءل شأن العلوم والفنون، وانحط معيار الثقافة، بعد أن كانت مصر موثل الثقافة ومحط العلماء بعد سقوط بغداد على أيدي المغول، وانقضاء البقية الباقية من سلطان المسلمين في الأندلس. بعد أن وجد العلماء من المماليك ما أملوا، ووجد الإسلام فيهم حماة يقفون له كما وقف الأيوبيون من قبل، وكان ردهم للمغول في موقعة عين جالوت على يد قطز حدثا تاريخيا حفظ الحضارة الإسلامية من معاول التتر، ورفع شأن مصر، وجعلها مهبط الثقافة الإسلامية، والأمينة على تراث الإسلام منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.(1/115)
وفي الحق أن الفتح العثماني قضى على مظاهر النشاط الفكري التي كانت مزدهرة في عهد السلاطين. فقد عني الغزاة الأتراك عقب الفتح
مباشرة بتجريد مصر الإسلامية من ذخائرها النفيسة في الآثار والكتب، وحمل كل ذلك الى القسطنطينية، وقد قبض الغزاة على العلماء الأعلام والزعماء وقادة الفكر وبعثوا بهم جميعا إلى تركيا، وهكذا انهار صرح الحركة الفكرية الإسلامية، وتضاءل شأن العلوم والفنون، وانحط معيار الثقافة، بعد أن كانت مصر موثل الثقافة ومحط العلماء بعد سقوط بغداد على أيدي المغول، وانقضاء البقية الباقية من سلطان المسلمين في الأندلس. بعد أن وجد العلماء من المماليك ما أملوا، ووجد الإسلام فيهم حماة يقفون له كما وقف الأيوبيون من قبل، وكان ردهم للمغول في موقعة عين جالوت على يد قطز حدثا تاريخيا حفظ الحضارة الإسلامية من معاول التتر، ورفع شأن مصر، وجعلها مهبط الثقافة الإسلامية، والأمينة على تراث الإسلام منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.
وقد كان الفضل في ذلك للأزهر. فقد اتسع صدره للواردين من العلماء والطلاب في كافة البلاد، ومكن لهم من الدراسة الهادئة والبحث المنظم مما أفاد الحضارة الإنسانية بأجزل الفوائد، بما أخرجوا من فرائد الكتب في الفقه والحديث والتفسير واللغة.
وإذا كان الأزهر قد انطوى على نفسه في العصر التركي وذوت آثاره العلمية، فقد استطاع بما له من نفوذ في نفوس العامة والخاصة أن يحمل العناصر الاستعمارية على احترام مكانته وعلى اللجوء إليه في الملمات، وكان يتوسط فيما ينشب بينهم وبين المصريين من خلاف، واستطاع الأزهر في هذه الحقبة المظلمة من تاريخه أن يحفظ اللغة العربية، وأن يقاوم لغة الفاتحين، وأن يبقى بابه مفتوحا لطلاب العلوم الإسلامية واللغة العربية مدى ثلاثة قرون، حتى انزاح عن صدره الكابوس التركي، وبدأ النور يبزغ من جديد في أوائل القرن التاسع عشر يحمل في طياته الأمل وقد تميز العصر التركي في مصر بفتور الهمم عن التأليف والتدوين، وانصراف المؤرخين عن تناول الشؤون العامة والأمور النافعة إلى ملق الحكام والأكابر، وتدوين سيرهم الشخصية. وأما العلماء فقد استكانوا إلى الراحة
وظنوا أنه لا مطمع لهم في الاجتهاد، فأقفلوا أبوابه ورضوا بالتقليد وعكفوا على كتب لا يوجد فيها روح العلم، وابتعدوا عن الناس، فجهلوا الحياة وجهلهم الناس، وجهلوا طرق التفكير الحديثة وطرق البحث الحديث، وما جد في الحياة من علم، وما جد فيها من مذاهب وآراء، فأعرض الناس عنهم، ونقموا هم على الناس، فلم يؤدوا الواجب الديني الذي خصصوا أنفسهم له.(1/116)
وإذا كان الأزهر قد انطوى على نفسه في العصر التركي وذوت آثاره العلمية، فقد استطاع بما له من نفوذ في نفوس العامة والخاصة أن يحمل العناصر الاستعمارية على احترام مكانته وعلى اللجوء إليه في الملمات، وكان يتوسط فيما ينشب بينهم وبين المصريين من خلاف، واستطاع الأزهر في هذه الحقبة المظلمة من تاريخه أن يحفظ اللغة العربية، وأن يقاوم لغة الفاتحين، وأن يبقى بابه مفتوحا لطلاب العلوم الإسلامية واللغة العربية مدى ثلاثة قرون، حتى انزاح عن صدره الكابوس التركي، وبدأ النور يبزغ من جديد في أوائل القرن التاسع عشر يحمل في طياته الأمل وقد تميز العصر التركي في مصر بفتور الهمم عن التأليف والتدوين، وانصراف المؤرخين عن تناول الشؤون العامة والأمور النافعة إلى ملق الحكام والأكابر، وتدوين سيرهم الشخصية. وأما العلماء فقد استكانوا إلى الراحة
وظنوا أنه لا مطمع لهم في الاجتهاد، فأقفلوا أبوابه ورضوا بالتقليد وعكفوا على كتب لا يوجد فيها روح العلم، وابتعدوا عن الناس، فجهلوا الحياة وجهلهم الناس، وجهلوا طرق التفكير الحديثة وطرق البحث الحديث، وما جد في الحياة من علم، وما جد فيها من مذاهب وآراء، فأعرض الناس عنهم، ونقموا هم على الناس، فلم يؤدوا الواجب الديني الذي خصصوا أنفسهم له.
ولما فترت همة المتأخرين من العلماء عن التأليف. عمدوا الى مصنفات السلف الصالح رضوان الله عليهم وشرحوها، ثم عمدوا إلى الشرح فشرحوها، وسموا ذلك حاشية، ثم عمدوا الى الحواشي فشرحوها وسموا ذلك تقريرا، فتحصل عندهم متن هو أصل المصنف، وشرح، وشرح شرح، وشرح شرح الشرح، وكانت النتيجة أن تطرق الإبهام الى المعاني الأصلية، واضطربت المباحث، واختلت التراكيب، وتعقدت العبارات، واختفى مراد المصنف.
وورث الأزهر من هذا التعقيد العناية بالمناقشة اللفظية، وتتبع كلمات المؤلفين في المصنفات والشروح والحواشي والتقارير، وتغلبت هذه العناية اللفظية على الروح العلمية الموضوعية، وصرفت الذهن عن الفكرة الأصلية الى ما يتصل بها من ألفاظ وعبارات.
واتجه العلماء إلى الاشتغال بالفروض والاحتمالات العقلية التي لا تقع وما يتصل بها من أحكام، وعلى الأخص في العبادات والمعاملات، وبدأوا يصنفون الرسائل في هذه الفروض والاحتمالات وبذلك انصرفوا عن تنمية الفقه العملي الذي يحتاج إليه الناس في معاملاتهم.
وانصرف الأزهر في هذه الحقبة المظلمة عن دراسة العلوم الرياضية والعقلية، ووجد فيه من ينادي بتحريمها وهكذا بدت بوادر الانحلال في الأزهر، وانقطعت صلته بماضيه الزاهر، ووقفت حركة التفكير العلمي،
وكادت هذه المدرسة الاسلامية الكبرى أن تفقد مميزاتها، من حرية الفكر والإنتاج الخصب، لولا أن قيض الله لها مصلحين أخذوا بيدها، وجنبوها عواقب هذه الآفات والعلل حتى تجمعت فيها، وأثرت في مجرى حياتها.(1/117)
وانصرف الأزهر في هذه الحقبة المظلمة عن دراسة العلوم الرياضية والعقلية، ووجد فيه من ينادي بتحريمها وهكذا بدت بوادر الانحلال في الأزهر، وانقطعت صلته بماضيه الزاهر، ووقفت حركة التفكير العلمي،
وكادت هذه المدرسة الاسلامية الكبرى أن تفقد مميزاتها، من حرية الفكر والإنتاج الخصب، لولا أن قيض الله لها مصلحين أخذوا بيدها، وجنبوها عواقب هذه الآفات والعلل حتى تجمعت فيها، وأثرت في مجرى حياتها.
لقد نفى العثمانيون العلماء المصريين إلى القسطنطينية (1) وانتزعوا الكتب من المساجد والمدارس والمجموعات الخاصة ليودعوها مكتبات العاصمة التركية. وما زالت منها إلى اليوم بقية كبيرة في مكتبات استانبول، ومنها مؤلفات خطية لكثير من أعلام القرن التاسع الهجري المصريين مثل المقريزي، والسيوطي، والسخاوي، وابن إياس، مما يندر وجوده بمصر صاحبة هذا التراث العلمي.
وهكذا انهار صرح الحركة الفكرية في مصر عقب الفتح التركي، كما انهارت عناصر القوة والحياة في المجتمع المصري، وتضاءل شأن العلوم والآداب، وانحط معيار الثقافة، واختفى جيل العلماء الأعلام الذين حفلت بهم العصور السالفة، ولم يبق من الحركة الفكرية الزاهرة التي أظلتها دولة السلاطين المصرية سوى آثار دارسة، يبدو شعاعها الضئيل من وقت إلى آخر.
وقد أصاب الأزهر ما أصاب الحركة الفكرية كلها من الانحلال والتدهور، واختفى من حلقاته كثير من العلوم التي كانت زاهرة به من قبل، حتى إن العلوم الرياضية. لم تكن تدرس به في أواخر القرن الثاني عشر، وقد لاحظ ذلك الوزير أحمد باشا والي مصر سنة 1161هـ (1748م)، في نقاشه للشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الأزهر يومئذ وأنكره في حديث أورده الجبرتي (2)، مما يدل على ما آلت اليه أحوال الدراسة بالأزهر خلال العصر التركي من التأخر والركود.
__________
(1) يعقد ابن إياس مؤرخ الفتح العثماني فصلا خاصا يذكر فيه أسماء مئات من الأكابر والعلماء المصريين الذين نفاهم السلطان سليم إلى القسطنطينية (بدائع الزهور ج 3ص 119وما بعدها).
(2) عجائب الآثار ج 1ص 193(1/118)
على أن الجامع الأزهر كما يقول عنان قام عندئذ بأعظم وأسمى مهمة أتيح له أن يقوم بها. فقد استطاع خلال المحنة الشاملة أن يستبقي شيئا من مكانته، وأن يؤثر بماضيه التالد وهيبته القديمة في نفوس الغزاة انفسهم، فنجد الفاتح التركي يتبرك بالصلاة فيه غير مرة (1)، ونجد الغزاة يبتعدون عن كل مساس به، ويحلونه مكانا خاصا، ويحاولون استغلال نفوذ علمائه كلما حدث اضطراب أو ثورة داخلية. وفي خلال ذلك صار الأزهر ملاذا أخيرا لعلوم الدين واللغة، وغدا بنوع خاص معقلا حصينا للغة العربية، يحتفظ في أروقته بكثير من قوتها وحيويتها، ويدرأ عنها عادية التدهور النهائي، ويمكنها من مغالبة لغة الفاتحين ومقاومتها، وردها عن التغلغل في المجتمع المصري (2).
وهكذا استطاع الأزهر في تلك الأحقاب المظلمة أن يسدي إلى اللغة العربية أجل الخدمات. وإذا كانت مصر قد لبثت خلال العصر التركي ملاذا لطلاب العلوم الاسلامية واللغة العربية من سائر أنحاء العالم
__________
(1) راجع ابن إياس في بدائع الزهور ج 3ص 116و 132
(2) كان بين الأساتذة الذين تولوا التدريس بالجامع الأزهر في أوائل العصر العثماني: نور الدين علي البحيري الشافعي المتوفي سنة 944هـ، والعلامة شهاب الدين ابن عبد الحق السنباطي المتوفى سنة 950هـ، وعبد الرحمن المناوي المتوفى سنة 950هـ، وشمس الدين الشيشيني القاهري الشافعي، والإمام شمس الدين أبو عبد الله العلقمي المتوفي سنة 962هـ، والإمام شمس الدين الصفدي المقدسي الشافعي المتوفي في حدود التسعين وتسعمائة (راجع في تراجم هؤلاء العلماء، الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة مخطوط بدار الكتب).
وكان منهم في أواسط العصر العثماني: عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المالكي المتوفى سنة 1099هـ، والعلامة شاهين بن منصور بن عامر الأرمناوي المتوفي سنة 1101هـ، والعلامة شمس الدين محمد بن محمد الشهير بالشرنبابلي المتوفى سنة 1102هـ. والإمام العلامة إبراهيم بن محمد شهاب الدين البرماوي المتوفى سنة 1106هـ والشيخ حسن بن علي بن محمد الجبرتي جد والد الجبرتي المؤرخ، وقد توفي سنة 1116، والعلامة عبد الحي بن عبد الحق الشرنبلالي المتوفى سنة 117هـ (راجع في تراجم هؤلاء العلماء عجائب الآثار للجبرتي، الجزء الأول).(1/119)
العربي والعالم الإسلامي، فأكبر الفضل في ذلك عائد إلى الأزهر. وقد استطاعت مصر لحسن الطالع بفضل أزهرها ان تحمي هذا التراث نحو ثلاثة قرون، حتى انقضى العصر التركي بمحنه وظلماته، وقيض لها أن تبدأ منذ اوائل القرن التاسع عشر حياة جديدة بمازجها النور والأمل
وربما كانت هذه المهمة السامية التي ألقى القدر زمامها الى الجامع الأزهر في تلك الأوقات العصيبة من حياة الأمة المصرية، والعالم الإسلامي بأسره، هي أعظم ما أدى الأزهر من رسالته، وأعظم ما وفق لإسدائه لعلوم الدين واللغة خلال تاريخه الطويل الحافل.
نصيب 61774 الأزهر من التعمير في هذا العصر:
في عام 1004هـ أيام ولاية الشريف محمد باشا على عمر الأزهر، وجدد ما خرب منه، ورتب فيه غذاء للفقراء.
وفي عام 1014عمر الوزير حسن والي مصر مقام السادة الحنفية أحسن عمارة وبلطة بالبلاط الجيد، وقد تولى مصر من عام 10161014هـ.
وجدد اسماعيل بن إيواظ سقف الجامع الأزهر الذي كان آيلا للسقوط، وقد مات اسماعيل عام 1136هـ ومن آثاره إنشاء مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي ومسجد سيدي علي المليجى.
وأنشأ الأمير عبد الرحمن كتخدا مقصورة في الأزهر مقدار النصف طولا وعرضا يشتمل على خمسين عمودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت وسقف أعلاها بالخشب النقي، وبنى به محرابا جديدا، وأنشأ به منبرا وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة كتامة المعروف بالدوداري وهو المشهور اليوم بباب الصعايدة وبنى بأعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة من الرخام لتعليم الأيتام من أطفال المسلمين القرآن الشريف وجعل بداخله رحبة متسعة وصهريجا عظيما وسقاية للشرب، وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وجعل
عليه قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة الصنعة منقوش عليها اسماء العشرة المبشرين بالجنة وكتابات أخرى وقد توفي الامير عبد الرحمن كتخدا (1)
عام 1190هـ (2):.(1/120)
وأنشأ الأمير عبد الرحمن كتخدا مقصورة في الأزهر مقدار النصف طولا وعرضا يشتمل على خمسين عمودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت وسقف أعلاها بالخشب النقي، وبنى به محرابا جديدا، وأنشأ به منبرا وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة كتامة المعروف بالدوداري وهو المشهور اليوم بباب الصعايدة وبنى بأعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة من الرخام لتعليم الأيتام من أطفال المسلمين القرآن الشريف وجعل بداخله رحبة متسعة وصهريجا عظيما وسقاية للشرب، وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وجعل
عليه قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة الصنعة منقوش عليها اسماء العشرة المبشرين بالجنة وكتابات أخرى وقد توفي الامير عبد الرحمن كتخدا (1)
عام 1190هـ (2):.
وبنى أمام المدفن المذكور رواقا مخصوصا بمجاوري الصعايدة المنقطعين لطلب العلم الشريف بالأزهر، وبه مرافق ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب وبني بجانب ذلك الباب منارة، وأنشأ بابا آخر جهة مطبخ الجامع وهو المشهور بباب الشوربة، وجعل أيضا على يمينه منارة، وجعل فوقه مكتبا وبداخله على يمين الداخل ميضأة، وأنشأ لها ساقية، وصار الان محل الميضة حجرة مكتبة إدارة الأزهر، وقد جاء هذا الباب الكبير وما بداخله من الطيبرسية والاقبغاوية من أحسن المباني في العظم والوجاهة والفخامة وأرخ بعضهم ذلك بهذه الأبيات:
تبارك الله باب الأزهر انفتحا ... وعاد أحسن مما كان وانصلحا
تقر عينا إذا شاهدت بهجته ... بإخلاص بأن له للعلم والصلحا
وادخل على أدب تلق الهداة به ... قد قرروا حكما يزدانها رجحا
بالباب قد بدأ الأكوان أرخه ... بعبد رحمن باب الأزهر انفتحا
وجدد رواقا للمكاويين والتكروريين وزاد في مرتبات الجامع، ورتب لمطبخه في خصوص أيام رمضان في كل يوم خمسة أرادب أرزا أبيض وقنطارا من السمن ولحوما وغير ذلك من المرتبات والزيت والوقود للطبخ، وزاد في طعام المجاورين.
ولما مات هذا الأمير عام 1190هـ صلى عليه في الأزهر، ودفن في مدفنه الذي أعده لنفسه فيه.
__________
(1) 85ج 2الجبرتي.
(2) وتوفي الأمير حسن بك رضوان عام 1192وكان شاعر مجيدا (5038ج 2الجبرتي) وكان الشيخ محمد الهلباوي الشهير بالدمنهوري شاعر الأمير علي بك وكاتبه وتوفي عام 1193هـ (5654ج 2المرجع).(1/121)
وقد حدثت في الأزهر في هذا العهد عدة حوادث مختلفة فلما توفي ثاني شيخ للأزهر وهو الشيخ النشرتي وقعت فتنة بالأزهر عام 1120هـ بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وافترق المجاورون فرقتين فرقة تريد الشيخ أحمد النفراوي والأخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر، فتعصب له جماعة النشرتي، وارسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ النفراوي وحضر للتدريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فانضم اليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضر جماعة النفراوي الى الجامع ليلا ومعهم بنادق وأسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع وأخرجوا جماعة القليني وكسروا باب الاقبغاوية وأجلسوا النفراوي مكان النشرتي، فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع واقفلوا ابوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة وجرح بينهم جرحى كثيرون وانتهبت الخزائن وكسرت القناديل وحضر الوالى فأخرج القتلى وتفرق المجاورون ولم يبق بالجامع أحد ولم يصل فيه ذلك اليوم وأمر النفراوي بلزوم بيته واستقر القليني مكانه.
ولما قربت وفاة شيخ الاسلام الشيخ الدمنهوري الشيخ التاسع للأزهر رغب الشيخ العريشي الحنفي في المشيخة اذ هي اعظم مناصب العلماء فحضر الى الجامع مع ابراهيم بك وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم أن الشيخ الدمنهوري أقامه وكيلا وبعد أيام توفي الشيخ الدمنهوري فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة وساعده الأمراء وكبراء الأشياخ وأبو الأنور السادات وكاد أمره يتم، ومنع من ذلك اجتماع بعض الشافعية وذهابهم إلى الشيخ أحمد الجوهري حيث ساروا إلى بيت البكري وجمعوا عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل الشيخ احمد العروسي والشيخ أحمد السمنودي والشيخ حسن الكفراوي، وكتبوا طلبا للأمراء مضمونه أن مشيخة الأزهر من مناصب الشافعية وليس للحنفية فيها قديم عهد وخصوصا إذا كان آفاقيا كالشيخ عبد الرحمن العريشي وفي العلماء الشافعية من هو أهل لذلك
علما وتنا وانهم اتفقوا على ان يكون المتعين لذلك الشيخ احمد العروسي، وختموا جميعا على الطلب وأرسلوه إلى إبراهيم بك ومراد بك فتوقف الأمراء وشددوا في عدم النقض ورد الطلب للمشايخ فقاموا على ساق، وشدد الشيخ الجوهري في ذلك وركبوا بأجمعهم إلى جامع الامام الشافعي وباتوا به ليلة الجمعة، فهرعت الناس ينظرون فيما يؤول اليه هذا الأمر وكان للأمراء اعتقاد في الشيخ الجوهري، فسعى أكثرهم في انفاذ غرضه وخافوا العطب أو ثوران فتنة وحضر مراد بك للزيارة، فكلمه الشيخ الجوهري وقال له لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي ويكون شيخا على الشافعية وذاك شيخ على الحنفية كما أن الشيخ الدرديري شيخ المالكية والبلد بلد الامام الشافعي وقد جئنا اليه وهو يأمرك بذلك فان خالفت يخشى عليك فاحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي وذهب العروسي الى بيته وأخذ شأنه في الظهور واحتد العريشي لذلك وذهب إلى السادات والأمراء فألبسوه فروة وتفاقم الأمر وصاروا حزبين، وتعصب للعريشي طائفة الشوام والمغاربة ومنعوا الطائفة الأخرى من دخول الجامع واستمر الامر نحو سبعة أشهر إلى وقوع حادثة بين الشوام والأتراك واحتد الامراء للجنسية واكدوا في طلب الفصل في الامر وتصدى العريشي للذب عن الشوام، فانطلقت عليه الألسن وانحرف عليه الأمراء وطلبوه فاختفى فعزلوه عن الافتاء وحضر الأغا وصحبته العروسي للقبض على الشوام ففروا فاغلقوا رواقهم وسمروه أياما، ثم اصطلحوا وثبتت مشيخة العروسي وامر العريشي بلزوم بيته فاختلى بنفسه للعبادة ومرض من الحزن وتوفي سنة 1193هـ رحم الله الجميع(1/122)
ولما قربت وفاة شيخ الاسلام الشيخ الدمنهوري الشيخ التاسع للأزهر رغب الشيخ العريشي الحنفي في المشيخة اذ هي اعظم مناصب العلماء فحضر الى الجامع مع ابراهيم بك وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم أن الشيخ الدمنهوري أقامه وكيلا وبعد أيام توفي الشيخ الدمنهوري فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة وساعده الأمراء وكبراء الأشياخ وأبو الأنور السادات وكاد أمره يتم، ومنع من ذلك اجتماع بعض الشافعية وذهابهم إلى الشيخ أحمد الجوهري حيث ساروا إلى بيت البكري وجمعوا عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل الشيخ احمد العروسي والشيخ أحمد السمنودي والشيخ حسن الكفراوي، وكتبوا طلبا للأمراء مضمونه أن مشيخة الأزهر من مناصب الشافعية وليس للحنفية فيها قديم عهد وخصوصا إذا كان آفاقيا كالشيخ عبد الرحمن العريشي وفي العلماء الشافعية من هو أهل لذلك
علما وتنا وانهم اتفقوا على ان يكون المتعين لذلك الشيخ احمد العروسي، وختموا جميعا على الطلب وأرسلوه إلى إبراهيم بك ومراد بك فتوقف الأمراء وشددوا في عدم النقض ورد الطلب للمشايخ فقاموا على ساق، وشدد الشيخ الجوهري في ذلك وركبوا بأجمعهم إلى جامع الامام الشافعي وباتوا به ليلة الجمعة، فهرعت الناس ينظرون فيما يؤول اليه هذا الأمر وكان للأمراء اعتقاد في الشيخ الجوهري، فسعى أكثرهم في انفاذ غرضه وخافوا العطب أو ثوران فتنة وحضر مراد بك للزيارة، فكلمه الشيخ الجوهري وقال له لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي ويكون شيخا على الشافعية وذاك شيخ على الحنفية كما أن الشيخ الدرديري شيخ المالكية والبلد بلد الامام الشافعي وقد جئنا اليه وهو يأمرك بذلك فان خالفت يخشى عليك فاحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي وذهب العروسي الى بيته وأخذ شأنه في الظهور واحتد العريشي لذلك وذهب إلى السادات والأمراء فألبسوه فروة وتفاقم الأمر وصاروا حزبين، وتعصب للعريشي طائفة الشوام والمغاربة ومنعوا الطائفة الأخرى من دخول الجامع واستمر الامر نحو سبعة أشهر إلى وقوع حادثة بين الشوام والأتراك واحتد الامراء للجنسية واكدوا في طلب الفصل في الامر وتصدى العريشي للذب عن الشوام، فانطلقت عليه الألسن وانحرف عليه الأمراء وطلبوه فاختفى فعزلوه عن الافتاء وحضر الأغا وصحبته العروسي للقبض على الشوام ففروا فاغلقوا رواقهم وسمروه أياما، ثم اصطلحوا وثبتت مشيخة العروسي وامر العريشي بلزوم بيته فاختلى بنفسه للعبادة ومرض من الحزن وتوفي سنة 1193هـ رحم الله الجميع
وفي غرة رمضان سنة 1199ثار فقراء المجاورين والقاطنون بالأزهر وأقفلوا أبوابه ومنعوا منه الصلوات وكان ذلك يوم جمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك اغلقوا المسجد الحسيني وخرج العميان والمجاورون يسيرون في الأسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره، وسبب ذلك قطع رواتبهم واخبازهم المعتادة، واستمروا على ذلك حتى حضر سليم اغا بعد
العشاء في المدرسة الأشرفية وأرسل إلى مشايخ الأروقة وتكلم معهم والتزم لهم بإجراء رواتبهم وفي سنة 1200هـ قطعت أخبازهم ومرتباتهم وفعلوا مثل ذلك وحضر إليهم سليم أغا مثل الأول والتزم ولم يوف، فضجت المجاورون فوق المنارات فحضر ونجز لهم بعض المرتبات مدة، ثم انقطع ثم التزم وتكرر الغلق والفتح مرارا عديدة مع منع المرتبات وإجرائها.(1/123)
وفي غرة رمضان سنة 1199ثار فقراء المجاورين والقاطنون بالأزهر وأقفلوا أبوابه ومنعوا منه الصلوات وكان ذلك يوم جمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك اغلقوا المسجد الحسيني وخرج العميان والمجاورون يسيرون في الأسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره، وسبب ذلك قطع رواتبهم واخبازهم المعتادة، واستمروا على ذلك حتى حضر سليم اغا بعد
العشاء في المدرسة الأشرفية وأرسل إلى مشايخ الأروقة وتكلم معهم والتزم لهم بإجراء رواتبهم وفي سنة 1200هـ قطعت أخبازهم ومرتباتهم وفعلوا مثل ذلك وحضر إليهم سليم أغا مثل الأول والتزم ولم يوف، فضجت المجاورون فوق المنارات فحضر ونجز لهم بعض المرتبات مدة، ثم انقطع ثم التزم وتكرر الغلق والفتح مرارا عديدة مع منع المرتبات وإجرائها.
وفي أول جمعة من جمادى الأولى سنة 1200هـ ثار جماعة من أهالي الحسينية بسبب ما حصل من حسين بك بشفت فإنه تسلط على هجم البيوت فركب بجنده إلى الحسينية وهجم على دار أحمد سالم الجزار المتولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهبه حتى حلى النساء والفرش، فحضر أهل الحسينية إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول وانضم اليهم كثير من العامة وبأيديهم نبابيت ومساوق، وذهبوا الى الشيخ الدردير فساعدهم بالكلام، وقال لهم أنا معكم فخرجوا من نواحي الجامع وأقفلوا أبوابه وصعد منهم طائفة على المنارات يصيحون ويدقون بالطبول وانتشروا بالأسواق في حالة منكرة وأغلقوا الحوانيت، وقال لهم الشيخ الدردير: في غدا نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة ونركب معهم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم، فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا ومحمد كتخدا الجلفي كتخدا إبراهيم بك وجلسوا في الغورية، ثم ذهبوا الى الشيخ الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا اكتبوا لنا قائمة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون وقرءوا الفاتحة على ذلك وانصرفوا، وركب الشيخ إلى إبراهيم بك وأرسل إلى حسين بك وأحضره وكلمه في ذلك فقال: كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بك ينهب وأنا أنهب ثم انفض المجلس وهدأت القضية.
وبعد حادثة أهل الحسينية السابقة بأيام قليلة تعصب مجاورو الصعايدة في الأزهر وأبطلوا دروس المدرسين به بسبب نهب سليمان بك الأغا سفينة لهم فيها تمر وسمن مدعيا أن له مالا متأخرا عند أولاد وافي في الصعيد وأن ذلك
مالهم، وليس كذلك بل هو مال مجاوري الصعايدة، فركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ المصيلحي وآخرون إلى إبراهيم بك وتكلموا معه بحضوة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما، فرد سليمان بك بعض ما أخذه.(1/124)
وبعد حادثة أهل الحسينية السابقة بأيام قليلة تعصب مجاورو الصعايدة في الأزهر وأبطلوا دروس المدرسين به بسبب نهب سليمان بك الأغا سفينة لهم فيها تمر وسمن مدعيا أن له مالا متأخرا عند أولاد وافي في الصعيد وأن ذلك
مالهم، وليس كذلك بل هو مال مجاوري الصعايدة، فركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ المصيلحي وآخرون إلى إبراهيم بك وتكلموا معه بحضوة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما، فرد سليمان بك بعض ما أخذه.
وقد حدثت حوادث أيام مشيخة الشيخ الشرقاوي، منها أن طائفة المجاورين بالأزهر من الشرقاويين كانوا قاطنين بالطيبرسية وكانت لهم خزائن برواق معمر فوقع بينهم وبين أهل الطيبرسية مشاجرة وضربوا نقيب الرواق ومنعهم شيخ الطيبرسية منها وكان ذلك سببا لبناء رواق السراقوة.
ومنها في سنة 1209هـ حضر أهل قرية بشرقية بلبيس، وذكروا أن أتباع محمد بك الألفي ظلموهم وطلبوا منهم مالا لا قدرة لهم عليه، فاغتاظ الشيخ الشرقاوي من ذلك وحضر إلى الأزهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد أن خاطب مراد بك وإبراهيم بك ولم يبديا شيئا، وأمر الشيخ الناس بغلق الأسواق والحوانيت ثم ركبوا ثاني يوم إلى بيت السادات وتبعهم كثير من العامة وازدحموا أمام الباب والبركة، بحيث يراهم إبراهيم بك، فأرسل لهم أيوب بيك الدفتردار فوقف بين أيديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا نريد العدل وإبطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها، فقال لا تمكن الإجابة إلى هذا كله فإنا إن فعلنا ذلك لضاقت علينا المعايش، فقالوا ليس هذا بعذر عند الله وما الباعث على الإكثار من النفقات والمماليك والأمير يكون أميرا بالإعطاء لا بالأخذ، فقال حتى أبلغ وانصرف وانفض المجلس وركب المشايخ إلى الجامع الأزهر، واجتمع أهل الأطراف وباتوا به، فبعث مراد بك يقول أجيبكم إلى جميع ما ذكرتموه إلا شيئين: ديوان بولاق وطلبكم المتأخر من الجامكية، ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا إليه بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح، وفي اليوم الثلث اجتمع الأمراء والمشايخ في بيت إبراهيم بك وفيهم الشيخ الشرقاوي وانعقد الصلح على رفع المظالم ما عدا ديوان بولاق وأن يكفوا أتابعهم عن مد أيديهم إلى أموال الناس ويسيروا في الناس سيرة حسنة، وكتب القاضي حجة بذلك
ووقع عليها الباشا والأمراء وانجلت الفتنة، وفرح الناس نحو شهر، ثم عاد الحال إلى أصله.(1/125)
ومنها في سنة 1209هـ حضر أهل قرية بشرقية بلبيس، وذكروا أن أتباع محمد بك الألفي ظلموهم وطلبوا منهم مالا لا قدرة لهم عليه، فاغتاظ الشيخ الشرقاوي من ذلك وحضر إلى الأزهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد أن خاطب مراد بك وإبراهيم بك ولم يبديا شيئا، وأمر الشيخ الناس بغلق الأسواق والحوانيت ثم ركبوا ثاني يوم إلى بيت السادات وتبعهم كثير من العامة وازدحموا أمام الباب والبركة، بحيث يراهم إبراهيم بك، فأرسل لهم أيوب بيك الدفتردار فوقف بين أيديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا نريد العدل وإبطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها، فقال لا تمكن الإجابة إلى هذا كله فإنا إن فعلنا ذلك لضاقت علينا المعايش، فقالوا ليس هذا بعذر عند الله وما الباعث على الإكثار من النفقات والمماليك والأمير يكون أميرا بالإعطاء لا بالأخذ، فقال حتى أبلغ وانصرف وانفض المجلس وركب المشايخ إلى الجامع الأزهر، واجتمع أهل الأطراف وباتوا به، فبعث مراد بك يقول أجيبكم إلى جميع ما ذكرتموه إلا شيئين: ديوان بولاق وطلبكم المتأخر من الجامكية، ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا إليه بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح، وفي اليوم الثلث اجتمع الأمراء والمشايخ في بيت إبراهيم بك وفيهم الشيخ الشرقاوي وانعقد الصلح على رفع المظالم ما عدا ديوان بولاق وأن يكفوا أتابعهم عن مد أيديهم إلى أموال الناس ويسيروا في الناس سيرة حسنة، وكتب القاضي حجة بذلك
ووقع عليها الباشا والأمراء وانجلت الفتنة، وفرح الناس نحو شهر، ثم عاد الحال إلى أصله.
ويذكر ابن إياس أن السلطان سليم شاه العثماني دخل الجامع الأزهر يوم الجمعة سنة 923هـ فصلى به الجمعة وتصدق هناك بمبلغ كبير
وزار الأزهر الشريف السلطان الأعظم عبد العزيز خان، وقد حظي بكثير من خيرات ملوك آل عثمان.
61775 - الأزهر والحركة العلمية في هذا العهد:
نبغ من هذا العصر عدد كبير من العلماء والأدباء والشعراء، منهم:
الشهاب الخفاجي المتوفى 1069هـ، والبديعي المتوفى عام 1073هـ، وعبد القادر البغدادي المتوفى عام 1093هـ صاحب خزانة الأدب، والسيد مرتضى الزبيدي (12051145هـ) مؤلف تاج العروس، والصبان المتوفى عام 1206هـ.
ومنهم المحبي (11111061هـ) مؤلف خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، والشعراني المتصوف المتوفى عام 973هـ، وعبد الله الشبراوي المتوفى عام 1172هـ، وسواهم.
وهؤلاء كانوا من غير شك ممن أفادوا من الأزهر، وتأثروا به.
وفي هذا العهد استمر الأزهر مدى القرون الثلاثة التي حكم العثمانيون فيها مصر، يجاهد لحفظ البقية الباقية من اللغة العربية والعلوم القرآنية التي أصبحت في حال ذبول أو شبه جفاف، وكان له الفضل على كل حال في الإبقاء على حشاشة هذا التراث الإسلامي، لقد صار الأزهر أشهر الجوامع في التدريس على الإطلاق. وقصده طلاب العلم من كل ناحية حتى تركستان والهند وزيلع وسنار. ولكل طائفة منهم رواق باسمهم كرواق الشوام أو المغاربة أو العجم، أو الزيالعة، أو اليمنية أو الهندية، فضلا عن أروقة الصعيد.
وبلغ عدد تلاميذ الأزهر في أوائل القرن التاسع للهجرة أي نحو عام 818هـ 750طالبا من طوائف مختلفة، وكانوا مقيمين في الجامع ومعهم صناديقهم وخزائنهم يتعلمون فيه في الفقه والحديث والنحو والمنطق، وزادوا في عصر العثمانيين على ذلك زيادة كبيرة.(1/126)
وفي هذا العهد استمر الأزهر مدى القرون الثلاثة التي حكم العثمانيون فيها مصر، يجاهد لحفظ البقية الباقية من اللغة العربية والعلوم القرآنية التي أصبحت في حال ذبول أو شبه جفاف، وكان له الفضل على كل حال في الإبقاء على حشاشة هذا التراث الإسلامي، لقد صار الأزهر أشهر الجوامع في التدريس على الإطلاق. وقصده طلاب العلم من كل ناحية حتى تركستان والهند وزيلع وسنار. ولكل طائفة منهم رواق باسمهم كرواق الشوام أو المغاربة أو العجم، أو الزيالعة، أو اليمنية أو الهندية، فضلا عن أروقة الصعيد.
وبلغ عدد تلاميذ الأزهر في أوائل القرن التاسع للهجرة أي نحو عام 818هـ 750طالبا من طوائف مختلفة، وكانوا مقيمين في الجامع ومعهم صناديقهم وخزائنهم يتعلمون فيه في الفقه والحديث والنحو والمنطق، وزادوا في عصر العثمانيين على ذلك زيادة كبيرة.
وفي كتاب التعليم العام في مصر ما يفيد أن العلوم التي كانت تدرس غالبا بالأزهر حتى منتصف القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) هي الآداب والفقه التوحيد.
وكانت تدرس أحيانا بصفة استثنائية علوم الفلك، والعلوم الرياضية، والعلوم الطبيعية، والتجريبية، إجمالا.
واشتدت المنافسة الفكرية التي كانت بين المذاهب في الأزهر، والتي أدت إلى ظهور المذهب الشافعي على سائر المذاهب، حيث نرى منذ هذا الوقت المذاهب كلها تدرس سويا بالأزهر، إلا أن المشيخة كانت في الغالب للشافعيين. والمنافسة كما يدلنا التاريخ كانت شديدة على هذا المنصب، وكانت في أكثر الأوقات تدور بين المذهبين الشافعي والحنفي، والمذهب الحنفي كان غالبا مذهب الأمراء والولاة من الأكراد والمماليك والأتراك. ولا زلنا للآن نجد المذهب الحنفي في صف السلطة القضائية في هيئة الحكم، فعليه تسير المحاكم الشرعية في قضائها. ويرى الأستاذ «فولر» أن وجود جدث الامام الشافعي الطاهر في مسجده المنيف، وكذلك سلطانه الروحي في نفوس الأهالي، مما ساعدا على كثرة أتباعه. وقد يكون هذا صحيحا، والواقع أن مرجع هذه المنافسة يعود إلى خلاف في طبيعة المذهبين.
ومهما يكن من أمر فالأزهر في كل عصوره حتى حكم محمد علي كان مركز التعليم الذي تدور حوله الحركة العلمية في البلاد، ولهذا المركز الممتاز أدت هذه الجامعة خدمتين من أجل الخدمات التي لها أثرها الواضح في حياة مصر الاجتماعية والسياسية عامة: الأولى عمله على نشر
اللغة العربية وتوطيدها بالبلاد المصرية، وشد أزرها ضد اللغة القومية التي غزاها الإسلام بلغته العربية العريقة. والثانية دعم أسس الديانة الإسلامية ووقوفها تسند الإسلام بكل ما انبعث فيها من المجهودات العقلية والروحية.(1/127)
ومهما يكن من أمر فالأزهر في كل عصوره حتى حكم محمد علي كان مركز التعليم الذي تدور حوله الحركة العلمية في البلاد، ولهذا المركز الممتاز أدت هذه الجامعة خدمتين من أجل الخدمات التي لها أثرها الواضح في حياة مصر الاجتماعية والسياسية عامة: الأولى عمله على نشر
اللغة العربية وتوطيدها بالبلاد المصرية، وشد أزرها ضد اللغة القومية التي غزاها الإسلام بلغته العربية العريقة. والثانية دعم أسس الديانة الإسلامية ووقوفها تسند الإسلام بكل ما انبعث فيها من المجهودات العقلية والروحية.
والخطة التي انتهجها الأزهر تتلخص في أنه بعد زوال الدولة الفاطمية وعمل صلاح الدين على إبادة آثارها، أدخلت المذاهب الأربعة في الأزهر وصارت سواسية في التدريس فيه، وكان لكل مذهب شيخ، وله مطلق السلطة على الأساتذة والطلاب الدين ينضمون تحت لواء مذهبه.
وكان من آثار الأزهر فوق هذا أن جعل لمصر مكانة ممتازة وسلطانا أدبيا على شعوب الشرق، وأصبحت البلاد الشرقية تنظر إلى مصر نظرة الحائر إلى الهادي المرشد. وتعترف لها بالفضل والعلم.
وكان التعليم فيه على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى يبدأ التلميذ فيها بتعلم الهجاء والقراءة والكتابة ويحفظ ما تيسر من القرآن عن ظهر قلب ليكون هذا الجزء المادة التي يستطيع أن يطبق التلميذ فيها عمليا ما أخذ من المعلومات النظرية في تعلمه قواعد الهجاء والكتابة، فيطالب التلميذ بكتابة هذا الجزء وقراءته، ثم ينتقل من هذا الجزء إلى غيره كتابة وقراءة وحفظا حتى يتم القرآن وهذه أول مراحل التعليم، ويكون التلميذ فيها قد تعلم القراءة والكتابة وتستغرق هذه المرحلة من سنتين إلى ثلاث.
ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية ويظل تحت إشراف أستاذه، يعطيه دروسا في القراءة والكتابة، وموضوعات إنشائية سهلة تتدرج فيها من السهولة إلى الصعوبة، متمشيا في ذلك مع النمو العقلي للتلميذ، ويكون التلميذ في هذه السن على أبواب دور المراهقة وكل ما استفاده من هذه البرامج تحصيله للقرآن الشريف، فالتلميذ يستطيع أن يستغل ما حفظه منه في تعمير حياته الروحية، وتلاوته تكون سلواه وأنيسه، ويتخير من الآيات ما يتفق ونفسه فيستعملها في دعائه وعبادته وصلاته كل يوم، وتكون قواه
العقلية بهذا التمرين قد نشطت بوجه ما، ويكون لسانه قد تقوم واكتسب اللهجة العربية الفصحى وأظهر ما يبدو في هذا الأسلوب التعليمي أنه لا يبدأ بتعليم القواعد والتعاريف والكليات في اللغة إلا بعد أن يكون التلميذ قد تذوق هذه اللغة بنفسه، وتكونت في عقله ملكة وذوق.(1/128)
ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية ويظل تحت إشراف أستاذه، يعطيه دروسا في القراءة والكتابة، وموضوعات إنشائية سهلة تتدرج فيها من السهولة إلى الصعوبة، متمشيا في ذلك مع النمو العقلي للتلميذ، ويكون التلميذ في هذه السن على أبواب دور المراهقة وكل ما استفاده من هذه البرامج تحصيله للقرآن الشريف، فالتلميذ يستطيع أن يستغل ما حفظه منه في تعمير حياته الروحية، وتلاوته تكون سلواه وأنيسه، ويتخير من الآيات ما يتفق ونفسه فيستعملها في دعائه وعبادته وصلاته كل يوم، وتكون قواه
العقلية بهذا التمرين قد نشطت بوجه ما، ويكون لسانه قد تقوم واكتسب اللهجة العربية الفصحى وأظهر ما يبدو في هذا الأسلوب التعليمي أنه لا يبدأ بتعليم القواعد والتعاريف والكليات في اللغة إلا بعد أن يكون التلميذ قد تذوق هذه اللغة بنفسه، وتكونت في عقله ملكة وذوق.
وأغلب المتعلمين كانوا يقفون عند هذا الحد، ويتخرجون في سن الثانية عشرة، وبعضهم كان يخطو إلى المرحلة الثالثة، يدرسون فيها علوم الدين من فقه وحديث وتوحيد الخ، وفي الأحوال الاستثنائية كان بعض الأفراد يدرسون العلوم الطبيعية والرياضية.
والمتخرج ما كان يحصل على شهادة يعترف بها رسميا، وإنما كان يعتمد على مجهوده الشخصي وشهرته وكفاءته في إلزام الناس بالاعتراف بوجوده ومنزلته، وكان لا يتصدر للتدريس إلا من مارس الفنون المتداولة بالأزهر، وتلقاها من أفواه المشايخ، وصار متأهلا للتصدر، حلّالا للمشكلات ومعضلات المسائل، فلا يحتاج لاستئذان إلا على جهة الأدب والبركة، وإنما يعلم بعض المشايخ والطلبة فيحضرون درسه، ويتراكمون عليه، وهو يتأنق في الابتداء ويتهالك في طريق الإغراب والتوغل وقد يتعصب عليه بعض الحاضرين ويتعنت، والبعض الآخر ينتصر له، وإذا تلعثم في إجابته لسائل ربما أقاموه ومنعوه من التصدر، وإذا عاند ربما ضربوه.
ولم يكن للأزهر شيخ منذ أن أنشىء إلى القرن العاشر، وإنما كان يتولاه الملوك والأمراء الذين كانوا يهتمون بشأنه ويكرمون أهله، حتى إذا كان القرن الحادي عشر الهجري جعل للأزهر شيخ، ومما يجمل ذكره أن شيخ الأزهر كان بمثابة شيخ الإسلام في دار الخلافة، فكان يقوم بشؤون الأزهر ويرعى أمور أهله ويفصل في قضاياهم ويضبط مرتباتهم، ويمثلهم لدى الحكومة، ومنوط به إقامة شعائر الدين في أنحاء القطر قاطبة.
وأول من تولى المشيخة كما قاله الجبرتي هو الإمام محمد بن
عبد الله الخرشي المالكي، وقد توفي سنة 1101هـ، وتولى بعده الشيخ محمد النشرتي وتوفي سنة 1120هـ، وجاء بعده الشيخ عبد الباقي المالكي القليني، فلما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن المالكي المتوفى سنة 1133هـ ثم تولى بعده الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي المتوفى سنة 1137هـ، ثم تولى بعده الشيخ إبراهيم الشبراوي الشافعي وتوفي سنة 1171هـ، فتولى المشيخة بعده الشيخ الحفني المتوفى سنة 1181هـ، ثم تولى المشيخة بعده الشيخ عبد الرؤوف السجيني وتوفي سنة 1182هـ، ثم تولى بعده الشيخ أحمد الدمنهوري المذاهبي وتوفي بمنزله ببولاق سنة 1192هـ، وبعد وفاته حصل نزاع في تولي المشيخة بين الشيخين عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي وأحمد العروسي الشافعي مدة سبعة أشهر، ثم آلت إلى الثاني وتوفي سنة 1208هـ، فانتقلت المشيخة إلى الشيخ عبد الله الشهير بالشرقاوي وهو الذي أنشأ رواق الشراقوة، وقد دخل الفرنسيون مصر في أيامه وانتخبوه عضوا في الديوانين: العمومي والخصوصي.(1/129)
وأول من تولى المشيخة كما قاله الجبرتي هو الإمام محمد بن
عبد الله الخرشي المالكي، وقد توفي سنة 1101هـ، وتولى بعده الشيخ محمد النشرتي وتوفي سنة 1120هـ، وجاء بعده الشيخ عبد الباقي المالكي القليني، فلما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن المالكي المتوفى سنة 1133هـ ثم تولى بعده الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي المتوفى سنة 1137هـ، ثم تولى بعده الشيخ إبراهيم الشبراوي الشافعي وتوفي سنة 1171هـ، فتولى المشيخة بعده الشيخ الحفني المتوفى سنة 1181هـ، ثم تولى المشيخة بعده الشيخ عبد الرؤوف السجيني وتوفي سنة 1182هـ، ثم تولى بعده الشيخ أحمد الدمنهوري المذاهبي وتوفي بمنزله ببولاق سنة 1192هـ، وبعد وفاته حصل نزاع في تولي المشيخة بين الشيخين عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي وأحمد العروسي الشافعي مدة سبعة أشهر، ثم آلت إلى الثاني وتوفي سنة 1208هـ، فانتقلت المشيخة إلى الشيخ عبد الله الشهير بالشرقاوي وهو الذي أنشأ رواق الشراقوة، وقد دخل الفرنسيون مصر في أيامه وانتخبوه عضوا في الديوانين: العمومي والخصوصي.
61776 - الأزهر وتاريخنا القومي:
قاد الأزهر ثورتين هامتين تعتبران من أسبق الثورات الدستورية العالمية، إحداهما كانت بقيادة أكبر علماء ذلك العصر وهو الإمام أحمد الدردير، والأخرى بقيادة شيخ الأزهر في ذلك الوقت الشيخ عبد الله الشرقاوي رحمهما الله تعالى.
فالثورة الاولى سبقت إشارة لها وخلاصتها أنه في يوم من أيام ربيع الأول عام 1200هـ (يناير عام 1786م) نهب حسين بك شفت وجنوده دارا لشخص يدعى أحمد سالم الجزار بالحسينية جهارا نهارا ظلما وعدوانا. فثارت ثائرة الأهالي، وتشاوروا فيما يجب عليهم أن يفعلوه واتفقوا أخيرا على الالتجاء إلى أقوى العلماء شخصية وأوسعهم نفوذا، وهو الإمام الدردير، فاجتمع الأهالي في اليوم التالي للحادث ويمموا شطر
الجامع الأزهر وقصدوا الشيخ وأخبروه بالواقعة، فغضب الشيخ لاستهتار الأمراء وتعسفهم ونادي في الجماهير غير هياب ولا وجل: أنا معكم، وغدا نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما نهبوا بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم وأمر الشيخ بدق الطبول على المنارات إيذانا بالاستعداد للقتال، وترامت الأخبار بين الأهالي، فأسرعوا نحو الأزهر للاشتراك في المعركة، وكانت أخبار الجماهير الهائجة قد وصلت إلى إبراهيم بك، وبلغه تصميم الإمام الدردير على قيادة الشعب ضد الأمراء، وكان يعلم مقدار ما للشيخ من نفوذ ومكانة على الأهالي، فخشى أن يستفحل الأمر ويؤدي إلى ضياع سلطته في مصر، فأرسل نائبه ومعه أحد الأمراء إلى الإمام الدردير واعتذر له عما حدث، ووعد بأن يكف أيدي الأمراء عن الناس. كما قرر توبيخ حسن بك شفت على صنيعه وطلب قائمة بجميع ما نهبه ليأمره برد ذلك إلى صاحبه، وهكذا وضع الامام قاعدة دستورية هامة وهي احترام الحكم لارادة المحكومين (1).(1/130)
فالثورة الاولى سبقت إشارة لها وخلاصتها أنه في يوم من أيام ربيع الأول عام 1200هـ (يناير عام 1786م) نهب حسين بك شفت وجنوده دارا لشخص يدعى أحمد سالم الجزار بالحسينية جهارا نهارا ظلما وعدوانا. فثارت ثائرة الأهالي، وتشاوروا فيما يجب عليهم أن يفعلوه واتفقوا أخيرا على الالتجاء إلى أقوى العلماء شخصية وأوسعهم نفوذا، وهو الإمام الدردير، فاجتمع الأهالي في اليوم التالي للحادث ويمموا شطر
الجامع الأزهر وقصدوا الشيخ وأخبروه بالواقعة، فغضب الشيخ لاستهتار الأمراء وتعسفهم ونادي في الجماهير غير هياب ولا وجل: أنا معكم، وغدا نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما نهبوا بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم وأمر الشيخ بدق الطبول على المنارات إيذانا بالاستعداد للقتال، وترامت الأخبار بين الأهالي، فأسرعوا نحو الأزهر للاشتراك في المعركة، وكانت أخبار الجماهير الهائجة قد وصلت إلى إبراهيم بك، وبلغه تصميم الإمام الدردير على قيادة الشعب ضد الأمراء، وكان يعلم مقدار ما للشيخ من نفوذ ومكانة على الأهالي، فخشى أن يستفحل الأمر ويؤدي إلى ضياع سلطته في مصر، فأرسل نائبه ومعه أحد الأمراء إلى الإمام الدردير واعتذر له عما حدث، ووعد بأن يكف أيدي الأمراء عن الناس. كما قرر توبيخ حسن بك شفت على صنيعه وطلب قائمة بجميع ما نهبه ليأمره برد ذلك إلى صاحبه، وهكذا وضع الامام قاعدة دستورية هامة وهي احترام الحكم لارادة المحكومين (1).
والثورة الثانية (2) تتلخص كما تقدم في أنه في شهر ذي الحجة عام (1209هـ 1795م) اشتكى فلاحو قرية من قرى بلبيس إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي من ظلم محمد بك الألفي ورجاله، فبلغ الشيخ الشرقاوي الشكوى إلى كل من مراد وإبراهيم بك، وخاطبهما في كف أذى محمد بك الألفي عن الفلاحين فلم يفعلا شيئا، فما كان من الشيخ الشرقاوي رحمه الله تعالى إلا أن عقد اجتماعا في الأزهر حضره العلماء وتشاوروا في الأمر فاستقر رأيهم على مقاومة الامراء بالقوة حتى يجيبوا مطالبهم، وقرروا إغلاق أبواب الجامع الأزهر، وأمروا الناس بغلق الأسواق والحوانيت استعدادا للقتال.
__________
(1) مجلة الأزهر عدد شوال 1372الأستاذ أحمد عز الدين خلف الله والجبرتي طبعة بولاق ج 2 ص 104103.
(2) الجيرتي ج 2ص 258، والأستاذ خلف الله في مجلة الأزهر.(1/131)
وفي اليوم التالي: ركب الشيخ الشرقاوي ومعه العلماء وتبعهم الجماهير وسار الجميع الى منزل الشيخ السادات يستشيرونه في بدء المعركة، وكان قصر ابراهيم بك قريبا من قصر الشيخ السادات، فراعه احتشاد الجماهير هناك، وعلم باجتماع العلماء عند الشيخ السادات، فبادر بارسال أيوب بك الدفتردار ليسأل عن مرادهم.
فقالوا له: نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها وأحدثتموها.
فأجابهم قائلا: لا يمكن الإجابة إلى هذا كله فإننا إن فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش والنفقات. فقالوا له: هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس، وما الباعث على الاكثار من النفقات وشراء المماليك، والأمير يكون اميرا بالاعطاء لا بالأخذ!.
فقال لهم: حتى أبلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب.
صمم العلماء في هذا المجلس على أن يخوضوا المعركة مع الأمراء، فإما ان يستشهدوا أو ينالوا حقوق الشعب كاملة. وأعلنوا أهالي القاهرة بعزمهم. فتقاطرت الجماهير صوب الأزهر وباتوا هم والعلماء داخل المسجد وحوله.
هال إبراهيم بك ما بلغه من احتشاد الشعب ومرابطته مع العلماء استعدادا للقتال. فأرسل الى العلماء يعتذر إليهم ويبرىء نفسه ملقيا التبعة على شريكه في الحكم مراد بك، بل ذهب الى أبعد من هذا إذ يقول «أنا معكم وهذه الأمور على غير خاطري ومرادي»، وأرسل مراد بك يستحثه لعمل شيء ويخيفه عاقبة الثورة التي توشك ان تنفجر.
وفي اليوم الثالث للثورة توجه والي مصر إلى منزل إبراهيم بك واجتمع مع أمراء المماليك وقرروا إيجاد حل سريع حاسم قبل ان يفلت الزمام فتشتعل الثورة، وأرسلوا إلى العلماء ليحضروا الاجتماع، فحضر الشيخ السادات والسيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري
والشيخ الأمير وطال الحديث بينهم، وكان مداره حول حقوق الشعب، ولم يستطع ابراهيم بك ولا مراد بك ولا الأمراء المكابرة في هذه المرة، فقد كانت القاهرة تغلي كالمرجل وكانت أشبه ببركان يوشك أن يثور، وكان الشعب المتكتل في الخارج يلوح مهددا متوعدا، وانتهى هذا المجلس التاريخي بموافقة الأمراء والوالي على القرارات الآتية:(1/132)
وفي اليوم الثالث للثورة توجه والي مصر إلى منزل إبراهيم بك واجتمع مع أمراء المماليك وقرروا إيجاد حل سريع حاسم قبل ان يفلت الزمام فتشتعل الثورة، وأرسلوا إلى العلماء ليحضروا الاجتماع، فحضر الشيخ السادات والسيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري
والشيخ الأمير وطال الحديث بينهم، وكان مداره حول حقوق الشعب، ولم يستطع ابراهيم بك ولا مراد بك ولا الأمراء المكابرة في هذه المرة، فقد كانت القاهرة تغلي كالمرجل وكانت أشبه ببركان يوشك أن يثور، وكان الشعب المتكتل في الخارج يلوح مهددا متوعدا، وانتهى هذا المجلس التاريخي بموافقة الأمراء والوالي على القرارات الآتية:
أولا: لا تفرض ضريبة الا إذا أقرها مندوبو الشعب.
ثانيا: أن ينزل الحكام على مقتضى أحكام المحاكم.
ثالثا: ألا تمتد يد ذي سلطان إلى فرد من أفراد الأمة إلا بالحق والشرع.
وكان القاضي الشرعي حاضر فحرر (حجة) تضمنت هذه القرارات وقع عليها الوالي، وختم عليها إبراهيم بك وأرسلها إلى مراد بك فختم عليها أيضا وانحلت الأزمة. ورجع العلماء يحيط بكل منهم موكب من الأهالي وهم ينادون: حسب مارسمه سادتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية.
ولو تأملنا في هذا النص الذي ساقه مؤرخ مصر الجبرتي ودققنا النظر في قوله «حسب ما رسمه سادتنا العلماء» لوجدنا أن هذه العبارة الظاهرة تحمل مبدأ دستوريا هائلا: وهو أن الأمة مصدر السلطات.
وقد توافق رأي أكثر المؤرخين الفرنجة على ان هذه الحجة بمثابة وثيقة إعلان حقوق الانسان، سبقت بها مصر غيرها.
وقد طبق وكلاء الشعب ويمثلهم العلماء والأعيان هذا المبدأ مبدأ الأمة مصدر السلطات على والي مصر خورشيد باشا، حين عجز عن ضبط الأمن في البلاد، إذ عقدوا مؤتمرا وطنيا يوم 13صفر عام 1220هـ، وقرروا عزل الوالي. ولما رفض الاذعان لهذا القرار قام العلماء والأعيان والشعب بتنفيذ قرار الأمة بالقوة ودارت رحا الحرب بينهم
وبين الوالي، وكانت الأوامر خلال المعركة تصدر باسم السيد عمر مكرم والعلماء بصفتهم وكلاء الأمة، وأجبروه أخيرا على الاذعان لقرار الأمة في 29جمادي الأولى عام 1220هـ.(1/133)
وقد طبق وكلاء الشعب ويمثلهم العلماء والأعيان هذا المبدأ مبدأ الأمة مصدر السلطات على والي مصر خورشيد باشا، حين عجز عن ضبط الأمن في البلاد، إذ عقدوا مؤتمرا وطنيا يوم 13صفر عام 1220هـ، وقرروا عزل الوالي. ولما رفض الاذعان لهذا القرار قام العلماء والأعيان والشعب بتنفيذ قرار الأمة بالقوة ودارت رحا الحرب بينهم
وبين الوالي، وكانت الأوامر خلال المعركة تصدر باسم السيد عمر مكرم والعلماء بصفتهم وكلاء الأمة، وأجبروه أخيرا على الاذعان لقرار الأمة في 29جمادي الأولى عام 1220هـ.
هذا وقد سجل التاريخ للعلماء السابقين مواقف مجيدة في الدفاع عن حقوق الشعب نذكر منهم الإمام شمس الدين محمد الحنفي المتوفى ي عام 847هـ، والشيخ شمس الدين الديروطي الواعظ بالأزهر الشريف والمتوفى عام 921هـ، وشيخ الاسلام الامام محمد بن سالم الحنفي المتوفى عام 1181هـ.(1/134)
الشهاب الخفاجي المصري 1069975هـ
والده هو محمد بن عمر الخفاجي المصري الشافعي احد علماء عصره، وأعلام دهره.
وكان من الفضلاء والأدباء البارعين، المتعمقين المحققين المتقنين، وأخذ عن كبار الشيوخ، وتصدر للإفادة، فانتفع به جماعة من كبار العلماء، من جملتهم ابنه الشاعر العلامة الشهاب الخفاجي صاحب طراز المجالس وسواه من المؤلفات القيمة.
وتوفي الخفاجي عام 1019هـ بعد حياة حافلة، وخدمات جليلة أسداها للعلم والدين والأدب واللغة (1).
أما الشهاب الخفاجي (2):
__________
(1) 411ج 7دائرة المعارف للبستاني، وورد في هذا المرجع أن وفاته عام 1011هـ وهو غير صحيح إذ قد ذكر الشهاب في الريحانة في ترجمته لخاله أبي بكر الشنواني أنه توفي هو ووالده في وقت واحد [116الريحانة] وقد توفي خاله سنة 1019هـ.
(2) ترجم لنفسه في الريحانة [309272]. وترجم له المحبي في الجزء الأول من تاريخ خلاصة الأثر [343331]. كما ترجم له ابن معصوم في سلافة العصر [427420]، وأشار إلى كتابه الريحانة في ص 8وأثنى عليه. وله ترجمة في مصباح العصر في تواريخ شعراء مصر طبع بيروت 1288. وترجم له جورجي زيدان في كتابه تاريخ آداب اللغة العربية ص 287 ج 3.
وترحم له الأستاذ محمود مصطفى في الجزء الثالث من تاريخ الأدب العربي. وفي الجزء الثاني من المفصل ترجمة له [311308). وترجم له فنديك في اكتفاء الفنوع بما هو مطبوع ص(1/135)
فمجال الحديث عنه واسع، والمراجع التاريخية والأدبية عنه وعن حياته وشعره كثيرة
وسأتناول جوانب هذه الشخصية الكبيرة في إيجاز:
يقول ابن معصوم في «السلافة» عنه:
أحد الشهب السيارة، والمقتحم من بحر الفضل لجه وتياره، فرع تهدل من خفاجة (1) وفرد سلك سبيل البيان ومهد فجاجه (2)، إلى آخر ما يقول:
ويقول فنديك في كتابه «اكتفاء المطبوع»:
والخفاجي يرجع نسبه إلى قبيلة «خفاجة»، وسكن أبوه في قطعة أرض بقرب سرياقوس شمالي القاهرة (3) وهي قبيلة عربية كبيرة كان لها دولة في العراق ومنها أمراء كثيرون.
وإذا فالشهاب يرجع في نسبته إلى بني خفاجة على وجه التحقيق كما رأينا في هذه المصادر وكما ورد في سوى هذه المصادر.
وإذا كان المحبى في خلاصة الأثر لم يحقق هذه النسبة واكتفى بقوله: خفاجة هي من بني عامر فلعل أصل والده منهم (4)، فذلك لأنه لم
__________
351. وترجم له البستاني في دائرة المعارف 587و 588ج 10كما ترجم له كثير من علماء الأدب في شتى المؤلفات وله ترجمة في عقد الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر للشلي (ص 177من التراجم الملتقطة منه الملحقة بآخر طبقات الشافعية للاسدي رقم 240 تاريخ تيمورية) وله ترجمة من كتابي بنو خناجة الجزء الثاني ص 7359.
(1) هي قبيلته العربية التي ينتمي الشهاب إليها.
(2) 420السلافة.
(3) 351اكتفاء القنوع
(4) راجع خلاصة الأثر 342ج 1، ومقدمة الجزء الأول من حاشية الشهاب المسماة عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي ص 7حيث صدر بذكر ترجمة المحبي للشهاب في كتابه خلاصة الأثر.(1/136)
يكن من علماء الأنساب وكانت حياته بعيدة عن الحجاز ونجد وصميم القبائل العربية، ولم يكن من العرب الخلص، وغير العرب الخلص لا يهتمون بالأنساب ومعرفتها اهتماما كبيرا.
والشهاب هو شهاب الدين محمود بن محمد بن عمر الخفاجي.
ترجم لنفسه في الريحانة فقال ما ننقله عنها في إيجاز «كنت بعد سن التمييز، في مغرس طيب النبت عزيز، في حجر والدي. ومقام والدي غني عن المدح، فلما درجت من عشى قرأت على خالي سيبويه زمانه علوم العربية (1)، ونافست إخواني في الجد والطلب، ثم قرأت المعاني والمنطق وبقية علوم الأدب الاثني عشر ونظرت في كتب المذهبين: أبي حنيفة والشافعي. ومن أجل من أخذت عنهم: شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام الشمس الرملي وأجازني بجميع مؤلفاته ومروياته بروايته عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري [توفي 926هـ] وعن والده، ومنهم أحمد العلقمي (2)
أخذت عنه الأدب والشعر، والعلامة الصالحي الشامي (3) والشيخ داود البصير أخذت عنه الطب» (4)
__________
(1) خاله هذا هو أبو بكر إسماعيل بن شهاب الدين، والده شهاب الدين الشنواني القطب الرباني، وجده الأعلى ابن عم سيدى علي وفا الشريف الوفائي التونسي، وكان أبو بكر علامة عصره في جميع الفنون وكان في عصره إمام النحاة. ولد بشنوان، ودرس في القاهرة على ابن قاسم العبادي وعلي محمد الخفاجي والد الشهاب وأخذ عن كثير سواهما، وتخرج عليه كثير من العلماء وانتهت اليه الرياسة العلمية، ولازمه وتخرج عليه ابن أخته الشهاب الخفاجي وسواه من أكابر العلماء، ثم ابتلى بالفالج فمكث فيه سنين لا يقوم من مجلسه إلا بمساعدة وله عدة مؤلفات، وله شعر رواه الشهاب في الريحانة (115الريحانة) وتوفي سنة 1019عقب طلوع الشمس من يوم الأحد ثالث ذي الحجة وبلغ من العمر نحو الستين ودفن بمقبرة المجاورين [راجع ترجمته في الريحانة (117114) وفي الجزء الأول من خلاصة الأثر (8179)، وفي الخطط التوفيقية لعلي مبارك باشا في الكلام على شنوان (143138/ 12)]
(2) ترجم له في الريحانة ص 195
(3) هو محمد بن نجم الدين الصالحي الهلالي م 1012هـ 1603م وله ديوان شعر اسمه «سجع الحمام في مدح خير الأنام طبع في القسطنطينية سنة 1898 (393اكتفاء القنوع)
(4) راجع 272الريحانة وترجم له في الريحانة ص 205(1/137)
ثم ارتحلت مع والدي للحرمين وقرأت هناك على ابن جاد الله وعلى حفيد العصام وغيره.
ثم ارتحلت الى القسطنطينية فتشرفت بمن فيها من الفضلاء والمصنفين واستفدت وتخرجت عليهم، وممن أخذت عنه الرياضيات وقرأت عليه اقليدس وغيره أستاذي ابن حسن، ثم انقرض هؤلاء العلماء في مدة يسيرة فلم يبق بها عين ولا أثر وآل الامر إلى اجتراء السلاطين والوزراء بقتل العلماء وإهانتهم. ولما عدت إليها أي القسطنطينية ثانيا بعدما وليت قضاء العساكر بمصر رأيت تفاقم الأمر وغلبة الجهل فذكرت ذلك للوزير فكان ذلك سبب عزلي وأمري بالخروج من تلك المدينة (1).
«فان أردت مالي من المآثر فمن تأليفي: الرسائل الأربعون، وحاشية تفسير القاضي في مجلدات، وحاشية شرح الفرائض، وشرح الدرة، وطراز المجالس، وحديقة السحر، وكتاب السوائح، والرحلة (2)، وحواشي الرضى، والجامي، وشرح الشفاء وغير ذلك: ولي من النظم ما هو مسطور في ديواني ومن المنثور رسائل منها: الفصول القصار (3) والمقامة الرومية (4) التي ذكرت فيها أحوال الروم وعلمائها (5)».
وللشهاب عدة مقامات نسج فيها على منوال مقامات الحريري منها:
مقامة الغربة (6)، والمقامة الساسانية (7)، ومقامة عارض بها مقامة
__________
(1) راجع 273الريحانة
(2) قرأه عليه تلميذ للشهاب اسمه عبد القادر وأجازه الشهاب بماله من التآليف والآثار وما رواه من مشايخه الأخيار (راجع 286الريحانة) وعبد القادر هذا هو عبد القادر البغدادي نزيل القاهرة وتلميذ الشهاب وصاحب خزانة الأدب وتوفي سنة 1093 (306فنديك).
(3) نسج فيها على منوال ابن المعتز وذكر منها جزءا في الريحانة (285281)
(4) راجعها في الريحانة 281276
(5) ص 276الريحانة
(6) راجعها في الريحانة (290286) وذكر شرحا موجزا لبعض ما فيها من معان غريبة (راجع 292290)
(7) راجعها في الريحانة (295292)(1/138)
الوطواط (1)، والمقامة المغربية (2).
«وله كتاب شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل، وكتاب ديوان الأدب في ذكر شعراء العرب ذكر فيه مشاهير الشعراء من العرب العرباء والمولدين وله كتاب طراز (3) المجالس وهو مجموع حسن الوضع جم الفائدة رتبه على خمسين مجلسا ذكر فيه مباحث لغوية ونحوية وأصولية وتفسيرية، وله رسائل كثيرة ومكاتبات وافرة لم يجمعها ومقامات ذكر بعضها في ريحانته (4)».
«وكان لما وصل إلى الروم في رحلته الأولى ولي القضاء ببلاد «الروم ايلي» حتى وصل إلى أعلى مناصبها في زمن السلطان مراد حتى اشتهر بالفضل الباهر فولاه السلطان قضاء سلانيك فاستفاد مالا كثيرا ثم اعطي بعدها قضاء مصر وبعد ما عزل عنها رجع الى الروم فمر على دمشق وأقام بها أياما ومدحه فضلاؤها بالقصائد واعتنى به أهلها وعلماؤها، ودخل حلب إثر ذلك ثم رحل إلى الروم وكان إذ ذاك مفتيها يحيى بن زكريا فأعرض عنه فصنع مقامته التي ذكرها في الريحانة وتعرض فيها للمولى المذكور فكان ذلك سبب نفيه الى مصر وأعطي قضاء فيها فاستقر بمصر يؤلف ويصنف وأخذ عنه جماعة اشتهروا بالفصل الباهر، منهم: عبد القادر والحموى وأخذ عنه والدي وكتب عنه أصل الريحانة الذي سماه «خبايا الزوايا فيما في الرجال من البقايا» (5)، «وأصل والده من سرياقوس قرية من قرى الخانقاه» (6).
__________
(1) راجعها في الريحانة (298295)
(2) راجعها في الريحانة (300298) وشرحها في الريحانة (309300)
(3) طبع في القاهرة 1284
(4) 333ج 1خلاصة الأثر
(5) 333و 334ج 1خلاصة الأثر
(6) 343ج 1خلاصة الأثر(1/139)
«ومنى الشهاب بعداوة بعض شعراء عصره (1)» «وتوفي سنة 1069هـ 1658م» (2) في رمضان وعمره فوق التسعين (3)». وإذا يكون ميلاده حوالي سنة 975هـ.
مكانته العلمية:
«الشهاب الخفاجي الحنفي قاضي القضاة المصري وصاحب التصانيف الكثيرة واحد الأفراد المجمع على إمامته وتفروقه وبراعته في عصره (4)».
أجرى من ينبوع الفضل ما أخجل بمصر نيلها وبالشام سيحانه، وأهدى لأرباب الأدب من رياض أدبه أطيب ريحانه (5).
وكان أحد أفراد الدنيا المجمع على تفوقه وكان في عصره بدر سماء العلم ونير أفق النثر والنظم رأس المؤلفين ورئيس المصنفين، سار ذكره مسير المثل، وطلعت أخباره طلوع الشهب في الفلك، وكل من رأيناه أو سمعنا به ممن أدرك وقته معترفون له بالتفرد في التقرير والتحرير وحسن الإنشاء وليس فيهم من يلحق شأوه ولا يدعي ذلك. وتآليفه كثيرة مقبولة وانتشرت في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة فإن الناس اشتغلوا بها، وأشعاره ومنشآته مسلمة لا مجال للخدش فيها. والحاصل أنه فاق كل من تقدمه في كل فضيلة، وأتعب من يجيء بعده مع ما خوله الله من السعة وكثرة الكتب ولطف الطبع والنكتة والنادرة (6).
__________
(1) 427السلافة لابن معصوم
(2) 115فنديك
(3) 588ج 10البستاني
(4) 587، 10البستاني
(5) 420السلافة لابن معصوم
(6) 321و 332ج 1خلاصة الاثر للمحبي م 1111هـ، وص 7ج 1من حاشية الشهاب علي البيغاوي.(1/140)
وهذا يغنينا عن كل كلام في بيان منزلة الشهاب الخفاجي في عصره وبعد عصره.
ثقافة الشهاب:
اما ثقافة الخفاجي الأدبية فواسعة جدا تنبئنا عنها الريحانة وطراز المجالس أحد مؤلفاته ويدلنا عليها أيضا شعره ومقامته ولقد كان الخفاجي متضلعا في علوم اللغة والأدب والبلاغة الى حد بعيد.
وأما ثقافته الدينية فقد أهلته لتولي عدة مناصب قضائية عظيمة منها منصب قاضي القضاة المصري.
وأما ثقافته العامة الأخرى فواسعة جدا كما تنبئنا عنها آثار الخفاجي وكما ذكر في ترجمته لنفسه وكانت له مكتبة مشهورة، وذكر بعضهم أنه وجد في مخلفاته عشرة آلاف مجلد.
نثره: عاش الخفاجي في آخر عصر المماليك حيث الملكات الأدبية في اضمحلال وفناء والإنتاج الأدبي في الشعر والنثر سقيم مرذول ولكن الخفاجي مع هذا كله سليم العبارة قوي الملكة حسن الأسلوب بليغ الأداء يسير كلامه مع الطبع والذوق ولا تنبو عنه الإسماع ولا الأذواق فهو في نثره:
رسائله ومقاماته وكتبه الأدبية التي ألفها زعيم عصره في هذا المذهب الأدبي المطبوع المقبول البعيد عن أثر الصنعة والتكلف أو الحوشية والإغراب أو السوقية والابتذال.
شعره: للخفاجي ديوان شعر مفقود ذكره في الريحانة وقد عثرنا بعد ذلك على نسخة خطية منه بمكتبة الأزهر (بنمرة 505خصوصية أدب) وله عدا ذلك شعر كثير جدا ذكره في كتابه الريحانة وفي كتابه طراز المجالس.
وله مقصورة في مدح النبي صلوات الله عليه عارض بها مقصورة
ابن دريد وقصائد أخرى في هذا المعنى ضمن مجموعة مخطوطة بدار الكتب (76مجاميع (1)) ومقصورته في مدح النبي عارض بها مقصورة زهير ابن أبي سلمى ضمن ترجمة له وعدة أشياء أخرى من آثاره ألحقت بكتاب خبايا الزوايا المخطوط (2) وروى المحبى في خلاصة الأثر بعض شعره، قال: (3) ومن أجود شعره قصيدة دالية مشهورة:(1/141)
وله مقصورة في مدح النبي صلوات الله عليه عارض بها مقصورة
ابن دريد وقصائد أخرى في هذا المعنى ضمن مجموعة مخطوطة بدار الكتب (76مجاميع (1)) ومقصورته في مدح النبي عارض بها مقصورة زهير ابن أبي سلمى ضمن ترجمة له وعدة أشياء أخرى من آثاره ألحقت بكتاب خبايا الزوايا المخطوط (2) وروى المحبى في خلاصة الأثر بعض شعره، قال: (3) ومن أجود شعره قصيدة دالية مشهورة:
قدحت رعود البرق زندا ... أضرمن أشجانا ووجدا
في فحمة الظلماء إذ ... مدت على الخضراء بردا
حتى تثاءب نوره ... وتمطت الأغصان قدا
وعلى الغدير مفاضة ... سردت له النسمات سردا
وحبابه من فوقه ... قد بات يلعب فيه نردا
فسقى معاهد بالحمى ... قد أنبتت حبا وودا
تذر الليالي في ثرى ... من عنبر للمسك أهدى
عجبا لدر ناصع ... أودعن في مسك مندى
في ظل عيش ناعم ... بنسيم اسحار تردى
والدهر عبد طائع ... أهدى لنا شرفا وسعدا
ما زال أصدق ناصح ... كم قال ل هزلا وجدا
سلم امرؤ عن طوره ... في كل حال ما تعدى
فالخطب بحر زاخر ... فاصبر له جزرا ومدا
في ذمة الأيام للأح ... رار دين قد يؤدى
إن ماطلت فلربما ... أنجزن بعد المطل وعدا
فإذا رمى طأطىء له ... رأسا تراه عنك عدى
__________
(1) راجع الجزء الثلث من فهرس دار الكتب حيث قال: «قصائد الخفاجي 10692 «وذكر فيها ميميته التى عارض بها معلقة زهير، ومقصورته التي عارض بها ابن دريد، وخمس قصائد أخرى في مدح الرسول.
(2) بالدار [84و 1312و 4697] أدب.
(3) 336وما بعدها ج 1خلاصة الأثر(1/142)
أفبعد إخواني الألى ... درجوا أخاف اليوم نقدا
عيني إذا استسقت بهم ... تسقى بدمع العين خدا
لو كانت القطرات تجمد ... نظمت في الجيد عقدا
قوم لهم يدعو الثنا ... من شاسع الأقطار وفدا
كم في عكاظ نديهم ... جلبوا لهم شكرا وحمدا
لا يشترون بذخرهم ... إلا جميل الذكر نقدا
أبقى لهم حسن الحديث ... برغم أنف الدهر خلدا
ورثوا المكارم كابرا ... عن كابر فرضا وردا
من كل طود شامخ ... متسربل برداه مجدا
أمست عيونا كلها ... ترنو إلى الأعداء حقدا
تلقى الورى بنديهم ... نكس العيون إذا تبدّى
لبس الجلال على الجمال ... فصد عنه الطرف صدا
فهمو بسلطان التقى اتخذوا ... قلوب الناس جندا
أمسوا بغمد ضريحهم ... وبقيت مثل السيف فردا
ما لي أقيم ببلدة ... فيها بناء الدين هدا
ونها الشهاب إذا سما ... يخشى من السلطان طردا
وستأتي نماذج صغيرة من شعره.
مؤلفات الخفاجي:
1 - الريحانة واسمها «ريحانة الالبا وزهرة الحياة الدنيا» ويقول فيها الشهاب ذخائر من «خبايا الزوايا فيما في الرجال من البقايا» (1) وقد سار عليها هذا الإسم أيضا (2).
وهي تراجم أدبية واسعة لشعراء القرن الحادي عشر وأدبائه وعلمائه في مصر والشام واليمن والحجاز والمغرب، قسمها عدة أقسام:
__________
(1) ص 6من الريحانة
(2) ولكن للشهاب كتاب آخر بهذا الاسم سنذكره عما قليل.(1/143)
فالقسم الأول في تراجم اهل الشام ونواحيها.
والقسم الثاني في تراجم العصريين من أهل المغرب وما والاها.
والقسم الثالث في تراجم مكة ومن بحماها ذكر فيه الدولة الحسينية ومن بها من بقية العلماء والشعراء والأعيان.
والقسم الرابع في ترجمة أهل اليمن ممن بلغه خبره في هذا الزمان ممن بقي بها من الفضلاء والشعراء وكان قريب العهد.
والقسم الخامس في الترجمة لأدباء وعلماء مصر.
والقسم السادس في الترجمة لنفسه
وقد اثنى عليها كل العلماء ورجال الأدب ويقول فيها ابن معصوم:
«أهدى إلى من مكة المشرفة كتاب ريحانة الألبا تأليف العلامة النحرير. شهاب الدين الخفاجي وهو الشهاب الذي أضاء نور فضله في هذا الزمن الداجي، فرأيته قد أجاد فيما ألف وتكفل بالمقصود وما تكلف فلله كتابه من ريحانة تنفست في ليلها البارد وعطرت معاطس الإسماع بطيب نشرها الوارد حتى خاطبها كل كلف بالأدب راح لعرفها منتشقا الخ» (1).
«وقد بنى الخفاجي الريحانة على التراجم ولكنه توسع في تراجم الشعراء فشرح أقوالهم ونقد ما يستحق النقد منها وهو كتاب أدب وتاريخ جليل الفائدة (2).
وقد ذيلها المحبى صاحب خلاصة الأثر م 1111هـ بكتاب سماه «نفحة الريحانة» وقد طبعت الريحانة في مصر سنة 1294هـ في 328 صفحة وهذه الطبعة المذكورة هي التي نقلنا منها ما ذكرناه عن الشهاب ثم طبعت مرة أخرى سنة 1306هـ في 432صفحة.
__________
(1) ص 8من السلافة.
(2) 210ج 2الأدب العربي لمحمود مصطفى(1/144)
2 - حديقة السحر أشار إليه الشهاب في الريحانة (1).
3 - الفصول القصار وأشار إليه الشهاب في الريحانة (2).
4 - الشهب السيارة (3).
5 - طراز المجالس كتاب أدب ولغة بناه على خمسين مجلسا (أي درسا) بحث فيها كثيرا من موضوعات البلاغة والنقد والأدب واللغة والتفسير والحديث والتاريخ وسواها وقد طبع في القاهرة سنة 1284وطبع بطنطا طبعة أخرى وقد أشار إليه الخفاجي في الريحانة (4).
6 - خبايا الزوايا فيما في الرجال من البقايا، وهو من كتب الأدب ولكنه متضمن تراجم من أهل عصره فيهم شيوخه وشيوخ ابنه وعددهم يزيد على سبعين ومنه عدة نسخ خطية بدار الكتب (5) وهو خمسة أقسام وخاتمة: الأول في رجال الشام والثاني في رجال الحجاز والثالث في رجال مصر والرابع في رجال المغرب والخامس في رجال الروم (6).
7 - شفاء الغليل بما في كلام العرب من الدخيل، صدره بمقدمة في التعريب وشروطه ثم أورد الكلمات المعربة مرتبة على حروف المعجم وبين أصلها في لغاتها الأولى وكان يأتي بين هذه الألفاظ بكثير من المحرف والمولد مع الإشارة الى أصلهما والكتاب نافع عظيم الفائدة في بابه (7) وقد طبع الشفاء في مصر سنة 1283في 245صفحة ثم طبعته دار الكتب أخيرا في مجلد كبير الحجم.
__________
(1) راجع ص 20و 38و 376
(2) راجع 276و 281
(3) راجع 119الريحانة
(4) راجع ص 276
(5) 310/ 3الأدب العربي لمحمود مصطفى، 92/ 3فهرس الدار (وهي بنمرة [84و 1312، 4697أدب بدار الكتب)
(6) والخاتمة في نظم المؤلف وشعره، وقد فرغ من تأليفه في 25ربيع الثاني سنة 1042 ويليها ترجمة للمؤلف وقصيدة نوبية عارض بها معلقة زهير
(7) راجع 308/ 3، الأدب العربي لمحمود مصطفى(1/145)
8 - شرح درة الغواص في أوهام الخواص وهو نقد شديد للحريري تعقبه فيه في كل ما أورده في «درة الغواص» ورد عليه بحجج وشواهد قوية. وقد طبع هذا الكتاب في مطبعة الجواكب بالقسطنطينية من مدة كبيرة (1).
9 - حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي سماها: «عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي» طبعت في ثمانية أجزاء ببولاق سنة 1283هـ، فالجزء الأول والثاني في تفسير البقرة، والثالث والرابع إلى آخر التوبة.
والخامس والسادس إلى آخر الفرقان.
والسابع إلى آخر الزخرف
والثامن هو نهاية هذا الكتاب.
وقد طبع بتصحيح الشيخ محمد الصباغ في عهد الخديوي إسماعيل عام 1283هـ وفي آخر الجزء الثامن قصيدة للسيد عبد الهادي نجا تقريظا للكتاب.
وفي مقدمة الجزء الأول منه تقريظ للشيخ محمد الدمنهوري.
10 - وللخفاجي شرح للشفاء سماه «نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض» وقد طبع في أربعة أجزاء في القسطنطينية سنة 1267هـ.
11 - ومن مؤلفاته: كتاب الرحلة، وكتاب السوانح (2) وكتاب حديقة السحر، وكتاب الرسائل الأربعون، وكتاب حاشية شرح الفرائض، وكتاب
__________
(1) وللألوسي م 1270هـ مفتي بغداد كتاب على الدرة سماه كشف الطرة عن الغرة أخذ فيه كثيرا عن شرح الخفاجي ووافقه في كثير من نقده للحريري.
(2) ومنه نسخة خطية بمكتبة الأزهر [نمرة 653خصوصية أدب]، وفي المكتبة أيضا نسخة خطية من ديوانه [بنمرة 505خصوصية أدب] وسنتولى نشرهما بمشيئة الله ونشر كتابه «خبايا الزوايا» وذلك إذا وفق الله وأراد.(1/146)
حواشي الرضى والجامي مما ذكرناه سابقا.
12 - وللخفاجي ديوان شعر، وله عدة مقامات ورسائل أوردها في الريحانة وقد ذكر جورجي زيدان أن في الخزانة التيمورية نسخة من ديوان الشهاب في نحو 300صفحة بخط المؤلف على الأرجح.
وله قصائد مختلفة في برلين والمكتبة الخديوية.
وله كتاب ريحانة النار أو ذوات الأمثال يتضمن كل بيت مثلا وهو في باريس.
وقد ذكرنا أن له ابنا ترجم الشهاب لشيوخه في كتابه خبايا الزوايا، وليس لدي الآن شيء عن تاريخ ابنه وقد بقيت ذرية الشهاب في شنوان حتى العصر الحديث، فقد جاء في الخطط التوفيقية في الكلام عن (1) شنوان ما يأتي:
ومن ذرية الشيخ شهاب الدين المتقدم ذكره عبد الفتاح افندي صبري (الخفاجي) تربى بالمهند سخانة الخديوية ثم نقل من هذه المدرسة في أواخر سنة 1269إلى آلاى المهندسين للحصول على التعليمات والفنون الحربية ثم ترقى إلى ملازم ثاني بآلالاى المذكور ثم نقل إلى هندسة الاستحكامات بقلعة القناطر وبلغ فيها رتبة اليوزباشي والآن أي سنة 1292هـ هو رئيس هندسة القناطر الخيرية برتبة صافول أغاشي.
ووالده أصله من سرياقوس وكل ما أستنتجه من هذا أن أم الشهاب كانت من شنوان (2) وهي إحدى قرى المنوفية وأقام بأرض له بجوار
__________
(1) 143138ج 2الخطط
(2) لشنوان حديث في المجد والتاريخ طويل وقد ذكر الجبرتي عنها في حوادث سنة 1223هـ أن منها الفقيه العلامة محمد الشنواني الشافعي الأزهري شيخ الإسلام بعد موت الشيخ الشرقاوي وقد تولى المشيخة عام 1227هـ وتوفي في 24من المحرم سنة 1233هـ[137135كنز الجوهر في تاريخ الأزهر] وقد يكون هذا الإمام العالم العظيم من أحفاد الشهاب ومن شنوان خرج أيضا كثير من العلماء والأدباء والشعراء.(1/147)
سرياقوس، وإن الشهاب كان له ذرية كبيرة بقيت إلى العصر الحديث.
وأخيرا فإن التراث العلمي والأدبي للشهاب الخفاجي كبير ضخم وعظيم خالد وهو في حاجة إلى البحث عنه والعناية به.
رحم الله الخفاجي وطيب ذكراه وأكرم مثواه فلقد خدم الدين والعلم والأدب أجل الخدمات.
نماذج من شعره: 1أرح طرف عين جفاها الهجوع ... فإن عناء الجفون الدموع
حسيت كؤوس الهوى سحرة ... وساقي المنى لمرادي مطيع
إلى حين غابت نجوم الهدى ... فكان لها في عذارى طلوع
تقنعت بالوصل من طيفه ... وكل محب لعمري قنوع
ولي عنده حاجة للهوى ... وليس لها غير ذلي شفيع
رهنت فؤادي على حبه ... فما باله لفؤادي يضيع
تقيل المحاسن في ظله ... وماء الحمال عليه يشيع
2 - قلت للندمان لما ... مزقوا برد الدياجي
قتلتنا الراح صرفا ... فاقتلوها بالمزاج
3 - ومن شعره:
لا وغصن راق للطرف ورق ... وعليه حلل الظرف ورق
وشموس لم تغب عن ناظري ... والشعور الليل والخد الشفق
وعيون حرمت نومي وما ... حللت لي غير دمعي والأرق
وله أيضا:
ما احمرار الراح الا خجل ... من رضاب سكرت منه الحدق
فجعلت أيام الوصال قصيرة ... ولبست ليلا للهموم طويلا
5 - وله (1):(1/148)
ما احمرار الراح الا خجل ... من رضاب سكرت منه الحدق
فجعلت أيام الوصال قصيرة ... ولبست ليلا للهموم طويلا
5 - وله (1):
سلا بانة الوادي لدى المنزل الرحب ... متى فقدت غر المناقب من صحبي
فهل لي في حماها نفحة عنبرية ... فقد استودعتها الريح من نفس الركب
وهل بين أطلال الرسوم ونؤيها ... حمائم بان في الربى طيرت لبي
وهل من عهود قد تقضت بقية ... يوفي بها حقي ويقضي بها نحبي
سقى الله عهدا للأحبة صيبا ... من الطرف تغنيه عن الوابل السكب
وهيف غصون جادها هاطل الغنى ... فتنبت أوراقا من الشجر القضب
وكل خليل رقرق الود صافيا ... فكل ملام في محبته يصبي
أصدق فيه الظن من ضنتي به ... على كل شيء قد عرفت سوى قلبي
وما ذاك من سوء الفعال جبلة ... فكم جاء سوء الظن من شدة الحب
وبعد فشعر الخفاجي كثير وقوي الأسلوب واضح المعنى كثير ألوان الخيال ينم عن ثقافة صاحبه وعقليته وشخصيته والخفاجي ولا شك بين شعراء القرن الحادي عشر الهجري زعيم الشعر والشعراء.
__________
(1) 124الريحانة(1/149)
الفصل الثامن 61777 الأزهر بعد الحكم العثماني
61778 - الأزهر والغزو الفرنسي 61779 لمصر:
بعد دخول نابليون بونابرت القاهرة جمع العلماء وطلب اليهم اختيار عشرة مشايخ لتأليف ديوان منهم، فوقع اختيارهم على هؤلاء المشايخ العشرة: عبد الله الشرقاوي، خليل البكري، مصطفى الصاوي، سليمان الفيومي، محمد المهدي الكبير، موسى السرسي، مصطفى الدمنهوري، أحمد العريشي، يوسف الشبراخيتي، محمد الدواخلي، ثم اختار هؤلاء رئيسا لهم الشيخ الشرقاوي، واحتفل بونابرت بافتتاح الديوان وأكرم أعضاءه، وأمر المصورين بأخذ صورة كل منهم على حدة. وهذه الصور ما تزال محفوظة في معرض فرساي، وهو أول ديوان وطني، ويعتبر فاتحة السلطة النيابية الانتخابية.
وفي ثورة القاهرة على الفرنسيين ضرب الأزهر بالمدافع، وتتابع الرمي من القلعة وتلال البرقية حتى تزعزعت الأركان وهدمت حيطان الدور، فركب المشايخ إلى كبير الفرنسيين ليرفع عنهم هذا النازل ويكف عسكره عن الرمي، فعاتبهم في التقصير فاعتذروا إليه، فقبل عذرهم ورفع عنهم الرمي وقاموا من عنده ينادون بالأمان في المسالك والطرقات.
وبعد الحادثة السابقة ثارت فتنة بين أهل الحسينية والعطوف وبين الإفرنج وتراموا، ولم يزل الرمي بين الطائفتين حتى فرغ من الطائفة الأولى
البارود، فأثخنهم الفرنج بالرمي المتتابع، وبعد هجعة من الليل دخل الفرنج المدينة ومروا في الأزقة والشوارع وهدموا ما وجدوا من المتاريس وانتشروا في الطرقات وتراسلوا رجالا وركبانا. ثم دخلوا الجامع الأزهر راكبين على خيولهم وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالأروقة وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة ونهبوا أمتعتهم ودشتوا الكتب والمصاحف وطرحوها على الأرض وداسوها بأرجلهم ونعالهم، وبالوا عليها وتغوطوا فيه، وجردوا كل من وجدوه به وأخرجوهم وأصبحوا مصطفين بباب الجامع، وكل من حضر للصلاة يراهم فيكر راجعا، ونهبوا بعض الدور التي بالقرب من الجامع، وخرج سكان تلك الجهة يهرعون للنجاة بأنفسهم، وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد أن كانت أشرف البقاع، وبقي الأمر كذلك يومين قتل فيهما خلائق لا تحصى، ونهبت أموال لا تستقصى، فركب المشايخ بإجمعهم وذهبوا الى بيت سر عسكر الفرنساوية وطلبوا منه الأمان، فوعدهم مع التسويف، وطلب منهم بيانا بمن تسبب في إثارة الفتنة من المعممين فغالطوه، فقال لهم على لسان الترجمان نحن نعرفهم بالواحد، فرجوه في إخراج العسكر من الجامع الأزهر، فأجابهم لذلك وأمر بخروجهم وأسكن منهم نحو السبعين في الخطة، ثم فحصوا عن المتهمين، فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان، والشيخ أحمد الشرقاوي، والشيخ عبد الوهاب الشبرواي، والشيخ يوسف المصيلحي، والشيخ إسماعيل البراوي، وحبسوهم ببيت البكري، ثم ركب الشيخ السادات والمشايخ إلى بيت سر عسكر وتشفعوا في المسجونين، فقيل لهم: لا تستعجلوا، وبعد أيام حضر جماعة من عسكر الفرنسيين إلى بيت البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند سر عسكر ليتحدث معهم، فذهبوا بهم إلى بيت قائمقام بدرب الجماميز وهناك جردوهم من ثيابهم وطلعوا بهم إلى القلعة فسجنوهم إلى الصباح، ثم أخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم خلف القلعة.(1/151)
وبعد الحادثة السابقة ثارت فتنة بين أهل الحسينية والعطوف وبين الإفرنج وتراموا، ولم يزل الرمي بين الطائفتين حتى فرغ من الطائفة الأولى
البارود، فأثخنهم الفرنج بالرمي المتتابع، وبعد هجعة من الليل دخل الفرنج المدينة ومروا في الأزقة والشوارع وهدموا ما وجدوا من المتاريس وانتشروا في الطرقات وتراسلوا رجالا وركبانا. ثم دخلوا الجامع الأزهر راكبين على خيولهم وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالأروقة وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة ونهبوا أمتعتهم ودشتوا الكتب والمصاحف وطرحوها على الأرض وداسوها بأرجلهم ونعالهم، وبالوا عليها وتغوطوا فيه، وجردوا كل من وجدوه به وأخرجوهم وأصبحوا مصطفين بباب الجامع، وكل من حضر للصلاة يراهم فيكر راجعا، ونهبوا بعض الدور التي بالقرب من الجامع، وخرج سكان تلك الجهة يهرعون للنجاة بأنفسهم، وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد أن كانت أشرف البقاع، وبقي الأمر كذلك يومين قتل فيهما خلائق لا تحصى، ونهبت أموال لا تستقصى، فركب المشايخ بإجمعهم وذهبوا الى بيت سر عسكر الفرنساوية وطلبوا منه الأمان، فوعدهم مع التسويف، وطلب منهم بيانا بمن تسبب في إثارة الفتنة من المعممين فغالطوه، فقال لهم على لسان الترجمان نحن نعرفهم بالواحد، فرجوه في إخراج العسكر من الجامع الأزهر، فأجابهم لذلك وأمر بخروجهم وأسكن منهم نحو السبعين في الخطة، ثم فحصوا عن المتهمين، فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان، والشيخ أحمد الشرقاوي، والشيخ عبد الوهاب الشبرواي، والشيخ يوسف المصيلحي، والشيخ إسماعيل البراوي، وحبسوهم ببيت البكري، ثم ركب الشيخ السادات والمشايخ إلى بيت سر عسكر وتشفعوا في المسجونين، فقيل لهم: لا تستعجلوا، وبعد أيام حضر جماعة من عسكر الفرنسيين إلى بيت البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند سر عسكر ليتحدث معهم، فذهبوا بهم إلى بيت قائمقام بدرب الجماميز وهناك جردوهم من ثيابهم وطلعوا بهم إلى القلعة فسجنوهم إلى الصباح، ثم أخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم خلف القلعة.
ولما توجه بونابرت إلى الشام بعد استيلائه على مصر استولى على
مدينة العريش وغزة وخان يونس وورد الخبر الى مصر، فعمل الفرنساويون حصارا وضربوا عدة مدافع من القلعة والأزبكية وحضر عدة منهم راكبين الخيول وبعضهم مشاة وعلى بعضهم عمائم بيض ومعهم نفير ينفخون فيه، وبيدهم بيارق كانت عند المسلمين بقلعة العريش إلى أن وصلوا إلى الجامع الأزهر واصطفوا ببابه رجالا وركبانا وطلبوا الشيخ الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، وأمروه برفع تلك البيارق على منارات الجامع الأزهر، فنصبوا بيرقين ملونين على المنارة الكبير ذات الهلالين وعلى منارة أخرى بيرقا وضربوا عدة مدافع بهجة وسرورا، وكان ذلك ليلة عيد الفطر وعند الغروب ضربوا مدافع إعلاما بالعيد.(1/152)
ولما توجه بونابرت إلى الشام بعد استيلائه على مصر استولى على
مدينة العريش وغزة وخان يونس وورد الخبر الى مصر، فعمل الفرنساويون حصارا وضربوا عدة مدافع من القلعة والأزبكية وحضر عدة منهم راكبين الخيول وبعضهم مشاة وعلى بعضهم عمائم بيض ومعهم نفير ينفخون فيه، وبيدهم بيارق كانت عند المسلمين بقلعة العريش إلى أن وصلوا إلى الجامع الأزهر واصطفوا ببابه رجالا وركبانا وطلبوا الشيخ الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، وأمروه برفع تلك البيارق على منارات الجامع الأزهر، فنصبوا بيرقين ملونين على المنارة الكبير ذات الهلالين وعلى منارة أخرى بيرقا وضربوا عدة مدافع بهجة وسرورا، وكان ذلك ليلة عيد الفطر وعند الغروب ضربوا مدافع إعلاما بالعيد.
وفي افتتاح محرم سنة 1215هـ وقعت حادثة عجيبة وهي أن سر عسكر الفرنساوية كليبير كان واقفا في بستان داره بالأزبكية وفي صحبته أحد خواصه فدخل شخص يوهم أن له حاجة وضربه بخنجر فشق بطنه وفر هاربا، ففتشوا عليه حتى أخرجوه من بئر فوجدوه شاميا، فسألوه فخلط في كلامه فعاقبوه وحرقوا يديه بالنار فقال لهم لا تظلموا أهل مصر فأنا من جملة جماعة بعنا أنفسنا للموت واتفقنا على قتل رؤسائكم فقيل له أين كنت تأوي فقال عند فلان وفلان برواق الشوام بالأزهر ولا يدرون حالي فأحضروا الشيخ الشرقاوي والعريشي وألزموهما بإحضار الذين كان يأوي اليهم وهم أربعة ثم ركبوا إلى الأزهر وصحبتهم أغوات الانكشارية وقبضوا على ثلاثة ولم يجدوا الرابع ثم أخذوا المقتول وألبسوه برنيطة، ووضعوا معه الخنجر الذي قتل به وحملوه على عربة إلى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك وضربوا له المدافع واحضروا القاتل وضربوا رقاب الشوام الثلاثة المظلومين وحرقوا جثثهم ورفعوا رؤوسهم على خوازيق ثم وضعوا قتيلهم في تخشيبة وضعوا عندها عسكرا يتناوبون ليلا ونهارا وخلفه منو واظهر أنه أسلم وتسمى بعبد الله، وحضر قائمقام والأغا الى الازهر وشقوا فيه وفي أروقته وأرادوا نبش اماكن للتفتيش على السلاح واخذ المجاورون في نقل أمتعتهم وإخلاء الأروقة ونقلوا كتب الوقف، ثم أنهم كتبوا أسماء
المجاورين في قائمة وأمروهم أن لا يأووا آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه الأتراك بالكلية، وفي اليوم نفسه توجه الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي إلى عسكر منو، واستأذنوه في قفل الجامع وتسميره فتكلم بعض القبط وقال هذا لا يصح فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقال اتركونا يا قبط واكفونا شر دسائسكم وقصد الشيخ منع الريبة فإنه ربما دسوا من يبيت به واحتجوا بذلك على إنجاز أغراضهم ولا يمكن الاحتراس من ذلك لكثرة أبواب الجامع واتساع زواياه، فأذنوا لهم بذلك وسمروا أبوابه وكذا سمروا مدرسة محمد بك المقابلة له وأخرجوا منها الاتراك واستمرت الشدة والازعاج إلى أن أخذ الفرنساويون في الجلاء من الديار المصرية وفي غاية محرم سنة 1216هـ فتح الجامع الأزهر وكذلك المدرسة وفرح الناس فرحا شديدا وهنأ بعضهم بعضا.(1/153)
وفي افتتاح محرم سنة 1215هـ وقعت حادثة عجيبة وهي أن سر عسكر الفرنساوية كليبير كان واقفا في بستان داره بالأزبكية وفي صحبته أحد خواصه فدخل شخص يوهم أن له حاجة وضربه بخنجر فشق بطنه وفر هاربا، ففتشوا عليه حتى أخرجوه من بئر فوجدوه شاميا، فسألوه فخلط في كلامه فعاقبوه وحرقوا يديه بالنار فقال لهم لا تظلموا أهل مصر فأنا من جملة جماعة بعنا أنفسنا للموت واتفقنا على قتل رؤسائكم فقيل له أين كنت تأوي فقال عند فلان وفلان برواق الشوام بالأزهر ولا يدرون حالي فأحضروا الشيخ الشرقاوي والعريشي وألزموهما بإحضار الذين كان يأوي اليهم وهم أربعة ثم ركبوا إلى الأزهر وصحبتهم أغوات الانكشارية وقبضوا على ثلاثة ولم يجدوا الرابع ثم أخذوا المقتول وألبسوه برنيطة، ووضعوا معه الخنجر الذي قتل به وحملوه على عربة إلى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك وضربوا له المدافع واحضروا القاتل وضربوا رقاب الشوام الثلاثة المظلومين وحرقوا جثثهم ورفعوا رؤوسهم على خوازيق ثم وضعوا قتيلهم في تخشيبة وضعوا عندها عسكرا يتناوبون ليلا ونهارا وخلفه منو واظهر أنه أسلم وتسمى بعبد الله، وحضر قائمقام والأغا الى الازهر وشقوا فيه وفي أروقته وأرادوا نبش اماكن للتفتيش على السلاح واخذ المجاورون في نقل أمتعتهم وإخلاء الأروقة ونقلوا كتب الوقف، ثم أنهم كتبوا أسماء
المجاورين في قائمة وأمروهم أن لا يأووا آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه الأتراك بالكلية، وفي اليوم نفسه توجه الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي إلى عسكر منو، واستأذنوه في قفل الجامع وتسميره فتكلم بعض القبط وقال هذا لا يصح فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقال اتركونا يا قبط واكفونا شر دسائسكم وقصد الشيخ منع الريبة فإنه ربما دسوا من يبيت به واحتجوا بذلك على إنجاز أغراضهم ولا يمكن الاحتراس من ذلك لكثرة أبواب الجامع واتساع زواياه، فأذنوا لهم بذلك وسمروا أبوابه وكذا سمروا مدرسة محمد بك المقابلة له وأخرجوا منها الاتراك واستمرت الشدة والازعاج إلى أن أخذ الفرنساويون في الجلاء من الديار المصرية وفي غاية محرم سنة 1216هـ فتح الجامع الأزهر وكذلك المدرسة وفرح الناس فرحا شديدا وهنأ بعضهم بعضا.
وفي صفر سنة 1219هـ فرض على أرباب الحرف والصنائع خمسمائة كيس فضجوا مع ما هم فيه من وقف الحال وأصبحوا لم يفتحوا الدكاكين وحضر منهم طائفة إلى الجامع الازهر ومر الأغا والوالي ينادون بالأمان وفتح الدكاكين، وفي ثاني يوم تجمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال ومعهم طبول وصعدوا إلى منارات الجامع الأزهر يصرخون ويطبلون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ووصل الخبر إلى الباشا فأرسل إلى السيد عمر مكرم النقيب يقول إنا رفعنا عن الفقراء فقال السيد عمر إن هؤلاء الناس وأرباب الحرف كلهم فقراء وكفاهم ما هم فيه من القحط ووقف الحال فكيف تطلب منهم مغارم الجوامك، فرجع الرسول بذلك ثم عاد بفرمان يتضمن رفع الغرامة عن المذكورين ونادى المنادي بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا إلى بيوتهم وخرج الأطفال يفرحون.
وفي صفر سنة 1220هـ أكلت العسكر الدلانية الزرع وخطفوا ما صادفهم من الفلاحين والمارين وأخذوا النساء والأولاد بلا فساد فحضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا إلى الجامع الأزهر يستغيثون ويخبرون أن الدلاتية أخرجوهم من ديارهم وأخذوا أمتعتهم ونساءهم، فخاطب المشايخ
الباشا في أمرهم فكتب للدلاتية بترك الدور لأهلها فلم يمتثلوا فاجتمع المشايخ بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت الأولاد الصغار يصرخون في الأسواق فأرسل الباشا كتخداه إلى الازهر فلم يجد به أحدا وكان المشايخ انتقلوا إلى بيوتهم، فذهب إلى بيت الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر مكرم وخلافه فكلموه وأوهموه، ثم قام وانصرف فرجمه الأولاد بالحجارة وبقي الأمر على السكون أياما.(1/154)
وفي صفر سنة 1220هـ أكلت العسكر الدلانية الزرع وخطفوا ما صادفهم من الفلاحين والمارين وأخذوا النساء والأولاد بلا فساد فحضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا إلى الجامع الأزهر يستغيثون ويخبرون أن الدلاتية أخرجوهم من ديارهم وأخذوا أمتعتهم ونساءهم، فخاطب المشايخ
الباشا في أمرهم فكتب للدلاتية بترك الدور لأهلها فلم يمتثلوا فاجتمع المشايخ بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت الأولاد الصغار يصرخون في الأسواق فأرسل الباشا كتخداه إلى الازهر فلم يجد به أحدا وكان المشايخ انتقلوا إلى بيوتهم، فذهب إلى بيت الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر مكرم وخلافه فكلموه وأوهموه، ثم قام وانصرف فرجمه الأولاد بالحجارة وبقي الأمر على السكون أياما.
لقد قاد الأزهر الحركة الوطنية ضد الفرنسيين والطغاة، وكانت له زعامة الشعب، وقيادة الحركة العقلية والعلمية في البلاد.
جهاد 61780 الأزهر الوطني في الحملة الفرنسية وما بعدها:
مرت مصر (1) خلال هذه الفترة بأحداث مثيرة استدعت بذل ضروب عالية من التضحية، وقد خاض الأزهر غمار هذه الحوادث، واستجاب زعماؤه لداعي الوطن، باذلين ما في وسعهم من تضحيات في سبيله.
فلم تكد تستقر الحملة الفرنسية في القطر المصري في صفر 1213هـ (يوليه 1798) حتى نفر الشعب وزعماؤه دفاعا عن كرامة الوطن وحريته، فقامت الثورات في جميع أنحاء القطر، لطرد المستعمرين من البلاد.
وكانت القاهرة مركزا لثورتين مهمتين: الأولى في جمادي الأولى 1213هـ (أكتوبر 1798) وعلى رأسها الشيخ السادات، وكان رئيسا لمجلس الثورة.
والثانية في 23شوال 1214هـ (20مارس 1800) وعلى رأسها زعيم العلماء في ذلك الوقت السيد عمر مكرم نقيب الأشراف. وقد استعمل الفرنسيون جميع أنواع القسوة لكبت الشعور القومي والقضاء على المقاومة الأهلية، ولكنهم لم ينجحوا في خطتهم، وانتهى الأمر بفوز المقاومة الأهلية، وجلاء الغاصبين عن ارض الوطن.
فبعد ثورة القاهرة الأولى في 9جمادي الأولى 1213 (20أكتوبر 1798)
__________
(1) راجع الأزهر عدد ربيع الأول 1373الأستاذ احمد عز الدين خلف الله.(1/155)
وجه نابليون نظره إلى الأزهر، إذ كان يعلم أنه المعسكر العام للثورة، فقبض على زعماء الحركة، وأصدر أمره إلى الجنرال بون قومندان القاهرة بأن يأخذهم ليلا إلى شاطىء النيل ما بين مصر القديمة وبولاق حيث يعدمهم، ثم يلقى بجثثهم في النهر. وبهذه الطريقة خفى علينا تاريخ كثير من المجاهدين الذين استشهدوا في هذه الثورة.
اما الذين حوكموا رسميا من العلماء باعتبارهم من زعماه الثورة فهم:
الشيخ إسماعيل البراوي والشيخ أحمد الشرقاوي وكانا يقومان بالتدريس في الأزهر، والشيخ عبد الوهاب الشبراوي وكان يقوم بقراءة كتب الحديث كالبخاري ومسلم في المشهد الحسيني، والشيخ يوسف المصيلحي وكان يقوم بالتدريس في جامع الكردي، والشيخ سليمان الجوسقي وكان من العلماء المشهورين بشدة السطو والبأس، وكانت محاكمتهم سرية وقد حكم عليهم بالإعدام في يوم 27جمادي الأولى 1213 (3نوفمر 1798).
وفي الساعة الثامنة من صباح يوم 28جمادي الأولى (4نوفمبر) أخرجوا من سجنهم إلى القلعة حيث تلى عليهم الحكم، ثم أعدموا رميا بالرصاص، ولم يعلم لهم قبر بعد مقتلهم، ويروي الجبرتي أن الفرنسيين ألقوهم من السور خلف القلعة بعد تنفيذ الحكم.
وقد نشرت صحيفة (كورييه دليجبت) بالعدد الصادر في 10نوفمبر سنة 1798م (غرة جمادي الآخرة 1213هـ) نبأ إعدامهم وأضافت إلى الأسماء التي ذكرها الجبرتي اسم (السيد عبد الكريم) الذي لم يوقف له على ذكر.
وكان الشهداء من العلماء خلال هذه الثورة أكثر من هذا العدد، إذ قرر الشيخ عبد الله الشرقاوي في تاريخه «تحفة الناظرين» أن الفرنسيين قتلوا ثلاثة عشر عالما ويؤيد ذلك ما رواه المعلم نقولا الترك في كتابه «ذكر
تملك الفرنساوية للديار المصرية» إذ قرر أن نابليون أمر بإعدام اثنين من العلماء كانا من أعضاء المجلس العالي.(1/156)
وكان الشهداء من العلماء خلال هذه الثورة أكثر من هذا العدد، إذ قرر الشيخ عبد الله الشرقاوي في تاريخه «تحفة الناظرين» أن الفرنسيين قتلوا ثلاثة عشر عالما ويؤيد ذلك ما رواه المعلم نقولا الترك في كتابه «ذكر
تملك الفرنساوية للديار المصرية» إذ قرر أن نابليون أمر بإعدام اثنين من العلماء كانا من أعضاء المجلس العالي.
وعلى الرغم من أن نابليون كان يعلم تمام العلم أن الشيخ السادات كان رئيسا لمجلس الثورة إلا أنه لم يمسسه بسوء نظرا لمكانته في نفوس المصريين المستمدة من نسبه الشريف، وقد طلب الجنرال كليبر من نابليون أن يقبض عليه فأجابه بأن إعدام مثل هذا الشيخ الجليل لا يفيد الفرنسيين بل يؤدي إلى عواقب وخيمة.
أما ثورة القاهرة الثانية التي حدثت في 23شوال سنة 1214هـ إلى 25ذي القعدة سنة 1214هـ (20مارس 21أبريل سنة 1800م)، فتتلخص أحداثها في أن نابليون غادر القطر المصري تاركا قيادة الحملة الفرنسية للجنرال كليبر الذي لم يلبث أن واجه أعنف ثورة قامت بها القاهرة، ويرجع عنف هذه الثورة إلى أن رأسها المفكر كان زعيم علماء ذلك الوقت السيد عمر مكرم نقيب الأشراف، ولولا خيانة المماليك لكان لهذه الثورة الوطنية الجارفة شأن آخر. أما العلماء الذين تعرضوا لانتقام الفرنسيين بعد إخمادها فهم:
الشيخ مصطفى الصاوي وقد فرضت عليه غرامة 260الف فرنك الشيخ محمد الجوهري وأخوه فتوح وقد فرضت عليهما غرامة قدرها 260الف فرنك.
وكان الشيخ السادات معروفا لدي الجنرال كليبر بوطنيته منذ تزعم الثورة الأولى، ولكنه لم يتمكن من النيل لمعارضة نابليون، فانتهز فرصة اشتراكه في هذه الثورة لينكل به تنكيلا، إذ فرض عليه غرامة قدرها ثمانمائة ألف فرنك، وسجن في غرفة قذرة بالقلعة حيث كان ينام على التراب ويتوسد بحجر، مع ضربه ضربا مبرحا. ثم سمح له بالنزول مخفورا إلى داره لبسعى في سداد الغرامة المفروضة عليه، فجمع ما في منزله من المال، وقوم الفرنسيون ما وجدوه من مصاغ وملابس ومتاع فبلغت
قيمة ذلك كله 112ألف فرنك، ولم يكتف الفرنسيون بذلك بل جاسوا خلال الدار وحفروا الارض بحثا عن الخبايا، حتى أعياهم البحث ولم يجدوا شيئا، ثم نقلوه إلى السجن وصاروا يضربونه خمس عشرة عصا في الصباح ومثلها في الليل، وجدوا في البحث وراء زوجته وابنه حتى قبضوا أخيرا على تابعة محمد السندوبي الذي عذبوه حتى أقر على مكانهما، فقبضوا عليهما، وسجنوا زوجته معه، وصاروا يضربونه أمامها زيادة في التعذيب، فشفع فيها كبار العلماء لنقلها من السجن، فأصدر الجنرال كليبر أمرا بتاريخ 22مايو بنقلها إلى منزل الشيخ سليمان الفيومي. وصودرت املاك الشيخ السادات ومرتباته وأوقاف أسلافه، وبقي معتقلا حتى أفرج عنه في عهد قيادة الجنرال مينو في 25صفر سنة 1215 (19يولية سنة 1800) وشرطوا عليه ألا يجتمع بالناس، وألا يركب دون إذن من القيادة الفرنسية. وقد بقي رهن المراقبة في داره حتى اعتقل للمرة الرابعة في أواسط شوال 1215 (أوائل مارس سنة 1801) بعد وصول الحملة الإنجليزية العثمانية إلى مصر، وقد اتخذ الفرنسيون هذا الإجراء خوفا من ان يثير عليهم الشيخ السادات الأهالي، وقد توفي ابنه أثناء اعتقاله فأذن له بتشييعه مخفورا، ولما انتهى ذلك أعيد إلى سجنه بالقلعة.(1/157)
وكان الشيخ السادات معروفا لدي الجنرال كليبر بوطنيته منذ تزعم الثورة الأولى، ولكنه لم يتمكن من النيل لمعارضة نابليون، فانتهز فرصة اشتراكه في هذه الثورة لينكل به تنكيلا، إذ فرض عليه غرامة قدرها ثمانمائة ألف فرنك، وسجن في غرفة قذرة بالقلعة حيث كان ينام على التراب ويتوسد بحجر، مع ضربه ضربا مبرحا. ثم سمح له بالنزول مخفورا إلى داره لبسعى في سداد الغرامة المفروضة عليه، فجمع ما في منزله من المال، وقوم الفرنسيون ما وجدوه من مصاغ وملابس ومتاع فبلغت
قيمة ذلك كله 112ألف فرنك، ولم يكتف الفرنسيون بذلك بل جاسوا خلال الدار وحفروا الارض بحثا عن الخبايا، حتى أعياهم البحث ولم يجدوا شيئا، ثم نقلوه إلى السجن وصاروا يضربونه خمس عشرة عصا في الصباح ومثلها في الليل، وجدوا في البحث وراء زوجته وابنه حتى قبضوا أخيرا على تابعة محمد السندوبي الذي عذبوه حتى أقر على مكانهما، فقبضوا عليهما، وسجنوا زوجته معه، وصاروا يضربونه أمامها زيادة في التعذيب، فشفع فيها كبار العلماء لنقلها من السجن، فأصدر الجنرال كليبر أمرا بتاريخ 22مايو بنقلها إلى منزل الشيخ سليمان الفيومي. وصودرت املاك الشيخ السادات ومرتباته وأوقاف أسلافه، وبقي معتقلا حتى أفرج عنه في عهد قيادة الجنرال مينو في 25صفر سنة 1215 (19يولية سنة 1800) وشرطوا عليه ألا يجتمع بالناس، وألا يركب دون إذن من القيادة الفرنسية. وقد بقي رهن المراقبة في داره حتى اعتقل للمرة الرابعة في أواسط شوال 1215 (أوائل مارس سنة 1801) بعد وصول الحملة الإنجليزية العثمانية إلى مصر، وقد اتخذ الفرنسيون هذا الإجراء خوفا من ان يثير عليهم الشيخ السادات الأهالي، وقد توفي ابنه أثناء اعتقاله فأذن له بتشييعه مخفورا، ولما انتهى ذلك أعيد إلى سجنه بالقلعة.
ويقول نابليون في مذكراته تعليقا على اضطهاد الشيخ السادات: أن تعذيبه كان من أهم الأسباب التي أدت إلى مصرع الجنرال كليبر في 2 صفر 1216 (14يونيه سنة 1800).
وكان السيد عمر مكرم الرأس المفكر لثورة القاهرة الثانية، واليه يرجع الفضل في تعبئة القوات الوطنية تعبئة قلما تتوفر في ثورة من الثورات، ولم يستطع الفرنسيون القبض عليه عقب إخماد الثورة، إذ تمكن من الفرار من القاهرة تاركا أملاكه عرضة للنهب والمصادرة، ولم يدخل القاهرة بعد ذلك حتى جلاء الفرنسيين عن عاصمة البلاد في ربيع الأول سنة 1216 (يولية 1801).
وقد اختارت الزعامة الشعبية ممثلة في السيد عمر مكرم والشيخ
عبد الله الشرقاوي محمد علي واليا على مصر بشرط أن يحكم بمشورة وكلاء الشعب. ولكن محمد علي كان يميل إلى الحكم المطلق، وسرعان ما ضاق ذرعا برقابة وكلاء الشعب خصوصا السيد عمر مكرم زعيم العلماء، الذي أخذ يحاسب محمد علي باشا على جمع الضرائب التي فرضها، وبلغ من حماسته في الدفاع عن حقوق الشعب أن عقد مجلسا عاما من العلماء في (أواسط جمادي الأول سنة 1224أول يولية سنة 1809)، وقد أقسم المجتمعون على ألا يلينوا حتى يجيب الوالي مطالبهم التي تتخلص في عدم فرض ضرائب جديدة وإلغاء الضرائب المستحدثة، وقد ازدادت العلاقات توترا حينما رفض السيد عمر مكرم أن يوقع الميزانية السنوية. كما يريدها محمد علي، وأن من المعتاد أن يوقع على الميزانية وجوه المصريين قبل إرسالها إلى السلطان العثماني.(1/158)
وقد اختارت الزعامة الشعبية ممثلة في السيد عمر مكرم والشيخ
عبد الله الشرقاوي محمد علي واليا على مصر بشرط أن يحكم بمشورة وكلاء الشعب. ولكن محمد علي كان يميل إلى الحكم المطلق، وسرعان ما ضاق ذرعا برقابة وكلاء الشعب خصوصا السيد عمر مكرم زعيم العلماء، الذي أخذ يحاسب محمد علي باشا على جمع الضرائب التي فرضها، وبلغ من حماسته في الدفاع عن حقوق الشعب أن عقد مجلسا عاما من العلماء في (أواسط جمادي الأول سنة 1224أول يولية سنة 1809)، وقد أقسم المجتمعون على ألا يلينوا حتى يجيب الوالي مطالبهم التي تتخلص في عدم فرض ضرائب جديدة وإلغاء الضرائب المستحدثة، وقد ازدادت العلاقات توترا حينما رفض السيد عمر مكرم أن يوقع الميزانية السنوية. كما يريدها محمد علي، وأن من المعتاد أن يوقع على الميزانية وجوه المصريين قبل إرسالها إلى السلطان العثماني.
تنكر محمد علي للسيد عمر مكرم، وأخذ يسعى في التخلص منه، حتى سمحت له الفرصة في رجب 1224 (اغسطس 1809)، فقرر خلعه من نقابة الأشراف ونفيه إلى دمياط، وقد تلقى السيد عمر مكرم هذا النبأ بقوله: «أما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه وليس فيه إلا التعب، وأما النفي فهو غاية مطلوبى لأرتاح من هذه الورطة، ولكني أريد أن أكون في بلدة لا تدين لحكم محمد علي».
مكث السيد عمر مكرم أربع سنوات في دمياط نقل بعدها إلى طنطا التي استمر بها حتى عام 1233 (1818)، ثم أذن له بالعودة إلى القاهرة، ولكن استقبال الشعب الرائع لزعيمه أثار شكوك محمد علي مرة اخرى، فأمر بنفيه الى طنطا عام 1337 (1822) حيث توفي في نفس العام.
وقام الأزهر بتأييد القوات الوطنية في جهادها ضد الإنجليز عام 1807هـ، وأفتى زعماؤه في المؤتمر الوطني المنعقد في الأزهر بوجوب الجهاد الوطني، وقام العلماء ببذل مجهود كبير في سبيل الدفاع عن الوطن سواء بالتطوع أو إمداد الجيش بالمؤن والذخائر أو الدعوة إلى الجهاد.(1/159)
عمر مكرم الأزهري الزعيم المصري الخالد:
وكان عمر مكرم من أرفع أسماء المصريين ذكرا في القرن الثامن عشر، قضى حياته في خدمة الشعب وتحقيق أمانيه ورفع الحيف عنه والسعى إلى تحريره وإعلاء كرامته، وقد حفزته عاطفته الوطنية المشبوبة الى منأهضة الفرنسيين توطئة لإخراجهم من مصر.
كانت بيوت البكري والسادات ومكرم هي البيوتات المعروفة في غضون القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإذا ألم ظلم بأفراد الشعب من الحكام العثمانيين أو المماليك أو رجال الحملة الفرنسية لجأوا إلى هذه البيوت يستظلون بحماها، ويستعدون أربابها ويطلبون المشورة ودفع الحيف عنهم.
وكان أول ظهور عمر مكرم في ميدان السياسة في عام 1795حين اضطربت الأمور في القاهرة وفزع الناس من طغيان إبراهيم ومراد من أمراء المماليك، فقد أبى الشعب وعلى رأسه العلماء ونقيب الأشراف أن يترك الطاغية يحكم على هواه، وألزموه بشروط يعدها المؤرخون وثيقة حقوق الإنسان الأولى التي سبقت في تاريخها إعلان حقوق الانسان في فرنسا في اعقاب ثورة سنة 1798، وفي هذه الوثيقة الاجتماعية الكبرى أعلن الأمراء المماليك أنهم يتعهدون بالعدل، ويتوبون عن المظالم، ويعدون بالقيام بالواجبات التي يفرضها عليهم القانون والعرف: من صرف الأموال على مستحقيها، ورفع الضرائب الإضافية، ويتكفلون بكف أتباعهم عن امتداد أيديهم بالأذى، وبأن يسيروا في الحكم سيرة حسنة.
ومضت عدة أعوام حتى إذا كان يوم 3يوليه عام 1798هبطت قوات الحملة الفرنسية مدينة الإسكندرية تغزو البلاد، وكان شعب القاهرة في حالة فزع واضطراب، فهل في وسع المماليك أن يدافعوا ويكافحوا ويردوا الغزاة الفاتحين؟ وتمثلت هذه المحنة في خاطر عمر مكرم بأنها امتداد للحروب الصليبية، ولذلك أذاع نداء على الشعب يحثه على الجهاد
الديني، فخرج الرجال والشبان ولم يبق سوى الضعفاء والأطفال والنساء، وجاد كل منهم بما يملك من دراهم، وابتاعوا السلاح والذخيرة والخيام.(1/160)
ومضت عدة أعوام حتى إذا كان يوم 3يوليه عام 1798هبطت قوات الحملة الفرنسية مدينة الإسكندرية تغزو البلاد، وكان شعب القاهرة في حالة فزع واضطراب، فهل في وسع المماليك أن يدافعوا ويكافحوا ويردوا الغزاة الفاتحين؟ وتمثلت هذه المحنة في خاطر عمر مكرم بأنها امتداد للحروب الصليبية، ولذلك أذاع نداء على الشعب يحثه على الجهاد
الديني، فخرج الرجال والشبان ولم يبق سوى الضعفاء والأطفال والنساء، وجاد كل منهم بما يملك من دراهم، وابتاعوا السلاح والذخيرة والخيام.
وهبط مكرم من القلعة إلى ساحل بولاق يحمل علما يسميه العامة «البيرق النبوي»، والناس حوله ألوف مؤلفة، وفي أيديهم السلاح الساذج من سيوف ومدى وهراوات، ومعهم الطبول والزمور، ووقفوا على غير نظام يشدون أزر جيش المماليك الذي كان يقاتل على الضفة الأخرى للنيل.
كان مكرم يحسب أن الأمراء المماليك من طراز بيبرس وقلاوون والناصر الذين صدوا جحافل التتار والصليبيين، ولكن موقعة النيل بددت أحلامه، فقد هزموا في ساعات معدودات، مما جعله يؤمن بأن مماليك أيامه لا يحاكون في شيء المماليك الأول، فهم جبناء، عتاة، ظالمون.
وعلى الرغم من ان مكرم لا دراية له بفنون الحرب ولا أساليب القتال، إلا أنه شهد بعينيه فرار قوات المماليك، وزحف القوات المغيرة على القاهرة، واحتلال أطرافها، وأبت عليه كرامته أن يقبل هذا الهوان، فخرج الى الشام وأقام في جنوبها يرقب الأحداث التي تجري في وطنه عن كثب، فلما كان نابليون بونابرت في يافا حرص على أكرام من وجدهم من المصريين هناك وأكبر في عمر مكرم عاطفته المشبوبة ورأسه المرفوع، وكرامته التي يذود عنها، فيسر له سبيل العودة إلى وطنه.
وكانت القاهرة في غضون الفترة التي عاد فيها مكرم تغلى كالمرجل، والثورة على الأبواب. كانت في حالة ثورة نفسية كامنة، وكان تحرير الوطن من نير الأجنبي قبلة الجميع، فلما شرع الزعيم يدعو أفراد الشعب إلى الخروج والجهاد ولقاء الغاصب المحتل، أقبل الناس على تلبية دعوته، فأقاموا المتاريس وحفروا الخنادق وتحصنوا في الجوامع، وانشأوا معملا للبارود، وجاءوا بالصناع والعمال، واحتالوا في صنع آلات القتال من بنادق وذخائر، وأشرف مكرم على جمع التبرعات لتمويل الحركة، وأخيرا بدأ النضال عنيفا سافرا بين المحاصرين والمدافعين، وشهد الفرنسيون ببسالة المصريين واقتحامهم المخاطر والأهوال، ولكن المقاومة انتهت بتغلب
المحتلين لتفوقهم في معدات القتال، وفرضوا على السكان غرامة مقدارها عشرة ملايين من الفرنكات، ولجأوا الى أحط وسائل العسف والقسوة في تحصيلها، ونقموا على زعيم الحركة، فأمروا بنفيه الى مدينة دمياط.(1/161)
وكانت القاهرة في غضون الفترة التي عاد فيها مكرم تغلى كالمرجل، والثورة على الأبواب. كانت في حالة ثورة نفسية كامنة، وكان تحرير الوطن من نير الأجنبي قبلة الجميع، فلما شرع الزعيم يدعو أفراد الشعب إلى الخروج والجهاد ولقاء الغاصب المحتل، أقبل الناس على تلبية دعوته، فأقاموا المتاريس وحفروا الخنادق وتحصنوا في الجوامع، وانشأوا معملا للبارود، وجاءوا بالصناع والعمال، واحتالوا في صنع آلات القتال من بنادق وذخائر، وأشرف مكرم على جمع التبرعات لتمويل الحركة، وأخيرا بدأ النضال عنيفا سافرا بين المحاصرين والمدافعين، وشهد الفرنسيون ببسالة المصريين واقتحامهم المخاطر والأهوال، ولكن المقاومة انتهت بتغلب
المحتلين لتفوقهم في معدات القتال، وفرضوا على السكان غرامة مقدارها عشرة ملايين من الفرنكات، ولجأوا الى أحط وسائل العسف والقسوة في تحصيلها، ونقموا على زعيم الحركة، فأمروا بنفيه الى مدينة دمياط.
جلت الحملة الفرنسية وعادت مصر إلى حكم العثمانيين، وفي خلال السنوات الخمس المتعاقبة تولى الحكم خمسة من الولاة، قتل منهم اثنان وطرد الباقون بعد أن سجنوا في القلعة كان آخر هؤلاء الولاة أحمد خورشيد، وكان رجلا ضيق الأفق، من بقايا الارستقراطية العثمانية، يدعى السيادة على كل شيء، ولكن دولته كانت تخذله فلا تمده بالمال والرجال كان في موقف حرج، فخزائنه خاوية من المال لدفع مرتبات الجند، والمماليك يغيرون على القرى ويتولون تحصيل الضرائب والاستيلاء عليها، وطبقات الشعب متذمرة من الكلف الفادحة المفروضة عليهم. فاحشدت في الأزهر جموع من التجار والصناع وطلبة العلم وجاهروا بالتمرد والعصيان، ثم أغلقوا المتاجر والمصانع والمنازل، حتى بدت القاهرة كمدينة مهجورة.
وانتهز محمد على أحد قواد الفرقة الألبانية غير النظامية فرصة تذمر طبقات الشعب، فصار يتودد إلى مكرم بوصفه زعيم الشعب، ويزوره سرا في الليل ويستميله بشتى الوعود، ويقسم له الإيمان الكاذبة بأنهم أن مكنوه من الحكم، فإنه يسير حسب نصوص الشرع، والإقلاع عن المظالم، ولا يبرم امرا إلا بمشورة العلماء، وانه إذا خالف هذه الشروط عزلوه، وأخرجوه من الحكم.
وصدق عمر مكرم هذه الوعود، وأخذ على عاتقه إقناع العلماء بمشاركته فكرته، وأذاع نداء على الشعب بالاجتماع امام المحكمة الشرعية. فلما كان اليوم التالي خرج الأفراد والجماعات من دورهم ومصانعهم ومتاجرهم، وأقبل المزارعون من الضواحي حتى احتشدت بهم الطرق والمسالك المؤدية إلى المحكمة، وكانوا جميعا يهتفون بقولهم: «يا رب يا متجلي أهلك العثمانلى»، وهم يقصدون طبعا الوالي العثماني، ثم
أقبل السيد عمر مكرم، فاقترح المناداة بعزل خورشيد وإسناد الولاية إلى محمد علي.(1/162)
وصدق عمر مكرم هذه الوعود، وأخذ على عاتقه إقناع العلماء بمشاركته فكرته، وأذاع نداء على الشعب بالاجتماع امام المحكمة الشرعية. فلما كان اليوم التالي خرج الأفراد والجماعات من دورهم ومصانعهم ومتاجرهم، وأقبل المزارعون من الضواحي حتى احتشدت بهم الطرق والمسالك المؤدية إلى المحكمة، وكانوا جميعا يهتفون بقولهم: «يا رب يا متجلي أهلك العثمانلى»، وهم يقصدون طبعا الوالي العثماني، ثم
أقبل السيد عمر مكرم، فاقترح المناداة بعزل خورشيد وإسناد الولاية إلى محمد علي.
وكان الشعب قد ضاق ذرعا بالاعتداءات المتكررة وبالضرائب الفادحة التي يطلب إليها دفعها صاغرا. كان في حاجة إلى مصافحة اي يد تمتد إليه، لعل فيها خلاصه مما يعانيه من الكروب والمحن، ولذلك وافق على الاقتراح الذي تقدم به السيد مكرم، لا حبا في القائد الألباني، وإنما كرها في الوالي العثماني.
وطلب العلماء وعلى رأسهم مكرم إلى الوالي النزول عن الحكم طوعا لإرادة الشعب، فأبى مستكبرا وأجابهم بأنني معين بأمر السلطان فلا أنزل بإرادة الفلاحين.
واستشاط العلماء غضبا من هذه الإهانة الموجهة إلى الشعب، واتفقت كلمتهم على محاصرة الوالي في القلعة لإرغامه على التنازل عن الحكم، وبدأ النضال سافرا، وشرع أفراد الشعب في تكوين فرق شبه عسكرية تتولى إقامة المتاريس وحفر الخنادق وحراسة مداخل المدينة ومد المساعدة إلى الجنود وتسليح الشعب بالأسلحة البيضاء والهراوي، ومنعوا الماء والغذاء والمدد عن الوالي في القلعة.
وكان مكرم في غضون فترة الحصار حركة لا تهدأ، كان يتنقل بين الصفوف، ويستثير الهمم والنخوة القومية ويشجع المحاصرين، وبرزت إلى جانبه أسماء زعماء من الشعب: كابن شمعة وحجاج الخضري الذي تمكن من أسر قافلة من الإبل محملة بالذخائر والمؤن كانت في طريقها إلى القلعة لتموين الوالي، وقدم هذه القافلة غنيمة باردة إلى القائد المرشح للولاية.
وانتهى النزاع طوعا لإرادة الشعب، فنزل الوالي المعزول عن الحكم، وأسندت الولاية إلى الحاكم الجديد، وبذلك انتصرت إرادة الشعب.(1/163)
ثم وفدت بعد عامين حملة عسكرية بريطانية لاحتلال مصر وتمكنت من أن تسيطر على مدينة الاسكندرية دون مقاومة تذكر، بتأثير خيانة الضباط العثمانيين في المدينة، ثم سارت الحملة إلى رشيد، فقاومها أهل رشيد في بسالة وبطولة وتمكنوا من قهرها وحملت رؤوس القتلى على أسنة الرماح إلى القاهرة وعلقت بأبوابها، وسيق الأسرى من الضباط والجنود الإنجليز وطيف بهم في شوارع العاصمة.
وشرع مكرم في حفز همم سكان القاهرة لمقاومة المعتدين إذا ما حاولوا اقتحام العاصمة، فجمع الجموع وحصن المداخل وأقام المتاريس في الشوارع، وكون فرقا نظامية سلحها بالأسلحة الخفيفة، وكان محمد علي في غضون ذلك في آرباض اسيوط يقاتل المماليك، فلما وفد على القاهرة وأفضى إليه مكرم بما اعتزمه الشعب من الكفاح والنضال لرد غارة المعتدين، صدمه محمد علي في عواطفه بأن قال له: عليكم بالمال وبمعدات الحرب وعلى أنا وحدي مقاتلة المغيرين.
كان الوالي الجديد لا يفتأ يلجأ الى مكرم لأنه يدرك قوة زعامته الشعبية في نفوس العلماء وقادة الرأي وجميع الطبقات، ولكن لما استولى على مقاليد الأمور أخذ يقلب له ظهر المجنّ، ويقصيه عن الاشتراك في المسائل العليا للدولة وفي مهمة الدفاع عن الوطن.
وكان الوالي كلما أعوزته الحاجة إلى المال، مال إلى أموال الأوقاف، فاغتصب منها ما هو في حاجة إليه، فضج العلماء بالشكوى لأن هذه الأموال مرصودة على تعمير بيوت الله وإنفاقها في وجوه البر، وكان ان اجتمع عمر مكرم بالمشايخ ورجال الدين، واحتجوا على مسلك الوالي احتجاجا مرا فكان جوابه:
أنا وحدي الذي ينتفع بالضريبة، وأما أنتم فتبهظون كاهل الأمة بأثقل الأعباء، إنكم تعقدون الاجتماعات في المساجد، وتتكلمون عني بلهجة تكاد تكون لهجة الآمر، وهذه نزعة باطلة لا يمكن قبولها بغير
الازدراء والاستخفاف، وإنني على استعداد لأن أرمي عنق كل من يستظل بلواء المعارضة في وجه سياستي.(1/164)
أنا وحدي الذي ينتفع بالضريبة، وأما أنتم فتبهظون كاهل الأمة بأثقل الأعباء، إنكم تعقدون الاجتماعات في المساجد، وتتكلمون عني بلهجة تكاد تكون لهجة الآمر، وهذه نزعة باطلة لا يمكن قبولها بغير
الازدراء والاستخفاف، وإنني على استعداد لأن أرمي عنق كل من يستظل بلواء المعارضة في وجه سياستي.
وبادر مكرم بأن جمع العلماء وقال لهم:
ان هذا الحاكم محتال وإذا تمكن فسيصعب إزالته فلنعزله من الآن.
ونمى ذلك إلى محمد علي فأسرع إلى نفي مكرم تحت الحراسة، وكان ان أجاب على هذا الأمر بشجاعة: أن النفي غاية ما أتمناه. غير أنني أريد العيش في بلد لا يدين بحكم محمد علي.
ورأى مكرم بعين الحسرة أن الآمال التي كان يعلقها على قيام دولة جديدة يشترك فيها المصريون قد تبخرت وذهبت في الهواء.
وفي يوم 13أغسطس عام 1809احتشدت على ساحل بولاق طوائف مختلفة من الشعب، يودعون زعيمهم الراحل، وهو يبحر في مركبه الى دمياط وانهمرت الدموع من مآقيهم وهم يودعون الرجل الذي وقف حياته في سبيل الدفاع عن حقوقهم ورد المظالم عنهم.
وبنفي مكرم اختفت الزعامة الشعبية من الميدان، وخلا جو المعارضة امام الوالي الذي رفعه الشعب إلى منصة الحكم بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق ليحكم بالعدل والمحبة فتخلى عن هذه العهود والمواثيق.(1/165)
فحوك العلماء في قرنين
وهؤلاء أعلام من فحول علماء الأزهر في القرنين: الثاني عشر والثالث عشر الهجرى نذكر أسماءهم في إيجاز:
الشيخ محمد البناني: طلب العلم في الأزهر. وحضر دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم، حتى مهر وأنجب ودرس ومات سنة 1186هـ عن ثلاثين سنة (1).
الشيخ حسن الشبيني، رحل من بلدته فوه إلى الجامع الأزهر، فطلب العلم وأخذ من الشيخ الديربي فجعله ممليا عليه في الدرس (2)
وتوفي عام 1183هـ.
الفقيه الشيخ الحماقي الحفني من كبار علماء الشافعية. وتصدر للإقراء والتدريس بالأزهر عدة سنين. ثم تولى مشيخة إفتاء الحنفية بعد موت الشيخ حسن المقدسي (3) وقد توفي عام 1187هـ.
المحدث المقري شمس الدين محمد بن قاسم البقري شيخ القراء والحديث بصحن الجامع الأزهر (4).
__________
(1) 375ج 1الجبرتي
(2) 338ج 1الجبرتي
(3) 408ج 1الجبرتي
(4) 88ج 1الجبرتي(1/166)
والشيخ المحدث منصور بن عبد الرزاق الطوخي الشافعي إمام الجامع الأزهر (1)
شيخ الإسلام البراوي الشافعي الأزهري. ورد الجامع الأزهر وهو صغير، فقرأ العلم على مشايخ عصره، وتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي، وحضر دروس الملوي والجوهري والشبراوي، وشهد له بالفضل أهل عصره وأحدقت به الطلبة، واتسعت حلقته وقد صلى عليه في الأزهر في مشهد حافل (2) ودفن عام 1182هـ.
الفقيه الصالح الشيخ أحمد بن أحمد السنبلاوي الشافعي الأزهري، كان عالما مواظبا على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر، ولازم على قراءة ابن قاسم بالأزهر كل يوم بعد الظهر، وكان يحترف بيع الكتب توفي سنة 1180هـ (3)
الشاعر الكاتب محمد بن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي.
الفقيه (11801140هـ) (4) المحدث شيخ الإسلام الشيخ أحمد بن الحسن الخالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري (1096هـ 1182هـ). وقد اشتغل بالعلم، وجد في تحصيله حتى فاق أهل عصره، ودرس بالأزهر وأفتى نحو ستين سنة، ومات فصلى عليه بالأزهر (5) عام 1182هـ.
الشيخ عبد الرؤوف بن محمد البشبيشي ولد ببشبيش من أعمال المحلة الكبرى، وقد تصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني والفقه، وانتفع به غالب مدرسي الأزهر. وتوفي سنة 1143 (6)
__________
(1) 88ج 1الجبرتي.
(2) 312ج 1الجبرتي
(3) 285ج 1الجبرتي
(4) 284265ج 1الجبرتي
(5) 312309ج 1الجبرتي.
(6) 157ج 1الجبرتي.(1/167)
الشيخ أبو الحسن البكري خطيب 61781 الأزهر (1)
شيخ مشايخ الاسلام عالم العلماء الاعلام الشيخ علي العدوي المالكي (11891112هـ). وهو من بني عدي، ومن مشهوري العلماء، صلى عليه في الأزهر بمشهد عظيم، ودفن بالبستان بالقرافة الكبرى (2) عام 1189هـ.
المفتي الفقيه الشيخ إبراهيم الشرقاوي. وكان لا يفارق محل درسه بالأزهر طول النهار (3)، وتوفي عام 1185هـ.
الشيخ علي الشاوري المالكي مفتي فرشوط قرأ بالأزهر العلوم. وقدم الى مصر ومات بها وصلى عليه في الأزهر (4) عام 1185هـ الشيخ علي العدوي المالكي الأزهري (11851100هـ) تلقى العلم في الأزهر ثم درس بالأزهر ونفع الطلبة (5)
الشيخ مصطفى الصاوي، وقد تعلم في الأزهر، ولازم الشيخ البراوي وتخرج به وأقرأ الدروس، وكان شاعرا لطيفا وكاتبا مجيدا. وتوفي عام 1216هـ (6).
الشيخ محمد الخالدي الشافعي (12151151هـ)، وقد كان من مشهوري علماء الأزهر في عهده وله كتب كثيرة، وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل، رحمه الله (7)
السيد مصطفى الدمنهوري الشافعي من العلماء المشهورين
__________
(1) 161ج 1الجبرتي
(2) 415و 416ج 1الجبرتي
(3) 369ج 1الجبرتي
(4) 367ج 1الجبرتي
(5) 367ج 1الجبرتي
(6) 217213ج 3الجبرتي
(7) 165ج 3الجبرتي(1/168)
المذكورين، تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الشرقاوي الذي صار شيخ الأزهر، وكان يكتب على الفتاوي على لسان الشيخ الشرقاوي ويتحرى الصواب ومات في عهد الفرنسيين مقتولا (1)
الشيخ عبد الرحمن الأجهوري المالكي، من علماء الأزهر الشريف، درس ودرّس بالأزهر مدة في أنواع الفنون في الدين واللغة، وتوفي سنة 1198هـ (2).
الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي الأزهري، صاحب المؤلفات الذائعة المشهورة التي خلدت ذكره، وتوفي سنة 1206هـ (3).
الشيخ أحمد العروسي الشافعي الأزهري (12081133هـ) حضر في الأزهر علي شيوخه وعلمائه (4).
الشيخ شهاب الدين السمنودي المحلي الشافعي، العالم الأزهري، وقد قرأ بالجامع الأزهر، وتوفي عام 1209هـ (5).
الشيخ أحمد السماليجي الشافعي المدرس بالمقام الأحمدي بطنطا توفي عام 1209هـ (6).
الشيخ عبد الرحمن النحراوي الأجهوري، درس بالأزهر وأفاد الطلبة وتوفي عام 1210هـ (7).
وفي هذه السنة أيضا توفي الشيخ حسن الهواري المالكي شيخ رواق الصعايدة (8).
__________
(1) 67ج 3الجبرتي
(2) 85وما بعدها ج 2الجبرتي
(3) 233227ج 2الجبرتي
(4) 254252ج 2الجبرتي
(5) 259ج 2الجبرتي
(6) 260ج 2الجبرتي
(7) 262ج 2الجبرتي
(8) 263ج 2الجبرتي(1/169)
الشيخ عثمان بن محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي، وتوفي عام 1210هـ (1) وكذلك الشيخ شمس الدين الفرغلي الشافعي (1) وله شعر عذب.
الشيخ أحمد محمد السجاعي الأزهري قدم الأزهر صغيرا فتمهر ودرس وأفتى وألف، وترك آثار علمية مشهورة توفي عام 1190هـ (2).
الشيخ عطية الأجهوري الشافعي، العالم الأزهري وقد توفي عام 1190هـ (3).
الشيخ إبراهيم بن خليل الصبحاني الغزي الحنفي العالم الأزهري، وقد ولد بغزة وورد إلى الأزهر فتعلم فيه، ثم عاد إلى غزة وتولى فيها الإفتاء، وارتحل إلى دمشق وتولى أمانة الفتوى. توفي عام 1190هـ (4).
الشيخ محمد العوفي المالكي كان شاعرا ماجنا، ومع ذلك كانت حلقة درسه في الأزهر تزيد على الثلثمائة. مات سنة 1191هـ (5).
الإمام الشيخ أحمد بن عيسى الزبيري الشافعي البراوي من علماء الأزهر، ولد بمصر وبها نشأ وحضر دروس مشايخ الوقت، ولما توفي والده أجلس مكانه في الأزهر وقد توفي بطنطا عام 1192هـ، وصلى عليه بالأزهر، ودفن بتربة المجاورين (6)
الشيخ محمد العدوي من علماء الأزهر، درس في الأزهر ودرّس فيه وتوفي عام 1193 (7)
__________
(1) 263ج 2الجبرتي
(2) 3ج 2الجبرتي
(3) 4ج 2الجبرتي
(4) 4ج 2الجبرتي
(5) 15و 16ج 2الجبرتي
(6) 35ج 2الجبرتي
(7) 58ج 2الجبرتي(1/170)
الشيخ شهاب الدين أحمد السجاعي الشافعي الأزهري، من علماء الأزهر، ولد بمصر ونشأ بها وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في مواضعه، وصار من أعيان العلماء. وتوفي عام 1197هـ (1).
الشيخ عبد الله بن أحمد المعروف باللبان الشافعي الأزهري. توفي عام 1198هـ (1).
ومن مشهوري العلماء الشيخ محمد بن حسن الشافعي الأحمدي الأزهري المتوفى عام 1199هـ (2).
الشيخ محمد الخشني الشافعي وكان من خيار شيوخ الأزهر (3)
وتوفي سنة 1221هـ.
والشيخ سليمان البجيرمي الشافعي من علماء الأزهر المشهورين (4)
الشيخ أحمد البرماوي الشافعي (12221138هـ) وكان من الشيوخ الأجلاء (5)
الشيخ إبراهيم الحريري مفتي مذهب السادات الحنفية كوالده، وقد توفي عام 1224هـ (6) وتوفي في هذا العام الشيخ عبد المنعم العماوي المالكي وهو من كبار الشيوخ (7)
الشيخ محمد أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي الأزهري من علماء البلاغة، تصدر للإقراء والتدريس بالأزهر وإفادة الطلبة، وكان فريدا في تسهيل المعاني وتوفي عام 1230هـ ودفن بتربة المجاورين (8).
__________
(1) 75ج 2الجبرتي
(2) 84ج 2الجبرتي
(3) 9594ج 2الجبرتي
(4) 24ج 2الجبرتي
(5) 24ج 4الجبرتي
(6) 76ج 4الجبرتي
(7) 104ج 4الجبرتي
(8) 231ج 4الجبرتي(1/171)
الشيخ محمد الأمير المالكي الأزهري (12321154هـ) من كبار الشيوخ الأجلاء في الأزهر (1)
الشيخ محمد الأشموني الشافعي (13211218هـ) تعلم في الأزهر وصار مدرسا فيه (5250تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر لأحمد تيمور ط 1940).
الشيخ أحمد الرفاعي المالكي، تعلم ودرس في الأزهر وحضر عليه محمد عبده والشيخ بخيت والشيخ أبو الفضل وسواهم، وقد رشح للمشيخة بعد استقالة الشيخ سليم عام 1320هـ، ولكن لم يقدر الله له ذلك، وقد توفي عام 1325هـ (6664المرجع).
الشيخ حسين الطويل المالكي (1250هـ 1317هـ) من مشهوري العلماء، حضر ودرس في الأزهر، وأول درس قرأه بالأزهر عام 1283هـ، وتتلمذ عليه الكثيرون، وعين مفتشا ثانيا للغة العربية بوزارة المعارف، ثم مدرسا بدار العلوم (2)
الشيخ أحمد خطوة الحنفي (13241268هـ)، من جلة العلماء، وحضر ودرس في الأزهر، وكان أكثر اشتغاله في المعقول على الشيخ حسن الطويل، وكان ابتداؤه للتدريس في الأزهر سنة 1296هـ، وقد عين مفتيا للأوقاف، ثم نقل عضوا في المحكمة الشرعية العليا (3)
__________
(1) 284ج 4الجبرتي
(2) 129120أعيان القرن الثالث عشر لأحمد تيمور، وله ترجمة في مجلة الضياء ج 1 ص 690
(3) له ترجمة في مجلة المقتبس ج 1ص 551، وراجع ص 132130تراجم أعيان القرن 13لأحمد تيمور(1/172)
الباب الثاني تاريخ 61782 الأزهر الحديث(1/173)
الفصل الأول القوّة الشعبيّة بعد الحملة 61783 الفرنسيّة ممثلة في 61784 الأزهر
بعد خروج الفرنسيين من مصر تنازعت الوطن أياد قوية كل يد تعمل على الاستئثار بحكم مصر، وكان من هؤلاء الطامعين في العرش طامح من رعايا خلافة تركيا هو محمد علي القوللي رئيس إحدى الفرق العسكرية التي أرسلتها تركيا إلى مصر لطرد الفرنسيين منها.
وتودد محمد علي إلى شعب مصر والى علماء الأزهر الشريف، ودس أعوانه في وسط الشعب لينادي به حاكما على مصر، واستجاب علماء الأزهر لرغبة الشعب، ورأوا في تولية مثل محمد على حكم مصر دفعا لأخطار الحكام الأتراك المتغطرسين، فتوجهوا وعلى رأسهم شيخ الإسلام الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ محمد المهدي المفتي، والشيخ محمد الأمير من كبار العلماء، والشيخ سليمان الفيومي، والسيد عمر مكرم نقيب الإشراف، والسيد محمد السادات شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والشيخ العريشي القاضي، وغيرهم من الشيوخ والعلماء، إلى قصر محمد علي وأفضوا إليه برغبتهم في المناداة به واليا على مصر لإجماع الشعب على ذلك، وخرج العلماء من عنده إلى الجامع الأزهر لرسم الخطة ومتابعة الحوادث. غير أن الانتظار لم يطل، فما كاد يعلن نبأ تولية «محمد علي» ولاية «جدة» واستعداده للرحيل، حتى خرج أهل القاهرة عن حد الاحتمال فالتفوا حول شيوخ الأزهر، وطالبوا بوضع حد لسوء الحال، وانتهوا إلى المطالبة بعزل الوالي، والمناداة بمحمد علي
واليا على مصر: وكان عدد المحتشدين من الشعب في الأزهر يربو على الأربعين ألفا. ولم يجد العلماء إزاء هذا الموقف بدا من تحقيق رغبة الشعب، فاتجهوا الى دار المحكمة في بيت القاضي، وحولهم هذا البحر الزاخر من الشعب الهائج يهتف بسقوط الوالي، وفي المحكمة حضر الجميع واتفقوا على كتابة عريضة بمطالب الشعب عددوا فيها المظالم التي وقعت بالناس من مصادرة الحريات وفرض الضرائب، وطالبوا برفع هذه المظالم، وكان ذلك في يوم الأحد 12من صفر سنة 1220هـ (12مايو سنة 1805م). ولما وصلت هذه القرارات إلى الوالي استدعى العلماء لمقابلته، ولكنهم رفضوا، لأنهم علموا أنه دبر مؤامرة لاغتيالهم في الطريق والقضاء على هذه الحركة الشعبية، فلما امتنعوا عن الذهاب رفض الوالي إجابة مطالبهم، فاجتمع وكلاء الشعب من العلماء في يوم الاثنين 13من صفر سنة 1220هـ (13مايو سنة 1805م) بدار المحكمة وقرروا عزل خورشيد باشا وتنصيب محمد علي واليا على مصر.(1/175)
وتودد محمد علي إلى شعب مصر والى علماء الأزهر الشريف، ودس أعوانه في وسط الشعب لينادي به حاكما على مصر، واستجاب علماء الأزهر لرغبة الشعب، ورأوا في تولية مثل محمد على حكم مصر دفعا لأخطار الحكام الأتراك المتغطرسين، فتوجهوا وعلى رأسهم شيخ الإسلام الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ محمد المهدي المفتي، والشيخ محمد الأمير من كبار العلماء، والشيخ سليمان الفيومي، والسيد عمر مكرم نقيب الإشراف، والسيد محمد السادات شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والشيخ العريشي القاضي، وغيرهم من الشيوخ والعلماء، إلى قصر محمد علي وأفضوا إليه برغبتهم في المناداة به واليا على مصر لإجماع الشعب على ذلك، وخرج العلماء من عنده إلى الجامع الأزهر لرسم الخطة ومتابعة الحوادث. غير أن الانتظار لم يطل، فما كاد يعلن نبأ تولية «محمد علي» ولاية «جدة» واستعداده للرحيل، حتى خرج أهل القاهرة عن حد الاحتمال فالتفوا حول شيوخ الأزهر، وطالبوا بوضع حد لسوء الحال، وانتهوا إلى المطالبة بعزل الوالي، والمناداة بمحمد علي
واليا على مصر: وكان عدد المحتشدين من الشعب في الأزهر يربو على الأربعين ألفا. ولم يجد العلماء إزاء هذا الموقف بدا من تحقيق رغبة الشعب، فاتجهوا الى دار المحكمة في بيت القاضي، وحولهم هذا البحر الزاخر من الشعب الهائج يهتف بسقوط الوالي، وفي المحكمة حضر الجميع واتفقوا على كتابة عريضة بمطالب الشعب عددوا فيها المظالم التي وقعت بالناس من مصادرة الحريات وفرض الضرائب، وطالبوا برفع هذه المظالم، وكان ذلك في يوم الأحد 12من صفر سنة 1220هـ (12مايو سنة 1805م). ولما وصلت هذه القرارات إلى الوالي استدعى العلماء لمقابلته، ولكنهم رفضوا، لأنهم علموا أنه دبر مؤامرة لاغتيالهم في الطريق والقضاء على هذه الحركة الشعبية، فلما امتنعوا عن الذهاب رفض الوالي إجابة مطالبهم، فاجتمع وكلاء الشعب من العلماء في يوم الاثنين 13من صفر سنة 1220هـ (13مايو سنة 1805م) بدار المحكمة وقرروا عزل خورشيد باشا وتنصيب محمد علي واليا على مصر.
وعقب إصدار القرار في المحكمة توجهت الجموع إلى محمد علي، وفي طليعتهم علماء الأزهر على رأسهم: الشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر، ونقيب الاشراف السيد عمر مكرم «وذهبوا إلى محمد علي وقالوا له: إنا لا نريد هذا الباشا حاكما علينا ولا بد من عزله من الولاية. فقال: ومن تريدونه أن يكون واليا؟ قالوا: لا نرضى الا بك، وتكون واليا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير. فامتنع أولا، ثم رضي.
وأخضروا له كركا وعليه قفطان. وقام إليه شيخ الاسلام الشيخ الشرقاوي والسيد عمر فألبساه إياه، وذلك وقت العصر، ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة».
وفي 11من ربيع الثاني سنة 1220هـ (9من يوليه سنة 1805م) وصل مرسوم الدولة، ومضمونه الخطاب لمحمد علي والي جدة سابقا ووالي مصر حالا، من ابتداء 20من ربيع الأول، حيث رضي بذلك العلماء والرعية.(1/176)
هذه هي رواية الجبرتي ونحن لا نكاد نسلم بها، فإن محمد علي عندما علم بنبأ وصول الوحدات البحرية التركية بقيادة قبودان باشا يحمل أمر السلطان بعزل محمد علي وتولية موسى باشا، سارع إلى الالتجاء إلى القلعة مستعدا للمقاومة وجمع فيها ما استطاع أن يجمعه من معدات الحرب والعمال والاجناد، وفي هذه الأثناء علم أن محمد بك الألفي المتحصن في البحيرة قد اتصل بالأتراك واتفق معهم. فرأى أن المقاومة لن تجدي ما دام الشعب لا يظاهره، وأن أعوانه في المقاومة هم قواد الجيش الذين اجتمع بهم وشاورهم فأيدوه في المقاومة «لأنه ما من أحد منهم إلا وصار له عدة زوجات وعدة بيوت والتزام بلاد (جمع ضرائبها) وسيادة لم يكن يتخيلها ولم تخطر بذهنه أن ينسلخ عنها والخروج منها ولو خرجت روحه».
ووصلت الأنباء أن الألفي بعث إلى قبودان هدية فيها 30جوادا و 4000رأس من الغنم والبقر والجاموس ومائة جمل بالذخيرة ونقود وثياب وأقمشة.
وهنا التجأ محمد علي إلى زعيم مصر الكبير السيد عمر مكرم نقيب الأشراف وبعض الأعيان، وعرض عليهم الموقف وما فعله الأمراء والمماليك واتفاقهم مع السلطان، وطلب منهم دراسة الموقف فتركوه وانصرفوا.
حدث هذا في يوم الجمعة ولو أن الشعب المصري كان متعلقا بمحمد علي لا يرضى عنه بديلا، كما صوره المؤرخون، لما استدعى بحث الموقف طويلا، بل كان الرد أن الشعب سيقف بجانب محمد علي في موقفه ومقاومته ولا يحتاج إلى تفكير. ولكن الذي حدث فعلا أن البحث والدرس وتقليب الموقف استمر بين الزعماء المصريين أياما.
فمضى السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء دون أن يتلقى محمد علي ردا، وهنا قرر محمد علي اتخاذ إجراء حاسم.
بعث باثنين من رجاله هما مدير مكتبه ورئيس التراجمة، وقد فاجئا
السيد عمر مكرم في داره صباح الخميس، وقدما إليه صورة التماس كتبه ديوان محمد علي، على لسان المشايخ الى الباب العالي لتثبيت محمد علي لولاية مصر.(1/177)
بعث باثنين من رجاله هما مدير مكتبه ورئيس التراجمة، وقد فاجئا
السيد عمر مكرم في داره صباح الخميس، وقدما إليه صورة التماس كتبه ديوان محمد علي، على لسان المشايخ الى الباب العالي لتثبيت محمد علي لولاية مصر.
ولو أن المصريين كانوا متمسكين بمحمد علي لوقع الزعماء الذين دعاهم السيد عمر النقيب إلى داره لبحث هذا التطور الجديد في الموقف الالتماس دون مناقشة، ولكن الذي حدث هذه المرة أيضا أن الاجتماع استمر اليوم كله.
وفي اليوم التالي، السبت، حمل هذا الالتماس إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي ومعه أمر بتنظيم «العرضحال» وترصيعه «وتوقيعه» بتوقيعات المشايخ وبصمه بأختامهم ليرسله الباشا إلى الدولة، فلم تسعهم المخالفة» وقد تم هذا فعلا.
وهذا الالتماس رغم طوله لم يخرج عن كونه مدحا للسلطان، ثم تحقير أعمال الأمراء المماليك، ثم رفع شأن محمد علي وتبرير لبعض تصرفاته التي أنكرها عليه السلطان وينتهي بطلب إبقائه واليا.
وسارع محمد علي، بطبيعة الحال، بإرسال العريضة إلى تركيا، ولكن حدث مساء الاثنين أن وصل إلى القاهرة رسول من قبودان باشا ليبلغ المسؤولين عن الشعب وهم الشيخ السادات والسيد عمر مكرم والأئمة قرار السلطان بعزل محمد علي. ولما كان الأمر قد خرج من أيدي هؤلاء الزعماء بعد توقيع الالتماس، فقد ذهبوا إلى محمد علي يعرضون الأمر فأمرهم بالعودة إلى منازلهم على أن يرسل إليهم في اليوم الثاني صورة التماس جديد ينسخونه ويوقعونه.
وفي هذا العرضحال يبدي الزعماء خضوعهم وامتثال لقرار السلطان ولكنهم يبدون تخوفهم من الجند ألا يمتثلوا للأوامر بسبب رواتبهم. وكان محمد علي قد احتاط بتدبير هذه المؤامرة بالاتفاق مع قواد الجند الذين يهمهم البقاء في مصر.(1/178)
وانتهز محمد علي الفرصة وماطل في تنفيذ أمر السلطان، وهنا وجد قبودان باشا مركزه حرجا، وأن الاعتماد على الأمراء المماليك لا خير فيه وسيؤدي إلى ضياع هيبته، فقر رأيه أن يتصل بمحمد علي الذي انتهز الفرصة فعرض العروض الباذخة وتعهد ان يؤدي ضعف ما تعهد الأمراء بتأديته لقبودان: بعضه معجل والآخر مؤجل.
واتفق قبودان مع محمد علي أن يعود الى استكتاب الزعماء كتابا آخر يرسله إليه مع ولده شخصيا. على أن يتضمن أن محمد علي حامى الإقليم وحافظ ثغوره ومؤمن سبله وقامع المعتدين وأن الكلية من الخاصة والعامة راضية بولايته وأحكامه وعدله، وأن الشريعة مقامة في أيامه ولا يرتضون خلافه لما رأوا فيه من عدم الظلم الخ الفضائل والصفات التي اتفق قبودان باشا مع محمد علي، على نسبتها إلى مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر!!
وقد انتهت هذه المساعي كلها بإلغاء أمر النقل وتثبيت محمد علي على ولاية مصر.
وهذه هي حقيقة مطالبة المصريين بولاية محمد علي عندما عزله السلطان، في المرة الثانية وهذا هو موقف الزعماء المصريين، الذين لم يطالبوا بتثبيت محمد علي إلا بحد السيف الذي سلطه عليهم.
ولكن ماذا فعل محمد علي وأولاده بهذه الثقة الغالية؟ لقد قرر محمد علي منذ اللحظة الاولى أن يستبد بالأمر، ويبعد الشعب وزعيمه عن الميدان
وأخذته الغيرة من زعيم المصريين عمر مكرم، وأنكر منه أن يتحدث اليه عن آلام الشعب مما فرضه عليهم من الضرائب بسبب الاستعداد للحملة الوهابية ثم أراد أن يأخذ إمضاء السيد عمر على حساب غير مضبوط أعده ليرسله إلى الدولة فأبى السيد عمر مكرم ذلك قائلا:
ان الضرائب المعتادة كانت تكفي لكل ما قام به الباشا من الأعمال
العامة وإني لا أستطيع أن أشهد بغير ما أعتقد أنه حق(1/179)
ان الضرائب المعتادة كانت تكفي لكل ما قام به الباشا من الأعمال
العامة وإني لا أستطيع أن أشهد بغير ما أعتقد أنه حق
فقرر محمد على التخلص من عمر مكرم وأراد أن يحتال عليه، وطلب إليه أن يذهب لمقابلته في الديوان، فأجاب السيد عمر مكرم قائلا:
إن الباشا إذا أراد مقابلتي، فلينزل من القلعة لمقابلتي في بيت السادات، لتكون المقابلة على سواء.
وكان محمد علي يجمع من الضرائب أكثر مما ينفق ويحتجز الأموال لنفسه، فاحتج عمر مكرم، وقال كلاما كثيرا جاء فيه:
أما ما صرفه الباشا في سد الترعة فإن الذي جمعه وجباه من البلاد يزيد على ما صرفه أضعافا كثيرة، وأما غير ذلك، فكله كذب لا أصل له، وإن وجد من يحاسبه على ما أخذه من القطر المصري من الفرض والمظالم لما وسعته المظالم
فقرر محمد علي نفيه من القاهرة، فابتسم الشيخ عمر مكرم وقال:
أما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه، وليس فيه إلا التعب:
وأما النفي فهو غاية مطلوبي، وأرتاح من هذه الورطة، ولكن أريد ان أكون في بلد لم تكن تحت حكمه، فإذا لم بآذن لي في الذهاب إلى أسيوط، فليأذن لي في الذهاب إلى الطور أو إلى درنة.
فأخبروا الباشا بذلك، فلم يرض إلا بذهابه إلى دمياط.
وخرج عمر مكرم زعيم الشعب إلى منفاه في 13اغسطس 1809.
وهكذا أخرج محمد علي الشعب المصري من الميدان، وقرر أن يستبد بأمر مصر وحده.
وهكذا أنكر فضل هذا الشعب عليه، وأخذ طريق المستبدين، وخلفه أبناؤه فساروا في طريقه، ووضعوا أيديهم في يد أعداء البلاد وزاد أمرهم سوءا، وأحاطت بهم الأزمات(1/180)
وتقدم شعب مصر ليعينهم، فمكروا به، وسخروا منه، إلى أن حدث ما لم يكن لهم في حسبان
61785 - الأزهر يسير في حياته العلمية:
وقد سار الأزهر في حياته العلمية يائسا من الحكام والولاة، واهتم علماؤه بإصلاحه وصدر أول قانون لذلك في سنة 1288هـ (1872م) وقد نظم هذا القانون طريقة نيل الشهادة العالمية وبين مواد امتحانها وقسم الناجحين فيها إلى ثلاث درجات: (أولى، ثانية، ثالثة) على أن تصدر بذاك براءة ملكية بتوقيع ولي الأمر: وعنى الغيورون بالأزهر، وحرصوا على أن ينهض. وقد كان لهذا التنظيم الذي بدىء في عهد إسماعيل أثره في حفز الهمم على الإصلاح، فتوالت القوانين المنظمة للأزهر، وكان أهمها القانون رقم 10لسنة 1911، إذ قسم الدراسة بالأزهر إلى مراحل، وجعل لكل مرحلة نظاما وموادا للدراسة، وحدد اختصاص شيخ الجامع الأزهر، وأنشأ هيئة تشرف على الأزهر تسمى المجلس الأعلى للأزهر، وأوجد هيئة كبار العلماء وجعل لها نظاما خاصا، وجعل لكل مذهب من المذاهب الأربعة التي تدرس في الأزهر شيخا، ونظم مجالس إدارات المعاهد، ووضع نظاما للمدرسين والموظفين في التعيين والترقية، ووضع للطلاب شروطا للقبول، ونظم الامتحانات والشهادات.
وحدث في هذا العهد عدة أحداث: منها أن بعض الشوام والصعايدة تزاحموا في الجلوس في الدرس وتضاربوا فجاء جملة من الشوام بالعصى وساقوا الصعايدة سوقا عنيفا إلى رواق الصعايدة، فحضرت طائفة من الصعايدة بعصيهم ووقعوا بالشوام ضربا وهموا وراءهم بقوة شديدة حتى ادخلوهم رواق الشوام وحاصروهم به، ولم يسع الشوام إلا قفل باب الرواق، بل تسور لهم بعض الصعايدة من فوق السطح، واستمروا كذلك، حتى ذهب الشيخ محمد الرافعي إلى بعض الأعيان من تجار الشوام وأخبرهم، وذهبوا جميعا إلى خير الدين باشا ضابط مصر، فأرسل جملة
من عساكر الأرنؤود وخلافهم فدخلوا الأزهر بصورة شنيعة وتطاولوا على كل صعيدي بلا تحقيق فأخذ الصعايدة في الذب عن أنفسهم حتى أخرجوا العساكر من الأزهر ولم يلبثوا أن جاءت عساكر جهادية وأتراك بكثرة من طرف الضابط لما بلغه من التهويل فدخلوا الأزهر بأسلحتهم ونفيرهم وطبلهم لابسين أحذيتهم فقبضوا من الصعايدة على نحو ثلاثين وسجنوهم بالمحافظة، ثم أخذوا ثلاثة من مشايخهم وعوقوهم هناك قليلا وبعد مدة أطلقوهم، وبقى المجاورون في السجن وكان إذ ذاك سعيد باشا في الأرض الحجازية فسعى بعض المشايخ عند وكلائه في الإفراج عنهم فأفرج عنهم بعد نحو عشرين يوما وحصل الكلام في طريقة يسير عليها الأزهر حيث أن شيخه أقعده الكبر، واجتمع الرأي على توكيل أربعة من العلماء، وصدر الأمر بذلك، وكان في مشيخته الشيخ الباجوري(1/181)
وحدث في هذا العهد عدة أحداث: منها أن بعض الشوام والصعايدة تزاحموا في الجلوس في الدرس وتضاربوا فجاء جملة من الشوام بالعصى وساقوا الصعايدة سوقا عنيفا إلى رواق الصعايدة، فحضرت طائفة من الصعايدة بعصيهم ووقعوا بالشوام ضربا وهموا وراءهم بقوة شديدة حتى ادخلوهم رواق الشوام وحاصروهم به، ولم يسع الشوام إلا قفل باب الرواق، بل تسور لهم بعض الصعايدة من فوق السطح، واستمروا كذلك، حتى ذهب الشيخ محمد الرافعي إلى بعض الأعيان من تجار الشوام وأخبرهم، وذهبوا جميعا إلى خير الدين باشا ضابط مصر، فأرسل جملة
من عساكر الأرنؤود وخلافهم فدخلوا الأزهر بصورة شنيعة وتطاولوا على كل صعيدي بلا تحقيق فأخذ الصعايدة في الذب عن أنفسهم حتى أخرجوا العساكر من الأزهر ولم يلبثوا أن جاءت عساكر جهادية وأتراك بكثرة من طرف الضابط لما بلغه من التهويل فدخلوا الأزهر بأسلحتهم ونفيرهم وطبلهم لابسين أحذيتهم فقبضوا من الصعايدة على نحو ثلاثين وسجنوهم بالمحافظة، ثم أخذوا ثلاثة من مشايخهم وعوقوهم هناك قليلا وبعد مدة أطلقوهم، وبقى المجاورون في السجن وكان إذ ذاك سعيد باشا في الأرض الحجازية فسعى بعض المشايخ عند وكلائه في الإفراج عنهم فأفرج عنهم بعد نحو عشرين يوما وحصل الكلام في طريقة يسير عليها الأزهر حيث أن شيخه أقعده الكبر، واجتمع الرأي على توكيل أربعة من العلماء، وصدر الأمر بذلك، وكان في مشيخته الشيخ الباجوري
حادثة الشوام:
وقد حدثت هذه الحادثة المفجعة في 19من ذي الحجة سنة 1313 بالأزهر الشريف في مشيخة شيخ الأزهر حسونة النواوي بسبب وباء ذلك العام وتفصيلها أنه مرض برواق الشوام مجاور بالطاعون، وحضرت الحكومة لنقله بالعربة السوداء للمستشفى وكان من أخذ بها لا يرجى له أن يشم هواء الدنيا، فأبت رفقته من طلبة الأزهر تسليمه حيث كان قد أخذ آخر ولم يوقف له على أثر، فاشتد الجدال بين الفريقين وأبلغ الأطباء الحكومة أنهم أهينوا، فحضر إلى الجامع الأزهر المحافظ ومعه وكيل الحكمدارية وشرذمة من العساكر فخيل للمجاورين الشوام أنهم مأخوذون لا محالة، فتطاولوا على المحافظ ورجموه ومن معه ببعض الحجارة، فأصاب وكيل الحكمدارية رمية فجرح وكانت الشوام أغلقت باب الشوام، فطلب قوة عسكرية أخرى فحضرت وعملوا حصارا على الجامع الأزهر وامر الحكمدار العساكر بكسر الباب وإطلاق الرصاص على الطلبة داخل الجامع فانقضوا عليه حتى خلعوا عقب إحدى أبوابه، ثم بدأ الحكمدار يطلق بندقيته واتبعته العساكر بإطلاق الرصاص، فتفرق الطلبة في جميع
نواحي الجامع ثم دخل الضباط والعساكر واشتغلوا بضبط من بالأزهر مع الإهانة من غير تمييز بين طالب وعالم، فقبضوا على 82من الشوام و 23 من المصريين وفيهم بعض المدرسين وأصيب بالرصاص خمسة مات بعضهم في الحال وبعضهم بعد ذلك ثم أفرج عن المقبوضين وانحصرت التهمة في 14تقريبا من الشوام ونفى البعض وسجن البعض، وأقفل رواق الشوام سنة كاملة، واستاء لذلك الخديوي وشيخ الأزهر وانصدعت لذلك قلوب الشعوب الإسلامية.(1/182)
وقد حدثت هذه الحادثة المفجعة في 19من ذي الحجة سنة 1313 بالأزهر الشريف في مشيخة شيخ الأزهر حسونة النواوي بسبب وباء ذلك العام وتفصيلها أنه مرض برواق الشوام مجاور بالطاعون، وحضرت الحكومة لنقله بالعربة السوداء للمستشفى وكان من أخذ بها لا يرجى له أن يشم هواء الدنيا، فأبت رفقته من طلبة الأزهر تسليمه حيث كان قد أخذ آخر ولم يوقف له على أثر، فاشتد الجدال بين الفريقين وأبلغ الأطباء الحكومة أنهم أهينوا، فحضر إلى الجامع الأزهر المحافظ ومعه وكيل الحكمدارية وشرذمة من العساكر فخيل للمجاورين الشوام أنهم مأخوذون لا محالة، فتطاولوا على المحافظ ورجموه ومن معه ببعض الحجارة، فأصاب وكيل الحكمدارية رمية فجرح وكانت الشوام أغلقت باب الشوام، فطلب قوة عسكرية أخرى فحضرت وعملوا حصارا على الجامع الأزهر وامر الحكمدار العساكر بكسر الباب وإطلاق الرصاص على الطلبة داخل الجامع فانقضوا عليه حتى خلعوا عقب إحدى أبوابه، ثم بدأ الحكمدار يطلق بندقيته واتبعته العساكر بإطلاق الرصاص، فتفرق الطلبة في جميع
نواحي الجامع ثم دخل الضباط والعساكر واشتغلوا بضبط من بالأزهر مع الإهانة من غير تمييز بين طالب وعالم، فقبضوا على 82من الشوام و 23 من المصريين وفيهم بعض المدرسين وأصيب بالرصاص خمسة مات بعضهم في الحال وبعضهم بعد ذلك ثم أفرج عن المقبوضين وانحصرت التهمة في 14تقريبا من الشوام ونفى البعض وسجن البعض، وأقفل رواق الشوام سنة كاملة، واستاء لذلك الخديوي وشيخ الأزهر وانصدعت لذلك قلوب الشعوب الإسلامية.
جهاد 61786 الأزهر في الثورة العرابية:
قام الأزهر بنصيب (1) كبير في إذكاء الحماسة ونشر التعليم وإعداد النفوس لتلبية نداء الحرية، فقد قام رجاله وعلى رأسهم الشيخ عبد الله الشرقاوي منذ أوائل القرن التاسع عشر بإعلان حقوق الشعب وإلزام الوالي باحترام هذه الحقوق، ثم ظهر بعد ذلك رجال أفذاذ سجلوا اللأزهر صفحات خالدة في تاريخنا مثل رفاعة رافع والسيد عبد الله النديم والشيخ محمد عبده.
فالأول كان زعيما لنهضة العلم والأدب في عصره، ومن أهم أعماله تأسيس مدرسة الألسن التي خرجت نخبة من العلماء والأدباء والشعراء، كما قام بترجمة الدستور الفرنسي، وعلق على الترجمة تعليقات تدل على فهم صحيح لأحكامه ومبادئه، وميل فطرى إلى (2) النظم الحرة، وترجم القانون المدني الفرنسي ونشر رحلته في فرنسا وسماها «تخليص الإبريز»، ولم يقتصر نشاطه على التأليف والترجمة والتدريس، بل خدم الأدب، وله قصائد شعرية تدل على وطنية صادقة وتفان في محبة الوطن، وبلغ من حماسته أنه عرب نشيد المارسلييز الفرنسي الذي يعتبر من أجمل الأناشيد الحماسية القومية، حتى لا يحرم أبناء وطنه من تذوق هذا النشيد.
__________
(1) مجلة الأزهر 1372الأستاذ احمد عز الدين خلف الله.
(2) تاريخ الحركة القومية الرافعي ج 3ص 479(1/183)
وأما السيد عبد الله النديم، فقد حاول أن ينفث في الأمة الحماسة كي يستيقظ الشعب من غفوته، ونادى بضرورة تعليم أبناء الوطن تعليما نافعا، وفي سبيل تحقيق أغراضه أسس «الجمعية الخيرية الإسلامية» ونحانحوا جديدا لنشر أفكاره، فألف مسرحيتين إحداهما (الوطن وطالع التوفيق) والأخرى (العرب)، مثلهما هو وتلاميذه على مسرح زيزينيا بالإسكندرية. وقد بين في مسرحيته الأولى جميع الأمراض والعلل التي نهدد الأمة في وجودها.
وبينما كان صوت النديم يجلجل بالإصلاح ويمهد للثورة في نفوس المثقفين كان الشيخ محمد عبده يبث تعاليم السيد جمال الدين الأفغاني في دروسه، ويعالج الشئون العامة للبلاد في صحيفتي الأهرام والوقائع الرسمية.
ورأس الثورة المفكر أحمد عرابي (باشا) تلقى علومه في الأزهر مدة أربع سنوات، وكان لهذه المدة على ضآلتها أثر كبير في تكوين شخصية عرابي كزعيم ثوري، إذ جعلت منه خطيبا مفوها يستولى على عقول سامعيه ويهز مشاعرهم ووسط هذا النضوج الذهني اندلع لهيب الثورة.
وفي 25مايو عام 1882قدمت كل من انجلترا وفرنسا مذكرة يطلبان فيها إبعاد عرابي (باشا) وإرسال كل من: على (باشا) فهمى وعبد العال (باشا) حلمى إلى أية جهة داخل القطر المصري، واستقالة وزارة البارودي، فرفض مجلس الوزراء مطالب الدولتين، واجتمع أحمد عرابي ومحمود سامي البارودي وكبار الضباط في قشلاق عابدين واتفقوا فيما بينهم على ان يكونوا يدا واحدة في الدفاع عن البلاد، وارسلوا إلى الشيخ محمد عبده ليضع لهم صيغة يمين الثورة فوضعها لهم، وتلاها عليهم، فرددوها في صوت واحد.
واستقالت وزارة البارودي يوم 26مايو عام 1882، وأراد الخديوي
توفيق أن يبث التفرقة في صفوف الزعماء، فعقد اجتماعا يوم 27مايو حضره من العلماء الشيخ محمد الإنبابي شيخ الجامع الأزهر والشيخ محمد عليش والشيخ حسن العدوي والشيخ أبو العلا الخلفاوي وحضره شريف باشا وكبار النواب والضباط وعرض الخديو على المجتمعين تشكيل وزارة برياسته، وقبول المذكرة الإنجليزية الفرنسية. فأجاب طلبة باشا عصمت على كلام الخديو قائلا «إننا مطيعون لجناب السلطان الشاهاني وللجناب الخديوي. ولكن هذه اللائحة يستحيل علينا تنفيذها، ولا حق للدولتين في طلب تنفيذها، فهي تتعلق بمسائل من اختصاص الباب العالي أن ينظر فيها ويستحيل علينا قبول أحد رئيسا للجهادية خلاف رئيسنا أحمد عرابي»، ووافق على قوله الشيخ عليش والعلماء جميعا. ثم غادر طلبة باشا مجلس الخديو بدون استئذان وتبعه الضباط والعلماء.(1/184)
واستقالت وزارة البارودي يوم 26مايو عام 1882، وأراد الخديوي
توفيق أن يبث التفرقة في صفوف الزعماء، فعقد اجتماعا يوم 27مايو حضره من العلماء الشيخ محمد الإنبابي شيخ الجامع الأزهر والشيخ محمد عليش والشيخ حسن العدوي والشيخ أبو العلا الخلفاوي وحضره شريف باشا وكبار النواب والضباط وعرض الخديو على المجتمعين تشكيل وزارة برياسته، وقبول المذكرة الإنجليزية الفرنسية. فأجاب طلبة باشا عصمت على كلام الخديو قائلا «إننا مطيعون لجناب السلطان الشاهاني وللجناب الخديوي. ولكن هذه اللائحة يستحيل علينا تنفيذها، ولا حق للدولتين في طلب تنفيذها، فهي تتعلق بمسائل من اختصاص الباب العالي أن ينظر فيها ويستحيل علينا قبول أحد رئيسا للجهادية خلاف رئيسنا أحمد عرابي»، ووافق على قوله الشيخ عليش والعلماء جميعا. ثم غادر طلبة باشا مجلس الخديو بدون استئذان وتبعه الضباط والعلماء.
وبعد ضرب الإسكندرية في 11يولية عام 1882هب عرابي باشا للدفاع عن البلاد، فأصدر الخديو أمر بعزله في 10يولية، وبناء علي ذلك اجتمع المؤتمر الوطني للمرة الثانية في 22يولية سنة 1882ليقرر موقف الأمة من الخديو الذي أعلن بتصرفاته انضمامه إلى الإنجليز. وتلا الشيخ محمد عبده على أعضاء المؤتمر أوامر الخديو التي تثبت إدانته ومنشورات عرابي باشا التي تدعو إلى الدفاع عن الوطن. ثم ألقى علي باشا الروبي خطبة ندد فيها بموقف الخديو المزرى إزاء قضية البلاد، ثم تليت فتوى شرعية أصدرها العلماء بمروق الخديو عن الدين لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده، فأصدر المؤتمر الوطني قراره التاريخي بعزل الخديو ووقف أوامره وتكليف عرابي بالدفاع عن البلاد، وتكليف المجلس العرفي بتبليغ هذه القرارات للسلطان، ووقع الحاضرون على ما قرره المؤتمر الوطني وكان من بين العلماء الموقعين على ذلك: الشيخ محمد الإنبابي شيخ الجامع الأزهر، الشيخ حسن العدوي، الشيخ عبد الله الدرسناوي مفتي الحنفية، الشيخ محمد عليش مفتي المالكية، الشيخ يوسف الحنبلي مفتي الحنابلة، مفتي الأوقاف الشيخ عبد الهادي الإبياري، الشيخ محمد
الأشموني الشيخ خليل العزازي، الشيخ مسعود النابلسي، الشيخ محمد القلماوي، الشيخ زين المرصفي، الشيخ حسين المرصفي، الشيخ سليم عمر القلعاوي، الشيخ عثمان مدوخ، الشيخ عبد الرحمن السويسي، ومن رجال القضاء الشرعي: الشيخ أبو العلا الخلفاوي الشيخ عبد القادر الرافعي، الشيخ عبد القادر الدليشاني، الشيخ أحمد الخشاب.(1/185)
وبعد ضرب الإسكندرية في 11يولية عام 1882هب عرابي باشا للدفاع عن البلاد، فأصدر الخديو أمر بعزله في 10يولية، وبناء علي ذلك اجتمع المؤتمر الوطني للمرة الثانية في 22يولية سنة 1882ليقرر موقف الأمة من الخديو الذي أعلن بتصرفاته انضمامه إلى الإنجليز. وتلا الشيخ محمد عبده على أعضاء المؤتمر أوامر الخديو التي تثبت إدانته ومنشورات عرابي باشا التي تدعو إلى الدفاع عن الوطن. ثم ألقى علي باشا الروبي خطبة ندد فيها بموقف الخديو المزرى إزاء قضية البلاد، ثم تليت فتوى شرعية أصدرها العلماء بمروق الخديو عن الدين لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده، فأصدر المؤتمر الوطني قراره التاريخي بعزل الخديو ووقف أوامره وتكليف عرابي بالدفاع عن البلاد، وتكليف المجلس العرفي بتبليغ هذه القرارات للسلطان، ووقع الحاضرون على ما قرره المؤتمر الوطني وكان من بين العلماء الموقعين على ذلك: الشيخ محمد الإنبابي شيخ الجامع الأزهر، الشيخ حسن العدوي، الشيخ عبد الله الدرسناوي مفتي الحنفية، الشيخ محمد عليش مفتي المالكية، الشيخ يوسف الحنبلي مفتي الحنابلة، مفتي الأوقاف الشيخ عبد الهادي الإبياري، الشيخ محمد
الأشموني الشيخ خليل العزازي، الشيخ مسعود النابلسي، الشيخ محمد القلماوي، الشيخ زين المرصفي، الشيخ حسين المرصفي، الشيخ سليم عمر القلعاوي، الشيخ عثمان مدوخ، الشيخ عبد الرحمن السويسي، ومن رجال القضاء الشرعي: الشيخ أبو العلا الخلفاوي الشيخ عبد القادر الرافعي، الشيخ عبد القادر الدليشاني، الشيخ أحمد الخشاب.
61787 - الأزهر يغذى ثورة عرابي:
ولقد كان البارودي ومحمد عبده وسعد زغلول ومحمد نديم قادة التفكير والقلم في هذه الثورة، واستأنفت الحركة الفكرية سيرها الذي قطعته الحوادث، وبدت طلائع نهضة جديدة في الآداب العربية، وظهر في الإنتاج الأدبي يومئذ عنصر قوي من الأدب المبتكر، وأخذت في نفس الوقت عناصر الثقافة الجديدة تحدث أثرها في إنتاج الجيل الجديد. ويعود الفضل في ذلك كله إلى الأزهر، وظهرت طائفة من المؤلفات والكتابات القومية التي تحررت من اغلال القديم سواء في اللفظ أو المعنى، وحملت هذه الروح الجديدة في طريقها كل شيء، وغدت أقوى دعامة في صرح النهضة.
قويت الحاجة الى الصحافة وظهر عبد الله نديم بحريدته «التنكيت والتبكيت»، إلا ان النديم ابدل الاسم في آخر لحظة باسم الطائف تيمنا باسم مدينة الطائف في الحجاز، وبالنسبة إلى انها تطوف بأرجاء الدنيا، كما كانت «الجواكب» التي يصدرها أحمد فارس الشدياق باستامبول تجوب أرجاء العالم. واتخذ رجال الثورة «الطائف» لسان حالهم، فكانت تذيع المنشورات والأوامر وتحض على الجهاد، وكانت تطبع من داخل معسكر كفر الدوار.
والى جانب الطائف صدرت عدة صحف للثورة منها: المفيد للسيد أمين الشمسي والزمان، والاعتدال وغيرها
وقام الشعراء في القاهرة وفي الإسكندرية يلقون الأشعار الحماسية
والقصائد الوطنية، فمن ذلك ما نظمه أحد علماء الأزهر من قصيدة مطولة له يقول فيها:(1/186)
وقام الشعراء في القاهرة وفي الإسكندرية يلقون الأشعار الحماسية
والقصائد الوطنية، فمن ذلك ما نظمه أحد علماء الأزهر من قصيدة مطولة له يقول فيها:
لعمرك ليس ذا وقت التصابي ... ولا وقت السماع على الشراب
ولا وقت الجلوس على القهاوي ... ولا وقت التغافل والتغابي
ولا وقت التشبب في سليمى ... ولا وقت التشاغل بالرباب
ولكن ذا زمان الجد وافي ... وذا وقت الفتوة والشباب
ووقت فيه الاستعداد فرض ... إقامة بالقلاع وبالطوابي
ووقت فيه الاستعداد فرض ... لتنفيذ الأوامر من عرابي
وقولوا يا عرابي دم رئيسا ... لحزب النصر محفوظ الجناب
ومن قصيدة أخرى لشاعر آخر جاء فيها:
نوال المعالي طعان الكتائب ... ونيل الأماني من ثمار المتاعب
وظهر الأعادي بالتدبر أولا ... وبعد بإشهار السيوف القواضب
ومن كعرابي في البرايا وحزبه ... أولى العزم أصحاب القنا والقواضب
وقام الخطباء يحضون الشعب على مقاومة أعداء الدستور، والأخذ بناصر زعماء الثورة، وكان عبد الله نديم خطيب الثورة لا يفتأ يخطب في كل ناد ومجتمع ومسجد، فمن ذلك خطبته التي خاطب بها جنود الجيش:
حماة البلاد وفرسانها. من قرأ التاريخ، وعلم ما توالى على مصر من الحوادث والنوازل، عرف مقدار ما وصلتم إليه من الشرف، وما كتب لكم في صفحات التاريخ من الحسنات، فقد ارتقيتم ذروة ما سبقكم اليها سابق، ولا يلحقكم في إدراكها لا حق ألا وهي حماية البلاد وحفظ العباد وكف يد الاستبداد عنهما، فلكم الذكر الجميل والمجد المخلد يباهى بكم الحاضر من أهلنا، ويفاخر بأثركم الآتي من أبنائنا فقد حبا الله الوطن بحياة طيبة بعد أن بلغت الروح التراقي، فإن الأمة جسد والجند روح، ولا حياة للجسم بلا روح، وهذا وطنكم العزيز أصبح يناديكم ويناجيكم.
وكانت خطبة الجمعة في المساجد تحض على الجهاد، فمن ذلك
خطبة الشيخ على المليجي في مسجد أسيوط حيث كان يحض المصلين على الغزو والجهاد والتطوع في سبيل نصرة الجيش، إذ قال:(1/187)
وكانت خطبة الجمعة في المساجد تحض على الجهاد، فمن ذلك
خطبة الشيخ على المليجي في مسجد أسيوط حيث كان يحض المصلين على الغزو والجهاد والتطوع في سبيل نصرة الجيش، إذ قال:
إن الانجليز قد طاشت عقولهم، وعميت بصائرهم، فلم يحسنوا الضروريات، فساموا بسوق أموالنا وديارنا نفيسها، وساقوا إلينا من زيف المعارضات خسيسها. وقابلوا عيشنا بخداع، وفتشوا أكتافنا لغدر أضمروه ليوم النزاع، ونحن لما جبلنا عليه من محاسن الإيمان. وفينا لهم بعقد الذمة والأمان. فعاملناهم بالحسنى، وجبرنا ما كان منهم ضعفا ووهنا، فلما صحت أبدانهم، وعمرت أوطانهم، لم يقنعوا، فعاد عليهم سوء الحال بالانقلاب، فخربوا بيوتهم بأيديهم من غير زعزعة منا ولا اضطراب.
وهكذا خاتمة أهل السوء والفحشاء.
وقد بذل العلماء جهودا كبيرة، في سبيل الدفاع القومي، فدعوا إلى التطوع في صفوف الجيش المصري وإمداده بالمؤن والتبرعات. وكان من أبرزهم الشيخ محمد عبده، والشيخ حسن العدوي، والسيد عبد الله النديم الذي كان لسان الثورة الناطق والذي كان يستدعى للخطابة بالبرق، حتى لقب بخطيب الثورة، بل (خطيب الشرق).
وبعد انتهاء الثورة العرابية قبض على زعمائها وعلى المشتركين فيها وقدموا للمحاكمة وهذا بيان بالعلماء الذين قبض عليهم والأحكام التي صدرت ضدهم، وأمام كل منهم اسم البلد التي اختارها لمنفاه (1):
الشيخ عبد الرحمن عليش، وقد نفى خمس سنوات خارج القطر المصري بالآستانة.
الشيخ عبد القادر قاضي مديرية القليوبية، وقد نفى أربع سنوات خارج القطر المصري ببيروت.
__________
(1) الثورة العرابية الرافعي صفحة (940) وما بعدها(1/188)
الشيخ محمد الهجرسي، وقد نفى أربع سنوات خارج القطر المصري بمكة المكرمة.
الشيخ أحمد عبد الجواد القاياتي، وقد نفى أربع سنوات خارج القطر المصري ببيروت.
الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي، وقد نفى أربع سنوات خارج القطر المصري ببيروت.
الشيخ يوسف شرابة، وقد نفى أربع سنوات خارج القطر المصري بغزة.
الشيخ محمد عبده، وقد نفى أربع سنوات خارج القطر المصري ببيروت.
هذا مع تجريدهم من الرتب والاميتازات والمناصب وعلامات الشرف.
وحكم على العلماء الآتية أسماؤهم بتجريدهم من جميع رتبهم وعلامات شرفهم وامتيازاتهم:
الشيخ حسن العدوي وابنه الشيخ أحمد العدوي الشيخ أحمد المنصوري الشيخ محمد السملوطي الشيخ أحمد البصري الشيخ محمد أبو العلا الخلفاوي العضو الأول بالمحكمة الشرعية الشيخ عبد الوهاب عبد المنعم قاضي إسنا سابقا الشيخ محمد أبو عائشة قاضي بور سعيد سابقا الشيخ علي الجمال نقيب الأشراف بدمياط الشيخ أحمد عبد الغني الشيخ محمد عسكر الشيخ أحمد مروان الشيخ محمد جبر قاضي المنصورة سابقا الشيخ عبد البر الرملي قاضي العريش سابقا الشيخ أحمد صلى نائب محكمة المنصورة سابقا الشيخ محمد غزالي قاضي مركز البحيرة.
وقد استدعى الشيخ حسن العدوى من السجن لمحاكمته يوم الثلاثاء (14محرم سنة 51300ديسمبر سنة 1882)، فنطق بالحق غير هياب
ولا وجل، ولا مكترث بالحكم الذي سيصدر عليه، ونقتبس هنا طرفا من محاكمته: سئل رحمه الله تعالى: هل ختم على عزل الخديوي وإسناد أمر الدفاع عن البلاد إلى عرابي باشا برغبته ورضاه، أم لسبب آخر؟. فأجاب «ختمت تابعا للعلماء الذين ختموا قبلى مثل شيخ الإسلام ومفتي الجامع الأزهر وشيخ الجامع وغيرهم، وكان ختمي برغبتي ورضائي للمدافعة الواجبة شرعا وسياسة، وما كان ينبغي لأحد أن يمتنع عن الختم. ولما سئل: هل علم المجلس أنك أفتيت بعزل الجناب الخديو فهل هذا حقيقة أم لا؟ أجاب: بأنه:(1/189)
وقد استدعى الشيخ حسن العدوى من السجن لمحاكمته يوم الثلاثاء (14محرم سنة 51300ديسمبر سنة 1882)، فنطق بالحق غير هياب
ولا وجل، ولا مكترث بالحكم الذي سيصدر عليه، ونقتبس هنا طرفا من محاكمته: سئل رحمه الله تعالى: هل ختم على عزل الخديوي وإسناد أمر الدفاع عن البلاد إلى عرابي باشا برغبته ورضاه، أم لسبب آخر؟. فأجاب «ختمت تابعا للعلماء الذين ختموا قبلى مثل شيخ الإسلام ومفتي الجامع الأزهر وشيخ الجامع وغيرهم، وكان ختمي برغبتي ورضائي للمدافعة الواجبة شرعا وسياسة، وما كان ينبغي لأحد أن يمتنع عن الختم. ولما سئل: هل علم المجلس أنك أفتيت بعزل الجناب الخديو فهل هذا حقيقة أم لا؟ أجاب: بأنه:
لم تصدر مني فتوى في ذلك، ولم أسأل في هذه المادة. ومع ذلك فإن جئتموني الآن بمنشور فيه هذه الفتوى فإني أوقعه، وما في وسعكم وأنتم مسلمون أن تنكروا أن الخديو توفيق مستحق للعزل لأنه خرج عن الدين والوطن.
وقد وقفنا على قصيدة لحضرة الفاضل الشيخ محمد النجار جمعت ما جمعت من وصف الحال في الثورة العرابية، والدعاء لاستنهاض الهمم واستثارة الحمية، وجاء فيها:
بالنصر قد جاء الكتاب مشيرا ... وبه أتى هادى الأنام بشيرا
يا أحمد المرجو لمصر ومن غدا ... فينا أمينا للجيوش أميرا
بشراك بالنصر المبين فثق به ... وكفى بربك هاديا ونصيرا
فازحف بجيشك يا مظفر ضاربا ... في الإنجليز وقاتلن سيمورا
واقطع بسيفك أمة قد أمروا ... أنثى عليهم إذ عدمن ذكورا
قوم تربوا في الثلوج فطبعهم ... يهوى البرود ولا يطيق حرورا
يا يوم قد خرجوا وجر وبورهم ... رمما وجرحاهم تمج بحورا
رجعوا ويوم السبت مبغوض لهم ... إذ لم يروا في يوم سبت نورا
قد أحرقوا قتلاهم من ظلمهم ... حتى لقد ظلموا بذاك سعيرا
ضربوا مدافع حزنهم أسفا على ... من مات منهم خاسئا وحسيرا
ندبوا رؤوسهم وقد هلكوا وما ... بالبحر إلا من رأيت صغيرا
كتبوا لسيدة لهم أن جهزي ... غنما لعيد المسلمين كثيرا
وتغيبوا عنا زمانا وانثنوا ... مثل الفراش فدمروا تدميرا
يا إنجليز ومن ينادي ميتا ... يخطى وكيف أخاطب المقبورا
بالثغر جئتم بغتة وضربتمو ... من غير وعد أولا وأخيرا
واسكندرية قد ضربتم دورها ... ما الحرب ضربكم البنا والدورا
ما عندنا إلا رجال ذكرهم ... يسمو على مر الزمان دهورا
ما عندنا الا أسود عساكر ... وقفت لتنحر بالسيوف نحورا
أنسيتمو أرضا حبتكم ثروة ... وسكنتموها جنة وقصورا؟
ورأيتم فيها رجالا أمرهم ... في حفظهم لكم غدا مشهورا
أنسيتم أرضا دخلتم روضها ... وجنيتم ثمرا به وزهورا؟
ذوقوا رصاصا من بنادق هيئة ... لكم لتشرح في الصدور صدورا
وخذوا مدافع بالقنابل أرسلت ... لكم لتأخذ جسمكم وتطيرا
هذا جزاؤكم على كفرانكم ... نعما، ولا يرضى الإله كفورا
نحن الألى كنا نياما حيث لا ... عدل وكان أميرنا مأمورا
نمنا كأهل الكهف دهرا ليتنا ... قد كان حافظ أمرنا قطميرا
نحن الألى كنا ضعافا حيث لا ... شرع وكان كتابنا مهجورا
حتى فقدنا قوة العرب الألى ... فتحوا البلاد وأحسنوا التدبيرا
واليوم نبهنا الزمان وجاءنا ... حامي حمى القطر السعيد مجيرا
يا طالما كذبت جرائدكم على ... أولاد مصر واقترفتم زورا
وبعثتم أولادكم ونساءكم ... وسقيتم أهل الفساد خمورا
كنا ضعافا حيث لا حرية ... فينا ولم نعرف لذاك غيورا
واليوم قام لأحمد الجيش الذي ... وافى وأصبح جيشه منصورا
وأتته من أهل البلاد إعانة ... وعساكر ضربوا لذاك نفيرا
عرب التقى أهل التقى من خيلهم ... سبقت لتنزل في العدو صقورا
وعساكر هجموا أسود في الوغي ... ولدى اصطفاف الصف صاروا سورا
ورجال دين حيث قد خافوا على ... ذرية من بعدهم تكفيرا
خافوا على أعراضهم من أمة ... خانت وكم فضحت وفضت حورا
خافوا على أوطانهم وبلادهم ... خافوا على جعل الغنى فقيرا
خافوا على جعل المساجد مربطا ... للخيل أو جعل الرجال حميرا
خافوا على الكتب التي قد دونت ... ولكم حوت علما يزيدك نورا
خافوا على آل الرسول وبيته ... والله فضلهم عليك كثيرا
خافوا على الدين القويم وأهله ... من أشبهوا في الاهتداء بدورا
خافوا على مفتاح بيت الله ... والبقع التي قد طهرت تطهيرا
خافوا على ترك الفروض وقطعنا ... جهر الأذان وهجرنا التكبيرا
يا مسلمون استبشروا فعدوكم ... ولي، وأصبح جيشه مكسورا
ولسوف يغلو قدركم ومقامكم ... يعلو وامركم يكون شهيرا
يا أيها الشجعان هذا وقتكم ... فأروا العدا عزما لكم مشهورا
ان الحياة مع المذلة موتة ... وبها نرى عذب المذاق مريرا
كونوا كما انتم عليه وجاهدوا ... حق الجهاد وحاذروا التأخيرا
بيضتم صحف التواريخ التي ... فاحت بذكركم الزكي عبيرا
لا كان أخذ الانكليز بلادنا ... أبدا ولا قد كان ذا مقدورا
والله لو رحنا جميعا ما نرى ... تسليمنا تلك البلاد يسيرا
أرض سقيناها دموع عيوننا ... وبها جرى النيل السعيد غزيرا
أرض عليها استشهدت أجدادنا ... فعلام لا يرث الصغير كبيرا؟
إن عاش منا واحد يا سعده ... أو مات لاقى جنة وحريرا
وطن بأيدينا زرعنا أرضه ... فغدا نضيرا ينبت الاكسيرا
يا آل مصر ألا فقووا عزمكم ... واستغنموا بيد الجهاد أجورا
يا آل مصر ألا أعينوا جيشكم ... إذ قام يحفظ بالدفاع ثغورا
إذ قام يحفظ أرضكم وبلادكم ... ونساءكم وصغيركم وكبيرا
يا آل مصر ألا اتركوا من عضدوا ... قوما لقد خانوا فكانوا بورا
هم خائنو الوطن الذي شبوا به ... وفقيرهم منه لقى تنكيرا
هم خائنو الرتب التي قد نقصت ... بهم فكانوا للعباد شرورا
آل النفاق علام تبغون العدا ... ألكم بهم نسب غدا مستورا؟
أم أنهم لا كنتم أحبابكم ... ولديهم صار اسمكم مسطورا
في بورسعيد وغيره قد خنتم ... وفعلتم للانجليز أمورا
بور لكم، وسعيد طالع وقتنا ... ولكم بذا يوم يكون عسيرا
من لم يكن فيه لمسقط رأسه ... خير رأى في غيره التحقيرا
سأرى بسعد الفال شعرى ناطقا ... ولرب أشعار تكون ثبورا
عما قريب سوف يظفر جيشنا ... ويجى عرابينا لنا مسرورا
ونرى الألى حملوا لواء النصر في ... حفظ البلاد وأنجزوا المأمورا
ويسرنا تقبيل مسك وجوههم ... فلقد بنوا لحمى الشريعة سورا
ونرى بهذا القطر أعظم زينة ... فرحا بما قد ناله وسرورا
ونرى لمصر سعادة أبدية ... ويكون من فيها بذاك فخورا
وتكون للسلطان أعظم قوة ... ولها يكون معضدا وظهيرا
و(1/190)
بالنصر قد جاء الكتاب مشيرا ... وبه أتى هادى الأنام بشيرا
يا أحمد المرجو لمصر ومن غدا ... فينا أمينا للجيوش أميرا
بشراك بالنصر المبين فثق به ... وكفى بربك هاديا ونصيرا
فازحف بجيشك يا مظفر ضاربا ... في الإنجليز وقاتلن سيمورا
واقطع بسيفك أمة قد أمروا ... أنثى عليهم إذ عدمن ذكورا
قوم تربوا في الثلوج فطبعهم ... يهوى البرود ولا يطيق حرورا
يا يوم قد خرجوا وجر وبورهم ... رمما وجرحاهم تمج بحورا
رجعوا ويوم السبت مبغوض لهم ... إذ لم يروا في يوم سبت نورا
قد أحرقوا قتلاهم من ظلمهم ... حتى لقد ظلموا بذاك سعيرا
ضربوا مدافع حزنهم أسفا على ... من مات منهم خاسئا وحسيرا
ندبوا رؤوسهم وقد هلكوا وما ... بالبحر إلا من رأيت صغيرا
كتبوا لسيدة لهم أن جهزي ... غنما لعيد المسلمين كثيرا
وتغيبوا عنا زمانا وانثنوا ... مثل الفراش فدمروا تدميرا
يا إنجليز ومن ينادي ميتا ... يخطى وكيف أخاطب المقبورا
بالثغر جئتم بغتة وضربتمو ... من غير وعد أولا وأخيرا
واسكندرية قد ضربتم دورها ... ما الحرب ضربكم البنا والدورا
ما عندنا إلا رجال ذكرهم ... يسمو على مر الزمان دهورا
ما عندنا الا أسود عساكر ... وقفت لتنحر بالسيوف نحورا
أنسيتمو أرضا حبتكم ثروة ... وسكنتموها جنة وقصورا؟
ورأيتم فيها رجالا أمرهم ... في حفظهم لكم غدا مشهورا
أنسيتم أرضا دخلتم روضها ... وجنيتم ثمرا به وزهورا؟
ذوقوا رصاصا من بنادق هيئة ... لكم لتشرح في الصدور صدورا
وخذوا مدافع بالقنابل أرسلت ... لكم لتأخذ جسمكم وتطيرا
هذا جزاؤكم على كفرانكم ... نعما، ولا يرضى الإله كفورا
نحن الألى كنا نياما حيث لا ... عدل وكان أميرنا مأمورا
نمنا كأهل الكهف دهرا ليتنا ... قد كان حافظ أمرنا قطميرا
نحن الألى كنا ضعافا حيث لا ... شرع وكان كتابنا مهجورا
حتى فقدنا قوة العرب الألى ... فتحوا البلاد وأحسنوا التدبيرا
واليوم نبهنا الزمان وجاءنا ... حامي حمى القطر السعيد مجيرا
يا طالما كذبت جرائدكم على ... أولاد مصر واقترفتم زورا
وبعثتم أولادكم ونساءكم ... وسقيتم أهل الفساد خمورا
كنا ضعافا حيث لا حرية ... فينا ولم نعرف لذاك غيورا
واليوم قام لأحمد الجيش الذي ... وافى وأصبح جيشه منصورا
وأتته من أهل البلاد إعانة ... وعساكر ضربوا لذاك نفيرا
عرب التقى أهل التقى من خيلهم ... سبقت لتنزل في العدو صقورا
وعساكر هجموا أسود في الوغي ... ولدى اصطفاف الصف صاروا سورا
ورجال دين حيث قد خافوا على ... ذرية من بعدهم تكفيرا
خافوا على أعراضهم من أمة ... خانت وكم فضحت وفضت حورا
خافوا على أوطانهم وبلادهم ... خافوا على جعل الغنى فقيرا
خافوا على جعل المساجد مربطا ... للخيل أو جعل الرجال حميرا
خافوا على الكتب التي قد دونت ... ولكم حوت علما يزيدك نورا
خافوا على آل الرسول وبيته ... والله فضلهم عليك كثيرا
خافوا على الدين القويم وأهله ... من أشبهوا في الاهتداء بدورا
خافوا على مفتاح بيت الله ... والبقع التي قد طهرت تطهيرا
خافوا على ترك الفروض وقطعنا ... جهر الأذان وهجرنا التكبيرا
يا مسلمون استبشروا فعدوكم ... ولي، وأصبح جيشه مكسورا
ولسوف يغلو قدركم ومقامكم ... يعلو وامركم يكون شهيرا
يا أيها الشجعان هذا وقتكم ... فأروا العدا عزما لكم مشهورا
ان الحياة مع المذلة موتة ... وبها نرى عذب المذاق مريرا
كونوا كما انتم عليه وجاهدوا ... حق الجهاد وحاذروا التأخيرا
بيضتم صحف التواريخ التي ... فاحت بذكركم الزكي عبيرا
لا كان أخذ الانكليز بلادنا ... أبدا ولا قد كان ذا مقدورا
والله لو رحنا جميعا ما نرى ... تسليمنا تلك البلاد يسيرا
أرض سقيناها دموع عيوننا ... وبها جرى النيل السعيد غزيرا
أرض عليها استشهدت أجدادنا ... فعلام لا يرث الصغير كبيرا؟
إن عاش منا واحد يا سعده ... أو مات لاقى جنة وحريرا
وطن بأيدينا زرعنا أرضه ... فغدا نضيرا ينبت الاكسيرا
يا آل مصر ألا فقووا عزمكم ... واستغنموا بيد الجهاد أجورا
يا آل مصر ألا أعينوا جيشكم ... إذ قام يحفظ بالدفاع ثغورا
إذ قام يحفظ أرضكم وبلادكم ... ونساءكم وصغيركم وكبيرا
يا آل مصر ألا اتركوا من عضدوا ... قوما لقد خانوا فكانوا بورا
هم خائنو الوطن الذي شبوا به ... وفقيرهم منه لقى تنكيرا
هم خائنو الرتب التي قد نقصت ... بهم فكانوا للعباد شرورا
آل النفاق علام تبغون العدا ... ألكم بهم نسب غدا مستورا؟
أم أنهم لا كنتم أحبابكم ... ولديهم صار اسمكم مسطورا
في بورسعيد وغيره قد خنتم ... وفعلتم للانجليز أمورا
بور لكم، وسعيد طالع وقتنا ... ولكم بذا يوم يكون عسيرا
من لم يكن فيه لمسقط رأسه ... خير رأى في غيره التحقيرا
سأرى بسعد الفال شعرى ناطقا ... ولرب أشعار تكون ثبورا
عما قريب سوف يظفر جيشنا ... ويجى عرابينا لنا مسرورا
ونرى الألى حملوا لواء النصر في ... حفظ البلاد وأنجزوا المأمورا
ويسرنا تقبيل مسك وجوههم ... فلقد بنوا لحمى الشريعة سورا
ونرى بهذا القطر أعظم زينة ... فرحا بما قد ناله وسرورا
ونرى لمصر سعادة أبدية ... ويكون من فيها بذاك فخورا
وتكون للسلطان أعظم قوة ... ولها يكون معضدا وظهيرا
و(1/191)
بالنصر قد جاء الكتاب مشيرا ... وبه أتى هادى الأنام بشيرا
يا أحمد المرجو لمصر ومن غدا ... فينا أمينا للجيوش أميرا
بشراك بالنصر المبين فثق به ... وكفى بربك هاديا ونصيرا
فازحف بجيشك يا مظفر ضاربا ... في الإنجليز وقاتلن سيمورا
واقطع بسيفك أمة قد أمروا ... أنثى عليهم إذ عدمن ذكورا
قوم تربوا في الثلوج فطبعهم ... يهوى البرود ولا يطيق حرورا
يا يوم قد خرجوا وجر وبورهم ... رمما وجرحاهم تمج بحورا
رجعوا ويوم السبت مبغوض لهم ... إذ لم يروا في يوم سبت نورا
قد أحرقوا قتلاهم من ظلمهم ... حتى لقد ظلموا بذاك سعيرا
ضربوا مدافع حزنهم أسفا على ... من مات منهم خاسئا وحسيرا
ندبوا رؤوسهم وقد هلكوا وما ... بالبحر إلا من رأيت صغيرا
كتبوا لسيدة لهم أن جهزي ... غنما لعيد المسلمين كثيرا
وتغيبوا عنا زمانا وانثنوا ... مثل الفراش فدمروا تدميرا
يا إنجليز ومن ينادي ميتا ... يخطى وكيف أخاطب المقبورا
بالثغر جئتم بغتة وضربتمو ... من غير وعد أولا وأخيرا
واسكندرية قد ضربتم دورها ... ما الحرب ضربكم البنا والدورا
ما عندنا إلا رجال ذكرهم ... يسمو على مر الزمان دهورا
ما عندنا الا أسود عساكر ... وقفت لتنحر بالسيوف نحورا
أنسيتمو أرضا حبتكم ثروة ... وسكنتموها جنة وقصورا؟
ورأيتم فيها رجالا أمرهم ... في حفظهم لكم غدا مشهورا
أنسيتم أرضا دخلتم روضها ... وجنيتم ثمرا به وزهورا؟
ذوقوا رصاصا من بنادق هيئة ... لكم لتشرح في الصدور صدورا
وخذوا مدافع بالقنابل أرسلت ... لكم لتأخذ جسمكم وتطيرا
هذا جزاؤكم على كفرانكم ... نعما، ولا يرضى الإله كفورا
نحن الألى كنا نياما حيث لا ... عدل وكان أميرنا مأمورا
نمنا كأهل الكهف دهرا ليتنا ... قد كان حافظ أمرنا قطميرا
نحن الألى كنا ضعافا حيث لا ... شرع وكان كتابنا مهجورا
حتى فقدنا قوة العرب الألى ... فتحوا البلاد وأحسنوا التدبيرا
واليوم نبهنا الزمان وجاءنا ... حامي حمى القطر السعيد مجيرا
يا طالما كذبت جرائدكم على ... أولاد مصر واقترفتم زورا
وبعثتم أولادكم ونساءكم ... وسقيتم أهل الفساد خمورا
كنا ضعافا حيث لا حرية ... فينا ولم نعرف لذاك غيورا
واليوم قام لأحمد الجيش الذي ... وافى وأصبح جيشه منصورا
وأتته من أهل البلاد إعانة ... وعساكر ضربوا لذاك نفيرا
عرب التقى أهل التقى من خيلهم ... سبقت لتنزل في العدو صقورا
وعساكر هجموا أسود في الوغي ... ولدى اصطفاف الصف صاروا سورا
ورجال دين حيث قد خافوا على ... ذرية من بعدهم تكفيرا
خافوا على أعراضهم من أمة ... خانت وكم فضحت وفضت حورا
خافوا على أوطانهم وبلادهم ... خافوا على جعل الغنى فقيرا
خافوا على جعل المساجد مربطا ... للخيل أو جعل الرجال حميرا
خافوا على الكتب التي قد دونت ... ولكم حوت علما يزيدك نورا
خافوا على آل الرسول وبيته ... والله فضلهم عليك كثيرا
خافوا على الدين القويم وأهله ... من أشبهوا في الاهتداء بدورا
خافوا على مفتاح بيت الله ... والبقع التي قد طهرت تطهيرا
خافوا على ترك الفروض وقطعنا ... جهر الأذان وهجرنا التكبيرا
يا مسلمون استبشروا فعدوكم ... ولي، وأصبح جيشه مكسورا
ولسوف يغلو قدركم ومقامكم ... يعلو وامركم يكون شهيرا
يا أيها الشجعان هذا وقتكم ... فأروا العدا عزما لكم مشهورا
ان الحياة مع المذلة موتة ... وبها نرى عذب المذاق مريرا
كونوا كما انتم عليه وجاهدوا ... حق الجهاد وحاذروا التأخيرا
بيضتم صحف التواريخ التي ... فاحت بذكركم الزكي عبيرا
لا كان أخذ الانكليز بلادنا ... أبدا ولا قد كان ذا مقدورا
والله لو رحنا جميعا ما نرى ... تسليمنا تلك البلاد يسيرا
أرض سقيناها دموع عيوننا ... وبها جرى النيل السعيد غزيرا
أرض عليها استشهدت أجدادنا ... فعلام لا يرث الصغير كبيرا؟
إن عاش منا واحد يا سعده ... أو مات لاقى جنة وحريرا
وطن بأيدينا زرعنا أرضه ... فغدا نضيرا ينبت الاكسيرا
يا آل مصر ألا فقووا عزمكم ... واستغنموا بيد الجهاد أجورا
يا آل مصر ألا أعينوا جيشكم ... إذ قام يحفظ بالدفاع ثغورا
إذ قام يحفظ أرضكم وبلادكم ... ونساءكم وصغيركم وكبيرا
يا آل مصر ألا اتركوا من عضدوا ... قوما لقد خانوا فكانوا بورا
هم خائنو الوطن الذي شبوا به ... وفقيرهم منه لقى تنكيرا
هم خائنو الرتب التي قد نقصت ... بهم فكانوا للعباد شرورا
آل النفاق علام تبغون العدا ... ألكم بهم نسب غدا مستورا؟
أم أنهم لا كنتم أحبابكم ... ولديهم صار اسمكم مسطورا
في بورسعيد وغيره قد خنتم ... وفعلتم للانجليز أمورا
بور لكم، وسعيد طالع وقتنا ... ولكم بذا يوم يكون عسيرا
من لم يكن فيه لمسقط رأسه ... خير رأى في غيره التحقيرا
سأرى بسعد الفال شعرى ناطقا ... ولرب أشعار تكون ثبورا
عما قريب سوف يظفر جيشنا ... ويجى عرابينا لنا مسرورا
ونرى الألى حملوا لواء النصر في ... حفظ البلاد وأنجزوا المأمورا
ويسرنا تقبيل مسك وجوههم ... فلقد بنوا لحمى الشريعة سورا
ونرى بهذا القطر أعظم زينة ... فرحا بما قد ناله وسرورا
ونرى لمصر سعادة أبدية ... ويكون من فيها بذاك فخورا
وتكون للسلطان أعظم قوة ... ولها يكون معضدا وظهيرا
و(1/192)
بالنصر قد جاء الكتاب مشيرا ... وبه أتى هادى الأنام بشيرا
يا أحمد المرجو لمصر ومن غدا ... فينا أمينا للجيوش أميرا
بشراك بالنصر المبين فثق به ... وكفى بربك هاديا ونصيرا
فازحف بجيشك يا مظفر ضاربا ... في الإنجليز وقاتلن سيمورا
واقطع بسيفك أمة قد أمروا ... أنثى عليهم إذ عدمن ذكورا
قوم تربوا في الثلوج فطبعهم ... يهوى البرود ولا يطيق حرورا
يا يوم قد خرجوا وجر وبورهم ... رمما وجرحاهم تمج بحورا
رجعوا ويوم السبت مبغوض لهم ... إذ لم يروا في يوم سبت نورا
قد أحرقوا قتلاهم من ظلمهم ... حتى لقد ظلموا بذاك سعيرا
ضربوا مدافع حزنهم أسفا على ... من مات منهم خاسئا وحسيرا
ندبوا رؤوسهم وقد هلكوا وما ... بالبحر إلا من رأيت صغيرا
كتبوا لسيدة لهم أن جهزي ... غنما لعيد المسلمين كثيرا
وتغيبوا عنا زمانا وانثنوا ... مثل الفراش فدمروا تدميرا
يا إنجليز ومن ينادي ميتا ... يخطى وكيف أخاطب المقبورا
بالثغر جئتم بغتة وضربتمو ... من غير وعد أولا وأخيرا
واسكندرية قد ضربتم دورها ... ما الحرب ضربكم البنا والدورا
ما عندنا إلا رجال ذكرهم ... يسمو على مر الزمان دهورا
ما عندنا الا أسود عساكر ... وقفت لتنحر بالسيوف نحورا
أنسيتمو أرضا حبتكم ثروة ... وسكنتموها جنة وقصورا؟
ورأيتم فيها رجالا أمرهم ... في حفظهم لكم غدا مشهورا
أنسيتم أرضا دخلتم روضها ... وجنيتم ثمرا به وزهورا؟
ذوقوا رصاصا من بنادق هيئة ... لكم لتشرح في الصدور صدورا
وخذوا مدافع بالقنابل أرسلت ... لكم لتأخذ جسمكم وتطيرا
هذا جزاؤكم على كفرانكم ... نعما، ولا يرضى الإله كفورا
نحن الألى كنا نياما حيث لا ... عدل وكان أميرنا مأمورا
نمنا كأهل الكهف دهرا ليتنا ... قد كان حافظ أمرنا قطميرا
نحن الألى كنا ضعافا حيث لا ... شرع وكان كتابنا مهجورا
حتى فقدنا قوة العرب الألى ... فتحوا البلاد وأحسنوا التدبيرا
واليوم نبهنا الزمان وجاءنا ... حامي حمى القطر السعيد مجيرا
يا طالما كذبت جرائدكم على ... أولاد مصر واقترفتم زورا
وبعثتم أولادكم ونساءكم ... وسقيتم أهل الفساد خمورا
كنا ضعافا حيث لا حرية ... فينا ولم نعرف لذاك غيورا
واليوم قام لأحمد الجيش الذي ... وافى وأصبح جيشه منصورا
وأتته من أهل البلاد إعانة ... وعساكر ضربوا لذاك نفيرا
عرب التقى أهل التقى من خيلهم ... سبقت لتنزل في العدو صقورا
وعساكر هجموا أسود في الوغي ... ولدى اصطفاف الصف صاروا سورا
ورجال دين حيث قد خافوا على ... ذرية من بعدهم تكفيرا
خافوا على أعراضهم من أمة ... خانت وكم فضحت وفضت حورا
خافوا على أوطانهم وبلادهم ... خافوا على جعل الغنى فقيرا
خافوا على جعل المساجد مربطا ... للخيل أو جعل الرجال حميرا
خافوا على الكتب التي قد دونت ... ولكم حوت علما يزيدك نورا
خافوا على آل الرسول وبيته ... والله فضلهم عليك كثيرا
خافوا على الدين القويم وأهله ... من أشبهوا في الاهتداء بدورا
خافوا على مفتاح بيت الله ... والبقع التي قد طهرت تطهيرا
خافوا على ترك الفروض وقطعنا ... جهر الأذان وهجرنا التكبيرا
يا مسلمون استبشروا فعدوكم ... ولي، وأصبح جيشه مكسورا
ولسوف يغلو قدركم ومقامكم ... يعلو وامركم يكون شهيرا
يا أيها الشجعان هذا وقتكم ... فأروا العدا عزما لكم مشهورا
ان الحياة مع المذلة موتة ... وبها نرى عذب المذاق مريرا
كونوا كما انتم عليه وجاهدوا ... حق الجهاد وحاذروا التأخيرا
بيضتم صحف التواريخ التي ... فاحت بذكركم الزكي عبيرا
لا كان أخذ الانكليز بلادنا ... أبدا ولا قد كان ذا مقدورا
والله لو رحنا جميعا ما نرى ... تسليمنا تلك البلاد يسيرا
أرض سقيناها دموع عيوننا ... وبها جرى النيل السعيد غزيرا
أرض عليها استشهدت أجدادنا ... فعلام لا يرث الصغير كبيرا؟
إن عاش منا واحد يا سعده ... أو مات لاقى جنة وحريرا
وطن بأيدينا زرعنا أرضه ... فغدا نضيرا ينبت الاكسيرا
يا آل مصر ألا فقووا عزمكم ... واستغنموا بيد الجهاد أجورا
يا آل مصر ألا أعينوا جيشكم ... إذ قام يحفظ بالدفاع ثغورا
إذ قام يحفظ أرضكم وبلادكم ... ونساءكم وصغيركم وكبيرا
يا آل مصر ألا اتركوا من عضدوا ... قوما لقد خانوا فكانوا بورا
هم خائنو الوطن الذي شبوا به ... وفقيرهم منه لقى تنكيرا
هم خائنو الرتب التي قد نقصت ... بهم فكانوا للعباد شرورا
آل النفاق علام تبغون العدا ... ألكم بهم نسب غدا مستورا؟
أم أنهم لا كنتم أحبابكم ... ولديهم صار اسمكم مسطورا
في بورسعيد وغيره قد خنتم ... وفعلتم للانجليز أمورا
بور لكم، وسعيد طالع وقتنا ... ولكم بذا يوم يكون عسيرا
من لم يكن فيه لمسقط رأسه ... خير رأى في غيره التحقيرا
سأرى بسعد الفال شعرى ناطقا ... ولرب أشعار تكون ثبورا
عما قريب سوف يظفر جيشنا ... ويجى عرابينا لنا مسرورا
ونرى الألى حملوا لواء النصر في ... حفظ البلاد وأنجزوا المأمورا
ويسرنا تقبيل مسك وجوههم ... فلقد بنوا لحمى الشريعة سورا
ونرى بهذا القطر أعظم زينة ... فرحا بما قد ناله وسرورا
ونرى لمصر سعادة أبدية ... ويكون من فيها بذاك فخورا
وتكون للسلطان أعظم قوة ... ولها يكون معضدا وظهيرا
وهي صورة للشعر الوطني في الثورة القومية الوطنية التي قام بها عرابي وإخوانه.(1/193)
قوانين 61788 الأزهر
ومنذ عام 1872م (1288هـ) وضعت للأزهر عدة قوانين لتنظيمه وإصلاحه من أهمها.
1 - قانون بتنفيذ قانون التدريس 3من فبراير 1873.
2 - قانون امتحان من يريد التدريس بالجامع الأزهر 24من مارس 1885.
3 - قرار بضبط عدد أهل الجامع الأزهر 15اكتوبر 1885
4 - قانون بامتحان التدريس 19يناير 1888.
5 - قانون بتشكيل مجلس إدارة الأزهر 3يناير 1895.
6 - قانون بامتحان من يريد التدريس في الأزهر 17يناير 1895.
7 - قانون صرف المرتبات بالأزهر 29يونيو 1895.
8 - قانون كساوي التشريفة العلمية أول فبراير 1896.
9 - قانون الجامع الأزهر 8محرم 1314أول يوليو 1896.(1/194)
الفصل الثاني بعد الثورة العرابيّة
واصل الأزهر سيره العلمي بعد الثورة، وعنى الإمام محمد عبده والمصلحون من علماء الأزهر بالدعوة الى تجديد الدراسة في أروقة الأزهر ومعاهده.
وقد صدر عام 1329هـ، 1911م قانون بإصلاح الأزهر الشريف، كان له أثره الكبير في حياته العلمية، وجاء في المادة الأولى منه أن الجامع الأزهر هو المعهد الديني العلمي الإسلامي الأكبر: والمعاهد الاخرى هي:
معهد مدينة الإسكندرية: معهد مدينة طنطا: معهد مدينة دسوق: معهد مدينة دمياط وكل معهد يؤسس في القطر المصري بإرادة سنية، وكذا كل معهد أهلي يتقرر إلحاقه بالجامع الأزهر أو بأحد المعاهد الأخرى بالشروط والأوضاع التي تبين في لائحة يضعها المجلس الأعلى ويصدق عليها بإرادة سنية.
وجاء في المادة الثانية أن الغرض من الجامع الازهر والمعاهد الأخرى هو القيام على حفظ الشريعة الغراء وفهم علومها ونشرها على وجه يفيد الأمة وتخريج علماء يوكل إليهم أمر التعاليم الدينية ويلون الوظائف الشرعية في مصالح الأمة ويرشدونها إلى طرق السعادة.
وفي المادة الثالثة تكون مدرسة القضاء الشرعي قسما ملحقا بالجامع الازهر وتبقى حافظة لنظامها المقرر لها في قانون 25فبراير سنة 1907، ويحل مجلس الأزهر الأعلى محل ناظر المعارف العمومية في جميع
الاختصاصات التي له الآن بمقتضى القانون المشار اليه وتفصل ميزانية المدرسة عن نظارة المعارف ويخصص لها باب مستقل في ميزانية الحكومة العمومية، وتجرى عليها الأحكام المتعلقة بها ويبقى موظفو المدرسة من مستخدمي الحكومة.(1/195)
وفي المادة الثالثة تكون مدرسة القضاء الشرعي قسما ملحقا بالجامع الازهر وتبقى حافظة لنظامها المقرر لها في قانون 25فبراير سنة 1907، ويحل مجلس الأزهر الأعلى محل ناظر المعارف العمومية في جميع
الاختصاصات التي له الآن بمقتضى القانون المشار اليه وتفصل ميزانية المدرسة عن نظارة المعارف ويخصص لها باب مستقل في ميزانية الحكومة العمومية، وتجرى عليها الأحكام المتعلقة بها ويبقى موظفو المدرسة من مستخدمي الحكومة.
وفي المادة الرابعة: أن شيخ الجامع الأزهر هو الإمام الأكبر لجميع رجال الدين والرئيس العام للتعليم فيه وفي المعاهد الأخرى والمشرف الأعلى على السيرة الشخصية الملائمة لشرف العلم والدين بالنسبة إلى من ينتمي لجميع المعاهد من أهل العلم وحملة القرآن الشريف وكذا من كان من أهل العلم وحملة القرآن الشريف من غير المصريين.
وفي المادة الخامسة: أن شيخ الجامع الازهر بصفته رئيس المجلس الأعلى هو المنفذ الفعلي العام لجميع القوانين واللوائح والقرارات المختصة بالجامع الأزهر والمعاهد الاخرى. وأرباب الوظائف في جميع المعاهد تابعون بهذه الصفة وخاضعون لأوامره، طبقا لما هو مقرر في هذا القانون.
وفي المادة السادسة: يكون لكل مذهب من المذاهب الأربعة بالجامع الأزهر شيخ، وكذا يكون لكل معهد من المعاهد الأخرى. ويجوز عند الاقتضاء تعيين وكلاء للجامع الازهر ولباقي المعاهد، ويكون لهم جميع الاختصاصات التي للمشايخ في حال غيابهم الرسمي.
وفي المادة الثامنة والتاسعة: يكون بالجامع الأزهر مجلس يسمى مجلس الأزهر الأعلى. وتنشأ مجالس إدارة للأزهر ولمعهد الإسكندرية وطنطا. ويؤلف مجلس الأزهر الأعلى من شيخ الجامع الأزهر بصفة رئيس ومن ثمانية أعضاءهم: شيخ السادة الحنفية، شيخ السادة المالكية، شيخ السادة الشافعية، شيخ السادة الحنابلة مدير عموم الأوقاف المصرية ثلاثة ممن يكون في وجودهم بالمجلس فائدة لترقية التعليم وحسن انتظام إدارته بشرط أن يكونوا من الحائزين للصفات الملائمة لحالة الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى،
ويكون تعيينهم بإرادة سنية بناء على قرار من مجلس النظار وفي غياب شيخ الجامع الأزهر ينوب عنه في الرياسة شيخ السادة الحنفية.(1/196)
وفي المادة الثامنة والتاسعة: يكون بالجامع الأزهر مجلس يسمى مجلس الأزهر الأعلى. وتنشأ مجالس إدارة للأزهر ولمعهد الإسكندرية وطنطا. ويؤلف مجلس الأزهر الأعلى من شيخ الجامع الأزهر بصفة رئيس ومن ثمانية أعضاءهم: شيخ السادة الحنفية، شيخ السادة المالكية، شيخ السادة الشافعية، شيخ السادة الحنابلة مدير عموم الأوقاف المصرية ثلاثة ممن يكون في وجودهم بالمجلس فائدة لترقية التعليم وحسن انتظام إدارته بشرط أن يكونوا من الحائزين للصفات الملائمة لحالة الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى،
ويكون تعيينهم بإرادة سنية بناء على قرار من مجلس النظار وفي غياب شيخ الجامع الأزهر ينوب عنه في الرياسة شيخ السادة الحنفية.
وفي المادة العاشرة يختص مجلس الأزهر الأعلى بما يأتي:
أولا وضع الميزانية العمومية للجامع الأزهر والمعاهد الأخرى.
ثانيا النظر في إنشاء المعاهد الدينية العلمية الإسلامية وإلحاق بعض المعاهد الصغرى بالتي هي أكبر منها أو تغيير تبعيتها.
ثالثا النظر في فصل المعاهد من تبعية غيرها وجعلها تابعة للجامع الأزهر مباشرة.
رابعا النظر في إنشاء مجالس إدارة للمعاهد التي ليس لها مجلس إدارة.
خامسا وضع النظم العامة للتدريس والامتحانات.
سادسا التصديق على تقرير الكتب التي تدرس بالجامع الأزهر والمعاهد الأخرى.
سابعا النظر في ترشيح مشايخ المعاهد الأخرى والوكلاء وترقيتهم ونقلهم وفصلهم.
ثامنا النظر في ترشيح مجالس الإدارة.
تاسعا التصديق على ما تقرره مجالس الإدارة من تعيين المدرسين والموظفين وترقيتهم ونقلهم وفصلهم.
عاشرا النظر في منح كساوي التشريف العلمية لمستحقيها بناء على قرارات مجالس الإدارة.
وقد نصت مواد القانون على أن مجلس الأزهر ينعقد بالجامع الأزهر مرة في كل شهر على الأقل بدعوة من الرئيس، ولشيخ الجامع عقده أكثر من ذلك إن دعا الحال.(1/197)
وإن قرارات مجلس الأزهر الأعلى تكون بأغلبية الآراء، وإن استوى الفريقان فالأرجحية للفريق الذي فيه الرئيس، ولا تصح مداولته إلا إذا حضر الجلسة ستة من الأعضاء سوى الرئيس.
وفي المادة الثانية بعد المائة وما بعدها: يكون بالجامع الأزهر ثلاثون عالما اختصاصيا، لكل واحد منهم بالازهر كرسى خاص في المحل الذي يخصص للتدريس العام بمعرفة شيخ الجامع الأزهر ويجوز أن يوجد البعض منهم في المعاهد الأخرى بصفة شيخ المعهد أو وكيله.
ويطلق على العلماء الثلاثين المذكورين في المادة السابقة اسم هيئة كبار العلماء.
ويشترط فيمن ينتخب ضمن هيئة كبار العلماء:
أولا أن لا يكون سنة أقل من خمس وأربعين سنة.
ثانيا أن يكون قد مضى عليه وهو مدرس في الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى عشر سنين على الأقل منها أربع على الأقل في القسم العالي.
ثالثا أن يكون قد ألف كتابا في أحد العلوم الإسلامية، وأن يكون قد منح الجائزة العلمية المنصوص عليها في المادة الثانية والعشرين بعد المائة في هذا القانون
رابعا أن يكون معروفا بالورع والتقوى وليس في ماضيه ما يشين سمعته.(1/198)
الفصل الثالث 61789 الأزهر والحركة الوطنية عام 1919
فجأة وعلى غير تدبير سابق نهضت مصر نهضتها الكبرى عام 1919. كما تضيء في الحفلة الرحبة الجوانب مئات الثريات الكهربائية بحركة لينة من أصبعك. ومرد هذه اليقظة الشاملة شعور مصر في كل حين أن حقها سليب وحريتها منتهبة، واستقلالها مفقود، وإنما تحتاج النهضات الأخر الى تدبير سابق يسلخ من العمر سنوات في غير النهوض للحرية والاستقلال. أما والمصريون أحياء يحسون ويشعرون، والإنجليز أمامهم في مظهر السيادة والتملك، فلم يحتج الأمر إلى تدبير مبيت في الخفاء، إلا أن يهتف هاتف: أيها المصريون هذا يوم الخلاص، ليدوى الصوت في أفق مصر ويستجيب له صائد الأسماك في بحيرة رشيد، كما يستجيب له القابض على يد المحراث في وادي حلفا.
خرجت مصر كلها كلها حقا، تطلب الحرية وتنشد الاستقلال، وتدفقت قوة الشباب في جسوم الشيوخ، وجرت البطولة في أبدان الشباب، وتفتحت البطولة في روح الأطفال والغلمان، واحتوت الشجاعة والحماسة قلوب السيدات قرويات وحضريات، وأصبحت مصر أغرودة الجميع وحرية مصر لحنا يردده كل فم، واستقلال مصر آية مقدسة يرتلها العابدون الخاشعون
ولقد تجلت كبرياء هذا العهد على الأزهر إذ كان مكانا صالحا للنهوض، وحمل أبناؤه علم الجهاد الشريف الوادع.(1/199)
تيقظ الأزهر دفعة واحدة وتحركت بواعث النخوة والوطنية فيه، كما تحرك كل ما في مصر، وانتظم الجيش المسلح بإيمانه، المعتد بحقه، ورفعت الراية، وأصبح معهد الدين والعلم مستقر النهضة الكبرى ومستودع آياتها، وعلى أبوابه سقط أول شهيد مصري وهو من أبناء الأزهر، احتمل المدفع الرشاش بين يديه. وكان لا يدري ماذا يصنع به، وبينا هو يهم أن يقصيه في مكان ما. إذا بثلاثين رصاصة تخترق جسمه فيخر صريعا!
ولست أستطيع أن أقول شيئا عن الاجتماعات التي عقدت في الأزهر، فلم يكن منبره يخلو لحظة من خطيب. ولا عن أولئك الرجال الأبطال الذين كانوا يتوسدون أيديهم، وينامون على أرض ذلك المسجد الفسيح ومن المجاهدين من علمائه الزنكلوني، وعبد الباقي سرور، والشيخ أبو العيون وسواهم، ممن اشتدت الحركة الوطنية بفضل ما أفادوه في بعث روح الإقدام والجرأة في نفوس المصريين.
وكان الفقيد الكريم القاياتي يؤوب من المظاهرة في منتصف الليل، فيطوي رداءه تحت رأسه على «حصيرة» في الأزهر وينام حتى الصباح ليخطب في المجتمعين.
أما المظاهرات فحدث عن إقدام الأزهريين ولا حرج، فقد كانت طرقات مصر كلها تغص بهم، وتمتلىء رحابها بإقدامهم، وهم يتراكضون في أنفة وعزة وشموخ إلى غاية المجد، إلى حيث الحرية والاستقلال.
كان كل شيء في هذه النهضة جميلا ساميا، كأننا في جنة من جنان الخلد، وكان الشعور السائد القوى، شعورا سماويا، حتى نسينا البغض والحقد والتمرد على الواجب، وأصبح كل فرد يحتضن أخاه المصري كأنهما ولدا في منزل واحد، ويناجيه كأنه وليه الحميم.
في هذا العهد الذي كان يتهم فيه الأزهر بالتعصب وصرامة الرأي، كان هو الذي فتح أبوابه لأبناء الطائفة القبطية محتفلا مرحبا، وكانت هذه الظاهرة العجيبة من أقوى أسباب التضامن الوثيق بين العنصرين.(1/200)
كذلك اغتبط الأزهريون وفرحوا أن تشترك المصريات في هذه النهضة سافرات ومحجبات، ورأينا القس يعانق الشيخ الأزهري فوق منبر الازهر، كذلك رأينا السيدة المصرية تخطب في هذا المكان المقدس.
ونذكر أن السلطة قررت منع الجمهور من دخول الازهر، وأرصدت على أبوابه طائفة من الجنود المصريين وطائفة من الإنجليز.
وكان من يحضرون إلى الازهر، يلقون أمر المنع، غير أن الوطنية المصرية أبت على الجنود المصريين أن يشتركوا في صد جماهير الأمة عن كعبتها المقدسة، فكانوا يقولون لكل من يفد:
زاوية العميان! وكانوا يقصدون بهذا القول أن يرشدوا الناس إلى طريق غير معروف لدخول الأزهر، فلقن الجنود الإنجليز هذا التعبير العربي، وجعلوا يقولون لكل من يفد:
زاوية العميان! وبذلك اشتركوا مرغمين في أن تعقد الاجتماعات في الأزهر بدعوة منهم وهم لا يعلمون.
كذلك أتقن الطلاب فن التنكر والتخفى، فقد حرم دخول «الأفندية» الى الأزهر، غير أن هذا جعل الشبان يتنكرون في أزياء الشيوخ المعممين من شتى الأقطار، فهذا مراكشي وذاك تركي وثالث حجازي ورابع هندي وخامس جاوي. وهكذا ولكنهم أخيرا كانوا يخرجون في زيهم الحقيقي زي «الأفندية»، فكان الجنود الإنجليز يتغيظون ويشتمون.
61790 - الأزهر بعد الثورة 61791 المصرية
في سنة 1923م أنشىء قسم للتخصص في العلوم الأزهرية بعد الحصول على الشهادة العالمية ليستزيد العالم تمكنا من مادته، واقتدارا على أداء مهمته، فأنشىء هذا القسم من بضعة شعب. وكانت شعبة الفقة
والأصول إحدى هذه الشعب، وهي تعد خريجها لتولي وظائف القضاء الشرعي في الدولة، وقد مهدت لإلغاء مدرسة القضاء الشرعي فيما بعد، واستعيدت حقوق الأزهريين في شغل هذه الوظائف بعد أن سلبت منهم حقبة طويلة وعنى بالتوسع في دراسة العلوم الحديثة في المرحلتين الابتدائية والثانوية بالمعاهد الدينية على غرار ما يدرس منها في المدارس الأخرى.(1/201)
في سنة 1923م أنشىء قسم للتخصص في العلوم الأزهرية بعد الحصول على الشهادة العالمية ليستزيد العالم تمكنا من مادته، واقتدارا على أداء مهمته، فأنشىء هذا القسم من بضعة شعب. وكانت شعبة الفقة
والأصول إحدى هذه الشعب، وهي تعد خريجها لتولي وظائف القضاء الشرعي في الدولة، وقد مهدت لإلغاء مدرسة القضاء الشرعي فيما بعد، واستعيدت حقوق الأزهريين في شغل هذه الوظائف بعد أن سلبت منهم حقبة طويلة وعنى بالتوسع في دراسة العلوم الحديثة في المرحلتين الابتدائية والثانوية بالمعاهد الدينية على غرار ما يدرس منها في المدارس الأخرى.
وأنشىء لهذه العلوم تفتيش مستقل بإدارة المعاهد، وزودت المعاهد بالمعامل اللازمة لدراستها، وعين كثير من العلماء ممن تميز في هذه المواد لتدريسها، وقد عدلت هذه البرامج فيما بعد بما يتفق ومكانها من العلوم الدينية، وتم إنشاء القسم الثانوي لمعهد أسيوط وكان ابتدائيا، ثم إنشاء معهد الزقازيق.
وظل الأزهر يخطو نحو غايته مسرعا إذ وضع الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الازهر مذكرته في إصلاح الازهر، تلك المذكرة التي تعتبر دستور الازهر الحديث، وكل ما يلهج به دعاة الإصلاح بعدها فهو مقتبس منها أو مستمد من مبادئها وروحها، فقانونا سنتي 1930، 1936 هما في الحقيقة قانون واحد صيغا من مبادئها وفصلا إجمالها، وبهذين القانونين على الأصح انتقل الأزهر من حال الاضطراب الثقافي إلى حال الاستقرار النهائي، ومن حال العزلة التي نكرها على نفسه وأنكرها الناس منه إلى حال المشاركة في شؤون الأمة العامة، فقد جعلت العالم الأزهري عضوا حيا في أمته يفيد منها وتفيد منه، ورسمت له غايته والوسائل التي تعينه على أدائها، وشمل القانون الذي استمد منها نواحي إصلاحية كثيرة، والذي يعنينا منها هنا الناحيتان العلمية والمالية.
أما الناحية العلمية فأهمها تقسيم الدراسة العالية لأول مرة في تاريخ الأزهر إلى ثلاثة اقسام، يعد كل قسم منها خريجيه لمهمة خاصة بعد إعداده لهذه المهمة إعدادا فنيا في أقسام أخرى تلى هذه الأقسام تسمى «أقسام التخصص في المهنة».(1/202)
وأنشىء لمجموع هذه الأقسام كليات ثلاث وهي كلية الشريعة، وكلية اللغة العربية، وكلية أصول الدين على أن يلي خريجو هذه الكليات المهن التي تليق بمؤهلاتهم بعد تخصصهم فيها، فيلي خريجو كلية أصول الدين وظائف الوعظ والإرشاد، وخريجو كلية الشريعة وظائف القضاء الشرعي، وخريجو كلية اللغة العربية وظائف التدريس في المدارس الأميرية والحرة.
وقد ألحق بهذه الكليات أقسام للتخصص في المادة، وهي أقسام علمية ممتازة قصد منها إعداد بعض العلماء إعدادا ممتازا، بعد دراسة عميقة ليمكنهم القيام بوظائف التدريس في الكليات.
والإعداد خريجي هذه الكليات إعدادا صحيحا أدخل في مناهج الدراسة فيها لأول مرة في تاريخ الازهر أيضا مجموعة من العلوم التي تتصل بمهمتهم، فأدخل في مناهجها فقه اللغة وعلم النفس وعلوم التربية والفلسفة وتاريخ الأديان ودراسة الفرق الإسلامية، وأصول القوانين والاقتصاد السياسي، والنظام الدستوري، كما أدخل فيها دراسة بعض اللغات الغربية والشرقية.
ومما تضمنه القانون إنشاء معاهد للاستماع خاصة في بعض المدن لا تتقيد بقيود المعاهد النظامية، والغرض منها سد حاجة من يريد معرفة أحكام الدين واللغة العربية من جمهرة الأمة، على أن يتبع فيها طريقة التدريس التقليدية في الأزهر، ويكون مقرها في المساجد.
وأما الناحية المالية وأعني بها الحقوق التي ظفر بها خريجو الأزهر بمقتضى هذا القانون، فأهمها أنه ألغى مدرسة القضاء الشرعي، فأصبحت وظائفه خالصة لخريجي كلية الشريعة دون غيرهم، وجعل من حق خريجي كلية اللغة العربية التدريس في مدارس الحكومة والمدارس الحرة وكانت محجورة عليهم قبل ذلك، وجعل من حق خريجي كلية أصول الدين شغل وظائف الوعظ والإرشاد التي أنشئت قبيل صدور القانون، والتي لم تزل
تنمو حتى أصبحت لها إدارة خاصة، وبلغ عدد الوعاظ الذين تشرف عليهم هذه الإدارة نحو 250واعظا يؤدون للأمة أجل الخدمات في إصلاح الأمن وتهذيب النفوس. ويقضينا الإنصاف أن نشير هنا إلى فضل المغفور له محمد محمود في إنشاء قسم الوعظ، فقد أشار عليه الشيخ المراغي شيخ الجامع الأزهر سنة 1928م بتعيين عدد من العلماء في وظائف الوعظ بوزارة الداخلية لإصلاح حال الأمن من طريق نشر تعاليم الدين، فاستجاب لهذه الإشارة بعد استحسانها من لدن الرأي العام في الأمة، وعين خمسين واعظا في الوجه البحري. وبعد تعيينهم ببضعة أشهر نقلوا بميزانيتهم إلى الأزهر، فكانوا نواة هذا القسم الكبير. وقد كفل القانون لخريجي الكليات حقوقا أخرى في وظائف الدولة، ليس هذا موضع تفصيلها. وبهاتين الناحيتين من الإصلاح العلمي والمادي اللتين شملهما القانون المستمد من المذكرة المشار إليها فيما سبق تقاربت مسافة الخلف بين خريجي الأزهر وخريجي المعاهد الأخرى وطوائف الأمة عامة، وتجدد نشاط الأزهر في أداء رسالته، وأحست الأمة بأن له مكانا في خدمتها، وأنه يأخذ منها ويعطيها. ولما كانت الكليات الأزهرية والتي تضمنها القانون في حاجة إلى اماكن للدراسة، لذلك بدىء بإنشاء هذه الأماكن في مدينة أزهرية خاصة واسعة الأرجاء حول الجامع الأزهر، لا تقصر عليها بل تتسع لها ولأماكن لمعهد القاهرة ولمساكن الطلاب وللإدارة العامة للأزهر ولمستشفى أزهري خاص، وتسع عدا هذه الأبنية بناء للمكتبة الأزهرية وما يلحق بها من المطابع وقاعة للاحتفالات العامة تسع ألفين من النظارة، ووضع تصميم هذه المباني وفتح لها في الميزانية العامة سنة 1929م اعتماد مالي بمبلغ يقرب من ثلاثة أرباع المليون من الجنيهات، وبدىء في تنفيذها إذ ذاك بالفعل، وفكر المراغي سنة 1928م في إرسال بعثات أزهرية دراسية إلى بعض الجامعات الأوربية ليكون أعضاؤها دعاة إلى الإسلام كما كان أسلافهم، وليفيدوا من ثقافة هذه الجامعات المتجددة ما يتصل بمهمتهم ويسدوا حاجة الأزهر إلى تدريس المواد التي اقترح إدخالها ضمن برامج الدراسة في المذكرة المشار اليها. وفي سنة 1936م سافرت هذه البعثات
إلى انجلترا وفرنسا وألمانيا في جو من الغبطة والحذر، وكان في ذلك أحياء لمجد الأزهر، وقام شيخ الجامع الأزهر بتوديع هذه البعثات بنفسه في حفل من العلماء والطلاب، وألقى فيهم خطابا رسم فيه الغاية من إرسالهم، وصور الجو الذي أحاط بهذه الفكرة فقال: «أرسلكم الأزهر وقلبه يخفق، وأنا واثق من أنكم ستكونون بهديكم وبقولكم وعملكم ومحبتكم أحسن الأمثلة لخريجي الأزهر الشريف». وقال: أنتم في البلاد التي ستقيمون فيها مرشدون أولا وتلاميذ ثانيا ولا يعفيكم واجبكم الثاني من واجبكم الأول هو في الحق المقصد الأسمي من هجرتكم» ولتمكين الأزهر من أداء رسالته بكل ما يمكن من الوسائل فكر الشيخ الظواهري في إنشاء مجلة خاصة بالأزهر تكون صوته الرسمى يدوى في مصر والأقطار الاسلامية، وتكون مجالا للنشاط العلمي لعلمائه وطلابه، «وتعمل على نشر آداب الإسلام، وإظهار حقائقة خالصة من كل لبس وتكشف عما ألصق بالدين من بدع ومحدثات وتنبه إلى ما دسّ في السنة من أحاديث موضوعة، وتدفع الشبهة التي يحوم بها مرضى القلوب»، وابتدأ صدورها سنة 1930م وأنشىء لها ولمطبوعات الأزهر والمعاهد مطبعة خاصة كاملة الأدوات تسد الآن حاجة المجلة والكليات والمعاهد من جميع المطبوعات.(1/203)
وأما الناحية المالية وأعني بها الحقوق التي ظفر بها خريجو الأزهر بمقتضى هذا القانون، فأهمها أنه ألغى مدرسة القضاء الشرعي، فأصبحت وظائفه خالصة لخريجي كلية الشريعة دون غيرهم، وجعل من حق خريجي كلية اللغة العربية التدريس في مدارس الحكومة والمدارس الحرة وكانت محجورة عليهم قبل ذلك، وجعل من حق خريجي كلية أصول الدين شغل وظائف الوعظ والإرشاد التي أنشئت قبيل صدور القانون، والتي لم تزل
تنمو حتى أصبحت لها إدارة خاصة، وبلغ عدد الوعاظ الذين تشرف عليهم هذه الإدارة نحو 250واعظا يؤدون للأمة أجل الخدمات في إصلاح الأمن وتهذيب النفوس. ويقضينا الإنصاف أن نشير هنا إلى فضل المغفور له محمد محمود في إنشاء قسم الوعظ، فقد أشار عليه الشيخ المراغي شيخ الجامع الأزهر سنة 1928م بتعيين عدد من العلماء في وظائف الوعظ بوزارة الداخلية لإصلاح حال الأمن من طريق نشر تعاليم الدين، فاستجاب لهذه الإشارة بعد استحسانها من لدن الرأي العام في الأمة، وعين خمسين واعظا في الوجه البحري. وبعد تعيينهم ببضعة أشهر نقلوا بميزانيتهم إلى الأزهر، فكانوا نواة هذا القسم الكبير. وقد كفل القانون لخريجي الكليات حقوقا أخرى في وظائف الدولة، ليس هذا موضع تفصيلها. وبهاتين الناحيتين من الإصلاح العلمي والمادي اللتين شملهما القانون المستمد من المذكرة المشار إليها فيما سبق تقاربت مسافة الخلف بين خريجي الأزهر وخريجي المعاهد الأخرى وطوائف الأمة عامة، وتجدد نشاط الأزهر في أداء رسالته، وأحست الأمة بأن له مكانا في خدمتها، وأنه يأخذ منها ويعطيها. ولما كانت الكليات الأزهرية والتي تضمنها القانون في حاجة إلى اماكن للدراسة، لذلك بدىء بإنشاء هذه الأماكن في مدينة أزهرية خاصة واسعة الأرجاء حول الجامع الأزهر، لا تقصر عليها بل تتسع لها ولأماكن لمعهد القاهرة ولمساكن الطلاب وللإدارة العامة للأزهر ولمستشفى أزهري خاص، وتسع عدا هذه الأبنية بناء للمكتبة الأزهرية وما يلحق بها من المطابع وقاعة للاحتفالات العامة تسع ألفين من النظارة، ووضع تصميم هذه المباني وفتح لها في الميزانية العامة سنة 1929م اعتماد مالي بمبلغ يقرب من ثلاثة أرباع المليون من الجنيهات، وبدىء في تنفيذها إذ ذاك بالفعل، وفكر المراغي سنة 1928م في إرسال بعثات أزهرية دراسية إلى بعض الجامعات الأوربية ليكون أعضاؤها دعاة إلى الإسلام كما كان أسلافهم، وليفيدوا من ثقافة هذه الجامعات المتجددة ما يتصل بمهمتهم ويسدوا حاجة الأزهر إلى تدريس المواد التي اقترح إدخالها ضمن برامج الدراسة في المذكرة المشار اليها. وفي سنة 1936م سافرت هذه البعثات
إلى انجلترا وفرنسا وألمانيا في جو من الغبطة والحذر، وكان في ذلك أحياء لمجد الأزهر، وقام شيخ الجامع الأزهر بتوديع هذه البعثات بنفسه في حفل من العلماء والطلاب، وألقى فيهم خطابا رسم فيه الغاية من إرسالهم، وصور الجو الذي أحاط بهذه الفكرة فقال: «أرسلكم الأزهر وقلبه يخفق، وأنا واثق من أنكم ستكونون بهديكم وبقولكم وعملكم ومحبتكم أحسن الأمثلة لخريجي الأزهر الشريف». وقال: أنتم في البلاد التي ستقيمون فيها مرشدون أولا وتلاميذ ثانيا ولا يعفيكم واجبكم الثاني من واجبكم الأول هو في الحق المقصد الأسمي من هجرتكم» ولتمكين الأزهر من أداء رسالته بكل ما يمكن من الوسائل فكر الشيخ الظواهري في إنشاء مجلة خاصة بالأزهر تكون صوته الرسمى يدوى في مصر والأقطار الاسلامية، وتكون مجالا للنشاط العلمي لعلمائه وطلابه، «وتعمل على نشر آداب الإسلام، وإظهار حقائقة خالصة من كل لبس وتكشف عما ألصق بالدين من بدع ومحدثات وتنبه إلى ما دسّ في السنة من أحاديث موضوعة، وتدفع الشبهة التي يحوم بها مرضى القلوب»، وابتدأ صدورها سنة 1930م وأنشىء لها ولمطبوعات الأزهر والمعاهد مطبعة خاصة كاملة الأدوات تسد الآن حاجة المجلة والكليات والمعاهد من جميع المطبوعات.(1/204)
وأما الناحية المالية وأعني بها الحقوق التي ظفر بها خريجو الأزهر بمقتضى هذا القانون، فأهمها أنه ألغى مدرسة القضاء الشرعي، فأصبحت وظائفه خالصة لخريجي كلية الشريعة دون غيرهم، وجعل من حق خريجي كلية اللغة العربية التدريس في مدارس الحكومة والمدارس الحرة وكانت محجورة عليهم قبل ذلك، وجعل من حق خريجي كلية أصول الدين شغل وظائف الوعظ والإرشاد التي أنشئت قبيل صدور القانون، والتي لم تزل
تنمو حتى أصبحت لها إدارة خاصة، وبلغ عدد الوعاظ الذين تشرف عليهم هذه الإدارة نحو 250واعظا يؤدون للأمة أجل الخدمات في إصلاح الأمن وتهذيب النفوس. ويقضينا الإنصاف أن نشير هنا إلى فضل المغفور له محمد محمود في إنشاء قسم الوعظ، فقد أشار عليه الشيخ المراغي شيخ الجامع الأزهر سنة 1928م بتعيين عدد من العلماء في وظائف الوعظ بوزارة الداخلية لإصلاح حال الأمن من طريق نشر تعاليم الدين، فاستجاب لهذه الإشارة بعد استحسانها من لدن الرأي العام في الأمة، وعين خمسين واعظا في الوجه البحري. وبعد تعيينهم ببضعة أشهر نقلوا بميزانيتهم إلى الأزهر، فكانوا نواة هذا القسم الكبير. وقد كفل القانون لخريجي الكليات حقوقا أخرى في وظائف الدولة، ليس هذا موضع تفصيلها. وبهاتين الناحيتين من الإصلاح العلمي والمادي اللتين شملهما القانون المستمد من المذكرة المشار إليها فيما سبق تقاربت مسافة الخلف بين خريجي الأزهر وخريجي المعاهد الأخرى وطوائف الأمة عامة، وتجدد نشاط الأزهر في أداء رسالته، وأحست الأمة بأن له مكانا في خدمتها، وأنه يأخذ منها ويعطيها. ولما كانت الكليات الأزهرية والتي تضمنها القانون في حاجة إلى اماكن للدراسة، لذلك بدىء بإنشاء هذه الأماكن في مدينة أزهرية خاصة واسعة الأرجاء حول الجامع الأزهر، لا تقصر عليها بل تتسع لها ولأماكن لمعهد القاهرة ولمساكن الطلاب وللإدارة العامة للأزهر ولمستشفى أزهري خاص، وتسع عدا هذه الأبنية بناء للمكتبة الأزهرية وما يلحق بها من المطابع وقاعة للاحتفالات العامة تسع ألفين من النظارة، ووضع تصميم هذه المباني وفتح لها في الميزانية العامة سنة 1929م اعتماد مالي بمبلغ يقرب من ثلاثة أرباع المليون من الجنيهات، وبدىء في تنفيذها إذ ذاك بالفعل، وفكر المراغي سنة 1928م في إرسال بعثات أزهرية دراسية إلى بعض الجامعات الأوربية ليكون أعضاؤها دعاة إلى الإسلام كما كان أسلافهم، وليفيدوا من ثقافة هذه الجامعات المتجددة ما يتصل بمهمتهم ويسدوا حاجة الأزهر إلى تدريس المواد التي اقترح إدخالها ضمن برامج الدراسة في المذكرة المشار اليها. وفي سنة 1936م سافرت هذه البعثات
إلى انجلترا وفرنسا وألمانيا في جو من الغبطة والحذر، وكان في ذلك أحياء لمجد الأزهر، وقام شيخ الجامع الأزهر بتوديع هذه البعثات بنفسه في حفل من العلماء والطلاب، وألقى فيهم خطابا رسم فيه الغاية من إرسالهم، وصور الجو الذي أحاط بهذه الفكرة فقال: «أرسلكم الأزهر وقلبه يخفق، وأنا واثق من أنكم ستكونون بهديكم وبقولكم وعملكم ومحبتكم أحسن الأمثلة لخريجي الأزهر الشريف». وقال: أنتم في البلاد التي ستقيمون فيها مرشدون أولا وتلاميذ ثانيا ولا يعفيكم واجبكم الثاني من واجبكم الأول هو في الحق المقصد الأسمي من هجرتكم» ولتمكين الأزهر من أداء رسالته بكل ما يمكن من الوسائل فكر الشيخ الظواهري في إنشاء مجلة خاصة بالأزهر تكون صوته الرسمى يدوى في مصر والأقطار الاسلامية، وتكون مجالا للنشاط العلمي لعلمائه وطلابه، «وتعمل على نشر آداب الإسلام، وإظهار حقائقة خالصة من كل لبس وتكشف عما ألصق بالدين من بدع ومحدثات وتنبه إلى ما دسّ في السنة من أحاديث موضوعة، وتدفع الشبهة التي يحوم بها مرضى القلوب»، وابتدأ صدورها سنة 1930م وأنشىء لها ولمطبوعات الأزهر والمعاهد مطبعة خاصة كاملة الأدوات تسد الآن حاجة المجلة والكليات والمعاهد من جميع المطبوعات.
وفي يوم الثلاثاء 2من ذي الحجة سنة 1351هـ 28مارس سنة 1933احتفل رسميا بافتتاح كلية أصول الدين. وفي يوم الأربعاء التالي له احتفل كذلك رسميا بافتتاح كليتي الشريعة واللغة، وجاء في كلمة شيخ الأزهر إبان ذاك، الشيخ محمد الاحمدي الظواهري التي ألقاها في هذه المناسبة بحضور رجالات الدولة:
«صدر القانون رقم 49لسنة 1930وافيا بهذه الأغراض السامية، مع المحافظة على صبغة الأزهر الدينية والعربية. وكان من أكبر مزاياه إنشاء كليات: أصول الدين، والشريعة، واللغة العربية، وجعل أبوابها مفتحة لجميع الطلاب المسلمين على اختلاف جنسياتهم. واستدراك ما كان
في القوانين السابقة من نقص في مواد التعليم على اختلاف مراحله، فقد جعل من مواد الدراسة في الكليات: تاريخ التشريع الإسلامي، ومقارنة المذاهب، وفن الحديث دراية، وآداب اللغة العربية وتاريخها، وفقه اللغة، وتاريخ الأمم الإسلامية، وعلم النفس، والفلسفة، مع الرد على ما يكون منافيا للدين منها، وغير ذلك من المواد التي لم تكن تدرس في القسم العالي من الأزهر الشريف.(1/205)
«صدر القانون رقم 49لسنة 1930وافيا بهذه الأغراض السامية، مع المحافظة على صبغة الأزهر الدينية والعربية. وكان من أكبر مزاياه إنشاء كليات: أصول الدين، والشريعة، واللغة العربية، وجعل أبوابها مفتحة لجميع الطلاب المسلمين على اختلاف جنسياتهم. واستدراك ما كان
في القوانين السابقة من نقص في مواد التعليم على اختلاف مراحله، فقد جعل من مواد الدراسة في الكليات: تاريخ التشريع الإسلامي، ومقارنة المذاهب، وفن الحديث دراية، وآداب اللغة العربية وتاريخها، وفقه اللغة، وتاريخ الأمم الإسلامية، وعلم النفس، والفلسفة، مع الرد على ما يكون منافيا للدين منها، وغير ذلك من المواد التي لم تكن تدرس في القسم العالي من الأزهر الشريف.
ولما كان التخصص في العلوم هو الطريقة المنتجة التي جرى عليها علماء الاسلام في أوائل العصور، وإليها يرجع الفضل في تقدم العلوم وارتقائها قديما وحديثا، نص هذا القانون على إنشاء أقسام للتخصص في المواد التي تعني بها الكليات، للتبحر فيها، وعلى منح المتخرجين منها شهادة العالمية مع لقب أستاذ، وعلى جعلهم أهلا لشغل كراسي الأستاذية في الكليات، كما نص على إنشاء أقسام للتخصص في التدريس والقضاء الشرعي والوعظ والإرشاد، يكون متخرجوها أهلا للتدريس في مدارس الحكومة والمعاهد وتولي الوظائف الشرعية والدينية في الدولة.
وإذا كانت كليات الأزهر ستكون في دور خاصة في حيّه وبحواره، فإن نفس الجامع الأزهر سيكون معمورا بالدروس على اختلاف أنواعها، مفتح الأبواب لقاصديه، من المسلمين على اختلاف طبقاتهم، غير مقصور على إقامة الصلاة.
ولقد كان لصدور هذا القانون وانتشار أنبائه وقع حسن عظيم في نفوس المسلمين في عامة الأقطار، وقد ابتدأت البعثات تتوارد وتتتابع: من الصين وبولونيا وألبانيا، والهند، وغيرها، للاغتراف من هذا المنهل العذب. وأخذت الجامعات الكبرى تتصل بالأزهر الشريف، وكان منها جامعة غرناطة، التي لبى الأزهر الشريف دعوتها إلى الاحتفال بمرور القرن الرابع على تأسيسها».(1/206)
الفصل الرابع 61792 الثورة المصريّة 61793 الثالثة والازهر
وقد قامت الثورة المصرية الوطنية القومية العسكرية الأخيرة في 23 يوليو 1952، وكان للأزهر فضل كبير في قيامها، وتوالت أحداث الثورة، فألف محمد نجيب وزارته الأولى في 7سبتمبر 1952، ثم وقعت اتفاقية السودان بين مصر وانجلترا في 12فبراير 1953، وأعلنت الجمهورية في 18يونيو 1953، وألفت وزارة الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك. وكان الأزهر يقوي من دعائم الثورة، ويدعهم العهد الجديد، الذي ثار على الفساد فحطمه، وعلى الطغيان فهدمه، ولا يزال الأزهر يبارك مبادىء الثورة، ويدعو للإيمان بها.
ومنذ بدء الثورة تولى منصب مشيخة الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين، ثم الشيخ عبد الرحمن تاج.
ويرجى للأزهر أن يصطبغ بالصبغة العلمية، وأن يسير قدما في سبيل أداء رسالته الجليلة.
قانون 61794 الازهر الجديد
وصدر قانون تطويره الأزهر في عام 1381هـ (1961م) وهذا القانون هو الذي جعل من الأزهر جامعة دينية علمية شاملة والذي انتقل بالأزهر إلى مسايرة التطور العلمي في العالم الحديث. محافظا في نفس الوقت على رسالته الدينية السامية وتقاليده القديمة.(1/207)
وينص القانون على أن الأزهر يشمل الهيئات الآتية:
1 - المجلس الأعلى 61795 للأزهر
وهو الهيئة التي تختص بالتوجيه ورسم السياسة العامة لكل ما يحقق أغراض الأزهر في سبيل خدمة الفكرة الإسلامية الشاملة. ويرأس هذا المجلس شيخ الأزهر ويضم أعضاء من كبار العلماء المتخصصين.
2 - مجمع البحوث الاسلامية
وهو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية. ويقوم بدراسة كل ما يتصل بهذه البحوث. ويعمل على تحديد الثقافة الإسلامية وتنقيتها من الشوائب، والكشف عن جوهرها الأصيل. والعمل على نشر الدعوة الاسلامية.
وتنظيم بعوث الأزهر إلى العالم الإسلامي، ومن العالم الاسلامي. ويتكون المجمع من خمسين عضوا من كبار علماء الإسلام، يمثلون جميع المذاهب الإسلامية، ويكون من بينهم عدد لا يزيد عن العشرين من غير مواطني جمهورية مصر العربية ويرأس المجمع شيخ الأزهر. ويكون نصف أعضائه على الاقل متفرغين لعضويته.
617963 - ادارة الثقافة والبعوث الاسلامية
وهي الجهاز الذي يهييء لمجمع البحوث الإسلامية كل أسباب البحث والدراسة. وبختص بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية من البعوث والدعاة واستقبال طلاب المنح.
4 - جامعة 61797 الأزهر
وتختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر. كما تهتم ببعث التراث العلمي والفكري والروحي للشعوب الاسلامية والعربية. وإعداد بعض العاملين الذين يجمعون إلى جانب التفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن، كفاية علمية ومهنية تؤهلهم للاشتراك في كل أنواع النشاط والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وتضم الجامعة كليات
الدراسات الإسلامية (اصول الدين والشريعة والقانون)، وكلية الدراسات العربية، وكلية المعاملات والإدارة، وكلية الهندسة والصناعات، وكلية الزراعة، وكلية الطب، وكلية التربية، وذلك علاوة على كلية البنات الإسلامية والتي فتحت مجالا جديدا لدخول الفتيات إلى هذه الجامعة العتيدة.(1/208)
وتختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر. كما تهتم ببعث التراث العلمي والفكري والروحي للشعوب الاسلامية والعربية. وإعداد بعض العاملين الذين يجمعون إلى جانب التفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن، كفاية علمية ومهنية تؤهلهم للاشتراك في كل أنواع النشاط والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وتضم الجامعة كليات
الدراسات الإسلامية (اصول الدين والشريعة والقانون)، وكلية الدراسات العربية، وكلية المعاملات والإدارة، وكلية الهندسة والصناعات، وكلية الزراعة، وكلية الطب، وكلية التربية، وذلك علاوة على كلية البنات الإسلامية والتي فتحت مجالا جديدا لدخول الفتيات إلى هذه الجامعة العتيدة.
وما أن صدر قانون تطوير الأزهر، حتى بدىء في وضعه موضع التنفيذ.
وفي شهر مارس 1964وضع حجر الأساس لمباني الجامعة الجديدة في مدينة نصر. وقد تم افتتاح مباني بعض الكليات مثل كليات الهندسة، والعلوم، والإدارة والمعاملات، والزراعة، وكلية البنات، ويجرى الآن العمل في إنهاء بقية مباني ومعامل هذه الكليات وتقدر تكاليف هذه المباني بحوالي 000، 500، 2جنيه مصري. وهي مصممة على أحدث الطرز وتضم مدرجات ومعامل حديثة.
وتقع كلية الطب في مستشفى الحسين الجامعي بجوار الجامع الازهر. وهي تضم حاليا 500طالب.(1/209)
وثورة في 61798 الأزهر أيضا
وجاءت الثورة
الثورة بكل مبادئها وروحها وقوتها الثورة التي حررت الشعب، ورفعت سمعة الوطن، ونهضت ببلادنا، في شتى مرافقها، وأولت الدين نصيبا من إعزازها وعنايتها.
فكان لا بد أن ينال الأزهر على يديها النصيب الموفور من الإصلاح والتجديد والتطور.
وهنا نلجأ إلى الأرقام
كانت معاهد الأزهر قبل الثورة عشرين فصارت 45وكانت ميزانيته مليونين فصارت 4ملايين، وفي العام القادم ستصبح 7ملايين (1).
ويقول نائب الرئيس الأسبق السيد حسين الشافعي: إنه لا بد أن ينشأ في كل مدينة معهد ديني (2).
وقد قامت الثورة عام 1952وفي مشيخة الأزهر الشيخ عبد المجيد سليم، ثم خلفه الشيخ محمد الخضر حسين، فالشيخ عبد الرحمن تاج، فالشيخ محمود شلتوت، فالشيخ حسن مأمون، وغير لقب شيخ الأزهر فصار هذا اللقب هو «الإمام الأكبر»
__________
(1) جريدة الأهرام المصرية في 12/ 1/ 1962م.
(2) جريدة الأهرام المصرية في 4/ 1/ 1962م.(1/210)
ودخل التطور في الأزهر بأوسع نطاق، فأعيدت عام 1957أقسام الدراسات العليا من الأزهر، وأسهم الأزهر في مختلف وجوه النشاط من العالم الإسلامي، وزيدت بعثاته العلمية إلى الدول العربية والإسلامية، واستقبل ألوف الشباب من أبناء العالم العربي والاسلامي ليتثقفوا في معاهده وكلياته على خيرة الأستاذة وليعودوا إلى بلادهم أئمة ومرشدين في شتى علوم الدين والعربية وذهب الشيخ تاج شيخ الأزهر في رحلة إلى باكستان والهند وأندونيسيا، ثم ذهب من بعده الشيخ شلتوت في رحلة إلى الفليبيين والملايو. وفي عهده أنشئت إدارة للبحوث والثقافة الاسلامية.
وجاء دور التنظيم الجديد، تطوير الأزهر فسنّ جمال عبد الناصر قانون الأزهر، الذي صدر في 18يوليو 1961، ونص فيه على ما يلي:
1 - إنشاء كليات للدراسات الإسلامية، وكلية للدراسات العربية.
2 - إنشاء كليات جديدة للطب والهندسة والزراعة والإدارة والمعاملات في الأزهر.
3 - إطلاق اسم جامعة الأزهر على كلياته الحالية وما يجد من كليات.
4 - انشاء مجلس أعلى لجامعة الأزهر، ومجلس أعلى للأزهر.
5 - انشاء مجلس إسلامي أعلى.
ووضعت مناهج جديدة للمعاهد الأزهرية ولكليات جامعة الأزهر، وصارت اللغات مواد أساسية في جميع سنى الدراسة، وكانت هذه المواد من قبل لا تنال عنايتها من المنهج ولا من الدراسة.
هذه هي الثورة الضخمة التي دبت في أروقة الأزهر ومعاهده وكلياته، ثورة بانية، تريد إيجاد رجل الدين المثقف الواعي المستنير، وتريد أن يسلح رجل الدين بسلاح العصر القوي المتين.(1/211)
النوابغ الذين تخرجوا في 61799 الأزهر
وقد تخرج في الأزهر في العصر الحديث فريق كبير من عظماء الرجال.
فمن الزعماء زعيم مصر المغفور له سعد زغلول، ومن الأدباء المرحوم علي باشا مبارك وعبد الله فكري باشا، والسيد رفاعة الطهعاوي، وحفني ناصف بك، والشيخ حمزة فتح الله، ومن المصلحين الأستاذ الأكبر الشيخ محمد عبده.
وتخرج فيه كثيرون من أمراء الشرق ومجاهديه، فمنهم السيد الادريسي الذي درس في الأزهر ثم عاد إلى اليمن يعلم البدو أمور دينهم ويحارب الأتراك في سبيل استقلال بلاده حتى تقلص الحكم التركي عن بلاد العرب في ختام الحرب العظمى، وما زال سلطانا مستقلا واسع النفوذ حتى لقي حتفه في سنة 1340هـ.
ومنهم السيد صديق حسن خان أمير يهوبال السابق وقد تخرج في الأزهر، وكان منتسبا لرواق البخارية ثم عاد إلى إمارته فاصلح شؤونها وأقام فيها مجالس العلم حتى توفي في سنة 1329بعد أن رفع شأن بلاده.
ومنهم الشيخ محمد بن عبد الله منلا الصومالي الذي درس في الأزهر ثم رحل إلى الصومال فأخذ يعلم أمور دينهم ويدعوهم إلى طرح نير الاستعباد حتى استطاع أن يؤلف بين قلوب القبائل الصومالية ويحارب الانجليز والإيطاليين والبلجيك والبرتغاليين ويستعمل الحيلة والدهاء في حروبه، فحطم
جهود الاستعماريين وطرد جيوشهم وما زال في كفاح معهم حتى لقى ربه في سنة 1323هجرية، فمهد موته الطريق أمام جيوش الاستعمار، وسقطت الصومال بعده في أيدي الانجليز والإيطاليين.(1/212)
ومنهم الشيخ محمد بن عبد الله منلا الصومالي الذي درس في الأزهر ثم رحل إلى الصومال فأخذ يعلم أمور دينهم ويدعوهم إلى طرح نير الاستعباد حتى استطاع أن يؤلف بين قلوب القبائل الصومالية ويحارب الانجليز والإيطاليين والبلجيك والبرتغاليين ويستعمل الحيلة والدهاء في حروبه، فحطم
جهود الاستعماريين وطرد جيوشهم وما زال في كفاح معهم حتى لقى ربه في سنة 1323هجرية، فمهد موته الطريق أمام جيوش الاستعمار، وسقطت الصومال بعده في أيدي الانجليز والإيطاليين.(1/213)
اختلافا شديدا فستراه على ذلك مؤتلفا أشد الائتلاف يؤلف بين مختلفات ما تفيض عليه نفس الكاتب الهادئة السمحة الرزينة من هدوء سمح رزين
أشهر رجال 61800 الأزهر في أوائل القرن الرابع عشر الهجري
وقد اشتهر في العصر الأخير جلة من العلماء الراحلين كانوا في طليعة الشيوخ البارزين، على طريقة الأزهر القديمة، وقد أدرك البعض زمانهم، وتلقى بعض العلماء عنهم، نذكر منهم:
الشيخ أحمد رفاعي الفيومي. الشيخ أحمد الجيزاوي. الشيخ محمد النجدي. السيد أحمد حنبلي البسيوني. الشيخ عبد القادر الرفاعي، الشيخ محمد عبده، الشيخ عبد الكريم سلمان. الشيخ سليمان العبد. الشيخ أحمد أبو خطوة. الأخوين: الشيخ محمد، والشيخ أحمد عبد الجواد القاياتي (1). الشيخ حسن الطويل. الشيخ محمد حسنين البولاقي (2).
الشيخ حسين زين المرصفي. الشيخ هرون عبد الرازق (3) الشيخ محمد البيجرمي. الشيخ إبراهيم الظواهري. الشيخ محمد بخيت المطيعي.
الشيخ عبد الرحمن البحراوي. الشيخ محمد راضي الكبير. الشيخ محمد رصى البحراوي. الشيخ محمد حسنين العدوى. الشيخ علي البولاقي.
الشيخ عبد الغني محمود. الشيخ محمد السمالوطي. الشيخ محمد الحلبي. الشيخ أحمد نصر. الشيخ محمد شاكر. الشيخ دسوقي العربي.
__________
(1) كانا من رجال الثورة العرابية
(2) هو والد أحمد حسنين رئيس الديوان الملكي سابقا
(3) كان مدرسا لمادة الدين بمدرسة الهندسة الملكية قديما(1/214)
الشيخ عبد الرحمن قراعة. الشيخ يوسف الدجوى. الشيخ عبد الحكم عطا. الشيخ سيد علي المرصفي.
وثمة شخصيات بارزة لها في تاريخ البلاد مكان ملحوظ.
وهؤلاء لم يتموا دراستهم في الجامع الأزهر، وأقبلوا على أعمال أخرى في المحاماة، والقضاء، وفي العلم والأدب والصحافة، نذكر من بينهم: سعد زغلول زعيم مصر السياسي، وإبراهيم الهلباوي المحامي، ومحمد أبو شادي، ومحمد الحسيني المحامي، وحسن جلال، ومحمد صالح المستشارين بالمحاكم الوطنية، وعبد الله نديم خطيب الثورة العرابية والسيد علي يوسف صاحب جريدة المؤيد، ومحمد النجار صاحب جريدة الأرغول والسيد مصطفى لطفي المنفلوطي، وعبد اللطيف الصوفاني، وغيرهم وغيرهم.
ومن علماء الأزهر المشهورين العالم العلامة الشيخ نافع الجوهري ابن سليمان بن حسن بن مصطفى بن أحمد الخفاجي من بني خفاجة (1250هـ 1834م 1330هـ 1912م)، وهو جد المؤلف لأمه، ولد في قرية تلبانة من أعمال الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم، ونال العالمية من الأزهر عام 1283هـ، حيث تتلمذ فيه على جلة العلماء والزاهدين، وأقام ببلدته واعظا زاهدا، ومفتيا مرشدا، ومؤلفا واسع الشهرة بين أقرانه. حتى مؤلفاته إلى قبل وفاته نحوا من مائة مؤلف، أغلبها في الشريعة والدين والفقه والمواعظ والتصوف وعلوم العربية، وكان شاعرا مجيدا بليغا مفوها، وأديبا لا يشق له غبار (1).
__________
(1) راجع ترجمته في كتابي «بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي ج 3و 4».(1/215)
نظرة إلى المستقبل
إن ما كسبه الأزهر من هذا الانقلاب في مصايره لا يزال رهن الزمن والمستقبل. ومن سبق القول كما يقول عنان أن نتحدث عن مزايا نظام جامعي لم يتمخض بعد عن آثاره، ولكنا نستطيع بالعكس أن نقول أن الأزهر الحديث على الرغم من جميع الجهود التي بذلت لإصلاحه منذ نصف قرن، وبالرغم من تحويله الظاهر إلى جامعة أزهرية، فقد كثيرا من المزايا العلمية والجامعية الحقيقية التي اقترنت بتاريخه القديم.
فقد اختفى جيل العلماء الأعلام المبرزين في علوم الدين واللغة ممن حفلت بهم حلقاته في أواخر القرن الماضي، وكانوا بقية أخيرة لذلك الجيل القديم، من علماء الأزهر الذين وهبوا حياتهم للدرس، وقد كان الأزهر حتى أواخر القرن الماضي يأخذ بنصيب بارز في تكوين الزعامة الفكرية والقومية وكان ظهور رجال مثل محمد عبده وسعد زغلول من بين صفوف طلبته، أسطع دليل على أن هذا المعهد التالد لم يفقد خلال عصور الانحلال والتأخر كل حيويته الفكرية، ولكن هذه الظاهرة تكاد تختفي اليوم.
وقد فقد الأزهر كثيرا من خاصته الروحية التي كانت تحمل شيوخه وطلابه على التفاني في التحصيل والدرس، والتعلق بشرف العلم والإعراض عن مغريات الدنيا، وإيثار التقشف والزهد، على الحياة الناعمة وتحول شيوخ الأزهر في ظل النظم الجديد شيئا فشيئا إلى نوع
من أرستقراطية رجال الدين، التي تمتاز ببسطة في الرزق والجاه، وتحول طلابه إلى ميدان الصراع المادي في سبيل العيش، والسعي وراء الوظائف ومنازعة أضرابهم من المعاهد الأخرى في الفوز بها. وقد أحدثت هذه الأرستقراطية الاجتماعية، وهذه النزعة في الإقبال على الدنيا، أثرا لا يحمد في جو الأزهر العلمي، وذهبت بكثير من خواصه الروحية القديمة.(1/216)
وقد فقد الأزهر كثيرا من خاصته الروحية التي كانت تحمل شيوخه وطلابه على التفاني في التحصيل والدرس، والتعلق بشرف العلم والإعراض عن مغريات الدنيا، وإيثار التقشف والزهد، على الحياة الناعمة وتحول شيوخ الأزهر في ظل النظم الجديد شيئا فشيئا إلى نوع
من أرستقراطية رجال الدين، التي تمتاز ببسطة في الرزق والجاه، وتحول طلابه إلى ميدان الصراع المادي في سبيل العيش، والسعي وراء الوظائف ومنازعة أضرابهم من المعاهد الأخرى في الفوز بها. وقد أحدثت هذه الأرستقراطية الاجتماعية، وهذه النزعة في الإقبال على الدنيا، أثرا لا يحمد في جو الأزهر العلمي، وذهبت بكثير من خواصه الروحية القديمة.
ومن جهة أخرى فإن الأزهر الحديث على الرغم من اتسامه بسمة الجامعات العصرية، لا يزال بعيدا عن أن يجاري روح العصر فعلا في تنظيم مناهجه وأساليبه العلمية. فهو لا يزال يعيش على تراث الأزهر القديم، ولا يزال مرجع الدراسة بالكليات الأزهرية الحديثة في علوم الدين واللغة طائفة من الكتب القديمة التي يعرفها الأزهر منذ العصور الوسطى، فالشاطبية، والهداية، والسنوسية، والصبان، وألفية بن مالك، وشرحها لابن عقيل، ومختصر السعد وحواشيه، وكتب ابن حجر، والبلقيني، والسيوطي، والبرماوي، والزماوي، والزيلعي، وغيرها، تدرس في الكليات للطلبة النظاميين، وبعض هذه الكتب يرجع إلى القرن السادس الهجري كالشاطبية، أو السابع مثل مختصر ابن الحاجب، وألفية ابن مالك، أو الثامن كشرح ابن عقيل ومختصر السعد، ومع أن هذه المصنفات القديمة لا تزال تحتفظ بقيمتها العلمية، فهي لا تصلح سواء بمادتها أو طرائقها العتيقة لعقلية الطالب الحديث. ولم يزود طلبة الجامعة الأزهرية حتى اليوم من الكتب والمذكرات الدراسية الحديثة إلا بقدر ضئيل جدا في بعض المواد المستحدثة: مثل التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، وتاريخ التشريع، وتفسير بعض آيات الأحكام، وكذا بعض كتب البلاغة والأدب والنحو والصرف، وسيمضي وقت طويل قبل أن يستطيع المشرفون على الدراسة بالجامعة الأزهرية أن يضعوا من الشروح والتآليف المنظمة الحديثة ما يسد حاجة الطلاب.
وقد فقد الأزهر كثيرا من مزايا الدراسة الحقة بإلغاء الحلقات الدراسية الشهيرة، التي لبئت قرونا تزين أروقته وساحاته، فقضى عليها
النظام الجديد، ولم تبق منها إلا آثار ضئيلة، تتمثل في إلقاء بعض الدروس العادية في علوم الدين أو اللغة بالجامع الأزهر وبعض المساجد الأخرى التي توجد بها المعاهد الدينية، وتقرأ فيها الكتب القديمة، ويشهدها الطلاب غير النظاميين، ولا سيما الغرباء وبعض أفراد الجمهور، وتعرف في ظل النظام الجديد بالأقسام العامة.(1/217)
وقد فقد الأزهر كثيرا من مزايا الدراسة الحقة بإلغاء الحلقات الدراسية الشهيرة، التي لبئت قرونا تزين أروقته وساحاته، فقضى عليها
النظام الجديد، ولم تبق منها إلا آثار ضئيلة، تتمثل في إلقاء بعض الدروس العادية في علوم الدين أو اللغة بالجامع الأزهر وبعض المساجد الأخرى التي توجد بها المعاهد الدينية، وتقرأ فيها الكتب القديمة، ويشهدها الطلاب غير النظاميين، ولا سيما الغرباء وبعض أفراد الجمهور، وتعرف في ظل النظام الجديد بالأقسام العامة.
والواقع أن الحلقات القديمة لم تكن إلا المدرج الجامعي الحديث، وقد كانت تتفوق بلا ريب في عناصرها الجامعية على فصول الكليات الأزهرية، وكان خيرا لو أصلحت ونظمت على غرر الدراسات الجامعية العليا، التي يتولاها أعلام الأساتذة قد كان في استبقائها على هذا النحو تخليدا لذكرى الحلقات الأزهرية التاريخية التي كانت أيام ازدهارها من محاسن الدهر وآلاء الأزهر، وكانت في كثير من الأحيان مجمع الصفوة من الأساتذة والمستمعين.
ولقد اضطرم الصراع مدى حين بين الثقافتين القديمة والمحدثة، وقد أحرز الجديد نصره النهائي على تراث القديم وأساليبه، وتبوأت الثقافة المحدثة في مصر المكان الأول، وهي تؤكد هذا الظفر كل يوم بما تخرجه من جندها المستنير الطموح إلى الحياة العصرية، بكل ما أوتي من المزايا المعنوية والمادية. على أن ذلك لا يعني أن مهمة الأزهر قد انتهت، أو انها يجب أن تنتهي، بل بالعكس من ذلك أن للأزهر مهمة جليلة، يستطيع الاضطلاع بها إذا وفق إلى الوسائل والأساليب الصالحة لتأديتها.
تلك المهمة هي العمل على دعم رسالة الإسلام، ورسالة اللغة العربية والحضارة الإسلامية، بأساليب مستنيرة وقد كان الأزهر معقلا من معاقل هذه الرسالة طوال العصور الوسطى، والعصر التركي، وفي وسعه أن يكون معقلها اليوم (1)
__________
(1) الأستاذ عبد الله عنان في تاريخ الأزهر.(1/218)
ثورة التطوير في 61801 الأزهر
إنها ثورة جديدة استحدثها قانون تطوير 61802 الأزهر
على أن روح الثورة أكبر من أن تخطط بقوانين، روح الثورة التي اشتعلت بين الملايين من العرب والمسلمين قوية بحمد الله وإذا كان الأزهر في حاجة إلى ثورة كبيرة، فإن هذه الثورة المنشودة التي يتطلبها المسلمون من الأزهر لا يمكن أن يصنعها قانون، بل لا بد أن تشتعل روحها أولا وقبل كل شيء في نفوس العلماء والطلاب
فالقانون لم يكن ثمة كبير حاجة إلى تخطيطاته في بعث روح الثورة المنشودة داخل الأزهر، لكي يؤدي الأزهر رسالته.
ولننظر بعد ذلك الى روح القانون:
1 - فأولا: سوف تنشأ كليات علمية جديدة لا صلة لها بالدراسات الإسلامية، وتضاف إلى جامعة الأزهر وهذه الكليات لا تتوقف عليها رسالة الأزهر، وستكلف إنشاؤها الملايين من الجنيهات دون ما داع إلى ذلك، وكان في الامكان إباحة دخول طلاب المعاهد الثانوية الجامعات المصرية ليتخرجوا أطباء ومهندسين ومحاميين فضلا عن أن جامعات المنصورة، وطنطا، والزقازيق لم تنشأ بعد، وجامعة أسيوط لا تزال في دور التكوين والإنشاء.
2 - وثانيا: وجود كلية الدراسات العربية لا يزيد عن إنشاء كلية آداب في الأزهر تحل محل كلية اللغة العربية، ولنا في كليات الآداب في
الجامعات المصرية غنى، بالإضافة الى كلية دار العلوم ومعاهد المعلمين، وسواها(1/219)
2 - وثانيا: وجود كلية الدراسات العربية لا يزيد عن إنشاء كلية آداب في الأزهر تحل محل كلية اللغة العربية، ولنا في كليات الآداب في
الجامعات المصرية غنى، بالإضافة الى كلية دار العلوم ومعاهد المعلمين، وسواها
3 - وثالثا: كليات الدراسات الإسلامية لا بد من أن تحتوي على كليتين:
الأولى للشريعة، والثانية للأصول وفي هذه الحالة لا نكون قد صنعنا شيئا أكثر من تكرار إنشاء كليتين جديدتين بدل كليتين قديمتين، وكان في الإمكان أن تطور مناهج الكليتين الحاليتين، لنصنع بذلك الإصلاح المنشود.
4 - وجملة الأمر من القانون أنه ينص على إدماج مناهج المعاهد الثانوية والابتدائية من مناهج المدارس الحكومية مع الإبقاء على مناهج علوم الدين وفي هذه الحالة سيرهق الطالب إرهاقا شديدا من جانب، وسيضعف مستواه في الدراسات التي تؤهله لدراسات علوم الدين من جانب آخر، وكان في الإمكان الاكتفاء بضم المعاهد الابتدائية إلى وزارة التربية والإبقاء على المعاهد الثانوية كمرحلة إعدادية للتأهل لدراسات كليات الأزهر.
5 - على أن قانون الأزهر في الإمكان أن يعرض على الهيئات الإسلامية لدراسته وإبداء رأيها فيه، وتأجيل تنفيذه إلى ما بعد وصول هذه الآراء كلها إلى الجهات التنفيذية للاستفادة من تقريراتها في علاج كل نقص يمكن أن يكون من القانون، أو ما عسى يمكن أن يكون له من نتائج في الدراسات العربية والإسلامية.(1/220)
هذا هو 61803 الأزهر الجديد
* الهيئات التي يتكون منها الأزهر هي:
1 - المجلس الأعلى للأزهر ويرأسه شيخ الأزهر ويشترك فيه كبار العلماء وخبراء في التعليم والإدارة.
2 - مجمع البحوث الإسلامية ويعمل على تجديد الثقافة الإسلامية ورسم نظام البعوث الأزهرية إلى العالم الإسلامي ومنه.
3 - ادارة الثقافة والبعوث الإسلامية وتجهز الدراسات والبحوث للمجمع وتتابع التنفيذ وتتحمل مسئولية البعوث الإسلامية.
4 - جامعة الأزهر وتضم كليات للدراسات الإسلامية وكليات للدراسات العربية وكلية المعاملات والإدارة وكلية الهندسة والصناعات وكلية الطب وكلية الزراعة ولن تكون صورة مكررة للكليات القائمة الآن أو بالجامعات الأخرى
* المعاهد الأزهرية وتعد طلبة الجامعة الأزهرية وتزودهم بالمعرفة والخبرة إلى جانب الثقافة العربية والإسلامية ولكن لهم مطلق الاختيار لمتابعة الدراسة الجامعية بعد تخرجهم سواء في كليات الأزهر أو في غيرها من الكليات والمعاهد العالية.
* ميزانية الازهر تطورت على ثلاث مراحل:
1 - في سنة 1940كانت حوالي 342الف جنيه.(1/221)
2 - في سنة 1953وصلت إلى مليون و 537ألف جنيه.
3 - في سنة 1958قفزت إلى مليونين و 125ألف جنيه.
وهناك مبلغ ضخم من هذه الميزانية يصل إلى 250الف جنيه ينفق على المبعوثين في آسيا وإفريقيا إلى كليات الأزهر ومعاهدة في مدينة البعوث الإسلامية ورصد في الميزانية الأخيرة 21ألف جنيه لإعادة ترميم الجامع الأزهر وتجديده.(1/222)
الباب الثالث شيوخ 61804 الأزهر(1/223)
الفصل الأول مشيخة 61805 الأزهر وشيوخه
وظيفة خطيب 61806 الأزهر:
نقل المقريزي في مواضع مختلفة إشارات لبعض مؤرخي الدولة الفاطمية عن «خطيب الجامع الأزهر». من ذلك ما نقله عن ابن الطوير في تقديم خطيب الجامع الأزهر في إلقاء الخطبة بين يدي الخليفة في أيام الموالد الستة التي كانت تحتفل بها الخلافة الفاطمية، وهي المولد النبوي ومولد أمير المؤمنين على بن أبي طالب، ومولد ولديه الحسن والحسين، ومولد زوجته السيدة فاطمة الزهراء، ومولد الخليفة القائم (1).
وكذلك كان «خطيب الجامع الأزهر» يذكر في وصف الاحتفال بليالي الوقود، حيث يخطب أيضا بين يدي الخليفة في هذه الليالي الأربع متقدما زملاءه من خطباء المساجد الأخرى (2). فالإشراف على الجامع الأزهر كما يقول عنان كان يجري في ظل الدولة الفاطمية على هذا النحو:
ما تعلق بإصلاحه وعمارته والإنفاق عليه يرجع أمره إلى الخلفاء أو من يختارونه لذلك من الأمراء والوزراء.
وما يتعلق بشئون الصلاة يرجع إلى الخطيب وإلى عدد من الأئمة
__________
(1) الخطط ج 4ص 76
(2) صبح الاعشى ج 3ص 502(1/225)
والقومة والمؤذنين، والخطيب في الواقع هو رئيس الجامع الديني وهو الذي يتولى الخطابة في الصلوات الجامعة، والحفلات الدينية الرسمية بين يدي الخليفة أو نائبه، ويدير شئون المسجد الدينية بوجه عام.
ويبدو أن وظيفة «خطيب» الجامع الأزهر لبثت تنمو في الأهمية على ممر الزمن تبعا لنمو أهمية الازهر نفسه، فهي في أواخر الدولة الفاطمية تسند إلى رجال من أصحاب المناصب الدينية الرفيعة مثل داعي الدعاة، فقد ذكر ابن ميسر في أخبار سنة 517هـ أنه قد أسند إلى داعي الدعاة أبي الفخر صالح «منصب الخطابة بالجامع الأزهر» مع خزانة الكتب (1).
أما إدارة المسجد الداخلية من قرش وتنظيم وتجميل فترجع إلى المشرف ومعاونيه من العمال والخدم.
وأما ما يتعلق بشئون الدراسة والأساتذة والطلاب والنفقة عليهم، فقد رأينا أنه يرجع إلى الخلفاء وإلى ذوي البر من أكابر رجال الدولة، وقد كان العزيز بالله ووزيره ابن كلس أول من رتب النفقة الدائمة للقراء والأساتذة بالأزهر، وحذا حذوهما في ذلك الخلفاء والأمراء والكبراء في مختلف الدول والعصور.
وهذا النظام في الإشراف على الجامع الأزهر ربما لبث متبعا في جوهره بعد الدولة الفاطمية، فمثلا نرى في أواخر القرن الثامن، في عهد الملك الظاهر برقوق، ولاية النظر على الجامع الازهر، تسند في سنة 784هـ إلى الطواشي بهادر مقدم المماليك السلطانية، وفي أثناء ولايته صدر مرسوم ملكي يقضى بأن من توفي من مجاوري الجامع دون وارث شرعي، وخلف تركة، فإنها تؤول إلى زملائه المجاورين «وفي سنة 818هـ في عهد السلطان المؤيد ولي نظر الجامع الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب.
فكان مما قرره منع المبيت بالجامع الازهر، وأخرج المجاورين الذين
__________
(1) أخبار مصر لابن ميسر 46(1/226)
اعتادوا السكني فيه (1). وبعد ذلك بقليل في زمن السلطان المؤيد أيضا ولي نظر الجامع شمس الدين محمد الماحوري، أحد تجار الكارم والجوهر، وكان من أصدقاء المؤيد. وذلك بطريق النيابة عمن له النظر على الجامع (ولعله الأمير سودوب أيضا)، فاستعمل القسوة في تنظيم شئونه الداخلية، وكان يطوف ومعه عصى لردع المخالفين، وقاسى الطلاب منه شدة (2) على أن ولاية هؤلاء الكبراء النظر على الجامع كانت تقتصر على الناحية الإدارية مما يتعلق بإصلاحه وتعميره والإنفاق عليه، وتعيين الموظفين اللازمين لإدارته.
أما شئون العبادات فقد كانت دائما من اختصاص خطيب الجامع وإمامه. وقد كان يلي خطابة الجامع الأزهر في العصور المتأخرة والعصور المتقدمة أكابر القضاة والعلماء، فنرى بين خطباء الجامع الأزهر في أواخر القرن السابع الهجري قاضي القضاة تقى الدين أبا القاسم ابن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز (3)، وفي أوائل القرن التاسع قاضي القضاة الحافظ ابن حجر العسقلاني (4) وكان يوجد دائما إلى جانب منصب الخطيب منصب الإمام يشغله أيضا بعض العلماء الأعلام، وصاحبه يلي الخطيب في الأهمية، ويعاونه في القيام بشئون العبادات. وثمة منصب هام آخر هو منصب «الواعظ» يليه أيضا جماعة من أكابر العلماء، وقد لبثت هذه المناصب الثلاثة قائمة خلال العصر التركي. وكان من مشاهير العلماء الذين تولوا إمامة الجامع الأزهر في العصور المتأخرة الفخر البلبيسي الضرير أستاذ القراءات، تولاها في أواخر القرن التاسع الهجري (5)، والشيخ رضوان المتوفى سنة 1115 (6) ومن الذين تولوا
__________
(1) المقريزي في الخطط ج 4ص 54
(2) التبر المسبوك ص 198
(3) النجوم الزاهرة ج 8ص 82
(4) التبر المسبوك ص 231
(5) التبر المسبوك ص 32، 77، 239
(6) الجبرتي عجائب الآثار ج 1ص 72(1/227)
منصب الوعظ الشيخ شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي المتوفى سنة 950هـ، والشيخ شمس الدين الصفدي المقدسي المتوفى في حدود التسعين وتسعمائة (1).
وأما شئون الدراسة فكان المرجع فيها على الأغلب إلى السلطان ووزرائه. وقد كانت مناصب التدريس في الأزهر وما إليه من المدارس الكبيرة يومئذ من المناصب الدينية الهامة، فلا يعين فيها سوى أكابر الأساتذة والعلماء، بيد أنه كان للواقفين والواهبين بلا ريب رأى في تعيين أنواع العلوم التي يخصونها بهباتهم، وفي اختيار الأساتذة الذين يتولون تدريسها.
منصب مشيخة 61807 الأزهر:
وإذا كان من المستطاع أن يتتبع الباحث بعض النصوص والإشارات التي تلقى ضوءا على نظم الإشراف على الجامع الأزهر في العصر الفاطمي وفي عصور السلاطين، فإنا لا نظفر بعد ذلك برواية أو نصوص شافية توصح لنا كيف تطورت النظم إلى نظام المشيخة الحالي. ومن المعروف الذائع أن نظام المشيخة الحالي إنما هو نظام حديث يرجع على الأكثر إلى نحو قرنين ونصف وأنه طبق لأول مرة في أواخر القرن الحادي عشر الهجري، حينما أسندت مشيخة الجامع الأزهر إلى الشيخ محمد عبد الخرشي المالكي المتوفى في شهر ذي الحجة سنة 1101هـ (1690م)، وخلفه في المشيخة الشيخ محمد النشرتي المالكي. ولما توفي هذا الشيخ سنة 1120هـ (1708م)، وقعت بالأزهر بسبب المشيخة والتدريس فتنة شديدة، وانقسم المجاورون الطلاب فرقتين: ترشح إحداهما الشيخ أحمد النفراوي وترشح الأخرى الشيخ عبد الباقي القليني وكلاهما من المالكية. ووقعت بين الفريقين معارك قتل وجرح فيها كثيرون. وانتهى الأمر باستقرار الشيخ القليني في المشيخة والتدريس.
__________
(1) الكواكب السائرة في اعيان المائة العاشرة مخطوط في دار الكتب.(1/228)
والظاهر أن نظام مشيخة الجامع الأزهر يمت بصلة إلى هذا المنهج في نظام الوظائف الدينية الرئيسية. وقد يرجع التفكير فيه وفي قيامة إلى منتصف القرن العاشر الهجري. ذلك أن ولاة الأمر العثمانيين كانوا يعلقون على الوظائف الدينية أهمية خاصة، وكان الجامع الأزهر يحتل يومئذ بين المساجد والمعاهد الإسلامية مركز الصدارة، ويزخر دائما بجمهرة كبيرة من العلماء المصريين وإخوانهم من سائر أنحاء العالم الإسلامي، هم صفوة الأئمة والأساتذة في ذلك العصر، ومن المعقول أن تكون رياسة الجامع الأزهر ذات أهمية خاصة في نظر ولاة الأمور. وإذا كان الجبرتي لم يذكر شيخا للأزهر قبل الشيخ الخرشي المتوفى سنة 1101هـ، فإنه من جهة أخرى لم يقل بصفة قاطعة انه كان أول من ولي المشيخة. ومع أنه لم يعثر كذلك فيما أتيح من المراجع على نصوص قاطعة تلقى ضوءا واضحا على أصل مشيخة الأزهر والوقت الذي بدأ فيه تطبيق هذا النظام. فإنه توجد مع ذلك قرائن عديدة، تدل على أنه يرجع إلى ما قبل أواخر القرن الحادي عشر بكثير.
من ذلك ما رواه صاحب كتاب «ذخيرة الأعلام» (1) في حديثه عن واقعة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي مع داود باشا الذي تولى ولاية مصر سنة 945هـ (1538م)، فقد ذكر أنه حدث في شهر شعبان سنة 950هـ أن الشيخ ابن عبد الحق قال يوما لداود باشا وهو في موكبه: أنه رقيق لا يجوز له أن يتولى الأحكام، وأن أحكامه باطلة ما لم يحصل على عتقه ثم يقول في قصيدته التي يروي فيها تفاصيل هذه الواقعة:
__________
(1) هو كتاب «ذخيرة الأعلام. بتواريخ الخلفاء العلماء، وأمراء مصر الحكام، وقضاة قضائها في الأحكام» لمؤلفه الشيخ أحمد بن سعد الدين العثماني العمري من علماء أوائل القرن الحادي عشر الهجري، وهو مكتوب كله بالنظم (مخطوط بدار الكتب رقم 104 تاريخ).(1/229)
لما صغى الباشا للكلام هم بضرب الشيخ بالحسام قال له الجند فدع جذب الحسام فإن هذا شيخ الإسلام الإمام
وانحاز الجند للشيخ، فأرسل الباشا نبأ هذه الواقعة إلى السلطان فأنعم عليه بعتقه مع تبليغ الشكر إلى الشيخ. وسعى الباشا بعد ذلك إلى الشيخ واسترضاه وقبل رجله، ولم يقبل الشيخ منه مالا ولا هدية، ولكنه أصبح من ذلك الحين لا يرد للشيخ رأيا ولا شفاعة (1).
والمهم في هذه الرواية هو نعت الشيخ ابن عبد الحق «بشيخ الإسلام الإمام»، فإنا نعرف أن لقب شيخ الاسلام كان يطلق قبل الفتح العثماني على «قاضي القضاة» الشافعي، وقد كان آخر من لقب بهذا اللقب من المصريين قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن علي المتوفى سنة 949 (2)، فلما ألغى الترك نظام القضاء المصري، وأقاموا في رياسة القضاء قاضيا تركيا، كان هذا اللقب يطلق فيما بعد على أكابر العلماء الذين يصلون إلى مرتبة الزعامة العلمية أو على شيوخ الجامع الأزهر والأغلب أن يطلق على هؤلاء الشيوخ.
فهل كان ابن عبد الحق شيخا للجامع الأزهر؟ لقد جاء في ترجمته أنه كان واعظا بالجامع الأزهر. وقال معاصره الإمام الشعراني عنه ما يأتي:
«لم نر أحدا من الوعاظ أقبل عليه الخلائق مثله. كان إذا نزل من فوق الكرسي، يقتتل الناس عليه، وكان متفننا في العلوم الشرعية، وله الباع الطويل في معرفة مذاهب المجتهدين. وكان من رؤوس أهل السنة والجماعة، وكان قد اشتهر في أقطار الأرض كالشام والحجاز واليمن والروم، وصاروا يضربون به المثل، وأذعن له علماء مصر الخاص منهم والعام»، ثم قال: «ولما مات أظلمت مصر لموته وانهدم ركن عظيم من
__________
(1) هذه القصيدة بأكملها في المخطوط المشار إليه ورقة 150و 151عنوان (واقعة ابن عبد الحق مع داود باشا).
(2) الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة (المخطوط) ج 2. ص 182.(1/230)
الدين»، وكانت وفاة ابن عبد الحق، حسبما ذكر صاحب الكواكب السائرة في أواخر صفر سنة 950هـ (1).
لا يميل المؤرخون إلى القطع بأن ابن عبد الحق كان شيخا للجامع الأزهر. ونستطيع القول بإنه يوجد ثمة في ترجمته وفيما نعته به صاحب الذخيرة ما يحمل على الظن بأنه كانت له صفة الرياسة بالأزهر من مشيخة أو غيرها (2).
ومن ذلك ما رواه فون همار مؤرخ الدولة العثمانية في تاريخه عما حدث بمصر من الاضطرابات في سنة 1067هـ (1658م) في عهد الوالي محمد باشا المعروف بشاه سور زاده (ونقله سامي باشا في كتابه) إذ يقول:
«جرد هذا الوالي حملة ضد كاشف البهنسي محمد بك فقتل هذا الأمير وجيء برأسه إلى القاهرة. وقد قتل غيره من الأمراء، وأدت زيادة الاضطرابات إلى أن عقد مجلس كان فيه القاضي وشيخ الجامع الأزهر وغيرهما، فتقرر فيه الفتوى بضرورة محاربتهم لاستمرار مخالفتهم الأوامر السلطانية، فجرد عليهم وحاربهم» (3).
وهنا نجد أنفسنا كما يقول عنان أمام ذكر صريح «لشيخ الجامع الأزهر» وإن كنا لا نعرف من هو هذا الشيخ، وذكره يجيء في مناسبة تتقدم التاريخ الذي اصطلح على رد المشيخة إليه بنحو أربعين عاما. ومن ذلك ما أورده الجبرتي في ترجمة العلامة إبراهيم بن محمد بن شهاب الدين بن
__________
(1) راجع الكواكب السائرة (المخطوط المشار اليه) ج 2ص 179، ويلاحظ كما قال عنان انه توجد مفارقة بين تاريخ الوفاة في هذه الترجمة وبين واقعة ابن عبد الحق مع داود باشا اذا قال صاحب الذخيرة انها وقعت في شعبان سنة 950هـ اي بعد تاريخ الوفاة، فلا بد انها وقعت قبل ذلك، أو تكون الوفاة وقعت بعدها.
(2) ذهب المغفور له امين سامي فيما أورده عن واقعة ابن عبد الحق وداود باشا نقلا عن صاحب الذخيرة إلى أبعد من ذلك، حيث وصف ابن عبد الحق بأنه «شيخ الجامع» أي الجامع الأزهر (راجع كتاب تقويم النيل ج 2ص 19)
(3) كتاب تقويم النيل ج 2ص 59.(1/231)
خالد البروماي المتوفى سنة 1106هـ، فقد ذكر صراحة انه كان شيخا للجامع الأزهر (1)، فمتى كان ذلك، لا ريب انه تولى المشيخة قبل أن يتولاها الشيخ الخرشي في أواخر القرن الحادي عشر، وقد توفي الشيخ الخرشي كما تقدم في سنة 1101هـ وتولى المشيخة من بعده الشيخ النشرتي المتوفى سنة 1120هـ فربما كان البرماوي المتوفى سنة 1106قد تولى المشيخة قبلهما، اي في أواخر القرن الحادي عشر حوالي سنة 1080الى سنة 1090هـ.
فمشيخة الأزهر إذا ترجع إلى أواخر القرن الحادي عشر فقط، والشيخ الخرشي كان أول من تولاها غالبا.
والمرجح أن هذا النظام يرجع إلى أواسط القرن العاشر، وأنه يمت كما قدمنا بصلة إلى التغييرات التي أحدثها الترك العثمانيون في الوظائف الدينية الكبرى، وقد كان لشيخ الجامع الأزهر وعلمائه نفوذ خاص يعتمد عليه ولاة الأمر كلما اقتضت الظروف والحوادث. وقد بلغ هذا النفوذ فيما بعد مبلغ الرياسة والزعامة في أواخر القرن الثالث عشر، ولا سيما وقت مقدم الحملة الفرنسية، حيث كان لأكابر الشيوخ رأي بارز في معظم الحوادث والشؤون الداخلية، وكانوا يعتبرون دائما ممثلي الأمة، وكان منهم أعضاء الديوان الذي ألفه الفرنسيون لحكم مدينة القاهرة. وكان لهم نفوذ يذكر في سير الحوادث في ذلك الحين.
ومن المعروف أن العصر التركي هو أكثر العصور في تاريخ مصر الإسلامية غموضا واضطرابا، وأقلها وثائق ومراجع، لما حدث فيه من اضمحلال الحركة الأدبية. وفتور الهمم عن التأليف، وانصراف المؤرخين عن تناول الشؤون العامة والأمور النافعة، إلى ملق الحكام وتدوين سيرهم الشخصية.
__________
(1) عجائب الآثار ج 1ص 70(1/232)
فلم يكن للأزهر إذن شيخ من قبل عهدهم يتولى رياستة الدينية.
ويدير شؤونه الإدارية. بل كان يتولاه الولاية العامة سلاطين مصر وأمراؤها، كباقي المساجد الجامعة بالديار المصرية. ويباشر شؤونه الداخلية مشايخ المذاهب الأربعة وشيوخ الأروقة يعاونهم خطيب المسجد.
والمشرف ومعاونوه من العمال والخدم وبقي هذا النظام متبعا في الجامع الأزهر غالبا مدة حكم الفاطميين والأيوبيين والمماليك الأولى (البحرية)، وفي عهد سلطنة الملك الظاهر برقوق، أول سلاطين المماليك الثانية (البرجية) عين للأزهر: «ناظر» سنة 784هـ (1382)، وكان «ناظر الأزهر» يختار من بين كبار موظفي الدولة، وكان هذا «الناظر» هو الأمير «بهادر» الطواشي كبير المماليك السلطانية، وكان «ناظر الجامع الأزهر» ينوب عن سلطان مصر، أو حاكمها، في الإشراف على شؤون الأزهر، والقيام على تنفيذ الأوامر والأحكام السلطانية، والسهر على رعاية مصالح الجامع الأزهر، ومصالح أهله من علماء وطلاب. وقد عرف من «نظار» هذا العهد المملوكي أيضا الأمير «سودوب» القاضي وحاجب الحجاب، ولي «نظارة الجامع الأزهر» سنة 818هـ (1415م) ولما استولى الأتراك العثمانيون على مصر سنة 923هـ (1517م) ساروا على نهج من سبقهم من سلاطين مصر وأمرائها، فحافظوا على الأوضاع المرعية في الأزهر، واهتموا برعاية شؤونه، والسهر على مصالح أهله، واقتدى الولاة العثمانيون بسلاطين آل عثمان فعرفوا لهذا المعهد العلمي الديني الإسلامي حقه من الرعاية والتقدير، وجددوا به كل دارس، وزادوا في عمارته، ووسعوا من رقعته، وأوقف الأمراء، والولاة وكبار رجال الدولة والأعيان الكثير من الأموال والأملاك، والعقارات على علمائه وطلبته، فاتسعت إدارته، وتشعبت مصالح أهله، وأصبحت الحاجة ماسة إلى وجود شخص يتفرغ للإشراف على شؤون هذا المعهد الدينية والإدارية معا، ويكون رئيسا لشيوخ المذاهب والأروقة، وسائر علماء الأزهر وطلابه، ومسؤولا مباشرة أمام الولاة والسلاطين، وحلقة اتصال بين الحكومة وأقسام الأزهر
المختلفة، فاستحسنت «الدولة العلية» قبيل نهاية القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) أن يعين للأزهر: «شيخ عموم» يدير شؤونه، ويراقب أموره من تعاليم وغيرها، ويلقب: «بشيخ الجامع الأزهر».(1/233)
والمشرف ومعاونوه من العمال والخدم وبقي هذا النظام متبعا في الجامع الأزهر غالبا مدة حكم الفاطميين والأيوبيين والمماليك الأولى (البحرية)، وفي عهد سلطنة الملك الظاهر برقوق، أول سلاطين المماليك الثانية (البرجية) عين للأزهر: «ناظر» سنة 784هـ (1382)، وكان «ناظر الأزهر» يختار من بين كبار موظفي الدولة، وكان هذا «الناظر» هو الأمير «بهادر» الطواشي كبير المماليك السلطانية، وكان «ناظر الجامع الأزهر» ينوب عن سلطان مصر، أو حاكمها، في الإشراف على شؤون الأزهر، والقيام على تنفيذ الأوامر والأحكام السلطانية، والسهر على رعاية مصالح الجامع الأزهر، ومصالح أهله من علماء وطلاب. وقد عرف من «نظار» هذا العهد المملوكي أيضا الأمير «سودوب» القاضي وحاجب الحجاب، ولي «نظارة الجامع الأزهر» سنة 818هـ (1415م) ولما استولى الأتراك العثمانيون على مصر سنة 923هـ (1517م) ساروا على نهج من سبقهم من سلاطين مصر وأمرائها، فحافظوا على الأوضاع المرعية في الأزهر، واهتموا برعاية شؤونه، والسهر على مصالح أهله، واقتدى الولاة العثمانيون بسلاطين آل عثمان فعرفوا لهذا المعهد العلمي الديني الإسلامي حقه من الرعاية والتقدير، وجددوا به كل دارس، وزادوا في عمارته، ووسعوا من رقعته، وأوقف الأمراء، والولاة وكبار رجال الدولة والأعيان الكثير من الأموال والأملاك، والعقارات على علمائه وطلبته، فاتسعت إدارته، وتشعبت مصالح أهله، وأصبحت الحاجة ماسة إلى وجود شخص يتفرغ للإشراف على شؤون هذا المعهد الدينية والإدارية معا، ويكون رئيسا لشيوخ المذاهب والأروقة، وسائر علماء الأزهر وطلابه، ومسؤولا مباشرة أمام الولاة والسلاطين، وحلقة اتصال بين الحكومة وأقسام الأزهر
المختلفة، فاستحسنت «الدولة العلية» قبيل نهاية القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) أن يعين للأزهر: «شيخ عموم» يدير شؤونه، ويراقب أموره من تعاليم وغيرها، ويلقب: «بشيخ الجامع الأزهر».
ومنذ العهد التركي العثماني والجامع الأزهر يحتفظ بهذه الوظيفة، التي تطورت مظاهرها، واتسعت اختصاصاتها على حسب تطورات الزمن، ومقتضيات الظروف والأحوال، حتى آلت إلى ما هي عليه الآن.
واليوم يختار «شيخ الجامع الأزهر» من بين جماعة كبار العلماء، ممن تتوافر فيهم الشروط الآتية: أن تكون سنة خمسا وأربعين سنة على الأقل، وأن يكون معروفا بالورع والتقوى في ماضيه وحاضره، وحائزا لشهادة العالمية منذ خمس عشرة سنة على الأقل، وأن يكون قد اشتغل بالتدريس مدة خمس سنوات على الأقل في إحدى كليات الجامع الأزهر، أو بالقسم العالي المقرر بالقانون رقم 10لسنة 1911م، أو يكون قد شغل منصب مفتي الديار المصرية، أو كان عضوا بالمحكمة العليا الشرعية.
ويعين «شيخ الجامع الازهر» بأمر جمهوري، ويصير من يعين شيخا للجامع الأزهر من غير جماعة كبار العلماء عضوا في هذه الجماعة بحكم القانون.
شيوخ 61808 الأزهر:
وقد تولى مشيخة الأزهر كثير من الأئمة الأعلام، وهم:
1 - الشيخ الخرشي المالكي وترجمة في تاريخ الجبرتي الجوء الأول ص 65وقد توفي الخرشي 1101هـ (1).
ويعد أول من تولى مشيخة الأزهر، وهو الشريف الإمام أبو عبد الله
__________
(1) راجع ايضا 208/ 1الجبرتي.(1/234)
محمد بن عبد الله الخرشي المالكي، والخرشي نسبة لبلدة يقال لها أبو خراش من البحيرة بالديار المصرية، انتهت إليه الرياسة في مصر حتى لم يبق بها في آخر عمره إلا طلبته، وكان متواضعا عفيفا واسع الخلق كثير الأدب والحياء كريم النفس حلو الكلام كثير الشفاعات عند الأمراء مهيب المنظر دائم الطهارة كثير الصمت كثير الصيام والقيام زاهدا ورعا متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه، وكان لا يصلي الصبح صيفا وشتاء إلا بالجامع الأزهر، وكان يقضي مصالحه من السوق بيده ومصالح بيته في منزله، يتعمم بشملة صوف بيضاء، وكانت ثيابه قصيرة على السنة المحمدية واشتهر في بلاد الأرض من بلاد الغرب والتكرور والشام والحجاز والروم واليمن، وكان يعير من كتبه من خزانة الوقف بيده لكل طالب مع السهولة ايثارا لوجه الله تعالى، ولا يمل في درسه من سؤال سائل، وكان أكثر قراءته بالأقبغاوية، وكان له في منزله خلوة للعبادة، ومن مشايخه: على الاجهوري وإبراهيم اللقاني، ووالده الشيخ عبد الله الخرشي، ومات في 27ذي الحجة 1101هـ ودفن مع والده بقرب مدفن سيدى محمد البنوقري بواسطة قرافة المجاورين. وله شرحين على متن خليل، وكتاب في الكلام وهو أول شيخ تولى مشيخة الأزهر الشريف، وكان في العلم غاية لا تنال ويقول الشيخ منصور رجب من مقال نشره عنه في مجلة الأزهر:
أول شيخ تولى مشيخة الأزهر هو الشيخ محمد عبد الله علي الخرشي المالكي المتوفى سنة 1101هـ نسبة إلى قرية من قرى مديرية البحيرة اسمها «أبو خراش». وهذه القرية يقول عنها المرحوم علي مبارك باشا في خططه (1): «إنها بقسم شبراخيت واقعة في بحرى الكوكبة بنحو ستمائة متر، وفي قبلى «محلة نابت» بنحو ثمانمائة متر، وابنيتها باللبن، وبها جامع ضريح لولى عليه قبة، وفي مشرقيها ضريح سيدى عطية، وبها إبعادية لمنصور باشا يكن، وفيها لعمدتها محمد عمر دوار ومضيفة
__________
(1) ج 9ص 21(1/235)
وزراعة متسعة نحو ألف فدان، وبها بستان نضر، وأكثر أهلها مسلمون».
والشيخ الخرشي هذا ترجمه الشيخ علي الصعيدي العدوي في حاشيته على شرحه الصغير لمتن خليل، فقال: «هو العلامة الإمام، والقدوة الهمام، شيخ المالكية شرقا وغربا، قدوة السالكين عجما وعربا، مربي المريدين، كهف السالكين، سيدى أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي الخرشي، ونسب عصبته بأولاد صباح الخير، انتهت إليه الرياسة في مصر حتى لم يبق بها في آخر عمره إلا طلبته وطلبة طلبته، وكان متواضعا عفيفا، واسع الخلق، كثير الأدب والحياء، كريم النفس، جميل المعاشرة حلو الكلام، كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم، مهيب المنظر، دائم الطهارة، كثير الصمت، كثير الصيام والقيام، زاهدا ورعا، متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه ولا يصلي الصبح صيفا ولا شتاء إلا بالجامع الأزهر، ويقضى بعض مصالحه من السوق بيده ومصالح بيته في منزله. ويقول من عاشره: ما ضبطنا عليه ساعة هو فيها غافل عن مصالح دينه أو دنياه، وكان إذا دخل منزله يتعمم بشملة صوف بيضاء، وكانت ثيابه قصيرة على السنة المحمدية، واشتهر في أقطار الأرض، كبلاد الغرب والشام والحجاز والروم واليمن، وكان يعير من كتبه من خزانة الوقف بيده لكل طالب، مع السهولة إيثارا لوجه الله تعالى، ولا يمل في درسه من سؤال سائل، لازم القراءة سيما بعد شيخه البرهان اللقاني وأبى الضياء علي الأجهوري. وكان أكثر قراءته بمدرسة الأقبغاوية. وكان يقسم متن خليل نصفين: نصف يقرؤه بعد الظهر عند المنبر كتلاوة القرآن، ويقرأ النصف الثاني في اليوم الثاني، وكان له في منزله خلوة يتعبد فيها، وكانت الهدايا والنذور تأتيه من أقصى بلاد الغرب وغيرها فلا يمسك منها شيئا، بل أقاربه ومعارفه يتصرفون فيها.
أخذ العلوم عن عدة من العلماء الأعلام كالعلامة الشيخ علي الأجهوري، وخاتمة المحدثين الشيخ إبراهيم اللقاني، والشيخ يوسف القيشي والشيخ عبد المعطى البصير، والشيخ يسن الشامي، ووالده الشيخ عبد الله الخرشي، وتخرج عليه جماعة حتى وصل ملازموه نحو مائة، منهم
العارف بالله الشيخ أحمد اللقاني، والشيخ محمد الزرقاني، والشيخ علي اللقاني، والشيخ شمس الدين اللقاني، والشيخ داود اللقاني، والشيخ محمد النفراوي، وأخوه الشيخ أحمد، والشيخ الشبراخيتي، والشيخ أحمد الفيومي، والشيخ إبراهيم الفيومي، والشيخ أحمد الشرفي، والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ علي المجدولي. ولما توفي في صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1101دفن مع والده بقرب مدفن الشيخ العارف بالله سيد محمد البنوقري بوسط تربة المجاورين.(1/236)
أخذ العلوم عن عدة من العلماء الأعلام كالعلامة الشيخ علي الأجهوري، وخاتمة المحدثين الشيخ إبراهيم اللقاني، والشيخ يوسف القيشي والشيخ عبد المعطى البصير، والشيخ يسن الشامي، ووالده الشيخ عبد الله الخرشي، وتخرج عليه جماعة حتى وصل ملازموه نحو مائة، منهم
العارف بالله الشيخ أحمد اللقاني، والشيخ محمد الزرقاني، والشيخ علي اللقاني، والشيخ شمس الدين اللقاني، والشيخ داود اللقاني، والشيخ محمد النفراوي، وأخوه الشيخ أحمد، والشيخ الشبراخيتي، والشيخ أحمد الفيومي، والشيخ إبراهيم الفيومي، والشيخ أحمد الشرفي، والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ علي المجدولي. ولما توفي في صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1101دفن مع والده بقرب مدفن الشيخ العارف بالله سيد محمد البنوقري بوسط تربة المجاورين.
يقول: وقبره مشهور، وما رأيت في عمري أكثر خلقا من جنازته إلا جنازة الشيخ سلطان المزاحي، والشيخ محمد البابلي.
وله مؤلفات، منها شرحه الكبير علي متن خليل ثمانية أجزاء، وشرحه الصغير علي خليل أيضا أربعة أجزاء، وله جزء في الكلام على البسملة نحو أربعين كراسة، وغير ذلك.
هذا هو الشيخ محمد الخرشي أول شيخ من أبناء الأزهر تولى هذه الرياسة الدينية العامة. ولقد كانت مصر أول ما عرفت من مذاهب الفقهاء عرفت مذهب مالك، فلقد دخلها به عبد الرحيم بن خالد بن يزيد بن يحيى مولى جمح وتوفي بالإسكندرية سنة 163هـ، في أيام الليث بن سعد، واشتهر بمصر هذا المذهب، ولم يزل مشتهرا حتى قدم محمد بن إدريس الشافعي في سنة 198. أما مذهب أبي حنيفة فلم يكن أهل مصر يعرفونه كما يعرفون مذهب مالك والشافعي. والحنابلة لم يسمع عنهم بمصر إلا في القرن السابع.
وكان التفاف الناس في ذلك العصر حول مذهب مالك والشافعي أكثر من التفافهم حول مذهب أبي حنيفة، حتى أن مدرسة محمد بك أبي الذهب قبيل عصر الشيخ الخرشي بقليل لما وظف بها المدرسون وكانوا ستة عشر مدرسا، كان منهم سبعة من شيوخ الشافعية وستة من شيوخ المالكية، وثلاثة من شيوخ الحنفية. وكان الإفتاء في ذلك الوقت لا يقتصر
على مذهب بعينه، بل كان لكل مذهب مفت. وكان المفتون يجلسون بعد دروسهم لإفادة الناس، فكان بجامع محمد بك ثلاثة أماكن برسم جلوس ثلاثة من المشايخ المفتين، وكان منهم الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية، والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية، والشيخ الكفراوي مفتي الشافعية. وكان الأزهر يتولى شئونه في أول عهده رجل يسمى مشرف. وفي عهد المماليك كان يتولى أمره رجل من كبار الموظفين يسمى ناظرا، منهم الأمير الطواشي بهادر المقدم على المماليك السلطانية، ولى نظره في سنة 874هـ وهو الذي أنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق الخاص بجعل أبناء الأزهر أسرة واحدة يرث بعضهم بعضا إذا مات أحدهم ولم يكن له وارث شرعي. ومنهم الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب، ولى نظره سنة 818هـ. أما تلك الرياسة الدينية العلمية فعرفها الأزهر في العهد التركي بلقب «شيخ الأزهر» ولقد توالى على هذه الرياسة منذ إنشائها حتى الآن أربعون شيخا، وأولهم الشيخ الخرشي هذا.(1/237)
وكان التفاف الناس في ذلك العصر حول مذهب مالك والشافعي أكثر من التفافهم حول مذهب أبي حنيفة، حتى أن مدرسة محمد بك أبي الذهب قبيل عصر الشيخ الخرشي بقليل لما وظف بها المدرسون وكانوا ستة عشر مدرسا، كان منهم سبعة من شيوخ الشافعية وستة من شيوخ المالكية، وثلاثة من شيوخ الحنفية. وكان الإفتاء في ذلك الوقت لا يقتصر
على مذهب بعينه، بل كان لكل مذهب مفت. وكان المفتون يجلسون بعد دروسهم لإفادة الناس، فكان بجامع محمد بك ثلاثة أماكن برسم جلوس ثلاثة من المشايخ المفتين، وكان منهم الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية، والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية، والشيخ الكفراوي مفتي الشافعية. وكان الأزهر يتولى شئونه في أول عهده رجل يسمى مشرف. وفي عهد المماليك كان يتولى أمره رجل من كبار الموظفين يسمى ناظرا، منهم الأمير الطواشي بهادر المقدم على المماليك السلطانية، ولى نظره في سنة 874هـ وهو الذي أنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق الخاص بجعل أبناء الأزهر أسرة واحدة يرث بعضهم بعضا إذا مات أحدهم ولم يكن له وارث شرعي. ومنهم الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب، ولى نظره سنة 818هـ. أما تلك الرياسة الدينية العلمية فعرفها الأزهر في العهد التركي بلقب «شيخ الأزهر» ولقد توالى على هذه الرياسة منذ إنشائها حتى الآن أربعون شيخا، وأولهم الشيخ الخرشي هذا.
2 - وتقلدها على الأرجح بعده الشيخ إبراهيم بن محمد البرماوي الشافعي وبقي فيها إلى أن توفي سنة 1106هـ.
3 - الشيخ محمد النشرتي المالكي وقد توفي عام 1120هـ (1) وهو ثالث شيخ للأزهر.
4 - وخلفه الشيخ عبد الباقي القليني المالكي في المشيخة والتدريس (2)، ولما مات تقلدها بعده الشيخ محمد شنن.
__________
(1) 208ج 1الجبرتي
(2) نشأ الشيخ عبد الباقي القليني في بلدة قلين بمحافظة كفر الشيخ، ثم وفد إلى القاهرة للدراسة بالأزهر، وتلقى العلم على مجموعة من كبار علمائه منهم: الشيخان إبراهيم الرماوي ومحمد النشرتي وبعد أن أتم دراسته جلس للتدريس في الأزهر فانتظم في حلقته الكثيرون من مقدري علمه وعارفي فضله.
من أهم ما عني به الشيخ القليني توجيه تلاميذه إلى العناية بالكتب القديمة، والغوص في أعماقها لاستخراج ما بها من كنور ومعارف، وكايعينهم على فهم ما استغلق عليهم من(1/238)
5 - الشيخ العلامة شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد شنن المالكي توفي سنة 1133هـ عن سبع وسبعين سنة (1).
6 - الشيخ ابراهيم بن موسى الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر تفقه على الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي، قرأ عليه الرسالة وشرحها، وكان معيدا له فيهما. وتلبس بالمشيخة بعد موت الشيخ محمد شنن، ومولده سنة 1062وأخذ عن الشبراملسي والزرقاني والشهاب أحمد البشبيشي وغيرهم كالشيخ الغرقاوي وعلي الجزايرلي الحنفي. وأخذ الحديث عن يحيى الشاوي وعبد الرحمن الأجهوري والشيخ ابراهيم البرماوي، وله شرح على العزية في مجلدين
توفى سنة سبع وثلاثين ومائة وألف عن خمس وسبعين سنة (2).
7 - ولما مات الشيخ الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر عام 1137هـ، انتقلت المشيخة الى الشافعية، فتولاها الشيخ عبد الله الشبراوي. ويتحدث الجبرتي عن جاهه ومكانته ويذكر أسماء بعض شيوخه، ومنهم: الشيخ خليل اللقابي، والشهاب الخلبقي، ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني، وأحمد النفراوي، والشيخ منصور المنوفي، وصالح الحنبلي، وسواهم (3).
وكان طلبة العلم في أيام مشيخته في غاية الأدب والاحترام.
ومن آثاره: مفاتح الالطاف في مدائح الأشراف، وشرح الصدر في
__________
تلك الكتب ويملي الحواشي عليها جريا على سنة العلماء في تلك الفترة وما كان متبعا فيها
كان الشيخ عبد الباقي القليني من الأئمة فقهاء المالكية في زمانه، ولهذا وقع عليه الاختيار عام 1120هـ «1708م» ليتولى مشيخة الازهر (209ج 1الجبرتي)
(1) 73ج 1تاريخ الجبرتي طبعه 1297هـ
(2) 87ج 1الجبرتي
(3) 209ج 1الجبرتي(1/239)
غزوة بدر وتوفي سنة 1171هـ، عن ثمانين سنة، وصلى عليه بالأزهر (1).
وصار لأهل العلم في مدته رفعة ومقام ومهابة عند الخاص والعام، ولم يزل يملي ويدرس ويفيد، وعد إماما عظيما. وكان مقبول الشفاعة، وهاداه الأمراء، وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي.
ومن آثاره «شرح الصدر في غزوة بدر» و «مفاتح الألطاف في مدائح الإشراف.
وهو ديوان يحتوي على غزليات وأشعار ومقاطيع، وقد ذهب الجبرتي وغيره الى أن مفاتح الألطاف هذا كتاب غير الديوان، وليس كذلك فإنه يقول نفسه في في مقدمة الديوان «وسميته مفاتح الألطاف» وهو القائل (2) لهذه القصيدة العذبة التي تسيل عذوبة ورقة المشهورة على ألسنة بعض المغنين:
بحقك أنت المنى والطلب ... وأنت المراد وأنت الأرب
ولي فيك يا هاجري صبوة ... تحير في وصفها كل صب
أبيت أسامر نجم السما ... إذا لاح لي في الدجى أو غرب
وأعرض عن عاذلي في هواك ... إذا نم يا منيتى أو عتب
أمولاي بالله رفقا بمن ... اليك بذل الغرام انتسب
فاني حسيبك من ذي الجفا ... ويا سيدي انت أهل الحسب
ويا هاجري بعد ذاك الرضا ... بحقك قل لي: لهذا سبب؟
فاني محب كما قد عهدت ... ولكن حبك شيء عجب
متى يا جميل المحيا أرى ... رضاك ويذهب هذا الغضب؟
أشاع العذول بأني سلوت ... وحقك يا سيدي قد كذب
ومثلك ما ينبغي أن يصد ... ويهجر صبا له قد أحب
__________
(1) 209ج 1الجبرتي.
(2) «ديوان الشبراوي» ص 8، 9(1/240)
أشاهد فيك الجمال البديع ... فيأخذني عند ذاك الطرب
ويعجبني منك حسن القوام ... ولين الكلام وفرط الأدب
وحسبك أنك أنت المليح ... الكريم الجدود العريق النسب
أما والذي زان منك الجبين ... وأودع في اللحظ بنت العنب
وأنبت في الخد روض الجمال ... ولكن سقاه بماء اللهب
لئن جدت أو جرت أنت المراد ... وما لي سواك مليح يحب
8 - الشيخ محمد بن سالم الحفني الشافعي الخلوتي الحسيني (11811100هـ) ولد في حفنا قرب بلبيس، وقرأ بها القرآن إلى الشعراء ثم أكمله في القاهرة ثم اشتغل بحفظ المتون، وأخذ العلم عن علماء عصره، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فدرس الكتب الدقيقة كالأشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد، وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وكان يتردد على زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل متحنثا واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه، وعانى النظم والنثر، وتخرج عليه غالب أهل عصره.
ومن تآليفه: حاشية على شرح رسالة العضد على السعد، وعلى الشنشوري في الفرائض، وعلى شرح الهمزية لابن حجر، وعلى مختصر السعد، وعلى شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة.
وهو صاحب أحدتك حدوتة، بالزيت ملتوتة، حلفت ما آكلها، حتى يجى تاجرها الخ.
وتوفي عام 1181هـ (1).
وكان قطبا وعلما شهيرا، وأوحد أهل زمانه علما وعملا، وهو الإمام محمد بن سالم الحفناوي الشافعي الخلوتي ولد بحفنة قرية من قسم
__________
(1) 353289ج 1الجبرتي(1/241)
بلبيس من مديرية الشرقية بالقطر المصري على رأس المائة الحادية عشرة وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه نشأ بالقرية المذكورة وحفظ بها من القرآن إلى سورة الشعراء وألزمه أبوه بالمجاورة بالأزهر فكمل حفظ القرآن، ثم قدم مصر وحفظ المتون واجتهد في تحصيل العلوم وأخذ من علماء عصره حتى مهر، وأفاد حياة أشياخه وأجازوه بالإفتاء والتدريس فدرس الكتب الدقيقة من غالب الفنون وكان في ضيق من العيش فاشتغل بنسخ الكتب، ثم من الله عليه بكرامات فترك النسخ فأقبلت عليه الدنيا وكان يتردد إلى زاوية الشيخ جاهين الخلوتي في سفح الجبل، وكان يمكث فيها الليالي متحنثا أي متعبدا وتخرج من درسه غالب علماء عصره، وله مؤلفات كثيرة منها حاشية على شرح العضد للسعد وحاشية على الشنشوري في الفرائض وحاشية على مختصر السعد وحاشية على شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة وحاشية على شرح العزيزي للجامع الصغير وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر.
9 - الإمام العلامة الفقيه شيخ الإسلام الشيخ عبد الرؤوف بن محمد السجيني الشافعي الأزهري شيخ الأزهر تولى مشيخة الأزهر بعد الحفني إلا أنه لم تطل مدته وتوفي سنة 1182هـ (1).
وقد أخذ العلوم عن عمه الشمس السجيني ولازمه، وبعد وفاته درس في موضعه وبعد أن تولى مشيخة الأزهر سار فيها بشهامة وصرامة وتوفي سنة 1182، وصلى عليه بالأزهر ودفن بجوار عمه بأعلى البستان، واتفق أنه وقعت له حادثة قبل مشيخته على الجامع الأزهر بمدة وهي التي كانت سببا لاشتهاره بمصر، وذلك أن تاجرا من تجار خان الخليلي تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من أمامه فتبعه هو واثنان من أبناء جنسه فدخل الفارّ بيت الشيخ السجيني فدخل التاجر خلفه وضربه برصاصة فأصابت رجلا من أقارب الشيخ فمات وهرب الضارب وطلبوه فامتنع عليهم
__________
(1) 316ج 1الجبرتي(1/242)
وتعصب معه أهل خطته فاهتم الشيخ وجمع المشايخ والقاضي وحضر إليهم جماعة من أمراء الوجاقية وانضم إليهم الكثير من العامة وثارت الفتنة وأغلقت الناس الأسواق واعتصم أهل خان الخليلي بدائرتهم وأحاط الناس بهم من كل جهة وقتل بين الفريقين عدة أشخاص واستمر الحال على ذلك أسبوعا، ثم اجتمعوا بالمحكمة بعد حضور علي بك واجتمع الأمر على الصلح ونودي في صبيحتها بالأمان، وفتحت الحوانيت والأسواق.
10 - الشيخ الإمام أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري الأزهري (11921101هـ).
ولد بدمنهور وقدم الأزهر وهو صغير فجد في الطلب، وأجازه علماء المذاهب الأربعة، وولي مشيخة الجامع الأزهر بعد الشيخ الحفني عام 1182هـ: 1767م.
وله مؤلفات كثيرة، منها حلية اللب المصون بشرح الجوهر الكنون، والقول الصريح في علم التشريح، والزهر الباسم في علم الطلاسم، ومنهج السلوك إلى نصيحة الملوك. وكان مسكنه ببولاق وصلى عليه بالأزهر (1).
وكان يدرس بالمشهد الحسيني في شهر رمضان وهابته الأمراء لكونه قوالا للحق أمارا بالمعروف، وقصدته الملوك من الأطراف وهادته بالهدايا، ومن مؤلفاته شرح الجوهر الكنون ومنتهى الإرادات في تحقيق الاستعارات ونهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، والفتح الرباني بمفردات ابن جنبل الشيباني، وطريق الاهتداء بأحكام الأمة والابتداء على مذهب الإمام الأعظم وإحياء الفؤاد بمعرفة خواص الأعداد، والرقائق الألمعية على الرسالة الوضعية وعين الحياة في استنباط المياه، والوفق المئيني، والقول الصريح في علم التشريح، وإقامة الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة
__________
(1) 2725ج 2الجبرتي(1/243)
والزهر الباسم في علم الطلاسم وله غير ذلك من غالب الفنون، وتوفي سنة 1192هـ: 1778م (1) وكان منزله ببولاق، فخرج بمشهد حافل، وصلى عليه بالازهر ودفن بالبستان رحمه الله.
11 - الشيخ عبد الرحمن بن عمر الحنفي الأزهري ولد بقلعة العريش من أعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون ثم حضر في الأزهر وتولى مشيخة رواق الشوام، وعين مفتي الحنفية.
وأقيم وكيلا للشيخ الدمنهوري، فلما توفي الشيخ الدمنهوري تولى المشيخة، ولكن علماء الأزهر لم يرضوا عنه وكتبوا للأمراء بأن مشيخة الأزهر من مناصب الشافعية، وليس للحنفية فيها قديم عهد أبدا، وخصوصا إذا كان آفاقيا ليس من أهل البلدة، ورشحوا للمشيخة الشيخ أحمد العروسي، واستمر الاضطرب سبعة أشهر، ثم ثبت العروسي للمشيخة (2) وتوفي سنة 1193هـ.
12 - الشيخ أبو الصلاح أحمد بن موسى العروسي الشافعي، ولي المشيخة وبقي فيها إلى أن توفي في أواخر شعبان سنة 1208هـ، ومولده 1132هـ، ومن تآليفه شرح على نظم التنوير في إسقاط التدبير، وحاشية على الملوي على السمرقندي.
__________
(1) ذكر رفاعة الطهطاوي في كتابه «مناهج الألباب» أن شيخ الجامع الأزهر الشيخ أحمد الدمنهوري ذكر أنه درس العلوم العلمية وينقل الطهطاوي عن الدمنهوري أنه قال في هذا الصدد:
«أخذت عن أستاذنا الشيخ علي الزعتري خاتمة العارفين بعلم الحساب واستخراج المجهولات وبما توقف عليها كالفرائض والميقات وسيلة ابن الهائم ومعونته في الحساب والمقنع لابن الهائم ومنظومة الياسيني في الجبر والمقابلة ودقائق الحقائق في حساب الدرج، والدقائق للبسط المارديني في علم حساب الازياج» ثم يستطرد «وأخذت عن سيدي أحمد القرافي الحكيم بدار الشفاء بالقراءة عليه كتاب الموجز واللمحة العفيفية في أسباب الأمراض وعلاماتها، وبعضا من قانون ابن سينا، وبعضا من كامل الصناعة وبعضا من منظومة ابن سينا الكبرى، وكلها في الطب».
(2) 53و 54ج 2الجبرتي(1/244)
13 - الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي شيخ الجامع الأزهر، ولد بالطويلة بشرقية بلبيس عام 1150وتعلم في الأزهر، وصار من شيوخه ومدرسيه
ولما مات الشيخ أحمد العروسي تولى مشيخة الأزهر بعده، وكانت تعارضت فيه وفي الشيخ مصطفى الصاوي، ثم انتهى الأمر بإسنادها إليه.
وتوفي عام 1227هـ (1).
كان لما ترعرع وحفظ القرآن قدم إلى الجامع الأزهر وسمع الكثير من العلوم عن الشهابين الملوي والجوهري والشمس الحفني والشيخ الدمنهوري والسيد البليدي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ محمد الفارسي والشيخ عمر الطحلاوي، وأخذ الطريق عن الشمس الحفني ثم عن الشيخ محمود الكردي ولازمه وحضر معه في أذكاره، ودرس بالجامع الأزهر وبمدرسة السنانية بالصنادقية وبرواق الجبرت والطيبرسية وتميز في الالقاء والتحرير وأفتى في مذهبه، وله مؤلفات دالة على سعة فضله منها حاشية على التحرير، وشرح نظم الشيخ يحيى العمريطي، ومتن العقائد المشرقية مع شرحها، وشرح رسالة عبد الفتاح العادلي في العقائد، ومختصر الشمائل مع شرحه، وشرح الحكم لابن عطاء الله، وشرح الوصايا الكردية في التصوف، وشرح ورد السحر للبكري، ومختصر مغني اللبيب في النحو، وحاشية على شرح الهدهدي في التوحيد، وطبقات فقهاء الشافعية المتقدمين والمتأخرين وتاريخ مصر، وله غير ذلك وكان في قلة من العيش ثم بعد مدة اشتهر ذكره ووصله بعض التجار بالهدايا، فراج حاله وتجمل بالملابس واشترى دارا بحارة كتامة وهي المعروفة الآن بالدواداري قرب جامع العيني، واستمر حاله في تحسن إلى أن مات الشيخ أحمد العروسي فتولى بعده مشيخة الأزهر، وكانت تعارضت فيه وفي الشيخ مصطفى الصاوي، ثم حصل الاتفاق عليه وقد أنشأ رواق الشراقوة بالأزهر لأسباب عديدة، وحصلت
__________
(1) 159ج 4الجبرتي وما بعدها(1/245)
أيامه حوادث الحملة الفرنسية وتوفى في يوم الخميس ثاني شوال سنة 1227، ودفن بمدفنه الذي بناه لنفسه بقرافة المجاورين، ثم عملت أتباعه وأولاده له مولدا في أيام مولد الشيخ العفيفي وكتبوا بذلك فرمانا من الباشا.
14 - وتولى الشيخ محمد الشنواني مشيخة الأزهر بعد الشيخ الشرقاوي عام 1227هـ.
وقد توفي عام 1333هـ (1) ولتوليه المشيخة قصة، هي أنه لما توفى الشيخ الشرقاوي في السنة المذكورة طلع المشايخ إلى القلعة للباشا بعد وفاته بثلاثة أيام واستأذنوه فيمن يجعلونه شيخا على الأزهر، فقال لهم اعملوا رأيكم واختاروا شيخا يكون خاليا عن الأغراض وأنا أقلده ذلك فنزلوا إلى بيوتهم واختلفت آراؤهم، فالبعض اختار الشيخ المهدي الكبير والبعض اختار الشيخ الشنواني وامتنع الشيخ الأمير عن المشيخة وكذلك ابن الشيخ العروسي، وكان الشيخ الشنواني منعزلا عنهم يقرأ درسه بجامع الفاكهاني وبيده وظائف خدمته وعند فراغه من الدرس يغير ثيابه ويكنسه ويغسل القناديل ويعمرها ويكنس المراحيض فلما بلغه أنهم ذكروه تغيب
ثم إن الباشا أمر القاضي بهجت أفندي أن يجمع المشايخ ويتفقوا على شخص يكون شيخا بالشرط المذكور، فجمع القاضي أكابر العلماء كالقويسي والفضالى، إلا ابن العروسي والهيثمي والشنواني فأرسلوا إليهم فحضروا، ولم يحضر الشنواني فأرسلوا إليه رسولا فرجع بورقة ويقول: أن له ثلاثة أيام غائبا عن داره وقال لأهله إن طلبوني فاعطوهم هذه الورقة، فأخذ القاضي الورقة ففضها وقرأها فإذا فيها بعد البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم: لحضرات مشايخ الإسلام إننا نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوي الهيثمي، فعند ذلك قام الحاضرون قومه واحدة وأكثرهم من الشوام وقالوا هو لم يثبت له مشيخة حتى ينزل عنها، وقال كبارهم لا يكون شيخا إلا
__________
(1) 164ج 4الجبرتي، 294ج 4الجبرتي ايضا.(1/246)
من يفيد الطلبة، فقال القاضي ومن الذي ترضونه؟ فقالوا نرضى الشيخ المهدي، وقام الكل وصافحوه وقرءوا الفاتحة وكتب القاضي إعلاما بذلك، وركب المهدي إلى بيته في كبكبة وحوله المشايخ والمجاورون وشربوا «الشربات» وهنئوه وانتظروا جواب الإعلام من الباشا فلم يأت، والمدبرون بدبرون شغلهم، وأحضروا الشيخ الشنواني من مصر القديمة وتمموا تدبيرهم، وأحضروا الشيخ منصور اليافي ليعيدوه إلى مشيخة الشوام وجمعوا بقية المشايخ آخر الليل وركبوا في الصباح إلى القلعة فخلع الباشا على الشيخ محمد الشنواني فروة سمور وقرره شيخا، وكذلك على السيد منصور اليافي وقرره على رواق الشوام كما كان، وأتى إليه الناس أفواجا يهنئونه بالمشيخة.
15 - الشيخ محمد العروسي وقد تولى المشيخة بعد الشيخ الشنواني وتوفي في عام 1245هـ (1).
16 - الشيخ أحمد بن علي الدمهوجي وتوفي في 9من ذي الحجة عام 1246، وهو نسبة إلى قرية دمهوج قرب بنها.
17 - الشيخ حسن بن محمد العطار، توفي عام 1250هـ.
وكان أبوه فقيرا عطارا له إلمام بالعلم وكان يستخدم ابنه هذا في صغار شؤون الدكان ويعلمه البيع والشراء فاختلف إلى الجامع الأزهر خفية عن أبيه حتى قرأ القرآن وجد في التحصيل على كبار المشايخ كالشيخ الصبان والشيخ الأمير. ولما دخل الفرنسيون مصر فر إلى الصعيد كجماعة من العلماء. ولما رجع اتصل بهم فكان يستفيد منهم ويفيدهم اللغة العربية وكان يقول: إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها ويتعجب مما وصلت إليه تلك الأمة من المعارف والعلوم وكثرة كتبهم وتحريرها وتقريبها لطرق الاستفادة ثم ارتحل إلى الشام وكان
__________
(1) 294/ 4الجبرتي(1/247)
يقول الشعر دون اهتمام به كما هو عادة كثير من العلماء، ومن شعره:
إني لأكره في الزمان ثلاثة ... ما إن لها في عدها من زائد
قرب البخيل وجاهلا متفاصحا ... لا يستحي وتوددا من حاسد
ومن البلية والرزية أن ترى ... هذي الثلاثة جمعت في واحد
وارتحل إلى بلاد الروم وأقام بها مدة وتأهل بها ثم عاد إلى مصر وعقد مجلسا لقراءة تفسير البيضاوي، كان يحضره أكابر المشايخ. وله تآليف كثيرة منها:
1 - حاشية على جمع الجوامع نحو مجلدين.
2 - حاشية على الأزهرية في النحو.
3 - حاشية على مقولات السجاعي.
4 - حاشية على السمرقندية.
وله رسائل في الطب، والتشريح «والرمل»، والزيارجة وكان يرسم بيده المزاول النهارية والليلية.
18 - الشيخ حسن القويسني نسبة إلى قويسنا توفي سنة 1254هـ، وكان مع انكفاف بصره مهيبا جدا عند الأمراء وغيرهم.
19 - الشيخ أحمد الصائم السفطي نسبة إلى سفط العرفاء قرية جهة الفشن بمديرية المنيا توفي سنة 1263هـ.
20 - الشيخ إبراهيم الباجوري من الباجور بمديرية المنوفية توفي سنة 1277هـ، وكان قويا في علمه ضعيفا في إداراته، وكان عباس الأول يزوره في درسه وبعد موته بقي الأزهر مدة بلا شيخ بل بمجلس مؤلف من أربعة وكلاء تحت رياسة الشيخ مصطفى العروسي. وهم: الشيخ العدوي المالكي، والشيخ الحلبي الحنفي، والشيخ خليفة الفاشني، والشيخ مصطفى الصاوي الشافعيان، وكان هذا المجلس قد ألف لمباشرة أمور الأزهر بعد أن ضعف الشيخ الباجوري وكثرت حوادث الأزهر، ولما كانت سنة 1281هـ تقلد المشيخة الشيخ العروسي.(1/248)
21 - تقلد الشيخ مصطفى العروسي كأبيه وجده المشيخة إلى عام 1287هـ. ولقد أبطل الشيخ العروسي كثيرا من البدع كالشحاذة بالقرآن وعزم على إدخال الامتحانات بالأزهر ففاجأه العزل من المنصب فنفذ ذلك خلفه.
22 - الشيخ محمد العباسي المهدي الحنفي (13151243هـ).
حضر في الأزهر ودرس فيه وتولى الافتاء عام 1264هـ جلس للتدريس في الأزهر أيضا، وتولى مشيخة الأزهر جامعا بين هذا المنصب ومنصب الإفتاء، ووضع أول قانون لإصلاح الأزهر وعزل من المشيخة عام 1299وتولى بدله الشيخ الإنبابي وانفرد هو بالإفتاء، ثم استقال الإنبابي فأعيد الشيخ المهدي للمشيخة، ولكنه استقال بعد مدة فأعيد الشيخ الإنبابي شيخا وعين الشيخ محمد البنا مفتيا، ثم أعيد المترجم له إلى الافتاء وله الفتاوي المهدية (8067تراجم أعيان القرن الثالث عشر أحمد تيمور).
وقد عاش الشيخ محمد المهدي الحنفي وهو من شيوخ الأزهر الأجلاء إلى أن توفي عام 1315هـ.
وكان المهدي العباسي الحنفي مفتي الديار المصرية ورئيس السادة الحنيفية، وقد تقلد المشيخة أواخر سنة 1287هـ، فسار فيها سيرا حسنا ودان له الخاص والعام وزاد الامراء في تعظيمه، وهو أول من تقلدها من العلماء الحنفية، ولما تقلدها قلت على يديه الشرور والمفاسد في الأزهر وكثرت به المرتبات من النقود والكساوي والجرايات المتجددة، وصار لأكثر أهل الأزهر مرتبات من المالية وغيرها، وأثرى كثير منهم بسببه، وخلعت عليهم الخلع ودعوا في المجامع الشريفة، وكان له سير بليغ في صرف الاستحقاقات والمشي على شروط الواقفين وقوانين الحكام وهو الذي سن امتحان التدريس للعلماء وذلك أنه استأذن ولي الأمر في عمل قانون الامتحان، واجتمع الرأي بينهم على تعيين ستة لذلك من أكابر العلماء من
كل اهل مذهب من المذاهب الثلاثة اثنان، سوى مذهب ابن حنبل لقلته، وجعل الامتحان في أحد عشر علما من العلوم المتداولة بالأزهر وهي، الحديث، والتفسير، والأصول، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، ومن يريد الامتحان لا بد أن يكون قد حضر هذه الفنون بالجامع الأزهر وحضر كبار الكتب مثل: السعد وجمع الجوامع، ثم يقدم طلبا لشيخ الجامع يذكر فيها أنه يريد الدخول في حومة العلماء المدرسين وينتظم في سلك المعلمين ويبين أنه حضر كذا وكذا من الفنون وحضر مختصر السعد وابتدأ في جمع الجوامع مثلا، فيؤخر الشيخ تلك الرغبة عنده حتى يستخبر عن أحواله ممن يعرف حقيقة أمره، ثم يكتب للمشايخ بإعطاء الشهادة في حقه بالكتابة فيشهد له جمع من المشايخ أقلهم ثمانية، ثم يعين له من كل فن درسا ويعطيه ميعادا يطالع فيه كل فن في يوم وعلى رأس الأحد عشر يوما ينعقد مجلس الامتحان في بيت شيخ الجامع (وصار ينعقد في الأزهر بالرواق العباسي)، ويجعل مريد الامتحان بمنزلة الشيخ والممتحنين بمنزلة الطلبة فيدرس وهم يسألونه وهو يجيبهم ولا يحضر في ذلك المجلس غيرهم فإذا أجاب في كل فن كتب من الدرجة الأولى، وإذا أجاب في أكثر الفنون كتب من الدرجة الثانية، وإذا أجاب في الأقل كتب من الدرجة الثالثة، وإذا لم يجب لم يؤذن له في شيء، ثم تكتب الشهادة لصاحب الدرجة الأولى وترسل إلى الخديوي، فتكتب له عريضة تشريف متوجة بختم الخديوي تكون معه، ويخلع عليه فرجية وشريط مقصب بجعله في عمامته في موضع التشريفات ويكتب للجهات باحترامه ويخفف عنه في السفر نصف الأجرة، وكان قد استحسن أن لا يمتحن في العام أكثر من ستة، فإذا تراكمت الطلبات من طالبي الامتحان نظر الشيخ في موجبات الترجيح كالشهرة بالعالمية أو الوجاهة أو سبق التاريخ أو كبر السن فكان هو أول من سن قانونا لامتحان طلبة الجامع الأزهر وولد الشيخ المذكور بالإسكندرية سنة 1243وقدم مصر سنة 1255واشتغل بالعلم في سنة 1256وتولى الإفتاء سنة 1264وكان يحضر في مقدمة السعد على الشيخ
إبراهيم السقا وفيها جلس للتدريس، ثم تولى المشيخة سنة 1287 وانصرف عن المشيخة والافتاء ورجع إليهما مرتين، ومن مؤلفاته الفتاوي المهدية الشهيرة المستعملة كثيرا في أيدي القضاة والمفتين، وكان له من الأولاد اثنان من المدرسين بالأزهر وأرباب المكانة بمصر، وهما الأستاذ الشيخ محمد أمين والشيخ عبد الخالق وتوفي الشيخ ليلة الأربعاء 13 رجب سنة 1315ودفن بزاوية الاستاذ الحفني بقرافة المجاورين، ورثته العلماء والفضلاء بقصائد شتى قيل في تاريخ بعضها «جزاؤك يا مهدي في جنة الخلد»، وقال بعضهم في مرثية له:(1/249)
وكان المهدي العباسي الحنفي مفتي الديار المصرية ورئيس السادة الحنيفية، وقد تقلد المشيخة أواخر سنة 1287هـ، فسار فيها سيرا حسنا ودان له الخاص والعام وزاد الامراء في تعظيمه، وهو أول من تقلدها من العلماء الحنفية، ولما تقلدها قلت على يديه الشرور والمفاسد في الأزهر وكثرت به المرتبات من النقود والكساوي والجرايات المتجددة، وصار لأكثر أهل الأزهر مرتبات من المالية وغيرها، وأثرى كثير منهم بسببه، وخلعت عليهم الخلع ودعوا في المجامع الشريفة، وكان له سير بليغ في صرف الاستحقاقات والمشي على شروط الواقفين وقوانين الحكام وهو الذي سن امتحان التدريس للعلماء وذلك أنه استأذن ولي الأمر في عمل قانون الامتحان، واجتمع الرأي بينهم على تعيين ستة لذلك من أكابر العلماء من
كل اهل مذهب من المذاهب الثلاثة اثنان، سوى مذهب ابن حنبل لقلته، وجعل الامتحان في أحد عشر علما من العلوم المتداولة بالأزهر وهي، الحديث، والتفسير، والأصول، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، ومن يريد الامتحان لا بد أن يكون قد حضر هذه الفنون بالجامع الأزهر وحضر كبار الكتب مثل: السعد وجمع الجوامع، ثم يقدم طلبا لشيخ الجامع يذكر فيها أنه يريد الدخول في حومة العلماء المدرسين وينتظم في سلك المعلمين ويبين أنه حضر كذا وكذا من الفنون وحضر مختصر السعد وابتدأ في جمع الجوامع مثلا، فيؤخر الشيخ تلك الرغبة عنده حتى يستخبر عن أحواله ممن يعرف حقيقة أمره، ثم يكتب للمشايخ بإعطاء الشهادة في حقه بالكتابة فيشهد له جمع من المشايخ أقلهم ثمانية، ثم يعين له من كل فن درسا ويعطيه ميعادا يطالع فيه كل فن في يوم وعلى رأس الأحد عشر يوما ينعقد مجلس الامتحان في بيت شيخ الجامع (وصار ينعقد في الأزهر بالرواق العباسي)، ويجعل مريد الامتحان بمنزلة الشيخ والممتحنين بمنزلة الطلبة فيدرس وهم يسألونه وهو يجيبهم ولا يحضر في ذلك المجلس غيرهم فإذا أجاب في كل فن كتب من الدرجة الأولى، وإذا أجاب في أكثر الفنون كتب من الدرجة الثانية، وإذا أجاب في الأقل كتب من الدرجة الثالثة، وإذا لم يجب لم يؤذن له في شيء، ثم تكتب الشهادة لصاحب الدرجة الأولى وترسل إلى الخديوي، فتكتب له عريضة تشريف متوجة بختم الخديوي تكون معه، ويخلع عليه فرجية وشريط مقصب بجعله في عمامته في موضع التشريفات ويكتب للجهات باحترامه ويخفف عنه في السفر نصف الأجرة، وكان قد استحسن أن لا يمتحن في العام أكثر من ستة، فإذا تراكمت الطلبات من طالبي الامتحان نظر الشيخ في موجبات الترجيح كالشهرة بالعالمية أو الوجاهة أو سبق التاريخ أو كبر السن فكان هو أول من سن قانونا لامتحان طلبة الجامع الأزهر وولد الشيخ المذكور بالإسكندرية سنة 1243وقدم مصر سنة 1255واشتغل بالعلم في سنة 1256وتولى الإفتاء سنة 1264وكان يحضر في مقدمة السعد على الشيخ
إبراهيم السقا وفيها جلس للتدريس، ثم تولى المشيخة سنة 1287 وانصرف عن المشيخة والافتاء ورجع إليهما مرتين، ومن مؤلفاته الفتاوي المهدية الشهيرة المستعملة كثيرا في أيدي القضاة والمفتين، وكان له من الأولاد اثنان من المدرسين بالأزهر وأرباب المكانة بمصر، وهما الأستاذ الشيخ محمد أمين والشيخ عبد الخالق وتوفي الشيخ ليلة الأربعاء 13 رجب سنة 1315ودفن بزاوية الاستاذ الحفني بقرافة المجاورين، ورثته العلماء والفضلاء بقصائد شتى قيل في تاريخ بعضها «جزاؤك يا مهدي في جنة الخلد»، وقال بعضهم في مرثية له:(1/250)
وكان المهدي العباسي الحنفي مفتي الديار المصرية ورئيس السادة الحنيفية، وقد تقلد المشيخة أواخر سنة 1287هـ، فسار فيها سيرا حسنا ودان له الخاص والعام وزاد الامراء في تعظيمه، وهو أول من تقلدها من العلماء الحنفية، ولما تقلدها قلت على يديه الشرور والمفاسد في الأزهر وكثرت به المرتبات من النقود والكساوي والجرايات المتجددة، وصار لأكثر أهل الأزهر مرتبات من المالية وغيرها، وأثرى كثير منهم بسببه، وخلعت عليهم الخلع ودعوا في المجامع الشريفة، وكان له سير بليغ في صرف الاستحقاقات والمشي على شروط الواقفين وقوانين الحكام وهو الذي سن امتحان التدريس للعلماء وذلك أنه استأذن ولي الأمر في عمل قانون الامتحان، واجتمع الرأي بينهم على تعيين ستة لذلك من أكابر العلماء من
كل اهل مذهب من المذاهب الثلاثة اثنان، سوى مذهب ابن حنبل لقلته، وجعل الامتحان في أحد عشر علما من العلوم المتداولة بالأزهر وهي، الحديث، والتفسير، والأصول، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، ومن يريد الامتحان لا بد أن يكون قد حضر هذه الفنون بالجامع الأزهر وحضر كبار الكتب مثل: السعد وجمع الجوامع، ثم يقدم طلبا لشيخ الجامع يذكر فيها أنه يريد الدخول في حومة العلماء المدرسين وينتظم في سلك المعلمين ويبين أنه حضر كذا وكذا من الفنون وحضر مختصر السعد وابتدأ في جمع الجوامع مثلا، فيؤخر الشيخ تلك الرغبة عنده حتى يستخبر عن أحواله ممن يعرف حقيقة أمره، ثم يكتب للمشايخ بإعطاء الشهادة في حقه بالكتابة فيشهد له جمع من المشايخ أقلهم ثمانية، ثم يعين له من كل فن درسا ويعطيه ميعادا يطالع فيه كل فن في يوم وعلى رأس الأحد عشر يوما ينعقد مجلس الامتحان في بيت شيخ الجامع (وصار ينعقد في الأزهر بالرواق العباسي)، ويجعل مريد الامتحان بمنزلة الشيخ والممتحنين بمنزلة الطلبة فيدرس وهم يسألونه وهو يجيبهم ولا يحضر في ذلك المجلس غيرهم فإذا أجاب في كل فن كتب من الدرجة الأولى، وإذا أجاب في أكثر الفنون كتب من الدرجة الثانية، وإذا أجاب في الأقل كتب من الدرجة الثالثة، وإذا لم يجب لم يؤذن له في شيء، ثم تكتب الشهادة لصاحب الدرجة الأولى وترسل إلى الخديوي، فتكتب له عريضة تشريف متوجة بختم الخديوي تكون معه، ويخلع عليه فرجية وشريط مقصب بجعله في عمامته في موضع التشريفات ويكتب للجهات باحترامه ويخفف عنه في السفر نصف الأجرة، وكان قد استحسن أن لا يمتحن في العام أكثر من ستة، فإذا تراكمت الطلبات من طالبي الامتحان نظر الشيخ في موجبات الترجيح كالشهرة بالعالمية أو الوجاهة أو سبق التاريخ أو كبر السن فكان هو أول من سن قانونا لامتحان طلبة الجامع الأزهر وولد الشيخ المذكور بالإسكندرية سنة 1243وقدم مصر سنة 1255واشتغل بالعلم في سنة 1256وتولى الإفتاء سنة 1264وكان يحضر في مقدمة السعد على الشيخ
إبراهيم السقا وفيها جلس للتدريس، ثم تولى المشيخة سنة 1287 وانصرف عن المشيخة والافتاء ورجع إليهما مرتين، ومن مؤلفاته الفتاوي المهدية الشهيرة المستعملة كثيرا في أيدي القضاة والمفتين، وكان له من الأولاد اثنان من المدرسين بالأزهر وأرباب المكانة بمصر، وهما الأستاذ الشيخ محمد أمين والشيخ عبد الخالق وتوفي الشيخ ليلة الأربعاء 13 رجب سنة 1315ودفن بزاوية الاستاذ الحفني بقرافة المجاورين، ورثته العلماء والفضلاء بقصائد شتى قيل في تاريخ بعضها «جزاؤك يا مهدي في جنة الخلد»، وقال بعضهم في مرثية له:
عليه دمع الفتاوي بات منحدرا ... وللمحارب حزن ضاق عن حد
فيها المسائل قد باتت تؤرخه ... مات المجيب الإمام المقتدي المهدي
23 - الشيخ محمد الإمبابي الشافعي، وقد تولى المشيخة عام 1299، ثم تركها وعاد إليها الشيخ محمد المهدي الحنفي ثانية، وبقى فيها إلى أن استقال منها في 1304هـ وتقلدها بعده الشيخ محمد الإمبابي ثانية، وبقى فيها إلى أن استقال منها عام 1313هـ.
ولد الشيخ المذكور بالقاهرة سنة 1240وحفظ القرآن الشريف والمتون بالجامع الأزهر، وفي سنة 1253شرع في تلقي العلوم فاجتهد في الطلب وأخذ عن شيخ الإسلام الشيخ البجوري والشيخ إبراهيم السقا والشيخ مصطفى البولاقي وأضرابهم وشغل ليله ونهاره بالمطالعة حتى فاق أقرانه وتمكن تمكنا زائدا، ودرس في سنة 1267وقرأ جميع الكتب التي تدرس في الأزهر، وكتب عليها تقارير وحواشي ومنها تقرير على حاشية العطار على الأزهرية، وتقرير على حاشية السجاعي على القطر، وتقرير على حاشية الأمير على شرح الشذور، وتقرير على حاشية السجاعي على شرح ابن عقيل، وتقرير على شرح الأشموني، وتقرير على التجريد حاشية مختصر السعد، وتقرير على جمع الجوامع وتقرير على حاشية البجوري على السلم وتقرير على آداب البحث وتقرير على حواشي السمرقندية وتقرير على مختصر السنوسي وحاشية على رسالة الصبان، وحاشية على
مقدمة القسطلاني شرح صحيح البخاري، وحاشية على رسالة الدردير في البيان، وتقرير على حاشية البرماوي على شرح ابن قاسم في فقه الشافعي ومنها فتاوي فقهية، ورسالتان في البسملة صغرى وكبرى، ورسالتان في «زيد أسد» صغرى وكبرى، ورسالة في علم الوضع، ورسالة في «من حفظ حجة على من لم يحفظ» وله غير ذلك من التآليف النفسية، وبالجملة فقد جمع بين العلم والعمل والدنيا والدين، وقد تخرج على يديه كثير ممن تصدروا للتدريس والإنبابي نسبة إلى إنبابة وهي تجاه بولاق مصر من الشاطىء الغربي للنيل ولم يكن الشيخ منها وإنما نسب إليها لكون والده كان منها واشتهر بالنسبة اليها وكان والده من أكبر التجار بالقاهرة، ولما توفى الشيخ حزنت عليه العلماء وأظهرت الأمة الحزن عليه، ورثته الشعراء بقصائد كثيرة.(1/251)
ولد الشيخ المذكور بالقاهرة سنة 1240وحفظ القرآن الشريف والمتون بالجامع الأزهر، وفي سنة 1253شرع في تلقي العلوم فاجتهد في الطلب وأخذ عن شيخ الإسلام الشيخ البجوري والشيخ إبراهيم السقا والشيخ مصطفى البولاقي وأضرابهم وشغل ليله ونهاره بالمطالعة حتى فاق أقرانه وتمكن تمكنا زائدا، ودرس في سنة 1267وقرأ جميع الكتب التي تدرس في الأزهر، وكتب عليها تقارير وحواشي ومنها تقرير على حاشية العطار على الأزهرية، وتقرير على حاشية السجاعي على القطر، وتقرير على حاشية الأمير على شرح الشذور، وتقرير على حاشية السجاعي على شرح ابن عقيل، وتقرير على شرح الأشموني، وتقرير على التجريد حاشية مختصر السعد، وتقرير على جمع الجوامع وتقرير على حاشية البجوري على السلم وتقرير على آداب البحث وتقرير على حواشي السمرقندية وتقرير على مختصر السنوسي وحاشية على رسالة الصبان، وحاشية على
مقدمة القسطلاني شرح صحيح البخاري، وحاشية على رسالة الدردير في البيان، وتقرير على حاشية البرماوي على شرح ابن قاسم في فقه الشافعي ومنها فتاوي فقهية، ورسالتان في البسملة صغرى وكبرى، ورسالتان في «زيد أسد» صغرى وكبرى، ورسالة في علم الوضع، ورسالة في «من حفظ حجة على من لم يحفظ» وله غير ذلك من التآليف النفسية، وبالجملة فقد جمع بين العلم والعمل والدنيا والدين، وقد تخرج على يديه كثير ممن تصدروا للتدريس والإنبابي نسبة إلى إنبابة وهي تجاه بولاق مصر من الشاطىء الغربي للنيل ولم يكن الشيخ منها وإنما نسب إليها لكون والده كان منها واشتهر بالنسبة اليها وكان والده من أكبر التجار بالقاهرة، ولما توفى الشيخ حزنت عليه العلماء وأظهرت الأمة الحزن عليه، ورثته الشعراء بقصائد كثيرة.
24 - الشيخ حسونة النواوي الحنفي (13431255)
تعلم في الأزهر وصار مدرسا في دار العلوم ومدرسة الإدارة (الحقوق)
ثم عين رئيسا لمجلس الأزهر الأعلى في عهد الشيخ الإنبابي ولما أقيل الشيخ الأنبابي عام 1313عين المترجم له شيخا للأزهر.
وأضيف إليه منصب الافتاء بوفاة الشيخ محمد المهدي العباسي المفتي عام 1215وأقيل أول عام 1317وأقيم ابن عمه الشيخ عبد الرحمن القطب النواوي شيخا للأزهر والشيخ محمد عبده مفتيا. وتوفي ابن عمه بعد شهر من ولايته على الأزهر سنة 1317، فعين الشيخ سليم البشري شيخا له عام 1317ولما أقيل آخر عام 1320ولى الشيخ على البيلاوي على الأزهر، واستقال في 9المحرم عام 1323، وعين بعده الشيخ عبد الرحمن الشربيني شيخا ثم استقال في 16ذي الحجة عام 1324، فعين النواوي شيخا للأزهر للمرة الثانية، واستقال من المنصب عام 1327، فأعيد الشيخ سليم للمشيخة، (6356أعيان القرن الثالث عشر أحمد تيمور).(1/252)
وسن الشيخ قانونا لأهل الأزهر، وفي أواخر مشيخته أسس مجلسا الإدارة الأزهر بأمر الخديو، وسن قانونا لاصلاح الأزهر وكان بعد استعفاء الشيخ الإنبابي عن المشيخة تولاها في سنة 1312بأمر الخديوى وكانت جملة أكابر العلماء قدموا التماسا بطلب المشيخة فلم يلتفت الخديو إليهم، ثم سن قانونا آخر مشتملا على ستة أبواب تشتمل على اثنين وستين مادة ولنذكر بعض أبوابه.
الباب الاول في الإدارة العمومية، وفيه تشكيل مجلس إدارة الأزهر من خمسة أعضاء غير الرئيس منهم ثلاثة من أفاضل علماء الازهر واثنان من العلماء والموظفين بالحكومة وانعقاده على الأقل كل خمسة عشر يوما مرة واختصاصه بتصدير القرارات والقواعد التي يكون بموجبها سير التدريس وضبط الطلبة والأعمال وكل ما له علاقة بالازهر وغير ذلك.
الباب الثاني في شروط الانتظام في سلك طلبة الازهر، ومنه أن لا يعتبر من طلبة العلم في الأزهر إلا من بلغ من السن خمس عشرة سنة على الأقل وأن يكون له دراية بالكتابة والقراءة وأن يكون حافظا لنصف القرآن، ويتعين حفظ كله على كفيف البصر، وغير ذلك.
الباب الثالث في التعليم، ومنه منع قراءة الحواشي والتقارير منعا باتا في جميع العلوم في الأربع سنوات الأول وبعدها تخير الطلبة والأساتذة في النظر في الحواشي، أما التقارير فلا يجوز استعمالها إلا بقرار من مجلس الإدارة، وغير ذلك.
الباب الرابع في الامتحان، وفيه انقسام الامتحان إلى قسمين: الأول امتحان شهادة الأهلية لمن أمضى ثمان سنوات فأكثر في الأزهر وحصل ثمانية علوم على الأقل، ويؤلف لجنة الامتحان من ثلاثة من العلماء تحت رئاسة شيخ الجامع الأزهر، أما امتحان شهادة العالمية فلمن أمضى اثنتي عشرة سنة، وتؤلف لجنة الامتحان من ستة من أكابر المدرسين من كل مذهب اثنان والدرجات التي يمنحها الطالب: أولى، وثانية، وثالثة ثم
تكوين مجلس إدارة الأزهر وفي مقدمته صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، وكان برئاسة الشيخ حسونة النواوي لإجراء مقتضيات هذا القانون، فقرر قواعد الانتساب والانتظار والاستحقاق في الجرايات والتدريس والمسامحات والعلوم، وأوجدوا في الأزهر نهضة علمية عظيمة، وأحضروا للعلوم الرياضية أمهر المدرسين، ووضعوا امتحانا سنويا، وصرفوا ستمائة جنيه مكافأة للناجحين في أي فن كان، وتقدم طلاب الأزهر تقدما كبيرا وانضمت للشيخ وظيفة الإفتاء سنة 1315بعد وفاة الشيخ المهدي بعد ما قام وكيلا عنه مدة، وهو ثاني من جمع بين الإفتاء والمشيخة الأزهرية من الحنفية وفي مشيخته أنشئت المكتبة الأزهرية، وبنى الرواق العباسي، وأكثر من امتحان طالبي التدريس، وزيد في مرتبات العلماء ومشايخ الأروقة والحارات من الأوقاف، وصرف عن الإفتاء والمشيخة في 25محرم سنة 1317، وولد الشيخ سنة 1255بنواي قرية من أعمال أسيوط بمركز ملوي وقدم الأزهر وأخذ عن كبار المشايخ وتربى على يده كثير من المدرسين ودرس بجامع القلعة وألف كتابا في الفقه الحنفي يدرس بها ومن أولاده الشيخ محمد حسونة من علماء الأزهر.(1/253)
الباب الرابع في الامتحان، وفيه انقسام الامتحان إلى قسمين: الأول امتحان شهادة الأهلية لمن أمضى ثمان سنوات فأكثر في الأزهر وحصل ثمانية علوم على الأقل، ويؤلف لجنة الامتحان من ثلاثة من العلماء تحت رئاسة شيخ الجامع الأزهر، أما امتحان شهادة العالمية فلمن أمضى اثنتي عشرة سنة، وتؤلف لجنة الامتحان من ستة من أكابر المدرسين من كل مذهب اثنان والدرجات التي يمنحها الطالب: أولى، وثانية، وثالثة ثم
تكوين مجلس إدارة الأزهر وفي مقدمته صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، وكان برئاسة الشيخ حسونة النواوي لإجراء مقتضيات هذا القانون، فقرر قواعد الانتساب والانتظار والاستحقاق في الجرايات والتدريس والمسامحات والعلوم، وأوجدوا في الأزهر نهضة علمية عظيمة، وأحضروا للعلوم الرياضية أمهر المدرسين، ووضعوا امتحانا سنويا، وصرفوا ستمائة جنيه مكافأة للناجحين في أي فن كان، وتقدم طلاب الأزهر تقدما كبيرا وانضمت للشيخ وظيفة الإفتاء سنة 1315بعد وفاة الشيخ المهدي بعد ما قام وكيلا عنه مدة، وهو ثاني من جمع بين الإفتاء والمشيخة الأزهرية من الحنفية وفي مشيخته أنشئت المكتبة الأزهرية، وبنى الرواق العباسي، وأكثر من امتحان طالبي التدريس، وزيد في مرتبات العلماء ومشايخ الأروقة والحارات من الأوقاف، وصرف عن الإفتاء والمشيخة في 25محرم سنة 1317، وولد الشيخ سنة 1255بنواي قرية من أعمال أسيوط بمركز ملوي وقدم الأزهر وأخذ عن كبار المشايخ وتربى على يده كثير من المدرسين ودرس بجامع القلعة وألف كتابا في الفقه الحنفي يدرس بها ومن أولاده الشيخ محمد حسونة من علماء الأزهر.
25 - السيد علي الببلاوي المالكي (13231251هـ) حضر في الأزهر ودرس فيه، وتولى نظارة دار الكتب عام 1299هـ ثم عين شيخا لمسجد الحسين سنة 1311هـ، وأقيم نقيبا للإشراف عام 1312هـ.
وعين شيخا للأزهر عام 1320هـ بعد استقالة الشيخ سليم البشري وظل في المشيخة إلى أن استقال منها أول عام 1323هـ (8581أعيان القرن 13أحمد تيمور).
26 - الشيخ سليم البشري المالكي، وظل فيها إلى أن أقيل منها في ذى الحجة 1320هـ، بسبب حادث مسجد السيدة نفيسة مع حاكم مصر وقتئذ.
ولد الشيخ بمحلة بشر سنة 1248، وهي قرية من مديرية البحيرة بمركز بلاد الأرز شرقي ترعة الخطاطبة بالقطر المصري، وقدم إلى مصر
بعد ما حفظ القرآن الكريم واشتغل بالعلم على مذهب الإمام مالك رضى الله عنه، وجد في التحصيل على كبار العلماء كالشيخ البجوري والشيخ عليش وأضرابهما حتى مهر، ودرس في سنة 1272، ودرس جميع الكتب المعتادة بالأزهر مرات عديدة وتخرج من درسه كثير من أكابر ومشاهير العلماء المدرسين بالأزهر كالشيخ الفاضل الشيخ محمد راشد إمام المعية والمرحوم الشيخ البسيوني البيباني والمرحوم الشيخ محمد عرفة، وغير هؤلاء من أفاضل المدرسين بالأزهر، ولما عين شيخا للجامع الزينبي وكان خاليا من المدرسين رتب نحو السبعة من العلماء للتدريس به منهم من يقرأ الحديث ومنهم من يقرأ الفقه على الأربعة المذاهب ومنهم من يقرأ الاخلاق وغير ذلك، وطلب لهم مرتبات من الأوقاف، ورتب لهم ذلك حتى صار ذلك الجامع كأنه قطعة من الأزهر، وفي 1305هـ صار شيخا للمالكية وكانت قد ألغيت نحو خمس سنوات بعد الشيخ عليش فأحياها الشيخ وقد جمع بين المشيختين، ومن تأليفه تحفة الطلاب في شرح رسالة الآداب، وحاشية على رسالة عليش في التوحيد. وكان ابنه الشيخ عبد العزيز البشري من أفاضل العلماء والكتاب، وتوفى عام 1943.(1/254)
ولد الشيخ بمحلة بشر سنة 1248، وهي قرية من مديرية البحيرة بمركز بلاد الأرز شرقي ترعة الخطاطبة بالقطر المصري، وقدم إلى مصر
بعد ما حفظ القرآن الكريم واشتغل بالعلم على مذهب الإمام مالك رضى الله عنه، وجد في التحصيل على كبار العلماء كالشيخ البجوري والشيخ عليش وأضرابهما حتى مهر، ودرس في سنة 1272، ودرس جميع الكتب المعتادة بالأزهر مرات عديدة وتخرج من درسه كثير من أكابر ومشاهير العلماء المدرسين بالأزهر كالشيخ الفاضل الشيخ محمد راشد إمام المعية والمرحوم الشيخ البسيوني البيباني والمرحوم الشيخ محمد عرفة، وغير هؤلاء من أفاضل المدرسين بالأزهر، ولما عين شيخا للجامع الزينبي وكان خاليا من المدرسين رتب نحو السبعة من العلماء للتدريس به منهم من يقرأ الحديث ومنهم من يقرأ الفقه على الأربعة المذاهب ومنهم من يقرأ الاخلاق وغير ذلك، وطلب لهم مرتبات من الأوقاف، ورتب لهم ذلك حتى صار ذلك الجامع كأنه قطعة من الأزهر، وفي 1305هـ صار شيخا للمالكية وكانت قد ألغيت نحو خمس سنوات بعد الشيخ عليش فأحياها الشيخ وقد جمع بين المشيختين، ومن تأليفه تحفة الطلاب في شرح رسالة الآداب، وحاشية على رسالة عليش في التوحيد. وكان ابنه الشيخ عبد العزيز البشري من أفاضل العلماء والكتاب، وتوفى عام 1943.
27 - السيد علي محمد الببلاوي المالكي وقد بقي فيها إلى أن استقال منها في أوائل محرم سنة 1323هـ
28 - الشيخ عبد الرحمن الشربيني ولى المشيخة في 13محرم 1323هـ وبقي فيها إلى أن استقال منها في ذي الحجة 1323هـ.
29 - الشيخ حسونة النواوى للمرة الثانية، واستقال في السنة نفسها فتولاها مرة ثانية.
30 - الشيخ سليم البشرى، وتوفي سنة 1335هـ.
31 - محمد أبو الفضل الجيزاوي ولي المشيخة إلى سنة 1346هـ، ثم خلفه في ذي الحجة 1346هـ 22مايو 1928المراغى.
32 - الشيخ محمد مصطفى المراغى، ولي المشيخة إلى أن استقال
في سنة 1348هـ اكتوبر سنة 1929.(1/255)
37 - وعين بعده الشيخ عبد المجيد سليم شيخا للأزهر في يوم الأحد 26من ذي الحجة 1366هـ، 8أكتوبر عام 1950، وظل في المشيخة إلى أن أعفي منها في اليوم الرابع من سبتمبر عام 1951، لمناهضته للحكومة القائمة وعدم الاستقرار والهدوء في الأزهر، وذلك في 4سبتمبر عام 1951.
38 - وأسندت المشيخة إلى الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش وفي عهده قامت الحركة الوطنية لمناهضة الإنجليز والاستعمار، وكان للشيخ مواقف مشهودة في هذه الحركة وقد ظل في المشيخة إلى أن أعفي منها في اليوم العاشر من شهر فبراير عام 1952.
39 - وأسندت المشيخة في هذا اليوم نفسه إلى الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم للمرة الثانية وقد ظل فيها حتى استقال منها في 17 سبتمبر 1952 (1)، وقد توفي عليه رحمة الله في صباح يوم الخميس 10 صفر 1374هـ 7أكتوبر عام 1954وكان رحمه الله مثلا كريما في الغيرة على الأزهر وإصلاحه، وترك فيه آثارا كثيرة، وكانت له شهرة عالمية في الإلمام بشتى العلوم والمعارف الإسلامية وقد ترك فراغا كبيرا لا يسد، كما ترك تلاميذ ومريدين يذكرونه بالخير الإجلال والوفاء.
40 - الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين، وقد تولى المشيخة بعد الشيخ عبد المجيد سليم، وبدأ عمله بإحالة وكيل الأزهر الشيخ عبد الرحمن حسن إلى المعاش وتعيين الشيخ محمد عبد اللطيف دراز والشيخ
__________
(1) نص استقالة الشيخ سليم: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر إلى السيد الرئيس اللواء أركان حرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء سلام الله عليكم ورحمته. أما بعد، فقد علمت أن الحكومة لم تر اجابتي إلى مطلبي بشأن المناصب الأزهرية الأربعة، ولما كنت لا أستطيع القيام بواجبي على النحو الذي أعتقد أنه يرضي ربي إلا بتحقيق ما طلبت، فإني أبعث اليكم بهذا الكتاب راجيا أن ترفعوا استقالتي من مشيخة الجامع الأزهر إلى مجلس الوصاية المؤقت، والله أسأل أن يوفقني واياكم إلى ما فيه الخير للأمة ولدين الله القويم، والسلام عليكم ورحمة الله القاهرة في يوم الأربعاء 27من ذي الحجة سنة 1371هـ 17من سبتمبر سنة 1952م.(1/257)
محمد نور الدين الحسن وكيلين، وبإلغاء منصبي السكرتير العام ومدير المعاهد واستمر في المشيخة إلى أن استقال منها في أوائل يناير 1954.
41 - الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج، وقد تولى المشيخة بعد الشيخ محمد الخضر حسين في يوم الجمعة 2جمادي الأولى 1373هـ 8يناير 1954، وبدأ عمله بإحالة الوكيلين الشيخ دراز والشيخ نور الدين الحسن إلى المعاش، وبتخفيض سن الإحالة على المعاش لعلماء الأزهر إلى الخامسة والستين، وبإحالة أعضاء جماعة كبار العلماء الذين بلغوا هذه السن إلى المعاش كذلك.
والشيخ تاج مولود عام 1896بأسيوط ونال العالمية عام 1923 وشهادة التخصص عام 1926، وسافر عام 1936إلى فرنسا، حيث عاد منها عام 1943بلقب دكتور، وحصل على عضوية جماعة كبار العلماء 1951م.(1/258)
الفصل الثاني تراجم لبعض شيوخ 61809 الأزهر
الشيخ محمد الأحمدى الظواهري
توفي رحمه الله في 13مايو عام 1944، وقد تولى المشيخة خمس سنوات كان الأزهريون والشيخ فيها في نضال مستمر مع ما كسب الأزهر فيها من استتباب الدراسة وقوة الروح العلمية.
ولي مشيخة معهد طنطا، في سن مبكرة، وبقي شيخا له، إلى أن نقل شيخا لمعهد أسيوط، في أكتوبر 1923فأحسن الناس استقباله وراقهم فيه فخامة مظهره، وفصاحة منطقه، وسخاء يده. وسرهم أن يروا لشيخ العلماء مهابة خاصة.
ولكن الشيخ في أسيوط، لم يكن يفارقه الحزن إلا قليلا، لأنه نقل إلى أسيوط، وهو غير راض بنقله، لذا كان كثير المرض، كثير السفر قليل الاهتمام. بالحياة.
وله على معهد أسيوط فضل كثير، إذ نقل الدراسة من المساجد وأنقذ الطلاب من افتراش الحصر، واستأجر للدراسة قصورا فخمة واسعة، في مناطق عامرة. وتنازل للحكومة عن مستشفى الحميات، وأخذ بدله تلك البقعة التي أقيم عليها المعهد الجديد، على شاطىء النيل بالحمراء، سنة 1924. وحينما وضع الحجر الأساسي في بناء المعهد، سنة 1930كان الشيخ شيخا للأزهر.(1/259)
ولما عين الأستاذ المراغى، شيخا للأزهر سنة 1928وشاع الخبر في أسيوط، اتفق ان أصيب الشيخ الأحمدي بمرض شديد، أثار حوله الأقاويل، ولكنه شفي منه، وبعد قليل نقل شيخا لمعهد طنطا، في يوليو 1927.
وفي أكتوبر 1929استقال الشيخ المراغى، وعين الشيخ الأحمدي، شيخا للأزهر.
وفي 28أبريل 1935استقال من وظيفة المشيخة وعين الشيخ المراغى مكانه ويقول الدكتور عثمان أمين عنه من كلمة له:
«يرجع اهتمامي بالشيخ الظواهري إلى ما قرأته عنده لأحد المستشرقين، في النسخة الفرنسية لدائرة المعارف الإسلامية، تعريفا بكتاب له عنوانه «العلم والعلماء» نشر بطنطا سنة 1904، وقد أحببت أن أقتطف من مقال ذلك المستشرق ما ترجمته إلى العربية: «إن روح الإخلاص والصفاء التي تظهر في هذا الكتاب لتعد نادرة حتى بيننا نحن المسيحيين، فما بالك بوجودها في الإسلام الذي دب فيه الجمود» ومن العجب جدا في هذا الكتاب الجمع بين وجهة النظر الإسلامية والإحساس بفائدة ما يأتي من مصادر أخرى. فالمؤلف يرى أنه يجب أن يأخذ المسلمون ليس عن أوروبا فحسب، بل عن الصين واليابان ايضا. ويرى أن من بين المواد التي ينبغي دراستها الدعوة للإسلام، ويرغب المؤلف في عقد المؤتمرات السنوية لبناء فكرة الجامعة الإسلامية ثم يعين وسائل الثقافة التي تتطلبها لجان من العلماء، واخراج دائرة معارف، ونشر التعليم الجامعي بين أفراد الأمة، كما قال إنه يجب تطهير الإسلام من الخزعبلات والعوائق التي تبهظه. والكتاب على كل حال برهان ساطع على عقيدة الكاتب الراسخة وإيمانه بالمثل العليا».
أغراني هذا الوصف الذي قرأته في باريس بالبحث عن الكتاب في مصر. فلما قرأت الكتاب بنفسي انكشف لي منه أمران: أولهما ان مؤلفه
كان من تلاميذ الأستاذ الإمام محمد عبده: فهو يذكره في الكتاب صراحة، وهو ينهج في التعليم نهجه، ويدعو الأزهريين إلى ترسم خطاه، وثانيهما أن هذا الشاب كان فيلسوفا ناشئا، وأن لم يكن يعلم ذلك عن نفسه، فإنه حين تكلم في كتابه عن الكمال الروحي وعن الصوفية عالج هذه الأمور بروح فلسفية، ولعل الفلسفة أخذت سبيلها إلى نفسه، دون وعي ظاهر منه عن طريق أستاذه محمد عبده.(1/260)
أغراني هذا الوصف الذي قرأته في باريس بالبحث عن الكتاب في مصر. فلما قرأت الكتاب بنفسي انكشف لي منه أمران: أولهما ان مؤلفه
كان من تلاميذ الأستاذ الإمام محمد عبده: فهو يذكره في الكتاب صراحة، وهو ينهج في التعليم نهجه، ويدعو الأزهريين إلى ترسم خطاه، وثانيهما أن هذا الشاب كان فيلسوفا ناشئا، وأن لم يكن يعلم ذلك عن نفسه، فإنه حين تكلم في كتابه عن الكمال الروحي وعن الصوفية عالج هذه الأمور بروح فلسفية، ولعل الفلسفة أخذت سبيلها إلى نفسه، دون وعي ظاهر منه عن طريق أستاذه محمد عبده.
ويرجع توثق الصلة بين الأستاذ والتلميذ إلى سنة 1902حين تقدم الظواهري لنيل شهادة العالمية إلى لجنة الامتحان المنعقدة برياسة محمد عبده، فأجاد في الإجابة أعجب بها الأستاذ الإمام، فأثنى عليه على مسمع من الحاضرين، ويقال إنه طلب له شيئا من شراب الخروب وقال له «لقد فتح الله عليك يا أحمدي، وو الله إنك أعلم من أبيك، ولو كان عندي أرقى من الدرجة الأولى لأعطيتك إياها». ولهذه الحادثة نفسها دلالتان: الأولى انها تشير إلى ذكاء الاحمدي الظواهري وسعة علمه اللذين اشتهر بهما منذ نشأته، والثانية انها تشير إلى ما اتصف به الاستاذ الإمام من الإنصاف وقوة الأخلاق: فقد كان بينه وبين الشيخ ابراهيم الظواهري والد الشيخ الأحمدي خلاف في الرأي والمنازعات، لأن إبراهيم الظواهري كان من الشيوخ المحافظين الميالين إلى تصديق الكرامات والاعتقاد بقصص المجاذيب والأولياء، وكان الشيخ محمد عبده يستنكر ذلك، لكنه لم يتأثر في حكمه على الابن بما كان بينه وبين أبيه.
وفي مكتبته ذخيرة من العلم المخطوط بيده، هي مجموعة من مؤلفات كتبها في شبابه منها «خواص المعقولات في أصول المنطق وسائر العقليات» و «التفاضل بالفضيلة» و «الوصايا والآداب» و «صفوة الأساليب» و «حكم الحكماء» و «براءة الإسلام من أوهام العوام» و «مقادير الأخلاق» ولكن مخطوطا منها استوقفني لطرافته، وعنوانه «الكلمة الأولى في آداب الفهم». وقد أراد به أن يكون بمثابة ضابط عقلي أو قانون كلي، لرفع الخلاف القائم في كيفية فهم المتأخرين لأقوال المتقدمين من المؤلفين في
العلوم الدينية. وقد جاء في مقدمة المخطوط: «لقد دعاني داعي الاستكمال والتمسك بأذيال الامتثال إلى مطالعة أسرار الدين للوصول إلى عين البقين، والنهوض من مراقد الوهم وظلمات الجهالة إلى مراقي الفهم ونور الحق المبين» «بيد أنه قد تباينت الطرق، وتنازعت الفرق، واختلفت أهواء الخلف في كيفية الوصول الى مرامي أنظار الأول، وإصابة الغرض المقصود من عباراتهم، وتفرقوا شيعا في تقرير المسائل، فكانت همة قوم فيما يرجع إلى المعاني الأصلية، ومال قوم إلى الخطابة والجدل، وآخرون إلى التخريج على المعنى البعيد أو التنبيه على احتمال جديد، وتنافس البعض في الاستشكال والتغليط، حتى إنه ليخيل الى الناظر في طرائقهم أن الحقيقة صعبة المنال، وأن اليقين مطلب محال فدفعني ذلك إلى أن اضع علما شاملا وقانونا جامعا به تستفاد حقائق المعاني من أصداف الكلام، ويجمع الناظرين على أقوم طريق به يمكن الوصول الى تمام المعنى بحيث يوقف القارىء البصير في وقت قصير على كل ما في الحواشي والتقارير. ويرفع الخلاف القائم في كيفية الفهم، ويزيل التشويش والإبهام، ويمكن أهل العلم من الانتصار على جيوش الأوهام».(1/261)
وفي مكتبته ذخيرة من العلم المخطوط بيده، هي مجموعة من مؤلفات كتبها في شبابه منها «خواص المعقولات في أصول المنطق وسائر العقليات» و «التفاضل بالفضيلة» و «الوصايا والآداب» و «صفوة الأساليب» و «حكم الحكماء» و «براءة الإسلام من أوهام العوام» و «مقادير الأخلاق» ولكن مخطوطا منها استوقفني لطرافته، وعنوانه «الكلمة الأولى في آداب الفهم». وقد أراد به أن يكون بمثابة ضابط عقلي أو قانون كلي، لرفع الخلاف القائم في كيفية فهم المتأخرين لأقوال المتقدمين من المؤلفين في
العلوم الدينية. وقد جاء في مقدمة المخطوط: «لقد دعاني داعي الاستكمال والتمسك بأذيال الامتثال إلى مطالعة أسرار الدين للوصول إلى عين البقين، والنهوض من مراقد الوهم وظلمات الجهالة إلى مراقي الفهم ونور الحق المبين» «بيد أنه قد تباينت الطرق، وتنازعت الفرق، واختلفت أهواء الخلف في كيفية الوصول الى مرامي أنظار الأول، وإصابة الغرض المقصود من عباراتهم، وتفرقوا شيعا في تقرير المسائل، فكانت همة قوم فيما يرجع إلى المعاني الأصلية، ومال قوم إلى الخطابة والجدل، وآخرون إلى التخريج على المعنى البعيد أو التنبيه على احتمال جديد، وتنافس البعض في الاستشكال والتغليط، حتى إنه ليخيل الى الناظر في طرائقهم أن الحقيقة صعبة المنال، وأن اليقين مطلب محال فدفعني ذلك إلى أن اضع علما شاملا وقانونا جامعا به تستفاد حقائق المعاني من أصداف الكلام، ويجمع الناظرين على أقوم طريق به يمكن الوصول الى تمام المعنى بحيث يوقف القارىء البصير في وقت قصير على كل ما في الحواشي والتقارير. ويرفع الخلاف القائم في كيفية الفهم، ويزيل التشويش والإبهام، ويمكن أهل العلم من الانتصار على جيوش الأوهام».
وقلما تحمس الظواهري في شبابه لإعلاء شأن الأزهر وإصلاح المسلمين، كما يتضح من كتاب «العلم والعلماء»، فأصابه من جراء ذلك ما أصاب غيره من المصلحين، كما يتضح ذلك من مذكراته التي نشرها ابنه بعنوان «السياسة والأزهر». وتبين من الرسالة التي نشرتها مشيخة الأزهر هذا العام لمناسبة المعرض المصري الأخير أن أكثر ما استحدث من منشآت وما تم من إصلاحات في الأزهر الحديث كان للظواهري فيه أثر بارز وبمقتضى القانون رقم 49لسنة 1930الذي صدر في عهد مشيخته أنشئت الكليات الأزهرية الثلاث، وبمقتضى القانون رقم 37لسنة 1932الذي صدر في عهده أيضا نظم التخصص، وغيرت مناهج التعليم في الجامعة الأزهرية لكي تتمشى مع التقدم العلمي الحديث. وبذلك دخلت الأزهر على يد الظواهري دراسات لم يكن للأزهريين عهد بها من
قبل، كاللغات الأجنبية، من شرقية وغربية والاقتصاد السياسي والقانون الدولي الخاص، وأصول القوانين ووسائل الدعوة الى سبيل الله، والخطابة والالقاء والمناظرة، وعلم النفس والتربية البدنية وغيرها، ويتبين من رسالة مشيخة الأزهر أيضا أن الظواهري قد سبق إلى التفكير في إيفاد بعوث من الأزهر للدعوة للاسلام في الخارج، فأوفد بعثتين للصين والحبشة وأنشأ مجلة «نور الإسلام» ووضع مشروع الأبنية الفخمة للجامعة الأزهرية الحديثة، وقد تمت في عهده ثلاث من عمائرها الكبرى.(1/262)
وقلما تحمس الظواهري في شبابه لإعلاء شأن الأزهر وإصلاح المسلمين، كما يتضح من كتاب «العلم والعلماء»، فأصابه من جراء ذلك ما أصاب غيره من المصلحين، كما يتضح ذلك من مذكراته التي نشرها ابنه بعنوان «السياسة والأزهر». وتبين من الرسالة التي نشرتها مشيخة الأزهر هذا العام لمناسبة المعرض المصري الأخير أن أكثر ما استحدث من منشآت وما تم من إصلاحات في الأزهر الحديث كان للظواهري فيه أثر بارز وبمقتضى القانون رقم 49لسنة 1930الذي صدر في عهد مشيخته أنشئت الكليات الأزهرية الثلاث، وبمقتضى القانون رقم 37لسنة 1932الذي صدر في عهده أيضا نظم التخصص، وغيرت مناهج التعليم في الجامعة الأزهرية لكي تتمشى مع التقدم العلمي الحديث. وبذلك دخلت الأزهر على يد الظواهري دراسات لم يكن للأزهريين عهد بها من
قبل، كاللغات الأجنبية، من شرقية وغربية والاقتصاد السياسي والقانون الدولي الخاص، وأصول القوانين ووسائل الدعوة الى سبيل الله، والخطابة والالقاء والمناظرة، وعلم النفس والتربية البدنية وغيرها، ويتبين من رسالة مشيخة الأزهر أيضا أن الظواهري قد سبق إلى التفكير في إيفاد بعوث من الأزهر للدعوة للاسلام في الخارج، فأوفد بعثتين للصين والحبشة وأنشأ مجلة «نور الإسلام» ووضع مشروع الأبنية الفخمة للجامعة الأزهرية الحديثة، وقد تمت في عهده ثلاث من عمائرها الكبرى.
وللشيخ الأحمدي أثر ظاهر في ميدان آخر نحب أن لا يفوتنا التنويه به هنا. ويتجلى ذلك في الأثر في تقرير محفوظ بوزارة الخارجية المصرية عن المؤتمر الإسلامي الذي دعا إليه الملك ابن سعود، وعقد في مكة سنة 1926، ويتبين منه أن الشيخ الظواهري استطاع وهو رئيس وفد مصر في ذلك المؤتمر أن يكون واسطة العقد بين المؤتمرين، وأن يكون رسول سلام وتوفيق بين المتنازعين في موضوع الحرية المذهبية في أرض الحجاز، كما استطاع بقوة حجته وإقناعه أن يستصدر من المؤتمرين قرارا يصرح على رؤوس الإشهاد بوحدة مصر والسودان. ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن عبد الخالق ثروت وزير الخارجية المصرية وقتئذ قال حين علم بنجاح الشيخ الظواهري في ذلك المؤتمر: «لم أكن أعلم أن الأزهر يخرج سفراء في السياسة».(1/263)
الشيخ محمّد مصطفى المراغي
علم من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، وشخصية نادرة من أشهر الشخصيات الإسلامية في القرن العشرين. ورجل غريب بين زملائه وأقرانه في العصر الذي عاش فيه، وزعيم روحي ألقيت إليه مقاليد الأزهر فترة طويلة.
ذلكم هو الشيخ محمد مصطفى المراغى، تلميذ محمد عبده، والعالم الأزهري الواسع الأفق، العميق الثقافة، وقاضي القضاة المصري في السودان، ورئيس المحكمة العليا الشرعية، وشيخ الأزهر من عام 1928إلى عام 1929م ثم من عام 1935حتى عام 1945م (1364هـ) حيث وافاه أجله المحتوم.
كان المراغى مثالا نادرا في الاعتزاز بالنفس، والشعور بالكرامة، والإيمان بالإصلاح، وفي عهد توليه مشيخة الأزهر وضع أساسا قويا لصرح الأزهر العلمي برعايته لأقسام الدراسات العليا فيه، وتشجيعه لطلابها وخريجيها، وإشرافه على مواسمها العلمية، ومناقشته لرسائلها. وكان الشيخ المراغى ذا قوة فكرية قوية عن الثقافة الحديثة، ورغبة حافزة في صبغ الأزهر بصبغتها. وقد عمل على إخراج جيل جديد من العلماء المثقفين بشتى الثقافات، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، وكانت صلات المراغى بأقطاب المجتمع والسياسة والفكر والأدب في عهده عونا له على بلوغ آماله في إصلاح الأزهر، وقد جاهد جهادا حثيثا للنهوض بهذه الجامعة
الإسلامية الكبرى، ولبث روح الحياة والإصلاح فيها. وكانت مكانته في نفوس الجماهير من العلماء والطلاب تساعده على الإصلاح. وكان أكثر الأزهريين تقديرا للكفايات من العلماء والطلاب وتشجيعا لها، كانوا يأخذون عليه تدخله في السياسة، وقيام إدارته في الأزهر على العصبية، ولكن ذلك شيء تافه لا يقاس بجانب ما أحدثه في الأزهر من ثورة وحياة وتجديد.(1/264)
كان المراغى مثالا نادرا في الاعتزاز بالنفس، والشعور بالكرامة، والإيمان بالإصلاح، وفي عهد توليه مشيخة الأزهر وضع أساسا قويا لصرح الأزهر العلمي برعايته لأقسام الدراسات العليا فيه، وتشجيعه لطلابها وخريجيها، وإشرافه على مواسمها العلمية، ومناقشته لرسائلها. وكان الشيخ المراغى ذا قوة فكرية قوية عن الثقافة الحديثة، ورغبة حافزة في صبغ الأزهر بصبغتها. وقد عمل على إخراج جيل جديد من العلماء المثقفين بشتى الثقافات، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، وكانت صلات المراغى بأقطاب المجتمع والسياسة والفكر والأدب في عهده عونا له على بلوغ آماله في إصلاح الأزهر، وقد جاهد جهادا حثيثا للنهوض بهذه الجامعة
الإسلامية الكبرى، ولبث روح الحياة والإصلاح فيها. وكانت مكانته في نفوس الجماهير من العلماء والطلاب تساعده على الإصلاح. وكان أكثر الأزهريين تقديرا للكفايات من العلماء والطلاب وتشجيعا لها، كانوا يأخذون عليه تدخله في السياسة، وقيام إدارته في الأزهر على العصبية، ولكن ذلك شيء تافه لا يقاس بجانب ما أحدثه في الأزهر من ثورة وحياة وتجديد.
لقد انتهت بعد المراغى الاجتماعات في المناسبات الدينية التي كانت تضم الألوف من القادة والعلماء والطلاب والجماهير. وحوربت وعطلت أقسام الدراسات العليا في الأزهر. وساءت أمور الأزهر، وضعف نشاطه العلمي.
استقال رحمه الله من مشيخته الأولى في آخر سبتمبر سنة 1929 على أثر تأخر صدور المرسوم الملكي بقانون الأزهر الجديد، وقد حاول رئيس الوزراء آنئذ وهو المرحوم محمد محمود باشا إقناعه بالعدول عنها، ولكنه لم يقبل، وصدر المرسوم الملكي بتعيين الشيخ الظواهري شيخا للأزهر في أوائل أكتوبر سنة 1929.
وأذكر أنه لما تولى المراغى مشيخة الأزهر للمرة الثانية، استقبله الأزهر استقبالا كريما، وأقام له حفلة تكريم في يوليو عام 1935بسراي معرض الجيزة بالقاهرة حضرها حشد كبير من الشخصيات الكبيرة ورجال الدين، ودعى ممثلو طلبة المعاهد الدينية لإلقاء كلمات في هذه الحفلة، وكنت ممثلا لطلاب معهد الزقازيق الديني، وكان ممثل الأساتذة الأستاذ الكبير الشيخ محمود النواوي وكنت قد أعددت حينئذ كلمة لألقائها في الحفلة، ولكن عدل عن إلقاء ممثلي المعاهد لكلماتهم، لضيق الوقت وكثرة الخطباء، وكان من هذه الكلمة التي أعددتها حينئذ، وأنا طالب في السنة الرابعة الثانوية بمعهد الزقازيق الديني:
في هذا اليوم الخالد والحفل الحاشد تتحدث الأجيال عن الأزهر
الشامخ وشيخه الجديد حديثا ملؤه الإعجاب والإجلال، لأنه حديث الأرواح ونجوى القلوب. أما الأزهر فهو الأزهر كما يعرفه الخاصة والعامة وكما يعرفه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وكما تعرفه الأجيال الغابرة والأجيال الحاضرة هو محط الرحال، وكعبة الآمال، ومجمع الدين والعلم والأدب ومفخرة مصر والشرق والعرب، هو قلب الإسلام الخافق ولسانه الناطق، وعلمه المرفوع، هو تلك الجامعة العظيمة التي أضفى عليها الزمان ثياب الجلال وأسبل عليها الخلود ستور الجمال، فحفظت للإسلام مكانته ورفعت للدين رايته ومدت على العربية ظلها الممدود، وحملت لواءها المعقود، وخرجت أئمة الهدى ومصابيح الحكمة وشعت منها أشعة النور في كل بقعة ومكان فالأزهر هو دعامة الأخلاق وحصن الفضيلة ومفخرة القاهرة وصرح مصر الخالدة، بل هو معجزة الدهور وآية القرون وما دام للأزهر وجود فله رسالة في الحياة تضارع في جلالها رسالة الأنبياء ووحي المرسلين، وإن استمدت آيتها من آيتهم، وهديها من هديهم.(1/265)
في هذا اليوم الخالد والحفل الحاشد تتحدث الأجيال عن الأزهر
الشامخ وشيخه الجديد حديثا ملؤه الإعجاب والإجلال، لأنه حديث الأرواح ونجوى القلوب. أما الأزهر فهو الأزهر كما يعرفه الخاصة والعامة وكما يعرفه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وكما تعرفه الأجيال الغابرة والأجيال الحاضرة هو محط الرحال، وكعبة الآمال، ومجمع الدين والعلم والأدب ومفخرة مصر والشرق والعرب، هو قلب الإسلام الخافق ولسانه الناطق، وعلمه المرفوع، هو تلك الجامعة العظيمة التي أضفى عليها الزمان ثياب الجلال وأسبل عليها الخلود ستور الجمال، فحفظت للإسلام مكانته ورفعت للدين رايته ومدت على العربية ظلها الممدود، وحملت لواءها المعقود، وخرجت أئمة الهدى ومصابيح الحكمة وشعت منها أشعة النور في كل بقعة ومكان فالأزهر هو دعامة الأخلاق وحصن الفضيلة ومفخرة القاهرة وصرح مصر الخالدة، بل هو معجزة الدهور وآية القرون وما دام للأزهر وجود فله رسالة في الحياة تضارع في جلالها رسالة الأنبياء ووحي المرسلين، وإن استمدت آيتها من آيتهم، وهديها من هديهم.
رسالة الأزهر هي العناية بنشر الدين، والسهر على مصالح المسلمين، وإحياء الأخلاق الفاضلة، وإقامة المبادىء العادلة التي جاء بها القرآن الكريم، وإيقاظ الشرق الراقد من غفلته، ليكون مهبط الوحي ومبعث النور ومصدر الهداية ورسول الحضارة، وقائد العالم كما كان الأزهر في أيامه الماضية.
وإذا كان للأزهر مكانة وجلالة ومهمة ورسالة، فله رئاسة جليلة نصبها الإسلام عنه وكيلا وأقامها الأزهر له كفيلا، فالتفت حولها القلوب، وشايعتها الأرواح وآوى اليها الخائف والمظلوم والمكروب.
ولقد أدت مشيخة الأزهر للشرق والإسلام خدمات جليلة، فحفظت تراث السالفين وسهرت على تهذيب الناشئين، وأطفأت نار الشك ببرد اليقين.
ولما طفر التعليم المدني في مصر أقبل عليه الناس وجحدوا
ما للأزهر من فضل وجميل، وطفقوا ينعون عليه جهوده، ويعيبون عليه جموده، حتى هزمتهم صيحة الإصلاح من رجل الإصلاح الأول حكيم الإسلام وفقيد الشرق المغفور له الإمام محمد عبده، فعارضها المعارضون وسخر منها الجامدون، ولم يقدرها إلا أفراد قلائل كان من بينهم شاب ذكي وفتى نابه اقتفى أثر أستاذه الحكيم، هو الشيخ المراغى.(1/266)
ولما طفر التعليم المدني في مصر أقبل عليه الناس وجحدوا
ما للأزهر من فضل وجميل، وطفقوا ينعون عليه جهوده، ويعيبون عليه جموده، حتى هزمتهم صيحة الإصلاح من رجل الإصلاح الأول حكيم الإسلام وفقيد الشرق المغفور له الإمام محمد عبده، فعارضها المعارضون وسخر منها الجامدون، ولم يقدرها إلا أفراد قلائل كان من بينهم شاب ذكي وفتى نابه اقتفى أثر أستاذه الحكيم، هو الشيخ المراغى.
وجاء من خطبة فضيلة الأستاذ الشيخ علي سرور الزنكلوني في حفلة تكريم الأستاذ المراغى عام 31354يوليو 1935ما يلي: «الأزهر كما تحدث عنه التاريخ وكما تصورناه نحن حين رحلنا اليه في نعومة الأظفار، وكما يعرفه المصريون وغير المصريين حين يخطر ببالهم، ويحجون إليه لطلب العلم، هو هذه الشخصية الكبرى البارزة في العالم، والتي ينعكس منها على طلابه ورواده نور العلم وجلال الدين والتي عاشت ألف سنة إلا قليلا، وهي تصارع الأحداث والأحداث تصارعها بما لم يقو على احتماله أضخم بناء في التاريخ، ولولا سر الله الخفي لتلاشى، فهو الذي حفظه ولا يزال يحفظه ويجدد مجده إلى اليوم إن الأزهر كما تواضع عليه الناس هو الذي تحيا عليه علوم الإسلام والقرآن، وهي أسمى ما تستكمل به النفس الإنسانية قواها. والأزهر بمقتضى وضعه وطبيعته يجب أن يكون خالصا لله وحده، فإذا ألمت به الأحداث وسلطت عليه تيارات الأهواء الملتوية فلله فيه نصيب كبير: دينه، وعلومه وهذا الشباب الغض من الطلاب الذين يبعثون إليه بنية صادقة ليتفقهوا في دين الله ولينذروا قومهم إذا رجهوا إليهم لعلهم يحذرون، لله فيهم النصيب الأوفر، والله غيور على دينه، وعلى وحيه. وعلى هذا الشباب الغض الذي يحب الخير ولا يريد إلا الخير ومن هنا تدركون سر بقاء الأزهر وثباته على كثرة ما نزل به من أحداث ما هي مشيخة الأزهر؟ لا أريد ان أتعرض إلى مشيخة الأزهر بالنظر إلى ما ورثته عن العواصم الإسلامية من خلافة العلم والدين، ولا إلى ما قامت به من جلائل الأعمال في عصور مصر المختلفة ومواقفها المشرفة في وجوه الظالمين، فذلك للتاريخ وحده، ولكني أتحدث عنها
الآن بالنظر إلى طبيعتها وإلى ما يفهمه الناس فيها قبل أن يحتكم الهوى وينتشر الفساد. إن مشيخة الأزهر الكبرى هي التي تقوم بمعونة الأساتذة والطلاب على حراسة الدين وأحياء تعاليمه، فإذا فكر العقل تفكيرا مستقيما ولم يلتفت إلى زخارف الحياة الكاذبة، فلا يستطيع أن يدرك الجلال الحق إلا في كنف هذه الرعاية السامية، لأن شرف الاشياء بشرف غاياتها، ومشيخة الأزهر تقوم على حراسة ما به تؤدى وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ووظيفة الرسل إذا أديت على غير وجهها فكلها خير وكلها سعادة، فإذا تنكب الأزهر الطريق يوما، فليس ذلك من طبيعة الدين الذي يقوم على حفظه، ولا من طبيعة علومه التي هي نور العقل وقوة للإنسان، وإنما منشأ هذا التنكب هو القوي التي تتسلط عليه وتوجهه إلى طريقها، وإذن لا تلوموا الأزهر ما دام غير قائم على قدميه بنفسه، وإنما اللوم على من يمتلكون أمره ويوجهونه حيث تأبى طبيعته أن تتوجه إن أعدل ميزان تعرفون به الفرق في كل عصر بين رجل الأزهر القائم على حراسة دين الله وبين عبد الشهوات الجامحة وأن تربع بين الأزهريين ونال أكبر مناصبهم أن ترى عزة النفس وخشية الله ماثلتين في رجل الأزهر خصوصا إذا عظمت المحنة واشتد البلاء، أما عبد الشهوات فتراه دائما مغمورا بخشية الناس والطمع فيما بأيديهم. وقلب المؤمن الصادق في إيمانه لا يتسع لخشيتين، فأظهر مظاهر الإيمان العميق خشية الله وحده إذا اشتد الخطب، وأظهر مظاهر الإيمان الرقيق الذي لا يزن مثقال ذرة أن يخشى صاحبه الناس أشد من خشية الله، وإن كثرت وتفرعت صور عبادته لأنها في ميزان الدين والعلم ليست أكثر من صور كاذبة تولدها العادة أو الرياء إن الحقائق لا يغيرها ولا ينقص من جلالها الذاتي ما قد يطرأ عليها من أمراض وعلل تدفعها يد الشهوة على غفلة من أهلها، ولهذا يعاقب الله حراس الحقائق أولا فأولا، بمقدار غفلتهم وإهمالهم، ثم يكتب النصر لهم في النهاية إذا ما انتبهوا أما المبطلون المفتونون باستشراء الضعف ليتمتعوا بباطلهم فلا يعاقبهم الله أولا فأولا، وإنما يمهلهم لتتجلى حكمة الله في قوله:(1/267)
وجاء من خطبة فضيلة الأستاذ الشيخ علي سرور الزنكلوني في حفلة تكريم الأستاذ المراغى عام 31354يوليو 1935ما يلي: «الأزهر كما تحدث عنه التاريخ وكما تصورناه نحن حين رحلنا اليه في نعومة الأظفار، وكما يعرفه المصريون وغير المصريين حين يخطر ببالهم، ويحجون إليه لطلب العلم، هو هذه الشخصية الكبرى البارزة في العالم، والتي ينعكس منها على طلابه ورواده نور العلم وجلال الدين والتي عاشت ألف سنة إلا قليلا، وهي تصارع الأحداث والأحداث تصارعها بما لم يقو على احتماله أضخم بناء في التاريخ، ولولا سر الله الخفي لتلاشى، فهو الذي حفظه ولا يزال يحفظه ويجدد مجده إلى اليوم إن الأزهر كما تواضع عليه الناس هو الذي تحيا عليه علوم الإسلام والقرآن، وهي أسمى ما تستكمل به النفس الإنسانية قواها. والأزهر بمقتضى وضعه وطبيعته يجب أن يكون خالصا لله وحده، فإذا ألمت به الأحداث وسلطت عليه تيارات الأهواء الملتوية فلله فيه نصيب كبير: دينه، وعلومه وهذا الشباب الغض من الطلاب الذين يبعثون إليه بنية صادقة ليتفقهوا في دين الله ولينذروا قومهم إذا رجهوا إليهم لعلهم يحذرون، لله فيهم النصيب الأوفر، والله غيور على دينه، وعلى وحيه. وعلى هذا الشباب الغض الذي يحب الخير ولا يريد إلا الخير ومن هنا تدركون سر بقاء الأزهر وثباته على كثرة ما نزل به من أحداث ما هي مشيخة الأزهر؟ لا أريد ان أتعرض إلى مشيخة الأزهر بالنظر إلى ما ورثته عن العواصم الإسلامية من خلافة العلم والدين، ولا إلى ما قامت به من جلائل الأعمال في عصور مصر المختلفة ومواقفها المشرفة في وجوه الظالمين، فذلك للتاريخ وحده، ولكني أتحدث عنها
الآن بالنظر إلى طبيعتها وإلى ما يفهمه الناس فيها قبل أن يحتكم الهوى وينتشر الفساد. إن مشيخة الأزهر الكبرى هي التي تقوم بمعونة الأساتذة والطلاب على حراسة الدين وأحياء تعاليمه، فإذا فكر العقل تفكيرا مستقيما ولم يلتفت إلى زخارف الحياة الكاذبة، فلا يستطيع أن يدرك الجلال الحق إلا في كنف هذه الرعاية السامية، لأن شرف الاشياء بشرف غاياتها، ومشيخة الأزهر تقوم على حراسة ما به تؤدى وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ووظيفة الرسل إذا أديت على غير وجهها فكلها خير وكلها سعادة، فإذا تنكب الأزهر الطريق يوما، فليس ذلك من طبيعة الدين الذي يقوم على حفظه، ولا من طبيعة علومه التي هي نور العقل وقوة للإنسان، وإنما منشأ هذا التنكب هو القوي التي تتسلط عليه وتوجهه إلى طريقها، وإذن لا تلوموا الأزهر ما دام غير قائم على قدميه بنفسه، وإنما اللوم على من يمتلكون أمره ويوجهونه حيث تأبى طبيعته أن تتوجه إن أعدل ميزان تعرفون به الفرق في كل عصر بين رجل الأزهر القائم على حراسة دين الله وبين عبد الشهوات الجامحة وأن تربع بين الأزهريين ونال أكبر مناصبهم أن ترى عزة النفس وخشية الله ماثلتين في رجل الأزهر خصوصا إذا عظمت المحنة واشتد البلاء، أما عبد الشهوات فتراه دائما مغمورا بخشية الناس والطمع فيما بأيديهم. وقلب المؤمن الصادق في إيمانه لا يتسع لخشيتين، فأظهر مظاهر الإيمان العميق خشية الله وحده إذا اشتد الخطب، وأظهر مظاهر الإيمان الرقيق الذي لا يزن مثقال ذرة أن يخشى صاحبه الناس أشد من خشية الله، وإن كثرت وتفرعت صور عبادته لأنها في ميزان الدين والعلم ليست أكثر من صور كاذبة تولدها العادة أو الرياء إن الحقائق لا يغيرها ولا ينقص من جلالها الذاتي ما قد يطرأ عليها من أمراض وعلل تدفعها يد الشهوة على غفلة من أهلها، ولهذا يعاقب الله حراس الحقائق أولا فأولا، بمقدار غفلتهم وإهمالهم، ثم يكتب النصر لهم في النهاية إذا ما انتبهوا أما المبطلون المفتونون باستشراء الضعف ليتمتعوا بباطلهم فلا يعاقبهم الله أولا فأولا، وإنما يمهلهم لتتجلى حكمة الله في قوله:
{«سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لََا يَعْلَمُونَ} * {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ»} *. إن من
الغرور وعدم الإنصاف أن يقال: ما فائدة الأزهر وأين جلال مشيخته؟(1/268)
{«سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لََا يَعْلَمُونَ} * {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ»} *. إن من
الغرور وعدم الإنصاف أن يقال: ما فائدة الأزهر وأين جلال مشيخته؟
وأقوى رد على هذه الغفلة وهذا الغرور أن نقول لأصحابهما: إذن ما فائدة علوم الحياة كلها؟ وهي اليوم تولد الجشع في قلوب الأمم وتقلبها سباعا كاسرة وحيوانات مفترسة فالدين خير كله والعلم خير كله بمقتضى طبيعتهما فعليهما أن يتنبها إلى من يعمل على تغيير وضعهما، فاذا حرص الأشرار على أداء وظيفتهم بمقتضى طبعهم، فحرص الأخيار يجب أن يكون أشد وألزم هذا هو الأزهر على ما يجب أن يكون وهذه هي مشيخته كما نفهم عظمتها وجلالها. فإذا ظهر يوما ما في غير مكانهما فالمصريون شركاء في المسؤولية أمام الله وأمام التاريخ. لأن العلماء غير معصومين. والأمم الحية هي التي تقوم على حراسة قواها الطبيعية والمعنوية، ولا ترتفع المسؤولية عن الأمم إلا إذا كانت في طفولتها أو في شيخوختها، وقد أدت الأمة المصرية والحمد لله واجبها نحو مشيخة الأزهر».
وقد ألقى في حفلة التكريم الشيخ عبد الجواد رمضان الاستاذ بالأزهر قصيدة جاء فيها:
دعوا باسمك الآمال فهي بواسم ... وبلّوا به الأرواح وهي حوائم
دجاليلهم حتى إذا لحت أصبحوا ... وأنف الدياجي والحوادث راغم
هو الدين، فادعم عرشه بعزيمة ... فقد وهنت أركانه والدعائم
وما الأزهر المعمور إلا مناره ... ولا أهله الأدنون إلا العمائم
مطالع يمن للزمان وأهله ... بها تسعد الدينا وتدنو العظائم
فيا رجل الإسلام أدرك رجاله ... فقد أنكرتهم في الحياة المكارم
وفيهم، بحمد الله، غر أزاهر ... وفيهم بحار في العلوم خضارم
إذا عالجوا كانوا الشفاء وإن دعوا ... إلى رد باغ فالذرا والمقادم
وكم لهمو في الله غرّ مواقف ... تنشّق ريّاها القرى والعواصم
أولئك أجناد إذا جدّ جدّهم ... سمت بهمو للفرقدين العزائم
إذا ما المراغى قام تحت لوائهم ... فقد زأرت في الغاب تلك الضياغم
فتى فتية الشرق الأولى تنجلي بهم ... غياهبه، والشرق بالخطب غائم
وصارم هذا الدين دين محمد ... وقد أسلمته في الجلاد الصوارم
فمن مبلغ أفناء يثرب أننا ... سلمنا، على أن ليس في الناس سالم
وأنّ الذي شاد النبيّ محمد ... على حفظه شيخ المراغة قائم
تبوّأ عرش الدين فاهتزّ ركنه ... وطاولت الجوزاء منه القوائم
وأمست شعوب الشرق نشوى قريرة ... تساهم في تكريمه وتزاحم
قصاراه أن يدعو بها عمريّة ... ترد وجوه الشرك وهي سواهم
إذا ائتلقت في مصر أضواء شمسها ... سعت في هداها للكمال العوالم
وقد ألقى المراغى كلمة في حفلة تكريمه جاء فيها:(1/269)
دعوا باسمك الآمال فهي بواسم ... وبلّوا به الأرواح وهي حوائم
دجاليلهم حتى إذا لحت أصبحوا ... وأنف الدياجي والحوادث راغم
هو الدين، فادعم عرشه بعزيمة ... فقد وهنت أركانه والدعائم
وما الأزهر المعمور إلا مناره ... ولا أهله الأدنون إلا العمائم
مطالع يمن للزمان وأهله ... بها تسعد الدينا وتدنو العظائم
فيا رجل الإسلام أدرك رجاله ... فقد أنكرتهم في الحياة المكارم
وفيهم، بحمد الله، غر أزاهر ... وفيهم بحار في العلوم خضارم
إذا عالجوا كانوا الشفاء وإن دعوا ... إلى رد باغ فالذرا والمقادم
وكم لهمو في الله غرّ مواقف ... تنشّق ريّاها القرى والعواصم
أولئك أجناد إذا جدّ جدّهم ... سمت بهمو للفرقدين العزائم
إذا ما المراغى قام تحت لوائهم ... فقد زأرت في الغاب تلك الضياغم
فتى فتية الشرق الأولى تنجلي بهم ... غياهبه، والشرق بالخطب غائم
وصارم هذا الدين دين محمد ... وقد أسلمته في الجلاد الصوارم
فمن مبلغ أفناء يثرب أننا ... سلمنا، على أن ليس في الناس سالم
وأنّ الذي شاد النبيّ محمد ... على حفظه شيخ المراغة قائم
تبوّأ عرش الدين فاهتزّ ركنه ... وطاولت الجوزاء منه القوائم
وأمست شعوب الشرق نشوى قريرة ... تساهم في تكريمه وتزاحم
قصاراه أن يدعو بها عمريّة ... ترد وجوه الشرك وهي سواهم
إذا ائتلقت في مصر أضواء شمسها ... سعت في هداها للكمال العوالم
وقد ألقى المراغى كلمة في حفلة تكريمه جاء فيها:
أحمد الله جل شأنه على ما أولانيه من الكرامة بهذه المنزلة في نفوسكم، وأشكر لحضرات الداعين المحتفلين برهم وكرمهم وعاطفة الحب الفياض البادية في قولهم وفعلم في شعرهم ونثرهم ولحضرات المدعوين تشريفهم واحتمالهم مشقة الحضور الذي أعربوا به عن جميل عطفهم وحبهم.
ويسهل على قبول هذه المنن كلها واحتمالها إذا أذنتم لي في صرف هذه الحفاوة البالغة عن شخصي الضعيف واعتبارها كلها موجهة إلى الأزهر الشريف الذي تجلونه جميعا، وتعتبرونه بحق شيخ المعاهد الإسلامية في مصر وغيرها من البلاد.
ولئن دل هذا الاجتماع بالقصد الأول على غرض التكريم فقد دل بالإشارة على ما هو أسمى من غرض التكريم.
دل على أن الأزهر خرج عن حالته التي طال أمدها ونهض يشارك الأمة في الحياة العامة وملابساتها وعزم على الاتصال بها ليفيد ويستفيد، وهذه ظاهرة من ظواهر تغير الاتجاه الفكري الذي نشأ عن تغير طرائق
التعليم فيه وعن شعوره يجب أن تحتذي ويهتدي بها. ومنذ أربعين سنة اشتد الجدل حول جواز تعليم الحساب والهندسة والتاريخ في الأزهر وحول فائدة تعليمها لعلماء الدين ومنذ أربعين سنة قرأ لنا أحد شيوخنا كتاب الهداية في الفلسفة في داره على شرط أن نكتم الأمر لئلا يتهمه الناس ويتهمونا بالزيغ والزندقة والآن تدرس في كلية أصول الدين الفلسفة القديمة والحديثة، وتدرس الملل والنحل، وتقارن الديانات، وتعلم لغات أجنبية شرقية وغربية. ومن الحق علينا ألا ننسى في هذه المناسبة والحديث حديث الأزهر والأزهريين ذلك الكوكب الذي انبثق منه النور الذي نهتدي به في حياة الأزهر العامة، ويهتدى به علماء الأقطار الاسلامية في فهم روح الإسلام وتعاليمه، ذلك الرجل الذي نشر الحياة العلمية والنشاط الفكري ووضع المنهج الواضح لتفسير القرآن الكريم وعبد الطريق لتذوق سر العربية وجمالها وصاح بالناس يذكرهم بأن العظمة والمجد لا يبنيان إلا على العلم والتقوى ومكارم الأخلاق، ذلك الرجل الذي لم تعرفه مصر إلا بعد أن فقدته ولم تقدره قدره الا بعد أن أمعن في التاريخ، ذلك هو الأستاذ الإمام محمد عبده قدس الله روحه وطيب ثراه، وقد مر على وفاته ثلاثون حولا كاملة، ومن الوفاء بعد مضي هذه السنين ونحن نتحدث عن الأزهر أن نجعل لذكراه المكان الأول في هذا الحفل، فهو مشرق النور وباعث الحياة، وعين الماء الصافية التي نلجأ إليها إذا اشتد الظمأ، والدوحة المباركة التي نأوي إلى ظلها إذا قوى لفح الهجير.(1/270)
دل على أن الأزهر خرج عن حالته التي طال أمدها ونهض يشارك الأمة في الحياة العامة وملابساتها وعزم على الاتصال بها ليفيد ويستفيد، وهذه ظاهرة من ظواهر تغير الاتجاه الفكري الذي نشأ عن تغير طرائق
التعليم فيه وعن شعوره يجب أن تحتذي ويهتدي بها. ومنذ أربعين سنة اشتد الجدل حول جواز تعليم الحساب والهندسة والتاريخ في الأزهر وحول فائدة تعليمها لعلماء الدين ومنذ أربعين سنة قرأ لنا أحد شيوخنا كتاب الهداية في الفلسفة في داره على شرط أن نكتم الأمر لئلا يتهمه الناس ويتهمونا بالزيغ والزندقة والآن تدرس في كلية أصول الدين الفلسفة القديمة والحديثة، وتدرس الملل والنحل، وتقارن الديانات، وتعلم لغات أجنبية شرقية وغربية. ومن الحق علينا ألا ننسى في هذه المناسبة والحديث حديث الأزهر والأزهريين ذلك الكوكب الذي انبثق منه النور الذي نهتدي به في حياة الأزهر العامة، ويهتدى به علماء الأقطار الاسلامية في فهم روح الإسلام وتعاليمه، ذلك الرجل الذي نشر الحياة العلمية والنشاط الفكري ووضع المنهج الواضح لتفسير القرآن الكريم وعبد الطريق لتذوق سر العربية وجمالها وصاح بالناس يذكرهم بأن العظمة والمجد لا يبنيان إلا على العلم والتقوى ومكارم الأخلاق، ذلك الرجل الذي لم تعرفه مصر إلا بعد أن فقدته ولم تقدره قدره الا بعد أن أمعن في التاريخ، ذلك هو الأستاذ الإمام محمد عبده قدس الله روحه وطيب ثراه، وقد مر على وفاته ثلاثون حولا كاملة، ومن الوفاء بعد مضي هذه السنين ونحن نتحدث عن الأزهر أن نجعل لذكراه المكان الأول في هذا الحفل، فهو مشرق النور وباعث الحياة، وعين الماء الصافية التي نلجأ إليها إذا اشتد الظمأ، والدوحة المباركة التي نأوي إلى ظلها إذا قوى لفح الهجير.
والأزهر كما تعلمون هو البيئة التي يدرس فيها الدين الإسلامي الذي أوجد أمما من العدم، وخلق تحت لوائه مدنية فاضلة، وكان له هذا الأثر الضخم في الأرض فهو يوحي بطبعه إلى شيوخه وأبنائه واجبات إنسانية، ويشعرهم بفروض صورية ومعنوية، يعدون مقصرين آثمين أمام الله وأمام الناس إذا هم تهاونوا في أدائها وأنهم لا يستطيعون أداء الوجب لربهم ودينهم ولمعهدهم وأنفسهم إلا إذا فهموا هذا الدين حق فهمه، وأجادوا معرفة لغته، وفهموا روح الاجتماع، واستعانوا بمعارف القدامى ومعارف
المحدثين فيما تمس الحاجة إليه مما هو متصل بالدين، أصوله وفروعه، وعرفوا بعض اللغات التي تمكنهم من الاتصال بآراء العلماء والاستزادة من العلم وتمكنهم من نشر الثقافة الإسلامية في البلاد التي لا تعرف اللغة العربية، هذا كله يحتاج إلى جهود تتوافر عليه وإلى التساند التام بين العلماء والطلبة والقوامين على التعليم، ويحتاج إلى العزم والتصميم على طي مراحل السير في هدوء ونظام وحب وصدق نية وكمال توجه إلى الله وحب للعلم لا يزيد عليه إلا حب الله وحب رسوله.(1/271)
والأزهر كما تعلمون هو البيئة التي يدرس فيها الدين الإسلامي الذي أوجد أمما من العدم، وخلق تحت لوائه مدنية فاضلة، وكان له هذا الأثر الضخم في الأرض فهو يوحي بطبعه إلى شيوخه وأبنائه واجبات إنسانية، ويشعرهم بفروض صورية ومعنوية، يعدون مقصرين آثمين أمام الله وأمام الناس إذا هم تهاونوا في أدائها وأنهم لا يستطيعون أداء الوجب لربهم ودينهم ولمعهدهم وأنفسهم إلا إذا فهموا هذا الدين حق فهمه، وأجادوا معرفة لغته، وفهموا روح الاجتماع، واستعانوا بمعارف القدامى ومعارف
المحدثين فيما تمس الحاجة إليه مما هو متصل بالدين، أصوله وفروعه، وعرفوا بعض اللغات التي تمكنهم من الاتصال بآراء العلماء والاستزادة من العلم وتمكنهم من نشر الثقافة الإسلامية في البلاد التي لا تعرف اللغة العربية، هذا كله يحتاج إلى جهود تتوافر عليه وإلى التساند التام بين العلماء والطلبة والقوامين على التعليم، ويحتاج إلى العزم والتصميم على طي مراحل السير في هدوء ونظام وحب وصدق نية وكمال توجه إلى الله وحب للعلم لا يزيد عليه إلا حب الله وحب رسوله.
وللمسلمين في الأزهر آمال، ومن الحق أن يتنبه أهله لها وهي:
أولا تعليم الأمم الإسلامية المتأخرة في المعارف وهدايتها إلى أصول الدين وإلى فهم الكتاب والسنة ومعرفة الفقه الإسلامي وتاريخ الإسلام ورجاله، وقد كثر تطلع هذه الأمم إلى الأزهر في هذه الأيام وزاد قاصدوه منها أفرادا وجماعات، واشتد طلبها لعلماء الأزهر يرحلون إليها لأداء أمانة الدين وهي بيانه ونشره.
ثانيا إثارة كنوز العلم التي خلفها علماء الإسلام في العلوم الدينية والعربية والعقلية وهي مجموعة مرتبط بعضها ببعض، وتاريخها متصل الحلقات، وقد حاول العلماء كشفها فنقبوا عنها وبذلوا جهودا مضنية وعرضوا نتائج بعضها صحيح وكثير منها غير صادق، وعذرهم أنهم لم يدرسوا هذه المجموعة دراسة واحدة على أن بعضها متصل بالآخر، كما هو الحال في دراسة الأزهر فإذا وفق الله أهل الأزهر إلى التعمق في دراسة هذه المجموعة قديمة حديثة ودراسة المعارف المرتبطة بها وأتقنوا طرق العرض الحديثة أمكنهم أن يعرضوا هذه الآثار عرضا صحيحا صادقا بلغة يفهمها أهل العصر الحديث وإذ ذاك يكونون أداة اتصال جيدة بين الحاضر والماضي ويطلعون العالم على ما يبهر الأنظار من آثار الأقدمين، وأعتقد أن التعليم الأزهري على النحو الذي أشرت إليه هو الذي يرجى لتحقيق الأمل، وأنه مدخر لأبنائه إن شاء الله.(1/272)
والآن وقد أوضحت بالتقريب آمال المسلمين في الأزهر، ترون أن
العبء الملقى على عاتق الأزهر ليس هين الحمل، فإنه في حاجة إلى العون الصادق من كل من يقدر على العون: إما بالمال أو العقل، أو بالمعارف والتجارب، وكل شيء يبذل في طريق تحقيق هذه الآمال هين، إذا أتت الجهود بهذه الثمرات الطيبة المباركة
ولقد ولد الشيخ مصطفى المراغى في اليوم التاسع من شهر مارس سنة 1881في المراغة من أعمال مديرية جرجا بمصر العليا وحفظ القرآن الكريم بمكتب القرية وتلقى على أبيه بعض العلوم ثم التحق بالأزهر، واتصل بالأستاذ الإمام محمد عبده فثقف نفسه عليه في دروس التفسير التي كان يلقيها بالرواق العباسي.
ونال شهادة العالمية عام 1904، وكانت سنة إذ ذاك أربعا وعشرين سنة، وكان بذلك من أصغر الحاصلين على هذه الشهادة يومذاك.
وكان تاريخ دخوله امتحان الشهادة العالمية هو 12ربيع الثاني 1322هـ، وقد أعجب به الإمام محمد عبده إعجابا شديدا.
ولم يكن رحمه الله، من العاكفين على تناول علوم الأزهر وحدها وإنما كان يضيف إليها ما يشعر به هو نحو العلم من احتياجات، شأن الشبان الفائقين، فلقد أخذ دراساته الشخصية، من بطون الكتب، ومن منابعها الأصلية في المخطوطات والهوامش والمتون كما كان عاكفا على دراسة الأدب، ودراسة الفلسفة وعلم الكلام، وما ذلك إلا استجابة منه للوقوف على روح الثقافة، ولذلك فقد نشأ صاحب عقلية مرنة مبسوطة، تمضي إلى الدقائق وما يخفي أمره على الكثيرين.
ولا جرم بعد ذلك أن يشيع اسمه بين الطلبة الذين أقبلوا حول حلقته بالجامع الأزهر، وهو يلقي عليهم الدروس بعد تخرجه، بطريقة جديدة، كان هدفها البحث عن الحقيقة، ووسيلتها التعريج بعقلية السامع إلى فنون الأدب وأشتات الفلسفة وأمشاج الكلام.
ورشح بعد لمنصب كبير، هو منصب القضاء لمديرية دنقلة في
السودان، ذلك المنصب الذي ساعده على تسلق الحواجز السياسية، وإعلاء شأن كلمة الدين والحق بين الشمال والجنوب، فتتلمذ عليه الكثيرون من أبناء الجنوب، بعد أن استساغوا لذة الوطنية الإسلامية من شروح الشيخ الجليل لقضايا الوطن بين خلصائه وصفوة تلاميذه في السودان، وكان يعني بذلك المسلك أن رجل الدين إنما هو من رجال السياسة يدلي بدلوه فيها دون انغماس، حتى يكون القائد إلى تحقيق الوطنية الإسلامية، وفقا لتعاليم الدين، لا انحيازا إلى المعتقدات السياسية.(1/274)
ورشح بعد لمنصب كبير، هو منصب القضاء لمديرية دنقلة في
السودان، ذلك المنصب الذي ساعده على تسلق الحواجز السياسية، وإعلاء شأن كلمة الدين والحق بين الشمال والجنوب، فتتلمذ عليه الكثيرون من أبناء الجنوب، بعد أن استساغوا لذة الوطنية الإسلامية من شروح الشيخ الجليل لقضايا الوطن بين خلصائه وصفوة تلاميذه في السودان، وكان يعني بذلك المسلك أن رجل الدين إنما هو من رجال السياسة يدلي بدلوه فيها دون انغماس، حتى يكون القائد إلى تحقيق الوطنية الإسلامية، وفقا لتعاليم الدين، لا انحيازا إلى المعتقدات السياسية.
لقد كان الشيخ المراغى رحمه الله يعرف رسالة رجل الدين تماما، وهي رسالة العالم الذي يعمل للحياة كلها، وللوطن الإسلامي كله، فلا يصدر رأيا إلا إذا كان الرأي لبنة في بناء هذا الوطن الكبير
ومن ذلك، أن سلاطين باشا يوم أن عرض عليه قبول منصب قاضي قضاة السودان قبل أن يتولى منصب رئيس المحكمة الشرعية العليا اشترط لقبول المنصب أن يكون تعيينه فيه بأمر يصدره خديو مصر، لا رجال السلطة الإنجليزية في السودان.
وفي عام 1923عين رئيسا للمحكمة العليا الشرعية، فواجه بمنصبه ذلك تلك الحوائل التي تمنى أن يقضي عليها بالمحاكم.
وكانت المحاكم الشرعية في ذلك الوقت تحكم في قضايا الزواج والطلاق وسائر الأحوال الشخصية، وفق القول الراجح من مذهب أبي حنيفة.
ولما كانت هناك أحكام أخرى تحقق التيسير على المتقاضين، فقد رأى أن يؤخذ بهذه الأحكام، وأن يعدل قانون المحاكم الشرعية.
وكان من رأيه الأخذ برأي ابن تيمية ومحمد بن قيم الجوزية في جعل الطلاق الثلاث في لفظ كلمة واحدة طلقة واحدة، وما كاد يجهر بهذ
الرأي في مشروع أعده، حتى استهدف لحملة عنيفة من بعض العلماء ورجال القضاء الشرعي.(1/275)
وكان من رأيه الأخذ برأي ابن تيمية ومحمد بن قيم الجوزية في جعل الطلاق الثلاث في لفظ كلمة واحدة طلقة واحدة، وما كاد يجهر بهذ
الرأي في مشروع أعده، حتى استهدف لحملة عنيفة من بعض العلماء ورجال القضاء الشرعي.
ولكن تاريخه في العلم، والدراسة، وتشربه من روح الإمام الأكبر الشيخ محمد عبده مكنته من الثبات للمعركة، والعمل على تيسير القضاء وتم له ما أراد.
ولعل ما كتبه في الرد على العلماء الذين تناقشوا معه في تيسير تعاليم الإسلام في المحاكم الشرعية مما يشرح عقلية الرجل المبسوطة في ثقافة الإسلام الممدودة في بطون أسفار العلوم الإسلامية، قال رحمه الله:
أثار مشروع قانون الزواج والطلاق حركة فكرية اجتماعية دينية، فنشط العلماء للبحث والاستنباط والرجوع إلى كتب الشريعة المطهرة، وتطبيقها على القانون، ونشط غيرهم إلى بحثه من الوجهة الاجتماعية، وما لنا لا نغتبط بهذا، وقد تستمر هذه الحركة، ويتجدد نشاط الفقه الإسلامي بعد ركوده في المتون والشروح، وتتجه إليه الأنظار وتتولد فكرة تهذيبية باختيار ما صح دليله وما قام البرهان على أن فيه مصلحة الناس من أقوال أئمة الهدى وفقهاء الإسلام.
وقد يقضي على تلك الفكرة الخاطئة فكرة وجوب تقليد الأئمة الأربعة دون سواهم سواء أوافقت مذاهبهم أم خالفتها مصلحة المجتمع.
أما جهوده في إصلاح الأزهر والعناية بإعادة سالف مجده إليه كأقدم جامعة في التاريخ، والجامعة الكبرى التي قامت على حفظ التراث الإسلامي ولغة القرآن فحديث معاد ويقول فيه الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم:
لقد كان المراغى ذا فطرة سليمة صافية، يمدها ذكاء شديد، واستعداد طيب، وكان مما أفاده وخرجه تخريجا قويا تلمذته على الرجلين العظيمين المغفور لهما الشيخ أحمد أبي خطوة والشيخ محمد عبده، فعنهما اكتسب الاستقلال في التفكير والميل إلى الحرية، والقصد في
الاعتقاد بما يراه أهل التقليد، وكان له مع هذا كله قدرة عظيمة على التعبير عن أفكاره، في لفظ رائق وأسلوب قوي وبيان فصيح، وهذا هو السر في أنه ظهر بين شيوخ الأزهر مبرزا قويا، مجلجلا مدويا، وإن لم يكن أكثر علما من الشيخ أبي الفضل ولا من الشيخ الشربيني.(1/276)
لقد كان المراغى ذا فطرة سليمة صافية، يمدها ذكاء شديد، واستعداد طيب، وكان مما أفاده وخرجه تخريجا قويا تلمذته على الرجلين العظيمين المغفور لهما الشيخ أحمد أبي خطوة والشيخ محمد عبده، فعنهما اكتسب الاستقلال في التفكير والميل إلى الحرية، والقصد في
الاعتقاد بما يراه أهل التقليد، وكان له مع هذا كله قدرة عظيمة على التعبير عن أفكاره، في لفظ رائق وأسلوب قوي وبيان فصيح، وهذا هو السر في أنه ظهر بين شيوخ الأزهر مبرزا قويا، مجلجلا مدويا، وإن لم يكن أكثر علما من الشيخ أبي الفضل ولا من الشيخ الشربيني.
إن العلم كسائر ما وهبه الله للناس، منه مبارك فيه، يجل به النفع، ويسري من صاحبه إلى غيره سهلا مفيدا، ومنه ما ليس كذلك، وليست العبرة على كل حال بالقلة أو الكثرة، وقد كان المغفور له الشيخ المراغى كالمغفور له الأستاذ الإمام الشيخ عبده من أصحاب العلم النافع المبارك فيه ثم قال.
لقد كنت أنا والشيخ المراغى صديقين حميمين، كلانا يحب صاحبه، ويقدر فيه مواهبه، ولم تكن هذه الصداقة عارضة بل كانت أصيلة، مرت بها عهود، وأعمال مختلفة اشتركنا فيها ولكننا مع ذلك اختلفنا بعد لأي من مشيخته الثانية للأزهر، وكان خلافنا معروفا للخاصة والعامة من الأزهريين وغيرهم، وسببه الجوهري ميله رحمه الله إلى ناحية السياسة الحزبية وشدة نفوري من ذلك، فإني أرى أن الخير كل الخير في أن يتجنب العلماء السياسة الحزبية، وينأوا عن مكايد الحزبية ومتاعبها التي تقضي إلى ما لا يحمد من العواقب، ولكن هذا الخلاف لم يخرج بي ولا به عن الجادة، وما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم من المودة والنصيحة، فكنت أبدي له ودي ونصحي، وأنقد مع ذلك بعض تصرفاته التي أرى أن مبعثها غالبا هو ذاك، وكان يتقبل ودي، ويبادلني إياه، ويعتذر عن عدم مشاطرتي الرأي فيما أنقده فيه، أو يبدي من المبررات ما يراه لفعله. وعلى كل حال لم يكن هذا الخلاف بالذي يقطع ما بيننا من محبة وتعاون، بل كان خلاف الشرفاء والحمد لله.
لقد كان رحمه الله في عهد مشيخته الأولى مؤيدا تمام التأييد، وكنت معجبا بآرائه وأفكاره الإصلاحية وطريقته في الإدارة، وتركيز قواه وما آتاه الله من مواهب في الأزهر وإصلاح شأنه، ولقد كنت أعاونه معاونة
قوية، وقد ظللت أقوم على رياسة قسم التخصص وأنا في منصب الإفتاء مدة طويلة، أشرفت فيها على تخريج مئات العلماء الأقوياء الذين يحملون الآن على عواتقهم أهم أعباء الأزهر، وكنت أشترك معه في كثير من اللجان العلمية: كلجنة الأحوال الشخصية ولجنة مناقشة الرسائل العلمية التي كان يتقدم بها طلاب شهادة العالمية من درجة أستاذ، وقد كانت هذه اللجنة تعقد أحيانا في الرواق العباسي، ويشهدها والمناقشات العلمية على أتم ما تكون قوة ودقة علماء الأزهر وطلابه والراغبون في العلم والبحث من غير الأزهريين وكما كان يتجلى في هذه المناقشات الحرة ذكاء الشيخ المراغى وعلمه وقوة تفكيره وإخلاصه للفكرة العلمية وحرصه على تبين الحق، وضرب المثل لأبناء الأزهر في تقبله والنزول على حكمه.(1/277)
لقد كان رحمه الله في عهد مشيخته الأولى مؤيدا تمام التأييد، وكنت معجبا بآرائه وأفكاره الإصلاحية وطريقته في الإدارة، وتركيز قواه وما آتاه الله من مواهب في الأزهر وإصلاح شأنه، ولقد كنت أعاونه معاونة
قوية، وقد ظللت أقوم على رياسة قسم التخصص وأنا في منصب الإفتاء مدة طويلة، أشرفت فيها على تخريج مئات العلماء الأقوياء الذين يحملون الآن على عواتقهم أهم أعباء الأزهر، وكنت أشترك معه في كثير من اللجان العلمية: كلجنة الأحوال الشخصية ولجنة مناقشة الرسائل العلمية التي كان يتقدم بها طلاب شهادة العالمية من درجة أستاذ، وقد كانت هذه اللجنة تعقد أحيانا في الرواق العباسي، ويشهدها والمناقشات العلمية على أتم ما تكون قوة ودقة علماء الأزهر وطلابه والراغبون في العلم والبحث من غير الأزهريين وكما كان يتجلى في هذه المناقشات الحرة ذكاء الشيخ المراغى وعلمه وقوة تفكيره وإخلاصه للفكرة العلمية وحرصه على تبين الحق، وضرب المثل لأبناء الأزهر في تقبله والنزول على حكمه.
وكتب الأستاذ محمد فريد وجدي بمناسبة وفاته يقول: رزئت أسرة العلم في العالم الإسلامي كله بوفاة عميدها، غير مدافع، الشيخ مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر، فلا نقول: كان لها أثر بالغ في النفوس، ولكننا نقول: إنها كانت كارثة على الجهود النبيلة التي يبذلها العارفون بأمور الأزهر، ويعملون على إحلاله المكانة التي تناسب عظمة الاسلام، وتمثله على حقيقته في نظر العالم. نعم إن البذر الذي وضعه رحمه الله، لينتج هذا الأثر الفخم، بطيء النمو، ولكنه هو الدواء الوحيد لداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. لسنا نعني بإصلاح الأزهر ترتيب الدروس في أوقاتها، وتوزيع مقررات الدراسات عليها، وتعيين المدرسين الأكفاء لتدريسها، ومراعاة كفايتهم في تحديد مرتباتهم، كل هذه الشؤون أعراض لا تمت إلى اللباب في شيء، وإنما إصلاحه الصحيح ينحصر في أن يصبح جهة دينية يسندها العلم وتؤيدها الفلسفة، بحيث يتفق ذلك وحقيقة الإسلام ومعناه، ولا يدع في صدر مستشكل اعتراضا بأن الأزهر يمثل عهدا لا يمت إليه اليوم أحد بسبب. هذا الاصلاح، إن لم يصل إليه الأزهر في يوم من الأيام، في غير تطرف ولا تعسف، تلمس المسلمون
ما يمثل مطالب روحهم في مكان آخر، أو وهو الأرجح اندفعوا في تيار الفلسفة المادية لا يلوون على شيء، على مثال غيرهم من الأمم الأخرى. إن الشيخ المراغى كان يجيد فهم هذه الناحية من نفسية المعاصرين، وكان يعمل في سبيل الوصول إلى ما أشرنا إليه في تؤدة ورفق، صابرا على ما يحتوش هذه التؤدة، مما يخيل أنها الوقوف بل القهقري بل الانحلال الذريع، والحقيقة كانت غير ذلك لمن يتأملها تحت ضوء النظر البعيد، والتفكير العميق في مستقبل العقيدة الإسلامية.(1/278)
وكتب الأستاذ محمد فريد وجدي بمناسبة وفاته يقول: رزئت أسرة العلم في العالم الإسلامي كله بوفاة عميدها، غير مدافع، الشيخ مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر، فلا نقول: كان لها أثر بالغ في النفوس، ولكننا نقول: إنها كانت كارثة على الجهود النبيلة التي يبذلها العارفون بأمور الأزهر، ويعملون على إحلاله المكانة التي تناسب عظمة الاسلام، وتمثله على حقيقته في نظر العالم. نعم إن البذر الذي وضعه رحمه الله، لينتج هذا الأثر الفخم، بطيء النمو، ولكنه هو الدواء الوحيد لداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. لسنا نعني بإصلاح الأزهر ترتيب الدروس في أوقاتها، وتوزيع مقررات الدراسات عليها، وتعيين المدرسين الأكفاء لتدريسها، ومراعاة كفايتهم في تحديد مرتباتهم، كل هذه الشؤون أعراض لا تمت إلى اللباب في شيء، وإنما إصلاحه الصحيح ينحصر في أن يصبح جهة دينية يسندها العلم وتؤيدها الفلسفة، بحيث يتفق ذلك وحقيقة الإسلام ومعناه، ولا يدع في صدر مستشكل اعتراضا بأن الأزهر يمثل عهدا لا يمت إليه اليوم أحد بسبب. هذا الاصلاح، إن لم يصل إليه الأزهر في يوم من الأيام، في غير تطرف ولا تعسف، تلمس المسلمون
ما يمثل مطالب روحهم في مكان آخر، أو وهو الأرجح اندفعوا في تيار الفلسفة المادية لا يلوون على شيء، على مثال غيرهم من الأمم الأخرى. إن الشيخ المراغى كان يجيد فهم هذه الناحية من نفسية المعاصرين، وكان يعمل في سبيل الوصول إلى ما أشرنا إليه في تؤدة ورفق، صابرا على ما يحتوش هذه التؤدة، مما يخيل أنها الوقوف بل القهقري بل الانحلال الذريع، والحقيقة كانت غير ذلك لمن يتأملها تحت ضوء النظر البعيد، والتفكير العميق في مستقبل العقيدة الإسلامية.
كان المراغى يعلم أن العالم المتمدن اليوم انتهى إلى حد من عقائده، أملته عليه فلسفة بوخنر وهايكل ومولخوت الخ، وان العالم الإسلامي يترسم خطواته شبرا بشبر، مدفوعا بطبيعة الدراسات العلمية التي لا بد له منها، وكان يعلم أن الأزهر في حالته التي هو عليها لا يصلح أن يقف حائلا دون هذا التطور، وإنه لا بد له من انقلاب ذريع يطرأ عليه ليصبح جديرا بالمهمة التي أرادها مؤسسوه منه في كل عهد فماذا يفعل؟
وليس بين يديه ممن يحسون بهذا الخطر سوى عدد نزر، لا يكفون لإحداث انتقال خطير، يتأدى به إلى غرضه بالسرعة المرجوة؟
اضطر لأن يسير وئيدا، والسير الوئيد في مثل هذا العهد جريمة.
فماذا يفعل والأحوال حوله تجري في تيار معاكس؟ وكثيرا ما رأى أن الأولى به التخلي عن وظيفته، لولا أن الشعب كان يرى أن ليس لهذه المهمة العالمية غيره فيتمسك به.(1/279)
الشيخ مصطفى عبد الرازق
ولد رحمه الله عام 1885بأبي جرج من أعمال مديرية المنيا، وهو الابن الثاني من أولاد المرحوم حسن عبد الرازق باشا، وبعد أن أتم تعليمه الأولى حفظ القرآن الكريم وجوده، ثم التحق لطلب العلم بالأزهر الشريف وتخرج في سنة 1906وحصل على شهادة العالمية من الدرجة الأولى بين زملائه الشافعية. وعين للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي، وفي سنة 1909سافر إلى فرنسا والتحق بجامعة السربون ليضم إلى ثقافة الشرق ثقافة الغرب وندبه مسيولابيير لتدريس بعض المباحث الإسلامية بجامعة ليون، ثم عاد من فرنسا في أوائل الحرب الكبرى وعين سكرتيرا لمجلس الأزهر وكان ذلك في سنة 1916وفي سنة 1921عين مفتشا في المحاكم الشرعية، ثم عين سنة 1927أستاذا للفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول وظل في كرسي الأستاذية حتى اختير في سنة 1938وزيرا للاوقاف في وزارة المغفور له محمد محمود باشا الثانية واختير عدة مرات في وزارات مختلفة لتولي هذا المنصب حتى انتقل المغفور له الشيخ المراغي شيخ الأزهر إلى جوار ربه، فاختير لهذا المنصب وهو وزير الأوقاف وصدر الأمر الملكي بتعيينه شيخا للأزهر في 27ديسمبر سنة 1945، وظل في هذا المنصب حتى لقي الرفيق الأعلى وقد اختير أميرا للحج في العام الذي توفي فيه، فكان خير مبعوث لمصر بين أبناء البلاد الإسلامية عند البيت الحرام. ويقول عند الأستاذ محمد فريد وجدي حين وفاته: انتقل إلى عالم الأرواح الخالدة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الجامع
الأزهر، وهو أصح ما يكون جسما وعقلا، فكان لهذه الفجاءة أثر في النفوس لم نشهد مثله لأحد قبله، لأن الناس كانوا أحوج ما يكونون إلى مثله في هذا العهد من الانتقال، وفي هذا الدور من الاعتراك بين القديم والحديث، وكان الأستاذ بشخصيته الممتازة، وسعة أفقه الثقافي خير من يدرك آثار هذا العهد في حياة الأمم، وأصلح من يوكل إليه أمر التوفيق بينهما لمصلحة الدين والدنيا معا. فلا غرو إن ساور الهلع كل نفس تنتظر عهد الاستقرار والهدوء والتقدم. لم أر فيمن قابلت من القادة والأعلين أكرم خلقا في غير استكانة، ولا أهدأ نفسا في غير وهن، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة، من الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث، واحتياط لا يشوبه تنطع، وأناة لا يفسدها فتور، وإدمان على العمل ينسى معه نفسه، وهي صفات كبار القادة. وعلية المصلحين، ممن خلقوا لمعالجة الشؤون المعقدة، وحسم المنازعات الشائكة، والتوفيق بين المطالب المتنافرة، وهذه مواقف كما تقتضي مضاء العزيمة، تحتاج إلى هوادة الأناة، وكما تستدعي سرعة البت، لا بد لها من القدرة على إزالة الحوائل، وقديما قالوا: رب عجلة أورثت ريثا، ورب إقدام جر إلى نكوص، فكان بما حباه به بارئه من هذه المواهب النادرة، كفاء المهمة التي وفق المسؤولون في إسنادها إليه، وكنت لا أشك في أنه بما جبل عليه من حب الإصلاح، وما اتصف به من الصفات التي سردناها آنفا، سيصل إلى حل مشكلة الأزهر حلا حاسما، يعيش تحت نظامه آمنا شر العوادي، وفي منجاة من عوامل القلق والاضطراب. ذلك أنه بما تضلع من إلمام بنظم الجامعات، وما حصل من علم بمقوماتها وحاجاتها لتمضيته في صميمها سنين طوالا من حياته طالبا ومدرسا، يعرف من أسرار حياتها وبقائها وبواعث عللها وأعراضها، ما لا يعلمه إلا الأقلون، والأزهر لا يخرج عن جامعة قديمة في دور انتقال، تتفاعل لتتناسب والعهد الذي تعيش فيه، فهي في حاجة إلى أن تحصل على المقومات التي تؤاتيها بهذا التناسب، وهو لا ينحصر في زيادة ميزانيتها، ولا في تهذيب برامج
دراستها، ولكنه يتعداهما إلى ما هو إيجاد المجال الحيوي لخريجيها.(1/280)
ولد رحمه الله عام 1885بأبي جرج من أعمال مديرية المنيا، وهو الابن الثاني من أولاد المرحوم حسن عبد الرازق باشا، وبعد أن أتم تعليمه الأولى حفظ القرآن الكريم وجوده، ثم التحق لطلب العلم بالأزهر الشريف وتخرج في سنة 1906وحصل على شهادة العالمية من الدرجة الأولى بين زملائه الشافعية. وعين للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي، وفي سنة 1909سافر إلى فرنسا والتحق بجامعة السربون ليضم إلى ثقافة الشرق ثقافة الغرب وندبه مسيولابيير لتدريس بعض المباحث الإسلامية بجامعة ليون، ثم عاد من فرنسا في أوائل الحرب الكبرى وعين سكرتيرا لمجلس الأزهر وكان ذلك في سنة 1916وفي سنة 1921عين مفتشا في المحاكم الشرعية، ثم عين سنة 1927أستاذا للفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول وظل في كرسي الأستاذية حتى اختير في سنة 1938وزيرا للاوقاف في وزارة المغفور له محمد محمود باشا الثانية واختير عدة مرات في وزارات مختلفة لتولي هذا المنصب حتى انتقل المغفور له الشيخ المراغي شيخ الأزهر إلى جوار ربه، فاختير لهذا المنصب وهو وزير الأوقاف وصدر الأمر الملكي بتعيينه شيخا للأزهر في 27ديسمبر سنة 1945، وظل في هذا المنصب حتى لقي الرفيق الأعلى وقد اختير أميرا للحج في العام الذي توفي فيه، فكان خير مبعوث لمصر بين أبناء البلاد الإسلامية عند البيت الحرام. ويقول عند الأستاذ محمد فريد وجدي حين وفاته: انتقل إلى عالم الأرواح الخالدة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الجامع
الأزهر، وهو أصح ما يكون جسما وعقلا، فكان لهذه الفجاءة أثر في النفوس لم نشهد مثله لأحد قبله، لأن الناس كانوا أحوج ما يكونون إلى مثله في هذا العهد من الانتقال، وفي هذا الدور من الاعتراك بين القديم والحديث، وكان الأستاذ بشخصيته الممتازة، وسعة أفقه الثقافي خير من يدرك آثار هذا العهد في حياة الأمم، وأصلح من يوكل إليه أمر التوفيق بينهما لمصلحة الدين والدنيا معا. فلا غرو إن ساور الهلع كل نفس تنتظر عهد الاستقرار والهدوء والتقدم. لم أر فيمن قابلت من القادة والأعلين أكرم خلقا في غير استكانة، ولا أهدأ نفسا في غير وهن، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة، من الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث، واحتياط لا يشوبه تنطع، وأناة لا يفسدها فتور، وإدمان على العمل ينسى معه نفسه، وهي صفات كبار القادة. وعلية المصلحين، ممن خلقوا لمعالجة الشؤون المعقدة، وحسم المنازعات الشائكة، والتوفيق بين المطالب المتنافرة، وهذه مواقف كما تقتضي مضاء العزيمة، تحتاج إلى هوادة الأناة، وكما تستدعي سرعة البت، لا بد لها من القدرة على إزالة الحوائل، وقديما قالوا: رب عجلة أورثت ريثا، ورب إقدام جر إلى نكوص، فكان بما حباه به بارئه من هذه المواهب النادرة، كفاء المهمة التي وفق المسؤولون في إسنادها إليه، وكنت لا أشك في أنه بما جبل عليه من حب الإصلاح، وما اتصف به من الصفات التي سردناها آنفا، سيصل إلى حل مشكلة الأزهر حلا حاسما، يعيش تحت نظامه آمنا شر العوادي، وفي منجاة من عوامل القلق والاضطراب. ذلك أنه بما تضلع من إلمام بنظم الجامعات، وما حصل من علم بمقوماتها وحاجاتها لتمضيته في صميمها سنين طوالا من حياته طالبا ومدرسا، يعرف من أسرار حياتها وبقائها وبواعث عللها وأعراضها، ما لا يعلمه إلا الأقلون، والأزهر لا يخرج عن جامعة قديمة في دور انتقال، تتفاعل لتتناسب والعهد الذي تعيش فيه، فهي في حاجة إلى أن تحصل على المقومات التي تؤاتيها بهذا التناسب، وهو لا ينحصر في زيادة ميزانيتها، ولا في تهذيب برامج
دراستها، ولكنه يتعداهما إلى ما هو إيجاد المجال الحيوي لخريجيها.(1/281)
ولد رحمه الله عام 1885بأبي جرج من أعمال مديرية المنيا، وهو الابن الثاني من أولاد المرحوم حسن عبد الرازق باشا، وبعد أن أتم تعليمه الأولى حفظ القرآن الكريم وجوده، ثم التحق لطلب العلم بالأزهر الشريف وتخرج في سنة 1906وحصل على شهادة العالمية من الدرجة الأولى بين زملائه الشافعية. وعين للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي، وفي سنة 1909سافر إلى فرنسا والتحق بجامعة السربون ليضم إلى ثقافة الشرق ثقافة الغرب وندبه مسيولابيير لتدريس بعض المباحث الإسلامية بجامعة ليون، ثم عاد من فرنسا في أوائل الحرب الكبرى وعين سكرتيرا لمجلس الأزهر وكان ذلك في سنة 1916وفي سنة 1921عين مفتشا في المحاكم الشرعية، ثم عين سنة 1927أستاذا للفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول وظل في كرسي الأستاذية حتى اختير في سنة 1938وزيرا للاوقاف في وزارة المغفور له محمد محمود باشا الثانية واختير عدة مرات في وزارات مختلفة لتولي هذا المنصب حتى انتقل المغفور له الشيخ المراغي شيخ الأزهر إلى جوار ربه، فاختير لهذا المنصب وهو وزير الأوقاف وصدر الأمر الملكي بتعيينه شيخا للأزهر في 27ديسمبر سنة 1945، وظل في هذا المنصب حتى لقي الرفيق الأعلى وقد اختير أميرا للحج في العام الذي توفي فيه، فكان خير مبعوث لمصر بين أبناء البلاد الإسلامية عند البيت الحرام. ويقول عند الأستاذ محمد فريد وجدي حين وفاته: انتقل إلى عالم الأرواح الخالدة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الجامع
الأزهر، وهو أصح ما يكون جسما وعقلا، فكان لهذه الفجاءة أثر في النفوس لم نشهد مثله لأحد قبله، لأن الناس كانوا أحوج ما يكونون إلى مثله في هذا العهد من الانتقال، وفي هذا الدور من الاعتراك بين القديم والحديث، وكان الأستاذ بشخصيته الممتازة، وسعة أفقه الثقافي خير من يدرك آثار هذا العهد في حياة الأمم، وأصلح من يوكل إليه أمر التوفيق بينهما لمصلحة الدين والدنيا معا. فلا غرو إن ساور الهلع كل نفس تنتظر عهد الاستقرار والهدوء والتقدم. لم أر فيمن قابلت من القادة والأعلين أكرم خلقا في غير استكانة، ولا أهدأ نفسا في غير وهن، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة، من الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث، واحتياط لا يشوبه تنطع، وأناة لا يفسدها فتور، وإدمان على العمل ينسى معه نفسه، وهي صفات كبار القادة. وعلية المصلحين، ممن خلقوا لمعالجة الشؤون المعقدة، وحسم المنازعات الشائكة، والتوفيق بين المطالب المتنافرة، وهذه مواقف كما تقتضي مضاء العزيمة، تحتاج إلى هوادة الأناة، وكما تستدعي سرعة البت، لا بد لها من القدرة على إزالة الحوائل، وقديما قالوا: رب عجلة أورثت ريثا، ورب إقدام جر إلى نكوص، فكان بما حباه به بارئه من هذه المواهب النادرة، كفاء المهمة التي وفق المسؤولون في إسنادها إليه، وكنت لا أشك في أنه بما جبل عليه من حب الإصلاح، وما اتصف به من الصفات التي سردناها آنفا، سيصل إلى حل مشكلة الأزهر حلا حاسما، يعيش تحت نظامه آمنا شر العوادي، وفي منجاة من عوامل القلق والاضطراب. ذلك أنه بما تضلع من إلمام بنظم الجامعات، وما حصل من علم بمقوماتها وحاجاتها لتمضيته في صميمها سنين طوالا من حياته طالبا ومدرسا، يعرف من أسرار حياتها وبقائها وبواعث عللها وأعراضها، ما لا يعلمه إلا الأقلون، والأزهر لا يخرج عن جامعة قديمة في دور انتقال، تتفاعل لتتناسب والعهد الذي تعيش فيه، فهي في حاجة إلى أن تحصل على المقومات التي تؤاتيها بهذا التناسب، وهو لا ينحصر في زيادة ميزانيتها، ولا في تهذيب برامج
دراستها، ولكنه يتعداهما إلى ما هو إيجاد المجال الحيوي لخريجيها.
ولد فقيدنا أجزل الله ثوابه في قرية أبي جرج بمديرية المنيا سنة (1304) هـ الموافقة لسنة (1885) م وتلقى التعليم الأولى فيها، ثم بعث به والده إلى الأزهر فلبث فيه اثنتي عشرة سنة. ولما نال درجة العالمية فيه أسندت إليه مهمة التدريس في مدرسة القضاء الشرعي. ثم رأى أن الأولى به أن يتمم ثقافته بالمعارف الغربية، فأم باريس، والتحق بجامعة (السوربون) المشهورة ونال إجازة في الأدب الفرنسي والفلسفة، وانتقل من السوربون إلى معهد الدراسات الاجتماعية العليا لينال حظا من معارفها. ثم دعاه الأستاذ لامبيير إلى ليون ليلقى محاضرات في الشريعة الإسلامية، ويقوم بتدريس اللغة العربية هناك، فلم تمنعه هذه الأعمال من متابعة دراساته في الفلسفة والأدب الفرنسي. وفي هذه الأثناء تتلمذ للأستاذ جوبلو، الذي كان مرجع علم المنطق في فرنسا إذ ذاك، ولما عاد إلى مصر سنة 1916، عين سكرتير المجلس الأزهر الأعلى، ثم مفتشا للمحاكم الشرعية سنة 1921. وفي سنة 1927عين أستاذا للمنطق والفلسفة الإسلامية بجامعة فؤاد، وإليه يرجع الفضل في إحياء المصطلحات العربية القديمة واستعمالها في تعليم فروع الفلسفة.
ومما هو جدير بالذكر أن جميع مدرسي الفلسفة في عهدنا الحاضر بجامعتي فؤاد والاسكندرية من تلاميذه، ولم تنقطع صلتهم به، وقد أسندت إليه وزارة الأوقاف مرتين (1)، ولما توفي الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي، وعز وجود من يملأ مكانه، أسندت المشيخة إليه في 27من ديسمبر سنة 1945.
ومن مؤلفاته العديدة:
__________
(1) وأسفرت الوزارة كذلك إلى شقيقه علي عبد الرازق من بعده، وتوفي علي عبد الرّازق من 24/ 9/ 1966.(1/282)
1 - ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد تأليف الشيخ محمد عبده، وضعها بالاشتراك مع الأستاذ ميشيل، وحلاها هو بمقدمة طويلة.
2 - رسائل صغيرة بالفرنسية عن المرحوم الأثري الكبير بهجت بك، وعن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام.
3 - كتاب التمهيد لتاريخ الفلسفة.
4 - فيلسوف العرب والمعلم الثاني. لاسلامية.
5 - الدين والوحي في الإسلام.
6 - الإمام الشافعي.
7 - الامام محمد عبده، وهو مجموع محاضرات ألقيت في الجامعة الشعبية سنة 1919وكلها مؤلفات تعتبر غاية في الإفادة.
وله كتب لم تنشر، منها مؤلف كبير في المنطق، وكتاب في التصوف، وفصول في الأدب تقع في مجلدين كبيرين. وكان رئيسا لمجلس إدارة الجمعية الخيرية، التي كان والده من مؤسسيها، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية، والمجمع العلمي المصري.
وفي 27مارس عام 1947أقيمت حفلة لتأبينه في جامعة فؤاد الأول، ألقى فيها لطفي السيد وعبد العزيز فهمي والدكتور حسين هيكل ومنصور فهمي وإبراهيم دسوقي أباظة وطه حسين وأمين الخولى والعقاد وسواهم كلمات وقصائد في الإشادة بمناقبه. وألقى الشيخ محمد عبد اللطيف دراز في الحفلة كلمة جاء فيها:
عرفت مصطفى عبد الرازق سكرتيرا عاما لمجلس الأزهر الأعلى، وعرفته موظفا في وزارة العدل بعد إبعاده عن الأزهر بسبب موقف وطني كريم، وعرفته أستاذا في الجامعة، ووزيرا، وشيخا للجامع الأزهر، وخالطته أطول مخالطة، وخبرته أشد الخبرة في كل ما ينبغي أن يعرف صديق عن صديق، وأخ عن أخ، فأشهد ما تقلب به دهر، ولا حاد عن
عهد، ولا زال عنه من خلق الرجال ما يزول عن المسترجلين والمتعاظمين، إذا دالت الدولة ونبا الزمان وتقطعت بهم الأسباب، فهو راض وإن سخط غيره، وهو سمح وإن تعسر الزمان.(1/283)
عرفت مصطفى عبد الرازق سكرتيرا عاما لمجلس الأزهر الأعلى، وعرفته موظفا في وزارة العدل بعد إبعاده عن الأزهر بسبب موقف وطني كريم، وعرفته أستاذا في الجامعة، ووزيرا، وشيخا للجامع الأزهر، وخالطته أطول مخالطة، وخبرته أشد الخبرة في كل ما ينبغي أن يعرف صديق عن صديق، وأخ عن أخ، فأشهد ما تقلب به دهر، ولا حاد عن
عهد، ولا زال عنه من خلق الرجال ما يزول عن المسترجلين والمتعاظمين، إذا دالت الدولة ونبا الزمان وتقطعت بهم الأسباب، فهو راض وإن سخط غيره، وهو سمح وإن تعسر الزمان.
كان مصطفى عبد الرازق مثقفا، ولكن أية ثقافة هي؟ هي الثقافة الإسلامية التي أفنى العمر في تصويرها والدعوة إليها، وحمل الأمة عليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد مصطفى المراغي وغيرهم من قادة النهضة وأئمة الإسلام في عصرنا القريب. كان هو المثال الذي تمثلت فيه هذه الثقافة الحية الناهضة الجامعة بين خير ما في الشرق وخير ما في الغرب من تراث الإسلام الطاهر، وثمرة العقول الناضجة، وبهذا نعلم مقدار خسارتنا وخسارة الأزهر والإسلام بفقد هذا الرجل. كان مصطفى عبد الرازق مؤمنا، وإيمانه هو الذي كون له هذه النفس القوية العظيمة، فإن الثقافة وحدها لا تصنع النفوس، فنحن نرى بعض المثقفين يتخذون من ثقافتهم طريقا لمجرد كسب العيش، وهي في البعض الآخر طريق إلى الشرور والمآثم والفتن، تشقى ولا تسعد، وتدمر ولا تعمر، وتهلك الحرث والنسل، ويبغى بها الناس بعضهم على بعض، ويسعون بها في الأرض فسادا، فما أبعد الفرق بين هذه الثقافة وبين كرائم الإيمان!. تلك مادية صرف، وليس من هذا فقط كان فسادها فقد تنفع المادة وتصلح، ولكن فسادها كان من أن الشيطان تولى زمامها فصرفها عن غايتها المثلى وأركسها في الشهوات والأهواء. أما مواهب الايمان فهي نفحات قدسية تملأ القلب هداية ونورا، وسكينة وثباتا، وأمنا وسلاما، ومحبة ورضا، وأملا في الله ومراقبة له، وعملا لوجه ربك ذي الجلال والإكرام. وهذه هي السعادة التي جاء بها المرسلون وجاهد في سبيلها المصلحون، وسعد بها المؤمنون، فإذا هيء لنفس طيبة نبيلة أن تجمع بين هبة الدين الحق والعلم الصحيح، فقد أشرقت بنور على نور، ونور الإيمان بالله يملأ القلب، ونور العلم يهتدي به العقل في الوصول إلى الحق. وكذلك كان فضل الله ونعمته على فقيدنا الكريم عليه رحمة الله:
جمع الله له من خير ما يحمد لعباده الصالحين، فمنحه سلامة الفطرة، فكان من أسلم الناس نفسا، ومنحة سداد العقيدة فكان من أنفذ الناس بصيرة في الدين، ومن أشدهم استمساكا به واعتصاما بهديه، ومنحه العلم الصحيح والمعرفة الواسعة فكان من أجمع الناس لعلوم الشرق والغرب، تمثلهما عن خبرة ودراية وإمامة، وهو بهذا من الأمثلة الكاملة في الشرق للثقافة الإسلامية الكاملة. فإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لأبنائه وإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لشيوخه ورؤسائه، فإن مصطفى عبد الرازق هو المثل الذي يعز نظيره ويندر وجوده. وهل هناك أدلة على بنوته الأصيلة للأزهر من أن ثقافته الحديثة لم تحل بينه وبين أزهريته في جميع مراحل حياته، وبقي ابنا للأزهر في روحه وعمله وفي وفائه لأصدقائه؟ وقد بالغ في التمسك بأزهريته إلى حد أنه وقد تقلد منصب الوزارة لم يستطع أن يغير زيه الأزهري وقد قبل منه ذلك على روى. وهل هناك دليل على تأصل الروح الأزهري في نفسه أظهر من هذا؟ إن الطلبة الأزهريين الآن يحاولون أن يخلعوا أزياءهم ليبرزوا في صورة أخرى زعموا أنها هي الموافقة لروح العصر، فكيف تقول في رجل سافر إلى أوروبا وتولى من المناصب وخالط من الأشخاص والهيئات والبيئات ما كان يلح في دعائه إلى تغيير زيه فلم يجد منه ذلك كله إلا إباء وامتناعا واعتصاما بكل ما يدل على أنه ابن الأزهر؟ ومسألة الزي عندنا مسألة شكلية، ولكني قصدت أن أشير إلى مظهر للأزهرية الأصيلة في نفس مصطفى عبد الرازق، وهذه الأزهرية الصحيحة هي التي مكنت له أن يجمع بين ثقافة الشرق والغرب فلم يختلفا عليه، ولم يستعص عليه أمرهما كما استعصى على غيره. وإذا تحدث متحدث عن مصطفى عبد الرازق فلن يستطيع أن يغفل الحديث عن سماحة نفسه وعطفه على المحتاجين، وإن كان حديثه معادا، لأن في تكرار هذا الحديث متعة لنفس المتحدث ونفوس السامعين، يعرف هذه السماحة كل موطن من المواطن التي عاش فيها الفقيد موظفا وغير موظف، في الجامعة وفي الأزهر، يعرف الطلبة الذين كاد الفقر أن يحول بينهم
وبين عايتهم، فكان مصطفى عبد الرازق هو الذي يكفيهم، وهو الذي يفرج عنهم بفضل الله عليهم وعليه هذه الشدة، وتعرفه عائلات فقيرة أخنى عليها الدهر، فكان مصطفى عبد الرازق غوثها ومددها وعائلها، يخفى ذلك عن الناس، ولو استطاع لأخفاه(1/284)
كان مصطفى عبد الرازق مثقفا، ولكن أية ثقافة هي؟ هي الثقافة الإسلامية التي أفنى العمر في تصويرها والدعوة إليها، وحمل الأمة عليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد مصطفى المراغي وغيرهم من قادة النهضة وأئمة الإسلام في عصرنا القريب. كان هو المثال الذي تمثلت فيه هذه الثقافة الحية الناهضة الجامعة بين خير ما في الشرق وخير ما في الغرب من تراث الإسلام الطاهر، وثمرة العقول الناضجة، وبهذا نعلم مقدار خسارتنا وخسارة الأزهر والإسلام بفقد هذا الرجل. كان مصطفى عبد الرازق مؤمنا، وإيمانه هو الذي كون له هذه النفس القوية العظيمة، فإن الثقافة وحدها لا تصنع النفوس، فنحن نرى بعض المثقفين يتخذون من ثقافتهم طريقا لمجرد كسب العيش، وهي في البعض الآخر طريق إلى الشرور والمآثم والفتن، تشقى ولا تسعد، وتدمر ولا تعمر، وتهلك الحرث والنسل، ويبغى بها الناس بعضهم على بعض، ويسعون بها في الأرض فسادا، فما أبعد الفرق بين هذه الثقافة وبين كرائم الإيمان!. تلك مادية صرف، وليس من هذا فقط كان فسادها فقد تنفع المادة وتصلح، ولكن فسادها كان من أن الشيطان تولى زمامها فصرفها عن غايتها المثلى وأركسها في الشهوات والأهواء. أما مواهب الايمان فهي نفحات قدسية تملأ القلب هداية ونورا، وسكينة وثباتا، وأمنا وسلاما، ومحبة ورضا، وأملا في الله ومراقبة له، وعملا لوجه ربك ذي الجلال والإكرام. وهذه هي السعادة التي جاء بها المرسلون وجاهد في سبيلها المصلحون، وسعد بها المؤمنون، فإذا هيء لنفس طيبة نبيلة أن تجمع بين هبة الدين الحق والعلم الصحيح، فقد أشرقت بنور على نور، ونور الإيمان بالله يملأ القلب، ونور العلم يهتدي به العقل في الوصول إلى الحق. وكذلك كان فضل الله ونعمته على فقيدنا الكريم عليه رحمة الله:
جمع الله له من خير ما يحمد لعباده الصالحين، فمنحه سلامة الفطرة، فكان من أسلم الناس نفسا، ومنحة سداد العقيدة فكان من أنفذ الناس بصيرة في الدين، ومن أشدهم استمساكا به واعتصاما بهديه، ومنحه العلم الصحيح والمعرفة الواسعة فكان من أجمع الناس لعلوم الشرق والغرب، تمثلهما عن خبرة ودراية وإمامة، وهو بهذا من الأمثلة الكاملة في الشرق للثقافة الإسلامية الكاملة. فإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لأبنائه وإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لشيوخه ورؤسائه، فإن مصطفى عبد الرازق هو المثل الذي يعز نظيره ويندر وجوده. وهل هناك أدلة على بنوته الأصيلة للأزهر من أن ثقافته الحديثة لم تحل بينه وبين أزهريته في جميع مراحل حياته، وبقي ابنا للأزهر في روحه وعمله وفي وفائه لأصدقائه؟ وقد بالغ في التمسك بأزهريته إلى حد أنه وقد تقلد منصب الوزارة لم يستطع أن يغير زيه الأزهري وقد قبل منه ذلك على روى. وهل هناك دليل على تأصل الروح الأزهري في نفسه أظهر من هذا؟ إن الطلبة الأزهريين الآن يحاولون أن يخلعوا أزياءهم ليبرزوا في صورة أخرى زعموا أنها هي الموافقة لروح العصر، فكيف تقول في رجل سافر إلى أوروبا وتولى من المناصب وخالط من الأشخاص والهيئات والبيئات ما كان يلح في دعائه إلى تغيير زيه فلم يجد منه ذلك كله إلا إباء وامتناعا واعتصاما بكل ما يدل على أنه ابن الأزهر؟ ومسألة الزي عندنا مسألة شكلية، ولكني قصدت أن أشير إلى مظهر للأزهرية الأصيلة في نفس مصطفى عبد الرازق، وهذه الأزهرية الصحيحة هي التي مكنت له أن يجمع بين ثقافة الشرق والغرب فلم يختلفا عليه، ولم يستعص عليه أمرهما كما استعصى على غيره. وإذا تحدث متحدث عن مصطفى عبد الرازق فلن يستطيع أن يغفل الحديث عن سماحة نفسه وعطفه على المحتاجين، وإن كان حديثه معادا، لأن في تكرار هذا الحديث متعة لنفس المتحدث ونفوس السامعين، يعرف هذه السماحة كل موطن من المواطن التي عاش فيها الفقيد موظفا وغير موظف، في الجامعة وفي الأزهر، يعرف الطلبة الذين كاد الفقر أن يحول بينهم
وبين عايتهم، فكان مصطفى عبد الرازق هو الذي يكفيهم، وهو الذي يفرج عنهم بفضل الله عليهم وعليه هذه الشدة، وتعرفه عائلات فقيرة أخنى عليها الدهر، فكان مصطفى عبد الرازق غوثها ومددها وعائلها، يخفى ذلك عن الناس، ولو استطاع لأخفاه(1/285)
كان مصطفى عبد الرازق مثقفا، ولكن أية ثقافة هي؟ هي الثقافة الإسلامية التي أفنى العمر في تصويرها والدعوة إليها، وحمل الأمة عليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد مصطفى المراغي وغيرهم من قادة النهضة وأئمة الإسلام في عصرنا القريب. كان هو المثال الذي تمثلت فيه هذه الثقافة الحية الناهضة الجامعة بين خير ما في الشرق وخير ما في الغرب من تراث الإسلام الطاهر، وثمرة العقول الناضجة، وبهذا نعلم مقدار خسارتنا وخسارة الأزهر والإسلام بفقد هذا الرجل. كان مصطفى عبد الرازق مؤمنا، وإيمانه هو الذي كون له هذه النفس القوية العظيمة، فإن الثقافة وحدها لا تصنع النفوس، فنحن نرى بعض المثقفين يتخذون من ثقافتهم طريقا لمجرد كسب العيش، وهي في البعض الآخر طريق إلى الشرور والمآثم والفتن، تشقى ولا تسعد، وتدمر ولا تعمر، وتهلك الحرث والنسل، ويبغى بها الناس بعضهم على بعض، ويسعون بها في الأرض فسادا، فما أبعد الفرق بين هذه الثقافة وبين كرائم الإيمان!. تلك مادية صرف، وليس من هذا فقط كان فسادها فقد تنفع المادة وتصلح، ولكن فسادها كان من أن الشيطان تولى زمامها فصرفها عن غايتها المثلى وأركسها في الشهوات والأهواء. أما مواهب الايمان فهي نفحات قدسية تملأ القلب هداية ونورا، وسكينة وثباتا، وأمنا وسلاما، ومحبة ورضا، وأملا في الله ومراقبة له، وعملا لوجه ربك ذي الجلال والإكرام. وهذه هي السعادة التي جاء بها المرسلون وجاهد في سبيلها المصلحون، وسعد بها المؤمنون، فإذا هيء لنفس طيبة نبيلة أن تجمع بين هبة الدين الحق والعلم الصحيح، فقد أشرقت بنور على نور، ونور الإيمان بالله يملأ القلب، ونور العلم يهتدي به العقل في الوصول إلى الحق. وكذلك كان فضل الله ونعمته على فقيدنا الكريم عليه رحمة الله:
جمع الله له من خير ما يحمد لعباده الصالحين، فمنحه سلامة الفطرة، فكان من أسلم الناس نفسا، ومنحة سداد العقيدة فكان من أنفذ الناس بصيرة في الدين، ومن أشدهم استمساكا به واعتصاما بهديه، ومنحه العلم الصحيح والمعرفة الواسعة فكان من أجمع الناس لعلوم الشرق والغرب، تمثلهما عن خبرة ودراية وإمامة، وهو بهذا من الأمثلة الكاملة في الشرق للثقافة الإسلامية الكاملة. فإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لأبنائه وإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لشيوخه ورؤسائه، فإن مصطفى عبد الرازق هو المثل الذي يعز نظيره ويندر وجوده. وهل هناك أدلة على بنوته الأصيلة للأزهر من أن ثقافته الحديثة لم تحل بينه وبين أزهريته في جميع مراحل حياته، وبقي ابنا للأزهر في روحه وعمله وفي وفائه لأصدقائه؟ وقد بالغ في التمسك بأزهريته إلى حد أنه وقد تقلد منصب الوزارة لم يستطع أن يغير زيه الأزهري وقد قبل منه ذلك على روى. وهل هناك دليل على تأصل الروح الأزهري في نفسه أظهر من هذا؟ إن الطلبة الأزهريين الآن يحاولون أن يخلعوا أزياءهم ليبرزوا في صورة أخرى زعموا أنها هي الموافقة لروح العصر، فكيف تقول في رجل سافر إلى أوروبا وتولى من المناصب وخالط من الأشخاص والهيئات والبيئات ما كان يلح في دعائه إلى تغيير زيه فلم يجد منه ذلك كله إلا إباء وامتناعا واعتصاما بكل ما يدل على أنه ابن الأزهر؟ ومسألة الزي عندنا مسألة شكلية، ولكني قصدت أن أشير إلى مظهر للأزهرية الأصيلة في نفس مصطفى عبد الرازق، وهذه الأزهرية الصحيحة هي التي مكنت له أن يجمع بين ثقافة الشرق والغرب فلم يختلفا عليه، ولم يستعص عليه أمرهما كما استعصى على غيره. وإذا تحدث متحدث عن مصطفى عبد الرازق فلن يستطيع أن يغفل الحديث عن سماحة نفسه وعطفه على المحتاجين، وإن كان حديثه معادا، لأن في تكرار هذا الحديث متعة لنفس المتحدث ونفوس السامعين، يعرف هذه السماحة كل موطن من المواطن التي عاش فيها الفقيد موظفا وغير موظف، في الجامعة وفي الأزهر، يعرف الطلبة الذين كاد الفقر أن يحول بينهم
وبين عايتهم، فكان مصطفى عبد الرازق هو الذي يكفيهم، وهو الذي يفرج عنهم بفضل الله عليهم وعليه هذه الشدة، وتعرفه عائلات فقيرة أخنى عليها الدهر، فكان مصطفى عبد الرازق غوثها ومددها وعائلها، يخفى ذلك عن الناس، ولو استطاع لأخفاه
عن نفسه، حتى لا تعرف شماله ما تنفق يمينه.
وفي مارس عام 1947أيضا أقام معهد المنيا الديني حفلة تأبين للمغفور له الأستاذ الأكبر الراحل، ألقى فيها صاحب الفضيلة الشيخ محمود أبو العيون خطبة بليغة جاء فيها: فجع الأزهر في شيخه فجاءة، فكانت صدمة الفجيعة فيه شديدة، صدمة روعت القلوب، وأذهلت النفوس، وأدهشت العقول. وقعت الواقعة في وقت كان الأزهر يستشرف بواكير أعمال شيخه الجليل وإصلاحاته التي وضع أسسها في أيامه القليلة التي قضاها بين ربوعه إن الشيخ مصطفى كان يحمل على أطواء قلبه النابض بالخير للأزهر والإسلام بنود العمل المجيد، والنهضة الصالحة للجامعة الأزهرية بما يكفل لها الحياة الأزهرية القيمة، والمستوى الرفيع بين جامعات الأمم المتحضرة. وكان طموحه وهدفه أن ييسر للأزهر النهوض برسالته الدينية والجماعية، ونشر السلام والطمأنينة في هذا العالم المملوء بالشرور والقلق الروحى.
كان يجمعنا إليه ويضع الاقتراح في مسألة معينة من مسائل الإصلاح في الأزهر، ونتداول الرأي فيها ويدلى هو برأيه كالمستفهم، وفي النهاية يستقيم الأمر على الأساس الذي ارتآه في نفسه وفي سريرته. وهكذا دواليك، حتى اجتمع من ذلك جملة مسائل للإصلاح الذي انتواه، ووضع أساسه، وأزمع إجراءه. وفي الحق: انه ما كان يقطع برأى دون الإجماع منا على استحسانه ونفعه، وكان سبيله في الإقناع الرفق واللين، والحجة الناطقة، والبرهان الواضح. وضع مرة مسألة أمامنا: فقيدنا العظيم، ووكيل الأزهر، ومديره، والمائل أمامكم. تداولنا الرأي في المسألة فكان رأيي مخالفا للجميع في صلابة. فابتسم المغفور له ابتسامة عميقة الإحساس،
ثم قال: لعل لفلان حجة يكون فيها مقنع لنا. وما زال بي يلطف ويرق، ويعالج ويقنع، حتى جرني إليه وأسلس قيادي، فكنت في صف الجماعة.(1/286)
كان يجمعنا إليه ويضع الاقتراح في مسألة معينة من مسائل الإصلاح في الأزهر، ونتداول الرأي فيها ويدلى هو برأيه كالمستفهم، وفي النهاية يستقيم الأمر على الأساس الذي ارتآه في نفسه وفي سريرته. وهكذا دواليك، حتى اجتمع من ذلك جملة مسائل للإصلاح الذي انتواه، ووضع أساسه، وأزمع إجراءه. وفي الحق: انه ما كان يقطع برأى دون الإجماع منا على استحسانه ونفعه، وكان سبيله في الإقناع الرفق واللين، والحجة الناطقة، والبرهان الواضح. وضع مرة مسألة أمامنا: فقيدنا العظيم، ووكيل الأزهر، ومديره، والمائل أمامكم. تداولنا الرأي في المسألة فكان رأيي مخالفا للجميع في صلابة. فابتسم المغفور له ابتسامة عميقة الإحساس،
ثم قال: لعل لفلان حجة يكون فيها مقنع لنا. وما زال بي يلطف ويرق، ويعالج ويقنع، حتى جرني إليه وأسلس قيادي، فكنت في صف الجماعة.
وكان شيخنا كثير الحلم والأناة. وأذكر أنه عرض من بعض الطلبة شيء مخالف قبيل وفاته مما يستفز صدر الحليم، فرعد وزمع، وتمعر وجهه على غير عادته، فقلت: سيدي أين غاب عنك حلمك، ولم تغيرت عادتك في هذه المرة؟! فقال مبتسما، وفي صوت مرنان: ومن ذا الذي ياعز لا يتغير؟
إن الأزهر حين فجع في شيخه الأكبر، فإنما فجع في أسمى وأطيب وأعرق الخلال الكريمة التي لو وزعت على جماعة كثيرة لوسعتهم جميعا، وكان أجلى ما في خلاله الوفاء، الوفاء الخالص المتصل، لأصدقائه ولداته، والعفاة المحرومين الذين اتصلوا به، وكان إلى جانب الوفاء الكرم والسماحة، كرم النفس، وسماحة الصدر إلى حد التضحية بكل نفيس في سبيل ذلك. وفي جانب الوفاء والكرم والسماحة والحياء.
ومن كلماته كلمة ألقاها بمناسبة اختياره رئيسا فخريا لجمعيات المحافظة على القرآن الكريم بعد وفاة الشيخ المراغي، قال فيها:
«القرآن مصقلة القلوب كما ورد في الحديث، وما أحوج قلوبنا إلى ما يصقلها ويجلو منها الصدأ! والقرآن هدى ونور، فهل إلا القرآن لما بغشى العالم اليوم من ظلام وضلال، والقرآن من بعد هذا ثقاف للألسن، يقوم عوجها، ويصلح عجمتها، ويغذى من البلاغة مادتها، فمن عمل على تنشئة أطفالنا على حفظ القرآن وترتيله ومدارسته، فإنما يصلح القلوب، ويقوم الأخلاق، ويخدم العربية، وما أشرف ذلك مقصدا وأعظمه نفعا!» ويتقاضانا الوفاء بمناسبة أول احتفال سنوي بعد وفاة الرئيس الفخري السابق رضى الله عنه أن نذكر مآثره الباقيات في خدمة القرآن الكريم: كان رحمه الله مسلما صادقا، وكان يحب القرآن حبا جما، وقد عنى في أكثر دروسه الدينية بالتفسير في أسلوب يلائم جلال كتاب الله، ويوطد أسباب فهمه لأذواق الأجيال الحاضرة، كما كان يصنع من قبل أستاذنا الإمام «الشيخ محمد عبده». ووجه الأزهر إلى العناية بالدراسات العالية لعلوم
القرآن، وقد أنشأ معهد القراءات والتجويد، والمرجو أن يتابع الأزهر السير في هذه السبيل، فيقوى معهد القراءات ويكمله، وينشىء إلى جانبه دراسات عالية للحديث وعلومه، حتى يستوفي الأزهر جميع الوسائل التي تعده لأن يكون كعبة المسلمين في كل ما يتصل بالقرآن والحديث. وفي مجلة الأزهر دراسة عن الشيخ مصطفى عبد الرازق (1).(1/287)
«القرآن مصقلة القلوب كما ورد في الحديث، وما أحوج قلوبنا إلى ما يصقلها ويجلو منها الصدأ! والقرآن هدى ونور، فهل إلا القرآن لما بغشى العالم اليوم من ظلام وضلال، والقرآن من بعد هذا ثقاف للألسن، يقوم عوجها، ويصلح عجمتها، ويغذى من البلاغة مادتها، فمن عمل على تنشئة أطفالنا على حفظ القرآن وترتيله ومدارسته، فإنما يصلح القلوب، ويقوم الأخلاق، ويخدم العربية، وما أشرف ذلك مقصدا وأعظمه نفعا!» ويتقاضانا الوفاء بمناسبة أول احتفال سنوي بعد وفاة الرئيس الفخري السابق رضى الله عنه أن نذكر مآثره الباقيات في خدمة القرآن الكريم: كان رحمه الله مسلما صادقا، وكان يحب القرآن حبا جما، وقد عنى في أكثر دروسه الدينية بالتفسير في أسلوب يلائم جلال كتاب الله، ويوطد أسباب فهمه لأذواق الأجيال الحاضرة، كما كان يصنع من قبل أستاذنا الإمام «الشيخ محمد عبده». ووجه الأزهر إلى العناية بالدراسات العالية لعلوم
القرآن، وقد أنشأ معهد القراءات والتجويد، والمرجو أن يتابع الأزهر السير في هذه السبيل، فيقوى معهد القراءات ويكمله، وينشىء إلى جانبه دراسات عالية للحديث وعلومه، حتى يستوفي الأزهر جميع الوسائل التي تعده لأن يكون كعبة المسلمين في كل ما يتصل بالقرآن والحديث. وفي مجلة الأزهر دراسة عن الشيخ مصطفى عبد الرازق (1).
رأي طه حسين في الشيخ كتب طه حسين عن مصطفى عبد الرزق يقول: كنت في السادسة عشرة حين لقيته لأول مرة حين أقبل زائرا لثلاثة من رفاقه في الأزهر، بينهم أخي، وكانوا جميعا يقيمون في غرفات متقاربة في ربع من تلك الربوع التي كان طلاب الأزهر يحتلونها في حوش عطى وكانوا يجتمعون في غرفة أحدهم حين يزورهم الزائرون، وقد كان الاجتماع في غرفتنا تلك المرة. وقد لقيت منه شابا حار الصوت، صادق اللهجة، عذب الحديث، لا يرفع صوته إلا بمقدار، وكان قليل الحركة، معتدل النشاط، يمتاز من رفاقه أولئك بهذا الوقار الهادىء المطمئن الذي لا يتسم به الشباب عادة، وإنما هو سمة الشيوخ ومن يجري مجراهم من الذين تقدمت بهم السن.
كان جم الأدب، موفور التواضع، لا يتجاوزر القصد في قول أو عمل، يفرض عليه طبعه ذلك، ويفرضه هو على الذين يجالسهم أو يتحدث إليهم، كأنما كان يلقي في نفوسهم وقلوبهم وعلى ألسنتهم، فضلا من وقاره وهدوء نفسه. فهم يتحدثون مثله في أناة، ويضحكون مثله في قصد، ويروون معه أحاديث الجد، وربما عبثوا شيئا بنوادر الشيوخ من أساتذة الأزهر. ومضى وقت غير قصير قبل أن تقوى الصلة بينه وبيني.
__________
(1) عدد شعبان 1370.(1/288)
كان قد أشرف على الخروج من طور الطلب إلى طور العلماء، وكنت في أول عهدي بالدرس، لم أنفق في الأزهر إلا عامين أو ثلاثة، وكان أولئك الرفاق يلقونه في درس الأستاذ الإمام، ويزورونه إذا أقبل الليل في داره بعابدين. فإذا عادوا تحدثوا عنه وعن إخوته، وعمن كانوا يلقونه في تلك الدار من أصحاب المنازل الرفيعة، يملأون أفواههم بهذه الأحاديث، ويشعرون بأنها ترفعهم درجة عن أمثالهم من الطلاب.
وكان أولئك الرفاق يمتازون من زملائهم بالذكاء، وحسن التحصيل، والبراعة في مجادلة الشيوخ. وأكبر الظن أن هذا هو الذي لفت إليهم زميلهم مصطفى عبد الرازق، فقد كان شديد الحرص على أن يصل أسبابه بأسباب الذين يحبون العلم، ويمتازون فيه، كأنه أخذ هذه الخصلة عن والده وعن أستاذه الإمام، فكلاهما كان يرى حب العلم نادرا في مصر، ويبحث عن الذين يتصفون به بين طلاب الأزهر وغيرهم من الشباب. وقد ظلت هذه الخصلة ملازمة لمصطفى عبد الرازق حياته كلها، وقد وصلت أسبابه بكثير من الذين امتازوا في طلب العلم بين الأزهريين وبين المختلفين إلى مدرسة القضاء وبين الجامعيين آخر الأمر، على اختلاف بيئاتهم وطبقاتهم.
وكان لا يعرف محبا لطلب العلم مخلصا في هذا الحب إلا سعى إليه واتصل به وقربه منه وفتح له قلبه وعقله وداره أيضا. ومهما أنس فلن أنسى تلك الجماعة التي ألفها من بعض أولئك الممتازين من طلاب العلم في الأزهر، ونظم لها اجتماعا برياسته مساء الجمعة من كل أسبوع.
وكانت هذه الجماعة تلتقي في غرفة من غرفات الطلاب في ربع من ربوعهم أيضا بخان الخليلي، ويلقي أعضاؤها أحاديث في موضوعات مختلفة تدور كلها حول الإصلاح الذي كانت مصر كلها تتحرق ظمأ إليه، وإلى إصلاح الأزهر خاصة بعد أن شب الأستاذ الإمام في قلوب الممتازين من شبابه جذوة الثورة على ذلك الركود الذي اطمأن إليه الأزهر قرونا طوالا.(1/289)
وكان افتتاح مصطفى عبد الرازق لجلسات تلك الجماعة هو أشد ما يعجبني ويروعني، فهو لم يكن يزيد على أن يسمي الله ويقرأ الفاتحة، ثم تأخذ الجماعة فيما تريد أن تدير بينها من الحديث وأي افتتاح أبلغ وأوقع في القلوب من اسم الله وفاتحة الكتاب المجيد! وقد عرفت بعد ذلك أن مصطفى عبد الرازق كان يذهب في ذلك مذهب الوفاء الصادق لأستاذه الإمام الذي افتتح رسالته في التوحيد نفس هذا الافتتاح.
وإذا كان حب العلم وطلابه المخلصين هو الخصلة الأولى من الخصال التي لزمته حياته كلها، فخصلة الوفاء هي الخصلة الثانية من خصاله. فقد عرفته محبا للعلم وطلابه كأشد ما يكون الحب وأصدقه وأعمقه، يسعى إليهم ويقربهم منه ويؤثرهم بالخير وينزلهم من نفسه مكانة الصديق، وعرفته كذلك وفيا لكل من أحب من الناس لا يفرق بينهم في ذلك مهما تكن الظروف ومهما يبعد بهم الزمان والمكان ومهما تلم الأحداث وتدلهم الخطوب.
كان وفيا للشافعي، رحمه الله، لأنه كان يذهب مذهبه في الفقه، ويرى الوفاء له دينا عليه. ومن أجل ذلك ترجم رسالته وعني بدرسها وترجمتها وقتا غير قصير. وأثر هذا الوفاء للشافعي في حياته العقلية نفسها وفي نهجه الفلسفي تأثيرا شديدا، وفتح له أبوابا من العلم لم تفتح لأحد من قبله من علماء المسلمين. فدراسته لرسالة الشافعي في الأصول ألقت في روعه رأيا خصبا لم يستغله تلاميذه بعد، وأرجو أن يتاح لبعضهم تعمقه واستقصاء آثاره الخطيرة في تاريخ الحياة العقلية للمسلمين. فقد رأى أن الشافعي يفلسف في أصول الفقه وما يتصل به من المشكلات المختلفة في الدين واللغة واستنباط الأحكام من النصوص، فارتقى برأيه هذا إلى من سبق الشافعي من المفكرين المسلمين الذين لم يجادلوا في أصول الفقه وحدها، بل جادلوا في أصول الدين أيضا، فأولئك الزعماء القدماء للأحزاب الإسلامية الأولى. حين كانوا يجادلون في مذاهب أحزابهم وآرائها فيمن ثاروا بعثمان ومن تابعوا عليا ومن خاصموه ومن وقف من هذه
الفتنة موقف الحياد، وحين كانوا يجادلون في مقترف الكبيرة أمؤمن هو أم كافر أم هو يصير إلى منزلة بين منزلتين من الإيمان والكفر أم هو مرجأ إلى الله يقضي في أمره بالحق؟ وحين صاروا من هذا الجدال إلى الجدال في أمور أخرى أعمق من هذه الأمور، فجادلوا في العدل والتوحيد، إنما كانوا يفلسفون في مسائل الدين قبل أن يعرفوا الفلسفة اليونانية، بل قبل أن يحسنوا العلم باللاهوت عند المسيحيين واليهود. ومعنى ذلك أن المسلمين قد أنشأوا فلسفتهم الأولى من عند أنفسهم، وكانت فلسفة يسيرة سمحة كالإسلام نفسه، ثم لقيت الفلسفة اليونانية بعد ذلك فأدركها ما في هذه الفلسفة من العسر والتعقيد.(1/290)
كان وفيا للشافعي، رحمه الله، لأنه كان يذهب مذهبه في الفقه، ويرى الوفاء له دينا عليه. ومن أجل ذلك ترجم رسالته وعني بدرسها وترجمتها وقتا غير قصير. وأثر هذا الوفاء للشافعي في حياته العقلية نفسها وفي نهجه الفلسفي تأثيرا شديدا، وفتح له أبوابا من العلم لم تفتح لأحد من قبله من علماء المسلمين. فدراسته لرسالة الشافعي في الأصول ألقت في روعه رأيا خصبا لم يستغله تلاميذه بعد، وأرجو أن يتاح لبعضهم تعمقه واستقصاء آثاره الخطيرة في تاريخ الحياة العقلية للمسلمين. فقد رأى أن الشافعي يفلسف في أصول الفقه وما يتصل به من المشكلات المختلفة في الدين واللغة واستنباط الأحكام من النصوص، فارتقى برأيه هذا إلى من سبق الشافعي من المفكرين المسلمين الذين لم يجادلوا في أصول الفقه وحدها، بل جادلوا في أصول الدين أيضا، فأولئك الزعماء القدماء للأحزاب الإسلامية الأولى. حين كانوا يجادلون في مذاهب أحزابهم وآرائها فيمن ثاروا بعثمان ومن تابعوا عليا ومن خاصموه ومن وقف من هذه
الفتنة موقف الحياد، وحين كانوا يجادلون في مقترف الكبيرة أمؤمن هو أم كافر أم هو يصير إلى منزلة بين منزلتين من الإيمان والكفر أم هو مرجأ إلى الله يقضي في أمره بالحق؟ وحين صاروا من هذا الجدال إلى الجدال في أمور أخرى أعمق من هذه الأمور، فجادلوا في العدل والتوحيد، إنما كانوا يفلسفون في مسائل الدين قبل أن يعرفوا الفلسفة اليونانية، بل قبل أن يحسنوا العلم باللاهوت عند المسيحيين واليهود. ومعنى ذلك أن المسلمين قد أنشأوا فلسفتهم الأولى من عند أنفسهم، وكانت فلسفة يسيرة سمحة كالإسلام نفسه، ثم لقيت الفلسفة اليونانية بعد ذلك فأدركها ما في هذه الفلسفة من العسر والتعقيد.
وكذلك جره الوفاء للشافعي، رحمه الله، إلى استكشاف مذهب جديد في الفلسفة الإسلامية له خطره العظيم أن عرف تلاميذه كيف يتعمقون وينتهون به إلى غايته.
وكان وفيا للذين عرفهم وحسنت الصلة بينه وبينهم من الأساتذة الفرنسيين حين أقام في فرنسا طالبا للعلم الحديث، بعد أن أخذ بحظه من العلم القديم في مصر.
عرف أستاذا فرنسيا شابا في إحدى الجامعات هناك واشتد الألف بينهما، ثم أعلنت الحرب العالمية الأولى، ودعى ذلك الأستاذ الفرنسي إلى أداء واجبه العسكري، فاستجاب للدعاء وترك زوجة وليس لها عائل، فكان مصطفى عبد الرازق يؤثرها على نفسه بالنصيب الأوفر مما كان يصل إليه من المال، لا يتردد في ذلك ولا ينقطع عنه حتى عاد إلى مصر. والله يعلم ماذا فعل بعد عودته. وقد عرفت ذلك من الأستاذ الفرنسي نفسه، وقد كلمت فيه مصطفى فغير مجرى الحديث، وظل وفيا لهذا الأستاذ، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها، ومضى شيء من الوقت، وخلا منصب فني من المناصب في مصر، ولم يكن بين المصريين من يستطيع النهوض بأعباء هذا المنصب، وأخدت الحكومة تبحث عن أجنبي جدّ مصطفى حتى اختير صديقه ذاك لهذا المنصب. وسألته عن عنايته الخاصة بهذا
الأستاذ وجده في السعي له، فأنبأني بأنه يرى فيه الكفاية لمنصبه أولا، وبأنه فقد زوجه وجزع لفقدها، فمن الخير أن يترك وطنه ومدينته ويشغل عمله ذاك الجديد، عسى أن يجد في ذلك عزاء وتسلية.(1/291)
عرف أستاذا فرنسيا شابا في إحدى الجامعات هناك واشتد الألف بينهما، ثم أعلنت الحرب العالمية الأولى، ودعى ذلك الأستاذ الفرنسي إلى أداء واجبه العسكري، فاستجاب للدعاء وترك زوجة وليس لها عائل، فكان مصطفى عبد الرازق يؤثرها على نفسه بالنصيب الأوفر مما كان يصل إليه من المال، لا يتردد في ذلك ولا ينقطع عنه حتى عاد إلى مصر. والله يعلم ماذا فعل بعد عودته. وقد عرفت ذلك من الأستاذ الفرنسي نفسه، وقد كلمت فيه مصطفى فغير مجرى الحديث، وظل وفيا لهذا الأستاذ، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها، ومضى شيء من الوقت، وخلا منصب فني من المناصب في مصر، ولم يكن بين المصريين من يستطيع النهوض بأعباء هذا المنصب، وأخدت الحكومة تبحث عن أجنبي جدّ مصطفى حتى اختير صديقه ذاك لهذا المنصب. وسألته عن عنايته الخاصة بهذا
الأستاذ وجده في السعي له، فأنبأني بأنه يرى فيه الكفاية لمنصبه أولا، وبأنه فقد زوجه وجزع لفقدها، فمن الخير أن يترك وطنه ومدينته ويشغل عمله ذاك الجديد، عسى أن يجد في ذلك عزاء وتسلية.
وربما جر عليه وفاؤه ذاك بعض ما كان يضيق به من الأمر، ولكنه لم يحفل قط بعواقب الوفاء أتكون خيرا أم شرا، بل لم يحفل قط بعواقب الواجب وما يمكن أن تجر عليه مما يسوؤه أو يرضيه. كان سعد زغلول منفيا عن وطنه وكانت زوجه تعيش في دارها بالقاهرة يبرها المصريون والسعديون منهم خاصة، وكان مصطفى من أسرة تذهب مذهب الأحرار الدستوريين الذين كانوا يخاصمون سعدا أشد الخصام، وكان مفتشا قضائيا بوزارة العدل، وأقبل عيد من الأعياد، فلم يتردد مصطفى في أن يذهب إلى دار سعد ويترك بطاقته هناك.
وانقضت أيام العيد، وذهب مصطفى إلى عمله، فلم يكد يستقر في مكتبه حتى دعي للقاء الوزير. فلما لقيه قال له الوزير: ألم أعلم أنك ذهبت الى دار سعد وتركت فيها بطاقتك يوم العيد؟ قال مصطفى: قد كان ذلك. قال الوزير: أو لم تعلم أن سعدا يناوىء الحكومة القائمة وأن زيارة داره سياسة محظورة على الموظفين؟ قال مصطفى: تلك مجاملات لا شأن لها بالسياسة ولا بالحكومة، قال الوزير: فأنت مفصول منذ الآن. قال مصطفى: أنت وما تريد. وعاد مصطفى إلى داره غير حافل بما كان.
ولكن رئيس الوزراء ثروت باشا، رحمه الله، علم بالأمر فعاتب الوزير فيه، وترضى ذلك الوفى الذي وشت به الأرصاد فعوقب على الوفاء.
والبر بطلاب العلم خاصة، وبكل من يحتاج إلى البر عامة، كان الخصلة الثالثة من خصال مصطفى عبد الرازق. فلم أعرف قط قلبا ابر بفقير ولا نفسا أرق لذي حاجة، ولا يدا أسرع إلى العطاء، من قلب مصطفى عبد الرازق ونفسه ويده.
كان أستاذا في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكنت لها عميدا في
بعض الأوقات، وكان فقراء الطلبة أكثر مما تحتمل قواعد المجانية في الكلية إذ ذاك، فكان يسعى إلي في بعضهم، فأجتهد له في ذلك حتى لا أجد سبيلا إلى الاجتهاد، فأشهد ما تخلف قط عن أداء نفقات التعليم عن أولئك الذين كانت تضيق بهم القواعد. وكلمته في ذلك ذات يوم وقلت له: توشك ألا تجد شيئا من مرتبك آخر الشهر، فضحك ضحكة حلوة، وقدم إلي سيجارة من نوع جديد، كما كان يقول، ثم ألقى بهذه الكلمة التي لم أنسها قط، والتي ينبغي أن يذكرها كل قادر على العون:(1/292)
كان أستاذا في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكنت لها عميدا في
بعض الأوقات، وكان فقراء الطلبة أكثر مما تحتمل قواعد المجانية في الكلية إذ ذاك، فكان يسعى إلي في بعضهم، فأجتهد له في ذلك حتى لا أجد سبيلا إلى الاجتهاد، فأشهد ما تخلف قط عن أداء نفقات التعليم عن أولئك الذين كانت تضيق بهم القواعد. وكلمته في ذلك ذات يوم وقلت له: توشك ألا تجد شيئا من مرتبك آخر الشهر، فضحك ضحكة حلوة، وقدم إلي سيجارة من نوع جديد، كما كان يقول، ثم ألقى بهذه الكلمة التي لم أنسها قط، والتي ينبغي أن يذكرها كل قادر على العون:
وماذا تريد أن نصنع بهؤلاء الطلاب؟ أتريد أن نتركهم يصدون عن العلم ونحن نرى؟
كان وفيا وكان أبيا وكان برا وكان سمح الطبع والنفس والقلب. لم أره قط يخرج عن هذه الخصال منذ عرفته إلى أن فرق بيننا الموت. وكان لهذه الخصال كلها تأثير أي تأثير في حديثه إذا تكلم وفي فنه اذا كتب.
واقرأ ما شئت من فصول هذا الكتاب: ما كتبه منها أيام شبابه الأول، وما كتبه منها بعد أن تقدمت به السن، ما كتبه منها حين كانت الأيام هينة لينة، وما كتبه منها حين كانت الأيام شدادا ثاقلا.
لم يكن شيء قادرا على ان يغير من خصاله تلك شيئا. كان سمحا في جميع أطواره وفي أطوار من حوله من الناس وما يحيط به من الظروف. كانت الابتسامة الحلوة أدل شيء عليه، والحديث العذب ألزم شيء له. وكان يضيف إلى خصاله هذه خصلة أخرى إذا كتب، وهي خصلة العناية الدقيقة جدا بالتفكير أولا وبالتعبير بعد ذلك عما فكر فيه.
كان لا يكره شيئا كما كان يكره العجلة في القول والعمل والمشي أيضا.
كان شديد الإيثار للإناة. وكان ذلك ربما عرضه لدعابات الصديق والزملاء، فما أكثر ما كانت تعقد الاجتماعات، ويحضر أعضاء هذه الاجتماعات في الموعد المقدر لا يتأخرون عنه إلا الدقيقة أو الدقائق القليلة إلا مصطفى، فكان يأتي دائما متأخرا جدا وكان زملاؤه لا يحبون
أن يأخذوا في العمل قبل حضوره. فكانوا ينتظرون وينتظرون، وربما اضطرهم ذلك إلى بعض الضيق، ولكنه كان يطلع عليهم بابتسامته الحلوة تلك، فلا يكادون يرونه حتى يضحكوا له، ولا يأخذون في عملهم إلا بعد دعابة لا تمل.(1/293)
كان شديد الإيثار للإناة. وكان ذلك ربما عرضه لدعابات الصديق والزملاء، فما أكثر ما كانت تعقد الاجتماعات، ويحضر أعضاء هذه الاجتماعات في الموعد المقدر لا يتأخرون عنه إلا الدقيقة أو الدقائق القليلة إلا مصطفى، فكان يأتي دائما متأخرا جدا وكان زملاؤه لا يحبون
أن يأخذوا في العمل قبل حضوره. فكانوا ينتظرون وينتظرون، وربما اضطرهم ذلك إلى بعض الضيق، ولكنه كان يطلع عليهم بابتسامته الحلوة تلك، فلا يكادون يرونه حتى يضحكوا له، ولا يأخذون في عملهم إلا بعد دعابة لا تمل.
وكان لهذه الأناة أثرها في كتابته، فأنت لا تجد فيما يكتب معنى نافرا أو فجا لم يتم نضجه قبل أن يعرب عنه. وأنت لا تجد فيما يكتب لفظا نابيا عن موضعه، أو كلمة قلقة في مكانها، وإنما كان كلامه يجري هادئا مطمئنا كما يجري ماء الجدول النقي، حتى حين يداعب صفحته النسيم وكنت أشبه له كتابته بعمل صاحب الجواهر: يستأني بها ويتأنق في صنعها لتخرج من يده جميلة رائعة تثير فيمن يراها المتعة والرضى والإعجاب. كان يتأنق في فنه كما كان يتأنق في حياته كلها، وكما كان يتأنق في سيرته مع الناس جميعا، سواء منهم من كان يألف ومن كان يجفو. فلست أعرف أن أحدا سخط عليه أو ضاق به أو شكا منه. كان راضي النفس، يبعث الرضى في نفوس الناس حين يرونه وحين يسمعونه وحين يقرؤون له.
واني لأذكر حديثا له ألقاه في مؤتمر من مؤتمرات المستشرقين في مدينة «ليدن» وكان المؤتمرون كثيرين، وكانت أحاديثهم كثيرة متنوعة، وكان رئيس الجلسة مضطرا إلى أن يقدر للمتحدثين عشرين دقيقة لا يعدوها احد مهما يكن حديثه. وقد التزم المؤتمرون ذلك ولم يخالف عنه أحد منهم. فلما أخذ مصطفى في حديثه في صوته ذاك الهادىء العذب الرقيق أصغت إليه الآذان، ثم صغت إليه القلوب، ثم اتصلت به النفوس، وكان يقطع حديثه بين حين وحين ويلتفت إلى الرئيس مبتسما كأنه يسأله: أيمضي في حديثه! فيشير الرئيس إليه: أن نعم، حتى إذا أتم حديثه كان قد جاوز الأربعين من الدقائق. لم يحس أحد أنه قد أطال، وأخذ من الوقت أكثر مما كان ينبغي له.
واقرأ هذا السفر الضخم الذي تختلف فيه الأحاديث والموضوعات
اختلافا شديدا فستراه على ذلك مؤتلفا أشد الائتلاف يؤلف بين مختلفاته ما تفيض عليه نفس الكاتب الهادئة السمحة الرزينة من هدوء سمح رزين.(1/294)
واقرأ هذا السفر الضخم الذي تختلف فيه الأحاديث والموضوعات
اختلافا شديدا فستراه على ذلك مؤتلفا أشد الائتلاف يؤلف بين مختلفاته ما تفيض عليه نفس الكاتب الهادئة السمحة الرزينة من هدوء سمح رزين.
ولو أني أرسلت نفسي على سجيتها لما وجدت لحديثي عن مصطفى غاية انتهى اليها أو حدا أقف عنده.
فاشهد ما مر بي يوم دون أن أفكر فيه يقظا، وأشهد ما مر أسبوع دون أن أراه فيما يرى النائم، كما كنت ألقاه اثناء الحياة.
فلأخلص أنا للتفكير في هذا الصديق العزيز، ولتخلص أنت لقراءة أصدق حديث لأخ عن أخيه اولا، وأسمح كلام كتبه كاتب في هذا العصر الحديث بعد ذلك.(1/295)
الشيخ مأمون الشنّاوي شيخ 61810 الأزهر 19501880
1
من بيت علم وتقوى وصلاح، كان والده الشيخ سيد أحمد الشناوي من مركز السمبلاوين، وأقام في بلدة الزرقا من أعمال مديرية الدقهلية لمصالح مالية له، وكان عالما جليلا متفقها في شئون الدين، وكان أخوه الأكبر فضيلة الأستاذ الجليل المرحوم الشيخ سيد الشناوي من كبار رجال القضاء الشرعي، وتولى رئاسة المحكمة العليا الشرعية، ومات بعد أن ترك وراءه ذكرى عاطرة، وآثارا طيبة في القضاء، وأحكاما تعد مثالا يحتذى في سلامة الفهم، ونفاذ الخاطر، وسعة الإطلاع.
2
ولد عام 1885، وحفظ القرآن الكريم في قريته وهو في الثانية عشرة من عمره.
وأرسله والده إلى الأزهر الشريف بالقاهرة يطلب العلم، فعاش عيشة طلاب الأزهر، يوجهه أخوه الأكبر الشيخ السيد الشناوي الذي كان قد سبقه بسنوات إلى المجاورة في الأزهر.
وكاد الشيخ محمد مأمون يسأم من حياته في الأزهر، وينقطع عن الدراسة، ويترك التعليم، ويعيش في قريته فلاحا يزرع الأرض، لولا أن والده أخبره أنه
رأى في نومه حلما يدل على أنه سيكون له ولدان عالمان، فاستبشر محمد مأمون بهذه الرؤيا وعاد إلى الأزهر.(1/296)
وكاد الشيخ محمد مأمون يسأم من حياته في الأزهر، وينقطع عن الدراسة، ويترك التعليم، ويعيش في قريته فلاحا يزرع الأرض، لولا أن والده أخبره أنه
رأى في نومه حلما يدل على أنه سيكون له ولدان عالمان، فاستبشر محمد مأمون بهذه الرؤيا وعاد إلى الأزهر.
وواصل الدراسة حتى كان موضع إعجاب شيوخه، وأساتذته، وفي طليعتهم الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، والشيخ أبو الفضل الجيزاوي.
وتقدم الشاب الشيخ محمد مأمون لامتحان العالمية، ولكنه كان قد سبقته وشايات بعض الطلاب إلى أساتذته، بأنه يتناولهم بالنقد، وأنه شاعر، إلى غير ذلك، فأخذ أعضاء اللجنة يتحدونه وهو يتحداهم وكان الشيخ أبو الفضل الجيزاوي أحد الأعضاء، ولكنه لم يكن يعرف شيئا عن الوشايات التي بلغت زملاءه، ورأى هذا العالم الصغير الشاب جديرا بلقب «عالم»، بل مثالا لإخوانه في سلامة الفهم وسعة المحصول العلمي، فدافع عنه ونال شهادة العالمية عام 1906ومما يذكر أنه وهو يتأهب لامتحان العالمية أصابه إجهاد شديد من كثرة المذاكرة، فذهب إلى عالم صالح من أولياء الله، يستفتيه في أمره، فبشره هذا الولي بأنه سيكون عالما فاضلا فقاضيا عادلا، فإماما نبيلا، فرئيسا جليلا، فشيخا كبيرا وتحققت النبوءة على مر الأيام.
3
وعين مدرسا بمعهد الاسكندرية الديني، بعد تخرجه من الأزهر. ثم اختير عام 1917قاضيا شرعيا بعد أن طارت شهرته، وذاع صيته، وضرب أحسن الأمثال في جلال الخلق، وسعة الأفق، وطول الباع في الإلمام بأسرار علوم الشريعة والدين.
واختير محمد مأمون الشناوي إماما (للسراي)، ثقة بعلمه وخلقه ودينه وفضله، فكان موضع التقدير والإجلال من الجميع.
وفي عام 1930صدر قانون تنظيم الجامع الأزهر والمعاهد الدينية في عهد شيخه الشيخ الأحمدي الظواهري وأنشئت الكليات الأزهرية الثلاث: الشريعة واللغة وأصول الدين، على نظام جامعي راق، فاختير ثلاثة من كبار رجال الدين
لتولي مشيخة الكليات الثلاث، وهم الشيخ محمد مأمون الشناوي الذي تولى مشيخة كلية الشريعة، والأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ معهد الزقازيق الديني حينذاك وقد تولى مشيخة كلية اللغة العربية، والشيخ الجليل المرحوم الشيخ عبد المجيد اللبان شيخ القسم العام بالأزهر الشريف الذي تولى مشيخة كلية أصول الدين. وكان للشيخ مأمون طيب الله ثراه آثار جليلة في التوجيه العلمي والديني للأساتذة والطلاب(1/297)
وفي عام 1930صدر قانون تنظيم الجامع الأزهر والمعاهد الدينية في عهد شيخه الشيخ الأحمدي الظواهري وأنشئت الكليات الأزهرية الثلاث: الشريعة واللغة وأصول الدين، على نظام جامعي راق، فاختير ثلاثة من كبار رجال الدين
لتولي مشيخة الكليات الثلاث، وهم الشيخ محمد مأمون الشناوي الذي تولى مشيخة كلية الشريعة، والأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ معهد الزقازيق الديني حينذاك وقد تولى مشيخة كلية اللغة العربية، والشيخ الجليل المرحوم الشيخ عبد المجيد اللبان شيخ القسم العام بالأزهر الشريف الذي تولى مشيخة كلية أصول الدين. وكان للشيخ مأمون طيب الله ثراه آثار جليلة في التوجيه العلمي والديني للأساتذة والطلاب
ولما افتتحت كلية الشريعة يوم الأربعاء 3من ذي الحجة عام 291350 مارس 1933ألقى الشيخ محمد مأمون الشناوي كلية قيمة في حفلة الافتتاح صور فيها سير النهضة العلمية والدينية في الأزهر عامة وفي كلية الشريعة خاصة.
4
وفي عام 1934منح الشيخ محمد مأمون الشناوي عضوية جماعة كبار العلماء.
ثم اختير وكيلا للأزهر بعد ذلك بعشر سنوات عام 1944وفي عهد وكالته للأزهر فاض الخير على العلماء، وشملهم الأنصاف وسارت الأمور في الأزهر في مجراها الطبيعي وتولى منصب رئاسة لجنة الفتوى بالأزهر الشريف.
وفي عام 1945توفي شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الأكبر المغفور له الشيخ مصطفى المراغي طيب الله ثراه، وأريد اختيار خلف له، وكان من الطبيعي أن يعين في منصب المشيخة وكيل الأزهر أو أحد كبار علماء الأزهر الشريف وفي مقدمتهم الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش، ومفتي الديار حينذاك الشيخ عبد المجيد سليم، ولكن الحكومة في عهد النقراشي أصرت على تعيين المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق في منصب المشيخة الجليلة.
وقدم الشيخ مأمون استقالته من وكالة الأزهر، كما قدم الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش استقالته من كلية الشريعة، والشيخ عبد المجيد سليم
استقالته من الإفتاء، وذلك يوم الثلاثاء 11ديسمبر عام 1945.(1/298)
وقدم الشيخ مأمون استقالته من وكالة الأزهر، كما قدم الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش استقالته من كلية الشريعة، والشيخ عبد المجيد سليم
استقالته من الإفتاء، وذلك يوم الثلاثاء 11ديسمبر عام 1945.
وأصدر كبار الشيوخ وفي مقدمتهم الشيخ الشناوي بعد ذلك بيومين بيانا تاريخيا للأمة الإسلامية عن الخلاف بين الأزهر الشريف والحكومة في شأن مشيخة الجامع الأزهر، إثر إقدام الحكومة على تعديل قانون الأزهر وتعيين المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر، وقد رفع هذا البيان إلى المسئولين في 13ديسمبر عام 1945.
5
وفي مساء يوم الأحد 7ربيع الأول عام 1367هـ 18يناير عام 1948 عين الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخا للأزهر الشريف بعد شيخه الراحل المغفور له الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق.
واستقبل فضيلته من الأزهريين ومن العالم الإسلامي استقبالا رائعا.
وللأستاذ الأكبر الشيخ الشناوي مآثر خالدة على الأزهر في عهد مشيخته
ففي عهده أنشىء معهد محمد علي الديني بالمنصورة ومعهد منوف، وأنشئت الوحدة الصحية للأزهر، وضم معهد المنيا وجرجا وسمنود إلى الأزهر. وزادت البعوث الإسلامية إلى الأزهر، كما زادت بعثات الأزهر إلى البلاد العربية والإسلامية.
وفي عهده ألغي البغاء الرسمي، وجعل الدين مادة أساسية في المدارس، وحوربت الفوضى الخلقية والاجتماعية والصور الخليعة، وحددت الخمور في المحلات العامة.
وفي عهده نقلت كلية اللغة من الصليبة إلى البراموني، ونقلت كلية الشريعة إلى المباني الجديدة للجامعة الأزهرية، واشترك الأزهر في المؤتمر الثقافي العربي، وتمت أماني كلية اللغة في المساواة بينها وبين معاهد اللغة العربية المختلفة،
وارتفعت ميزانية الأزهر، وقضي على الفتن المختلفة فيه، إلى غير ذلك من جلائل الأعمال.(1/299)
وفي عهده نقلت كلية اللغة من الصليبة إلى البراموني، ونقلت كلية الشريعة إلى المباني الجديدة للجامعة الأزهرية، واشترك الأزهر في المؤتمر الثقافي العربي، وتمت أماني كلية اللغة في المساواة بينها وبين معاهد اللغة العربية المختلفة،
وارتفعت ميزانية الأزهر، وقضي على الفتن المختلفة فيه، إلى غير ذلك من جلائل الأعمال.
6
وبعد حياة حافلة بجلائل الأعمال توفي الأستاذ الأكبر الشيخ الشناوي عليه رحمة الله، ففي الساعة العاشرة من صباح اليوما لحادي والعشرين من ذي القعدة عام 1369هـ 4سبتمبر عام 1950فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية.
وابنته الصحف في العالم العربي والغربي في حسرة ولوعة وتقدير. وفي ذلك تقول جريدة المصري عدد 5سبتمبر 1950م: فجعت مصر بل العالم الإسلامي كله أمس بوفاة المغفور له الأستاذ الأكبر محمد مأمون الشناوي شيخ الجامع الأزهر وقد خسر العالم الإسلامي بوفاته عالما ثبتا وحجة قوية وفقدت مصر فيه الورع والتقوى والبر والخير والإخلاص لدين الله، وفقد الأزهر فيه كبير علمائه وشيخا من أخلص شيوخه، ظل يعمل لخيره، ويواصل السعي لتحقيق رسالته بين ربوع العالم الإسلامي، ولم يقعد به المرض أو النصب يوما عن مواصلة سعيه وصرف اهتمامه إليه.
تولى رحمه الله مشيخة الأزهر في 18يناير سنة 1948وكان الأزهر في ذلك الحين نهبا لعصبية ممقوتة كادت تقضي على ما يتمتع به من سمعة طيبة وماله في العالم من مكانة، فرأب الصدع ولم الشمل وقضى على الفتنة في مهدها، وشعر الأزهريون جميعا بأنهم أبناء جامعة واحدة وأنهم تربطهم صلات أقوى من صلات الدم وعلى هذا النحو ساس فضيلته شئون الأزهر، وعمل على تقوية ما بينه وبين العالم الإسلامي من روابط فأوفد البعوث الإسلامية المختلفة إلى ربوع العالم الإسلامي تنشر مبادىء الإسلام والثقافة الإسلامية وتقرب ما بين المسلمين وتعمل على إزالة الفرقة والخلاف بينهم.
وزيادة في تقوية الروابط بين البلاد الإسلامية أرسل فضيلته بعثة إلى انجلترا
لدراسة اللغة الانجليزية، لإرسال أعضائها إلى البلاد العربية الإسلامية التي لا تجيد التخاطب باللغة العربية.(1/300)
وزيادة في تقوية الروابط بين البلاد الإسلامية أرسل فضيلته بعثة إلى انجلترا
لدراسة اللغة الانجليزية، لإرسال أعضائها إلى البلاد العربية الإسلامية التي لا تجيد التخاطب باللغة العربية.
ولم يكتف فضيلته بذلك بل عنى أيضا بربط الجامع الأزهر بجميع المعاهد الإسلامية في بقاع الأرض، فاهتم بشئون التعليم في الباكستان والهند والملايو وأندونسيا وأفريقيا الجنوبية.
وإلى جوار هذا وذاك عمل على التمكين لأبناء المسلمين بطلب العلم في الأزهر وفتح أبوابه للوافدين حتى بلغت البعوث الإسلامية في عهده ما يزيد على ألفي طالب، خصصت لهم أماكن الدراسة والمسكن اللائق.
وأخذ يعمل على زيادة المعاهد الدينية في عواصم المديريات، وقد افتتحت في عهده أربعة معاهد نظامية كبيرة، هي معاهد المنصورة والمنيا وسمنود ومنوف.
وهكذا مضى في سياسته الإصلاحية والتوسع في رسالة الأزهر، وقد نال الأزهر بفضل جهوده وتقواه خيرا كثيرا، فارتفعت ميزانيته إلى أكثر من مليون جنيه، ووضع مشروع كادر لتسوية أساتذة الكليات في الأزهر بزملائهم الجامعيين.
وكان من رأيه رحمه الله جعل دراسة الدين مادة أساسية في المدارس ليقي النشىء من الآراء الفاسدة، وما زال ينافح عن هذا الرأي حتى تحققت أمنيته وتقررت دراسة الدين مادة أساسية في المدارس.
ومنذ شهور مرض مرضا ألزمه الفراش، ولكن ثقته بالله وشدة إيمانه حفزاه على مقاومة العلة، وتمكن الأطباء في النهاية من القضاء عليها.
ورأى أن يستجم في الاسماعيلية عند نجله الأستاذ عبد العزيز الشناوي فسافر إليها وكان ينعم فيها بالصحة التامة، وزاره كثيرون من أصدقائه ومن كبار رجال الأزهر هناك.
ولكن القدر المحتوم أبى إلا أن يوافيه في الاسماعيلية فأصيب بنوبة قلبية
حادة تمكن الأطباء من مقاومتها، ثم أصيب في عقبها بالتهاب رئوي كان أيسر وأهون ما لقيه في مرضه، ولكن استعصي دواؤه على الأطباء، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فلقي ربه راضيا مرضيا.(1/301)
ولكن القدر المحتوم أبى إلا أن يوافيه في الاسماعيلية فأصيب بنوبة قلبية
حادة تمكن الأطباء من مقاومتها، ثم أصيب في عقبها بالتهاب رئوي كان أيسر وأهون ما لقيه في مرضه، ولكن استعصي دواؤه على الأطباء، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فلقي ربه راضيا مرضيا.
وقد شيعت جنازته يوم الثلاثاء 5سبتمبر 1950بما يليق بمكانته التي كانت له في القلوب، وبأعماله الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين وصلى عليه في الأزهر الشريف، وكبر المؤذنون في شتى المساجد حينما صلى عليه، ثم وورى جسده الطاهر التراب.
7
لقد كان رحمه الله وطيب ثراه كريم الخلق نبيل النفس رائعا في وقاره وهيبته وسمته وصلاحه وورعه وزهده، ذا شخصية قوية بارزة.
وكان موضع المهابة من الجميع يجلونه ويحترمونه ويرجعون أإليه يستفتونه، كان موثوقا بعلمه ورأيه، واسع الثقافة، كثير الإطلاع.
اشترك في كل الأعمال التي كانت تبذل لإصلاح الأزهر وتنظيمه في الربع الثاني من القرن العشرين وتقول جريدة المصور من مقال عنه بعد وفاته:
كان رحمه الله يتذوق الشعر وينظمه ويقدر الشعراء وقد ترك في مكتبته الكبيرة في بيته بالحلمية الجديدة، مجموعة من دواوين الشعر وكتب الأدب، غير كتب الدين والتاريخ الإسلامي والبلاغة والفلسفة والأصول والحديث والفقه والتوحيد.
وخير الشعراء عنده شاعران: المتنبي وشوقي وقد عثرت بين أوراقه على بعض القصائد التي نظمها بنفسه أيام الشباب.
أمضى المرحوم الشيخ مأمون الشناوي حياته في الدرس والاطلاع، وقد اعتاد منذ أيام الشباب أن يتلو بعض الأدعية قبل كل صلاة وبعدها وفي الطريق بين
البيت ومقر العمل وكان يكتب بعضها ويضعها في حافظته لتلازمه على الدوام وتصونه من المكاره وظل محافظا على ذلك لا يتهاون فيه إلى أن دعاه الله إليه.(1/302)
أمضى المرحوم الشيخ مأمون الشناوي حياته في الدرس والاطلاع، وقد اعتاد منذ أيام الشباب أن يتلو بعض الأدعية قبل كل صلاة وبعدها وفي الطريق بين
البيت ومقر العمل وكان يكتب بعضها ويضعها في حافظته لتلازمه على الدوام وتصونه من المكاره وظل محافظا على ذلك لا يتهاون فيه إلى أن دعاه الله إليه.
ووجدت بين مخلفاته ورقة كتب فيها بخطه: «يد الله فوق أيديهم» وورقة أخرى كتب فيها بخطه أيضا: «اللهم اهدني من عندك، وأمنن علي من فضلك، وانشر علي من رحمتك، وانزل علي من بركاتك، اللهم استرني بسترك الجميل، اللهم ارزقني سعادة الدارين واكفني همهما».
وكان بعد الصلاة يتلو دعاء طويلا هذه بدايته: «الله أكبر الله أكبر، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطانيه ربي، بسم الله خير الأسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم»
وقد ساهم رحمه الله في الحركة الوطنية عند قيامها في سنة 1919، فكان يلقي الخطب الحماسية في المساجد والكنائس ويكتب المقالات في الصحف، بل نظم المظاهرات، ومشى في طليعتها، مع أنه كان وقتئذ قاضيا بمحكمة الاسكندرية الشرعية!.
لكنه كان ينفر من الحزبية، ويرى أن رجل الدين لا ينبغي له أن يجمع بين الدين والسياسة
حينما كان إماما في السراي طلب إليه أحد رجال القصر أن ينضم إلى حزب الاتحاد فأبى، ثم ألح عليه فازداد إباء وقال له: «إنني أستطيع بسهولة أن أخرج من الباب الذي دخلت منه».
وفي اليوم التالي دعاه رئيس الديوان لمقابلته، وكان المرحوم توفيق نسيم، وأبلغه أن الملك فؤاد أحيط علما بما حدث، وأنه سر من موقفه، ولكنه يأخذ عليه قوله إنه يستطيع الخروج بسهولة من الباب الذي دخل منه لأن الدخول من هذا الباب لا يستأثر به فريق من المصريين دون فريق.(1/303)
ولم يرث فضيلة الشيخ محمد مأمون الشناوي شيئا عن أبيه. وظل لا يملك إلا مرتبه، حتى رأى في سنة 1930أن يستبدل بجزء من معاشه قطعة أرض زراعية هي كل ما كان يملك من حطام الدنيا
وكان رحمه الله قوي الإيمان، كثير تحري العدالة، يحب الهدوء والنظام، ويشتد في الحق، ويسوس من مرؤسيه باللين والعطف، ويقسو أحيانا للتأديب وكانت داره في الحلمية الجديدة محط أهل الفضل والعلم والأدب
وقالت مجلة الأزهر في تأبينه: «انتقل إلى الدار الآخرة في اليوم الرابع من شهر سبتمبر سنة 1950العالم الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخ الجامع الأزهر متأثرا بداء عضال ألم به نحو ثلاثة أشهر، فكان لنعيه أسف عميق لدى كل من عرفه وغشى مجلسه، لما كان عليه، رحمه الله، من محاسن الشيم، والتواضع، وحسن الإصغاء لذوي الحاجات.
وقد تلقى رحمه الله العلم في الأزهر، ونال درجة العالمية في سنة 1906، وعين مدرسا في معهد الاسكندرية، ثم تولى القضاء بالمحاكم الشرعية، وتقلب في وظائفها واشتهر فيها بإيثار العدل والإنصاف. وفي سنة 1916اختير ليكون إماما في السراي فظل في هذا المنصب نحو خمس سنين، وفي سنة 1931، حين وضع للتدريس بالأزهر نظام جديد، وقسمت الدراسة العالية فيه إلى ثلاثة فروع، وأنشئت لها كليات ثلاث: واحدة للشريعة وأخرى لأصول الدين، وثالثة للغة، اختير الشيخ رحمه الله شيخا لكلية الشريعة، فمكث يشغل منصبه فيها بكفاية محمودة، وعمل قرابة ثلاث عشرة سنة. وفي سنة 1944أسندت إليه وكالة الجامع الأزهر، وكان المرحوم الشيخ مصطفى المراغي شيخا له، فلبث في هذا المنصب حتى توفي الأستاذ المذكور، وترددت الحكومة في تخير رجل كفء لشغل منصب المشيخة، فوقع الاختيار على المرحوم الأستاذ مصطفى عبد الرازق، فرأى أن قانون الأزهر يشترط فيمن يتولى هذه الوظيفة أن يكون من هيئة كبار العلماء.
ولم يكن الأستاذ المذكور منها، فاستحسن أن ينقح هذا القانون حتى يتسع لتعيين
من يصلح ممن لا تنطبق عليه شروطه من أجلاء العلماء، ما دامت تتوافر فيه المؤهلات العلمية والأدبية. فلما عرض هذا الحل على المرحوم الشيخ محمد مأمون الشناوي أبى ورأى أن يستقيل من منصبه، وأن يتولى هذا الأمر غيره. فقبلت استقالته ومضت الحكومة في إصلاح ذلك القانون، وعين المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر: فلما كانت سنة 1948وتوفي الأستاذ المذكور، أسندت الحكومة مشيخة الأزهر إلى الشيخ محمد مأمون الشناوي في الشهر الأول من تلك السنة فلبث فيها إلى أن وافاه أجله في الحين الذي ذكرناه آنفا. ومما يجب تسجيله للأستاذ المرحوم حالة الاستقرار الذي شمل جميع طلبة الكليات والمعاهد الأزهرية، وما قام به للأزهريين من مساواة خريجيهم بخريجي الجامعة المصرية في المرتبات، ومن عمله على تحقيق أمانيهم.(1/304)
ولم يكن الأستاذ المذكور منها، فاستحسن أن ينقح هذا القانون حتى يتسع لتعيين
من يصلح ممن لا تنطبق عليه شروطه من أجلاء العلماء، ما دامت تتوافر فيه المؤهلات العلمية والأدبية. فلما عرض هذا الحل على المرحوم الشيخ محمد مأمون الشناوي أبى ورأى أن يستقيل من منصبه، وأن يتولى هذا الأمر غيره. فقبلت استقالته ومضت الحكومة في إصلاح ذلك القانون، وعين المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر: فلما كانت سنة 1948وتوفي الأستاذ المذكور، أسندت الحكومة مشيخة الأزهر إلى الشيخ محمد مأمون الشناوي في الشهر الأول من تلك السنة فلبث فيها إلى أن وافاه أجله في الحين الذي ذكرناه آنفا. ومما يجب تسجيله للأستاذ المرحوم حالة الاستقرار الذي شمل جميع طلبة الكليات والمعاهد الأزهرية، وما قام به للأزهريين من مساواة خريجيهم بخريجي الجامعة المصرية في المرتبات، ومن عمله على تحقيق أمانيهم.(1/305)
الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم
كان الأستاذ الأكبر عبد المجيد سليم من العلماء القلائل الذين قل أن شهد لهم الأزهر مثيلا: في سعة الأفق، وجلال الخلق، وعظمة النفس، وقوة النزوع إلى المثل العليا، فهو بحق خلف عظيم لأسلاف كرام.
تتلمذ على الإمام محمد عبده، فتخرج عالما قديرا، وشيخا جليلا، وما لبث أن جعلته مواهبه وكفايته وشخصيته علما بين زملائه العلماء.
وشاهد الأحداث الكبرى في تاريخ الوطن الديني والفكري والاجتماعي والسياسي، واشترك فيها موجها وهاديا وشغل الكثير من المناصب الدينية الجليلة في الأزهر والقضاء الشرعي والإفتاء، وكان لآرائه الدينية صداها البعيد في العالم الإسلامي كافة، ثم عهد إليه بالإشراف على الدراسات العليا في الأزهر الجامعي، ثم صارت إليه رياسة لجنة الفتوى، فكان له في كل ناحية أعمال خالدة مأثورة وإصلاح الأزهر الجامعي في شتى أطواره المختلفة في العصر الحديث مدين لفضيلته بالرأي والتوجيه.
وقد ولد الشيخ عبد المجيد سليم في 13أكتوبر 1882، وتخرج من الأزهر عام 1908، حاملا العالمية من الدرجة الأولى وشغل وظائف التدريس والقضاء والإفتاء ومشيخة الجامع الأزهر. ومكث في الإفتاء قرابة عشرين عاما. وله من الفتاوى ما يربو على خمسة آلاف.
ولقد تولى مشيخة الأزهر مرتين، أقيل في أولهما لأنه نقد الملك.(1/306)
وقد ركز نشاطه في السنوات الأخيرة في الاشتغال بجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وقد جعلت هذه الجماعة من أهدافها أن تتفاهم الطوائف الإسلامية على ما ينفع المسلمين، وأن تعمل على نسيان الخلاف واستلال الضغائن من بينهم، وله في هذه الناحية كتابات ورسائل ومراسلات بينه وبين كثير من علماء البلاد الإسلامية، فلم يقتصر فضله على العلم في مصر، ولكنه تجاوز ذلك إلى آفاق الإسلام، وإلى كل الطوائف.
ولفضيلته عدة رسائل مخطوطة، وقد أثر عنه الشجاعة في قول الحق والجهر به أمام الحكام دون خوف أو حذر، وقد استقال من الإفتاء عام 1946حين وجد حكومة ذلك العهد تريد التدخل في شؤون الأزهر، وقال لرئيس ديوان الملك حين حذره من الخطر الذي سيلحقه: «إنني ما دمت أتردد بين بيتي والمسجد فلا خطر علي». عين فضيلته في مشيخة الأزهر للمرة الأولى يوم 26ذي الحجة عام 1369هـ الثامن من شهر أكتوبر عام 1950وأعفي من المنصب في 4سبتمبر 1951ثم تولى المشيخة لثاني مرة في 10فبراير 1952واستقال من المنصب في 17سبتمبر 1952، وتوفي عليه رحمة الله في صباح يوم الخميس 10من صفر 1374هـ 7من أكتوبر 1954، تاركا ذكريات إسلامية لا تنسى.(1/307)
الأستاذ الأكبر الشيخ ابراهيم حمروش
ملء القلوب والأسماع، وحديث الخاصة والعامة، وشخصية تكاد من جلالتها وتواضعها تعد مع الخالدين الأوائل من كبار أئمة الإسلام حجة في علوم الدين واللغة والأدب، وإمام في المعقول والمنقول، وشيخ كثير من علماء الأزهر المعاصرين، تتلمذوا عليه، ونهلوا من معين علمه الفياض، واستمعوا لأحاديثه وآرائه في اللغة والبلاغة والأدب، وفي علوم الشريعة وأحكامها، وفي دقائق الاجتماع والتاريخ، فكان لهم من ذلك علم غزير، ومدد فياض ومجلسه العامر يفيض بالجديد الطريف من معارفنا الحاضرة، وبالتليد القديم من علوم الأوائل ومعارفها، وإلى جانب ذلك النكتة الرائقة والفكاهة الشائقة، والآداب الرفيعة، في سمت الصالحين الورعين، والزاهدين العابدين، مع التقوى والتواضع، وعفة اللسان، وطهارة القلب، ويقظة الضمير. وهو صوفي ورع، محب لآل البيت، كثير الإجلال لذكرهم، مع التوكل على الله والتباعد عن السياسة. وهو من أرومة عربية طيبة، من عرب إقليم البحيرة، حفظ القرآن، وجاور في الأزهر، وتتلمذ على الإمام محمد عبده، ونال العالمية من الدرجة الأولى، وشغل منصب التدريس في الأزهر، ثم في مدرسة القضاء الشرعي، ثم تدرج في مناصب القضاء، ثم اختير شيخا لمعهد أسيوط، فشيخا لمعهد الزقازيق، فعميدا لكلية اللغة العربية، فشيخا لكلية الشريعة ثم أسندت إليه رياسة لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ثم منصب المشيخة العظمى،
والامامة الكبرى للإسلام والمسلمين. إلى جانب عضويته في مجمع اللغة العربية منذ نشأته حتى اليوم، ولقد عاش طول حياته يحلم بإصلاح الأزهر ويعمل مع العاملين لهذا الهدف، ويشترك في جميع اللجان التي ألفت لذلك.(1/308)
ملء القلوب والأسماع، وحديث الخاصة والعامة، وشخصية تكاد من جلالتها وتواضعها تعد مع الخالدين الأوائل من كبار أئمة الإسلام حجة في علوم الدين واللغة والأدب، وإمام في المعقول والمنقول، وشيخ كثير من علماء الأزهر المعاصرين، تتلمذوا عليه، ونهلوا من معين علمه الفياض، واستمعوا لأحاديثه وآرائه في اللغة والبلاغة والأدب، وفي علوم الشريعة وأحكامها، وفي دقائق الاجتماع والتاريخ، فكان لهم من ذلك علم غزير، ومدد فياض ومجلسه العامر يفيض بالجديد الطريف من معارفنا الحاضرة، وبالتليد القديم من علوم الأوائل ومعارفها، وإلى جانب ذلك النكتة الرائقة والفكاهة الشائقة، والآداب الرفيعة، في سمت الصالحين الورعين، والزاهدين العابدين، مع التقوى والتواضع، وعفة اللسان، وطهارة القلب، ويقظة الضمير. وهو صوفي ورع، محب لآل البيت، كثير الإجلال لذكرهم، مع التوكل على الله والتباعد عن السياسة. وهو من أرومة عربية طيبة، من عرب إقليم البحيرة، حفظ القرآن، وجاور في الأزهر، وتتلمذ على الإمام محمد عبده، ونال العالمية من الدرجة الأولى، وشغل منصب التدريس في الأزهر، ثم في مدرسة القضاء الشرعي، ثم تدرج في مناصب القضاء، ثم اختير شيخا لمعهد أسيوط، فشيخا لمعهد الزقازيق، فعميدا لكلية اللغة العربية، فشيخا لكلية الشريعة ثم أسندت إليه رياسة لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ثم منصب المشيخة العظمى،
والامامة الكبرى للإسلام والمسلمين. إلى جانب عضويته في مجمع اللغة العربية منذ نشأته حتى اليوم، ولقد عاش طول حياته يحلم بإصلاح الأزهر ويعمل مع العاملين لهذا الهدف، ويشترك في جميع اللجان التي ألفت لذلك.
ولقد تخرج الشيخ إبراهيم حمروش من الأزهر، عام 1906، وعين مدرسا في الأزهر، ثم اختير للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي 1909، ومكث مدرسا بها حتى سنة 1916، ثم عين قاضيا في المحاكم الشرعية، وظل يرقى في مناصبها، إلى أن اختير عام 1928شيخا لمعهد أسيوط، ونقل بعد شهور شيخا لمعهد الزقازيق، ولما أنشئت الكليات الأزهرية اختير عام 1932شيخا لكلية اللغة العربية، وفي عام 1944اختير شيخا لكلية الشريعة، ثم استقال من منصبه عام 1946احتجاجا على السراي لتدخلها في شؤون الأزهر، وعين عام 1950رئيسا للجنة الفتوى وهو عضو في المجمع اللغوي بالقاهرة منذ إنشائه عام 1932.
وللأستاذ الأكبر مكانته الكبيرة في قلوب الأزهريين، فهو حيثما حل وحيثما كان موضع التجلة والاحترام والتقدير، من كل أزهري وكل مسلم ومكانته العظيمة في العالم الإسلامي في غنى عن البيان.
وإن معاهد الأزهر وكلياته لتفخر بجهوده في تنظيمها وفي توجيهها لأداء رسالتها، ولقد نال مكانته المرموقة بما فطر عليه من نبل خلق وعظمة شخصية وسعة علم وصلاح وإيمان
كان في الوظائف الكبرى التي تقلدها مثالا عاليا للرئيس اليقظ العادل والإمام الراعي الساهر، والشيخ الحكيم المدبر، والعالم الحاني على طلاب العلم وشيوخه. وقد تولى الشيخ حمروش مشيخة الأزهر للمرة الأولى في 4سبتمبر عام 1951وكانت له مواقف خالدة في الحركة الوطنية المصرية الأخيرة، وأعفي من منصبه في 10فبراير عام 1952 لاشتراكه في الحركة الوطنية التي قام بها الشعب وقيادته للمظاهرة الشعبية
التي خرجت تهتف بحرية مصر، ومقالاته عن وجوب محاربة الاستعمار، وأذكر أنه لما تولى المشيخة للمرة الأولى استقبل في الأزهر استقبالا حافلا، وهنأته بهذه الأبيات:(1/309)
كان في الوظائف الكبرى التي تقلدها مثالا عاليا للرئيس اليقظ العادل والإمام الراعي الساهر، والشيخ الحكيم المدبر، والعالم الحاني على طلاب العلم وشيوخه. وقد تولى الشيخ حمروش مشيخة الأزهر للمرة الأولى في 4سبتمبر عام 1951وكانت له مواقف خالدة في الحركة الوطنية المصرية الأخيرة، وأعفي من منصبه في 10فبراير عام 1952 لاشتراكه في الحركة الوطنية التي قام بها الشعب وقيادته للمظاهرة الشعبية
التي خرجت تهتف بحرية مصر، ومقالاته عن وجوب محاربة الاستعمار، وأذكر أنه لما تولى المشيخة للمرة الأولى استقبل في الأزهر استقبالا حافلا، وهنأته بهذه الأبيات:
عاد الدين مجده وسلامه ... وحمى الدين هذه أيامه
ودع الأزهر الغداة ليالي ... هـ، ونادته بالمنى أحلامه
تلك آماله الكبار، وهذا ... شيخه الأكبر الحكيم إمامه
يشهد الله أنه كاهل الدين، ... وللأزهر العريق سنامه
إن (إبراهيم) الملاذ لبيت الله ... تسعى بسعيه أعلامه
أمة واحدة، وفي الله مسعاه، ... وللحق عزمه ومقامه
أمل المسلمين، والنور يهدي ... ليس إلا للمكرمات اعتزامه
يا إمام الإسلام بايعك الأزهر ... شيخا له، وأنت سلامه
تلك آماله إليك، وهذا ... في يديك الكريمتين زمامه
وعلى منكبيك برد جلال ... صيغ من نسج الصالحات وسامه
سر على يمن الله تحرس بيت العلم ... في يمنى راحتيك وسامه
جمعت حولك القلوب وهذا البي ... ت جذلان من هداك ابتاسمه
والشيخ حمروش، هو البقية الباقية من علماء الأزهر الأعلام، ومن الجيل القديم، الذين يعتز بهم الأزهر الحديث، والذين ليس لهم نظير في العلم والغيرة على شؤون الإسلام والعروبة، أمد الله في حياته وما من أزهري اليوم إلا وهو من تلامذته، أو من تلامذة تلامذته
ومن كلماته هذه الكلمة التي ألقاها في الأزهر في ذكرى الهجرة وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين: شاعت في الأمم السابقة خرافات وعقائد باطلة لم تكن وليدة بحث ودروس ونظر واستدلال، وإنما هي أقوال ملفقة مما يأخذها الخلف عن السلف، ويقلد فيها الأبناء آباءهم، من غير فهم ولا روية، وهي موضع تقديرهم، ومحل اعتبارهم، وأشد الناس تمسكا بها
ومحافظة عليها المترفون، لأنهم يعتقدون أن في الدين زوالا لهيبتهم وذهابا لعظمتهم، قال تعالى: {وَكَذََلِكَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلََّا قََالَ مُتْرَفُوهََا إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ وَإِنََّا عَلى ََ آثََارِهِمْ مُقْتَدُونَ}، وقد أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلّم إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لخلقه، واختاره لعباده، من يوم مبعثه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكان موقف أمته منه موقف الأمم السابقة من رسلها، ولم تستحدث الأيام خلقا، ولا حالت من الزمن العهود.(1/310)
ومن كلماته هذه الكلمة التي ألقاها في الأزهر في ذكرى الهجرة وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين: شاعت في الأمم السابقة خرافات وعقائد باطلة لم تكن وليدة بحث ودروس ونظر واستدلال، وإنما هي أقوال ملفقة مما يأخذها الخلف عن السلف، ويقلد فيها الأبناء آباءهم، من غير فهم ولا روية، وهي موضع تقديرهم، ومحل اعتبارهم، وأشد الناس تمسكا بها
ومحافظة عليها المترفون، لأنهم يعتقدون أن في الدين زوالا لهيبتهم وذهابا لعظمتهم، قال تعالى: {وَكَذََلِكَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلََّا قََالَ مُتْرَفُوهََا إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ وَإِنََّا عَلى ََ آثََارِهِمْ مُقْتَدُونَ}، وقد أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلّم إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لخلقه، واختاره لعباده، من يوم مبعثه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكان موقف أمته منه موقف الأمم السابقة من رسلها، ولم تستحدث الأيام خلقا، ولا حالت من الزمن العهود.
بدأ محمد صلى الله عليه وسلّم، بدعوة العرب، وكانوا وقتئذ أقل الناس حظا وأشقاهم عيشا، وأبينهم ضلالة، بأسهم بينهم شديد، يقتتلون لأقل الأمور وأحقر الأسباب، وكانوا متفرقين لا تجمعهم وحدة، ولا يشملهم نظام، وكان يجاور العرب دولتان عظيمتان: دولة الفرس، ودولة الروم الشرقية، استولت كل واحدة منهما على ما جاورها من بلاد العرب، وجعلت عليه حاكما من العرب، يعمل لها وينفذ إرادتها، ويرعى مصالحها، وبهذا الوضع كان العرب محصورين في جزيرتهم، قانعين بما فيها من مفاوز وصحراوات.
دعاهم صلى الله عليه وسلّم إلى خير الأمور، وأفضل الأعمال: دعاهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، لأنها لا تضر ولا تنفع، ولا تعطي ولا تمنع، ولا تدفع عن نفسها أذاة، ولا تميط قذاة، ولا تخلق حصاة، ومع ظهور الحجة ووضوح البرهان، وتنبيههم للحق في كثير من الآيات، قال تعالى:
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبََاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبََابُ شَيْئاً لََا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطََّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} إلى غير ذلك من الأمثال التي صرفها الله تعالى في كتابه، ومع كل ذلك لم يؤمنوا به، بل كذبوه أشد تكذيب وبالغوا في الإنكار، وقالوا: {إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ وَإِنََّا عَلى ََ آثََارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.
ومن جهلهم زعموا أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلّم الناس إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام، لم تكن إلا لأنه صلوات الله عليه يكره الأصنام، ويريد الانتقام منها، لأن بعضها اعتراه بسوء، وألحق به ضررا، فقالوا: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا}
{اعْتَرََاكَ بَعْضُ آلِهَتِنََا بِسُوءٍ}، فكان ذلك صراعا بين الحق والباطل، وبين الحجة والبرهان، والجهل والطغيان، ولم يقفوا عند التكذيب والإنكار، بل تجاوزا ذلك إلى إيذائه وإيذاء من شرح الله صدورهم للإسلام، فقبلوا دعوته وآمنوا برسالته. وفازوا بشرف السبق، وكلما بالغوا في الإيذاء، بالغ صلى الله عليه وسلّم في الصبر، واجتهد في الدعوة، وكان صلى الله عليه وسلّم شديد الحرص، عظيم الاهتمام بكثرة الأعوان والأنصار، ليتمكن بذلك من أداء مهمته، وتبليغ رسالته، فكان عليه السلام يتلقى من أقبلوا إلى مكة في موسم الحج، فيدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن، فما أجابه أحد، ومنهم من رد عليه ردا قبيحا، وقد اجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مقابلة الوفود، ولم يصرفه إيذاء قريش عن دعوته، ولا الرد القبيح عن السعي في إدراك طلبته، فكان يقابل الوفود في كل موسم، ففي موسم التقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بجماعة من الخزرج، ولما عرض عليهم الإسلام قبلوه، فكان ذلك الاجتماع مقدمة النجح ووسيلة الفوز، فإنهم لما عادوا إلى أهلهم بالمدينة ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والدين الذي يدعو إليه، فأسلم منهم كثيرون، وفي موسم آخر حضر جمع من مسلمي المدينة والتقى بهم رسول الله وبايعوه، إن هاجر إليهم، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وبعد ذلك أمر صلوات الله عليه، أصحابه بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم، وقال لهم: «إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها» فخرجوا أرسالا، رجالا ونساء، إلا من حيل بينهم وبين الهجرة من المستضعفين، ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد صارت له شيعة وأصحاب من غير بلدهم، وخرج أصحابه من المهاجرين إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، ائتمروا على قتله قبل الهجرة حتى يأمنوا حربه. ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أجمعت عليه قريش وعرف الليلة التي يريدون الفتك به في صبحها، توجه صلوات الله عليه إلى أبي بكر، وأخبره أن الله أذن له بالهجرة، فسأله الصحبة، فأجابه إليها، واتعد على الهجرة في تلك الليلة، وقد أمر النبي صلوات الله عليه علي بن ابي طالب أن ينام مكانه في تلك الليلة ويتسجى ببرده لئلا يرتاب أحد في وجوده، وأصبحت فتيان قريش ينتظرون
خروجه صلى الله عليه وسلّم للفتك به، فإذا بعلي يخرج إليهم، فعلموا أنهم باتوا يحرسون عليا. ولما علمت قريش بذلك ثارت ثائرتهم وأخذوا يقتصون الأثر، وجعلوا لمن يأتي به حيا مائة من الابل، وهاجر صلى الله عليه وسلّم بإذن الله وفي رعايته وحفظه إلى أن بلغ المدينة، ولما استقر بالمدينة أخذ ينشر دعوته ويبلغ رسالته إلى أن بلغ كل ما امر بتبليغه، وبذلك تمت الشريعة، وكمل النظام الذي وضعه العليم الحكيم.(1/311)
ومن جهلهم زعموا أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلّم الناس إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام، لم تكن إلا لأنه صلوات الله عليه يكره الأصنام، ويريد الانتقام منها، لأن بعضها اعتراه بسوء، وألحق به ضررا، فقالوا: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا}
{اعْتَرََاكَ بَعْضُ آلِهَتِنََا بِسُوءٍ}، فكان ذلك صراعا بين الحق والباطل، وبين الحجة والبرهان، والجهل والطغيان، ولم يقفوا عند التكذيب والإنكار، بل تجاوزا ذلك إلى إيذائه وإيذاء من شرح الله صدورهم للإسلام، فقبلوا دعوته وآمنوا برسالته. وفازوا بشرف السبق، وكلما بالغوا في الإيذاء، بالغ صلى الله عليه وسلّم في الصبر، واجتهد في الدعوة، وكان صلى الله عليه وسلّم شديد الحرص، عظيم الاهتمام بكثرة الأعوان والأنصار، ليتمكن بذلك من أداء مهمته، وتبليغ رسالته، فكان عليه السلام يتلقى من أقبلوا إلى مكة في موسم الحج، فيدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن، فما أجابه أحد، ومنهم من رد عليه ردا قبيحا، وقد اجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مقابلة الوفود، ولم يصرفه إيذاء قريش عن دعوته، ولا الرد القبيح عن السعي في إدراك طلبته، فكان يقابل الوفود في كل موسم، ففي موسم التقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بجماعة من الخزرج، ولما عرض عليهم الإسلام قبلوه، فكان ذلك الاجتماع مقدمة النجح ووسيلة الفوز، فإنهم لما عادوا إلى أهلهم بالمدينة ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والدين الذي يدعو إليه، فأسلم منهم كثيرون، وفي موسم آخر حضر جمع من مسلمي المدينة والتقى بهم رسول الله وبايعوه، إن هاجر إليهم، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وبعد ذلك أمر صلوات الله عليه، أصحابه بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم، وقال لهم: «إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها» فخرجوا أرسالا، رجالا ونساء، إلا من حيل بينهم وبين الهجرة من المستضعفين، ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد صارت له شيعة وأصحاب من غير بلدهم، وخرج أصحابه من المهاجرين إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، ائتمروا على قتله قبل الهجرة حتى يأمنوا حربه. ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أجمعت عليه قريش وعرف الليلة التي يريدون الفتك به في صبحها، توجه صلوات الله عليه إلى أبي بكر، وأخبره أن الله أذن له بالهجرة، فسأله الصحبة، فأجابه إليها، واتعد على الهجرة في تلك الليلة، وقد أمر النبي صلوات الله عليه علي بن ابي طالب أن ينام مكانه في تلك الليلة ويتسجى ببرده لئلا يرتاب أحد في وجوده، وأصبحت فتيان قريش ينتظرون
خروجه صلى الله عليه وسلّم للفتك به، فإذا بعلي يخرج إليهم، فعلموا أنهم باتوا يحرسون عليا. ولما علمت قريش بذلك ثارت ثائرتهم وأخذوا يقتصون الأثر، وجعلوا لمن يأتي به حيا مائة من الابل، وهاجر صلى الله عليه وسلّم بإذن الله وفي رعايته وحفظه إلى أن بلغ المدينة، ولما استقر بالمدينة أخذ ينشر دعوته ويبلغ رسالته إلى أن بلغ كل ما امر بتبليغه، وبذلك تمت الشريعة، وكمل النظام الذي وضعه العليم الحكيم.(1/312)
ومن جهلهم زعموا أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلّم الناس إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام، لم تكن إلا لأنه صلوات الله عليه يكره الأصنام، ويريد الانتقام منها، لأن بعضها اعتراه بسوء، وألحق به ضررا، فقالوا: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا}
{اعْتَرََاكَ بَعْضُ آلِهَتِنََا بِسُوءٍ}، فكان ذلك صراعا بين الحق والباطل، وبين الحجة والبرهان، والجهل والطغيان، ولم يقفوا عند التكذيب والإنكار، بل تجاوزا ذلك إلى إيذائه وإيذاء من شرح الله صدورهم للإسلام، فقبلوا دعوته وآمنوا برسالته. وفازوا بشرف السبق، وكلما بالغوا في الإيذاء، بالغ صلى الله عليه وسلّم في الصبر، واجتهد في الدعوة، وكان صلى الله عليه وسلّم شديد الحرص، عظيم الاهتمام بكثرة الأعوان والأنصار، ليتمكن بذلك من أداء مهمته، وتبليغ رسالته، فكان عليه السلام يتلقى من أقبلوا إلى مكة في موسم الحج، فيدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن، فما أجابه أحد، ومنهم من رد عليه ردا قبيحا، وقد اجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مقابلة الوفود، ولم يصرفه إيذاء قريش عن دعوته، ولا الرد القبيح عن السعي في إدراك طلبته، فكان يقابل الوفود في كل موسم، ففي موسم التقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بجماعة من الخزرج، ولما عرض عليهم الإسلام قبلوه، فكان ذلك الاجتماع مقدمة النجح ووسيلة الفوز، فإنهم لما عادوا إلى أهلهم بالمدينة ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والدين الذي يدعو إليه، فأسلم منهم كثيرون، وفي موسم آخر حضر جمع من مسلمي المدينة والتقى بهم رسول الله وبايعوه، إن هاجر إليهم، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وبعد ذلك أمر صلوات الله عليه، أصحابه بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم، وقال لهم: «إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها» فخرجوا أرسالا، رجالا ونساء، إلا من حيل بينهم وبين الهجرة من المستضعفين، ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد صارت له شيعة وأصحاب من غير بلدهم، وخرج أصحابه من المهاجرين إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، ائتمروا على قتله قبل الهجرة حتى يأمنوا حربه. ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أجمعت عليه قريش وعرف الليلة التي يريدون الفتك به في صبحها، توجه صلوات الله عليه إلى أبي بكر، وأخبره أن الله أذن له بالهجرة، فسأله الصحبة، فأجابه إليها، واتعد على الهجرة في تلك الليلة، وقد أمر النبي صلوات الله عليه علي بن ابي طالب أن ينام مكانه في تلك الليلة ويتسجى ببرده لئلا يرتاب أحد في وجوده، وأصبحت فتيان قريش ينتظرون
خروجه صلى الله عليه وسلّم للفتك به، فإذا بعلي يخرج إليهم، فعلموا أنهم باتوا يحرسون عليا. ولما علمت قريش بذلك ثارت ثائرتهم وأخذوا يقتصون الأثر، وجعلوا لمن يأتي به حيا مائة من الابل، وهاجر صلى الله عليه وسلّم بإذن الله وفي رعايته وحفظه إلى أن بلغ المدينة، ولما استقر بالمدينة أخذ ينشر دعوته ويبلغ رسالته إلى أن بلغ كل ما امر بتبليغه، وبذلك تمت الشريعة، وكمل النظام الذي وضعه العليم الحكيم.
والشريعة التي بلغها سمو بالعقول عن التقليد، واتباع القول بلا دليل، وأمر بالنظر فيما بث الله في الآفاق من آيات. ونصب في الكون من دلائل تدفعها إلى الاذعان بوجود الله، وبما له من صفات الكمال: من القدرة التامة والعلم المحيط والتفرد بالسلطان فيما عداه، يمضي فيه حكمه وينفذ قضاؤه، وعبادة وخضوع وتقرب وخشوع. شكرا لمن خلقهم، وأسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، وتهذيب نفوس، وتطهير قلوب، وبعد عن الآثام والذنوب، وتنزه عن الصغائر، وصدق في القول، وإخلاص في العمل، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وشجاعة ونجدة، وإعداد عدة لارهاب الأعداء، ومساواة فكلهم عند الله سواء، لا فرق بين عظيم وحقير وغني وفقير، لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله والتقرب منه، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين، وتعاون وتناصر، وتواد وتراحم وتعاطف وطاعة الله ورسوله وأولي الأمر من المسلمين. إلى غير ذلك مما أمرت به الشريعة. وحثت عليه. ورغبت فيه. وقد اعد الله تعالى للذين يعملون الصالحات سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَعَدَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى ََ لَهُمْ. وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ كََانَتْ لَهُمْ جَنََّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}. وقد عملت الأمة بتلك الشريعة، فآتت اعمالها الصالحة أكلها، وأثمرت ثمرتها في بناء الأمة على أسس متينة، وأخلاق عظيمة، وربطت بينها برباط التعاون والمساواة والألفة والمحبة، والدين والخلق، فاتحدت بعد تفرق،
وقويت بعد ضعف، وسعدت بعد شقاء، وعزت بعد ذل. فعظم قدرها وعلا شأنها، وأحكم أمرها، فغيرت وجه التاريخ، وفكت الحصر الذي ضربته دولة الفرس ودولة الروم. وفتحت بلاد الأعداء الذين كانوا يكيدون لها ويعملون على مضايقتها. ولا زالت الدولة الإسلامية تنتقل من فتح إلى فتح ومن نصر إلى نصر، وعاشت قوية عزيزة، تقدرها الأمم، ويرهبها الأعداء ولما انحرفت عن العمل بالدين، واتباع هدى سيد المرسلين، اعتراها الضعف والوهن، فلانت قناتها. وذهبت هيبتها.(1/313)
والشريعة التي بلغها سمو بالعقول عن التقليد، واتباع القول بلا دليل، وأمر بالنظر فيما بث الله في الآفاق من آيات. ونصب في الكون من دلائل تدفعها إلى الاذعان بوجود الله، وبما له من صفات الكمال: من القدرة التامة والعلم المحيط والتفرد بالسلطان فيما عداه، يمضي فيه حكمه وينفذ قضاؤه، وعبادة وخضوع وتقرب وخشوع. شكرا لمن خلقهم، وأسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، وتهذيب نفوس، وتطهير قلوب، وبعد عن الآثام والذنوب، وتنزه عن الصغائر، وصدق في القول، وإخلاص في العمل، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وشجاعة ونجدة، وإعداد عدة لارهاب الأعداء، ومساواة فكلهم عند الله سواء، لا فرق بين عظيم وحقير وغني وفقير، لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله والتقرب منه، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين، وتعاون وتناصر، وتواد وتراحم وتعاطف وطاعة الله ورسوله وأولي الأمر من المسلمين. إلى غير ذلك مما أمرت به الشريعة. وحثت عليه. ورغبت فيه. وقد اعد الله تعالى للذين يعملون الصالحات سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَعَدَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى ََ لَهُمْ. وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ كََانَتْ لَهُمْ جَنََّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}. وقد عملت الأمة بتلك الشريعة، فآتت اعمالها الصالحة أكلها، وأثمرت ثمرتها في بناء الأمة على أسس متينة، وأخلاق عظيمة، وربطت بينها برباط التعاون والمساواة والألفة والمحبة، والدين والخلق، فاتحدت بعد تفرق،
وقويت بعد ضعف، وسعدت بعد شقاء، وعزت بعد ذل. فعظم قدرها وعلا شأنها، وأحكم أمرها، فغيرت وجه التاريخ، وفكت الحصر الذي ضربته دولة الفرس ودولة الروم. وفتحت بلاد الأعداء الذين كانوا يكيدون لها ويعملون على مضايقتها. ولا زالت الدولة الإسلامية تنتقل من فتح إلى فتح ومن نصر إلى نصر، وعاشت قوية عزيزة، تقدرها الأمم، ويرهبها الأعداء ولما انحرفت عن العمل بالدين، واتباع هدى سيد المرسلين، اعتراها الضعف والوهن، فلانت قناتها. وذهبت هيبتها.
وقد توفي رحمه الله عصر يوم الاثنين 25جمادي الأولى 1380هـ 14 نوفمبر 1960وشيعت جنازته في اليوم التالي إلى مقبرة سيدي جلال في 15 نوفمبر 1960.
وكتب عباس محمود العقاد في يومياته في الأخبار (عدد 23/ 11/ 1960) يقول:
كان صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم حمروش بقية صالحة من بقايا المدرسة الإمامية التي استفادت من قدوة أستاذها الشيخ محمد عبده في العناية بعلوم اللغة والأدب والحكمة إلى جانب العناية بعلوم الفقه والشريعة.
كان الأستاذ الإمام يعني بالأدب واللغة فيدرس نهج البلاغة ومقامات البديع ويعني بالفلسفة الإسلامية فيكتب رسالة التوحيد ويعلق على «العقائد العضدية» ويهدي طلا به إلى أسرار حكمة الغزالي في مطولاته ومختصراته، ويعني بالفقه والشريعة فيلقي دروسه في تفسير القرآن الكريم ويكتب تقريراته الوافية في إصلاح المحاكم الشرعية.
وبهذه القدوة العالية كان تلاميذه الأوائل يقتدون ويهتدون ومنهم فقيد اللغة والفقه الأستاذ حمروش شيخ الأزهر الأسبق وعضو مجمع اللغة العربية، الذي فقده العالم العربي والعالم الاسلامي، منذ أيام.
كان عجبا في سرعة الشاهد من الشعر والنثر على خاطره وعلى
لسانه، وكان من شواهده في جلسة قريبة من جلسات لجنة الأصول بالمجمع أن بعض الزملاء تذاكروا شروط السن فسمعنا الشيخ كعادته عند حضور الشاهد يهمس ببيت التميمي الذي يقول فيه:(1/314)
كان عجبا في سرعة الشاهد من الشعر والنثر على خاطره وعلى
لسانه، وكان من شواهده في جلسة قريبة من جلسات لجنة الأصول بالمجمع أن بعض الزملاء تذاكروا شروط السن فسمعنا الشيخ كعادته عند حضور الشاهد يهمس ببيت التميمي الذي يقول فيه:
وإن امرأ قد سار خمسين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
وهو بيت يكثر فيه تبديل العدد على حسب المناسبة، فصاحب البيت يقول «خمسين حجة»، وبديع الزمان في مقامته الأهوازية يقول «عشرين حجة» وو الشيخ حمروش يرويها أولا «ستين حجة» ثم يذكر أنه جاوزها فيصلح وزن الشطر على الثامنين، ويعود قائلا:
وان امرأ يسعى ثمانين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
وهكذا كنا نسمع منه الشواهد الحاضرة حين يستشهد بها في موضعها من الدلالة على الأحكام اللغوية، ثم يتصرف فيها متبسطا على حسب الحالة الحاضرة كما يقول:
ولم يكن من المتشددين في استناده إلى أقوال الشعراء والرواة، فانه كان على خلاف علماء اللغة الذين يقفون بالحجة عند اقوال المخضرمين يتوسع فيستشهد أحيانا بأقوال العباسيين من أمثال بشار وأبي نواس، بل يستشهد أحيانا بأقوال المولدين المتأخرين إذا درجت في مدارج الاستعمال الشائع، ويظرف غاية الظرف حين تسمعه في وقاره وسمته يروي بيتا لأبي نواس أو لبشار لا يتحرج فيه هذا ولا ذاك، ولا يبالي الشيخ لغوهما إذا كان فيه حجة «اللغويين» وقد ينطقها أحيانا بفتح اللام من «اللغو» لا من «اللغة» تفكها منه على حسب المقام.
وكثرا ما كان يعزز حجة «النحوى» بحجة الفقيه «المنطيق».
وكثيرا ما كان يسأل عن مقابل الكلمة باللغات الأجنبية ليضعها في موضعها من المعنى والتركيب، ولا نذكر أنه حصر رأيه قط في أفق ضيق
من التقليد أو التقييد، ولكنه كان مثلا للعالم السلفي الذي يرعى حق القديم ولا ينسى في غيرته عليه حق الجديد.(1/315)
وكثيرا ما كان يسأل عن مقابل الكلمة باللغات الأجنبية ليضعها في موضعها من المعنى والتركيب، ولا نذكر أنه حصر رأيه قط في أفق ضيق
من التقليد أو التقييد، ولكنه كان مثلا للعالم السلفي الذي يرعى حق القديم ولا ينسى في غيرته عليه حق الجديد.
وكتب الشيخ محمد علي النجار عنه (1) يقول (2):
تعلقت بأسبابه (2)، ووصلت حبلي بحبله في سنة 1937حين عملت في التدريس في كلية اللغة العربية وكان عميدها، فأولاني من عطفه، وأخذ بضبعي، وكان لي منه الخير الكثير.
صحبته إذن، وقد استوى على صهوة المجد والشرف الباذخ. فهو من رجالات الأزهر وأولى الأمر فيه، وهو عضو في مجمع اللغة العربية، وهو حجة في علوم الدين واللغة.
كان جامعا بين الحزم في سياسة الكلية وتدبير الأمور في الأزهر، والاضطلاع بالمطالب العلمية التي يتطلبها المجمع والأزهر.
كان ساهرا على رعاية الكلية، خبيرا بما فيها، لا يشذ عنه شيء من أحوالها. حريصا على أن تتبوأ المركز اللائق بها، فكان يختار لها المدرسين الكفاة من الأزهر وغيره، وكان ينظم امتحان مسابقة لدخول الطلاب فيها، ولم يكن ذلك مسنونا في قانون الأزهر، ولكنه الحرص على أن يكوّن طبقة ممتازة من الطلاب.
ولقد كان يطوف بحجر الدراسة في اليوم غير مرة، ويسأل الطلبة في دروسهم، ويقف على درجة تقدمهم وتخلفهم، ويطب لكل مقام بما يقتضيه.
ولقد مرت فتن سياسية وأعاصير هوج كان الطلبة يسلكون فيها في بعض الحين مسلك الشطط والنزق، فكان يعالج الأمر بالحزم والكياسة،
__________
(1) ولد الشيخ ابراهيم حمروش: في ربيع الأول 1297هـ أول مارس 1880م وتوفي في 26 جمادي الاولى 1380هـ 15نوفمبر 1960م.
(2) عن مجلة الأزهر عدد رمضان 1380هـ للاستاذ محمد علي النجار عضو مجمع اللغة العربية والاستاذ بالأزهر الشريف.(1/316)
يخلط الشدة باللين، والمخاشنة بالمحاسنة، فيعود الطلبة طوع يديه، يأتمرون بأمره ويقفون حيث أحب
ولقد بلغت كلية اللغة العربية أوج مجدها، وكانت غرس يديه.
وترك كلية اللغة إلى كلية الشريعة في 24من أكتوبر سنة 1944م فأصلح من شأنها، وقوم من أودها، وثقف من قناتها، وكان له فيها أثر محمود حتى استقال من رياستها في 23من ديسمبر سنة 1945م على أثر أمور في الأزهر لم ترضه. ولكنه بقي عضوا في جماعة كبار العلماء.
وأسند إليه منصب مشيخة الأزهر في 30من ذي القعدة سنة 1370هـ (2من سبتمبر سنة 1951م) وبقي متقلدا هذا المنصب الجليل حتى يوم 9من فبراير سنة 1952م.
وكان الوطن في أيام توليه مشيخة الأزهر في محنة مع الإنكليز في قناة السويس وفي حاجة إلى جمع الصفوف وتوحيد الكلمة، فكان للشيخ السهم الموفور في هذه الدعوة الشريفة.
فنراه ينشر على الناس في يوم 15/ 1/ 1952كتابا يقول فيه:
«أيها المصريون، أتوجه إليكم في هذه الظروف التي غشيتكم فتنتها، وحزبتكم شدتها، أن تكونوا إخوانا في الوطن متآخين متحابين، رائدكم الإخلاص لبلادكم وأنفسكم «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».
«وإن شر ما تبتلى به الأمم في محنتها أن تتفرق كلمتها، وأن تنحل وحدتها، وتنقطع أواصر المودة بين جماعاتها، فيشق العدو الطريق إليها، وينفذ بسهامه إلى صدور أبنائها».
«وهذه مصر، بلادكم العزيزة ووطنكم المحبوب تناديكم جميعا، شيبا وشبانا، رجالا ونساء، أقباطا ومسلمين، أن تكونوا سهاما مسددة نحو عدوها، وأن تلقوا الغاصب صفا واحدا كأنكم بنيان مرصوص، بقلوب لا تعرف إلا الوطن والدفاع عن حوزته».(1/317)
«وأذكركم حتى لا يغيب عن أذهانكم تاريخ هذا الغاصب الرابض في دياركم، وما اعتاده من سياسة التفريق طلبا للسيادة ورغبة في السلطان وبسطا للنفوذ، لمصلحته هو لا لمصلحة أحد سواه. وأذكركم جميعا مسلمين وأقباطا بماضيكم المجيد. فقد قمتم كتلة واحدة تطالبون باستقلال البلاد واستكمال حريتها، وتبوئها مكانة سامية بين الأمم. وأشهدتم العالم كله على وحدتكم وائتلافكم».
«وإني أعيذكم بالله من التفرق واختلاف الكلمة، فتضيع جهودكم الكبيرة التي بذلتموها في سبيل عزتكم وعزة بلادكم».
«واعلموا أن النصر المؤزر لقضيتنا رهن باتحاد صفوفنا واجتماع كلمتنا، ووقوفنا جميعا في وجه عدونا، حتى تظفر بلادنا بما تصبو إليه من السيادة والحرية والاستقلال، ويتمتع أهلها جميعا بالأخوة الصادقة والاطمئنان على أموالهم وأنفسهم».
وحين اشتد حنق الإنكليز في القناة والإسماعيلية فأنزلوا عذابهم على القرى الآمنة أصدر الشيخ منشورا جاء فيه:
«إن شعب وادي النيل الباسل في كفاحة السلمى لإخراج المغتصبين المحتلين من بلاده لم يجاوز حقه الشرعي في الدفاع عن عقيدته والمطالبة بحريته، ولكن هذا الدفاع لم يرق في أعين المحتلين من الإنجليز، فعملوا بكل الوسائل العدوانية على توهين وحدته، واندسوا في صفوفه، يشيعون الأراجيف لتفريق كلمته. فلما واجههم الشعب وحدة متراصة، وقام في وجههم على قلب رجل واحد يطالب بحقه في الحياة الحرة طاشت أحلامهم ولجئوا إلى القوة الغاشمة يسلطونها على الآمنين في ديارهم، وعلى النساء في خدورها، وعلى الأطفال في مهادها».
«وكلما زاد الشعب تمسكا بحقه وصبرا على هذا العنت زاد عسفهم، وتعددت مظالمهم، حتى خرجوا على كل شرعة، وبزوا كل ما عرف من أعمال التنكيل التي اشتهرت بها محاكم التفتيش، وما قام به النازيون من
أعمال وحشية، فأزالوا القرى الآمنة من الوجود بدباباتهم، وهدموا البيوت بمدافعهم الثقيلة، وشردوا النساء والأطفال الأبرياء، وانتهكوا كل الحرمات، واعتدوا على المساجد والكنائس، ولم يبق جرم إلا ارتكبوه، ولا شناعة إلا فعلوها. ولم تقف شناعتهم عند حد، فراحوا يطلقون النار على حفظة الأمن ورجال الشرطة، ويقتلونهم تقتيلا في رائعة النهار، ويأسرون من نجا منهم».(1/318)
«وكلما زاد الشعب تمسكا بحقه وصبرا على هذا العنت زاد عسفهم، وتعددت مظالمهم، حتى خرجوا على كل شرعة، وبزوا كل ما عرف من أعمال التنكيل التي اشتهرت بها محاكم التفتيش، وما قام به النازيون من
أعمال وحشية، فأزالوا القرى الآمنة من الوجود بدباباتهم، وهدموا البيوت بمدافعهم الثقيلة، وشردوا النساء والأطفال الأبرياء، وانتهكوا كل الحرمات، واعتدوا على المساجد والكنائس، ولم يبق جرم إلا ارتكبوه، ولا شناعة إلا فعلوها. ولم تقف شناعتهم عند حد، فراحوا يطلقون النار على حفظة الأمن ورجال الشرطة، ويقتلونهم تقتيلا في رائعة النهار، ويأسرون من نجا منهم».
«وإني باسم الأزهر علمائه وطلابه لأعلن استنكاري لهذا الإجرام الفظيع الذي انتهكت فيه الأعراض، واستبيحت الأموال واعتدى على حرية الإنسان وحقه المشروع في أن يطالب بحريته واستقلاله، واحتج بشدة على هذه الأعمال العدوانية التي تنافى جميع الشرائع والأديان. وأهيب بالضمير العالمي أن يثور على هذا الوضع المهين لكرامة الإنسان، وأن يهب لوقف هؤلاء المستبدين عند حدهم، ليعلموا أن في العالم ضمائر تتحرك لنصرة الحق، ونفوسا تثور للأخذ بيد العزل المكافحين لنيل حرياتهم».
«وليعلم الإنجليز أن هذه الفظائع التي يصبونها على رؤوس أبنائنا لن تلين للشعب قناة، ولن ترده عن المطالبة بجلائهم الناجز عن وطننا العزيز، وأن وادي النيل كله لن يسكت بعد اليوم على ضيم يراد به، ولن يفرط في حق من حقوقه، مهما ابتلى بالشدائد ومهما ضحى من أرواح غالية».
«وإني إذ أستمطر رحمة الله ورضوانه على شهدائنا الأبرار أتوجه إلى أبناء الوطن جميعا مناشدا إياهم أن يشدوا من عزائمهم، وألا يجعلوا لهذه الأحداث أثرا في نفوسهم، فلا يهنوا ولا يحزنوا ولا يضعفوا، وهم الأعلون إن شاء الله. فلا بد للجهاد من تضحية وللحرية من ثمن {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصََابِرُوا وَرََابِطُوا وَاتَّقُوا اللََّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»}.
وإن النيل من الإنجليز وجبههم بالغليظ من القول في ذلك العهد لم يكن بالسهل الهين، ولا يقاس به عهدنا الحاضر الذي نعمنا فيه بجلائهم وذهاب سلطانهم عنا. فقد كان الانكليز لا يزال لهم من السلطان على
صاحب القصر ورجاله الشيء الكثير، وكان القدح فيهم لا يطور به من ذوي المناصب إلا من لا يتمسك بمنصبه، ويؤثر الحق على زينة السلطان وجلاله الكاذب، وأكبر الظن أن إقالته من المشيخة ترجع إلى هذا المنزع السياسي الذي ضاق به الإنكليز.(1/319)
وإن النيل من الإنجليز وجبههم بالغليظ من القول في ذلك العهد لم يكن بالسهل الهين، ولا يقاس به عهدنا الحاضر الذي نعمنا فيه بجلائهم وذهاب سلطانهم عنا. فقد كان الانكليز لا يزال لهم من السلطان على
صاحب القصر ورجاله الشيء الكثير، وكان القدح فيهم لا يطور به من ذوي المناصب إلا من لا يتمسك بمنصبه، ويؤثر الحق على زينة السلطان وجلاله الكاذب، وأكبر الظن أن إقالته من المشيخة ترجع إلى هذا المنزع السياسي الذي ضاق به الإنكليز.
وإني أقص هنا سيرة الشيخ ونشأته حتى استوى سيدا جليلا.
ولد الشيخ في قرية الخوالد التابعة لمركز إيتاي البارود من أعمال مديرية البحيرة في العشرين من شهر ربيع الأول 1297هـ (أول مارس 1880م) ونشأ فيها فحفظ القرآن الكريم حين بلغ الثانية عشرة من عمره، وأرسله والده إلى الأزهر، وكان يحكى أن والده إذ ودعه حين ذاك أوصاه أن يحافظ على الصلاة لأول وقتها، وحافظ الشيخ على هذه الوصاة طوال حياته، فإذا دخل الوقت كان أكبر همه أن يؤدي الصلاة، وفي يوم وفاته قدر له أن صلى العصر، ولم يلبث أن وافاه الحمام.
وجاور الشيخ في الأزهر فأخذ عن الشيوخ المنتفعين الذين كان الأزهر ملآن بهم. وكان الشيخ ذكيا ثقفا لقفا عرف بالذكاء والزكانة طول دهره، فحصل تحصيلا عجبا، وفطن لدقائق العلوم، واستحكمت عنده الملكة الأزهرية.
وقد تلقى الفقه الحنفي عن الشيخ أحمد أبي خطوة واختص به، وكان يثني عليه كثيرا، وأخذ عن الشيخ محمد بخيت وأخذ النحو على الشيخ على الصالحي المالكي. ولزم الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في دروسه فأخذ عنه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز والبصائر النصيرية في المنطق. وقد يرجع إلى تلمذته للشيخ محمد عبده الفضل في تحرر فكره واتساع أفقه وحسن التصرف فيما يعلم.
وكان إلى جانب اشتغاله بعلوم الدين واللغة يشتغل بالعلوم الرياضية، وكان رياض باشا رحمه الله قد أعد مكافآت مالية لمن يفوز في امتحانات الرياضة ففاز الشيخ في هذه الامتحانات غير مرة.(1/320)
وقد أتم تحصيله في سنة 1324هـ (1906) وتقدم لامتحان شهادة العالمية وكان صغير السن بين أقرانه في ذلك الحين. وكان امتحان العالمية في أصول الفقه يكون في مسألة من مسائل مقدمة جمع الجوامع، ورأى شيخ الأزهر الشيخ عبد الرحمن الشربيني تجاوز المقدمة والامتحان في مسألة أخرى حتى لا يقصر الطلبة جهودهم على المقدمة، فعيّن مسألة للامتحان في القياس فتخلف عن الامتحان كثير ممن جاء موعد امتحانهم، فأبيح التقدم لم بعدهم وتقدم الشيخ ففاز في امتحان دقيق كان شيوخنا يحدثوننا عن عسره وكان الطالب يقضي في الامتحان سحابة نهاره، ولكن الشيخ لم يتجاوز ثلاث ساعات، وكان الامتحان في أربعة عشر علما.
وعقب تخرجه نظم في سلك مدرسي الأزهر في 21من نوفمبر سنة 1906. وكان رحمه الله أحيانا يتحدث بما أفاء الله عليه من النعمة، وما كان عليه الأزهر فيقول: كان مرتب المدرس في الأزهر خمسة وسبعين قرشا في الشهر، ولقد كان أول ما تسلمته بعضا من هذا القدر إذ كان دخولي في التدريس في أعقاب الشهر، ولقد كان فرحي بهذا المال الذي هو أول مال اكتسبته من الأزهر عظيما: إذ كان فيه وصلى لحبلي بحبال علماء الأزهر. وقد اختير لتدريس الرياضة بعد، وكان يتقاضى على ذلك خمسين ومائة قرش في الشهر، وهو مع ذلك يدرس العلوم الدينية واللغوية. ويذكر بعض من تلقى العلم عنه في هذه المدة فيقول: كان الشيخ جميل البزة مونقها غير متزمت في هديه، يلقى الدرس في ترتيب عجيب وسياق لطيف يأخذ بألباب السامعين، يبعد عن الحشو والتطويل واللغو من القول، ولا يطيل في المباحث اللفظية، له نغمة حلوة في الإلقاء تجذب الطلاب.
وفتحت مدرسة القضاء الشرعي في ذلك العهد، وكان على أمرها عاطف بركات رحمه الله، وكان يختار لها من الأزهر المبرزين الفوقة، فذكر له الشيخ فاختاره، وكان ذلك في سبتمبر سنة 1908فبقي فيها إلى 12يونية سنة 1916م. وقام فيها بتدريس الفقه وأصول الفقه، فتخرج
عليه الثقات الكفاة الذين تقلدوا مناصب القضاء، والإفتاء، أذكر منهم الشيخ فرج السنهوري، والشيخ حسنين مخلوف، والشيخ حسن مأمون.(1/321)
وفتحت مدرسة القضاء الشرعي في ذلك العهد، وكان على أمرها عاطف بركات رحمه الله، وكان يختار لها من الأزهر المبرزين الفوقة، فذكر له الشيخ فاختاره، وكان ذلك في سبتمبر سنة 1908فبقي فيها إلى 12يونية سنة 1916م. وقام فيها بتدريس الفقه وأصول الفقه، فتخرج
عليه الثقات الكفاة الذين تقلدوا مناصب القضاء، والإفتاء، أذكر منهم الشيخ فرج السنهوري، والشيخ حسنين مخلوف، والشيخ حسن مأمون.
والشيخ علام نصار، وغيرهم كثير.
وولى بعد المدرسة منصب القضاء الشرعي، فكان القاضي الفاضل الذكي البصير بالأحكام ومكايد الخصوم، الصادع بالحق، الناطق بالفضل، وكان أخوه الشيخ أحمد حمروش قاضيا، وكذلك كان عمه الشيخ عبد الحميد حمروش قاضيا، فهو من أسرة تأثل فيها هذا المنصب الرفيع. ولقد عرفه في ساحة القضاء الشيخ المراغي رحمه الله، فلما ولي مشيخة الأزهر نقله إلى الأزهر يستعين به في أمره، فكان له في الأزهر اليد الطولى في شؤونه وتقلب في مناصبه حتى صار شيخا لكلية اللغة العربية في 13يونية سنة 1931.
وتتوج حياته العلمية في الأزهر بدخوله في جماعة كبار العلماء في 28من صفر سنة 1353هـ (10من يونية سنة 1934م). وقد قدم لنيل هذه الدرجة رسالة جليلة في «عوامل نمو اللغة» تدل على تحقيق ودقة نظر فيما تناول من المسائل، يقول في مقدمتها:
«وبعد: فإن اللغة العربية بفضل عواملها المتعددة رحب صدرها، واتسع نطاقها، وكثرت مادتها، وتنوعت أبنيتها، وصار لها جمال المنطق وجلال الدلالة وحسن الديباجة ولطف العبارة، وقد وسعت بتلك العوامل علوم اليونان والفرس وغيرهما وصارت لغة العلم والدين».
«وقد كتبت كلمة في التوليد بالزيادة والإبدال والقلب والاشتقاق والترادف والاشتراك والمجاز والنحت والارتجال والتعريب».
وأذكر هنا مبحث للتعريب في ختام الرسالة ليكون نموذجا لمباحثها.
وعنوان البحث: «أثر التعريب»: «في التعريب زيادة مادة اللغة بالألفاظ الدخيلة فيها، وقد أجرت العرب على بعضها أحكام الألفاظ العربية من القلب والاشتقاق وغيرهما، وقد جرى العلماء على تسمية ما أدخله العرب
بالمعرب، إلى أن اختلطت العرب بغيرها وفسدت اللغة وما أدخله غير العرب بعد فساد اللغة والاختلاط بالأعاجم سموه مولدا، وهناك قسم آخر يسمى بالعامي، وهو ما أخذ من غير مادة عربية، أو من مادة عربية ولكن بتحريف وتبديل لا تجيزه قواعد اللغة».(1/322)
وعنوان البحث: «أثر التعريب»: «في التعريب زيادة مادة اللغة بالألفاظ الدخيلة فيها، وقد أجرت العرب على بعضها أحكام الألفاظ العربية من القلب والاشتقاق وغيرهما، وقد جرى العلماء على تسمية ما أدخله العرب
بالمعرب، إلى أن اختلطت العرب بغيرها وفسدت اللغة وما أدخله غير العرب بعد فساد اللغة والاختلاط بالأعاجم سموه مولدا، وهناك قسم آخر يسمى بالعامي، وهو ما أخذ من غير مادة عربية، أو من مادة عربية ولكن بتحريف وتبديل لا تجيزه قواعد اللغة».
«بقي الكلام الآن في أمر هو محل نزاع الباحثين وموضع اهتمامهم، وهو أن المعاني الجديدة، والمستحدثات العصرية كثرت وتعددت بعد أن وقف التعريب، وأصبحت اللغة العربية لا تنهض بالدلالة على تلك المعاني ولا تقوم بحاجة التعبير عنها، فهل للموجودين أن يعربوا ألفاظ المعاني والمستحدثات تمشيا مع الحاجة، ودفعا للضرورة ورفعا لعيب نقص اللغة العربية عن الاضطلاع بحاجة أبنائها»؟.
«ذهب فريق إلى التعريب، وقال: إن اللغة كائن حي كسائر الموجودات وكل موجود حي يتدرج في الرقي، وكما تدرج أهل اللغة يجب أن تتدرج اللغة، وإن التعريب يؤدي إلى اتحاد لغة العلم، ويحفظ للمخترع اسمه، ويبقى له ذكره».
وذهب فريق إلى أنه لا حاجة إلى التعريب وأن اللغة العربية يمكن أن تنهض بالدلالة على المعاني الجديدة باتخاذ الوسائل المؤدية إلى ذلك، فعندنا مهجور في اللغة لا يستعمل الآن، وبنقله إلى المعاني الجديدة يقوم بالدلالة على بعضها ويتداول بين الناس فتحيا به اللغة العربية. وعندنا المجاز، وهو يدل على غير الموضوع له بواسطة العلاقة والقرينة وعلاقاته كثيرة متعددة، وعندنا المشتق، ومنه قسم مطرد».
«وبهذه الوسائل يمكن اللغة العربية النهوض بالدلالة على المعاني الجديدة».
«على أن في التعريب فشو الكلمات الدخيلة في اللغة، وهو يودي باللغة الفصيحة، ويذهب بجمالها ورونقها. وفي ضياع اللغة الفصيحة
تعطيل الأداة الصالحة لفهم القرآن والحديث، وهما عماد الدين وإليهما يرجع المسلمون».(1/323)
«على أن في التعريب فشو الكلمات الدخيلة في اللغة، وهو يودي باللغة الفصيحة، ويذهب بجمالها ورونقها. وفي ضياع اللغة الفصيحة
تعطيل الأداة الصالحة لفهم القرآن والحديث، وهما عماد الدين وإليهما يرجع المسلمون».
«وفي جواز التعريب ضياع أخص مميزات الجنس العربي لأن الجامعة الجنسية لا تكون بغير اللسان العام الذي يتفاهم به الجميع على السواء. فلو تساهل كل شعب في استعمال ألفاظ أعجمية لضاعت روابط الجنسية، وأصبح لكل شعب لسان خاص».
وأما أن التعريب يوحد لغة العلم ويحفظ للمخترع اسمه فكلام لا يلتفت إليه فإن اتحاد لغة العلم إنما يكون إذا اتحدت أبجديات الأمم وهي مختلفة جدا. وحفظ اسم المخترع لا نبالي به إذا كان في عدم الالتفات إليه صيانة اللغة العربية».
«هذا حاصل كلام الفريقين باختصار. وأرى أنه إذا أمكن باتخاذ الوسائل المتقدمة أو باتخاذ وسائل أخرى غيرها أن تنهض اللغة العربية للدلالة على جميع المعاني والمستحدثات العصرية فلا نقدم على التعريب حفظا للغتنا العربية التي هي أداة فهم القرآن والحديث اللذين هما أساس الدين وعماده. وإن لم يمكن أن تقوم اللغة بعد اتخاذ الوسائل بالدلالة على جميع المعاني أقدمنا على التعريب بقدر الحاجة فقط، مع المحافظة على اللغة الفصحى، بأن نذكر اللفظ ونذكر بجانبه معناه، وأنه مما عرب للدلالة عليه، ونبين تاريخ التعريب، فيكون ما وضعه المتقدمون معروفا، وما ألحق باللغة معروفا، فتتحقق المحافظة على الموروث عن السلف».
وأراني قد ألممت ببعض حياته في الأزهر، وسألم ببعض حياته في المجمع.
دخل الشيخ رحمه الله المجمع لأول نشأته في سنة 1934م فاختير في معظم لجانه، وشارك في بحوثه، وكان من الرعيل الأول الذين أرسوا قواعد المجمع وأقاموا عمده. وكان له فيما يعرض في اللجان
ومجلس المجمع ومؤتمره الرأي السديد والبصر النافذ واللحظ الناقد والبحوث المستفيضة في الشؤون العلمية.(1/324)
دخل الشيخ رحمه الله المجمع لأول نشأته في سنة 1934م فاختير في معظم لجانه، وشارك في بحوثه، وكان من الرعيل الأول الذين أرسوا قواعد المجمع وأقاموا عمده. وكان له فيما يعرض في اللجان
ومجلس المجمع ومؤتمره الرأي السديد والبصر النافذ واللحظ الناقد والبحوث المستفيضة في الشؤون العلمية.
ومن آرائه أن اللفظ المولد إذا اشتهر يستعمل في غير اللغة والأدب.
وعرض المجمع في بعض جلساته لرسم المصحف وطلب إلى الشيخ أن يكتب رأيه، فكان رأيه الوقوف عند الرسم المعهود له، ولا ينبغي كتابته بالرسم العادي: لأنه عرضة للتغيير والتبديل في كل عصر، فلو أبيح هذا لتعدد رسم المصحف، وكان مظنة لأن يعزى إليه الاختلاف فحفظ القرآن وصونه يقضي بإبقاء رسمه على الكتبة الأولى.
وقدم أحد الأعضاء المراسلين بحثا في كلمة «الضرر» رأى قصره على الزمانة وفقد البصر وأنه مصدر لفعل لازم على زنة فرح، وإن لم يجيء هذا الفعل في المعاجم، وأنه لا يقال: أصاب فلانا الضرر في ماله أو في حميمه مما ليس بداء لازم وخطأ الجوهري في جعله الضرر اسما بمعنى الضر، وارتاب في الحديث: لا ضرر ولا ضرار، وأثار مسألة الاحتجاج بالحديث في اللغة فقدم الشيخ بحثا رد به حجج هذا الباحث وأورد من الشواهد ما لا يقبل الجدل كقول جرير:
فإن تدعهم فمن يرجون بعدكم ... أو تنج منها فقد أنجيت من ضرر
وقول أبي تمام:
لو كان في البين إذ بانوا لهم دعة ... لكان فقدهم من أعظم الضرر
وله بحث قيم في التضمين ونيابة بعض الحروف عن بعض، وبحث في الاشتقاق الكبير.
وكان الشيخ رحمه الله عجيب الاستحضار لما يقرأ ويسمع، كثير المحفوظ من الشعر، حسن الاستشهاد به في المقامات المناسبة، جرى مرة في لجنة الأصول الحديث في التضمين، وأنكر بعض الحاضرين أن يضمن فعل متعدّ معنى فعل آخر متعد، فقال الشيخ: أذكر قول الشاعر:(1/325)
علفتها تبنا وماء باردا.
وقد قال اللغويون: إن علف هنا مضمّن معنى أطعم، وكلاهما متعد.
وكان بيته محجة أولى العلم ينهلون من مورده العذب، ويجدون ما طاب من حديث في دقائق العلم ممزوجا بفكاهة حلوة وطيب سمر، وكان الشيخ طيب النفس بعيدا عن التزمت مؤنسا للجليس لا يمل مجلسه. وفي يوم الجمعة الذي توفي بعده اجتمع الشيوخ عنده عقب الصلاة فجرى البحث في تفسير قوله تعالى: {«إِنََّا عَرَضْنَا الْأَمََانَةَ عَلَى السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ»}.
وأفاض الشيخ في الحديث فيها، وكان الشيخ يفسح الكلام لمن يتكلم ويعقب برأيه السديد.
ولقد طويت صفحات خالدة من تاريخ الأزهر الحديث بوفاة الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ الأزهر الأسبق، فقد عاصر رحمه الله مدرسة محمد عبده في الإصلاح الديني، واشترك في نشاطها، وكان أحد أقطابها، وكان الإمامان المراغى وحمروش يمثلان عنصر الشباب في هذه المدرسة التي تتجه بكل كفاحها إلى خلق بيئة دراسية مستقرة في الأزهر، وتكوين أجيال من الشباب المثقفين ثقافة واسعة تحيط بشتى علوم الشريعة والعربية، وتتمثل فيهم رسالة رجل الدين الروحية والعلمية وكان حمروش يمثل الجانب العلمي لهذه المدرسة خير تمثيل، في دروسه وهو شاب مكافح، وفي توجيهه للتعليم في الأزهر وهو فيه مفتش فشيخ معهد فعميد لكلية اللغة وعضو في جماعة كبار العلماء فرئيس للجنة الفتوى، وفي ندواته الليلية الدائمة في منزله في القلعة وقد كان كعبة العلماء والمفكرين، حيث كانت تعرض أمامه مشكلات الدين والثقافة فيفتي فيها برأي سديد، وحكمة نافذة، تعد خير توجيه لرواد مجلسه، ولم تحل مهامه الإدارية حين تولى مشيخة الأزهر الشريف في أكتوبر عام 1951حتى نوفمبر عام 1952وبين عقد هذه الندوة كما كانت من قبل.(1/326)
وكان منزل حمروش مفتوحا دائما للناس ولمختلف طبقات الشعب يستفتونه في مشكلاتهم الروحية، ويطلبون معاونته في مصالحهم الشخصية وهو يبتسم دائما لا تعرف «لا» طريقا إلى لسانه.
وقد اختير حمروش عضوا في المجمع اللغوي منذ ان نشأ واشترك في نشاطه اللغوي الكبير، وأسس كثيرا من لجانه، ووجه أعمال المجمع وجهة تفيد العرب وتراثهم ولغتهم والثقافة العربية العامة.
لم يترك حمروش كتبا مطبوعة وإن كانت له كتب مخطوطة لم تطبع بعد، إنما ترك أفكارا قيمة في نفوس تلاميذه ومريديه، وجميع علماء الأزهر اليوم وشيوخه من تلاميذه ومريديه، وترك منهجا علميا يستضاء به دائما في إصلاح الأزهر، وترك ذوقا علميا يستفاد منه فائدة جلى وترك مع ذلك كله قدوة طيبة تعد خير نبراس يرشد إلى الحق والخير والعزة والغيرة على الدين وعلى الوطن وعلى المبادىء المثلى التي دعا إليها الإسلام وكتابه الحكيم.
وقد كان حمروش رحمه الله مثالا للوطنية النزيهة لم يحن رأسه للطغاة، ولم يتملق احدا في حياته كائنا من كان، وسار في الصفوف الأولى مع الشعب في المظاهرة الوطنية الكبرى في نوفمبر 1951احتجاجا على جيش الاحتلال وأعماله في منطقة القتال حقا لقد كان مثالا عظيما، وعنوانا كريما لرجل الدين المعاصر وصفحة خالدة من تاريخ الأزهر الحديث.(1/327)
الأستاذ الأكبر الشيخ محمّد الخضر حسين
عين الشيخ الخضر حسين شيخا للأزهر في يوم الأربعاء 27من ذي الحجة 1271هـ 17سبتمبر 1952.
وكان أحمد تيمور في مقدمة الذين قدروا فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر السابق حين قدم مصر من أكثر من ربع قرن وقد عثر السيد خليل ثابت رئيس لجنة نشر المؤلفات التيمورية بين آثار العلامة أحمد تيمور على ترجمة لحياة الشيخ محمد الخضر حسين هذا نصها:
ولد بمدينة نفطة بالقطر التونسي في 27رجب سنة 1293واشتغل بالعلم وحفظ القرآن الكريم وقرأ بعض الكتب الابتدائية في بلده، وفي آخر سنة 1306رحل مع أبيه وأسرته إلى القاعدة التونسية فاشتغل بالطب ثم دخل الكلية الزيتونية سنة 1307فقرأ على أشهر أساتذتها وتخرج عليهم في العلوم الدينية واللغوية ونبغ فيها وفي غيرها، فطلب لتولي بعض الخطط العلمية قبل إتمام دراسته فأبى وواظب على حضور حلقات الأكابر مثل الشيخ عمر ابن الشيخ والشيخ محمد النجار وكانا يدرسان التفسير والشيخ سالم بو حاجب وكان يدرس صحيح البخاري.
ثم رحل إلى الشرق في سنة 1317ولكنه لم يبلغ طرابلس حتى اضطر إلى الرجوع بعد أن أقام بها أياما فلازم جامع الزيتونة يفيد ويستفيد، إلى سنة 1321هـ، فأنشأ فيها مجلة السعادة العظمى ولاقى في
سبيل بث رأيه الإسلامي ما يلاقيه كل من سلك هذا السبيل. وفي سنة 1323ولي القضاء في مدينة بنزرت والتدريس والخطابة بجامعها الكبير، ثم استقال ورجع إلى القاعدة التونسية، وتطوع للتدريس في جامع الزيتونة، ثم أحيل إليه تنظيم خزائن الكتب بالجامع المذكور وفي سنة 1325اشترك في تأسيس جمعية زيتونية، وفي هذه المدة جعل من المدرسين المعينين بالجامع المذكور. وفي سنة 1326جعل مدرسا بالصادقية وكلف بالخطابة في مواضيع إنشائية بالخلدونية، ولما قامت الحرب الطرابلسية بين الطليان والعثمانيين كان من أعظم الدعاة لإعانة الدولة ونشر بجريدة الزاهرة قصيدته الشهيرة لتي مطلعها:(1/328)
ثم رحل إلى الشرق في سنة 1317ولكنه لم يبلغ طرابلس حتى اضطر إلى الرجوع بعد أن أقام بها أياما فلازم جامع الزيتونة يفيد ويستفيد، إلى سنة 1321هـ، فأنشأ فيها مجلة السعادة العظمى ولاقى في
سبيل بث رأيه الإسلامي ما يلاقيه كل من سلك هذا السبيل. وفي سنة 1323ولي القضاء في مدينة بنزرت والتدريس والخطابة بجامعها الكبير، ثم استقال ورجع إلى القاعدة التونسية، وتطوع للتدريس في جامع الزيتونة، ثم أحيل إليه تنظيم خزائن الكتب بالجامع المذكور وفي سنة 1325اشترك في تأسيس جمعية زيتونية، وفي هذه المدة جعل من المدرسين المعينين بالجامع المذكور. وفي سنة 1326جعل مدرسا بالصادقية وكلف بالخطابة في مواضيع إنشائية بالخلدونية، ولما قامت الحرب الطرابلسية بين الطليان والعثمانيين كان من أعظم الدعاة لإعانة الدولة ونشر بجريدة الزاهرة قصيدته الشهيرة لتي مطلعها:
ردوا على مجدنا الذكر الذي ذهبا ... يكفي مضاجعنا نوم دها حقبا
ثم رحل إلى الجزائر فزار أمهات مدنها، وألقى بها الدروس المفيدة، ثم عاد إلى تونس وعاود دروسه في جامع الزيتونة ونشر المقالات العلمية والأدبية في الصحف.
وفي سنة 1230سافر إلى دمشق مارا بمصر ثم سافر إلى القسطنطينية فدخل يوم إعلان حرب البلقان فاختلط بأهلها وزار مكاتبها، ثم عاد الى تونس في ذي الحجة من هذه السنة ونشر رحلته المفيدة عنها وعن الحالة الاجتماعية بها ببعض الصحف، ثم جعل عضوا في اللجنة التي ألفتها حكومة تونس للبحث عن حقائق في تاريخ تونس ثم ترك ذلك لما عزم على المهاجرة إلى الشرق فرحل إليه، ونزل مصر وعرف بعض فضائلها ثم سافر إلى الشام ثم للمدينة المنورة ثم إلى القسطنطينية ثم عاد إلى دمشق معينا مدرسا للغة العربية والفلسفة بالمدرسة السلطانية بدمشق، وبقي كذلك إلى أن اتهمه مدة الحرب العظمى جمال باشا حاكم سوريا بكتم حال المتآمرين على الدولة واعتقله ستة أشهر وأربعة عشر يوما ثم حوكم فبرىء من التهمة فأطلق سبيله في شهر ربيع الثاني سنة 1335ومن شعره في حبسه وكانوا حالوا بينه وبين أدوات الكتابة:(1/329)
غل ذا الحبس يدي عن القلم ... كان لا يصحو عن الطرس فناما
هل يذوذ الغمض عن مقلته ... أو يلاقي بعده الموت الزؤاما
أنا لولا همة تحدو إلى ... خدمة الاسلام آثرت الحماما
ثم استمر على التدريس بالمدرسة بدمشق إلى أن دعي إلى القسطنطينية سنة 1336. ثم هاجر الى استنبول بعد عام وعمل محررا بالقلم العربي بوزارة الحربية، ثم أرسلته الحكومة إلى المانيا للقيام بعمل سياسي وهو تذكير الأسرى هناك بظلم فرنسا ثم رجع إلى الشام فدرس الفقه بالمدرسة السلطانية العربية وبعد أن احتلت فرنسا الشام بعشرة أيام هاجر إلى مصر في عام 1329هـ. ثم نال الشهادة العالمية بالأزهر وتولى التدريس بكلية أصول الدين والتخصص اثنتي عشرة سنة.
وتولى رياسة تحرير مجلة الأزهر ولواء الإسلام ورياسة جمعية الهداية الإسلامية واختير عضوا بهيئة كبار العلماء 1951، وهو إلى ذلك عضوا بمجمع اللغة العربية منذ أنشىء. وقد استقال فضيلته من المشيخة في 2 جمادى الألى 1373هـ 8يناير 1954وتوفي رحمه الله في 14من رجب عام 1377هـ.
وقد نعى الأزهر في يوم الاثنين 14رجب سنة 1377عالما إسلاميا جليلا ومجاهدا من الرعيل الأول ممن أبلوا البلاء الحسن في كفاح الاستعمار: الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر السابق ورئيس جمعية الهداية الإسلامية، عن نيف وثمانين عاما قضى معظمها في التدريس وفي الكتابة والتأليف وفي جهاد مرير في شبابه دفاعا عن حقوق عرب شمال افريقيا وغيرهم من أقطار العروبة.
ولد الفقيد الجليل في وطنه الأول في بلدة «قفصة» من مقاطعة الجريد بتونس ونشأ في بيت علم ينتمي أصله إلى الجزائر، وشرع في طلب العلم في بلدته ثم أتم تعليمه في جامعة الزيتونة، وتخرج منها ومارس بعد تخرجه التدريس ثم القضاء، كما قام بإنشاء أول مجلة علمية
أدبية بالمغرب، ثم رحل إلى تركيا، وأقام بها وقتا قصيرا ثم حضر إلى دمشق حيث عين مدرسا بمدرستها الثانوية الوحيدة يومذاك، وكانت تعرف بمدرسة عنبر وظل في دمشق إلى أوائل الحرب العالمية، ثم رجع إلى استانبول فانتدبته الدولة العثمانية إلى برلين مع بعثة مؤلفة من كبار علماء شمال افريقيا للاتصال بأبناء شمال افريقيا ممن وقعوا في أسر الألمان أثناء الحرب وبانتهاء الحرب عاد إلى دمشق مدرسا في نفس المدرسة وكان العهد عهد الحكومة الفيصلية الوطنية(1/330)
ولد الفقيد الجليل في وطنه الأول في بلدة «قفصة» من مقاطعة الجريد بتونس ونشأ في بيت علم ينتمي أصله إلى الجزائر، وشرع في طلب العلم في بلدته ثم أتم تعليمه في جامعة الزيتونة، وتخرج منها ومارس بعد تخرجه التدريس ثم القضاء، كما قام بإنشاء أول مجلة علمية
أدبية بالمغرب، ثم رحل إلى تركيا، وأقام بها وقتا قصيرا ثم حضر إلى دمشق حيث عين مدرسا بمدرستها الثانوية الوحيدة يومذاك، وكانت تعرف بمدرسة عنبر وظل في دمشق إلى أوائل الحرب العالمية، ثم رجع إلى استانبول فانتدبته الدولة العثمانية إلى برلين مع بعثة مؤلفة من كبار علماء شمال افريقيا للاتصال بأبناء شمال افريقيا ممن وقعوا في أسر الألمان أثناء الحرب وبانتهاء الحرب عاد إلى دمشق مدرسا في نفس المدرسة وكان العهد عهد الحكومة الفيصلية الوطنية
وكانت الحكومة الفرنسية قد حكمت عليه بالإعدام، لانضمامه إلى الدولة العثمانية ولذهابه إلى ألمانيا كما مر ذكره فما أن دخلت فرنسا سوريا حتى غادرها جميع الأحرار من المجاهدين العرب وكان منهم الفقيد الشيخ الخضر فجاء إلى مصر حوالي عام 1920م وظل فيها بعض الوقت مغمورا ثم عرف فضله ومكانته فعين أولا مصححا بدار الكتب المصرية.
وفي هذه الأثناء صدر في مصر كتابان شهيران أحدثا دويا في ذلك الوقت في الأوساط الفكرية وهما كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للعالم الأزهري الشيخ علي عبد الرازق وكتاب «في الشعر الجاهلي» للدكتور طه حسين، ونظرا لما اشتمل عليه هذان الكتابان من آراء مضللة تصدى بعض كبار الباحثين للرد على كل منهما، وكان للمرحوم الشيخ محمد الخضر حسين فضل الرد على كلا الكتابين حينئذ حيث أفرد لكل منهما كتابا مستقلا كانا من خير ما كتبه الكاتبون في هذا المجال.
وظل الفقيد يعمل مصححا بدار الكتب بضع سنوات إلى أن منح شهادة العالمية الأزهرية ثم تعين مدرسا بالأزهر وكان ذلك في عهد الشيخ المراغى وأخيرا تعين عضوا في هيئة كبار العلماء وهو المنصب الذي أهله فيما بعد لأن يصبح شيخا للأزهر
وعقب تعيينه مدرسا بالأزهر أنشأ جمعية الهداية الإسلامية بمصر وظل يرأسها ويرأس مجلتها إلى عهد قريب، كما كان أول رئيس تحرير
لمجلة نور الإسلام وهي المجلة التي أصدرتها مشيخة الأزهر سنة 1349هـ.(1/331)
وعقب تعيينه مدرسا بالأزهر أنشأ جمعية الهداية الإسلامية بمصر وظل يرأسها ويرأس مجلتها إلى عهد قريب، كما كان أول رئيس تحرير
لمجلة نور الإسلام وهي المجلة التي أصدرتها مشيخة الأزهر سنة 1349هـ.
وللشيخ محمد الخضر حسين يرجع الفضل في تكوين جمعية تعاون جاليات افريقيا الشمالية في مصر قبل حوالي عام 1924م، وكان يرأس هذه الجمعية بنفسه، وهدفها رفع مستوى تلك الجاليات من الناحيتين الثقافية والاجتماعية.
غير أن هذه الجمعية لم تعش طويلا، لأن استعمارا ثلاثيا: إيطاليا وفرنسيا وإسبانيا كان لها بالمرصاد فقضى عليها في سنواتها الأولى
وللفقيد الكبير عدا كتابيه السالفي الذكر، محاضرات ورسائل عديدة مطبوعة ومتداولة، وهو كاتب بليغ وله ديوان شعر مطبوع، وقد اشتهر بمقالاته وبحوثه في كبرى المجلات الإسلامية.
وعندما صدرت مجلة لواء الإسلام لصاحبها الوزير السابق الأستاذ أحمد حمزة كان الشيخ الخضر يرأس تحريرها وظل بها إلى أن عين شيخا للأزهر، ثم استأنف نشر مقالاته فيها بعد تنحيه من المشيخة، وآخر مقالاته فيها في جزء رجب الأخير.
كما كان عضوا في مجمع اللغة العربية بمصر منذ إنشائه قبيل الحرب العالمية الثانية.
وكتب الأستاذ أنور الجندي عن محمد الخضر حسين يقول:
«كان نظام التعليم في المعهد الزيتوني من أسباب تنافس أصحاب المذهبين: المالكي والحنفي في ميدان العلم، وقد أخرج جامع الزيتونة فقهاء يعتزون بعلمهم ويزهدون في المناصب، أدركت من هؤلاء فقهاء وأساتذة بلغوا الغاية في سعة العلم وتحقيق البحث، مثل عمر بن الشيخ، وأحمد بن الخوجة ومحمد النجار، ومن نظر في فتاوى هؤلاء الأساتذة أو رسائلهم التي حرروا بها بعض المسائل العويصة رآهم كيف يرجعون إلى
الأصول والقواعد ومراعاة المصالح، ولا يقنعون بنقل الأقوال دون أن يتناولوها بالنقد والمناقشة.(1/332)
«كان نظام التعليم في المعهد الزيتوني من أسباب تنافس أصحاب المذهبين: المالكي والحنفي في ميدان العلم، وقد أخرج جامع الزيتونة فقهاء يعتزون بعلمهم ويزهدون في المناصب، أدركت من هؤلاء فقهاء وأساتذة بلغوا الغاية في سعة العلم وتحقيق البحث، مثل عمر بن الشيخ، وأحمد بن الخوجة ومحمد النجار، ومن نظر في فتاوى هؤلاء الأساتذة أو رسائلهم التي حرروا بها بعض المسائل العويصة رآهم كيف يرجعون إلى
الأصول والقواعد ومراعاة المصالح، ولا يقنعون بنقل الأقوال دون أن يتناولوها بالنقد والمناقشة.
ويدلنا التاريخ القريب على أن بعض رجال الدولة التونسية عندما اتجهوا الى إصلاح الحالة السياسية أو العلمية أو الاجتماعية، وجدوا فقهاء يدركون مقتضيات العصر، ويعرفون كيف تسعها أصول الشريعة بحق، فكانوا يعقدون منهم بعض لجانهم، ويستنيرون بآرائهم مثل أساتذتنا: عمر ابن الشيخ، وسالم أبو حاجب، ومصطفى رضوان، وما زال الرسوخ في الفقه، وربط الأحكام بأصولها، من مواضع عناية الأساتذة في جامعة الزيتونة لهذا العهد، يشهد بهذا ما نقرؤه في محاضراتهم ومقالاتهم التي تنشر في الصحف التونسية والمصرية.
كانوا يدرسون الفقه بأنظار مستقلة، وآراء تستضيء بالأدلة ويتفاضلون فيها على قدر تفاضلهم في العبقرية وسمو الهمة».
لا شك كان محمد الخضر حسين علما من أعلام الفكر المغربي الإسلامي، مكافحا وطنيا، ومغتربا في سبيل الحفاظ على حرية الكلمة، وأقام كابن خلدون بقية عمره في مصر، ورقي فيها إلى أعلى المناصب، وعمل في ميداني الإصلاح الإسلامي والقياسي اللغوي، وعمل في التدريس والصحافة والكفاح الوطني، ولقد أتيح له أن يقاوم حركات التغريب بدعوته إلى إنشاء جمعية الشبان المسلمين، وكانت مجلته وقلمه من ألسنة الدفاع عن المغرب وقضاياه، ومعلما قويا يستصرخ المشارقة حين يكشف لهم عن مؤامرات الاستعمار ويدعوهم إلى مقاومة التغريب والتجنيس والفرنسة، فهو منذ أقام في مصر بعد الحرب العالمية الأولى يحمل هذه الرسالة، ويعمل في كل هذه الميادين: الإسلام واللغة والكفاح السياسي.
وكان محمد الخضر حسين مستنيرا متفتح الذهن يدعو إلى الإصلاح على أساس قاعدة علمية واضحة، فهو يعتمد الرأي حيث يثبته الدليل،
ويتقبل الحكم متى لاحت بجانبه حكمة، ويثق بالرواية، بعد أن يسلمها النقد إلى صدق الغاية(1/333)
وكان محمد الخضر حسين مستنيرا متفتح الذهن يدعو إلى الإصلاح على أساس قاعدة علمية واضحة، فهو يعتمد الرأي حيث يثبته الدليل،
ويتقبل الحكم متى لاحت بجانبه حكمة، ويثق بالرواية، بعد أن يسلمها النقد إلى صدق الغاية
ومن رأيه أن على العلماء قول كلمة الحق لأهل الحل والعقد دائما، وعدم التوقف عنها.
«لا ينبغي لأهل العلم أن يغفلوا عن سير أرباب المناصب والولايات، فمن واجبهم أن يكونوا على بينة من أمرهم، حتى إذا أبصروا عوجا نصحوا لهم بأن يستقيموا، أو رأوا حقا مهما لفتوا إليه أنظارهم، وأعانوا على إقامته.
ومن أدب العلماء أن ينصحوا للأمة فيما يقولون أو يفعلون، ويحتملوا ما ينالهم في سبيل النصيحة من مكروه، وكم من عالم قام في وجه الباطل فأوذي فتجلد للأذى».
وقد كانت حياة الخضر حسين رمزا على هذا المعنى، معنى طلب الحرية والهجرة من بيئة الظلم، فقد فر من تونس ومن الشام ومن تركيا، وكان فراره ليحتفظ لنفسه بحقه في الكلمة، يقول: «نشأت في بلدة من بلاد الجريد بالقطر التونسي يقال لها «نقطة» وكان للأدب المنظوم والمنثور في هذه البلدة نفحات تهب من مجالس علمائها، كان حولي من أقاربي وغيرهم من يقول الشعر، فتذوقت الأدب من أولى نشأتي. وحاولت وأنا في سن الثانية عشرة نظم الشعر. وفي هذا العهد انتقلت أسرتي إلى مدينة تونس، والتحقت بطلاب العلم بجامع الزيتونة «وكان ذلك عام 1899، أحب أستاذه الشيخ سالم أبو حاجب الذي كان يحثه على البحث»، ويلاقي السؤال المهم بابتهاج، ويدعو للطالب بالتفتح يقول: «كان يقول الشعر مع كونه يغوص على المسائل العلمية بفكر ثاقب» وكان الشيخ أبو سالم قد رفض وسام السلطان ووسام الباى، فأحب منه الشيخ الخضر هذا الاعتداد بالنفس، «بعد أن نلت درجة العالمية أنشأت مجلة علمية أدبية، وهي أول مجلة أنشئت بالمغرب، فأنكر على، بعض الشيوخ، وظن أنها تفتح باب
الاجتهاد، وشجعني على إنشائها شيخنا أبو حاجب، كما شجعني عليها الوزير محمد أبو عنور.(1/334)
وقد كانت حياة الخضر حسين رمزا على هذا المعنى، معنى طلب الحرية والهجرة من بيئة الظلم، فقد فر من تونس ومن الشام ومن تركيا، وكان فراره ليحتفظ لنفسه بحقه في الكلمة، يقول: «نشأت في بلدة من بلاد الجريد بالقطر التونسي يقال لها «نقطة» وكان للأدب المنظوم والمنثور في هذه البلدة نفحات تهب من مجالس علمائها، كان حولي من أقاربي وغيرهم من يقول الشعر، فتذوقت الأدب من أولى نشأتي. وحاولت وأنا في سن الثانية عشرة نظم الشعر. وفي هذا العهد انتقلت أسرتي إلى مدينة تونس، والتحقت بطلاب العلم بجامع الزيتونة «وكان ذلك عام 1899، أحب أستاذه الشيخ سالم أبو حاجب الذي كان يحثه على البحث»، ويلاقي السؤال المهم بابتهاج، ويدعو للطالب بالتفتح يقول: «كان يقول الشعر مع كونه يغوص على المسائل العلمية بفكر ثاقب» وكان الشيخ أبو سالم قد رفض وسام السلطان ووسام الباى، فأحب منه الشيخ الخضر هذا الاعتداد بالنفس، «بعد أن نلت درجة العالمية أنشأت مجلة علمية أدبية، وهي أول مجلة أنشئت بالمغرب، فأنكر على، بعض الشيوخ، وظن أنها تفتح باب
الاجتهاد، وشجعني على إنشائها شيخنا أبو حاجب، كما شجعني عليها الوزير محمد أبو عنور.
كانت خطته الإصلاح الاجتماعي والديني، والعمل لإعادة مجد الإسلام، ولكنه لم يلبث أن اختلف مع السلطات بشأن العمل في القضاء، بعد أن وليه في بنزرت 1905، إذ فضل العودة إلى التدريس في الزيتونة، فلما خاطبته المحكمة الفرنسية 1325هـ بالعمل في المحكمة عضوا ليحضر حكمها بين الوطني والفرنسي، امتنع ولم يقبل أن يصدر الحكم الجائر.
واستقر رأيه إثر ذلك على الهجرة إلى الشرق، فاستوطن دمشق عام 1912، وكانت تحت سلطات العثمانيين، فنصب للتدريس في المدرسة السلطانية في كرسي الشيخ محمد عبده.
ثم اعتقله جمال باشا حاكم الشام، ورحل إلى الآستانة فأسند إليه التحرير بالقسم العربي بوزارة الحربية، وحين احتل الحلفاء الآستانة رحل مع زعماء الحركة الإسلامية عبد العزيز شاويش وعبد الحميد سعيد والدكتور أحمد فؤاد.
وعاد إلى دمشق 1918في عهد الحكومة العربية لفيصل، وعهد اليه بالتدريس في المدرسة السلطانية، ولكن فرنسا لم تلبث أن بسطت سلطانها على سوريا فترك دمشق إلى القاهرة 1919، وفي مصر عرف الشيخ أحمد تيمور باشا الذي كان خير رفقائه، وكان له فضل واضح في إنشاء جمعية الشبان المسلمين مع السيد محب الدين الخطيب صاحب الفتح. كما أنشأ من بعد جمعية الهداية الإسلامية ومجلة الهداية الإسلامية، وتولى ثمة مجلة لواء الإسلام و (مجلة الأزهر)، واتصل بالأزهر ونال إجازته، وعمل في كلياته، واختير عضوا في جماعة كبار العلماء، فشيخا للأزهر عام 1952، وعضوا في مجمع اللغة العربية.
وتطلع إلى مجد المغرب وحريته.(1/335)
وقد كانت مجلة الهداية: مجلة مغربية واضحة الدلالة، في كتابتها وأبحاثها، ودفاعها عن مختلف المواقف الوطنية والإسلامية والعربية، ورأس جبهة شمال افريقيا، التي ضمت الرجال الذين سعوا نحو مصر من أجزاء المغرب العربي.
وكان الشيخ الخضر كاتبا وشاعرا له شعر كثير جيد، وقد وصفه الفاضل ابن عاشور (1) فقال: كان كاتبا بليغا ذا طبع خاص وأسلوب قوي الروح الأدبية، فصيح العبارة بليغ التركيب، ينزع إلى طرائق كتاب الترسل الأولين، رحل عام 1912إلى مصر وسورية وتركية، فكتب رحلة بديعة نشرت في مجلة الزهرة، طافحة بانتقاداته وأفكاره.
وأشار إلى مجلة السعادة العظمى (التي أصدرها في تونس 1904) فقال: انها كانت مركزا للحركة الفكرية وقوة توجيهية متصلة بجميع أهل الثقافة العربية يجتمع تحتها شقان متباعدان ولم تدم إلا عاما ناقصا.
وللخضر حسين: مؤلفات متعددة أهمها:
محمد رسول الله، رسائل الإصلاح، آداب الحرب في الإسلام، القياس في اللغة العربية، هذا بالإضافة إلى عشرات الفصول والمقالات في صحف مصر والمغرب والشام
__________
(1) الحركة الفكرية والأدبية في تونس.(1/336)
الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج
قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم الخميس 2جمادي الأولى سنة 1373 (7يناير سنة 1954) الموافقة على قبول الاستقالة المقدمة من حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر السيد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر، واختار لهذا المنصب حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج عضو جماعة كبار العلماء وأستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة إبراهيم وعضو لجنة وضع مشروع الدستور.
وفي يوم السبت 4جمادي الأولى (9يناير) صدر قرار مجلس الوزراء الخاص بتعيين فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج شيخا للأزهر، وقد أبلغته السكرتيرية العامة لمجلس الوزراء إلى فضيلته.
وفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج مولود بمدينة أسيوط سنة 1314 (1896) ونال شهادة العالمية بالمرتبة الأولى سنة 1341 (1923) وشهادة التخصص بالمرتبة الأولى أيضا سنة 1345 (1926) وعين بعد تخرجه مدرسا بمعهد أسيوط الديني ثم نقل إلى المعهد الأزهري سنة 1931ثم اختير أستاذا بكلية الشريعة سنة 1352 (1933). وفي سنة 1355 (1936) اختير عضوا في أول بعثة للأزهر إلى أوربا ومكث في فرنسا سبع سنوات وثلاثة أشهر. ونال الدكتوراه من جامعة السوربون، وعاد من فرنسا سنة 1362 (1943) فاختير للتدريس في قسم تخصص القضاء
الشرعي، ثم عين مفتشا للعلوم الدينية والعربية بالمعاهد الأزهرية، وعين شيخا لمعهد الزقازيق الديني، ثم شيخا للقسم العام والبعوث الإسلامية بالأزهر، وعضوا دائما وسكرتيرا فنيا للجنة الفتوى بالأزهر وقد كان في عضوية هذه اللجنة منذ إنشائها في سنة 1935، واختير أستاذا للشريعة الإسلامية بكلية الحقوق في جامعة إبراهيم، وحصل على عضوية جماعة كبار العلماء سنة 1370 (1951) وكان موضوع رسالته «السياسة الشرعية والفقه الإسلامي». واختير عضوا في لجنة وضع مشروع الدستور الجديد عند تكوينها في العام الماضي.(1/337)
وفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج مولود بمدينة أسيوط سنة 1314 (1896) ونال شهادة العالمية بالمرتبة الأولى سنة 1341 (1923) وشهادة التخصص بالمرتبة الأولى أيضا سنة 1345 (1926) وعين بعد تخرجه مدرسا بمعهد أسيوط الديني ثم نقل إلى المعهد الأزهري سنة 1931ثم اختير أستاذا بكلية الشريعة سنة 1352 (1933). وفي سنة 1355 (1936) اختير عضوا في أول بعثة للأزهر إلى أوربا ومكث في فرنسا سبع سنوات وثلاثة أشهر. ونال الدكتوراه من جامعة السوربون، وعاد من فرنسا سنة 1362 (1943) فاختير للتدريس في قسم تخصص القضاء
الشرعي، ثم عين مفتشا للعلوم الدينية والعربية بالمعاهد الأزهرية، وعين شيخا لمعهد الزقازيق الديني، ثم شيخا للقسم العام والبعوث الإسلامية بالأزهر، وعضوا دائما وسكرتيرا فنيا للجنة الفتوى بالأزهر وقد كان في عضوية هذه اللجنة منذ إنشائها في سنة 1935، واختير أستاذا للشريعة الإسلامية بكلية الحقوق في جامعة إبراهيم، وحصل على عضوية جماعة كبار العلماء سنة 1370 (1951) وكان موضوع رسالته «السياسة الشرعية والفقه الإسلامي». واختير عضوا في لجنة وضع مشروع الدستور الجديد عند تكوينها في العام الماضي.
وفي صباح يوم الاثنين 11يناير توجه فضيلة الأستاذ الأكبر إلى إدارة المعاهد الدينية حيث تسلم مهام منصبه الجديد، وكانت في استقبال فضيلة جموع حاشدة من أساتذة الأزهر وطلابه، وتعالت الهتافات بحياة فضيلته وحياة رجال الثورة الأحرار.
وقد أقبل أعضاء جماعة كبار العلماء وأساتذة الكليات والمعاهد الدينية والموظفون الإداريون على مكتب فضيلته مهنئين. وبعد أن استمع فضيلته لكلماتهم أطل على جموع الأزهريين المحتشدين أمام مبنى الإدارة وارتجل الكلمة الآتية:
«أشكر لكم هذه الحفاوة البالغة وهذا الاستقبال الرائع. وإني أرجو أن يوفقني الله لأن أتقدم بالأزهر إلى المكانة العالية التي كان يتبوؤها من قبل.
وإني أبشركم بأن بوادر هذا المستقبل الزاهر المرجو للأزهر قد لمستها في جلسات قصيرة خفيفة مع رجال هذا العهد. فقد لمست فيهم إيمانا خالصا وضراعة إلى الله تعالى أن يعينهم على ما فيه خير الأزهر.
والذي أرجوه أن ينصرف كل منا إلى واجبه وأن يحافظ على النظام.(1/338)
الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت
كتب الأستاذ العقاد في مجلة الأزهر عن الشيخ شلتوت يقول بعنوان:
«الإمام المصلح محمود شلتوت»:
في كتابات الإمام الفقيد الشيخ محمود شلتوت كلمات لها طابعها الذي تتميز به بين أمثالها من الكلمات في كتابات غيره، ممن ينهضون بأمانة الدراسة الدينية.
ولعل أبرز هذه الكلمات في كتاباته، وفي أحاديثه، كلمة «الشخصية».
يلحقها بوصف العقيدة، ووصف الفرائض المقدسة، بل يجعل العقيدة كما يجعل الفريضة معلما من معالم شخصية الأمة، وشخصية الإنسان في حياته الباطنة وحياته الظاهرة.
قال رحمه الله في مفتتح مقاله عن رسالة الأزهر إن: «للإنسان في هذه الحياة فردا كان أم جماعة شخصيتين، حسية ومعنوية، ولا يحظى بالوجود الكامل إلا إذا نال حظه من الشخصيتين. وشخصية الفرد الحسية يكونها اللون والطول والعرض، وشخصيته المعنوية يكونها إيمانه ومبدؤه وهدفه في الحياة، وما له من عقل وتدبير وثبات ومثابرة في سبيل مبدئه وهدفه».
ثم قال عن شخصية الأمة الحسية: «إنها ترجع إلى إقامتها في
الإقليم الذي نشأت فيه، وإلى الأمل الذي تنتسب إليه» «أما شخصيتها المعنوية فهي ترجع إلى روابطها القلبية والعقلية والشعورية، وعلى قدر ما يكون لها من التأثر بتلك الروابط المتفاعلة والحرص عليها وعلى معارفها التي تكونها، وعلى الإيمان بمصدر تلك المعارف يكون لها بين الأمم من آثار الوجود المعنوي».(1/339)
ثم قال عن شخصية الأمة الحسية: «إنها ترجع إلى إقامتها في
الإقليم الذي نشأت فيه، وإلى الأمل الذي تنتسب إليه» «أما شخصيتها المعنوية فهي ترجع إلى روابطها القلبية والعقلية والشعورية، وعلى قدر ما يكون لها من التأثر بتلك الروابط المتفاعلة والحرص عليها وعلى معارفها التي تكونها، وعلى الإيمان بمصدر تلك المعارف يكون لها بين الأمم من آثار الوجود المعنوي».
وكتب عن الصلاة في فصل من فصول «الإسلام عقيدة وشريعة»، فقال عنها: «إنها العنصر الثاني من عناصر الشخصية الإيمانية».
وعلى هذه الوتيرة كانت كلمة «الشخصية» تتردد في أحاديثه للدلالة على قوام كل «وجود» حتى يتميز به عقل الإنسان وضميره في حياته الروحية، وهي لمحة من لمحات التعبير الباطني تدل على معناها وتدل مع هذا المعنى على مقدار شعوره بكرامة الشخصية واقترانها بحق الإنسان وواجبه وبالتبعة التي تناط بها الحقوق والواجبات، وتقرر له موقفه من الشخصيات الإنسانية الأخرى في إبداء الرأي والاضطلاع بأعباء الدعوة والإقناع.
هذه واحدة من خصال العقل المجتهد، بل هي أولى تلك الخصال في كل ترتيب لكفايات المجتهدين. من كان له رأي وعلم ولم يكن له نصيبه الأوفي من هذه الخصلة فلا سبيل له إلى الاجتهاد، لأنه يلقى العائق الأول عن أداء وظيفة الاجتهاد من قبل نفسه، ويحجم عن العمل في سبيله قبل أن يصده غيره عن تلك السبيل.
وتلك هي الخصلة التي توافرت للأئمة الأسبقين من أصحاب الرأي والقياس في الشريعة، وبفضل الثقة التي كانت تملأ نفوسهم، من هذه الخصلة كانوا يقولون لمن يستكثر عليهم التعقيب على أهل العلم من الصحابة والتابعين: إنهم رجال ونحن رجال.
وإذا اجتمع الاجتهاد في كلمات معدودات صح أن يقال إنه هو القدرة على الرجوع إلى روح القرآن الكريم، أو أنه بعبارة أخرى تفسير
المذاهب بمعاني القرآن الكريم، وليس هو تفسير القرآن الكريم بمعاني المذاهب أو بنصوصها أو بأقوال الرواة فيها.(1/340)
وإذا اجتمع الاجتهاد في كلمات معدودات صح أن يقال إنه هو القدرة على الرجوع إلى روح القرآن الكريم، أو أنه بعبارة أخرى تفسير
المذاهب بمعاني القرآن الكريم، وليس هو تفسير القرآن الكريم بمعاني المذاهب أو بنصوصها أو بأقوال الرواة فيها.
ولقد كان هذا هو إيمان الإمام الفقيد بالكتاب المبين، وكان هذا هو منهجه في الاحتكام بالمذاهب إلى آياته وأحكامه، مستقلة عما يضاف إليها من شروح المختلفين وتأويلات أصحاب الرأي أو أصحاب اللغة من المفسرين.
وقد لخص العالم الفاضل الدكتور محمد البهى هذا المنهج في تقديمه لتفسير الإمام الفقيد فقال: «التفسير الذي نقدمه اليوم للمسلمين هو تفسير للمسلمين أجمعين، لا لمذهب معين من المذاهب الفقهية، ولا للون من ألوان العقيدة الكلامية ولا لاتجاه خاص من اتجاهات أهل الظاهر أو أهل الباطن».
ثم قال عن المنهج الذي اختاره الأستاذ المفسر واقتدى فيه بالمعلم المصلح العظيم محمد عبده فقال: إنه منهج «جعل السورة وحدة واحدة، يوضح مراميها وأهدافها وما فيها من عبر ومبادىء إنسانية عامة»، وأنه لا يقحم في القرآن على القرآن من رأي خارج عنه، أو مصطلح انتزع من مصدر آخر، فجعل كلمات القرآن يفسر بعضها بعضا كما أطلق الحرية للقرآن في أن يدلى بما يريد دون أن يحمل على ما يراد.
وبهذه المثابة يصبح تفسير القرآن تفسيرا للمسلمين جميعا، وعليه يقام أساس التوفيق بين المسلمين أجمعين، وهي أمانة لا يضطلع بها غير أهلها من القادرين على الاستقلال بالفهم وعلى مواجهة الخلاف بما ينبغي للمجتهد من الشجاعة الصادقة ووسائل الإقناع بإحسان، وما ينبغي للمجتهد المعلم خاصة من الصمود إلى غاية التعليم، وغاية المعهد العلمي الذي يتولاه.
وصف الإمام الفقيد رسالة الجامع الأزهر معهد العلم الإسلامي
الأكبر. فقال في بضع كلمات: «إنه معهد الدين وحصن اللغة المكين».(1/341)
وصف الإمام الفقيد رسالة الجامع الأزهر معهد العلم الإسلامي
الأكبر. فقال في بضع كلمات: «إنه معهد الدين وحصن اللغة المكين».
ومن أراد هذه الرسالة للجامع الأزهر، فقد عرف من قبل رسالة القرآن الكريم، بل عرف المعجزة الكبرى لهذا الكتاب في ناحية إعجازه التي لا مراء فيها، وهي معجزة الأثر الخالد التي نستطيع نحن أبناء هذا العصر أن ندركها وأن يكون إدراكنا لها أقوى وأوضح ممن سبقونا إلى العلم بمعجزة الكتاب المبين.
معجزة الأثر في ألف وأربعمائة سنة أقوى وأوضح من معجزته التي شهدها أبناء القرن الأول ثم شهدها أبناء القرون الأولى بعد عصر الدعوة فإننا اليوم نستطيع أن ندرك تلك المعجزة التي لا نظير لها والتي تقاصرت عنها الهمم ووقفت دونها دعوات الأفراد والأمم، وتم بها ما يتم بعمل إله وقول إله، وهيهات أن يتم بجهد الإنسان بغير معونة الله.
أربعمائة مليون من بني آدم فرقتهم الأجناس واللغات والبقاع والأزمان، وجمعتهم كلمات القرآن.
وكلمات حفظت اللغة التي نزلت بها وليست هذه اللغة هي التي حفظتها، ولم يتفق قط للغة من اللغات أن عاشت بكتاب واحد مدى هذه السنين، فلم تعش لغة اليونان خمسمائة سنة بكتاب هوميروس، ولم تعش لغة اللاتين بعض هذه السنين بلغة فرجيل وهوراس، وذهبت لغة فارس ولغة الهند وفيها من الكتب ما لا يقرأه اليوم غير كهان المحاريب، وماتت لغات أخرى كانت تعيش قبل الإسلام وبقيت لغة القرآن حية في عالم الديانة وفي عالم الكتابة وفي عالم الثقافة، وستحيا غدا كما حييت بالأمس، ماشاء الله، وصح فيها قول الأستاذ الفقيه: «إنها ليست في هذا المقام عربية الإقليم والجو ولا عربية النسب إلى أصل ينتسب إليه الجنس وصارت عربية الشخصية المعنوية المكونة من عنصرى العروبة والإسلام».
ولما تكلم عن غايته من التعليم في المعهد الأكبر الذي تولاه قال:
«نريد تخريج تبريز لأئمة في اللغة وفروعها وأئمة في الفقه وأصوله، نريده تخريجا أساسه النطر العميق والاجتهاد العلمي الذي يكون الشخصية الفقهية والشخصية اللغوية العربية، لا نريده تخريجا نلتزم فيه مخلفات الماضي من آراء ومذاهب بل يجب أن نجتهد وأن نؤمن بأن حاجة اليوم في الفقه واللغة وعقائد الدين غيرها بالأمس، وأن نؤمن بأن فضل الله في كل ذلك لم يكن وقفا على الأولين».(1/342)
ولما تكلم عن غايته من التعليم في المعهد الأكبر الذي تولاه قال:
«نريد تخريج تبريز لأئمة في اللغة وفروعها وأئمة في الفقه وأصوله، نريده تخريجا أساسه النطر العميق والاجتهاد العلمي الذي يكون الشخصية الفقهية والشخصية اللغوية العربية، لا نريده تخريجا نلتزم فيه مخلفات الماضي من آراء ومذاهب بل يجب أن نجتهد وأن نؤمن بأن حاجة اليوم في الفقه واللغة وعقائد الدين غيرها بالأمس، وأن نؤمن بأن فضل الله في كل ذلك لم يكن وقفا على الأولين».
ونستعير من أسلوب الفقيد فنقول إن الاجتهاد كما أراده هو الاجتهاد بعناصر «شخصيته» على تمامها كما ينبغي أن يضطلع به المجتهد في جميع العصور، وهو أتم من ذلك بالنسبة إلى عصرنا هذا الذي نعيش فيه، وبالنسبة إلى العصر المقبل الذي يواجهه المجتهدون عما قريب.
فما من عنصر من عناصر الاجتهاد إلا قد ظهر له في هذا العصر باعث يستدعيه لم يكن ظاهرا بهذا الجلاء وهذه الضرورة في عصر من عصوره الماضية.
فها هنا عنصر النظرة الموحدة إلى الكتاب المبين في العصر الذي ارتفعت فيه حواجز الاستعمار الأجنبي ووجب أن تحل في مكانها روابط القربى بين أمم الإسلام على تباعد الديار وتباعد الشيع والمذاهب التي لا بقاء لها مع توحيد النظرة إلى كتاب المسلمين أجمعين
وها هنا عنصر اللغة في عصر النهضة العربية وقوامها كله نهضة الثقافة العربية التي تتحد بها ثقافة الإسلام في جميع اللغات.
وها هنا عنصر «الاستقلال» في عصر الحرية الفكرية أو عصر «الإنسان» الحر في الجماعة الحرة، وقد مضت الجماعات في طريقها إلى الخلاص من طغيان الاستبداد وطغيان الاستقلال.
وها هنا العصر الذي أصبح فيه معهد الإسلام الأكبر كما قال الشيخ رحمه الله: «يضم السوداني، والمغربي، والحبشي، واليمني، والشامي،
والفلسطيني، والأندونيسي، والتركستاني، والسعودي، والأفغاني، والتركي، والروسي، واليوناني، واليوغسلافي، والكردي، والعراقي، والكويتي، والإيراني، والسيامي، والباكستاني، والفليبيني، والملاوي، والبرمي، والأردني، واللبناني، والزنجباري، والأوغندي، والليبي، والتونسي، والجزائري، والمراكشي، والأرتيري، والسنغالي، والصومالي، والنيجيري» إلى غير هؤلاء ممن وفدوا إليه أو يتوافدون مع الأيام بلا انقطاع لا جرم كان من بشائر الأمل كما أسلفنا في غير هذا الموضع أن ينهض الشيخ شلتوت بمشيخة الأزهر في الزمن الذي تفتحت فيه الطرق بين البلاد الإسلامية بعد أن تحررت من الطغيان الأجنبي عليها وبين هذا المعهد الذي لا معهد في العالم الإسلامي أولى منه بضم الشمل وتقريب مسافة الخلف بين المسلم والمسلم حينما كان في أقاصى البلدان.(1/343)
وها هنا العصر الذي أصبح فيه معهد الإسلام الأكبر كما قال الشيخ رحمه الله: «يضم السوداني، والمغربي، والحبشي، واليمني، والشامي،
والفلسطيني، والأندونيسي، والتركستاني، والسعودي، والأفغاني، والتركي، والروسي، واليوناني، واليوغسلافي، والكردي، والعراقي، والكويتي، والإيراني، والسيامي، والباكستاني، والفليبيني، والملاوي، والبرمي، والأردني، واللبناني، والزنجباري، والأوغندي، والليبي، والتونسي، والجزائري، والمراكشي، والأرتيري، والسنغالي، والصومالي، والنيجيري» إلى غير هؤلاء ممن وفدوا إليه أو يتوافدون مع الأيام بلا انقطاع لا جرم كان من بشائر الأمل كما أسلفنا في غير هذا الموضع أن ينهض الشيخ شلتوت بمشيخة الأزهر في الزمن الذي تفتحت فيه الطرق بين البلاد الإسلامية بعد أن تحررت من الطغيان الأجنبي عليها وبين هذا المعهد الذي لا معهد في العالم الإسلامي أولى منه بضم الشمل وتقريب مسافة الخلف بين المسلم والمسلم حينما كان في أقاصى البلدان.
«ومن عرف الإمام الفقيد عرف أنه قد تزود لهذه الرسالة بزاد غير علمه الغزير وشجاعته الصادقة، وهو زاد القلب الطيب والسجية الكريمة، تجمع الخصوم على الألفة والثقة كما تجمع الأصحاب والأنصار».
ولقد عرفنا الشيخ الأكبر سنوات في مجمع اللغة العربية فتعودنا أن نعرفه «قرآنيا» في دراسته لأسرار اللغة، قبل أن نعرفه «لغويا» في دراسته لأسرار القرآن، وكنا نسمعه يقول: إن القرآن معجز بما هو به قرآن، ويعني بذلك نسقه الذي ينتظم ألفاظه ومعانيه ويوحي من معانيها بما ليس في مفردات الكلم ولا في أجزائه التي يقتضيها الإعراب في كل عبارة
فليست الكلمة الواحدة هي محل إعجاز، وليس محل الإعجاز هو الكلمتين أو الكلمات الثلاث التي تتم بها جملة الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر والجار والمجرور أو المضاف والمضاف إليه، ولكنه نسق دقيق يتخطى لوازم العلاقة بين الألفاظ في النحو والصرف إلى لوازم العلاقة بين المعنى والوجدان، وبين الوحي والبصيرة، مما لا تدركه ولا تبلغ إليه بلاغة الإنسان. وبهذه البصيرة المتفتحة تسنى له أن يفهم القرآن كتابا للمسلمين جميعا يرجعون إليه فيرجعون إلى مصدر واحد يبطل فيه الخلاف، أو
يختلف فيه المختلفون ولكن كما يختلف العقل الواحد بينه وبين نفسه في وجهات نظره بين حين وحين، وبين اعتبار واعتبار.(1/344)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/345)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/346)
وقد منحته أربع دول الدكتوراه الفخرية كما منحته أكاديمية شيلي درجة الزمالة الفخرية وأهدى إليه رئيس الكاميرون قلادة تقديرا لأبحاثه العلمية. وكان الأجنبي الوحيد الذي رأس المجلس الأعلى لجمهورية أندونيسيا أثناء وجوده هناك. كما أصدر قرارا خاصا بتعيين قائد الجيش ووزير الدفاع إماما لمسجد سوكارنو بالقصر الجمهوري. وقد زاره في منزله
بمصر الجديدة عدد كبير من زعماء العالم الإسلامي ورؤساء الدول، منهم الرؤساء عبد السلام عارف والسلال وأحمد بن بيللا والإمبراطور هيلاسلاسي إمبراطور الحبشة.
إن نواب الرئيس وأعضاء مجلس الرياسة ورئيس المجلس التنفيذي والوزراء أبو إلا أن يشيعوا جنازته سيرا على أقدامهم من المسجد لازهر حتى الامام الشافعي تكريما لرحلته الأخيرة التي ترك وراءها أماكن خلت بفقده هي عضوية كبار العلماء التي شغلها عام 1941وعضوية المجمع اللغوي التي شغلها عام 1946وعضوية المؤتمر الإسلامي التي شغلها عام 1957وعضوية مجلس الإذاعة الذي شغله عام 1950ومشيخة الأزهر التي شغلها عام 1958.(1/347)
الشيخ حسن مأمون
الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر. صدر قرار جمهوري في شهر صفر 1384هـ يوليو 1964بتعيين فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخا للأزهر، ويعتبر فضيلته الشيخ التاسع والثلاثين في تعداد شيوخ الأزهر، ومن الجدير بالذكر أن منصب شيخ الأزهر شاغر منذ 13ديسمبر الماضي إثر وفاة فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت.
وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون من مواليد عام 1894بحي الخليفة بالقاهرة، وظل يعمل في مناصب القضاء بمصر والسودان خمسة وأربعين عاما، وفي عام 1941عين قاضيا لقضاة السودان وظل في منصبه ست سنوات عاد بعدها إلى القاهرة بعد موقفه الوطني المعروف رئيسا لمحكمة مصر الابتدائية الشرعية، ثم عضوا في المحكمة الشرعية العليا ثم نائبا لها ثم رئيسا، وفي عام 1955عين مفتيا للديار المصرية خلفا لصاحب الفضيلة الشيخ حسنين مخلوف إلى أن أحيل إلى الاستيداع.
وكان أن صدر القرار الجمهوري في أواخر شهر يوليو الماضي بتعيينه إماما أكبر وشيخا للجامع الأزهر.
وينص قانون تطوير الأزهر الذي صدر في يونيو 1961على أن شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر.(1/348)
وقد صدر مع القرار الجمهوري قرار آخر في 14يوليو 1964كان لصدوره بتعيين العالم الأديب فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري مديرا لجامعة الأزهر هزة سرور غمرت الأوساط الأزهرية وغير الأزهرية.
والذي لا شك فيه أن الجامعة الأزهرية في تطورها الجديد حيث أريد لها أن تدخل معترك الحياة في شتى ميادين المعرفة، كانت في حاجة إلى عالم أديب كالشيخ الباقوري، عرف عنه بالإضافة إلى علمه، سعة أفقه، ومرونة تفكيره، وتمتعه بطاقة كبرى من الحيوية والنشاط.(1/349)
الأستاذ الأكبر الشيخ محمّد الفحّام
تقدم الاستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون استقالته من المشيخة وعين الشيخ الدكتور محمد الفحام شيخا للأزهر وذلك يوم الثلاثاء 4رجب 1389هـ 16من سبتمبر 1969.
لقد ولد الدكتور محمد الفحام بالإسكندرية في 18من سبتمبر سنة 1894م وسلك في تعلمه المسلك الذائع في عصره، فحفظ القرآن الكريم، ثم لحق بمعهد الإسكندرية الديني، وقضى به سنوات حصل فيها على شهادته الابتدائية والثانوية، ثم درس بالجامع الأزهر ونال شهادته العالمية سنة 1922م.
فلما كانت سنة 1936م اختار الأزهر بعثة من خير المتخرجين فيه ليدرسوا في باريس دراسة تمكنهم من الحصول على الدكتوراه في الآداب، فكان منهم الدكتور محمد الفحام.
قضى في باريس هو وأسرته عشر سنوات، صبر فيها على ما لقى من شدائد في ظلمات الحرب العالمية الثانية، حتى حصل على الليسانس من السوربون، وعلى عدة دبلومات ثم حصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة الشرف الممتازة من جامعة باريس سنة 1946.
أما موضوع رسالته فكان (معجم عربي فرنسي لا صطلاحات النحويين والصرفيين العرب) وكان هذا المعجم مناط تقدير الأساتذة والمستشرقين (1)
__________
(1) من كلمة المجمع اللغوي في تأبينه والكلمة للدكتور أحمد الحوفي.(1/350)
وثنائهم، حتى إن أحدهم قال له: لست أظن أن عالما زار فرنسا أكثر إلماما باللغة العربية منك.
وعاد الشيخ إلى مصر. فوجد شهرته العلمية قد سبقته، فنهض بتدريس الأدب المقارن لطلبة كلية اللغة العربية بالأزهر، وبتدريس النحو بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية. وما زال يتدرج في وظائف التدريس حتى صار عميدا لكلية اللغة العربية إلى أن أحيل إلى التقاعد.
وحينئذ لم يركن إلى ما يركن إليه بعض المتقاعدين، بل انكب على البحث والدرس في مكتبته الخاصة، نحو عشر سنوات، إلى أن اختارته الدولة إماما أكبر للأزهر الشريف سنة 1969م، ثم انتخبه مجمع اللغة العربية عضوا به واحتفل باستقباله في 12من صفر سنة 1392هـ (27من مارس سنة 1972م).
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يرتبط الفقيد بالعالم العربي والإسلامي ارتباطا فكريا وعمليا فقام برحلات متعددة إلى كثير من الأقطار.
زار لبنان، ومثل الأزهر في مؤتمر ثقافي سنة 1947، وسافر إلى نيجيريا موفدا من الأزهر لدراسة أحوال المسلمين بها، واقتراح حلول لمشكلاتهم، وقضى هنالك خمسة أشهر، ولم يثنه عن السفر ما زعمه له بعض المبشرين المسيحيين الذين زاروا نيجيريا من قبل أنها مقبرة الرجل الأبيض، بل خرج من داره يتلو قول الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهََاجِراً إِلَى اللََّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللََّهِ وَكََانَ اللََّهُ غَفُوراً رَحِيماً».}
وكانت رحلته ذات آثار طيبة، إذ اختار بعض أبناء نيجيريا ليتعلموا بالأزهر، وتخير طائفة من علماء الأزهر ليدرسوا هنالك، ولم تلبث نيجيريا أن حفلت بعدة مدارس وبكثير من المعلمين العرب والقضاة العرب.
وبعد ذلك سافر إلى باكستان ثلاث مرات اتصل فيها بكثير من علمائها، وزار كثيرا من مدارسها ومعاهدها ومكتباتها.
ثم اتجه إلى موريتانيا، وأسهم في إنشاء مكتبة إسلامية كبيرة بها وشارك في مناقشات إسلامية، منحوه بعدها وثيقة مواطن موريتاني.(1/351)
كذلك سافر إلى إندونيسيا ثلاث مرات ممثلا للأزهر، وسافر إلى أسبانيا والسودان والجزائر وإيران وليبيا، وزار السعودية خمس مرات، مرتين للعمرة وثلاثا للحج.
وللدكتور الفحام مؤلفات قيمة.
أذكر منها مذكراته في الأدب المقارن لطلبة كلية اللغة العربية بالأزهر، ومذكراته في النحو لطلبة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية التي ذللت مسائله المعقدة، وسهلت صعوباته.
وله كتاب عن سيبويه.
كذلك تفوق في دراسة علم المنطق، فألف رسالة سماها (رسالة في الموجهات) وهو طالب بالسنة الثانية الثانوية، جمع فيها بين العلم وسهولة عرضه، فأعجب زملاؤه بما كتب، حتى إن طلاب شهادة العالمية المؤقتة نهلوا من معين رسالته.
وكذلك تفوق في دراسة الجغرافية.
وله بحوث نشر بعضها في مجلة مجمع اللغة العربية مثل:
1 - الشيخ خالد الأزهري:
ذكر فيه المصادر الاثنى عشر التي تحدثت عنه، وعرض أسماء أساتذته، وأسماء مؤلفاته الستة عشر التي وصلت إلينا، ومنها المقدمة الأزهرية، وشرحها، وإعراب الأجوبة وشرحها.
2 - بحث آخر موضوعه سيبويه:
بدأه ببيان معنى كلمة سيبويه، فنقل ما ذكره القدماء، ثم نقل ما ذكره المستشرق كرنكو، ولم يعتمد على ما ذكره المستشرق، بل سأل علماء اللغة الفارسية، وانتهى إلى ترجيح أن كلمة سيبويه معناها تفاحة صغيرة لا رائحة التفاح، كما هو ذائع شائع.
وبعد هذا التمهيد الشائق ذكر عدة من العلماء اسم كل منهم سيبويه هم
سيبويه الأصفهاني، وسيبويه المغربي، وسيبويه المصري.(1/352)
وبعد هذا التمهيد الشائق ذكر عدة من العلماء اسم كل منهم سيبويه هم
سيبويه الأصفهاني، وسيبويه المغربي، وسيبويه المصري.
ثم انتقل إلى شيخهم سيبويه البصري إمام علماء البصرة، وشيخ النحاة، وأول من لقب بهذا اللقب، فتحدث عن مولده ومكانه وتلاميذه والمناظرة التي كانت بينه وبين الكسائي.
سافر رحمه الله إلى فرنسا، ونال منها أرفع درجاتها العلمية، وعاش فيها عشر سنوات، كان من المظنون أن تغير من عاداته ومن صلاته ومن مظهره، وزيه، ولكنه عاد إلى مصر حريصا على أخلاقه الإسلامية الرفيعة، وكلفا بعاداته الطيبة التي ورثها من مصر المسلمة العريقة، ومشوقا إلى زيه العربي الذي يميز علماء الأزهر، فلم نره إلا معمما وفي جبة وقفطان، وقد يستعيض عن الجبة المعطف السابغ الذي يسمى كاكولة.
ولم يكن يتعالم بمعرفته الفرنسية وبإجادته لها، فيتكلف الرطانة بها حيث لا مسوغ لرطانة، ويتصيد المفردات منها ليحشرها في حديثه حشرا حيث تسعفه الألفاظ العربية. وليس من عيب على العالم باللغات أن يستشهد بها، وأن يستعين إذا ما مست حاجته أو دعت مناسبة أو كانت ثمة مقارنة واستشهاد.(1/353)
الفهرس
الموضوع الصفحة
آراء المفكرين في الأزهر 5
تصدير 7
المقدمة 9
الباب الأول: الأزهر خلال التاريخ 17211
الفصل الأول: مصر قبل إنشاء الأزهر 1813
الفصل الثاني: مصر في ظلال الدولة الفاطمية 2619
الفصل الثالث: تأسيس الأزهر وبدء حياته الجامعية 4027
الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين 8041
الفصل الخامس: الأزهر في عهد الدولة الأيوبية 9081
الفصل السادس: الأزهر في ظلال دولتي المماليك 11491
جلال الدين السيوطي 109
الفصل السابع: الازهر في عهد الدولة العثمانية 150115
الشهاب الخفاجي المصري 135
الفصل الثامن: الأزهر بعد الحكم العثماني 151
فحول العلماء في قرنين 166
الباب الثاني: تاريخ الأزهر الحديث 222173(1/355)
الفصل الأول: القوة الشعبية ممثلة في الأزهر 175
الفصل الثاني: بعد الثورة العرابية 195
الفصل الثالث: الأزهر والحركة الوطنية عام 1991919
الفصل الرابع: الثورة المصرية الثالثة والأزهر 207
ثورة في الأزهر 210
النوابغ الذي تخرجوا من الأزهر 212
اشهر رجال الأزهر في القرن الرابع عشر 214
نظرة إلى المستقبل 216
ثورة التطوير في الأزهر 219
الأزهر الجديد 221
الباب الثالث: شيوخ الأزهر 353223
الفصل الأول: مشيخة الأزهر وشيوخه 258225
الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 259
الشيخ الظواهري 259
الشيخ المراغي 264
الشيخ مصطفى عبد الرازق 280
الشيخ الشناوي 296
الشيخ عبد المجيد سليم 306
الشيخ حمروش 308
الشيخ الخضر حسين 328
الشيخ عبد الرحمن تاج 337
الشيخ شلتوت 339
الشيخ حسن مأمون 348
الشيخ محمد الفحام 350(1/356)
الجزء الثانى
بسم الله الرّحمن الرّحيم إن للعلم أزهرا يتسامى
كسماء ما طاولتها سماء
حين وافاه ذو البناء، ولولا
منّة الله ما أقيم البناء
رب إن الهدى هداك وآيا
بك نور تهدى به من تشاء
مذ تناهى أرخت باب علوم
وفخار به يجاب الدعاء(2/5)
بسم الله الرّحمن الرّحيم إن للعلم أزهرا يتسامى
كسماء ما طاولتها سماء
حين وافاه ذو البناء، ولولا
منّة الله ما أقيم البناء
رب إن الهدى هداك وآيا
بك نور تهدى به من تشاء
مذ تناهى أرخت باب علوم
وفخار به يجاب الدعاء
ادامه باب الثالث
تتمه فصل الثانى تراجم لبعض شيوخ 61811 الازهر
61812 - الأزهر للشاعر عزيز أباظة
منبر في ثرى الكنانة قدسي
تتمنى لو قد حوته الثريا
ما ارتقى الانبياء أعرق منه
شرفا سامقا وعتقا سنيا
إنه الأزهر الشريف أجد (1) الله
في صحنه السنا العربيا
واجتباه مجاهدا خاشى الله
مقيما حدوده مخشيا
درجت حوله القرون فلم ... تعرفه تحت الأحداث إلا جريا
سل طواغيت كل عصر بمصر
كيف هابوا المعمم الأزهريا
آنسوا فيه مغاوير عمرو (2)
شبها واضح السمات جليا
__________
(1) جدد
(2) عمرو بن العاص(2/7)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/8)
والبحيري من محلة نصر
مالىء العصر كابن رشد دويا (1)
مصلحا مخضعا فتاواه للفكر
وحبرا مجددا سلفيا
يتحرى النقلى في العلم بالبحث
ويغزو بعقله العقليا
صفوة من بنيك عزت بهم مصر
وكادت علوا تشق السميا (2)
لست أحصى ولا أخصص بل ... أجنيت من زحمة الحلى حليا
من رسول الأزهريين شيخا ... وفتيا ودانيا وقصيا
أدركوا الصدع قبل أن يصبح
الصدع على الرائبين صعبا عصيا
وشباب يستمرئون ذليل العجز
وردا رنقا ومرعى وبيا
ركبوا الجهل والسهولة والوشك (3)
وليست للراشدين مطيا
أرسلوا الشعر طمطمات فلا غربي
نسج سدوا (4) ولا شرقيا
وانتحوه كأنما هو ثأر حين
رضوا وزنا وهضوا رويا
مذهب من مذهب السوء يطوي
بجلال الفصحى العداء الضريا
__________
(1) الشيخ الإمام محمد عبده وابن رشد الفيلسوف الفقيه الطبيب الأندلسي.
(2) جمع سماء
(3) الوشك: السرعة
(4) سدى الثوب أقام سداه وهو ما مد من خيوط.(2/9)
يتعدى بهدمها فض شمل العرب ... فضا كما نثرت العصيا
يتعدى بهدمها أن يبيت ... الدين لا راعيا ولا مرعيا
واستباحوا كرامة الحق والفن
دعى منهم يمالي دعيا
هاتكا حرمة المعايير والأخطار
حتى عدوا الفصاحة عيا
فغدا الذم عندهم أن يقولوا
شاعر يؤثر البيان السريا
أو يقولوا أسف واعتاقه العجز
فجارى الشريف والبحتريا
أو يقولوا عن كاتب ما له هان
فأمسى أسلوبه جاحظيا
أنه الزيع فاضربوا حوله الايمان سدا يوأد دنيا شقيا
لا ومن أنزل القرآن على المبعوث الحق مرسلا ونبيا
لن تضام الفصحى وفينا كتاب الله يتلى صبيحة وعشيا وعد الله أن يصون حماها
إنه كان وعده مقضيا(2/10)
يتعدى بهدمها فض شمل العرب ... فضا كما نثرت العصيا
يتعدى بهدمها أن يبيت ... الدين لا راعيا ولا مرعيا
واستباحوا كرامة الحق والفن
دعى منهم يمالي دعيا
هاتكا حرمة المعايير والأخطار
حتى عدوا الفصاحة عيا
فغدا الذم عندهم أن يقولوا
شاعر يؤثر البيان السريا
أو يقولوا أسف واعتاقه العجز
فجارى الشريف والبحتريا
أو يقولوا عن كاتب ما له هان
فأمسى أسلوبه جاحظيا
أنه الزيع فاضربوا حوله الايمان سدا يوأد دنيا شقيا
لا ومن أنزل القرآن على المبعوث الحق مرسلا ونبيا
لن تضام الفصحى وفينا كتاب الله يتلى صبيحة وعشيا وعد الله أن يصون حماها
إنه كان وعده مقضيا
الباب الرابع أعلام من 61813 الأزهر في العصر الحديث(2/11)
الشيخ محمّد عبده وأثره في الإصلاح الديني 1266هـ 1905م
ولد الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، في إحدى قرى مديرية البحيرة. وفي مكتب القرية حفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي في طنطا، فإلى الجامع الأزهر بالقاهرة، لتلقي العلم، على أن طرق التدريس التي كانت متبعة حينذاك في الأزهر لم ترقه. حتى إذا جاء السيد جمال الدين الأفغاني إلى مصر، اختلط به، وأخذ عنه كثيرا من مبادىء الفلسفة والمنطق، وتدرب على الكتابة في الصحف السياسية.
فلما نفي السيد الأفغاني بعد ذلك من البلاد، كان مما قال لمريديه: «قد تركت لكم الشيخ محمد عبده، وكفى به لمصر عالما».
وعمل الأستاذ الإمام مدرسا في المدارس الأميرية، ومحررا في «الوقائع المصرية». وتولى الكتابة في بعض دواوين الحكومة. حتى قامت ثورة العرابيين فاتهم بممالأتهم ونفي من مصر، فأقام بسوريا ست سنين ألقى خلالها كثيرا من الدروس. ثم نزح إلى باريس حيث أصدر مع السيد جمال الدين جريدة «العروة الوثقى». وبعد العفو عنه وعودته إلى مصر عين مستشارا في محكمة الاستئناف الأهلية، وعضوا في مجلس إدارة الأزهر، ثم أسند إليه منصب مفتي الديار المصرية.
ويعد الشيخ محمد عبده حامل لواء الإصلاح الديني في العالم
الإسلامي في العصر الحديث، فقد قضى حياته في تنقية الدين من الشوائب التي طرأت عليه، وتقريب المسلمين من أهل التمدن الحديث ليفيدوا من ثمار مدنيتهم، وكذلك اشتهر بصراحته في فتاواه الدينية، وتفسيره القرآن بما يطابق أحكام العقل، ويحل الإسلام من قيود التقليد، وقد طالما هاج عليه جماعة الجامدين وأنصار بقاء القديم على قدمه، ولكنه لم يعبأ بهم، ومضى في سبيله قدما لتحقيق برنامجه الإصلاحي العظيم.(2/13)
ويعد الشيخ محمد عبده حامل لواء الإصلاح الديني في العالم
الإسلامي في العصر الحديث، فقد قضى حياته في تنقية الدين من الشوائب التي طرأت عليه، وتقريب المسلمين من أهل التمدن الحديث ليفيدوا من ثمار مدنيتهم، وكذلك اشتهر بصراحته في فتاواه الدينية، وتفسيره القرآن بما يطابق أحكام العقل، ويحل الإسلام من قيود التقليد، وقد طالما هاج عليه جماعة الجامدين وأنصار بقاء القديم على قدمه، ولكنه لم يعبأ بهم، ومضى في سبيله قدما لتحقيق برنامجه الإصلاحي العظيم.
تولى الأستاذ الإمام منصب القضاء فعين في 7يونية 1888نائب قاض بمحكمة بنها، ثم رقي قاضيا من الدرجة الثانية بمحكمة المنصورة، فقاضيا من الدرجة الأولى بمحكمة مصر من 7يناير 1892، وفي 21نوفمبر 1895رقي نائب مستشار بمحكمة الاستئناف، ولم يكن يوجد غيرها وظل بها إلى أن وقع عليه الاختيار مفتيا للديار المصرية في 5يونية 1899.
كان الأستاذ الامام قاضيا بمحكمة عابدين وكانت أهم محاكم العاصمة في ذلك الحين فاطمأن الكافة إلى قضائه، وقال فيه ذوو الرأي من أهل عصره: «إنهم لا يذكرون إن كرسي القضاء في تلك المحكمة قد ازدان بمثله وأن الوقار والهيبة والجلال كانت تفيض في أفقها» وقال فيه أحد شيوخ المحامين رحمة الله عليه: «كان محمد عبده يصدر الحكم ويشفعه أو يسبقه بدروس ومواعظ يلقيها على المحكوم عليه أمام الجمهور إلقاء يشعر الجماهير والمحكوم على نفسه أنهم في حضرة أب ومصلح كبير.
وترجع صلة محمد عبده بجمال الدين الأفغاني (1254هـ 1839م 1314هـ 9مارس 1897م) إلى شهر المحرم عام 1288هـ 22مارس 1871م، حين نزل جمال الدين مصر، وكان يعرفها من قبل قليلا، ولكنه في هذه المرة اندمج في حياتها الأدبية والاجتماعية، وتردد على دار إبراهيم بك المويلحي، وكانت قائمة في حارة الأمير حسين بشارع محمد علي، وهي في ذلك الوقت ندوة المفكرين والعظماء والقادة، فلما
أجرى عليه رياض باشا رزقا شهريا قدره عشرة جنيهات مقابل بقائه في مصر ولو لم يؤد عملا، استأجر منزلا في حارة اليهود، ويقول الشيخ محمد عبده:(2/14)
وترجع صلة محمد عبده بجمال الدين الأفغاني (1254هـ 1839م 1314هـ 9مارس 1897م) إلى شهر المحرم عام 1288هـ 22مارس 1871م، حين نزل جمال الدين مصر، وكان يعرفها من قبل قليلا، ولكنه في هذه المرة اندمج في حياتها الأدبية والاجتماعية، وتردد على دار إبراهيم بك المويلحي، وكانت قائمة في حارة الأمير حسين بشارع محمد علي، وهي في ذلك الوقت ندوة المفكرين والعظماء والقادة، فلما
أجرى عليه رياض باشا رزقا شهريا قدره عشرة جنيهات مقابل بقائه في مصر ولو لم يؤد عملا، استأجر منزلا في حارة اليهود، ويقول الشيخ محمد عبده:
إن طلاب العلم عرفوا الأفغاني عند ذلك و «اهتدوا إليه واستوروا زنده فأوري، واستفاضوا بحره ففاض درّا، وحملوه على تدريس الكتب فقرأ من الكتب العالية في فنون الكلام الأعلى والحكمة النظرية طبيعة وعقلية، وفي علم الهيئة الفلكية وعلم التصوف وعلم أصول الفقه الإسلامي، وكانت مدرسته بيته من أول ما ابتدأ إلى آخر ما اختتم».
وفي هذه المرة بقي جمال الدين في القاهرة فترة أطول، وهي الفترة التي كون فيها مدرسته وبث فيها رسالته، واتصل بتلميذه وصفيه الشيخ محمد عبده.
بقي الشيخ جمال الدين يدرس ويدعو دعوته الإصلاحية، ويشارك في كل أمر ذي خطر من حياة مصر في ذلك العهد أكثر من ثماني سنين حتى نفي الشيخ من مصر ف سنة 1296هـ إلى الهند مرة اخرى.
ويقول الشيخ الباقوري:
إن أحدا لا يستطيع إلا أن يرى في الأستاذ الإمام قائدا زعيما يحرص أشد الحرص على إيقاظ الرأي العام وتنبيهه من غفوته بشتى الأساليب ومختلف الوسائل، حتى يكون له أن يميز ما للحاكم من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدل على الحاكم، لأن الحاكم بشر يصيب ويخطىء.
ويقظة الرأي العام من طريق الصحافة النزيهة والتربية الاجتماعية السليمة وإعداد القادة المستنيرين الغيارى على صالح الأمة، هي الوسيلة القادرة بالقدرة على تقصي الحقائق ودرس المسائل درسا وافيا وإبداء الرأي في أمانة وإخلاص.
ولئن كان الأستاذ الإمام قد سلك في بيروت عاصمة لبنان الشقيق مسلكا قرب فيه بين مختلف المذاهب والأفكار والطوائف، فإن عمله في
مصر بعد أن عاد من المنفى لم يكن أقل قدرا من عمله في لبنان، فقد عمل على دعم الوحدة الوطنية في لبنان، وكان كثير من شيوخ الأمة في ذلك الوقت على مثل رأيه السياسي كسعد زغلول، وحسن عاصم، ومحمود سليمان وغيرهم من رجال حزب الأمة، ولكنه هو جم من هذه الناحية أكثر مما هو جم أصدقاؤه الذين كانوا على مثل رأيه، لأن الخديو عباس كان يؤلب عليه أكثر مما يؤلب عليهم، ثم لأن الناس اعتادوا أن يروا علماء الدين بعيدا عن السياسة.(2/15)
ولئن كان الأستاذ الإمام قد سلك في بيروت عاصمة لبنان الشقيق مسلكا قرب فيه بين مختلف المذاهب والأفكار والطوائف، فإن عمله في
مصر بعد أن عاد من المنفى لم يكن أقل قدرا من عمله في لبنان، فقد عمل على دعم الوحدة الوطنية في لبنان، وكان كثير من شيوخ الأمة في ذلك الوقت على مثل رأيه السياسي كسعد زغلول، وحسن عاصم، ومحمود سليمان وغيرهم من رجال حزب الأمة، ولكنه هو جم من هذه الناحية أكثر مما هو جم أصدقاؤه الذين كانوا على مثل رأيه، لأن الخديو عباس كان يؤلب عليه أكثر مما يؤلب عليهم، ثم لأن الناس اعتادوا أن يروا علماء الدين بعيدا عن السياسة.
لقد كان الشيخ محمد عبده بما وهبه الله من غزارة علم وبعد نظر وقوة نفس ورحابة صدر شيئا كبيرا لا يقدره حق قدره إلا أولئك الذين يتخلصون من كبرياء الغرور، وتسلط النزوات فيحكمون عليه بأنه إن لم يكن أفضل زعيم حكيم فإنه في الصدارة من حكماء الزعماء الذين تحتاج إليهم الأمم إبان نهضتها وعلى طول تاريخها، بحيث تخسر الإنسانية كثيرا بالتجهم لهم والتهجم عليهم في حياتهم وبعد مماتهم.
وليس يخفى ما كان الشيخ قد لقي من العنت ودناءة الخصومة وعقوق قومه له وجحود فضله عليهم، فكانت حربهم له من جهات متعددة، فالخديوي عباس يتخذ السيد توفيق البكري وغيره وسيلة للإفساد بينه وبين رجال الأزهر وتحريض أعضاء مجلس الإدارة على الاستقالة حتى يحل محلهم من يكرهون الشيخ لكي يقفوا في سبيله. وكثير من شيوخ الأزهر يخاصمونه لانه كان لا يكف عن الدعوة إلى تحرير الأفكار من قيود التقليد حتى يكون للمفكرين أن يفهموا الدين على طريق سلف الأمة قبل ظهور الخلافات المذهبية.
ولا ريب في أنه أيقظ الشعور الديني وأشعر المسلمين بأن عليهم أن يهبوا من رقدتهم لإصلاح نفوسهم وإكمال نقصهم غير معتمدين على الفخر
بماضي أسلافهم، بل ساعين إلى أن يبنوا من جديد لحاضرهم ومستقبلهم في حياتهم كما بنى أسلافهم.(2/16)
ولا ريب في أنه أيقظ الشعور الديني وأشعر المسلمين بأن عليهم أن يهبوا من رقدتهم لإصلاح نفوسهم وإكمال نقصهم غير معتمدين على الفخر
بماضي أسلافهم، بل ساعين إلى أن يبنوا من جديد لحاضرهم ومستقبلهم في حياتهم كما بنى أسلافهم.
فهو أبدا داع إلى أن العقل يجب أن يحكم كما يحكم الدين، فالدين عرف بالعقل ولا بد من اجتهاد يعتمد على الدين وعلى العقل معا حتى يستطيع المسلمون أن يواجهوا الاوضاع الجديدة في المدينة الجديدة مقتبسين منها ما يفيد وينفع، وإذا كان المسلمون لا يستطيعون ان يعيشوا في عزلة فلا بد لهم من أن يتسلحوا بما يتسلح به غيرهم، واكبر سلاح في الدنيا هو العلم. واكبر عمدة في الأخلاق، هو الدين ومن حسن حظ المسلمين إن دينهم يشرح للعلم صدره حاضا عليه غير ضائق بالأخلاق الفاضلة التي تدعو إليها المدنية الحاضرة.
ان الشيخ مع هيبته وحدته كان طيب القلب سليم الصدر وفيا لأصدقائه لطيف الحديث سمح النفس ينصف الناس في الحق حتى من نفسه.
ومن أعجب ما يعجب له الذين يحبون أن يعرفوه على حقيقته أن يطلب إلى فاضل من فضلاء علماء المسلمين النيل منه حتى يتخذ من ذلك ذريعة إلى تعيينه شيخا لعلماء مدينة الاسكندرية فتتهيأ بذلك له السبيل إلى إصلاح الأزهر من مدينة الاسكندرية وقد عجز عن ذلك الإصلاح في مدينة القاهرة وذلك على ما يروى السيد رشيد رضا أن الإمام أشار على الأستاذ الشيخ محمد شاكر قاضي قضاة السودان أن يظهر السخط عليه لاستمالة الخديو تمهيدا لتعيينه شيخا لعلماء مدينة الإسكندرية، إذ كان من المعروف لدى الخديو أن الشيخ محمد شاكر هو من حزب الشيخ محمد عبده ومن رجاله وأنه هو الذي اختاره للسودان وسعى لجعله قاضي القضاة فيه، وبهذه الحيلة من الرجلين الكبيرين محمد عبده ومحمد شاكر لطف الله بعباده العلماء وأراد ألا يبقى حالة الإسكندرية على ما كانت عليه من الخلف وتعطيل الأعمال فتقرر انتخاب الشيخ شاكر شيخا لعلماء الإسكندرية وصدر الأمر العالي بذلك في 26إبريل سنة 1904.(2/17)
ولا يجهل الناس أن هذه منقبة للأستاذ الإمام تذكر في تاريخه كما تذكر كبار المناقب لكبار المصلحين (1).
ويقول الشيخ مصطفى عبد الرازق: لم يكن الإمام أول من أحدث في الأزهر حركة تجديد، فإن حركة التجديد الأولى ترجع إلى عهد قبل ذلك، ومن مظاهر هذه الحركة اختيار شيوخ الأزهر من الأذكياء ذوي الوجاهة وحسن السياسة من غير مراعاة لما كانت تجري به التقاليد في هذا الباب، فإن الشيخ مصطفى العروسي الذي ولي مشيخة الأزهر من سنة 1281هـ إلى 1287هـ 1864م 1869م والشيخ محمد العباسي المهدي الذي اختير على أثره شيخا للأزهر سنة 1287هـ 1870م لم يكونا من أسن شيوخ عصرهما، ولا من أوفرهم شهرة بالتدريس والعلم.
وقد أبطل الشيخ العروسي كثيرا من البدع الدينية وأقال جماعة ممن يدرسون في الأزهر بلا استحقاق وعزم على عمل امتحان لمن يريد التدريس ففاجأه العزل من منصبه، وجاء من بعده الشيخ المهدي فوضع سنة 1288هـ 1871م أول قانون للأزهر يحصر مواد الدروس ويبين طريقة الامتحان، وفي عهده عني بإصلاح الأزهر ليصل بذلك إلى إصلاح المحاكم الشرعية فالغرض من هذا الإصلاح كان تخريج قضاة المحاكم الشرعية تخريجا نظاميا تتم به المشاكلة مع صورة التخريج لقضاة المحاكم المدنية.
وهذا الاتجاه في إصلاح الأزهر هو بعينه ما أعرب عنه الخديوي عباس في خطبته بقصر عابدين في حفلة الإنعام بالخلعة على الشيخ عبد الرحمن الشربيني شيخ الأزهر سنة 1323هـ 1905م وهي الخطبة التي استقال على أثرها الشيخ محمد عبده وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمان من مجلس إدارة الأزهر. قال الأمير على ما جاء في الجزء الأول من تاريخ الأستاذ الإمام:
إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر شيئان: الأول استتباب الأمن فيه وهو ما
__________
(1) الاخبار 1973727.(2/18)
أوصى به دائما، والثاني تخريج القضاة الشرعيين (1) ويوشك أن يكون كل تغيير في الأزهر توجهه الحكومات قائما على مثل هذا الأساس. أما الشيخ محمد عبده فقد أراد بنهضة الأزهر غاية هي الجديرة بأن تسمى إصلاحا.
كان الشيخ محمد عبده يرى أن إصلاح الأمة لا يكون إلا بإصلاح عقولها وقلوبها بالعلم الصحيح والدين الصحيح والسبيل إلى ذلك إحداث نهضة دينية وعلمية معا، والأزهر هو أخصب مكان لهذه النهضة فإن الحياة إذا انبعثت فيه سرت مسرعة في جسم الأمة وفي الشرق الإسلامي كله، وقد اتصل الشيخ محمد عبده بالخديوي عباس الثاني وأوحى إليه أن ينهض لإصلاح الأزهر نهضة قوية تحيي الشرق الإسلامي لأن الأزهر قبلة المسلمين في أقطار الشرق المختلفة وأقنعه بأن ذلك يرفع شأن مصر في الشرق كله ويجمعه حول الشعب المصري ويخلد له في المصلحين ذكرا.
واستمع عباس لنصح الناصح فتوجه بكل عزمه لإصلاح الأزهر على مبادىء الشيخ محمد عبده، وفي 7رجب سنة 1312هـ 1895م صدر أمر عال بتشكيل مجلس إدارة للأزهر من أعضائه اثنان من موظفي الحكومة هما الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان.
وأخذ مجلس الإدارة في وضع ما لا بد منه من نظم تقر العدل وتمحو ما كان سائدا من الفوضى، وتبعث على الجد في تحصيل العلم النافع وترشد الى أساليب الدرس القويمة. كل ذلك في غير مساس بحرية التعليم، وبلا إسراف في العناية بالأشكال والصور. ويقول الشيخ عبد الكريم سلمان في كتاب أعمال مجلس إدارة الأزهر عند الكلام على مشروع نظام التدريس والامتحان الذي وضعه المجلس: «وفي كل باب من هذه أحكام فسيحة تتوجه كلها إلى مقصد واحد هو تحصيل جواهر العلوم الدينية في زمن
__________
(1) من كتاب تاريخ الإمام محمد عبده للشيخ رشيد رضا، حديث طويل عن المحاكم الشرعية (629608/ 1تاريخ الإمام)، وللامام رأي في الحاجة الى المحاكم الشرعية (611608/ 1)، وكذلك لرشيد رضا رأيه في ذلك 617611/ 1.(2/19)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/20)
كانت العقول المتعطشة الى الحرية تتهافت على هذا الداعي إلى حرية العقول، وتثور على قيودها وأغلالها، لكن أكثر العقول قد ألفت سجنها واطمأنت إليه، فهي تنزعج لهذه الصيحة الجديدة وتدفعها بكلتا اليدين. وأصبح الأزهر ميدانا لصراع محتوم بين مذهب الشيخ محمد عبده
ومذهب الشيوخ الجامدين، وكان هذا الصراع نفسه آية حياة وانتعاش وتنبه فكري.
وأنشأ الشيخ عبده في بضع سنين جيلا طموحا للفهم المستقل، عزوفا عن التقليد يشعر بالكرامة الإنسانية، ويلتمس المثل العليا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وكان ذكر الشيخ عبده يطير في الآفاق مقرونا بذكر النهضة الإصلاحية التي استرعت الأنظار، وقد تحركت نوازع الحقد والحسد في أنفس لا ترضى عن الشيخ ولا عن دعوته، فكادوا له من كل سبيل، حتى اضطر إلى الاستقالة من منصبه في الأزهر في مارس سنة 1905م المحرم سنة 1323هـ.
وتوفي الشيخ في الحادي عشر من يوليو عام 71905جمادى الأولى 1323هـ بعد جهاد طويل في سبيل إصلاح الأزهر، وفي سبيل الاصلاح الديني والإسلامي في كل وطن عربي ولا سيما في مصر قلب الإسلام الخافق.
بين جمال الدين ومحمد عبده
(1)
كان الأفغاني ومحمد عبده أعظم مصلحين ظهرا في القرن التاسع عشر الميلادي، حملا رسالة الإصلاح الديني والفكري وكونا مدرسة أدبية وسياسية كان لها أعظم الأثر في تاريخ الشرق الإسلامي.
وعن هذه المدرسة انبعثت روح التحرر والرغبة في التقدم ونضال الاستعمار في جميع البلاد الشرقية والعربية.
وترجع صلة محمد عبده بجمال الدين الأفغاني إلى أول المحرم عام 1270هـ، حيث كان الأفغاني في زيارة قصيرة للقاهرة في طريقه إلى الآستانة منفيا بيد الإنجليز من الهند، وكان محمد عبده إذ ذاك طالبا بالأزهر.(2/21)
وتردد محمد عبده على بيت جمال الدين، وتتلمذ عليه وعلى مائدة علمه وفضله وبعد أيام قصيرة سافر جمال الدين إلى الآستانة، وودعه محمد عبده وداعا حارا، وفي الآستانة نال جمال الدين تقديرا كبيرا، وعين عضوا في مجلس المعارف هناك، ولكنه شعر بالدسائس والوشايات تحاك من حوله فعاد إلى القاهرة مرة أخرى في أول المحرم 1288م، فعاد محمد عبده إلى التلمذة عليه والإفادة من ثقافته.
وعرف محمد عبده من أستاذه جمال الدين أن الاستعمار الغربي وبال على الإسلام والمسلمين، وأنه يجب محاربة الديكتاتورية الملكية، والفساد السياسي وعن طريقه علم أن الأدب يجب أن يكون في خدمة الشعب وتحريره، وأنه يجب أن يتحرر من قيود الصناعة اللفظية، وأن المعنى لا اللفظ هو سر كل بلاغة، وتعود الكتابة الدينية والوطنية في الصحف والمجلات، وبدأ يهتم بمطالعة مصادر الثقافة الإسلامية والأدبية، ويطالع الكتب المترجمة، ويسعى مع إخوانه من تلامذة جمال الدين في إصلاح الأزهر الشريف وفي الإلحاح في طلب الحكم النيابي والديمقراطية السياسية.
وظفر محمد عبده بشهادة العالمية عام 1294هـ 1877م وأصبح مدرسا بالأزهر ودار العلوم ومدرسة الألسن، وبدأ يكون جيلا جديدا من تلامذته، ينفخ فيهم روح أستاذه جمال الدين.
(2)
وفي الخامس والعشرين من يونيو عام 1879م عزل إسماعيل وتولى مكانه ابنه توفيق، وقد بدأ حكمه بنفي جمال الدين من مصر، وإقالة محمد عبده من وظائفه العلمية، وتحديد إقامته في قريته «محلة نصر»، وذلك في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1879م أواسط رمضان عام 1296هـ، خوفا من النهضة الوطنية التي يتزعمانها، ويدعوان إليها، وقبل
أن يغادر الأفغاني أرض مصر قال: «إني تركت في أرض مصر الشيخ محمد عبده يتم ما بدأت به».(2/22)
وفي الخامس والعشرين من يونيو عام 1879م عزل إسماعيل وتولى مكانه ابنه توفيق، وقد بدأ حكمه بنفي جمال الدين من مصر، وإقالة محمد عبده من وظائفه العلمية، وتحديد إقامته في قريته «محلة نصر»، وذلك في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1879م أواسط رمضان عام 1296هـ، خوفا من النهضة الوطنية التي يتزعمانها، ويدعوان إليها، وقبل
أن يغادر الأفغاني أرض مصر قال: «إني تركت في أرض مصر الشيخ محمد عبده يتم ما بدأت به».
وبعد شهور عفا توفيق عن محمد عبده، وأسند إليه رياض باشا التحرير في الوقائع، فاختار معه سعد زغلول وجماعة من زملائه من تلامذة جمال الدين وكون محمد عبده عن طريق الوقائع مدرسة صحفية نزيهة غايتها خدمة الشعب، وتحريره فكريا وقوميا من قيود الاستعباد والاستبداد والرجعية والجهل والجمود والتأخر.
وقامت الثورة العرابية، وكان محمد عبده من أبرز زعمائها، وكان جمال الدين آنذاك في الهند، فاعتقلته بريطانيا حتى لا يتصل بزعماء الثورة، وانتهت الحركة العرابية بالفشل والاحتلال البريطاني لمصر، وقبض على محمد عبده وسجن وحوكم، وحكم عليه بالنفي ثلاث سنوات، فاختار سوريا منفى له. وأفرجت بريطانيا عن جمال الدين. وسافر من الهند إلى لندن فباريس. وهناك استدعي جمال الدين محمد عبده من بيروت ليقيم معه في عاصمة فرنسا.
3
وفي باريس أخذ الإمامان يجاهدان من أجل الشرق الإسلامي وتحرره، ويعملان ليعود للإسلام مجده وألفا جمعية «العروة الوثقى» عام 1884م، ثم أصدرا صحيفة باسم «العروة الوثقى» للجهاد في سبيل الشرق والإسلام. وخلق الوعي السياسي المستنير في الشعوب الإسلامية «ومناهضة الحكم الديكتاتوري» والعمل على إحياء الأخوة الإسلامية، وعلى قيام حكم ديمقراطي شورى بين الناس.
وصدر العدد الأول من العروة الوثقى في 5جمادى الأولى 1301هـ 13مارس 1884م، وكله حرب على الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين، ودعوة إلى حكومة إسلامية موحدة أو حكومات إسلامية
متآخية متحدة المناهج والأهداف والأفكار يرتبط بعضها ببعض بروابط الود والإخاء وحب السلام.(2/23)
وصدر العدد الأول من العروة الوثقى في 5جمادى الأولى 1301هـ 13مارس 1884م، وكله حرب على الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين، ودعوة إلى حكومة إسلامية موحدة أو حكومات إسلامية
متآخية متحدة المناهج والأهداف والأفكار يرتبط بعضها ببعض بروابط الود والإخاء وحب السلام.
وفي يوليو عام 1884م أوفد جمال الدين الأستاذ الإمام محمد عبده إلى لندن لمفاوضة السادة الإنجليز في القضية المصرية، ودعوة إنجلترا إلى الجلاء عن مصر، وترك السودان للسودان، وأدى محمد عبده مهمته خير أداء، وأعلن في عزم وقوة أن مصر ستحارب الإستعمار الإنجليزي بكل ما أوتيت من قوة.
وعاد الإمام إلى باريس ليشهد توقف مجلة العروة الوثقى التي حاربها الاستعمار والانجليز حربا لا هوادة فيها، وذلك بعد العدد الثامن عشر الصادر في 26من ذي الحجة عام 1301هـ 16أكتوبر عام 1884م.
وعاد جمال الدين فأوفد الإمام إلى السودان لتغذية الثورة المهدية والإفادة منها في تحرير مصر من الاحتلال، فسافر محمد عبده سرا إلى تونس ومنها إلى مصر، وأراد السفر إلى السودان ولكنه فوجىء بوفاة المهدي في الحادي والعشرين من يونيو عام 1885، وتسليم التعايشي، فسافر سرا إلى بيروت وأقام فيها، وبقي أستاذه جمال الدين في باريس، وأخذ كل منهما يجاهد في سبيل منهجه الإصلاحي المرسوم.
وفي بيروت ألف محمد عبده جمعية التأليف والتقريب هو وصديقه تلميذ جمال الدين «ميرزا محمد باقر» للدعوة إلى الإسلام في جميع أنحاء العالم وتعريف الغرب بحقائق الإسلام والتعاون على إزالة اضطهاد أوروبا للشرق أو المسلمين.
وكان قيام هذه الجمعية تطبيقا رائعا لأفكار جمال الدين ونزعاته وتعاليمه.
4
وفي أواخر عام 1888م عاد محمد عبده إلى وطنه بعد أن ظل في المنفى ست سنوات «وأخذ يكون مدرسة فكرية متحررة لتثقيف الشعب
وتربيته وتحريره من الجهل والخوف والجمود، وإعداده لحياة ديمقراطية صالحة، وكان من تلاميذه سعد زغلول والمنفلوطي ولطفي السيد والهلباوي ومصطفى عبد الرازق والأحمدي الظواهري ومحمد مصطفى المراغي والزنكلوني ورشيد رضا وسواهم.(2/24)
وفي أواخر عام 1888م عاد محمد عبده إلى وطنه بعد أن ظل في المنفى ست سنوات «وأخذ يكون مدرسة فكرية متحررة لتثقيف الشعب
وتربيته وتحريره من الجهل والخوف والجمود، وإعداده لحياة ديمقراطية صالحة، وكان من تلاميذه سعد زغلول والمنفلوطي ولطفي السيد والهلباوي ومصطفى عبد الرازق والأحمدي الظواهري ومحمد مصطفى المراغي والزنكلوني ورشيد رضا وسواهم.
وعاد جمال الدين إلى الآستانة يقيم فيها في ظلال السلطان عبد الحميد، وأخذت دعوة جمال ومحمد عبده إلى التحرر الفكري والإصلاح الديني تنتشر في صفوف الشباب في مصر والعالمين العربي والإسلامي انتشارا كبيرا.
وسعى محمد عبده في إصلاح الأزهر والمحاكم الشرعية والقضاء والمساجد والإفتاء ذائع معروف، وساح محمد عبده في الأقطار الإسلامية فقام برحلات إلى تونس والجزائر والشام والآستانة وأوروبا والسودان، وهو أينما نزل، وحيثما رحل، ينشر رسالته، ويدعو إلى الإصلاح والتجديد.
ومات جمال الدين في الآستانة في صباح الثلاثاء الخامس من شوال عام 1314هـ التاسع من مارس عام 1897م ودفن فيها، وبعد سنوات ثمان مات محمد عبده في الثامن من جمادى الأولى عام 1323هـ 21 يوليو عام 1905، وذهب الإمامان إلى ربهما راضيين مرضيين بعد أن أديا رسالتيهما على خير الوجوه، وجاهدا في سبيل الإسلام والمسلمين جهاد الأبطال وأسهما في خلق الوعي السياسي وتأجيج الشعور الوطني، وإحياء العزة القومية في نفوس المسلمين عامة.
وكان نضال الإمامين وكفاحهما مضرب الأمثال، لأنه كان نضالا صادقا خالصا لوجه الله والإسلام.
مات الإمامان ولكن تلاميذهما كانوا هم محور النهضة السياسية والوطنية في تاريخ العالمين العربي والإسلامي بعد وفاتهما، وظلت مبادىء جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده حية في النفوس مشتعلة في القلوب، مسجلة في أنصع صفحات التاريخ الحديث.(2/25)
إن هذين الإمامين الجليلين والحكيمين الرائدين، والعبقريين المصلحين، لهما سبب كل تقدم أحرزناه خلال الخمسين سنة الماضية، ومن أفكارهما وآرائهما ودعوتهما انبعثت شعلة الثورة والتحرر والإصلاح في كل مكان
سعد زغلول في 61814 الأزهر
جاور سعد في الأزهر عام 1875وهو في سن الخامسة عشرة وحضر الأزهر يصحبه شقيقه الشناوي سعد زغلول الذي تولى أمره بعد وفاة أبيه، وأوصى به طالبين يكبرانه سنا وهما: الشيخ حسن البليهي والشيخ محمد أبو رأس الذي وصل فيما بعد إلى شيخ معهد دسوق، وتوطدت الصلة بينه وبين الهلباوي الأزهري الذي كان يسبقه في الدراسة وكان يسكن معه في منزل واحد في غرفة أمام غرفته. حضر سعد دروس محمد عبده وبواسطته اتصل بجمال الدين الأفغاني، وقضى سعد في الأزهر خمس سنوات نبغ فيها، ثم عين محررا بالوقائع سنة 1880م.
ويقول زميله الهلباوي عنه: اشتهر سعد بين زملائه طلبة الأزهر باليسر وسعة اليد. فقد كانت عائلته أكبر العائلات في الريف المصري ومن أعظمها جاها وسلطانا في موطنها. وقد كان سعد هو الطالب الوحيد الذي يلبس الجبة والقفطان في (شلتنا)، فكنا نفتخر به وبجبته وقفطانه ونتباهى بملبسه أمام الطلبة الآخرين ولا عجب في ذلك فقد كنت أنا مثلا ألبس (الزعبوط) الذي لازمني طول مدة دراستي حتى تخرجت في الأزهر فتوظفت وأنا ألبس (الزعبوط)
وكان سعد يعير دروسه الاهتمام الأول، ولم يكن له دراية بشئون المنزل شأن طلبة الأزهر فأهمل مأكله وملبسه رغم النقود والملابس لديه، ولاحظ ذلك شقيقه الشناوي أفندي فخصص له زميلين من زملائه عهد إليهما في إعداد طعامه وقضاء لوازمه. وكان يعطيهما أجرا خاصا نظير هذه المهمة، فإذا تصادف يوما أن شغلهما شاغل عن القيام بخدمته حار
سعد وأسقط في يده فكنت أتطوع لخدمته شفقة وعطفا عليه، إذ كان قاصرا صغير السن.(2/26)
وكان سعد يعير دروسه الاهتمام الأول، ولم يكن له دراية بشئون المنزل شأن طلبة الأزهر فأهمل مأكله وملبسه رغم النقود والملابس لديه، ولاحظ ذلك شقيقه الشناوي أفندي فخصص له زميلين من زملائه عهد إليهما في إعداد طعامه وقضاء لوازمه. وكان يعطيهما أجرا خاصا نظير هذه المهمة، فإذا تصادف يوما أن شغلهما شاغل عن القيام بخدمته حار
سعد وأسقط في يده فكنت أتطوع لخدمته شفقة وعطفا عليه، إذ كان قاصرا صغير السن.
وقد يعرف أن المغفور له سعد زغلول درس في الأزهر، ولكن كثيرين منا لا يعرفون إلى أي مدى وصل في دراسته، ولا كيف تلقى علومه ودروسه.
لقد زامل سعد زغلول في الأزهر فرقة كان في طليعتها، ولم يبق من زملائه في هذه الفرقة على قيد الحياة إلا فضيلة الشيخ عبد المعطي الشرشيمي العضو السابق في جماعة كبار العلماء، وهو العضو الوحيد الذي استقال من الجماعة منذ انشائها إلى الآن، لأن جماعة كبار العلماء لم يكن من قبل يشترط فيها مدة قانونية يحال بعدها العضو إلى المعاش.
وقد تلقى سعد وعبد المعطى وزملاؤهما الفقه على مذهب الإمام الشافعي في أوائل حياتهم الدراسية في زاوية العدوى بالقرب من الجامع الأزهر، ثم انتقلوا إلى الجامع الأزهر لاستيفاء دراستهم فيه.
وقد أوغل سعد في علوم الأزهر ودراساته، وضرب فيها بسهم وافر، ولم يبق بينه وبين أداء امتحان الشهادة العالمية إلا أن يتقدم لهذا الامتحان.
ولكنه لم يتقدم لهذا الامتحان مكتفيا بما أحرز من ثقافة وما حصل من علوم، وانصرف إلى التحرير في الوقائع المصرية مع أستاذه الإمام محمد عبده ثم إلى ميدان المحاماة بعد ذلك، وعكف سعد على دراسة اللغة الفرنسية وهو في سن متقدمة وحصل على إجازة الحقوق.
وقد كانت دراسة سعد في الأزهر خير معوان له في حياته، خصوصا بعد اتصاله بالإمام محمد عبده، وتوجيهه وجهة أخرى تختلف في ذلك الوقت عما درج عليه الأزهريون في حياتهم الدراسية.
وقد بلغ من شغف الطالب سعد زغلول بعلوم الأزهر أن ألف كتابا في
الفقه، قدره أساتذة الأزهر وأثنوا على كفايته وصفاء ذهنه، وقد طبع هذا الكتاب ونشر ونفد بعد طبعه.(2/27)
وقد بلغ من شغف الطالب سعد زغلول بعلوم الأزهر أن ألف كتابا في
الفقه، قدره أساتذة الأزهر وأثنوا على كفايته وصفاء ذهنه، وقد طبع هذا الكتاب ونشر ونفد بعد طبعه.
وكان المغفور له الشيخ المراغى شيخ الأزهر الأسبق يحتفظ في مكتبه بنسخة منه.
وذات يوم كان لطفي السيد باشا يزور صديقه المرحوم الشيخ المراغى في داره بحلوان، وجرى الحديث في شئون العلم والفلسفة على دأبهما في ذلك.
وتناول الحديث الزعماء والعلم فقال لطفي باشا: إن بين الزعماء السياسيين نوابغ لو تفرغوا بعض الوقت للتأليف والانتاج لأفادوا فائدة عظيمة.
وهنا ابتسم المرحوم الشيخ المراغى وقال لصديقه: هل تعلم أن المرحوم سعد زغلول باشا ألف كتابا في الفقه؟
وشغف لطفي بالاطلاع على هذا الكتاب، فقام الشيخ المراغى إلى مكتبته وجاء بهذا الكتاب إلى لطفي باشا الذي تناوله كما يتناول المنهوم الطعام، وقلب صفحاته وقلب الكتاب وهو يقول: عجيبة.
وأزاح لطفي باشا غلاف الكتاب وقرأ اسمه، وقد كتب الناشر تحت عنوان الكتاب ما يلي: ألفه الفقير إلى الله تعالى الشيخ سعد زغلول الشافعي المذهب من طلاب الأزهر الشريف.
ثم قضى لطفي باشا وصديقه الشيخ المراغى بعض الوقت في دراسة فصول الكتاب، وفي ذكريات طريفة عن صديقهما المغفور له الشيخ سعد زغلول باشا.
ولسعد في الأزهر ذكريات كثيرة شهد بعضها المنزل رقم 20في درب الأتراك بحي الأزهر المتداعي للسقوط اليوم.
وفي الدور الأرضي من هذا المنزل وقف سعد زغلول يترافع ذات
ليلة ولعلها كانت المرافعة الأولى في حياته، ومن أجل غرامة قدرها مليمان! وقد تحمس في دفاعه وحمى وطيس المناقشة بينه وبين ممثل الاتهام إبراهيم الهلباوي، فلم تنته الجلسة إلا في الخامسة صباحا! أما المرافعة فهي أن سعد زغلول كان خامس خمسة يسكنون غرفة واحدة، ويطلبون العلم في الأزهر، وكانوا يضيئون غرفتهم بقنديل يشعل بالزيت ويكلفهم طول الشهر عشرة مليمات، يدفع كل منهم نصيبه فيها. ولكن إبراهيم الهلباوي رأى أن يضايق (سعدا) من باب المداعبة فحرض بقية المشايخ ضده متهما إياه بأنه أكثرهم انتفاعا بالقنديل، لأنه أكثرهم قراءة بالليل ولذا حق عليه أن يدفع أربعة مليمات!(2/28)
وفي الدور الأرضي من هذا المنزل وقف سعد زغلول يترافع ذات
ليلة ولعلها كانت المرافعة الأولى في حياته، ومن أجل غرامة قدرها مليمان! وقد تحمس في دفاعه وحمى وطيس المناقشة بينه وبين ممثل الاتهام إبراهيم الهلباوي، فلم تنته الجلسة إلا في الخامسة صباحا! أما المرافعة فهي أن سعد زغلول كان خامس خمسة يسكنون غرفة واحدة، ويطلبون العلم في الأزهر، وكانوا يضيئون غرفتهم بقنديل يشعل بالزيت ويكلفهم طول الشهر عشرة مليمات، يدفع كل منهم نصيبه فيها. ولكن إبراهيم الهلباوي رأى أن يضايق (سعدا) من باب المداعبة فحرض بقية المشايخ ضده متهما إياه بأنه أكثرهم انتفاعا بالقنديل، لأنه أكثرهم قراءة بالليل ولذا حق عليه أن يدفع أربعة مليمات!
وفي آخر الشهر فوجىء سعد بالثورة ضده ومطالبته بالغرامة، وظن الهلباوي أنه ربح المداعبة، ولكن سعد المحاور المداور، شرع يدافع عن نفسه، وضرب لهم مثلا غاية في الطرافة إذ قال: لو أن رجلا علق على باب بيته فانوسا ليضيء له، فانتفعت بهذا الضوء غازلة أو ناسجة وهي في منزلها، وزاد انتاجها، فهل يعني هذا أن للرجل الحق في مقاسمتها انتاجها الذي زاد؟ كلا بالطبع! وهكذا حالكم معي فقنديلكم مشعل طول الليل، قرأت عليه أم لم أقرأ وليس لكم أن تطالبوني بأكثر مما يدفعه أي واحد منكم!.
وأفحم الجميع. ثم جاءت القوانين الحديثة فأيدت مبدأه بحق الارتفاق وهو حق قانوني معروف!.
وفي حارة (القرد) المتفرعة من شارع (المقريزي) خلف الأزهر منزل متهدم تنام تحت أنقاضه قصة طريفة من قصص سعد زغلول والهلباوي وثالث (من بلدياتهم) كان اسمه الشيخ (بسطاويسي) لم يقدر له من الشهرة والمجد ما قدر لزميله، فقد كان الفرسان الثلاثة، يسكنون غرفة أجرتها ستة قروش ولكنهم عجزوا في شهر ما لأزمة طارئة عن سدادها وفشلت كل المفاوضات التي حالوا أن يقنعوا بها صاحبة المنزل لتأخير الدفع، فأنذرتهم
بأنها سوف تلقي في الصباح بكل متاعهم وكتبهم في عرض الحارة الضيقة!. واجتمع الفرسان تحت القنديل للتداول وخطرت لسعد زغلول فكرة بسطها عليهم، فصفقوا لها ثم ناموا دون تفكير في كارثة الصباح!.(2/29)
وفي حارة (القرد) المتفرعة من شارع (المقريزي) خلف الأزهر منزل متهدم تنام تحت أنقاضه قصة طريفة من قصص سعد زغلول والهلباوي وثالث (من بلدياتهم) كان اسمه الشيخ (بسطاويسي) لم يقدر له من الشهرة والمجد ما قدر لزميله، فقد كان الفرسان الثلاثة، يسكنون غرفة أجرتها ستة قروش ولكنهم عجزوا في شهر ما لأزمة طارئة عن سدادها وفشلت كل المفاوضات التي حالوا أن يقنعوا بها صاحبة المنزل لتأخير الدفع، فأنذرتهم
بأنها سوف تلقي في الصباح بكل متاعهم وكتبهم في عرض الحارة الضيقة!. واجتمع الفرسان تحت القنديل للتداول وخطرت لسعد زغلول فكرة بسطها عليهم، فصفقوا لها ثم ناموا دون تفكير في كارثة الصباح!.
ودخلت صاحبة المنزل في الصباح تهدد وتتوعد ومدت يدها تنفذ وعيدها ولكنها لم تلبث أن هدأت ثورتها وخفت حدتها واغرورقت عيناها بالدموع. لقد كان (الشيخ بسطاويسي) يتأوه من الحمى في فراشه
وكانت صاحبة البيت لا تطيق أن ترى غريبا مريضا، فقد توفي لها ابن في بلاد الغربة!.
ونجحت الحيلة، لكنها كانت بالنسبة للشيخ (بسطاويسي) مقلبا
فقد أصرت المرأة على أن تعالجه بنفسها، وراحت تسقيه ألوانا من الوصفات البلدية، كالحنظل المنقوع والخل وغيره!
وبعد أيام وصلتهم النقود وحاول (بسطاويسي) أن يغادر الفراش ولكن الفراش رفض أن يتركه فقد مرض بالحمى فعلا!
وقد ظل (الشيخ بسطاويسي) يتندر بهذه القصة حتى توفي سنة 1945!.
ويتلخص تاريخ سعد زغلول الأزهري فيما يلي:
ولد سنة 1859، وفي 5أكتوبر سنة 1880عين الشيخ سعد زغلول الطالب بالأزهر الشريف محررا بقلم الوقائع المصرية بمرتب قدره 800 قرش في الشهر (وهو حسن السير والسلوك بمقتضى شهادة للمرحوم الشيخ محمد عبده).
وفي أول فبراير سنة 1882منح 133قرشا علاوة شهرية فصار راتبه الشهري 933قرشا.
وفي 3مايو سنة 1882صدر الأمر بنقل سعد زغلول إلى وظيفة
معاون بنظارة الداخلية، ومنح 567قرشا علاوة لابلاغ ماهيته (15) جنيها في الشهر اعتبارا من 26إبريل سنة 1882.(2/30)
وفي 3مايو سنة 1882صدر الأمر بنقل سعد زغلول إلى وظيفة
معاون بنظارة الداخلية، ومنح 567قرشا علاوة لابلاغ ماهيته (15) جنيها في الشهر اعتبارا من 26إبريل سنة 1882.
وفي 6سبتمبر سنة 1882فصل سعد زغلول من وظيفة التحرير بالوقائع المصرية لأنه عين ناظرا لقلم القضايا بمديرية الجيزة ابتداء من 7 سبتمبر سنة 1882.
وفي 27يوليو سنة 1892عين نائب قاض بمحكمة استئناف مصر الأهلية براتب قدره 45جنيها في الشهر.
وفي أول فبراير سنة 1894صدر الأمر بمنحه 15جنيها علاوة شهرية لإبلاغ ماهيته 6جنيهات.
وفي أول يناير سنة 1897منح خمسة جنيهات علاوة شهرية.
وفي 8ابريل 1899أنعم عليه برتبة (المتمايز).
وفي 12يونيو سنة 1904أنعم عليه بالنيشان المجيدي الثالث.
وفي أول يناير سنة 1906عدلت درجته وجعل راتبه 1000جنيه في السنة.
وفي 28أكتوبر سنة 1906عين سعد زغلول (بك) المستشار بمحكمة الاستئناف الأهلية ناظرا للمعارف العمومية بدلا من حسين فخري باشا.
وفي 12نوفمبر سنة 1906أنعم عليه برتبة (الميرمران) الرفيعة.
وفي 18يناير سنة 1908أنعم على سعد زغلول باشا وزير المعارف العمومية بالنيشان المجيدي الأول.
وفي 23فبراير سنة 1910عين سعد زغلول باشا ناظرا للحقانية.
وفي 27يناير سنة 1924عين رئيسا لمجلس الوزراء وأنعم عليه برتبة الرياسة الجليلة.(2/31)
وفي 23مارس سنة 1925انتخب رئيسا لمجلس النواب.
وفي 10يونيو سنة 1926عين رئيسا لمجلس النواب للمرة الثانية.
وفي 23أغسطس سنة 1927توفي إلى رحمة الله.
أزهريون نابهون
ومن الذين حضروا في الأزهر أو تتلمذوا على شيوخه، من الجيل الماضي:
الشيخ زين المرصفي الشافعي توفي عام 1200هـ وكان من علماء الأزهر وتولى منصب كبير المفتشين بوزارة المعارف (8786أعيان القرن 13لأحمد تيمور).
الشيخ مصطفى السفطي الأزهري عين في وظائف التدريس بالمعارف وتوفي عام 1327هـ (10298المرجع).
أحمد تيمور باشا (134818711288هـ 1930)، وكان عالما حجة بحاثة في شتى العلوم. ومن أساتذته الطويل والشنقيطي وسواهم (1).
الشيخ أحمد مفتاح (13291274هـ)
طلب العلم بالأزهر، ثم التحق بدار العلوم وعين مدرسا فيها. ومرت عليه أحداث كثيرة (2).
ومن علماء الأزهر الشيخ محمد البسيوني البيباني، وقد اختير إماما للمعية، ثم مدرسا للغة العربية بمدرسة الإدارة الحقوق وقد كان أستاذ شوقي في اللغة والأدب، وتوفي في 13ربيع الآخر 1310هـ 3نوفمبر
__________
(1) 163157تراجم أعيان القرن 13لأحمد تيمور.
(2) 154145أعيان القرن 13لأحمد تيمور.(2/32)
1892، وله كتاب «حسن الصنيع في المعاني والبيان والبديع، وكان من تلاميذه كذلك أحمد زكي (باشا).
ومنهم الشيخ حسين المرصفي المتوفى سنة 1307هـ 1889م وهو أستاذ البارودي في الأدب والشعر واللغة، وكذلك تتلمذ عليه عبد الله فكري باشا وأشهر مؤلفاته «الوسيلة الأدبية للعلوم العربية، وقد طبع في جزءين وشهرته ذائعة، وله كتاب «الكلمات الثماني»، وكتاب «دليل المسترشد في الإنشاء».
ومن الذين درسوا في الأزهر الشيخ على الليثي شاعر إسماعيل المتوفى 1313هـ 1896م، وكان مولده في بولاق مصر سنة 1236هـ، وتعلم بالأزهر.
ومن الذين درسوا في الأزهر كذلك المرحوم مصطفى لطفي المنفلوطي الأديب الكبير (19241876) صاحب الكتب المشهورة الذائعة بين الأدباء والمتأدبين ومن أشهرها: النظرات، العبرات، الشاعر، ماجدولين، الانتقام، في سبيل التاج، الفضيلة.
ومنهم كذلك عميد المحاماة إبراهيم الهلباوي، وكان من أشهر الخطباء في العصر الحديث، وتوفي عام 1359هـ 1940م.
ومنهم الشيخ عبد العزيز البشرى نجل الشيخ البشرى شيخ الأزهر السالف، وكان أدبيا كاتبا ناقدا متذوقا، وله كتاب «المرآة»، ومختارات البشرى وغيرهما، وكان من أعلام القضاء الشرعي. وتوفي نحو عام 1940.
ومن الأزهريين في النشأة العلمية ممن يعاصروننا أو كانوا يعاصروننا إلى عهد قريب: الدكتور طه حسين، وأحمد أمين، وزكي مبارك، وعبد الوهاب عزام، والشيخ محمد أبو زهرة، وأحمد حسن الزيات، والدكتور أمين الخولي، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ مصطفى خفاجي، وسواهم من الشخصيات المعاصرة المعروفة في مصر والعالم الإسلامي.(2/33)
الشيخ محمد رشيد رضا
في 23جمادى الأولى 1354هـ 22أغسطس عام 1935م توفي الشيخ محمد رشيد رضا (1)، وكان الشيخ قد تجرد رحمه الله لخدمة الإسلام، ووقف له كل ما وهبه الله من علم وقوة وصبر ومثابرة، وليس يؤسف الناس من وفاته خفوت صوت من أرفع الأصوات في الدفاع عن الإسلام فحسب، ولكن من خلو مكان رفيع كان يشغله أيضا بين العاملين على تطهير عقول المسلمين من البدع التي اعتبرها عامتهم من الدين وليست منه في شيء.
نعم إن ثورة المرحوم السيد رشيد على البدع لا يوجد لها نظير إلا في أفراد من السلف الصالح، فقد صمد لها صمودا أشفق عليه منه حتى الذين كانوا يشاطرونه رأيه من العارفين، ولكنهم لم يؤتوا الشجاعة التي أوتيها، فباتوا يتوقعون له الشر المستطير، وقد لقي منه ما لو لقيه سواه لصده عن السبيل، ولكنه ثبت للمعارضين، واستبسل في الكفاح أيما استبسال، حتى استطاع بفضل إخلاصه وصبره أن يحدث في الصفوف المتراصة حياله ثغرة اقتحمها على مناوئيه وفي أثره جمهور غفير ممن كانوا لا يجرءون على مواجهتهم مجتمعين، فأصبحنا وللسنة الصحيحة أنصار مجاهرون، وحيال البدع خصوم مجاهدون.
فلو لم يكن لفقيد العلم السيد رشيد غير هذا الموقف لخلد ذكره في تاريخ المسلمين، فما ظنك به وقد أسقط دولة التقليد، تلك الدولة التي قضت على المسلمين بأن ينقسموا شطرين شطرا جمدوا على ما هم عليه من التقاليد المنافية لروح الدين، وقوما مرقوا من الإسلام واتخذوا لهم طريقا غير طريق المؤمنين، فلو كان دام سلطان التقليد لقضي على كل مفكر أن يفني في حزب المقلدين، وهي كارثة جدير بكل من يعرف حقيقة الإسلام ان يذوب قلبه أسفا منها.
__________
(1) في مقتطف عدد أكتوبر عام 1935كلمة عن رشيد رضا بقلم الشيخ محمد شاكر.(2/34)
فكان السيد رشيد البطل المعلم في هذا الموطن الشريف، تلقي فيه بصدره كل ما يتلقاه المصلحون من الجامدين، وكان لجهاده أثر بعيد في تبصير المسلمين بسماحة دينهم، وببقاء باب الاجتهاد فيه مفتوحا إلى يوم يبعثون.
وكان تلميذ الأستاذ محمد عبده، وحامل لواء الإصلاح الديني من بعده، ولا بدع فإن أربعين سنة قضاها الفقيد الكريم في تحرير المنار يفسر كتاب الله على طريقة الإمام ويبسط أحاديث الرسول على نهج السلف، ويحرر الفتاوى في المسائل الدينية المختلفة، ويقطع ألسنة المبشرين والملحدين بالأدلة النواهض، ويجلو عن الشريعة ظلام الشبه بالعقل المنير، ويزيد في ثروة الأدب الإسلامي بالمصنفات القيمة، حرية أن تحله من قلوب المؤمنين موضع التجلة، وتبوئه من صفحات التاريخ مكان الأئمة.
ولد الفقيد في قرية (القلمون) إحدى قرى لبنان القريبة من طرابلس، فتلقى العلم طفلا ويافعا في هذه المدينة، ثم هاجر إلى مصر، فدخل الأزهر واتصل بالإمام محمد عبده اتصالا وثيقا، فأشار عليه أن يصدر (المنار) فكانت سجلا لآراء الأستاذ الاجتهادية في حياته، واستمرارا لدعوته الإصلاحية بعد مماته. ثم أسهم في النهضة العربية واتصل بجمعياتها السرية في أطوارها المختلفة من سنة 1908إلى قيام الحرب الكبرى. فلما أعلنت الهدنة عاد إلى سورية فانتخب رئيسا للمؤتمر السوري الذي نادى بالأمير فيصل ملكا، ثم ظل في خدمة هذه الدولة العربية الجديدة حتى ثل عرشها الفرنسيون سنة 1920، فارتد إلى القاهرة يحرر المنار ويعالج التأليف، فأصدر طائفة من الكتب القيمة أشهرها تكملة تفسير الإمام على هديه ووحيه، ثم الجزء الأول من تاريخ الإمام وكان قد أصدر منه جزءه الثاني فيما قاله، والثالث فيما قيل فيه، ثم كتابه «الوحي المحمدي».
وكان علما من أعلام الدين والعلم، وتلميذ محمد عبده الوفي،
والرجل الذي قضى حياته في خدمة الاسلام وتراثه إلى أن توفي في 22 أغسطس 231935جمادى الأولى عام 1354هـ.(2/35)
وكان علما من أعلام الدين والعلم، وتلميذ محمد عبده الوفي،
والرجل الذي قضى حياته في خدمة الاسلام وتراثه إلى أن توفي في 22 أغسطس 231935جمادى الأولى عام 1354هـ.
مات فبكته مصر والعروبة والإسلام والشرق، وأقيمت بجمعية الشبان المسلمين حفلة تأبين له في أبريل 1936، خطب فيها جمهور من العلماء والأدباء.
وقال فيه العالم العلامة الشيخ علي سرور الزنكلوني في حفلة تأبينه:
كان لصاحب المنار منذ عرفته مصر وجود قوي، وشخصية بارزة، امتد صوتها إلى الأقطار العربية والأقطار الشرقية، بل كان لهذا الصوت أثر في بعض الأمم التي ليست شرقية ولا إسلامية، لأن الأبحاث التي تعرض لها صاحب المنار وأن اتصلت بالشرق وبالإسلام اتصالا قويا، فانها متصلة بالغرب أيضا، لأن عيون الغرب لا تنام عن المسلمين ولا عن الشرقيين.
اشتغل صاحب المنار طوال حياته بقضية الاسلام وقضية العرب، وبما يتصل بالاسلام من أمر الخلافة، وما يتصل بالعرب من هجمات الاستعمار، ولم تحرم مصر من نزعاته السياسية في ظروفها المختلفة، فكان بهذا كله لمصر، وللشرق وللاسلام والمسلمين.
وليس في وسعي أن أوفي صاحب المنار حقه في مثل هذا الموقف، ولكني أردت ان أساهم مع المساهمين، وفاء لحق الصداقة، وتقديرا لتلك الشخصية النادرة.
عرفت المغفور له صاحب المنار منذ ابتداء الأستاذ الإمام رضوان الله عليه دروسه في الأزهر، ولم يكن صاحب المنار في ذلك العهد يدهشنا وجوده العلمي، لأن طلاب الشيخ جميعا كانوا يغترفون من بحر واحد، وإن تفاوتت مراتب جهودهم واستعدادهم. ولم يكن لصاحب المنار ميزة في ذلك الوقت سوى أنه كان يكتب ما يلقنه أستاذنا علينا، وقد كان مثل هذا العمل في نظر الأزهريين عملا عاديا لا أثرا لموهبة خاصة، ولا لنبوغ ممتاز، تآخينا
وتآخى معنا السيد رشيد بحكم صلة الدرس العامة، وبقدرها، وكان هذا لا يمنع بعضنا من توجيه النفس إلى السيد رشيد، توجيها خاصا كلما ظهر السيد رشيد بمواهب ممتازة، قد يطول الحديث عنها، حتى هوجم الأستاذ الإمام في آرائه الدينية والاصلاحية، مهاجمة عنيفة، من كل القوى التي توفرت لها عوامل الكيد والاستبداد، وإذا بالسيد رشيد يبرز في وجوده القوي لمناصرة الحق، والوقوف في وجه هذه الجيوش الحاشدة، فأخذ السيد رشيد يواجه خصوم الشيخ بقلمه ولسانه، وينشر في مجلة المنار آراء أستاذه واتجاهاته، وكان يتلقاه من دروس شيخه، وما كان يعلق عليها بعبارات من عنده تدل على كمال الفهم واستقلال الفكر، وكذلك كان أمر السيد رشيد في كل ما كان يكتب من مقالات، وما يدون من أبحاث! لأن أسلوب الأستاذ الإمام خلق ممتاز، وسيبقى ممتازا. مات الأستاذ الإمام، وللسيد رشيد في نفوس إخوان الشيخ وابنائه منزلة سامية، ومع سمو هذه المنزلة لم يخطر ببال أحد أن السيد رشيد سيرث الشيخ فيما كان يدعو إليه، وأنه سيرتفع صوته في بلاد الإسلام النائية ولكن أبى الله سبحانه إلا أن يسير السيد رشيد بخطى واسعة الى الامام، وقدر الله لصوته وهو على منبر منارة ان يدوي في بلاد الاسلام والشرق، ولم يصب جهاده في سبيل العلم والدين بعد وفاة شيخه مع كثر المخاطر شيء من الوهن والفتور، ولا جرم ان هذه الميزة هبة الهية لا تمنح الا للقليل من أفذاذ الرجال، لأن حياة الأستاذ الإمام كانت قوية في مصر وفي غير مصر. لهذا كان بقاء صاحب المنار أكثر من ثلاثين عاما بعد وفاة شيخه في وجوده القوي، يصد عادية جيوش الباطل التي لم تفتر ولم تنم، دليلا ملموسا على أنه من الأفذاذ الذين بخل التاريخ بالكثير من أمثالهم، ولعل أكبر شاهد على ذلك ان مهمة السيد رشيد العلمية لم يستطع إلى الآن أن يقوم بها فرد او جماعة على كثرة العلماء والكاتبين. ان لصاحب المنار رحمة الله عليه من حياته العلمية آثارا كثيرة، وجوانب قوية لا أستطيع أن أوفيها حقها. وقد أردت أن تكون كلمتي فيه الآن مقصورة على علمه بالقرآن وبأسرار القرآن، لأن صلتي به
لم تتأكد إلا من درس التفسير على الأستاذ الإمام، ولأن آثاره في تفسير القرآن هي أقوى الآثار وأظهرها في الإقناع والإلزام، ولأن مفسر القرآن إذا أخلص وصدق! استحق الثناء الخالد، لأنه بصدقه وإخلاصه يشرف عقله على الوجود، وعلى ما وراء الوجود، وقد تحقق ذلك للسيد رشيد رحمة الله عليه، فالقرآن كتاب الوجود، وكتاب ما وراء الوجود، وكل من جهله، واتجه إلى غيره مهما كان قويا في نظر نفسه، وفي نظر أمثاله، فحياته غير صادقة، وسعادته لا ضمان لها، ولا استقرار، بل المسلمون إذا أخلصوا للقرآن فهما وعملا، وعرضوا جواهره السماوية على عقول البشر، فقد ملكوا كل شيء، لأن العقول من مادة السماء، ومادة السماء إذا تركزت في الأرض محال أن يطغى عليها شهوات النفس الترابية، والانسان إذا أهمل فهم القرآن والتبصر فيه، وقد أحاط بما في الأرض علما، فليس من الله ولا من الوجود الحق في شيء، فحصر العقل في جزء صغير من الوجود يستخدمه في حياته المادية لا يصور الحقيقة، ولا يحقق معنى الحياة والسعادة إذ الحياة الانسانية مسبوقة بوجود لانهائي وبعدها وجود لانهائي، ومن حق العقل ان يفكر طويلا في ذلك لوجود اللانهائي، وهذا لا يتم إلا بفهم القرآن. ومن أجل ذلك يقول الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظََاهِراً مِنَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غََافِلُونَ} ويقول: {وَإِنَّ الدََّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوََانُ لَوْ كََانُوا يَعْلَمُونَ.} إن لأهل القرآن وأنصاره مرتبتين. المرتبة الأولى هي فهم معانيه الصحيحة وامتزاجها بالعقل والروح والنفس، فيشع منها النور والقوة بحيث يعملان عملهما في الوجود(2/36)
عرفت المغفور له صاحب المنار منذ ابتداء الأستاذ الإمام رضوان الله عليه دروسه في الأزهر، ولم يكن صاحب المنار في ذلك العهد يدهشنا وجوده العلمي، لأن طلاب الشيخ جميعا كانوا يغترفون من بحر واحد، وإن تفاوتت مراتب جهودهم واستعدادهم. ولم يكن لصاحب المنار ميزة في ذلك الوقت سوى أنه كان يكتب ما يلقنه أستاذنا علينا، وقد كان مثل هذا العمل في نظر الأزهريين عملا عاديا لا أثرا لموهبة خاصة، ولا لنبوغ ممتاز، تآخينا
وتآخى معنا السيد رشيد بحكم صلة الدرس العامة، وبقدرها، وكان هذا لا يمنع بعضنا من توجيه النفس إلى السيد رشيد، توجيها خاصا كلما ظهر السيد رشيد بمواهب ممتازة، قد يطول الحديث عنها، حتى هوجم الأستاذ الإمام في آرائه الدينية والاصلاحية، مهاجمة عنيفة، من كل القوى التي توفرت لها عوامل الكيد والاستبداد، وإذا بالسيد رشيد يبرز في وجوده القوي لمناصرة الحق، والوقوف في وجه هذه الجيوش الحاشدة، فأخذ السيد رشيد يواجه خصوم الشيخ بقلمه ولسانه، وينشر في مجلة المنار آراء أستاذه واتجاهاته، وكان يتلقاه من دروس شيخه، وما كان يعلق عليها بعبارات من عنده تدل على كمال الفهم واستقلال الفكر، وكذلك كان أمر السيد رشيد في كل ما كان يكتب من مقالات، وما يدون من أبحاث! لأن أسلوب الأستاذ الإمام خلق ممتاز، وسيبقى ممتازا. مات الأستاذ الإمام، وللسيد رشيد في نفوس إخوان الشيخ وابنائه منزلة سامية، ومع سمو هذه المنزلة لم يخطر ببال أحد أن السيد رشيد سيرث الشيخ فيما كان يدعو إليه، وأنه سيرتفع صوته في بلاد الإسلام النائية ولكن أبى الله سبحانه إلا أن يسير السيد رشيد بخطى واسعة الى الامام، وقدر الله لصوته وهو على منبر منارة ان يدوي في بلاد الاسلام والشرق، ولم يصب جهاده في سبيل العلم والدين بعد وفاة شيخه مع كثر المخاطر شيء من الوهن والفتور، ولا جرم ان هذه الميزة هبة الهية لا تمنح الا للقليل من أفذاذ الرجال، لأن حياة الأستاذ الإمام كانت قوية في مصر وفي غير مصر. لهذا كان بقاء صاحب المنار أكثر من ثلاثين عاما بعد وفاة شيخه في وجوده القوي، يصد عادية جيوش الباطل التي لم تفتر ولم تنم، دليلا ملموسا على أنه من الأفذاذ الذين بخل التاريخ بالكثير من أمثالهم، ولعل أكبر شاهد على ذلك ان مهمة السيد رشيد العلمية لم يستطع إلى الآن أن يقوم بها فرد او جماعة على كثرة العلماء والكاتبين. ان لصاحب المنار رحمة الله عليه من حياته العلمية آثارا كثيرة، وجوانب قوية لا أستطيع أن أوفيها حقها. وقد أردت أن تكون كلمتي فيه الآن مقصورة على علمه بالقرآن وبأسرار القرآن، لأن صلتي به
لم تتأكد إلا من درس التفسير على الأستاذ الإمام، ولأن آثاره في تفسير القرآن هي أقوى الآثار وأظهرها في الإقناع والإلزام، ولأن مفسر القرآن إذا أخلص وصدق! استحق الثناء الخالد، لأنه بصدقه وإخلاصه يشرف عقله على الوجود، وعلى ما وراء الوجود، وقد تحقق ذلك للسيد رشيد رحمة الله عليه، فالقرآن كتاب الوجود، وكتاب ما وراء الوجود، وكل من جهله، واتجه إلى غيره مهما كان قويا في نظر نفسه، وفي نظر أمثاله، فحياته غير صادقة، وسعادته لا ضمان لها، ولا استقرار، بل المسلمون إذا أخلصوا للقرآن فهما وعملا، وعرضوا جواهره السماوية على عقول البشر، فقد ملكوا كل شيء، لأن العقول من مادة السماء، ومادة السماء إذا تركزت في الأرض محال أن يطغى عليها شهوات النفس الترابية، والانسان إذا أهمل فهم القرآن والتبصر فيه، وقد أحاط بما في الأرض علما، فليس من الله ولا من الوجود الحق في شيء، فحصر العقل في جزء صغير من الوجود يستخدمه في حياته المادية لا يصور الحقيقة، ولا يحقق معنى الحياة والسعادة إذ الحياة الانسانية مسبوقة بوجود لانهائي وبعدها وجود لانهائي، ومن حق العقل ان يفكر طويلا في ذلك لوجود اللانهائي، وهذا لا يتم إلا بفهم القرآن. ومن أجل ذلك يقول الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظََاهِراً مِنَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غََافِلُونَ} ويقول: {وَإِنَّ الدََّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوََانُ لَوْ كََانُوا يَعْلَمُونَ.} إن لأهل القرآن وأنصاره مرتبتين. المرتبة الأولى هي فهم معانيه الصحيحة وامتزاجها بالعقل والروح والنفس، فيشع منها النور والقوة بحيث يعملان عملهما في الوجود(2/37)
عرفت المغفور له صاحب المنار منذ ابتداء الأستاذ الإمام رضوان الله عليه دروسه في الأزهر، ولم يكن صاحب المنار في ذلك العهد يدهشنا وجوده العلمي، لأن طلاب الشيخ جميعا كانوا يغترفون من بحر واحد، وإن تفاوتت مراتب جهودهم واستعدادهم. ولم يكن لصاحب المنار ميزة في ذلك الوقت سوى أنه كان يكتب ما يلقنه أستاذنا علينا، وقد كان مثل هذا العمل في نظر الأزهريين عملا عاديا لا أثرا لموهبة خاصة، ولا لنبوغ ممتاز، تآخينا
وتآخى معنا السيد رشيد بحكم صلة الدرس العامة، وبقدرها، وكان هذا لا يمنع بعضنا من توجيه النفس إلى السيد رشيد، توجيها خاصا كلما ظهر السيد رشيد بمواهب ممتازة، قد يطول الحديث عنها، حتى هوجم الأستاذ الإمام في آرائه الدينية والاصلاحية، مهاجمة عنيفة، من كل القوى التي توفرت لها عوامل الكيد والاستبداد، وإذا بالسيد رشيد يبرز في وجوده القوي لمناصرة الحق، والوقوف في وجه هذه الجيوش الحاشدة، فأخذ السيد رشيد يواجه خصوم الشيخ بقلمه ولسانه، وينشر في مجلة المنار آراء أستاذه واتجاهاته، وكان يتلقاه من دروس شيخه، وما كان يعلق عليها بعبارات من عنده تدل على كمال الفهم واستقلال الفكر، وكذلك كان أمر السيد رشيد في كل ما كان يكتب من مقالات، وما يدون من أبحاث! لأن أسلوب الأستاذ الإمام خلق ممتاز، وسيبقى ممتازا. مات الأستاذ الإمام، وللسيد رشيد في نفوس إخوان الشيخ وابنائه منزلة سامية، ومع سمو هذه المنزلة لم يخطر ببال أحد أن السيد رشيد سيرث الشيخ فيما كان يدعو إليه، وأنه سيرتفع صوته في بلاد الإسلام النائية ولكن أبى الله سبحانه إلا أن يسير السيد رشيد بخطى واسعة الى الامام، وقدر الله لصوته وهو على منبر منارة ان يدوي في بلاد الاسلام والشرق، ولم يصب جهاده في سبيل العلم والدين بعد وفاة شيخه مع كثر المخاطر شيء من الوهن والفتور، ولا جرم ان هذه الميزة هبة الهية لا تمنح الا للقليل من أفذاذ الرجال، لأن حياة الأستاذ الإمام كانت قوية في مصر وفي غير مصر. لهذا كان بقاء صاحب المنار أكثر من ثلاثين عاما بعد وفاة شيخه في وجوده القوي، يصد عادية جيوش الباطل التي لم تفتر ولم تنم، دليلا ملموسا على أنه من الأفذاذ الذين بخل التاريخ بالكثير من أمثالهم، ولعل أكبر شاهد على ذلك ان مهمة السيد رشيد العلمية لم يستطع إلى الآن أن يقوم بها فرد او جماعة على كثرة العلماء والكاتبين. ان لصاحب المنار رحمة الله عليه من حياته العلمية آثارا كثيرة، وجوانب قوية لا أستطيع أن أوفيها حقها. وقد أردت أن تكون كلمتي فيه الآن مقصورة على علمه بالقرآن وبأسرار القرآن، لأن صلتي به
لم تتأكد إلا من درس التفسير على الأستاذ الإمام، ولأن آثاره في تفسير القرآن هي أقوى الآثار وأظهرها في الإقناع والإلزام، ولأن مفسر القرآن إذا أخلص وصدق! استحق الثناء الخالد، لأنه بصدقه وإخلاصه يشرف عقله على الوجود، وعلى ما وراء الوجود، وقد تحقق ذلك للسيد رشيد رحمة الله عليه، فالقرآن كتاب الوجود، وكتاب ما وراء الوجود، وكل من جهله، واتجه إلى غيره مهما كان قويا في نظر نفسه، وفي نظر أمثاله، فحياته غير صادقة، وسعادته لا ضمان لها، ولا استقرار، بل المسلمون إذا أخلصوا للقرآن فهما وعملا، وعرضوا جواهره السماوية على عقول البشر، فقد ملكوا كل شيء، لأن العقول من مادة السماء، ومادة السماء إذا تركزت في الأرض محال أن يطغى عليها شهوات النفس الترابية، والانسان إذا أهمل فهم القرآن والتبصر فيه، وقد أحاط بما في الأرض علما، فليس من الله ولا من الوجود الحق في شيء، فحصر العقل في جزء صغير من الوجود يستخدمه في حياته المادية لا يصور الحقيقة، ولا يحقق معنى الحياة والسعادة إذ الحياة الانسانية مسبوقة بوجود لانهائي وبعدها وجود لانهائي، ومن حق العقل ان يفكر طويلا في ذلك لوجود اللانهائي، وهذا لا يتم إلا بفهم القرآن. ومن أجل ذلك يقول الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظََاهِراً مِنَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غََافِلُونَ} ويقول: {وَإِنَّ الدََّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوََانُ لَوْ كََانُوا يَعْلَمُونَ.} إن لأهل القرآن وأنصاره مرتبتين. المرتبة الأولى هي فهم معانيه الصحيحة وامتزاجها بالعقل والروح والنفس، فيشع منها النور والقوة بحيث يعملان عملهما في الوجود
بقدر الطاقة البشرية، وهذه هي مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومرتبة الصديقين من أصحابه وأمته إلى يوم الدين.
والمرتبة الثانية هي فهم معانيه فهما صحيحا، وامتزاجها بالعقل، وبالنفس في أغلب أحوالها، وهذه هي مرتبة كبار العلماء والصالحين مع ما في كل من المرتبتين من المنازل المتفاوتة بتفاوت الاستعداد، وصفاء الجوهر. واني أو من إيمانا قويا بأن السيد رشيد قد تمت له المرتبة الثانية في أرقى منازلها، وأرجو أن يكون له نصيب من المرتبة الأولى. وإذا علمتم
أن القرآن هو كلام الله، وأنه كتاب الوجود. تعلمون مقدار ما بذلته وتبذله العقول في استخراج جواهره منذ أنزل إلى اليوم، ولا يتم للعقل استقصاء كل ما فيه وتحديده بالدقة ما دام الوجود قائما، ولكن العقل يأخذ منه ما استكمل به وجوده، وطمأنينته في الدنيا والآخرة على قدر فهمه. ومن هنا تعددت آراء المفسرين لاختلاف وجوه النظر، ولذلك كان تفسير القرآن في أكثر العصور فن علم وجدل، مع أن التفسير يجب ان يكون زبدا مستخلصا بالمقاييس العلمية الصحيحة المستمدة من الفن والبحث، كما أن التفسير الذي لا يعتمد على مقاييس العلم والعقل، لا يسمى على الحقيقة تفسيرا للقرآن الكريم. ويجب أن يدخل في مقاييس العلم ما يستظهره العقل من أسرار الوجود بالدلائل القاطعة، وليس من التفسير مظاهر الحياة التي تعتمد على نزعات النفس في إنسانيتها الضعيفة المضطربة. وهذا هو ما وفق إليه الراحل الكريم في تفسيره للقرآن، وفي علاجه للأبحاث الدينية، فقلما كان يتعرض السيد رشيد لبحث ما يتصل بالقرآن اتصالا جوهريا إلا بقدر ما تمس له الحاجة. وكثيرا ما كان يتعرض لأقوال المفسرين، وما يستدلون به ولكنه لم يترك القرآن في المكان الذي تتجاذبه فيه الآراء كما فعل أكثر المفسرين، بل كان في تفسيره يستخلص القرآن للعقل مؤيدا باللغة وبالشواهد والأدلة من ظواهر الوجود. وأول من فتح هذا الطريق وعبده الأستاذ الإمام رضي الله عنه، وقد سار فيه تلميذه صاحب الذكرى شوطا بعيدا انتهى فيه إلى آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وقد فسر من القرآن على هذا المنوال الحكيم اثني عشر جزءا، وهي أصعب أجزاء القرآن فهما واستنباطا، وكان آخر آية فسرها من سورة يوسف ومات على أثر تفسيره لها قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحََادِيثِ} {فََاطِرَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} {تَوَفَّنِي مُسْلِماً} {وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ.}(2/38)
والمرتبة الثانية هي فهم معانيه فهما صحيحا، وامتزاجها بالعقل، وبالنفس في أغلب أحوالها، وهذه هي مرتبة كبار العلماء والصالحين مع ما في كل من المرتبتين من المنازل المتفاوتة بتفاوت الاستعداد، وصفاء الجوهر. واني أو من إيمانا قويا بأن السيد رشيد قد تمت له المرتبة الثانية في أرقى منازلها، وأرجو أن يكون له نصيب من المرتبة الأولى. وإذا علمتم
أن القرآن هو كلام الله، وأنه كتاب الوجود. تعلمون مقدار ما بذلته وتبذله العقول في استخراج جواهره منذ أنزل إلى اليوم، ولا يتم للعقل استقصاء كل ما فيه وتحديده بالدقة ما دام الوجود قائما، ولكن العقل يأخذ منه ما استكمل به وجوده، وطمأنينته في الدنيا والآخرة على قدر فهمه. ومن هنا تعددت آراء المفسرين لاختلاف وجوه النظر، ولذلك كان تفسير القرآن في أكثر العصور فن علم وجدل، مع أن التفسير يجب ان يكون زبدا مستخلصا بالمقاييس العلمية الصحيحة المستمدة من الفن والبحث، كما أن التفسير الذي لا يعتمد على مقاييس العلم والعقل، لا يسمى على الحقيقة تفسيرا للقرآن الكريم. ويجب أن يدخل في مقاييس العلم ما يستظهره العقل من أسرار الوجود بالدلائل القاطعة، وليس من التفسير مظاهر الحياة التي تعتمد على نزعات النفس في إنسانيتها الضعيفة المضطربة. وهذا هو ما وفق إليه الراحل الكريم في تفسيره للقرآن، وفي علاجه للأبحاث الدينية، فقلما كان يتعرض السيد رشيد لبحث ما يتصل بالقرآن اتصالا جوهريا إلا بقدر ما تمس له الحاجة. وكثيرا ما كان يتعرض لأقوال المفسرين، وما يستدلون به ولكنه لم يترك القرآن في المكان الذي تتجاذبه فيه الآراء كما فعل أكثر المفسرين، بل كان في تفسيره يستخلص القرآن للعقل مؤيدا باللغة وبالشواهد والأدلة من ظواهر الوجود. وأول من فتح هذا الطريق وعبده الأستاذ الإمام رضي الله عنه، وقد سار فيه تلميذه صاحب الذكرى شوطا بعيدا انتهى فيه إلى آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وقد فسر من القرآن على هذا المنوال الحكيم اثني عشر جزءا، وهي أصعب أجزاء القرآن فهما واستنباطا، وكان آخر آية فسرها من سورة يوسف ومات على أثر تفسيره لها قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحََادِيثِ} {فََاطِرَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} {تَوَفَّنِي مُسْلِماً} {وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ.}
وقال في رثائه الشاعر الحاج محمد الهراوي:
أي صرح هوى وحصن حصين
ولواء طوته أيدي المنون
وكتاب في الرشد يهدي إلى
الرشد وسيف مهند مسنون
مات رب المنار والأمر لله
وما مات غير داع أمين
عاش لله مخلصا في جهاد
نصف قرن مبارك في القرون
ومضى باليراع يدعو الى الحق
وبالقلب واللسان المبين
لا يطيق السكون في جرح الد
ين ويمضي يرج اهل السكون
لم يدع راحة له أي حين
وهو في حاجة لها كل حين
طاح بالقلب حين أودى به الجه
د وجهد الغيور نار أتون
فقد العلم منه أي كتاب
فقد الدين منه أي معين
شعر الناس باحتياج اليه
بعد ان لم يروا له من قرين
عز عن صاحب المنار حمى الش
ام وعز الأحباب في «قلمون»
بلدة في ذرى طرابلس قرت
من طرابلس غرة في الحبين
بلدة انجبت الى الشرق قوما
هم نجوى الهدي وأسد العرين
غاب عنها منارها فتوارت
من جوى الحزن بالسحاب الجون
بعثتني جماعة الفضل في مصر
رسول القريض في التأبين
بعثتني لأندب العلم والدين
وأبكيهما بدمع سخين
بعثتني وساقها حسن ظن
في ضعيف ينوء تحت الظنون
ولعمري لو لم تكن بعثتني
لرأتني بالدمع غير ضنين
فلقد كان بي حقيقا وكانت
بيننا عروة الود المتين
عقدت بيننا المودة قربي
زاد توثيقها توالى السنين
شيبتني مواقف الحزن تترى
ورثاء الخدن أثر الخدين
ووقوفي على الربوع الخوالي
وبكائي المكان بعد المكين
والتياعي على أيامي تخلت
عن حماها يد الكفيل المعين
ويتامى تذوق في العيش بؤسا
بعد خفض من الزمان ولين
برح الحزن والجوى بفؤادي
قرح الدمع والبكا من جفوني
من مجيري من بعدها ومقيلي
من وقوفي بطرف باك حزين؟
يا غريب الديار لم تفقد الأهل
فما مصر غير ام حنون
جئتها عالما وطالب علم
فتلقتك في الحشى والعيون
يا ربيب الامام في مجلس العلم
وفي موطن الهدى واليقين
كنت أو في بنيه حفظا لذكراه
وأبقى على الوفاء المصون(2/39)
أي صرح هوى وحصن حصين
ولواء طوته أيدي المنون
وكتاب في الرشد يهدي إلى
الرشد وسيف مهند مسنون
مات رب المنار والأمر لله
وما مات غير داع أمين
عاش لله مخلصا في جهاد
نصف قرن مبارك في القرون
ومضى باليراع يدعو الى الحق
وبالقلب واللسان المبين
لا يطيق السكون في جرح الد
ين ويمضي يرج اهل السكون
لم يدع راحة له أي حين
وهو في حاجة لها كل حين
طاح بالقلب حين أودى به الجه
د وجهد الغيور نار أتون
فقد العلم منه أي كتاب
فقد الدين منه أي معين
شعر الناس باحتياج اليه
بعد ان لم يروا له من قرين
عز عن صاحب المنار حمى الش
ام وعز الأحباب في «قلمون»
بلدة في ذرى طرابلس قرت
من طرابلس غرة في الحبين
بلدة انجبت الى الشرق قوما
هم نجوى الهدي وأسد العرين
غاب عنها منارها فتوارت
من جوى الحزن بالسحاب الجون
بعثتني جماعة الفضل في مصر
رسول القريض في التأبين
بعثتني لأندب العلم والدين
وأبكيهما بدمع سخين
بعثتني وساقها حسن ظن
في ضعيف ينوء تحت الظنون
ولعمري لو لم تكن بعثتني
لرأتني بالدمع غير ضنين
فلقد كان بي حقيقا وكانت
بيننا عروة الود المتين
عقدت بيننا المودة قربي
زاد توثيقها توالى السنين
شيبتني مواقف الحزن تترى
ورثاء الخدن أثر الخدين
ووقوفي على الربوع الخوالي
وبكائي المكان بعد المكين
والتياعي على أيامي تخلت
عن حماها يد الكفيل المعين
ويتامى تذوق في العيش بؤسا
بعد خفض من الزمان ولين
برح الحزن والجوى بفؤادي
قرح الدمع والبكا من جفوني
من مجيري من بعدها ومقيلي
من وقوفي بطرف باك حزين؟
يا غريب الديار لم تفقد الأهل
فما مصر غير ام حنون
جئتها عالما وطالب علم
فتلقتك في الحشى والعيون
يا ربيب الامام في مجلس العلم
وفي موطن الهدى واليقين
كنت أو في بنيه حفظا لذكراه
وأبقى على الوفاء المصون(2/40)
أي صرح هوى وحصن حصين
ولواء طوته أيدي المنون
وكتاب في الرشد يهدي إلى
الرشد وسيف مهند مسنون
مات رب المنار والأمر لله
وما مات غير داع أمين
عاش لله مخلصا في جهاد
نصف قرن مبارك في القرون
ومضى باليراع يدعو الى الحق
وبالقلب واللسان المبين
لا يطيق السكون في جرح الد
ين ويمضي يرج اهل السكون
لم يدع راحة له أي حين
وهو في حاجة لها كل حين
طاح بالقلب حين أودى به الجه
د وجهد الغيور نار أتون
فقد العلم منه أي كتاب
فقد الدين منه أي معين
شعر الناس باحتياج اليه
بعد ان لم يروا له من قرين
عز عن صاحب المنار حمى الش
ام وعز الأحباب في «قلمون»
بلدة في ذرى طرابلس قرت
من طرابلس غرة في الحبين
بلدة انجبت الى الشرق قوما
هم نجوى الهدي وأسد العرين
غاب عنها منارها فتوارت
من جوى الحزن بالسحاب الجون
بعثتني جماعة الفضل في مصر
رسول القريض في التأبين
بعثتني لأندب العلم والدين
وأبكيهما بدمع سخين
بعثتني وساقها حسن ظن
في ضعيف ينوء تحت الظنون
ولعمري لو لم تكن بعثتني
لرأتني بالدمع غير ضنين
فلقد كان بي حقيقا وكانت
بيننا عروة الود المتين
عقدت بيننا المودة قربي
زاد توثيقها توالى السنين
شيبتني مواقف الحزن تترى
ورثاء الخدن أثر الخدين
ووقوفي على الربوع الخوالي
وبكائي المكان بعد المكين
والتياعي على أيامي تخلت
عن حماها يد الكفيل المعين
ويتامى تذوق في العيش بؤسا
بعد خفض من الزمان ولين
برح الحزن والجوى بفؤادي
قرح الدمع والبكا من جفوني
من مجيري من بعدها ومقيلي
من وقوفي بطرف باك حزين؟
يا غريب الديار لم تفقد الأهل
فما مصر غير ام حنون
جئتها عالما وطالب علم
فتلقتك في الحشى والعيون
يا ربيب الامام في مجلس العلم
وفي موطن الهدى واليقين
كنت أو في بنيه حفظا لذكراه
وأبقى على الوفاء المصون(2/41)
أي صرح هوى وحصن حصين
ولواء طوته أيدي المنون
وكتاب في الرشد يهدي إلى
الرشد وسيف مهند مسنون
مات رب المنار والأمر لله
وما مات غير داع أمين
عاش لله مخلصا في جهاد
نصف قرن مبارك في القرون
ومضى باليراع يدعو الى الحق
وبالقلب واللسان المبين
لا يطيق السكون في جرح الد
ين ويمضي يرج اهل السكون
لم يدع راحة له أي حين
وهو في حاجة لها كل حين
طاح بالقلب حين أودى به الجه
د وجهد الغيور نار أتون
فقد العلم منه أي كتاب
فقد الدين منه أي معين
شعر الناس باحتياج اليه
بعد ان لم يروا له من قرين
عز عن صاحب المنار حمى الش
ام وعز الأحباب في «قلمون»
بلدة في ذرى طرابلس قرت
من طرابلس غرة في الحبين
بلدة انجبت الى الشرق قوما
هم نجوى الهدي وأسد العرين
غاب عنها منارها فتوارت
من جوى الحزن بالسحاب الجون
بعثتني جماعة الفضل في مصر
رسول القريض في التأبين
بعثتني لأندب العلم والدين
وأبكيهما بدمع سخين
بعثتني وساقها حسن ظن
في ضعيف ينوء تحت الظنون
ولعمري لو لم تكن بعثتني
لرأتني بالدمع غير ضنين
فلقد كان بي حقيقا وكانت
بيننا عروة الود المتين
عقدت بيننا المودة قربي
زاد توثيقها توالى السنين
شيبتني مواقف الحزن تترى
ورثاء الخدن أثر الخدين
ووقوفي على الربوع الخوالي
وبكائي المكان بعد المكين
والتياعي على أيامي تخلت
عن حماها يد الكفيل المعين
ويتامى تذوق في العيش بؤسا
بعد خفض من الزمان ولين
برح الحزن والجوى بفؤادي
قرح الدمع والبكا من جفوني
من مجيري من بعدها ومقيلي
من وقوفي بطرف باك حزين؟
يا غريب الديار لم تفقد الأهل
فما مصر غير ام حنون
جئتها عالما وطالب علم
فتلقتك في الحشى والعيون
يا ربيب الامام في مجلس العلم
وفي موطن الهدى واليقين
كنت أو في بنيه حفظا لذكراه
وأبقى على الوفاء المصون
الشيخ محمد شاكر 1282هـ 1866م 1358هـ 1939م
تعلم الشيخ محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر في الأزهر، وكان من أسرة ابي علياء من أشراف الصعيد. وولد بمدينة «جرجا» في منتصف شوال من سنة 1282هـ مارس سنة 1866، (1) وقد تخرج من الأزهر. وفي منتصف رجب سنة 1307هـ 4من مارس سنة 1890عين أمينا للفتوى مع مفتي الديار المصرية أستاذه الشيخ محمد العباسي المهدي. وفي السابع من شعبان سنة 1311هـ 13من فبراير سنة 1894ولي منصب نائب محكمة مديرية القليوبية، ثم عين في منصب قاضي قضاة السودان في 10 من ذي القعدة سنة 1317هـ 11من مارس سنة 1900، ثم عاد شيخا لمعهد اسكندرية في أبريل 1904، وفي أواخر سنة 1324هـ ندب للقيام بأعباء مشيخة الأزهر نيابة عن الشيخ عبد الرحمن الشربيني شيخ الأزهر إذ ذاك، فجمع بين ذلك وبين مشيخة المعهد الاسكندري، حتى كان التاسع من ربيع الاخر سنة 1327هـ 29من أبريل سنة 1909م، حيث صدر أمر بتعيينه وكيلا للجامع الأزهر، وفي عهد وكالته صدر قانون النظام في الأزهر سنة 1911م الذي قسمت بمقتضاه الدراسة إلى مراحل لكل منها نظام ومواد خاصة، وعهد إليه بتطبيق القانون الجديد، فأنشىء القسم الأول وعين شيخا له مع بقائه وكيلا للجامع الأزهر. وقد أنشأ معهدين في أسيوط وقنا. واختير
__________
(1) راجع مجلة الأزهر في بحث للأستاذ محمد كامل الفقي عن الشيخ.(2/42)
عضوا في جماعة كبار العلماء، وفي سنة 1913عين عضوا في الجمعية التشريعية، ولما اشتعلت الثورة المصرية سنة 1919م صال فيها وجال، وأذكاها بقلمه ولسانه ورأيه، حتى إذا وافت سنة 1931أعرض عن الدنيا ولزم داره لمرض الفالج الذي أصابه، وظل ينتظر المنون حتى دعاه مولاه، فلباه في صباح الخميس الحادي عشر من جمادى الأولى سنة 1358، التاسع والعشرين من يونيه سنة 1939.
مشايخ السادة المالكية
كانت العادة بالأزهر الشريف أن للسادة المالكية شيخا عليهم، ودرجته قريبة من درجة شيخ الجامع، وأما السادة الحنفية والسادة الشافعية والسادة الحنبلية، فكان شيخهم هو شيخ العموم، ومن عهد قريب صار للسادة الحنفية شيخ، وصار للحنابلة شيخ كذلك، ولنأت بذكر مشايخ السادة المالكية، فمن تولى مشيخة السادة المالكية إمام المحققين، وعمدة المدققين، العلامة الشيخ علي العدوي المنسفيسي الصعيدي المالكي، ولد ببنى عدي سنة 1112هـ وقدم إلى مصر وحضر دروس مشايخ عصره كالشيخ الحفني واضرابه وكان له كرامات عجيبة وله مؤلفات مفيدة وهو أول من خدم كتب مذهب المالكية بالحواشي وأول من درس بمسجد محمد بك ابي المذهب وكان يدرس بالأزهر وبمسجد الغريب ويوم الجمعة بمسجد مرزه ببولاق، وكان على قدم السلف في التقوى والاشتغال بالعلوم وتوفي سنة 1189 ودفن بالبستان.
ثم تولاها أبو البركات سيدي أحمد الدردير العدوى المالكي الأزهري الخلوتي، وولد ببني عدي سنة 1127وحفظ القرآن الشريف وقدم الى الأزهر وحضر دروس مشايخ عصره كالشيخ علي الصعيدي والشيخ الحفني واضرابهما وألف وأفاد وتآليفه أشهر من ان تذكر، وكان شيخا لرواق الصعايدة وتوفي سنة 1201هـ ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكيين وهو مشهور يزار.(2/43)
ثم تولاها عالم عصره، ووحيد دهره بلا خلاف سيدي محمد الأمير الكبير صاحب التآليف العديدة في كل فن معقول ومنقول، ولد سنة 1154 بسنبو وهي بلد من قسم ديروط بمديرية أسيوط، وختم القرآن الشريف وهو ابن تسع سنين، ثم التحق بالأزهر وحصل ودرس ولم يدع فنا الا اتقنه ودرسه حتى فقه الحنفي والشافعي، وله تآليف جمة في فنون كثيرة وهي كجوامع الكلم، وكان توجه في بعض المقتضيات إلى دار السلطنة وألقى هناك دروسا حضره فيها العلماء وشهدوا بفضله واستجازوه ورجع الى مصر معظما مبجلا ومعه كتب توصية للباشا والأمراء وقد أنعم عليه من الدولة وكانت تأتيه الصلات من سلطان المغرب وتلك النواحي وكان كلامه حكما، ومن كلامه:
دع الدنيا فليس بها سرور
يتم ولا من الأحزان تسلم
ونفرض أنه قم تم فرضا
فان زواله أمر محتم
وكن فيها غريبا ثم هيء
الى دار البقا ما فيه مغنم
وإن لا بد من لهو فلهو
بشيء نافع والله أعلم
وسبب تلقيبه بالأمير أن جده الأقرب أحمد بن عبد القادر كان له إمارة حكم في بلاد الصعيد وأصله من المغرب وتوفي عليه سحائب الرحمن والرضوان يوم الاثنين العاشر من ذي القعدة سنة 1232هـ، ودفن أمام ضريح الشيخ العفيفي، ومما قيل في رثائه تمثلا:
حلف الزمان ليأتين بمثله
حنثت يمينك يا زمان فكفر
ثم تولاها ابنه الشيخ محمد الأمير الصغير، ثم تولاها الشيخ ابراهيم الملواني، ثم تولاها الشيخ عبد الله القاضي، ثم تولاها شيخ الشيوخ
الجامع بين العلم والتقوى فرع الشجرة النبوية وخلاصة السلسلة الهاشمية الشيخ عليش، وقد ولد رحمه الله بالقاهرة بحارة الجوار بجوار الجامع الأزهر في شهر رجب سنة 1217هـ، وحفظ القرآن واشتغل بالعلم بالأزهر وأدرك الجهابذة كالشيخ الأمير الصغير وأضرابه والشيخ مصطفى البولاقي والشيخ البناني صاحب التجريد وكثير من كبار العلماء ودرس سنة 1232ولم يدع فنا إلا درسه وتخرج من درسه جل أهل الأزهر أو كلهم وتوفي عام 1299هـ وتوفي ابنه الشيخ عبد الله عليش عام 1294هـ ثم ألغيت مشيخة المالكية بعده خمس سنوات حتى تولاها الشيخ سليم البشرى.(2/44)
حلف الزمان ليأتين بمثله
حنثت يمينك يا زمان فكفر
ثم تولاها ابنه الشيخ محمد الأمير الصغير، ثم تولاها الشيخ ابراهيم الملواني، ثم تولاها الشيخ عبد الله القاضي، ثم تولاها شيخ الشيوخ
الجامع بين العلم والتقوى فرع الشجرة النبوية وخلاصة السلسلة الهاشمية الشيخ عليش، وقد ولد رحمه الله بالقاهرة بحارة الجوار بجوار الجامع الأزهر في شهر رجب سنة 1217هـ، وحفظ القرآن واشتغل بالعلم بالأزهر وأدرك الجهابذة كالشيخ الأمير الصغير وأضرابه والشيخ مصطفى البولاقي والشيخ البناني صاحب التجريد وكثير من كبار العلماء ودرس سنة 1232ولم يدع فنا إلا درسه وتخرج من درسه جل أهل الأزهر أو كلهم وتوفي عام 1299هـ وتوفي ابنه الشيخ عبد الله عليش عام 1294هـ ثم ألغيت مشيخة المالكية بعده خمس سنوات حتى تولاها الشيخ سليم البشرى.
الشيخ البحراوي
هو الشيخ عبد الرحمن البحراوي الحنفي الأزهري، ولد بكفر العيص قرية على شط النيل بمديرية البحيرة، وكانت ولادته سنة 1235هـ، وقدم لمصر وقرأ القرآن بالأزهر وجود فيه، وفي سنة 1249شرع في حفظ المتداول من المتون، وفي سنة 1251حضر دروس المشايخ فتلقى الفقه والتفسير والحديث عن الشيخ محمد الكتبي وأهل طبقته وتلقى علوم الأدب والمنطق والتوحيد عن الشيخ إبراهيم السقا والشيخ مصطفى البولاقي والشيخ إبراهيم البيجوري واضرابهم. وكتب بيده كل كتاب حضره فضلا عما كان يكتبه للاقتيات بثمنه لأنه كان قد قل من العيش وقد اجتهد في التحصيل وسهر الليالي مع جودة قريحته حتى تأهل للتصدر للتدريس في سنة 1264 وشهد بفضله أعيان الأزهر ولم يزل متصدرا للتدريس مع حسن القائه وعذوبة ملحه وكان محترما عند أولي الأمر، وفي سنة 1271نيط به تصحيح الفتاوى الهندية بالمطبعة الكبرى ببولاق مصر، وبعد تمام الطبع تولى قضاء اسكندرية سنة 1277ثم رفع من قضائها سنة 1282فعاد للتدريس بالأزهر وفي سنة 1289عين للفتوى بالمجلس الخصوصي، وفي سنة 1293عين رئيس المجلس الأول بالمحكمة الشرعية المصرية الكبرى، ثم بعد ذلك تولى افتاء الحقانية، ثم رفع وعاد للتدريس بالأزهر، وله من التآليف تقرير
على شرح العيني وحاشية على شرح الطائي، وله كتابات على أغلب كتب المذهب الحنفي، وتخرج من درسه كثير ممن تولى القضاء وممن درس بالأزهر، ومن أجلهم الأستاذ الفاضل الشيخ محمد بخيث المطيعي.(2/45)
هو الشيخ عبد الرحمن البحراوي الحنفي الأزهري، ولد بكفر العيص قرية على شط النيل بمديرية البحيرة، وكانت ولادته سنة 1235هـ، وقدم لمصر وقرأ القرآن بالأزهر وجود فيه، وفي سنة 1249شرع في حفظ المتداول من المتون، وفي سنة 1251حضر دروس المشايخ فتلقى الفقه والتفسير والحديث عن الشيخ محمد الكتبي وأهل طبقته وتلقى علوم الأدب والمنطق والتوحيد عن الشيخ إبراهيم السقا والشيخ مصطفى البولاقي والشيخ إبراهيم البيجوري واضرابهم. وكتب بيده كل كتاب حضره فضلا عما كان يكتبه للاقتيات بثمنه لأنه كان قد قل من العيش وقد اجتهد في التحصيل وسهر الليالي مع جودة قريحته حتى تأهل للتصدر للتدريس في سنة 1264 وشهد بفضله أعيان الأزهر ولم يزل متصدرا للتدريس مع حسن القائه وعذوبة ملحه وكان محترما عند أولي الأمر، وفي سنة 1271نيط به تصحيح الفتاوى الهندية بالمطبعة الكبرى ببولاق مصر، وبعد تمام الطبع تولى قضاء اسكندرية سنة 1277ثم رفع من قضائها سنة 1282فعاد للتدريس بالأزهر وفي سنة 1289عين للفتوى بالمجلس الخصوصي، وفي سنة 1293عين رئيس المجلس الأول بالمحكمة الشرعية المصرية الكبرى، ثم بعد ذلك تولى افتاء الحقانية، ثم رفع وعاد للتدريس بالأزهر، وله من التآليف تقرير
على شرح العيني وحاشية على شرح الطائي، وله كتابات على أغلب كتب المذهب الحنفي، وتخرج من درسه كثير ممن تولى القضاء وممن درس بالأزهر، ومن أجلهم الأستاذ الفاضل الشيخ محمد بخيث المطيعي.
الشيخ محمد بخيت المطيعي
في اليوم الحادي والعشرين من شهر رجب 1354هـ الثامن عشر من شهر أكتوبر 1935استأثرت رحمة الله بالعلامة، الشيخ محمد بخيت المطيعي، فقضى مبكيا عليه من مئات الألوف من العلماء والطلاب في جميع بلاد المسلمين، الذين كانوا يرون فيه المثل الأعلى للاطلاع الواسع والإفادة والفتيا ولد رحمه الله في بلدة المطيعة من أعمال أسيوط سنة 1271هـ 1856م، وحفظ القرآن وحصل رحمه الله العلم بالأزهر فتخرج في علوم الشريعة والعربية، ونال فيها شهادة من الدرجة الأولى سنة 1294 للهجرة أي منذ نحو اثنتين وثمانين سنة، وأكب من ذلك العهد على التدريس والافادة بهمة يندر أن يصادف لها مثيل في حياة العلماء العاملين، ثم ندب للاشتغال في القضاء عام 1297هـ فتنقل في وظائفه حتى بلغ أعلى درجاته، مظهرا في كل منها من الكفاية ما لا يكون إلا للعلماء الراسخين ومن المناصب التي شغلها قضاء مصر نيابة عن القاضي التركي، وفي عام 1914عين مفتيا للديار المصرية، وبعد سبع سنوات بلغ السن القانونية لوظائف الحكومة، فترك الاشتغال بالقضاء، وعكف على الدرس والتدريس والافتاء. فكانت داره مثابة للمستفتين والمستفيدين، وكان لا يبخل على أحد بفتيا، حتى إذا كان بعيدا عنه تكلف له كتابة الفتوى وأرسلها إليه بالبريد.
وكان شهرته قد تجاوزت مصر الى العالم الإسلامي كله، فكانت ترد اليه الاستفتاءات تترى في مختلف المسائل، ومنها مسائل تحتاج الى مراجعات كثيرة مضنية، فكان لا يضن بنفسه عن القيام بها فيحررها ويرسل بها للمستفتين.(2/46)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/47)
وكان ميلاده في المطيعة من أعمال أسيوط في 10محرم عام 1271هـ، وشب على الذكاء والعقل وحفظ القرآن المجيد، ثم حفظ متن الإجرومية في النحو ومتن العشماوية في فقه المالكي وحضرهما على حضرة الأستاذ الشيخ محمد عنتر الكبير والد الشيخ محمد عنتر أحد علماء الأزهر، ثم طلبت نفسه الشريفة التوجه الى الأزهر لتحصيل العلوم من معدنها فقدم لمصر في أوائل سنة 1281واشتغل بالتحصيل مقلدا مذهب أبي حنيفة النعمان، فحضر على مشاهير الأزهر كالشيخ الدرستاوي، والشيخ عبد الغني الملواني، والشيخ عبد الرحمن البحراوي، والشيخ حسن الطويل، والشيخ الدمنهوري، والشيخ المهدي، والشيخ عبد الرحمن الشربيني، والشيخ جمال الدين الافغاني حتى حضر غالب الكتب المعتاد قراءتها بالأزهر من فقه ونحو
وحديث وأصول وتفسير وبلاغة ومنطق وحكمة وغير ذلك على المشايخ المذكورين وغيرهم من كبار الأزهر ولازم الاجتهاد الى ان مهر وامتحن للتدريس وحاز الدرجة الأولى ودرس سنة 1292ولازم تدريس كتب المنطق والحكمة والتوحيد الى سنة 1295ثم درس الفقه والنحو الى سنة 1297 وفيها تولى قضاء مديرية القليوبية ثم قضاء مديرية المنيا ثم قضاء محافظة بور سعيد ثم قضاء محافظة السويس ثم قضاء مديرية أسيوط ثم تولى تفتيش نظارة الحقانية ثم قضاء اسكندرية ثم تولى رياسة المجلس الشرعي بمحكمة مصر الكبرى ثم عضوية المحكمة العليا بها، ومع ذلك كان حفظه الله ملازما لتدريس العلوم في كل جهة تولى بها مع همة ونشاط، ولم يزل يدرس الكتب العالية مع القيام بكامل شئونه وأعماله، وله تآليف عديدة، منها حواشي الخريدة، وحواش على شرح العقائد العضدية، وارشاد الأمة في أحكام اهل الذمة، وحسن البيان في ازالة بعض شبه وردت على القرآن، والدرر البهية في الصلاة الكمالية لدفع شبه وردت على تلك الصيغة، ومقدمة شفاء السقام المسماة بتطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد وسواها.
الشيخ حسين والي
كان مقررا ان تنعقد لجنة الفتوى بالأزهر في الساعة الرابعة من مساء يوم السبت 6من ذي الحجة سنة 1354الموافق 29من فبراير سنة 1936 برياسة فضيلة رئيسها المغفور له الشيخ حسين والي، وما كادت تبزغ شمس ذلك اليوم حتى فوجىء أعضاؤها، كما فوجىء الناس عامة بنعي رئيسها العظيم، وما كادت تحين الساعة المحدودة لانعقاد اللجنة، حتى كان شيخها الجليل يعبر الطريق من منزله الى الأزهر الشريف محموة فوق الأعناق، مشيعا بقلوب مكلومة، وزفرات حارة، ودموع منهمرة، فذاق اعضاء لجنة الفتوى الذي خبروا الفقيد عن كثب، فعرفوا فيه العلم الغزير، والخلق الكريم، والعقل الراجح، والفكر الثاقب، والجلد على البحث، والشغف
بالاطلاع، والدقة في تلمس الحق، ذاقوا آلام الحزن العميق على هذا المصاب الجلل ويقول عنه الشيخ عبد الجواد رمضان: هو السيد حسين والي بن العلامة السيد حسين والي بن السيد إبراهيم والي، ينتهي نسبه الى الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي، رضي الله عنهما، ولد في منية ابو علي من اعمال مركز الزقازيق في مديرية الشرقية، في رجب الفرد سنة 1285 نوفمبر سنة 1868، وطلب العلم في الأزهر، منتسبا الى رواق معمر، إلى ان نال شهادة العالمية سنة 1317هـ 1899م. وأذن له بالتدريس في الأزهر سنة 1900، ثم ندب للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي سنة 1907. ثم عين مفتشا في الأزهر والمعاهد الدينية سنة 1911، ثم وكيلا لمعهد طنطا سنة 1914، ثم سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى بالأزهر سنة 1920، وبقي في هذا المنصب الى أن ألغي في ديسمبر سنة 1926، وفي 7من شهر ربيع الأول سنة 1343 (6من أكتوبر سنة 1924) عين في هيئة كبار العلماء بمرسوم جاء فيه: «عين في هيئة كبار العلماء كل من حضرات.(2/48)
كان مقررا ان تنعقد لجنة الفتوى بالأزهر في الساعة الرابعة من مساء يوم السبت 6من ذي الحجة سنة 1354الموافق 29من فبراير سنة 1936 برياسة فضيلة رئيسها المغفور له الشيخ حسين والي، وما كادت تبزغ شمس ذلك اليوم حتى فوجىء أعضاؤها، كما فوجىء الناس عامة بنعي رئيسها العظيم، وما كادت تحين الساعة المحدودة لانعقاد اللجنة، حتى كان شيخها الجليل يعبر الطريق من منزله الى الأزهر الشريف محموة فوق الأعناق، مشيعا بقلوب مكلومة، وزفرات حارة، ودموع منهمرة، فذاق اعضاء لجنة الفتوى الذي خبروا الفقيد عن كثب، فعرفوا فيه العلم الغزير، والخلق الكريم، والعقل الراجح، والفكر الثاقب، والجلد على البحث، والشغف
بالاطلاع، والدقة في تلمس الحق، ذاقوا آلام الحزن العميق على هذا المصاب الجلل ويقول عنه الشيخ عبد الجواد رمضان: هو السيد حسين والي بن العلامة السيد حسين والي بن السيد إبراهيم والي، ينتهي نسبه الى الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي، رضي الله عنهما، ولد في منية ابو علي من اعمال مركز الزقازيق في مديرية الشرقية، في رجب الفرد سنة 1285 نوفمبر سنة 1868، وطلب العلم في الأزهر، منتسبا الى رواق معمر، إلى ان نال شهادة العالمية سنة 1317هـ 1899م. وأذن له بالتدريس في الأزهر سنة 1900، ثم ندب للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي سنة 1907. ثم عين مفتشا في الأزهر والمعاهد الدينية سنة 1911، ثم وكيلا لمعهد طنطا سنة 1914، ثم سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى بالأزهر سنة 1920، وبقي في هذا المنصب الى أن ألغي في ديسمبر سنة 1926، وفي 7من شهر ربيع الأول سنة 1343 (6من أكتوبر سنة 1924) عين في هيئة كبار العلماء بمرسوم جاء فيه: «عين في هيئة كبار العلماء كل من حضرات.
الشيخ محمد مصطفى المراغى الحنفي المذهب رئيس المحكمة العليا الشرعية، والشيخ حسين والي السكرتير العام لمجلس الأزهر الأعلى والمعاهد الدينية، والشيخ محمد الحلبي، والشيخ سيد علي المرصفي، الشافعي المذهب». وتوفي طيب الله ثراه في 28من فبراير سنة 1936، وهو عضو في مجلس الشيوخ، وفي المجمع اللغوي. وما تزال أصداء جولاته تدوي في قبابهما فيتجاوب بها آفاق العروبة في مشارق الأرض ومغاربها إلى اليوم.
والسيد حسين والي، أحد الأقطاب الذين سما حظهم من التبحر في علوم اللغة العربية وآدابها، وأخذوا بآفاقها وشعابها، على جميع الباحثين والمتأدبين، في عصر النهضة، فلا يسبقهم سابق، وإن ناصاهم شواذهم في أقطار الشرق العربي معدودون معروفون. هم الأئمة «وسائر الناس على آثارهم مهتدون».
لا جرم ان مواهب السيد حسين والي، جديرة بأن تبوئه هذه المنزلة
الرفيعة التي لا ترام، فلقد كان إلى تبحره في علوم الأزهر كاتبا قديرا، وشاعرا فحلا. يكتب كما يكتب حمزة فتح الله، والسيد توفيق البكري، والشدياق الخ، ويشعر كما يشعر حمزة فتح الله، والسيد توفيق البكري، وآل اليازجي، وغيرهم من كبار الكتاب وفحول الشعراء، في مصر والشام والعراق، ويصاول المؤلفين والباحثين في وزارة المعارف وغيرها، وينقدهم، وينال منهم ويوجههم فيتجهون، ويفتي في اللغة والأدب، فينقطع كل قول، ويخفت كل صوت. ذلك بأنه كان مطلعا فقيها لغويا، ذواقة، هاضما لما علم، واثقا مما يقول والإيمان بالرأي أقوى أسلحة الشجاع.(2/49)
لا جرم ان مواهب السيد حسين والي، جديرة بأن تبوئه هذه المنزلة
الرفيعة التي لا ترام، فلقد كان إلى تبحره في علوم الأزهر كاتبا قديرا، وشاعرا فحلا. يكتب كما يكتب حمزة فتح الله، والسيد توفيق البكري، والشدياق الخ، ويشعر كما يشعر حمزة فتح الله، والسيد توفيق البكري، وآل اليازجي، وغيرهم من كبار الكتاب وفحول الشعراء، في مصر والشام والعراق، ويصاول المؤلفين والباحثين في وزارة المعارف وغيرها، وينقدهم، وينال منهم ويوجههم فيتجهون، ويفتي في اللغة والأدب، فينقطع كل قول، ويخفت كل صوت. ذلك بأنه كان مطلعا فقيها لغويا، ذواقة، هاضما لما علم، واثقا مما يقول والإيمان بالرأي أقوى أسلحة الشجاع.
وكان من الطبيعي أن ينال السيد حسين والي من الشهرة عند الخاصة والعامة كفاء هذه المواهب المتوافرة، بيد أنه عض من شهرته شمائل، هي في شرفها وعنصرها أنفس جوهرا، وأعز قيمة، وأرفع جمالا من كل شهرة.
وكان السيد حسين والي غاليا في التعصب للقديم، يعتز به، ويحافظ عليه، ويرعاه في دينه، وفي سمته، وفي لغته، وفي كل ما يحيط به، حتى لقد سمي أولاده: أسامة، ولؤي، ونزار، والفرات. يحدوه إلى ذلك نسبه الشريف، ونشأته الأزهري، ووقار ألبسة الله منه رداء فضفاضا، ثم نزعة صوفية عميقة ظهرت فيه طول حياته.
الشيخ محمد الفحام
تخرج الأستاذ رحمه الله في الأزهر، وبعد نيله شهادة العالمية التحق بخدمة القضاء الشرعي، وتقلب في وظائفه سنين كثيرة عرف فيها بسداد الرأي والحزم، ثم نقل من القضاء إلى الإمامة الخاصة للملك، ثم خرج منها إلى مشيخة معهد الاسكندرية، فكانت له فيها آثار ظاهرة، ونظم مفيدة، وسمعة بين الناس طيبة رشحته إلى تقليد وكالة الجامع الأزهر، وكان قد تملأ خبرة بادارة الاعمال، وبالزمان وأهله، وبقيادة الموظفين، فكان يخوض معهم في الادارة العامة عباب الأعمال المختلفة، ويمضي معهم الساعات الطويلة مناقشة وبحثا وتحقيقا وتثبتا، ويقابل في أثناء ذلك الوافدين
عليه فيسعهم بتلطفه وطلاقة وجهه، لا يكاد يفرغ من هذا العمل المتواصل آنا يسترد فيه ما فقده من قواه حتى موعد الانصراف.(2/50)
تخرج الأستاذ رحمه الله في الأزهر، وبعد نيله شهادة العالمية التحق بخدمة القضاء الشرعي، وتقلب في وظائفه سنين كثيرة عرف فيها بسداد الرأي والحزم، ثم نقل من القضاء إلى الإمامة الخاصة للملك، ثم خرج منها إلى مشيخة معهد الاسكندرية، فكانت له فيها آثار ظاهرة، ونظم مفيدة، وسمعة بين الناس طيبة رشحته إلى تقليد وكالة الجامع الأزهر، وكان قد تملأ خبرة بادارة الاعمال، وبالزمان وأهله، وبقيادة الموظفين، فكان يخوض معهم في الادارة العامة عباب الأعمال المختلفة، ويمضي معهم الساعات الطويلة مناقشة وبحثا وتحقيقا وتثبتا، ويقابل في أثناء ذلك الوافدين
عليه فيسعهم بتلطفه وطلاقة وجهه، لا يكاد يفرغ من هذا العمل المتواصل آنا يسترد فيه ما فقده من قواه حتى موعد الانصراف.
لبث على ذلك بضع عشرة سنة، ولولا صفات متأصلة فيه من المضاء والمرونة المستندة إلى اللباقة، لاصطدم طوال هذه المدة التي اجتاز الأزهر فيها أزمات خطيرة، وعقبات كأداء، بعواثير لا تذلل، ولكنه رحمه الله عالجها على أسلوبه بالموازنة والمياسرة، وتمكن بذلك أن يستبقي الادارة العامة قائمة تؤدي واجباتها الديوانية خلال هذه الأزمات الشديدة.
أصابه رحمه الله قبل نحو شهرين من وفاته، مرض عضال أصاب الطحال والقلب، بذل كثير من الأطباء جهد العلم في معالجته فاستعصى، وما زال رحمه الله يضعف حتى أسلم الروح في مساء السبت 18من جمادى الأولى سنة 1362 (الموافق 22من مايو سنة 1943).
الشيخ يوسف الدجوي
في مساء الثلاثاء 4صفر سنة 1365هـ 8يناير سنة 1946م، توفي الشيخ العلامة، يوسف الدجوي الأزهري النابغة الكفيف البصر، وعضو جماعة كبار العلماء.
وكان الأستاذ الدجوي من العلماء الراسخين في العلوم التي تدرس في الأزهر أخذها عن أئمتها مثل الشيخ هارون عبد الرازق والشيخ احمد الرفاعي الفيومي والشيخ محمد طموم والشيخ احمد فايد الزرقاني، والشيخ رزق البرقامي، والشيخ سليم البشرى، والشيخ البحيري، والشيخ العدوى، وكلهم من أقطاب الجامعة الأزهرية الذين صانوا رسالتها الى هذا العصر الحديث.
ولد الدجوي في قرية دجوة التابعة لمركز قليوب في سنة (1287) من أب عربي، وأدخله والده الأزهر في سنة (1301هـ) ونال الشهادة العالمية في سنة (1317) بنجاح عظيم كان مدعاة لأن يزوره في دارة الشيخ راضي
الحنفي من كبار العلماء وهنأه على ما أصاب من توفيق. وما فعل ذلك إلا من شدة إعجابه به، وإكباره لشأنه، وتوقعه له حياة علمية تشرف الأزهر والأزهريين، وقد صدق حدسه، فإن الأستاذ الدجوي لم يلبث أن ظهرت مواهبه، وتجلت خصائصه، فصار مرجعا للمستهدين والمستفتين في جميع البلاد الإسلامية.(2/51)
ولد الدجوي في قرية دجوة التابعة لمركز قليوب في سنة (1287) من أب عربي، وأدخله والده الأزهر في سنة (1301هـ) ونال الشهادة العالمية في سنة (1317) بنجاح عظيم كان مدعاة لأن يزوره في دارة الشيخ راضي
الحنفي من كبار العلماء وهنأه على ما أصاب من توفيق. وما فعل ذلك إلا من شدة إعجابه به، وإكباره لشأنه، وتوقعه له حياة علمية تشرف الأزهر والأزهريين، وقد صدق حدسه، فإن الأستاذ الدجوي لم يلبث أن ظهرت مواهبه، وتجلت خصائصه، فصار مرجعا للمستهدين والمستفتين في جميع البلاد الإسلامية.
ولما أسست المشيخة الأزهرية مجلة الأزهر كان من أول من وقع اختيارها عليهم ليحرروها الشيخ الدجوي رحمه الله، فكتب فيها البحوث الممتعة في الدين والتفسير والحكمة، وبقي على موافاتها ببحوثه الى عهده الأخير.
ومن مميزات الشيخ رضي الله عنه أنه كان يأنس الى البحوث النفسية الحديثة في اوروبا ويراها خير أداة لكسر شوكة الماديين، وقد اعتمد في كتاباته على ما حققوه منها وكان لا يخشى في مجاهرته بذلك لومة لائم.
وقد ترجم له قلم ترجمة مجلة الأزهر كتابه القيم (رسائل السلام) الى اللغة الانجليزية، فطبعت المشيخة الأزهرية منه عشرة آلاف نسخة بعث كثيرا منها لمن لا يستطيعون فهم العربية وللأجانب الراغبين.
كان مفسر الأزهر ومحدثه، بل فيلسوفه وكاتبه، وخطيبه، كما كان موضع ثقة الجماهير الاسلامية في شتى الأقطار، تتوارد اليه استفتاءاتهم من جميع الجهات، وتصلهم مقالاته النافعة بمجلة الأزهر وغيرها من المجلات والصحف العربية والافرنجية ومؤلفاته الممتعة (1).
ومنها كتاب سبيل السعادة الذي ألفه عام 1912م في فلسفة الاخلاق الدينية وأسرار الشريعة الاسلامية، والرد على الطبيعيين، وقد قرظه امام اللغة المرحوم الشيخ حمزة فتح الله بكلمة طويلة منها: «أحسنت يا شيخ
__________
(1) من كلمة لنجل الشيخ الشيخ احمد يوسف الدجوي الأستاذ بمعهد القاهرة نشرت في مجلة الأزهر.(2/52)
الدين، وأديت فرض الكفاية عن علماء المسلمين، وشفيت السقام، ورويت الاوام».
ومن مؤلفاته رحمه الله: الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف في الكتاب الشريف، اخرجه عام 1913م، رد فيه على القس الانجليزي (كولدساك) الذي طعن القرآن الكريم ونقص من شأن الاسلام، فأتى الشيخ على مزاعمه فهدمها من أساسها، وظل يتابع حملاته على كتاب هذا القس حتى صودر. ومن مؤلفاته النادرة رسالة في تفسير قوله تعالى:
{«لََا يُسْئَلُ عَمََّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ»} لم يتقيد فيها بما قاله المفسرون، بل ذهب فيها كل مذهب، وتصرف فيها كل متصرف، ودعا فيها علماء المسلمين شرقا وغربا للاجتماع والتشاور لاستنباط أسرار القرآن قبل ان يتهددهم الخطر ومنها رسالة في علم الوضع، اخرجها عام 1917م وقد نالت الجائزة الاولى من لجنة فحص الكتب العلمية ومنها مذكراته في الرد على كتاب الإسلام وأصول الحكم، وكلماته في السلفيات الحاضرة، وقد طبع هذه الكلمات علماء دمشق ونشرت هناك ومنها صواعق من نار في الرد على صاحب المنار. ومنها هداية العباد الى طريق الرشاد. جمع فيه من محاسن الدين الإسلامي الشيء الكثير، وقد انفرد فيه بأشياء لم يسبقه بها غيره. ومنها كتاب رسائل السلام ورسل الإسلام، انتهى من تأليفه عام 1922م على أثر تكليف مشيخة الأزهر له بإخراجه بمناسبة اعتناق الألوف المؤلفة من أهل أوروبا وأمريكا، الدين الإسلامي، وقد ترجمته مشيخة الأزهر باللغة الإنجليزية وطبع بالمطبعة الاميرية، وأرسل الى الجهات النائية.
وقد وجهت صحيفة الاهرام الغراء في نهاية عام 1939م نصحها وارشادها الى زعيمي دول المحور الهر هتلر والسونيور موسوليني باتباع ما جاء بهذا الكتاب والعمل بالتعاليم الموجودة بين دفتيه، إذ انها تدعو للوئام والسلام. ولا يفوتنا أن نذكر في هذه الكلمة ما كان يقوم به من المحاضرات
العلمية في تفسر آي الذكر الحكيم، وحديث النبي الكريم، عقب صلاة الفجر بالرواق العباسي بالأزهر، وكان جلة العلماء، ومثقفو الطلبة حريصين على تلقي هذه المحاضرات، للارتشاف من منهل الامام الكوثر العذب، يبادرهم اليها، سيادة السيد المجددي، وزير الافغان المفوض بمصر سابقا، وقد كتب بعض المستشرقين عند استماعه هذه المحاضرات، مقالات ممتعة، نشرتها صحف فرنسا بعنوان (سبنسر وباكون، في الأزهر الشريف) الخ.(2/53)
وقد وجهت صحيفة الاهرام الغراء في نهاية عام 1939م نصحها وارشادها الى زعيمي دول المحور الهر هتلر والسونيور موسوليني باتباع ما جاء بهذا الكتاب والعمل بالتعاليم الموجودة بين دفتيه، إذ انها تدعو للوئام والسلام. ولا يفوتنا أن نذكر في هذه الكلمة ما كان يقوم به من المحاضرات
العلمية في تفسر آي الذكر الحكيم، وحديث النبي الكريم، عقب صلاة الفجر بالرواق العباسي بالأزهر، وكان جلة العلماء، ومثقفو الطلبة حريصين على تلقي هذه المحاضرات، للارتشاف من منهل الامام الكوثر العذب، يبادرهم اليها، سيادة السيد المجددي، وزير الافغان المفوض بمصر سابقا، وقد كتب بعض المستشرقين عند استماعه هذه المحاضرات، مقالات ممتعة، نشرتها صحف فرنسا بعنوان (سبنسر وباكون، في الأزهر الشريف) الخ.
أما ناحيته العملية، فتتمثل فيما قام به من تأليف الجمعيات الإصلاحية الدينية، التي منها جمعية النهضة الإسلامية لمناهضة المبشرين الذين استشرى فسادهم، وعم ضررهم حتى ضجت البلاد من شرهم، فكانت جمعية موفقة أدت واجبها خير أداء، وانتشرت فروعها في جميع الانحاء، فوقفت هذا التيار الجارف. ومنها الجمعية العظمى لمساعدة منكوبي حرب الأناضول، بمناسبة الحرب التركية اليونانية، وأسندت رئاستها إليه اول مرة، وبمناسبة تأسيسه لها أرسل إليه الخليفة عبد المجيد كتاب شكر وثناء وتقدير. ولم يقتصر نشاط الشيخ على ما تقدم، بل لم يلهه الجهاد العلمي عن الجهاد الوطني، فكانت له مواقفه المشهودة في خدمة أهداف البلاد الوطنية، ومن تلك المواقف احتجاجه لدى العميد الإنجليزي على اعتقال المرحوم الزعيم الخالد سعد زغلول وصحبه المجاهدين المخلصين، اذ قال: «عجبا لسياستكم العتيقة كيف يفوتها أن شدة الضغط تولد الانفجار، وأن تقليم الأشجار لا يزيدها إلا تهيجا ونماء، وأن النفوس الانسانية متى امتلأت بشيء استعذبت الموت في سبيله، ولا تظنوا يا جناب اللورد ان هذه احتجاجات تفوه بها الألسن. وإنما هي قلوب متأججة وأرواح مشتعلة وأعصاب متنبهة، فاعملوا إنا عاملون، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». وقد نشرته الصحف في حينه. ومن مواقفه التي تشهد له بالفخر والاريحية والاقدام والشجاعة، ذلك الكتاب الذي رفعه الى ملك الانجليز طالبا به تخفيف حكم الإعدام الذي صدر على شاب من شباب الأزهر وهو
الشيخ محمد الشافعي البنا وقد استجيب طلبه. كما أن الأستاذ الدجوي كان محاضرا ممتازا تدعوه الجمعيات الاسلامية لإلقاء محاضرات علمية إجتماعية، إلى غير ذلك من مواقفه المجيدة، وأعماله الحميدة.(2/54)
أما ناحيته العملية، فتتمثل فيما قام به من تأليف الجمعيات الإصلاحية الدينية، التي منها جمعية النهضة الإسلامية لمناهضة المبشرين الذين استشرى فسادهم، وعم ضررهم حتى ضجت البلاد من شرهم، فكانت جمعية موفقة أدت واجبها خير أداء، وانتشرت فروعها في جميع الانحاء، فوقفت هذا التيار الجارف. ومنها الجمعية العظمى لمساعدة منكوبي حرب الأناضول، بمناسبة الحرب التركية اليونانية، وأسندت رئاستها إليه اول مرة، وبمناسبة تأسيسه لها أرسل إليه الخليفة عبد المجيد كتاب شكر وثناء وتقدير. ولم يقتصر نشاط الشيخ على ما تقدم، بل لم يلهه الجهاد العلمي عن الجهاد الوطني، فكانت له مواقفه المشهودة في خدمة أهداف البلاد الوطنية، ومن تلك المواقف احتجاجه لدى العميد الإنجليزي على اعتقال المرحوم الزعيم الخالد سعد زغلول وصحبه المجاهدين المخلصين، اذ قال: «عجبا لسياستكم العتيقة كيف يفوتها أن شدة الضغط تولد الانفجار، وأن تقليم الأشجار لا يزيدها إلا تهيجا ونماء، وأن النفوس الانسانية متى امتلأت بشيء استعذبت الموت في سبيله، ولا تظنوا يا جناب اللورد ان هذه احتجاجات تفوه بها الألسن. وإنما هي قلوب متأججة وأرواح مشتعلة وأعصاب متنبهة، فاعملوا إنا عاملون، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». وقد نشرته الصحف في حينه. ومن مواقفه التي تشهد له بالفخر والاريحية والاقدام والشجاعة، ذلك الكتاب الذي رفعه الى ملك الانجليز طالبا به تخفيف حكم الإعدام الذي صدر على شاب من شباب الأزهر وهو
الشيخ محمد الشافعي البنا وقد استجيب طلبه. كما أن الأستاذ الدجوي كان محاضرا ممتازا تدعوه الجمعيات الاسلامية لإلقاء محاضرات علمية إجتماعية، إلى غير ذلك من مواقفه المجيدة، وأعماله الحميدة.
كتبت عنه مجلة «هدى الإسلام» تقول: قد وقف (الدجوى) أمام المضللين الذين عرفوا أنفسهم ب (المبشرين) وقفات جبارة أحبطت جميع مساعيهم وحطمت آمالهم القوية من جهتين:
أولا: بكشف أغراضهم وبيان ضلالهم وبطلان عقائدهم ومبادئهم.
ثانيا: بيان صلاحية الشريعة الإسلامية للأزمنة والأمكنة، وأنها الشريعة الكافلة لحياة البشر، وله في ذلك رسائل ومقالات كثيرة تشهد له بفائدتها شدة وقعها في النفوس، ومع ذلك فهو متعقب حركات المضللين وسكناتهم لا يدع لهم حيلة إلا فضحها، وهذه المثابرة أنتجت فكرة المقاومة ويسرت سبيل الغلبة، ولو لم يتداركوا أمرهم ويبدلوا خطتهم القديمة، لما سمعت لهم صوتا في بلاد الإسلام، وعلى كل فالهمم متضافرة والعزائم متعاونة على ملاحقتهم ومكافحة أفكارهم، فللدجوى يد فعالة في كل حركة إسلامية لا تعرف الهوادة واللين، وهو خير مثال للعالم الوقور، وله مؤلفات عديدة تشف عما انطوت عليه نفسه من الحكمة والسياسة الدينية والترغيب فى التدين وتصوير حقائق الإسلام إلى غير ذلك من المباحث القيمة التي انفرد بها، ولا تخلو منها مكتبة عامرة، ومع ذلك فقد كان دائبا على الكتابة والنشر، حريصا على استثمار حياته، والمتتبع له يعتقد اعتقادا جازما بأنه قد جعل حياته كلها وفقا لخدمة الأمة الإسلامية.
وللدجوي أسلوب جذاب في الكتابة، وهذه الجاذبية كما قلنا ليست بنت التصنع والتزويق وإنما من تواضع صاحبها ونوادر المعاني العالية، تتخذ لها القوالب الموافقة، فيأتي المبنى منطبقا على المعنى، وعلى الرغم من ذلك فأسلوبه لا يتبدل مهما تبدلت مواضيعه.
وقد تكون بعض مقالاته فهرس مقالات خصبة ممتعة. فكتاباته كانت أشبه بالإلهام والخواطر بصرف النظر عن بعض الدواعي التي تدعوه إلى الكتابة حتما، وهذا السر في أن كتابة الدجوى تأخذ مفعولا كبيرا في
العقليات لأنها ابتعدت عن التصنع والزخرفة الفارغة، وله قدرة جليلة على حسن الاختيار من بدائع المنقول، فهو يعرف كيف يقتطف لباب الغير وأروع الحوادث من كتب المتقدمين وكذلك يعرف كيف يختار لها المناسبة ويعطيها اللائق بها، فكثير من الناس لا يعرفون كيف يستفيدون من تلك العبر والحوادث وهي بين أيديهم، فلا غرابة اذا هم لم يفيدوا بها وإذا فهموها فربما سولت لهم أنفسهم أن يستغلوا تأويلها في مآربهم الخاصة كما جرى على هذه الطريقة كثير من تجار النفاق. وأنت إذا قرأت منقول الدجوى، اطمأنت نفسك اليه وارتاحت من عناء البحث والتنقيب وتعقيب المطولات، فإنه إذا نقل حفظ الامانة وأشار الى خلافها كما أنه يبنى عليه المعقول البديع الذي يخلب الألباب، وينادم الأفكار الحرة المجردة من قيود التعصب الأعمى والتقليد الطائش، وتكاد تلمس تحكمه في معقوله تحكما ينطبق على الواقع ويلائم الأحوال.(2/55)
وقد تكون بعض مقالاته فهرس مقالات خصبة ممتعة. فكتاباته كانت أشبه بالإلهام والخواطر بصرف النظر عن بعض الدواعي التي تدعوه إلى الكتابة حتما، وهذا السر في أن كتابة الدجوى تأخذ مفعولا كبيرا في
العقليات لأنها ابتعدت عن التصنع والزخرفة الفارغة، وله قدرة جليلة على حسن الاختيار من بدائع المنقول، فهو يعرف كيف يقتطف لباب الغير وأروع الحوادث من كتب المتقدمين وكذلك يعرف كيف يختار لها المناسبة ويعطيها اللائق بها، فكثير من الناس لا يعرفون كيف يستفيدون من تلك العبر والحوادث وهي بين أيديهم، فلا غرابة اذا هم لم يفيدوا بها وإذا فهموها فربما سولت لهم أنفسهم أن يستغلوا تأويلها في مآربهم الخاصة كما جرى على هذه الطريقة كثير من تجار النفاق. وأنت إذا قرأت منقول الدجوى، اطمأنت نفسك اليه وارتاحت من عناء البحث والتنقيب وتعقيب المطولات، فإنه إذا نقل حفظ الامانة وأشار الى خلافها كما أنه يبنى عليه المعقول البديع الذي يخلب الألباب، وينادم الأفكار الحرة المجردة من قيود التعصب الأعمى والتقليد الطائش، وتكاد تلمس تحكمه في معقوله تحكما ينطبق على الواقع ويلائم الأحوال.
ولع بالعلوم الدينية صغيرا ولم يكن ولعه مقصورا على الكسب والدرس، بل أفسح لدماغه التجول والمناقشة والنقد للرواية والدراية فظهر نبوغه بين أقرانه ورمقته عيون الحاسدين فلم تنل منه شيئا إنما زادته جرأة وحرية أوسع، ثم جمع بين العلم والزمان فرأى مفهوم العلم عند بعض الناس يناقض حاجة العصر. حيث إن بعض العلماء عاجزون عن التوفيق بينهما وذلك لأن فهمهم استمد من حالات قديمة تختلف كل الاختلاف عن الأحوال الراهنة. وقب، أما اليوم فليحارب وليثبت ولهذا كان (الدجوي) يسعى في التوفيق ليوحد رأي العلماء ويكون منهم جبهة مناضلة بقوة العلم الحقيقي، ليقضوا على الأدعياء الكاذبين، فهو بطل العلم وحامل لواء نهضته.
هذه ناحية من جهاده تريك تأثيره القوي وما كان له من الكلمة النافذة في حياته عند المفكرين والجماهير.
الشيخ عبد الحكم عطا
كان مولده سنة 1865في «نواى ملوى أسيوط» من أسرة كريمة، فوالده المرحوم الشيخ عطا عبد الفتاح كان عالما جليلا مشهورا بالتقوى،
والعلم والجرأة في الحق، وله مقام عظيم لدى الكبراء والعظماء، وكان المرحوم محمد باشا سلطان يجل الشيخ ويحترمه، حتى ألح عليه في الانتقال من بلدته. والاقامة في «بني أحمد بالمنيا» فاستجاب دعوته.(2/56)
كان مولده سنة 1865في «نواى ملوى أسيوط» من أسرة كريمة، فوالده المرحوم الشيخ عطا عبد الفتاح كان عالما جليلا مشهورا بالتقوى،
والعلم والجرأة في الحق، وله مقام عظيم لدى الكبراء والعظماء، وكان المرحوم محمد باشا سلطان يجل الشيخ ويحترمه، حتى ألح عليه في الانتقال من بلدته. والاقامة في «بني أحمد بالمنيا» فاستجاب دعوته.
وتوارث آل سلطان باشا حب أبناء الشيخ وإكبارهم. وفي بلدة بني أحمد.
كان الشيخ عطا، يلقي دروسه لأبناء الأعيان. وقد تتلمذ له ولده الناشىء «عبد الحكيم» حتى إذا كانت سنة 1879أرسله إلى الأزهر فأخذ عن العلماء الاعلام وابتدأ نجمه يتألق بين طلاب العلم في الأزهر.
وقد حصل على العالمية الممتازة، سنة 1895ولفت الأنظار عامئذ، إلى كفاءته وذكائه وعلمه، وأشادت بذكره صحافة العهد. ثم اتخذ مكانة بين المدرسين في الأزهر، فعمرت دروسه، وغصت بالمئات من تلاميذه، المعجبين به، الناهلين من علمه. ومكث يدرس في الأزهر قرابة الثلاثين عاما، ورفض غير مرة. أن يلي الوظائف، وصدف عن التنعم في بحبوحة المرتبات. متلذذا بخدمة العلم وتخريج العلماء. حتى عرض عليه أستاذه المرحوم أبو الفضل، بإلحاح، مشيخة القسم الثانوي سنة 1920فخضع لأمر شيخه، ومن وقتئذ بدأ حياته الادارية، فولي مشيخة القسم الثانوي والقسم العالي، وجمع بينهما في بعض الأوقات.
وفي سنة 1928، في عهد مشيخة الشيخ المراغى الأولى، عين شيخا لمعهد أسيوط، فبقي به سنة. ثم نقل الى معهد الزقازيق عام 1930، وقد أحيل إلى المعاش بعد حين. وكان من العلماء المقدمين، في هيئة كبار العلماء، وهو بحق شيخ الشيوخ بلا مراء لكثرة من أخذ عنه من الأساتذة
والشيخ أحمد حميدة شيخ معهد أسيوط اليوم، كان امتحانه في العالمية من ثلاثين عاما امام الشيخ عبد الحكم. ولقد كان في علمه دائرة معارف اسلامية أزهرية، فقد حفظ كتاب الله، وفهم دقائقه، واستوعب كتب السنة، وألم بالكتب الأزهرية صغيرها وكبيرها، متونها وشراحها وحواشيها، إلماما عجيبا، كأنه استظهرها عن ظهر قلب. وذلك راجع إلى قوة عقله، وشدة ذكائه وجلده وصبره على البحث والدرس.(2/57)
وفي إداراته، كان مثال الإخلاص، كل همه أن يتجه الأساتذة والطلاب، بكليتهم، نحو الثقافة الأزهرية الصميمة، وأن يجعلوا وقتهم بأجمعه وقفا على تحصيل العلم، لذلك كانت نتائج معاهده في مقدمة النتائج.
أما خلقه وتقاه، فكان فيهما على سنن السلف الصالح، لا يعرف مداجاة هذا العصر، ولا رياءه. ديدنه الصدق والصراحة، والتواضع والحلم، والعطف على المحتاجين وبعد حياة حافلة، عامرة بالخير، لقي الله في 10ذي الحجة سنة 1351هـ (1932) وصلى عليه بالأزهر، واستقر جثمانه هنالك، في جوار العلماء والصالحين، بقرافة المجاورين. ولم يعقب، الشيخ رحمه الله أبناء، ولكنه ترك ثلات بنات أصهر بهن في حياته، إلى الشيخ محمد علي سلامة، المدرس بكلية أصول الدين، والشيخ قطب أبو العلا المدرس بالمدارس الثانوية، ومحمود افندي حسن من أعيان تله المنيا. وقد قرت عينه بأسباطه قبل وفاته، ومنهم الأستاذ محمود محمد سلامه، والمهندس عزت بالهندسة، وغيرهما.
الشيخ محمود الديناري
كان مولده في «قاي بني سويف» سنة 1875، وبين ربوعها نشأ وحفظ القرآن الكريم، ثم مكث سنة في طنطا يجود حفظه وقراءته، وفي سنة 1888ألحق بالأزهر الشريف وبقي ينهل العلم من أعذب مناهله، حتى سنة 1904وفيها نال العالمية، بدرجة ممتازة.
وفي هذه السنة عين مدرسا في الأزهر، ثم اختير مدرسا بمعهد الاسكندرية ليكون من حراس النظام الناشىء بها. واستمر به إلى سنة 1911ثم نقل مراقبا للقسم النظامي الجديد بالأزهر، فكان عونا وظهيرا للاستاذ الشيخ محمد شاكر على تركيز النظام. وفي سنة 1920عين شيخا للقسم الأولى، فعضوا في مجلس إدارة الأزهر، ثم أضيفت إليه مشيخة القسم المؤقت، وفي سنة 1925عين شيخا للقسم العالي، ثم اختير مفتشا
للمعاهد الدينية عام 1928في عهد الأستاذ الشيخ المراغى.(2/58)
وفي هذه السنة عين مدرسا في الأزهر، ثم اختير مدرسا بمعهد الاسكندرية ليكون من حراس النظام الناشىء بها. واستمر به إلى سنة 1911ثم نقل مراقبا للقسم النظامي الجديد بالأزهر، فكان عونا وظهيرا للاستاذ الشيخ محمد شاكر على تركيز النظام. وفي سنة 1920عين شيخا للقسم الأولى، فعضوا في مجلس إدارة الأزهر، ثم أضيفت إليه مشيخة القسم المؤقت، وفي سنة 1925عين شيخا للقسم العالي، ثم اختير مفتشا
للمعاهد الدينية عام 1928في عهد الأستاذ الشيخ المراغى.
وفي ديسمبر سنة 1929عين شيخا لمعهد أسيوط، فظهر فيه حزمه وكفايته، وسار المعهد في عهده سيرا حميدا، وأحبه الأساتذة والطلاب جميعا، وظهرت في المعهد روح الجد والنظام. وفي ديسمبر سنة 1930 زار الملك فؤاد أسيوط ووضع الحجر الاساسي في بناء المعهد الجديد، وكان الشيخ موضع رعايته.
وفي يونية سنة 1931نقل شيخا لمعهد طنطا، فعالج الروح الثائرة في الطلاب بحكمته، ثم عني بإنشاء جمعيات المحافظة على القرآن الكريم، في طنطا وما حواليها. حتى جعلها في مقدمة جمعيات القطر، موردا وإنتاجا.
وفي سنة 1934قدم رسالة في (البلاغة)، عين على إثرها عضوا في جماعة كبار العلماء، وفي سنة 1936أنعم عليه بكسوة التشريفة الأولى.
ولقد كان من المشهود لهم، بالقوة في العلم، والدقة في الادارة، كما عرف بالدهاء وحسن السياسة، وهو كفء قليل النظير، تتجلى كفاءته في كل عمل يسند إليه، وهو مع ذلك رجل يقدر الناس رجولته ويعجبون بها، ويجلونه، ويحبونه وجمهرة كبيرة، من أساتذة الأزهر والمعارف ورجال القضاء، مدينون للشيخ، بالأستاذية، عارفون فضله حافظون عهده ثم استجاب نداء ربه، بعد هذا الجهاد المبرور، في فجر يوم الجمعة 27 رمضان سنة 1355هـ (ديسمبر سنة 1936) بمدينة طنطا، ثم نقل جثمانه الطاهر إلى القاهرة، حيث هدأ هدأة الخلود، في قرافة المجاورين، في ظلال من رضوان الله.
الشيخ محمد سليمان السرتي
عين مدرسا بالمعاهد، عام 1907، وتنقل بين وظائف التدريس والمراقبة، حتى عين شيخا لمعهد دسوق، فبقي فيه بضع سنين. وفي 12
يونيه 1931عين شيخا لمعهد أسيوط، وهو الذي جمع الدراسة من الدور المتفرقة. إلى مكان واحد، هو المدرسة الابتدائية القديمة، وبفضله ابتدأ العلم في بناء المعهد الجديد، بعد تعطيله، وفي عهده انتقل المعهد من تلك الأماكن المستأجرة، لدراسته وإدارته، إلى ذلك الصرح المشيد، المشرف على نهر النيل، وله بأسيوط مواقف مشهودة، في الغيرة على الدين، ومن أجمل آثاره، جمعية المحافظة على القرآن الكريم، فقد أسسها وتعهدها، حتى نمت وترعرعت والمدرسة الإسلامية الابتدائية بأسيوط التي أنشأها المؤلف لن تنسى تشجيعه لها، وفضله عليها، وكانت له صلات طيبة بالأهلين، وكلهم محب له، معجب بصراحته، وجراءته، وفصاحة منطقه، وكثيرا ما كان يخطب الناس في المساجد، والمحافل، في الشئون الاجتماعية الهامة، والحادثات الإسلامية المهمة، وقد نقل شيخا لمعهد الزقازيق، في فبراير سنة 1935، فشيخا لمعهد الاسكندرية، ثم نقل شيخا لمعهد طنطا، وفي طلابها بعض الثورة، فحاول علاجهم، ولكن زمامهم أفلت من يده، فأحيل إلى التقاعد في 19يونيه سنة 1937، وعمره نحو 64سنة.(2/59)
عين مدرسا بالمعاهد، عام 1907، وتنقل بين وظائف التدريس والمراقبة، حتى عين شيخا لمعهد دسوق، فبقي فيه بضع سنين. وفي 12
يونيه 1931عين شيخا لمعهد أسيوط، وهو الذي جمع الدراسة من الدور المتفرقة. إلى مكان واحد، هو المدرسة الابتدائية القديمة، وبفضله ابتدأ العلم في بناء المعهد الجديد، بعد تعطيله، وفي عهده انتقل المعهد من تلك الأماكن المستأجرة، لدراسته وإدارته، إلى ذلك الصرح المشيد، المشرف على نهر النيل، وله بأسيوط مواقف مشهودة، في الغيرة على الدين، ومن أجمل آثاره، جمعية المحافظة على القرآن الكريم، فقد أسسها وتعهدها، حتى نمت وترعرعت والمدرسة الإسلامية الابتدائية بأسيوط التي أنشأها المؤلف لن تنسى تشجيعه لها، وفضله عليها، وكانت له صلات طيبة بالأهلين، وكلهم محب له، معجب بصراحته، وجراءته، وفصاحة منطقه، وكثيرا ما كان يخطب الناس في المساجد، والمحافل، في الشئون الاجتماعية الهامة، والحادثات الإسلامية المهمة، وقد نقل شيخا لمعهد الزقازيق، في فبراير سنة 1935، فشيخا لمعهد الاسكندرية، ثم نقل شيخا لمعهد طنطا، وفي طلابها بعض الثورة، فحاول علاجهم، ولكن زمامهم أفلت من يده، فأحيل إلى التقاعد في 19يونيه سنة 1937، وعمره نحو 64سنة.
الشيخ عبد المجيد اللبان
كان رحمه الله من أمثل العلماء خلقا، وأقواهم دينا، وأصحهم عقيدة، وأرفعهم شخصية، مات وهو في نحو السبعين من عمره، وذلك نحو عام 1940م، وكان يشغل منصب شيخ كلبة أصول الدين، حيث ظل شيخا للكلية منذ إنشائها عام 1932إلى وفاته، وكان مع ذلك عضوا في مجلس الأزهر الأعلى، وعضوا في جماعة كبار العلماء، وعضوا في كثير من اللجان التي ألفت لإصلاح الأزهر، وتعديل مناهج الدراسة فيه، وسوى ذلك، وكان رحمه الله قبل أن يشغل منصب «شيخ كلية أصول الدين» يتولى منصب شيخ القسم العالي في الأزهر. وقد تخرج على يديه آلاف العلماء الذين كانوا يحبونه حب الابن لأبيه، والتلميذ لأستاذه، وعند ما بدأ لأول مرة امتحان أقسام الأستاذية في الأزهر، التي تعد خريجيها للتدريس في الكليات
الأزهرية، كانت لجان الامتحان برياسة ثلاثة شيوخ من كبار الشيوخ في الأزهر، وهم الاستاذ الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي، والشيخ عبد المجيد اللبان، أجزل الله لهما مثوبته، والأستاذ الأكبر الشيخ ابراهيم حمروش اطال الله في حياته، وكانت للشيخ اللبنان رحمه الله مواقف محمودة، وذكريات لا تنسى، وكانت عصبية المراغى رحمه الله تناهضه، لأنها كانت تعتقد أن الشيخ يعمل ليكون شيخ الأزهر المرتقب بعد المراغى. وكان الشيخ اللبان يحرص كل الحرص على أن يبقى للأزهر تقاليده ومقوماته وخصائصه، وكان يرى ان الطفرة في الاصلاح قد تؤدي إلى نكسة، ولذلك كان خير عماد للأزهر في تطوره، وملاذا لشيوخه الحذرين الخائفين من نتائج الطفرة والسرعة.(2/60)
كان رحمه الله من أمثل العلماء خلقا، وأقواهم دينا، وأصحهم عقيدة، وأرفعهم شخصية، مات وهو في نحو السبعين من عمره، وذلك نحو عام 1940م، وكان يشغل منصب شيخ كلبة أصول الدين، حيث ظل شيخا للكلية منذ إنشائها عام 1932إلى وفاته، وكان مع ذلك عضوا في مجلس الأزهر الأعلى، وعضوا في جماعة كبار العلماء، وعضوا في كثير من اللجان التي ألفت لإصلاح الأزهر، وتعديل مناهج الدراسة فيه، وسوى ذلك، وكان رحمه الله قبل أن يشغل منصب «شيخ كلية أصول الدين» يتولى منصب شيخ القسم العالي في الأزهر. وقد تخرج على يديه آلاف العلماء الذين كانوا يحبونه حب الابن لأبيه، والتلميذ لأستاذه، وعند ما بدأ لأول مرة امتحان أقسام الأستاذية في الأزهر، التي تعد خريجيها للتدريس في الكليات
الأزهرية، كانت لجان الامتحان برياسة ثلاثة شيوخ من كبار الشيوخ في الأزهر، وهم الاستاذ الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي، والشيخ عبد المجيد اللبان، أجزل الله لهما مثوبته، والأستاذ الأكبر الشيخ ابراهيم حمروش اطال الله في حياته، وكانت للشيخ اللبنان رحمه الله مواقف محمودة، وذكريات لا تنسى، وكانت عصبية المراغى رحمه الله تناهضه، لأنها كانت تعتقد أن الشيخ يعمل ليكون شيخ الأزهر المرتقب بعد المراغى. وكان الشيخ اللبان يحرص كل الحرص على أن يبقى للأزهر تقاليده ومقوماته وخصائصه، وكان يرى ان الطفرة في الاصلاح قد تؤدي إلى نكسة، ولذلك كان خير عماد للأزهر في تطوره، وملاذا لشيوخه الحذرين الخائفين من نتائج الطفرة والسرعة.
وكان اللبان مكانة كبيرة عند الحكام، ومنزلة عظيمة لدى أولياء الأمور، وكانوا يستشيرونه دائما في أمور الأزهر وإصلاحه، ولما تولى المراغى مشيخة الأزهر لثاني مرة، وأقيمت حفلة لتكريمه في 3يوليو 1935، كان الشيخ اللبان رئيس لجنة الاحتفال وكان في مطلع كل عام دراسي يستقبل اليوم الأول بخطبة بليغة يلقيها على الطلاب والأستاذة، يضمنها نصائحه وتجاربه وخبرته الواسعة.
وقد بدأ الشيخ حياته العلمية بعد تخرجه من الأزهر الشريف مدرسا في معهد الاسكندرية الديني، حيث مكث مدة طويلة، كان فيها محبوبا مكرما من الشعب والحكام والمسئولين، ودارت الأيام حتى أصبح شيخا للقسم العام فشيخا لكلية أصول الدين، إلى أن توفي رحمه الله تاركا ذكريات أزهرية طيبة لا تنسى على مر الأيام.
الشيخ عبد الوهاب النجار
درس في الأزهر وتخرج في مدرسة القضاء الشرعي وعمل مدرسا في وزارة المعارف المصرية. وقد غضب عليه وزير المعارف فنقله من مدرسة عابدين إلى مدرسة أسوان، وهو مدرس حديث العهد بالوظيفة إثر اشتراكه
في جمعية مكارم الأخلاق الاسلامية فاستقال من وظيفته. وسافر بعد فترة إلى السودان مدرسا في كلية غرودن، ثم عاد إلى مصر فعين بمدرسة البوليس والإدارة بعد فترة قضاها في المحاماة، ثم اختير مدرسا بمدرسة دار العلوم إلى أن أحيل إلى المعاش، ثم عين ناظرا لمدرسة عثمان باشا ماهر وندب مدرسا بكلية أصول الدين. وهو في جميع هذه الوظائف كان الداعي إلى الدين بالبرهان الساطع، والبيان الناصع، الواقف لأعدائه بالمرصاد يرد كيدهم ويبطل سعيهم. وقلما وجد منبر من منابر الدعوة الإسلامية إلا كان الشيخ من أبطاله. وأبرز ما في تاريخ الشيخ اشتراكه في جمعية الشبان المسلمين، ونهوضه بجزء عظيم من عملها العلمي والإداري عضوا فوكيلا، ثم سفره إلى الهند بعد بعثة أزهرية لدراسة أحوال المسلمين وغيرهم هناك، وتمكين الروابط بين مسلمي الهند وطوائفهم، وللشيخ في التأليف العلمي آثار قيمة: فله كتاب (قصص الأنبياء) وهو كتاب استقصى فيه قصص الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن وغيره وجرده مما علق بها من ضلالات وأوهام.(2/61)
درس في الأزهر وتخرج في مدرسة القضاء الشرعي وعمل مدرسا في وزارة المعارف المصرية. وقد غضب عليه وزير المعارف فنقله من مدرسة عابدين إلى مدرسة أسوان، وهو مدرس حديث العهد بالوظيفة إثر اشتراكه
في جمعية مكارم الأخلاق الاسلامية فاستقال من وظيفته. وسافر بعد فترة إلى السودان مدرسا في كلية غرودن، ثم عاد إلى مصر فعين بمدرسة البوليس والإدارة بعد فترة قضاها في المحاماة، ثم اختير مدرسا بمدرسة دار العلوم إلى أن أحيل إلى المعاش، ثم عين ناظرا لمدرسة عثمان باشا ماهر وندب مدرسا بكلية أصول الدين. وهو في جميع هذه الوظائف كان الداعي إلى الدين بالبرهان الساطع، والبيان الناصع، الواقف لأعدائه بالمرصاد يرد كيدهم ويبطل سعيهم. وقلما وجد منبر من منابر الدعوة الإسلامية إلا كان الشيخ من أبطاله. وأبرز ما في تاريخ الشيخ اشتراكه في جمعية الشبان المسلمين، ونهوضه بجزء عظيم من عملها العلمي والإداري عضوا فوكيلا، ثم سفره إلى الهند بعد بعثة أزهرية لدراسة أحوال المسلمين وغيرهم هناك، وتمكين الروابط بين مسلمي الهند وطوائفهم، وللشيخ في التأليف العلمي آثار قيمة: فله كتاب (قصص الأنبياء) وهو كتاب استقصى فيه قصص الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن وغيره وجرده مما علق بها من ضلالات وأوهام.
وله كتاب «تاريخ الخلفاء الراشدين». وله غيرهما آثار دينية وأدبية وتاريخية، حفلت بها المجلات والصحف طول حياته (1)، وتوفي رحمه الله في 19 19417.
الشيخ عبد الرحمن الجزيري
كان بعيد الأثر في الاصلاح الديني والتهذيب العلمي. فقد كان مما اضطلع به وظيفة التفتيش على الأئمة والخطباء بمساجد الأوقاف، في عهد ساءت فيه حال الخطابة الدينية بالمساجد، وشكا الناس من طريقة إلقائها، وضيق موضوعاتها، التي كانت تدور غالبا حول النهي عن السرقة وشهادة الزور وتحريم الربا وشرب الخمر. فما زال الشيخ يلاحظ ويرشد حتى استطاع ان يخرج الخطابة عن هذا المحيط الضيق، ويجعلها تلمس حياة الناس وما يجري بينهم، مما ينغص الحياة ويبعد من الله. ثم أحيل إلى المعاش فندب في كلية أصول الدين مدرسا بها تقديرا لعلمه وفضله. وقد
__________
(1) من كلمه للأستاذ ابي الوفا المراغى نشرت في مجلة الأزهر(2/62)
يستطيع أحد تلاميذه، وهم كثير، أن يتحدث عن كفاية الشيخ وإخلاصه وإتقانه لعلمه.
وللشيخ في ناحية التأليف العلمي امتياز خاص، فقد كان كثير الانتاج في تحقيق وتدقيق ومن يقرأ «كتاب الفقه على المذاهب الأربعة» وهو في أربعة مجلدات، يعجب لمواهب الشيخ في هذا الباب، ويدهش كيف واتته الفرصة على أن يقرأ الفقه في المذاهب الأربعة ثم يجمع ويهذب ويكتب.
وللشيخ غير هذا الكتاب كتب كثيرة منها: أدلة اليقين، وتوضيح العقائد، والأخلاق. هذا عدا ما للشيخ من مقالات نشرت في مناسباتها بالصحف والمجلات (1).
الشيخ محمد عبد الله أبو النجا
كان المرحوم الشيخ محمد عبد الله أبو النجا من أفذاذ العلماء، ومن أمثلهم خلقا ودينا وورعا، وحجة ثبتا في علوم الدين والعربية، وكان يسيطر على قلوب تلامذته ومريديه: بأدبه الجم، وتواضعه المأثور، وصلاحه النادر، وعفة لسانه، وقوة بيانه، وشجاعته في قول الحق والجهر به. وكانت محاضراته ودروسه في كلية اللغة في النحو والصرف وأصول الفقه والحديث والتفسير وغيرها ميدانا لتسابق العقول، وشحذ الملكات، وتربية المواهب. ولا يزال إخوانه وأبناؤه في العلم يذكرون ذلك بالوفاء والتقدير وعرفان الجميل. أية موهبة كان يضمها إهابه، وأي دين كان ينطوي عليه قلبه، وأي عقل كنا نعتز بالانصات لتفكيره والتأدب بأدبه. كان رحمه الله من خيار أساتذته في طلب العلم: والده المغفور له الشيخ عبد الله أبو النجا، العالم الكبير، والأزهري النابغة، الذي اختير للتدريس بمعهد الاسكندرية الديني (19221908م)، وعند إنشاء أقسام التخصص في الأزهر اختير لتدريس الفقه والأصول فيها. وكان من خيار شيوخه في الله: العارف بالله الشيخ منصور أبو هيكل، وولده الشيخ عثمان، وقد وصل عليهما الشيخ،
__________
(1) من كلمة للأستاذ ابي الوفا المراغى عنه نشرت في مجلة الأزهر(2/63)
والشيخ عبد الخالق الشبراوي الذي كان ملازما له، والشيخ عبد الحميد ابراهيم. وسواهم من أولى الصلاح والولاية.
وكانت لذة البحث والعلم عند الشيخ واضحة جلية في جميع أطواره، فكان يلازم والده في غدواته وروحاته، ويناقشه في مسائل العلم والدين حتى حين تناول الطعام وفي أوقات الراحة، وكثيرا ما كانت تعقد الندوات العلمية في منزل والده فيشترك فيها سامعا ومناقشا.
وقد ولد رحمه الله عام 1897في قرية «كفر عيسى» من بلاد مركز فاقوس ونال العالمية بتفوق كبير عام 1925م.
ثم عين مدرسا في المعهد الابتدائي، ونقل للتدريس في المعاهد الثانوية ثم مدرسا في كلية اللغة العربية منذ إنشائها عام 1931، إلى أن نقل وكيلا لمعهد القاهرة، فمفتشا بالأزهر، فوكيلا لكلية اللغة العربية.
وفي 8مارس عام 1949شعر الفقيد الكبير بتعب واجهاد، فاستراح في منزله يومين استأثرت به بعدهما رحمة الله تعالى في 10مارس سنة 1949، فخسرت كلية اللغة العربية بوفاته علما من أعلامها، وركنا من أقوى أركانها، وأذهلت لوعة المصاب فيه عقول تلامذته ومريديه وعارفي فضله.
فرحمة الله رحمة واسعة، وجزاه على ما قدم من صالحات خير الجزاء.
وللشيخ كتاب في علم أصول الفقه، يجمع صواب الرأي ودقة الملاحظة وعمق الدراسة، وقوة الملكة. وكان شيخنا رحمة الله يدرس هذا العلم وهذا الكتاب.
محمود أبو العيون
طويت بوفاة أبي العيون صفحة خالدة من الإيمان والحماسة والكفاح والوطنية ووري الرجل في ومسه، وفقدنا فيه أمة في رجل، ومصلحا قل أن يجود بمثله الزمان. كان أبو العيون مضرب الأمثال في الغيرة الدينية، والجهاد
الوطني، وحب الإصلاح وكانت الصحف والمجلات تتسابق إلى أحاديثه في مختلف المناسبات، وكان في الأزهر ركنا من أركانه، وعلما من أعلامه، أحبه الجميع، وقدروا فيه العفة والنزاهة وطيبة القلب وحلاوة اللسان.(2/64)
طويت بوفاة أبي العيون صفحة خالدة من الإيمان والحماسة والكفاح والوطنية ووري الرجل في ومسه، وفقدنا فيه أمة في رجل، ومصلحا قل أن يجود بمثله الزمان. كان أبو العيون مضرب الأمثال في الغيرة الدينية، والجهاد
الوطني، وحب الإصلاح وكانت الصحف والمجلات تتسابق إلى أحاديثه في مختلف المناسبات، وكان في الأزهر ركنا من أركانه، وعلما من أعلامه، أحبه الجميع، وقدروا فيه العفة والنزاهة وطيبة القلب وحلاوة اللسان.
ولد رحمه الله عام 1882من أسرة كريمة، عرفت بالورع والتقوى والعلم، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر ونال العالمية عام (1326هـ 1908م). وعين مدرسا بمدرسة ابتدائية، ثم اختير للتدريس في الأزهر عام 1909. وبدأت قصة كفاحه منذ عام 1912م حين قامت الحرب الطرابلسية وكتب في ثورتنا الوطنية سنة 1919م وما بعدها أروع الصفحات وأكرم الآيات. وقد اتجه إلى الرذائل الاجتماعية يحاربها، فأعلن الحرب على البغاء والخمر، وعلى المجون، وعلى التبذل والاستهتار في المصايف والشواطىء. وكان أبو العيون كثير الاعتزاز بكرامته، ولا نزال نذكر بالفخر قصة خطف احد رجال البوليس لعمامته. دون أن يعرف شخصيته، أثناء حصار المعهد الأزهري الديني عام 1946، واحتجاجه المشهور على رئيس الوزراء، وإنذاره له بان طربوش رئيس الوزراء بعمامة أبي العيون، واعتذار رئيس الحكومة له وكان النقراشي باشا في مأدبة غداء أقامها لهما أحمد عبد الغفار باشا ولأبي العيون كتب قيمة في تاريخ مصر والإسلام، تدرس في الأزهر. وله مقالات وبحوث مشهورة. في محاربة البغاء جمعها في مؤلفات وقبيل وفاته نشرت مجلة «إلا خمسة» الجامعية حديثا وطنيا بعنوان «دم الانجليز الذين يحاربوننا في القنال غير معصوم» رحم الله أبا العيون، لقد كان رجلا، وكان بطلا، وكان مؤمنا بربه ودينه، وكان من الخالدين. تخرج الشيخ في الأزهر عام 1909، وعمل مدرسا بوزارة المعارف، ثم نقل إلى الأزهر وتقلب في وظائفه، واشترك في الثورة المصرية عام 1919وحكم عليه بالسجن، وعين بعد الثورة مفتشا بالأزهر، ثم اختير عام 1935شيخا لمعهد أسيوط، ونقل في 19مايو 1935شيخا لمعهد الزقازيق، ثم نقل بعد سنوات شيخا لمعهد طنطا، فالإسكندرية، ثم اختير سكرتيرا عاما للأزهر، وتوفي عليه رحمة الله في 28
صفر 1371هـ 20نوفمبر عام 1951م، وهو من مواليد دشلوط مركز ديروط من أعمال مديرية أسيوط ومواقفه في محاربة البغاء والسفور والعرى على الشواطىء مشهورة.(2/65)
ولد رحمه الله عام 1882من أسرة كريمة، عرفت بالورع والتقوى والعلم، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر ونال العالمية عام (1326هـ 1908م). وعين مدرسا بمدرسة ابتدائية، ثم اختير للتدريس في الأزهر عام 1909. وبدأت قصة كفاحه منذ عام 1912م حين قامت الحرب الطرابلسية وكتب في ثورتنا الوطنية سنة 1919م وما بعدها أروع الصفحات وأكرم الآيات. وقد اتجه إلى الرذائل الاجتماعية يحاربها، فأعلن الحرب على البغاء والخمر، وعلى المجون، وعلى التبذل والاستهتار في المصايف والشواطىء. وكان أبو العيون كثير الاعتزاز بكرامته، ولا نزال نذكر بالفخر قصة خطف احد رجال البوليس لعمامته. دون أن يعرف شخصيته، أثناء حصار المعهد الأزهري الديني عام 1946، واحتجاجه المشهور على رئيس الوزراء، وإنذاره له بان طربوش رئيس الوزراء بعمامة أبي العيون، واعتذار رئيس الحكومة له وكان النقراشي باشا في مأدبة غداء أقامها لهما أحمد عبد الغفار باشا ولأبي العيون كتب قيمة في تاريخ مصر والإسلام، تدرس في الأزهر. وله مقالات وبحوث مشهورة. في محاربة البغاء جمعها في مؤلفات وقبيل وفاته نشرت مجلة «إلا خمسة» الجامعية حديثا وطنيا بعنوان «دم الانجليز الذين يحاربوننا في القنال غير معصوم» رحم الله أبا العيون، لقد كان رجلا، وكان بطلا، وكان مؤمنا بربه ودينه، وكان من الخالدين. تخرج الشيخ في الأزهر عام 1909، وعمل مدرسا بوزارة المعارف، ثم نقل إلى الأزهر وتقلب في وظائفه، واشترك في الثورة المصرية عام 1919وحكم عليه بالسجن، وعين بعد الثورة مفتشا بالأزهر، ثم اختير عام 1935شيخا لمعهد أسيوط، ونقل في 19مايو 1935شيخا لمعهد الزقازيق، ثم نقل بعد سنوات شيخا لمعهد طنطا، فالإسكندرية، ثم اختير سكرتيرا عاما للأزهر، وتوفي عليه رحمة الله في 28
صفر 1371هـ 20نوفمبر عام 1951م، وهو من مواليد دشلوط مركز ديروط من أعمال مديرية أسيوط ومواقفه في محاربة البغاء والسفور والعرى على الشواطىء مشهورة.
وقد أقيمت بدار الشبان المسلمين حفلة تأبين لأبي العيون يوم الجمعة 19511228.
ويقول فيه الأستاذ أبو الوفا المراغى (1): جل مصاب الوطن، وفدحت خسارته فيك، فلقد كنت في الرعيل الأول من المجاهدين لحريته واستقلاله، وجهادك صفحة خالدة في تاريخك، يعرفها المجاهدون الأحرار ويقدرونها لك ويضعونك بها في الصف الأول من المجاهدين الصادقين.
لقد كنت في طليعة العاملين في فجر النهضة الوطنية، عرفتك المنابر العامة في الأزهر وغيره خطيبا مبرزا من خطباء الثورة، واستضافتك السجون كما استضافت غيرك من قادة الثورة ومحركيها، وشاركت في المظاهرات بشخصك، وعرضت نفسك للحراب والرصاص، ولقيت ما يلقى الأحرار من تشريد، وكسب تجار الوطنية ما كسبوا من مال وجاه، ولم تكتسب إلا ما ادخره الله لأمثالك من المجاهدين المخلصين. وكنت بين الأدباء من مواطنيك أديبا ممتازا، واضح الأسلوب مشرق الديباجة، جزل العبارة تصل الى غرضك في لباقة وكياسة، عفا في عبارتك وخصومتك، لم تدنس قلمك بما لا ترضى عنه أصول المناظرة وقواعد الآداب. وها هي ذي جولاتك في مجلات الأدب الراقية، وأنديته الرفيعة تشهد بطول باعك في الأدب وتبريزك في فنونه، وتضعك في الطليعة من أدباء العربية، ولن ننسى لك جزالة أسلوبك وقوة روحك وشخصيتك في مؤلفاتك التاريخية لطلاب المعاهد الدينية، وفي مقالاتك بمحلة الأزهر والهلال وغيرهما من المجلات الراقية ذات الطابع الأدبي الخاص.
__________
(1) مجلة الأزهر. ربيع الأول 1951(2/66)
ومن قصيدة للشيخ عبد الجواد رمضان في رثائه:
شيعوا كواكب التقى والرشاد
وطووا راية الهدى والجهاد
حين قالوا: أبو العيون تردى
فجعت أعين العلا في السواد
قائد مات، والبلاد جنود
تأثرت، ترنو إلى القواد
حرة تنشد الحياة، وتدعو
من بينها، بكل حر مفادى
يا قريع الخطوب في كل هول
يا لواء الكفاح في كل عادى
كيف طاح اللواء، قل لي، متى ط
حت، وما طحت في زحام الجلاد
كم تدرعته عزيزا كريما
خضبت وجهه دماء الأعادي
واقتحمت الصفوف تزخر بالمو
ت، مشيحا، تصيح: تحيا بلادي
في الرعيل السباق من حاملي الع
بء، ومن كل أريحي جواد
نزلت مصر منهمو في السويدا
ء، فهزت نفوسهم للطراد
رفعوا راية الجهاد وهبوا
حين نادى الجهاد. كالآساد
لا يبالون بالحديد وبالنا
ر، وبالموت، في سبيل المراد
لهف نفسي عليك، فارقت مرما
ك، إلى غير رجعة أو معاد
عليكا لهدى والجهاد في يوم منعا
ك، توارى سناهما في الحداد
فعزاء لمصر فيك، إذا أغنى
عزاء لدى الكبود الصوادى
وسلام عليك في جنة الخلد،
مجيدا، من عترة أمجاد
ومن قصيدة لفضيلة الشيخ أحمد شفيع السيد الأستاذ المساعد في كلية اللغة العربية في رثائه أيضا:(2/67)
شيعوا كواكب التقى والرشاد
وطووا راية الهدى والجهاد
حين قالوا: أبو العيون تردى
فجعت أعين العلا في السواد
قائد مات، والبلاد جنود
تأثرت، ترنو إلى القواد
حرة تنشد الحياة، وتدعو
من بينها، بكل حر مفادى
يا قريع الخطوب في كل هول
يا لواء الكفاح في كل عادى
كيف طاح اللواء، قل لي، متى ط
حت، وما طحت في زحام الجلاد
كم تدرعته عزيزا كريما
خضبت وجهه دماء الأعادي
واقتحمت الصفوف تزخر بالمو
ت، مشيحا، تصيح: تحيا بلادي
في الرعيل السباق من حاملي الع
بء، ومن كل أريحي جواد
نزلت مصر منهمو في السويدا
ء، فهزت نفوسهم للطراد
رفعوا راية الجهاد وهبوا
حين نادى الجهاد. كالآساد
لا يبالون بالحديد وبالنا
ر، وبالموت، في سبيل المراد
لهف نفسي عليك، فارقت مرما
ك، إلى غير رجعة أو معاد
عليكا لهدى والجهاد في يوم منعا
ك، توارى سناهما في الحداد
فعزاء لمصر فيك، إذا أغنى
عزاء لدى الكبود الصوادى
وسلام عليك في جنة الخلد،
مجيدا، من عترة أمجاد
ومن قصيدة لفضيلة الشيخ أحمد شفيع السيد الأستاذ المساعد في كلية اللغة العربية في رثائه أيضا:
طويت صحيفة عالم موهوب
قاد الطلائع وهو غير هيوب
ومجاهد في الله حق جهاده
لم يخشى من سجن ولا تعذيب
الثورة الكبرى ذكت نيرانها
ببراعة وبيانه المشبوب
فلو استمعت اليه في عزائها
لرأيت اي مناضل وخطيب
كم ذا يجلجل صوته فيهزنا
كالعاصفات تهز كل قضيب
وتخال من عجب نمير بيانه
نارا تلظى في نهى وقلوب
في كل مجتمع وكل صحيفية
ذوب البراعة من بنان أريب
هو واحد حرس الفضيلة جاهدا
لم يلف من ند له وضريب
يا مذكى العزمات في أبنائه
ومواصل الارشاد بالتهذيب
مترفقا في كل ما يبديه من
نصح بلا لوم ولا تثريب
وشعاره في حكمة: لا تغضبن
لكنه للحق جد غضوب
في كل ناحية ترى آثاره
كالغيث شؤبوبا على شؤبوب
أو في السبعين وهو مجاهد
بذ الشباب بعزمه ودؤوب
الدين أول ثاكل بمكافح
قد كان عدته لكل عصيب
لو كان في الأعلام مثلك داعيا
هان المصاب لثاكل كل محروب
يا من رأى بطل الجلاد مجندلا
في غير ميدان وغير حروب
واها لحدثان الحياة فإنه
يأتي من الأهوال كل غريب
يا يوم نعي (ابي العيون) تركتنا
ريع النهار بحالك غربيب
فالليل ممدود الرواق مخيم
والصبح آذن ضوءه بمغيب
وترى العنادل أمسكت لهواتها
شجنا، وللغربان شر نعيب
لله اي شهادة كتبت له
حين الجهاد فنال خير نصيب
أدى رسالة ربه حتى إذا
هتف الحمام أجاب خير مجيب
هبني يراعك أقض حق مآثر
كالشمس لكن غير ذات غروب
وقد توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 28صفر 1371هـ 20نوفمبر 1951، وشيعت جنازته في اليوم التالي في موكب رهيب إلى الأزهر الشريف. ونعته الأهرام إلى العالم الاسلامي، فقالت:(2/68)
طويت صحيفة عالم موهوب
قاد الطلائع وهو غير هيوب
ومجاهد في الله حق جهاده
لم يخشى من سجن ولا تعذيب
الثورة الكبرى ذكت نيرانها
ببراعة وبيانه المشبوب
فلو استمعت اليه في عزائها
لرأيت اي مناضل وخطيب
كم ذا يجلجل صوته فيهزنا
كالعاصفات تهز كل قضيب
وتخال من عجب نمير بيانه
نارا تلظى في نهى وقلوب
في كل مجتمع وكل صحيفية
ذوب البراعة من بنان أريب
هو واحد حرس الفضيلة جاهدا
لم يلف من ند له وضريب
يا مذكى العزمات في أبنائه
ومواصل الارشاد بالتهذيب
مترفقا في كل ما يبديه من
نصح بلا لوم ولا تثريب
وشعاره في حكمة: لا تغضبن
لكنه للحق جد غضوب
في كل ناحية ترى آثاره
كالغيث شؤبوبا على شؤبوب
أو في السبعين وهو مجاهد
بذ الشباب بعزمه ودؤوب
الدين أول ثاكل بمكافح
قد كان عدته لكل عصيب
لو كان في الأعلام مثلك داعيا
هان المصاب لثاكل كل محروب
يا من رأى بطل الجلاد مجندلا
في غير ميدان وغير حروب
واها لحدثان الحياة فإنه
يأتي من الأهوال كل غريب
يا يوم نعي (ابي العيون) تركتنا
ريع النهار بحالك غربيب
فالليل ممدود الرواق مخيم
والصبح آذن ضوءه بمغيب
وترى العنادل أمسكت لهواتها
شجنا، وللغربان شر نعيب
لله اي شهادة كتبت له
حين الجهاد فنال خير نصيب
أدى رسالة ربه حتى إذا
هتف الحمام أجاب خير مجيب
هبني يراعك أقض حق مآثر
كالشمس لكن غير ذات غروب
وقد توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 28صفر 1371هـ 20نوفمبر 1951، وشيعت جنازته في اليوم التالي في موكب رهيب إلى الأزهر الشريف. ونعته الأهرام إلى العالم الاسلامي، فقالت:(2/69)
طويت صحيفة عالم موهوب
قاد الطلائع وهو غير هيوب
ومجاهد في الله حق جهاده
لم يخشى من سجن ولا تعذيب
الثورة الكبرى ذكت نيرانها
ببراعة وبيانه المشبوب
فلو استمعت اليه في عزائها
لرأيت اي مناضل وخطيب
كم ذا يجلجل صوته فيهزنا
كالعاصفات تهز كل قضيب
وتخال من عجب نمير بيانه
نارا تلظى في نهى وقلوب
في كل مجتمع وكل صحيفية
ذوب البراعة من بنان أريب
هو واحد حرس الفضيلة جاهدا
لم يلف من ند له وضريب
يا مذكى العزمات في أبنائه
ومواصل الارشاد بالتهذيب
مترفقا في كل ما يبديه من
نصح بلا لوم ولا تثريب
وشعاره في حكمة: لا تغضبن
لكنه للحق جد غضوب
في كل ناحية ترى آثاره
كالغيث شؤبوبا على شؤبوب
أو في السبعين وهو مجاهد
بذ الشباب بعزمه ودؤوب
الدين أول ثاكل بمكافح
قد كان عدته لكل عصيب
لو كان في الأعلام مثلك داعيا
هان المصاب لثاكل كل محروب
يا من رأى بطل الجلاد مجندلا
في غير ميدان وغير حروب
واها لحدثان الحياة فإنه
يأتي من الأهوال كل غريب
يا يوم نعي (ابي العيون) تركتنا
ريع النهار بحالك غربيب
فالليل ممدود الرواق مخيم
والصبح آذن ضوءه بمغيب
وترى العنادل أمسكت لهواتها
شجنا، وللغربان شر نعيب
لله اي شهادة كتبت له
حين الجهاد فنال خير نصيب
أدى رسالة ربه حتى إذا
هتف الحمام أجاب خير مجيب
هبني يراعك أقض حق مآثر
كالشمس لكن غير ذات غروب
وقد توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 28صفر 1371هـ 20نوفمبر 1951، وشيعت جنازته في اليوم التالي في موكب رهيب إلى الأزهر الشريف. ونعته الأهرام إلى العالم الاسلامي، فقالت:
ننعي إلى العالم الإسلامي أجمع، فقيد الشرق والإسلام صاحب الفضيلة العالم الجليل الشيخ محمود أبو العيون السكرتير العام للجامع الأزهر، فقد فدحت الفجيعة بوفاته ليلة أمس إثر حادث أليم، ففقدت مصر والشرق بفقده عالما من خيرة العلماء العاملين، ومجاهدا من صفوة المجاهدين المخلصين، ومصلحا سلكته جهوده الإصلاحية التامة في الخالدين.
لقد درج الفقيد العظيم في حجر الأزهر يافعا يتلقى العلم عن شيوخه الاجلاء، ويقف في الطليعة من طلابه النجباء، حتى نال شهادة العالمية في عام 1326هجرية (1908ميلادية) واختير عقب ذلك مدرسا في الأزهر حتى رؤى الانتفاع بكفايته في التوجيه العلمي، فأسندت اليه مهمة التفتيش في سنة 1925ثم ندب شيخا لمعهد أسيوط سنة 1935وعين بعد ذلك شيخا لمعهد الزقازيق فشيخا لمعهد الاسكندرية، وقد ظل في هذا المعهد حتى اختير سكرتيرا عاما للجامع الأزهر والمعاهد الدينية.
ومع حرص الفقيد طيب الله ثراه على أن يخص العلم وأهله بالنصيب الأفى من وقته وجهده، فقد استخلص جانبا من الوقت والجهد لما عمر به قلبه الكبير من رغبة قوية في الاصلاح الاجتماعي، فكانت له جولاته
الخالدة على صفحات الأهرام في مكافحة البغاء وفي غير ذلك من النواحي الاجتماعية التي يعنى بها أنداده من العلماء المصلحين.(2/70)
ومع حرص الفقيد طيب الله ثراه على أن يخص العلم وأهله بالنصيب الأفى من وقته وجهده، فقد استخلص جانبا من الوقت والجهد لما عمر به قلبه الكبير من رغبة قوية في الاصلاح الاجتماعي، فكانت له جولاته
الخالدة على صفحات الأهرام في مكافحة البغاء وفي غير ذلك من النواحي الاجتماعية التي يعنى بها أنداده من العلماء المصلحين.
وحين نهضت مصر نهضتها الوطنية الكبرى سنة 1919كان الفقيد اكرم الله مثواه في مقدمة الصفوف، يخطب ويكتب ويحفز الهمم ويشحذ العزائم ويدعو الى الجهاد لاسترداد المغصوب من حقوق البلاد، حتى لقد غدت مواقفه الوطنية في ذلك الحين موضع التنويه والتقدير في كل مكان.
ومن مقالاته الرائعة مقال نشرته الهلال عنوانه «اتهم رجال الدين» جاء فيه:
«اتهم رجال الدين في الماضي القريب، لأنهم قصروا في أداء رسالتهم من تبليغ حكم الله للمسلمين في الأحداث التي زحزحت الدين عن مكانه، وعطلت تنفيذه في القضاء والأحكام، وتطبيقه في الحوادث التي تخالف الشريعة وتناقضها.
في سنة 1885استبدل القانون الفرنسي بالشريعة الحنيفية الغراء التي سار عليها المسلمون أجيالا بعد أجيال في أزهر عصور الاسلام، فلم يحرك علماء ذلك العهد ساكنا، ولم ينكروا ذلك الحدث العظيم في الاسلام، وإذا كانوا قد أنكروا فلم يسجل التاريخ لهم أنهم أوذوا أو نفوا من الأرض في سبيل إنكارهم لذلك التبديل والتغيير في شرع الله.
ونظم الاحتلال الانجليزي بعد استقراره البغاء، وجعله رسميا، وأصبحت المسلمة في بلاد الاسلام تمتهن حرفة الزنا علنا، تحت حماية الحكومة والقانون، وبين سمعها وبصرها، فلم يحرك رجال الدين ساكنا، ولم يرو التاريخ انهم غضبوا لله وللحق وللأعراض تستباح وتنتهك، او انهم انكروا تشريع هذا الرجس.
وشاع الربا، واستعملت الحكومة الربح والفائدة رسميا، وسمحت بها للجمهور وتأسست له المصارف الأجنبية والوطنية في طول البلاد وعرضها فلم نسمع ان العلماء أنكروا ذلك الاثم، أو انهم غضبوا لتشريعه وتنظيمه.(2/71)
وأباحت الحكومة الخمر والميسر، وانتشرت الحانات، وأنواع القمار، في النوادي والأمكنة العامة، وفي المدن والقرى والطرقات ومنازل الأثرياء، فلم يعرف عن رجال الدين أنهم عارضوا الحكومة معارضة جدية في انها أحلت ما حرم الله.
وفي عهدنا الحاضر ذاع الفساد، وتحللت الأخلاق، واستشرى الداء، وخلعت المرأة العذار. وهجرت المنزل وخالطت الرجال على شواطىء البحار عرايا وفي النوادي العامة، وفي الحفلات الزاخرة بالمجانة والعبث والهوى والعربدة، ونبذت التقاليد الصالحة الموروثة وهجر الدين، وزال طابعه في مقدرات البلاد ومعنوياتها ولم يدرس دراسة تعليمية تطبيقية نافعة في المدارس والجامعات. وقعت تلك الأحداث الخطيرة الفاجعة، فلم نر جمهرة العلماء ورجال الدين يجمعون جموعهم، ويرفعون عقائرهم بالانكار والاحتجاج على أولي الأمر من أجل هذه المنكرات الشائعة، وهذه المقابح الظاهرة، وما رأينا أحدهم غامر وجاهد في سبيل الله، حتى ناله الضر في نفسه او رزقه، لم نر شيئا من ذلك ولم نسمع به، بل كل ما نفعله هو أن نكتب في الصحف، وأن نرفع العرائض الفاترة لأولياء الأمر، وهم لا يحركون ساكنا، ولا نحرك نحن ساكنا كذلك، زعما بأننا أدينا واجبنا بالخطابة والعرائض وبالكلام وعلى الورق.
وتفرقت البلاد أحزابا وشيعا، وانشقت على نفسها أقساما وفرقا، وتزعم كل فريق زعيم يدعو الى شخصه، وإلى تولي الحكم دون الآخرين، حتى نسي القوم قضية الوطن، وإصلاح أداة الحكم وشئون البلاد، ورجال الدين يتفرجون على الموقف، على حين أن الله أمرهم بإصلاح ما فسد من أحوال المسلمين، ورتق ما تصدع من أمورهم «{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللََّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»} فلم نجتمع ولم ندع المتخاصمين إلى الصلح، والمتنازعين إلى التفاهم والمتفرقين إلى الاتحاد، والمدبرين إلى الرجوع إلى الحق، ولم نقل كلمة الدين في المخالف، حتى يفيء إلى أمر الله، وحتى ننقد البلاد من البلاء المسلط عليها، والمحيط بها من كل
جانب، لم نفعل ذلك، بل إن جماعتنا نفسها في حاجة إلى إصلاح ذات بينهم والعمل على جمع كلمتهم، وتأليف قلوبهم.(2/72)
وتفرقت البلاد أحزابا وشيعا، وانشقت على نفسها أقساما وفرقا، وتزعم كل فريق زعيم يدعو الى شخصه، وإلى تولي الحكم دون الآخرين، حتى نسي القوم قضية الوطن، وإصلاح أداة الحكم وشئون البلاد، ورجال الدين يتفرجون على الموقف، على حين أن الله أمرهم بإصلاح ما فسد من أحوال المسلمين، ورتق ما تصدع من أمورهم «{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللََّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»} فلم نجتمع ولم ندع المتخاصمين إلى الصلح، والمتنازعين إلى التفاهم والمتفرقين إلى الاتحاد، والمدبرين إلى الرجوع إلى الحق، ولم نقل كلمة الدين في المخالف، حتى يفيء إلى أمر الله، وحتى ننقد البلاد من البلاء المسلط عليها، والمحيط بها من كل
جانب، لم نفعل ذلك، بل إن جماعتنا نفسها في حاجة إلى إصلاح ذات بينهم والعمل على جمع كلمتهم، وتأليف قلوبهم.
إني أتهم رجال الدين وأنا منهم وعزيز علي أن أتهم نفسي ورفاقي وعهدي بهم أن يكونوا رجال ورع وتقى، ورشاد وهدى.
ومن بحث له عن «الإشتراكية في الإسلام»:
لا ريب ان في الاسلام يؤيد الملكية الفردية، والاقتصاد الإسلامي اقتصاد رأسمالي، له شأنه في الإسلام، بل هو يقوم على الأسس الثلاثة:
المصلحة الشخصية كهدف، المزاحمة كوسيلة، الحرية كشرط. ولكن قيام الملكية في الاسلام على هذه الأسس ليس على إطلاقه، بل يصاحبها في كل اتجاهاتها العامل الأخلاقي، فهو في تلك الأركان الثلاثة عنصر جوهري فيها لازم لها، إن هدف الإسلام هو تكوين مجتمع مثالي، فالعامل الأخلاقي يسير معه جنبا إلى جنب، بل يكون رائده، فإذا انحرف السلوك الاجتماعي رده العامل الأخلاقي بقوة إلى الاستقامة ليكون ضابطا عاما في مصلحة المجتمع، وعلى هذا الاعتبار نجد ان العيوب التي أخذت على الأسس الثلاثة في الاقتصاد الشائع في امريكا وفي اوروبا ليس لها أثر في الاقتصاد الإسلامي، لأن المصلحة الشخصية في الرأسمالية الفردية في الغرب تجرف كل شيء يقف في طريق الانتاج أو العبث به، فهي لا تبالي بالعامل الأخلاقي، ولا بمصلحة المجتمع، بل هي تنكره، ولا تتعرف عليه. أما الرأسمالية في الإسلام، فإن مصلحة المجتمع عنصر لا غنى عنه فيها، كما أن الإسلام دين له منهج ثابت هو تطهير المجتمع من عوامل الفساد، ويمتاز بطابعه الذي يقرن الأعمال بالخلق والعقيدة، فلا ضرر ولا ضرار
وهو يناهض تكديس الثروات، وتجميعها في يد فئة قليلة، وحرمان الأكثرية من ضرورات العيش، ورنق الحياة، وما كانت الناحية الروحية في القرآن الكريم إلا تهذيبا للأمم ليعيش الناس في ظلال الأخوة والمساواة والمودة والأمن والاطمئنان، ويكون التعاون بينهم على الجد والتفاني في الصالح
العام، لذلك وضع دستورا ثابتا واضحا يجعل الثروات رأسماليات متوسطة وصغيرة، فحث المسلمين على الانفاق في أكثر من سبعين آية، وفرض الزكاة في مال الأغنياء للترفيه عن الفقراء والمساكين، ولقد قاتل الخليفة أبو بكر منكريها ومانعيها، وجعل الاسلام إطعام الفقراء، والتصدق على المساكين كفارة لكثير من الهفوات كما في حنث اليمين، وفي إفطار رمضان عمدا أو لعذر، وفي الظهار، وفي محظورات الحج. كما شرعه في مناسبات كثيرة مثل يومي عيد الفطر والأضحى وغيرهما من المواسم الدينية. في كل هذه الأحوال وغيرها جعل الإسلام التخفيف من ويلات الفقراء والعطف على المساكين، من سمات تلك المواسم والأحوال.(2/73)
وهو يناهض تكديس الثروات، وتجميعها في يد فئة قليلة، وحرمان الأكثرية من ضرورات العيش، ورنق الحياة، وما كانت الناحية الروحية في القرآن الكريم إلا تهذيبا للأمم ليعيش الناس في ظلال الأخوة والمساواة والمودة والأمن والاطمئنان، ويكون التعاون بينهم على الجد والتفاني في الصالح
العام، لذلك وضع دستورا ثابتا واضحا يجعل الثروات رأسماليات متوسطة وصغيرة، فحث المسلمين على الانفاق في أكثر من سبعين آية، وفرض الزكاة في مال الأغنياء للترفيه عن الفقراء والمساكين، ولقد قاتل الخليفة أبو بكر منكريها ومانعيها، وجعل الاسلام إطعام الفقراء، والتصدق على المساكين كفارة لكثير من الهفوات كما في حنث اليمين، وفي إفطار رمضان عمدا أو لعذر، وفي الظهار، وفي محظورات الحج. كما شرعه في مناسبات كثيرة مثل يومي عيد الفطر والأضحى وغيرهما من المواسم الدينية. في كل هذه الأحوال وغيرها جعل الإسلام التخفيف من ويلات الفقراء والعطف على المساكين، من سمات تلك المواسم والأحوال.
أضف إلى ذلك النظام الارثي في الإسلام، فإنه يحطم الثروة ويفتتها تفتيتا لا مثيل له في أي قانون آخر. فالقانون الانجليزي يحصر الثروة في البكر من الأولاد، ويحرم من عداه، وبعض القوانين الأخرى تجيز الوصية لأي كائن بجميع المال، سواء أكان وارثا أم غير وارث حتى للكلاب والقطط، وسائر الحيوان، أما الإسلام فيوزع أنصباء الارث توزيعا واسعا، فيعطي للقرابات أنصبة متفاوتة، ولا يسمح لصاحب الثروة ان يتصرف فيها بالوصية إلا بالثلث، والثلث كثير، وهذا كله محافظة على التوازن الاقتصادي، ويقول الله تعالى في سورة الحشر: {كَيْ لََا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيََاءِ مِنْكُمْ.}
فأنت ترى أن الإسلام قد نحا بالاقتصاد منحى عادلا، رعاية منه للمصلحة الاجتماعية، واجتنابا لطغيان الاغنياء {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ََ.} وهكذا نجد الدين الإسلامي قد وقف موقفا رائعا في توزيع الثروة وتجزئتها إلى ملكيات متوسطة وصغيرة من غير إكراه، ليقي المجتمع شرور البطر من الأثرياء، والحقد والبغضاء من الفقراء.
والمزاحمة هي وسيلة في الاقتصاد الغربي، وكانت عيبا من عيوبه، وهي أيضا وسيلة الاقتصاد الإسلامي لكنها ليست عيبا فيه. فهي مختلفة في النظامين، فما قيل من أنها تؤدي إلى دخول الرأسماليين في السوق بغير
أسلحة متكافئة، وأن المنافسة في معركة الحياة الاقتصادية ليست متساوية كما هو معروف في الاقتصاد الغربي هذا الذي قيل منفى في الاقتصاد الإسلامي، فالإسلام قد قرب أصحاب الملكيات بعضهم من بعض بما شرعه في نظام الوصية والإرث والزكاة، وجعل الارث أنصبة متعددة، وشمول الزكاة ثمانية أصناف «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل».(2/74)
والمزاحمة هي وسيلة في الاقتصاد الغربي، وكانت عيبا من عيوبه، وهي أيضا وسيلة الاقتصاد الإسلامي لكنها ليست عيبا فيه. فهي مختلفة في النظامين، فما قيل من أنها تؤدي إلى دخول الرأسماليين في السوق بغير
أسلحة متكافئة، وأن المنافسة في معركة الحياة الاقتصادية ليست متساوية كما هو معروف في الاقتصاد الغربي هذا الذي قيل منفى في الاقتصاد الإسلامي، فالإسلام قد قرب أصحاب الملكيات بعضهم من بعض بما شرعه في نظام الوصية والإرث والزكاة، وجعل الارث أنصبة متعددة، وشمول الزكاة ثمانية أصناف «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل».
ونضيف إلى ما قدمنا تحريم الربا لكيلا يثرى أحد من عمل على حساب غيره، وتحريم لعب الميسر لكيلا يثرى أحد بطرق الحظ. هذه الاعتبارات كلها إذا روعيت كعهد المسلمين من قبل لا تدع أحدا محروما من سلاح يزاحم به مضمار الحياة، ففي الإرث يدور دولاب تجزئة رأس المال باستمرار، ولا يجيء عام جديد حيث يبدأ صندوق الزكاة إلا ترى المال يدور في أيدي جميع الأصناف، حتى من أثقلتهم الديون، فإن صندوق الزكاة يدفع عنهم مغارمهم، ويسلحهم من جديد ليدخلوا السوق آمنين مطمئنين، فأي ضمان للناس بعد هذا؟ وما عيب الرأسمالية في الإسلام؟
أما الحرية التي هي شرط في الاقتصاد الرأسمالي الغربي، وعدت من عيوبه، فإن هذا العيب منتف في الاقتصاد الاسلامي، فالحرية في الاقتصاد الغربي تسير مطلقة لا تقف عند حد، حتى انقلبت تلك الحرية الى فوضى، مما اضطر أصحابها إلى إتلاف الحاصلات أحيانا للاحتفاظ بالأسعار العالية، أما هذه الحرية في الاقتصاد الإسلامي، فمقيدة بقيدين هما: العامل الأخلاقي والمصلحة الاجتماعية، ويتدخل ولي الأمر في السوق حين يرى تنكب التجار أصول التعامل، ويضرب بيد من حديد على أيدي المحتكرين المتحكمين في الأسواق، والعازفين عن المصلحة العامة، وكان عمر بن الخطاب يمشي في الأسواق ومعه الدرة يؤدب بها ذوي الأثرة والطامعين في الكسب الحرام. والحسبة معروفة في الإسلام، وكان رجالها يقام لهم في الأسواق وزن واعتبار.(2/75)
فأي نظام نجده نزيها وعادلا كنظام الإقتصاد في الإسلام؟ إن الإسلام قد امتاز في نظامه عن الشيوعية والإشتراكية، فالإقتصاد الإسلامي رأسمالي فردي من نوع خاص، قد جمع خير ما لدى الشيوعية والإشتراكية، وتجنب عيوبهما، ولكن كثيرا ممن أخذوا بزيف المدنية الغربية يشيدون بالاشتراكية، التي تضمنت المساواة في لذة العيش، وبسطة الحياة، من غير تفرقة بين سوقة وسادة، وأغنياء وفقراء، وهي مذاهب وضعية خاضعة للتجارب والتعديل والتغيير، كما هو حادث فعلا، والاشتراكية الصحيحة المعقولة في الإسلام الذي يضمن للعاجز العيش، وللعامل الكسب، وللفقير القوت، وللمريض الصحة، وللعالم كله أمنا وسعادة، الإشتراكية الصحيحة المعقولة هي في الإسلام الذي يشعر المسلمين بأنهم أسرة واحدة، وأنهم جميعا كأسنان المشط وأنهم تتكافا دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وأنهم «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر».
هذه هي الإشتراكية في الإسلام. فأين منها تلك المذاهب الحديثة المادية المتداعية الواهنة.
الشيخ عبد الحليم قادوم
في ديسمبر عام 1953توفي المغفور له الشيخ عبد الحليم قادوم أستاذ كرسي التفسير في كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، وقد عرفت الشيخ قبل هذا التاريخ بنحو ستة عشر عاما حينما دخلت عليه في لجنة من لجان الامتحان الشفوي، فسألني وأجبت، ثم بعد حين رأيت تقديره لي في الشهادة التي استلمتها، وفي عام 1940كنت في الفرقة الأخيرة، وكان الشيخ يدرس لنا بلاغة عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الاعجاز، فلم أر ذوقا أصفى من ذوقه، ولا بيانا أنصع من بيانه، ولا تحليلا لأسرار كتابة عبد القاهر في النقد الأدبي مثل تحليله ومن قبل ذلك طالعت كتابين مطبوعين للشيخ: احدهما في المنطق، والثاني في الحديث.
فوجدت فيهما المؤلف ذا مواهب نادرة قلما تكتمل في عالم، من عمق الدراسة، وكثرة الإحاطة بالآراء والمراجع، ودقة الفهم، وبراعة التعبير، وزرت الشيخ في منزله في فترات متباعدة فوجدت نفسي حيال شخصية لطيفة جذابة تختلف عن شخصية الشيخ العلمية، وكان يقيم في منزله كل أسبوع حلقة علمية يدرس فيها كتب الأخلاق والتصوف والتفسير والحديث وفي مقدمتها الاحياء للغزالي، وكانت هذه الحلقة عامة للمستمعين من الناس، وفي مقدمتهم أهل (منشية الصدر) الذين كان الشيخ يسكن بينهم ثم كنت مدرسا بمعهد الزقازيق الديني، وكان الشيخ شيخا للمعهد، فوجدت من الشيخ خبرة واسعة بشئون إدارة معهد كبير مثل هذا المعهد، كما كنت أجد لطفه مع الأساتذة، وحنوه على الطلاب، ما لا يتسع المقام لتفصيله، وكان الشيخ من قبل مفتشا عاما بالأزهر فكانت له أعمال محمودة في التوجيه العلمي والديني.(2/76)
في ديسمبر عام 1953توفي المغفور له الشيخ عبد الحليم قادوم أستاذ كرسي التفسير في كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، وقد عرفت الشيخ قبل هذا التاريخ بنحو ستة عشر عاما حينما دخلت عليه في لجنة من لجان الامتحان الشفوي، فسألني وأجبت، ثم بعد حين رأيت تقديره لي في الشهادة التي استلمتها، وفي عام 1940كنت في الفرقة الأخيرة، وكان الشيخ يدرس لنا بلاغة عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الاعجاز، فلم أر ذوقا أصفى من ذوقه، ولا بيانا أنصع من بيانه، ولا تحليلا لأسرار كتابة عبد القاهر في النقد الأدبي مثل تحليله ومن قبل ذلك طالعت كتابين مطبوعين للشيخ: احدهما في المنطق، والثاني في الحديث.
فوجدت فيهما المؤلف ذا مواهب نادرة قلما تكتمل في عالم، من عمق الدراسة، وكثرة الإحاطة بالآراء والمراجع، ودقة الفهم، وبراعة التعبير، وزرت الشيخ في منزله في فترات متباعدة فوجدت نفسي حيال شخصية لطيفة جذابة تختلف عن شخصية الشيخ العلمية، وكان يقيم في منزله كل أسبوع حلقة علمية يدرس فيها كتب الأخلاق والتصوف والتفسير والحديث وفي مقدمتها الاحياء للغزالي، وكانت هذه الحلقة عامة للمستمعين من الناس، وفي مقدمتهم أهل (منشية الصدر) الذين كان الشيخ يسكن بينهم ثم كنت مدرسا بمعهد الزقازيق الديني، وكان الشيخ شيخا للمعهد، فوجدت من الشيخ خبرة واسعة بشئون إدارة معهد كبير مثل هذا المعهد، كما كنت أجد لطفه مع الأساتذة، وحنوه على الطلاب، ما لا يتسع المقام لتفصيله، وكان الشيخ من قبل مفتشا عاما بالأزهر فكانت له أعمال محمودة في التوجيه العلمي والديني.
وقبيل وفاته مرض مرضا خطيرا ألزمه الفراش، واستمر في العلاج ومقاساة المرض، إلى أن استأثرت به رحمة الله في أواخر عام 1953
تاركا وراءه ذكريات لا تنسى، وتراثا عاليا عزيزا على كل من طالع فيه.
وقد درس الشيخ في معهد الأسكندرية الديني، ونال العالمية عام 1924من الدرجة الأولى، وعين مدرسا في الأزهر، ثم اختير مدرسا في كلية اللغة منذ بدء إنشائها، ثم اختير مفتشا، فشيخا لمعهد الزقازيق الديني، فاستاذا للتفسير في كلية اللغة العربية.
عبد العزيز المراغى
هو شقيق المراغى شيخ الأزهر، توفي صباح الخميس 16نوفمبر عام 1950م. فخبا بوفاته نجم لامع، وتوارت ومضات أمل ضاحك. وقد لاقى ربه بعض مرض لم يمهله، ولم يشفق عليه، وهو شاب القلب، فتى الفؤاد، يقظ الرأي، موثب الرجاء.
يقول عنه صديقه الأستاذ محمود رزق سليم:(2/77)
كان عبد العزيز واسع الأفق في نواح من الحياة كثيرة، فقد هيأت له ملابساته مع ذكائه وفطنته ان تكشف له كثيرا من حقائقها، كما دفعته إلى تجربة الأمور وملاحظتها. فاكتسب من وراء ذلك مرانة وخبرة، وحنكة وحسن بصر بالأمور ومعالجتها. وقد كان منذ صغره شغوفا بأخيه الأستاذ الشيخ المراغى، يرى فيه نموذجا يقتدى به، وقد جمعت بينهما ظروف الحياة، أكثر مما تجمع بين شقيقين. فرحل معه إلى السودان، وتعلم بكلية غردون. ثم عاد إلى مصر فاندمج في سلك طلاب الأزهر، مبرزا بينهم حتى تخرج منه بأرقى شهاداته حينذاك. وأرسل في بعثة علمية إلى انجلترا، فلبث بها زهاء خمسة أعوام، ازداد فيها علما بالحياة، ومعرفة بمذاهبها ومآتيها.
وتخصص في دراسة التاريخ الاسلامي وتاريخ الأديان، وهما من أهم المواد الثقافية صقلا للأذهان، ودعما للتجارب وتبليغا إلى الحق.
ولما بلغ أخوه الأكبر مرتبة المشيخة الجليلة، للمرة الثانية، كان عبد العزيز وبخاصة بعد عودته من انجلترا أشد سواعده القوية، ومن أقرب مستشاريه إلى نفسه، فحمل معه شيئا من العبء، على مقدار طاقته وجهده. وطبعى أن يصبح في ذلك الحين، موضعا للأمل والآملين، كما كان محطا للنقد والناقدين.
وقد استطاع عبد العزيز في هذه الحقبة وهو على كثب من أمور الأزهر أن يدرسها ظاهرها وباطنها، صريحها ومؤولها، وأن تتكشف له منها مواضع الداء وأن يقدر لها الدواء. ولا أغلو حينما أذكر أن حدب عبد العزيز على الأزهر، وشغفه به، وأمله القوي أن يسمق بنيانه، وترتفع أركانه، كان شيئا فوق مكنة الطالب الذي يعشق معهده، ويتعصب له.
وقد عرف فيه إخوانه دماثة الخلق، والمرح، وبشاشة الوجه، وابتسامة الثغر، وعفة اللفظ، كما كان مطاوعا لكل ذي حديث، ولو كان فيه إملال.
لا يصده عنه إلا بكيس ورفق، وربما نعى عليه بعض خلطائه أنه يلقى عدوه كما يلقى صديقه، فلا برم ولا تنكر وما كانت هذه منه إلا لرحابة صدره
وحسن سياسته، وحبه لتلافي ما يستطاع باللطف تلافيه. ولذلك ظل كثير ممن يقدرونه ويحملون عليه، يبجلونه لذاته، ويحبونه لشخصه، ويلقونه لقاء الإخوة الكرام.(2/78)
لا يصده عنه إلا بكيس ورفق، وربما نعى عليه بعض خلطائه أنه يلقى عدوه كما يلقى صديقه، فلا برم ولا تنكر وما كانت هذه منه إلا لرحابة صدره
وحسن سياسته، وحبه لتلافي ما يستطاع باللطف تلافيه. ولذلك ظل كثير ممن يقدرونه ويحملون عليه، يبجلونه لذاته، ويحبونه لشخصه، ويلقونه لقاء الإخوة الكرام.
ولما اختير إماما للمعية الملكية تفتحت له من الحياة سبل جديدة، ازداد بها مرانة ومعرفة، وأخذ يخطو ويبرز نحو الصفوف الأولى بين رجالات الوطن. وكان إذ ذاك حركة دائبة، يؤدي واجبه الديني، ويلقى دروسه وخطبه، ويذيع في المذياع، ويكتب في المجلات، في الأمور الدينية والإجتماعية والتاريخية.
وقد كان عبد العزيز عالما أزهريا، بالمعنى الذي يفهمه التاريخ والعرف، ومرجع ذلك فيما أعتقد إلى حبه العميق للأزهر، وما في الأزهر من علم، وما له من تقاليد.
وأهم خصوصيات العالم الأزهري فضلا عن معرفة الشريعة الغراء حبه الجدل والمناقشة، وقدرته على سوق الحجة والدليل، وعدم تسليمه لخصمه في سهولة ويسر. وقد كان عبد العزيز في ذلك، من الطراز الأول، لا يكاد المرء يدخل معه في نقاش حتى يفيض بالاعتراض والاستشهاد، وبالتدليل والتعليل، والموازنة، حتى يصل إلى قرار الحق. يشهد بذلك تلاميذه الكثيرون في كليات الأزهر، وأصدقاؤه أعضاء لجنة الفتوى وكان زميلا لهم، قد لمسوا فيه هذه الخصوصية، خلال عضويته بها.
وكان ضليعا في معرفة الشريعة السمحة وأحكامها، خبيرا بمذاهب أئمتها على اختلافهم، بصيرا بمذاهب الكلاميين من فقهائها، وقد أخرج كتابا في حياة «تقي الدين بن تيمية الحراني»، ألقى فيه ضوءا على جهاد هذا العلامة في سبيل دينه، موضحا عقيدته، مبينا أنها عقيدة السلف، وأنها بعيدة عن مزالق المبتدعة من متطرفي الحنابلة.
وقد كان مؤرخا واعيا لتطورات التاريخ الإسلامي وتقلب دوله، منقبا عن ذلك في كتب التاريخ الإسلامي: العربي منها وغير العربي.(2/79)
وكان أديبا متذوقا. فقد أوتي حافظة قوية كنت أغبطه عليها، ملمة بشتى عصور الأدب وتقلباتها وحوادثها إلماما محمودا، وكثيرا ما تجود بالأبيات والطرف الأدبية والأمثال ونحو ذلك عند أدنى مناسبة وكان يطرب للدعابة اللطيفة والنكتة الرائعة ولو على حسابه ويأخذ حينذاك سبيله إلى المرح قائلا: «لقد قتلتنا كثرة الجد»، ولكنه سرعان ما ينحدر إلى سوق الحكم، والنعي على الدنيا، مع الرضا والاستسلام لقضاء الله وقدره.
وكان كثير البحث عن مظان اللغة، يحفظ من ألفاظها عددا تكتنز فيه المعاني، أو يعبر عن المعاني الغريبة او المستحدثة، ويعني بالألفاظ الطوافة في اللغات، وما كسبته في كل لغة من المعاني. وأغلب الظن أن في مسجلاته كثيرا منها.
ولا نقول جديدا إذا نوهنا بدروسه الدينية وخطبه المنبرية، فإنه أسبغ عليها سمة من التجديد، وغذاها بما تفيض به نزعته الأدبية وثقافته الواسعة، فخرجت بجديد أسلوبها ومعناها، عصرية بريئة من السمت التقليدي القديم. ومنذ سنوات أخذ على عاتقه إخراج كتاب من أهم كتب الحديث والفقه والقضاء الإسلامي، وهو كتاب (أخبار القضاة) لمحمد بن خلف بن حيان، المشهور بوكيع، استعار نسخته الشمسية الوحيدة، وأنفق فيها النفيس من وقته، والمرجو من راحته، حتى استقام له تقديمها إلى المطبعة.
فأنجزت منها جزءين وبقي جزآن.
وقد عنى في الكتاب بالتصحيح والتعليق وشرح الغامض وتخريج الأحاديث، بما يشعرك بعمله الغزير وأدبه الجم وإحاطته بمسائل الفقه ومواضع الحديث ومظان الأدب. وبما يشعرك بصبره وبالغ جهده في سبيل خدمة دينه وشريعته.
وقد توفي بعد الشيخ بقليل أخوه الأكبر الشيخ أحمد مصطفى المراغى صاحب «تفسير القرآن الكريم» المسمى تفسير المراغى، وسواه من الكتب، وذلك عام 1952.(2/80)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/81)
وكان يزاول الكتابة والتحرير في الصحف والمجلات وهو طالب، وكانت أول مقالة نشرت له في جريدة النظام عن إصلاح الأزهر، ثم واصل الكتابة بعد ذلك، إلى أن جاءت الحركة الوطنية في سنة 1919فاشترك فيها واعتقل، وأذكت فيه روح الحمية والنشاط، وزاد إقباله على الكتابة ومتابعته لها، وكانت أكبر عنايته في الكتابة موجهة في ذلك العهد إلى إصلاح الأزهر، وإلى الشئون الإسلامية، وحرية الوطن في جهاده المقدس آنذاك ضد الغاصب المحتل، ولقد كان هذا الجهاد باعثا لزملائه في الأزهر على ان يعتبروه رائدا لهم في المناداة بالآراء الاصلاحية، وقد جر ذلك عليه متاعب كثيرة، فلقد كان أول طالب في الأزهر أحيل مع زملاء له على
المجالس التأديبية سنة 1924، ولقد رأى طلاب الأزهر في ذلك الحين ان تكون لهم لجنة تمثلهم وتتكلم باسمهم، فاختاروه رئيسا لهذه اللجنة، وكانت مهمتها الدعوة الى إصلاح الأزهر.
وفي سنة 1926عين مدرسا في الأزهر، وأسند إليه تدريس مادتي الأدب والتاريخ فوضع في المادة الأولى مؤلفا في جزءين، ووضع في المادة الثانية مؤلفا في ثلاثة أجزاء، واختير الى جانب ذلك سكرتيرا لجمعية الهداية الإسلامية، ومحررا بمجلتها، وفي سنة 1931فصل من الأزهر مع عدد كبير من العلماء، فصلهم المرحوم الشيخ الظواهري، وكان منهم الشيخ الزنكلوني والشيخ العدوى والشيخ دراز والشيخ شلتوت والشيخ فكري، ولقد كان هذا الفصل سببا قويا في نشاطه فأخذ ينشر آراءه في الجهاد والبلاغ والكوكب والسياسة اليومية والأسبوعية والوادي، وفي فبراير سنة 1935، أعيد إلى التدريس في الأزهر وندب مع قيامه بالتدريس في القسم الثانوي سكرتيرا للجنة الفتوى، وفي سنة 1938اختير مدرسا بكلية الشريعة ثم وكيلا لمعهد قنا، ثم أعيد إلى كلية الشريعة، وجاء الشيخ مصطفى عبد الرازق فنقل من الكلية إلى معهد الزقازيق، ثم أعيد إلى الكلية مرة أخرى حتى جاء المغفور له الأستاذ الاكبر الشيخ مأمون الشناوي، وكان قد خبره وعرف فيه مراقبا مساعدا لمكتب البحوث والثقافة بالأزهر.
وقد كتب في جملة موضوعات علمية نافعة منها «غريب القرآن» و «أعلام القرآن» و «التجارة في الإسلام، والفقه والفقهاء» وفي بحوث قيمة أخرى، ووضع رسالة في الحديث لم تطبع بعد. وقد قام بالكتابة في السنة المحمدية عن الأحاديث النبوية. في مجلة لواء الاسلام من أول إنشائها إلى يوم وفاته، كما قام بالتحرير في باب السنة المحمدية ايضا بمجلة الأزهر، وقد كتب أكثر من ألف مقال في الصحف في مصر وفي صحف سوريا وتونس والعراق والبلاد الشرقية وكان رحمه الله كريم الخلق عف اللسان محبا لطلابه محبوبا عندهم رحيما بأهله وأقاربه عطوفا عليهم.(2/82)
وقد توفي طيب الله ثراه في الساعة الرابعة بعد عصر يوم الثلاثاء 21من ربيع الثاني سنة 1370هـ الموافق 29من يناير سنة 1951م.
الشيخ نافع الخفاجي حفيد العلامة الشيخ نافع الخفاجي الكبير
ولد يوم الجمعة 2شوال سنة 1322م، الموافق ديسمبر سنة 1904م. ثم تعلم الكتابة وحفظ القرآن الكريم، وذهب إلى المعهد الأحمدي بطنطا سنة 1919م ليتعلم فيه وأخذ منه الإبتدائية عام 1923م، ثم كان قد أنشىء في ذلك الحين معهد فالتحق به واستمر في دراسته إلى أن أصيب بمرض عصبي عضال كان يحول بينه وبين المشي وحده، فأخذ يعالج نفسه منه ولكن العلاج لم يجد شيئا، اللهم إلا في تأخير زحف المرض على صحته، ثم أخذ الثانوية من الخارج من معهد الزقازيق عام 1928م الموافق سنة 1346هـ، ثم التحق بالقسم العالي بالأزهر، ونال منه شهادة العالمية في يونيو سنة 1932م الموافق سنة 1351هـ.
وعاد العالم بعد ذلك فأقام بالقرية يطالع في أسفار الأدب وبنظم القريض ويعالج نفسه من مرضه العضال، ثم تزوج في سبتمبر سنة 1939م، ووافاه أجله المحتوم في 13أغسطس سنة 1940م الثلاثاء 9رجب سنة 1359هـ. وكان شاعرا مجيدا.
نماذج من شعره قال في الغزل:
رويدا مهجتي هذا الأنين
لعمري كاد يقتلني الحنين
أحن إلى مغان شمت فيها
بروق الصدق يتلوها الهتون
مغان ليلها عندي قصير
يقصر طوله نوم رصين
وإن غاب الكرى فالسهد حلو
بأخدان تساليهم فنون
ندامى لا يجالسهم بئيس
يجوس خلال جدهم المجون
من السمر البرىء لنا مدام
تطير به من الرأس الشجون
ومن ضحكاتنا نغم لذيذ
كقرع الكأس يتبعها رنين
تخالس دهرنا لمحات انس
فتسهل في مسالكنا الحزون
ونجني من فم الدنيا ابتساما
كغصن الزهر تجلوه الغصون
ووجه زماننا حسن بشوش
تلاشت من نضارته الغضون
وقال في قصيدة عنوانها «أين الصباح»؟:(2/83)
رويدا مهجتي هذا الأنين
لعمري كاد يقتلني الحنين
أحن إلى مغان شمت فيها
بروق الصدق يتلوها الهتون
مغان ليلها عندي قصير
يقصر طوله نوم رصين
وإن غاب الكرى فالسهد حلو
بأخدان تساليهم فنون
ندامى لا يجالسهم بئيس
يجوس خلال جدهم المجون
من السمر البرىء لنا مدام
تطير به من الرأس الشجون
ومن ضحكاتنا نغم لذيذ
كقرع الكأس يتبعها رنين
تخالس دهرنا لمحات انس
فتسهل في مسالكنا الحزون
ونجني من فم الدنيا ابتساما
كغصن الزهر تجلوه الغصون
ووجه زماننا حسن بشوش
تلاشت من نضارته الغضون
وقال في قصيدة عنوانها «أين الصباح»؟:
طلت ياليل فأين الصباح
والكرى خاصم عيني وراح
طلت ياليل على مغرم
مسبل الدمع طويل النواح
رب ليل لم يكن شملنا
يتلاقى فيه والديك صاح
وسواء طلت أم لم تطل
ليس ياليل عليك جناح
لست أنسى فيك حسن اللقا
وعلينا منك ستر وجناح
واجتماع فيك أخفيته
عن رقيب وعذول ولاح
فيك من ليلى شبيه لها
قمر يحكي وجوه الملاح
فيك شهب كلحاظ المها
تلك في قلبي، وذي في البطاح
في سكون الليل كم آهة
من فؤاد أن وجدا وناح
في سكون الليل كم عاشق
هاجت الذكرى عليه الجراح
في سكون الليل كم مدنف
بخفايا السر لليل باح
لا تلوموا الليل في طوله
أيها العشاق أين السماح؟
يحمل الطيف لأهل الهوى
إن يكن جفن المحب استراح
يكتم السر ويخفي الجوى
عن وشاة السوء خوف افتضاح
أيها الليل لك الشكر من
كل قلب فيه حب صراح
يا نجوم الليل لا تنكري
أن عيني والكرى في كفاح
فاحملي عني سلامي لمن
هو لي روح وروح وراح
وقال من قصيدة أخرى:(2/84)
طلت ياليل فأين الصباح
والكرى خاصم عيني وراح
طلت ياليل على مغرم
مسبل الدمع طويل النواح
رب ليل لم يكن شملنا
يتلاقى فيه والديك صاح
وسواء طلت أم لم تطل
ليس ياليل عليك جناح
لست أنسى فيك حسن اللقا
وعلينا منك ستر وجناح
واجتماع فيك أخفيته
عن رقيب وعذول ولاح
فيك من ليلى شبيه لها
قمر يحكي وجوه الملاح
فيك شهب كلحاظ المها
تلك في قلبي، وذي في البطاح
في سكون الليل كم آهة
من فؤاد أن وجدا وناح
في سكون الليل كم عاشق
هاجت الذكرى عليه الجراح
في سكون الليل كم مدنف
بخفايا السر لليل باح
لا تلوموا الليل في طوله
أيها العشاق أين السماح؟
يحمل الطيف لأهل الهوى
إن يكن جفن المحب استراح
يكتم السر ويخفي الجوى
عن وشاة السوء خوف افتضاح
أيها الليل لك الشكر من
كل قلب فيه حب صراح
يا نجوم الليل لا تنكري
أن عيني والكرى في كفاح
فاحملي عني سلامي لمن
هو لي روح وروح وراح
وقال من قصيدة أخرى:(2/85)
بحسبك ما أشكو وما أتوجع
زفير وآهات وسهد وأدمع
فيا للنوى، لا بارك الله في النوى
وقلبي من حر النوى يتقطع
فبتنا جميعا ثم أصبح شملنا
شتيتا كأن لم يحتو الشمل مجمع
تكلفنا الأيام ما لا نريده
وطبع الليالي صدع ما يتجمع
لقيت هوانا في الهوى وسل الدجى
ونجم الدجى إن كنت في الليل أهجع
ولي مهجة ذابت من الوجد والجوى
وطارت بخارا أينما هب يتبع
رعى الله عهدا كان بالأمس ناضرا
غدا وهو مطموس المعالم أصلع
شربنا كؤوس الحب حتى ثمالها
ولم يبق في قوس الصبابة منزع
ولم ترتكب في الحب ذنبا يسوءه
سوى أن نفسينا إلى الطهر تنزع
وإن أنسى م الأشياء لا أنسى قوله
غداة النوى: هل على البين تزمع
فقلت وما أدراك والعزم في الحشا
فقال فؤادي عن فؤادك يسمع
فقلت له: حينا، فقال: يخيفني
ويوم النوى شهر وعام وأفظع
فقلت تجلد قال جهدي وإنما
تأكد بأني رغم أنفي سأجزع
وقال في شكوى الزمان:(2/86)
بحسبك ما أشكو وما أتوجع
زفير وآهات وسهد وأدمع
فيا للنوى، لا بارك الله في النوى
وقلبي من حر النوى يتقطع
فبتنا جميعا ثم أصبح شملنا
شتيتا كأن لم يحتو الشمل مجمع
تكلفنا الأيام ما لا نريده
وطبع الليالي صدع ما يتجمع
لقيت هوانا في الهوى وسل الدجى
ونجم الدجى إن كنت في الليل أهجع
ولي مهجة ذابت من الوجد والجوى
وطارت بخارا أينما هب يتبع
رعى الله عهدا كان بالأمس ناضرا
غدا وهو مطموس المعالم أصلع
شربنا كؤوس الحب حتى ثمالها
ولم يبق في قوس الصبابة منزع
ولم ترتكب في الحب ذنبا يسوءه
سوى أن نفسينا إلى الطهر تنزع
وإن أنسى م الأشياء لا أنسى قوله
غداة النوى: هل على البين تزمع
فقلت وما أدراك والعزم في الحشا
فقال فؤادي عن فؤادك يسمع
فقلت له: حينا، فقال: يخيفني
ويوم النوى شهر وعام وأفظع
فقلت تجلد قال جهدي وإنما
تأكد بأني رغم أنفي سأجزع
وقال في شكوى الزمان:
أواه من عثرات الحظ أواه
والحظ ما شاء قد شاءه الله
لا الحزن يجدي ولا حظى يساعفني
ولا الزمان رقيق في سجاياه
أرزاء شتى إذا ما خلت أصغرها
مضى أرى ضعفه يحتل مأواه
تترى دراكا كطير طاب موردها
فزاد وارده شوقا لمرعاه
يلج صرف الليالي في معاكستي
كأنما أنا وحدي كل أعداه
خطوب دهري لا تنفك تذكرني
بعطفها ذكر مجنون لليلاه
فالحزن والسهل في سيري سواسية
والليل والبوم في الظلماء أشباه
كلما قلت لما استحكمت فرجت
أرى قشيب شقاء كنت أنساه
إن غاب عني شقاء جاء مصطحبا
إخوانه ليقيموا في راعاياه
ما حيلتي وهي الدنيا وسلطتها
أي امرىء نال منها ما تمناه؟
نصيب كل امرىء في عكس همته
ورفع كتفه وزن خفض أخراه
ورب ذي عزمة تنبو مضاربه
وطائش السهم أصمى الحظ مرماه
ونابه النفس سوء الحظ أخمده
وخامل القدر حسن الحظ رقاه
وكم حريص له من علمه صفة
وكم كسول له من جهله جاه
هي المقادير لا سعى ولا كسل
وكل ذي قدر لا بد يلقاه
انظر إلى قطع الشطرنج إذ نحتت
ماذا أتى الشاه حتى انه شاه
كم بيدق مات لم يذنب وصاحبه
سما مسوقا ولم يعمل لمرقاه
كذلك الكون لم تعلم عواقبه
وليس يعلم ساع غب مسعاه
الدهر علمني الشكوى فقمت بها
طوعا وكرها وخير العلم أفشاه
أشكو الزمان وفي الشكوى رفاهية
وما علاج شقى غير شكواه
وقال:(2/87)
أواه من عثرات الحظ أواه
والحظ ما شاء قد شاءه الله
لا الحزن يجدي ولا حظى يساعفني
ولا الزمان رقيق في سجاياه
أرزاء شتى إذا ما خلت أصغرها
مضى أرى ضعفه يحتل مأواه
تترى دراكا كطير طاب موردها
فزاد وارده شوقا لمرعاه
يلج صرف الليالي في معاكستي
كأنما أنا وحدي كل أعداه
خطوب دهري لا تنفك تذكرني
بعطفها ذكر مجنون لليلاه
فالحزن والسهل في سيري سواسية
والليل والبوم في الظلماء أشباه
كلما قلت لما استحكمت فرجت
أرى قشيب شقاء كنت أنساه
إن غاب عني شقاء جاء مصطحبا
إخوانه ليقيموا في راعاياه
ما حيلتي وهي الدنيا وسلطتها
أي امرىء نال منها ما تمناه؟
نصيب كل امرىء في عكس همته
ورفع كتفه وزن خفض أخراه
ورب ذي عزمة تنبو مضاربه
وطائش السهم أصمى الحظ مرماه
ونابه النفس سوء الحظ أخمده
وخامل القدر حسن الحظ رقاه
وكم حريص له من علمه صفة
وكم كسول له من جهله جاه
هي المقادير لا سعى ولا كسل
وكل ذي قدر لا بد يلقاه
انظر إلى قطع الشطرنج إذ نحتت
ماذا أتى الشاه حتى انه شاه
كم بيدق مات لم يذنب وصاحبه
سما مسوقا ولم يعمل لمرقاه
كذلك الكون لم تعلم عواقبه
وليس يعلم ساع غب مسعاه
الدهر علمني الشكوى فقمت بها
طوعا وكرها وخير العلم أفشاه
أشكو الزمان وفي الشكوى رفاهية
وما علاج شقى غير شكواه
وقال:
حرام على عينيك أن تتنازعا
فؤادي إلى أن صار نهبا موزعا
أفر من اليمنى لياذا بأختها
فتطعنني اليسرى فأرجع موجعا
أرى لك لحظا كالقذيفة لو رمى
يميل من العشاق ليتا وأخدعا
بعينيك ومض كالشهاب إذا هوى
فيحرق أكبادا ويخرق أضلعا
إذا نظرت عيناك أبصرت فيهما
لذاذة نفسي والعذاب المبرقعا
لحاظك من حظى سوادا وقوة
وأبيضه يبدو ويذهب مسرعا
أخاف نفارا حين أرجو تعطفا
وأخشى فراقا حين أبغي تجمعا
دلالك أخشى أن يكون ملالة
وحبك أخشى أن يكون تصنعا
حنانيك إني قد ثكلت سعادتي
وذبت غراما واحترقت تفجعا
ظننت هنائي في الهوى فأتيته
فلم أر إلا لوعة وتصدعا
سهاد وأشواق وسقم وحسرة
فيا أسفي إني سأقضي توجعا
ولو كان لي في الجاذبية حيلة
لكنت من السلوى جمادا وأفظعا
فلو رمت سلوى بالنوى لتوترت
حيال الهوى لكنها لن تقطعا
يزيد الهوى قبضا بقلبي كلما
بعدت كحبل كلما شد قطعا
وللحب مغناطيسه واجتذابه
يخالف قانون التجاذب موضعا
فيضعف ذا بالبعد والحب شأنه
يزيد اهتياجا لو تباعد موضعا
بحسبك يا ليلى غرام زرعته
فأنبت أشجانا وأثمر أدمعا
سفحت دموعي في غرامك مرغما
على حين أنى ما هويتك طيعا
فما كدت ألقي نحو وجهك نظرة
إلى أن غدا قلبي من الحب مترعا
سحرت فؤادي وامتلكت زمامه
وأطلقت عبدا في جمالك مولعا
عتبت على قلبي جواه وذله
فثار وكادت أضلعي أن تصدعا
سكرت غراما وانتشيت صبابة
وأعييت يأسا واشتفيت تطلعا
ومن عجب آلام حبي لذيذة
ولو لي آمال لعشت ممتعا
أحب ولا أرجو من الحب غاية
سوى أن أرى وجه الحبيب وأسمعا
وحسبي إذا أغفيت طيف يزورني
فأقطف من خديه وردا تضوعا
أقبل فاه أو أضم خياله
فإن زاد بي وجدي صحوت وودعا
أحبك يا ليلى بدون ملالة
وأنت دجى بدر وشمس ضحى معا
وأنت المها والغصن والدر والطلا
تبارك ربي في جمالك مبدعا
عبدتك يا ليلى وحسنك دلني
على الله حتى لا أضل فاخدعا
وقال:(2/88)
حرام على عينيك أن تتنازعا
فؤادي إلى أن صار نهبا موزعا
أفر من اليمنى لياذا بأختها
فتطعنني اليسرى فأرجع موجعا
أرى لك لحظا كالقذيفة لو رمى
يميل من العشاق ليتا وأخدعا
بعينيك ومض كالشهاب إذا هوى
فيحرق أكبادا ويخرق أضلعا
إذا نظرت عيناك أبصرت فيهما
لذاذة نفسي والعذاب المبرقعا
لحاظك من حظى سوادا وقوة
وأبيضه يبدو ويذهب مسرعا
أخاف نفارا حين أرجو تعطفا
وأخشى فراقا حين أبغي تجمعا
دلالك أخشى أن يكون ملالة
وحبك أخشى أن يكون تصنعا
حنانيك إني قد ثكلت سعادتي
وذبت غراما واحترقت تفجعا
ظننت هنائي في الهوى فأتيته
فلم أر إلا لوعة وتصدعا
سهاد وأشواق وسقم وحسرة
فيا أسفي إني سأقضي توجعا
ولو كان لي في الجاذبية حيلة
لكنت من السلوى جمادا وأفظعا
فلو رمت سلوى بالنوى لتوترت
حيال الهوى لكنها لن تقطعا
يزيد الهوى قبضا بقلبي كلما
بعدت كحبل كلما شد قطعا
وللحب مغناطيسه واجتذابه
يخالف قانون التجاذب موضعا
فيضعف ذا بالبعد والحب شأنه
يزيد اهتياجا لو تباعد موضعا
بحسبك يا ليلى غرام زرعته
فأنبت أشجانا وأثمر أدمعا
سفحت دموعي في غرامك مرغما
على حين أنى ما هويتك طيعا
فما كدت ألقي نحو وجهك نظرة
إلى أن غدا قلبي من الحب مترعا
سحرت فؤادي وامتلكت زمامه
وأطلقت عبدا في جمالك مولعا
عتبت على قلبي جواه وذله
فثار وكادت أضلعي أن تصدعا
سكرت غراما وانتشيت صبابة
وأعييت يأسا واشتفيت تطلعا
ومن عجب آلام حبي لذيذة
ولو لي آمال لعشت ممتعا
أحب ولا أرجو من الحب غاية
سوى أن أرى وجه الحبيب وأسمعا
وحسبي إذا أغفيت طيف يزورني
فأقطف من خديه وردا تضوعا
أقبل فاه أو أضم خياله
فإن زاد بي وجدي صحوت وودعا
أحبك يا ليلى بدون ملالة
وأنت دجى بدر وشمس ضحى معا
وأنت المها والغصن والدر والطلا
تبارك ربي في جمالك مبدعا
عبدتك يا ليلى وحسنك دلني
على الله حتى لا أضل فاخدعا
وقال:(2/89)
حرام على عينيك أن تتنازعا
فؤادي إلى أن صار نهبا موزعا
أفر من اليمنى لياذا بأختها
فتطعنني اليسرى فأرجع موجعا
أرى لك لحظا كالقذيفة لو رمى
يميل من العشاق ليتا وأخدعا
بعينيك ومض كالشهاب إذا هوى
فيحرق أكبادا ويخرق أضلعا
إذا نظرت عيناك أبصرت فيهما
لذاذة نفسي والعذاب المبرقعا
لحاظك من حظى سوادا وقوة
وأبيضه يبدو ويذهب مسرعا
أخاف نفارا حين أرجو تعطفا
وأخشى فراقا حين أبغي تجمعا
دلالك أخشى أن يكون ملالة
وحبك أخشى أن يكون تصنعا
حنانيك إني قد ثكلت سعادتي
وذبت غراما واحترقت تفجعا
ظننت هنائي في الهوى فأتيته
فلم أر إلا لوعة وتصدعا
سهاد وأشواق وسقم وحسرة
فيا أسفي إني سأقضي توجعا
ولو كان لي في الجاذبية حيلة
لكنت من السلوى جمادا وأفظعا
فلو رمت سلوى بالنوى لتوترت
حيال الهوى لكنها لن تقطعا
يزيد الهوى قبضا بقلبي كلما
بعدت كحبل كلما شد قطعا
وللحب مغناطيسه واجتذابه
يخالف قانون التجاذب موضعا
فيضعف ذا بالبعد والحب شأنه
يزيد اهتياجا لو تباعد موضعا
بحسبك يا ليلى غرام زرعته
فأنبت أشجانا وأثمر أدمعا
سفحت دموعي في غرامك مرغما
على حين أنى ما هويتك طيعا
فما كدت ألقي نحو وجهك نظرة
إلى أن غدا قلبي من الحب مترعا
سحرت فؤادي وامتلكت زمامه
وأطلقت عبدا في جمالك مولعا
عتبت على قلبي جواه وذله
فثار وكادت أضلعي أن تصدعا
سكرت غراما وانتشيت صبابة
وأعييت يأسا واشتفيت تطلعا
ومن عجب آلام حبي لذيذة
ولو لي آمال لعشت ممتعا
أحب ولا أرجو من الحب غاية
سوى أن أرى وجه الحبيب وأسمعا
وحسبي إذا أغفيت طيف يزورني
فأقطف من خديه وردا تضوعا
أقبل فاه أو أضم خياله
فإن زاد بي وجدي صحوت وودعا
أحبك يا ليلى بدون ملالة
وأنت دجى بدر وشمس ضحى معا
وأنت المها والغصن والدر والطلا
تبارك ربي في جمالك مبدعا
عبدتك يا ليلى وحسنك دلني
على الله حتى لا أضل فاخدعا
وقال:
ذهبت ومن رام المعالي يذهب
وأبت ولم أظفر بما أتطلب
سعيت إلى العلياء غاية طاقتي
ورحت إلى أفلاكها أتوثب
سبحت على بحر المجرة ماخرا
عبابا من الآمال أطفو وأرسب
رصدت السهى حينا فأبصرت طالعي
جميلا ولكن فيه سر محجب
فيا طالعي بالله هل من هناءة
تألق لي أم أن برقك خلب
وهل مطمئن أنت أم أنت خائف
تفر من النحس البغيض وتهرب
وهل لي إلى النعمى سبيل موصل
وهل لي من البؤسى مناص ومهرب
أتسعدني الآمال بعد مطالها
ويدنو من الآمال ما أترقب
إزاء شقائي مطعم الصاب كالجنى
ونور نهاري من مشاكيه غيهب
ولو لم أصادف سوء حظي وشؤمه
لعشت سعيدا لم يضق بي مذهب
يسمونه حظا وجدا وطالعا
وأما المسمى فالقضاء المغيب
مقادير شتى والمقدر واحد
مشيئته كالسيف بل هي أثقب
له المثل الأعلى وفي كل ذرة
من الكون سر بالتأله يعرب
هنالك شيء كل فكر يمسه
ويلمسه الوحشى والمتهذب
هو الله سماه الطبيعي قوة
وطبعا، وفي علم الأثير تربب
ومن شأنه فينا الظهور بفيضه
وآثاره، والشأن فينا التعجب
أأجهل روحي ثم أعلم ربها
ضلال غريب والتشبث أغرب
سننظر وجه الله في الخلد ظاهرا
كما هو يجلوه الجلال فنطرب
نراه بإحساس بديع مخصص
يطيب خيالا والتحقق أطيب
هنالك يبدو كل حسن مذمما
وكل ارتياح غير ذلك متعب
عن المثل والأضداد جل جلاله
وراجى سوى التوفيق منه مخيب
وما الكون إلا ذرة فوق ذرة
سماء وأفلاك وأرض وكوكب
فكل بكل في نظام مدبر
جماد وحى، كل شيء مرتب
بدائع إحكام وإتقان صانع
فسبحانك اللهم أنت المحجب
تمنيت موتا ليس فيه جهنم
وإلا فعيشا لست فيه أعذب
وكيف حياة المرء ناء بعبئه
وجمر الأسى في صدره يتلهب؟
وكيف حياة المرء عي طبيبه
وأعضله الداء العقام العصوصب؟
برمت بآمالي وعفت تجلدي
ومل جليس ما أقول وأكتب
ولو نلت من عين العناية نظرة
فما مر بي عذب وما بعد أعذب(2/90)
ذهبت ومن رام المعالي يذهب
وأبت ولم أظفر بما أتطلب
سعيت إلى العلياء غاية طاقتي
ورحت إلى أفلاكها أتوثب
سبحت على بحر المجرة ماخرا
عبابا من الآمال أطفو وأرسب
رصدت السهى حينا فأبصرت طالعي
جميلا ولكن فيه سر محجب
فيا طالعي بالله هل من هناءة
تألق لي أم أن برقك خلب
وهل مطمئن أنت أم أنت خائف
تفر من النحس البغيض وتهرب
وهل لي إلى النعمى سبيل موصل
وهل لي من البؤسى مناص ومهرب
أتسعدني الآمال بعد مطالها
ويدنو من الآمال ما أترقب
إزاء شقائي مطعم الصاب كالجنى
ونور نهاري من مشاكيه غيهب
ولو لم أصادف سوء حظي وشؤمه
لعشت سعيدا لم يضق بي مذهب
يسمونه حظا وجدا وطالعا
وأما المسمى فالقضاء المغيب
مقادير شتى والمقدر واحد
مشيئته كالسيف بل هي أثقب
له المثل الأعلى وفي كل ذرة
من الكون سر بالتأله يعرب
هنالك شيء كل فكر يمسه
ويلمسه الوحشى والمتهذب
هو الله سماه الطبيعي قوة
وطبعا، وفي علم الأثير تربب
ومن شأنه فينا الظهور بفيضه
وآثاره، والشأن فينا التعجب
أأجهل روحي ثم أعلم ربها
ضلال غريب والتشبث أغرب
سننظر وجه الله في الخلد ظاهرا
كما هو يجلوه الجلال فنطرب
نراه بإحساس بديع مخصص
يطيب خيالا والتحقق أطيب
هنالك يبدو كل حسن مذمما
وكل ارتياح غير ذلك متعب
عن المثل والأضداد جل جلاله
وراجى سوى التوفيق منه مخيب
وما الكون إلا ذرة فوق ذرة
سماء وأفلاك وأرض وكوكب
فكل بكل في نظام مدبر
جماد وحى، كل شيء مرتب
بدائع إحكام وإتقان صانع
فسبحانك اللهم أنت المحجب
تمنيت موتا ليس فيه جهنم
وإلا فعيشا لست فيه أعذب
وكيف حياة المرء ناء بعبئه
وجمر الأسى في صدره يتلهب؟
وكيف حياة المرء عي طبيبه
وأعضله الداء العقام العصوصب؟
برمت بآمالي وعفت تجلدي
ومل جليس ما أقول وأكتب
ولو نلت من عين العناية نظرة
فما مر بي عذب وما بعد أعذب(2/91)
ذهبت ومن رام المعالي يذهب
وأبت ولم أظفر بما أتطلب
سعيت إلى العلياء غاية طاقتي
ورحت إلى أفلاكها أتوثب
سبحت على بحر المجرة ماخرا
عبابا من الآمال أطفو وأرسب
رصدت السهى حينا فأبصرت طالعي
جميلا ولكن فيه سر محجب
فيا طالعي بالله هل من هناءة
تألق لي أم أن برقك خلب
وهل مطمئن أنت أم أنت خائف
تفر من النحس البغيض وتهرب
وهل لي إلى النعمى سبيل موصل
وهل لي من البؤسى مناص ومهرب
أتسعدني الآمال بعد مطالها
ويدنو من الآمال ما أترقب
إزاء شقائي مطعم الصاب كالجنى
ونور نهاري من مشاكيه غيهب
ولو لم أصادف سوء حظي وشؤمه
لعشت سعيدا لم يضق بي مذهب
يسمونه حظا وجدا وطالعا
وأما المسمى فالقضاء المغيب
مقادير شتى والمقدر واحد
مشيئته كالسيف بل هي أثقب
له المثل الأعلى وفي كل ذرة
من الكون سر بالتأله يعرب
هنالك شيء كل فكر يمسه
ويلمسه الوحشى والمتهذب
هو الله سماه الطبيعي قوة
وطبعا، وفي علم الأثير تربب
ومن شأنه فينا الظهور بفيضه
وآثاره، والشأن فينا التعجب
أأجهل روحي ثم أعلم ربها
ضلال غريب والتشبث أغرب
سننظر وجه الله في الخلد ظاهرا
كما هو يجلوه الجلال فنطرب
نراه بإحساس بديع مخصص
يطيب خيالا والتحقق أطيب
هنالك يبدو كل حسن مذمما
وكل ارتياح غير ذلك متعب
عن المثل والأضداد جل جلاله
وراجى سوى التوفيق منه مخيب
وما الكون إلا ذرة فوق ذرة
سماء وأفلاك وأرض وكوكب
فكل بكل في نظام مدبر
جماد وحى، كل شيء مرتب
بدائع إحكام وإتقان صانع
فسبحانك اللهم أنت المحجب
تمنيت موتا ليس فيه جهنم
وإلا فعيشا لست فيه أعذب
وكيف حياة المرء ناء بعبئه
وجمر الأسى في صدره يتلهب؟
وكيف حياة المرء عي طبيبه
وأعضله الداء العقام العصوصب؟
برمت بآمالي وعفت تجلدي
ومل جليس ما أقول وأكتب
ولو نلت من عين العناية نظرة
فما مر بي عذب وما بعد أعذب(2/92)
ذهبت ومن رام المعالي يذهب
وأبت ولم أظفر بما أتطلب
سعيت إلى العلياء غاية طاقتي
ورحت إلى أفلاكها أتوثب
سبحت على بحر المجرة ماخرا
عبابا من الآمال أطفو وأرسب
رصدت السهى حينا فأبصرت طالعي
جميلا ولكن فيه سر محجب
فيا طالعي بالله هل من هناءة
تألق لي أم أن برقك خلب
وهل مطمئن أنت أم أنت خائف
تفر من النحس البغيض وتهرب
وهل لي إلى النعمى سبيل موصل
وهل لي من البؤسى مناص ومهرب
أتسعدني الآمال بعد مطالها
ويدنو من الآمال ما أترقب
إزاء شقائي مطعم الصاب كالجنى
ونور نهاري من مشاكيه غيهب
ولو لم أصادف سوء حظي وشؤمه
لعشت سعيدا لم يضق بي مذهب
يسمونه حظا وجدا وطالعا
وأما المسمى فالقضاء المغيب
مقادير شتى والمقدر واحد
مشيئته كالسيف بل هي أثقب
له المثل الأعلى وفي كل ذرة
من الكون سر بالتأله يعرب
هنالك شيء كل فكر يمسه
ويلمسه الوحشى والمتهذب
هو الله سماه الطبيعي قوة
وطبعا، وفي علم الأثير تربب
ومن شأنه فينا الظهور بفيضه
وآثاره، والشأن فينا التعجب
أأجهل روحي ثم أعلم ربها
ضلال غريب والتشبث أغرب
سننظر وجه الله في الخلد ظاهرا
كما هو يجلوه الجلال فنطرب
نراه بإحساس بديع مخصص
يطيب خيالا والتحقق أطيب
هنالك يبدو كل حسن مذمما
وكل ارتياح غير ذلك متعب
عن المثل والأضداد جل جلاله
وراجى سوى التوفيق منه مخيب
وما الكون إلا ذرة فوق ذرة
سماء وأفلاك وأرض وكوكب
فكل بكل في نظام مدبر
جماد وحى، كل شيء مرتب
بدائع إحكام وإتقان صانع
فسبحانك اللهم أنت المحجب
تمنيت موتا ليس فيه جهنم
وإلا فعيشا لست فيه أعذب
وكيف حياة المرء ناء بعبئه
وجمر الأسى في صدره يتلهب؟
وكيف حياة المرء عي طبيبه
وأعضله الداء العقام العصوصب؟
برمت بآمالي وعفت تجلدي
ومل جليس ما أقول وأكتب
ولو نلت من عين العناية نظرة
فما مر بي عذب وما بعد أعذب
أزهريون في سجل التاريخ
ومن أظهر الشيوخ الذين قضوا نحبهم: الشيخ سيد علي المرصفي إمام علماء اللغة والأدب في مصر ومن هيئة العلماء، وصاحب (شرح الكامل)، وشرح (ديوان الحماسة)، وشرح (أسرار البلاغة)، وغيرها وقد توفي في 12فبراير سنة 1931م.
ومنهم الشيخ عبد العزيز البشرى نجل الشيخ سليم البشرى شيخ الأزهر الأسبق والقاضي الشرعي النابه، والمؤلف الكاتب المحدث اللبق الممتاز، وصاحب (المرآة) (والمختار) وسواهما، وقد توفي في 325 1943م.
والأزهر فضل على كثيرين، ممن جلسوا في حلقاته العلمية، وإن لم يكملوا ثقافتهم فيه، وهؤلاء عدد كبير لا يحصون، ومن أوائلهم الشيخ أحمد على السكندري، وقد توفي في 19ابريل 1938م، وكان عضوا في المجمع اللغوي بالقاهرة، وأقام المجمع في 13يناير 1939م حفلة تأبين له وللمستشرق الايطالي نلينو (1872هـ 1938م) بدار الأوبرا
والسكندري كان طالبا بالأزهر، وتخرج من دار العلوم، ثم عمل مدرسا في المدارس الأميرية، فناظر المدرسين المعلمين. وكان يؤمن باللغة العربية، وبقدرتها على استيعاب المعاني المتجددة التي تأتي بها الحضارة، حتى في الكيمياء والطب، واختير عضو في المجمع اللغوي بعد إنشائه بقليل، وله كثير من المؤلفات العميقة، ومن بينها كتاب في الأدب العباسي، كما أنه اشترك في تأليف الوسيط، وفي كتب أخرى.(2/93)
الباب الخامس صور من 61815 الأزهر القديم والحديث(2/95)
1 - أوقاف قديمة 61816 للأزهر:
في كتاب الخطط للمقريزي (1) نص سجل الوقف الذي وقف «الحاكم» بمقتضاه بعض أملاكه بمصر والقاهرة على الجامع الأزهر ودار الحكمة وبعض المساجد الأخرى، وقد مضى تلخيص لهذا السجل في هذا الكتاب (2).
2 - أول درس للسيوطي الأزهري:
في عام 867هـ ألقى السيوطي العالم الأزهري بعد تخرجه من الأزهر أول درس له. وقد عرض له الشيخ مصطفى عبد الرازق في حديث له في محرم عام 1365هـ ومما جاء في كلمته عنه:
منذ حوالي خمسمائة عام ألقى العالم الشهير «جلال الدين السيوطي»
__________
(1) ج 4ص 5149الطبعة الأهلية
(2) ص 3028ج 1الأزهر في ألف عام(2/97)
المتوفى سنة 911هـ أول درس من دروسه حين أجلس للتدريس، بحضور شيوخه وكبار القضاة والأفاضل في عهده، وقد ألقي هذا الدرس في جامع شيخون المسجد المعروف في هذه العاصمة. وفي دار الكتب الأزهرية مخطوطة تجمع مؤلفات ورسائل للجلال السيوطي رحمه الله. وورد في هذه المجموعة أنها بخط المؤلف. ومما حوته هذه المجموعة رسالة جاء في أولها: «تصدير مبارك ألقيته يوم أجلست للتدريس بجامع شيخو، رحمه الله، بحضرة شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام علم الدين البلقيني وجماعة من القضاة والأفاضل، وذلك يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة 867هـ، وقد مضى من عمري ثمان عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية أيام والحمد لله».
وهذا الدرس الذي ألقاه السيوطي في مفتتح عهده بالتدريس هو في تفسير آية من سورة (الفتح) الكريمة.
وهذا التصدير على صغر حجمه يفيد الباحثين في تطور الدراسات الإسلامية وأساليبها، وفي الطرق التي كانت تعتمد عليها مدارس المسلمين في إجازة طلابها وتخريجهم، وقد بدأ المؤلف درسه بذكر المراجع التي طالعها فقال: «طالعت على هذا التصدير الكشاف وتفسير الإمام الرازي وتفسير الإمام ابن العربي والبحر لأبي حيان وأسباب النزول للواحدي وتفسير السجاوندي وينبوع الحياة لابن ظفر وصحاح الجوهري، والخطبة إلى آخر الصلاة من كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه يعني من خطبة،، الرسالة،،» وبعد أن حمد الله بما حمد به الإمام الشافعي في صدر «الرسالة» وصلى على النبي وآله قال: «رضي الله عن السادة الصحابة أجمعين وعن إمامنا الشافعي المطلبي وسائر الأئمة وعن سيدنا ومولانا شيخ الإسلام ووالده شيخ الإسلام وسائر مشايخنا والسادة الحاضرين وجميع المسلمين، ثم قال: «أما بعد فقد قال الله تعالى: {«إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِرََاطاً مُسْتَقِيماً، وَيَنْصُرَكَ اللََّهُ نَصْراً عَزِيزاً»}.
الكلام على هذه الآية من جهات: الأولى سبب النزول ومكانه
وزمانه، والثانية علم اللغة، والثالثة علم الإعراب، والرابعة علم المعاني، والخامسة علم التفسير.(2/98)
الكلام على هذه الآية من جهات: الأولى سبب النزول ومكانه
وزمانه، والثانية علم اللغة، والثالثة علم الإعراب، والرابعة علم المعاني، والخامسة علم التفسير.
أقول: قدمت أولا الكلام على النزول وما يتعلق به، ومناسبة تقديمه ظاهرة، وثنيت باللغة وقدمتها على الإعراب، لأنها تبين المعنى، والاعراب فرعه ومتوقف على معرفته، وثلثت بالاعراب وقدمته على المعاني الذي هو ثمرة الإعراب، ثم تلاه المعاني، ولما انتهيت من الأدوات ذكرت المقصود بالذات من الآية وهو التفسير وبيان المراد، ثم ختمت بالنهاية وهو علم التصوف، وهذا ترتيب حسن لطيف.
وبدأ بالكلام على سبب النزول وما يتعلق به نقلا عن الواجدي، ثم تكلم عن اللغة فبين معنى النصر والبيان والمغفرة والذنب والنعمة والهدى والصراط المستقيم والعزيز. وذكر بعد ذلك ما يتعلق بالآية من جهة الإعراب، ثم ما يتعلق بها من جهة علم المعاني. ثم قال: وأما ما يتعلق بها من جهة التفسير، قوله: (إنا فتحنا)، في المراد بالفتح هنا أقوال: أحدها فتح مكة واختاره الفخر الرازى من الجميع وأبو حيان، والثاني عام الحديبية عند انفكاكه منها، والثالث قاله مجاهد فتح خيبر وفي بعض الآي ما يدل عليه، والرابع قال الضحاك: والمراد فتح الله بالإسلام والنبوة والدعوة بالحجة والسيف، ولا فتح أبين منه وأعظم، وهو رأس الفتوح كلها، إذ لا فتح من فتوح الاسلام إلا وهو عنه ومشتق منه. الخامس قال غيره: المراد نصر الله تعالى على أهل مكة بعد ان أوحي اليه: إنك تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت. قوله: {مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ}
قال ابن عباس: ما تقدم قبل النبوة وما تأخر بعدها. وقال غيره: ما وقع وما لم يقع على طريق الوعد بأنه مغفور له. وقال سفيان: ما تأخر هو ما لم يعلمه، وقال آخر: المتقدم والمتأخر معا ما كان قبل النبوة. وقال آخر تأكيد للمبالغة كما تقول: أحبك من عرفك ومن لم يعرفك. وقال آخر ما تقدم من ذنبك يعني من ذنب أبيك آدم وحواء، وما تأخر: ذنوب أمتك. وقال آخر:
المعنى لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه. قوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} * قيل النبوة والحكمة، وقيل بفتح مكة والطائف وخيبر، وقيل بخضوع من استكبر، والصحيح بدخول الجنة.(2/99)
وبدأ بالكلام على سبب النزول وما يتعلق به نقلا عن الواجدي، ثم تكلم عن اللغة فبين معنى النصر والبيان والمغفرة والذنب والنعمة والهدى والصراط المستقيم والعزيز. وذكر بعد ذلك ما يتعلق بالآية من جهة الإعراب، ثم ما يتعلق بها من جهة علم المعاني. ثم قال: وأما ما يتعلق بها من جهة التفسير، قوله: (إنا فتحنا)، في المراد بالفتح هنا أقوال: أحدها فتح مكة واختاره الفخر الرازى من الجميع وأبو حيان، والثاني عام الحديبية عند انفكاكه منها، والثالث قاله مجاهد فتح خيبر وفي بعض الآي ما يدل عليه، والرابع قال الضحاك: والمراد فتح الله بالإسلام والنبوة والدعوة بالحجة والسيف، ولا فتح أبين منه وأعظم، وهو رأس الفتوح كلها، إذ لا فتح من فتوح الاسلام إلا وهو عنه ومشتق منه. الخامس قال غيره: المراد نصر الله تعالى على أهل مكة بعد ان أوحي اليه: إنك تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت. قوله: {مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ}
قال ابن عباس: ما تقدم قبل النبوة وما تأخر بعدها. وقال غيره: ما وقع وما لم يقع على طريق الوعد بأنه مغفور له. وقال سفيان: ما تأخر هو ما لم يعلمه، وقال آخر: المتقدم والمتأخر معا ما كان قبل النبوة. وقال آخر تأكيد للمبالغة كما تقول: أحبك من عرفك ومن لم يعرفك. وقال آخر ما تقدم من ذنبك يعني من ذنب أبيك آدم وحواء، وما تأخر: ذنوب أمتك. وقال آخر:
المعنى لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه. قوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} * قيل النبوة والحكمة، وقيل بفتح مكة والطائف وخيبر، وقيل بخضوع من استكبر، والصحيح بدخول الجنة.
قوله: {وَيَهْدِيَكَ} المراد يثبتك على الهدى كما في قوله: {«يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللََّهَ»} {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} وأمثال ذلك. قوله {صِرََاطاً مُسْتَقِيماً} * المراد به هنا الإسلام وآخر جملة في هذه الرسالة هي (وأما من جهة علم التصوف)، ثم يتلوها بياض بالأصل مقداره نحو ثلاثة أسطر بخط السيوطي الدقيق. وإذا كان لم يصل إلينا ما كتبه السيوطي في تصديره عن التصوف فإن بعض المؤلفين أشار في تحديد معاني الفتح إلى معنى هو أقرب إلى معاني الصوفية. قال الراغب في كتابه (المفردات في غريب القرآن): وقوله: {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قيل عن فتح مكة، وقيل بل عنى ما فتح على النبي من العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة التي صارت سببا لغفران الذنوب، ولعل هذا المعنى هو الذي عبر عنه بعض المفسرين بالإلهام.
3 - الحفنى شيخ الأزهر:
كان شيخ الأزهر الحفني (1100هـ 1698م 1181هـ 1767هـ) شجاعا في الحق شجاعة نادرة. تخاصم علي بك الكبير مع طائفة كبيرة من الأمراء وتفاقم بينهم الشر حتى أوشك أن ينتهي إلى الحرب. واجتمع لذلك كبار القوم ومعهم الشيخ الحنفي. فعارض الميل إلى الحرب معارضة شديدة، لما يصيب الناس من شرها. وقال للأمراء:
إنكم خربتم البلاد، بحربكم وخصامكم. ثم أرسل إلى علي بك، وكان خارج القاهرة، كتابا شديدا فيه زجر وعظة ونصيحة. وقد انفرد علي بك بعد ذلك بحكم مصر، وفتح الشام والحجاز، وكان مع ذلك لا يستطيع مخالفة الشيخ. وله مع الأمراء والولاة مواقف من الشجاعة والصلابة يطول بنا الحديث عنها. وكان لا يتم أمر من أمور الدولة، إلا بعلمه وإذنه. وكانت له
مهابة عظيمة حتى لا يستطيع كثير من جلسائه أن يتوجه إليه بسؤال، وكانت على إحدى عينيه نقطة، ومع ذلك لم يدرك أكثر الناس ذلك ولم يلحظوه.(2/100)
إنكم خربتم البلاد، بحربكم وخصامكم. ثم أرسل إلى علي بك، وكان خارج القاهرة، كتابا شديدا فيه زجر وعظة ونصيحة. وقد انفرد علي بك بعد ذلك بحكم مصر، وفتح الشام والحجاز، وكان مع ذلك لا يستطيع مخالفة الشيخ. وله مع الأمراء والولاة مواقف من الشجاعة والصلابة يطول بنا الحديث عنها. وكان لا يتم أمر من أمور الدولة، إلا بعلمه وإذنه. وكانت له
مهابة عظيمة حتى لا يستطيع كثير من جلسائه أن يتوجه إليه بسؤال، وكانت على إحدى عينيه نقطة، ومع ذلك لم يدرك أكثر الناس ذلك ولم يلحظوه.
لأنهم كانوا يغضون الطرف عند النظر إلى وجهه.
تولى المشيخة بعد الشيخ الشبراوي، الذي مات في آخر سنة 1171هـ وكان إلى ذلك كله ظريفا وشاعرا، يقول الشعر، والمواليا.
كان له رفيق اسمه الشيخ حسن شمة، رآه مرة يكتب، فسأله ماذا يكتب؟
فقرأ عليه الشيخ «شمة» هذا البيت:
قالوا تحب المدمس؟ قلت بالزيت حار
والعيش أبيض تحبه؟ قلت والكشكار
فضحك الشيخ وقال له: أما أنا فلا أحبه بالزيت حار، بل بالسمن.
وأنشده:
قالوا تحب المدمس؟ قلت بالمسلى
والبيض مشوي. تحبه؟ قلت والمقلي
وله شيء غير قليل من المواليا، بعضه في الغزل، وكله رقيق جميل فيه عاطفة وعذوبة. وله شعر رقيق جميل ايضا، منه:
فلو فتشوا قلبي لألفوا به
سطرين، قد خطا، بلا كاتب
العلم والتوحيد في جانب
وحب آل البيت في جانب
وهذان البيتان، يمثلان حياته الى حد كبير، فقد كان عالما كبيرا مخلصا للعلم، ومتصوفا مؤمنا طاهر السريرة.
ومن شعره هذان البيتان الرقيقان. اللذان يفيضان يسرا وإيمانا ورضاء، وصفاء وروحانية:(2/101)
خبز، وماء وظل
هو النعيم الأجل
جحدت نعمة ربي
إن قلت إني مقل
وقد عمر طويلا. حيث مات ظهر يوم السبت السابع والعشرين من ربيع الأول سنة 1181 (1767) وكان يوم وفاته يوم هول وبكاء. وقال فيه الوالي راغب باشا: انه كان سقفا على أهل مصر، يمنع عنهم نزول البلاء (1).
الإجازات العلمية في 61817 الأزهر القديم
ذكر القلقشندي في صبح الأعشى صور طائفة من الإجازات التي كان يصدرها أكابر العلماء لتلاميذهم أو لمن يتقدم اليهم من الطلاب، كإجازة التدريس والفتيا والرواية وغيرها (ج 14ص 322وما بعدها)، وتصدر هذه الإجازة بعد اختيار الطالب فيما طلب الإجازة فيه.
1 - وهذه صيغة إجازة بالفتيا والتدريس على مذهب الإمام الشافعي، أصدرها العلامة سراج الدين أبو حفص عمر الشهير بابن الملقن لأبي العباس القلقشندي صاحب كتاب صبح الأعشى سنة 778هـ، وكتبها القاضي تاج الدين بن غنوم موقع الحكم بالاسكندرية، وذلك بعد البسملة والديباجة:
«ولما كان فلان أدام الله تسديده وتوفيقه، ويسر إلى الخيرات طريقه ممن شب ونشأ في طلب العلم والفضيلة، وتخلق بالأخلاق المرضية الجميلة، وصحب السادة من المشايخ والفقهاء، والقادة من الأكابر والفضلاء، واشتغل عليهم بالعلم الشريف اشتغالا يرضى، وإلى نيل السعادة إن شاء الله يفضي، استخار الله تعالى سيدنا وشيخنا وبركتنا،
__________
(1) من كلمة للأستاذ محمود الشرقاوي عنه الأهرام في 19541011(2/102)
العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ الإمام العلامة، الحبر الفهامة فريد دهره ونسيج وحده، جمال العلماء، أوحد الفضلاء، عمدة الفقهاء والصلحاء سراج الدين، مفتي الإسلام والمسلمين، أبو حفص عمر بن الملقن
الخ».
«وأذن وأجاز فيه لفلان المسمى فيه، أدام الله معاليه، أن يدرس مذهب الإمام المجتهد المطلق العالم الرباني، أبي عبد الله محمد بن إدريس المطلبي الشافعي، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه، وان يقرأ ما شاء من الكتب المصنفة فيه، وان يفيد ذلك لطالبيه، حيث حل وأقام، كيف شاء متى شاء وأين شاء، وأن يفتي من قصد استفتاءه خطا ولفظا، على مقتضى مذهبه الشريف المشار إليه، لعلمه بديانته وأمانته، ومعرفته ودرايته، وأهليته لذلك وكفايته وكتب في تاريخ كذا».
2 - وهذه صيغة إجازة أصدرها الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدايم إلى ولده أبي العباس المسمى نجم الدين أبي الفتح، متضمنة إتقانه لحفظ كتاب (المنهاج) في الفقه للنووي، وذلك سنة 813هـ جاء فيها بعد الديباجة: «وبعد فقد عرض على الفقيه الفاضل، نجل الأفاضل، وسليل الأماثل، ذو الهمة العليا، والفطنة الذكية، والفطرة الزكية، نجم الدين أبو عبد الله محمد بن فلان، نفع الله به كما نفع بوالده، وجمع له بين طارف العلم وتالده» مواضع متعددة من «المنهاج» في فقه الإمام الشافعي المطلبي رضي الله عنه وعنا به، تأليف ولي الله ابن زكريا بن شرف بن مرى النووي، سقى الله تعالى ثراه، وجعل الجنة مأواه، دل حفظه لها على حفظ الكتاب، كما فتح الله له مناهج الخير دقه وجله، وكان العرض في يوم كذا».
3 - وكتب العلامة الشيخ عز الدين بن جماعة في بعض الإجازات ما صورته: كذلك عرض على المذكور باطنها عرضا حسنا، محررا مهذبا مجادا متقنا، عرض من أتقن حفظه، وزين بحسن الأداء لفظه، وأجزل لي من عين العناية حفظه، مر فيه مرور الهملاج الوساع في فسيح ذي السباع،
وقد دلني ذلك منه، نفعه الله تعالى ونفع به، ووصل أسباب الخير بسببه، على علو همته، ووفور أريحيته، وتوقد فكرته، واتقاد فطنته وقد أذنت له أن يروي عني الكتاب المذكور، وجميع ما يجوز لي وعني روايته، من مصنفاتي وغيرها من منظوم ومنثور، ومنقول ومعقول ومأثور، بشرطه المعتبر عند أهل الأثر، وكتب فلان بتاريخ كذا(2/103)
3 - وكتب العلامة الشيخ عز الدين بن جماعة في بعض الإجازات ما صورته: كذلك عرض على المذكور باطنها عرضا حسنا، محررا مهذبا مجادا متقنا، عرض من أتقن حفظه، وزين بحسن الأداء لفظه، وأجزل لي من عين العناية حفظه، مر فيه مرور الهملاج الوساع في فسيح ذي السباع،
وقد دلني ذلك منه، نفعه الله تعالى ونفع به، ووصل أسباب الخير بسببه، على علو همته، ووفور أريحيته، وتوقد فكرته، واتقاد فطنته وقد أذنت له أن يروي عني الكتاب المذكور، وجميع ما يجوز لي وعني روايته، من مصنفاتي وغيرها من منظوم ومنثور، ومنقول ومعقول ومأثور، بشرطه المعتبر عند أهل الأثر، وكتب فلان بتاريخ كذا
صور من إجازات 61818 الأزهر العلمية في أواخر القرن التاسع عشر
من صور هذه الاجازات إجازة خطية طويلة عندي، وهي التي كتبها الشيخ الباجوري للعالم الكبير الشيخ نافع الجوهري الخفاجي التلباني (13301250هـ 19121834م)، وقد أثبتها في كتابي «بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي (1)» فلا داعي لذكرها كاملة هنا، وفي آخرها يقول الشيخ الباجوري: «أجزت المذكور بكل ما تجوز لي به الرواية، وما تلقيت من أشياخي ضاعف الله أجورهم رواية ودراية، وبما لي من تأليف وتصنيف» والاجازة مذيلة بهذا التوقيع: الفقير إبراهيم الباجوري خادم العلم.
ومع هذه الإجازة صورة أخرى لرجاء من أساتذته الشيخ المبلط والشيخ البدري والشيخ علي محمد، مرفوع إلى شيخ الجامع الأزهر لإعطاء «ولده الفقير نافع خفاجي تذكرة أسوة بأمثاله بإكرامه وعدم المعارضة له بطريق ما، وإجازته بكل ما أفتي وما فعل».
ويلي ذلك إجازة شيخ الأزهر له، وجاء فيها: «انتظم المذكور في سلك العلماء» وأخذ عن الشيوخ الموجودين في هذا العصر بعضا من العلوم، ودأب في التحصيل فمنح دقائق المفهوم، فأجازه أشياخه بما أخذ عنهم، وتلقاه منهم، ولما أراد الرجوع إلى وطنه، التمس إجازته، بما تجوز
__________
(1) ج 3ص 105(2/104)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/105)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/106)
ولما كان منهم الإمام الفاضل، والهمام الكامل، والجهبذي الأبر، اللوذعي الأديب، والألمعي الأريب، ثاقب الفكر، صاحب النظر، ولدنا السيد محمد الهجرسي الحفناوي، نجل المرحوم العلامة السيد خليل الهجرسي، زين الدين الشافعي الشرقاوي، أسكنه الله الفردوس وجنبه سقر، وظهرت لي نجابته أذنته بالتدريس. وأن يتخذ العلم خير جليس، فشمر عن ساعده، وظهر ومهر، وطلب مني إجازة ليتصل بسند سادتي سنده ولا ينفصل عن مددهم مدده، وينتظم في سلك قد فاق غيره وبهر. فأجبت وإن لم أكن
لذلك أهلا، رجاء أن ينشر العلم وأنال من الله فضلا، وأنجو في القيامة مما للكاتمين من الضرر، فقلت:
أجزت المومى إليه بما تجوز لي روايته، أو تصح عني درايته. من كل حديث وأثر، ومن فروع وأصول، ومنقول ومعقول، وفنون اللطائف والعبر، كما أخذته عن الأفاضل السادة، الأكابر القادة، مسددي العزائم، في استخراج الدرر، منهم أستاذنا العلامة، ولي الله المقرب، وملاذنا الفهامة الكبير ثعيلب، بوأه الله أسنى مقر، عن شيخه الشيخ أحمد الملوى، ذي التآليف المفيدة، وعن شيخه أحمد الجوهري الخالدي صاحب التصانيف الفريدة، عن شيخهما عبد الله بن سالم صاحب الثبت الذي اشتهر. ومنهم شيخنا محمد بن محمود الجزائري، عن شيخه علي بن عبد القادر الأمين، عن شيخه أحمد الجوهري المذكور المصون بالعرفان والتمكين، عن شيخه عبد الله بن سالم، ومنهم الشيخ محمد صالح البخاري عن شيخه رفيع الدين القندهاوي، عن الشريف الإدريسي عن عبد الله بن سالم راوي أحاديث الابر، ومنهم سيدي محمد الأمير عن والده الشيخ الكبير، عن أشياخه الذي حوى ذكرهم ثبته الشهير، ومنهم غير هؤلاء رحم الله الجميع ولى وللمجاز ولهم أكرم وغفر، وهؤلاء وغيرهم يروون عن جم غفير، وجمع كثير، كالشيخ الحفني، والشيخ علي الصعيدي، وغيرهما، فمسانيدهم مسانيدي، فما أكرمها من نسبة وابر، وقد سمع مني المجاز المذكور كتبا عديدة معتبرة مفيدة، وفقه الله لمحاسن ما به أمر، آمين بجاه طه الأمين.
2 - وكتب تحت هذه الإجازة ما يلي، وهي صورة إجازة أخرى بإمضاء الشيخ محمد خليل الهجرسي:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من كل شيطان رجيم، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا وسندنا ومولانا محمد الرءوف وعلى آله أولي الفضل والهداية الحائزين قصب السبق في مضمار الدراية والرواية، وبعد فأقول وأنا الحقير المقر بالتقصير محمد خليل الحفناوي الهجرسي قد أجزت
بما في هذه الإجازات الكامل الفاضل الشيخ إبراهيم كراوية الدمياطي، وأنا أوصيه بالتقوى ولا ينساني من صالح دعواته فإنها السبب الأقوى في خلواته وجلواته.(2/107)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من كل شيطان رجيم، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا وسندنا ومولانا محمد الرءوف وعلى آله أولي الفضل والهداية الحائزين قصب السبق في مضمار الدراية والرواية، وبعد فأقول وأنا الحقير المقر بالتقصير محمد خليل الحفناوي الهجرسي قد أجزت
بما في هذه الإجازات الكامل الفاضل الشيخ إبراهيم كراوية الدمياطي، وأنا أوصيه بالتقوى ولا ينساني من صالح دعواته فإنها السبب الأقوى في خلواته وجلواته.
وذيلت بتاريخ عام 1310هـ.
3 - صورة إجازة أخرى صادرة من الشيخ شمس الدين الانبابي:
بسم الله الرحمن الرحيم: نجوز بإجازتك يا الله على صراط الحمد، فنفوز بهدايتك يا وهاب على بساط المجد، ونزيد شكرا فنزيد أجرا، ونصلي ونسلم على السيد السند الأعظم، لكل ذي هداية ممن تأخر من العلماء أو من الأنبياء تقدم، إنسان عين حقيقة التوحيد وترجمان لسان القرآن المجيد، مفتاح الرحمة كشاف الغمة، صاحب الشمائل الحسنة. ومصدر مناهل السنة، أصل منبع أصول الحكم، وعين جميع جوامع الأمم، فقه أمته، فأظهرت ملته، فلم تنح نحوها في تسهيل تفهيم المسائل المهمة أمة، ولم تتصرف تصرفاتها في العبادات الجميلة الجمة، لها في تهذيب الطلاب غاية لطافة، وفي الحث على الدأب يحسن الأدب في آداب البحث، فيبلغ الطالب في أسرع مدة من الفنون بلاغة وتسر سريرته بسرور أسرار البلاغة، وغايته أنها رزقت السعد في علومها وحسن المنطق في نظم كلامها، لاستنادها في كل أفعالها على أعلى سند وأقوى أساس، فكانت بذلك كما في التنزيل خير أمة أخزجت للناس، ثم نصلي ونسلم بعد ذلك على أصحابه الذين سلكوا بنوره أقوم المسالك، وأهل بيته الطاهرين ومن تبعهم من الأولين والآخرين أما بعد: فلما كان الاسناد من المزايا العالية إذ فيه حفظ نسب الأرواح، فأولى وأعلى عناية به أسانيد العلماء للطلاب، وكان الدعي غير المنسوب والمنسوب مطلقا محسوب، اشتدت عنايته العلماء الجهابذة، وفضلاء هذه الأمة الأساتذة قديما وحديثا سواء كان العلم صناعة أم حديثا بأخذ الأسانيد مسلسلة، وإجازة الآخذين عنهم بعلوم مفصلة، وما عنى بهذا الأمر أشد عناية الا من صدق وصدق فصادفته العناية، فاستجاز
والتمس الانجاز لحفظ نسبه العلمي، المقدم على نسبه الجسمي، فابتدر شيخه لإجابته، إذ لاحت منه أمارات نجابته، وأجازه بما أجيز، وأصبح بعز الافادة أعز عزيز وممن اعتنى بعد ما اقتنى وقطع المفازة، فطلب الإجازة، ولدنا النبيه النبيل والعالم النجيب الجليل، الفاضل المحقق النحرير، البارع في الالقاء والتحرير من صدق في نجابته اختياري وتفرسي، الحسيب النسيب السيد محمد الهجرسي بن شمس الصلاح، وكوكب سعد الفلاح، قائد زمام الحقيقة، وشائد بناء الطريقة، كاشف الغمة عن الطلبة والمريدين، العالم العلامة المرحوم السيد خليل الهجرسي زين الدين بعد أن لازمني مدة مديدة وأخذ عني فنونا عديدة، فلما لاح لي كوكب صلاحه، وفاح لي نشر مسك فلاحه، حيث أقرأ بالجامع الأزهر مهرة الطلاب وأفاد وأجاد، وكشف عن مخدرات التحقيق النقاب، وأخذ من الفنون بأقوى طرف، وزاد في الاقتداء في اخذ الأسانيد بمن سلف، فبادرت لطلبه بإعطائه بلوغ أربه، فلم أثن عنه عنان العناية، بل أجزته بما يجوز لي رواية، ويصح عني دراية، من فروع وأصول، ومنقول ومعقول، وأذنته بالتدريس، وأن يتخذ العلم خير جليس، ليكون في إفادته العلوم لطالبيها على أحسن سنن، وينتظم بصحيح مرسل درايته في عقد مسلسل الفضلاء بانتظام حسن، فلا يعضل في مقام، ولا يوضع له مقام، وليكون أيضا بذلك السند في العلم والشرف ذا غزارة وغرازة، لأن إجازتي هذه جازت من علو السند أجزل إجزاء وإجازة إذ هي إجازة مشايخي الأعلام، أكابر الشيوخ ومشايخ الإسلام كشيخي وملاذي وقدوتي وأستاذي، البحر الزاخر، ذي القدر الفاخر، العلم الفرد، والوبل لا الثرد، بحر التحقيق، حبر التدقيق، مولى الفوارق، من ضربت به الأمثال السائرة، في نشر تآليفه الزاهية الباهرة، علمه سار فهو الشمس والدنيا فلك المورد العذب، والمصدر الرحب، مسدد غلطات الأوهام، مشيد عرفات الافهام من لا يدرك شاؤه، إذا جورى شيخ الإسلام أستاذي الشيخ الباجوري قدس الله سره، وعظم فيه أجرنا وأجره، فإنه أجازني بما تجوز له روايته، واذن لي فيما تصح عنه درايته من فروع
وأصول، ومنقول ومعقول، بل أجاز إجازة عامة أهل العصر، وذلك كان في درسه الحافل بعد العصر، وهو مجاز من شيخيه الإمامين، وأستاذيه الشهيرين، الهمامين، أحدهما واحد العصر وعلامة الأنام، من أصبح كل لسان من كل إنسان عليه مثنيا، الأستاذ الملاذ شيخ الإسلام السيد حسن القويسني، فإنه أجازه بما حواه ثبت شيخ مشايخ الاسلام، والقدم الراسخ في مقام العرفان لأهل الإقدام، البحر العذب الراوي، الأستاذ الشيخ عبد الله الشبراوي، وبجميع مروياته، ضاعف الله في حسناته كما أجاز السيد المذكور بذلك شيخه الهمام الحبر الشرعي، الأستاذ أبو هريرة داود بن الأستاذ محمد القلعي، فكتب الشيخ أبو هريرة المذكور على ثبت العلامة، المتقدم ذكره المشهور.(2/108)
بسم الله الرحمن الرحيم: نجوز بإجازتك يا الله على صراط الحمد، فنفوز بهدايتك يا وهاب على بساط المجد، ونزيد شكرا فنزيد أجرا، ونصلي ونسلم على السيد السند الأعظم، لكل ذي هداية ممن تأخر من العلماء أو من الأنبياء تقدم، إنسان عين حقيقة التوحيد وترجمان لسان القرآن المجيد، مفتاح الرحمة كشاف الغمة، صاحب الشمائل الحسنة. ومصدر مناهل السنة، أصل منبع أصول الحكم، وعين جميع جوامع الأمم، فقه أمته، فأظهرت ملته، فلم تنح نحوها في تسهيل تفهيم المسائل المهمة أمة، ولم تتصرف تصرفاتها في العبادات الجميلة الجمة، لها في تهذيب الطلاب غاية لطافة، وفي الحث على الدأب يحسن الأدب في آداب البحث، فيبلغ الطالب في أسرع مدة من الفنون بلاغة وتسر سريرته بسرور أسرار البلاغة، وغايته أنها رزقت السعد في علومها وحسن المنطق في نظم كلامها، لاستنادها في كل أفعالها على أعلى سند وأقوى أساس، فكانت بذلك كما في التنزيل خير أمة أخزجت للناس، ثم نصلي ونسلم بعد ذلك على أصحابه الذين سلكوا بنوره أقوم المسالك، وأهل بيته الطاهرين ومن تبعهم من الأولين والآخرين أما بعد: فلما كان الاسناد من المزايا العالية إذ فيه حفظ نسب الأرواح، فأولى وأعلى عناية به أسانيد العلماء للطلاب، وكان الدعي غير المنسوب والمنسوب مطلقا محسوب، اشتدت عنايته العلماء الجهابذة، وفضلاء هذه الأمة الأساتذة قديما وحديثا سواء كان العلم صناعة أم حديثا بأخذ الأسانيد مسلسلة، وإجازة الآخذين عنهم بعلوم مفصلة، وما عنى بهذا الأمر أشد عناية الا من صدق وصدق فصادفته العناية، فاستجاز
والتمس الانجاز لحفظ نسبه العلمي، المقدم على نسبه الجسمي، فابتدر شيخه لإجابته، إذ لاحت منه أمارات نجابته، وأجازه بما أجيز، وأصبح بعز الافادة أعز عزيز وممن اعتنى بعد ما اقتنى وقطع المفازة، فطلب الإجازة، ولدنا النبيه النبيل والعالم النجيب الجليل، الفاضل المحقق النحرير، البارع في الالقاء والتحرير من صدق في نجابته اختياري وتفرسي، الحسيب النسيب السيد محمد الهجرسي بن شمس الصلاح، وكوكب سعد الفلاح، قائد زمام الحقيقة، وشائد بناء الطريقة، كاشف الغمة عن الطلبة والمريدين، العالم العلامة المرحوم السيد خليل الهجرسي زين الدين بعد أن لازمني مدة مديدة وأخذ عني فنونا عديدة، فلما لاح لي كوكب صلاحه، وفاح لي نشر مسك فلاحه، حيث أقرأ بالجامع الأزهر مهرة الطلاب وأفاد وأجاد، وكشف عن مخدرات التحقيق النقاب، وأخذ من الفنون بأقوى طرف، وزاد في الاقتداء في اخذ الأسانيد بمن سلف، فبادرت لطلبه بإعطائه بلوغ أربه، فلم أثن عنه عنان العناية، بل أجزته بما يجوز لي رواية، ويصح عني دراية، من فروع وأصول، ومنقول ومعقول، وأذنته بالتدريس، وأن يتخذ العلم خير جليس، ليكون في إفادته العلوم لطالبيها على أحسن سنن، وينتظم بصحيح مرسل درايته في عقد مسلسل الفضلاء بانتظام حسن، فلا يعضل في مقام، ولا يوضع له مقام، وليكون أيضا بذلك السند في العلم والشرف ذا غزارة وغرازة، لأن إجازتي هذه جازت من علو السند أجزل إجزاء وإجازة إذ هي إجازة مشايخي الأعلام، أكابر الشيوخ ومشايخ الإسلام كشيخي وملاذي وقدوتي وأستاذي، البحر الزاخر، ذي القدر الفاخر، العلم الفرد، والوبل لا الثرد، بحر التحقيق، حبر التدقيق، مولى الفوارق، من ضربت به الأمثال السائرة، في نشر تآليفه الزاهية الباهرة، علمه سار فهو الشمس والدنيا فلك المورد العذب، والمصدر الرحب، مسدد غلطات الأوهام، مشيد عرفات الافهام من لا يدرك شاؤه، إذا جورى شيخ الإسلام أستاذي الشيخ الباجوري قدس الله سره، وعظم فيه أجرنا وأجره، فإنه أجازني بما تجوز له روايته، واذن لي فيما تصح عنه درايته من فروع
وأصول، ومنقول ومعقول، بل أجاز إجازة عامة أهل العصر، وذلك كان في درسه الحافل بعد العصر، وهو مجاز من شيخيه الإمامين، وأستاذيه الشهيرين، الهمامين، أحدهما واحد العصر وعلامة الأنام، من أصبح كل لسان من كل إنسان عليه مثنيا، الأستاذ الملاذ شيخ الإسلام السيد حسن القويسني، فإنه أجازه بما حواه ثبت شيخ مشايخ الاسلام، والقدم الراسخ في مقام العرفان لأهل الإقدام، البحر العذب الراوي، الأستاذ الشيخ عبد الله الشبراوي، وبجميع مروياته، ضاعف الله في حسناته كما أجاز السيد المذكور بذلك شيخه الهمام الحبر الشرعي، الأستاذ أبو هريرة داود بن الأستاذ محمد القلعي، فكتب الشيخ أبو هريرة المذكور على ثبت العلامة، المتقدم ذكره المشهور.(2/109)
بسم الله الرحمن الرحيم: نجوز بإجازتك يا الله على صراط الحمد، فنفوز بهدايتك يا وهاب على بساط المجد، ونزيد شكرا فنزيد أجرا، ونصلي ونسلم على السيد السند الأعظم، لكل ذي هداية ممن تأخر من العلماء أو من الأنبياء تقدم، إنسان عين حقيقة التوحيد وترجمان لسان القرآن المجيد، مفتاح الرحمة كشاف الغمة، صاحب الشمائل الحسنة. ومصدر مناهل السنة، أصل منبع أصول الحكم، وعين جميع جوامع الأمم، فقه أمته، فأظهرت ملته، فلم تنح نحوها في تسهيل تفهيم المسائل المهمة أمة، ولم تتصرف تصرفاتها في العبادات الجميلة الجمة، لها في تهذيب الطلاب غاية لطافة، وفي الحث على الدأب يحسن الأدب في آداب البحث، فيبلغ الطالب في أسرع مدة من الفنون بلاغة وتسر سريرته بسرور أسرار البلاغة، وغايته أنها رزقت السعد في علومها وحسن المنطق في نظم كلامها، لاستنادها في كل أفعالها على أعلى سند وأقوى أساس، فكانت بذلك كما في التنزيل خير أمة أخزجت للناس، ثم نصلي ونسلم بعد ذلك على أصحابه الذين سلكوا بنوره أقوم المسالك، وأهل بيته الطاهرين ومن تبعهم من الأولين والآخرين أما بعد: فلما كان الاسناد من المزايا العالية إذ فيه حفظ نسب الأرواح، فأولى وأعلى عناية به أسانيد العلماء للطلاب، وكان الدعي غير المنسوب والمنسوب مطلقا محسوب، اشتدت عنايته العلماء الجهابذة، وفضلاء هذه الأمة الأساتذة قديما وحديثا سواء كان العلم صناعة أم حديثا بأخذ الأسانيد مسلسلة، وإجازة الآخذين عنهم بعلوم مفصلة، وما عنى بهذا الأمر أشد عناية الا من صدق وصدق فصادفته العناية، فاستجاز
والتمس الانجاز لحفظ نسبه العلمي، المقدم على نسبه الجسمي، فابتدر شيخه لإجابته، إذ لاحت منه أمارات نجابته، وأجازه بما أجيز، وأصبح بعز الافادة أعز عزيز وممن اعتنى بعد ما اقتنى وقطع المفازة، فطلب الإجازة، ولدنا النبيه النبيل والعالم النجيب الجليل، الفاضل المحقق النحرير، البارع في الالقاء والتحرير من صدق في نجابته اختياري وتفرسي، الحسيب النسيب السيد محمد الهجرسي بن شمس الصلاح، وكوكب سعد الفلاح، قائد زمام الحقيقة، وشائد بناء الطريقة، كاشف الغمة عن الطلبة والمريدين، العالم العلامة المرحوم السيد خليل الهجرسي زين الدين بعد أن لازمني مدة مديدة وأخذ عني فنونا عديدة، فلما لاح لي كوكب صلاحه، وفاح لي نشر مسك فلاحه، حيث أقرأ بالجامع الأزهر مهرة الطلاب وأفاد وأجاد، وكشف عن مخدرات التحقيق النقاب، وأخذ من الفنون بأقوى طرف، وزاد في الاقتداء في اخذ الأسانيد بمن سلف، فبادرت لطلبه بإعطائه بلوغ أربه، فلم أثن عنه عنان العناية، بل أجزته بما يجوز لي رواية، ويصح عني دراية، من فروع وأصول، ومنقول ومعقول، وأذنته بالتدريس، وأن يتخذ العلم خير جليس، ليكون في إفادته العلوم لطالبيها على أحسن سنن، وينتظم بصحيح مرسل درايته في عقد مسلسل الفضلاء بانتظام حسن، فلا يعضل في مقام، ولا يوضع له مقام، وليكون أيضا بذلك السند في العلم والشرف ذا غزارة وغرازة، لأن إجازتي هذه جازت من علو السند أجزل إجزاء وإجازة إذ هي إجازة مشايخي الأعلام، أكابر الشيوخ ومشايخ الإسلام كشيخي وملاذي وقدوتي وأستاذي، البحر الزاخر، ذي القدر الفاخر، العلم الفرد، والوبل لا الثرد، بحر التحقيق، حبر التدقيق، مولى الفوارق، من ضربت به الأمثال السائرة، في نشر تآليفه الزاهية الباهرة، علمه سار فهو الشمس والدنيا فلك المورد العذب، والمصدر الرحب، مسدد غلطات الأوهام، مشيد عرفات الافهام من لا يدرك شاؤه، إذا جورى شيخ الإسلام أستاذي الشيخ الباجوري قدس الله سره، وعظم فيه أجرنا وأجره، فإنه أجازني بما تجوز له روايته، واذن لي فيما تصح عنه درايته من فروع
وأصول، ومنقول ومعقول، بل أجاز إجازة عامة أهل العصر، وذلك كان في درسه الحافل بعد العصر، وهو مجاز من شيخيه الإمامين، وأستاذيه الشهيرين، الهمامين، أحدهما واحد العصر وعلامة الأنام، من أصبح كل لسان من كل إنسان عليه مثنيا، الأستاذ الملاذ شيخ الإسلام السيد حسن القويسني، فإنه أجازه بما حواه ثبت شيخ مشايخ الاسلام، والقدم الراسخ في مقام العرفان لأهل الإقدام، البحر العذب الراوي، الأستاذ الشيخ عبد الله الشبراوي، وبجميع مروياته، ضاعف الله في حسناته كما أجاز السيد المذكور بذلك شيخه الهمام الحبر الشرعي، الأستاذ أبو هريرة داود بن الأستاذ محمد القلعي، فكتب الشيخ أبو هريرة المذكور على ثبت العلامة، المتقدم ذكره المشهور.
4 - وبعد ذلك ما يلي، وهو مذيل بتوقيع الفقير اليه تعالى محمد الأنبابي خادم العلم بالأزهر:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد أخذت العلم عن رجال صالحين، منهم الشيخ أحمد السحيمي بن محمد شارح عبد السلام فقد أجازني بضمن ما في هذا الثبت الذي أجازه به شيخه الشيخ عبد الله الشبراوي صاحب هذا الثبت، ومنهم الشيخ أحمد الملوى فقد أجازني بجميع مروياته، ومنهم الشيخ أحمد الدمنهوري أجازني بما في ثبته، وكتب عليه أنه أجازني بما في ضمنه، ومنهم الشيخ محمد الحفني حضرت عليه سنين كثيرة، ومنهم الشيخ أحمد البجيرمي، والشيخ عيسى البزاوي، والشيخ حسن المدابغي، والشيخ محمد المصيلحي، والشيخ عبد الله الشبراوي، والشيخ عطية الأجهوري، والشيخ أحمد القوصي، والشيخ عمر الطحلاوي، وغيرهم ممن يطول ذكره، وقد أجزت بذلك السيد حسن العلوي، ابن السيد درويش، ابن السيد عبد الله القويسني، وبجميع مروياتي، راجيا من الله أن لا ينساني من صالح دعواته كتبه داود القلعي، وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره
الغافلون وثانيهما الفرد الذي ليس له ثان، ولا لعنان عنايته في ميدان أهل العرفان ثان، فإنه جواد العلم السابق الأصم، بل بحره الزاخر الدافق الخضم، أستاذ الأساتذة ومولى الموالي، شيخ مشايخ الإسلام، الفاضل الفضالى المجاز من العلامة الأمير الكبير، بما حواه ثبته الشهير، ومن غيره من الأعلام، والأساتذة الجهابذة الكرام، وكشيخي الإمام علامة الأنام من سارت بفضائله سائر الركبان، وشوهدت طوالع تحقيقاته من مطالع عباراته، فهو أبو السعود. لهذا الوجود، وكشاف لثام الأفهام ولا فخر، ومفتاح أرواح استرواح عبير العرفان ولا نشر، ذي المقاصد الحسنة القوية الصادقة في كشف مواقف العقول الزكية الفائقة.(2/110)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد أخذت العلم عن رجال صالحين، منهم الشيخ أحمد السحيمي بن محمد شارح عبد السلام فقد أجازني بضمن ما في هذا الثبت الذي أجازه به شيخه الشيخ عبد الله الشبراوي صاحب هذا الثبت، ومنهم الشيخ أحمد الملوى فقد أجازني بجميع مروياته، ومنهم الشيخ أحمد الدمنهوري أجازني بما في ثبته، وكتب عليه أنه أجازني بما في ضمنه، ومنهم الشيخ محمد الحفني حضرت عليه سنين كثيرة، ومنهم الشيخ أحمد البجيرمي، والشيخ عيسى البزاوي، والشيخ حسن المدابغي، والشيخ محمد المصيلحي، والشيخ عبد الله الشبراوي، والشيخ عطية الأجهوري، والشيخ أحمد القوصي، والشيخ عمر الطحلاوي، وغيرهم ممن يطول ذكره، وقد أجزت بذلك السيد حسن العلوي، ابن السيد درويش، ابن السيد عبد الله القويسني، وبجميع مروياتي، راجيا من الله أن لا ينساني من صالح دعواته كتبه داود القلعي، وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره
الغافلون وثانيهما الفرد الذي ليس له ثان، ولا لعنان عنايته في ميدان أهل العرفان ثان، فإنه جواد العلم السابق الأصم، بل بحره الزاخر الدافق الخضم، أستاذ الأساتذة ومولى الموالي، شيخ مشايخ الإسلام، الفاضل الفضالى المجاز من العلامة الأمير الكبير، بما حواه ثبته الشهير، ومن غيره من الأعلام، والأساتذة الجهابذة الكرام، وكشيخي الإمام علامة الأنام من سارت بفضائله سائر الركبان، وشوهدت طوالع تحقيقاته من مطالع عباراته، فهو أبو السعود. لهذا الوجود، وكشاف لثام الأفهام ولا فخر، ومفتاح أرواح استرواح عبير العرفان ولا نشر، ذي المقاصد الحسنة القوية الصادقة في كشف مواقف العقول الزكية الفائقة.
فإن يفق الأنام وكان منهم
فإن المسك بعض دم الغزال
فهو للقطر القطب الذي عليه المعول، وكل مادح فيه مقصر ولو كان مدحه مطولا، لا زال في معراج المعارف يرقى، أستاذي وشيخي العلامة السقا، أدام الله لنا وجوده، ووقاه ما يكره ووفاه سعوده، فإنه أعزه الله العزيز الحكيم أعزني، وبما حواه ثبت العلامة الأمير الكبير أجازني، وقد أجازه به العلامة الأمير الصغير، عن والده الأستاذ الأمير الكبير، عن أشياخه الأفاضل، والعلماء الأوائل الأماثل، وبما حواه ثبت العالمين، والهمامين، الإمامين، العلمين، صاحبي الفضل العبقري، الشهاب أحمد الملوى، والشهاب أحمد الجوهري، وبجميع المرويات لهما من المعقول والمنقول، كتوحيد وتفسير وحديث وفقه ونحو، وأصول كما هو مجاز بذلك عن شيخه العلامة والحبر الفهامة، غاية كل مأرب، ونهاية كل طالب، الأستاذ الأعظم، والملاذ المكرم الشيخ ثعيلب. عنهما وعن شيوخهما الفضلاء، الأئمة الفحول، المعول عليهم في الفروع والأصول، وبالكتب المأخوذة منها الأحاديث المشمولة لرسالة الفاضل عبد الله بن سالم البصري، المشهورة برسالة الأوائل، كما أجازه بذلك شيخه محمد بن محمود محمد ابن حسين الجزائري، من أكابر الحنفية عن شيخه الشيخ عبد القادر الأمين مفتي
المالكية، بالجزائر المحمية، عن شيخه الجوهري الشافعي، أستاذ أولي اليقين، عن الشيخ عبد الله بن سالم، ملاذ ذوي التمكين، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه شيخ الإسلام، وملجأ الأنام السيد حسن القويسني بن السيد درويش مطاوع، عن شيخه الشيخ سليمان البجيرمي، عن شيخه الشيخ محمد العشماوي، ذي النور اللامع، عن شيخه الشيخ أبي العز العجمي، الشهير عن شيخه الشيخ محمد الشرنوبي، ذي العلم الغزير، عن شيخه شمس الملة والدين، محمد الرملي سيد العارفين، عن شيخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الهمام، عن شيخه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، وأسانيده في أوائل الفتح ليس لها ثان، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه السيد حسن القويسني المتقدم أولا، عن شيخه السيد القلعي إمام الملا، وسنده يأتي مفصلا، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه العلامة ثعيلب المار، عن شيخه العلامة الجوهري، ذي الفخار، عن شيخه العلامة عبد الله بن سالم الفهامة، وكذا أجازني بما أجازه به مشايخه من منقول ومعقول، كشيخه الناظم بتحقيقه عقود اللآلىء، الأستاذ الملاذ ذو الأفضال الفضالى، وكشيخه ذي التجلي الحسنى، الأستاذ شيخ الإسلام القويسني وكشيخه الشيخ محمد بن محمود الجزائري الحنفي، صاحب الثبت المستوفي، وكشيخه الشيخ محمد صالح البخاري، عن شيخه رفيع الدين القندهاري، عن الشريف الادريسي، الإمام العالم، عن أستاذ الأساتذة، الأستاذ عبد الله بن سالم، ثم وقد من الله علينا الكريم الباري بالاجتماع بالشيخ محمد بن صالح البخاري وذلك في منصرفه الى الحج الشريف وأخذنا عنه بلا واسطة، ومن جملة ما أخذنا عنه حديث الأولية المنيف، فالحمد لله على ما أولاه، وكشيخي الهمام الآخذ بزمام العلم وأي زمام، مركز دائرة العرفان. والمعنى بنادرة هذا الزمان صاحب العلوم اللدنية، صافي الطوية صادق النية، علم العلم الكسبي ولسان قلم اللوح الوهبي غاية مطلبي ومنتهى أربي سيدي وسندي السيد مصطفى الذهبي، فقد أجازني بالكتب التي أخذت منها الأحاديث المشمولة لرسالة عبد الله بن سالم الذي صارت مسانيدي المتقدمة بها
موصولة وذلك عن شيخه شيخ الإسلام القويسني عن شيخه السيد داود القلعي عن الشيخ أحمد جمعة البجيرمي عن شيخه الشيخ الاسكندراني عن شيخه عبد الله بن سالم المذكور عن أشياخه الموضحة المسطرة بثبته المعروف المشهور وبجميع المرويات جزاه الله عني أحسن الجزاء، وكشيخي القطب العارف بر العوارف وبحر المعارف التقي النقي والولي الجلي صاحب الصفا والوفا قطب الأزهر الأستاذ الشيخ المبلط مصطفى فقد أجازني وأعطاني أمنيتي وأماني بإجازة ما حواه ثبت علامة الزمان وقطب أهل العرفان الأستاذ الشنواني عن أشياخه الموضحة بثبته وبجميع مروياته، أمدنا الله بمدده وأسكنه في أعلى غرفاته، وكشيخي شيخ الإسلام وزهرة الأزهر وبهجة الأنام، ذي القدر الجليل الأوحد، والنسب الشهير الأمجد. كما قال فيه بعض واصفيه:(2/111)
فإن يفق الأنام وكان منهم
فإن المسك بعض دم الغزال
فهو للقطر القطب الذي عليه المعول، وكل مادح فيه مقصر ولو كان مدحه مطولا، لا زال في معراج المعارف يرقى، أستاذي وشيخي العلامة السقا، أدام الله لنا وجوده، ووقاه ما يكره ووفاه سعوده، فإنه أعزه الله العزيز الحكيم أعزني، وبما حواه ثبت العلامة الأمير الكبير أجازني، وقد أجازه به العلامة الأمير الصغير، عن والده الأستاذ الأمير الكبير، عن أشياخه الأفاضل، والعلماء الأوائل الأماثل، وبما حواه ثبت العالمين، والهمامين، الإمامين، العلمين، صاحبي الفضل العبقري، الشهاب أحمد الملوى، والشهاب أحمد الجوهري، وبجميع المرويات لهما من المعقول والمنقول، كتوحيد وتفسير وحديث وفقه ونحو، وأصول كما هو مجاز بذلك عن شيخه العلامة والحبر الفهامة، غاية كل مأرب، ونهاية كل طالب، الأستاذ الأعظم، والملاذ المكرم الشيخ ثعيلب. عنهما وعن شيوخهما الفضلاء، الأئمة الفحول، المعول عليهم في الفروع والأصول، وبالكتب المأخوذة منها الأحاديث المشمولة لرسالة الفاضل عبد الله بن سالم البصري، المشهورة برسالة الأوائل، كما أجازه بذلك شيخه محمد بن محمود محمد ابن حسين الجزائري، من أكابر الحنفية عن شيخه الشيخ عبد القادر الأمين مفتي
المالكية، بالجزائر المحمية، عن شيخه الجوهري الشافعي، أستاذ أولي اليقين، عن الشيخ عبد الله بن سالم، ملاذ ذوي التمكين، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه شيخ الإسلام، وملجأ الأنام السيد حسن القويسني بن السيد درويش مطاوع، عن شيخه الشيخ سليمان البجيرمي، عن شيخه الشيخ محمد العشماوي، ذي النور اللامع، عن شيخه الشيخ أبي العز العجمي، الشهير عن شيخه الشيخ محمد الشرنوبي، ذي العلم الغزير، عن شيخه شمس الملة والدين، محمد الرملي سيد العارفين، عن شيخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الهمام، عن شيخه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، وأسانيده في أوائل الفتح ليس لها ثان، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه السيد حسن القويسني المتقدم أولا، عن شيخه السيد القلعي إمام الملا، وسنده يأتي مفصلا، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه العلامة ثعيلب المار، عن شيخه العلامة الجوهري، ذي الفخار، عن شيخه العلامة عبد الله بن سالم الفهامة، وكذا أجازني بما أجازه به مشايخه من منقول ومعقول، كشيخه الناظم بتحقيقه عقود اللآلىء، الأستاذ الملاذ ذو الأفضال الفضالى، وكشيخه ذي التجلي الحسنى، الأستاذ شيخ الإسلام القويسني وكشيخه الشيخ محمد بن محمود الجزائري الحنفي، صاحب الثبت المستوفي، وكشيخه الشيخ محمد صالح البخاري، عن شيخه رفيع الدين القندهاري، عن الشريف الادريسي، الإمام العالم، عن أستاذ الأساتذة، الأستاذ عبد الله بن سالم، ثم وقد من الله علينا الكريم الباري بالاجتماع بالشيخ محمد بن صالح البخاري وذلك في منصرفه الى الحج الشريف وأخذنا عنه بلا واسطة، ومن جملة ما أخذنا عنه حديث الأولية المنيف، فالحمد لله على ما أولاه، وكشيخي الهمام الآخذ بزمام العلم وأي زمام، مركز دائرة العرفان. والمعنى بنادرة هذا الزمان صاحب العلوم اللدنية، صافي الطوية صادق النية، علم العلم الكسبي ولسان قلم اللوح الوهبي غاية مطلبي ومنتهى أربي سيدي وسندي السيد مصطفى الذهبي، فقد أجازني بالكتب التي أخذت منها الأحاديث المشمولة لرسالة عبد الله بن سالم الذي صارت مسانيدي المتقدمة بها
موصولة وذلك عن شيخه شيخ الإسلام القويسني عن شيخه السيد داود القلعي عن الشيخ أحمد جمعة البجيرمي عن شيخه الشيخ الاسكندراني عن شيخه عبد الله بن سالم المذكور عن أشياخه الموضحة المسطرة بثبته المعروف المشهور وبجميع المرويات جزاه الله عني أحسن الجزاء، وكشيخي القطب العارف بر العوارف وبحر المعارف التقي النقي والولي الجلي صاحب الصفا والوفا قطب الأزهر الأستاذ الشيخ المبلط مصطفى فقد أجازني وأعطاني أمنيتي وأماني بإجازة ما حواه ثبت علامة الزمان وقطب أهل العرفان الأستاذ الشنواني عن أشياخه الموضحة بثبته وبجميع مروياته، أمدنا الله بمدده وأسكنه في أعلى غرفاته، وكشيخي شيخ الإسلام وزهرة الأزهر وبهجة الأنام، ذي القدر الجليل الأوحد، والنسب الشهير الأمجد. كما قال فيه بعض واصفيه:(2/112)
فإن يفق الأنام وكان منهم
فإن المسك بعض دم الغزال
فهو للقطر القطب الذي عليه المعول، وكل مادح فيه مقصر ولو كان مدحه مطولا، لا زال في معراج المعارف يرقى، أستاذي وشيخي العلامة السقا، أدام الله لنا وجوده، ووقاه ما يكره ووفاه سعوده، فإنه أعزه الله العزيز الحكيم أعزني، وبما حواه ثبت العلامة الأمير الكبير أجازني، وقد أجازه به العلامة الأمير الصغير، عن والده الأستاذ الأمير الكبير، عن أشياخه الأفاضل، والعلماء الأوائل الأماثل، وبما حواه ثبت العالمين، والهمامين، الإمامين، العلمين، صاحبي الفضل العبقري، الشهاب أحمد الملوى، والشهاب أحمد الجوهري، وبجميع المرويات لهما من المعقول والمنقول، كتوحيد وتفسير وحديث وفقه ونحو، وأصول كما هو مجاز بذلك عن شيخه العلامة والحبر الفهامة، غاية كل مأرب، ونهاية كل طالب، الأستاذ الأعظم، والملاذ المكرم الشيخ ثعيلب. عنهما وعن شيوخهما الفضلاء، الأئمة الفحول، المعول عليهم في الفروع والأصول، وبالكتب المأخوذة منها الأحاديث المشمولة لرسالة الفاضل عبد الله بن سالم البصري، المشهورة برسالة الأوائل، كما أجازه بذلك شيخه محمد بن محمود محمد ابن حسين الجزائري، من أكابر الحنفية عن شيخه الشيخ عبد القادر الأمين مفتي
المالكية، بالجزائر المحمية، عن شيخه الجوهري الشافعي، أستاذ أولي اليقين، عن الشيخ عبد الله بن سالم، ملاذ ذوي التمكين، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه شيخ الإسلام، وملجأ الأنام السيد حسن القويسني بن السيد درويش مطاوع، عن شيخه الشيخ سليمان البجيرمي، عن شيخه الشيخ محمد العشماوي، ذي النور اللامع، عن شيخه الشيخ أبي العز العجمي، الشهير عن شيخه الشيخ محمد الشرنوبي، ذي العلم الغزير، عن شيخه شمس الملة والدين، محمد الرملي سيد العارفين، عن شيخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الهمام، عن شيخه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، وأسانيده في أوائل الفتح ليس لها ثان، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه السيد حسن القويسني المتقدم أولا، عن شيخه السيد القلعي إمام الملا، وسنده يأتي مفصلا، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه العلامة ثعيلب المار، عن شيخه العلامة الجوهري، ذي الفخار، عن شيخه العلامة عبد الله بن سالم الفهامة، وكذا أجازني بما أجازه به مشايخه من منقول ومعقول، كشيخه الناظم بتحقيقه عقود اللآلىء، الأستاذ الملاذ ذو الأفضال الفضالى، وكشيخه ذي التجلي الحسنى، الأستاذ شيخ الإسلام القويسني وكشيخه الشيخ محمد بن محمود الجزائري الحنفي، صاحب الثبت المستوفي، وكشيخه الشيخ محمد صالح البخاري، عن شيخه رفيع الدين القندهاري، عن الشريف الادريسي، الإمام العالم، عن أستاذ الأساتذة، الأستاذ عبد الله بن سالم، ثم وقد من الله علينا الكريم الباري بالاجتماع بالشيخ محمد بن صالح البخاري وذلك في منصرفه الى الحج الشريف وأخذنا عنه بلا واسطة، ومن جملة ما أخذنا عنه حديث الأولية المنيف، فالحمد لله على ما أولاه، وكشيخي الهمام الآخذ بزمام العلم وأي زمام، مركز دائرة العرفان. والمعنى بنادرة هذا الزمان صاحب العلوم اللدنية، صافي الطوية صادق النية، علم العلم الكسبي ولسان قلم اللوح الوهبي غاية مطلبي ومنتهى أربي سيدي وسندي السيد مصطفى الذهبي، فقد أجازني بالكتب التي أخذت منها الأحاديث المشمولة لرسالة عبد الله بن سالم الذي صارت مسانيدي المتقدمة بها
موصولة وذلك عن شيخه شيخ الإسلام القويسني عن شيخه السيد داود القلعي عن الشيخ أحمد جمعة البجيرمي عن شيخه الشيخ الاسكندراني عن شيخه عبد الله بن سالم المذكور عن أشياخه الموضحة المسطرة بثبته المعروف المشهور وبجميع المرويات جزاه الله عني أحسن الجزاء، وكشيخي القطب العارف بر العوارف وبحر المعارف التقي النقي والولي الجلي صاحب الصفا والوفا قطب الأزهر الأستاذ الشيخ المبلط مصطفى فقد أجازني وأعطاني أمنيتي وأماني بإجازة ما حواه ثبت علامة الزمان وقطب أهل العرفان الأستاذ الشنواني عن أشياخه الموضحة بثبته وبجميع مروياته، أمدنا الله بمدده وأسكنه في أعلى غرفاته، وكشيخي شيخ الإسلام وزهرة الأزهر وبهجة الأنام، ذي القدر الجليل الأوحد، والنسب الشهير الأمجد. كما قال فيه بعض واصفيه:
نسب وايم الله لم يسبق ولم
يلحق ولم يرمق إلى إنسان
كيف وهو شيخ الإسلام ابن شيخ الاسلام سلسلة علماء أفاضل جهابذة أعلام، من أشرقت من تحقيقاته شموسي، الأستاذ الأجل مصطفى العروسي، فقد أجازني بالكتب التي أخذت منها الأحاديث المشمولة برسالة عبد الله بن سالم البصري وغيرها وهو مجاز في ذلك عن شيخه شيخ الإسلام القويسني عن شيخه السيد داود القلعي. بسنده السابق نفعنا الله تعالى بهم ويسر بحبهم أمرك وأمري هذا وأوصيك بالتقوى فإنها السبب الأقوى، وأن لا تنساني من دعواتك وحسن توجيهاتك أيدك الله بالرشاد وأفاض عليك غيوث الأمداد، وحفظك من الزلل ووفقك لخير العمل. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي للرسل ختام، وآله الكرام، وأصحابه الأعلام آمين وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
5 - ويلي ذلك ما نصه:(2/113)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله، الحمد لله حمدا يليق بكماله وصلى الله على سيدنا محمد وآله. يقول الفقير محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الحنفي غفر الله ذنوبه وأناله مطلوبه: إنه قد وقعت لي رواية صحيح البخاري وبقية الكتب الستة من طرق عديدة، أشهرها طريق الامام الحافظ شيخ الاسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى ورضي عنه، فأرويه إليه من طريق سماعى، وقراءتي على والدي أبي الثناء محمود بن محمد، وقد توفي رحمه الله سنة ست وثلاثين ومائتين وألف في منصرفه من الحج ودفن بساحل سويس وهو بسماعه، وقرأته على والده عبد الله محمد بن حسين قاضي الجزائر المتوفي سنة ثلاث ومائتين وألف، وقد سمعت أنا على جدي رحمه الله قطعة من كتاب فضائل القرآن من صحيح البخاري، ووقعت منه إجازة تعمه وبقية السنة وهو كذلك عن عمه ابن أم أبيه الشيخ مصطفى بن رمضان القباني الحنفي المتوفي سنة ثلاثين ومائة وألف وهو كذلك عن شيخه ابي عبد الله محمد بن شقرون المقري التلمساني المتوفي سنة تسع وثمانين وألف، وهو عن شيخه أبي علي الحسن الأجهوري المالكي، وأرويه سماعا لبعضه وإجازة تعمه وبقية الستة وسائر مرويات الحافظ العسقلاني عن شيخي أبي الحسن علي بن عبد القادر ابن الأمين مفتى المالكية بالجزائر المحمية المتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين وألف عن نحو من ثمانين سنة، عن شيخه أبي العباس احمد الجوهري الشافعي عن شيخه الأستاذ أبي العباس أحمد بن البنا عن الشيخ على الأجهوري وهو عن مشايخه الثلاثة:
شيخ الإسلام محمد الرملي الشافعي والشيخ المعمر عمر بن الجاي الحنفي والشيخ بدر الدين الكرخي ثلاثتهن عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري ويروية شيخنا ابن الامين عن شيخه أبي الحسن علي بن العربي السقاط المغربي عن شيخه محمد بن عبد الرحمن الفاسي صاحب المنح البادية في الأسانيد العالية، عن شيخه محمد بن عبد الكريم الجزائري، عن الشيخ المعمر مائة وثلاثين سنة عبد الرحمن البهوتي الحنبلي عن الشيخ زكريا
الأنصاري المذكور وهو عن الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وهو عن شيخه إبراهيم بن أحمد التنوخي، وهو عن شيخه احمد بن أبي طالب الحجار عن شيخه الحسين بن أبي بكر الزبيدي عن أبي الوقت عبد الأول ابن شعيب السنجري عن عبد الرحمن بن محمد الداوودي، عن عبد الله بن احمد السرخسي عن محمد بن يوسف الفريري عن الإمام الجليل أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري، وأرويه بأعلا سند يوجد في الدنيا عن شيخي أبي الحسن علي بن عبد القادر عن شيخه احمد الجوهري عن شيخه احمد بن البنا عن شيخه أحمد بن محمد العجل اليمني عن يحيى بن مكرم الطبري، قال: أخبرنا البرهان ابراهيم بن محمد بن صدقة الدمشقي وغيره بروايتهم عن الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الأول الفرغاني وكان عمره مائة وأربعين سنة وأجازهم سنة عشرين وسبعمائة وقد قر البخاري جميعه علي ابن عبد الرحمن محمد بن شاذبخت الفرغاني بسماعه لجميعه علي الشيخ ابي لقمان يحيى بن عمار بن مقيل بن شاهان الختلاني، وكان عمره مائة وثلاثة وأربعين سنة، وقد سمع جميعه علي بن عبد الله محمد بن يوسف الفريري وقد توفي سنة عشرين وثلاثمائة عن الامام الحافظ ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري بهذا الاسناد عشرة رجال فتقع لي ثلاثياته بأربعة عشر ولله الحمد والمنة.(2/114)
شيخ الإسلام محمد الرملي الشافعي والشيخ المعمر عمر بن الجاي الحنفي والشيخ بدر الدين الكرخي ثلاثتهن عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري ويروية شيخنا ابن الامين عن شيخه أبي الحسن علي بن العربي السقاط المغربي عن شيخه محمد بن عبد الرحمن الفاسي صاحب المنح البادية في الأسانيد العالية، عن شيخه محمد بن عبد الكريم الجزائري، عن الشيخ المعمر مائة وثلاثين سنة عبد الرحمن البهوتي الحنبلي عن الشيخ زكريا
الأنصاري المذكور وهو عن الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وهو عن شيخه إبراهيم بن أحمد التنوخي، وهو عن شيخه احمد بن أبي طالب الحجار عن شيخه الحسين بن أبي بكر الزبيدي عن أبي الوقت عبد الأول ابن شعيب السنجري عن عبد الرحمن بن محمد الداوودي، عن عبد الله بن احمد السرخسي عن محمد بن يوسف الفريري عن الإمام الجليل أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري، وأرويه بأعلا سند يوجد في الدنيا عن شيخي أبي الحسن علي بن عبد القادر عن شيخه احمد الجوهري عن شيخه احمد بن البنا عن شيخه أحمد بن محمد العجل اليمني عن يحيى بن مكرم الطبري، قال: أخبرنا البرهان ابراهيم بن محمد بن صدقة الدمشقي وغيره بروايتهم عن الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الأول الفرغاني وكان عمره مائة وأربعين سنة وأجازهم سنة عشرين وسبعمائة وقد قر البخاري جميعه علي ابن عبد الرحمن محمد بن شاذبخت الفرغاني بسماعه لجميعه علي الشيخ ابي لقمان يحيى بن عمار بن مقيل بن شاهان الختلاني، وكان عمره مائة وثلاثة وأربعين سنة، وقد سمع جميعه علي بن عبد الله محمد بن يوسف الفريري وقد توفي سنة عشرين وثلاثمائة عن الامام الحافظ ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري بهذا الاسناد عشرة رجال فتقع لي ثلاثياته بأربعة عشر ولله الحمد والمنة.
وقد أجاز شيخنا ابو الحسن كل من أدرك حياته وبيني وبين الحافظ العسقلاني من طريق البهوتي خمسة رجال وبيني وبين الإمام البخاري من طويقه أربعة عشر رجلا، ويروي زكريا عن الأستاذ ابن الجزري عن الصيرفي عن ابن الليثي عن ابي الوقت فبيني وبين الإمام البخاري بهذا الطريق ثلاثة عشر رجلا، ويروي أبو الحسن الأجهوري عاليا عن قريش العثماني عن ابن الجزري فيقع لي من طريقه أيضا بثلاثة عشر ولله الحمد والمنة وبهذه السابقة أروي جميع مؤلفات الحافظ العسقلاني وسائر مروياته التي تضمنها معجمه وبها إلى الشيخ زكريا أروي جميع كتبه ومروياته وأروي كتب الإمام الحافظ السيوطي من طريق الأجهوري عن مشايخه الثلاثة المذكورين عن
الحافظ السيوطي وأروي الأربعين النووية بالاسناد إلى الشيخ زكريا الأنصاري قال: قرأتها على أبي إسحاق الشروطي، قال: أخبرنا بها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الرفا، قال: أخبرنا العالم أبو الربيع سليمان بن سالم الغزى، قال: أخبرنا ابو الحسن علي ابن ابراهيم بن داود بن العطار، قال: أخبرنا مؤلفها الامام محيى الدين يحيى بن شرف النووي فذكرها وأروي فقه ابي حنيفة رحمه الله تعالى ورضي عنه وعن والدي عن شيخه ابي الحسن علي بن إمام القصبة الجزائري عن الشيخ سليمان المنصوري عن الشيخ عبد الحي عن الشيخ حسن الشد نبلالي عن الشيخ علي المقدسي عن الشيخ أحمد بن يونس الحلبي عن الشيخ عبد الله بن الشحنة عن الشيخ كمال الدين بن الهمام عن الشيخ عمر قارىء الهداية عن شيخه اكمل الدين صاحب العناية، عن قوام الدين السكاكي، عن حسام الدين السفناقي صاحب النهاية، عن حافظ الدين الكبير عن شمس الأئمة محمد ابن عبد الستار الكردي، عن صاحب الهداية عن نجم الدين عمر النسفي عن ابي اليسر البزدوي عن إسماعيل بن عبد الصادق عن عبد الكريم البزدوي عن الامام أبي منصور الماتوريدي عن أبي بكر الجوزجاني عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن الشيباني عن ابي حنيفة النعمان ابن ثابت، وهو تفقه على شيخه حماد ابي سليمان وهو علي إبراهيم النخعي وهو علي علقمة والأسود وشريح، وهؤلاء أخذوا عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت على والدي رحمه الله سورة الفاتحة وهو سميع بالاستعاذة والبسملة والوقف على الرجيم والرحيم إلى آخر ما يذكر من وقوفها بقراءته لها كذلك على والده محمد بن حسين، كذلك على عمه الشيخ مصطفى بن رمضان بقراءته لها كذلك على شيخه أبي عبد الله محمد بن شقرون بقراءته لها كذلك علي أبي عبد الله محمد الدلجموني بقراءته لها كذلك علي أبي عبد الله محمد الجزري، وينتهي سنده إلى أن قرأها على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكان يمد قراءته مدا ويقف على قوله الرجيم والرحيم والعالمين والرحيم والدين ونستعين وعليهم الأول
والضالين وصاحب شيخنا الشيخ علي بن الأمين رحمه الله وهو صاحب أبي عبد الله محمد التاودي بن سودة وهو صاحب أبي العباس أحمد بن المبارك، وهو صاحب الشيخ عبد العزيز الدباغ وهو صاحب أبي العباس الخضر وهو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروي المسلسل عن شيخنا علي ابن الأمين عن شيخه الحفني، عن شيخه البديري بسنده، وقد قرأ على الشيخ الإمام الفاضل أبو الحسن إبراهيم بن علي بن حسن المعروف بالسقا حفظه الله جل جلاله صحيح البخاري إلى باب الاختباء من كتاب اللباس وسمع ذلك الشيخ الإمام أبو العباس أحمد بن يوسف القنياتي إمام الجامع الأزهر حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد مطر العفيفي الشافعي حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن عثمان الدمياطي الغمراوي الشافعي حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو الحسن إبراهيم بن حسن الأشعري الشافعي حفظه الله وأجزتهم بباقيه وبجميع مروياتي التي تضمنها هذا الثبت وغيره، وأوصيهم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن والإخلاص له فيما ظهر وبطن ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، الفقير إليه سبحانه محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الحنفي المشهور ببلده بابن العناني لطف الله به وتجاوز عنه بمنة.(2/115)
وقد أجاز شيخنا ابو الحسن كل من أدرك حياته وبيني وبين الحافظ العسقلاني من طريق البهوتي خمسة رجال وبيني وبين الإمام البخاري من طويقه أربعة عشر رجلا، ويروي زكريا عن الأستاذ ابن الجزري عن الصيرفي عن ابن الليثي عن ابي الوقت فبيني وبين الإمام البخاري بهذا الطريق ثلاثة عشر رجلا، ويروي أبو الحسن الأجهوري عاليا عن قريش العثماني عن ابن الجزري فيقع لي من طريقه أيضا بثلاثة عشر ولله الحمد والمنة وبهذه السابقة أروي جميع مؤلفات الحافظ العسقلاني وسائر مروياته التي تضمنها معجمه وبها إلى الشيخ زكريا أروي جميع كتبه ومروياته وأروي كتب الإمام الحافظ السيوطي من طريق الأجهوري عن مشايخه الثلاثة المذكورين عن
الحافظ السيوطي وأروي الأربعين النووية بالاسناد إلى الشيخ زكريا الأنصاري قال: قرأتها على أبي إسحاق الشروطي، قال: أخبرنا بها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الرفا، قال: أخبرنا العالم أبو الربيع سليمان بن سالم الغزى، قال: أخبرنا ابو الحسن علي ابن ابراهيم بن داود بن العطار، قال: أخبرنا مؤلفها الامام محيى الدين يحيى بن شرف النووي فذكرها وأروي فقه ابي حنيفة رحمه الله تعالى ورضي عنه وعن والدي عن شيخه ابي الحسن علي بن إمام القصبة الجزائري عن الشيخ سليمان المنصوري عن الشيخ عبد الحي عن الشيخ حسن الشد نبلالي عن الشيخ علي المقدسي عن الشيخ أحمد بن يونس الحلبي عن الشيخ عبد الله بن الشحنة عن الشيخ كمال الدين بن الهمام عن الشيخ عمر قارىء الهداية عن شيخه اكمل الدين صاحب العناية، عن قوام الدين السكاكي، عن حسام الدين السفناقي صاحب النهاية، عن حافظ الدين الكبير عن شمس الأئمة محمد ابن عبد الستار الكردي، عن صاحب الهداية عن نجم الدين عمر النسفي عن ابي اليسر البزدوي عن إسماعيل بن عبد الصادق عن عبد الكريم البزدوي عن الامام أبي منصور الماتوريدي عن أبي بكر الجوزجاني عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن الشيباني عن ابي حنيفة النعمان ابن ثابت، وهو تفقه على شيخه حماد ابي سليمان وهو علي إبراهيم النخعي وهو علي علقمة والأسود وشريح، وهؤلاء أخذوا عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت على والدي رحمه الله سورة الفاتحة وهو سميع بالاستعاذة والبسملة والوقف على الرجيم والرحيم إلى آخر ما يذكر من وقوفها بقراءته لها كذلك على والده محمد بن حسين، كذلك على عمه الشيخ مصطفى بن رمضان بقراءته لها كذلك على شيخه أبي عبد الله محمد بن شقرون بقراءته لها كذلك علي أبي عبد الله محمد الدلجموني بقراءته لها كذلك علي أبي عبد الله محمد الجزري، وينتهي سنده إلى أن قرأها على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكان يمد قراءته مدا ويقف على قوله الرجيم والرحيم والعالمين والرحيم والدين ونستعين وعليهم الأول
والضالين وصاحب شيخنا الشيخ علي بن الأمين رحمه الله وهو صاحب أبي عبد الله محمد التاودي بن سودة وهو صاحب أبي العباس أحمد بن المبارك، وهو صاحب الشيخ عبد العزيز الدباغ وهو صاحب أبي العباس الخضر وهو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروي المسلسل عن شيخنا علي ابن الأمين عن شيخه الحفني، عن شيخه البديري بسنده، وقد قرأ على الشيخ الإمام الفاضل أبو الحسن إبراهيم بن علي بن حسن المعروف بالسقا حفظه الله جل جلاله صحيح البخاري إلى باب الاختباء من كتاب اللباس وسمع ذلك الشيخ الإمام أبو العباس أحمد بن يوسف القنياتي إمام الجامع الأزهر حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد مطر العفيفي الشافعي حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن عثمان الدمياطي الغمراوي الشافعي حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو الحسن إبراهيم بن حسن الأشعري الشافعي حفظه الله وأجزتهم بباقيه وبجميع مروياتي التي تضمنها هذا الثبت وغيره، وأوصيهم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن والإخلاص له فيما ظهر وبطن ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، الفقير إليه سبحانه محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الحنفي المشهور ببلده بابن العناني لطف الله به وتجاوز عنه بمنة.(2/116)
وقد أجاز شيخنا ابو الحسن كل من أدرك حياته وبيني وبين الحافظ العسقلاني من طريق البهوتي خمسة رجال وبيني وبين الإمام البخاري من طويقه أربعة عشر رجلا، ويروي زكريا عن الأستاذ ابن الجزري عن الصيرفي عن ابن الليثي عن ابي الوقت فبيني وبين الإمام البخاري بهذا الطريق ثلاثة عشر رجلا، ويروي أبو الحسن الأجهوري عاليا عن قريش العثماني عن ابن الجزري فيقع لي من طريقه أيضا بثلاثة عشر ولله الحمد والمنة وبهذه السابقة أروي جميع مؤلفات الحافظ العسقلاني وسائر مروياته التي تضمنها معجمه وبها إلى الشيخ زكريا أروي جميع كتبه ومروياته وأروي كتب الإمام الحافظ السيوطي من طريق الأجهوري عن مشايخه الثلاثة المذكورين عن
الحافظ السيوطي وأروي الأربعين النووية بالاسناد إلى الشيخ زكريا الأنصاري قال: قرأتها على أبي إسحاق الشروطي، قال: أخبرنا بها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الرفا، قال: أخبرنا العالم أبو الربيع سليمان بن سالم الغزى، قال: أخبرنا ابو الحسن علي ابن ابراهيم بن داود بن العطار، قال: أخبرنا مؤلفها الامام محيى الدين يحيى بن شرف النووي فذكرها وأروي فقه ابي حنيفة رحمه الله تعالى ورضي عنه وعن والدي عن شيخه ابي الحسن علي بن إمام القصبة الجزائري عن الشيخ سليمان المنصوري عن الشيخ عبد الحي عن الشيخ حسن الشد نبلالي عن الشيخ علي المقدسي عن الشيخ أحمد بن يونس الحلبي عن الشيخ عبد الله بن الشحنة عن الشيخ كمال الدين بن الهمام عن الشيخ عمر قارىء الهداية عن شيخه اكمل الدين صاحب العناية، عن قوام الدين السكاكي، عن حسام الدين السفناقي صاحب النهاية، عن حافظ الدين الكبير عن شمس الأئمة محمد ابن عبد الستار الكردي، عن صاحب الهداية عن نجم الدين عمر النسفي عن ابي اليسر البزدوي عن إسماعيل بن عبد الصادق عن عبد الكريم البزدوي عن الامام أبي منصور الماتوريدي عن أبي بكر الجوزجاني عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن الشيباني عن ابي حنيفة النعمان ابن ثابت، وهو تفقه على شيخه حماد ابي سليمان وهو علي إبراهيم النخعي وهو علي علقمة والأسود وشريح، وهؤلاء أخذوا عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت على والدي رحمه الله سورة الفاتحة وهو سميع بالاستعاذة والبسملة والوقف على الرجيم والرحيم إلى آخر ما يذكر من وقوفها بقراءته لها كذلك على والده محمد بن حسين، كذلك على عمه الشيخ مصطفى بن رمضان بقراءته لها كذلك على شيخه أبي عبد الله محمد بن شقرون بقراءته لها كذلك علي أبي عبد الله محمد الدلجموني بقراءته لها كذلك علي أبي عبد الله محمد الجزري، وينتهي سنده إلى أن قرأها على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكان يمد قراءته مدا ويقف على قوله الرجيم والرحيم والعالمين والرحيم والدين ونستعين وعليهم الأول
والضالين وصاحب شيخنا الشيخ علي بن الأمين رحمه الله وهو صاحب أبي عبد الله محمد التاودي بن سودة وهو صاحب أبي العباس أحمد بن المبارك، وهو صاحب الشيخ عبد العزيز الدباغ وهو صاحب أبي العباس الخضر وهو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروي المسلسل عن شيخنا علي ابن الأمين عن شيخه الحفني، عن شيخه البديري بسنده، وقد قرأ على الشيخ الإمام الفاضل أبو الحسن إبراهيم بن علي بن حسن المعروف بالسقا حفظه الله جل جلاله صحيح البخاري إلى باب الاختباء من كتاب اللباس وسمع ذلك الشيخ الإمام أبو العباس أحمد بن يوسف القنياتي إمام الجامع الأزهر حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد مطر العفيفي الشافعي حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن عثمان الدمياطي الغمراوي الشافعي حفظه الله بمنة والشيخ الإمام أبو الحسن إبراهيم بن حسن الأشعري الشافعي حفظه الله وأجزتهم بباقيه وبجميع مروياتي التي تضمنها هذا الثبت وغيره، وأوصيهم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن والإخلاص له فيما ظهر وبطن ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، الفقير إليه سبحانه محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الحنفي المشهور ببلده بابن العناني لطف الله به وتجاوز عنه بمنة.
6 - صورة إجازة أخرى من الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري.
بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله الذي فض لمن فضل ختام الفضائل والفواضل وجم لمن جمل بالمعارف أنواء أنواع المآثر التي تتطاول بها أعناق الجحافل في المحافل وأجاز بأحسن الجوائز كل من جاز على الحقيقة مجاز الرشاد والارشاد، وجازى بمخارف الجنة وزخارفها كل من شمر عن ساعد الجهد والاجتهاد والصلاة والسلام على من خففت أعلام علومه في الخافقين، وشرقت بوحي محامده في آفاق الكونين فبرقت منها أسارير أوجه الثقلين سيدنا محمد المخصوص بجوامع الكلم والقول الفصل الذي إليه ينتمي إيراد كل فضل، وينتهي إسناد كل فضل، وعلى آله نجوم الهدى وصحبه الذين فاز من بهديهم اقتدى، وبعد: فلما كان مقام العلم
رفعا، ومكانه مكينا وحصنه منيعا، ورياض غياض فضله زاهية زاهرة، توشيجا وتوشيعا، تطلع من أفقه نجوم السعادة، وتنبع في رياه حدائق السيادة. تثمر أدواح فنونه قطوف المنى وتسفر عن وجوده عز في الدنيا والآخرة، باهرة السناء والسنا، دأب في جوز صراطه المستقيم، صراط الدين أنعمت عليهم، وحوز مناطه الكريم، مناط من مدت العلياء أيديها إليهم الحسنة التي أحسن بها الزمان المسيء، والدنا اللوذعي الأريب والألمعي الأديب السيد محمد الهجرسي فخفض جناح الذل منه لتحصيل حاصله، ورفع جناح الفتور عن همته فيه لنيل فيوض فضائله، حتى جنى من روضه الأزهر الأزهري وبنى من قواعده المتينة صرحا ممردا من محاسنه المبينة لا يدركها مدى الأزمان خلل، ولا يعتري، وتجمل بلباس الفضل المبين، وتصدر حتى تصدى للتدريس وتصدر فأقرت تقاريره السهلة الممتنعة في المقامات الصعبة بتفوقه على أقرانه، وأقرت معاهد تنصيص الدقائق أقدامه، في مزالق الأقدام وشواهد ثبات جنانه، وتطلعت نفسه النفيسة إلى مطالع طوالع عوالي الإسناد، إذ كانت من أجل مطامح أنظار الأمجاد، ومسارح أفكار الأسياد، فأومأ لطلب الاجازة من الفقير بطرف أدب ناعس الجفون، يقول لكل عاشق من أهل الإجازة: كن مجيبا فيكون، فما وسعني إلا المبادرة بالاجابة وإن كنت لست بهذه المثابة من تلك العصابة، فقلت:(2/117)
بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله الذي فض لمن فضل ختام الفضائل والفواضل وجم لمن جمل بالمعارف أنواء أنواع المآثر التي تتطاول بها أعناق الجحافل في المحافل وأجاز بأحسن الجوائز كل من جاز على الحقيقة مجاز الرشاد والارشاد، وجازى بمخارف الجنة وزخارفها كل من شمر عن ساعد الجهد والاجتهاد والصلاة والسلام على من خففت أعلام علومه في الخافقين، وشرقت بوحي محامده في آفاق الكونين فبرقت منها أسارير أوجه الثقلين سيدنا محمد المخصوص بجوامع الكلم والقول الفصل الذي إليه ينتمي إيراد كل فضل، وينتهي إسناد كل فضل، وعلى آله نجوم الهدى وصحبه الذين فاز من بهديهم اقتدى، وبعد: فلما كان مقام العلم
رفعا، ومكانه مكينا وحصنه منيعا، ورياض غياض فضله زاهية زاهرة، توشيجا وتوشيعا، تطلع من أفقه نجوم السعادة، وتنبع في رياه حدائق السيادة. تثمر أدواح فنونه قطوف المنى وتسفر عن وجوده عز في الدنيا والآخرة، باهرة السناء والسنا، دأب في جوز صراطه المستقيم، صراط الدين أنعمت عليهم، وحوز مناطه الكريم، مناط من مدت العلياء أيديها إليهم الحسنة التي أحسن بها الزمان المسيء، والدنا اللوذعي الأريب والألمعي الأديب السيد محمد الهجرسي فخفض جناح الذل منه لتحصيل حاصله، ورفع جناح الفتور عن همته فيه لنيل فيوض فضائله، حتى جنى من روضه الأزهر الأزهري وبنى من قواعده المتينة صرحا ممردا من محاسنه المبينة لا يدركها مدى الأزمان خلل، ولا يعتري، وتجمل بلباس الفضل المبين، وتصدر حتى تصدى للتدريس وتصدر فأقرت تقاريره السهلة الممتنعة في المقامات الصعبة بتفوقه على أقرانه، وأقرت معاهد تنصيص الدقائق أقدامه، في مزالق الأقدام وشواهد ثبات جنانه، وتطلعت نفسه النفيسة إلى مطالع طوالع عوالي الإسناد، إذ كانت من أجل مطامح أنظار الأمجاد، ومسارح أفكار الأسياد، فأومأ لطلب الاجازة من الفقير بطرف أدب ناعس الجفون، يقول لكل عاشق من أهل الإجازة: كن مجيبا فيكون، فما وسعني إلا المبادرة بالاجابة وإن كنت لست بهذه المثابة من تلك العصابة، فقلت:
أجزتك بما تجوز لي روايته، وتجوز في مناهج الإحسان درايته، من منقول الفنون ومعقولها، ومحلول العلوم ومعقولها، مما تلقيته عن مشيختي الذين كانت تشرق الدنيا ببهجتهم، وتشرق سماء الفضل بنضرة وجه حضرتهم، كحضرة باب فتوحي، ومربي جسمي وروحي، من فتح للعلم والعمل بابا مرتجا، سيدي وأستاذي الوالد السيد رضوان نجا عن مشايخه أعلام الأمة، وبدور الدياجي المدلهمة، كالعلامة الجوهري صاحب النهج وغيره والعلامة الصبان والامير الكبير، وثبتهم شهرته مغنية عن ذكره وكشيخنا شيخ الإسلام العلامة القويسني والضياء الباجوري وثبتهما أشهر من علم، والفقيه المحدث الشيخ محمد محمود الجزائري وسنده أعلا سند في عصرنا يكون لشم
المحدثين أرفع شمم، موصيا لحضرته البهية، بملازمة السنة السنية، والتشبث في معارك مدارك العلوم بأحسن روية، ليروي ظمأ القلوب حين يروي ويسند، ويروي إليه من الثناء الحسن حين يهدي ويرشد، ويتداركني بدعاته المقبول كلما خطرت بساحات فكره، وفقنا الله وإياه لما فيه رضاه وأوزعنا القيام بشكره، ما هبت الصبا.(2/118)
أجزتك بما تجوز لي روايته، وتجوز في مناهج الإحسان درايته، من منقول الفنون ومعقولها، ومحلول العلوم ومعقولها، مما تلقيته عن مشيختي الذين كانت تشرق الدنيا ببهجتهم، وتشرق سماء الفضل بنضرة وجه حضرتهم، كحضرة باب فتوحي، ومربي جسمي وروحي، من فتح للعلم والعمل بابا مرتجا، سيدي وأستاذي الوالد السيد رضوان نجا عن مشايخه أعلام الأمة، وبدور الدياجي المدلهمة، كالعلامة الجوهري صاحب النهج وغيره والعلامة الصبان والامير الكبير، وثبتهم شهرته مغنية عن ذكره وكشيخنا شيخ الإسلام العلامة القويسني والضياء الباجوري وثبتهما أشهر من علم، والفقيه المحدث الشيخ محمد محمود الجزائري وسنده أعلا سند في عصرنا يكون لشم
المحدثين أرفع شمم، موصيا لحضرته البهية، بملازمة السنة السنية، والتشبث في معارك مدارك العلوم بأحسن روية، ليروي ظمأ القلوب حين يروي ويسند، ويروي إليه من الثناء الحسن حين يهدي ويرشد، ويتداركني بدعاته المقبول كلما خطرت بساحات فكره، وفقنا الله وإياه لما فيه رضاه وأوزعنا القيام بشكره، ما هبت الصبا.
7 - صورة إجازة أخرى:
بسم الله الرحمن الرحيم: يا من يقف المتروك ببابه فيصير مرفوعا مقبولا، وينقطع الضعيف لعزيز جنابه فيجعله صحيحا موصولا، افض متصلات صلواتك، ومسلسلات تحياتك، على الحبيب المرسل، بإقامة معروف الفضائل ومشروعها وإزالة منكر الرذائل وموضوعها، وعلى آله وصحبه والتابعين لآثار سننه، وخلفائه من بعده، الرافعين لاعلام سننه ما رتعت ظباء القلوب في رياض أحاديثه الخصيبة وهب نسيم القبول على ناشري برود أخباره بسوح حضرته الرحيبة اما بعد: فلما كان الاسناد اجل مزية تتطاول بها أعناق البزل وأجمل زينة تتحلى بها أجياد الكمل كيف لا وهو الخصيصة المعدودة لهذه الامة من أشرف المزايا، والمنقبة التي ضربت في تحصيلها أكباد المطايا والفخار الذي شغف به أعيان السادات والتجارة التي لا تبور في أسواق الخيرات، وكان الحائز من طارف الرواية وتلادها أعظم الذخائر، المالك لأزمة التحقيق والدراية كابرا عن كابر، قد بلغ من اهتمامه بأمر الدين، واتباعه سبيل الأئمة المهتدين، إنه لم يدع طريقة من فوائد الرواية إلا سلكها، ولا ثمينة من فرائد الدراية الا ملكها:
في المهد ينطق عن سعادة ذاته
أثر النجابة ساطع البرهان
إن الهلال إذا رأيت نموه
أيقنت بدار منه في اللمعان
الجامع بين شرف الذات ونسب الوالد الطالع من مطلع غرته نور
طريف المجد والتالد، ولدنا الأجل السيد محمد الهجرسي الحفناوي، سلالة من حاز منقبة النسبتين الروحية والجسمية، وفاز بمزية البنوتين المعنوية والحسية، المرحوم مولانا السيد خليل الهجرسي الشرقاوي نور الله ضريحه المقدس وأسكنه الفردوس الأقدس وكان المومي اليه من كثرة كماله، شاهد شاهدا في سني أحواله، فظن ان عندي إسنادا مفيدا (1)، أو لدي من عزيز المطالب ضالة، وما دري اني ما حل المحل من التروي بمعينه، عاطل الجيد من التحلي بثمينه، لكن لما كانت رابطة المحبة تقتضي الإمارة وامتثال الأمر بمجرد الاشارة لبيت سؤاله، وامتثلت أمره ومقاله، فأقول قد أجزت ولدنا السيد محمد المومى إليه بما سمعته منه من حديث المسلسل بالأولية وبجميع ما تجوز عني روايته، وتتقوى بسندي درايته، من مقروء ومسموع مجاز، وما بالمناولة له في قوانين الرواية مساغ وجواز إجازة تامة مطلقة عامة بالشرط المعتبر، عند أهل الأثر، ولي بحمد الله تعالى في جميع العلوم أسانيد كثيرة وطرق واضحة شهيرة عن مشايخ يستومض من جواهر عباراتهم لمعات من بروق الله نور السموات، ويستفتح من أزهار إشاراتهم نسمات إن لربكم في أيام دهركم نفحات، الذين منهم الإمام المحقق، والهمام المدقق، المرحوم سيدي وأستاذي السيد الشيخ يوسف كساب الغزي مولدا المدني إقامة ومدفنا عن مشايخه الذين منهم الشيخ محمد المرحوم الأمير الصغير، عن والده المرحوم الشيخ محمد الأمير الكبير، من ثبته بين العالمين شهير، ومنهم المرحوم الشيخ محمد عليش المالكي(2/119)
في المهد ينطق عن سعادة ذاته
أثر النجابة ساطع البرهان
إن الهلال إذا رأيت نموه
أيقنت بدار منه في اللمعان
الجامع بين شرف الذات ونسب الوالد الطالع من مطلع غرته نور
طريف المجد والتالد، ولدنا الأجل السيد محمد الهجرسي الحفناوي، سلالة من حاز منقبة النسبتين الروحية والجسمية، وفاز بمزية البنوتين المعنوية والحسية، المرحوم مولانا السيد خليل الهجرسي الشرقاوي نور الله ضريحه المقدس وأسكنه الفردوس الأقدس وكان المومي اليه من كثرة كماله، شاهد شاهدا في سني أحواله، فظن ان عندي إسنادا مفيدا (1)، أو لدي من عزيز المطالب ضالة، وما دري اني ما حل المحل من التروي بمعينه، عاطل الجيد من التحلي بثمينه، لكن لما كانت رابطة المحبة تقتضي الإمارة وامتثال الأمر بمجرد الاشارة لبيت سؤاله، وامتثلت أمره ومقاله، فأقول قد أجزت ولدنا السيد محمد المومى إليه بما سمعته منه من حديث المسلسل بالأولية وبجميع ما تجوز عني روايته، وتتقوى بسندي درايته، من مقروء ومسموع مجاز، وما بالمناولة له في قوانين الرواية مساغ وجواز إجازة تامة مطلقة عامة بالشرط المعتبر، عند أهل الأثر، ولي بحمد الله تعالى في جميع العلوم أسانيد كثيرة وطرق واضحة شهيرة عن مشايخ يستومض من جواهر عباراتهم لمعات من بروق الله نور السموات، ويستفتح من أزهار إشاراتهم نسمات إن لربكم في أيام دهركم نفحات، الذين منهم الإمام المحقق، والهمام المدقق، المرحوم سيدي وأستاذي السيد الشيخ يوسف كساب الغزي مولدا المدني إقامة ومدفنا عن مشايخه الذين منهم الشيخ محمد المرحوم الأمير الصغير، عن والده المرحوم الشيخ محمد الأمير الكبير، من ثبته بين العالمين شهير، ومنهم المرحوم الشيخ محمد عليش المالكي
__________
(1) قال الشيخ محمد الهجرسي يعلق على ذلك ما نصه: سبب ذلك أن جناب الأستاذ المومي إليه أخبرني أنه يروي صحيح البخاري بأعلا سند يوجد في الدنيا فظننت بل جزمت أنه ربما كان ذلك طريقا غير الطريق الذي أخذ أستاذنا الامام السقا فجئت وقرأت عليه أول البخاري في منزله هذا العام وأجازني بباقيه وحرر لي هذه الاجازة بناء على طلبي من جنابه مجرد سنده العالي الذي ادعى به فإذا بها مشتملة على هذا السند وقد اشتمل على اثني عشر أولا كسندي الذي أخذته في الاول عن إمامي السقا وانا صغير وعلى أحد عشر ثانيا بعد التصحيح الآتي فسندي عن السيد إمام القصبي أعلا سند كما سيأتي لك بيانه تفصيلا عند ذكر السند.(2/120)
الأشعري الشاذلي المتصل سنده أيضا الى الشيخ محمد الأمير صاحب الثبت العزيز، ومن أشياخ المومى إليه الشيخ عوض الصعيدي السنباوي والشيخ حسن حميد الصعيدي العدوى والشيخ إبراهيم الصعيدي الملوى والشيخ فراج البحيري والشيخ عبد الجواد البحيري الشباسي والشيخ يوسف الصاوي والشيخ محمد حبيش البحيري والشيخ حسن الأبطحي البحيري والشيخ محمد السباعي والشيخ أحمد السباعي والشيخ علي المغربي الحلو والشيخ محمد الأمير وذكر في سنده أن هؤلاء السادات كلهم تلاميذ الشيخ الأمير الكبير والشيخ مصطفى البولاقي (1)، تغمدهم الله برحمته وأسكنهم بحبوحة جنته، وقد كان رحمه الله تعالى كتب لي هذا السند بعد قراءتي عليه بعض الأحاديث حين قدومه لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وإقامته تلك المدة في داري ومن مشايخي الأستاذ الطود الأشم الكامل، والجهبذ الألمعي الواصل سيدي الشيخ السيد محمد العطوشي الطرابلسي مولدا المدني إقامة ومدفنا تغمد الله الجميع بالرحمة والرضوان، وأنا لهم بجوار حبيبه أعلا الجنان، متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، يقال لهم إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا. هذا وللتبرك بذكر أعلا سند لي في صحيح البخاري أقول أرويه عن شيخي محمد العطوشي المشار إليه عن شيخه محمد بن سنه عن أبي الوفا أحمد بن محمد بن العجل عن قطب الدين محمد بن أحمد النهرواني عن والده عن الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله الطاوسي عن المعمر الملقب بأبي يوسف الهروي عن محمد بن شاذبخت الفرغاني عن المعمر أبي لقمان يحيى بن عمار
__________
(1) قال الشيخ الهجرسي تعليقا على ذلك: هذا العطف يوهم بل يفهم أن الشيخ البولاقي من مشايخ العلامة الشيخ عليش الذي منهم العلامة الأمير الصغير، والذي اعرفه من أستاذي الإمام السقا بل أعلم أيضا من شيخي الشيخ عليش المومى إليه أن الشيخ البولاقي من مشايخ الشيخ المومى إليه فهو في مرتبتهم ولربما كان الأمير الصغير مقدما عليه فيها كما هو عندنا في الأزهر شهير، فلعل في هذا العطف تأخيرا من تقديم أو سهو وقع عند سماع ثبت المشايخ فظن السامع أن البولاقي في درجة الأمير الكبير.(2/121)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/122)
التفسير، الحديث متنا ورجالا ومصطلحا، أصول الفقه، الفقه مع
حكمة التشريع ومقارنة المذاهب في المسائل الكلية، تاريخ التشريع الإسلامي، المنطق، الفلسفة، لغة أجنبية (الانجليزية او الفرنسية) وتدرس بصفة اختيارية.
ب شهادة العالمية مع اجازة القضاء. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية:
قوانين ولوائح المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية، التوثيقات الشرعية، إجراءات وتمرينات قضائية ودراسة القضايا ذات المبادىء السياسية الشرعية، القانون الدولي الخاص، تاريخ القضاء والقضاة في الاسلام، النظام الدستوري للدولة، محاضرات في مبادىء الاقتصاد، محاضرات طبية، محاضرات فلكية، لغة اجنبية اختيارية، وهي التي درست في الكلية.
ج شهادة العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول. والمواد التي يتخصص فيها للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية:
الأصول، الفقه مع حكمة التشريع ومقارنة المذاهب وتاريخ التشريع الاسلامي.
2 - كلية أصول الدين، وتمنح الشهادات الآتية:
أشهادة الدراسة العالية في أصول الدين. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي:
التوحيد، التفسير، الحديث متنا ومصطلحا ورجالا، المنطق وأدب البحث، الأخلاق، الفلسفة، الأصول، التاريخ الإسلامي، علم النفس، لغة اجنبية (الانجليزية او الفرنسية).
ب شهادة العالمية مع الاجازة في الدعوة والارشاد. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي:(2/124)
القرآن الكريم وعلومه، الحديث الشريف وعلومه، الدعوة الى سبيل الله ووسائلها، الخطابة والمناظرة، الملل والنحل والمذاهب الفقهية وتواريخها، البدع والعادات، اللغة الأجنبية التي درست في الكلية، لغة شرقية.
ج شهادة العالمية مع درجة أستاذ في التوحيد والفلسفة. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي:
التوحيد، المنطق، الفلسفة، الأخلاق.
د شهادة العالمية مع درجة أستاذ في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي:
التفسير، علوم القرآن الكريم، الحديث وعلومه.
هـ شهادة العالمية من درجة استاذ في التاريخ الاسلامي. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي: التاريخ الاسلامي وما يلزمه من دراسات.
3 - كلية اللغة العربية، وتمنح الشهادات الآتية:
أشهادة الدراسة العالية في اللغة العربية. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي:
النحو، الصرف، الوضع، فقه اللغة، الأصول، الانشاء، علوم البلاغة: (البيان والمعاني والبديع)، الآداب العربية وتاريخها، العروض والقافية، التفسير، الحديث، المنطق، الفلسفة، المطالعة، الأدب المقارن، علم الاجتماع، الخط، الجغرافيا، التاريخ السياسي، النقد الأدبي، لغة أجنبية: الانجليزية، والفارسية، والعبرية، والتركية، والأخيرة بصفة اختيارية، وتعطى عليها مكافأة شهرية قدرها جنيه لعشرة طلاب.(2/125)
ب شهادة العالمية مع الاجازة في التدريس. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي:
علم النفس العام، علم النفس التعليمي، أصول التربية والطرق العامة والتنظيم المدرسي، تاريخ التربية العملية، طرق التدريس الخاصة، الأخلاق، تدبير الصحة المدرسي، الرسم، تجويد الخط، التربية البدنية، لغة اجنبية اختيارية وهي التي درست في الكلية.
ج شهادة العالمية من درجة استاذ في النحو. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي:
النحو، الصرف، الوضع، فقه اللغة، العروض والقافية، وتدرس مبادىء اللغتين العبرية والسريانية.
د شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب، والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي:
علوم البلاغة وتاريخها، الأدب العربي وتاريخه، العروض والقافية، النقد الأدبي، مبادىء اللغتين العبرية والسريانية. ومدة الدراسة للحصول على شهادة الدراسة العالية أربع سنوات، وللحصول على شهادة العالمية مع الاجازة سنتان. ومدة الدراسة للحصول على شهادة العالمية من درجة أستاذ لا تقل عن ست سنوات، ولا تزيد على ثماني سنوات.
وهذه صور من شهادات الأزهر الحديث:
1 - بسم الله الرحمن الرحيم براءة بمنح شهادة العالمية، من فؤاد ملك مصر بعناية الله تعالى، الى حضرة الشيخ نافع محمد نافع الخفاجي الشافعي من تلبانة مركز المنصورة مديرية الدقهلية رفع إلينا صاحب العزة وزير الأوقاف ما أقره مجلس الأزهر الأعلى في 14ربيع الثاني 1351هـ 16أغسطس 1932، من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية الذي اجرى بالجامع الأزهر في سنة 1350هـ لذلك أمرنا بإصدار براءتنا هذه من ديواننا
بمنحكم شهادة العالمية، مع حقوقها التي تخولها لكم القوانين والأوامر المتبعة نفع الله الناس بعلمكم، ووفقكم لما فيه الخير تحريرا في 23 محرم سنة 1352هـ من هجرة خاتم المرسلين.(2/126)
1 - بسم الله الرحمن الرحيم براءة بمنح شهادة العالمية، من فؤاد ملك مصر بعناية الله تعالى، الى حضرة الشيخ نافع محمد نافع الخفاجي الشافعي من تلبانة مركز المنصورة مديرية الدقهلية رفع إلينا صاحب العزة وزير الأوقاف ما أقره مجلس الأزهر الأعلى في 14ربيع الثاني 1351هـ 16أغسطس 1932، من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية الذي اجرى بالجامع الأزهر في سنة 1350هـ لذلك أمرنا بإصدار براءتنا هذه من ديواننا
بمنحكم شهادة العالمية، مع حقوقها التي تخولها لكم القوانين والأوامر المتبعة نفع الله الناس بعلمكم، ووفقكم لما فيه الخير تحريرا في 23 محرم سنة 1352هـ من هجرة خاتم المرسلين.
2 - بسم الله الرحمن الرحيم المملكة المصرية الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الاسلامية الشهادة العالية بكلية اللغة العربية استحق هذه الشهادة الأستاذ محمد عبد المنعم عبد المنعم خفاجي بن عبد المنعم عبد المنعم خفاجي بن عبد المنعم خفاجي المولود سنة 1915في تلبانة مركز المنصورة مديرية الدقهلية، بعد أن نجح في امتحانها المنعقد سنة 1359هـ 1940م والله أسأل أن يوفقه لخدمة العلم والدين شيخ الجامع الأزهر محمد مصطفى المراغي القاهرة في صف 1360هـ 1941م.
3 - بسم الله الرحمن الرحيم براءة بمنح شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب من ملك مصر بعناية الله تعالى، إلى حضرة الأستاذ محمد عبد المنعم عبد المنعم خفاجي الحنفي، من تلبانة بمركز المنصورة بمديرية الدقهلية، رفع الينا حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ما أقره المجلس الأعلى للأزهر في 24ربيع الأول 1366هـ 15فبراير 1947، من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب الذي اجرى في سنة 1365هـ لذلك أمرنا بإصدار براءتنا هذه من ديواننا بمنحكم هذه الشهادة مع حقوقها التي تخولكم إياها القوانين والأوامر المتبعة، نفع الله الناس بعلمكم ووفقكم لما فيه الخير.
إصلاحات جديدة في 61820 الأزهر
1 - مما جد على الأزهر من إصلاحات: إنشاء قسم للوعظ، يتبعه الوعاظ من العلماء في جميع القطر المصري، ويصدر قسم الوعظ مجلة اسمها «نور الإسلام»، وعند ما بدأ قسم الوعظ سنة 1928كان عدد الوعاظ فيه نحو أربعة، وهم الآن نحو 250واعظا من العلماء.(2/127)
2 - وكذلك إنشاء مراقبة البحوث والثقافة الاسلامية في يوليو 1945، وإنشاء وحدة طبية كاملة للأزهر عام 1947.
3 - وكذلك إنشاء كثير من المعاهد الدينية الابتدائية والثانوية في عواصم المديريات وبعض المدن الكبرى، ويبلغ عددها الآن نحو 25 معهدا، ومن أقدمها: معهد الاسكندرية ومعهد طنطا، وأسيوط، والزقازيق ودمياط ودسوق، ثم أنشىء معهد شبين الكوم والمنصورة وقنا وسوهاج والمنيا ومنوف، وفي عهد الثورة انشىء معهد في دمنهور وآخر في بنها
الى غير ذلك من المعاهد الدينية العديدة التي هي فروع صغيرة للجامعة الأزهرية الكبرى.
4 - وكذلك إنشاء مجلة الأزهر، فقد رأت مشيخة الأزهر بعد أن استقر فيه النظام الجديد الذي وضع له، ان تجعل لهذه الجامعة الدينية العالمية مجلة تحمل رسالتها الى جميع البلاد الاسلامية، لتكون صلة علمية بينها وبين جميع الشعوب التي تدين بالدين الحنيف في مشارق الأرض ومغاربها، ولتحمل الى القائمين بتعليم الدين فيها ما تثمره قرائح حفظته مما يزيد في مادته ثروة جديدة، أو ما يتأدون إليه نظام مفيد. فظهرت هذه المجلة باسم «نور الإسلام» في أول محرم من سنة 1349هـ 1930. وكان ذلك في عهد المرحوم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، ويؤثر عنه انه بذل في إقامة صرح هذه المجلة مجهودا محمودا. ولما تولى المشيخة المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغى نظر إلى هذه المجلة نظرة تشجيع ورأى ان يغير اسمها إلى «مجلة الأزهر» بدل مجلة نور الإسلام. وقد سر الناس بظهور المجلة، واتسع انتشارها حتى بلغ ما يطبع منها حدا لم تبلغه مجلة إسلامية قبلها في البلاد العربية كان مما يكتبه فيها أعلام الأزهر بحوث في التفسير والحديث، وبحوث تحض على إحياء السنة وإماتة البدعة، والدعوة إلى الفضائل. ثم اتسع ميدان الكتاب فيها، فأخذت تفند ما تسرب إلى بعض المقلدين من الشبهات والشكوك، محمولة بين ثنايا المعارف المدرسية الحديثة وما تنشره المجلات العلمية من المباحث في الطبيعيات،
وما تلم به أحيانا من المعضلات في مختلف الفلسفات. فكانت مجلة الأزهر في تلك المواقف حائلا قويا بين تلك الموجات العنيفة والدين، على أسلوب علمي بحت، وبأسلحة من الطراز الذي يهاجم به الدين في أخص ما يدعو اليه.(2/128)
4 - وكذلك إنشاء مجلة الأزهر، فقد رأت مشيخة الأزهر بعد أن استقر فيه النظام الجديد الذي وضع له، ان تجعل لهذه الجامعة الدينية العالمية مجلة تحمل رسالتها الى جميع البلاد الاسلامية، لتكون صلة علمية بينها وبين جميع الشعوب التي تدين بالدين الحنيف في مشارق الأرض ومغاربها، ولتحمل الى القائمين بتعليم الدين فيها ما تثمره قرائح حفظته مما يزيد في مادته ثروة جديدة، أو ما يتأدون إليه نظام مفيد. فظهرت هذه المجلة باسم «نور الإسلام» في أول محرم من سنة 1349هـ 1930. وكان ذلك في عهد المرحوم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، ويؤثر عنه انه بذل في إقامة صرح هذه المجلة مجهودا محمودا. ولما تولى المشيخة المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغى نظر إلى هذه المجلة نظرة تشجيع ورأى ان يغير اسمها إلى «مجلة الأزهر» بدل مجلة نور الإسلام. وقد سر الناس بظهور المجلة، واتسع انتشارها حتى بلغ ما يطبع منها حدا لم تبلغه مجلة إسلامية قبلها في البلاد العربية كان مما يكتبه فيها أعلام الأزهر بحوث في التفسير والحديث، وبحوث تحض على إحياء السنة وإماتة البدعة، والدعوة إلى الفضائل. ثم اتسع ميدان الكتاب فيها، فأخذت تفند ما تسرب إلى بعض المقلدين من الشبهات والشكوك، محمولة بين ثنايا المعارف المدرسية الحديثة وما تنشره المجلات العلمية من المباحث في الطبيعيات،
وما تلم به أحيانا من المعضلات في مختلف الفلسفات. فكانت مجلة الأزهر في تلك المواقف حائلا قويا بين تلك الموجات العنيفة والدين، على أسلوب علمي بحت، وبأسلحة من الطراز الذي يهاجم به الدين في أخص ما يدعو اليه.
وطار صيت مجلة الأزهر في الآفاق الاسلامية، بما كان يقتطفه منها كتاب تلك الأقطار، وما يترجمه عنها المشتغلون منهم بالصحافة، فكان أثرها بعيدا في حماية العقائد، وتقويم المذاهب، وطمس معالم البدع، وتجلية الدين الحق في صورته الصحيحة.
ولما تولى مشيخة الأزهر المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق رغب في ان تكون مجلة الأزهر مستكملة لنظم المجلات الجامعية، فوضع لها قانونا، وحدد المواضيع التي تطرقها، ووضع لها نظاما، وشجع على السير بها قدما بكل ما استطاع من وسيلة.
وكان من أجل ما قامت به هذه المجلة من خدمات، تلك الصلة الكريمة التي أوجدتها بين المسلمين في البلاد كافة وبين الأزهر، فإن لهذه الصلة أثرا أدبيا يظهر فعله في الأخلاق والآداب، إن لم يكن عاجلا، فعلى مدى الأيام والسنين، وكان لا بد من إيجاد هذه الصلة في هذا العهد.
وقد تولى إدارة المجلة علماء ممتازون، منهم الأستاذ الكاتب العالم محمد فريد وجدي المتوفى في 6فبراير 1954وفي عهد مشيخة الشيخ عبد المجيد سليم الثانية عهد بإدارة المجلة إلى الأستاذ احمد حسن الزيات.
ثم تولى إدارتها بعده الأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء، ثم الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عضو الجماعة كذلك.
ومنذ المحرم 1374هـ بدأت المجلة تصدر مرتين في الشهر بدلا من مرة واحدة.(2/129)
المكفوفون في 61821 الأزهر:
امتاز الأزهر عن جميع المعاهد العلمية والجامعات الكبرى بمزيد الاهتمام وعظيم الرعاية والعناية بالطلبة المكفوفين، فهو يحتضنهم ويمددهم بالاعانات الرتبية في كل شهر، ويكفل لهم الاستقرار في حياتهم المدرسية، وهم في منهاج تعليمهم كالمبصرين سواء بسواء، ما عدا المواد التي لا بد فيها من الإبصار، كالعلوم الرياضية والتجارب العلمية في الطبيعة والكيمياء، وتصدر لهم براءات ملكية من ولي الأمر عند انتهاء دراساتهم كالمبصرين، ويضمن لهم مستقبلهم، إذ يمتهنون بعض المهن العلمية في الدولة:
كالتدريس والامامة والخطابة والوعظ والارشاد.
ولقد تخرج في الأزهر كثير منهم، كان لهم القدح المعلى في الثقافة العامة والتربية والتعليم، واشتهر منهم كثير في الأزهر، والميادين العلمية قديما، كالشيخ القويسني وقد وصل بشهرته ومكانته إلى مشيخة الاسلام في الأزهر سنة 1250هـ، وحديثا: كالشيخ حسين زين المرصفي، والشيخ علي الصالحي، والشيخ محمد ماضي الرخاوي، والشيخ إبراهيم الحديدي، والشيخ يوسف الدجوى، والشيخ سالم البولاقي، والشيخ عبد المطلوب برعي، والشاعر الفحل الشيخ احمد الزين، وكان له في دار الكتب الملكية آثار محمودة في البحوث الأدبية والعلمية.
ومن بين هؤلاء من لم يتم دراسته في الأزهر ولكنه نجح في الحياة، وطار صيته في الآفاق كل مطار، كالدكتور طه حسين وقد سافر في بعثة دراسية الى فرنسا الأستاذ فتحي عبد المنعم وهو من مدرسي الأزهر المكفوفين.
61822 - لجنة الفتوى بالأزهر
كانت ترد إلى مشيخة الأزهر من الأقطار الشقيقة وغيرها استفتاءات كثيرة في مسائل دينية متنوعة، يطلب أصحابها الافتاء فيها على مذهب معين، او من غير تقيد بمذهب من المذاهب ولما كانت تلك
الاستفتاءات وما يصدر فيها من فتاوى على جانب عظيم من الأهمية، لما لها من وثيق الصلة بأحوال الناس الشخصية والاجتماعية وغيرها، ثم هي وسيلة من وسائل نشر أحكام الشريعة الاسلامية الغراء على وجه صحيح بين جمهور المسلمين. ونظرا إلى ما يتطلبه هذا العمل العلمي الديني الجليل من جهد وما يستنفده من وقت في البحث والدرس، فقد رأى المغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر الأسبق ان تضطلع بهذا العمل لجنة خاصة من جهابذة العلماء، فأصدرا قرارا بتكوينها في 12من جمادى الأولى سنة 1354هـ 11من اغسطس سنة 1935من رئيس وأحد عشر عضوا، منهم ثلاثة من علماء الحنفية، وثلاثة من المالكية، وثلاثة من الشافعية، واثنان من الحنابلة. ومنذ تألفت اللجنة وهي دائبة على أداء واجبها بعقد اجتماعات تتوافر فيها على بحث ما يرد إليها من استفتاءات بحثا وافيا مستفيضا، ثم تجيب عليها مبينة حكم الشرع فيها، إما وفق أحكام مذهب معين إن طلب السائل ذلك، وإما بغير تقيد بمذهب فتكون الاجابة على وفق ما تقتضي به القواعد العامة المأخوذة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين او القياس الصحيح الموافق لقواعد الدين العامة والملائم لصالح المسلمين.(2/130)
كانت ترد إلى مشيخة الأزهر من الأقطار الشقيقة وغيرها استفتاءات كثيرة في مسائل دينية متنوعة، يطلب أصحابها الافتاء فيها على مذهب معين، او من غير تقيد بمذهب من المذاهب ولما كانت تلك
الاستفتاءات وما يصدر فيها من فتاوى على جانب عظيم من الأهمية، لما لها من وثيق الصلة بأحوال الناس الشخصية والاجتماعية وغيرها، ثم هي وسيلة من وسائل نشر أحكام الشريعة الاسلامية الغراء على وجه صحيح بين جمهور المسلمين. ونظرا إلى ما يتطلبه هذا العمل العلمي الديني الجليل من جهد وما يستنفده من وقت في البحث والدرس، فقد رأى المغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر الأسبق ان تضطلع بهذا العمل لجنة خاصة من جهابذة العلماء، فأصدرا قرارا بتكوينها في 12من جمادى الأولى سنة 1354هـ 11من اغسطس سنة 1935من رئيس وأحد عشر عضوا، منهم ثلاثة من علماء الحنفية، وثلاثة من المالكية، وثلاثة من الشافعية، واثنان من الحنابلة. ومنذ تألفت اللجنة وهي دائبة على أداء واجبها بعقد اجتماعات تتوافر فيها على بحث ما يرد إليها من استفتاءات بحثا وافيا مستفيضا، ثم تجيب عليها مبينة حكم الشرع فيها، إما وفق أحكام مذهب معين إن طلب السائل ذلك، وإما بغير تقيد بمذهب فتكون الاجابة على وفق ما تقتضي به القواعد العامة المأخوذة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين او القياس الصحيح الموافق لقواعد الدين العامة والملائم لصالح المسلمين.
وليس ادل على عظيم اثرها وجليل نفعها من أنها تصدر نحو 350 فتوى سنويا وقد تعاقب على رياستها من أول تكوينها الى الآن، حضرات أصحاب الفضيلة: المغفور له الشيخ حسين والي والمغفور له الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام والمغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى والمغفور له الشيخ محمد مأمون الشناوي والشيخ عبد الرحمن حسن والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد العناني.
61823 - مجلس الأزهر الأعلى:
وللأزهر مجلس أعلى أنشىء بمقتضى القانون رقم 1911، ويؤلف من شيخ الأزهر، ووكيله، ومفتي الديار المصرية، ومشايخ الكليات، ووكلاء
وزارات المالية والعدل والمعارف والأوقاف، واثنين من هيئة كبار العلماء، واثنين من كبار رجال التعليم ويعينان لمدة سنتين.(2/131)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/132)
بلغ عددهم 11797طالبا وفي سنة 1929بلغ عددهم 10680طالبا وفي سنة 1933بلغ عددهم 8945طالبا وفي سنة 1938بلغ عددهم 13163 طالبا وفي سنة 1941بلغ عددهم 14116طالبا وفي سنة 1947بلغ عددهم 17514طالبا.
61825 - ميزانية الأزهر:
وكانت ميزانية الأزهر عام 1892م مبلغ 4378جنيها حيث كانت مرتبات العلماء ضئيلة في ذلك العهد. فكان مرتب العالم ذي الدرجة الأولى مائة وخمسين قرشا، وذي الدرجة الثانية مائة قرش، وذي الدرجة الثالثة خمسة وسبعين قرشا. وكانت المرتبات محدودة العدد. فكان المدرس الجديد لا يمنح مرتبا الا إذا توفي احد المستحقين من قبل، ويكتفي بالجراية. وفي ذلك العهد لم يكن فيه إحالة على المعاش. فالعالم يتقاضى مرتبه إلى الوفاة. وبقي الحال كذلك إلى سنة 1909م. ففي ذلك التاريخ طلب العلماء من أولياء الأمور النظر في حالة الأزهر بما يلائم حال العصر من وضع الدرجات ورفع المرتبات، حتى تتسع لكل العلماء المدرسين، مع طلب إصلاحات اخرى، ولما رأى أولياء الأمر أن حالة الأزهريين اشتدت، وانقلبت الحالة الى ثورة جامحة استغلتها بعض الأحزاب السياسية، قرروا إجابة طلبهم أولا في وضع الدرجات، وان المدرس يتقاضى ثلاثة جنيهات شهريا. وقد كان مرتب الشيخ محمود أبي العيون المدرس في الأزهر بعد تخرجه عام 1908خمسة عشر رغيفا، وظل يتناول هذا الأجر إلى يونيه سنة 1909م، فرتب له ثلاثة جنيهات كزملائه.
ومن ذلك الوقت بدأ الأزهر يسير في طريق النظم المالية في الدولة.
وفي سنة 1912بلغت ميزانية الأزهر 59924جنيها وفي سنة 1920بلغت 206881جنيها. وبلغت ميزانية الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية في سنة 1928المالية 000، 305جنيه منها 837و 194مخصصة للجامع الأزهر، ويبلغ عدد الأساتذة المدرسين بالجامع الأزهر في العام
نفسه 253أستاذا، وعدد الطلبة بالقسم الأولى 1366طالبا، وبالقسم الثانوي 588طالبا، وبالقسم العالي 1238طالبا، وبالقسم المؤقت 573 طالبا، وفي فرقة التخصص 160طالبا، وبلغ عدد المدرسين في معهد الاسكندرية 92مدرسا وعدد الطلبة 716طالبا، وفي معهد طنطا 107 مدرسين و 2092طالبا وفي معهد أسيوط 55مدرسا و 674طالبا، وفي معهد دسوق 26مدرسا و 360طالبا، وفي معهد دمياط 25مدرسا و 306طلاب، وفي معهد الزقازيق 111مدرسا و 1114طالبا.(2/133)
وفي سنة 1912بلغت ميزانية الأزهر 59924جنيها وفي سنة 1920بلغت 206881جنيها. وبلغت ميزانية الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية في سنة 1928المالية 000، 305جنيه منها 837و 194مخصصة للجامع الأزهر، ويبلغ عدد الأساتذة المدرسين بالجامع الأزهر في العام
نفسه 253أستاذا، وعدد الطلبة بالقسم الأولى 1366طالبا، وبالقسم الثانوي 588طالبا، وبالقسم العالي 1238طالبا، وبالقسم المؤقت 573 طالبا، وفي فرقة التخصص 160طالبا، وبلغ عدد المدرسين في معهد الاسكندرية 92مدرسا وعدد الطلبة 716طالبا، وفي معهد طنطا 107 مدرسين و 2092طالبا وفي معهد أسيوط 55مدرسا و 674طالبا، وفي معهد دسوق 26مدرسا و 360طالبا، وفي معهد دمياط 25مدرسا و 306طلاب، وفي معهد الزقازيق 111مدرسا و 1114طالبا.
وفي سنة 1929بلغت ميزانية الأزهر 121033جنيها، وفي سنة 1942بلغت 400200جنيه، وفي سنة 1948صارت 900752. وتبلغ اليوم نحو المليون والثلث من الجنيهات.
61826 - الأزهر في صحائف الذكرى
1
في عام 1899أرادت حكومة مصطفى فهمي باشا استجابة لأمر الإنجليز أن تضعف القضاء الشرعي. فوضعت مشروعا لتعديل اللائحة الشرعية وضم اثنين من أعضاء الاستئناف الأهلي الى المحكمة الشرعية العليا، ولم تبال الحكومة المصرية باحتجاج الحكومة العثمانية على المشروع فعرضته على مجلس الشورى، وكان من أعضائه الشيخ حسونة النواوي الذي جمعت له مشيخة الأزهر وفتوى الديار المصرية، فثار على المشروع وانسحب من المجلس وتبعه القاضي التركي، فخذل المجلس الحكومة وفشل المشروع.
2
شيئان لهما في نفوس السائحين المكان الأرفع. وهما أول ما يفكرون في زيارتهما الأهرام والأزهر.
وللسائحين والأمر يكيون بالأخص فكرة عجيبة عن الأزهر الشريف يكتنفها الخيال بأوسع معانيه، فهم يتصورون فيه بقية من بقايا العصر
الاسلامي الزاهر، ويذكرون به قصص ألف ليلة وليلة وقصور بغداد والقاهرة وقرطبة.(2/134)
وللسائحين والأمر يكيون بالأخص فكرة عجيبة عن الأزهر الشريف يكتنفها الخيال بأوسع معانيه، فهم يتصورون فيه بقية من بقايا العصر
الاسلامي الزاهر، ويذكرون به قصص ألف ليلة وليلة وقصور بغداد والقاهرة وقرطبة.
ويروى أن اللورد كرومر المعتمد البريطاني أراد أن يتعارف بشيخ الجامع الأزهر فقيل له إنه معتكف في حجرته بالجامع لا يخرج منها ولا يغادر باب الأزهر لزيارة احد مهما كان مركزه عظيما، وذهب اللورد لزيارة الأسد في عرينه أو الناسك في صومعته، وكان اللورد حينذاك في إبان بطشه وقوته يهابه الكل ويسارعون لتلبية أمره وقد ظن انه سيجد من شيخ الاسلام تابعا ونصيرا.
ودخل الأزهر وسار بين أعمدته وعلى بلاطه فامتلأ رهبة وروعة وراعه الصمت السائد، والطلبة الذين يتحركون في صمت وخشوع كأنهم الأشباح السارية، واستقبله وفد من المشايخ في عمائم كبيرة وأكمام واسعة طويلة بطيىء الحركة يسيرون في تؤدة ووقار ولا يحنون رءوسهم الا ساعة الركوع والسجود.
وسار بينهم يخترق الحجرات والابهاء وهو يتجرد في كل خطوة من ثياب جبروته وكبريائه، حتى إذا وصل الى باب صغير أدى به اليه السير كان العميد البريطاني العظيم قد أصبح فردا يشعر بالضعف والخشوع.
وفتح الباب وتنحى الموجودن ودخل اللورد ومعه أحد ياوران السراي، فرأى نفسه في حجرة مجردة من الأثاث والفراش عارية الأرض مكشوفة البلاط، ساكنة يكتنفها شيء من الظلام إلا من شعاع ينفذ من نافذة نصف مغلقة، وفي واجهة تلك الحجرة دكة عالية عليها قطعة من بساط وقد تربع فوقها شيخ الاسلام والمسلمين في ثياب بسيطة وفي يده سبحة يعد خرزاتها ويتمتم بالتسبيح عليها، وهو مطرق برأسه مستغرق في نجواه.
وأدار اللورد نظره حوله فلم يجد مقعدا، وتقدم خطوتين فلم يرفع الشيخ رأسه ولم يبادره بالتحية ولبث يتمتم نجواه وهو في سكون وجمود.(2/135)
ووقف اللورد في وسط الحجرة أمام الشيخ فترة طويلة خانته فيها اعصابه وارتبكت حواسه وشعر بأنه يتضاءل ويتضاءل امام ذلك الشيخ النحيف الجسد السابح في ذكره حتى لم يعد يشعر بنفسه.
وبعد ان مرت فترة طويلة رفع الشيخ رأسه دون ان يتحرك من مكانه ونظر الى اللورد نظرة هادئة عميقة وقال بصوت لطيف: «أهلا وسهلا»!.
ثم مد إليه يده كما يمدها الملك إلى أحد رعاياه، وتقدم اللورد فتناول هذه اليد ولثمها بشفتيه.
واسترد الشيخ يده ثم قال له: «في أمان الله في امان الله»
وخرج اللورد يتعثر، وقد أدرك ان في مصر من هو أعظم منه شأنا وأقوى شخصية.
ولكن المسجد الأزهر الآن تبدل كثيرا عما كان عليه منذ نيف وأربعين سنة فدخلته جحافل المدنية، ولم يعد ذلك المعهد الرهيب الذي يتصوره الأجانب مكتنفا بالأسرار تصدر منه الأوامر الخفية إلى المسلمين قاطبة فيخضعون لاشارته كما كان الفاتيكان في عهد ازدهار البابوية بل أصبح السائحون يزورونه الآن وعم يعرفون انهم قادمون على جامعة دينية كبرى أخذت من العلوم الحديثة والمدنية العصرية بكثير من أسبابها.
3
في ديسمبر 1946أرادت حكومة النقراشي باشا ان تنفذ رغبة ملكية بتعيين الاستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر، وكان الأستاذ الأكبر حينئذ بعيدا عن الأزهر، حيث كان وزيرا للأوقاف، وكان من قبل ذلك أستاذ الفلسفة في كلية الآداب وكان وكيل الأزهر في ذلك الحين هو الشيخ محمد مأمون الشناوي، فاستشير في الأمر، فأشار بأن هذا التعيين يخالف نص قانون الأزهر الذي يشترط في شيخ الأزهر ان يكون من بين جماعة كبار العلماء، فقيل له: إن للأستاذ الأكبر كتبا عديدة وسيقدم كتابا
منها لعضوية الجماعة، فأخبرهم الشيخ مأمون الشناوي بأن قانون الجماعة يمنع منحها للأستاذ الأكبر لأنه ليس من أساتذة كليات الأزهر الشريف الذين يباح لهم التقديم لعضوية الجماعة بشروط خاصة، فأشير على الشيخ الشناوي بأن يجمع الجماعة لتعديل قانونها، فرد عليهم بأن رئيس الجماعة هو الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم، فدعى الشيخان لمقابلة النقراشي، ويبدو ان الشناوي قابل النقراشي أولا حيث ذكر له ان هذا التعيين يجب ان يتم، لأنه قد طلبه أغا خان من السراي، وكان المفهوم في أوساط الشعب ان الخاصة الملكية استولت من وزارة الاوقاف على أطيان ضخمة من بينها تفتيش الوادي وتفتيش شاوة لادارتها بدلا من وزارة الأوقاف، وان الملك يرغب في مكافأة وزير الأوقاف بتعيينه شيخا للأزهر، على الرغم من اعتذار الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه عن قبول هذا المنصب.(2/136)
في ديسمبر 1946أرادت حكومة النقراشي باشا ان تنفذ رغبة ملكية بتعيين الاستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر، وكان الأستاذ الأكبر حينئذ بعيدا عن الأزهر، حيث كان وزيرا للأوقاف، وكان من قبل ذلك أستاذ الفلسفة في كلية الآداب وكان وكيل الأزهر في ذلك الحين هو الشيخ محمد مأمون الشناوي، فاستشير في الأمر، فأشار بأن هذا التعيين يخالف نص قانون الأزهر الذي يشترط في شيخ الأزهر ان يكون من بين جماعة كبار العلماء، فقيل له: إن للأستاذ الأكبر كتبا عديدة وسيقدم كتابا
منها لعضوية الجماعة، فأخبرهم الشيخ مأمون الشناوي بأن قانون الجماعة يمنع منحها للأستاذ الأكبر لأنه ليس من أساتذة كليات الأزهر الشريف الذين يباح لهم التقديم لعضوية الجماعة بشروط خاصة، فأشير على الشيخ الشناوي بأن يجمع الجماعة لتعديل قانونها، فرد عليهم بأن رئيس الجماعة هو الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم، فدعى الشيخان لمقابلة النقراشي، ويبدو ان الشناوي قابل النقراشي أولا حيث ذكر له ان هذا التعيين يجب ان يتم، لأنه قد طلبه أغا خان من السراي، وكان المفهوم في أوساط الشعب ان الخاصة الملكية استولت من وزارة الاوقاف على أطيان ضخمة من بينها تفتيش الوادي وتفتيش شاوة لادارتها بدلا من وزارة الأوقاف، وان الملك يرغب في مكافأة وزير الأوقاف بتعيينه شيخا للأزهر، على الرغم من اعتذار الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه عن قبول هذا المنصب.
وخرج الشيخان من مكتب النقراشي، حيث جمعا الجماعة، فرفضت ان توافق على تعديل قانونها، وكان في مقدمة الرافضين الأستاذ الاكبر الشيخ ابراهيم حمروش وكان شيخا لكلية الشريعة آنذاك وإثر ذلك طلب من المشايخ الثلاثة الاستقالة فاستقال الشيخ الشناوي وكيل الأزهر والشيخ ابراهيم حمروش شيخ كلية الشريعة والشيخ عبد المجيد سليم المفتي من وظائفهم، وعين مدير الأزهر الشيخ عبد الرحمن حسن وكيلا للأزهر، ونفذ الرغبة الملكية بتعديل القانون الذي أثار تعديله ثورة في الشعب وفي أوساط العلماء والطلاب، ونشر كبار الشيوخ المستقيلون بيانا على الأمة المصرية الكريمة والعالم الاسلامي عن انتهاك الحكومة القائمة لقانون الأزهر، وذكروا فيه تهديد رئيس ديوان الملك للمفتي الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم إذ دعاه إلى مكتبه وقال له: «إن في وقفتك هذه ضد رغبة الملك خطرا عليك»، فأجاب على الفور: أيحال بيني وبين الذهاب إلى بيت الله؟ فقال رئيس الديوان: لا. فرد عليه الشيخ على الفور: إذن لا خطر.
وكان الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه من أشد
الشخصيات مكانة وحبا في قلوب الأزهريين، وطالما اعتذر عن قبول منصب المشيخة في هذه الأزمة، إلا ان الملك كان يحب ان يتصرف في الأزهر وفق هواه، وكانت وقفة الشيوخ المشرفة ضد الملك ذات مغزى بعيد في الشعب والعالم الاسلامي.(2/137)
وكان الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه من أشد
الشخصيات مكانة وحبا في قلوب الأزهريين، وطالما اعتذر عن قبول منصب المشيخة في هذه الأزمة، إلا ان الملك كان يحب ان يتصرف في الأزهر وفق هواه، وكانت وقفة الشيوخ المشرفة ضد الملك ذات مغزى بعيد في الشعب والعالم الاسلامي.
4 - نداء من علماء الأزهر إلى أبناء العروبة والاسلام صدر في المحرم 1367هـ ديسمبر 1947م
بسم الله الرحمن الرحيم: يا معشر العرب والمسلمين! قضي الأمر! وتألبت عوامل البغي والطغيان على فلسطين، وفيها المسجد الأقصى أول القبلتين. وثالث الحرمين، ومنتهى إسراء خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليه، قضي الأمر، وتبين لكم ان الباطل ما زال في غلوائه سادرا، وأن الهوى ما فتىء على العقول مسيطرا، وأن الميثاق الذي زعموه سبيلا للعدل والانصاف ما هو إلا تنظيم للظلم والاجحاف، قضي الأمر! ولم يبق بعد اليوم صبر على تلكم الهضيمة التي يريدون ان يرهقونا بها في بلادنا، وأن يجثموا بها على صدورنا، وأن يمزقوا بها أوصال شعوب وحد الله بينها في الدين واللغة والشعور، إن قرار هيئة الأمم المتحدة، قرار هيئة لا تملكه، وهو يعد قرارا باطلا جائرا ليس له نصيب من الحق والعدالة، ففلسطين ملك العرب والمسلمين بذلوا فيها النفوس الغالية، والدماء الزكية، وستبقى إن شاء الله رغم تحالف المبطلين ملك العرب والمسلمين. وليس لأحد كائنا من كان ان ينازعهم فيها أو يشطرها او يمزقها. وإذا كان البغاة العتاة قد قصدوا بالسوء من قبل هذه الأماكن المقدسة. فوجدوا من أبناء العروبة والاسلام قساورة ضراغم ذادوا عن الحمى، وردوا البغى على أعقابه مقلم الأظفار محطم الأسنة. فإن في السويداء اليوم رجالا، وفي الشرى آسادا، وإن التاريخ لعائد بهم سيرته الأولى.(2/138)
يا أبناء العروبة والاسلام! لقد اعذرتم من قبل، وناضلتم عن حقكم بالحجة والبرهان ما شاء الله أن تناضلوا، حتى تبين للناس وجه الحق سافرا.
ولكن دسائس الصهيونية وفتنتها وأموالها قد استطاعت ان تجلب على هذا الحق المقدس بخيلها ورجلها، فعميت عنه العيون، وصمت الآذان، والتوت الأعناق، فاذا بكم تقفون في هيئة الأمم وحدكم، ومدعو نصرة العدالة يتسللون عنكم لواذا، بين مستهين بكم وممالىء لأعدائكم، ومتستر بالصمت متصنع للحياد. فاذا كنتم قد استنفدتم بذلك جهاد الحجة والبيان، فإن وراء هذا الجهاد لإنقاذ الحق وحمايته جهادا سبيله مشروعة وكلمته مسموعة، تدفعون به عن كيانكم، ومستقبل أبنائكم وأحفادكم، فذودوا عن الحمى، وادفعوا الذئاب عن العرين، وجاهدوا في الله حق جهاده! {«فَلْيُقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيََاةَ الدُّنْيََا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»}. {«الَّذِينَ آمَنُوا يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطََّاغُوتِ} {فَقََاتِلُوا أَوْلِيََاءَ الشَّيْطََانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطََانِ كََانَ ضَعِيفاً».}
يا أبناء العرب والاسلام! خذوا حذركم، فانفروا ثبات أو انفروا جميعا، وإياكم أن يكتب التاريخ ان العرب الاباة الاماجد قد خروا أمام الظلم ساجدين، أو قبلوا الذل صاغرين.
إن الخطب جلل، وإن هذا ليوم الفصل، وما هو بالهزل. فليبذل كل، عربي وكل مسلم في أقصى الأرض وأدناها من ذات نفسه وماله، ما يرد عن الحمى كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، سدوا عليهم السبل، واقعدوا لهم كل مرصد، وقاطعوهم في تجاراتهم ومعاملاتهم، وأعدوا فيما بينكم كتائب للجهاد، وقوموا بفرض الله عليكم، واعلموا أن الجهاد الآن قد أصبح فرض عين على كل قادر بنفسه أو ماله، وأن من يتخلف عن هذا الواجب فقد باء بغضب من الله وإثم عظيم. «إن الله اشترى المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون
وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن، ومن أوفي بعهده من الله؟(2/139)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/140)
وقال شوقي يرد على ما كتب حول الموضوع: وما أنا من ينسى أن معظم أساتذة مدرسة القضاء نفسها في العلوم الشرعية بوجه خاص كانوا من شيوخ الأزهر ورجاله، وليس من المعقول أن يكون هؤلاء الأفاضل حربا عليها وهم في النهوض بها شركاء. إن للأزهر عندي حرمة لا أحب ان يتشكك فيها الأستاذ، وأعتقد أن الأزهر قد سد فراغا كبيرا كان التعليم في مصر والبلاد الشرقية جميعا لا يرجى له بدون الأزهر من سداد. وسأظل فخورا بأن من أساتذتي شيوخا من صميم الأزهر الشريف وكبار علمائه.
وقد أراد شوقي ان يؤكد حبه للأزهر، وينفي عنه مظنة النيل من أبنائه فالتمس فكرة إصلاح الأزهر، ونظم قصيدته:
قم في فم الدنيا وحي الأزهرا
وانثر على سمع الزمان الجوهرا
واجعل مكان الدر إن فصلته
في مدحه خرز السماء النيرا
واذكره بعد المسجدين معظما
لمساجد الله الثلاثة مكبرا
واخشع مليا واقض حق أئمة
طلعوا به زهرا وماجوا أبحرا
كانوا اجل من الملوك جلالة
وأعز سلطانا وأفخم مظهرا
زمن المخاوف كان فيه جنابهم
حرم الآمان وكان حصنهم الذرا
من كل بحر في الشريعة زاخرا
ويريكه الخلق العظيم غضنفرا
ومنها:
لا تحذ حذو عصابة مفتونة
يجدون كل قديم شيء منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من مات من آبائهم أو عمرا
من كل ماض في القديم وهدمه
وإذا تقدم للبناية قصرا
وأتى الحضارة بالصناعة رثة
والعلم نزرا والبيان مثرثرا
يا معهدا أفنى القرون جداره
وطوى الليالي ركنه والأعصرا
ومشى على يبس المشارق نوره
وأضاء أبيض لجها والأحمرا
وأتى الزمان عليه يحمي سنة
ويذود عن نسك ويمنع مشعرا
في الفاطميين انتمى ينبوعه
عذب الأصول كجدهم متفجرا
عين من الفرقان فاض نميرها
وحيا من الفصحى جرى وتحدرا
ما ضرني ان ليس أفقك مطلعي
وعلى كواكبه تعلمت السرى
لا والذي وكل البيان إليك لم
أك دون غايات البيان مقصرا
لما جرى الإصلاح قمت مهنئا
باسم الحنيفة بالمزيد مبشرا
نبأ سرى فكسا المنارة حبرة
وزها المصلى واستخف المنبرا
وسما بأروقة الهدى فأحلها
فرع الثريا وهي في أصل الثرى
ومشى إلى الحلقات فانفرجت له
حلقا كهالات السماء منورا
حتى ظننا الشافعي ومالكا
وأبا حنيفة وابن حنبل حضرا
إن الذي جعل العتيق مثابة
جعل الكناني المبارك كوثرا
العلم فيه مناهلا ومجانيا
يأتي له النزاع يبغون القرى
يا فتية المعمور سار حديثكم
ندا بأفواه الركاب وعنبرا
المعهد القدسي كان نديه
قطبا لدائرة البلاد ومحورا
ولدت قضيتها على محرابه
وحبت به طفلا وشبت معصرا
وتقدمت تزجي الصفوف كأنها
(جاندرك) في يدها اللواء مظفرا
هزوا القرى من كهفها ورقيمها
أنتم لعمر الله أعصاب القرى
الغافل الأمي ينطق عنكمو
كالببغاء مرددا ومكررا
يمسي ويصبح في أوامر دينه
وأمور دنياه بكم مستبصرا
لو قلتمو اختر للنيابة جاهلا
أو للخطابة باقلا لتخيرا
ذكر الرجال له فأله عصبة
منهم، وفسق آخرين، وكفرا
آباؤكم قرأوا عليه ورتلوا
بالأمس تاريخ الرجال مزورا(2/141)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/142)
لا تحذ حذو عصابة مفتونة
يجدون كل قديم شيء منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من مات من آبائهم أو عمرا
من كل ماض في القديم وهدمه
وإذا تقدم للبناية قصرا
وأتى الحضارة بالصناعة رثة
والعلم نزرا والبيان مثرثرا
يا معهدا أفنى القرون جداره
وطوى الليالي ركنه والأعصرا
ومشى على يبس المشارق نوره
وأضاء أبيض لجها والأحمرا
وأتى الزمان عليه يحمي سنة
ويذود عن نسك ويمنع مشعرا
في الفاطميين انتمى ينبوعه
عذب الأصول كجدهم متفجرا
عين من الفرقان فاض نميرها
وحيا من الفصحى جرى وتحدرا
ما ضرني ان ليس أفقك مطلعي
وعلى كواكبه تعلمت السرى
لا والذي وكل البيان إليك لم
أك دون غايات البيان مقصرا
لما جرى الإصلاح قمت مهنئا
باسم الحنيفة بالمزيد مبشرا
نبأ سرى فكسا المنارة حبرة
وزها المصلى واستخف المنبرا
وسما بأروقة الهدى فأحلها
فرع الثريا وهي في أصل الثرى
ومشى إلى الحلقات فانفرجت له
حلقا كهالات السماء منورا
حتى ظننا الشافعي ومالكا
وأبا حنيفة وابن حنبل حضرا
إن الذي جعل العتيق مثابة
جعل الكناني المبارك كوثرا
العلم فيه مناهلا ومجانيا
يأتي له النزاع يبغون القرى
يا فتية المعمور سار حديثكم
ندا بأفواه الركاب وعنبرا
المعهد القدسي كان نديه
قطبا لدائرة البلاد ومحورا
ولدت قضيتها على محرابه
وحبت به طفلا وشبت معصرا
وتقدمت تزجي الصفوف كأنها
(جاندرك) في يدها اللواء مظفرا
هزوا القرى من كهفها ورقيمها
أنتم لعمر الله أعصاب القرى
الغافل الأمي ينطق عنكمو
كالببغاء مرددا ومكررا
يمسي ويصبح في أوامر دينه
وأمور دنياه بكم مستبصرا
لو قلتمو اختر للنيابة جاهلا
أو للخطابة باقلا لتخيرا
ذكر الرجال له فأله عصبة
منهم، وفسق آخرين، وكفرا
آباؤكم قرأوا عليه ورتلوا
بالأمس تاريخ الرجال مزورا(2/143)
لا تحذ حذو عصابة مفتونة
يجدون كل قديم شيء منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من مات من آبائهم أو عمرا
من كل ماض في القديم وهدمه
وإذا تقدم للبناية قصرا
وأتى الحضارة بالصناعة رثة
والعلم نزرا والبيان مثرثرا
يا معهدا أفنى القرون جداره
وطوى الليالي ركنه والأعصرا
ومشى على يبس المشارق نوره
وأضاء أبيض لجها والأحمرا
وأتى الزمان عليه يحمي سنة
ويذود عن نسك ويمنع مشعرا
في الفاطميين انتمى ينبوعه
عذب الأصول كجدهم متفجرا
عين من الفرقان فاض نميرها
وحيا من الفصحى جرى وتحدرا
ما ضرني ان ليس أفقك مطلعي
وعلى كواكبه تعلمت السرى
لا والذي وكل البيان إليك لم
أك دون غايات البيان مقصرا
لما جرى الإصلاح قمت مهنئا
باسم الحنيفة بالمزيد مبشرا
نبأ سرى فكسا المنارة حبرة
وزها المصلى واستخف المنبرا
وسما بأروقة الهدى فأحلها
فرع الثريا وهي في أصل الثرى
ومشى إلى الحلقات فانفرجت له
حلقا كهالات السماء منورا
حتى ظننا الشافعي ومالكا
وأبا حنيفة وابن حنبل حضرا
إن الذي جعل العتيق مثابة
جعل الكناني المبارك كوثرا
العلم فيه مناهلا ومجانيا
يأتي له النزاع يبغون القرى
يا فتية المعمور سار حديثكم
ندا بأفواه الركاب وعنبرا
المعهد القدسي كان نديه
قطبا لدائرة البلاد ومحورا
ولدت قضيتها على محرابه
وحبت به طفلا وشبت معصرا
وتقدمت تزجي الصفوف كأنها
(جاندرك) في يدها اللواء مظفرا
هزوا القرى من كهفها ورقيمها
أنتم لعمر الله أعصاب القرى
الغافل الأمي ينطق عنكمو
كالببغاء مرددا ومكررا
يمسي ويصبح في أوامر دينه
وأمور دنياه بكم مستبصرا
لو قلتمو اختر للنيابة جاهلا
أو للخطابة باقلا لتخيرا
ذكر الرجال له فأله عصبة
منهم، وفسق آخرين، وكفرا
آباؤكم قرأوا عليه ورتلوا
بالأمس تاريخ الرجال مزورا
صور عن هيكل 61827 الأزهر القديم
61828 - أبواب الجامع الأزهر: 61829 للجامع الأزهر تسعة أبواب:
الأول: 61830 باب المزينين
وهو الباب الكبير تجاه رأس شارع الصنادقية له بابان كل باب بمصراعين وهو من زيادات الأمير عبد الرحمن كتخدا ومنقوش على وجهته من الخارج أبيات مموهة بالذهب تشتمل على تاريخ بنائه وهي:
إن للعلم أزهرا يتسامى
كسماء ما طاولتها سماء
حيث وافاه ذا البناء ولولا
منة الله ما تسامى البناء
رب إن الهدى هداك وآيا
تك نور تهدي به من تشاء
مذ تناهى أرخت باب علوم
وفخار به يجاب الدعاء
والباب الأصلي في هذه الجهة هو الباب المواجه للداخل مما يلي صحن الجامع وبينهما كان يجلس المزينون لحلق رءوس الطلاب فعرف الباب بذلك، وكان منقوشا على هذا الباب الأصلي في الحجر: بسم الله الرحمن الرحيم: أمر بإنشاء هذا الباب والمئذنة الشريف مولانا السلطان الأشرف قاتيباي بتاريخ شهر رجب الفرد ثلاثة منه سنة 888هـ، وفوق ذلك: لا إله إلا الله محمد رسول الله نصر من الله وفتح قريب وفوقها إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، وفوق ذلك كتابة كوفية دقيقة الحروف يتعسر قراءتها وقد أزيلت هذه الكتابة بالتجديدات القريبة.(2/144)
الثاني: 61831 الباب العباسي
وهذا الباب في صف الباب الأول وهو باب شامخ ذو فخامة وشأن، أحدثته الأوقاف عند تأسيس الرواق العباسي منقوش على واجهته من الخارج في الحجر بالحروف المموهة بالذهب من أعلاه:
كان الإنشاء والفراغ في عهد إدارة فيضي باشا لعموم الأوقاف بمباشرة صابر بك باشمهندس عموم الأوقاف، وتحت ذلك بيتان فيهما تاريخ الإنشاء.
ومنقوش تحت ذلك آية {«إِنَّمََا يَعْمُرُ مَسََاجِدَ اللََّهِ»} من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر ومن داخل هذا الباب فناء يصل لباب يصل لصحن الأزهر وعلى يمين الداخل باب زاوية الرواق العباسي المعدة للتدريس.
الثالث: 61832 باب المغاربة
وهو تجاه درب الأتراك ويتوصل منه إلى صحن الجامع بعد المرور بين رواق المغاربة ورواق السنارية والأتراك.
الرابع: 61833 باب الشوام
يقابله الوكالة التي أنشأها السلطان قايتباى ويسلك منه إلى المقصورة القديمة.
الخامس: 61834 باب الصعايدة
هو بعد باب الشوام تجاه حارة الباطلية وله بابان، كل باب ذو مصراعين وهو من إنشاء المرحوم الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل منه بين المرور بعد رواق الصعايدة ومدفن الكتخدا الى باب واحد يوصل الى المقصورة الجديدة التي هي من إنشاء الكتخدا.
السادس: 61835 باب الحرمين
وهو يسلك من رواق الحرمين وهو مغلوق أبدا وهو من إنشاء الكتخدا.
السابع: 61836 باب الشوربة
وهو تجاه رقعة القمح بجوار منزل السيد عمر مكرم نقيب الأشراف بالديار المصرية سابقا وهو من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل منه إلى المقصورة الجديدة بساحة طويلة تنتهي إلى مدفن في زاوية المسجد يقال له مدفن الست نفيسة البكرية بنت الشيخ محمد بن عبد الله جلال الدين البكري الصديقي وهو صاحب المسجد القريب من باب الشوربة أمام عطفة الشيخ الأمير وسمي باب الشوربة لقربه
من مطبخ الشوربة الذي كان يطبخ فيه الأرز في رمضان ويفرق على فقراء الأزهر.(2/145)
وهو تجاه رقعة القمح بجوار منزل السيد عمر مكرم نقيب الأشراف بالديار المصرية سابقا وهو من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل منه إلى المقصورة الجديدة بساحة طويلة تنتهي إلى مدفن في زاوية المسجد يقال له مدفن الست نفيسة البكرية بنت الشيخ محمد بن عبد الله جلال الدين البكري الصديقي وهو صاحب المسجد القريب من باب الشوربة أمام عطفة الشيخ الأمير وسمي باب الشوربة لقربه
من مطبخ الشوربة الذي كان يطبخ فيه الأرز في رمضان ويفرق على فقراء الأزهر.
الثامن: 61837 باب الجوهرية
هو باب صغير تجاه زاوية العميان يسلك منه إلى المقصورة الجديدة بعد المرور في المدرسة الجوهرية ويسلك الخارج منه إلى زقاق ضيق يوصل إلى شارع الشنواني أ
مام مسجد العدوى وهو من إنشاء جوهر القنقبائى.
التاسع: 61838 باب الميضأة
ينفذ في الزقاق الخارج إلى باب المزينين مجعول لدخول الحفاة.
61839 - مقاصير الأزهر:
للأزهر مقصورتان جديدة وقديمة: فالجديدة من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وهي المعروفة عند أهل الأزهر بالإيوان العالي.
والقديمة أصل الجامع الأزهر من إنشاء القائد جوهر وتحتوي على ست وسبعين اسطوانة وتمتد من باب الشوام إلى رواق الشراقوة وكان فيها المنبر فنقله الكتخدا لما بنى المقصورة الجديدة ولها ثلاثة أبواب إلى صحن الأزهر ويتخللها شبابيك من الخشب المخروط.
61840 - محاريب الأزهر:
في المقصورة الجديدة محرابان: محراب كبير يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس وهو مالكي المذهب، وعليه قبة مرتفعة قائمة على ستة أعمدة، والمحراب الآخر عن شمال المنبر وهو محراب صغير مزركش يعرف بقبلة الشيخ الدردير، وفي المقصورة القديمة الآن محراب واحد، وهو المحراب الأصلي القديم ويعرف بالقبلة القديمة، يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس وهو شافعي المذهب، وعلى هذا المحراب أيضا قبة عظيمة مرتفعة وعلى يمينه صندوق موضوع على رف يقال إن به آثارا قديمة، وأن لذلك سرا عجيبا في عمارته، وكان في المقصورة القديمة قبلة بقرب باب الشوام
وكانت تعرف في الزمن الأخير بقبلة الشيخ البيجوري شيخ الإسلام بسبب صلاته عندها كثيرا، وكان بقرب رواق الشراقوة قبلة صغيرة من خشب تعرف بقبلة الخطيب الشربيني، وكان عليها كتابة بالخط تدل على أن عملها كان سنة 627(2/146)
في المقصورة الجديدة محرابان: محراب كبير يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس وهو مالكي المذهب، وعليه قبة مرتفعة قائمة على ستة أعمدة، والمحراب الآخر عن شمال المنبر وهو محراب صغير مزركش يعرف بقبلة الشيخ الدردير، وفي المقصورة القديمة الآن محراب واحد، وهو المحراب الأصلي القديم ويعرف بالقبلة القديمة، يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس وهو شافعي المذهب، وعلى هذا المحراب أيضا قبة عظيمة مرتفعة وعلى يمينه صندوق موضوع على رف يقال إن به آثارا قديمة، وأن لذلك سرا عجيبا في عمارته، وكان في المقصورة القديمة قبلة بقرب باب الشوام
وكانت تعرف في الزمن الأخير بقبلة الشيخ البيجوري شيخ الإسلام بسبب صلاته عندها كثيرا، وكان بقرب رواق الشراقوة قبلة صغيرة من خشب تعرف بقبلة الخطيب الشربيني، وكان عليها كتابة بالخط تدل على أن عملها كان سنة 627
وفي صحن الجامع كان أربعة محاريب صغار بظاهر المقصورة محراب يلي رواق معمر وكان مكتوبا عليه: جدد هذا المحراب السعيد على يد العبد الفقير إلى الله تعالى الخواجة مصطفى ابن الخواجة محمود بن جلبي غفر الله له وللمسلمين ويكتنف باب المقصورة الوسط محرابان من الحجر مكتوب بأعلى أحدهما بالكوفي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان عند الباب الثالث محراب مكتوب عليه أمر بتجديد هذا المحراب السعيد سيدنا ومولانا الإمام الأعظم والملك الأكرم السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي، وكان عند رواق الأتراك محراب صغير مصنوع بالقيشاني وقد أزيلت، وكان أمامه «دكة» صغيرة غير مستعملة للتبليغ وذلك غير المحاريب التي في المدارس الملحقة بالجامع وموجود بالمقصورتين «دكتان» تستعملان يوم الجمعة للتبليغ.
61841 - صحن الأزهر ومناراته ومزاوله:
أما صحن الأزهر هو متسع مفروش بالحجر النحت، وتحت هذا الفرش أربعة صهاريج متسعة للماء الحلو، ولها أفواه من الرخام ناتئة في الصحن نحو متر يجلس فيه الطلاب أيام الشتاء للمطالعة والرياضة ويبيتون فيه في ليالي الصيف، وفي دائرة بوائك مسقفة يجلس في بعضها الأطفال ومعلمو القرآن الشريف.
وأما مناراته فكان به ست منارات يؤذن عليها في الأوقات الخمس وفي الأسحار وتوقد في ليالي رمضان والمواسم، منها منارة خارج باب المزينين عن يمين الداخل تشرف على الشارع وهي من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وكان يتوصل إليها من باب الميضأة الصغيرة الذي عن يمين
الداخل قبل الطيبرسية وقد أزيلت مع الميضأة وبني مكانهما الرواق العباسي وإدارة الأزهر القديمة ومنها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن الجامع: إحداها منارة الأقبغاوية عن يسار الداخل الى الصحن وهي أول مئذنة عملت بديار مصر من الحجر بعد المنصورية وكانت المنارات قبل ذلك تبنى بالآجر وقد أنشأها الأمير علاء الدين آقبغا عبد الواحد مع مدرسة الأقبغاوية، واثنتان عن يمين الداخل فالتي في جانب الباب مما يلي الداخل أنشأها السلطان الأشرف قايتباى والتي تليها من انشاء السلطان الغوري وهي أعلى مناراته وأعظمها ويتوصل لهما من باب صغير في صحن الجامع يصعد منه إلى سطحه فيه لكل منهما باب، والخامسة بباب الصعايدة يتوصل إليها من رواق الصعايدة، والسادسة بباب الشوربة وبابها من الداخل وهما من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا والغالب في مؤذني الأزهر قديما أن يكونوا مكفوفين محافظة على عورات أهل المساكن المجاورة للأزهر ولكل منارة خلوة لإقامة مؤذنيها لانتظار الآذان بها ولا يؤذنون إلا بتنبيه الميقاتي المجعول لخصوص ذلك، والغالب أن آذان الأزهر ينبني عليه آذان أكثر منارات القاهرة.(2/147)
وأما مناراته فكان به ست منارات يؤذن عليها في الأوقات الخمس وفي الأسحار وتوقد في ليالي رمضان والمواسم، منها منارة خارج باب المزينين عن يمين الداخل تشرف على الشارع وهي من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وكان يتوصل إليها من باب الميضأة الصغيرة الذي عن يمين
الداخل قبل الطيبرسية وقد أزيلت مع الميضأة وبني مكانهما الرواق العباسي وإدارة الأزهر القديمة ومنها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن الجامع: إحداها منارة الأقبغاوية عن يسار الداخل الى الصحن وهي أول مئذنة عملت بديار مصر من الحجر بعد المنصورية وكانت المنارات قبل ذلك تبنى بالآجر وقد أنشأها الأمير علاء الدين آقبغا عبد الواحد مع مدرسة الأقبغاوية، واثنتان عن يمين الداخل فالتي في جانب الباب مما يلي الداخل أنشأها السلطان الأشرف قايتباى والتي تليها من انشاء السلطان الغوري وهي أعلى مناراته وأعظمها ويتوصل لهما من باب صغير في صحن الجامع يصعد منه إلى سطحه فيه لكل منهما باب، والخامسة بباب الصعايدة يتوصل إليها من رواق الصعايدة، والسادسة بباب الشوربة وبابها من الداخل وهما من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا والغالب في مؤذني الأزهر قديما أن يكونوا مكفوفين محافظة على عورات أهل المساكن المجاورة للأزهر ولكل منارة خلوة لإقامة مؤذنيها لانتظار الآذان بها ولا يؤذنون إلا بتنبيه الميقاتي المجعول لخصوص ذلك، والغالب أن آذان الأزهر ينبني عليه آذان أكثر منارات القاهرة.
وأما مزاوله: فكان فيه قديما سبع مزاول أربع في صحنه لمعرفة وقت الظهر على يمين الداخل من باب المزينين وثلاث جهة رواق معمر لمعرفة وقت العصر ولم يوجد الآن غير مزولة واحدة بصحن الأزهر على يمين الداخل من باب المزيني وأخرى محفوظة بالسطح غير مستعملة، وهما من عمل الوزير أحمد باشا كور المتولي على مصر سنة 1161نقشهما على لوحين من رخام، وعمل لهما تاريخا منقوشا على كل لوح منهما وهو هذا:
مزولة متقنة
نظيرها لا يوجد
راسمها حاسبها
هذا الوزير الأمجد
تاريخها أتقنها
وزير مصر أحمد(2/148)
مزولة متقنة
نظيرها لا يوجد
راسمها حاسبها
هذا الوزير الأمجد
تاريخها أتقنها
وزير مصر أحمد
61842 - أروقة الأزهر:
أما أروقة الأزهر فعددها 29رواقا، والأروقة هي:
61843 - الرواق العباسي
: بني هذا الرواق المشيد وتم بناؤه في عهد الأريكة العباسية، وفي مشيخة الشيخ حسونة النواوي للأزهر، واحتفل بافتتاحه في 24شوال سنة 1315هجرية فجاء هذا الرواق على أبدع طراز مصري في هندامه ونقشه وأوضاع شبابيكه وأبوابه وأنفقت الأوقاف عليه ستة آلاف وثمانين جنيها وهو في الحدود الغربية للجامع مطل على الشارع، ويشتمل هذا الرواق على ثلاثة أدوار:
الأول: المسامت سطحه لسطح الجامع، وهو فسيح يشتمل على محل لمجلس إدارة الأزهر الشريف وباب المشيخة، ومنه محال للمكتبة وزاوية كبيرة بمحراب جميل الصنع دقيق التركيب والنقش للصلاة والتدريس والحفلات الرسمية الكبيرة للجامع، وفيه جملة منافع أخرى.
الثاني: مقسم بأجمل نمط صحي يشتمل على قاعة للميقاتية بجوار السلم وقاعة أخرى لجندي الأزهر، ورواق متعدد القاعات لطلاب اليمن، ومحل لحكيم وصيدلي الأزهر، وأول حكيم للأزهر كان هو الدكتور عباس حلمي، ورواق لبعض الطلاب وآخر لطلاب الطيبرسية وأمثاله للبحاروة والاسكندرانية ومحل للدفترخانة الأزهرية.
الثالث: يشتمل على محلات لمفتي الديار المصرية وأمين الافتاء وكتبة الإفتاء، وعلى رواق بأربعة غرف لطلبة الأكراد، وآخر لطلبة الأقبغاوية، وآخر للدكارنة، وآخر للهنود وآخر للبغداديين. فقد جمع أهالي كثير من الأروقة، والرواق العباسي افتتح في 24شوال 1315هـ.
61844 - رواق الطيبرسية
: في الخطط المقريزية هذه المدرسة من المدارس الملحقة بالجامع الأزهر وهي غربية مما يلي الجهة البحرية أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس وجعلها مسجدا لله تعالى زيادة في الجامع الأزهر
وقرر بها درسا للفقهاء الشافعية وأنشأ بجوارها ميضأة وحوض ماء ترده الدواب وتأنق في رخامها وتذهيب سقوفها حتى جاءت في أبدع زي وأبهج ترتيب وانتهت عمارتها سنة 709وكان لها بسط تفرش يوم الجمعة، وكان لها إمام، وكان فيها خزانة كتب وخزن كثيرة، وجددها الأمير عبد الرحمن كتخدا، وقد ذهبت أوقافها ورممت في عهد الخديوي عباس الثاني وجعلت كتيخانة الأزهر في سنة 1314ونقلت طلبتها للرواق العباسي، وطيبرس كان قائدا للجيوش المصرية، ومات سنة 719هـ.(2/149)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/150)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/151)
61854 - رواق المغاربة
: هو كان على يمين الداخل من باب المغاربة، وكان له بابان باب في الصحن في طرقة باب المغاربة، وكان يشتمل على خمس بوائل قائمة على أعمدة من رخام، وكان فيه مساكن علوية وله كتبخانة كبيرة، وكان له مطبخ وبئر وحنفية ويستحق أوقافه كل مجاور مغربي، وكان له كاتب مثل رواق الأتراك.
61855 - رواق السليمانية
: كان بين باب الشوام ورواق الجاوة، وكان به خمسة مساكن وخزانة كتب كبيرة.
61856 - رواق الجاوة
: هو كان بين رواق السليمانية ورواق الشوام، وبه خزانة كتب ونقض بناؤه.
61857 - رواق الشوام
: وهو عن يمين الداخل من باب رواق الشوام وهو من إنشاء السلطان قايتباي وزاد فيه الامير عثمان كتخدا ثم الأمير عبد الرحمن كتخدا حتى صار أكبر من رواق الصعايدة وكان بأعلاه نحو الثلاثين حجرة لمجاوري الشوام وقد أوقف عليه كل من الأميرين المذكورين اوقافا جارية على أهله إلى الآن وبه خزانة كتب كبيرة وكان فيه بئر وحنفية.
61858 - رواق الدكارنة
: هو فوق الأوان عن شمالي الداخل من باب الصعايدة وهو أرضي وفوقه بعض من رواق الشوام.
61859 - رواق الصعايدة
: وهو من أشهر أروقة الأزهر وهو على يمين الداخل من باب الصعايدة وهو يحتوي على إيوان متسع بوسطه عمود من الرخام وبداخله خزانة فيها كتب كثيرة ولها قيم يغير منها لمن يطلب من اهل العلم وله مطبخ، وكان تحت الرواق صهريج كبير يشرب منه عموم أهل الأزهر وهذا الرواق بجميع جهاته من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا مع عماراته بالأزهر وله شيخ مخصوص وقد استقرت مشيخة هذا الرواق عدة أجيال في المشايخ العدوية، وله أوقاف كثيرة.
61860 - رواق الحرمين
: هو عن يمين الذاهب الى المنبر السالك من باب الصعايدة وهو يحتوي على قاعة سفلية وثلاث حجر علوية ويسكنه اهل مكة المشرفة والمدينة المنورة والطائف وغيرهما من بلاد الحجاز وهو من إنشاء المرحوم عبد الرحمن كتخدا.(2/152)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/153)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/154)
61871 - رواق الفيمة
: هو في الزاوية الشرقية المذكورة بجوار رواق البحارة ولم يبق به سوى خزن لأمتعة المجاورين ونقلت طلبته من قبل بالرواق العباسي.
61872 - رواق البحاروه
: هو مخصوص بمجاوري أهل البحيرة لا يشاركهم فيه غيرهم وله شيخ ونقيب ومرتبات ولم يبق به الآن غير خزن لامتعة المجاورين ونقلت طلبته للرواق العباسي.
61873 - حارات الأزهر:
عددها ثلاث عشرة حارة: حارة البيجيرمية، حارة العفيفي، حارة الزراقنة، حارة البشابشة، حارة السليمانية، حارة الجيزاوية، حارة الدكة والمنبر، حارة الممشى، حارة النفاروة، حارة الزهار، حارة الواطية، حارة الشنوانية، حارة المناصرة، ولكل حارة شيخ ونقيب.(2/155)
الباب السادس صورة عن النشاط العلمي في 61874 الأزهر(2/157)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/158)
61875 - الأزهر والحركة الفكريّة المعاصرة
يتولى الزعامة الفكرية في مصر اليوم أفراد قلائل من كبار مفكرينا، الذين جمعوا بين الثقافتين العربية والغربية، وهم في فهمهم للثقافة الغربية مدينون للدراسات الغربية التي تلقوها في جامعات الغرب أو في أمهات الثقافات الأوربية المعاصرة، أما فهمهم للثقافتين العربية والإسلامية فهم مدينون أولا لآراء محمد عبده في الإصلاح الديني والتوجيه الفكري.
لقد كانت آراء محمد عبده الاصلاحية التقدمية هي المعين الذي استقى منه كبار مفكرينا من أمثال عبد العزيز فهمي ولطفي السيد وطه حسين وسواهم، وإليه يرجع الفضل في تحررنا الفكري، ويقظتنا الروحية وفي النهضة التي وصلنا إليها.
وممن تأثر بآراء محمد عبده الشيخ طنطاوي جوهري، وكان من أعلام الأزهريين في العصر الحديث، وله كثير من البحوث والمؤلفات العميقة، ومن أهمها:: تفسيره للقرآن الكريم، ومن أهم مؤلفاته الأخرى: جمال العالم جواهر العلوم ميزان الجواهر النظام والإسلام نظام العالم والأمم التاج المرصع الزهرة في نظام العالم والأمم نهضة الأمة وحياتها الفرائد الجوهرية في الطرف النحوية الحكمة والحكماء جوهر التقوى الرسالة القازانية مذكرات أدبيات اللغة العربية أين الإنسان صدى
صوت المصريين في أوربا رسالة تعدد الزوجات رسالة الموسيقى سوانح الجوهري ملخص كتاب فلنون جواهر الإنشاء نظم ملخص كتاب أدب الدنيا والدين رسالة الهلال أصل العالم ملخص كتاب حي ابن يقظان الأرواح جوهرة السفر.(2/159)
وممن تأثر بآراء محمد عبده الشيخ طنطاوي جوهري، وكان من أعلام الأزهريين في العصر الحديث، وله كثير من البحوث والمؤلفات العميقة، ومن أهمها:: تفسيره للقرآن الكريم، ومن أهم مؤلفاته الأخرى: جمال العالم جواهر العلوم ميزان الجواهر النظام والإسلام نظام العالم والأمم التاج المرصع الزهرة في نظام العالم والأمم نهضة الأمة وحياتها الفرائد الجوهرية في الطرف النحوية الحكمة والحكماء جوهر التقوى الرسالة القازانية مذكرات أدبيات اللغة العربية أين الإنسان صدى
صوت المصريين في أوربا رسالة تعدد الزوجات رسالة الموسيقى سوانح الجوهري ملخص كتاب فلنون جواهر الإنشاء نظم ملخص كتاب أدب الدنيا والدين رسالة الهلال أصل العالم ملخص كتاب حي ابن يقظان الأرواح جوهرة السفر.
وكذلك تأثر به الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر الأسبق، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ المراغي، والشيخ محمد الأحمدي الظواهري، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ ابراهيم حمروش، وغيرهم من أعلام الفكر وقادة الحركة الإسلامية في مصر والشرق العربي.
ويقول حافظ في رثاء الإمام محمد عبده، مصورا عظم النكبة فيه، ومتحدثا عن مكانة الأستاذ الإمام، وعن أثره الفكري في حياة الجيل المعاصر:
سلام على الإسلام بعد محمد
سلام على أيامه النضرات
على الدين والدنيا، على العلم والحجا
على البر والتقوى، على الحسنات
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
فأصبحت أخشى أن تطول حياتي
فوالهفي والقبر بيني وبينه
على نظرة من تلكم النظرات؟
وقفت عليه حاسر الرأس خاشعا
كأني حيال القبر في عرفات
لقد جهلوا قدر الإمام فأودعوا
تجاليده في موحش بفلاة
ولو ضرحوا بالمسجدين لأنزلوا
بخير بقاع الأرض خير رفات
تباركت! هذا الدين دين محمد
أيترك في الدنيا بغير حماة؟
تباركت! هذا عالم الشرق قد قضى
ولانت قناة الدين للغمزات
زرعت لنا زرعا فأخرج شطأه
وبنت ولما نجتن الثمرات
مددنا إلى الأعلام بعدك راحنا
فردت إلى أعطافنا صفرات
وجالت بنا تبغى سواك عيوننا
فعدن وآثرن العمى شرقات
وآذوك في ذات الاله وأنكروا
مكانك حتى سودوا الصفحات
رأيت الأذى في جانب الله لذة
ورحت ولم تهمم له بشكات
لقد كنت فيهم كوكبا في غياهب
ومعرفة في أنفس نكرات
أبنت لنا التنزيل حكما وحكمة
وفرقت بين النور والظلمات
ووفقت بين الدين والعلم والحجا
فأطلعت نورا من ثلاث جهات
وفقت «لها نوتو» و «رينان» وقفة
أمدك فيها الروح بالنفحات
وخفت مقام الله في كل موقف
فخافك أهل الشك والنزغات
ووليت شطر البيت وجهك خاليا
تناجي إله البيت في الخلوات
وكم ليلة عاندت في جوفها الكرى
ونبهت فيها صادق العزمات!
وأرصدت للباغي على دين أحمد
شباة يراع ساحر النفثات
إذا مس خذ الطرس فاض جبينه
بأسطار نور باهر اللمعات
فيا سنة مرت باعواد نعشه،
لأنت علينا أشأم السنوات
حطمت لنا سيفا وعطلت منبرا
وأذويت روضا ناضر الزهرات
وأطفات نبراسا وأشعلت أنفسا
على جمرات الحزن منطويات
مشى نعشه يختال عجبا بربه
ويخطر بين اللمس والقبلات
تكاد الدموع الجاريات تقله
وتدفعه الأنفاس مستعرات
بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة
وضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي الصين جازع
وفي «مصر» باك دائم الحسرات
وفي الشام مفجوع وفي الفبرس نادب
وفي تونس ما شئت من زفرات
بكى عالم الإسلام عالم عصره
سراج الدياجي هادم الشبهات
فلا تنصبوا للناس تمثال «عبده»
وإن كان ذكرى حكمة وثبات
فإني لأخشى أن يضلوا فيومئوا
إلى نور هذا الوجه بالسجدات
فياويح للشوري إذا جد جدها
وطاشت بها الآراء مشتجرات!
ويا ويح للفتيا إذا قيل: من لها؟
ويا ويح للخيرات والصدقات
فيا منزلا في «عين شمس» أظلني
وأرغم حسادي برغم عداتي
عليك سلام الله، مالك موحشا
عبوس المغاني، مقفر العرصات؟
لقد كنت مقصود الجوانب آهلا
تطوف بك الآمال مبتهلات
مثابة أرزاق، ومهبط حكمة
ومطلع أنوار، وكنز عظات
ويعد كذلك الأستاذ الإمام من فحول الكتاب الذين حرروا الكتابة العربية في النهضة الحديثة من قيودها القديمة، وأخذوا يرجعون بأساليبها إلى أرقى عصورها وأزهر أيامها. ولقد كان الشيخ محمد عبده من أفاضل رجال الدين، وقادة المفكرين وكان أجمل وأروع قدوة المصلحين كما كان من أشهر رجال مصر العاملين في نهضتها الحاضرة. ولد سنة 1845م بمحلة نصر، إحدى قرى مركز شبراخيت بمديرية البحيرة. وحفظ القرآن، وتعلم مبادىء القراءة والكتابة بها ثم أرسله والده إلى معهد طنطا، فصادف عناء في فهم العلوم لعقم طريقة التعليم وقتئذ، وكاد ينكص على عقبيه، ويعود إلى قريته، ويشتعل بالفلاحة كأبيه وبقية أسرته. ولكن عناية الله قيضت له من يسر له سبيل الفهم، وحبب إليه طلب لعلم، فعاد إلى مناهل العلم نهما، وغادر معهد طنطا إلى الأزهر. وأخذ يتزود من علومه بقدر استطاعته، حتى نبه اسمه، وعرف بالذكاء والفطنة بين إخوانه. ولما قدم إلى
مصر فيلسوف الشرق، جمال الدين الأفغاني، انتظم الشيخ محمد عبده في سلك تلاميذه، واقتبس من علمه وفلسفته، ولازمه ملازمة ظله، ونال إجازة العالمية، واختير مدرسا للأدب العربي والتاريخ بدار العلوم وأستاذا للغة العربية بمدرسة الألسن، ثم اشتغل بالتحرير في الوقائع المصرية. وشبت الثورة العرابية، فكان من أبطالها، ونفى من القطر المصري بعد انتهائها، فذهب إلى سورية ثم انتقل إلى باريس. وأنشأ مع أستاذه جمال الدين صحيفة العروة الوثقي. ثم عفى عنه سنة 1888م فعاد إلى مصر، وعين قاضيا في المحاكم الأهلية، ثم كان مفتيا للديار المصرية. وبقى في منصبه مسموع الكلمة، واسع الجاه، شديد البأس، عظيم(2/160)
سلام على الإسلام بعد محمد
سلام على أيامه النضرات
على الدين والدنيا، على العلم والحجا
على البر والتقوى، على الحسنات
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
فأصبحت أخشى أن تطول حياتي
فوالهفي والقبر بيني وبينه
على نظرة من تلكم النظرات؟
وقفت عليه حاسر الرأس خاشعا
كأني حيال القبر في عرفات
لقد جهلوا قدر الإمام فأودعوا
تجاليده في موحش بفلاة
ولو ضرحوا بالمسجدين لأنزلوا
بخير بقاع الأرض خير رفات
تباركت! هذا الدين دين محمد
أيترك في الدنيا بغير حماة؟
تباركت! هذا عالم الشرق قد قضى
ولانت قناة الدين للغمزات
زرعت لنا زرعا فأخرج شطأه
وبنت ولما نجتن الثمرات
مددنا إلى الأعلام بعدك راحنا
فردت إلى أعطافنا صفرات
وجالت بنا تبغى سواك عيوننا
فعدن وآثرن العمى شرقات
وآذوك في ذات الاله وأنكروا
مكانك حتى سودوا الصفحات
رأيت الأذى في جانب الله لذة
ورحت ولم تهمم له بشكات
لقد كنت فيهم كوكبا في غياهب
ومعرفة في أنفس نكرات
أبنت لنا التنزيل حكما وحكمة
وفرقت بين النور والظلمات
ووفقت بين الدين والعلم والحجا
فأطلعت نورا من ثلاث جهات
وفقت «لها نوتو» و «رينان» وقفة
أمدك فيها الروح بالنفحات
وخفت مقام الله في كل موقف
فخافك أهل الشك والنزغات
ووليت شطر البيت وجهك خاليا
تناجي إله البيت في الخلوات
وكم ليلة عاندت في جوفها الكرى
ونبهت فيها صادق العزمات!
وأرصدت للباغي على دين أحمد
شباة يراع ساحر النفثات
إذا مس خذ الطرس فاض جبينه
بأسطار نور باهر اللمعات
فيا سنة مرت باعواد نعشه،
لأنت علينا أشأم السنوات
حطمت لنا سيفا وعطلت منبرا
وأذويت روضا ناضر الزهرات
وأطفات نبراسا وأشعلت أنفسا
على جمرات الحزن منطويات
مشى نعشه يختال عجبا بربه
ويخطر بين اللمس والقبلات
تكاد الدموع الجاريات تقله
وتدفعه الأنفاس مستعرات
بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة
وضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي الصين جازع
وفي «مصر» باك دائم الحسرات
وفي الشام مفجوع وفي الفبرس نادب
وفي تونس ما شئت من زفرات
بكى عالم الإسلام عالم عصره
سراج الدياجي هادم الشبهات
فلا تنصبوا للناس تمثال «عبده»
وإن كان ذكرى حكمة وثبات
فإني لأخشى أن يضلوا فيومئوا
إلى نور هذا الوجه بالسجدات
فياويح للشوري إذا جد جدها
وطاشت بها الآراء مشتجرات!
ويا ويح للفتيا إذا قيل: من لها؟
ويا ويح للخيرات والصدقات
فيا منزلا في «عين شمس» أظلني
وأرغم حسادي برغم عداتي
عليك سلام الله، مالك موحشا
عبوس المغاني، مقفر العرصات؟
لقد كنت مقصود الجوانب آهلا
تطوف بك الآمال مبتهلات
مثابة أرزاق، ومهبط حكمة
ومطلع أنوار، وكنز عظات
ويعد كذلك الأستاذ الإمام من فحول الكتاب الذين حرروا الكتابة العربية في النهضة الحديثة من قيودها القديمة، وأخذوا يرجعون بأساليبها إلى أرقى عصورها وأزهر أيامها. ولقد كان الشيخ محمد عبده من أفاضل رجال الدين، وقادة المفكرين وكان أجمل وأروع قدوة المصلحين كما كان من أشهر رجال مصر العاملين في نهضتها الحاضرة. ولد سنة 1845م بمحلة نصر، إحدى قرى مركز شبراخيت بمديرية البحيرة. وحفظ القرآن، وتعلم مبادىء القراءة والكتابة بها ثم أرسله والده إلى معهد طنطا، فصادف عناء في فهم العلوم لعقم طريقة التعليم وقتئذ، وكاد ينكص على عقبيه، ويعود إلى قريته، ويشتعل بالفلاحة كأبيه وبقية أسرته. ولكن عناية الله قيضت له من يسر له سبيل الفهم، وحبب إليه طلب لعلم، فعاد إلى مناهل العلم نهما، وغادر معهد طنطا إلى الأزهر. وأخذ يتزود من علومه بقدر استطاعته، حتى نبه اسمه، وعرف بالذكاء والفطنة بين إخوانه. ولما قدم إلى
مصر فيلسوف الشرق، جمال الدين الأفغاني، انتظم الشيخ محمد عبده في سلك تلاميذه، واقتبس من علمه وفلسفته، ولازمه ملازمة ظله، ونال إجازة العالمية، واختير مدرسا للأدب العربي والتاريخ بدار العلوم وأستاذا للغة العربية بمدرسة الألسن، ثم اشتغل بالتحرير في الوقائع المصرية. وشبت الثورة العرابية، فكان من أبطالها، ونفى من القطر المصري بعد انتهائها، فذهب إلى سورية ثم انتقل إلى باريس. وأنشأ مع أستاذه جمال الدين صحيفة العروة الوثقي. ثم عفى عنه سنة 1888م فعاد إلى مصر، وعين قاضيا في المحاكم الأهلية، ثم كان مفتيا للديار المصرية. وبقى في منصبه مسموع الكلمة، واسع الجاه، شديد البأس، عظيم(2/161)
سلام على الإسلام بعد محمد
سلام على أيامه النضرات
على الدين والدنيا، على العلم والحجا
على البر والتقوى، على الحسنات
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
فأصبحت أخشى أن تطول حياتي
فوالهفي والقبر بيني وبينه
على نظرة من تلكم النظرات؟
وقفت عليه حاسر الرأس خاشعا
كأني حيال القبر في عرفات
لقد جهلوا قدر الإمام فأودعوا
تجاليده في موحش بفلاة
ولو ضرحوا بالمسجدين لأنزلوا
بخير بقاع الأرض خير رفات
تباركت! هذا الدين دين محمد
أيترك في الدنيا بغير حماة؟
تباركت! هذا عالم الشرق قد قضى
ولانت قناة الدين للغمزات
زرعت لنا زرعا فأخرج شطأه
وبنت ولما نجتن الثمرات
مددنا إلى الأعلام بعدك راحنا
فردت إلى أعطافنا صفرات
وجالت بنا تبغى سواك عيوننا
فعدن وآثرن العمى شرقات
وآذوك في ذات الاله وأنكروا
مكانك حتى سودوا الصفحات
رأيت الأذى في جانب الله لذة
ورحت ولم تهمم له بشكات
لقد كنت فيهم كوكبا في غياهب
ومعرفة في أنفس نكرات
أبنت لنا التنزيل حكما وحكمة
وفرقت بين النور والظلمات
ووفقت بين الدين والعلم والحجا
فأطلعت نورا من ثلاث جهات
وفقت «لها نوتو» و «رينان» وقفة
أمدك فيها الروح بالنفحات
وخفت مقام الله في كل موقف
فخافك أهل الشك والنزغات
ووليت شطر البيت وجهك خاليا
تناجي إله البيت في الخلوات
وكم ليلة عاندت في جوفها الكرى
ونبهت فيها صادق العزمات!
وأرصدت للباغي على دين أحمد
شباة يراع ساحر النفثات
إذا مس خذ الطرس فاض جبينه
بأسطار نور باهر اللمعات
فيا سنة مرت باعواد نعشه،
لأنت علينا أشأم السنوات
حطمت لنا سيفا وعطلت منبرا
وأذويت روضا ناضر الزهرات
وأطفات نبراسا وأشعلت أنفسا
على جمرات الحزن منطويات
مشى نعشه يختال عجبا بربه
ويخطر بين اللمس والقبلات
تكاد الدموع الجاريات تقله
وتدفعه الأنفاس مستعرات
بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة
وضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي الصين جازع
وفي «مصر» باك دائم الحسرات
وفي الشام مفجوع وفي الفبرس نادب
وفي تونس ما شئت من زفرات
بكى عالم الإسلام عالم عصره
سراج الدياجي هادم الشبهات
فلا تنصبوا للناس تمثال «عبده»
وإن كان ذكرى حكمة وثبات
فإني لأخشى أن يضلوا فيومئوا
إلى نور هذا الوجه بالسجدات
فياويح للشوري إذا جد جدها
وطاشت بها الآراء مشتجرات!
ويا ويح للفتيا إذا قيل: من لها؟
ويا ويح للخيرات والصدقات
فيا منزلا في «عين شمس» أظلني
وأرغم حسادي برغم عداتي
عليك سلام الله، مالك موحشا
عبوس المغاني، مقفر العرصات؟
لقد كنت مقصود الجوانب آهلا
تطوف بك الآمال مبتهلات
مثابة أرزاق، ومهبط حكمة
ومطلع أنوار، وكنز عظات
ويعد كذلك الأستاذ الإمام من فحول الكتاب الذين حرروا الكتابة العربية في النهضة الحديثة من قيودها القديمة، وأخذوا يرجعون بأساليبها إلى أرقى عصورها وأزهر أيامها. ولقد كان الشيخ محمد عبده من أفاضل رجال الدين، وقادة المفكرين وكان أجمل وأروع قدوة المصلحين كما كان من أشهر رجال مصر العاملين في نهضتها الحاضرة. ولد سنة 1845م بمحلة نصر، إحدى قرى مركز شبراخيت بمديرية البحيرة. وحفظ القرآن، وتعلم مبادىء القراءة والكتابة بها ثم أرسله والده إلى معهد طنطا، فصادف عناء في فهم العلوم لعقم طريقة التعليم وقتئذ، وكاد ينكص على عقبيه، ويعود إلى قريته، ويشتعل بالفلاحة كأبيه وبقية أسرته. ولكن عناية الله قيضت له من يسر له سبيل الفهم، وحبب إليه طلب لعلم، فعاد إلى مناهل العلم نهما، وغادر معهد طنطا إلى الأزهر. وأخذ يتزود من علومه بقدر استطاعته، حتى نبه اسمه، وعرف بالذكاء والفطنة بين إخوانه. ولما قدم إلى
مصر فيلسوف الشرق، جمال الدين الأفغاني، انتظم الشيخ محمد عبده في سلك تلاميذه، واقتبس من علمه وفلسفته، ولازمه ملازمة ظله، ونال إجازة العالمية، واختير مدرسا للأدب العربي والتاريخ بدار العلوم وأستاذا للغة العربية بمدرسة الألسن، ثم اشتغل بالتحرير في الوقائع المصرية. وشبت الثورة العرابية، فكان من أبطالها، ونفى من القطر المصري بعد انتهائها، فذهب إلى سورية ثم انتقل إلى باريس. وأنشأ مع أستاذه جمال الدين صحيفة العروة الوثقي. ثم عفى عنه سنة 1888م فعاد إلى مصر، وعين قاضيا في المحاكم الأهلية، ثم كان مفتيا للديار المصرية. وبقى في منصبه مسموع الكلمة، واسع الجاه، شديد البأس، عظيم(2/162)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/163)
سلام على الإسلام بعد محمد
سلام على أيامه النضرات
على الدين والدنيا، على العلم والحجا
على البر والتقوى، على الحسنات
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
فأصبحت أخشى أن تطول حياتي
فوالهفي والقبر بيني وبينه
على نظرة من تلكم النظرات؟
وقفت عليه حاسر الرأس خاشعا
كأني حيال القبر في عرفات
لقد جهلوا قدر الإمام فأودعوا
تجاليده في موحش بفلاة
ولو ضرحوا بالمسجدين لأنزلوا
بخير بقاع الأرض خير رفات
تباركت! هذا الدين دين محمد
أيترك في الدنيا بغير حماة؟
تباركت! هذا عالم الشرق قد قضى
ولانت قناة الدين للغمزات
زرعت لنا زرعا فأخرج شطأه
وبنت ولما نجتن الثمرات
مددنا إلى الأعلام بعدك راحنا
فردت إلى أعطافنا صفرات
وجالت بنا تبغى سواك عيوننا
فعدن وآثرن العمى شرقات
وآذوك في ذات الاله وأنكروا
مكانك حتى سودوا الصفحات
رأيت الأذى في جانب الله لذة
ورحت ولم تهمم له بشكات
لقد كنت فيهم كوكبا في غياهب
ومعرفة في أنفس نكرات
أبنت لنا التنزيل حكما وحكمة
وفرقت بين النور والظلمات
ووفقت بين الدين والعلم والحجا
فأطلعت نورا من ثلاث جهات
وفقت «لها نوتو» و «رينان» وقفة
أمدك فيها الروح بالنفحات
وخفت مقام الله في كل موقف
فخافك أهل الشك والنزغات
ووليت شطر البيت وجهك خاليا
تناجي إله البيت في الخلوات
وكم ليلة عاندت في جوفها الكرى
ونبهت فيها صادق العزمات!
وأرصدت للباغي على دين أحمد
شباة يراع ساحر النفثات
إذا مس خذ الطرس فاض جبينه
بأسطار نور باهر اللمعات
فيا سنة مرت باعواد نعشه،
لأنت علينا أشأم السنوات
حطمت لنا سيفا وعطلت منبرا
وأذويت روضا ناضر الزهرات
وأطفات نبراسا وأشعلت أنفسا
على جمرات الحزن منطويات
مشى نعشه يختال عجبا بربه
ويخطر بين اللمس والقبلات
تكاد الدموع الجاريات تقله
وتدفعه الأنفاس مستعرات
بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة
وضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي الصين جازع
وفي «مصر» باك دائم الحسرات
وفي الشام مفجوع وفي الفبرس نادب
وفي تونس ما شئت من زفرات
بكى عالم الإسلام عالم عصره
سراج الدياجي هادم الشبهات
فلا تنصبوا للناس تمثال «عبده»
وإن كان ذكرى حكمة وثبات
فإني لأخشى أن يضلوا فيومئوا
إلى نور هذا الوجه بالسجدات
فياويح للشوري إذا جد جدها
وطاشت بها الآراء مشتجرات!
ويا ويح للفتيا إذا قيل: من لها؟
ويا ويح للخيرات والصدقات
فيا منزلا في «عين شمس» أظلني
وأرغم حسادي برغم عداتي
عليك سلام الله، مالك موحشا
عبوس المغاني، مقفر العرصات؟
لقد كنت مقصود الجوانب آهلا
تطوف بك الآمال مبتهلات
مثابة أرزاق، ومهبط حكمة
ومطلع أنوار، وكنز عظات
ويعد كذلك الأستاذ الإمام من فحول الكتاب الذين حرروا الكتابة العربية في النهضة الحديثة من قيودها القديمة، وأخذوا يرجعون بأساليبها إلى أرقى عصورها وأزهر أيامها. ولقد كان الشيخ محمد عبده من أفاضل رجال الدين، وقادة المفكرين وكان أجمل وأروع قدوة المصلحين كما كان من أشهر رجال مصر العاملين في نهضتها الحاضرة. ولد سنة 1845م بمحلة نصر، إحدى قرى مركز شبراخيت بمديرية البحيرة. وحفظ القرآن، وتعلم مبادىء القراءة والكتابة بها ثم أرسله والده إلى معهد طنطا، فصادف عناء في فهم العلوم لعقم طريقة التعليم وقتئذ، وكاد ينكص على عقبيه، ويعود إلى قريته، ويشتعل بالفلاحة كأبيه وبقية أسرته. ولكن عناية الله قيضت له من يسر له سبيل الفهم، وحبب إليه طلب لعلم، فعاد إلى مناهل العلم نهما، وغادر معهد طنطا إلى الأزهر. وأخذ يتزود من علومه بقدر استطاعته، حتى نبه اسمه، وعرف بالذكاء والفطنة بين إخوانه. ولما قدم إلى
مصر فيلسوف الشرق، جمال الدين الأفغاني، انتظم الشيخ محمد عبده في سلك تلاميذه، واقتبس من علمه وفلسفته، ولازمه ملازمة ظله، ونال إجازة العالمية، واختير مدرسا للأدب العربي والتاريخ بدار العلوم وأستاذا للغة العربية بمدرسة الألسن، ثم اشتغل بالتحرير في الوقائع المصرية. وشبت الثورة العرابية، فكان من أبطالها، ونفى من القطر المصري بعد انتهائها، فذهب إلى سورية ثم انتقل إلى باريس. وأنشأ مع أستاذه جمال الدين صحيفة العروة الوثقي. ثم عفى عنه سنة 1888م فعاد إلى مصر، وعين قاضيا في المحاكم الأهلية، ثم كان مفتيا للديار المصرية. وبقى في منصبه مسموع الكلمة، واسع الجاه، شديد البأس، عظيم
السلطان إلى أن وافته منيته سنة 1905م فاهتز العالم الإسلامي لوفاته، وفقد فيه الرائد المصلح، والشجاع الأبي، والمناضل المكافح، والمشعل الذي أضاء دياجي الظلمات، والسيف الذي روع الاستعمار.
61876 - بعوث الأزهر العلمية
اتصل الأزهر بأوربا التي كان يجتويها وينظر إلى علومها نظرة المعجب لا المصدق والمتفرج لا المتأثر، والمشاهد الذي تدركه الغيبوبة في أثناء شهوده من الدهشة والغرابة، ففي سنة 1826شهدت باريس وشهد الباريسيون الأزهريين في صفوف بعثات محمد علي، وفي سنة 1828شهد السربون حفلا عاما من علماء فرنسا وعظمائها يستمعون إلى الأزهريين في امتحانهم، ويعجبون باجابتهم ويصفقون لهم تنويها بهذا الاعجاب وأثبت الأزهريون عند هذا الامتحان للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث أن الإسلام دين علم، وأنه لين هين لا يستعصى على نزعات الفكر، إنما يستعصى على نزعات الشيطان تزجي اليه باسم العلم وباسم الدين نعم، كان المرحوم رفاعة الطهطاوي إمام بعثات القرن التاسع عشر، وكانت وظيفته أن يصلي بالمسلمين من أفرادها، وأن يذكرهم إذا نسوا. وأن يتخولهم بالموعظة ليوقظ فيهم إلى جانب حاسة عرفان العلم، إحساس وجدان
الفضيلة، وما لبث رفاعة الأزهري أن كان إمام البعثات في العلم، ومبرزهم في العمل، وسابقهم في الفضل، ولم تمض سنتان على عمله الذي اختطه لنفسه حتى كتب وترجم ونقل من الشمال إلى اليمين، ما كان قد نقل من اليمين إلى الشمال، فكان فيما كتب ونقل موفقا كل التوفيق ومسددا كل السداد.(2/164)
اتصل الأزهر بأوربا التي كان يجتويها وينظر إلى علومها نظرة المعجب لا المصدق والمتفرج لا المتأثر، والمشاهد الذي تدركه الغيبوبة في أثناء شهوده من الدهشة والغرابة، ففي سنة 1826شهدت باريس وشهد الباريسيون الأزهريين في صفوف بعثات محمد علي، وفي سنة 1828شهد السربون حفلا عاما من علماء فرنسا وعظمائها يستمعون إلى الأزهريين في امتحانهم، ويعجبون باجابتهم ويصفقون لهم تنويها بهذا الاعجاب وأثبت الأزهريون عند هذا الامتحان للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث أن الإسلام دين علم، وأنه لين هين لا يستعصى على نزعات الفكر، إنما يستعصى على نزعات الشيطان تزجي اليه باسم العلم وباسم الدين نعم، كان المرحوم رفاعة الطهطاوي إمام بعثات القرن التاسع عشر، وكانت وظيفته أن يصلي بالمسلمين من أفرادها، وأن يذكرهم إذا نسوا. وأن يتخولهم بالموعظة ليوقظ فيهم إلى جانب حاسة عرفان العلم، إحساس وجدان
الفضيلة، وما لبث رفاعة الأزهري أن كان إمام البعثات في العلم، ومبرزهم في العمل، وسابقهم في الفضل، ولم تمض سنتان على عمله الذي اختطه لنفسه حتى كتب وترجم ونقل من الشمال إلى اليمين، ما كان قد نقل من اليمين إلى الشمال، فكان فيما كتب ونقل موفقا كل التوفيق ومسددا كل السداد.
رجع رفاعة إلى مصر فاكب وتلاميذه «تلاميذ مدرسة الألسن» على الترجمة والتأليف في السياسة والاجتماع والادب والجغرافيا والتاريخ حتى كان أول من بني قنطرة فوق الهوة التي كانت تفصل الأزهر، بل الشرق كله، عن أوربا. ورفاعة في كل أولئك لم ينس منبته ولا نشأته ولا أزهريته، فإذا كتب في تاريخ فرنسا، كتب إلى جانبه في تاريخ العرب وفي تاريخ مصر، وكأنه يقول «لكم تاريخكم ولنا تاريخنا، ولكم تراثكم ولنا تراثنا، وإذا أخذنا فلكي نزيد شخصيتنا لا لنقلل منها» وإذا كتب في جغرافية «ملطبورن» نوره بذكر ياقوت الحموي وأبان عن معجمه، وإذا تحدث عن المرأة قال: إن الإسلام لم يظلمها وإنما ظلمها أهلوها وإن تعاليم الإسلام لم تعد عليها وإنما عدت عليها اعتبارات وضعية من العادات والتقاليد.
وضرب رفاعة بهذا الاتجاه الجديد المثل الأعلى لمن يريد أن يوفق بين ماضيه وحاضره، واتخذ لمقياس التقدم وحدة الزمن الثلاثة التي تبتدىء بالماضي، وتتطلع إلى المستقبل، وتتخذ من الحاضر وصلة ما بينهما.
ومنذ أكثر من قرن أكب المستشرقون على دراسة الإسلام وعلوم الإسلام فبحثوا وأفادوا، وما يفيد الأزهر أن يقف أمام المتطرف من هذه البحوث موقف الصاخب مكتفيا بما ينقل إليه عنهم إن بالحق وإن بالباطل، بل يجب عليه أن يتصل بهم، وأن ينازلهم في ميدانهم، وأن يقارعهم بأسلحتهم حجة بحجة ودليلا بدليل وسيسمع الأزهر عن هؤلاء المستشرقين دروس المل والنحل، الغريب منها عن الإسلام، والمشتق منها من تعاليمه وآياته، والمناسب منها مع عقلية العرب المسلمين، وما أجبروا عليه إجبارا بلا مسوغ ولا تقدير. سيسمع الأزهر عن قرب وباتصال مباشر كيف تسربت
الفلسفة إلى المسلمين، وكيف أساغوا ما أساغوا منها، ورفضوا منها ما رفضوا، وسيسمع عن تطور القراءات القرآنية وعلاقتها باللغة العربية وبلهجات العرب، وسيدهش أبناء الأزهر إذ يرون أن كل هذه العلوم مبوبة مفصلة، سهلة لا تستعصى على قارىء ولا تحتجب وراء أساليب تقرأ لتفهم هي لا مدلولاتها.(2/165)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/166)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/167)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/168)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(2/169)
وكان التدريس بالأزهر يجري على مذهب الشيعة يومئذ، وكان في أول الأمر من المحظور أن يدرس غير ذلك، ولهذا قبض على رجل وجد
عنده كتاب الموطأ للإمام مالك، فحبس وجلد في سنة 381هـ في عهد العزيز بالله. وفي أواخر الدولة الفاطمية كادت تكون الدراسة في الأزهر حرة، ولكن لم يعرف بالضبط أسماء الكتب التي كانت تدرس في ذلك العصر.
وممن تولى التدريس بالأزهر، في العصر الفاطمي، الأساتذة بنو النعمان قضاة مصر، فكان القاضي أبو الحسن علي بن النعمان أول من درس بالأزهر، وتوفي سنة 374هـ، ودرس بالأزهر أخوه القاضي محمد بن النعمان وتوفي سنة 389هـ، ثم ولده الحسن بن النعمان قاضي الحاكم بامر الله، والمؤرخ الحسن بن زولاق المتوفى سنة 378هـ والمسبحي المتوفى سنة 420هـ وكان من أعلام التفكير والأدب والفلك والتاريخ، وأبو عبد الله القضاعي، وهو محمد بن سلامة بن جعفر المتوفى سنة 454هـ والحوفي النحوي، وهو أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد المتوفى سنة 430هـ وأبو العباس أحمد بن هاشم المصري المتوفى سنة 454هـ، وابن بابشاذ النحوي، وهو أبو الحسن طاهر بن أحمد المصري المعروف بابن بابشاذ المتوفى سنة 469هـ وأبو عبد الله محمد بن بركات النحوي تلميذ القضاعي المتوفى سنة 530هـ.
ولا شك أنه قد اشتهر من أولئك الأئمة من صنف الكتب الكبيرة، والمراجع العظيمة في العلوم الدينية والعربية، التي كانت تدرس في الأزهر، كالعلامة أبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي إمام العربية والنحو وصاحب كتاب إعراب القرآن، وابن بابشاذ النحوي صاحب كتاب المقدمة وشرح الجمل، وابن القطاع اللغوي صاحب كتاب الأفعال، وأبي محمد عبد الله بن بري المصري إمام اللغة في عصره، وغيرهم ممن انتهت اليهم الرياسة في هذا العصر، واعتبرت مصنفاتهم متونا ومراجع.
وفي أواخر القرن السادس أي بعد ذهاب الدولة الفاطمية، وقيام الدولة الأيوبية نرى الأزهر جامعة حرة تدرس فيها العلوم العقلية أو العلوم
المدنية إلى جانب العلوم الدينية بصورة منتظمة. فمثلا نرى بين أساتذة الأزهر في هذه الفترة العلامة عبد اللطيف البغدادي يدرس الطب والفلسفة والمنطق مدى حين (1).(2/170)
وفي أواخر القرن السادس أي بعد ذهاب الدولة الفاطمية، وقيام الدولة الأيوبية نرى الأزهر جامعة حرة تدرس فيها العلوم العقلية أو العلوم
المدنية إلى جانب العلوم الدينية بصورة منتظمة. فمثلا نرى بين أساتذة الأزهر في هذه الفترة العلامة عبد اللطيف البغدادي يدرس الطب والفلسفة والمنطق مدى حين (1).
بيد أنه لا ريب أن صفة الأزهر الدينية كانت وما زالت تغلب على كل صفة أخرى، وأن علوم الدين كانت وما زالت خلال العصور تحتل المقام الأول.
وهذه خاصة لم ينفرد بها الأزهر في العصور الوسطى. ذلك أن الحركة العقلية كانت خلال هذه العصور ترتبط في جميع الأمم بالدين أشد ارتباط، وكانت الأديرة مراكز الدراسة في أوروبا والأحبار هم قادة الفكر.
بيد أنه لما تقدمت الحركة الفكرية، وتسربت النظريات الفلسفية إلى تعاليم الكنيسة، أخذت سيطرة الدين على حركة التعليم تضعف شيئا فشيئا.
ولم تلبث الجامعة الأوروبية أن نشأت منذ القرن الثاني عشر ثم أخذت تقوى ويشتد ساعدها وتسير نحو استقلالها، واضطرت الكنيسة أن تناصر هذا الاستقلال، طالما كان بعيدا عن الاصطدام بتعاليمها وتقاليدها، وذلك خوفا من أن يقع التعليم تحت سيطرة أمير أو حاكم مطلق يوجهه نحو خصومتها. ولم يأت ختام العصور الوسطى حتى كانت الجامعة الأوروبية قد حققت استقلالها العلمي، وأخذت تسير نحو النور والحقيقة، بعيدة عن المؤثرات الدينية والسياسية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وقد كان التعليم الجامعي يميل منذ البداية نحو التخصص، وكانت الدراسة تجرى تقريبا على نفس الأساليب التي كانت تتبع في الأزهر وباقي المعاهد الإسلامية من الاستيعاب والتخصص، مثال ذلك جامعة بولونيا التي اشتهرت في القرن الثاني عشر بتوفر أساتذتها وطلبتها على دراسة القانون الروماني ووضع حواشيه الشهيرة.
__________
(1) ترجمة عبد اللطيف البغدادي في «مناقب الاطباء» لابن أبي صبيعة فيما يرويه عبد اللطيف عن نفسه، ونفس هذه الترجمة في كتاب «الافادة والاعتبار» لعبد اللطيف.(2/171)
وقد وفد إلى مصر عقب انتهاء الدولة الفاطمية أبو القاسم الرعيني الشاطبي الضرير، المقرىء الشهير المتوفى سنة 590هـ وهو صاحب حرز الأمانى ووجه التهاني الذي ما زال إلى اليوم من أهم متون التجويد والقراءات.
ويظهر من عناية الخلفاء الفاطميين بالعلوم الرياضية والفلكية والطبية والجغرافية أن تلك العلوم لا بد أن تكون قد درست في الأزهر في زمانهم، كما كانت تدرس في دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة 395هـ (1005م).
وقد كان الأزهر في زمن الفاطميين موئل الثقافة الدينية، وكان له الأثر الواضح في تنمية الحياة العقلية والفكرية وتخريج علماء الدين واللغة، ولكنه لم يكن له أثر في توجيه الحياة السياسية في ذلك العصر، مثل ما ظهر له ظهورا جليا في الدولة المصرية بعد ذلك.
ولما انقرضت دولة الفاطميين سنة 567هـ واستولى صلاح الدين بن يوسف الايوبي على ملك مصر، أنشأ بالقاهرة مدرسة للفقهاء الشافعية، وأخرى للفقهاء الماليكية، ونحي قضاة مصر الشيعة كلهم، وابتنى خلفاؤه من بعده المدارس المتنوعة والتي خصصت كل مدرسة منها بتدريس علوم خاصة، وتحولت الحركة والنشاط العلمي في الأزهر إلى تلك المدارس، وإن لم تنقطع الدراسة فيه، كما أسلفنا.
وفي زمن الظاهر بيبرس البندقداري من ملوك الجراكسة سنة 665هـ أعاد للأزهر حياته العلمية والدينية. وأول ما درس به من مذاهب أهل السنة مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ثم أدخلت اليه المذاهب الأخرى تباعا.
واتجهت العناية الكبرى حينئذ لا تقان تدريس العلوم الدينية بوجه خاص، وتسابقت همم الفحول في إتقان آلاتها، من نحو وصرف وبلاغة، فنبغ بمصر أئمة أعلام يفتخر بهم اليوم العالم الإسلامي أجمع، كالإمام عز
الدين بن عبد السلام، والإمام السبكي وأبنائه، والشهاب القرافي، وابن هشام، والسراج البلقيني، وجلال الدين السيوطي، وغيرهم من المصريين، وإبراهيم بن عيسى الاندلسي، وعز الدين عمر بن عبد الله عمر القدسي، والإمام الاصبهاني، والإمام الزيلعي، وابن الحاج محمد العبدري الفاسي، وأبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي، وتاج الدين التبريزي، والحافظ العراقي، والحافظ بن حجر العسقلاني، وعلاء الدين الحموي، والرضى الشاطبي، ومحمد بن محمد البغدادي، وشيخ الإسلام زكريا الانصاري، وقاسم بن محمد التونسي، وغيرهم من الذين رحلوا من أقاصي الأرض لمصر لتعلم العلم بالأزهر.(2/172)
واتجهت العناية الكبرى حينئذ لا تقان تدريس العلوم الدينية بوجه خاص، وتسابقت همم الفحول في إتقان آلاتها، من نحو وصرف وبلاغة، فنبغ بمصر أئمة أعلام يفتخر بهم اليوم العالم الإسلامي أجمع، كالإمام عز
الدين بن عبد السلام، والإمام السبكي وأبنائه، والشهاب القرافي، وابن هشام، والسراج البلقيني، وجلال الدين السيوطي، وغيرهم من المصريين، وإبراهيم بن عيسى الاندلسي، وعز الدين عمر بن عبد الله عمر القدسي، والإمام الاصبهاني، والإمام الزيلعي، وابن الحاج محمد العبدري الفاسي، وأبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي، وتاج الدين التبريزي، والحافظ العراقي، والحافظ بن حجر العسقلاني، وعلاء الدين الحموي، والرضى الشاطبي، ومحمد بن محمد البغدادي، وشيخ الإسلام زكريا الانصاري، وقاسم بن محمد التونسي، وغيرهم من الذين رحلوا من أقاصي الأرض لمصر لتعلم العلم بالأزهر.
وكانت العلوم العقلية من رياضية وغيرها تدرس أيضا، ولسكن المشتغلين بها كانوا نززا من الطلبة.
وفي أواخر القرن التاسع الهجري أصاب الأزهر ما أصاب المعاهد الأخرى من الذبول والركود، وفقدت مصر استقلالها سنة 922هـ (سنة 1517م) فتقلص ظل النشاط والازدهار العلمي، وانصرف كثير عن العلوم العقلية والفلسفية والرياضية والجغرافية، وأخذ القول بحرمتها يتسرب شيئا فشيئا حتى تركت هذه العلوم من الأزهر، وبقيت مهجورة ينظر اليها نظرة السخط، حتى صدرت فتوى من شيخ الأزهر الشيخ الإنبابي والشيخ محمد البنا مفتي مصر بجواز تعلمها، وعدم حرمة تدريسها.
ولا يفوتنا أن ننبه إلى أنه كان من العلماء في عهد ركود الأزهر وجموده من يعرف كثيرا من العلوم العقلية والطبية وغيرها زيادة على العلوم الدينية والعربية، وهؤلاء لا يحصون، نذكر منهم على سبيل المثال: الشيخ أحمد عبد المنعم الدمنهوري شيخ الأزهر المتوفى سنة 1192هـ فقد جاء في سند إجازته ما ملخصه: أنه تلقى في الأزهر العلوم الآتية وله تآليف في كثير منها، وهي: الحساب، والميقات، والجبر، والمنحرفات، وأسباب الأمراض وعلاماتها، وعلم الأسطرلاب والزيج، والهندسة، والهيئة، وعلم الأرتماطيقي، وعلم المزاول، وعلم الأعمال الرصدية، وعلم المواليد
الثلاثة، وهي الحيوان والنبات والمعادن، وعلم استنباط المياه، وعلاج البواسير، وعلم التشريح، وعلاج لسع العقرب، وتاريخ العرب والعجم.(2/173)
ولا يفوتنا أن ننبه إلى أنه كان من العلماء في عهد ركود الأزهر وجموده من يعرف كثيرا من العلوم العقلية والطبية وغيرها زيادة على العلوم الدينية والعربية، وهؤلاء لا يحصون، نذكر منهم على سبيل المثال: الشيخ أحمد عبد المنعم الدمنهوري شيخ الأزهر المتوفى سنة 1192هـ فقد جاء في سند إجازته ما ملخصه: أنه تلقى في الأزهر العلوم الآتية وله تآليف في كثير منها، وهي: الحساب، والميقات، والجبر، والمنحرفات، وأسباب الأمراض وعلاماتها، وعلم الأسطرلاب والزيج، والهندسة، والهيئة، وعلم الأرتماطيقي، وعلم المزاول، وعلم الأعمال الرصدية، وعلم المواليد
الثلاثة، وهي الحيوان والنبات والمعادن، وعلم استنباط المياه، وعلاج البواسير، وعلم التشريح، وعلاج لسع العقرب، وتاريخ العرب والعجم.
ومما لا ريب فيه أن العلوم الدينية والعربية كان لها الشأن الأول من العلوم نسبيا، وما عداها من العلوم كالحكمة الفلسفية والتصوف لم يكن يدرس في الأزهر ولا بين جماهيره، ولكن كان له دراسة خاصة في المنازل، أو الأروقة التابعة للأزهر.
ويحسن أن نثبت هنا وثيقة رسمية لمشيخة الأزهر وضعتها بناء على طلب الحكومة لتبعث بها إلى لجنة معرض باريس، وذلك في عهد الخديوي إسماعيل سنة 1282هـ (1864م).
وقد جاء في هذه الوثيقة أن المواد التي كانت تدرس بالأزهر في تلك العهد هي: الفقه، الأصول، التفسير، الحديث، التوحيد، النحو، الصرف، المعاني والبيان والبديع، متن اللغة، العروض والقافية، الحكمة الفلسفية، والتصوف، المنطق، الحساب، الجبر والمقابلة، الفلك والهيئة.
وزادت المشيخة على ذلك أنه يقرأ في الأزهر، فضلا عن هذه المواد المتداولة، بعض مواد أخرى كالهندسة والتاريخ والموسيقى وغيرها لمن لهم اقتدار على دراستها، بيد أنه لا يشتغل بدراستها سوى القليل.
الدراسة في 61878 الأزهر قبل النظام
منذ أصبح الأزهر مدرسة جامعة، كان يسير على نظام سهل يكاد يكون فطريا، أساسه التقوى، وقوامه احترام الدين وأهله. وكان شيخ الجامع الأزهر المرجع الأعلى لمن كان فيه من أصغر طالب إلى أكبر عالم، كلمته هي العليا، وإشارته حكم لا يتخطاه واحد منهم، يوزع الأحباس والهبات، ويجيز العلماء والمدرسين، وكان إذا أشكل عليه أمر استشار فيه أكابر العلماء.
كان الطالب يدخل الأزهر مختارا بلا قيد ولا شرط، ويختلف إلى من
أراد من العلماء لتلقي العلم عنه، ويبقى فيه ما شاء أن يقيم، فاذا آنس من نفسه علما كافيا، وملكة يتمكن بها من إفادة غيره، استأذن أساتذته، وجلس للتدريس حيث يجد مكانا خاليا، وعرض نفسه على الطلبة، فكانوا إذا لم يجدوا فيه الكفاية للإفادة انفضوا من حوله، وإذا وجدوه على علم وثقوا به، واستمروا على تلقي العلم عنه، وحينئذ يجيزه شيخ الأزهر إجازة.(2/174)
كان الطالب يدخل الأزهر مختارا بلا قيد ولا شرط، ويختلف إلى من
أراد من العلماء لتلقي العلم عنه، ويبقى فيه ما شاء أن يقيم، فاذا آنس من نفسه علما كافيا، وملكة يتمكن بها من إفادة غيره، استأذن أساتذته، وجلس للتدريس حيث يجد مكانا خاليا، وعرض نفسه على الطلبة، فكانوا إذا لم يجدوا فيه الكفاية للإفادة انفضوا من حوله، وإذا وجدوه على علم وثقوا به، واستمروا على تلقي العلم عنه، وحينئذ يجيزه شيخ الأزهر إجازة.
ولما كان أساس التعليم فيه دينيا ابتداء على الطريقة التي كان السلف يدرسون عليها الدين، وعلومه، فكانت الدروس تعقد به حلقات، يتصدر كل حلقة أستاذها، وقد يجلس على كرسي ليتمكن من إسماع طلبته الكثيرين.
وكان عماد الدراسة إذ ذاك النقاش والحوار بين الطلبة وأساتذتهم بما يثقف العقل وينمي ملكة الفهم، وظلوا على ذلك مدة طويلة إلى أن أقتضى الحال وضع قوانين خاصة للأزهر وطلبته وعلمائه وإدارته والدراسة فيه.
قوانين 61879 الأزهر
أول قانون وضع للأزهر في عهد إسماعيل والى مصر الأسبق سنة 1288هـ سنة 1872م، وكان شيخ الأزهر وقتئذ الشيخ محمد المهدي العباسي.
وقد نظم هذا القانون طريقة نيل شهادة العالمية، وبين مواد امتحانها، وقسم الناجحين فيها إلى ثلاث درجات: (أولى، وثانية، وثالثة)، على أن تصدر بذلك براءة ملكية بتوقيع ولي الامر، والمواد التي بينها ذلك القانون والتي يدرسها الطلبة ويمتحنون فيها هي: الأصول، الفقه، التوحيد، الحديث، التفسير، النحو، الصرف، المعاني، البيان، والبديع، المنطق.
ولكن مما يؤسف له أن هذا القانون لم يستطع أن ينهض بالأزهر النهضة المرغوبة، ولم يتجاوز بمواد الامتحان لنيل شهادة العالمية «الاحد
عشر علما (1)»، مما يدل على جمود الحركة العلمية، وفتور النشاط فيه.(2/175)
ولكن مما يؤسف له أن هذا القانون لم يستطع أن ينهض بالأزهر النهضة المرغوبة، ولم يتجاوز بمواد الامتحان لنيل شهادة العالمية «الاحد
عشر علما (1)»، مما يدل على جمود الحركة العلمية، وفتور النشاط فيه.
وحدث بعد ذلك أن عين المرحوم الشيخ حسونة النواوي شيخا للأزهر. وكان الشيخ محمد عبده رحمه الله عضده وساعده، فتعاونا على إنهاض الأزهر من كبوته، وفي ذلك الحين وضع القانون الصادر بتاريخ 20 المحرم سنة 1314هـ 1896م.
وقد لحظ واضعو هذا القانون من وجوه الاصلاح مارأوه كفيلا بإنهاض الأزهر، فأدخلوا فيه مواد جديدة هي: الاخلاق، مصطلح الحديث، الحساب، الجبر، العروض والقافية، وجعل التاريخ الإسلامي، والإنشاء، ومتن اللغة، ومبادىء الهندسة، وتقويم البلدان وغيرها من مواد يفضل محصلها على غيره، ويقدم عليه، وفك التقيد بكتب دون أخرى، وحرم قراءة الحواشي في السنوات الأربع الاولى، وحرم التقارير التي على الحواشي، وبذلك نهض الأزهر نهضة مباركة، لو ظلت على حالها ولم تناهضها الاحداث لكان لها في تاريخ الأزهر شأن يذكر، ولكنها كانت كلسان الشمعة أضاء حينا ثم انطفأ. فقد انفرط عقد النظام، وانهارت النهضة العلمية بخروج الشيخ محمد عبده من مجلس إدارة الأزهر ووفاته سنة 1905م.
وما زالت تتوالى على الأزهر القوانين والأنظمة واللوائح حتى سنة 1329هـ (1911م) ولم تكن في تلك القوانين واللوائح ما يمس جوهر المواد الدراسية، وإنما يتناول تنظيم بعض الحالات الداخلية في الأزهر، كحضور الطلاب، وصرف المرتبات، ومنح كساوي التشريفات من ولي الأمر، وتعيين بعض المدرسين لدراسة الحساب والجبر والهندسة والجغرافيا والخط وغير ذلك.
__________
(1) كان لفط «الاحد عشر علما» هو اللقب الشائع لذلك القانون في عهده(2/176)
قانون رقم 10سنة 1911م:
يعتبر القانون رقم 10سنة 1911م من أهم قوانين الأزهر في ذلك العهد، حيث تناول الدراسة، وجعلها مراحل، وجعل لكل مرحلة نظاما وعلوما، وزاد في مواد الدراسة، وحدد اختصاص شيخ الجامع الأزهر، وأنشأ هيئة تشرف على الأزهر تحت رئاسة شيخه تسمى مجلس الأزهر الأعلى، وأوجد هيئة كبار العلماء وجعل لها نظاما خاصا، وأن يكون لكل مذهب من المذاهب الأربعة التي تدرس في الأزهر شيخ، ولكل معهد من المعاهد مجلس إدارة، وجعل للموظفين نظاما في التعيين والترقية والتأديب والاجازات، وللطلاب شروطا في القبول، وحدودا للعقوبات والمسامحات ونظم الامتحانات والشهادات (1).
ونستطيع أن نبين بإيجاز الظروف والأحوال التي مرت فيها هذه القوانين، والثمرات التي جناها الأزهر منها. والمآخذ التي أخذت عليها، إلى أن وضع قانون سنة 1930م المعدل بقانون سنة 1936م.
أشرنا فيما سبق أن قانون سنة 1288قد وضع حدا للفوضى والارتباك الذي تورط فيه الأزهر في ذلك الحين. ولكنه لم يستطع أن ينهض به إلى الغاية التي يرنو إليها محبو الإصلاح، ولم ينقله من جموده الذي استولى عليه، فبقى التعليم فيه كما كان مقصورا على العلوم الدينية والعربية وقليل من الهيئة والميقات والحساب للحاجة إليها في مواقيت الصلات والمواريث.
ولم يتأثر الأزهر ولا مناهج الدراسة فيه بالنهضة العلمية التي بعثها محمد
__________
(1) وقد وضع هذا القانون لجنة مؤلفة من فتحي زغلول باشا، وعبد الخالق ثروت باشا، واسماعيل صدقي باشا، على أثر ثورة إصلاحية قام بها طلاب الأزهر، وساعدهم على ذلك بعض العلماء في ذلك العهد. ولم يقبل أولو الأمر منهم في مبدأ الحركة مطالبهم التي يعبرون فيها عن آلامهم من النظام القائم، فلما اشتدت الحركة ورأت الحكومة ان الأمر كاد يخرج من يدها لاستغلال بعض الأحزاب هذه الحركة، ولاستقالة الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر بسبب ذلك، أصدرت امرا بتأليف اللجنة التي أشرنا اليها، ووضع القانون رقم 10لسنة 1911م.(2/177)
على الكبير في مصر، على حين أن الباشا قد وجد في أبناء الأزهر المادة الأساسية التي أقام بها دعائم نهضته.
ورغم اقتصار الأزهر على هذه المواد فإن الطلبة كانوا يقضون في تحصيلها مددا طويلة أقلها خمس عشرة سنة، ولا حد لأكثرها.
ومع أنها كانت تدرس في كتب سقيمة من المختصرات التي لا تفهم إلا بشروح وحواش وتقارير، فإن الطلبة كانوا يقدرون على الاستقلال بدراسة الكتب ويقدرون على فهمها، وكانت تنمو فيهم ملكات البحث والجدل. ولكن إذا وازنا بين الفائدة التي يجنيها الأزهر من التعليم التحاوري اللفظي والمزايا التي يفقدها من عدم عنايته بالعلوم الكونية التي لا بد منها في تطبيق الأحكام الشرعية على وجهها الصحيح، لو وازنا بين ذلك أدركنا عدم قيام الأزهر بالثقافات التي تتطلبها حاجات العصر.
كل هذا كان يبعث أهل الغيرة من رجال الأمة ورجال الحكومة على تلمس وجوه الاصلاح، ولم يكن من الميسور أن يكون إصلاح الأزهر سهلا لاعتبارات تقليدية تاريخية. ولا من الجائز أن يسلك في إصلاحه ما يسلك في تنظيم المدارس المدنية. بل كان يجب أن يتناوله الاصلاح برفق، وأن يكون بإضافة القدر الضروري من المعارف، وإصلاح طريقة التعليم، وباختيار الكتب، وبتوجيه هذه القوى الجبارة إلى جوهر العلم، وأسرار الدين، وأسرار العربية.
وهذا الذي أشرنا إليه هو الذي لاحظه واضعو قانون سنة 1896 فضمنوه من وجوه الإصلاح مارأوه كفيلا بإنهاض الأزهر، وكان من حسن الحظ أن الذي قام على تنفيذ هذا القانون مجلس إدارة يضم طائفة من العلماء خلصت نيتهم وتوافرت لديهم وسائل التنفيذ، وهم المشايخ: حسونة النواوي، محمد عبده، سليم البشري، عبد الكريم سلمان، سليمان العبد، أسبغ الله عليهم واسع رحمته ورضوانه وقد أضاف هذا القانون مواد جديدة هي: الأخلاق، مصطلح الحديث، الحساب، الجبر، العروض والقافية.(2/178)
وجعل التاريخ الإسلامي والإنشاء ومتن اللغة ومبادىء الهندسة وتقويم البلدان، وغيرها من مواد يفضل محصلها على غيره ويقدم عليه، وفك التقيد بكتب دون أخرى، وحرم قراءة الحواشي في السنوات الأربع الأولى.
وجعل من اختصاص مجلس الإدارة أن يعدل في مواد التعليم طبقا لما يراه من المصلحة.
سار الأزهر على هذا النظام عشر سنوات سيرا متئدا متزنا، لم تطغ فيه المواد الجديدة على المواد القديمة، لأنها أخذت بمقدار يناسب حال الأزهر، ونشطت دراسة العلوم الدينية والعربية بما كان يعطي للطلاب من المكافآت السنوية، وبما كان ينشر بينهم من أفكار المرحوم الشيخ محمد عبده في دروسه ومجتمعاته. وقد انفرط عقد النظام بخروج الشيخ محمد عبده من مجلس الإدارة ثم وفاته سنة 1905رضي الله عنه، كما قدمنا.
جدت بعد ذلك أحداث وفتن، وعولت الحكومة على إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي، فصدر بها قانون في سنة 1907، وشعر الأزهريون بأن الحكومة أصبحت في غنى عنهم، لأن لها مدرسة لتخريج معلمي العربية في مدارسها ومعاهدها، هي دار العلوم، ومدرسة لتخريج القضاة.
وخاف القائمون على الأزهر من تقلص ظله، ومن عدم إقبال الناس عليه، حيث لم يبق بعد ذلك للعلماء إلا وظائف الإمامة والخطابة في المساجد، ففكروا وفكر الناس معهم في إعادة تنظيم الأزهر على مثال مدرسة القضاء، ومدرسة دار العلوم، بل على مثال يوجد للدراسة مواد أكثر ومناهج أطول. وانتهى الأمر بهم إلى وضع القانون رقم 10لسنة 1911 وكثر الاقبال على الأزهر، ووجدت معاهد أخرى في عواصم المديريات، وبعض المحافظات، جرت على نهجه، وسارت عليها نظمه، حتى صار عدد الطلاب في سنة 1917م أكثر من عشرين ألفا.
وهذا القانون لم يخل من الفائدة، لأن تعلم التاريخ والجغرافيا والرياضة ومبادىء الطبيعة والكيمياء قرب طلبة الأزهر من تلاميذ المعاهد
الأخرى، وغير عقليتهم، ووسع أفقهم، وإدخال المطالعة والمحفوظات والإنشاء أوجد من أهل الأزهر عددا كبيرا من الكتاب والشعراء، ومكن لهم من القدرة على الخطابة والوعظ.(2/179)
وهذا القانون لم يخل من الفائدة، لأن تعلم التاريخ والجغرافيا والرياضة ومبادىء الطبيعة والكيمياء قرب طلبة الأزهر من تلاميذ المعاهد
الأخرى، وغير عقليتهم، ووسع أفقهم، وإدخال المطالعة والمحفوظات والإنشاء أوجد من أهل الأزهر عددا كبيرا من الكتاب والشعراء، ومكن لهم من القدرة على الخطابة والوعظ.
وهذه الفائدة التي أفادها القانون رقم 10لسنة 1911تعد ضئيلة بجانب الضرر الذي نجم عنه، فقد اضطر الطلاب ليفوزوا بالنجاح في الامتحان التحريري إلى أن يعتمدوا على الحفظ والاستظهار، واستهانت المعاهد بالامتحان الشفوي.
وقد شعر المهيمنون على التعليم في الأزهر منذ وضع ذلك القانون بأن الأزهر أخذ يفقد أهم خصائصه ومميزات تعليمه، ولم تخل تقارير المفتشين في سنة من السنوات من الشكوى من اعتماد الطلبة على الاستظهار، ومن ضعف ملكاتهم العلمية. وقد توالت على هذا القانون تعديلات آخرها التعديل الذي أدخل عليه بالقانون رقم 49لسنة 1930وهو أظهر تعديل طرأ عليه، ففي هذا القانون قسم التعليم العالي إلى ثلاث كليات: واحدة لعلم أصول الدين، وثانية لعلوم الشريعة، وثالثة لعلوم اللغة العربية، وأوجد تخصصا سمى تخصص المادة، وآخر سمي تخصص المهنة.
وقد كان الغرض من هذا تفرغ كل طائفة من التلاميذ في التعليم العالي والتخصص لطائفة من المواد الكثيرة التي كانت تدرس مجتمعة حتى يتيسر إتقان الدرس والفهم، وإتقان التحصيل. ومع هذا ظلت الشكوى قائمة، وظهر أن الداء الذي يجب أن يحسم ويستأصل هو ضعف الطلبة في القسم الثانوي بسبب كثرة المواد، وبسبب طول المناهج في بعض المواد التي لا يحتاج الطالب في الأزهر إلى طول المناهج فيها. فهذه الكثرة وهذا الطول لم يدعا وقتا لفهم الدروس وتمثيلها، ولم يدعا وقتا لطول التفكير والبحث والجدل، وتنمية ملكات العلوم والاستنباط (1)
__________
(1) كان الشيخ المراغى في آخر مشيخته الأولى وقد وضع مشروع قانون الاصلاح الأزهر، وتقدم(2/180)
القانون رقم 49لسنة 1930:
صدر هذا القانون في عهد المغفور له الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ الجامع الأزهر (19351929) وقد أنشئت بمقتضاه الكليات الثلاث القائمة الآن بالأزهر، وهي كليات اللغة العربية، وأصول الدين، والشريعة.
وقد نص فيه على جواز إنشاء كليات أخرى.
ويعد هذا القانون بحق أول خطوة رسمية في تمكين الجامع الأزهر من مسايرة التقدم العلمي والاجتماعي في العصر الحاضر، وفي تزويد طلابه بما يجب أن يحيط به رجل الدين الحديث من العلوم ومن الاتجاهات.
وقد افتتحت هذه الكليات في الأماكن التي أعدت لها مؤقتا لحين الانتهاء من الابنية الفخمة التي خصصت لها. فتم ذلك في يومين مشهودين في حياة الأزهر، هما يوما 17و 18مارس سنة 1933.
وقد جعل هذا القانون التعليم في الأزهر أربع مراحل:
1 - ابتدائي ومدته أربع سنوات، ويدرس فيه من المواد ما يلي:
الفقه، الأخلاق الدينية، التجويد، استذكار القرآن الكريم، التوحيد، السيرة النبوية، المطالعة والمحظوظات، الانشاء، النحو، الصرف، الاملاء، الخط، التاريخ، الجغرافيا، الحساب، الهندسة العملية، مبادىء العلوم، تدبير الصحة، الرسم.
2 - ثانوي ومدته خمس سنوات، وتمنح منه شهادة الثانوية قسم أول، و «شهادة الثانوية قسم ثان» ويدرس فيه من المواد ما يلي:
الفقه، التفسير، الحديث، التوحيد، استذكار القرآن الكريم، النحو،
__________
به لأولي الأمر، ولكن الظروف حالت دون النظر في ذلك المشروع فانصرف الشيخ المراغى عن مشيخة الأزهر، وتولاها الشيخ محمد الأحمدي الظواهري في اكتوبر سنة 1929م ووكل إليه النظر في مشروع قانون للجامع والمعاهد الدينية، فوضعه، واعتمد من ولي الأمر، ونفذ سنة 1931وافتتحت كليات الأزهر التي أنشئت بذلك القانون سنة 1933.(2/181)
الصرف، البلاغة (البيان والبديع والمعاني)، العروض والقافية، المطالعة والمحفوظات، الانشاء، أدب اللغة، الرياضة (الحساب والهندسة والجبر)، العلوم (الطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعي)، المنطق، التاريخ، الجغرافيا، الأخلاق، التربية الوطنية.
3 - عال ومدته أربع سنوات، وينقسم إلى ثلاث كليات:
1 - كلية اللغة العربية، ويدرس فيها من المواد ما يلي:
النحو، الوضع، الصرف، المنطق، علوم البلاغة، الآداب العربية وتاريخها، تاريخ العرب قبل الإسلام وتاريخ الأمم الإسلامية، التفسير، الحديث، الأصول، الإنشاء، فقه اللغة.
ب كلية الشريعة. ويدرس فيها من المواد ما يلي:
التفسير، الحديث متنا ورجالا ومصطلحا، أصول الفقه، تاريخ التشريع الإسلامي، الفقه مع مقارنة المذاهب في المسائل الكلية وحكمة التشريع، أدب اللغة العربية، علوم البلاغة. المنطق.
ج كلية أصول الدين. ويدرس فيها من المواد ما يلي:
التوحيد مع إيراد الحجج ودفع الشبه خصوصا الذائع في العصر منها:
المنطق والمناظرة، الفلسفة مع الرد على ما يكون منافيا للدين منها، الأخلاق، التفسير، الحديث، آداب اللغة العربية وتاريخها، تاريخ الإسلام، علم النفس، علوم البلاغة.
4 - التخصص وهو على نوعين: تخصص في المهنة، وتخصص في المادة، والغرض من التخصص في المهنة، هو إعداد علماء يقومون بمهنة الوعظ والارشاد أو الوظائف القضائية بالمحاكم الشرعية، والافتاء والمحاماة، أو التدريس في المعاهد الدينية ومدارس الحكومة.
والغرض من التخصص في المادة: إعداد علماء متفوقين في العلوم الأساسية لكل كلية من الكليات الثلاث.(2/182)
ويعين حاملو شهادة هذا القسم في وظائف التدريس بالكليات، وبأقسام التخصص وهناك علاوة على ذلك أقسام غير نظامية يسمح فيها بدخول الطلبة الذين لم تتوافر فيهم شروط القبول بالأقسام النظامية، وكذلك أفراد الجمهور للتوسع في دراسة اللغة العربية والعلوم الدينية.
قانون رقم 26لسنة 1936:
ورأى الشيخ محمد مصطفى المراغي عقب توليته شيخا للأزهر سنة 1935م أن يضع مشروع قانون لإصلاح الأزهر يفي بالأغراض التي تحقق آمال المسلمين فيه، وترجع به إلى عصوره الزاهرة من البحث العلمي السليم والتفكير الحر، ودراسه الفنون التي تتفق مع طابعه القديم. وتطابق مقتضيات العصر وتلبي مطالبه، وقد وضع ذلك المشروع، وتقدم به لولى الأمر فصدر به مرسوم بقانون تحت رقم 26لسنة 1936، وقد وضع بجانبه مذكرة إيضاحية بين فيها الأغراض التي قصد إليها في مشروعه. ونحن نثبت هنا بعض ما جاء في المذكرة في هذا الصدد:
«إننا إذ نحاول إصلاح الأزهر نريد أن نوجد طالبا يفهم مسائل العلوم فهما صحيحا، ويفهم أغراضها وصلتها بأدلتها، وصلتها بعضها ببعض، ويستطيع التطبيق على الجزئيات، ويستطيع الاستنباط والتدليل، ويستطيع فهم الكتب القديمة التي ألفت في العصور المختلفة في جميع الفنون الإسلامية.
«وإني على بغضى لأكثر الكتب التي ألفت في العصور المتأخرة، أكره من الطلاب أن يعجزوا عن فهمها. لأن فيها خيرا كثيرا، ودقائق لا يصح الجهل بها. لذلك أحب أن يستطيع الطلاب فهمها، ويقدروا على حلها.
«نعم إني لا أحب أن تدرس العلوم على هذه الكتب، بل أحب أن توجد كتب في جميع الفنون الحديثة على أسلوب عربي صحيح مناسب لأذواق الأجيال الحاضرة تهذب فيه المسائل على أحسن ما وصل إليه
التحقيق العلمي، وأن تحيا الكتب القديمة الجيدة في الأسلوب والوضع.(2/183)
«نعم إني لا أحب أن تدرس العلوم على هذه الكتب، بل أحب أن توجد كتب في جميع الفنون الحديثة على أسلوب عربي صحيح مناسب لأذواق الأجيال الحاضرة تهذب فيه المسائل على أحسن ما وصل إليه
التحقيق العلمي، وأن تحيا الكتب القديمة الجيدة في الأسلوب والوضع.
فهذا الميراث العظيم يجب أن يؤخذ كله سلسلة متصلة الحلقات.
«هذا الذي نحاوله بالتجديد يجب على ما أرى أن يضعه الناس أمامهم، وأن يجدوا للوصول إليه، وهو غاية يقل في جانبها كل جهد، ويرخص في سبيلها كل ما يبذل للوصول إليها. ولقد كان أسلافنا أشد الناس عناية بالعلم، فلم يمض الزمن القليل حتى أخذوا علم اليونان وأدب الفرس وحكمة الهند، واستعانوا بذلك كله في تفسير القرآن، وفي وضع علم الكلام على الأسس التي نراها في مثل المواقف والمقاصد، واستعانوا به في تنظيم مسائل العلوم جميعها، فلم يخل علم من أثر الفلسفة والمنطق. ولقد كانت لهم محاولات جديرة بالاعجاب في التوفيق بين الدين ونظريات الفلسفة. وقد أخذ العلم يسير في هذا العصر سيرة جديدة، وتغيرت نظريات الفلسفة وحدثت نظريات أخرى، وكان من شأن ذلك كله أن توجه على الأديان جملة، وعلى الإسلام خاصة، حملات، وصار من الواجب الحتم على علماء المسلمين أن يحيطوا علما بكل ما يوجه إلى الأديان عامة، وإلى الإسلام خاصة من مطاعن، وأن يردوا تلك المطاعن التي توجه إلى الإسلام، ويذودوا عن عقيدتهم بأدلة ناصعة، وأسلوب مقنع ممتع، ليجنبوا المتعلمين تعليما مدنيا الشبه الزائفة، وليضموا إلى الإسلام أفرادا وشعوبا من الأمم التي تتطلع إلى الإسلام، وتبتغي الوقوف على خصائصه ومزاياه. وهذا لا يتم لهم على ما ينبغي إلا بالاتصال بغيرهم اتصالا علميا وبتعرف اللغات الحية التي يكثر فيها الإنتاج العلمي، والتي يتناول بها العلماء مسائل الإسلام ومسائل اللغة العربية. لذلك وجب أن يكون لأهل الأزهر نصيب من هذه اللغات. وهناك فائدة أخرى لتعليم اللغات، وهي أنها تساعد على معرفة طريقة وضع الكتب، وعلى معرفة الاسلوب الحديث في التأليف والتفكير، وطريقة عرض المسائل على أنظار المتعلمين.
«ولا ندعى أن إصلاح القانون، وتنفيذ هذا المشروع، يحقق
الأغراض التي نرمي إليها، ويوجد الطالب الأزهري الذي نبتغيه، بل إن الذي يحقق هذه الأغراض الرغبة الصادقة في التعليم، والعزيمة القوية على احتمال الجهد والصبر لقطع مراحل التعليم في هدوء وطمأنينة، والإيمان بأن العلم عزيز يقتنى، وحلية للنفس، ومتعة للعقل، وجمال لمن يتصف به، والحرص على الإفادة والتعليم، والإيمان بأن ذلك فرض للعلم واجب لله ولرسوله وللمؤمنين، والشعور بلذة الإنفاق منه يزيد في الثروة، ويشبع نهم النفس التواقة إلى الغنى، وأن هذه الثروة خير مما هو مخزون في خزائن الأغنياء. وعند النظر في مواد التعليم لإصلاح القانون رقم 49لسنة 1930 والقانون رقم 37لسنة 1933رئى إدماجهما معا، كما رئى أيضا أن يشمل الإصلاح الأبواب الأخرى من هذين القانونين، فتم ذلك، وتألف منهما هذا المشروع».(2/184)
«ولا ندعى أن إصلاح القانون، وتنفيذ هذا المشروع، يحقق
الأغراض التي نرمي إليها، ويوجد الطالب الأزهري الذي نبتغيه، بل إن الذي يحقق هذه الأغراض الرغبة الصادقة في التعليم، والعزيمة القوية على احتمال الجهد والصبر لقطع مراحل التعليم في هدوء وطمأنينة، والإيمان بأن العلم عزيز يقتنى، وحلية للنفس، ومتعة للعقل، وجمال لمن يتصف به، والحرص على الإفادة والتعليم، والإيمان بأن ذلك فرض للعلم واجب لله ولرسوله وللمؤمنين، والشعور بلذة الإنفاق منه يزيد في الثروة، ويشبع نهم النفس التواقة إلى الغنى، وأن هذه الثروة خير مما هو مخزون في خزائن الأغنياء. وعند النظر في مواد التعليم لإصلاح القانون رقم 49لسنة 1930 والقانون رقم 37لسنة 1933رئى إدماجهما معا، كما رئى أيضا أن يشمل الإصلاح الأبواب الأخرى من هذين القانونين، فتم ذلك، وتألف منهما هذا المشروع».
الدراسة في 61880 الأزهر الحديث (1)
جعل قانون 1936التعليم في الأزهر أربع مراحل:
1 - ابتدائي ومدته أربع سنوات، ويدرس فيه من المواد ما يلي:
علوم دينية: الفقه، التوحيد، السيرة النبوية، وسيرة كبار الصحابة، تجويد القرآن الكريم.
علوم اللغة العربية: الإنشاء، النحو، الصرف، الاملاء، المطالعة، المحفوظات.
علوم أخرى: التاريخ، الجغرافيا، الرياضة، تدبير الصحة، الرسم، الخط.
2 - ثانوي ومدته خمس سنوات، ويمنح منه شهادة واحدة هي شهادة اتمام الدراسة الثانوية، ويدرس فيه من المواد ما يلي:
__________
(1) طبقا للقانون رقم 26لسنة 1936وقد أدخلت عليه فيما بعد عدة تعديلات.(2/185)
علوم دينية: الفقه، التفسير، الحديث متنا ومصطلحا، التوحيد.
علوم اللغة العربية: النحو، الصرف، البلاغة: البيان والمعاني والبديع، والإنشاء، أدب اللغة، العروض والقافية، المطالعة، والمحفوظات.
علوم أخرى: المنطق وأدب البحث، الطبيعة، الكيمياء، علم الحياة، الجغرافيا.
3 - الكليات وهي ثلاث:
كلية الشريعة وتتبعها الأقسام الآتية:
أشهادة الدراسة العالية ومدتها أربع سنوات. والمواد التي تدرس للحصول عليها:
التفسير: الحديث متنا ورجالا ومصطلحا، أصول الفقه مع حكمة للتشريع ومقارنة المذاهب في المسائل الكلية، تاريخ التشريع الإسلامي، المنطق، الفلسفة، لغة أجنبية (الانجليزية أو الفرنسية) وتدرس بصفة اختيارية.
ب شهادة العالمية مع إجازة القضاء. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية: قوانين ولوائح المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية، التوثيقات الشرعية، إجراءات وتمرينات قضائية، ودراسة القضايا ذات المبادىء، السياسة الشرعية، القانون الدولي الخاص، تاريخ القضاء والقضاة في الإسلام، النظام الدستوري للدولة، محاضرات في مبادىء الاقتصاد، محاضرات طبية، محاضرات فلكية، لغة أجنبية اختيارية، وهي التي درست في الكلية.
ج شهادة العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول. والمواد التي
يتخصص فيها للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية: الأصول الفقه مع حكمة التشريع ومقارنة المذاهب، وتاريخ التشريع الإسلامي.(2/186)
ج شهادة العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول. والمواد التي
يتخصص فيها للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية: الأصول الفقه مع حكمة التشريع ومقارنة المذاهب، وتاريخ التشريع الإسلامي.
كلية أصول الدين، وتتبعها الأقسام الآتية:
أشهادة الدراسة العالية في أصول الدين. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي:
التوحيد، التفسير، الحديث متنا ومصطلحا ورجالا، المنطق وأدب البحث، الأخلاق، الفلسفة، الأصول، التاريخ الإسلامي، علم النفس، لغة أجنبية (الانجليزية أو الفرنسية).
ب شهادة العالمية مع الإجازة في الدعوة والإرشاد. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي:
القرآن الكريم وعلومه، الحديث الشريف وعلومه، الدعوة إلى سبيل الله ووسائلها، الخطابة والمناظرة، الملل والنحل والمذاهب الفقهية وتواريخها، البدع والعادات، اللغة الأجنبية التي درست في الكلية، لغة شرقية.
ج شهادة العالمية مع درجة أستاذ في التوحيد والفلسفة. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية وهي: التوحيد، المنطق، الفلسفة، الأخلاق.
د شهادة العالمية مع درجة أستاذ في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف.
هـ شهادة العالمية، مع درجة أستاذ في التاريخ الإسلامي.
كلية اللغة العربية، وتتبعها الأقسام الآتية:
أشهادة الدراسة العالية في اللغة العربية.
ب شهادة العالمية مع لإجازة في التدريس.(2/187)
ج شهادة العالمية من درجة أستاذ في النحو.
د شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب.
قانون 61881 الأزهر الجديد لعام 1961
وافق مجلس الأمة على القانون الجديد لتنظيم الأزهر وتطويره مع الاحتفاظ له بطابعه وبخصائصه وصفته، عالج القانون مشكلات الأزهر في صميمها.
المذكرة الإيضاحية:
لقد قام الأزهر بدور عظيم في تاريخ العلم، وفي تاريخ الإسلام، وفي تاريخ العروبة. وفي تاريخ الكفاح القومي على توالي العصور ووقف قلعة شامخة في وجه كل المحاولات التي قصد منها استعبادنا والسيطرة علينا وتحطيم كياننا القومي والروحي.
وكانت التقاليد العلمية في الأزهر أساسا للنظام الجامعي والتقاليد الجامعية في كل بلاد الدنيا، فهو أقدم جامعة في العالم وإن لم يكن اسمه بين أسماء جامعاتنا.
ومن علم الأزهر شع نور الإسلام في بلاد كثيرة من إفريقيا ومن آسيا وزاد عدد المسلمين عشرات الملايين. وكانت بعوث الأمم المختلفة إلى الأزهر سببا لتوثيق علاقاتنا ببلاد كثيرة وشعوب متعددة منذ أقدم العصور إلى اليوم، وقد اكتسب اسم الأزهر بذلك قدسية، واكتسب المنتسبون إليه احتراما، وصار رأيه الرأي في كل ما يتعلق بالعقيدة والشريعة، وصار هو الجامعة الإسلامية الكبرى في الشرق والغرب، لا يطلب أحد علوم الإسلام إلا عن طريق الأزهر، ولا تتجه قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى معهد يفد إليه أولادهم للتزود من أسباب المعرفة غير الأزهر.
على أن التزام الأزهر الوقوف قرونا طويلة في وجه كل محاولات العدوان قد ألزمه نوعا من المحافظة لعلها كانت بعض خصائص الموقف
الدفاعي الذي التزمه خلال تلك القرون، فلما نشطت الحياة حواليه وزالت الأسباب التي كانت تضطره إلى المحافظة والتزمت لم يجد الوسيلة الملائمة التي تعينه على الحركة المتجددة التي تلائم بينه وبين عصره مع احتفاظه بخصائصه وقيامه بواجبه لحياطة الدين والمحافظة على تراث الإسلام، من ذلك أن خريجيه لم يزالوا حتى اليوم فيما يريدون لأنفسهم أو فيما يصفهم غيرهم رجال دين، لا يكادون يتصلون بعلوم الدنيا اتصال النفع والانتفاع، والإسلام في حقيقته الأصيلة لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا، لأنه دين اجتماعي ينظم سلوك الناس في الحياة ليحيوا حياتهم في حب الله عاملين مؤثرين في المجتمع في ظل طاعة الله، ولأن الإسلام يفرض على كل مسلم أن يأخذ بنصيبه من الدين والدنيا، فكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت معا، والله في يقين المسلم أقرب إليه من حبل الوريد، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فليس في حاجة إلى شفيع أو وسيط يقربه إليه.(2/188)
على أن التزام الأزهر الوقوف قرونا طويلة في وجه كل محاولات العدوان قد ألزمه نوعا من المحافظة لعلها كانت بعض خصائص الموقف
الدفاعي الذي التزمه خلال تلك القرون، فلما نشطت الحياة حواليه وزالت الأسباب التي كانت تضطره إلى المحافظة والتزمت لم يجد الوسيلة الملائمة التي تعينه على الحركة المتجددة التي تلائم بينه وبين عصره مع احتفاظه بخصائصه وقيامه بواجبه لحياطة الدين والمحافظة على تراث الإسلام، من ذلك أن خريجيه لم يزالوا حتى اليوم فيما يريدون لأنفسهم أو فيما يصفهم غيرهم رجال دين، لا يكادون يتصلون بعلوم الدنيا اتصال النفع والانتفاع، والإسلام في حقيقته الأصيلة لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا، لأنه دين اجتماعي ينظم سلوك الناس في الحياة ليحيوا حياتهم في حب الله عاملين مؤثرين في المجتمع في ظل طاعة الله، ولأن الإسلام يفرض على كل مسلم أن يأخذ بنصيبه من الدين والدنيا، فكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت معا، والله في يقين المسلم أقرب إليه من حبل الوريد، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فليس في حاجة إلى شفيع أو وسيط يقربه إليه.
على أن العالم الإسلامي اليوم قد انفسح مداه واتسع نطاقه وأطل على آفاق فكر جديدة ووضعته الظروف السياسية التي تمر به وضع الاختبار في مجالات شتى. وأكثره قد خرج منذ قريب من تحت النير الاستعماري وفي نفوس أهله آمال ضخمة لاستكمال أسباب تحرره ونهضته والارتفاع بمستوى معيشته.
وكانت الثقافات الاستعمارية تحاول طوال السنين التي يسيطر فيها الاستعمار على العالم الإسلامي أن تلون أفكار أهله وعقائدهم وأن تضع في نفوسهم موازين جديدة وقيما جديدة يمكن أن تباعد بينهم وبين الإسلام.
فلولا طبيعة المقاومة في نفوس المسلمين لسحقتهم المحاولات المتوالية خلال تلك السنين وأخرجتهم عن دينهم، ولعلها قد بلغت من ذلك مبلغا ما حين أوقعت في أذهان كثير منهم أن الإسلام عبادة وقربى إلى الله وفناء في الله، وأن العمل للحياة شيء آخر يختلف عن الدين أو يتعارض مع الدين.
وربما أوقعت في أذهان بعضهم كذلك أن المذاهب الاجتماعية المستحدثة
تضمن للبشر سعادة ورفاهية لا يكفل مثلها الإسلام، وربما لا يكفلها غير الإسلام من الأديان السماوية.(2/189)
وربما أوقعت في أذهان بعضهم كذلك أن المذاهب الاجتماعية المستحدثة
تضمن للبشر سعادة ورفاهية لا يكفل مثلها الإسلام، وربما لا يكفلها غير الإسلام من الأديان السماوية.
وفي كثير من البلاد التي تخلصت حديثا من ربقة الاستعمار رغبة في التخطيط والعمل والإنتاج في مجالات الصناعة والتجارة والتعدين والتعليم والصحة وغيرها من أسباب النهوض، وهي حين تلتمس الخبراء في كل نوع من أنواع هذا النشاط لا تكاد تجد إلا أجانب عن بيئتها ودينها من المواطنين أو من غير المواطنين، وحين تلتمس من المواطنين خبراء يملكون مع الخبرة معارف دينية صحيحة وعقيدة واعية لا تكاد تعرف أين توفدهم ليتعلموا ويستفيدوا الخبرة والمعرفة والعقيدة. وهي عناصر ثلاثة ضرورية لتستكمل هذه البلاد نهضتها وتمضي في وجهها على الطريق السوي وإذ كان الأزهر وحده هو المعهد أو الجامعة التي يحرص المسلمون وراء الحدود على ان يقنع فيه أبناؤهم لهذه المسئوليات فقد كان من الطبيعي أن يكون نظام الأزهر وعلى الأزهر بحيث تعد هؤلاء الخبراء مستكملين لكل العناصر التي تهيئهم لحمل أعباء النهضة في بلادهم.
أو لكن الأزهر إذ يعد علماء في الدين وفي لغة القرآن لم يتهيأ بعد لتأهيل العالم الديني المتخصص في عمل من أعمال الخبرة والإنتاج التي تحتاج إليها نهضة المسلمين في كل البلاد. وحين تنبهت بعض البلاد الإسلامية إلى هذه الحقيقة المؤسفة فحولت بعثاتها كلها أو بعضها إلى الجامعات المدنية في الجمهورية العربية المتحدة أو في غيرها من البلاد، عاد إليها مبعوثوها بعد إتمام دراستهم وهم يملكون الخبرة ولا يكادون يعرفون الدين، في حين يعود المبعوثون منهم إلى الأزهر وقد حصلوا من علوم الدين وعلوم القرآن حظا كبيرا، ولكنهم لا يحسنون عملا ولا يطيقون إنتاجا ولا يقدرون على المشاركة في لون من ألوان النهضة التي أشرنا إليها آنفا. وبهؤلاء وأولئك تعقدت الحياة الاجتماعية في كثير من بلاد العالم الإسلامي وتعثرت النهضة في تلك البلاد.(2/190)
ومن حسن الحظ أن يجمع كل أهل الغيرة في كل البلاد الإسلامية على رأي واحد في هذه المشكلة هو أن يعرف عالم الدين علوما أخرى يعيش بها ويشارك بها في النهضة ليرتفع مقام الدين عن أن يكون حرفة أو أن يكون سببا للتعطل والضياع في المجتمع، وسبيل ذلك أن تتطور معاهد الدراسات الإسلامية العالية بحيث تواجه احتياجات النهضة فلا تقتصر على الدراسات الدينية بل يجب أن تجمع إليها علوما أخرى تتحقق بها لكل خريج الخبرة والمعرفة وسلامة العقيدة ليعود هؤلاء الخريجون إلى مراكز القيادة في كل مجال من مجالات النشاط في العالم الإسلامي المتحرر.
هذه الحقائق المسلم بها لا تكاد تجد لها صورة صحيحة في خريجي الأزهر لعصرنا، ومن ثم كان نوع من الانعزال بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه. ونشأت مشكلة تعطل كبيرة بين هؤلاء الخريجين زادتهم انعزالا عن المجتمع. وأعقبت هذه المشكلة آثارا كبيرة في نفوس الأزهريين وفي نفوس الشعب جميعا، كما كان لها أثرها في قوة العقيدة في نفوس هؤلاء وأولئك، أما في نفوس الأزهريين فذلك أن خريج الأزهر حين يتعطل يمكن أن يقع في وهمه أحد أمرين: إما أن عالم الدين مآله التعطل والهوان، فيصيبه وهن العقيدة قبل أن يصيب غيره، وإما أن الدولة لا تعترف به والشعب يحاربه، فيعتزل الدولة والمجتمع.
وأما في نفوس الشعب فإن الناس لا يكادون يعرفون الدين إلا من صورة عالم الدين، فإذا كان عالم الدين على ما وصفنا فما أسرع أن يرين الشك على بعض القلوب وتفسد بعض العقائد.
من ذلك أو من بعضه يكون وهن العقيدة وتكون بعض صور الانقسام في المجتمع، ويكون تعقد نفوس كثيرة، ويكون سوء ظن بعض المواطنين ببعض، وسوء رأي بعض المواطنين في بعض.
ويمكن أن نلحظ مثل هذا الشعور في بلاد أخرى وراء حدود وطننا، إذ كان مآل كثيرين من المبعوثين من تلك البلاد إلى الأزهر بعد أن عادوا
إلى بلادهم مثل مصير خريجي الأزهر في بلادنا، فانتقلت هذه الآثار إلى مجتمعهم وكاد مجتمعهم يفقد ثقته بالأزهر، ويوشك هذا الشعور إن عم أن يقطع كثيرا من الأواصر بيننا وبين تلك البلاد.(2/191)
ويمكن أن نلحظ مثل هذا الشعور في بلاد أخرى وراء حدود وطننا، إذ كان مآل كثيرين من المبعوثين من تلك البلاد إلى الأزهر بعد أن عادوا
إلى بلادهم مثل مصير خريجي الأزهر في بلادنا، فانتقلت هذه الآثار إلى مجتمعهم وكاد مجتمعهم يفقد ثقته بالأزهر، ويوشك هذا الشعور إن عم أن يقطع كثيرا من الأواصر بيننا وبين تلك البلاد.
من أجل ذلك جميعه كان لا بد من تجديد الأزهر وتطويره والاعتراف بمكانته وأثره مع الاحتفاظ له بطابعه وخصائصه وصفته التي استحق بها أن يبقى مسيطرا على تاريخنا وعلى العلاقات الوثيقة بيننا وبين إخوان لنا في شرق الأرض وغربها أكثر من ألف سنة.
وقد تكررت محاولات لمثل هذا الغرض منذ أكثر من نصف قرن، ولكنها جميعا لم تنفذ إلى صميم المشكلة ولم تحاول علاجها جذريا، فكانت قشورا من الإصلاح لعل بعضها كان أسوأ أثرا.
ولعلاج المشكلة من صميمها كان لا بد من تقرير مبادىء لتكون أساسا لكل محاولة إصلاح.
وعلى أساس المبادىء التي انتهينا إلى تقريرها كان مشروع الإصلاح الذي يتضمنه هذا القانون. وهذه المبادىء هي:
أولا: أن يبقى الأزهر أو أن يدعم، ليظل أكبر جامعة إسلامية وأقدم جامعة في الشرق والغرب.
ثانيا: أن يظل كما كان منذ أكثر من ألف سنة حصنا للدين والعروبة، يرتقي به الإسلام ويتجدد ويتجلى في جوهره الأصيل ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة ويذاد عنه كل ما يشوبه وكل ما يرمي به.
ثالثا: أن يخرج علماء قد حصلوا كل ما يمكن تحصيله من علوم الدين وتهيئوا بكل ما يمكن من أسباب العلم والخبرة للعمل والإنتاج في كل مجال من مجالات العمل والإنتاج فلا تكون كل حرفتهم أو كل بضاعتهم هي الدين.
رابعا: أن تتحطم الحواجز والسدود بينه وبين الجامعات ومعاهد
التعليم الأخرى وتزول الفوارق بين خريجيه وسائر الخريجين في كل مستوى، وتتكافأ فرصهم جميعا في مجالات العلم ومجالات العمل.(2/192)
رابعا: أن تتحطم الحواجز والسدود بينه وبين الجامعات ومعاهد
التعليم الأخرى وتزول الفوارق بين خريجيه وسائر الخريجين في كل مستوى، وتتكافأ فرصهم جميعا في مجالات العلم ومجالات العمل.
خامسا: أن يتحقق قدر مشترك من المعرفة والخبرة بين المتعلمين في جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية وبين سائر المتعلمين في الجامعات والمدارس الأخرى مع الحرص على الدراسات الدينية والعربية التي يمتاز بها الأزهر منذ كان لتتحقق لخريجي الأزهر الحديث وحدة فكرية ونفسية بين أبناء الوطن، ويتحقق بهم للوطن وللعالم الإسلامي نوع من الخريجين مؤهل للقيادة في كل مجال من المجالات الروحية والعلمية.
سادسا: أن توحد الشهادات الدراسية والجامعية في كل الجامعات ومعاهد التعليم في الجمهورية العربية المتحدة.
على أساس هذه المبادىء أعد مشروع القانون المرافق لتنظيم الأزهر فاحتفظ له بكيانه وصفته وخصائصه العلمية، وجعلت الهيئات التي يتكون منها خمسا هي:
1 - المجلس الأعلى للأزهر.
2 - مجمع البحوث الإسلامية.
3 - إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية.
4 - جامعة الأزهر.
5 - المعاهد الأزهرية.
أما المجلس الأعلى للأزهر، فهو الهيئة التي تحمل مسئوليات التوجيه في كل شئون الأزهر وتخطط لأنواع النشاط في هيئاته المختلفة، وتتابع تنفيذ سياسة البحث وسياسة التعليم في أجهزته المختلفة، ويرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، ويشترك في عضويتها إلى جانب الكبار من العلماء متخصصون وذوو خبرة في التعليم وفي الإدارة.(2/193)
وأما مجمع البحوث الإسلامية فوضع نظامه بحيث يكون هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، يقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث، ويعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة وبيان الرأي فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتصل بالعقيدة، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وجعل من مهمة هذا الجمع كذلك أن يتتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامي من بحوث الأجانب ودراساتهم، للانتفاع بما فيها من رأي صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد. كما يقوم المجمع على رسم نظام بعوث الأزهر إلى العالم الإسلامي ومن العالم الإسلامي، كما يعاون في توجيه الدراسات الإسلامية العليا لدرجتى التخصص والعالمية في جامعة الأزهر والإشراف عليها والمشاركة في امتحاناتها، وجعلت شروط العضوية في هذا المجمع تضم أصلح العناصر لأداء مهمته.
وأما إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية فهي الجهاز الذي يهيء لمجمع البحوث الإسلامية كل أسباب البحث والدراسة في الموضوعات التي تتصل باختصاصته، كما تقوم بالإعداد والتحضير لهذه البحوث والدراسات وتحمل المسئولية الكاملة للمتابعة والتنفيذ، وتضع نتائج هذه البحوث والدراسات موضع الانتفاع العام، سواء في المجالات الثقافية العامة أو في فروع الدراسات الأزهرية.
وتقوم هذه الإدارة كذلك على إعداد مشروعات البعوث من الأزهر وإليه، وتحمل مسئولية التنفيذ بالنسبة لهذه البعوث وتقوم نتائجها.
وأما جامعة الأزهر فقد وضع مشروعها على أساس أن تختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر، وبالبحوث التي تتصل بهذا التعليم أو تترتب عليه، كما نهتم ببعث التراث العلمي والفكري والروحي للشعوب الإسلامية والعربية، وتعمل على تزويد العالم الإسلامي والوطن العربي
بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى التفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن، كفاية علمية وعملية ومهنية تؤهلهم للمشاركة في كل أنواع النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطبية والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما تعني بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية والإسلامية والعربية والأجنبية. وقد نص القانون في المادة 34على الكليات التي تشملها جامعة الأزهر وهي:(2/194)
وأما جامعة الأزهر فقد وضع مشروعها على أساس أن تختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر، وبالبحوث التي تتصل بهذا التعليم أو تترتب عليه، كما نهتم ببعث التراث العلمي والفكري والروحي للشعوب الإسلامية والعربية، وتعمل على تزويد العالم الإسلامي والوطن العربي
بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى التفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن، كفاية علمية وعملية ومهنية تؤهلهم للمشاركة في كل أنواع النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطبية والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما تعني بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية والإسلامية والعربية والأجنبية. وقد نص القانون في المادة 34على الكليات التي تشملها جامعة الأزهر وهي:
كليات الدراسات الإسلامية، وكلية الدراسات العربية، وكلية المعاملات والإدارة. وكلية الهندسة والصناعات، وكلية الزراعة، وكلية الطب، مع النص على جواز إنشاء كليات أخرى كلما دعت الحاجة، وطبيعي أن هذه الكليات كلها أو بعضها لا يمكن أن تكون صورة مكررة للكليات القائمة الآن في الأزهر أو في الجامعات الأخرى، إذ لا بد أن تتحقق لها مع صفتها العامة صفة تلائم الصفة الخاصة بجامعة الأزهر، بحيث يكون فيها إلى جانب الدراسات الفنية الخاصة، دراسات إسلامية ودينية تتحقق بها للطالب ثقافة دينية عميقة وواعية إلى جانب الثقافة المهنية التي يحصلها نظراؤه في الكليات المماثلة في الجامعات الأخرى، وبحيث تتاح لخريجيها بعد الحصول على درجة الإجازة العالية (الليسانس أو البكالوريوس) من أية كلية من كلياتها دراسة عليا في مادة التخصص أو في مادة من مواد الدراسات الإسلامية والعربية العالية للحصول بها على درجة التخصص أو العالمية (الماجستير أو الدكتوراه) في مادة الدراسة، وليس مثل هذا النظام مستحدثا في تاريخ الأزهر والجامعات الإسلامية، فإن أعظم علماء الطب والكيمياء والرياضة في الماضي كانوا علماء في الدين، منهم أبن سينا والفارابي وابن الهيثم وجابر بن حيان وآخرون
ولا بد أن يكون لكل كلية من هذه الكليات أقسام مختلفة تختص بها أو تشترك فيها مع غيرها من الكليات لتنويع الدراسات وتنويع الخريجين إلى أكثر مما يدل عليه عدد هذه الكليات.(2/195)
وإذ كانت جامعة الأزهر هي جامعة المسلمين من كل بلد منذ كانت، فقد نصت المادة الثامنة والثلاثون على أن تتساوى فرص القبول في كلياتها والأقسام الملحقة بها للطلاب المسلمين من كل بلد.
ورعاية للصفة الخاصة لجامعة الأزهر، رؤى أن تستقل عن الجامعات الأخرى في الجمهورية العربية المتحدة، بتبعيتها لرياسة الجمهورية، مع الحرص على التنسيق بينها وبين الجامعات الأخوى بقدر ما تقتضيه الصفة الخاصة بالأزهر وأغراض الدراسة فيه.
وحرص القانون على أن يكون أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ممثلين في مجلس الجامعة بالقدر الذي يتيح لهم أن يوجهوا الدراسات الإسلامية في الكليات المختلفة، فتقرر أن يكون منهم في مجلس الجامعة ثلاثة من أعضاء هذا المجمع، مع احتمال زيادة عددهم ببعض الأعضاء الذين يمثلون هيئات أخرى من الأزهر أو من خارجه.
وإذ كان المأمول أن تكون بعض أنواع الدراسة في كليات جامعة الأزهر على هذا الأساس نموذجا لنوع من الدراسات يلائم رغبات كثير من المواطنين، لتتحقق بها لأبنائهم معارف وثقافات دينية وقومية وكان من المتوقع لذلك أن يقبل بعض خريجي المدارس الثانوية على هذه الكليات، فقد حرص مشروع القانون على مواجهة هذا الاحتمال باشتراط أداء الطلاب الذين لم تتهيأ لهم فرصة الدراسة في المعاهد الأزهرية امتحان معادلة يؤهلهم لمتابعة الدراسة في هذه الكليات مع زملائهم من خريجي المعاهد الأزهرية.
وأما المعاهد الأزهرية، فإنه لكي يعد لكليات الجامعة الأزهرية على اختلافها طلاب على حظ من الثقافة الإسلامية والعربية لا يقل عن حظهم منها في الوقت الحاضر، إلى جانب المعارف والخبرات التي تتيح لهم الاستمرار في الدراسات الجامعية على الوجه الذي وصفناه، وضع نظام المعاهد الثانوية والابتدائية للأزهر، بحيث يتهيأ فيها الطلاب إلى جانب
دراساتهم الدينية والعربية للحصول على الشهادات الإعدادية والثانوية بأنواعها المختلفة، لتتكافأ فرصهم مع فرص غيرهم من التلاميذ في مدارس الدولة فيحصل تلميذ القسم الإبتدائي على الإعدادية العامة، أو الإعدادية الفنية، إلى جانب ما درس من علوم الدين واللغة، ويحصل تلميذ القسم الثانوي على الثانوية العامة بأحد قسميها الأدبي أو العلمي، أو على الثانوية الفنية بأنواعها من زراعية أو صناعية أو تجارية أو غير ذلك، إلى جانب ما درس كذلك من علوم الدين أو اللغة، وبهذا يتاح لكل تلميذ في هذه الأقسام أن يوجه حياته الوجهة التي يريد والتي تلائم ميوله واستعداده، فإن شاء خرج إلى الحياة ليعمل ويكسب بعد كل مرحلة، وإن شاء استمر في الدراسة مرحلة أخرى أو مرحلتين ليخرج بعدها مؤهلا للعمل والكسب، وإن شاء تحول إلى المدارس الأخرى يتم فيها دراسته وفق ميوله ورغباته، وتجد كليات جامعة الأزهر في النهاية طلابا يجمعون بين علوم الدين وعلوم الدنيا، ولهم كل الأهلية لمتابعة الدراسة الجامعية في كليات جامعة الأزهر أو في غيرها من الكليات ومعاهد الدراسة العالية.(2/196)
وأما المعاهد الأزهرية، فإنه لكي يعد لكليات الجامعة الأزهرية على اختلافها طلاب على حظ من الثقافة الإسلامية والعربية لا يقل عن حظهم منها في الوقت الحاضر، إلى جانب المعارف والخبرات التي تتيح لهم الاستمرار في الدراسات الجامعية على الوجه الذي وصفناه، وضع نظام المعاهد الثانوية والابتدائية للأزهر، بحيث يتهيأ فيها الطلاب إلى جانب
دراساتهم الدينية والعربية للحصول على الشهادات الإعدادية والثانوية بأنواعها المختلفة، لتتكافأ فرصهم مع فرص غيرهم من التلاميذ في مدارس الدولة فيحصل تلميذ القسم الإبتدائي على الإعدادية العامة، أو الإعدادية الفنية، إلى جانب ما درس من علوم الدين واللغة، ويحصل تلميذ القسم الثانوي على الثانوية العامة بأحد قسميها الأدبي أو العلمي، أو على الثانوية الفنية بأنواعها من زراعية أو صناعية أو تجارية أو غير ذلك، إلى جانب ما درس كذلك من علوم الدين أو اللغة، وبهذا يتاح لكل تلميذ في هذه الأقسام أن يوجه حياته الوجهة التي يريد والتي تلائم ميوله واستعداده، فإن شاء خرج إلى الحياة ليعمل ويكسب بعد كل مرحلة، وإن شاء استمر في الدراسة مرحلة أخرى أو مرحلتين ليخرج بعدها مؤهلا للعمل والكسب، وإن شاء تحول إلى المدارس الأخرى يتم فيها دراسته وفق ميوله ورغباته، وتجد كليات جامعة الأزهر في النهاية طلابا يجمعون بين علوم الدين وعلوم الدنيا، ولهم كل الأهلية لمتابعة الدراسة الجامعية في كليات جامعة الأزهر أو في غيرها من الكليات ومعاهد الدراسة العالية.
وقد حرص القانون في هذه الناحية على أن يكون التعاون كاملا بين وزارة التربية والتعليم والإدارة المختصة بالإشراف على هذه الأقسام وإدارتها ليتحقق بهذا التعاون نوع من الثقة يدعم قيمة الشهادات التي يحصل عليها الطلاب من هذه الأقسام.
وقد واجه مشروع القانون مرحلة الانتقال بين وضع الأزهر وكلياته والأقسام الملحقة به في الوقت الحاضر. ووضعها المنتظر بعد التطبيق الكامل لهذا القانون فنص على إنشاء دراسات إضافية في الأقسام الثانوية والابتدائية منذ الموسم الدراسي المقبل لتهيئة تلاميذ هذه الأقسام الحاليين للحصول على شهادات معادلة تتيح لهم الانتفاع بمزايا هذا القانون في أسرع وقت ممكن. كما حرص على الملاءمة بين وضع الطلاب الحاليين في الكليات الأزهرية وبين مقتضيات تطبيق القانون.(2/197)
كما نص مشروع القانون على أن يحتفظ للعلماء الموظفين الآن والمدرسين في أقسام الأزهر وأعضاء هيئات التدريس في الكليات الأزهرية الحالية وأعضاء جماعة كبار العلماء، ولطلاب الأزهر الحاليين، بكل الحقوق المالية المقررة لهم فلا تتأثر هذه الحقوق بشيء نتيجة لتطبيق هذا القانون.
سواء في المرتبات أو في المعاشات ومدة الخدمة. أو غير ذلك. لتكون النظم المستحدثة في هذا الشأن بغير أثر رجعي.
ولكيلا يتضمن القانون تفصيلات يضخم بها رؤى أن يقتصر على الخطوط الرئيسية للتنظيم، على أن تتضمن اللائحة التنفيذية التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية كل التفصيلات التي توضح الصورة وتيسر التنفيذ.
وإذ كانت تفصيلات المشروع قد أحيل أكثرها على تلك اللائحة التنفيذية، فقد نص المشروع على ألا يتأخر صدور هذه اللائحة عن تاريخ معين، ليتهيأ الأخذ في أسباب التنفيذ الكامل للمشروع قبل ابتداء الموسم الدراسي المقبل.
والمشروع معروض رجاء الموافقة على إصداره:
باسم الأمة
رئيس الجمهورية:
قرر مجلس الأمة القانون الآتي نصه وقد أصدرناه:
مادة 1تستبدل النصوص المرافقة بأحكام القانون رقم 26لسنة 1936بإعادة تنظيم الجامع الأزهر والقوانين المعدلة له ويبطل كل ما يخلفه من القوانين.
مادة 2الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة
الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية، وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها، وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين مثقفين في الدين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية، لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطبية، وعالم الدنيا للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية ومقره القاهرة، ويتبع رياسة الجمهورية.(2/198)
مادة 2الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة
الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية، وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها، وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين مثقفين في الدين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية، لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطبية، وعالم الدنيا للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية ومقره القاهرة، ويتبع رياسة الجمهورية.
مادة 3يعين بقرار من رئيس الجمهورية وزير لشئون الأزهر.
مادة 4شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته ويرأس المجلس الأعلى للأزهر.
مادة 5يختار شيخ الأزهر من بين هيئة مجمع البحوث الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة في أعضاء هذه الهيئة. ويعين بقرار من رئيس الجمهورية فإن لم يكن قبل هذا التعيين عضوا في تلك الهيئة صار بمقتضى هذا التعيين عضوا فيها.(2/199)
مادة 6يكون للأزهر شخصية معنوية عربية الجنس ويكون له الأهلية الكاملة للمقاضاة وقبول التبرعات التي ترد إليه عن طريق الوقف والوصايا والهبات بشرط ألا تتعارض مع الغرض الذي يقوم عليه الأزهر.
وشيخ الأزهر هو الذي يمثل الأزهر ويكون له حق مقاضاة نظار الأوقاف التي للمدرسين أو الموظفين أو الطلاب نصيب فيها، وذلك دون إخلال بما لوزارة الأوقاف من الحقوق والاختصاصات المقررة في اللوائح والقوانين.
مادة 7يكون للأزهر وكيل يختار من بين هيئة مجمع البحوث الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة لأعضاء هذه الهيئة.
ويعين بقرار من رئيس الجمهورية، فإن لم يكن قبل هذا التعيين عضوا في هيئة المجمع صار بمقتضى هذا التعيين عضوا فيها.
ويعاون الوكيل شيخ الأزهر ويقوم مقامه حين غيابه.
هيئات 61882 الأزهر:
مادة 8يشمل الأزهر الهيئات الآتية:
1 - المجلس الأعلى للأزهر.
2 - مجمع البحوث الإسلامية.
3 - إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية.
4 - جامعة الأزهر.
5 - المعاهد الأزهرية.
61883 - المجلس الأعلى للأزهر
مادة 9يكون للأزهر مجلس يسمى المجلس الأعلى للأزهر، ويتكون على الوجه الآتي:(2/200)
شيخ الأزهر وله رياسة المجلس.
وكيل الأزهر.
مدير جامعة الأزهر.
عمداء الكليات بجامعة الأزهر.
أربعة من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية يختارهم المجمع ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح شيخ الأزهر لمدة سنتين.
أحد وكلاء الوزارات أو الوكلاء المساعدين من كل من وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والعدل والخزانة، يصدر بتعيين كل منهم قرار من الوزير الذي يمثل وزارته في المجلس.
مدير الثقافة والبعوث الإسلامية.
مدير المعاهد الأزهرية.
ثلاثة أعضاء على الأكثر من ذوي الخبرة في شئون التعليم الجامعي والشئون العامة المتعلقة به، يكون أحدهم على الأقل من أعضاء المجلس الأعلى للجامعات في الجمهورية العربية المتحدة، ويعينون بقرار من الوزير المختص بعد أخذ رأي المجلس، وبناء على ترشيح شيخ الأزهر وذلك لمدة سنتين.
مادة 10يختص المجلس الأعلى للأزهر بالنظر في الأمور الآتية:
1 - التخطيط ورسم السياسة العامة لكل ما يحقق الأغراض التي يقوم عليها الأزهر ويعمل لها في خدمة الفكرة الإسلامية الشاملة.
2 - رسم السياسة التعليمية التي تسير عليها جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية والأقسام التعليمية في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية واقتراح المواد والمقررات التي تدرس لتحقيق أغراض الأزهر.(2/201)
3 - النظر في مشروع ميزانية هيئات الأزهر وإعداد الحساب الختامي.
4 - اقتراح إنشاء الكليات والمعاهد الأزهرية والأقسام التعليمية.
5 - قبول الأوقاف والوصايا والهبات مع مراعاة أحكام المادة (6) من هذا القانون.
6 - النظر في كل مشروع قانون أو قرار جمهوري يتعلق بأي شأن من شئون الأزهر.
7 - النظر في منح العالمية الفخرية لجامعة الأزهر أو إحدى كلياتها بناء على اقتراح الكلية أو الجامعة.
8 - تشكيل للجان الفنية الدائمة أو المؤقتة من بين أعضائه أو من غيرهم من المتخصصين لبحث الموضوعات التي تدخل في اختصاصه.
9 - تدبير أموال الأزهر واستثمارها وإدارتها.
10 - النظر فيما يعهد إليه هذا القانون أو غيره من القوانين والقرارات واللوائح وفيما يعرضه عليه شيخ الأزهر، وفي كل ما يرى المجلس فائدة في بحثه من المسائل التي تدخل في اختصاصه.
مادة 11لا تنفذ قرارات المجلس الأعلى للأزهر فيما يحتاج إلى قرار من الوزير المختص إلا بعد صدور هذا القرار فإذا لم يصدر منه قرار في شأنها خلال الستين يوما التالية لتاريخ وصولها مستوفاة إلى مكتبه تكون نافذة.
مادة 12يكون للمجلس الأعلى للأزهر أمين عام، يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية.
مادة 13يحدد الجدول الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون
مرتبات شيخ الأزهر ووكيله وأمين المجلس الأعلى للأزهر ومكافآت أعضائه.(2/202)
مادة 13يحدد الجدول الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون
مرتبات شيخ الأزهر ووكيله وأمين المجلس الأعلى للأزهر ومكافآت أعضائه.
مادة 14يكون للمجلس جهاز يتابع تنفيذ مقرراته ويرأسه الأمين العام للمجلس.
مجمع البحوث الإسلامية و 61884 إدارة الثقافة
مادة 15مجمع البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية وتقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذاهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وتعاون جامعة الأزهر في توجيه الدراسات الإسلامية العليا لدرجتي التخصص والعالمية والإشراف عليها والمشاركة في امتحاناتها.
وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون واجبات مجمع البحوث الإسلامية بالتفصيل الذي يساعد على تحقيق الغرض من إنشائه.
مادة 16يتألف مجمع البحوث الإسلامية من خمسين عضوا من كبار علماء الإسلام، يمثلون جميع المذاهب الإسلامية، ويكون من بينهم عدد لا يزيد على العشرين من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة.
مادة 17يشترط في عضو المجمع:(2/203)
1 - ألا تقل سنه عن أربعين سنة.
2 - أن يكون معروفا بالورع والتقوى في ماضيه وحاضره.
3 - أن يكون حائزا لأحد المؤهلات العلمية العليا من الأزهر. أو إحدى الكليات أو المعاهد العليا التي تهتم بالدراسات الإسلامية.
4 - أن يكون له إنتاج علمي بارز في الدراسات الإسلامية، أو اشتغل بالتدريس لمادة من مواد الدراسات الإسلامية في كلية أو معهد من معاهد التعليم العالي لمدة أدناها 5سنوات أو شغل إحدى الوظائف الإسلامية في القضاء أو الإفتاء أو التشريع لمدة أدناها خمس سنوات.
ويعتبر الأعضاء الحاليون في جماعة كبار العلماء في حكم هذا القانون مستوفين لهذا الشرط.
مادة 18يعين بقرار من رئيس الجمهورية أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في أول تشكيل له بناء على عرض الوزير المختص باقتراح من شيخ الأزهر.
ويكون شيخ الأزهر رئيسا لهذا المجمع.
مادة 19يكون نصف أعضاء المجمع على الأقل متفرغين لعضويته، وتبين اللائحة التنفيذية واجبات العضو المتفرغ والعضو غير المتفرغ.
مادة 20هيئات المجمع هي:
(أ) مجلس المجمع: ويتألف من الرئيس، والأعضاء المتفرغين، والأعضاء غير المتفرغين من مواطني الجمهورية العربية المتحدة، والأمين العام للمجمع.
(ب) مؤتمر المجمع ويتألف من كل أعضاء المجمع.(2/204)
(ج) الأمانة العامة للمجمع.
مادة 21يجتمع مجلس المجمع مرة في كل شهر على الأقل ولا يكون اجتماعه صحيحا إلا بحضور أكثرية أعضائه.
مادة 22يجتمع مؤتمر المجمع اجتماعا عاديا مرة في كل سنة.
وتستمر دورة اجتماعه أربعة أسابيع للنظر في جدول أعمال السنة ويجوز أن يدعى المؤتمر إلى اجتماع غير عادي إذا اقتضت الظروف ذلك بموافقة الوزير المختص وبناء على اقتراح شيخ الأزهر ويكون اجتماع المؤتمر صحيحا في الحالتين بحضور أكثرية أعضائه، بشرط أن يكون من بينهم ربع الأعضاء غير المواطنين على الأقل.
مادة 23يكون للمجمع أمانة عامة دائمة يرأسها أمين عام ويشغل هذا المنصب مدير الثقافة والبعوث الإسلامية بشرط أن تتحقق فيه شروط العضوية المنصوص عليها في المادة 17من هذا القانون، ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية. بناء على عرض الوزير المختص وبموافقة شيخ الأزهر ويكون الأمين العام للمجمع بمقتضى قرار التعيين عضوا في المجمع ما دام شاغلا لهذه الوظيفة.
مادة 24تتألف الأمانة العامة للمجمع من الأمين العام، وأمين مساعد أو أكثر، وعدد من الموظفين اللازمين لتصريف الشئون الفنية والإدارية للمجمع ومباشرة تنفيذ قراراته طبقا لما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
مادة 25تختص إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية من البعوث والدعاة واستقبال طلاب المنح وغيرهم من ذوي العلاقة، في نطاق أغراض الأزهر، وعليها إلى ذلك تنفيذ مقررات المجمع ونشر بحوثه ودراساته وتجميع ما يلزمه من البيانات لهذه الدراسات.(2/205)
وتبين اللائحة التنفيذية لهذا القانون تفصيل ذلك ووسائل تنفيذه.
مادة 26يختار مؤتمر المجمع بالأغلبية المطلقة بناء على ترشيح اثنين من الأعضاء، أعضاء مراسلين من مواطني الجمهورية العربية المتحدة أو من غيرهم، ممن يرى الاستعانة بهم في تحقيق أغراضه ويصدر باعتماد عضويتهم قرار من الوزير المختص.
مادة 27يجوز منح لقب عضو فخري لأعضاء المجمع السابقين، أو لمن يؤدي للإسلام خدمات علمية ذات أثر، ويصدر بمنح هذا اللقب قرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص باقنراح من مؤتمر المجمع.
مادة 28يؤلف المجمع من أعضائه لجانا لتحقيق أغراضه المنصوص عليها في هذا القانون وفي اللائحة التنفيذية.
مادة 29يجوز دعوة الأعضاء المراسلين والأعضاء الفخريين إلى جلسات المجمع بموافقة الوزير المختص بناء على قرار مجلس المجمع.
مادة 30تسقط عضوية المجمع في إحدى الحالات الآتية:
(أ) إذا صدر ضد العضو حكم ماس بالشرف والأمانة.
(ب) إذا وقع من العضو ما لا يلائم صفة العضوية، كالطعن في الإسلام، أو إنكار ما علم منه بالضرورة، أو سلك سلوكا ينقص من قدره كعالم مسلم، ويكون سقوط العضوية في هذه الحالة بقرار مسبب يصدره المجمع بأغلبية الثلثين من أعضائه ويعتمده الوزير المختص.
(ج) إذا عجز العضو عن مباشرة أعماله لمرض أو لظروف أخرى، ويكون سقوط العضوية في هذه الحالة بقرار جمهوري بعد موافقة المجمع.
(د) إذا تقرر قبول استقالته، أو اعتبره المجمع مستقيلا بتخلفه عن حضور جلسات المجمع، وفقا لما تفصله اللائحة التنفيذية لهذا القانون.(2/206)
مادة 31إذا خلا مكان عضو من أعضاء المجمع لأي سبب من الأسباب السابقة أو غيرها، انتخب المجمع العضو الذي يخلفه من بين المرشحين للعضوية ويتم الترشيح بتزكية اثنين من الأعضاء، ولا تكون جلسة الانتخاب صحيحة إلا إذا حضرها الثلثان على الأقل من أعضاء المجمع، ويكون انتخاب المرشح صحيحا إذا حصل على أكثرية أصوات الحاضرين بشرط ألا يقل عددهم عن نصف العدد الكلي لأعضاء المجمع ويكون التصويت سريا، ويصدر باعتماد العضوية قرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص.
مادة 32يحدد الجدول الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون مكافآت المتفرغين وغير المتفرغين من أعضاء المجمع، كما يحدد مكافآت أعضاء اللجان من غير أعضاء المجمع الذين قد يستعان بهم لخبرتهم.
61885 - جامعة الأزهر
مادة 33تختص جامعة الأزهر بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر وبالبحوث التي تتصل بهذا التعليم أو تترتب عليه وتقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره. وتؤدي رسالة الإسلام إلى الناس وتعمل على إظهار حقيقته وأثره في تقدم البشر وكفالة السعادة لهم في الدنيا وفي الآخرة كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري والروحي للأمة العربية. وتعمل على تزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح والتفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة، والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أنواع النشاط، والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة، وعالم الدنيا للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، في داخل الجمهورية العربية المتحدة
وخارجها من أبناء الجمهورية وغيرهم كما تعنى بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية.(2/207)
مادة 33تختص جامعة الأزهر بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر وبالبحوث التي تتصل بهذا التعليم أو تترتب عليه وتقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره. وتؤدي رسالة الإسلام إلى الناس وتعمل على إظهار حقيقته وأثره في تقدم البشر وكفالة السعادة لهم في الدنيا وفي الآخرة كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري والروحي للأمة العربية. وتعمل على تزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح والتفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة، والربط بين العقيدة والسلوك، وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أنواع النشاط، والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة، وعالم الدنيا للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، في داخل الجمهورية العربية المتحدة
وخارجها من أبناء الجمهورية وغيرهم كما تعنى بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية.
مادة 34تتكون جامعة الأزهر من الكليات الآتية:
1 - كليات للدراسات الإسلامية تحدد عددها اللائحة التنفيذية.
2 - كلية الدراسات العربية.
3 - كلية المعاملات والإدارة.
4 - كلية الهندسة والصناعات.
5 - كلية الزراعة.
6 - كلية الطب.
ويجوز إنشاء كليات أخرى أو معاهد عالية بقرار من رئيس الجمهورية.
وتتكون كل كلية من عدد من الأقسام العملية يتولى كل قسم منها تدريس المواد التي تدخل في إختصاصه ويقوم على بحوثها في الكلية أو في غيرها من كليات الجامعة ومعاهدها وتعين هذه الأقسام بقرار من الوزير المختص.
ولا يجوز أن تتكرر الأقسام المتماثلة في كليات الجامعة.
وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون الأقسام التي تتبع كل كلية من هذه الكليات وأنواع الدراسات بها والدرجات العلمية التي تمنحها الجامعة من هذه الكليات.
مادة 35يجوز أن تنشأ بقرار من الوزير المختص معاهد تابعة للكليات إذا كانت الدراسة فيها تتصل بأكثر من قسم من الأقسام، وتسرى على هذه المعاهد الأحكام الخاصة بأقسام الكلية.(2/208)
مادة 36يجوز أن تلحق بكليات الجامعة أو بعضها مدارس تعليمية لمواد أو دراسات تتصل بأغراض الأزهر، مثل مدرسة تجويد القرآن الكريم وتعليم القراءات، أو أقسام الإرشاد العامة المنشأة لمراجعة حاجات الذين يريدون التزويد من المعارف الدينية والعربية وغيرها من فئات الشعب. ولا تنطبق على هذه المدارس والأقسام شروط الدراسة الجامعية، وتحدد اللائحة التنفيذية نظام العمل بها.
مادة 37اللغة العربية هي لغة التعليم في جامعة الأزهر، ما لم يقرر مجلس الجامعة في أحوال خاصة استعمال لغة أخرى.
مادة 38تتساوى فرص القبول للتعليم بالمجان في كليات الجامعة ومعاهدها المختلفة للطلاب المسلمين من كل جنس وكل بلد، في حدود الإمكانيات والميزانية والأعداد المقرر قبولها، وفقا لما تقضي به اللائحة التنفيذية.
وتنظم الدراسات الخاصة لطلاب البعوث من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة، ليتأهلوا لمتابعة الدراسة في الكليات والمعاهد مع نظرائهم من الطلاب العرب.
مادة 39يتولى إدارة جامعة الأزهر:
1 - مدير جامعة الأزهر.
2 - مجلس الجامعة.
مادة 40يتولى إدارة كل كلية:
1 - عميد الكلية.
2 - مجلس الكلية.
مادة 41يكون تعيين مدير الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على ترشيح الوزير المختص واقتراح شيخ الأزهر ويشترط فيه أن يكون
قد شغل أحد كراسي الأستاذية بجامعة الأزهر أو إحدى الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة.(2/209)
مادة 41يكون تعيين مدير الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على ترشيح الوزير المختص واقتراح شيخ الأزهر ويشترط فيه أن يكون
قد شغل أحد كراسي الأستاذية بجامعة الأزهر أو إحدى الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة.
مادة 42يتولى مدير الجامعة إدارة شئون الجامعة العلمية والإدارية والمالية. وهو الذي يمثلها أمام الهيئات الأخرى، وهو مسئول عن تنفيذ القوانين واللوائح في الجامعة وقرارات مجلس الجامعة في حدود هذه القوانين واللوائح وله في حالة الإخلال بالنظام أن يقف الدراسة كلها أو بعضها. على أن يعرض قرار الوقف على مجلس الجامعة خلال ثلاثة أيام.
مادة 43يقدم مدير الجامعة إلى شيخ الأزهر في نهاية كل سنة جامعية تقريرا عن شئون التعليم والبحوث العلمية وسائر نواحي النشاط الأخرى بالجامعة.
مادة 44يكون لجامعة الأزهر وكيل يعاون المدير في إدارة شئونها العلمية والإدارية والمالية، ويقوم مقامه عند غيابه. ويكون تعيين وكيل الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص واقتراح مدير الجامعة وموافقة شيخ الأزهر. ويشترط فيه أن يكون قد شغل أحد كراسي الأستاذية بجامعة الأزهر أو بإحدى الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة.
مادة 45يكون للجامعة أمين يعين بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص بعد استطلاع رأي مدير الجامعة.
مادة 46يدير الأمين العام للجامعة الأعمال المالية والإدارية بالجامعة تحت إشراف مدير الجامعة ووكيلها، ويكون مسئولا عن تنفيذ القوانين واللوائح في حدود اختصاصه.
مادة 47يتكون مجلس جامعة الأزهر على الوجه الآتي:
مدير الجامعة: وله رياسة المجلس.(2/210)
وكيل الجامعة.
عمداء الكليات.
ممثل لوزارة التربية والتعليم يختاره الوزير من بين كبار موظفيها.
ثلاثة أعضاء على الأكثر من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية يرشحهم المجمع ويصدر بتعينهم قرار من الوزير المختص، وذلك لمدة سنتين.
ثلاثة أعضاء على الأكثر من ذوى الخبرة في شئون التعليم الجامعي والشؤون العامة المتعلقة به، يعينون بقرار من الوزير المختص وذلك لمدة سنتين.
مادة 48يختص مجلس جامعة الأزهر بالنظر في الأمور الآتية:
1 - وضع خطط الدراسة.
2 - وضع النظام العام للدروس والمحاضرات والبحوث والأشغال العلمية وتوزيع الدروس والمحاضرات بالكليات.
3 - تعيين مدة الدراسة ومدة الامتحان ومدة العطلة.
4 - شروط قبول الطلاب في الجامعة ونظام تأديبهم.
5 - المكافات والإعانات المالية على اختلاف أنواعها.
6 - إدارة حركة الامتحانات وتشمل مدة اشتغال الممتحنين ولجان الامتحان ومقدار مكافآتهم وكيفية تعيينهم وواجباتهم.
7 - منح الدرجات العلمية والشهادات.
8 - تنظيم الشئون الاجتماعية للطلاب.
9 - وضع اللوائح الخاصة بالمتاحف والمكتبات ومساكن الطلاب وغيرها من المنشآت الجامعية.(2/211)
10 - تتبع النشاط العلمي للكليات والمعاهد والتنسيق بين الدراسات والبحوث القائمة بها.
11 - تنظيم البحث العلمي وتوفير الإمكانيات اللازمة له.
12 - إنشاء كراسي الأستاذية.
13 - تعيين أعضاء هيئات التدريس بالجامعة ونقلهم وإيفادهم للمهمات العلمية.
14 - ندب أعضاء هيئة التدريس وإعارتهم.
15 - إعداد مشروعات الميزانية والحساب الختامي.
16 - إقامة أبنية الجامعة وترميمها.
17 - منح العالمية الفخرية للجامعة أو إحدى كلياتها بناء على اقتراح مجلسها وبموافقة المجلس الأعلى للأزهر، ويصدر بذلك قرار من رئيس الجمهورية.
18 - إبداء الرأي فيما يتعلق بجميع مسائل التعليم في درجاته المختلفة.
19 - الترخيص لمدير الجامعة في إجراء التصرفات القانونية.
20 - وقف الدراسة بالكليات ومعاهد الجامعة.
21 - الموضوعات التي يحيلها عليه الوزير المختص أو شيخ الأزهر.
22 - الموضوعات الأخرى التي تتصل باختصاص الجامعة وفقا لهذا القانون.(2/212)
يؤلف مجلس الجامعة بين أعضائه ومن غيره من أعضاء هيئة التدريس والمتخصصين لجانا فنية دائمة أو مؤقتة لبحث الموضوعات التي تدخل في اختصاصه.
مادة 49لمجلس الجامعة أن يلغي القرارات الصادرة من مجالس الكليات أو المعاهد التابعة للجامعة إذا كانت مخالفة للقوانين واللوائح أو القرارات التنظيمية التي تعمل بها الجامعة.
مادة 50لا تنفذ قرارات مجلس الجامعة فيما يحتاج تنفيذه في هذا القانون أو في اللائحة التنفيذية الى تصديق من شيخ الأزهر أو من الوزير المختص إلا بعد صدور قرار التصديق. فإذا لم يصدر قرار في شأنها خلال الستين يوما التالية لتاريخ وصولها مستوفاة إلى مكتبه تكون نافذة.
مادة 51يعين الوزير المختص عميد الكلية من بين أساتذة الكلية بناء على ترشيح مدير الجامعة وموافقة شيخ الأزهر، ويكون العميد مسئولا عن تنفيذ القوانين واللوائح الجامعية، وكذلك عن تنفيذ قرارات مجلس الكلية ومجلس الجامعة، في حدود هذه القوانين واللوائح، ويقدم العميد إلى مدير الجامعة في كل سنة جامعية تقريرا عن شئون التعليم والبحوث العلمية وسائر نواحي النشاط بالكلية.
مادة 52يكون لكل كلية وكيل يعاون العميد في أعماله ويقوم مقامه عند غيابه، ويكون تعيينه من بين أساتذة الكلية بترشيح من العميد وقرار من مجلس الجامعة.
مادة 53يكون تعيين كل من العميد والوكيل لمدة سنتين.
مادة 54يؤلف مجلس الكلية من:
عميد الكلية.
رؤساء الأقسام بالكلية.
أحد الأساتذة من كل قسم.(2/213)
وللوزير المختص بناء على اقتراح الجامعة ان يضم إلى مجلس الكلية عضوا أو عضوين من الخارج ممن لهم دراية خاصة في المواد التي تدرس في الكلية، ويكون التعيين لمدة سنتين.
وتكون رياسة المجلس لعميد الكلية وعند غيابه للوكيل.
ويشترك رؤساء الأقسام التي تقوم بأعباء التدريس بكلية غير الكلية التابعة لها في مجلس هذه الكلية عند النظر في المسائل الداخلة في اختصاص أقسامها.
مادة 55يختص مجلس الكلية بالنظر في الأمور الآتية:
1 - وضع القواعد المتعلقة بمواظبة الطلاب ونظام الدروس والمحاضرات والأعمال الجامعية الأخرى.
2 - وضع مناهج الدراسة وبرامجها والتنسيق بينها في الأقسام المختلفة وتوزيع الدروس والمحاضرات على أعضاء هيئة التدريس.
3 - تنظيم البحوث العلمية وتنسيقها بين أقسام الكلية.
4 - وضع نظام الامتحان وتوزيع أعماله على هيئة الممتحنين.
5 - تقديم اقتراحاته إلى مجلس الجامعة بخطط الدراسة ومواعيد الامتحان وشروط منح الدرجات العلمية الدبلومات والشهادات.
6 - رعاية الشئون الاجتماعية والرياضية للطلاب.
7 - تقديم ما يراه من الاقتراحات إلى مجلس الجامعة في شأن التعليم والنظام في الكلية.
8 - الأمور الأخرى التي يختص بها وفقا للقانون.
ويؤلف المجلس من بين أعضائه وغيرهم من أعضاء هيئة التدريس والمتخصصين لجانا فنية دائمة أو مؤقتة لدراسة الموضوعات التي تدخل في اختصاصه.(2/214)
مادة 56أعضاء هيئة التدريس في الجامعة هم:
(1) الأساتذة.
(ب) الأساتذة المساعدون.
(ج) المدرسون.
وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون شروط تعيينهم ونقلهم وندبهم وإعارتهم وإجازاتهم العلمية والإجازات الاعتيادية والمرضية وغير ذلك من شئون الوظيفة، كما تحدد اللائحة واجباتهم والنظم التأديبية الخاصة بهم وجدول مرتباتهم.
مادة 57يجوز أن يعين في هيئة التدريس مسلمون من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة ممن تؤهلهم كفايتهم لذلك لمدة معينة ويكون التعيين بقرار من الوزير المختص بناء على طلب الجامعة.
مادة 58يجوز الاستعانة بأساتذة مسلمين من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة بصفة زائرين لمدة معينة ويكون ذلك بقرار من مدير الجامعة بناء على طلب الكلية المختصة.
مادة 59يجوز أن يعين مدرسو لغات وموظفون فنيون مسلمون من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة لمدة معينة ويكون تعيينهم بقرار من مدير الجامعة بناء على طلب الكلية المختصة.
مادة 60يجوز أن يعين في الكلية معيدون يقومون بالدراسات والبحوث العلمية وبما يعهد إليهم القسم المختص من التمرينات والدروس العملية وسواها من الأعمال تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس وبالأعمال الأخرى التي يكلفهم بها العميد وتحدد اللائحة التنفيذية شروط تعيينهم.
مادة 61مرتبات مدير الجامعة ووكيلها وأعضاء هيئة التدريس
والمعيدين وقواعد تطبيقها ومكافآت الأساتذة غير المتفرغين يحددها الجدول الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون.(2/215)
مادة 61مرتبات مدير الجامعة ووكيلها وأعضاء هيئة التدريس
والمعيدين وقواعد تطبيقها ومكافآت الأساتذة غير المتفرغين يحددها الجدول الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون.
مادة 62مع مراعاة أحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية:
(أ) يطبق مجلس الجامعة دون الرجوع إلى وزارة الخزانة أو ديوان الموظفين اللوائح الخاصة بأعضاء هيئة التدريس، وتكون قراراته في ذلك نهائية ونافذة.
(ب) يطبق مدير الجامعة دون الرجوع الى وزارة الخزانة أو ديوان الموظفين القواعد المالية العامة المعمول بها في حق جميع الموظفين والمستخدمين في الدولة على المعيدين وعلى سائر الموظفين بالجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس، إلا أنه في الحالات التي توجب القوانين إصدار قرار من رئيس الجمهورية يتعين إرسال القرارات إلى الوزير المختص لاتخاذ اللازم في شأنها.
مادة 63للجامعة في حالة الضرورة التجاوز عن شرط الحصول على شهادة الدراسة الثانوية العامة أو ما يعادلها عند التعيين في وظائف مدرسي اللغات إذا كانت لدى المرشح إجازات علمية أخرى تعتبر كافية بالنسبة إلى الوظيفة التي سيعين فيها.
مادة 64لمدير الجامعة إعفاء الموظفين من شروط اللياقة الطبية كلها أو بعضها بعد أخذ رأي اللجنة الطبية العامة «القومسيون الطبي العام».
مادة 65تكون الإجازات الاعتيادية السنوية لموظفي الجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس في أثناء العطلة الصيفية فيما عدا المعاهد التي تكون طبيعة العمل فيها مختلفة فتحدد الإجازات في هذه الحالة بقرار من
مدير الجامعة بعد أخذ رأي عميد الكلية المختص.(2/216)
مادة 65تكون الإجازات الاعتيادية السنوية لموظفي الجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس في أثناء العطلة الصيفية فيما عدا المعاهد التي تكون طبيعة العمل فيها مختلفة فتحدد الإجازات في هذه الحالة بقرار من
مدير الجامعة بعد أخذ رأي عميد الكلية المختص.
ويجوز منح الموظف إجازة اعتيادية بمرتب كامل لتأدية فريضة الحج وذلك مرة واحدة خلال مدة خدمته.
مادة 66فيما عدا أعضاء هيئة التدريس في كليات الجامعة، ومع مراعاة أحكام هذا القانون يطبق على الموظفين في الأزهر بجميع هيئاته القانون رقم 210لسنة 1951بشأن نظام موظفي الدولة في الإقليم المصري والقوانين المعدة له.
وذلك فيما يختص بتعيينهم وتأديبهم وإنهاء خدمتهم وإجازاتهم وترقياتهم وغير ذلك من شئونهم الوظيفية، ويكون للأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر وللأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية وللأمين العام للجامعة، ولمدير الثقافة والبعوث الإسلامية ولمدير المعاهد الأزهرية سلطة مدير المصلحة بالنسبة للموظفين التابعين لكل منهم ولوكيل الجامعة سلطة وكيل الوزارة بالنسبة للموظفين التابعين له ولمدير الجامعة سلطة الوزير فيما يختص بموظفي الجامعة طبقا لما تحدده اللائحة التنفيذية.
مادة 67إذا نسب إلى أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة ما يوجب التحقيق معه طلب مدير الجامعة إلى أحد أعضاء هيئة التدريس بإحدى الكليات او طلب إلى النيابة الإدارية مباشرة التحقيق ويقدم عن التحقيق تقرير إلى مدير الجامعة، وإلى الوزير المختص إذا طلبه ويحيل مدير الجامعة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إن رأى محلا لذلك.
مادة 68لمدير الجامعة أن يوقف أي عضو من أعضاء هيئة
التدريس عن عمله احتياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك. ولا يجوز أن تزيد مدة الوقف على ثلاثة أشهر إلا بقرار من المحكمة التأديبية ويترتب على وقف عضو هيئة التدريس عن عمله وقف صرف مرتبه ابتداء من اليوم الذي أوقف فيه، ما لم يقرر مجلس التأديب صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقتة إلى أن يقرر عند الفصل في الدعوة التأديبية ما يتبع في شأن المرتب عن مدة الوقف سواء بحرمان عضو هيئة التدريس منه أو بصرفه إليه كله أو بعضه.(2/217)
مادة 68لمدير الجامعة أن يوقف أي عضو من أعضاء هيئة
التدريس عن عمله احتياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك. ولا يجوز أن تزيد مدة الوقف على ثلاثة أشهر إلا بقرار من المحكمة التأديبية ويترتب على وقف عضو هيئة التدريس عن عمله وقف صرف مرتبه ابتداء من اليوم الذي أوقف فيه، ما لم يقرر مجلس التأديب صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقتة إلى أن يقرر عند الفصل في الدعوة التأديبية ما يتبع في شأن المرتب عن مدة الوقف سواء بحرمان عضو هيئة التدريس منه أو بصرفه إليه كله أو بعضه.
مادة 69يعلن مدير الجامعة عضو هيئة التدريس المحال إلى مجلس التأديب ببيان التهم الموجهة إليه وبصورة من تقرير التحقيق وذلك بكتاب موصي عليه مصحوب بعلم وصول قبل الجلسة المعنية للمحاكمة بعشرين يوما على الأقل.
مادة 70لعضو هيئة التدريس المحال إلى مجلس التأديب الإطلاع على التحقيقات التي أجريت وذلك في الأيام التي يعينها له مدير الجامعة.
مادة 71تكون محاكمة أعضاء هيئة التدريس بجميع درجاتهم أمام مجلس تأديب يشكل من:
وكيل الجامعة رئيسا.
مستشار من مجلس الدولة.
أستاذ من إحدى كليات الجامعة يعينه مجلس الجامعة سنويا.
ويحل أقدم العمداء محل وكيل الجامعة عند غيابه.
وتسرى بالنسبة للمحاكمة أحكام القانون رقم 117لسنة 1958على أن تراعي بالنسبة للتحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب أحكام المادة 76 من ذلك القانون.(2/218)
مادة 72العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على أعضاء هيئة التدريس هي:
1 - الإنذار
2 - توجيه اللوم
3 - توجيه اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة.
4 - العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة.
5 - العزل مع الحرمان من كل أو بعض المعاش أو المكافأة وفقا للقوانين واللوائح المعمول بها في هذا الشأن.
وكل فعل يزرى بشرف عضو هيئة التدريس أو لا يلائم صفته كعالم مسلم أو يتعارض مع حقائق الإسلام. أو يمس دينه ونزاهته يكون جزاؤه العزل.
مادة 73تقضى الدعوى التأديبية باستقالة عضو هيئة التدريس وقبول مجلس الجامعة لها وموافقة الوزير المختص وذلك فيما عدا الحالات التي نصت عليها القوانين واللوائح الخاصة بالمخالفات المالية ولا تأثير للدعوى التأديبية في الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الناشئتين عن الواقعة ذاتها.
مادة 74لمدير الجامعة أن يوجه تنبيها إلى أعضاء هيئة التدريس الذين يخلون بواجباتهم أو يتصرفون تصرفا لا يلائم صفتهم كعلماء مسلمين، ويكون التنبيه شفهيا أو كتابيا وله توقيع عقوبتى الإنذار وتوجيه اللوم المنصوص عليهما في المادة 72، أو يطلب نقلهم إلى وظائف أخرى خارج نطاق الأزهر وذلك كله بعد سماع أقوال عضو هيئة التدريس وتحقيق دفاعه. ويكون قراره في ذلك مسببا ونهائيا وعلى عميد كل كلية أن يبلغ مدير الجامعة كل ما يقع من أعضاء هيئة التدريس في كليته من إخلال بواجباتهم أو بمقتضيات وظيفتهم.
مادة 75تمنح جامعة الأزهر الدرجات العلمية الآتية وفقا لأحكام اللائحة التنفيذية:(2/219)
مادة 74لمدير الجامعة أن يوجه تنبيها إلى أعضاء هيئة التدريس الذين يخلون بواجباتهم أو يتصرفون تصرفا لا يلائم صفتهم كعلماء مسلمين، ويكون التنبيه شفهيا أو كتابيا وله توقيع عقوبتى الإنذار وتوجيه اللوم المنصوص عليهما في المادة 72، أو يطلب نقلهم إلى وظائف أخرى خارج نطاق الأزهر وذلك كله بعد سماع أقوال عضو هيئة التدريس وتحقيق دفاعه. ويكون قراره في ذلك مسببا ونهائيا وعلى عميد كل كلية أن يبلغ مدير الجامعة كل ما يقع من أعضاء هيئة التدريس في كليته من إخلال بواجباتهم أو بمقتضيات وظيفتهم.
مادة 75تمنح جامعة الأزهر الدرجات العلمية الآتية وفقا لأحكام اللائحة التنفيذية:
أولا: درجة الإجازة العالية للكليات، وتعادل الليسانس أو البكالوريوس في الجامعات الأخرى بالجمهورية العربية المتحدة.
ثانيا: درجة التخصص في دراسة من الدراسات المقررة في إحدى الكليات وتعادل درجة الماجستير.
ثالثا: درجة العالمية في أي الدراسات الإسلامية أو العربية من إحدى كليات الدراسات الإسلامية والدراسات العربية للحاصلين على الإجازة العالية منهما أو من غيرها من الكليات: وتعادل درجة الدكتوراه.
رابعا: درجة العالمية أو الدكتوراه في أي الدراسات العليا من أي الكليات الأخرى.
مادة 76تبين اللائحة التنفيذية تفصيل الدرجات العلمية والإجازات التي تمنحها جامعة الأزهر والشروط اللازمة للحصول على كل منها، ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية التعديل في الدرجات العلمية بالإضافة أو بالحذف ويكون ذلك بناء على عرض الوزير المختص وبعد أخذ رأي مجلس الجامعة وموافقة المجلس الأعلى للأزهر فيما يخصه.
مادة 77تبين اللائحة التنفيذية مناهج الدراسة والمقررات التي تدرس لنيل الدرجات العلمية والإجازات والشهادات التي تمنحها جامعة الأزهر كما تبين كيفية توزيعها على سنى الدراسة وفصولها الدراسية.
ولمجلس الجامعة بناء على طلب الكلية أو المعهد وموافقة المجلس الأعلى للأزهر فيما يخصه أن يعدل في هذه المناهج والمقررات بالإضافة أو بالحذف إذا اقتضت مصلحة التعليم ذلك.
مادة 78تنظم اللائحة التنفيذية الامتحانات، ولا تمنح الدرجات
العلمية أو الإجازات العالية أو الشهادات إلا من نجح في جميع الامتحانات المقررة لكل منها.(2/220)
مادة 78تنظم اللائحة التنفيذية الامتحانات، ولا تمنح الدرجات
العلمية أو الإجازات العالية أو الشهادات إلا من نجح في جميع الامتحانات المقررة لكل منها.
مادة 79يشترط لنجاح الطالب في الإمتحانات أن ترضى لجنة الإمتحانات عن فهمه وتحصيله في كل مقررات الدراسة، وذلك وفقا لأحكام اللائحة التنفيذية.
مادة 80لمجلس الجامعة بناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد أن يعفى طالب الإجازة العالية من المقررات الدراسية كلها أو بعضها عدا مقررات السنة النهائية، إذا ثبت أنه حضر مقررات دراسية تعادلها في كلية جامعية أو معهد عال معترف بهما من الجامعة.
وللمجلس أن يعفيه كذلك من امتحانات النقل كلها أو بعضها إذا ثبت أنه أدى بنجاح امتحانات تعادلها في كلية أو معهد عال معترف بهما من الجامعة.
وللمجلس أن يعفى طالب الدراسات العليا من بعض المقررات الدراسية ومن امتحاناتها إذا ثبت أنه حضر مقررات مماثلة في كلية جامعية أو معهد عال معترف بهما أو أدى بنجاح الإمتحانات المقررة.
مادة 81يشترط في قيد الطالب للتحضير لدرجة التخصص أو لدرجة العالمية أن يحصل على إذن من مجلس الكلية في متابعة الدراسات والبحوث الخاصة بالدرجة.
مادة 82يشترط في رسالة العالمية: «الدكتوراه» أن تكون عملا ذا قيمة علمية يشهد للطالب بكفايته الشخصية في بحوثه ودراساته ويأتي للعلم بفائدة محققة.
ويشترك مجمع البحوث الإسلامية في الموضوعات التي تتصل بإختصاصه.(2/221)
مادة 83تلحق بالأزهر المعاهد الأزهرية المذكورة في اللائحة التنفيذية، ويجوز أن تنشأ معاهد أخرى بقرار من الوزير المختص بعد موافقة المجلس الأعلى للأزهر.
وتسمى الأقسام الإبتدائية منها المعاهد الاعدادية للأزهر وتسمى الأقسام الثانوية المعاهد الإعدادية للأزهر.
مادة 84تقوم مدارس تحفيظ القرآن مقام مدارس الأولى بالنسبة للطلاب المتقدمين إلى المعاهد الإعدادية للأزهر.
وتحدد اللائحة التنفيذية نظام القبول وشروطه بالنسبة للمتقدمين من تلاميذ هذه المدارس ومن غيرها.
مادة 85الغرض من المعاهد الأزهرية الملحقة بالأزهر تزويد تلاميذها بالقدر الكافي من الثقافة الإسلامية، وإلى جانبها المعارف والخبرات التي يتزود بها نظراؤهم في المدارس الأخرى المماثلة ليخرجوا إلى الحياة مزودين بوسائلها وإعدادهم الإعداد الكامل للدخول في كليات جامعة الأزهر ولتتهيأ لهم جميعا فرص متكافئة في مجال العمل والإنتاج، كما تتهيأ لهم الفرص المتكافأة للدخول في كليات الجامعات الأخرى في الجمهورية العربية المتحدة وسائر الكليات ومعاهد التعليم العالي.
مادة 86مدة الدراسة في المعاهد الإعدادية للأزهر أربع سنوات، يعد فيها التلميذ إلى جانب ما يحصل من علوم الدين واللغة للحصول على الشهادة الإعدادية العامة أو الفنية.
مادة 87مدة الدارسة في المعاهد الثانوية في الأزهر خمس سنوات يعد فيها التلميذ إلى جانب ما يحصل من علوم الدين واللغة للحصول على الشهادة الثانوية العامة بأحد قسميها العلمي والأدبي، أو
للحصول على الشهادة الثانوية الفنية بأحد أنواعها الصناعى والتجارى والزراعى وغيرها.(2/222)
مادة 87مدة الدارسة في المعاهد الثانوية في الأزهر خمس سنوات يعد فيها التلميذ إلى جانب ما يحصل من علوم الدين واللغة للحصول على الشهادة الثانوية العامة بأحد قسميها العلمي والأدبي، أو
للحصول على الشهادة الثانوية الفنية بأحد أنواعها الصناعى والتجارى والزراعى وغيرها.
ويجوز أن تعدل مدة الدراسة في الأقسام الثانوية الفنية بالزيادة أو بالنقص بقرار من رئيس الجمهورية.
مادة 88للحاصلين على الشهادة الإعدادية من المعاهد الإعدادية للأزهر حق الدخول في المعاهد الثانوية للأزهر ولهم إلى جانب ذلك فرص متكافئة مع نظرائهم للتقدم إلى المدارس الأخرى التي تجعل الشهادة الإعدادية شرطا للقبول.
وتحدد وزارة التربية والتعليم مدى التجاوز عن شرط السن بالنسبة لهؤلاء التلاميذ على أن يوضح ذلك في اللائحة التنفيذية كما يجوز للحاصلين على الشهادة الإعدادية من المدارس الإعدادية العامة أن يطلبوا الالتحاق بالمعاهد الثانوية بالأزهر بعد النجاح في امتحان يحقق التعادل بينهم وبين الحاصلين على الشهادة الإعدادية من المعاهد الإعدادية للأزهر.
مادة 89للحاصلين على الشهادة الثانوية من المعاهد الثانوية للأزهر حق الدخول في إحدى كليات جامعة الأزهر ومعاهدها وفق قواعد القبول التي يقررها مجلس الجامعة، ولهم إلى ذلك فرص متكافئة مع نظرائهم للتقدم إلى الكليات المختلفة في الجامعات الأخرى، وإلى سائر الكليات ومعاهد التعليم العالي وفقا للقواعد المقررة لذلك. كما يجوز للحاصلين على الشهادة العامة من المدارس الثانوية العامة أن يطلبوا الالتحاق بإحدى كليات جامعة الأزهر ومعاهدها بعد النجاح في امتحان يحقق التعادل بينهم وبين الحاصلين على الشهادة الثانوية من المعاهد الثانوية للأزهر.
مادة 90مع مراعاة أحكام المواد 85، 86، 87، 88، 89من
هذا القانون تحدد اللائحة التنفيذية المواد التي تدرس في كل من المعاهد الإعدادية والثانوية للأزهر بناء على اقتراح لجنة من الأزهر ووزارة التربية والتعليم. كما تحدد اللائحة التنفيذية شروط القبول والنظام العام للدراسة والإمتحانات في هذه المعاهد.(2/223)
مادة 90مع مراعاة أحكام المواد 85، 86، 87، 88، 89من
هذا القانون تحدد اللائحة التنفيذية المواد التي تدرس في كل من المعاهد الإعدادية والثانوية للأزهر بناء على اقتراح لجنة من الأزهر ووزارة التربية والتعليم. كما تحدد اللائحة التنفيذية شروط القبول والنظام العام للدراسة والإمتحانات في هذه المعاهد.
مادة 91يكون للمعاهد للأزهرية إدارة عامة مهمتها الإشراف والإدارة وعلى وزارة التربية والتعليم تقديم المعونة اللازمة في هذا الشأن مع الاستعانة بالأجهزة المختصة بوزارة التربية والتعليم. وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون مهمة هذه الإدارة ونظام العمل بها واختصاصات مديرها وموظفيها ووسائل التعاون بينها وبين وزارة التربية والتعليم.
مادة 92تشكل لجنة من الأزهر ووزارة التربية والتعليم لوضع المناهج وتخطيط المواد الدراسية في المعاهد الأزهرية وفقا لأحكام هذا القانون وتحدد اللائحة التنفيذية نظام العمل في هذه اللجنة.
مادة 93تجري الإدارة العامة للمعاهد الأزهرية بالإشتراك مع وزارة التربية والتعليم امتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية بأنواعها المختلفة في المعاهد الأزهرية.
مادة 94إلى أن يتم تنفيذ هذا القانون ويتعادل خريجو الأقسام الإبتدائية والثانوية بالمعاهد الأزهرية مع نظرائهم من خريجي المدارس الإعدادية والثانوية تنظم دراسات إضافية للتلاميذ المقيدين في هذه الأقسام حين صدور هذا القانون لتأهيلهم لدخول امتحانات معادلة للشهادة الإعدادية بالنسبة لتلاميذ الأقسام الإبتدائية للمعاهد الأزهرية وللشهادة الثانوية العامة أو الفنية بالنسبة لتلاميذ الأقسام الثانوية لهذه المعاهد.
وعلى وزارة التربية والتعليم أن تعاون في تنظيم هذه الدراسات وأن تعد العدة لعمل امتحانات المعادلة المشار إليها في ختام العام الدراسي 1961/ 1962.(2/224)
ومع ذلك فإن من حق كل حاصل على إحدى الشهادتين الإبتدائية أو الثانوية من هذه الأقسام دخول إمتحانات المعادلة المشار إليها وفقا للنظام الذي تحدده اللائحة التنفيذية وينتهي العمل بهذا النظام بانتهاء العام الدراسي 1965/ 1966.
مادة 95يستمر قبول التلاميذ الحاصلين على الشهادة الإبتدائية من الأقسام الإبتدائية في المعاهد الأزهرية هذا العام في الأقسام الثانوية بهذه المعاهد وفقا للنظام الذي تحدده اللائحة التنفيذية وتعدل مناهج الدراسة بالنسبة لهؤلاء التلاميذ، وللتلاميذ المعيدين بالسنة الأولى بالأقسام الثانوية على الوجه الذي يحقق التعادل في آخر المرحلة.
مادة 96ابتداء من العام الدراسي 1962/ 1963وإلى ابتداء العام الدراسي 1966/ 1967يكون للتلاميذ الحاصلين على معادلة الشهادة الإعدادية أو معادلة الشهادة الثانوية المشار إليهما في المادتين السابقتين كل الحقوق المقررة للحاصلين على الشهادة الإعدادية أو الشهادة الثانوية سواء في القبول بالمدارس والكليات الجامعية ومعاهد التعليم العالي، أو في غير ذلك من الحقوق المقررة باللوائح والقوانين والقرارات، مع التجاوز عن شرط السن إلى سنتين بالنسبة للحاصلين على معادلة الإعدادية وإلى ثلاث سنوات بالنسبة للحاصلين على معادلة الثانوية أو طبقا لما تحدد اللائحة التنفيذية.
مادة 97الطلاب المقيدون في كليات الأزهر الحالية، والذين ينتظر قيدهم في أول الموسم الدراسي 1961/ 1962، تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون النظام الذي يتبع الملائمة بين وضعهم وبين مقتضيات تطبيق هذا القانون.
ومع ذلك فإنه يجوز أن تزاد سنة الدراسة بالنسبة للطلاب المقيدين حاليا في كليات الأزهر سنة أو سنتين بصفة مؤقتة لتحقيق هذه الملاءمة.
كما يجوز للحاصلين على الشهادة العالية من كليات الأزهر الحالية أن
ينتظموا في دراسات عليا في جامعة الأزهر الجديدة للحصول على درجة التخصص أو العالمية، والذين يحصلون منهم على إحدى هاتين الدرجتين او كلتيهما مثل الحقوق المخولة للحاصلين عليهما أو على الماجستير أو الدكتوراه من جامعات الجمهورية العربية المتحدة.(2/225)
كما يجوز للحاصلين على الشهادة العالية من كليات الأزهر الحالية أن
ينتظموا في دراسات عليا في جامعة الأزهر الجديدة للحصول على درجة التخصص أو العالمية، والذين يحصلون منهم على إحدى هاتين الدرجتين او كلتيهما مثل الحقوق المخولة للحاصلين عليهما أو على الماجستير أو الدكتوراه من جامعات الجمهورية العربية المتحدة.
مادة 98يحتفظ للعلماء الموظفين الآن وللمدرسين في أقسام الأزهر المختلفة وفي المعاهد الأزهرية وأعضاء هيئات التدريس في كليات الأزهر الحالية وأعضاء جماعة كبار العلماء، كما يحتفظ بأصحاب الحقوق من أولاد العلماء وللطلاب في الكليات والمعاهد الأزهرية والأقسام العامة بكل الحقوق المالية المقررة لهم قبل صدور هذا القانون سواء في المرتبات أو في المعاشات أو في الأوقاف أو في مدة الخدمة بالنسبة للموظفين، أو غير ذلك. على أن تتضمن اللائحة التنفيذية لهذا القانون تحديد كل ما يتعلق بهذه الحقوق بالنسبة للذين يعينون في الوظائف أو يلتحقون بأقسام الدراسة المختلفة مستقبلا.
مادة 99تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون المسائل الآتية وغيرها مما وردت الإشارة إليه في هذا القانون:
1 - اختصاصات شيخ الأزهر، ووكيل الأزهر، ومدير جامعة الأزهر، ووكيل جامعة الأزهر، وعمداء الكليات، والأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر، والأمين العام للجامعة، ومدير الثقافة والبعوث الإسلامية، ومدير المعاهد الأزهرية، والمجالس المختلفة، وذلك في الحدود المبينة في هذا القانون.
2 - جدول المرتبات والمكافآت لشيخ الأزهر ووكيل الأزهر وأعضاء المجلس الأعلى للأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية.
3 - كيفية إدارة أموال جامعة الأزهر.
4 - شروط قبول الطلاب في الجامعة.(2/226)
5 - نظام تأديب الطلاب.
6 - كل ما يتعلق بالمنح والمكافآت والإعانة الخاصة بالطلاب.
7 - مناهج الدراسة.
8 - مدة الدراسة ومدة الإمتحان ومدة العطلة.
9 - الدرجات العلمية والشهادات التي تمنحها الجامعة وشروط كل منها.
10 - القواعد العامة للإمتحان.
11 - مدة اشتغال الممتحنين ولجان الإمتحان ومقدار مكافآتهم وكيفية تعيينهم وواجباتهم.
12 - الانتداب للتدريس.
13 - تحديد المكافآت المالية والمنح لأعضاء هيئة التدريس والمعيدين.
14 - نظام تعيين أعضاء هيئة التدريس والمعيدين وجدول المرتبات والمكافآت في الجامعة.
15 - قواعد الشئون الاجتماعية والرياضية للطلاب.
16 - القواعد العامة للتنظيم الدراسي والإداري في المعاهد الأزهرية الملحقة وذلك في الحدود المبينة في هذا القانون.
مادة 100تصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون في مدى أربعة أشهر من تاريخ صدوره، ويعمل بها من تاريخ صدورها. وللوزير المختص إصدار ما يراه من قرارات تنظيمية أو تكميلية مؤقتة تتعلق بشئون الأزهر وهيئاته بما لا يتعارض مع نصوص هذا القانون وذلك خلال الفترة التي تعد فيها اللائحة التنفيذية لحين صدورها.(2/227)
التعليم في 61886 الأزهر
يسير الأزهر على التوسع في التعليمين الثانوي والعالي (1) وإتاحة الفرص لكل قادر على متابعة الدراسة من إكمال معارفه والتزود بحظ من الثقافة العالية يستطيع به أن يكون مواطنا نافعا يخدم دينه ويعلي من شأن وطنه. ويعتقد الأزهر أن الكفاية ليس لها حدود ولا موطن معين، ولذلك فسياسته التعليمية منذ قديم تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص بأوسع معانيه. فهو لا يضع حدودا أو عوائق مالية تحول بين الطالب مهما تكن قدرته المالية وبين متابعة الدراسة حتى نهايتها، إذ الدراسة فيه مجانية تتكفل الدولة بكل تكاليفها المالية. وفضلا عن ذلك فإن الأزهر على خلاف الجامعات كلها ينفرد بتقرير مكافآت مالية للطلاب تعينهم نوعا ما على طلب العلم وتحمل نفقات المعيشة. وهو يتبع سياسة منظمة في التوسع في التعليمين الثانوي والعالي بحيث يكفل في كل وقت ألا يرد طالبا راغبا في العلم عن المعاهد الثانوية أو الكليات. وتبدأ سياسة الأزهر منذ المرحلة الأولى، فهو يضع شروطا للقبول بالسنة الأولى الإبتدائية من شأنها أن ترد غير القادرين على الدراسة، أو الذين لا تتوافر فيهم الأهلية لمتابعة الدراسة الدينية، فهو يشترط في المادة 99من قانونه الأساسي ما يأتي: يشترط لقبول الطالب في السنة الأولى من القسم الإبتدائي:
أولا ألا تقل سنة عن اثنتي عشرة سنة، ولا يزيد على ست عشرة.
ثانيا أن يكون حافظا للقرآن الكريم كله ويؤدي امتحانا يثبت ذلك.
ثالثا أن يؤدي بنجاح امتحانا في المطالعة والإملاء والخط والحساب.
__________
(1) من تقرير قدم إلى الادارة الثقافية بجامعة الدول العربية بناء على طلب هذه الإدارة قبل انعقاد المؤتمر الثقافي العربي عام 1950.(2/228)
رابعا أن ينجح في الكشف الطبي طبقا للشروط التي توضع لذلك.
وقد دل تحري الدقة في تطبيق هذه الشروط على المتقدمين إلى المعاهد الابتدائية أن نسبة كبيرة قد تصل إلى 50من عدد المتقدمين لم يستطيعوا أن يحرزوا النصاب المقرر للنجاح في امتحان القبول، وبذلك أمكن منذ اللحظة الأولى أن يوجهوا إلى دراسة تتفق مع ميولهم، وبذلك ضمن إلى حد كبير أن أكثرية الذين اجتازوا هذا الامتحان التمهيدي الديهم استعداد للدراسة الدينية، وأنهم لديهم من الكفاية ما يؤهلهم لمتابعة الدراسة في المرحلتين: الثانوية والعالية. وفضلا عن اشتراط هذا الامتحان التمهيدي فقد جرى قانون الأزهر حتى السنة الحالية على التشدد في إمتحان طلاب السنتين الأولى والثانية الابتدائيتين وعدم منحهم فرصا للدخول في الدور الثاني، لينصرف الطلبة إلى الدراسة، وليبقى في التعليم من يؤهله استعداده وحرصه على الدراسة حتى المرحلة الثانوية، وليتمكن هؤلاء الطلاب منذ بدء الدراسة من تخير طريق آخر وعدم إضاعة وقتهم وجهدهم دون جدوى. وثمة قيد آخر اختص به التعليم الإبتدائي هو عدم السماح للطالب من الإعادة في فرقة واحدة أو في سنى الدراسة الأربع أكثر من مرتين. كل هذه القيود النافعة كانت عنصرا فعالا في تصفية الطلاب غير المؤهلين للدراسة، وإبقاء من لهم قدرة وكفاية على مواصلة الدرس. وبتتبع نتائج القبول وإحصائيات المتقدمين تعرف الأزهر حاجياته في التعليم الثانوي من فصول ومعاهد. وبمراجعة البيان بعدد الطلاب الذين قبلوا في السنوات من سنة 1936حتى سنة 1949، يتبين مقدار الزيادة في طلاب الأقسام الإبتدائية واطرادها في السنوات الأخيرة، مما حمل الأزهر على التوسع في الفصول الثانوية، وافتتاح معاهد جديدة لتخفيف الضغط عن المعاهد القديمة.
وقد أنشأ الأزهر في خلال هذه السنوات معهد شبين، الكوم ومعهدا بقنا (ثانوي، ابتدائي)، ومعهدا بسوهاج، ومعهدا بالمنصورة، ومعهد المنيا
ومعهد سمنود ومن ذلك يتبين أن الأزهر سار في سياسة التوسع على خطة مرسومة أساسها الإحصائيات وسد حاجات الطلاب المقبولين في المعاهد الدينية وتزايدهم سنة بعد سنة.(2/229)
وقد أنشأ الأزهر في خلال هذه السنوات معهد شبين، الكوم ومعهدا بقنا (ثانوي، ابتدائي)، ومعهدا بسوهاج، ومعهدا بالمنصورة، ومعهد المنيا
ومعهد سمنود ومن ذلك يتبين أن الأزهر سار في سياسة التوسع على خطة مرسومة أساسها الإحصائيات وسد حاجات الطلاب المقبولين في المعاهد الدينية وتزايدهم سنة بعد سنة.
وحين كانت الظروف المالية لا تسمح بإنشاء معاهد جديدة أو فصول ثانوية جديدة، كان الأزهر يضطر إلى فرض قيد على قبول الطلاب، فيحدد عدد من يقبلون في السنة الأولى الإبتدائية في جميع المعاهد. وقد كان لهذه السياسة ضرر على الطلاب أنفسهم، فقد كانوا على رغم استعدادهم ورغم صرفهم سنين في حفظ القرآن الكريم يصرفون في سنة متأخرة عن الدراسة التي أهلوا أنفسهم لها واستعدوا للسير فيها. وهذا بدوره يثبط روح الأمل، ويقعد بزهرة الطلاب قد تكون فيهم كفاية ناضجة عن مواصلة التعليم، وتبقيهم في بلادهم على مضض منهم، فيصرفون جهودهم إلى أشياء أخرى قد يكون فيها ضرر على المجتمع. والأزهر حين اضطر إلى هذا التحديد كان يركن إليه لصالح الدراسة ومراعاة القواعد، من عدم جمع أكثر من أربعين طالبا في فصل واحد، وكان الغرض منه أولا مراعاة إمكانيات المعاهد، وعدم توافر الفصول اللازمة لهؤلاء الطلاب، وعدم وجود المدرسين اللازمين لتعليمهم.
وثمة عامل آخر كان يراعيه الأزهر في هذا التحديد هو ملاحظة حاجة البلاد إلى المتخرجين في سنوات كانت الأزمة الاقتصادية فيها مستفحلة، وكان مستقبل الخريجين فيها مظلما لا يبشر تقدم. وفي الحق لقد عانى الأزهر من سياسة التوسع في تخريج العلماء والمدرسين معاناة شديدة، فقد جاء وقت كان المتخرجون فيه أكثر من حاجة البلاد، مما اضطر معه الأزهر في سبيل التخفيف عنهم إلى النزول بمرتباتهم إلى مستوى ضئيل، ومع ذلك كانوا يقبلون على هذه الوظائف إقبالا شديدا، فكان العالم المتخصص يمنح مقابل قيامه بالتدريس جدولا كاملا في المعاهد مرتبا شهريا ضئيلا لا يذكر، وقد دفع هذا ولاة الأمور إلى الأخذ بسياسة التحديد في قبول
الطلاب بالسنة الأولى الإبتدائية حتى يمكن أن تتعادل حاجة البلاد وحاجة الأزهر إلى المدرسين مع عدد المتخرجين في الأقسام النهائية. ويمكن القول بعد هذا أن العامل الاقتصادي لعب دورا هاما في سياسة التحديد، وإنه حين انتعشت الأحوال الاقتصادية في البلاد وسمحت ميزانية الدولة بالتوسع في التعليم العام، وأخذت بمبدأ تكافؤ الفرص وإتاحة التعليم الإبتدائي المجاني لكل من يرغب فيه، اتسعت آفاق الآمال للمتخرجين، واشتدت الحاجة إلى المعلمين يسدون حاجة هذه المدارس خفت وطأة التحديد وبدأت المعاهد تقبل جميع الناجحين من المتقدمين إليها، حتى تضاعف هذا العدد من 1000في سنة 1940إلى 2000في سنة 1950.(2/230)
وثمة عامل آخر كان يراعيه الأزهر في هذا التحديد هو ملاحظة حاجة البلاد إلى المتخرجين في سنوات كانت الأزمة الاقتصادية فيها مستفحلة، وكان مستقبل الخريجين فيها مظلما لا يبشر تقدم. وفي الحق لقد عانى الأزهر من سياسة التوسع في تخريج العلماء والمدرسين معاناة شديدة، فقد جاء وقت كان المتخرجون فيه أكثر من حاجة البلاد، مما اضطر معه الأزهر في سبيل التخفيف عنهم إلى النزول بمرتباتهم إلى مستوى ضئيل، ومع ذلك كانوا يقبلون على هذه الوظائف إقبالا شديدا، فكان العالم المتخصص يمنح مقابل قيامه بالتدريس جدولا كاملا في المعاهد مرتبا شهريا ضئيلا لا يذكر، وقد دفع هذا ولاة الأمور إلى الأخذ بسياسة التحديد في قبول
الطلاب بالسنة الأولى الإبتدائية حتى يمكن أن تتعادل حاجة البلاد وحاجة الأزهر إلى المدرسين مع عدد المتخرجين في الأقسام النهائية. ويمكن القول بعد هذا أن العامل الاقتصادي لعب دورا هاما في سياسة التحديد، وإنه حين انتعشت الأحوال الاقتصادية في البلاد وسمحت ميزانية الدولة بالتوسع في التعليم العام، وأخذت بمبدأ تكافؤ الفرص وإتاحة التعليم الإبتدائي المجاني لكل من يرغب فيه، اتسعت آفاق الآمال للمتخرجين، واشتدت الحاجة إلى المعلمين يسدون حاجة هذه المدارس خفت وطأة التحديد وبدأت المعاهد تقبل جميع الناجحين من المتقدمين إليها، حتى تضاعف هذا العدد من 1000في سنة 1940إلى 2000في سنة 1950.
جماعة كبار العلماء
1
أنشئت هذه الجماعة بمقتضى قانون إصلاح الأزهر الذي صدر عام 1911، وقد ظلت قائمة حتى اليوم. وأعضاؤها يظلون في مناصبهم العلمية حتى الوفاة، ولما جاء الشيخ عبد الرحمن تاج شيخا لمشيخة الأزهر هذا العام وأصدر قانونه بإحالة علماء الأزهر إلى المعاش في سن الخامسة والستين بدلا من سن السبعين نص في القانون على أن هذا القيد يسرى على أعضاء جماعة كبار العلماء أيضا، وبذلك أصبح الأعضاء لا يتمتعون بهذه الميزة الكبرى التي كانت لهم من قبل، وقد خرج من الجماعة لذلك شيوخ الأزهر الكبار الذين بلغوا هذه السن أو تجاوزوها.
وقد كتبت في مناسبات عديدة عدة مقالات عن الجماعة، أرى تسجيلها في هذا المقام.
2
أنشئت هذه الجماعة في الأزهر لتنهض بأعباء الإصلاح الديني المنشود، ولتحمل عبء المجهود العلمي في مصر والشرق، بخدمة التراث الإسلامي، ورعاية الثقافة الدينية، وامدادها بالمؤلفات والبحوث.(2/231)
وقد حدد قانون سنة 1936المقاعد العلمية للجماعة بثلاثين كرسيا، وشرط لاختيار أعضائها شروطا كثيرة، أهمها أن يكون العضو الذي يرشح لها من العلماء الذين أسهموا في الثقافة الدينية بنصيب في الأزهر أو في خارجه وأن يقدم رسالة علمية في أية ناحية من نواحي البحث تظهر فيها صبغة الجدة والابتكار.
إن رسالة الجماعة عظيمة خطيرة، فعليها أن تعني بالتراث الإسلامي لعلمائنا الأمجاد، وأن تقوم بإخراجه للناس سائغا جميلا ملائما لعقولهم ومناهجهم الحديثة في البحث والتفكير، وعليها ألا تقف عنده وتحافظ عليه فقط، ولكن عليها أن تبني على أسسه، وأن تسير على امتداده، وأن تتابع الحركة العلمية في مصر وسواها من الأقطار، وأن توجهها وتؤثر فيها، وتسير بها إلى غاياتها المثلى المنشودة.
تلك رسالة الجماعة، أما حاضرها على ضوء رسالتها فهو حاضر ينبغي أن يتغير لتستطيع الجماعة أن تخدم التراث الإسلامي، كما يجب أن يكون صوتها قويا مسموعا في حياتنا الفكرية الصاخبة.
لقد كثر نقد الباحثين والمفكرين للجماعة، وكثر تساؤلهم عن انتاجها وعما أدته من الواجبات الخطيرة التي وضعت في عنقها وقامت لأجلها، وسرى هذا التيار من خارج الأزهر إلى داخله، فلفت الرأي العام الأزهري أذهان المفكرين من رجال الأزهر إلى ذلك. وإن يعين الجماعة على أداء رسالتها ألا تحرم أولى الكفايات، وأن تفتح أبوابها لهم حتى تجنى الأمة والأزهر ثمار هذه الجماعة، ويشعر الرأي العام بفائدتها وأثرها في الحياة، وحتى تسير الجماعة إلى غاياتها السامية، وتخطو إلى مستقبلها المجيد، وتؤدي للعالم والدين ما ينتظر منها أن تؤديه من خدمات (1).
وأخيرا حققت الآمال العظيمة التي طمح إليها دعاة الإصلاح في مصر
__________
(1) من مقالة طويلة نشرتها في البلاغ عام 1941(2/232)
والشرق الإسلامي، وتوج هذا الجهاد الحافل بالفوز والتوفيق، فأنصت الأزهر لهذه الدعوة الصارخة، وآمن بها، وأخذ يضيف إلى تاريخه التليد صفحات طريفة مجيدة. فمنذ أسابيع قرأنا أن عضوا بارزا من جماعة كبار العلماء قدم إلى الجماعة اقتراحا جديدا تشيع فيه الرغبة الصادقة في توجيه الثقافة في هذه الجامعة العظيمة وجهة جديدة صالحة تجمع بين أمرين عظيمين:
الأول: بعث روح الانتاج العلمي، والاضطلاع بأعبائه في شتى فروع الثقافة الدينية.
الثاني: العناية بشئون المجتمع، وبحث مشكلاته الخلقية والاجتماعية والاقتصادية، وبيان موقف الدين الإسلامي حيالها.
ثم علمنا أن هذا الإقتراح يشق طريقه نحو التنفيذ، فأيقنا أن الأزهر مصمم على السير إلى أبعد غايات الإصلاح، مؤمن بتوفيق الله ورعايته. ولا يخالجنا شك في أن الجماعة وقد ضمت عناصر جديدة ممتازة ستظفر بتحقيق هذه الآمال، وستكتب في تاريخ الأزهر الحديث أروع الصفحات.
وليس هذا على الجماعة بكثير، فقد عنى بها المراغي عناية كريمة فآثر بعضويتها أولى الكفايات من العلماء الحريصين على مسايرة الحياة إلى أسمى غاياتها، وتوجيه الحياة الاجتماعية بنور الدين وهدايته. إن المجتمع في حاجة إلى الأزهر، والأزهر في حاجة إلى المجتمع، ولا ريب في أن اتجاه علمائنا نحو المجتمع وبحث شئونه ومشاكله ستجعل الناس على بينة من دينهم، وتهديهم إلى سبل الخير والفضيلة والرشاد.
لقد مضى زمن الجدل العقيم في العقائد، والبحث النظري في القشور دون اللباب، وسئمنا الكلام في المياه التي يجوز بها التطهير والتي لا يجوز، وفي إثبات كرامة الأولياء ونفيها، وفي طبقات السماء أمن فضة هي أم من ذهب، إلى غير ذلك. وها نحن أولاء نشاهد إشراق عهد جديد يشارك فيه علماؤنا الناس، وينزلون من عزلتهم التقليدية إلى حيث يسير
الناس وتتحرك الحياة، ويضعون شئون المجتمع ومشاكله نصب أعينهم، ويقفون منه موقف الناصح الأمين.(2/233)
لقد مضى زمن الجدل العقيم في العقائد، والبحث النظري في القشور دون اللباب، وسئمنا الكلام في المياه التي يجوز بها التطهير والتي لا يجوز، وفي إثبات كرامة الأولياء ونفيها، وفي طبقات السماء أمن فضة هي أم من ذهب، إلى غير ذلك. وها نحن أولاء نشاهد إشراق عهد جديد يشارك فيه علماؤنا الناس، وينزلون من عزلتهم التقليدية إلى حيث يسير
الناس وتتحرك الحياة، ويضعون شئون المجتمع ومشاكله نصب أعينهم، ويقفون منه موقف الناصح الأمين.
لعمري لقد ملأ الإيمان قلوب الناس، بل وعقولهم يوم كان الدين روحا وعقيدة وخلقا وعملا. ولم يمتحن المسلمون بأعظم من الجدل في العقيدة والخلاف في الدين، حتى انحل ما كان معقودا من ألفتهم، وخمد ما كان متأججا من روحهم. ولقد ظهر الغزالى في عصر مفعم بالفتن والاضطرابات والجدل والخلاف، فدعا الناس إلى دين الله بلغة العاطفة والقلب حين رأى الدعوة إليه عن طريق الخصومة والجدل داعية فتنة وثائرة ضلال، ولكن الغزالى يئس من المجتمع لأنه كان يود أن يرأه مجتمع ملائكة أبرار لا مجتمع شياطين أشرار، فزهد في الحياة، وعزف عن المجتمع، واعتزل الناس، إيثارا لسلامة الدين والنفس وبعدا عن شرور المجتمع وسيئاته، وقلده في مذهبه الاجتماعي أصحابه ومريدوه، فظلت تلك الروح نزعة لعلمائنا حتى العصر الحديث.
ولقد كانت أسمى غاية للأستاذ الامام محمد عبده من إصلاح الأزهر أن يحمله على الاندماج في المجتمع، والتغلغل في أعماقه، والسمو به عن طريق الارشاد والتهذيب الديني الصحيح إلى أبعد ما يستطاع من غايات، وكان يريد من وراء ذلك أن يذكي في الأمة الإسلامية روح القوة والفضيلة، وأن يدفع بها إلى الحياة الكريمة العزيزة، لتستطيع أن تذود عن حريتها، وتحافظ على تراثها المسلوب، وحتى يتسنى لها إذا تابعت السير في هذا المضمار أن تستعيد ما كان لها من مجد باذخ وجلال قديم، فتسير في قافلة الحياة البشرية داعية خير وهدى وسلام. ولقد أبى الأزهر حينئذ أن يستجيب لدعوة الأستاذ. الإمام وآثر أن يعيش في ظلام الجمود والحيرة، عزوفا عن الجديد الذي كان يؤمن بأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
وبعد ربع قرن من وفاة الأستاذ الإمام تكشفت غيوم الحيرة، وخضدت
شوكة الجمود وحماته، وألقيت مقادة الأزهر في يد تلميذ من تلامذة الإمام، فأخذت دعوته طريقها إلى قلوب الأزهريين وعقولهم، وسرت في الأزهر روح جديدة، وأيقن رجالاته بضرورة الإصلاح، وأن اتجهوا في ذلك وجهات مختلفة متباينة(2/234)