مقدمة الدكتور
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه المبين {فَلَوْلََا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} والصلاة والسلام على سيد المرسلين القائل:
«من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين» وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فإن نظرة واحدة إلى علمائنا الأقدمين يتبين منها أن كل واحد منهم لم يكن مقتصرا في علمه على إتقان علم واحد، بل نرى أن كل واحد منهم يحتوي على مجموعة علوم فهو موسوعة علمية يرجع إليه في كل علم من العلوم الشرعية، بل لا يقتصر عليها في كثير من الأحايين فهو المفسر والأصولي والفقيه والعالم باللغة والمنطق والفلسفة، بل وفي الرياضيات والفلك، فإن كنت أيها الباحث في شك من ذلك فارجع إلى كتبهم التي ذخرت بها المكاتب شرقا وغربا وامتلأت وأصبحت موئلا لطلاب العلم في مختلف الموادّ وهي تقول بلسان حالها:
هذه آثارنا تدلّ علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
والشيخ الذي أرادت الأخت الباحثة السيدة امتثال الصغير أرادت أن تحقق كتابا من كتبه الكثيرة هو الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي وهو أحد
العلماء البارزين المشار إليه في عصره بالبنان والذي استفاد منه أهل عصره في مختلف العلوم ولقد قال عنه الأستاذ خير الدين الزركلي في كتابه (الأعلام) عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي شاعر عالم بالدين والأدب، مكثر من التصنيف متصوف، ولد ونشأ في دمشق، ورحل إلى بغداد وعاد إلى سورية فتنقل في فلسطين ولبنان، وسافر إلى مصر والحجاز، واستقر في دمشق وتوفي فيها.(1/3)
هذه آثارنا تدلّ علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
والشيخ الذي أرادت الأخت الباحثة السيدة امتثال الصغير أرادت أن تحقق كتابا من كتبه الكثيرة هو الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي وهو أحد
العلماء البارزين المشار إليه في عصره بالبنان والذي استفاد منه أهل عصره في مختلف العلوم ولقد قال عنه الأستاذ خير الدين الزركلي في كتابه (الأعلام) عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي شاعر عالم بالدين والأدب، مكثر من التصنيف متصوف، ولد ونشأ في دمشق، ورحل إلى بغداد وعاد إلى سورية فتنقل في فلسطين ولبنان، وسافر إلى مصر والحجاز، واستقر في دمشق وتوفي فيها.
له مؤلفات كثيرة جدا منها: (الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية) و (تعطير الأنام في تعبير المنام) و (ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث) فهرس لكتب الحديث الستة، و (علم الفلاحة) و (نفحات الأزهار على نسمات الأسحار) و (إيضاح الدلالات في سماع الآلات).
ثم سرد له كتبا كثيرة منها شرح أنوار التنزيل للبيضاوي وشرح المقدمة السنوسية، ورشحات الأقلام في شرح كفاية الغلام في فقه الحنفية، وقال في ذيل ترجمته: وأخبرني السيد أحمد خيري أنه أحصى له ثلاثا وعشرين ومائتين مصنفا.
هذا والكتاب الذي اختارت الأخت الباحثة تحقيقه والتعليق عليه هو كتاب (مائة مسألة وأجوبتها) فأنت ترى أن هذا الكتاب لم يكن مقتصرا على مسائل فقهية فقط أو على مسائل نحوية فقط بل إنه تناول مسائل تتعلق بالحديث والتفسير والعقيدة وغير ذلك.(1/4)
هذا ولقد رافقت الأخت الباحثة في جميع مراحل إعدادها لهذا الكتاب فوجدت فيها خلق الفتاة الباحثة المجدة النشيطة الصبورة مما يجعلني أن أرجو لها مستقبلا علميا زاهرا يستفيد من جهدها كل من رغب في الاستزادة من العلوم الشرعية والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.
د. مصطفى سعيد الخن(1/5)
د. مصطفى سعيد الخن
المقدمة:
الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله، الذي أرسله للناس ليكون شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
وبعد:
فقد قال الله تعالى: {إِنَّ هََذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] وقال صلّى الله عليه وسلّم يصف القرآن الكريم: «فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل، ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، هو حبل الله المتين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصّراط المستقيم، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرّدّ، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتّى قالوا:
{إِنََّا سَمِعْنََا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 21]، من قال به صدّق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم» (1).
مرت على الإنسانية حين من الدهر وهي تتخبط في الضلال، وتسير في
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب ما حاء في فضل القرآن رقم: 2906.(1/6)
غمرة من الأوهام، واضطراب في الأخلاق، وتنازع في الأهواء، ثم أراد الله لهذه الإنسانية المعذبة أن ترقى بروح من أمره، وتسعد بوحي السماء، فأرسل إليها على حين فترة من الرسل رسولا اختاره أمينا على وحيه، مبينا لكتابه، هاديا لخلقه، رحيما لعباده.
ذلك هو محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام نبي الرحمة ومبدد الظلمة، وكاشف الغمة.
أرسله الله تعالى إلى هذه الإنسانية الشقية، ليزيل شقوتها ويضع عنها إصرها والأغلال التي في أعناقها، وأنزل عليه كتابا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم، وجعل له منه معجزة باهرة، شاهدة على صدق دعوته، مؤيدة لحقيقة رسالته، فكان القرآن هو الهداية والحجة، هداية الخلق وحجة الرسول.
سعد المسلمون بهذا الكتاب الكريم ووصل إلى قلوبهم، وتملك عليهم حسهم ومشاعرهم، ولم يعرض عنه إلا نفر قليل، إذ كانت على القلوب منهم أقفالها، ثم لم يلبث أن دخل الناس في دين الله أفواجا.
علم المسلمون وتأكدوا أنه لا شرف إلا والقرآن سبيل إليه، ولا خير إلا وفي آياته دليل عليه، فأخذوا يتدبرون آياته ليأخذوا من مضامينها ما فيه سعادة الدنيا وخير الآخرة.
وكان القوم عربا خلّصا، يفهمون القرآن، ويدركون معانيه بمقتضى سليقتهم العربية.(1/7)
وكانت لهم وقفات أمام بعض النصوص القرآنية التي دقت مراميها وخفيت معانيها، فكانوا يرجعون في مثل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكشف لهم ما كان غامضا عليهم وما خفي عن إدراكهم، وهو الذي عليه البيان كما أن عليه البلاغ، والله تعالى يقول له: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
بقي المسلمون على هذا الحال يفهمون القرآن على حقيقته وصفائه، ويعملون به على بينة من هديه وضيائه، فكانوا أقوياء أعزاء كرماء، حتى دانت لهم الشعوب وخضعت لهم الدول.
ثم خلف من بعدهم خلف تفرقوا في الدين شيعا، وأحدثوا فيه بدعا، وكانت فتن كقطع الليل المظلم، لا خلاص منها إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله، ولا نجاة من شرها إلا بالتمسك بالقرآن، وهو حبل الله المتين.
ولقد عني المسلمون فيما بعد بدراسة وتحقيق الكتب التي قام فيها أسلافنا في التفسير وعلوم القرآن وفي علوم شتى، فأحببت أن أقدم للمكتبة الإسلامية تحقيقا لكتاب عنوانه: الأجوبة على المائة وواحد وستين سؤالا.
وسبب اختياري هذا الكتاب:
هو التعرف على بعض محتويات هذه الكتب التي ضاعت، أو التي ركنت على رفوف مكتبات متفرقة في بلاد شتى. إضافة إلى حاجة الباحثين لمثل هذه الأجوبة التي كان المؤلف رحمه الله الأستاذ النابلسي قد سئلها في مدينة نابلس في رحلته إلى فلسطين.(1/8)
ولا يستطيع المرء أن يغفل الوضوح الذي قدم به النابلسي مادته، ولا غرابة في ذلك، فالكتاب أجوبة على أسئلة في علوم شتى ولأن أكثر الأسئلة لها تتعلق بالتفسير وعلوم القرآن الكريم، وقد عني بالإجابة عن أسئلة تتعلق باللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة، وهي تقع في أكثر من ثلاثين سؤالا، وكان فيها أسئلة في الفقه، والعقيدة، والمنطق، والقراءات، والحديث، والتصوف.
لذلك فإن هذا الكتاب مفيد للطلاب الباحثين، ولكل من له اهتمام بالعلوم الإسلامية.
وصف النسخ:
1 - تعتبر هذه الرسالة تحقيقا لرسالة الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى.
2 - وجدت في مكتبة الأسد الوطنية نسختين للمخطوط.
3 - النسخة الأولى نسخة قيمة بخط المؤلف كتبها سنة 1112هـ تحمل رقم 4009أول المجموع من صفحة [641] ق 19سم 21* 15، السؤال والجواب بالحمرة، ووضعت خطوط فوق بعض الكلمات بالحمرة. وخطها خال من الشكل.
والخط نسخ معتاد أولها الحمد لله
رمزت لها ب (أ) وجعلتها الأصل.
والنسخة الثانية تحمل الرقم أيضا (4009) ضمن مجموع 31 (149119) الأسطر 34القياس 22* 16سم.
البداية: السؤال الأول: هل كان جبريل يأتي الأنبياء.(1/9)
النهاية: أبو بكر الأخرمي نسبته النابلسي أي المنسوب إلى بلدة نابلس من أعمال بيت المقدس. الشافعي.
نسخة ملفقة وكتبت بأكثر من خط وأكثر من حبر، لعلها مسودة المؤلف وأما الخط الآخر، فقليل يغلب على الرسالة خط الشيخ النابلسي، وقد وجدت الرسالة مبيضة وأنيقة في أول المجموع كما أشرت والخط في النسخة الثانية التي أشرت لها بالرمز (ب) فارسي.
منهج التحقيق:
أما فيما يخص التحقيق فقد اتبعت فيه منهجا علميا، وكنت في كل خطوة من خطوات البحث استعين بالله تعالى، وأبذل جهدي صابرة حينا مصابرة أحيانا، حتى إذا قدرت أنه استوفى حقه شرعت في صياغته وكتابته، فإذا كان ما قدرته صحيحا فهذا فضل من الله تعالى، وإذا أصاب عملي تقصير فحسبي أني أخلصت النية، وصدقت العمل.
وقال تعالى: {وَمََا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلََّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]
اتبعت في تحقيقي لهذا الكتاب الخطوات التالية.
1 - اعتمدت النسخة (أ) والتي وقعت تحت يدي أصلا، وعارضت بها ما في النسخة (ب) ولم أشر إلى الفوارق التي بين النسختين لقلتها، ولعدم الفائدة في ذكرها.
2 - رجعت إلى ما استطعت الرجوع إليه من الأصول الخطية والمطبوعة
التي نقل عنها الشيخ النابلسي، وعارضته بالأصل، وأشرت إلى موضعه ورقمه إن كان مخطوطا ورقم الصفحة، ورقم الجزء ورقم الصفحة والفصل إن كان مطبوعا.(1/10)
2 - رجعت إلى ما استطعت الرجوع إليه من الأصول الخطية والمطبوعة
التي نقل عنها الشيخ النابلسي، وعارضته بالأصل، وأشرت إلى موضعه ورقمه إن كان مخطوطا ورقم الصفحة، ورقم الجزء ورقم الصفحة والفصل إن كان مطبوعا.
ولما كان أكثر اعتماده في النقل عن كتب منها ما زال مخطوطا حتى الآن فقد وجدت صعوبة كبيرة في الرجوع إليها ومثال ذلك اعتماده كثيرا في المسائل التي سئل عنها في اللغة العربية إلى حاشية شرح قواعد الإعراب للشيخ أبو بكر الشنواني على شرح قواعد الإعراب للشيخ خالد الأزهري وهو مخطوط ويحمل رقم (14237) المسماة هداية أولي الألباب إلى موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب.
3 - ضبطت الكتاب ضبطا وافيا أزال اللبس والإشكال.
4 - ترجمت للأعلام الواردة في الكتاب، وذكرتها في الهامش عند ورودها في الكتاب لأول مرة. ولم أكررها لكثرتها، ولكن أشرت إلى مكان وجودها أول مرة.
5 - قمت بكتابة بعض الكلمات على الطريقة الإملائية المتعارف عليها الآن، مع أن المؤلف لم يكتبها كذلك.
6 - قمت بعزو الآيات القرآنية إلى أماكنها في القرآن الكريم، فكتبت في الحاشية اسم السورة ورقم الآية وتتمة الآيات عند ذكر بعضها أما إذا كانت الآية طويلة فكنت أكتفي بتدوين ما يتم به المعنى ويتضمن وجه الاستشهاد.(1/11)
7 - قمت بتخريج الأحاديث التي استدل بها المؤلف، ورجعت بها إلى مظانها من كتب السنة وتممت الأحاديث القصيرة.
8 - قدمت تعريفا بالكتب التي ذكرها النابلسي فأشرت إلى المفقود منها، أو المخطوط أو المطبوع أو الكتب النادرة التي لم أستطع الحصول عليها.
أما الكتب المطبوعة التي بين يدي فبالطبع لا حاجة إلى التعريف بها.
9 - وضحت الكلمات الغامضة التي لم يشرحها النابلسي في المتن فقمت بشرح الكلمات الصعبة ليتضح معناها فقمت بتفسيرها في الحاشية من المعاجم اللغوية وشروح غريب الحديث كالنهاية لابن الأثير.
10 - أما فيما يخص الشواهد الشعرية فقد كانت قليلة فعمدت إلى تخريجها من كتب النحو كشروح الألفية، ومن كتب شرح شواهد المغني وشرح أبيات الخزانة، ومن كتب أخرى غير هذه وذلك عند الحاجة إليها.
فكنت أذكر أولا اسم قائل البيت إذا أغفله النابلسي ونسبته إذا وجدت، وأتمم الشاهد إذا لم يتممه وكنت أذكر الكتب التي أوردت الشاهد.
11 - قمت بتزويد الحواشي بآراء بعض العلماء والنحاة التي صححت بعض الأقوال، كما كنت أخرج المسائل النحوية من كتب النحو التي أشار إليها المؤلف.
12 - قمت بصنع فهارس للتحقيق، ففهرست للآيات القرآنية الكريمة وللأحاديث النبوية الشريفة. وللأعلام وللكتب التي وردت في التحقيق وأخيرا وضعت فهرسا للمصادر والمراجع التي عدت إليها في التحقيق والدراسة وما توفيقي إلا بالله
هذا وفي ختام المقدمة(1/12)
12 - قمت بصنع فهارس للتحقيق، ففهرست للآيات القرآنية الكريمة وللأحاديث النبوية الشريفة. وللأعلام وللكتب التي وردت في التحقيق وأخيرا وضعت فهرسا للمصادر والمراجع التي عدت إليها في التحقيق والدراسة وما توفيقي إلا بالله
هذا وفي ختام المقدمة
إنني أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى سعيد الخن المشرف على هذه الرسالة، على ما بذله من جهد عظيم نصحا وإرشادا وتوجيها ومتابعة، الذي أشرف على رسالتي منذ البداية، ووجهني الوجهة الصحيحة، والذي لم يبخل علي بمشورته وعلمه، وتوجيهاته، وحثه إيّاي على متابعة العمل الصعب، للوصول إلى نتيجة مرضية. كما أن مكتبته العامرة كانت مرجعا لي أستقي منها ما أشاء.
فجزاه الله عني أحسن جزاء، وإنني أدعو الله عز وجل له بالصحة والعافية وطول العمر.
كما أني أدعو الله عز وجل لنفسي، ولكل أخ وزميلة ساهمت برأيها وتوجيهها ونصحها وإلى كل من أعانني على طبع هذه الرسالة بالتوفيق وصلاح الأمر، وحسن العاقبة.
وقد يكون هناك أخطاء قليلة أو كثيرة، وتلك طبيعة العمل الإنساني، لأن الله عز وجل قد كتب الكمال لكتابه الكريم فقط.
فالله أسأل أن يعصمني من الزلل، ويكرمني بنعمة الإخلاص في العمل، ويهديني سواء السبيل.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأرجو لله تعالى أن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبل مني وأن ينفع به من قرأه إنه سميع مجيب.
امتثال صلاح الدين الصغير دمشق في 15/ 5/ 1995م.(1/13)
امتثال صلاح الدين الصغير دمشق في 15/ 5/ 1995م.
ترجمة المؤلف
مولده ونشأته:
هو الشيخ عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم أبو الفيض النابلسي الحنفي الدمشقي النقشبندي القادري العلامة الحجة الفهامة البحر الكبير والحبر الشهير، شيخ الإسلام، وصدر الأئمة الأعلام، صاحب المصنفات التي اشتهرت شرقا وغربا، وتداولها الناس عجما وعربا، صاحب الأخلاق الرضية، والأوصاف السنية، وصاحب الكرامات الظاهرة، والمكاشفات الباهرة.
مولده:
ولد ونشأ بدمشق في الخامس من ذي الحجة سنة خمسين وألف للهجرة ألف وستمائة وواحد وأربعين للميلاد في حي يعرف ب «زفاف المصبنة»، وكان والده سافر إلى الروم وهو حمل في بطن أمه، وبشّرت أمه بولادته من قبل المجذوب الصالح الشيخ محمود المدفون بتربة الشيخ يوسف القميني بسفح قاسيون، وأعطاها درهما فضة، وقال لها سميه عبد الغني فإنه منصور، وتوفي الشيخ المذكور قبل ولادة الشيخ بأيام، ثم وضعته في التاريخ المذكور.
نشأته:
نشأ الشيخ عبد الغني النابلسي في أسرة علم ومجد وتأليف، فلا نجد من
آبائه إلا متصلا بالعلم بسبب من الأسباب قويا كان أو ضعيفا، مما كان له الأثر على ميول الشيخ عبد الغني واتجاهاته العلمية.(1/14)
نشأ الشيخ عبد الغني النابلسي في أسرة علم ومجد وتأليف، فلا نجد من
آبائه إلا متصلا بالعلم بسبب من الأسباب قويا كان أو ضعيفا، مما كان له الأثر على ميول الشيخ عبد الغني واتجاهاته العلمية.
والظاهر من النصوص أن عبد الغني النابلسي قد كان على جانب من الثراء كما كان قد ورث تركة هائلة من الكتب والمراجع عن آبائه الذين كانوا يتوارثون الكتب حتى آلت إليه، ويظهر ذلك من ترجمة جده لأبيه عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد، النابلسي إذ يقول المحبي: «نشأ في كنف والده شيخ مشايخ الشام وكبيرها ومرجعها، ولما مات توجهت إليه جهاته ومعاليمه، ومنها تدريس الشافعية بجامع المرحوم درويش باشا، المشروط له ولذريته، وآل إليه من ميراث أبيه أشياء كثيرة من كتب وأثاث، فاختص بها وتنعم طول عمره» (1).
والده:
وكان والده الشيخ إسماعيل بن عبد الغني قد ورث هذه التركة عن أبيه عبد الغني بن إسماعيل أيضا، لأنه كان عالما من أصحاب التأليف، وقد ترجم له المحبي فقال:
«إسماعيل النابلسي الأصل الدمشقي المولد والدار، العلامة الفقيه الحنفي أفضل أهل وقته في الفقه وأعرفهم. درّس في الجامع الأموي سنة 1036وسافر إلى الروم، ولد سنة 1017هـ وتوفي سنة 1062هـ ودفن بمقبرة الباب الصغير وقد رثاه بعضهم:
__________
(1) انظر خلاصة الأثر للمحبي: (3/ 131).(1/15)
أودى الإمام الحبر إسماعيل ... لهفي عليه فليس عنه بديل
بكت السما والأرض يوم وفاته ... وبكى عليه الوحي والتنزيل
والشمس والقمر المنير تناوحا ... حزنا عليه وللنجوم عويل (1)
وأيضا إنّ هذه الكتب أورثها من بعده إلى صاحبنا الشيخ عبد الغني الذي كان نهما للعلم والمعرفة.
ويدل على ذلك هذا العدد الضخم من مراجع التفسير التي رجع إليها وسجلها في كتابه (برهان الثبوت من هاروت وماروت) وهو عدد يفوق الثلاثين مرجعا من التفسير منها ما هو مطبوع، ومنها ما لا يزال مخطوطا، ومثل هذا العدد من المراجع في باب واحد من أبواب العلم هو التفسير يندر أن يكون من مقتنيات شخص واحد، لكن الذي نريد إثباته هنا هو أن الشيخ عبد الغني قد استفاد من ميراثه من الكتب، كما هو واضح من كتابه هذا ومن غيره من الكتب، ولم تكن تركة يراد بها التظاهر بالعلم والاقتناء، كما هو الحال عند كثير من المشتغلين بالعلم في العصور المتأخرة (2).
والنابلسي منذ صغره كما تروي عنه المصادر كان شغوفا بالعبادة والزهد، وكان يتحلى بقريحة جيدة جعلته ينظم بديعيته في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، واستبعد الناس أن تكون له فطالبوه بشرحها فشرحها في مجلد.
__________
(1) انظر خلاصة الأثر للمحبي: (408/ 4101).
(2) انظر التصوف الإسلامي عبد القادر عطا ص (79).(1/16)
وقد ذكر الإمام الكبير مصطفى بن كمال الدين البكري دفين مصر من الصوفية ورائدها، وتلميذ النابلسي يقول: إن شيخه النابلسي «كان يرفض صلاة النافلة قاعدا بعد أن يصلي الفريضة بمن حضر من الإخوان في جماعة حين طال به العمر المبارك إلى ما بعد التسعين» (1).
__________
(1) المصدر السابق ص (86).(1/17)
الحياة العلمية والثقافية
عصر المؤلف:
انتهى العصر المملوكي شكليا في عام 1516م وبدأ العصر العثماني بداية شكلية في عام 1516م.
وإن العصر العثماني كان عصر ركود بسبب أن العاصمة كانت القسطنطينية، ولغة الدولة هي اللغة التركية، وبسبب تهجير السلطان سليم العلماء والصناع، وأصبحت القسطنطينية بعد انتقال الخلافة الإسلامية إليها مركز الثقل، ومحور الارتكاز في العالم الإسلامي، ولعل هذا يفسر ركود الحركة العلمية في مصر والشام طيلة القرون الثلاثة التي خضعنا فيها للحكم العثماني، فقد أصبحت القسطنطينية هي مركز النشاط العلمي في الدولة، فهي مركز السلطان والخليفة، وهي عاصمة الدولة الإسلامية.
ونشطت حركة التأليف باللغة التركية بين علماء الأتراك، وضعف التأليف باللغة العربية.
ويضاف إلى هذا أن السلطان سليم حمل معه ما كانت تزهو به مكتبات القاهرة من نوادر الكتب (1).
__________
(1) انظر التصوف الإسلامي عبد القادر عطا: (62) نقلا عن الحركات الإصلاحية ومركز الثقافة في الشرق الأوسط.(1/18)
وأيضا مما أدى إلى ركود الحركة العلمية، العزلة التي فرضت على العرب بانقطاعهم عن العالم الخارجي، والقلاقل الداخلية، لتوزع السلطة، والحروب الخارجية مع روديسيا والنمسا، كل هذا عمل على ركودها.
ومع ذلك فقد ظهر كثير من العلماء المؤلفين في هذا العصر وقد ذكر المرادي في (سلك الدرر في أعيان القرن الحادي عشر) عددا كبيرا من علماء ذلك العصر ما يفوق 750عالما تقريبا / وإن هؤلاء العلماء يعتبرون امتدادا للعصر السابق وهو عصر الموسوعات، ومنهم:
1 - شمس الدين، أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الصالحي الشامي، رحل من الشام إلى مصر، وأقام بالبرقوقية، وألف كتاب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد)، وهو كتاب كبير في السيرة.
2 - أبو المكارم محمد بن محمد نجم الدين الغزي العامري الدمشقي، له (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة) المتوفى سنة 1061هـ رحمه الله تعالى (1).
3 - نور الدين الحلبي بن برهان الدين الحلبي درس في الصلاحية وله كتاب (إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون) المعروف بالسيرة الحلبية.
4 - الحسن البوريني الدمشقي الصفوري المتوفى سنة 1020هـ ترجم الأعيان من أبناء الزمان في كتاب يشتمل على مائتي ترجمة وخمس، وشرح ديوان ابن الفارض.
__________
(1) انظر سلك الدرر للمرادي: (4/ 108)، خلاصة الأثر للمحبي: (4/ 201189)، الأعلام للزركلي: (7/ 63).(1/19)
5 - مصطفى البكري بن كمال الدين عبد القادر الحنفي الدمشقي البكري (1).
وأما رجال التصوف الواعون العاملون المتحركون بعقولهم ووجدانهم في مجال البحث والتأمل والعمل، فقد كانوا قمما للإبتكار والعمل العمراني جميعا. ومثال على ذلك الصوفي المعروف عبد الوهاب الشعراني، الذي أنشأ زاوية في (باب الشعرية) وألحق بها مساكن للطلاب، المتوفى سنة 973هـ بالقاهرة (2).
يمكن قياس الشيخ عبد الغني النابلسي في الشام على الشعراني في مصر، وكذلك تلميذه السيد مصطفى البكري الصديقي صاحب (ورد السحر) (3).
وهكذا وجدنا أن الإمام النابلسي عاش في خلال الدولة العثمانية التي قامت باسم الإسلام في عام 1516م، بعد ما سقطت الدولة المملوكية وانتقلت الخلافة إلى آل عثمان، وظلت الخلافة الإسلامية فيهم إلى عام 1904م.
وبذلك أصبحت الشام ومصر جزءا داخلة تحت سلطان الدولة العثمانية (4).
منزلته العلمية ومنهجه:
لعل خير ما يصور منزلة النابلسي العلمية، واتجاهاته الفكرية هو دراسة آثاره الكثيرة التي خلفها، وبيان قيمتها مقارنة بمثيلاتها، ومدى اهتمام العلماء والدارسين بها في العصور التالية، والمساهمة الفعلية التي قدّمتها للحضارة الإسلامية.
__________
(1) انظر سلك الدرر للمرادي: (4/ 200190).
(2) جمهرة الأولياء المنوفي الحسيني: (2/ 262261)، الأعلام للزركلي: (4/ 180).
(3) ورد السحر: وهو كتاب فيه دعاء ومناجاة للحق سبحانه وتعالى قبل صلاة الفجر.
(4) انظر التصوف الإسلامي عبد القادر عطا: ص (7473).(1/20)
وأول ما يلاحظ الدارس هذا العدد الضخم من الكتب، التي كان شارحا لها، أو معلقا عليها، وكان شرحه وتعليقه يفصح عن مدى تبحره في تلك العلوم، وكشفه عن عبقرية فذة في استيعابه للموضوعات، وفهمه الجديد لها، والتي تربو على حوالي 300كتابا منها حوالي 192مخطوط في مكتبة الأسد بدمشق، وهذه الكتب متنوعة الاتجاهات منها في التصوف، ومنها في الأدب والشعر، ومنها في الرحلات ومنها في الحديث، ومنها في الفقه، ومنها في المعارف العامة.
ومما يثير الانتباه أن مؤلفاته غالبا ما يقوم النابلسي بتخريج الأحاديث الواردة من الكتب فغالب التخريج من الكتب الصحاح الستة. وأيضا خرج الأحاديث التي لم ترد في هذه الكتب الستة. وكثيرا ما كان يرجع إلى السيوطي في الجامع الصغير، وتطالعنا عند قراءة كتب النابلسي العديد من الأمثلة التي تدل على قوته في البحث والاستدلال، وقوة ذاكرته التي تظهر في وضع الأدلة من كتب كثيرة في مؤلف واحد ودليل ذلك كثرة المصادر التي اعتمد عليها النابلسي في كتابه هذا منها تفسير البيضاوي، وتفسير الخازن، وقواعد الإعراب حاشية لأبي بكر الشنواني على قواعد الأزهري، والمطول شرح تلخيص المفتاح، والأشموني، وشروح التسهيل للمرادي وللدماميني، ومغني اللبيب، والرضي في شرح الكافية، والأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، وآكام المرجان في أحكام الجان، وكثيرا ما كان يرجع إلى الأحكام شرح درر الحكام بقوله: «قال الوالد في شرح الدرر» وأيضا كثيرا ما نجد في كتبه مثل شرح الهداية ورجوعه رجوعه
أيضا إلى شارح الدرر وهو كتاب شرح الدرر لمنلا خسرو، وأيضا أكثر ما كان يرجع إلى كتب الفقه في المذهب الحنفي مثال ذلك قال في الخلاصة، وهي كتاب خلاصة الفتاوى لطاهر البخاري، وأيضا فال في التجنيس والمزيد وهو للمرغيناني، ورجوعه إلى الكافي للحاكم الشهيد وإلى شرحه للنسفي، وإلى قنية المنية للزاهدي، والولواجية، والبزازية، وقاضي خان في فتاواه. وإلى أقوال الإمام أبو حنيفة وصاحباه.(1/21)
ومما يثير الانتباه أن مؤلفاته غالبا ما يقوم النابلسي بتخريج الأحاديث الواردة من الكتب فغالب التخريج من الكتب الصحاح الستة. وأيضا خرج الأحاديث التي لم ترد في هذه الكتب الستة. وكثيرا ما كان يرجع إلى السيوطي في الجامع الصغير، وتطالعنا عند قراءة كتب النابلسي العديد من الأمثلة التي تدل على قوته في البحث والاستدلال، وقوة ذاكرته التي تظهر في وضع الأدلة من كتب كثيرة في مؤلف واحد ودليل ذلك كثرة المصادر التي اعتمد عليها النابلسي في كتابه هذا منها تفسير البيضاوي، وتفسير الخازن، وقواعد الإعراب حاشية لأبي بكر الشنواني على قواعد الأزهري، والمطول شرح تلخيص المفتاح، والأشموني، وشروح التسهيل للمرادي وللدماميني، ومغني اللبيب، والرضي في شرح الكافية، والأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، وآكام المرجان في أحكام الجان، وكثيرا ما كان يرجع إلى الأحكام شرح درر الحكام بقوله: «قال الوالد في شرح الدرر» وأيضا كثيرا ما نجد في كتبه مثل شرح الهداية ورجوعه رجوعه
أيضا إلى شارح الدرر وهو كتاب شرح الدرر لمنلا خسرو، وأيضا أكثر ما كان يرجع إلى كتب الفقه في المذهب الحنفي مثال ذلك قال في الخلاصة، وهي كتاب خلاصة الفتاوى لطاهر البخاري، وأيضا فال في التجنيس والمزيد وهو للمرغيناني، ورجوعه إلى الكافي للحاكم الشهيد وإلى شرحه للنسفي، وإلى قنية المنية للزاهدي، والولواجية، والبزازية، وقاضي خان في فتاواه. وإلى أقوال الإمام أبو حنيفة وصاحباه.
وفي التوحيد إلى شرح الجوهرة للقاني وإلى غيرها من المصادر الهامة مثل شرح المقاصد للتفتازاني.
ولغة النابلسي في كتبه لغة جيدة، ويكفي أننا قلما وجدنا له لحنا في كتبه ويرجع الفضل في ذلك لحفظه للقرآن الكريم وهو ابن تسع سنين على مشاهير القراء بالشام، ولأنه كان يحفظ الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ذلك تقويم للسان وأسلوب التعبير، واختيار العبارة المناسبة ووضعها موضعها الملائم.
بناء على ذلك فقد وهب الأسلوب الممتع لمن أدمن مثل هذه الكتب، وقد عني النابلسي أيضا في حياته برواية الشعر وأورد طائفة كبيرة من الأشعار وله ديوان شعر.
وذكرت لنا مصادر ترجمته بعضا من نظمه في المدح والرثاء. وكان للنابلسي حظ متقن، وقد وجدت ذلك بالكتاب الذي أحققه له وهو بخط يده، وهو خط جميل يمتاز بالدقة والإتقان.(1/22)
عرف النابلسي بزهده وورعه، وديانته المتينة، وقد رأينا في دراستنا لمجمل سيرته، أنه كان يأنس إلى الاجتماع بالفقراء والصوفية من ذوي الديانة والتمسك بالآثار.
ترجمة المشايخ:
لقد عني الباحث عبد القادر عطا بذكر شيوخ النابلسي وتلاميذه وإليك بيان ما قاله في ذلك في كتاب (التصوف الإسلامي):
1 - والده الشيخ إسماعيل أفندي بن عبد الغني بن إسماعيل: قرأ عليه ولازمه في مجالس الإفادة، وحضر دروسه التفسيرية في المدرسة السليمية وحضر عليه شرح الدرر، ودخل في عموم إجازاته. ولما كان عبد الغني شديد الحب لوالده، كثير البرية رغم حداثة سنه، فقد كان أبوه يحبه.
2 - الإمام الفقيه شيخ الإسلام العارف نجم الدين محمد بن بدر الدين بن محمد بن شهاب الدين العامري الشهير بابن الغزي: نشأ يتيما موفقا، قرأ القرآن على الشيخ عثمان اليماني، وعلى زين الدين عمر بن سلطان مفتي الحنفية بدمشق، وقرأ التفسير على محمد بن حسين المسعودي قاضي القضاة، وكلهم أجازوه بالإفتاء والتدريس، وسمع الحديث من محمد بن عبد العزيز الزمزمي. وكانت له أحوال ومكاشفات، أصبح مرجع أهل دمشق، وله مؤلفات منها (حسن التيه في التشبيه) و (منبر التوحيد) وهو شرح منظومة جده المسماة (الجوهر الفريد في آداب الصوفي والمريد) و (إتقان ما يحسن في بيان
الأحاديث الدائرة على الألسن) و (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة) وتوفي عام (1061هـ) ودفن بمقبرة الشيخ رسلان. ويروى أنه جمع الفلاحين في بستانه قبل موته بقليل واستبرأ ذمتهم (1). وقد أجاز النابلسي بالإفتاء والتدريس إجازات خاصة وعامة، وكان من أخصائه المحبوبين لديه.(1/23)
2 - الإمام الفقيه شيخ الإسلام العارف نجم الدين محمد بن بدر الدين بن محمد بن شهاب الدين العامري الشهير بابن الغزي: نشأ يتيما موفقا، قرأ القرآن على الشيخ عثمان اليماني، وعلى زين الدين عمر بن سلطان مفتي الحنفية بدمشق، وقرأ التفسير على محمد بن حسين المسعودي قاضي القضاة، وكلهم أجازوه بالإفتاء والتدريس، وسمع الحديث من محمد بن عبد العزيز الزمزمي. وكانت له أحوال ومكاشفات، أصبح مرجع أهل دمشق، وله مؤلفات منها (حسن التيه في التشبيه) و (منبر التوحيد) وهو شرح منظومة جده المسماة (الجوهر الفريد في آداب الصوفي والمريد) و (إتقان ما يحسن في بيان
الأحاديث الدائرة على الألسن) و (الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة) وتوفي عام (1061هـ) ودفن بمقبرة الشيخ رسلان. ويروى أنه جمع الفلاحين في بستانه قبل موته بقليل واستبرأ ذمتهم (1). وقد أجاز النابلسي بالإفتاء والتدريس إجازات خاصة وعامة، وكان من أخصائه المحبوبين لديه.
3 - الشيخ الإمام نور الدين علي بن علي أبو الضياء الشبراملسي: ولد عام (989) وكفّ بصره وهو ابن ثلاث سنين، وقدم مصر بصحبة والده عام (1008هـ) وقرأ القرآن وختمه سنة (1010هـ) وتتلمذ على كبار العلماء، وتصدر للإقراء بالجامع الأزهر، فانتهت إليه الرئاسة، وكان بحرا من بحور العلم، لا يضجر، بل يمرض إذا لم يبحث مع الطلبة. توفي عام (1087هـ) وغسله تلميذه أحمد البني الدمياطي (2). وقد أجاز النابلسي إجازة مطولة من مصر كتابة.
4 - عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر بن عبد الباقي بن إبراهم البعلي الحنبلي الدمشقي: ولد عام (1005هـ) وقرأ القرآن على والده، ثم ارتحل إلى دمشق، وأخذ الفقه عن القاضي محمود بن عبد الحميد الحنبلي، والتصوف عن ابن عمه نور الدين البعلى، ثم رحل إلى القدس، وأجازه الشيخ العلمي بالأوراد والأذكار، ثم رحل إلى مصر عام (1029هـ) والتقى بعلمائها ومحدثيها، ثم عاد إلى دمشق، وجلس للتدريس بالجامع الأموي،
__________
(1) الورد الأنسي ص 89، 190.
(2) الورد الأنسي 94.(1/24)
توفي، عام (1071هـ). وقد أجاز النابلسي بالتدريس والمحاضرة والمطالعة. (1)
5 - محمد بن كمال الدين محمد الشهير بابن حمزة: نقيب الأشراف بدمشق، كان عالما زاهدا، ولد عام (1024هـ) وحفظ القرآن على أبي بكر السلمي، وأعاده على الشيخ عبد الباقي الحنبلي، وأحضره والده على المسند المعمر الشيخ محمد بن منصور بن محب الدين، وقرأ علم الكلام على عبد الرحيم الكوراني، والتوحيد والحديث على أحمد المقري المغربي، وتولى نيابة القضاء الكبرى بدمشق، وتوفي عام (1085هـ).
وقد أجاز عبد الغني النابلسي إجازة خاصة (2).
6 - عبد القادر بن مصطفى الدمشقي الصفوري: ولد عام (1010هـ) قرأ على مشايخ الشام ومصر، وأجازوه بالإفتاء والتدريس. قرأ على النجم الغزي، ونور الدين العلاف، وعبد الرحيم الشعراني، وإبرهيم الكردي، وغيرهم. وأعطي المدرسة البلخية، ودار الحديث الأشرفية، وسكنها ودرس بها إلى أن توفي عام (1081هـ).
قرأ عليه النابلسي كثيرا من العلوم والمعارف، وأجازه إجازة خاصة بالإفتاء والتدريس (3).
7 - محمد بن تاج الدين المحاسني الدمشقي الحنفي، كان جامعا لأشتات العلوم والمعارف، وكان آية في التفسير، ولد عام (1012هـ) بدمشق، ونشأ
__________
(1) الورد الأنسي 94، 95.
(2) الورد الأنسي 96.
(3) الورد الأنسي 98.(1/25)
بها، وقرأ على الشريف الدمشقي، وعبد اللطيف الجالقي، والنجم الغزي، وولي تدريس الحديث بالجامع الأموي، وتوفي عام (1072هـ). وقد رثاه النابلسي بقصيدة طويلة مطلعها:
ليهن رعاع الناس وليفرح الجهل ... فبعدك لا يرجو البقا من له عقل
أيا جنة قرّت عيون أولي النهى ... بها زمنا حتى تداركها المحل
درس عليه النابلسي النحو والتفسير، فأجازه إجازة خاصة وإجازة عامة (1).
8 - الفقيه أحمد بن محمد المعروف بالقلعي الحموي الدمشقي الحنفي:
كان عالما بالفقه، متبحرا فيه، حسن التفهم، جيد العبارة. أخذ عن الشيخ عمر القاري، وعبد الرحمن العمادي، ويوسف بن أبي الفتح، وصار معيد الدرس بالمدرسة السليمانية ومدرسها، توفي عام (1097هـ). قرأ عليه عبد الغني الفقه، ولازمه ملازمة تامة، وأجازه إجازات خاصة وعامة بالإفتاء والتدريس (2).
9 - كمال الدين بن محمد بن يحيى الدمشقي الشافعي الشهير بالفرضي:
كان من أتقياء العلماء، وأكثرهم انقطاعا إلى الله، لا يشق له غبار في النحو، توفي عام (1088هـ) قرأ عليه النابلسي الحساب والعربية والفرائض، وأجازه
__________
(1) الورد الأنسي 99.
(2) الورد الأنسي 100.(1/26)
فيما أخذ عنه، وبالتدريس والإفتاء (1).
10 - محيي الدين محمد بن يحيى، العالم الزاهد الورع: كان حريصا على جبر خواطر الطلبة، ما قرأ عليه أحد إلا انتفع به، سليم الطوية، قرأ بدمشق على علمائها، وتوفي عام (1090هـ) وقرأ عليه النابلسي مبادئ العلوم، وأجازه عدة إجازات (2).
11 - محمد بن أحمد بن حسين الأسطواني الدمشقي الحنفي: أعجوبة الزمان، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ولد عام (1016هـ) وقرأ على الشمس الميداني، والنجم الغزي، ودرس العربية على الشيخ عبد الرحمن العمادي، والحديث عن الشيخ أحمد المقري. رحل إلى مصر، وأخذ عن الشيخ إبراهيم اللقاني، وعبد الرحمن اليمني، وتوفي عام (1072) (3)
12 - محمود الكردي: كان أعجوبة زمانه في التضلع من العلوم والاستحضار وكان في غاية الصلاح والزهد والتواضع، معرضا عن الدنيا، وكان من فرط شغله بالعلم والتفكر إذا ذهب إلى داره يسأل عنها من يلقاه في طريقه، توفي عام (1094) عن مائة وخمس وعشرين سنة، قرأ عليه النابلسي النحو والمعاني والبيان والصرف والمنطق، وانتفع به في سائر الفنون.
__________
(1) الورد الأنسي 100.
(2) الورد الأنسي 100.
(3) الورد الأنسي 100.(1/27)
وأجازه بتدريس العلوم بالجامع الأموي (1).
13 - محمد بن برهان بن مفرج الحموي الدمشقي الشافعي الكواني: كان من العلماء العاملين الصالحين الكاملين. قدم دمشق، وسكن المدرسة الطيبية أربعين سنة وبه اشتهرت تلك المدرسة بالكوانية، أخذ عن النجم الغزي، وهو قادري الطريقة، كان أعيان دمشق يتبركون بدعائه، وكان يؤذن للصلوات الخمس في مدرسته، ويصلي بمن حضر، لا ينقطع عن الذكر والأوراد ولد عام (1005هـ). وتوفي عام (1076هـ) وقد أجاز عبد الغني النابلسي بالإفتاء والتدريس إجازات عامة وخاصة.
إلى غير هؤلاء كثيرا ذكرهم ابن الغزي في كتابه. ولكن بقي لنا أن نذكر أنه تلقى بعض العلوم بنفسه دون شيخ إلّا الكتب، مثل الطب والموسيقى والفلاحة، وألف في ذلك كتبا.
كما لا يفوتنا أن نذكر إجازاته التي أجيز بها أثناء رحلاته، لا سيما أثناء الرحلة الكبرى إلى مصر والشام والحجاز، وهي أكثر من أن تحصى.
تلاميذه:
عاش النابلسي حياته كلها بين درس وتأليف وتربية مريدين، ودفاع عن الإسلام، فلا يمكن أن يعيش رجل كهذا تلك الحياة الطويلة، ثم لا يكون صاحب منهج، ورأس مدرسة لها هدفها الذي تسعى إلى تحقيقه.
__________
(1) الورد الأنسي 102.(1/28)
وقد صرح النابلسي نفسه بأن الله أقامه للمحاماة عن هذا الدين، وعن علوم أهل الله، ومع ذلك فقد وردت إليه الفتاوى من مصر والقدس والمدينة المنورة وغيرها من بلاد الإسلام يستفتيه فيها الناس عما لهم من مشكلات شرعية.
ونحن لا نرى للنابلسي في منهجه هذا نفس الملامح التي تكونت لابن عربي الذي أثر فيمن بعده وفي أرجاء العالم تأثيرا واضحا ملموسا، ولعل هذا يرجع إلى قرب العهد بالنابلسي، وإلى ظروف العصر وملابساته، التي تبطئ أحيانا حتى تتبلور المدرسة وتؤتي ثمارها، ويعاودها الدارسون بالفحص والبحث.
لهذا كان لا بد لنا أن نستعرض حياة تلاميذه في كتاب الورد الأنسي، وعند المرادي، حتى يمكن أن نلمس في تواريخهم بعض ملامح تلك المدرسة بالإضافة إلى الملامح التي تكونت لدينا من واقع حياته ونشاطه العلمي والشرعي والصوفي جميعا.
1 - من تلاميذ النابلسي: محمد بن إبراهيم بن محمد الشهير بالدكدكجي (1)
أخص تلاميذ النابلسي وأكثرهم خدمة له.
ولد سنة ثمانية وألف، ولازم شيوخا كثيرين، ثم اختص بالنابلسي فلازمه سفرا وحضرا، وقرأ عليه كثيرا من الكتب، ونسخ كثيرا من كتب الشيخ.
وكان النابلسي شديد المحبة له، والاعتناء به، لنصحه في خدمته، وكف لسانه عن فضول الكلام. حتى شبت في فكره مقامات المكاشفة، وامتزجت محبة
__________
(1) الورد الأنسي 112.(1/29)
الأستاذ بروح التلميذ فكانت روحه لروحه.
إليه يرجع الفضل في حفظ تراث النابلسي. وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف من الهجرة. ولم يبك النابلسي على أحد قبل هذا التلميذ، ورثاه فقال:
بكت السماء عليه ساعة موته ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور
أظنها فرحت بمصعد روحه ... لما سمت وتعلقت بالنور
2 - محمد بن أحمد بن أحمد المعروف بابن قولقين الحلبي الدمشقي بدر الدين (1):
كان من المحققين وبخاصة في التفسير، ولد بدمشق، وأخذ عن الأستاذ دروسه، وأجازه إجازة مطولة. وقد تتلمذ الأستاذ عقب رؤيا رآها، فكاشفه بها الأستاذ وبتفسيرها، وامتحن في علمه، ومات سنة أربع وستين ومائه وألف، ودفن بالتربة الكبرى بمرج الدحداح.
3 - محمد بن عبد الرحمن بن زيد الكابد ابن الشهير بابن الغزي شيخ الإسلام (2).
وهو صهر الأستاذ النابلسي، زوج ابنته، وكان فقيها محدثا أصوليا من أكابر الصوفية ولد عام تسع وتسعين وألف، وقرأ على الأستاذ مغني اللبيب
__________
(1) المصدر السابق 113.
(2) الورد الأنسي 119.(1/30)
وجانبا كبيرا من فصول الحكم، وشرحه على التحفة المرسلة، والفتوحات المكية، والجامع الصغير، وروض الرياحين لليافعي، والسيرة النبوية للشيخ علي الحلبي، وصحيح البخاري.
ويقول: إنه لازم الأستاذ في المدرسة السلمية، حتى ألبسه الخرقة النقشبندية، وأجازه بالذكر السري.
قال عنه النابلسي في مقدمة إجازته له: «الشيخ الفاضل، جامع الفضائل، سليل العلماء الأعلام محمد ابن المرحوم عبد الرحمن الغزي نفعه الله تعالى بما علم، وعلمه ما لم يعلم وما ينفعه في الدنيا والآخرة.
وتوفي هذا الشيخ عام سبع وستين ومائة وألف، ودفن بمرج الدحداح وله عدة مؤلفات في العلوم والفنون، تمثل اتجاه النابلسي.
4 - محمد بن عبد الرحمن بن تاج الدين بن محمد القصيري البعلي الحنفي الشهير بابن التاجي (1).
ولد عام اثنين وسبعين وألف في بعلبك، وقصد دمشق، فلازم الأستاذ وقرأ عليه، كثيرا من العلوم والفنون، وأجازه الأستاذ بخط فقال بعد البسملة والديباجة: «قرأ علي الشاب الفاضل، جامع أشتات الفضائل، الموفق السعيد إن شاء الله تعالى، الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الرحمن التاجي البعلي حديثا من صحيح البخاري، وحديثا من صحيح مسلم، وأوردنا في أسانيدهما على
__________
(1) الورد الأنسي 124.(1/31)
وجه الضبط والتحرير وقانون اللغة العربية، وقابلية التقرير، وكان قرأ علي في المجلس الذي كنت أعقده في الجامع الأموي لإفادة الطلبة ونصح الجمهور، وقرأ علي في بيتي بجوار الجامع المذكور شيئا من مقدمات العلوم على حسب أهل البداية، ثم إن الله تعالى وفقه لنفع عباده، وعقد مجالس العلوم من قطره في بعلبك وطلب مني أن أصل سنده بسندي في علم الحديث وغيره من علوم الإسلام وقد أجزته بلساني وبناني في جميع ما أرويه عن كافة المشايخ الذين أخذت عنهم الحديث وغيره من علوم الدين الخ.
5 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بابن الحكيم الحنفي الصالح، رئيس كتاب محكمة الصالحية الأديب الشاعر البارع (1).
ولد بدمشق عام ثلاثة عشر ومائة وألف، ولازم الأستاذ وانتفع به، وكان من أخص تلاميذه، وقف عقاراته وأملاكه بعد وفاة زوجته وأولاده على مدرسة الشيخ النابلسي.
6 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المعروف بالدكدكجي الحنفي (2)
التركماني الأصل:
لازم الشيخ النابلسي كوالده في غالب أوقاته، وحضر دروسه، واستجاز له واحدة من دمشق وغيرها إجازات علمية. قرأ عشر القرآن على الأستاذ بعد أن توفي والده، وكذلك أجزاء من الحديث والتفسير، مما يدل على أن مدرسة النابلسي لم تقتصر على التصوف وعلومه.
__________
(1) سلك الورد للرادي ج 1ص 9.
(2) نفس المصدر والصفحة.(1/32)
7 - حسين بن طعمة الشافعي البيتماني الدمشقي الميداني الرفاعي (1):
كان ممن تصدر في علوم الحقائق، واشتغل على جماعة منهم الشيخ الياس الكردي، فقرأ عليه كتب الفقه والتصوف، ورياضات النفس، وقرأ على الأستاذ أيضا ولازمه مدة تزيد على خمس عشرة سنة واشتهر بين طلابه حتى لقبه النابلسي بفارس الميدان.
ألف وصنف كثيرا ومن تآليفه: الفوائد الشرعية، وتلخيص علوم الفتوحات المكية والفتوحات الربانية شرح التدبيرات الإلهية لابن عربي، والهداية والتوفيق في سلوك آداب الطريق والسهام الرشيقة في قلوب الناهين عن علم الحقيقة، وكشف الأسرار في خيال الأبرار.
وقد حدثت بينه وبين الأستاذ واقعة، وهي أنه رأى في المنام أستاذه النابلسي، والشيخ المرادي وكل منهما نائم في فراشه، فطلب منه المرادي خدمة، فأنشد:
تذكر خاطري عهد المرادي ... كما كنا عليه من الوداد
فقال له النابلسي: زده. فذكر بيتا فأشار إليه المرادي أن يذكر النابلسي، فذكر أبياتا. ولما أفاق ذكر ما قاله في المنام. وكان النابلسي يقول عنه أنه من أهل الحقائق.
8 - مصطفى البكري بن كمال الدين:
__________
(1) سلك الورد ج 2ص 2.(1/33)
العارف الكبير الواحد المعدود. صاحب العوارف والمعارف والتآليف. ولد بدمشق عام تسع وتسعين وألف. نشأ يتيما فقيرا، في حجر ابن عمه المولى أحمد بن كمال الدين. واشتغل بطلب العلم بدمشق، فقرأ على الشيخ عبد الرحمن السليمي، والشيخ محمد أبي الواهب الحنبلي، ولازم الأستاذ النابلسي وقرأ عليه التدبيرات الإلهية لابن عربي، والفصوص، وعنقاء مغرب، للشيخ الأكبر أيضا، وأجازه النابلسي إجازة عامة شاملة بالإفتاء والتدريس والطريق وأخذ عنه خلائق لا يحصون، فهو يعتبر بحق رأس المدرسة النابلسية.
رحل وساح في الأرض، حتى وصل إلى الإسكندرية، ثم إلى القاهرة، ثم عاد إلى دمشق، ولما زاد تلاميذه عن الآلاف المؤلفة أمر بعدم كتابة أسمائهم، ثم عاد إلى مصر واستأجر له الأستاذ الحفناوي تلميذه الأكبر وشيخ الإسلام في مصر دارا قرب الأزهر عن أمر منه، وأقام بها مرشدا، والناس يهرعون إليه وقد ازدحموا ببابه، وخضع له العلماء والكبراء والعامة، ألف هذا الشيخ الكبير مؤلفات لا يحصى عددها، منها: الكشف الأنسي، والفتح القدسي، وشرحه بثلاثة شروح منها شرح في مجلّدين كبيرين. وشرح على همزية البوصيري، وشرحه على صلوات الشيخ الأكبر، واثنتا عشرة مقامة، واثنتا عشرة رحلة، وسبعة دواوين.
ومن مؤلفاته: السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد. وهو كتاب
عديم النظير في الرد على الفرق الطاعنة في دين الله من أهل الحلول والاتحاد، وأقام الحجج والبراهين على إبطال دعاواهم، وألف في الشريعة والحقيقة مبينا عدم افتراقهما، وبلوغ المرام في خلوقية الشام، والصحبة.(1/34)
ومن مؤلفاته: السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد. وهو كتاب
عديم النظير في الرد على الفرق الطاعنة في دين الله من أهل الحلول والاتحاد، وأقام الحجج والبراهين على إبطال دعاواهم، وألف في الشريعة والحقيقة مبينا عدم افتراقهما، وبلوغ المرام في خلوقية الشام، والصحبة.
توفي بمصر ودفن بالمجاورين، وما زال قبره ظاهرا يزار. (1)
ومن تلاميذه أيضا ممن لم يذكرهم الباحث عبد القادر عطاهم:
9 - الإمام شمس الدين محمد بن أحمد السفّاريني النابلسي الزاهد الصوفي الذي ولد عام 1114هـ في قرية سفارين من أعمال نابلس، رحل إلى دمشق، وأخذ عن أعيانها، وأجازه الشيخ عبد القادر التغلبي والشيخ عبد الغني النابلسي ومات بنابلس سنة 1188هـ (2).
10 - العلامة عبد الرحمن بن محمد الكزبري، وهو المحدث الفقيه أبو زيد زين الدين الدمشقي الشافعي الشهير بالكزبري روى عن الشيخ عبد الغني النابلسي وتوفي سنة 1185هـ (3).
11 - مصطفى بن محمد بن رحمة الله الأيوبي بالرحمتي أبو البركات زين الدين الأنصاري الدمشقي الشهير بالرحمتي، المتوفي سنة 1205هـ اجتمع بالنابلسي في سنة وفاته (4).
__________
(1) انظر التصوف الإسلامي عبد القادر عطا ص 160وما بعدها.
(2) فهرس الفهارس لكتاني ص (1002).
(3) فهرس الفهارس لكتاني ص (224223).
(4) فهرس الفهارس لكتاني ص (425424).(1/35)
مؤلفاته:
ألف النابلسي كتبا في الاتجاهات التالية:
1 - الفقه.
2 - الحديث.
3 - التصوف.
4 - الشعر.
5 - الرحلات.
6 - التوحيد.
7 - التفسير.
8 - تعبير المنام.
أولا: الفقه:
1 - الابتهاج بمناسك الحاج ويقع في 17ورقة، وألفة عام 1105هـ، وهو بمكتبة الأسد رقم: 5316فقه. وهو في أحكام الحج ومناسكه.
2 - الأبحاث المخلصة في حكم كي الحمصة. ألفه عام 1098هـ وهو في مكتبة الأسد بدمشق برقم: (15224) فقه. ويبحث في حكم علاج الإنسان بالكي في بعض مواضع من جسده، وحكم استعمال الحمصة لاستدامة رشح الماء من المكان المريض، والطريقة الصحيحة لذلك.
3 - الجواب الشريف في الحضرة الشريفة في أن مذهب أبي يوسف ومحمد هو مذهب أبي حنيفة ألفه عام 1105هـ.
ويبحث في اتفاق مذهب أبي يوسف ومحمد وهما من تلاميذ أبي حنيفة مع مذهبه، ويقيم الدليل على أنهما يتبعانه وإن اختلفا معه في بعض الآراء.(1/36)
3 - الجواب الشريف في الحضرة الشريفة في أن مذهب أبي يوسف ومحمد هو مذهب أبي حنيفة ألفه عام 1105هـ.
ويبحث في اتفاق مذهب أبي يوسف ومحمد وهما من تلاميذ أبي حنيفة مع مذهبه، ويقيم الدليل على أنهما يتبعانه وإن اختلفا معه في بعض الآراء.
4 - تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية. في 23ورقة ألفه عام 1106هـ وهو برقم: (13872) فقه بمكتبة الأسد بدمشق ذكر فيه الكثير من الآيات والأحاديث الدالة على الفرق بين الرشوة والهدية وبين أحكام الرشوة، وأنواعها، وما يباح منها، وكذلك أحكام الهدايا لا سيما للقضاة.
5 - بغية المكتفي في جواز المسح على الخف الحنفي.
رقم (13872) فقه في مكتبة الأسد بدمشق. وهو يبحث في أحكام المسح على الخفين عند الأحناف، وآرائهم في ذلك مفصلة.
6 - إتحاف من بادر إلى حكم النوشادر، ألفه عام 1018هـ.
ويبحث عن أحكام النوشادر الذي يستخرج من كوى الحمامات، بمصر وغيرها، وهو متجمع من دخان النجاسات، هل هو حرام في الاستعمال أم حلال؟
7 - تحصيل الأجر في حكم أذان الفجر.
وهو يبحث في حكم الدعاء الذي يسبق أذان الفجر وثواب المؤذن للفجر، وحكم الأذان، وغير ذلك من الأحكام.
8 - تكميل النعوت في لزوم البيوت، ألفه عام 1096هـ، وهو بمكتبة الأسد بدمشق.
وهذا الكتاب تعبير صادق عن تجربة خاضها النابلسي نفسه، وقد دل فيه على سعة اطلاعه وإلمامه بالحديث والآثار، ومناقب العلماء.
وقد سرد فيه الأحاديث والآثار المرغبة في العزلة عن الفتن، وفساد الناس، ثم سرد نماذج كثيرة من العلماء والأئمة الذين لزموا بيوتهم، تأنيسا لمن يريد العزلة من المخلصين لدينهم.(1/37)
وهذا الكتاب تعبير صادق عن تجربة خاضها النابلسي نفسه، وقد دل فيه على سعة اطلاعه وإلمامه بالحديث والآثار، ومناقب العلماء.
وقد سرد فيه الأحاديث والآثار المرغبة في العزلة عن الفتن، وفساد الناس، ثم سرد نماذج كثيرة من العلماء والأئمة الذين لزموا بيوتهم، تأنيسا لمن يريد العزلة من المخلصين لدينهم.
9 - إبانة النص في مسألة القص وهو بمكتبة الأسد بدمشق برقم (8119).
وهو في أحكام قص اللحية والشارب.
10 - شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري الحنفي، شرحه النابلسي في مجلد ضخم، وهو في مكتبة الأسد بدمشق برقم: (7211) ويحقق حاليا.
11 - الأحكام بشرح درر الأحكام. وهو في مكتبة الأسد بدمشق برقم:
(5184)، (5185) فقه.
12 - الكشف والبيان عما يتعلق بالنسيان وهي في أحكام النسيان.
13 - جواب سؤال في بدعة الحشيش.
ثانيا: الحديث:
14 - الأحاديث المنثورة والأخبار المأثورة
15 - تمهيد السنة في تجريد الستة، وهو خلاصة الكتب الستة بعد تجريدها من أسانيدها.
16 - ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث. في أربعمائة وسبع وثلاثين ورقة. ألفه عام 1111هـ، وهو من أنفس ما ألفه النابلسي، ويعتبر بداية ممتازة لمعجم السنة النبوية، جمع فيه أطراف الأحاديث النبوية، وذكر مواضعها من الكتب، وهو مطبوع.(1/38)
وهو على سبعة أبواب، كل باب مرتب على حروف المعجم تسهيلا للاستخراج.
الأول: في مسانيد الرجال من الصحابة أهل الكمال
الثاني: في مسانيد من اشتهر بالكنية
الثالث: في مسانيد المبهمين من الرجال، على حسب ما ذكر فيهم من الأقوال:
الرابع: في مسانيد النساء الصحابيات.
الخامس: في مسانيد من اشتهر منهن بالكنية.
السادس: في مسانيد المبهمات منهن.
السابع: المراسيل من الأحاديث
وفي آخره ثلاثة فصول في الكنى، والمبهمين، ومراسيل النساء.
17 - برهان الثبوت في تبرئة هاروت وماروت وهو في 40ورقة برقم 6979مجموع بمكتبة الأسد بدمشق ألفه عام 1130هـ.
ويذكر النابلسي أنه قابل وزير الشام، فسأله عن عصمة الملائكة، وأخرج له كتابا لبعض علماء الروم، ينفي أن تكون القصة المروية من وضع اليهود، فعزم على تأليف هذا الكتاب، لإثبات عصمة الملائكة، وتفنيد المروي من أن هاروت وماروت اقترفا جريمة الزنا، ومناقشة الأحاديث الواردة في ذلك.
18 - كنز الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين، وألفه عام 1097هـ جمع فيه الأحاديث الصحيحة المروية في أول عهد الصحابة، ورواتها وأسانيدها، ممن سمعوها أو حفظوها.(1/39)
ثالثا: التصوف:
19 - أنوار السلوك، وأسرار الملوك ويقع في 10ورقات، ألفه عام 1113هـ وهو برقم (1377) بمكتبة الأسد بدمشق، بين فيه مراتب أهل المعرفة الإلهية، والحكم فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جميع أحوالهم، وأن ذلك لا يتيسر لأحد بعده.
وذكر الفرق بين الإسلام وغيره من الديانات الأخرى، من حيث أن الإسلام لا يدخل فيه النسخ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للناس عامة، بينما الرسل الآخرون كل أرسل إلى قومه خاصة.
20 - إيضاح المقصود من معنى وحدة الوجود. ألفه عام 1091هـ وهو برقم (6979) بمكتبة الأسد بدمشق.
ويبحث في الوجود، ويقرّ أن أصل الموجود واحد، باعتبار أن وجود الإنسان من وجود الله، فهو الذي يحيي ويميت، وعنده أن الخالق والمخلوق ليسا شيئا واحدا، وإلا لكان القديم حادثا، والحادث قديما.
21 - تحقيق الذوق والرشف في المخالفة الواقعة بين أهل الكشف ألفه عام 1089هـ وهو برقم (6979) بمكتبة الأسد بدمشق، بين فيه هل هناك خلاف في الكشف من حديث طريق وصول كل عارف إلى الله، أم إن الكل يسيرون على درب واحد هو الكتاب والسنة، وينتهون إلى مراد واحد هو الله تعالى.
22 - كشف النور عن أصحاب القبور ألفه عام 1106هـ تحدث فيه عن
كرامات الأولياء الأحياء والأموات، واستدل على ذلك بالحديث، ثم عرف الكرامة، وعلى يد من تكون، والطريق إليها، والفرق بينها وبين المعجزة، والمعونة، والشعوذة، ورد على المنكرين لها.(1/40)
22 - كشف النور عن أصحاب القبور ألفه عام 1106هـ تحدث فيه عن
كرامات الأولياء الأحياء والأموات، واستدل على ذلك بالحديث، ثم عرف الكرامة، وعلى يد من تكون، والطريق إليها، والفرق بينها وبين المعجزة، والمعونة، والشعوذة، ورد على المنكرين لها.
ثم عرف الولي، ورد على منكري الولاية.
23 - مناجاة الحكيم ومناغاة الكريم. وهو في ثمانية عشر فصلا، كل منها مناجاة ومحادثة بين العبد والرب عند انكشاف الستر، ورفع الحجب.
24 - رد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب. كتبه عام 1090هـ، ويقول في المقدمة:
هذه رسالة عملتها في صحة نسبة التأثير إلى كل شيء في الظاهر، على يد الإنسان والولي وغيره من الميت والحي، وأن هذه النسبة مجازية واردة في الشرع، لا يكفر القائل بها، ولا مخالفة فيها للأصل ولا للفرع.
ثم تحدث عن الأسباب، وأن الله يخلق الأشياء عندها، لا بها، وأعلن الإجماع على أن إضافة الفعل إلى سببه صحيحة، ورد على المتكلمين القائلين بكفر من قال ذلك.
وناقش قضية ظهور الكرامات على أيدي الأولياء أحياء وأمواتا، وأقام الدليل على ذلك.
25 - هدية الفقير وتحية الوزير: رسالة ألفها عام 1102هـ وهو عبارة عن دستور للوزراء في حياتهم، يجمعون به بين مصالح العباد، وبين مراقبة الله تعالى، والسلوك إليه.(1/41)
رابعا: الشعر:
26 - ديوان الدواوين. وهو عبارة عن ديوان الإلهيات، وديوان الغزليات وديوان المراسلات رقمه: (9439) بمكتبة الأسد بدمشق.
جمع في هذه الدواوين معظم آرائه، ودافع عن وحدة الوجود، وبرأ الصوفية من القول بالحلول والاتحاد، وتحدث عن المعرفة والفرق بين الوجود، وأبطل قول أهل التثليث، وفيه من علم الكلام والنفس والحديث عن الكرامات الكثيرة.
27 - ديوان الحقائق، وهو مثل سابقه، وهو مطبوع متداول بين الناس، غير أن فيه كثيرا من = المواليا = ذات المعاني الصوفية الرفيعة بالإضافة إلى ما في ديوان الدواوين.
28 - ديوان الحقيقة وسلوك الطريقة. وهو في الحقائق الإلهية، وفي طرائق سلوك الإنسان إلى الله.
29 - شرح ديوان ابن الفارض. وهو مطبوع متداول بين الناس، وموضوعاته هي موضوعات ابن الفارض. مشروحة بزيادات من فكر النابلسي.
30 - شرح البديعية، المسماة: نفحات الأزهار على نسمات الأسحار، في مدح النبي المختار.
وهو شرح للقصيدة التي نظمها النابلسي، فاعترض العلماء عليها، وشكوا في أن يكون النابلسي هو كاتبها، فطلبوا منه شرحها تأكيدا لصدقه في دعوى تأليفها، فشرحها في هذا الكتاب(1/42)
خامسا: الرحلات:
31 - حلة الذهب الإبريز في الرحلة إلى بعلبك والبقاع العزيز برقم 75 ألفها عام 1100هـ تناول فيها تقاليد تلك البلاد العلمية والاجتماعية.
32 - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية وكتبها عام 1112هـ
33 - الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية 149ورقة برقم: (19012)، (12286) بمكتبة الأسد بدمشق.
34 - الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى الشام ومصر والحجاز كتبها عام 1105هـ. تناول فيها الكثير من حوادث وأخبار البلاد التي زارها، ولقاءاته العلمية ووصف الأماكن التي رآها.
وهذه الرسالة هي مصدر هام للكشف عن الحالة العلمية، وعن أحوال الصوفية وطرائقهم في تلك البلاد التي زارها. وهي تمدنا بمعلومات على جانب من الأهمية في العلاقة الودية بين علماء الأزهر وبين النابلسي.
35 - الرحلة إلى استانبول، كتبها عام 1075هـ.
سادسا: التوحيد:
ومؤلفاته في التوحيد يدخل فيها التوحيد الصوفي، وهو حقائق العقيدة في التصوف، إلى جانب التوحيد الكلامي الذي انصبغ بصبغة صوفية واضحة.
36 - رد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب برقم:
(13872) بمكتبة الأسد بدمشق، يتحدث فيه عن جواز إضافة التأثير إلى الأسباب إضافة مجازية، ويؤيد القول بتأثير أرواح الأولياء في حياتهم وبعد مماتهم.(1/43)
37 - غيث القبول يتحدث فيه عن الشرك والشركاء، وفي تفسير آيات الشرك، وآراء المفسرين وعلماء التوحيد، وكيف ننزه الخالق عن الشركاء.
38 - الحاصل بالفلك، والمحمول فيها الفلك في إطلاق لفظ النبوة والرسالة والخلافة والملك. يقع في 170ورقة، برقم: (6979) بمكتبة الأسد بدمشق
ويبين فيه أنه رد على سؤال من صديقه في البلاد الرومية على أن الإمام الحسن والحسين نبيان ورسولان من رسل الله تعالى. وإنه فصل بالرد على هذه المسألة، مستندا إلى أصول الفقه، وآراء الفقهاء، ثم آراء الصوفية الفقهاء
39 - خمرة بابل وغناء البلابل. وهي منظومة ذكر فيها أبواب التوحيد كلها، ومعنى العقيدة الصحيحة، وصلة الإنسان بربه.
40 - الوجود الحق، جزءان يبحث في ذات الله تعالى، وما يتعلق بها، والعلاقة بين الله ومخلوقاته.
41 - التوفيق الجلي بين الأشعري والحنبلي، برقم: (6881) بمكتبة الأسد بدمشق توحيد. يوفق فيه بين معتقد الحنابلة والأشاعرة في كلام الله، ويقرر أنهما من أهل السنة، وأن الخلاف بينهما إنما هو في الألفاظ لا في الجوهر.
42 - حقائق الإيمان، جمع فيه كل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو جاء من أوصافه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يقف عنده المؤمن، ولا يحاول تفسيره بعقله، وإنما دعا إلى الإيمان به كما ورد، وكما هو مذهب أهل السنة.
43 - الكوكب الساري في حقيقة الجزء الاختياري. يتكلم فيه عن الاختيار عند علماء الكلام، وكيف يكون الإنسان مختارا، ومن الذي يمنحه هذا الاختيار.(1/44)
44 - خمرة الحان ورنة الألحان في شرح رسالة الشيخ أرسلان. يقع في 125ورقة برقم: (18043)، 60ورقة برقم (17352) بمكتبة الأسد بدمشق. وهو شرح لرسالة الشيخ أرسلان الدمشقي في التوحيد. بدأها بالشرك ومعناه، وذكر أقسامه خفيا كان أو جليا، وأفاض في الشرك الخفي، وفي دسائس النفس فيه. وهو مطبوع
45 - رائحة الجنة في شرح عقائد أهل السنة، وهو شرح منظومة للشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني المتوفي عام 1043هـ ويقع في 49ورقة، برقم: (9875) بمكتبة الأسد بدمشق. يتحدث فيه عن الحكم وأقسامه، والنظر العقلي، وبيان أنه أول واجب، ثم يتحدث عن الصفات النفسية، وصفات المعاني، والصفات المعنوية وفي الأمر الإلهي التكليفي، وحدوث العالم، ورؤية الله، وما يجب عقلا للأنبياء والرسل، وما يستحيل عليهم، وعن المعجزات، ثم عن السمعيات.
46 - الفتح الرباني والفيض الرحماني وهو برقم (7141) بمكتبة الأسد بدمشق، وقد نشره الأب أنطنيوس شبل في لبنان عن جمعية الآباء اليسوعيين.
ويعتبر هذا الكتاب من أعجب ما كتب النابلسي إذ تناول فيه الموضوعات التالية على طريقة علماء الشريعة المشوبة بمشرب أهل التصوف.
1 - الذنوب 2التوبة 3الكفر 4العقيدة الصحيحة في الإله 5الإسلام 6الإيمان 7الإحسان.(1/45)
وهو يورد في أول كل باب من هذه الأبواب شعرا صوفيا في حقائق الموضوع.
47 - إطلاق الوجود على الحق المعبود، وهو جواب على سؤال ورد إليه من بعض العلماء في مدينة دمياط: هل يجوز إطلاق الوجود على الحق المعبود؟
سابعا: التفسير:
48 - التحرير الحاوي على تفسير البيضاوي، وصل فيه إلى قوله تعالى:
{مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِلََّهِ وَمَلََائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 98] وهو أوسع تفسير وأشمله لعلوم القرآن ويقع في 270ورقة برقم: (9095)، 310ورقات برقم (9094) مخطوط بمكتبة الأسد بدمشق.
49 - خمسون مجلسا من مجالس الشام، ويفسر فيه آيات من القرآن في مجالس وعظ جلسها في بلاد الروم، ثم يذكر الأحاديث المتفقة مع الآية في كل مجلس، ويشرح الحديث، ثم يختم المجلس بحكاية لطيفة مشوقة لموضوع المجلس.
50 - عنوان الآيات، في الكشف عن أوائل الآيات، وهو يبحث في كيفية الكشف في أوائل الآيات فهو معجم لآيات القرآن الكريم.
51 - صرف العنان إلى قراءة حفص بن سليمان، وهي منظومة في قراءة حفص.
ثامنا: في تعبير المنام:
52 - تعطير الأنام في تعبير المنام. مطبوع مشهور في 509صفحات وتكلم فيه عن معنى الرؤيا وحكمها وشرعها، وكيفية تعبير الرؤيا.(1/46)
53 - روض الأنام في حكم الإجازة في المنام، ويبحث في الرؤيا المنامية وحكم وقوعها، وصحة ما يرى النائم، ثم حكم الإجازات العلمية والصوفية في المنام.
54 - رسالة العبير، في التعبير، وهي منظومة في ثلاثمائة وعشرين بيتا.
وهناك كتب كثيرة جدا نكتفي بسرد ما وصل إليه علمي منها:
55 - مجموعة رسائل النابلسي.
56 - رسالة في أجوبة عن أسئلة وردت إليه
57 - الأجوبة عن الأسئلة المائة والواحد والستين سؤالا مخطوط رقم (4009) 64ورقة وهذا المخطوط ما أقوم بتحقيقه في هذا الكتاب.
58 - الأجوبة البتة عن الأسئلة الستة رقم (13872) مكتبة الأسد بدمشق.
59 - الجواب المنظوم عن السؤال المفهوم رقم (4009) مجموع الأسد بدمشق.
60 - جواب وسؤال ورد من بطريرك النصارى في التوحيد رقم:
(14123) مكتبة الأسد بدمشق.
61 - رسالة في احترام الخبز.
62 - القول المختار في الرد على الجاهل المحتار.
63 - الكشف عن الأغلاط التسعة في القاموس.
64 - صفوة الضمير في نصرة الوزير.
65 - الحوض المورود بزيارة الشيخ يوسف والشيخ محمود.
66 - رسالة في احترام الخبز.(1/47)
67 - رفع الستور عن متعلق الجار والمجرور.
68 - رسالة في الدخان.
وقد سجل النابلسي لنفسه وبخطه قائمة لمؤلفاته بلغ عددها مائتين وأربعين كتابا. وهي مؤرخة قبل وفاته باثني عشر عاما، مما يرجح أن له ثلاثمائة كتاب، لأنه لم يكف عن التأليف حتى في الأيام التي آثر فيها الانقطاع في بيته لتلاميذه.
وذكر الزركلي في الأعلام قال: في ترجمة النابلسي في الهامش أخبرني السيد أحمد خيري أنه أحصى له 223مصنفا (1).
وذكر المرادي في سلك الدرر في ترجمة المؤلف عددا كبيرا من أسماء كتب النابلسي (2).
8 - وفاته:
بعد هذا العمر المديد ثلاثا وتسعين عاما الذي بارك الله تعالى فيه لبّت النفس نداء ربها، فآبت إليه راضية مرضية عصر يوم الأحد في الرابع والعشرين من شعبان المعظم سنة (1143) ثلاث وأربعين ومئة للهجرة حيث صلي عليه في داره، ثم دفن بجانب المسجد الذي أنشأ فيما بعد باسمه في حي الصالحية بدمشق، بركن الدين قرب مجمع أبي النور الإسلامي حاليا.
وختاما أسأل المولى تعالى أن يجزي جميع من ساعدني خيرا كما وأرجو دعوة صالحة في ظهر الغيب من كل مسلم ومسلمة.
__________
(1) الأعلام للزركلي: (4/ 33).
(2) سلك الدرر للمرادي (3/ 30).(1/48)
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنعم بالتوفيق والإعانة، والمتفضل بسلوك أقدم طريق في الإيضاح والإبانة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الموصوف بكمال الصدق والأمانة، وعلى آله وأصحابه الطاهرين المطهرين من رذائل الأخلاق والخيانة.
أما بعد: فقول مولانا وسيدنا العالم العلامة الفهامة المحقق الرباني والعارف الصمداني، قطب دائرة العلوم، ومركز إحاطة المنطوق والمفهوم، صاحب التآليف الكثيرة، والتصانيف الشهيرة، جناب الشيخ عبد الغني ابن شيخ الإسلام بركة الخاص والعام العلامة الأوحد، والفهامة الأمجد الشيخ إسماعيل الشهير نسبه الكريم بابن النابلسي (1) الحنفي الدمشقي القادري (2)
النقشبندي (3) نفعنا الله ببركاته، وأمدنا بصالح دعواته.
__________
(1) إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الأصل والد العلامة الفقيه الشيخ عبد الغني النابلسي، كان عالما متبحرا غواصا على المعاني الدقيقة وهو أفضل أهل وقته في الفقه، وصنف كتبا كثيرة أجلها = الأحكام شرح الدرر = توفي سنة 1062هـ. انظر خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (1/ 410409)، الأعلام للزركلي (1/ 318).
(2) القادري: نسبة إلى الطريقة القادرية التي تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه المتوفي سنة 561هـ دفن ببغداد وهو من كبار علماء الصوفية. انظر جمهرة الأولياء للمنوفي (2/ 206201).
(3) النقشبندي: نسبة إلى تاج الدين بن زكريا بن سلطان العثماني الهندي شيخ الطريقة(1/49)
قد وردت علينا سابقا من نحو عشر سنين أسئلة من نابلس المحروسة في علوم شتى، فكتبنا على شيء منها ثم أهملنا الأمر إلى أن قدّر الله تعالى زيارة بعض الأحباب في ثغر صيدا (1) المحروسة في سنة اثنتي عشرة ومائة وألف. فعرضت علينا تلك الأسئلة بعينها، وطلب منا كتابة الجواب عنها، ولم نجد بدا من ذلك.
ثم وجدنا نسختها مصحفة (2)
__________
النقشبندية ورابطة الإرشاد إلى المنازل للسالكين وواسطة الإمداد للمواهب الرحمانية من ملك الملوك المتوفي سنة 1050هـ.
أخذ طريقة النقشبندي من الخوجة محمد الباقي ومن الغوث الأعظم عبيد الله إلى الخوجة بهاء الحق والدين المعروف بنقشبند إلى أبي يزيد البسطامي إلى الإمام جعفر الصادق إلى قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
انظر خلاصة الأثر للمحبي: (1/ 470464)، تكملة شذرات الذهب للعلبي ص (207).
(1) صيداء: وهي مدينة على ساحل بحر الشام من أعمال دمشق شرقي صور بينهما ستة فراسخ، وقيل: سميت بصيدون بن صدقاء بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، وهي الآن ضمن الأراضي اللبنانية. انظر معجم البلدان لياقوت الحموي (3/ 437).
(2) التصحيف: قال الجرجاني في التعريفات: أن يقرأ الشيء على خلاف ما أراد كتابته أو على خلاف ما اصطلحوا عليه انظر: التعريفات للجرجاني ص 60.
وقال النووي في التقريب: ويكون تصحيف لفظ وبصر في الإسناد والمتن، فمن الإسناد، العوام بن مراجم: = بالراء والجيم = صحفه ابن معين فقاله بالزاي والحاء، ومن الثاني حديث زيد بن ثابت «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد» أي اتخذ حجرة من حصير أو(1/50)
محرفة (1)، فأصلحناها بقدر الإمكان، وأجبنا عنها بمعونة الله الملك الديان، وهي مائة وواحد وستون سؤالا غير مرتبة بالمناسبة، فأبقيناها على ما هي عليه، والله الهادي إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب.
والسائل عنها فيما بلغنا كما هو صريح كلامه في آخرها الشيخ الإمام أبو بكر الأخرمي النابلسي (2) الشافعي رحمه الله تعالى.
وقد بلغنا عنه أنه شرح الجامع الصغير (3)
__________
نحوه يصلي فيها، صحفه ابن لهيعة فقال: احتجم،، وحديث «من صام رمضان وأتبعه ستا» صحفه الصولي فقال: شيئا بالمعجمة، ويكون تصحيف سمع كحديث بن عاصم الأحول، رواه بعضهم فقال: واصل الأحدب، ويكون في المعنى كقول محمد بن المثنى:
نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
انظر المنهل الراوي من تقريب النووي ص (159158).
(1) التحريف: قال الجرجاني في التعريفات: التحريف تغيير اللفظ دون المعنى.
انظر كتاب التعريفات للجرجاني ص 60.
(2) أبو بكر بن عبد الله النابلسي الشافعي المعروف بابن الأخرمي: العالم المحدث الفقيه المؤلف ألف مؤلفات كثيرة في الحديث، والفقه والنحو والتوحيد والتصوف، ولقد شرح ألفية ابن مالك، وله شرح الجامع الصغير، وحاشية على الجامع الصغير في الحديث توفي سنة 1091هـ.
انظر هدية العارفين للبغدادي (5/ 240)، خلاصة الأثر للمحبي: (1/ 87).
(3) كتاب الجامع الصغير من حديث البشير النذير للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911هـ. وهو كتاب صغير الحجم جم الفوائد قلما يستغني عنه عالم أو متعلم،(1/51)
جمع فيه بين شرح المناوي (1)، وشرح العلقمي (2)، وأنه شرح ألفية ابن مالك.
وكان رجلا من العلماء الصالحين، وقد اجتمعنا بأولاده من نابلس المحروسة أيام رحلتنا إلى زيارة بيت المقدس الرحلة الأولى، واطّلعنا على بعض مسوّداته، وكان توفي رحمه الله تعالى، ولم نجتمع به، فشرعنا في الجواب، والله أعلم بالصواب. وصورة الأسئلة بأقوال موالينا مشايخ الإسلام في جواب أسئلة بطريق الاستفادة، والعرض.
السؤال الأول: هل كان جبريل يأتي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في صورته الأصلية (3)، أم يتصوّر لهم (4).
__________
لذلك كثرت شروحه وجمع فيه الأحاديث على حسب الأحرف الأبجدية وميز صحيحه من سقيمه وبعض طبعاته رقمت أحاديثها وانتهت إلى 10059حديثا
(1) وكتاب فيض القدير، هو شرح للجامع الصغير للعلامة عبد الرؤوف المناوي المتوفي سنة 1031هـ.
وأيضا هناك شرح آخر للجامع الصغير للمناوي سماه التيسير شرح الجامع الصغير وأيضا شرح الجامع الصغير للعزيزي المتوفى سنة 1070هـ وسماه السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير، وأيضا شرحه العلقمي المتوفى سنة 961هـ انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 561560).
(2) العلقمي: هو محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي فقيه شافعي عارف بالحديث من بيوتات العلم في القاهرة كان من تلاميذ الجلال السيوطي، له الكوكب المنير بشرح الجامع الصغير و = قبس النيرين على تفسير الجلالين توفي سنة 969هـ في الكشف وفاته 961هـ. انظر هدية العارفين للبغدادي: (6/ 244)، الأعلام للزركلي:
(6/ 196).
(3) صورته الأصلية: أي صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح. انظر فتح الباري لابن حجر (1/ 25).
(4) يتصور لهم: من التشكل في الصور المختلفة انظر المفهم للقرطبي (6/ 172).
الجواب: إنّه كان يتصوّر لهم، ويمكن أنه كان يأتيهم أحيانا في صورته الأصلية.(1/52)
الجواب: إنّه كان يتصوّر لهم، ويمكن أنه كان يأتيهم أحيانا في صورته الأصلية.
قال القرطبي (3) في شرح مسلم (4) «إن الله تعالى مكن الملائكة من أن يتمثلوا فيما شاؤوا من صور بني آدم» كما قد نص الله تعالى على ذلك في قوله تعالى:
{فَتَمَثَّلَ لَهََا بَشَراً سَوِيًّا} (5) [مريم: 17] وقد كان جبريل يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم، في صورة دحية بن خليفة (6)، وقد كان لجبريل صورة خاصة خلق عليها، لم يره
__________
(3) القرطبي: هو الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر الأنصاري المحدث، الشاهد، شرح مسلم، واختصر الصحيحين وصنف كتاب المفهم في شرح مختصر مسلم توفي سنة 656هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 473). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 96
(4) كتاب: المفهم في شرح مختصر مسلم للإمام أحمد بن عمر القرطبي المتوفي سنة 656هـ ذكر فيه أنه لما لخصه ورتبه وبوبه شرح غريبه ونبه على نكت من إعرابه وعلى وجوه الاستدلال بأحاديثه وسماه المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 557).
(5) أول الآية: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجََاباً فَأَرْسَلْنََا إِلَيْهََا رُوحَنََا فَتَمَثَّلَ}.
(6) دحية بن خليفة بن فضالة الكلبي أسلم قديما ولم يشهد بدرا وكان يشبه بجبرائيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشبه من رأيت بجبرائيل دحية الكلبي» شهد المشاهد بعد بدر(1/53)
النبي صلى الله عليه وسلم عليها غير مرتين، كما صح الحديث بذلك» (1) (2). انتهى.
ولا شك أن تمثله لمريم في قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهََا بَشَراً سَوِيًّا} مما يدل على تمثله للأنبياء قبل نبينا، ورؤية نبينا عليه السلام له على صورته الأصلية مرتين يدل على إمكان رؤية الأنبياء عليهم السلام له كذلك، والله أعلم.
السؤال الثاني: هل ورد أنّه تصور بغير صورته؟
__________
وبقي إلى خلافة معاوية. توفي سنة 45هـ. انظر: الطبقات لابن سعد (4/ 189188)، الأعلام للزركلي: (2/ 337).
(1) روى مسلم في كتاب الإيمان باب: معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ََ} وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء؟ برواية «إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض». رواه مسلم (1/ 159) رقم (287).
(2) نص القرطبي في شرح مسلم هو: أن الله تعالى قد مكن الملائكة، والجن من التشكل في الصور المختلفة، والتمثيل بها، مع أن للنوعين في أنفسهما خلقا التي خلق خاصا بهما خلقهما الله تعالى عليها كما قال صلى الله عليه وسلم الحديث «لم أر جبريل على صورته التي خلق عليها غير مرتين». انظر = القرطبي في شرح مسلم، كتاب النبوات، باب كيف كان يأتيه الوحي (6/ 172) رقم (2274) روى البخاري في الصحيح في كتاب الفضائل قال: حدثنا معتمر قال سمعت عن أبي، عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة «من هذا» وكما قال، قالت: هذا دحية، فلما قام، قالت: والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل. انظر صحيح البخاري: (3/ 1798) رقم (4695)(1/54)
الجواب: يفهم مما ذكرنا أنه يتمثل للنبي عليه السلام في صورة دحيه، وتمثل لمريم في صورة البشر السوي.
السؤال الثالث: هل كانت الملائكة تتوضأ للصلاة، أو بعد إيجاب الوضوء؟
الجواب: إنّ الملائكة لا يوصفون بالحدث ولا بالنجاسة حتى يحتاجوا إلى الوضوء، بل هم طاهرون من أصل خلقتهم قال تعالى: {لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]. قال البيضاوي (1): «لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة» (2) انتهى.
__________
(1) البيضاوي: هو القاضي ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر الشيرازي البيضاوي كان عالما بعلوم كثيرة صالحا خيرا، صنف التصانيف في أنواع العلوم وتولى القضاء بإقليمه من أهم ما صنف = أنوار التنزيل وأسرار التأويل = في التفسير، توفي في سنة 691هـ. انظر طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 136)، شذرات الذهب لابن العماد، (7/ 686684).
(2) انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل للعلامة البيضاوي في تفسير الواقعة (5/ 115) والظاهر من تفسير البيضاوي أنه يعيد الضمير على اللوح المحفوظ، ولقد اختلف العلماء في ذلك فذكر القرطبي في تفسيره عن سعيد بن جبير: لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة، وقيل: = لا يمسه = لا ينزل به = المطهرون = أي الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء، وقيل: لا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون. وأما من قال أنه الذي بأيدي الملائكة في الصحف فهو قول محتمل وهو اختيار مالك وقيل: المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا وهو الأظهر انظر الجامع لأحكام القرآن (17/ 225) بتصرف.(1/55)
ولا شك أن الحدث من جملة الكدورات، وليسوا أجساما ترابية حتى يحتاجوا إلى استعمال الماء في طهارتهم.
قال المناوي (1) في شرح الجامع الصغير (2): «فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار، والجان أرواح منفوخة في رياح، والأناسي أرواح منفوخة في أشباح» (3) انتهى.
والأنوار لا تتوضأ من حدث، ولا وضوء على وضوء لعدم مناسبة الماء الكثيف لأجسادهم النورانية اللطيفة، وأيضا، لم يرد أنّ صلاتهم مثل صلاتنا
__________
(1) المناوي: عبد الرؤوف المناوي القاهري الشافعي الإمام الكبير صاحب التصانيف كان إماما فاضلا زاهدا عابدا قانتا لله خاشعا له كثير النفع نشأ في حجر والده، وحفظ القرآن قبل بلوغه وحفظ ألفية بن مالك، وألفية الحديث، وألفية سيرة العراقي من تصانيفه = فيض القدير بشرح الجامع الصغير =.
توفي سنة 1031هـ. انظر خلاصة الأثر للمحبي (2/ 416412) معجم المؤلفين للكحالة (65/ 220)، هدية العارفين: 5/ 510.
(2) كتاب فيض القدير بشرح الجامع الصغير للمناوي توسع في شرحه وأطال وذكر بعض الروايات من بعض الأحاديث وأكثر من نقل الأقوال في شرح الحديث والتكلم عن رجال سند الحديث ولكنه كثيرا ما يغفل بيان مرتبة الحديث من الصحة والضعف.
وشرح الجامع الصغير شرحا آخر سماه: التيسير بشرح الجامع الصغير وهو شرح، موجز محدد واف بمعنى الحديث وفقهه دون إسهاب ولا استطراد واعتنى فيه ببيان درجة الحديث من الصحة أو الحسن أو الضعيف فالنفع بهذا الشرح أتم وأيسر للقارئ المثقف.
انظر مقدمة التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي.
(3) انظر فيض القدير للعلامة عبد الرؤوف المناوي 3/ 45رقم (3936) دار المعرفة بيروت.(1/56)
من كل وجه حتى يحتاجوا إلى الوضوء، كما نحتاج نحن إليه، بل قالوا: إن الصلاة من الملائكة الاستغفار (1)، والاستغفار لا يحتاج إلى الطهارة.
السؤال الرابع: ورد أن بين السماء والأرض بحرا فهل المطر ينزل من فوق البحر ويخرقه؟.
الجواب: إن البحر المكفوف الوارد في الحديث، أنه بين السماء والأرض فوق السحاب والمطر إنما ينزل من السحاب (2) كما قال تعالى:
__________
(1) ذكر القرطبي في تفسيره قول الله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].
والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/ 232).
(2) روى الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحديد رقم (3298) (5/ 404403) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه أتى عليهم سحاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون ما هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
«هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه»، ثم قال:
«هل تدرون ما فوقكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها الرقيع اسم السماء الدنيا سقف محفوظ وموج مكفوف»، ثم قال: «هل تدرون كم بينكم وبينها؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «بينكم وبينها خمس مائة سنة»، ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم قال: «فإن فوق ذلك سماءين وما بينهما مسيرة خمس مائة سنة»، حتى عد سبع سموات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض، ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن(1/57)
{وَأَنْزَلْنََا مِنَ الْمُعْصِرََاتِ مََاءً ثَجََّاجاً} [النبأ: 14].
فقال البيضاوي: السحائب إذا أعصرت. أي: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، والماء الثجاج المنصب بكثرة (1).
السؤال الخامس: لم صرّف منكر ونكير دون الملائكة؟
الجواب: إن الله تعالى خص منكر ونكير بالتصرف في الميت، يسألانه، ويعاقبانه دون غيرهما من الملائكة. كما وردت به الأخبار الصحيحة (2) لسر
__________
فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين» ثم قال: «هل تدرون ما الذي تحتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها الأرض»، ثم قال: «هل تدرون ما الذي تحت ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن تحتها أرضا أخرى بينهما مسيرة خمس مائة سنة» حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمس مائة سنة.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه
وذكره الهندي في كنز العمال (6/ 146145) رقم (15186).
(1) انظر البيضاوي في أنوار التنزيل أسرار التأويل في تفسير = النبأ = (5/ 169).
وقال القرطبي في تفسير {وَأَنْزَلْنََا مِنَ الْمُعْصِرََاتِ}: «يقال للرياح التي تأتي بالمطر معصرات والرياح تلقح السحاب فيكون المطر، والمطر ينزل من الريح على هذا وأصح الأقوال أن المعصرات السحاب كذا المعروف أن الغيث منها، ولو كان بالمعصرات لكان الريح أولى».
انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (19/ 171).
(2) روى البخاري عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنّه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل، محمد صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من(1/58)
يعلمه الله تعالى، وورد أنه يأتي الميت قبلها ملك آخر يقال له رومان يكتب عمله. ذكره الغزالي (1) في الدرة الفاخرة (2).
__________
الجنة، فيراهما جميعا إلى أن قال: وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة، يسمعها من يليه غير الثقلين» رواه البخاري في كتاب الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر (1/ 450449) رقم: (1308)
(1) الغزالي: هو حجة الإسلام، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الشافعي الغزالي، صنف التصانيف، واشتهر بالذكاء المفرط والاستبحار في العلم. ومن أهم تصانيفه، كتاب = إحياء علوم الدين = و = الدرة الفاخرة = و = تهافت الفلاسفة = و = مقاصد الفلاسفة = و = البسيط = و = بداية الهداية = وغير ذلك توفي سنة 505هـ.
انظر شذرات الذهب: (6/ 18)، الأعلام للزركلي (7/ 2322). هدية العارفين: 6/ 79.
(2) كتاب الدرة الفاخرة في الكشف في علوم الآخرة لأبي حامد الغزالي ت 505هـ انظر كشف الظنون (1/ 742).
قال الغزالي في الدرة: أول ما يلقى الميت في القبر ثم يناديه ملك يقال له رومان. وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله ما أول ما يلقى الميت إذا دخل قبره؟ قال: «يا ابن مسعود ما سألني عنه أحد إلا أنت. فأول ما يناديه ملك اسمه رومان، يجوس خلال المقابر فيقول: يا عبد الله اكتب عملك، فيقول: ليس معي دواة ولا قرطاس، فيقول: هيهات كفنك قرطاس ومدادك ريقك، وقلمك إصبعك، فيقطع قطعة من كفنه، ثم يجعل العبد يكتب، وإن كان غير كاتب في الدنيا، فيكتب حينئذ حسناته، وسيئاته كيوم واحد، ثم يطوي الملك الرقعة ويعلقها في عنقه» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكُلَّ إِنسََانٍ أَلْزَمْنََاهُ طََائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]. انظر الدرة الفاخرة للغزالي: ص 34، التذكرة للقرطبي: (1/ 140). هذا وقد ذكر ابن الجوزي في(1/59)
وأما بقية الملائكة فمتصرفون في غير ذلك من الأعمال، كالحفظة في كتابة الصحائف، وملائكة الموت في قبض الأرواح، وملائكة الأرزاق ونحو ذلك.
السؤال السادس: هل كتابة القلم المقادير بإلهام أم برسول؟
الجواب: لا بإلهام ولا برسول، بل الكاتب به هو الله تعالى لا القلم هو بنفسه كتب حتى يكون بواحد منهما.
قال الإمام القسطلاني (1) في أول المواهب اللدنية (2): أخرج البخاري (3)
__________
الموضوعات حديث سؤال القبر قال: فتان القبر ثلاثة أنكر وناكر وسيدهم رومان وقال حديث موضوع لا أصل له. انظر الموضوعات لابن الجوزي: (3/ 234).
(1) القسطلاني: الإمام الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد القسطلاني المصري الشافعي، الفقيه المقرئ المسند صنف التصانيف المقبولة من أجلها = شرحه على صحيح مسلم = و: المواهب اللدنية بالمنح المحمدية = وغيرها. توفي سنة 923هـ بالقاهرة.
أنظر شذرات الذهب لابن العماد: (10/ 170). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 139.
(2) كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية في السيرة النبوية للشيخ أحمد بن محمد القسطلاني المصري المتوفي سنة 923هـ وهو كتاب جليل القدر كثير النفع ليس له نظير رتبه على عشرة مقاصد. أنظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1896).
(3) البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، أبو عبد الله: حبر الإسلام، والحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب = الجامع الصحيح = المعروف بصحيح البخاري، و = التاريخ = و = الضعفاء = و = الأدب المفرد = ولد في بخارى، ونشأ يتيما سمع من نحو ألف شيخ جمع نحو ست مئة ألف حديث اختار منها في صحيحه ما وثق بروايته توفي سنة 256هـ. أنظر تاريخ بغداد (2/ 364) تذكرة الحفاظ للذهبي: (2/ 555). الأعلام: (6/ 34).(1/60)
ومسلم (1) في الصحيحين (2) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (3)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» (4).
__________
(1) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، أحد الأعلام، مناقبه شهيرة، أخذ عن البخاري وشاركه في كثير من شيوخه، وروى عنه كثيرون، من أهم مصنفاته = الجامع الصحيح = أو صحيح مسلم و = الكنى والأسماء = وغيري ذلك توفي سنة 261هـ انظر تاريخ بغداد (13/ 1400). تذكرة الحفاظ للذهبي: (2/ 588)، الأعلام: (7/ 221).
(2) الصحيحين: الأول الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256هـ وهو أول الكتب الستة في الحديث وأفضلها.
والثاني كتاب الجامع الصحيح للإمام الحافظ أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري الشافعي المتوفي سنة 261هـ، وهو الثاني من الكتب الستة وأحد الصحيحين. قال الإمام النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم وتلقاهما الأمة بالقبول وكتاب البخاري أصحهما صحيحا وأكثرهما فوائد. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 555541).
(3) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قرشي سهمي، أبو محمد، أسلم قبل أبيه، كان كثير الصيام والقيام، وكان من المكثرين للرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روى عن بعض الصحابة وروى عنه بعضهم. وكان يكتب الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقرأ التوراة، توفي سنة 65هـ. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (5/ 299297)، تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 41).
(4) رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء رقم (6982) (4/ 2537) بلفظ آخر ورواه مسلم في كتاب القدر باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام رقم (2652) / بلفظ قريب جدا.
ورواه الترمذي في أبواب القدر رقم (2157) بلفظ آخر (6/ 326).
لم أجد هذا النص بلفظه في الصحيحين وإنما هو بلفظ قريب جدا.(1/61)
[ومن جملة ما كتب في الذكر وهو أم الكتاب أنّ محمدا خاتم النبيين] (1) (2) انتهى.
ولا يدل على استقلال القلم بالكتابة حديث عبادة بن الصامت (3) مرفوعا «أول ما خلق الله القلم قال له اكتب، قال: رب وما كتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء» (4) رواه أحمد (5)
__________
(1) ما بين [] زيادة عن النص في المواهب.
(2) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (1/ 73).
(3) عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد، النقيب، البدري وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما فأقام بحمص ثم انتقل إلى الشام توفي سنة 34هـ. انظر تهذيب التهذيب: (3/ 72).
(4) رواه أحمد في مسنده (5/ 317).
ورواه الترمذي في أبواب تفسير القرآن ومن سورة ن والقلم رقم (3316) (9/ 59) وقال: حديث حسن غريب [صحيح].
ورواه في أبواب القدر رقم (2156) (6/ 326) وقال: هذا حديث غريب [من هذا الوجه] بلفظ «اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد».
ورواه أبو داوود في كتاب السنن، باب في القدر رقم (4700) (4/ 226225).
(5) الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله، المروزي، ثم البغدادي، أحد كبار الأئمة الحفاظ الطوافين، الصابر على البلوى الذي منّ الله به على الأمة، ذو المناقب الشهيرة، وحسبك قول الشافعي شيخه، خرجت من بغداد فما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه. له مصنفات أهمها = مسند = في الأحاديث يحتوي ثلاثين لف حديث وله كتب في التاريخ و = الناسخ والمنسوخ = و = التفسير = و = فضائل الصحابة = و = المناسك =. وغيرها توفي سنة 241هـ. انظر الأعلام للزركلي (1/ 403).(1/62)
والترمذي (1) وصححه. إذ لا تستقل الآلة دون الفاعل، فهو نظير قوله تعالى لما يريد تكوينه {كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] (2). فالحديث الأول تفسير الثاني أو بالعكس.
السؤال السابع: هل كتابته بالعبراني أم بالعربي؟
الجواب: أنه بالعربي لما نقله السيوطي (3) في الإتقان (4) قال: (أخرج ابن
__________
(1) الترمذي: أبو عيسى، محمد بن عيسى، أحد أوعية العلم، والحفاظ الكبار، كان يضرب به المثل في الحفظ، أخذ عن البخاري، وشاركه في شيوخه، بل قال ابن عساكر:
كتب عنه البخاري، وحسبه بذلك فخرا له مصنفات كثيرة من أهمها كتاب = الجامع الصحيح = في الأحاديث وهو ثالث الكتب الستة. توفي سنة. 279هـ انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 559). هدية العارفين للبغدادي: 6/ 19.
(2) ذكر هذا اللفظ في عدة آيات منها في سورة يس آية رقم 82/ 36أول الآية: {إِنَّمََا أَمْرُهُ إِذََا أَرََادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
(3) السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي، المسند المحقق، المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة، أما مؤلفاته فنافت عدتها على خمسمائة مؤلف، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث، مناقبه لا تحصر كثرة، توفي سنة 911هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد (10/ 74). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 534.
(4) كتاب الإتقان في علوم القرآن للشيخ جلال الدين السيوطي ت 911هـ، ذكر فيه تصانيف شيخه الكافنجي واستصغره ومواقع العلوم للبلقيني واستقله وجعله مقدمة لتفسيره مجمع البحرين. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 8).(1/63)
سعد (1) في الطبقات عن ابن أبي حاتم (2) عن سفيان الثوري (3) قال: لم ينزل وحي إلا بالعربية، ثم ترجم كل (4) لقومه).
وذكر قبل ذلك (أخرج ابن أبي حاتم قال: في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة، فوكّل ثلاثة بحفظه من الملائكة: وكل جبريل بالكتب، والوحي إلى الأنبياء، وبالنصر عند الحروب، والهالكات إذا أراد الله أن يهلك قوما، ووكل ميكائيل بالقطر والنبات، ووكل ملك الموت بقبض الأنفس، فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما في أم الكتاب فيجدونه سواء» (5) انتهى.
__________
(1) ابن سعد: هو محمد بن سعد بن منبع أبو عبد الله البصري الهاشمي المعروف بابن سعد كاتب الواقدي، وصاحب = الطبقات = و = التاريخ = شهد له العلماء بالعلم والفضل والمعرفة التامة بالحديث قال ابن الصلاح في المقدمة: هو ثقة غير أنه كثير الرواية في الطبقات عن الضعفاء توفي سنة 230هـ انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 85)، شذرات الذهب لابن العماد (3/ 139). هدية العارفين للبغدادي: 6/ 11.
(2) ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس التميمي الحنظلي الرازي أبو محمد حافظ الحديث ومن كبارهم له تصانيف كثيرة ومنها كتاب = الجرح والتعديل و = كتاب في التفسير والرد على الجهمية = ومصنفات كثيرة، توفي سنة 327هـ. انظر: تذكرة الحفاظ للسيوطي ص 346، شذرات الذهب لابن العماد (4/ 139). تذكرة الحفاظ للذهبي: (2/ 829).
(3) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري: أبو عبد الله الكوفي: ثقة حافظ، فقيه، عابد، إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما دلّس، توفي سنة 61هـ. انظر تقريب التهذيب لابن حجر ص 184. هدية العارفين: (5/ 387).
(4) في الإتقان زيادة = نبي =.
(5) انظر الإتقان للسيوطي (1/ 45).(1/64)
فإذا عارض جبريل بين ما في حفظه وبين ما في أم الكتاب يجده سواء، ولم ينزل على الأنبياء الوحي إلا بالعربية فهو في أم الكتاب بالعربية.
السؤال الثامن: هل الجن الذين في الأرض قبل هبوط آدم من أهل الفترة (1).
الجواب: إن كان منهم الأنبياء كانت فيهم الفترة، وإلا فلا. قال في الأشباه والنظائر (2) في فقه الحنفية (الجمهور على أنه لم يكن من الجن نبي، وأما قوله تعالى: {يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] (3)
فتأولوه على أنهم رسل عن الرسل سمعوا كلامهم فأنذروا قومهم، لا عن الله. وذهب الضحاك (4) وابن حزم (5) إلى أنه كان منهم نبي تمسكا بحديث:
__________
(1) تطلق كلمة الفترة على زمن انقطاع الرسل، واختلف في مقدار هذه الفترة. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (6/ 122).
(2) كتاب الأشباه والنظائر في الفروع فقه حنفي لابن نجيم زين الدين بن إبراهيم المصري الحنفي المتوفى سنة 970هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 10098.
(3) تتمة الآية: {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيََاتِي} {كََانُوا كََافِرِينَ}.
(4) الضحاك بن مزاحم: البلخي الخراساني، أبو القاسم: مفسر كان يؤدب الأطفال. ويقال:
كان في مدرسته ثلاثة آلاف صبي قال الذهبي: كان يطوف عليهم، على حمار وذكره ابن حبيب تحت عنوان أشراف المعلمين وفقهاؤهم، له كتاب في التفسير، توفي بخرسان سنة 105هـ انظر تهذيب للعسقلاني (2/ 566565)، الأعلام للزركلي (3، 215).
(5) ابن حزم: علي بن أحمد بن حزم الظاهري، أبو محمد: عالم الأندلس في عصره، وأحد أئمة الإسلام ولد بقرطبة وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة انصرف إلى العلم والتأليف، فكان فقيها حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة. انتقد كثيرا من العلماء والفقهاء، فتمالأوا على بغضه فأقصته الملوك وطاردته. ألف أكثر من 400مجلد أشهر(1/65)
«وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة» وليس الجن من قومه، ولا شك أنهم أنذروا فصح أنه جاءهم أنبياء) (1) انتهى.
وكونهم قبل نبينا عليه السلام أنذروا يحتاج إلى إثبات، ولا حتى يتفرع عليه أنه جاءهم أنبياء، فإنه يمكن أن يكونوا لم ينذروا حتى جاء نبينا، وأنهم كالملائكة، بل هم نوع منهم على ما قال العلماء، ويؤيده استثناء إبليس منهم، والأصل في الاستثناء الاتصال.
وفي كتاب آكام المرجان في أحكام الجان (2) للشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله الشلبي الحنفي (3) قال: «الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون وقال جمهور العلماء سلفا وخلفا: على أنه لم يكن من الجن قط رسول، ولم تكن الرسل إلا من الإنس.
__________
مصنفاته = الفصل في الملل والأهواء والنحل = و = المحلى = فقه و = جمهرة الأنساب = و = الناسخ والمنسوخ = وغير ذلك توفي سنة 456هـ في بادية لبلة (من بلاد الأندلس). انظر تذكرة الحفاظ للسيوطي: (433)، هدية العارفين: 5/ 690. الأعلام للزركلي (4/ 254).
(1) انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي: أحكام الجان ص (392).
(2) كتاب آكام المرجان في أحكام الجان للقاضي بدر الدين محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفي سنة 796هـ رتب على مائة وأربعين بابا في أخبار الجن وأحوالهم، انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 141).
(3) محمد بن عبد الله الشبلي الدمشقي، أبو عبد الله، بدر الدين بن تقي الدين، فاضل متفنن، من فقهاء الحنفية، ولد بدمشق ورحل إلى القاهرة، وولي قضاء طرابلس الشام سنة 755هـ واستمر في القضاء إلى أن توفي بها، من كتبه آكام المرجان في أحكام الجان، ورسالة في أدب الحمام وكتب أخرى توفي سنة 769هـ انظر الدرر الكامنة (3/ 487)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 164)، الفوائد البهية ص (17)، معجم المؤلفين للكحالة (10/ 194).(1/66)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (1): الجن قتلوا نبيا لهم قبل آدم اسمه يوسف، وأن الله أرسل إليهم رسولا، وأمرهم بطاعته (2) قال العته، ثم بسط الكلام وأطال في ذكر الخلاف بين العلماء».
وقال البيضاوي (3) في قوله تعالى: {يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] الرسل من الإنس خاصة لكن لما جمعوا مع الجن في الخطاب صح ذلك». (4)
وقال الواحدي (5): {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} الرسل من الإنس، والنذر من
__________
(1) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم كان يقال له الحبر والبحر لكثرة علمه ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين وقال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس توفي سنة 68هـ انظر والكاشف (2/ 90)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: (5/ 242). تذكرة الحفاظ: (1/ 40).
(2) انظر آكام المرجان في أحكام الجان للشبلي ص (6158) وفي كتاب العيني شرح البخاري بحثا مطول في هذا الموضوع يرجع إليه (5/ 184).
(3) سبق ترجمته في صفحة (55).
(4) انظر: تفسير البيضاوي سورة الأنعام (2/ 208).
(5) الواحدي: هو علي بن أحمد أبو الحسن الواحدي المفسر، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، شافعي المذهب، كان فقيها وإماما في النحو واللغة، شاعرا، وإمام عصره في التفسير صنف: البسيط، والوجيز، وأسباب النزول، والمغازي وشرح ديوان المتنبي وغيرها، توفي سنة 468هـ انظر شذرات الذهب لابن العماد (5/ 292291)، الأعلام للزركلي: (4/ 255). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 692.(1/67)
الجن، وهم يسمعون كلام الرسل، فيبلغون الجن ما سمعوا وينذرونهم» (1).
ومشى على ذلك أيضا أبو محمد الخازن في تفسره (2) وأطال في تأييده، فثبت بهذا أن الجن ليس منهم أنبياء (3).
وقال الواحدي في تفسير قوله تعالى: {يََا قَوْمَنََا أَجِيبُوا دََاعِيَ اللََّهِ} (4) وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الإنس والجن (5). قال مقاتل (6): لم يبعث الله
__________
(1) انظر الوسيط في القرآن المجيد للواحدي تفسير = الأنعام = (2/ 323).
(2) الخازن: علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد الشامي خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق. كان صالحا خيرا جمع وألف، ومن أهم تأليفه = تفسير الخازن = توفي سنة 741هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد (8/ 229) هدية العارفين للبغدادي: 5/ 718.
السميساطية: خانقاه عند الباب الشمالي للجامع الأموي، حكي النعيمي أنها كانت في مبدأ أمرها دارا لعبد العزيز بن مروان ثم انتقلت إلى ابنه عمر بن عبد العزيز، وكان ذلك مكتوبا على عتبة بابها.
انظر كتاب مندامة الأطلال لعبد القادر بدران ص 277276.
(3) قال الخازن في تفسيره: اختلف العلماء في معنى هذه الآية، وهل كان من الجن رسل أم لا؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه لم يكن من الجن رسلا، وإنما كانت الرسل من الإنس، وأجابوا عن قوله {رُسُلٌ مِنْكُمْ} يعني من أحدكم وهم الإنس.
انظر تفسير الخازن = الأنعام = (2/ 184).
(4) تتمة الآية: {وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]
(5) عند الواحدي: كان مبعوثا إلى الجن كما كان مبعوثا إلى الإنس.
(6) مقاتل بن حيّان النبطي، أبو بسطام البلخي الخرّاز، مولى بكر ابن وائل، روى عن عمته عمرة وسعيد بن المسيب وقتادة ومسلم بن هيصم والضحاك بن مزاحم وعمر بن(1/68)
نبيا إلى الإنس والجن قبله انتهى» (1).
فلا يتصور أن يكون في الجن فترة قبل بعثة نبينا، فكيف قبل آدم عليه السلام حيث لم يكن منهم أنبياء
السؤال التاسع: هل إذا دخل مؤمنهم الجنة ينكح من الحور العين؟
الجواب: نعم ينكح، ولكن من جنسهم جنيات، لا من الحور لأنهم إذا دخلوا الجنة لا يثابون فيها عند أبي حنيفة (2) أصلا غير نجاتهم من النار.
وقال أبو محمد الخازن في قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلََا جَانٌّ}
[الرحمن: 74] «قيل إنما نفى الجن لأن لهم أزواجا في الجنة منهم، وفي الآية دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي.
__________
عبد العزيز وجماعة. وعنه علقمة بن مرئد وعبد الله بن المبارك وغيرهم قال الدارقطني:
صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقيل ابن معين ضعفه وقال أحمد بن حنبل لا يعبأ، بمقاتل بن حيان مات قيل في الخمسين ومائة تقريبا.
انظر تهذيب للعسقلاني (5/ 504503). تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 174.
(1) انظر الوسيط في تفسير القرآن المجيد، للواحدي = الأحقاف (4/ 115).
(2) أبو حنيفة: النعمان بن ثابت، ولد سنة 80هـ وتوفي سنة 150هـ، صاحب المذهب، أخذ العلم عن حماد بن أبي سليمان، وسمع عطاء بن أبي رباح، وأبا إسحاق السبيعي، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وأدرك أربعة من الصحابة، منهم أنس بن مالك، وكان عالما، زاهدا، ورعا، تقيا، كثير الخشوع دائم التضرع. انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 216)، وهدية العارفين للبغدادي (6/ 495). تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 168).(1/69)
وسئل ضمرة بن حبيب (1) هل للجن ثواب؟ فقال: نعم وقرأ هذه الآية، ثم قال الإنسيات للإنس والجنيات للجن» (2) انتهى.
فدل على أن الجن ليس لهم من الحور في الجنة شيء
السؤال العاشر: هل حضور مؤمنهم عند عقد النكاح يكفي؟
الجواب: ربما يقال على مقتضى مذهب الشافعية (3) لا ينعقد، لاشتراطهم العدالة في شهود النكاح، ولم تحصل الثقة بعد التهم.
قال في الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي (4) «وأما رواية الإنس عن الجن،
__________
(1) ضمرة بن حبيب الزبيدي الحمصي، عن عوف بن مالك وشداد، قال أحمد: صالح في الثقات، وقال يونس كان أفقههم في زمانه توفي في سنة 202هـ.
انظر الكاشف للذهبي (2/ 34) تقريب التهذيب لابن حجر ص 221.
(2) انظر تفسير الخازن = الرحمن = (7/ 10).
(3) وعلى مقتضى مذهب الشافعية قال ابن حجر في تحفة المحتاج. «ولا يصح النكاح إلا بحضور شاهدين قصدا أو اتفاقا بأن يسمعا الإيجاب والقبول: أي الواجب منهما المتوقف عليه صحة العقد للخبر الصحيح = لا نكاح إلا بولي وشاهدين = وشرطهما حرية كاملة فيها وذكورة محققة وكونهما أنسيين كما قاله ابن العماد فلا ينعقد بمن فيه رق، ولا بجني إلا إن علمت عدالته الظاهرة كما هو ظاهر نظير ما مر من صحة نحو من إمامته وحسبانه من الأربعين في الجمعة وغير ذلك». انظر حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج للنووي (9/ 86، 92).
(4) ابن نجيم: هو الشيخ زين الدين بن إبراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي الإمام العلامة ألف رسائل وحوادث ووقائع في فقه الحنفية. وشرح = الكنز = وألف كتاب = الأشباه والنظائر = و = شرح المنار = في الأصول و = كتاب الفوائد = وغير ذلك توفي سنة 970هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد (10/ 523). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 378.(1/70)
فالظاهر منها لعدم حصول الثقة بعد التهم» (1) انتهى. أما على مذهب الحنفية فلا ينعقد أيضا النكاح بشهادتهم لما نقل في الخلاصة (2) والبزازية (3)، أن من
__________
(1) انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم = أحكام الجان = ص 391.
(2) كتاب الخلاصة: للشيخ الإمام افتخار الدين طاهر بن أحمد الحنفي المتوفي سنة 542هـ وقال في الفوائد البهية: صاحب خلاصة الفتاوى والنصاب كان عديم النظير في زمانه شيخ الحنفية بما وراء النهر أخذ عن قضيخان وله تصانيف منها = خزانة الواقعات = و = النصاب = و = الخلاصة = وهو كتاب معتبر قليل الوجود، وهو ملخص من كتاب خزانة الواقعات ومن النصاب وسماه خلاصة الفتاوى.
انظر الجواهر المضيئة: (1/ 277276) كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 703702) الفوائد البهية ص 84، الأعلام للزركلي: (3/ 220).
ذكر في الخلاصة في كتاب النكاح باب الشهود. وفيه لو تزوج امرأة بشهادة الله ورسوله لا ينعقد، وهل يكفر عزف في ألفاظ الكفر.
انظر خلاصة الفتاوى لطاهر البخاري مخطوط، رقم (2669) ص 98
(3) البزازية: الجامع الوجيز، كتاب جامع لزبدة الفتاوى والواقعات من مختلف الكتب مع ترجيح الأقوى دليلا ويعرف ب = الفتاوى البزازية = من تصنيف حافظ الدين محمد بن مجمد بن شهاب الكردي، المعروف ب = ابن البزاز = توفي سنة 827هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 242)، شذرات الذهب لابن العماد (9/ 138)، الأعلام للزركلي (7/ 45).
قال في الفتاوى البزازية: رجل تزوج امرأة بشهادة الله ورسوله كان باطلا لقوله صلى الله عليه وسلم.
«لا نكاح إلا بشهود» وكل نكاح يكون بشهادة الله.
وبعضهم جعلوا ذلك كفرا لأنه يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وهو كفر.
انظر الفتاوى البزازية على هامش الفتاوى الهندية (1/ 334).(1/71)
تزوج بغير شهود اكتفاء بشهادة الملائكة يكفر، وكذلك بشهادة الله تعالى ورسوله. ولا شك أن الجن مثل الملائكة، فكيف ينعقد النكاح بهم مع كفر القائل ذلك. وإذا تصور الجني في صورة إنسي، ربما يقال يصح النكاح، ويكتفي في ذلك بظاهر الإيمان، ولا يشترط العدالة في الشهود عندنا (1).
ولهذا صرح في الأشباه والنظائر أن الاقتداء بالجن صحيح، وأن الجماعة تنعقد بهم، كما تنعقد بالملائكة، وأنه اختلف في صحة نكاحهم، وعبارته تقتضي المنع (2).
__________
(1) قال المرغيناني في الهداية: ولا تشترط العدالة في النكاح حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا خلافا للشافعي رحمة الله له. أن الشهادة من باب الكرامة والفاسق من أهل الإهانة، ولنا أنه من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة.
انظر شرح فتح القدير على الهداية (3/ 113112).
(2) قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: ومنها: انعقاد الجماعة بالجن ونظير ذلك ما ذكره السبكي أن الجماعة تحصل بالملائكة ومنها صحة الجماعة خلف الجني. وقال أيضا: وقد استدل بعضهم على تحريم نكاح الجنيات بقوله تعالى في سورة النحل: {وَاللََّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوََاجاً} أي من جنسكم، ونوعكم وعلى خلقكم.
وبعضهم استدل بما رواه حرب الكرماني في مسائل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نكاح الجن، وهو إن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء، فروي المنع عن الحسن البصري وقتادة والحاكم وابن قتيبة وإسحاق بن راهوية وعقبة بن الأصم رضي الله عنهم انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي (391390).
وذكر العيني في شرح البخاري قال: وسئل أبو البقاء العكبري الحنبلي عن الجن هل يصح الصلاة خلفهم؟ قال نعم لأنهم مكلفون والنبي أرسل إليهم.
انظر عمدة القارئ للعيني (15/ 184).(1/72)
السؤال الحادي عشر: هل يجب عليهم سلوك مذهب من المذاهب؟
الجواب: حيث أنهم مكلفون بشريعتنا يجب عليهم ذلك. قال أبو محمد الخازن (1) في سورة الأحقاف: «وفي الجن ملل كثيرة مثل الإنس ففيهم اليهود، والنصارى، والمجوس، وعبدة الأصنام وفي مسلميهم مبتدعة، ومن يقول بالقدر، وخلق القرآن، ونحو ذلك من المذاهب والبدع، وأطبق المحققون من العلماء على أن الكل مكلفون» (2).
السؤال الثاني عشر: لم لم يرسل إليهم صلى الله عليه وسلم رسولا، ولم يقاتلهم؟
الجواب: إنه أرسل إليهم رسلا منهم ينذرونهم، كما قدمناه عن الأشباه والنظائر (3).
وقال البيضاوي في قوله تعالى: {يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} إلى آخر الآية (4) «والإنذار التخويف، والتهديد، والمقاتلة، لأنهم من جنسهم، فيمكنهم ذلك دون الجيوش من الإنس، كما يدل عليه صريح الآية في قوله
__________
(1) الخازن، سبق ترجمته ص (68).
(2) انظر تفسير الخازن = الأحقاف = (6/ 167).
(3) ذكرنا فيما سبق في السؤال الثامن ارجع إليه.
انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (392)
(4) تتمة الآية: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيََاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقََاءَ يَوْمِكُمْ هََذََا قََالُوا شَهِدْنََا عَلى ََ أَنْفُسِنََا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيََاةُ الدُّنْيََا وَشَهِدُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كََانُوا كََافِرِينَ}
[الأنعام: 130/ 6].(1/73)
تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنََا} [1] إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمََّا حَضَرُوهُ قََالُوا أَنْصِتُوا فَلَمََّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى ََ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قََالُوا يََا قَوْمَنََا إِنََّا سَمِعْنََا كِتََاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ََ مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى ََ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ
[الأحقاف: 46/ 3029]. إلى قوله: {وَمَنْ لََا يُجِبْ دََاعِيَ اللََّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} (2) الآية» (3).
السؤال الثالث عشر: هل الملائكة تتكلم بالعربي أم العبراني؟
الجواب: أما تكلمهم بالوحي إلى الأنبياء عليهم السلام، فهو بالعربي بدليل ما قدمناه من حديث ابن أبي حاتم، قال: «لم ينزل وحي إلا بالعربية، ثم ترجمه كل لقومه» (4).
__________
(1) صرفنا: قال القرطبي وجهنا إليك وبعثنا. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي = الأحقاف = (16/ 210).
وقال العيني في شرح البخاري = صرفنا = أي وجهنا وقيل أملنا إليك، وقيل: أقبلنا بهم نحوك وقيل: ألجأناهم، وقيل: وفقناهم بصرفنا إياهم عن بلادهم إليك والله أعلم.
= وإذ صرفنا = العامل في وإذ محذوف تقديره واذكر حين صرفنا إليك. انظر: عمدة القارئ للعيني: (15/ 186).
(2) تتمة الآية: {وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيََاءُ أُولََئِكَ فِي ضَلََالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: 46/ 32].
(3) لم أجد هذا الكلام في تفسير البيضاوي.
(4) سبق تخريجه ص (64).
ذكر ابن الجوزي في الموضوعات حديث عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما نزل الله من وحي قط على نبي بينه وبينه إلا بالعربية ثم يكون هو بعد يبلغه قومه بلسانهم».
وقال: هذا حديث لا يصح انظر الموضوعات لابن الجوزي (1/ 112).(1/74)
أما بغير الوحي، فقد قال تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بََابٍ (23) سَلََامٌ عَلَيْكُمْ} إلى آخره [الرعد: 13/ 2423] (1) فكلامهم مع أهل الجنة بالعربية. وفي سؤال منكر ونكير للميت خلاف. فقيل يسأل كل واحد بلسانه، وقيل بالسريانية، واستغرب. والظاهر أنه بالعربية، لما هو المتبادر من ألفاظ الأحاديث الواردة في السؤال، (2) من أن الملكين يقولان له: من ربك؟، وما دينك؟ ومن هذا الرجل الذي فيكم؟ وهذا ألفاظ عربية.
وكونها من النبي صلى الله عليه وسلم عن كلمات غير عربية خلاف الظاهر، فلا يثبت إلا بدليل، وحيث لا دليل فالأصل أنه عليه السلام، حكاها كما هيّ في لغة الملائكة من غير تغيير.
وفي صحيح البخاري ومسلم: «فيمن قتل تسعا وتسعين نفسا فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه على الله عز وجل، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط إلى آخر الحديث
__________
(1) أول الآية: {جَنََّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهََا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبََائِهِمْ وَأَزْوََاجِهِمْ وَذُرِّيََّاتِهِمْ وَالْمَلََائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بََابٍ. سَلََامٌ عَلَيْكُمْ بِمََا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدََّارِ}.
(2) روى الترمذي في أبواب تفسير القرآن = ومن سورة إبراهيم عليه السلام = رقم (3119) (8/ 280) عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثََّابِتِ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]
قال في القبر إذا قيل له: = من ربك، وما دينك؟ ومن نبيك = وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقريب من هذا حديث رواه مسلم في كتاب الجنة رقم (2871)، (4/ 2201)(1/75)
بطوله» (1) وهذا الكلام صادر من الملائكة بعضهم لبعض بالعربية، وهو الظاهر فلا يعدل عنه إلا بدليل، وكذلك نحو هذا كثير في الأخبار.
السؤال الرابع عشر: هل آدم كان يتكلم بالعربي، أم بالعبراني في السماء والأرض؟
الجواب: قال الواحدي في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمََاءَ كُلَّهََا}
[البقرة: 31/ 2] (2). «إن الله خلق في قلب آدم علما بالأسماء على سبيل الابتداء، وألهمه العلم بها.
قال ابن عباس: علمه اسم كل شيء، حتى القصعة والمغرفة. وقيل:
إن الله تعالى علم آدم جميع اللغات، ثم إن أولاده تكلم كل واحد منهم بلغة أخرى، فلما تفرقوا في البلاد اختصت كل فرقة منهم بلغة. فاللغات كلها إنما سمعت من آدم وأخذت عنه» (3) انتهى.
وفي شرح البخاري للعيني: (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب أم حسب أن أصحاب الكهف والرقيم. رقم (3283) (2/ 1193). ورواه مسلم في كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله رقم (2766) (4/ 2118).
(2) تتمة الآية: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلََائِكَةِ فَقََالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمََاءِ هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ}.
(3) انظر الوسيط في تفسير القرآن المجيد للواحدي (1/ 116).
(4) العيني: هو بدر الدين محمود بن القاضي شهاب الدين العينتابي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة الحنفي المعروف بالعيني وقيل: هو فريد عصره، ووحيد دهره، عمدة المؤرخين، ومقصد الطالبين قاضي عينتاب له مصنفات كثيرة منها كتاب عمدة القارئ شرح صحيح البخاري المسمى بالعيني على البخاري، توفي سنة 855هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد (9/ 418).(1/76)
«قال محمد بن جرير (1): «إنما نطق إبراهيم عليه السلام بالعبرانية، حين عبر النهر فارا من النمرود (2). وقد كان النمرود قال للذين أرسلهم خلفه: إذا وجدتم فتى يتكلم بالسريانية، فردوه، فلما أدركوه استنطقوه، فحول الله لسانه عبرانيا، ذلك حين عبر النهر فسميت عبرانية بذلك، والمراد بالنهر الفرات، وسميت السريانية لأن الله تعالى حين علم آدم الأسماء، علمه سرا من الملائكة وأنطقه بها حينئذ» (3) انتهى.
فهذا يدل على أن العبرانية أول من تكلم بها إبراهيم عليه السلام، ولم تكن قبله، فلم يتكلم بها آدم عليه السلام، وأن آدم عليه السلام كان يتكلم بالسريانية، وكلم بها الملائكة في السماء، وبقي ذلك حتى تكلم بها في الأرض (4).
__________
(1) محمد بن جرير الطبري: الحبر البحر الإمام أبو جعفر صاحب = التفسير =، = التاريخ = والمصنفات الكثيرة وسمع إسحاق بن [أبي] إسرائيل ومحمد بن حميد الرازي وطبقتهما، وكان مجتهدا لا يقلد أحدا.
ولد في طبرستان = في الشمال الأوسط من إيران = وتوفي سنة 310هـ وقال الخطيب كانت الأمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله.
انظر تذكرة الحفاظ للسيوطي: (ص 310)، شذرات الذهب لابن العماد (4/ 54)، هدية العارفين: (6/ 26).
(2) النمرود بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح عليه السلام ملك زمانه، وعارض إبراهيم في ربوبية الله. انظر تفسير ابن كثير (1/ 313).
(3) فتشت عن هذا الكلام في العيني والطبري فلم أجده.
(4) قال الدكتور أحمد شلبي في مقارنة الأديان نقلا عن قصة العقائد لسليمان مظهر:(1/77)
السؤال الخامس عشر: هل ولدان أهل الجنة على صفة أهلها؟
الجواب: نعم هم على صفة أهلها.
قال البيضاوي في قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة: 17] «مبقون أبدا على هيئة الولدان وطراوتهم» (1).
وقال الخازن: «هم ولدان خلقوا في الجنة، لخدمة أهل الجنة كالحور، وهم وإن لم يولدوا، ولم يحصلوا عن ولادة، أطلق عليهم اسم الولد لأن العرب تسمي الغلام وليدا ما لم يحتلم، والأمة وليدة، وإن آيست» (2).
السؤال السادس عشر: أي روح تخرج من الصور أولا؟
الجواب: روح محمد صلى الله عليه وسلم على الأصح، وقيل موسى عليه السلام قال اللاقاني (3)
__________
العبري هو المنحدر من ذرية إبراهيم، ولكن لماذا سمي عبريا أو عبرانيا؟ يرى بعض الباحثين أن إبراهيم سمي عبريا لأنه عبر النهر، ويحتمل أن يكون النهر المقصود هو نهر الفرات كما يحتمل أن يكون نهر الأردن.
ثم قال: يرى أكثر الباحثين أنها تمت حوالي سنة 2000ق. م ويرجح بعضهم حدوثها حوالي سنة 1850ق. م.
انظر مقارنة الأديان للشلبي (1/ 4946).
(1) انظر تفسير البيضاوي = الواقعة = (5/ 113).
(2) انظر تفسير الخازن = الواقعة = (7/ 17).
(3) اللاقاني: هو في الأعلام اللقاني من غير ألف وهو عبد السلام بن إبراهيم اللقاني المصري: شيخ المالكية في وقته بالقاهرة له تصانيف كثيرة منها = شرح المنظومة الجزائرية = و = إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد = توفي سنة 1078هـ. انظر خلاصة الأثر للمحبي (2/ 417)، هدية العارفين: 5/ 571، الأعلام: 3/ 355.(1/78)
في شرح جوهرته (1): «أول من يبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا موسى على الأصح» (2) وجزم القرطبي (3) في المفهم بأنه أول من يكسى (4). وجزم تلميذه في التذكرة (5)، بأن أول من يكسى إبراهيم عليه السلام، كما في حديث الصحيحين وغيره، والأول أصح» (6).
__________
(1) كتاب جوهرة التوحيد: منظومة في الكلام للشيخ إبراهيم ابن اللقاني المالكي المتوفي في حدود سنة 1041هـ وله عليها ثلاثة شروح ثم شرحها ولده عبد السلام المتوفي سنة 1078هـ سماها إرشاد المريد ثم شرحها شرح وسط سماه إتحاف المريد. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 620).
(2) انظر شرح جوهرة التوحيد للقاني (186185).
(3) القرطبي: أحمد بن عمر المتوفى 656هـ سبق ترجمة ص (53).
(4) انظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، في كتاب ذكر الموت، باب في الحشر وكيفيته (7/ 153152).
(5) تلميذ القرطبي هو محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله، الورع الزاهد، صاحب التصانيف العديدة سمع من شيخه أبا العباس القرطبي صاحب المفهم وغيره، له مصنفات أهمها في تفسير القرآن الكريم سماه = الجامع لأحكام القرآن الكريم = وكتاب = التذكرة في الموتى أمور الآخرة = توفي سنة (671) انظر شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 585584)، الأعلام للزركلي (5/ 322).
(6) قال القرطبي في المفهم في قول «ألا إن أول الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام» قال القرطبي: «هذا يدل على أن الناس كلهم الأنبياء وغيرهم يحشرون عراة، كما قال في الحديث المتقدم، وأن أهل السعادة يكسون من ثياب الجنة، ولا شك في أن من كسي من ثياب الجنة فقد لبس جبة تقية مكاره الحشر وعرقه، وحرّ الشمس(1/79)
السؤال السابع عشر: هل الدواب في الحشر مختلطة بأهله، أم في حيز؟
الجواب: تحشر وحدها في حيز محيطة بأهل المحشر.
قال الغزالي (1) في الإحياء بعد ذكره النفخ في الصور، وجمع الناس إلى الحشر، قال: «وعند ذلك تقبل الوحوش من البراري والجبال، منكسة رؤوسها تحيط (2) بالخلائق بعد توحشها، ذليلة ليوم النشور، من غير خطيئة تدنست بها. ولكن حشرهم شدة الصعقة، وهول النفخة، وشغلهم عن الهرب عن الخلق، والتوحش منهم، وذلك قوله تعالى {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ»} (3)
[التكوير: 5] انتهى. وأما الدواب التي منع أهلها زكاتها، وهي السوائم، فتحشر مع الناس لما في الدرة الفاخرة للغزالي. قال: «فبينما الناس في تلك الحالة وقد ضاق مكانهم، وساءت أحوالهم، وترادفت أهوالهم قد طوّق كل واحد بما بخل به في دار الدنيا فمانع زكاة الإبل يحمل بعيرا على كاهله له رغاء (4)، وثقل يعدل الجبل العظيم [ومانع زكاة البقر يحمل ثورا على كاهله
__________
والنار، وغير ذلك، فظاهر عمومه يقتضي أن إبراهيم يكسى قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
انظر المفهم في شرح مسلم للقرطبي: (7/ 123152).
(1) سبق ترجمته (59).
(2) في النسخ التي بين أيدينا من الاحياء = مختلطة = ولعل المؤلف نقل من نسخة ثانية وهي الصواب لموافقتها الكلام.
(3) انظر إحياء علوم الدين للغزالي: صفة نفخة الصور (4/ 437).
(4) رغا البعير والضبع، والنعام رغاء، بالضم انظر القاموس المحيط مادة = رقو =.(1/80)
له خوار (1)، وثقل، يعدل الجبل العظيم، ومانع زكاة الغنم يحمل شاة لها رغاء، وثقل يعدل الجبل العظيم إلى آخر عبارته]» (2).
السؤال الثامن عشر: هل يقتص للشاة الجمّاء من القرناء في الموقف، أم في غيره؟
الجواب: نعم يقتص للجماء من القرناء في الموقف، وهو المحشر.
قال الغزالي في الإحياء: «قال أبو هريرة (3) في قوله تعالى: {وَمََا مِنْ دَابَّةٍ فِي}
__________
(1) الخوار: من صوت البقر والغنم والظباء والسّهام. انظر القاموس المحيط مادة = خور =.
ما بين القوسين [] زيادة غير مذكورة في الدرة الفاخرة.
(2) انظر الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة: ص 60.
إشارة إلى ما هو مذكور في الحديث الذي رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب الغلول رقم (2908) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ألفينّ أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس لها حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء، يقول:
يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، إلى آخر الحديث».
ورواه مسلم في كتاب الإمارة باب: غلظ تحريم الغلول رقم: 1831، (3/ 1461).
(3) أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي (رضي الله عنه): كان اسمه عبد شمس، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، قدم المدينة مهاجرا وسكن الصفة، وعى حديث رسول الله وحفظ ما لم يحفظ غيره، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ، وسأل الله علما لا ينسى فأمّن له رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر عثمان يوم الدار، وتوفي بقصره في العقيق، فحمل إلى المدينة، سنة 57هـ،. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (6/ 447)، تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 22).(1/81)
{الْأَرْضِ وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ إِلََّا أُمَمٌ أَمْثََالُكُمْ مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى ََ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]. أنه يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، والبهائم، والدواب، والطير، وكل شيء، فيبلغ من عدل الله تعالى، أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول كوني ترابا، فذلك حين يقول الكافر {يََا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرََاباً} (1) [النبأ: 78/ 40].
السؤال التاسع عشر: ما أول حديث كتب عنه صلى الله عليه وسلم وآخر حديث قاله صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: أول حديث كتب عنه صلى الله عليه وسلم وعهد منه بعد نبوته قوله: «ما أنا بقارئ» لما روى الشيخان (2)،
__________
(1) انظر إحياء علوم الدين للغزالي، صفة الخصماء ورد المظالم (4/ 445) هذا الكلام إشارة الى الحديث الذي رواه مسلم في كتاب البر والصلة والأدب، باب: تحريم الظلم رقم (2582) ورواه أحمد في مسنده 2/ 235عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» وأيضا ذكر الشهاب الخفاجي في كتابه ريحانة الألباب زهرة الحياة الدنيا في فصل وهل يجرى قصاص بين الحيوانات يوم القيامة، في هذا الموضوع بالتفصيل يرجع إليه.
انظر ريحانة الألباب للخفاجي (2/ 150146).
(2) الشيخان: هما أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
أبو بكر الصديق عبد الله بن أبن قحافة (رضي الله عنه) وأبو قحافة عثمان بن عامر.
وكان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه أم الخير، ولد بعد الفيل بسنتين، أول من أسلم، وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورافقه في جميع الغزوات. واستقر خليفة في الأرض بعده. روى عنه كثير من الصحابة والتابعين. توفي سنة 13هـ له مناقب عديدة، وكان عظيم الإيمان، ومآثره شهيرة كثيرة. انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 191181). تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 52).(1/82)
عن عائشة (1) رضي الله عنها قالت: «أوّلّ ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء فكان يأتي حراء، يتحنّث فيه الّليالي ذوات العدد، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة (2)، فيتزوّده لمثلها، حتى جاءه
__________
والثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قرشي من بني عدي، أمير المؤمنين، كنيته أبو حفص، كان سفير قريش قبل إسلامه، وكان شديدا على المسلمين أول الأمر، ثم كان إسلامه فتحا وعزة للمسلمين، وهو رضي الله عنه أشهر من أن يعرف، استشهد على يد المجوسي الفاجر أبي لؤلؤة سنة 23هـ، فرضي الله عنه وأرضاه. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي: (2/ 153). تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 85)، الإصابة: (4/ 588).
(1) عائشة بنت أبي بكر الصديق: أمها أم رومان بنت عامر رضي الله عنها.
أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تكنى: أم عبد الله الفقيهة. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، كما روت عن أبيها وعدد من الصحابة رضي الله عنهم، روى عنها الكثير ابن أختها عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، وابنا أخيها القاسم وعبد الله ابنا محمد ابن أبي بكر رضي الله عنهم وكثيرون غيرهم. كانت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلبه لما فيها من صفات خلقية وخلقية، وفضائلها كثيرة مشهورة. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة تسع سنين، وتوفي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة، توفيت رضي الله عنها سنة 57هـ ودفنت في البقيع حسب وصيتها. انظر الإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني (8/ 2116). تذكرة الحفاظ: (1/ 27).
(2) خديجة: بنت خويلد: أم المؤمنين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها من العمر أربعون سنة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس وعشرين سنة، ولدت سنة 68قبل الهجرة من بيت مجد وسؤدد ورياسة. ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت وولدت له صلى الله عليه وسلم القاسم وعبد الله(1/83)
الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: «اقرأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني (1) حتى بلغ منّي الجهد (2)، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثّالثة حتى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى بلغ {مََا لَمْ يَعْلَمْ} (3) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده» (4) الحديث فإن مقتضاه، أنّ أول ما كتب عن النبي
__________
ورياسة. ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت وولدت له صلى الله عليه وسلم القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. وهي رضي الله عنها أول من آمن بالله ورسوله. وكانت له السند والمعين في الدعوة إلى الله في نفسها ومالها وتوفيت رضي الله عنها سنة 3قبل الهجرة بمكة المكرمة ولها من العمر خمس وستين سنة رحمة الله وتعالى عليها.
انظر الإصابة في تمييز الصحابة: (7/ 605006)، أسد الغابة لابن الأثير: (7/ 80).
(1) (فغطني) ضمني وعصرني حتى حبس نفسي.
(2) (الجهد): المشقة والغاية وقيل غاية وسعي.
(3) تتمة الآية: {خَلَقَ الْإِنْسََانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 51].
(4) رواه البخاري في كتاب التفسير، باب: ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)} رقم (467) (3/ 1787)، ولكن بلفظ: فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم (160) (1/ 140).
وقال: الإمام مسلم هذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن = اقرأ = وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف.(1/84)
صلّى الله عليه وسلّم، وعهد أنه تكلم به في ابتداء نبوته قوله «ما أنا بقارئ» المذكور في هذا الحديث لأن أول ما بدئ به من الرؤيا، لم يكتب عنه شي منه، ولا كتب ما تكلم فيه أنه رآه، فلم يبق إلا ما ذكرنا.
وأما آخر ما قاله عليه السلام، فيما روت عائشة رضي الله عنها أيضا قالت: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو مستند إلي يقول: «الّلهمّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرّفيق الأعلى» رواه البخاري ومسلم (1).
وعنها أيضا، قالت: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بالموت وعنده قدح فيه
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المغازي باب مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم ووفاته رقم (4176)، (3/ 1508).
ورواه مسلم في كتاب السلام باب: استحباب رقية المريض رقم: (2191)، 4/ 1722 ولكن فيه اجعلني بدل ألحقني.
ورواه الترمذي في أبواب الدعوات (9/ 195) وقال: حسن صحيح وأيضا ذكر العيني في شرح البخاري ما يؤكد ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يقول وهو صحيح «لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير» فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال «اللهم الرفيق الأعلى» قلت إذا لا يختارنا علمت أنه الحديث الذين كان يحدثنا وهو صحيح قالت: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها اللهم الرفيق الأعلى. انظر شرح البخاري للعيني (22/ 304).
وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب المغازي باب: آخر ما تكلم به النبي صلّى الله عليه وسلّم رقم: (4194) (3/ 1514) وقال الحاكم في المستدرك آخر كلمة تكلم بها الرفيق الأعلى (2/ 179).(1/85)
ماء، وهو يدخل يده في القدح، ثمّ يمسح وجهه بالماء، ثم يقول:
«اللهم أعني على غمرات الموت، وسكرات الموت» (1) رواه الترمذي، فإن أحد هذين الكلامين في هاتين الروايتين آخر ما قاله صلّى الله عليه وسلّم.
السؤال العشرون: هل ورد أنه صلّى الله عليه وسلّم أو لم في الأعياد؟
الجواب: المفهوم من سنته عليه السلام أنه أو لم. فقد ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (2) عند الشيخين، قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس، وأجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الرّيح المرسلة» (3).
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في التشديد عند الموت رقم (978) (3/ 299) وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه الحاكم في المستدرك بلفظ قريب وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي سكرات الموت صحيح (3/ 56).
(2) ابن عباس سبق ترجمته (67).
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم، باب: أجود ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكون في رمضان رقم (1803) (1/ 123)، ورقم (3048)، (6). ورواه مسلم في كتاب الفضائل، باب كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة رقم (2308) (4/ 1803).
ورواه النسائي في كتاب الصيام، باب الفضل والجود في شهر رمضان (4/ 125).(1/86)
يعني أنّه في الإسراع بالجود أسرع من الريح. وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، إلى عموم النفع بجوده صلّى الله عليه وسلّم، كما يعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه.
ووقع عند الإمام أحمد في آخر هذا الحديث «لا يسأل شيئا إلا أعطاه» (1) كذا في المواهب اللدنية (2). وكثرة جوده صلّى الله عليه وسلّم في رمضان، يقضي بذله ما عنده لأصحابه في رمضان، وفي يوم العيد.
وقال في شرعة الإسلام (3): «إنّ من سنن العيدين أن يذكر الناس، ويحثهم
__________
(1) رواه أحمد في مسنده (6/ 130).
(2) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (4/ 328327).
ذكر القسطلاني برواية مسلم عنه صلّى الله عليه وسلّم: ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا إلا أعطاه فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمد يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.
وكان علي رضي الله عنه إذا وصفه صلّى الله عليه وسلّم قال: كان أجود الناس كفا، أصدق الناس لهجة.
قال الحافظ بن حجر: ليس المراد أنه يعطي ما يطلب منه جزما بل المراد: أنه لا ينطق بالرد، بل إن كان عنده أعطاه إن كان الإعطاء سائغا وإلا سكت. انظر المواهب للقسطلاني (2/ 375366).
(3) كتاب شرعة الإسلام للإمام الواعظ محمد بن أبي بكر المعروف بإمام زادة الحنفي المتوفي سنة 573هـ وهو كتاب نفيس كثير الفوائد في مجلد ترتيبه على واحد وستين فصلا، وشرحه المولى يعقوب بن سيدي علي شرحا مفيدا وتوفي سنة 931هـ وشرحه الشيخ يحيى الرومي وهو شرح ممزوج من شرح ابن سيدي علي والشيخ محمد بن عمر المعروف بقورد أفندي سماه مرشد الأنام إلى دار السلام في شرح شرعة الإسلام المتوفي سنة 996هـ انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1044).(1/87)
على الصدقة، وإطعام المساكين، وإغناء الفقراء عن المسألة» (1).
ثم قال في شرحها لابن السيد علي (2):
«وسمى أيام التشريق (3) أيام العيد لمشاركتها ليوم العيد في عدم جواز الصوم فيها لكونها من أيام ضيافة الله تعالى» (4).
(وذكر فقهاؤنا أنّه يندب يوم عيد الفطر الأكل قبل الصلاة، وينبغي أن يكون حلوى، لما في البخاري: «كان عليه السلام لا يغدو يوم الفطر، حتىّ يأكل تمرات. ويأكلهن وترا» (5).
قال في البحر شرح الكنز (6): «وأما ما يفعله النّاس في زماننا من جمع
__________
(1) انظر شرح شرعة الإسلام لابن السيد علي زادة: ص (148).
(2) ابن السيد علي: هو يعقوب بن سيدي علي الرومي الحنفي الشهير بابن سيدي علي تولى قضاء أورنة له تآليف كثيرة منها «أجوبة على سؤالات الحميدي» شرح مفتاح العلوم، «شرح على شرح أوائل ديباجة المصباح» في النحو، «مفاتيح الجنان ومصابيح الجنان» في شرح شرعة الإسلام توفي سنة 931هـ.
انظر هداية العارفين للبغدادي: (6/ 547).
(3) قال أهل اللغة: سميت بذلك لتشريق لحوم الضحايا والهدايا وقيل: وهي الأيام المعدودات التي رخص للحاج أن يتعجل في يومين.
انظر الاستذكار لابن عبد البر: (12/ 239).
(4) انظر شرح شرعة الإسلام لابن السيد علي ص (148).
(5) رواه البخاري في كتاب العيدين، باب: الأكل يوم الفطر قبل الخروج رقم (910) (1/ 317).
(6) كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق كنز الدقائق في الفروع للعلامة عبد الله بن أحمد النسفي الحنفي، ت 710وهو متن جيد مشهور بل أحد المتون الأربعة المعتبرة له(1/88)
التمر مع اللبن، والفطر عليه، فليس له أصلّ في السنة».
وقالوا: يندب تأخير الأكل عن الصلاة في عيد الأضحى اقتداء به صلى الله عليه وسلم، فإنه كان لا يطعم في يوم عيد الأضحى حتى يرجع، فيأكل من أضحيته (1)
ولأنّ الصحابة كانوا يمنعون صبيانهم عنه ولأنّ الناس أضياف الله تعالى في هذا اليوم، فاستحب أن يكون أول التناول من القرابين كراهة الأضياف أن يطعموا قبل طعام الضيافة». (2) انتهى.
والحاصل من هذا كله أنه لم يرد صريحا فيما وقفنا عليه، أنّه عليه السلام كان يولم في الأعياد، ولكن يفهم من سياق سنته وطريقته عليه السلام المرضية، وسيرته السنّية أنه يفعل ذلك، وإن لم ينقل، وإن لم يكن على طريقة المواظبة في جميع الأعياد بل هو خلق محمود في الجملة، ولم يبق من الخصال المحمودة شيء إلّا جمعه صلى الله عليه وسلم.
السؤال الحادي والعشرون: ما حكمة دخول الجنّة يوم القيامة، مع أنّه دخلها ليلة المعراج؟
__________
شروح كثيرة منها = البحر الرائق = للعلامة زين الدين بن ابراهيم الشهير بابن نجيم الحنفي المتوفي سنة 970هـ غير أنه لم يكمله فأتمه العلامة = الطوري = سنة 1004هـ وهو مطبوع متداول.
انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 15181514).
(1) روى الإمام أحمد في مسنده «أنه كان صلّى الله عليه وسلّم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته» (5/ 353).
(2) انظر: الأحكام شرح درر الحكام لإسماعيل النابلسي: مخطوط رقم (5185) مجلد ثاني.(1/89)
الجواب: الجنان ثمانية (1)، وجنة النبي صلّى الله عليه وسلّم أعلى الجنان فيجوز أن يكون دخل ليلة المعراج أدنى الجنان، ويدخل يوم القيامة جنته التي هي أعلى الجنان.
قال القسطلاني (2) في أواخر مواهبه: «فإن، قلت أيّ الجنان يسكنها النبي صلّى الله عليه وسلّم؟
فاعلم منحني الله وإياك التمتع بذاته القدسية إلى الحضرة الفردوسية أنّ الله تعالى قد اتخذ من الجنان دارا اصطفاها لنفسه، وخصّها بالقرب من عرشه، وغرسها بيده، فهي سيدة الجنان، والله يختار من كل نوع أعلاه وأفضله، كما اختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وربك يخلق ما يشاء ويختار» (3). وتمامه مبسوط هناك.
السؤال الثاني والعشرون: أي باب دخل منه صلّى الله عليه وسلّم؟
الجواب: دخل من الباب الذي يدخل منه مفرح أطفال المؤمنين الوارد في
__________
(1) روى البخاري في كتاب بدء الخلق، باب: صفة أبواب الجنة عن سهل بن سعد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: في الجنة ثمانية أبواب فيها باب، يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون رقم (3084) (2/ 1102).
(2) سبقت ترجمته (60).
(3) انظر: المواهب اللدنية للقسطلاني (4/ 676).
وذكر القسطلاني في مواهبه أسماء الجنان فقال: جنة عدن أعلى الجنان وسيدتها وهي قصبة الجنة، فالتي تلي جنة عدن جنة الفردوس، وأصله البستان وفي أوسط الجنان التي دون جنة عدن وأفضلها، ثم جنة الخلد، ثم جنة النعيم، ثم جنة المأوى، وهي التي يأوي إليها جبريل والملائكة، وعن مقاتل تأوي إليها أرواح الشهداء، ثم دار السلام، لأنها دار السلامة من كل مكروه. انظر المواهب للقسطلاني (4/ 678).(1/90)
الحديث. لأنهم في كفالة إبراهيم عليه السلام، كما ورد (1).
وقد ورد في رؤيته عليه السلام لإبراهيم ليلة المعراج في رواية الطبراني (2):
«فإذا هو برجل أشمط (3) جالس عند باب الجنة على كرسي، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه، أمثال القراطيس، إلى أن قال: هذا أبوك إبراهيم (4)». في حديث ذكره القسطلاني في مواهبه (5).
وفي كتاب الفردوس للديلمي (6)، قال ابن عباس: «للجنة باب، يقال له الفرح، لا يدخله إلا من فرّح الصبيان» (7) وذكر الباب الذي يدخل منه عليه
__________
(1) قال العيني في شرح البخاري: معنى إبراهيم أب رحيم لرحمته الأطفال، ولذلك جعل هو وسارة كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون إلى يوم القيامة. انظر عمدة القارئ للعيني: (15/ 240).
وروى ابن عدي في الكامل عن عائشة رضي الله عنها «إنّ في الجنة دارا يقال لها الفرح لا يدخلها إلا من فرح الصبيان» وانظر الكامل: (1/ 203).
(2) في الأصل الطبراني وفي المواهب وابن كثير وابن جرير رواية الحديث من طريق الطيري.
(3) أشمط: أبيض شعر الرأس يخالطه سواده. كذا في المواهب (3/ 79).
(4) رواه الطبري في التفسير سورة = سبحان = (9/ 10).
ورواه ابن كثير في تفسير سورة = سبحان = عن الإمام أبو جعفر الطبري في روية أبي هريرة وهي مطولة جدا وفيها غرابة. انظر تفسير ابن كثير (3/ 8079).
(5) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (3/ 8079).
(6) كتاب الفردوس بمأثور الخطاب تأليف شيرويه بن شهردار الديلمي ت 509هـ.
(7) رواه الديلمي في الفردوس رقم (4985) (3/ 328).(1/91)
السلام الجنة في يوم القيامة، حيث قال في آخر مواهبه: «فإن قلت من أي أبواب الجنة يدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ فالجواب أنه قد ذكر الترمذي الحكيم (1) أبواب الجنة، كما نقله عنه القرطبي في التذكرة، فذكر باب محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو باب الرحمة، وهو باب التوبة» (2).
السؤال الثالث والعشرون: ما الحكمة في أنّ أبواب الجنة ثمانية، والنار سبعة، مع أن الوتر أفضل؟
__________
وذكره القرطبي في التذكرة وقال: وأورده ابن الجوزي في الموضوعات معزوا لابن عدي من حديث عائشة، ولا يصح فيه ابن لهيعة ضعيف، انظر الكامل لابن عدي (1/ 203) وأحمد بن حفص منكر الحديث، وتعقبه السيوطي في اللآلئ بأن أحمد بن حفص قال فيه حمزة السهمي وابن عدي: لم يتعمد الكذب انظر التذكرة في أمور الآخرة للقرطبي: (2/ 128).
(1) الحكيم التّرمذي: هو محمد بن علي الحكيم الترمذي أبو عبد الله، باحث صوفي، عالم بالحديث وأصول الدين من أهل = ترمذ = نفي منها بسبب تصنيفه كتابا خالف فيه ما عليه أهلها، كتبه منها = نوادر الأصول في أحاديث الرسول = و = الفروق = و = غرس الموحدين = وغيرها. قيل توفي سنة 255. انظر لسان الميزان (6/ 394)، الأعلام للزركلي (6/ 272). هدية العارفين: 6/ 15.
(2) انظر: المواهب اللدنية للقسطلاني: (4/ 675).
وقال القرطبي في التذكرة برواية الترمذي: قال: وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر: فباب منها للصلاة، وباب للصوم، وباب للزكاة والصدقة، وباب للحج، وباب للجهاد، وباب للصلة، وباب للعمرة. انظر التذكرة للقرطبي (2/ 126).
وذكر المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير قال: «الجنة لها ثمانية أبواب» لأن مفتاح الجنة الشهادة، وللمفتاح ثمانية أسنان، الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والجهاد، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وبر وصلة. انظر: التيسير شرح الجامع الصغير للمناوي (1/ 490).(1/92)
الجواب: قال أحمد الغزالي (1) أخو حجة الإسلام في كتابه = تجريد التوحيد = (2) «إنّ فيك وجودين وجود مذموم ووجود محمود، وجود عدلي ووجود فضلي. فوجودك المذموم من عالم العدل. ووجودك المحمود من عالم الفضل. وكل واحد من هذين العالمين يشتمل على أجزاء متعددة. فوجودك العدلي يشتمل على سبعة أجزاء، وهي الحس والشغل والهوى وكدورة النفس والنفس والبشرية والطبع، والشيطان من وراء ذلك.
والفضلي يشتمل على ثمانية أجزاء فضيلة وهي الحس والفهم والعقل والفؤاد والقلب والروح والسر والهمة، والملك من وراء ذلك.
وإنما كانت أجزاء الفضلي (3) ثمانية، وأجزاء العدل سبعة لأن كل جزء من هذه الأجزاء باب من أبواب وجودك. فجعل أبواب وجودك الفضلي ثمانية بعدد أبواب الجنة، فإنها دار الفضل. وجعل أبواب وجودك العدلي سبعة
__________
(1) أحمد الغزالي هو أبو الفتوح أحمد بن محمد بن الطوسي الواعظ شيخ مشهور فصيح، وهو أخو حجة الإسلام أبي حامد الغزالي لكنه كان رقيق الديانة، متكلما في عقيدته، وقد تكلم فيه غير واحد وجرحوه توفي سنة 520هـ انظر شذرات الذهب لابن العماد: (6/ 10099). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 83.
(2) كتاب التجريد في كلمة التوحيد، للشيخ أحمد بن محمد الغزالي المتوفي سنة 520هـ أوله الحمد لله رب العالمين الخ شرح فيه كلمتي التوحيد.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 351).
(3) في النسخة المحققة الفضل وفي التجريد الفضلي وهي الصحيحة.(1/93)
بعدد أبواب النار لأنها دار العدل.
قال الله تعالى: {لَهََا سَبْعَةُ أَبْوََابٍ} [الحجر: 44/ 15] (1) فوجودك الفضلي هو الجنة المعجلة، وهي الجنة الصغرى، ووجودك العدلي هو النار المعجلة، وهي الجحيم الصغرى.
وكل باب من أبواب الجنة المعجلة ينفذ إلى باب من أبواب الجنة المؤجلة، وكل باب من أبواب النار المعجلة ينفذ إلى باب من أبواب النار المؤجلة {لِكُلِّ بََابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر: 44/ 15] (2) انتهى كلامه (3).
فكل من غلب عليه جزء من أجزاء عالمه العدلي، دخل النار من باب ذلك الجزء. وأيضا فإن الإنسان له عينان، وأذنان، ويدان، ورجلان، ولسان، وفرج، وبطن، يدخل إلى النار بعمله الشر بها.
فكل باب من أبواب النار له عضو من الإنسان إن عمل الإنسان الشر بذلك العضو، دخل من ذلك الباب، وأبواب الجنة سبعة لأن الأعضاء المعتمد عليها في أعمال السوء سبعة. وهي بعينها أيضا، إذا عمل بها الخير، دخل الجنة. فكل باب من أبواب الجنة له عضو من هذه الأعضاء أيضا، إذا عمل الإنسان الخير بذلك العضو دخل من ذلك الباب، وبقي عضو القلب له باب زائد على السبعة من أبواب الجنة من عمل به دخل من ذلك الباب، وهو
__________
(1) تتمة الآية {لِكُلِّ بََابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}.
(2) أول الآية {لَهََا سَبْعَةُ أَبْوََابٍ لِكُلِّ}.
(3) انظر التجريد في كلمة التوحيد لجمال الإسلام أحمد بن محمد الغزالي من ص (5352).(1/94)
مسدود من الدخول به إلى النار لأنّ من همّ بحسنة، كتب له حسنة، ومن همّ بسيئة لا يكتب عليه شيء حتى يعملها (1). وكون الوتر فقيل: مأخوذ من حديث «إن الله وتر يحب الوتر» (2) ولا شك أن الوتر به تعالى، يصير شفعا، وهو سبب محبته تعالى له، ليصير به شفعا، فيتميز تعالى بالوترية عنه، إذ لو كان شفعا لأحب الشفع، حتى يصير به وترا، فيتميز أيضا بالشفعية عنه.
وأهل الجنة في دوام الرضوان من حضرة الله المنان، مكشوف عنهم حجاب الران، متميز عنهم جناب الرحمن. فلهذا كانت أبوابها ثمان، ليتبين الحق فيها غاية البيان.
وأما النار فلما احتجب أهلها عن ربهم، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] (3) لم يشفع وترهم بظهور الحقيقة الإلهية
__________
(1) روى مسلم في كتاب الإيمان باب: الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة» وهو جزء من حديث رقم (259)، (1/ 7573).
(2) وهو نهاية من حديث رواه البخاري في كتاب الدعوات باب الله مائة اسم غير واحد رقم (6047) (4/ 2222) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «لله تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحدا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر».
ورواه مسلم من نهاية حديث في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها رقم (2677) (4/ 2062).
ورواه البيهقي في كتاب السنن الصغرى، كتاب الصلاة باب: تأكيد صلاة الوتر رقم:
(757) (1/ 278).
(3) أول الآية {كَلََّا إِنَّهُمْ}.(1/95)
لهم، فكانت سبعة أبواب.
وفي المواهب للقسطلاني (1)، «فإن قلت: كم عدة أبواب الجنة؟ فقد روى الترمذي في حديث عمر بن الخطاب (2) رضي الله عنه مرفوعا: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية» (3). قال القرطبي (4): وهو يدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية. قال: وانتهى عددها إلى ثلاثة عشر بابا، كذا قال» (5) انتهى.
فإذا كان عدد الأبواب ثلاثة عشر كانت وترا، فساوت أبواب النار في الوترية.
السؤال الرابع والعشرون: إن كل عمل يدخل منه صاحبه الجنة، فلو عمل بالثمانية كيف يدخل منها؟
__________
(1) القسطلاني سبق ترجمته (60).
(2) عمر بن الخطاب سبق ترجمته (82).
(3) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب: يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم رقم (3252) عن جنادة بلفظ آخر (2/ 1180).
ورواه مسلم في كتاب الطهارة باب الذكر المستحب عقب الوضوء رقم: (234) (1/ 210) تتمة الحديث «يدخل من أيها شاء» وهذا الحديث لفظ مسلم ورواه الترمذي بلفظ قريب في كتاب الطهارة باب: فيما يقال بعد الوضوء رقم: (55) (1/ 59). وقال وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من هذا الباب كثير شيء.
برواية «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله الخ.
(4) القرطبي سبق ترجمته (53).
(5) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني: (4/ 676675).(1/96)
الجواب: قال الغزالي (1) في الإحياء: ثم انظر إلى أبواب الجنة، فإنها كثيرة بحسب أصول الطاعات، كما أن أبواب النار بحسب أصول المعاصي، قال أبو هريرة (2): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنّة، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد» فقال أبو بكر رضي الله عنه:
والله ما على أحد من ضرورة من أيها دعي، فهل يدعى أحد منها كلّها؟
فقال «نعم، وأرجو أن تكون منهم (3)» (4) انتهى.
__________
(1) سبق ترجمته (59).
(2) سبق ترجمته (81).
(3) رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب فضل النفقة في سبيل الله رقم (2686) (2/ 960)، وفي كتاب الصوم رقم 1798. ورواه مسلم في كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر رقم (1027).
(4) انظر إحياء علوم الدين للغزالي: (4/ 459458).
قال القرطبي: «من أنفق زوجين في سبيل الله قال الحسن البصري: يعني اثنين من كل شيء دينارين، درهمين، ثوبين، خفين، وقيل يريد شيئين: دينارا ودرهما، درهما وثوبا، خفا ولحافا.
وقال الباجي: يحتمل أن يريد بذلك العمل من صلاتين أو صيام يومين». انظر التذكرة للقرطبي (2/ 129).
وقال القرطبي في التذكرة: قال القاضي عياض: ذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب(1/97)
وأما بيان كيفية الدخول من الأبواب الثمانية، فهو معلوم عند من غلبت عليه الروحانية، حتى صارت جسمانية منتهكة فيها، بل مندرجة في طيها كاندراج الموج في مياه البحار، لا سيما وقد ورد سوق الصور الذي في الجنة، وأنّ الواحد من أهل الجنة يدخله، فأي صورة أعجبته فيه ظهر بها، وهذا فيمن تروحن بعد دخول الجنة، وأما من حصل على هذا المقام قبل دخول الجنة، فإنه يدخل من الأبواب الثمانية معا، فإن من قدر على الظهور بأي صورة شاء قادر على الظهور أيضا بصور كثيرة، إذا شاءها في وقت واحد، كما ينقل عن قضيب البان الموصلي (1) وغيره من أهل الكمال الروحاني، قدس الله أسرارهم، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر رضي الله عنه:
«وأرجو أن تكون منهم».
السؤال الخامس والعشرون: في أهل الفترة (2) هل ثوابهم في الجنة كغيرهم؟.
__________
الجنة أربعة، وزاد غيره بقية الثمانية فذكر منها: باب التوبة، وباب الكاظمين الغيظ، وباب الراضيين، والباب الأيمن، الذي يدخل منه من لا حساب عليه. انظر التذكرة للقرطبي: (2/ 126).
(1) قضيب البان: الحسين بن عيسى بن يحيى الحسيني أبو عبد الله المعروف بقضيب البان، متصوف من أهل الموصل تفقه حنبليا وصحب عبد القادر الكيلاني وغيره. له أخبار في الزهد كثيرة ولد عام 471هـ وتوفي سنة 573هـ انظر الأعلام للزركلي (2/ 251) لم أقف على ترجمته إلا في الأعلام.
(2) تطلق كلمة الفترة على زمن انقطاع الرسل، واختلف في مقدار هذه الفترة وذكره(1/98)
الجواب: ورد في الأحاديث أنّ الدرجات في الجنة بالأعمال، وأهل الفترة لا أعمال لهم، فغايتهم النجاة من النار، وأما مساواتهم لأحد الأمم أصحاب الأعمال على مقتضى شرائعهم، فلا يكون، إذ لا شريعة لهم.
قال القسطلاني في مواهبه بعد كلام طويل: «فقد تبيّن أنّ نيل المنازل
__________
القرطبي بالتفصيل في الجامع لأحكام القرآن (6/ 122).
وذكر الطبري في تاريخه عن الفترة فقال: كانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة وأربعا وثلاثين سنة، انظر تاريخ الطبري (2/ 236).
وذكر البيجوري في شرح جوهرة التوحيد عن أهل الفترة فقال: فالمذهب الحق أن أهل الفترة وهم من كانوا أزمنة الرسل أو في زمن الرسول الذي لم يرسل إليهم ناجون، إن بدلوا وغيروا وعبدوا الأصنام. انظر شرح جوهرة التوحيد للبيجوري ص 29.
وذكر القسطلاني في مواهبه في أثر العمل في دخول الجنة فقال: «وقد قسم بعضهم الجنان بالنسبة إلى الداخلين فيها ثلاثة.
1 - اختصاص إلهي وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، ومن أهلها أهل الفترات، ومن لم تصل إليه دعوة رسول.
2 - جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة من المؤمنين، وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها.
3 - جنة الأعمال، وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص، يناله من دخلها، وقد يجتمع لواحد من الناس وجوه كثيرة، فيفضل غيره ممن ليس له ذلك».
انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (4/ 679678).(1/99)
والدرجات في الجنان بالأعمال، وأما الدخول فلا يكون إلا برحمة الله تعالى. (1).
يدل له حديث أبي هريرة «إنّ أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم» (2) رواه الترمذي» (3).
__________
(1) روى البخاري حديثا في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لن يدخل أحد عمله الجنة، قالوا:
ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة» البخاري رقم (5349) (4/ 2018).
(2) رواه الترمذي في أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في سوق الجنة ورؤية الله تعالى رقم (2552) (7/ 227).
(3) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (4/ 680679).
وذكر القسطلاني في مواهبه في سبب دخول الجنة قال: ولهذا أثبت الله دخولها بالأعمال في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهََا بِمََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الزخرف آية رقم (72/ 43).
وذكر سفيان وغيرة كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمة الله، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال.
وقال القسطلاني في قوله تعالى: {سَلََامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} النحل 32.
قال وبجواز أن يكون الحديث «إن أهل الجنة إذا دخلوها» مفسرا للآية أي أدخلوا بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم.
وقال الحافظ ابن حجر: يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا. وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا فمعنى قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي تعملون من العمل المقبول.
وجزم النووي بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها، وقبولها إنما هو برحمة الله وفضله، فيصح(1/100)
السؤال السادس والعشرون: ما الحكمة في أنّ أهل الجنة لا يقرؤون غير طه ويس؟ (1).
الجواب: بل الوارد ما يقتضي أنهم يقرؤون القرآن كله، روى أبو داود السجستاني (2) في سننه، والترمذي (3) عن عبد الله بن عمرو (4)، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها (5)». فإن هذا الحديث يقتضي أنّ صاحب القرآن أي الحافظ له أو العامل به يقرؤه في الجنة، ولا خصوص لسورة = طه =
__________
بأنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الحديث ويصح أنه من رحمة الله تعالى.
انظر المواهب اللدنية للقسطلاني: (4/ 683678).
(1) وعن أبي رافع عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال «لا يقرأ أهل الجنة من القرآن إلا طه ويس». انظر تفسير الكشاف للزمخشري سورة طه (2/ 157).
(2) أبو داود: سليمان بن الأشعث بن اسحاق الأزدي السجستاني أبو داود: إمام أهل الحديث في زمانه، أصله من سجستان رحل رحلة كبيرة وتوفي بالبصرة سنة 275هـ من تصانيفه: = السنن = وهو أحد الكتب الستة جمع منه 4800حديث انتخبها من 000، 500حديث وله = المراسل = و = الزهد = وغيرها.
انظر تاريخ بغداد (9/ 5955)، الأعلام للزركلي (3/ 122).
(3) الترمذي: سبق ترجمته ص (63).
(4) سبق ترجمته (61).
(5) 1رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة، باب: استحباب الترتيل في القراءة رقم:
(1464)، (2/ 153).
2 - رواه الترمذي في أبواب ثواب القرآن، باب: الذي ليس في جوفه قرآن كالبيت الخرب رقم (2915) (8/ 117). وقال: أبو عيسى حسن صحيح.(1/101)
= ويس = ولئن ورد أنّ أهل الجنة يقرؤون: طه و = يس = فقد ذكر قراءة هاتين السورتين وذكر الشيء لا ينافي ما عداه، ولئن كان الوارد بصيغة الحصر، فحكمته أنّ = طه = من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك = يس = ومطالعة أهل الجنة في المقامات المحمدية للترقي فيها، وأما سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإن فيها ذكر الكافرين والمحاربة معهم فلا يقرؤونها.
السؤال السابع والعشرون: إذا قيل لقارئ القرآن اقرأ القرآن يختص بحافظه؟.
الجواب: إن ذلك يقال لصاحب القرآن كما ذكرناه في لفظ الحديث السابق، فيحتمل أن يكون معناه لصاحب القرآن، أي لحافظه أو العامل به، وإن لم يكن حافظه، فإنّ الله تعالى يجريه على لسانه في الجنّة لأنه من أهله لعمله به.
كما ورد في الدنيا (1) عن أبي يزيد البسطامي (2)، قدس الله سره، أنه ما
__________
(1) بحثت في أسماء الكتب فلم أجد كتابا بهذا الاسم وحبذا لو ذكر مؤلفه لكان أسهل علينا في الرجوع. لكن قال في الرسالة القشيرية: قيل لم يخرج أبو يزيد من الدنيا حتى استظهر القرآن كله. انظر الرسالة القشيرية ص (14).
(2) أبو يزيد البسطامي: هو العارف الزاهد المشهور واسمه طيفور بن عيسى وهو من أهل بسطام من قدماء مشايخ القوم، له كلام حسن في المعاملات، ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصح ويكون مقولا عليه توفي قبل سنة أربع وثلاثين ومئتين وقيل: إحدى وستين ومئتين والله أعلم.
انظر طبقات الصوفية ص (9667)، شذرات الذهب (3/ 269). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 434.(1/102)
مات، حتى استظهر القرآن، أي حفظه من غير تعليم أحد له بإلهام من الله تعالى كرامة له، فلا يبعد أن الواحد من أهل الجنة يكون كذلك في الآخرة، وإن لم يحفظه في الدنيا.
السؤال الثامن والعشرون: هل قتيل أهل الفترة مضمون بالقصاص، أو بدية، وما مقدار الدية؟
الجواب: مراده بأهل الفترة ما بين عيسى بن مريم ونبينا صلّى الله عليه وسلّم، ولا شك أن التوراة نزلت على موسى عليه السلام، وهو قبل عيسى عليه السلام، وقد أمر بها عيسى عليه السلام، فبلّغها إلى بني إسرائيل، كما قال تعالى عن التوراة: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] (1) وإنما كان الإنجيل مواعظ وحكما لا أحكاما، وفي التوراة القصاص. كما قال تعالى: {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] (2)، فالقصاص كان في ملة موسى وعيسى عليهما السلام، وأيام الفترة بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، إن كانت أحكام التوراة جارية، كان القصاص في أيام الفترة، وإن لم تكن جارية، لم يكن القصاص في أيام الفترة، وإن جرى هذا الحكم فقط كان القصاص.
وأما الدية، فالذي يظهر أنها من خصوصيات هذه الأمة، كما ذكر في
__________
(1) أول الآية: {إِنََّا أَنْزَلْنَا التَّوْرََاةَ} {فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ} [المائدة: 44].
(2) أول الآية: {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا} {فَأُولََئِكَ هُمُ الظََّالِمُونَ} [المائدة: 45].(1/103)
البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما (1)، قال: كان في بني إسرائيل قصاص، ولم يكن فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ} [البقرة: 178] (2) إلى قوله {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (3).
ومعلوم أنه إذا لم تكن الدية في بني إسرائيل، فليس في أيام الفترة دية. وأما قوله: وما مقدار الدية؟
فقد روى أبو داود السجستاني (4) في سننه، والنسائي (5) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
__________
(1) ابن عباس سبق ترجمته (67).
(2) الآية: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ} {فَلَهُ عَذََابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178].
(3) رواه البخاري في كتاب التفسير سورة البقرة باب: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ الْحُرُّ بِالْحُرِّ} إلى قوله: {عَذََابٌ أَلِيمٌ} رقم (4228) (3/ 1529).
(4) أبو داود سبق ترجمته ص (101).
(5) النسائي: أحمد بن شعيب بن علي النسائي أبو عبد الرحمن، محدث، حافظ ولد بنسا (مدينة بخرسان) وسمع الكثير، ورحل إلى نيسابور، والعراق والشام ومصر، والحجاز وروى عنه خلق كثير، من تصانيفه: = السنن الكبرى والصغرى =، و = الخصائص في فضل علي بن أبي طالب وأهل البيت = وكتاب = الضعفاء والمتروكين = و = مناسك النسائي = و = وجمع مسند مالك بن أنس = وتوفي سنة 303هـ. انظر وفيات الأعيان: (1/ 7877)، تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 698)، كشف الظنون لحاجي خليفة (1087، 1173، 1409).(1/104)
«كان قريظة والنضير (1)، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتوه، فنزلت {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] (2) والقسط النفس بالنفس، ثم نزلت {أَفَحُكْمَ الْجََاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50] (3)» (4).
السؤال التاسع والعشرون: هل إذا كان بالزوج مرض لا يزيله إلا إتيانها يعني زوجته في الدبر، هل يجوز؟!.
الجواب: هي مسألة التداوي بالمحرمات، وهو لا يجوز لأن الشفاء بالدواء أمر مظنون، فكم من مريض قطع الأطباء كلهم بأنّ الدواء الفلاني يشفيه، فيتعاطاه ذلك المريض ولا يحصل له به الشفاء، فقطع الأطباء بذلك ظنّ منهم، ولا يجوز أن يرتكب الإنسان الحرام القطعي، لتحصيل الأمر المظنون.
__________
(1) النّضير: حي من يهود خيبر انظر القاموس المحيط مادة نضر.
(2) الآية: {سَمََّاعُونَ لِلْكَذِبِ} {إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42].
(3) تتمة الآية: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللََّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
(4) رواه أبو داود في سننه في كتاب الديات، باب النفس بالنفس رقم (4494) (4/ 168).
قال أبو داود: قريظة والنضير جميعا من ولد هارون النبي عليه السلام.
ورواه النسائي في سننه كتاب القسامة، باب القود، تأويل قوله تعالى {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} رقم (4732) (8/ 18).
ولفظ الحديث عند أبي داود والنسائي: = فودي بمائة وسق من تمر، فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا: ادفعوه إلينا(1/105)
قال في شرح الدّرر (1): «وبول ما لا يؤكل نجس، ولا يشرب أصلا، لا للتداوي، ولا لغيره» (2).
وقال والدنا المرحوم في شرحه على شرح الدرر (3): لأنّ التداوي بالطاهر المحرم كلبن الأتان لا يجوز، فما ظنك بالنجس، ولأنّ الحرمة ثابتة، ولا يعرض عنها إلا بيقين الشفاء، وقول الأطباء مظنون، وقصة العرينين (4)
محمولة على تحققه بالوحي، لكن يشكل أن النظر إلى العورة حرام يقينا، والشفاء موهوم، مع أنه يباح للطبيب النظر إليها، وأجيب عنه بأن النظر
__________
(1) كتاب غرر الأحكام معروف بدرر مولانا خسرو، وهو في فروع الحنفية متن لمنلا خسرو المتوفي سنة 885هـ. وشرحه وسماه درر الحكام. وله شروح كثيرة منها شرح الدرر المسمى بالأحكام لاسماعيل بن عبد الغني النابلسي الأصل الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 1062هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1199).
(2) انظر شرح الدرر مخطوط رقم 13740ص (187).
(3) كتاب شرح الدرر المسمى الأحكام للشيخ إسماعيل بن عبد الغني النابلسي الأصل الدمشقي الحنفي المتوفي سنة (1062) قال الأميني في خلاصة الأثر: هو اثني عشر مجلدا: بيض منها أربعة إلى كتاب النكاح، وهو كتاب جليل المقدار مشتمل على جل فروع المذهب. انظر كشف الظنون (2/ 1199).
(4) روى البخاري في كتاب الوضوء باب: أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها. رقم (231)، (1/ 91) عن أنس رضي الله عنه قال: قدم أناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، = إلى آخر الحديث / ورواه مسلم في القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين، رقم: (1671)، (3/ 1296) (بلقاح) هي الإبل الحلوب، واحدتها لقوح.(1/106)
إليها، إنما حرم بالنظر إلى أمر موهوم، وهو الإفضاء إلى القبح، وخوف وقوع الفتنة، وهذا في حق المريض معارض بموهوم آخر، وهو توهم الهلاك لعدم المعالجة المتوقعة على النظر، فلا تثبت الحرمة بالتعارض، ولأنّ الاحتراز عما يتوهم من فوات حق العبد مقدم لحاجته، وفي مسألة نجاسة البول اليقينيّة لم يكن تعارض لأن خوف الهلاك عند عدم الاستعمال متوهم.
[والحاصل: أنّه إذا تيقن الشفاء لا بأس بالتداوي بالمحرم، وأما ما في البحر من أنه قد وقع] (1) الاختلاف بين مشايخنا في التداوي بالمحرم، ففي النهاية عن الزخيرة الاستشفاء بالحرام يجوز، إذا علم أنّ فيه شفاء، ولا يعلم دواء آخر.
وفي فتاوى قضيخان (2) معزيا إلى أبي نصر بن سلام (3) معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ
__________
(1) والكلام ما بين القوسين [] هو من كلام الشيخ عبد الغني النابلسي.
(2) كتاب فتاوى قاضيخان: من أصح الكتب التي يعتمد عليها في الإفتاء والعمل عليها للشيخ والإمام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني المتوفي سنة 592هـ الحنفي وهو من أهل الترجيح وذكر في هذا الكتاب جملة من المسائل التي يغلب وقوعها وتمس العلماء والحكماء وهي نصب عين من تصدر للحكم والإفتاء وذكر في هذا الكتاب جملة من المسائل التي يغلب وقوعها وتدور عليها واقعات الأمة.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1227).
(3) أبو النصر بن سلام: هو محمد بن سلام الإمام البلخي من أهل بلخ وهو صاحب الطبقة العالية حتى أنهم عدوه من أقران أبي حفص الكبير، وما وقع في بعض الكتب نصر بن سلام فغلط توفي سنة 305هـ. انظر الجواهر المضيئة (3/ 172171)، الفوائد البهية للكنوي ص 168.(1/107)
الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم» (1) إنما قال ذلك في الأشياء التي لا يكون فيها شفاء، فأما إذا كان فيها شفاء فلا بأس به. ألا ترى أنّ العطشان يحل له شرب الخمر للضرورة.
وكذا اختاره صاحب (2) الهداية في التجنيس (3)، قال: وهذا لأنّ الحرمة ساقطة عند الاستشفاء، ألا ترى أنّ العطشان يجوز له شرب الخمر، والجائع يحل له أكل الميتة. انتهى ما في البحر. ملخصا.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأشربة، باب شرب الحلوى والعسل رقم (5291) (4/ 2001) وهذا الحديث موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه.
وقال العجلوني في كشف الخفا رواه الطبراني في الكبير وابن أبي شيبة وآخرون عن أبي وائل، وهو عند الحاكم في صحيحه من حديث الأعمش له طرق صحيحة ولذا علقه البخاري بصيغة الجزم: انظر كشف الخفا للعجلوني (1/ 112).
(2) كتاب الهداية في الفروع لشيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفي سنة 593هـ، وهو شرح على متن له سماه بداية المبتدئ ولكنه في الحقيقة كالشرح لمختصر القدوري وللجامع الصغير. وروي أن صاحب الهداية بقي في تصنيف الكتاب ثلاثة عشرة سنة وكان صائما في تلك المدة لا يفطر. انظر الجواهر المضيئة:
(1/ 629627)، كشف الظنون (2/ 2032)، الأعلام للزركلي (4/ 266).
(3) كتاب التجنيس والمزيد وهو لأهل الفتوى غير عتيد. في الفتاوى للإمام برهان الدين ابن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفي سنة 593هـ أورد المسائل مهذبة في تصنيف وذكر منها الدلائل ورتب الكتب دون المسائل وقال هذا الكتاب لبين ما استنبطه المتأخرون ولم ينص عليه المتقدمون إلا ما شهد عنهم في الرواية.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 353352).(1/108)
ولا يظهر فيه اختلاف المشايخ لا تفاقهم على الجواز للضرورة، وتصريح الأول باشتراط العلم لا ينافيه قول من بعده باشتراط الشفاء فيه.
وقول المؤلف يعني شارح الدرر لا للتداوي محمول على المظنون، وإلا فجوازه باليقين اتفاقي (1).
السؤال الثلاثون: هل يحشر الناس عراة، أم الأنبياء يكسون عقيب خروجهم من قبورهم؟
الجواب: روى ابن ماجه (2) في سننه، عن ابن أبي مليكة (3)، عن القاسم (4)
__________
(1) انظر الأحكام على شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي. مخطوط رقم (13740) ص (188187).
(2) ابن ماجه: أبو عبد الله، محمد بن يزيد القزويني، الثقة المتفق عليه، المحتج به، له معرفة بالحديث وله مصنفات في السنن والتفسير والتاريخ صنف كتابه = سنن ابن ماجه = وهو أحد الكتب الستة المعتمدة وله = تفسير القرآن = وكتاب في تاريخ قزوين توفي سنة 273هـ. انظر تهذيب التهذيب (9/ 530)، هدية العارفين: (6/ 18). الأعلام للزركلي: (7/ 144).
(3) عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمر بن كعب أبو بكر ويقال أبو محمد التميمي المكي: كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا له، روى عن العبادلة الأربعة، وعائشة وأم سلمى وعقبة وروى عنه ابنه يحيى وابن عبد الرحمن بن أبي بكر وعطاء وغيرهم.
قال أبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة، وقال البخاري مات سنة 117هـ وقال العجلي مكي، تابعي ثقة، رأى ثمانين من الصحابة. انظر تهذيب التهذيب: (3/ 189188)، تذكرة الحفاظ: (1/ 12).
(4) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التميمي: ثقة أحد الفقهاء بالمدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه، من كبار الثالثة، مات سنة ست ومئة على الصحيح. روى عن عمته عائشة وعن العبادلة، وأبي هريرة وروى عنه الشعبي وسالم. انظر تهذيب التهذيب (4/ 508507)، تقريب التهذيب ص (387). تذكرة الحفاظ: (1/ 96).(1/109)
قال: قالت عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله! كيف يحشر النّاس يوم القيامة؟ قال: «حفاة عراة». قلت: والنّساء؟ قال: «والنّساء»، قلت: يا رسول الله أفما نستحي؟ قال: «يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» (1).
وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما (2)، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا كما خلقوا، ثمّ قرأ {كَمََا بَدَأْنََا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنََا إِنََّا كُنََّا فََاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] وأوّل من يكسى من الخلائق إبراهيم» (3) إلى آخر الحديث. وهو صريح في أنّ الناس
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب: كيف الحشر، رقم: (6162)، (4/ 2258) بلفظ «الأمر أشد من أن يهمهم ذاك».
ورواه مسلم في كتاب الجنة باب: فناء الدنيا وبيان الحشر رقم: (2859)، (4/ 28612858) رواه ابن ماجه في سننه في كتاب الزهد، باب: ذكر البعث رقم: (4276)، (4/ 506).
ورواه النسائي في البعث رقم (2084)، (4/ 115).
(2) ابن عباس سبق ترجمته (67).
(3) رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب: قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللََّهُ إِبْرََاهِيمَ خَلِيلًا}
رقم: (3171)، (2/ 1135).
ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب: فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة رقم: (2860)، (4/ 2194).
ورواه الترمذي: في أبواب صفة القيامة، باب: ما جاء في شأن الحشر رقم (2425)(1/110)
يحشرون عراة، وأنّ أول من يكسى إبراهيم الخليل عليه السلام، وفيه إشارة إلى أنّ الأنبياء عليهم السلام يكسون بعده، لا مانع أن يكسى غير الأنبياء أيضا.
كما ذكر الغزالي (1) في الدرة الفاخرة قال: «فإذا استوى الكل قاعدين على قبورهم، فمنهم العريان والمكتسي، والأبيض، والأسود» (2).
وفي الجامع الصغير للسيوطي (3)
__________
(7/ 140) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في مسنده: (1/ 223).
ورواه النسائي في كتاب البعث رقم: (2083) (4/ 114).
تتمة الحديث «وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقول:
إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مََا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله {الْحَكِيمُ»} اللفظ للبخاري.
(1) الغزالي سبق ترجمته ص (59).
(2) انظر الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة للغزالي ص (51).
وقال السيوطي في شرح النسائي: «فأول الخلائق يكسى إبراهيم قال القرطبي في التذكرة: فيه فضيلة عظيمة لإبراهيم عليه السلام وخصوصية له، كما خص موسى عليه السلام بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يجده متعلقا بساق العرش مع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أول من تنشق عنه الأرض، ولم يلزم من هذا أن يكون أفضل منه. قال: وتكلم العلماء في حكاية تقديم إبراهيم عليه السلام في الكسوة، فروي أنه لم يكن في الأولين والآخرين لله عز وجل أخوف من إبراهيم عليه السلام فتعجل له كسوته أمانا ليطمئن قلبه». انظر شرح النسائي للسيوطي (4/ 115114).
(3) سبق ترجمته ص (63).(1/111)
روى البزار (1) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أول من يكسى من الخلائق إبراهيم عليه السلام» (2)، وروى الترمذي عن أبي هريرة (3)، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأكسى حلة من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري» (4).
ولا ينافي ما ذكرنا حديث الجامع الصغير للسيوطي (5) برمز أبي داود، وابن حبان (6)،
__________
(1) البزار: هو أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار الحافظ، من العلماء في الحديث، من أهل البصرة. حدث في آخر عمره بأصبهان، وبغداد والشام، له مسندان أحدهما كبير وسماه = البحر الزاخر = والثاني صغير. توفي سنة 292هـ بالرملة.
انظر تذكرة الحفاظ للسيوطي ص 289، كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1682)، تذكرة الحفاظ للذهبي: (2/ 653)، هدية العارفين (5/ 54). والأعلام للزركلي (1/ 189).
(2) رواه أحمد في مسنده (1/ 323و / 329).
ورواه البزار في كتاب علامات النبوة، باب: الصلاة على الأنبياء، وذكر إبراهيم الخليل رقم: (2348)، (3/ 103) وقال: لا نعلم رواه عن الليث إلا ابن إدريس.
(3) سبق ترجمته ص (81).
(4) رواه الترمذي في المناقب، باب ما جاء في فضل النبي صلّى الله عليه وسلّم رقم: (3615)، (9/ 237) وقال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح وفي الترمذي «فأكسى الحلة من حلل الجنة».
(5) سبق ترجمته ص (63).
(6) ابن حبان: أبي حاتم محمد بن حبان البستي المتوفي سنة 354هـ وله صحيح ابن حبان في الحديث واختصره سراج الدين ابن الملقن ورتبه على الأبواب علاء الدين علي بن بلبان الفقيه الحنفي سنة 731هـ.
كتب عن النسائي وغيره قال تلميذه الحاكم: كان من أوعية العلم في الفقه والحديث واللغة(1/112)
والحاكم في المستدرك (1) عن أبي سعيد الخدري (2)، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها» (3) لأن هذا في البعث من القبور يوم القيامة، والحشر بعده فيكونون عراة فيه، كما في الأحاديث السابقة، فليتأمل.
__________
والوعظ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1075). هدية العارفين: 6/ 44.
(1) الحاكم: الإمام الحافظ الكبير: محمد بن عبد الله الضبي أبو عبد الله النيسابوري، الثقة الثبت، المجمع على صدقه ومعرفته بالحديث حق المعرفة، أكثر الرحلة والسماع، حتى سمع بنيسابور من نحو ألف شيخ مات بنيسابور سنة 405وتصانيفه نحو خمسمائة. انظر تذكرة الحفاظ للسيوطي ص (410). تذكرة الحفاظ للذهبي: 2/ 10451039.
(2) أبو سعيد الخدري: هو سعد بن مالك بن سنان الخدري (رضي الله عنه) مشهور بكنية أبو سعيد، استصغر في أحد، واستشهد أبوه فيها، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الكثير، وروى عنه كبار الصحابة. وكبار التابعين. كان من أفقه أحداث الصحابة وأفاضلهم، وحفظ أحاديث كثيرة، مات سنة 74هـ، وقيل 63هـ. انظر الإصابة للعسقلاني (3/ 8078). تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 44).
(3) رواه أبو داود في سننه في كتاب الجنائز، باب تطهير ثياب الميت رقم (3114) (3/ 190) بلفظ «إن الميت».
ورواه ابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان، كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، باب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن البعث وأحوال الناس في ذلك اليوم رقم (7316) (16/ 307) وقال إسناده على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن أيوب وهو الغافقي المصري فقد احتج به مسلم، وروى له البخاري في الشواهد ثم هو مختلف فيه، قال أحمد: هو سيئ الحفظ. ورواه الحاكم في المستدرك في كتاب الجنائز (1/ 340)، وقال الحاكم على شرط الشيخين ولم يخرجاه.(1/113)
وفي حديث الجامع الصغير (1) برمز البزار عن عائشة، قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: «أول من يكسى من الخلائق إبراهيم». قال الشارح المناوي (2): ««من الخلائق» على اختلاف أنواعها وطبقاتها، وتباين أممها ولغاتها، بعد ما يحشر الناس كلهم عراة أو الغالب، أو بعد خروجهم من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيحشرون عراة» (3).
السؤال الواحد والثلاثون: إذا صلى أحد على النبي صلّى الله عليه وسلّم مائة مرة، يعرضها الملك على النبي صلّى الله عليه وسلّم كل مرة، أو يعرضها جملة واحدة بعد الفراغ منها؟
الجواب: أخرج السيوطي في جامعه الصغير برمز البيهقي (4) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلى عند قبري سمعتة، ومن
__________
(1) سبق ترجمته ص (51).
(2) سبق ترجمته ص (56).
(3) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (3/ 92).
(4) البيهقي: نسبة إلى بيهق: قرية بناحية نيسابور، أحمد بن الحسين، الإمام الحافظ المشهور بالفصاحة والبراعة، سمع الحاكم وغيره، وتصانيفه نحو ألف منها = السنن الكبرى = و = شعب الإيمان = و = دلائل النبوة = وغيرها. وقال الذهبي: ودائرته في الحديث ليست كبيرة، بل بورك له في مروياته، وحسن تصرفه فيها لحذقه وخبرته بالأبواب والرجال، وأفتى بجميع نصوص الشافعي وخرج أحاديثها توفي سنة 458هـ.
انظر وفيات الأعيان لابن خلكان (1/ 7675)، تذكرة الحفاظ للسيوطي ص: (432)، الأعلام للزركلي (1/ 116).(1/114)
صلى عليّ نائيا، بلغته، يعني بلغني سلامه الملك» (1). وأخرج برمز البيهقي عن أبي هريرة أيضا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أكثروا الصلاة عليّ في الليلة الغراء، واليوم الأزهر، فإن صلاتكم تعرض عليّ» (2)
وأخرج عن أبي الدرداء (3)، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدا لا يصلي علي إلا
__________
(1) رواه البيهقي في الشعب، باب: تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم وإجلاله وتوقيره رقم (1583) (2/ 218).
ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: هذا حديث لا يصح فيه محمد بن مروان قال ابن النمير: كذاب، وقال النسائي متروك انظر الموضوعات لابن الجوزي (1/ 303)
(2) رواه السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة. قال السخاوي الليلة الزهراء ليلة الجمعة، واليوم الأغر يومها رقم (94) ص (74) ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رقم (243) (1/ 183) وذكره ابن حجر في لسان الميزان: (5/ 490)، عن قاسم بن إبراهيم المطي قال الدارقطني: كذاب وقال المناوي في الفيض: قال الحافظ العراقي وفيه عبد المنعم بن بشير ضعفه ابن معين وحسان وقال ابن حجر متفق على ضعفه، انظر فيض القدير للمناوي (2/ 87).
(3) أبو الدرداء: عويمر بن عامر الخزرجي رضي الله عنه: وقيل اسمه عامر وكانوا ينادونه عويمرا بالتصغير، وهو مشهور رضي الله عنه بكنيته، أسلم يوم بدر وشهد أحدا وأبلى فيها، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن زيد وعائشة وغيرهم. مات لسنتين بقينا من خلافة عثمان، وقيل مات بعد صفين. انظر طبقات الحفاظ للسيوطي ص (16)، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 24.(1/115)
عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها» (1) وأخرج عن أبي أمامة (2)، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكثروا من الصلاة عليّ في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم صلاة عليّ كان أقربهم مني منزلة» (3).
__________
(1) رواه ابن ماجه في كتاب الجنائز باب: ذكر وفاته ودفنه صلّى الله عليه وسلّم رقم (1637) (1/ 524)، وقال في الزوائد: هذا الحديث صحيح إلا أنه منقطع في موضعين لأن عبادة، روايته عن أبي الدرداء مرسلة انظر ابن ماجه (1/ 524) الكامل في الضعفاء للجرجاني (3/ 530) بلفظ قريب.
رواه الحاكم في المستدرك في كتاب التفسير (2/ 421) بلفظ آخر.
رواه البيهقي في السنن في كتاب الجمعة باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها من كثرة الصلاة على رسول الله بلفظ آخر (3/ 249248) وقال المناوي في شرح الجامع الصغير: «أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة».
ذكر أبو طالب أن أقل الأكثرية ثلاثمائة مرة والوارد في الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم ألفاظ كثيرة أشهرها اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
انظر فيض القدير للمناوي (2/ 78).
(2) أبو أمامة بن سهل بن حنين رضي الله عنه: ولد في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسمي باسم جده لأمه أسعد بن زرارة وكني بكنيته، أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يسمع منه، وروى عنه مرسلا، كما روى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وغيرهما روى عنه ابنه سهل ومحمد وغيرهما وكان من أكابر الأنصار وعلمائهم، توفي سنة مئة هجري رضي الله عنه.
انظر: تهذيب التهذيب للعسقلاني (1/ 228)، شذرات الذهب للعمادي: 1/ 403.
(3) رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجمعة، باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها من كثرة الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (3/ 249)، وقال في إسناده ضعف.
ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ آخر رقم: (40777)، (5/ 392).(1/116)
ولا شكّ أنّ هذه الأحاديث تقتضي أن الصلاة تعرض على النبي صلّى الله عليه وسلّم، إما بنفسها، فيسمعها صلّى الله عليه وسلّم، إذا كانت عند قبره كما في الحديث الأول، يعني بالقرب منه كأحوال العارفين بربهم وبه صلّى الله عليه وسلّم، فيعرفون أنّهم مخلوقون من نوره، وهو مخلوق من نور الله تعالى كما وردت به الأحاديث (1)، فيبقى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ومن صلى عليّ نائيا» أي بعيدا عني كأحوال أهل الغفلة من المحجوبين = بلغته = أي بلّغ إليّ ذلك بطريف إحساسه صلّى الله عليه وسلّم من جهة نوره الذي خلق منه ذلك العبد المصلي. وإن كان غافلا جاهلا، فهو صلّى الله عليه وسلّم مطّلع على جميع أعمال أمته في الخير والشر، وهو الشاهد عليهم بقوله تعالى:
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَرْسَلْنََاكَ شََاهِداً} [الأحزاب: 45] فلا يحتاج الأمر أن تقول يبلّغه إياه الملك كل مرة، أو يجمعها، ويبلغه إياها مرة واحدة.
وأما حديث «إنّ لله ملكا أعطاه سمع العباد، فليس من أحد يصلّي عليّ، إلّا أبلغنيها» (2) إلى آخره، أخرجه السيوطي في الجامع الصغير برمز الطبراني عن
__________
(1) روى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء. قال «يا جابر، إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم، ولا جنة ولا نار» إلى آخر الحديث.
انظر المواهب اللدينة للقسطلاني (1/ 7271).
(2) تتمة الحديث: وإني سألت ربيّ أن لا يصلي عليّ عبد صلاة إلا صلّى عليه عشر أمثالها. الجامع الصغير للسيوطي (1/ 276).(1/117)
عمار بن ياسر (1) رضي الله عنه، فلا ينافي ما ذكرناه لاحتمال أن يكون ذلك الملك روحه الشريفة صلّى الله عليه وسلّم فيكون قوله عليه السلام في الحديث الأول «من صلى عليّ عند قبري سمعته» مطابقا لذلك، وقوله «بلّغته»، وتعرض عليّ، أي بذلك الملك أو بالملائكة، وكلهم مخلوقون من نوره صلّى الله عليه وسلّم، فلا تناقض في الكلام عند أهل المعرفة والمقام.
السؤال الثاني والثلاثون: هل يسن للكافر إذا أسلم قضاء الصلاة؟
الجواب: إن قلنا إنّ الصلاة فرض على الكافر في حال كفره، زيادة على فرض الإيمان عليه، كما هي مسألة خطاب الكفر بفروع الإيمان، وهو مقتضى
__________
لم أجد هذا الحديث عند الطبراني بل ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال، وقال: تفرد به إسماعيل إسنادا ومتنا، وقال ابن نمير: ضعيف جدا، وقال ابن المديني، ضعيف وما علمت أحدا صلحه إلا ابن عدي، فإنه قال: ليس فيما يرويه حديث منكر المتن. انظر:
ميزان الاعتدال للذهبي (1/ 213).
وذكره السيوطي في اللآليء المصنوعة.
(1) عمار بن ياسر رضي الله عنه: أبو اليقظان، وكان هو وأبوه وأمه من السابقين إلى الإسلام وممن عذبوا في الله تعالى شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقطعت أذنه في وقعت اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب.
استعمله عمر رضي الله عنه على الكوفة وكتب إلى أهلها أنه من النجباء من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عدة أحاديث، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، استشهد مع علي رضي الله عنه في صفين سنة سبع وثمانين هجرية وله ثلاث وتسعون سنة. انظر الإصابة لابن حجر: (4/ 576575)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 7/ 345(1/118)
مذهب الشافعية من قوله تعالى: {مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قََالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 4342]. فربما يقال إن الكافر على هذا في حال كفره مخاطب بفرضية الصلاة عليه، كما هو مقتضى مذهب الشافعية (1)، ولكن لا تصح صلاته في حال كفره لفقد شروطها من الطهارة، إذ لا تصح طهارته عند الشافعية لعدم صحة نيته، لنجاسة محل النية وهو القلب بالكفر، قال تعالى:
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (2) أي بنجاسة الاعتقاد، والاعتقاد في القلب، ولفقد صحة نية الصلاة منه أيضا، ونية استقبال القبلة. فالكافر عند الشافعية معاقب يوم القيامة على ترك الصلاة، زيادة على عقابه على الكفر، بدليل الآية المذكورة. فربّما يقال: إنّ قضاءه للصلاة الفائتة منه في حال كفره صحيح مقبول منه، وأما أن ذلك سنته، فلم يرد عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بذلك لمن أسلم من أصحابه، ولا شرّع ذلك لهم، ولا لغيرهم. وأما على مقتضى
__________
(1) وذكر في تحفة المحتاج بشرح المنهاج عن قضاء الصلاة كما هو مقتضى مذهب الشافعية قال: إنما تجب الصلاة السابقة وهي الخمس = على كل مسلم = ولو فيما مضى فدخل المرتد = بالغ عاقل = ذكر أو أنثى أو خنثى = طاهر = لا كافر أصلي بالنسبة للمطالبة بها في الدنيا، لأن الذمي لا يطالب بشيء وغيره يطالب بالإسلام أو بذل الجزية بل للعقاب عليها كسائر الفروع، أي المجمع عليها كما هو ظاهر في الآخرة لتمكنه منها بالإسلام ولنص = لم نك من المصلين =.
وقال في الشرح ولا قضاء على الكافر» إلخ.
انظر حواشي في تحفة المحتاج بشرح المنهاج (2/ 55).
(2) الآية {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {بَعْدَ عََامِهِمْ هََذََا} [التوبة: 28].(1/119)
مذهب الحنفية أنّ الكافر مخاطب أولا بالإيمان لا غير، فإذا آمن، خوطب بعد ذلك بفرضية الصلاة عليه (1)، وببقية فروع الإيمان من الأحكام الشرعية بدليل قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ} [المائدة: 6].
فالخطاب للمؤمنين. وأما الآية السابقة في قوله تعالى: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}
[المدثر: 43] أي ممن الصلاة مفروضة عليهم، وهم المؤمنون، يعني لم نك من المؤمنين، فإن بعده {وَكُنََّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 46].
وإذا تقرر هذا، فلا يكون القضاء مشروعا في حق الكافر إذا أسلم. إذ القضاء يقتضي سبق الوجوب عليه، ولا وجوب عليه عندنا، فلا يسمى قضاء فضلا عن كونه مسنونا. حتى صرح الحنفية في كتبهم، بأن المرتد، لا يلزمه قضاء ما فاته من الصلوات في زمان ردّته، فالكافر الأصلي بالطريق الأولى (2).
__________
(1) وعلى مقتضى الأحناف ذكر ابن عابدين في رد المحتار قال: أي فإن الكافر الأصلي إذا أسلم لا يلزمه قضاء ما فاته زمن كفره لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا كما في فتح القدير، بل يلزمه ما أدرك وقته بعد الإسلام، والحج وقته باق فتلزمه. انظر الدر المختار لابن عابدين (2/ 527).
وقال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: الإسلام يجب ما قبله من حقوق الله تعالى دون حقوق الآدميين. انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 388.
(2) وقال العلامة منلا خسرو في شرح الدرر: في قضاء صلاة المرتد على المذهب الحنفي ويقضي عبادات تركها في الإسلام. قال شمس الأئمة الحلواني عليه قضاء ما ترك في الإسلام لأن ترك الصلاة والصيام معصية والمعصية تبقى بعد الردة ذكره قاضيخان = ما أدى منها = أي العبادات = فيه = أي الإسلام = يبطل ولا يقضي إلا الحج = فإنه بالردة صار كأنه لم يزل كافرا فأسلم وهو غني فعليه الحج وليس عليه قضاء سائر العبادات كذا في(1/120)
السؤال الثالث والثلاثون: هل الوضوء جوهر (1) أم عرض (2)؟
الجواب: إنّ الوضوء وكذلك الصلاة، والصوم، وباقي الأعمال من الطاعات، والمعاصي لا شكّ أنّها في أحكام الدنيا أعراض لا تقوم بنفسها، وأما في أحكام الآخرة من أنّها توضع في الميزان، وتتصور يوم القيامة بصور، فهي جواهر متحيزة إلى عالم البرزخ، أرأيت أنّه ورد في الحديث «أنّ الجنة قيعان، وأنّ غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر» (3) إلى أمثال ذلك من الأخبار الواردة بتجسد المعاني في الآخرة، فهي أعراض في الدنيا وأجسام في الآخرة.
__________
الخلاصة انظر شرح الدرر لمنلا خسرو كتاب نادر (1/ 302).
وذكر ابن عابدين في رد المحتار على قضاء المرتد للصلاة فقال: فكذا المرتد لكونه كالكافر الأصلي (وخالف الشافعي) أي حيث قال: لا يلزم الإعادة لأن إحباط العمل معلق في الآية بالموت على الردة. {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} {هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} [البقرة: 217].
(1) الجوهر: هو ما يقوم بنفسه، ولا يحتاج في وجوده إلى شيء آخر مثال الكتاب، الأرض، الأجسام.
(2) العرض: ما يحتاج في وجوده إلى شيء يقوم فيه كالبياض والسواد والهيئات وما شاكل ذلك. وفي كتاب المطول لسعد التفتازاني شرح كتاب التلخيص قد شرحه بشكل مفصل فليرجع إليه.
(3) رواه الترمذي في كتاب الدعوات بلفظ قريب جدا رقم (3458) (10/ 148) وقال:
هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
ورواه الطبراني في الكبير برقم (10363) (10/ 173) عن عبد الله بن مسعود وذكره الهندي في كنز العمال رقم (2038) (1/ 468).(1/121)
السؤال الرابع والثلاثون: إذا كان الواقف في جبل عرفات جزء منه في الجبل، وجزء في خارج الجبل، فهل يجوز أم لا؟
الجواب: إنّ الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج كغسل الوجه ركن من أركان الوضوء، فلا يصح الوضوء بترك بعضه كترك بعض الوقوف.
قال في شرح الدرر: «من وقف بعرفات ساعة من زوال عرفة إلى صبح يوم النحر، أو اجتاز بالنوم، أو الإغماء، أو جهل أنها أي تلك الأرض عرفات صح وقوفه، لأنّ ما هو الركن قد وجد، وهو الوقوف» (1).
وقال الشيخ الوالد رحمه الله تعالى (2) في شرحه على شرح الدرر: وليس الوقوف بعبادة مقصودة حتى لا يتنفل به، فوجود النية في أصل تلك العبادة، يغني عن اشتراط النية في ركنها. بخلاف الطواف فإنه لو دار خلف غريم له حول البيت سبعا لا يتأدى به الطواف، إذ لم ينو لأن الطواف عبادة مقصودة حتى يتنفل به، فلا بدّ من أصل النية فيه. وبخلاف الصلاة لا تبقى مع الإغماء لفوات الشرط، وهو الطهارة به.
وذكر هناك في وقوف عرفة أنّه يصح، ولو وقف نائما، أو مغمى عليه، وكذا المجنون والسكران والهارب، وطالب الغريم والحائض والجنب كذا في
__________
(1) انظر درر الحكام شرح غرر الأحكام لمنلا خسرو كتاب نادر رقم (و 4671) كتاب الحج (1/ 232).
(2) الشيخ إسماعيل النابلسي سبق ترجمته ص (49).(1/122)
منهج السالك (1)» (2).
وقال الوالد رحمه الله تعالى في موضع آخر من شرحه المذكور: والوقوف والطواف ركنان، غير أن أكثر الطواف يقوم مقام الكل في حق الركن، كما في منهج السالك وغيره، انتهى.
ومقتضاه أنّ أكثر الوقوف لا يقوم مقام الكل، ومعنى أكثر الوقوف، هو أن يكون بحيث أنّ أكثر أعضاء الواقف بعرفة في حدود عرفة، والأقل خارج عن حدود عرفة، لا سيما وقد صرّحوا بأنّ الوقوف ليس بعبادة مقصودة، فهو كالوضوء والغسل، لو ترك بعض فروضه، أو بعض حدود فروضه لا يصح.
السؤال الخامس والثلاثون: إذا وقفت الملائكة بعرفات، فهل يقفون محرمين ويأتون بجميع أركان الحج أم لا؟
الجواب: نقل الشيخ علي الحلبي (3) في سيرته، قال: «لما حجّ آدم عليه
__________
(1) كتاب منهج السالك وشرعة المناسك لأبي عبد الله شرف الدين محمد الطرابلسي الحنفي ورتبه على سبعة وعشرين بابا. انظر كشف الظنون (2/ 1882).
(2) انظر الأحكام في شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي مخطوط رقم (13742) باب الحج ص (354).
(3) علي بن إبراهيم بن أحمد بن برهان الدين الحلبي القاهري الشافعي صاحب السيرة النبوية الإمام الكبير أجل أعلام المشايخ وعلامة الزمان، واسع الحلم علامة جليل المقدار ولد بمصر سنة 975هـ وروى عن الشمس الرملي ولازمه سنين عديدة، وله مؤلفات كثيرة منها = السيرة النبوية = التي سماه = إنسان العيون في سيرة النبي المأمون = اختصرها من سيرة محمد الشامي وزاد أشياء لطيفة الموقع توفي سنة 1044هـ.
انظر خلاصة الأثر للمحبي (3/ 124122)، الأعلام للزركلي (4/ 251).(1/123)
السلام، استقبلته الملائكة بالردم أي ردم بني جمح الذي هو محل المدعى.
فقالوا: برّ حجك يا آدم، قد حججنا هذا البيت قبلك بألف عام.
وفي تاريخ مكة (1) للأزرقي (2): إنّ آدم عليه السلام حجّ على رجليه سبعين حجة ماشيا، وأنّ الملائكة لقيته بالمأزمين. فقالوا: برّ حجك يا آدم، فإننا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، والمأزمان موضع بين عرفة ومزدلفة (3).
قال وهب بن منبّه (4)، قرأت في كتاب من الأوائل: ليس من ملك يبعثه الله تعالى إلى الأرض، إلا أمره بزيارة البيت، فينقض من عند العرش ملبيا (5) حتى يستلم الحجر، ثمّ يطوف سبعا بالبيت، ويصلي في جوفه ركعتين، ثمّ يصعد.
قال الحلبي في السيرة: يجوز أن يكون المراد بإحرامه بنيّة الطواف بالبيت،
__________
(1) كتاب تاريخ مكة للإمام محمد بن عبد الكريم الأزرقي المتوفى سنة 223هـ وهو أول من صنف فيه ومختصره زبدة الأعمال. انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 306).
(2) الأزرقي: محمد بن عبد الله الأزرق أبو الوليد الأزرقي المكي، وهو أول من صنف في تاريخ مكة شرفها الله تعالى توفي سنة 223هـ انظر هدية العارفين للبغدادي (6/ 11)، الأعلام: 6/ 222.
(3) انظر أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي: (1/ 45).
(4) وهب بن منبّه بن كامل اليماني، أبو عبد الله الأنباري: تابعي ثقة، وهو من أبناء فارس. أسلم أبوه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فحسن إسلامه ولد في خلافة عثمان ومات سنة عشر ومائة هجري روى البخاري له حديثا واحدا. انظر تهذيب التهذيب (6/ 104 105) تقريب التهذيب ص (515)، تذكرة الححفاظ للذهبي: (1/ 100).
(5) في كتاب تاريخ مكة فينقض من تحت العرش محرما ملبيا.(1/124)
لا الإحرام بالعمرة، بدليل قوله: ثم يطوف سبعا بالبيت (1)». انتهى.
فلعل وقوف الملائكة بعرفات للتبرك بالواقفين من المؤمنين، وحضورهم موسم المغفرة، كما ورد في حديث السيوطي في الجامع الصغير برمز البيهقي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الملائكة لتصافح ركاب الحاج، وتعتنق المشاة» (2) انتهى.
وإنما يفعلون ذلك تبركا بهم، وتيامنا بملاقاتهم، وإلا فليس الحج المعروف على الكيفية المشروعة معهودا من الملائكة، حتى يكون بالإحرام ونحوه من الشروط، ومراعاة المناسك، وإنما ذلك على وجه الزيارة للبيت الشريف والطواف.
السؤال السادس والثلاثون: ما الحكمة في أنّ أول ما تأكل أهل الجنة كبد الحوت؟
الجواب: الحكمة في ذلك أنّ الحوت هو الحامل للأرض اليوم على ما وردت به الأخبار النبوية، وأهل الجنة يعرفون بلاء الدنيا وأنكادها، فأول مأكل يأكلونه عند دخول الجنة كبد الحوت، الذي كان يحمل الدنيا إشارة لهم بأن الدنيا زالت، وأنّهم خالدون في الجنة، وهي أول بشارة يفرحون بها عند دخول الجنة، وكأنه لتشفي أنفسهم من ذلك الحوت الذي كان يحمل الدنيا دار الأنكاد والأتعاب.
__________
(1) انظر السيرة الحلبية للشيخ علي الحلبي: (1/ 152).
(2) رواه البيهقي في الشعب عن عائشة، باب في المناسك، فصل الحج والعمرة رقم (4099)، (3/ 474) وقال: هذا إسناد فيه ضعف.(1/125)
وقد ورد في صحيح البخاري، قال أبو سعيد (1): قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت» (2) انتهى. فالألف واللام في الحوت للعهد (3)، أي الحوت المعهود أنه يحمل الدنيا، وزيادة كبده هي القطعة التي تكون في طرف الكبد، وهي لكبرها تكفي أهل الجنة، وذكر الزيادة في روايات الحديث.
وقد أخرج السيوطي في الجامع الصغير، برمز أبي داود الطيالسي (4)، عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أول شيء تأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت» (5).
السؤال السابع والثلاثون: هل يهيأ لهم قبل دخولهم أو بعد حضورهم؟
__________
(1) سبق ترجمته ص (113).
(2) رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب: قوله تعالى {وَإِذْ قََالَ رَبُّكَ لِلْمَلََائِكَةِ إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وهو جزء من حديث طويل رقم (3151) (2/ 1124).
ورواه أحمد في مسنده (3/ 189).
لعل هذا الكلام هو من قبيل التمثيل، كما ورد في الحديث «يؤتى يوم القيامة بالموت كالكبش الأملح».
(3) هذا رأي المؤلف، ولعل المراد بأل هي أل الجنسية لا العهدية.
(4) أبو داود الطيالسي: هو سليمان بن داود بن الجارود مولى قريش، أبو داود الطيالسي. من كبار حفاظ الحديث. فارسي الأصل. سكن البصرة وتوفي بها، له = مسند = جمعه بعض الحفاظ الخراسانيين توفي سنة 204هـ.
انظر تاريخ بغداد (9/ 2924)، تذكرة الحفاظ للسيوطي ص 153، الأعلام للزركلي:
(3/ 125).
(5) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده رقم: (2051) ص (272).(1/126)
الجواب: معنى يهيأ: يجعل قابلا للأكل، بأن يفصل من أصله، ويقطّع قطعا بحيث يكون طعاما لهم، وإلا فليس المراد بالتهيئة أنّه يطبخ، إذ لا نار في الجنة، أو بحيث ينضج من غير نار والقدرة الإلهية قابلة لأكثر من ذلك.
فالظاهر أنه يهيأ لهم قبل دخولهم زيادة إكرام لهم، ولأن الدنيا زالت قبل دخولهم الجنة، بدليل قاله تعالى عن ابتداء زوالها:
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [إبراهيم: 48] (1) والحوت الحامل لها يمكن أن يؤخذ يومئذ فيستخرج كبده، ويهيأ لأهل الجنة، وبعد حضورهم لو هيأ لهم، ربما أكلوا قبله شيئا، فتفوت الأولية الواردة في الخبر، والله أعلم.
ثم ظفرت بما ذكرت صريحا في شرح الجامع الصغير للمناوي (2)، قال في قوله عليه الصلاة والسلام: «(أول شيء) أي أول مأكول (يأكله أهل الجنة) في الجنة إذا دخلوها (زيادة كبد الحوت) (3). وهي القطعة المنفردة عن الكبد المتعلقة به، وهي أطيب الكبد وألذه، وفي رواية: «من زائد كبد الثور» أي ثور الدنيا (4). وحكمة خصوصية أكلهم منها، أنها أساس الدنيا، لأنها مركبة على متن ثور، والثور على ظهر حوت، والحوت في الماء، ولا يعلم ما تحت
__________
(1) تتمة الآية {وَالسَّمََاوََاتُ وَبَرَزُوا لِلََّهِ الْوََاحِدِ الْقَهََّارِ} [إبراهيم: 48].
(2) سبق ترجمته ص (56).
(3) قال المناوي في الفيض: وحكمة اختصاصها بأولية الأكل أنها أبرد شيء في الحوت فبأكلها تزول الحرارة الحاصلة لهم في الموقف. انظر فيض القدير للمناوي (3/ 86).
(4) في فيض القدير ثور الجنة وهنا ثور الدنيا.(1/127)
الماء إلّا الذي خلقه. فالأكل منهما إشارة إلى خراب الدنيا، وبشارة بفساد أساسها، وأمن العودة إليها. وخصّ الأكل بالزائدة، كما بينه الأطباء أن العلة إذا وقعت في الكبد دون الزائدة رجي برؤه، وإن وقعت في الزائدة، هلك العليل لا محالة، فأكلهم من الزيادة أدخل البشرى، أفاده ابن جماعة (1).
ثم هذه الأولية لا تدافع بينها وبين خبر: «إذا سكن أحدكم الجنة، أتاكم ملك، فيقول: إنّ الله يأمركم أن تزوروه إلى أن قال: ثم توضع مائدة الخلد» (2) الحديث ما ذلك إلّا لأنه لا مانع من أن زيادة الكبد توضع قبل تلك المائدة، وأن هذا جار على المألوف في الدنيا، من أنّه بمجرد الذبح يعجل بالكبد فتشوى، فيأكلها الحاضرون، حتى ينضج الطعام بعد» (3). انتهى كلامه.
__________
(1) ابن جماعة: محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي بدر الدين، أبو عبد الله: قاض، من العلماء بالحديث وسائر علوم الدين ولد في حماة.
وولي الحكم والخطابة بالقدس، ثم القضاء بمصر ثم قضاء الشام إلى أن شاخ وعمي.
كان من خيار القضاة له تصانيف منها = المنهل الروي في الحديث النبوي = و = كشف المعاني في المتشابه من المثاني = و = تذكرة السامع في آداب العالم والمتعلم = و = قضاء مصر = توفي في مصر سنة 733هـ. انظر الدرر الكامنة (3/ 369367)، الأعلام: (5/ 298297).
(2) ذكر في إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للسيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدة (10/ 553).
(3) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة المناوي (3/ 8786).(1/128)
السؤال الثامن والثلاثون: هل إذا حجّ مؤمن الجن يكفيه طوافه بالبيت الذي في حياذ الكعبة؟
الجواب: مراده بذلك طواف الجني في الهواء، الذي فوق الكعبة إلى حدّ السماء، فإنه البيت الذي في حياذ الكعبة.
قال الوالد رحمه الله تعالى (1) في شرحه على شرح الدرر: «المراد من الكعبة العرصة، والهواء إلى عنان السماء، لا الحيطان، حتى لو وضعت في مكان آخر، لا يصح التوجه إليها، ولو صلى في مكان مرتفع منها صحّ التوجه، كما في الفيض (2)، ونحوه في الاختيار. (3)
__________
(1) الشيخ إسماعيل النابلسي سبق ترجمته ص (49).
(2) كتاب: فيض الغفار في شرح المحتار في الفروع. لم أجده.
(3) وقال المودود في الاختيار: يجوز فرض الصلاة ونفلها في الكعبة وفوقها، فإن قام الإمام في الكعبة وتحلق المقتدون حولها جاز، وإن كانوا معه جاز، إلا من جعل ظهره إلى وجه الإمام، وإذا صلى الإمام في المسجد الحرام تحلق الناس حول الكعبة وصلوا بصلاته. انظر: الاختيار لعبد الله مودود: (1/ 90).
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه نهاية المراد في شرح هدية ابن العماد: وتجوز الصلاة فوق ظهر الكعبة، وإن لم يضع سترة، قال الزيلعي: لأن القبلة هي العرصة والهواء إلى عنان السماء دون البناء لأنه يحول، فلو صلى إلى جبل أبي قبيس جازت صلاته، ولا بناء بين يديه، ولكن يكره فوقها لما فيه من ترك التعظيم والله أعلم. انظر نهاية المراد للنابلسي ص (818).(1/129)
والخلاصة (1).
ولذلك قال في الحجة (2): الصلاة في الآبار، والجبال، والتلال الشامخة، وعلى ظهر الكعبة جائزة لأنّ القبلة من الأرض السابعة إلى السماء بحذاء الكعبة إلى العرش» (3). انتهى.
ومعلوم أنّ الطواف يجوز كذلك فلو طاف الجنّي بالكعبة بين السماء والأرض جاز.
__________
(1) وذكر في خلاصة الفتاوى في كتاب الصلاة قال: وفي شرح الطحاوي الكعبة اسم للعرصة وأن الحيطان ولو وضعت في موضع آخر فصلى إليها لا يجوز ولو صلى في جوف الكعبة وعلى سطحها جاز ولو صلى إلى الحطم لا يجوز، ولو صلى في جوف الكعبة بالجماعة يجوز كيف ما كانت وجوههم سواء كان ظهره إلى ظهر الإمام أو وجهه إلى وجه الإمام إلا أن هذا يكون إذا لم يكن بينهما سترة لا يجوز صلاة من قفاه إلى وجه الإمام.
انظر خلاصة الفتاوى لطاهر بن أحمد البخاري مخطوط رقم (2669).
(2) كتاب الحجة الصغيرة لعيسى بن أبان عن محمد بن الحسن، ذكر الخوارزمي في مسند أبي حنيفية عن الصيمري باسناده إلى المأمون أنه جمع في عصره كتاب في الأحاديث ووضع بين يديه وبين فيه وجوه الأخبار وما يجب قبوله وما يجب تأويله وما يجب العمل فيه بالمتضادين وبين فيه حجج أبي حنيفة فلما قرأه المأمون ترحم على أبي حنيفة انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 631).
(3) انظر الأحكام شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي باب الصلاة فصل استقبال القبلة مخطوط رقم (13741) ص (64).(1/130)
السؤال التاسع والثلاثون: هل ينعقد النكاح بحضور ملكين؟
الجواب: لا ينعقد النكاح لتخصيص الفقهاء صحة النكاح بحضور بني آدم، ولأن من المعلوم أن مع كل إنسان ملكين، قال تعالى:
{مََا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلََّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] فالملكان حاضران مع كل إنسان، فهما يسمعان لفظ النكاح ويكتبانه بل هما أربع ملائكة مع الزوج ملكان، ومع المرأة ملكان، فلو صحّ النكاح بحضور الملائكة، صح كل نكاح بلا شهود من بني آدم، وبطل قول الفقهاء في اشتراط الشهود لصحة النكاح (1)، وهذا باطل.
السؤال الأربعون: لمّا دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم المسجد الأقصى، هل تلقته الأنبياء عليهم السلام، وقامت إجلالا له؟
__________
(1) قال ابن مودود الموصلي الحنفي في الاختيار: ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور رجلين، أو رجل وامرأتين، ولا بد في الشهود من صفة الحرية والإسلام، ولا تشترط العدالة، وينعقد بشهادة العميان.
وقال الشيخ محمود أبو دقيقه في تعليقه على الاختيار: فالشهود شرط لقوله عليه الصلاة والسلام «لا نكاح إلا بشهود» وروى ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال «الزانية التي تنكح نفسها بغير بينة» وأما صفة الشهود، قال أصحابنا كل من ملك القبول بنفسه انعقد العقد بحضوره ومن لا فلا.
انظر الاختيار لعبد الله بن مودود الموصلي (3/ 8483).(1/131)
الجواب: ذكر ابن أقبرس (1) في شرح شفاء القاضي عياض (2) عن أبي الحسن بن بطال (3) في شرح البخاري (4) أنّ الأنبياء عليهم السلام، لما علموا
__________
(1) ابن أقبرس: هو علي بن محمد بن أقبرس القاهري، الشافعي، فاضل، مشارك في بعض العلوم. ولد بالقاهرة ونشأ بها من تصانيفه: = فتح الصفا على الشفا = للقاضي عياض، وفيه فوائد، و = نزول الغيث = للدماميني وكتب أخرى، توفي سنة 862هـ انظر هدية العارفين للبغدادي (5/ 734)، الأعلام للزركلي (5/ 8).
(2) كتاب الشفا في تعريف حقوق المصطفى للإمام الحافظ أبي الفضل عياض بن موسى القاضي اليحصبي المتوفي سنة 544هـ، وهو كتاب كثير الفائدة لم يؤلف مثله في الإسلام، شرحه عدد من العلماء، لكثرة فائدته منهم شرحه الشيخ شمس الدين محمد ابن محمد الدلجي الشافعي العثماني المتوفي سنة 947هـ سماه الاصطفا لبيان معاني الشفا، كما شرحه، محمد بن اقبرس القاهري وسماه فتح الصفا على الشفا.
انظر تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 248245)، كشف الظنون لحاجي خليفة:
(2/ 10531052).
(3) ابن بطال: هو العلامة أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي، شارح البخاري أحد شيوخ عبد البر، كان من أهل العلم والمعرفة والفهم عني بالحديث العناية التامة، وأتقن ما قيد. مات سنة 449هـ.
انظر شذراب الذهب لابن العماد (5/ 214)، الأعلام للزركلي: (4/ 285).
(4) كتاب شرح البخاري لأبي الحسن علي بن خلف الشهير بابن بطال المغربي المالكي المتوفي سنة 449هـ وغالبه فقه الإمام مالك من غير تعرض لموضوع الكتاب.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 546).(1/132)
صلّى الله عليه وسلّم، ابتدروا إلى لقائه ابتدار أهل الغائب للغائب القادم، فمنهم من أسرع، ومنهم من أبطأ» (1). انتهى.
فالمفهوم منه أنهم عليهم السلام تلقّوه، وقاموا إجلالا له.
السؤال الحادي والأربعون: هل حيّاهم حين قدومه عليهم بتحية؟
الجواب: الذي يظهر من سياق الكلام المتقدم في أنهم ابتدروا إلى لقائه أنّه حياهم حين قدم عليهم، فقد قال في شرح الشفاء المذكور قوله: «فقال قائل يا محمد هذا مالك، فبدأني بالسلام.
هذا السياق يدل على فضله صلّى الله عليه وسلّم، فإن مبادرة الملك بالسلام عليه، يشعر بذلك، ولا يرد وخيرهما الذي يبدأ بالسلام (2)، لأن ذلك من المتخاصمين، على أنّ الخيرية من جهة تحصيل الثواب، وفيه أن حكم السلام قديم معروف فضله عند ملائكة الله تعالى» (3). انتهى.
فإن كان السلام معهودا عند اللقاء في ليلة الإسراء، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قادم على
__________
(1) فتشت عن كتاب شرح الشفا قاضي عياض لابن أقبرس فلم أجده.
(2) هذا الكلام يدل عليه حديث رواه البخاري ومسلم:
روى البخاري في كتاب الأدب عن أبي أيوب الأنصاري: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان: فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» رقم: (5727) ورواه مسلم في البر والصلة والأدب رقم: (2560).
(3) لم أعثر على هذا الكتاب. أي شرح الشفا لابن أقبرس.(1/133)
الأنبياء عليهم السلام والقادم يأتي بالتحية خصوصا، وتركها لؤم ويؤيده ما ذكره القسطلاني في مواهبه (1) قال: «وفي رواية ابن أبي حاتم (2) في تفسيره، عن أنس (3): قال فلما بلغ بيت المقدس، إلى أن قال: فلما استويا في سرحة (4)
المسجد قال جبريل: يا محمد، هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال:
نعم، قال فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن، قال فسلمت عليهن فرددن علىّ السلام فقلت لمن أنتنّ؟ فقلن خيرات حسان، نساء قوم أبرار، نقوا فلم يدرنوا (5)، قاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا» (6) انتهى.
فإذا كان صلّى الله عليه وسلّم، سلّم على الحور العين، فكيف لا يكون سلّم على الأنبياء والمرسلين عند اجتماعه بهم عليهم السلام.
__________
(1) سبق ترجمته ص (60).
(2) سبق ترجمته ص (64).
(3) أنس بن مالك رضي الله عنه: أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحد المكثرين عنه لرواية الحديث، خدم النبي صلّى الله عليه وسلّم منذ قدم المدينة وعمره عشر سنين إلى أن توفي صلّى الله عليه وسلّم، ومناقبه ومناقب أمه أم سليم وعمة زوج أمه أبي طلحة رضي الله عنهم أكثر من أن تحصى، دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم بطول العمر، فاستجاب الله تعالى دعاءه، فكان من أواخر من مات من الصحابة، توفي في البصرة وله من العمر ما يزيد عن المائة سنة رضي الله عنه انظر: الإصابة للعسقلاني (1/ 129126)، تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 44).
(4) سرحة المسجد: أي فناء المسجد.
(5) أي لم يصبهم درن وهو الوسخ الظعن: الارتحال.
(6) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (3/ 5251).(1/134)
السؤال الثاني والأربعون: حين صلّى بهم بأي أية قرأ في الصلاة؟
الجواب: قال في شرح الشفاء المذكور: فإن قلت فأيّ صلاة كانت هذه الصلاة. قلت: الأقرب أنّها الصبح، ويحتمل أن تكون العشاء على تقدير أن يكون الإسراء من أول الليل، وأن تكون هذه الصلاة في بيت المقدس على تقدير تعدد الإسراء فيحمل هذا الإسراء على ما بعد الإسراء، الذي فرضت فيه الصلاة وإلا فلا يستقيم.
وقال الدلجي (1): لعلها صلاة الصبح، إذ الإسراء لا يكون إلا آخر الليل، وهي مما فرض على الأنبياء قبله» (2). انتهى كلامه.
وفي المواهب اللدنية قال القاضي عياض: «يحتمل أن يكون صلى بالأنبياء جميعا في بيت المقدس، ثم صعد إلى السماء، ويحتمل أن يكون صلى بهم أن هبط من السماء، والأظهر أن صلاته بهم في بيت المقدس قبل العروج
__________
(1) الدلجي: محمد بن محمد الدلجي العثماني شمس الدين، فاضل مصري من الشافعية ولد ونشأ بدلجة (من قرى مصر) وتعلم بالقاهرة ثم بدمشق وأقام بها نحو 30سنة وسافر إلى بلاد الترك واجتمع بسلطانها = بايزيد خان = وعاد إلى مصر. له كتب منها = مقاصد المقاصد = اختصر مقاصد التفتازاني و = الاصطفاء = في شرح الشفا للقاضي عياض و = شرح الخزرجية = توفي سنة 947هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد، (10/ 386)، هدية العارفين: (6/ 237)، والأعلام للزركلي (7/ 56).
(2) فتشت على هذا الكتاب فلم أجده.(1/135)
وقال ابن كثير (1): صلى بهم في بيت المقدس قبل العروج وبعده، فإنّ في الحديث ما يدل على ذلك، ولا مانع منه. وقد اختلف في هذه الصلاة، هل هي فرض؟ أو نفل؟. وإذا قلنا فرض، فأي صلاة هي؟
قال: الأقرب أنها الصبح، ويحتمل أن تكون العشاء، وإنما تتأتى على قول من قال: إنه صلى بهم قبل عروجه إلى السماء وأما على قول من قال:
إنه صلّى بهم بعد العروج فتكون الصبح.
قال ابن كثير: ومن الناس من يزعم أنّه أمّهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنّه ببيت المقدس» (2). (3) انتهى ما ذكره القسطلاني في مواهبه. فإذا كانت هذه الصلاة صلاة الصبح قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم ما كان يقرأ في صلاة الصبح.
فقد ذكر النسائي في سننه قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الفجر، في الأولى منهما الآية التي في البقرة {قُولُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا أُنْزِلَ إِلَيْنََا} [البقرة: 136] (4) إلى آخر الآية،
__________
(1) ابن كثير: هو الإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر الفرشي الدمشقي المتوفى سنة 774هـ فسر بالأحاديث والآثار مسندة من أصحابها مع الكلام على ما يحتاج إليه جرحا وتعديلا. انظر كشف الظنون (1/ 439). هدية العارفين للبغدادي: 5/ 215، تذكرة الحفاظ للذهبي: (4/ 1508).
(2) انظر تفسير ابن كثير سورة = سبحان = (3/ 16) وما بعد ما.
(3) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (3/ 5352)
(4) تتمة الآية: {وَمََا أُنْزِلَ إِلى ََ إِبْرََاهِيمَ وَإِسْمََاعِيلَ وَإِسْحََاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبََاطِ وَمََا أُوتِيَ مُوسى ََ وَعِيسى ََ وَمََا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لََا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
سورة البقرة آية رقم (136).(1/136)
وفي الأخرى {آمَنََّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنََا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111] (1) (2) روى ذلك بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما. (3)
وذكر أيضا قراءته عليه السلام في صلاة الصبح بسورة الروم (4)، وقراءته أيضا بسورة «ق» (5)، وقراءته «إذا الشمس كورت» (6)، وقراءته بالمعوذتين (7)، وقراءته في صبح الجمعة بتنزيل «السجدة»، و «هل أتى على الإنسان» (8)، فلعله قرأ في تلك الصلاة بشيء من ذلك أو غيره، والله أعلم.
__________
(1) أول الآية: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوََارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قََالُوا آمَنََّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنََا مُسْلِمُونَ} سورة المائدة آية رقم (111).
(2) رواه النسائي في سننه كتاب الافتتاح، باب القراءة في ركعتي الفجر رقم: (944)، (2/ 155).
(3) حدثنا عثمان ابن حكيم قال: أخبرني سعيد بن يسار أن ابن عباس أخبره أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة {قُولُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا أُنْزِلَ إِلَيْنََا} إلى آخر الآية، وفي الأخرى {آمَنََّا بِاللََّهِ وَاشْهَدْ بِأَنََّا مُسْلِمُونَ}.
انظر سنن النسائي جامع ما جاء في القرآن، القراءة في ركعتي الفجر رقم (2944/ 155).
(4) رواه النسائي في سننه في كتاب الافتتاح باب القراءة في الصبح بالروم. رقم (947) (2/ 156).
(5) رواه النسائي في سننه في كتاب الافتتاح، باب القراءة في الصبح ب (ق) رقم (949)، (2/ 157).
(6) رواه النسائي في سننه في كتاب الافتتاح باب القراءة في الصبح بإذا الشمس كورت (2/ 156) رقم: (951)، (2/ 156).
(7) رواه النسائي في سننه في كتاب الافتتاح، باب القراءة في الصبح بالمعوذتين رقم:
(952)، (2/ 158).
(8) رواه النسائي في سننه في كتاب الافتتاح، باب القراءة في الصبح يوم الجمعة رقم:
(955)، (2/ 159).(1/137)
السؤال الثالث والأربعون: هل قال في تشهده اللهم صلي على محمد؟
الجواب: أنه كان يقول ذلك، لما روى أبو داوود السجستاني في سننه، عن ابن عباس أنّه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلمنا التشهد، كما يعلمنا القرآن، وكان يقول التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله» (1) انتهى. فالظاهر أنّه عليه السلام كان يقول في صلاته كما علم غيره بذلك اللفظ، ويؤيده ما روى ابن ماجه في سننه عن فاطمة الزهراء (2) رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الاستئذان باب الأخذ باليدين رقم: (5910)، (4/ 2180) ورواه مسلم في كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة رقم: (3، 4)، (1/ 303302) ورواه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب التشهد، رقم: (974)، (1/ 256) رواية البخاري بلفظ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(2) فاطمة الزهراء: بنت إمام المتقين رسول الله: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمية صلى الله على أبيها ورضي عنها. روت عن أبيها وروى عنها ابناها، وأبوهما، وعائشة، وأم سلمة، وسلمى أم رافع، وأنس، وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين، كانت أصغر بنات النبي صلّى الله عليه وسلّم وأحبهن إليه تزوجها علي رضي الله عنه وانقطع نسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا من فاطمة، وروي عن أبي هريرة مرفوعا: «خير نساء العالمين أربع: مريم، وآسية وخديجة، وفاطمة، توفيت رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم بستة أشهر، وقيل أربعه، وقيل ثلاثة وقال الواقدي: توفيت لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة. انظر الإصابة للعسقلاني (8/ 6058). تهذيب التهذيب للعسقلاني: (12/ 391).(1/138)
صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل المسجد يقول: «بسم الله. والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك» وإذا خرج، قال «بسم الله والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك» (1) انتهى.
فانظره حيث لم يقل والسلام عليّ، بل قال: «على رسول الله» مع قوله «إغفر لي ذنوبي» ثم وجدت ما ذكرت صريحا في المواهب اللدنية للقسطلاني، قال في ذكر تشهده صلّى الله عليه وسلّم: «كان صلّى الله عليه وسلّم يتشهد دائما في هذه الجلسة، ويعلم أصحابه أن يقولوا «التحيات المباركات» إلى آخر ما ذكرناه في حديث ابن عباس، وفيه: «وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله» (2) في رواية مسلم.
وقال النووي: في هذه فائدة حسنة وهي أن تشهده عليه السلام بلفظ تشهدنا» (3) (4).
قال الحافظ بن حجر (5): وكأنه يشير إلى رد ما وقع في
__________
(1) رواه ابن ماجه في سننه في كتاب المساجد والجماعات، باب الدعاء عند دخول المسجد رقم: (771)، (1/ 254).
(2) رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأستئذان، باب الأخذ باليدين رقم: (5910)، (4/ 2180).
ورواه مسلم في كتاب الصلاة باب التشهد في الصلاة رقم (402) (1/ 302301).
(3) انظر شرح مسلم للنووي كتاب الصلاة باب التشهد في الصلاة رقم:
(402)، (4/ 359).
(4) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني (4/ 109107).
(5) ابن حجر: علم الأعلام وشيخ الإسلام أمير المؤمنين في الحديث أبو الفضل، أحمد(1/139)
الرافعي (1): أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في التشهد: وأشهد أني رسول الله، وتعقبوه بأنه لم يرد ذلك صريحا.
نعم وقع في البخاري من حديث سلمة بن الأكوع (2) قال فيه صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله» (3) وهذا ما ورد في تشهده عليه السلام، وأما في صلاته على نفسه صلّى الله عليه وسلّم، فقد صرح بذلك الحديث ما ذكره القسطلاني
__________
بن علي الشهير بابن حجر العسقلاني الأصل مصري المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشافعي، نشأ يتيما، حفظ القرآن، برع في الفقه والعربية، وصار حافظ الإسلام، قرأ عليه غالب علماء مصر، من مصنفاته شرح = البخاري = وسماه فتح الباري و = تقريب التهذيب = و = طبقات الحفاظ = و = الإصابة = توفي سنة 852هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد: (9/ 395).
(1) الرافعي: عبد الكريم بن محمد الرّافعي القزويني: أبو القاسم، فقيه، من كبار الشافعية، كان له مجلس بقزوين للتفسير والحديث، نسبته إلى رافع بن خديج الصحابي من مصنفاته. = التدوين في ذكر أخبار قزوين = و = الخواطر = و = المحرر = و = فتح العزيز في شرح الوجيز للغزالي =. شرح مسند الشافعي توفي سنة 623هـ.
(2) سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسمه سنان بن عبد الله الأسلمي أبو مسلم، شهد بيعة الرضوان، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان وطلحة، وعنه: ابنه إياس ومولاه يزيد بن أبي عبيد، والحسن بن محمد بن الحنفية وآخرون. كان شجاعا راميا، كان يسكن الربذة مات سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة. انظر: تهذيب التهذيب (2/ 380) تقريب التهذيب ص 188رقم (2503).
(3) رواه البخاري في كتاب الشركة، باب: الشركة في الطعام والنّهد والعروض رقم (2352) (2/ 823) بلفظ وأني رسول الله.(1/140)
في مواهبه بسنده عن كعب بن عجرة (1)، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «أنه كان يقول في الصلاة اللهم صلي على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم» (2) (3) الحديث.
السؤال الرابع والأربعون: هل الأنبياء نوت الردّ عليه لما سلموا عن اليمين واليسار؟
الجواب: الذي يظهر في أحوال الأنبياء عليهم السلام، أنّهم يفعلون ما هو الأكمل في عبادتهم.
ولا شكّ أنّ نية الإمام للقوم بالسلام بعد التشهد، وكذلك نية القوم للإمام عند سلامهم معه من صلاتهم أمر مشروع مرغوب فيه والأنبياء عليهم السلام كاملون، ولا يصدر من الكامل إلا الكمال.
__________
(1) كعب بن عجرة الأنصاري، المدني، أبو محمد: صحابي مشهور، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن عمر بن الخطاب وبلال، وعنه أولاده إسحاق، والربيع، ومحمد، وعبد الملك وآخرون أسلم وشهد المشاهد وهو الذي نزلت فيه الرخصة في حلق رأس المحرم توفي سنة إحدى وخمسين وقيل بعد الخمسين، وله نيف وسبعون. انظر: تهذيب التهذيب (4/ 568)، تقريب التهذيب ص 397.
(2) انظر المواهب للقسطلاني (4/ 112107).
(3) رواه البخاري عن كعب بن عجرة في كتاب التفسير، باب = إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما = رقم: (4519)، (3/ 1695) وفي كتاب الأنبياء باب: = يزفون = رقم: (3190)، (3/ 1146) لم أجد سنده في المواهب عن كعب بن عجرة ولكن وجدته لابن أبي زيد مستندا.(1/141)
السؤال
الخامس والأربعون (1): حين رقيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى السموات، هل كان على المعراج الذي نصب له؟
الجواب: نعم كان على المعراج الذي نصب له، لما ورد في الحديث، كما ذكره القسطلاني في مواهبه: (قال «ثمّ أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى السماء الدنيا» (2).
وفي رواية: «ثم أخذ بيدي، فعرج إلى السماء» (3).
فظاهره: أنه استمر على البراق ثمّ عرج إلى السماء.
قال العارف ابن أبي جمرة (4): أفاد ذلك أنّهم كانوا يمشون في الهواء، وقد جرت العادة أنّ البشر لا يمشي في الهواء، سيما إذا كان راكبا على دابة من
__________
(1) في الأصل لا توجد كلمة السؤال.
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب: ذكر الملائكة رقم (3035) (2/ 1087) ورواه في فضائل الصحابة باب المعراج رقم (3674) ورواه مسلم في الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقم (264) (1/ 150).
وذكر العيني بشرح البخاري في باب المعراج: قال ابن الأثير: المعراج بالكسر شبه السلم مفعال من العروج الصعود. انظر عمدة القارئ للعيني (17/ 20).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب: الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (1/ 148) رقم: (263).
(4) عبد الله بن سعد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي، أبو محمد: من العلماء بالحديث، مالكي. أصله من الأندلس ووفاته بمصر. من كتبه = جمع النهاية اختصر به صحيح البخاري، وبهجة النفوس = و = المرائي الحسان = في الحديث والرؤيا. توفي سنة 695هـ. انظر طبقات الأولياء لابن الملقن. ص 439، الأعلام للزركلي: (4/ 89).(1/142)
ذوات الأربع، لكن لمّا أن شاءت القدرة ذلك كان. فكما بسط تعالى لهم الأرض يمشون عليها، كذلك يمشيهم في الهواء، كل ذلك بيد قدرته، لا ترتبط قدرته بعادة جارية. وقد سئل عليه السلام حين أخبر عن الأشقياء الذين يمشون على وجوههم يوم القيامة [كيف يمشون] (1)؟ فقال عليه السلام:
«الذي أمشاهم في الدنيا على أقدامهم قادر على أن يمشيهم يوم القيامة على وجوههم» (2)، وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على أن المعراج، كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، لكون الإسراء إليه لم يذكر هنا. فأما المعراج ففي غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقي المعراج وهو السلم، كما وقع التصريح به في حديث عند ابن
__________
(1) زيادة عن المواهب.
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب: كيف الحشر رقم (6158) (4/ 8485) ذكر العيني في شرح البخاري قوله صلّى الله عليه وسلّم: «حتى أتى السماء الدنيا» ظاهره يدل على أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء وتمسك به من زعم أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، وكان في ليلة المعراج على معراج وهو سلم، ويدل على ما رواه ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل من حديث طويل، وفيه «فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أتيت بالمعراج وفي رواية ابن اسحاق فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء وذكر رواية كعب ورواية ثابت. انظر: عمدة القاري للعيني (17/ 25) وذكره ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن اسحاق (3/ 111110) وذكره ابن كثير في تفسيره سورة = سبحان = (3/ 22) وما بعدها.(1/143)
إسحاق (1) والبيهقي في الدلائل (2).
ويمكن أن يقال: ما وقع هنا اختصار من الراوي، والإتيان ب «ثم» المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع الإسراء بين الأمرين المذكورين، وهما البراق والمعراج. وحاصله: أنّ بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر، وثابت البناني (3)
قد حفظ الحديث ففي روايته عند مسلم: «أنه أتى بيت المقدس، فصلى فيه ثم عرج إلى السماء» (4).
قال وفي رواية ابن إسحاق: أنّه عليه الصلاة والسلام قال: «لما فرغت مما كان في
__________
(1) ابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، مولاهم المدني، نزيل العراق، الحافظ، إمام المغازي، صدوق لكنه يدلس ورمي بالتشيع والقدر، توفي سنة 150هـ.
تهذيب التهذيب (5/ 3026)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 7).
(2) كتاب دلائل النبوة: لأبي بكر أحمد بن الحسين ابن الإمام الحافظ ابن علي البيهقي المتوفي سنة 458هـ اختصره سراج الدين عمر بن علي المعروف بابن الملقن المتوفي سنة 804هـ انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 760).
(3) ثابت بن أسلم البناني أبو محمد البصري، روى عن أنس وابن الزبير وابن عمر وعبد الله بن مغفل وغيرهم، وعنه حميد الطويل وشعبة وجرير بن جازم وغيرهم. قال العجلي: ثقة رجل صالح، وقال النسائي ثقة، وقال أبو حاتم: أثبت أصحاب أنس الزهري، ثم ثابت، ثم قتادة. توفي في ولاية خالد القسري سنة 23هـ.
انظر تهذيب التهذيب (1/ 385) وتقريب التهذيب رقم: (810) ص (71).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السماوات رقم (259) (1/ 145).(1/144)
بيت المقدس، أتي بالمعراج ولم أر شيئا قط أحسن منه، وهو الذي يمد إليه الميت عينيه إذا احتضر، فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى به إلى باب من أبواب السماء». (1)
وفي رواية كعب (2): فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب حتى عرج وجبريل وفي = شرف المصطفى = (3) أنّه أتي بالمعراج من جنة الفردوس، فإنه منضد عن يمينه ملائكة، وعن يساره ملائكة.
وفي رواية أبي سعيد (4) عند البيهقي ثم أتيت المعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء، فإن ذلك عجبه بالمعراج» (5) قال: وفي رواية شريك (6) عند
__________
(1) رواه العيني في شرح البخاري باب المعراج (17/ 25).
(2) سبق ترجمته ص (141).
(3) كتاب شرف المصطفى لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي المتوفي سنة 597هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1045).
(4) أبو سعيد الخدري: سبق ترجمته ص (113).
(5) رواه البيهقي في الدلائل (2/ 391).
(6) شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي، وقيل الليثي، أبو عبد الله المدني روى عن أنس، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وأبي سلمه بن عبد الرحمن وغيرهم وعنه: سعيد المقبري والثوري، ومالك، ومحمد بن جعفر وغيرهم.
قال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال ابن عدي:
إذا روى عنة ثقة فلا بأس برواياته مات سنة 44هـ. وقيل قبل الأربعين والمئة.(1/145)
البخاري «ثم عرج فيه إلى السماء الدنيا» (1)» (2) انتهى كلام القسطلاني.
فانظر إلى قوله: «ثم عرج فيه» وانظر إلى ما قبله من الكلام تفهم المرام.
السؤال السادس والأربعون: ورد أن أفضل الملائكة جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، وورد أن جبريل أفضل الملائكة، فهل بين الملائكة تفضيل؟
الجواب: قال في المواهب اللدنية للقسطلاني: ثم إن الملائكة بعضهم أفضل من بعض، وأفضلهم الروح الأمين جبريل، المرقى (3) من رب العالمين، المقول فيه من رب العالمين ذي العزة: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطََاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 2119] فوصف (4) بسبع صفات، وهو أفضل الملائكة على الإطلاق، وهم ميكائل، وإسرافيل، وعزرائيل (5).
وقال في روضة العلماء للإمام أبي الحسن البخاري (6): إن الأمة اجتمعت
__________
(1) هو جزء من حديث رواه البخاري كتاب الصلاة باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء برواية «ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا» رقم: (342) (1/ 132).
(2) انظر المواهب للعسقلاني (3/ 5436).
(3) في المواهب المزكى وفي الأصل المرقى.
(4) في المواهب فوصفه بسبع صفات.
(5) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني مراتب الملائكة (3/ 131).
(6) كتاب روضة العلماء للشيخ أبي علي حسين بن يحيى البخاري الزندويستي الحنفي قال في أوله فيه مسائل في أدلة من أخوات المسائل مقدار خمسة إلى عشرة ثم بينت عليها كتاب الله سبحانه وتعالى وأخبار الرسول وسميته روضة العلماء، توفي سنة 382هـ.
انظر كشف الظنون (1/ 928)، الأعلام للزركلي (5/ 31).(1/146)
على أن الأنبياء عليهم السلام أفضل الخليقة، ونبينا محمد صلّى الله عليه وسلم أفضلهم، واتفقوا على أنّ أفضل الخلائق (1) بعد الأنبياء جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل وحملة العرش (2)، والروحانيون، ورضوان، ومالك (3)، وأجمعوا على أن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين أفضل من سائر الملائكة، واختلفوا أنّ سائر الناس بعد هؤلاء أفضل؟ أم سائر الملائكة؟ فقال أبو حنيفة: سائر الناس من المسلمين أفضل، وقالا يعني صاحبيه أبا يوسف ومحمد (4) سائر الملائكة أفضل» (5).
__________
(1) في كتاب = روضة العلماء أفضل الخلق =.
(2) في روضة العلماء زيادة كلمة الكرسي بعد حملة العرش.
(3) في روضة العلماء زيادة رضوان الله عليهم أجمعين.
انظر روضة العلماء للزندويستي، باب فضل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بمسائله وعظاته. ص (284). مخطوط رقم (16672).
(4) محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني أبو عبد الله، إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة أصله من قرية حرستا، في غوطة دمشق، ولد بواسط ونشأ بالكوفة، فسمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه وعرف به، وهو إمام أهل الرأي له كتب منها = المبسوط =: في فروع الحنفية، و = الزيادات = و = الجامع الكبير = و = الجامع الصغير = و = الآثار = و = الأمالي = توفي سنة 189هـ.
انظر تاريخ بغداد للخطيب (2/ 172)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 8) الأعلام للزركلي (6/ 80).
(5) انظر روضة العلماء للزندويستي ص (284) مخطوط رقم (16672) مكتبة الأسد.(1/147)
السؤال السابع والأربعون: ورد أنّ أرواح الخلائق من إنسي وجن ودواب وغيرهم، تخرج دفعة واحدة، أم الأنبياء أول، ثمّ الإنس، ثمّ الجن، ثم الهوام؟
الجواب: ورد في حديث الجامع الصغير برمز الترمذي عن أنس (1) قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا إلى آخره». (2) وفي حديث الترمذي، والحاكم عن ابن عمر (3) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أول من
__________
وفي روضة العلماء قال: وزاد أبو حنيفة قال: وسائر الملائكة أفضل لقوله تعالى:
{وَالْمَلََائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بََابٍ سَلََامٌ عَلَيْكُمْ بِمََا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدََّارِ} أخبر أن الملائكة زوار أهل الجنة من المسلمين والمسلمات والمزور أفضل من الزوار فلذلك قال أنهم أفضل من سائر الملائكة.
(1) سبق ترجمته ص (134).
(2) رواه الترمذي في كتاب المناقب، باب الرسول أول من يبعث رقم (3614) (9/ 237) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
تتمة الحديث «وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر».
(3) ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي أمه زينب بنت مظعون الجمحية. ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي وهاجر وهو ابن عشر سنين مات سنة 72وقيل 73هـ. لم يحضر بدر لصغره أسلم مع أبيه ولم يكن بلغ يومئذ روى عن أبي بكر، وعمر وعثمان وأبي ذر ومعاذ وعائشة وغيرهم وروى عنه من الصحابة: جابر وابن عباس وغيرهما وروى عنه أيضا بنوه سالم وعبد الله وحمزة وبلال وزيد ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب وآخرين، ومآثره أكثر من أن تحصى رضي الله عنه.
انظر الإصابة للعسقلاني (4/ 161155)، تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 3937).(1/148)
تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي البقيع فيحشرون معي، ثمّ أنتظر أهل مكة» (1) وفي روية الحاكم عن ابن عمر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل من تنشقّ عنه الأرض أنا ولا فخر ثمّ تنشق عن أبي بكر وعمر، ثم تنشق عن الحرمين مكة والمدينة، ثم أبعث بينهما» (2) قال الشارح (3): «أبعث: أي أنشر وأذهب بين الحرمين لأجمع إلى الفريقين» (4). وذكر الغزالي في الدرة الفاخرة (5)، قال:
«في النفخ في الصور فتخرج أرواح البرايا لها دوي كدوي النحل، فتملأ ما بين الخافقين، ثم تذهب كل نسمة إلى جثتها، فسبحان ملهمهم إياها، حتى الوحوش والطير وكل ذي روح، فإذا الكل كما قال الله تعالى:
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب أبواب المناقب باب: في مناقب عمر بن الخطاب رقم (3693)، (9/ 286) تتمة الحديث: «حتى أحشر بين الحرمين» وقال: حديث غريب وعاصم بن عمر ليس بالحافظ.
ورواه الحاكم في المستدرك كتاب التفسير، تفسير سورة = ق = (2/ 465) وتتمة الحديث:
«وتلا عبد الله بن عمر يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير». وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(2) رواه الحاكم في المستدرك بلفظ قريب، في كتاب معرفة الصحابة، فضيلة الشيخين من لسان على رضي الله عنهم (3/ 68) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(3) الشارح: هو العلامة عبد الرؤف المناوي سبق ترجمته ص (56).
(4) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (3/ 91).
(5) سبق ترجمته ص (59).(1/149)
{فَإِنَّمََا هِيَ زَجْرَةٌ وََاحِدَةٌ (13) فَإِذََا هُمْ بِالسََّاهِرَةِ} [النازعات: 1413] والساهرة هي الأرض السهلة» (1). انتهى.
فالذي تقتضيه الأخبار، أن الأرواح كلها تخرج من صور إسرافيل دفعة واحدة، ثم أول من تسبق روحه إلى جسمه نبينا، ثم باقي الأنبياء عليهم السلام، ثمّ أبو بكر وعمر، وباقي من ذكر، ثم بقية الأرواح.
السؤال الثامن والأربعون: هل الدواب التي تدخل الجنة تتغوط، أم ترشح عرقا؟
الجواب: قال في الأشباه والنظائر (2) لابن نجيم (3): «ليس من الحيوان من يدخل الجنة إلا خمسة: كلب أصحاب الكهف وكبش إسماعيل، وناقة صالح وحمار العزير، وبراق النبي صلّى الله عليه وسلّم» (4).
[وزاد في مشكاة الأنوار (5). عجل إبراهيم، وبقرة موسى، وحوت يونس ونملة سليمان، وهدهد بلقيس، وكلهم يصيرون على صورة الكبش،
__________
(1) انظر: الدرة الفاخرة للغزالي ص (47).
(2) كتاب الأشباه والنظائر سبق ترجمته ص (65).
(3) سبق ترجمته ص (70).
(4) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي ص (453).
(5) كتاب مشكاة الأنوار في لطائف الأخبار للإمام محمد أبي حامد الغزالي المتوفي سنة 505هـ أنظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1693).(1/150)
ويدخلون الجنة] (1). انتهى.
وأما كون هذه الحيوانات إذا دخلت الجنة لا تتغوط، وإنما ترشح عرقا مثل الواحد من أهل الجنة، فلا يخفى أن عموم أهل الجنة شامل لها بطريق التغليب، وذلك في الأخبار النبوية. كما أخرج السيوطي في جامعه الصغير، برمز أحمد في مسنده ومسلم، وأبي داوود عن جابر قال: قال رسول الله صلوات الله عليه:
«إنّ أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون، ولا ينفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون ولكنّ طعامهم ذلك جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التّسبيح والتحميد كما يلهمون النفس» (2).
السؤال التاسع والأربعون: لم اختص يحيى عليه السلام بذبح الموت؟
الجواب: اختلفوا في الذي يذبح الموت، قال المناوي في شرح الجامع الصغير عند حديث «إذا كان يوم القيامة، أتى بالموت كالكبش
__________
(1) رجعت إلى كتاب مشكاة الأنوار ولم أجد هذا الكلام. [] ما بين هذين القوسين لا يوجد في الأشباه والنظائر لابن نجيم.
(2) ورواه مسلم في كتاب الجنة وبصفة نعيمها وأهلها، باب صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشية رقم: (18) (2835)، (4/ 2180) وعند مسلم برواية «كما تلهمون أنتم النفس».
ورواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 364) ورواه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب الشفاعة رقم: (4741)، (4/ 236).(1/151)
الأملح (1) أي الذي يخالطه قليل سواد فيوقف بين الجنّة والنّار فيذبح» (2) وفي رواية ابن ماجه: «فيذبح على الصراط» (3) وفي رواية أبي يعلى (4) والبزار «يذبح كما تذبح الشاة» (5)، والذابح جبريل أو يحيى بن زكريا أو غيرهما.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير باب: وأنذرهم يوم الحسرة رقم: (4453) (3/ 1653) بلفظ آخر.
ورواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير رقم: (2849)، (4/ 2188).
الأملح: قال الزمخشري في الفيض = والملحة في الألوان بياض تشقه شعرات سود هي من لون الملح انظر فيض القدير (1/ 419).
(2) رواه الترمذي في كتاب أبواب تفسير القرآن ومن سورة «مريم» رقم: (3155) بلفظ آخر (8/ 305) وقال أبو عيسى حديث حسن صحيح.
(3) رواه ابن ماجه في كتاب الزهد باب: صفة النار رقم (4327) (4/ 532)
(4) أبو يعلى: هو أحمد بن علي الموصلي وله مسند في الحديث وقال إسماعيل بن محمد التميمي المسانيد كلها كالأنهار، ومسند أبي يعلى كالبحر يكون مجمع الأنهار، وهو ذو صدق وأمانة وعلم وحلم وثقه وابن حبان والحاكم توفي سنة 307هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1679)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 57)، (تذكرة الحفاظ (2/ 707).
(5) رواه أبو يعلى في مسنده (5/ 279) رقم (2898) عن أنس وقال أبو يعلى: ذكره الهيثمي في = مجمع الزوائد = وقال رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط بنحوه والبزار، ورجالهم رجال الصحيح، غير نافع بن خالد الطاحي وهو ثقة = (10/ 395)
ورواه البزار في باب صفة الجنة في باب خلود أهل الجنة وأهل النار رقم (3557) (4/ 213) قال البزار: لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد.(1/152)
قال الغزالي (1): هذا مثل ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من الموت فقد جبلت القلوب على التأثر بالأمثلة وثبوت المعاني فيها بواسطتها.
والرسل إنما يكلفون الناس في الدنيا وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم، والنائم إنما يحتمل المثال فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله، ولطفا بعباده وتيسيرا لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل.
وقال القرطبي (2): بل يخلق الله كبشا شبه الموت ويلقي في قلوب الفريقين أي أهل الجنة وأهل النار أنه الموت، ويجعل ذبحه دليلا على الخلود في الدارين. وحكمة جعله كالكبش ما جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش وقد نشر أجنحته أربعة آلاف جناح وتبعه عليه جمع. فقالوا: الذبح حقيقي والذابح متولي الموت، وكلهم يعرفونه لأنه المتولي قبض أرواحهم، ورجح بأن ملك الموت لو استمر حيا تنغّص عيش أهل الجنة ونوزع بأن الجنة لا حزن فيها» (3). انتهى كلامه.
والحاصل: أن الذي يذبح الموت في يوم القيامة اختلفت فيه الروايات، ففي رواية أنه جبريل عليه السلام، وفي رواية أنه يحيى بن زكريا عليهما
__________
(1) سبق ترجمته ص (59).
(2) سبق ترجمته ص (53).
(3) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (1/ 419).
وإن القرطبي في شرح مسلم ذكره بالتفصيل (7/ 190) وما بعدها.(1/153)
السلام (1)، وفي رواية كما قال بعضهم أنه عيسى عليه السلام لأنه كان يحيي الموتى في الدنيا فيناسب أنه يميت الموت في الآخرة، وعلى القول بأنه يحيى عليه السلام.
قال الحراني (2): «سمي يحيى بصفة الدوام، مع أنه قتل إشعارا بوفاء حقيقة الروحانية الحياتية دائما، لا يطرقه طارق الموت الظاهر حيث قتل» انتهى.
فكأنه عليه السلام لما ذبح ظلما، وقطع رأسه، وقد انتقم الله تعالى بسببه من بني إسرائيل أقدره الله تعالى على الموت، وصوّره له في يوم القيامة بصورة كبش، فيذبحه بين الجنة والنار انتصارا له في الآخرة أيضا كما انتصر له في الدنيا.
على أنه ذكر الشهاب الخفاجي في شرح الشفاء قال: «بل صح في الحديث أن الموت بعد استقرار أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة، يؤتى به بصورة كبش أملح، فيذبحه يحيى.
وقيل: الذي يذبحه جبريل. والثاني مروي في بعض التفاسير وأما الأول
__________
(1) قال العيني في شرح البخاري: فإن قلت من الذابح للموت؟ قلت: يذبحه يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: الذي يذبحه جبريل عليه الصلاة والسلام ذكره القرطبي في التذكرة انظر شرح البخاري للعيني (19/ 52).
(2) الحراني: أبو علي أحمد بن محمد بن محمود المعز الحراني ثم البغدادي الصوفي المتوفي سنة 638هـ. روى عن ابن البطّي، وأحمد بن المقرب، وجماعة. انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: (23/ 73)، شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 331).(1/154)
فلا مستند له، وإن ذكره بعض الصوفية (1).
السؤال الخمسون: لم كان موسى الكليم بلحية في الجنة؟
الجواب: ذكر المناوي في شرح الجامع الصغير في حديث «أهل الجنة جرد مرد» (2) «أي: لا شعر على أبدانهم ولحاهم، قيل إلا هارون أخا موسى عليهما السلام، فإن له لحية إلى سرته تخصيصا له، وتفضيلا كذا حكاه الغزالي (3).
وفي رواية ذكرها في لسان الميزان (4) «إلا موسى عليه السلام فلحيته إلى سرته» (5) انتهى.
وفي رواية إلا آدم أبو البشر عليه السلام ليتميز عن بنيه. حتى ذكر في
__________
(1) انظر العيني في شرح البخاري ذكره بالتفصيل (19/ 52) وأيضا ذكره القرطبي في التذكرة.
(2) رواه الترمذي في كتاب صفة الجنة، باب: ما جاء في صفة أهل الجنة رقم (2529) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(3) انظر: إحياء علوم الدين للغزالي، أوصاف أهل الجنة (4/ 464).
(4) كتاب لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ، وله تحرير الميزان وأول اللسان الحمد لله المحمود بكل لسان إلخ وهو مختصر لكتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال لمحمد بن أحمد الذهبي المتوفي سنة 748هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 19181917).
(5) رواه ابن الجوزي في الموضوعات وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه شيخ بن أبي خالد. قال ابن عدي: حدث عن حماد بن سلمة أحاديث مناكير بواطيل، قال ابن حبان: هذا موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انظر: الموضوعات لابن الجوزي (3/ 258).
ذكره العسقلاني في لسان الميزان، رواه عن شيخ بن أبي خالد عن حماد بن سلمة: متهم بالوضع ومن أباطيله هذا الحديث انظر لسان الميزان (3/ 517516).(1/155)
كتاب ترجمة السيوطي (1)، أنه سئل عن ذلك نظما فقال:
وما في جنان الخلد ذو لحية يرى ... سوى آدم فيما رويناه في الأثر
وما جاء في هارون فالذهبي (2) قد ... رأى ذلك موضوعا فكن صيقل الفكر» (3)
السؤال الحادي والخمسون: ورد في شرح الأدب (4) أنّ أبا الطفيل (5) آخر من مات من الصحابة سنة ثمانين، وأن أبا حنيفة (6) ولد سنة مائة، وبعض أصحابه يذكر أنه من التابعين؟
__________
(1) سبق ترجمته ص (63).
(2) الذّهبي: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، شمس الدين، أبو عبد الله:
حافظ، مؤرخ، علامة محقق. تركماني الأصل، من أهل ميافارقين مولده ووفاته في دمشق، كف بصره سنة 741هـ. تصانيفه كثيرة تقارب المئة، منها = دول الإسلام = و = المشتبه في الأسماء والأنساب والكنى والألقاب = و = تذكرة الحفاظ = و = الكاشف = و = ميزان الاعتدال = وغير ذلك توفي سنة 748هـ. انظر ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي: ص (347 349)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 154)، الأعلام للزركلي: (5/ 326).
(3) انظر فيض القدير للمناوي (3/ 65).
(4) كتاب شرح الأدب: آداب الفاضل لشمس الدين محمد بن أشرف الحسيني السمرقندي المتوفي سنة 600هـ وهي أشهر كتب الفن ألفها لنجم الدين عبد الرحمن جعلها على ثلاث فصول، الأول في التعريفات، والثاني في ترتيب البحث، والثالث في المسائل وعليه شروح، شرح الفاضل علاء الدين محمد بن أحمد الهشتي الأسفرائني المتوفي سنة 749هـ سماه المآب في شرح الأدب انظر كشف الظنون (1/ 4039) نظرت في كتاب كشف الظنون لحاجي خليفة فلم أجد كتاب بهذا الاسم إلا هذا الكتاب.
(5) أبو الطفيل: عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي، أبو الطفيل، ولد عام أحد، ورأى النبي صلّى الله عليه وسلّم وروى عن أبي بكر فمن بعده وعمر إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة قاله مسلم وغيره. انظر تقريب التهذيب ص 288، الكاشف للذهبي (2/ 52)، والأصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني: (3/ 491)، (7/ 193).
(6) سبق ترجمته ص (156).(1/156)
الجواب: الذي صرح به في كتب الصحابة. أنّ أبا الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة من الهجرة، وفي رواية سنة مائة وعشر، لا أنّه سنة ثمانين.
قال في مختصر أسد الغابة في أخبار الصحابة (2): عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير الليثي أبو الطفيل ولد عام أحد كان فقيها مأمونا من أصحاب علي رضي الله عنه، وكان يقدمه، ومع ذلك كان يعترف بفضل أبي بكر وعمر وغيرهما. توفي في سنة مائة، وقيل: سنة مائة وعشر، وهو آخر من مات ممن رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في جميع الأرض» (3) انتهى.
وأما أنّ أبا حنيفة رضي الله عنه، ولد سنة مائة فليس بصحيح بل ذكر
__________
(2) كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة: مجلدان للشيخ عز الدين علي بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري المتوفي سنة ثلاثين وستمائة، ذكر فيه سبعة آلاف وخمسمائة ترجمة واستدرك على ما فاته من تقدمه وبين أوهامهم قاله الذهبي في تجريد أسماء الصحابة ومختصر أسد الغابة المسمى بدرر الآثار وغرر الأخبار للشيخ بدر الدين محمد بن أبي زكريا يحيى القدسي الحنفي الواعظ، ومختصر آخر لمحمد بن محمد الكاشفري المتوفي سنة تسع وسبعمائة.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 82).
(3) انظر أسد الغاية لابن الأثير: (3/ 142141).(1/157)
النووي (1) في تهذيب الأسماء واللغات (2) أنّه ولد سنة ثمانين من الهجرة، وتوفي ببغداد سنة خمسين ومائة، وهو ابن سبعين سنة قال: وكان في زمنه أربعة، من الصحابة: أنس بن مالك (3)، وعبد الله أبي أوفى (4)، وسهل بن سعد (5)، وأبو
__________
(1) النووي: يحيى بن شرف النووي الدمشقي أبو زكريا، الفقيه الشافعي الحافظ، الزاهد أحد الأعلام. ولد سنة (631هـ) في نوى من أرض حوران، من أعمال دمشق، قال الذهبي: لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة حتى فاق الأقران، ومات ولم يتزوج.
من تصانيفيه = الروضة = و = المنهاج = و = شرح المهذب = و = المنهاج في شرح مسلم =. وله تصانيف كثيرة توفي سنة 676هـ ودفن في بلده نوى. انظر تذكرة الحفاظ للسيوطي: ص (513)، شذرات الذهب لابن العماد (7/ 621618). هدية العارفين للبغدادي: (6/ 524).
(2) كتاب تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي وهو كتاب مفيد مشهور في مجلد جمع فيه الألفاظ الموجودة في مختصر المزني والمهذب والوسيط والتنبيه والوجيز والروضة وقال أن هذه الست تجمع ما يحتاج إليه من اللغات وضم إلى ما فيها جملا مما يحتاج إليه مما ليس فيها من أسماء الرجال والملائكة والجن. انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 514).
(3) سبق ترجمته ص (134).
(4) عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي، صحابي شهد الحديبية وعمر بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم دهرا، مات سنة 87هـ وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة.
انظر تهذيب التهذيب (5/ 135) وتجريد تقريب التهذيب للعسقلاني (2/ 192).
(5) سهل بن سعد بن مالك بن الخزرج ابن ساعدة بن كعب الأنصاري الساعدي، أبو العباس له ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعن أبي بن كعب، وعاصم، وعنه ابنه عباس، والزهري وأبو حازم بن دينار، قال شعيب عن الزهري عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي وهو ابن (15) سنة قال الواقدي وغيره: مات سنة (91) وهو ابن مائه سنة وهو أخر من مات بالمدينة من الصحابة.
انظر: تهذيب التهذيب (4/ 229).(1/158)
الطفيل (1) قال: وعن إسماعيل (2) بن حماد (3) بن أبي حنيفة قال: أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان ثابت (4) بن النعمان بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا رقّ قط، ولد جدي سنة ثمانين، وذهب ثابت به إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو صغير فدعا له بالبركة ولذريته، ونحن نرجو من الله تعالى أن يكون قد استجاب ذلك من علي بن أبي طالب رضي الله عنه» (5).
__________
(1) سبق ترجمته ص (156).
(2) إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة الكوفي القاضي حفيد الإمام. روى عن: مالك بن مغول، وعمر بن در وابن أبي ذئب وجماعة. وعنه: سهل بن عثمان العسكري، وعبد المؤمن بن علي الرازي وغيرهما وقال الخطيب: ولي قضاء الرصافة وهو من كبار الفقهاء، وضعفه ابن عدي والذهبي في رواية الحديث، ومن أثنى عليه فإنما أثنى على علمه وفضله وفقهه وحسن قضائه.
انظر لسان الميزان: (1/ 618)، تهذيب التهذيب: (1/ 244)
(3) حماد بن النعمان أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ذكره ابن خلكان أنه كان على مذهب أبيه، وأنه كان صالحا خيرا، ضعفه ابن عدي وغيره من قبل حفظة وقال ابن عدي:
حماد بن أبي حنيفة لا أعلم له رواية وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحا رحمه الله تعالى. انظر لسان الميزان للعسقلاني (2/ 650)، سير أعلام النبلاء للذهبي: (6/ 403).
(4) ثابت بن زوطى: وهو أبو النعمان بن ثابت أبو حنيفة الإمام. ولد ثابت على الإسلام وكان أبوه زوطى من أهل كابل مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فاعتق فولاؤه لبني تيم الله بن ثعلبة. انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 217).
(5) انظر: كتاب تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 217216).(1/159)
وفي كتاب مناقب أبي حنيفة (1) لأبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي: (2)، «ولد أبو حنيفة سنة ثمانين من الهجرة، ومات سنة مائة وخمسين في النصف من شوال، ثم ذكر بعد ذلك قال بعد ذكر إسناده حدثنا أبو بكر بن أحمد عن أبي حنيفة قال: رأيت أنس بن مالك الصحابي في المسجد قائما يصلي قال: وولد أبو حنيفة سنة ثمانين ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، وعن محمد بن سماعة (3) عن أبي يعلى (4) قال: سمعت
__________
(1) كتاب منن الرحمن على التابعي الجليل أبي حنيفة النعمان للإمام موفق بن أحمد الخوارزمي رتبه على أربعين باب وتوفي سنة 568هـ. انظر: كشف الظنون (2/ 1837).
(2) هو الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي أبو المؤيد: مؤلف مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة، كان فقيها، أديبا له خطب وشعر، أصله من مكة أخذ العربية عن الزمخشري بخوارزم وتولى الخطابة بجامعها وتوفي سنة 568هـ.
انظر الجواهر المضيئة لأبي الوفاء القرشي: (3/ 524)، معجم المؤلفين للكحالة (13/ 52)، الأعلام للزركلي (7/ 332).
(3) محمد بن سماعه بن عبيد الله بن هلال بن وكيع التيمي أبو عبد الله الكوفي روى عن أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن والليث بن سعد، وروى عنه الحسن بن محمد بن عنبر الوشاء، ومحمد بن عمران الضبي، تولى القضاء على مدينة المنصور بعد القاضي يوسف، بن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة.
وقال القاضي علي الصميري من أصحاب أبي يوسف ومحمد جميعا محمد بن سماعة وهو من الحفاظ الثقات كتب = النوادر: توفي سنة ست وثلاثين ومائتين هجري عن عمر قدره 103سنين.
انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (9/ 176)، الأعلام للزركلي: (6/ 153).
(4) سبق ترجمته ص (152).(1/160)
أبا حنيفة يقول: حججت مع أبي سنة ست وتسعين ولي ست عشرة سنة.
فإذا أنا بشيخ قد اجتمع عليه الناس فقلت لأبي من هذا؟ قال: رجل قد صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم يقال له عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي (1)، فقلت لأبي: أي شيء عنده؟ فقال: أحاديث سمعها من النبي صلّى الله عليه وسلّم. قلت: قدّمني إليه حتى أسمع منه شيئا، فتقدم بين يديه، فجعل يفرج عن الناس حتى أدناني منه فسمعته يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من تفقه في دين الله كفاه الله همه ورزقه من حيث لا يحتسب» (2) (3).
قال الحافظ الجياني (4): ومات عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي سنة سبع وتسعين.
__________
(1) عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي صحابي سكن مصر، وعمي قبيل وفاته وهو آخر من مات بمصر من الصحابة روى عن النبي أحاديث حفظها، وروى عنه المصريون آحاديث ومات سنة 86هـ.
انظر الإصابة لابن حجر العسقلاني: (4/ 41)، والأعلام للزركلي (4/ 77).
(2) رواه الخطيب في التاريخ عن عبد الله بن جزء الزبيدي رقم: (956)، (3/ 32) ورواه ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (16/ 98).
(3) انظر منن الرحمن على التابعي الجليل أبي حنيفة النعمان للخوارزمي: ص (3130).
(4) الجيّاني: الحسين بن محمد الجياني الأندلسي أبو علي: محدث، من علماء الأندلس كان يتصدر للتدريس في جامع قرطبة، وهو من أهلها ويعرف بالجياني وليس من = جيان = أصلهم من الزهراء من كتبه = تقييد المهمل = و = كتاب ما يأتلف من أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن ذكر في الصحيحين = و = التعريف بشيوخ البخاري = توفي في الأندلس سنة 498هـ.
انظر شذرات الذهب: (5/ 420)، هدية العارفين: (5/ 311)، الأعلام للزركلي: (2/ 255).(1/161)
وذكر هناك أيضا روايات أخرى. عن جماعة من الصحابة لقيهم، واجتمع بهم، فالإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى تابعي من غير خلاف، والله أعلم وأحكم (1).
السؤال الثاني والخمسون: لمّا خلق الله تعالى إبليس من نار، هل هو من نار جهنّم أم نار غيرها؟
الجواب: إنّه تعالى خلق إبليس من نار، والنار جزء من نار جهنّم، كما ورد في الحديث أخرجه السيوطي في الجامع الصغير برمز الترمذي، عن أبي سعيد الخدري (2) قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم لكل جزء منها حرها» (3) وروى
__________
(1) أخرج القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري سنده إلى حماد بن أبي حنيفة يقول توفي في أيامه أي أبوه أبو حنيفة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأبو أمامة الباهلي وواثلة بن الأسقع، وعمر وبن حريث وعبد الله بن أبي أوفي وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. وذكر الخوارزمي أيضا في المناقب سنده إلى الإمام أبي يوسف قال: (أخبارنا أبو حنيفة رضي الله عنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: طلب العلم فريضة). انظر منن الرحمي للخوارزمي: ص (3028).
(2) سبق ترجمته ص (113).
(3) رواه الترمذي في كتاب أبواب صفة جهنم، باب: ما جاء أن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم رقم: (2593)، (7/ 258) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي سعيد ورواه البزار عن أنس بن مالك بلفظ قريب رقم: (3489)، (4/ 180).(1/162)
مسلم في صحيحه عن أبي هريرة (1) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ناركم هذه التي توقد جزء من سبعين جزءا من حر جهنم» قالوا: والله إن كانت لكافية، يا رسول الله قال: «فإنها فضّلت عليها بتسعة وستّين جزءا. كلّها مثل حرّها» (2) انتهى. وهذا يقتضي أن إبليس مخلوق من نار جهنم لأنه مخلوق من النار، والنار جزء من سبعين جزءا من نار جهنم.
ويؤيده ما ذكره الشيخ الأكبر (3) رضي الله عنه في الباب الرابع والأربعين من
__________
(1) سبق ترجمته ص (81).
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب: صفة النار، وأنها مخلوقة. رقم (3092) (2/ 1105).
ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم، وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين رقم (2848)، (4/ 2184)، بلفظ «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم».
ورواه الترمذي في كتاب أبواب صفة جهنم باب ما جاء أن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم رقم (2592)، (7/ 258257) وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
ورواه البزار عن أنس رقم (3489)، (4/ 180).
(3) الشيخ الأكبر: محمد بن علي ابن عبد الله العربي الطائي الحاتمي محي الدين أبو عبد الله الأندلسي المعروف بابن عربي الشهير بالشيخ الأكبر ولد بالأندلس سنة 560هـ وتوفي بدمشق سنة 638هـ له من التصانيف: = الآباء العلويان والأمهات السفليات = و = الاستمساك في شرح الاستدراك = و = إشارات القرآن في عالم الإنسان = و = إنزال الغيوب على مراتب القلوب = و = البغية في اختصار الحلية لأبي نعيم = و = الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية = وغيرها.
انظر هدية العارفين لإسماعيل البغدادي: (6/ 121114)، الأعلام للزركلي:
(6/ 281).(1/163)
الفتوحات المكية (1) قال: «ولقد كنت واقفا على واحد من أهل الله، والناس قد اجتمعوا عليه، وهو ينظر إليهم، وهو يقول لهم: أطيعوا الله يا مساكين فإنكم من طين خلقتم فأخاف عليكم أن تطبخ النار هذه الأواني، فتردها فخارا (2). يا مساكين لا يغرنّكم إبليس لكونه يدخل النار معكم وتقولون الله يقول: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] إبليس خلقه من نار، فهو يرجع إلى أصله وأنتم من طين تتحكم النار في مفاصلكم يا مساكين.
انظروا إلى إشارة الحق في خطابه لإبليس بقوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ} وهنا قف، ولا تقرأ ما بعدها، فقال له جهنم منك، وهو قوله: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مََارِجٍ مِنْ نََارٍ} [الرحمن: 15] فمن دخل بيته وجاء إلى داره واجتمع بأهله، هو مثل الغريب الوارد عليه فهو رجع إلى ما به افتخر. قال أنا خير منه خلقتني من نار، فسروره رجوعه إلى أصله إلى آخر ما ذكر» (3). انتهى.
وإن كانت نار جهنم أصله لأن النار التي خلق منها جزء من سبعين جزءا من نار جهنم كما قدمنا، ولكنه يعذب فيها لما ورد في حديث الجامع الصغير
__________
(1) الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية مجلدات للشيخ محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن عربي الطائي المكي المتوفي سنة 638من أعظم كتبه وآخرها تأليفا ذكر فيها خمسمائة وستين بابا، والباب التاسع والخمسون وخمسمائة منه باب عظيم جمع فيه أسرار الفتوحات كلها. انظر كشف الظنون: (2/ 1239).
(2) في الفتوحات المكية زيادة فهل رأيتم قط أنية من طين تكون فخارا من غير أن تطبخها النار.
(3) انظر الفتوحات المكية لابن عربي الباب الرابع والأربعون: (1/ 572571).(1/164)
برمز ابن ماجه والحاكم عن أنس (1) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها، وإنها لتدعو الله تعالى أن لا يعيدها فيها» (2).
السؤال الثالث والخمسون: رويّ أنّ لله ألف اسم، ولرسوله كذلك فما بال أهل الكلام اقتصروا على عشرين؟.
الجواب: الوارد في الأحاديث «أنّ لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» (3) وهي مذكورة إسما إسما في الأحاديث والورود أنّ لله ألف اسم، وكذلك لرسوله صلّى الله عليه وسلّم ذكره بعضهم. وكون أهل الكلام اقتصروا على عشرين.
إن أراد السائل على عشرين اسما فليس الأمر كذلك فإن الذي ذكره علماء الكلام إنما هو عشرون صفة لله تعالى وليست الصفة باسم، والعشرون صفة هي: الوجود، والقدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، والقيام بنفسه،
__________
(1) أنس بن مالك سبق ترجمته ص (134).
(2) رواه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب: صفة النار رقم: (4318)، (4/ 529528)، وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين انفرد به ابن ماجه. ولم أجده عند الحاكم.
(3) رواه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنايا في الإقرار، والشروط التي يتعارف فيها الناس بينهم وإذا قال مائة إلا واحد رقم (2585)، (2/ 920).
ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها رقم: (2677)، (4/ 2062).(1/165)
والوحدانية، والقدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، وكونه تعالى قادرا، وكونه مريدا، وكونه عالما وكونه حيا، وكونه سميعا، وكونه بصيرا وكونه متكلما، وأيضا فإن ذكر الشيء لا ينافي ما عداه، فإذا ذكروا عشرين اسما على فرض ذكرهم ذلك. كان من قبيل ذكر البعض، والسكوت عن الباقي، لا أن ذلك نفي للباقي.
السؤال الرابع والخمسون: في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «افترقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ناجية، والباقون في النار» (1) كم منهم من كافر، وكم مؤمن عاص؟
الجواب: هذه الفرق الثلاث والسبعون فرقة افترقوا بعد دخولهم في ملة الإسلام فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «افترقت أمتي» أي المسلمون افترقوا بدليل ذكره افتراق اليهود، وافتراق النصارى كما أخرج السيوطي في الجامع الصغير برمز ابن عدي (2) عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
__________
(1) ذكره العسقلاني في لسان الميزان بلفظ كلها ناجية إلا وحدة: (6/ 757).
(2) ابن عدي: عبد الله بن عدي الجرجاني أبو أحمد: علامة بالحديث ورجاله. أخذ عن أكثر من ألف شيخ له = الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين من الرواة = و = الانتصار = و = علل الحديث = و = معجم في أسماء شيوخه = و = أسماء الصحابة =. وغير ذلك وهو من الأئمة الثقات في الحديث. توفي سنة 365هـ: انظر: تذكرة الحفاظ للسيوطي:
ص (380)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 447).(1/166)
«افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» (1).
قال المناوي في شرحه (2) أي: «تفرقت أمتي» في الأصول الدينية لا الفقهية إذ الأولى هي المخصوصة بالذم.
وأراد بالأمة من تجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة. وأصول الفرق ست، حرورية، وقدرية، وجهمية، ومرجئة، ورافضة، وجبرية، وانقسمت كل منها اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين [والفرقة الناجية هي الثالثة والسبعون] (3) وقيل بل عشرون روافض، وعشرون خوارج، وعشرون قدرية، وسبع مرجئة وواحدة بخارية، وواحدة فرارية، وواحدة جهمية، وثلاث كرّامية» (4) انتهى.
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير بلفظ قريب: (18/ 70) وذكره الهندي في كنز العمال في الفتن والهرج رقم: (30834).
وقال في الزوائد: إسناد هذا الحديث فيه مقال وباقي رجال الإسناد ثقات.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الشهادات، باب شهادة أهل الأهواء (10/ 208).
(2) سبق ترجمته ص (56).
(3) ما بين القوسين [] زيادة عن النص في فيض القدير.
(4) انظر فيض القدير للمناوي: (2/ 20).
قال العلامة منلا خسرو في شرح الدرر في كتاب الشهادة باب قبوله وعدمه: اعلم أن أهل الأهواء على ما ذكر في الكتب الكلامية أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة وهم الجبرية، والقدرية، والروافض، والخوارج، والمعضلة، والمشبهة وكل منها اثنتا عشرة فرقة فصاروا اثنتين وسبعين فرقة.
انظر شرح الدرر منلا خسرو ص (376) كتاب نادر.(1/167)
وقوله كم منهم من كافر؟ وكم من عاص؟ فإن من أنكر ما هو من ضرورات دين الإسلام فهو كافر، مبتدع عاص.
وأخرج السيوطي في الجامع الصغير برمز الطبراني عن ابن عمر (1) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كفوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب، فمن أكفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب» (2).
وقال المناوي في شرحه: «أهل لا إله إلا الله هم من نطق بها مع نطقه بالشهادة الثانية، وإن لم يعلم ما في قلبه، لا تكفّروهم بذنب إن ارتكبوه، وإن كان من أكبر الكبائر كالقتل، والزنا، والسرقة (3)، فمخالف الحق من أهل القبلة غير كافر ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين كحدوث العالم، وحشر الأجساد» (4).
وذكر والدي المرحوم (5) في شرحه على شرح الدرر في فرقة الروافض من
__________
(1) سبق ترجمته ص (148).
(2) رواه الطبراني في الكبير رقم: (13089)، (12/ 211)، وقال في المجمع (1/ 297) وفيه الضحاك بن حمرة، عن علي بن زيد، وقد اختلف في الاحتجاج بهما.
(3) ورد زيادة في الفيض: «فمن أكفر أهل لا إله إلا الله» أي حكم بكفرهم «فهو إلى الكفر أقرب» منه إلى الإيمان.
(4) انظر فيض القدير للمناوي: (5/ 9).
(5) الشيخ إسماعيل النابلسي سبق ترجمته ص (49).(1/168)
أنكر خلافة أبي بكر فهو كافر في الصحيح.
ومنكر خلافة عمر رضي الله عنه كافر في الأصح، ثم الرافضي إن كان يسب الشيخين فهو كافر، وإن كان يفضل عليا فهو مبتدع، والمعتزلي مبتدع إلا إذا قال باستحالة الرؤية، فحينئذ هو كافر. ومن قال بتخليد أصحاب الكبائر في النار، فهو مبتدع، ومن أنكر عذاب القبر فهو مبتدع، ومن أنكر شفاعة الشافعين فهو كافر، ومن أنكر الميزان فهو كافر، إلا إن قال هو عبارة عن العدل فقط، ولا يكون ميزان يوزن به الأعمال.
فهو مبتدع وليس بكافر».
واختلف الناس في تكفير الجبرية فمنهم من أكفرهم، ومنهم من أبى إكفارهم والصواب إكفار من لم ير للعبد فعلا أصلا، ويجب إكفار القدرية بنفيهم كون الشر بتقدير الله تعالى. وفي دعواهم أنّ كل واحد فاعل خالق لأفعال نفسه، ويجب إكفار الكيسانية في إجازتهم البدء على الله تعالى، وإكفار الروافض في قولهم برجعة الأموات إلى الدنيا، وتناسخ الأرواح، وانتقال روح الإله إلى الأئمة، وأنّ الأئمة آلهة، وبقولهم بخروج إمام باطن بالحق، وانقطاع الأمر والنهي إلى أن يخرج. وبقولهم أن جبريل عليه السلام غلط في الوحي إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم دون علي بن أبي طالب رضي الله عنه.(1/169)
وهؤلاء القوم خارجون عن ملة الإسلام، وأحكامهم أحكام المرتدين، ويجب إكفار الخوارج في إكفارهم جميع الأمة سواهم، ويجب إكفارهم بإكفار عثمان (1) وعلي وطلحة (2) والزبير (3)
__________
(1) عثمان بن عفان رضي الله عنه: أمير المؤمنين، أبو عبد الله القرشي الأموي، أمه أروى بنت كريز، أسلمت رضي الله عنها، ولد بعد الفيل بست سنين على الصحيح، أسلم قديما على يد أبي الصديق رضي الله عنه، تزوج بابنتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رقية وأم كلثوم، رضي الله عنهما، فلقب لذلك بذي النورين. بشره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة وبالشهادة ومآثره كثيرة مشهورة. روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وروى عنه أولاده: عمر وأبان وسعيد، كما روى عنه عديد من الصحابة والتابعين، وكان رضي الله عنه لين العريكة كثير الإحسان والحلم، قتل ظلما وزورا على أيد أثيمة بعد قرابة اثنتي عشرة سنة من خلافته سنة خمس وثلاثين هجرية. انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 235)، الإصابة للعسقلاني: (4/ 456)، تذكرة الحفاظ للذهبي: (1210)، الأعلام للزركلي (4/ 210).
(2) طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه): القرشي التميمي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين للإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى. كان يوم بدر بتجارة له، فضرب له النبي صلّى الله عليه وسلّم بسهمه وأجره، وشهد أحدا، كان يسمى طلحة الفياض، لأنه اشترى يوم غزوة ذي قرد ماء وتصدق به، فقال له الرسول: «ما أنت يا طلحة إلا فياض آخى الرسول بينه وبين الزبير عند الهجرة، مات بسهم في ركبته يوم الجمل سنة ست وثلاثين هجرية. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (3/ 16 17)، الأصابة للعسقلاني: (3/ 529)، الأعلام للزركلي: (3/ 229).
(3) الزبير بن العوام: (رضي الله عنه) هو أبو عبد الله، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين عينهم عمر رضي الله عنه حين طعن. أسلم وهو ابن اثنتا عشرة سنة، هاجر إلى الحبشة ثم(1/170)
وعائشة (1) رضي الله عنهم، ويجب إكفار اليزيدية في انتظار نبي من العجم ينسخ ملة محمد صلّى الله عليه وسلّم وإكفار النجارية في تجسيم صفات الله تعالى، وفي قولهم القرآن جسم إذا كتب، وعرض إذا قرئ» (2) انتهى.
والحاصل: أن كل فرقة من الفرق الاثنتين والسبعين إذا اعتقدوا أمرا يخالف ما اجتمعت عليه أهل السنة والجماعة مما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة يكفرون، وإن اعتقدوا ما يخالف السنة فهم مبتدعة ضالون، وليسوا بكافرين.
السؤال الخامس والخمسون: لو زيد في المسجد الحرام ومسجده صلّى الله عليه وسلّم، فهل تضاعف الصلاة فيما يزاد فيه؟ وكذلك لو زيد في المسجد الأقصى، وصلى في المزيد هل تضاعف الصلاة أم لا؟
الجواب: ذكر الزركشي (3) في كتابه إعلام الساجد بأحكام
__________
إلى المدينة، وشهد مع النبي المشاهد كلها. مآثره كثيرة، قتل غدرا بعد وقعة الجمل سنة ست وثلاثين للهجرة. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني (2/ 193192)، الإصابة: (2/ 553).
(1) عائشة سبق ترجمتها ص (83).
(2) انظر الأحكام شرح درر الحكام مخطوط لاسماعيل النابلسي رقم: (13742) كتاب الشهادات ص (211210).
(3) الزركشي: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، بدر الدين، عالم بفقه الشافعية والأصول. تركي الأصل مصري المولد والوفاة. له تصانيف كثيرة في عدة فنون منها = البحر المحيط = و = إعلام الساجد بأحكام المساجد = و = ذيل وفيات الأعيان = و = الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة = توفي سنة 794هـ. انظر شذرات الذهب:
(8/ 573572)، هدية العرفين للبغدادي: (6/ 174)، الأعلام للزركلي: (6/ 61).(1/171)
المساجد (1) قال النووي (2): بعد ذكر فضيلة الصلاة في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنها تزيد على الصلاة في غيره بألف صلاة إلا المسجد الحرام (3).
اعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلّى الله عليه وسلّم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده، فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن لما ذكرناه، ومعتمده في هذه الإشارة قوله عليه السلام «في مسجدي هذا» لكن ذهب غيره إلى أنه لو وسّع ثبتت له هذه الفضيلة كما في مسجد مكة إذا وسّع، فإن تلك الفضيلة ثابتة له.
قلت: وقد ذكر ابن النجار (4) بسنده عن ابن عمر (5) قال: زاد عمر بن
__________
(1) كتاب إعلام الساجد بأحكام المساجد للشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي المتوفي سنة 794هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (10/ 125).
(2) سبق ترجمته ص (158).
(3) روى أحمد في مسنده (2/ 16) والبيهقي في الشعب (3/ 487) قال صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام».
(4) ابن النجار: محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله أبو عبد الله محب الدين ابن النجار: مؤرخ حافظ للحديث من أهل بغداد، مولده ووفاته فيها رحل إلى الشام ومصر والحجاز وغيرها من كتبه = الكمال في معرفة الرجال = تراجم و = ذيل تاريخ بغداد لابن الخطيب = و = الدرة الثمينة في أخبار أم القرى = و = نسبة المحدثين إلى الآباء والبلدان = و = جنة الناظرين في معرفة التابعين = وغيرها. توفي سنة 663هـ.
انظر تذكرة الحفاظ للسيوطي: (502)، شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 393392) الأعلام للزركلي: (7/ 86).
(5) سبق ترجمته ص (148).(1/172)
الخطاب في المسجد قال: ولو زدنا فيه حتى بلغ الجبانة كان مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1). وروي أيضا عن أبي هريرة (2) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ولو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي» (3) (4) انتهى.
فعلم من هذا أن الزيادة إذا كانت في المساجد الثلاث أو غيرها التحقت بالأصل في حصول الثواب.
وقد ذكر في تاريخ مكة زيادات وقعت في المسجد الحرام والتحقت به بإجماع المسلمين (5)، وكذلك في مسجد المدينة على ما ذكره السمهودي (6) في
__________
(1) قال السخاوي في المقاصد الحسنة هذا الحديث مروي عن عبد العزيز بن عمران المعروف بابن أبي ثابت متروك الحديث
انظر المقاصد الحسنة للسخاوي ص (425).
(2) سبق ترجمته ص (81).
(3) الحديث ذكره السخاوي في مقاصده، وقال أخرجه ابن شبه في أخبار المدينة، عن محمد بن يحيى بن غسان، والديلمي في مسنده عن أبي هريرة مرفوعا عن سعد بن سعيد المقري، وسعد لين الحديث. انظر المقاصد الحسنة للسخاوي ص (425).
(4) انظر إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي: ص (170).
(5) انظر أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي: (2/ 112109) ذكر بالتفصيل.
(6) السمهودي: علي بن عبد الله الحسني الشافعي، نور الدين أبو الحسن مؤرخ المدينة المنورة وفقيهها. ولد في سمهود بصعيد مصر، ونشأ في القاهرة، واستوطن المدينة المنورة سنة 873هـ وتوفي بها، من كتبه = وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى = و = خلاصة الوفا = و = جواهر العقدين = وغير ذلك. توفي سنة 911هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد:
(10/ 7473)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 740)، والأعلام للزركلي (4/ 307).(1/173)
تاريخ المدينة، وكذلك في بيت المقدس بنيت المدارس والرواقات وكلها ملتحقة بالمسجد في الثواب.
السؤال السادس والخمسون: ما الحكمة في قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ}
وقوله {فَأَرَدْنََا} وقوله: {فَأَرََادَ رَبُّكَ}.
الجواب: هذه مقالة الخضر لموسى عليهما السلام فيما حكاه الله تعالى عنهما بقوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكََانَتْ لِمَسََاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهََا} (1)
[الكهف: 79] فأسند الخضر خرق السفينة إلى نفسه بقوله: {فَأَرَدْتُ} لأن ذلك شر بحسب الظاهر، والشر يسند إلى النفس لأنها سببه أدبا مع الله
__________
وذكر الزركشي في إعلام المساجد في ذكر خصائص مكة قال: إن الأئمة نصوا على حصول ذلك أعني صحة الصلاة بصلاة الإمام كمن صلى في رحبة المسجد والفضيلة في معنى ذلك. إذ المصحح كون الإمام والمأموم في مكان واحد، وحكم الاتحاد التسوية، فلذلك حصلت فضيلة الجماعة لمن صلى فيها، ثم هو أولى بحصول الصحة. انظر إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي: ص (61).
وذكر السمهودي في كتاب وفاء الوفا قال: أول من زاد في المسجد النبوي عمر وذكر زيادة عثمان، وزيادة الوليد بن عبد الملك على يد عمر بن عبد العزيز، وزيادة المهدي وزيادة المأمون. انظر كتاب وفاء الوفا للسمهودي: (2/ 535481)
وهناك زيادات أيضا زيدت بعد ذلك في المسجد النبوي في عهد الملك سعود بن عبد العزيز وكذلك الملك فهد بن عبد العزيز.
(1) تتمة الآية: {وَكََانَ وَرََاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} سورة الكهف 79.(1/174)
تعالى، وإن كان قوله بعد ذلك {وَمََا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (1) [الكهف: 82] إشارة منه إلى أنّ كل ذلك فعل الله تعالى، فالأدب مع الله تعالى أن يقول العبد جميع الأمور فعل الله تعالى، وإذا فصل في الأمور ينسب الشر إلى النفس، وينسب الخير إليه تعالى، ثم قال: {وَأَمَّا الْغُلََامُ فَكََانَ أَبَوََاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينََا أَنْ يُرْهِقَهُمََا طُغْيََاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنََا أَنْ يُبْدِلَهُمََا رَبُّهُمََا خَيْراً مِنْهُ زَكََاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف: 81] قال: «فخشينا» «فأردنا» فنسب إلى نفسه وإلى الله لاشتمال ذلك الخير والشر ثم قال: {وَأَمَّا الْجِدََارُ فَكََانَ لِغُلََامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكََانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمََا وَكََانَ أَبُوهُمََا صََالِحاً فَأَرََادَ رَبُّكَ} (2) [الكهف: 82].
ونسب ذلك الفعل إلى الله تعالى لأنه خير محض.
وقال البيضاوي (3): ولعل إسناد الإرادة أولا إلى نفسه لأنه المباشر للتعيب، وثانيا إلى الله وإلى نفسه لأن التبديل بإهلاك الغلام بإيجاد الله بدله. وثالثا إلى الله وحده، لأنه لا دخل له في بلوغ الغلامين أو لأن الأول في نفسه شر والثاني
__________
(1) الآية: {وَأَمَّا الْجِدََارُ فَكََانَ لِغُلََامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكََانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمََا وَكََانَ أَبُوهُمََا صََالِحاً فَأَرََادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغََا أَشُدَّهُمََا وَيَسْتَخْرِجََا كَنزَهُمََا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمََا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذََلِكَ تَأْوِيلُ مََا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [سورة الكهف: 82].
(2) الآية: {وَأَمَّا الْجِدََارُ فَكََانَ لِغُلََامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكََانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمََا وَكََانَ أَبُوهُمََا صََالِحاً فَأَرََادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغََا أَشُدَّهُمََا وَيَسْتَخْرِجََا كَنزَهُمََا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمََا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذََلِكَ تَأْوِيلُ مََا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} الكهف 82.
(3) سبق ترجمته ص (55).(1/175)
ممتزج والثالث خير، أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط.
السؤال السابع والخمسون: ما الحكمة في قوله تعالى: {لَمْ تَسْتَطِعْ}
و {لَمْ تَسْطِعْ}؟
الجواب: أما قوله: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مََا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (1) [الكهف:
78] فلم يخفف الفعل بحذف التاء لأنه وعد فيناسبه التوكيد بالزيادة، وأما قوله: {ذََلِكَ تَأْوِيلُ مََا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (2) [الكهف: 82] فخفف الفعل بحذف التاء مسارعة إلى التنبيه على الوفاء بما وعده.
السؤال الثامن والخمسون: ما الحكمة في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} (3) [مريم: 4] وأنه أبلغ من اشتعل شيب الرأس؟
الجواب: قال البيضاوي: شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوه في الشعر باشتعالها، ثم وأخرجه مخرج الاستعارة وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة، وجعله مميزا إيضاحا للمقصود (4).
وقال النسفي (5)
__________
(1) أول الآية: {قََالَ هََذََا فِرََاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ} [الكهف: 78].
(2) أول الآية: {وَأَمَّا الْجِدََارُ فَكََانَ لِغُلََامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} [الكهف: 82].
(3) {قََالَ رَبِّ إِنِّي} {شَقِيًّا} [مريم: 4].
(4) انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي تفسير = مريم =: (4/ 2).
(5) النسفي: الإمام حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي أبو البركات فقيه حنفي،(1/176)
في المدارك (1): تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة، فحصل اشتعل شيب رأسي، وأبلغ منه اشتعل رأسي شيبا لإسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته، وهو الرأس لإفادة شمول اشتعال الرأس وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيبا وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا، والفرق نيّر ولأنّ فيه الإجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز، وأبلغ منه، واشتعل الرأس مني شيبا لما مرّ، وأبلغ منه واشتعل الرأس شيبا ففيه اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا بقرينة العطف على {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4].
__________
مفسر، من أهل إيذج (من كور أصبهان) ووفاته فيها. نسبته إلى (نسف) ببلاد السند، بين جيحون وسمرقند. له مصنفات جليلة، منها = مدارك التنزيل = في تفسير القرآن و = كنز الدقائق = في الفقه، و = المنار = في أصول الفقه، و = كشف الأسرار = شرح المنار، و = الوافي = في الفروع توفي سنة 710هـ.
الجواهر المضيئة: (2/ 295294)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 464)، الأعلام للزركلي: (4/ 68).
(1) كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل في التفسير للإمام عبد الله بن أحمد النسفي ت 710هـ وهو كتاب وسط في التأويلات جامع لوجوه الإعراب والقراءات متضمنا لدقائق علم البديع والإشارات حاليا بأقاويل أهل السنة والجماعة خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل اختصره الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن العيني وزاد فيه وتوفي سنة 893هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 16411640).(1/177)
السؤال التاسع والخمسون: قال بعض العلماء في افتتاح السور ب {حم}
و {الم} سرّ لا يعلمه إلا الله تعالى فعلى هذا القول هل هي معربة؟ وهل إعرابها مقدر؟ وما اقتضاه التقدير؟ أو مبنية فعلى أي حركة؟ وإن كانت علما فلم لم يظهر إعرابها؟ وكيف نعربها وإن كانت حروف قسم فأين جوابها؟ وعلى القول بأن {الم} حرف قسم لا محل له ل {ذََلِكَ الْكِتََابُ} أو {لََا رَيْبَ فِيهِ} لأن جواب القسم لا محل له من الإعراب وإذا أعرب {الم}
مبتدأ و {ذََلِكَ الْكِتََابُ} خبرا أفاد الحصر أم لا؟
الجواب: قال السيوطي في كتابه الإتقان (1): «ومن المتشابه أوائل السور، والمختار فيها أنها: من الأسرار التي لا يعلمها إلا الله تعالى، أخرج ابن المنذر (2)
وغيره عن الشعبي (3)، أنه سئل عن فواتح السور، فقال: إنّ لكل كتاب سرا،
__________
(1) سبق ترجمته ص (63).
(2) ابن المنذر: محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، نزيل مكة أبو بكر الحافظ، كان غاية في معرفة الخلاف والدليل، فقيها، مجتهدا لا يقلد أحدا له تصانيف منها = المبسوط = في الفقه، و = الأوسط = في السنن والإجماع والاختلاف = و = الإشراف على مذاهب أهل العلم = و = تفسير القرآن = وغير ذلك توفي بمكة سنة 319هـ.
طبقات الشافعية للأسنوي: (2/ 197)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 31)، الأعلام للزركلي: (5/ 294).
(3) الشعبي: عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي الحميري أبو عمرو الكوفي من شعب همدان روى عن: علي، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وقيس بن سعيد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة وغيرهم كثير وروى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وسعيد بن عمرو بن أشوع، والثوري، والأعمش وقال الشعبي: أدركت خمسمائة من الصحابة. وقال مكحول: ما رأيت أفقه منه وقال أبو(1/178)
سرا، وإن سرّ هذا القرآن فواتح السور» (1) انتهى.
وقوله هل هي معربة؟ نعم هي معربة، وقوله أو مبنية ليست هي مبنية عند الجمهور لأنها أسماء لحروف، وليس فيها ما يقتضي بناؤها من شبه الحروف فإن ألف مثلا اسم للحرف. وكذلك اللام والميم اسمان للحرفين، ولكن يقال فيها إما معربة أو مسرودة لا معربة ولا مبنية.
قال أبو السعود (2) في تفسيره (3): «ثم إنها على تقدير كونها مسرودة على نمط التعديد لا تشم رائحة الإعراب، ويوقف عليها بالوقف التام» (4).
__________
معين وأبو زرعة وغير واحد: الشعبي ثقة. قيل مات سنة 109هـ. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (3/ 4644). هدية العارفين للبغدادي: (5/ 435)، تذكرة الحفاظ للذهبي: (1/ 79).
(1) انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي = المتشابه = (3/ 21).
(2) أبو السعود: محمد بن محمد العمادي، مفسر شاعر، من علماء الترك المستعربين، وهو صاحب التفسير المعروف باسمه، وله = تحفة الطلاب = و = رسالة في المسح على الخفين =
وغيرها توفي سنة 982هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد: (10/ 586585)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 253)، الأعلام للزركلي: (7/ 59).
(3) تفسير أبي السعود المسمى بإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم في تفسير القرآن على مذهب النعمان للإمام أبي السعود بن محمد العمادي المتوفي سنة 982هـ، وأرسله إلى السلطان سليمان خان فاستقبل إلى الباب وزاد في وظيفته وتشريفاته أضعافا.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 65).
(4) انظر تفسير أبي السعود للعمادي = سورة البقرة =: (1/ 22).(1/179)
وقال الشهاب الخفاجي في حاشيته على البيضاوي (1): «وأسماء الحروف كثر استعمالها متعددة ساكنة الأعجاز موقوفة حتى صارت هذه الحالة كأنها أصل فيها، وما عداها عارض لها، فلما جعلت أسماء للسور جازت حكايتها على تلك الهيئة الراسخة فيها تنبيها على أن فيها شبها من ملاحظة الأصل لأن مسمياتها مركبة من مدلولاتها الأصلية أعني الحروف المبسوطة. والمقصود من التسمية بها الإيقاظ وقرع الحصا، فجواز الحكاية مخصوص بهذه الأسماء أعلاما للسور فلو سمي رجل بصاد أو بسورة الفاتحة لم تجز الحكاية، وكذا غاق علما معرب لا محكي على بنائه وأما غاق حكاية صوت الغراب فقد أريد به لفظه فلذا حكي بناؤه» (2) انتهى.
وعلى كونها معربة يكون إعرابها تقديرا.
قال الشهاب الخفاجي: «لما تعذر فيها الإعراب اللفظي لاشتغال آخرها بالسكون المحلي قدر إعرابها لأن الحكاية تستلزم إبقاء صورته الأولى» (3).
وقال شيخي زاده (4) في حاشية البيضاوي بعد تحقيق أن {الم} ونحوه
__________
(1) كتاب حاشية الشهاب المسماة عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي، لأحمد بن محمد الشهاب الخفاجي المتوفي سنة 1069هـ.
انظر خلاصة الأثر للمحبي: (2/ 333).
(2) انظر حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي في تفسير سورة = البقرة =: (1/ 180).
(3) انظر حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي في تفسير سورة = البقرة =: (1/ 181).
(4) شيخ زادة: عبد الرحيم بن علي بن المؤيد الأماسي، المعروف بشيخ زادة: باحث(1/180)
أسماء للحروف أو غيرها قال: «وهي ما دام لم تليها العوامل موقوفة أي معربة، وإنّ سكون أواخرها سكون وقف مثل سكون = زيد وعمرو = لا سكون بناء كسكون = لدن ومن = وإنما قال: ما لم تلها العوامل لأن هذه الألفاظ حال التركيب مع العوامل معربة بلا خلاف تقول هذه ألف، وكتبت ألفا، ونظرت إلى ألف وأما أنها قبل توارد العوامل عليها فقد اختار أنها معربة أيضا. وفي هذه المسألة اختلاف بين النحاة، وذهب جمهور المحققين من النحاة إلى أنّ المعربات قبل التركيب مع العوامل معربة، وذلك لأنهم عرفوا المعرب: بأنه الذي يختلف آخره بإختلاف العوامل، وليس معناه أنه تختلف العوامل في أوله بالفعل ويختلف آخره بحسب ذلك بالفعل، وإلّا للزم أن لا يكون الاسم في حالة واحدة معربا، فزيد في قولك: = جاءني زيد = ليس بمعرب لأنه لم تختلف العوامل في أوله بالفعل ولم يختلف آخره بالفعل. بل المراد أنه لو اختلف العوامل في أوله لاختلف آخره. والاسم قبل التركيب كذلك، فيكون معربا قطعا، وذهب ابن الحاجب (1) إلى أن المعرب قبل
__________
متصوف، من أحناف الدولة العثمانية. صنف = نظم الفرائد وجمع الفوائد، في أربعين مسألة بين الماتريدية والأشاعرة وحاشية على تفسير البيضاوي = ولقب ب = محيي الدين = توفي سنة 944هـ. انظر هدية العارفين لإسماعيل البغدادي: (5/ 563)، الأعلام للزركلي: (3/ 347).
ورد في الأصل شيخي زادة والصحيح شيخ زادة.
(1) ابن الحاجب: هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي المصري المعروف(1/181)
التركيب مبني (1)» انتهى.
فعلى قول ابن الحاجب أن هذه الأسماء مبنية، وذلك خلاف قول الجمهور من النحاة كما عرفت، ففيها ثلاثة مذاهب، وهو الخلاف في الأسماء كلها قبل التركيب، فقول الجمهور: إنها معربة أي بالقوة لا بالفعل، وقول ابن الحاجب: إنها مبنية والقول الآخر الذي ذكره أبو السعود إنها لا معربة أي بالفعل ولا مبنية.
وعلى قول ابن الحاجب إنها مبنية، فهي مبنية على السكون لا على حركة، وعلى كونها معربة بالقوة أو لا معربة ولا مبنية، فهي موقوف عليها بالسكون (2).
وقال البيضاوي (3) في تفسيره: «إن جعلت {الم} اسما لله تعالى أو للقرآن أو للسورة كان لها حظ من الإعراب: إما الرفع على الابتداء أو الخبر، أو
__________
بابن الحاجب: فقيه مالكي نحوي بارع، ولد بمصر وسكن دمشق من مؤلفاته: = الكافية في النحو = و = الشافية = في الصرف، وكتب أخرى في الفقه، والعروض. توفي سنة 646هـ.
انظر هدية العارفين للبغدادي: (5/ 655654)، شذرات الذهب لابن العماد:
(7/ 407405).
(1) انظر الكافية في النحو: لابن الحاجب، أسماء الحروف الموجودة في أوائل السور:
(1/ 1816).
انظر حاشية محيي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي: (1/ 7270).
(2) انظر الكافية في النحو لابن الحاجب: (1/ 2816) وذكر بالتفصيل.
(3) سبق ترجمته ص (55).(1/182)
النصب بتقدير فعل القسم على طريقة الله لأفعلنّ بالنصب، أو غيره كما ذكر، أو الجر على إضمار حرف القسم وإن أبقيت على معانيها فإن قدرت بالمؤلف من هذه الحروف كان في حيز الرفع بالابتداء أو الخبر على ما مر، وإن جعلتها مقسما بها يكون كل كلمة منها منصوبا أو مجرورا على اللغتين في = الله لأفعلن = وتكون جملة قسمية بالفعل المقدر له، وإن جعلتها أبعاض كلمة أو أصواتا منزلة منزلة حروف التنبيه، لم يكن لها محل من الإعراب كالجمل المبتدأة والمفردات المعدودة» (1) انتهى.
وقوله أين جوابها؟ قال الشهاب الخفاجي: «كثيرا ما يستغنى عن الجواب بما يدل عليه كمتعلقه في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرََّاجِفَةُ}
[النازعات: 6] أي ليبعثن، وهنا المقسم عليه مضمون ما بعده، فهو قرينة قريبة، وقد صرح بهذا في التسهيل وشروحه» (2).
__________
(1) انظر تفسير البيضاوي سورة البقرة: (1/ 4645).
(2) التسهيل: هو كتاب تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد في النحو لابن مالك أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله مالك الطائي الجياني الشافعي النحوي نزيل دمشق المتوفي سنة 672هـ. لخصه من مجموعته المسماة بالفوائد وهو كتاب جامع لمسائل النحو بحيث لا يفوت ذكر مسألة من مسائله وقواعده ولذلك اعتنى العلماء بشأنه فصنفوا له شروحا.
منها شرح المصنف لم يكمله بل كمله ولده بدر الدين محمد ت 686هـ. ومنها شرح العلامة أبي حيان الأندلسي ت 745هـ وسماه التخييل الملخص من شرح التسهيل، ومنها شرح العلامة ابن هشام النحوي المتوفي سنة 762هـ سماه التحصيل والتفصيل لكتاب(1/183)
وقال البيضاوي (1): «والآية تحتمل أوجها من الإعراب أن يكون {الم}
مبتدأ على أنه اسم للقرآن، أو السورة، أو مقدر بالمؤلف منها، وذلك خبره، و {الْكِتََابُ} صفة {ذََلِكَ}. وأن يكون {الم} خبر مبتدأ محذوف و {ذََلِكَ}
خبر ثانيا، أو بدل، والكتاب صفته.
وأن يكون {ذََلِكَ} مبتدأ و {الْكِتََابُ} خبره على معنى أنه الكتاب الكامل الذي يستأهل أن يسمى كتابا، أو صفته، وما بعده خبره والجملة خبر {الم}
أو يكون {الم} خبر مبتدأ محذوف، و {ذََلِكَ} خبرا ثانيا أو بدلا على أن {الْكِتََابُ} صفته» (2) انتهى ملخصا.
وأما إفادة الحصر من جعل {الم} مبتدأ، و {ذََلِكَ الْكِتََابُ} خبره فظاهر لأن {الم} علم على السورة والتعريف في المبتدأ أو الخبر يفيد الحصر كقوله:
= زيد القائم =.
السؤال الستون: شاهد يوسف لم لم يقل «راودته» بل فصّل (3)؟
__________
التذييل والتكميل، وشرح العلامة محمد الدماميني ت 827هـ وسماه تعليق الفرائد وشرح الشيخ بدر الدين الحسن بن قاسم المرادي المالكي المصري ت 749هـ وشرح الشيخ عبد الله بن عقيل المصري النحوي ت 769هـ وسماه المساعد وله شروح أخرى كثيرة.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 407405).
انظر حاشية الشهاب تفسير سورة = البقرة =: (1/ 179).
(1) سبق ترجمته ص (55).
(2) انظر تفسير البيضاوي في تفسير سورة البقرة: (1/ 5049) ملخصا.
(3) الآية: {وَشَهِدَ شََاهِدٌ مِنْ أَهْلِهََا} {وَهُوَ مِنَ الصََّادِقِينَ} [يوسف: 2726/ 12](1/184)
الجواب: لو قال راودته ابتداء لاحتاج إلى دليل على ذلك عند من يجعل نطقه اتفاقا بلا قصد منه، وأما في التفصيل المذكور يكون شاهده معه، فهو أقوى في الحجة، وفي تبرئة يوسف عليه السلام مما نسب إليه، وليكون هو شاهدا وكلامه شاهد آخر، وللبينة إنما هو شاهدان.
السؤال الحادي والستون: ما قول عائشة رضي الله عنها (1): (لو علم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أحدثت النساء بعده لمنعهن المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل) (2) مع أنه ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه عرضت عليه أعمال أمته التي يفعلونها بعده إلى يوم القيامة؟
الجواب: عرضت عليه أعمال أمته بطريق الإجمال ولا يلزم منه معرفة تفاصيلها في أوقاتها، أو قول عائشة رضي الله عنها = لو علم = أي لو رأى وهو صلّى الله عليه وسلّم لم ير ذلك وإنّ علمه قال صلّى الله عليه وسلّم «من رأى منكم منكرا فليغيره» (3) الحديث،
__________
(1) سبق ترجمتها ص (83).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد رقم: (144)، (1/ 329) ورواه أحمد في مسنده: (6/ 23519391).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب النهي عن المنكر رقم: (78)، (1/ 69) ورواه أبو داود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي: (4/ 123) ورواه الترمذي في كتاب الفتن باب: ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب رقم: (2173)، (6/ 337) وقال حسن صحيح ورواه أحمد في مسنده: (3/ 20، 49، 54).
تتمة الحديث «فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان».(1/185)
ولم يقل مرة علم بمنكر يحدث بعده، وأنّ النساء اللاتي أحدثن ما أحدثنه بعده غير النساء الموجودات في زمنه عليه السلام. فكيف يتصور له نهيهن وهن لم يخلقن بعد، والله أعلم.
السؤال الثاني والستون: لو وجدت شاة مذبوحة في برية فهل يحل التناول منها؟
الجواب: إذا كانت البرية في بلاد لا مجوس فيها فيجوز التناول منها، وإذا كان فيها مجوس، أو ما في معناهم، ممن لا يؤكل ذبائحهم كالدروز (1)، والتيامنة، والمرتدين المعلومين.
فقد قال السيد أحمد الحموي (2) في حاشية الأشباه والنظائر: إذا وجدت
__________
(1) قال أبو زهرة في المذاهب الإسلامية الدروز لهم صلة وثيقة بالحاكمية والحاكمية هم الذين قال بعضهم في معنى الإشراق الإلهي حتى أخذوا بنظرية حلول الآلهة في نفس الإمام ودعوا إلى عبادته، وكان على رأسهم الحاكم بأمر الله الفاطمي.
والدروز الذين يكثرون بالشام لهم صلة وثيقة بهم حتى إن بعض المؤرخين يقول إن الذي وسوس إلى الحاكم أن يخرج إلى الناس بهذه الآراء المغالية رجل فارسي اسمه حمزة الدرزي ولعلهم ينسبون إليه وأحوال الباقين الآن في خفاء يستخفون بأعمالهم واعتقادهم من مجاوريهم، وعشرائهم والله سبحانه وتعالى أعلم بحالهم.
انظر المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة: (9493).
(2) أحمد بن محمد مكي، أبو العباس شهاب الدين الحسيني الحموي: من علماء الحنفية. حموي الأصل، مصري، تولى إفتاء الحنفية بالقاهرة. وصنف كتبا كثيرة، منها = غمر عيون البصائر = في شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم، و = نفحات القرب والاتصال = و = الدر النفيس = في مناقب الشافعي وغيرها كثير توفي سنة 1098هـ.(1/186)
شاة مذبوحة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا تحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم لأنها أصل حرام. وشككنا في الذكاة المبيحة، فلو كان الغالب فيها المسلمين جاز الأكل عملا بالغالب المفيد للطهورية (1).
وكذا في فتح القدير (2).
وذكر القاضي زكريا الشافعي (3)
__________
انظر هدية العارفين لإسماعيل البغدادي: (5/ 164)، الأعلام للزركلي: (1/ 239)
(1) انظر غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر للسيد أحمد الحموي القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك: (1/ 193).
(2) فتح القدير: شرح الهداية للشيخ الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام الحنفي المتوفي سنة 861هـ انتهى إلى كتاب الوكالة وسماه فتح القدير للعاجز الفقير ثم أكمله المولى أحمد بن قورد المعروف بقاضي زادة المفتي المتوفي سنة 988هـ ولخص فتح القدير الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفي سنة 956هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 2033).
قال في فتح القدير: ولا تؤكل ذبيحة المجوسي لقوله عليه السلام: «سنوا بهم في سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» ولأنه لا يدعي التوحيد فانعدمت الحلة اعتقادا ودعوى.
قال والمرتد لأنه لا ملة له فإنه لا يقر على ما انتقل إليه بخلاف الكتابي إذا تحول. انظر فتح القرير لابن الهمام: (8/ 408).
(3) زكريا الأنصاري بن محمد السنيكي المصري الشافعي أبو يحيى: شيخ الإسلام.
قاض مفسر، من حفاظ الحديث. ولد في سنيكة (بشرقية مصر) وتعلم بالقاهرة وكف(1/187)
في شرح الروض (1): «وإن وجد قطعة لحم في إناء أو خرقة ببلد لا مجوس فيه فطاهرة أو وجدها مرمية مكشوفة، أو في إناء أو خرقة والمجوس بين المسلمين فنجسة. نعم إن كان المسلمون أغلب كبلاد الإسلام فطاهرة، لأنه يغلب على الظن أنها ذبيحة مسلم. ذكره الشيخ أبو حامد (2) والقاضي أبو
__________
بصره. نشأ فقيرا معدما جمع نفائس الكتب وأفاد القارئين عليه علما ومالا له تصانيف كثيرة، منها = فتح الرحمن = في التفسير، و = تحفة الباري على صحيح البخاري = و = شرح ألفية العراقي = و = أسنى المطالب في شرح روض الطالب = فقه وغيرها توفي سنة 926هـ انظر الكواكب السائرة نجم الدين الغزي: (1/ 196)، هدية العارفين للبغدادي:
(5/ 374)، الأعلام للزركلي: (3/ 4746).
(1) كتاب الروض مختصر الروضة في الفروع للنووي وهو لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المعروف بابن المقري ت 837هـ الشافعي شرحه القاضي زكريا بن محمد الأنصاري المحقق شرحا بليغا المتوفي سنة 926هـ واختصر الروض ابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852هـ. ثم شرحه شرحا جمع فيه فوائد لا تحصى. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 919).
(2) أبو حامد الإسفراييني: أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني أبو حامد: من أعلام الشافعية. ولد في أسفرايين (بالقرب من نيسابور) ورحل إلى بغداد، فتفقه فيها وعظمت مكانته. وألف كتبا، منها مطول في = أصول الفقه = ومختصر في الفقه سماه = الرونق = وتوفي سنة 406هـ.
انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 210208)، هدية الاعارفين للبغدادي:
(5/ 71)، الأعلام للزركلي: (1/ 211)(1/188)
الطيب (1) والمحاملي (2) وغيرهم» (3).
وذكر الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي (4) في شرح المنهاج (5) قال: «وتحرم
__________
(1) القاضي أبو الطيب: طاهر بن عبد الله القاضي، أبو الطيب الطبري كان شافعيا، إماما جليلا بحرا غواصا تفرد في زمانه أخذ عنه العراقيون، ولد في طبرستان سنة 348هـ ولي قضاء ربع الكرخ وتوفي سنة خمس وأربعمائة وله مناظرات مع أبي الحسن القدوري من الحنفية. انظر مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة (2/ 292).
(2) ابن المحاملي: أحمد بن محمد بن أحمد الضبي، أبو الحسن ابن المحاملي: فقيه شافعي، بغدادي المولد والوفاة: له تصانيف، منها = تحرير الأدلة = و = المجموع = و = لباب الفقه = و = المقنع = في فقه الشافعية توفي سنة 415هـ انظر ابن خلكان: (1/ 7472)، هدية العارفين: (5/ 72)، الأعلام للزركلي: (1/ 211).
(3) انظر شرح روض الطالب في أسنى المطالب للإمام زكريا الأنصاري (1/ 563).
(4) ابن حجر الهيتمي: أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس: فقيه باحث مصري، مولده في محلة أبي الهيتم (من إقليم الغربية بمصر) وإليها نسبته. تلقى العلم بالأزهر. له تصانيف كثيرة، منها = مبلغ الأرب في فضائل العرب = و = تحفة المحتاج لشرح المنهاج = في فقه الشافعية، و = الخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان = توفي في مكة المكرمة سنة 974هـ. انظر هدية العارفين للبغدادي:
(5/ 164)، خلاصة الأثر للمحبي: (2/ 166)، الأعلام للزركلي: (1/ 234).
(5) كتاب منهاج الطالبين: في مختصر المحرر في فروع الشافعية للإمام محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي ت سنة 676هـ وهو كتاب مشهور متداول اعتنى بشأنه جماعة من الشافعية فشرحه الشيخ تقي الدين بن عبد الكافي السبكي ت 756هـ وشرحه أحمد بن علي بن حجر الهيتمي المكي ت 974هـ وله شروح كثيرة.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 18761873).(1/189)
مذبوحة ملقاة، وقطعة لحم بإناء إلا بمحل يغلب فيه من تحل ذكاته، وإلا إن أخبر من تحل ذبيحته ولو كافرا بأنه ذبحها. وقضيته التقييد بالملقاة أنّ غيرها يحل مطلقا، ويظهر أنّ محله إن لم يتمحض نحو المجوس بمحلها.
وخرج بالتي في إناء ملقاة فتحرم مطلقا. وعمل بالقرينة في الحل في بعض هذه الصور مع أنّ الأصل قبل الذبح التحريم، وهو لا يرتفع بالشك لأن لها دخلا في حل الأموال ولمشقة العمل بذلك الأصل» (1).
السؤال الثالث والستون: كان صلّى الله عليه وسلّم أكرم الناس وأنه أكرم ما يكون حين يأتيه الملك فكيف يكون أكرم في ذلك الحين؟.
الجواب: ورد في صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حين ينسلخ يعرض عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة» (2).
__________
(1) انظر حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيتمي: (9/ 315).
(2) رواه البخاري في كتاب الصوم، باب: أجود ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكون في رمضان رقم (1803)، (1/ 123).
ورواه مسلم في كتاب الفضائل، باب كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة رقم:
(2308)، (4/ 1803).
ورواه النسائي في كتاب الصيام، باب الفضل والجود في شهر رمضان: (4/ 125).(1/190)
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني (1). في فتح الباري شرح البخاري (2):
«قيل الحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس. والغنى سبب الجود. والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة.
والريح المرسلة أي المطلقة يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح جميع ما تهب عليه.
ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث: «لا يسأل شيئا إلا أعطاه» (3) وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث جابر (4): «ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا
__________
(1) سبق ترجمته ص (139).
(2) كتاب: فتح الباري هو شرح لكتاب الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري المتوفي سنة 256هـ، شرحه العلامة أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852هـ وسماه = فتح الباري = ويشتمل على الفوائد الحديثية والنكات الأدبية والفرائد الفقهية تغني عن وصفه، وقد امتاز بجمع طرق الحديث التي ربما يتبين من بعضها ترجيح أحد الاحتمالات. شرحا وإعرابا.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (1/ 546).
ولقيمة هذا الكتاب عند أهل العلم أصبحوا يقولون لا هجرة بعد الفتح.
(3) رواه أحمد في مسنده: (6/ 130).
(4) جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أبوه عبد الله بن عمرو بن حرام من السابقين(1/191)
فقال لا» (1) (2) انتهى
فتلخص من هذا أنّ الكرم هو الجود الوارد في هذا الحديث، وأنّ الملك هو جبريل وأنه عليه السلام كان أكرم أي: أجود ما يكون حين يأتيه الملك أي:
جبريل فيدارسه القرآن، لأنه يجدد له العهد بمزيد غنى النفس بالقرآن، وغلبة أخلاق الملكية عليه صلّى الله عليه وسلّم فيكرم ويجود على أكمل ما يكون. فلو سأله أحد شيئا لأعطاه بسرعة، ولا يقول عند سؤاله لا أملك (3).
السؤال الرابع والستون: ما تقول في أمر يشترط وجوده لأمر ثم يشترط عدمه لوقع ذلك الأمر؟
__________
الأولين للإسلام، ومن الأنصار الذين شهدوا بيعة العقبة، واستشهد يوم أحد وقد أوصى ولده جابرا بأخواته ووفاء ديونه، حضر جابر المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان من آخر من توفي في المدينة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة 78هـ. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني (1/ 408407)، الإصابة للعسقلاني: (1/ 434).
(1) رواه مسلم في كتاب الفضائل باب ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قط فقال: لا وكثرة عطائه رقم: (2311)، (4/ 1805)، ورواه أحمد (3/ 307) مرفوع عن جابر.
(2) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني (1/ 4241).
(3) وذكر القسطلاني في مواهبه: قال: وقد كان جوده كله لله وفي ابتغاء مرضاته، فإنه كان يبذل المال تارة لفقير أو لمحتاج وتارة ينفقه في سبيل الله، وتارة يتألف به على الإسلام من يقوي الإسلام بإسلامه وكان يؤثر على نفسه وأولاده، فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا توقد في بيته نار، وربما ربط الحجر على بطنه الشريفة من الجوع.
انظر المواهب للقسطلاني (2/ 372).(1/192)
الجواب: هو العلمية شرطا لجمع الاسم بالواو والنون في الرفع، وبالياء والنون في النصب والجر، ثمّ يشترط تنكير ذلك العلم للجمع المذكور في نحو: = زيدون = جمع زيد حالة الرفع = وزيدين = حالة النصب والجر.
قال الدماميني (1) في شرح التسهيل (2): في شروط جمع المذكر السالم أن يكون علما، فإن قلت: إذا قيل = الزيدون = فقد وقع الجمع في غير علم ضرورة.
إن تثنية العلم وجمعه يقتضي إخراجه عن حقيقة كونه علما، وإذ يصير نكرة لأن العلم إنما يكون معرفة على تقدير إفراده لموضوعه لأنه لم يوضع علما إلا مفردا فإذا قصد إلى تثنية وجمعه فقد زال معنى العلمية منه فصار نكرة.
__________
(1) الدماميني: محمد بن أبي بكر، المخزومي القرشي، بدر الدين المعروف بابن الدماميني: عالم: الشريعة وفنون الأدب. ولد في الإسكندرية ولازم ابن خلدون وتصدر لإقراء العربية بالأزهر. ولي قضاء المالكية بمصر وانتقل إلى الهند ومات فيها من كتبه = تحفه الغريب = شرح مغني اللبيب و = الفتح الرباني = في الحديث و = شرح التسهيل = وغيرهم. توفي سنة 827هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد: (9/ 262)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 185)، الأعلام للزركلي: (6/ 57).
(2) كتاب شرح التسهيل، اسمه تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد المعروف بشرح الدماميني شرح للإمام الأديب اللغوي بدر الدين محمد بن أبي بكر بن عمر الإسكندري المالكي النحوي المعروف بالدماميني المتوفي بالهند 827هـ وهذا الشرح جزءات في مجلد كبير وهو مخطوط، انظر تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ص (7776)، شذرات الذهب لابن العماد: (9/ 264262)، كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 405).(1/193)
قلت: معنى كلامهم أنّ الاسم إذا كان علما بشروطه صح إيراد الجمع عليه وذلك بعد أن تنكّره وليس المراد أنه بقي علما، وجمع وهو على تلك الحالة وهذا مما يحاجى به فيقال أمر اشتراط وجوده لحكم، فإذا وجد لم يثبت ذلك الحكم إلا بعد إزالة ذلك الأمر الذي اشترط وجوده فصار في الحقيقة وجوده شرطا للإقدام على الحكم، وعدمه شرطا لثبوت ذلك الحكم. وقد عنّ لي أن أنظم ذلك لغزا فقلت:
أيا علماء الهند لازال فضلكم ... مد الدّهر يبدو في منازل سعده
ألمّ بكم شخص غريب لتحسنوا ... بارشاده عند السؤال لقصده
وها هو يبدي ما تعّذر فهمه ... عليه لتهدوه إلى سبل رشّده
فيسأل ما أمر شرطتم وجوده ... لحكم فلم تقض النحاة برده
فلما وجدنا ذلك الأمر حاصلا ... منعتم ثبوت الحكم إلا بفقده
وهذا لعمري في الغرابة غاية ... فهل من جواب تنعّمون بسرده» (1)
السؤال الخامس والستون: إذا وصف الاسم بصفات هل يتبع بجميعها؟ أو يجوز أن تقطع الصفات جميعا، أو يقطع البعض ويتبع البعض، فهل كل ذلك جائز عند النحاة؟
__________
(1) انظر تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد لمحمد بن أبي بكر الدماميني مخطوط رقم:
(17110) في جمع المذكر الصحيح ص (3938).(1/194)
الجواب: ليس ذلك كلّه جائزا عند النحاة مطلقا. قال الأشموني (1). في شرح (2). الألفية (3).: وإن نعوت كثرت وقد تلت أي تبعت منعوتا = مفتقرا لذكر هنّ = بأن كان لا يعرف إلا بذكر جميعها = أتبعت = كلها لتنزيلها منه حينئذ منزلة الشي الواحد، وذلك كقولك: = مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب = إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة أحدهم تاجر كاتب والآخر تاجر فقيه، والآخر فقيه كاتب = وأقطع = الجميع = أو أتبع = الجميع أو أقطع البعض
__________
(1) الأشموني: علي بن محمد بن عيسى، أبو الحسن نور الدين الأشموني: نحوي، من فقهاء الشافعية. أصله من أشمون (بمصر)، ولي القضاء بدمياط. وصنف = شرح ألفية ابن مالك = المسمى منهج السالك إلى ألفية بن مالك في النحو، و: نظم المنهاج = في الفقه، و = شرحه = و = نظم إيساغوجي = في المنطق توفي سنة 900هـ. انظر الضوء اللامع للسخاوي:
(6/ 5)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 739)، الأعلام للزركلي: (5/ 10).
(2) كتاب شرح الألفية لنور الدين علي بن محمد الأشموني الموفي سنة 900هـ انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 153).
(3) كتاب الألفية في النحو للعلامة جمال الدين محمد بن عبد الله الطائي الجياني المعروف بابن مالك النحوي المتوفي سنة 672هـ وهي مقدمة مشهورة في ديار العرب كالحاجبية في غيرها جمع فيها مقاصد العربية وسماها الخلاصة وإنما اشتهر بالألفية لأنها ألف بيت في الرجز أولها:
قال محمد هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك
وله عليها شرح. انظر طبقات الشافعية للأسنوي: (2/ 250)، كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 155151).(1/195)
وأتبع البعض (إن يكن) المنعوت (معيّنا بدونها) كلها كما في قول خرنق بنت هفان (1):
لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر
فيجوز رفع النازلين والطيبين على الإتباع لقومي، أو على القطع بإضمارهم ونصبهما بإضمار أمدح أو أذكر، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما.
وإذا كان المنعوت مفتقرا إلى بعض النعوت دون بعض وجب إتباع المفتقر إليه، وجاز فيما سواه القطع والإتباع. وإذا قطع بعض النعوت دون بعض قدم المتبوع على المقطوع ولا يعكس، وفيه خلاف. قال ابن أبي الربيع (2):
__________
(1) الخرنق بنت بدر هفان بن مالك من بني ضبيعة، البكرية العدنانية: شاعرة، من الشهيرات في الجاهلية. وهي أخت طرفة بن العبد لأمه. تزوجها بشر بن عمرو بن مرثد (سيد بني أسد) وقتله بنو أسد يوم قلاب (من أيام الجاهلية) فكان أكثر شعرها في رثائه ورثاء من قتل معه من قومها لها = ديوان شعر = صغير توفيت سنة 50ق. هـ. انظر الأعلام للزركلي: (2/ 303).
(2) ابن أبي الربيع: عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع القرشي الأموي العثماني الإشبيلي:
إمام النحو في زمانه. من أهل إشبيلية (بالأندلس) انتقل لما استولى عليها الفرنج إلى سبتة من كتبه = شرح كتاب سيبويه = و = شرح الجمل = و = الإفصاح في شرح الإيضاح = و = القوانين النحوية = كلها في النحو توفي سنة 688هـ. انظر بغية الوعاة للسيوطي: (2/ 125)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 649)، الأعلام للزركلي: (4/ 191).(1/196)
والصحيح المنع. وقال صاحب البسيط (1): الصحيح الجواز.
ولو فرق بين الحالة الثانية وهي الاستغناء عن الجميع، والحالة الثالثة وهي الافتقار إلى البعض دون البعض فلا يجوز لكان مذهبا. وإذا كان المنعوت نكرة تعيّن في الأول من نعوته الإتباع، وجاز في الباقي القطع.
ويستثنى من إطلاقه النعت المؤكد نحو: = الدابر أمس =، والنعت الملتزم نحو: = الشعرى العبور = والنعت الجاري على مشار به نحو = هذا العالم = فلا يجوز القطع في هذه (2).
السؤال السادس والستون: ما حرف معرب ولا إعراب له؟.
الجواب: هو كل حرف أخبرت عنه، نحو قولك: من حرف جر فإن من حرف وكل الحروف مبنية لا حظّ للإعراب فيها، ومع ذلك فإذا أخبرت عنها فقد أعربتها فتقول: = من = كلمة أريد بها لفظها في محل رفع بالابتداء و = حرف = خبر المبتدأ و = جر = مضاف إلى حرف وكذلك ما أشبه ذلك في جميع الحروف فصدق حينئذ بأنّ = من = مثله حرف جر والحروف كلها مبنية. و = من = في هذا المثال معربة لأنها مبتدأ وما بعده خبر كما ذكرنا، فلا إعراب لها مع أنها معربة.
__________
(1) صاحب البسيط: هو ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن العلج الأشبيلي من نحاة الأندلس في القرن السابع كان أبو حيان ينقل عنه، وكذا ابن عقيل.
انظر حاشية مغني اللبيب لابن هشام: (1/ 383). لم أجد له ترجمة في كتب التراجم.
(2) انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك: (3/ 6968).(1/197)
كما حققه الشيخ يس (1) في حاشية شرح القطر للفاكهي (2) في تعريف الاسم (3).
السؤال السابع والستون: هل يجوز أن يجزم المضارع بعد فعل التعجب إذا كان بصيغة الأمر؟
الجواب: لا يجوز جزم المضارع بعد فعل التعجب إذا كان بصيغة الأمر، كما صرح به الشيخ الإمام تقي الدين منصور بن فلاح اليمني (4) في كتابه
__________
(1) ياسين بن زين الدين بن أبي بكر الحمصي، الشهير بالعليمي، شيخ عصره في علوم العربية. ولد بحمص، ونشأ واشتهر وتوفي بمصر. له حواشي كثيرة، منها = حاشية على ألفية ابن مالك = و = حاشية على متن القطر وشرحه للفاكهي = و = حاشية على شرح التلخيص المختصر للسعد التفتازاني = و = حاشية على شرح السنوسي، على صغراه = في التوحيد و = حاشية على التصريح شرح التوضيح = في النحو توفي سنة 1061هـ.
انظر خلاصة الأثر للمحبي: (4/ 492491)، الأعلام للزركلي: (8/ 130).
(2) كتاب قطر الندى وبل الصدى: مقدمة في النحو لأبي محمد عبد الله بن يوسف بن هشام النحوي المتوفي سنة 762هـ وله عليه شروح، وشرحه الشهاب أحمد بن الجمال عبد الله بن أحمد بن علي الفاكهي وسماه مجيب الندا وعليه حاشية بالقول للشيخ ياسين بن زين الدين الحمصي الشافعي المتوفي سنة 1061هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة:
(2/ 1352).
(3) انظر حاشية الشيخ ياسين على شرح الفاكهي لقطر الندى: (1/ 43)
(4) منصور بن فلاح بن محمد بن سليمان، أبو الخير، تقي الدين: نحوي، يمني. له مؤلفات في علوم العربية وغيرها، منها = الكافي =، و = المغني خ = في النحو، أربع مجلدات(1/198)
= المغني في النحو = (1) قال في باب التعجب في مبعث التعجب بصيغة الأمر نحو:
«= أحسن بزيد وأكرم بعمرو = ولا يجزم جوابه ولا ينصب بعد الفاء، نحو = أحسن بزيد يكرمك وأحسن بزيد فيكرمك = ولو كان أمرا لم يمتنع ذلك.
وقال قبل ذلك وفيه قولان: أحدهما لجمهور النحويين إذا لفظه لفظ الأمر ومعناه التعجب، والثاني للأخفش (2) والزجاج (3).
__________
في مكتبة الكاشاني بكر بلاء والنسخة فريدة توفي سنة 680هـ.
انظر كشف الظنون (2/ 1751)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 474)، الأعلام للزركلي (7/ 303).
(1) كتاب المغني في النحو في أربع مجلدات لتقي الدين منصور ابن فلاح اليمني فرغ من تصنيفه سنة 672هـ وتوفي سنة 680هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1751).
(2) الأخفش الأوسط: سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري: أبو الحسن، المعروف بالأخفش الأوسط: نحوي، عالم باللغة والأدب من أهل بلخ. سكن (بخرسان) سكن البصرة وأخذ العربية عن سيبويه. وصنف كتبا، منها = تفسير معاني القرآن = و = شرح أبيات المعاني = و = الاشتقاق = و = معان الشعر = و = القوافي = وغير ذلك كثير.
توفي سنة 215هـ.
انظر وفيات الأعيان لإبن خلكان (1/ 381380)، هدية العارفين للبغدادي:
(5/ 388)، الأعلام للزركلي: (3/ 102101).
(3) الزجاج: إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج: عالم بالنحو واللغة، ولد ومات في بغداد كان في فتوته يخرط الزجاج ومال إلى النحو فعلمه المبرد. من كتبه(1/199)
قال أبو علي (1): حكي لي عنه فلم اسمعه منه، وحكي عن الكوفيين واختاره الزمخشري (2) أنه أمر حملا للفظه على حقيقته» (3) وتمامه هناك.
السؤال الثامن والستون: لم أهملت أن بعد العلم؟
الجواب: قال المرادي (4)
__________
= معاني القرآن» و = الاشتقاق = و = خلق القرآن = و = الأمالي = وغير ذلك توفي سنة 311هـ.
انظر تاريخ بغداد للخطيب: (6/ 89)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 5)، الأعلام للزركلي: (1/ 40).
(1) أبو علي: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل، أبو علي أحد الأئمة في علم العربية، ولد في = فسا = من أعمال فارس من تصانيفه = الإيضاح = في قواعد العربية، و = التذكرة = و = تعاليق سيبويه = و = جواهر النحو = وغير ذلك، وكان متهما بالاعتزال دخل بغداد 307هـ وتوفي فيها سنة 377هـ.
انظر تاريخ بغداد للخطيب: (7/ 276275)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 272)، الأعلام للزركلي: (2/ 180).
(2) الزمخشري: محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري، جار الله أبو القاسم من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والأدب. ولد في زمخشر (من قرى خوارزم) أشهر كتبه = الكشاف = و = أساس البلاغة = و = المفصل = توفي في خوارزم سنة 538هـ.
قال صاحب لسان الميزان صالح لكنه داعية إلى الاعتزال، فكن حذرا من = كشافة = انظر لسان الميزان: (6/ 651)، هدية العارفين للبغدادي: (6/ 402)، الأعلام: (7/ 178)
(3) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني (1/ 4241).
(4) الحسن بن قاسم بن عبد الله المرادي المصري، أبو محمد، بدر الدين المعروف بابن أم(1/200)
في شرح التسهيل (1) في امتناع النصب = بأن = المفتوحة الهمزة الساكنة النون إذا تقدمها ما يدل على العلم
قال: «وسبب امتناع ذلك أن الناصبة تدخل على ما ليس بمستقر ولا ثابت لأن بابها أن تدخل للاستقبال فلذلك لا تقع بعد أفعال التحقيق بخلاف المخففة فإنها تقتضي تأكيد الشيء وثبوته واستقراره قال: وأما إجراؤها ما بعد الحذف مجراها بعد العلم ليتقن المخوف نحو: = خفت أن لا تفعل = بالرفع، = وخشيت أن لا تقوم = فقد أجازه سيبويه (2) والأخفش (3)» (4) وتمامه هناك.
__________
قاسم: مفسر أديب. مولده بمصر وشهرته وإقامته بالمغرب. من كتبه = تفسير القرآن = و = إعراب القرآن = وشرح ألفية بن مالك = توفي بمصر سنة 749هـ.
انظر: الدرر الكامنة: (2/ 117116)، الأعلام للزركلي: (2/ 211).
(1) كتاب تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك الطائي المتوفي سنة 672هـ في النحو، ومن الشروح المشهورة لكتاب التسهيل شرح الشيخ شمس الدين حسن بن القاسم المرادي المعروف بابن أم قاسم النحوي المتوفي سنة 749هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 152).
(2) سيبوبه: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه: إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو ولد في قرى شيراز ولزم الخليل بن أحمد بالبصرة وفاقه وصنف كتابه المسمى = كتاب سيبويه = في النحو لم يصنع قبله ولا بعده مثله توفي شابا سنة 180هـ.
انظر تاريخ بغداد (12/ 195)، ابن خلكان (3/ 465463)، الأعلام للزركلي (5/ 81).
(3) الأخفش سبق ترجمته ص (199).
(4) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني (1/ 4241).(1/201)
وقال ابن عصفور (1) في شرح الجمل (2): وإن وقع بعدها أي: بعد أن المخففة الناصبة للفعل فعل مضارع فإنها تخلّصه للاستقبال وتنصبه أو يتقدمها من الأفعال التي لا تعطي التحقيق، فلا يجوز أن يتقدمها ما يعطي التحقيق، أو ما في معناه.
وأما المخففة من الثقيلة فلا يتقدمها من الأفعال إلا أفعال التحقيق خاصة = كعلمت ورأيت بمعناها. فإن كان الفعل له معنيان التحقيق وغيره جاز لك أن تقدم أن الناصبة للفعل إذا أردت به معنى ما ليس فيه تحقيق، وأن تقدم أن المخففة من الثقيلة إذا أردت معنى ما فيه تحقيق نحو: ظننت فإذا أردت بها معنى علمت كانت مخففة من الثقيلة نحو = علمت أن سيقوم زيد = تريد = علمت أنه سيقوم = وإنما كانت أن المخففة من الثقيلة بعد أفعال التحقيق لأنها للتأكيد فهي مناسبة لها وكانت الناصبة للفعل بعد الأفعال التي ليس فيها تحقيق لأنها ليست للتأكيد فلم تخالف ما قبلها. (3)
__________
(1) ابن عصفور: علي بن مؤمن بن محمد، الحضرمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور: حامل لواء العربية بالأندلس في عصره من كتبه = المقرب = في الممتنع من الصرف و = شرح الجمل = و = المفتاح = توفي بتونس سنة 669هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد، (7/ 576575)، هدية العارفين للبغدادي:
(5/ 712)، الأعلام للزركلي (5/ 27).
(2) كتاب الجمل في النحو وهو أهم كتب الزجاجي وأشهرها، وعليه شروح كثيرة حتى بلغت مائة وعشرين شرحا، وقد شرحه ابن أبي الربيع المتوفي سنة 688هـ شرحا مطولا وشرحه أيضا ابن عصفور المتوفي سنة 663هـ وبالغ في شرحه، وشرحه ثلاث شروح، انظر بغية الوعاة (2/ 210).
(3) لم أجد هذا الكتاب.(1/202)
السؤال التاسع والستون: إذا اجتمعت = إن = = ولم = فالعمل لإن {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النََّارَ} (1) [البقرة: 24] فهل لم صلة؟
الجواب: إذا اجتمعت = إن = الشرطية الجازمة = ولم = فالفعل المضارع بعدها مجزوم = بلم = لا = بإن =.
قال البيضاوي في قوله تعالى: {«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}. وتفعلوا جزم ب = لم = لأنها واجبة الإعمال مختصة بالمضارع متصلة بالمعمول ولأنها لما صيرته ماضيا صارت كالجزء منه وحرف الشرط كالداخل على المجموع فكأنه قال:
فإن تركتم الفعل ولذلك ساغ اجتماعهما» (2).
وذكر ابن مالك (3) في شرح كافيته (4) في = لم = قال أبو علي: تنزل منزلة جزء
__________
(1) تتمة الآية: {الَّتِي وَقُودُهَا النََّاسُ وَالْحِجََارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكََافِرِينَ} سورة البقرة آية رقم: (24).
(2) انظر تفسير البيضاوي = البقرة = (1/ 116115).
(3) ابن مالك أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله مالك الطائي الجياني الشافعي النحوي نزيل دمشق، من أعظم نحاة القرن السابع شهرة، إن لم يكن أعظمهم جميعا اخرج الكثير من مؤلفاته النحوية واللغوية نظما وخاصة الألفية منها = الكافية الشافية = 3000بيت نحو وصرف و = الوافية في شرح الشافية = والخلاصة المشهورة بالألفية 1000 بيت، = التسهيل = و = شرح التسهيل = وغيرها توفي ابن مالك بدمشق سنة 672هـ.
انظر تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (421)، طبقات الشافعية للآسنوي: (2/ 250) / شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 592591).
(4) كتاب الكافية الشافية في النحو لابن مالك محمد بن عبد الله النحوي المتوفي سنة(1/203)
من الفعل كما نزلت لا منزلة جزء من الاسم. يدلك على ذلك قوله تعالى:
{وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنََا} (1) فدخلت = إن = عليها مع أنّ الجازم لا يفصل بينه وبين مجزومة. فلولا أنها نزلت منزلة الجزء لم يجز الفصل بها بين = إن = والفعل.
وقال: إنما عملت «لم» لاختصاصها بما هي كالجزء منه، وعملت الجزم لأنها لما نقلت معنى الفعل إلى معنى آخر ازداد نقلا إلى نقل اصله، فناسب أن يخفف بالحذف، وأيضا فإنها تشبه أن في أنها تنقل معنى الفعل من زمان إلى زمان، وقيل لما صار الفعل بعدها يستحق البناء باعتبار معناه، ويستحق الإعراب باعتبار لفظه جعل له حال متوسطة بين الإعراب والبناء وهو السكون.
وفي حاشية الشيخ يسن على شرح القطر للفاكهي: «قال الرضي (2): وكأن ذلك يعني جواز مصاحبة لم لأداة الشرط لكونها فاصلة قوية بين العامل
__________
672 - هـ وهو كتاب منظوم لخص منه ألفيتة ثم شرحها وسماه الوافية وعلق عليه نكته وشرحها ولده بدر الدين محمد ت 686هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1369).
(1) الآية: أول الآية: {قََالََا رَبَّنََا ظَلَمْنََا أَنْفُسَنََا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنََا وَتَرْحَمْنََا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخََاسِرِينَ} الأعراف 23.
(2) الرضي: هو محمد بن الحسن الرضي الأستراباذي، نجم الدين عالم بالعربية، من أهل أستراباذ (من أعمال طبرستان) اشتهر بكتابه = الكافية في شرح الكافية =، لابن الحاجب في النحو و = شرح مقدمة ابن الحاجب = وهي المسماة بالشافية، في علم الصرف توفي سنة 686هـ وقيل 84.
انظر بغية الوعاة: (1/ 568567)، الأعلام للزركلي: (6/ 86).(1/204)
الحرفي، أو شبهه ومعموله، يريد بشبه الحرفي أسماء الشرط كمن يقول: = من لم يكرمني أهنه =.
قال الدماميني: هذا تصريح من الرضى بأن حرف الشرط هو العامل للجزم في المضارع المقترن بحرف النفي وليس كذلك. وقال السمين (1): في إعراب = فإن لم تفعلوا = الآية، إن شرطية داخلة على جملة لم تفعلوا وتفعلوا مجزوم بلم» (2).
السؤال السبعون: لم لم تتبع حركة البناء الأصلي مع أن العارضة تتبع؟
الجواب: قال الشيخ خالد (3) في شرح الأزهرية (4): «والذي تقدر فيه حركة
__________
(1) السّمين: هو أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي، أبو العباس، شهاب الدين المعروف بالسمين: مفسر، عالم بالعربية والقراءات شافعي، من أهل حلب استقر واشتهر بالقاهرة. من كتبه = تفسير القرآن = و = الدر المصون = في إعراب القرآن و = شرح الشاطبية = في القرآن توفي سنة 756هـ انظر الدرر الكامنة: (1/ 360)، الأعلام للزركلي: (1/ 274)
(2) انظر حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى تأليف يّس بن زين الدين الحمصي الشافعي. جزم الفعل المضارع: (1/ 172171).
(3) خالد الأزهري: خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري، زين الدين وكان يعرف بالوقاد: نحوي، من أهل مصر ولد بجرجا (من الصعيد) ونشأ وعاش في القاهرة. له: = المقدمة الأزهرية في علم العربية = و = موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب = و = شرح الآجرومية = و = التصريح بمضمون التوضيح = في شرح أوضح المسالك إلى ألفية بن مالك و = شرح مقدمة الجزرية = في التجويد و = الألغاز النحوية = توفي سنة 905هـ عائدا من الحج انظر الضوء اللامع للسخاوي: (3/ 171170)، الأعلام للزركلي: (2/ 297).
(4) كتاب المقدمة الأزهرية في علم العربية: للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفي سنة 905هـ. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1798).(1/205)
البناء نحو المنادى المفرد المبني قبل النداء نحو: = يا سيبويه = = يا حذام = فإنك تقدر فيه الضم: ويظهر أثر ذلك في التابع، تقول: = يا سيبويه = العالم = بالرفع اتباعا للضم المقدر في آخر والعالم بالنصب اتباعا لمحله ويمتنع العالم بالجر إتباعا للفظه، لأن حركة البناء الأصلية لا يجوز إتباعها بخلاف العارضة بسبب النداء ونحوه» (1).
وفي مغني ابن فلاح اليمني قال: «وأما رفع الصفة والمتبوع مبني فإنه لما أخر، والبناء على الضم في كل مقصود مفرد يدخل علية حرف النداء أشبهت حركته حركة الإعراب وأشبه حرف النداء عامل الإعراب لكون الضمة حدثت بسببه كما يحدث الإعراب بسبب العامل ولما أشبهت حركته حركة الإعراب انسحب الحكم على الصفة كما ينسحب حكم عامل المعرب على صفته.
وقال بعد ذلك: وما ذكرنا من شبه حركة النداء لحركة الإعراب
__________
(1) انظر شرح الأزهرية في علم العربية للعلامة خالد بن عبد الله الأزهري في = المبني قسمان = ص (41).
وقال الشيخ خالد أيضا: والحاصل أن كلا من الكسرة والضمة المقدرة في نحو يا سيبويه حركة بناء لكنهم جوزوا الإتباع في الحركة المقدرة التي اجتلبها العامل وهي الضمة دون حركة البناء الأصلية وهي الكسرة لما أن الأولى وإن كانت حركة بناء لكن ترجحت على الثانية من حيث كونها أشبهت حركة الإعراب من جهة أنها تطرأ وتزول ولشبه هذه الحركة بحركة الإعراب نون المنادى المفرد معها كقوله:
سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
انظر شرح الأزهرية في علم العربية للأزهري ص 241.(1/206)
باضطرادها وشبه حركة النداء لحدوثها عنه، وليس كذلك أمس وهؤلاء فإن حركتهما لم تحدث بما يشبه العامل» (1).
السؤال الحادي والسبعون: لم صرف شعيب وصالح مع أنهما أربعة أحرف؟
الجواب: إنما صرفا لأنهما عربيان وليسا بأعجميين وهذا الشرط وهو زيادة الاسم على ثلاثة أحرف إنما اعتبر في الاسم الأعجمي لتكون العجمة مع العلمية مانعة من الصرف، وأما الاسم العربي فلا عبرة لزيادته على ثلاثة أحرف، فإنه لا يمنع من الصرف لذلك ولو كان من أسماء الأنبياء عليهم السلام.
قال الجامي (2) في شرح الكافية (3) «واعلم أن أسماء الأنبياء عليهم السلام ممتنعة من الصرف إلا ستة محمد وصالح وشعيب وهود لكونها عربية ونوح ولوط لخفتهما.
__________
(1) لم أعثر على هذا الكتاب.
(2) الجامي: هو عبد الرحمن بن أحمد محمد الجامي نور الدين: مفسر، فاضل ولد في جام، = من بلاد ماوراء النهر = تفقه، وصحب مشايخ الصوفية وحج، له = تفسير القرآن = و = شرح خصوص الحكم لابن عربي = و = شرح الكافية لابن الحاجب = وهو أحسن شروحها سماه = الفوائد الضيائية = وله = الدرر الفاخرة = في التصوف وغير ذلك وله كتب بالفارسية توفي سنة 898هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد (9/ 543) والأعلام للزركلي: (3/ 296).
(3) كتاب شرح الكافية للمولى نور الدين بن أحمد الجامي المتوفي سنة 898هـ صنف شرحا لخص فيه ما في شروح الكافية من الفوائد على أحسن الوجوه وأكملها مع زيادات من عنده سماه الفوائد الضيائيه وهو المتداول اليوم وفي شأنه اعتناء عظيم.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1372).(1/207)
وقيل: إنّ هودا كنوح لأن سيبويه قرنه معه، ويؤيده ما يقال من أنّ العرب من ولد إسماعيل ومن كان قبل ذلك فليس بعربي وهود قبل إسماعيل فيما يذكر فكان كنوح» (1).
السؤال الثاني والسبعون: هل يجوز للمرأة أن تزين فرجها بالحلي؟
الجواب: أما أنّ الفرج موضع زينة فلا كما ذكره والدنا المرحوم في شرحه على شرح الدرر من الكراهة والاستحسان: «قال تعالى: {وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (2) [النور: 31] الآية والمراد والله أعلم مواضع الزينة وهي [الوجه والرأس والصدر والساق والعضد والشعر] (3) ويدخل في ذلك الساعد والأذن والعين والقدم لأن كل ذلك موضع الزينة بخلاف الظهر والفخذ والبطن لأنها ليست مواضع زينة كذا في الهداية فإرادة المواضع من الزينة من ذكر الحال وإرادة المحل مبالغة في النهي عن الإبداء لأن إبداء ما كان منفصلا إذا كان منهيا فإبداء المتصل أولى وذلك كقول تعالى: {وَلَا الْقَلََائِدَ} (4)
[المائدة: 2] في حرمة تعوض محلها. وبيان كون المذكورات مواضع الزينة أن
__________
(1) انظر شرح الكافية للجامي كتاب نادر رقم: (173400) ص (135134).
(2) أول الآية: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنََاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلََا يُبْدِينَ} سورة النور (31/ 24).
(3) ما بين القوسين [] زيادة عن الأصل.
(4) أول الآية: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُحِلُّوا شَعََائِرَ اللََّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرََامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلََائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ} سورة المائدة: (2/ 5).(1/208)
الرأس موضع التاج، والإكليل والشعر موضع العقاص (1) والعنق موضع القلادة، والصدر كذلك والأذن موضع القرط والعضد موضع الدملج (2)
والساعد موضع السوار والكف موضع الخاتم والخضاب والساق موضع الخلخال والقدم موضع الخضاب» (3). انتهى كلامه.
ولم يذكر الفرج أنه موضع الزينة. وإذا كان الظهر والفخذ والبطن ليس من مواضع الزينة فالفرج ليس من مواضع الزينة بالأولى وأما أنه يجوز للمرأة أن تزينه لزوجها بالحلي فلا مانع من ذلك إذ يجوز لزوجها النظر إلى فرجها وإلى فرج أمته.
قال في شرح الدرر: وينظر الرجل إلى فرج زوجته وأمته، لقوله عليه الصلاة والسلام: «غض بصرك إلا عن أمتك وامرأتك» (4) (5).
__________
(1) العقاص: عقصت المرأة شعرها عقصا: لوته وأدخلت أطرافه في أصوله، وجعلت منه ضفيرة مستديرة في قفاها أو على رأسها
(2) الدّملج: سوار تحلّى به العضد.
(3) انظر: شرح درر الحكام للنابلسي مخطوط رقم: (13742) باب اللباس ص (142).
(4) رواه الترمذي في كتاب الأدب باب ما جاء في حفظ العورة رقم: (2770) (8/ 15) بلفظ: يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو مما ملكت يمينك» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
ورواه ابن ماجه في النكاح باب التستر عند الجماع رقم (1920) (1/ 603) لم أجده إلا بهذا اللفظ. وذكر في نصب الراية أيضا: (4/ 245).
(5) انظر درر الحكام في شرح غرر الأحكام للعلامة منلا خسرو باب الكراهة والاستحسان كتاب نادر رقم: (4671) ص (313).(1/209)
وقال والدي رحمه الله تعالى في شرحه: «فقالت عائشة رضي الله عنها كنت أغتسل أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم من إناء واحد، وكنت أقول ابق لي ابق لي وهو يقول «ابقي لي ابقي لي» (1) (2). ولو لم يكن النظر مباحا لما تجرد كل واحد منهما بين يدي صاحبه ولأن ما فوق النظر وهو المس والغشيان مباح فالنظر أولى. قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حََافِظُونَ (5) إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 65].
قال في الكافي تبعا للهداية: إلا أن الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه لقوله عليه السلام: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد العير» (3) ولأن النظر إلى العورة يورث النسيان قال علي رضي الله عنهم من
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب الوضوء بفضل المرأة (رقم 77) (1/ 20).
ورواه النسائي في سننه في كتاب الغسل والتيمم، باب الرخصة في ذلك رقم: (414)، (1/ 202) برواية أبادره ويبادرني حتى يقول دعي لي وأقول دع لي.
ورواه أحمد في مسنده: (6/ 91).
(2) في الأصل نق لي وفي مسند أحمد ابق لي.
(3) رواه ابن ماجه في كتاب النكاح باب: التستر عند الجماع رقم (1921) (1/ 603) انفرد به ابن ماجه عن الكتب التسعة ط / دار الفكر.
ورواه البيهقي في الشعب رقم: (7792)، (6/ 163)
ورواه البيهقي في السنن في كتاب النكاح باب الاستتار في حال الوطء: (1/ 193) وقال تفرد به مندل بن علي وليس بالقوي.
وقال في المجمع (4/ 539) رواه البزار والطبراني، وفيه: مندل بن علي، وهو ضعيف(1/210)
أكثر النظر إلى سوءته عوقب بالنسيان» (1).
السؤال الثالث والسبعون: هل يجب على المرأة أن تغنج إذا لم ينتصب إلا به؟
الجواب: أما وجوب ذلك عليها فلا وجه له، وأما كون ذلك لا بأس به لأن فيه التحبب بين الزوجين، فهو مما ينبغي. أرأيت أنهم قالوا فيمن يريد أن يتزوج امرأة، فإنه يجوز أن ينظر إليها (2) وتنظر إليه لأنه أدعى إلى الرغبة في النكاح.
__________
وقد وثق، وقال البزار: أخطأ مندل في رفعه، والصواب أنه مرسل، وبقية رجاله رجال الصحاح.
ورواه الطبراني في الكبير رقم (7683)، (8/ 164) بلفظ آخر قال في المجمع وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف.
ذكره ابن عدي في الكامل وقال: سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: مندل بن علي العنزي كوفي وقع فيه شريك وسمعت ابن حماد قال السعدي: مندل وحيان واهيا الحديث، وقال النسائي: مندل بن علي ضعيف انظر الكامل: (6/ 2448).
وفي كتب الحديث وردت بلفظ = تجرد العيرين =.
(1) انظر الأحكام شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي مخطوط رقم (13742)، ص (140).
(2) الحديث الوارد في النظر إلى المخطوبة هو عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» رواه الترمذي في كتاب النكاح باب: ما جاء في النظر إلى المخطوبة رقم: (1087) (4/ 44) وروى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «إذا ألقى الله في قلب امرئ منكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها». انظر مسند أحمد بن حنبل (4/ 225)، والحاكم في المستدرك: (3/ 434).(1/211)
وذكر والدي رحمه الله تعالى في شرحه على شرح الدرر عقيب ما قدمنا من الكلام قال: «وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: الأولى أن ينظر الرجل إلى فرج امرأته وأمته ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة.
قال في العناية: (1) وقول ابن عمر رضي الله عنهما الأولى أن، ينظر يعني وقت الوقاع.
روي عن أبي يوسف (2) في الأمالي (3) قال: سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى
__________
(1) العناية: شرح الهداية لمحمد بن محمد الرومي البابرتي، أكمل الدين المتوفي سنة 786هـ.
انظر مفتاح السعادة كبري زادة (2/ 244)
(2) أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، أبو يوسف:
صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه وأول من نشر مذهبه. كان فقيها علامة، وتفقه بالحديث والرواية، ولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد. ومات في خلافته ببغداد، وهو على القضاء. وهو أول من دعي = قاضي القضاة = وأول من وضع الكتب في أصول الفقه، على مذهب أبي حنيفة. من كتبه = الخراج = و = الآثار = و = النوادر = و = الأمالي في الفقه = وغير ذلك توفي سنة 182هـ.
انظر تاريخ بغداد للخطيب: (14/ 262242) شذرات الذهب لابن العماد. (2/ 367
371) الأعلام للزركلي: (8/ 193).
(3) كتاب الأمالي في الفقه لأبي يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم البغدادي صاحب أبو حنيفة رضي الله عنهما المتوفي سنة 182هـ يقال أكثر من ثلاثمائة مجلد.
انظر تاريخ بغداد (14/ 242) كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 164)، شذرات الذهب لابن العماد: (2/ 367).(1/212)
عن الرجل يمس فرج امرأته أو تمس هي فرجه ليتحرك عليها هل ترى بذلك بأسا؟ قال: لا وأرجو أن يعظم الأجر» (1). انتهى كلامه.
وفي شرح منهاج الشافعية لابن حجر «قال بعضهم عن الجمهور: أن عليها أي الزوجة رفع فخذيها والتحرك له.
واختار بعضهم وجوب الرفع توقف عليه الوطء دون التحرك وبعضهم وجوبه أيضا لكن إن طلبه، وبعضهم وجوبه لمريض وهرم فقط، وهو وجه.
ولو توقف على استعلائها عليه لنحو مرض اضطره للاستلقاء لم يبعد وجوبه أيضا» (2). انتهى.
ولا شك أن التغنج في معنى ذلك.
السؤال الرابع والسبعون: هل في الجنة تغنج؟
الجواب: نعم هو في الجنة.
قال في تفسير الخازن في قوله تعالى: {فَجَعَلْنََاهُنَّ أَبْكََاراً (36) عُرُباً أَتْرََاباً}
[الواقعة: 3736] قيل: هن الحور العين أنشأهن الله تعالى لم تقع عليهن ولادة فجعلنا هن أبكارا عذارى، وليس هناك وجع {عُرُباً} جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها.
__________
(1) انظر الأحكام شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي مخطوط رقم 13742 صفحة 140في كتاب اللباس.
وذكره أيضا الشرنبلالي على حاشية شرح الدرر: (1/ 314312).
(2) فتشت في شرح المنهاج فلم أجد هذا الكلام فيه(1/213)
قال ابن عباس: في رواية عنه أنها الملقة. وقيل الغنجة.
وعن أسامة بن زيد (1) عن أبيه: {عُرُباً} قال: حسان الكلام، {أَتْرََاباً}
يعني أمثالا في الخلق (2).
وقال العز بن عبد السلام (3): {عُرُباً} أي: عواشق لأزواجهن. وقيل: يتحاب بعضهن بعضا لا كضراير الدنيا، وقيل غنجات، وقيل حسنات الكلام. من قوله عليه السلام: «يعرب عنها لسانها» (4) وفي الخبر «كلامهن عربي» (5).
__________
(1) أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أبو محمد الحب بن الحب مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمه أم أيمن حاضنة النبي صلّى الله عليه وسلّم. روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن أبيه وأم سلمى وروى عنه: ابناه الحسن، ومحمد وابن عباس، وأبو هريرة وغيرهم استعمله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جيش فيه أبو بكر وعمر، فلم ينفذ حتى توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم فبعثه أبو بكر إلى الشام توفي آخر أيام معاوية سنة 58أو 59في المدينة المنورة. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (1/ 195194).، الإصابة للعسقلاني: (1/ 49).
(2) انظر تفسير الخازن: (4/ 2019).
(3) العز بن عبد السلام: هو عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي الملقب بسلطان العلماء: فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد. ولد ونشأ في دمشق وكان يتولى الخطابة في الجامع الأموي من كتبه = التفسير الكبير = و = الإلمام في الأحكام = و = الفتاوى = و = الغاية في اختصار النهاية = سافر إلى مصر وتوفي بالقاهرة سنة 660هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 524522)، هدية العارفين: (5/ 580)، الأعلام: (4/ 21).
(4) لم أجد هذا الحديث بنفس اللفظ ولكن وجدته بلفظ «الثيب تعرب عن نفسها» رواه ابن ماجه في النكاح باب: استئمار البكر والثيب رقم (1872) (1/ 587) انفرد ابن ماجه عن الكتب الستة (ط / دار الفكر).
ورواه أحمد في مسنده: (4/ 192).
(5) انظر البغوي على هامش الخازن: (4/ 19).(1/214)
السؤال الخامس والسبعون: هل يزاد في خلقة دواب الجنة؟
الجواب: ورد أنه يزاد في خلقة أهل الجنة.
قال المناوي في شرح الجامع الصغير: قال السمهودي: ما ذكر من الصفات من طول آدم وغيره ثابت، لكل من دخل الجنة فيشمل من مات صغيرا، بل جاء ما يقتضي ثبوت جميع ذلك للسقط.
فروى البيهقي بسند حسن عن المقداد (1): «ما من أحد يموت سقطا ولا هرما وإنما الناس فيما بين ذلك إلا بعث ابن ثلاث وثلاثين سنة فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم، وصورة يوسف، وقلب أيوب، ومن كان من أهل النار عظم كالجبال» انتهى (2).
__________
(1) في الأصل المقداد والصحيح أنه المقدام، والمقدام هو: المقدام بن معدي كرب بن عمرو الكندي صحابي مشهور، نزل الشام وروى عن: النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعن خالد بن الوليد ومعاذ بن جبل، وأبي أيوب الأنصاري، وجماعة.
وعنه: ابنه يحيى، وابن ابنه صالح، والشعبي، وشريح بن عبيد وغيرهم. مات سنة سبع وثمانين وقيل سنة ست وقيل سنة ثلاث للهجرة. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (5/ 508)، تقريب التهذيب للعسقلاني ص 476.
(2) انظر فيض القدير للعلامة عبد الرؤوف المناوي رقم (3928) (3/ 446).
ذكر هذا الحديث الهندي في كنز العمال عن المقدام بن معدي كرب. وعزاه إلى الطبراني رقم (39383) (14/ 490).
رواه الطبراني في المعجم الكبير عن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم (20/ 280) رقم (663). ولم أجد هذا الحديث عند البيهقي.(1/215)
وقدمنا في السؤال السابع والأربعين عن الأشباه والنظائر «ليس في الحيوان من يدخل الجنة إلا خمسة: كلب أصحاب الكهف، وكبش إسماعيل، وناقة صالح، وحمار العزير، وبراق النبي صلّى الله عليه وسلّم (1)».
وزاد في مشكاة الأنوار: «عجل إبراهيم، وبقرة موسى، وحوت يونس، ونملة سليمان، وهدهد بلقيس، وكلهم يصيرون على صورة الكبش فيدخلون الجنة» (2). انتهى.
فكونهم يصيرون على صورة الكبش مع أن منهم النملة والهدهد هو الزيادة المسؤول عنها والله أعلم.
السؤال السادس والسبعون: هل كانت الجن الذين شهدوا بدرا ركبانا أو مشاة؟
الجواب: لم يشتهر في الأخبار أن الجن كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم بدر وإنما كانت الملائكة عليهم السلام أنزلهم الله تعالى إمدادا للمسلمين وتأييدا للنبي صلّى الله عليه وسلّم، كما نص عليه الله تعالى في القرآن (3).
وإنما ورد: أن الجن أخبروا أهل مكة بقصة أهل بدر على عادتهم في
__________
(1) انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 453.
(2) بحثت في الكتب المسماة مشكاة الأنوار فلم أجد هذا الكلام ولو أن المؤلف أشار إلى صاحبه لكان أفضل.
(3) قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} {مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9/ 8] وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ بِبَدْرٍ} {مِنَ الْمَلََائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [آل عمران: 124123].(1/216)
الهواتف، كما ذكر أبو عبد الله الشبلي الحنفي في كتابة آكام المرجان في أحكام الجان عن قاسم بن جابر في الدلائل: «أنّ قريشا حين توجهت إلى بدر مرّ هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي أوقع المسلمون به، وهو ينشد بأنفل (1)
صوت ولا يرى شخصه:
أزار الحنيفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
أبادت رجالا من لؤيّ وأبرزت ... خرائد يضربن الترائب حسرا
فيا ويح من أمسى عدوّ محمد ... لقد حاد عن أرض (2) الهدى وتحيرا
فقال قائلهم: من الحنفيون؟ فقالوا: هم محمد وأصحابه، يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف، ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين» (3). انتهى.
وقد وجدنا في سيرة الشيخ علي الحلبي ما صورته، «ويقال: إنه كان مع المسلمين يوم بدر من مؤمني الجن سبعون أي، لكن لم يثبت أنهم قاتلوا فكانوا مجرد مدد» (4). انتهى كلامه.
ولم يقل أنهم كانوا ركبانا أو مشاة، لكن ربما يقال أنهم كانوا مشاة من غير دواب بدليل ما ذكره القسطلاني في مواهبه قال: وكان عدة من خرج معه صلّى الله عليه وسلّم يعني يوم بدر من أصحابه ثلاثمائة وخمسة، وثمانية وكان معهم ثلاثة
__________
(1) في آكام المرجان ورد = بأنفذ = لعله الصحيح.
(2) في آكام المرجان ورد = قصد = بدل أرض ولعله الصحيح.
(3) انظر آكام المرجان في أحكام الجان لعمر الشبلي ص (365364).
(4) انظر السيرة الحلبية للشيخ علي الحلبي، باب غزوة بدر الكبرى: (2/ 166).(1/217)
أفراس مسرجة فرس المقداد (1)، و = اليعسوب = فرس الزبير، وفرس لمرثد الغنوي (2)، لم يكن لهم خيل يومئذ غير هذه، وكان معهم سبعون بعيرا.
وكان المشركون ألفا، ويقال: تسعمائة وخمسون رجلا، معهم مائة فرس وسبعمائة بعير» (3) انتهى.
فلو كان الجن الذين حضروا مع المسلمين في غزوة بدر ركبانا لكان لهم خيل أو بعران تذكر مع خيل الصحابة، وبعرانهم لأنهم كانوا في صورة الإنس، والإنس يرونهم معهم إذ لو كانوا على صورهم الأصلية لم يكونوا مددا، ولا تكثيرا لسواد المسلمين، ولا يحصل الرعب للمشركين بكثرة المسلمين خصوصا، ولم يقاتلوا وإنما كانوا مجرد مدد كما ذكر ولا يرد أن
__________
(1) المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي أبو الأسود الزهري المعروف بن الأسود، كان أبوه حليفا لبني كندة، وكان هو حليفا للأسود بن عبد يغوث فتبناه الأسود فنسب إليه. أسلم قديما وشهد بدرا والمشاهد، وكان فارسا يوم بدر، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وروى عنه علي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وغيرهم مات سنة 33هـ بالجرف ودفن بالمدينة.
انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (5/ 508507)، الإصابة للعسقلاني: (6/ 202).
(2) مرثد بن أبي مرثد كناز بن الحصين الغنوي. له ولأبيه صحبة شهد بدرا وكان حليفا لحمزة بن عبد المطلب، وقتل مرثد رضي الله عنه يوم الرجيع في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة أربع للهجرة. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (5/ 378)، الإصابة للعسقلاني: (6/ 70).
وزاد القسطلاني فقال: = وثمانية لم يحضروها إنما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم فكانوا كمن حضرها، وكان معهم ثلاثة أفراس =.
(3) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني: (1/ 350349).(1/218)
الملائكة كانوا في صور الرجال على خيل بلق (1) ولم تذكر خيلهم مع خيل الصحابة لأن الملائكة نزلوا من السماء فقد عرف أنهم ملائكة، وعرفت خيلهم، والجن جاؤوا من الأرض في صور رجال فلو كانوا على خيل لذكرت مع خيل الصحابة والله أعلم.
السؤال السابع والسبعون: هل قتل منهم أي من الجن أحد يعني في غزوة بدر؟
الجواب: لم يرد هذا في خبر، وإنما يقال حيث كان الجن في صور الرجال، فلو قتل منهم أحد لنقل ذلك.
قال القسطلاني في مواهبه: «وكان قد استشهد يوم بدر من المسلمين أربعة عشر رجلا: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، ستة من الخزرج واثنان من الأوس» (2) انتهى.
فلو استشهد من الجن أحد وهم في صور الرجال لذكر ذلك. والله أعلم.
السؤال الثامن والسبعون: هل شهيدهم كشهيد أهل بدر؟
الجواب: لا شك أنّ الجن المؤمنين الظاهرين في صور الرجال إرهابا للعدو ونصرة للمسلمين، لو قتل أحدهم لعرف ذلك، ولعدّوا من شهداء بدر المذكورين، فإن الجني المؤمن إذا قتل في أي صورة تزيا بها فهو محترم إذا
__________
(1) بلق: البلق، محركة: سواد وبياض، كالبلقة، بالضم، وارتفاع التّحجيل إلى الفخذين. انظر القاموس المحيط لفيروز آباد، مادة = البلق =.
(2) انظر المواهب اللدينة للقسطلاني: (1/ 373).(1/219)
عرف أنه جني، فكيف لا يكون شهيدا.
قال في آكام المرجان: (رأت عائشة رضي الله عنها حية في بيتها فقتلتها فأتيت في تلك الليلة، فقيل لها إنها من النفر الذين استمعوا الوحي من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأرسلت إلى اليمن فابتيع لها أربعون رأسا فأعتقتهم.
وعن أبي مليكة أن جانا كان لا يزال يطلع على عائشة رضي الله عنها، فأمرت به فقتل، فأتيت في المنام فقيل قتلت عبد الله المسلم، فقالت: لو كان مسلما لم يطلع على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقيل لها ما كان يطلع حتى تجمعي عليك ثيابك، وما كان يجيء إلا ليستمع القرآن، فلما أصبحت أمرت باثني عشر ألف درهم ففرقت في المساكين (1).
وذكر أيضا قال: بينما عمر بن عبد العزيز (2) يمشي بأرض فلاة فإذا حية ميتة فكفنها بفضلة من ردائه ودفنها، فإذا قائل يقول: = يا سرق أشهد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ستموت بأرض فلاة فيكفنك ويدفنك رجل صالح =
__________
(1) انظر آكام المرجان في أحكام الجان لعمر الشبلي ص 101
(2) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبو حفص: الخليفة الصالح والملك العادل، وربما قيل له خامس الخلفاء الراشدين تشبيها له بهم، وهو من ملوك الدولة المروانية الأموية بالشام. ولد ونشأ بالمدينة المنورة، وولى إمارتها للوليد.
ولي الخلافة بعهد من سليمان سنة 99هـ. مدة خلافته سنتان ونصف واشتهر بعدله وحسن سياسته توفي مسموما بدير سمعان بنواحي الشام سنة 101هـ. انظر البداية والنهاية لابن كثير: (9/ 192)، شذرات الذهب: (2/ 105)، هدية العارفين:
(5/ 498)، الأعلام للزركلي: (5/ 50).(1/220)
فقال: من أنت رحمك الله؟ فقال: رجل من الجن الذين سمعوا القرآن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لم يبق منهم إلا أنا وسرق، وهذا سرق قد مات.
وعن معاذ بن عبيد الله بن معمر (1) قال: كنت جالسا عند عثمان بن عفان فجاء رجل فقال: ألا أخبرك يا أمير المؤمنين بعجب؟ بينا أنا بفلاة كذا وكذا إذا إعصاران قد أقبلا أحدهما أكبر من الآخر، فجئت معتركهما فإذا من الحيات شيء ما رأت عيناي مثله قط كثرة، وإذا ريح المسك من بعضها، وإذا حية دقيقة صفراء ميتة فقلبت (2) الحيات كيما أنظر من أيها هو، فإذا هو من حية صفراء دقيقة، وظننت أنّ ذلك لخير فيها فلففتها في عمامتي ودفنتها، فبينما أنا أمشي فناداني مناد ولا أراه، فقال: يا عبد الله ما هذا الذي صنعت؟
فأخبرته بالذي رأيت ووجدت، فقال: إنك قد هديت ذلك حيان من الجن بنو الشيصان وبنو أقيس التقوا فاقتتلوا فكان بينهم من القتلى ما قد رأيت واستشهد الذي دفنت وكان أحد الذين سمعوا الوحي من النبي صلّى الله عليه وسلّم.) (3) انتهى.
وهذا يقتضي حصول الشهادة للمؤمن من الجن إذا قتل ظلما والله أعلم.
__________
(1) معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التميمي، قال البخاري: سمع أبان وروى عنه الزهري يعد من أهل الحجاز وهو أخو عثمان، حديثه في الصحيحين عن حمران مولى عثمان، عن عثمان. وكذا في النسائي وذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وابن حبان في ثقات التابعين. انظر الإصابة للعسقلاني: (6/ 142).
(2) في آكام المرجان زيادة كلمة فقمت فقلبت.
(3) انظر آكام المرجان في أحكام الجان ص (7270).
وقال رواه الحافظ أبو القاسم الطبري عن مطلب بن شعيب.(1/221)
السؤال التاسع والسبعون: هل يجوز أن يكون النبي صبيا؟ فإن عيسى ويحيى أرسلا صبيين على قول.
الجواب: قال اللقاني في شرح جوهرته: النبوة شرعا إيحاء الله تعالى لإنسان حرّ ذكر بحكم تكليفي سواء أمره بتبليغه أم لا، فهي أعم من الرسالة إذ لا بد فيها من الأمر بالتبليغ مع ما ذكر. قال والرسول إنسان حرّ بالغ ذكر أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه» انتهى (1).
فانظر كيف لم يذكر البلوغ في جهة النبوة، وذكره في الرسالة فلا يشترط في النبي أن يكون بالغا، وإنما يشترط في الرسول.
وذكر الشيخ عبد البر الأجهوري (2) في شرحه المختصر على جوهرة اللقاني قال: «وكان إرساله صلّى الله عليه وسلّم على رأس الأربعين سنة من ولادته، كما هو العادة المستمرة في معظم الأنبياء عليهم السلام إن قلنا إلا عيسى ويحيى عليهما السلام أو جميعهم إن أوّلنا الآية، وهي قوله تعالى: {إِنِّي عَبْدُ اللََّهِ آتََانِيَ الْكِتََابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم: 30] (3) أي سيجعلني نبيا، وفي يحيى
__________
(1) انظر حاشية عبد السلام اللقاني على الجوهرة ص 117
(2) عبد البر بن عبد الله بن محمد الأجهوري: فقيه شافعي مصري له شروح وحواشي في الفقه وغيره، منها = منحة الأحباب = و = حاشية على شرح الغاية لابن قاسم = و = فتح القريب المجيد بشرح جوهرة التوحيد = توفي سنة 1070هـ.
انظر خلاصة الأثر للمحبي: (2/ 298)، الأعلام للزركلي: (3/ 273)
(3) أول الآية: {قََالَ إِنِّي عَبْدُ اللََّهِ}.(1/222)
{وَآتَيْنََاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] (1) أي سنؤتيه، وإنما استدلوا بالعادة المستمرة ولم يستدلوا بحديث: «ما نبي على رأس الأربعين» (2) لعد ابن الجوزي (3) له في الموضوعات (4)» (5) انتهى.
__________
(1) أول الآية: {يََا يَحْيى ََ خُذِ الْكِتََابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنََاهُ}.
(2) الحديث بلفظ «ما من نبي نبّئ إلا بعد الأربعين» لم أجده إلا بهذا اللفظ ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة. وقال: قال ابن الجوزي: إنه موضوع، لأن عيسى عليه السلام نبئ ورفع إلى السماء وهو ابن ثلاثة وثلاثين سنة، فاشتراط الأربعين في حق الأنبياء ليس بشيء. كذا قال: انظر المقاصد الحسنة رقم: (985)، ص (588)
(3) ابن الجوزي: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج:
علامة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف، مولده ووفاته ببغداد، ونسبته إلى = مشرعة الجوز = من محالها. له نحو ثلاث مئة مصنف منها = تلقيح فهوم أهل الآثار، و = الأذكياء وأخبارهم = و = مناقب عمر بن عبد العزيز = و = روح الأرواح = و = شذور العقود في تاريخ العهود = و = الموضوعات في الأحاديث المرفوعات = وغيرها. توفي سنة 597هـ. انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: (3/ 142140)، الأعلام للزركلي: (3/ 317316).
(4) كتاب الموضوعات الكبرى وهي الموضوعات من الأحاديث المرفوعات وهو للشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي البغدادي توفي سنة 597هـ وذكر فيها كل حديث موضوع وقد نص ابن الصلاح ومن تبعه في علوم الحديث على أن ابن الجوزي معترض عليه في كتابه الموضوعات فإنه أورد فيه أحاديث كثيرة وحكم بوضعها وليست بموضوعة بل هي ضعيفة فقط وربما تكون حسنة أو صحيحة. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 19071906).
(5) لم أجد كتاب الأجهوري وإنما وجدت هذا الكلام في حاشية محمد الأمير على شرح عبد السلام اللقاني لجوهرة التوحيد ص (12).(1/223)
ويرد على هذا أنّ عيسى عليه السلام لما رفع كان شابا كما ذكره البيضاوي، فلا يكون نبيا ولا رسولا قبل الرفع، وهو باطل وفي يحيى عليه السلام كون الماضي بمعنى المستقبل خلاف الظاهر، لأنه من باب المدح عليه السلام، ولا يكون بمستقبل، وأيضا فإن القرآن نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد يحيى عليه السلام فلا يصح أن يكون «آتينا» بمعنى سنؤتي، فالصواب استثناء عيسى ويحيى عليهما السلام (1).
وقال السعد التفتازاني (2) في شرح مقاصده (3): «من شروط النبوة الذكورة،
__________
(1) انظر تفسير البيضاوي سورة مريم: (4/ 64).
قال اللقاني في شرح الجوهرة: واختلفوا في اشتراط البلوغ مع اتفاقهم على جواز أن يبعث الله نبيا صغيرا لكنهم اختلفوا في الوقوع وعدمه، فذهب إلى الأول الفخر الرازي مستندا لآيتي عيسى ويحيى.
ومنعه ابن العربي وآخرون، وتأولوا الآيتين على أنهما إخبار عما سيجب لهما حصوله لا عما لهما بالفعل والله أعلم. انظر حاشية عبد السلام اللقاني على جوهرة التوحيد ص: (115).
(2) السّعد التّفتازاني: مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، سعد الدين من أئمة العربية والبيان والمنطق. ولد بتفتازان (من بلاد خراسان) وأقام وتوفي في سمرقند كانت في لسانه لكنة. من كتبه = تهذيب المنطق = و = المطول = في البلاغة و = المختصر = اختصر به شرح تلخيص المفتاح، و = مقاصد الطالبين = في الكلام و = شرح مقاصد الطالبين = وهو أول من صنف من الكتب وكان عمره ست عشرة سنة توفي سنة 793هـ. انظر الدرر الكامنة:
(5/ 120119)، هدية العارفين: (6/ 429)، الأعلام للزركلي: (7/ 219).
(3) كتاب المقاصد في علم الكلام للعلامة سعد الدين التفتازاني، رتبه على ستة مقاصد، وفرغ من تأليفه سنة 784هـ بسمرقند. وله عليه شرح جامع، وقد توفي سنة 793هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 17811780).(1/224)
وكمال العقل، والذكاء، والفطنة، وقوة الرأي، ولو في الصبا كعيسى ويحيى عليهما السلام» (1).
وقال البيضاوي «في قوله تعالى: {قََالَ إِنِّي عَبْدُ اللََّهِ آتََانِيَ الْكِتََابَ}
[مريم: 30] الإنجيل {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبََارَكاً} [مريم: 31] (2)
نفاعا معلما للخير، والتعبير بلفظ الماضي إما باعتبار ما سبق في قضائه أو بجعل المحقق وقوعه كالواقع. وقيل أكمل الله عقله واستنبأه طفلا» (3).
وقال أيضا في قوله تعالى: {يََا يَحْيى ََ خُذِ الْكِتََابَ} التوراة {بِقُوَّةٍ}
بجد واستظهار بالتوفيق {وَآتَيْنََاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} يعني الحكمة وفهم التوراة، وقيل: النبوة أحكم الله عقله في صباه واستنبأه» (4).
السؤال الثمانون: لأي شيء أوخذ العبد على ما اكتسبه، فإن الله خالق جميع أفعاله؟
الجواب: قال تعالى: {اللََّهُ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] (5) وقال تعالى: {وَاللََّهُ خَلَقَكُمْ وَمََا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] فالله خالق جميع أفعال العباد، أي مقدّرها على مقتضى ما علمها، وموجدها على مقتضى تقديره
__________
(1) انظر شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني: (5/ 61).
(2) تتمة الآية: {جَعَلَنِي مُبََارَكاً أَيْنَ مََا كُنْتُ وَأَوْصََانِي بِالصَّلََاةِ وَالزَّكََاةِ مََا دُمْتُ حَيًّا}.
(3) انظر تفسير البيضاوي سورة = مريم =: (4/ 6).
(4) انظر تفسير البيضاوي تفسير سورة = مريم =: (4/ 4).
(5) تتمة الآية: {وَهُوَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}.(1/225)
لها، ومن جملة ما يخلق للعباد جزاءهم في الآخرة على ما يعملون من خير وشر. وما يخلق ذلك الجزاء إلا بعد أن قدره، وما قدره إلا بعد أن علم أنه يصيبهم فالمؤاخذة بالجزاء لهم في الآخرة، علم أنها تقع لهم فقدّرها عليهم، وقضى بها فلا يسأل عما يفعل لأنه لا يفعل إلا ما قدر، ولا يقدّر إلا ما علم ولا يعلم إلا ما هم عليه في غيابة العدم، فإنه علام الغيوب وجميع أفعاله على مقتضى ما علم من جميع المعلومات قبل وجودها ولا يظلم ربك أحدا يسألون عما يفعلون لأنهم وأفعالهم من جنس واحد، حوادث كشف عنها بعلمه فوجدها تفعل كذلك فقدر عليها ما وجده منها فأوجدها على طبق ما قدره عليها مما علمها فيه. وكونها تسأل وتؤاخذ من جملة ما علمه منها فقدره عليها فأظهره منها والله بصير بالعباد.
السؤال الحادي والثمانون: هل نبوة النبي أفضل من رسالته؟
الجواب: قال اللقاني في شرح جوهرته: «تردد الفضلاء في أفضلية الرسالة على النبوة وعكسه، ومحل الخلاف قيامهما بشخص واحد.
ومال العز بن عبد السلام إلى أن نبوته أفضل لقصرها على الحق، إذ هي الإيحاء بما يتعلق بالباري من غير ارتباط له بالخليقة أما رسالة قائمة بشخص، ونبوة فقط قائمة بآخر فلا خلاف في أفضلية الرسالة في هذا الغرض من النبوة ضرورة جمع الرسالة لها مع زيادة» (1).
__________
(1) انظر اللقاني في شرح الجوهرة: ص (17).(1/226)
السؤال الثاني والثمانون: هل يوصف الحق تعالى بالإدراك؟
الجواب: يعني أن الله تعالى يوصف بإدراك الملموسات والمشمومات والمذوقات، أم لا يوصف؟ فهذه مسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
الاتصاف بالإدراك وعدم الاتصاف به والتوقف أما الاتصاف: فقد ذهب إليه الباقلاني (1) وإمام الحرمين (2) ومن وافقهما.
وقال اللقاني في شرح جوهرته: يجب أن يثبت له تعالى صفة أزلية قائمة بذاته على صفة العلم والسمع والبصر، اسمها الإدراك متعلقة بالملموسات والمشمومات والمذوقات من غير اتصال بها، ولا تكيف بكيفياتها؟ وهو مذهب القاضي (3) وإمام الحرمين ومن وافقهما (4) [وأجمعوا على امتناع إطلاق لفظ
__________
(1) القاضي الباقلاني محمد بن الطيب بن محمد، أبو بكر: قاض، من كبار علماء الكلام. انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة، وسكن بغداد فتوفي فيها. كان جيد الاستنباط، سريع الجواب. من كتبه = إعجاز القرآن = و = الإنصاف = و = مناقب الأئمة = و = دقائق الكلام = و = الملل والنحل = و = هدية المرشدين = و = البيان عن الفرق بين المعجزة والكرامة = توفي سنة 403هـ. انظر تاريخ بغداد: (5/ 379)، وفيات الأعيان لابن خلكان: (4/ 270269). هدية العارفين: (6/ 59).
(2) إمام الحرمين: هو ضياء الدين أبو المعالي، عبد الملك ابن الشيخ أبي محمد الجويني، إمام الأئمة في زمانه، حرر = النهاية = ورتبها وأملاها. انظر طبقات الشافعية للأسنوي: (1/ 198197). طبقات السبكي: (5/ 165، شذرات الذهب: (5/ 340)
(3) أي القاضي الباقلاني الذي سبق ترجمته.
(4) عبارة اللقاني هي: فذهب القاضي وإمام الحرمين ومن وافقهما إلى إثباتها لأن(1/227)
الشم والذوق واللمس عليه تعالى لما تؤذن به من الاتصالات وتجدد الكيفيات وكل ذلك في حق من تنزه عن الحدوث في ذاته وصفاته محال.] (1)
وأما عدم الاتصاف فقد ذهب إليه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائني (2) قال السنوسي (3)
في شرح القصيدة الجزائرية (4) في علم التوحيد: «وذهب الأستاذ إلى نفي هذه
__________
الإدراكات المتعلقة بهذه الأشياء زائدة على العلم بها، للتفرقة الضرورية بينهما وأيضا هي كمالات، وكل حي قابل لها، فإذا لم يتصف بها اتصف بأضدادها، وهي نقص لأن معها فوت كمال، والنقص في حقه تعالى محال، فوجب أن يتّصف سبحانه وتعالى بتلك الإدراكات زائدة على علمه تعالى انظر شرح جوهرة التوحيد للقاني: ص (113112).
(1) ما بين قوسين [] لا توجد في شرح الجوهرة.
(2) الأسفرائني: ركن الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشافعي يعرف بالاسفرائني توفي سنة 418هـ. صنف = أدب الجدل = و = الجامع الجلي والخفي في أصول الدين والرد على الملحدين = و = العقيدة = و = شرح فروع ابن الحداد = و = معالم الإسلام = و = نور العين في مشهد الحسين =. انظر هدية العارفين للبغدادي: (5/ 8)، شذرات الذهب لابن العماد: (5/ 9190).
(3) السّنوسي: محمد بن يوسف بن عمر السنوسي الحسني، من جهة الأم. أبو عبد الله:
عالم تلمسان في عصره، وصالحها. له تصانيف كثيرة، منها = شرح صحيح البخاري = لم يكمله و = شرح جمل الخونجي = في المنطق = و = عقيدة أهل التوحيد = و = شرح لامية الجزائري = في التوحيد وغيرها توفي سنة 895هـ. انظر الأعلام للزركلي: (7/ 154)، فهرس الفهارس للكتاني: (2/ 999998)، ولم يترجم له صاحب شذرات الذهب.
(4) اللامية الكلامية. للشيخ الإمام أحمد بن عبد الله الجزائري أولها من البسيط:
الحمد لله وهو الواحد الأزلي ... سبحانه جل عن شبه وعن مثل الخ
شرحها العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسني المتوفي سنة 895هـ.
وشرحها الشيخ قاسم الخاقاني شرحا موجزا أخذه من شرح السنوسي.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 15401539).
نفي هذه الادراكات وجعل الإحاطة بمتعلقها داخلا في علمه تعالى. وأما الوقف عن القول بثبوته وانتفائه من غير جزم بأحدهما وهو مختار المقترح ابن التلمساني (1) وبعض المتأخرين» انتهى.(1/228)
نفي هذه الادراكات وجعل الإحاطة بمتعلقها داخلا في علمه تعالى. وأما الوقف عن القول بثبوته وانتفائه من غير جزم بأحدهما وهو مختار المقترح ابن التلمساني (1) وبعض المتأخرين» انتهى.
والأرجح عندي هو القول الثاني بأن الله تعالى لا يوصف بذلك لأن الله تعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به نبيه صلّى الله عليه وسلّم وما لا فلا من غير توقف في ذلك، ولم يرد في الشرع وصف الله تعالى بصفة الإدراك فلا معنى للوصف بها ولا للتوقف في ذلك، وواجب إدخال ذلك تحت صفة العلم المحيط بكل شيء.
السؤال الثالث والثمانون: هل الملائكة عليهم السلام مكلفون بمعرفة الله تعالى؟
__________
(1) ابن التلمساني: محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي، أبو عبد الله التلمساني: فقيه نحوي. كان شيخ شيوخ وقته في تلمسان. من كتبه = شرح لامية الأفعال = لابن مالك، في الصرف، و = شرح جمل الخونجي = في المنطق، و = العروة الوثقى في تنزيه الأنبياء في مزية الإلقا = و = فتاوى =. توفي بالطاعون سنة 871هـ. انظر الضوء اللامع: (1/ 278)، الأعلام للزركلي: (6/ 183).(1/229)
الجواب: نعم الملائكة عليهم السلام مكلفون بمعرفة الله تعالى، وغيرها مما هم مكلفون به من الطاعات التي يعملونها، والتدابير التي يصنعونها.
قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ لََا يَسْتَكْبِرُونَ} (1)
[النحل: 49] عن عبادته {يَخََافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} يخافون أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم أو يخافونه وهو فوقهم بالقهر، {وَيَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ} من الطاعة والتدبير وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء» (2).
وقال في قوله تعالى: {«لََا يَعْصُونَ اللََّهَ مََا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ} (3) [التحريم: 6] فيما يستقبل ولا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به» (4).
وفي المواهب اللدنية: «إنه عليه السلام أرسل إلى الملائكة في أحد القولين، ورجحه السبكي (5). قال تعالى: {تَبََارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقََانَ عَلى ََ عَبْدِهِ لِيَكُونَ}
__________
(1) أول الآية: {وَلِلََّهِ يَسْجُدُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ} {وَيَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 5049].
(2) انظر تفسير البيضاوي أنوار التنزيل وأسرار التأويل تفسير سورة النحل: (3/ 183).
(3) أول الآية: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {لََا يَعْصُونَ} [التحريم: 6].
(4) انظر أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي سورة التحريم: (5).
(5) تقي الدين السبكي: علي بن عبد الكافي السبكي الأنصاري الخزرجي، أبو الحسن شيخ الإسلام في عصره، وأحد الحفاظ المفسرين المناظرين، وهو والد التاج السبكي صاحب الطبقات، ولد في سبك (من أعمال المنوفية بمصر) انتقل إلى الشام. وولي قضاء(1/230)
{لِلْعََالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان: 1] ولا نزاع أن المراد بالعبد ههنا نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، والعالم هو ما سوى الله تعالى، فيتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة، وبطل بذلك قول من قال: إنه كان رسولا إلى البعض دون البعض، لأن لفظ «العالمين» يتناول جميع المخلوقات، فتدل الآية على أنه رسول إلى جميع الخلق.
ولو قيل لمدعي = خروج الملائكة من هذا العموم = أقم الدليل عليه ربما عجز عنه، فإنه يحتمل أن يكون من الملائكة من أنذره صلّى الله عليه وسلّم إما ليلة الإسراء وإما غيرها. لكن لا يلزم من الإنذار والرسالة إليهم في شيء خاص أن يكون بالشريعة كلها» (1).
السؤال الرابع والثمانون: هل العلم صفة واحدة ويتعدد بتعلقاته؟
الجواب: نعم العلم الإلهي كذلك صفة واحدة، والتعدد في معلوماته التي هي متعلقات تلك الصفة الواحدة.
قال السنوسي في شرح الجزائرية: «وعلمه تعالى لا يتعدد بتعدد المعلومات، بأن يعلم كل معلوم بعلم يخصّه كما هو في حقنا. بل هو جلّ
__________
الشام سنة 739هـ من كتبه = الدر النظيم = في التفسير و = مختصر طبقات الفقهاء = و = إحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس = و = شفاء السقام في زيارة خير الأنام = توفي في مصر سنة 756هـ.
انظر طبقات الشافعية للأسنوي: (2/ 350)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 720)، الأعلام للزركلي: (4/ 302).
(1) انظر المواهب اللدنية للقسطلاني: (2/ 648).(1/231)
وعلا يعلم المعلومات التي لا نهاية لها بعلم واحد. ولهم في ذلك أدلة أخصرها أنّ علمه تعالى لما وجب له التعلق بما لا نهاية له لئلا يلزم حدوثه وافتقاره إلى المخصص. لو اختص تعلقه ببعض المعلومات دون بعض وإذا وجد العلم الواحد العموم أولا فلو وجد له تعالى علم ثان لوجب أن يكون مثل الأول في الحقيقة والأزلية والعموم، وذلك يستلزم اجتماع المثلين وتحصيل الحاصل» (1).
السؤال الخامس والثمانون: ما الفرق بين الطنب والإطناب، والأقتصار والإيجاز؟
الجواب: «الطنب بفتحتين طول ظهر الفرس، وهو عيب عندهم، وهو مصدر من باب تعب، وفرس أطنب وطنباء مثل أحمر وحمراء، وأطنبت الريح إطنابا اشتدت في غبار. ومنه يقال أطنب الرجل إذا بالغ في قوله، إذا مدح أو ذم» (2) كذا في المصباح.
__________
(1) لم أجد هذا الكتاب.
(2) انظر المصباح المنير للعلامة أحمد الفيومي: مادة = طنب =.
كتاب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: للشيخ الإمام أحمد بن محمد بن علي الفيومي جمع فيه غريب شرح الوجيز للرافعي وأضاف إليه زيادات من لغة وغيره ومن الألفاظ المشتبهات وقسم كل حرف منه باعتبار اللفظ إلى مكسور الأول ومضمومه ومفتوحه إلى أفعال بحسب أوزانها ثم اختصره على النهج المعروف ليسهل تناوله وتوفي سنة 77هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1710).(1/232)
وفي القاموس (1): «الطنب بفتحتين: اعوجاج في الرّمح، وطول في الرّجلين في استرخاء، وطول في الظّهر، وهو عيب. وأطنبت الرّيح: اشتدّت في غبار، والإبل: اتّبع بعضها بعضا في السّير، والنّهر: بعد ذهابه، والرّجل: أتى بالبلاغة في الوصف، مدحا كان أو ذمّا» (2).
وفي المصباح: «قصر الشيء بالضم قصرا وزان عنب خلاف طال فهو قصير ويتعدى بالتضعيف فيقال: قصّرته وعليه قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (3) [الفتح: 28]. وفي لغة قصرته وأقصرته، إذا أخذت من طوله» (4).
ويقال: «(وجز) اللفظ بالضم وجازة فهو وجيز أي قصير ويتعدى بالحركة والهمزة فيقال وجزته من باب وعد، وأوجزته وقد يقال وجز في كلامه وأوجز» (5).
__________
(1) كتاب القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من كلام العرب للإمام مجد الدين بن محمد بن يعقوب الفيروز آبادي المتوفي سنة 817هـ ومن أحسن ما اختص به هذا الكتاب تخليص الواو من الياء وذلك قسم. وقيل: وقد ميز فيه زياداته على الصحاح بحيث لو أفردت لجاءت قدر الصحاح.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 13101306)
(2) القاموس المحيط لفيروز آبادي: مادة = الطنب =
(3) أول الآية: {لَقَدْ صَدَقَ اللََّهُ رَسُولَهُ} {مُحَلِّقِينَ} [الفتح: 27/ 48].
(4) المصباح المنير لأحمد بن محمد الفيومي: مادة قصرت.
(5) انظر المصباح المنير للعلامة أحمد الفيومي: مادة = وجز =.(1/233)
وقال في صحاح الجوهري: (1) «الاقتصار على الشيء الاكتفاء به. وأقصرت عنه:
كففت ونزعته مع القدرة عليه، فإن عجزت عنه قلت: قصرت، بلا ألف» (2).
«وأوجزت الكلام: قصّرته.
وكلام موجز وموجز، ووجز ووجيز» (3).
السؤال السادس والثمانون: كم درجات الإخلاص؟
الجواب: الإخلاص (4) هو تخليص العمل لله تعالى، وهو على ثلاث درجات، وكل درجة على ثلاث درجات فأول الدرجات إخلاص العوام من المؤمنين وهو ثلاث درجات.
__________
(1) كتاب صحاح اللغة (الصحاح في اللغة) للإمام أبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفي سنة 393هـ. قال التبريزي: وكتاب الصحاح هذا كتاب حسن الترتيب سهل المطلب لما يراد منه وقد أتى بأشياء حسنة وتفاسير مشكلات في اللغة إلا أنه مع ذلك فيه تصحيف لا نشك في أنه من المصنف لا من الناسخ لأن الكتاب مبني على الحروف ولا تخلو هذه الكتب الكبار من سهو يقع فيها. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة:
(2/ 10731071)، الأعلام للزركلي: (1/ 310309).
(2) انظر الصحاح في اللغة والعلوم تجديد صحاح العلامة الجوهري للشيخ عبد الله العلائلي مادة = قصر =.
(3) انظر الصحاح في اللغة والعلوم تجديد صحاح العلامة الجوهري للشيخ عبد الله العلائلي مادة = وجز =.
(4) وقال أبو جمرة الخراساني في طبقات الأولياء يسئل عن الإخلاص فقال: الخالص من الأعمال ما لا يحب أن يجده عليه إلا الله تعالى. انظر طبقات الأولياء لابن الملقّن: ص (156).(1/234)
الدرجة الأولى: أن يعبد الله تعالى وحده ولا يعبد غيره.
الثانية: أن يعبد الله تعالى وحده طمعا في جزائه تعالى لا ليراه الناس فيمدحونه أو يتركون مذمته.
الثالثة: أن يعبد الله تعالى امتثالا لأمره لا طمعا في جزائه.
وثاني الدرجات: إخلاص الخواص من المؤمنين، وهو ثلاث درجات أيضا.
فأول الدرجات: أن يعبد الله تعالى بالله تعالى لا بنفسه، والثانية أن تظهر عليه منّة الله تعالى، فيجد العمل فضلا من الله تعالى عليه لا عملا.
والثالثة: أن يغيب عن نفسه وعن عمله باستغراقه في تجلي ربه عليه به.
وثالث الدرجات: إخلاص خواص الخواص من المؤمنين، وهو ثلاث درجات أيضا.
فأول الدرجات: أن يتجلى عليه ربه به، فلا يرى إلا الله في مقام الأفعال، ولا يرى نفسه ولا غيره فيشهد الرب نفسه فعّالا لما يريد.
والثانية: يشهد الرب نفسه مسمى بجميع الأسماء، موصوفا بجميع الصفات.
والثالثة: أن تغيب الأسماء والصفات كلها وتنطمس الحدود والمقادير بأسرها، ولا يبقى إلا وجود الواحد الأحد على ما هو عليه، وينطوي الزمان ويرجع الأزل إلى الأبد، كما قال صلّى الله عليه وسلّم:(1/235)
«كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان» (1) وهذا مقدار ما يمكن التعبير عنه من درجات الإخلاص في حق العوام والخواص وخواص الخواص، وفوق ذلك درجات أخرى لا يعلم بها إلا الله تعالى.
السؤال السابع والثمانون: هل علم الكلام يسمى شرعيا؟
الجواب: لا يسمى علم الكلام شرعيا.
قال في شرح الدرر من كتاب الكراهية والاستحسان: «رجل خرج في طلب العلم بغير إذن والديه فلا بأس به، ولم يكن عقوقا. قيل: هذا إذا كان ملتحيا، وإن كان أمرد فلا بد أن يمنع من الخروج نقل ذلك عن فتاوى قضيخان، ثم قال: مراده بالعلم الشرعي وما ينتفع به دون علم الكلام
__________
(1) الحديث ذكره علي القادري في كتاب الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة قال:
ثابت ولكن الزيادة وهي قولهم: = وهو الآن على ما هو عليه = من كلام الصوفية، ويشبه أن يكون من مفتريات الوجودية، القائلة بالعينية، المخالفة للنص بالمعية، في المرتبة الشهودية. انظر الأسرار المرفوعة للقادري ص (261).
وذكره العجلوني في كشف الخفا وقال رواه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة بلفظ «كان الله ولا شيء معه» وقال الزيادة من كلام الصوفية انظر كشف الخفا للعجلوني:
(2/ 119) رقم الحديث (2009).
ورواه الحاكم في المستدرك برواية: «كان الله ولا شيء غيره» وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. رواه الحاكم في كتاب التفسير، تفسير سورة هود (2/ 341).(1/236)
وأمثاله لما روي عن الإمام الشافعي (1) أنه قال: لأن يلقى الله عبد بأكبر الكبائر خير من أن يلقاه بعلم الكلام، فإذا كان هذا حال علم الكلام المتداول في زمانهم هكذا، فما ظنك بالكلام المخلوط بهذيانات الفلاسفة المغمور بين أباطيلهم المزخرفة» (2).
وذكر الوالد رحمه الله تعالى في شرحه على شرح الدرر قال: «تعلم علم الكلام والنظر فيه والمناظرة وراء قدر الحاجة منهي عنه. كما في الظهيرية (3)
__________
(1) الإمام الشافعي: هو محمد بن إدريس الشافعي، المطلبي المكي، نزيل مصر، عالم قريش، مجدد الدين على رأس المائتين، حفظ القرآن ابن سبع، والموطأ ابن عشر، وأفتى وهو ابن خمس عشرة، وكان يحيي الليل إلى أن مات، مناقبه جمة أفردها العلماء بالتصانيف، له مصنفات كثيرة منها: = الأم = في الفقه، و = المسند = في الحديث، و = أحكام القرآن = في أصول الدين، و = فضائل قريش = و = أدب القاضي = توفي في مصر وقبره معروف بالقاهرة سنة 204هـ.
وقال المبرد: كان الشافعي أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت. انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي: (1/ 4644)، هدية العارفين: (6/ 9)، الأعلام للزركلي: (6/ 26).
(2) انظر درر الحكام في شرح غرر الحكام للعلامة منلا خسرو كتاب الكراهة والاستحسان (1/ 323) كتاب نادر رقم و (4671).
(3) كتاب الفتاوى الظهيرية لظهير الدين أبي بكر محمد بن أحمد القاضي المحتسب ببخارا البخاري الحنفي المتوفي سنة 619هـ ذكر فيها أنه جمع كتابا من الواقعات والنوازل مما يشتد الافتقار إليه.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 226).(1/237)
والخلاصة وغيرها.
وفي عمدة المفتي (1) كره جماعة الاشتغال بالكلام. قال أبو الليث الحافظ (2): من اشتغل بالكلام محي اسمه من العلماء (3)».
السؤال الثامن والثمانون: ما الواجب الذي لا ثواب فيه؟
الجواب: الواجب الذي لا ثواب فيه كثير، فمنه غسل النجاسة المانعة من صحة الصلاة فرض للصلاة، ولا ثواب فيه إلا بالنية، وكذلك ستر العورة فرض ولا ثواب فيه إلا بالنية، وكذلك الوضوء والغسل بلا نية صحيحان عند الحنفية ولا ثواب فيهما لعدم النية مع أن ذلك فرض لصحة الصلاة.
وكذلك الصلاة في الثوب الحرام، وبالوضوء والغسل بالماء الحرام، والصلاة في الأرض المغصوبة، والحج بالمال الحرام، كل ذلك فرائض مسقطات للفرض عن الذمة، ولا ثواب فيها. وكذلك الأكل مقدار ما يدفع
__________
(1) كتاب عمدة المفتين، هو روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي سبق ترجمته.
(2) أبو الليث السمرقندي: نصر بن محمد السمرقندي، أبو الليث، الملقب بإمام الهدى: علامة، من أئمة الحنفية. من الزهاد المتصوفين. له تصانيف نفيسة، منها = تفسير القرآن = وله = عمدة العقائد = و = بستان العارفين = و = خزانة الفقه = و = تنبيه الغافلين = و = شرعة الإسلام = فقه وغير ذلك توفي سنة 373هـ.
انظر الفوائد البهية ص 362، والأعلام للزركلي: (8/ 27).
(3) انظر الأحكام شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي باب الكراهة والاستحسان مخطوط رقم (13742) ص (167).(1/238)
الهلاك عن نفسه فرض ولا ثواب فيه إلا بالنية، ومثل ذلك وفاء الديون، ورد المغصوب والمظالم فرض ولا ثواب فيه إلا بالنية. فلو لم ينو في ذلك كله صح منه وسقط عنه الفرض ولا ثواب له إلا بالنية.
السؤال التاسع والثمانون: ما الفرق بين الحديث والخبر، والعيان والمعاينة؟
الجواب: قال في المصباح: «الحديث ما يتحدث به وينقل، ومنه حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» (1).
قال: «والخبر ما ينقل ويتحدث به» (2).
«ويقال عاينته معاينة وعيانا» (3) انتهى.
فالحديث معناه الخبر والعيان والمعاينة مصدران بمعنى واحد. وقيل: الحديث ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، والخبر ما جاء عن غيره وقيل: الخبر أعم من الحديث فهو يطلق عليه باعتبار وصوله إلينا إما أن يكون متواترا (4)، أو عزيزا (5)، أو
__________
(1) انظر المصباح المنير للعلامة أحمد الفيومي مادة = حدث =.
(2) انظر المصباح المنير للعلامة أحمد الفيومي مادة = خبرت =.
(3) انظر المصباح المنير للعلامة أحمد الفيومي مادة = العين =.
(4) الحديث المتواتر: هو ما رواه جماعة غير محصورة بعدد في كل طبقة من طبقاته، تحيل العادة تواطؤهم أو توافقهم على الكذب، ويكون مستندهم الحس:. انظر شرح النخبة للعسقلاني 161.
(5) الحديث العزيز: = ما كانت طرقه محصورة باثنين = وعرّفه ابن حجر في النّخبة بقوله:
= هو ألّا يرويه أقّل من اثنين عن اثنين. = انظر شرح النخبة للعسقلاني (197).(1/239)
مشهورا (1)، أو غريبا (2) وتمامه مفصل في كتب علم اصطلاح الحديث.
السؤال التسعون: هل الجسم والجوهر مترادفان أم بينهما فرق؟
الجواب: الجسم هو المركب من الأجزاء التي لا تتجزأ، وأقلها جزءان أو ثلاثة أجزاء، والجوهر هو كل جزء لا يتجزء من هذه الأجزاء التي يتركب منها الجسم، كما هو مستفاد من عبارة السعد التفتازاني (3) في شرح عقائد النسفي وغيره.
__________
(1) الحديث المشهور: = ماله طرق محصورة بثلاثة فأكثر ولم يصل إلى حد التواتر = وعرّفه ابن حجر في النخبة بقوله: = ماله طرق محصورة بأكثر من اثنين = انظر شرح النخبة: للعسقلاني (192).
(2) الحديث الغريب: = وهو الحديث الذي يتفرّد بروايته راو واحد في أي موضع وقع التفرد به من السّند =.
انظر شرح النخبة للعسقلاني (209208).
(3) قال سعد التفتازاني في شرح عقائد النسفي: الجسم إما مركب من جزئين فصاعدا وهو الجسم وعند البعض لا بد من ثلاثة أجزاء لتحقق الأبعاد الثلاثة، أعني: الطول، والعرض، والعمق، أو غير مركب كالجوهر يعني العين الذي لا يقبل الانقسام إلا فعلا ولا وهما ولا فرضا وهو الجزء الذي لا يتجرأ، فإن ما لا يتركب لا ينحصر عقلا في الجوهر. انظر شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص (76).
وقد ذكره التفتازاني بالتفصيل في شرح عقائد النسفي من ص (10076).
كتاب عقائد النسفي وهو للشيخ نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد المتوفي سنة 537هـ وهو متن متين اعتنى به جم من الفضلاء فشرحه العلامة سعد الدين التفتازاني المتوفي سنة 791هـ قال إن المختصر المسمى بالعقائد يشتمل على غرر الفوائد في ضمن فصول هي للدين قواعد وأصول مع غاية من التنقيح والتهذيب الخ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1145)(1/240)
وهذا على قاعدة مذهب أهل السنة. وأما على طريقة الحكماء، ففي شرح التجريد (1) للقوشجي (2): «الممكن إما أن يكون موجودا في الموضوع وهو المحل المتقوم بنفسه، وهو العرض أو لا يكون موجودا في الموضوع وهو الجوهر، والجوهر أما مفارق عن المادة في ذاته وفعله أي لا يحتاج إليها وهو العقل أو مفارق عن المادة في ذاته دون فعله وهو النفس أو مقارن للمادة فإما أن يكون محلا لجوهر آخر وهو الهيولى أو يكون حالا في جوهر آخر، وهو الصورة أو
__________
(1) كتاب تجريد الكلام للعلامة محمد بن محمد الطوسي ت 672هـ أوله أما بعد: حمد واجب الوجود إلخ قال: فإني مجيب إلى ما سئلت من تحرير مسائل الكلام وترتيبها على أبلغ النظام مشيرا إلى غرر فرائد الأعتقاد ونكت مسائل لأجتهاد. إلخ. ولأهمية هذا الكتاب فقد قام بشرحه عدد كبير من العلماء. ومن العلماء الذين قاموا بشرحه المولى المحقق علاء الدين علي بن محمد الشهير بقوشجي المتوفي سنة 879هـ شرحه شرحا لطيفا ممزوجا. أوله خير الكلام حمد الله الملك العلام إلخ لخص فيه فوائد الأقدمين أحسن وأضاف إليها نتائج فكره مع تحرير سهل وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 348346).
(2) القوشجي: هو علي بن محمد القوشجي، علاء الدين: فلكي رياضي، من فقهاء الحنفية.
أصله من سمرقند (ما وراء النهر) ومعنى القوشجي في لغتهم حافظ البازي صنف = شرح التجريد = للطوسي وألف رسائل في الحساب سماها = المحمدية = ورسائل في علم الهيئة سماها = الفتحية = فأعطاه محمد خان مدرسة = أيا صوفيا = فأقام بالأستانة وتوفي فيها سنة 879هـ.
انظر هدية العارفين: إسماعيل البغدادي (5/ 736). انظر الأعلام للزركلي: (5/ 9).(1/241)
ما يتركب منهما أي: من الجوهرين الحال والمحل، وهو الجسم». انتهى (1).
والحاصل أن الجوهر عند الحكماء اسم للفعل والنفس والهيولى والصورة.
والجسم عندهم هو المركب من الهيولى والصورة.
السؤال الحادي والتسعون: ما الفرق بين الرضا والمحبة؟.
الجواب: لا فرق بينهما.
قال في المصباح: «المحبة ميل القلب إلى الشيء وقد يكون بالتفضيل له على غيره (2)».
«ورضيت الشيء ورضيت به رضى اخترته وارتضيته مثله، وراضيته مراضاة ورضاء مثل وافقته موافقة ووفاقا وزنا ومعنى (3)».
وقال البيضاوي: {«يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} (4) أي يرضى عنكم (5)».
فإن الله لا يحب الكافرين لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم.
وفي شرح الجوهرة لللقاني: «والرضا ترك الاعتراض (6)».
__________
(1) انظر شرح التجريد للقوشجي كتاب نادر رقم و (2794) (1/ 344343) بمكتبة الأسد بدمشق.
(2) رجعت إلى المصباح في مادة = حب = فلم أجد هذا الكلام فيه.
(3) انظر المصباح المنير للعلامة الفيومي مادة = رضيت =.
(4) أول الآية {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ} {وَاللََّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
(5) انظر تفسير البيضاوي سورة آل عمران (2/ 13).
(6) انظر شرح جوهرة التوحيد للقاني ص (29). وقال لعل أصل العبارة بمعنى ترك(1/242)
وفسره بعضهم بالإرادة من غير اعتراض، وترادفه المحبة، وهذا في المحبة القديمة، وأما المحبة الحادثة فهي ميل النفس إلى الشيء لكمال دركته فيه بحيث يحملها على ما يقرب إليه.
السؤال الثاني والتسعون: على القول بأن الله يوصف بالإدراك، ما الفرق بينه وبين الإرادة والعلم؟.
الجواب: سبق الكلام في اتصاف الله تعالى بالإدراك على ثلاثة أقوال:
الاتصاف، وعدمه، والتوقف. وعلى القول بالاتصاف بالإدراك، فهو صفة لله تعالى قديمة أزلية زائدة على صفة العلم والسمع والبصر، كما قدمناه وزائدة أيضا على الإرادة وغيرها من باقي الصفات (1).
السؤال الثالث والتسعون: هل الاستفهام الحقيقي والإنكاري والتوبيخي، وارد في القرآن، وفي كلام العرب؟ وما حد كل واحد، وما مثاله؟
__________
الاعتراض تفسير الرضا وصلح الملوي كلام الشارح بأن الرضا قد يصاحبه الاعتراض أي ولو بوجه ما كما قال ابن مالك: وتقتضي رضا بغير سخط. انظر: = جوهرة التوحيد = ص (29).
وقال القوشجي في شرح التجريد: الرضا عند المعتزلة هو الإرادة وعندنا ترك الأعتراض، والترك عدم فعل المقدور.
والمحبة قيل هي الإرادة فمحبة الله لنا إرادته لكرامتنا، ومحبتنا لله إرادتنا لطاعته.
شرح التجريد للقوشجي كتاب نادر رقم: (2794) (2/ 257).
(1) انظر جوهرة التوحيد تحفة المريد للبيجوري (8475).(1/243)
الجواب: قال في المغني لابن هشام (1) «في الهمزة تكون للاستفهام، وحقيقته طلب الفهم، نحو = أزيد قائم؟ = وفي قراءة الحرمين (2) وحمزة (3)
__________
(1) كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب في النحو للشيخ جمال الدين عبد الله المعروف بابن هشام النحوي المتوفي سنة 762هـ صنف هذا التصنيف على أحسن أحكام.
وأنشأ فيه الإعراب عن قواعد الأعراب فحسن وقعه عند أولي الألباب.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 17541752).
(2) الحرميان: هما ابن كثير: عبد الله بن كثير الداري المكي أبو معبد: أحد القراء السبعة. كان قاضي الجماعة بمكة، وكانت حرفته العطارة وهو فارسي الأصل مولده ووفاته بمكة توفي سنة 120هـ. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (3/ 224223).
ونافع بن عبد الرحمن المدني: أحد القراء السبعة المشهورين. كان أسود، شديد السواد، أصله من أصبهان اشتهر في المدينة وانتهت إليه رياسة القراءة فيها وأقرأ الناس نيفا وسبعين سنة وتوفي بها سنة 169هـ.
انظر الأعلام للزركلي: (8/ 5). تهذيب التهذيب للعسقلاني: (5/ 586585).
تقريب التهذيب ص 491.
في المغني لابن هشام قال: وقد أجيز الوجهان في قراءة الحرمين دون ذكر حمزة.
(3) حمزة القارئ: هو حمزة بن حبيب الزيات: أحد القراء السبعة. كان مولى من موالي التيم فنسب إليهم. وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان (في أواخر سواد العراق مما يلي بلاد الجبل) كان عالما بالقراءات، انعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول. قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر توفي سنة 156هـ، انظر:
تهذيب التهذيب: (2/ 2019)، الأعلام للزركلي: (2/ 277276)، تقريب التهذيب للعسقلاني ص 119.(1/244)
{أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ آنََاءَ اللَّيْلِ} (1) [بتخفيف الميم] كون الهمزة فيه للنداء هو قول الفراء (2)، ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير = يا = ويقربه سلامته من دعوى المجاز إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته (3)».
وفي الإتقان للسيوطي: «الاستفهام هو طلب الفهم، وهو بمعنى الاستخبار.
وقيل: الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما. حكاه ابن فارس (4) في فقه اللغة (5).
__________
(1) تتمة الآية: {سََاجِداً وَقََائِماً} {أُولُوا الْأَلْبََابِ} [الزمر: 9/ 39].
(2) الفراء: هو يحيى بن زياد الديلمي، أبو زكريا، المعروف بالفراء: إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، وقيل: الفراء أمير المؤمنين في النحو، ولد بالكوفة، وعهد إليه المأمون بتربية ابنيه فقام في بغداد. وكان مع تقدمه باللغة فقيها متكلما، عالما بأيام العرب وأخبارها، عارفا بالنجوم والطب، يميل إلى الإعتزال من كتبه = المقصور والممدود و = المعاني = و = المذكر والمؤنث = و = آلة الكتاب = وغيرها كثير. توفي في طريق مكة عام 207هـ. انظر تقريب التهذيب للعسقلاني ص (520)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: (14/ 155149)، والأعلام للزركلي: (8/ 146145).
(3) انظر مغني اللبيب لابن هشام (1/ 1817).
(4) ابن فارس: هو أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسن: من أئمة اللغة والأدب. قرأ عليه البديع الهمذاني والصاحب بن عباد وغيرهما من أعيان البيان.
من تصانيفه = مقاييس اللغة = و = المجمل = و = جامع التأويل = و = متخير الألفاظ = و = فقه اللغة = وله شعر حسن توفي في الري سنة 395هـ.
انظر: ابن خلكان (1/ 120118)، هدية العارفين: (5/ 68)، الأعلام للزركلي: (1/ 193).
(5) كتاب الصاحبي في اللغة لابن فارس أبي الحسن أحمد بن فارس الرازي اللغوي(1/245)
وقال ابن مالك في المصباح (1): «وما عدا الهمزة من أدوات الاستفهام نائب عنها ولكونه طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن، لزم ألا يكون حقيقة إلّا إذا صدر من شاكّ مصدق بإمكان الإعلام، فإن غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه (2)».
وقال بعض الأئمة: ما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام فإنما يقع في خطاب الله تعالى على معنى أنّ المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل.
وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازا، وقد ألّف في ذلك العلامة شمس الدين الصائغ (3) كتابا سمّاه = روض الأفهام في أقسام الاستفهام (4) =، قال
__________
المتوفي سنة 395هـ قال: هذا الكتاب الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها وإنما سميته بهذا الاسم لأني ألفته وأودعته خزانة الصاحب يعني ألفه للوزير الصاحب إسماعيل بن عباد المتوفي سنة 385هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 10691068).
(1) كتاب المصباح في المعاني والبيان والبديع تأليف بدر الدين ابن مالك محمد بن محمد ابن عبد الله بن مالك. ابن الإمام العلامة جمال الدين الطائي الجياني ثم الدمشقي الشهير بابن الناظم المتوفي سنة 686هـ. وكتاب المصباح هذا: اختصر فيه معاني وبيان المفتاح، وهو في غاية الحسن. انظر طبقات الشافعية للأسنوي (2/ 251).
(2) انظر المصباح في المعاني والبيان والبديع لابن الناظم، في أحوال الطلب ص (85)
(3) ابن الصائغ: محمد بن عبد الرحمن بن علي، شمس الدين الحنفي، ابن الصائغ:
أديب، من العلماء، مصري. ولي في آخر عمره قضاء العسكر وإفتاء دار العدل ودرس بالجامع الطولوني. من كتبه = التذكرة = في النحو، و = المباني في المعاني = و = المنهج القويم في فوائد تتعلق بالقرآن العظيم = و = روض الأفهام في أقسام الاستفهام = توفي سنة 776هـ.
انظر بغية الوعاة: 1/ 156155، شذرات الذهب لابن العماد: (8/ 427)، الأعلام للزركلي: (6/ 193).
(4) كتاب روض الأفهام في أقسام الاستفهام لمحمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الصائغ الحنبلي المتوفي سنة 776هـ. انظر كشف الظنون لحاجي لخليفة: (1/ 917).
فيه: قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته بمعان ألزمته تلك المعاني، ولا يختص التجوز بالهمزة خلافا للصفّار (2).(1/246)
فيه: قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته بمعان ألزمته تلك المعاني، ولا يختص التجوز بالهمزة خلافا للصفّار (2).
فالأول: الإنكار، والمعنى فيه على النفي وما بعده منفي، ولذلك تصحبه = إلا = كقوله تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفََاسِقُونَ} (3) {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (4) وعطف عليه المنفي في قوله تعالى: {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللََّهُ وَمََا لَهُمْ مِنْ نََاصِرِينَ} (5) أي: لا يهدي. ومنه {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (6)
__________
(2) الصّفّار: قاسم بن علي بن محمد بن سليمان البطليوسي الشهير بالصفار: عالم بالنحو له = شرح كتاب سيبويه = وهو من أحسن شروحه صحب الشلوبين وابن عصفور وتوفي سنة 630هـ.
انظر بغية الوعاة (2/ 256)، الأعلام (5/ 178).
(3) أول الآية: {فَاصْبِرْ كَمََا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ} {إِلََّا سََاعَةً مِنْ نَهََارٍ بَلََاغٌ فَهَلْ}
[الأحقاف: 35].
(4) أول الآية: {ذََلِكَ جَزَيْنََاهُمْ بِمََا كَفَرُوا وَهَلْ} [سبأ: 17].
(5) أول الآية: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوََاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ} [الروم: 29].
(6) أول الآية: {قََالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} [الشعراء: 111].(1/247)
{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنََا} (1) أي: لا نؤمن. {أَمْ لَهُ الْبَنََاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور:
39] {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ََ} [النجم: 21] أي: لا يكون هذا، {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} (2) أي: ما شهدوا ذلك.
وكثيرا ما يصحبه التكذيب، وهو في الماضي بمعنى = لم يكن = وفي المستقبل بمعنى = لا يكون =، نحو {أَفَأَصْفََاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} (3) الآية، أي: لم يفعل ذلك، {أَنُلْزِمُكُمُوهََا وَأَنْتُمْ لَهََا كََارِهُونَ} (4) أي: لا يكون هذا الإلزام.
الثاني: التوبيخ، والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفى، فالنفي هنا قصدي والإثبات قصدي، عكس ما تقدم. ويعبّر عن ذلك بالتقريع أيضا، نحو {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (5)، {أَتَعْبُدُونَ مََا تَنْحِتُونَ} (6)، {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخََالِقِينَ} [الصافات: 125].
وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت، وبّخ على فعله كما ذكر، ويقع على
__________
(1) أول الآية: {فَقََالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنََا وَقَوْمُهُمََا لَنََا عََابِدُونَ} [المؤمنون: 47].
(2) تتمة الآية: {سَتُكْتَبُ شَهََادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ} [الزخرف: 19].
(3) تتمة الآية: {وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلََائِكَةِ إِنََاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً} [الإسراء: 40].
(4) أول الآية: {قََالَ يََا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ} {أَنُلْزِمُكُمُوهََا} [هود: 28].
(5) أول الآية: {أَلََّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93].
(6) أول الآية: {قََالَ أَتَعْبُدُونَ} [الصافات: 95].(1/248)
ترك فعل كان ينبغي أن يقع كقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مََا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} (1)
{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللََّهِ وََاسِعَةً فَتُهََاجِرُوا فِيهََا} (2).
والثالث: التقرير وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده، كقوله تعالى: {هَلْ فِي ذََلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5].
والكلام مع التقرير موجب، ولذلك يعطف عليه صريح الموجب، ويعطف على صريح الموجب، كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنََا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح: 21]، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ (6) وَوَجَدَكَ} الآية (3) [الضحى: 76]. {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ} الآية (4) [الفيل: 32] (5).
وأوصل أقسام الاستفهام السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه المذكور إلى اثنين وثلاثين قسما (6). وذكر أمثلتها كلها من القرآن العظيم ولولا خوف
__________
(1) تتمة الآية: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مََا يَتَذَكَّرُ} {مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37].
(2) تتمة الآية: {فَأُولََئِكَ مَأْوََاهُمْ جَهَنَّمُ وَسََاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 97].
(3) تتمة الآية: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ََ} [الضحى: 76].
(4) تتمة الآية: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبََابِيلَ} [الفيل: 32].
(5) انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي = في الخبر والإنشاء = فصل الاستفهام (3/ 236234).
(6) انظر الإتقان للسيوطي = الاستفهام = ذكره بالتفصيل: (3/ 240236).(1/249)
الإطالة لذكرتها في هذا المحل، والأمثلة من كلام العرب والمولّدين ظاهرة كثيرة لو أردنا لأطلنا الكلام فيها والله أعلم.
السؤال الرابع والتسعون: لم اقتصر ابن مالك في التنازع على قوله إن عاملان مع أنه ورد أكثر من عاملين في قول الشاعر: = كساك = البيت (1)؟.
الجواب: قول ابن مالك:
إن عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبل فللواحد منها العمل
وقول الشاعر: وهو أبو الأسود (2).
كساك ولم تستكسه فاشكرن له ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر (3)
__________
(1) سيأتي البيت.
(2) أبو الأسود الدّيلي: ظالم بن عمرو بن سفيان ويقال: الدؤلي البصري القاضي، روى عن عمر وعلي ومعاذ وأبي ذر وابن مسعود والزبير بن العوام وأبي موسى وابن عباس وعنه ابنه أبو حرب وعبد الله بن بريدة ويحيى بن نصير، قال العجيلي:
كوفي تابعي وهو أول من تكلم في النحو.
وقال الواقدي: أسلم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وقاتل مع علي يوم الجمل وهلك في ولاية عبيد الله بن زياد وقيل مات في طاعون الجارف سنة تسع وستين هجري.
وقال ابن سعد في الطبقة الأولى: من أهل البصرة كان شاعرا متشيعا وكان ثقة في حديثه إن شاء الله تعالى.
انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (12/ 1011)، وفيات الأعيان لابن خلكان (2/ 539535)، هدية العارفين: (5/ 434).
(3) هذا بيت من الطويل ينسب لأبي الأسود الدؤلي مادحا صديقه المنذر بن الجارود(1/250)
وقوله البيت: أي اقرأ البيت.
وقال الأشموني (1) في شرح الألفية في قول ابن مالك إن عاملان أي فأكثر.
وقال عصام (2) في حاشيته على شرح الجامي لمتن الكافية عند قوله في حروف العطف = أو = و = أما = و = أم = لأحد الأمرين اكتفى المصنف في هذا المقام بأقل ما لا بد منه، فلم يقل والأمور، وله غير نظير في هذا الكتاب. قال:
الكلام ما تضمن كلمتين إذا تنازع الفعلان» (3).
وقال الرضي في شرح الكافية: «ولو قال: الفعلان فصاعدا، أو شبهها
__________
العبدي، وقيل بل يمدح عبيد الله بن زياد بسبب كسوته له ولكن في البيت الأول = فحمدته = بدل فاشكرن له. والبيت الثاني هو:
وإنّ أحقّ الناس إن كنت مادحا ... بمدحك من أعطاك والعرض وافر
انظر شرح الأشموني على الكافية (2/ 285).
(1) انظر شرح الأشموني على كافية ابن مالك = التنازع في العمل = (2/ 261).
(2) العصام الإسفراييني: إبراهيم بن محمد بن عرب شاه الاسفراييني عصام الدين:
صاحب = الأطول = في شرح تلخيص المفتاح للقزويني في علوم البلاغة. ولد في اسفرايين (من قرى خراسان) وكان أبوه قاضيها، فتعلم واشتهر وألف كتبه فيها. له تصانيف منها = ميزان الأدب = وحاشية على تفسير البيضاوي، وشروح وحواش في = المنطق = و = التوحيد = و = النحو = توفي سنة 945هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد: (10/ 417)، هدية العارفين: (5/ 26)، الأعلام للزركلي: (1/ 66).
(3) لم أجد هذا الكتاب.(1/251)
لشمل اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة، نحو: = أنا قاتل وضارب زيدا، ولشمل أيضا أكثر من عاملين نحو: ضربت وأهنت وأكرمت زيدا لكان أعم، لكنه اقتصر على الأصل في العمل وهو الفعل، وعلى أول المتعددات وهو الاثنان» (1).
وذكر الدماميني في شرح التسهيل قال: «باب تنازع العاملين فصاعد معمولا واحدا، وقوله معمولا واحد لا يريد به أنّ التنازع لا يقع في أكثر من واحد، بل المراد أنّ العاملين توارد على معمول بعينه وكل منهما يطلبه، فيدخل على هذا التقدير ما إذا وقع التنازع في اثنين، أو أكثر ولا حاجة إلى اعتذار أبي حيان (2) بأنه اقتصر هنا على الواحد لأنه المجمع عليه، وذكر ما هو أكثر في آخر الباب، وحكى فيه الخلاف» (3).
__________
(1) انظر شرح الرضي على الكافية التنازع حقيقته وصور وقوعه (1/ 77).
(2) أبو حيان النحوي: محمد بن يوسف بن علي يوسف بن حيان الغرناطي الأندلسي الجياني، أثير الدين، أبو حيان: من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات. ولد في غرناطة، وأقام في القاهرة. وتوفي فيها واشتهرت تصانيفه منها: = البحر المحيط = في تفسير القرآن، و = النهر = مختصر البحر المحيط و = طبقات نحاة الأندلس = و = منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك وغيرها توفي سنة 745هـ.
انظر الدرر الكامنة للعسقلاني: (5/ 7670)، شذرات الذهب لابن العماد: (8/ 251 254)، الأعلام للزركلي: (7/ 152).
(3) انظر شرح التسهيل للدماميني مخطوط رقم: (17110) باب تنازع العاملين فصاعدا معمولا واحدا، ص (228227).(1/252)
وقال ابن هشام: الأولى أن يقال في تنازع ثلاثة، فإن التنازع لم يأت في أكثر منها. وحكى بعضهم الإجماع على جواز إعمال الأول، والثاني، والثالث ومن إعمال الأول قول أبي الأسود كساك فلم تستكسه البيت المذكور.
السؤال الخامس والتسعون: هل أهل الجنة من العلماء يخطر ببالهم نظر كتبهم التي تركوها؟.
الجواب: إن اشتهوا ذلك فمعلوم أنه يحصل لهم لأن في الجنة ما تشتهيه الأنفس، كما قال تعالى: {وَفِيهََا مََا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} (1) [الزخرف: 71].
روى الترمذي عن سليمان بن بريدة (2) عن أبيه أنّ رجلا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هل في الجنّة من خيل؟ قال: «إن الله أدخلك الجنّة، فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوته حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت» قال:
وسأله رجل فقال: يا رسول الله، هل في الجنّة من إبل؟ قال: فلم يقل له
__________
(1) أول الآية: {يُطََافُ عَلَيْهِمْ بِصِحََافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوََابٍ} [الزخرف: 71].
(2) سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي. أخو عبد الله ولدا في بطن واحد.
روى عن: أبيه وعمران بن حصين، وعائشة ويحيى بن يعمر. وعنه: علقمة بن مرئد، ومحازب بن دثار، وعبد الله بن عطاء وغيرهم.
قال العجلي: سليمان وعبد الله كانا توأمان تابعين ثقتين وسليمان أكثرهما.
مات سنة خمس ومائة. انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: 2/ 393.(1/253)
مثل ما قال لصاحبه قال «إن يدخلك الله الجنّة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك» (1) وإنما لم يقل له صلّى الله عليه وسلّم ما قال لصاحبه لأن الإبل ليست للزينة وإنما قال تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغََالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهََا وَزِينَةً} (2) [النحل: 8] والإبل إنما هي للركوب وحمل الأثقال، كما قال تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقََالَكُمْ إِلى ََ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بََالِغِيهِ إِلََّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} (3) [النحل: 7]، والجنة ليس فيها تعب ولا حمل أثقال، وإنما الركوب فيها للزينة، فلا حاجة لأهل الجنة بالإبل لعدم ما يحوجهم إليها. فأتى صلّى الله عليه وسلّم بما هو أعم مما سئل عنه ليفهم منه أن كلّ ما يشتهيه أهل الجنة يكون لهم، وأشار إلى أنهم لا يشتهون إلا ما يتزينون به، ويكون لهم به لذة، فالكتب التي للعلماء في الدنيا إن اشتهوا النظر فيها كانت لهم، والظاهر أنهم لا يشتهونها لاستغنائهم فيها بما يعلمونه من علم اليقين، وارتفاع الظن عنهم في الجنة إذ كتب العلوم الشرعية التكليفية ارتفعت عنهم المطالبة بما فيها من الأحكام لسقوط التكليف عنهم بالموت، وكتب الأخبار هم في غنية عنها بمشاهدة عين اليقين، وكتب الأدب ومكارم الأخلاق استغنوا عنها بما انطوت علية ذواتهم وصفاتهم من الكمالات العرفانية، فلا يبقى إلا مجرد
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب صفة الجنة باب ما جاء في صفة خيل الجنة رقم (2543)، (4/ 681).
(2) تتمة الآية: {وَيَخْلُقُ مََا لََا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل: 8].
(3) تتمة الآية {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} [سورة النحل: 7].(1/254)
النظر والتأمل في الكتب، وذلك متعب لهم لا زينة لهم به في ذلك العالم، وإنما كانوا يتسلون به في الدنيا ويستروحون إليه من مشقات الدنيا ونكادها، فيجدونه لذة في الدنيا وهم في الجنة في نعيم مقيم.
[وذكر في كتاب الروض العاطر فيما تيسر من أخبار القرن السابع إلى ختام القرن العاشر لموسى شرف الدين بن أيوب الدمشقي (1) قال في ترجمة الشيخ بدر الدين الغزي الدمشقي العامري الشافعي: (2) «وكان رحمه الله تعالى ليس له لذة ولا حظ سوى التأليف ومطالعة الكتب، ولقد قال لي يوما يا شرف الدين إن كانت ليس فيها كتب، أي لذة تكون فيها؟» انتهى. انتهى ما ذكره.
__________
(1) موسى بن يوسف بن أحمد الأيوبي، الأنصاري النعماني الشافعي أبو أيوب، شرف الدين: مؤرخ، من القضاة. من أهل دمشق من كتبه = الروض العاطر في ما تيسر من أخبار القرن السابع إلى ختام القرن العاشر خ = و = خلاصة نزهة الخاطر = في تراجم قضاة دمشق، و = نزهة الخاطر وبهجة الناظر = وغيرها. توفي في سنة 1000هـ. انظر الأعلام للزركلي 7/ 332وقال الزركلي لم يترجم له صاحب الشذرات والمحبي في أعيان القرن الحادي عشر.
(2) بدر الدين الغزي: هو محمد بن محمد الغزي العامري الدمشقي أبو البركات، بدر الدين ابن رضي الدين: فقيه شافعي، عالم بالأصول والتفسير والحديث. مولده ووفاته في دمشق: له مئة وبضعة عشر كتابا، منها ثلاثة تفاسير، وحواش وشروح كثيرة، ورسائل منها = المراح في المزاح = و = المطالع البدرية في المنازل الرومية = و = جواهر الذخائر في الكبائر والصغائر = وغيرها توفي سنة 984هـ
انظر شذرات الذهب لابن العماد (10/ 595593) الأعلام للزركلي (7/ 59).(1/255)
ووجد أن ذلك كله مقتضى ما يراه الإنسان في الدنيا من مشقات الحصر وضيق النفوس، وإلا فالنشأة الأخروية لا كيفية لها في الدنيا ولا لها نشأة أخرى] (1) ونظير ذلك ما سأله بعضهم بعض العلماء هل في الجنة فسيخ؟ وهو السمك اليابس المنتين الذي يأكله الناس في بعض البلاد ويجدون لذة في أكله لحرمانهم من لذائذ المآكل في الدنيا فقال للسائل في الجنة ما تشتهيه الأنفس، ومعلوم أن نفوس أهل الجنة لا تشتهي ذلك.
وقال في الأشباه والنظائر وفي مناقب الكردري (2): «حرمة اللواطة عقلية، فلا وجود لها في الجنة» وقيل سمعية فلها وجود فيها، وقيل يخلق الله طائفة نصفها الأعلى على صفة الذكور والنصف الأسفل على صفة الإناث والصحيح الأول (3) انتهى.
__________
(1) ما بين القوسين [] ذكر على هامش المخطوط.
(2) الكردري: الأمام محمد بن محمد الكردري المعروف بالبزازي المتوفي سنة 827هـ له كتاب المناقب جامع للفوائد رتبه على مقدمة وأحد عشر بابا، المقدمة في الصحابة والتابعين، ترجم مناقب الكردري محمد بن عمر الحلبي انظر كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 18381836).
(3) ورد في رد المحتار حاشية ابن عابدين قال: لا تكون اللواطة في الجنة على الصحيح لأنه تعالى استقبحها وسماها خبيثة، والجنة منزهة عنها.
وفي الأشباه: «حرمتها عقلية فلا وجود لها في الجنة وقيل: يخلق الله تعالى طائفة نصفهم الأعلى كالذكور والأسفل كالإناث والصحيح الأول. وفي البحر حرمتها أشد من الزنا لحرمتها عقلا وشرعا وطبعا».
انظر حاشية ابن عابدين كتاب الحدود، (6/ 36).(1/256)
يعني أن الحرمة عقلية، فلا وجود للواطة في الجنة لأن طبائع أهل الجنة تابعة لعقولهم، فلا يشتهون ذلك.
السؤال السادس والتسعون: هل الصلاة خارج الكعبة أفضل أم داخلها؟
الجواب: عبارة الفقهاء في الصلاة في الكعبة صح فيها النفل، وفاقا للشافعي ومالك، والفرض خلاف لمالك. كذا في شرح الدرر (1).
وقال الوالد رحمه الله تعالى في شرحه على شرح الدرر: «الصلاة في الكعبة حين استقبال الباب، وعدم ارتفاع العتبة قدر المؤخر لا تصح عند الشافعي فرضا ونفلا» (2) انتهى ملخص.
__________
(1) عبارة العلامة منلا خسرو في شرح الدرر: الصلاة في الكعبة صح فيها النفل وفاقا، والفرض خلافا للشافعي منفردا وبجماعة وإن اختلفت وجوههم إلا لمن قفاه إلى وجه الإمام.
انظر كتاب درر الحكام في شرح غرر الأحكام لمنلا خسرو (1/ 149) باب الصلاة في الكعبة كتاب نادر رقم (4671).
وعلى مذهب الشافعي يقول ابن حجر في شرح المنهاج يقول: بل النفل داخلها أفضل منه ببقية المسجد بخلاف البيت، فإنه فيه أفضل منه حتى من الكعبة كما شمله الحديث بل نقل الإجماع على أنه فيه أفضل منه في غيره حتى المسجد الحرام، وكذلك الفرض أفضل في الكعبة إلا إذا رجا جماعة خارجها، لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمحلها انظر حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج فصل في بيان استقبال الكعبة أو بدلها. (2/ 134).
(2) انظر الأحكام شرح الدرر لإسماعيل النابلسي مخطوط رقم: (13743) ص (321).(1/257)
ومقتضى كلامهم في الصحة وعدمها على حسب هذا الخلاف في المذاهب أن الصلاة خارج الكعبة أفضل من الصلاة فيها لعدم الخلاف في صحة الصلاة خارجها. وإنما الخلاف في صحة الصلاة فيها، وفعل المجمع عليه بلا خلاف أفضل فرضا ونفلا ويؤيد ما ذكرناه قول الوالد رحمه الله تعالى في شرحه على شرح الدرر في كتاب الحج قال: «وأداء الفرض في الكعبة جائز والتنفل فيها مستحب، وهذا هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه. فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدي فأدخلني الحجر. فقال: «صلّي في الحجر إن أردت دخول البيت، وإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت (1)» (2).
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلوا في مصلى الأخيار قيل وما مصلى الأخيار قال تحت الميزاب واشربوا من شراب الأبرار قيل وما
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب الحج باب ما جاء في الصلاة في الحجر رقم (876)، (3/ 321)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود في كتاب المناسك، باب: الصلاة في الحجر، 2/ 8رقم: (2028).
(2) انظر الأحكام شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي مخطوط رقم: (13743) ص (321). كتاب الحج.(1/258)
شراب الأبرار قال: ماء زمزم (1).
وذكر الزركشي في كتاب أعلام الساجد بأحكام المساجد قال: «النفل في الكعبة أفضل منه خارجها، وأما الفرض فإن لم يرج جماعة فكذلك وإن رجاها فخارجها أفضل.
قاله في الروضة (2) نقلا عن الأصحاب، لأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المحافظة المتعلقة بمكان العبادة. وذكر مثله في شرح المهذب (3) وغيره.
__________
(1) انظر الأحكام شرح درر الحكام للشيخ إسماعيل النابلسي مخطوط رقم (13743) ص (329).
(2) كتاب الروضة في الفروع للشافعية، = روضة الطالبين وعمدة المفتين = للإمام محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي المتوفي سنة 676هـ وهو الكتاب الذي اختصره من شرح الوجيز للرافعي.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 929).
(3) كتاب شرح المهذب في الفروع الشافعية للشيخ أبي إسحاق إبراهيم ابن محمد الشيرازي الفقيه الشافعي المتوفي سنة 476هـ وهو كتاب جليل القدر اعتنى بشأنه فقهاء الشافعية. وقد شرحه عدد من العلماء ومنهم الإمام محيي الدين النووي المتوفي سنة 676هـ بلغ فيه إلى باب الربا ثم أكمله الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفي سنة 756هـ وسماه المجموع.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 19131912).(1/259)
قال ابن الرفعة (1): وفيه نظر لأن قاعدة الشافعي أنّه إذا دار الأمر بين إدراك فضيلة وبطلان عبادة، عند غيره فالخروج من الخلاف أولى.
قلت: قد ذكر هذا السؤال النووي في شرح المهذب وأجاب عنه فقال: «إن قيل: قد منع بعض العلماء الصحة فيها، والخروج من الخلاف مستحب، فكيف يكون مندوبا؟ فالجواب أن استحباب الخروج من خلاف العلماء هو في مسائل الاجتهاد، أما ما خالف سنة صحيحة فلا حرمة له. وهذا الجواب إنما يصح بالنسبة إلى النافلة، فإنه الذي وردت بها السنة، أما الفرض فلم يرد به سنة، والقياس مع المخالف لأن باب النفل أوسع، فالخلاف في الفرض حينئذ من الخلاف المحترم» وتمامه هناك (2).
السؤال السابع والتسعون: هل ورد أنه عليه السلام كان حيث سار تظلله الغمامة أم في بدر فقط؟
__________
(1) ابن الرّفعة: هو أحمد بن محمد بن علي الأنصاري، أبو العباس، نجم الدين، المعروف بابن الرفعة: فقيه شافعي، من فضلاء مصر كان محتسب القاهرة وناب في الحكم. له كتب، منها = بذل النصائح الشرعية في ما على السلطان وولاة الأمور وسائر الرعية = و = الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان = و = المطلب = في شرح الوسيط ناظر ابن تيمية توفي سنة 710هـ.
انظر الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني (1/ 306303)، طبقات الشافعية للأسنوي:
(1/ 297296)، الأعلام للزركلي: (1/ 222).
(2) انظر إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي: (101100).(1/260)
الجواب: تظليل الغمامة له صلّى الله عليه وسلّم إنما كان قبل نبوته.
قال في المواهب اللدنية في قصة بحيرا (1) الراهب: «أنه صلّى الله عليه وسلّم أقبل، وعليه غمامة تظله.
وروى البيهقي وأبو نعيم (2): أن بحيرا رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة بيضاء تظلّه صلّى الله عليه وسلّم من بين القوم. ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة وتهصرت (3) أغصان الشجرة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى استظل تحتها (4).
__________
(1) بحيرى الراهب: هو راهب نصراني كان في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو صغير وقد ذكرته كل كتب السيرة في باب ما جاء في خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم مع أبي طالب إلى الشام تاجرا.
وقال البيهقي في الدلائل: فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له:
بحيراء في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب يصير علمهم عن كتاب فيه وذكر القصة. انظر دلائل النبوة للبيهقي (2/ 27).
(2) أبو نعيم: هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، أبو تعيم: حافظ، مؤرخ، من الثقات في الحفظ والرواية. ولد ومات في أصفهان. من تصانيفه = حلية الأولياء وطبقات الأصفياء =، و = معرفة الصحابة =، و = طبقات المحدثين والرواة = و = دلائل النبوة = و = ذكر أخبار أصبهان =، وكتاب = الشعراء = توفي سنة 430هـ.
انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: (1/ 92091)، تذكر الحفاظ للسيوطي ص 423، تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 1098)، الأعلام للزركلي: (1/ 157).
(3) تهصرت: أي مالت وتدلت.
(4) انظر المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني: (1/ 187) السفر إلى الشام رواه البيهقي في الدلائل (2/ 27).(1/261)
«وروى ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر (1) عن ابن عباس قال: كانت حليمة (2) يعني مرضعته صلّى الله عليه وسلّم لا تدعه يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه فخرج مع أخته الشماء (3) في الظهيرة إلى البهم، فخرجت حليمة تطلبه، حتى وجدته
__________
(1) ابن عساكر: على بن الحسن بن هبة الله، أبو القاسم، ثقة الدين ابن عساكر الدمشقي: المؤرخ الحافظ الرحالة. كان محدث الديار الشامية، ورفيق السمعاني (صاحب الأنساب) في رحلاته مولده ووفاته في دمشق له = تاريخ دمشق الكبير = و = الإشراف على معرفة الأطراف = في الحديث، و = معجم الصحابة = وغيرها.
توفي سنة 571هـ. انظر ابن خلكان (3/ 311309) تذكرة الحفاظ للسيوطي (ص 475). هدية العارفين: (5/ 701).
(2) حليمة السعدية = مرضعة النبي صلّى الله عليه وسلّم، هي بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد الله بن الحرث ابن هوازن السعدية. وأخرج أبو داود، وأبو يعلى، وغيرهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان بالجعراتة يقسم لحما / فأقبلت امرأة بدوية، فلما دنت من النبي صلّى الله عليه وسلّم بسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت = من هذه؟ قالوا: هذه أمّه التي أرضعته.
انظر الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 8887). الأعلام: (2/ 271).
(3) الشيماء: هي الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى بن رفاعة.
قال أبو نعيم: لها ذكر، وأوردها الطبري، لم يورد لها حديثا، وهي أخت النبي صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة.
وقال أبو عمر: الشيماء أو الشماء اسمها حذافة.
وذكر ابن إسحاق أن إخوة النبي صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة: عبد الله، وأنيسة، وحذيفة بنو الحارث، وحذافة هي الشيماء غلب عليها ذلك قال = وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أمها. انظر الإصابة (8/ 206205)، الأعلام: (3/ 184).(1/262)
مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته = يا أمه ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظلل عليه، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع (1)».
وفي شرح الهمزية البوصيرية (2) قال ابن حجر: «ورد في تظليل الغمام له صلّى الله عليه وسلّم. أحاديث: أصحّها ما رواه جماعة وهو على شرط الصحيح إلا أن في روايته غرابة: أن أبا طالب خرج به صلّى الله عليه وسلّم إلى الشام، في أشياخ من قريش، فمروا ببحيرا، فخرج إليهم على خلاف عادته، فجعل يتخللهم حتى أخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: سيد العالمين (3). زاد البيهقي: ورسول رب العالمين هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقالوا له: وما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من الثنية (4) لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني لأعرفه بخاتم النبوة، أسفل منه غضروف كتفه. ثم رجع فصنع لهم طعاما،
__________
(1) انظر المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: (1/ 155).
(2) كتاب = المنح المكية = في شرح الهمزية لابن حجر الهيتمي المتوفي سنة 9091هـ. انظر الأعلام للزركلي: (1/ 234)
والهمزية هي القصيدة التي تبدأ بقوله:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
وقد شرحها ابن حجر الهيتمي وعارضها كثير من الشعراء منهم أحمد شوقي.
(3) في المواهب اللدنية: هذا سيد العالمين.
(4) الثّنية، الطريق في الجبل وقيل: منعطف الوادي.(1/263)
فلما أتاهم به كان صلّى الله عليه وسلّم في رعية الإبل، فقال: أرسلوا إليه. فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا إلى القوم وجدهم قد سبقوا إلى فيء الشجرة، فلما جلس صلّى الله عليه وسلّم مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال إليه!، الحديث رواه أبو موسى الأشعري (1). (2)
وروى البيهقي أنهم لما نزلوا قريبا من صومعة بحيرا، صنع لهم طعاما كثيرا، لأنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصّرت أغصانها أي مالت وانعطفت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين استظل تحتها القصة (3).
وورد أن حليمة رأت غمامة تظله وهو عندها. وورد ذلك أيضا عن أخته من
__________
(1) أبو موسى الأشعري: هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضّار، أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور، أمّره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفّين، مات سنة خمسين، وقيل: بعدها روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعن أبي بكر، وعمر، وعلي وعنه أولاده ابراهيم وأبو بكر، وأبو بردة، وموسى، وأنس بن مالك وغيرهم كثير مناقبه كثيرة. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر: (3/ 221220)، تقريب التهذيب ص (260).
(2) رواه البيهقي في دلائل النبوة، باب ما جاء في خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم مع أبي طالب حين أراد الخروج إلى الشام تاجرا، ورؤية بحيرى الراهب من صفته وآياته ما استدل به على أنه هو النبي الموعود في كتبهم.
انظر دلائل النبوة للبيهقي: (2/ 2524).
(3) انظر دلائل النبوة للبيهقي: (2/ 27) وقال: وأما القصة عند أهل المغازي مشهورة.(1/264)
الرضاعة وأشار غير واحد إلى أن تظليل الغمام له صلّى الله عليه وسلّم إنما كان قبل النبوة إرهاصا وتأسيسا لنبوته. ومما يدل على إيقاع ذلك أن الصّدّيق رضي الله عنه أظله عليه السلام حين قدما المدينة في الهجرة، لما أصابته الشمس، فظلل عليه بردائه.
وصحّ أنه صلّى الله عليه وسلّم ظلّل عليه بثوب وهو يرمي الجمرة، وظلل به مرة أخرى وهو بالجعرانة (1)، وأنهم كانوا في أسفارهم إذا أتوا على شجرة ظليلة تركوها له صلّى الله عليه وسلّم» (2) انتهى.
والحاصل أن تظليل الغمام له صلّى الله عليه وسلّم إنما كان قبل النبوة ولم يكن بعد النبوة لا في بدر ولا في غيره فالسؤال ساقط والله أعلم.
السؤال الثامن والتسعون: قال بعضهم حق الإعراب أن يدور مع الموصول بدليل ظهوره يعني في حالة التثنية؟
الجواب: الموصولات كلها مبنية لشبهها بالحرف في افتقارها إلى الصلة كافتقار الحرف إلى ضم.
__________
(1) الجعرانة: وهي ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي، صلّى الله عليه وسلّم، لما قسم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين وأحرم منها، صلّى الله عليه وسلّم، وله فيها مسجد، وبها بئار متقاربة وقال أبو العباس القاضي: أفضل العمرة لأهل مكة ومن جاورها من الجعرانة، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أعتمر منها. انظر معجم البلدان للحموي: (2/ 142)
(2) انظر المنح المكية في شرح الهمزية للإمام أحمد بن حجر الهيتمي: (1/ 316315) خبر بحيرة في = دلائل النبوة =: (2/ 26) وما بعدها. وفي المواهب اللدنية قال: وضعف الذهبي الحديث. وقال ابن حجر في الإصابة: رجاله ثقات انظر = المواهب اللدنية =:
(1/ 188187).(1/265)
قال الدماميني في شرح التسهيل: «ويخلفهما أي ياءي: الذي والتي في التثنية علامتها. أي علامة التثنية وهي الألف رفعا والياء جرا ونصبا فتقول:
اللذان، واللتان. وكان القياس عدم الحذف فيقال اللذيان، كما يقال = الشجيان = لكن لما كان الذي والتي مبنيين لم يكن ليائهما حظ في الحركة فبقيت ساكنة، ثم حذفت عند التثنية لالتقاء الساكنين، ومقتضى هذا الكلام أنهما معربان وبعضهم لا يرى ذلك، بل يقول: هي صيغ مرتجلة غير مبنية على الواحد: اللذان واللتان صيغة للرفع، واللذين واللتين صيغة للنصب والجر.
والأول أولى لأن ادعاء أن كل واحدة منهما صيغة مستأنفة خلاف الظاهر» (1).
وفي شرح القطر للفاكهي: «واللذان لمثنى المذكر واللتان لمثنى المؤنث، ويعربان بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا عند القائل بتثنيتهما حقيقة، والأصح أنهما مبنيان جيء بهما على صورة المثنى وليسا مثنيين حقيقة» (2) انتهى.
والحاصل أنه ليس من حق الإعراب أن يدور مع الموصول بدليل ظهوره، لأن ظهوره في المثنى الموصول ليس بإعراب في الأصح والموصولات كلها مبنية للشبه المذكور ومعارضته بالتثنية، وهي من خواص الأسماء إنما يقتضي الإعراب فيما ثني من الموصولات لا في جميعها، وقد قيل به في اللذان واللتان أنهما معربان، وهو ضعيف كما عرفت.
__________
(1) انظر شرح التسهيل للدماميني فصل الموصول مخطوط رقم: (17110)، ص (86)
(2) انظر مجيب الندا إلى شرح قطر الندى لأحمد بن الجمال عبد الله الفاكهي:
(1/ 207)، الموصول.(1/266)
السؤال التاسع والتسعون: قال بعضهم في قوله تعالى: {لََا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ََ} (1) [الصافات: 8] الاتصاف بكونه لا يسمع لا معنى للحفظ منه؟
الجواب: قال الشيخ خالد في شرح القواعد: «ونحو {لََا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ََ} الواقعة بعد {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطََانٍ مََارِدٍ} [الصافات: 7] خارج عن الطاعة فجملة {لََا يَسَّمَّعُونَ} لا محل لها لأنها مستأنفة استئنافا نحويا لا استئنافا بيانيا، وهو ما كان جوابا لسؤال مقدر لأنه لو قيل لأي شيء تحفظ من الشياطين، فأجيب بأنهم لا يسمعون لم يستقم فتعين أن يكون كلاما منقطعا عما قبله، وليست جملة {لََا يَسَّمَّعُونَ} صفة ثانية للنكرة وهي {شَيْطََانٍ}، ولا حالا منها أي من النكرة مقدرة في المستقبل لوصفها أي النكرة بمارد لفساد المعنى، أما على تقدير الصفة فلأنه لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع، وأما على تقدير الحال المقدرة فلأن الذي يقدر معنى الحال هو صاحبها والشياطين لا يقدرون عدم السماع ولا يريدونه» (2) انتهى.
__________
(1) تتمة الآية: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جََانِبٍ}.
(2) انظر شرح الأزهرية في علم العربية للشيخ خالد الأزهري ص (139) عبارة الشيخ خالد: = لا يسمعون = من قوله تعالى = وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى «فإن الذهن يتبادر إلى أنه صفة لكل شيطان أو حال منه وكلاهما باطل إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع، وإنما هي استئناف نحوي. ثم قال وليست صفة لها لانقطاعها عنها فهي مستأنفة».
وزاد ابن هشام قال: «ويحتمل أن الأصل = لئلا يسمعوا = ثم حذفت اللام كما في = جئتك أن تكرمني = ثم حذفت أن فارتفع الفعل» انظر مغني اللبيب لابن هشام: (2/ 502).(1/267)
والحاصل أنه لا يصح أن تكون جملة لا يسمعون صفة لكل شيطان مارد لفساد المعنى كما ذكر ولا حالا منه فتعين أن يكون استئنافا لبيان حالهم.
السؤال المائة: لم كان استغراق المفرد في النفي أشمل من استغراق المثنى والمجموع؟.
الجواب: قال السعد التفتازاني في المطول (1) «واستغراق المفرد سواء كان بحرف التعريف أو غيره أشمل من استغراق المثنى والمجموع لأنه يتناول كل واحد من الأفراد واستغراق المثنى إنما يتناول كل اثنين اثنين، ولا ينافي خروج الواحد والاثنين بدليل صحة = رجال في الدار = إذا كان فيها رجل أو رجلان دون لا رجل فإنه لا يصح إذا كان فيها رجل أو رجلان» (2).
السؤال الحادي والمائة: لم لم يجز أن يعطف = ما قام القوم حتى رجل = ولم جاز = أعجبتني الجارية حتى كلامها = مع أنه ليس بعضا؟.
__________
(1) كتاب المطول: وهو شرح كتاب تلخيص المفتاح في المعاني والبيان للشيخ جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني المعروف بخطيب دمشق المتوفي سنة 739هـ وهو متن مشهور ذكر أن القسم الثالث من مفتاح العلوم أعظم ما صنف في علم البلاغة نفعا ولكن كان غير مصون عن الحشو والتطويل فصنف هذا التلخيص متضمنا ما فيه من القواعد وقد قام بشرحه العلامة سعد الدين التفتازاني المتوفي سنة 792هـ شرحا عظيما ممزوجا ثم شرحه شرحا ثانيا مختصرا من الأول وقد اشتهر الشرح الأول بالمطول والشرح الثاني بالمختصر وهما أشهر شروحه وأكثرها تداولا.
انظر كشف الظنون: (1/ 474473).
(2) ذكره الشنواني في حاشيته على شرح القواعد عن السعد التفتازاني في المطول مخطوط رقم: (14237)، ص (109).(1/268)
الجواب: قال الشيخ خالد في شرح القواعد: «في حتى العاطفة مشروطة بأمرين أحدهما أن يكون المعطوف بها بعضا من المعطوف عليه إما حقيقة أو حكما، والثاني أن يكون المعطوف بها غاية للمعطوف عليه في شيء نحو قولك: = مات الناس حتى الأنبياء = وهم غاية الناس في الشرف والمقدار = وزارني الناس حتى الحجامون =، وهم غاية الناس في دناءة المقدار.
وأما البعض الحقيقي فهو كقولك: = أكلت السمكة حتى رأسها = والبعض الحكمي كقولك: = أعجبتني الجارية حتى كلامها = لأن الكلام في عدم استقلال بنفسه واحتياجه إليها كجزأيها لما بينهما من التعلق الاشتمالي ويمتنع = أعجبتني الجارية حتى ولدها = لأن الولد مستقل بنفسه وغير قائم بها انتهى» (1).
وإنما امتنع = ما قام القوم حتى رجل = لأن الرجل مستقل بنفسه وليس هو جزءا من القوم ولا كجزء منهم وليس غاية للقوم في شرف ولا دناءة.
السؤال الثاني والمائة: في قول النحاة في بلى لو قالوا نعم لكفروا قال بعضهم: لأن الحق أوجب في الإقرار ومما يتعلق بالربوبية العبارة التي لا تحتمل؟.
الجواب: قال الرضي في شرح الكافية: «= بلى = مختصة بإيجاب النفي يعني أن بلى، تنقض النفي المتقدم سواء كان ذلك النفي مجردا نحو = بلى = في
__________
(1) انظر شرح الأزهرية في علم العربية للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري: ص (101) عطف النسق.(1/269)
جواب من قال: = ما قام زيد بلى قد قام = أو كان ذلك النفي مقرونا باستفهام، وهي إذن لنقض النفي الذي بعد ذلك الاستفهام، كقوله تعالى:
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ} (1) [الأعراف: 172] قالوا بلى أي أنت ربنا. وأما نعم فإنها مقررة لما سبقها، ومثبتة له سواء كان موجبا نحو نعم في جواب من قال: قام زيد = أي نعم قام، أو منفيا نحو نعم في جواب من قال: = ما قام زيد = أي نعم ما قام زيد، وكذا تقرر بعد حرف الاستفهام سواء كان مثبتا نحو نعم في جواب من قال: = أقام زيد = أي نعم قام، أو منفيا نحو نعم في جواب من قال: = ألم يقم زيد = أي نعم لم يقم، فنعم بعد الاستفهام ليست للتصديق، وإنما هي لإثبات ما بعد أداة الاستفهام نفيا كان أو إثباتا، ولهذا قال ابن عباس: لو قالوا في جواب {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} نعم لكان كفرا» (2).
وفي مغني ابن هشام: «بلى حرف جواب، وتختص بالنفي، وتفيد إبطاله، سواء كان مجردا، أو مقرونا بالاستفهام، حقيقيا كان نحو = أليس زيد بقائم = فتقول: بلى، أو توبيخا نحو: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنََّا لََا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوََاهُمْ بَلى ََ} (3)
[الزخرف: 80]، أو تقريرا نحو: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قََالُوا بَلى ََ} (4)
__________
(1) أول الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ} [الأعراف: 172].
(2) انظر شرح الكافية للرضي: (382/ 2) حروف الإيجاب.
(3) تتمة الآية: {بَلى ََ وَرُسُلُنََا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80].
(4) تتمة الآية: {قََالُوا بَلى ََ} {فِي ضَلََالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 98].(1/270)
[الملك: 98]، {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ} [الأعراف: 172] أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي مع المجرد في رده ب = بلى =، ولذلك قال ابن عباس وغيره:
لو قالوا: = نعم = لكفروا، ووجهه أن = نعم = تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب، ولذلك قال جماعة من الفقهاء: لو قال = أليس لي عليك ألف = فقال = بلى = لزمته، ولو قال = نعم = لم تلزمه» (1).
السؤال الثالث والمائة: لو رمى الإنسان إلى الغرض فحوله آخر بعد رميه، فأصاب رجلا فقتله فعلى من الضمان؟
الجواب: ضمير فحوله إما أن يرجع إلى الغرض أي: حوّل الغرض آخر، أو يرجع إلى الإنسان الرامي أي: حول الرامي أحد، وهي مسألة ما لو اجتمع المباشر والمتسبب، فإن الحكم يضاف إلى المباشر. كما ذكره في الأشباه والنظائر إلا في مسائل ذكرها ليست هذه منها (2). ومقتضى ذلك أن يكون الضمان على الإنسان الرامي لأنه المباشر للقتل لا على الآخر المتسبب في القتل. ويؤيد ذلك ما ذكره الشيخ خير الدين الرملي (3) في فتاواه: «سئل في
__________
(1) انظر مغني اللبيب لابن هشام حروف الإيجاب: (1/ 154153).
(2) قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر كتاب الجنايات: «يضمن المباشر وإن لم يكن متعديا فيضمن الحداد إذا طرق الحديدة ففقأ عينا، والقصار إذا دق في حانوته فانهدم حانوت جاره لا اعتبار برضاء أهل المحلة بالسكة النافذة».
انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص (347).
(3) خير الدين بن أحمد الرملي، فقيه، باحث، له نظم. من أهل الرملة (بفلسطين) ولد(1/271)
رجل صوّب بندقية نحو رجل لرميه بها فضربها رجل بعصا ليلقيها من يده فوافق ضربه لها وضعه النار فيها فأمالها فأصابت رجلا غير المصوب نحوه وقتلته، فهل الدية على صاحب البندقية، أم على صاحب العصا.
فأجاب: الدية على صاحب البندقية لا على صاحب العصا إذ صاحب البندقية مباشر وصاحب العصا متسبب، وإذا اجتمعا قدم المتسبب، فهذه قاعدة لم تختلف العلماء فيها فيما علمت (1)».
السؤال الرابع والمائة: هل المجاز أبلغ من الحقيقة؟
الجواب: قال في المطول شرح التلخيص: «أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح لأن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم فهو كدعوى الشيء ببينة، فإن وجود الملزوم يقتضي وجود اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم وهذا ظاهر (2).
__________
ومات فيها، رحل إلى مصر في 1007هـ، فمكث في الأزهر ست سنين. وعاد إلى بلده، فأفتى ودرس إلى أن توفي. أشهر كتبه = الفتاوى الخيرية = و = مظهر الحقائق = حاشية على البحر الرائق في فقه الحنفية، و = ديوان شعر = وغير ذلك توفي سنة 1081هـ.
انظر خلاصة الأثر للمحبي: (2/ 134)، هدية العارفين: (5/ 358). الأعلام للزركلي:
(2/ 327).
(1) انظر الفتاوى الخيرية لنفع البرية للعلامة خير الدين الرملي كتاب: المعاقل:
(2/ 215) كتاب نادر رقم: (4739).
(2) انظر شرح المطول شرح تلخيص المفتاح للإمام سعد التفتازاني فصل أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح. كتاب نادر رقم: (و 12664)، ص (329).(1/272)
السؤال الخامس والمائة: هل الاستعارة أبلغ من المجاز؟
الجواب: الاستعارة نوع من المجاز.
قال في التلخيص (1) إنّ الاستعارة أبلغ من التشبيه لأنها نوع من المجاز (2).
وقال في المطول: وقد علم أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وهذا إن أراد بالاستعارة هنا الاستعارة التحقيقية، أو التمثيلية. لأن الاستعارة التخييلية والمكنى عنها فليستا من أنواع المجاز (3) انتهى.
وإذا كانتا ليستا من أنواع المجاز، لأن اللفظ فيهما مستعمل فيما وضع له بتأويل، فليستا بأبلغ من المجاز، وتمامه مفصل في المطول وغيره من كتب علم المعاني والبيان.
السؤال السادس والمائة: هل تجتمع الثلاثة في مثال واحد؟
الجواب: نعم تجتمع الثلاثة الحقيقة والمجاز والاستعارة بالكناية في مثال
__________
(1) كتاب تلخيص المفتاح في المعاني والبيان للشيخ جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني المعروف بخطيب دمشق المتوفي سنة 739هـ وهو متن مشهور وذكر أن القسم الثالث من مفتاح العلوم أعظم ما صنف في علم البلاغة نفعا. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 474473).
(2) انظر تلخيص المفتاح مع شرح المطول كتاب نادر فصل الاستعارة رقم: (و 12664)، ص (329).
(3) انظر المطول شرح تلخيص المفتاح لسعد التفتازاني فصل أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة. ص (329) كتاب نادر رقم: (12664).(1/273)
واحد وذلك كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} [البقرة: 43] فإن الصلاة في الشريعة حقيقة معروفة وهي بهذا المعنى في اللغة مجاز.
قال السيوطي في الإتقان: «فيما يوصف بأنه حقيقة ومجاز باعتبارين: هو الموضوعات الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج، فإنها حقائق بالنظر إلى الشرع مجازات بالنظر إلى اللغة» (1). انتهى.
وأما الاستعارة بالكناية فهي قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} (2) فقد شبهها بعمود الخيمة الذي من شأنه أنه يقام لترفع الخيمة به كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين» (3) أي هدم دين نفسه ودل على الاستعارة المذكورة التخييل وهو ذكر الإقامة فإنه من لوازم العماد القائم.
__________
(1) انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي في الحقيقة والمجاز: (3/ 126).
(2) تتمة الآية: {وَآتُوا الزَّكََاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرََّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
(3) الحديث رواه العجلوني في كشف الخفا برواية «الصلاة عماد الدين» وقال: قال في المقاصد رواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف من حديث عكرمة عن عمر مرفوعا، ونقل عن شيخه الحاكم أنه قال لم يسمع عكرمة من عمر، وأورده الغزالي في الإحياء بلفظ «الصلاة عماد الدين، فمن تركها فقد هدم الدين»، ورواه الطبراني والديلمي عن علي رفعه بلفظ، «الصلاة عماد الدين والجهاد سنام العمل والزكاة بين ذلك»، ورواه بعض الفقهاء بلفظ «الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين».
انظر المقاصد الحسنة للسخاوي ص (427)، وذكره السيوطي في الدرر المنتثرة وعزاه للديلمي عن علي رضي الله عنه: ص (139)، كشف الخفا للعجلوني: (2/ 2827).(1/274)
السؤال السابع والمائة: في خلا وأخواتها لم لم تتعلق؟
الجواب: قال ابن هشام في المغني: «في ذكر ما لا يتعلق من حروف الجر حروف الاستثناء وهي، خلا وعدا وحاشا، إذا خفضن، فإنهن لتنحية الفعل عما دخلن عليه، كما أن = إلا = كذلك، وذلك عكس معنى التعدية الذي هو إيصال معنى الفعل إلى الاسم، ولو صح أن يقال لها متعلق لصح ذلك في إلّا وإنما خفض بهن المستثنى ولم ينصب كالمستثنى بإلا لئلا يزول الفرق بينهن أفعالا وأحرفا» (1).
وقال الدماميني في شرح التسهيل: «وقيل تتعلق بما قبلها من فعل وشبهه على ما هو مقرر في حروف الجر، واستصوب ابن هشام عدم التعلق قال:
لأنها لا تعدي الأفعال إلى الأسماء أي لا توصل معناها إليها، بل تزيل معناها عنها، فأشبهت في عدم التعدية الحروف الزائدة ولأنها بمنزلة = إلا = وهي غير متعلقة وفي الوجهين نظر.
أما الأول فإنا نمنع أن يكون معنى التعدية ما ذكره، وإنما معناها جعل مجرورها مفعولا به لذلك الفعل ولا يلزم منه إثبات ذلك المعني المجرور بل إيصاله إليه على الوجه الذي يقتضيه الحرف وهو هنا مقيد لانتفائه عنه.
وأما الثاني فلأنه لا يلزم من كون حرف مساويا لحرف آخر مساواته له في جميع أحكامه ألا ترى أن إلا التي هذا الحرف بمعناها لا تعمل الجر (2)».
__________
(1) انظر مغني اللبيب لابن هشام في ذكر ما لا يتعلق من حروف الجر: (2/ 578).
(2) انظر شرح التسهيل للدماميني بدر الدين محمد المخزومي = حاشا وخلا = مخطوط رقم: (17110) ص (280).(1/275)
السؤال الثامن والمائة: ما الفرق بين الكاف ومثل؟.
الجواب: الكاف حرف من حروف الجر تأتي لمعان أحدها التشبيه نحو = زيد كالأسد =.
و= مثل = اسم يستعمل على ثلاثة أوجه بمعنى = الشبه = وبمعنى = نفس الشيء = وذاته وزائدة وخرج بعضهم على هذا قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1)
[الشورى: 11] أي ليس كوضعه شيء وهو أولى من القول بزيادتها لأنها على خلاف الأصل.
وقيل: المعنى ليس كذاته شيء كما يقال مثلك من يعرف الجميل ومثلك لا يفعل كذا، أي أنت تكون كذا كما في المصباح (2).
وقال ابن هشام في المغني: «وأما الكاف الاسمية الجارة: فمرادفة لمثل، ولا يقع ذلك عند سيبويه والمحققين إلا في الضرورة كقوله:
... يضحكن عن كالبرد المنهمّ» (3)
السؤال التاسع والمائة: ما إعراب رب رجل صالح بحركاته الثلاث؟
الجواب: إما أن يريد بالحركات الثلاث لرب، أو لرجل، أو لصالح.
__________
(1) الآية: {فََاطِرُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
(2) انظر المصباح المنير للفيومي: مادة = مثل =.
(3) صدر البيت = بيض ثلاث كنعاج جمّ = والرجز للعجاج، وهو في الخزانة: (10/ 166) والمنهم: الذائب.
انظر مغني اللبيب لابن هشام حرف الكاف: (1/ 239238).(1/276)
فالأول: ربّ بفتح الراء وتشديد الباء اسم الله تعالى مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره = هو ربّ رجل صالح =.
وبضم الراء وفتح الباء مشددة حرف جر ورجل مجرور بربّ، وصالح نعت لرجل.
وبفتح الراء وكسر الباء مشددة فعل أمر من التربية، وفاعله مستتر فيه تقدير أنت ورجل منادى حذف منه حرف النداء تخفيفا، وتقديره = يا رجل = وصالح نعت له.
والثاني: رجل بالضم منادى، كما ذكرنا من غير تنوين نكرة مقصودة وبالنصب منونا نكرة غير مقصودة، أو مفعول رب وبالجر لأنه مجرور برب الجارة.
والثالث: صالح بالرفع أي = هو صالح = خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب بتقدير أعني صالحا، وبالجر على أنه نعت لرجل.
السؤال العاشر والمائة: لأي لم يكن = أجمع = توكيدا في قول الشاعر: ... فؤادي عندك الدهر أجمع (1)
__________
(1) قال العلامة محمد بن علي الصبان في حاشيته على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك: في = قول فإن يك = وجهه أن أجمع لا يصح كونه تأكيدا لفؤادي ولا للدهر لنصبهما ولا للضمير المحذوف مع المتعلق لامتناع حذف المؤكد على الراجح لمنافاة الحذف للتوكيد ولا لفؤادي باعتبار محله قبل دخول الناسخ لزوال الطالب للمحل بدخوله فتعين كونه تأكيدا للضمير في الظرف. ولا يشكل عليه الفصل بالأجنبي وهو الدهر لجوازه(1/277)
الجواب: هذا عجز بيت قاله جميل بن عبد الله (1) شاعر فصيح وصدر البيت:
فإن يك جثماني بأرض سواكم ... فإنّ فؤادي عندك الدهر أجمع (2)
ذكر العيني في شرح الشواهد (3) وقال قوله: «فإن يكن جثماني الفاء للعطف، وأصل = يك = يكن فحذفت النون تخفيفا وهو فعل الشرط وجثماني بضم الجيم أراد به شخصه = بأرض سواكم = كلام إضافي أي سوى أرضكم.
وقوله فؤادي جواب الشرط والدهر نصب على الظرفية قوله أجمع بالرفع
__________
ضرورة. قاله في التصريح. انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني (1/ 201200).
(1) جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، أبو عمرو: شاعر، من عشاق العرب. افتتن ببثينة، من فتيات قومه، فتناقل الناس أخبارهما، شعره يذوب رقة، أقلّ ما فيه المدح، وأكثره في الغزل والفخر ومنازل بني عذرة في وادي القرى (من أعمال المدينة) رحل جميل إلى مصر فأكرمه عبد العزيز بن مروان وأمر له بمنزل فأقام قليلا ومات فيه سنة 82هـ.
انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: (1/ 371366)، خزانة الأدب للبغدادي:
(1/ 397)، الأعلام للزركلي: (2/ 138).
(2) وقال في الخزانة هذا البيت من قصيدة لجميل بن معمر يتغزل فيها بمحبوبته بثينة. انظر خزانة الأدب للبغدادي (1/ 396395).
(3) كتاب الشواهد الكبرى والصغرى أي شرح شواهد الألفية للعيني بدر الدين محمود بن أحمد العيني المتوفي سنة 855هـ سماه المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1066).(1/278)
تأكيد للضمير المستتر في = عندك = وفيه الشاهد حيث أكد به الضمير المنتقل إلى الظرف ولا يجوز أن يكون تأكيدا لفؤادي محمولا على محله لفصل الأجنبي، وهو عندك بخلاف الدهر فإنه ليس بأجنبي، أو لأنه يلزم الفصل بشيئين، وفيما قلنا بشيء وهو أولى» (1) انتهى.
وقضية الفصل سهلة لقوله تعالى {وَلََا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمََا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} (2). ومنه قول الراجز: إذن ظللت الدهر أبكي أجمعا (3). فقد فصل بقوله = أبكي =، وأما العطف على محل اسم إن قيل دخولها وهو الابتداء فممنوع.
قال في المغني لابن هشام: «بامتناع = إنّ زيدا وعمرو قائمان =، وذلك لأن الطالب لرفع زيد هو الإبتداء، والإبتداء هو التجرد، والتجرد قد زال بدخول
__________
(1) انظر شرح الشواهد للعيني مع حاشية الصبان على شرح الأشموني في = شواهد الابتداء =: (1/ 201200).
(2) أول الآية: {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلََا يَحْزَنَّ} [الأحزاب: 51].
(3) قبله:
يا ليتني كنت صبيّا مرضعا ... تحملني الذّلفاء حولا أكتعا
إذا بكيت قبّلتني أربعا ... إذن ظللت الدّهر أبكي أجمعا
والرجز مجهول القائل وهو في الخزانة (5/ 168).
المغني اللبيب (2/ 800) رقم: (1036).(1/279)
إنّ وأجازه الكوفيون (1)» إلى آخر ما بسطه هناك.
فلم يبق للسؤال معنى لأن = أجمع = توكيد في البيت المذكور للضمير المستتر في الظرف وهو عندك كما ذكر، ولا خلاف في جواز ذلك أو تأكيد لفؤادي الذي هو اسم إن باعتبار محله قبل دخولها على خلاف فيه.
السؤال الحادي عشر والمائة: لم كانت الصلة توضح الموصول ولا محل لها من الإعراب؟.
الجواب: قال ابن هشام في المغني في الجملة الواقعة صلة للموصول نحو «= جاء الذي قام أبوه = فالذي في موضع رفع، والصلة لا محل لها، وبلغني عن بعضهم أنه كان يلقّن أصحابه أن يقولوا: إنّ الموصول وصلته في موضع كذا، محتجا بأنهما ككلمة واحدة، والحق ما قدمت لك، بدليل ظهور الإعراب في نفس الموصول في نحو = ليقم أيهم في الدار، ولألزمنّ أيّهم عندك، وامرر بأيّهم هو أفضل = وفي التنزيل: {رَبَّنََا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلََّانََا} (2) وقرئ
__________
(1) قال ابن هشام في المغني: «وأجازهما الكوفيون، لأنهم لا يشترطون المحرز، ولأن = إن = لم تعمل عندهم في الخبر شيئا، بل هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، ولكن شرط الفراء لصحة الرفع قبل مجيء الخبر خفاء إعراب الاسم، لئلا يتنافر اللفظ، ولم يشترطه الكسائي».
انظر مغني اللبيب لابن هشام أقسام العطف: (2/ 617).
(2) الآية: {وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} {مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت: 29].(1/280)
{أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (1) بالنصب إلى آخره» (2).
وإذا كان المحل للموصول نفسه، فلا يبقى للصلة محل.
وقال الشمني (3): لأنها كالجزء من الاسم والجزء لا محل له ولأنها ليست في موضع مفرد حتى يكون لها إعرابه.
السؤال الثاني عشر والمائة: لم كانت أجل في الخبر أحسن منها في الاستفهام؟
الجواب: قال ابن هشام في المغني: «أجل بسكون اللام حرف جواب مثل نعم. وعن الأخفش: هي بعد الخبر أحسن من نعم، ونعم بعد الاستفهام أحسن منها. وقيل أجل لا تجيء بعد الاستفهام» (4).
__________
(1) الآية: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ} {عِتِيًّا} [مريم: 69].
(2) انظر مغني اللبيب لابن هشام: (2/ 535534).
(3) الشّمنّي: هو أحمد بن محمد الشمني القسنطيني الأصل، الإسكندري. أبو العباس تقي الدين: محدث مفسر نحوي. ولد بالإسكندرية، وتعلم ومات في القاهرة. من كتبه = شرح المغني لابن هشام = و = مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا = و = كمال الدراية في شرح النقاية = في فقه الحنفية توفي سنة 872هـ.
بغية الوعاة: (1/ 380375)، شذرات الذهب لابن العماد: (9/ 467464)، الأعلام للزركلي: (1/ 230).
(4) انظر مغنى اللبيب لابن هشام: (1/ 29).(1/281)
وقال الرضي في شرح الكافية: وحكى الجوهري عن الأخفش أنّ = نعم = أحسن من أجل في الاستفهام وأجل أحسن من نعم في الخبر فجوز مجيئها في الاستفهام على ما يرى في الاستفهام» (1) انتهى.
ولعل وجه ذلك أنه لما منع بعضهم مجيئها في الاستفهام حسن خلافه عند الأخفش لما أنّه وجه الاتفاق، ولا يلزم من كونها مثل نعم أنها مثلها من كل وجه حتى من وجه الأحسنية.
وقال الشنواني (2) في حاشيته على شرح القواعد للشيخ خالد (3) بعد ذكر
__________
(1) انظر شرح الرضي على الكافية حروف الإيجاب: (2/ 383).
(2) الشنواني: هو أبو بكر بن إسماعيل بن عمر الشنواني: نحوي. تونسي الأصل.
ولد في شنوان (بالمنوفية بمصر) وتعلم بالقاهرة له كتب كلها شروح وحواش على = الآجرومية = و = الشذور = و = القطر = في النحو، منها = هداية مجيب الندا إلى شرح قطر الندى = و = هداية أولي الألباب إلى موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب = وغيرها. توفي سنة 1019هـ.
انظر خلاصة الأثر للمحبي: (1/ 8179)، هدية العارفين للبغدادي: 5/ 239الأعلام للزركلي: (2/ 6362).
(3) كتاب المقدمة الأزهرية في علم العربية: للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفي سنة 905هـ شرحها وعلى هذا الشرح حاشية للعلامة أبي بكر إسماعيل الشنواني المتوفي سنة 1019هـ. أولها الحمد لله على كل حال المسماة هداية أولي الألباب إلى موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1798) وخلاصة الأثر للمحبي: (2/ 8079)(1/282)
كلام الأخفش ولعل الشاهد بذلك الذوق» (1).
السؤال الثالث عشر والمائة: ضربته طورا أو مرة هل الأحسن الظرفية أو المفعول المطلق؟.
الجواب: قال الشنواني في حاشية شرح القواعد: «قوله فتارة أي مرة ومثله طورا فهي ألفاظ مترادفة ويفهم من كلام ابن الحاجب في الكافية أن انتصاب مرة في مثل قولنا = ضربته مرة = يجوز أن يكون على الظرف، ويجوز أن يكون على المفعول المطلق وإذا كان طورا وتارة بمعناه فانتصابهما أيضا إما على الظرف أو على المفعول المطلق.
ذكر ذلك نجم الدين سعيد (2) في شرح السنوائية في العروض» (3)، انتهى.
__________
(1) انظر الشنواني في حاشيته على شرح القواعد للشيخ خالد الأزهري مخطوط رقم:
(14237) ص (101).
(2) نجم الدين الدّهلي: هو سعيد بن عبد الله الحريري الهندي الدهلي، أبو الخير، نجم الدين: حافظ نشأ ببغداد، وارتحل إلى مصر، وأقام بدمشق إلى أن توفي فيها سنة 749هـ. له تآليف، منها = تفتت الأكباد في واقعة بغداد = ومجموع = تراجم = لبعض أعيان دمشق وبغداد.
انظر الدرر الكامنة (2/ 229)، شذرات الذهب لابن العماد: (8/ 278)، الأعلام للزركلي: (3/ 98)، تذكر الحفاظ للسيوطي (ص 529).
ولم أجد له في كتب التراجم اسم كتاب السنوائية في العروض.
(3) انظر حاشية على شرح الأزهرية للشيخ خالد الأزهري، تأليف أبو بكر الشنواني مخطوط رقم (14236) ص 120.(1/283)
وظاهره أن المفعول المطلق أحسن لعدم الاحتياج إلى تقدير شيء وأما الظرفية فهي بتقدير في الأصل في هذه الألفاظ المصدرية، والظرفية عارضة عليه.
قال الرضي: «واعلم أنه يكثر جعل المصدر حينا لسعة الكلام نحو:
= انتظرني جزر جزورين وسير ترويحتين = أي مثل زمان جزر جزورين، ومثل زمان ترويحتين قال تعالى: {وَإِدْبََارَ النُّجُومِ} (1) [الطور: 49] أي وقت إدبارها فكل ذلك على حذف المضاف وعند أبي علي: أن يقام المصدر مقام الزمان من غير إضمار مضاف، وذلك لما بينهما من التجانس بكونهما مدلولي الفعل، ولذلك ينصب الفعل مبهميهما وموقتيهما بخلاف المكان (2)».
قال الأشموني في شرح الألفية: «وقد ينوب عن ظرف مكان مصدر فينتصب انتصابه، نحو: = جلست قرب زيد = أي مكان قربه، ولا يقاس على ذلك لقلته، وذاك في ظرف الزّمان يكثر فيقاس عليه: وشرطه إفهام تعيين وقت أو مقدار، نحو: كان ذلك خفوق النّجم، وطلوع الشّمس، وانتظرته نحر جزور، وحلب ناقة.
والأصل وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الشمس، ومقدار نحر جزور، ومقدار حلب ناقة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إلية مقامه (3)».
__________
(1) أول الآية: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبََارَ النُّجُومِ} [الطور: 49].
(2) انظر شرح الرضي على الكافية = المفعول فيه =: (1/ 190).
(3) انظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك: (2/ 360) المفعول فيه وهو المسمى ظرفا(1/284)
السؤال الرابع عشر والمائة: ما الفرق بين الأرشق والأحسن؟
الجواب: الأرشق أفعل تفضيل من الرشاقة.
قال في المصباح: «رشق الشخص بالضم رشاقة خف في عمله» (1).
«وحسن الشيء حسنا فهو حسن وسمي به ويجمع حسن صفة على حسان وزان جبل وجبال والاسم فيجمع بالواو والنون» (2) انتهى.
فالأحسن أفعل تفضيل أيضا وهو أعم من الأرشق لأن للحسن وجوها كثيرة، والرشاقة وجه من ذلك وهي الخفة في العمل.
السؤال الخامس عشر والمائة: في قوله تعالى: {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً} (3)
[الجمعة: 11]. هل هو إخبار على سبيل الندرة أو من شأنهم ذلك وهذا لا يليق بشأنهم؟.
الجواب: قال العلامة أبو بكر الشنواني في حاشيته على شرح قواعد ابن هشام للشيخ خالد الأزهري قوله تعالى: {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهََا وَتَرَكُوكَ قََائِماً} [الجمعة: 11] هذا إخبار بقضية العير التي قدمت المدينة والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة فتفرقوا عنه حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا وقد مضت هذه الواقعة قبل نزول الآية، فتكون إذا فيها للماضي.
__________
(1) انظر المصباح المنير للفيومي: مادة رشق.
(2) انظر المصباح المنير للفيومي: مادة حسن.
(3) تتمة الآية: {أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهََا} {وَاللََّهُ خَيْرُ الرََّازِقِينَ} [الجمعة: 11].(1/285)
وقال ناظر الجيش (1): المراد من ذلك حكاية ما كانوا عليه وما هو شأنهم وديدنهم، والمعنى هؤلاء أنهم إذا رأوا تجارة أو لهوا كان منهم ما ذكر. ولو أتى بإذ في هذا المحل لصار المعنى الإخبار عن واقعة وقعت منهم، ولا يلزم من الإخبار بذلك أن يكون ذلك من شأنهم.
قلت لا نسلم أنّ المراد الإخبار بأنّ ذلك من شأنهم وديدنهم، وكيف وهؤلاء المخبر عنهم من الصحابة رضي الله عنهم الذين هم خير القرون بشهادة الصادق، ولا يليق بهم اعتبار هذا الفعل الذي اتخاذه عادة وديدنا من الخصال الذميمة القبيحة، وإنما المراد الإخبار بأنه وقع على سبيل الندرة لا أن ذلك عادتهم المستمرة، فالمحل إذن محل الماضي لا محل الزمن المستمر الذي تستعمل إذا فيه في بعض الأحيان، كما في قوله تعالى: {«وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قََالُوا إِنَّمََا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11] وقوله تعالى:
{وَإِذََا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قََالُوا آمَنََّا} (2) أي: هذه عادتهم المستمرة، وشأنهم
__________
(1) ناظر الجيش: محمد بن يوسف بن أحمد، محب الدين الحلبي ثم المصري، المعروف بناظر الجيش: عالم بالعربية، من تلاميذ أبي حيان. أصله من حلب، ومولده ووفاته بالقاهرة. ترقى إلى أن ولي نظر الجيش بالديار المصرية. وفاق غيره في المروءة ومساعدة من يقصده ولا سيما طلبة العلم. وألف = تمهيد القواعد = نسخة فريدة في شرح = التسهيل لابن مالك = في النحو، و = شرح التلخيص = في المعاني والبيان.
انظر هدية العارفين: 6/ 169، الأعلام للزركلي: 7/ 153.
(2) {وَإِذََا خَلَوْا إِلى ََ شَيََاطِينِهِمْ قََالُوا إِنََّا مَعَكُمْ إِنَّمََا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ} [البقرة: 14].(1/286)
الذي لا ينفكون عنه فتأمله (1)».
السؤال السادس عشر والمائة: ما الفاء في قول بعضهم = خرجت فإذا الأسد = سببية أو زائدة أو عاطفة؟
الجواب: قال ابن هشام في المغني: «الفاء في نحو = خرجت فإذا الأسد = زائدة لازمة عند الفارسي (2) والمازني (3) وجماعة، وعاطفة عند مبرمان (4) وأبي الفتح (5)، وللسببية المحضة كفاء الجواب عند أبي إسحاق، ويجب عندي أن
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح القواعد خالد الأزهري مخطوط رقم: (14237)، ص (92).
(2) الفارسي: هو أبو علي الحسن بن أحمد ت 377هـ.
(3) المازني: هو بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، أبو عثمان المازني، من مازن شيبان:
أحد الأئمة في النحو، من أهل البصرة. ووفاته فيها. له تصانيف، منها كتاب = ما تلحن فيه العامة = و = الألف واللام = و = التصريف = و = العروض = و = الديباج = توفي سنة 249هـ.
انظر إنباه الرواة على أنباء النحاة، لعلي بن يوسف القفطي (1/ 291281)، هدية العارفين: 5/ 234، الأعلام للزركلي: (2/ 69).
(4) مبرمان: هو محمد بن علي بن إسماعيل العسكري، أبو بكر، المعروف بمبرمان:
من كبار العلماء بالعربية. من أهل بغداد. أخذ عن المبرد والزجاج. وأخذ عنه الفارسي والسيرافي. وكان ضنينا بالأخذ عنه، من كتبه = شرح شواهد سيبويه = و = النحو المجموع على العلل = و = العيون = و = شرح كتاب سيبويه = لم يتمه.
انظر بغية الوعاة: (1/ 177175)، هدية العارفين للبغدادي: 6/ 42، الأعلام للزركلي: (6/ 273)
(5) أبو الفتح: هو عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح: من أئمة الأدب والنحو، وله(1/287)
تحمل على مثل ذلك مثل {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 21] ونحو = ائتني فإني أكرمك = إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر ولا العكس، ولا يحسن إسقاطها ليسهل دعوى زيادتها (1)».
وقال الشمني: ليس بين الزيادة وجواز السقوط تلازم فقد يكون الحرف لازما أبدا وأقول لو سلم دلالة كلامه على التلازم، فإنما يدل على التلازم بين حسن الإسقاط وسهولة دعوى الزيادة لا بين الزيادة وجواز السقوط فليتأمل.
السؤال السابع عشر والمائة: لأي شيء مفعول خبر إنّ وكأنّ ولعل ولكنّ لا يتقدم عليها؟.
الجواب: قال الرضي في شرح الكافية عند الكلام على قول الشاعر:
أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر ... فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع (2)
لا بد عند البصريين من تقدير فعل يعمل في الجار والمجرور أعني = أما أنت
__________
شعر. ولد بالموصل وتوفي ببغداد، من تصانيفه رسالة في = من نسب إلى أمه من الشعراء = و = شرح ديوان المتنبي = و = المبهج = و = المحتسب = و = الخصائص = وغير ذلك وهو كثير. وكان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني. توفي سنة 392هـ
شذرات الذهب لابن العماد: (4/ 495494)، هدية العارفين: 5/ 652، الأعلام للزركلي: (4/ 204).
(1) انظر مغنى اللبيب لابن هشام (1/ 221).
(2) انظر خزانة الأدب 4/ 13، 14، 17رقم (249) والبيت للعباس بن مرداس. وهو من أبيات الشواهد في حذف = كان = وإنابة = ما = مكانها.(1/288)
ذا نفر = الذي هو بمعنى لأن كنت ولا يصلح أن يكون ذلك = لم تأكلهم = لأن معمول خبر أن لا يقدم عليها وأما نحو: أما يوم الجمعة فإن زيدا قائم فباعتبار أما. وأيضا ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا مع أما الشرطية إما ظاهرة كما في قوله تعالى: {وَأَمََّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وإما مقدرة نحو: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3].
وقال الأشموني في شرح الألفية: «حكم معمول خبر أن حكم خبرها فلا يجوز تقديمه إلا إذا كان ظرفا أو مجرورا، نحو: = إن عندك زيدا مقيم = و = إنّ فيك عمرا راغب = ومنعه بعضهم» (1) انتهى.
وهذا في تقديمه على اسمها لا عليها نفسها في غير أما كما ذكرنا.
وقال الرضي في امتناع تقديم اسمها على خبرها: «فإنه لا يجوز لأن هذه الحروف فروع على الفعل في العمل، فأريد أن يكون عملها فرعيا أيضا، والعمل الفرعي للفعل أن يتقدم المنصوب على المرفوع. والأصل أن يتقدم المرفوع على المنصوب كما عرفت في باب الفاعل عند قوله: والأصل أن يلي فعله فلما أعملت الفرعي لفرعيتها لم تتصرف في معموليها بتقديم ثانيهما على الأول كما تصرف في معمولي الفعل لنقصانها عن درجة الفعل» (2) انتهى.
وهذا التعليل جار في تقديم معمول خبرها أيضا على ما لا يخفى، كما
__________
(1) انظر شرح الأشموني في شرح الألفية: إن وأخواتها: (1/ 544543).
(2) انظر شرح الرضي على الكافية خبر إن وأخواتها: (1/ 109).(1/289)
ذكرنا أن حكمه حكم خبرها في امتناع تقديمه، وإذا كان هذا في تقديم خبرها ومعموله على اسمها فعليها نفسها بالأولى.
السؤال الثامن عشر والمائة: ما الفرق بين لم ولما؟.
الجواب: قال الرضي في شرح الكافية: «اعلم أن = لّما = كما قالوا كان في الأصل = لم = زيدت عليها ما كما زيدت في إنما وأينما، فاختصت بسبب هذه الزيادة بأشياء أحدها أن فيها معنى التوقع، تقول لمن يتوقع ركوب الأمير = لّما يركب = وقد تستعمل في غير التوقع نحو = ندم ولما ينفعه الندم =.
واختصت = لّما = أيضا بامتداد نفيها في الانتفاء إلى حين التكلم نحو = ندم ولّما ينفعه الندم = فعدم النفع متصل بحال التكلم.
وأما = لم = فيجوز انفصال نفيها عن الحال نحو = لم يضرب زيد أمس لكنه ضرب اليوم =.
واختصت = لّما = أيضا بعدم دخول أدوات الشرط عليها فلا تقول: = إن لّما يضرب = و = من لّما تضرب = كما تقول: = إن لم تضرب =، و = من لم تضرب =، وكان ذلك لكونها فاصلة قوية بين العامل الحرفي أو شبهه ومعموله.
واختصت أيضا بجواز الاستغناء بها في الاختيار عن ذلك المنفي إن دلّ عليه دليل، نحو = شارفت المدينة ولّما = أي لّما أدخلها وقد جاء ذلك في لم ضرورة، قال الشاعر:(1/290)
احفظ وديعتك التي استودعتها ... يوم الأعارب إن وصلت وإن لم (1)» (2)
السؤال التاسع عشر والمائة: في قولهم علمته الحساب بابا بابا ما كيفية إعرابه؟.
الجواب: قال الشنواني في حاشيته على شرح القواعد: «علمته الحساب بابا بابا مثل تصدقت بمالي درهما درهما، ولا يفرد اللفظ الأول في مثل هذا عن الثاني بل يجب التكرار، والتكرار في مثل هذا المراد به استغراق الأبواب والدراهم، وفي نصب الثاني من المكرر خلاف. ذهب الزجاج إلى أنه تأكيد للأول، والأول هو الحال وكأن رأى أن بابا الأولى بمعنى مرتبا فجعل الثاني تأكيدا ولا يرى أن الثاني غير صالح للسقوط، فهو مؤسس لأن له أن يقول:
إنّما التزم ذكره وإن كان تأكيدا، لأن ذكره أمارة على المعنى الذي قصد بالأول، وربّ شيء لا يلزم ابتداء ثم يلزم لعارض.
وذهب ابن جني إلى أنه صفة للأول، فكان التقدير عنده بابا سابقا بابا أو ذا باب، ثم حذف المضاف، كما صحّ عند الخليل (3) = مررت برجل زهير
__________
(1) البيت هو لإبراهيم بن هرمة انظر خزانة الأدب رقم: (678)، (9/ 8).
(2) انظر شرح الرضي على الكافية: (2/ 251).
(3) الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي الأزدي، أبو عبد الرحمن من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، أخذه من الموسيقى وكان عارفا بها، وهو أستاذ سيبويه النحوي. ولد ومات في البصرة، له كتاب = العين = في اللغة = وكتاب = العروض = و = درر النقط والشكل = وغيرها، والفراهيدي نسبة إلى بطن من الأزد، توفي سنة 170هـ.
انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: (2/ 248244)، هدية العارفين للبغدادي:
5/ 350، والأعلام للزركلي: (2/ 314).(1/291)
شعرا = على تقدير مثل و = جاء زيد زهيرا = على ذلك عنده وعند غيره.
وذهب الفارسي إلى أنه منصوب بالأول لأنه لما وقع الحال جاز أن يعمل.
وقال الدماميني: لم يظهر لي وجهه فتأمله. والمختار أنه وما قبله منصوبان على الحال بالعامل الأول لأن مجموعهما هو الحال ونظيره في الخبر: = هذا حلو حامض =.
قال أبو حيان: ولو ذهب ذاهب إلى أن نصبه إنما هو بالعطف على تقدير حرف الفاء أي بابا فبابا لكان وجها حسنا. عاريا عن التّكلف، لأن المعنى علمته الحساب بابا بعد باب. قال بعض المتأخرين: وهذا هو المختار عندي ظهورها في بعض التراكيب كحديث: «لتتبعن سنن من قبلكم باعا فباعا» (1) قال أبو حيان والمكرر في هذا لا يدل على أنه أريد به شفع الواحد بل الاستغراق لجميع الأبواب ونحو ذلك (2)».
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك: (1/ 37)، ورواه أحمد في مسنده (2/ 450، 511) تتمة الحديث «باعا فباعا وذراعا فذراعا، وشبرا فشبرا، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه معهم»، قال قيل = يا رسول الله اليهود والنصارى = قال: «فمن إذا».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ وقال الذهبي: على شرط مسلم انظر الحاكم في المستدرك: (1/ 37).
(2) انظر الشنواني في حاشيته على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم:
(14237)، ص (3130).(1/292)
السؤال العشرون والمائة: ما الفرق بين الكل والكلي والكلية، والجزء والجزئي والجزئية؟.
الجواب: قال الشنواني في حاشيته المذكورة في الفرق بينهما «أنّ المحصور إن صحّ وقوعه خبرا عن كل واحد من المحصور فيه فهو الكلي مع جزئياته نحو الإنسان حيوان وفرس وإلا فهو الكل مع أجزائه نحو السكنجبين خل وعسل (1)» انتهى.
فخرج من هذا أن الكل هو الحاصر لأجزائه كالسكنجبين حاصر للخل وللعسل فالخل جزء والعسل جزء، والكلي هو الحاصر أيضا لجزئياته كالإنسان حاصر لحيوان وللفرس فالحيوان (2) جزئيّ والفرس جزئيّ والكلية صفة الحاصرية التي اتصف بها الكل والكلي، والجزئية هي صفة المحصورية التي اتصف بها الجزء والجزئي.
السؤال الحادي والعشرون والمائة: هل نساؤه صلّى الله عليه وسلّم في الجنة بمحلات متفرقة؟
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح القواعد للشيخ خالد الأزهري. مخطوط رقم:
(14237) ص (30).
(2) في كتب المنطق الكل ما يصح الإخبار به عن كل جزء من جزئياته كالحيوان فإنه يخبر به عن الإنسان والفرس وغير ذلك.
ومفرد الكلي هو الجزئي، والكل هو الذي لا يصح الإخبار به عن كل جزء من أجزائه كالمقعد فإن أجزاؤه الخشب والمسامير فلا يصح الإخبار به فلا يقال الخشب مقعد ولا المسامير مقعد فهي أجزاء والمقعد هو الكل ويؤخذ من هذا أن ما في الأصل غير دقيق.(1/293)
الجواب: الذي يظهر أن لكل واحدة منهن مقاما مخصوصا في الجنة، كما ورد في فضل خديجة رضي الله عنها فيما رواه البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، من كثرة ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيّاها، قالت: وتزوّجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربّه عز وجلّ أو جبريل أن يبشّرها ببيت في الجنّة من قصب (1) =.
وعن إسماعيل (2) قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: «بشّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خديجة؟ قال: نعم، ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب» (3).
وإذا كان لخديجة رضي الله عنها بيت مستقل في الجنة فكذلك بقية نسائه
__________
(1) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب تزوج النبي صلّى الله عليه وسلّم خديجة وفضلها رضي الله عنها رقم (3606) (2/ 1299). ورواه مسلم في فضائل الصحابة، باب:
فضائل خديجة، رقم: (2435).
(2) إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي مولاهم روى عن: أبيه، وأبي جحيفة، وعبد الله ابن أبي أوفى، وعمرو بن حريث وغيرهم. وعنه: شعبة، والسفيانان، وزائدة وابن المبارك وقال أحمد: أصح الناس حديثا عن الشعبي ابن أبي خالد. وقال النسائي:
ثقة، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة وقيل مات سنة (146) هـ وقيل خمس انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (1/ 245244).
(3) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلّى الله عليه وسلّم خديجة وفضائلها رضي الله عنها رقم: (23608) (2/ 1300).
رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين، رضي الله عنها رقم (2433) (4/ 1888).(1/294)
صلّى الله عليه وسلّم، لهن بيوت على الاستقلال وإن لم يذكره لهن صلّى الله عليه وسلّم لأنه لا يذكر شيئا إلا بإذن من الله تعالى لأنه: لا ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى (1).
ويؤيد ما قلناه حديث الترمذي بسنده عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس (2)
عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة لخيمة من درّة مجوّفة عرضها ستّون ميلا في كلّ زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن» (3) انتهى.
فكيف أهل النبي صلّى الله عليه وسلّم اللواتي يطوف عليهن في الجنة؟ وكيف محلاتهن المتفرقات؟.
السؤال الثاني والعشرون والمائة: هل في الجنة قسم بين النساء؟.
الجواب: القسم في الدنيا بين النساء أمر كلف الله تعالى به الزوج ولا تكليف في الجنة، ويمكن أن يكون في الجنة بطريق التحبب والتعاطف من دون تكليف به بأن يلهم الله تعالى الأزواج فعل ذلك ويحببه إليهم من غير مشقة عليهم في ذلك ولا حرج.
والحاصل أن أحوال أهل الجنة مع نسائهم وأزواجهم ولذائذهم وأنواع نعيمهم لا يقاس شيء من ذلك على أحوال الدنيا، كما ذكر الشيخ عبد
__________
(1) قال تعالى: {وَمََا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ََ إِنْ هُوَ إِلََّا وَحْيٌ يُوحى ََ} [النجم: 43].
(2) أبو بكر بن أبي موسى الأشعري قال أحمد بن حنبل لا يعرف اسمه وأبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس. وأبو مالك الأشعري اسمه سعد بن طارق بن أشيم.
انظر الجامع الصحيح سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة: (4/ 674)
(3) رواه الترمذي في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة غرف الجنة رقم:
(2528)، (4/ 674) وقال أبو عيسى: حسن صحيح.(1/295)
الوهاب الشعراني (1) رضي الله عنه في طبقات الأولياء (2) في ترجمة شيخه الشيخ علي الخواص (3) رضي الله عنه أنه كان يقول: «نشأة أهل الجنة مخالفة للنشأة الدنيوية التي نحن عليها الآن صورة ومعنى، كما أشار إليه حديث:
«إن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (4).
وإيضاح ذلك أن حجاب البشرية ما دام موجودا في الشخص فلا يعلم
__________
(1) عبد الوهاب الشعراني: بن أحمد بن علي الحنفي، الشعراني، أبو محمد: من علماء المتصوفين ولد بمصر. له تصانيف، منها = الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية =، و = أدب القضاة = و = البحر المنير = و = لواقح الأنوار في طبقات الأخيار = مجلدان، يعرف بطبقات الشعراني الكبرى. وغيرها. توفي سنة 973هـ في القاهرة.
جمهرة الأولياء المنوفي الحسيني (2/ 262261)، هدية العارفين: 5/ 641، الأعلام للزركلي (4/ 181180).
(2) كتاب لواقح الأنوار في طبقات السادة الأخيار للشيخ أبي المواهب عبد الوهاب الشعراني المتوفي سنة 973هـ. قال لخصت طبقات جماعة من الأولياء الذين يقتدى بهم في طريق الله تعالى إلى آخر القرن التاسع وبعض العاشر. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1567).
(3) علي الخواص رضي الله عنه: له أقوال نفيسة منها الكلام عن معاني القرآن مع أنه كان أميا لا يكتب ولا يقرأ كان رضي الله عنه يقول: الرزق في طلب المرزوق والمرزوق دائر في طلب رزقه فكل منهما يتحرك في طلب الآخر. من تلامذته الشيخ الشعراني رضي الله عنه. انظر جمهرة الأولياء للسيد محمود المنوفي الحسيني (2/ 260).
(4) أول الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصّالحين: ما لا عين» رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنّة وأنها مخلوقة رقم: (3072)، (2/ 1099).
ورواه مسلم في أوائل كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم: (2824)، (4/ 2174).(1/296)
أحوال الجنة لأن الجنة نشأة شهود وإطلاق، لا حجاب وتقييد، ولذلك كان علم أحوال الجنة خاصا بالعارفين.
واعلم أن الحق تعالى جعل لنا السمع والبصر والشم والذوق واللمس واللذة في النكاح والإدراك حقائق متغايرة حكما ومحلا مع اتحادها في الباطن، لأن الإدراك ليس إلا للنفس وهي حقيقة واحدة بمنافذ مخصوصة، وإنما تنوعت الآثار في هذه الحقائق بتنوع محالها.
واعلم أن هذه الصفات المتغايرة هنا حكما ومحلا يقع الاتحاد بينها في الآخرة حكما ومحلا فيسمع بما به يبصر بما به يتكلم بما به ينطق بما به يذوق بما به يشم، وكذلك الحكم في الضد من غير تضاد فيبصر بسائر جسده ويسمع كذلك وينكح كذلك ويشم كذلك وينطق كذلك ويدرك كذلك وهذا القدر النذر من أحوال أهل الجنة لا يصح وجوده في العقل لأنه محال في عقل من يسمع ذلك فكيف بغير النزر مما هو أعظم من ذلك قال ولم أر أحدا تكلم بما ذكرته غير سيدي عمر بن الفارض (1) في تائيته فراجعها (2)». انتهى كلامه.
__________
(1) عمر بن الفارض: عمر بن علي الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، شرف الدين ابن الفارض: أشعر المتصوفين. يلقب بسلطان العاشقين. اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عليه الحافظ المنذري وغيره له = ديوان شعر = جمعه سبطه علي. وشرحه كثيرون منهم عبد الغني النابلسي توفي سنة 632هـ. انظر شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 261)، هدية العارفين للبغدادي: 5/ 786، الأعلام للزركلي: (5/ 5655).
(2) انظر الطبقات الكبرى لعبد الوهاب الشعراني (2/ 161).(1/297)
فقد يكون الواحد من أهل الجنة ينكح نساءه كلهن في آن واحد ويكون عند كل واحدة منهن في كل وقت فيحصل القسم بينهن من غير أن يفارق كل واحدة منهن بسبب كونه عند الأولى، قال تعالى: {وَيَخْلُقُ مََا لََا تَعْلَمُونَ} (1) [النحل: 8].
السؤال الثالث والعشرون والمائة: هل الطب يطلق على السحر والعادة؟
الجواب: قال الشنواني في حاشيته على شرح القواعد: «يقال طب يطب أى صار عالما ماهرا وطبّ مأخوذ من الطب الذي هو علاج الداء فيكون إطلاق المطبوب على المسحور من باب إطلاق السليم على اللديغ.
وقال ابن الأنباري (2): الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب وللسحر طب، فالطبيب هو العالم بالطب وكل حاذق طبيب عند العرب.
وقال السيوطي في حاشيته على البخاري (3): الطب لغة: الإصلاح والسحر والعادة.
__________
(1) أول الآية: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغََالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهََا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مََا لََا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8].
(2) ابن الأنباري: محمد بن القاسم، أبو بكر الأنباري: من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة، ومن أكثر الناس حفظا للشعر والأخبار، ولد في الأنبار (على الفرات) وتوفي ببغداد. من كتبه = الزاهر = في اللغة و = شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات = و = عجائب علوم القرآن = وغيرها توفي سنة 328هـ. انظر بغية الوعاة لجلال الدين السيوطي:
(1/ 214212)، هدية العارفين للبغدادي: 6/ 35، تذكرة الحفاظ للذهبي:
(2/ 842). الأعلام للزركلي: (6/ 334).
(3) كتاب: شرح الجامع الصحيح صحيح البخاري للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفي سنة 911هـ. وهو تعليق لطيف قريب من تنقيح الزركشي سماه التوشيح على الجامع الصحيح أوله الحمد لله الذي أجزل المنة إلخ وله الترشيح أيضا ولم يتم. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 550549).(1/298)
وفي الاصطلاح: علم بقوانين يتعرف بها أحوال بدن الإنسان من جهة الصحة وعدمها لتحفظ حاصلة وتحفظ غير حاصلة ما أمكن» (1).
السؤال الرابع والعشرون والمائة: ما الحكمة في قوله {لََا يَسَّمَّعُونَ}؟
الجواب: يعني في قوله تعالى: {لََا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ََ} (2)
[الصافات: 8] قال العلماء: لا يصح أن تكون هذه الجملة صفة لكل شيطان مارد، ولا حالا منه كما قدمناه، فتعين أن تكون جملة مستأنفة، وكلاما منقطعا عما قبله، فيكون إخبارا عن حال كل شيطان مارد بعد الحفظ فهو استئناف نحوي (3).
وقال شيخي زادة في حاشية البيضاوي: «وهو كلام مبتدأ أي: لا تعلق له بما قبله من جهة الإعراب أي: لا محل له من الإعراب. وإن كان متعلقا به من جهة المعنى، بأن يكون استئنافا فكأنه لمّا قيل:
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (24)
(2) تتمة الآية: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جََانِبٍ} [الصافات: 8].
(3) قال ابن هشام في المغني: = من الاستئناف ما قد يخفى، وله أمثلة كثيرة: أحدها:
{لََا يَسَّمَّعُونَ} من قوله تعالى: {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطََانٍ مََارِدٍ لََا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ََ} فإن الذي يتبادر إلى الذهن أنه صفة لكل شيطان، أو حال منه، وكلاهما باطل إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسّمع وإنما هي للاستئناف النحوي =.
انظر مغني اللبيب لابن هشام: (2/ 502501).(1/299)
{وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطََانٍ} [الصافات: 7] أي: وحفظناها حفظا منهم.
سئل بأن قيل: فما يكون حالهم إذا وكيف تحفظ السماء منهم؟ فأجيب عن الأول بأنهم {لََا يَسَّمَّعُونَ} وعن الثاني بقوله {وَيُقْذَفُونَ} والمعنى أنهم لا يسمعون ولا يتطلبون السماع إلى الملأ الأعلى وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن ذلك إلا من أمهل حتى خطف خطفة واسترق استراقة فعندها تعاجله الهلكة باتباع الشهاب الثاقب» (1) انتهى.
فهذه حكمة قوله: {لََا يَسَّمَّعُونَ}.
السؤال الخامس والعشرون والمائة: أي أحمد الحب أو العشق؟
الجواب: ذكر الشنواني في حاشيته المذكورة «= الحب المحبة والفرق بين العشق والمحبة أن العشق فساد يخيل أن أوصاف المعشوق فوق ما هي عليه.
وقال الأزهري: سئل أحمد بن يحيى (2) عن الحب والعشق، أيهما أحمد؟
فقال: الحب لأن العشق إفراط» (3).
__________
(1) انظر حاشية محيي الدين شيخ رادة على تفسير البيضاوي سورة = الصافات = (4/ 147146).
(2) لعل المراد بأحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء المعروف بثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة المتوفي سنة 291هـ. انظر: بغية الوعاة: (1/ 398396).
(3) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237)، ص (25).(1/300)
السؤال السادس والعشرون والمائة: ما تعريف النكتة؟
الجواب: قال الشيخ خالد في شرح القواعد: «النكتة هي الدقيقة».
وقال الشنواني في حاشيته: «الدقيقة من الدقيق خلاف الغليظ استعير لما لا يدرك إلا بالنظر وحدة الفهم لأن ما غلظ يرى بسرعة، وهي اللطيفة المستخرجة بقوة الفكر من نكت الأرض إذا أثر فيها بقضيب ونحوه، فكان دقيق الكلام وخفيه يفتقر إلى تأثير النفس من الفكر، أو تتأثر النفس منه لشدة القبول والتمكين.
والنكتة من الكلام الجملة المنقحة المحذوفة الفضول» (1).
السؤال السابع والعشرون والمائة: ما الفرق بين الفوائد والنكت؟
الجواب: قال الشنواني: «الفرق بينهما جلي، فإن المراد من الفوائد قواعد العلم على سبيل الضبط والاختصار، والمراد من النكت الدقائق التي تستنبط بجودة القريحة فيكون غيرها، ويجوز أن يكون الأمر الواحد معتبرا بعبارات مختلفة بحسب اختلاف الاعتبارات كالقضية تعتبر تارة بالخبر، وأخرى بالنتيجة فتسمى المعاني بالفوائد لكونها مستفادة من الألفاظ، وأخرى بالنكت لأنها مستنبطة بدقة نظر العقل» (2).
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم:
(14237)، ص (2423).
(2) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم:
(14237) ص (23).(1/301)
السؤال الثامن والعشرون والمائة: هل بين حل المباني وتبيين المعاني عموم وخصوص من وجه، أو هل يجتمعان وينفرد أحدهما؟
الجواب: قال الشنواني في حاشيته: «حل المباني فك التراكيب ببيان الفاعل والمفعول ومرجع الضمائر ونحو ذلك. والمباني جمع مبنى ومباني الكتاب ما تبنى عليه مسائله. والمعاني جمع معنى وهو ما يقصد بالفعل من اللفظ أو ما يمكن أن يقصد من اللفظ.
والتبيين: الإيضاح. قال: وتبيين المعاني يحتمل أنه من عطف العام على الخاص، يعني فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في التبيين، وينفرد أحدهما وهو حل المعاني بفك التراكيب.
قال: وقد يقال أن بينهما عموما وخصوصا من وجه لأن حل المباني قد لا يتبين المراد بمجرده، وبيان المعنى المراد قد يكون بدون حل التراكيب كأن يقتصر على نحو أن المراد كذا» (1).
السؤال التاسع والعشرون والمائة: هل المعنى اسم مكان أو مصدر؟.
الجواب: قال الشنواني في حاشيته: «= فإن قلت: هل المعنى اسم مكان أو مصدر ميمي، أو مخفف معنيّ بالتشديد؟ وما معناه لغة واصطلاحا؟
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (1110).(1/302)
قلت: قال السيد (1) في حواشي شرح الشمسية (2): = المعنى إما مفعل كما هو الظاهر من عنى يعني، إذا قصد أي المقصود، وإما مخفف معنّى بالتشديد اسم مفعول منه أي المقصود.
وقال السيد عيسى الصفوي (3): قوله إما مفعل هو اسم مكان أو مصدر ميمي وكلامه يحتملها تأمل (4).
__________
(1) السيد: علي بن محمد الجرجاني، المعروف بالسيد الشريف الجرجاني: فيلسوف من كبار العلماء بالعربية. ولد في تاكو (قرب استراباد) له مصنفات، منها = التعريفات = = مقاليد العلوم = و = تحقيق الكليات = و = حواشي على المطول للتفتازاني = = حاشية على الشمسية = توفي سنة 816هـ.
انظر الفوائد البهية محمد بن عبد الحي اللكنوي: ص (224212)، الأعلام للزركلي: (5/ 7).
(2) كتاب شرح الشمسية، متن مختصر في المنطق لنجم الدين عمر بن علي القزويني المتوفي سنة 693هـ وبهامشه حاشية للمحقق الفاضل السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني المتوفي سنة 816هـ.
انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (2/ 1063).
(3) عيسى الصفوي: هو عيسى بن محمد بن عبيد الله، أبو الخير، قطب الدين الحسني المعروف بالصفوي: فاضل، متصوف، من الشافعية. هندي الموطن، استوطن مصر نسبته إلى = صفي الدين = جده لأمه. له كتب، منها = مختصر النهاية لابن الأثير = و = شرح الغرة = في المنطق، و = تفسير = من سورة عم إلى آخر القرآن وله = شرح الكافية لابن الحاجب = توفي سنة 953هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد: (10/ 428427)، الأعلام للزركلي: (5/ 108).
(4) انظر حواشي شرح الشمسية للسيد علي الجرجاني فصل في المعاني المفردة ص (31).(1/303)
وفي حواشي شرح الشمسية للسيد أيضا بعد كلام قرره للمعنى فهذان معنيان اصطلاحيان أحدهما ما يقصد بالفعل من اللفظ، والثاني ما يمكن أن يقصد من اللفظ» (1) (2).
السؤال الثلاثون والمائة: في قولهم حق حمده هل الإضافة على تقدير حرف؟
الجواب: قال الشنواني: «إضافة الحق إلى الحمد من إضافة الصفة إلى الموصوف (3) = كجرد قطيفة = أي قطيفة جرد أي بالية ثم حذف الموصوف الذي هو قطيفة وأضيفت صفته. وهي جرد إلى جنسه للتبيين إذ الجرد يحتمل أن يكون من القطيفة ومن غيرها فالإضافة بمعنى من والقطيفة دثار مخمل» (4) (5). انتهى.
وكذلك هنا حق حمده أي حمده الحق ثم حذف الموصوف وهو حمده،
__________
(1) انظر: حواشي شرح الشمسية للعلامة الفاضل السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني على شرح قطب الدين الرازي على متن الشمسية في المنطق. فصل في المعاني المفردة ص (31).
(2) انظر حاشية الشنواني على شرح القواعد خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (11).
(3) هذه الإضافة تسمى عند البلاغيين بإضافة لجين الماء، أي ماء كاللجين.
(4) انظر مختار الصحاح.
(5) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (16).(1/304)
وأضيفت صفته التي هي حق إلى جنسه أي جنس موصوفه، يعني ما يجانس في لفظ وهو حمده ليتبين ذلك الموصوف.
السؤال الحادي والثلاثون والمائة: لم حلّ سماع النساء لغيرهن وحرم في الأذان؟
الجواب: قال الرملي في شرح منهاج الشافعية: «ولو أذّنت المرأة للرجال أو الخناثى لم يصح أذانها، وأثمت لحرمة نظرهما إليها، ولا فرق في الرجال بين المحارم وغيرهم. أما إذا أذنت المرأة للنّساء كان جائزا غير مستحب، ولا يشكل حرمة أذانها بجواز غنائها مع استماع الرجل له لأن الغناء يكره للرجل استماعه وإن أمن الفتنة، والأذان يستحب له استماعه فلو جوّزناه للمرأة لأدى الحال إلى أن يؤمر الرجال باستماع ما يخشى منه الفتنة، وهو ممتنع ولأن فيه تشبها بالرجال بخلاف الغناء فإنه من شعار النساء، ولأن الغناء ليس بعبادة والأذان عبادة، والمرأة ليست من أهلها، فيحرم عليها تعاطيها العبادة الفاسدة، ولأنه يستحب النظر إلى المؤذن حالة أذانه فلو استحببناه للمرأة لأمر السامع بالنظر إليها وهذا مخالف لمقصود الشارع، ولأن الغناء منها إنما يباح للأجانب الذين يؤمن افتتانهم بصوتها، والأذان مشروع لغير معين، فلا يحكم بالأمن من الافتتان فمنعت منه» (1).
وقال الشيخ ابن حجر في شرح المنهاج: «وإنما لم يحرم غناؤها وسماعه
__________
(1) انظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (1/ 389) فصل في بيان الأذان والإقامة.(1/305)
للأجنبي حيث لا فتنة، لأن تمكينها منه ليس في حمل الناس على مؤد لفتنة، بخلاف تمكينها من الأذان لأنه يسن الإصغاء للمؤذن والنظر إليه وكل منهما إليها مفتن، ولأنه لا تتشبه فيه إذ هو من وضع النساء بخلاف الأذان فإنه مختص بالذكور فحرم عليها التشبه بهم فيه» (1).
السؤال الثاني والثلاثون والمائة: قول بسم الله هل هو قصر إفراد أو قلب؟
الجواب: قال الشنواني في حاشيته في بسم الله الرحمن الرحيم: «الباء فيه للمصاحبة أو للاستعانة أي ملتبسا متبركا أو مستعينا باسم مسمى هذا اللفظ المبالغ في الرحمة بمعنى إرادة الإنعام، أو الإنعام أضيف، أو أفتتح لا باسم غيره كالمشرك المبتدئ باسم غيره أيضا، ففيه قصر إفراد» (2).
وقال السعد في المطول في تعريف القصر: «أنه في اللغة الحبس يقال قصرت اللقحة على فرسي إذا جعلت درّها له لا لغيره.
وفي الاصطلاح: تخصيص شيء بشيء بطريق معهود. قال: وقصر الصفة على الموصوف من يعتقد الشركة أي شركة صفتين، أو أكثر في موصوف
__________
(1) انظر حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج لشرح المنهاج لابن حجر الهيتمي، في بيان الأذان والإقامة: (1/ 466)
(2) انظر حاشية الشنواني على القواعد مخطوط رقم (14237) في قوله بسم الله الرحمن الرحيم: ص (2)(1/306)
واحد، أو قصر الموصوف على الصفة وبشركة موصوفين أو أكثر في صفة واحدة، ويسمى هذا القصر قصر إفراد لقطع الشركة، ومن يعتقد العكس أي عكس الحكم الذي أثبته المتكلم حتى يكون المخاطب بقولنا = ما زيد إلا قائم = من يعتقد اتصافه بالقعود دون القيام، وبقولنا = ما شاعر إلا زيد = من يعتقد أن الشاعر عمرو دون زيد، ويسمى هذا القصر قصر قلب لقلب حكم المخاطب» (1). انتهى ملخصا.
وهنا في بسم الله الرحمن الرحيم المشرك يعتقد أن مع الله إلها آخر فيخاطبه بكلام يقصر فيه الألوهية في الله تعالى قصر إفراد ردا على اعتقاده الشركة، وليس هناك من الكافرين من يعتقد ألوهية غير الله تعالى وينفي الألوهية عن الله تعالى حتى تخاطبه بكلام تقصر فيه الألوهية في الله تعالى قصر قلب لاعتقاده.
السؤال الثالث والثلاثون والمائة: لم اختير الحمد على الشكر في الحمد لله؟
الجواب: قال الشنواني في حاشيته: «= واختار الحمد على الشكر مع أن المبادر في العبارة أي عبارة شرح القواعد، وهي قوله: الحمد لله الملهم لحمده أن المحمود عليه هنا نعمة إلهام. وقد قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (2) [إبراهيم: 7] لأن ديباجة القرآن المجيد موشحة بعزة التحميد،
__________
(1) انظر المطول شرح تلخيص المفتاح لسعد الدين التفتازاني الباب الخامس القصر، كتاب نادر رقم: (12664)، ص (191182).
(2) أول الآية: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذََابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7](1/307)
ولأن الظاهر أن افتتاح المقال بحمد الله الملك المتعال للعمل بموجب الحديث المأثور عن سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، أعني قوله: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، فهو أجزم» (1) وروي عنه أيضا: «ما شكر الله عبد لم يحمده» (2). (3) انتهى.
السؤال الرابع والثلاثون والمائة: قولنا الصلاة والسلام على سيدنا محمد، هل هو من باب التنازع؟.
__________
(1) رواه أبو داود في الأدب، باب: الهدي في الكلام رقم: (4840)، (3/ 266)، عن أبي هريرة.
ورواه ابن ماجه في كتاب النكاح، باب خطبة النكاح رقم: (1894)، (1/ 610) عن أبي هريرة قال السندي: الحديث قد حسنه ابن الصلاح والنووي، وأخرجه ابن حبان في صحيحه. والحاكم في المستدرك. ورواه ابن حبان في صحيحه في المقدمة. باب ما جاء في الابتداء بحمد الله تعالى.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الجمعة باب ما يستدل به على وجوب التحميد في خطبة الجمعة، وقال أسنده قرة، ورواه يونس بن يزيد وعقيل بن خالد وشعيب وأبي حمزة وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرسلا. أنظر البيهقي: (3/ 209).
(2) ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين قال وفي حديث ابن عمر (9/ 49)
ورواه السيوطي في الدر المنثور عن ابن عمرو بن العاص عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ «الحمد» رأس الشكر، «فما شكر الله عبد لا يحمده» تفسير الفاتحة (1/ 30).
(3) انظر الشنواني في حاشيته على شرح القواعد خالد الأزهري مخطوط رقم:
(14237) ص (4).(1/308)
الجواب: ذكر في حاشية الشنواني عند قول شارح القواعد: «الصلاة والسلام بالجر عطفا على حمد الله على سيدنا متعلق بالسلام على اختيار البصريين، ومتعلق الصلاة محذوف تقديره عليه، ولا يجوز أن يتعلق المذكر بالصلاة لأنه يجب ذكر المتعلق بالسلام على الأصح.
قال قوله: متعلق بالسلام إلى آخره هذا مبني على أن الصلاة والسلام عاملان تنازعا الظرف الواقع بعدهما.
فإن قلت: هذا ينافي ما نقله عن بعض النحاة في شرح التوضيح وأقرّه من أنه لا تنازع بين مصدرين.
قلت: جرى في موضع على قول، ومشى في آخر على مختاره» (1) انتهى.
والحاصل أن التركيب الواقع في قواعد ابن هشام صورته أما بعد حمد الله حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا وعبده فالصلاة والسلام بالجر معطوفان على حمد المضاف إلى بعد، فيبقى على سيدنا الجار والمجرور متنازعا فيه، كما ذكروا ما في هذا السؤال الذي قال فيه: قولنا الصلاة والسلام على سيدنا، فالصلاة مبتدأ والسلام معطوف عليه، وقوله على سيدنا الجار والمجرور في محل رفع بالخبرية ولا يصح التنازع فيه.
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم:
(14237) ص (2).(1/309)
السؤال الخامس والثلاثون والمائة: هل قولهم شرح يحلّ المباني ويبين المعاني من المجاز، وإن قلتم به فأي مجاز؟ أو من باب الاستعارة فأي استعارة؟ أو استعارة ومجاز؟
الجواب: قال الشنواني في حاشيته في قوله يحل المباني، ويبين المعاني:
«استعارة بالكناية بأن شبهت ألفاظ الكتاب بعد إيضاح دلالتها على المعنى، وذكر ما يحتاج إليه فيه بشيء كان معقودا على المطلوب أذيل عقدة عنه، وتوصل بذلك إليه فعلى طريق صاحب التلخيص تكون الاستعارة المكنية هي التشبيه المضمر في النفس، ولم يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه كما هو الواجب فيها، ويكون إثبات الحل الذي هو من خواص المشبه به قرينة الاستعارة، وعلى طريق صاحب المفتاح تجعل الألفاظ استعارة بالكناية عن ذلك الشيء، وتجعل نسبة الحل إليها قرينة الاستعارة، ولا ترشيح هنا لأن اعتبار الترشيح إنما يكون بعد تمام الاستعارة فلا تعد قرينة المكنية ترشيحا، وأقرب منها جعل ذلك من الاستعارة التبعية بأن شبه تبيين معاني الألفاظ بإزالة العقد عن الشيء المعقود على المطلوب، ووجه التشبيه إظهار المطلوب، ثم استعير للتبيين لفظ الحل، ثم اشتق منه الفعل فتكون الاستعارة في المصدر أصلية، وفي الفعل تبعية، وقرينتها تعليق الفعل بالمباني التي هي الألفاظ، ويجوز أن يطلق لفظ الحل على التبيين لا باعتبار التشبيه، بل باعتبار أنه لازم للحل، فيكون مجازا مرسلا، [وقد صرحوا بأنه لا امتناع في أن يكون اللفظ
الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد، استعارة ومجازا مرسلا] (1) باعتبار العلاقتين (2)».(1/310)
«استعارة بالكناية بأن شبهت ألفاظ الكتاب بعد إيضاح دلالتها على المعنى، وذكر ما يحتاج إليه فيه بشيء كان معقودا على المطلوب أذيل عقدة عنه، وتوصل بذلك إليه فعلى طريق صاحب التلخيص تكون الاستعارة المكنية هي التشبيه المضمر في النفس، ولم يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه كما هو الواجب فيها، ويكون إثبات الحل الذي هو من خواص المشبه به قرينة الاستعارة، وعلى طريق صاحب المفتاح تجعل الألفاظ استعارة بالكناية عن ذلك الشيء، وتجعل نسبة الحل إليها قرينة الاستعارة، ولا ترشيح هنا لأن اعتبار الترشيح إنما يكون بعد تمام الاستعارة فلا تعد قرينة المكنية ترشيحا، وأقرب منها جعل ذلك من الاستعارة التبعية بأن شبه تبيين معاني الألفاظ بإزالة العقد عن الشيء المعقود على المطلوب، ووجه التشبيه إظهار المطلوب، ثم استعير للتبيين لفظ الحل، ثم اشتق منه الفعل فتكون الاستعارة في المصدر أصلية، وفي الفعل تبعية، وقرينتها تعليق الفعل بالمباني التي هي الألفاظ، ويجوز أن يطلق لفظ الحل على التبيين لا باعتبار التشبيه، بل باعتبار أنه لازم للحل، فيكون مجازا مرسلا، [وقد صرحوا بأنه لا امتناع في أن يكون اللفظ
الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد، استعارة ومجازا مرسلا] (1) باعتبار العلاقتين (2)».
السؤال السادس والثلاثون والمائة: ما الفرق بين المنّ والامتنان؟
الجواب: قال في المصباح: «منّ عليه العتق وغيره وبه منّا من باب قتل وامتنّ عليه به أيضا أنعم عليه به (3)». انتهى.
فهما بمعنى واحد ولكن الامتنان مصدر فيه زيادة في المبنى تشعر بزيادة في المعنى على مصدر المن.
السؤال السابع والثلاثون والمائة: ما الحكمة في أن الشرط والجواب متماثلان لفظا في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فمن كانت هجرته» (4) الحديث؟.
__________
(1) ما بين قوسين زيادة عن حاشية الشنواني [].
(2) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (10).
(3) انظر المصباح المنير للفيومي: مادة = منّ =.
(4) أول الحديث: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
رواه البخاري في كتاب بدء الوحي باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقم (1) (1/ 3).
ورواه مسلم في كتاب الإمارة، باب: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنية» رقم (1907) (3/ 1516).(1/311)
الجواب: قوله عليه السلام: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله».
قال المناوي في شرح الجامع الصغير: «وتقديره فمن كانت نيته في الهجرة التقرب إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، أي مقبولة إذ الشرط والجزاء كالمبتدأ والخبر إذا اتحدا صورة يعلم منه تعظيمه كما في هذه الجملة أو تحقيره كما في التي بعدها فالجزاء هنا كناية عن قبول هجرته.
وقال بعضهم الخبر محذوف وتقديره فله ثواب الهجرة عند الله تعالى والمذكور مستلزم له دال عليه أي فهجرته عظيمة شريفة أو مقبولة صحيحة والتصريح باسم الله ورسوله للتبرك والتلذذ وبما تقرر من التقرير اتضح أنه ليس الجزاء عين الشرط حقيقة على أنه قد يقصد بجواب الشرط بيان الشهرة وعدم التنفير فيتحد بالجزاء لفظا نحو من قصدني فقد قصدني هذا محصول ما دفعوا به توهم الاتحاد الذي يشهد العقل الصحيح والنقل الصريح بأنه علي فصيح» (1).
السؤال الثامن والثلاثون والمائة: ما الأولى في لا إله إلا الله رفع الله من ستة أوجه أو النصب من وجهين؟.
الجواب: أما الستة أوجه لرفع اسم الله في لا إله إلا الله.
__________
(1) أنظر فيض القدير للمناوي (1/ 31)(1/312)
فالأول: رفعه على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدر يعني خبر لا العاملة عمل أنّ وتقديره لا إله موجود إلا الله.
والثاني: رفعه على البدلية من اسم لا باعتبار محل الاسم قبل دخول لا فإن الأصل الإله الله فالإله مبتدأ والله خبره.
والثالث: رفعه بالخبرية يعني أنه خبر لا.
والرابع: أن إلا ليست أداة استثناء وإنما هي بمعنى غير وهي مع الاسم المعظم صفة لاسم لا باعتبار المحل، والتقدير لا إله غير الله في الوجود.
والخامس: ينسب إلى الزمخشري أن لا إله في موضع الخبر وإلا الله في موضع المبتدأ، والأصل الله إله فالمعرفة مبتدأ والنكرة خبر على القاعدة، ثم قدم الخبر ثم أدخل النفي على الخبر والإيجاب على المبتدأ وركبت إلا مع الخبر.
والسادس: أن الاسم المعظم مرفوع بإله لأنه كما يرتفع الاسم بالصفة في قولك: = أقائم الزيدان = فيكون المرفوع قد أغنى عن الخبر فإن إله بمعنى مألوه من أله أي عبد فيكون الاسم المعظم مرفوعا على أنه مفعول أقيم مقام الفاعل واستغني به عن الخبر، كما في نحو قولنا = ما مضروب العمران =
وأما النصب فالوجهان له:
الأول: منهما أن يكون منصوبا على الاستثناء من الضمير المستكن في الخبر المقدر.(1/313)
والثاني: أن يكون إلا الله صفة لاسم لا وهو لا يكون إلا إن كان = إلا = بمعنى غير.
قال العلامة الشيخ إبراهيم الكوراني المدني رحمه الله تعالى (1) في كتابه إنباه الأنباه في إعراب لا إله إلا الله بعد بسط الكلام في تقدير ما ذكرناه في هذا المقام. أن رفع الاسم المعظم هنا هو الراجح على النصب وهو الرفع بالوجه الأول الذي قدمناه وهو الرفع بالبدلية من الضمير المستتر في الخبر.
السؤال التاسع والثلاثون والمائة: قال: لولاك له متعلق؟
الجواب: قال الشنواني: «ذهب سيبويه إلى أن = لولا = جارة للضمير بعدها، فالضمير بعدها ضمير مجرور متصل. قال ولولا لا تتعلق بشيء لأنها جيئت للدلالة على امتناع جوابها لوجود الأول لا للتعدية والإفضاء (2)».
السؤال الأربعون والمائة: ما يأتي التوبيخ وما مثاله؟
__________
(1) الكوراني: هو إبراهيم بن حسن الكوراني، برهان الدين: مجتهد، من فقهاء الشافعية.
عالم بالحديث. قيل إن كتبه تنيف على ثمانين منها = إتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف = و = إنباه الأنباه على تحقيق إعراب لا إله إلا الله = و = إفاضة العلام بتحقيق مسألة الكلام =.
وغيرها كثير. توفي سنة 1101هـ في المدينة المنورة ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
انظر سلك الدرر للمرادي: (1/ 65)، هدية العارفين للبغدادي: 5/ 35، الأعلام للزركلي: (1/ 35)
(2) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (113). بمكتبة الأسد بدمشق.(1/314)
الجواب:
التوبيخ يأتي بالهمزة التي للاستفهام الإنكاري.
قال في المطول: «الإنكار إما للتوبيخ أي ما كان ينبغي أن يكون ذلك الأمر الذي كان نحو: = أعصيت ربّك = فإن العصيان واقع، ففي هذا الاستفهام تقرير بمعنى التثبيت، وإنكار بمعنى أنه كان لا ينبغي أن يقع وعليه قول الشاعر:
أفوق البدر يوضع لي مهاد ... أم الجوزاء تحت يديّ وساد (1)
فإنه للتقرير مع شائبة من الإنكار بادعاء أنه أعلى مرتبة من ذلك، أو لا ينبغي أن يكون، وذاك في المستقبل نحو أتعصي ربك؟ بمعنى لا ينبغي أن يتحقق العصيان (2) =.
السؤال الحادي والأربعون والمائة: هل = اعبدو الله = من أي قصر؟
الجواب: قوله تعالى: {يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلََهَيْنِ مِنْ دُونِ اللََّهِ} الآية إلى قوله: {مََا قُلْتُ لَهُمْ إِلََّا مََا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللََّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} (3)».
قال الشنواني في حاشيته شرح القواعد: «فإن قلت القصر الواقع في الآية من أي قبيل هو؟
__________
(1) فتشت في معظم الكتب فلم أقم على هذا البيت ولا على قائله.
(2) انظر المطول للتفتازاني = الاستفهام = كتاب نادر رقم: و (12665) ص (196). بمكتبة الأسد بدمشق.
(3) تتمة الآية: {قََالَ سُبْحََانَكَ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مََا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِي وَلََا أَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلََّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 117116].(1/315)
قلت: من قصر القلب وذلك لأن قوله تعالى: {وَإِذْ قََالَ اللََّهُ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} الآية فيه أن المبعوث إليهم عيسى عليه السلام يدّعون أنه قال لهم ذلك، وحاشاه منه، فكأنه عليه السلام قال: لم أقل لهم ما يدّعونه، لم أقل لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله» (1).
السؤال الثاني والأربعون والمائة: هل = يقال له إبراهيم = مفعول ما لم يسم فاعله أولى؟
الجواب: قال الشنواني: «وأجاز الزمخشري في قوله تعالى: {يُقََالُ لَهُ إِبْرََاهِيمُ} (2) مفعول ما لم يسم فاعله.
قال ابن مالك: ورجح الزمخشري هذا الإعراب على إعرابه منادى أو خبرا أي: هذا إبراهيم، ولم يذكر وجهه ويمكن توجيهه بأمرين سلامته من دعوى الحذف اللازم على كل منهما، وأنه شامل لكل استعمال يستعمل فيه هذا اللفظ، أعني أنه يشمل استعماله في جميع التراكيب، وأما يا إبراهيم فخاص بالنداء، وأما هذا إبراهيم فمختص بهذا التركيب وليس المراد إلا أن هذا اللفظ يطلق عليه وبسط الكلام في هذا المقال (3)».
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (124). بمكتبة الأسد بدمشق.
(2) أول الآية: {قََالُوا سَمِعْنََا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقََالُ لَهُ إِبْرََاهِيمُ} [الأنبياء: 60].
(3) انظر الشنواني حاشية على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (127). بمكتبة الأسد بدمشق.(1/316)
السؤال الثالث والأربعون والمائة: لم لم تعرب أي من قولك = أيها الرجل =، وهل إعراب الرجل نعت أو عطف بيان؟
الجواب: قال في مغني ابن هشام: «أي بفتح الهمزة وتشديد الياء اسم يأتي على أوجه، وذكر منها: أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه ال، نحو = يا أيّها الرجل = وزعم الأخفش أن = أيّا = لا تكون وصلة، وأن = أيا = هذه هي الموصولة حذف صدر صلتها وهو العائد، والمعنى = يا من هو الرجل =، وردّ بأنه ليس لنا عائد يجب حذفه ولا موصول التزم كون صلته جملة اسمية، وله أن يجيب عنهما بأن = ما = في قولهم = لا سيّما زيد = بالرفع كذلك» (1). انتهى.
وإذا كانت موصولة فهي مبنية كبناء الموصولات لشبهها بالحروف في افتقارها إلى الصلة والعائد كافتقار الحروف إلى ضم ضميمة.
وفي حاشية الشنواني عل شرح القواعد: «قال السمين في إعرابه في سورة البقرة أي اسم منادى في محل نصب، ولكنه مبني على الضم لأنه مفرد معرفة، وزعم الأخفش أنها ههنا موصولة وأن المرفوع بعدها خبر مبتدأ مضمر، والجملة صلة والتقدير = يا الذي هو الإنسان = والمرفوع بعدها صفة لها، ولا يجوز نصبه على المحل خلافا للمازني. وها زائدة للتنبيه لازمة لها» (2).
__________
(1) انظر مغني اللبيب لابن هشام: (1/ 109).
(2) انظر حاشية الشنواني على قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم (14237) ص (131).(1/317)
قال الشنواني: «والظاهر: أن تابع = أي = نعت مطلقا والجامد لحظ فيه الاشتقاق، وقيل عطف بيان.
قال ابن السيد (1) وهو الظاهر ورد بأنه يلزم عليه استقلال = أي = بالنداء، وقيل: إن كان مشتقا فهو نعت وإن كان جامدا فهو عطف بيان وإليه ذهب ابن المصنف وما أحسن ما ذهب إليه (2)».
السؤال الرابع والأربعون والمائة: كم وجه من الإعراب في قوله تعالى: {مَثَلًا مََا بَعُوضَةً} (3)؟
الجواب: قال الشنواني في حاشيته على شرح القواعد: «والحاصل أن في نصب = مثلا = و = بعوضة = في الآية أقوالا:
أحدها: للفراء أن = مثلا = مفعول = يضرب =. = بعوضة = صفة لما إذا جعلتها بدلا من مثلا، وتكون ما حينئذ وصفت باسم الجنس المنكر لإبهام ما وصفت، بأن الصفة بأسماء الأجناس لا تنقاس.
__________
(1) ابن السيد: عبد الله محمد بن السيد البطليوسي، أبو محمد: من العلماء باللغة والأدب. ولد في بطليوس في الأندلس. من كتبه = الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، لابن قتيبة = و = المسائل والأجوبة = و = الحدائق = أصول الدين و = الحلل في شرح أبيات الجمل = و = شرح الموطأ = وغير ذلك توفي سنة 521هـ.
انظر ابن خلكان: (3/ 9896)، الأعلام للزركلي: (4/ 123).
(2) انظر حاشية الشنواني على شرح القواعد للأزهري مخطوط رقم (14237) ص (122). بمكتبة الأسد بدمشق.
(3) أول الآية: {إِنَّ اللََّهَ} {فَمََا فَوْقَهََا} [البقرة: 26].(1/318)
الثاني: أن = مثلا = مفعول و = بعوضة = عطف بيان للمثل، وضعف بأن الجمهور على أن عطف البيان لا يكون في النكرات.
الثالث: أن = مثلا = مفعول و = بعوضة = بدل منه واختير.
الرابع: أن = بعوضة = مفعول يضرب و = مثلا = حال منها لأنه نكرة مقدم عليها.
الخامس: أن = مثلا = مفعول أول ليضرب، و = بعوضة = الثاني، وضعف بأن الصحيح تعدي ضرب إلى مفعول واحد فقط.
السادس: أن = بعوضة = مفعول أول ليضرب، و = مثلا = الثاني وفيه ما تقدم.
السابع: أن = مثلا = مفعول يضرب، و = بعوضة = منصوب على إسقاط الخافض أي ما بين بعوضة فما فوقها» (1).
السؤال الخامس والأربعون والمائة: ما معنى السّجع لغة واصطلاحا؟.
الجواب: قال في المصباح: «سجعت الحمامة سجعا من باب نقع هدرت وصوّتت.
والسجع في الكلام مشبه بذلك لتقارب فواصله، وسجع الرجل كلامه كما يقال نظمه، إذا جعل لكلامه فواصل كقوا في الشّعر ولم يكن موزونا (2)».
__________
(1) انظر حاشية الشنواني على شرح قواعد الإعراب خالد الأزهري مخطوط رقم:
(14237) ص (152151).
(2) انظر المصباح المنير للفيومي مادة = سجعت =.(1/319)
وقال في المطول: «السجع قد يطلق على نفس الكلمة الأخيرة من الفقرة باعتبار كونها موافقة للكلمة الأخيرة من الفقرة الأخرى، وقد يطلق على توافقهما.
وقيل: هو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد في الآخر. وهو معنى قول السكاكي (1): السجع في النثر كالقافية في الشعر» انتهى (2). فهذا معنى السجع لغة واصطلاحا.
السؤال السادس والأربعون والمائة: ما معنى طغيان القلم هل هو مجاز أو استعارة؟.
الجواب: طغى تجاوز الحد وخرج عن طريق الاستقامة، وهو يأتي اللام وواويها، يقال: طغى طغيانا، وطغى طغوانا. والقلم معروف وهو القصبة التي يكتب بها وذلك كناية عن وقوع الخطأ وصدور ما لا ينبغي كذا في شرح المغني للدماميني.
__________
(1) السكاكي: يوسف بن أبي بكر بن محمد السّكّاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب، سراج الدين: عالم بالعربية والأدب. مولده ووفاته بخوارزم. من كتبه = مفتاح العلوم = و = رسالة في علم المناظرة = توفي سنة 626هـ.
انظر شذرات الذهب لابن العماد: (7/ 215)، هدية العارفين للبغدادي: 6/ 553، الأعلام للزركلي: (8/ 222)
(2) انظر المطول شرح تلخيص المفتاح للتفتازاني = السجع = كتاب نادر رقم: (12664) ص (414). بمكتبة الأسد بدمشق.(1/320)
وفي المطول: «الكناية: لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادته معه أي إرادة ذلك المعنى مع لازمة كلفظ = طويل النجاد = (1) المراد به لازم معناه أعني طويل القامة مع جواز أن يراد حقيقة طول النجاد أيضا (2)». انتهى.
وهنا المراد من طغيان القلم لازم معنى الطغيان، وهو وقوع الخطأ من القلم، وصدور ما لا ينبغي منه بواسطة الكاتب مع جواز إرادة حقيقة الطغيان منه، وهو مجاوزة الحد بواسطة فعل الكاتب، وقد لا تراد الحقيقة فيكون مجازا.
قال في المطول: «فظهر أن الكناية تخالف المجاز من جهة إرادة المعنى الحقيقي للّفظ مع إرادة لازمة كإرادة = طول النجاد = مع إرادة طول القامة بخلاف المجاز فإنه لا يصح فيه أن يراد المعنى الحقيقي» (3) انتهى.
ويصح أن يراد بطغيان القلم تشبيهه بالإنسان المجاوز الحد في الخطأ فتكون استعارة بالكناية ونسبة الطغيان إليه تخييل.
السؤال السابع والأربعون والمائة: تشبيه مسائل الإعراب بالخزائن وإتيان الأقفال لها والانفتاح من أي استعارة؟
الجواب: قال الدماميني في شرح المغني عند قول ابن هشام: «وتتبعت فيه
__________
(1) والنجاد: قال في مختار الصحاح: النّجاد بالكسر حمائل السيف.
(2) انظر: المطول لسعد التفتازاني كتاب نادر رقم: و (12665) ص (332). الكناية بمكتبة الأسد بدمشق.
(3) انظر: المطول للتفتازاني كتاب نادر رقم: و (12665)، الكناية ص (332). بمكتبة الأسد بدمشق.(1/321)
مقفلات مسائل الإعراب فافتتحتها تشبيه مسائل الإعراب بالخزائن استعارة بالكناية، وإثبات الأقفال لها استعارة تخييلية، والافتتاح ترشيح، ويحتمل أنه شبه المسائل المشكلة بالأقفال عليها من حيث لا يوصل إلى الغرض منها إلا بإزالة المانع فتكون استعارة تحقيقة، وكذا تشبيه التحقق الرافع للإشكال بفتح القفل المفضي للوصول إلى ما وراءه من المطلوب» (1).
السؤال الثامن والأربعون والمائة: أي آية تفسرها؟
الجواب: يعني أي آية في القرآن تفسر هذه الاستعارة بتشبيه المقصود بالخزائن عند ذكر الأقفال، وذلك قوله تعالى: {أَفَلََا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى ََ قُلُوبٍ أَقْفََالُهََا} [محمد: 24] فإن ذكر الأقفال مشعر بتشبيه القلوب بالخزان المقفلة استعارة بالكناية، وذكر الأقفال استعارة تخييلية.
السؤال التاسع والأربعون والمائة: ما وجه = ما قام وقعد إلا زيد = ليس من باب التنازع؟.
الجواب: قال الدماميني في شرح التسهيل: «ويجوز = ما قام وقعد إلا زيد = محمول على الحذف لا على التنازع خلافا لبعضهم فإنه حمله على التنازع، وادّعى بعض النحويين أن هذا الكلام محمول على الحذف، فتقديره = ما قام إلا زيد وما قعد إلا زيد = واختاره ابن مالك واقتضى ظاهر كلامه أن ذلك جار مع الظاهر كما مثلنا ومع المضمر نحو: = ما قام وقعد إلا أنت = وخرّجه
__________
(1) انظر شرح مغني اللبيب للدماميني مخطوط رقم: (14288) ص (3). بمكتبة الأسد بدمشق.(1/322)
بعضهم على أنه من باب التنازع، ومنع ابن الحاجب التنازع في = ما قام وقعد إلا أنت =. وتمامه مفصل في شرح التسهيل للدماميني (1).
السؤال الخمسون والمائة: في قوله تعالى في سورة البقرة:
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هََذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهََا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطََايََاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنََا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمََاءِ بِمََا كََانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59].
وفي سورة الأعراف: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هََذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهََا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئََاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّمََاءِ بِمََا كََانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:
162161] فالقصة واحدة وهما آيتان مختلفتان في الأولى = قلنا = وفي الثانية = قيل = وفيها زيادة لهم وفي الأولى = ادخلوا = وفي الثانية = اسكنوا = وفيها = وسنزيد = و = كلوا = وفي الأولى = فكلوا = وفيها زيادة = غدا = وفيها = وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة = وفي الثانية = وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا = وفيها = خطيئاتكم = وفي الأولى = خطاياكم = وفيها = وسنزيد المحسنين = وفي الثانية = سنزيد = وفيها = فأرسلنا = وفي الأولى = فأنزلنا = وفيها = على الذين ظلموا = وفي
__________
(1) انظر الكافية في النحو لابن الحاجب تنازع الفعلان (1/ 7877) وحاشية الصبان على شرح الأشموني التنازع في العمل: (2/ 10098).(1/323)
الثانية = عليهم = وفيها = يظلمون = وفي الأولى = يفسقون = فما حكمة ذلك؟.
الجواب: ذكر ذلك السيوطي في الإتقان قال: «= قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هََذِهِ الْقَرْيَةَ} الآية، وفي الأعراف اختلاف ألفاظ، فإن آية البقرة في معرض ذكر النّعم عليهم حيث قال: {يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} (1) إلى آخره، فناسب نسبة القول إليه تعالى، وناسب قوله: = رغدا = لأن النعم به أتم، وناسب تقديم {وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً} [البقرة: 59/ 2] وناسب خطاياكم لأنه جمع كثرة، وناسب الواو في = وسنزيد = لدلالتها على الجمع بينهما، وناسب الفاء في = فكلوا = لأن الأكل مرتب على الدخول. وآية الأعراف افتتحت بما فيه توبيخهم وهذا قولهم: {اجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ} (2)، ثم اتخاذهم العجل، فناسب ذلك {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ}، وناسب ترك = رغدا = والسكنى تجامع الأكل، فقال: = وكلوا =، وناسب تقديم ذكر مغفرة الخطايا وترك الواو في = سنزيد = ولمّا كان في الأعراف تبعيض الهادين بقوله:
{وَمِنْ قَوْمِ مُوسى ََ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} (3)، ناسب تبعيض الظالمين بقوله:
__________
(1) تتمة الآية: {الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعََالَمِينَ} [البقرة: 122].
(2) {وَجََاوَزْنََا بِبَنِي إِسْرََائِيلَ الْبَحْرَ} {قََالُوا يََا مُوسَى اجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ قََالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 139].
(3) تتمة الآية: {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159].(1/324)
{الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (1)، ولم يتقدم في البقرة مثله فترك. وفي البقرة إشارة إلى سلامة غير الذين ظلموا لتصريحه بالإنزال على المتصفين بالظلم، والإرسال أشد وقعا من الإنزال، فناسب سياق ذكر النعمة في البقرة لذلك، وختم آية البقرة ب {يَفْسُقُونَ} (2) ولا يلزم منه الظلم، والظلم يلزم منه الفسق، فناسب كل لفظة منها سياقه =» (3).
السؤال الحادي والخمسين والمائة: ما معنى الآية لغة واصطلاحا؟
الجواب: الآية في اللغة العلامة، ومنه {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} (4) لأنها علامة للفضل والصدق، والجماعة لأنها جماعة كلمة.
وفي الاصطلاح: حد الآية قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة.
وقال بعضهم: الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها. وما بعدها.
وقيل: هو الواحدة من المعدودات في السور، سميت به لأنها علامة على صدع من أتى بها، وعلى عجز المتحدي بها. وقيل: لأنها علامة على انقطاع ما قبلها من الكلام، وانقطاع ممّا بعدها =. كذا في الإتقان (5).
__________
(1) الآية: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} {بِمََا كََانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 163].
(2) الآية: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} {بِمََا كََانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59].
(3) انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي = في الآيات المشتبهات = (3/ 342341).
(4) الآية: {وَقََالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ} [البقرة: 248].
(5) انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي فصل في عد الآي: (1/ 188187).(1/325)
السؤال الثاني والخمسون والمائة: كم ورد لها معنى في القرآن؟
الجواب: الآية وردت في القرآن لمعان:
أحدها المعجزة كما قال تعالى: {ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ كََانُوا يَكْفُرُونَ بِآيََاتِ اللََّهِ} (1).
قال البيضاوي: «بسبب كفرهم بالمعجزات التي من جملتها ما عدّ عليهم من فلق البحر، وإظلال الغمام، وإنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من الحجر» (2).
والثاني: الطائفة من الكلمات الإلهية.
قال البيضاوي في قوله تعالى: {«يَكْفُرُونَ بِآيََاتِ اللََّهِ}: بالكتب المنزلة كالإنجيل والقرآن، وآية الرجم، والتي منها نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم من التوراة.
والثالث: الدليل والحجة.
قال البيضاوي في قوله تعالى: {وَيُرِيكُمْ آيََاتِهِ} (3) دلائله على كمال قدرته (4)».
والرابع: = بدائع المصنوعات قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ}
__________
(1) أول الآية: {وَإِذْ قُلْتُمْ يََا مُوسى ََ لَنْ نَصْبِرَ عَلى ََ طَعََامٍ وََاحِدٍ} إلى قوله {ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ} {وَكََانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61].
(2) انظر تفسير البيضاوي = البقرة = (1/ 157).
(3) أول الآية: {فَقُلْنََا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهََا} {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73].
(4) انظر تفسير البيضاوي = البقرة =: (1/ 163162).(1/326)
الآية إلى قوله: {لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (1) [البقرة: 164] قال البيضاوي:
«واعلم أن دلالة هذه الآيات على وجود الإله ووحدته من وجوده كثيرة يطول شرحها مفصلا» (2).
والخامس: مطلق العلامة على الشيء كقوله تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التََّابُوتُ} (3) [البقرة: 248] أي علامته.
والسادس: ناقة الله.
قال البيضاوي في قوله تعالى: {«هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ لَكُمْ آيَةً} (4) [الأعراف: 73] فأية نصب على الحال» (5) انتهى.
والحال وصف في المعنى.
والسابع: الليل، قال تعالى: {فَمَحَوْنََا آيَةَ اللَّيْلِ} (6) [الإسراء: 12].
قال البيضاوي: «أي الآية التي هي الليل بالإشراق، والإضافة فيهما للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود.
__________
(1) تتمة الآية {وَاخْتِلََافِ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمََا يَنْفَعُ النََّاسَ وَمََا أَنْزَلَ اللََّهُ مِنَ السَّمََاءِ مِنْ مََاءٍ فَأَحْيََا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهََا وَبَثَّ فِيهََا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيََاحِ وَالسَّحََابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 164].
(2) انظر تفسير البيضاوي سورة = البقرة =: (1/ 205).
(3) أول الآية: {وَقََالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ} [البقرة: 248].
(4) الآية: {وَإِلى ََ ثَمُودَ أَخََاهُمْ صََالِحاً} {عَذََابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73].
(5) انظر تفسير البيضاوي سورة = الأعراف =: (3/ 16).
(6) أول الآية: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ آيَتَيْنِ} [الإسراء: 12].(1/327)
والثامن: النهار لقوله سبحانه: {وَجَعَلْنََا آيَةَ النَّهََارِ مُبْصِرَةً} (1) [الإسراء:
12] أي مضيئة» (2).
السؤال الثالث والخمسون والمائة: كم وجه للقراء في عليهم وإليهم ولديهم، وما توجيه كل وجه؟
الجواب: ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد الفاسي (3) في شرحه على الشاطبية (4): أما «عليهم» و «إليهم» و «لديهم» فقرأها حمزة بضم الهاء وصلا ووقفا، والباقون بكسرها وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو (5)
__________
(1) أول الآية: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ آيَتَيْنِ} {فَصَّلْنََاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء: 13].
(2) انظر تفسير البيضاوي سورة = الإسراء =: (3/ 197).
(3) محمد الفاسي: هو الإمام العلامة جمال الدين محمد بن حسن المغربي، المقرئ نزيل حلب، أبو عبد الله، عالم بالقراءات. ولد بفاس، وانتقل إلى مصر. ثم توفي بحلب له: = اللآلي الفريدة = في شرح الشاطبية. توفي سنة 656هـ. انظر معرفة القراء الكبار للذهبي: (2/ 668)، الأعلام للزركلي: (6/ 86)
(4) كتاب الشاطبية: وهي حرز الأماني ووجه التهاني في القراآت السبع المثاني وهي القصيدة المشهورة بالشاطبية للشيخ أبي محمد القاسم ابن فيرّه الشاطبي الضرير المتوفي بالقاهرة سنة 590هـ وأبياته 1173بيتا أبدع فيه كل الإبداع فصار عمدة الفن. وله شروح كثيرة. أحسنها شرحا شرح الشيخين الفاسي وأبي شامة غير أن كلا منهما أهمل ما عني به الآخر. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: (1/ 648646)
(5) أبو عمرو: إسحاق بن مرار الشيباني بالولاء، أبو عمرو: لغوي أديب، من رمادة الكوفة.
سكن بغداد ومات بها. أصله من الموالي. أخذ عنه جماعة كبار منهم أحمد بن حنبل: ومن تصانيفه = كتاب اللغات = و = كتاب الخيل = و = النوادر = و = غريب الحديث = توفي سنة 206هـ.
انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (6/ 395).(1/328)
وابن عامر (1) وعاصم (2)، وإنما قرأ حمزة بضم الهاء مع أن قاعدته كسر الهاء لمجاورة الياء الساكنة نحو «فيهم» و «أبيهم»، لأنه فعل ذلك التفاتا إلى الألفات التي هي أصل ياأتهن وحسن ذلك، وقولي لاتباع الضم المقدر في ميماتهنّ ولم يضم فيما كان من ذلك للفرد، والمثنى، والمؤنث إذ لا ضم في شيء من ذلك مقدرا، وراعى الباقون اللفظ فكسروا جريا على عادتهم في كسر ما جاور الياء الساكنة.
والكسائي (3) بضم الهاء أيضا وصلا إذا وقع همزة بعد ميمها نحو «عليهم الذلة»، ويكسرها وقفا.
__________
(1) ابن عامر: عبد الله بن يزيد، أبو عمران اليحصبي الشامي: أحد القراء السبعة. ولي قضاء دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك. ولد في البلقاء، وانتقل إلى دمشق، بعد فتحها، وتوفي فيها سنة 118هـ.
قال الذهبي: مقرئ الشاميين، صدوق في رواية الحديث.
انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (3/ 170169)، الأعلام للزركلي: (4/ 95).
(2) عاصم بن أبي النجود بهدلة الكوفي الأسدي بالولاء، أبو بكر: أحد القراء السبعة.
تابعي، من أهل الكوفة، ووفاته فيها. كان ثقة في القراءات، صدوقا في الحديث. قيل:
اسم أبيه عبيد، وبهدلة اسم أمه. توفي سنة 127هـ.
انظر تهذيب التهذيب: (5/ 3836)، الأعلام للزركلي: (3/ 248).
(3) الكسائي: علي بن حمزة، الكوفي، أبو الحسن الكسائي: إمام في اللغة والنحو والقراءة. وهو مؤدب الرشيد العباسي وابنه الأمين. له تصانيف، منها = معاني القرآن = و = المصادر = و = الحروف = و = القراءات = و = النوادر = توفي بالري سنة 189هـ.
انظر تاريخ بغداد للخطيب: (11/ 403)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 668).
الأعلام للزركلي: (4/ 283).(1/329)
الذلة»، ويكسرها وقفا.
وأما الميم فقرأ ابن كثير وقالون (1) عن نافع بضم الميم ووصلها بواو، وقرأ ورش (2) عن نافع كذلك إذا كان بعدها همز نحو = عليهم =، = أنذرتهم =، وقرأ أبو عمرو بكسر الميم، وقرأ الباقون بضم الميم، وهذا في حال الوصل.
وأما في الوقف فلا خلاف في السكون والحجة لمن ضم الميم ووصلها بواو أنه الأصل بدليل أنها كذلك قبل الضمير نحو: = أعطيتموه =.
والضمائر ترد الأصول، والحجة لمن عاملها كذلك قبل همز القطع خاصة
__________
والقراءة. وهو مؤدب الرشيد العباسي وابنه الأمين. له تصانيف، منها = معاني القرآن = و = المصادر = و = الحروف = و = القراءات = و = النوادر = توفي بالري سنة 189هـ.
انظر تاريخ بغداد للخطيب: (11/ 403)، هدية العارفين للبغدادي: (5/ 668).
الأعلام للزركلي: (4/ 283).
(1) قالون: عيسى بن ميناء بن وردان المدني، مولى الأنصار، أبو موسى: أحد القراء المشهورين. من أهل المدينة، مولدا ووفاة. انتهت إليه الرياسة في علوم العربية والقراءة في زمانه بالحجاز. وكان أصمّ يقرأ عليه القرآن وهو ينظر إلى شفتي القارئ فيرد عليه اللحن والخطأ و = قالون = لقب دعاه به نافع القارئ، لجودة قراءته، ومعناه بلغة الروم جيد. توفي سنة 220هـ انظر معرفة القراء الكبار للذهبي (1/ 156155)، الأعلام للزركلي: (5/ 110).
(2) ورش: هو عثمان بن سعيد ورش أبو سعيد المصري المقرئ، قرأ القرآن، وجوده على نافع، ونافع: هو الذي لقبه بورش لشدة بياضه، والورش: شيء يصنع من اللبن، انتهت إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية، وكان ثقة حجة في القراءة، أصله من القيروان، ومولده ووفاته بمصر توفي سنة 197هـ.
انظر معرفة القراء الكبار للذهبي: (1/ 152155)، الأعلام للزركلي: (4/ 205).(1/330)
وهو ورش أن مذهبه نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، فلو أبقى الميم ساكنة لتحركت سائر الحركات، فرأى تحريكها بحركتها الأصلية أولى، والحجة لمن أسكن إرادة التخفيف لكثرة دور الضمائر في الكلام (1) = انتهى.
فلخصناه من الكتاب المذكور وغيره وتمامه مفصل هناك.
السؤال الرابع والخمسون والمائة: في قوله تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحََابُ الصِّرََاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى ََ} (2) هل = من = في الموضعين استفهامية؟.
الجواب: قال البيضاوي: «= من = في الموضعين للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء، ويجوز أن تكون تالية موصولة بخلاف الأول لعدم العائد، فتكون معطوفة على محل الجملة الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم بمعنى المعرفة أو على أصحاب، أو على الصراط، على أن المراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم (3)».
السؤال الخامس والخمسون والمائة: في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم» (4)
خبر أو فاعل سد عن الخبر؟
الجواب: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري: «أو مخرجيّ هم بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها. جمع مخرج، وهم مبتدأ مؤخر ومخرجي خبر مقدم (5)» انتهى.
__________
(1) لم أجد هذا الكتاب.
(2) أول الآية: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ} [طه: 135].
(3) انظر تفسير البيضاوي سورة = طه =: (4/ 34).
(4) هو جزء من حديث طويل رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. رقم (3) 1/ 4أول الحديث، قال: «ما أنا بقارئ».
ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رقم: (160).
(5) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني: (1/ 35).(1/331)
وتقديره أهم مخرجي أي مخرجون لي، ثم اتصل الضمير فصار مخرجوي فقلبت الواو ياء وأدغمت في ياء المتكلم.
وقال الفاكهي (1) في شرح القطر «قوله صلّى الله عليه وسلّم لورقة بن نوفل (2): «أو مخرجيّ هم» بتشديد الياء حين قال له ورقة بن نوفل: ليتني أكون معك إذ يخرجك قومك، وأصله أو مخرجوي هم، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وانكسر ما قبلها، فصار أو مخرجيّ هم» (3).
__________
(1) الفاكهي: عبد الله بن أحمد الفاكهي المكي جمال الدين: عالم بالعربية، من فقهاء الشافعية مولده ووفاته بمكة. من كتبه = الفواكه الجنية على متممة الأجرومية = و = مجيب الندا إلى شرح قطر الندى = وكلاهما في النحو، و = حسن التوسل في آداب زيارة الرسل = وغير ذلك توفي سنة 972هـ. هدية العارفين: 5/ 472، معجم المطبوعات (1432). انظر الأعلام للزركلي: (4/ 69).
(2) ورقة بن نوفل بن أسد القرشي الأسدي، ابن عم خديجة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم. ذكره الطبري، والبغوي وغيرهم في الصحابة، قال ابن عساكر: «لا أعرف أحدا قال إنه أسلم».
وقال ابن حجرة لكنه مات قبل أن يدعو بحيرا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس إلى الإسلام فيكون مثل بحيرا.
وقد أخرج البيهقي في الدلائل حديث منقطع فلما توفي ورقة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني» لقد اختلف في سنة وفاته واختلف بإسلامه والله أعلم.
انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: (6/ 608).
(3) انظر مجيب الندا إلى شرح قطر الندى لأحمد بن الجمال الفاكهي. باب في ذكر الفاعل وأحكامه: (2/ 6160).(1/332)
السؤال السادس والخمسون والمائة: قول النحاة: الجملة إذا وقعت حالا تربطها الواو، وكم مسألة تمتنع الواو فيها؟.
الجواب: قال الأشموني في شرح الألفية: «في الجملة الواقعة حالا لها ثلاثة شروط:
أحدها: أن تكون خبرية.
والثاني: أن تكون غير مصدرة بعلامة استقبال.
الثالث: أن تكون مرتبطة بصاحبها والارتباط إما بضمير نحو = جاء زيد يضحك = وقدم الأمير تقاد الجنائب بين يديه، أو بالواو وتسمى واو الحال وواو الابتداء، أو بالضمير والواو معا نحو = جاء زيد والشمس طالعة، وجاء زيد ويده على رأسه.
وقال الأشموني: تمتنع الواو في سبع مسائل
الأولى: في المضارع المثبت نحو = جاء زيد يضحك، ولا يجوز ويضحك ولا تقاد النجائب بين يديه.
والثانية: الواقعة بعد عاطف نحو {فَجََاءَهََا بَأْسُنََا بَيََاتاً أَوْ هُمْ قََائِلُونَ} (1)
[الأعراف: 4].
الثالثة: المؤكدة لمضمون الجملة نحو {ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ} (2) [البقرة: 2].
__________
(1) أول الآية: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ} {أَوْ هُمْ قََائِلُونَ} [الأعراف: 4].
(2) تتمة الآية: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].(1/333)
الرابعة: الماضي التالي إلّا، نحو = ما تكلم زيد إلا قال خيرا.
الخامسة: المتلو بأو، نحو: لأضربنه ذهب أو مكث.
السادس: المضارع المنفي بلا، نحو: {وَمََا لَنََا لََا نُؤْمِنُ بِاللََّهِ} (1) [المائدة: 84]، {مََا لِيَ لََا أَرَى الْهُدْهُدَ} (2) [النمل: 20].
السابعة: المضارع المنفي = بما =، كقوله:
عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة ... فما لك بعد الشيب صبّا متيّما (3)
وتلزم الواو مع المضارع المثبت إذا اقترن = بقد =، نحو: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللََّهِ إِلَيْكُمْ} (4) (5) [الصف: 5].
السؤال السابع والخمسون والمائة: ما الفرق بين كل إذا دخل عليها مثنى وإذا لم يدخل عليها؟
الجواب:
قال في مغني ابن هشام: «اعلم أن لفظ = كل = الإفراد والتذكير، وأنّ معناها بحسب ما تضاف إليه فإن كانت مضافة إلى منكر وجب مراعاة معناها فلذلك جاء الضمير:
__________
(1) تتمة الآية: {وَمََا جََاءَنََا} {مَعَ الْقَوْمِ الصََّالِحِينَ} [المائدة: 84].
(2) أول الآية: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} {كََانَ مِنَ الْغََائِبِينَ} [النمل: 20].
(3) قال الأشموني على ألفية ابن مالك: هذا بيت من الطويل، ولم أقف لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين، ولا عثرت له على سابق أو لاحق، وهو من شواهد التسهيل.
انظر الأشموني: (2/ 592).
(4) الآية: {وَإِذْ قََالَ مُوسى ََ لِقَوْمِهِ} {الْقَوْمَ الْفََاسِقِينَ} [الصف: 5].
(5) انظر منهج السالك للأشموني = الحال = (2/ 594576).(1/334)
أمفردا مذكرا في نحو {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر: 52].
ب ومفردا مؤنثا في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذََائِقَةُ الْمَوْتِ} (1) [آل عمران: 185].
ج ومثنى في قول الفرزدق (2):
وكلّ رفيقي كلّ رحل، وإن هما ... تعاطى القنا قوماهما، أخوان (3).
فقوله = كل رحل = كل هذه زائدة، ورحل: بالحاء المهملة، وتعاطى: أصله = تعاطيا = فحذف لامه للضرورة، أو الألف من = تعاطى = لام الفعل، ووحّد الضمير لأن الرفيقين ليسا باثنين معينين، بل هما كثير كقوله تعالى: {وَإِنْ طََائِفَتََانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (4) [الحجرات: 9] ثم حمل على اللفظ إذ قال = هما أخوان = كما قيل {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمََا} وجملة = هما أخوان = خبر كل، وقوله = قوما = إما بدل من القنا لأن قومهما من سببهما إذ معناها تقاومهما،
__________
(1) تتمة الآية: {وَإِنَّمََا تُوَفَّوْنَ} {إِلََّا مَتََاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
(2) الفرزدق: هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق: شاعر، من النبلاء، من أهل البصرة، من شعراء الطبقة الأولى في الإسلام.
صاحب الأخبار مع جرير والأخطل، كان شريفا في قومه عزيز الجانب وقد جمع بعض شعره في = ديوان = توفي في بادية البصرى سنة 110هـ.
انظر هدية العارفين للبغدادي: (6/ 510)، الأعلام للزركلي: (8/ 93).
(3) انظر ديوان الفرزدق: (2/ 329).
(4) تتمة الآية: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمََا} {يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].(1/335)
فحذفت الزوائد، فهو بدل اشتمال، أو مفعول لأجله، أي تعاطيا القنا لمقاومة كل منهما الآخر، أو مفعول مطلق من باب {صُنْعَ اللََّهِ} (1) [النمل: 88] لأن تعاطي القنا يدل على تقاومهما.
ومعنى البيت أن كل الرفقاء في السفر إذا استقروا رفيقين رفيقين فهما كالأخوين لاجتماعهما في السفر والصحبة، وإن تعاطى كل واحد منهما مغالبة للآخر» (2).
السؤال الثامن والخمسون والمائة: ما الحكمة في تأخير = البنين = في = يفر = وتقديم = البنين = في = يفتدي =؟
الجواب: يعني في قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصََاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} (3) [عبس: 3634]، وقوله تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذََابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصََاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ} (4) [المعارج: 1211]. فقد أخّر البنين في الآية الأولى وقدمهم في الثانية.
قال البيضاوي: {«يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصََاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}
__________
(1) تتمة الآية: {صُنْعَ اللََّهِ} {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمََا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].
(2) انظر مغني اللبيب لابن هشام: (1/ 260258).
(3) وردت الآية بنقص في الأصل الآية هي:
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} {وَصََاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 3634].
(4) أول الآية: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ} [المعارج: 1211].(1/336)
لاشتغاله بشأنه وعلمه لأنهم لا ينفعونه أو للحذر من مطالبتهم من قصر في حقهم وتأخير الأحب فالأحب للمبالغة، كأنه قيل يفر من أخيه، بل من أبويه، بل من صاحبته وبنيه» (1) انتهى.
ولعل المراد بصاحبته زوجته أو أمته.
وقال البيضاوي: {«يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي} إلى آخره يدل على أن اشتغال كل مجرم بنفسه بحيث يتمنى أن يفتدي بأقرب الناس وأعلقهم بقلبه فضلا أن يهتم بحاله ويسأل عنها (2)».
السؤال التاسع والخمسون والمائة: في قول الشاعر: لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذّاته بادّكار الموت والهرم (3).
من باب التنازع؟.
الجواب: قال العيني في شرح الشواهد: «الطيب بكسر الطا اسم لما تطلبه النفس، وهو خلاف ما تكرهه، وهو اسم لا، وخبرها محذوف وهو حاصل ونحوه، ويتعلق به العيش. و = ما = في = دامت = مصدرية توقيتية، و = لذاته = بالرفع اسمها وخبرها = منغصة = والادكار هو الذكر. و = الهرم = كبر السن من
__________
(1) انظر تفسير البيضاوي = سورة عبس = (5/ 175174).
(2) انظر تفسير البيضاوي سورة = المعارج =: (5/ 151).
(3) البيت من البسيط وقائله مجهول. انظر المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية:
(2/ 928927)، وهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي: (2/ 87).(1/337)
هرم بالكسر أي وبالهرم» (1) انتهى.
وأما أن في هذا البيت تنازعا فهو في قوله: = بادكار الموت والهرم = فإن الجار والمجرور متعلق بقوله = منغصة لذاته = لأن ادّكار الموت وادكار الهرم أي كبر السن ينغص لذات العيش، فلا يبقى له طيب، أو الجار والمجرور متعلق بخبر لا المحذوف، وتقديره لا طيب حاصل للعيش بادّكار الموت وادّكار الهرم ما دامت لذاته منغصة، ونظيره تعلق الجار والمجرور بالخبر المحذوف في قوله تعالى: {فَلََا عُدْوََانَ إِلََّا عَلَى الظََّالِمِينَ} (2) [البقرة: 193].
قال ابن الفلاح اليمني في كتابه المغني: «الجار والمجرور في هذا الآية يتعلق بالخبر المحذوف، وإنما يحذف الخبر للعلم به، وهو المراد فهو في حكم المنطوق» (3).
السؤال الستون والمائة: لم أعرب = كيف = حالا مع أنها يسأل بها عن الأحوال؟
الجواب: قال ابن هشام في المغني: = وتقع كيف حالا قبل ما يستغني، نحو = كيف جاء زيد؟ = على أي حالة جاء زيد، وعندي أنها تأتي في هذا النوع مفعولا مطلقا أيضا، وأن منه {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} (4) [الفيل: 1] إذ المعنى أي فعل فعل ربك؟ ولا يتوجه فيه أن تكون حالا من الفاعل.
__________
(1) انظر شرح الشواهد للعيني في حاشية الصبان على شرح الأشموني: (1/ 232).
(2) أول الآية: {وَقََاتِلُوهُمْ حَتََّى} {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلََا} [البقرة: 193].
(3) لم أعثر على هذا الكتاب لا مطبوع ولا مخطوظ.
(4) أول الآية: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحََابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1].(1/338)
وأما قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} (1) [التوبة: 8] فالمعنى كيف يكون لهم عهد وحالهم كذا وكذا، فكيف: حال من عهد، إما أنّ = تكون = تامة أو ناقصة وقلنا بدلالتها على الحدث، وجملة الشرط حال من ضمير الجمع.
وعن سيبويه أن كيف ظرف، وعن السّيرافي (2) والأخفش أنها اسم غير ظرف، ورتبوا على هذا الخلاف أمورا:
أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائما، وعندهما رفع مع المبتدأ، نصب مع غيره.
الثاني: أن تقديرها عند سيبويه، في أي حال، أو على أي حال، وعندهما تقديرها في نحو = كيف زيد = أصحيح زيد، ونحوه، وفي نحو = كيف جاء زيد؟ = أراكبا جاء زيد، ونحوه.
الثالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال = على خير = ونحوه، ولهذا
__________
(1) تتمة الآية: {لََا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلََا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوََاهِهِمْ وَتَأْبى ََ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فََاسِقُونَ} [التوبة: 8].
(2) السّيرافي: الحسن بن عبد الله السّيرافي، أبو سعيد، نحوي، عالم بالأدب أصله من سيراف (من بلاد فارس) تفقه في عمان، وسكن بغداد، فتولى نيابة القضاء، كان معتزلا. له = الإقناع = في النحو، و = أخبار النحويين البصريين = و = شرح المقصورة الدويدية = و = شرح كتاب سيبويه = توفي سنة 368هـ.
انظر تاريخ بغداد للخطيب: (7/ 341)، الأعلام للزركلي: (2/ 196195).(1/339)
قال رؤبة (1) وقد قيل له كيف أصبحت؟ = خير عافاك الله = أي على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، فإن أجيب على المعنى دون اللفظ قيل: صحيح أو سقيم. وعندهما على العكس، وقال ابن مالك ما معناه: لم يقل أحد إن = كيف = ظرف، إذ ليست زمانا ولا مكانا، ولكنها لما كانت تفسّر بذلك على أي حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا، لأنها في تأويل الجار والمجرور، واسم الظرف يطلق عليها مجازا، وهو حسن، ويؤيده الإجماع على أنه يقال في البدل: كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم، بالرفع، ولا يبدل المرفوع من المنصوب (2)».
السؤال الحادي والستون والمائة: أي اسم شريف لا يكون إلا منصوبا مضافا إلى شريف؟
الجواب: هو قولك = سبحان الله =.
قال البيضاوي: «سبحان الله بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه، قد يستعمل علما له فيقطع عن الإضافة ويمنع الصرف قال الشاعر:
__________
(1) رؤبة بن العجّاج بن عبد الله التميمي السعدي، أبو الجحّاف، أو أبو محمد: راجز، من الفصحاء المشهورين، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان أكثر مقاومة في البصرة، وأخذ عنه أعيان أهل اللغة، وكانوا يحتجون بشعره ويقولون بإمامته في اللغة.
مات في البادية. وقد أسن سنة 145هـ. وله = ديوان رجز =.
انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: (2/ 304303)، الأعلام للزركلي: (3/ 34).
(2) انظر مغني اللبيب لابن هشام: (1/ 272271).(1/340)
قد قلت لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر (1).
وانتصابه بفعل متروك إظهاره (2)» انتهى.
فسبحان اسم شريف لا يكون إلا منصوبا ومضافا إلى شريف وهو اسم الله تعالى. وقطعه عن الإضافة نادر حتى قال الرضي في شرح الكافية في قوله:
سبحان من علقمة الفاخر «يجوز أن يكون حذف المضاف إليه وهو مراد للعلم به، وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله، أعني التجرد عن التنوين (3)» انتهى.
وغالب أحواله إضافية إلى الله تعالى والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
قال صاحب هذه الأسئلة: وإنما أراد الفقير يعني عن نفسه بهذه الأسئلة المذكورة العرض أي: أن تعرض على طلبة العلم ويتداولونها بينهم فلا اعتراض علي فيها لأني لم أقصد الامتحان، ولا تخجيل أحد، أو فلا اعتراض بها حاصل مني على أحد من الناس لأنها أي تلك الأسئلة تشحذ الذهن، يقال:
__________
(1) البيت للشاعر الأعشى:
وذكره سيبويه برواية أقول لما جاءني فخره
وقال: وأما ترك التنوين في سبحان فإنما ترك صرفه لأنه صار عندهم معرفة، وانتصابه كانتصاب الحمد لله.
انظر كتاب سيبويه: (1/ 324) في باب المصادر ينتصب بإضمار الفعل المتروك إظهاره.
(2) انظر تفسير البيضاوي سورة = الإسراء = (3/ 195).
(3) انظر شرح الكافية للرضي، الأعلام اللفظية: (2/ 133).(1/341)
شحذت الحديدة شحذا من باب نفع، والذال معجمة أحددتها (1).
والذهن الذكاء والفطنة والجمع أذهان كذا في المصباح (2).
يعني تجعل ذكاء الأذكياء وفطنتهم قوية حديدة، وذلك لما فيها من الدقة والغرابة، وتبعث الطالب من طلبة العلم على الاجتهاد في تحصيل دقائق العلوم والله على ما نقول من السبب المذكور وكيل، أي كافل وضامن أن مرادنا ما ذكرناه ليس غير الفقير خبر مبتدأ محذوف تقديره وأنا الفقير، وفاعل فعل محذوف تقديره وكتبه الفقير، ونحو ذلك أبو بكر اسمه، الأخرمي نسبته، النابلسي أي المنسوب إلى بلدة نابلس من أعمال بيت المقدس، الشافعي أي مذهبه مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال مصنفه: وقد فرغنا من الأجوبة عن هذه الأسئلة نهار الأحد العشرين من شعبان سنة اثني عشر ومائة وألف من الهجرة النبوية.
وكتبه جامعه الحقير عبد الغني ابن النابلسي الحنفي عفي عنه آمين.
__________
(1) المصباح المنير للفيومي: مادة = شحذ =.
(2) المصباح المنير للفيومي: مادة = ذهن =.(1/342)
الخاتمة
وهكذا رأيت أن المؤلف من خلال هذا الكتاب لم يكن مقتصرا على علم واحد من العلوم الشرعية بل بحر فياض في كل علم من علوم الشريعة حتى وفي غيرها من العلوم مما جعله مرجعا للطلاب ومحل تقدير وإعجاب ممن زامله في عصره. نفع الله المسلمين بعلمه وأفاض عليهم من خيرات بحوثه المتنوعة وتآليفه المتعددة والله الموفق.(1/343)
الفهارس
فهرس الآيات
سورة البقرة {ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}: 2/ 2: 178، 333
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ لََا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}: 11/ 2: 286
{وَإِذََا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قََالُوا آمَنََّا}: 14/ 2: 286
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}: 24/ 2: 203
{مَثَلًا مََا بَعُوضَةً}: 26/ 2: 318
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمََاءَ كُلَّهََا}: 31/ 2: 76
{وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ}: 43/ 2: 274
{وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً}: 58/ 2: 324
{وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطََايََاكُمْ}: 58/ 2: 332
{يَفْسُقُونَ}: 59/ 2: 325
{ذََلِكَ بِأَنَّهُمْ كََانُوا يَكْفُرُونَ بِآيََاتِ اللََّهِ}: 61/ 2: 326
{وَيُرِيكُمْ آيََاتِهِ}: 73/ 2: 326
{يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ}: 122/ 2: 324
{قُولُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا أُنْزِلَ إِلَيْنََا}: 136/ 2: 136
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلََافِ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ}: 164/ 2: 327
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصََاصُ فِي الْقَتْلى ََ}: 178/ 2: 104
{انْتَهَوْا فَلََا عُدْوََانَ إِلََّا عَلَى الظََّالِمِينَ}: 193/ 2: 338(1/345)
{إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ}: 248/ 2: 325
سورة آل عمران {يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ}: 31/ 3: 242
{كُلُّ نَفْسٍ ذََائِقَةُ الْمَوْتِ}: 185/ 3: 335
سورة النساء {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللََّهِ وََاسِعَةً فَتُهََاجِرُوا فِيهََا}: 97/ 4: 249
سورة المائدة {وَلَا الْقَلََائِدَ}: 2/ 5: 208
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ}: 6/ 5: 120
{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}: 42/ 5: 105
{يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ}: 44/ 5: 103
{وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}: 45/ 5: 103
{أَفَحُكْمَ الْجََاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}: 50/ 5: 105
{وَمََا لَنََا لََا نُؤْمِنُ بِاللََّهِ}: 84/ 5: 334
{آمَنََّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنََا مُسْلِمُونَ}: 111/ 5: 136
{يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ} {اعْبُدُوا اللََّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}: 117116/ 5: 315
سورة الأنعام {وَمََا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ إِلََّا أُمَمٌ أَمْثََالُكُمْ مََا 38/ 6: 83 فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى ََ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}
{يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}: 130/ 6: 65، 67، 68
، 73(1/346)
سورة الأعراف {فَجََاءَهََا بَأْسُنََا بَيََاتاً أَوْ هُمْ قََائِلُونَ}: 4/ 7: 333
{وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنََا}: 23/ 7: 204
{اجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ}: 138/ 7: 324
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هََذِهِ الْقَرْيَةَ} {يَظْلِمُونَ}: 323161
162/ 7
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ}: 172/ 7: 270
سورة التوبة {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}: 8/ 9: 339
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}: 28/ 9: 119
سورة هود {أَنُلْزِمُكُمُوهََا وَأَنْتُمْ لَهََا كََارِهُونَ}: 28/ 11: 248
سورة يوسف {وَشَهِدَ شََاهِدٌ مِنْ أَهْلِهََا}: 2726/ 12: 184
سورة الرعد {وَالْمَلََائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ}: 2423/ 13: 75
سورة إبراهيم {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}: 7/ 14: 307
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ}: 48/ 14: 127(1/347)
سورة الحجر {لَهََا سَبْعَةُ أَبْوََابٍ}: 44/ 15: 94
{لِكُلِّ بََابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}: 44/ 15: 94
سورة النحل {وَتَحْمِلُ أَثْقََالَكُمْ إِلى ََ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بََالِغِيهِ إِلََّا بِشِقِّ 7/ 16: 254 الْأَنْفُسِ}
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغََالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهََا وَزِينَةً}: 8/ 16: 298254
{وَيَخْلُقُ مََا لََا تَعْلَمُونَ}: 8/ 16: 298254
{وَهُمْ لََا يَسْتَكْبِرُونَ}: 49/ 16: 230
سورة الإسراء {فَمَحَوْنََا آيَةَ اللَّيْلِ}: 12/ 17: 327
{وَجَعَلْنََا آيَةَ النَّهََارِ مُبْصِرَةً}: 12/ 17: 327
{أَفَأَصْفََاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ}: 40/ 17: 248
سورة الكهف {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مََا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}: 78/ 18: 176
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكََانَتْ لِمَسََاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}: 79/ 18: 174
{وَأَمَّا الْغُلََامُ فَكََانَ أَبَوََاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينََا أَنْ يُرْهِقَهُمََا طُغْيََاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنََا أَنْ يُبْدِلَهُمََا رَبُّهُمََا خَيْراً مِنْهُ}: 8180/ 18: 175
{وَمََا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}: 82/ 18: 176
{ذََلِكَ تَأْوِيلُ مََا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}: 82/ 18: 176(1/348)
{وَأَمَّا الْجِدََارُ فَكََانَ لِغُلََامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ}: 82/ 18: 176175
سورة مريم {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}: 4/ 19: 176
{وَآتَيْنََاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}: 12/ 19: 223
{فَتَمَثَّلَ لَهََا بَشَراً سَوِيًّا}: 17/ 19: 53
{إِنِّي عَبْدُ اللََّهِ آتََانِيَ الْكِتََابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}: 31/ 19: 222
{يََا يَحْيى ََ خُذِ الْكِتََابَ بِقُوَّةٍ}: 12/ 19: 225
{أَيُّهُمْ أَشَدُّ}: 69/ 19: 281
سورة طه {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}: 93/ 20: 248
{فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحََابُ الصِّرََاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى ََ}: 135/ 20: 331
سورة الأنبياء {يُقََالُ لَهُ إِبْرََاهِيمُ}: 60/ 21: 316
{كَمََا بَدَأْنََا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنََا إِنََّا كُنََّا فََاعِلِينَ}: 104/ 21: 110
سورة المؤمنون {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حََافِظُونَ (5) إِلََّا عَلى ََ أَزْوََاجِهِمْ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}: 65/ 23: 210
{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنََا}: 47/ 23: 248(1/349)
سورة النور
{وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: 31/ 24: 208
سورة الفرقان {تَبََارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقََانَ عَلى ََ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعََالَمِينَ نَذِيراً}: 1/ 25: 230
سورة الشعراء {قََالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}: 111/ 26: 247
سورة النمل {مََا لِيَ لََا أَرَى الْهُدْهُدَ}: 20/ 27: 334
{صُنْعَ اللََّهِ}: 88/ 27: 336
سورة الروم {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللََّهُ وَمََا لَهُمْ مِنْ نََاصِرِينَ}: 29/ 30: 247
سورة الأحزاب {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَرْسَلْنََاكَ شََاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}: 45/ 33: 57
{وَلََا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمََا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ}: 51/ 33: 279
سورة سبأ {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ}: 17/ 34: 247
سورة فاطر {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مََا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}: 37/ 35: 249
سورة يس {كُنْ فَيَكُونُ}: 82/ 36: 63(1/350)
سورة الصافات {لََا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ََ}: 8/ 37: 267، 299
{وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطََانٍ مََارِدٍ}: 7/ 37: 267
{قََالَ أَتَعْبُدُونَ مََا تَنْحِتُونَ}: 95/ 37: 248
{وَاللََّهُ خَلَقَكُمْ وَمََا تَعْمَلُونَ}: 96/ 37: 225
{أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخََالِقِينَ}: 125/ 37: 248
سورة ص {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}: 85/ 38: 164
سورة الزمر {أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ آنََاءَ اللَّيْلِ}: 9/ 39: 245
{اللََّهُ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}: 62/ 39: 225
سورة فصلت {رَبَّنََا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلََّانََا}: 29/ 41: 280
سورة الشورى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}: 11/ 42: 276
سورة الزخرف {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}: 19/ 43: 248
{وَفِيهََا مََا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهََا خََالِدُونَ}: 71/ 43: 100، 253
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنََّا لََا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوََاهُمْ بَلى ََ}: 80/ 43: 270(1/351)
سورة الأحقاف {يََا قَوْمَنََا أَجِيبُوا دََاعِيَ اللََّهِ}: 31/ 46: 68
{وَإِذْ صَرَفْنََا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ}: 3026/ 46: 74
{فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفََاسِقُونَ} 35/ 46: 247
سورة محمد {أَفَلََا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى ََ قُلُوبٍ أَقْفََالُهََا}: 24/ 47: 322
سورة الفتح {مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ}: 27/ 48: 233
سورة الحجرات {وَإِنْ طََائِفَتََانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}: 9/ 49: 335
سورة ق {مََا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلََّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}: 18/ 50: 131
سورة الطور {أَمْ لَهُ الْبَنََاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}: 39/ 52: 248
{وَإِدْبََارَ النُّجُومِ}: 49/ 52: 284
سورة النجم {وَمََا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ََ (3) إِنْ هُوَ إِلََّا وَحْيٌ يُوحى ََ}: 43/ 53
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ََ}: 21/ 53: 249
سورة القمر {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}: 52/ 54: 335(1/352)
سورة الرحمن {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مََارِجٍ مِنْ نََارٍ}: 15/ 55: 164
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلََا جَانٌّ}: 74/ 55: 69
سورة الواقعة {فَجَعَلْنََاهُنَّ أَبْكََاراً (36) عُرُباً أَتْرََاباً}: 3736/ 56: 213
{لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}: 79/ 56: 55
سورة الصف {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللََّهِ إِلَيْكُمْ}: 5/ 61: 334
سورة الجمعة {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهََا}: 11/ 62: 285
سورة التحريم {لََا يَعْصُونَ اللََّهَ مََا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ}: 6/ 66: 230
سورة الملك {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قََالُوا بَلى ََ}: 98/ 67: 270
سورة المعارج {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذََابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصََاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ}: 1211/ 70: 336
سورة المدثر {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}: 3/ 74: 289
{مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قََالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}: 4342/ 74: 120(1/353)
{وَكُنََّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}: 46/ 74: 120
سورة الإنسان {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ}: 19/ 76: 78
سورة النبأ {وَأَنْزَلْنََا مِنَ الْمُعْصِرََاتِ مََاءً ثَجََّاجاً}: 14/ 78: 58
{وَيَقُولُ الْكََافِرُ يََا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرََاباً}: 40/ 78: 82
سورة عبس {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصََاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}: 3634/ 80: 336
سورة النازعات {فَإِنَّمََا هِيَ زَجْرَةٌ وََاحِدَةٌ (13) فَإِذََا هُمْ بِالسََّاهِرَةِ}: 1413: 150
سورة التكوير {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}: 5/ 81: 80
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}: 2119/ 81: 146
سورة المطففين {كَلََّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}: 15/ 83: 95
سورة الفجر {هَلْ فِي ذََلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}: 5/ 89: 249
سورة الضحى {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ََ}: 76/ 93: 249
{وَأَمََّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}: 11/ 93: 289(1/354)
سورة الشرح {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنََا عَنْكَ وِزْرَكَ}: 21/ 94: 249
سورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}: 1/ 96: 84
سورة الفيل {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}: 21/ 105: 249، 338
سورة الكوثر {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}: 21/ 108: 288(1/355)
فهرس الأحاديث
الحديث الصفحة
أتى بيت المقدس 144
إذا أتى أحدكم أهله 210
إذا كان يوم القيامة 151
أشهد أن لا إله إلا الله 140
افترقت أمتي على ثلاث وسبعين 166
افترقت اليهود 167
أقبل وعليه غمامة 264
أكثروا الصلاة في الليلة الغرّاء 115
كثروا من الصلاة علي في كل يوم جمعة 116
أن أبا طالب خرج به 263
أن الجنة قيعان 121
إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون 151
إن أهل الجنة إذا دخلوها 100
إن في الجنة ما لا عين رأت 296
إن في الجنة لخيمة 295
إن لله تسعا وتسعين إسما 165
إن لله عز وجل كتب مقادير الخلق 61
إن لله ملكا أعطاه سمع 117
إن الله وتر يجب 95
إن الملائكة لتصافح 125
إن الله لم يجعل شفاؤكم 108
إن ناركم هذه 165(1/356)
إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها 254
أنه كان يتول في الصلاة 141
أن أول الناس خروجا 148
أنا أول من تنشق عنه الأرض 112
أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر 149
أهل الجنة جرد مرد 155
أول طعام يأكله أهل الجنة 126
أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 83
أول من تنشق عنه الأرض 149
أول ما خلق الله القلم 62
أول من يكسى إبراهيم 112
أول من يكسى من الخلائق 114
أو مخرجي هم 331
بشر النبي صلّى الله عليه وسلّم خديجة 294
ثم أتيت بدابة 142
ثم أتيت المعراج 145
ثم أخذ بيدي 142
ثم عرج فيه إلى السماء 146
الذي أمشاهم 143
الصلاة عماد الدين 274
صلوا في مصلى الأخيار 258
صلي في الحجر إن أردت دخول البيت 258
غض بصرك إلا عن أمتك 209
فإذا هو برجل أشمط 91
فوضعت له مرقاة من فضة
فيمن قتل تسعا وتسعين نفسا 75(1/357)
قراءته عليه السلام في صلاة الصبح 137
قراءته في صبح الجمعة 137
قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا الشمس 137
قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الفجر 137
كانت حليمة 262
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلمنا 138
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل المسجد 139
كان في بني إسرائيل قصاص 104
كان قريظة والنضير 105
كان عليه السلام لا يغدو يوم الفطر 88
كان الله ولا شيء معه 236
كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس 86
كفوا عن أهل لا إله إلا الله 168
كل أمر ذي بال 308
كنت أغتسل أن ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم 210
لا يسأل شيئا إلا أعطاه 19187
لتتبعن سنن من قبلكم باعا 292
لما فرغت مما كان 144
اللهم صلي على محمد 141
اللهم أعني على غمرات الموت 86
اللهم اغفر لي وارحمني 85
لم ينزل وحي إلا بالعربية 64
لو بني هذا المسجد 173
لو علم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 185
ما أنا بقارئ 331
ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا إلا أعطاه 191(1/358)
ما شكر الله عبدا 308
ما غرت على امرأة 294
ما من أحد يموت سقطا 215
ما منكم من أحد يتوضأ 96
ما من نبي على رأس 223
من أنفق زوجين 97
من تفقه في دين الله 161
من رأى منكم منكرا 185
من ربك؟ وما دينك؟ 75
من صلى علي عند قبري 114
الحديث يبعث في ثيابه 113
ناركم هذه التي توقد 163
هل في الجنة من خيل 253
يحشر الناس يوم القيامة 110
يعرب عنها لسانه 214
يقال لصاحب القرآن 101(1/359)
فهرس الموضوعات
الموضوع رقم الصفحة 1مقدمة الدكتور 53
2 - مقدمة الباحثة 136
3 - ترجمة المؤلف: الشيخ عبد الغني النابلسي 4814
4 - مقدمة الكتاب 5249
5 - السؤال 1: هل كان جبريل يأتي الأنبياء في صورته الأصلية، أم
يتصور لهم؟ 5452
6 - السؤال 2: هل ورد أنه تصور بغير صورته؟ 5554
7 - السؤال 3: هل كانت الملائكة تتوضأ للصلاة؟ 5755
8 - السؤال 4: ورد أن بين السماء والأرض بحرا فهل المطر ينزل من
فوق البحر ويخرقه؟ 5857
9 - السؤال 5: لم صرّف منكر ونكير غير الملائكة؟ 6058
10 - السؤال 6: هل كتابة القلم المقادير بإلهام أم برسول؟ 6360
11 - السؤال 7: هل كتابته بالعبراني أم بالعربي؟ 6563
12 - السؤال 8: هل الجن الذين في الأرض قبل هبوط آدم من أهل الفترة؟ 6965
13 - السؤال 9: هل إذا دخل مؤمنهم الجنة ينكح من الحور العين؟ 7069
14 - السؤال 10: هل حضور مؤمنهم عند عقد النكاح يكفي؟ 7270
15 - السؤال 11: هل يجب عليهم سلوك مذهب من المذاهب؟ 73
16 - السؤال 12: لم لم يرسل إليهم صلّى الله عليه وسلّم رسولا، ولم يقاتلهم؟ 7473
17 - السؤال 13: هل الملائكة تتكلم بالعربي أم العبراني؟ 7674
18 - السؤال 14: هل آدم كان يتكلم بالعربي أم بالعبراني في السماء والأرض؟ 7776
19 - السؤال 15: هل ولدان أهل الجنة على صفة أهلها؟ 78
20 - السؤال 16: أي روح تخرج من الصور أولا؟ 7978(1/360)
21 - السؤال 17: هل الدواب في الحشر مختلطة بأهله، أم في حيز؟ 8180
22 - السؤال 18: هل يقتص للشاة الجماء من القرناء في الموقف، أم في غيره؟ 8281
23 - السؤال 19: ما أول حديث كتب عنه صلّى الله عليه وسلّم وآخر حديث قاله صلّى الله عليه وسلّم؟ 8682
24 - السؤال 20: هل ورد أنه صلّى الله عليه وسلّم أولم في الأعياد؟ 8986
25 - السؤال 21: ما حكمة دخول الجنة يوم القيامة مع أنه دخلها في المعراج؟ 9089
26 - السؤال 22: أي باب دخل منه صلّى الله عليه وسلّم؟ 9290
27 - السؤال 23: ما الحكمة في أنّ أبواب الجنة ثمانية، والنار سبعة، مع أن الوتر أفضل؟ 9692
28 - السؤال 24: إن كل عمل يدخل منه صاحبه الجنة، فلو عمل
بالثمانية كيف يدخل منها؟ 9896
29 - السؤال 25: في أهل الفترة هل ثوابهم في الجنة كغيرهم؟ 10098
30 - السؤال 26: ما الحكمة في أن أهل الجنة لا يقرؤون غير طه ويس؟ 102101
31 - السؤال 27: إذا قيل لقارئ القرآن إقرأ القرآن يختص بحافظه؟ 103102
32 - السؤال 28: هل قتيل أهل الفترة مضمون بالقصاص، أو بدية،
وما مقدار الدية؟ 105107
33 - السؤال 29: هل إذا كان بالزوج مرض لا يزيله: إلا إيتانها يعني
زوجته في الدبر، هل يجوز؟! 109105
34 - السؤال 30: هل يحشر الناس عراة، أم الأنبياء يكسون عقيب خروجهم من قبورهم؟ 114109
35 - السؤال 31: إذا صلى أحد على النبي صلّى الله عليه وسلّم مائة مرة، يعرضها
الملك على النبي صلى كل مرة، أو يعرضها جملة واحدة بعد
الفراغ منها؟ 118114
36 - السؤال 32: هل يسن للكافر إذا أسلم قضاء الصلاة؟ 121118
37 - السؤال 33: هل الوضوء جوهر أم عرض؟ 121
38 - السؤال 34: إذا كان الواقف في جبل عرفات جزء منه في الجبل،
وجزء في خارج الجبل، فهل يجوز أم لا؟ 123122(1/361)
39: السؤال 35: إذا وقفت الملائكة بعرفات، فهل يقفون محرمين
ويأتون أركان الحج أم لا؟ 125123
40 - السؤال 36: ما الحكمة في أن أول ما يأكل أهل الجنة كبد الحوت؟ 126125
41 - السؤال 37: هل يهيأ لهم قبل دخولهم أو بعد حضورهم؟ 128126
42 - السؤال 38: هل إذا حج مؤمن الجن يكفيه طوافه بالبيت الذي في
حياذ الكعبة؟ 130129
43 - السؤال 39: هل ينعقد النكاح بحضور ملكين؟ 133131
44 - السؤال 40: لما دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم الأقصى، هل تلقته الأنبياء عليهم
السلام، وقامت إجلالا له؟ 133
45 - السؤال 41: هل حياهم حين قدومه عليهم بتحية؟ 134133
46 - السؤال 42: حين صلى بهم بأي آية قرء بالصلاة؟ 137135
47 - السؤال 43: هل قال في تشهده اللهم صلي على محمد؟ 141138
48 - السؤال 44: هل الأنبياء نوت الرد عليه لما سلموا عن اليمين واليسار؟ 141
49 - السؤال 45: حين رقي صلّى الله عليه وسلّم إلى السموات، هل كان على المعراج
الذي نصب له؟ 146142
50 - السؤال 46: ورد أن أفضل الملائكة جبريل، وميكائيل وإسرائيل،
وعزرائيل، وورد أن جبريل أفضل الملائكة، فهل بين الملائكة تفضيل؟ 147146
51 - السؤال 47: ورد أن أرواح الخلائق من أنس وجن ودواب
وغيرهم، تخرج دفعة واحدة، أم الأنبياء أول، ثم الأنس، ثم
الجن، ثم الهوام؟ 150148
52 - السؤال 48: هل الدواب التي تدخل الجنة تتغوط، أم ترشح عرقا؟ 151150
53 - السؤال 49: لم اختص يحيى عليه السلام بذبح الموت؟ 155151
54 - السؤال 50: لم كان موسى الكليم بلحية في الجنة؟ 156155
55 - السؤال 51: ورد في شرح الأدب: أن أبا الطفيل آخر من مات من
الصحابة سنة ثمانين، وأن أبا حنيفة ولد سنة مائة، وبعض أصحابه
يذكر أنه من التابعين؟ 162156(1/362)
56 - السؤال 52: لما خلق الله تعالى إبليس من نار، هل هو من نار
جهنم أم نار غيرها؟ 165162
57 - السؤال 53: روي أن لله ألف اسم، ولرسوله كذلك فما بال أهل
الكلام اقتصروا على عشرين؟ 166165
58 - السؤال 54: في قوله صلّى الله عليه وسلّم: افترقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؟ 171166
59 - السؤال 55: لو زيد في المسجد الحرام ومسجده صلّى الله عليه وسلّم فهل تضاعف
الصلاة فيما يزاد فيه؟ 174171
60 - السؤال 56: ما الحكمة في قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ} وقوله {فَأَرَدْنََا}
وقوله {فَأَرََادَ رَبُّكَ}؟ 176174
61 - السؤال 57: ما الحكمة في قوله تعالى: {لَمْ تَسْتَطِعْ} و {لَمْ تَسْطِعْ} 176
62 - السؤال 58: ما الحكمة في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}
وأنه أبلغ من اشتعل شيب الرأس. 177176
63 - السؤال 59: قال بعض العلماء في افتتاح السور ب {حم}
و {الم} سر لا يعلمه إلا الله تعالى فعلى هذا القول هل هي معربة؟ 184177
64 - السؤال 60: شاهد يوسف لم لم يقل «راودته» بل فصل؟ 185184
65 - السؤال 61: ما قول عائشة رضي الله عنها: «لو علم رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم ما أحدثت النساء بعده لمنعهن المساجد» مع أنه ورد عنه صلّى الله عليه وسلّم
أنه عرضت عليه أعمال أمته التي يفعلونها بعده إلى يوم القيامة؟ 186185
66 - السؤال 62: لو وجدت شاة مذبوحة في برية فهل يحل التناول منها؟ 190186
67 - السؤال 63: كان صلّى الله عليه وسلّم أكرم الناس وأنه أكرم ما يكون حين يأتيه
الملك فكيف يكون أكرم في ذلك الحين؟ 192190
68 - السؤال 64: ما تقول في أمر يشترط وجوده لأمر ثم يشترط عدمه
لوقع ذلك الأمر؟ 194192
69 - السؤال 65: إذا وصف الاسم بصفات هل يتبع بجميعها؟ 197194
70 - السؤال 66: ما حرف معرب ولا إعراب له. 198197
71 - السؤال 67: هل يجوز أن يجزم المضارع بعد فعل التعجب إذا كان 200198
بصيغة الأمر؟(1/363)
71 - السؤال 67: هل يجوز أن يجزم المضارع بعد فعل التعجب إذا كان 200198
بصيغة الأمر؟
72 - السؤال 68: لم أهملت أن بعد العلم؟ 202200
73 - السؤال 69: إذا اجتمعت إنّ، ولم فالعمل لإن «فإن لم
تفعلو» فهل لم صلة؟ 205203
74 - السؤال 70: لم لم تتبع حركة البناء الأصلي مع أن العارضة تتبع؟ 207205
75 - السؤال 71: لم صرف شعيب وصالح مع أنهما أربعة أحرف؟ 208207
76 - السؤال 72: هل يجوز للمرأة أن تزين فرجها بالحلي؟ 211208
77 - السؤال 73: هل يجب على المرأة أن تغنج إذا لم ينتصب إلا به؟ 213211
78 - السؤال 74: هل في الجنة تغنج؟ 214213
79 - السؤال 75: هل يزاد في خلقه دواب الجنة؟ 216215
80 - السؤال 76: هل كانت الجن الذين شهدوا بدرا ركبانا أم مشاة؟ 219216
81 - السؤال 77: هل قتل منهم أي من الجن أحد يعني في غزوة بدر؟ 219
82 - السؤال 78: هل شهيدهم كشهيد بدر؟ 222219
83 - السؤال 79: هل يجوز أن يكون النبي صبيا؟ 224222
84 - السؤال 80: لأي شيء أخذ العبد على ما اكتسبه، فإن الله خالق
جميع أفعاله؟ 226225
85 - السؤال 81: هل نبوة النبي أفضل من رسالته؟ 226
86 - السؤال 82: هل يوصف الحق تعالى بالإدراك؟ 229227
87 - السؤال 83: هل الملائكة عليهم السلام مكلفون بمعرفة الله تعالى؟ 231229
88 - السؤال 84: هل العلم صفة واحدة ويتعدد بتعلقاته؟ 232231
89 - السؤال 85: ما الفرق بين الطنب والإطناب، والاقتصار والإيجاز؟ 234232
90 - السؤال 86: كم درجات الإخلاص؟ 236234
91 - السؤال 87: هل علم الكلام يسمى شرعيا؟ 238236
92 - السؤال 88: ما الواجب الذي لا ثواب فيه؟ 239238
93 - السؤال 89: ما الفرق بين الحديث والخبر، والعيان والمعاينة؟ 240239
94 - السؤال 90: هل الجسم والجوهر مترادفان أم بينهما فرق؟ 242240(1/364)
95 - السؤال 91: ما الفرق بين الرضا والمحبة؟ 243242
96 - السؤال 92: على القول بأن الله يوصف بالإدراك، ما الفرق بينه
وبين الإرادة والعلم؟ 243
97 - السؤال 93: هل الاستفهام الحقيقي والإنكاري والتوبيخي وارد في
القرآن، وفي كلام العرب؟ وما حد كل واحد وما مثاله؟ 250243
98 - السؤال 94: لم اقتصر ابن مالك في التنازع على قوله إن عاملان
مع أنه ورد أكثر من عاملين في قول الشاعر «كساك» 253250
99 - السؤال 95: هل أهل الجنة من العلماء يخطر ببالهم نظر كتبهم
التي تركوها؟ 257253
100 - السؤال 96: هل الصلاة خارج الكعبة أفضل أم داخلها؟ 260257
101 - السؤال 97: هل ورد أنه عليه السلام كان حيث سار تظلله
الغمامة أم في بدر فقط؟ 265206
102 - السؤال 98: قال بعضهم حق الإعراب أن يدور مع الموصول
بدليل ظهوره يعني في حال التثنية؟ 266265
103 - السؤال 99: قال بعضهم في قوله تعالى: {لََا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ََ} الاتصاف بكونه لا يسمع لا معنى للحفظ منه؟ 268267
104 - السؤال 100: لم كان استغراق المفرد في النفي أشمل من استغراق
المثنى والمجموع؟ 268
105 - السؤال 101: لم لم يجز أن يعطف «ما قام القوم حتى رجل»
ولم جاز «أعجبتني الجارية حتى كلامها» مع أنه ليس بعضا؟ 269268
106 - السؤال 102: في قول النحاة في بلى لو قالوا نعم لكفروا 271269
107 - السؤال 103: لو رمى الإنسان إلى الغرض فحوله آخر بعد رميه
فأصاب رجلا فقتله فعلى من الضمان 272271
108 - السؤال 104: هل المجاز أبلغ من الحقيقة؟ 272
109 - السؤال 105: هل الاستعارة أبلغ من المجاز 273
110 - السؤال 106: هل تجتمع الثلاثة في مثال واحد؟ 274273(1/365)
111 - السؤال 107: في خلا وأخواتها لم لم تتعلق؟ 275
112 - السؤال 108: ما الفرق بين الكاف ومثل؟ 276
113 - السؤال 109: ما إعراب رب رجل صالح بحركاته الثلاث؟ 277276
114 - السؤال 110: لأي لم يكن أجمع توكيدا في قول الشاعر: فؤادي
عندك الدهر أجمع 280277
115 - السؤال 111: لم كانت الصلة توضح الموصول ولا محل لها من الإعراب؟ 281280
116 - السؤال 112: لم كانت في الخبر أحسن منها في الاستفهام؟ 283281
117 - السؤال 113: ضربته طورا أو مرة هل الأحسن الظرفية أو المفعول المطلق؟ 284283
118 - السؤال 114: ما الفرق بين الأرشق والأحسن؟ 285
119 - السؤال 115: في قوله تعالى: {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً} هل هو
إخبار على سبيل الندرة أو من شأنهم ذلك وهذا لا يليق بشأنهم؟ 287285
120 - السؤال 116: ما الفاء في قول بعضهم «خرجت فإذا الأسد» سببية
أو زائدة أو عاطفة؟ 288287
121 - السؤال 117: لأي شيء مفعول خبر إنّ، وكأن ولعل، ولكن لا
يتقدم عليها؟ 290288
122 - السؤال 118: ما الفرق بين لم ولما؟ 291290
123 - السؤال 119: في قولهم: «علمته الحساب بابا بابا» ما كيفية إعرابه؟ 292291
124 - السؤال 120: ما الفرق بين الكل والكلي والكلية، والجزء
والجزئي، والجزئية؟ 293
125 - السؤال 121: هل نساؤه صلّى الله عليه وسلّم في الجنة بمحلات متفرقة؟ 295293
126 - السؤال 122: هل في الجنة قسم بين النساء؟ 298295
127 - السؤال 123: هل الطب يطلق على السحر والعادة؟ 299298
128 - السؤال 124: من الحكمة في قوله: «لا يسمعون»؟ 300299
129 - السؤال 125: أي أحمد الحب أو العشق؟ 300
130 - السؤال 126: ما تعريف النكتة؟ 301
131 - السؤال 127: ما الفرق بين الفوائد والنكت؟ 301(1/366)
132 - السؤال 128: هل بين حل المباني وتبين المعاني عموم وخصوص
من وجه، أو هل يجتمعان وينفرد أحدهما؟ 302
133 - السؤال 129: هل المعنى اسم مكان أو مصدر؟ 304302
134 - السؤال 130: في قولهم حق حمده هل الإضافة على تقدير حرف؟ 305304
135 - السؤال 131: لم حل سماع النساء لغيرهن وحرم في الأذان؟ 306305
136 - السؤال 132: قول بسم الله هل هو قصر إفراد أو قلب؟ 307306
137 - السؤال 133: لم اختير الحمد على الشكر في الحمد لله؟ 308307
138 - السؤال 134: قولنا الصلاة والسلام على سيدنا محمد هل هو من
باب التنازع؟ 309308
139 - السؤال 135: هل قولهم شرح يحلّ المباني ويبين المعاني من
المجاز، وإن قلتم فأي مجاز؟ أو من باب الاستعارة فأي استعارة؟ 311310
140 - السؤال 136: ما الفرق بين المنّ والامتنان؟ 311
141 - السؤال 137: ما الحكمة في أن الشرط والجواب متماثلان لفظا في
قوله صلّى الله عليه وسلّم «فمن كانت هجرته»؟ 312311
142 - السؤال 138: ما الأولى في لا إله إلا الله رفع الله في ستة أوجه أو
النصب من وجهين؟ 314312
143 - السؤال 139: قال: لولاك له متعلق؟ 314
144 - السؤال 140: ما يأتي التوبيخ وما مثاله؟ 315314
145 - السؤال 141: هل «اعبدوا الله» من أي قصر؟ 316315
146 - السؤال 142: هل «يقال له ابراهيم» مفعول ما لم يسم فاعله أولى؟ 316
147 - السؤال 143: لم لم تعرب أي من قولك أيها الرجل وهل إعراب
الرجل نعت أو عطف بيان؟ 316
148 - السؤال 144: كم وجه من الإعراب في قوله تعالى: {مَثَلًا مََا بَعُوضَةً}؟ 319318
149 - السؤال 145: ما معنى السجع لغة واصطلاحا؟ 320319
150 - السؤال 146: ما معنى طغيان القلم هل هو مجاز أو استعارة؟ 321320
151 - السؤال 147: تشبيه مسائل الإعراب بالخزائن وإتيان الأقفال لها 322321
والانفتاحح من أي استعارة؟(1/367)
151 - السؤال 147: تشبيه مسائل الإعراب بالخزائن وإتيان الأقفال لها 322321
والانفتاحح من أي استعارة؟
152 - السؤال 148: أي أية تفسرها؟ 322
153 - السؤال 149: ما وجه ما قام وقعد إلا زيد ليس من باب التنازع؟ 323322
154 - السؤال 150: في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هََذِهِ الْقَرْيَةَ}؟ 325323
155 - السؤال 151: ما معنى الآية لغة واصطلاحا؟ 325
156 - السؤال 152: كم ورد لها معنى في القرآن؟ 328326
157 - السؤال 153: كم وجه للقراء في عليهم وإليهم ولديهم، وما
توجيه كل وجه؟ 331328
158 - السؤال 154: في قوله تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحََابُ الصِّرََاطِ}
هل «من» في الموضعين استفهامية؟ 331
159 - السؤال 155: في قوله: «أو مخرجي هم» خبر أو فاعل سد عن الخبر؟ 332331
160 - السؤال 156: قول النحاة الجملة إذا وقعت حالا تربطها الواو،
وكم مسألة تمتنع الواو فيها؟ 334333
161 - السؤال 157: ما الفرق بين كل إذا دخل عليها مثنى وإذا لم
يدخل عليها؟ 336334
162 - السؤال 158: ما الحكمة في تأخير «البنين» في «يفر» وتقديم
«البنين» في يفتدي؟ 337336
163 - السؤال 159: في قول الشاعر:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة من باب التنازع؟ 340337
164 - السؤال 160: لم أعرب «كيف» حالا مع أنها يسأل بها عن الأحوال؟ 340338
165 - السؤال 161: أي اسم شريف لا يكون إلا منصوبا مضافا إلى شريف؟ 342340
166 - الخاتمة 343
167 - فهرس الآيات 355345
168 - فهرس الأحاديث 359356
169 - فهرس الموضوعات 368360(1/368)