|
الباب الحادي والخمسون في ذكر التّاريخ وابتدائه والسّبب الموجب له، وما كانت العرب عليه لدى الحاجة إليه في ضبط آماد الحوادث والمواليد
وهو فصلان:
فصل
في أن تاريخ كل شيء في اللغة غايته ووقته الذي انتهى إليه
تاريخ كل شيء في اللغة غايته ووقته الذي انتهى إليه. ومنه قولهم: فلان تاريخ قومه في الجود: يريدون الذي انتهى إليه ذلك، وسئل بعض أهل اللّغة ما معنى التاريخ؟ قال:
معنى التأخير. وقال آخر: بل هو إثبات الشيء.
ويقال: ورخت الكتاب توريخا هو لغة بني تميم وأرخته تأريخا لغة قيس وتأريخ وتاريخان وتواريخ.
ويقال: أرخ كتابك وورّخه. قال أحمد: جميع ما ذكرنا فيه من اختلاف اللّغات وما دارت عليه الكلمة في التّصاريف يدل على أنّها جارية مجرى ما أصله العربية دون ما نقل إليه من العجمية، ولكل نبوة ومملكة تاريخ، فأمّا العرب فكانوا يؤرخون بالنّجوم قديما وهو أصل، ومنه صار الكتّاب يقولون: نجمت على فلان كذا حتى يؤديه في نجوم ويجمع النّجوم أنجمه.
ويقال: نجم له رأي أي ظهر، واشتهر لفظة النّجم بالثّريا فأما قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ} [سورة النّجم، الآية: 1] كان الكلبي يقول: والقرآن إذا نزل نجوما أو شيئا بعد شيء وقال غيره: النّجم هاهنا الثّريا أقسم الله تعالى به على المعنى الذي فسّرناه كأنه قال: وخلقي الذي لا يقدر أحد أن يخلق مثله، وعلى أقسامه بالطّور والتّين وما أشبههما، وفسّروا قوله تعالى: {فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ} [سورة الواقعة، الآية: 75] على النّجوم الطّوالع لقوله:
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [سورة الواقعة، الآية: 77] وعلى نجوم القرآن أيضا، وقيل في قوله:
{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدََانِ} [سورة الواقعة، الآية: 77] إنّ النّجم ما نجم من النّبات ولا ساق له ويقال لواحد: هذا النّجم نجمة. قال الحارث بن ظالم شعرا:
أحصي حمار بات يكدم نجمة ... أتوكل جيراني وجارك سالم
صغّر أمره وشبّهه بحمار سوء، وكانت العرب تؤرّخ بكلّ عام ينفق فيه أمر جليل مشهور متعارف كتاريخهم بعام الفيل، وفيه ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في السّنة الثامنة والثّلاثين من ملك كسرى أنو شروان.
(1/464)
{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدََانِ} [سورة الواقعة، الآية: 77] إنّ النّجم ما نجم من النّبات ولا ساق له ويقال لواحد: هذا النّجم نجمة. قال الحارث بن ظالم شعرا:
أحصي حمار بات يكدم نجمة ... أتوكل جيراني وجارك سالم
صغّر أمره وشبّهه بحمار سوء، وكانت العرب تؤرّخ بكلّ عام ينفق فيه أمر جليل مشهور متعارف كتاريخهم بعام الفيل، وفيه ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في السّنة الثامنة والثّلاثين من ملك كسرى أنو شروان.
وروي لنا عن أبي العيناء في إسناد يرفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول، وكان الفيل في النّصف من المحرّم بينه وبين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس وخمسون ليلة. وبذلك الإسناد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت أمّه وله ستّ سنين.
وروى جبير بن مطعم أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: أنا يومئذ ابن ثمان سنين.
وروي عن الزّهري أنّ أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم توجّه إلى الحجاز ممتارا فمات ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل.
وروي أن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت وتركت أم أيمن وهي أم أسامة بن زيد، فأرثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا رآها قال: بقية أميّ. فهكذا كان يجري أمر التّاريخ، وكما أرّخوا قبله بعام الخنان (1) لأنّهم تماوتوا فيه، وعظم أمره عليهم. قال النّابغة شعرا:
فمن يك سائلا عنّي فإنّي ... من الشّبان أيّام الخنان ... مضت مائة لعام ولدت فيها ... وعشر بعد ذاك وحجّتان ... فقد أبقت صروف الدّهر منّي ... كما أبقت من السّيف اليماني
وروي من غير وجه أنّه كان بعد النّبي صلى الله عليه وسلم كان الأقرع بن حابس يحكم العرب في كلّ موسم، وكانت العرب تتيمّن وهو أول من حرّم القمار، فانقادوا له لذلك قال البعيث:
وعمّي الذي انقادت معد لحكمه ... فألقوا بأرسلان إلى حكم عدل
قوله: القوا بأرسلان: كما قيل: ألقيت إليك المقاليد، وما أقل من أرّخ في شعره على أنه يروى للمستوغر بن ربيعة وهو من المعمّرين:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وازددت من عدد السّنين سنينا ... مائة أتت من بعدها مائتان لي ... وأردت من عدد الشّهور مئينا ... هل ما بقي إلّا كما قد فاتنا ... يوم يكرّ وليلة تحدونا
__________
(1) في القاموس الخنان كغراب داء يأخذ الطّير في حلوقها وفي العين وزكام الإبل. وزمن الخنان كان في عهد المنذر بن ماء السماء ماتت الإبل منه شريف.
(1/465)
قال أكثم بن صيفي:
إن امرأ قد سار تسعين حجّة ... إلى مائة لم يسأم العيش جاهل ... أتت مائتان غير عشر وفاءها ... وذلك من مرّ اللّيالي قلائل
أنشد المازني:
هزئت زينب وإن رأت يرمي ... وإنّ الخنى ليقال من ظهري ... من بعد ما عهدت فأدلفني ... يوم يجيء وليلة تسري ... حتّى كأنّي خاتل قنصا ... والمرء بعد تمامه يجري ... لا تهزئي منّي زينب فما ... في ذاك من عجب ولا سحر ... أولم تري لقمان أهلكه ... ما اقتأت من سنة ومن شهر ... وبقاء نسر فلمّا انقرضت ... أيامه عادت إلى نسر ... ما طال من أبد على لبد ... رجعت محورته إلى قصر ... ولقد حلبت الدّهر أشطره ... وعلمت ما أتى من الأمر
وأرّخت العرب بموت هشام بن المغيرة المخزومي لجلالته فيهم، ولذلك قال الشاعر:
وأصبح بطن مكّة مقشعرّا ... كأنّ الأرض ليس بها هشام
ومات زهير بن أبي سلمى قبل مبعث النّبي صلى الله عليه وسلم بسنة، ومات النّابغة قبله فقال زهير لبنيه: رأيت رؤيا وليحدثنّ أمر عظيم ولست أدركه رأيت كأنّي أصعدت إلى السماء حتى إذا كدت أنا لها انقطع السبب، فهويت فمن أدركه منكم فليدخل فيه فأتى ابنه بحير (1) النبي صلى الله عليه وسلم وكان زهير يكنى بحير فأسلم وأبى كعب أن يسلم حتى هاجر النّبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقدم وأسلم، ومدح النّبي صلى الله عليه وسلم بقصيدته اللّامية واعتذر مما كان فيها.
وروى الزّهري والشّعبي أنّ بني إسماعيل أرّخوا من نار إبراهيم إلى بنائه البيت حين بناه مع إسماعيل فإنّ بني إسماعيل أرّخوا من بنيان البيت إلى تفرق معد، ثم أرّخوا بشيء إلى موت كعب بن لؤي، ثم أرّخوا بعام الفيل إلى أن أرّخ عمر بن الخطاب من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب ذلك أنّ أبا موسى كتب إليه أنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب ليس لها تاريخ، فلا ندري على أيّها نعمل.
__________
(1) في تجريد أسد الغابة بحير بن زهير بن أبي سلمى أخو كعب أسلم قبل أخيه وكلاهما شاعران مجيدان وأبوهما من فحول الشعراء. 12الحسن النعماني.
(1/466)
وروي أنه قرأ صكا محلّه شعبان، فقال الشّعابين الماضي أم الآتي؟ فكان ذلك سبب التّاريخ من الهجرة بعد أن أرادوا أن يؤرّخوا من المبعث، ثم اتّفق الرأي على الهجرة، وقالوا: ما نجعل أوّل التّاريخ؟ فقال بعضهم: شهر رمضان وقال بعضهم: رجب، فإنّه شهر حرام، والعرب تعظّمه، ثم اجمعوا على المحرّم فقالوا: شهر حرام وهو منصرف النّاس عن الحج، وكان آخر الأشهر الحرم فصيّروه أوّلا لأنّها عندهم ثلاثة سرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو رجب فكان الأربعة تقع في سنتين. فلما صار المحرم أولا اجتمعت في سنة، والتاريخ لغة قيس، وعليه استعمال النّاس والتّوريخ لغة تميم وما استعمله كاتب قطّ، وإن كان التّكلم به كثيرا في ألسنة العرب.
وقال بعض الكتّاب: التاريخ عمود اليقين مبيد الشّكوك به تثبت الحقوق وتحفظ العهود.
قال أبو بكر الصّولي: وكان لا يقع التّاريخ في شيء من الكتب السّلطانية من رئيس أو مرءوس إلّا في أعجاز الكتب، وقد يؤرخ النّظر والتّابع ما خص من الكتب في صدورها.
وقال إبراهيم بن العباس: الكتاب بلا تاريخ نكرة بلا معرفة، وغفل بغير سمة.
قال أبو عبد الله: وكتب عمر بن الخطاب إلى الأمصار أن يبعث إليه من كلّ مصر برجله، فوفد عليه عتبة بن فرقد السّلمي من الكوفة ومجاشع بن مسعود السّلمي من البصرة وأبو الأعور السّلمي من الشّام ومعن بن يزيد السّلمي من مصر فتوافوا عنده كلّهم من بني سليم.
قال أبو الحسن علي بن سليم: قال بعض الشعراء في صاحب توفّي وكان يؤرّخ علم القرون فها هو اليوم أرخاء.
وذكر الصّولي أنّه كاتب أبا خليفة الفضل بن الحباب القاضي في أمور أرادها، قال:
فأغفلت التّاريخ، فكتب بعد نفوذ الثّاني: وصل كتابك مبهم الألوان مظلم البيان، فأدى جراما القرب فيه بأولى من البعد، فإذا كتبت أعزّك الله فلتكن كتبك موسومة بتاريخ لأعرف به أدنى آثارك، وأقرب أخبارك إن شاء الله قال: فكتبت إليه كتابا جعلت التّاريخ في صدره وقلت معه: قد قبلنا دلائل البرهان واعترفنا بالبرّ والإحسان وجعلت التّاريخ بعد دعاء لائحا للعيون كالقنوان.
شعر:
حبّذا أنت من مفيد علوم ... وافدات بحكمة وبيان ... هي أسنى ذكرا وأكثر نفعا ... من كنوز اللّجين والعقيان
فكتابي إليك يا زينة ... الدّنيا لخمس خلون من شعبان
قال أبو العباس: آخر من مات بالكوفة من الصّحابة من الأنصار عبد الله بن أبي أوفى وبالبصرة أنس بن مالك، وبالشّام أبو أمامة الباهلي، وبالمدينة سهل بن سعد، وبمكة عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وممن ذكر سنه في شعره وأرّخه زهير بن خباب الكلبي في قوله:
(1/467)
حبّذا أنت من مفيد علوم ... وافدات بحكمة وبيان ... هي أسنى ذكرا وأكثر نفعا ... من كنوز اللّجين والعقيان
فكتابي إليك يا زينة ... الدّنيا لخمس خلون من شعبان
قال أبو العباس: آخر من مات بالكوفة من الصّحابة من الأنصار عبد الله بن أبي أوفى وبالبصرة أنس بن مالك، وبالشّام أبو أمامة الباهلي، وبالمدينة سهل بن سعد، وبمكة عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وممن ذكر سنه في شعره وأرّخه زهير بن خباب الكلبي في قوله:
ونادمت الملوك من آل عمرو ... وبعدهم بني ماء السّماء ... وحقّ لمن أتت مائتان عاما ... عليه أن يملّ من الشّواء
قال الصّولي: وكنّا يوما عند المغيرة بن محمد المهلبي، فقال له رجل: كم كان سن يزيد بن المهلّب يومئذ؟ فجعل جوابه إنشادا بمبلغه فقال: أنشدني التّوجي لحمزة بن بيض الحنفي فيه يرثيه:
أغلق دون السّماح والنّجدة ... والمجد باب خروجه أشب ... يان ثلاث وأربعين مضت ... لا صريح واهن ولا ثلب ... لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب ... برزت سبق الجواد في مهل ... وقصرت دون سبقك العرب
فصل في حكّام العرب في الجاهليّة
قال أبو عبد الله: حكّام العرب في الجاهلية عبد المطلّب بن هاشم وأبو طالب بن عبد المطلب والعاصي بن وائل والعلاء بن حارثة الثّقفي. وحكام كنانة: يعمر بن الشّداخ وصفوان بن أمية بن الحارث، وسلم بن نوفل أحد بني الدّيك بن بكر. ومن بني أسد:
ربيعة بن حدار أحد بني سعد بن ثعلبة بن دودان وله يقول الأعشى:
وإذا طلبت المجد أين محلّه ... فاعمد لبيت ربيعة بن حدار ... يهب التّحية والجواد بسرجه ... والأدم بين لواقح وعشار
وهو الذي حكم بين حاجب بن زرارة وخالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل فنفر حاجبا على خالد.
وحكّام قيس: عامر بن الظرب وسنان بن أبي حارثة المرّي، وغيلان بن سلمة الثّقفي، وكانت له ثلاثة أيام: يوم ينشد النّاس بشعره، ويوم يحكم فيه بين النّاس ويوم يقعد فيه
للنّاس فيزار وينظر إلى سرره وجماله. وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة فخيّره النبي صلى الله عليه وسلم فاختار منهن أربعا فصارت سنة. قال: وقتلت بنو أسد من الأشراف حجر بن عمرو بن الشّريد السّلمي، وربيعة بن مالك الجعفري أبا لبيد الشّاعر، وعتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي. وزعموا أنّهم قتلوا شهابا جد عتيبة، وبدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن عيسى الفزاري وهو جد عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر.
(1/468)
وحكّام قيس: عامر بن الظرب وسنان بن أبي حارثة المرّي، وغيلان بن سلمة الثّقفي، وكانت له ثلاثة أيام: يوم ينشد النّاس بشعره، ويوم يحكم فيه بين النّاس ويوم يقعد فيه
للنّاس فيزار وينظر إلى سرره وجماله. وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة فخيّره النبي صلى الله عليه وسلم فاختار منهن أربعا فصارت سنة. قال: وقتلت بنو أسد من الأشراف حجر بن عمرو بن الشّريد السّلمي، وربيعة بن مالك الجعفري أبا لبيد الشّاعر، وعتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي. وزعموا أنّهم قتلوا شهابا جد عتيبة، وبدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن عيسى الفزاري وهو جد عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر.
فصل في أوقات التواريخ
في أوقات التّاريخ إنما غلّبت العرب اللّيالي على الأيام في التّاريخ، فقيل: كتبت لخمس بقين، وأنت في اليوم لأنّ ليلة الشّهر سبقت يومه، ولم يلدها وولدته ولأنّ الأهلّة للّيالي دون الأيام، وفيها دخول الشّهر، ولذلك ما ذكرهما الله تعالى إلا وقدّم اللّيالي على الأيام قال تعالى: {سَبْعَ لَيََالٍ وَثَمََانِيَةَ أَيََّامٍ حُسُوماً} [سورة الحاقة، الآية: 7] وقال تعالى:
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهََارِ} * [سورة فاطر، الآية: 13] وقال تعالى: {سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَأَيََّاماً آمِنِينَ} [سورة سبأ، الآية: 18] والعرب تستعمل اللّيل في الأشياء التي يشاركها فيها النّهار دون النّهار، وإن كانت لا تتم إلا به قال تعالى: {وَوََاعَدْنََا مُوسى ََ ثَلََاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنََاهََا بِعَشْرٍ}
[سورة الأعراف، الآية: 142] وقال الفرّاء: ولقد دعاهم تغليب اللّيل على الأيام إلى أن قالوا:
صمنا عشرا من الشّهر. قال: وقال أنو شروان: اليوم عشر من الشّهر ويقولون: عندي عشر من الإبل وإن كانت ذكورا، وعشر من الشّاء وإن كانت كباشا، ويقولون: أدركنا اللّيل بموضع كذا لأنّه أوّل ألا ترى قول النّابغة:
فإنّك كاللّيل الذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
ولم يقل كالنّهار.
وحكى بعضهم أنّ العرب تقول في اللّحم: ابن يومه، وفي الخبز ابن ليلة، وفي النبيذ ابن سنة وأنشد:
وفتيان صدق لا تغبّ لحامهم ... إذا شبّه النّجم الصّوار المنفّرا
ومدح حميد الطّوسي علي بن جبلة بمثل قول النابغة، فقرن إلى اللّيل النّهار فقال:
وما لامرئ حاولته منك مهرب ... ولو رفعته في السّماء الطّوالع ... بل هارب لا يهتدي لمكانه ... ظلام ولا ضوء من الصّبح ساطع
وقال عبيد الله بن عبد الله في معنى قول النابغة:
(1/469)
وما لامرئ حاولته منك مهرب ... ولو رفعته في السّماء الطّوالع ... بل هارب لا يهتدي لمكانه ... ظلام ولا ضوء من الصّبح ساطع
وقال عبيد الله بن عبد الله في معنى قول النابغة:
إنّي وإن حدّثت نفسي أنّني ... أفوتك إنّ الرأي منّي لعاذب ... لأنّك لي مثل المكان المحيط بي ... من الأرض أنّى استنهضتني المذاهب
فجعل مكان اللّيل من قول النّابغة، لأنّك لي مثل المكان إذ كان لا بد للمخلوق من مكان وزمان، وقالوا: صمنا عشرا من رمضان، وأنشد أبو عبيدة:
فصامت ثلاثا لا مخافة بينها ... ولو مكثت خمسا هناك لصلّت
والشّهور كلّها مذكّرة سوى جماديين، ولا يذكّرون من شهر كذا إلا في ثلاثة أشهر:
شهر رمضان وشهرا ربيع، لأنّ الربيع وقت من السّنة فخافوا إذا قالوا من ربيع أن يظن أنه من الرّبيع الذي قبل الخريف، وقال الرّاعي:
شهري ربيع لا يذوق لبونهم ... إلّا حموضا وخمة ودويلا
الدّويل كسار الحلى ينبت مجتمعا، وكلّ ما يكسر من النّبات وأسود فهو دويل ولو كتب كاتب في ربيع الأول وفي رمضان، ولم يذكر الشهر لجاز وليس بالمختار كما قال:
جارته في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض
واعلم أنّه لا يكتب لليلة مضت لأنّهم يعدون في اللّيلة، فإذا أصبحوا كتبوا لليلة خلت، ويكتب أوّل يوم من كذا، ولا يكتب مهلّ كذا، ولا مستهل كذا لأنّ الهلال إنّما يرى باللّيل. وأنشد الأصمعي والشّعر لنابغة بني جعدة، وعاش ثمانين ومائة سنة:
قالت أمامة كم عمرت زمانه ... وربحت من عزّ على الأوثان ... ولقد شهدت عكاظ قبل محلّها ... فيها وكنت أعد في الفتيان ... والمنذر بن محرّق في ملكه ... وشهدت يوم هجا بن النّعمان ... وعمرت حتّى جاء أحمد بالتّقى ... وقوارع يتلى من الفرقان ... فلبست بالإسلام ثوبا واسعا ... من سيب لا حرد ولا منّان
وقال حين أتت عليه مائة واثنتا عشرة سنة:
مضت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجّتان ... وأبقى الدّهر والأيام منّي ... كما أبقى من السّيف اليماني ... يصمّم وهو مأثور جراز ... إذا اجتمعت بقائمة اليدان
قال أبو عبد الله فتّاك الجاهليّة: الحارث بن ظالم المرّي والبراض بن قيس الضّمري وتأبّط شرّا واسمه جابر بن سفيان الفهمي وحنظلة بن فاتك أحد بني عمرو بن أسد. وفتّاك
الإسلام: مالك بن ريب المازني وعبيد الله بن الحر الجعفي وعبد الله بن سبرة الجرشي وعبد الله بن خازم السّلمي والقتال الكلابي ومرار بن يسار الفقعسي وعتيبة بن هبيرة الأسدي ومن باب التّاريخ قول الشّاعر:
(1/470)
مضت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجّتان ... وأبقى الدّهر والأيام منّي ... كما أبقى من السّيف اليماني ... يصمّم وهو مأثور جراز ... إذا اجتمعت بقائمة اليدان
قال أبو عبد الله فتّاك الجاهليّة: الحارث بن ظالم المرّي والبراض بن قيس الضّمري وتأبّط شرّا واسمه جابر بن سفيان الفهمي وحنظلة بن فاتك أحد بني عمرو بن أسد. وفتّاك
الإسلام: مالك بن ريب المازني وعبيد الله بن الحر الجعفي وعبد الله بن سبرة الجرشي وعبد الله بن خازم السّلمي والقتال الكلابي ومرار بن يسار الفقعسي وعتيبة بن هبيرة الأسدي ومن باب التّاريخ قول الشّاعر:
ها أنا ذا أملّ الخلود وقد ... أدرك عمري ومولدي حجرا ... أيا امرأ القيس هل سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
وما يجري مجرى التّاريخ بما يتضمّن من التّشبيه ما أنشده ابن الأعرابي وأظن بعضه قد مضى، وإن كان يسيرا، وأنشد أبو هفان وزعم أنّه من أحسن أشعارهم شعرا:
منعمة لم تلق بؤسا ولم تسق ... بعيرا ولم تضمم وليدا إلى نحر ... ولم تدر أي النّاس أعداء قومها ... وتمضي اللّيالي والشّهور ولا تدري ... سوى أن تصوم الشّهر فيمن يصومه ... وتسأل عن يوم العروبة والفطر ... فلو كنت ماء كنت صوب غمامة ... ولو كنت مزنا كنت ثرة من بكر ... ولو كنت لهوا كنت تعليل ساعة ... ولو كنت نوما كنت تعريسة الفجر ... كلفت بها عمري فلمّا تقطّعت ... وسائلنا ودّعت ما فات من عمري
وأنشد نفطويه عن أبي العبّاس ثعلب:
فلو كنت ليلا كنت ليلة صيف ... من المشرقات البيض في وسط الشّهر ... ولو كنت ظلّا كنت ظلّ غمامة ... ولو كنت نوما كنت تعريسة الفجر ... ولو كنت يوما كنت يوم سعادة ... ترى شمسه والمزن يهضب بالقطر
وفي هذه الطّريقة ما أنشد به أحمد بن لجأ ويروى للعين المنقري:
فقيّم يا شرّ تميم محتدا ... لو كنتم ماء لكنتم زبدا ... أو كنتم ليلا لكنتم صردا ... أو كنتم شاء لكنتم نقدا ... أو كنتم صوفا لكنتم فردا ... أو كنتم عيشا لكنتم جحدا
وأنشد:
لو كنت لحما كنت لحم كلب ... أو كنت نارا لم تحل في عطب ... أو كنت ماء لم تسع لشرب ... أو كنت سيفا لم تكن بعضب
وروى أبو عمر عنه أيضا قال: أنشدني أبو عبد الله:
لو كنت من مال امرئ ذي نيقة ... لكنت خير ناقة مسوّقة
من ناقة خوّارة رقيقة ... ترميهم ببكرات روقة
وحكى ابن الأعرابي قال: غزا خالد بن قيس بن المضلّل فيمن تبعه من بني أسد فغنم وسبا فمرّت به جارية أعجبته فقال لها: كيف كان أبوك يطبخ اللّباء؟ قالت: كان يهنيه ويمنيه حتى يستقر، ورضفه فيه، فأعرض عنها ثم دعا بأخرى فسألها عن مثل ذلك، فقالت: كان يهذره ويمذره، ويطعن الفارس فينثره، فاتّخذها لنفسه، فجاءت بعاصم بن خالد، وكان يقال له: البر من برّه بأبيه وله يقول أبوه شعرا:
(1/471)
لو كنت من مال امرئ ذي نيقة ... لكنت خير ناقة مسوّقة
من ناقة خوّارة رقيقة ... ترميهم ببكرات روقة
وحكى ابن الأعرابي قال: غزا خالد بن قيس بن المضلّل فيمن تبعه من بني أسد فغنم وسبا فمرّت به جارية أعجبته فقال لها: كيف كان أبوك يطبخ اللّباء؟ قالت: كان يهنيه ويمنيه حتى يستقر، ورضفه فيه، فأعرض عنها ثم دعا بأخرى فسألها عن مثل ذلك، فقالت: كان يهذره ويمذره، ويطعن الفارس فينثره، فاتّخذها لنفسه، فجاءت بعاصم بن خالد، وكان يقال له: البر من برّه بأبيه وله يقول أبوه شعرا:
أرى كلّ أمر إلى عاصم ... فما أنا لو كان لم يولد ... فلو كنت شيئا من الأشربا ... ت لكنت من الأسوغ الأبرد
قول الأولى: يهنيه ويمنيه: أي يحسن علاجه وهذا مما يوصف بها الرّعاة.
وقول الثّانية: (يهذره ويمذره): أي يفسده فإذا طعن الفارس أشرقه بدمه فأنثره، ويشبه هذا عندي قول الآخر:
إنّ عليها فارسا كعشرة ... إذا رأى فارس قوم أنثره
أورده منكفيا أو أشعره معنى أشعره: رماه بسهم جعله شعارا له، وهذا شبيه بقول الجعدي:
فتانا بطرير مرهف جفرة ... المخرم منه فسعل يريد
لما جافه بالطعنة أشرقه بدمه فسعل به، وأنشدت عن نفطويه، قال: أنشدني ثعلب عن ابن الأعرابي:
لو كنت ليلا من ليالي الشّهر ... كنت من البيض تمام البدر ... بيضاء لا يشقى به من يسري ... أو كنت ماء كنت غير كدر ... ماء سماء في صفاتي صخر ... أظلّه الله بعيص الصّدر
فهو شفاء من غليل الصّدر وأنشدت عنه أيضا قول الآخر:
فلو كنت يوما كنت يوم تواصل ... ولو كنت ليلا كنت لي ليلة القدر ... ولو كنت عيثا كنت نعمة جنة ... ولو كنت نوما كنت تعريسة الفجر
وأنشده من غير هذا الوجه:
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنوّر ليلة البدر
وأنشد أبو العبّاس المبرّد في الذّم والإزراء:
(1/472)
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنوّر ليلة البدر
وأنشد أبو العبّاس المبرّد في الذّم والإزراء:
لو كنت ماء لم تكن بعذب ... أو كنت عاما كنت عام خصب ... أو كنت سيفا لم يكن بعضب ... أو كنت غيرا لم يكن بندب ... أو كنت لحما كنت لحم كلب
وأنشد ابن الأعرابي:
لو كنت ماء كنت لا ... عذب المذاق ولا مسوسا ... ملحا بعيد القعر قد ... فلّت حجارته الفئوسا
قال المسوس: كلّ ما شفى الغليل، لأنّه مسّ الغلة وأصابها وأنشد:
يا حبذا ريقتك المسوس ... وأنت خود بادن شموس
ويقال: ماء قعاع، وزعاق وحراق وليس بعد الحراق في الملوحة شيء لأنه إذا شربت الإبل أحرقت أكبادها.
وروى لنا أبو الحسن البديهي قال: سمعت أبا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي يقول: سأل بعض أهل العلم أصحابه فقال: أتعرفون رجلا من الصّحابة يروى عنه الحديث، ويقال له أسد بن عبد مناف بن شيبة بن عمرو بن المغيرة بن زيد؟ قالوا: لا. قال:
علي بن أبي طالب: سمّته أمّه فاطمة أسدا وهي بنت أسد باسم أبيها، وعبد مناف اسم أبي طالب، وشيبة اسم عبد المطلب وعمرو اسم هاشم، والمغيرة اسم عبد مناف، وزيد اسم قصي.
وأخبر أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم تولّى دفن فاطمة بنت أسد وكان أشعرها قميصا له، فسمع وهو يقول: ابنك، فسئل صلى الله عليه وسلم فقال: إنّها سئلت عن ربّها فأجابت، وعن نبيها فأجابت، وعن إمامها فلجلجت، فقلت: ابنك ابنك (1).
__________
(1) الظاهر أنّ هذه الرواية من كتب الشيعة الإمامية والله أعلم.
الباب الثّاني والخمسون فيما هو متعالم عند العرب، ومن داناهم، وأدركوها بالتفقّد وطول الدّربة ولم يدخل في أسجاعهم
(1/473)
الباب الثّاني والخمسون فيما هو متعالم عند العرب، ومن داناهم، وأدركوها بالتفقّد وطول الدّربة ولم يدخل في أسجاعهم
قال أبو حنيفة: يقولون إذا طلع فرغ الدّلو المؤخّر، وذلك أول الرّبيع اختال العشب، وأدرك الباقلي والفاكهة المنكرة بالعراق، وظهرت الهوام.
وإذا طلع بطن الحوت حصد أوّل الشّعير بالعراق، وزعموا أنّ النوء الذي فيه هو نوء السّماك قلّ ما يخلف.
وإذا طلع الشّرطان أكل فريك الحنطة.
وإذا طلع البطين: فرغ من حصاد الشّعير، وابتدئ بحصاد الحنطة والقطابي وهي الجنوب، وكثرت الفاكهة بالعراق والشّام، وقيل: إنّه قلّ ما يعدمه سحاب.
وإذا طلعت الثّريا عم الحنطة الحصاد، وأدرك التّفاح، ومدّ في آخره النّيل.
وإذا طلع الدّبران: هبّت السّمائم وأسود العنب.
وإذا طلعت الجوزاء فيها الهقعة أدرك البطيخ والفاكهة.
وإذا طلعت الهنعة: أدرك البسر والتّين، وفيه تنقص المياه.
وإذا طلعت الذّراع وفيها الشّعرى: أدرك الرّمان، وحصد القصيب النّبطي.
وإذا طلعت العذرة وفيها النّثرة: قطف العنب بالعراق، وأكل الرّطب وبلح النّخل بالحجاز. وأدرك جميع الفاكهة بالعراق والشّام.
وإذا طلع الطّرف كثر الثمر في ذلك الوقت، واللّبن الذي يستقضونه من الضّروع، لفصال الأولاد عن الأمهات، ويطوف أهل مصر. ونوؤه ستّ ليال وينسب في الشّعر إلى الأسد.
وإذا طلعت الجبهة: كثر الرّطب وسقط الطّل.
(1/474)
وإذا طلع الطّرف كثر الثمر في ذلك الوقت، واللّبن الذي يستقضونه من الضّروع، لفصال الأولاد عن الأمهات، ويطوف أهل مصر. ونوؤه ستّ ليال وينسب في الشّعر إلى الأسد.
وإذا طلعت الجبهة: كثر الرّطب وسقط الطّل.
وإذا طلعت الزّبرة وطلع معها سهيل بالعراق: برد اللّيل والماء وولّى القيظ.
وإذا طلعت الصّرفة برد الليل واختلفت الرياح وتحرّك أول الشّمال وقطعت العروق، وشربت الأودية، وجدّ النّخل بالحجاز، وبكل غور ويشتار العسل.
وإذا طلعت العوّاء وطلع معها السّماك الرّامح: أخذ النّاس في صرام النّخل وقطف الرّمان والسّفرجل، وفيه، ينتهي غور المياه وتهيج الصّبا.
وإذا طلع الغفر: زرع أول زرع الحنطة وزرع الرطاب وحصد القصب الفارسي وجد النخل وفي النوء الذي فيه وهو نوء الشرطين أول مطر ينتفع به.
وإذا طلعت الزّباني دخل الناس البيوت، ويسقط الرّبل: وهو الورق الذي نبت في دبر القيظ ببرد اللّيل.
فإذا طلع الإكليل لم يكد يخطئ النّوء الذي فيه وهو نوء الثّريا السّحاب والغيوم، وقطعت الحداء والخطاطيف والرّخم إلى الغور.
وإذا طلع قلب العقرب: هبّت رياح الشّتاء الباردة.
وإذا طلعت الشّولة سقط الورق كلّه وكثر الرّذاذ والمطر.
وإذا طلعت النّعائم وطلوعها لاثنين وعشرين ليلة من كانون الأول وسقوطها لاثنين وعشرين يخلو من حزيران، يتشعّب الرّعاء ويتلاقى التمايم لأنّهم حينئذ يفرغون، ولا يشغلهم رعي فيلاقون ويدس بعضهم إلى بعض الأخبار.
وإذا طلعت البلدة نقى البساتين وكرب الكروم.
وإذا طلع سعد الذّابح لم يكد يخطئ النّوء الذي فيه وهو نوء النّثرة مطر وإن أخلف فريح.
وإذا طلع سعد بلع نقّت الضّفادع، وباضت الهداهد، وتزاوجت العصافير وهبّت الجنوب، وأعشبت الأرض.
وإذا طلع سعد السّعود وتحرّك أوّل العشب، وأورق الشّجر وزقا المكاء وجاءت الخطاطيف، وقلما يخطئ النّوء الذي فيه، وهو نوء الجبهة المطر الجود.
وإذا طلع سعد الأخبية لم يكد يخطئ النّوء الذي فيه، وهو نوء الزّبرة مطرا شديدا وقلّما أخلف المطر وفيه يورق الكرم.
وإذا طلع فرغ الدّلو المقدم: يسلم الناس من الحاسة في النّوء الذي فيه وهو نوء
الصّرفة فقد أمنت بإذن الله من الحواس إلى آخر السنة، وفيه يقول القائل: إذا دخل آذار أخياء وآبار، لما يتخوّف النّاس من الآفات في هذا النوء وفيه يعقد اللّوز والتفاح، وهذا الذي ذكره أبو حنيفة خرّجه غيره على الشّهور الرّومية، فقال زائدا عليه:
(1/475)
وإذا طلع فرغ الدّلو المقدم: يسلم الناس من الحاسة في النّوء الذي فيه وهو نوء
الصّرفة فقد أمنت بإذن الله من الحواس إلى آخر السنة، وفيه يقول القائل: إذا دخل آذار أخياء وآبار، لما يتخوّف النّاس من الآفات في هذا النوء وفيه يعقد اللّوز والتفاح، وهذا الذي ذكره أبو حنيفة خرّجه غيره على الشّهور الرّومية، فقال زائدا عليه:
تشرين الأوّل
سلطان المرّة السّوداء وهو ثلاثون يوما آيته واحد، وهو بالفارسية شهريرماه وآيته أربعة، وهو أوسط الخريف وله من البروج الميزان وهو هوائي مؤنّث نهاري شمالي. ربّه بالنّهار زحل وباللّيل عطارد، والشّريك المشتري وهو بيت الزّهرة، وشرف زحل هبوط الشّمس فيه. والإقليم الروم إلى إفريقية مصر، وله من المنازل الغفر والزّبانى وثلث الإكليل، وفي أوله يبتدئ أهل الحجاز بالزّراعة وفي عشر منه تزرع الحنطة والشّعير والرّطاب ويقوم سوق القادسان بسوق الأسواق أسبوعا. وفي خمس عشرة منه يبرد الزّمان وتكثر الرّياح بإذن الله، وفي إحدى وعشرين يطلع الغفر ويسقط، وفيها يغلظ الشّجر ويكون أول مطر، فإن أخطأ فريح شديدة، وتريح نيل مصر، ويقوم سوق حلب، وفي خمس وعشرين منه يطلع الزّبانى ويسقط البطين، وفيها يدخل النّاس البيوت واستقبل الوسميّ ويقوم سوق ماسرجسان.
تشرين الآخر
سلطان المرّة السّوداء: ثلاثون يوما آيته أربعة، وهو بالفارسية مهرماه آيته ستة، وهو آخر شهور الخريف. وله من البروج العقرب، وهو من بروج الماء وهو بيت بهرام، وبهرام هو المرّيخ، ومنزله فوق قلب العقرب وهبوط القمر فيه. ربّه باللّيل الزّهرة وبالنّهار المريخ، والشّريك القمر، والإقليم مكة. وله من المنازل ثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشّولة، في أول يوم تهبّ الجنوب وفي الثّاني يطلع الزبانيان ويسقط البطين وتقوم سوق عند كنيسة الرّقة ويبرد الماء ويبتدئ أهل الشّام بالزّراعة، ويذهب زمان المنّ والسلوى، ويلقط الزيتون ويدخل النّمل ذوات الأجنحة بالشّام وبكل أرض باردة جوف الأرض ويخرج الحداء والرّخم من كل أرض باردة، وعند ذلك يعرف الشّتاء من الصّيف، وفي خمس عشرة منه يطلع الإكليل ويسقط الثّريا وهو آخر الخريف ويكون المهرجان عيد المجوس، وفيها يبتدئ البرد ويرتج البحر ويجيء شيء من المطر، فإن لم يجيء هاجت الرياح، وتهلك كلّ دابة ليس لها عظم، مثل الدود والدّباء والجراد واليعاسيب، ويسقط ورق الشّجر، وما قطع فيه من الخشب لم يقع فيه أرضة، ويقع الجليد فوق الأرض وتتحرك فحولة الغنم. وفي أربعة وعشرين منه يكون النّهار عشر ساعات، واللّيل أربع عشرة ساعة، ولخمس وعشرين منه تعلق البحر فلا يركبه أحد. ولثمان وعشرين منه يطلع القلب، ويسقط الدّبران ويطلع النّسر
الواقع ويشتدّ القر، ويختار النّاس ما يقل من الثّياب ويشتد موج البحر ويقل صيده ويعصر الزّيت ويلقط الجوز.
(1/476)
سلطان المرّة السّوداء: ثلاثون يوما آيته أربعة، وهو بالفارسية مهرماه آيته ستة، وهو آخر شهور الخريف. وله من البروج العقرب، وهو من بروج الماء وهو بيت بهرام، وبهرام هو المرّيخ، ومنزله فوق قلب العقرب وهبوط القمر فيه. ربّه باللّيل الزّهرة وبالنّهار المريخ، والشّريك القمر، والإقليم مكة. وله من المنازل ثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشّولة، في أول يوم تهبّ الجنوب وفي الثّاني يطلع الزبانيان ويسقط البطين وتقوم سوق عند كنيسة الرّقة ويبرد الماء ويبتدئ أهل الشّام بالزّراعة، ويذهب زمان المنّ والسلوى، ويلقط الزيتون ويدخل النّمل ذوات الأجنحة بالشّام وبكل أرض باردة جوف الأرض ويخرج الحداء والرّخم من كل أرض باردة، وعند ذلك يعرف الشّتاء من الصّيف، وفي خمس عشرة منه يطلع الإكليل ويسقط الثّريا وهو آخر الخريف ويكون المهرجان عيد المجوس، وفيها يبتدئ البرد ويرتج البحر ويجيء شيء من المطر، فإن لم يجيء هاجت الرياح، وتهلك كلّ دابة ليس لها عظم، مثل الدود والدّباء والجراد واليعاسيب، ويسقط ورق الشّجر، وما قطع فيه من الخشب لم يقع فيه أرضة، ويقع الجليد فوق الأرض وتتحرك فحولة الغنم. وفي أربعة وعشرين منه يكون النّهار عشر ساعات، واللّيل أربع عشرة ساعة، ولخمس وعشرين منه تعلق البحر فلا يركبه أحد. ولثمان وعشرين منه يطلع القلب، ويسقط الدّبران ويطلع النّسر
الواقع ويشتدّ القر، ويختار النّاس ما يقل من الثّياب ويشتد موج البحر ويقل صيده ويعصر الزّيت ويلقط الجوز.
كانون الأوّل
سلطان البلغم، آيته واحد، وهو أوّل شهور الشّتاء وله من البروج القوس وهو من بروج النار ذو جسدين، وهو بيت المشتري. ربّه بالنّهار الشّمس وباللّيل المشتري والشّريك زحل. الإقليم بابل وله من النّجوم ثلاثة، الشّولة والنّعائم والبلدة. وفي أول يوم منه يقوم سوق دمشق، ولإحدى عشرة منه يطلع الشّولة وهي ذنب العقرب، تسقط الهقعة ويجيء مطر، وتهيج رياح ويخرج النّمل ذوات الأجنحة فتجيء القواري من الطيّر فتصطادها وتولد الضأن. ولاثنتي عشرة منه يرى أول الطّلع، ولخمس وعشرين منه تطلع النّعائم وتسقط الهنعة وهو حمية الشّتاء، وفيه ميلاد المسيح عليه السلام وهي أطول ليلة في السّنة وأقصر يوم يكون يومه تسع ساعات، وليله خمس عشرة ساعة. وهو عيد النصارى، يكون الميلاد الدّهر كلّه في خمس وعشرين من كانون الأول وتطلع البلدة، ويسقط الذّراع، وذلك أشد ما يكون من القر وقت السّحاب والمطر ويطلع النّسر الطّائر.
كانون الآخر
سلطان البلغم واحد وثلاثون يوما، آيته اثنان، وهو بالفارسية آذر ماه آيته ثلاثة، أوسط شهور الشّتاء، له من البروج الجدي، وهو برج منقلب من بروج الأرض وهو بيت زحل وشرف المرّيخ وهبوط المشتري. ربّه بالنّهار الزّهرة وباللّيل المرّيخ، والشّريك القمر.
وللجدي من النّجوم سعد الذّابح وسعد بلع وثلث سعد السعود. وفي اليوم الثّاني منه عيد النصارى يقال له القليدس، وتهبّ فيه ريح عاصفة، ولستّ خلون منه تطلع البلدة ويسقط الذّراع وهو ميلاد عيسى عليه السلام، الأخير يقال له الرّيح وهو حد الشّتاء يكون الرّيح الدّهر كلّه في سبع من كانون الآخر. وفيه تفقأ عيون الحيات وتموت الذبان ويغمس النّصارى أولادهم في الماء، يزعمون أنّ في تلك اللّيلة تعذب المياه المالحة ويطلع النّسر الطائر. وفيه يبدأ بكراب الكرم، وفي أربع عشرة تكون الثّلوج والأمطار ويكون آخر القر.
وفي تسع عشرة منه يطلع سعد الذّابح وتسقط النثرة ويشتدّ البرد، وهو حد الشّتاء، وفيه البرد وفيه يبتدئ أهل الرّوم بالكراب وغرس الأشجار، وذلك وقت دوام المطر، ويجري الماء في فروع الشّجر، وفيه تقطع الزّرة بتهامة ويزرع القطاني والبطيخ، وهو وقت رذاذ وطل ويكون معه الضّباب، وفي أربع وعشرين منه يطلع سعد بلع ويسقط الطّرف. واللّيل أربع عشرة ساعة، والنّهار عشر ساعات.
(1/477)
شباط
سلطان البلغم ثمانية وعشرون يوما، آيته خمسة، وهو بالفارسيّة ديماه آيته خمسة، وهو آخر شهور الشّتاء وله من البروج الدّلو وهو برج الرّياح ثابت مذكر مغربي وهو بيت زحل، ربّه بالنّهار وبالليل عطارد، والشّريك المشتري والإقليم الشّام، وله من المنازل ثلثا سعد السّعود وسعد الأخبية وثلثا مقدّم الدّلو. وفي اليوم الأوّل منه يطلع سعد بلع ويسقط الطرف وينكسر البرد، ويرى الحداء والرّخم. وفيه ينسك النّصارى، وهو وقت كثرة الأمطار. وفيه يورق الشّجر، ويخرج النّمل وينبت العشب وتكثر الذّباب، ولسبع منه تهبّ الرّياح اللّواقح وتغرس الكروم. واليوم العاشر والحادي عشر والثّاني عشر صوم قوم يونس عليه السلام حين صرف الله تعالى عنهم العذاب. وفي أربع عشرة منه يطلع سعد السّعود وتسقط الجبهة، وفيه يسخن جوف الأرض وتؤكل الكمأة والفطر والهليون وتسقط الجمرة الأولى، ويخرج النمل ذوات الأجنحة والذّر ويجري الماء في العود، وتسقي الدروع ويخرج بقول الفرس، والورد والياسمين وتنشر دواب الأرض، وتزرع بقول الصّيف، ولتسع عشرة منه أول يوم من أيام العجوز، وفي أربع وعشرين منه يكون النّهار إحدى عشرة ساعة واللّيل ثلاث عشرة، ولسبع وعشرين منه يطلع سعد الأخبية ويسقط الخرأتان، وتقع الجمرة الوسطى، ولا يغرس فيه إلى أربع من آذار لا غرس ولا كرم، فإنّه يفسده السّوس وفيه: تتزاوج الطّيور ويتوالد الوحش.
آذار
سلطان البلغم أحد وثلاثون يوما، آيته خمسة، وهو بالفارسية بهمن ماه آيته سبعة، وهو أوّل شهور الصّيف، وله من البروج الحوت، وهو ذو جسدين مؤنث من بروج الماء، فيه هبوط عطارد وشرف الزّهرة، وهو بيت المشتري، ربّه بالنّهار زحل، وباللّيل عطارد، والشّريك المشتري، والإقليم الصّين وله من النّجوم ثلاثة: الفرغ المقدّم والفرغ المؤخّر وبطن الحوت. وفي أول يوم منه يطلع الدّلو وتسقط الصّرفة وهي الحمرة الأخيرة، ويلقى حرّ السماء وحر الأرض وتخرج كلّ دابة ليس فيها عظم، وفي اليوم الثّاني يزرع قصب السكر بالأهواز، والبطيخ ويلقح النخل. وفي اليوم الخامس يطلع الغفر، وهو وقت ذهاب الحواس وأول الصّيف وتختلف الرّياح، وتجري السّفن في البحر، وتفتح عيون الحيّات. وذاك أنّها تغمضها في الشّتاء، وفيها ترى معالم الصّيف ويستبل الزّرع. وفي أربع وعشرين منه يطلع مؤخّر الدّلو، ويسقط العواء ويستوي اللّيل والنّهار. وفي سبع وعشرين منه يسخب جنان، وتخرج الهوام ويكثر موج البحر ويبذر الأرز بالأهواز.
(1/478)
نيسان
سلطان الدّم ثلاثون يوما، آيته واحد، وهو بالفارسية اسفندارمذماه، آيته اثنان، وله من البروج الحمل، وهو بيت المرّيخ، برج منقلب مذكّر من بروج النّار، وللحمل من النّجوم الشّرطان والبطين وثلث الثّريا، وهو شرف الشّمس وهبوط زحل. ربّه باللّيل المشتري وبالنّهار الشّمس، ويشاركه باللّيل والنّهار زحل، والإقليم بابل، في أوّل يوم منه قام يوحنا وهو غداة يوم الأحد بعد ثلاثة من نزول المريخ. ولستّ منه تأفل الثّريا، فلا ترى أربعين ليلة. ولسبع منه يطلع الحوت، ويسقط السّماك، وقلّما يخطئ المطر فيه بإذن الله تعالى، ويبدأ بحصاد الشّعير، وتفيض العيون والأنهار، وتقوم سوق الدّبر بأرض سوارت من سوق الأهواز ستة أيام، ولعشر منه توفي آدم عليه السّلام، وفي ثلاث عشرة منه يطلع الشّرطان ويسقط الغفر، ويظهر ما استخفى من الهوام، وهو فيهما ظل وغيوم ويمد الفرات المد الأعظم، وتهبّ الرّياح الشّريفة كالصّبا، وفيها يفرّخ الطّير. وفي ستّ بقين منه يطلع البطين، ويسقط الزّبانيان، ويقوم سوق كرو بفلسطين سبع ليال، ويكون النّهار فيه ثلاث عشرة ساعة، واللّيل إحدى عشرة ساعة.
أيّار
سلطان الدّم واحد وثلاثون يوما، آيته ثلاثة، وهو بالفارسية فروردين ماه آيته واحدة، وهو من شهور الصّيف وهو النّيروز رأس سنة القمر، وهو عيد المجوس الأكبر ثمانية أيام، له من البروج الثّور وهو برج أنثى من بروج الأرض وهو بيت الزّهرة وشرف القمر، ربّه بالنّهار الزّهرة وباللّيل القمر، ويشاركه باللّيل والنّهار المريخ، الإقليم التّرك والخزرج. وله من النّجوم ثلثا الثّريا والدّبران وثلثا الهقعة. وفي ثلث منه يطلع البطين ويسقط الزّبانيان.
وفي اليوم السّابع تطلع الغميصاء، ويكون فيه ريح ومطر، وفي اليوم الرّابع عشر يجري الماء في منتهى العيون، وفي ستة عشر منه تطلع الثّريا ويسقط الإكليل وهو أوّل يوم من الصّيف وآخر الربيع، وبطلوعها يطيب ركوب البحر، ويبدأ أول السّمائم ويفرك القمح ويبرد نيل مصر، وتغور المياه، ويخرج الجراد وتهيج الصّبا. وفي أربع وعشرين منه يكون النّهار أربع عشرة ساعة، والليل عشر ساعات، ينقص ساعة لتمام ثلاثين يوما. وتزرع الذّرة والدّخن بأرض تهامة واليمن وأرض النّوبة. وفي سبع وعشرين منه يرتفع الطّاعون بإذن الله تعالى من كل أرض، ولتسع وعشرين منه يطلع الدّبران ويسقط القلب وتهيج فيها البوارح والسّمائم، ويسودّ أوّل العنب وتستبين زيادة نيل مصر وتهب الشّمال.
(1/479)
حزيران
سلطان المرّة الصّفراء ثلاثون يوما، آيته ستة، وهو بالفارسيّة اردبهشت ماه، آيته ثلاثة وهو أوّل شهور القيظ، وله من البروج الجوزاء، وهو ذو جسدين وهو التوأمان من بروج الرّياح، برج مذكّر مغربي شرف رأس التّنين، ربّه بالنّهار زحل وباللّيل عطارد.
ويشاركه باللّيل والنّهار المشتري. الإقليم بربر وإفريقية، وله من النّجوم ثلاثة: الهقعة والهنعة والذّراع وفي إحدى عشرة منه تطلع الهقعة وتسقط الشّولة، وفي أربع وعشرين منه تطلع الهنعة ويسقط النّعائم، ويرجع الشّهر، ويهبط من صعودها الأعلى، وهو أطول يوم في السّنة، وهو اليوم الذي ولد فيه يحيى بن زكريا عليهما السلام فيما زعموا ويزعم أهل العلم أنّ داود النّبي عليه السلام فيه افتتن، وفي ثلاثين منه يطلع الذّراع ويسقط البلدة، وفيه تسكن الرّياح ويشتدّ الحر.
تموز
سلطان المرة الصّفراء واحد وثلاثون يوما، آيته واحدة، وهو بالفارسية خرداد، آيته خمسة، وهو أوسط القيظ، وله من البروج السّرطان برج منقلب أنثى من بروج الماء، وهو شرف المشتري وهبوط المرّيخ، ربّه بالنّهار المرّيخ وباللّيل الزّهرة، ويشاركه باللّيل والنّهار القمر. والإقليم الشّام والجزيرة والرّوم، وله من النّجوم النّثرة والطّرف وثلث الجبهة ويشتدّ الحر فيه، ولسبع منه يطلع الذّراع وتسقط البلدة. ويقوم سوق سليمة جمعتين، ويرتفع الطّاعون بإذن الله تعالى، وفيه يحرث ما يصلح في تلك السّنة من الزّرع، وما يفسد منه، ويؤخذ لوح قبل أن تطلع الشّعرى بتسع ليال، فيزرع عليه من كل صنف حتى إذا كان ليلة تطلع الشّعرى وضع ذلك فوق بيت على مكان مرتفع لا يحول بينه وبين السّماء شيء فما أصبح منه مخضرّا فإنه يصلح بإذن الله تعالى، وتطلع الشّعرى الغامضة في خمس منه. وفي عشرين منه تطلع النّثرة ويسقط سعد الذّابح، وفيه مولد السّنة أبدا، فاحفظ منه أعلام الشّتاء، ويزرع البطّيخ الشّتوي في أرض اليمن.
آب
سلطان المرة الصّفراء واحد وثلاثون يوما، آيته أربعة، وهو بالفارسية تير ماه، آيته سبعة، وهو آخر شهور القيظ. وله من البروج الأسد، وهو برج ثابت مذكّر مشرقي من بروج الملوك توافقا، وهو بيت الشّمس، ربّه بالنّهار الشّمس وباللّيل المشتري، ويشاركه باللّيل والنّهار زحل، الإقليم بابل. وللأسد من النّجوم ثلثا الجبهة والخراتان وثلثا الصّرفة في
يومين منه يطلع الطّرف ويسقط سعد بلع ويقوم سوق بيت جبرين (1) ويطلع سهيل ولا يرى بالعراق. وفي خمس عشرة منه تطلع الجبهة، ويسقط سعد السّعود وفيها يبرد آخر اللّيل ويرتفع سهيل، حتى يرى بالعراق وتطيب البوارح وإن تخلّلها السّمائم ويهيج الزّكام، ويكون فيه عيد عسقلان، وهو عيد كبير جامع للنّصارى. وهو يوم ماتت مريم بنت عمران فيما يزعم أهل الكتاب. ويبرد جوف الأرض، ويرجى فيه المطر بالسّند. وفي أربع وعشرين يكون النّهار ثلاث عشرة ساعة، وهو أول الشّتاء، والعرب تسمّي ذلك الزّمان الخريف. وفي ثمان وعشرين منه يطلع الخراتان، ويسقط سعد الأخبية، وتهب الشّمال، وهو فيما يذكرون يوم قتل يحيى عليه السلام، وهو آخر يوم من القيظ، وفيه تسقط المنّ والسلوى بأرض الشّام وأرض بني إسرائيل.
(1/480)
سلطان المرة الصّفراء واحد وثلاثون يوما، آيته أربعة، وهو بالفارسية تير ماه، آيته سبعة، وهو آخر شهور القيظ. وله من البروج الأسد، وهو برج ثابت مذكّر مشرقي من بروج الملوك توافقا، وهو بيت الشّمس، ربّه بالنّهار الشّمس وباللّيل المشتري، ويشاركه باللّيل والنّهار زحل، الإقليم بابل. وللأسد من النّجوم ثلثا الجبهة والخراتان وثلثا الصّرفة في
يومين منه يطلع الطّرف ويسقط سعد بلع ويقوم سوق بيت جبرين (1) ويطلع سهيل ولا يرى بالعراق. وفي خمس عشرة منه تطلع الجبهة، ويسقط سعد السّعود وفيها يبرد آخر اللّيل ويرتفع سهيل، حتى يرى بالعراق وتطيب البوارح وإن تخلّلها السّمائم ويهيج الزّكام، ويكون فيه عيد عسقلان، وهو عيد كبير جامع للنّصارى. وهو يوم ماتت مريم بنت عمران فيما يزعم أهل الكتاب. ويبرد جوف الأرض، ويرجى فيه المطر بالسّند. وفي أربع وعشرين يكون النّهار ثلاث عشرة ساعة، وهو أول الشّتاء، والعرب تسمّي ذلك الزّمان الخريف. وفي ثمان وعشرين منه يطلع الخراتان، ويسقط سعد الأخبية، وتهب الشّمال، وهو فيما يذكرون يوم قتل يحيى عليه السلام، وهو آخر يوم من القيظ، وفيه تسقط المنّ والسلوى بأرض الشّام وأرض بني إسرائيل.
أيلول
سلطان المرة السّوداء، ثلاثون يوما، آيته سبعة، وهو بالفارسية مرداد ماه، آيته اثنان، وله من البروج السّنبلة برج ذو جسدين أرضي أنثى، وهو بيت عطارد وشرفه وهبوط الزّهرة، وربّه بالنّهار الزّهرة، وباللّيل القمر ويشاركه باللّيل والنّهار المرّيخ. الإقليم الشّام والجزيرة، وله من النّجوم ثلث الصّرفة والعوّاء والسّماك. في ثلث منه توقد النّار بآذربيجان وبكل أرض باردة. ويقوم سوق منيح بالجزيرة، وسوق هرمردان بجند نيسابور. وهو رأس سنة اليهود، وتزرع فيه البقول الشّتوية، ويسقط النّدى، وتتحرك أول الشّمال. ولعشر منه يطلع الغفر ويسقط مقدّم الدّلو. ويزرع أهل مصر والجزيرة. ولثلاث عشرة منه يكون عيد الصّليب وهو الصّوم الأكبر. وتجري فيه ريح شديدة الهبوب، يتّقى فيها على السّفن، ولإحدى وعشرين يبني النصارى في كنائسهم، يريدون بذلك تقويم قبلتهم، وفيه يقوم سوق رحبة بالجزيرة وسوق بردرايا بالسّوس، ويقوم سوق اسبايريار بتستر أسبوعا. ولأربع وعشرين تطلع العواء ويسقط مؤخّر الدّلو، ويستوي اللّيل والنّهار، ويجري الماء في فروع الشجر، وهو آخر القيظ وأوّل الخريف وأوّل الصّرام بالبصرة. وقال أبو عبد الله أول نجوم القيظ والبوارح الثّريا، وسهيل، وإذا مضى سهيل آخرها وإذا مضى سهيل طالت الأظماء، وبرد اللّيل، فإذا طلعت الجبهة انكسر الحر وامتد الظّماء، وتباعدت الإبل في مراعيها، ويكثر الكرش ويغلظ فيمسك الماء ويطول لذلك ظمؤها، وإذا قصر الظّماء رعت حول الماء، فإذا طلعت الصّرفة فهو انقطاع الحرّ وتحرّك ريح الشّتاء، ثم نجوم القر الشّديد وأوّلها سقوط الذّراع، فإذا سقطت الجبهة سخفت الأرض ولانت على الماشي وأطلعت الأرض ذخائر وسميّها من النّبات، واختلفت الإبل في مراعيها يعني تباعد بعضها من بعض. ونظرت الأرض بإحدى عينيها فإن
__________
(1) في القاموس بيت جبرين بين غزّة والقدس الحسن النعماني.
(1/481)
كان في ذلك الوقت كان مخصبا بإذن الله تعالى، وكان أنفع مما قبله وما بعده، ويقال: ما امتلأ واد من نوء الجبهة إلا امتلأ بقلا، وهي أنفع النّجوم للأرض إذا صدق نوؤها وهي من نجوم الشّتاء وأنفع نجوم الوسمي مطر الثّريا، فإن صدق نجمها حمد الوسمي في ذلك العام، فإن ولتها الجبهة في وقتها كان عاما حياء، وخير بإذن الله تعالى، فإن ردفها السّماك في الصّيف، وهو أحد نجوم الصّيف فهو حياء تلك السّنة، فإذا سقطت الصّرفة نظرت الأرض بعينها وأخرجت كلّ ذخيرتها، وانصرف القرّ وصفت فأوّل الصّيف العوّاء وآخرها سقوط الشّولة وطلوع الهنعة.
(1/482)
الباب الثالث والخمسون في انقلاب طبائع الأزمنة وثباتها، وامتزاجها والاستكمال والامتحاق
وأزمان مقاطع النّجوم في الفلك، ومعرفة ساعات اللّيل من رؤية الهلال، ومواقيت الزّوال على طريق الإجمال.
اعلم أنه قد تقدّم القول في أنّه متى انتقلت الشّمس إلى أول نقطة الحمل اعتدل اللّيل والنّهار، وأخذ النّهار في الزّيادة على اللّيل، وذهب برد الشّتاء، ورطب الهواء ومالت الشّمس إلى الشّمال، وفي الارتفاع إلى سمت الرءوس في البلدان الشّمالية ومواضع العمارة في الصّعود إلى ذروة فلكه الخارج المركز وابتداء النّشوء والنّمو في النّبات والحيوانات والمعادن والمياه وتورّقت الأشجار.
وإذا انتقلت إلى أوّل السّرطان صار النّهار في نهاية الطّول والزّيادة على الاعتدال، واشتدّ الحرّ وسلس الهواء، وأخذ النّهار في النقصان.
وإذا انتقلت إلى أوّل الميزان اعتدل اللّيل والنّهار ثانيا، وأخذ اللّيل في الزّيادة على النّهار ويغلب اليبس على الهواء مع ابتداء البرد، وكل شيء من أحواله يخالف أحوال الربيع، وتأخذ الشّمس في الميل إلى الجنوب وتتباعد عن سمت الرءوس ويكون في انحطاط من الارتفاع، وانحدار إلى حضيض فلكه الخارج المركز.
وإذا انقلب إلى أوّل الجدي يصير النّهار في نهاية القصر، واللّيل في نهاية الزّيادة والطّول. واللّيل في النّقصان إلى أن تعود الشّمس إلى أوّل الحمل وقد بان بما وصفنا أنّ ابتداءهم بالحمل دون سائر البروج للأحوال التي ذكرنا.
ولكل فصل من هذه الفصول ثلاثة أبراج من البروج الاثني عشر. (فبروج الرّبيع):
الحمل والثّور والجوزاء. (وبروج الصيف): السّرطان والأسد والسّنبلة. (وبروج الخريف): الميزان والعقرب والقوس. (وبروج الشّتاء): الجدي والدلو والحوت.
ولذلك سمّيت الحمل والسّرطان والميزان، والجدي منقلبة لأنّها متى نزلت الشّمس أوّل الحمل انقلب الزّمان من طبيعة فصل الشّتاء وأحواله إلى طبيعة فصل الرّبيع، وإذا نزلت السّرطان انقلب الزّمان من طبيعة فصل الرّبيع إلى طبيعة فصل الصّيف وأحواله. (وإذا نزلت) الميزان انقلب الزّمان من طبيعة فصل الصّيف وأحواله إلى طبيعة فصل الخريف وأحواله.
(1/483)
الحمل والثّور والجوزاء. (وبروج الصيف): السّرطان والأسد والسّنبلة. (وبروج الخريف): الميزان والعقرب والقوس. (وبروج الشّتاء): الجدي والدلو والحوت.
ولذلك سمّيت الحمل والسّرطان والميزان، والجدي منقلبة لأنّها متى نزلت الشّمس أوّل الحمل انقلب الزّمان من طبيعة فصل الشّتاء وأحواله إلى طبيعة فصل الرّبيع، وإذا نزلت السّرطان انقلب الزّمان من طبيعة فصل الرّبيع إلى طبيعة فصل الصّيف وأحواله. (وإذا نزلت) الميزان انقلب الزّمان من طبيعة فصل الصّيف وأحواله إلى طبيعة فصل الخريف وأحواله.
وإذا نزلت الجدي انقلب الزّمان من طبيعة فصل الخريف إلى طبيعة فصل الشّتاء وأحواله، وسمّيت الثّور والأسد والعقرب والدّلو ثابتة لأنّه إذا نزلت الثّور ثبتت طبيعة فصل الرّبيع، وإذا نزلت الأسد ثبتت طبيعة فصل الصّيف، وإذا نزلت العقرب ثبتت طبيعة فصل الخريف، وإذا نزلت الدّلو ثبتت طبيعة فصل الشّتاء، وسمّيت الجوزاء والسّنبلة والقوس والحوت ذوات جسدين، لأنّه إذا صارت الشّمس في النّصف من الجوزاء تمتزج طبيعة فصل الرّبيع وطبيعة فصل الصّيف، وإذا صارت في النّصف من السّنبلة تمتزج طبيعة فصل الصّيف بطبيعة فصل الخريف، وإذا صارت في النّصف من القوس تمتزج طبيعة فصل الخريف بطبيعة فصل الشّتاء. وإذا صارت في النّصف من الحوت تمتزج طبيعة فصل الشّتاء بطبيعة فصل الرّبيع.
واعلم أن الشهر إذا تمّ فكان ثلاثين يوما طلع الهلال (1) بعد ما تجاوز.
__________
(1) قال في كنز المدفون: يقال للهلال: هلال لليلتين من أول الشهر ولليلتين من آخره، ويسمّى ما بين ذلك قمرا، وقيل إنه خصّ كلّ ثلاث ليال باسم، فالثلاثة الأول يقال لها هلال، والثّلاثة الثانية يقال لها قمر، والثّلاثة الثالثة يقال لها بهر، والثّلاثة الرّابعة يقال لها زهر، والثّلاثة الخامسة يقال لها: بيض، والثّلاثة السّادسة يقال لها درع، والثّلاثة السابعة يقال لها ظلم، والثّلاثة الثامنة يقال لها حنادس، والثلاثة التّاسعة يقال لها: دآدئ، والثلاثة العاشرة يقال لليلتين منها محاق وليلة وهي آخره سرار.
وقيل: غير هذه ثلاث غرر، وغرة كل شيء أوله، وقيل: شهب وثلاث زهر والزّهرة البياض، وقيل نفل وثلاث تسع لأن آخر يوم منها هو التّاسع وثلاث بهر لأنّه يبهر فيها الظّلام، وثلاث بيض لأنّ لياليها بيض بطلوع القمر من أوّلها إلى آخرها وثلاث درع لأنّ أوّله يكون أسود وباقيته أبيض وثلاث دهم، وفحم وثلاث حنادس وثلاث دآدئ وثلاث محاق لانمحاق الشّهر، وقيل: إنّ العرب تسمّي اللّيلة الثامنة والعشرين دعجاء وليلة تسع وعشرين دهماء، وليلة ثلاثين ليلاء (من كلام الشيخ كمال الدّين الدّميري). قال شعرا:
ثمّ ليالي الشّهر ما قد عرفوا ... كلّ ثلاث الصّفات تعرف ... فغرر وتفل وتسع ... وبهر والبيض ثمّ الدّرع ... وظلم حنادس دآدي ... ثم المحاق لانمحاق بادي
القاضي محمد شريف الدّين المصحح عفا الله عنه.
(1/484)
الشّمس بمنزلة ونصف ويرى عظيما فيدخل تلك المنزلة في مسيره حتى يستتر في ثمان وعشرين ونصف، فيكون استتاره في ذلك الشّهر يوما ونصفا ويطلع وهو خفي، ويكون ذلك الشّهر تسعة وعشرين يوما، ويكون استهلاله بعد ما تجاوز الشّمس بمنزلة فإذا رؤي الهلال على رأس منزلة من الشّهر كان أدق ما يكون وأخفاه لقربه من الشّمس، ويكون ذلك الشّهر ثلاثين يوما. وإذا رؤي على منزلة ونصف من الشّهر كان أعظم ما يكون وأبينه لبعده من الشّمس، ويكون ذلك الشهر الذي يعظم فيه الهلال تسعة وعشرين يوما فأقلّ ما يستتر يومان.
واعلم أنّك إذا رأيت الهلال لليلة فإنه يمكث في الشّتاء ستة أسباع الساعة وإذا كان لليلتين فإنّه يمكث ساعة وخمسة أسباع الساعة، وإذا كان لثلاث فإنّه يمكث ساعتين وأربعة أسباع السّاعة. وإذا كان لأربع فإنه يمكث ثلاث ساعات وثلاثة أسباع السّاعة، وإذا كان لخمس فإنه يمكث أربع ساعات وسبعي السّاعة، وإذا كان لستّ فإنه يمكث خمس ساعات وسبع السّاعة، وإذا كان لسبع فإنه يمكث ستّ ساعات وإذا كان لثمان فإنه يمكث ست ساعات وستة أسباع الساعة، وإذا كان لتسع فإنه يمكث سبع ساعات وخمسة أسباع الساعة.
وإذا كان لعشر فإنّه يمكث ثمان ساعات وأربعة أسباع السّاعة، وإذا كان لإحدى عشرة فإنّه يمكث تسع ساعات وثلاثة أسباع السّاعة، وإذا كان لاثنتي عشرة فإنّه يمكث عشر ساعات وسبعي السّاعة، وإذا كان لثلاث عشرة فإنّه يمكث إحدى عشرة ساعة، وسبع السّاعة وإذا كان لأربع عشرة فإنّه يمكث اثنتي عشرة ساعة، وذلك ساعات اللّيل كلّه، وإذا كان لخمس عشرة فإنّه يطلع بعد ستة أسباع السّاعة. وإذا كان لست عشرة ليلة فإنّه يطلع بعد ساعة وخمسة أسباع السّاعة، وكذلك ينقص في كل ليلة ستة أسباع السّاعة حتى يستتر تحت الشّعاع ليلة ثمان وعشرين.
واعلم أن الشّمس تقطع البروج الاثني عشر التي هي جماع الفلك على ما ذكره بعض المتقدّمين في ثلاث مائة وخمسة وستين يوما وست ساعات وخمسي السّاعة، وتسير في كلّ برج ثلاثين يوما وعشر ساعات.
ويقطع القمر البروج في ثمانية وعشرين يوما، ويصير في كل برج يومين وثمان ساعات.
ويقطع زحل البروج في ثمانية وعشرين يوما، ويصير في كل برج يومين وثمان ساعات.
ويقطع زحل البروج كلّها في ثلاثين سنة، ويصير في كلّ برج خمسة وأربعين يوما.
ويقطع المشتري في اثنتي عشرة سنة، ويصير في كل برج اثني عشر شهرا.
ويقطع المرّيخ في سبعة عشر شهرا يصير في كلّ برج خمسة وأربعين يوما.
وتقطع الزّهرة في عشرة أشهر وتصير في كل برج خمسة وعشرين يوما.
(1/485)
ويقطع المرّيخ في سبعة عشر شهرا يصير في كلّ برج خمسة وأربعين يوما.
وتقطع الزّهرة في عشرة أشهر وتصير في كل برج خمسة وعشرين يوما.
ويقطع عطارد البروج كلّها كما يقطع الشّمس سواء ويسير في كلّ برج كما تسير الشّمس لأنّه معها لا يفارقها.
وتقطع الجوزاء البروج في ثماني عشرة سنة ويصير في كلّ ثمان عشر شهرا.
فأمّا الكلام في مواقيت الزّوال في الشّتاء والصّيف ونقصان ذلك وزيادته في كلّ شهر من شهور الفارسيّة، والدّاعي إليه ضبط أوقات الصّلاة المفروضة والاحتياط في إقامتها سننها وفي أوقاتها.
ولمّا كان يختلف في السّنين والبلدان من أجل اختلاف العروض والسّماوات، عمدت إلى حلول الشّمس أوائل البروج وقسمت عليها أقدام الظلّ ببلدنا الذي هو أصبهان سنة ثلاث مائة واثنتين وتسعين ليزدجرد إذ كان أبعد من الاختلاف وأقرب إلى الدّوام والثّبات، ولئلا يجب أن يغيّر في كلّ سنة عند تحوّلها، وعلمت أنّ من يكمل للنّظر في هذا الكتاب يكون متمرنا بمعرفة حلول الشّمس أول كل برج، ومتدربا بعلم وقته والله الموفّق.
فأوّل حلول الشّمس برج الحمل يكون الظلّ عند الزّوال أربعة أقدام ونصف العشر، وإذا سار عشر درجات منه يكون ثلاثة أقدام وربع وخمس، وإذا سار عشرين درجة منه يكون قدمين ونصف وثلث وعشر.
وأوّل حلولها برج الثّور يكون الظّل قدمين وثلثي قدم وثلثي عشر. وإذا سار عشر درجات يكون قدمين، وإذا سار عشرين درجة يكون قدما وثلثي قدم.
وأوّل حلولها برج السّرطان يكون الظلّ ثلثي قدم وخمسا وعشرا وإذا سار عشر درجات يكون قدما وعشرا ونصف العشر.
وأوّل حلولها برج الأسد يكون الظّل قدمين وربعا وسدسا. وإذا سار عشر درجات يكون الظلّ قدمين وثلثين وربعا. وإذا سار عشرين درجة يكون ثلاثة أقدام ونصف قدم.
وأوّل حلولها برج الميزان، يكون الظّل أربعة أقدام وعشرا، وإذا سار عشر درجات يكون أربعة أقدام وخمس وسدس وعشر قدم.
وأوّل حلولها برج العقرب يكون الظّل ستة أقدام وسدس قدم. وإذا سار عشر درجات يكون سبعة أقدام، وإذا سار عشرين درجة يكون سبعة أقدام ونصف وربع.
وأوّل حلولها برج القوس يكون الظّل ثمانية أقدام وربع وخمس قدم. وإذا سار عشر درجات يكون تسعة أقدام، وإذا سار عشرين درجة يكون تسعة أقدام وربع وعشر قدم.
وأوّل حلولها برج الجدي يكون الظّل تسعة أقدام ونصف قدم. وإذا سار عشر درجات يكون تسعة أقدام وثلث قدم، وإذا سار عشرين يكون ثمانية أقدام ونصف وثلث وعشر قدم.
(1/486)
وأوّل حلولها برج القوس يكون الظّل ثمانية أقدام وربع وخمس قدم. وإذا سار عشر درجات يكون تسعة أقدام، وإذا سار عشرين درجة يكون تسعة أقدام وربع وعشر قدم.
وأوّل حلولها برج الجدي يكون الظّل تسعة أقدام ونصف قدم. وإذا سار عشر درجات يكون تسعة أقدام وثلث قدم، وإذا سار عشرين يكون ثمانية أقدام ونصف وثلث وعشر قدم.
وأوّل حلولها برج الدّلو يكون الظّل ثمانية أقدام وثلث قدم، وإذا سار عشر درجات يكون سبعة أقدام ونصف وخمس قدم، وإذا سار عشرين درجة يكون ستّة أقدام ونصف وثلث وعشر قدم.
وأوّل حلولها برج الحوت يكون الظّل ستّة أقدام وسدس قدم وإذا سار عشر درجات يكون خمسة أقدام وثلث وعشر قدم، وإذا سار عشرين درجة يكون أربعة أقدام وثلثي ونصف عشر قدم.
(1/487)
الباب الرّابع والخمسون في اشتداد الزّمان بعوارض الجدب وامتداده بلواحق الخصب
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال في دعائه على الكفار: «اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعل عليهم سنين كسني يوسف» فدعاهم جهد البلاء إلى أن أكلوا العلهز وهو المعجون من الوبر بدم القراد أعاذنا الله تعالى من السوء برحمته ومن ذلك قول الشّاعر شعرا:
هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا رعائي راحت قبل حطّابي
وذلك إذا اشتدّ البرد فراح الرّاعي بإبله قبل الحطّاب، لقلة المرعى ولأنّ المحتطبين يحتبسون مستكثرين من الحطب لشدّة البرد، وقال النابغة في مثله:
هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدّخان تغثّى الأشمط البرما
ويقال: أتانا فلان من الطّيخة إمّا في فتنة وإمّا في جدب وبلاء، وأنشد:
وكنا بها بعد ما طيخت عروضهم ... كالبهرقية يبغي ليطها الدّسما
والمطيخ: الفاسد وقال ابن مقبل:
ألم تعلمي أن لا يذم فجاءني ... دخيلي إذا اغبرّ العضاة المجلّح
يريد أنّ الدّخيل لا يذمّه إذا غشيه في وقت لم يكن مستعدا للاحتفال به والمجلّح الذي أكلته الإبل حتى ذهبت بغصونه، وصار كالرأس الأجلح، ومثله قول الأعشى:
وإني لا يشتكيني الألوك ... إذا كان صحو السّحاب الضّريبا
أراد بالألوك ذو الألوك وهي الرسالة، يريد لا أردّ صاحبها بغير شيء فيشكوني في هذا الوقت البارد الجدب، وبيّن هذا المعنى لبيد وبسطه فقال:
وغلام أرسلته أمّه ... بألوك فبذلنا ما سأل ... أو نهته فأتاه رزقه ... فاشتوى ليلة ريح واجتمل
زاد على الأول لأنّه قال: تطلب إذا طلب ونبتدئه إذا أمسك، وقال الكميت يذكر سنة جدب:
(1/488)
وغلام أرسلته أمّه ... بألوك فبذلنا ما سأل ... أو نهته فأتاه رزقه ... فاشتوى ليلة ريح واجتمل
زاد على الأول لأنّه قال: تطلب إذا طلب ونبتدئه إذا أمسك، وقال الكميت يذكر سنة جدب:
وكأنّ السوف للقينات فوقا ... تعيش به وهنيت الرّقوب ... وصار وقودهم للنّار أما ... وهان على المخبأة الشّحوب
قال أيضا:
وأنت ربيعنا في كلّ محل ... إذا المهداء قيل لها العفير
(المهداء): الكثيرة البر على الجيران، والعفير الذي لا يهدي من الجدب، والأصل في التّعفير أن يعلّل العظيم بالشّيء ليستغني به عن اللّبن ويشهد للمهداء قوله:
وإذ الجراد اغبررن من المحل ... وكانت مهداؤهنّ عفيرا
وقال لبيد:
يكبون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تسكت المائة الوليدا
أي لا يوجد في المائة من اللّبن ما يعلل به صبي إذا بكى وقال أوس في مثله:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
(الهدم): الخلق، (والتّولب): ولد الحمار، واستعاره للعظيم والجدع السيئ الغذاء.
وقال الفرزدق: وعام تمشي بالفراع أرامله، الفراع: الجرب، وإنما يتمشّى بها تسأل الصّدقة وقال الهذلي:
وليلة يصطلي بالفرث جارزها ... يختص بالنّضرى المثرين داعيها
يريد أنّ الجارز لشدّة البرد يدخل يده في الكرش ليدفأ وقال الفرزدق:
إذا السنة الشّهباء حلّ حرامها
أي: يأكلون فيها الميتة والدّم، وقال رؤبة جدباء فكّت أسر القعوس. والقعس:
الهودج أي فكّوها وأوقدوا بها من شدّة البرد، وقال الكميت:
فأيّ عمارة كالحيّ بكر ... إذا اللّزيات لقيت السّنينا ... أكرّ غداة أبساس ونقر ... وأكشف بالأصائل إذ عرينا
اللّزيات: الشدائد، واللّزية تلقب بالسّنة حتى بني منه الفعل، فقيل: أسنت القوم أصابتهم السّنة، والتّاء في أسنت قال أصحابنا: هي بدل من الواو الظاهرة في الجمع، إذا
قيل سنوات، ومثله التاء في قولهم أخت.
(1/489)
فأيّ عمارة كالحيّ بكر ... إذا اللّزيات لقيت السّنينا ... أكرّ غداة أبساس ونقر ... وأكشف بالأصائل إذ عرينا
اللّزيات: الشدائد، واللّزية تلقب بالسّنة حتى بني منه الفعل، فقيل: أسنت القوم أصابتهم السّنة، والتّاء في أسنت قال أصحابنا: هي بدل من الواو الظاهرة في الجمع، إذا
قيل سنوات، ومثله التاء في قولهم أخت.
ويقال هذا عام سنة والأرض وراءنا سنة. ومن ألقاب الجدب قولهم: كحل وتحوط.
قال: والحافظ النّاس في تحوط إذا لم يرسلوا تحت عائد ربعا. ويروى في تحيط.
ويقال: أصابتهم لزية وحطمة وأزمة ولأواء ولولاء وقحمة وحجرة وشصاصاء وأكلتهم الضّبع والفاشورة قال:
قوم إذا صرحت كحل بيوتهم ... عزّ الذّليل مأوى كلّ قرضوب
وأحجرنا عامنا وهي الحجرة قال:
إذا الشّتاء أحجرت نجومه ... واشتدّ في غير ثرى أزومه
والسنة القاوية، وقد قوي المطر إذا قحط، ويقال: حقد المطر: إذا احتبس وقوله: إذا عرينا: يريد بردن، ويقال: ليلة عرية ويوم عرى أي بارد، يقول: يكشفون تلك الأصائل بالإطعام وتفقّد الناس، وقال الكميت يصف زمن الجدب شعرا:
وجالت الرّيح من تلقاء مغربها ... وضنّ من قدره ذو القدر بالعقب ... وكهكه المدلج المقرور في يده ... واستدفأ الكلب في الماسور ذي الذئب
(العقبة): شيء كان يردّه مستعير القدر من المرق في القدر وهو العافي. و (كهكه):
نفخ في يده من شدّة البرد. وأنشد الأصمعي في العافي:
إذا ردّ عافي القدر من يستعيرها
وقال الفرزدق:
وهتكت الأطناب كلّ ذفرة ... لها تامك من عاتق التي أعرف
(التامك): السّنام، و (الأعرف): الطّويل العرف، يقول: إذا أصابها البرد دخلت الخباء فقطّعت الأطناب. وقال الكميت:
فأيّ امرئ أنت أيّ امرئ ... إذا الزّجر لم يستدرّ الزّجورا ... ولم يعط بالعصب منها العصو ... ب لا النّهيت وإلا الطّخيرا
(النّهيت): الصّياح والرّغاء، و (الطّخير): الضّرب بالرجلين و (الزّجور): التي لا تدر حتى تزجر، وهذا في شدة الزّمان. وقال أيضا:
بعام يقول له الموكفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل
وكان سواء لنا تجين ... تمام الحوارين والمعجل
والمرجل أي جعلهم رجالا، وقوله: وكان سواء أي ليس للأمهات لبن، فالتمام يموت أيضا، قال أبو عمر: وهما حواران أحدهما، (تمام): والآخر. (معجل).
(1/490)
بعام يقول له الموكفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل
وكان سواء لنا تجين ... تمام الحوارين والمعجل
والمرجل أي جعلهم رجالا، وقوله: وكان سواء أي ليس للأمهات لبن، فالتمام يموت أيضا، قال أبو عمر: وهما حواران أحدهما، (تمام): والآخر. (معجل).
وحكى ابن الأعرابي: هذا عام صار الرّوم فيه علوقا، والرّفود زجورا، فالرءوم العطوف على ولدها، والرّفود التي تملأ رفدين في حلبة أي قد حين والعلوق التي ترأم بأنفها وتمنع درّها والزّجور التي لا تدر حتى تزجر، وكلّ ذلك الانقلاب للصّر والشدّة وكلب الزّمان وقال ابن مقبل شعرا:
ولا اصطفى لحم السّنام ذخيرة ... إذا عزّ ريح المسك باللّيل قاتره
قاترة من القتار، عزّه غلب عليه، يقول في زمان الجدب: يكون ريح القتار أطيب من ريح المسك وقال:
بلى إنّ الزّمان له صروف ... وكلّ من معاركه السّنين ... فيسمن ذو العريكة بعد هزل ... ويغتر الهزيلة بالسمين
العريكة من قولهم ناقة عروك إذا لم يكن في سنامها إلا شيء يسير، والمعنى إن صروف الدّهر تقلب: فيسمن المهزول ويهزل السّمين والهزال من الشّحم والهزل من الجدب والموت وقال عروة شعرا:
أقيموا (1) بني أمّي صدور قناتكم ... فإنّ منايا النّاس شرّ من القتل
ويقال عام: (مجرنمز) إذا كان المطر وسطه دون أوله، والمجداب الأرض لا تكاد تخصب، والرّمد القحط وأرمد القويم هلكوا جدبا.
ويقال: سنة سنواء وحصاء وشهباء وغبراء وأرض بني فلان جرز والجمع أجراز ومجروزة، وأنشد ابن الأعرابي الأسودان أبردا عظامي. الأسودان الفث والماء، والفث حب يطحن ويخبز منه خبزا أسود، وهذا كما قيل في التمر والماء الأسودان ومعنى: (أبردا عظامي) أي أذهبا مخي، والفث يأكله الضّركاء. قال الطّرماح:
لم يأكل الفثّ والدّعاع ولم ... يتعفّ هبيدا بجنبه مهتبده
(الهبيد): حب الحنظل، قال حسّان رضي الله عنه:
لم يعللن بالمغافير والصّمغ ... ولا شرى حنظل الحظبان
__________
(1) أقيموا بني أميّ صدور مطيّكم ... فإنّي إلى قوم سواكم لأميل
المغافير: جمع المغفور وهو شيء ينضجه التمام.
(1/491)
المغافير: جمع المغفور وهو شيء ينضجه التمام.
ويقال: عيس عزير وزمان عزير: أي لا يفزع أهله وعام غيداق. وسيل غيداق، وماء غدق. ويقال: زمن مخضم لا مقضم. وحكى الفراء عام أزب.
قال أبو عبيدة: عيش حزم وهي عربية وأنشد لأبي عيينة:
وجنة فاقت الجنان فما ... تبلغها قيمة ولا ثمن ... ألفتها فاتّخذتها وطنا ... إنّ فؤادي لأهلها وطن ... زوج حيتانها الضّباب بها ... فهذه كنة وذا ختن ... وانظر تفكّر فيما يطوف به ... إنّ الأريب المفكّر الفطن ... من سفن كالنّعام مقبلة ... ومن نعام كأنها سفن
أخذ هذا من قول الخليل بن أحمد شعرا:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... لا بدّ من زورة من غير ميعاد ... يرفى بها السّفن والظمآن واقفة ... والضّب والنّون والملاح والحادي
وقال بعضهم: سقيا لزمن حضنتني أحشاؤه وأرضعتني أحساؤه فما هو في الأزمان إذا قيس حاله واعتبر نشوه ونماؤه ألا أخ عرفت مذاهبه وجزت خلائقه فصح لك غيبه وبعد عنك عيبه فهو شقيق روحك وباب الرّوح إلى روعك.
وقال بعض البلغاء: من أتى قصر أنس بن مالك ظهرا يرى أعرابيا يحدو بزوملته ورأى ملاحا يغنّي على سكانه ورأى صيادا قد طرح شبكته ورأى غلاما عند جحر ضب يريغ صيده ثم رأى أرضا كان ترابها الكافور ولا تسفيه الرّيح لأنّها تربة فمتى شئت رأيت بساطا موشيا ومتى شئت رأيت جنة وحريرا وقال أبو عيينة شعرا:
تذكّرني الفردوس طورا فأرعوي ... وطورا تواتيني على القصب والفتك ... بغرس كأبكار الجواري وتربة ... كأنّ ثراها ماء ورد على مسك ... فيا حسن ذاك القصر قصرا ومنظرا ... بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك ... كأنّ قصورا لقوم ينظرن حوله ... إلى ملك موف على منبر الملك ... يدلّ عليها مستطيلا بحسنه ... ويضحك منها وهي مطرفة تبكي
وأنشد ابن أبي ناظرة، قال أنشدني الرّياشي عن الأصمعي:
إنمّا يتمّ الفؤاد غزال ... ذو دماليج يوم سال العقيق ... مالئ الطّرف من بعيد عميم ... ومليح إذا دنوت عتيق
لو رآه رهبان مدين طاروا ... واستخف المطران والجاثليق ... ولها مربع بطيبة لذّ ... ولها بالحمى مبدي أنيق ... سلوة العيش والنّدى فإذا ... ما ودّعتها رواعد وبروق ... سكنت دسكراتها وأطباها ... ظلّ عيش نضر العيون وريق ... في رياض تحفّهنّ نخيل ... باسقات تعلى عليها الوسوق ... وإذا أهل جنة حصّنوها ... حين تعرو نوائب وخفوق ... ثلموها لابن السّبيل وللعا ... في ففيها للمعتقين طريق
ومن كلامهم: وقع في الأهيغين: أي الطّعام والشّراب. وسئل بعضهم ما أطيب العيش أو الأوقات؟ فقال: ما قلّ أذاه. وكثر جداه، أيام تربيع الحمى وقصيفه، ويريح من الهوى ظلّ المنى وريفه.
(1/492)
إنمّا يتمّ الفؤاد غزال ... ذو دماليج يوم سال العقيق ... مالئ الطّرف من بعيد عميم ... ومليح إذا دنوت عتيق
لو رآه رهبان مدين طاروا ... واستخف المطران والجاثليق ... ولها مربع بطيبة لذّ ... ولها بالحمى مبدي أنيق ... سلوة العيش والنّدى فإذا ... ما ودّعتها رواعد وبروق ... سكنت دسكراتها وأطباها ... ظلّ عيش نضر العيون وريق ... في رياض تحفّهنّ نخيل ... باسقات تعلى عليها الوسوق ... وإذا أهل جنة حصّنوها ... حين تعرو نوائب وخفوق ... ثلموها لابن السّبيل وللعا ... في ففيها للمعتقين طريق
ومن كلامهم: وقع في الأهيغين: أي الطّعام والشّراب. وسئل بعضهم ما أطيب العيش أو الأوقات؟ فقال: ما قلّ أذاه. وكثر جداه، أيام تربيع الحمى وقصيفه، ويريح من الهوى ظلّ المنى وريفه.
وحكى الأصمعيّ: موت لا يجرّ إلى عار خير من عيش في رماق: أي قدر ما يمسك الرّمق. وقال طرفة:
نحن في المشتاة يدعو الجفلى ... لا ترى الآداب فينا ينتقر
ويقال: فلان يدعو الجفلى والأجفل إذا عمّ بدعائه، وفلان يدعو النّقرى إذا خصّ قوما دون قوم، وقال كلّ الطّعام يشتهي ربيعة: الخرس والنقيعة. (الخرس): للولادة.
(والأعذار): للختان و (الوليمة) للعرس، و (النقيعة): طعام القادم من سفره و (المأدبة) كلّ طعام صنع ودعي إليه و (الوكيرة) الطّعام يصنع عند بناء البيت وقال الشاعر:
فظللنا بنعمة واتّكأنا ... وشربنا الحلال من قلله
اتّكأنا طعمنا: ومنه قوله تعالى: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [سورة يوسف، الآية: 31] أي طعاما (القلل) جمع قلّة، وقال حرملة بن حكيم:
يا كعب إنك لو قصرت على ... حسن النّدام وقلّة الجرم ... وسماع مدجنة تعلّلنا ... حتّى نئوب تناوم العجم ... لصحوت والنّمريّ يحسبها ... عمّ السّماك وخالة النّجم
ويروى على شرب المدام (المدجنة) الدّاخلة في الدّجن وهو اليوم المطير، وأراد حتى نئوب نتناوم تناوم العجم، وكانوا لا ينامون إلّا على ضرب الأوتار وشرب الرّحيق.
وقال ابن الأعرابي: يقول لو أحسنت المنادمة لنادمتك حتى الصّبح إلى صياح الدّيكة.
قال: والنمريّ: هو كعب نفسه، أي لصحوت وأنت تحسب هذه المسمعة. كذلك في عظم
القدر، وهذا كقولك ما يحسبه إلا ابن ماء السماء وقال لبيد:
(1/493)
قال: والنمريّ: هو كعب نفسه، أي لصحوت وأنت تحسب هذه المسمعة. كذلك في عظم
القدر، وهذا كقولك ما يحسبه إلا ابن ماء السماء وقال لبيد:
يثني ثناء من كريم وقومه ... ألا انعم على حسن التّحية واشرب
قوله: يثني ثناء أي يديم ما كان عليه من الثّناء. وقال آخر:
كرام إذا ناب البحار ألذّه ... مخاريق لا يزجون في الخمر
وألذه مخاريق أي يخرقون في العطاء كما قال:
فتى إذ هو استغنى تخرّق في الغنى ... وإنّ قلّ مالا لم يضع متنه الفقر
الباب الخامس والخمسون في حدّ ما يشتمل على ذكر ما في إعرابه نظر من حديث الزّمان
(1/494)
الباب الخامس والخمسون في حدّ ما يشتمل على ذكر ما في إعرابه نظر من حديث الزّمان
قال ذو الرّمة شعرا:
فلمّا نصفن اللّيل أو حين نصبت ... له من خذي آذانها وهو جانح
يروى لبسن اللّيل يعني الحمر، ونصبت للتّوجّه إلى الماء، وقال بعضهم حين فعل من الحينونة والمراد أو حين دنا اللّيل للنّصف فحذف وأنشد سيبويه:
أرواح مودّع أو بكور ... لك فاعمد لأيّ حال تصير
وقيل: جعل الرّواح هو المودّع على السّعة، وقيل: أراد ذو رواح أنت أم بكور فحذف.
وروى سيبويه: أنت فانظر ومعناه انظر أنت، فانظر، وقال هذا يرتفع على الحدّ الذي ينتصب به عبد الله إذا قلت عبد الله ضربته، وقال: أي حال ووجه الكلام أية حال لكنّه حمله على لفظة الحال. وقال ابن أحمر شعرا:
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذاكما ما غيّبتني غيابيا
أراد شهرين أو شهرين أو شهرين ونصف ثالث، وقيل: أراد بل وأو يكون بمعنى بل وقيل: أو بمعنى الواو كأنه أراد ونصف ثالث، قوله: ما غيّبتني غيابيا أراد بالغياب الغيابة، لذلك أنّث كما قال تعالى: {فِي غَيََابَتِ الْجُبِّ} * [سورة يوسف، الآية: 10] إنّه حذف الهاء مع الإضافة لأنّ المضاف إليه كالعوض مثل: ليت شعري وهو أبو عذرها.
ويجوز أن يكون غيابة وغياب مثل قتادة وقتاد، فحمله على التّأنيث مثل نخل خاوية.
وقالت أمية بنت عتيبة بن الحارث:
تروّحنا من اللّعباء قصرا ... وأعجلنا الإلهة أن تئوبا
ويروى: وأعجلنا الحمائل أن تئوبا. يريد به الشّمس أي استعجلناها مخافة أن تئوب ولئلا تئوب ومعنى تئوب: تغيب كما قال:
(1/495)
تروّحنا من اللّعباء قصرا ... وأعجلنا الإلهة أن تئوبا
ويروى: وأعجلنا الحمائل أن تئوبا. يريد به الشّمس أي استعجلناها مخافة أن تئوب ولئلا تئوب ومعنى تئوب: تغيب كما قال:
وليس الّذي (1) يتلو النّجوم بآئب
ويروى: وأعجلنا الإهة وقيل الإهة اسم للشّمس، لأنّه كانت تعبد. وقال الفرزدق:
فسد الزّمان ومن تغيّر أهله ... حتى أمية عن فزارة تنزع
أي ومن تغيّر أهله فسد، فحذف وقيل: ومن تغير أهله أمية تنزع، وقيل: بل أراد أن يجعل حتى معلقة لا تعمل في شيء، ويكون بمعنى الواو. سبب هذا الشّعر أنّ أمية بن خالد بن أسد عزل عن عمله لعمر بن هبيرة، ويشبه هذا قوله شعرا:
فيا عجبا حتّى كليب تسبّني ... كأنّ أباها نهشل أو عطارد (2)
وقال عبد العزيز بن وديعة المزني:
نسأت القلوص على لاحب ... ومرّ اللّيالي يزلن النّعيما
مرّ اللّيالي: هو الليالي، لذلك قال يزلن ومثله لجرير:
رأت مرّ السّنين أخذن منّي ... كما أخذ السّرار من الهلال
وأنشد سيبويه في مثله:
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشّع
وقال الفرزدق:
على حين ولّى الدّهر إلا أقلّه ... وكاد بقايا آخر العيش تذهب
جعل لآخر العيش بقايا، والبقايا من العيش لا من آخره، والمعنى كادت بقايا ذلك الأقل تذهب أيضا. وقال وعلة الجرمي:
ولمّا رأيت الخيل تترى أتايجا ... علمت بأنّ اليوم أحمس فاجر
يروى حاذر وحاذر، أي: محذور. وقال الفرزدق:
مثل النّعام يدينها تنقلها ... إلى ابن ليلى بها التّهجّر والبكر
__________
(1) يرعى النّجوم. للنّابغة الذبياني.
(2) أو مجاشع.
(1/496)
ارتفع التّهجر والبكر على أن يكون فاعل يدينها وانتصب تنقلها على البدل من المضمر في يدينها. وقال حميد بن ثور:
تعلّلت ريعان الشّباب الذي مضى ... بخمسة أهلين الزّمان المذبذب
الزّمان: بدل من الشّباب، وجعله مذبذبا استقصارا لوقته، وقال أيضا شعرا:
فإمّا تريني اليوم أمسكت بعد ما ... تردّيته برد الشّباب المجر
انتصب برد على البدل من المضمر في تردّيته، يريد بعد ما لبست برد الشّباب أي استمتعت به. وقالت امرأة منهم شعرا:
صاح الغراب بدار هند سدفة ... صمّ الغراب وخرس ماذا ينثر
دعت عليه بالصّم والخرس.
ومرّ القول في السّدفة. وأنشد ابن الأعرابي لبعض بني أسد:
ولقد رأيتك بالقوادم مرّة ... وعليّ من سدف العشيّ رياح
أي أريحية وخيلا من الشّباب. فقال رياح وأنشد سيبويه لعمر بن قمية:
لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله درّ اليوم من آلامها
فرّق بين المضاف والمضاف إليه بالظّرف كما يفرّق بينهما بالقسم. وقال عمر بن ربيعة:
أما الرحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول الدّار تجمعنا
أجرى: تقول مجرى تظن في الاستفهام، أعمله عمله.
وإذا كان كذلك فانتصاب الدّار على المفعول الأول، وتجمعنا مفعول ثان: المعنى متى تظنّ الدار جامعة لنا تقول. وأنشد سيبويه:
أكلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه
قوله: تحوونه صفة للنّعم كأنه قال: نعم محوية، فكونه صفة منع من أن يكون عاملا فيما قبله. وأنشد للهذلي:
حتّى شاءها كليل موهنا عمل ... بانت طرابا وبات اللّيل لم يتم
جعل سيبويه كليلا يتعدّى إلى موهن كما يتعدّى ضارب إلى مفعوله، وخالفه جمع
النّحويون كلّهم، وجعلوا موهنا ظرفا وقد تكلّمت له وعليهم فيما عملته من شعر هذيل وأنشد سيبويه لعدي بن زيد:
(1/497)
حتّى شاءها كليل موهنا عمل ... بانت طرابا وبات اللّيل لم يتم
جعل سيبويه كليلا يتعدّى إلى موهن كما يتعدّى ضارب إلى مفعوله، وخالفه جمع
النّحويون كلّهم، وجعلوا موهنا ظرفا وقد تكلّمت له وعليهم فيما عملته من شعر هذيل وأنشد سيبويه لعدي بن زيد:
أرواح مودّع أم بكور؟ ... أنت فانظر لأيّ حال تصير
قال: أراد ذو رواح أنت أم بكور فحذف. وقال سيبويه: معناه: انظر أنت فانظر وقال هذا يرتفع على الحد الذي ينتصب به على شيء ما بعده تفسيره، ومثال ذلك المنصوب إذا قلت زيد أضربته لأنّ المعنى أهنت زيدا ضربته. وقال شعرا:
ذكرتك لمّا أتلعت من كناسها ... وذكرك سبات إلى عجيب
قال: إلى بمعنى عند والسبة القطعة من الدّهر. وقال آخر:
أرى كلّ يوم زرتها ذو بشاشة ... ولو كان حولا كلّ يوم أزورها
يقول: أراد ولو كانت زيارتي كلّ يوم حولا. قال:
على حين عاتبت المشيب على الصّبا ... فقلت ألمّا أصح والشّيب وازع؟!
قوله: على حين بناه على الفتح أي في حين وأراد عاتبني المشيب فجعل الفاعل مفعولا. وقال الأصمعي في قول سحيم بن وثيل:
وإنّي لا يعود إليّ قرني ... غداة الورد إلّا في قريني
أراد: مع قرين أي مع أسير آخر أقرنه إليه، وقال غير الأصمعي: أراد بالقرين الحبل.
وقال متمّم بن نويرة:
فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
قال: أراد مع طول اجتماع، وقيل: أراد كأن طول الاجتماع كان سبب التّفرق، لأنّ الشيء إذا تناهى عاد ناقصا. وقال آخر:
إنّ الرّزية لا رزيّة مثلها ... أخواي إذ قتلا بيوم واحد
أي في يوم واحد.
ومن القلب والإبدال قوله: كان لون أرضه سماؤه، أراد كان لون سمائه أرضه. قال الأعشى:
لقد كان في حول ثواء ثوية ... تقضّي لبانات ويسأم سائم
أراد في ثواء: حول ثوية، وقوله: ويسأم سائم: أراد سأمة سائم وقال:
(1/498)
لقد كان في حول ثواء ثوية ... تقضّي لبانات ويسأم سائم
أراد في ثواء: حول ثوية، وقوله: ويسأم سائم: أراد سأمة سائم وقال:
مروان مروان أخو اليوم اليمي قال: أراد اليوم اليوم فأخّر الواو وقدّم الميم، ثم قلب الواو حين صار ظرفا كما يقال في جمع دلو: آدل، وقيل: بل أراد أخو اليوم اليوم كما يقال في الحرب عند التداعي اليوم اليوم، أي هو أخو هذا المقالة. وأنشد الأخفش بيت الفرزدق:
كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
قال: يجوز في عمة الرفع والنصب والخفض. قال فرفعه على الابتداء وبجعل كم ظرفا وخالة، ونصبه على نية التّنوين في كم فشبّه بعشرين درهما وما أشبهه، والخفض على الإضافة، كما يقول كم رجل قد رأيت لأنه أجري مجرى عدد لا تنوين فيه، نحو ثلاثة أثواب. وقال عمرو بن معديكرب ويروى لغيره:
وكلّ أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلّا الفرقدان
ارتفع الفرقدان عند أصحابنا البصريين على أنّه بدل من قوله: كلّ أخ والكوفيون يجعلون إلّا بمعنى الواو، كأنّه قال: والفرقدان أيضا. وقال جرير شعرا:
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى ... ونمت وما ليل المطيّ بنائم
ومثل هذا كثير.
قال سيبويه: جعل النّوم للّيل كما جعل النّابغة السّهر له في قوله:
كتمتك سرّا يا لجومين ساهرا ... وهمين هما مستكنا وظاهرا
والتّحقيق ما ليل المطيّ بذي نوم، وقال غيره: أراد لا ينام من قاساه، فحذف لأنّ المعنى معروف. وقال وعلة الجرمي شعرا:
ولمّا رأيت الخيل تترى أتايجا ... علمت بأنّ اليوم أحمس حاذر
قالوا: أراد بالحاذر المحذور، وروي فاجر أي سديد ذو فجور، وكانوا يسمّون من يغزو في الأشهر الحرم فاجرا، قالت ليلى الأخيليّة:
على تقاها دائما وفجورها. وأنشد:
بني أسد ما تعلمون بلاءنا ... إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
جعل أشنعا حالا ولعنترة:
(1/499)
بني أسد ما تعلمون بلاءنا ... إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
جعل أشنعا حالا ولعنترة:
أمن سميّة دمع العين مذروف ... لو كان ذا منك قبل البين معروف
قال: أراد لو كان القصة، وقال الفرّاء: لو كان ذا في موضع نصب. وقال أحمد بن يحيى في الأمر وكان مجهول، وهذا يقارب طريقة أصحابنا. قال: ومن العرب من يجعل العفل للصّفة فيرفعه كما قال: قلت أحبي عاشقا يحبكم مكلف: أي هو مكلف. قال الأعشى:
أسرى وقصّر ليلة ليزودا ... ومضى وأخلف من قتله موعدا
أخلف: أي وجده كذلك كما قال:
وأهيج الخلصاء من ذات البرق: أي وجده هائجة النّبت، وكقول العبّاس:
لعمرة رسم أصبح اليوم دارسا ... وأقفر منها رحرحان وراكسا
أي وجدهما قفرا. وقال جرير:
إذا خفت يوما أن يلجّ بك الهوى ... فإنّ الهوى يكفيكه مثله صبرا
أراد: فإنّ الهوى يكفيك هوى مثله، أي هوى آخر، وتمّ الكلام ونصب صبرا على معنى فاصبر صبرا. وقال آخر: أراد يكفيكه أن تصبر صبرا. وقال الأعشى:
هذا النهار بدا لها من همّها ... ما بالها باللّيل زال زوالها
نصب النّهار: أي في النّهار ونصب، زوالها: كأنّه دعاء على اللّيل فقال: زال زوالها:
أي مع زوالها، فلا يكون ليل إذ زالت أتارق فيه وأسهر. قال أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء: زال زوالها: كلمة تقال بالرّفع فتركها على حالها، ولم يلتفت إلى القافية، وقال الأصمعي: لا أدري ما هو. وقال الأخفش: أزلته عن مكانه وزلته لغة، فأراد أزال الله زوالها بزوال زال. قال أبو صخر الهذلي شعرا:
أرائح أنت يوم اثنين أم غاد ... ولم تسلّم على ريحانة الوادي
العرب تقول: هذا يوم اثنين بغير ألف ولام، وكان أبو زيد يقول: مضى الاثنان بما فيها، ومضت الجمعة بما فيها، ومضى الثّلاثاء بما فيهن. وقال جرير:
فالشّمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا
أراد الشّمس طالعة وليست بكاسفة نجوم اللّيل، والقمر، لأنّها طلعت لفقدك ضعيفة النّور. وقيل: انتصب القمر لأنّه مفعول معه أراد مع القمر. وروي: تبكي عليك نجوم اللّيل
على أن تكون نجوم اللّيل مفعول تبكي، يقال: باكيته فبكيته، أبكيه ويكون من أفعال المبالغة، كأنّ الشّمس تغالب في البكاء النّجوم والقمر فتغلبها وأفعال المبالغة تجيء في الماضي على فاعلته أفعله بضم العين، يقول: طاولته فطلته أطوله، إلّا ما كان من بنات الياء، فإنّه يحامي على الياء منه لئلا يختلط بنات الياء ببنات الواو. هذا الباب المعتمد فيه على السّماع فاعلمه. وقال الطّرمّاح شعرا:
(1/500)
فالشّمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا
أراد الشّمس طالعة وليست بكاسفة نجوم اللّيل، والقمر، لأنّها طلعت لفقدك ضعيفة النّور. وقيل: انتصب القمر لأنّه مفعول معه أراد مع القمر. وروي: تبكي عليك نجوم اللّيل
على أن تكون نجوم اللّيل مفعول تبكي، يقال: باكيته فبكيته، أبكيه ويكون من أفعال المبالغة، كأنّ الشّمس تغالب في البكاء النّجوم والقمر فتغلبها وأفعال المبالغة تجيء في الماضي على فاعلته أفعله بضم العين، يقول: طاولته فطلته أطوله، إلّا ما كان من بنات الياء، فإنّه يحامي على الياء منه لئلا يختلط بنات الياء ببنات الواو. هذا الباب المعتمد فيه على السّماع فاعلمه. وقال الطّرمّاح شعرا:
فإني وإيّاكم وموعد بيننا ... كيوم لبيد يوم فارق أربدا
يريد: أنّ يومنا ويومكم ويوم ميعاد بيننا كيوم لبيد، والأجود في تفسير البين أن يكون المصدر لا الظرف. وقوله: يوم فارق العامل فيه معنى الفعل الذي دلّ عليه قوله: يوم لبيد لأنّه يريد به الشّدة والصّعوبة. وأخبره أنّ السّبيل ثنية صعودا ينادي كلّ كهل وأمردا، صعود فمن يعمل يلمع به اليوم بأنها، ومن لا يلهي بالضّحاء فأوردا. أربد أخو لبيد مات فقال:
وأرى أربد قد فارقني ... ومن الأرزاء رزء ذو جلل
والمعنى فجعت بكم وأنا أتبعكم فما الخلق فيما كتب من آجالهم إلّا سابق ولا حق، على ذلك نحن ومن تقدّمنا في تواعدنا، والسّبيل يريد به سبيل الموت وأنّ الاقدام تتساوى فيه فمن دعي أجاب، وقوله: فمن يلمع به الصّعود يأتها، يريد إذا أشارت إليه أولا، وهذا كما قال أوس: أشاربهم لمع الأصم. وقوله: ثنية صعود يريد أنّها عقبة شاقة. وقوله: ومن لا يلهى بالضّحاء، وضع الماضي موضع المستقبل أراد ومن لا يلمع به في أوّل النّهار يلمع به من بعد، والضّحاء للإبل وهو وقت الغذاء للناس، يريد به قرب ما بين الأحياء والأموات في الموت ومثل قوله: ومن لا يلهى به في حذف الشّرط منه قول الآخر:
والّا يقيموا صاغرين الرّؤسا. لأنّ المعنى: الّا تقيموا تقيموا كما أنّ التقدير في هذا لا يلمع به يلهى. وقوله: فأوردا. في موضع الجزم لأنّه معطوف على من لا يلهى. والمعنى من لم يتله فيورد وفيه وجه آخر. قال زهير:
إنّ الرّزية لا رزية مثلها ... ما يبتغي غطفان يوم أضلّت
(لا رزية): مثلها في موضع الصّفة للرّزية وما ينبغي في موضع الخبر.
شعر:
إنّ الرّكاب ليبتغي ذا مرّة ... بجنوب نخل إذا الشّهور أحلّت
يعني: إذا انقضت الأشهر الحرم. وقال آخر:
وباد الشّباب ولذّاته ... وما كان للدّهر الأخلّا
أي أكلها أكل الحشيش وفي طريقته قوله: فلست خلاة لمن أوعدن. قال حميد بن ثور:
(1/501)
وباد الشّباب ولذّاته ... وما كان للدّهر الأخلّا
أي أكلها أكل الحشيش وفي طريقته قوله: فلست خلاة لمن أوعدن. قال حميد بن ثور:
أتنسى عدوّ إسار نحوك لم يزل ... ثمانين عاما قبض نفسك تطلب ... وتذكر سرداحا من الوصل باقيا ... طويل القرى أنضبته وهو أحدب ... تقعّدته عصرا طويلا أروضه ... يلين وينبو تارة حين أركب
أراد بالعدو الدّهر، والسّرداح الطّويل من الإبل، ضربه مثلا للعيش الذي قضاه قوله:
يلين وينبو أي: يأتي مرة بالبؤس ومرة بالنّعم. قال آخر:
وصاحب المقدار والرّديف ... أفنى ألوفا بعده ألوف
يعني بالرّديف النّجوم التي تتعاقب، يقول: يعاقبها على مرّ الدّهور لا يبقي أحدا.
أنشد أبو العبّاس:
أجدّك لن ترى بثعيلبات ... ولا بيداء ناجية ذمولا ... ولا متدارك والشّمس طفل ... ببعض جوانب الوادي حمولا
قال لك: إن تقول ما زيد قائما ولا قاعدا، ولا قائم ولا قاعد. من رفع توهّم أنّ الأول مرفوع. وكذلك الخفض، ولو خفض الأوّل جاز في المنسوق عليه ثلاثة أوجه. وكذلك لو كانت صفة قلت ما زيد خلفك ولا محسن ولا محسنا ولا محسن، يتوهّم أنّ المقدّم فعل ويجوز ما زيد بقائم ولا بقاعد، وأنشد: بطعنه لا غس ولا بمعمر. وأنشد الكسائي: أما ترى حيث سهيل طالعا.
قال: رفع حيث وأضافها وخفض بها، وإذا خفض بها فينبغي أن ينصب ووجه الكلام عبد الله حيث زيد نصبت حيث، وأضفتها. وأنشد للنابغة شعرا:
تبدو كواكبها والشّمس طالعة ... لا النور نور ولا الإظلام إظلام
قيل: أراد شدّة الأمر بقوله: تبدو كواكبه كما قال: ويريه النّجم يجري بالظّهر. وكما يقال: لأرينك الكواكب، وقيل بل أراد لمعان السّيوف وبريق البيض ذهبا بظلمة الغبار.
وإنّ الغبار غطّى الشّعاع السّاطع منهما، فلذلك حال كلّ عن المعهود. وأنشد أبو الحسن عن يونس:
إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن ... كلامك إلا من وراء وراء
وراء من أسماء الزّمان. قال الشّعر مرفوع. وقد جوّز فيه غير وجه منها الضّم فيها ويكون الثّاني بدلا من الأوّل، وقد جعل غايته وجوّز إلّا من وراء وراء يريد ورأى فحذف ياء
الإضافة، وترك الكسرة عليها، وتكون الثانية بدلا أو تكريرا ويكون من وراء وراء على أن يجعل وراء معرفة فلا يصرفها للتأنيث والتّعريف، وتكون الثانية تكريرا وروى ابن حبيب عن أبي توبة إلا وراء وراء أضاف وراء إلى وراء فجرّه للإضافة ووراء المضاف إليه بني على الضّم مثل تحت ودون ويجوز إلّا من وراء وراء تضيف وراء الأول إلى الثّاني. وقد جعلته لا ينصرف للتأنيث والتّعريف، ووراء الأوّل التّقدير فيه الإفراد كما يقدّر في سائر ما يضاف.
(1/502)
إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن ... كلامك إلا من وراء وراء
وراء من أسماء الزّمان. قال الشّعر مرفوع. وقد جوّز فيه غير وجه منها الضّم فيها ويكون الثّاني بدلا من الأوّل، وقد جعل غايته وجوّز إلّا من وراء وراء يريد ورأى فحذف ياء
الإضافة، وترك الكسرة عليها، وتكون الثانية بدلا أو تكريرا ويكون من وراء وراء على أن يجعل وراء معرفة فلا يصرفها للتأنيث والتّعريف، وتكون الثانية تكريرا وروى ابن حبيب عن أبي توبة إلا وراء وراء أضاف وراء إلى وراء فجرّه للإضافة ووراء المضاف إليه بني على الضّم مثل تحت ودون ويجوز إلّا من وراء وراء تضيف وراء الأول إلى الثّاني. وقد جعلته لا ينصرف للتأنيث والتّعريف، ووراء الأوّل التّقدير فيه الإفراد كما يقدّر في سائر ما يضاف.
قال زهير شعرا:
لعب الرّياح بها وغيّرها ... بعدي سوافي المور والقطر
القطر: لا يسفي. فقال الأخفش: هذا الباب يشير إلى مثل قوله:
متقلد أسفا ورمحا ... وعلفتها تبنا وماء باردا
وقول جرير شعرا:
تبيّن في أنف الفرزدق لؤمه ... يقبّح ذاك الأنف أنفا ومشفرا
كلّه إنما جاز بإضمار فعل آخر كأنه قال: وحاملا رمحا وسوافي المور، وصوب القطر وقال:
ما كان مثلك يستخفّ لنظرة ... يوم المطيّ لغربة مر حول
وهذا مثل أتيتك زمن الحجّاج أمير. وقال حميد الأرقط:
فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم ... وليس كلّ النّوى يلقى المساكين
قال سيبويه: أضمر القصّة أو الأمر وقدم مفعول الخبر، وهذا لا يجوز لو لم يكن فيه إضمار كأنّه قال: وليس الأمر كلّ النّوى يلقى المساكين، لأنّه لا يلي ليس ولا كان ما يعمل فيه فعل آخر، لا يجوز أن يقول: كانت زيدا الحمى تأخذ فيفرق بين كان واسمها بمفعول غيرها، ولو كان مفعولها لجاز كقولك: كان زيد قائما لأنّ قائما مفعول كان. وأنشد سيبويه لعمر بن أبي ربيعة شعرا:
معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وقال: هذا مما يجري على الموضع لا على الاسم الذي قبله لأنّ المعنى فلسنا جبالا ولا حديدا. وقيل: إن سيبويه دسّ هذا البيت لأنّ القصيدة مجرورة، وفي هذا كلام. وقال آخر:
فأوّه لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء
من قولك: أوّه وأراد من بعد أرض، ومن بعد سماء، فجعله للصّفتين ونحوه قول القطامي:
(1/503)
فأوّه لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء
من قولك: أوّه وأراد من بعد أرض، ومن بعد سماء، فجعله للصّفتين ونحوه قول القطامي:
ألم يحزنك أنّ جبال قيس ... وتغلب قد تباينت انقطاعا
يريد: وجبال تغلب. وقال النّابغة الجعدي شعرا:
غدا فتيا دهر وراحا عليهم ... نهار وليل يكثران التّواليا
وإنمّا يغدو واحد ويروح آخر، ويجوز على هذا أن يقول: غلامان قد طبخا خبزا وأحدهما طبخ والآخر خبر. وقال آخر:
تعلمنّ والله ما أبالي ... تعود عند آخر اللّيالي
أراد أن يقول: أخرى اللّيالي، وهو وجه الكلام. وقال جرير شعرا:
مطاعيم الشّتاء إذا استحنّت ... وفي عرواء كلّ صبا عقيم
قال ابن الأعرابي: استحنّت بفتح التاء بمعنى حنّت يعني الشّمال، وقال عمارة: بضم التاء، وقال: أراد استحنّ الشّتاء الشّمال أي هيّجها، والشّمال: مستحنّة فلذلك روى استحنّت.
سبقنا العالمين بكلّ نجم ... وبالمستمطرات من النّجوم
وقوله: وليست يعني النّجوم وأضمر لأنّ في الكلام دليلا عليه. وقال جرير شعرا:
يأوي إليك فلا منّ ولا جحد ... من ساقت الضّيع الحصا والذّئب
فاعل يأوي من ساقت، وأراد بالضّيع الحصا السّنة الجدبة لا نبت فيها، قوله: والذّئب يريد أنّ الذئب تطمع في الناس لضعفهم. وروي أنّه سئل السّنة: أي الجدب ما عوانك، فقال: الحرب والذّئب. وقال الفرزدق شعرا:
يداك يد ربيع النّاس فيها ... وفي الأخرى الشّهور من الحرام
أراد في إحدى يديك ربيع النّاس، يعني إنّه يغنيهم، والأخرى كالأشهر الحرم يعني عقد جوارح، فأخرج الكلام كما ترى. وأنشد ثعلب:
ولعلّ خيرا منك قرما ماجدا ... ضحّاك ساعات النّجوم سميدع
يعني طلاقة وجهه في الجدب إذا خوت النّجوم، واللّفظ على ما يشاهد وفي طريقته قال شعرا:
(1/504)
ولعلّ خيرا منك قرما ماجدا ... ضحّاك ساعات النّجوم سميدع
يعني طلاقة وجهه في الجدب إذا خوت النّجوم، واللّفظ على ما يشاهد وفي طريقته قال شعرا:
قفار إذ العام المسمّى تزعزعت ... بشيفائه هوج الرّياح العقائم
قوله: المسمّى. يعني المشتهر بصفاته. وأنشد للعجّاج أو رؤبة:
كأنّه لو لم يكن حمارا ... بهنّ تالي النّجم حيث غارا
يجوز أن يكون المراد بقوله: بهنّ بطردهنّ فحذف المضاف، ويجوز أن يريد كأنّه باجتماعه معهنّ، ويكون في الباء تقديران: أحدهما: أن يكون العامل فيه ما في كان من معنى الفعل، أي يشبه العير تطرده الأتن تالي النّجم، والآخر: أن تعلقه بكان أي لو لم يكن حمارا بطردهنّ أو بالاجتماع معهنّ، والمعنى أنّ كونه حمارا يمنعه أن يكون كتالي النّجم على الحقيقة، وإن كان كونه خلفها، يطردها ككون الدّبران خلف الثّريا وقال: مرّت على آثارها دبرانها. يشبه هذا ما أنشده أبو زيد. كوني بالمكارم ذكّريني. قولهم زيدا ضربه، وزيد ليقم، فبالمكارم متعلّق بذكّريني فكأنّه قال: أنت ذكرتني فرفع أنت بالابتداء ثم دخل الفعل عليه، ويشبهه قول الجميح: إن الرّياضة لا ينصبك للشّيث. فإن قلت: بيت الجميح أحسن في القياس أو ما أنشده أبو زيد، قيل: جهة قياسهما في الارتفاع بالابتداء واحد. وقوله: لا ينصبك أحسن من كوني بالمكارم ذكريني لأنّ قوله ذكرتني يدل على كوني، ونظيره قولهم:
كان زيد قام، وقد أجازه النّحويون إجازة حسنة وزعموا أنّ أخوات كان ليس في ذلك لكان والله أعلم.
(1/505)
الباب السّادس والخمسون في ذكر الكواكب اليمانية والشّامية وتميز بعضها عن بعض
وذكر ما يجري مجراه من تفسير الألقاب.
واعلم أنّ القوم لمّا أرادوا تميز الكواكب قسموا الفلك قسمين، وسمّوا أحد النّصفين جنوبيّا، وهو الذي يلي الجنوب، وسمّوا النّصف الآخر شماليّا وهو الذي يلي الشّمال، وسمّوا كلّ ما وقع في النّصف الجنوبي من البروج والكواكب جنوبيّة، وسمّوا ما وقع في النّصف الشّمالي من البروج والكواكب شماليّة، وسمّت العرب تلك الشّمالية شاميّة، والجنوبية يمانية، والمعنيان واحد، لأنّ مهبّ الشّمال عندهم من جهة الشّام، ومهبّ الجنوب من ناحية اليمن ولذلك جعلوا ما بين رأس الحمل إلى رأس الميزان من البروج شاميّة. وجعلوا ما بين رأس الميزان إلى رأس الحمل من البروج يمانية. وكذلك جعلوا ما بين الشّرطين من المنازل إلى السّماك شاميّة، وجعلوا ما بين الغفر إلى الرّشاء يمانية. فكلّ كوكب مجراه ما بين القطب الشّمالي إلى ما بين مدار السماك الأعزل أو فويقه قليلا فهو شاميّ، وكلّ كوكب مجراه دون الفلك إلى ما يلي القطب الجنوبي فهو يماني. والنّسران أحدهما الطّائر والآخر الواقع وهما شاميّان. فأما الواقع فهو منير، وخلفه كوكبان منيران، يقولون: هما جناحاه، وقدّامه كواكب يقال لها: الأظفار. وأمّا الطّائر فهو إزاء الواقع، وبينهما المجرّة، ولا يستتر إلا خمس ليال. وأمّا قول ذي الرّمة شعرا:
يحبّ امرؤ القيس العلى أن ينالها ... وتأبى مقاريها إذا طلع النّسر
فإنّما يذمّهم بأنهم لا يطعمون في الشّتاء، والمقاري الجفان.
قال أبو حنيفة: وكذلك مدار الكوكب الذي تسميه العرب: الفرد وهو قريب من الفصل بين شاميّ الكواكب ويمانيّها. وقول عمر بن أبي ربيعة في سهيل بن عبد الرّحمن:
وتزوّجه الثّريا العبلية من بني أميّة، يضرب لهما كوكبي سهيل والثريّا مثلا فقال:
أيّها المنكح الثّريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان؟ ... هي شاميّة إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يمان
وقال آخر في نعت سهيل إذا طلع صباحا:
(1/506)
وتزوّجه الثّريا العبلية من بني أميّة، يضرب لهما كوكبي سهيل والثريّا مثلا فقال:
أيّها المنكح الثّريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان؟ ... هي شاميّة إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يمان
وقال آخر في نعت سهيل إذا طلع صباحا:
أراقب لمحا من سهيل كأنّه ... إذا ما بدا من آخر اللّيل يطرف
وقيل: هو كوكب ذكر نكاح، حريص عليه، وربما طلع في اللّيلة الواحدة مرّتين، ويغيب مرّتين. ويقال: غيبته بعد طلوعه لدنوّه من كوكبتيه وصاحبتيه.
وحكي عن بعض علماء العرب: النّظر إلى سهيل يشفي من البرسام، ولذلك يقول مالك بن الرّيب:
أقول لأصحابي ارفعوني فإنّني ... يقرّ بعيني أن سهيل بدا ليا
ويقال: سهيل أشفق الكواكب على الغرباء وأبناء السبيل، وبين رؤية سهيل بالحجاز وبين رؤيته بالعراق بضع عشرة ليلة، وقالت الهند: إذا نظر ناظر إلى سهيل عند نهيق الحمار وبه صداع عوفي. من خرافات العرب: أنّ سهيلا طلع بأرض العراق وقابل الزّهرة، فضحكت إليه وقالت: ألست الذي يقال فيك إنّك كنت عشارا فمسخك الله شهابا، عقوبة لك؟ فأجابها وقال: ليس كلّ ما يقوله النّاس حقا، فقد قالوا فيك: إنّك كنت امرأة فاجرة فمسخك الله كوكبا مضيئا يحكم في خلقه.
فأمّا معرفة الشّرقيّ من الكواكب والغربي فيجب أن تعلم أنّ الكواكب إذا كانت خلف الشّمس بخمس عشرة درجة فهي شرقية في ذاتها إلى ما تباعدت. وإذا كانت قدّام الشّمس بخمس عشرة درجة فهي غربيّة في ذاتها إلى ما تباعدت. والكوكب الشّمالي إذا جاز رأس جو زهرة إلى أن يبلغ ذنبه، والجنوبي إذا جاز ذنب جو زهرة إلى أن يبلغ إلى رأسه.
وأمّا معنى اقتران الكوكبين فهو مسامتة أحدهما الآخر، لأنّ أحدهما أعلى من صاحبه، وفلكه خلاف فلك الآخر، فيسامت أحدهما صاحبه فيحاذيان موضعا واحدا من ذلك البرج، ويتحرّكان على سمت واحد، فيراهما النّاظر مقترنين لبعدهما من الأرض، وبين أحدهما وصاحبه في العلو بعد كثير فبهذه العلّة صار اقتران الكوكبين، وهذا كما يقال:
البروج المتصادفة إذا اتفقت في جميع الجهات، كالبروج النّارية مثل الحمل والأسد والقوس والجوزاء والميزان والدّلو. والبروج المتعادية: وهي المتضادة في كل وجه كالحمل والسّرطان لأنّ أحدهما ناري والآخر مائي. ومن هذا النوع قولهم: البروج الجامعة إذا دلّت على صلاح الحال. والبروج المبدّدة إذا دلّت على التّبديد والبروج
المعطية: تدل على اليسار والإحسان. والبروج الآخذة تدل على خلافه ومما يبيّن ما ذكرناه في سهيل قوله:
(1/507)
البروج المتصادفة إذا اتفقت في جميع الجهات، كالبروج النّارية مثل الحمل والأسد والقوس والجوزاء والميزان والدّلو. والبروج المتعادية: وهي المتضادة في كل وجه كالحمل والسّرطان لأنّ أحدهما ناري والآخر مائي. ومن هذا النوع قولهم: البروج الجامعة إذا دلّت على صلاح الحال. والبروج المبدّدة إذا دلّت على التّبديد والبروج
المعطية: تدل على اليسار والإحسان. والبروج الآخذة تدل على خلافه ومما يبيّن ما ذكرناه في سهيل قوله:
إذا ما نجوم اللّيل آضت كأنّها ... هجاين يطلعن الفلاة صوادر ... شآمية إلّا سهيلا كأنّه ... فنيق غدا عن شوله وهو جافر
ألا ترى أنّه جعل يمانيا إذ كان مداره في شق اليمن. وجعل الثّريا شآمية إذ كان مدارها في شق الشّمال. وقال آخر في سهيل:
فمنهنّ إدلاجي إلى كلّ كوكب ... له من عماني النّجوم نظير
فجعله عمانيا إذ كان مجراه في ذلك الشّق، كما جعل الأول يمانيا وفي معنى قوله:
فنيق غدا عن شوله وهو جافر. يقول الآخر شعرا:
وقد لاح للسّاري سهيل كأنّه ... قريع هجان يتبع الشّول جافر
شبّه في انفراده بفحل انقطع عن الضّراب فتنحّى عن الإبل وتركها. وقال آخر:
إذا سهيل لاح كالوقود ... فردا كشاة البقر المطرود
فهذا يريد وبيصه وشعاعه وانفراده كما قال غيره يريد التّهيّج، قال شعرا:
حتى إذا لاح سهيل بسحر ... كعشوة القابس ترمي بالشّرر
وقال آخر يصف ثور وحش:
فبات عذوبا للسّماء كأنّه ... سهيل إذا ما أفردته الكواكب
العذوب: القائم الذي لا يطعم. وقال آخر في انفراده:
من يك ذا مال يكاشر لماله ... وإن كان أنأى من سهيل الكواكب ... يعارض عن مجرى النّجوم وينتحي ... ويسري إذا يسرين غير مصاحب
وقال آخر يصف رفقاء تجمّعوا:
وفتية غيد من التّسهيد ... نبتهم من مهجع مورود ... والنّجم بين الغمّ والتّعريد ... إذا سهيل لاح كالوقود ... فردا كشاة البقر المطرود ... ولاحت الجوزاء كالعنقود ... كأنّها من نظر ممدود ... بالأفق انظامان من فريد
الإنظام: القلائد ينظم فيها، والفريد: الشّذر، وإذا نظرت إلى الجوزاء وهو على الأفق
فتأملت نظمها رأيتها أشبه شيء بما وصف. وهذا من حسن التّشبيه، وهذا كما شبّهوا الكوكبين المتدانيين اللّذين على منطقة الجوزاء بالعذبة، والعذبة في اللغة طرف السّوط، وما أرسل من شراك النّعل، وكذلك عذبة العمامة والغصن، والعذبة الطّرادة أيضا. وكما قال بعضهم: راية السّماك يعني رمحه، ويسمى السّماك وحده حارس السّماء، لأنّه يرى أبدا لا يغيب تحت الشّعاع فلا طلوع له ولا غروب.
(1/508)
وفتية غيد من التّسهيد ... نبتهم من مهجع مورود ... والنّجم بين الغمّ والتّعريد ... إذا سهيل لاح كالوقود ... فردا كشاة البقر المطرود ... ولاحت الجوزاء كالعنقود ... كأنّها من نظر ممدود ... بالأفق انظامان من فريد
الإنظام: القلائد ينظم فيها، والفريد: الشّذر، وإذا نظرت إلى الجوزاء وهو على الأفق
فتأملت نظمها رأيتها أشبه شيء بما وصف. وهذا من حسن التّشبيه، وهذا كما شبّهوا الكوكبين المتدانيين اللّذين على منطقة الجوزاء بالعذبة، والعذبة في اللغة طرف السّوط، وما أرسل من شراك النّعل، وكذلك عذبة العمامة والغصن، والعذبة الطّرادة أيضا. وكما قال بعضهم: راية السّماك يعني رمحه، ويسمى السّماك وحده حارس السّماء، لأنّه يرى أبدا لا يغيب تحت الشّعاع فلا طلوع له ولا غروب.
الباب السّابع والخمسون في ذكر الفجر والشّفق والزّوال ومعرفة الاستدلال بالكواكب وتبيين القبلة
(1/509)
الباب السّابع والخمسون في ذكر الفجر والشّفق والزّوال ومعرفة الاستدلال بالكواكب وتبيين القبلة
روي عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة، الآية: 187] قال: عمدت إلى عقالين أحدهما أبيض، والآخر أسود، فجعلتهما تحت وسادي، فلما تقارب مرّ اللّيل جعلت أنظر إليهما فلم يتبيّن لي شيء، فلمّا أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فضحك وقال:
«وسادتك إذن لعريض اللّيل والنّهار، إذن تحت وسادتك إنّما ذلك اللّيل والنّهار».
وروي عن عليّ رضي الله عنه أنّه صلّى الفجر ركعتين ثم جلس على مجلس له ثم قال: هذا حين تبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
واعلم أنّ الفجر فجران: أحدهما قبل الآخر: فالفجر الكاذب يستدقّ صاعدا في غير اعتراض، ويسمى ذنب السّرحان لدقته، ولا يحلّ شيئا ولا يحرّمه، وإنّما يؤذن بقرب النهار. وقال الخليل: الفجر ضوء الصّباح وقد انفجر الصّبح، والفجر المعروف منه. يقال:
ما أكثر فجره وفي التّنزيل: {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتََا عَشْرَةَ عَيْناً} [سورة البقرة، الآية: 60] لأنّ الحجر كان يفجر منه الماء في اثني عشر موضعا عند نزولهم، فإذا ارتحلوا غارت مياهها.
والفجر الثّاني: هو الصّادق والمصدّق، قال أبو ذؤيب يذكر الثّور والكلاب شعرا:
شغف الكلاب له الضّاريات فؤاده ... فإذا يرى الصّبح المصدّق يفزع
وإنما قال: يفزع لأنّه وقت القائض الفجر الثّاني هو المستطير المنتشر الضّوء ومع طلوعه يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. قال أبو داود:
فلمّا أضاءت لنا سدفة ... ولاح من الصّبح خيط أنارا
وقال آخر:
نميت إليها والنّجوم شوابك ... تداركها قدّام صبح مصدّق
والصّبح والصّباح والإصباح واحد. وفي التّنزيل: {فََالِقُ الْإِصْبََاحِ} [سورة الأنعام، الآية: 96] والصّبيح: الحسن الوجه. وكذلك الصّبحان، وقد صبح صباحة والحق الصّابح البيّن، وقد صبح الحق يصبح صبحا. والمصباح السّراج وكما قيل: وجه صبيح قيل أيضا وجه مسرج. قال: وفاحما ومرسنا مسرجا.
(1/510)
نميت إليها والنّجوم شوابك ... تداركها قدّام صبح مصدّق
والصّبح والصّباح والإصباح واحد. وفي التّنزيل: {فََالِقُ الْإِصْبََاحِ} [سورة الأنعام، الآية: 96] والصّبيح: الحسن الوجه. وكذلك الصّبحان، وقد صبح صباحة والحق الصّابح البيّن، وقد صبح الحق يصبح صبحا. والمصباح السّراج وكما قيل: وجه صبيح قيل أيضا وجه مسرج. قال: وفاحما ومرسنا مسرجا.
وكذلك الشّفق شفقان: أحدهما قبل الآخر، ومثالهما من أول اللّيل مثال الفجرين من آخره، فالأول هو الأحمر وإذا غاب حلّت صلاة العشاء الآخرة. والثّاني: هو الأبيض والصلاة جائزة إلى غروبه وهو يغرب في نصف اللّيل وآخر أوقات العشاء الآخرة نصف اللّيل.
والزّوال: يشار به إلى ما دلّ الله تعالى عليه بقوله: {أَقِمِ الصَّلََاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى ََ غَسَقِ اللَّيْلِ} [سورة الإسراء، الآية: 78] ودلوك الشّمس: غروبها وزوالها، فدلّ بالدّلوك على صلاة الظّهر، وعلى صلاة المغرب، ودلّ بقوله: إلى غسق وهو الظّلام على صلاة العشاء الآخرة. وقال تعالى: {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ الْوُسْطى ََ} [سورة البقرة، الآية: 238] وهي العصر، وجعلها الوسطى لأنّها بين صلاتين في النّهار وصلاتين في اللّيل. وقال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كََانَ مَشْهُوداً} [سورة الإسراء، الآية: 78] فدلّ على صلاة الصّبح. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي الظّهر إذا دحضت الشّمس. يراد إذا زالت، وأصل الدّحض الزّلق وذاك أنها لا تزال ترتفع حتى في جوّ السّماء فتراها تقف شيئا ثم تنحطّ، فحينئذ تزول وتحول الظّل من جانب إلى جانب، ويسمّى فيئا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّني جبرائيل مرّتين فصلّى الظّهر حين مالت الشّمس قيد الشّراك، وصلّى العصر وظلّه مثله، وصلّى المغرب حين رفعت الشّمس وصلّى العشاء حين غاب الشّفق، وصلى الصّبح حين طلع الفجر، فلما كان الغد صلّى الظّهر وظلّه مثله، وصلّى العصر وظلّه مثلاه، وصلّى المغرب حين رفعت الشّمس، وصلّى العشاء حين ذهب ثلث اللّيل، وصلّى الغداة فأسفر بها وقال: الوقت ما بين هذين». ويروى أنّه قال: إنّ الصلاة فيما بينهما. فقوله صلى الله عليه وسلم حين مالت الشّمس قيد الشّراك: يريد أنّها زالت، فصار للشخص فيء يسير قدر الشّراك، وليس يكون هذا في كل بلد إنما يكون في البلد الذي يتنقل فيه الظّل عند الزّوال، فلا يكون فيء أصلا.
وقال الرّاجز:
إذا زقا الحادي المطيّ اللّغبا ... وانتقل الظّل فصار جوربا
وقال ابن مقبل وذكر فرسا:
يبني على حامييه ظلّ حاركه ... يوم توقّده الجوزاء مسموم
والحاميان: جانبا حافره. والحارك: فروع كتفيه وإذا قام ظلّ كل شيء تحته صار ظل الحارك على حاميي حافره، فالحجاز وما يليه يتنقل فيه الظّل، فأما البلد الذي تزول فيه الشّمس، وللشّخص ظلّ فإنّه يعرف به قدر الظّل الذي زالت عليه، فإذا زاد عليه مثل طول الشخص فذاك آخر وقت الظّهر، وأوّل وقت العصر، فإذا زاد عليه مثلا طول الشّخص فذلك آخر وقت العصر، على ما روي في الحديث. فأمّا قول الشّاعر:
(1/511)
يبني على حامييه ظلّ حاركه ... يوم توقّده الجوزاء مسموم
والحاميان: جانبا حافره. والحارك: فروع كتفيه وإذا قام ظلّ كل شيء تحته صار ظل الحارك على حاميي حافره، فالحجاز وما يليه يتنقل فيه الظّل، فأما البلد الذي تزول فيه الشّمس، وللشّخص ظلّ فإنّه يعرف به قدر الظّل الذي زالت عليه، فإذا زاد عليه مثل طول الشخص فذاك آخر وقت الظّهر، وأوّل وقت العصر، فإذا زاد عليه مثلا طول الشّخص فذلك آخر وقت العصر، على ما روي في الحديث. فأمّا قول الشّاعر:
إني على أوني وانجراري ... أؤمّ بالمنزل والدّراري
فالأون: الرّفق والانجرار: سير الإبل وعليها أحمالها وهي ترعى وأؤم: يريد أقصد بمنازل القمر وكبار الكواكب فأهتدي. وقال ذو الرّمة وذكر الإبل:
تياسرن عن جري الفراقد في السّرى ... ويا منّ شيئا عن يمين المغاور
يعني: أنّهن قصدن وسطا فيما بين الفرقدين وبين المغاور، وهي المغارب وذلك أنّ ابتداء المغارب قريب من منحدر بنات النّعش وقال لناقة:
فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها ... يمينا ومهوى النّسر من عن شمالك
فإنما يصف سمت جهة وأجراها أنّه يريد في مسيره ما بين منحدر النّسر للمغيب وبين الفرقدين، فإذا أردت الاهتداء بالنّجوم فاعرف البلد الذي تؤمّه وفي أي أفق هو، فإن كان في ناحية المشرق كخراسان وما صاقبها، استقبلت منازل الشّمس والقمر، إن كان مسيرك ليلا والسّماء مضحية وجعلت الجدي وبنات النعش على يسارك والشّعريين وسهيلا عن يمينك، وإن كنت في ناحية المغرب استدبرت منازل القمر وجعلت الجدي، وبنات نعش وراءك والشّعريين وسهيلا عن يسارك. وإن كان في ناحية اليمن جعلت منازل القمر على يمينك وجعلت الجدي وبنات نعش أمامك، وسهيلا وراءك، فإذا أنت فعلت ذلك فأنت على سمت الوجه الذي تريد إن كنت على الطّريق غير راجع ولا جائز وإن كان مسيرك ليلا والسّماء غائمة استدللت أيضا بالمشرق والمغرب، فإن اشتبها عليك استدللت على المشرق بنسيم الصّبا وروحها، فإنّها تأتي من ناحيته وعلى المغرب بريح الدّبور وحرّها في الصّيف.
وأمّا القبلة فالاستدلال عليها بالجدي: وذلك أن تجعله حذاء منكبك الأيمن، أو أخدعك، وإن كان مسيرك نهارا، فبالشّمس، فإنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة المسافر.
وقال محمد بن كناسة: إذا سقط منزل من منازل القمر بالغداة عند نوئه فعدّ منها سبعة أنجم على موالاة العدد، فالسّابع هو القبلة إلى أن يسقط العقرب. فإذا سقطت العقرب فالنّعائم قبلة. والبلدة بعد تلك السّاعة قليلا قبلة. ثم يعود الحساب فإذا سقط سعد الذّابح فالحوت قبلة وهو السّابع. ومثال ذلك أنّه إذا سقط الشّرطان كان السّابع منه الذّراع وهو
القبلة. وإذا سقط البطين فالنّثرة قبلة. وإذا سقطت الثّريا فالطّرف قبلة. وإذا سقطت الدّبران فالجبهة قبلة. وإذا سقطت الهقعة فالزّبرة قبلة، وإذا سقطت النّثرة فالسّماك قبلة، وإذا سقط الطّرف فالغفر قبلة، وإذا سقطت الجبهة فالزّباني قبلة. وإذا سقطت الزّبرة فالإكليل قبلة، ثم يقع الشّك في القبلة عند سقوط الصّرفة والعوّاء والسّماك والغفر والزّباني والإكليل والقلب والشّولة والنّعائم والبلدة.
(1/512)
وقال محمد بن كناسة: إذا سقط منزل من منازل القمر بالغداة عند نوئه فعدّ منها سبعة أنجم على موالاة العدد، فالسّابع هو القبلة إلى أن يسقط العقرب. فإذا سقطت العقرب فالنّعائم قبلة. والبلدة بعد تلك السّاعة قليلا قبلة. ثم يعود الحساب فإذا سقط سعد الذّابح فالحوت قبلة وهو السّابع. ومثال ذلك أنّه إذا سقط الشّرطان كان السّابع منه الذّراع وهو
القبلة. وإذا سقط البطين فالنّثرة قبلة. وإذا سقطت الثّريا فالطّرف قبلة. وإذا سقطت الدّبران فالجبهة قبلة. وإذا سقطت الهقعة فالزّبرة قبلة، وإذا سقطت النّثرة فالسّماك قبلة، وإذا سقط الطّرف فالغفر قبلة، وإذا سقطت الجبهة فالزّباني قبلة. وإذا سقطت الزّبرة فالإكليل قبلة، ثم يقع الشّك في القبلة عند سقوط الصّرفة والعوّاء والسّماك والغفر والزّباني والإكليل والقلب والشّولة والنّعائم والبلدة.
وذلك لأنّ العقرب تسقط جميعا فلا يستقيم الحساب على سبعة أنجم، غير أنّه إذا سقطت العقرب كلّها كانت النّعائم قبلة. ثم البلدة قبلة والقبلة قريب منها. ثم يسقط سعد الذّابح فيكون رأس الحوت قبلة. وهو مذموم بالكف الخضيب ويرجع الحساب إلى السّابع.
وقال ابن كناسة في ذلك وذكر طريق مكة، قال شعرا:
يوم النّجوم السّابعات من الّتي ... تأوّب إلا أن تأوّب عقرب ... فإن هي آنت فالنّعائم آبها ... وبلدتها ثم السّوابع أصوب
قال: وكواكب العقرب أربعة: منازل تطلع في الأوقات التي بيّنت وتسقط كلّها في وقت واحد.
فصل في صرف القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
ذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} [سورة البقرة، الآية: 115] قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأتتهم ضبابة، فصلّوا لغير القبلة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمرهم بالإعادة، وكانوا يصلّون نحو بيت المقدس فنزلت: فأينما ولّوا فثم وجه الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرائيل: «وددت أنّ ربي جلّ جلاله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها»، فقال جبرائيل:
إنما أنا عبد مثلك، فادع ربّك وسله ثم ارتفع جبرائيل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السّماء رجاء أن يأتيه بالذي سأل، فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمََاءِ}
[سورة البقرة، الآية: 144] الآية. قال: فنسخت هذه الآية ما كان من الصّلاة قبلها نحو بيت المقدس، قال: وكانوا يصلّون نحو صخرة بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، بعد أن قدم المدينة ثم حوّل إلى الكعبة إلى الميزاب قبل بدر بشهرين.
وروي عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين ماتوا وهم يصلّون إلى البيت المقدس فأنزل الله تعالى: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُضِيعَ إِيمََانَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143] وذكر سعيد بن المسيب أنّ قوله تعالى: {وَالسََّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهََاجِرِينَ وَالْأَنْصََارِ} [سورة التوبة، الآية: 100] هم أهل القبلتين.
واعلم أنّ الذي لا غنى لمؤمن عنه ولا يتم إيمانه إلا به هو: العلم بأنّ الله ليس بناسخ مديحه، ولا حسن الثناء عليه، ولا أسماءه الحسنى، ولا ما أضيف من الصّفات العلى إليه، ولا ينسخ شيئا من أخباره عمّا كان أو يكون، لأنّ نسخ المديح ذم وتقبح ونسخ الأسماء الحسنى إثبات الأسماء السوأى، ونسخ الصّفات العلى إيجاب للصّفات السّفلى، ونسخ الأخبار انصراف المخبر من الصّدق إلى الكذب وعن الحق إلى الهزل واللّعب. وهذا من جوّزه على الله تعالى فيما مدح به نفسه، وأخبر به عباده الحد في أسمائه والله تعالى يقول:
(1/513)
وروي عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين ماتوا وهم يصلّون إلى البيت المقدس فأنزل الله تعالى: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُضِيعَ إِيمََانَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143] وذكر سعيد بن المسيب أنّ قوله تعالى: {وَالسََّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهََاجِرِينَ وَالْأَنْصََارِ} [سورة التوبة، الآية: 100] هم أهل القبلتين.
واعلم أنّ الذي لا غنى لمؤمن عنه ولا يتم إيمانه إلا به هو: العلم بأنّ الله ليس بناسخ مديحه، ولا حسن الثناء عليه، ولا أسماءه الحسنى، ولا ما أضيف من الصّفات العلى إليه، ولا ينسخ شيئا من أخباره عمّا كان أو يكون، لأنّ نسخ المديح ذم وتقبح ونسخ الأسماء الحسنى إثبات الأسماء السوأى، ونسخ الصّفات العلى إيجاب للصّفات السّفلى، ونسخ الأخبار انصراف المخبر من الصّدق إلى الكذب وعن الحق إلى الهزل واللّعب. وهذا من جوّزه على الله تعالى فيما مدح به نفسه، وأخبر به عباده الحد في أسمائه والله تعالى يقول:
{وَلِلََّهِ الْأَسْمََاءُ الْحُسْنى ََ فَادْعُوهُ بِهََا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمََائِهِ} [سورة الأعراف، الآية: 180] يقول أيضا: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لََا مُبَدِّلَ لِكَلِمََاتِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 115] وهذا كاف، والاقتصار عليه واجب، لأنّ الكتاب لم يوضع لذلك فاعلمه إن شاء الله تعالى.
الباب الثّامن والخمسون في معرفة أيام العرب في الجاهلية وما كانوا يحترفونه ويتعايشون منه
(1/514)
الباب الثّامن والخمسون في معرفة أيام العرب في الجاهلية وما كانوا يحترفونه ويتعايشون منه
وذكر ما انتقلوا إليه في الإسلام على اختلاف طبقاتهم.
اعلم أنّ احتراف العرب في الجاهليّة وقرب الإسلام على وجوه خمسة: قود الكتائب وجرّ الغارات وشنّها على القبائل حين كان الزّمان من عزيز وأخذ الرؤساء منهم المرباع وما يجري مجراه من الصّفية والفضول والنّشيطة، وصنوف الاحتكام منهم. ثم الوفادات على الملوك في فكّ الأسرى وحقن الدّماء وحمل الدّيات وإصلاح ذات البين وغيرها، ثم ترقيح (1) العيش من ظهور الإبل وبطونها ونتاج الخيل، ثمّ غراس النّخل لذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم: «خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة».
وروي أيضا: الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة» إلى كثير تركناه لشهرته، كقوله صلى الله عليه وسلم: «ارتبطوا إناث الخيل، فإنّ ظهورها حرز وبطونها كنز». وكقوله صلى الله عليه وسلم: «الخيل تعدو بأحسابها فإذا كان يوم الرّهان عدت بحدود أربابها» وكقوله: «جعل رزقي في أطراف الأسنة» يعني من الغزو، ثم طبقة العسفاء والجمّالين وهذه حرفة يرغب عنها كرامهم وصرحاؤهم فهذه وجوه مكاسبهم، ومعالم حرفهم عليها تدور أزمنتهم قبل الإسلام وبها شافهت ما داناه.
ثم صارت في الإسلام على أربع طبقات:
الأولى: مهاجرون يقبضون الدّواوين ويحفظ بهم البيضة فيغزون الثّغور ويقاتلون العدو. حكي عن جعفر بن محمد قال: قال علي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخير في السّيف والخير مع السّيف والخير بالسّيف».
والثانية: مقيمون يعتملون سوارح الإبل وروائحها، ويتبعون مساقط الكلام، ومدافع المطر، ويكرّون عواملهم إلى الأمصار والكور ويتواردون الأرياف وجوانبه الخضر.
__________
(1) في القاموس ترقيح المال صلاحه والقيام عليه. 12محمد شريف الدين.
(1/515)
والثّالثة: طبقة مقيمة في مياهها ومحاضرها ومرابعها ومزالفها، راضية من العيش بما يحفظ عليهم التّجمل وينفي عنهم التقشّف والتّبدل، فيتّجرون فيما يعتنون جلبا، وينقلون ما به يقضون أربا.
والرّابعة: العسفاء والأجراء ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الخيل العراب تراث أبيكم إسماعيل فاقتنوها واركبوها، وكان أول من ركبها إسماعيل وبنوه، وكانوا اثني عشر رجلا يسمّون الفوارس». قال أسد بن مدركة منتميا في شعره إلى إسماعيل عليه السلام.
أبونا الذي لم يركب الخيل قبله ... ولم يدر شيخ قبله كيف يركب ... وعوّدنا فيما مضى من ركوبها ... فصرنا عليها بعده نتلقّب ... لعمرك ما عمّاي شمر ويبهس ... ولكنّما عمّاي بكر وتغلب ... فإن يك أقوام أضاعوا آباءهم ... سفاها فما ضلّت ربيعة أكلب
وروي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ هذه الخيل كانت وحشا في الفلوات، لها أجنحة في مواضع أكتافها» قال: وكان في دور العجم مثل خلق الخيل صورا لها كالأجنحة في مواضع أكتافها تسمّى بالفارسية درواسف وتفسيرها بالعربية ذو الأجنحة من الخيل، فلم أعرف معناه حتى سمعت هذا الحديث، قال ثم ذللت لاسماعيل وكانت معه في جرهم فلمّا توفّاه الله عادت وحوشا إلى مواضعها، حتى جاء زمن داود فذلّلت له ثم ورثها سليمان، وكان يعجب بها وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصََّافِنََاتُ الْجِيََادُ} [سورة ص، الآية: 31] وكان أصحاب النّخل أكثر دعة وأرفع عيشا، وأندى جنابا وأحضر نفرا من أرباب الإبل، إذ كانت الإبل أشدّ امتهانا لأهلها وابتذالا لمتخذيها مع ما يلحقها عند سقوط الغيث، ونبات البقل، ودرور الألبان من الفارة والنّدود والشّرود مع الكلف اللّاحقة من لوازم الرّعاء والتّحفظ من الحزابة والسّلة ومع ما ينالها في شهب السّنين من السّواف وسائر العاهات، وفي استقبال بارد الرّياح من الأدواء المهلكة، وتلحقها من عدوة السّباع الضّارية، حتى أنّ ربّها يمسي غنيا مكثرا ويصبح فقيرا مدقعا.
والخيل ثلاثة أصناف: فمنها ملوك الخيل التي لا تجارى، وهي تسبق بعنقها وكرمها وحسبها مع حسنها وتمام خلقها واستوائها وهي الرّوابع. والصّنف الثّاني المضامير: وهي سباع الخيل المتعالية اللّحوم، وخلقتها غير خلقة الأولى لكنها أخفّ وأرقّ منها. والصّنف الثّالث: ضباع الخيل قوّية شديدة تحمل الزّاد والمزاد في السّهل والجبل، وهي الغلاظ الشّداد، مع جودة الأنفس، لأنّ الغليظ أحوج إلى شدّة النّفس من غيره.
وقال أبو داود الإيادي يصف الجواد من الخيل بصفة جامعة يستغنى بها عن تخصيص المفردات بما يحمد منها:
(1/516)
والخيل ثلاثة أصناف: فمنها ملوك الخيل التي لا تجارى، وهي تسبق بعنقها وكرمها وحسبها مع حسنها وتمام خلقها واستوائها وهي الرّوابع. والصّنف الثّاني المضامير: وهي سباع الخيل المتعالية اللّحوم، وخلقتها غير خلقة الأولى لكنها أخفّ وأرقّ منها. والصّنف الثّالث: ضباع الخيل قوّية شديدة تحمل الزّاد والمزاد في السّهل والجبل، وهي الغلاظ الشّداد، مع جودة الأنفس، لأنّ الغليظ أحوج إلى شدّة النّفس من غيره.
وقال أبو داود الإيادي يصف الجواد من الخيل بصفة جامعة يستغنى بها عن تخصيص المفردات بما يحمد منها:
وقد أغروا بطرف هيكل ذي ميعة سكب
ذو ميعة أي جري سائل، وكذلك السّكب، ويقال: فرس سكب وبحر وحت.
أسيل سلجم المقبل لا شخت ولا جأب السّلجم: الطويل والشّخت: الدّقيق، والجأب: الغليظ يريد أنه بين وصفين.
طويل طامح الطّرف إلى مفزعة الكلب يريد أنه يسمو بطرفه إلى حيث يفزعه الكلب من الصّيد إذا طلبه.
مسح لا يواري العير منه عصر اللهب اللهب: شق في الجبل أي من إشراقه يراه، وإن كان مستسرا فيه بشيء.
مكر سبط العذرة ذي عفو وذي عقب العذرة: شعر النّاصية، والعقب: آخر الجري.
كشخص الرّجل العريان فعم مدمج العصب العصب: إدماج الخلقة.
له ساقا ظليم خاضب فوحى بالرّعب الخاضب: الذي قد رعى الرّبيع.
وقصري شبح الإنسان بناح من الشّعب الشّعب: الملتوية القرون.
ومتنان خطانان كزحلوق من الهضب الزّحلوق: الأملس وكذلك الزّحلوف.
يهزّ العنق الأجرد في مستأمق الشّعب الأجرد: يريد به المحكم الأمر.
من الحارك مخشوش بجنب مجفر رحب
أي أدخل: في الجنب. والجفر: الواسع.
(1/517)
من الحارك مخشوش بجنب مجفر رحب
أي أدخل: في الجنب. والجفر: الواسع.
ترى فاه إذا أقبل مثل السّاق الجدب السّلق: الأرض المتجرّدة من النّبات.
نبيل سلجم اللّحيين صافي اللّون كالقلب القلب: السّوار.
جواد الشّدّ والإحضار والتّقريب والعقب عريض الخدّ والجبهة والصّهوة والجنب يخد الأرض خدّ الصّمل سلط وأب الصّهوة: مقعد الفارس، والصّمل: الشّديد من الحوافر، والوأب: التّعب.
صحيح النّسر والحافر مثل الغمر القعب له بين حواميه نسور كنوى القسب القسب: التمر الرّديء.
وأرساغ كأعناق ضباع أربع غلب والمستفرغ: الميعة بعد النّزع. والجذب: الميعة النّشاط.
يعني الخاضب الأخرج في ذي عمد صهب وعير العانة القب الحماص النّحص الحقب يزين البيت مربوطا ويشفي قرم الرّكب فبهذه الصفات وما يشبهها يختار جياد الخيل. وقال مرار بن منقذ يفضّل النّخل على سائر ما يحترف منه إذا أخرج الحقوق منها، قال شعرا:
كأيّن من فتى سوء تراه ... يعلك هجمة حمرا وجونا ... يضنّ بحقها ويذمّ فيها ... ويتركها لقوم آخرينا ... وإنّك لن ترى إبلا سوانا ... وتصبح لا ترين لنا لبونا ... فإنّ لنا حظائر ناعمات ... عطاء الله ربّ العالمينا ... طلبن البحر بالأذناب حتّى ... شربن جمامة حتّى روينا ... تطاول محزمي صددي أشتى ... بوائك لا يبالين السّنينا ... كأنّ فروعها في كلّ ريح ... جوار بالذّوائب ينتصينا
بنات الدّهر لا يحفلن محلّا ... إذا لم تبق سائمة يقينا ... يسير الضّيف ثم يحلّ فيها ... محلا مكرما حتى يبينا ... فتلك لنا غنا والأجر باق ... فغضّى بعض لومك يا ظعينا ب ... نات بناتها وبنات أخرى ... صواد ما صحين وقد روينا
ولأحيحة بن الجلّاح في مثله:
(1/518)
كأيّن من فتى سوء تراه ... يعلك هجمة حمرا وجونا ... يضنّ بحقها ويذمّ فيها ... ويتركها لقوم آخرينا ... وإنّك لن ترى إبلا سوانا ... وتصبح لا ترين لنا لبونا ... فإنّ لنا حظائر ناعمات ... عطاء الله ربّ العالمينا ... طلبن البحر بالأذناب حتّى ... شربن جمامة حتّى روينا ... تطاول محزمي صددي أشتى ... بوائك لا يبالين السّنينا ... كأنّ فروعها في كلّ ريح ... جوار بالذّوائب ينتصينا
بنات الدّهر لا يحفلن محلّا ... إذا لم تبق سائمة يقينا ... يسير الضّيف ثم يحلّ فيها ... محلا مكرما حتى يبينا ... فتلك لنا غنا والأجر باق ... فغضّى بعض لومك يا ظعينا ب ... نات بناتها وبنات أخرى ... صواد ما صحين وقد روينا
ولأحيحة بن الجلّاح في مثله:
لقد لامني في اشتراء النّخيل ... قومي فكلّهم يعذل ... وأهل الذي باع يلحونه ... كما عذل البائع الأوّل ... هو الظلّ في الصّيف حقّ الظّليل ... والمنظر الأحسن الأجمل ... تغشى أسافلها بالجنوب ... ويأتي حلوبتها من عل ... وتصبح حيث تبيت الرّعاء ... وإن ضيّعوها وإن أهملوا ... ولا يصبحون يبغونها ... خلال الملا كلّهم يسأل ... فعمّ لعميكم نافع ... وطفل لطفلكم يؤمل
وقال كعب بن زهير يذمّ الغنم، وقد اتّخذ مالا ومعيشة، شعرا:
يقول حيّان من عوف ومن جشم ... يا كعب ويحك لم لا تشتري غنما ... من لي منها إذا ما جلبة أزمت ... ومن أويس إذا ما أنفه رذما ... أخشى عليها كسوبا غير مدّخر ... عاري الأشاجع لا يشوي إذا ضغما ... إذا تولّى بلحم الشّاة نبّذها ... أشلاء برد ولم يجعل لها وضما ... إن يغد في شيعة لا يثنه نهر ... وإن غدا واحدا لا يتّقي الظّلما ... وإن أغار فلا يحلى بطائلة ... في ليلة ابن جمير ساور العظما ... إذ لا يزال فريش أو مغيبة ... صيداء تنشج من دون الدّماغ دما
الكسوب: يعني به الذّئب. لا يشوي: أي لا يصيب غير المقتل وقوله: لا يثنيه نهر:
أي نهار، يقال: ليلة نهرة أي مضيئة. وقوله: في شيعة: يعني أصحابه من الرّباب، وابن جمير: أظلم ليلة في الشّهر، وهي التي لا يطلع القمر فيها من أولها إلى آخرها. والعظم:
السّخال التي قد فطمت. يقول: جاء يطلب الكبار فلما لم يجدهنّ ساور الصّغار. والمغيبة:
التي قد دنت من الموت، وفيه بقية. والصّيداء: التي قد التوت عنقها وتنشج: أي ما لها نشج وصوت من الدّم.
قد ذكر بما اقتصّ كيف كان أصل خيل العرب، فأمّا النبي صلى الله عليه وسلم فكان له خمسة أفراس:
الظّرب والسّكب واللّزار واللّجاف والمرتجز، سمّي به لحسن صهيله.
ثم خيل أصحابه كان لجعفر بن أبي طالب فرس أنثى يسمّى سبحة يقال اسمها سمحة، وكان عرقبها يوم استشهد وهو أول من عرقب الخيل في الإسلام، كانت تحته يوم استشهد في غزوة مؤتة. ولحمزة بن عبد المطلب فرس من بنات العقال قال فيه شعرا:
(1/519)
الظّرب والسّكب واللّزار واللّجاف والمرتجز، سمّي به لحسن صهيله.
ثم خيل أصحابه كان لجعفر بن أبي طالب فرس أنثى يسمّى سبحة يقال اسمها سمحة، وكان عرقبها يوم استشهد وهو أول من عرقب الخيل في الإسلام، كانت تحته يوم استشهد في غزوة مؤتة. ولحمزة بن عبد المطلب فرس من بنات العقال قال فيه شعرا:
ليس عندي إلّا السلاح وورد ... فارح من بنات ذي العقال ... أتّقي دونه المنايا بنفسي ... وهو دوني تغشى صدور العوالي
وفي هذا ألمّ بقول الآخر:
أقيه بنفسي في الحروب وتقي ... بها دية إنّي للخليل وصول
وكان تحت الزّبير بن العوام يوم بدر فرس يسمّى اليعسوب. وتحت المقداد بن الأسود فيه فرس يقال له: ذو العنق، ولأبي ذر فرس يسمى الأجدل، ولمحمد بن مسلمة فرس يسمّى ذا الجناح، ولعبّاس بن مرداس فرس يسمّى العتيد، ولعكاشة بن محصن فرس يقال له: أطلال كانت تحته يوم القادسيّة، وتحدث أنّ النّاس أحجموا عن عبور نهرها أو خندقها، وكان عرضها أربعين ذراعا، فصاح بها فخلفته وثبا، حتى قال أهل النظر: ذلك من معجزات النّبي صلى الله عليه وسلم.
وسبّاق: خيل العرب مشاهير. كأعوج الكبير، وأشقر مروان. والزّعفران فرس بسطام بن قيس، وثادف واليحموم وزهدم وإنّما المراد التّنبيه على مكاسب صميم العرب وفضلائهم، والإشارة إلى ما تنطوي عليه أيّامهم في الجاهلية وقبيل الإسلام، وفيمن صحب النّبي صلى الله عليه وسلم.
وأما فرسان العجم فلم يذكر لهم خيل ولا فرس سابق إلا أدهم اسفنديار وشبديز كسرى ورخش رستم وذكروا عنها أحاديث ظريفة.
فأمّا الشجاعة والصّبر على المجاهدة فناهيك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما حكي عن قول القائل: كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قاله عبد الملك بن مروان في حديث عمرو بن ود. خرج عمرو يوم الخندق معجبا بخيلائه، فبرز له أبو الحسن فضربه ضربة سطحه بها، وكان لمثلها فعالا. وقيل لعلي: هل رأيت أحدا؟ قال: نعم الوليد بن عتبة كان حدثا، فضربته ضربة على رأسه فبدرت منه عيناه.
وممّا يشهد لما آثرناه عن العرب من حسن تفقّدهم للخيل، واشتغالهم بمصالحها واشتراكهم في إيثارهم إيّاها على أنفسهم، والتّوفر على مناقبها ومذامها لما يرجونه من جميل العقبى، منها: ما روي عن امرئ القيس وعلقمة بن عبدة العجلي. وذكر أنهما تنازعا فى الشّعر واحتكما إلى أم جندب، امرأة امرئ القيس، وادّعى كلّ منهما أنّه أشعر من
صاحبه، فقالت قولا شعرا في صفة الخيل على رويّ واحد، فقال امرؤ القيس في قصيدته:
(1/520)
وممّا يشهد لما آثرناه عن العرب من حسن تفقّدهم للخيل، واشتغالهم بمصالحها واشتراكهم في إيثارهم إيّاها على أنفسهم، والتّوفر على مناقبها ومذامها لما يرجونه من جميل العقبى، منها: ما روي عن امرئ القيس وعلقمة بن عبدة العجلي. وذكر أنهما تنازعا فى الشّعر واحتكما إلى أم جندب، امرأة امرئ القيس، وادّعى كلّ منهما أنّه أشعر من
صاحبه، فقالت قولا شعرا في صفة الخيل على رويّ واحد، فقال امرؤ القيس في قصيدته:
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... لتقضي حاجات الفؤاد المعذّب ... للسّوط الهوب وللساق درة ... وللزّجر منه وقع أخرج متعب
وفي نقيضها قال علقمة:
فولّى على آثارهنّ بحاصب ... وغيبة شؤبوب من الشّد ملهب ... فأدركهنّ ثانيا من عنانه ... تمرّ كمرّ الرائح المتحلّب
فحكمت لعلقمة على امرئ القيس، وقالت: أما أنت فحمدت نفسك بسوطك وزجرك ومريك إيّاها بساقك. وأما هو فإنه أدرك فرسه الطّريدة ثانيا من عنانه لم يمرّه بساق، ولم يضربه بسوط، ولم يزجره بنده، فقال امرؤ القيس: ما هو أشعر مني ولكنّك تعشقينه فطلّقها. وقال طفيل شعرا:
وللخيل أيام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيّامها الخير يعقب
وقال مالك بن نويرة شعرا:
جزائي دوائي ذو الخمار وصنعتي ... بما بات مطويّا بني الأصاغر ... رأى أنني لا بالقليل أهوره ... ولا أنا عنه بالمواساة ظاهر
أهوره: أي لا أظنّ القليل يكفيه، يقول: هو يهار بكذا ويهابه: أي يتّهم ويزن. قوله:
ولا أنا عنه ظاهر: من قولك: ظهرت لجاجة فلان إذا لم يعن بها. وقال عنترة لامرأة:
لا تذكري مهري وما أبليته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
يعني: أنه إن آذته ضربها حتى يظهر عليها أثر الضّرب.
شعر:
إنّ الغبوق له وأنت مسوءة ... فتأوّهي ما شئت ثم تحوّبي ... فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتّحاوب ... كذب العتيق وماء شن بارد ... إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي ... إنّ الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي ... ويكون مركبك القعود ورجله ... وابن النّعامة يوم ذلك مركبي ... وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى شر الرّكاب وأجنب
وقد قال بعض الرواة: لم يكن قوم أشد عجبا بالخيل، ولا أعلم بها، ولا أصنع لها
ولا أطول لها ارتباطا، ولا أهجى لمن لم يتّخذها، أو اتّخذها وأهزلها، ولا أمدح لمن اتّخذها وأكرمها منهم.
(1/521)
إنّ الغبوق له وأنت مسوءة ... فتأوّهي ما شئت ثم تحوّبي ... فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتّحاوب ... كذب العتيق وماء شن بارد ... إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي ... إنّ الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي ... ويكون مركبك القعود ورجله ... وابن النّعامة يوم ذلك مركبي ... وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى شر الرّكاب وأجنب
وقد قال بعض الرواة: لم يكن قوم أشد عجبا بالخيل، ولا أعلم بها، ولا أصنع لها
ولا أطول لها ارتباطا، ولا أهجى لمن لم يتّخذها، أو اتّخذها وأهزلها، ولا أمدح لمن اتّخذها وأكرمها منهم.
وكذلك أضيفت إليهم بكلّ لسان ونسبت إليهم بكلّ مكان وفي كلّ زمان حتى قالوا: هذا فرس عربي، ولم يقولون: رومي، ولا هندي، ولا فارسي فحصنوها تحصين الحرم، وصانوها صون المهج، ليبذلوها يوم الرّوع ويأمنوا بها أوان الخوف، وليجعلوها درّية يوم اللّقاء، ووصلة إلى درك الثّأر حتى قالوا: إنّ الحصون الخيل، لا مدر القرى، كما قال الآخر شعرا:
ولمّا نأت عنّا العشيرة كلّها ... أنخنا فخالفنا السّيوف على الدّهر
وكانوا يصبرون على مئونتها في الجدب، ويغتبقون الماء القراح في الأزل ويؤثرونها على العيال بالصّنيعة، ليكافئ عند الطلب، أو الهرب، ولذلك قال الأشعري مالك الجعفي:
لكن قعيدة بيننا محفوة ... باد جناجن صدرها ولها غنى ... تقفي بعيشة أهلها وثابة ... أو جرشع عبل المحازم والشّوى
وقال خالد بن جعفر الكلابي:
أريغوني أراغتكم فإنّي ... وحذفة كالسّجى تحت الوريد ... أسوّيها بنفسي أو بحرّ ... وألحفها ردائي في الجليد ... أمرت الرّاغبين ليؤثروها ... لها لبن الحلوبة والصّعود
الباب التّاسع والخمسون في ذكر أفعال الرّياح لواقحها وحوائلها وما جاء من خواصها في هبوبها وصنوفها
(1/522)
الباب التّاسع والخمسون في ذكر أفعال الرّياح لواقحها وحوائلها وما جاء من خواصها في هبوبها وصنوفها
قال مؤرخ من خواص الجنوب: أنّها تثير البحر حتى يسودّ، وتظهر كلّ ندى كائن في بطن الوادي حتى يلتصق الأرض، وإذا صادفت بناء بني في الشتاء والأنداء أظهرت نداه وحسنه، حتى يتناثر ويطيل الثّوب القصير، ويضيق الخاتم في الإصبع، ويسلس بالشّمال والجنوب تسرى باللّيل. تقول العرب: إنّ الجنوب قالت للشمال: إنّ لي عليك فضلا أنا أسري، وأنت لا تسرين. فقالت الشّمال: إنّ الحرة لا تسري وقال الهذلي:
قد حال دون دريسة ماوية ... مسع لها بعضاه الأرض تهزيز
الماويّة: التي تهبّ بالنّهار كلّه إلى اللّيل ثم تسكن، قال الله تعالى: {يََا جِبََالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سورة سبأ، الآية: 10] أي: سبّحي النّهار كلّه. ومسع الشّمال والدّريس: الثّوب الخلق، والشّمال تستذري منها بأدنى شيء، ويسترك منها رحلك، وذرى الشّجرة والجنوب لا يستر منها شيء، وربما وقع الحريق بالبادية في اليبيس، فإن كانت الرّيح جنوبا احترق أياما، وإن كانت شمالا فإنّما يكون خطأ لا يذهب عرضا. وللشّمال ذرى الشّجرة، وذلك أن يجتمع التّراب من قبلها فيستذري بالشّجر، فإن كان الشّجر عظاما كانت لها جراثيم، وإن كانت صغارا ساوى التّراب غصونها، ولا ذرى للجنوب ترى ما يلي الجنوب منها عاريا مكشوفا. والشّمال تذمّ بأنّها تقشع الغيم وتجيء بالبرد، وتحمد بأنها تمسك الثرى، وتصاحب الضّباب، فتصبح عنها كأنّها ممطورة، وتصبح الغصون وتنظف وأكثر ما يكون عن غب المطر، فإذا ارتفعت الشّمس ذهب النّدى وتقطع الضّباب وانحسر، وليس من الرّياح أدوم في الشّتاء والصيف من الشّمال، كما أنّه لا شيء منها أكثر عجاجا وسحابا، لا مطر فيه وهي هيف، تقشر الأرض، ويحرق العود من النكباء التي بين الجنوب والدّبور التي تهبّ من مغيب سهيل.
وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيََاحَ لَوََاقِحَ} [سورة الحجر، الآية: 22]
جمع ملقحة على لواقح. قال: ورأيت العرب تجعل الرّياح لقاحا للرّياح لأنها تنشئ السّحاب وتقلّبه وتصرفه وتحلّه. قال الطّرماح وذكر بردا استظلّ به:
(1/523)
وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيََاحَ لَوََاقِحَ} [سورة الحجر، الآية: 22]
جمع ملقحة على لواقح. قال: ورأيت العرب تجعل الرّياح لقاحا للرّياح لأنها تنشئ السّحاب وتقلّبه وتصرفه وتحلّه. قال الطّرماح وذكر بردا استظلّ به:
قلق لأفنان الرّيا ... ح للاقح منها وحائل
فاللاقح: الجنوب لأنّها تلقح السّحاب، والحائل: الشّمال لأنّها لا تنشئ سحابا، وكما سمّوا الجنوب لاقحا سمّوا الشّمال عقيما، لأنّها عندهم لا تحمل كما تحمل الجنوب.
وقال كثير: ومرّ بسفساف التّراب عقيمها.
وقال أبو وجزة:
حتّى سلكن الشّوى منهنّ في مسد ... من نسل جوّابة الآفاق مهداج
يذكر حميرا وردت ماء يقول: أدخلت قوائمها في الماء، وهذا الماء من نسل جوّابة الآفاق، أي ريح تجوب البلاد، أي هي أخرجته من الغيم واستدرّته، فجعل الماء لها نتاجا ولدا، فالرّياح على هذا هنّ اللّواقح.
وأكثر العرب تجعل الجنوب هي التي تنشئ السّحاب، وتسدّده وتصف بواقي الرّياح بقلّة المطر، والهبوب في سني الجدب. قال أبو كثير الهذلي:
إذا كان عام مانع القطر ريحه ... صبا وشمال قرة ودبور
فأخبر أنّ هذه الثّلاثة لا قطر معها، وأنّ القطر مع الجنوب.
وقال طرفة:
وأنت على الأدنى شمال عرية ... شآميّة تزوي الوجوه بليل ... وأنت على الأقصى صبا غير قرّة ... تدأب منها مزرع ومسيل
فأخبر أنّها إذا لم تكن باردة كان معها القطر، ولعلّ الهذلي أراد مثل هذا فاكتفى بذكر الشّمال ووصفه. وقال آخر:
فسائل سبرة الشّجعيّ عنّا ... غداة تحاليا نجوا جنيبا
والنّجو: السّحاب، والجنيب: الذي أصابته جنوب، فشبه حفيفهم في القتال بحفيف المطر، وقال المسحل:
حار وعقّت مزنة الرّيح ... والعارية العرص ولم يشمل
حار: تحيّر وتردّد، وعقّت: قطعت، ولم يشمل: أي لم تصبه الشّمال فيقشعه.
وقال أبو كثير:
(1/524)
حار وعقّت مزنة الرّيح ... والعارية العرص ولم يشمل
حار: تحيّر وتردّد، وعقّت: قطعت، ولم يشمل: أي لم تصبه الشّمال فيقشعه.
وقال أبو كثير:
حتّى رأيتهم كأنّ سحابة ... صابت عليهم لم يشمل ودقها
وقال آخر من هذيل:
مرتها النّعامى ولم تعترف ... خلاف النّعامى من الشّام ريحا
النّعامى: الجنوب، ومرتها: استخرجت مطرها، ومن الشّام: يريد الشّمال، فهذه كلّها تجعل العمل في المطر للجنوب، وتجعل الشّمال يقشع السّحاب، ويسمّونها محوة، لأنّها تمحو السّحاب.
قال العجّاج:
سغر الشّمال الزّبرج المزبرجا ... قد بكرت محوة بالعجاج ... فدمّرت بقية الزّجاج
السّغر: القشر، والزّبرج: السّحاب.
وكان الأصمعي يحكي عن العرب: أنّ ما كان من أرض الحجاز فالجنوب هي التي تمري السّحاب فيه والشّمال تقشعه. وما كان من أرض العراق، فالشّمال تمري فيه السّحاب ويؤلفه، ولم يقل إنّ الجنوب تقشعه، ولا أنّه لا عمل لها فيه. قال: وأحسبه أراد أنّ الشّمال والجنوب تفعلان ذلك جميعا بأرض العراق دون الحجاز، وعلى هذا وجدت بعض الشّعراء. قال الكميت، وكان ينزل الكوفة:
مرته الجنوب فلمّا اكفهرّ ... حلّت عزاليه الشّمال
فجعل الجنوب تستدرّه والشّمال تحلّه. وقال عدي وكان ينزل الحيرة وينتقل في أرض العراق: وجيء بعد الهدو يزجيه شمال كما يزجي الكسير فاستدرّت به الجنوب على الحرير، فالجنوب سيره مقصور، يريد لثقله وجعل الشّمال تسوقه والجنوب تستدرّه، لأنّ الجنوب عند أهل الحجاز وما يليه هي التي تأتي بالغيث حتّى جعلوها مثلا للخير. قال حميد:
ليالي أبصار الغواني وسيرها ... إليّ وإذ ريحي لهنّ جنوب
وعلى حسب تيمّنهم بالجنوب وتصييرهم إيّاها مثلا للخير، تشاؤمهم بالشّمال وتصييرهم إيّاها مثلا للشر. قال أبو وجزة يذكر امرأة:
مجنوبة الأنس مشمول مواعدها
جعلها لا تفي بوعدها كالشّمال لا تأتي بالغيث. قال زهير شعرا:
(1/525)
مجنوبة الأنس مشمول مواعدها
جعلها لا تفي بوعدها كالشّمال لا تأتي بالغيث. قال زهير شعرا:
جرت سحّا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللّقاء
وقال بعضهم: أراد جرت الطّير بها من ناحية الشّمال، ولذلك قيل: اليمن والشّؤم، فاليمن من اليمن، والشّؤم من اليد الشّؤمى، قال: وقد يتشاءمون بها من جهة البرد، قيل لبعضهم: ما أشدّ البرد؟ فقال: ريح جربياء في أثر عماء، في غب سماء. والجربياء:
الشّمال والعماء: السّحاب يريد شمالا هبّت بعد مطر، وقيل لآخر: أيّ الأيام أقرّ فقال:
الأحصّ الورد، والأزب الهلوف.
قال أبو عمرو: الأحص الورد: يوم تطلع شمسه، وتصفو شماله، ويحمر فيه الأفق، ولا يجد لشمسه مسا. والأحص: التي لا سحاب فيه كالرأس، والأحص: الذي لا شعر عليه، قال والهلوف: يوم تهبّ فيه النّكباء تسوق الجهام والصراد لا تطلع شمسه، والأزب:
من الإبل الكثير الوبر.
يقال: لحية هلوفية إذا كانت كثيرة الشّعر، واليوم إذا كان بهذه الصفة كان ذا زمهرير، وكانوا يقولون مع هذا: إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض وإذا ذخرت الأودية بالماء كثرت الثّمر، والمؤتفكات: الرّياح البوارح وهي شمال حارّة في الصيف، وذات عجاج، سمّيت لتقلّبها العجاج، مؤتفكات ولا أحسبهم أنّ لها عملا في ذلك، وإنّما يريدون أنّ عضوفها، إذا اشتدّ وكثر كان ذلك إمارة الزّكاء، ويجوز أن يكونوا أرادوا بالمؤتفكات الرّياح كلّها إذا اشتدّت.
قال بعض الحكماء: الرّياح على ثلاثة أضرب: منها ما هي من الملائكة وصفتها أن تكسح من الأعلى إلى الأسفل، وتهبّ صافية ثم تنقطع، ومنها ما هي حركة الجو، وصفتها دوام هبوبها صافية، وكدرة سفلا وعلوا.
وروى طاوس في خبر يرفعه: لا تسبّوا الرّياح ولا المطر ولا الرّعد ولا البرق، بعثن رحمة للمؤمنين وعذابا على الكافرين. وفي حديث آخر: لا تسبّوا الرّيح فإنّها من نفس الرّحمن. وفي آخر: ما هلك قوم ولا عاش آخرون إلا بهبوب الرّياح ودرور السّحاب.
وذكر بعضهم أنّ الروم تسمّي الأمطار والرّياح نقالات الدّول. وعن سفيان الثّوري:
الدّعاء عند هبوب الرّياح وتحت المطر لا يرد.
وقال بعضهم: النّسيم الطّيب صديق الرّوح، قال: والرخاء: ريح سليمان وكانت تحمل عرشه، وقيل: النّسيم بدو كلّ ريح، يقال: نسمت الرّيح.
ويروى عن عبد الله بن عباس أنه قال: الرّياح في كتاب الله ثمان: أربع منها رحمة:
النّاشرات والمبشّرات والذّاريات والمرسلات، وأربع منها عذاب: القاصف والعاصف والعقيم والصّرصر.
(1/526)
ويروى عن عبد الله بن عباس أنه قال: الرّياح في كتاب الله ثمان: أربع منها رحمة:
النّاشرات والمبشّرات والذّاريات والمرسلات، وأربع منها عذاب: القاصف والعاصف والعقيم والصّرصر.
وقال الحكماء: الجنوب ريح، ذكر سعد شرقي حار لاقح يقوّي السّحاب ويفجّر الأمطار، ويلقح الأشجار.
وقال راح تمرّ به الصّبا ثم انتحى فيه شئوب جنوب، منفجر ويسمّى الأرنب والنّعامي.
ويروى عن جعفر بن محمد أنّه قال: إنّ الجنوب تخرج من الجنة وتمر بالنّار فيصيبها وهجها، فما فيها من حرّ فمن ذاك، وهي ريح بروج الرّبيع، كما أنّ الشّمال ريح بروج الصّيف، وهي أبرد الرّياح.
ويروى عن جعفر بن محمد الشّمال: تمر بالجنّة جنّة عدن فتأخذ من طيب عرفها، فتمرّ بها على أرواح الأبرار والصّديقين. والدّبور تهيج الرياح وتثيرها وهي أشد الرّياح على ركاب البحر، ولا تهب إلا عاصفا، وهي التي أرسلت على قوم عاد.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور»، وهي ريح بروج الخريف. والصّبا لطيب نسيمها وهبوبها لقبت بريح العشّاق.
وقال ابن دمية:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجدا على وجد
وقال امرؤ القيس:
إذا قامتا يضوع المسك منهما ... نسيم الصبا جاءت بريح القرنفل
وقال آخر:
أريد لأنسى ذكرها فيهيجني ... نسيم الصّبا من حيث ما يطلع الفجر
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهََا} [سورة الأحزاب، الآية: 9] هي الصّبا. وقالت العرب: عصف الجنوب في الخريف دليل النّقمة، وعصف الدّبور في الرّبيع دليل العذاب، وعصف الشّمال في الشّتاء دليل الوفاء، وعصف الصّبا في الصّيف دليل البؤس. وقيل في الدّبور: هي ريح بروج الشّتاء.
وقالت الحكماء: مهبّ الجنوب من مطلع الشّمس إلى زوالها، ومهبّ الشّمال من مطلع الشّمس إلى غروبها. ومهبّ الدّبور من مغرب الشّمس إلى شطر اللّيل. ومهبّ الصّبا من شطر اللّيل إلى طلوع الشّمس، لا تطلع هذه في هذه ولا هذه في هذه.
الباب السّتّون في ذكر الأوقات المحمودة للنّوء والمطر وسائر الأفعال، وذكر ما يتطيّر منه أو يستدفع الشّر به
(1/527)
الباب السّتّون في ذكر الأوقات المحمودة للنّوء والمطر وسائر الأفعال، وذكر ما يتطيّر منه أو يستدفع الشّر به
اعلم أنّ العرب تحمد الولد إذا ولد في الهلال، فإن حملته في قبل الطّهر كان ذلك أعجب إليها، ولذلك قالت الفارعة أخت لقمان بن عاديا لإمرأة إني امرأة نزور وزوجي رجل محمق، وأنا في ليلة طهري، فهي لي ليلتك، واسميني على فراشك فإذا رجع لقمان من عند الشّرب ثملا، فوجدني على فراشك وقع عليّ، وهو رجل منجب فعسى أن ألد منه ابنا نجيبا، فأجابتها إلى ذلك، فوقع عليها لقمان فحبلت بلقيم بن لقمان. ولذلك قال النّمر بن تولب لقيم بن لقمان: فإنّ ولدته قبل النّهار كان ذلك الغاية. قال:
ولدت في الهلال من قبل الطّهر ... وقد لاح للصّباح بشير
وقال الرّاعي:
وما أمّ عبد الله إلّا عطية ... من الله أعطاها امرأ فهو شاكر ... هي الشّمس وافاها الهلال فنسلها ... نجوم بآفاق السّماء نظائر
والمنجّمون يزعمون أنّ الهلال نحس، ونحن نجد عامة حاجات النّاس إنما تجزئ مع الأهلة منها التاريخات كلّها، ومحل الدّيون، وفراغ الصّناع والتّجار، ويوم الفطر، وآجال المستغلات، وقدوم الولاة، وزيادة المد، ونقصان الجزر، ما بين الصّيبين إلى المزار، والمواعيد، والإجارات، وأكثر الحيض الذي جعله الله مصحة أبدان النساء. ثم نزول الغيث الذي نشر الله به رحمته فأحيا به الأرض بعد موتها، وفي حياتها حياة من عليها ولأسد بن ناغضة جاهلي في شأن عبيد بن الأبرص شعر:
غداة توخّى الملك يلتمس الحيا ... فصادت نحسا كان كالدّبران
وللأسود بن يعفر يهجو رجلا:
ولدت بحادي النّجم يحدو قرينه ... وبالقلب قلب العقرب المتوفّر
وقال آخر جاهلي:
(1/528)
ولدت بحادي النّجم يحدو قرينه ... وبالقلب قلب العقرب المتوفّر
وقال آخر جاهلي:
فسيروا بقلب العقرب اليوم إنّه ... سواء عليكم بالنّحوس وبالسّعد
وقال آخر:
فإنّك قد بعثت عليك نحسا ... شقيت به كواكبه ذكور
وقال آخر:
فإن يك كوكب الصّمعاء نحسا ... به ولدت وبالقمر المحاق
وقال الأصمعي: إذا كان المطر عندهم في سرار الشّهر كان محمودا، ورجوا غزارته، وكثرة الخيرات به. وأنشد للرّاعي:
تلقّى نوءهنّ سرار شهر ... وخير النّوء ما لقي السّرار
وقال الكميت:
هاجت له من جنوح اللّيل رائحة ... لا الضبّ ممتنع منها ولا الورل ... في ليلة مطلع الجوزاء أوّلها ... دهماء لا قرح فيها ولا رجل
يريد إنّ هذه الليلة من السّرار، فلا ضوء في أوّلها، وهو القرح، والقرح: بياض وجه الدّابة. وقوله: مطلع الجوزاء أوّلها يريد أنّها من الشّتاء، والجوزاء في الشتاء يطلع أوّل اللّيل.
وقال الحطيئة:
باتت لها بكسيب حريه ليلة ... وطفاء بين جماديين درور
قوله: بين جماديين يريد أنّها ليلة لا يدري أهي آخر من الشّهر الأول، أو أوّل ليلة من الشّهر الثاني. وأراد أنّ المطر كان في السّرار أو في الغرّة.
وإذا كان أيضا في الغرة كان محمودا.
قال الكميت:
والغيث بالمتألّقات ... من الأهلّة في النّواحر
النّواحر: جمع ناحرة وهي اللّيلة التي تنحر الشهر، أي تكون في نحره.
وقال ابن أحمر:
ولا مكللة راج الشّمال بها ... في ناحرات سرار بعد إهلال
وقد توافقوا كلّهم على هذا إلا أبا وجزة، فإنّه ذكر نصف الشّهر فقال:
(1/529)
ولا مكللة راج الشّمال بها ... في ناحرات سرار بعد إهلال
وقد توافقوا كلّهم على هذا إلا أبا وجزة، فإنّه ذكر نصف الشّهر فقال:
في ليلة لتمام النّصف من رجب ... خوارة المزن في أقتارها طول
وليس يحمدون المحاق إلّا في المطر وحده، وقال جران العود، وذكر امرأة تزوّجها فلم يستوفقها: قال شعرا:
أتوني بها قبل المحاق بليلة ... وكان محاقا كلّه ذلك الشّهر
وحكى المفضّل أنّ زبّان بن سيار خرج غازيا ومعه النّابغة فرأى جرادا، فقال النّابغة:
جرادة تجرد ذات ألوان. فانصرف متطيّرا، ومضى زبّان فغنم وسلم فلما قفل قال شعرا يخاطب به النّابغة من ذلك قوله شعرا:
شعر:
تعلّم أنّه لا طير إلّا ... على متطيّر وهو الثّبور ... بلى شيء يوافق بعض شيء ... يفاجئنا وباطله كثير ... ومن يبرح به لا بدّ يوما ... يجيء به نعيّ أو بشير
وقال الكميت:
أللورق الهواتف أم لباك ... عمّ عمّا يزنّ به غفول
الباكي: الغراب يقول: يزن بأنه ينعب بالفراق وهو غافل عن ذلك. وقال الكميت لجذام في انتقالهم إلى اليمن شعرا:
وكان اسمكم لو يزجر الطير عائف ... لبينكم طيرا منبئة الفأل
أي اسمكم جذام، والزّجر فيه الانجذام، وهو الانقطاع. وقال أيضا يمدح زيادا:
واسم امرئ طيره لا الظبي معترضا ... ولا النّعيق من الشّحاجة النعب
فقال اسمه زياد، فالزّجر فيه الزّيادة والشّحاجة الغربان.
وقال آخر:
دعا صرد يوما على ظهر شوحط ... وصاح بذات البين منها غرابها ... فقلت: أتصريد وشحط وغربة ... فهذا لعمري نأيها واغترابها
وقال في مخالفته آخر:
وقالوا: قاب قلت: عقبى من النّوى ... دنت بعد هجر منهم ونزوح
فزجر في العقاب الخير ثم قال:
(1/530)
وقالوا: قاب قلت: عقبى من النّوى ... دنت بعد هجر منهم ونزوح
فزجر في العقاب الخير ثم قال:
وقالوا حمام قلت حمّ لقاؤها ... وعادت لنا ريح الوصال تفوح ... وقالوا تغنّى هدهد فوق ليلة ... فقلت هدى نغدو به ونروح
قال أبو العباس المبرّد: ولم أرهم زجروا في الغراب شيئا من الخير لكنّي سمعت بيتين أنشدهما بعضهم في المدح والتفاؤل به أحدهما:
نعب الغراب فرقّ بالمشتاق ... فدنا وصاح برؤية وتلاق ... لا سلّ ريشك إذا نعبت بقربهم ... ووقاك من ريب المنيّة واق
والآخر:
نعب الغراب برؤية الأحباب ... ولذاك صرت أحبّ كلّ غراب ... لا سلّ ريشك إذ نعبت بقربهم ... وسقيت من نام صبيب سحاب ... وسكنت بين حدائق في جنة ... محفوفة بالنّخل والأعناب
ولم أسمع غير ذلك، ويقال للعائف الحازي، وكان أصل التّطير في الطّير، وكذلك الرّجز بأصواتها وعددها والتغلّي والتّنسف، ثم صاروا إذا عاينوا الأعور والأعضب والأبتر زجروا وزجروا بالسّنوح والبروح. وقد تقدّم فيه كلام وقال رؤبة:
يشقى به الغيران حتّى أحسبا ... سيدا مغيرا أو لياحا مغربا
اللّياح: الثّور الأبيض، وكانوا يتشاءمون بالمغرب وقال:
قد علم المرهتون الحمقى ... ومن تجزي عاطسا أو طرقا ... ألا نبالي إذ بدرنا الشّرقا ... أيوم نحس أم يكون طلقا
وقال:
وقد أغتدي قبل العطاس بهيكل ... سديد مسك الجنب فعم المنطق
وقال:
وخرق إذا وجّهت فيه لغزوة ... مضيت ولم يحسبك عنه الكوادس
الكداس: العطاس وكانوا يتطيّرون منه. وكانوا إذا عطس العاطس قالوا: قد أنجمنا أي منعنا. وقال ابن الأعرابي: يقال: عطست فلانا النّجم أي أصابه الهلاك الذي يتطيّر فمات، قال والنّجم أيضا دويبة صغيرة. وقال ذو الرّمة:
ولا أبالي النّجم العواطسا
وقال طرفة:
(1/531)
ولا أبالي النّجم العواطسا
وقال طرفة:
لعمري لقد مرّت عواطس جمة ... ومرّ قبيل الصّبح ظبي مصمع
قال عواطس لأنّه رأى أشياء مما يتشاءم بها، فجعل كلّ واحد كالعاطس وجعل الظّبي مصمعا: وهو الصّغير الأذن استقباحا له. وقيل: المصمع: المسرع. قال:
وعجراء دفث بالجناح كأنّه ... مع الفجر شيخ في بجاد مقنّع ... فإن تمنعي رزقا لعبد يصيبه ... ولن تدفعي بؤسي وما يتوقع
قال الفرزدق:
إذا وطنا لمغتنيه ابن مدرك ... فلقيت من طير العراقيب أخيلا
ويقال: صبّحهم بأخيل: أي بشؤم. ويقال: بعير مخيول: إذا وقع الأخيل على عجزه فقطعه. وقال الأعشى:
انظر إلى كفّ وأسرارها ... هل أنت إن أوعدتني صابر
جعله مثلا لأنّهم كانوا ينظرون إليها يستدلّون بها. وقال جرير في طريقته:
وما كان ذو شغب يمارس عيصنا ... فينظر في كفيه إلا تندّما
العيص: الأكمة شبّه حسبهم بها، ومعنى ينظر في كفيه أي إذا تعيف علم أنّه لاق شرا.
وقال المرقم السّدوسي مخالفا لهم شعرا:
ولقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم ... فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
الواق: الصّرد، والحاتم: الغراب. وأنشد الجاحظ:
ولست بهيّاب إذا شدّ رحله ... يقول: عداتي اليوم واق وحاتم ... ولكنّه يمضي على ذاك مقدما ... إذا صدّ عن تلك الهنات الخثارم
الخثارم: المتطهّر من الرّجال.
قال الجاحظ: ولإيمان العرب بباب الطّيرة والفأل عقدوا التمائم والرّتائم وعشّروا إذا دخلوا القرى كتعشير الحمار، واستعملوا في القداح الآمرة والنّاحية والمتربّص، وهي غير قداح الإيسار ويشتقّون من اسم الشيء المعاين أو المسموع ما يقيمون به العادة في ذلك، فجعلوا الحمام مرة من الحمام ومرة من الحميم، ومرة من الحمى. وجعلوا البان مرّة من البين، ومرّة من البيان.
وقال الحارث بن حلزة، وكان ينكر الطّيرة: يا أيها المزمع ثم انثنى. الأبيات وقد مرّت في باب العيافة والقيافة. وأنشد المفضّل شعرا:
(1/532)
قال الجاحظ: ولإيمان العرب بباب الطّيرة والفأل عقدوا التمائم والرّتائم وعشّروا إذا دخلوا القرى كتعشير الحمار، واستعملوا في القداح الآمرة والنّاحية والمتربّص، وهي غير قداح الإيسار ويشتقّون من اسم الشيء المعاين أو المسموع ما يقيمون به العادة في ذلك، فجعلوا الحمام مرة من الحمام ومرة من الحميم، ومرة من الحمى. وجعلوا البان مرّة من البين، ومرّة من البيان.
وقال الحارث بن حلزة، وكان ينكر الطّيرة: يا أيها المزمع ثم انثنى. الأبيات وقد مرّت في باب العيافة والقيافة. وأنشد المفضّل شعرا:
تغتال عرض الرّويّة المذالة ... ولم ينطعها على غلاله ... إلّا بحسن الخلق والنّباله ... آذن بالبين صريد الصّاله ... فبات منه القلب في البلبالة ... ينزو كنز والطّير في الحباله
صريد: تصغير صرد، وأضاف إلى الصّالة، وهذا كما يقال: غراب البين.
ولقي النبي صلى الله عليه وسلم حضرميّ بن عامر في ناس من قومه فنسبهم النّبي صلى الله عليه وسلم وقال: «من أنتم؟» فقيل: نحن بنو الزّنية فقال عليه السلام: «بل أنتم بنو الرّشدة» فقالوا: لا نرغب عن اسم أبينا، ولا نكون مثل بني محولة، يعنون بني عبد الله بن غطفان. قال: «بل أنتم بنو عبد الله فسمّوا بني محولة».
وما ذكرناه في هذا الباب كاف في موضعه، وقد استقصيت الكلام في فنونه وشعبه في كتابي المعروف (بعنوان الأدب) وذلك في الباب الجامع لذكر الرّموز والعادات. وهو باب كثير الفوائد، غريب الموارد.
وفي الحديث: أنه كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة، واعترض بعضهم عليه فقال: إذا كان الفأل لا يوجب إلّا مثل ما توجب الطّيرة فيما يرجى أو يخاف، فلا فصل بينهما وذاك أن قول القائل يا واجد وأنت باغ، لا يوجب أمرا بخلاف ما يوجبه قوله: يا مضلّ، لأنّ مطلوبك على ما كان عليه لا حقيقة تبدّله، ولا مجاز يغيّره، فيؤدّي الحالتين على طريقة واحدة. قلت: إن تسمع كلمة في نفسها مستحسنة وتكون قد أحدثت من قبل طمعا في أمر من عند الله تعالى فيعجبك سماعك لها إذ كان الطّمع خلاف اليأس، ولأنّ الكلمة واقفته.
ومثاله أن تسمع وأنت خائف يا سالم، فالفأل لا يوجب السّلامة، ولكن كأنّه يبطل اليأس، ويدفع سوء الظّن، والرّجاء بالله وحسن الظّن به محمود مندوب إليه، وإذا ظنّ أنّ المرجو من حيث وافق تلك الكلمة كالأقرن، ففرح بذلك فلا بأس عليه. وإذا كان الأمر على هذا فالطّيرة بعيدة من هذا، وكذلك المتطيّر فيما يأتيه أو يذره وهذا ظاهر.
وحكى الجاحظ عن الأصمعي، قال: هرب بعض البصريّين من بعض الطّواعين فركب حمارا ومضى بأهله نحو سفوان، فسمع غلاما له أسود يحدو خلفه ويقول: لن يسبق الله على حمار، ولا على ذي ميعة مطار أن يأتي الحتف على مقدار، قد يصبح الله أمام السّاري، فلمّا سمع ذلك رجع بهم، ومن أعجب ما لهم قول الشّاعر:
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحقّ له الفقود
وقول آخر:
(1/533)
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحقّ له الفقود
وقول آخر:
فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنة لا غس ولا بمغمر
لأنّ ظاهر هذا الكلام يقتضي أنّهم كانوا إذا شكوا سلامة رميهم رقوا نبالهم برقية، ونفثوا فيها نفث السّواحر في عقد ما يبرمونه من سحرها. وهذا كما اعتقد في النّيران وهي كثيرة ينسب بعضهم إلى العجم، وبعضهم إلى العرب وفي أثنائها نيران الدّيانات حتى عبدت. ويذكر هنا ما يأخذ كتابنا هذا منه بحظ، فقد استقصى الجاحظ القول فيها، وذكر أحوال المعظمين لها والمستهينين بها وقد قال الله تعالى في ذكر الثّقلين: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمََا شُوََاظٌ مِنْ نََارٍ وَنُحََاسٌ فَلََا تَنْتَصِرََانِ فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ} [سورة الرّحمن، الآية: 3635] وليس يريد أنّ التعذيب بالنّار نعمة يوم القيامة، ولكنّه أراد التّحذير بخلقه لها والوعيد بها غير إدخال النّاس فيها، وإحراقهم بها، وفي ذلك نعمة من الله مجدّدة، إذ كان حال من حذر مخالفا بحال من أهمل وترك وما يختاره. وقال الشاعر يد الخصب شعرا:
في حيث خالطت الخزامي عرفجا ... يأتيك قابس أهله لم يقبس
ومن أمثالهم: في كلّ شجر نار، واستمجد المرخ والعفار. وفي الجاهلية الأولى إذا تتابعت عليهم الأزمات، وركد البلاء، واشتدّ الجدب، واحتالوا إلى استمطار جمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها وبين عراقيبها السّلع والعشر ثم صعدوا بها في جبل وعر وأشعلوا فيها النّار وضجّوا بالدعاء والتّضرع، وكانوا يرون أنّ ذلك من أسباب السّقيا. لذلك قال أمية بن أبي الصّلت:
سنة أزمة تخيل بالنّاس ... ترى للعضاة فيها صريرا ... سلع ما ومثله عشر ما ... عائل ما وعالت البيقورا
ويقال: بقر وباقر وبيقر وبيقور وبقير. وقال بعضهم: تقرّبوا بذلك، كما تفرّد بعضهم بقربان تأكله النّار فإنهم كانوا يأتون بالقرابين ويوقدون نارا عظيمة وتدنى تلك القرابين في لخلف منها وهم يطوفون حولها ويتضرّعون، فإذا أكلت النّار وقد أشعلوها تلك القرابين عدّوا ذلك قبولا لها، وإسعافا بالمطالب منها. وأنشد القحذمي للورل الطّائي في لاستمطار:
لا درّ درّ رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر ... أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
وعلى ذكر النّار فللعرب منها ما يذكر في الرّموز. ومنها ما يجعل علامة لحوادث كحذر. ومنها ما يضرب بذكره مثل، أو يعقد به ديانة، أو يقام به تشبيه وسنّة، والجاحظ قد
أثار الرّهج في جمعها ووصفها، والكلام عليها وعلى المتديّنين بعبادتها، وأنا أذكر منها هنا ما يكتفى به إن شاء الله تعالى.
(1/534)
لا درّ درّ رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر ... أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
وعلى ذكر النّار فللعرب منها ما يذكر في الرّموز. ومنها ما يجعل علامة لحوادث كحذر. ومنها ما يضرب بذكره مثل، أو يعقد به ديانة، أو يقام به تشبيه وسنّة، والجاحظ قد
أثار الرّهج في جمعها ووصفها، والكلام عليها وعلى المتديّنين بعبادتها، وأنا أذكر منها هنا ما يكتفى به إن شاء الله تعالى.
قال الجاحظ: قال الله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نََاراً فَإِذََا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [سورة يس، الآية: 80] النار من أكبر الماعون، وأعظم المرافق، ولو لم يكن فيها إلّا أنّ الله تعالى جعلها الزّاجرة عن المعاصي، لكان في ذلك ما يزيد في قدرها ونباهة ذكرها وقال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنََاهََا تَذْكِرَةً وَمَتََاعاً لِلْمُقْوِينَ} [سورة الواقعة، الآية: 73] فالعاقل المعتبر إذا تأمل قوله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنََاهََا تَذْكِرَةً} تصوّر ما فيها من النّعم أولا ومن النقم آخرا. وقد عذّب الله تعالى الأمم بأنواع العذاب ولم يبعث عليهم نارا لأنّه جعلها من عذاب الآخرة.
قال: ومن النّيران بعد ما ذكرها من أنّ العرب في الجاهليّة كانت تستمطر بالنّار التي كانوا يوقدونها عند التّحالف، فلا يعقدون حلفهم إلّا عندها، وكانوا يقولون في الحلف:
الدّم الدّم والهدم الهدم لا يزيده طلوع الشّمس إلا شدّا، وطول اللّيالي إلا مدّا، وما بلّ البحر صوفة، وما أقام رضوى في مكانه، إذ كان جبلهم رضوى أو ما أنفق من مشاهير بلادهم يؤكّدون العقود بمثل ذلك، وعلى هذا ما ورد في الخبر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لمّا أرادوا أن يبايعوه، فقال أبو الهيثم بن التّيهان: إنّ بيننا وبين القوم حبالا نحن قاطعوها ونخشى إن الله أعزّك وأظهرك أن ترجع إلى قومك، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «لا بل الدّم الدّم، والهدم الهدم، واللّدم اللّدم» أي حرمتي مع حرمتكم أطلب الدّم بطلبكم، وأعفو بعفوكم، فأجرى الكلام صلى الله عليه وسلم على ما كان يجرونه حينئذ عند التّحالف وقال الشّاعر:
ثم الحقي بهدمي ولدمي: أي أصلي وموضعي. والهدم متحركا المهدوم. وقال أوس يصف عيرا:
إذا استقبلته الشّمس صدّ بوجهه ... كما صدّ عن نار المهول حالف
وكان قوم اختلفوا عند نار فغشوها حتّى محشتهم النّار، فسمّوا المحاش. لذلك قال النّابغة يخاطب رئيسهم.
جمع محاشك يا يزيد فإنّني ... جمّعت يربوعا لكم وتميما
ونار أخرى: وهي التي كانوا يوقدونها خلف المسافر والزائر الذي لا يريدون رجوعه.
لذلك قال بشار:
صحوت وأوقدت للجهل نارا ... وردّ عليك الصّبيّ ما استعارا
ونار أخرى توقد لجمع النّاس للحرب، وتوقّع جيش عظيم. قال عمرو بن كلثوم:
ونحن غداة أوقد في خزازى ... رفدنا فوق رفد الرّافدينا
ونار أخرى: وهي نار الحرّتين وهي نار خالد بن سنان، ولم يكن في بني إسماعيل نبيّ قبله، وهو الذي أطفأ الله تعالى به نار الحرّتين، وكان حرّة ببلاد عبس، فإذا كان اللّيل فهي نار تسطع في السّماء، وكانت طيّء ينفش بها إبلها من مسيرة ثلاث، وربّما ندرت منها العنق فتأتي على ما تقابله فتحرقه. وإذا كان النّهار فهي دخان يفور فبعث الله تعالى خالد بن سنان عليه السلام، فأطفأها وله قصة مرويّة.
(1/535)
ونحن غداة أوقد في خزازى ... رفدنا فوق رفد الرّافدينا
ونار أخرى: وهي نار الحرّتين وهي نار خالد بن سنان، ولم يكن في بني إسماعيل نبيّ قبله، وهو الذي أطفأ الله تعالى به نار الحرّتين، وكان حرّة ببلاد عبس، فإذا كان اللّيل فهي نار تسطع في السّماء، وكانت طيّء ينفش بها إبلها من مسيرة ثلاث، وربّما ندرت منها العنق فتأتي على ما تقابله فتحرقه. وإذا كان النّهار فهي دخان يفور فبعث الله تعالى خالد بن سنان عليه السلام، فأطفأها وله قصة مرويّة.
وروي أنّ ابنته قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقال: «هذه ابنة نبيّ ضيّعه قومه» وأنشدوا شعرا:
كنار الحرّتين لها زفير ... تصمّ مسامع الرّجل البصير
ونار أخرى وهي التي أطفأها خالد بن الوليد لمّا أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، وكان السّادن احتال حتى رماه بشرر يوهمه أنّه لتعرّضه لها فقال: كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك، فكشف الله تعالى ذلك الغطاء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما نيران السّعالي والجن والغيلان فلها شأن آخر. والنّار التي توقد للظّباء وصيدها معلومة.
ومن النّيران المذكورة نار أبي حباحب، ونار الحباحب أيضا، وقيل أبو حباحب رجل كان لا ينتفع به في ماعون ولا في موقد نار، فجعل ناره مثلا لكلّ نار تراها العين، ولا حقيقة لها عند التماسها ونسبت إليه. وقال القطامي:
ألا إنّها نيران قيس إذا شتوا ... لطارق ليل مثل نار الحباحب
ويشبه نار الحباحب نار البرق.
ونار اليراعة، واليراعة: طائر صغير يصير باللّيل كأنّها شهاب قذف أو مصباح يطير.
وكانوا ربّما أوقدوا نارا واحدة وربّما أوقدوا نيرانا عدة، وربّما أوقدوا نارين. فالواحدة توقد للقرى، ويستدلّ بها الضّالّ والمتحيّر في الظّلمة في اللّيل البهيم. والمطعام يوقد اللّيل كلّه في الشّتاء. ولذلك قال الشّاعر شعرا:
له نار تشبّ بكلّ واد ... إذا النيران ألبست القناعا ... وما أن كان أكثرهم سواما ... ولكن كان أرحبهم ذراعا
وقال مزرد:
وشبّت له ناران نار برهوة ... ونار بني عبد المدان لدى الغمر
فامّا الإكثار من النيران في مجمعهم فكما يكثرون من الذّبح فيه مخافة أن يجزرهم
جازر، فيستدل بقلّة الذّبح والنّيران على قلّة العدد وضعف العدد، وهذا من مكائدهم.
(1/536)
وشبّت له ناران نار برهوة ... ونار بني عبد المدان لدى الغمر
فامّا الإكثار من النيران في مجمعهم فكما يكثرون من الذّبح فيه مخافة أن يجزرهم
جازر، فيستدل بقلّة الذّبح والنّيران على قلّة العدد وضعف العدد، وهذا من مكائدهم.
ومن أحسن ما قيل في نار الضّيافة قول الأعشى:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في بقاع يحرق ... تشبّ لمقرورين يصطليانها ... وبات على النّار النّدى والمحلّق ... رضيعي لبان ثدي أمّ تقاسما ... بأسحم داج عوض لا نفرق
وقول الحطيئة أحسن منه وهو:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
ونار أخرى وهي نار الميسم: ويقال: ما نارك؟ فيقول: علاطة أو خباطة، أو كذا لذلك قال بعض الحزاب:
تساكني الباعة أين دارها ... إذ زعزعوها فسمت أبصارها ... فكلّ دار لأناس دارها ... وكلّ نار المسلمين نارها
قد وفرّنا قسط هذا الباب لفوائده، وقد أتى الجاحظ على ذكر نيران العرب والعجم ونيران الدّيانات، فبلغ الغاية، ولم يترك لمتتبّع مقالة، وإن كان أخلّ بذكر نارين، إحداهما:
نار الغدر، وهي التي أرادها زبير في قوله شعرا:
وتوقد ناركم شررا ويرفع ... لكم في كلّ مجمعة أواء
والثانية: نار الوشاة: وهي التي أرادها أبو ذؤيب في قوله:
أبى القلب إلا أمّ عمرو فأصبحت ... تحرّق ناري بالشّكاة ونارها
(1/537)
الباب الحادي والسّتون في ذكر الاستدلال بالبرق، والحمرة في الأفق، وغيرهما على الغيث
قال أبو عمرو تقول العرب في السّحابة: تنشأ إن تبهرت متنكبة ووميضها ضعيف يخفى مرّة ويظهر أخرى، فقد أخلفت ومعنى تبهّرت: تقطّعت والبهر حفر تكون في الأرض، ومعنى تنكّبت: عدلت عن القصد، ومنه النّكباء في الرّياح.
وحكي عن أبي عبيدة قال: قلت لأعرابي: ما أسحّ الغيث؟ قال: ما ألقحته الجنوب ومرته الصّبا، ونتجه الشّمال، وإذا كان السّحاب أبيض يبرق بضوء فذاك دليل مائه، ويقولون: إذا رأيت السّماء كأنه بطن أتان قمراء، فذلك الجود. قال الشّاعر:
وأضحى يحطّ المعصمات حزيرة ... وأصبح رجّاف اليمامة أقمرا
الرّجاف: ما رجف من السّحابة. وقال آخر: وهو المتنخّل الهذلي يذكر مطرا شعرا:
تمدّ له حوالب مشعلات ... تجلّلهنّ أقمر ذو انعطاط
قالوا: وإذا كانت السّحابة تبرق كأنها حولاء ناقة، وهو ما يخرج مع الولد فذلك من علامات.
وإذا كانت السّحابة نمرة فهي خليقة بالمطر لذلك قال قائلهم: أرينها نمرة أركها مطرة. والنّمرة التي ترى سحابها صغارا بتداني بعضها من بعض، ويكون كلون النّمر، وإذا كان السّحاب بطيئا في سيره، فذاك دليل على كثرة مائه ولذلك قال الهذلي يصفه:
وأقبل مرّا إلى بحدل ... سباق المقيد يمشي رسيفا
وقال عبيد:
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالرّاح
جعل له هدبا يتدلّى لثقله ودنوّه من الأرض.
شعر:
(1/538)
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالرّاح
جعل له هدبا يتدلّى لثقله ودنوّه من الأرض.
شعر:
فمن بنجوته كمن بعقوته ... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح
ومثله قول الآخر:
أسدف منشقّ عراه فذو الأدماث ... ما كان كذي الموئل
الأسدف: الأسود وجعل عراه ينشقّ بالماء والدّمث: السّهل اللّين، والموئل: المكان المرتفع الذي يئل النّاس إليه من السّيل.
وروي أن المعقّر البارقي سأل ابنته عن السّحابة وقد كفّ بصره، وإنمّا سمع صوت رعدة فقالت: أرى سحما عفاقة، كأنّها حولاء ناقة ذات هيدب دان وسير وان فقال: يا بنية وائلي بي إلى جنب قفلة، فإنها لا تنبت إلا بمنجاة من السّيل. القفل: ضرب من الشّجر لا ينبت إلا مرتفعا من السّيل وإذا كان السّحاب أصهب إلى البياض فذاك دليل على أنه لا ماء فيه وعلى الجدب. قال النابغة شعرا:
صهباء ظمّاء أبين البين عن عرض ... يزجين غيما قليلا ماؤه شبما
وقال أمية بن أبي الصّلت يذكره شدّة الزّمان في الشّتاء:
وشوّذت شمسهم إذا طلعت ... بالجلب هفا كأنّه الكتم
شوّذت: عليت وعمّمت، ويقال للعمامة المشوّذ والجلب: سحاب لا ماء فيه، والهف: الرّقيق. وذلك من علامات الجدب.
وقد يعترض في الأفق حمرة بالغداة والعشيّ من غير سحاب في الشّتاء فيستدلّ به على قلّة الخير وشدّة الزّمان. وقال النابغة شعرا:
لا يبرمون إذا ما الأفق جلّله ... صرّ الشّتاء من الإمحال كالآدم
يريد: لا يخلون في هذا الوقت، والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في المسير. وقال الكميت:
إذا أمست الآفاق حمرا جنوبها ... لشيبان أو ملحان فاليوم أشهب
وقال الفرزدق:
يغضّون بأطراف العصيّ تلفّهم ... من الشّام حمر الضّحى والأصائل
يريد حمر الآفاق: أوّل النّهار وآخره، فهذه الحمرة التي بيّنتها ودللت عليها بشواهدها
من الشّعر وغيره هي التي تدلّ على الجدب.
(1/539)
يغضّون بأطراف العصيّ تلفّهم ... من الشّام حمر الضّحى والأصائل
يريد حمر الآفاق: أوّل النّهار وآخره، فهذه الحمرة التي بيّنتها ودللت عليها بشواهدها
من الشّعر وغيره هي التي تدلّ على الجدب.
وقد يستدلّ بالحمرة إذا اشتدّت جدا في السّحاب المخيّل وإنّما تكون من شعاع الشّمس عند الطّلوع وعند الغروب على المطر. والفرق بينهما أنّ تلك تكون بغير سحاب أو تكون مع شيء رقيق منه، وحمرة الغيث تكون شديدة عند الطّلوع وعند الغروب في سحاب متكاثف مخيل. والحمرة التي يشير إليها إنما هي من قرص الشّمس لأنّك تراه في المشرق والمغرب للغبار والبخار، والضّباب المعترض بينك وبينها أحمر وأصفر للهواء الملابس لها، وقد توجد النّار تختلف على قدر اختلاف النعظ الأزرق والأبيض والأسود.
وذلك كلّه يتغيّر في مرأى العين بالعرض الذي يعرض للعين، وعلى قدر جفوف الحطب ورطوبته، وعلى قدر أجناس العيدان والأدهان تجدها حمراء أو صفراء أو خضراء.
ولذلك يوجد برق السّحاب مختلفا في الحمرة والبياض على قدر المقابلات والأعراض، وتجد السّحابة بيضاء، فإذا قابلت الشّمس بعض المقابلة فإن كانت السّحابة غربيّة والشّمس منحطة، رأيتها صفراء ثم حمراء ثم سوداء تعرض العين لبعض ما يدخل عليه، وقال الفلتان الفهمي في النّار:
ويوقدها شقراء في رأس هضبة
وقال مزرّد:
فأبصر ناري وهي شقراء أوقدت ... بعلياء يشز للعيون النّواظر
وقال الراعي وهو يريد أن يصف لون ذئب:
كدخان مرتجل بأعلى تلعة ... غرثان حزم عرفجاء ميلولا
المرتجل: الذي أصاب رجلا من جراد وهو يشويها وجعله غرثان لأنه لغرثه لا يميز الرّطب من اليابس، فهو يشويها بما حضره، وأدلّة هذا الكلام كلّه ليكون لون الدخان ولون الذئب الأطحل متّفقين، فأما شيم البروق فكانوا يقولون: إذا بلغت سبعون برقة انتقلوا ولم يبعثوا رائدا لثقتهم بالمطر، وإذا كان البرق عندهم وليفا وثقوا بالمطر. والوليف: الذي يلمع لمعتين. قال الهذلي شعرا:
لشمّاء بعد أشتاب النّوى ... وقد بتّ أجنبت برقا وليفا
وإذا تتابع لمعانه كان مخيلا للمطر.
ويقال: ارتعج البرق إذا كثر وتتابع. وقال الرّاجز شعرا:
سحّا أهاضيب وبرقا مرعجا ... يجاوب الرّعد إذا تبوّجا
وإذا تتابع بلمعتين لمعتين شبّه بلمع اليدين. قال امرؤ القيس شعرا:
(1/540)
سحّا أهاضيب وبرقا مرعجا ... يجاوب الرّعد إذا تبوّجا
وإذا تتابع بلمعتين لمعتين شبّه بلمع اليدين. قال امرؤ القيس شعرا:
أصاح ترى برقا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبيّ مكلّل
الحبي: السّحاب المشرف، مكلّل بعضه على بعض.
ويقال: مكلّل بالبرق وإذا كان خفوا كان دليلا على الغيث. وقال حميد بن ثور شعرا:
خفا كاقتذاء الطّير وهنا كأنّه ... سراج إذا ما يكشف اللّيل أظلما
واقتذاء الطّير: تغميضها أعينها وفتحها إيّاها، كأنّها تلقي القذى منها، وكلّهم يجعل البرق يمانيا ولا يجعله أحد شاميا، لأنّ الشّامي أكثره خلّب عندهم، وهذا يدلّ على أنّ المطر للجنوب لأنّها يمانية. وقال آخر شعرا:
ألا حبّذا البرق وحبّذا ... جنوب أتانا بالعشيّ نسيمها
ويقال: أوسم البرق إذا بدا وألاح إذا أضاء ما حوله. وأنشد لأبي ذؤيب شعرا:
رأيت وأهلي بوادي الرّجيع ... من آل قيلة برقا مليحا
ويقال: أوسمت المرأة إذا بدا ثديها ينوء. قال أبو عبد الله وقال العقيلي: إذا رأيت السّماء قد اصحامت فكأنها بطن أتان قمراء. ورأيت السّحاب متدليا كأنه اللّحم الثنت، مستمسك منه ومنهرت، فحينئذ الغياث. وقال أبو صالح الفزاري: كنا نقول: إذا رأيت البرق في أعلى السّحابة أو في جوانبها فهي بإذن الله ماطرة غير مخلفة، وإذا رأيت البرق في أسافلها فقد أخلفت.
(1/541)
الباب الثّاني والستون في الكواكب الخنّس وفي هلال شهر رمضان
قال الله تعالى: {فَلََا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوََارِ الْكُنَّسِ} [سورة التكوير، الآية: 1615] وقد تقدّم القول في أنّها خمسة: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد. وأنّها سيّارة كالشّمس والقمر. وقد يسمّى بعضها بغير هذه الأسماء المريخ بهرام. ويسمّى المشتري البرجيس ويسمّى الزّهرة أناهيد ويسمّى زحل كيوان ويسمّى القمر ماه وتسمّى الشمس مهر ويسمى عطارد نير وقال رؤبة:
أسقيه نضّاح الصّبا بجيسا ... كافح بعد النّثرة البرجيسا
البجيس: المتفجّر، وفي القرآن: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتََا عَشْرَةَ عَيْناً} [سورة الأعراف، الآية: 160].
ويقال: هذه أرض تنبجس عيونا، وكافح: واجه. والنّثرة: من ذوات الأنواء، والبرجيس: هو المشتري، ولا حظّ له في المطر عندهم، وظن رؤبة أنه من ذوات الأنواء، وهذا كما أنّ الكميت قال وهو يصف ثورا بشدّة العدو شعرا:
ثم استمر وللأشباه تذكرة ... كأنّه الكواكب المريخ أو زحل
أراد أن يشبّهه بكوكب منقض، فظنّ أنّ المريخ وزحل ينقضّان، وقيل في عذر رؤبة:
إنه كان سمع البرجيس وإنه اسم كوكب، وخفي عليه أنه اسم المشتري في لسان غيرهم.
وقيل في عذر الكميت: إنّ انقضاض الكوكب إسلامي رجم به مسترقة السمع، ولم يعرف قبل الإسلام فلذلك خفي عليه أنّ المريخ وزحل ليسا من الرّجوم. وإنما سمّيت هذه الكواكب خنّسا لأنها تسير في الفلك ثم ترجع، بينا أحدها في آخر البروج كرّ راجعا إلى أوّله، ولذلك لا ترى الزّهرة في وسط السّماء أبدا، وإنّما تراها بين يدي الشّمس أو خلفها.
وذلك أنّها أسرع من الشّمس، فتستقيم في سيرها حتى تجاوز الشّمس فتصير من ورائها، فإذا تباعدت عنها ظهرت بالعشاء في المغرب، فترى كذلك حينا ثم تكرّ راجعة نحو
الشّمس حتى تجاورها، فتصير بين يديها فتظهر حينئذ في المشرق بالغداة، هكذا هي أبدا، فمتى ظهرت في المغرب فهي مستقيمة ومتى ظهرت في المشرق فهي راجعة، وكل شيء استمرّ ثم انقبض فقد خنس، ومنه سمّي الشّيطان خناسا لأنه يوسوس في القلب، فإذا ذكر الله خنس، وسمّيت كنّسا بالاستسرار كما تكنس الظّباء. وصفات الخنّس الزّهرة أعظمها في المنظر، وأشدّها بياضا ثم المشتري في مثل هيئتها. وفي زحل كمودة. وفي المرّيخ حمرة وفي عطارد صفرة. وقد تقدّم القول في استسرار القمر، وأنّه يقطع المنازل في استسراره كما يقطع في ظهوره. وأنهم يسمّون آخر ليلة في الشهر البراء لتبرّؤ القمر من الشّهر فيه. وأما قول الشّاعر شعرا:
(1/542)
وذلك أنّها أسرع من الشّمس، فتستقيم في سيرها حتى تجاوز الشّمس فتصير من ورائها، فإذا تباعدت عنها ظهرت بالعشاء في المغرب، فترى كذلك حينا ثم تكرّ راجعة نحو
الشّمس حتى تجاورها، فتصير بين يديها فتظهر حينئذ في المشرق بالغداة، هكذا هي أبدا، فمتى ظهرت في المغرب فهي مستقيمة ومتى ظهرت في المشرق فهي راجعة، وكل شيء استمرّ ثم انقبض فقد خنس، ومنه سمّي الشّيطان خناسا لأنه يوسوس في القلب، فإذا ذكر الله خنس، وسمّيت كنّسا بالاستسرار كما تكنس الظّباء. وصفات الخنّس الزّهرة أعظمها في المنظر، وأشدّها بياضا ثم المشتري في مثل هيئتها. وفي زحل كمودة. وفي المرّيخ حمرة وفي عطارد صفرة. وقد تقدّم القول في استسرار القمر، وأنّه يقطع المنازل في استسراره كما يقطع في ظهوره. وأنهم يسمّون آخر ليلة في الشهر البراء لتبرّؤ القمر من الشّهر فيه. وأما قول الشّاعر شعرا:
يا عين بكّي عامرا وعبسا ... يوما إذا كان البراء بخسا
فالمراد إذا لم يكن فيه مطر، لأنّ المطر يستحبّ في سرار القمر.
فأمّا هلال شهر رمضان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غمّ عليكم فاكملوا العدة». وهذه رواية ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي حديث آخر: «إذا غمّ عليكم فاقدروا له» رواية ابن عمر رضي الله عنهما. ومعنى أقدروا له: قدّروا له المسير والمنازل.
يقال: قدرت الشيء وقدرته بمعنى، والتّقدير له يكون إذا غمّ على النّاس ليلة ثلاثين في آخر شعبان لليلة ويعلم أنّه يمكث ستة أسباع ساعة من أوّلها ثم يغيب وذلك في أدنى مفارقته للشّمس، ولا يزال يزيد في كلّ ليلة على مكثه في اللّيلة قبلها ستة أسباع ساعة، فإذا كان في اللّيلة السّابعة غاب في نصف اللّيل، وإذا كان في ليلة أربع عشرة طلع مع غروب الشّمس، وغرب مع طلوعها ثم يتأخّر طلوعه عن أول ليلة خمس عشرة ستة أسباع، ولا يزال يتأخر طلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة فإن لم ير صبح ثمان وعشرين، علم أن الشّهر ناقص وعدته تسعة وعشرون يوما.
وإن رؤي علم أن الشّهر تام وعدّته ثلاثون، وقد يعرف أيضا بمكث الهلال في ليالي النّصف الأوّل من الشّهر ومغيبه، وأوقات طلوعه ليالي النّصف الآخر من الشّهر، وتأخّره عن أوّل اللّيل، ويتعرّف من المنازل بأنّ الهلال إذا طلع في أوّل ليلة من شعبان في الشّرطين، وكان شعبان تاما طلع في أول ليلة من شهر رمضان في الثّريا، وإن كان شعبان ناقصا طلع في البطين، وهذا أمر يضيق ويصعب على الناس، ويكثر فيه التّنازع والاختلاف، فنسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» ولا يمكن أن يرى الهلال بالغداة في المشرق بين يدي الشّمس وبالعشي في المغرب خلف الشّمس في يوم واحد، ولكن يمكن ذلك في يومين فهو حين يستسر ليلة واحدة، وإذا كان في ثلاثة فهو حين يستسر ليلتين.
وأما ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» فإن اللّام فيه بمعنى بعد ومثله قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 1] واللّام لإضافة عدّة مواضع.
(1/543)
وإن رؤي علم أن الشّهر تام وعدّته ثلاثون، وقد يعرف أيضا بمكث الهلال في ليالي النّصف الأوّل من الشّهر ومغيبه، وأوقات طلوعه ليالي النّصف الآخر من الشّهر، وتأخّره عن أوّل اللّيل، ويتعرّف من المنازل بأنّ الهلال إذا طلع في أوّل ليلة من شعبان في الشّرطين، وكان شعبان تاما طلع في أول ليلة من شهر رمضان في الثّريا، وإن كان شعبان ناقصا طلع في البطين، وهذا أمر يضيق ويصعب على الناس، ويكثر فيه التّنازع والاختلاف، فنسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» ولا يمكن أن يرى الهلال بالغداة في المشرق بين يدي الشّمس وبالعشي في المغرب خلف الشّمس في يوم واحد، ولكن يمكن ذلك في يومين فهو حين يستسر ليلة واحدة، وإذا كان في ثلاثة فهو حين يستسر ليلتين.
وأما ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» فإن اللّام فيه بمعنى بعد ومثله قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 1] واللّام لإضافة عدّة مواضع.
وقد ذكرتها أو أكثرها في غير هذا الموضع، وقال بعض أهل النظر: المراد صوموا لما أقبل من رؤيته.
وكذلك طلّقوهنّ لما أقبل من عدّتهن. قال وقبل كلّ شيء وجهه وأوّله، كما أنّ دبره آخره، وكلّما يوقّت فله أوّل وآخر، فما دام زائدا فهو مقبل، فإذا أخذ في النّقصان فهو مدبر مثل النّهار فهو مقبل من الفجر إلى الاستواء لأنّه في الزّيادة ثم مدبر، لأنّه في النّقصان إلى اللّيل، ولا يقال: هو مقبل وقد أقبل إلّا عند دخول وقته. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل اللّيل وأدبر النّهار فقد أفطر الصائم». ولا يجوز أن يقال: أقبل اللّيل إلّا بعد مغيب الشّمس، لأنّ الصّائم لا يعود مفطرا إلا به لقوله: فقد أفطر الصّائم. أي انقضى صومه لذهاب وقته ودخول وقت آخر لا يكون الصّوم فيه ويؤيد هذا الّذي ذكرناه قول الرّاجز شعرا:
وقلّة الطّعم إذا الزّاد حضر ... وتركي الحسناء في قبل الطّهر
لأنّ المراد أوّل طهرها لا ما قبله من الحيض، فمراد الشّاعر فيه مثل مراد الأخطل حين قال شعرا:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بإطهار
وقد بيّن غيره بأتمّ من هذا الذي قال:
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النّساء عواقب الأطهار
وهذا ظاهر ولو جاز أن يكون إقبال شيء في إدبار غيره الذي هو ضدّه لكان الصّائم مفطرا قبل مغيب الشّمس، إذ اللّيل عنده يقبل في إدبار النّهار، وقبل انقضائه كلّه وهذا لا يقوله أحد. وإذا كان الأمر على هذا فأذن الله تعالى في الطّلاق بقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
[سورة الطلاق، الآية: 1] لا يكون واقعا إلا بعد دخول وقت العدّة التي أذن الله في الطّلاق له، والطّهر وبعد انقضاء إدبار الوقت الذي منع من الطّلاق فيه وانتهائه وهو الحيض، فكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» يعني الهلال والصّوم لا يكون إلا بعده بساعات ووقت مديد، ومن مواضع اللّام قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلََاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه، الآية: 14] لأنّ المعنى أدم الصّلاة لتسبّحني وتمجّدني، وذلك هو الذّكر إذ كان علة له وسببا، وهذا يخالف: {أَقِمِ الصَّلََاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سورة الإسراء، الآية: 78] لأنّ دلوك الشمس بيان وقت، ومثله قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مِنْ دِيََارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [سورة الحشر، الآية: 2] في أنه بيان وقت، ألا ترى أنّ الحشر لم يكن علة لإخراجهم، بل كان علة إخراجهم كفرهم وإباؤهم الإسلام.
الباب الثالث والسّتون في ذكر مشاهير الكواكب التي تسمّى الثّابتة وهذه التّسمية على الأغلب من أمرها
(1/544)
الباب الثالث والسّتون في ذكر مشاهير الكواكب التي تسمّى الثّابتة وهذه التّسمية على الأغلب من أمرها
إذ كانت حركة مسيرها خافية غير محسوسة.
قال أبو حنيفة: اعلم أنّ سير هذه الكواكب على خفائه مستمر على تأليف البروج الاثني عشر لا يعرض لشيء منها رجوع، فقد ميّز قدماء العلماء كواكب السّماء على وجه الدّهر وصنّفوها فجعلوها منزلة في منازل سبعة من الأقدار فجعلوا كبارها في القدر الأول، وهي التي يسمّيها العرب الدّراري، والواحد دري منسوب إلى الدرّ في الصّفاء والحسن، وفي التنزيل: {كَأَنَّهََا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [سورة النّور، الآية: 35] وقال الرّاجز:
أنّى على أوني وانجراري ... أؤم بالمنزل والدّراري
الأون: الثقل، والانجرار: أن يترك الإبل في مسيرها وعليها الأحمال ترى.
يقال: جرّ الإبل يجرّها جرّا ويعني بالمنزل والدّراري منازل القمر ودراري الكواكب، وهي مشبوباتها ذوات السّطوع والتّوقّد. قال الشّماخ:
وعنس كألوان الأران لضاتها ... إذا قيل للمشبوبتين هماهما
لضاتها ونساتها بمعنى أي زجرتها وهيّجتها. وقيل: أراد بالمشبوبتين الشعريين. وقيل الزّهرة والشّعرى العبور وهما أنور نجوم السّماء. فالذي أحصى العلماء من دراري النّجوم سوى الخمسة المتحيّرة خمسة عشر كوكبا، وهي في القدر الأوّل من العظم وهي الشّعريان وسهيل والمحنّث العيّوق والسّماكان واليدان وقلب الأسد والنّسر الواقع والصّرفة ومنكب الجوزاء ورجلها وأضوأ كواكب الفرعين.
والذي أحصوا مما هو دون هذه وهي في القدر الثّاني من العظم خمسة وأربعون كوكبا: كالفرقدين وبنات نعش الكبرى وقلب العقرب والرّدف والنّسر الطائر، ورأس الغول والعناق وقلب الحوت وأشباهها مما ترك ذكر سائرها للأقدار الباقية لأنّ مواضعها غير
كتابنا هذا. وقد ميّز أصحاب الأحكام من المنجّمين من هذه الكواكب الستّين ثلاثين كوكبا وجعلوا لكلّ كوكب منها خراجا من طبائع الكواكب الخمسة المتحيّرة ووضعوها أساسا للأقضية التي يحلفونها والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
(1/545)
والذي أحصوا مما هو دون هذه وهي في القدر الثّاني من العظم خمسة وأربعون كوكبا: كالفرقدين وبنات نعش الكبرى وقلب العقرب والرّدف والنّسر الطائر، ورأس الغول والعناق وقلب الحوت وأشباهها مما ترك ذكر سائرها للأقدار الباقية لأنّ مواضعها غير
كتابنا هذا. وقد ميّز أصحاب الأحكام من المنجّمين من هذه الكواكب الستّين ثلاثين كوكبا وجعلوا لكلّ كوكب منها خراجا من طبائع الكواكب الخمسة المتحيّرة ووضعوها أساسا للأقضية التي يحلفونها والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
فإن قيل: كيف تميّز للعلماء مواضع هذه الكواكب ومقاديرها في سيرها على خفائها وعجز الحس عن إدراكها؟ قلت: أدركوا ذلك في الأزمنة المتعاقبة والدّهور المترادفة، فكان أحدهم يقف في عمره مع تفقّده البليغ لها على بعض أحوالها، ثم يرسم ما يقف عليه لمن يخلف بعده، وقد شاركه فيما مضى ثم قاس الأخلاف بعدهم قرنا بعد قرن، فوجدوها وقد تقدّمت عن تلك الأماكن الأول، وكذلك فعل الأخلاف للأخلاف، وقد ضبطوا تواريخ تلك الأزمنة معتبرين فوجدها تتحرك بأسرها معا حركة واحدة، فتقطع في كلّ مائة عام درجة واحدة، حينئذ حكموا بما قالوا، فهذه حال هذه الكواكب المسمّاة ثوابت، إلّا كوكبا واحدا، فإنّه سيّار خلاف سيرها، وخلاف سير السّيارات كلّها وهو الكوكب الذي سمّاه المنجّمون ذا الضفيرة وذا الذّؤابة وهو الذي تسمّيه العامّة كوكب الذّنب، وإنّما يظهر في الزّمان بعد الزّمان ولأصحاب الملاحم فيه روايات.
فعلى هذا عرف العلماء مواضع هذه الكواكب من الفلك وحكموا بما حكموا في كتبهم من شأنها.
ولما أرادوا تميّز كواكب السّماء قسّموا الفلك قسمين، فسموا أحد القسمين جنوبيا، والنّصف الآخر شماليا، ولذلك سمّوا ما وقع من البروج والكواكب فيهما، وسمّت العرب تلك الشّمالية شآمية، والجنوبية يمانية، ولا فرق بين المقصودين، ولذلك جعلوا ما بين رأس الحمل إلى رأس الميزان من البروج شآمية، وما بين رأس الميزان إلى رأس الحمل من البروج يمانية.
وكذلك جعلوا ما بين الشّرطين من المنازل إلى السّماك شآمية، وجعلوا ما بين الغفر إلى الرّشاء يمانية، وجميع ذلك قد تقدم القول فيه، فأقرب مشاهير الكواكب إلى القطب بنات النّعش الصّغرى وهي شآمية سبعة كواكب في نظم بنات نعش الكبرى، أربعة منها نعش وثلاث بنات، والمنجّمون يسمّونها ذنب الدّب الأصغر. فمن الأربعة الفرقدان وهما المتقدّمان المضيئان، والآخران وراءهما خفيّان. ومن البنات وهي ثلاث أوّلها: الكوكب الذي يسمّى الجدي وهو الكوكب الذي يتوخى النّاس بها القبلة، لأنّه لا يزول وتسميه العرب جدي بنات نعش، يكبّ على اليدين فيستدير. وقال الأخطل وذكر بني سليم شعرا:
ولا يلاقون فراضا إلى نسب ... حتى يلاقي جدي الفرقد القمر
نسب الجدي إلى الفرقد كما نسبه الآخر فقال يذكر المطايا:
(1/546)
ولا يلاقون فراضا إلى نسب ... حتى يلاقي جدي الفرقد القمر
نسب الجدي إلى الفرقد كما نسبه الآخر فقال يذكر المطايا:
تياسرن عن جدي الفراقد في السّرى ... ويا من شيئا عن يمين المغاور
وهذا الجدي ليس من البروج ولا منازل القمر فهو لا يلقى القمر أبدا، وكذلك بنات نعش، لذلك قال بعضهم وهو يهجو:
أولئك معشر كبنات نعش ... خوالف لا تسير مع النّجوم
خوالف: أي متخلّفة عن النّجوم، والخالفة ما لا خير فيه فيقول: لا نفع عندهم ولا فائدة من جهتهم.
ويروى: ضواجع ومعناه: رواكد لا غناء عندهم، كما أنّ بنات نعش لا نوء لها ولا نسب شيء إليها. وقال بشر بن أبي حازم في دورانها حول القطب:
أراقب في السّماء بنات نعش ... وقد دارت كما عطف الظّؤار
يريد أنّه سهر ليلته كلّها إلى أن دارت بنات نعش وهي تنقلب في آخر اللّيل وخص بنات نعش لأنّها لا تغيب لذلك لا يجعلون الاهتداء بها وبالفرقدين. وقال الراعي شعرا:
لا يتّخذنّ إذا علونا مفازة ... إلّا بياض الفرقدين دليلا
قال أبو حنيفة: فالكواكب الثّلاثة التي هي البنات وكوكبان من النّعش فيهما أحد الفرقدين، هؤلاء الخمسة في شطر فيهما واحد كقوس، وقد قابله شطر آخر مثله فيه كواكب خفيّة متناسقة، أخذت من الجدي إلى الفرقدين حتى صار هذان الشّطران شبهان بخلقة السّمكة، والنّاس يسمّونها بالفأس تشبها بفأس الرّحى التي القطب في وسطها، يظنّون أنّ قطب الفلك في وسط هذه الصّورة. قال: وليس كذلك بل القطب بقرب الكوكب الذي يلي الجدي من هذا الشّطر الخفي الكواكب فوجدت هذه الكواكب أقرب كواكب السّماء كلّها من هذا القطب، لم أجد بينه وبين القطب إلّا أقلّ من درجة واحدة. وليس القطب بكوكب بل هو نقطة من الفلك.
ومن الشآمية بنات نعش الكبرى، وهي أيضا سبعة كواكب على عدد الصّغرى وفي شبيه تنظمها ثلاث بنات وأربعة نعش، والعرب تسمّي الأوّل من البنات، وهو الذي في الطّرف القائد: وتسمّي الأوسط العناق: وتسمّي الثّالث الذي يلي النّعش، الجون: وإلى جانب الكواكب الأوسط منها كويكب صغير جدا يكاد يلزق به ويسمّى السّهى وبه جرى المثل في قولهم: أريه السّهى ويريني القمر، ويقال له: الصّيدق ويعيش والنّاس يمتحنون به أبصارهم فمن ضعف بصره لم يره.
ويروى أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك، وتقول العرب لبنات نعش بنو نعش وآل نعش. قال:
(1/547)
ومن الشآمية بنات نعش الكبرى، وهي أيضا سبعة كواكب على عدد الصّغرى وفي شبيه تنظمها ثلاث بنات وأربعة نعش، والعرب تسمّي الأوّل من البنات، وهو الذي في الطّرف القائد: وتسمّي الأوسط العناق: وتسمّي الثّالث الذي يلي النّعش، الجون: وإلى جانب الكواكب الأوسط منها كويكب صغير جدا يكاد يلزق به ويسمّى السّهى وبه جرى المثل في قولهم: أريه السّهى ويريني القمر، ويقال له: الصّيدق ويعيش والنّاس يمتحنون به أبصارهم فمن ضعف بصره لم يره.
ويروى أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك، وتقول العرب لبنات نعش بنو نعش وآل نعش. قال:
تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا
وإنما قال: دنوا فتصوّبوا لأنّه لما أخبر عنها كما يخبر عن العاقلين جعل ضميرها ضمير العاقلين. وقال الشّاعر:
فنيت وأفناني الزّمان وأصبحت ... لداي بنو نعش وزهر الفراقد
وقال آخر:
وهل حدّثت عن أخوين داما ... على الأيّام إلّا ابني شمام ... وإلّا الفرقدين وآل نعش ... خوالد ما تحدّث بانهدام
وقال آخر يذمّ قوما:
وأنتم كواكب مسحولة ... ترى في السّماء ولا تعلم
فهذا في طريقة قوله:
أولئك معشر كبنات نعش
والمسحولة: المرذولة. وبالقرب من الفرقدين كوكبان مقترنان بينهما في رأي العين بعد القامة، إذا اعترض الفرقدان انتصبا، وإذا انتصب الفرقدان اعترضا، يسمّيها العرب:
الحرّين ويسمّيان أيضا: الذّنبين، ويسمّيان أيضا: العوهقين.
وقال الرّاجز:
بحيث بارى العوهقين الفرقدا ... عند مسدّ القطب حيث استوسقا
وقال أبو زيد الكلابي: الحرّان كوكبان أبيضان بين العوائذ، والفرقدين بينهما قدر ثلاثة أذرع في رأي العين، ويسمّيان الذّنبين، وقدّامهما كواكب صغار تسمّى: أظفار الذّئب، وهناك كوكبان أوسع من كوكبي الحرّين يقال لهما: كوكبا الفرق وعند الأعلى منهما كواكب صغار خفيّة مستديرة تسمّى: القدر والقرحة كوكب أسفل من كوكبي الفرق كموضع قرحة الدّابة من الأذنين. وزعموا أنّ القرحة إذا طلعت استقبلت قبلة الكوفة وفيما هنالك الهلبة:
وهي كواكب ملتفة يظنّ من لم يتثبّت من تأملها أنّها الثّريا، والعامة تسمّيها السّنبلة ومعنى الهلبة الخصلة من الشّعر. والعرب تسمّي هلبة الأسد، وهي فيما بين البنات من بنات نعش الكبرى.
وأمّا الصرفة فهي الكوكب النّيّر المنفرد الذي على أثر الزبرة، والعرب تقول:
ضرب الأسد بذنبه فنغزت الظّبأ، ونغزات الظبأ ثلاث: كلّ نغزة منها كوكبان متقاربان كأثر ظلفي الظّبي.
(1/548)
وأمّا الصرفة فهي الكوكب النّيّر المنفرد الذي على أثر الزبرة، والعرب تقول:
ضرب الأسد بذنبه فنغزت الظّبأ، ونغزات الظبأ ثلاث: كلّ نغزة منها كوكبان متقاربان كأثر ظلفي الظّبي.
ويقال لها أيضا: النّوافز والفقرات ويسمّى أيضا القرائن وأشعيلبات، والظّبا كواكب خفيّة مستطيلة مثل الحبل الممدود من عند الهلبة إلى العيّوق، وأولاد الظبأ كواكب صغار فيما بين الظبأ والفقرات. وفيما هنالك الحوض وليس بمتّصل الاستدارة والعوائذ وهي كواكب أربعة مربعة غير متباعدة في وسطها كوكب كأنّه لطخة غيم يسمى الرّبع شبّههنّ بأنيق أربع، عطفن على ربع وهي من الشآمية عن يسار النّسر الواقع فيما بينه وبين بنات نعش.
ومن الشآمية الفكة: وهي كواكب مستديرة فيها مرجة، والعامّة تسميها قصعة المساكين من أجل الثّلمة التي فيها. ومن كواكبها كوكب هو أنورها يقال له: منير الفكة والأوائل من المنجمين سمّوا الفكة الإكليل الشّمالي وإذا توسّطت الفكّة السّماء أو قاربت فنظرت إليها رأيت السّماك الرّامح بين يديها، ورأيت رأية السّماك خلفه بينه وبين الفكّة وهو كوكب منتبذ عنه، يعارضه كوكب بالقرب منه كأنه عذبة في رمح. ولذلك قيل له: الرّامح وذو السّلاح وقيل للسماك الآخر الأعزل.
والنّسقان: شطران ابتدأ أحدهما إلى قرب النّسر الواقع، وهو النّسق الشآمي، والآخر إلى جهة النّعام الوارد حتّى شرع في المجرّة وهو النّسق اليماني.
ويقال لما بين النّسقين الرّوضة، وفي داخل الرّوضة كوكب أبيض منفرد يقال له الرّاعي. وبالقرب منه كواكب صغار، ويقولون هي غنمة يرعاها في الرّوضة، وفي أضعاف تلك الكواكب كوكب وباض صغير، يقولون: هو كلبة ويقال للنّسق النّسيق أيضا.
ومن الشآمية النّسر الواقع، وإليه ينتهي النّسق الشآمي وهو كوكب أزهر خلفه كوكبان منه كأنهما وإياه أثافي قدر، وكذلك تسمّيها العامّة، وإنّما قيل له: الواقع لأنّ الكوكبين اللّذين معه بمنزلة جناحيه قد ضمّهما إليه، ولأنّ هناك نسرا آخر يقال له: الطائر، وسمّى القدماء من المنجمين النّسر الواقع الاوزة.
وبإزاء النّسر الواقع مما يلي الجنوب النّسر الطائر ثلاثة كواكب مصطفة والأوسط منها هو أنورها، وهو النّسر والآخران جناحاه، وقد بسطهما ولذلك قيل له الطّائر، والعامّة تسمّيه الميزان، لاستواء كواكبه في اصطفافها واعتدال الأوسط منها بين الآخرين.
ورواء النّسر الواقع كواكب أربعة على اختلاف قد قطعت المجرّة عرضا ويسمّيه العرب الفوارس، تشبيها بفوارس أربعة يتسايرون.
ووراءها بالقرب كوكب أزهر منفرد في وسط المجرّة تسمّيه العرب الرّدف كأنّه ردف
الفوارس يتبعها، والمنجّمون يسمّون هذا الكوكب: ذنب الدّجاجة، وقد وضعوه في الاصطرلاب للقياس به، ويسقط الفوارس والرّدف مع طلوع النّثرة وتطلع مع طلوع الشّولة.
(1/549)
ووراءها بالقرب كوكب أزهر منفرد في وسط المجرّة تسمّيه العرب الرّدف كأنّه ردف
الفوارس يتبعها، والمنجّمون يسمّون هذا الكوكب: ذنب الدّجاجة، وقد وضعوه في الاصطرلاب للقياس به، ويسقط الفوارس والرّدف مع طلوع النّثرة وتطلع مع طلوع الشّولة.
وكذلك النّسران وهما من الكواكب الشآمية، وعلى أثر النّسر الطائر كواكب أربعة مصلّبة النّظم تسمّيها العامّة الصّليب، وتسمّيها العرب القعود ويسقط الصّليب مع طلوع سهيل، وتطلع مع سقوط الشّعرى.
ووراء الرّدف في حومة المجرّة كفّ الثّريا الخضيب، وهي كواكب خمسة بيض مختلفة النّظام وهي أيضا سنام النّاقة، والنّاقة في مثل خلقة النّجيب الضّامر الدّقيق الخطم، وخطمها في جهة الجنوب، وعنقها كواكب تتابعت من عند الرّأس، فانحدرت انحدار العنق، ثم ارتفعت إلى سنامها، وهنالك لطخة سحابيّة في مثل موضع الفخذ، يقولون: هي وسم النّاقة، وهذه اللّطخة هي معصم الثّريا ورأس الحوت في لبّة النّاقة، وهو في مثل صورة السّمكة غير أنّها عظيمة.
وفي جملتها كوكب هو أضوؤها يقال له: قلب الحوت. وفوق رأس النّاقة حوت آخر، ورأس النّاقة ذنبه وهو أقصر من الحوت الأسفل وأعرض.
ووراء الكفّ الخضيب العيّوق، وهو كوكب عظيم نيّر في حاشية المجرّة التي تلي الشّمال يقال له: عيّوق الثّريا، وذلك كأنّهما يطلعان معا، وإذا توسّطا السّماء تدانيا في رأي العين. قال الشاعر شعرا:
كأنّ صديا والملامة ما سقى ... لكالنّجم والعيّوق ما طلعا معا
يقول: لا يتخلّف اللّوم عن صدى كما لا يتخلّف واحد من الثّريا والعيّوق عن صاحبه، وفي إضافة العيّوق إلى الثّريا قال الشاعر:
وعاذلة هبّت بليل تلومني ... وقد غاب عيّوق الثّريا فعرّدا
ولتدانيهما إذا توسّطا السّماء قال بشر:
وعاندت الثّريّا بعد هدء ... معاندة لها العيّوق جار
ظنّ أنّ الثّريا تركت طريقها وعاندت إلى العيّوق وذلك من أجل البعد الّذي بينهما في المطلع والقرب الذي بينهما في وسط السّماء، وهو فيعول من العوق والعيق جميعا والعوق الذي لا حرّ فيه.
ويقال: العيق وهو من قولهم ما يعيق به حرّ ولا يليق. ووراء العيّوق غير بعيد كواكب
ثلاثة: زهر مصطفّة متقوّسة قد قطعت المجرّة عرضا ويسمّى: توابع العيوق. ويقال لها:
(1/550)
ويقال: العيق وهو من قولهم ما يعيق به حرّ ولا يليق. ووراء العيّوق غير بعيد كواكب
ثلاثة: زهر مصطفّة متقوّسة قد قطعت المجرّة عرضا ويسمّى: توابع العيوق. ويقال لها:
الأعلام أيضا. ويقال للذي تحته: رجل العيّوق.
ومن أمثالهم فيما يبعد من الطمع: هو أبعد من العيّوق، كما يقولون: هو أبعد من الثّريا. وهناك سطر من كواكب امتدّت في الشّمال على انعطاف تسمّى: الكفّ الجذماء لقصرها، ويقولون للثّريا: الرّأس فيما بين اليدين وفي اليمنى كواكب هي أنورها فيها العاتق وهو أقربها إلى الثّريا، ثم المنكب بعده، ثم المرفق كويكب صغير يقال له: إبرة المرفق، وهنالك أيضا المابض.
أما ابرة المرفق من الإنسان فهو طرف عظم السّاعد وهو الذي يذرع بذراع والطرف الآخر الذي يثنى إذا قبضت ذراعك إليك يقال له: القبيح. حيث تلاقي الإبرة القبيحا.
ويقال لما بين المرفق والمعصم الساعد ويصغّر فيقال: السّويعد. ويقال ما بعد المعصم وهي الكف، الخضيب كف الثّريا. وهناك كوكب نيّر قدر كوكبي المرفق والعضد فهو معهما في صورة مثلّثة واسعة كلّ كوكب في زاوية من زواياها والمنجّمون يسمّون هذا الكوكب: رأس الغول. وقريب منه كوكب نيّر فيما بين قلب الحوت ومرفق الثّريا يسمّى:
عناق الثريّا وهي غير العناق الذي في بنات نعش.
روى ابن الأعرابي عن العرب: قال عند بنات نعش كوكب يقال له: رأس الحية ورأس الحية مثل رأس الخلخال، والتّنين فيما وصفه المنجّمون هناك عند رأسه.
ويوجد من بنات نعش كوكب أحمر يقال له: الذّبح. وهو ذكر الضّباع. وهناك كواكب صغار فيما بين القرحة والجدي. والرّاعي كوكب من كواكب الشاء. وكلب الراعي: كوكب صغير قريب منه.
وأسفل من بنات نعش كواكب كثيرة مختلطة يقال لها الضباع.
ويوجد كواكب صغار عن يمين الضّباع بينها وبين بنات نعش. والخباء كواكب في مثل هيئة الخباء أسفل من أولاد الضّباع.
وخلف العاتق كوكبان بينه وبين العنق يسمّيان: المرجف والبرجس.
وقال عن يمين الكف الجذماء البقر أسفل من الكفّ الجذماء متّصلة بالثّريا فهذه مشاهير الكواكب الشّامية.
ونذكر الآن الكواكب اليمانية فمنها: منكبا الجوزاء وهما أيضا يداها. والأيمن منهما كوكب أحمر، وقد وضع في الاصطرلاب، والعرب تسمّيه مرزم الجوزاء، والهقعة بين
المنكبين وهي عند العرب رأس الجوزاء لأنّ الجوزاء في المنظر شبيهة بصورة الإنسان.
(1/551)
ونذكر الآن الكواكب اليمانية فمنها: منكبا الجوزاء وهما أيضا يداها. والأيمن منهما كوكب أحمر، وقد وضع في الاصطرلاب، والعرب تسمّيه مرزم الجوزاء، والهقعة بين
المنكبين وهي عند العرب رأس الجوزاء لأنّ الجوزاء في المنظر شبيهة بصورة الإنسان.
وربّما سمّوا المنكب الأيسر النّاجذ.
وأمّا الكواكب البيض المستعرضة في وسط الجوزاء الوباضة فإنّ العرب تسمّيها النّظم وتسمّيها أيضا: نطاق الجوزاء وفقار الجوزاء. ويسمّون الكواكب الثلاثة المنحدرة من عند هذه الأولى الجواري وكأنّها في موضع الرّجل من ظاهر الصّورة.
وهناك كوكب أبيض وباض في مثل القدم يقال له: رجل الجوزاء اليسرى وقد وضعه المنجّمون للقياس، ورجلها اليمنى كوكب أبيض أصغر من الأول وقال الشّاعر:
فلمّا رأى الجوزاء أوّل صابح
وضرتها الكواكب التي معها. وقال الآخر فيهما جميعا. وفتية غيد من التّسهيد.
الأبيات. وقد مضت في الباب السّادس والخمسين، ومن نظر إليها وهي على الأفق بان له حسنها.
وتحت كلّ واحدة من رجل الجوزاء كواكب أربعة تسمّى كرسي الجوزاء، وأحد الكرسيين أبين من الآخر، ويسمّى كرسي الجوزاء النّهل.
وفوق رأس الجوزاء كواكب صغار كالعقد الموزج يسمّى تاج الجوزاء ويسمّيها العرب أيضا ذوائب الجوزاء.
وأسفل من الجوزاء على يسارك إذا نظرت إليها الشّعرى العبور، وهي الكوكب العظيم الوباض، وقد ذكرنا الأخرى في منازل القمر، وإنّ المجرّة تمرّ بين الشّعريين وأسفل من كرسي الجوزاء.
ومن الشّعرى العبور ثلاثة كواكب بيض مختلفة التّثليث تشبهها العرب عذرة الجوزاء وقد يجعلها قوم خمسة كواكب. وهناك كواكب إن ضمّ بعضها إلى الثّلاثة صارت خمسة، وقد تسمّيها العرب: العذارى وهي في حاشية المجرّة الغربيّة.
وإذا انحطّت الجبهة عن كبد السّماء فنظرت رأيت بينها وبين الشّعرى الغميصا أربعة كواكب مربعة فيها استطالة كهيئة وجه الفرس، تسمّى رأس الحيّة، وقد امتدت من عنده كواكب متناسقة على تعريج، حتى قربت من عرش السّماك الأعزل، وهذه الكواكب هي بدن الحيّة، وفيها كوكب هو أضوأ كواكبها يسمّيها المنجّمون: عنق الحيّة، ومنهم من يسمّيه فقار الحية، لأنّه بعيد من الأوّل، وقد وضع هذا الكوكب في الاصطرلاب، والعرب تسميه الفرد، وإيّاه عنى الشّاعر بقوله:
وقد مالت الجوزاء بالكوكب الفرد
وسمّي فردا لانفراده عن أشباهه.
(1/552)
وقد مالت الجوزاء بالكوكب الفرد
وسمّي فردا لانفراده عن أشباهه.
والخيل كواكب كثيرة أكثر من العشرة نيّرة، وفيها ستّة كواكب في ثلاثة أمكنة متفرقة في كلّ مكان منها كوكبان. وفيما بين كواكب الخيل كواكب صغار تسمّى أفلاء الخيل، وهي كلّها بين يدي الشّولة فوق المجرّة وأسفل من الخيل.
ومن شولة العقرب كواكب يقال لها: القبّة، وإذا رأيت الزّبانيين مرتفعتين عن أفق المشرق رأيت فيما بينهما وبين عرش السّماك أسفل منها كواكب مجتمعة نيّرة مختلطة على غير نظم، تسمّى الشّماريخ، لأنّها كأنّها شماريخ كباسة.
وإذا توسّطت الشّعرى العبور السّماء ثم نظرت على سمتها قريبا من الأفق رأيت سهيلا قد توسّط مجراه أو قريبا وذلك أرفع ما يكون في السّماء وهو قليل العلو، قريب المجرى من الأفق، وهو عند المنجّمين طرف سكّان السّفينة، وهو كوكب منير عظيم أحمر منفرد عن الكواكب، وأقرب مجراه من الأفق تراه أبدا يضطرب، ولما يعرض لسهيل من ذلك ولانفراده قال الشّاعر:
أراقب لوحا من سهيل كأنّه ... إذا ما بدا من آخر اللّيل يطرف ... يعارض عن مجرى النّجوم وينتحي ... كما عارض الشّول البعير المؤلف
ولو بيضه وشعاعه وانفراده. قال الآخر يصف ثورا شعرا:
خبّأت عذوبا للسّماء كأنّه ... قريع هجان يتبع الشّول جافر
شبّهه في انفراده بفحل انقطع عن الضّراب فتنحّى عن الإبل ولتوهّجه قال الآخر:
حتّى إذا شال سهيل بسحر ... كعشوة القابس ترمي بالشّرر
وطلوعه بالعراق لأربع ليال بقين من آب وذلك مع طلوع الزّبرة، ويطلع بالحجاز لأربع عشرة ليلة تمضي من آب مع طلوع الجبهة. قال الشّاعر شعرا:
إذا أهل الحجاز رأوا سهيلا ... وذلك في الحساب بشهر آب
ويسمّى سهيل كوكب الخرقاء. قال الشّاعر:
إذا كوكب خرقاء لاح بسحرة ... سهيل أذاعت غزلها في القرائب
يريد أنّ الخرقاء لعبت صنعها، وضيّعت وقتها، ولم تغزل، فلمّا طلع سهيل وجاء الشّتاء وضاق الوقت استغزلت قرابها، وفي نحوه قال الآخر شعرا:
علّك أن تنسجي وتدأبي ... إذا سهيل فاق كلّ كوكب ... فتعلّمي قرضك غير معجب
وإذا طلع مغرب الشّمس استبدلت الإبل الأسنان قال:
(1/553)
علّك أن تنسجي وتدأبي ... إذا سهيل فاق كلّ كوكب ... فتعلّمي قرضك غير معجب
وإذا طلع مغرب الشّمس استبدلت الإبل الأسنان قال:
إذا سهيل مغرب الشّمس طلع ... فابن اللّبون الحق والحق جذع
وفي مجرى سهيل كوكبان يقال لهما: حضار والوزن وهما يطلعان قبل سهيل ومن كلامهم حضار والوزن محفان.
وذلك أنه إذا طلع أحدهما فرآه الرّائي قال لصاحبه: طلع سهيل فيقول صاحبه: ليس بسهيل فيتماريان حتى يحلفا، فلا بدّ من حنث أحدهما، وإذا كان الشيء يعرض فيه الشّك كثيرا قيل: إنه لمحلف ومحنث، ولذلك قيل كميت محلف قال:
كميت غير محلفة ولكن ... كلون الصّرف غلّ به الأديم
وهنالك أيضا الفرود وهي كواكب صغار عند حضار. قال الشّاعر:
أرى نار ليلى بالعقيق كأنّها ... حضار إذا ما أعرضت وفرودها
وذكر ابن الأعرابي أنّ في مجرى قدمي سهيل من خلفهما كواكب زهر ألا ترى بالعراق يسمّيها أهل تهامة الأعيار.
وبعد السّعود الأربعة المذكورة في منازل القمر، سعود ستّة متناسقة في جهة الدّلو كلّ سعد منها كوكبان، بينهما كنحو ما بين سعود المنازل، وهي أربعة، وهي كواكب خفيّة غير نيّرة، فأوّلها سعد ناشرة، وهو أسفل من سعد الأخبية وهو يطالع الشّرطين أي يطلع مع طلوعه.
وعلى أثره سعد الملك ثم سعد البهام، ويقال له: مربق البهام، وأسفل منه كواكب صغار تسمّى: الرّبق، والرّبق: حبل يمد بين وتدين يربق إليه البهم، وعلى إثره سعد البارع ثم سعد مطر.
وروى ابن الأعرابي عن العرب في الكواكب اليمانية أشياء، قال: سهيل اليمن وتحته سهيل بلقين وهو غير حضار وغير الوزن، وقال: فيما بين الفرد وبين زباني العقرب الخباء.
قال أبو حنيفة: إن كان عنى بالخباء عرش السّماك فذاك، وإلّا فليس هناك خباء غيره، وقال: على أثر الخباء كواكب يقال لها: الشّراسيف وهي كواكب مستطيلة مثل الحبل.
وقال: بين الشّراسيف والخباء كواكب مستديرة متبدّدة على غير نظام يقال لها:
المعلف. قال: وبعد المعلف: الشّماريخ.
ووراء القبة الصّردان، أحدهما يجري قريبا من الأفق والآخر فوقه بحياله. قال:
وخلف الصّرد الأعلى اليمامتان: وبينهما وبين الصّردين في رأي العين نحو من عشرين
ذراعا. قال: وهنالك: القطا، وهي كواكب متقاطرة كتقاطر القطاء وهي كواكب غير نيّرة إلّا كوكبان.
(1/554)
وخلف الصّرد الأعلى اليمامتان: وبينهما وبين الصّردين في رأي العين نحو من عشرين
ذراعا. قال: وهنالك: القطا، وهي كواكب متقاطرة كتقاطر القطاء وهي كواكب غير نيّرة إلّا كوكبان.
قال: وثم الظّليمان فوق ذلك وهما كوكبان نيّران بينهما في رأي العين إذا استويا في السّماء قدر مائة ذراع وبينهما الرّال.
وقال السّفينة كواكب خفيّة متتابعة متقدمها عند سعود البهائم ومؤخّرها السّمكة.
وقال: في مقدّمها الضّفدع الأوّل في مؤخرها الضّفدع الآخر.
فهذا ما أردنا ذكره من مشاهير الكواكب.
تم الباب وبتمام هذا الباب تم الكتاب ولله الحمد بلا عدد. وعلى المصطفى محمد، وآله وأزواجه وذريّاته وأصهاره وأصحابه وأنصاره أبد الأبد صلوات ورضوان وسلام وغفران.
فرغت منه ضحوة يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة، حامدا الله تعالى على نعمه وأياديه الظّاهرة والباطنة، ومصلّيا على أنبيائه ورسله ومسلما.
قال الشّيخ أبو علي المرزوقي رحمه الله هذا الفصل خاتما به كتابه حرس الله ما خوّلك من الشّتات، وحفظ ما نوّلك من عارض الانبتات، وأعانك في طلب الأدب على الازدياد. ووفقك في سائر متصرّفاتك لصلاح البدء والمعاد.
قد سهّل الله تعالى وله المنّ ما تمنيت بلوغه من الفراغ من كتاب الأزمنة فجاء على حدّ من الكمال، طاب له العيش وخفّ على النّفس فيه التّعب، وما أدّاني إلى ذلك إلا لطيف هداية الله تعالى جدّه وكريم كفايته، فبهما اشتدّ أزري واستبد ما اختلّ من خاطري وذهني، فأمّا ما كنت أشكوه من قبل حتى استطيلت مدة الانتظار في عمله، فلما ألزم حواملي وجوارحي من الضّعف العارض والوهن الحادث، وقد أبدل الله تعالى على كريم عادته به استجمام الأمل في زواله واستحكام الطّمع في انحسامه على تطوّل الله المعول في تحقيق المرجو وهو حسبنا وحده ونعم الوكيل.
واعلم أنّ هذا الكتاب ينقسم أقساما ثلاثة وهذا الحكم يتناول جماهير أبوابه وفصوله لا يختصّ به بعض دون بعض.
أحدها: التّنبيه على نعم الله جل جلاله فيما نصب للمكلّفين في آناء اللّيل والنّهار من الأدلّة الواضحة والحكم البالغة، وأفادهم فيما سخّره لهم وأعانهم به في جوانب البر والبحر من النّعم الظّاهرة والباطنة قولا وفعلا وجملا وتفصيلا في بداهة العقل، وعلى ألسنة الرّسل
فإنّ صلة إحدى النّعمتين بالأخرى فيهما كصلة الإبصار بالضّوء والأنفاس بالجو وكما هدى إلى الاستدلال بالشّاهد على الغائب وبالجلي على الخفي، وكثر ما أشرت إليه يمرّ عليه المارّون، وهم عنها معرضون.
(1/555)
أحدها: التّنبيه على نعم الله جل جلاله فيما نصب للمكلّفين في آناء اللّيل والنّهار من الأدلّة الواضحة والحكم البالغة، وأفادهم فيما سخّره لهم وأعانهم به في جوانب البر والبحر من النّعم الظّاهرة والباطنة قولا وفعلا وجملا وتفصيلا في بداهة العقل، وعلى ألسنة الرّسل
فإنّ صلة إحدى النّعمتين بالأخرى فيهما كصلة الإبصار بالضّوء والأنفاس بالجو وكما هدى إلى الاستدلال بالشّاهد على الغائب وبالجلي على الخفي، وكثر ما أشرت إليه يمرّ عليه المارّون، وهم عنها معرضون.
والثّاني: التّذكير بحكم العرب في لغاتهم وآدابهم وعاداتهم ومآربهم مع تلاحق أقطارهم وتضايق أوطانهم ورضاهم بالعفو من مقاماتهم ومآبهم على اختلاف أسبابهم وطرقهم، واقتنان هممهم ووجههم هذا إلى ما خصّوا به من الفضائل دون الأمم، وتوحّدوا به من جلائل المنح والنّعم، وفوائد هذين القسمين في الاتّساع كالشّمس في ضيائها والرّيح في هبوبها يتكافأ في نيل الحظ منهما المحب والكاره، ويعترف بهما إذا أنصف المسلم والمعاند.
والثّالث يحوي لمعا من الأشعار وغررا من النّوادر والآثار اقتضى ذكرها مناسبتها للأزمان التي هي من همّنا وفرضنا على أنفسنا الوقوف تحت ظلّها، ولو تقصّينا أبوابها لفني العمر وبقي منه الكثير فتطرّفنا منها ما تطرّفنا إيذانا بأنّ الغفلة لم تحل دونها ولئلا تخلو تضاعف الأبواب من بعضها فليعذر النّاظر فيه هذا الكتاب. إذا انتهى إلى المواضع التي أشرنا إليها متصوّرا حالنا، وليحذر إلحاق الغائب بنا، ففي مستحسنه إن شاء الله ما يشغل عن مستهجنه، والشّمس يطمس نورها ما أحاط من الكواكب بها وقد قيل: لكلّ حسناء ذامّ.
واعلم أنّ من حقّ المصنّف إذا جمع الأصول بحقائقها واستوفى الفروع بلواحقها أن يمنع الخاطر من تجاوز الأنس بالميسور، إلى وحشة المعسور، ويدفع الهاجس من الخروج عن مساعدة الألوف إلى مشامسة الثّغور، حرصا على بلوغ غاية شأوه لا يلحقها، ودفعا في وجه ممكنة جهده لا يحيط إلا بها، لأنّ التّحفظ مع الإقلال أقرب وهو مع الإكثار أبعد ونصرة الرّأي في مجاذبة الهوى حصن من النّدامة وأمن من الملامة، ولأنّ البليغ وإن كان مؤيدا في خصله مسددا في نقده، يصحب التّثبت ويجتنب التّجوّز لا يعجزه ما غاب ولا يغلبه ما راب، فمن الواجب عليه أن يجتنب الاستبداد عند الاستعداد ويحاذر الملال قبل حصول الكلال، لأنّ من عاف مصادر الغرور لم يركن إلى موارد الحبور فتراه يصافح المذموم بيد الاحتقار متهاتفا فيطرحه، ويكافح المرذول بسيف القباحة متأنفا فيتنزّه عنه وترك الشّر قبل الاختيار أفضل من ملابسة على الاغترار والأدب حبس العقول، والتأدّب اكتساب القلوب والاستنباط جوالب الأفكار، والبحث عن المكامن بأداة البصائر والأبصار، ولكلّ منها أسباب مكرمة وأعلام مرفعة يسيره كاسب الجمال وكثيره كاسي الجلال ولا غرو فإنّ السّجايا تدخلها المتاجرة والمرابحة، فمنها ما هو أمحض من الكرم وأنزه من الدّنس وفي الثّناء الباقي الدّهر خلف من نفاد العمر.
(1/556)
واعلم أنّ من حقّ المصنّف إذا جمع الأصول بحقائقها واستوفى الفروع بلواحقها أن يمنع الخاطر من تجاوز الأنس بالميسور، إلى وحشة المعسور، ويدفع الهاجس من الخروج عن مساعدة الألوف إلى مشامسة الثّغور، حرصا على بلوغ غاية شأوه لا يلحقها، ودفعا في وجه ممكنة جهده لا يحيط إلا بها، لأنّ التّحفظ مع الإقلال أقرب وهو مع الإكثار أبعد ونصرة الرّأي في مجاذبة الهوى حصن من النّدامة وأمن من الملامة، ولأنّ البليغ وإن كان مؤيدا في خصله مسددا في نقده، يصحب التّثبت ويجتنب التّجوّز لا يعجزه ما غاب ولا يغلبه ما راب، فمن الواجب عليه أن يجتنب الاستبداد عند الاستعداد ويحاذر الملال قبل حصول الكلال، لأنّ من عاف مصادر الغرور لم يركن إلى موارد الحبور فتراه يصافح المذموم بيد الاحتقار متهاتفا فيطرحه، ويكافح المرذول بسيف القباحة متأنفا فيتنزّه عنه وترك الشّر قبل الاختيار أفضل من ملابسة على الاغترار والأدب حبس العقول، والتأدّب اكتساب القلوب والاستنباط جوالب الأفكار، والبحث عن المكامن بأداة البصائر والأبصار، ولكلّ منها أسباب مكرمة وأعلام مرفعة يسيره كاسب الجمال وكثيره كاسي الجلال ولا غرو فإنّ السّجايا تدخلها المتاجرة والمرابحة، فمنها ما هو أمحض من الكرم وأنزه من الدّنس وفي الثّناء الباقي الدّهر خلف من نفاد العمر.
تقريظ وجد آخر الأصل
بسم الله براعة الاستهلال، والتّخلص بالصّلاة على محمد رسوله والآل. ثم براعة الختام عليه وعلى آله وصحبه السّلام، وبعد فمن قابل أبواب هذا الكتاب وسلك أرجاءه المطرزة بالآداب وجد حديقة موشّحة ببديع الطّريقة، مرصّعة بدراري البيان موشّعة بلوامع التّبيان، مرشحة بعقود اللآلئ، مدبّجة كالغزالي، منسجمة الألفاظ والمعاني، موزونة الأركان والمباني، مطيبة بأفواه البلاغة، مسوّرة بلجين لا لجين الصّناعة، فكأنّ بانيها قد خطّها في ذهنه الوقّاد قبل الشّروع، ومهّد أصولها لاستنباط الفروع ثم أسّسها بأساس التّحقيق، ورفعها بلبن التّدقيق، وزيّنها بمصابيح الفصاحة، وأنارها بثوابت السّماحة، حتى أتت جنة عالية، قطوفها دانية، فيها أعين فوائد جارية، وحور خرائد لقلوب المدنفين فارية، وموائد للمعاني وللمعاني قارية، وغرائب لم تكن على الأفئدة طارئة، وطرائق للسّالكين واضحة كافية، ودبارق لقلوب العاشقين فنون البلاغة شافية، بيد أنها جامعة للّغة الغريبة، والنّكت العجيبة وخرائد الأذهان الحصان، التي لم يطمثهن أنس قبله ولا جان، فبخّ له من لوذعي نحرير، وألمعي تنقيح وتقرير، ما أرشق براعة استهلاله وتخلّصه، وما أوفق حسن مقطعة وتربّصه، إلى أن حافظ على براعة الختام، بأوقات الصّلاة بخير اهتمام، وجعلها تذكرة مدة الأعوام والأيام، وها أنا أختم بالسّلام على سيّدنا محمد خير الأنام، وعلى آله الأعلام وخير صحبه الماسكين زمام الإسلام.
(1/557)
فهرس كتاب الأزمنة والأمكنة
(1/559)
الفهرس المقدمة 3
مقدمة المصنف 5
ذكر أبواب الأزمنة والأمكنة، وفصولها 15
الباب الأول 19
فصل في بيان النسيء 67
فصل في تأويل أخبار مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وبيان ما يحمد ويذم من معتقدات العرب في الأنواء والبوارح 69
فصل آخر في جواب مسائل للمشبهة من الكتاب والسنة مما تستدل به المشبه 76
فصل في تبيين المحكم والمتشابه 81
فصل الاستدلال بالشاهد على الغائب 86
فصل في أسماء الله وصفاته وأحكامه (وبيان الأصوات كيف تكون حروفا، والحروف كيف تصير كلاما) 88
الباب الثاني: في ذكر أسماء ومعان للزمان والمكان، ومتى تسمى ظروفا، ومعنى قول النحويين الزمان وإبطال الفاسد منها وما يتعلق بذلك وفصوله أربعة: 101
فصل في ماهية الزمان 103
الباب الثالث: ويشتمل على بيان الليل والنهار على فصول من الأعراب يتعلق بهما وهي ظروف الفصل الأول 113
الباب الرابع: في ذكر ابتداء الزمان وأقسامه والتنبيه على مبادئ السنة في المذاهب كلها وما يشاكل ذلك من تقسيمها على البروج 120
الباب الخامس: في قسمة الأزمنة ودورانها واختلاف الأمم فيها 126
(1/561)
الباب السادس: في ذكر الأنواء، واختلاف العرب فيها، ومنازل القمر، مقسمة الفصول على السنة وأعداد كواكبها وتصوير مأخذها ضارة ونافعة 132
فصل في بيان الاختلاف الواقع بين العرب في أوقات الأنواء والكلام في الضيقة 146
الباب السابع: في تحديد سني العرب والفرس والروم وأوقات فصول السنة 150
الباب الثامن: في تقدير أوقات التهجد التي ذكرها الله تعالى في كتابه عن نبيه والصحابة ويبين ما يتصل بها من ذكر حلول الشمس البروج الاثني عشر 154
الباب التاسع: في ذكر البوارح والأمطار، مقسمة على الفصول والبروج، وفي ذكر المراقبة 160
الباب العاشر: في ذكر الأعياد، والأشهر الحرم، والأيام المعلومات، والأيام المعدودات، الصلاة الوسطى 165
الباب الحادي عشر: في ذكر سحر وعدوة وبكرة وما أشبهها، والحين والقرن والآن وإيان وأوان والحقبة والكلام في إذ وإذا وهما للزمان وما أشبهها 172
فصل في المحدود من الزمان وغير المحدود 175
الباب الثاني عشر: في لفظ أمس وغد والحول والسنة والعام وما يتلو تلوه، ولفظ حيث وما يتصل به والغايات كقبل وبعد وذكر أول وحينئذ وقط ومنذ ومذ وإذ المكانية 180
الباب الثالث عشر: فيما جاء مثنى من أسماء الزمان والليل والنهار، ومن أسماء الكواكب وترتيب الأوقات وتنزيلها 189
فصل في ترتيب الأوقات وتنزيلها 193
الباب الرابع عشر: في أسماء الأيام على اختلاف اللغات ومناسبات اشتقاقها وتثنيتها وجمعها 199
الباب الخامس عشر: في أسماء الشهور على اختلاف اللغات، وذكر اشتقاقاتها، وما يتصل بذلك من تثنيتها وجمعها وهو فصلان 205
الباب السادس عشر: في أسماء الدهر وأقطاعه، وما يتصل بذلك وهو فصلان 214
الباب السابع عشر: في أقطاع الدهر وأطراف النهار والليل وطوائفهما وما يضارعهما من أسماء الأمكنة أو يداخلها من ذكر الحوادث فيها. وهو ثلاثة فصول 221
الباب الثامن عشر: في اشتقاق أسماء المنازل والبروج وصورها، وما يأخذ مأخذها والكواكب السبعة وهو فصلان 230
فصل في بيان الكواكب السبعة 236
الباب التاسع عشر: في أقطاع الليل وطوائفه وما يتصل به ويجري مجراه 239
(1/562)
الباب العشرون: في أقطاع النهار وطوائفه وما يتصل به ويجري مجراه 247
الباب الحادي والعشرون في أسماء السماء والكواكب والفلك والبروج وهو ثلاثة فصول 255
فصل 255
فصل 258
فصل في بيان امر المجرة وشرح بعض أحوالها 260
الباب الثاني والعشرون في برد الأزمنة ووصف الأيام والليالي به 263
فصل فيما وضع على السنة البهائم 269
الباب الثالث والعشرون في حر الأزمنة ووصف الليالي والأيام به 271
الباب الرابع والعشرون في شدة الأيام ورخائها وخصبها وجدبها وما يتصل بها 276
الباب الخامس والعشرون في أسماء الشمس وصفاتها وما يتعلق بها 285
الباب السادس والعشرون في أسماء القمر وصفاته وما يتصل بها من أحواله 294
فصل 294
فصل في أسماء ليال من أول الشهر 300
الباب السابع والعشرون في ذكر أسماء الهلال من أول الشهر إلى آخره وما ورد عنهم فيها من الاسجاع وغيرها 302
الباب الثامن والعشرون في ذكر أسماء الأوقات لأفعال واقعة في الليل والنهار وأسماء لأفعال مختصة بأوقات في الفصول والأزمان 306
الباب التاسع والعشرون في ذكر الرياح الأربع وتحديد مهابها وما عدل عنها 314
الفصل الأول 314
الفصل الثاني في تبيين ما ذكر من كلام الأوائل في ذلك 321
الباب الثلاثون في أسماء المطر وصفاته وأجناسه 323
الفصل الأول 323
الفصل الثاني في علة ما ذكرنا من كلام الأوائل 327
الباب الحادي والثلاثون في السحاب وأسمائه وتحليه بالمطر 329
فصل 329
فصل في كلام الأوائل يتبين منه حال الأندية والأمطار والعيون والانهار وغيرها 334
الباب الثاني والثلاثون في الرعد والبرق والصواعق وأسمائها وأحوالها 336
فصل 336
فصل في الرعد والبرق والسحاب من كلام الأوائل 339
(1/563)
الباب الثالث والثلاثون في قوس قزح وفي الدائرة حول القمر 341
فصل في قوس قزح 341
فصل في كلام الأوائل في البرد والطل والدمق 343
فصل في أسباب الطل 344
الباب الرابع والثلاثون في ذكر المياه والنبات مما يحسن وقوعه في هذا الباب 345
فصل 345
الباب الخامس والثلاثون في ذكر المراتع المخصبة والمجدبة والمحاضر والمبادي 351
فصل 351
فصل في ذكر ما كانت العرب تفعله وقت إمساك القطر 354
الباب السادس والثلاثون في ذكر أحوال البادين والحاضرين 355
الباب السابع والثلاثون في ذكر الرواد وحكاياتهم 360
فصل 360
فصل في ذكر مواقعهم ومسارحهم 364
الباب الثامن والثلاثون في ذكر الوراد ومن جرى مجراهم من الوفود 368
الباب التاسع والثلاثون في السير والنعاس والميح والاستسقاء ورد المياه 376
الباب الأربعون في أسواق العرب 382
الباب الحادي والأربعون في ذكر مواقيت الضراب والنتاج وأحوال الفحول في الإلقاح والغرور وما يتسبب من جميع ذلك حالا بعد حال بقدرة الله وارادته 386
الباب الثاني والأربعون فيما روى من اسجاع العرب عند تجدد الانواء والفصول وتفسيرها 395
فصل 395
فصل 401
الباب الثالث والأربعون في ذكر العيافة والقيافة والكهانة 402
فصل 402
فصل 402
فصل في القيافة والعيافة 412
الباب الرابع والأربعون في ذكر ما ابهم من الأوقات حتى لا يتبين للسامع حاله وما شرح منها 416
الباب الخامس والأربعون في الاهتداء بالنجوم وجودة استدلال العرب واصابتهم في
أمهم 420
(1/564)
الباب الخامس والأربعون في الاهتداء بالنجوم وجودة استدلال العرب واصابتهم في
أمهم 420
الباب السادس والأربعون في صفة ظلام الليل واستحكامه وامتزاجه 428
الباب السابع والأربعون في صفة طول الليل والنهار وقصرهما وتشبيه النجوم بها 434
الباب الثامن والأربعون في ذكر السراب ولوامع البروق ومتخيلات المناظر ووصف السحاب 442
الباب التاسع والأربعون في تذكر طب الزمان والتلهف عليه والحنين إلى الآلاف والأوطان 449
الباب الخمسون في ذكر أنواع الظل وأسمائه ونعوته 458
الباب الحادي والخمسون في ذكر التاريخ وابتدائه والسبب الموجب له وما كانت العرب عليه لدى الحاجة إليه في ضبط آماد الحوادث والمواليد 464
فصل 464
فصل في حكام العرب في الجاهلية 468
فصل في أوقات التاريخ 469
الباب الثاني والخمسون فيما هو متعالم عند العرب ومن داناهم، وأدركوها بالتفقد وطول الدرية ولم يدخل في اسجاعهم 474
الباب الثالث والخمسون في انقلاب طبائع الأزمنة وثباتها وامتزاجها والاستكمال والامتحاق وازمان مقاطع النجوم في الفلك ومعرفة ساعات الليل من رؤية الهلال ومواقيت الزوال على طريق الاجمال 483
الباب الرابع والخمسون في اشتداد الزمان بعوارض الجدب وامتداده بلواحق الخصب 488
الباب الخامس والخمسون في حد ما يشتمل على ذكر ما في اعرابه نظر من حديث الزمان 495
الباب السادس والخمسون في ذكر الكواكب اليمانية والشامية وتميز بعضها عن بعض وذكر ما يجري مجراه من تفسير الألقاب 506
الباب السابع والخمسون في ذكر الفجر والشفق والزوال ومعرفة الاستدلال بالكواكب وتبيين القبلة 510
فصل في صرف القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة 513
الباب الثامن والخمسون في معرفة أيام العرب في الجاهلية وما كانوا يحترفونه ويتعايشون منه. وذكر ما انتقلوا إليه في الإسلام على اختلاف طبقاتهم 515
الباب التاسع والخمسون في ذكر أفعال الرياح لواقحها وحوائلها وما جاء من خواصها في هبوبها وصنوفها 523
(1/565)
الباب الستون في ذكر الأوقات المحمودة للنوء والمطر وسائر الأفعال وذكر ما يتطير منه أو يستدفع الشر به 528
الباب الحادي والستون في ذكر الاستدلال بالبرق والحمرة في الأفق وغيرهما على الغيث 538
الباب الثاني والستون في الكواكب الخنس وفي هلال شهر رمضان 542
الباب الثالث والستون في ذكر مشاهير الكواكب التي تسمى الثابتة 545
التقريظ المكتوبة على الأصل 557.
(1/566)