عودا إلى تمام كيفية الحال في يوم الموكب: فإذا وصل إلى تجاة القلعة اصطفت البحرية وقوفا له حتى يسلم عليهم، ثم يدخل الباب فيقدم حاجب الحجاب وعصاه في يده ويمشي في خدمته إلى قرب الإيوان الذي
يجلس عليه وهو تجاه الباب الكبير، وليس بين الباب وبين الإيوان حجاب ولا سترة، ويكون قد سبقه إليه قاضي القضاة فجلسوا سطرا واحدا عن يساره فإن يمينه خلاء. ثم يجلس إلى جانب قاضي القضاة قاضيا العسكر ومفتيا دار العدل وتجاههم كاتب السر وناظر الجيش، ثم إلى جانب ناظر الجيش الموقعون فتدور الحلقة ويقف الدوادار الكبير وراء كاتب السر وناظر الجيش خارج الحلقة، وإن كان الوزير متعمما جلس معهم وإن كان تركيا جلس بين يدي الترك، فيسلم عن يساره على القضاة ثم عن يمينه على الأمراء ثم تجاهه على بقية الجماعة. ثم يجلس على مكان مرتفع معد لجلوسه نحو نصف ذراع ويجلس حاجب الحجاب على درجة أسفل من ذلك المكان بحيث يكون رأسه متسامتا لتخت النائب الذي يجلس عليه، والمقدمون يجلسون على مساطب باب دار النيابة فيأخذ القصص نقباء الجيش ثم الحجاب الصغار فيوصلونها إلى حاجب الحجاب فيناولها حاجب الحجاب لكاتب السر فيعطي ما يتعلق بالجيش لناظر الجيش ويرمي بالبقية إلى الموقعين، ثم تقرأ بعض القصص الشرعية ثم يقوم الحاجب فيأذن للقضاة بالانصراف.
ثم تارة يجلس النائب بعدهم لفصل الأمور وتارة يدخل ويسمى ذلك اليوم بيوم الموكب ويجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في هذا المكان ويحضره المقدمون الثمانية فيجلس الأمير الكبير عن يمينه وحاجب الحجاب عن شماله ولا يجلس فوق المقدمين إلا القضاة والعلماء إن اتفق حضورهم أو أحد منهم، ويجلس كاتب السر وناظر الجيش دون المقدمين فوق الأربعينيات.
وكانت العادة القديمة أن يصلي النائب الجمعة والعيدين بالجامع الأعظم بالشاش والقماش، ثم صار يصلي بجامع ألطنبغا، ثم لما عصى يلبغا الناصري بنى له جامعا بدار العدل وصار يصلي فيه، والآن أكثر ما يصلي النائب هناك وفي بعض الأوقات ربما صلى بالجامع الأعظم أو بجامع دمرداش، وفي يومي العيدين يصلي بجامع دمرداش، وإذا لم يركب للموكب لا تحضر القضاة عنده إلا بطلب.
وكان بحلب الوزير له جهات معلومة من المكس وغيره، وكان عليه كلف الخاصكية والبريدية ومرتبات معلومة، ثم أضيفت تلك الجهات إلى ديوان النيابة وبطل الوزير، ثم أعيد ذلك في الأيام المؤيدية ثم بطل.
وإقطاع النيابة له أستادار يتكلم فيه مقتصرا على ذلك لا يتعداه إلى غيره وناظر ديوان ومباشرون، وفي أيام الظلم ربما تكلم الأستادار في غير الديوان اه.(3/11)
الكلام على 49508 دار العدل بدمشق وحلب وسبب بنائهما
مر بك في الفصل السابق وقبله ذكر دار العدل بحلب، ولعل النفس تتوق إلى معرفتها ومعرفة مكانها، وقد رأيت في كنوز الذهب للعلامة أبي ذر (1) فصلا مسهبا تكلم فيه على دار العدل بدمشق وحلب وسبب بنائهما فأحببت إتحاف القارىء الكريم بهذا الفصل لما فيه من الفوائد التاريخية الحسنة، قال: سبب بنائهما أولا (أي بدمشق) أن نور الدين لما طال مقامه بدمشق وأقام بها أمراؤه وفيهم أسد الدين شيركوه أكبر أمرائه، وكان الأمراء قد اقتنوا الأملاك وتعدى كل منهم على من يجاوره في قرية أو غيرها فكثرت الشكاوى إلى القاضي كمال الدين فأنصف بعضهم من بعض ولم يقدر على الإنصاف من شيركوه فأنهى الحال إلى نور الدين فأمر ببناء دار العدل، فلما سمع شيركوه ذلك أحضر نوابه وقال: اعلموا أن نور الدين ما بنى هذه الدار إلا بسببي وحدي، وإلا فمن هو الذي يمتنع على القاضي كمال الدين، وو الله لئن أحضرت إلى دار العدل بسبب واحد منكم لأصلبنه، فامضوا إلى من كان بينكم وبينه منازعة فأعطوه وأرضوه بأي شيء أمكن ولو أتى ذلك على جميع ما بيدي. فقالوا: إن الناس إذا علموا بذلك اشتطوا في الطلب. فقال لهم: خروج أملاكي عن يدي أسهل علي من أن يظن نور الدين أني ظالم أو يساوي بيني وبين آحاد العالم في الحكومة. فخرجوا من عنده وفعلوا ما أمرهم به وأرضوا خصماءهم وأشهدوا عليهم، فلما فرغت دار العدل جلس نور الدين فيها لفصل الخصومات والمحاكمات، وكان يجلس في الأسبوع يومين وعنده القاضي والفقهاء، وبقي على ذلك مدة فلم يحضر إليه أحد يشتكي من أسد الدين، فقال نور الدين للقاضي: ما جاءنا أحد يشتكي من أسد الدين، فعرفه القاضي الحال فسجد نور الدين شكرا لله تعالى وقال:
__________
(1) ذكرت في المقدمة في الكلام على هذا الكتاب في صحيفة (43) أنه في مجلدين وأن الثاني منهما عند سعادة الفاضل أحمد تيمور باشا المصري في جملة ما وقفه من الكتب، وقد تفضل بإرساله إلينا إعارة فوجدنا فيه كنزا ثمينا وأخبارا كثيرة هامة وأمورا تتعلق بتاريخ الشهباء، وقد أخذنا في الإتيان على معظم ما فيه ووضع كل شيء في محله، والجزء مخروم من أوله وهو بخطوط متعددة محرر في زمن المؤلف وعليه خطه في مواضع كثيرة، إلا أن الكتاب غير مرتب ترتيبا حسنا وكأن المنية اخترمت المؤلف رحمه الله قبل العناية بترتيبه كما يجب، وقد سبق غير مرة أني قلت: قال في كراسة عندي أظنها من كنوز الذهب لأبي ذر، ولما وصل إلي هذا الكتاب وجدت الكراسة بتمامها منقولة منه فتحقق ما ظننته ولله الحمد.(3/12)
الحمد لله الذي أصحابنا ينصفون من أنفسهم قبل حضورهم عندنا، وكان إنما يعينه على ذلك صدقه وحسن نيته.
ثم سلك هذه السنة السلطان الملك الظاهر غازي فبنى سورا على حلب وفتح له بابا من جهة القبلة تجاه باب العراق وبابا من جهة الشرق والشمال على حافة الخندق كما سيأتي في سورها، وكان إذا ركب يخرج منهما فبنى دار العدل بحلب لجلوسه العام فيها بين السورين السور العتيق الذي فيه الباب الصغير وفيه الفصيل الذي بناه نور الدين وبين السور الذي جدده، ومكتوب على بابها [أنشأ هذه الدار إقبال الظاهري العزيزي الناصري بتولي مملوكه أيدغدي صنعة المطوع] ولم تزل الملوك تجدد في هذه الدار سيما بعد فتنة تيمور، فإينال الصصلاني وسع المقعد المعروف بالشباك، ويشبك جدد البحرة، وتغري درمش (1) عمر السقف الذي قدام الشباك ورخم الأرض تحته وجدد المكان الذي يجلس فيه المباشرون وقرقماش بنى قبة بأربعة أواوين فوق سطحها، وقانيباي البهلوان بنى قبة على الزردخاناه وفرغ من ذلك سنة خمسين وثمانمائة، وجلبان جدد المطبخ، وجدد جانبيك المؤيدي بها أماكن، ثم المقر السيفي قانصوه جدد فيها مقعدا عظيما ملاصقا لجنينة يشبك، وكان الناس يمرون من الشباك إلى الجنينة على باب الحريم فقطع ذلك أبغا وغيره وجعل للجنينة لما بناه مدخلا من عند الشباك وعزل طريقا خربا هناك وبناه أحسن بناء وجعله مقعدا للمباشرين يجلسون فيه عند باب المقعد المذكور وذلك في سنة ست وسبعين.
وتقدم في الجوامع مسجد السيدة وجامع الناصري ومن بناه [ذكر ثمة أنهما مبنيان داخل دار العدل] وكل نائب ينعزل من حلب تتركها أعوانه كالخربة فيأتي من بعده يصلحها، وبهذه الدار حمام لأجل حريم الملوك وقاعة الحريم سقط منها مكان على جواري جانم أخي الأشرف كافل حلب فمات منهم من مات، فجدده المذكور. ومن الغرائب أن البلدي كافل حلب وقع من إصطبله بها حجر على فرس له فمات الفرس، فكتب السلطان إليه يخفض عنه في ذلك فشق عليه ذلك، فقيل له: لأي شيء شق عليك؟
فقال: فرس في إصطبلي يموت فما يخفى على السلطان فكيف أحكامي 1هـ.
__________
(1) سيمر هذا الاسم بأشكال مختلفة: درمش، ويرمش، ورمش، برمش، ولم أهتد إلى وجه الصواب. على أنه عند ابن إياس في بدائع الزهور: برمش.(3/13)
[أقول]: وقد خربت دار العدل ولم أقف على الوقت الذي خربت فيه ولعل ذلك في الزلزلة الكبرى التي حصلت سنة 1237وموضعها الآن حديقة المستشفى الوطني الغربية، يرشدك إلى ذلك قوله إن قانصوه جدد فيها مقعدا عظيما ملاصقا لجنينة يشبك، وجنينة يشبك هي جنوبي مدرسته المعروفة الآن بجامع سوق العبي والله أعلم.
سنة 824 ذكر وفاة الملك المؤيد شيخ وسلطنة ولده الملك المظفر أحمد
قال ابن إياس ما خلاصته: في هذه السنة توفي الملك المؤيد شيخ وأقيم في السلطنة ولده الملك المظفر أحمد وله من العمر سنة وثمانية أشهر. وقام بتدبير الملك الأمير ططر وكان ذلك تاسع المحرم من هذه السنة. ثم قال: وجاءت الأخبار من البلاد الشامية بأن جقمق الأرغوني نائب الشام قد خامر وخرج عن الطاعة، وكذلك يشبك المؤيدي نائب حلب قد خامر أيضا وخرج عن الطاعة، وكذلك بقية النواب قد خامروا وخرجوا عن الطاعة، وكان الأتابكي ألطنبغا القرمشي لما توجه إلى الشام بسبب عصيان النواب أوقع معهم بمن معه من الأمراء فهربوا إلى صرخد. ثم إن الأتابكي ألطنبغا لما توجه إلى صرخد جمع العربان والعشير ورجع إلى دمشق وأوقع مع نائب الشام جقمق فانكسر جقمق منه وهرب إلى نحو حلب، فملك الأتابكي ألطنبغا دمشق وقلعتها، فلما بلغه وفاة الملك المؤيد وسلطنة ابنه أظهر العصيان وخرج عن الطاعة وأقام بدمشق وحصنها ونصب على سورها المكاحل بالمدافع والتفت عليه العربان والعشير.
ذكر تولية حلب للأمير ألطنبغا الصغير وقتل الأمير يشبك اليوسفي
قال أبو ذر في كنوز الذهب: إن السلطان المؤيد جرد من الأمراء المصرية إلى حلب ثمانية أمراء للإقامة بحلب ووصلوا في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين، وهم ألطنبغا القرمشي وألطنبغا الصغير والأمير طوغان والأمير ألطنبغا المرقبي وشرباش قاقسو (1) وأزدمر الناصري وجلبان وأقبلاط الدمرداش، فوصلوا إلى حماة وكان نائبها إينال دوادار نوروز فمسكوه حسب المراسيم الشريفة بذلك لهم واستقر في نيابتها أقبلاط المذكور، ثم وصلوا
__________
(1) لم يرد ذكره من بين الأمراء في «النجوم الزاهرة» (14/ 177) وإنما ورد ذكر سودون اللكاش.(3/14)
إلى حلب، فبينما هم مقيمون بلغهم وفاة المؤيد وتوفي في شهر المحرم واستخلاف ولده تتر المذكور، فحصل لهم أمر عظيم، فقصدوا التوجه إلى القاهرة ويشبك نائب حلب بحلب وتكررت لهم المكاتبات بسرعة الحضور، فخرجوا من حلب وجاء الأمير الكبير القرمشي ليودعه فطلع يشبك إلى مأذنة جامع الناصري داخل دار العدل فأشار إليه بالسلام الأمير الكبير وخرجوا من حلب.
ويذكر أن يشبك طلب منجمه ابن الفلكي واستشاره في الخروج إليهم فقال له:
هذه ساعة لا أرى لك الخروج فيها، فلم يلتفت إليه فخرج في إثرهم فقتل وقطع رأسه وكان أضمر سوءا كثيرا لأهل حلب فوقاهم الله شره وجعل كيده في نحره وعلق رأسه بباب القلعة وذلك رابع عشر المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة ثم دفن مع عظم رأسه بعد يوم في المكان الذي أنشأه بحلب عند باب السر، ثم أخذت جلدة الوجه والرأس بعد أيام فدفنت معه، فلما اتفق ذلك عادوا إلى حلب ونهبوا موجوده وأقاموا أياما. انتهى.
ترجمة يشبك بن عبد الله اليوسفي المتوفى سنة 824وسببه قتله
قال في المنهل الصافي (1): هو يشبك بن عبد الله اليوسفي المؤيدي الأمير سيف الدين نائب حلب، هو من مماليك الملك المؤيد شيخ اشتراه في أيام إمريته ورباه وأعتقه إلى أن تسلطن ولاه شاد الشراب خاناه، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى أن ولي نيابة طرابلس بعد عصيان الأمير سودون بن عبد الرحمن في سنة ثماني عشرة وثمانمائة فدام في نيابتها إلى سنة عشرين، ثم ولي حلب بعد الأمير قجقار القردمي في هذه السنة فدام فيها إلى أن توفي أستاذه الملك المؤيد والعساكر المصرية بتلك البلاد، وكان المقدم على الأمراء والعسكر المصري الأمير ألطنبغا القرمشي وكان الجميع بحلب، فلما بلغهم موت السلطان وقع الاتفاق بينهم على عودهم إلى دمشق فخرجوا من حلب إلى نحو دمشق وتخلف يشبك هذا بحلب ولم يخرج لوداعهم، ثم بدا له أن يخرج من حلب ويطوقهم بغتة فركب من وقته قبل أن يأكل السماط وساق خلفهم حتى لحقهم
__________
(1) مخطوط في خمسة مجلدات ضخمة تأليف الفاضل يوسف بن تغري بردي المصري المتوفى سنة 872تفضل بإرساله إلينا إعارة من مصر سعادة الوجيه المفضال أحمد باشا تيمور فالتقطنا منه ماله علاقة بحلب وأثبتناه في محاله وهو مما وقفه على مكتبته الحافلة التي أنشأها بمصر وأودع فيها نفائس الأسفار وجلائل الآثار وشيّد لها بناء خاصا فجزاه الله على حسن صنيعه أحسن الجزاء.(3/15)
خارج حلب وقاتلهم فلم يلبث يشبك هذا وانهزم ثم قتل من وقته ثم حملت رأسه بين يدي القرمشي، وعاد القرمشي إلى حلب ودخل دار السعادة فوجد سماط يشبك قد مد فأكله بمن معه، فكان حال يشبك كقول أبي الفتح البستي:
إلى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي
وكان قتل يشبك المذكور في المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وكان شابا طوالا شجاعا مقداما جبارا ظالما وعنده كرم مع طيش وخفة رحمه الله، وولي نيابة حلب عوضه الأمير ألطنبغا عبد الواحد الصغير اه.
ذكر مقتل علي عماد الدين النسيمي
قال في كنوز الذهب: وفي أيام يشبك المذكور قتل علي النسيمي الزنديق ادعي عليه بدار العدل بحضور شيخنا المذيل [يعني به ابن خطيب الناصرية] وشمس الدين ابن أمين الدولة وكان إذ ذاك نائب الشيخ عز الدين وقاضي القضاة فتح الدين المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين الحنبلي المدعو بابن الخازوق بألفاظه المنسوبة إليه، وكان قد أغوى بعض من لا عقل له وتبعوه على كفره وزندقته وإلحاده، فقام للدعوى عليه ابن الشنقشي الحنفي وذلك بحضور القضاة وعلماء البلدة، فقال له النائب: إن أنت أثبت ما تقول فيه وإلا قتلتك، فأحجم عند سماعه هذا الكلام عن الدعوى والنسيمي لا يزيد في كلامه على التلفظ بالشهادتين ونفي ما قيل عنه، فحضر عند ذلك الشيخ شهاب الدين بن هلال وجلس فوق القاضي المالكي وأفتى في هذا المجلس بأنه زنديق وأنه يقتل ولا تقبل توبته. ولما جلس فوق المالكي انحرف منه، ثم إن ابن هلال قال للمالكي: لم لا يقتل؟ فقال له المالكي: أتكتب بخطك بأنه يقتل؟ فقال: نعم، فكتب له صورة فتوى فكتب عليها فعرض خطه على شيخنا المذيل وبقية القضاة والعلماء الحاضرين فلم يوافقوه على ذلك، فقال له المالكي: إذا كان القضاة والعلماء لا يوافقونك كيف أقتله بقولك؟ فقال يشبك: أنا لا أقتله فإن السلطان رسم لي أن أطالعه وأنظر ماذا يرسم السلطان فيه، وانفصل المجلس على ذلك ودام عند النائب بدار العدل في الاعتقال. وطولع المؤيد [السلطان] بخبره، ثم بعد ذلك حصل للنائب خروج إلى العمق فأخرجوه إلى سجن
القلعة فورد مرسوم المؤيد بأن يسلخ ويشهر بحلب سبعة أيام وينادى عليه ثم تقطع أعضاؤه ويرسل منها شيء لعلي باك بن ذي الغادر وأخيه ناصر الدين وعثمان قرايلوك فإنه كان قد أفسد عقايد هؤلاء، ففعل ذلك به، وهذا الرجل كان كافرا ملحدا نعوذ بالله من قوله وفعله، وله شعر رقيق اهـ.(3/16)
قال في كنوز الذهب: وفي أيام يشبك المذكور قتل علي النسيمي الزنديق ادعي عليه بدار العدل بحضور شيخنا المذيل [يعني به ابن خطيب الناصرية] وشمس الدين ابن أمين الدولة وكان إذ ذاك نائب الشيخ عز الدين وقاضي القضاة فتح الدين المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين الحنبلي المدعو بابن الخازوق بألفاظه المنسوبة إليه، وكان قد أغوى بعض من لا عقل له وتبعوه على كفره وزندقته وإلحاده، فقام للدعوى عليه ابن الشنقشي الحنفي وذلك بحضور القضاة وعلماء البلدة، فقال له النائب: إن أنت أثبت ما تقول فيه وإلا قتلتك، فأحجم عند سماعه هذا الكلام عن الدعوى والنسيمي لا يزيد في كلامه على التلفظ بالشهادتين ونفي ما قيل عنه، فحضر عند ذلك الشيخ شهاب الدين بن هلال وجلس فوق القاضي المالكي وأفتى في هذا المجلس بأنه زنديق وأنه يقتل ولا تقبل توبته. ولما جلس فوق المالكي انحرف منه، ثم إن ابن هلال قال للمالكي: لم لا يقتل؟ فقال له المالكي: أتكتب بخطك بأنه يقتل؟ فقال: نعم، فكتب له صورة فتوى فكتب عليها فعرض خطه على شيخنا المذيل وبقية القضاة والعلماء الحاضرين فلم يوافقوه على ذلك، فقال له المالكي: إذا كان القضاة والعلماء لا يوافقونك كيف أقتله بقولك؟ فقال يشبك: أنا لا أقتله فإن السلطان رسم لي أن أطالعه وأنظر ماذا يرسم السلطان فيه، وانفصل المجلس على ذلك ودام عند النائب بدار العدل في الاعتقال. وطولع المؤيد [السلطان] بخبره، ثم بعد ذلك حصل للنائب خروج إلى العمق فأخرجوه إلى سجن
القلعة فورد مرسوم المؤيد بأن يسلخ ويشهر بحلب سبعة أيام وينادى عليه ثم تقطع أعضاؤه ويرسل منها شيء لعلي باك بن ذي الغادر وأخيه ناصر الدين وعثمان قرايلوك فإنه كان قد أفسد عقايد هؤلاء، ففعل ذلك به، وهذا الرجل كان كافرا ملحدا نعوذ بالله من قوله وفعله، وله شعر رقيق اهـ.
قال في قاموس الأعلام: عماد الدين الصوفي واحد الشعراء المشهورين، طاف البلاد ودخل بلاد الروم في أوائل سلطنة السلطان مراد خان العثماني الأول، وبعد ذلك أتى إلى حلب فتوفي بها. وله ديوان بالفارسية والتركية (1)، وأورد له بيتين بالتركية وبيتين بالفارسية.
أقول: وهو مدفون في تكية تعرف به في محلة الفرافرة تجاه الحمام المعروفة بحمام السلطان بالقرب من دار الحكومة، وكل من تولى مشيخة هذه التكية صار يعرف بالنسيمي، والسلطان مراد تولى السلطنة سنة 761وتوفي سنة 791.
الكلام على دار العدل بدمشق وحلب وسبب بنائهما قال في كنوز الذهب: ثم استقر في نيابتها ألطنبغا الصغير، ثم إن الأمراء توجهوا من حلب إلى دمشق ثم حضر السلطان بعد ذلك إلى حلب، وقبل وصوله نزل أهل قلعة حلب وكبسوا ألطنبغا الصغير بدار العدل فتسحب في نفر يسير وتوجه إلى جهة كركر، ثم عاد مختفيا إلى حلب عند حلول الركاب السلطاني، ثم توجه إلى جماعة من أصحابه إلى نائب كركر فخرج عليه التركمان فقتلوه وغالب من معه.
ترجمة ألطنبغا:
قال في المنهل الصافي: ألطنبغا بن عبد الله بن عبد الواحد الظاهري الأمير علاء الدين المعروف بالصغير هو من صغار المماليك الظاهرية برقوق وممن ترقى في الدولة المؤيدية شيخ إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف، ثم ولاه رأس نوبة النوب بعد الأمير ططر بحكم انتقال ططر إلى إمرة مجلس، واستمر الأمير ألطنبغا الصغير في ذلك إلى أن تجرد صحبة
__________
(1) قال في الكشف: ديوان النسيمي تركي وهو عماد الدين المقتول بسيف الشرع الشريف بحلب في سنة 820وهو من تلامذة فضل الله الحروفي وله في الزبدة بيتان اهـ.(3/17)
الأمير ألطنبغا القرمشي إلى البلاد الشامية ووقع ما حكيناه في ترجمة القرمشي من تولية المذكور لنيابة حلب بعد قتل الأمير يشبك اليوسفي المؤيدي، واستمر ألطنبغا الصغير هذا في نيابة حلب، إلى أن بلغه أن الأمير ططر قبض على القرمشي وقتله تخوف وخرج من حلب فارا، فلقيه بعض تركمان الطاعة فركبوا وقاتلوه قتالا شديدا، ثم انكسر وأمسك وقتل بمعاملة البلاد الحلبية في تاسع شهر شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
وكان شابا ظريفا تركيا مليح الشكل شجاعا سخيا وله مشاركة هنية، ويستحضر بعض تاريخ وكثيرا من السيرة النبوية منهمكا في اللذات رحمه الله تعالى وعفا عنه اه.
ذكر تولية حلب للأمير إينال الجكمي
قال في تحف الأنباء في حوادث هذه السنة: وفي ربيع الآخر توجه نظام الملك ططر إلى البلاد الشامية لأجل عصيان النواب [جقمق نائب الشام وألطنبغا القرمشي] وصحبته الملك المظفر والخليفة والقضاة الأربعة، فلما وصل إلى دمشق تحارب مع نائبها جقمق فانكسر جقمق والأمراء الذين معه وهربوا، فاستولى ططر على الشام، فلما ملكها أتى إليه ألطنبغا طائعا فخلع عليه وفرح به ثم قيده وسجنه في قلعة دمشق وقرر في نيابة حلب إينال الجكمي. ثم إن ططر توجه إلى حلب وصحبته الملك المظفر، فلما دخلا أمر بشنق كردي أمير التركمان بالعمق.
ذكر ترجمة كردي أمير التركمان وأسباب شنقه
قال ابن الخطيب: كردي بن كندز الشهير بكردي باك التركماني أمير التركمان بالعمق بعد ابن صاحب الباز. جرى بينه وبين نواب حلب وقائع، وذلك أنه كثر جمعه وقصد الاستيلاء على تلك البلاد بحيث لا يبقى لنواب حلب فيها حكم، فلما كان سنة عشر وثمانمائة جمع الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب عسكره وركب عليه وجرى بينهما وقعة بطرف العمق من جهة الشمال بالجومة، فانكسر العسكر الحلبي وقتل بعض الأمراء
ورجع تمربغا المشطوب إلى حلب هاربا في أناس قلائل، وقوي أمر كردي وجعل تارة يصانع النواب وتارة يعصيهم، وكان أكثر طاعته للأمير دمرداش فإنه كان يصاحبه وكان دمرداش يحسن إليه وينعم عليه إنعاما كثيرا، فلما ولي نيابة حلب شيخ الذي صار سلطانا عصى عليه كردي باك فخرج شيخ من حلب بعسكره ونازله بالعمق، فنزل كردي بجمعه بالقرب من بغراس تحت الجبل وشيخ تجاهه بالعسكر يضايقه، فلما كان في بعض الأيام وشيخ غافل لم يشعر إلا وقد بغته كردي باك بعسكره فلم يحفل به ملك الأمراء شيخ بل تأنى ساعة بحيث يرى ما ينتهي إليه أمره، ثم ركب ملك الأمراء شيخ هو وعسكره وحملوا على كردي وعسكره وكان كردي في عسكر كثير جدا خيالة ورجالة، فثبت ملك الأمراء شيخ وقاتلهم أشد القتال فانكسر كردي باك كسرة شنيعة وقتل من عسكره جماعة وهرب الباقون وتشتت شملهم، ورجع ملك الأمراء وعسكره إلى حلب منصورين وذلك في سنة أربع عشرة وثمانمائة. فلما ولي الأمير دمرداش نيابة حلب من جهة السلطان المؤيد شيخ وجاء إلى حلب عضده الأمير كردي باك وتوجه معه إلى حلب لقتال الأمير طوخ فلم ينل من طوخ شيئا، ثم رجع دمرداش إلى جهة العمق هو وكردي واستمر كذلك ودمرداش إلى أن توجه إليهم الأمير طوخ وقاتلهم، فتوجه الأمير دمرداش إلى الديار المصرية وكردي إلى عليا بلاده واستمر أمير التركمان بالعمق، فلما توفي الملك المؤيد وحضر الأمير ططر إلى حلب حضر الأمير كردي باك إليه، وكان الأمير ططر من أمراء حلب مع تمربغا المشطوب حين كسره كردي باك الكسرة التي حكيناها، فلما صار كردي باك عند ططر بقلعة حلب أمسكه وأمر بشنقه فشنق تحت قلعة حلب في رجب أو شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة. وكان كردي أميرا كبيرا والقوافل آمنة في أيامه عفا الله عنه.(3/18)
قال ابن الخطيب: كردي بن كندز الشهير بكردي باك التركماني أمير التركمان بالعمق بعد ابن صاحب الباز. جرى بينه وبين نواب حلب وقائع، وذلك أنه كثر جمعه وقصد الاستيلاء على تلك البلاد بحيث لا يبقى لنواب حلب فيها حكم، فلما كان سنة عشر وثمانمائة جمع الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب عسكره وركب عليه وجرى بينهما وقعة بطرف العمق من جهة الشمال بالجومة، فانكسر العسكر الحلبي وقتل بعض الأمراء
ورجع تمربغا المشطوب إلى حلب هاربا في أناس قلائل، وقوي أمر كردي وجعل تارة يصانع النواب وتارة يعصيهم، وكان أكثر طاعته للأمير دمرداش فإنه كان يصاحبه وكان دمرداش يحسن إليه وينعم عليه إنعاما كثيرا، فلما ولي نيابة حلب شيخ الذي صار سلطانا عصى عليه كردي باك فخرج شيخ من حلب بعسكره ونازله بالعمق، فنزل كردي بجمعه بالقرب من بغراس تحت الجبل وشيخ تجاهه بالعسكر يضايقه، فلما كان في بعض الأيام وشيخ غافل لم يشعر إلا وقد بغته كردي باك بعسكره فلم يحفل به ملك الأمراء شيخ بل تأنى ساعة بحيث يرى ما ينتهي إليه أمره، ثم ركب ملك الأمراء شيخ هو وعسكره وحملوا على كردي وعسكره وكان كردي في عسكر كثير جدا خيالة ورجالة، فثبت ملك الأمراء شيخ وقاتلهم أشد القتال فانكسر كردي باك كسرة شنيعة وقتل من عسكره جماعة وهرب الباقون وتشتت شملهم، ورجع ملك الأمراء وعسكره إلى حلب منصورين وذلك في سنة أربع عشرة وثمانمائة. فلما ولي الأمير دمرداش نيابة حلب من جهة السلطان المؤيد شيخ وجاء إلى حلب عضده الأمير كردي باك وتوجه معه إلى حلب لقتال الأمير طوخ فلم ينل من طوخ شيئا، ثم رجع دمرداش إلى جهة العمق هو وكردي واستمر كذلك ودمرداش إلى أن توجه إليهم الأمير طوخ وقاتلهم، فتوجه الأمير دمرداش إلى الديار المصرية وكردي إلى عليا بلاده واستمر أمير التركمان بالعمق، فلما توفي الملك المؤيد وحضر الأمير ططر إلى حلب حضر الأمير كردي باك إليه، وكان الأمير ططر من أمراء حلب مع تمربغا المشطوب حين كسره كردي باك الكسرة التي حكيناها، فلما صار كردي باك عند ططر بقلعة حلب أمسكه وأمر بشنقه فشنق تحت قلعة حلب في رجب أو شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة. وكان كردي أميرا كبيرا والقوافل آمنة في أيامه عفا الله عنه.
ذكر تولية حلب للأمير تغري بردي بن قصروه
قال في تحف الأنباء: وفي رجب خلع ططر على تغري بردي بن قصروه وجعله نائبا بحلب عوضا عن إينال الجكمي، ثم رجع عائدا إلى دمشق.(3/19)
ذكر سلطنة الملك الظاهر ططر الجركسي
قال ابن إياس ما خلاصته: لما ملك ططر دمشق على جماعة من الأمراء المؤيدية وخلع الملك المظفر أحمد من السلطنة وتسلطن عوضه بدمشق، وكان الخليفة المعتضد بالله داود صحبته والقضاة الأربعة فبايعوا ططر وسلطنوه، وذلك تاسع عشري شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة وتلقب بالملك الظاهر، ثم عاد إلى الديار المصرية.
ذكر موت الملك الظاهر ططر وسلطنة ابنه الملك الصالح ناصر الدين محمد
قال ابن إياس: كانت وفاة الملك الظاهر ططر رابع ذي الحجة، ولما مرض عهد بالسلطنة إلى ابنه محمد وتسلطن وله من العمر نحو إحدى عشرة سنة وقام بالأمر برسباي الدقماقي.
ذكر عصيان الأمير تغري بردي بن قصروه
قال في تحف الأنباء: بعد سلطنة الملك الناصر محمد أتت الأخبار إلى مصر بأن تغري بردي نائب حلب أظهر العصيان بها وخرج عن الطاعة، وكان الظاهر ططر قبل موته أرسل يعزله وولى قاني بك نيابة حلب عوضا عنه.
ترجمة تغري بردي وزيادة بيان في خبر عصيانه:
قال في المنهل الصافي: تغري بردي بن عبد الله المؤيدي الأمير سيف الدين نائب حلب المعروف بأخي قصروه، أصله من المماليك المؤيدية شيخ اشتراه ورقاه إلى أن جعله خاصكيا ثم أمير عشرة، ولما مات أستاذه الملك المؤيد وثب تغري بردي هذا وصار أمير ماية ومقدم ألف بالديار المصرية وأمير أخور كبيرا عوضا عن الأمير طوغان أمير أخور بحكم غيابه في التجريدة صحبة الأمراء إلى البلاد الشامية. ودام تغري بردي على ذلك
أشهرا إلى أن توجه الأمير الكبير ططر بالملك المظفر أحمد إلى البلاد الشامية في سنة أربع وعشرين وثمانمائة ووصل إلى دمشق ثم إلى حلب استقر بالأمير تغري بردي هذا في نيابة حلب عوضا عن الأمير إينال الجكمي بحكم عزله في السنة المذكورة، فاستمر بحلب مدة يسيرة وخرج عن طاعة الملك الظاهر ططر وبلغ ذلك، فأرسل تشريفا إلى الأمير تنبك البجاسي نائب طرابلس بنيابة حلب، فبرز الأمير تنبك المذكور إلى ظاهر طرابلس للتوجه إلى حلب فورد عليه الخبر بموت الملك الظاهر ططر وسلطنة ولده الملك الصالح محمد بن ططر فكف تنبك عن السفر إلى أن قدم عليه مرسوم شريف بتوجهه إلى حلب لإخراج تغري بردي منها واستيلائه عليها، فسار تنبك وصحبته عسكر طرابلس وحماة ووافاه الأمير إينال النوروزي نائب صفد بعسكرها بطريق حلب. وبلغ مجيء هؤلاء العساكر تغري بردي ففر من حلب قبل وصول تنبك إليها ومعه الأمير كزل نائب البهسنا وتوجها إلى بهسنا بعد أن أفحشا في العصيان ووقع منهما أمور عجيبة مع أهل حلب، فتبعه تنبك. إلى البلاد فلم يقف له على أثر فعاد إلى حلب، ثم خرج إلى بهسنا ومعه العساكر وحاصر تغري بردي مدة طويلة وقتل الأمير كزل نائب بهسنا في الحصار، ولما طال الأمر عاد الأمير تنبك البجاسي إلى حلب وخلف على حصار بهسنا الأمير جار قطلو نائب حماة والأمير إينال النوروزي نائب صفد، كل ذلك وتغري بردي صابر على القتال ولم يكن عنده بقلعة بهسنا إلا نفر يسير، وطال الأمر عليه إلى أن طلب الأمان من الأمير جار قطلو.(3/20)
قال في المنهل الصافي: تغري بردي بن عبد الله المؤيدي الأمير سيف الدين نائب حلب المعروف بأخي قصروه، أصله من المماليك المؤيدية شيخ اشتراه ورقاه إلى أن جعله خاصكيا ثم أمير عشرة، ولما مات أستاذه الملك المؤيد وثب تغري بردي هذا وصار أمير ماية ومقدم ألف بالديار المصرية وأمير أخور كبيرا عوضا عن الأمير طوغان أمير أخور بحكم غيابه في التجريدة صحبة الأمراء إلى البلاد الشامية. ودام تغري بردي على ذلك
أشهرا إلى أن توجه الأمير الكبير ططر بالملك المظفر أحمد إلى البلاد الشامية في سنة أربع وعشرين وثمانمائة ووصل إلى دمشق ثم إلى حلب استقر بالأمير تغري بردي هذا في نيابة حلب عوضا عن الأمير إينال الجكمي بحكم عزله في السنة المذكورة، فاستمر بحلب مدة يسيرة وخرج عن طاعة الملك الظاهر ططر وبلغ ذلك، فأرسل تشريفا إلى الأمير تنبك البجاسي نائب طرابلس بنيابة حلب، فبرز الأمير تنبك المذكور إلى ظاهر طرابلس للتوجه إلى حلب فورد عليه الخبر بموت الملك الظاهر ططر وسلطنة ولده الملك الصالح محمد بن ططر فكف تنبك عن السفر إلى أن قدم عليه مرسوم شريف بتوجهه إلى حلب لإخراج تغري بردي منها واستيلائه عليها، فسار تنبك وصحبته عسكر طرابلس وحماة ووافاه الأمير إينال النوروزي نائب صفد بعسكرها بطريق حلب. وبلغ مجيء هؤلاء العساكر تغري بردي ففر من حلب قبل وصول تنبك إليها ومعه الأمير كزل نائب البهسنا وتوجها إلى بهسنا بعد أن أفحشا في العصيان ووقع منهما أمور عجيبة مع أهل حلب، فتبعه تنبك. إلى البلاد فلم يقف له على أثر فعاد إلى حلب، ثم خرج إلى بهسنا ومعه العساكر وحاصر تغري بردي مدة طويلة وقتل الأمير كزل نائب بهسنا في الحصار، ولما طال الأمر عاد الأمير تنبك البجاسي إلى حلب وخلف على حصار بهسنا الأمير جار قطلو نائب حماة والأمير إينال النوروزي نائب صفد، كل ذلك وتغري بردي صابر على القتال ولم يكن عنده بقلعة بهسنا إلا نفر يسير، وطال الأمر عليه إلى أن طلب الأمان من الأمير جار قطلو.
وبلغ الخبر تنبك البجاسي فركب من وقته من حلب حتى وصل إلى بهسنا في يومين فوجد الأمير تغري بردي قد نزل من قلعة بهسنا فتسلمه وعاد به إلى حلب فحبسه بقلعتها في العشر الأخير من شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثمانمائة، فاستمر الأمير تغري بردي محبوسا بها إلى أن قتل بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة وسنه نيف على ثلاثين سنة.
وكان شابا شجاعا جميلا مقداما كريما عارفا بفنون الفروسية إلا أنه كان عنده تكبر وإسراف على نفسه رحمه الله تعالى.(3/21)
سنة 825 ذكر تولية حلب للأمير قاني باك
قال في تحف الأنباء: وفي سنة خمس وعشرين وثمانمائة في المحرم تسلم قاني بك نيابة حلب بعد أن حصل بينه وبين تغري بردي حرب شديدة وانكسر تغري بردي وهرب.
قال أبو ذر: كان الغلاء بحلب وأعقبه الطاعون فمات فيه سبعون ألفا وخلا أكثر البلد من الناس، وسمي طاعون الشباب.
ذكر خلع الملك الصالح محمد وسلطنة برسباي الدقماقي
قال ابن إياس ما خلاصته: خلع الملك الصالح محمد ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة وتسلطن بعده الملك الأشرف برسباي الدقماقي الظاهري.
سنة 826 ذكر تولية حلب للأمير جارقطلو
قال السخاوي: نقله الأشرف لنيابة حلب عوضا عن قاني بك البجاسي، فكان دخوله في شوال سنة ست وعشرين. قال: وهو على ألسنة العامة بالشين المعجمة بدل الجيم. ثم تولى دمشق سنة خمس وثلاثين ومات بها سنة سبع وثلاثين. وكان شهما مسرفا على نفسه يحب العدل والإنصاف، ولم يخلف ولدا.
وذكره ابن خطيب الناصرية فقال: إنه كان أميرا كبيرا شجاعا مشكور الأيام بدمشق مع حدة يبادر بها إلى سفك الدماء اهـ.
قال أبو ذر: استقر جارقطلو في كفالة حلب إلى جمادى الاولى سنة ثلاثين.(3/22)
سنة 830 ذكر تولية حلب للأمير قصروه
قال أبو ذر في كنوز الذهب: ثم وليها قصروه نائب طرابلس، وكان لين الجانب محبا للعلماء يحضر معهم المدارس، وحضر مع شيخنا درسا حافلا بالعصرونية والرواحية، أما درس الرواحية فكان في الصلاة الوسطى فذكر فيها أقوالا عديدة وأفاد فوائد جمة وظهر فيه علم كبير انتهى. وعمر قصروه المشار إليه مقام عبد الله الأنصاري خارج حلب ووقف عليه وقفا آل إليه، ثم عزل عن كفالة حلب إلى كفالة دمشق وتوجهت صحبة شيخنا المذيل إلى قصروه قبل وصول الخبر إليه بكفالة دمشق فبشره بذلك ففرح وسر وقال لشيخنا: أنت إن شاء الله تعالى تصير قاضيا بدمشق، وذلك في سنة سبع وثلاثين، فصلى شيخنا عنده الجمعة بجامع الناصري في دار العدل بحلب فسمعته يقول لشيخنا:
ولي مكاني شخص يقال له قرقماش وعنده حدة فاصبروا له.
ترجمة الأمير قصروه بن عبد الله الظاهري:
قال ابن خطيب الناصرية: قصروه بن عبد الله الأشرفي الأمير سيف الدين نائب حلب، كان أحد المقدمين بالديار المصرية في دولة الملك الأشرف، ثم ولاه الملك الأشرف برسباي نيابة طرابلس فتوجه إليها وأقام بها مدة، ثم ولاه نيابة حلب فجاء إليها في أثناء شهر جمادى الآخرة سنة ثلاثين وثمانمائة واستمر بها نائبا إلى شعبان سنة سبع وثلاثين، فولاه السلطان نيابة دمشق عوضا عن الأمير جارقطلو فتوجه إليها وخرج من حلب تاسع عشرين شعبان منها واستمر بدمشق. وكان أميرا كبيرا عاقلا جدد في مقام الأنصاري القبة وقبة أخرى وأحكم بناءه ووقف عليه وقفا، وله أملاك كثيرة بحلب ودمشق وقفها على أولاده وثروة. توفي رحمه الله تعالى ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة بدمشق وهو من مماليك برقوق اه.
الكلام على مشهد الأنصاري
هو في القرية المعروفة الآن بالأنصاري، وهي قرية واسعة بظاهر حلب من غربيها وقبلي جبل الجوشن، وهي على جبل متصل بهذا الجبل وكلاهما مطلان على حلب، وكانت
في القديم تدعى الياروقية، وقد عدها ياقوت في جملة محلات حلب حيث قال في الجزء الثاني من معجمه: (الياروقية) محلة كبيرة بظاهر مدينة حلب تنسب إلى أمير من أمراء التركمان كان قد نزل فيها بعسكره وقوته ورجاله وعمر بها دورا ومساكن وكان من أمراء نور الدين، ومات ياروق هذا في سنة 564 (1).(3/23)
هو في القرية المعروفة الآن بالأنصاري، وهي قرية واسعة بظاهر حلب من غربيها وقبلي جبل الجوشن، وهي على جبل متصل بهذا الجبل وكلاهما مطلان على حلب، وكانت
في القديم تدعى الياروقية، وقد عدها ياقوت في جملة محلات حلب حيث قال في الجزء الثاني من معجمه: (الياروقية) محلة كبيرة بظاهر مدينة حلب تنسب إلى أمير من أمراء التركمان كان قد نزل فيها بعسكره وقوته ورجاله وعمر بها دورا ومساكن وكان من أمراء نور الدين، ومات ياروق هذا في سنة 564 (1).
قال في الدر المنتخب في باب المزارات: ومنها مسجد يعرف بمسجد الأنصاري وهو قبلي جبل جوشن في طرف الياروقية.
قال أبو الحسن الهروي: في هذا المشهد قبر عبد الله الأنصاري كما ذكروا. قال كمال الدين العديم في تاريخه: أخبرني والدي رحمه الله تعالى قال: رأت امرأة من نساء أمراء الياروقية في المنام قائلا يقول: ههنا قبر الأنصاري صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ففتشوا فوجدوا قبرا فبنوا عليه هذا المشهد وجعلوا عليه ضريحا، ثم دثر فجددته أزانيلوفر عتيقة الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر، ولما توفي معتقها المذكور في سنة اثنتين وعشرين وستمائة انقطعت إليه وقامت بأود من يرد عليه من الزوار في كل وقت تطعمه الحلوى وتسقيه الجلاب إلى أن توفيت وبقي من إمائها وحفدتها من يقوم به إلى أن استولت التتر فتشعث بناؤه بعيثهم انتهى. (قلت): أدركت هذا المشهد صغيرا جدا وله خارج الضريح قبلية صغيرة وليس له وقف فيما أعلم، فلما ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين قصروه التمرازي منتقلا إليها من نيابة طرابلس في سنة ثلاثين وثمانمائة شرع بعد إقامته قليلا في توسيع هذا المشهد (2) وبناه بالحجارة الكبار، وعقد على الضريح قبة ووسع الصحن وجعل شماليه إيوانا ذا شبابيك مطلة إلى جهة الشمال، ولما توفيت ابنته وكانت مخطوبتي
__________
(1) انظر ترجمته في القسم الثاني.
(2) أقول: مكتوب على باب المشهد: 1أنشأ هذه العمارة المباركة مولانا ملك الأمراء المقر الأشرف 2 السيفي أبي خانك المؤيدي الظاهري كافل المملكة الحلبية أعزّه الله 3بتاريخ جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعماية من الهجرة. وهذا صريح في أنه رمم بعد تشعّثه حين استيلاء التتر قبل أن يوسعه قصروه سنة 830.(3/24)
دفنها على يمنة الداخل بالقرب من الباب، ثم عقد عليها قبة، وكان قد مات له ولد صغير عزيز عنده يسمى يونس فدفنه بالقبة التي فيها ضريح الأنصاري (1)، ثم ندم على ذلك، فلما توفيت ابنه المذكور دفنها بالقرب من باب المشهد وعقد عليها القبة التي ذكرنا وجعل لها شباكين كبيرين أحدهما ينظر إلى الشرق ويشرف على المدينة والآخر ينظر إلى جهة الشمال، ووقف على المشهد وقوفا ورتب فيه قراء وجعل فيه سماطا في كل ليلة جمعة واعتنى به غاية الاعتناء، وكان يلازم زيارته مدة إقامته بحلب. وأخبرني أن سبب ذلك أنه قدم إلى حلب قديما لتقليد نيابتها فاعتراه قبل وصوله إلى حلب وجع شديد، وكانت العادة وهي باقية أن الخاصكية إذا وردوا إلى حلب يبيتون هنالك ويدخلون البلد بكرة النهار، فلما بات به تلك الليلة أبصر في منامه أن صاحب هذا الضريح وهو شيخ حسن الشكل مسح عليه ودعا له وبشره بأنه يصير نائب هذه البلدة، فعاهد الله سبحانه وتعالى أنه إن ولي نيابة حلب يجدد بناءه ويجعل عليه وقفا. وهذا المشهد اليوم مشهور بسعد الأنصاري ولا أعلم المستند في ذلك إلا أن يكون الاشتباه بأن الجبل الذي تجاه هذا الجبل من جهة الشرق والقبلة يقال إن فيه سعيدا الأنصاري. وهذا المشهد معروف بالبركة يتردد إليه الناس ويزورونه ويعتقدونه وينذرون له الشمع والزيت وغير ذلك ولي عليه وقف اه.
أقول: مكتوب على باب المشهد من داخل القبة:
1 - أنشا هذا المكان المبارك المقر الأشراف العالي المالكي المخدومي السيفي قصروه
2 - الأشرفي كافل المملكة الشريفة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره بمحمد وآله.
__________
(1) أقول: أما القبر فقد درس من أربعين سنة حينما فرشت الحجرة التي فيها الضريح بالرخام غير أن ألواح هذا القبر لم تزل موجودة في طرف المشهد وهي من المرمر وعلى حجرين منه اسم يونس هذا وعلى حجرين آخرين كانا موضوعين في طرفي القبر هذان البيتان:
حبي لساكن ذا الضريح أنالني ... منه الدنو وصرت أقرب جار
فلي الأمان بذا المقام وإنه ... الإيمان فهي محبة الأنصار(3/25)
ومكتوب على الجدار القبلي من القبة من الخارج:
1 - البسملة: أنشأ هذا المكان المبارك في أيام مولانا الظاهر الملك الأشرف خلد الله ملكه المقر الاشرف العالي المولوي المالكي المخدومي ركن الإسلام والمسلمين كهف الفقراء والمساكين زعيم جيوش.
2 - الموحدين سيف أمير المؤمنين السيفي قصروه مولانا ملك الأمراء كافل المملكة الشريفة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره وجعل الوقف على هذا المكان المبارك ابتغاء لوجه الله تعالى نصف قرية الياروقية جوار المكان.
3 - المبارك ومن الجبّول كل يوم ثلاثة دراهم من ثمن الملح تقبله الله تعالى منه بتاريخ سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام صلى الله عليه 1هـ. والكتابة جلية يبلغ طولها مترين.
وعلى الباب الثاني للمشهد كتابة في السطر الأول منها اسم الملك الأشرف برسباي، وفي السطر الثالث أن البناء كان سنة ثلاثين وثمانمائة، وبقية الكتابة تعسر علي قراءتها لذا لم أذكر ما كتب بتمامه من جهة القبلة بعد البسملة.
وإلى جانب القبة الكبيرة المتقدمة قبة أخرى أصغر منها وقد كتب في أعلى جدارها 1أمر بإنشاء هذه التربة المباركة المقر الأشرف الأميري الكبيري المخدومي السيفي مصر باي الأشرفي النائب بالقلعة.
2 - المنصورة بحلب أعز الله أنصاره ومن قبر أحدا يكون خصمه محمد يوم القيامة إلا بإذن مبنيها [هكذا] بتاريخ سابع عشرين ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة 1هـ.
وفي السنة الماضية وهي سنة 1342أصلح الطريق من الفيض إلى قرية الأنصاري وصارت العجلات تذهب إليها بسهولة، وصار الناس يقصدون القرية أيام الربيع لجودة الهواء ثمة. ولو اعتنى ذوو الثروة ببناء دور لهم في هذه القرية واتخذوها مصيفا لهم لتسنى للكثير من أهالي حلب الاصطياف في هذا المكان بالنظر لقربه ولأغنى الكثير منهم عن قصد جبل لبنان وتحمل النفقات الطائلة في سبيل ذلك ولتخلص عن القبائح والمنكرات التي انتشرت هناك انتشارا هائلا وعمت كل بلدة فيه وكل قرية تعلو روابيه.(3/26)
سنة 834 الكلام على صنعة الزجاج بحلب واشتهارها في الآفاق
قال في كتاب لجنة حفظ الآثار العربية بمصر تأليف مكس هرتس بك وتعريب علي بهجة بك وكيل دار الآثار العربية في مصر (في صحيفة 290) في الكلام على صنعة الزجاج: وقد تكلم حافظ أبرو المتوفى حوالي سنة 1430م (وذلك يوافق سنة 834هـ) على الأخص على صنعة الزجاج في حلب فقال: هناك صنعة خاصة بحلب وهي صنعة الزجاج ولا نرى في غيرها أجمل مما يرى فيها من المصنوعات الزجاجية، وإذا دخل الإنسان السوق الذي تباع فيه لا يحب الخروج منه لشدة ما يبهره من جمال الأواني المزخرفة زخرفة بديعة بذوق عجيب. (إلى أن قال): ومصنوعات حلب الزجاجية تنقل إلى جميع البلاد للتهادي بها اه.
وأحال في هامش الكتاب المذكور على سفر نامة التعليق الوارد في صحيفة 33: ومما يدلك على تقدم هذه الصنعة في حلب ما ذكره ابن حجة الحموي في كتابه ثمرات الأوراق في ضمن حكاية طويلة نقلها عن الكتاب المسمى بمسالك الأبصار في ممالك الأنصار لابن فضل العمري، والحكاية جرت مع عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر المويسيقي حينما دخل هولاكو بغداد سنة 656فاتخذ هذا وليمة لبعض أمراء هولاكو قال: فأتيت به إلى داري وأحضرت له أطعمة فاخرة، ولما فرغ من الأكل عملت له مجلسا ملوكيا وأحضرت له الأواني المذهبة من الزجاج الحلبي وأواني فضة فيها شراب مروّق الخ.
وممن نوّه بالزجاج الحلبي الإمام سعدي صاحب كتاب كلستان (الكتاب المشهور باللغة الفارسية) المتوفى سنة 690، وقد ترجم الكتاب إلى العربية جبرائيل بن يوسف الشهير بالمخلع وهو مطبوع بمصر سنة 1263، قال سعدي في ضمن حكاية (في صفحة 87) ما ترجمته: فقلت: وأين تلك السفرة يا طويل الخبرة؟ فقال: قصدي أن آخذ الكبريت الفارسي إلى الصين لأني سمعت أنه هنالك ثمين. ومن هناك آخذ القماش الهندي وأحضره إلى الروم وآخذ الأقمشة الرومية إلى الهند للربح المعلوم وآتي بالفولاذ الهندي إلى حلب فآخذ الزجاجات الحلبية إلى اليمن ولو مع التعب.(3/27)
وممن نوّه بالزجاج الحلبي الأديب الفاضل ابن حجة الحموي في ذيل كتابه ثمرات الأوراق في ضمن حكاية هزلية مشهورة تعرف بحكاية أبي القاسم الطنبوري حيث قال:
حكي أنه كان ببغداد شخص يعرف بأبي القاسم الطنبوري صاحب نوادر وحكايات وله مداس له مدة سنين، كلما انقطع منه موضع جعل عليه رقعة إلى أن صار في غاية الثقل وصار يضرب به المثل فيقال: أثقل من مداس أبي القاسم الطنبوري، فاتفق أنه دخل سوق الزجاج فقال له سمسار: يا أبا القاسم قد وصل تاجر من حلب ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد فابتعه منه وأنا أبيعه لك بعد مدة بمكسب المثل مثلين، فابتاعه بستين دينارا، الخ الحكاية.
ولا تنس ما تقدم في حوادث سنة 624من استحسان جنكيزخان لجام الزجاج الذي حمل إليه من حلب إلى بلاد الهند.
سنة 836 ذكر مجيء الملك الأشرف إلى حلب وتوجهه منها إلى آمد لمحاربة قرا يلك
قال ابن إياس ما خلاصته: في هذه السنة خرج السلطان الملك الأشرف برسباي من مصر وصحبته أمير المؤمنين المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة، وهم شيخ الإسلام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (1) وبدر الدين محمود العيني وشمس الدين البساطي ومحب الدين البغدادي الحنبلي وخرج معه سائر الأمراء من الأكابر والأصاغر، فأقام بالريدانية يومين ثم رحل وقصد التوجه إلى نحو البلاد الشامية، فكان له في الشام موكب عظيم وكذلك في حلب، ثم خرج من حلب وقصد التوجه نحو آمد من ديار بكر، فلما وصل
__________
(1) أقول: وفي قدمته هذه أملي بحلب كراسة في الحديث رأيتها عند بني الشيخ عبد القادر المعروفين ببيت سلطان وقد ذكرها في كشف الظنون قال: أمالي ابن حجر أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852أكثرها حديث أملاها بمدينة حلب اه. وانظر ترجمة حافظ الشهباء المحدث الكبير إبراهيم بن محمد الملقب بالبرهان الحلبي المتوفى سنة 841.(3/28)
هناك حاصر قلعة آمد أشد المحاصرة ونصب عليها عدة مجانيق فلم يقدر عليها، فأقام هناك مدة فوقع في العسكر الغلاء فقلق من ذلك، وكانت العوام تغني وتقول:
في آمد رأينا العونه ... في كل خيمة طاحونه
الغلام نهاره يطحن ... والجندي يجيب المونه
فلما سمع المماليك ثارت أخلاقهم على السلطان وقصدوا الوثوب عليه هناك، فخشي السلطان الأشرف أن تقع هناك فتنة فلم يقع بينه وبين قرايلك واقعة ولا قابله، فمشى بعض الأمراء بين قرايلك وبين السلطان بالصلح، فأرسل إليه السلطان القاضي محب الدين ابن الأشقر نائب كاتب السر فحلف قرايلك أنه لا يتعدى على بلاد السلطان ولا يحصل منه فساد. ثم إن السلطان قصد التوجه نحو الديار المصرية. قيل إن السلطان صرف على هذه التجريدة من المال خمسمائة ألف دينار ولم يظفر بطائل، فلما رجع عاد قرايلك إلى ما كان عليه من العصيان اه.
وفي تحف الأنباء أن السلطان لما وصل إلى حلب صار له موكب حافل بدخوله إليها، وخرج إليه النائب والقضاة الأربعة وأرباب الوظائف الذين بحلب، فلما استقر بها خلع على القاضي محب الدين بن الشحنة وأقره في قضاء حلب. ثم إن السلطان رحل من حلب وتوجه نحو البيرة [بيره جيك] ونزل على آمد فوقع بينه وبين قرايلك وقعة عظيمة (1)
وقتل بها جماعة من المماليك السلطانية، ثم إن السلطان بلغه أن قرايلك نهب ضياع آمد وسار إلى حلب ليأخذها على حين غفلة من السلطان، فجهز له السلطان عسكرا فأدركوه بالقرب من الفرات فحصل بينهم وقعة على شاطىء الفرات فقتل من العسكر وغرق منهم بالفرات ورجع قرايلك، ثم إنه أخذ في حصار قلعة آمد ونصب عليها المجانيق فطال الحصار حتى قلق العسكر وقصدوا الوثوب على السلطان [للسبب المتقدم وهو الغلاء] فلما تحقق ذلك رحل من آمد وتوجه نحو حلب، ولما وصل إليها كان له يوم مشهود.
تولية حلب للأمير قرقماش سنة 837
قال أبو ذر: استقر قرقماش الشعباني في كفالة حلب ودخل حلب في العشر الأول من رمضان، وكان شهما مقداما أمن الناس في أيامه من قطاع الطريق والحرامية، وكان إذا
__________
(1) يغلب على الظن أن هذا هو الصحيح لا ما ذكره ابن إياس.(3/29)
وقع في قبضته أحد منهم علقه بكلاليب تحت الواحة. وخرج مرة إلى الموكب فسار إلى مدينة الباب وحده فوجد جماعة من العربان ينعلون خيلهم فنكل بهم، وامتنع العرب في أيامه من ركوب الخيل وحمل الرماح وصاروا يخوفون أولادهم الصغار منه، حتى كان البدوي إذا دخل بفرسه إلى الماء ليشرب فامتنعت يقول لها: قرقماش في الماء. ثم وشي به إلى السلطان بشيء يقتضي العصيان فورد المرسوم الشريف بطلبه إلى القاهرة في صفر. اه
ترجمة الأمير قرقماش وزيادة حوادث في زمنه:
قال ابن الخطيب: قرقماش الحاجب الأمير سيف الدين نائب حلب، كان مقدما بالديار المصرية وحاجب الحجاب بها في دولة السلطان الملك الأشرف، وجاء إلى حلب صحبة الأمراء المجردين، إلى قرايلك في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة فأقام بحلب صحبة الأمراء سنة وأشهرا دون الثلاثة، ثم سافر من حلب إلى الديار المصرية، ثم قدمها صحبة الملك الأشرف في سنة ست وثلاثين وثمانمائة وتوجه معه إلى آمد، ثم رجع في خدمته إلى الديار المصرية. فلما كان في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ولاه السلطان المشار إليه نيابة حلب عوضا عن الأمير قصروه بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق، فجاء إلى حلب ودخلها يوم ثاني عشر رمضان من السنة واستمر بها إلى يوم عيد الفطر. فخرج ثانية طالبا البيرة حين جاء الخبر من الرها بأن قرايلك يقصد الفساد هناك، فأقام على البيرة مدة ثم رجع إلى حلب وأقام بها. ثم إن حمزة بك بن علي بن دلغادر جهز إلى نائب حلب يطلب نجدة له على عمه إلى مرعش فتوجه جريدة إليه ووصل إلى مرعش، فجاء فياض بن ناصر الدين باك ومعه أمراء من أمراء التركمان فأمسكهم وجاء بهم إلى حلب، ثم طلبوا إلى الأبواب الشريفة واستمر قرقماش بحلب.
فلما كان في رمضان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة توجه منها نحو العمق، وجاء مرسوم شريف بأنهم يجهزون إلى ناصر الدين بن ذي الغادر ليسلم قيصرية إلى السلطان وولى بها الأمير قنصوه، فتوجه الخاصكي إليه بالمرسوم الشريف فأجاب بالطاعة، وتوجه قرقماش بالعسكر الحلبي إلى عينتاب إلى أن يأتي جواب السلطان بما يعتمدونه، فورد المرسوم الشريف بإعادة العسكر الحلبي إلى حلب والصلح عن ناصر الدين باك، فرجع النائب المذكور بالعساكر إلى حلب. وفي غضون ذلك جاء الخبر إلى حلب بظهور الأمير جان بك الصوفي الذي كان هرب من حبس السلطان بالإسكندرية بناحية بلاد دوركي واستمر
قرقماش بحلب، فلما كان حادي عشرين صفر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ورد خاصكي من الأبواب الشريفة وعلى يده مرسوم شريف بطلب الأمير قرقماش إلى الأبواب الشريفة فركب من فوره وطلع إلى الأنصاري واستمر هناك إلى قرب الظهر، ثم إنه ركب الهجن وتوجه إلى الأبواب الشريفة فولاه السلطان أمير سلاح وولى الأمير إينال الجكمي نيابة حلب عوضا عنه.(3/30)
فلما كان في رمضان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة توجه منها نحو العمق، وجاء مرسوم شريف بأنهم يجهزون إلى ناصر الدين بن ذي الغادر ليسلم قيصرية إلى السلطان وولى بها الأمير قنصوه، فتوجه الخاصكي إليه بالمرسوم الشريف فأجاب بالطاعة، وتوجه قرقماش بالعسكر الحلبي إلى عينتاب إلى أن يأتي جواب السلطان بما يعتمدونه، فورد المرسوم الشريف بإعادة العسكر الحلبي إلى حلب والصلح عن ناصر الدين باك، فرجع النائب المذكور بالعساكر إلى حلب. وفي غضون ذلك جاء الخبر إلى حلب بظهور الأمير جان بك الصوفي الذي كان هرب من حبس السلطان بالإسكندرية بناحية بلاد دوركي واستمر
قرقماش بحلب، فلما كان حادي عشرين صفر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ورد خاصكي من الأبواب الشريفة وعلى يده مرسوم شريف بطلب الأمير قرقماش إلى الأبواب الشريفة فركب من فوره وطلع إلى الأنصاري واستمر هناك إلى قرب الظهر، ثم إنه ركب الهجن وتوجه إلى الأبواب الشريفة فولاه السلطان أمير سلاح وولى الأمير إينال الجكمي نيابة حلب عوضا عنه.
وأما الأمير فياض فإن السلطان أطلقه وولاه نيابة مرعش وخلع عليه وأحسن إليه اه.
وله في المنهل الصافي ترجمة طويلة الذيل. ومما قال فيه انه خلع عليه في سنة تسع وعشرين بحجوبية الحجاب فباشرها بحرمة زائدة وعظمة وبطش في الناس حتى هابه كل أحد، واستمر على ذلك إلى سنة سبع وثلاثين فاستقر في نيابة حلب بعد انتقال نائبها الأمير قصروه، فتوجه قرقماش إلى حلب وحكمها وفعل فيها على عادته وقويت حرمته أيضا بها وأبدع في المفسدين بأنواع العذاب إلى أن ظهر أمر الأمير جان بك الصوفي من الروم عزله الملك الأشرف عن نيابة حلب بالأتابك إينال الجكمي وقدم القاهرة على إقطاع الأمير جقمق العلائي ووظيفته إمرة سلاح، وذلك في سنة تسع وثلاثين، ثم إنه تجرد وصحبته جماعة من أمراء الديار المصرية إلى أرزنكان في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ومات الملك الأشرف في غيبتهم وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف وصار الأتابك جقمق العلائي مدبر مملكته، وأرسل يستحث قرقماش هذا ورفقته على المجيء إلى الديار المصرية، فلما حضروا اتفق مع قرقماش وقبض على جماعة من الأمراء الأشرفية، وتسلطن الأتابك جقمق سنة اثنتين وأربعين وخلع على قرقماش هذا باستقراره أتابك العساكر، فلم يلبث قرقماش إلا أياما قلائل ووثب على الملك الظاهر جقمق وانضم إليه المماليك الأشرفية وحصل بين الفريقين فتن وحرب [بسطها صاحب المنهل] انكسر فيها قرقماش واختفى، ثم إنه قبض عليه وقتل في جمادى الآخرة من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة وسنه نيف وخمسون سنة تقريبا.
وكان أميرا ضخما متعاظما متكبرا وعنده ظلم وجبروت مع معرفة وتدبير ومكر وشجاعة وإقدام، وكان يتفقه ويحفظ مسائل ويظهر التدين والعفة والقيام في النهي عن المنكرات فيبالغ حتى يقع هو فيما هو أعظم مما ينكره، وكان معتدل القامة مليح الوجه
يميل إلى السمرة يتبختر في مشيته تيها وعجبا وتكبرا، قليل البشاشة والسلام على الناس في الطرقات، عفا الله عنه اه ملخصا.(3/31)
وكان أميرا ضخما متعاظما متكبرا وعنده ظلم وجبروت مع معرفة وتدبير ومكر وشجاعة وإقدام، وكان يتفقه ويحفظ مسائل ويظهر التدين والعفة والقيام في النهي عن المنكرات فيبالغ حتى يقع هو فيما هو أعظم مما ينكره، وكان معتدل القامة مليح الوجه
يميل إلى السمرة يتبختر في مشيته تيها وعجبا وتكبرا، قليل البشاشة والسلام على الناس في الطرقات، عفا الله عنه اه ملخصا.
سنة 839إلى 842 ذكر ولاية إينال الجكمي للمرة الثانية
قال السخاوي في ترجمته: عاد إينال الجكمي إلى نيابة حلب عوضا عن قرقماش في سنة تسع وثلاثين، وبمجرد أن وصل ورد عليه مرسوم مع هجان بنيابة الشام فتوجه إليها (ذكره ابن خطيب الناصرية) واستمر حتى قتل بعد خروجه عن الطاعة السلطانية في سنة اثنتين وأربعين. (ثم قال):
وكان مشهورا بالشجاعة مشكور السيرة إلا أنه لم يسعده جده.
قال أبو ذر: دخل إينال المذكور حلب يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين، فلما كان تاسع عشرين ربيع الآخر جاء القاصد على الهجن باستقراره في دمشق عوضا عن قصروه بحكم وفاته.
ذكر تولية حلب للأمير تغري ورمش
قال أبو ذر: واستقر السيفي تغري ويرمش واسمه أولا حسين بن أحمد من أهالي بهسنى في كفالة حلب، وكان عاقلا مدبرا متطلعا إلى أحوال رعيته، وما زال رأيه زائدا وعقله تاما حتى أظهر مخالفة السلطان فزال عنه ذلك.
وقال بعد الكلام على زاويته الآتي ذكرها: واعلم أن تغري ويرمش المذكور كان في خدمة الأشرف برسباي، وكان الأشرف يعتمد عليه في أموره ويشاوره ويعظمه لعقله ودهائه ومكره، فإنه كان ذا رأي سديد، ولما نزل الأشرف إلى آمد بسبب الأمير عثمان سلم إليه تخت مصر فأشار على الأشرف أن لا يجاوز البيرة وأن يرسل جيوشه لمحاصرة آمد، فلم يعمل الأشرف برأيه فما نجح أمره. ثم لما رجع الأشرف إلى القاهرة لم يبرح تغري ورمش من
قلعة الجبل ولم ينزل إلى لقيه، بل لما شاهد الأشرف قد أشرف نزل عن مكانه وقال: هذا المكان الذي سلمته إليّ، فزادت محبة الأشرف له وفوض إليه كفالة حلب ليطالعه بأخبار التتر عوضا عن إينال الجكمي، فدخل تغري برمش حلب وخرج القضاة إلى لقيه على عادتهم. وكان شيخنا المؤرخ (يعني به ابن خطيب الناصرية) يعرفه قديما من مدينة بهسنى لأن شيخنا كان حاكما بها، وكان والد تغري برمش صديقا لشيخنا وكان يستدعيه إلى بستانه مع ولده تغري برمش المذكور، فلما التقيا تغافل كل منهما عن معرفة الآخر وقال الكافل للقضاة: إلى هنا تلقوني على طريق العتب، فقال القاضي الحنفي له: خالكم نور الدين محمود أخبرنا أنكم متأخرون عن هذا الوقت، فأنف من ذكر خاله وقال: اليوم يوم بارد، فأحجم الحنفي عن مكالمته. ثم إنه نزل على عين المباركة ودخل حلب بكرة بحشمة زائدة فباشر حلب بعقل وعفة واستكشف أحوالها بالرجال والمكر وجعل له من كل بيت من بيوت الأمراء من يخبره بأخبارهم، وأرسل إلى بلاد الأعاجم من يستكشف له الأخبار. ثم سافر ومعه الأمراء، ثم قدمت عليه العساكر ثانيا من مصر وهم قرقماش وجانم أخو الأشرف وغيرهم ومعهم كفال البلاد وتوجهوا من حلب ومعهم القاضي معين الدين بن العجمي كاتب سر حلب إلى عين تاب ثم إلى الأبلستين ثم إلى قرب سيواس، ودخل يعني العسكر سيواس وشروا حاجاتهم، وكان قد ساق معه الأعراب والتركمان وابن رمضان والأكراد ببيوتهم ونعمهم، ثم توجهوا من سيواس إلى أقشار (آق شهر) وأخذ قلعتها فهرب نائبها أينق حسن إلى قلعة بلدرش فتوجه المصريون وكافل طرابلس وحماة خلفه وحاصروا القلعة المذكورة اثنين وعشرين يوما وعملوا مكحلة عظيمة ترمي بقنطار حلبي وأكثر، ولما أشرفوا على أخذ القلعة المذكورة فر أينق حسن المذكور منها أيضا فأخذوها، ثم توجه العسكر إلى أرزنكان خلا كافل دمشق وحلب فتحققوا وهم ثمة موت الأشرف، وكان قصد تغري برمش أن يتوجه بهم إلى قلعة النجا لخلاص إسكندر من أخيه وأن يذهب بالعسكر وبالإسكندر إلى بلاد العجم لأخذ ثار الشام من أولاد تمرلنك ولم يمض في ذلك لوفاة السلطان، ورجع العسكر من غير ائتلاف بينهم، فلما قاربوا حلب كتب تغري برمش إلى أهل حلب يأمرهم بمنع العسكر من دخول حلب، فتوجه العساكر إلى بلادهم فأخذ هو في العصيان والخروج عن الطاعة باطنا، ولما وردت خلعته باستقراره بكفالة حلب أراد كاتب السر أن يحلفه على قاعدتهم فقال: لا أحلف بحضرتك، ثم أخذ في
العصيان واستجلاب التركمان وغيرهم فاستشعر السلطان جقمق بذلك فورد المرسوم الشريف بملطفات إلى القلعة وأمراء حلب بالركوب عليه، فلما كان ليلة الجمعة المسفر صباحها عن سلخ شعبان سنة اثنتين وأربعين ركب الأمراء عليه ورموا عليه من القلعة فركب هو أيضا على الأمراء فشتت شملهم، فهرب أمراء حلب منها، فلما أصبح النهار أرسل خلف القضاة، فرحت في خدمة شيخي قاضي القضاة علاء الدين إلى دار العدل ودخلنا إليها من باب عند بيت قرا دمرداش ودخلنا إليه، فإذا الجند عنده وعليهم آلات الحرب والرمي موجود من القلعة وقد تهيأ هو وأهل القلعة للقتال، فدخلنا إليه إلى الشباك فقال لشيخي وبقية القضاة: ما السبب الذي رمى به أهل القلعة عليّ هل ورد مرسوم بذلك؟(3/32)
وقال بعد الكلام على زاويته الآتي ذكرها: واعلم أن تغري ويرمش المذكور كان في خدمة الأشرف برسباي، وكان الأشرف يعتمد عليه في أموره ويشاوره ويعظمه لعقله ودهائه ومكره، فإنه كان ذا رأي سديد، ولما نزل الأشرف إلى آمد بسبب الأمير عثمان سلم إليه تخت مصر فأشار على الأشرف أن لا يجاوز البيرة وأن يرسل جيوشه لمحاصرة آمد، فلم يعمل الأشرف برأيه فما نجح أمره. ثم لما رجع الأشرف إلى القاهرة لم يبرح تغري ورمش من
قلعة الجبل ولم ينزل إلى لقيه، بل لما شاهد الأشرف قد أشرف نزل عن مكانه وقال: هذا المكان الذي سلمته إليّ، فزادت محبة الأشرف له وفوض إليه كفالة حلب ليطالعه بأخبار التتر عوضا عن إينال الجكمي، فدخل تغري برمش حلب وخرج القضاة إلى لقيه على عادتهم. وكان شيخنا المؤرخ (يعني به ابن خطيب الناصرية) يعرفه قديما من مدينة بهسنى لأن شيخنا كان حاكما بها، وكان والد تغري برمش صديقا لشيخنا وكان يستدعيه إلى بستانه مع ولده تغري برمش المذكور، فلما التقيا تغافل كل منهما عن معرفة الآخر وقال الكافل للقضاة: إلى هنا تلقوني على طريق العتب، فقال القاضي الحنفي له: خالكم نور الدين محمود أخبرنا أنكم متأخرون عن هذا الوقت، فأنف من ذكر خاله وقال: اليوم يوم بارد، فأحجم الحنفي عن مكالمته. ثم إنه نزل على عين المباركة ودخل حلب بكرة بحشمة زائدة فباشر حلب بعقل وعفة واستكشف أحوالها بالرجال والمكر وجعل له من كل بيت من بيوت الأمراء من يخبره بأخبارهم، وأرسل إلى بلاد الأعاجم من يستكشف له الأخبار. ثم سافر ومعه الأمراء، ثم قدمت عليه العساكر ثانيا من مصر وهم قرقماش وجانم أخو الأشرف وغيرهم ومعهم كفال البلاد وتوجهوا من حلب ومعهم القاضي معين الدين بن العجمي كاتب سر حلب إلى عين تاب ثم إلى الأبلستين ثم إلى قرب سيواس، ودخل يعني العسكر سيواس وشروا حاجاتهم، وكان قد ساق معه الأعراب والتركمان وابن رمضان والأكراد ببيوتهم ونعمهم، ثم توجهوا من سيواس إلى أقشار (آق شهر) وأخذ قلعتها فهرب نائبها أينق حسن إلى قلعة بلدرش فتوجه المصريون وكافل طرابلس وحماة خلفه وحاصروا القلعة المذكورة اثنين وعشرين يوما وعملوا مكحلة عظيمة ترمي بقنطار حلبي وأكثر، ولما أشرفوا على أخذ القلعة المذكورة فر أينق حسن المذكور منها أيضا فأخذوها، ثم توجه العسكر إلى أرزنكان خلا كافل دمشق وحلب فتحققوا وهم ثمة موت الأشرف، وكان قصد تغري برمش أن يتوجه بهم إلى قلعة النجا لخلاص إسكندر من أخيه وأن يذهب بالعسكر وبالإسكندر إلى بلاد العجم لأخذ ثار الشام من أولاد تمرلنك ولم يمض في ذلك لوفاة السلطان، ورجع العسكر من غير ائتلاف بينهم، فلما قاربوا حلب كتب تغري برمش إلى أهل حلب يأمرهم بمنع العسكر من دخول حلب، فتوجه العساكر إلى بلادهم فأخذ هو في العصيان والخروج عن الطاعة باطنا، ولما وردت خلعته باستقراره بكفالة حلب أراد كاتب السر أن يحلفه على قاعدتهم فقال: لا أحلف بحضرتك، ثم أخذ في
العصيان واستجلاب التركمان وغيرهم فاستشعر السلطان جقمق بذلك فورد المرسوم الشريف بملطفات إلى القلعة وأمراء حلب بالركوب عليه، فلما كان ليلة الجمعة المسفر صباحها عن سلخ شعبان سنة اثنتين وأربعين ركب الأمراء عليه ورموا عليه من القلعة فركب هو أيضا على الأمراء فشتت شملهم، فهرب أمراء حلب منها، فلما أصبح النهار أرسل خلف القضاة، فرحت في خدمة شيخي قاضي القضاة علاء الدين إلى دار العدل ودخلنا إليها من باب عند بيت قرا دمرداش ودخلنا إليه، فإذا الجند عنده وعليهم آلات الحرب والرمي موجود من القلعة وقد تهيأ هو وأهل القلعة للقتال، فدخلنا إليه إلى الشباك فقال لشيخي وبقية القضاة: ما السبب الذي رمى به أهل القلعة عليّ هل ورد مرسوم بذلك؟(3/33)
وقال بعد الكلام على زاويته الآتي ذكرها: واعلم أن تغري ويرمش المذكور كان في خدمة الأشرف برسباي، وكان الأشرف يعتمد عليه في أموره ويشاوره ويعظمه لعقله ودهائه ومكره، فإنه كان ذا رأي سديد، ولما نزل الأشرف إلى آمد بسبب الأمير عثمان سلم إليه تخت مصر فأشار على الأشرف أن لا يجاوز البيرة وأن يرسل جيوشه لمحاصرة آمد، فلم يعمل الأشرف برأيه فما نجح أمره. ثم لما رجع الأشرف إلى القاهرة لم يبرح تغري ورمش من
قلعة الجبل ولم ينزل إلى لقيه، بل لما شاهد الأشرف قد أشرف نزل عن مكانه وقال: هذا المكان الذي سلمته إليّ، فزادت محبة الأشرف له وفوض إليه كفالة حلب ليطالعه بأخبار التتر عوضا عن إينال الجكمي، فدخل تغري برمش حلب وخرج القضاة إلى لقيه على عادتهم. وكان شيخنا المؤرخ (يعني به ابن خطيب الناصرية) يعرفه قديما من مدينة بهسنى لأن شيخنا كان حاكما بها، وكان والد تغري برمش صديقا لشيخنا وكان يستدعيه إلى بستانه مع ولده تغري برمش المذكور، فلما التقيا تغافل كل منهما عن معرفة الآخر وقال الكافل للقضاة: إلى هنا تلقوني على طريق العتب، فقال القاضي الحنفي له: خالكم نور الدين محمود أخبرنا أنكم متأخرون عن هذا الوقت، فأنف من ذكر خاله وقال: اليوم يوم بارد، فأحجم الحنفي عن مكالمته. ثم إنه نزل على عين المباركة ودخل حلب بكرة بحشمة زائدة فباشر حلب بعقل وعفة واستكشف أحوالها بالرجال والمكر وجعل له من كل بيت من بيوت الأمراء من يخبره بأخبارهم، وأرسل إلى بلاد الأعاجم من يستكشف له الأخبار. ثم سافر ومعه الأمراء، ثم قدمت عليه العساكر ثانيا من مصر وهم قرقماش وجانم أخو الأشرف وغيرهم ومعهم كفال البلاد وتوجهوا من حلب ومعهم القاضي معين الدين بن العجمي كاتب سر حلب إلى عين تاب ثم إلى الأبلستين ثم إلى قرب سيواس، ودخل يعني العسكر سيواس وشروا حاجاتهم، وكان قد ساق معه الأعراب والتركمان وابن رمضان والأكراد ببيوتهم ونعمهم، ثم توجهوا من سيواس إلى أقشار (آق شهر) وأخذ قلعتها فهرب نائبها أينق حسن إلى قلعة بلدرش فتوجه المصريون وكافل طرابلس وحماة خلفه وحاصروا القلعة المذكورة اثنين وعشرين يوما وعملوا مكحلة عظيمة ترمي بقنطار حلبي وأكثر، ولما أشرفوا على أخذ القلعة المذكورة فر أينق حسن المذكور منها أيضا فأخذوها، ثم توجه العسكر إلى أرزنكان خلا كافل دمشق وحلب فتحققوا وهم ثمة موت الأشرف، وكان قصد تغري برمش أن يتوجه بهم إلى قلعة النجا لخلاص إسكندر من أخيه وأن يذهب بالعسكر وبالإسكندر إلى بلاد العجم لأخذ ثار الشام من أولاد تمرلنك ولم يمض في ذلك لوفاة السلطان، ورجع العسكر من غير ائتلاف بينهم، فلما قاربوا حلب كتب تغري برمش إلى أهل حلب يأمرهم بمنع العسكر من دخول حلب، فتوجه العساكر إلى بلادهم فأخذ هو في العصيان والخروج عن الطاعة باطنا، ولما وردت خلعته باستقراره بكفالة حلب أراد كاتب السر أن يحلفه على قاعدتهم فقال: لا أحلف بحضرتك، ثم أخذ في
العصيان واستجلاب التركمان وغيرهم فاستشعر السلطان جقمق بذلك فورد المرسوم الشريف بملطفات إلى القلعة وأمراء حلب بالركوب عليه، فلما كان ليلة الجمعة المسفر صباحها عن سلخ شعبان سنة اثنتين وأربعين ركب الأمراء عليه ورموا عليه من القلعة فركب هو أيضا على الأمراء فشتت شملهم، فهرب أمراء حلب منها، فلما أصبح النهار أرسل خلف القضاة، فرحت في خدمة شيخي قاضي القضاة علاء الدين إلى دار العدل ودخلنا إليها من باب عند بيت قرا دمرداش ودخلنا إليه، فإذا الجند عنده وعليهم آلات الحرب والرمي موجود من القلعة وقد تهيأ هو وأهل القلعة للقتال، فدخلنا إليه إلى الشباك فقال لشيخي وبقية القضاة: ما السبب الذي رمى به أهل القلعة عليّ هل ورد مرسوم بذلك؟
وما الذي ظهر مني؟ وأمرهم بالصعود للسؤال عن حقيقة ذلك، فخرج القضاة إلى القلعة وخرجت معهم، فلما خرجنا من دار العدل وقاربنا القلعة رأيت شيئا هالني فرجعت أنا فصعد القضاة إلى القلعة فأظهر أهل القلعة المرسوم الشريف بالرمي عليه فنزل القضاة، فلما نزلوا قدم أهل القلعة على إطلاقهم وقالوا: هلا أمسكتموهم وأمرتموهم أن يصعدوا على برج القلعة، وأمروا العامة بإخراجه من البلد، فلما نزل القضاة إلى دار العدل وأخبروه بذلك بلغني أنهم شاوروه على الخطبة فقال: اخطبوا باسم السلطان وكذلك على رأسه بجامع الناصري بدار العدل، ثم جد في الرمي على القلعة وعلى حصارها ثم أخرجه العامة من حلب في عاشر رمضان يوم الثلاثاء ورجموه وخرج خروجا فاحشا وأمسكت مماليكه وأخذ ما كان معهم من المال، فخرج من باب أنطاكية وذهب الى طرابلس فملكها يوم الخميس تاسع عشر رمضان وأقام بها إلى آخر رمضان، فخرج منها بعد أن صادر أهلها فأمر أن يؤخذ من كل صاحب فسخة من الصابون على قدر موجوده فخص كل فسخة ألف درهم، وأما صابون الأمراء وأركان الدولة فإنه أخذه عن آخره، وقصد حصار برج إيتمش ليأخذ ما به من زردخانة جلبان، وأرسل القضاة الأربعة ومعهم ناصر الدين محمد الحلبي من جماعته إلى من بالبرج ليسلموا ما فيه من الزردخاناه فما أجابوا، وأمسكوا ناصر الدين وأرسلوه إلى السلطان، وأما تغري برمش فلما أخبره القضاة بالخبر همّ بحصار البروج وشرع في خراب بيت الأمير محمد ناظر البرج وأخذ أربعة قدور نحاس من معصرته ومصبنته ليصنع مكاحل ليرمي على البرج، فتوجه أهل البرج إلى الرملة.
ثم رجع إلى حلب ومعه الجم الغفير من التركمان والعرب فحاصر حلب وألح في
حصارها وذلك عند باب النيرب، وكان الناس يخرجون لقتاله ظاهر البلد فلما كان يوم الجمعة انكسر بعض الناس منه فأمسك جماعة من أهل حلب وقطع أيديهم فدخلوا إلى البلدة ورأى الناس أيديهم فجد الناس عند ذلك في دفعه عن حلب فرحل عن باب النيرب ثم حاصرها من باب الفرج وباب الجنان.(3/34)
ثم رجع إلى حلب ومعه الجم الغفير من التركمان والعرب فحاصر حلب وألح في
حصارها وذلك عند باب النيرب، وكان الناس يخرجون لقتاله ظاهر البلد فلما كان يوم الجمعة انكسر بعض الناس منه فأمسك جماعة من أهل حلب وقطع أيديهم فدخلوا إلى البلدة ورأى الناس أيديهم فجد الناس عند ذلك في دفعه عن حلب فرحل عن باب النيرب ثم حاصرها من باب الفرج وباب الجنان.
وفي يوم الجمعة أحضر السلالم إلى مسجد التوبة بباب الفرج وأراد أن يزحف من هناك، فسمع أن كافل دمشق الجكمي انكسر من العسكر المصريين وأمسك فترك الزحف فصاح الناس عليه من فوق السور وقويت قلوبهم فرجع متوجها إلى لقي العسكر المصري إلى جهة حماة، فلقيهم بالقرب من حماة فصاففهم هناك فانكسر وهرب إلى جهة ابن صوجي إلى جبل الأقرع، فأمسكه ثم دخلوا به حلب راكبا على بغلة وخلفه شخص في يده خنجر وفي يده صولجان يلعب به، فأسمعه الناس ما يكره وأصعدوه إلى القلعة وأودعوه السجن في قيد ثقيل فقال: بقي بيني وبين القتل مسافة الطريق. وأرسل شخص إلى القاهرة إلى السلطان يخبره بذلك. ثم ورد المرسوم الشريف بقتله فأنزلوه من السجن وعصروه بين أبواب القلعة ليقر على المال فلم يعترف، فأحضروه إلى باب القلعة وقدموه لضرب الرقبة فنادى عليه الجلاد: هذا جزاء من خرج عن الطاعة، فقال هو: قل هذا جزاء من لم يرع نعمة الله، وأخذوا جثته ودفنوها في حانوت من وقف مدرسته وجعل له باب صغير إلى مدرسته انتهى.
زيادة بيان في أخبار تغري برمش وعصيانه وقتله: قال في المنهل الصافي: لما نقل تغري برمش لنيابة حلب باشر أمورها على أتم وجه وأحسنه وأجمل طريقة ومهد بلادها وعظم في الأعين، وتجرد إلى أبلستين غير مرة في طلب الأمير جانبك الصوفي (1) إلى أن وصل إليه جماعة من أمراء الديار المصرية نجدة إلى مقصده
__________
(1) جانبك الصوفي من الأمراء المصريين، وكان قد حبس في الإسكندرية لأمور يطول شرحها بسطها في المنهل الصافي في ترجمته ثم فرّ من حبسها وتطلبه الأمراء المصريون مدة طلبا حثيثا، وبعد سنين ظهر أنه توجه إلى بلاد الشرق سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ونزل عند الأمير ناصر الدين بك محمد بن دلغادر، ولما تحقق الملك الأشرف هذا الخبر أرسل إلى ناصر الدين بك يطلب تسليمه فامتنع فتأكدت الوحشة بينهما فجهز إليه جيشا بقيادة الأمير جقمق العلائي الذي صار سلطانا بعد ذلك، ولما وصلت العساكر إلى حلب خرج معهم نائبها الأمير تغري برمش بعساكر حلب وجموع التركمان وذلك في سنة 840.(3/35)
فتوجه به إلى مدينة أرزنكان وغيرها، ثم عاد الجميع نحو مدينة حلب، فبلغ تغري برمش المذكور موت الملك الأشرف برسباي وسلطنة ولده الملك العزيز يوسف، فاستوحش حينئذ من العساكر المصرية وصار بمعزل عنهم وتخلف بعدهم بعين تاب ولم يدخل حلب، ولما وصلت الأمراء إلى حلب أرسلوا إليه قاني باي الحمزاوي نائب حماة والأمير تمراز القرمشي إلى عينتاب لإحضاره فأبى عن الحضور إلا بعد خروجهم منها، فعاد إلى حلب بهذا الخبر، ثم عاد العسكر كل إلى مكانه في أواخر شهر المحرم سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
وبلغ الخبر تغري برمش فركب من عينتاب ودخل حلب ودام في نيابته إلى شهر ربيع الآخر من السنة ورد عليه الخبر بخلع الملك العزيز وسلطنة الملك الظاهر جقمق، ثم قدم على الخاصكي بخلعة الاستمرار فلبسها وقبل الأرض وحلف للملك الظاهر جقمق، ثم شرع بعد ذلك يتعاطى أسباب العصيان في الباطن ويكاتب العربان والتركمان واستمر على ذلك إلى شهر شعبان من السنة بدا لأمراء حلب الركوب عليه خوفا منه على أنفسهم، فركبوا عليه وقاتلوه بالبيّاضة من حلب فكسر أمراء حلب وانهزم كل واحد منهم إلى جهة. ثم أخذ تغري برمش في حصار قلعة حلب واستفحل أمره، ثم وقع بينه وبين أهل حلب وحشة، وركبوا عليه وقاتلوه ورموا عليه من القلعة فلم يسعه إلا الفرار من حلب وخروجه جريدة من دار السعادة من غير أن يصحب معه شيئا من خيله وقماشه، وخرج ومعه نحومائة فارس من باب السر قاصدا باب أنطاكية فتبعه العوام ورموا عليه وعلى أصحابه، ثم نهبت العوام ماله بدار السعادة وغيرها فأخذ له مال لا يحصى كثرة، وتوجه تغري برمش بمن معه إلى الميدان ثم إلى خان طومان، ثم توجه إلى سقلسيز التركماني نائب شيراز لائذا به فوافقه ابن سقلسيز على العصيان فاستفحل به أمره واجتمع عليه خلق من التركمان وغيرهم، ثم توجه ومعه ابن سقلسيز إلى طرابلس وطرقها ففر منها نائبها الأمير جلبان من غير قتال واستولى تغري برمش هذا على جميع برك جلبان وذلك في رمضان من السنة.
ثم خرج عن طرابلس وصار يتنقل من مكان إلى آخر ويأخذ ما ظفر به من أموال الناس إلى أن عاد إلى حلب في عشرين شوال، فاستعد أهل حلب لقتاله فقاتلهم ودام القتال بينهم عدة أيام إلى أن خرج إليه من أمراء حلب جماعة ومعهم عدة من العوام ظاهر حلب وقاتلوه قتالا شديدا استظهر فيه أمراء حلب ومسكوا بعض أمراء التركمان وقتلوا منهم جماعة، ثم حمل تغري برمش على أهل حلب فهزمهم وقبض على جماعة منهم ممن بقي
خارج البلد وقطع أيديهم فنفرت القلوب منه وقويت العداوة بينهم ودام ذلك إلى شهر ذي القعدة من السنة المذكورة ورد عليه الخبر بقدوم العساكر السلطانية إلى حلب وبالقبض على الأمير إينال الجكمي نائب دمشق فتهيا لقتالهم وسار إلى جهة حماة ونزل بالقرب منها إلى يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة، نزل العسكر السلطاني في ظاهر حماة من جهة الشمال وبات تغري برمش من جهة الغرب على عزم القتال، فلما أصبح نهار الجمعة سابع عشره ركب العسكر السلطاني وركب تغري برمش بمن معه والتقى الجمعان ولم يثبت تغري برمش وانهزم من غير قتال، وتوجه في أناس قلائل إلى جهة أنطاكية ونهب جميع ما كان معه وتوجه معه ابن سقلسيز، فلما وصلوا إلى الدربند خرج عليهم فلاحو تلك القرى مع من انضم إليهم وقاتلوهم فانكسر تغري برمش وأمسك معه ابن سقلسيز أيضا، فورد الخبر على العسكر المصري بذلك فخرج منهم جماعة إليهم وأمسكوهما وقيدوهما وجاؤوا بهما إلى حلب فحبسا بقلعتها فكان يوم قدومهم إلى حلب من الأيام المشهودة.(3/36)
ثم خرج عن طرابلس وصار يتنقل من مكان إلى آخر ويأخذ ما ظفر به من أموال الناس إلى أن عاد إلى حلب في عشرين شوال، فاستعد أهل حلب لقتاله فقاتلهم ودام القتال بينهم عدة أيام إلى أن خرج إليه من أمراء حلب جماعة ومعهم عدة من العوام ظاهر حلب وقاتلوه قتالا شديدا استظهر فيه أمراء حلب ومسكوا بعض أمراء التركمان وقتلوا منهم جماعة، ثم حمل تغري برمش على أهل حلب فهزمهم وقبض على جماعة منهم ممن بقي
خارج البلد وقطع أيديهم فنفرت القلوب منه وقويت العداوة بينهم ودام ذلك إلى شهر ذي القعدة من السنة المذكورة ورد عليه الخبر بقدوم العساكر السلطانية إلى حلب وبالقبض على الأمير إينال الجكمي نائب دمشق فتهيا لقتالهم وسار إلى جهة حماة ونزل بالقرب منها إلى يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة، نزل العسكر السلطاني في ظاهر حماة من جهة الشمال وبات تغري برمش من جهة الغرب على عزم القتال، فلما أصبح نهار الجمعة سابع عشره ركب العسكر السلطاني وركب تغري برمش بمن معه والتقى الجمعان ولم يثبت تغري برمش وانهزم من غير قتال، وتوجه في أناس قلائل إلى جهة أنطاكية ونهب جميع ما كان معه وتوجه معه ابن سقلسيز، فلما وصلوا إلى الدربند خرج عليهم فلاحو تلك القرى مع من انضم إليهم وقاتلوهم فانكسر تغري برمش وأمسك معه ابن سقلسيز أيضا، فورد الخبر على العسكر المصري بذلك فخرج منهم جماعة إليهم وأمسكوهما وقيدوهما وجاؤوا بهما إلى حلب فحبسا بقلعتها فكان يوم قدومهم إلى حلب من الأيام المشهودة.
واستمر تغري برمش وابن سقلسيز في حبس قلعة حلب حتى ورد الخبر بقتلهما فقتلا في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بعد أن سمّرا وضربت رقبة تغري برمش هذا تحت قلعة حلب.
وكان تغري برمش أميرا جليلا عارفا سيوسا ذا رأي وتدبير ودهاء ومكر مع ذكاء مفرط وفطنة، وكان رجلا طوالا أسود اللحية مليح الوجه فصيح اللسان باللغة التركية عارفا بأمور الدنيا وجمع المال، وله قدرة على مداخلة الملوك، وكان جاهلا بسائر العلوم حتى لعله لم يحفظ مسألة في دينه بل كانت جميع حواسه مجموعة على أمر دنياه، وكان جبانا بخيلا بالبر والصدقة كريما على مماليكه متجملا في مركبه وملبسه ومأكله، وكان حريصا جبارا يميل إلى الظلم والعسف، ولقد أخرب في حروبه هذه عدة قرى من أعمال حلب وما حولها وقتل من أهلها جماعة، لا جرم أن الله عامله وجازاه من جنس أعماله {وَمََا رَبُّكَ بِظَلََّامٍ لِلْعَبِيدِ}
آثاره في حلب:
قال في كنوز الذهب: (زاوية تغري ورمش) تحت القلعة بالقرب من جامع دمرداش أنشأها تغري ورمش كافل حلب وكانت أولا سوقا للخيل بلا بناء فاشترى أرضها من بيت المال وأسسها في سنة أربعين وتمت في سنة إحدى وأربعين وجعل لها وقفا على بابها وبحضرتها
وحصصا من قرى وجعل لها سماطا ومجاورين وشيخا بايزيديا آفاقيا عزبا، وجعل لها قارئا يقرأ البخاري وشرط أن يكون حنفيا، وجعل فوقها مكتبا للأيتام، واتخذ بها مدفنا فخرج إلى الموكب، فلما رجع سمع قراءة بالمدفن فقال: ما هذا؟ فقال: يقرؤون القرآن للواقف، فقال: إنما جعلت هذا المكان سقاية للماء. وأما بوابتها فكانت بوابة بدار العدل فنقلها إلى هذه الزاوية، وأما الحوض الذي بحضرة شبابيكها فكان السلطان المؤيد قد أحضره لما أراد إعادة السور على عادته القديمة ليجعله عتبة باب عند ساحة بزا، فلما لم يتفق ذلك ألقيت هناك فأحضرها تغري برمش وجعلها حوضا، وهذه الزاوية لطيفة محكمة بالحجر المنحوت وفرش من الرخام الأصفر وغيره وإلى جانبها مطبخ يطبخ به للفقراء ومرتفق يأتي إليه الماء من دولاب على القناة، وجعل النظر فيها لمن تولى نيابة السلطنة بقلعة حلب، فكأنه والله أعلم استشعر من نفسه الخروج عن الطاعة عند موت الأشرف فخاف أن يهدمها أهل القلعة وجعل عمالتها للرئيس ضياء الدين ابن النصيبي لأنه هو الذي تولى عمارتها وكان صديقا له انتهى.(3/37)
قال في كنوز الذهب: (زاوية تغري ورمش) تحت القلعة بالقرب من جامع دمرداش أنشأها تغري ورمش كافل حلب وكانت أولا سوقا للخيل بلا بناء فاشترى أرضها من بيت المال وأسسها في سنة أربعين وتمت في سنة إحدى وأربعين وجعل لها وقفا على بابها وبحضرتها
وحصصا من قرى وجعل لها سماطا ومجاورين وشيخا بايزيديا آفاقيا عزبا، وجعل لها قارئا يقرأ البخاري وشرط أن يكون حنفيا، وجعل فوقها مكتبا للأيتام، واتخذ بها مدفنا فخرج إلى الموكب، فلما رجع سمع قراءة بالمدفن فقال: ما هذا؟ فقال: يقرؤون القرآن للواقف، فقال: إنما جعلت هذا المكان سقاية للماء. وأما بوابتها فكانت بوابة بدار العدل فنقلها إلى هذه الزاوية، وأما الحوض الذي بحضرة شبابيكها فكان السلطان المؤيد قد أحضره لما أراد إعادة السور على عادته القديمة ليجعله عتبة باب عند ساحة بزا، فلما لم يتفق ذلك ألقيت هناك فأحضرها تغري برمش وجعلها حوضا، وهذه الزاوية لطيفة محكمة بالحجر المنحوت وفرش من الرخام الأصفر وغيره وإلى جانبها مطبخ يطبخ به للفقراء ومرتفق يأتي إليه الماء من دولاب على القناة، وجعل النظر فيها لمن تولى نيابة السلطنة بقلعة حلب، فكأنه والله أعلم استشعر من نفسه الخروج عن الطاعة عند موت الأشرف فخاف أن يهدمها أهل القلعة وجعل عمالتها للرئيس ضياء الدين ابن النصيبي لأنه هو الذي تولى عمارتها وكان صديقا له انتهى.
أقول: دثرت هذه الزاوية ولم يبق لها ولا لأوقافها أثر. وأخبرني بعض أهل المحلة نقلا عن بعض شيوخها أنها خربت في الزلزلة التي حصلت سنة 1237وأن محلها أمام جامع الأطروش تبعد عنه إلى جهة الشمال قليلا والله أعلم.
سنة 843 تولية حلب لجلبان ثم لقانباي الحمزاوي
قال أبو ذر في كنوز الذهب: وفيها تقرر جلبان نائب طرابلس في كفالة حلب عوضا عن تغري ورمش وذلك رابع عشر ربيع الآخر وأجرى النهر واجتهد فيه، ثم استقر قانباي الحمزاوي في كفالتها بحكم انتقال جلبان إلى دمشق، وجلبان أجرى النهر وعزل طريقه وسد عوراته وصرف على ذلك مال كثير من أموال أرباب الأملاك.
ترجمة جلبان:
قال في المنهل الصافي: جلبان بن عبد الله المعروف بأمير ياخور الأمير سيف الدين نائب الشام، اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ لما كان أميرا ودام عنده حتى طرق الملك
المؤيد الديار المصرية في غيبة الملك الناصر فرج بالبلاد الشامية وحاصر قلعة الجبل بمن معه من الأمراء، ثم انكسر المؤيد وأصحابه وانهزموا إلى جهة باب القرافة تقنطر المؤيد عن فرسه فلحقه جلبان هذا بالجنيب فعرفها له المؤيد لما تسلطن ورقاه حتى جعله أمير طبلخاناه وأمير أخور ثاني ثم مقدم ألف بالديار المصرية، ثم نقله إلى نيابة حماة في شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة عوضا من الأمير جارقطلو بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، ثم نقل منها إلى نيابة طرابلس في سنة سبع وثلاثين، ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة حلب في شوال سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بعد عصيان تغري برمش نائب حلب فدام في نيابة حلب إلى أن نقل إلى نيابة الشام في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير دولة باي المحمودي المؤيدي، وهو منذ ولي نيابة حماة إلى يومنا هذا أعني من سنة ست وعشرين ينتقل من نيابة إلى أخرى لم يعزل فيها عن عمل إلا عندما ينقل إلى عمل أعلى منه، وهذا أيضا لم نعلمه وقع لأحد من أهل الدولة الكثير مع أنه لا فارس الخيل ولا وجه العرب وإن كان يعرف فنون الملاعيب وركوب الخيل، لكنه لم يشهر بشجاعة ولا إقدام غير أنه عارف بالسياسة وجمع المال وإنفاقه إلى ذخائر الملوك ولذلك طالت أيامه اه ملخصا.(3/38)
قال في المنهل الصافي: جلبان بن عبد الله المعروف بأمير ياخور الأمير سيف الدين نائب الشام، اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ لما كان أميرا ودام عنده حتى طرق الملك
المؤيد الديار المصرية في غيبة الملك الناصر فرج بالبلاد الشامية وحاصر قلعة الجبل بمن معه من الأمراء، ثم انكسر المؤيد وأصحابه وانهزموا إلى جهة باب القرافة تقنطر المؤيد عن فرسه فلحقه جلبان هذا بالجنيب فعرفها له المؤيد لما تسلطن ورقاه حتى جعله أمير طبلخاناه وأمير أخور ثاني ثم مقدم ألف بالديار المصرية، ثم نقله إلى نيابة حماة في شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة عوضا من الأمير جارقطلو بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، ثم نقل منها إلى نيابة طرابلس في سنة سبع وثلاثين، ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة حلب في شوال سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بعد عصيان تغري برمش نائب حلب فدام في نيابة حلب إلى أن نقل إلى نيابة الشام في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير دولة باي المحمودي المؤيدي، وهو منذ ولي نيابة حماة إلى يومنا هذا أعني من سنة ست وعشرين ينتقل من نيابة إلى أخرى لم يعزل فيها عن عمل إلا عندما ينقل إلى عمل أعلى منه، وهذا أيضا لم نعلمه وقع لأحد من أهل الدولة الكثير مع أنه لا فارس الخيل ولا وجه العرب وإن كان يعرف فنون الملاعيب وركوب الخيل، لكنه لم يشهر بشجاعة ولا إقدام غير أنه عارف بالسياسة وجمع المال وإنفاقه إلى ذخائر الملوك ولذلك طالت أيامه اه ملخصا.
سنة 847
قال أبو ذر: في شهر ذي الحجة ورد المرسوم الشريف من الظاهر جقمق إلى أبي الفضل بن الشحنة وهو كاتب السر والقاضي الحنفي وناظر الجوالي بحلب أن يصرف لنائب سيس مبلغ ألفي دينار ليبني بسيس جامعا من مال الجوالي، فأعطاه ذلك وبنى بسيس جامعا لطيفا.
سنة 849 عزل قاني بك الحمزاوي وتوليه حلب لقاني بك البهلوان
قال في تحف الأنباء: وفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة قدم قاني بك الحمزاوي إلى مصر معزولا من نيابة حلب وكان أشيع عنه المخامرة والعصيان وقرر في نيابتها تغري بردي الجركسي اه.
أقول: هذا سهو منه، والذي تعين بعده في هذه السنة قاني بك البهلوان كما سيأتيك في ترجمته.(3/39)
سنة 851
قال في كنوز الذهب: في المحرم من هذه السنة تقاتل نائب البيرة علان وجاه نكير ابن قرايلوك، ودخل علان إلى البيرة فدخل خلفه عسكر المذكور ونهبوا حارة منها وأخذوا أموالها وسبوا حريمها، وأعقب ذلك دخول الطاعون البيرة فاستمر إلى آخر السنة، وكان السلطان قد أعطى جاه نكير قلعة جعبر فأرسل جاه نكير إلى السلطان يعتذر عما وقع ووعد بتسليم قلعة جعبر.
وفاة الكافل قاني بك البهلوان وآثاره قال: وفيه اعترى الكافل مرض بطل منه نصفه فصار لا يقدر على المشي، ثم تزايد مرضه فاستدعى زين الدين بن الخرزي من حماة للمداواة فحضر إلى حلب فقال: هذا ميت لا محالة، فتمادى به المرض واشتد إلى أن توفي سادس ربيع الأول فأصبح الناس وأغلقوا الأسواق وحضروا جنازته ودفن خارج باب المقام مقابل تربة موسى الحاجب، وكان يوما مشهودا وبكى الناس وترحموا عليه.
وكان شجاعا بطلا يكرم العلماء ويعظمهم ويقرأ البخاري عنده ويحضر وينظر إلى الفضلاء بعين الإكرام، وكان أميرا كبيرا أولا بحلب وولي نيابة ملطية وصفد وحماة ومنها انتقل إلى حلب، وبنى حماما خارج باب النصر فقال لي يوما: إنما بنيت هذا الحمام لتطمئن قلوب الناس فإنه أشيع أن ابن تيمور شاه روخ يجيء إلى الشام.
تولية حلب لبرسباي ثم لتنم
قال: في مستهل جمادى الأولى دخل برسباي كافل طرابلس إلى حلب نائبا عوضا عن البهلوان.
وكان برسباي عبدا صالحا دينا خيرا لم يقطع يد أحد بحلب ولا قتل أحدا وحماها وبلادها، ولما قدم من طرابلس طلبني من شيخنا أبي الفضل بن الشحنة لقراءة صحيح البخاري، وذلك لأنه لما كان بطرابلس كان يقرأ عنده تقي الدين بن الصدر الحنبلي قاضي طرابلس، فلما عزل حثه على أنني أقرأ عنده فأكرمني شيخنا بالقراءة عنده فأحبني حبا
زائدا، وإذا مر حديث يعرفه لكثرة ما قرىء عنده بطرابلس، ثم سافر إلى جهة البيرة لأجل مجيء جاه نكير بن قرايلوك إليها وكبسها وأخذ منها مالا وأمرني بالقراءة في غيبته، فلما قدم حلب بلغه خبر العزل. ثم إنه في آخر شعبان صرع فدخلت إليه فرأيت عقله مختلا فقال لي: تمم البخاري بالجامع فإني عزلت. وضربت الحوطة السلطانية على حواصله فلم يحصل على شيء، وسافروا به من حلب سلخ شعبان إلى دمشق فمات قبل وصوله إلى سراقب، فلما وصل جماعته، إلى المعرة وصل تنم (نائب حلب) إليها فكان هذا يدق بشائره وهذا النائحة قائمة عليه والصياح في وطاقه، فسبحان من لا يزول ملكه. وبنى برسباي جامعا بدمشق وبرجا على البحر بطرابلس ولم يأخذ من خمارة حلب شيئا.(3/40)
وكان برسباي عبدا صالحا دينا خيرا لم يقطع يد أحد بحلب ولا قتل أحدا وحماها وبلادها، ولما قدم من طرابلس طلبني من شيخنا أبي الفضل بن الشحنة لقراءة صحيح البخاري، وذلك لأنه لما كان بطرابلس كان يقرأ عنده تقي الدين بن الصدر الحنبلي قاضي طرابلس، فلما عزل حثه على أنني أقرأ عنده فأكرمني شيخنا بالقراءة عنده فأحبني حبا
زائدا، وإذا مر حديث يعرفه لكثرة ما قرىء عنده بطرابلس، ثم سافر إلى جهة البيرة لأجل مجيء جاه نكير بن قرايلوك إليها وكبسها وأخذ منها مالا وأمرني بالقراءة في غيبته، فلما قدم حلب بلغه خبر العزل. ثم إنه في آخر شعبان صرع فدخلت إليه فرأيت عقله مختلا فقال لي: تمم البخاري بالجامع فإني عزلت. وضربت الحوطة السلطانية على حواصله فلم يحصل على شيء، وسافروا به من حلب سلخ شعبان إلى دمشق فمات قبل وصوله إلى سراقب، فلما وصل جماعته، إلى المعرة وصل تنم (نائب حلب) إليها فكان هذا يدق بشائره وهذا النائحة قائمة عليه والصياح في وطاقه، فسبحان من لا يزول ملكه. وبنى برسباي جامعا بدمشق وبرجا على البحر بطرابلس ولم يأخذ من خمارة حلب شيئا.
سنة 852
قال أبو ذر: في أولها ولدت امرأة بقرية بنجارة من عمل سرمين لها جسد واحد وعنق واحدة وعلى العنق رأسان من جهة واحدة في كل رأس وجه في كل وجه عينان وفم وأنف وأذنان، فإذا بكت بكت من المكانين وعاشت يوما واحدا.
وفي المحرم حضر جماعة من أهل أعزاز وصحبتهم الخطيب وشكوا إلى الكافل تنم بأنهم ظلموا فضربهم وأراد إشهارهم في البلد فخلصهم العامة فوقع بسبب ذلك فتنة بين الكافل والعامة، ورمى جماعة من مماليك الكافل على العامة بالنشاب فجرح جماعة وقتل بعض، ثم دخل الأمير الكبير والحاجب ودوادار السلطان ونائب القلعة بينهم وسكنت الفتنة.
وفي منتصف ربيع الأول طفا السمك الذي بخندق قلعة حلب ودام الطاعون، وكان الطاعون خارج البلدة أكثر لا سيما بالكلّاسة وبانقوسا وصار الناس يبيتون على النعوش وعمل الناس نعوشا، وتكلم في عدد الموتى فمقل ومكثر، والصحيح أنه خرج من باب المقام دون الستين وفوق الخمسين نفسا، وحصلت رائحة كريهة في بعض القرى لكثرة الموتى.
ذكر عزل تنم وتولية حلب لقاني بك الحمزاوي
قال أبو ذر: وفي العشر الثاني من جمادى الآخرة صرف تنم عن كفالة حلب بالحمزاوي، وكان تنم كثير الطمع في أموال الرعية وصادر أهل الباب ومن حولها من القرى
عند ذهابه إليها، وكثر قطاع الطرق في أيامه وصارت العرب من زعب يأتون إلى القرى ويأخذون الغفر، حتى لقد رأيت فلاحا يزرع بقرية بارت التي للأشراف وضع بيدره عند مقام الأنصاري فجاء العرب إليه يطلبون الغفر على بيدره، وأحدث خفراء عند خان طومان يغفرون القوافل إلى سرمين وذلك لعجزه عن ضبط المملكة، وعاتب شخصا من أكابر أهل عين تاب بالصفع وأدخله السجن فمات بالسجن من الصفع.(3/41)
قال أبو ذر: وفي العشر الثاني من جمادى الآخرة صرف تنم عن كفالة حلب بالحمزاوي، وكان تنم كثير الطمع في أموال الرعية وصادر أهل الباب ومن حولها من القرى
عند ذهابه إليها، وكثر قطاع الطرق في أيامه وصارت العرب من زعب يأتون إلى القرى ويأخذون الغفر، حتى لقد رأيت فلاحا يزرع بقرية بارت التي للأشراف وضع بيدره عند مقام الأنصاري فجاء العرب إليه يطلبون الغفر على بيدره، وأحدث خفراء عند خان طومان يغفرون القوافل إلى سرمين وذلك لعجزه عن ضبط المملكة، وعاتب شخصا من أكابر أهل عين تاب بالصفع وأدخله السجن فمات بالسجن من الصفع.
ترجمة تنم المؤيدي:
قال في المنهل الصافي: تنم بن عبد الله بن عبد الرزاق الأمير سيف الدين من مماليك الملك المؤيد شيخ وممن صار في أيامه خازندارا صغيرا، ودام على ذلك مدة يسيرة إلى أن نقله الملك الأشرف إلى وظيفة رأس نوبة الجمدارية. (ثم قال):
وفي سنة إحدى وخمسين وثمانمائة خلع عليه بنيابة حماة بعد توجه الأمير يشبك الصوفي إلى نيابة طرابلس وذلك في شهر ربيع الأول، فتوجه الأمير تنم إلى حماة وأقام بها إلى شهر رجب من السنة برز المرسوم الشريف بانتقاله إلى نيابة حلب عوضا عن الأمير برسباي الناصري بحكم مرضه، فتوجه إليها وباشر نيابتها مدة يسيرة ووقع بينه وبين أهلها وحشة وكثر الكلام في حقه إلى أن عزل عن نيابة حلب بنائبها قديما الأمير قاني بك الحمزاوي، وطلب إلى القاهرة فقدمها في مستهل شهر شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة فأخلع السلطان عليه وأنعم عليه بفرس بقماش ذهب وأجلسه تحت أمير مجلس فوق بقية الأمراء، وفي سنة 853في صفر نقله إلى إمرة مجلس.
ولم يذكر صاحب المنهل تنقلاته بعد ذلك ولا تاريخ وفاته ولعلها تأخرت عن وفاة المؤلف.
سنة 853 الكلام على سقف الجامع الأعظم وجداريه القبلي والشمالي وما حصل بهما في زمن قاني بك
قال في كنوز الذهب: وأما سقفه فكان جملونا كجامع دمشق، وكان بحائط المحراب وحائط الصحن قماري ومناظر وآثارها باقية إلى الآن، فلما احترق الجامع في أيام
التتار بنى ابن صقر القبو فغوش عليه كافل حلب وقال له: إنما بنيت إصطبلا. فلما كانت دولة الظاهر جقمق وكافل حلب إذ ذاك قاني بك الحمزاوي وملاك أمر حلب بيد زين الدين عمر سبط ابن السفاح اختلفت أقاويل المهندسين ورأسهم علي ابن الرحال وكان ماهرا في صنعته حينئذ وآراؤهم في أمر الحائط الذي فيه أبواب القبلية وهو نهاية في الجودة والترصيف وجودة النحت وثقل الآلة وحسن التركيب والترتيب وكثرة ما فيه من الكوى طلبا للمكنة والخفة، وليس بحلب حائط مثله إذ مال أوسطه وخرج عن الميزان ميلا فاحشا، وكانوا قد زانوه وظهر لهم ذلك، وعلى رأس الباب المذكور نسر مبني بالحجارة الهرقلية وعليه رفرف جدده قصروه كافل حلب وأعانه عليه شيخنا المؤرخ (ابن الخطيب). وظهر تشقق وانفساخ في القبو الملاصق للحائط، وكان الناس في صلاة الجمعة والخطيب على المنبر انهار تراب من الشقوق ففزع الناس وخرجوا من القبلية، حتى إني كنت أصلي فيها فخيل لي أن الحائط قد سقط على الناس من شدة الفزع، فحضر كافل حلب قانيباي الحمزاوي ومعه ابن السفاح ورؤساء البلد والمهندسون والبناؤون ومنهم الحاج محمد شقير وكان عالما بصنعته وفيه ديانة، فاضطربوا أيضا واختلفت أقوالهم، فبعضهم أشار بنقض الحائط وقال: أخاف إن وقع وقوع المنارة (1) وبعضهم أشار بحفر حفر في صحن الجامع ليكشف عن أساس الجامع وينظر في حاله وقال: إنما أتي (2) من قبل الماء المجتمع في المصنع الذي بصحن الجامع، فحفروا الحفاير فوجدوا الحائط مبنيا على قناطر فقال بعضهم: إن الذي بناه على أساسه القديم ولم يصل به إلى الجبل، وقال بعضهم: بل هذا طلب للمكنة. وأخذوا في نزح الماء من المصنع وتفرق النايب والناس عن غير طائل. قال لي ابن الرحال: بينا أنا في صحن الجامع إذ أنا بشخص يتكلم بين الناس ويقول: الرأي أن ينقض النسر الذي على الباب وأن ينقض القبو المتقطع ويترك الحائط على حاله، ولم أعرف الرجل فتدبرت كلامه فوقع في قلبي أنه الصواب فأشرت بذلك فأخذوا في نقض القبو الملاصق للحائط، وكان الرأي أن ينقض قليلا قليلا فزادوا في النقض فتقطع بقية القبو، ولو علم الكافل بذلك لقتل ابن(3/42)
قال في كنوز الذهب: وأما سقفه فكان جملونا كجامع دمشق، وكان بحائط المحراب وحائط الصحن قماري ومناظر وآثارها باقية إلى الآن، فلما احترق الجامع في أيام
التتار بنى ابن صقر القبو فغوش عليه كافل حلب وقال له: إنما بنيت إصطبلا. فلما كانت دولة الظاهر جقمق وكافل حلب إذ ذاك قاني بك الحمزاوي وملاك أمر حلب بيد زين الدين عمر سبط ابن السفاح اختلفت أقاويل المهندسين ورأسهم علي ابن الرحال وكان ماهرا في صنعته حينئذ وآراؤهم في أمر الحائط الذي فيه أبواب القبلية وهو نهاية في الجودة والترصيف وجودة النحت وثقل الآلة وحسن التركيب والترتيب وكثرة ما فيه من الكوى طلبا للمكنة والخفة، وليس بحلب حائط مثله إذ مال أوسطه وخرج عن الميزان ميلا فاحشا، وكانوا قد زانوه وظهر لهم ذلك، وعلى رأس الباب المذكور نسر مبني بالحجارة الهرقلية وعليه رفرف جدده قصروه كافل حلب وأعانه عليه شيخنا المؤرخ (ابن الخطيب). وظهر تشقق وانفساخ في القبو الملاصق للحائط، وكان الناس في صلاة الجمعة والخطيب على المنبر انهار تراب من الشقوق ففزع الناس وخرجوا من القبلية، حتى إني كنت أصلي فيها فخيل لي أن الحائط قد سقط على الناس من شدة الفزع، فحضر كافل حلب قانيباي الحمزاوي ومعه ابن السفاح ورؤساء البلد والمهندسون والبناؤون ومنهم الحاج محمد شقير وكان عالما بصنعته وفيه ديانة، فاضطربوا أيضا واختلفت أقوالهم، فبعضهم أشار بنقض الحائط وقال: أخاف إن وقع وقوع المنارة (1) وبعضهم أشار بحفر حفر في صحن الجامع ليكشف عن أساس الجامع وينظر في حاله وقال: إنما أتي (2) من قبل الماء المجتمع في المصنع الذي بصحن الجامع، فحفروا الحفاير فوجدوا الحائط مبنيا على قناطر فقال بعضهم: إن الذي بناه على أساسه القديم ولم يصل به إلى الجبل، وقال بعضهم: بل هذا طلب للمكنة. وأخذوا في نزح الماء من المصنع وتفرق النايب والناس عن غير طائل. قال لي ابن الرحال: بينا أنا في صحن الجامع إذ أنا بشخص يتكلم بين الناس ويقول: الرأي أن ينقض النسر الذي على الباب وأن ينقض القبو المتقطع ويترك الحائط على حاله، ولم أعرف الرجل فتدبرت كلامه فوقع في قلبي أنه الصواب فأشرت بذلك فأخذوا في نقض القبو الملاصق للحائط، وكان الرأي أن ينقض قليلا قليلا فزادوا في النقض فتقطع بقية القبو، ولو علم الكافل بذلك لقتل ابن
__________
(1) في هامش الكرّاسة المنقولة من كنوز الذهب بخط بعض الفضلاء ما نصه أقول وقد كانت المنارة الأصلية في الحائط الغربي ملاصقة لحائط القبلية الشمالي الملاصق للصحن وحين رم الجامع سنة 1170شوهد بابها ورسمها من أعلى السطح اه.
(2) نص العبارة في مخطوطة ««كنوز الذهب» كما رأيتها عند الأستاذ محمد كامل فارس: إنما أتي الحائط من قبل أساسه، وبعضهم قال: إنما أتي من قبل الماء(3/43)
الرحال، وكانوا قد كاتبوا السلطان في أمره فأرسل ألف دينار إلى ابن السفاح ليصرفها في عمارة ذلك، فاتفق رأي العامل نجم الدين مع ابن السفاح وقطعا المستحقين خلا أرباب الخمس وشرعوا في عمارة ذلك، فلما خاف ابن السفاح من هيبة السلطان صرف شيئا قليلا من مال السلطان في عمل البوارز التي على الحائط المذكور وأخذت حجارة النقض ووضع منها شيء في معبر الباب الغربي (1) وبقي الباب القبلي بغير رفرف، فشرع القاضي الحنفي ابن الشحنة في عمل رفرف عليه وركب في شهر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وثبت الحائط على حاله ولم يزدد بعد ذلك شيئا أنتهى (2).
وفي رجب دخل الحمزاوي إلى حلب كافلا، وكان لين الجانب كثير الحياء والتودد للناس، وله زوج عملت خيرا كثيرا لم تدع مزارا بحلب إلا وأرسلت له الدراهم وأحسنت للفقراء، وعزلت عقبة ديركوش وسهلتها بعد صعوبتها، وكانت لا تسمع بفقير صالح إلا وأحسنت إليه ولا بمعروف إلا وبادرت إليه، وتحسن لأهل الحبس كثيرا وتطعم الأيتام وتكسوهم وتزوجهم، وكانت شهمة لها همة عظيمة في فعل الخير، وماتت بعد زوجها بدمشق عن أثاث كثير.
سنة 855 أخلاق وعادات
قال أبو ذر في حوادث هذه السنة: في جمادى الأولى عمل الحاج محمد بن خليفة المعصراني وهو من أهل بانقوسا طهورا لأولاده، وأراد أهل بانقوسا أن يلبسوا السلاح على عادتهم في المشي في خدمة المطهرين، فشاع الخبر بأنهم يريدون الإيقاع بالحوارنة، فأرسل الكافل خلف الأكابر وحذرهم من الفتن وأشهر النداء بعدم لبسهم، فدخل إليهم جماعة من أكابر تجار بانقوسا والتزموا بأن لا يحدث شر بين الطائفتين، فأذن في ذلك فلبسوا على عادتهم وطافوا في البلد، فلما وصلوا إلى تحت القلعة صاح شخص: يا لقيس، فوقعت الفتنة وحمي الوطيس ودامت إلى قرب العصر فقتل جماعة من الطائفتين ومن المتفرجين
__________
(1) كان الباب الغربي في وسط الرواق الغربي ثم سد بعد ذلك وفتح الباب الموجود الآن أمام المدرسة الحلاوية.
(2) في الهامش: وقد جدد في دولة آل عثمان.(3/44)
وجرح جماعة، فلما كان يوم الجمعة قبل الصلاة اقتتلوا أيضا تحت القلعة، بأمر الكافل الأمراء ومماليكه فلبسوا السلاح وأشهروا النداء ودار القضاة الأربعة والمنادي ينادي: من لم يرجع عما هو عليه قتل، فسكنت الفتنة.
واعلم أن سبب العداوة أولا أنه لما مات يزيد بن معاوية بويع ابن الزبير رضي الله عنهما بمكة، وقام مروان بن الحكم بالشام في أيام ابن الزبير واجتمعت عليه بنو أمية، وصار الناس بالشام فرقتين اليمانية مع مروان والقيسية مع الضحاك بن قيس متابعين لابن الزبير لأن الضحاك بايع ابن الزبير سرا بالشام، وآخر ذلك أن الفريقين اقتتلوا بمرج راهط في الغوطة وانهزم الضحاك والقيسية وقتل الضحاك وجمع كثير من فرسان قيس ونادى منادي مروان أن لا يتبع أحد منهزما، ودخل مروان دمشق ثم صار هذا في البلاد.
سنة 857 ذكر وفاة الملك الظاهر جقمق العلائي وسلطنة ولده الملك المنصور عثمان
قال ابن إياس ما خلاصته: في هذه السنة في صفر توفي الملك الظاهر جقمق العلائي وله من العمر إحدى وثمانون سنة، وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، وكان ملكا عظيما جليلا دينا خيرا متواضعا كريما يحب فعل الخير، وكان عنده لين جانب، يحب العلماء وينقاد إلى الشريعة ويقوم للعلماء، إذا دخلوا عليه، وكان يحب الأيتام ويكتب لهم الجوامك (الرواتب) ولا يخرج إقطاع من له ولد إلا إلى ولده، وكانت الدنيا في أيامه هادئة من الفتن والتجاريد.
ولما مات أقيم في السلطنة ولده الملك المنصور أبو السعادات فخر الدين عثمان وهو الحادي عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بالعدد وبويع بالسلطنة وله من العمر نحو تسع عشرة سنة.
ذكر خلع الملك المنصور عثمان وسلطنة الملك الأشرف إينال العلائي
قال ابن إياس: بقي الملك المنصور في السلطنة ثلاثة وأربعين يوما، ثم خلع وأقيم في السلطنة الملك الأشرف إينال العلائي الظاهري وهو الثاني عشر من ملوك الجراكسة.(3/45)
قال: وفيها قدم القاضي محب الدين بن الشحنة إلى القاهرة من غير طلب فأراد السلطان أن يرده إلى حلب فوعد بمال فأذن له بالدخول إلى مصر فدخل على كره من الجمالي يوسف ناظر الخاص. (ثم قال): وقرر القاضي محب الدين بن الشحنة باستمراره في قضاء حلب. (قال): وفيها خلع السلطان على محب الدين بن الشحنة وقرره في كتابة السر بمصر وصرف عنها محب الدين بن الأشقر، وهذه أول عظمة ابن الشحنة بمصر، وكان قرر في قضاء الحنفية بحلب فتكاسل عن التوجه إلى حلب وسعى في كتابة السر حتى قرر بها.
وفيها توفي القاضي ضياء الدين بن النفيسي الشافعي الحلبي كاتب السر بحلب، وكان من أعيان الناس الرؤساء بحلب.
وفي هذه السنة استولى السلطان محمد الفاتح رحمه الله على القسطنطنية واتخذها دار ملكه، وقد بسط كيفية ذلك غير واحد من المؤرخين.
سنة 858
قال ابن إياس: فيها قرر في نيابة حلب أقبردي الظاهري الساقي عوضا عن قاني باي الحمزاوي، ثم وصل إلى مصر قاصد قاني باي وعلى يده تقدمة حافلة إلى السلطان، وكان قد أشيع عنه العصيان والمخامرة فبطل ما قرر وبقي قاني بك في النيابة.
سنة 859 ذكر تولية حلب للأمير جانم الأشرفي
قال ابن إياس: في هذه السنة جاءت الأخبار بموت جلبان نائب الشام [الذي كان نائب حلب] فعين السلطان نيابة الشام إلى قاني بك الحمزاوي نائب حلب، وخلع السلطان على جانم الأشرفي وقرره في نيابة حلب عوضا عن قاني بك الحمزاوي.
قال أبو ذر: كان خروج الحمزاوي من حلب في مستهل ربيع الآخر.(3/46)
ترجمة قاني بك:
قال في المنهل الصافي: قاني بك ابن عبد الله الحمزاوي الأمير سيف الدين نائب حلب، هو من مماليك الأمير سودون الحمزاوي الدوادار في الدولة الناصرية فرج، ثم اتصل بعد موت أستاذه بخدمة والدي رحمه الله [هو تغري بردي الذي كان نائبا بحلب سنة 796] هو وجماعة من إخوته وطالت أيامه عند الوالد إلى أن ثقل الوالد في مرض موته ففر قاني بك من عنده إلى الأمير شيخ المحمودي ودام عنده إلى أن تسلطن وأنعم عليه بإمرة عشرة بالقاهرة، ثم نقله إلى إمرة طبلخاناه. (وبعد أن ذكر تنقلاته قال): ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة طرابلس في أواخر سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة فباشر نيابة طرابلس أشهرا ونقل إلى نيابة حلب بعد الأمير جلبان في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، فتوجه إلى حلب وحكمها سنين إلى أن عزل عنها بالأمير قاني بك الأبو بكري الناصري البهلوان في سنة ثمان وأربعين أو في أوائل سنة تسع وأربعين، ثم استقدم إلى الديار المصرية، ثم أعيد إلى نيابة حلب ثانيا بعد عزل الأمير تنم بن عبد الله بن عبد الرزاق المؤيدي في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وسر أهل حلب بعودة إليهم 1هـ.
قال السخاوي في الضوء اللامع: ثم نقله الأشرف بعد حلب وذلك في سنة 859 (كما سيأتي) إلى نيابة دمشق ومات بها سنة ثلاث وستين ودفن بخانقاه تغري برمش تحت قلعتها وقد ناهز الثمانين، وسر الدمشقيون بوفاته لكثرة جنايات مماليكه الذي استكثر منهم وجماعة بابه، ومع ذلك فهو شديد الإسراف على نفسه سامحه الله اه.
قال أبو ذر: في رابع عشر جمادى الأولى وصل كافل حلب جانم من القاهرة إلى محل كفالته وأحضر بين يديه ما تحصل من الجهات في غيبته فقال لهم: هذه الدراهم لا يحل أخذها، فقال له بعض وسائط السوء: متى تعففت وأظهرت العدل يخاف عليك من سطوات السلطان لأنه يقول إنما فعلت ذلك طلبا للسلطنة، فأخذها كرها اه.
وصول ماء السمرمر إلى حلب:
قال أبو ذر: وفي سابع عشر جمادى الأولى وصل ماء السمرمر إلى حلب وخرج الناس إلى لقيه بالذكر والدعاء فأخرجوه إلى القلعة وعلقوه بمأذنة جامعها. ووقفت على كتاب قديم كتب إلى الممالك الشرقية بسبب أحضاره (وساق هنا الكتاب ولم أجد كبير
فائدة في ذكره فأضربت عنه، ثم قال): وهذا الماء هو كائن في بلاد العجم أخبرني من أحضره بأنه في واد وعلى مكانه خدمة، والسمرمر طائر يعادي الجراد ويقتله ويكون بينهما مقتلة عظيمة يحمل كل منهم على الآخر ويفر الجراد بين يديه اه.(3/47)
قال أبو ذر: وفي سابع عشر جمادى الأولى وصل ماء السمرمر إلى حلب وخرج الناس إلى لقيه بالذكر والدعاء فأخرجوه إلى القلعة وعلقوه بمأذنة جامعها. ووقفت على كتاب قديم كتب إلى الممالك الشرقية بسبب أحضاره (وساق هنا الكتاب ولم أجد كبير
فائدة في ذكره فأضربت عنه، ثم قال): وهذا الماء هو كائن في بلاد العجم أخبرني من أحضره بأنه في واد وعلى مكانه خدمة، والسمرمر طائر يعادي الجراد ويقتله ويكون بينهما مقتلة عظيمة يحمل كل منهم على الآخر ويفر الجراد بين يديه اه.
أقول: من خواص هذا الماء على ما زعموا أنه يكون سببا لجلب طير السمرمر من الأماكن القاصية إلى هذه الديار فيدفع عنهم جيوش الجراد الجرارة.
سنة 861 الغلاء الشديد في حلب
قال أبو ذر: في شهر صفر تزايد ارتفاع الأسعار واشتد الغلاء، فشكى الناس حالهم إلى كافل حلب جانم في يوم الخميس أول ربيع الأول ثم صاحوا عليه يوم الجمعة، وجاء أناس من طرف البلد إلى سوق الصابون ونهبوا حانوتا، وماج الناس كموجان البحر وصلى الناس الجمعة وهم في وجل كبير وخوف من نهب الأسواق، فغلقت الأسواق ولم يدخل أحد إلى الجامع من بابه الشرقي لإغلاق الأسواق، ثم بعد صلاة الجمعة رمى الناس بعضهم بعضا بالحجارة على سطح الجامع وأصبح الناس وباب الجامع المذكور والأسواق مغلقة.
بطلان الدراهم المستعملة وضرب دراهم جديدة بحلب:
وفي العشرين منه غيرت الدراهم بحلب وصار الأشرفي بخمسين درهما وكان الأشرفي في أيام الأشرف برسباي بأربعين درهما، وصار يترقى لفساد المعاملة حتى صار بمائة درهم.
وكانت الدراهم غالبها نحاس بسكك مختلفة فيذهب الشخص ليشتري له حاجة فترد عليه ولا يقبضها غالب الناس، وغلت الأسعار بسبب ذلك فاجتهد الكافل جانم أخو الأشرف في إبطالها وضرب الدراهم، وأقام لدار الضرب الشيخ شمس الدين ابن السلامي وكان قد فاوضني في ذلك فامتنعت واعتذرت بأني لا أعرف الدراهم ولا الزغل فأعفاني من ذلك، ثم أقام لها بعد ذلك الشيخ شمس الدين ابن الشماع الشافعي وكان يخرج تارة بنفسه لدار الضرب وتسبك الدراهم بحفرته وتصك، وعتب بعض الناس عليه في ذلك إذ هو صوفي فكيف يدخل نفسه في أمور الدنيا، فبلغه ذلك فقال: بذلت نفسي لإصلاح أحوال الناس، وأحضر أربع صيارف عارفين بالسكك والنقد فبعد ختمها يقف عليها الصيارف
الأربعة، وكان الناس تضرروا بالدراهم العتيقة ضررا زائدا، وكان وزن الدراهم إذ ذاك ربع درهم. وضرب دراهم كل درهم وزن درهم، وكان عليها النور إذ هي خالية من الغش(3/48)
وكانت الدراهم غالبها نحاس بسكك مختلفة فيذهب الشخص ليشتري له حاجة فترد عليه ولا يقبضها غالب الناس، وغلت الأسعار بسبب ذلك فاجتهد الكافل جانم أخو الأشرف في إبطالها وضرب الدراهم، وأقام لدار الضرب الشيخ شمس الدين ابن السلامي وكان قد فاوضني في ذلك فامتنعت واعتذرت بأني لا أعرف الدراهم ولا الزغل فأعفاني من ذلك، ثم أقام لها بعد ذلك الشيخ شمس الدين ابن الشماع الشافعي وكان يخرج تارة بنفسه لدار الضرب وتسبك الدراهم بحفرته وتصك، وعتب بعض الناس عليه في ذلك إذ هو صوفي فكيف يدخل نفسه في أمور الدنيا، فبلغه ذلك فقال: بذلت نفسي لإصلاح أحوال الناس، وأحضر أربع صيارف عارفين بالسكك والنقد فبعد ختمها يقف عليها الصيارف
الأربعة، وكان الناس تضرروا بالدراهم العتيقة ضررا زائدا، وكان وزن الدراهم إذ ذاك ربع درهم. وضرب دراهم كل درهم وزن درهم، وكان عليها النور إذ هي خالية من الغش
حادثة الشيخ جنيد الأردبيلي وما آل إليه أمره:
قال أبو ذر في حوادث هذه السنة ومن خطه نقلت: وفي الثلاثاء خامس عشرين رمضان عقد مجلس بدار العدل بالجنينة عند كافل حلب جانم وحضره القضاة الأربعة والشيخ شمس الدين بن الشماع والشيخ شمس الدين محمد بن السلامي بسبب الشيخ جنيد ابن سيدي علي بن صدر الدين الأردبيلي. وهذا الرجل سكن كلّز وبنى بها مسجدا وحماما وللناس فيه اعتقاد عظيم بسبب أبيه وجده ويأتمرون بأمره ولا يغفلون عن خدمته ويثابرون على لزوم بابه، ويأتيه الناس من الروم والعجم وسائر البلاد ويأتيه الفتوح الكثير، ثم سكن جبل موسى عند إنطاكية هو وجماعته وبنى به مساكن من خشب، وفي الجملة كان على طريق الملوك لا على طريق القوم.
وكان كافل حلب قد أرسل خلفه قبل ذلك فلم يحضر، وذهب مع جماعة الكافل إليه شمس الدين بن عجين الشافعي مفتي أنطاكية فأمسكه عنده وهم بقتله، ثم أرسل خلفه ثانيا دوادار السلطان ألماس ومعه جماعة من الأجناد فلم يحضر، فلما حضر ألماس نسب إلى جماعته المقيمين عنده أنه حارب من ذهب خلفه وأن في الموقعة قتل إبراهيم بن غازي من أمراء التركمان بجبل الأقرع، فعقد هذا المجلس بسبب هذا، فبينما نحن في المجلس أرسل الكافل خلف الشيخ محمد ابن الشيخ أويس الأردبيلي المقيم بحلب، وهذا كان أيضا بأربل ثم انتقل إلى حلب وتزوج الشيخ جنيد بأخت الشيخ محمد ثم تشاجرا وتطالقا وصار في النفوس شيء، فلما حضر سأله ما يقول في هذا الرجل فقال: أنا بيني وبينه عداوة لا يقبل كلامي فيه، ثم انصرف فاستحسن الحاضرون عقله، فبينا نحن كذلك إذ حضرت ورقة من عند الشيخ عبد الكريم أن هذا الرجل شعاشعي المذهب وورقة من عند الشيخ أحمد البكرجي أن هذا الرجل تارك الجماعة، ونسب إليه أشياء، إلى أن قال: ثم خرج الناس إليه إلى الجبل فاقتتلوا وأسفرت الوقعة عن قتلى من الفريقين، فتسحب من الجبل إلى جهة بلاد العجم وأقام هناك ثم خرج على بعض ملوكها فقتل. وبعض أصحابه يدعي
حياته. وقول الشيخ عبد الكريم هذا شعاشعي نسبة إلى محمد بن فلاح الذي ظهر بالجزائر.(3/49)
وكان كافل حلب قد أرسل خلفه قبل ذلك فلم يحضر، وذهب مع جماعة الكافل إليه شمس الدين بن عجين الشافعي مفتي أنطاكية فأمسكه عنده وهم بقتله، ثم أرسل خلفه ثانيا دوادار السلطان ألماس ومعه جماعة من الأجناد فلم يحضر، فلما حضر ألماس نسب إلى جماعته المقيمين عنده أنه حارب من ذهب خلفه وأن في الموقعة قتل إبراهيم بن غازي من أمراء التركمان بجبل الأقرع، فعقد هذا المجلس بسبب هذا، فبينما نحن في المجلس أرسل الكافل خلف الشيخ محمد ابن الشيخ أويس الأردبيلي المقيم بحلب، وهذا كان أيضا بأربل ثم انتقل إلى حلب وتزوج الشيخ جنيد بأخت الشيخ محمد ثم تشاجرا وتطالقا وصار في النفوس شيء، فلما حضر سأله ما يقول في هذا الرجل فقال: أنا بيني وبينه عداوة لا يقبل كلامي فيه، ثم انصرف فاستحسن الحاضرون عقله، فبينا نحن كذلك إذ حضرت ورقة من عند الشيخ عبد الكريم أن هذا الرجل شعاشعي المذهب وورقة من عند الشيخ أحمد البكرجي أن هذا الرجل تارك الجماعة، ونسب إليه أشياء، إلى أن قال: ثم خرج الناس إليه إلى الجبل فاقتتلوا وأسفرت الوقعة عن قتلى من الفريقين، فتسحب من الجبل إلى جهة بلاد العجم وأقام هناك ثم خرج على بعض ملوكها فقتل. وبعض أصحابه يدعي
حياته. وقول الشيخ عبد الكريم هذا شعاشعي نسبة إلى محمد بن فلاح الذي ظهر بالجزائر.
وقتل الناس وحملهم على الرفض وترك الجماعات ونكاح المحارم ويعرف بالشعشاع.
وسيأتي بعض هذه القصة في ترجمة الشيخ محمد الكواكبي المتوفي سنة 897.
سنة 863 ذكر تولية الأمير إينال اليشبكي والطاعون العظيم بحلب
قال في تحف الأنباء في هذه السنة: في ربيع الآخر ولي نيابة السلطنة بحلب إينال اليشبكي عوضا عن جانم الأشرفي.
وفي جمادى الآخرة وقع الطاعون بحلب فأحصي من مات بها وبضواحيها فكان زيادة عن مائتي ألف إنسان.
سنة 865
في هذه السنة توفي الملك الأشرف وتولى السلطنة ابنه الملك المؤيد شهاب الدين أحمد. وفي شعبان خلع الملك المؤيد وتولى السلطة الملك الظاهر أبو سعيد خشقدم الناصري المؤيدي.
وفاة إينال اليشبكي وترجمته:
قال السخاوي: إينال اليشبكي الجكمي ويقال له حاج إينال، خدم عند بعض الأمراء قليلا ثم صار من أمراء دمشق، ثم فدّم بها في أيام الظاهر جقمق، ثم نقل لنيابة الكرك ثم لحماة ثم لطرابلس ثم لحلب في سنة ثلاث وستين، كل ذلك بالبذل إلى أن مات بها في سابع عشري شعبان سنة 65وقد قارب الستين. وكان مسرفا على نفسه بل ساءت سيرته بأخرة وأبغضه الحلبيون ورجموه غير مرة لكثرة متاجره وشرهه في جمع المال مع سكون وعقل ورئاسة وحشمة وتواضع اه.
ذكر تولية حلب للأمير جانبك التاجي
قال في تحف الأنباء: وبعد وفاة إينال اليشبكي تولى نيابة السلطنة بحلب جانبك التاجي وقرر في نيابة قلعتها كمشبغا السيفي.(3/50)
سنة 866 ذكر عصيان جانم الأشرفي نائب حلب السابق
قال في تحف الأنباء: في هذه السنة أتت الأخبار إلى السلطان من حلب بأن جانم نائب دمشق (ونائب حلب السابق) قد قطع الفرات في جموع وافرة وهو قاصد الأعمال الحلبية، وقد وصل إلى تل باشر، وأن نائب حلب تهيأ لقتاله، فلما بلغ السلطان ذلك اضطربت أحواله وعين تجريدة إلى حلب وعين بها من الأمراء والمقدمين جاني بك وبلباي وإزبك بن ططخ وغيرهم، وعين من المماليك السلطانية نحوا من ستمائة مملوك وأخذ في أسباب تفرقة النفقة عليهم، فبينما هم على ذلك إذ جاءت الأخبار بأن جانم عاد من حيث أتى وقد وقع بينه وبين عسكره خلف وثاروا عليه وقصدوا قتله، فلما تحقق السلطان ذلك أمر بدق البشائر بالقلعة وعلى أبواب الأمراء.
سنة 867 ذكر قتل جانم الأشرفي الذي كان نائب حلب
قال في تحف الأنباء: وفي هذه السنة تحيل جانبك التاجي في قتل جانم نائب دمشق بالرها (وكان توجه إليها هاربا كما بسطه السخاوي) حتى قتله بغتة على يد مماليكه، فلما وصل خبر قتله إلى السلطان أمر بدق البشائر أيضا بالقلعة وعلى أبواب الأمراء فعد موته من سعد الملك الظاهر خشقدم اه.
قال السخاوي في ترجمته: كان جانم الأشرفي دينا متعبدا متعففا محبا للسنة والفقهاء والصالحين منوّر الشيبة قصير القامة كثير الأفضال والمواساة مجتهدا في أحكامه متحريا في أحواله. إلى أن قال: وبالجملة فقد عاش سعيدا ومات شهيدا.
سنة 868 ذكر تولية حلب للأمير برد بك الجمدار
قال في تحف الأنباء: في هذه السنة تولى نيابة السلطنة بحلب برد بك الجمدار (1). وفي سنة 870أرسل برد بك نائب حلب تقدمة حافلة إلى السلطان على يد دواداره أبي بكر فأكرمه وخلع عليه (وذلك علامة على إقراره على عمله).
__________
(1) الصواب: البجمقدار، كما وردت في «الضوء اللامع» (3/ 6).(3/51)
سنة 871 ذكر تولية حلب للأمير يشبك البجاسي
قال في تحف الأنباء في هذه السنة في صفر مات برسباي البجاسي نائب دمشق، فأرسل السلطان خلعة إلى برد بك الجمدار وقرره في نيابة دمشق وأرسل خلعة إلى يشبك البجاسي وقرره في نيابة حلب.
وفي جمادى الآخرة جاءت الأخبار من حلب إلى السلطان بأن رستم بن دلغادر (ملك مرعش) قد تحارب مع شاه سوار (نائب أبلستين) فرسم السلطان أن يخرج عسكر حلب لمساعدة رستم، وهذا أول فتح باب الشر مع شاه سوار.
سنة 872 ذكر فتنة شاه سوار نائب أبلستين التي ظلت من هذه السنة إلى أن قتل في سنة 877
قال ابن إياس في حوادث هذه السنة، فيها جاءت الأخبار من حلب بأن خارجيا تحرك على البلاد يقال له شاه سوار، فرسم السلطان للأمير برد بك الجمدار نائب حلب بأن يخرج إليه، ثم جاءت الأخبار من بعد ذلك بأن برد بك نائب حلب لما خرج إلى سوار التف عليه وأظهر العصيان على السلطان وقصدا التوجه إلى الشام (1)، فلما بلغ السلطان ذلك اضطربت أحواله وعين إلى سوار تجريدة وبها من الأمراء خمسة مقدمو ألوف اه.
ذكر وفاة السلطان خشقدم الظاهري وسلطنة أبي النصر بلباي المؤيدي ثم خلعه وسلطنة الملك الظاهر أبي سعيد تمر بغا ثم خلعه وسلطنة الملك الأشرف قايتباي المحمودي
قال ابن إياس ما خلاصته: في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة توفي السلطان الملك الظاهر خشقدم الظاهري وله من العمر نحو خمس وسبعين سنة، وكانت مدة
__________
(1) يغلب على الظن أن ذلك خلاف الحقيقة وأنها ما سيأتيك قريبا.(3/52)
سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية ست سنين ونصفا. وأقيم في السلطنة بعده الملك الظاهر أبو النصر سيف الدين بلباي المؤيدي ولم يتم أمره في السلطنة وبان عليه العجز، فخلع سابع جمادى الأولى من هذه السنة، وكانت مدة سلطنته شهرين إلا أربعة أيام، ثم وقع الاتفاق من الأمراء على سلطنة الأتابكي تمربغا فأقيم في السلطنة سابع جمادي الأولى، ثم خلع سادس رجب وأقيم في السلطنة قايتباي المحمودي ولقب بالملك الأشرف وله من العمر خمس وخمسون سنة.
انتصار شاه سوار على الجيوش المصرية
قال في تحف الأنباء: وفي ربيع الأول أتت الأخبار إلى مصر بأن شاه سوار قد كسر العسكر الشامي والحلبي وقتل كثيرين من الأعيان واستولى على عدة مدن وقلاع وأسر برد بك الجمدار نائب دمشق وقتل قاني باي الحسني نائب طرابلس وقراجا الظاهري أتابك دمشق ونوروز المحمودي أحد المقدمين الألوف بحلب وألماس الأشرفي أتابك حلب ومحمد غريب الأستادار بحلب، ومن العسكر ما لا يحصى، وهذا أول استظهار شاه سوار على العسكر وأول فتكه بهم.
وفي ربيع الآخر تخلص بردبك الجمدار من أسر شاه سوار وهرب وأتى إلى القاهرة واختفى، فإنه كان سببا في كسرة العسكر لأنه كان متواطئا مع سوار في الباطن، فقبض عليه السلطان وأرسله إلى القدس وسجنه بها.
عود برد بك الجمدار إلى نيابة حلب
وفي جمادى الأولى أرسل إزبك بن ططخ نائب الشام يشفع عند السلطان في برد بك الجمدار بأن يعاد إلى نيابة حلب، فأجابه إلى ذلك وأعاده إلى نيابتها.
قدمنا أن في هذا الشهر أقيم في السلطنة الملك الأشرف قايتباي. (قال ابن إياس): بعد أن أقيم في السلطنة أخذ في عرض العساكر بسبب التجريدة لسوار واستمر جالسا على الدكة وهو يعرض ويكتب إلى ما بعد العصر، ثم ضيق على أولاد الناس وألزمهم بالسفر إلى سوار أو يقيموا لهم بدلا، فصار يأخذ من كل واحد إن كان لا يسافر مائة دينار عوضا عن البديل إلى السفر، وقرر على جماعة من المباشرين جملة مال وأمرهم
بإحضاره بسرعة ليستعين به على نفقة العسكر، وهذه أول شدة وقعت منه في حق الناس، فلما تكامل حضور المال حملت النفقات للأمراء المعينين للسفر فحمل للأتابكي جاني بك قلقسيز أربعة آلاف دينار ولبقية الأمراء المقدمين لكل واحد ثلاثة آلاف دينار وللأمراء الطبلخانات لكل واحد خمسمائة دينار وللأمراء العشراوات لكل واحد مائتا دينار، وأنفق على الجند لكل واحد من المماليك مائة دينار.(3/53)
قدمنا أن في هذا الشهر أقيم في السلطنة الملك الأشرف قايتباي. (قال ابن إياس): بعد أن أقيم في السلطنة أخذ في عرض العساكر بسبب التجريدة لسوار واستمر جالسا على الدكة وهو يعرض ويكتب إلى ما بعد العصر، ثم ضيق على أولاد الناس وألزمهم بالسفر إلى سوار أو يقيموا لهم بدلا، فصار يأخذ من كل واحد إن كان لا يسافر مائة دينار عوضا عن البديل إلى السفر، وقرر على جماعة من المباشرين جملة مال وأمرهم
بإحضاره بسرعة ليستعين به على نفقة العسكر، وهذه أول شدة وقعت منه في حق الناس، فلما تكامل حضور المال حملت النفقات للأمراء المعينين للسفر فحمل للأتابكي جاني بك قلقسيز أربعة آلاف دينار ولبقية الأمراء المقدمين لكل واحد ثلاثة آلاف دينار وللأمراء الطبلخانات لكل واحد خمسمائة دينار وللأمراء العشراوات لكل واحد مائتا دينار، وأنفق على الجند لكل واحد من المماليك مائة دينار.
ويوم الاثنين ثاني عشر شعبان خرج الأمراء والعسكر المعينون للتجريدة وكان لهم يوم مشهود، وهذه أول تجريدة خرجت من مصر إلى شاه سوار (أي أول تجريدة من طرف قايتباي) فكانوا نحو عشرين أميرا ما بين مقدمي ألوف وطبلخانات وعشراوات ومن الجند نحو ألف مملوك.
(ثم قال ابن إياس): وفي ذي القعدة جاءت الأخبار بأن العسكر الذي توجه إلى شاه سوار قد انكسر كسرة شنيعة وأسر الأتابكي قلقسيز وقتل جماعة من الأمراء ومن الجند ما لا يحصى، وكان غالب العسكر من الخشقدمية، وأما من قتل من الخاصكية والمماليك السلطانية فما ضبطوا، وقد نهب برك الأمراء والعسكر قاطبة والذي سلم دخل إلى حلب في أسوأ حال من العري والمشي، وقد قوي أمر سوار وتوجه إلى عينتاب وحاصر قلعتها وملك البلد، وأشيع بين الناس أن ابن عثمان ملك الروم أرسل نجدة من عسكره إلى سوار. (ثم قال):
وكانت هذه الواقعة سابع ذي القعدة من السنة المذكورة، فلما وردت هذه الأخبار ماجت القاهرة وحار السلطان في أمره وما يظن أن سوارا يقوى على العسكر لكثرته، ثم جاءت الأخبار بأن سوارا سجن الأتابكي جاني بك قلقسيز في جب وأن عسكر سوار قد قوي بما نهبه من العسكر من خيول وسلاح وبرك وقد عزم سوار بأن يزحف على حلب.
فلما تحقق السلطان ذلك أمر بعقد مجلس بالقلعة، فحضر الخليفة المستنجد بالله يوسف والقضاة الأربعة وهم ولي الدين الأسيوطي الشافعي ومحب الدين بن الشحنة الحنفي وحسام الدين بن حريز المالكي وعز الدين الحنبلي، وحضر شيخ الإسلام يحيى الأقصرائي ومشايخ من العلماء، وحضر سائر الأمراء، وكان هذا المجلس بالحوش السلطاني، فلما تكامل المجلس قام القاضي كاتب السر أبو بكر بن مزهر وتكلم عن لسان السلطان ووجه الخطاب إلى الخليفة والقضاة ومشايخ العلم بما معناه من كلام طويل بأن بيت المال
مشحوت من المال وأن سوار الباغي قد استطال على البلاد وقتل العباد ولابد من خروج تجريدة عسكر لتحمي بلاد المسلمين، وأن العسكر يحتاج إلى نفقة وليس في بيت المال شيء، وأن كثيرا من الناس معهم زيادة في أرزاقهم ووظائفهم، وأن الأوقاف قد كثرت على الجوامع والمساجد، وأن قصد السلطان أن يبقي لهم ما يقوم بالشعائر فقط ويدخل الفائض إلى الذخيرة، فمال الخليفة وقضاة الجاه إلى شيء من معنى الإجابة إلى ذلك.(3/54)
فلما تحقق السلطان ذلك أمر بعقد مجلس بالقلعة، فحضر الخليفة المستنجد بالله يوسف والقضاة الأربعة وهم ولي الدين الأسيوطي الشافعي ومحب الدين بن الشحنة الحنفي وحسام الدين بن حريز المالكي وعز الدين الحنبلي، وحضر شيخ الإسلام يحيى الأقصرائي ومشايخ من العلماء، وحضر سائر الأمراء، وكان هذا المجلس بالحوش السلطاني، فلما تكامل المجلس قام القاضي كاتب السر أبو بكر بن مزهر وتكلم عن لسان السلطان ووجه الخطاب إلى الخليفة والقضاة ومشايخ العلم بما معناه من كلام طويل بأن بيت المال
مشحوت من المال وأن سوار الباغي قد استطال على البلاد وقتل العباد ولابد من خروج تجريدة عسكر لتحمي بلاد المسلمين، وأن العسكر يحتاج إلى نفقة وليس في بيت المال شيء، وأن كثيرا من الناس معهم زيادة في أرزاقهم ووظائفهم، وأن الأوقاف قد كثرت على الجوامع والمساجد، وأن قصد السلطان أن يبقي لهم ما يقوم بالشعائر فقط ويدخل الفائض إلى الذخيرة، فمال الخليفة وقضاة الجاه إلى شيء من معنى الإجابة إلى ذلك.
فبينما هم على ذلك إذ حضر شيخ الإسلام أمين الدين الأقصرائي الحنفي وكان قد تأخر عن الحضور فأرسل خلفه السلطان، فلما حضر أعاد عليه كاتب السر الكلام الذي وقع أول المجلس.
فلما سمع هذا الكلام أنكره غاية الإنكار وقال في الملأ العام من ذلك المجلس: لا يحل للسلطان أن يأخذ أموال الناس إلا بوجه شرعي، وإذا نفد جميع ما في بيت المال ينظر إلى ما في أيدي الأمراء والجند وحلي النساء فيأخذ منه ما يحتاج إليه وإذا لم يوف بالحاجة في ذلك ينظر في المهم إن كان ضروريا في المنع عن المسلمين حل ذلك بشرائط متعذرة، وهذا هو دين الله تعالى، إن سمعت آجرك الله على ذلك، وإن لم تسمع فافعل ما شئت، فإنا نخشى من الله تعالى أن يسألنا يوم القيامة ويقول لنا لم لا نهيتموه عن ذلك وأوضحتم له الحق، ولكن السلطان إن أراد أن يفعل شيئا يخالف الشرع فلا يجمعنا ولكن بدعوة فقير صادق يكفيكم الله مؤنة هذا الأمر كله. ثم قام فانجبه منه السلطان وانفض المجلس من غير طائل وكثر القيل والقال، وشكر الأمراء الشيخ أمين الدين على ذلك وغالب الناس وكثر الدعاء له وعد هذا المجلس من النوادر.
ثم إن السلطان نادى للجند بالعرض وأخذ في أسباب خروج تجريدة وهي التجريدة الثانية.
سنة 873 ذكر تولية حلب للأمير إينال الأشقر
قال ابن إياس: في هذه السنة قرر إينال الأشقر في نيابة حلب عوضا عن برد بك البجمقدار بحكم انتقاله إلى نيابة الشام عوضا عن إزبك بن ططخ بحكم انتقاله إلى الأتابكية.(3/55)
وفي ربيع الأول عين السلطان الأمير أزدمر الطويل الإينالي بأن يخرج ومعه خمسمائة مملوك من المماليك السلطانية إلى حفظ البلاد الحلبية ويقيم بحلب إلى أن تحضر التجريدة ويخرج عقيب ذلك، وكان بلغ السلطان بأن عسكر سوار نزل على قلعة درندة وحاصرها، فبادر الأمير أزدمر وخرج في قلب الشتاء ليحفظ حلب، وكان في ذلك عين الصواب. (ثم قال): فحمل لأزدمر الطويل ستة آلاف دينار وحمل لقجماس الطويل أحد أمراء الطبلخانات خمسمائة دينار وحمل للأمراء العشراوات لكل واحد منهم مائتي دينار وأعطى لكل مملوك مائة دينار، فكان الذي صرف على هذه التجريدة التي خرج فيها أزدمر الطويل ومن عين معه من الأمراء ومن الجند وهم نحو من خمسمائة مملوك ما يزيد على مائتي ألف دينار، فخرج أزدمر الطويل ومن عين معه من الأمراء ومن الجند في أوائل الشتاء ليقيم في حلب.
قال ابن إياس: وفي جمادى الآخرة عرض السلطان العسكر وأخذ في أسباب خروج العسكر إلى سوار وهي التجريدة الثانية، فعين باش العسكر الأتابكي إزبك بن ططخ وقرقماس الجلب أمير مجلس وغيرهم من الأمراء زيادة على عشرين أميرا، ثم رسم لأولاد الناس من أراد السفر فليسافر ومن لم يسافر يحمل إلى بيت المال مائة دينار ويقدمها بدلا عنه، وهذا لمن يكون له جامكية وإقطاع، ومن لم يكن له إقطاع وله ألف دينار أو له جامكية ألف درهم يحمل خمسة وعشرين دينارا، وفيه أنفق السلطان على العسكر لكل مملوك مائة دينار ولكل أمير مقدم ألف ألفا دينار وحمل للأمراء الطبلخانات لكل واحد خمسمائة دينار وللأمراء العشراوات لكل واحد مائتا دينار، فكان جملة ما صرف على هذه التجريدة نحوا من أربعمائة ألف دينار.
وفي شعبان خرج العسكر المعين إلى سوار فخرجوا من القاهرة في تجميل زائد وطلبوا أطلابا حافلة، وفي ذي القعدة جاءت الأخبار من حلب بأن العسكر لما وصل أخذ باب الملك منهم وأنهم في استظهار على العدو سوار، ثم جاءت الأخبار من نائب حلب بقتل مال باي الأقطع أخي سوار وجماعة كثيرة من عسكره وبعث برأس مال باي الأقطع ومعها رأسان من أمرائه، فلما حضرت تلك الرؤوس طيف بها بالقاهرة ثم علقت بباب زويلة وباب النصر.(3/56)
وفي ذي الحجة حضر تاني بك الظاهري أحد رؤوس النوب وكان من جملة من خرج في التجريدة فأخبر بكسر العسكر ورجوعه من حلب، وهذه ثاني كسرة وقعت لعسكر مصر مع سوار، فلما تحقق السلطان ذلك اضطربت أحواله وماجت القاهرة بمن فيها.
وكان سبب انكسار العسكر أن سوار تحيل عليهم حتى دخلوا في مواضع ضيقة بين أشجار فخرج عليهم السواد الأعظم من التركمان بالقسي والنشاب والسيوف والأطبار فقتلوا من العسكر ما لا يحصى عددهم، وأخبر تاني بك بقتل الأمير قرقماس الجلب وسودون القصروي حمل مجروحا إلى حلب فمات بها وكان قد طعن في السن وناف على الثمانين سنة، وقتل كثيرون من الأمراء الكبار سردهم ابن إياس ثم قال: وأما من قتل من الجند والمماليك السلطانية ومشايخ عربان جبل نابلس والعشير التركمان والغلمان فما أمكن ضبطه.
وكانت هذه من الواقعات المشهورة التي لم يسمع بمثلها، فلما شاع بين الناس ذكر من قتل من الأمراء والعسكر صار بالقاهرة في كل حارة نعي ليلا ونهارا مثل أيام الوباء، فزاد قلق الناس من سوار ودخل الوهم في قلوب العسكر مثل أيام تمرلنك وصاروا يرعدون من ذكره، وصار العسكر بعد ذلك يدخلون إلى القاهرة في أنحس حال من العري والجوع وبعضهم مجروح وبعضهم ضعيف، وكان يدخل بعضهم وهو راكب على حمار أو جمل أو يدخل ماشيا وهو عريان، ولم يلاقوا في هذه التجريدة خيرا.
سنة 874 ذكر انكسار عسكر سوار على يد نائب ملطية
قال ابن إياس: وفي صفر جاءت الأخبار من حلب بأن قرقماس الصغير نائب ملطية تقاتل مع عسكر سوار وأسر جماعة كثيرة من أمرائه وأقاربه، وكان ذلك بمكيدة صعدت بيد قرقماس حتى بلغ فيها ذلك.
ذكر تولية حلب للأمير قانصوه اليحياوي
قال ابن إياس: وفي ربيع الآخر أرسل السلطان خلعة إلى قانصوه اليحياوي باستقراره في نيابة حلب عوضا عن إينال الأشقر وكتب إلى إينال الأشقر بالحضور إلى القاهرة على تقدمة ألف بها.(3/57)
وذكر السخاوي في ضوئه أن وفاة إينال كانت سنة 879وقال: غير مأسوف عليه، وقد كنت أشهد في وجهه المقت وكان من سيئات الدهر.
وفيه جاءت الأخبار بأن ابن رمضان أمير التركمان أخذ جماعة من التركمان وكبس على أعوان سوار وأخذ منهم قلعة سيس، فسر السلطان بهذا الخبر وأرسل إلى ابن رمضان خلعة سنية.
وفي جمادى الأولى حضر إلى القاهرة قراجا السيفي وأخبر بأن شاه سوار أطلق الأتابكي جاني بك قلقسيز وبعث به إلى حلب وقد أكرمه غاية الإكرام وقصد بذلك أن يرضي خاطر السلطان، وقرر مع الأتابكي جاني بك قلقسيز بأن يكون سفيرا بينه وبين السلطان في أمر الصلح.
وفي رمضان حضر الأتابكي إزبك وكان مقيما بحلب من حين كسر العسكر فدخل القاهرة هو ومن بقي معه من الأمراء والعسكر وصحبته شاه بضاع أخو سوار الذي أخذ منه سوار البلاد.
(وفيه أيضا) صعد قاصد سوار إلى القلعة وصحبته هدية للسلطان فلم يؤذن له في صعودها معه وحضر بمكاتبة سوار فكان مضمونها أنه يطلب الصلح من السلطان لكن على شروط منه لم يقبلها السلطان، منها أن يكتب له السلطان تقليدا بإمرة [الأبلستين] وأن ينعم عليه بتقدمة ألف بحلب وإن فعل ذلك يسلم عينتاب للسلطان، فطال الكلام من القاصد والسلطان ولم ينتظم الأمر بينهما في شيء من الصلح ونزل القاصد بغير خلعة.
سنة 875 ذكر انكسار ابن رمضان أمير التركمان مع سوار
قال ابن إياس: وفي المحرم جاءت الأخبار بأن شاه سوار تقاتل مع ابن رمضان أمير التركمان، فانكسر ابن رمضان وملك سوار قلعة آياس، فانزعج السلطان لهذا الخبر وأخذ في أسباب تجريدة إلى سوار.
وفيه عين السلطان الأمير إينال الأشقر رأس نوبة النوب ومعه عدة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات وعدة من الجند بسبب قتال سوار، وقد خشي السلطان من سوار
أن يكبس حلب على حين غفلة فأرسل هذه التجريدة يقيمون بحلب إلى أن يرسل تجريدة ثقيلة بعد ذلك، فلما عينه بعث إليه النفقة من يومه وحمل إليه اثني عشر ألف دينار، ثم أنفق على بقية الأمراء والجند وألزمهم الخروج بسرعة، فخرجوا عقيب ذلك من غير أطلاب ولا أشلة، وقد عز ذلك على إينال الأشقر لكونه خرج في قلب الشتاء.(3/58)
وفيه عين السلطان الأمير إينال الأشقر رأس نوبة النوب ومعه عدة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات وعدة من الجند بسبب قتال سوار، وقد خشي السلطان من سوار
أن يكبس حلب على حين غفلة فأرسل هذه التجريدة يقيمون بحلب إلى أن يرسل تجريدة ثقيلة بعد ذلك، فلما عينه بعث إليه النفقة من يومه وحمل إليه اثني عشر ألف دينار، ثم أنفق على بقية الأمراء والجند وألزمهم الخروج بسرعة، فخرجوا عقيب ذلك من غير أطلاب ولا أشلة، وقد عز ذلك على إينال الأشقر لكونه خرج في قلب الشتاء.
وفي ربيع الآخر جاءت الأخبار من حلب بأن حسن الطويل [ملك العراقين والموصل] تحرك على أخذ البلاد الحلبية وأنه أظهر العداوة للسلطان وقد طمع في عسكر مصر بموجب ما فعله معهم سوار، فثار السلطان لهذا الخبر وقصد أن يخرج إلى حلب بنفسه.
وفي جمادى الأولى عين السلطان تجريدة ثقيلة إلى سوار وعين بها من الأمراء المقدمين يشبك دوادار كبير باش العسكر وتمراز النمشي ابن أخت السلطان أحد المقدمين وخاير بك حديد الأشرفي، وعين عدة من أمراء طبلخانات وعشراوات وعرض الجند وكتب منهم عدة أمراء وأعلمهم بأن السفر يكون بعد أن يربع الخيل.
وفي رجب جاءت الأخبار من حلب بأن سوار قد استولى على سيس وقلعتها، ففزع السلطان لهذا الخبر. وفي شعبان عين السلطان الأمير برسباي قرا أحد المقدمين بأن يخرج جاليش العسكر إلى سوار قبل خروج الأمير يشبك، فخرج معه عدة من الجند وبعث إليه السلطان أربعة آلاف دينار.
وفي شوال كان خروج العسكر المعين إلى سوار، فخرج الأمير يشبك الدوادار الكبير وأزدمر الأستادار وكاشف الكشاف وباش العسكر فكان في غاية العز والعظمة، وقد فوض إليه السلطان أمور البلاد الشامية والحلبية وغير ذلك من البلاد وجعل له الولاية والعزل في جميع أحوال المملكة وكتب معه خمسمائة علامة ويكتب على البياض. وجعل له التصرف في جميع النواب والأمراء ما خلا نائب حلب ونائب الشام فقط، فكان له ما خرج يوم مشهود وطلب طلبا حافلا بحيث لم يعمل مثله قط، وجر في طلبه عدة خيول ملبسة بركستونات فولاذ مكفتة بالذهب وبركستونات مخمل ملون وصنع في رنكه (لونه) صفة سبع، وقد اقترح أشياء عجيبة غريبة لم يسبق إليها، ورسم لمماليكه بأن تخرج في الطلب باللبس الكامل، وخرج صحبته الأمراء الذين تقدم ذكرهم ومن الجند نحو ألفي مملوك فرجت له القاهرة، واستمرت الأطلاب تنسحب إلى قريب الظهر، ثم خرج العسكر
أفواجا أفواجا حتى سد الفضاء وكانوا من أعيان الشجعان فتفاءل الناس بأن هذا العسكر ينتصر وأن سوارا مأخوذ لا محالة وكذا جرى.(3/59)
وفي شوال كان خروج العسكر المعين إلى سوار، فخرج الأمير يشبك الدوادار الكبير وأزدمر الأستادار وكاشف الكشاف وباش العسكر فكان في غاية العز والعظمة، وقد فوض إليه السلطان أمور البلاد الشامية والحلبية وغير ذلك من البلاد وجعل له الولاية والعزل في جميع أحوال المملكة وكتب معه خمسمائة علامة ويكتب على البياض. وجعل له التصرف في جميع النواب والأمراء ما خلا نائب حلب ونائب الشام فقط، فكان له ما خرج يوم مشهود وطلب طلبا حافلا بحيث لم يعمل مثله قط، وجر في طلبه عدة خيول ملبسة بركستونات فولاذ مكفتة بالذهب وبركستونات مخمل ملون وصنع في رنكه (لونه) صفة سبع، وقد اقترح أشياء عجيبة غريبة لم يسبق إليها، ورسم لمماليكه بأن تخرج في الطلب باللبس الكامل، وخرج صحبته الأمراء الذين تقدم ذكرهم ومن الجند نحو ألفي مملوك فرجت له القاهرة، واستمرت الأطلاب تنسحب إلى قريب الظهر، ثم خرج العسكر
أفواجا أفواجا حتى سد الفضاء وكانوا من أعيان الشجعان فتفاءل الناس بأن هذا العسكر ينتصر وأن سوارا مأخوذ لا محالة وكذا جرى.
سنة 876 استرداد عينتاب وآدنة وطرسوس من شاه سوار
قال ابن إياس: في صفر جاءت الأخبار من حلب بأن الأمير يشبك الدوادار أخذ قلعة عينتاب من جماعة سوار وأن سوارا أخذ أولاده وعياله وأودعهم بقلعة زمنوطو وصار عنده التتر من العسكر بخلاف العادة.
وفيه جاءت الأخبار بأن الأمير يشبك أخذ من سوار ما كان استولى عليه من آدنة وطرسوس وتحارب مع جماعة سوار أشد المحاربة حتى طردهم من تلك البلاد وملكها.
وفي جمادى الأولى حضر محمد بن نائب بهسنى بمكاتبة يذكر فيها انحلال أمر سوار من الأمير يشبك وأن عسكر سوار قد فل عنه وهو خائف من العسكر، ثم أرسل الأمير يشبك يطلب من السلطان نفقة للعسكر يتوسع بها فإن العليق كان هناك مشحوتا، فبعث له السلطان مائة ألف دينار تفرق على العسكر هناك.
وفي جمادى الآخرة وصل قاصد من عند الأمير يشبك الدوادار وعلى يده مكاتبة يذكر فيها أنه وقع بينه وبين عسكر سوار واقعة مهولة على نهر جيحون وجرح فيها الأمير تمراز النمشي في يده بسهم نشاب، وكان أول من ألقى نفسه في النهر، فلما بلغ العسكر رموا أنفسهم في النهر خلفه فجرح تمراز وأغمي عليه، فحملوه ورجعوا به إلى الوطاق.
ثم إن الأمير يشبك ثبت وقت الحرب وزحف بالعسكر على عسكر شاه سوار وكان بين الفريقين ساعة تشيب فيها النواصي، فانكسر عسكر سوار كسرة بليغة وقتل منه ما لا يحصى عدة. وهرب سوار في نفر قليل من عسكره وطلع إلى قلعة زمنوطو واختفى. فلما بلغ الأمير يشبك أن سوارا في قلعة زمنوطو حاصرها أشد المحاصرة ورمى بالمدافع واستمر محاصرا لها.
وفي رمضان جاءت الأخبار من عند يشبك الدوادار بأن شاه سوار قد تلاشى أمره وفل عنه غالب عسكره وأرسل يطلب الصلح من الأمير يشبك وأن يكون نائبا عن
السلطان في قلعة درندة وأنه يرسل ولده بمفاتيح القلعة، فما وافق السلطان على ذلك إلا أن يحضر سوار بنفسه ويقابل السلطان.(3/60)
وفي رمضان جاءت الأخبار من عند يشبك الدوادار بأن شاه سوار قد تلاشى أمره وفل عنه غالب عسكره وأرسل يطلب الصلح من الأمير يشبك وأن يكون نائبا عن
السلطان في قلعة درندة وأنه يرسل ولده بمفاتيح القلعة، فما وافق السلطان على ذلك إلا أن يحضر سوار بنفسه ويقابل السلطان.
وفي ذي الحجة وصل قاصد من عند يشبك الدوادار ومعه مكاتبة يخبر فيها أن سوارا يطلب الأمان لنفسه وأنه يقيم بقلعة زمنوطو هو وعياله، فقال له الأمير يشبك: حتى نكاتب السلطان بذلك.
سنة 877 ذكر القبض على شاه سوار وقتله
قال ابن إياس: في المحرم حضر قاني باي صلق وعلى يده مكاتبة الأمير يشبك الدوادار تتضمن القبض على شاه سوار ونزوله من قلعة زمنوطو، وقد وصل قاني باي من حلب إلى مصر في ثلاثة عشر يوما، فلما صحت هذه الأخبار عند السلطان سر بذلك وخلع على قاني باي خلعة حافلة وكذلك سائر الأمراء خلعوا عليه.
وكان من ملخص أخبار القبض على شاه سوار أنه لما طلع إلى قلعة زمنوطو واختفى بها حاصره الأمير يشبك الدوادار أشد المحاصرة، وقد فل عن سوار عسكره وأراد الله خذلانه فأرسل يطلب الأمير تمراز النمشي قريب السلطان، فتلطف الأمير يشبك بالأمير تمراز حتى وافقه إلى طلوعه إلى سوار، فطلع إلى قلعة زمنوطو وصحبته القاضي شمس الدين بن أجا الحلبي قاضي العسكر (1) وهو والد القاضي كاتب السر الآن، فلما طلع الأمير تمراز إلى سوار واجتمع به تعلل سوار بأنه يلبس خلعة السلطان ويبوس الأرض ولا يقابل الأمير يشبك، فما وافقه الأمير تمراز على ذلك، فقال له سوار: أنا قتلت من العسكر جماعة كثيرة وأخشى إذا نزلت إليهم يقتلونني، فقال
__________
(1) هو محمد بن محمود بن خليل الحلبي المعروف بابن أجا وكان مرافقا للأمير يشبك في هذه الحملة وألف في ذلك رحلة في 130صحيفة من حين خروج يشبك إلى حين عوده إلى مصر، وقد تفضل بإرسالها إلينا إعارة من مصر سعادة المفضال أحمد تيمور باشا، وقد تصفحتها فوجدت ملخصها فيما نقلته هنا عن ابن إياس وغيره فاكتفيت بذلك، وكتب على ظاهرها أن ولادته سنة 820بحلب وتوفي بها سنة 881كما في ترجمته في الضوء اللامع.(3/61)
الأمير تمراز: ضمانك علي فما يصيبك شيء، فما وافق سوار على نزوله من القلعة، فقام الأمير تمراز والقاضي شمس الدين بن أجا من عنده والمجلس مانع. فلما عاد الأمير تمراز بالجواب على الأمير يشبك لم يوافق على ذلك وحاصر سوار وضيق عليه ورمى عليه بالمدافع فما أطاق سوار ذلك، فأرسل بطلب الأمير تمراز والقاضي شمس الدين بن أجا ثانيا على أنه ينزل صحبتهما، فطلع إليه الأمير تمراز وابن أجا ثانيا فطال بينهما المجلس، وقيل إن سوارا أضاف الأمير تمراز وابن أجا بقلعة زمنوطو، فلما طال جلوس الأمير تمراز وابن أجا بقلعة زمنوطو عند سوار ماج العسكر على بعضه، وأشيع بأن سوار قد قبض على الأمير تمراز وابن أجا، فلما مضى من النهار النصف الأول نزل الأمير تمراز هو والقاضي ابن أجا وصحبتهما شاه سوار وهو في نفر قليل من عسكره، فتوجه إلى وطاق الأمير يشبك الدوادار ونزل عن فرسه ودخل على الأمير يشبك في الخيمة، فقام إليه ورحب به وأحضر إليه خلعة وألبسها له، فلما أراد الانصراف من عنده قال الأمير يشبك: امض إلى نائب الشام وسلم عليه.
وكان يومئذ برقوق نائب الشام، فلما توجه إليه سوار نزل عن فرسه ودخل إلى برقوق وصحبته الأمير تمراز، فلما وقف بين يدي برقوق قال له برقوق: من أنت؟ قال له: أنا سوار، قال: أنت سوار؟ قال: نعم أنا سوار، فجعل يكرر عليه هذا الكلام فيقول له نعم أنا سوار. ثم قال له برقوق: أنت الذي قتلت الأمراء والعسكر؟ فسكت سوار، ثم قال برقوق: أحضروا له خلعة، فأتوا إليه بخلعة وفي ضمنها زنجير، فلما ألبسوها له وضعوا الزنجير في عنقه، فلما رأى جماعة سوار أنه وضع في رقبته زنجير ثاروا على جماعة برقوق وسلوا سيوفهم، وكان برقوق أكمن كمينا حول الخيمة وهم لابسون آلة الحرب فهجموا على جماعة سوار وقطعوهم ثم قبضوا على سوار وأدخلوه في بعض الخيام، فلما رأى الأمير تمراز ذلك شق عليه وقال لبرقوق: أنا نزلت بسوار من القلعة وحلفت له أنكم لا تشوشون عليه فكيف يبقى أحد يأمن لكم، فأخرق برقوق بالأمير تمراز إخراقا فاحشا وربما لكمه، فخرج تمراز من عند برقوق وهو غضبان. وكان الأمير يشبك حلف للأمير تمراز أنه إذا قابله سوار لا يقبض عليه ولا يشوش عليه، فلما نزل إليه سوار ندب برقوق إلى ما فعله بسوار وكان هذا عين الصواب ودع الأمير تمراز يغضب.
فلما تحقق العسكر القبض على سوار قاموا على حمية وقصدوا التوجه إلى الديار المصرية.(3/62)
تولية الأبلستين للأمير شاه بضاع أخي سوار
ولما قبض على سوار خلع الأمير يشبك على شاه بضاع أخي سوار وقرره عوضا عن أخيه في إمرة الأبلستين. ولما كان يوم الأثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثمانمائة دخل الأمير يشبك الدوادار الى القاهرة وصحبته شاه سوار ودخل سوار قدام الأمير يشبك وهو راكب على فرس وعليه خلعة تماسيح على أسود وعلى رأسه عمامة كبيرة وهو في زنجير كبير طويل وراكب إلى جانبه شخص من الأمراء العشراوات وهو مشكوك مع سوار في الزنجير وكان قدام سوار إخوته وأقاربه وأعيان من قبض عليه من أمرائه ممن نزل معه من قلعة زمنوطو فكانوا نحوا من عشرين إنسانا، وكان يوما مشهودا.
ثم إنهم صلبوا على باب زويلة وخمدت فتنة سوار كأنها لم تكن بعد ما ذهب عليها أموال وأرواح وقتل جماعة كثيرة من الأمراء وكسر الأمراء ثلاث مرات ونهب بركهم، وقد انتهكت حرمة سلطان مصر عند ملوك الشرق وغيرهم حتى إن الفلاحين طمعوا في الترك وتبهدلوا عندهم بسبب ما جرى عليهم من سوار، وكادت أن تخرج المملكة عن الجراكسة، وقد أشرف سوار على أخذ حلب وقد خطب له بالأبلستين وضربت هناك السكة باسمه.
تتمة أخبار سوار وأسباب عصيانه:
قال القرماني في تاريخه في الكلام على الدولة الدلغادرية: في سنة سبعين وثمانمائة قدم أرسلان بن سليمان بن ناصر الدين بك الدلغادري التركماني إلى القاهرة فقتله صاحب مصر لكونه سلم بلاد خربوت إلى حسن الطويل ملك بلاد العراق والموصل وعين مكانه أخاه شاه بداق [بضاع] بن سليمان، واعتضد أخوه شاه سوار بيك بسلطان الروم فاستولى على البستان، ولما بلغ ذلك صاحب مصر أرسل لقتاله جمعا كثيرا من العسكر فهزمهم شاه سوار وأفناهم بالقتل [حسبما شرحناه].
وقال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمته: هو سوار بن سليمان بن ناصر الدين بك دلغادر التركماني ويسمى فيما قيل محمد ويقال له شاه سوار نائب الأبلستين ومرعش، خرج عن الطاعة ومشى على بعض البلاد الحلبية محتجا بأنها لآبائه وأجداده، فقرر الظاهر
خشقدم في سنة إحدى وسبعين عوضه أخاه شاه بضاع على عادته قبل، فاستعان باسترجاعها منه بملك الروم ابن عثمان، وخرج إليه نواب الشام وحلب وغيرها فكسرهم بمواطأة نائب الشام بردبك البجمقدار [ثم ذكر تجهيز العساكر إليه إلى أن ألقي القبض عليه وأخذ إلى مصر وصلب فيها سنة سبع وسبعين وهو ابن بضع وأربعين سنة].(3/63)
وقال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمته: هو سوار بن سليمان بن ناصر الدين بك دلغادر التركماني ويسمى فيما قيل محمد ويقال له شاه سوار نائب الأبلستين ومرعش، خرج عن الطاعة ومشى على بعض البلاد الحلبية محتجا بأنها لآبائه وأجداده، فقرر الظاهر
خشقدم في سنة إحدى وسبعين عوضه أخاه شاه بضاع على عادته قبل، فاستعان باسترجاعها منه بملك الروم ابن عثمان، وخرج إليه نواب الشام وحلب وغيرها فكسرهم بمواطأة نائب الشام بردبك البجمقدار [ثم ذكر تجهيز العساكر إليه إلى أن ألقي القبض عليه وأخذ إلى مصر وصلب فيها سنة سبع وسبعين وهو ابن بضع وأربعين سنة].
قال: وكان فيما قيل يكثر التلاوة من المصحف لطول الطريق ويصوم الاثنين والخميس مع فهم في الجملة ومشاركة في بعض منطق ومعاناة للنظر في النجوم، قد نبذه الشيب ببعض شعرات في لحيته من الجانبين بعمامة مدورة وفوقاني مفتوح مزنّر بقصب بمقلب لطيف على جاري عادة تفصيل التركمان، ووجهه حسن أبيض اللون ظاهر الحمرة مستدير اللحة بشعر أسود جميل الهيئة محترم الشكل، وتألم غير واحد من المقدمين لإتلافه والله يحسن العاقبة.
ذكر الحرب بين المصريين وبين حسن الطويل ملك العراقين
قال ابن إياس: وفي جمادى الآخرة عين السلطان تجريدة إلى حسن الطويل وعين بها من الأمراء المقدمين ثلاثة وهم جاني بك قلقسيز أمير سلاح وسودون الأفرم وقراجا الطويل الإينالي وعدة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات، ومن الجند نحو من خمسمائة مملوك، فلما عينهم أنفق عليهم وأمرهم بالمسير إلى حلب بسرعة من غير تأخير.
وفيه جاءت الأخبار من حلب بأن عسكر حسن الطويل قد استولى على كختا وكركر، وبعث مكاتبة مكتوبة بماء الذهب إلى شاه بضاع صاحب الأبلستين بأن يسلم إليه القلاع التي حوله ولا يخرج عن طاعة، وأرسل له في المكاتبة ألفاظا مزعجة بما معناه وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم، ثم هدده في مكاتبته بأنه متى خالفه يحصل له منه ما هو كيت وكيت.
فأرسل بضاع المكاتبة للسلطان، فلما قرأها السلطان وعلم ما فيها انزعج لذلك وتأثر، ثم عين الأمير يشبك الدوادار باش العسكر وعين تجريدة أعظم من الأولى التي عينها قبل ذلك، فعين بها من الأمراء المقدمين يشبك الدوادار وإينال الأشقر وبرسباي قرا، ومن الأمراء الطبلخانات والعشراوات عدة وافرة وكتب من الجند فوق ألفي مملوك، ثم أنفق عليهم
وأخذوا في أسباب الخروج إلى السفر، فخرجت التجريدة الأولى قبل ذلك وكان باش العسكر جاني بك قلقسيز أمير سلاح ومن معه من الأمراء، فلما رحل من الريدانية خرج الأمير يشبك ومن معه من الأمراء فرجت لهم القاهرة وكان لهم يوم مشهود.(3/64)
فأرسل بضاع المكاتبة للسلطان، فلما قرأها السلطان وعلم ما فيها انزعج لذلك وتأثر، ثم عين الأمير يشبك الدوادار باش العسكر وعين تجريدة أعظم من الأولى التي عينها قبل ذلك، فعين بها من الأمراء المقدمين يشبك الدوادار وإينال الأشقر وبرسباي قرا، ومن الأمراء الطبلخانات والعشراوات عدة وافرة وكتب من الجند فوق ألفي مملوك، ثم أنفق عليهم
وأخذوا في أسباب الخروج إلى السفر، فخرجت التجريدة الأولى قبل ذلك وكان باش العسكر جاني بك قلقسيز أمير سلاح ومن معه من الأمراء، فلما رحل من الريدانية خرج الأمير يشبك ومن معه من الأمراء فرجت لهم القاهرة وكان لهم يوم مشهود.
وفي رجب جاءت الأخبار من حلب بأن ورديش نائب البيرة قد قبض على جماعة من عسكر حسن الطويل وكسر جاليشه فسر السلطان بهذا الخبر.
وفي شعبان حضر قاصد نائب حلب وأخبر أن نائب حلب قبض على عثمان بن أغلبك (1) وشخص آخر كان أستادارا على تقدمة حسن الطويل التي كانت بحلب وقبض على جماعة آخرين نحوا من الأربعين نفرا وقد نسبوا الجميع إلى المواطأة مع حسن الطويل وكانوا يكاتبونه بأخبار المملكة فأمر نائب حلب بشنقهم.
وفي شوال جاءت الأخبار من حلب بأن الأمير يشبك الدوادار دخل إلى حلب وكان له يوم مشهود، فلما استقر بحلب قدم عليه قاصد من عند حسن الطويل وعلى يده مكاتبة شرحها أنه أرسل يطلب جماعته الذين أسروا وسجنوا بحلب وأنهم إذا أطلقوهم يطلق من عنده من الأسرى، وكان عنده دولات باي النجمي الذي كان نائب ملطية وجماعة آخرون فلم يلتفت إليه يشبك ولا أجابه عن ذلك بشيء.
وفي ذي القعدة جاءت الأخبار من حلب بأن الأمير يشبك بعث جماعة من العسكر إلى البيرة لقتال عسكر حسن الطويل وقد بلغه أن حالهم تلاشى إلى الفرار وأن حسن الطويل أرسل يكاتب الإفرنج ليعينوه على قتال عسكر مصر، وهذا أول ابتداء عكسه لكون أرسل يستعين بالإفرنج على قتال المسلمين.
وفيه جاءت الأخبار بأن ابن عثمان ملك الروم أرسل قاصده إلى الأمير يشبك بأن يكون عونا للسلطان على قتال حسن الطويل فأكرم القاصد وأرسل صحبته القاضي شمس الدين ابن أجا الحلبي قاضي العسكر بأن يتوجه إلى ابن عثمان وعلى يده هدية حافلة ومكاتبة بأن ينشىء بينه وبين السلطان مودة بسبب أمر حسن الطويل.
وفيه وصل إلى السلطان مكاتبة من عند ابن الصوا من حلب يخبر فيها بأن الأمير يشبك قد انتصر على عسكر حسن الطويل ورحلهم عن البيرة وأن ولد حسن الطويل قد
__________
(1) هو باني الجامع في المحلة المعروفة به المشهورة الآن بمحلة باب الأحمر، وانظر ترجمته في القسم الثاني في وفيات سنة 878.(3/65)
جرح جراحات بالغة وآخر من أولاده أصيب في عينه ووقع بين الفريقين مقتلة شديدة، ثم رحل عسكر حسن الطويل من البيرة وقد خذلهم الله تعالى بعد ما عدوا من الفرات وطرقوا البلاد الحلبية من أطرافها. وعاد الأمير يشبك إلى الديار المصرية فدخلها في سنة 878.
سنة 879
قال ابن إياس: في هذه السنة في المحرم قدم قاصد حسن الطويل وعلى يده مكاتبة تتضمن الاعتذار عما كان منه وأن ذلك لم يكن باختياره، فأكرم السلطان ذلك القاصد وأظهر العفو عما جرى منه.
وفي جمادى الأولى عاد الأمير يشبك الجمالي الذي كان توجه إلى ابن عثمان ملك الروم وقابل السلطان في خليج الزعفران وعليه خلعة ابن عثمان ومكاتبة تتضمن التودد بينهما فانسر السلطان بذلك.
سنة 880
قال ابن إياس: في ربيع الآخر من هذه السنة جاءت الأخبار من حلب بأن (أغرلو) بن حسن الطويل قد وقع بينه وبين أبيه وقد بعث يستنجد بنائب حلب على أبيه، فجهز نائب حلب معه جماعة من عساكر حلب وجعل عليهم باش إينال الحكيم أتابك حلب وجانم السيفي وجاني بك نائب جده وكان يومئذ نائب البيرة ودولات باي المحجوب وآخرين من أمراء حلب، فلما خرجوا إلى عسكر حسن الطويل تقاتلوا معهم فانكسر عسكر حلب وجرح محمد أغرلو جرحا بليغا ورجع إلى حلب في خمسة أنفار وأن إينال الحكيم فقد في المعركة وأن دولات باي أسر في المعركة وقتل من عسكر حلب جماعة كثيرة، فلما بلغ السلطان هذا الخبر تشوش له وعين جماعة من الأمراء منهم الأتابكي أزبك ويشبك الدوادار وتمراز رأس نوبة النوب وأزدمر الطويل حاجب الحجاب وبرسباي قرا وخاير بك بن حديد ووردبش وعين من الأمراء الطبلخانات والعشراوات عدة وافرة وأمرهم بأن يتجهزوا ويكونوا على يقظة حتى يرد عليهم من أمر حسن الطويل ما يكون، فاضطربت أحوال العسكر، فبينما هم على ذلك إذ ورد كتاب من ابن الصوا يخبر فيه بأن عسكر حسن الطويل عاد إلى بلاده ولم يحصل منه ضرر.(3/66)
وفي جمادى الأولى وصل القاضي شمس الدين بن أجا قاضي العسكر وكان قد توجه قاصدا إلى حسن الطويل فأخبر بأن الطاعون قد هجم في بلاده ومات من عسكره ما لا يحصى وقد تلاشى أمره فسر السلطان بهذا الخبر.
وفيه قدمت إلى القاهرة زوجة حسن الطويل أم ولده محمد أغرلو تستجير لولدها محمد بالسلطان بأن يشفع له عند أبيه ويصلح بينهما، فأكرمها السلطان وأنزلها بدور الحريم
وفي جمادى الآخرة جاءت الأخبار من بلاد الشرق بوقوع فتنة بين شاه بضاع ابن دلغادر صاحب الأبلستين وبين ابن قرمان ووقع بينهما مقتلة عظيمة. ووقع أيضا بين حسن الطويل وبين أخيه أويس وبعث إليه طائفة من عسكره بالرها فحاربوا أويسا وقتلوه ومن معه من العسكر.
سنة 881 ذكر توجه قانصوه اليحياوي نائب حلب إلى مصر وعوده إلى النيابة
قال ابن إياس: في جمادى الأولى في هذه السنة حضر إلى الأبواب الشريفة قانصوه اليحياوي نائب حلب، وكان قد أشيع عنه أنه قد خرج عن الطاعة، فلما حضر خلع عليه السلطان باستمراره وبطلت تلك الإشاعة، وكان القائم في أمر مساعدته الأتابكي أزبك أمير كبير.
سنة 882 ذكر مجيء السلطان قايتباي إلى حلب وعوده إلى مصر
قال ابن إياس: في جمادى الأولى خرج السلطان على حين غفلة من العسكر وتوجه إلى الصالحية، ثم بعد أيام أشيع بأن السلطان توجه من هناك إلى البلاد الشامية، فتعجب الناس من ذلك وكان في نفر يسير من العسكر بحيث إنه كان معه من المماليك نحو من أربعين مملوكا من خواصه وكان معه بعض أمراء عشراوات وتاني قرا الدوادار الثاني وآخرون من الأمراء.
وفي شعبان وصل هجان من عند السلطان وأخبر بأن السلطان دخل حلب وأقام بها وهو قاصد إلى جهة الفرات وقد عرج قبل دخوله إلى حلب نحو طرابلس.(3/67)
وفي رمضان جاءت الأخبار من حلب بأن السلطان لما توجه إلى الفرات أقام هناك أياما ثم عاد إلى حلب ورحل عنها، وكان القصد من هذه السياحة الكشف عن أمر النواب والقلاع بنفسه.
وفي شوال عاد السلطان إلى القاهرة ودخلها في موكب عظيم.
وفي هذه السنة توفي السلطان حسن الطويل ملك العراقين وتولى بعده السلطنة ولده خليل.
سنة 884 ذكر تولية حلب للأمير أزدمر بن مزيد
قال ابن إياس: في ربيع الأول من هذه السنة نقل السيفي قانصوة اليحياوي من نيابة حلب إلى نيابة الشام عوضا عن جاني بك قلقسيز بحكم وفاته، ونقل أزدمر قريب السلطان من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب عوضا عن قانصوه اليحياوي بحكم انتقاله إلى نيابة الشام.
قال رضي الدين الحنبلي في تاريخه در الحبب في ترجمة أزدمر المذكور: ولي كفالة حلب في دولة قريبه السلطان الملك الأشرف قايتباي ودخل حلب متوليا في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وثمانمائة في أبهة وتجمل وألبس القضاة والأمراء وأركان الدولة الخلع على العادة، وكان شجاعا سيىء الخلق حضر الوقعة التي كانت بين عسكري السلطان قايتباي والسلطان بايزيد فاقتحم المعركة فضرب بسيف على أنفه وفمه فسماه الناس بأزدمر الأشرم من يومئذ.
وكان بحلب طائفة من العتاة الأبطال يعرفون بالحوارنة في دولة الجراكسة، وكانوا ذوي بطش وسفك لدماء أعوان الظلمة كالأستادار فمن دونه، حتى كانوا يقولون: نحن نقتل فلانا ونعطي ديته معلاقا لأنهم كانوا قصّابين أو من ذرية القصاّبين يأوون طرف باب المقام والقصيلة، فبطشوا ببعض أعوان أزدمر فصار يتتبعهم ليقتلهم، فحصروه مرة بدار العدل فخشي شيخهم ابن بسيرك من عاقبة الأمر فأمرهم أن يطردوه بالسلاح والحجارة صورة، ففعلوا فهرب إلى دار العدل وقال لأزدمر: إن لم تناد لهم بالأمان والاطمئنان وإلا قتلوك وقتلوني، ومتى أطمأنوا فتتبع واقتل، فنادى ثم أمسك منهم بعد مدة طائفة وأمر بإحضارهم متى كان القضاة الأربعة عنده في يوم الموكب وكان منهم جدي الجمال الحنبلي ولكن بحيث
لا يرونهم، وأمر الجلاد بقتلهم ليلبس على السلطان أنهم قتلوا بالشرع يوم الموكب بحضرة جميع القضاة، فالتفت جدي فإذا أحدهم قد ضربت عنقه، فأغلظ جدي له القول وقام من المجلس، وقام باقي القضاة معه فحقنت دماء الباقين بسببه وكان يملك ألف مملوك.(3/68)
وكان بحلب طائفة من العتاة الأبطال يعرفون بالحوارنة في دولة الجراكسة، وكانوا ذوي بطش وسفك لدماء أعوان الظلمة كالأستادار فمن دونه، حتى كانوا يقولون: نحن نقتل فلانا ونعطي ديته معلاقا لأنهم كانوا قصّابين أو من ذرية القصاّبين يأوون طرف باب المقام والقصيلة، فبطشوا ببعض أعوان أزدمر فصار يتتبعهم ليقتلهم، فحصروه مرة بدار العدل فخشي شيخهم ابن بسيرك من عاقبة الأمر فأمرهم أن يطردوه بالسلاح والحجارة صورة، ففعلوا فهرب إلى دار العدل وقال لأزدمر: إن لم تناد لهم بالأمان والاطمئنان وإلا قتلوك وقتلوني، ومتى أطمأنوا فتتبع واقتل، فنادى ثم أمسك منهم بعد مدة طائفة وأمر بإحضارهم متى كان القضاة الأربعة عنده في يوم الموكب وكان منهم جدي الجمال الحنبلي ولكن بحيث
لا يرونهم، وأمر الجلاد بقتلهم ليلبس على السلطان أنهم قتلوا بالشرع يوم الموكب بحضرة جميع القضاة، فالتفت جدي فإذا أحدهم قد ضربت عنقه، فأغلظ جدي له القول وقام من المجلس، وقام باقي القضاة معه فحقنت دماء الباقين بسببه وكان يملك ألف مملوك.
وأنشأ بحلب خانا بسوق الصابون وحماما بساحة باب المقام وتربة بقرب سعد الأنصاري دفن بها زوجته، وكانت صالحة يخاف هو منها مع سطوته والدار التي دخلت الآن في خبر كان وذكرنا شيئا من خبرها (هكذا (1)) ومع شهامته كان يذهب إلى الجديدة فيشرب الخمر بها وعاد منها مرة وهو سكران فاضطرب 1هـ.
قال ابن إياس: وفي ذي الحجة جاءت الأخبار بوفاة خليل بن حسن الطويل ملك العراقين قتله بعض أمرائه، ولما مات ولي بعده أخوه يعقوب وكان من خيار بني حسن الطويل.
سنة 885 ذكر عصيان سيف أمير آل فضل في نواحي حماة وتوجه الأمير يشبك إلى حماة بسبب ذلك
قال ابن إياس: في صفر من هذه السنة جاءت الأخبار من حماة بوقوع فتنة كبيرة فيها قتل فيها نائب حماة أزدمر بن أزبك قريب السلطان، وسبب ذلك أن سيف أمير آل فضل كان قد خرج عن الطاعة فحاربه أزدمر نائب حماة فقتل في المعركة وقتل معه جمع من أمراء حماة فانزعج السلطان لهذا الخبر جدا.
وفي ربيع الأول عين السلطان الأمير يشبك الدوادار للخروج إلى حماة بسبب قتال سيف أمير آل فضل الذي قتل أزدمر نائب حماة، وهذه السفرة كانت آخر العهد بالأمير يشبك ولم يعد منها إلى مصر، وعين معه من الأمراء المقدمين برسباي قرا وتاني بك قرا وعدة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات وعدة وافرة من الجند، وقد لهج الناس بأن هذه
__________
(1) جاء ذكر هذه الدار في «در الحبب» في ترجمة برهان الدين بن أبي شريف (إبراهيم بن محمد).(3/69)
التجريدة خرجت إلى سيف وكان الأمر كذلك وراح أكثر الأمراء والعسكر على السيف فكان كما قيل في المعنى:
لا تنطقن بما كرهت فربما ... نطق اللسان بحادث سيكون
وكان الأمير يشبك له غرض تام في السفر إلى ديار بكر وقد سأل السلطان في ذلك بنفسه، والسبب في ذلك أن الأمير يشبك كان وقع بينه وبين جلبان السلطان بسبب جانم الشريفي (أحد الأمراء اتهم الأمير يشبك في قتله) فصار معهم في تهديد وقصدوا قتله غير ما مرة، فحسن له بعض الأعاجم أن مملكة حسن الطويل سائبة وأن العسكر مختلف على ابنه يعقوب ومتى حاربتهم لا يقدرون على محاربتك ويسلمونك مملكة العراق قاطبة، فانصاع الأمير يشبك لهذا الكلام وسأل السلطان السفر بنفسه حتى يجعل الله لكل شيء سببا لنفوذ القضاء والقدر كما قيل في المعنى:
أتطمع من ليلى بوصل وإنما ... تقطع أعناق الرجال المطامع
فلما عين السلطان الأمراء وعرض من بعد ذلك الجند وكتب منهم نحوا من خمسمائة مملوك وأنفق عليه أزيد من مائة ألف دينار وأمرهم بسرعة التجهيز والخروج صحبة الأمير يشبك. وفي ربيع الآخر خرج الأمير يشبك إلى التجريدة من غير طلب لذلك وكان عليه خمدة زائدة فتفاءل الناس أنه لا يعود إلى مصر أبدا وكذا جرى.
وفي شوال جاءت الأخبار من الرها بوقوع كائنة عظيمة طامة قتل فيها الأمير يشبك الدوادار وانكسر العسكر قاطبة وقتل الأكثر منهم، وكان سبب ذلك أن الأمير يشبك لما دخل إلى حلب كان صحبته نائب الشام ونائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة والعسكر الشامي والحلبي والمصري وغير ذلك من العسكر، فلما استقر بحلب بلغه أن سيف أمير آل فضل الذي خرج بسببه قد فر وتوجه إلى نواحي الرها، فقوي عزم الأمير يشبك بأن يعدي من الفرات ويتبع سيفا في أي مكان كان فيه. فعدى من الفرات هو والعساكر فاجتمع معه فوق عشرة آلاف إنسان، فلما عدى توجه إلى نحو الرها، وكان المتولي أمرها يومئذ شخص يقال له بابندر أحد نواب يعقوب بك ابن حسن الطويل فحاصر الأمير يشبك مدينة الرها أشد المحاصرة، فلما أشرف على أخذها أرسل بابندر يتلطف بالأمير يشبك ويقول له: ضمان مسك سيف عليّ، وأرسل يقول له: ارحل من الرها وأنا أجمع لك من المدينة مالا له صورة، فأبى الأمير يشبك من ذلك لما رأى من كثرة
العساكر التي كانت معه فطمعت آماله في أخذ مدينة الرها ويزحف بعد ذلك على ملك العراق كما حسنوا له ذلك، فزعق النفير وركب العسكر قاطبة، فبرز بابندر ومن معه من العسكر وتحارب معهم فلم تكن إلا ساعة يسيرة وقد انكسر عسكر مصر قاطبة وبقية العسكر قاطبة، فأسر الأمير يشبك وهو راكب على ظهر فرسه فأتوا به إلى بابندر وأسروا نائب الشام قانصوه اليحياوي ونائب حلب أزدمر بن مزيد ونائب حماة جانم الجداوي وقتل بردبك قريب السلطان نائب طرابلس وأسر برسباي قرا حاجب الحجاب وتاني بك قرا أحد المقدمين، وقتل من الأمراء العشراوات ومن أمراء الشام وحلب ما لا يحصى وقتل من العساكر التي كانت مع الأمير يشبك ما لا يحصى عددهم، وكانت حوافر الخيل لا تطأ إلا على جثث القتلى من العسكر.(3/70)
وفي شوال جاءت الأخبار من الرها بوقوع كائنة عظيمة طامة قتل فيها الأمير يشبك الدوادار وانكسر العسكر قاطبة وقتل الأكثر منهم، وكان سبب ذلك أن الأمير يشبك لما دخل إلى حلب كان صحبته نائب الشام ونائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة والعسكر الشامي والحلبي والمصري وغير ذلك من العسكر، فلما استقر بحلب بلغه أن سيف أمير آل فضل الذي خرج بسببه قد فر وتوجه إلى نواحي الرها، فقوي عزم الأمير يشبك بأن يعدي من الفرات ويتبع سيفا في أي مكان كان فيه. فعدى من الفرات هو والعساكر فاجتمع معه فوق عشرة آلاف إنسان، فلما عدى توجه إلى نحو الرها، وكان المتولي أمرها يومئذ شخص يقال له بابندر أحد نواب يعقوب بك ابن حسن الطويل فحاصر الأمير يشبك مدينة الرها أشد المحاصرة، فلما أشرف على أخذها أرسل بابندر يتلطف بالأمير يشبك ويقول له: ضمان مسك سيف عليّ، وأرسل يقول له: ارحل من الرها وأنا أجمع لك من المدينة مالا له صورة، فأبى الأمير يشبك من ذلك لما رأى من كثرة
العساكر التي كانت معه فطمعت آماله في أخذ مدينة الرها ويزحف بعد ذلك على ملك العراق كما حسنوا له ذلك، فزعق النفير وركب العسكر قاطبة، فبرز بابندر ومن معه من العسكر وتحارب معهم فلم تكن إلا ساعة يسيرة وقد انكسر عسكر مصر قاطبة وبقية العسكر قاطبة، فأسر الأمير يشبك وهو راكب على ظهر فرسه فأتوا به إلى بابندر وأسروا نائب الشام قانصوه اليحياوي ونائب حلب أزدمر بن مزيد ونائب حماة جانم الجداوي وقتل بردبك قريب السلطان نائب طرابلس وأسر برسباي قرا حاجب الحجاب وتاني بك قرا أحد المقدمين، وقتل من الأمراء العشراوات ومن أمراء الشام وحلب ما لا يحصى وقتل من العساكر التي كانت مع الأمير يشبك ما لا يحصى عددهم، وكانت حوافر الخيل لا تطأ إلا على جثث القتلى من العسكر.
ذكر قتل الأمير يشبك الدوادار
وأما الأمير يشبك الدوادار فإنه أقام في الأسر ثلاثة أيام ثم في اليوم الرابع بعث إليه بعبد أسود من عبيد التركمان قطع رأسه تحت الليل وأحضرها بين يدي بابندر، وقيل إنه حز رأسه بالسيف عدة مرات وهي لا تنقطع فقطعها بسكين صغير وعذبه غاية العذاب، فلما طلع النهار وجدوا جثته بغير رأس وهي مرمية على قارعة الطريق وعورته مكشوفة حتى ستره بعض الغلمان بحشيش من الأرض، فلما قطعت رأس الأمير يشبك بعث بها بابندر إلى بلاد العجم إلى يعقوب بن حسن الطويل فكان له يوم مشهود بمدينة ماردين وطافوا بها بلاد العجم وهي على رمح، وألبسوا رأس الأمير يشبك تخفيفته الكبيرة لما طافوا بها، وطافوا بالنواب والأمراء الذين أسروهم في قيود وزناجير والمماليك الذين أسروا مشاة، وأرسل بابندر إلى يعقوب بن حسن جميع ما نهبه من العسكر من مال وخيول وسلاح وقماش وبرك وغير ذلك مما لا يحصى، وكانت هذه الكسرة على عسكر مصر من الوقائع الغريبة. وكان قتل الأمير يشبك في العشر الأخير من رمضان سنة خمس وثمانين وثمانمائة بالرها وقد ساقه أجله حتى خرج في هذه التجريدة بسبب سيف أمير آل فضل فكانت منيته بالرها. وكان الأمير يشبك باغيا على بابندر، فإنه قصد محاربته من غير سبب ولا موجب لذلك فكان كما قيل:
من لاعب الثعبان في وكره ... يوما فلا يأمن من لسعته
وقد نهى بعض الحكماء عن التوجه إلى بلاد الشرق من غير حاجة فقال:
إذا شئت أن تلقى دليلا إلى الهدى ... لتقفو آثار الهداية من كاف
فخل بلاد الشرق عنك فإنها ... بلاد بلا دال وشرق بلا قاف(3/71)
من لاعب الثعبان في وكره ... يوما فلا يأمن من لسعته
وقد نهى بعض الحكماء عن التوجه إلى بلاد الشرق من غير حاجة فقال:
إذا شئت أن تلقى دليلا إلى الهدى ... لتقفو آثار الهداية من كاف
فخل بلاد الشرق عنك فإنها ... بلاد بلا دال وشرق بلا قاف
ذكر تولية حلب للأمير ورديش
قال ابن إياس: لما ورد الخبر إلى مصر بالقبض على يشبك وانكسار العساكر المصرية ماجت القاهرة عن آخرها واضطربت أحوال السلطان، ثم أشيع بين الناس أن السلطان قصد السفر إلى حلب بنفسه ويقيم بها خوفا من عسكر يعقوب بن حسن أن يطرق بلاد حلب والشام فإن النواب قاطبة كانوا في الأسر عند يعقوب بن حسن.
ثم إن السلطان عين الأتابكي أزبك إلى حلب وعين معه ورديش أحد المقدمين وخلع عليه وأقره في نيابة حلب عوضا عن أزدمر، وعين من الأمراء العشراوات والطبلخانات عدة وافرة منهم جاني بك حبيب أمير أخور وآخرين من الأمراء، ثم عرض الجند وكتب منهم جماعة واستحثهم على الخروج بسرعة قبل أن تهجم عساكر الشرق على حلب، ولولا فعله ذلك لخرج من يده غالب جهات حلب. ثم بعد أيام خرج الأتابكي أزبك من القاهرة هو والعسكر في تجمل زائد وكان له يوم مشهود، وفوض السلطان أمر البلاد الشامية والحلبية للأتابكي أزبك وجعل له التكلم في أمور المملكة من ولاية وعزل.
وفي ذي الحجة جاءت الأخبار من حلب بقتل محمد بن حسن بن الصوا الحلبي نائب قلعة حلب وكان من أخصاء السلطان ثار عليه أهل حلب بسبب مظالم أحدثها بحلب فقتله العامة وقتل فرج بن أغلبك حاجب الحجاب بحلب، وكان رئيسا حشما من أعيان أهل حلب وكان لا بأس به.
سنة 886
قال ابن إياس: في المحرم أرسل السلطان تاني بك الجمالي أحد المقدمين إلى حلب إعانة للأتابكي أزبك فطلب وخرج وكان له يوم مشهود.
وفي صفر جاءت الأخبار من حلب بأن الأتابكي أزبك لما وصل إلى حلب وجد أمر الفتنة التي وقعت بين عسكر مصر وبين بابندر قد سكن أمرها وأن يعقوب بن حسن الطويل شق عليه ما فعله بابندر من سرعة قتله للأمير يشبك الدوادار ولامه على ذلك. ثم
إن الأتابكي أزبك أرسل جاني بك حبيب قاصدا إلى يعقوب بن حسن فتلطفه في الكلام وكان الأمير جاني بك حبيب سيوسا دريّا حلو اللسان، فأكرمه يعقوب وأجله ثم أطلق من كان عنده من الأسرى من النواب والأمراء وغير ذلك فسلمهم للأمير جاني بك فأتى بهم إلى حلب صحبته، فلما بلغ السلطان هذا الخبر سر به جدا.(3/72)
وفي صفر جاءت الأخبار من حلب بأن الأتابكي أزبك لما وصل إلى حلب وجد أمر الفتنة التي وقعت بين عسكر مصر وبين بابندر قد سكن أمرها وأن يعقوب بن حسن الطويل شق عليه ما فعله بابندر من سرعة قتله للأمير يشبك الدوادار ولامه على ذلك. ثم
إن الأتابكي أزبك أرسل جاني بك حبيب قاصدا إلى يعقوب بن حسن فتلطفه في الكلام وكان الأمير جاني بك حبيب سيوسا دريّا حلو اللسان، فأكرمه يعقوب وأجله ثم أطلق من كان عنده من الأسرى من النواب والأمراء وغير ذلك فسلمهم للأمير جاني بك فأتى بهم إلى حلب صحبته، فلما بلغ السلطان هذا الخبر سر به جدا.
وفي رمضان وصل قاصد من عند يعقوب بن حسن الطويل وعلى يديه مكاتبة من عند يعقوب وهو يعتذر فيها مما وقع من بابندر وأن ذلك لم يكن بعلمه، فعتب السلطان على القاصد وخلع عليه وأذن له في السفر.
وفي شوال جاءت الأخبار بوصول الأمير أزبك إلى غزة وصحبته النواب والأمراء الذين كانوا أسروا عند بابندر، فأرسل السلطان هجانا للأتابكي أزبك بأن يقبض على قانصوه اليحياوي الذي كان نائب الشام وأسر عند بابندر ويرسله إلى القدس بطالا وأن بقية الأمراء والنواب يحضرون إلى القاهرة، وكان قد بلغ السلطان بأن قانصوه اليحياوي كان سببا لكسرة العسكر وقتل يشبك فعمل له ذنب كبير بسبب ذلك فكان كما قيل:
له ألف ذنب لا تعد بواحد ... ولي فرد ذنب لا يعادله ألف
سنة 887 ذكر قتل سيف أمير آل فضل
قال ابن إياس: في جمادى الأولى جاءت الأخبار بقتل سيف أمير آل فضل الذي خرج الأمير يشبك الدوادار بسببه كما تقدم، قتله ابن عمه غسان في بعض بلاد العراق.
سنة 888 ذكر محاصرة علي دولات بن دلغادر إلى ملاطية
قال ابن إياس: في جمادى الآخرة جاءت الأخبار بأن علي دولات بن دلغادر قد أتى إلى ملطية في جمع كثير من العساكر وقد حاصر البلد أشد المحاصرة فانزعج السلطان لهذا الخبر.(3/73)
وفيه عرض السلطان الجند وعين تجريدة إلى حلب بسبب علي دولات بن دلغادر وعين بها من الأمراء أزدمر أمير مجلس الذي كان نائب حلب والأمير تغري بردي ططر حاجب الحجاب الثاني وغيرهم من الأمراء ومن الجند نحو خمسمائة مملوك وأنفق عليهم، فبلغت النفقة على الأمراء والجند زيادة عن سبعين ألف دينار.
وفي رجب خرج الأمراء والعسكر إلى التجريدة التي عينت إلى علي دولات ابن دلغادر وكان آخر العهد بالأمير أزدمر أمير مجلس الذي كان نائب حلب فلم يدخل إلى مصر بعد ذلك.
سنة 889 ذكر إرسال تجريدة ثانية إلى ابن دلغادر صاحب مرعش ومبدأ الخلاف بين دولة الجراكسة في مصر والدولة العثمانية وانكسار العساكر المصرية وقتل ورديش نائب حلب
قال ابن إياس: في المحرم عين السلطان تجريدة ثانية تقوية لمن تقدم من العسكر، فعين تمراز النمشي أمير سلاح باش العسكر ومن المقدمين أزبك اليوسفي وعين من الجند نحوا من أربعمائة مملوك من المماليك السلطانية.
وكان سبب تعيين هذه التجريدة أن السلطان قد بلغه أن ابن عثمان ملك الروم [هو السلطان بايزيد ابن السلطان محمد الفاتح رحمه الله تعالى] قد أمد علي دولات بعساكر كثيرة، وهذا أول تحول ابن عثمان على بلاد السلطان، واستمرت الفتن بعد ذلك تتزايد إلى أن كان ما سنذكره في موضعه.
وفي ربيع الأول جاءت الأخبار بأن العسكر الذي خرج من القاهرة قد تقاتل مع علي دولات أخي سوار، وقد كسر العسكر وقتل منهم جماعة كثيرة من الأمراء والجند، فقتل الأمير قاني بك أحد أمراء الطبلخانات وقتل معه جماعة من أمراء حلب والشام.
وفي رمضان جاءت الأخبار من حلب بأن ورديش نائب حلب خرج في جمع من العساكر وتقاتل مع علي دولات أخي سوار، وقد أمده ابن عثمان بجمع كثير من عساكره، فلما التقى العسكران وقع بينهما واقعة مهولة فانكسر العسكر الحلبي وقتل وردبش نائب حلب وجماعة كثيرة من العسكر الحلبي والمصري.(3/74)
وكان ورديش شجاعا بطلا وأصله من مماليك الظاهر جقمق يعرف بوردبش بن محمود شاه وتولى عدة وظائف سنية منها نيابة سيس ثم نيابة قلعة الروم ولم يباشرها ثم تولى نيابة البيرة، ثم بقي أتابك العساكر بحلب ثم بقي مقدم ألف بمصر ثم بقي نائب حلب واستمر بها إلى أن قتل على يد علي دولات باي، وقتل أيضا ألماس نائب صفد وعدة من الأمراء (ذكرهم ابن إياس).
ذكر العود لمحاربة علي دولات وانكسار عساكره
قال: ثم جاءت الأخبار من بعد ذلك بأن الأمير تمراز لما حصلت هذه الكسرة لعسكر حلب ركب هو والأمير أزدمر أمير مجلس [نائب حلب السابق] والعسكر المصري وتوجهوا إلى علي دولات فتقاتلوا معه، فانكسر علي دولات وعسكره وعسكر ابن عثمان ونهبوا جميع بركهم وأخذوا صناجق ابن عثمان ودخلوا بها إلى حلب وهي منكسة، وكانت هذه الحركة أول الفتن مع ابن عثمان واستمرت من يومئذ عمالة (1) مع سلطان مصر ومعه حتى كان من أمرهما ما سنذكره. وكان أصل هذه الفتنة تعصب ابن عثمان لعلي دولات، وكان ابن عثمان متحملا على سلطان مصر في الباطن بسبب أشياء لم تظهر للناس.
ذكر تولية حلب للأمير أزدمر للمرة الثانية
قال ابن إياس: وفي ذي القعدة أرسل السلطان خلعة إلى أزدمر بن مزيد أمير مجلس ورسم له بعوده إلى نيابة حلب كما كان أولا عوضا عن وردبش بحكم قتله عند علي دولات.
وفي ذي الحجة جمع السلطان الأمراء وضربوا مشورة في أمر ابن عثمان بسبب ما وقع منه في تعصبه لعلي دولات، فأشار السلطان هو والأتابكي أزبك وغيره من الأمراء بأن السلطان يرسل هدية على يد قاصده وتزول هذه الوحشة من بينهما، فانصاع السلطان لهذا الكلام وعين في ذلك المجلس الأمير جاني بك حبيب أمير أخور ثاني، وقد تقدم أنه توجه إلى يعقوب بن حسن الطويل ملك العراقين.
__________
(1) لعل قصده متواصلة.(3/75)
سنة 890 ذكر توجه جاني بك حبيب إلى القسطنطينية رسولا وسبب الوحشة بين الدولة المصرية والدولة العثمانية
قال ابن إياس: وفي صفر كان توجه جاني بك حبيب أمير أخور ثاني إلى ابن عثمان، وكان توجهه من الإسكندرية من البحر، وأرسل السلطان صحبته تقليدا من الخليفة إلى ابن عثمان بأن يكون مقام السلطان على بلاد الروم وما سيفتحه الله تعالى على يديه من البلاد الكفرية، وأرسل إليه أيضا الخليفة مطالعة تتضمن تخميد هذه الفتنة التي نشبت بينه وبين السلطان وفي المطالعة بعض ترقق له، والذي استفاض بين الناس أن سبب هذه الفتنة الواقعة بينه وبين السلطان أن بعض ملوك الهند أرسل إلى ابن عثمان هدية حافلة على يد بعض تجار الهند، فلما وصل إلى جدة احتاط عليها نائب جدة وأحضرها صحبته إلى السلطان، وكان من جملة تلك الهدية خنجر قبضته مرصعة بفصوص ثمينة، فطمع السلطان في تلك الهدية وأخذ الخنجر، فلما بلغ ابن عثمان ذلك حنق وجاء في عقب ذلك أن علي دولات ترامى على ابن عثمان وشكى له من أفعال السلطان وما يصدر منه فتعصب لعلي دولات وأمده بالعساكر واستمرت الفتنة تتسع حتى كان منها ما سنذكره في موضعه. وقد طمع غالب ملوك الشرق في عسكر مصر بموجب ما وقع لهم مع سوار وبابندر وغير ذلك من ملوك الشرق.
ثم إن السلطان أرسل الخنجر المذكور والهدية التي بعث بها ملك الهند وأرسل يعتذر إلى ابن عثمان عن ذلك بعد أن صار ما صار فكان كما قيل:
جرى ما جرى جهرا لدى الناس وانبسط ... وعذر أتى سرا يؤكد ما فرط
ومن ظن أن يمحو جليّ جفائه ... خفيّ اعتذار فهو في غاية الغلط
وفي ربيع الأول عرض السلطان العسكر وعين تجريدة إلى علي دولات وعين بها من الأمراء برسباي قرا رأس نوبة النوب وتاني بك الجمالي أحد المقدمين ورسم لهم بأن يتقدموا جاليش العسكر إلى أن يخرج الأتابكي إزبك، ثم أنفق على العسكر الذي تعين للتجريدة فبلغت النفقة زيادة عن مائة ألف دينار.(3/76)
ذكر أول وقعة بين الدولة المصرية والدولة العثمانية واستيلاء العثمانيين على قلعة كولك
قال ابن إياس: في جمادى الآخرة جاءت الأخبار من حلب بأن عسكر ابن عثمان قد استولى على قلعة كولك وكان بها شخص من المماليك السلطانية يقال له طوغان الساعي، فلما حاصروه سلمها إليهم بالأمان وكانت هذه أول وقائع ابن عثمان، ثم اتسع الأمر بعد ذلك وكان ما سنذكره في موضعه.
وفي شعبان جاءت الأخبار بأن عساكر ابن عثمان قد استولوا على أطراف بلاد السلطان، وأرسل أزدمر نائب حلب يستحث السلطان بخروج تجريدة ثقيلة أو يخرج السلطان بنفسه، فتكدر السلطان لهذا الخبر ونادى للعسكر بالعرض ثم عرض الجند بحضرة الأتابكي أزبك وكان هو المشار إليه في تعيين الجند مما يختاره منهم، ثم عرض القرانصة وأولاد الناس وصار الذي لا يطيق السفر منهم يقيم له بديلا كاملا بخيوله ولبسه وغير ذلك ويورد مائة دينار من له إقطاع وجامكية. ثم إن المماليك المعينة للسفر أطلقوا في الناس النار وصاروا يأخذون بغال الناس وخيولهم غصبا حتى أخذوا بغال الطواحين والأكاديش التي بها وتعطلت الطواحين بسبب ذلك وتشحط الخبز من الدكاكين وكادت أن تكون غلوة كبيرة حتى وبخ السلطان المماليك بالكلام ونادى في القاهرة بالأمان والاطمئنان وأن كل من أخذ له بغل أو فرس يطلع إلى أمير أخور كبير يخلصه فسكن الحال قليلا.
ذكر خروج العسكر المعين إلى علي دولات بقيادة الأتابكي أزبك
قال ابن إياس: وفي شوال خرج العسكر المعين إلى علي دولات وكان باش العسكر الأتابكي أزبك، وكان صحبته قانصوه أمير أخور كبير وتاني بك قرا أحد مقدمي الألوف، وقد تقدم قبلهم ستة من الأمراء المقدمين أزدمر أمير مجلس وتغري بردي ططر وقرر بعدهم تمراز أمير سلاح وأزبك اليوسفي أحد الأمراء المقدمين، ثم خرج من بعدهم برسباي قرا
رأس نوبة النوب وتاني بك الجمالي أحد المقدمين، فكان جملة الذين خرجوا أولا وآخرا تسعة أمراء بالأتابكي أزبك ومن الجند نحو من ثلاثة آلاف مملوك مما تقدم في الأول والآخر، وكانت هذه التجريدة من أعظم التجاريد، وطلب الأتابكي أزبك طلبا حافلا حتى رجت له القاهرة، وكذلك قانصوه كان طلبه غاية في الحسن بحيث لم يعمل مثله قط. قيل كان مصروف قانصوه نحوا من ثمانين ألف دينار، وخرج العسكر وهم لابسون آلة الحرب وكان لهم يوم مشهود، وكان مع الأمير أزبك عدة أمراء طبلخانات وعشراوات والجم الغفير من الخاصكية والمماليك السلطانية فعدت هذه التجريدة من النوادر.(3/77)
قال ابن إياس: وفي شوال خرج العسكر المعين إلى علي دولات وكان باش العسكر الأتابكي أزبك، وكان صحبته قانصوه أمير أخور كبير وتاني بك قرا أحد مقدمي الألوف، وقد تقدم قبلهم ستة من الأمراء المقدمين أزدمر أمير مجلس وتغري بردي ططر وقرر بعدهم تمراز أمير سلاح وأزبك اليوسفي أحد الأمراء المقدمين، ثم خرج من بعدهم برسباي قرا
رأس نوبة النوب وتاني بك الجمالي أحد المقدمين، فكان جملة الذين خرجوا أولا وآخرا تسعة أمراء بالأتابكي أزبك ومن الجند نحو من ثلاثة آلاف مملوك مما تقدم في الأول والآخر، وكانت هذه التجريدة من أعظم التجاريد، وطلب الأتابكي أزبك طلبا حافلا حتى رجت له القاهرة، وكذلك قانصوه كان طلبه غاية في الحسن بحيث لم يعمل مثله قط. قيل كان مصروف قانصوه نحوا من ثمانين ألف دينار، وخرج العسكر وهم لابسون آلة الحرب وكان لهم يوم مشهود، وكان مع الأمير أزبك عدة أمراء طبلخانات وعشراوات والجم الغفير من الخاصكية والمماليك السلطانية فعدت هذه التجريدة من النوادر.
ذكر عود جاني بك حبيب من القسطنطينية وإخباره بما لاقاه
قال ابن إياس: وفي ذي القعدة عاد جاني بك حبيب الذي توجه إلى ابن عثمان قاصدا، وكان قد سافر أولا من البحر المالح وعاد من طريق ملطية، فلما طلع بين يدي السلطان كان عليه خلعة ابن عثمان فخلع عليه وعلى من كان معه من الخاصكية. ثم إن جاني بك حبيب خلا بالسلطان وأخبره عن أحوال ابن عثمان بأنه ليس براجع عن أذاه لعسكر مصر وأنه لم ير منه إقبالا ولا أكرمه وأنه غير ناصح للسلطان، فكثر القال والقيل بسبب ذلك.
وفي ذي الحجة جاءت الأخبار من نائب حلب بأن علي دولات أرسل يسأل في الصلح بعد ما اتسع الخرق على الراقع كما قيل في المعنى:
أتروض نفسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم
سنة 891 ذكر الحرب بين العساكر المصرية والعساكر العثمانية وانتصار العساكر المصرية
قال ابن إياس: وفي صفر جاءت الأخبار من حلب بأن العسكر المصري تقاتل مع عسكر ابن عثمان وانتصر على عسكر ابن عثمان وقتل منهم جماعة كثيرة نحوا من أربعين ألفا من توابع عسكره وقبض على أحمد بك بن هرسك وكان باش عسكر ابن عثمان وأجل أمرائه ومعه جماعة من الأمراء أصحاب الصناجق العثمانية وأسروهم وأودعوهم في الحديد، فلما بلغ السلطان ذلك سرّ به.(3/78)
وفي ربيع الأول وصل دوادار نائب حلب وأخبر بصحة كسرة ابن عثمان والقبض على أحمد بك بن هرسك وجماعة من أمراء ابن عثمان وأعيانهم، وقد أخذ العسكر المصري من النهب ما لا يحصى من خيول وجمال وسلاح وبرك وقماش وغير ذلك وأخذوا صناجقهم وكانوا نحوا من مائة وعشرين صنجقا، وقد قطعت عدة وافرة من رؤوس عسكر ابن عثمان وستحضر صحبة قيت الرحبي الساقي الخاصكي، فسر السلطان لهذا الخبر وخلع على دوادار نائب حلب خلعة حافلة.
وفي ربيع الآخر وصل قيت الساقي من حلب ومعه عدة وافرة من الرؤوس التي قطعت من عسكر ابن عثمان، فلما دخل القاهرة زينت له زينة حافلة واصطفت الناس للفرجة فدخل وقدامه الرؤوس محمولة على الرماح وكان عدتها ما يزيد على مائتي رأس.
ذكر عود العساكر العثمانية مع العساكر المصرية
قال ابن إياس: وفي جمادى الآخرة جاءت الأخبار بأن عسكر ابن عثمان لما حصلت لهم تلك الكسرة جمع جيشا كثيفا ورجع إلى المحاربة ثانيا، وأن عسكر السلطان بعد أن رجع إلى حلب خرج ثانيا إلى نحو كولك، فتنكد السلطان إلى الغاية لهذا الخبر ونادى للعسكر بالعرض وعين جماعة من الأمراء المقدمين والجند فكانوا نحوا من خمسمائة مملوك، وكان الباش عليهم يشبك الجمالي الزردكاش الكبير أحد المقدمين، ثم أنفق عليهم واستحثهم على الخروج إلى حلب وضاق الأمر بالسلطان حتى قصد أن يخرج إلى التجريدة بنفسه وأرسل السلطان إلى كرتباي الأحمر كاشف البحيرة بأن يجمع له من طائفة العربان الذين بالبحيرة ما يقدر عليه، ثم عرض جماعة من الزعر وقصد أنه ينفق عليهم لكل واحد ثلاثين دينارا وأن يخرجوا صحبته وصار ينتظر ما يرد عليه من الأخبار، ثم خرج الأمير يشبك الجمالي ومن عين معه من الجند إلى جهة حلب فكان لهم يوم مشهود.
وفي ذي القعدة كان دخول الأتابكي أزبك وبقية الأمراء والجند ممن كانوا مسافرين في التجريدة إلى علي دولات وإلى عسكر ابن عثمان. فلما دخلوا إلى القاهرة كان لهم يوم مشهود، وقدامهم الأسراء من عسكر ابن عثمان وهم مزنجرون والصناجق منكسة وكان
صحبتهم جماعة من أعيان أمرائه وهم بزناجير على خيولهم وصحبتهم باش عسكر ابن عثمان وهو أحمد بك بن هرسك وهو راكب وفي عنقه زنجير. وقيل إن ابن هرسك كان أميرا كبيرا أتابكي ابن عثمان، فلما عرضوا على السلطان عاتب أحمد بن هرسك ووبخه بالكلام ثم سلمه إلى الأمير قانصوه خمسمائة أمير أخور كبير ثم وزع بقية الأسراء على جماعة من المباشرين حتى قضاة القضاة، ثم خلع على الأتابكي أزبك وعلى بقية الأمراء ونزلوا إلى دورهم.(3/79)
وفي ذي القعدة كان دخول الأتابكي أزبك وبقية الأمراء والجند ممن كانوا مسافرين في التجريدة إلى علي دولات وإلى عسكر ابن عثمان. فلما دخلوا إلى القاهرة كان لهم يوم مشهود، وقدامهم الأسراء من عسكر ابن عثمان وهم مزنجرون والصناجق منكسة وكان
صحبتهم جماعة من أعيان أمرائه وهم بزناجير على خيولهم وصحبتهم باش عسكر ابن عثمان وهو أحمد بك بن هرسك وهو راكب وفي عنقه زنجير. وقيل إن ابن هرسك كان أميرا كبيرا أتابكي ابن عثمان، فلما عرضوا على السلطان عاتب أحمد بن هرسك ووبخه بالكلام ثم سلمه إلى الأمير قانصوه خمسمائة أمير أخور كبير ثم وزع بقية الأسراء على جماعة من المباشرين حتى قضاة القضاة، ثم خلع على الأتابكي أزبك وعلى بقية الأمراء ونزلوا إلى دورهم.
سنة 892 ذكر إطلاق أحمد بك بن هرسك قائد العساكر العثمانية
قال ابن إياس: وفي المحرم رسم السلطان بفك قيد أحمد بك بن هرسك الذي قد أسر وكذلك فك قيود من أسر من عسكر ابن عثمان وأخذوا في أسباب تجهيزهم إلى بلادهم وقد أشيع أمر الصلح بين السلطان وابن عثمان.
وفي شوال جاءت الأخبار بفرار شاه بضاع بن دلغادر وكان مسجونا بقلعة دمشق، فلما بلغ السلطان ذلك تنكد إلى الغاية ورسم بشنق نائب قلعة دمشق، ثم جاءت الأخبار بأن شاه لما فر من قلعة دمشق توجه إلى ابن عثمان فأكرمه وأقام عنده إلى أن كان من أمره ما سنذكره في موضعه.
سنة 893 ذكر الحرب بين العساكر المصرية والعثمانية وانتصار المصريين أيضا
قال ابن إياس: في المحرم جاءت الأخبار بأن ابن عثمان أرسل عسكرا عظيما وقصد محاربة عسكر مصر. وفي جمادى الأولى جاءت الأخبار من حلب بأن ابن عثمان جهز عسكرا وقد وصل إلى آدنة، فلما بلغ السلطان ذلك اضطربت أحواله ونادى بالعرض فحضر الأتابكي أزبك باش العسكر فكتب بحضرته من الجند نحوا من أربعة آلاف مملوك
وعين من الأمراء المقدمين أحد عشر أميرا ومن الأمراء الطبلخانات والعشروات زيادة عن ستين أميرا حتى عدت هذه التجريدة من نوادر التجاريد. وقد بلغ السلطان أن ابن عثمان جمع من العساكر ما لا يحصى، فلما عرض الجند وعين الأمراء أخذ في أسباب تفرقة النفقة، ثم إنه عين ثلاثة من الخاصكية بأن يسيروا على الهجن لكشف أخبار ابن عثمان وما يكون من أمره واستحثهم على الخروج ورد الجواب عليه بسرعة.(3/80)
قال ابن إياس: في المحرم جاءت الأخبار بأن ابن عثمان أرسل عسكرا عظيما وقصد محاربة عسكر مصر. وفي جمادى الأولى جاءت الأخبار من حلب بأن ابن عثمان جهز عسكرا وقد وصل إلى آدنة، فلما بلغ السلطان ذلك اضطربت أحواله ونادى بالعرض فحضر الأتابكي أزبك باش العسكر فكتب بحضرته من الجند نحوا من أربعة آلاف مملوك
وعين من الأمراء المقدمين أحد عشر أميرا ومن الأمراء الطبلخانات والعشروات زيادة عن ستين أميرا حتى عدت هذه التجريدة من نوادر التجاريد. وقد بلغ السلطان أن ابن عثمان جمع من العساكر ما لا يحصى، فلما عرض الجند وعين الأمراء أخذ في أسباب تفرقة النفقة، ثم إنه عين ثلاثة من الخاصكية بأن يسيروا على الهجن لكشف أخبار ابن عثمان وما يكون من أمره واستحثهم على الخروج ورد الجواب عليه بسرعة.
وفيه جاءت الأخبار من حلب بأن عسكر ابن عثمان قد استولى على قلعة آياس من غير قتال ولا مانع.
وفي جمادى الآخرة بعث السلطان نفقات الأمراء المقدمين والعشراوات فبلغت النفقة على الأمراء خاصة دون الجند مائة ألف دينار وثلاثة آلاف دينار، ثم أنفق على الجند على العادة فكانت جملة النفقة على الأمراء والجند نحوا من ألف ألف دينار حتى عد ذلك من النوادر ولم يسمع فيما تقدم من الدول الماضية أن أحدا من السلاطين فعل مثل ذلك، وكانت نفقة أزبك الأمير الكبير وحده ثلاثين ألف دينار، وكانت عادة نفقة الأتابكية إلى دولة الظاهر برقوق عشرة آلاف دينار ولم يسمع بأوسع من هذه النفقة قط فكان كما قيل:
تهب الألوف ولا تهاب ألوفها ... هان العدو عليك والدينار
فلما أخذ المماليك النفقة أطلقوا في الناس النار وأخذوا البغال والخيول حتى أكاديش الطواحين وحصل منهم الضرر الشامل في حق التجار وغيرهم.
وفيه كان خروج أزبك أمير كبير ومن عين معه من العسكر وكان يوما مشهودا، واستمرت الأطلاب تنسحب من إشراق الشمس إلى ما بعد الظهر، وخرج العسكر وهم لابسون آلة السلاح حتى عد ذلك من النوادر. وكان طلب أزبك أمير كبير وقانصوه خمسمائة غاية في الحسن حتى قيل كان مصروف طلب قانصوه خمسمائة نحوا من ثمانين ألف دينار، ثم إن الأمراء برزوا ونزلوا بالريدانية واستمروا هناك إلى أن رحلوا ولم تخرج من مصر تجريدة أعظم من هذه لا في زمن الظاهر برقوق ولا غيره.
وفي رجب جاءت الأخبار من حلب بأن ابن عثمان بعث عدة مراكب من البحر وهي مشحونة بالسلاح والعسكر وقد وصلت إلى جهة باب الملك ليقاطع بها على العسكر المصري، فما تم له ذلك وكانت النصرة لعسكر مصر كما سيأتي ذكره.(3/81)
وفي رمضان جاءت الأخبار أن أزبك الأمير الكبير ملك باب الملك واستخلصه من أيدي عسكر ابن عثمان بعد أن أتوا إليه في ستين مركبا وهي مشحونة بالسلاح والمقاتلين، فقلق العسكر من ذلك وانقطعت قلوبهم وظنوا أنهم المأخوذون، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله تعالى بريح عاصفة فغرق غالب تلك المراكب في البحر المالح، والذي فر من البحر من العسكر العثماني وطلع إلى البر قتله العسكر المصري وكانت النصرة لهم على العثمانية على غير القياس.
وفيه ورد الخبر من أزبك الأمير الكبير بأنه في ثامن رمضان وقعت معركة عظيمة بين عسكر مصر وعسكر ابن عثمان فقتل من الفريقين ما لا يحصى، وكان ممن قتل من أمراء مصر دولات باي الحسني رأس نوبة ثاني أصيب بمدفع، وقتل من مماليك السلطان عدة وافرة ومن العسكر العثماني أكثر، وقد هزموا العثمانية وغنم منهم عسكر مصر أشياء كثيرة من خيول وسلاح وغير ذلك، فلما سمع السلطان بهذا الخبر أمر بدق البشائر بالقلعة سبعة أيام.
وفي شوال وصل مغلباى البجمقدار أحد الأمراء العشراوات من مماليك السلطان وصحبته عدة رؤوس قطعت من عسكر ابن عثمان وكانت نحوا من مائتي رأس، فشق مغلباي من القاهرة وقدامه تلك الرؤوس وهي على الرماح وكان له يوم مشهود فخلع عليه السلطان ونزل في موكب حافل.
وفيه جاءت الأخبار بأن العسكر العثماني بعد ما حصلت هذه الكسرة عاد أيضا إلى آدنة وأن العسكر المصري شرع في حصارهم بها، وقد تمادى الأمر في ذلك حتى أخذت بعد مضي ثلاثة أشهر وقتل في مدة هذه المحاصرة من الفريقين ما لا يحصى وآل الأمر إلى أخذها بالأمان وجرى في ذلك أمور يطول شرحها اه.
سنة 894 ذكر عود الأمير أزبك إلى البلاد المصرية وإرسال تجريدة إلى البلاد الحلبية لمجيء الأخبار برجوع العساكر العثمانية
قال ابن إياس: في صفر دخل الأمير الكبير أزبك ومن كان معه مسافرا في التجريدة من الأمراء وبقية العسكر وكان لهم يوم مشهود، ومن العجائب أنه في حالة دخولهم إلى
القاهرة أشيع بين الناس عودهم إلى حلب عن قريب لأن عسكر ابن عثمان قد استولى على سيس وعلى طرسوس وغير ذلك من البلاد الحلبية، وحضر مع الأمير أزبك جماعة كثيرة من عسكر ابن عثمان أتوا طائعين باختيارهم فأنزلهم السلطان في ديوانه وقرر لهم الجوامك وهم إلى الآن باقون في الديوان يسمون العثمانية.(3/82)
قال ابن إياس: في صفر دخل الأمير الكبير أزبك ومن كان معه مسافرا في التجريدة من الأمراء وبقية العسكر وكان لهم يوم مشهود، ومن العجائب أنه في حالة دخولهم إلى
القاهرة أشيع بين الناس عودهم إلى حلب عن قريب لأن عسكر ابن عثمان قد استولى على سيس وعلى طرسوس وغير ذلك من البلاد الحلبية، وحضر مع الأمير أزبك جماعة كثيرة من عسكر ابن عثمان أتوا طائعين باختيارهم فأنزلهم السلطان في ديوانه وقرر لهم الجوامك وهم إلى الآن باقون في الديوان يسمون العثمانية.
وفي ربيع الآخر جاءت الأخبار بأن شاه بضاع بن دلغادر حضر إلى الأبلستين ومعه طائفة من عسكر ابن عثمان وكبس على أخيه علي دولات وقبض على اثنين من أولاده.
وفيه قرر السلطان مملوكه قانصوه الغوري في حجوبية حلب عوضا عن باكير ابن صالح الكردي الذي نقل إلى نيابة قلعة الروم، وقانصوه هذا هو الذي تولى السلطنة فيما بعد.
وفيه جاءت الأخبار من عند نائب حلب بأن عسكر ابن عثمان لما بلغهم رجوع العسكر المصري طمعوا في أخذ البلاد الحلبية وأرسل يستحث السلطان في خروج تجريدة بسرعة لحفظ مدينة حلب، فلما بلغ السلطان ذلك عرض العسكر وعين تجريدة وكتب عدة وافرة من الجند الذين كانوا مقيمين في القاهرة، وجعل الباش على هذه التجريدة قانصوه الشامي أحد مقدمي الألوف ومن الأمراء الطبلخانات يشبك رأس نوبة ثاني وغيرهم، ثم أنفق على الأمراء وأمرهم بسرعة الخروج إلى التجريدة من غير إهمال.
وفي جمادى الآخرة رسم السلطان بسلخ شخص يسمى أحمد بن الديوان من أهل حلب فسلخه في المقشرة وسلخ معه والده محمد وأشهروهما في القاهرة على جمال، وكان أحمد بن الديوان من أعيان الناس الرؤساء بحلب وكان من أخصاء السلطان فنقل أنه كاتب ابن عثمان في شيء من أخبار المملكة، فلما بلغ السلطان ذلك تغير خاطره عليه وجرى عليه أمور يطول شرحها وكانت من الوقائع المهولة.
وفيه خرجت التجريدة ومن عين بها من الأمراء والعسكر وكان يوما مشهودا. قيل قد بلغت النفقة على الأمراء والجند في هذه التجريدة نحوا من مائة وخمسين ألف دينار غير جامكية أربعة أشهر وثمن الجمال وكان السلطان دريا في خروج هذه التجريدة لصون مدينة حلب.(3/83)
وفيه قدم قاصد من عند داود باشا وزير ابن عثمان يشير على السلطان بأن يبعث قاصدا إلى ابن عثمان لعل أن يكون الصلح، فرد له الجواب: إذا أطلق تجار المماليك الذين عنده وبعث مفاتيح القلاع التي أخذها كاتبناه في أمر الصلح وأرسلنا له قاصدا.
وفي شعبان حضر إسكندر بن جيحان أحد الأمراء المقدمين لابن عثمان وقد أسره بعض النواب وكان علي دولات هو القائم في القبض عليه فكان له بالقاهرة لما دخل يوم مشهود، وأسر معه جماعة من العثمانية، فلما عرضوا على السلطان رسم بسجنهم.
سنة 895 ذكر عود شاه بضاع إلى طاعة الدولة المصرية
قال ابن إياس: في المحرم قدم إلى القاهرة شاه بضاع بن دلغادر، وقد تقدم القول بأنه هرب من قلعة دمشق وكان مسجونا بها، فلما هرب توجه الى ابن عثمان والتف على عسكره وملك الأبلستين واستمر في عصيانه مدة طويلة، ثم وقع بينه وبين ابن عثمان فتنة وقصد قتله ففر منه والتجأ إلى السلطان، فلما جاء إليه أكرمه السلطان وخلع عليه ثم بعد مدة أرسله إلى منفلوط ليقيم بها وأجرى عليه ما يكفيه فعد ذلك من جملة سعد السلطان.
ذكر مجيء العساكر العثمانية إلى كولك وإرسال المصريين تجريدة لهم
قال ابن إياس: في ربيع الأول جاءت الأخبار من عند علي دولات بأن ابن عثمان اهتم في تجهيز عساكر وقد وصل أوائلهم إلى كولك، فلما بلغ السلطان ذلك تنكّر وجمع الأمراء وأخذ رأيهم في ذلك فوقع الاتفاق على خروج تجريدة صحبة أمير كبير.
ثم أخذ السلطان في جمع الخمس من نواحي الشرقية كما فعل عند خروج التجريدة الماضية لأجل فرسان العرب لتخرج صحبة أمير كبير باش العسكر، فحصل للمقطعين بسبب ذلك غاية الأذى، وقطع الخمس من خراجهم مرتين.(3/84)
وفيه عرض السلطان أولاد الناس أصحاب الجوامك من ألف درهم فما دونه، وكان أمرهم أن يتعلموا رمي البندق الرصاص قبل ذلك، فلما عرضهم ورموا قدامه كتبهم في التجريدة وأنفق عليهم كل واحد ثلاثين دينارا وكل اثنين أشركهم في جمل أعطاه لهما وخرجوا صحبة التجريدة. وفيه نادى السلطان للعسكر بالعرض وأشيع أمر التجريدة إلى ابن عثمان، فلما عرضهم السلطان بادر إليهم بتفرقة النفقة، ثم وقع في ذلك اليوم بعض اضطراب من المماليك الجلبان وقام السلطان من الدكة ونزل وقال: أنا أنزل لكم عن السلطنة وأمضي إلى مكة، فتلطف به الأمراء ثم آل الأمر بعد ذلك إلى أن أنفق عليهم لكل مملوك مائة دينار على العادة وجامكية أربعة أشهر وثمن جمل سبعة أشرفية، فأنفق في ذلك على عدة طباق واستمر على ذلك حتى أكمل النفقة، ثم حملت نفقة الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشراوات وقد تعينوا للسفر أجمعين ولم يبق بمصر سوى أقبر دي الدوادار وأزدمر تمساح فكانوا على الحكم الأول كما تقدم، فبلغت النفقة على الأمراء والجند نحوا من خمسمائة ألف دينار. وكانت هذه التجريدة آخر تجاريد الأشرف قايتباي إلى ابن عثمان وغيره ولم يجرد بعدها أبدا، ثم نادى للعسكر بأن لا يخرج منهم أحد قبل الباش فما سمعوا له شيئا.
وفي خامس عشر ربيع الآخر خرج أمير كبير أزبك من القاهرة قاصدا البلاد الحلبية وصحبته الأمراء والعسكر وكانت عدتهم عشرة وهم على ما ذكرناه في التجريدة الماضية، وأما الأمراء العشراوات والطبلخانات فكانوا زيادة على الخمسين أميرا، وأما المماليك السلطانية فكانوا زيادة عن أربعة آلاف مملوك فكان لهم يوم مشهود حتى رجت لهم القاهرة، واستمرت الأطلاب تنسحب من أطراف الشمس إلى قريب الظهر وخرج مماليك الأمراء وهم باللبس الكامل من آلة السلاح فعدت هذه التجريدة من نوادر التجاريد، وقد طال أمر الفتن بين السلطان وبين ابن عثمان والأمر لله.
وفي رجب وصل هجان من عند العسكر وأخبر بأن العسكر قصد التوجه إلى بلاد ابن عثمان وقد أرسلوا ماماي الخاصكي رسولا إلى ابن عثمان، فلما أبطأ عليهم خبره زحف العسكر المصري على أطراف بلاد ابن عثمان ووصلوا إلى قيسارية وفتكوا بها ونهبوا عدة من ضياعها وأحرقوها، ثم فعلوا مثل ذلك بعدة أماكن من بلاد ابن عثمان وانقسموا فرقتين فرقة إلى (ماوندة) وفرقة مقيمة بكولك ينتظرون ما يكون من هذا الأمر.(3/85)
وفي رمضان حضر هجان وأخبر بأن العسكر على حصار قلعة كوارة ومات في مدة المحاصرة قانصوه بن فارس المعروف بقرا وهو من مماليك السلطان وكان من الأمراء العشراوات، ثم أخذت هذه القلعة فيما بعد وهدمت إلى الأرض.
وفي ذي القعدة جاءت الأخبار بأخذ قلعة كوارة من يد عسكر ابن عثمان فسر السلطان بذلك، ثم بعد مدة وردت عليه الأخبار بأن العسكر قلق وهو طالب المجيء إلى مصر فتنكد السلطان لذلك وأرسل عدة مراسيم للأمراء بالإقامة فما سمعوا له شيئا. ثم جاءت الأخبار بأن أزبك أمير كبير قد دخل إلى الشام هو والأمراء والنواب والعسكر قاصدين الدخول إلى القاهرة من غير إذن وقد جاؤوا طالبين وقوع فتنة وصرحوا بذلك، ثم نودي من قبل السلطان بأن العسكر الذي قدم من التجريدة يصعد القلعة فامتنع المماليك من ذلك ولم يصعدوا إلى القلعة.
سنة 896 ذكر الصلح بين السلطان بايزيد وبين السلطان قايتباي
قال ابن إياس: في جمادى الآخرة حضر إلى الأبواب الشريفة قاصد من عند ابن عثمان صحبة ماماي الخاصكي الذي توجه قبل تاريخه إلى ابن عثمان، وكان هذا القاصد الذي حضر من أجلّ قضاة ابن عثمان وكان متوليا القضاء بمدينة بروسة وهو شخص من أهل العلم يقال له الشيخ علي جلبي، فلما صعد إلى القلعة أكرمه السلطان وبالغ في تعظيمه جدا وحضر على يديه مفاتيح القلاع التي كان ابن عثمان قد استولى عليها فسلمها إلى السلطان، وأشيع أمر الصلح فأنزله السلطان في مكان أعد له على غاية الإكرام.
ثم إن السلطان أطلق إسكندر بن ميخال [فيما سبق سماه ابن جيحان ولعل ما هنا أصح] الذي كان أسر وسجن كما تقدم وأقام مدة طويلة، فلما أطلقه السلطان أحسن إليه وكساه وكذلك أطلق الأسرى الذين كانوا مأسورين من عسكر ابن عثمان وكساهم وأحسن إليهم وتوجهوا إلى بلادهم صحبة القاصد لما سافر. هذا ما كان من ملخص أمر الصلح بين السلطان وبين ابن عثمان.(3/86)
ذكر وقوع فتنة بين نائب حلب وبين أهلها
قال ابن إياس: في ذي القعدة جاءت الأخبار من حلب بوقوع فتنة كبيرة بين نائب حلب وبين جماعة من أهلها، وقتل في هذه الفتنة من مماليك أزدمر نائب حلب سبعة عشر مملوكا وقتل من أهل حلب نحو من خمسين إنسانا وأحرقوا جماعة من حاشية النائب بالنار وكادت حلب أن تخرب عن آخرها لولا أن قانصوه الغوري حاجب الحجاب بحلب قام في إخماد هذه الفتنة حتى سكنت. ولما سمع السلطان بذلك عين ماماي الخاصكي بأن يتوجه إلى حلب ليكشف عن هذه الفتنة وأخذ في أسباب السفر إلى حلب.
سنة 899 ذكر وفاة أزدمر بن مزيد نائب حلب
قال ابن إياس: في صفر جاءت الأخبار من حلب بوفاة أزدمر نائب حلب قريب السلطان، وكان إنسانا حسنا لا بأس به وتولى عدة وظائف سنية منها نيابة طرابلس ونيابة صفد ونيابة حلب وإمرية مجلس مصر وغير ذلك من الوظائف والنيابات، ومات وهو في عشر الستين، وكان في أوائل عمره في قلة وخمول وأقام على ذلك دهرا طويلا، فلما تسلطن السلطان قايتباي ظهر أنه من قرابته فجاءت إليه السعادة بغتة فأقام بها مدة ومات اه.
قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمته: كان أزدمر ممن شهد وقعة الرها مع الدوادار الكبير وقطع أنفه وشفته مع القبض عليه، فلما توجه جانبك حبيب رسولا من الأتابك أزبك بسبب الصلح المتضمن إطلاق المقبوض عليهم كان ممن أفرج عنه وجيء به إلى القاهرة مع الأتابك فأعطي إمرة مجلس وكانت شاغرة بموت لاجين، ثم سافر باش التجريدة المجهزة لعلاء الدولة ابن دلغادر في سنة ثمان وثمانين، فلما قتل نائب جانبك
المدعو ورديش أعيد لنيابة حلب وابتنى بها حماما هائلا وتربة بجوار الإنصاري (1) عقب موت زوجته سورباي، بل أسرع في بناء خان عظيم بالقرب من سوق الصابون (2).(3/87)
قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمته: كان أزدمر ممن شهد وقعة الرها مع الدوادار الكبير وقطع أنفه وشفته مع القبض عليه، فلما توجه جانبك حبيب رسولا من الأتابك أزبك بسبب الصلح المتضمن إطلاق المقبوض عليهم كان ممن أفرج عنه وجيء به إلى القاهرة مع الأتابك فأعطي إمرة مجلس وكانت شاغرة بموت لاجين، ثم سافر باش التجريدة المجهزة لعلاء الدولة ابن دلغادر في سنة ثمان وثمانين، فلما قتل نائب جانبك
المدعو ورديش أعيد لنيابة حلب وابتنى بها حماما هائلا وتربة بجوار الإنصاري (1) عقب موت زوجته سورباي، بل أسرع في بناء خان عظيم بالقرب من سوق الصابون (2).
ذكر تولية حلب للأمير إينال السلحدار
قال ابن إياس: بعد موت أزدمر أرسل السلطان خلعة إلى إينال السلحدار نائب طرابلس ونقله إلى نيابة حلب عوضا عن قريبه أزدمر بحكم وفاته.
سنة 901 وفاة قايتباي سلطان الديار المصرية وسلطنة ولده محمد
قال ابن إياس: في سابع عشر ذي القعدة من هذه السنة كانت وفاة السلطان قايتباي وأقيم في السلطنة ولده الناصري محمد، وكانت مدة سلطنة قايتباي في الديار المصرية والبلاد الشامية تسعة وعشرين سنة وأربعة أشهر وإحدى وعشرين يوما وتوفي وله من العمر ست وثمانون سنة. ثم ساق ابن إياس ترجمته وأطال في ذلك.
__________
(1) في قرية الأنصاري المطلة على مدينة حلب بنايتان قديمتان إحداهما مشهد الأنصاري وقد سبق الكلام عليه في حوادث سنة 830والثانية هذه التربة وهي تعرف الآن عند أهل القرية بجامع الحديد. وقد شاهدت هذا المكان سنة 1342فإذا فيه إيوان كبير مرتفع مبني بالحجارة الضخمة يكتنفه قبتان مرتفعتان أيضا وفي اليمنى منهما قبران لعل أحدهما هو قبر زوجة أزدمر، وهناك منارة خربة والمكان جميعه مشرف على الخراب، وإذا لم تداركه الأيدي بالعمارة فسيخرب جميعه ويصبح أثرا بعد عين، ومكتوب على باب التربة من الخارج:
1 - أنشأ هذه التربة المباركة أيام الملك الأشرف السيفي أزدمر مولانا ملك
2 - الأمراء بحلب المحروسة عزّ نصره بتاريخ ثلاث وتسعين وثمانمائة.
ومكتوب على الباب من الداخل:
1 - الحمد لله هذه تربة الست المصونة جهة مولانا ملك الأمراء السيفي أزدمر كافل
2 - المملكة الحلبية المحروسة عزّ الله نصره بتاريخ شهر ربيع سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة اه.
(2) هو المشهور الآن بخان الصابون وأمامه السوق المعروف بسوق الصابون إلى الآن.(3/88)
سنة 903 ذكر عصيان آقبردي ومحاصرته لحلب وتولية حلب للأمير جان بلاط بن يشبك
لآقبردي الدوادار وقائع كثيرة حصلت بينه وبين الأمراء بمصر بسطها ابن إياس، وآخر الأمر هرب من مصر وأتى إلى غزة وملكها فاتفق رأي الأمراء على إرسال تجريدة إليه.
وفي ربيع الأول عين السلطان تجريدة بسبب آقبر دي الدوادار، فإنه لما انكسر وخرج من مصر هاربا حاصر الشام وقصد أن يملكها فما قدر فنهب الضياع التي حول دمشق وخرب غالبها وفعل مثل ذلك بضياع حلب، فوقع الاتفاق من الأمراء على خروج تجريدة له فعينوا ذلك وأنفق السلطان على العسكر المعينين للتجريدة وبعث نفقة الأمراء الذين عينوا للخروج وهم قانصوه البرجي أمير مجلس وقيت الرحبي حاجب الحجاب وقانصوه الغوري أحد المقدمين وهو الذي تسلطن فيما بعد وغيرهم.
وفيه جاءت الأخبار بأن آقبر دي بعد أن حاصر الشام نحوا من شهرين لم يقدر عليها وحاربه الأمراء الذين بالشام ورموا عليه بالمدافع وفر إلى حلب، فلما توجه إلى حماة حاصرها وأخذ منها أموالا لها صورة، فلما وصل إلى حلب حاصرها نحوا من شهرين وكان إينال السلحدار يومئذ نائب حلب وكان من عصبة آقبر دي فقصد أن يسلمه مدينة حلب فرجمه أهل المدينة وطردوه منها وحصنوا المدينة بالمدافع على الأسوار، فعند ذلك فر آقبر دي ومن كان معه من الأمراء والعسكر وكذلك إينال نائب حلب صحبتهم، وفروا أجمعون وتوجهوا إلى علي دولات والتجؤوا إليه، فلما بلغ الأمراء ذلك اضطربت أحوالهم فوقع الاتفاق على أن يولوا جان بلاط بن يشبك الذي كان دوادارا كبيرا نيابة حلب عوضا عن إينال الذي كان بها بحكم فراره مع آقبر دي.
وفي ربيع الآخر كان خروج الأمراء الذين عينوا للتجريدة فكان لهم يوم مشهود حتى ارتجت لهم القاهرة وقد تقدمهم كرتباي الأحمر الذي تقرر في نيابة الشام وجان بلاط بن يشبك الذي تقرر في نيابة حلب.
وفي رجب مات بالطاعون شاه بضاع بن دلغادر أمير التركمان وكان مقيما بالقاهرة.(3/89)
وفيه جاءت الأخبار بأن العسكر الذين توجهوا إلى مواجهة آقبر دي قد تبعوه إلى عين تاب وتقاتلوا معه هناك ووقع بينهم واقعة عظيمة فانكسر آقبر دي كسرة مهولة وقتل لعلي دولات معه ولدان وقتل من الخاصكية والمماليك الذين كانوا معه جماعة كثيرة وقد حاربه كرتباي الأحمر نائب الشام أشد المحاربة إلى أن انكسر وهرب على جبل الصوف وتوجه منه إلى نحو الفرات بمن معه من الأمراء والمماليك.
وفي شوال وصل سودون الدواداري أحد الأمراء العشراوات وصحبته عدة رؤوس ممن قتل في المعركة التي وقعت بين آقبر دي والعسكر الذين خرجوا من مصر فكان عدة تلك الرؤوس إحدى وثلاثين رأسا وكان فيها رأس إينال السلحدار نائب حلب الذي فر مع آقبر دي ورأس ابن علي دولات الذي قتل في المعركة.
وفي ذي القعدة جاءت الأخبار من حلب بأن آقبردي الدوادار لما بلغه أن التجريدة عادت إلى مصر عاد إلى عين تاب وصار ينهب البلاد ويقطع الطريق على التجار، فلما بلغ الأمر ذلك أعياهم أمره.
سنة 904 قتل الملك الناصر محمد وسلطنة قانصوه الأشرفي
قال ابن إياس: في ربيع الأول من هذه السنة قتل الملك الناصر محمد بن قايتباي وتولى السلطنة بعده قانصوه بن قانسوه الأشرفي الملقب بالملك الظاهر أبي سعيد وهو السابع عشر من ملوك الجراكسة بالديار المصرية وخال الملك الناصر.
ذكر تولية حلب للأمير قصروه بن إينال ومحاصرة آقبر دي لحلب
قال ابن إياس: وفي ربيع الأول عمل السلطان الموكب بالقصر وخلع على قصروه بن إينال وقرره في نيابة حلب عوضا عن جان بلاط بن يشبك الذي نقل إلى الشام بحكم وفاة كرتباي الأحمر نائب الشام، وخرج الأمير قصروه من مصر في ربيع الآخر.(3/90)
وفي ربيع الآخر جاءت الأخبار من حلب بأن آقبر دي الدوادار قد حاصر حلب أشد المحاصرة وأحرق ما حولها من الضياع وأشرف على أخذ المدينة وقد التم عليه الجم الغفير من الناس والتركمان وحصل منه غاية الضرر، فلما تحقق السلطان ذلك عين تجريدة ثقيلة إلى آقبر دي وكان باش العسكر تاني بك الجمالي أمير سلاح وبها من الأمراء المقدمين قاني باي أمير أخور كبير وسودون العجمي وبلباي المؤيدي وجماعة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات وعدة وافرة من العسكر فأنفق عليهم واستحثهم على الخروج الى حلب بسرعة.
وفي ربيع الآخر توجه جانم طاز الإبراهيمي أحد العشراوات إلى علي دولات بن دلغادر وصحبته خلعة وتقليد إلى علي دولات باستمراره على إمرية التركمان على عادته.
وفي جمادى الأولى خرجت التجريدة المعينة إلى آقبر دي الدوادار وكان لخروجها يوم مشهود.
وفيه جاءت الأخبار من دمشق بأن قصروه الذي قرر نائب حلب لما دخل الشام وضع يده على مال كرتباي الأحمر جميعه وكان مبلغا ثقيلا نحوا من سبعة وستين ألف دينار، وكان هذا أول عصيان قصروه واستخفافه بالسلطان، فلما بلغ السلطان ذلك تنكد لهذا الخبر وعين مشد أحد الدوادارية بالتوجه إلى قصروه وأن يأمره برد ما أخذه من مال كرتباي الأحمر، فلما توجه إلى قصروه لم يلتفت إلى مراسيم السلطان ولا رد شيئا من المال الذي أخذه واعتذر بأشياء لم تقبل.
إرسال خاير بك قانصوه رسولا إلى ابن عثمان وعوده
قال ابن إياس: في حادي عشر شعبان وصل خايربك أخو قانصوه البرجي الذي توجه قاصدا إلى ابن عثمان ملك الروم وكان الملك الناصر أرسله إليه في المحرم من السنة الماضية، ولما وصل إليه أكرمه وأظهر الفرح بسلطنة الملك الناصر، فلما بلغه قتلة الملك الناصر شق عليه ووبخ خاير بك بالكلام.(3/91)
وفي شعبان أيضا جاءت الأخبار بأن عسكر ابن عثمان زحفوا على بلاد السلطان وآل الأمر إلى أن ابن عثمان أرسل يقول لنائب حلب: اعزل ابن طرغل، فأجابه نائب حلب إلى ذلك وعزل ابن طرغل (1).
وفي رمضان اجتمع السلطان والأمراء في قاعة البحرة وضربوا مشورة في أمر آقبر دي الدوادار، فوقع الاتفاق في ذلك اليوم على أن آقبر دي يستقر في نيابة طرابلس. وفي شوال جاءت الأخبار من حلب بأن آقبر دي الدوادار دخل إلى حلب طائعا وقد تم الصلح بينه وبين الأمراء الذين توجهوا من مصر، وسبب ذلك أن العسكر الذين توجهوا إلى قتال آقبر دي وجدوه بمرعش عند علي دولات، فلما طال الأمر على العسكر وكان الغلاء موجودا بحلب والعليق لم يوجد أرسل قصروه نائب حلب يسأل آقبر دي في الصلح فتوجه إليه قاني باي الرماح أمير أخور كبير فمشى في أمر الصلح وكان السلطان والأمراء مائلين إلى ذلك، فلما وثق آقبر دي بذلك حضر صحبة قاني باي الرماح ودخل إلى حلب طائعا مختارا فلاقاه قصروه نائب حلب وسائر الأمراء الذين كانوا هناك، وكان الأمير آقبر دي متوعكا في جسده، فلما استقر بحلب كاتبوا بذلك السلطان فعين له خلعة حافلة وفرسا بسرج ذهب وكنبوش وكتب له تقليد نيابة طرابلس ومالها في كل سنة ثم أخذوا في أسباب التوجه إليه.
وفي شوال جاءت الأخبار بوفاة آقبردي بن علي الدوادار الكبير. ساق ابن اياس ترجمته ثم قال: إن آقبر دي لما دخل إلى حلب وأقام بها اعترته آكلة في فمه وقيل في وجهه رعت فيه حتى مات بحلب ودفن عند سيدي سعد الأنصاري، ثم نقلت جثته إلى القاهرة سنة خمس وتسعمائة ودفن بتربته التي أنشأها له في الصحراء.
ذكر تولية حلب للأمير دولات باي
قال ابن إياس: وفي ذي الحجة انتقل قصروه من نيابة حلب إلى نيابة الشام عوضا عن جان بلاط نائب الشام بحكم انتقاله إلى الأتابكية بمصر، وانتقل دولات باي بن أركماس نائب طرابلس، إلى نيابة حلب عوضا عن قصروه.
__________
(1) أقول: لم أعلم ابن طرغل من هو ولا الأسباب التي دعت السلطان بايزيد إلى حمل نائب حلب على عزله.(3/92)
ذكر خلع السلطان قانصوه وتولية السلطنة للملك الأشرف أبي النصر جان بلاط بن يشبك الأشرفي
قال ابن إياس: في الثاني من ذي الحجة خلع السلطان قانصوه بن قانصوه وولي السلطنة الملك الأشرف أبي النصر جان بلاط بن يشبك الأشرفي.
سنة 906 ذكر خلع أبي النصر جان بلاط وسلطنة الملك العادل طومان باي
قال ابن إياس: ما خلاصته في جمادى الآخرة من هذه السنة خلع السلطان أبو النصر جان بلاط وتولى السلطنة طومان باي ولقب بالملك العادل وهو التاسع عشر من ملوك الجراكسة.
ذكر تولية حلب للأمير قرقماس بن ولي الدين
قال ابن إياس: في رجب عمل السلطان الموكب وخلع على جماعة من الأمراء فخلع علي دولات باي المشهور بأخي العادل وقرره في نيابة الشام وقرر أرقماس (قرقماس) بن ولي الدين في نيابة حلب عوضا عن دولات باي:
(أقول): دولات باي نائب حلب السابق كان حضر إلى الشام لما عصى بها نائبها قصروه وحضر لأجله من مصر الأمير طومان باي، ولما انتصر على قصروه ادعى السلطنة لنفسه وبويع بالشام وساعده على ذلك دولات باي نائب حلب، ولما تم أمره في السلطنة عين نيابة الشام لدولات باي نائب حلب وعين نيابة حلب إلى قرقماس بن ولي الدين، ثم
توجه السلطان طومان باي بمن معه من الأمراء إلى مصر وحاصر السلطان جان بلاط إلى أن أسره وأرسله إلى الإسكندرية وبويع ثانيا واستقل في السلطنة، ولما تم له ذلك خلع على جماعة من الأمراء من جملتهم دولات باي وقرره في نيابة الشام وقرر قرقماس في نيابة حلب كما قدمنا.(3/93)
(أقول): دولات باي نائب حلب السابق كان حضر إلى الشام لما عصى بها نائبها قصروه وحضر لأجله من مصر الأمير طومان باي، ولما انتصر على قصروه ادعى السلطنة لنفسه وبويع بالشام وساعده على ذلك دولات باي نائب حلب، ولما تم أمره في السلطنة عين نيابة الشام لدولات باي نائب حلب وعين نيابة حلب إلى قرقماس بن ولي الدين، ثم
توجه السلطان طومان باي بمن معه من الأمراء إلى مصر وحاصر السلطان جان بلاط إلى أن أسره وأرسله إلى الإسكندرية وبويع ثانيا واستقل في السلطنة، ولما تم له ذلك خلع على جماعة من الأمراء من جملتهم دولات باي وقرره في نيابة الشام وقرر قرقماس في نيابة حلب كما قدمنا.
وقد بسط ذلك ابن إياس في حوادث هذه السنة. وفي السالنامة الحلبية أن قرقماس ابن ولي الدين عين بها سنة 905، وسنة 906عين بها أركماس بن ولي الدين وهو سهو فهما شخص واحد [قرقماس] أو (أركماس) وقد كان تعيينه سنة 906لا غير، ومنشأ هذا السهو ما قدمناه.
وفي تحف الأنباء في حوادث هذه السنة أنه في جمادى الأولى أتى علي دولات إلى دمشق وتعصب للأمير طومان باي وتكلم في سلطنته إلخ، وهو سهو أيضا فإن الذي حضر هو الأمير دولات باي نائب حلب، وأما علي دولات فهو ابن دلغادر التركماني أمير مرعش والبستان.
ذكر قتل الملك العادل طومان باي وسلطنة الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري وهو آخر ملوك الجراكسة
قال القرماني: لما تمكن الملك العادل طومان باي من الملك بعد نصف شهر قتل الأمير قصروه واستخف بالأمراء المقدمين فحقدوا عليه فاتفق قتل الرماح أمير سلاح والأشرف الغوري الدوادار الكبير وغيرهما، فركبوا عليه في سابع عشر رمضان سنة ولايته فنزل في آخر نهاره من القلعة هاربا واختفى، فتبعه العسكر إلى أن ظفروا به فقتلوه وقطعوا رأسه ودفنوه في تربته التي أعدها لنفسه أيام إمرته في أطراف الصحراء وتولى السلطنة الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري نهار الجمعة مستهل شوال سنة ست وتسعمائة (1).
__________
(1) تنبيه. تاريخ ابن إياس المطبوع في مصر ينتهي سنة 928وقد سقط منه من سنة 906إلى غاية سنة 921وقد نبهت المطبعة على ذلك في آخر الجزء الثاني وقالت: إن هذه المدة غير موجودة في النسخ التي بين يديها. وقد راجعت النسخة الخطية الموجودة في المكتبة الأحمدية في مدينة حلب فوجدت فيها من سنة 906إلى سنة 912ومن سنة 922 إلى الآخر وهي سنة 928فيكون الناقص فيها من أول سنة 913إلى غاية سنة 921والزائد عن النسخة المطبوعة من سنة 907إلى غاية 912ومن سنة 921إلى 928والحوادث المتعلقة بالشهباء في هذه المدة منقولة عن هذه النسخة الخطية.(3/94)
سنة 908 ذكر تولية حلب للأمير سيباي
قال ابن إياس: كان ممن قرر بالنيابة في أوائل هذه السنة سيباي المعروف بنائب سيس قرر في نيابة حلب.
سنة 910 عزل الأمير سيباي وتولية حلب للأمير خاير بك وهو آخر أمرائها من طرف الدولة المصرية الجراكسية وذكر عصيان الأمير سيباي
قال ابن إياس: في ربيع الآخر عمل السلطان الموكب بالحوش وخلع على الأمير سودون العجمي وقرره في نيابة الشام عوضا عن قانصوه البرجي بحكم وفاته، وخلع على الأمير خاير بك أخي قانصوه البرجي الذي كان نائب الشام وقرره في نيابة حلب عوضا عن سيباي الذي كان بها، ورسم لسيباي بأن يحضر إلى القاهرة ليلي إمرة مجلس عوضا عن سودون العجمي بحكم انتقاله إلى نيابة الشام.
وفي جمادى الآخرة جاءت الأخبار من حلب بأن سيباي نائبها امتنع من الحضور إلى القاهرة ولم يوافق بأن يلي إمرة مجلس وقد أظهر العصيان، فلما تحقق السلطان ذلك أبطل أمر سودون العجمي من نيابة الشام وأعيد إلى إمرة مجلس كما كان، وأرسل السلطان إلى أركماس نائب طرابلس بأن يكون نائب الشام عوضا عن سودون العجمي الذي كان قرر بها.
وفي التاسع عشر من جمادى الآخرة خرج الأمير خاير بك الذي قرر في نيابة حلب وكان له يوم مشهود ونزل من القلعة في موكب حافل قدامه الأمراء قاطبة.
وفيه جاءت الأخبار بأن دولات باي قرابة العادل طومان باي الذي كان نائب الشام وولي أيضا نيابة طرابلس قد أظهر العصيان والتف على سيباي نائب حلب وقد توجها إلى دمشق وحاصرا المدينة وأشرفا على أخذها، فلما تحقق السلطان ذلك اضطربت أحواله.(3/95)
وفي رجب جاءت الأخبار بأن دولات باي أخا العادل توجه إلى حماة ونهب غالب ضياعها وفر منها النائب الذي كان بها وقبض على أعيان أهلها، فلما بلغ السلطان ذلك عين تجريدة إلى البلاد الشامية.
ذكر توسط علي دولات صاحب مرعش في الصلح بين سيباي ودولات باي وبين السلطان
قال ابن إياس: وفي شوال حضر قاصد من عند علي دولات وقد أرسل ليشفع عند السلطان في سيباي نائب حلب ودولات باي نائب طرابلس، وكان قد أشيع عنهما العصيان وأنهما من عصبة قيت الرحبي [أحد الأمراء الذين تغير خاطر السلطان عليهم لاستشعاره أنه ممن يتطلب السلطنة وسيباي كان من المنتسبين إليه] وفيه خلع السلطان على قاصد علي دولات وأذن له بالعود إلى بلاده وكتب له الجواب عن أمر سيباي نائب حلب ودولات باي نائب طرابلس [أي بالرضا عنهما وعودهما إلى مصر] وفي سنة 911 ولي نيابة الشام كما ذكره ابن إياس في حوادث شهر ذي الحجة من هذه السنة.
ترجمة سيباي الجركسي وآثاره بحلب والشام
قال في در الحبب: سيباي بن عبد الله الجركسي كان كافل حلب قبل خير بك، وفي أيام كفالتها وقع بينه وبين أبرك نائب قلعتها شنآن فحاصر القلعة ولم يقدر عليها، فلما بان له تغير السلطان الغوري عليه أخذ معه ثوبا أبيض موصليا ودخل به عليه قائلا إنه جاء بكفنه فليفعل به ما يختار من قتل أو غيره، فصفح عنه ونقله إلى كفالة دمشق، ولم يزل يجمع بها العلماء عنده في كل ليلة جمعة يتذاكرون بين يديه في أنواع العلوم بعد أكل السماط.
وهو الذي أنشأ بحلب خلاء الجامع الكبير لينتفع به من بات بالجامع ومن لم يبت.
وأنشأ بدمشق المدرسة السيبائية كأنه تلافى بإنشائها هفوته بحلب بالمدرسة الظاهرية الشهيرة بالسلطانية [تحت القلعة] حيث كان قد خرقها إذ حاصر القلعة من موضعين بسبب الطوبات أحدهما لإدخالها والآخر لنصبها تجاه القلعة ثم رمى بها، إلا أنه أمى عليه القلعيون فلم يظفر بشيء 1هـ.(3/96)
سنة 922 ذكر الحرب بين السلطان سليم خان العثماني وبين السلطان قانصوه الغوري في مرج دابق وقتل السلطان الغوري وانكسار العساكر المصرية واستيلاء السلطان سليم على حلب ثم على الشام ومصر وانقراض دولة الجراكسة
أسباب هذه الحرب:
قال الشيخ أحمد بن زنبل الرمال المحلي في أوائل تاريخه الذي ذكر فيه الوقائع بين السلطان سليم خان وبين سلطان مصر الملك الأشرف قانصوه الغوري: إن السلطان سليما لما غزا شاه إسماعيل الصفوي سلطان العجم سنة 920وجاء بالعساكر من طريق البيرة [بيره جك] وكان نائبها يسمى علاء الدولة من طرف السلطان الغوري، فأمر علاء الدولة أهل مرعش أن لا يبيعوا على عسكر السلطان سليم شيئا مطلقا من المأكل والعلف فمات كثير من الناس والدواب من شدة الغلاء، فلما جرى ذلك حصل للسلطان سليم من الغم ما لا مزيد عليه، وكان السلطان سليم حاد المزاج فأراد أن يأمر العسكر بالحملة على تلك النواحي ويحاصر مرعش، فأشار وزراؤه عليه أن يرسل للغوري يعلمه بذلك، فأمر بكتابة مرسوم إليه يخبره بما فعل علاء الدولة فأجابه بأن علاء الدولة عاص أمري فإن قدرت عليه فاقتله، وخلع على قصاده وأرسلهم، ثم كتب الغوري مرسوما وأرسله خفية إلى علاء الدولة يشكره على ما فعل ويغريه على قتال السلطان سليم ولا يمكنه من شيء أبدا، وكان قصد الغوري إلقاء الفتنة بين الاثنين رجاء أن يقتل أحدهما أو كلاهما فيكتفي شرهما، فإنه كان يعرف شدة بأس كل منهما، فقوي قلب علاء الدولة على قتال السلطان سليم.
وأما السلطان سليم فإنه لما قرأ جواب الغوري علم بفراسته أن ذلك خديعة له فتحملت نفسه من الغوري غاية التحمل وأسرها في نفسه فكان ذلك سببا لإثارة الفتنة بينهما حتى وقع ما وقع كما هو المشهور.(3/97)
قال القرماني في تاريخه في الكلام على الدولة الدلغادرية: لما توجه السلطان سليم لقتال شاه إسماعيل وجاوز حدود البستان أغار جماعة من عسكر علاء الدولة بن سليمان [صاحب البستان ومرعش وتلك النواحي] صحبة بعض أولاده على أحمال ذخائر عسكر السلطان سليم فأخذ منه شيئا كثيرا، فلم يلتفت إليهم السلطان حتى عاد من غزو بلاد العجم وشتى بمدينة أماسية وعين جماعة من العسكر صحبة سنان باشا الطواشي إلى قتال علاء الدولة، واقتتل الفريقان بقرب البستان فانهزم عسكر علاء الدولة وقتل هو وكان عمره أكثر من تسعين سنة، فعين مكانه السلطان المبرور الأمير علي بيك ابن شاه سوار بن علاء الدولة بن سليمان.
وقال ابن زنبل في تاريخه المتقدم: لما انثنى السلطان سليم راجعا من قتال شاه العجم إسماعيل الصفوي مظفرا منصورا يريد قتال علاء الدولة كان مع السلطان سليم خان [علي بك] ابن شاه سوار وكان شاه سوار هو الملك والحاكم على تلك الديار وهو أخو علاء الدولة، وكان شاه سوار قبض عليه على يد الأمير يشبك الدوادار وأرسل إلى مصر وشنق بها على باب زويلة في زمن السلطان قايتباي فأخذ الحكم بعده علاء الدولة (1).
وكان لشاه سوار ولد أكبر أولاده فهرب إلى السلطان سليم فما زال عنده حتى وقعت هذه الحرب مع علاء الدولة واصطف الفريقان للقتال وخرج ابن شاه سوار إلى الميدان بين الجمعين بإذن من السلطان سليم وقال: من عرفني فقد كفي ومن لم يعرفني فأنا ابن شاه سوار، أين من ربي في إنعام أبي أين المحبون لي ولوالدي؟ فليأتوا تحت سنجق من حماني من عدوي ولا بد لكل إنسان من يحبه ويبغضه. فارتج عسكر علاء الدولة وافترق منه بعضه فمن كان يبغض علاء الدولة مالوا إلى ابن شاه سوار، فما تم غير ساعة حتى قتل علاء الدولة وغالب أولاده وقطعت رؤوسهم وجاؤوا بها إلى السلطان سليم فأرسلها إلى الغوري، فلما رآها الغوري أحس قلبه بزوال ملكه لما يعلم من اختلاف عسكره عليه كما وقع لعلاء الدولة.
وقال القرماني: أرسل السلطان سليم وزيره فرهاد باشا بعسكر كثير إلى قتال ملك مرعش والبستان الأمير علاء الدولة فانتصر عليه فرهاد باشا وقتله وعين إمارة تلك البلاد إلى
__________
(1) الصواب أن الذي استولى على تلك البلاد بعد شاه سوار هو شاه بداق أو (بضاغ) ثم تغلب عليه أخوه علاء الدولة فأخذ تلك البلاد منه كما في القرماني.(3/98)
علي بك بن شاه سوار ابن أخي علاء الدولة وكان قد هرب من عمه والتجأ إلى كنف السلطان وشرط عليه أن تكون الخطبة والسكة باسم السلطان (1).
زيادة بيان في أسباب هذه الحرب وحالة ملوك الجراكسة:
قال عبد الله المراش في كتابه مختصر تاريخ حلب (2) في الفصل الذي ذكر فيه انقضاء دولة الجراكسة واستيلاء آل عثمان على مملكتهم في الشام ومصر: قد علمت مما تقدم أن ملك الشام قد انتقل من الأيوبيين إلى مماليكهم الجراكسة الذين شروهم بمالهم ورفعوا منازلهم حتى آل الأمر إلى أنهم تغلبوا على سادتهم وأخذوا الملك منهم كما تغلب الترك على الخلفاء في القرن الثالث للهجرة واستبدوا بالأمر دونهم، وهذا لعمري ما يترتب بحكم الضرورة على الاسترسال إلى العبيد، ولذا قيل: أعط العبد الكراع فيطمع في الذراع.
وكان هؤلاء الجراكسة بمكان من التغفل المقترن بالتهور فلا يبالون ما يقولون أو يفعلون ولا يحسبون العواقب ولا يميزون بين ما يليق في بعض الأحوال وما لا يليق أو ما ينفع وما يضر، وقد بلغ من حماقتهم وفرط اعتدادهم بأنفسهم أنهم استنكفوا من استعمال المدافع (3) وبنادق البارود التي اخترعت في ذلك العصر واستعملتها سائر الأمم حتى الترك أنفسهم، بل كانت من أنكى سلاح أعدائهم هؤلاء عليهم وعنها تسبب ذهاب ملكهم
__________
(1) انظر بقية الكلام على الدولة الدلغادرية في حوادث سنة 928.
(2) عبد الله المراش من أدباء المسيحيين في حلب وقد كانت وفاته سنة 1899م الموافقة سنة 1316هـ ومن جملة آثاره هذا التاريخ وهو في مائة صحيفة صغيرة استهله بنبذة يسيرة من تاريخ حلب قبل الفتح الإسلامي في سبع صحايف ثم عقد فصلا تحت عنوان (ذكر الفتح الإسلامي) تكلم فيه على ذلك بصورة مختصرة إلى مجيء تيمور لنك إلى حلب في 23 صحيفة ثم ذكر الفصل الذي ذكرناه هنا وهو في ثماني صحائف ثم ذكر يوم مرج دابق في خمس صحايف، وبعد ذلك تكلم على ثورة أهل حلب على واليهم خورشيد باشا وهذا الفصل أحسن ما في الكتاب وسيأتيك في موضعه إن شاء الله تعالى.
ثم تكلم على موقع حلب وعلى القلعة والجامع الأعظم وعلى بعض معاملاتها، وقد أخذ الفصول الأخيرة عن الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة. وهذا الكتاب دخل خزانة كتب صاحب السعادة الوجيه الفاضل أحمد تيمور باشا المصري التي وقفها في مصر وهو بخط مؤلفه وقد أخذ عنه نسخة بالمصور الشمسي [الفوتوغراف] وأهداه لنا بارك الله به وبأمثاله من أرباب الغيرة وذوي الهمة العالية ومحبي نشر العلم. وقد وصل إلينا بعد أن نجز طبع الجزء الثاني لذا لم نذكره في المقدمة في عداد مؤلفي التواريخ الحلبية.
(3) هذا غير صحيح فإنك تجد فيما نقلناه قبل أوراق أنهم استعملوها لكن ربما يقال إن المدافع التي استعملها العثمانيون كانت أتقن وأكثر عددا.(3/99)
فنبذوها ظهريا واحتقروها وجعلوا جل اعتمادهم على فروسيتهم وشجاعتهم الشخصية في معمعان الحرب، وأنت خبير أن الشجاعة أو البسالة إذا لم يكن العقل لها مدبرا عدت تهورا وأن الجرأة الشخصية لم يبق لها معنى بعد اختراع البارود وأسلحته وما حدث عنه من تغير طرق القتال فلذا لم تغن عنهم شجاعتهم شيئا.
فلما أفضى إليهم الأمر بعد الأيوبيين أخذوا يتداولونه بينهم على غير نظام ولا قانون بل افتياتا، فكان الأمراء منهم يجتمعون ويبايعون بالسلطنة لمن يقع عليه اختيارهم منهم ثم يبدوا لهم بعد قليل فيخلعونه أو يقتلونه ويولون غيره، فانفتح بذلك باب للمكايد والتوالس (1)
والأثرة حتى أصبح الملك مما يزهد فيه ويرغب عنه وحتى صار العرش رمزا عن النعش، واستمرت الحال على ذلك دهرا. فلما كانت سنة ست وتسعمائة للهجرة قتلوا سلطانهم سيف الدين واجتمعوا لتولية آخر مكانه فأجمع رأيهم على تولية قانصوه الغوري وهو واحد منهم فلم يقبل أن يلي السلطان حتى أخذ عليهم عهدا أن لا يقتلوه بل متى عنّ لهم أن يولوا غيره خلع نفسه طائعا (2) فبايعوه على ما اشترط لأنهم توهموه لين العريكة يستطاع لهم خلعه بأيسر مرام وكانت البيعة بقلعة الجبل بحضرة الخليفة العباسي المستنصر بالله والقضاة الأربعة وأصحاب الحل والعقد وذلك في مستهل شوال من هذه السنة.
إلا أن الغوري لم يكن من لين العريكة بحيث يوهموا بل كان بالإضافة إلى غيره من أمراء الجراكسة ذا رأي وفطنة وبصيرة، فلما ولي السلطان رأى بعين بصيرته ما كان يراه كل ذي لب وهو أن تلك الحال لا يمكن دوامها لأنها داعية إلى الاختلال فنوى أن يرتق هذا الفتق ما استطاع وأضمر أن يقمع الأمراء ويكسر شوكتهم متى أمكنه ذلك.
وإنما كانت قوتهم بالقرانصة وهم المماليك البحرية (3) الذين كان معظم جند مصر منهم وكانوا في ذلك بمنزلة الأنكجارية من الترك في الأعصر التالية وأمراؤهم بمنزلة الأغاوات
__________
(1) الوالس الخيانة والخديعة وتوالسوا: تناصروا في خب وخديعة اهـ قاموس.
(2) كما جاء في نزهة الناظرين فيمن ولي مصر من الخلفاء والسلاطين للشيخ مرعي الحنبلي المقدسي.
(3) نسبة إلى البحيرة من أرض مصر.(3/100)
من هؤلاء، فرام الغوري أن يقطع شأفتهم ليخلص له الملك وترسخ فيه قدمه، ولعله كان ليدرك سؤله هذا لو لم تخترمه المنية ويذهب ملكه قبل أن يتم ما شرع فيه.
وكان من جملة الذرائع التي تذرع بها لبلوغ أربه من استئصالهم أنه أخذ يشتري لنفسه مماليك جددا يسميهم بالجلبان وكان يدربهم في أبواب الحرب متوخيا أن يجعلهم مكان القرانصة حتى صار عنده عدد كاف، فأشعر بعض الأمراء بما كان يدبره فتغاووا والتووا عليه، وكان أشدهم تغاويا والتواء خير بك نائب حلب وجنبر دي الغزالي (1) إلا أنهما رأيا من تأثل أمره وما كان له من الهيبة في قلوب الرعية والمرؤوسين من الجند ما حملهما على كتمان ما في نفسهما، فلم يجسرا على معاملته بما جرت به العادة من الخلع والقتل بل ناصباه العداوة باطنا ومالا عليه العدو وتربصا به السوء، وكانت دولة بني عثمان في عنفوان شبابها وقتئذ وذلك أنهم كانوا قد فتحوا القسطنطينية قبل ذلك بقليل أي في سنة سبع وخمسين وثمانمائة واستولوا على ما كان باقيا بأيدي الروم من مملكتهم القديمة واستووا مكانهم على عرش قسطنطين وثلوا دولة القياصرة بتة فانقرضت وكان ذلك آخر العهد بها وضخمت بذلك دولة آل عثمان وهابتهم الملوك كافة، وكان أول من دخل القسطنطينية منهم السلطان محمد الملقب بالفاتح وأقام في السلطنة بها ثلاثين سنة أو نحوها ومات سنة ثمان وثمانين وثمانمائة فخلفه ابنه بايزيد الثاني، ولما كانت سنة سبع عشرة وتسعمائة خرج عليه ابنه سليم وانتزع منه الملك، وكان سليم هذا مقداما بعيد مرامي الهمة محبا للحروب مولعا بالفتوح حريصا على توسيع نطاق المملكة، وكان كثير المطامع إلا أن أشدها حبا إليه هو أن يلقب بالخليفة ويدعى خادم الحرمين الشريفين وهما مكة وبيت المقدس (2) لأنه كان يرى أنه إذا أحرز هذه المنزلة وجبت له الطاعة على المسلمين كافة أيان كانوا، فلذا جعل الاستيلاء على الشام ومصر نصب عينيه ونوى إذا فتحهما أن يقبض على الخليفة العباسي، وكان يومئذ مقيما بمصر فيكرهه على خلع نفسه من الخلافة والنزول له عنها ثم يفتح مكة فتعترف له
__________
(1) قال الشيخ مرعي المقدسي: هما رأس المخامرين عليه اهـ منه.
(2) الحرمان الشريفان هما مكة المكرمة والمدينة المنورة والعادة الجارية أن يقال في الدعاء خادم الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، والذي أراه أن هذه الفكرة تولدت معه بعد الاستيلاء على الديار الشامية والمصرية والله أعلم.(3/101)
بلاد العرب بالإمامة على المسلمين كافة، وهكذا يحق له أن يلقب نفسه بالخليفة خادم الحرمين فأدرك سؤله كما سترى، ولا ريب أنه كان مطلعا على تغاوي أمراء الجراكسة على سلطانهم قانصوه الغوري وواقفا على ما كان خير بك والغزالي يضمران له من الخيانة، بل لعله هو الذي جرأهما على ذلك وراسلهما فيه سرا ووعدهما جزاء لممالأتهما أن يقطع أحدهما مصر والآخر الشام مدة حياتهما إذا فتح الله عليه هذين القطرين.
إلا أنه رام قبل التصدي للغوري أن يتودد إلى السنية من رعيته ورعية الغوري (1) بأن يغزو إسماعيل شاه المتغلب يومئذ على بلاد الفرس وكان شيعيا مغاليا وأكره الفرس على التشيع والغلو المفرط في الدين إلا أنه كان مع ذلك حليفا للغوري.
قال الشيخ مرعي المقدسي: إن إسماعيل شاه هذا تغلب على فارس وقهر ملوكها وقتل من عساكرها (2) ما ينيف على ألف واستفحل أمره وضخمت دولته وعتا حتى ادعى الربوبية، فكان عسكره يسجدون له (3)، وقتل علماء السنة وأحرق كتبهم ونبش قبور المشايخ وأحرق عظامهم، فلما بلغ ذلك سليما تحركت نفسه لقتاله وعد ذلك من أفضل الجهاد.
__________
(1) هذه النظرية بعيدة كل البعد عن مرمى الحقيقة، والذي أراه أن الذي دعاه إلى ذلك ما كان عليه من التمسك بعقائد أهل السنة وحبه للجهاد وما كان يأتيه الشاه إسماعيل من الفظايع والمنكرات والبدع وخشية قصد بلاده نظرا لاستفحال أمره كما يستفاد من تاريخ القطبي والسيد الدحلاني.
(2) هذا سهو وعبارة العلامة القطبي في تاريخ مكة: وقتل خلقا لا يحصون ينوف على ألف ألف نفس.
(3) لا صحة لذلك وعبارة الإمام القطبي: وكاد أن يدعي الربوبية وهي صريحة في أنه لم يدعيها، وقال بعد سطر: وكانوا [أي رعيته] يعتقدون فيه الألوهية وأنه لا ينكسر ولا ينهزم، ولم يذكر هو ولا السيد الدحلاني أن عسكره كانوا يسجدون له.(3/102)
قلت: وحداه إلى ذلك أيضا ما طبع عليه من محبة الحروب والفتوح وما رآه من ثوران الحمية الدينية في صدور الأنكجارية وهم من السنية الحمس الغلاة في دينهم فخاف أن يبطشوا به إن أحجم عن السير بهم للبطش بإسماعيل. قال: فزحف عليه في عسكر جرار والتقى الجيشان بقرب تبريز وجرت بينهما وقعة هائلة فانهزم جيش إسماعيل واستولى سليم على خيامه وسائر ما فيها. ثم إنه أراد الإقامة ببلاد فارس للتمكن من الاستيلاء عليها فلم يتأت له لشدة القحط لأن الأسعار قد غلت حتى بيعت العليقة بمائتي درهم والرغيف بمائة درهم، وسبب هذا القحط تخلف قوافل الميرة التي كان سليم قد أعدها لتتبعه في مكان الحاجة فقطعها عنه نائب مرعش بإيعاز الغوري كما سيأتي، وكان إسماعيل لما انهزم أمر فأحرق ذخائر الحب والشعير كلها فلم يجد سليم في تبريز شيئا فاضطر إلى القفول عن بلاد فارس قبل إتمام فتحها.
وكان الغوري حليفا لإسمعيل كما أسلفنا فأوجس من الترك خيفة على نفسه وحدس أن سليما سيلتفت لا محالة إلى الشام ومصر بعد فروغه من أمر الفرس، وعلم أن ضعف إسماعيل مما يزيد الترك قوة على قوتهم وهذا ما يخشى معه زوال ملك المصريين فرأى من الحزم أن يكون ضلعه مع إسمعيل ليقوم عنه بوجه الترك فحالفه وأوعز سرا إلى نائبه بمرعش وبلادها أن يتسبب ما استطاع في قطع قوافل الميرة عن سليم إذا اجتازت ببلاده، وكان لا بد لها من الاجتياز بها في مسيرها إلى فارس وأن يثبط أهل عمله عن بيع الذخائر والعلف من الجيش العثماني. وخرج هو نفسه في عساكر مصر وسار إلى حلب يروم في الباطن إخافة سليم وتهديد ساقة جيشه إلا أنه أشاع في الظاهر أنه لا يروم سوى السعي في الصلح بين الترك والفرس، ولما كتب إليه سليم يشكو إليه ما فعله نائب مرعش أجابه أن النائب المذكور عاص علي فإن ظفرت به فافعل به ما شئت ودس إلى النائب سرا يشكره على ما فعل ويغريه بالاستمرار في معاسرة الترك، فلم تخف على سليم هذه المخاتلة وقفل عن بلاد فارس مصمما على البطش بالغوري وشرع يتجهز لذلك ويتأهب، وكان أول ما بدأ به أن انقض بجيشه على نائب مرعش وكسره شر كسرة واعتقله واعتقل بنيه ثم ضرب أعناق الجميع وأرسل برؤوسهم مع قصاده إلى الغوري وهو يومئذ بحلب مع عساكره فقال الغوري عندها: زال والله ملكنا، وأخذ يشنع على أفعال سليم على مسمع من قصاده وهو في كل ذلك يظهر أنه ما خرج في الجيش من مصر إلا ليصلح بين سليم وإسمعيل، وبلغ منه أن أرسل إلى سليم
وهو في قيسارية سفيرا في عشرة فرسان دارعين مدجحين من خيار فرسانه، فلما وقعت عليهم عين سليم وهم على تلك الشارة علم أن الغوري رام إرهاب عسكره برؤية هؤلاء الفرسان فكاد يتميز من الغيظ وقال للسفير: أما كان عند مولاك رجل من أهل العلم يرسله إلينا حتى أرسلك وأصحابك هؤلاء يهول بكم على جندي رجاء أن تنخب قلوبهم من رؤية خيلكم وترائكها وفرسانكم ودورعكم وحسن بزتكم؟ وأمر بضرب أعناقهم فشفع وزيره يوسف باشا بالسفير وبين له أن الرسول لا يقتل فأبقى عليه وحده وقتل الباقين. ثم أمر بالسفير بعد يومين فحلقت لحيته إهانة له وألبسه ثوب أسمال وأركبه على حمار ظالع وقال له: إذهب إلى مولاك وقل له يفرغ ما في وطابه، ثم أقبل يزحف بجنده على حلب اه.(3/103)
وكان الغوري حليفا لإسمعيل كما أسلفنا فأوجس من الترك خيفة على نفسه وحدس أن سليما سيلتفت لا محالة إلى الشام ومصر بعد فروغه من أمر الفرس، وعلم أن ضعف إسماعيل مما يزيد الترك قوة على قوتهم وهذا ما يخشى معه زوال ملك المصريين فرأى من الحزم أن يكون ضلعه مع إسمعيل ليقوم عنه بوجه الترك فحالفه وأوعز سرا إلى نائبه بمرعش وبلادها أن يتسبب ما استطاع في قطع قوافل الميرة عن سليم إذا اجتازت ببلاده، وكان لا بد لها من الاجتياز بها في مسيرها إلى فارس وأن يثبط أهل عمله عن بيع الذخائر والعلف من الجيش العثماني. وخرج هو نفسه في عساكر مصر وسار إلى حلب يروم في الباطن إخافة سليم وتهديد ساقة جيشه إلا أنه أشاع في الظاهر أنه لا يروم سوى السعي في الصلح بين الترك والفرس، ولما كتب إليه سليم يشكو إليه ما فعله نائب مرعش أجابه أن النائب المذكور عاص علي فإن ظفرت به فافعل به ما شئت ودس إلى النائب سرا يشكره على ما فعل ويغريه بالاستمرار في معاسرة الترك، فلم تخف على سليم هذه المخاتلة وقفل عن بلاد فارس مصمما على البطش بالغوري وشرع يتجهز لذلك ويتأهب، وكان أول ما بدأ به أن انقض بجيشه على نائب مرعش وكسره شر كسرة واعتقله واعتقل بنيه ثم ضرب أعناق الجميع وأرسل برؤوسهم مع قصاده إلى الغوري وهو يومئذ بحلب مع عساكره فقال الغوري عندها: زال والله ملكنا، وأخذ يشنع على أفعال سليم على مسمع من قصاده وهو في كل ذلك يظهر أنه ما خرج في الجيش من مصر إلا ليصلح بين سليم وإسمعيل، وبلغ منه أن أرسل إلى سليم
وهو في قيسارية سفيرا في عشرة فرسان دارعين مدجحين من خيار فرسانه، فلما وقعت عليهم عين سليم وهم على تلك الشارة علم أن الغوري رام إرهاب عسكره برؤية هؤلاء الفرسان فكاد يتميز من الغيظ وقال للسفير: أما كان عند مولاك رجل من أهل العلم يرسله إلينا حتى أرسلك وأصحابك هؤلاء يهول بكم على جندي رجاء أن تنخب قلوبهم من رؤية خيلكم وترائكها وفرسانكم ودورعكم وحسن بزتكم؟ وأمر بضرب أعناقهم فشفع وزيره يوسف باشا بالسفير وبين له أن الرسول لا يقتل فأبقى عليه وحده وقتل الباقين. ثم أمر بالسفير بعد يومين فحلقت لحيته إهانة له وألبسه ثوب أسمال وأركبه على حمار ظالع وقال له: إذهب إلى مولاك وقل له يفرغ ما في وطابه، ثم أقبل يزحف بجنده على حلب اه.
(أقول): هذا ما ذكره المؤرخون من الأسباب في هذه الحرب وأراها أسبابا ظاهرية، والأسباب الحقيقية التي قوت عزيمة السلطان سليم على الاستيلاء على القطرين الشامي والمصري ودعته أن يأتي بجيوشه الجرارة إلى هذه الديار هو تطرق الخلل في إدارة الدولة الجركسية ووهن قواها للفتن التي كانت تحصل بين الأمراء فيها وقتل بعضهم لبعض بقصد الحصول على الوظائف والسلطنة، حتى إنك تجد المملوك من الجراكسة من حين دخوله إلى مصر وهو فقير صعلوك يطمح بنظره إلى نوال كبار الوظائف ويعلق آماله بالاستواء على عرش السلطنة إذ لا نظام للبيت السلطاني ولا لمن يلي الملك والسلطنة، وكان نظامهم في ذلك (كل من قدر قام) فالفتن لذلك مستطير شررها لا يخمد لهيبها، وكان ملوك الجراكسة وأمراؤهم يستعينون على إثارة هذه الفتن بظلم الرعية والضرائب الثقيلة والمصادرات المتتابعة يظهر لك ذلك من تتبع تاريخ ابن إياس المصري وكتاب السلوك في معرفة الملوك والمنهل الصافي وغيرها من تواريخ ملوك الجراكسة بمصر.
فأحدثت هذه الأمور تأثيرا في المملكة المصرية وأوهنت قواها وحل بها الهرم من جميع أطرافها. والمملكة العثمانية في ذلك العصر في عنفوان شبابها وأوج عظمتها قد انبسط سلطانها وتناءت أطرافها وتقوت شكيمتها. وبالطبع إن أخبار المصريين وسيىء أحوالهم كانت تبلغ مسامع ملوك آل عثمان فتوجهت عزائمهم إلى تقويض أركان تلك الدولة المختلة الإدارة الجائرة على الرعية الظالمة لها، وعلق السلطان بايزيد رحمه الله آماله على الاستيلاء على مصر وما كان تابعا لها وبذر بذور ذلك أيام دولته كما قدمناه ولم يتم له ذلك لأن الأمور مرهونة بأوقاتها وتم هذا الفتح العظيم للمغفور له السلطان سليم خان رحمه الله.(3/104)
استعدادات السلطان قانصوه الغوري لهذه الحرب:
قال ابن إياس: في المحرم من سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة حينما تحقق السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري أن ابن عثمان [السلطان سليم خان] زاحف على بلاده نادى للعسكر بأن كل من كان له فرس أو أكثر في الديوان يطلع يقبض ثمنه، وصار يأخذ بخواطر المماليك القرانصة ويرضيهم بكل ما يمكن وصرف لهم اللحوم التي كانت منكسرة وأعطاهم ثمن الخيول التي كانت لهم في الديوان، وفيه أرسل السلطان مكاحل حديد ومدافع وصوانا إلى ثغر الإسكندرية وسافرت في المراكب إلى هناك فكانت نحو مائتي مكحلة وقد بلغه أن ابن عثمان جهز عدة مراكب تجيء على السواحل للديار المصرية.
وفي صفر وكان مستهله يوم الأربعاء طلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر فقال السلطان للخليفة لما جلس عنده: اعمل برقك إلى السفر وكن على يقظة فأنا مسافر إلى حلب بسبب ابن عثمان، وقال للقضاة الأربعة مثل ما قاله للخليفة: اعملوا برقكم وكونوا على يقظة حتى تخرجوا صحبتي فقالوا: الأمر لمولانا.
وفي ثامن صفر جلس السلطان بالميدان وعرض العسكر من كبير وصغير وكتب الجميع فعرض في ذلك اليوم أربع طباق ولم يعف من العسكر أحدا.
وفي سابعه عرض السلطان الأمراء وكان أعلمهم أن العرض في هذا اليوم، فطلعوا جميعا فقيل عين في ذلك اليوم من الأمراء المقدمين ستة عشر أميرا، وأما الأمراء الطبلخانات والعشروات فلم يعف منهم إلا القليل، وقال لهم: الذي له عذر يعوقه عن السفر يذكره لي، فأعفى منهم جماعة. وفي تاسعه أكمل السلطان عرض العسكر قاطبة ولم يعف منهم أحدا، وفي ثالث عشره خرج عبد الرزاق أخو دولات وأولاد علي دولات الذين كانوا حضروا إلى مصر، فلما حضروا أرسل إليهم السلطان ثمانية آلاف دينار ليعملوا بها برقهم فتأهبوا وخرجوا في ذلك اليوم وقصدوا التوجه إلى حلب، وفي الخامس والعشرين منه جلس السلطان في الميدان وعرض الأمراء والطبلخانات والعشراوات ورؤوس النوب، فلما عرضهم قال لهم: اعملوا برقكم وكونوا على يقظة من السفر فإني أنفق وأخرج في جمعتي هذه، فنزلوا على ذلك.(3/105)
وفي ثالث ربيع الأول جلس السلطان بالميدان وعرض الأمراء الطبلخانات وخاصكية الخواص وعين منهم جماعة للسفر، ثم طلع ودخل إلى قاعة البيسرية وفتح الحواصل وأخرج منها عدة سروج بلور وعقيق وكنابيش زركش وسروج ذهب وبركستوانات فولاذ مكفتة بذهب وغير ذلك وأفرد منها ما حسن بباله لأجل الطلب إذا خرج وسافر، وهذا كله حتى يشاع بين الناس سفر السلطان إلى حلب.
وفي خامسه جلس السلطان بالميدان وعرض الأمراء الطبلخانات والعشراوات وألزم كل أمير أن يستخدم عنده مماليك شيء خمسة وشيء ثلاثة وشيء اثنان بحسب إقطاعه وقرر معهم أن بعد المولد الشريف يعرضهم قدامه بالميدان وهم باللبس الكامل والخيول الجيدة وكل من لم يفعل ذلك يخرجه عن إمريته ويجعله طرخانا.
وفي هذا اليوم نزل القاضي شهاب الدين بن الجيعان نائب كاتب السر عن لسان السلطان إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله بسبب عمل برقه، وقد كشفوا في الدفاتر القديمة فوجدوا أن الخليفة إذا سافر صحبة السلطان يكون جميع برقه على السلطان، فكتب الخليفة قوائم بمصروف عمل للبرق فبلغ ذلك عشرة آلاف دينار وقيل خمسة آلاف دينار، فأخذ الشهابي أحمد تلك القوائم وطلع بها إلى القلعة ليعرضها على السلطان.
وفي سادسه جلس السلطان بالميدان وعرض مماليكه الجلبان قاطبة وعينهم إلى سفر صحبته ولم يعف منهم سوى المماليك الصغار الكتابية المرد.
وفي سابعه رسم السلطان للطواشية بأن تدور على المماليك البطالة وأولاد الناس الذين كان السلطان قطع جوامكهم بأن يطلعوا يوم السبت للعرض، فالذي يصلح للسفر يعيد السلطان له جامكيته ويكتبه للسفر.
وفي تاسعه جلس السلطان بالميدان وعرض جماعة من المماليك القرانصة من الشيوخ والعواجز وأولاد الناس أصحاب الجوامك، فلما عرضهم عين منهم جماعة للشرقية وعين منهم جماعة مع كاشف الغربية وجماعة إلى البحيرة وجماعة منهم إلى الطرانة وجماعة إلى المنوفية وجماعة إلى منفلوط وجماعة إلى الجيزة [أمكنة حول مصر] وألزمهم بأن يكونوا مع الكشاف لرد العربان إذا ظهر منهم فساد وحفظ البلاد في غيبة السلطان إذا سافر وقويت الإشاعات بسفر السلطان إلى حلب. ودارت الطواشية على المماليك القرانصة وأولاد الناس بسبب هذا العرض حتى عين هؤلاء الجماعة إلى الجهات المذكورة.(3/106)
وفي عاشره طلع إلى القلعة ودخل إلى قاعة البيسرية وعرض في ذلك اليوم بكاير وقرقلات وجواشن وغير ذلك أشياء كثيرة من آلات السلاح من حواصل الذخيرة.
وفي الرابع عشر منه ورد على السلطان مطالعة من عند سيباي نائب السلطان بالشام فأرسل يقول له: يا مولانا السلطان إن البلاد الشامية مغلية [غالية] والعليق والتبن لا يوجد والزرع في الأرض لم يحصد ولا ثم عدو متحرك ولا يتعب السلطان سره ولا يسافر، وإن كان ثم عدو متحرك فنحن له كفاية، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه واستمر باقيا على حركة السفر إلى حلب.
وفي الثامن عشر منه أنفق السلطان على العسكر نفقة السفر وقد تحقق أمر خروج الجريدة فأنفق على كل مملوك مائة دينار وجامكية أربعة أشهر بثمانية آلاف وثمن جمل سبعة دنانير، ثم السلطان كتب أولاد الناس قاطبة إلى السفر ولم يعطهم نفقة بل أعطاهم جامكية أربعة أشهر بثمانية آلاف، وكان سبب ذلك أن القاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك قال للسلطان: إنا نظرنا في بعض التواريخ أن الملك الظاهر برقوق لما خرج إلى التجريدة لم ينفق على أولاد الناس شيئا، فأعجب السلطان منه ذلك وقطع نفقة أولاد الناس قاطبة فكثر عليه الدعاء من أولاد الناس بسبب ذلك وكانت هذه الواقعة من أعظم مساويه في حق أولاد الناس وحصل لهم كسر خاطر شديد. وفي الحادي والعشرين منه وقف جماعة من أولاد الناس إلى السلطان بسبب النفقة، فلما وقفوا له ساعدهم الأمير علان الدوادار وبقية الأمراء فلم يرث لهم السلطان وقال أنا ما عندي نفقة لهؤلاء فالذي لا قدرة له على السفر يرد الأربعة شهور الجامكية التي أخذها وأنا أترك له شهرا ويستريح وتنقطع عني جامكيته، فرد جماعة كثيرة من أولاد الناس جامكية الأربعة شهور التي أخذوها واستمر أمرهم مبنيا على السكوت.
وفي الثالث والعشرين منه أكمل السلطان النفقة على العسكر قاطبة من قرانصة وجلبان ونادى عليهم في الحوش أن السفر أول الشهر، فاضطربت أحوال العسكر وارتجت القاهرة وعز وجود الخيل والبغال والأكاديش فأغلقت الطواحين قاطبة وامتنع الخبز من الأسواق وكذلك الدقيق ووقع القحط بين الناس وضج العوام وكثر الدعاء وأغلقت أسواق القماش بسبب المماليك واختفى الصناع والخياطون واضطربت أحوال القاهرة، واختفى جماعة من التجار خوفا من المماليك واختفى طائفة من الغلمان خيفة السفر، وصارت
أحوال مصر مثل يوم القيامة كل واحد يقول يا رب روحي، وقد عاب العسكر على السلطان هذا الرهج الذي وقع منه ولم يمش على طريقة الملوك السالفة عند خروجهم للسفر مع أنه لم يكن أمر يستحق هذا الرهج العظيم ولا جاءت أخبار بأن ابن عثمان قد وصل إلى حلب ولا جاليشه ولا تحرك على بلاده، وعابوا على السلطان عرضه عسكر مصر قاطبة في أربعة أيام وأنفق عليهم مع العرض فخشوا أن يشاع في بلاد ابن عثمان وبلاد الصوفي [الشاه إسماعيل صاحب بلاد العجم] أن السلطان الغوري قد عرض عساكره جميعا في أربعة أيام فينسبوهم إلى قلة وأنه ما بقي عسكر بمصر وربما يطمع العدو إذا سمع بذلك وما كان هذا الرأي من الصواب وهذه الأحوال كلها غير صالحة.(3/107)
وفي الثالث والعشرين منه أكمل السلطان النفقة على العسكر قاطبة من قرانصة وجلبان ونادى عليهم في الحوش أن السفر أول الشهر، فاضطربت أحوال العسكر وارتجت القاهرة وعز وجود الخيل والبغال والأكاديش فأغلقت الطواحين قاطبة وامتنع الخبز من الأسواق وكذلك الدقيق ووقع القحط بين الناس وضج العوام وكثر الدعاء وأغلقت أسواق القماش بسبب المماليك واختفى الصناع والخياطون واضطربت أحوال القاهرة، واختفى جماعة من التجار خوفا من المماليك واختفى طائفة من الغلمان خيفة السفر، وصارت
أحوال مصر مثل يوم القيامة كل واحد يقول يا رب روحي، وقد عاب العسكر على السلطان هذا الرهج الذي وقع منه ولم يمش على طريقة الملوك السالفة عند خروجهم للسفر مع أنه لم يكن أمر يستحق هذا الرهج العظيم ولا جاءت أخبار بأن ابن عثمان قد وصل إلى حلب ولا جاليشه ولا تحرك على بلاده، وعابوا على السلطان عرضه عسكر مصر قاطبة في أربعة أيام وأنفق عليهم مع العرض فخشوا أن يشاع في بلاد ابن عثمان وبلاد الصوفي [الشاه إسماعيل صاحب بلاد العجم] أن السلطان الغوري قد عرض عساكره جميعا في أربعة أيام فينسبوهم إلى قلة وأنه ما بقي عسكر بمصر وربما يطمع العدو إذا سمع بذلك وما كان هذا الرأي من الصواب وهذه الأحوال كلها غير صالحة.
وفي هذا اليوم أرسل السلطان نفقة الأمراء المقدمين فأرسل للأتابكي سودون الدواداري رأس نوبة النوب والأمير أنسباي حاجب الحجاب لكل واحد أربعة آلاف دينار وبقية الأمراء المقدمين الذين هم بغير وظائف لكل واحد منهم ثلاثة آلاف دينار، وأين هذه النفقة من النفقة التي كان يرسلها الأشرف قايتباي للأمراء المقدمين عند خروجهم إلى تجاريد ابن عثمان، فكان يرسل للأتابكي وحده ثلاثين ألف دينار والأمير تمراز أمير سلاح عشرين ألف دينار وأمير مجلس مثل ذلك وبقية الأمراء المقدمين لكل واحد منهم عشرة آلاف دينار حتى عد ذلك من النوادر الغربية، ولم يفعل الأشرف قايتباي ذلك إلا في آخر تجاريده لابن عثمان سنة خمس وتسعين وثمانمائة فبلغت نفقة الأمراء قاطبة دون الجند مائة ألف دينار.
وفي الخامس والعشرين منه أنفق السلطان على الأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات وصار يستدعيهم واحدا بعد واحد مثل تفرقة الجامكية فأعطى لكل أمير طبلخانات خمسمائة دينار وأعطى لكل أمير عشرة مائتي دينار ولم يرسل للخليفة نفقة فحصل له غاية المشقة، وترامى على جماعة من الأمراء في أن يقرضوه مبلغا بربح ودخل في جهته ديون كثيرة ولم يتفق قط أن السلطان إذا سافر إلى البلاد الشامية وصحبته الخليفة أن يخرج بلا نفقة، وكانت عادة السلاطين أن برك الخليفة إذا سافر يكون على السلطان وكان يرسل إليه خمسمائة دينار لأجل جوامك أتباعه، فلم يلتفت السلطان لشيء من ذلك وشح معه في أمر النفقة، وكان الخليفة مظلوما مع السلطان في هذه الواقعة.(3/108)
وفي السادس والعشرين منه نزل السلطان من القلعة وتوجه إلى الريدانية ورتب الفراشين كيف ينصبون الوطاق إذا برز السلطان للسفر ورتب منازل الأمراء وكيف تكون منازلهم بالريدانية.
وفي هذا اليوم رسم السلطان لولده أمير آخور كبير بأن يعمل برقه ويسافر صحبته وكان في الأول رسم له بأن يكون مقيما بباب السلسلة إلى أن يحضر السلطان، ثم بطل ذلك ورسم له بأن يشرع في عمل برقه إلى السفر.
وفي السادس من ربيع الآخر برز السلطان خيامه إلى الريدانية وقد تحقق أمر سفره إلى البلاد الشامية ثم نادى العسكر في الميدان أن كل من جهز برقه ولم يبق له عاقة يخرج ويسافر ويتقدم قبل خروج السلطان، ولكن إلى الآن لم يعلق السلطان الجاليش الذي هو مقدمة الجيش إذا سافروا إلى البلاد الشامية، وكانت العادة أنهم إذا سافروا إلى البلاد الشامية يعلقون الجاليش قبل خروجهم بأربعين يوما فلم يمش السلطان على طريقة الملوك السالفة.
وفي هذا اليوم أرسل السلطان إلى أمير المؤمنين محمد المتوكل على الله نفقة السفر على يد حسام الدين الألواحي ألف دينار وكان الساعي له في ذلك الأمير طومان باي الدوادار الكبير ولولا هو ما كان يرسل له شيئا، فإن السلطان أرسل للقضاة الأربعة يقول لهم:
اعملوا برقكم، ولم يرسل شيئا من النفقة، وقد حصل لهم غاية الكلفة والمشقة لأنه من حين سافر الأشرف برسباي إلى آمد سنة ست وثلاثين وثمانمائة لم يخرج الخليفة ولا القضاة الأربعة إلى البلاد الشامية صحبة السلطان. وكان للخليفة والقضاة الأربعة على السلطان عادة إذا سافروا إلى البلاد الشامية يرسل لهم نفقة السفر فتغافل السلطان عن ذلك.
ثم بعد أيام أرسل السلطان للخليفة سيفا مسقطا بالذهب على يد شخص من الزركاشية يقال له محمد العادلي، وقد تقدم القول على أنه أرسل نوبة جام حديد فكان مجموع ما حصل له من السلطان من الإنعام ذهب وغير ذلك دون ألفي دينار، وقد تكلف الخليفة في هذه الحركة على مصروف برقه وغير ذلك نحو الخمسة آلاف دينار أو أكثر.
وفي سابع ربيع الآخر حضر خليفة سيدي أحمد البدوي وقد حضر يطلب من السلطان، فلما مثل بين يديه قال له: اعمل برقك حتى تسافر صحبتي إلى حلب، فلما
سمع ذلك تعلل وأظهر أنه ضعيف لا يقدر على السفر، فحنق منه السلطان وألزمه بالسفر ولم يقبل له عذرا وأرسل يقول لخليفة سيدي أحمد الرفاعي: اعمل برقك حتى تسافر صحبتي.(3/109)
وفي سابع ربيع الآخر حضر خليفة سيدي أحمد البدوي وقد حضر يطلب من السلطان، فلما مثل بين يديه قال له: اعمل برقك حتى تسافر صحبتي إلى حلب، فلما
سمع ذلك تعلل وأظهر أنه ضعيف لا يقدر على السفر، فحنق منه السلطان وألزمه بالسفر ولم يقبل له عذرا وأرسل يقول لخليفة سيدي أحمد الرفاعي: اعمل برقك حتى تسافر صحبتي.
وفيه عرض السلطان غلمانا للبيوتات من الفراشين والبابية والركبخانة والحجارين والشربدارية والزردخانية من النفطية وغير ذلك، وطلب الأمير علم الدين الذي يحكم على الطبالين والزمارين وألزمه أن يصرف على من يسافر صحبته من الطبالين والزمارين والمنقرين من كيسه وقال له: أنت تأكل معلوم هذه الوظيفة عدة سنين فأنفق عليهم من عندك وإلا فعندنا من يلي هذه الوظيفة ويفعل ذلك.
ثم عرض مغاني الدكة وهم أحمد أبو سنة والمحوجب والمحلاوي وأمرهم أن يسافروا صحبته، ثم عين جماعة من النجارين والحجارين وأمرهم بالسفر معه، ثم عرض هؤلاء المذكورين ولم ينفق عليهم شيئا بل صرف لهم جامكية أربعة أشهر لا غير ولم يعطهم نفقة وقال لهم: أنتم تأكلون جوامك السلطنة كذا وكذا سنة فعند إرادتي سفركم تطلبون مني نفقة. ولما تحقق القضاة سفر السلطان أخذوا في تجهيز أمرهم وعمل برقهم وعينوا معهم جماعة كثيرة من النواب. وكذلك كلف جماعة من القراء والوعاظ بوساطة نقيب القراء شمس الدين الظريف وأمروا أن يسافروا صحبة السلطان كما فعل القضاة مع نوابهم.
قال في «تعطير المشام في تاريخ الشام» (1) نقلا عن «الكواكب السائرة»: إن الغوري لما تجهز من مصر أشاع أنه يريد الإصلاح بين ملوك الروم وملك العجم لما كان من المودة بين الغوري وملك العجم كما ذكرنا، وكان ينسج المودة بينهما رجل أعجمي كان قربه الغوري بمصر وهو الذي أغراه على الخروج لإصلاح ذات البين بين ذينك الملكين، وكان الغوري داخله وجل باطني من ملك العجم بسبب قصة عجيبة كانت أيضا من أسباب تحرك السلطان سليم على ملك العجم، وتلك القصة هو أن إسماعيل شاه ملك العجم كان قد قتل صاحب هراة وولده فبعث برأس الأب إلى السلطان سليم وبرأس الابن إلى الغوري وكتب إلى الأول رسالة مطلعها:
__________
(1) هو لصديقنا الشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي رحمه الله مؤلف موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين وغيره.(3/110)
نحن أناس قد غدا شأننا ... حب علي بن أبي طالب
يعيبنا الناس على حبه ... فلعنة الله على العائب
وكتب إلى الثاني رسالة مطلعها:
السيف والخنجر ريحاننا ... أف على النرجس والآس
وشربنا من دم أعدائنا ... وكأسنا جمجمة الرأس
فرد عليه الأول بهذين البيتين:
ما عيبكم هذا ولكنه ... بغض الذي لقب بالصاحب
وكذبكم عنه وعن بنته ... فلعنة الله على الكاذب
ورد عليه الثاني بمقاطيع منها قول شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف:
السيف والخنجر قد قصرا ... عن عزمنا في شدة الباس
لو لم ينازع حلمنا بأسنا ... أفنى سلطاننا سائر الناس (1) 1هـ
خروج طلب السلطان الغوري من مصر
قال ابن إياس: وفي يوم الاثنين عاشر ربيع الآخر خرج طلب السلطان، وكان من ملخص أمره أنه أخرج الطلب من الميدان قبل طلوع الشمس ومشى به من الرميلة ونزل به من حدرة البقر وطلع به من الصليبة، وكان ما اشتمل عليه الطلب أنه جرّ فيه خمس عشرة نوبة هجن بأكوار زركش وكنابيش وخمس عشرة نوبة بأكوار مخمل ملون، وأما الخيول فثلثمائة منها مائة فرس ببركستوانات فولاذ مكفت بذهب وجواغين مكفتة بالذهب وشيء مخمل ملون ومنها ثلاث طوائل بكنابيش زركش وسروج ذهب، ومنها ثلاث طوائل بعراقي وسروج بداوي وطبول بازات، وكان في الطلب أربعة وعشرون تختا بأغشية حرير أطلس أصفر وكجاوتين مخمل بزركش وهما الجوشنان، وكان فيه ست خزائن بأغشية حرير أصفر وكان
__________
(1) هكذا في الأصل والعجز مختل الوزن. وهو في الكواكب السائرة: أفنيت سلطا سائر الناس. ولا معنى له. ولعل الصواب: أفنى سطانا سائر الناس. على أن السطا بمعنى السطوة لم يرد إلا عند المتأخرين ولم تذكره المعاجم.(3/111)
فيه محفتان على البغال بأغشية حرير أصفر، وكان بالطلب خمسة رؤوس خيل خاصة منها اثنان بأرقاب مزركش وكنابيش وسروج بلور مزيكة من ذهب وشيء عقيق وطبول بازات بلور مزيكة بذهب، وكان به فرسان بكنابيش وسروج ذهب وعليها هلالات ذهب عوضا عن الطيور.
وكان راكبا بالطلب بعض أمراء عشراوات رؤوس بالشاش والقماش وبعض خدام من الطواشية، وكان راكبا به من المباشرين القاضي محمود بن أجا كاتب السر والقاضي محيي الدين القصروي ناظر الجيش والقاضي علاء الدين ابن الإمام ناظر الخاص والقاضي شهاب الدين أحمد بن الجيعان كاتب السر والقاضي أبو البقاء ناظر الإسطبل والقاضي بركات بن موسى المحتسب والقاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك وناظر الدولة والشرفي يونس الأستاداركان والقاضي كريم الدين بن الجيعان وأولاد الملكي وغير ذلك من المباشرين.
ثم جاء السنجق السلطاني وانجرت الكوسات والصناجق السلطانية والخليفة، وكان به أربعة طبول وأربعة زمور وعشرة أحمال كؤسات، وكان عادة طلب السلطان أن يكون به أربعون حمل كؤسات، فشق طلب السلطان من الرميلة واصطف العسكر والجم الغفير من الناس بسبب الفرجة على الطلب، فلما مر الطلب لم يعجب الناس واستقلوا الخيول التي به.
وفي ذلك اليوم خرج سنيح أمير المؤمنين المتوكل على الله وكان قدامه طبلين وزمرين ونفيرا ولم يخرج في ذلك اليوم غير طلب السلطان فقط. ثم قال:
إن السلاطين المتقدمة كانوا يخرجون إلى البلاد الشامية عند ما تنتقل الشمس إلى برج الحمل في أوائل فصل الربيع والوقت رطب، وأما الغوري فإنه سافر في قوة الحر والشمس في برج السرطان فحصل للعسكر مشقة شديدة في الطريق، وكان السلطان الغوري لا يقتدي إلا برأي نفسه في جميع الأمور.
خروج السلطان الغوري مع أمرائه وجيوشه
قال ابن إياس: لما كان صبيحة يوم السبت خامس عشر ربيع الأول اجتمع سائر الأمراء المقدمين عند السلطان بالميدان وهم بالشاش والقماش، وكان عدة الأمراء الذين تعينوا للسفر صحبة الركاب الشريف خمسة عشر أميرا، ثم انسحبت أطلاب الأمراء
المقدمين فكان أولهم طلب الأمير كرت باي ثم طلب الأمير أقباي الطويل أمير أخور ثاني ثم طلب الأمير تاني بك الخازندار ثم طلب الأمير أبرك الأشرفي ثم طلب الأمير علان بن قراجا الدوادار الثاني ثم طلب الأمير بيبرس قريب السلطان ثم طلب الأمير جان بلاط الشهير بالموتر ثم طلب الأمير قانصوه كرت ثم طلب الأمير تمر الحسني الشهير بالزردكاش ثم طلب الأمير قانصوه ابن السلطان جركس ثم طلب الأمير أنسباي بن مصطفى حاجب الحجاب ثم طلب سودون الدواداري رأس نوبة النوب ثم طلب المقر الناصري محمد نجل المقام الشريف أمير أخور كبير (ابن السلطان الغوري) ثم طلب الأمير أركماس بن طراباي أمير مجلس وقد قرر أمير سلاح، ثم بعد ذلك مشى طلب الأتابكي سودون بن جاني بك الشهير بالعجمي وكان طلبه في غاية الحسن والترتيب. فلما انقضى أمر الأطلاب خرج السلطان من باب الإصطبل الذي عند السلم المدرج فخرج وقدامه النفير السلطاني المسمى بالمرعشي وهو في موكب عظيم قل أن يتفق لسلطان موكب مثل ذلك الموكب، فكان في أول الموكب الأفيال الثلاثة وهي مزينة بأنواع الزينة، ثم ترادف العسكر المنصور بالشاش والقماش، ثم الأمراء رؤوس النوب بالعصي يفسحون الناس وقد ترادف الأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات قاطبة، ثم أرباب الوظائف من المباشرين (وقد تقدم ذكر أسمائهم). ثم قال:(3/112)
قال ابن إياس: لما كان صبيحة يوم السبت خامس عشر ربيع الأول اجتمع سائر الأمراء المقدمين عند السلطان بالميدان وهم بالشاش والقماش، وكان عدة الأمراء الذين تعينوا للسفر صحبة الركاب الشريف خمسة عشر أميرا، ثم انسحبت أطلاب الأمراء
المقدمين فكان أولهم طلب الأمير كرت باي ثم طلب الأمير أقباي الطويل أمير أخور ثاني ثم طلب الأمير تاني بك الخازندار ثم طلب الأمير أبرك الأشرفي ثم طلب الأمير علان بن قراجا الدوادار الثاني ثم طلب الأمير بيبرس قريب السلطان ثم طلب الأمير جان بلاط الشهير بالموتر ثم طلب الأمير قانصوه كرت ثم طلب الأمير تمر الحسني الشهير بالزردكاش ثم طلب الأمير قانصوه ابن السلطان جركس ثم طلب الأمير أنسباي بن مصطفى حاجب الحجاب ثم طلب سودون الدواداري رأس نوبة النوب ثم طلب المقر الناصري محمد نجل المقام الشريف أمير أخور كبير (ابن السلطان الغوري) ثم طلب الأمير أركماس بن طراباي أمير مجلس وقد قرر أمير سلاح، ثم بعد ذلك مشى طلب الأتابكي سودون بن جاني بك الشهير بالعجمي وكان طلبه في غاية الحسن والترتيب. فلما انقضى أمر الأطلاب خرج السلطان من باب الإصطبل الذي عند السلم المدرج فخرج وقدامه النفير السلطاني المسمى بالمرعشي وهو في موكب عظيم قل أن يتفق لسلطان موكب مثل ذلك الموكب، فكان في أول الموكب الأفيال الثلاثة وهي مزينة بأنواع الزينة، ثم ترادف العسكر المنصور بالشاش والقماش، ثم الأمراء رؤوس النوب بالعصي يفسحون الناس وقد ترادف الأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات قاطبة، ثم أرباب الوظائف من المباشرين (وقد تقدم ذكر أسمائهم). ثم قال:
ثم تقدمت الأمراء المقدمون وصحبتهم ولد السلطان المقر الناصري أمير أخور كبير وإلى جنبه الأتابكي سودون العجمي، ثم من بعد ذلك تقدمت السادة القضاة الأربعة مشايخ الإسلام وهم قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل وقاضي القضاة الحنفي حسام الدين محمود بن الشحنة وقاضي القضاة المالكي محيي الدين يحيى الدميري وقاضي القضاة الحنبلي شهاب الدين أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار، ثم من بعدهم أمير المؤمنين المتوكل على الله محمد بن المستمسك بالله يعقوب العباسي وهو لابس العمامة البغدادية التي بالعذبتين وعليه قباء بعلبكي بطراز أسود حرير ولم يكن على رأسه صنجق خليفتي، وقد اختصر هذا الخليفة أشياء كثيرة مما كان يعمل للخلفاء والمتقدمين من أقاربه.
ثم أقبل السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري وكان الخليفة قدامه بنحو عشرين خطوة، وكان السلطان راكبا على فرس أشقر بسرج ذهب وكنبوش وعلى رأسه كلوته وهو لابس قباء بعلبكي أبيض بطرز ذهب على حرير أسود عريض قيل كان فيه خمسمائة ذهب
بنادقة، وأقبل والصنجق السلطاني على رأسه ومقدم المماليك سنبل العثماني خلفه وصحبته السلحدارية بالشاش والقماش والجم الكثير من الخاصكية والجمدارية. واستمر ذلك اليوم حتى خرج من باب النصر وكان يوما مشهودا ثم وصل إلى المخيم بالريدانية.(3/113)
ثم أقبل السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري وكان الخليفة قدامه بنحو عشرين خطوة، وكان السلطان راكبا على فرس أشقر بسرج ذهب وكنبوش وعلى رأسه كلوته وهو لابس قباء بعلبكي أبيض بطرز ذهب على حرير أسود عريض قيل كان فيه خمسمائة ذهب
بنادقة، وأقبل والصنجق السلطاني على رأسه ومقدم المماليك سنبل العثماني خلفه وصحبته السلحدارية بالشاش والقماش والجم الكثير من الخاصكية والجمدارية. واستمر ذلك اليوم حتى خرج من باب النصر وكان يوما مشهودا ثم وصل إلى المخيم بالريدانية.
ثم في عقب ذلك اليوم نزلت خوجخانات فيها الذهب والفضة وضمن كل واحدة من الذهب العين ألف دينار خارجا عن المعادن، وقد فرغ الخزائن من الأموال التي جمعها من أوائل سلطنته إلى أن خرج في هذه التجريدة، وفرغ أيضا حواصل الذخيرة وأخذ ما فيها من التحف وآلات السلاح الفاخرة التي كان بها من ذخائر الملوك السالفة من سروج ذهب وبلور وعقيق وغير ذلك من كنابيش زركش وطبول بازات بلور ومينه وبركستوانات مكفتة وأكوار زركش وغير ذلك من التحف الملوكية، فنزل جماعة من كتاب الخزينة صحبة الخوجخانات وجماعة من الخزندارية وهم بالشاش والقماش، فكانت تلك الخوجخانات محملة على خمسين جملا، ثم نزلت الزردخانة وهي محملة على مائة جمل وقدامها طبلان وزمران وعيدان نقر على جمال فتوجهوا إلى الوطاق.
ثم قال: وأخذ الأمراء في الرحيل في الثامن عشر من ربيع الآخر، وكان جملة ما مع هؤلاء الأمراء الذين توجهوا صحبة السلطان تسعمائة وأربعة وأربعين مملوكا على ما قيل، ويقال إن عدة المماليك الذين خرجوا في هذه التجريدة من القرانصة والجلبان وأولاد الناس خمسة آلاف نفر على ما قيل.
مجيء قاصد من السلطان سليم إلى السلطان الغوري
ولما كان السلطان بالمخيم الشريف ورد عليه مطالعة من عند نائب حلب وإذا فيها أن ابن عثمان أرسل قاصدا فعوقناه عندنا وأخذنا الكتاب منه وها هو واصل لكم. فوصل إليه وهو بالمخيم بالريدانية، ولما فكه السلطان وقرأه فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له: أنت والدي وأسألك الدعاء وإني ما زحفت على بلاد دولات إلا بإذنك وإنه كان باغيا علي وهو الذي أثار الفتنة القديمة بين والدي والسلطان قايتباي حتى جرى وهذا كان غاية الفساد في مملكتكم وكان قتله عين الصواب، وأما ابن سوار الذي ولي مكانه فإن حسن ببالكم أن تبقوه على بلاد أبيه أو تولوا غيره فالأمر راجع إليكم. وأما
التجار الذين يجلبون المماليك الجراكسة فإني ما منعتهم وإنما هم تضرروا من معاملتكم في الذهب والفضة فامتنعوا عن جلب المماليك إليكم وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم وجميع ما ترومونه ويريده السلطان فعلناه.(3/114)
ولما كان السلطان بالمخيم الشريف ورد عليه مطالعة من عند نائب حلب وإذا فيها أن ابن عثمان أرسل قاصدا فعوقناه عندنا وأخذنا الكتاب منه وها هو واصل لكم. فوصل إليه وهو بالمخيم بالريدانية، ولما فكه السلطان وقرأه فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له: أنت والدي وأسألك الدعاء وإني ما زحفت على بلاد دولات إلا بإذنك وإنه كان باغيا علي وهو الذي أثار الفتنة القديمة بين والدي والسلطان قايتباي حتى جرى وهذا كان غاية الفساد في مملكتكم وكان قتله عين الصواب، وأما ابن سوار الذي ولي مكانه فإن حسن ببالكم أن تبقوه على بلاد أبيه أو تولوا غيره فالأمر راجع إليكم. وأما
التجار الذين يجلبون المماليك الجراكسة فإني ما منعتهم وإنما هم تضرروا من معاملتكم في الذهب والفضة فامتنعوا عن جلب المماليك إليكم وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم وجميع ما ترومونه ويريده السلطان فعلناه.
فلما سمع السلطان ذلك أحضر الأمراء المقدمين وقرأ عليهم كتاب ابن عثمان فانشرح الأمراء والسلطان لهذا الخبر واستبشروا بأمر الصلح والعود إلى الأوطان عن قريب، وكان هذا كله حيلا وخداعا من ابن عثمان حتى يبلغ بذلك مقاصده وقد ظهر حقيقة ذلك فيما بعد.
تقرير السلطان الغوري للأمير طومان باي بنيابة الغيبة
قال: وليلة رحيله من الريدانية خلع على الأمير طومان باي الدوادار كاملية بسمور حافلة وقرره نائب الغيبة بالقاهرة إلى أن يحضر.
وفي تلك الليلة أحضر مشاعل موقدة فطارت منها شرارة على خيمة السلطان فاحترق منها فتفاءل الناس بذلك شرا.
رحيل السلطان الغوري من الريدانية
قال ابن إياس: وفي الثاني والعشرين من ربيع الآخر رحل السلطان من المخيم الشريف بالريدانية وصحبته الخليفة والقضاة الأربعة وولده المقر الناصري أمير أخور كبير وأقباي الطويل أمير أخور ثاني، وكانت مدة إقامته في الوطاق بالريدانية سبعة أيام.
وصوله إلى مدينة غزة
قال ابن إياس: وفي رابع جمادى الأولى وصل السلطان الغوري إلى مدينة غزة فلاقاه الأمير دولات باي نائب غزة ومد له مدة حافلة وقدم له تقدمة عظيمة.
قال الشيخ أحمد بن زنبل المحلي في أوائل تاريخه الذي ألفه في الوقايع التي كانت بين هذين السلطانين: لما وصل السلطان الغوري إلى غزة أقام بها ثلاثة أيام فشكت الرعايا للسلطان من نائب غزة فعزله عنها ورسم عليه وعنفه على ما فعله وظلمه وزجره غاية الزجر وبعد ذلك رده إليها لكونه ابن عمه.(3/115)
ورود مكاتبة من سيباي نائب الشام إلى السلطان الغوري وهو في غزة
قال المحلي: ولما كان السلطان في غزة ورد عليه مكاتبة من عند سيباي نائب الشام يذكر فيها الذي يعرضه المملوك على المسامع العالية أعلاها الله تعالى وأدامها أن العبد سمع بأن السلطان يريد السفر إلى قتال ابن عثمان وأن المملوك يقوم بهذا الأمر ويكون السلطان مقيما بمصر ويمد المملوك بالعساكر المنصورة، والذي يعلم به مولانا السلطان أن خير بك ملاحي علينا ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل حين. فرد عليه السلطان: ها نحن قد جئناهم بأنفسنا. ثم أمر بالرحيل بالجيوش والعساكر وهم يموجون كالبحر الزاخر والسحاب الماطر.
ومن غريب صنع الله تعالى أن السلطان الغوري كان له رمّال حاذق فكان كل حين يقول له السلطان: انظر إلى من يلي الحكم بعدي، فيقول: حرف السين، فكان يعتقد أنه سيباي، وكان كلما كتب سيباي للسلطان بما يفعله خير بك نائب حلب من المكاتبات للسلطان سليم بأنه معه وأنه ملاحي على أبناء جنسه ويحرضه على المجيء إلى أخذ مصر من الجراكسة والسلطان الغوري لا يقبل من سيباي نصيحة حتى نفذ قضاء الله تعالى وحكمه وقدره وكل ما كان، ولم يتمكن سيباي من ملاقاة السلطان إلا على سعسع وهي قرية من قرى الشام. وحضر سيباي قدام السلطان وقدم تقدمة عظيمة لها قدر وقيمة فشكره السلطان على فعله شكرا زائدا بعد أن خلع عليه خلعة عظيمة ولم يخلع على أحد من النواب غيره، وكل ذلك والسلطان معتقد أن الخيانة إنما هي من سيباي وما قصده إلا أخذ السلطنة كما ذكر المنجم الرمّال على حرف السين ولا يظن ولا يخطر في فكره أن السلطان سليما يقدر يدخل أرض مصر أبدا لما يعلم من شجاعة الجراكسة. وكان السلطان الغوري يعلم أن سيباي بطل من الأبطال ولا يخطر الموت له على بال، فكان السلطان لا يحسب إلا حسابه، وأما خير بك فإنه لم يكن السلطان يحسب له حسابا لما يعلم من جبانته وعدم شجاعته فأخذه من لا يكترث به، وكان سيباي من مماليك السلطان قايتباي وكان رجلا يعد برجال.(3/116)
وصول السلطان قانصوه الغوري إلى الشام
قال ابن إياس: في ثامن جمادى الأولى وصل السلطان إلى الشام فلاقاه الأمير سيباي نائب الشام ودخل في موكب حافل وقدامه الخليفة والقضاة الأربعة وسائر الأمراء المقدمين وأمراء الطبلخانات والعشراوات وأرباب الوظائف من المباشرين والجم الكثير من العسكر والناس، ولاقاه أمراء الشام وعساكرها، وحمل على رأسه القبة والجلالة كما جرت به عوائد الملوك من قديم الزمان، فزينت له مدينة دمشق زينة حافلة ودقت له البشائر بقلعة دمشق ونثر على رأسه بعض تجار الإفرنج ذهبا وفضة، وفرش له سيباي تحت حافر فرسه الشقق الحرير، وازدحمت عليه المماليك بسبب نثار الذهب والفضة، فكاد السلطان أن يسقط عن ظهر فرسه من شدة زحام الناس عليه فمنعهم من نثار الذهب والفضة ومن فرش الشقق الحرير تحت حافر فرسه، فكان له يوم مشهود وعد ذلك من المواكب المشهودة، فاستمر ذلك الموكب الحافل حتى دخل من باب النصر الذي بدمشق وخرج إلى الفضاء منها وتوجه إلى المصطبة التي يقال لها مصطبة السلطان وهي بالقابون القاقوني فنزل هناك ورسم لبعض حجاب دمشق بعمارتها وكانت قد تشعثت من مرور السنين.
وصوله إلى مدينة حلب
قال ابن إياس: وفي العاشر من جمادى الآخرة وصل السلطان قانصوه الغوري إلى حلب فكان لدخوله يوم مشهود وقدامه الخليفة والقضاة الأربعة وسائر الأمراء كموكبه بالشام، وحملت القبة والجلالة على رأسه وكان حاملها ملك الأمراء خاير بك نائب حلب كما فعل سيباي نائب الشام.
مسير السلطان سليم بعساكره إلى هذه الديار
قال المحلي: إن السلطان سليما لما تقوت آماله في أخذ مصر استشار وزيره الأعظم أحمد باشا بن هرسك وبعده بيري باشا، فقال ابن هرسك للسلطان سليم: نحن تصادمنا مع عسكر مصر في زمن أبيك وكنت أنا قائد العسكر وكسرونا أشد كسرة وقبضوا علي ودخلت مصر أسيرا حتى وقفت بين يدي السلطان قايتباي فمنّ عليّ بإطلاقي وعفا عني عفا الله عنه، وقد حلفت له ألا أسحب في وجه القبلة سيفا، وصدقه على ذلك بيري
باشا، ثم بعد ثلاثة أيام أمر السلطان سليم بعزل الاثنين، ثم سار قاصدا عسكر مصر، فلما وصل إلى مدينة زملطي أقام ينتظر الأخبار فلم يأته أحد فأمر السلطان سليم بإرسال قاض إلى الغوري وكان اسم القاضي زيرك زاده وكان أعرج.(3/117)
قال المحلي: إن السلطان سليما لما تقوت آماله في أخذ مصر استشار وزيره الأعظم أحمد باشا بن هرسك وبعده بيري باشا، فقال ابن هرسك للسلطان سليم: نحن تصادمنا مع عسكر مصر في زمن أبيك وكنت أنا قائد العسكر وكسرونا أشد كسرة وقبضوا علي ودخلت مصر أسيرا حتى وقفت بين يدي السلطان قايتباي فمنّ عليّ بإطلاقي وعفا عني عفا الله عنه، وقد حلفت له ألا أسحب في وجه القبلة سيفا، وصدقه على ذلك بيري
باشا، ثم بعد ثلاثة أيام أمر السلطان سليم بعزل الاثنين، ثم سار قاصدا عسكر مصر، فلما وصل إلى مدينة زملطي أقام ينتظر الأخبار فلم يأته أحد فأمر السلطان سليم بإرسال قاض إلى الغوري وكان اسم القاضي زيرك زاده وكان أعرج.
وصول القاضي زيرك زاده والأمير قراجا باشا إلى حلب رسولين من السلطان سليم خان إلى السلطان قانصوه الغوري
قال ابن إياس: وفي حال دخول السلطان الغوري إلى حلب حضر قصاد سليم شاه ابن عثمان ملك الروم فقيل إنه أرسل إليه قاضي عسكره وهو شخص يقال له ركن الدين وأحد أمرائه يقال له قراجا باشا وصحبتهم سبعمائة عليقة فنزلوا بمدينة حلب. وبلغني من الكتب الواردة بالأخبار أن السلطان لما حضر بين يديه قاضي ابن عثمان وقراجا باشا شرع يعتبهم على أفعال ابن عثمان وما يبلغه عنه وما جرى منه في حقه وأخذه لبلاد علي دولات، فقال له القاضي وقراجا باشا: نحن فوض لنا أستاذنا أمر الصلح وقال كل ما اختاره السلطان افعلوه ولا تشاوروني، وكل هذا حيل وخداع حتى تبطل همة السلطان عن القتال وينثني عزمه عن ذلك، وقد ظهر مصداق ذلك فيما بعد. ثم إن قاضي ابن عثمان أحضر فتاوي من علماء بلاد الروم وقد أفتوا بقتل شاه إسماعيل الصوفي وأن قتله جائز في الشرع، وأرسل يقول في كتابه للسلطان: أنت والدي وأسألك الدعاء ولكن لا تدخل بيني وبين الصوفي. ومن جملة مخادعة السلطان ابن عثمان للسلطان الغوري أنه أرسل يطلب منه سكرا وحلوى فأرسل له الغوري مائة قنطار سكر وحلوى في علب كبار، وهذه حيلة منه، وأرسل يقول في كتابه: إني لا أحول عن إسماعيل شاه أبدا حتى أقطع أثره من وجه الأرض فلا تدخل بيننا فيما يكون من أمر الصلح، وأظهر أنه قاصد نحو الصوفي ليحاربه والأمر بخلاف ذلك في الباطن، وذكروا له أنه على قيسارية يقصد التوجه على الصوفي. ثم إن السلطان خلع على قصاد ابن عثمان الخلع السنية.
وقيل إن السلطان ابن عثمان أرسل إلى السلطان الغوري تقدمة حافلة وللخليفة وأمير كبير سودون العجمي فكان ما أرسله ابن عثمان من التقدمة أربعين مملوكا وأبدان سمور وأثواب مخمل وأثواب صوف وأثواب بعلبكية وغير ذلك، وكان ما أرسله إلى الخليفة بدنين سمور
وثوب بكفوف قصب وثوبي صوف عال، وأرسل إليه قاضي عسكر ابن عثمان ثوبين صوفا وسجادة وبغلة، وأرسل ابن عثمان إلى أمير كبير أيضا تقدمة حافلة ما بين سمور ومخمل وصوف ومملوكين.(3/118)
وقيل إن السلطان ابن عثمان أرسل إلى السلطان الغوري تقدمة حافلة وللخليفة وأمير كبير سودون العجمي فكان ما أرسله ابن عثمان من التقدمة أربعين مملوكا وأبدان سمور وأثواب مخمل وأثواب صوف وأثواب بعلبكية وغير ذلك، وكان ما أرسله إلى الخليفة بدنين سمور
وثوب بكفوف قصب وثوبي صوف عال، وأرسل إليه قاضي عسكر ابن عثمان ثوبين صوفا وسجادة وبغلة، وأرسل ابن عثمان إلى أمير كبير أيضا تقدمة حافلة ما بين سمور ومخمل وصوف ومملوكين.
قال المحلي: أرسل السلطان سليم خان القاضي زيرك زادة رسولا إلى السلطان الغوري فسار حتى وصل إلى حلب فرأى أوطاق الغوري خاليا من العسكر ما فيه إلا نحو الألف أو الألفين لأنهم كانوا كلهم دخلوا إلى مدينة حلب وأخرجوا الناس من بيوتهم وسبوا حريمهم وأولادهم فآذوهم الأذى البليغ، وكان ذلك سببا لقيام أهل حلب مع السلطان سليم على الجراكسة لشدة ما حل بهم من الضرر، ولما بلغ الغوري أنه جاء قاصد من عند السلطان سليم أذن له فتمثل بين يديه وتأدب غاية الأدب فرحب به وسأله عن السلطان سليم فقال له القاضي: هذا ولدك وتحت نظرك، فقال له الغوري: لولا أنه مثل ولدي ما جئت من مصر إلى هنا بأهل العلم جميعا حتى نصلح بينه وبين إسماعيل شاه، ثم أجزل عطاءه وصرفه.
إرسال السلطان الغوري وهو في حلب قاصدا إلى السلطان سليم
قال المحلي: بعد أن توجه رسول السلطان سليم من حلب من عند السلطان الغوري أمر السلطان الغوري بإرسال قاصد إلى السلطان سليم فشاور أكابر دولته فأشاروا بإرسال رجل من أهل العلم والدين ليتكلم بينهما بالمعروف رجاء لحقن دماء المسلمين، فلم يفعل ما أشاروا به وأمر بإحضار الأمير مغلباي دوادار وكان رجلا فاضلا قادرا على رد الأجوبة وإقامة الحجة، فقال له الغوري: جهز نفسك واخرج اكشف لنا خبر أهل الروم وما هم عليه وأعط هذه المكاتبة إلى ملكهم. ثم أمر عشرة من خيار العسكر بالتوجه مع مغلباي إلى عسكر السلطان سليم وهم لابسون الملابس الفاخرة كل من رآهم يتعجب في خلقهم وحسن خيلهم وهندامهم وهم كالعرائس واصطفوا صفا واحدا، فلما دخلوا ووقفوا بين يدي السلطان سليم من غير إطالة نظر إليهم مليا وامتلأ من الغيظ ثم قال للأمير مغلباي:
يا مغلباي أستاذك ما كان عنده رجل من أهل العلم يرسله لنا وإنما أرسلك بهؤلاء يرعب بها قلوب عسكري ويخوفهم برؤية أجناده، ولكن أنا أكيده بمكيدة أعظم من مكيدته، ثم أمر برمي رقبة مغلباي وجماعته وصاح من صميم قلبه بجلاد فارتجفت قلوب الحاضرين
لذلك، فقام الوزير يونس باشا وقبل الأرض بين يديه وقال: الرسول لا يقتل وليس له ذنب، فقال: لا بد من ذلك، فقال الوزير: فإن كان ولا بد فأبق كبيرهم مغلباي، فأمر بحبسه ورمي رقبة العشرة قدام أوطاقه واحدا بعد واحد وهو ينظر إليهم وحبس مغلباي بقلعة زمنوطو يومين ثم أحضره وحلق ذقنه وألبسه طرطورا وأركبه على حمار أعرج معقور وقال له:(3/119)
يا مغلباي أستاذك ما كان عنده رجل من أهل العلم يرسله لنا وإنما أرسلك بهؤلاء يرعب بها قلوب عسكري ويخوفهم برؤية أجناده، ولكن أنا أكيده بمكيدة أعظم من مكيدته، ثم أمر برمي رقبة مغلباي وجماعته وصاح من صميم قلبه بجلاد فارتجفت قلوب الحاضرين
لذلك، فقام الوزير يونس باشا وقبل الأرض بين يديه وقال: الرسول لا يقتل وليس له ذنب، فقال: لا بد من ذلك، فقال الوزير: فإن كان ولا بد فأبق كبيرهم مغلباي، فأمر بحبسه ورمي رقبة العشرة قدام أوطاقه واحدا بعد واحد وهو ينظر إليهم وحبس مغلباي بقلعة زمنوطو يومين ثم أحضره وحلق ذقنه وألبسه طرطورا وأركبه على حمار أعرج معقور وقال له:
قل لأستاذك يجتهد جهده وها أنا متوجه إليه.
إرسال السلطان الغوري الأمير كرتباي لكشف الأخبار
قال ابن إياس: بعد توجه الأمير مغلباي إلى السلطان سليم جهز السلطان الغوري الأمير كرتباي الأشرفي أحد الأمراء المقدمين إلى السلطان سليم وصحبته هدية حافلة بنحو عشرة آلاف دينار وذلك بعد أن خلع على قاضي عسكر ابن عثمان ووزيره قراجا باشا خلعة سنية وأذن لهما بالعودة إلى بلادهما، وكان هذا هو عين الغلط من السلطان الغوري حيث أطلق قصاد ابن عثمان قبل أن يحضر مغلباي ويظهر له من أمر ابن عثمان ما يعتمد عليه، ولما وصل الأمير كرتباي إلى عينتاب بلغه أن السلطان ابن عثمان أبى الصلح وقبض على مغلباي ووضعه في الحديد بعد أن قصد شنقه فشفع فيه بعض وزرائه وقصد حلق لحيته، وقد قاسى منه من البهدلة ما لا يمكن شرحه.
فلما تحقق الأمير كرتباي ذلك رجع إلى حلب وأعلم السلطان بما فعله سليم شاه بالأمير مغلباي وأن طوالع عسكره قد وصلت إلى عينتاب وملكت قلعة ملطية وبهسنا وكركر وغير ذلك من القلاع، ولما وصل الأمير كرتباي بهذه الأخبار الرديئة إلى السلطان اضطربت أحواله وأحوال الناس وأحوال العسكر قاطبة.
قال المحلي: أمر السلطان الغوري الأمير كرتباي أن يكشف خبر السلطان سليم وعسكره ويرجع على الفور، فتوجه كرتباي، ولما وصل إلى قيسارية وجد أهلها قد قفلوا أبوابها وتأهبوا لقتال أهل مصر لما بلغهم ما فعلوه في حلب وأهلها من إخراجهم من أماكنهم ونهب أموالهم والتعرض لنسائهم وبناتهم، ووجد يونس نائب عينتاب عزل حريمه وماله وهو معول على الرحيل إلى السلطان سليم وقد قلب على أبناء جنسه ومال مع الروم، فرجع
كرتباي وأخبره بأن قيسارية وعينتاب عصوا علينا وأرادوا قتالنا ومالوا مع السلطان سليم وأن طلائع عسكره قد أقبلت، فارتج عسكر مصر لذلك ووقع الخلل فيهم.(3/120)
قال المحلي: أمر السلطان الغوري الأمير كرتباي أن يكشف خبر السلطان سليم وعسكره ويرجع على الفور، فتوجه كرتباي، ولما وصل إلى قيسارية وجد أهلها قد قفلوا أبوابها وتأهبوا لقتال أهل مصر لما بلغهم ما فعلوه في حلب وأهلها من إخراجهم من أماكنهم ونهب أموالهم والتعرض لنسائهم وبناتهم، ووجد يونس نائب عينتاب عزل حريمه وماله وهو معول على الرحيل إلى السلطان سليم وقد قلب على أبناء جنسه ومال مع الروم، فرجع
كرتباي وأخبره بأن قيسارية وعينتاب عصوا علينا وأرادوا قتالنا ومالوا مع السلطان سليم وأن طلائع عسكره قد أقبلت، فارتج عسكر مصر لذلك ووقع الخلل فيهم.
رجوع الأمير مغلباي من عند السلطان سليم
قال ابن إياس: ما زال السلطان الغوري يكذب في أمر السلطان سليم شاه تارة ويصدق أخرى إلى أن حضر الأمير مغلباي دوادار سكين من عنده وهو في حال نحس بزنط أقرع على رأسه وعلى بدنه كبر عتيق وهو راكب على إكديش هزيل وقد نهب جميع بركه وأخذت خيوله وقماشه وأخبر أن ابن عثمان أبى الصلح وقال له: قل لأستاذك يلاقينا على مرج دابق وأخبره أنه وضعه في الحديد وقصد أن يحلق لحيته (يظهر أن هذا أصح مما تقدم عن المحلي أنه فعل ذلك) وقدمه إلى الشنق ثلاث مرات فشفع فيه بعض وزرائه وحمله الزبل من تحت خيله في قفة على رأسه وقاسى منه من الهوان والأهوال ما لا خير فيه، فلما سمع السلطان هذه الحكاية تحقق وقوع الفتنة بينه وبين ابن عثمان، فقيل إنه أنعم على مغلباي بألف دينار وخيول وقماش في نظير ما ذهب له.
خطيب الجامع الكبير بحلب مدة إقامة السلطان الغوري بها
قال ابن إياس: إن السلطان لما دخل إلى حلب رسم لقاضي القضاة كمال الدين الطويل بأن يخطب في الجامع الكبير الذي بحلب، فاجتمع الجم الكثير من أهل حلب في الجامع المذكور فخرج قاضي القضاة كمال الدين الطويل ورقي المنبر وخطب خطبة بليغة وأورد أحاديث شريفة في معنى الصلح، وأذن المؤذنون بالجامع وقرؤوا حزب السلطان هناك وعمل الوعاظ وكان يوما مشهودا بالجامع المذكور، ولم يحضر السلطان ولم يصل صلاة الجمعة هناك كما فعل بدمشق، فعابوا عليه ذلك، وكان قاضي القضاة كمال الدين يخطب بالجامع الكبير مدة إقامة السلطان بحلب.(3/121)
أسعار القوت ذلك الحين في حلب
قال ابن إياس: ورد كتاب من أمير المؤمنين إلى والده أمير المؤمنين يعقوب فيه أخبار ما كان من الحوادث وذكر فيه عن أمر الأسعار في حلب فقال: الشعير كل إردب بسبعة وعشرين نصفا والخبز كل رطل بثلاثة دراهم والجبن بنصفين الرطل واللحم بتسعة دراهم كل رطل مصري والدبس بنصف فضة الرطل المصري، وتناهى سعر القمح إلى أشرفيين كل إردب والكرسنة عليق الجمال بمائة وأربعة وعشرين درهما الإردب.
إنعام السلطان الغوري وهو بحلب على أمرائه وجيوشه بالرتب والدنانير وتحليفه لأمرائه الأيمان على عدم الخيانة
قال ابن إياس: ومن الحوادث التي وقعت من السلطان بحلب أنه أنعم على قانصوه نائب حلب بتقدمة ألف وعلى يوسف الناصري شاد الشرابخانة الذي كان نائب حماة وعلى طراباي نائب صفد وعلى تمراز نائب طرابلس، ومنها أنه أنفق على أولاد الناس الذين توجهوا صحبته بلا نفقة لكل واحد منهم ثلاثون دينارا، وكان رسم لهم قبل ذلك لكل واحد بخمسين دينارا فعارض في ذلك كاتب المماليك وجعلها ثلاثين دينارا، وصرف للعسكر ثمن اللحم عن ثلاثة شهور. ثم إن السلطان فرق على مماليكه الجلبان من حواصل قلعة حلب عدة سلاح لم يعبر عنها وفرق عليهم خيولا مالها عدد، وصار ينعم عليهم بالعطايا الجزيلة من مال وخيول خاص وسلاح بطول الطريق ولم يعط المماليك القرانصة شيئا، فعز ذلك عليهم في الباطن.
ثم إن السلطان قرأ ختمة في الميدان الكبير بحلب يوم الخميس مع ليلة الجمعة وحضر أمير المؤمنين المتوكل على الله والقضاة الأربعة ومشايخ الزوايا وصلى أمير المؤمنين بالسلطان في الخيمة صلاة العصر وصلاة المغرب، وأنعم السلطان في ذلك اليوم بأربعمائة دينار ومائة رأس غنم، وأنعم على قاضي القضاة الشافعي بسبعين دينارا وعلى نوابه ومن معه من العلماء بسبعين دينارا والقاضي الحنفي كذلك، وأنعم على القاضي المالكي بخمسين
دينارا وعلى نوابه الثلاثين بثلاثين دينارا، وأنعم على الفقراء الذين سافروا صحبته لكل واحد منهم عشرة دنانير، وأنعم على القراء الذين حضروا هذه الختمة من قراء حلب وغيرها لكل واحد خمسة دنانير.(3/122)
ثم إن السلطان قرأ ختمة في الميدان الكبير بحلب يوم الخميس مع ليلة الجمعة وحضر أمير المؤمنين المتوكل على الله والقضاة الأربعة ومشايخ الزوايا وصلى أمير المؤمنين بالسلطان في الخيمة صلاة العصر وصلاة المغرب، وأنعم السلطان في ذلك اليوم بأربعمائة دينار ومائة رأس غنم، وأنعم على قاضي القضاة الشافعي بسبعين دينارا وعلى نوابه ومن معه من العلماء بسبعين دينارا والقاضي الحنفي كذلك، وأنعم على القاضي المالكي بخمسين
دينارا وعلى نوابه الثلاثين بثلاثين دينارا، وأنعم على الفقراء الذين سافروا صحبته لكل واحد منهم عشرة دنانير، وأنعم على القراء الذين حضروا هذه الختمة من قراء حلب وغيرها لكل واحد خمسة دنانير.
وفي عقيب ذلك أحضر السلطان الأمراء المقدمي الألوف والنواب والأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات وحلفهم على المصحف الشريف بأنهم لا يخونونه ولا يغدرونه، فحلفوا كلهم على ذلك، ثم نادى للعسكر بالعرض في الميدان الذي بحلب فعرضوا وهم باللبس الكامل وأدخلهم من تحت سيفين على هيئة قنطرة كما هي عادة الأتراك وعندهم أن هذا هو القسم العظيم.
وقال المحلي: جمع السلطان الأمراء والأعيان وتحالفوا على أن لا أحد منهم يخون صاحبه وأن يكونوا على قلب رجل واحد ويقاتلوا عدوهم بعد أن كان غالب العسكر ما يظن إلا الصلح بين السلطان سليم وبين شاه إسماعيل.
وأما يونس نائب عينتاب فإنه ندم على فعله مع كرتباي (الذي توجه للكشف ومر على عينتاب فأظهر له النائب ميله إلى السلطان سليم) وقال في نفسه ربما تكون النصرة لهم فلا آمن على نفسي ولكن أجعل لي معهم وجها، وركب من ساعته إلى أن تمثل بين يدي الغوري وزعم أن السلطان سليما قبض عليه وأنه هرب منه وجاء إلى مولانا السلطان مساعدا له على عدوه، فلم تنطل حيلته على السلطان، ثم أمر بتوسيطه في الوقت والساعة فوسط والأمراء والأعيان كلهم مجتمعون، فقام من بينهم الأمير سيباي نائب الشام وقبض على خاير بك نائب حلب وجره من طوقه بين يدي السلطان الغوري وقال: يا مولانا السلطان إذا أردت أن الله ينصرك على عدوك فاقتل هذا الخائن، وكان خاير بك في يده كالشاة بين يدي السبع وهو يجره، فقام الأمير جانبر دي الغزالي وقال: يا مولانا السلطان لا تفتن العسكر وتبدأ في قتال بعضهم بعضا وتذهب أخباركم إلى عدوكم ويزداد طمعه فيكم وتضعف شوكتكم والرأي لكم، وتأخر في مكانه وهذه مكيدة من الغزالي وإلا كان خاير بك قد هلك، فعند ذلك أمرهم السلطان أن يتحالفوا ثانيا وأن لا يخون منهم أحد والخائن يجازيه الله تعالى وعليه لعنة الله. ثم أمر السلطان أن ينادى في حلب بالرحيل منها بالعسكر لقتال السلطان سليم وأن يتأهب كل واحد ويستفيق لنفسه، وكان ذلك في يوم الجمعة ثاني رجب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وكان له موكب حتى رجت الأرض وليس الخبر
كالعيان. وكان الجلبان ثلاثة عشر ألف مملوك كلهم مشترى الغوري ولا واحد منهم إلا ويعرف سائر أنواع الحرب والفروسية فإنه كان مجتهدا في تعليم الجلبان، وكان قصده أن ينشىء له عسكرا من مماليكه الذين يشتريهم ويقطع القرانصة وهم مماليك الملوك الذين قبله، وكان يحسب حسابهم خوفا من أن يمكروا به كما فعلوا بمن قبله، وكان آخذا حذره ولكن الحذر لا ينفع من القدر.(3/123)
وأما يونس نائب عينتاب فإنه ندم على فعله مع كرتباي (الذي توجه للكشف ومر على عينتاب فأظهر له النائب ميله إلى السلطان سليم) وقال في نفسه ربما تكون النصرة لهم فلا آمن على نفسي ولكن أجعل لي معهم وجها، وركب من ساعته إلى أن تمثل بين يدي الغوري وزعم أن السلطان سليما قبض عليه وأنه هرب منه وجاء إلى مولانا السلطان مساعدا له على عدوه، فلم تنطل حيلته على السلطان، ثم أمر بتوسيطه في الوقت والساعة فوسط والأمراء والأعيان كلهم مجتمعون، فقام من بينهم الأمير سيباي نائب الشام وقبض على خاير بك نائب حلب وجره من طوقه بين يدي السلطان الغوري وقال: يا مولانا السلطان إذا أردت أن الله ينصرك على عدوك فاقتل هذا الخائن، وكان خاير بك في يده كالشاة بين يدي السبع وهو يجره، فقام الأمير جانبر دي الغزالي وقال: يا مولانا السلطان لا تفتن العسكر وتبدأ في قتال بعضهم بعضا وتذهب أخباركم إلى عدوكم ويزداد طمعه فيكم وتضعف شوكتكم والرأي لكم، وتأخر في مكانه وهذه مكيدة من الغزالي وإلا كان خاير بك قد هلك، فعند ذلك أمرهم السلطان أن يتحالفوا ثانيا وأن لا يخون منهم أحد والخائن يجازيه الله تعالى وعليه لعنة الله. ثم أمر السلطان أن ينادى في حلب بالرحيل منها بالعسكر لقتال السلطان سليم وأن يتأهب كل واحد ويستفيق لنفسه، وكان ذلك في يوم الجمعة ثاني رجب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وكان له موكب حتى رجت الأرض وليس الخبر
كالعيان. وكان الجلبان ثلاثة عشر ألف مملوك كلهم مشترى الغوري ولا واحد منهم إلا ويعرف سائر أنواع الحرب والفروسية فإنه كان مجتهدا في تعليم الجلبان، وكان قصده أن ينشىء له عسكرا من مماليكه الذين يشتريهم ويقطع القرانصة وهم مماليك الملوك الذين قبله، وكان يحسب حسابهم خوفا من أن يمكروا به كما فعلوا بمن قبله، وكان آخذا حذره ولكن الحذر لا ينفع من القدر.
قال المحلي: لما أمر الغوري بالخروج إلى الحرب خرج جميع العسكر وأدعوا جميع أموالهم عند أهل حلب بعد أن كدروا عليهم غاية التكدير وآذوهم غاية الأذى، فلما خرجوا من عندهم دعا عليهم الكبير والصغير والغني والفقير لما حصل لهم من الضرر منهم.
خروج عسكر السلطان الغوري من حلب إلى حيلان
قال ابن إياس: ثم إن السلطان أنعم على الأمير عبد الرزاق وولاه على إقليم أولاد دلغادر، فخرج من حلب وصحبته ملك الأمراء خاير بك في موكب حافل، فخرج نائب حلب وأمراؤها وعساكرها ونزلوا عن حلب بيوم وصحبتهم من المشاة خمسة آلاف ماش.
ثم خرج بعدهم ملك الأمراء سيباي نائب الشام وتمراز نائب طرابلس وطراباي نائب صفد ونائب حمص ونائب غزة فخرجوا من حلب يوم السابع عشر من شهر رجب وقد أشيع أن ابن عثمان ماش من جهة وابن سوار ماش من جهة. ثم خرج السلطان من ميدان حلب يوم الثلاثاء في العشرين من رجب بعد أن صلى الظهر وصحبته أمير المؤمنين المتوكل على الله والقضاة الأربعة، وكان قد تقدمه نائب الشام ونائب حلب وجماعة من النواب فخرجوا بأطلاب حربية وطبول وزمور ونفوط حتى رجت لهم حلب، فلما خرج السلطان من حلب توجه إلى حيلان فبات فيها.(3/124)
توجه السلطان الغوري من حيلان إلى مرج دابق والملحمة العظمى فيه
قال ابن إياس: صبيحة يوم الأربعاء في الحادي والعشرين من رجب رحل السلطان الغوري من حيلان وتوجه إلى مرج دابق فأقام به إلى يوم الأحد الموافق للخامس والعشرين من رجب، فلم يشعر إلا وقد دهمته عساكر السلطان سليم شاه، فصلى صلاة الصبح ثم ركب وتوجه إلى زغزغين و (تل رفاد) قيل إن هناك مشهد نبي الله داود عليه السلام، فركب السلطان وهو بتخفيفة وملوطة على كتفه طبر وصار يرتب العسكر بنفسه، وكان أمير المؤمنين على الميمنة وهو بتخفيفه وملوطة وعلى كتفه طبر مثل السلطان وعلى رأسه الصنجق الخليفتي، وكان حول السلطان أربعون مصحفا في أكياس حرير أصفر على رؤوس جماعة أشراف وفيها مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان حول السلطان جماعة من الفقراء وهم خليفة سيدي أحمد البدوي ومعه أعلام والسادة الأشراف القادرية ومعهم أعلام خضر وخليفة سيدي أحمد بن الرفاعي ومعه أعلام والشيخ عفيف الدين خادم السيدة نفيسة رضي الله عنها بأعلام سود، وكان الصبي قاسم بك (1) بن أحمد بك بن عثمان واقفا بإزاء الخليفة وعلى رأسه صنجق حرير أصفر وقيل أحمر، وكان الصنجق
__________
(1) قال ابن إياس: قاسم بك هو من سلالة آل عثمان وهو ابن أحمد بك بن بيازيد وهو ابن أخي السلطان سليم، وكان عمه السلطان سليم لما قتل أخاه أحمد بك فرّ ابنه قاسم هذا هو ولالاه ودخل إلى حلب في الخفية ثم جاء إلى مصر وأقام بها إلى أن خرج السلطان الغوري إلى جهة البلاد الشامية فأخذه صحبته ليبلغ بذلك مقاصده فلم يفد من ذلك شيئا، وكان عمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وكان السلطان قد قام له بمصالح البرق وتكلف عنه بنحو ألفي دينار حتى يظهر أمره ويشاع ذكره في بلاد بني عثمان بأن في مصر من أولاد بني عثمان ولدا ذكرا، وظن السلطان أن عسكر ابن عثمان إذا سمعوا ذلك يخامرون على سليم شاه ويأتون إلى هذا الصبي قاسم بك فلم يظهر لهذا الأمر نتيجة ولا أفاد شيئا.(3/125)
السلطاني خلف ظهر السلطان بنحو عشرين ذراعا وتحته مقدم المماليك سنبل العثماني والسادة القضاة الأربعة والأمير تمر الزردكاش أحد المقدمين، وكان على ميمنة العسكر الأمير سيباي نائب الشام وعلى الميسرة خاير بك نائب حلب، فقيل أول من برز إلى القتال في الميدان الأتابكي سودون العجمي وملك الأمراء سيباي نائب الشام والمماليك القرانصة دون المماليك الجلبان فقاتلوا قتالا شديدا هم وجماعة من النواب فهزموا عساكر ابن عثمان وكسروهم كسرة مهولة منكرة وأخذوا منهم سبع صناجق وأخذوا المكاحل التي على العجل ورماة البندق، فهم ابن عثمان بالهرب أو بطلب الأمان وقد قتل من عسكره فوق العشرة آلاف إنسان وكانت النصرة لعسكر مصر أولا، لكنه قد بلغ المماليك القرانصة أن السلطان قال للمماليك الجلبان: لا تقاتلوا لا تقاتلوا أبدا وخلوا المماليك القرانصة يقاتلون وحدهم. فلما بلغهم ذلك ثنوا عزمهم عن القتال، فبينما هم على ذلك وإذا بالأتابكي سودون العجمي قتل في المعركة وقتل ملك الأمراء سيباي نائب الشام فانهزم في الميمنة من العسكر جانب كبير. ثم إن خاير بك نائب حلب انهزم وهرب فكسر الميسرة وأسر الأمير قانصوه بن سلطان جركس وقيل قتل، وقيل إن خاير بك كان موالسا على السلطان الغوري في الباطن وهو مع ابن عثمان على السلطان وقد ظهر مصداق ذلك فيما بعد فكان أول من هرب قبل العسكر قاطبة وأظهر الهزيمة، وكان ذلك من الله تعالى خذلانا لعسكر مصر حتى نفذ القضاء والقدر وصار السلطان واقفا تحت الصنجق في نفر قليل من المماليك فشرع ينادي: يا أغوات هذا وقت المروءة هذا وقت النجدة، فلم يسمع له أحد قولا وصاروا يتسحبون من حوله وهو يقول للفقراء: ادعوا الله تبارك وتعالى بالنصر فهذا وقت دعائكم، وصار لا يجد له معينا ولا ناصرا فانطلقت في قلبه جمرة نار لا تطفأ، وكان ذلك اليوم شديد الحر وانعقد بين العسكرين غبار حتى صاروا لا يرى بعضهم بعضا وكان نهار غضب من الله تعالى قد انصب على عسكر مصر وغلت أيديهم عن القتال وشخصت منهم الأبصار.
ولما اضطربت الأحوال وتزايدت الأهوال خاف الأمير تمر الزردكاش على الصنجق السلطاني فأنزله وطواه وأخفاه، ثم تقدم إلى السلطان وقال: يا مولانا السلطان إن عسكر ابن عثمان قد أدركنا فانج بنفسك إلى حلب، فلما تحقق السلطان ذلك غلبه في الحال خلط فالج أبطل شقه وأرخى حنكه، فطلب ماء فأتوه بماء في طاسة من ذهب فشرب منه
قليلا وألفت فرسه على أنه يهرب فمشى خطوتين وانقلب عن الفرس إلى الأرض فأقام نحو درجة وخرجت روحه ومات من شدة قهره، وقيل فقئت مرارته وطلع من حلقه دم أحمر.(3/126)
ولما اضطربت الأحوال وتزايدت الأهوال خاف الأمير تمر الزردكاش على الصنجق السلطاني فأنزله وطواه وأخفاه، ثم تقدم إلى السلطان وقال: يا مولانا السلطان إن عسكر ابن عثمان قد أدركنا فانج بنفسك إلى حلب، فلما تحقق السلطان ذلك غلبه في الحال خلط فالج أبطل شقه وأرخى حنكه، فطلب ماء فأتوه بماء في طاسة من ذهب فشرب منه
قليلا وألفت فرسه على أنه يهرب فمشى خطوتين وانقلب عن الفرس إلى الأرض فأقام نحو درجة وخرجت روحه ومات من شدة قهره، وقيل فقئت مرارته وطلع من حلقه دم أحمر.
فلما أشيع موته زحف عسكر ابن عثمان على من كان حول السلطان فقتلوا الأمير بيبرس أحد المقدمين وقتلوا جماعة من الخاصكية وغلمان السلطان ممن كان حوله.
وأما السلطان من حين مات لم يعلم له خبر ولا وقف له على أثر ولا ظهرت جثته بين القتلى فكأن الأرض قد ابتلعته في الحال وفي ذلك عبرة لمن اعتبر، فداس العثمانية وطاق الغوري بما فيه من الأمتعة والأرزاق التي كانت حوله بأرجل الخيول وفقد المصحف العثماني وداسوا أعلام الفقراء وصناجق الأمراء ووقع النهب في أرزاق عسكر مصر وبرقهم وزال ملك الأشرف الغوري في لمح البصر فكأنه لم يكن فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتغير، فاضمحل أمره وزال ملكه بعد ما تصرف في ملك مصر وأعمالها والبلاد الشامية وأعمالها، وكانت مدة سلطنته خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما وكان الناس معه في هذه المدة في غاية الضنك، وقد قلت في المعنى:
اعجبوا للأشرف الغوري الذي ... مذ تناهى ظلمه في القاهره
زال عنه ملكه في ساعة ... خسر الدنيا إذا والآخره
وقد أقامت هذه الواقعة من طلوع الشمس إلى ما بعد الظهر وانتهى الحال إلى الأمر الذي قدره الله تعالى فقتل في تلك الوقعة من عسكر السلطان ابن عثمان ومن عسكر السلطان الغوري ما لا يحصى عدده، فقتل من الأمراء المقدمين ثلاثة وهم الأتابكي سودون العجمي وبيبرس قريب السلطان وأقباي الطويل وأسروا قانصوه ابن السلطان جركس وقتل سيباي نائب الشام وتمراز نائب طرابلس وطراباي نائب صفد وأصلان نائب حمص وغير ذلك جماعة كثيرة من أمراء دمشق وأمراء حلب وطرابلس، وقتل من أمراء مصر جماعة كثيرة من أمراء الطبلخانات والعشروات والخاصكية، وأكثر من قتل من عسكر مصر المماليك القرانصة ولم يقتل من مماليك الجلبان إلا القليل فإنهم لم يقاتلوا في هذه الواقعة ولا ظهر لهم فروسية ولا جذبوا سيفا ولا هزوا رمحا فكأنهم خشب مسندة، وقتل من أمراء مصر ودمشق وحلب فوق الأربعين أميرا، وقتل في ذلك اليوم القاضي ناظر الجيش عبد القادر القصروي وجماعة كثيرة من الجند، وكانت ساعة يشيب منها الوليد ويذوب لسطوتها الحديد، فكان مرج دابق فيه جثث مرمية وأبدان بلا رؤوس ووجوه معفرة بالتراب قد تغيرت
محاسنها، وصار في ذلك المكان خيول مرمية موتى وسروج مفرقة وسيوف مسقطة بذهب وبركستونات فولاذ بذهب وخوذ وزرديات وبقج قماش فلم يلتفت إليها أحد وكل من العسكرين قد اشتغل بما هو أهم من ذلك.(3/127)
اعجبوا للأشرف الغوري الذي ... مذ تناهى ظلمه في القاهره
زال عنه ملكه في ساعة ... خسر الدنيا إذا والآخره
وقد أقامت هذه الواقعة من طلوع الشمس إلى ما بعد الظهر وانتهى الحال إلى الأمر الذي قدره الله تعالى فقتل في تلك الوقعة من عسكر السلطان ابن عثمان ومن عسكر السلطان الغوري ما لا يحصى عدده، فقتل من الأمراء المقدمين ثلاثة وهم الأتابكي سودون العجمي وبيبرس قريب السلطان وأقباي الطويل وأسروا قانصوه ابن السلطان جركس وقتل سيباي نائب الشام وتمراز نائب طرابلس وطراباي نائب صفد وأصلان نائب حمص وغير ذلك جماعة كثيرة من أمراء دمشق وأمراء حلب وطرابلس، وقتل من أمراء مصر جماعة كثيرة من أمراء الطبلخانات والعشروات والخاصكية، وأكثر من قتل من عسكر مصر المماليك القرانصة ولم يقتل من مماليك الجلبان إلا القليل فإنهم لم يقاتلوا في هذه الواقعة ولا ظهر لهم فروسية ولا جذبوا سيفا ولا هزوا رمحا فكأنهم خشب مسندة، وقتل من أمراء مصر ودمشق وحلب فوق الأربعين أميرا، وقتل في ذلك اليوم القاضي ناظر الجيش عبد القادر القصروي وجماعة كثيرة من الجند، وكانت ساعة يشيب منها الوليد ويذوب لسطوتها الحديد، فكان مرج دابق فيه جثث مرمية وأبدان بلا رؤوس ووجوه معفرة بالتراب قد تغيرت
محاسنها، وصار في ذلك المكان خيول مرمية موتى وسروج مفرقة وسيوف مسقطة بذهب وبركستونات فولاذ بذهب وخوذ وزرديات وبقج قماش فلم يلتفت إليها أحد وكل من العسكرين قد اشتغل بما هو أهم من ذلك.
ثم إن السلطان سليما زحف بعسكره وأتى إلى وطاق السلطان فنزل في خيامه وجلس في المدورة واحتوى على الطشتخاناه وما فيها من الأواني الفاخرة وعلى الزردخاناه وما فيها من السلاح وعلى خزائن المال والتحف، ونزل كل أمير من أمرائه في وطاق أمير من أمراء الغوري واحتوى على ما فيها فاحتوى على وطاق خمسة عشر أميرا مقدمي ألوف خارجا عن أمراء الطبلخانات والعشراوات، واحتوى العسكر على خيام العسكر المصري والشامي والحلبي وغير ذلك. ولم يقع قط لأحد من سلاطين مصر مثل هذه الكائنة ومات تحت صنجقه في يوم واحد وانكسر على هذا الوجه أبدا ولا سمع بمثل ذلك ونهب ماله وبركه بيد عدوه غير قانصوه الغوري وكان ذلك في الكتاب مسطورا، وكان السلطان والأمراء ما منهم أحد ينظر في مصالح المسلمين بعين العدل والإنصاف فردت عليهم أعمالهم ونياتهم وسلط عليهم ابن عثمان حتى جرى لهم ما جرى كما قيل في المعنى:
أين الملوك الألى في الأرض قد ظلموا ... والله منهم لقد أخلى أماكنهم
ما ذكره المحلي في تاريخه في تفصيل هذه الملحمة
قال: التقى الجمعان في مرج دابق وباتوا تلك الليلة على غير حرب ولكن لم يهنأ لأحد منهم نوم خوفا من مكر بعضهم لبعض.
ولما اتضح نهار يوم الأحد الموافق للثالث والعشرين من رجب (تقدم أنه كان موافقا للخامس والعشرين منه) ركبوا كالبحر الزاخر فإذا صفوف العثمانية قد بانت صفا بعد صف خارجا عن الوصف والأعلام الملونة من اليسار والميمنة وهم سائرون كالبحر السيال وقد رتبوا الصف من كل طرف، ثم طيروا من الطرف الكبير الذي فيه السلطان سليم مدفعا كبيرا كالبرق الخاطف والرعد القاصف تزلزلت منه تلك الصحراء وطلع دخان كالجبال الزرقاء، فكان أول من بادر العثمانية بالحرب من طائفة الجراكسة أصلان بن بداق نائب حمص أخذ قنطاريته بيده وأطلق عنان جواده وصار يطعن في الفرسان يمينا وشمالا، فلما
رأى الأمراء فعل أصلان بن بداق في حملته أخذتهم الحمية فحمل الأمير سيباي نائب الشام ثم حمل أمير كبير سودون العجمي ومماليكه خلفه نحو الألف ملبسين، ثم حمل الأمير جانبلاط أبو ترسين ثم الأمير علان دوادار ثاني، ثم حمل قانصوه ابن السلطان جركس، ثم حمل كرتباي الوالي وكان فارس المنايا لله دره من شجاع، ثم حمل تمر الزردكاش وبخشباي أمير مجلس والأمير أنسباي حاجب الحجاب والأمير قانصوه كارت والأمير تاني بك الخازندار والأمير تاني بك النجمي والأمير بيبرس ابن عم السلطان الغوري والأمير قانصوه أبو سنة والأمير الفاخر والأمير خير بك المعمار والأمير جانبر دي نائب بيروت والأمير جانبر دي الغزالي وخير بك نائب حلب، وكلاهما كانا رأس المتعصبين على الغوري، والأمير تمراز نائب طرابلس، وحملوا جماعتهم حملة واحدة وصادموا الروم ومالوا في القتال والروم الآخرون لاقوهم كالأسود. قال الشيخ أحمد بن زنبل المحلي: ولم نر في التواريخ القديمة والحديثة وقعة مثل هذه الوقعة ولا اجتمع فيها مثل هذين العسكرين ولا أكثر عددا. قال: ولم يقاتل في هذا اليوم من الجراكسة أكثر من ألفي فارس وهم الأمراء الذين قدمنا ذكرهم وأتباعهم.(3/128)
ولما اتضح نهار يوم الأحد الموافق للثالث والعشرين من رجب (تقدم أنه كان موافقا للخامس والعشرين منه) ركبوا كالبحر الزاخر فإذا صفوف العثمانية قد بانت صفا بعد صف خارجا عن الوصف والأعلام الملونة من اليسار والميمنة وهم سائرون كالبحر السيال وقد رتبوا الصف من كل طرف، ثم طيروا من الطرف الكبير الذي فيه السلطان سليم مدفعا كبيرا كالبرق الخاطف والرعد القاصف تزلزلت منه تلك الصحراء وطلع دخان كالجبال الزرقاء، فكان أول من بادر العثمانية بالحرب من طائفة الجراكسة أصلان بن بداق نائب حمص أخذ قنطاريته بيده وأطلق عنان جواده وصار يطعن في الفرسان يمينا وشمالا، فلما
رأى الأمراء فعل أصلان بن بداق في حملته أخذتهم الحمية فحمل الأمير سيباي نائب الشام ثم حمل أمير كبير سودون العجمي ومماليكه خلفه نحو الألف ملبسين، ثم حمل الأمير جانبلاط أبو ترسين ثم الأمير علان دوادار ثاني، ثم حمل قانصوه ابن السلطان جركس، ثم حمل كرتباي الوالي وكان فارس المنايا لله دره من شجاع، ثم حمل تمر الزردكاش وبخشباي أمير مجلس والأمير أنسباي حاجب الحجاب والأمير قانصوه كارت والأمير تاني بك الخازندار والأمير تاني بك النجمي والأمير بيبرس ابن عم السلطان الغوري والأمير قانصوه أبو سنة والأمير الفاخر والأمير خير بك المعمار والأمير جانبر دي نائب بيروت والأمير جانبر دي الغزالي وخير بك نائب حلب، وكلاهما كانا رأس المتعصبين على الغوري، والأمير تمراز نائب طرابلس، وحملوا جماعتهم حملة واحدة وصادموا الروم ومالوا في القتال والروم الآخرون لاقوهم كالأسود. قال الشيخ أحمد بن زنبل المحلي: ولم نر في التواريخ القديمة والحديثة وقعة مثل هذه الوقعة ولا اجتمع فيها مثل هذين العسكرين ولا أكثر عددا. قال: ولم يقاتل في هذا اليوم من الجراكسة أكثر من ألفي فارس وهم الأمراء الذين قدمنا ذكرهم وأتباعهم.
وأما جلبان الغوري الذين هم مشتراه فلم يتحركوا من مواضعهم ولم يهزوا رمحا ولا جذبوا سيفا، وسبب ذلك أن الله تعالى لما أراد إزالة دولتهم أوقع فيهم الخلف لأمر يقضيه وحكم يمضيه، وعلى ما قيل إن السلطان الغوري أمر بأن أول مرة يخرج للحرب القرانصة لكونهم أعرف بالحرب من الجلبان، وكان قصده أن ينقطع القرانصة ليكتفي شرهم ويصفو له الوقت وكان يحسب حسابهم خوفا من مكرهم. فأمر بتقديمهم للحرب وأخر جلبانه، فعلموا مكره لما رأوه واقفا هو وجلبانه لم يتحرك منهم أحد عن موضعه، فتغيرت نياتهم عليه وقالوا له: نحن نقاتل بأنفسنا مع النار وأنت واقف تنظر إلينا كالعين الشامتة ما تأمر أحدا من مماليكك يخرج للميدان، فكان العسكر كله مختلفا في بعضه مفسود النية ليس لهم رأي يرجعون إليه ولا تدبير يقفون عليه، بل كل من تكلم بكلام يقول الآخر ضده فمن ذلك انخرم نظامهم.
وأما الأمراء الذين تقدم ذكرهم نحو الألفين هم ومن يلوذ بهم اعتمدوا على الله تعالى في حملاتهم وأخلصوا في نياتهم وصدموا الروم وضرب الروم بالمدافع والبندقيات حتى صار النهار كالليل الحالك من كثرة الدخان والغبار من حوافر الخيل لأنهم كانوا يقاتلون من قلب رجل واحد ونيات متفقة ليس لأحد منهم في قلبه غل ولا مكر ولا حسد لأحد، وهذا أحسن ما يكون لمن يريد النصر.(3/129)
ومن أعجب ما يكون من العجب أن هؤلاء القوم القريبين من الألفي فارس المتقدم ذكرهم من الجراكسة يقاتلون قتال الموت في نحو مائة وخمسين ألفا من الروم والترك ما بين ألوف مشاة ومثلهم خيالة من عسكر الروم، ثم حطموا عليهم حطمة واحدة، وبينما هم كذلك وإذا بالسلطان سليم رمح حصانه من قلب الصف الكبير حتى وصل إلى الصف الوسطاني وفي يده سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصاح في عسكره: هكذا تعاركون قدامي مع عدوي، وصاح في البشوات، فلما نظر الروم إلى ذلك ردوا على الجراكسة كالبحر إذا سال بعرض الوادي فتراجع الجميع وأطلقوا المدافع والبندقيات وحملوا على الجراكسة وصاحوا الله الله فكانت الكسرة على الجراكسة، وطيروا الجراكسة والعربان والمشاة مثل القطر في الثرى وصار النهار مثل القيامة الكبرى، وكان يجيء كل مدفع على نحو خمسين أو ستين أو مائة نفس فصارت تلك الصحراء كالمجزرة من الدماء، ومازال الروم والسلطان سليم سائرين حتى جاؤوا الى صف الغوري فرجع خير بك والغوالي مع من انهزم من الجراكسة حتى دخلوا وطاق الغوري ونادوا: الفرار الفرار فإن السلطان سليما أحاط بكم وقتل الغوري والكسرة علينا وانثنى طالبا حلب، فتبعه الجلبان وتشتت العسكر وظنوا أن السلطان قتل كما قال خير بك، وإنما فعل ذلك بغضا ومكيدة مع الغوري والسلطان الغوري واقف مكانه وحوله بعض الجلبان القريبين منه، وأما الذين كانوا بعيدين عنه فإنهم ظنوا أنه قتل فانهزموا مع خير بك قاصدين حلب.
فلما علم الغوري بما جرى لعسكره من التشتت صار ينادي عليهم بأعلى صوته: يا أغوات الشجاعة صبر ساعة، فلم يلتفت إليه أحد منهم وكان أمر الله قدرا مقدورا، وكل ذلك بغضا منهم لسلطانهم فإنه كان يريد أن يقطع القرانصة شيئا فشيئا ثم يستقل هو بجلبانه ويصفو له الوقت والسلطنة.
ثم تقدم إليه الأمير سودون العجمي أمير كبير وقال له: يا مولانا السلطان أين جلبانك؟ أين خاصتك؟ هكذا عملت بنا ولا زلت قائما في حظ نفسك حتى أهلكت نفسك وأهلكتنا معك، ولكن القيامة تجمع بيننا وبينك وسنقف بين يدي مولانا سبحانه وتعالى يحكم بيننا بالعدل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم التفت عن يمينه فوجد الأمير سيباي والأمير أقباي الطويل والأمير علان والأمير أصلان بن بداق ومن يشبه هؤلاء من
القرانصة الأعيان وهم واقفون متجهزون فإن جيشهم انكسر قهرا وما عسى أن تقاتل مائة نفس إلى مائة وثمانين ألف نفس، ولكنهم مع قلتهم أوقفوا هذا الجيش العظيم ولم يقدر أحد منهم أن يتقدم. ثم عييت هذه الطائفة القليلة من الضرب والقتل [والكثرة تغلب الشجاعة] وما زال الغوري حتى بقي وحده وخلفه حامل السنجق أمير اللواء وكان رجلا كبير السن من مماليك إينال الأجرود، فمن شدة ما حصل للغوري من القهر وقع على الأرض مغشيا عليه.(3/130)
ثم تقدم إليه الأمير سودون العجمي أمير كبير وقال له: يا مولانا السلطان أين جلبانك؟ أين خاصتك؟ هكذا عملت بنا ولا زلت قائما في حظ نفسك حتى أهلكت نفسك وأهلكتنا معك، ولكن القيامة تجمع بيننا وبينك وسنقف بين يدي مولانا سبحانه وتعالى يحكم بيننا بالعدل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم التفت عن يمينه فوجد الأمير سيباي والأمير أقباي الطويل والأمير علان والأمير أصلان بن بداق ومن يشبه هؤلاء من
القرانصة الأعيان وهم واقفون متجهزون فإن جيشهم انكسر قهرا وما عسى أن تقاتل مائة نفس إلى مائة وثمانين ألف نفس، ولكنهم مع قلتهم أوقفوا هذا الجيش العظيم ولم يقدر أحد منهم أن يتقدم. ثم عييت هذه الطائفة القليلة من الضرب والقتل [والكثرة تغلب الشجاعة] وما زال الغوري حتى بقي وحده وخلفه حامل السنجق أمير اللواء وكان رجلا كبير السن من مماليك إينال الأجرود، فمن شدة ما حصل للغوري من القهر وقع على الأرض مغشيا عليه.
ذكر قطع رأس السلطان قانصوه الغوري
قال المحلي: فلما وقع السلطان الغوري على الأرض رمى حامل السنجق الرمح وأخذ القماش المطرز وكان يساوي ثلاثة آلاف ذهب فقال الأمير علان لأقباي الطويل: ما ترى في أمر السلطان؟ قال له: قل ما عندك، قال: إن نحن تركناه ورحنا وخليناه يأتي الأعداء فيقتلونه ويأخذون رأسه يطوفون بها جميع بلاد الروم، قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن نقطع رأسه ونرمي بها في هذا الجب والجثة بلا رأس لا يعرفها أحد، قال: نعم الرأي، فأمر الأمير علان عبدا من عبيده فقطع رأس السلطان الغوري ورمى بها في جب هناك، ثم ولى الأمير علان إلى ناحية حلب.
وأما الأمير أقباي الطويل فإنه طلب ناحية العجم وأقام بها إلى أن مات. وأما الأمراء الذين التهوا بالقتال مع الروم فإنهم فاض عليهم بحر المنايا وزاد وابتلوا بعساكر ملأت السهل والواد. واجتمع عليهم ذلك الجمع الكثير وخاضت خيولهم في بطون القتلى فقاتلوا قتال من قطع من الدنيا أمله، فقصدهم الرماة بالبندق فوقع الأمير سيباي والأمير سودون العجمي.
وأما الأمير قانصوه ابن السلطان جركس فإنه ما زال يضرب بالسيف حتى خرق عسكر الروم وطلع من ذلك الجانب على حمية، فلما خلص شم الهواء وردت روحه إليه بعد أن كان يئس من الحياة. والف حسنة لرجل خرج من بين ألوف ولكن إذا جاء أمر الله قضى بالحق ولا راد لما قضاه الله، فإنه وقع في نهر هناك ينبت فيه عرق السوس فالتفت على قوائم الفرس فغرق وكانت عسكر الروم تنظر إليه على بعد، فلم رأوه في هذه الحالة طمعوا فيه وأحاطوا به فقبضوه وعروه من الملبس وقطعوه بسيوفهم.(3/131)
وأما الأمراء فمنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتل وانهزمت تلك الجموع فتمكن عسكر السلطان سليم من أوطاق الغوري وأخذوا كل ما فيه وكان شيئا يفوق الوصف من الذهب والفضة والقناطير المقنطرة ومن البرق والملبوس والتحف التي جمعتها الملوك السالفة ذهبت كلها ونهبت في يوم واحد، وذلك بالنسبة لما أبقاه السلطان في قلعة حلب وما أودعته الأمراء والأجناد عند أهل حلب وهو شيء لا ينحصر قليل جدا.
ومما نقل أن السلطان الغوري لما خرج لمحاربة السلطان سليم أخذ معه مائة قنطار ذهبا ودنانير ومائتي قنطار فضة أنصافا وكان قصده أن يجعل ذلك نفقة للعسكر، ونوى أنه لا يزال ذاهبا حتى يصل إسلامبول ويأخذها من يد السلطان سليم، وسبب ذلك أن السلطان سليما أرسل له كتابا على سبيل النصيحة وغالبه تهديد كالسم في الدسم، ومن جملة ما فيه قال: إن لم ترجع عما أنت فيه من الظلم والعناد على المسلمين وإلا جئتك بعسكر من الروم وأخرب مصرك عليك، فكان هذا الكلام من جملة الأسباب التي دعت الغوري لخروجه لحرب السلطان سليم، وأرسل له في الجواب: أنا لا أحوجك للمجيء إلينا ولكن تأهب للقاء الأبطال وتنظر كيف تفعل الرجال، وصدق في قوله لأنه أفعم قلوب عسكره وأهلك غالب الأمراء من القرانصة فكرهته العساكر كلها، وما خرجوا معه إلا وكل منهم يتمنى أن لا يرجع إلى مصر، وكان هذا من سوء تدبيره وكل ذلك حتى يجري القضاء والقدر اه.
نبدة من شعره: أقول: قد أطلعني بعض وجهاء الشهباء على قطعة من شعر السلطان قانصوه الغوري في عشر أوراق يظهر أنها محررة في حال حياته وهي قصائد وموشحات فاخترت منها قصيدتين وموشحتين، فالقصيدة الأولى قوله:
بالملك أنعم ربنا الرحمن ... وهو الكريم المنعم المنان
فله علينا الشكر حق واجب ... يقضيه قلب مخلص ولسان
فالحمد لله الذي إحسانه ... أبدا يليه بفضله إحسان
فبملك مصر وما حواه خصنا ... وبنصره ثبتت لنا الأركان
قد كان موهبة بلا سعي ولا ... فيه تجرد صارم وسنان
ولقد كفانا الله في أعدائنا ... فضلا فبعد صعوبة قد هانوا
وعلى محبتنا بصدق أجمعت ... أمراؤنا في الملك والأعيان
والآن قام على السداد نظامنا ... ولنا العساكر طاعة قد دانوا
صاروا على قلب سليم واحد ... في حبنا فكأنهم بنيان
فالله يحفظهم ويجمع شملهم ... ففؤادنا من حبهم ملآن
والله يجمعهم جميعا قرة ... لعيوننا فلنا هم الأخوان
فكأنهم للملك سور حافظ ... وعلى مصالحه هم الأعوان
والعسكر المنصور كل مخلص ... في نصحنا وجميعهم فرسان
ما منهم من فيه شك عندنا ... فيقال في التعريف ذاك فلان
فكبيرهم كأب وأوسطهم أخ ... ولنا الأصاغر كلهم ولدان
لكن مقامات المراتب تقتضي ... تمييزها فلكل طور شان
فالله ينصرهم فإن الملك من ... تمكينهم يزداد أو يزدان
والله بالتأييد منه يمدهم ... فبهم يقوم بمجدنا البرهان
ويزيدهم في العالمين زيادة ... من فضله ما بعدها نقصان
والأشرف الغوري ناظمها بهم ... وبحسن طاعتهم له برهان
والله يجمعنا على نور الهدى ... حتى يزيد لنا به إيمان
ثم الصلاة على النبي وآله ... ما دام يتلى الذكر والقرآن
والثانية قوله وقد كتب فوقها: ومن نظمه أدام الله أيامه:(3/132)
بالملك أنعم ربنا الرحمن ... وهو الكريم المنعم المنان
فله علينا الشكر حق واجب ... يقضيه قلب مخلص ولسان
فالحمد لله الذي إحسانه ... أبدا يليه بفضله إحسان
فبملك مصر وما حواه خصنا ... وبنصره ثبتت لنا الأركان
قد كان موهبة بلا سعي ولا ... فيه تجرد صارم وسنان
ولقد كفانا الله في أعدائنا ... فضلا فبعد صعوبة قد هانوا
وعلى محبتنا بصدق أجمعت ... أمراؤنا في الملك والأعيان
والآن قام على السداد نظامنا ... ولنا العساكر طاعة قد دانوا
صاروا على قلب سليم واحد ... في حبنا فكأنهم بنيان
فالله يحفظهم ويجمع شملهم ... ففؤادنا من حبهم ملآن
والله يجمعهم جميعا قرة ... لعيوننا فلنا هم الأخوان
فكأنهم للملك سور حافظ ... وعلى مصالحه هم الأعوان
والعسكر المنصور كل مخلص ... في نصحنا وجميعهم فرسان
ما منهم من فيه شك عندنا ... فيقال في التعريف ذاك فلان
فكبيرهم كأب وأوسطهم أخ ... ولنا الأصاغر كلهم ولدان
لكن مقامات المراتب تقتضي ... تمييزها فلكل طور شان
فالله ينصرهم فإن الملك من ... تمكينهم يزداد أو يزدان
والله بالتأييد منه يمدهم ... فبهم يقوم بمجدنا البرهان
ويزيدهم في العالمين زيادة ... من فضله ما بعدها نقصان
والأشرف الغوري ناظمها بهم ... وبحسن طاعتهم له برهان
والله يجمعنا على نور الهدى ... حتى يزيد لنا به إيمان
ثم الصلاة على النبي وآله ... ما دام يتلى الذكر والقرآن
والثانية قوله وقد كتب فوقها: ومن نظمه أدام الله أيامه:
لله في أيامنا نفحات ... من دهرنا تزكو بها الأوقات
فبها ألا فتعرضوا وتضرعوا ... فيها تجاب لكم بها الدعوات
هذي مواسمها لنا قد أقبلت ... ودنا بموعدها لنا ميقات
فبفضل شعبان وليلة نصفه ... يروي الصحيح من الحديث ثقات
وبفضل ليلة نصفه قد فسرت ... في الذكر من تنزيله آيات
إذ قيل يفرق كل أمر محكم ... فيها وفيها تسقط الورقات
هي ليلة فيها على أهل الهدى ... وقلوبهم قد خفت الطاعات
هي ليلة ما زال محتفلا بها ... مذ قام دين المصطفى السادات
هي ليلة هجروا مضاجعهم بها ... مما تقام بجنحها الصلوات
هي ليلة يتوقع الداعي بها ... لله أن تقضى له حاجات
يا ربنا فيها تقبل دعوة ... لي منك فيها تشمل الخيرات
أصلح لي الملك الذي قلدتني ... وصلاحه أن تسعد الحركات
وتدر أرزاق الرعية فيه في ... أمن ففيها تنزل البركات
واجمع قلوب عساكري جمعا به ... تصفو وتصلح منهم النيات
وجميع من في قلبه غش لنا ... فبه تحيط من الردى هلكات
وانصر وأيد من جنودي من له ... حزم وعزم صادق وثبات
واحفظ لي الأمراء وانصرهم فهم ... في الملك أركان له وحماة
وانظر لهم واشملهم بعناية ... وسعادة تعلو بها الدرجات
لا سيما أركان دولتنا ففي ... وجه الزمان وجودهم حسنات
ولعبدك الغوري فانظر نظرة ... منها تضيء بقلبه مشكاة
وبها ينال مناه منك جميعه ... وبها يفيض عليه منك هبات
وعلى النبي وآله مع صحبه ... أبدا سلام دائما وصلاة
ما دامت الأفلاك دائرة بها ... تترادف الأوقات والساعات
وله موشح من نغم الحسيني: ربنا أدم نعما * جدت لي بها كرما * فيضا حكى ديما * بالغمام منهله منك سيدي مددي * أنت دائما سندي * أنت آخذ بيدي * فاستعانتي بالله ملكنا وعسكره * أنت لي تدبره * بالذي تقدره * لي فاكتفي بالله رب فاحفظ الأمرا * فيه لي مع الوزرا * والصدور والكبرا * والجنود بالجمله غوري عبدك الخاضع منك في المنى طامع * كن لشملهم جامع * رب فاغفر الزله(3/133)
لله في أيامنا نفحات ... من دهرنا تزكو بها الأوقات
فبها ألا فتعرضوا وتضرعوا ... فيها تجاب لكم بها الدعوات
هذي مواسمها لنا قد أقبلت ... ودنا بموعدها لنا ميقات
فبفضل شعبان وليلة نصفه ... يروي الصحيح من الحديث ثقات
وبفضل ليلة نصفه قد فسرت ... في الذكر من تنزيله آيات
إذ قيل يفرق كل أمر محكم ... فيها وفيها تسقط الورقات
هي ليلة فيها على أهل الهدى ... وقلوبهم قد خفت الطاعات
هي ليلة ما زال محتفلا بها ... مذ قام دين المصطفى السادات
هي ليلة هجروا مضاجعهم بها ... مما تقام بجنحها الصلوات
هي ليلة يتوقع الداعي بها ... لله أن تقضى له حاجات
يا ربنا فيها تقبل دعوة ... لي منك فيها تشمل الخيرات
أصلح لي الملك الذي قلدتني ... وصلاحه أن تسعد الحركات
وتدر أرزاق الرعية فيه في ... أمن ففيها تنزل البركات
واجمع قلوب عساكري جمعا به ... تصفو وتصلح منهم النيات
وجميع من في قلبه غش لنا ... فبه تحيط من الردى هلكات
وانصر وأيد من جنودي من له ... حزم وعزم صادق وثبات
واحفظ لي الأمراء وانصرهم فهم ... في الملك أركان له وحماة
وانظر لهم واشملهم بعناية ... وسعادة تعلو بها الدرجات
لا سيما أركان دولتنا ففي ... وجه الزمان وجودهم حسنات
ولعبدك الغوري فانظر نظرة ... منها تضيء بقلبه مشكاة
وبها ينال مناه منك جميعه ... وبها يفيض عليه منك هبات
وعلى النبي وآله مع صحبه ... أبدا سلام دائما وصلاة
ما دامت الأفلاك دائرة بها ... تترادف الأوقات والساعات
وله موشح من نغم الحسيني: ربنا أدم نعما * جدت لي بها كرما * فيضا حكى ديما * بالغمام منهله منك سيدي مددي * أنت دائما سندي * أنت آخذ بيدي * فاستعانتي بالله ملكنا وعسكره * أنت لي تدبره * بالذي تقدره * لي فاكتفي بالله رب فاحفظ الأمرا * فيه لي مع الوزرا * والصدور والكبرا * والجنود بالجمله غوري عبدك الخاضع منك في المنى طامع * كن لشملهم جامع * رب فاغفر الزله
وله موشح من نغمة المصرية علو محيّر يهبط على عشاق العجم: جل من لنا وهبا * ملك مصر واكتسبا * حيث سبب السببا * في قديم علم الله ملك مصر نعمته * والوجود رحمته * لا تطاق نقمته * حسبنا الحليم الله شكرنا له وجبا * إذا قضى لنا أربا * فهو خصنا وحبا * نعمة بفضل الله
ما لنا سوى كرمه * والدخول في حرمه * بالسؤال من نعمه * حلمه وعفو الله غوري قد قضى وطره * فهو حامد شكره * سائل هدي البرره * إنهم هداة الله رب زده من نعمك * بالنجاة من نقمك * والدخول في حرمك * فهو لائذ بالله لا إله إلا الله محمد رسول الله وله هذا الموشح التركي من نغم المحيّر: كزلرم يا شينه رحَم آيت يا رحيم ... سائلي رد إيلمز هركِز كريم
رب هب لي من لدنك رحمة ... تب علينا أنت تواب رحيم
حق جمالن استرز جنت ندر ... كورنُر جنت بزه إنسز جحيم
انظرونا نقتبس من نوركم ... أيها السكان في دار النعيم
يا إلهي نجنا مما نخاف ... كسمسون يوك بزه شيطان رجيم
قومبيزي نفس النده ضالين ... إهدنا ربي الصراط المستقيم
فاسقني يا أيها الساقي مدام ... واشفني إني أرى جسمي سقيم
غور بنده كوك ولنده ذكردر ... دائما أستغفر الله العظيم
الله الله الله الله يا كريم ... يا غفور يا شكور يا حليم
قد صدر منا الخطايا والذنوب ... ربنا أستغفر الله العظيم(3/134)
وله موشح من نغمة المصرية علو محيّر يهبط على عشاق العجم: جل من لنا وهبا * ملك مصر واكتسبا * حيث سبب السببا * في قديم علم الله ملك مصر نعمته * والوجود رحمته * لا تطاق نقمته * حسبنا الحليم الله شكرنا له وجبا * إذا قضى لنا أربا * فهو خصنا وحبا * نعمة بفضل الله
ما لنا سوى كرمه * والدخول في حرمه * بالسؤال من نعمه * حلمه وعفو الله غوري قد قضى وطره * فهو حامد شكره * سائل هدي البرره * إنهم هداة الله رب زده من نعمك * بالنجاة من نقمك * والدخول في حرمك * فهو لائذ بالله لا إله إلا الله محمد رسول الله وله هذا الموشح التركي من نغم المحيّر: كزلرم يا شينه رحَم آيت يا رحيم ... سائلي رد إيلمز هركِز كريم
رب هب لي من لدنك رحمة ... تب علينا أنت تواب رحيم
حق جمالن استرز جنت ندر ... كورنُر جنت بزه إنسز جحيم
انظرونا نقتبس من نوركم ... أيها السكان في دار النعيم
يا إلهي نجنا مما نخاف ... كسمسون يوك بزه شيطان رجيم
قومبيزي نفس النده ضالين ... إهدنا ربي الصراط المستقيم
فاسقني يا أيها الساقي مدام ... واشفني إني أرى جسمي سقيم
غور بنده كوك ولنده ذكردر ... دائما أستغفر الله العظيم
الله الله الله الله يا كريم ... يا غفور يا شكور يا حليم
قد صدر منا الخطايا والذنوب ... ربنا أستغفر الله العظيم
ذكر مبيت السلطان سليم في مرج دابق ودفنه هناك للأمير سودون العجمي
قال المحلي: ثم إن السلطان سليما بات في مرج دابق، ولما اصبح أمر أن تعد القتلى من الفريقين فوجدوا أن الذي قتل من الجراكسة ألف نفس وأكثرهم من المدافع والبندقيات والذي قتل من الروم أربعة آلاف. ثم وجدوا في القتلى رجلا عظيما من الجراكسة وعليه من الملابس الفاخرة ما يناسب الملوك وعليه من الهيبة والوقار ما لا يوصف ووجهه يتلألأ نورا وقد جاءه ضرب (قنبلة) أخذ فخذه، فجيء ببعض من يعرف الجراكسة فوجدوه سودون العجمي الأمير الكبير، فأمر به السلطان سليم فغسل وصلي عليه وأمر بدفنه فكان ترابه في زاوية هناك تسمى زاوية الشيخ النور القاري.(3/135)
الكلام على مرج دابق وعلى قبر سليمان بن عبد الملك
ذكرت في الجزء الأول في صحيفة 119ما قاله ياقوت في المعجم من الكلام على دابق، وهنا أتكلم على حالة هذا المرج الحاضرة وعلى قبر سليمان بن عبد الملك فأقول:
قال أبو ذر في كنوز الذهب: ومنهم (أي وممن دفن في حلب أو في معاملاتها من الملوك) سليمان بن عبد الملك قبره بدابق، وقد وقع الحريق بها حتى احترق الرجال والدواب وذلك في سنة ثمان ومائة، واستخرج من قبره في أيام السفاح فلم يوجد منه إلا صلبه وأضلاعه ورأسه فأحرق، وبويع سليمان المذكور بدمشق في اليوم الذي كانت فيه وفاة الوليد، وذلك يوم السبت النصف من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين، وتوفي يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين ومات وهو ابن تسع وثلاثين سنة.
وقرأت في المنتظم أن سليمان كان يوما جالسا ينظر في المرآة إلى وجهه وكان حسن الوجه فأعجبه ما رآه من جماله وكان على رأسه وصيفة فقال: أنا الملك الشاب، فرأى شفتي الجارية تتحركان فقال لها: ما قلت؟ قالت: خيرا، قال: لتخبريني، قالت:
قلت:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
وزاد غيره في الشعر:
أنت خلو من العيوب ومما ... يكره الناس غير أنك فاني
ثم خرج إلى المسجد فخطب فسمع أقصى من في المسجد صوته، ثم لم يزل يضعف وانصرف محموما حمى موصولة بمنيته. انتهى.
ورأيت في «مصباح العيان» أنه لما حمل إلى بيته قال: عليّ بتلك الوصيفة التي كانت قائمة على رأسي، فجاءت فقال: أعيدي ما قلت، قالت: وما قلت؟ قال: ألست القائلة: أنت نعم المتاع لو كنت تبقى؟ فقالت: والله ما طرق سمعي هذا قط، فعلم أن نفسه قد نعته فمات اه.(3/136)
لم يزل هذا الاسم (مرج دابق) باقيا إلى عصرنا هذا وفيه قرية باسم دابق فيها نحو مائة بيت وهي تبعد عن محطة (أخترين) قدر ساعة ونصف مشيا على الأقدام، ويوجد قرية أخرى تدعى (دويبق) (1) فيها نحو 60أو 70بيتا واقعة شمالي شرقي الأولى والمسافة بينهما عشر دقائق، ويلاصق دابق من الجهة الشمالية تل كبير عليه قبر سليمان بن عبد الملك وعليه قبة مسورة يزوره الناس ويتبركون به وهو مشهور هناك بمزار الشيخ بركات.
ويمر بين القريتين المذكورتين ومن شرقي دويبق نهر حلب المسمى قويق، وبين هاتين القريتين على طرف النهر خربة قديمة يقال لها (تليلة النحاس) بالتصغير.
ويظهر من الآثار الحفرية أن هناك مصانع لعمل الآجر لأن طينة هذه الأراضي هي بيلونية، ويستعمل أهل حلب هذا الطين المعروف بالبيلون في حماماتهم لإزالة القشرة التي تحصل في شعر الرأس لرطوبته، ويحمل منه إلى حماة وحمص ودمشق ويستعمل ثمة لهذه الغاية.
وطول هذا المرج من الغرب إلى الشرق نحو ثماني ساعات وعرضه نحو خمس، وهو من الجهة الغربية أعرض منه في الجهة الشرقية، ويحده من الشمال أراضي (كلّز) ومن الجنوب أراضي جبل سمعان التابعة لحلب ومن الغرب أراضي العمق.
ومرج دابق لم يبق مرجا على وضعيته الأصلية بل أصبح اليوم معمورا بالقرى التي يزيد عددها عن خمسين قرية، منها (تركمان بارح) و (أرشاف) وهما شرقي دابق، ومنها (تليلين) و (ميرع) وهما في غربيه، ويحصل في الشتاء في (ميرع) بحيرة كبيرة يصير طولها نحو ساعتين وعرضها كذلك وفيها نحو 400بيت.
وفيها (جبرين) و (النقلة) و (صوران) و (احتيملات) وهذه تقع في الشمال الغربي بين (تليلين) و (دويبق) وهناك عين تسمى عين البيضاء، ومن القرى (شيخ ريح) و (حور النهر) و (راعل) و (كفره). وأهم مزروعات هذه القرى هي السمسم والبطيخ الأصفر والحنطة والشعير والذرة البيضاء، ومعظم الخضرة التي ترد إلى حلب هي من محصولات هذا المرج، ويوجد فيه عرق السوس بكثرة.
__________
(1) ذكرها القاموس المحيط.(3/137)
منع أهالي حلب للجراكسة المنهزمين من دخول حلب
قال المحلي: وأما ما كان من الجراكسة فإنه لما وقعت عليهم الكسرة نهب بعضهم بعضا وصار كل إنسان منهم يأخذ ما قدر عليه وكل من كان له عدو وقدر عليه قتله، ولكل شيء آفة من جنسه، ثم ذهب غالب العسكر قاصدين إلى حلب فمنعهم أهل حلب لشدة ما قاسوا منهم حين مجيئهم مع الغوري فتشتت شملهم وذهبت حميتهم وانكسرت شوكتهم بعد تلك القوة والمنعة العظيمة والبأس الشديد. وكان سبب سعادة أهل حلب من هذه الوقعة فإنهم كانوا أودع عندهم الجراكسة جميع أموالهم وخرجوا على جرائد الخيل فطمعت فيهم أهل حلب وصدوهم عن الدخول لأجل ذلك.
سبب آخر لمنعهم:
قال ابن إياس: وأما ما كان من الأمراء العسكر بعد الكسرة فإنهم توجهوا إلى حلب وأرادوا دخولها فوثب عليهم أهالي حلب قاطبة وقتلوا جماعة من العسكر ونهبوا سلاحهم وخيولهم وبرقهم ووضعوا أيديهم على ودائعهم التي كانت بحلب وجرى عليهم من أهل حلب ما لم يجر عليهم من عسكر ابن عثمان.
وكان أهل حلب بينهم وبين المماليك السلطانية حظ نفسي من حين توجهوا قبل خروج السلطان من القاهرة إلى حلب صحبة قاني بك أمير أخور كبير، فنزلوا في بيوت أهل حلب غصبا واعتدوا على بعض النساء والأولاد وحصل منهم غاية الضرر والأذية لأهل حلب، فما صدق أهل حلب أن وقعت لهم هذه الكسرة فأخذوا بثأرهم منهم، فلما رأى الأمراء وبقية العسكر ذلك خرجوا من حلب حمية وتوجهوا إلى دمشق ودخلوها وهم في أفحش حال لا برك ولا قماش ولا خيول، ودخل غالب العسكر إلى الشام وبعضهم راكب على حمار وبعضهم راكب على جمل وبعضهم عريان وعليه عباءة أو بشت، ولم يقع لعسكر مصر مثل هذه الكائنة، فأقام الأمراء والمباشرون والعسكر في الشام حتى تتكامل البقية ويظهر السالم من العاطب.(3/138)
دخول خير بك إلى حلب ثم خروجه منها مع الأمير محمد ابن السلطان الغوري
قال المحلي: وأما خير بك فإنه دخل حلب وأخذ سيدي محمد ابن الغوري وكان أبقاه أبوه على خزانته وأمواله بقلعة حلب فأخبره أن ابن شاه سوار نزل على حيلان بعشرين ألف فارس وهو قاصد أخذك وأخذ حلب، فقال سيدي محمد: فما الرأي يا أمير خير بك، قال: الرأي أن تنادي في العسكر بالرحيل إلى مصر ويجتمع إليك ما شئت من العسكر وتكون ملك مصر موضع أبيك وأنا مساعد لك في ذلك، فصدقه في ذلك ونادى في حلب بالرحيل إلى مصر ومن له رغبة في المسير إلى مصر فليتبعنا، فخرجت الناس على وجوههم وتركوا أثقالهم وأموالهم واختاروا سلامة الروح وكانت مكيدة، وخرجوا من حلب كالهاربين، وفعل ذلك خير بك حتى يأخذ حلب للسلطان سليم من غير حرب وكان الأمر كذلك، فإنه أرسل إلى السلطان يخبره بما فعل وأنك تسير في هذا الوقت إلى حلب فإنها خالية من العسكر المصري، وأما عسكر حلب فمن أطاعنا أبقيناه.
مجيء السلطان سليم إلى حلب واستقبال الأهالي له في الميدان الأخضر
قال القطبي في تاريخ مكة بعد ذكره للواقعة المتقدمة: لما أقبلت رايات السلطان سليم إلى حلب خرج أهلها إلى لقائه بالمصاحف والأعلام وهم يجهرون بالتسبيح والتكبير ويقرؤون {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} وطلبوا منه الأمان والتسليم فأجابهم إلى القبول لطفا وكرما وقابلهم بالإجلال والإكرام وأفرغ على كواهلهم خلع اللطف والإنعام وتصدق بأنواع الصدقات على الخاص والعام.
قال ابن إياس: لما وصل السلطان سليم إلى الميدان الذي في حلب أقام فيه، ولما كان فيه توجه إليه أمير المؤمنين المتوكل على الله والقضاة الثلاثة وهم قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل وقاضي القضاة محيي الدين الدميري المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين
الفتوحي الحنبلي، وأما قاضي القضاة الحنفي محمود بن الشحنة فإنه هرب مع العسكر إلى الشام ونهب جميع بركه وقماشه ودخل الى الشام في أنحس حال. قيل لما دخل أمير المؤمنين على ابن عثمان وهو بالميدان عظمه وأجلسه وجلس بين يديه فأشيع أنه قال له: أصلكم من أين؟ فقال له: من بغداد، فقال له ابن عثمان: نعيدكم إلى بغداد كما كنتم.(3/139)
قال ابن إياس: لما وصل السلطان سليم إلى الميدان الذي في حلب أقام فيه، ولما كان فيه توجه إليه أمير المؤمنين المتوكل على الله والقضاة الثلاثة وهم قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل وقاضي القضاة محيي الدين الدميري المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين
الفتوحي الحنبلي، وأما قاضي القضاة الحنفي محمود بن الشحنة فإنه هرب مع العسكر إلى الشام ونهب جميع بركه وقماشه ودخل الى الشام في أنحس حال. قيل لما دخل أمير المؤمنين على ابن عثمان وهو بالميدان عظمه وأجلسه وجلس بين يديه فأشيع أنه قال له: أصلكم من أين؟ فقال له: من بغداد، فقال له ابن عثمان: نعيدكم إلى بغداد كما كنتم.
دخول السلطان سليم إلى حلب واستيلاؤه على القلعة وما فيها من الذخائر
قال ابن إياس: لما جاء السلطان سليم إلى حلب سلمه أهلها المدينة من غير نزاع، وهرب قانصوه الأشرفي نائب القلعة وتوجه إلى الشام مع العسكر وترك أبواب قلعة حلب مفتحة، فلما بلغ السلطان سليما ذلك أرسل إليها شخصا من جماعته أعرج أجرود وفي يده دبوس خشب، فطلع إلى قلعة حلب فلم يجد بها مانعا يرده فختم على الحواصل التي بها واحتوى على ما فيها من مال وسلاح وتحف وغير ذلك، وقد فعل ابن عثمان ذلك ليقال إنه أخذ قلعة حلب بشخص أعرج وفي يده دبوس خشب وهو أضعف من في عسكره.
وأشيع أن السلطان سليما من حين استولى على مدينة حلب لم يدخلها غير ثلاث مرات، المرة الأولى دخلها وطلع إلى القلعة بسبب عرض حواصلها، فلما عرضت عليه رأى ما أدهشه من مال وسلاح وتحف، وكان فيها من المال نحو مائة ألف ألف دينار (هكذا) ورأى من الكنابيش الزركش والرقاب الزركش والطبر والسروج الذهب والبلور وطبول البازات واللجم المرصعة والفصوص المثمنة والبركستوانات الفولاذ الملون والسيوف المسقطة بالذهب والزرديات والخوذ الفاخرة وغير ذلك من السلاح ما لم يره قط ولا أحد من ملوك الروم، لأن الذي جمعه الغوري من الأموال من وجوه الظلم والجور والتحف التي أخرجها من ذخائر الملوك السالفة من عهد ملوك الترك الجراكسة احتوى عليه جميعه السلطان سليم شاه بن عثمان من غير تعب ولا مشقة، هذا خارج عما كان للأمراء المقدمين والأمراء الطبلخانات والعشراوات والمباشرين والعسكر قاطبة من الودائع بحلب من مال وسلاح وقماش وبرك وغير ذلك، فاحتوى ابن عثمان على ذلك جميعه، وقيل إنه ملك ثلاث عشرة قلعة من بلاد السلطان واحتوى على ما
فيها من مال وسلاح وغير ذلك، فكان الذي ظفر به السلطان سليم في هذه الواقعة من الأموال والسلاح والتحف وغير ذلك لا ينحصر ولا يضبط، وقد قسم له ذلك من القدم واحتوى على خيول وبغال وجمال لا يحصى عددها، واحتوى على خيام وبرك ولا سيما ما كان مع السلطان وأمراء العساكر كما يقال في المعنى:(3/140)
وأشيع أن السلطان سليما من حين استولى على مدينة حلب لم يدخلها غير ثلاث مرات، المرة الأولى دخلها وطلع إلى القلعة بسبب عرض حواصلها، فلما عرضت عليه رأى ما أدهشه من مال وسلاح وتحف، وكان فيها من المال نحو مائة ألف ألف دينار (هكذا) ورأى من الكنابيش الزركش والرقاب الزركش والطبر والسروج الذهب والبلور وطبول البازات واللجم المرصعة والفصوص المثمنة والبركستوانات الفولاذ الملون والسيوف المسقطة بالذهب والزرديات والخوذ الفاخرة وغير ذلك من السلاح ما لم يره قط ولا أحد من ملوك الروم، لأن الذي جمعه الغوري من الأموال من وجوه الظلم والجور والتحف التي أخرجها من ذخائر الملوك السالفة من عهد ملوك الترك الجراكسة احتوى عليه جميعه السلطان سليم شاه بن عثمان من غير تعب ولا مشقة، هذا خارج عما كان للأمراء المقدمين والأمراء الطبلخانات والعشراوات والمباشرين والعسكر قاطبة من الودائع بحلب من مال وسلاح وقماش وبرك وغير ذلك، فاحتوى ابن عثمان على ذلك جميعه، وقيل إنه ملك ثلاث عشرة قلعة من بلاد السلطان واحتوى على ما
فيها من مال وسلاح وغير ذلك، فكان الذي ظفر به السلطان سليم في هذه الواقعة من الأموال والسلاح والتحف وغير ذلك لا ينحصر ولا يضبط، وقد قسم له ذلك من القدم واحتوى على خيول وبغال وجمال لا يحصى عددها، واحتوى على خيام وبرك ولا سيما ما كان مع السلطان وأمراء العساكر كما يقال في المعنى:
ألا إنما الأقسام تحرم ساهرا ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم
ودخل المرة الثانية فصلى صلاة الجمعة في جامع الأطروش الذي بحلب وخطب باسمه ودعي له على المنابر في مدينة حلب وأعمالها وزينت له مدينة حلب وأوقدت له الشموع على الدكاكين وارتفعت له الأصوات بالدعاء وهو مار عند عوده من الجامع وفرح الناس به فرحا شديدا.
قال العلامة القطبي في تاريخ مكة: لما حضر السلطان سليم صلاة الجمعة في حلب خطب الخطيب باسمه الشريف ودعا له ولآبائه وأسلافه وبالغ في المدح والتعريف، وعندما سمع الخطيب يقول في تعريفه (خادم الحرمين الشريفين) سجد لله شكرا وقال: الحمد لله الذي يسر لي أن صرت خادم الحرمين الشريفين، وأضمر خيرا جميلا وإحسانا جليلا لأهل الحرمين الشريفين وأظهر الفرح والسرور بتلقبه بخادم الحرمين المنيفين وخلع على الخطيب خلعا متعددة وهو على المنبر وأحسن إليه إحسانا كثيرا بعد ذلك.
ودخل المرة الثالثة ونزل إلى الحمّام وأنعم على المعلم بمبلغ له صورة.
قال في در الحبب في ترجمة السلطان سليم خان رحمه الله: دخل حلب في رجب سنة اثنتين وعشرين وتسلم قلعتها بالأمان من جماعته رجل أعور أعرج. ثم إنه طلع إليها بنفسه وجمع بأمره من تجارها مالا كثيرا سموه مال الأمان وصاروا يبذلونه بطيب نفس لخوفهم يومئذ على النفس، ولم يحصل بحلب وجيشه مقيم عليها من القحط ذرة بالمرة مع كثرة جيوشه التي كانت معه التي ملأت السهل والجبل.
قال ابن إياس: لما دخل السلطان سليم إلى حلب نادى فيها بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء وكل من كان عنده للأمراء والعسكر شيء من خيول أو سلاح أو قماش يحضر ما عنده، وإن لم يحضر ما عنده وغمز عليه شنق من غير معاودة. قال: واستمر الخليفة والقضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنبلي في الترسيم بحلب لا يخرجون منها إلا أن يأذن لهم ابن عثمان.(3/141)
وقال المحلي: أقام السلطان سليم بحلب نحو العشرين يوما، وكان مع الغوري خلفاء المشايخ مثل خليفة سيدي أحمد البدوي وسيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي إبراهيم الدسوقي وأمثالهم، فلما وقعت الكسرة على الغوري بقي المشايخ بحلب، فلما سمعوا بأن السلطان سليما قادم إلى حلب خافوا من سطوته فأخذوا في الذهاب إلى نحو الشام، فلما رآهم على بعد مع الرايات والأعلام قال: ما هؤلاء؟ قالوا له: هؤلاء خلفاء المشايخ كانوا جاؤوا مع الغوري فلما كسر خرجوا يريدون الذهاب إلى مصر، فأمر بإحضارهم فلما مثلوا بين يديه أمر برمي رقابهم واحدا بعد واحد ولم يرحم منهم كبيرا لكبره ولا صغيرا لصغره فقتلهم عن آخرهم فرحمهم الله أجمعين وكانوا يزيدون على ألف رجل. ثم أمر بالتوجه إلى الشام وكان المشير عليه بذلك خاير بك.
قال ابن إياس: كان خاير بك موالسا على السلطان في الباطن وكان أول من كسر عسكر السلطان وانهزم عن ميسرته وتوجه إلى حماة، ولما ملك ابن عثمان حلب أرسل خلفه، فلما حضر خلع عليه وصار من جملة أمرائه ولبس زي التراكمة العمامة المدورة والدلامة وقص ذقنه وسماه السلطان خاين بك لكونه خان سلطانه.
رحيل السلطان سليم من حلب إلى الشام
قال في در الحبب: في اليوم العشرين من شعبان رحل السلطان سليم إلى الشام فهرب من بقي من الجراكسة عند وصوله إلى قارة، فنزل بالقابون التحتاني فلاقاه علماء الشام وأعيانها، كما فعل الحلبيون إذ لا قوه، فآمنهم وصلى بها الجمعة وتصدق بها سرا وعلنا، ثم رحل منها إلى الديار المصرية واستولى عليها، وكان قد تسلطن بها الأمير طومان باي الدوادار الكبير وجرى بينهما حروب يطول شرحها بسطها ابن إياس وغيره، ولما استولى عليها جعل فيها خاير بك نائبا عنه وبقي إلى أن مات فيها سنة 928.
قال في در الحبب: ثم إن السلطان سليما عاد من مصر إلى الشام سنة 923وأمر فيها ببناء تكية الصالحية، ثم إلى حلب إلا أنه نزل بمرج دابق، ثم سار إلى تخته بالقسطنطينية. وفي سنة خمس وعشرين ورد أمره بسوق ستين رجلا من تجار حلب إلى طرابزون فحصل القبض عليهم في ليلة واحدة بحيث صاروا يأتون باب الرجل فيطرقونه وهو لا
يشعر بما أريد به فيقبضون عليه ثم سيقوا إليها. ثم ورد الأمر بسوق من بها من الأعاجم إلى القسطنطينية فسيقوا، وبرز أمره مرة أخرى بسوق بيوت كانوا بالقلعة الحلبية على ما كانوا عليه من المكث فيها فسيقوا إليها أيضا إلا من استثني منهم كبيت الشيخ نور الدين محمود خطيب المقام.(3/142)
قال في در الحبب: ثم إن السلطان سليما عاد من مصر إلى الشام سنة 923وأمر فيها ببناء تكية الصالحية، ثم إلى حلب إلا أنه نزل بمرج دابق، ثم سار إلى تخته بالقسطنطينية. وفي سنة خمس وعشرين ورد أمره بسوق ستين رجلا من تجار حلب إلى طرابزون فحصل القبض عليهم في ليلة واحدة بحيث صاروا يأتون باب الرجل فيطرقونه وهو لا
يشعر بما أريد به فيقبضون عليه ثم سيقوا إليها. ثم ورد الأمر بسوق من بها من الأعاجم إلى القسطنطينية فسيقوا، وبرز أمره مرة أخرى بسوق بيوت كانوا بالقلعة الحلبية على ما كانوا عليه من المكث فيها فسيقوا إليها أيضا إلا من استثني منهم كبيت الشيخ نور الدين محمود خطيب المقام.
صفة السلطان سليم خان رحمه الله:
قال ابن إياس: أخبرني من رأى السلطان سليم شاه أنه كان مربوع القامة واسع الصدر أقنص العنق مكرفس الأكتاف مترك (هكذا) الوجنتين واسع العينين دري اللون وافر الأنف مليء الجسد حليق اللحية ليس له غير الشوارب كبير الرأس عمامته صغيرة دون عمائم أمرائه.
أول ولاة الدولة العثمانية بحلب وأول قضاتها
لما استولى السلطان خان رحمه الله على حلب جعل الوالي بها أحمد باشا بن جعفر المشهور بقراجا باشا والقاضي كمال الدين ابن الحاج إلياس الرومي الحنفي المشهور بابن الجكمكجي، ذكر ذلك صاحب در الحبب في ترجمتهما.
قال في ترجمة قراجا باشا: إنه كان عادلا خيرا من أهل العلم، ومن جملة تلامذة الجلال الدواني وهو الذي بعثه السلطان سليم إلى السلطان الغوري وهو بحلب رسولا مع بعض قضاة عسكره (هو زيرك زاده كما تقدم) وبعد عزله من كفالة حلب (يظهر أن ذلك كان بعد محاصرة جان بردي الغزالي لحلب في صفر سنة 927) أمره السلطان سليمان أول ما تسلطن بعد وفاة أبيه بسوق السفن المرساة عند ساحل البحر بالقرب من ودين من بلاد الروم إيلي إلى جهة بلغراد لأجل فتحها، فساقها في سنة سبع وعشرين ثم شهد حصارها فقتل بها شهيد المكحلة أصابه حجرها.
وقال في ترجمة كمال ابن الحاج إلياس الرومي الحنفي: كان أول قاض تولى قضاء حلب في الدولة العثمانية وذلك في عام اثنين وعشرين وتسعمائة، وكان يعرف بابن الجكمجكي.
وكان أول قاض انفرد بقضاء حلب واستقل به بعد تلك الدولة [دولة الجراكسة] التي كانت في آخرها بحلب وكذا بدمشق والقاهرة من المذاهب الأربعة قضاة أربعة وكان بها في الثمانمائة
أيضا قاض واحد على ما ذكره الشيخ أبو ذر في تاريخه حيث قال نقلا عن ابن حبيب: ولي كمال الدين عمر بن العديم الحنفي في سنة عشرة وسبعمائة رفيقا للقاضي الشافعي الأنصاري ولم يعهد لحلب سوى قاض واحد من قديم الزمان وإلى الآن انتهى.(3/143)
وكان أول قاض انفرد بقضاء حلب واستقل به بعد تلك الدولة [دولة الجراكسة] التي كانت في آخرها بحلب وكذا بدمشق والقاهرة من المذاهب الأربعة قضاة أربعة وكان بها في الثمانمائة
أيضا قاض واحد على ما ذكره الشيخ أبو ذر في تاريخه حيث قال نقلا عن ابن حبيب: ولي كمال الدين عمر بن العديم الحنفي في سنة عشرة وسبعمائة رفيقا للقاضي الشافعي الأنصاري ولم يعهد لحلب سوى قاض واحد من قديم الزمان وإلى الآن انتهى.
وكان القاضي كمال الدين (الجكمكجي) شهما متمولا مقداما على إجراء أحكام الشرع مهيبا كثير الخدم والحشم، يلبس الحسن ويهوى الوجه الحسن اه.
سنة 926
في هذه السنة في تاسع شوال كانت وفاة السلطان سليم خان رحمه الله، وجلس بعده على سرير السلطنة ولده السلطان سليمان خان رحمه الله.
ذكر محاصرة جان بردي الغزالي نائب الشام لحلب ورحيله عنها
لما استولى السلطان سليم رحمه الله على دمشق جعل نائبها الأمير جان بردي الغزالي أحد أمراء الجراكسة.
قال القرماني: ولما توفي وجلس على سرير السلطنة ولده السلطان سليمان خان وبلغ جان بردي الغزالي ذلك خرج عن الطاعة ورام أن يتسلطن بدمشق ونواحيها، ولم يدر أن الدولة عنهم قد ولت وأن السعادة قد أدبرت، فجمع الجموع وحشد الحشود من طوائف الجنود وسار إلى مدينة حلب ليستولي عليها، فحاصرها مدة ولم يقدر عليها، وكان نائب حلب إذ ذاك قراجا أحمد باشا فجد في دفعه واجتهد، وكان غرضه أن يخرج من البلد ويقابل العدو ويقاتله إلا أنه خاف من أهل البلد لأنهم كانوا قريبي العهد من الجراكسة، فلما رأى الغزالي أنه لم يجد إلى الدخول سبيلا عاد راجعا إلى دمشق فشرع في تحصين القلعة وترميمها.
قال أحمد بن زنبل المحلي: إن جان بردي الغزالي قبل خروجه من دمشق منع الدعاء للسلطان سليمان في الخطبة وأمر بالدعاء له، وأيضا جعل السكة باسمه وتسلطن وأطاعته العساكر وأهل الشام وخطب له على منابرها وأمر بالزينة فزينت له زينة لم يعهد مثلها مدة سبعة
أيام، ثم أمر بالتبريز إلى مدينة حلب ولفق عساكره من كل جنس من عرب ومن جركس ومن كرد ومن دروز ومن سفل العالم وممن لا خير فيه وخرج من دمشق في ضجة عظيمة من شرار الناس وممن لا يرتجى خيره، ولما وصلت الأخبار إلى نائب حلب وكان أميرا من صناجق السلطان سليم رومبا لا قدرة له على تلك الجموع فما وسعه إلا أن كتب بذلك إلى السلطان سليمان بأن يرسل له عسكرا ترد الغزالي وإلا أخذت حلب من يدي، وها أنا محاصر إلى أن يريد الله تعالى. ولما وصل جان بردي إلى حلب وجد أبوابها قد قفلت وطلع الناس على سورها، فلما قرب منها رموا عليه بالمدافع والأحجار فأمر بالإقامة لأجل أن يحاصرها فمكث ثلاثة أشهر ولم يقدر على أخذها، فدخل عليه الشتاء واشتد البرد، فما وسعه إلا الرحيل عنها ونوى أنه إذا جاء الصيف يرجع إليها، ثم أمر بالرحيل فأخذ عساكر حلب وأهلها في شتمه وسبه ولعنه وهو يسمعهم ويسمع كلامهم وصياحهم وضحكهم عليه فرجع مخزيا مشتوما مطرودا، فلما وصل إلى دمشق تفرقت تلك الجموع إلى بلادهم وقد دخل عليهم الشتاء وقاسوا من البرد والمطر ما لا يوصف.(3/144)
قال أحمد بن زنبل المحلي: إن جان بردي الغزالي قبل خروجه من دمشق منع الدعاء للسلطان سليمان في الخطبة وأمر بالدعاء له، وأيضا جعل السكة باسمه وتسلطن وأطاعته العساكر وأهل الشام وخطب له على منابرها وأمر بالزينة فزينت له زينة لم يعهد مثلها مدة سبعة
أيام، ثم أمر بالتبريز إلى مدينة حلب ولفق عساكره من كل جنس من عرب ومن جركس ومن كرد ومن دروز ومن سفل العالم وممن لا خير فيه وخرج من دمشق في ضجة عظيمة من شرار الناس وممن لا يرتجى خيره، ولما وصلت الأخبار إلى نائب حلب وكان أميرا من صناجق السلطان سليم رومبا لا قدرة له على تلك الجموع فما وسعه إلا أن كتب بذلك إلى السلطان سليمان بأن يرسل له عسكرا ترد الغزالي وإلا أخذت حلب من يدي، وها أنا محاصر إلى أن يريد الله تعالى. ولما وصل جان بردي إلى حلب وجد أبوابها قد قفلت وطلع الناس على سورها، فلما قرب منها رموا عليه بالمدافع والأحجار فأمر بالإقامة لأجل أن يحاصرها فمكث ثلاثة أشهر ولم يقدر على أخذها، فدخل عليه الشتاء واشتد البرد، فما وسعه إلا الرحيل عنها ونوى أنه إذا جاء الصيف يرجع إليها، ثم أمر بالرحيل فأخذ عساكر حلب وأهلها في شتمه وسبه ولعنه وهو يسمعهم ويسمع كلامهم وصياحهم وضحكهم عليه فرجع مخزيا مشتوما مطرودا، فلما وصل إلى دمشق تفرقت تلك الجموع إلى بلادهم وقد دخل عليهم الشتاء وقاسوا من البرد والمطر ما لا يوصف.
سنة 927
قال القرماني: ولما بلغ السلطان سليمان أن جان بردي الغزالي غدر وخان أمر وزيره فرهاد باشا أن يسير مع جند الباب وجماعة من طائفة اليكجرية إلى قتال الخارجي المذكور، وعين معه أمير الأمراء بروم أيلي وأناطولي وقرمان إياس باشا بأن يسيروا بمن معهم من الجيوش، وكان معهم ثمانية عشر من المدافع الكبار، فلما سمع الغزالي بقدومهم خرج من الشام لأرض القابون مغترا بشهامته وحسن رأيه طالبا لأخذ الانتقام من الأروام، فاتفق ملاقاة العسكر بموضع يقال له المصطبة بأرض القابون، وكان ذلك يوم الثلاثاء السابع والعشرين من صفر الخير سنة سبع وعشرين وتسعمائة، فاندهك الخارجي بمن معه تحت أرجل الخيل فلم يعلم له ولجنوده أثر. ولما وصل الوزير فرهاد باشا لم يجد من يقابله ويقاتله فدخل البلد ومهدها وفوض نيابة الشام إلى إياس باشا المتقدم.(3/145)
سنة 928 انقراض الدولة الدلغادرية من مرعش والبستان
قدمنا في حوادث سنة 922أن السلطان سليمان لما استولى على مرعش بواسطة وزيره فرهاد باشا فوض أمر نيابتها إلى علي بيك ابن شاه سوار.
قال القرماني: وفي سنة ثمان وعشرين وتسعمائة أرسل السلطان سليمان فرهاد باشا الوزير أمامه، فلما وصل بقرب مدينة توقات أرسل إلى علي بيك يدعوه إليه ليدبر معه، فلما وصل إليه علي بيك مع ابن البطل الصارم صارو أرسلان وعدة أولاد له قبض عليهم وأمر بخنقهم فخنقوا ولم يبق منهم أحد ودخلت بلادهم جميعها تحت تصرف الملوك العثمانيين، فسبحان من لا يزول ملكه وكل شيء هالك إلا وجهه.
وقد ذكرنا أن ابتداء دولتهم كان سنة 745وذكرنا ثمة أن أول من ظهر منهم قراجا ابن دلغادر، فتكون مدة دولتهم مائة وثلاثا وثمانين سنة وقد ذكرهم على التتابع القرماني في تاريخه.
سنة 929 ضرب النقود الذهبية في حلب
وجدت عند بيت الماركوبلي وهم من التجار الأجانب المتوطنين في حلب في خان العلبية قطعة ذهبية أصغر من الربع المجيدي مكتوب على الطرف الواحد: (سلطان سليمان بن سليم خان عز نصره ضرب في حلب سنة 929) وعلى الطرف الثاني: (ضرب صاحب العز والنصر في البر والبحر).
سنة 935 ذكر تولية حلب لعيسى باشا حفيد الوزير إبراهيم باشا وقتل قرا قاضي بالجامع الكبير
تفيد السالنامة الحلبية أن أحمد قره جا باشا تولى حلب من سنة 922إلى هذه السنة، وقد قدمنا أن قره جا باشا قتل سنة 927في بلغراد.(3/146)
وقد تتبعت كثيرا فلم أقف على من ولي حلب بعد أحمد قره جا باشا وقبل ولاية عيسى باشا الذي عين في هذه السنة، وكان سبب تعيينه قتل غوغاء الناس لقاضي حماة المشهور بقرا قاضي علي بن أحمد علاء الدين الرومي، وسبب ذلك كما قاله الحنبلي في در الحبب في ترجمته أن القاضي المذكور ولي كتابة الإبل وتفتيش أوقاف حلب وأملاكها والنظر على الأموال السلطانية، فبالغ في جمعها وتثميرها حتى أخرج حكما سلطانيا بمنع توريث ذوي الأرحام من الشافعية بخصوصهم وضبط التركة لبيت المال، وأراد أن يجعل ملح المملحة الذي صار مضبوطا لبيت المال أغلى من الفلفل، قال لأن الناس أحوج إلى الملح منه، ومنع من بيع حنطة كانت للخزائن الشريفة السليمانية في سنة كانت ذات قحط وهي سنة أربع وثلاثين.
ثم أحضرته المنية إلى الجامع الأموي بحلب يوم الجمعة خامس شعبان من السنة المذكورة فقامت غوغاء الناس وكثر طغامهم بعد صلاة الجمعة وأخذوا في التكبير عليه وقتلوه داخل الحجازية بالنعال والحجارة على وجه لم يعلم له قاتل معين وجروه بعد أن جردوه من ثيابه ليحرقوه، فخلصه جماعة من أهل الخير ودسوه في ميضاة إلى ثاني يوم ثم غسلوه وكفنوه ودفنوه، ثم كان ما كان من تفتيش عيسى باشا الآتي ذكره على قاتليه على الوجه الذي سنبديه عند ترجمته.
(قال ثمة): لما أمر بالتفتيش بحلب على قتلة القاضي علاء الدين الرومي حضر إليها في المحرم سنة خمس وثلاثين ونزل في الميدان الأخضر وأحضر عنده سائر الأكابر من العلماء والتجار وحبس مشايخ المحلات وأئمتها إلا من عصمه الله تعالى، ثم أطلق الأئمة وقبض على أرباب الوظائف بالجامع المذكور إلا من سلم لوقوع القتل فيه يوم الجمعة وشدد عليهم ووضع بعضهم في السلاسل وأخذ في الفحص عن المتهمين، فمنهم من قرره ومنهم من اضطرب في جوابه ومنهم من عراه ليضربه فلم يقر، ثم استخرج من السجلات بعضا آخر من أرباب التهم وجمع المتهمين عن آخرهم، ثم أمر بوضع جميع الحاضرين من الخواص والعوام في السلاسل فأخذ الأعوان في ذلك فسامح في الخواص بعد ذلك، إلا أنه لم يطلق أحدا ذلك اليوم وبيتهم تلك الليلة هناك بحيث رجعت خيولهم إلى دورهم وهم لا يدرون ماذا يفعل بهم.
وفي ذلك اليوم لم يزل عسكره متسلحين واقفين بين يديه حتى ظن أنه يضرب أعناق جميع الحاضرين، ثم في ثاني يوم أرسل شرذمة من عسكره إلى سجن حلب فأحضروا منه المتهمين بقتل قرا قاضي فأخر (1) منهم للقتل جماعة فوق العشرين وقتلهم في نهار واحد وسجن الباقين،
__________
(1) في بعض مخطوطات «در الحبب» فأخذ(3/147)
وبقي الأكابر من العلماء وغيرهم عنده إلى عصر اليوم الثاني وهم في وجل عظيم بحيث لم يجسر أحد من المتخلفين من أهل حلب على أن يأتي بخبر المرسم عليهم عنده من خير أو شر أو يصل إليهم من بعيد، ثم أطلق طائفة من الأكابر وأخرى من المتهمين وأبقى عنده العلماء ليلة ثانية ولكن مع الإكرام والاحترام في الغداء والعشاء، ثم سجن بقلعة حلب في سجنها وجامعها طائفة من العلماء وغيرهم بعد أن عين معهم طائفة من عسكره متسلحين ليسوقوهم إلى القلعة ما بين ماش مربوط اليدين وآخر مسلسل العنق على وجه لا يعلمون مآل أمرهم.
ثم كان مآله أن ساق غالبهم إلى رودس حتى أقاموا بها سنين ثم خرجوا منها بشفاعات وكفالات إلا بعضا منهم. ثم كانت وفاته بدمشق وهو بحسرة الوزارة التي كان يؤملها سنة خمسين. وبقية ترجمته تجدها في در الحبب.
سنة 937 ذكر تولية حلب لموسى بك الخالدي بن أسفنديار
قال في السالنامة: ولي حلب في هذه السنة موسى بك الخالدي ابن أسفنديار.
قال في در الحبب في ترجمته: هو موسى بك كافل حلب المشهور بابن أسفنديار الخالدي لأنه كان من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه فيما ذكره لي، وكان ترابيا يلبس الصوف ويتواضع لأهل العلم وتحاشى أصحابه عن كثير من المظالم. عزل عن حلب، ثم حج بعد مدة فمر بها، ثم غزا الكرج فقتلوه سنة تسع وأربعين وتسعمائة.
سنة 938 تولية حلب لخسرو باشا صاحب المدرسة الخسروية
قال في السالنامة: ولي حلب في هذه السنة خسروباشا، قال في در الحبب في ترجمته: ولي كفالة حلب في الدولة العثمانية وأنشأ بها حوضه الذي شكره عليه كافة أهلها لوقوعه بجوار جامع دمرداش في محل وقع فيه الاحتياج إليه. ثم ولي كفالة مصر سنة إحدى وأربعين عوضا عن سليمان باشا الخادم، ثم صار وزيرا رابعا بعد أن صار سليمان باشا الخادم
وزيرا أعظم فوقع بينهما بالديوان العالي قيل وقال، والخنكار (السلطان) يسمع من مكان عال، فأحضرهما فلم يتأدبا فعزلهما معا فحصل لخسرو باشا حالة صار يقطع فيها أكمامه بأسنانه تقطيعا ومات قبل الأسبوع، وكان قبل الوفاة قد أمر عتيقه فروخ كيخيا أن ينشىء له بحلب جامعا وتكية، وأتم عمارتهما سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، وبعد وفاته جدد له خانا (1) وسوقا يكونان وقفا على جامعه وتكيته، وأدخل من أدخل في حدود الخان مسجدا قديما كان يعرف بمسجد البهائي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اه.(3/148)
قال في السالنامة: ولي حلب في هذه السنة خسروباشا، قال في در الحبب في ترجمته: ولي كفالة حلب في الدولة العثمانية وأنشأ بها حوضه الذي شكره عليه كافة أهلها لوقوعه بجوار جامع دمرداش في محل وقع فيه الاحتياج إليه. ثم ولي كفالة مصر سنة إحدى وأربعين عوضا عن سليمان باشا الخادم، ثم صار وزيرا رابعا بعد أن صار سليمان باشا الخادم
وزيرا أعظم فوقع بينهما بالديوان العالي قيل وقال، والخنكار (السلطان) يسمع من مكان عال، فأحضرهما فلم يتأدبا فعزلهما معا فحصل لخسرو باشا حالة صار يقطع فيها أكمامه بأسنانه تقطيعا ومات قبل الأسبوع، وكان قبل الوفاة قد أمر عتيقه فروخ كيخيا أن ينشىء له بحلب جامعا وتكية، وأتم عمارتهما سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، وبعد وفاته جدد له خانا (1) وسوقا يكونان وقفا على جامعه وتكيته، وأدخل من أدخل في حدود الخان مسجدا قديما كان يعرف بمسجد البهائي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اه.
وقال في در الحبب في ترجمة فروخ: ابن عبد المنان الرومي الخسروي مولى خسرو باشا الوزير الرابع في الدولة السليمانية، كان كتخداه وهو كافل حلب، فلما تولى الوزارة أمره بإنشاء جامع وتكية بها فقام بإنشائها بمشارفة معمار رومي نصراني ولكن بعد إيذاء المعمارية بالضرب وغيره وإدخال عدة أوقاف فيها منها الدار التي عمرها وأوقفها المحب أبو الفضل ابن الشحنة والمدرسة الأسدية الملاصقة لها ومسجد ابن عنتر الملاصق لها، وكانت هذه الدار أحد دور حلب العظام مشتملة كما ذكره منشئها في تاريخه على جنينة وبحرة وسبع قاعات، بل كان بها فرن يشتغل بها وطشتخاناه وإصطبلات تليق بها وآبار لخزن الغلال ودهليز يصل إلى حمامه المشهور بحمام القاضي. واتفق في هذه المدرسة أن جعلت ميضاة للتكية المذكورة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. واتفق في محرابها عند تخزينه أن وجدوا تحته صندوقا من الحجر طوله أزيد من ذراع وعرضه نصف ذراع وفيه تراب لونه بنفسجي لم يدروا ما هو، وفي أعمدة التكية المذكورة عمودان كانا للمدرسة المقدمية الكائنة بزقاق سلار بحلب فأخذهما ومتوليها إذ ذاك محمد جلبي ابن المرعشي ولم ينتطح فيها عنزان. ثم ساق بقية ترجمة فروخ وذكر أن وفاته كانت سنة 969وهو مع السلطان سليم الثاني في قتال أخيه السلطان بيازيد.
الكلام على الخان المعروف بخان قورت بك
أقول: موقع هذا الخان الذي من جملة أوقاف المدرسة الخسروية في المحلة المعروفة بسويقة علي، وهو خان عظيم البناء متسع الأرجاء لم يزل بناؤه قائما من عهد الواقف، وقد كان في يد دائرة الأوقاف تؤجره وتؤجر الحوانيت التي أخرجت من جداره الشرقي وتصرف ريعه في مصالح المدرسة المذكورة إلى السنة الماضية وهي سنة 1342هـ 1924م ففيها تلقت
__________
(1) هو الخان المعروف الآن بخان قورت بك الواقع في محلة السويقة.(3/149)
الحكومة أمرا من المفوض السامي للجمهورية الإفرنسية في سورية ولبنان وهو (ويغان) بلزوم تسليم الخان إلى ورثة شكري البليط من الطائفة المسيحية في حلب وهذه صورته:
قرار رقم 2256.
المادة الأولى: إن مستغلة خان قورت بك التابعة لوقف خسرو باشا الكائنة في نفس حلب ترد إلى ورثة شكري البليط تحت الشكل المسمى أجارتين ويعطى لهم بذلك سندات من دائرة تسجيلات الأملاك (الطابو) من طرف مأمور الدفتر الخاقاني.
المادة الثانية: يرد العقار بلا مقابل وبالحالة الموجودة فيها، وإن هذه المعاملة لا تقيد معجلة بل مؤجلة وذلك اعتبارا من تطبيق هذا القرار. وفقا للأحكام كل دعوى تقام من طرف ورثة شكري البليط على إدارة الأوقاف إما بطلب البدلات المدفوعة قبل هذا القرار أو بطلب تضمينات وخلافه تعد غير مقبولة.
المادة الثالثة: يوضع هذا القرار موضع الإجراء اعتبارا من 5شباط سنة 1924.
المادة الرابعة: أمين السر العام والمندوب لدى المراقبة العامة ومراقب الأوقاف الإسلامية العام مكلفون بتنفيذ هذا القرار.
بيروت في 28كانون الثاني سنة 1924المفوض السامي ويغان
وهنا دائرة الأوقاف قد اضطرت بمقتضى هذا القرار أن تسلم الخان مع جميع مشتملاته اعتبارا من التاريخ المتقدم إلى أبناء البليط.
ونحن نبين ملخصا الأسباب التي دعت إلى تسليم هذا الخان إلى أبناء البليط فنقول:
في سنة 1266كان المتولي على وقف خسرو باشا محمد أنيس الخسروي، فاستأذن من المحكمة الشرعية أن يؤجر هذا الخان على طريقة الأجارتين وبين أن العقار تهدم من تأثير زلزلة سنة 1237وأن إيراد الوقف لا يكفي للترميم اللازم، فأذن له قاضي حلب (عامله الله بما يستحق) فأجر ثلاثة أرباعه بالأجارتين إلى نسيبة بنت عبد المجيد والربع الباقي إلى زكي بك شريف ابن الحاج شريف وذلك في شوال من هذه السنة. وفي المحرم من سنة 1267فرغت نسيبة حصتها لأحمد نظيف ابن سليمان وهو فرغ تلك الحصة في شوال سنة 1273إلى ابنه أحمد بك وابنته خديجة، وهذان مع زكي بك صاحب الربع فرغا العقار كله في 27أيار سنة 1287إلى شكري البليط بمبلغ معجل هو 75ألفا وببدل مؤجل سنوي هو ألف قرش
يوازي البدل المعجل المدفوع سلفا، وبوفاة البليط سنة 1303انتقل العقار لاسم ورثته وحررت سندات طابو باسمهم بحجة أن حقوق تصرف البليط هي بمقتضى الفراغة المتعاقبة التي جرت.(3/150)
في سنة 1266كان المتولي على وقف خسرو باشا محمد أنيس الخسروي، فاستأذن من المحكمة الشرعية أن يؤجر هذا الخان على طريقة الأجارتين وبين أن العقار تهدم من تأثير زلزلة سنة 1237وأن إيراد الوقف لا يكفي للترميم اللازم، فأذن له قاضي حلب (عامله الله بما يستحق) فأجر ثلاثة أرباعه بالأجارتين إلى نسيبة بنت عبد المجيد والربع الباقي إلى زكي بك شريف ابن الحاج شريف وذلك في شوال من هذه السنة. وفي المحرم من سنة 1267فرغت نسيبة حصتها لأحمد نظيف ابن سليمان وهو فرغ تلك الحصة في شوال سنة 1273إلى ابنه أحمد بك وابنته خديجة، وهذان مع زكي بك صاحب الربع فرغا العقار كله في 27أيار سنة 1287إلى شكري البليط بمبلغ معجل هو 75ألفا وببدل مؤجل سنوي هو ألف قرش
يوازي البدل المعجل المدفوع سلفا، وبوفاة البليط سنة 1303انتقل العقار لاسم ورثته وحررت سندات طابو باسمهم بحجة أن حقوق تصرف البليط هي بمقتضى الفراغة المتعاقبة التي جرت.
ثم أقام علي رضا أفندي الزعيم الذي صار متوليا على أوقاف خسرو باشا دعوى لدى المحكمة الشرعية على أبناء البليط مبينا اغتصابهم لهذا العقار الوقف وعدم صحة هذه الأجارة لأن البناء قائم من عهد واقفه وآثار القدم تظهر عليه لأول نظرة وليس هو عبارة عن مكان خرب تماما ولا يعطي أدنى إيراد كما ذكر متوليه محمد أنيس الخسروي وكما شهد لذلك بعض الشهود. وبعد محاكمات طويلة أصدرت المحكمة الشرعية في 19شعبان سنة 1314حكما شرعيا ببطلان معاملة الأجارتين نظرا لمخالفتها لحقيقة الحال في هذا البناء ولزوم إعادة الخان لدائرة الأوقاف، وعندئذ تداخلت القنصلية الإفرنسية في حلب والسفارة الإفرنسية في الآستانة فحول الصدر الأعظم [في الآستانة] المسألة إلى شورى الدولة وأصدر إلى ولاية حلب أمرا بتأجيل تنفيذ الحكم بكتاب في 10أيار سنة 1314، وعلى هذه الصورة ظلت القضية متوقفة حتى سنة إعلان الدستور العثماني (19081324) ففيها أعيدت تلك القضية إلى بساط البحث وتبودلت بشأنها المراسلات العديدة بين الصدارة العظمى ووزارة العدلية ونظارة الأوقاف والمشيخة الإسلامية في الآستانة، وأخيرا قرر وجوب تنفيذ الحكم فنفذ سنة 1328وأعيد الخان مع ما اشتمل عليه إلى دائرة الأوقاف وبقي في يدها إلى السنة الماضية ففيها سلم إلى ورثة البليط كما قدمنا.
والناس هنا قد تلقوا هذا القرار وتسليم الخان إلى أبناء البليط بملء الدهشة وعظيم الاستغراب لأن ذلك من وظائف المحاكم الشرعية والعدلية، ورفعوا بذلك عدة عرائض إلى حاكم مدينة حلب الحالي سعادة مرعي باشا الملاح محتجين على هذه المعاملة المخالفة للشرع والقانون العثماني بل لقوانين الأمم جميعها.
تشبث سعادته في هذه القضية
لما رفعت إليه تلك العرائض كتب لفخامة الجنرال ما ترجمته:
أتشرف بأن أقدم لحضور فخامتكم ثماني عرائض وخمس منها وردت لي قبل ثلاثة أيام والثلاث الأخيرة منذ يومين بتوقيع المئات من المشايخ والوجهاء وطلاب العلوم ورؤساء المحلات
ينتقدون فيها أمر تسليم خان قورت بك إلى ورثة شكري البليط وإني أرى أن هذا الانتقاد هو في محله من أوجه:(3/151)
أتشرف بأن أقدم لحضور فخامتكم ثماني عرائض وخمس منها وردت لي قبل ثلاثة أيام والثلاث الأخيرة منذ يومين بتوقيع المئات من المشايخ والوجهاء وطلاب العلوم ورؤساء المحلات
ينتقدون فيها أمر تسليم خان قورت بك إلى ورثة شكري البليط وإني أرى أن هذا الانتقاد هو في محله من أوجه:
أولا: إن قلب هذا الخان من حالة الأجارة الواحدة إلى الأجارتين كان غير صحيح لأن العقار الموقوف ذا الأجارة الواحدة لا يجوز قلبه إلى أجارتين إلا إذا تهدم تماما وكان لا يوجد في الوقف المربوط به ما يساعده على تعميره وإرجاعه إلى حالته الأصلية مع أن بناية الخان المذكور الموجودة تحت المشاهدة تعلن بأنها قديمة ولم يطرأ عليها خراب ما.
ثانيا: إن متولي الوقف كان أقام دعوى على الورثة الموما إليهم واستحصل حكما شرعيا صودق عليه من مرجعه الإيجابي وهو مجلس التدقيقات الشرعية، وبهذه الصورة قد صار هذا الحكم قضية محكمة لا مسوغ لإبطالها لا شرعا ولا قانونا.
ثالثا: إن هذه المسألة كانت قد وضعت على بساط البحث في مجلس الأوقاف الأعلى الذي انعقد في الشام سنة 1922م وقد تقرر في القرار رقم 40من مقررات هذا المجلس رد طلب الورثة الموما إليهم، وقد جرى التصديق على جميع هذه القرارات ومن جملتها القرار المذكور من قبل مندوب المفوض السامي لدى مراقبة الأوقاف الإسلامية حضرة الموسيو جناردي وطبعت هذه المقررات ونشرت في كافة أنحاء سورية. ثم وضعت هذه القضية في جلسة المجلس المشار إليه في 9حزيران سنة 1923فصدر قرار نمرة (31) يصرح بأنه لم ير أمر جديد يوجب تعديل القرار السابق ذي الرقم (40) وأن ما ذكر في كتاب حضرة المندوب من وجود إرادة سنية تقضي بقاء الحكم المذكور بلا تنفيذ لم يظفر بها بين الأوراق المذكورة، بل ذكر في أواخر قرار الشورى العثماني المؤرخ في 29 تشرين الأول سنة 1328ما يفهم منه عدم وجود إرادة سنية بتأخير التنفيذ فلم يبق صلاحية لمجلس الأوقاف الأعلى للبحث في المسألة المذكورة مرة ثانية وعليه تقرر إعادتها لحضرة المندوب المشار إليه.
وبناء على ما ذكر فإني أعتقد أن القرار الصادر أخيرا بلزوم تسليم الخان المذكور للورثة الموما إليهم قد حصل من باب السهو. نعم يمكن أن يقال إن الورثة الموما إليهم والأصح أن مورثهم قد تضرر في هذه القضية، فحبا للعدالة التي تخلص الذمة أمام الله يمكننا أن نقول في مثل هذه الحالة إن الجهل معذرة وبناء عليه يلزم أن يحسب ما كان دفع بدلا عن استفراغ هذا الخان وما صرف على ما جدد فيه ومقابلة ذلك ما استغلوا من آجاره مدة وجوده تحت يدهم
وحساب فائض قانوني لهاتين الجهتين ويعوض على الورثة ما يظهر لدى الحساب أنهم خسروه باعتبار هذه النتيجة من غلة الوقف، ويبقى الخان المذكور لواقفه كما هو الحكم الشرعي الذي لا يقبل الاعتراض. فإن تحسن لدى فخامتكم ما عرض تكرموا بإجراء الإيجاب. اه.(3/152)
وبناء على ما ذكر فإني أعتقد أن القرار الصادر أخيرا بلزوم تسليم الخان المذكور للورثة الموما إليهم قد حصل من باب السهو. نعم يمكن أن يقال إن الورثة الموما إليهم والأصح أن مورثهم قد تضرر في هذه القضية، فحبا للعدالة التي تخلص الذمة أمام الله يمكننا أن نقول في مثل هذه الحالة إن الجهل معذرة وبناء عليه يلزم أن يحسب ما كان دفع بدلا عن استفراغ هذا الخان وما صرف على ما جدد فيه ومقابلة ذلك ما استغلوا من آجاره مدة وجوده تحت يدهم
وحساب فائض قانوني لهاتين الجهتين ويعوض على الورثة ما يظهر لدى الحساب أنهم خسروه باعتبار هذه النتيجة من غلة الوقف، ويبقى الخان المذكور لواقفه كما هو الحكم الشرعي الذي لا يقبل الاعتراض. فإن تحسن لدى فخامتكم ما عرض تكرموا بإجراء الإيجاب. اه.
في 27شباط سنة 1924.
والجنرال أرسل هذه اللائحة إلى الموسيو جناردي مندوب المفوض السامي لدى مراقبة الأوقاف الإسلامية العامة فكتب لائحة طويلة الذيل ذكر في أولها أصل القضية والمحاكمات التي حصلت فيها إلى أن اكتسبت دائرة الأوقات الدعوى في هذا الخان بصورة قطعية. ثم قال:
إن البيان المسرود أعلاه يثبت بصورة لا ترد أن حقوق ورثة شكري البليط قد ماتت ولم يبق في الإمكان إحياؤها لأن إدارة الأوقاف وهي واضعة اليد بموجب حكم مكتسب الدرجة القطعية منفذ قطعي غير قابل للاعتراض ولا يمكنها إجابة مدعيات الورثة الذين يطلبون إلغاء الحكم المذكور مع جميع نتائجه الحقوقية (إعادة تسليم الخان والعطل والضرر ودفع بدلات الآجار التي حصلتها دائرة الأوقاف الخ).
ولكن من الجهة الثانية من الممكن التسليم بحجة مجلس الشورى بدون إحداث سابقة وخيمة. إن صدق نية آل البليط في هذه القضية لا يقبل الشك، فهم قد صرفوا ما كانوا يملكون أعني 20ألف ليرة ذهبا لأجل ترميم العقار وتوسيعه، وأغلب الظن أنهم لو خامرهم أدنى ريب في صحة حقوقهم لما كانوا أنفقوا مبلغا هذا مقداره فضلا عن ذلك كما اعترفت القرارات التي أصدرها مجلس شورى الدولة سنة 1326إن ورثة البليط لم يكن في استطاعتهم في ذلك الحين ومن باب أولى الآن أن يثبتوا حقوقهم ويحصلوها من البائعين أو ورثتهم ومنهم من توفي ومن هو غائب ومن لا يملك شيئا.
ثم قال: ومن وجهة أخرى إن التسوية المفتكر بها يقتضي فيها طرح سؤالين مقدما وهما:
1 - هل توقيف حكم حقوقي مطابق للأحكام القانونية.
2 - هل لمفوض الجمهورية الإفرنسية السامي السلطة اللازمة لاتخاذ قرار كهذا.
الجواب على السؤال الأول لا مجال فيه للشك، إن مجلس الشورى العثماني وهو الهيئة العليا لتأويل القانون في تركيا قد اعترف للسلطان بحق توقيف مفعول مكتسب الدرجة القطعية
وهو حق أيده التعامل المتعارف وأيدته التقاليد، فضلا عن ذلك هذا التعامل لا يناقض أحكام المجلة على ما يلوح لي. ثم قال:(3/153)
الجواب على السؤال الأول لا مجال فيه للشك، إن مجلس الشورى العثماني وهو الهيئة العليا لتأويل القانون في تركيا قد اعترف للسلطان بحق توقيف مفعول مكتسب الدرجة القطعية
وهو حق أيده التعامل المتعارف وأيدته التقاليد، فضلا عن ذلك هذا التعامل لا يناقض أحكام المجلة على ما يلوح لي. ثم قال:
أما الجواب على السؤال الثاني فلا يقل عن الأول وضوحا، إن بلاد سورية لم تزل خاضعة للنظام الساري على بلاد العدو المحتلة وذلك إلى أن يبرم الصلح. ومفوض الجمهورية الإفرنسية يستجمع في شخصه جميع أنواع سلطة الجمهورية الإفرنسية الدولة المحتلة، فهو إذا بحسب أصول الحق العام والاتفاقات الدولية يمارس سلطة الفعل القائمة مقام سلطة القانون ضمن الكيفية المحددة في المواد 43وما يليها من القانون الملحق باتفاق لاهاي سنة 1907 وهو حائز الصلاحية على الأخص لاتخاذ كل قرار هو من صلاحية السلطة الشرعية ما عدا ما منع اتخاذه بموجب القانون الآنف الذكر، ولا سيما فيما يتعلق بالأملاك العائدة للدولة يجوز اتخاذ أي قرار بشأن التصرف بها واستقلالها بشرط أن لا يأمر بإصدار أحكام قطعية.
فالأوقاف الملحقة بإدارة الحكومة تدخل ضمن هذا الصنف من الأملاك (ما شاء الله) والمفوض السامي يجوز له أن يأمر أو يأذن حسب الأحكام القانونية المرعية بإجراء أي من الأعمال التي تتعلق بأحكام التصرف.
فالوسيلة المقترح اتخاذها لا ينجم عنها أنها تؤدي إلى بيع الرقبة حتى ولا انتقال التصرف، ولكنها فقط عبارة عن إحداث حق عقاري لمنفعة شخص ثالث يتضمن حق الاستئجار الدائم الذي تظل صحته مشترطا فيها أن يدفع هذا الشخص الرسوم المحددة في القانون.
الإمضاء: جناردي
أقول: هذا ما استند عليه الموسيو جناردي في لزوم تسليم الخان ومشتملاته إلى أبناء البليط وكل ذلك كما ترى بالبداهة أمور واهية لا اعتبار لها في نظر أحكام الأوقاف الإسلامية والقوانين العثمانية المرعية، ويستغرب منه جدا اعتباره الأوقاف الملحقة بإدارة الحكومة من قبيل الأملاك العائدة للدولة وتجويز اتخاذ أي قرار بشأن التصرف بها.
وهذه اللائحة أعيدت للجنرال ومنه لحاكم حلب سعادة مرعي باشا الملاح مرة ثانية فكتب ردا عليها ما يأتي:(3/154)
أتشرف أن أجيب على المذكرة الصادرة عن الموسيو جناردي الواردة مع كتاب فخامتكم المؤرخ في 1آذار سنة 1924بما يأتي:
1 - أن تعريف الغصب نظرا للأحكام الشرعية هو إزالة اليد المحقة ووضع اليد غير المحقة بأي صورة كانت.
2 - أن قلب عقار موقوف قائم البناء من الأجارة الواحدة إلى الأجارتين لا مسوغ له، وأساسا لا يوجد حكم شرعي يجوز قلب العقار الموقوف من الأجارة الواحدة إلى الأجارتين، إنما جوز ذلك خلافا للقياس على ضرورة عدم وجود غلة تمكن من تعمير ما خرب من العقارات الموقوفة.
3 - أن الفراغ وقع باسم شكري البليط، كما وأن الموما إليه كان خصما في الدعوى التي أقيمت عليه من قبل أحد ورثة فارغي هذا الخان قبل أربعين سنة تقريبا في محكمة بداية حقوق حلب واستؤنفت في محكمة استئنافها وأن المراجعات الأخيرة واقعة من قبل ورثة شكري البليط، كل ذلك ينفي قول الورثة الموما إليهم بأن بطريركية الأرمن الكاتوليك هي ذات علاقة بالخان المذكور، وأما ذكرهم لذلك في وقته كان ناشئا عن الأمل بمداخلة البطريركية المشار إليها كي يتمكنوا من امتلاك الخان المذكور، وبالفعل تداخلت البطريريكية المشار إليها بالأمر والتجأت إلى سفارة دولة فرانسة الفخيمة في الآستانة، وبهذه الواسطة كان الصدر الأعظم وقتئذ أبرق إلى والي حلب بتأجيل تنفيذ الحكم الصادر بتسليم الخان المذكور إلى دائرة الأوقاف، في حين أن الصدر الأعظم لا يملك هذه الصلاحية، ولا يمكن تأويل ذلك بسوى أن الصدر الأعظم أراد أن يكسب وقتا لغاية لا يعلمها غيره لأنه ليس الصدر الأعظم فقط بل السلطان ذاته ليس نائلا هذا الحق من قبل الشرع الإسلامي.
4 - أن وقوع الفراغ بإجازة من المتولي وبالتواطؤ مع بعض أعيان حلب ليس له قيمة شرعية ولا يسوغ إجازة قلب الخان المذكور من الأجارة الواحدة إلى الأجارتين.
5 - أن بين تاريخ 27أيار سنة 1287الذي هو تاريخ تصرف شكري البليط وبين صدور الحكم عليه ببطلان معاملة الأجارتين في شعبان سنة 1314بقطع النظر عن تاريخ تقدم هذه الدعوى لم يمر أزيد من سبع وعشرين سنة، وكما هو معلوم إن الدعاوي المتعلقة برقبة الوقف هي سنة وثلاثون سنة كما هو مصرح بذلك في المادة (1662) من المجلة الجليلة.(3/155)
6 - أن الشريعة الإسلامية لم تمنح السلطان حقا بأن يوقف تنفيذ حكم صدر واكتسب الدرجة القطعية، وبناء عليه فإن ما أتى به مجلس الشورى من أنه يجوز تأجيل الحكم بأمر من السلطان لم يكن إلا لأجل التخلص من المراجعات لأنه يعلم حق العلم لا بل علم اليقين بأنه ليس في إمكان السلطان أن يصدر مثل هذا الأمر، والدليل القطعي على ذلك أنه مع تداخل سفارة دولة فرانسة الفخيمة والبطريريكية لم يصدر هكذا أمر لأنه غير ممكن ولا مسبوق في دور من أدوار الحكومة الإسلامية.
7 - وأما القول بأنه لو أقام ورثة البليط دعوى على فارغي الخان المذكور فإنه يستحيل عليهم أن يستعيدوا حقوقهم نظرا لأن الفارغين منهم من هو متوف ومنهم من هو غائب فإنه صحيح الآن، أما في السابق أعني قبل أربعين سنة لما أقيمت الدعوى على مورثهم كما سبق البيان آنفا وعلم أنه غير محق بحبس الخان بيده بصورة الأجارتين فإنه كان من الممكن، ومع ذلك فإن هذا أمر لا يتعلق بالوقف بصورة من الصور.
8 - وأما ادعاؤهم بأنهم صرفوا على ترميم الخان وتوسيعه مبلغ عشرين ألف ليرة ذهبا فهذا مما تنفيه حالة الخان تحت المشاهدة، ولأن مبلغ عشرين ألف ليرة قبل الحرب العامة كان يكفي لإعمار خانين مثل هذا الخان بما فيه العمارة القديمة والحديثة.
وفي الختام أعرض لفخامتكم بأنني لا أجد حلا وحيدا عادلا لهذه المسألة سوى ما كنت عرضته على فخامتكم بكتابي المؤرخ في 27شباط سنة 1924. اهـ.
26 - آذار 1924.
التوقيع
ثم كتب للجنرال جوابا آخر ونصه: يا ذا الفخامة:
أتشرف بأن أعرض لفخامتكم جوابي على مرسومكم العالي تاريخ 9آب سنة 924 رقم 49: 1007كما كنت عرضت لفخامتكم بعريضتيَّ تاريخ 27شباط و 26آذار رقم 301/ 45214726/ 15348بخصوص خان قورت بك أن هذه القضية قد حسمت بحكم من المحكمة الشرعية بحلب وصودق عليه من مجلس التدقيقات الشرعية للحكومة العثمانية، وقد راجع ورثة شكري البليط مراجعات متعددة بطرق مختلفة فلم يمكن للباب العالي ولا لمجلس شورى الدولة ولا لوزارتي العدلية والأوقاف ولا المشيخة الإسلامية إبطال هذا الحكم ونهاية ما أمكن أن أبرق الصدر الأعظم إلى والي حلب بتأجيل تنفيذ الحكم.(3/156)
ولكن عند إعادة المشروطية العثمانية تنفذ الحكم المذكور الواجب التنفيذ وسلم الخان المذكور لدائرة الأوقاف وأخيرا لما راجعت الورثة وصدر قرار فخامة المفوض السامي بهذا الخصوص عرضت ملاحظاتي في الكتابين الآنفي العرض، وحيث إلى الآن لم أتلق أمرا على هذه الملاحظات فلا يمكنني أن أجيب ذوي العلاقة بشيء أه. في 14ايلول سنة 1924.
هذا ما وصلت إليه قضية هذا الخان بسطناها بقدر الإمكان لأهميتها ولتوجه الأنظار للوقوف على حقيقتها وسيرها. واعتقادنا أن دائرة الأوقاف ستهتم كذلك بشأنها وتوجه عنايتها التامة إليها ولنا واسع الأمل أن دولة الانتداب الإفرنسي تصغي لنداء الحق وتجيب إليه فتعيد هذا الخان لدائرة الأوقاف على الطريقة التي ارتآها سعادة حاكم حلب ويكون ذلك برهانا ناصعا على حبها للعدالة ومحافظتها الحق لأربابه ورغبتها الصميمية في كل ما يعود على هذه البلاد بالخير والنجاح.
الكلام على المدرسة الخسروية
أقول: موقع هذه المدرسة في منتهى المحلة المعروفة بالسفاحية وفي شرقيها المدرسة السلطانية الواقعة تجاه باب القلعة بينهما طريق واسعة، وقبليها الزاوية المعروفة بزاوية الشيخ تراب، وقد وقف عليها الواقف خسرو باشا ومصطفى باشا ابن سنان باشا أخي الواقف أوقافا هائلة تبلغ نحو 300عقار يطول الشرح لو ذكرناها وذكرنا شرط وقفها، ومعظم الأماكن المجاورة لها هي وقف عليها، ولها أوقاف في مدينة عينتاب ودمشق، ذلك غير القرى والمزارع التي هي حول حلب، وقد استولت أيدي المتغلبين على هذه الأوقاف الكثيرة ومزقتها كل ممزق ولم يبق منها الآن سوى الخان المتقدم الذكر والحمام المعروفة بحمام النحاسين وكانت تعرف قديما بحمام الست والقاسارية الكائنة أمام الحمام المعروفة بحمام البيلوني، وقد كان بعضها خربا وبعضها مشرفا على الخراب فجددها مدير الأوقاف الحالي السيد يحيى الكيالي وجعلها خانا ذا طابقين على جانبي بابه الواسع أربع حوانيت واسعة وأخرج عشرة دكاكين وخانا صغيرا من أصل الخان العظيم السالف الذكر وذلك سنة 1341.
وقد شرط الواقف رحمه الله أن يكون المدرس بها حنفي المذهب، وأول من درس بها العلامة تاج الدين إبراهيم الصونوي ثم مفتي حلب العلامة نصوح أفندي ابن يوسف الأرنؤوطي المتوفى سنة 981، ثم تعاقب عليها المدرسون فكان ممن تولى التدريس بها العلامة
أبو اليمن البتروني مفتي حلب والعلامة محمد بن الحسن الكواكبي وولده العلامة أحمد أفندي ثم ولده أبو السعود ومنهم العلامة محمد بن يوسف الأسبيري المتوفي سنة 1194.(3/157)
وقد شرط الواقف رحمه الله أن يكون المدرس بها حنفي المذهب، وأول من درس بها العلامة تاج الدين إبراهيم الصونوي ثم مفتي حلب العلامة نصوح أفندي ابن يوسف الأرنؤوطي المتوفى سنة 981، ثم تعاقب عليها المدرسون فكان ممن تولى التدريس بها العلامة
أبو اليمن البتروني مفتي حلب والعلامة محمد بن الحسن الكواكبي وولده العلامة أحمد أفندي ثم ولده أبو السعود ومنهم العلامة محمد بن يوسف الأسبيري المتوفي سنة 1194.
ومن الذين تولوا الخطابة في جامعها العلامة عبد اللطيف الزوائدي المتوفي سنة 1132 وبعد وفاته تولى الخطابة بها العلامة حسن بن علي الطباخ المتوفي سنة 1140ولم أقف بعد ذلك على من تولى التدريس بها والخطابة، والذي يغلب على الظن أن أمرها كان جاريا على السداد إلى أن حصلت الزلزلة العظمى بحلب وذلك سنة 1237وتخرب في الشهباء كثير من الأماكن ومعظم هذا الخراب حصل في الأبنية التي هي تجاه باب القلعة وامتد إلى محلة ساحة الملح والقصيلة وساحة بزه فذهب كثير من الأبنية التي كانت موقوفة على هذه المدرسة من أسواق ودور وخانات، ومن ذلك الحين اختل أمر التدريس فيها وأهمل أمر هذا الجامع وما اشتمل عليه وصار مأوى للغرباء والفقراء وللعسكر في بعض الأحيان، وصارت الحجر التي فيه تتداعى إلى الخراب. وبقي ذلك إلى أول هذا القرن فاهتم جميل باشا والي حلب بشأنه بعض الاهتمام ورمم قبلية الجامع وذلك في نواحي سنة 1302، ولما استعيد الخان المتقدم الذكر وذلك بمساعي أستاذنا المفضال الشيخ رضا الزعيم الدمشقي رحمه الله وصار يجتمع لديه كل عام شيء من غلة أوقاف المدرسة أخذ في ترميم المدرسة التي عن يمين القبلية، ثم جدد حجر المدرسة التي عن يسارها إلا أنها لم تكمل وجدد الرواق الشمالي جميعه على الهيئة التي نراها اليوم، وقد كان ذلك سنة 1330كما هو مكتوب على حجر على القنطرة الوسطى التي هي تجاه الباب الشمالي.
ولما حصلت الحرب العامة وذلك في سنة ألف وثلاثماية وثلاث وثلاثين وشغل هذا المكان بالعساكر والذخائر كما شغل غيره من المساجد والمدارس والمعابد، ثم شغل بعد انتهاء الحرب العامة وذلك سنة 1337ببعض فقراء المغاربة والجركس وصاروا يتخذون أطعمتهم داخل الحجر اسودت جدرانها من الدخان والأوساخ وتعطلت فيها القشرة الكلسية وداخل البناء بعض الوهن.
وصف القبلية والجامع والمدارس التي فيه:
هي مربعة الشكل طولها نحو 16مترا وعرضها كذلك وعرض جدرانها أزيد من مترين ولعله لذلك لم تؤثر فيها الزلزلة التي حصلت سنة 1237وخربت الأبنية التي حولها، يتخلل جدرانها الأربعة عشر شبابيك واسعة جدا يسع الواحد منها فراشا مفروشا وكلها من الرخام
الأسود والأصفر وفوق كل قنطرة منها موضوع الرخام القاشاني البديع الألوان والصنعة على شكل نصف دائرة يروق للناظرين جدا. والمحراب ذو قطع كثيرة من الرخام الملون الأسود والأبيض والأحمر يعلوه تاج حسن الوضع والصنع وعن يمينه منبر كبير مرتفع جدا من الرخام الأسود والأصفر وأحجار طرفيه ومجنبتيه ضخمة مرخمة ترخيما بديعا على نسق واحد ينبئك عن عظيم عناية أهل ذاك العصر في فن العمارة. وقبة المنبر على شكل مخروطي وهي مبلطة من جهاتها الأربع بالقاشاني البديع.(3/158)
هي مربعة الشكل طولها نحو 16مترا وعرضها كذلك وعرض جدرانها أزيد من مترين ولعله لذلك لم تؤثر فيها الزلزلة التي حصلت سنة 1237وخربت الأبنية التي حولها، يتخلل جدرانها الأربعة عشر شبابيك واسعة جدا يسع الواحد منها فراشا مفروشا وكلها من الرخام
الأسود والأصفر وفوق كل قنطرة منها موضوع الرخام القاشاني البديع الألوان والصنعة على شكل نصف دائرة يروق للناظرين جدا. والمحراب ذو قطع كثيرة من الرخام الملون الأسود والأبيض والأحمر يعلوه تاج حسن الوضع والصنع وعن يمينه منبر كبير مرتفع جدا من الرخام الأسود والأصفر وأحجار طرفيه ومجنبتيه ضخمة مرخمة ترخيما بديعا على نسق واحد ينبئك عن عظيم عناية أهل ذاك العصر في فن العمارة. وقبة المنبر على شكل مخروطي وهي مبلطة من جهاتها الأربع بالقاشاني البديع.
والسدة المعدة للمبلغين مبنية على عشرة عواميد رفيعة ستة من الرخام الأصفر وأربعة من الرخام الأسود، ومن السدة تصعد في درج من داخل الجدار فتخرج منه إلى ممشى عرضه ذراع على استدارة القبلية وهو مبني على ثماني قناطر مرتفعة مبنية على تلك الجدران الضخمة، وفوق هذه القناطر قبة القبلية وهي قبة واحدة يبلغ ارتفاعها نحو 20مترا كتب في دائرها أسماء الله الحسنى وزينت مع وسط سقفها بالدهانات اللطيفة، وفوق قنطرة المحراب والجدارين الشرقي والغربي ثلاث نوافذ من الزجاج الملون ذا قطع صغيرة كثيرة حفظت بالطين المعروف بالجبسين وجميعه منقوش نقشا بديعا أبقته الأيام على حالته التي عليها إلا بعض أماكن منه فقد لحقها بعض التوهن، وباب القبلية مبني بالأحجار الملونة وكتب على قنطرته:
(عمر في دولة مولانا السلطان الأعظم والخاقان المعظم سليمان عز نصره وأنشأه الوزير خسرو باشا رحمه الله سنة 952) وهذان البيتان.
حرم التقوى الذي من أمه ... فهو في أمن به قد حرسا
معبد في حلب تاريخه ... مسجد مشرف قد أسسا
952 - وعلى طرفي مدخل الباب تحت قنطرته العظيمة عمودان من الرخام منقوشان نقوشا بديعة ويتخلل تلك النقوش الأصباغ البديعة المتقنة لذا أبقتها الأيام المتطاولة إلى الآن، وعن يمين القبلية ويسارها حجرتان واسعتان لكل واحدة منهما بابان باب من داخل القبلية وباب من صحن المدرسة وقد أعدتا الآن للتدريس، وبجانب الحجرة اليمنى منارة الجامع وهي عظيمة الارتفاع مستديرة الشكل على طرز منارات الآستانة، وتحت موقف المؤذنين كان نحو ذراع منه مبلطا بالرخام القاشاني والآن ذهب معظمه وبقي منه نحو ذراع ونصف على ضلعين من أضلاع المنارة. وأمام القبلية على طولها وطول هاتين الحجرتين رواق عظيم الارتفاع أيضا فيه
ست قبب تحتها ستة أعمدة ضخمة ثلاثة منها من الحجر الأزرق وثلاثة من الحجر الأبيض.(3/159)
وعلى طرفي مدخل الباب تحت قنطرته العظيمة عمودان من الرخام منقوشان نقوشا بديعة ويتخلل تلك النقوش الأصباغ البديعة المتقنة لذا أبقتها الأيام المتطاولة إلى الآن، وعن يمين القبلية ويسارها حجرتان واسعتان لكل واحدة منهما بابان باب من داخل القبلية وباب من صحن المدرسة وقد أعدتا الآن للتدريس، وبجانب الحجرة اليمنى منارة الجامع وهي عظيمة الارتفاع مستديرة الشكل على طرز منارات الآستانة، وتحت موقف المؤذنين كان نحو ذراع منه مبلطا بالرخام القاشاني والآن ذهب معظمه وبقي منه نحو ذراع ونصف على ضلعين من أضلاع المنارة. وأمام القبلية على طولها وطول هاتين الحجرتين رواق عظيم الارتفاع أيضا فيه
ست قبب تحتها ستة أعمدة ضخمة ثلاثة منها من الحجر الأزرق وثلاثة من الحجر الأبيض.
والبناؤون يعجبون لحسن هندسة قناطر الرواق وباب القبلية وقبته وما حواليه، وصحن الجامع واسع جدا وله ثلاثة أبواب واحد من الجهة الغربية وواحد من الجهة الشمالية وهذا قد كان مسدودا. والبناء الذي أمامه وهو عبارة عن سوقين شمالي وغربي كانا من جملة أوقاف الجامع باعهما منذ ستين سنة بعض من لا خلاق له من التجار المتزيين بزي أهل الصلاح كان متصلا به ولا طريق هناك فسعى في فتحه منذ عشرين سنة مفتي حلب الشيخ محمد العبيسي، ومن ذلك الحين اتصل الطريق الذي يأخذ بك إلى المدرسة السلطانية.
وقد اتخذ هذين السوقين مع العرصة التي هي جنوبي السوق الشمالي وشرقي السوق الغربي من اشتراهما وهم بيت الماركوبلي من التجار الإيطاليين المقيمين منذ زمن بعيد خانا كبيرا ويعرف هذا المكان وهذا الخان بالشونة.
والباب الثالث هو من الجهة الشرقية تصعد إليه من صحن الجامع بدرجات.
النهضة العلمية في الشهباء وإحياء هذا المعهد بالعلم
كانت الشهباء في أوائل هذا القرن مزدانة ببعض العلماء فكانوا بها نجوما يهتدي الناس بهم ويفزعون في مهماتهم إليهم، وكان ينتقل الواحد منهم تلو الواحد إلى الدار الآخرة ولا نجد له خلفا لزهد الناس في العلوم الدينية وعدم الإقبال عليها لأسباب متعددة، منها أن قضاة البلاد كانوا يعينون من الآستانة، ومنها أن لغة الدواوين والتعليم كانت باللغة التركية، ومنها قلة رواتب الطلاب وأهل العلم بحيث أصبحت لا تفي بالضروري من المعيشة، ومنها ترك الامتحان الذي هو من أعظم الأمور التي تدعو الطالب إلى الاجتهاد، ومنها التساهل في إعطاء وظائف الآباء للأبناء حتى صارت كأنها سلعة تباع وصار العلم كأنه تركة تورث، وعندي أن هذا السبب هو أعظم الأسباب التي قضت على حياة العلم وقوضت أركانه لا في هذه البلاد بل في الكثير من البلاد الإسلامية، وزاد في الطين بلة أخذ طلاب العلوم الدينية إلى الخدمة العسكرية في الحرب العامة التي حصلت سنة 1333بعد أن كانوا معفيين منها
إلا من التجأ لإمامة أو خطابة في بعض الجوامع أو المساجد فكان ذلك الضربة القاضية على البقية الباقية.(3/160)
كانت الشهباء في أوائل هذا القرن مزدانة ببعض العلماء فكانوا بها نجوما يهتدي الناس بهم ويفزعون في مهماتهم إليهم، وكان ينتقل الواحد منهم تلو الواحد إلى الدار الآخرة ولا نجد له خلفا لزهد الناس في العلوم الدينية وعدم الإقبال عليها لأسباب متعددة، منها أن قضاة البلاد كانوا يعينون من الآستانة، ومنها أن لغة الدواوين والتعليم كانت باللغة التركية، ومنها قلة رواتب الطلاب وأهل العلم بحيث أصبحت لا تفي بالضروري من المعيشة، ومنها ترك الامتحان الذي هو من أعظم الأمور التي تدعو الطالب إلى الاجتهاد، ومنها التساهل في إعطاء وظائف الآباء للأبناء حتى صارت كأنها سلعة تباع وصار العلم كأنه تركة تورث، وعندي أن هذا السبب هو أعظم الأسباب التي قضت على حياة العلم وقوضت أركانه لا في هذه البلاد بل في الكثير من البلاد الإسلامية، وزاد في الطين بلة أخذ طلاب العلوم الدينية إلى الخدمة العسكرية في الحرب العامة التي حصلت سنة 1333بعد أن كانوا معفيين منها
إلا من التجأ لإمامة أو خطابة في بعض الجوامع أو المساجد فكان ذلك الضربة القاضية على البقية الباقية.
هذه الأسباب وغيرها كانت عوامل مؤثرة تنذرنا بسوء المصير ووخامة العاقبة وأنها إذا دامت سنين قلائل وذهب ما بين ظهرانينا من بقية العلماء الذين أصبحوا في الشهباء الآن لا يبلغون عد الأصابع تصبح هذه البلدة العظيمة وما حولها مقفرة من العلم خاوية من أهل الفضل يتسكع أهلها في ظلمات الجهالة ويتيهون في وادي الضلالة ويستلم زمام الأمور قوم لا يكونون على شيء من العلم فيضلون ويضلون.
كنت ممن أهمه هذا الأمر وأغمه وشغل فكره ولبه فجعلته حديثي في كل مجتمع وسمري في كل ناد، وكنت أنتهز الفرص في مذاكرة من بيدهم زمام الأمور مبينا لهم ما سيؤول الحال إليه بعد أن كانت الشهباء مشحونة بالعلماء والفضلاء مقصودة من الآفاق للتحصيل والاستفادة، بها كانوا يلقون عصا تسيارهم، ومنها يقتطفون أزهار العلوم والفنون ثم يعودون إلى بلادهم وقد حملوا منها أوقارا وامتلأت بها أوطابهم فينثرون درر علمهم وينشرون ألوية فضلهم.
وكنت أعرب عن رغبتي في أن تكون المدارس الدينية على نسق المدارس الأميرية ذات صنوف مرتبة وكتب وعلوم معينة ونظام يرجعون إليه لتكون مسافة التحصيل على الطلاب قريبة ويتمكنوا من الاستفادة التامة.
وكنت لا أجد من هؤلاء سوى التسليم واستحسان المقال والمشاركة في الشكوى والاكتفاء بإظهار التأسف والتحسر مما وصلت إليه حالة العلم في هذه البلاد إلى أن قيض الله لدائرة الأوقاف الرجل الهمام السيد يحيى الكيالي فإنه وفقه الله لما ألقيت إليه مقاليدها واستلم زمامها بادرت إلى مذاكرته في هذا الشأن فألقى سمعه إليه وأقبل بكليته عليه، بل وجدته أشد مني شوقا وأكثر تعشقا لتحقيق تلك الأماني فكان فيه الضالة المنشودة والبغية المقصودة.
ولم يمض بضعة أسابيع وإذا به قد أبرز هذا المشروع الجليل لحيز الفعل وأعلن افتتاح المدرسة الخسروية وعين لها أساتذة وصار الطلاب يهرعون إليها من الشهباء وما حولها، وكان افتتاحها في أوائل سنة 1340، ووضع لها نظاما خاصا وعين لجنة دعيت لجنة المجمع العلمي برئاسة مفتي حلب الشيخ عبد الحميد الكيالي بحثت في هذا النظام ثم صادقت عليه.(3/161)
وأدخل في نظامها من العلوم ما عدا الآلية والدينية علم الأخلاق (وهذا العلم مع شدة الحاجة إليه لم يكن درسا يتلقى بل يكتفي الطلاب من شاء منهم بمطالعته من نفسه) وعلم التاريخ الإسلامي والإنشاء والجغرافيا وقانون الحقوق الطبيعية وقانون الأراضي وأحكام الانتقالات وأحكام الأوقاف وعلم الحساب.
والمدرسة في هذه السنة وهي سنة 1343ذات خمسة صفوف انتظم في سلكها نحو ثمانين طالبا، والامتحانات التي حصلت في السنتين الماضيتين دلت على نجاح تام ومستقبل زاهر ونيطت عرى الآمال بأنها ستخرج عما قريب علماء متفننين يتمكنون من خدمة دينهم وأوطانهم ونشر ألوية العلم على ربوعها.
قلنا آنفا إن المدرسة أثناء الحرب العامة شغلت بالعساكر ومرضاهم ثم ببعض الفقراء الغرباء، وأن ذلك عطل محاسن حجرها وذهب برونقها، فقبيل افتتاحها وجه مدير الأوقاف المذكور همته إلى ترميمها وإتمام الحجر التي في الجهة الشرقية لأنها لم تكن كاملة حتى صارت صالحة للسكنى.
وبنى في آخر الرواق الشمالي من الجهة الشرقية قصطلا يأتيه الماء من القناة وجلب إلى هذا المكان الماء من ماء عين التل الذي يمر من شرقي المدرسة بأنابيب آخذا إلى محلة المغازلة، وجعل بجانب هذا القصطل حجرة للاستحمام.
وعن يمين الداخل إلى المدرسة من الباب الغربي ست حجر كانت مطبخا للمدرسة وقد علتها الأوساخ وعمها الدخان وتوهن على مدى الأيام بناؤها فرفعت الفواصل بين أربع منها وجعلت قاعة واسعة وجعلت الحجرتان لقعود مدير المدرسة وناظرها، وفرش الجميع بالرخام الأبيض والرخام الصناعي الذي يصنع الآن في مدينة حلب واتخذت تلك القاعة للمطالعة ووضعت فيها خزائن الكتب. وكان سعادة حاكم حلب الحالي مرعي باشا الملاح في طليعة من أهدى لهذه المدرسة كتبا قيمة، فقد أرسل إليها 120كتابا وفي عزمه أن يرسل غيرها فجزاه الله أوفى الجزاء. وفي جنينة المدرسة بناية قديمة هي تربة دفن فيها ابن الواقف وزوجته وقد درست الأيام هذين القبرين وكادت هذه التربة تنقض وقد لحظتها عين العناية فرممت هذه السنة واتخذت موضعا لإلقاء الدروس لبعض الصنوف.
وهذه الجنينة التي هي الآن عبارة عن ساحة قفراء غرست هذه السنة مع الساحتين اللتين عن يمين القبلية ويسارها بأنواع الأشجار، وكذلك اتخذ في صحن المدرسة أمام القبلية
زراعتان يزرع فيهما البقول وغرس فيها بعض الأشجار أيضا، وعما قريب يصبح هذا المكان إن شاء الله حدائق ذات بهجة تسر الناظرين.(3/162)
وهذه الجنينة التي هي الآن عبارة عن ساحة قفراء غرست هذه السنة مع الساحتين اللتين عن يمين القبلية ويسارها بأنواع الأشجار، وكذلك اتخذ في صحن المدرسة أمام القبلية
زراعتان يزرع فيهما البقول وغرس فيها بعض الأشجار أيضا، وعما قريب يصبح هذا المكان إن شاء الله حدائق ذات بهجة تسر الناظرين.
وعناية مدير الأوقاف المذكور لم تزل مصروفة إلى عمران هذا المعهد وإحيائه بالعلوم والمعارف وجعله أزهر الشهباء بل أزهر البلاد السورية وفي عزمه أن يبني الأرض التي هي أمام الباب الشرقي التابعة لوقف المدرسة والتي حفظت بواسطة جدران قصيرة قاعة واسعة تعد لإلقاء المحاضرات العلمية وفقه الله لتحقيق آماله، ولا ريب أنه قد خلد له بهذا الأثر العظيم وغيره من الآثار الحميدة الذكر الحسن الجميل وسنأتي على بيانها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
سنة 941 ذكر تولية حلب لحسين بك
قال في السالنامة: ولي حلب هذه السنة حسين بك اه.
قال في در الحبب: هو حسين بك كافل حلب في الدولة السليمانية، كان كثير القتل بغير سجل شرعي سفاكا للدماء على صورة قبيحة من تكسير الأطراف والإحراق بالنار والمحرق حيّ وغير ذلك متناولا للرشا لا نفع له على الخصوص سوى مضرة اللصوص. وكان من جملة مساويه أنه أمر شخصا بأن يزوج أخته ممن لا يرضاه زوجا لها، فذهب وزوجها ممن يرضاه على خلاف رضاه، فاشتكى إليه أبو الخاطب فطلب الزوج الذي عقد له العقد على رغم أنفه فتوارى هو وأبوه خوفا منه، فحضر عمه وهو من قدماء أعيان حلب من التجار فأغلظ عليه الكلام فأجابه: أمر (1) شرعي، فضربه ضربا مبرحا فلم يمض نحو عشرة أيام إلا وأخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين ودفن خارج الكلّاسة.
وذكر في السالنامة بعده مصطفى باشا وأنه تولى حلب سنة 951، وذلك يفيد أن حسين بك بقي إلى هذه السنة وقد علمت فيما سبق أنه توفي سنة 949فما بين هاتين السنتين وال لم يذكر في السالنامة بل ولا في در الحبب والله أعلم.
__________
(1) في بعض مخطوطات «در الحبب»: أمرنا شرعي.(3/163)
سنة 951 ذكر تولية حلب لمصطفى باشا ابن بيقلي باشا
قال في «در الحبب» عو مصطفى ابن بيقلى باشا الرومي كافل حلب، كان باشا زبيد من بلاد اليمن ثم كافل غزة ثم ولي كفالة حلب سنة إحدى وخمسين وتسعمائة فتتبع قطاع الطرق ليلا ونهارا بنفسة وعسكره وأظهر سطوته في اللصوص، وربما جاءه النذير من طائفة من ذغار الأكراد أو غيرهم من مكان كذا فركب عليهم في الحال بثياب البذلة. ولما وقع الحريق ليلا في الحوانيت الكائنة تجاه جامع الأطروش والسوق الذي وراءه وقف ونادى أن لا يقرب من حوانيت الناس إلا أربابها وقطع النار عنها كما هو العادة، ثم نادى أن ترفع أهل حلب السقايف المعمولة من البواري لسرعة عمل النار فيها وأن يعملوا السقايف من الأخشاب والدفوف ففعلوا، بل جددت في أيامه سقايف لم تكن حتى ارتفع بسوق الخشب السعر لكثرة ما عمل بحلب من السقايف الجديدة.
ثم حصلت مبادي قحط عظيم فدبر بإذن الله تدبيرا عظيما حسنا دعا له الناس بواسطة الفقراء وهيأ للفقراء في كل يوم بدينار سيلماني خبزا وأشبع نفسه عن مفاسد كثيرة يسميها الناس مصالح لما ملكه من بلاد اليمن من الأموال العظام والتحف التي ما لها ثمن، واعتنى بالخروج ليلا إلى خارج حلب لحسم مادة المفسدين، وربما طاف ليلا بداخلها، ثم تاب عن شرب الخمر وكسر أوانيه. وعزل في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وتأسف على عزله أهل البلد لا سيما فقراؤهم. وكان صنيعه لما ابتدأ الغلاء أن هدد الجلّابين ومنعهم من أن يبيع أحد منهم شيئا من الغلال بالقرى والمدينة (1)، وصار كلما طلب الخبّازون سعرا نقص منه فأيسوا من رفع القيمة وحصل الرخص بإذن الله تعالى. وكان له صوباشي جركسي ذكروا أنه لم يكن ليشرب الخمر ولا ليفسق بالنساء وغيرهن ويطوف بحلب ماشيا كآحاد الناس رحمه الله وإيانا اه.
__________
(1) في النسخة المطبوعة من «در الحبب»: وكان من صنيعه لما ابتدأ الغلاء أن هدد من يبيع أحدا من الجلّابين شيئا من الغلال بالقرى والمدينة. (2/ 492).(3/164)
سنة 952 ذكر تولية حلب لسنان باشا
قال في در الحبب: هو سنان بن عبد الله الخادم الرومي السيسي، كان خادما عند السلطان سليم بن عثمان وبوابا للسراي محكم الضبط فتولى نيابة نظر الحرم الشريف النبوي، وغاب بالمدينة الشريفة غيبة طويلة ففقد بالباب السلطاني العالي نفعه، فأرسل إليه المقام الشريف السليماني بالحضور إليه، فعرض إليه إني كنت من جملة خدمك وصرت الآن من جملة خدم النبي صلّى الله عليه وسلّم فكيف أترك ما أنا فيه. وعرض عليه مرة وهو بالمدينة الشريفة أن بها شيعة من السادات وغيرهم فلو قتلوا لعدم صلاحيتهم للمقام في مثل ذلك المقام، فلم يقبل عرضه لعدم الاطلاع على ما هو في ضمائرهم. قدم حلب سنة اثنتين وخمسين ثم عاد إلى المدينة الشريفة فتوفي بها سنة أربع وستين وتسعمائة، وكان له شهامة وقوة بطش على شيخوخته، وكان مع شهامته يؤذن ويقيم إذا أراد الصلاة وهو بالصحراء على ما نقله من رافقه بها اه.
سنة 956 مرور السلطان سليمان بحلب هذه السنة وسنة 960
في هذه السنة مر السلطان سليمان ابن السلطان سليم العثماني من حلب قادما من بلاد العجم كما ذكره القرماني في تاريخه.
وفيها توفي بحلب جهانكير ابن السلطان سليمان وكان بحلب مع أبيه فتوفي بها ونقل تابوته إلى القسطنطينية، ذكر ذلك في در الحبب في ترجمة جهانكير المذكور.
وفي تاريخ القرماني أن السلطان سليمان خرج أيضا سنة ستين وتسعمائة من القسطنطينية وتوجه إلى حلب فدخلها في غرة ذي الحجة.(3/165)
سنة 957 تولية حلب لمحمد باشا دوقه كين باني جامع العادلية
قال في السالنامة: في هذه السنة ولي حلب محمد باشا دوقه كين. قال في قاموس الأعلام: هو من وزراء السلطان سليم وولده السلطان سليمان القانوني وهو الابن الأخير إلى دوقه كين وخدم السلطان سليما خدمات جلى، ثم صاهر السلطان سليمان ثم عين واليا على حلب ثم على مصر، وعزل سنة 962وعاد إلى الآستانة وتوفي بعد مدة قليلة.
وقال في قاموس الأعلام قبل ذلك في الكلام على دوقه كين: إن دوقه كين من بكوات (نورمانديا) استولى هذا البك على بعض جهات بلاد الأناؤوط في أشقو دره بعد أن ذهب ملك الروم عن القسطنطينية بالفتح العثماني وصار له نسل هناك عدد من الأرناؤوط، ومن مشاهير هذه العائلة (لك) يعني (الكساندر دوقه كين) وصنع الأرناؤوط نظامات وقوانين صارت مرعية عند الماليسور ومستعملة لديهم إلى الآن ويعرف هذا القانون بقانون (لك دوقه كين) وصار دوقه كين علما على تلك العائلة. ثم إن (بالسا) أحد أمراء قره طاغ استولى على معظم بلاد عائلة دوقه كين وبقيت تلك العائلة في ناحية دوقه كين وهي بلدة واقعة جنوبي نهر درين وفي بلدة (ميردية). ثم إسكندر بك أحد مشاهير تلك البلاد ترأس على جميع الأرناؤوط القاطنين في تلك البلاد وسلم له دوقه كين بالرياسة وصار في معيته، وبعد الفتح العثماني أسلم أنجاله دوقه كين وحاز البعض منهم المناصب العالية في الدولة العثمانية والبعض منهم صار له شهرة في العلوم والأدبيات العثمانية والبعض منهم انقرض اه.
قال في در الحبب في ترجمة محمد باشا المذكور: هو محمد باشا بن أحمد باشا بن دوقه كين الرومي ولد السلطانة كوهر ملكشاه بنت عمة السلطان سليمان بن عثمان، صار باشا حلب وعمر بها سوقا عظيما طولا وعرضا ومتانة يعرف بالسوق الجديد أدخل فيه سوقا كان يعرف بسوق الزردكاشية بعد حل عدة أوقاف منه، وكذا أدخل فيه بعض مساجد، وعمر خانا بجوار دار العدل (هو الخان المعروف الآن بخان الفرايين) يفتح إلى السوق المذكور، ثم أخذ
سوق الخراطين بعد حل عدة أوقاف منه وأضاف إليه ما وراءه ليعمر كلاهما سوقا وخانا فعزل وصار باشا مصر فعمر في غيبته وجعل باب الخان تجاه الحمام حمام الست (هو خان النحاسين) ثم عزل منها فدخل حلب وهو وجل من أن يتوجه إلى الباب العالي فيقتل ثمة لداع دعاه إلى الوجل من حلول الأجل، فوقف ما عمر وأوصى بعمارة تكية وخان بتليلة عيشة (1)
وكانت تلة عيشة في الدولة الجركسية ميدانا صغيرا يلعب فيه بالرمح مماليك كفال حلب في بعض التلة المذكورة، ثم عمر من بعده خانه الثالث الذي لم يعمر يومئذ مثله في السعة ما بين خانات حلب في بعض التلة المذكورة (2)، ووجد في أثناء عمارته تحت الأرض كنيسة قديمة وماعون من الحديد فيه شيء أسود لم يدر ما هو، وكان متولي عمارة سوق الجديد وما فيه من الخانات يضع آلات العمارة من الكلس والخشب والدف وغير ذلك بالمدرسة الحدادية فدخل بعض أهل العلم إلى محمد باشا بعد عام العمارة وحمله على أن يجعل لها خادما ومؤذنا وإماما إن لم يجعل لها مدرسا ويقف عليها بعض حوانيته من السوق المذكور تلافيا لما صدر من شأنها من الفساد، وكانت يومئذ عديمة الوقف، فوعد ولم يف بما وعد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم كانت وفاته بالروم سنة أربع وستين وتسعمائة اه.(3/166)
قال في در الحبب في ترجمة محمد باشا المذكور: هو محمد باشا بن أحمد باشا بن دوقه كين الرومي ولد السلطانة كوهر ملكشاه بنت عمة السلطان سليمان بن عثمان، صار باشا حلب وعمر بها سوقا عظيما طولا وعرضا ومتانة يعرف بالسوق الجديد أدخل فيه سوقا كان يعرف بسوق الزردكاشية بعد حل عدة أوقاف منه، وكذا أدخل فيه بعض مساجد، وعمر خانا بجوار دار العدل (هو الخان المعروف الآن بخان الفرايين) يفتح إلى السوق المذكور، ثم أخذ
سوق الخراطين بعد حل عدة أوقاف منه وأضاف إليه ما وراءه ليعمر كلاهما سوقا وخانا فعزل وصار باشا مصر فعمر في غيبته وجعل باب الخان تجاه الحمام حمام الست (هو خان النحاسين) ثم عزل منها فدخل حلب وهو وجل من أن يتوجه إلى الباب العالي فيقتل ثمة لداع دعاه إلى الوجل من حلول الأجل، فوقف ما عمر وأوصى بعمارة تكية وخان بتليلة عيشة (1)
وكانت تلة عيشة في الدولة الجركسية ميدانا صغيرا يلعب فيه بالرمح مماليك كفال حلب في بعض التلة المذكورة، ثم عمر من بعده خانه الثالث الذي لم يعمر يومئذ مثله في السعة ما بين خانات حلب في بعض التلة المذكورة (2)، ووجد في أثناء عمارته تحت الأرض كنيسة قديمة وماعون من الحديد فيه شيء أسود لم يدر ما هو، وكان متولي عمارة سوق الجديد وما فيه من الخانات يضع آلات العمارة من الكلس والخشب والدف وغير ذلك بالمدرسة الحدادية فدخل بعض أهل العلم إلى محمد باشا بعد عام العمارة وحمله على أن يجعل لها خادما ومؤذنا وإماما إن لم يجعل لها مدرسا ويقف عليها بعض حوانيته من السوق المذكور تلافيا لما صدر من شأنها من الفساد، وكانت يومئذ عديمة الوقف، فوعد ولم يف بما وعد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم كانت وفاته بالروم سنة أربع وستين وتسعمائة اه.
أوقاف محمد باشا بن أحمد باشا بن دوقه كين
جميع الخان الكائن بالقرب من السفاحية حده قبلة الطريق السالك وشرقا دار السعادة وشمالا سوق العطارين وقف اليشبكية، ومن الغرب السوق المعمور المعروف بإنشاء الواقف.
__________
(1) قال أبو ذر في الكلام على الدروب: درب به حماما الست وقد تعطلت إحداهما، ويصعد من هذا الدرب إلى فندق عائشة وتقدم أنها عائشة بنت صالح بن علي بن عبد الله بن العباس وكانت بارعة في الجمال تزوج بها موسى الهادي، وهذا المكان نزه وبه مسجدان أحدهما بوسطه وقد اندثر والآخر بذيله، وأحكار هذا الفندق جارية الآن في وقف الجامع الكبير.
(2) هو الخان المشهور بخان العلبية. وأما التكية فيغلب على الظن أنها المكان الذي هو الآن بخان صغير في شرقي الجامع له باب من الجادة، يرشدك إلى ذلك الباب المسدود الذي هو في جدار الجامع الشرقي وهذا الخان أصبح ملكا.(3/167)
وجميع السوق المشتمل على صفي دكاكين أحدهما شرقي والآخر غربي وعدة دكاكينه 75دكانا وحده من القبلة الطريق السالك ومن الشرق الخان المتقدم ومن الشمال سوق الأبارين والعطارين ومن الغرب حمام الدلبة وتلة عائشة التي سيستجد ويبنى عليها خان للوقف.
وجميع القيسارية شمالي الخان المذكور حدها من القبلة حائط دار السعادة وباقي الحدود معروفة (هي المعروفة الآن بقاسارية الفرايين) وقد تغلب عليها. وجميع الخان الذي سيعمره الواقف على تلة عائشة المذكورة المتصلة بحمام الدلبة (سوق الحمام الآن) وحده من القبلة الطريق السالك، ومن الشرق السوق المزبور، ومن الشمال السوق المعروف بإنشاء الواقف، ومن الغرب حمام الست (حمام النحاسين) وجميع السوقين المشتمل أحدهما على صفي دكاكين أحدهما قبلي والآخر شمالي عدة دكاكينه 42دكانا حده قبلة تلة عائشة وتمامه حمام الست، ومن الشرق حمام الدلبة، ومن الشمال القاسارية المعروفة بإنشاء الواقف وتمامه بسوق العتيق، والثاني مشتمل على صفي دكاكين عدتها 20دكانا وحده من القبلة تلة عائشة ومن الشرق دكاكين يدخل إليها من سوق الأبارين، ومن الشمال سوق الأبارين، ومن الغرب القيسارية وجميع القيسارية التي يحدها من الشمال سوق الأبارين.
وجميع الخان المعروف بإنشاء الواقف تجاه حمام الست حده القبلي بيت الكناوي ومن الشمال سوق النحاس ومن الغرب الطريق السالك وتمامه مسجد تجاه بيت بني الحلفا.
وجميع السوق المشتمل على صفي دكاكين أحدهما شرقي والآخر غربي وعدة دكاكينه 26دكانا سوى دكانين الواقعتين في الصف الشرقي الملاصقتين لحمام الست وحده من القبلة الطريق السالك، ومن الشرق حمام الست، ومن الشمال سوق الحرير العتيق، ومن الغرب الخان.
وجميع القيسارية الملاصقة طرفها الشمالي بحمام الست وحدها من القبلة الطريق السالك، ومن الشرق تلة عائشة وهي قطعة منها، ومن الشمال السوق المعمور المعروف بإنشاء الواقف، ومن الغرب السوق المعمور المعروف بإنشاء الواقف. وجميع المبلغ من الذهب السلطاني الخالص العيار وقدره ثلاثون ألف دينار (1) شرط الواقف النظر والتصرف
__________
(1) هذا الذهب كان مرصودا ليقرض لمن أعسر قرضا حسنا لمدة معينة برهن وقد بطل أمر ذلك.(3/168)
لنفسه والتولية ومن بعده فعلى الأرشد من أولاده الذكور، فإذا انقرضوا فإلى أرشد أولاده الإناث، فإذا انقرضوا فإلى أرشد عتقاء الواقف، فإذا انقرضوا فإلى رجل موصوف بالديانة والأمانة، ويستغل المتولي كائنا من كان ويسعى بتعميرها ونظم أحوالها ويصرف منه ثانيا في مصارف الجامع الشريف الذي سيبنيه الواقف المشار إليه في الساحة الفلاوية المجاورة لتلة عيشة أجرة المتولي على الجامع والأوقاف كل يوم 50درهما فضة، ويرتب للأوقاف كاتب شهير يدفع إليه كل يوم 4دراهم، ويرتب جاب معروف بالديانة لا يميل إلى الحرام ويحترز كما يرام يعطى له كل يوم خمسة دراهم.
خطيب للجامع وله كل يوم 3دراهم، ويرتب بمحفل الجامع ثلاثة حفاظ يدفع لهم درهم ولرئيسهم درهمان.
إمامان يؤمان على التناوب يحضران عند كل صلاة من الصلوات الخمس يدفع لهما 4دراهم كل يوم.
5 - رجال يقيمون الأذان والتمجيد لكل واحد درهم كل يوم.
رجل مجود يقرأ عشرا بعد صلاة الظهر والعصر يعطى له كل يوم درهم ومعرف يدعو بعد اختتام الأعشار يدفع له كل يوم نصف درهم.
قيّم وفرّاش يدفع لهما درهمان. سراجي وله كل يوم درهم. بواب وله درهم. وما فضل من الريع ومن بعد التعمير يكون لأولاد الواقف المذكور وأولاد أولاده الذكور المستولدين من الذكور نسلا بعد نسل، فإذا انقرضوا فعلى ذريته من الإناث المستولدات من الذكور.
التاريخ في سلخ ذي الحجة ختام سنة 963.
أقول: إن البعض ممن تولى هذا الوقف في القرن الماضي من ذرية الواقف لم يكن حسن الإدارة فأعطى الخان المعروف بخان النحاسين والخان المعروف بخان الفرايين وقاسارية الفرايين وبعض حوانيت من خان العلبية والقاسارية الواقعة بين حمام النحاسين وبين مدخل الجامع من الباب الغربي التي هي الآن مدرسة للراهبات الإفرنسيسكان بطريق الأجارتين التي لا تستعمل للغاية التي جعلت لها بل صارت موضعا لتلاعب المتولين حتى صار كل وقف يؤجر بهذه الطريقة مآله إلى الضياع بتاتا كما هو مشاهد في كثير من الأماكن التي كانت وقفا. ولما آلت التولية إلى متوليه الحالي فؤاد بك العادلي قام بأعباء هذا الوقف قياما حسنا ورممه وضبط
أموره واتخذ الرواق العلوي في القاسارية المعروفة بقاسارية خان العلبية مخزنين كبيرين مستطيلين باب أحدهما من سوق الجوخ وباب الثاني من سوق النحاسين.(3/169)
أقول: إن البعض ممن تولى هذا الوقف في القرن الماضي من ذرية الواقف لم يكن حسن الإدارة فأعطى الخان المعروف بخان النحاسين والخان المعروف بخان الفرايين وقاسارية الفرايين وبعض حوانيت من خان العلبية والقاسارية الواقعة بين حمام النحاسين وبين مدخل الجامع من الباب الغربي التي هي الآن مدرسة للراهبات الإفرنسيسكان بطريق الأجارتين التي لا تستعمل للغاية التي جعلت لها بل صارت موضعا لتلاعب المتولين حتى صار كل وقف يؤجر بهذه الطريقة مآله إلى الضياع بتاتا كما هو مشاهد في كثير من الأماكن التي كانت وقفا. ولما آلت التولية إلى متوليه الحالي فؤاد بك العادلي قام بأعباء هذا الوقف قياما حسنا ورممه وضبط
أموره واتخذ الرواق العلوي في القاسارية المعروفة بقاسارية خان العلبية مخزنين كبيرين مستطيلين باب أحدهما من سوق الجوخ وباب الثاني من سوق النحاسين.
وكان في مدخل باب الجامع الغربي مصبغة واسعة وراءها أول الجنينة فاتخذها منذ خمس سنوات مع ما يحاذيها من الجنينة خانا صغيرا حسنا بابه يقابل باب الخان المعروف بخان العبسي. والدكاكين التي على طرفي هذا الخان أخرجت قبل ذلك من هذه المصبغة ومن تلك الجنينة وألحق الجميع بأوقاف الجامع.
الكلام على جامع العادلية
موقعه في المحلة المعروفة بالسفاحية على التلة التي كانت معروفة بتلة عائشة، وهو معدود من الجوامع العظيمة في حلب متقن البناء وقبليته مزخرفة بأنواع الزخرفة، وهي قبة واحدة واسعة عظيمة الارتفاع، وفي أطرافها الثلاث الشرقي والغربي والشمالي ثمانية أواوين، والقنطرة على باب القبلية حجارتها نافرة مدلاة إلى الخارج ذات هندسة بديعة تحتها على طرفي مدخل القبلية عمودان من الرخام منقوشان بأبدع النقوش الملونة، وأمام القبلية رواق عظيم ذو أعمدة صخمة، ويكتنف القبلية من الجهات الثلاث جنينة حسنة فيها أنواع. من الأشجار تأتيك في زمن الصيف بنسيم لطيف. وفي الجهة الشرقية من القبلية تربة فيها قبور ذرية الواقف، وفي السنة الماضية وهي سنة 1342صرف متولي الوقف فؤاد بك العادلي من ذرية الواقف في إصلاح هذا الجامع وتزيينه أزيد من ألفي ليرة عثمانية ذهبا فدهن قبليته بأنواع الدهانات البديعة وكشط جدرانها فعادت بيضاء كأن البناء خرج منها اليوم. وكانت سقوف رواقها التي بجانب الصحن من الخشب فرفعه لقدمه وتوهنه واتخذها من الحديد. وكان في غربي الرواق حوض مكشوف متى بقي الماء فيه أياما قلائل يظهر خبثه فحوله إلى قسطل واسع مغطى ذي حنفيات للوضوء فوقها رفرف من الحديد فحفظ بذلك من أسباب التلويث ومن التجلد في أيام البرد الشديد.
سنة 960 تولية حلب إلى بيربك بن خليل بك الرمضاني
قال في السالنامة: ولي حلب هذه السنة بير بك بن خليل بك.
قال القرماني في الكلام على الدولة الرمضانية: ولي السلطان سليمان (بيري بك) بن
خليل بك نيابة حلب ثم الشام، ثم رده إلى مكان أبيه وجده بطلبة (في آدنة) ولم يزل بها إلى أن مات في حدود سنة سبعين وتسعمائة. وكان على جانب عظيم من الصلاح، وكان كثير الخيرات والمبرات، وقد بنى بمدينة آدنة جامعا حسنا وعمارة لطيفة يفرق منها الطعام للفقراء وأبناء السبيل، وبنى بها حماما وخانا وسوقا.(3/170)
قال القرماني في الكلام على الدولة الرمضانية: ولي السلطان سليمان (بيري بك) بن
خليل بك نيابة حلب ثم الشام، ثم رده إلى مكان أبيه وجده بطلبة (في آدنة) ولم يزل بها إلى أن مات في حدود سنة سبعين وتسعمائة. وكان على جانب عظيم من الصلاح، وكان كثير الخيرات والمبرات، وقد بنى بمدينة آدنة جامعا حسنا وعمارة لطيفة يفرق منها الطعام للفقراء وأبناء السبيل، وبنى بها حماما وخانا وسوقا.
سنة 961 تولية حلب إلى قباد باشا بن خليل بك الرمضاني
قال في السالنامة: ولي حلب في هذه السنة قباد باشا أخي بيربك.
قال في در الحبب: هو قباد باشا خليل بن رمضان القرماني أمير الأمراء بحلب في الدولة السليمانية، دخلها فسلك فيها أسلوب الجراكسة إذ كان الوالي منهم يخلع فيها أول ما يدخلها خلعا على من بها من أركان الدولة وأظهر بها الشهامة الزائدة ومزيد الحرمة على مماليكه وحشمه وخدمه بحيث لا يقدر أحد منهم أن يدخل دار العدل بخمر ولا أن يظهر منه شربها. وعمر بها عماير كثيرة وجعل الموضع الذي فيه غسل السلطان جهانكير ولد المقام الشريف السليماني جنينة لطيفة.
وسعى في إرسال شخص عجمي إلى ماوراء أصبهان لإحضار ماء السمرمر إلى حلب بسبب جراد مهول كان حصل بها، وخيف عوده إليها وحسن لأرباب الأموال أن يجمعوا للرسول مالا فجمعوا له ما ينوف على مائتي دينار سلطاني ودفعوا له بعضها ووعده بدفع باقيها إذا عاد بالمراد، فذهب وعاد ومعه الماء وذلك في سنة أربع وستين وتسعمائة، فخرج إلى لقائه أهل حلب ودخلوا به بالتكبير والتهليل كما وقع في مثل هذا في سنة تسع وخمسين وثمانمائة، فإنه قد ذكر الشيخ أبو ذر (1) في تاريخه أنه وصل تلك السنة إلى حلب فخرج الناس إلى لقائه بالذكر والدعاء وأخرجوه إلى القلعة وعلقوه بمئذنة جامعها، غير أن هذه المرة منع دزدارها من وضعه هناك لما أن الآتي به من مقره داخلا سقف أو سقيفة (2) لئلا تذهب خاصيته وأنه صار إذا دخل
__________
(1) تقدم ذكر ذلك في حوادث سنة 859ويغلب على الظن أن ذلك حديث خرافة وعلينا في مثل ذلك أن نأتي البيوت من أبوابها.
(2) في النسخة المطبوعة من «در الحبب»: لما أن الآتي به من مقره زعم أنه [من تمام خاصة هذا الماء ألا يدخل] تحت سقف أو سقيفة. (2/ 58).(3/171)
بلدة ما سحبه بحبل من فوق بابها وكل سقف أو سقيفة بها إلى أن وصل به إلى حلب، فأبرم على الحلبيين فسحبوه من فوق سور باب المقام ولم يدخلوه تحت ظل إلى أن أريد سحبه من أعلى سور القلعة فوقع المنع إلا بإذن سلطاني، فوضع على قبة التكية الخسروية، وكان الجراد قد غرز في الأرض فأخذ أركان الدولة في جمعه من أطراف حلب وهو يومئذ كالذباب الصغير فجمعوا منه بضبط قاضي حلب مائة ألف كيل إسطنبولي على كل بيت كيلان فيما زعموا وألقوه في الآبار والحفاير، فلم يمض القليل من الزمان إلا وكبر ما بقي وزحف على بساتين حلب فحرك الماء المذكور ليجيء السمرمر بتحرك الشيخ محمد الكواكبي (1) ومعه مريدوه فلم يفد، فزعم بعض الناس أن خاصيته انقطعت إذ لم يكن الوارد به من أهل الصلاح والشرط أن يكون منهم.
وما سر الناس بقدوم هذا الماء في السنة المذكورة إلا وجاءهم بعيد هذا فيها خبر عزل قباد باشا فسروا ثانيا لما أصابهم من ظلم صوباشيه، ثم أظهر واحد من حلب حكما لقاضيها بالتفتيش على صوباشيه فأرسل قاضيها الحكم والمدعي مع محضر باشي إلى قباد باشا ليرسل الخصم لسماع الدعوى، فاجتمع باقي الشكاة في جماعة من الأوباش ينتظرون ما يؤول إليه أمر الخصم على باب دار العدل، فلما دخل محضر باشي بمن معه وعرض الحكم على قباد باشا فسوّف المدعي إلى ثاني يوم، فذهب فرده وجدع أنفه وأطلقه فاجتمع به قاضي حلب فلم يلتفت إليه بل أسند إليه أنه هو الذي حسّن جدع أنف المدعي على لسان محضر باشي بناء على أنه لو يجدع لهجم الحلبيون عليه وقتلوه كما قتلوا قرا قاضي فكان في الجدع دفع الفتنة ومنع القتل به، فخرج قاضي حلب من عنده واتهم المحضر باشى لما نقل عنه وأنه هو الذي نسب إلى الحلبيين ما نسب بطريق الفرية التي ما فيها مرية، فعرض قباد باشا أنهم حضروا بباب دار العدل متسلحين ليقتلوه ويدخلوا مكانا كان سراي الحضرة العالية إذ حل ركابه بحلب قديما، وعرض قاضي حلب جزاه الله خيرا عن أهل حلب أنه لم يحضر أحد منهم بشيء من السلاح بل هم مظلومون، وذهب المدعي بغير عرض فوصل عرض قباد باشا أولا وشاع بحلب أنه يؤخذ منها طائفة يساقون إلى بغداد، ووصل عرض قاضي حلب ثانيا فطلب المحضر باشي إلى الباب فأحضره قاضي حلب بعد وصول فرهاد باشا عوض قباد باشا وأشهد عليه جماعة ممن يقتدي بهم أنه لم ير أحدا متسلحا بباب دار العدل يريد قتل قباد باشا، فذهب إلى الباب العالي
__________
(1) إنه لم يحركه إلا بتكليف الحاكم وأمره له.(3/172)
وبرأ الحلبيين عما رماهم به قباد باشا، ولكن قدح في عرض القاضي أعني قاضي حلب لا تهامه أنه عرض فيه فبرأته الحضرة العلية، ثم ورد الحكم السلطاني لفرهاد باشا بالفحص ففحص من دزدار قلعة حلب وغيره من أركان الدولة فإذا أهل حلب مظلومون في الواقعة اه. تأمل.
سنة 964 ذكر تولية حلب لفرهاد باشا
قال في در الحبب: دخل فرهاد باشا حلب سنة أربع وستين وتسعمائة متوليا إياها عوضا عن قباد باشا، فطاف بشوارعها يوما من الأيام في خمسة أشخاص ليحيط بها علما وصار يخرج أحيانا من باب دار العدل وهو ماش باخيزرانة لأطراح كان عنده، وظهرت له فضائل كالتكلم بالعربية والخوض في دقايق الصوفية واستحضار كثير مما في كتب التواريخ وشيء من الأحاديث حتى كان يقول: أنا أحفظ نحو ثلاثمائة حديث، إلا أنه أكب على صنعة الكيميا وقرّب أربابها كالشيخ محمد بن مسلم المغربي وغيره وهو يعلم أنه لا يفوز منها بشيء، ولهذا كان يقول إنها وظيفة لأهلها من المهد إلى اللحد. وأمر الزين الأرمنازي خطيب الجامع الأعظم بحلب أن يذكر الحسن والحسين رضي الله عنهما في الخطبة قبل الستة الباقية من العشرة، فقد كان كما هو الحق لا يذكر بعد الأربعة إلا الستة ولا بعد الستة إلا العمين الحمزة والعباس ثم السبطين الحسن والحسين، وأغلظ على الشيخ زين الدين في تأخير السبطين فاضطرب الناس لما أحدثه، وكان هو السبب في أن ألفنا الرسالة التي سميناها «تأهيل من خطب في ترتيب الصحابة في الخطب». وكان لا يسفك دما وجب ويقول جهلا منه: هذه بنية الرب فكيف نخربها؟ ولا يقطع يد السارق ويرى الجريمة نعمة منه ويدا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي أيامه سنة خمس وستين وتسعمائة أشيع أن الجراد خرج في بعض القرى فخرج بعض الناس بأمره لجمعه، وكان الناس في قحط عظيم وصل فيه رطل الخبز إلى عشرة دراهم، فبينما هم كذلك إذ نادى بأن الخارجين لجمعه لم يجمعوا منه شيئا يعتد به وبأن يخرج أهل حلب في الغد لاستقبال ماء السمرمر، وكان ماؤه قد ورد مرة أولى إلى حلب في أيام قباد باشا، فخرجوا إلى قرية بابلّى ورجعوا كأنهم جراد منتشر مع الماء، فرفع إلى مأذنة القلعة من غير أن يدخل تحت سقف لئلا تزول خاصيته، وبات أهل حلب في سرور زائد. ثم ظهر أن
الجراد قد ظهر في بعض معاملاتها فخرج بنفسه إليه وأخرج خلائق كثيرة ما بين عوام يتعاطون جمعه وخواص معهم خيام يتعاطون مؤنة الجامعين له، وبقي الجمع نحو أسبوع إلى أن دفنوا منه بالأرض وألقوا بالآبار ما لا يحصى كثرة وانتفع به الناس، ثم كان باشا ببغداد وتوفي بها سنة ثمان وستين وتسعمائة اه.(3/173)
وفي أيامه سنة خمس وستين وتسعمائة أشيع أن الجراد خرج في بعض القرى فخرج بعض الناس بأمره لجمعه، وكان الناس في قحط عظيم وصل فيه رطل الخبز إلى عشرة دراهم، فبينما هم كذلك إذ نادى بأن الخارجين لجمعه لم يجمعوا منه شيئا يعتد به وبأن يخرج أهل حلب في الغد لاستقبال ماء السمرمر، وكان ماؤه قد ورد مرة أولى إلى حلب في أيام قباد باشا، فخرجوا إلى قرية بابلّى ورجعوا كأنهم جراد منتشر مع الماء، فرفع إلى مأذنة القلعة من غير أن يدخل تحت سقف لئلا تزول خاصيته، وبات أهل حلب في سرور زائد. ثم ظهر أن
الجراد قد ظهر في بعض معاملاتها فخرج بنفسه إليه وأخرج خلائق كثيرة ما بين عوام يتعاطون جمعه وخواص معهم خيام يتعاطون مؤنة الجامعين له، وبقي الجمع نحو أسبوع إلى أن دفنوا منه بالأرض وألقوا بالآبار ما لا يحصى كثرة وانتفع به الناس، ثم كان باشا ببغداد وتوفي بها سنة ثمان وستين وتسعمائة اه.
أقول: لم يذكر صاحب در الحبب من ولي حلب بعد فرهاد باشا من الأمراء مع أن وفاته كانت سنة 971وقد ذكر تراجم غير واحد ممن كانت وفاتهم سنة سبعين بل سنة إحدى وسبعين كما يراه من تتبع تاريخه.
ومرتب السالنامة ذكر بعد فرهاد باشا بهرام باشا وقال: إنه ولي سنة 988، وذلك يفيد أن فرهاد باشا بقي واليا إلى هذه السنة، وهذا سهو فقد تقدم آنفا أن فرهاد باشا عين واليا لبغداد وتوفي بها سنة ثمان وستين وتسعمائة، ويغلب على الظن أن فرهاد باشا عزل عن حلب سنة ست وستين وتسعمائة أو التي بعدها فيكون مرتب السالنامة قد أهمل ذكر من ولي حلب من سنة 966إلى سنة 988أعني مدة اثنتين وعشرين سنة. وبعد التتبع والبحث وقفت على البعض ممن وليها خلال هذه المدة، ففي خلاصة الأثر في ترجمة حسن باشا ابن محمد باشا أنه ولي في مبدأ أمره كفالة حلب ودخلها ولم يلتح أو لم تكمل لحيته، ثم ولي بعدها كفالة الشام في سنة خمس وثمانين وتسعمائة وعزل عنها وولي ولاية أناطولي ثم ولاية أرزن الروم، ثم أعيد إلى الشام، وبسط صاحب الخلاصة ترجمته وحوادثه فارجع إليها إن شئت.
وفي أوراق كنت نقلتها عن أوراق وجدتها عند بعض أهل العلم منقولة عن خط الشيخ عمر العرضي مؤرخ حلب وعالمها وقد ذكر في هذه الأوراق بعض حوادث حلب وغيرها من سنة 981لغاية سنة 986فال في حوادث سنة 982: وفي شوال ولي كفالة حلب محمد باشا ابن الخلال وأظهر من العدل فوق ما كان يؤمل منه اه.
سنة 984 ذكر تولية حلب لعلي بن علوان باشا
قال العرضي في الأوراق التي قدمنا ذكرها في حوادث هذه السنة: فيها نودي بحلب للخروج إلى ابن مدلج البدوي المعروف بباغي ابن أبي ريشة، وخرج الباشا ومعه العساكر في
مهيع عظيم في زمن البرد والشتاء، وكان الباشا إذ ذاك علي بن علوان بيك ودعا عليه العسكر دعاء عظيما حيث كان هو السبب في أن ركبهم هذه المشاق من غير ذنب جناه باغي المذكور اه.(3/174)
قال العرضي في الأوراق التي قدمنا ذكرها في حوادث هذه السنة: فيها نودي بحلب للخروج إلى ابن مدلج البدوي المعروف بباغي ابن أبي ريشة، وخرج الباشا ومعه العساكر في
مهيع عظيم في زمن البرد والشتاء، وكان الباشا إذ ذاك علي بن علوان بيك ودعا عليه العسكر دعاء عظيما حيث كان هو السبب في أن ركبهم هذه المشاق من غير ذنب جناه باغي المذكور اه.
سنة 988 تولية حلب لبهرام باشا والكلام على جامعه
في هذه السنة ولي حلب بهرام باشا وهو ابن مصطفى باشا ابن عبد المعين ولم أقف له على ترجمة. ومن آثاره الجامع العظيم المشهور بالبهرامية في محلة الجلّوم في مدينة حلب، طول صحنه من القبلة إلى الشمال 29ذراعا بالذراع النجاري وعرضه من الشرق إلى الغرب خمسون ذراعا وقبليته ذات قبة واحدة عظيمة تحتها اثنا عشر إيوانا صغيرا بأربعة عشر شباكا مشرفات على جنينة. ومحراب القبلية وبابها وباب الجامع الشمالي أبدع المعمار ما شاء أن يبدع يروقك النظر إليهم لما فيهم من الزخرفة. وبين القبلية وصحن الجامع رواق عظيم البنيان ذو أعمدة ضخمة وفي يمينه إيوان صغير ومنه يصعد إلى منارة الجامع وهي مرتفعة جدا تعد من المنارات العظيمة التي في حلب، وكانت قد سقطت فأعيدت سنة 1111، وسيأتيك ما كتب على بابها من الأبيات في ترجمة ناظمها الشاعر الأديب يحيى العقاد من شعراء القرن الثاني عشر، وعن يساره إيوان صغير أيضا فيه شباكان عظيمان مطلان على الجنينة. يحد الجامع شمالا سوق موقوف على الجامع وغربا زقاق يعرف بزقاق السودان وشرقا زقاق يسمى الآن زقاق البهرامية باسم الجامع وفي القديم كان يعرف بدرب السبيعي (1).
وفي زلزلة سنة 1237وقعت القبة وبقيت خرابا نحو أربعين سنة لعدم وجود غلة في الوقف، ثم بيع ما كان على القبة من الرصاص وبنيت القبة بثمنة وأعيدت كما كانت.
وعمر الواقف في مدخل باب الجامع الشمالي سبيل ماء وفي غربيه مكتبا للأيتام يصعد إليه بدرج.
وتاريخ الوقفية سنة 991وهي من إنشاء تاج الدين الكوراني، ويغلب على الظن أن وفاته كانت سنة 994ووفاة أخيه رضوان باشا الآتي ذكره كانت سنة 995ودفنا في مغارة في الجنينة أعدها الواقف تربة لنفسه ولأخيه، وذكر ذلك في كتاب وقفه، وقد بني فوق المغارة
__________
(1) نسبة إلى الحسن بن أحمد السبيعي الحلبي الحافظ المتوفى سنة 371.(3/175)
تربة ووضع فيها ألواح محاذية للقبرين في المغارة وهذه التربة أشرفت على الخراب فجددها في هذه السنة وهي سنة 1343المتولي على الوقف عبد الله بك العلمي وبنى في وسطها قبرين عظيمين محاذيين للقبرين اللذين في المغارة وكتب على الطرف الأيمن من قبر الواقف اسمه وسنة وفاته وعلى الطرف الآخر: جدد هذه الحجرة بعد خرابها أحد أولاد الواقف متولي الجامع في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف.
وكتب على قبر أخيه رضوان باشا:
(1) تحت هذه الحجرة غار مقبى بحجر منحوت ينزل إليه من الجهة الشمالية بالقرب من الشباك الشرقي
(2) بسبع درجات أخر وفي وسطه قبرهما وهما على سمت القبرين المبنيين هنا.
ووضع تحت الشباك الشرقي حجرة كتب عليها (تحت هذه الحجرة المنزل إلى غرفة قبر الواقف وأخيه).
وقبو هذه المغارة مبني على شكل يعرف عند البنائين بالصاجي، وحينما رأوه عجبوا من حسن بنائه وكيف أن هذا البناء على هذا الشكل أبقته الأيام إلى الآن ولم يزل في غاية من المتانة. وفي الجهة الشرقية من الجامع غرفة واسعة مستطيلة فيها قسطل من الماء، وفي هذه السنة جلب المتولي المذكور إلى القسطل ماء حارا بأنابيب حديدية من الحانوت الكبير الذي هو أمام الجامع الشمالي الموضوع فيه مطحنة حديدية للطحين وصار الناس يتوضؤون في الشتاء بماء حار وهو أول عمل من هذا القبيل في حلب، وقد شكر المتولي على هذا الصنع الحسن.
ولاة حلب من سنة 994الى 999
سنة 994: كان الوالي رضوان باشا أخا إبراهيم باشا كما في السالنامة.
سنة 995: كان الوالي حسن باشا ثم سليمان باشا كما في السالنامة.
سنة 996: كان الوالي حسين باشا كما في السالنامة.
سنة 999: كان الوالي الحاج أحمد باشا كما في السالنامة.(3/176)
سنة 1002
ذكر في السالنامة أنه تولى حلب في هذه السنة محمد باشا وبقي إلى سنة 1005.
قال في تاريخ نعيما في ترجمة بويالي: محمد باشا هو ابن بير أحمد المتقاعد بعد أن حاز ربتة البكربكية ومن زمرة كتاب ديوان الوزارة، ثم صار رئيس الكتاب، ثم عين واليا على حلب، وبعد ذلك تولى الوزارة مرتين، وكان عاقلا كاملا بنى في الآستانة جامعا ومدرسة وخانقاه، توفي في الآستانة في رمضان سنة 1001اه.
وليس في السالنامة من تسمى بمحمد قبيل هذه السنين سوى هذا. فالسهو واقع من أحدهما لا محالة إما من مرتب السالنامة في سنة ولايته أو من المؤرخ مصطفى نعيما في تاريخ وفاته والله أعلم.
سنة 1005 ذكر تولية حلب للأمير أحمد بن مطاف
قال في السالنامة: إنه تولى حلب من سنة 1005إلى سنة 1008.
قال المحبي في خلاصة الأثر في ترجمة المذكور: هو الأمير أحمد بن مطاف أمير الأمراء بحلب ذكره أبو الوفا العرضي في تاريخه وقال في ترجمته: لم يزل يتدرج إلى المناصب حتى تولى كفالة حلب، وفي تلك الأيام وقع الحريق في سوق العطارين وذهب للناس أموال كثيرة مع أن هذا الأمر لم يعهد في حلب. قيل سببه أن بعضهم نسي في الشقف بعض نار، وقيل إن جماعة الكافل فعلوا ذلك عمدا حتى يغرموا الناس الأموال والله أعلم بحقيقة الحال، والذي قال بعض أرباب العقول الحسنة أن هذا الأمر وقع من غفلة رجل عن النار.
وظهر في زمنه فساد كثير من قطع الطريق وأخذ أموال الناس حتى ركب ابنه درويش بك بعساكر حلب نحو ألف فارس، وكان أمير العرب عرار خال دندن، فاقتتلوا وانهزم عسكر حلب فكان عرار يتبعهم وحده ويقتل منهم ويفر ومن تحته فرسه التي لا تسابق وعليه الدرع الذي لا تعلم فيه السهام ولا السيوف قيل ولا المكاحل (هكذا قال) واستمر يتبعهم إلى قرب حلب، وكان عرار في الشجاعة والفروسية لا يطاق. ثم قال: وهو (أي الأمير أحمد) باني المدرسة المعروفة بحلب وقد شرط لمدرسها في اليوم عشر قطع فضية وفي قول عشرين عثمانيا صحيحا، واتخذ له ثلاثين جزءا من كتاب الله تعالى وهو ختم كامل، وبنى له
مدفنا وله خان (هو الخان المشهور الآن بخان الطاف) وبعض دكاكين وقفها على هذه الخيرات. وكانت وفاته سنة ثمان بعد الألف ودفن بمحلة الجلّوم (في مدفنه الملاصق لباب الخان المذكور) رحمه الله تعالى.(3/177)
وظهر في زمنه فساد كثير من قطع الطريق وأخذ أموال الناس حتى ركب ابنه درويش بك بعساكر حلب نحو ألف فارس، وكان أمير العرب عرار خال دندن، فاقتتلوا وانهزم عسكر حلب فكان عرار يتبعهم وحده ويقتل منهم ويفر ومن تحته فرسه التي لا تسابق وعليه الدرع الذي لا تعلم فيه السهام ولا السيوف قيل ولا المكاحل (هكذا قال) واستمر يتبعهم إلى قرب حلب، وكان عرار في الشجاعة والفروسية لا يطاق. ثم قال: وهو (أي الأمير أحمد) باني المدرسة المعروفة بحلب وقد شرط لمدرسها في اليوم عشر قطع فضية وفي قول عشرين عثمانيا صحيحا، واتخذ له ثلاثين جزءا من كتاب الله تعالى وهو ختم كامل، وبنى له
مدفنا وله خان (هو الخان المشهور الآن بخان الطاف) وبعض دكاكين وقفها على هذه الخيرات. وكانت وفاته سنة ثمان بعد الألف ودفن بمحلة الجلّوم (في مدفنه الملاصق لباب الخان المذكور) رحمه الله تعالى.
وأما ولده درويش بك فقد عاش بعد والده مدة طويلة، وكان من أكابر أعيان المتفرقة وحصل له القبول التام عند نصوح باشا، وسعى على قتل حسين نقيب الأشراف بتحسين أخيه السيد لطفي قائلا له: إن أخي يفعل كذا ويفعل كذا، وسيأتي خبر قتل السيد حسين. ثم لما وقعت الفتنة بينه وبين حسين باشا جانبولاد وكان يتهم درويش بك في أنه هو الذي حسن لنصوح باشا كل هذه الأمور، فلما ملك حسين باشا حلب وصار كافلها حبس درويش بك في القلعة وخنقه ليلا وعلقه على باب الحبس وقال: إن درويش بك هو الذي قتل نفسه. تجاوز الله عن الجميع. وكان قتله في سنة أربع عشرة بعد الألف. اه ما في خلاصة الأثر.
الكلام على شرط وقفه وما فيه من الآثار الخيرية
أطلعني بعض أحفاد الواقف على نفس كتاب الوقف المحفوظ لديه من عهد الواقف رحمه الله وخلاصته أن الواقف وقف عشرة آلاف دينار ذهبا تام الوزن وجعل المتولي على هذا المبلغ ولده قوبض بيك، وهو قد استبدل بها جميع الخان العامر الكائن بمحلة الجلّوم الكبرى المعروف بخان الطاف، ثم ذكر بقية العقارات التي اشتريت له. وقال في بيان شروط الوقف على أن المتولي يستغل المبلغ المرقوم ويستربحه بالوجه الشرعي على حكم العشرة بأحد عشر ولا يعطيه لأمير ولا لأصحاب الثروة والمناصب ولا يعطيه إلا بالرهن القوي، وأقله أن يكون قيمته ضعف ذلك المبلغ، وشرط أن يصرف من غلته الحاصلة في كل سنة الوظائف التي سيأتي تفصيلها. (ثم قال): وإذا فضل من محصوله شيء بعد المصارف المعينة يصرف في عمارة الجسور الدائرة والقساطل المحتاجة وترصيف الأزقة المحتاجة إلى ترصيفها برأي حاكم الشرع الشريف بهذه البلدة.
وذكر في بيان الوظائف أن يفرز بعد وفاته من هذا المبلغ المذكور مقدار كاف ليبتني به على قبره قبة وبجانبه مكتب يعلم فيه القرآن العظيم ويقرأ على القبر كل يوم ثلاثون رجلا من القرآن العظيم كل واحد جزء.(3/178)
وشرط أن المتولي يبني بعد وفاة الواقف المشار إليه من ربح المبلغ المسطور دارا للحديث في محل لائق بهذا البلد، وعين للمحدث كل يوم ثلاثين درهما عثمانيا وللطلبة الذين هم ثلاثة نفر ستة دراهم لكل منهم عثمانيان كل يوم ولبواب المحل المذكور كل يوم عثمانيين.
حرر في 15ذي الحجة سنة 1004
ثم إن ما ذكره المحبي من أنه باني المدرسة المعروفة به لا صحة لذلك ولا أثر له في كتاب الوقف، لكنه أوصى كما تقدم ذكره أن يبني من ربح دراهمه التي وقفها دارا للحديث، وبقي بناء هذه الدار مهملا إلى أوائل هذه القرن، ففي سنة 1311اشتريت دار في محلة سويقة حاتم أمام مسجد البكفالوني وجعلت دار حديث وعين لها من يحضر لقراءة الحديث، لكنا لم نجد هناك طلبة قط ولم يأت شراء هذه الدار بشيء من الفائدة. والدار ينزل إليها بدرج وهي لا تصلح لسكنى الفقراء الذين لا يبالون في أمر صحتهم فضلا عن أن تتخذ دار حديث، وقد أخبرني المتولي أن في عزمه أن يستبدلها بغيرها ونعم العمل.
وذكر في كتاب وقفه ثمانين كتابا خطيا وقفها على ما يظهر على دار الحديث وهي كتب متنوعة من جملتها جلدان من لسان العرب وصل فيهما إلى حرف الراء، ولا أثر لهذه المكتبة الآن ولا يعلم الوقت الذي تبعثرت فيه.
وشرط في كتاب وقفه اتخاذ مكتب لتعليم القرآن بجانب مدفنه، ويغلب على الظن أن هذا المكتب كان ثمة ودخل مع حمام كانت هناك تسمى حمام البنات مع عدة دور في الكنيسة التي أحدثت هناك منذ خمسين سنة المعروفة بكنيسة الشيباني، وبعض هذه الأمكنة وقف باعها بعض من لا خلاق له وإلى الله تصير الأمور. وقد بنى المتولي السابق عبد القادر الغنام في المدرسة الشرفية في الجهة الشرقية منها حجرة واسعة قبوا اتخذت مكتبا وذلك بعد سنة 1300بقليل بأمر من الوالي جميل باشا وعين له من يعلم الأطفال القراءة والكتابة، وبقي ذلك إلى هذه السنة (1343) فأخذت دائرة الأوقاف من المتولي الحالي السيد محمود الغنام هذه الحجرة لأن أصل بناء المكتب هنا كان في غير محله ولا ندري أين يبني عوضه بعد الآن.
سنة 1008 ذكر تولية حلب للحاج إبراهيم باشا
قال في السالنامة: ولي حلب سنة 1008الحاج إبراهيم باشا. اه.
قال في تاريخ نعيما من حوادث هذه السنة سنة 1008: في ربيع الآخر قتل والي
حلب إبراهيم باشا من يكيجرية الشام سبعة عشر شخصا كانوا أتوا إلى حلب وصاروا يأخذون من فقرائها وعمالها مالا باسم الدولة مدعين أنهم من محصلي الأموال الأميرية، ثم لما تبين أمرهم قبض إبراهيم باشا عليهم وقتلهم فحصل لأجلهم جدال وقلائل (1) بين اليكيجرية الموجودين هنا وبين جماعة إبراهيم باشا أدى الحال إلى هدر دماء كثيرة من الطرفين اه.(3/179)
قال في تاريخ نعيما من حوادث هذه السنة سنة 1008: في ربيع الآخر قتل والي
حلب إبراهيم باشا من يكيجرية الشام سبعة عشر شخصا كانوا أتوا إلى حلب وصاروا يأخذون من فقرائها وعمالها مالا باسم الدولة مدعين أنهم من محصلي الأموال الأميرية، ثم لما تبين أمرهم قبض إبراهيم باشا عليهم وقتلهم فحصل لأجلهم جدال وقلائل (1) بين اليكيجرية الموجودين هنا وبين جماعة إبراهيم باشا أدى الحال إلى هدر دماء كثيرة من الطرفين اه.
قال في قاموس الأعلام في ترجمته: هو من وزراء السلطان محمد خان الثالث، كان في ابتداء أمره من القضاة ثم صار دفتردارا في يانق ثم نقل إلى رتبة ميرميران فعين واليا على حلب، ثم حاز رتبة الوزارة، وفي سنة 1009لما عصت بلدة جوروم عين المترجم لمحاربتها وصار قائد العساكر وجرت المحاربة بينه وبين جلال قره يازيجي، فلسوء تدبيره انكسر وانهزم وتلف معظم العساكر التي كانت معه فعزل على إثر ذلك وأحيل على التقاعد في قونية، وفي زمن صدارة ياوز علي باشا أحضر من قونية إلى الآستانة وعين واليا على مصر، وبعد أن مضى عليه عشرة أشهر قتل في مصر قتلته الجنود المصرية. وكان ذا دراية واقتدار معتدلا في أموره لكنه غير موفق في الحروب اه.
وباسم الوالي المذكور ألف الشيخ إبراهيم بن أحمد بن الملا تاريخا تعرض فيه لمن حكم حلب من حين فتحها الصحابة إلى زمن إبراهيم باشا الملقب بالحاج إبراهيم وسماه «شفاء السقيم بآيات إبراهيم». انظر ما كتبناه في المقدمة على هذا الكتاب.
سنة 1009
كان الوالي فيها علي باشا ثم بشير باشا ثم شريف باشا كما في السالنامة.
سنة 1010
كان الوالي فيها حسن باشا بن علي باشا زاده كما في السالنامة.
سنة 1011
قال في السالنامة: كان الوالي فيها ناصف باشا ثم نصوح باشا اه. وهذا سهو فهما واحد.
__________
(1) لعلها: قلاقل.(3/180)
قال في خلاصة الأثر في ترجمة (نصوح باشا): وشهرته بناصف باشا وهذه عادة الأتراك في تلاعبهم بالحروف فيقولون نصوح ناصف، وتبديلاتهم ليس لها حد يحصرها ولا قاعدة تضبطها. ونصوح باشا هذا أصله من نواحي درامة من بلاد روم إيلي خدم أولا في حرم السلطنة الخاص ثم صار من المتفرقة وحكم ببلدة زله، ثم صار أمير أخور صغير في سنة سبع بعد الألف ثم ولي كفالة حلب، وكان متغلبا في حكمه عسوفا قوي النفس شديد البأس، ولما كان لجند الشام حينئذ الغلبة والعتو وكان في ذلك العهد يذهب منهم في كل سنة طائفة إلى حلب وينصب عليهم سردارا من كبرائهم يستخدمون بمدينة حلب، وكان بعض كبار الجند قد تقووا في حلب وفتكوا وجاروا خصوصا طواغيهم خداوردي وكنعان الكبير وحمزة الكردي وأمثالهم حتى رهبهم أهلها وصاهرتهم كبراؤها واستولوا على أكثر قراها، فلما رأى نصوح باشا ما فعلوه وما استولوا عليه منها ومن قراها بحيث قلت أموال السلطنة وصارت أهالي القرى كالأرقاء لهم رفع أيديهم عن قراها وجلاهم عن تلك البلاد ووقع بينه وبينهم وقعة، وكان معه حسين باشا ابن جانبولاذ عند المعرة وفروا بين يديه هاربين إلى حماة وأخذ ما وجد من أموالهم وخيولهم وخيامهم، ثم جمعوا عليه عشيرا بحماة وأرادوا قتاله فأدركهم مرور علي باشا الوزير منفصلا عن نيابة مصر ومعه خزينتها عن سنتين، وقد تحفظ عليها بخمسة عشر مدفعا وعساكر نحو الأربعة آلاف فجاؤوا إلى دمشق للقائه واتقائه، فلما خرج علي باشا من دمشق بالخزينة قاصدا جانب السلطنة لم يصل إلى حماة حتى هموا بالخروج وخرج أوائلهم، ثم ذهب في أثناء ذلك طاغيتهم خداوردي وفي صحبته نحو عشرين رجلا من أعيانهم إلى الأمير علي ابن الشهاب ثم إلى الأمير فخر الدين ابن معن (من أمراء الدروز) ووقعوا عليهما في السفر معهم لقتال ابن جانبولاذ وأخذ ثأرهم منه، فسافر قبلهم أمير بعلبك الأمير موسى بن الحرفوش وجمعوا عشيرا كثيرا بحمص وحماة، وورد أمر سلطاني وعليه خط شريف بأن طائفة الجند بالشام لا يخرجون إلى حلب لقتال كافلها ناصف باشا وحاكم كلّز حسين باشا ابن جانبولاذ لأنهم كانوا اجتمعوا وعرضوا بذلك إلى أبواب الدولة، وكان ذلك جواب عرضهم، وكان وصوله إلى دمشق يوم السبت عاشر رجب سنة اثنتي عشرة بعد الألف. ومن جملة ما ذكر في الخط المذكور أنهم إن خرجوا يكونوا مغضوبا عليهم مستحقين للعقوبة والنكال من السلطان، فرأى نائب الشام إذ ذاك فرهاد باشا وقاضيها المولى مصطفى بن عزمي ودفتريها حسن باشا أنهم لا يرجعون إلا بحيلة، فرأوا أن يرسلوا الشيخ محمد بن سعد الدين لكسر هذه الفتنة الموجبة للعقوبة إلى
حماة ويقرأ عليهم الخط السلطاني ويرجعهم إلى دمشق ليقال لولا خاطر الشيخ محمد ما رجعنا، فخرج الشيخ محمد إليهم في ثاني عشر رجب ثم عاد يوم الأحد ثاني شعبان ولم يسمعوا قوله، وخرجوا بعد قراءة الحكم عليهم والكلام معهم إلى الطيبة ثم توجهوا إلى ناحية حلب وانضم إليهم غجر محمد الجلالي وعشيره، ثم رجعوا في أواخر شعبان إلى دمشق بعد أن صار بينهم وبين ناصف باشا وابن جانبولاذ مناوشة عند كلّز يوما واحدا، ثم ولوا هاربين وتفرق عشيرهم وذلك بعد أن حاصروا كلّز أياما وخربوا ما حولها من قرية الباب وعزاز وغيرهما من قرى حلب وهتكوا النساء وافتضوا جملة من أبكارهن ودخلت أشقياؤهم حماما بكلّز على النسوة وفعلوا أفاعيل جاهلية، ثم تلاقوا مع نصوح باشا وابن جانبولاذ خارج كلّز يوما واحدا ثم انهزموا من ليلتهم وعادوا إلى دمشق وفرّ غجر محمد إلى البيوة، وكانت الوقعة في أواسط شعبان، ثم تتبع نصوح باشا غجر محمد الجلالي ومعه عشيره ومنهم طائفة من جند الشام فأغار عليهم في شوال وهو في الربيع بالقرب من حماة وانتهبهم وأخذ خيولهم وكرر الغارة عليهم، فلما كان أوائل ذي الحجة مرّ مصطفى باشا الشهير بابن راضية متوليا نيابة الشام بغجر محمد وقد جمع عشيرا نحو ثلاثة آلاف مقاتل فقالوا له: لا نمكنك من الذهاب إلى دمشق حتى تنتصف لنا من ناصف باشا، فسار معهم مكرها، وكانوا قد تظاهروا بقطع الطريق وضربوا على أهل حمص وحماة ضرائب من المال واعترضوا القوافل
و(3/181)
قال في خلاصة الأثر في ترجمة (نصوح باشا): وشهرته بناصف باشا وهذه عادة الأتراك في تلاعبهم بالحروف فيقولون نصوح ناصف، وتبديلاتهم ليس لها حد يحصرها ولا قاعدة تضبطها. ونصوح باشا هذا أصله من نواحي درامة من بلاد روم إيلي خدم أولا في حرم السلطنة الخاص ثم صار من المتفرقة وحكم ببلدة زله، ثم صار أمير أخور صغير في سنة سبع بعد الألف ثم ولي كفالة حلب، وكان متغلبا في حكمه عسوفا قوي النفس شديد البأس، ولما كان لجند الشام حينئذ الغلبة والعتو وكان في ذلك العهد يذهب منهم في كل سنة طائفة إلى حلب وينصب عليهم سردارا من كبرائهم يستخدمون بمدينة حلب، وكان بعض كبار الجند قد تقووا في حلب وفتكوا وجاروا خصوصا طواغيهم خداوردي وكنعان الكبير وحمزة الكردي وأمثالهم حتى رهبهم أهلها وصاهرتهم كبراؤها واستولوا على أكثر قراها، فلما رأى نصوح باشا ما فعلوه وما استولوا عليه منها ومن قراها بحيث قلت أموال السلطنة وصارت أهالي القرى كالأرقاء لهم رفع أيديهم عن قراها وجلاهم عن تلك البلاد ووقع بينه وبينهم وقعة، وكان معه حسين باشا ابن جانبولاذ عند المعرة وفروا بين يديه هاربين إلى حماة وأخذ ما وجد من أموالهم وخيولهم وخيامهم، ثم جمعوا عليه عشيرا بحماة وأرادوا قتاله فأدركهم مرور علي باشا الوزير منفصلا عن نيابة مصر ومعه خزينتها عن سنتين، وقد تحفظ عليها بخمسة عشر مدفعا وعساكر نحو الأربعة آلاف فجاؤوا إلى دمشق للقائه واتقائه، فلما خرج علي باشا من دمشق بالخزينة قاصدا جانب السلطنة لم يصل إلى حماة حتى هموا بالخروج وخرج أوائلهم، ثم ذهب في أثناء ذلك طاغيتهم خداوردي وفي صحبته نحو عشرين رجلا من أعيانهم إلى الأمير علي ابن الشهاب ثم إلى الأمير فخر الدين ابن معن (من أمراء الدروز) ووقعوا عليهما في السفر معهم لقتال ابن جانبولاذ وأخذ ثأرهم منه، فسافر قبلهم أمير بعلبك الأمير موسى بن الحرفوش وجمعوا عشيرا كثيرا بحمص وحماة، وورد أمر سلطاني وعليه خط شريف بأن طائفة الجند بالشام لا يخرجون إلى حلب لقتال كافلها ناصف باشا وحاكم كلّز حسين باشا ابن جانبولاذ لأنهم كانوا اجتمعوا وعرضوا بذلك إلى أبواب الدولة، وكان ذلك جواب عرضهم، وكان وصوله إلى دمشق يوم السبت عاشر رجب سنة اثنتي عشرة بعد الألف. ومن جملة ما ذكر في الخط المذكور أنهم إن خرجوا يكونوا مغضوبا عليهم مستحقين للعقوبة والنكال من السلطان، فرأى نائب الشام إذ ذاك فرهاد باشا وقاضيها المولى مصطفى بن عزمي ودفتريها حسن باشا أنهم لا يرجعون إلا بحيلة، فرأوا أن يرسلوا الشيخ محمد بن سعد الدين لكسر هذه الفتنة الموجبة للعقوبة إلى
حماة ويقرأ عليهم الخط السلطاني ويرجعهم إلى دمشق ليقال لولا خاطر الشيخ محمد ما رجعنا، فخرج الشيخ محمد إليهم في ثاني عشر رجب ثم عاد يوم الأحد ثاني شعبان ولم يسمعوا قوله، وخرجوا بعد قراءة الحكم عليهم والكلام معهم إلى الطيبة ثم توجهوا إلى ناحية حلب وانضم إليهم غجر محمد الجلالي وعشيره، ثم رجعوا في أواخر شعبان إلى دمشق بعد أن صار بينهم وبين ناصف باشا وابن جانبولاذ مناوشة عند كلّز يوما واحدا، ثم ولوا هاربين وتفرق عشيرهم وذلك بعد أن حاصروا كلّز أياما وخربوا ما حولها من قرية الباب وعزاز وغيرهما من قرى حلب وهتكوا النساء وافتضوا جملة من أبكارهن ودخلت أشقياؤهم حماما بكلّز على النسوة وفعلوا أفاعيل جاهلية، ثم تلاقوا مع نصوح باشا وابن جانبولاذ خارج كلّز يوما واحدا ثم انهزموا من ليلتهم وعادوا إلى دمشق وفرّ غجر محمد إلى البيوة، وكانت الوقعة في أواسط شعبان، ثم تتبع نصوح باشا غجر محمد الجلالي ومعه عشيره ومنهم طائفة من جند الشام فأغار عليهم في شوال وهو في الربيع بالقرب من حماة وانتهبهم وأخذ خيولهم وكرر الغارة عليهم، فلما كان أوائل ذي الحجة مرّ مصطفى باشا الشهير بابن راضية متوليا نيابة الشام بغجر محمد وقد جمع عشيرا نحو ثلاثة آلاف مقاتل فقالوا له: لا نمكنك من الذهاب إلى دمشق حتى تنتصف لنا من ناصف باشا، فسار معهم مكرها، وكانوا قد تظاهروا بقطع الطريق وضربوا على أهل حمص وحماة ضرائب من المال واعترضوا القوافل
وجرموهم فخرجوا بمصطفى باشا من حماة إلى ناحية حلب فلم يلبثوا إلا وناصف باشا قد انقض عليهم، فلم يثبتوا له ساعة وأفلت عليهم المكاحل فقتل منهم جماعة كثيرون وفرّ الغجر ومن معه من الجند الشامي وانحاز مصطفى باشا إلى ناصف باشا، ثم بعث خلف الغجر طليعة من العرب فيهم الأمير دندن ابن أبي ريشة الحياري فسار خلفه إلى تدمر وشتت شمله.
ثم شاع الخبر في دمشق في رابع أو خامس ذي الحجة أن ناصف باشا وصل إلى دمشق للانتقام من الجند، ثم عقب يومين وصل من طرفه رسول ومعه كتاب فيه يطلب منهم نحو ثلاثين رجلا ليأخذ ما في عهدتهم من الأموال السلطانية التي تناولوها من أموال حلب ومنهم خداوردي وآق يناق وقرا يناق وحمزة الكردي وآخرون، وإن لم يسلموا هذه الطائفة إليه وإلا أتى دمشق وقاتلهم واستأصلهم، فامتنعوا وأظهروا له العناد والتمرد والقوة والاشتداد، ثم دخلت طائفة منهم إلى القلعة واستولوا عليها وتحصنوا، ثم بعثوا منهم جماعة
إلى الأمير فخر الدين بن معن والأمير موسى بن الحرفوش والأمير أحمد ابن الشهاب والشيخ عمر شيخ المفارجة، ثم خرجوا إلى القابون واجتمع العشير عليهم ثمة ولم يتأخر إلا الأمير فخر الدين بن معن وبقيت خيامهم في القابون نحو عشرة أيام وأخذوا في نهب زروع الناس وبعض مواشيهم، ودخل أهل الغوطة إلى دمشق ونقلوا أسبابهم وأمتعتهم ونساءهم إليها وارتعبت أهل دمشق، ثم شاع في ثامن ذي الحجة بدمشق أن ناصف باشا رجع إلى حلب بعد أن كان وصل إلى الرستن، وكان مصطفى باشا نائب دمشق قد فارقه قبل ذلك بأيام ونزل بالقابون فلم يمكنوه من دخول دمشق بل قالوا له: ارجع وقاتل معنا ناصف باشا، وبقوا ثمة حتى استهلت سنة ثلاث عشرة يوم الاثنين.(3/182)
ثم شاع الخبر في دمشق في رابع أو خامس ذي الحجة أن ناصف باشا وصل إلى دمشق للانتقام من الجند، ثم عقب يومين وصل من طرفه رسول ومعه كتاب فيه يطلب منهم نحو ثلاثين رجلا ليأخذ ما في عهدتهم من الأموال السلطانية التي تناولوها من أموال حلب ومنهم خداوردي وآق يناق وقرا يناق وحمزة الكردي وآخرون، وإن لم يسلموا هذه الطائفة إليه وإلا أتى دمشق وقاتلهم واستأصلهم، فامتنعوا وأظهروا له العناد والتمرد والقوة والاشتداد، ثم دخلت طائفة منهم إلى القلعة واستولوا عليها وتحصنوا، ثم بعثوا منهم جماعة
إلى الأمير فخر الدين بن معن والأمير موسى بن الحرفوش والأمير أحمد ابن الشهاب والشيخ عمر شيخ المفارجة، ثم خرجوا إلى القابون واجتمع العشير عليهم ثمة ولم يتأخر إلا الأمير فخر الدين بن معن وبقيت خيامهم في القابون نحو عشرة أيام وأخذوا في نهب زروع الناس وبعض مواشيهم، ودخل أهل الغوطة إلى دمشق ونقلوا أسبابهم وأمتعتهم ونساءهم إليها وارتعبت أهل دمشق، ثم شاع في ثامن ذي الحجة بدمشق أن ناصف باشا رجع إلى حلب بعد أن كان وصل إلى الرستن، وكان مصطفى باشا نائب دمشق قد فارقه قبل ذلك بأيام ونزل بالقابون فلم يمكنوه من دخول دمشق بل قالوا له: ارجع وقاتل معنا ناصف باشا، وبقوا ثمة حتى استهلت سنة ثلاث عشرة يوم الاثنين.
سنة 1013
قال: فهموا بالرحيل وافترقوا فرقتين فرقة تقول نذهب إلى حلب وهم الذين كانوا في استخدام حلب، والآخرون يقولون نرجع إلى دمشق وقد رجع عنا ناصف باشا ونحن لا نعصي السلطنة، ثم فكوا خيامهم وتوجه الحلبيون إلى أرض القصير وعذرا، ثم في يوم الثلاثاء رحل مصطفى باشا إلى دمشق ومعه ابن الشهاب وابن الحرفوش وأكثر الجند وانقطع أمرهم عن حلب وعن سرداريتهم فيها وليته انقطع عن دمشق أيضا، فلعمري إن بلدة تأمن غوائلهم ولا ترى مصائبهم ونوازلهم لهي آمنة من جميع المصائب مدفوع عنها بلطف الله تعالى جميع النوائب فإنهم مدار كل ضرر آجل وعاجل وليس لهم تالله نفع ولا تحتهم طائل.
عودا إلى تتمة ترجمة صاحب الترجمة: ثم صار بعد ذلك نائب السلطنة بديار أناطولي ثم ولي محافظة بغداد ثم صار نائبا بديار بكر، ثم وجه إليه الوزير الأعظم مراد باشا سردارا لعساكر حكومة مصر فلم تمض أيام إلا ومرض مراد باشا مرض موته فبعث السلطان أحمد مراسيل إلى صاحب الترجمة بأن يكون قائم مقام الوزير. ثم توفي مراد باشا فوجهت إليه الوزارة العظمى والسردارية وجاءه الختم في جمادى الآخرة سنة عشرين وألف وعقد الصلح بين السلطان وشاه العجم، ثم سافر راجعا بالعساكر إلى حلب وأرهب جند الشام وغيرهم وهرعت الناس إليه إلى حلب، ثم سافر من حلب إلى قسطنطينية فدخلها في شعبان فقابله السلطان أحمد بالقبول والإقبال وزوجه ابنته، ثم قتله يوم الجمعة ثاني رمضان سنة ثلاث وعشرين وألف اه.(3/183)
وقد ترجمه في قاموس الأعلام ترجمة وجيزة قال في آخرها: إنه كان وزيرا عاقلا مدبرا لكنه كثير الطمع حاد المزاج وارتكب خواصه وأتباعه أنواع المظالم، وفي سنة 1023 غضب عليه السلطان فأعدمه وهو مدفون في أوق ميدان عند إبراهيم باشا.
ذكر تعيين حسين باشا ابن جانبولاذ على حلب والوقائع بينه وبين واليها نصوح باشا
قال مصطفى نعيما في تاريخه: كان علي بن جانبولاذ أول من ترأس عشيرة الأكراد الجانبولاذية في نواحي كلّز، ثم صارت الزعامة إلى حسين بك الذي هو أكبر أعقاب جانبولاذ، وقام في أول الأمر بخدمات عظيمة للدولة العثمانية في الشرق والغرب، ثم لما تعين السردار سنان باشا قائدا عاما لجهات الشرق وحضر إلى حلب عزل نصوح باشا عن ولاية حلب وعيّن عليها حسينا المذكور لمنافع شخصية، إلا أن نصوح باشا امتنع من تسليم حلب لحسين باشا المذكور بحجة أنه ليس من أمراء الدولة بل هو من رؤساء العشائر، وبلغ السردار المذكور أنه خابر الآستانة وهو ينتظر الأوامر التي تأتيه.
فحسين باشا أعلم السردار سنان باشا بذلك فأتاه الأمر بمحاربة نصوح باشا إذا أصر على الامتناع من تسليم حلب إليه. فأخذ عندئذ حسين باشا يجمع العساكر من الأكراد والعربان التي حواليه إلى أن صار معه جيش كثيف وتوجه إلى حلب وحاصرها.
وأما نصوح باشا فإن الجواب من الآستانة تأخر عليه مدة ثلاثة أشهر وحسين باشا محاصر لحلب. وتقدم أن الدولة كانت عينت سنان باشا قائدا عاما للبلاد الشرقية ووسعت له المأذونية وفوضت إليه الأمر يفعل في البلاد ما يشاء، فوافقت على ما ارتآه سنان باشا وأمرت نصوحا بالانسحاب من حلب فأجاب إلى ذلك وتوجه منها إلى الآستانة وصار الوالي فيها حسينا يتصرف في أمورها كيف شاء.
قال في خلاصة الأثر في ترجمة حسين باشا ابن جانبولاذ الكردي المذكور: إنه كان في ابتداء أمره من المتفرقة ثم تولى إمارة كلّز منصب والده وعزله عنه أخوه الأمير حبيب، وشبت العداوة بينهما، ثم استمرا يتعازلان فتولى ديو سليمان كلّز فاحتاج إلى جمع السكبانية، وكان ابتداء كثرتهم وظهور قوانينهم من عبد الحليم اليازجي أحد أتباع المسطور، ولما سجن صاحب الترجمة بحلب وبيعت جميع عقاراته وأسبابه بأبخس الأثمان
لمال سلطاني كان عليه تولى كلّز بعد ذلك وصمم على الامتناع من تسليمها إن عزله أحد، فكان إذا عزل من جانب السلطنة سعى في العود من غير تسليم المتولي الجديد، فعلم أكابر الدولة أنهم إذا صمموا على عزله شق العصا فتركوه وارتضوا بالمال فكثرت أجناده وأمواله. وكان له مروءة وفتوة ومحبة للعلماء والصالحين إلا أنه كان ظالما لاحتياجه إلى علوفات السكبانية، وكان له فضيلة في علم الفلك والزايرجا والتقويمات والرمل وصرف أكثر عمره في ذلك.(3/184)
قال في خلاصة الأثر في ترجمة حسين باشا ابن جانبولاذ الكردي المذكور: إنه كان في ابتداء أمره من المتفرقة ثم تولى إمارة كلّز منصب والده وعزله عنه أخوه الأمير حبيب، وشبت العداوة بينهما، ثم استمرا يتعازلان فتولى ديو سليمان كلّز فاحتاج إلى جمع السكبانية، وكان ابتداء كثرتهم وظهور قوانينهم من عبد الحليم اليازجي أحد أتباع المسطور، ولما سجن صاحب الترجمة بحلب وبيعت جميع عقاراته وأسبابه بأبخس الأثمان
لمال سلطاني كان عليه تولى كلّز بعد ذلك وصمم على الامتناع من تسليمها إن عزله أحد، فكان إذا عزل من جانب السلطنة سعى في العود من غير تسليم المتولي الجديد، فعلم أكابر الدولة أنهم إذا صمموا على عزله شق العصا فتركوه وارتضوا بالمال فكثرت أجناده وأمواله. وكان له مروءة وفتوة ومحبة للعلماء والصالحين إلا أنه كان ظالما لاحتياجه إلى علوفات السكبانية، وكان له فضيلة في علم الفلك والزايرجا والتقويمات والرمل وصرف أكثر عمره في ذلك.
ولما توجه محمد باشا الوزير ابن سنان باشا الوزير الأعظم سردارا على حسين باشا أمير لواء الحبشة وكان خرج عن الطاعة وشق العصا، وسببه أنه لما تولى إمارة الحبشة أخذ منه أكابر الدولة مالا جزيلا استدان غالبه ثم عزلوه سريعا فشق العصا مغاضبا لهم فتوجه صاحب الترجمة لحربه صحبة السردار فقدم إلى كلّز خارجي من السكبانية يقال له رستم ومعه من البغاة أجناد كثيرة، وكان ضابط كلّز عزيز كتخدا من جماعة صاحب الترجمة فبعث واستنجد بعساكر حلب منهم العسكر الجديد، فخرجوا لنصرته واجتمعوا جميعا فتقابلت الأجناد وقام بينهم سوق الحرب والطعن والضرب فانتصر عسكر رستم على عسكر حلب وكلّز وقتل عزيز كتخدا وقتل من العسكر ما لا يحصى وولوا منهزمين، فنهب الخارجي كلّز وصادر أعيان أهل القرى.
ولما تولى نصوح باشا كفالة حلب وكان عساكر دمشق تغلبوا على حلب ونواحيها وأمره السلطان أحمد بإخراجهم وعجز عن ذلك فاستعان بصاحب الترجمة فبعث ابن أخيه الأمير علي بعسكر عظيم فأصبح نصوح باشا وقد أخذ القلعة ووضع متاريس تحت قلعة حلب واستعدت جماعته فكانوا نحو ستمائة فأخذت العساكر الدمشقية باب بانقوسا واستعدوا وجمعوا عساكرهم نحو الألفين وهم لا يعلمون أن صاحب الترجمة بعث عساكر، فأحضر نصوح باشا إليه كنعان سردار الدمشقيين وأخبره أن السلطان رفعهم من الاستخدام وأمر بإخراجهم من حلب بعيالهم فامتنعوا.
ثم تواردت الأخبار أن الأمير علي بن جانبولاذ وصل إلى قرية حيلان بعساكر لا تحصى فخرجوا في الظلام ولم يبق منهم أحد، وفي اليوم الثاني دخل الأمير علي بالعساكر المتكاثفة فتبعهم نصوح باشا ومعه الأمير علي إلى قرية كفرطاب فوقع بينهم محاربة فانهزم الدمشقيون بعد ما قتل منهم جم غفير، فصادر نصوح باشا أقاربهم وأتباعهم، وفعل
حسين باشا مع نصوح باشا هذا الفعل، فأخذ نصوح باشا يتكلم بين الناس أنه يريد قتل حسين باشا، فسمع الخبر فأخذ في جمع العساكر وبعث جماعة إلى السردار سنان باشا ابن جغالة الذي أرسله السلطان لقتال الشاه، فبلغ ذلك نصوح باشا فاشتدت عداوته فعزم على المفاجأة بالقتال لكون كلّز قريبة من حلب، فخرج في عساكره مجدا حتى وصلها في يوم واحد فقابل حسين باشا بعسكره والتقت الفئتان فانكسر نصوح وقتل أكثر عسكره ودخل حلب منهزما.(3/185)
ثم تواردت الأخبار أن الأمير علي بن جانبولاذ وصل إلى قرية حيلان بعساكر لا تحصى فخرجوا في الظلام ولم يبق منهم أحد، وفي اليوم الثاني دخل الأمير علي بالعساكر المتكاثفة فتبعهم نصوح باشا ومعه الأمير علي إلى قرية كفرطاب فوقع بينهم محاربة فانهزم الدمشقيون بعد ما قتل منهم جم غفير، فصادر نصوح باشا أقاربهم وأتباعهم، وفعل
حسين باشا مع نصوح باشا هذا الفعل، فأخذ نصوح باشا يتكلم بين الناس أنه يريد قتل حسين باشا، فسمع الخبر فأخذ في جمع العساكر وبعث جماعة إلى السردار سنان باشا ابن جغالة الذي أرسله السلطان لقتال الشاه، فبلغ ذلك نصوح باشا فاشتدت عداوته فعزم على المفاجأة بالقتال لكون كلّز قريبة من حلب، فخرج في عساكره مجدا حتى وصلها في يوم واحد فقابل حسين باشا بعسكره والتقت الفئتان فانكسر نصوح وقتل أكثر عسكره ودخل حلب منهزما.
ثم في اليوم الثاني أخذ في جمع الأجناد وبذل الأموال لتكثير العدد والأعداد ظنا منه أن صبح سعده أسفر، ثم جاءه رسول من السردار سنان باشا ابن جغالة يخبره بالأوامر السردارية أنه قد صار حسين باشا كافل المملكة الحلبية وعزل نصوح باشا منها، فلبس نصوح باشا جلد النمر وامتنع من تسليم حلب لحسين باشا وقال: إذا ولوا حلب لعبد أسود أطيع ذلك إلا ابن جانبولاذ، فما مضى أسبوع إلا وقد أقبلت عساكر حسين باشا بجموعها إلى قرية حيلان فاستقبلهم نصوح باشا بالحرب ثانيا فانكسر ثانيا، فنزل حسين باشا بعساكره في محلات حلب خارج السور وأغلق نصوح باشا أبواب المدينة وسدها بأحجار وفتح باب قنسرين وحرسه بعساكر أوقفهم هناك، وقطع حسين باشا الماء عن حلب ومنع الميرة والطعام عن داخل المدينة، ونصب حسين باشا متاريس على أسوار المدينة وصف عساكره على الأسوار مع المكاحل وقامت بينهم حرب البسوس، وأخذ حسين باشا في حفر اللغوم والاحتيال على أخذ البلدة ونصوح باشا في حفر السراديب لدفع اللغوم، وعم الحلبيين البلاء من المبيت على الأسوار وحفر السراديب ومصادرة الفقراء والأغنياء كل يوم وليلة لطعام السكبانية وعلوفاتهم، وأغلقت الدكاكين وتعطلت الصناعات وحرقت الأخشاب للطعام والقهوة بسبب قطع حسين باشا الميرة حتى الخشب والحطب، ونزل البلاء من جانب السماء على حلب فبيع مكوك الحنطة بمائة قرش ريال وجرة الشيرج بثمانية عشر قرشا ورطل لحم الكديش بنصف قرش والتينة الواحدة بقطعة وأوقية بزر البطيخ بأربع قطع، وأعظم من في البلد يجد أكل البصل والخل من أحسن الأطعمة، وكان بعضهم يأخذ الشمع الشحمي ويضعه في طعام الأرز والبرغل، وكان العساكر لا يجدون التين بل يأخذونها (1) وينقعونها في الماء ويقطعونها ويطعمونها للخيل بدلا عن التبن، وكل فقير يغرم في اليوم قرشين والمتوسط عشرة والغني عشرين. واستمر الحصار نحو أربعة أشهر وأياما.
__________
(1) في «خلاصة الأثر»: بل يأخذون الحصر(3/186)
ثم قدم السيد محمد المشهور بشريف قاضيا بحلب فنزل خارج المدينة وأخذ يسعى في الصلح، ثم عقد الصلح ولم يرض نصوح باشا إلا بأيمانات السكبانية وعهودهم فإن لهم عهودا وثيقة، فحلفهم بالسيف أن يكون آمنا على نفسه وأمواله إذا تعرضه حسين باشا يقاتلونه معه، ثم أمر الشريف نصوح باشا أن يذهب بنفسه إلى حسين باشا ويصالحه لكون نصوح باشا كان ضرب بنت حسين باشا وأخذ أموالها، فذهب ومعه شاطر واحد إلى منزل حسين باشا فأكرمه وسقاه شربة سكر بعد ما امتنع نصوح باشا فشرب حسين باشا من الإناء قبله فاقتدى به وشرب، ولما ذهب كان لابسا درعا تحت الثوب وظن الناس خروج نصوح باشا خفية ليلا خوفا من حسين باشا وعساكره فلم يكن الأمر كذلك بل خرج بعساكره وطبوله وزموره وقت الغداة فودعه حسين باشا واستولى على الديار الحلبية وصادر الأغنياء والفقراء لأجل علوفة السكبان.
سنة 1014 قتل حسين باشا وتغلب ابن أخيه الأمير علي على حلب وخروجه عن السلطنة
قال في الخلاصة في ترجمة حسين باشا المذكور: ثم أمر سنان حسين باشا بالتوجه إليه (إلى بلاد العجم) لقتال الشاه فقدم رجلا وأخر أخرى وتثاقل عن السفر حتى حصلت الكسرة ببلاد العجم للعساكر العثمانية في وقعة مشهورة قتل فيها جماعة من الأمراء، وكانت في سادس عشري جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وألف، فلما رجع الوزير سنان باشا ابن جغالة أدركه حسين باشا في رجعته بمدينة وان فقتله لتأخره في السنة المذكورة، وكان يريد جعل ابن أخيه الأمير عليا قائما مقامه بحلب، فلما بلغه قتل عمه تملك حلب وخرج بها على السلطنة وتولدت من ذلك فتن عظيمة سنذكرها في ترجمة الأمير علي إن شاء الله تعالى 1هـ.
قال في تاريخ نعيما: لما بلغ الأمير عليا قتل عمه حسين باشا غضب لذلك غضبا شديدا وعزم على الانتقام من الدولة وشق عصا الطاعة وجمع حوله كثيرا من الحشرات الأكراد والعربان، ولما وصلت الأخبار إلى الآستانة بذلك أرسلت له منشور الولاية على
حلب وقصد بذلك تسكين غضبه، إلا أن ذلك زاد في عتوه وبقي مصمما على الخروج عن الطاعة وتوجه لمحاربة الأمير يوسف بن سيفا حاكم طرابلس الشام وكسره، وتحصن ابن سيفا في طرابلس ثم صالحه على مال وصاهره ليكون ظهيرا له. ثم توجه إلى الشام لعداوة سابقة بينه وبين أمرائها وحاربهم وحاصرهم في القلعة وقتل من عسكرهم كثيرين، ثم صالحهم على مال كثير وصادر أموالهم ثم عاد إلى حلب، وبعد وصوله إليها قسم الغنائم على قسمين من العساكر وظن أنه بذلك استكمل قوته واشتد ساعده فجمع أيضا عساكر وشق عصا الطاعة على الدولة ومنع وصول خزائن المال إلى قسطنطينية وقسم عساكره إلى قسمين خيالة ومشاة المشاة على نسق اليكيجيرية والخيالة على نسق السباهية، وعدد المشاة ستة عشر ألفا يرأسهم شخص يدعى جمعة، والخيالة قسمهم إلى قسمين ميمنة وميسرة جملتهم ثمانية عشر ألفا يرأسهم شخص يدعى خرتاوي، علم ذلك من دفاتر السجلات التي وجدت في حلب بعد استئصالهم.(3/187)
قال في تاريخ نعيما: لما بلغ الأمير عليا قتل عمه حسين باشا غضب لذلك غضبا شديدا وعزم على الانتقام من الدولة وشق عصا الطاعة وجمع حوله كثيرا من الحشرات الأكراد والعربان، ولما وصلت الأخبار إلى الآستانة بذلك أرسلت له منشور الولاية على
حلب وقصد بذلك تسكين غضبه، إلا أن ذلك زاد في عتوه وبقي مصمما على الخروج عن الطاعة وتوجه لمحاربة الأمير يوسف بن سيفا حاكم طرابلس الشام وكسره، وتحصن ابن سيفا في طرابلس ثم صالحه على مال وصاهره ليكون ظهيرا له. ثم توجه إلى الشام لعداوة سابقة بينه وبين أمرائها وحاربهم وحاصرهم في القلعة وقتل من عسكرهم كثيرين، ثم صالحهم على مال كثير وصادر أموالهم ثم عاد إلى حلب، وبعد وصوله إليها قسم الغنائم على قسمين من العساكر وظن أنه بذلك استكمل قوته واشتد ساعده فجمع أيضا عساكر وشق عصا الطاعة على الدولة ومنع وصول خزائن المال إلى قسطنطينية وقسم عساكره إلى قسمين خيالة ومشاة المشاة على نسق اليكيجيرية والخيالة على نسق السباهية، وعدد المشاة ستة عشر ألفا يرأسهم شخص يدعى جمعة، والخيالة قسمهم إلى قسمين ميمنة وميسرة جملتهم ثمانية عشر ألفا يرأسهم شخص يدعى خرتاوي، علم ذلك من دفاتر السجلات التي وجدت في حلب بعد استئصالهم.
وحينما حصل هذا الأمر أرسلت الدولة السردار مراد باشا لتأديب علي باشا جانبولاط المذكور وكان أمره هو الشغل الشاغل لأفكار الدولة، وكان توجهه إلى الديار الحلبية في سابع ربيع الأول من السنة المذكورة، وكان علي باشا جانبولاذ متحصنا في مضيق بغراص (بيلان) وقد اتخذ فيها متاريس واستحكامات ومعه من العساكر عشرون ألفا من الخيالة وعشرون ألفا من المشاة، وحينما علم السردار مراد باشا بتحصن علي باشا في الأمكنة المذكورة انحرف عنها وجاء من جهة (أرسلان بلي). وفي جمادى الآخرة اجتاز المضيق المذكورة ونزل إلى صحراء الحمامات فلحق به ذو الفقار باشا والي مرعش بعساكر ذي الغادرية وقعدا في هذا المكان ثلاثة أيام إلى أن تم مرور العساكر من ذلك المضيق واستقرت في صحراء درمه، وحينما بلغ ابن جانبولاط اجتياز العساكر قام من مكانه ثاني رجب وأتى نحو عساكر الدولة وحط رحاله في صحراء الروج بحيث صار بينه وبين عساكر الدولة نصف مرحلة.
ثم أرسل ابن جانبولاط ثلة من العساكر لأجل الكشف فوقع بينهم وبين عساكر الدولة مصادفة أدت إلى قتل رئيس تلك الثلة وكان يسمى (الجن) وانهزم الباقون وأسر منهم طائفة، وحينما مثل المأسورون بين يدي ابن جانبولاط قتلهم للحال، وصباح ذلك اليوم صف السردار مراد باشا عساكره وتهيأ للقتال فأرسل علي باشا جانبولاط رسولا بطلب
الأمان فرد الرسول ولم يقبل بالصلح، ثم التقى الفريقان وكان في المقدمة ذو الفقار باشا حاكم مرعش فظهر منه شجاعة عظيمة وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنا، وكان في الميسرة حسن باشا ترياكي ومعه عساكر الروملي فهجم عليه ابن جانبولاط ووقع بينهما حرب عظيمة وقتل في ذلك اليوم من عساكر ابن جانبولاط عشرون جمعت الرؤوس ووضعت مكردسة أمام القائد مراد باشا وعين عشرون شخصا لقطع رؤوس الأشقياء الذي أسروا فأمضوا ذلك اليوم في قطع الرؤوس من الأسرى. وأدى الأمر إلى انكسار ابن جانبولاط وفراره إلى جهة كلّز مسقط رأسه، إلا أنه لم يقر له بها قرار فتوجه منها إلى حلب وأخذ في مصادرة الأغنياء، وأيضا لم يستقر له بها قرار فأبقي في قلعة حلب جمعة وخرتاوي وهما من مقدمي عساكره وخرج منهزما من حلب من باب بانقوسا، وفي أثناء خروجه منها كان النساء والأطفال يولولون ويسبونه ويلقون على رأسه القاذورات ويحقرونه بأنواع كلمات التحقير، ثم صار أهالي حلب يلقون القبض على أتباع ابن جانبولاط فبلغوا نحو الألف، وحينما أتى مراد باشا إلى حلب سلموا إليه هؤلاء الأشقياء فقطع رؤوسهم.(3/188)
ثم أرسل ابن جانبولاط ثلة من العساكر لأجل الكشف فوقع بينهم وبين عساكر الدولة مصادفة أدت إلى قتل رئيس تلك الثلة وكان يسمى (الجن) وانهزم الباقون وأسر منهم طائفة، وحينما مثل المأسورون بين يدي ابن جانبولاط قتلهم للحال، وصباح ذلك اليوم صف السردار مراد باشا عساكره وتهيأ للقتال فأرسل علي باشا جانبولاط رسولا بطلب
الأمان فرد الرسول ولم يقبل بالصلح، ثم التقى الفريقان وكان في المقدمة ذو الفقار باشا حاكم مرعش فظهر منه شجاعة عظيمة وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنا، وكان في الميسرة حسن باشا ترياكي ومعه عساكر الروملي فهجم عليه ابن جانبولاط ووقع بينهما حرب عظيمة وقتل في ذلك اليوم من عساكر ابن جانبولاط عشرون جمعت الرؤوس ووضعت مكردسة أمام القائد مراد باشا وعين عشرون شخصا لقطع رؤوس الأشقياء الذي أسروا فأمضوا ذلك اليوم في قطع الرؤوس من الأسرى. وأدى الأمر إلى انكسار ابن جانبولاط وفراره إلى جهة كلّز مسقط رأسه، إلا أنه لم يقر له بها قرار فتوجه منها إلى حلب وأخذ في مصادرة الأغنياء، وأيضا لم يستقر له بها قرار فأبقي في قلعة حلب جمعة وخرتاوي وهما من مقدمي عساكره وخرج منهزما من حلب من باب بانقوسا، وفي أثناء خروجه منها كان النساء والأطفال يولولون ويسبونه ويلقون على رأسه القاذورات ويحقرونه بأنواع كلمات التحقير، ثم صار أهالي حلب يلقون القبض على أتباع ابن جانبولاط فبلغوا نحو الألف، وحينما أتى مراد باشا إلى حلب سلموا إليه هؤلاء الأشقياء فقطع رؤوسهم.
وثاني يوم الواقعة المتقدمة بعد انهزام ابن جانبولاط أتى مراد باشا إلى خيامه وقعد فيها وأخذ كبار قوّاده يأتون إليه يهنئونه بالنصر والظفر وكان في جملتهم الدفتردار باقي باشا فهنأه بهذه الشطرة (بيك أون آلتيده قرلدي سكبان) فجاءت هذه الشطرة تاريخا لهذه الوقعة.
ويروى أن القائد مراد باشا لما كان يقاتل ابن جانبولاط كان مع جانبولاط فخر الدين ابن معن ومعه عساكر من بني كلب ومن الدروز، ولما انكسر ابن جانبولاط فرّ ابن معن إلى قلعة الشقيف.
ثم إن السردار مراد باشا توجه إلى حلب وفي طريقه مرّ على كلّز وصادر جميع أملاك ابن جانبولاط وألحقها في الأموال الأميرية، وفي تاسع عشر رجب دخل إلى حلب وضرب خيامه في الميدان وخرج أعيان البلد وأهلها واستقبلوه أحسن استقبال وهناك سلموه الألف رجل الذين قبضوا عليها كما قدمنا فأمر بقتلهم. ثم إن السكبانيين المحاصرين في القلعة طلبوا الأمان وسلموه القلعة يوم الثلاثاء وبعد خروجهم من القلعة قتلوا بعد أن كان أعطى لهم الأمان.
ثم سلمت ولاية حلب إلى ديشلك حسين باشا وعيّن جشمه أفندي قاضي الجيش قاضيا على حلب لما له من العلاقات القديمة.(3/189)
ثم إن ابن جانبولاط توجه إلى قسطنطينية والتجأ إلى داود باشا أحد كبار الوزراء فسعى له لدى الحضرة السلطانية بالعفو عن جرائمه فعفا عنه وأنعم عليه برتبة بكلربكي وأرسل إلى الحدود في جهة طمشوار (في بلاد العجم) للمحافظة، وبعد استقراره هناك سنة عاد بمقتضى رداءة طينته إلى عادته السابقة من الظلم والجور والتعدي، وهم الأهالي هناك بقتله فانهزم لجهة بلغراد والتجأ إلى علي باشا قاضي زاده وهذا حبسه في القلعة المذكورة حفظا له ممن رام قتله من أهل طمشوار، ثم لما عاد مراد باشا إلى الآستانة أشار على ابن قاضي زاده بقتل ابن جانبولاط فقتله.
هذا ما ذكره المؤرخ مصطفى نعيما في تاريخه، وأنت كما ترى قد اختصر حوادثه ووقائعه في الشام والعلامة المحبي قد بسط حوادثه ثمة، ثم ذكر بعد ذلك وقائعه مع السردار مراد باشا وانكساره أمامه وانهزامه إلى البلاد الرومية إلى أن قتل فقال: هو الأمير علي بن أحمد بن جانبولاذ بن قاسم الكردي القصيري، قد أكثر أهل التاريخ والمجاميع ممن لحقوا واقعته من ذكره وذكر ما فعله بدمشق وما جرى لحكام الشام وأهلها معه من الوقائع، وقد اخترت من ذلك ما أودعته في هذه الأوراق من مبدأ أمره إلى منتهاه، وأما ذكر أصله ومنزعه فجده جانبولاذ هذا كان يعرف بابن عربو وكان أمير لواء الأكراد بحلب، ولي حكومة المعرة وكلّز وعزاز وكان له صيت شائع وهمة علية. ومبدأ الأمير علي هذا أنه كان في طليعة عمره ولي حكومة العزيزي، وقد تقدم في ترجمة عمه حسين باشا أنه لما قتله الوزير ابن جغالة لتراخيه في أمر السفر الذي كان عين له خرج الأمير علي عن طاعة السلطنة وجمع جمعا عظيما من السكبانية حتى صار عنده منهم ما يزيد على عشرة آلاف ومنع المال المرتب عليه وقتل ونهب في تلك الأطراف ودبر على قتل نائب حلب حسين باشا وكان ولاه السلطان نيابتها ووصل إلى آذنة وكان بآذنة حاكم يعرف بجمشيد فكتب إليه ابن جانبولاذ أن يصنع له ضيافة ويقتله ففعل ونما خبره إلى الأقطار واستمر في حلب يظهر الشقاق إلى أن أرسل الأمير يوسف بن سيفا صاحب عكار إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميرا على عساكر الشام والتزم بإزالة الأمير علي من حلب، فجاءه الأمر على ما التزم وأرسل إلى عسكر دمشق وأمراء ضواحيها يطلبهم إلى مجتمع العساكر وهو مدينة حماة فتجمعوا هناك من كل ناحية وجاء ابن جانبولاذ إلى حماة وتلاقيا وتصادما، فما هو إلا أن كان اجتماعهم بمقدار نحر جزور فانكسر ابن سيفا وأتباعه ورجع بأربعة أنفار واستولى ابن جانبولاذ على
مخيمه ومخيم عسكر الشام، ثم إنه راسل الأمير فخر الدين بن معن أمير الشرف وبلاد صيدا وأظهر له أنه قريبه مع بعد النسبة فحضر إليه واجتمعا عند منبع العاصي وتشاورا على أن يقصدا طرابلس الشام لأجل الانتقام من ابن سيفا، فسار ابن سيفا في البحر وأخلى لهم طرابلس وعكار وأرسل أولاده وعياله إلى دمشق وأجلس مملوكه يوسف في قلعة طرابلس فتحصن بها وبعث ابن جانبولاذ (الأمير درويش بن حبيب بن جانبولاذ) (1)
إلى طرابلس فضبطها واستولى على غالب أموال من وجد هناك واستخرج دفائن كثيرة لأهلها ولم يستطع أن يملك قلعتها. وسار الأمير علي ومعه ابن معن إلى ناحية البقاع العزيزي من نواحي دمشق ومرا على بعلبك وخربا ما أمكن تخريبه منها واستقرا في البقاع وأظهرا أنهما يريدان مقاتلة عسكر الشام، ولم تزل العساكر الشامية ترد إلى دمشق حتى استقر في وادي دمشق الغربي ما يزيد على عشرة آلاف وتزاحف العسكران حتى استقر ابن جانبولاذ وابن معن في نواحي العراد وزحف العسكر الدمشقي إلى مقابلتهما، وكان ابن سيفا وصل إلى دمشق وأظهر التمارض ولم يرحل مع العسكر الشامي، واستمرت الرسل مترددة بين الفريقين ليصطلحا فلم يقدر لهم الاصطلاح وتزاحف الجيشان فتوهم ابن جانبولاذ من صدمة العسكر الشامي فشرع في تفخيذ أكابر العسكر عن الاتفاق وأوقع بينهم. ثم إنه أرسل إلى طائفة من أكابرهم فوردوا عليه في مخيمه ليلا وألبسهم الخلع وتوافقوا معه على أنهم ينكسرون عند المقابلة، وكان في جانب ابن جانبولاذ ابن معن وابن الشهاب أمير وادي التيم ويونس بن الحرفوش فطابت نفوسهم لملاقاة الشاميين وتقابل الفريقان في يوم السبت من أواسط جمادى الآخرة سنة خمس عشرة بعد الألف ولم يقع قتال فاصل بين الفريقين. ثم في صبيحة نهار الأحد وقف العسكر الشامي في المقابلة واقتتلا فما مرّ مقدار جلسة خطيب إلا وقد انفل العسكر الشامي حتى قال ابن جانبولاذ: العسكر الشامي ما قاتلنا وإنما قابلنا للسلام علينا. فلما ولى عسكر دمشق زحف ابن جانبولاذ حتى نزل بقرية المزة وكان نزوله في الخيام. وأما ابن معن فإنه كان ضعيف الجسد في هاتيك الأيام وكان نزوله في جامع المزة، وأصبحت أبواب البلد يوم الاثنين مقفلة(3/190)
هذا ما ذكره المؤرخ مصطفى نعيما في تاريخه، وأنت كما ترى قد اختصر حوادثه ووقائعه في الشام والعلامة المحبي قد بسط حوادثه ثمة، ثم ذكر بعد ذلك وقائعه مع السردار مراد باشا وانكساره أمامه وانهزامه إلى البلاد الرومية إلى أن قتل فقال: هو الأمير علي بن أحمد بن جانبولاذ بن قاسم الكردي القصيري، قد أكثر أهل التاريخ والمجاميع ممن لحقوا واقعته من ذكره وذكر ما فعله بدمشق وما جرى لحكام الشام وأهلها معه من الوقائع، وقد اخترت من ذلك ما أودعته في هذه الأوراق من مبدأ أمره إلى منتهاه، وأما ذكر أصله ومنزعه فجده جانبولاذ هذا كان يعرف بابن عربو وكان أمير لواء الأكراد بحلب، ولي حكومة المعرة وكلّز وعزاز وكان له صيت شائع وهمة علية. ومبدأ الأمير علي هذا أنه كان في طليعة عمره ولي حكومة العزيزي، وقد تقدم في ترجمة عمه حسين باشا أنه لما قتله الوزير ابن جغالة لتراخيه في أمر السفر الذي كان عين له خرج الأمير علي عن طاعة السلطنة وجمع جمعا عظيما من السكبانية حتى صار عنده منهم ما يزيد على عشرة آلاف ومنع المال المرتب عليه وقتل ونهب في تلك الأطراف ودبر على قتل نائب حلب حسين باشا وكان ولاه السلطان نيابتها ووصل إلى آذنة وكان بآذنة حاكم يعرف بجمشيد فكتب إليه ابن جانبولاذ أن يصنع له ضيافة ويقتله ففعل ونما خبره إلى الأقطار واستمر في حلب يظهر الشقاق إلى أن أرسل الأمير يوسف بن سيفا صاحب عكار إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميرا على عساكر الشام والتزم بإزالة الأمير علي من حلب، فجاءه الأمر على ما التزم وأرسل إلى عسكر دمشق وأمراء ضواحيها يطلبهم إلى مجتمع العساكر وهو مدينة حماة فتجمعوا هناك من كل ناحية وجاء ابن جانبولاذ إلى حماة وتلاقيا وتصادما، فما هو إلا أن كان اجتماعهم بمقدار نحر جزور فانكسر ابن سيفا وأتباعه ورجع بأربعة أنفار واستولى ابن جانبولاذ على
مخيمه ومخيم عسكر الشام، ثم إنه راسل الأمير فخر الدين بن معن أمير الشرف وبلاد صيدا وأظهر له أنه قريبه مع بعد النسبة فحضر إليه واجتمعا عند منبع العاصي وتشاورا على أن يقصدا طرابلس الشام لأجل الانتقام من ابن سيفا، فسار ابن سيفا في البحر وأخلى لهم طرابلس وعكار وأرسل أولاده وعياله إلى دمشق وأجلس مملوكه يوسف في قلعة طرابلس فتحصن بها وبعث ابن جانبولاذ (الأمير درويش بن حبيب بن جانبولاذ) (1)
إلى طرابلس فضبطها واستولى على غالب أموال من وجد هناك واستخرج دفائن كثيرة لأهلها ولم يستطع أن يملك قلعتها. وسار الأمير علي ومعه ابن معن إلى ناحية البقاع العزيزي من نواحي دمشق ومرا على بعلبك وخربا ما أمكن تخريبه منها واستقرا في البقاع وأظهرا أنهما يريدان مقاتلة عسكر الشام، ولم تزل العساكر الشامية ترد إلى دمشق حتى استقر في وادي دمشق الغربي ما يزيد على عشرة آلاف وتزاحف العسكران حتى استقر ابن جانبولاذ وابن معن في نواحي العراد وزحف العسكر الدمشقي إلى مقابلتهما، وكان ابن سيفا وصل إلى دمشق وأظهر التمارض ولم يرحل مع العسكر الشامي، واستمرت الرسل مترددة بين الفريقين ليصطلحا فلم يقدر لهم الاصطلاح وتزاحف الجيشان فتوهم ابن جانبولاذ من صدمة العسكر الشامي فشرع في تفخيذ أكابر العسكر عن الاتفاق وأوقع بينهم. ثم إنه أرسل إلى طائفة من أكابرهم فوردوا عليه في مخيمه ليلا وألبسهم الخلع وتوافقوا معه على أنهم ينكسرون عند المقابلة، وكان في جانب ابن جانبولاذ ابن معن وابن الشهاب أمير وادي التيم ويونس بن الحرفوش فطابت نفوسهم لملاقاة الشاميين وتقابل الفريقان في يوم السبت من أواسط جمادى الآخرة سنة خمس عشرة بعد الألف ولم يقع قتال فاصل بين الفريقين. ثم في صبيحة نهار الأحد وقف العسكر الشامي في المقابلة واقتتلا فما مرّ مقدار جلسة خطيب إلا وقد انفل العسكر الشامي حتى قال ابن جانبولاذ: العسكر الشامي ما قاتلنا وإنما قابلنا للسلام علينا. فلما ولى عسكر دمشق زحف ابن جانبولاذ حتى نزل بقرية المزة وكان نزوله في الخيام. وأما ابن معن فإنه كان ضعيف الجسد في هاتيك الأيام وكان نزوله في جامع المزة، وأصبحت أبواب البلد يوم الاثنين مقفلة
وقد خرج منها ابن سيفا وجماعته ليلا بعد أن اجتمع به قاضي القضاة بالشام
__________
(1) إضافة من «خلاصة الأثر» ليست في الأصل. (3/ 136)(3/191)
المولى إبراهيم بن علي الأزنيقي وحسن باشا الدفتري المقدم ذكرهما ولم يمكناه من الخروج حتى دفع إليهما مائة ألف قرش ليفتدوا بها الشام من ابن جانبولاذ، ثم خرج ومعه الأمير موسى بن الحرفوش، ولما بلغ الأمير ابن جانبولاذ خروجه غضب وقال أهل دمشق: لو أرادوا السلامة مني ما مكنوا ابن سيفا من الخروج وهم يعرفون أنني ما وردت بلادهم إلا لأجله، ونادى عند ذلك بالسكبانية أن يذهبوا مع الدروز جماعة ابن معن لنهب دمشق، فوردت السكبانية والدروز أفواجا إلى خارج دمشق وشرعوا في نهب المحلات الخارجة، فلما اشتد الكرب والحرب على المحلات وتلاحم القتال خاف العقلاء في دمشق فخرج جماعة إلى ابن جانبولاذ وقالوا له: إن ابن سيفا قد وضع لك عند قاضي الشام مائة ألف قرش وتداركوا له خمسة وعشرين ألف قرش أخرى كما وقع عليه معه الاتفاق من مال بعض الأيتام التي كانت على طريق الأمانة في قلعة دمشق وبعد ذلك أداها أيضا ابن سيفا كالمائة ألف، فلما تكلم الناس في الصلح طلب ابن جانبولاذ المال الذي وقع عليه الصلح على يد الدفتري وقال: إن جاءني المال في هذا الوقت رحلت، فحملوا له مائة ألف قرش وخمسة وعشرين ونادى بالرحيل عن المزة في اليوم الرابع من نزوله. واستمر النهب في أطراف دمشق ثلاثة أيام متوالية وكانوا يأخذون الأموال والأولاد الذكور ولم يتعرضوا للنساء.
ولما رحل ابن جانبولاذ ارتفع النهب عن المدينة وفتحت أبواب المدينة في اليوم الرابع فازدحم الناس على الخروج أفواجا أفواجا ودخل إليها من نهبت أسبابه من المحلات الخارجة فكانوا لا يعرفون لتغير أسبابهم ووجوههم، وابتدأت العساكر الهاربة تتراجع إلى دمشق ولم يبالوا بما صدر منهم من الفضيحة. ولما فارق ابن جانبولاذ دمشق سار على طريق البقاع وفارق ابن معن هناك ورحل إلى أن وصل إلى مقابلة حصن الأكراد وأقام هناك، وأرسل إلى ابن سيفا يطلب منه الصلح والمصاهرة فأجابه وأعطاه ما يقرب من ثلاث كرات من القروش وزوجه ابنته وتزوج منه أخته لابنه أمير حسين، ورحل ابن جانبولاذ من هناك إلى جانب حلب وجاءته الرسل من جانب السلطنة تقبح عليه ما فعل بالشام، فكان تارة ينكر فعلته وتارة يحيل الأمر على عسكر الشام، وشرع يسد الطرقات ويقتل من يعرف أنه سائر إلى طرف السلطنة لإبلاغ ما صدر منه حتى أخاف الخلق ونفذ حكمه من آدنة إلى نواحي غزة، وكان ابن سيفا ممتثلا لأمره غير تارك مداراة السلطنة واتفق معه على أن تكون حمص تحت حكم ابن سيفا.(3/192)
وكانت حماة وما وراءها من الجانب الشمالي إلى آدنة في تعلق ابن جانبولاذ وانقطعت أحكام السلطنة عن البلاد المذكورة نحو سنتين ووقعت الوحشة وانقطعت الطرقات إلى أن ولي الوزارة العظمى مراد باشا وكان سافر في ابتداء وزراته إلى الروم وأصلح ما بين السلطان وسلاطين المجر، فلما قدم عينه السلطان لدفع ابن جانبولاذ وبقية الخوارج مثل العبد سعيد ومحمد الطويل الخارجين في نواحي سيواس فقدم الوزير المذكور ومعه من العساكر الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف ما بين فارس وراجل، وكان كلما مرّ بقوم من السكبانية الخارجين يقتلهم حتى أزال السكبانية الخارجين ولم يبق سوى العبد سعيد والطويل محمد فإنهما حادا عن طريقه ولم يستطع لحاقهما ووصل إلى آدنة فخلصها من يد جمشيد الخارجي، ولما انفصل عن جسر المصّيصة إلى هذا الجانب تيقن ابن جانبولاذ أنه قاصده فجمع جموعه المتفرقة في البلاد حتى اجتمع عنده أربعون ألفا وخرج من حلب والوزير في بلاد مرعش (هو ذو الفقار باشا كما تقدم) وجزم بمقابلته، وكان الوزير في أثناء ذلك يراسله بالكلمات الطيبة طمعا في إصلاح أمره فلم يزدد إلا عتوا، ولما تلاقى الفريقان برز عسكر ابن جانبولاذ إلى المقاتلة يومين ولم يظهر لأحد الفئتين غلبة على الأخرى، ففي اليوم الثالث التحم القتال حتى كاد أن يكون عسكر البغاة غالبا، وكان من أعاجيب الأمر أن وزيرا يقال له حسن باشا الترياقي وكان من جملة العسكر السلطاني رتب عسكر السلطان وقال: قاتلوا البغاة إلى وقت الظهر فإذا حكم وقت الظهر فافترقوا فرقتين فرقة منكم تذهب لجانب اليمين وأخرى تذهب لجهة الشمال واجعلوا عرصة القتال خالية للأعداء وحدهم، وقد أخفى المدافع الكبيرة في مقابلة العدو وملأها بالبارود، فلما افترق عسكر السلطان ظن حزب ابن جانبولاذ أنهم كسروا فبالغوا في اتباع عسكر السلطان إلى أن كادوا يخالطونهم، فلما قربوا وخلت لهم عرصة القتال أطلقوا عليهم المدافع ولحقوهم بالسيوف إلى أن أزاحوهم عن خيامهم وكسروهم كسرة شنيعة وقتلوا منهم خلقا كثيرا وهرب ابن جانبولاذ إلى حلب ولم يقربها إلا ليلة واحدة، فوضع أهله وعياله وذخائره في قلعتها وخرج منها إلى أن ألجأه الهرب إلى ملطية وبقي الوزير يتبع أعوان ابن جانبولاذ فأبادهم قتلا بالسيف وجاء إلى حلب بالجنود فرأى قلعتها في أيدي بعض أعوان البغاة فرام محاصرتها فتحقق من فيها أن كل محصور مأخوذ، فطلبوا الأمان من الوزير فأنزلهم بأمانه وكانوا نحو ألف رجل وكان معهم نساء ابن جانبولاذ، وكان من أكابر الجماعة أربعة من رؤوس السكبانية فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل
الوزير فأشار إلى النساء بالكن في مكان معلوم وفرق الرجال على أرباب المناصب وطلع إلى القلعة ورأى ما بها من أموال ابن جانبولاذ وتحفه الغزيرة فضبط ذلك كله لبيت المال، ثم شرع يتجسس في حلب على الأشقياء وأتباعهم فقتل جملة من الأتباع، وهجم الشتاء ففرق العساكر في الأطراف وشتى هو في حلب.(3/193)
وكانت حماة وما وراءها من الجانب الشمالي إلى آدنة في تعلق ابن جانبولاذ وانقطعت أحكام السلطنة عن البلاد المذكورة نحو سنتين ووقعت الوحشة وانقطعت الطرقات إلى أن ولي الوزارة العظمى مراد باشا وكان سافر في ابتداء وزراته إلى الروم وأصلح ما بين السلطان وسلاطين المجر، فلما قدم عينه السلطان لدفع ابن جانبولاذ وبقية الخوارج مثل العبد سعيد ومحمد الطويل الخارجين في نواحي سيواس فقدم الوزير المذكور ومعه من العساكر الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف ما بين فارس وراجل، وكان كلما مرّ بقوم من السكبانية الخارجين يقتلهم حتى أزال السكبانية الخارجين ولم يبق سوى العبد سعيد والطويل محمد فإنهما حادا عن طريقه ولم يستطع لحاقهما ووصل إلى آدنة فخلصها من يد جمشيد الخارجي، ولما انفصل عن جسر المصّيصة إلى هذا الجانب تيقن ابن جانبولاذ أنه قاصده فجمع جموعه المتفرقة في البلاد حتى اجتمع عنده أربعون ألفا وخرج من حلب والوزير في بلاد مرعش (هو ذو الفقار باشا كما تقدم) وجزم بمقابلته، وكان الوزير في أثناء ذلك يراسله بالكلمات الطيبة طمعا في إصلاح أمره فلم يزدد إلا عتوا، ولما تلاقى الفريقان برز عسكر ابن جانبولاذ إلى المقاتلة يومين ولم يظهر لأحد الفئتين غلبة على الأخرى، ففي اليوم الثالث التحم القتال حتى كاد أن يكون عسكر البغاة غالبا، وكان من أعاجيب الأمر أن وزيرا يقال له حسن باشا الترياقي وكان من جملة العسكر السلطاني رتب عسكر السلطان وقال: قاتلوا البغاة إلى وقت الظهر فإذا حكم وقت الظهر فافترقوا فرقتين فرقة منكم تذهب لجانب اليمين وأخرى تذهب لجهة الشمال واجعلوا عرصة القتال خالية للأعداء وحدهم، وقد أخفى المدافع الكبيرة في مقابلة العدو وملأها بالبارود، فلما افترق عسكر السلطان ظن حزب ابن جانبولاذ أنهم كسروا فبالغوا في اتباع عسكر السلطان إلى أن كادوا يخالطونهم، فلما قربوا وخلت لهم عرصة القتال أطلقوا عليهم المدافع ولحقوهم بالسيوف إلى أن أزاحوهم عن خيامهم وكسروهم كسرة شنيعة وقتلوا منهم خلقا كثيرا وهرب ابن جانبولاذ إلى حلب ولم يقربها إلا ليلة واحدة، فوضع أهله وعياله وذخائره في قلعتها وخرج منها إلى أن ألجأه الهرب إلى ملطية وبقي الوزير يتبع أعوان ابن جانبولاذ فأبادهم قتلا بالسيف وجاء إلى حلب بالجنود فرأى قلعتها في أيدي بعض أعوان البغاة فرام محاصرتها فتحقق من فيها أن كل محصور مأخوذ، فطلبوا الأمان من الوزير فأنزلهم بأمانه وكانوا نحو ألف رجل وكان معهم نساء ابن جانبولاذ، وكان من أكابر الجماعة أربعة من رؤوس السكبانية فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل
الوزير فأشار إلى النساء بالكن في مكان معلوم وفرق الرجال على أرباب المناصب وطلع إلى القلعة ورأى ما بها من أموال ابن جانبولاذ وتحفه الغزيرة فضبط ذلك كله لبيت المال، ثم شرع يتجسس في حلب على الأشقياء وأتباعهم فقتل جملة من الأتباع، وهجم الشتاء ففرق العساكر في الأطراف وشتى هو في حلب.
وأما ابن جانبولاذ فإنه خرج من ملطية وسار إلى الطويل العاصي في بلاد أناطولي وأراد أن يتحد معه فأرسل إليه الطويل يقول له: أنت بالغت في العصيان وأنا وإن كنت مسمى باسم عاص لكني ما وصلت في العصيان إلى رتبتك، فرحل عنه بعد ثلاثة أيام وسار إلى العاصي المعروف بقرا سعيد ومعه ابن قلندر، ولما وصل إلى جمعية هؤلاء العصاة تلقوه وعظموه وحسنوا فعلته مع العساكر السلطانية وأرادوا أن يجعلوه عليهم رئيسا فشرط عليهم شروطا فما قبلوها، فاطمأن تلك الليلة إلى أن هجم الليل وأخذ عمه حيدر وابن عمه محمدا وخرج ولم يزل سائرا حتى دخل بروسه مع الليل وتوجه إلى حاكمها وأخبره بنفسه فتحير منه، ولما تحقق ذلك قال له: ما سبب وقوعك؟ فقال: ضجرت من العصيان وها أنا ذاهب إلى الملك فأرسلني إليه في البحر، فأرسله من طريق البحر، فلما دخل دار السلطنة أعلم به السلطان فقال: أحضروه، فلما حضر إليه قال له: ما سبب عصيانك؟ فقال له: ما أنا عاص وإنما اجتمعت عليّ فرق الأشقياء وما خلصت منهم إلا بأن ألقيتهم في فم جنودك وفررت إليك فرار المذنبين فإن عفوت فأنت لذلك أهل وإن أخذت فحكمك الأقوى، فعفا عنه وأعطاه حكومة طمشوار في داخل بلاد الروم (في بلاد المجر) ونجا بذلك ولم يزل على حكومتها إلى أن عرض له أمر أوجب قتاله لرعايا تلك الديار. ولزم أنه انحصر في بعض القلاع في بلاد الروم فعرض أمره إلى باب السلطنة الأحمدية فبرز الأمر بقتله وعدم إخراجه من تلك القلعة، فقتل وأرسل رأسه إلى باب السلطنة، وكان ذلك في حدود العشرين وألف اه.
أقول: وإلى مراد باشا ينسب الجسر الواقع في قضاء الريحانية بالقرب من بحيرة السمك المعروفة الآن بالكوله، ولعله هو الذي عمره أو أصلحه فنسب إليه.
سنة 1016
بعد أن استولى مراد باشا على حلب ولى عليها ديشنلك حسين باشا كما تقدم.(3/194)
سنة 1017
كان الوالي على حلب في هذه السنة ملك محمد باشا، ثم أمير أخور يوسف باشا كما في السالنامة.
سنة 1018 ذكر تولية حلب إلى كوجك سنان باشا
قال في خلاصة الأثر في ترجمة المذكور ما خلاصته: أن الوزير الأعظم مراد باشا لما أتى إلى الديار الحلبية لمحاربة ابن جانبولاذ استدعى من مصر نائبها كوجك سنان باشا وكان بينهما مودة أكيدة، فورد إليه في حلب وهو مخيم هناك فجعله بمجرد قدومه أمير الأمراء في بلاد قرمان، ثم توجه مع الوزير إلى توقات فولاه نيابة دمشق، وبعد عزله من دمشق أعطي كفالة حلب وتوفي بعد ذلك، والظاهر أن وفاته لم تتجاوز العشرين من هذا القرن بكثير.
ورأيت قطعة من ديوان لبعض شعراء الشهباء بخطه لم أعلم من هو فيها عدة قصائد مصدرة بقوله: (وكتبت بها ممتدحا حضرة سنان باشا الحاكم يومئذ بحلب وذلك في صفر من شهور سنة 1018ذاكرا لنصرته على عرب الشام):
قدومك للشهباء يا واضح البشر ... بدا للورى من طيه طيب النشر
وأشرقت الآفاق شرقا ومغربا ... بعدلك يا من عدله كوكب يسري
إلى حلب قد جئت فاخضرت الربا ... وأصبح وجه الأمن مبتسم الثغر
وفرجت ضيق النفس من بعد جهدها ... وقابلتها بالجبر في موقف الكسر
وأظهرت فينا سيرة العدل تبتغي ... من الله أوفى الأجرفي الطي والنشر
وأنت الذي أعطيت أعظم رتبة ... سمت فوق فرق الفرقدين مع النسر
وأصبحت ما بين الأنام مخصصا ... بتأييد رب العرش بالعز والنصر
ونلت من الرحمن فضلا ونعمة ... وإن نحصها جلت عن العد والحصر
رقيت إلى أوج المحامد صاعدا ... إلى ذروة العلياء من غاية الفخر
وحزت لأصناف الكمال بأسرها ... وأخلصت للرحمن في السر والجهر
تواضعت لما زادك الله رفعة ... وخصك منه مِنة رفعة القدر
فرأيك بالتوفيق واليمن مقرن ... وحكمك سيف الحق في النهي والأمر
لك المأثرات الغر يهدى بنورها ... وكشف دياجي الخطب يا واحد العصر
لقد جمعت فيك الفضائل والتقى ... فكل لسان ناطق لك بالشكر
فلا رتبة إلا وجاءت دليلة ... إليك تجر الذيل مظهرة الفقر
وكم عسكر قد فر منك منكسا ... على عقبيه بالهوان وبالخسر
ألست الذي بالأمس شتت جحفلا ... من العرب الطاغين في السهل والوعر
وأوردتهم من مورد الذل منهلا ... فأصدرتهم كأسا من الموت والأسر
وأوريت زند العزم يسطع نوره ... وواريتهم طي الثرى بالقنا السمر
وأرويت حد البيض من معظم الطلا ... وأشفيت غيظا كنَّ في داخل الصدر
وغادرتهم للطير طعما ومغنما ... على الأرض صرعى في المهامه والقفر
نهرتهم بالسيف في الحرب فانثنت ... دماؤهم كالنهر من عنقهم تجري
وقمت بأمر الحق تسحق فيهم ... فسحقا لأصحاب السعير أولي المكر
وشردتهم في البيد أيَّ هزيمة ... وشملهم المنظوم قد عاد في نثر
وأيدت بالنصر العظيم عليهم ... وذلك سرّ الله يا مظهر السر
وكم وقعة فرجتها عند ضيقها ... بحد سنان ضوءه كوكب دري
ودمت ترى في خير عز ورفعة ... وشأن على الأيام باق مدى الدهر
بجاه خيار الرسل من نسل هاشم ... وحرمة مولى العالم السيد الطهر
دواما فما غنى على الدوح ساجع ... وما غردت في الروض صادحة القمري(3/195)
قدومك للشهباء يا واضح البشر ... بدا للورى من طيه طيب النشر
وأشرقت الآفاق شرقا ومغربا ... بعدلك يا من عدله كوكب يسري
إلى حلب قد جئت فاخضرت الربا ... وأصبح وجه الأمن مبتسم الثغر
وفرجت ضيق النفس من بعد جهدها ... وقابلتها بالجبر في موقف الكسر
وأظهرت فينا سيرة العدل تبتغي ... من الله أوفى الأجرفي الطي والنشر
وأنت الذي أعطيت أعظم رتبة ... سمت فوق فرق الفرقدين مع النسر
وأصبحت ما بين الأنام مخصصا ... بتأييد رب العرش بالعز والنصر
ونلت من الرحمن فضلا ونعمة ... وإن نحصها جلت عن العد والحصر
رقيت إلى أوج المحامد صاعدا ... إلى ذروة العلياء من غاية الفخر
وحزت لأصناف الكمال بأسرها ... وأخلصت للرحمن في السر والجهر
تواضعت لما زادك الله رفعة ... وخصك منه مِنة رفعة القدر
فرأيك بالتوفيق واليمن مقرن ... وحكمك سيف الحق في النهي والأمر
لك المأثرات الغر يهدى بنورها ... وكشف دياجي الخطب يا واحد العصر
لقد جمعت فيك الفضائل والتقى ... فكل لسان ناطق لك بالشكر
فلا رتبة إلا وجاءت دليلة ... إليك تجر الذيل مظهرة الفقر
وكم عسكر قد فر منك منكسا ... على عقبيه بالهوان وبالخسر
ألست الذي بالأمس شتت جحفلا ... من العرب الطاغين في السهل والوعر
وأوردتهم من مورد الذل منهلا ... فأصدرتهم كأسا من الموت والأسر
وأوريت زند العزم يسطع نوره ... وواريتهم طي الثرى بالقنا السمر
وأرويت حد البيض من معظم الطلا ... وأشفيت غيظا كنَّ في داخل الصدر
وغادرتهم للطير طعما ومغنما ... على الأرض صرعى في المهامه والقفر
نهرتهم بالسيف في الحرب فانثنت ... دماؤهم كالنهر من عنقهم تجري
وقمت بأمر الحق تسحق فيهم ... فسحقا لأصحاب السعير أولي المكر
وشردتهم في البيد أيَّ هزيمة ... وشملهم المنظوم قد عاد في نثر
وأيدت بالنصر العظيم عليهم ... وذلك سرّ الله يا مظهر السر
وكم وقعة فرجتها عند ضيقها ... بحد سنان ضوءه كوكب دري
ودمت ترى في خير عز ورفعة ... وشأن على الأيام باق مدى الدهر
بجاه خيار الرسل من نسل هاشم ... وحرمة مولى العالم السيد الطهر
دواما فما غنى على الدوح ساجع ... وما غردت في الروض صادحة القمري
سنة 1019
في هذه السنة ولي حلب محمود باشا كما في السالنامة.
سنة 1024
في هذه السنة توفي العلامة الشيخ حسن البوريني الدمشقي شارح ديوان ابن الفارض، وله رحلة إلى حلب ذكرها المحبي في ترجمته في جملة مؤلفاته، وكان مجيئه إليها سنة خمس عشرة وألف جاءها حينما كان مخيما بها الوزير الأعظم مراد باشا وبشره أنه سيلي دمشق لرؤيا رآها، وكان الأمر كذلك كما تقدم، ذكر ذلك المحبي في ترجمة سنان باشا المذكور.(3/196)
سنة 1026
في هذه السنة ولي حلب قره قاش محمد باشا كما في السالنامة.
ذكر قتل الأمير حسين بن يوسف بن سيفا في حلب
قدمنا ذكر يوسف بن سيفا وأنه كان حاكم طرابلس وعكار وذكرنا وقائعه مع ابن جانبولاذ وأنه في آخر الأمر صاهره وأن ابن جانبولاذ زوج أخته لحسين ابن الأمير يوسف بن سيفا.
قال المحبي في ترجمته: ولي الأمير حسين بن يوسف بن سيفا في حياة والده كفالة طرابلس الشام ثم عزل عنها ثم وليّ كفالة الرها ثم تركها من غير عزل، وقدم حلب وكافلها محمد باشا قره قاش فحضر الأمير حسين لديه مسلما عليه فأكرمه واحترمه، ثم دعاه إلى وليمة فجاء مع جماعة قليلة فاحتاطت به جماعة قره قاش وأمرهم أستاذهم بالقبض عليه فمسكوه ورفعوه إلى القلعة مسجونا ووضع في مسجد المقام يحتاط به الحرسة، فبعث قره قاش إلى السلطان يخبره بذلك، وبلغ والده الخبر فبعث جماعته ووعد السلطان بمائة ألف قرش إن عفا عنه فلم يجبه إلى ذلك وبعث أمرا بقتله، فجاء الجلاد فقال بقلب جريء وجنان قوي: أيليق أن أكون من الباشوات ويقتلني الجلاد، ثم إنه أشار إلى رجل معظم من أتباع قره قاش أن يقتله وقال له: اصبر عليّ حتى أكتب مكتوبا إلى والدي وأوصيه بعض وصايا، فكتب ورقة أوصاه بأولاده وعزاه في نفسه، ثم صلى ركعتين واستغفر الله وقال:
رب إني ظلمت نفسي وعملت سوءا بجهالة فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، ووضع محرمة نفسه في عنقه وأمر ذلك الرجل بخنقه فخنقه وبكى عليه جماعة كثيرة لحسنه وكونه شابا، وكان شجاعا بطلا إلا أنه كان يبالغ في ظلم العباد. ثم أخرجت أمعاؤه ودفنت بتربة القلعيين وصبّرت جثته وأرسلت إلى والده فاستقبلها الرجال والنساء بالبكاء والصراخ والويل والثبور وصار يوم دخوله كيوم مقتل الحسين وقالت الغواني فيه المراثي يضربن وقت إنشاد أشعار مقتله بالدف بصوت حزين.
حكى قره قاش: إني كنت في خدمة السلطان أحمد وقد خرج إلى الصيد فعرضوا عليه طيور الصيد ثم جاؤوه بطير عظيم لا نظير له فتعجب منه وقال: من بعث هذا؟
قالوا: عبدك حسين باشا بن سيفا أمير الأمراء بطرابلس، فقال السلطان: آه آه آه من
خيانة مماليكي الأمر لله إلى هذا الحين هذا الكافر بالحياة، فأسرها قره قاش في نفسه وصاده بطيره، وكان قتله في رابع عشري شهر ربيع الأول سنة ست وعشرين وألف وعمره قريب من الثلاثين رحمه الله تعالى اه.(3/197)
قالوا: عبدك حسين باشا بن سيفا أمير الأمراء بطرابلس، فقال السلطان: آه آه آه من
خيانة مماليكي الأمر لله إلى هذا الحين هذا الكافر بالحياة، فأسرها قره قاش في نفسه وصاده بطيره، وكان قتله في رابع عشري شهر ربيع الأول سنة ست وعشرين وألف وعمره قريب من الثلاثين رحمه الله تعالى اه.
أقول: لعل قره قاش هذا هو الظالم المشهور الذي يضرب بظلمه المثل إلى يومنا هذا فيقول الناس: (هذا حكم قره قاش) يقولونها كلما رأوا مسألة حكم بها الحاكم بغير حق أو أجحف في الحكم وكلما عامل وال من الولاة أو أمير من الأمراء أحدا من الرعية معاملة سيئة فظيعة نسأله تعالى إصلاح الراعي والرعية بمنّه وكرمه.
سنة 1031 ذكر تولية حلب لمحمد باشا
في السالنامة أن قره قاش محمد باشا تولى حلب من سنة 1026إلى سنة 1040، وهذا سهو ويستبعد أن يلي وال هذه المدة. وقد رأيت في خلاصة الأثر أنه وليها في سنة إحدى وثلاثين وألف الوزير محمد باشا وقال في ترجمته: إنه كان ظالما، وبعد أن عزل عن حلب ولي مدينة آدنة وأساء الحكم فيها حتى حرج على البضائع كلها فلا يبيعها جلابها إلا لمن عيّنه من جماعته ثم تباع للسوقة بعد ذلك، ثم ذكر أن وفاته كانت سنة ثلاث وثلاثين وألف ولم نعثر على من وليها بعد قره قاش محمد باشا إلى سنة 1040على غير الوزير محمد باشا كما قدمناه.
ثم رأيت في قاموس الأعلام في ترجمة كورجي محمد باشا أنه وجهت عليه رتبة الوزارة سنة 1037وعيّن واليا على دمشق ثم ديار بكر ثم حلب ثم الشام ثم أرضروم، ثم في سنة 1061أودع إليه ختم الصدارة، وبعد سنة 1040إلى سنة 1061ليس في السالنامة من تسمى بمحمد، فيغلب على الظن أن ولايته لحلب كانت في سنة تسع وثلاثين وألف وعزل عنها ثم ولي مرتضى نوغاي باشا.
سنة 1040
في هذه السنة كان الوالي في حلب مرتضى نوغاي باشا وبقي إلى سنة 1043 كما في السالنامة.(3/198)
سنة 1042 ذكر الطاعون في هذه السنة
في هذه السنة صار طاعون في حلب صار الغاسلون لا يتفرغون للغسل، وكذلك الحمالون والحفارون، وبلغ أجرة الحمل دينارا ويحمل الميت أهله وجيرانه ومعارفه، وكان الإنسان إذا خرج من بيته لا يرى سوى الجنائز على عرض الطريق ما عدا من وضعوا للصلاة عليهم وما عدا من يجهزون وما عدا المرضى، وكان يخرج من باب واحد من أبواب البلد أثناء شدته ألف جنازة وأزيد، وخرج في يوم واحد ألف وثمانمائة جنازة اه. من رسالة في كراستين بقلم السيد عبد الله بن قاسم الفنصاوي الحلبي المتوفى أواسط القرن الثاني عشر. قال في الكراسة الأولى: الباب الأول في الطاعون وفيه سبعة أبحاث ذكرها، ثم قال: السابع فيما وقع منه في البلاد والآفاق.
وقال في الكراسة الثانية: الباب الثاني في الغلاء والرسالة لا أول لها ولا آخر وهي بخطه.
الكلام على الرخام المفروش في صحن الجامع الأموي
قال في كنوز الذهب: وأما الرخام المفروش في وسط صحنه فالأصفر منه قطع من معدن بعادين خارج حلب من شماليها، وبعادين والعافية من منتزهات حلب، وقد خرج إلى بعادين والعافية البليغ المعري المذكور في وقائع الفرنج في نصر ابن صالح مع أقوام من أهل حلب فتعب فأنشد:
يا فرجة ما مر بي مثلها ... عدمت فيها العيشة الراضية
زرت بعادين ولكنني ... عدمت في العافية العافيه
وهذا المعدن لا يوجد إلا في حلب ومنه ينقل إلى سائر البلاد كدمشق والقاهرة، وأما الحجر الأسود فإنه قطع من الأحصّ من معدن هناك وهو غاية في حسن التركيب والجودة والأشكال المختلفة، والشكل الذي قدام باب الجامع الشرقي إلى نحو القبلة هو صفة مدينة النحاس (هكذا قال) فإذا دخلت من باب من أبوابه لا يمكنك أن ترجع إليه في غير الطريق الذي دخلت منه، وهذا الرخام الموجود في سنة أربع وسبعين وثمانمائة الذي
تكلمنا غير الرخام القديم بل هو رابع ترخيم وضع فيه لأن رخامه القديم نقل كما تقدم والمتجدد بعده غير ما مرة تكسر من التتار وهو باق تحت هذا الراخام اه.(3/199)
يا فرجة ما مر بي مثلها ... عدمت فيها العيشة الراضية
زرت بعادين ولكنني ... عدمت في العافية العافيه
وهذا المعدن لا يوجد إلا في حلب ومنه ينقل إلى سائر البلاد كدمشق والقاهرة، وأما الحجر الأسود فإنه قطع من الأحصّ من معدن هناك وهو غاية في حسن التركيب والجودة والأشكال المختلفة، والشكل الذي قدام باب الجامع الشرقي إلى نحو القبلة هو صفة مدينة النحاس (هكذا قال) فإذا دخلت من باب من أبوابه لا يمكنك أن ترجع إليه في غير الطريق الذي دخلت منه، وهذا الرخام الموجود في سنة أربع وسبعين وثمانمائة الذي
تكلمنا غير الرخام القديم بل هو رابع ترخيم وضع فيه لأن رخامه القديم نقل كما تقدم والمتجدد بعده غير ما مرة تكسر من التتار وهو باق تحت هذا الراخام اه.
تجديد بلاطه في هذا العام:
وفي هذه السنة جدد بلاط الجامع الأعظم رجل يقال له زين الدين بك، وفي ذلك يقول بعضهم:
صاحب الخيرات زين الدين بك ... مذ تحقق أن إلى الله المصير
أنبل الخيرات في شهبائنا ... جاره الرحمن من حر السعير
زين الجامع في ترخيمه ... جاء في تاريخه خير كثير
1042 - وقال الشيخ أبو الوفا العرضي مؤرخا له أيضا بقوله:
قد زان زين الدين ماجده عصره ... آثار خير للقيامة باقيه
أنشا لجامعنا الكبير بلاطه ... لله مولاه بنفس راضيه
وبنى لنا الحوضين يجرى منهما ... للمسلمين عيون ماء جاريه
هذا له يوم الحساب ذخيرة ... وذخائر الأعمال تبقى زاكيه
لقبولها نادى البشير مؤرخا ... صدقات زين الدين يهنا جاريه
1042 - وهذا البلاط باق إلى يومنا هذا وهو من أحجار ملونة رصفت ترصيفا محكما، وإذا نظرت إليه من أعلى منارة الجامع أراك منظرا لطيفا حسنا.
سنة 1043 مجيء السردار محمد باشا وقتله مرتضى نوغاي باشا وتولية حلب إلى أحمد باشا
قال مصطفى نعيما: في جمادى الآخرة من هذه السنة وصل إلى الديار الحلبية السردار محمد باشا فاستقبله بالقرب من قلعة بغراس والي حلب نوغاي باشا، واستقر السردار بحلب فرأى من نوغاي باشا توانيا وتساهلا في القبض على بعض المفسدين
المستحقين للإعدام، فجمع السردار أكابر الشهباء وأعيانها في ديوان دار الحكومة على حسب القانون المرعي في الآستانة في أمثال هذه الأمور وتذاكر معهم فيما تحقق من نوغاي باشا من التقصير في وظيفته فقرروا معه أن ينهي بذلك إلى الآستانة، فجاءه الأمر بقتل نوغاي باشا وكلف أن يكون هو المنفذ لحكم الإعدام عليه فنفذه بالرغم عمّا كان من نوغاي باشا من الخدمات السابقة للدين والدولة وبالرغم عن حسن إدارته ودرايته، وأرسل رأسه إلى الآستانة، ثم عيّن واليا بعده على حلب أحمد باشا مع الإنعام عليه برتبة الوزارة.(3/200)
قال مصطفى نعيما: في جمادى الآخرة من هذه السنة وصل إلى الديار الحلبية السردار محمد باشا فاستقبله بالقرب من قلعة بغراس والي حلب نوغاي باشا، واستقر السردار بحلب فرأى من نوغاي باشا توانيا وتساهلا في القبض على بعض المفسدين
المستحقين للإعدام، فجمع السردار أكابر الشهباء وأعيانها في ديوان دار الحكومة على حسب القانون المرعي في الآستانة في أمثال هذه الأمور وتذاكر معهم فيما تحقق من نوغاي باشا من التقصير في وظيفته فقرروا معه أن ينهي بذلك إلى الآستانة، فجاءه الأمر بقتل نوغاي باشا وكلف أن يكون هو المنفذ لحكم الإعدام عليه فنفذه بالرغم عمّا كان من نوغاي باشا من الخدمات السابقة للدين والدولة وبالرغم عن حسن إدارته ودرايته، وأرسل رأسه إلى الآستانة، ثم عيّن واليا بعده على حلب أحمد باشا مع الإنعام عليه برتبة الوزارة.
اه.
ذكر فتنة اليكيجرية في حلب في هذه السنة
قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة من تاريخه: يوم الاثنين في الثاني والعشرين من شهر شعبان من هذه السنة اجتمع نحو خمسمائة إنسان بتحريك بعض المفسدين من اليكيجرية وطلبوا عزل زعيمهم كوسا محمد آغا اليكيجري وكتخداه وكاتبه بدعوى عدم قبض رواتبهم، ثم جاؤوا إلى بيت الآغا المذكور وهجموا على بيته وصاروا يرمونه بالنشاب قائلين: لا نريد الآغا المذكور، فأطل عليهم غلمانه من النوافذ وأجابوهم:
إنّا أيضا لا نريدكم، ثم جاؤوا أيضا إلى بيت الكتخدا ونادوا بمثل ذلك فأجابهم هذا بعين جواب أولئك، فتوجهوا إلى بيت الوالي وأفادوه أنهم لا يريدون الكوسا محمد آغا ولا كاتبه، فوعدهم خيرا وأنه سينظر في هذا الأمر فلم يرتدعوا وظلوا على تمردهم، فعند ذلك أرسل الآغا من طرفه رئيس الجلاوزة (الجاويشية) ومحضر آغا فصارا يلاطفانهم بالكلام فلم يجد ذلك شيئا، وكذلك الوالي أرسل رسلا من طرفه لإخماد ثائرتهم فلم يفد وأصروا على طلبهم وهو عزل الكوسا محمد آغا وكتخداه وكاتبه بحجة أنه قتل منهم أربعة رجال. والآغا حينما بلغه إصرارهم اضطر إلى مغادرة حلب منهزما إلى الآستانة، وحينما علموا بفراره طلبوا من الوالي إرجاعه وتسليمه لهم وعلا الضجيج منهم فغضب لذلك الوالي وأمر بالإيقاع بهم فصار بينهم وبين جماعة الوالي مصادمات قتل فيها منهم خمسون وجرح كثيرون وفر الباقون.
فعند ذلك أتى لفيف من الأهالي إلى الوالي واعتذروا إليه عما كان من هؤلاء وأنه لا علم لهم ولا رضى بذلك وأكدوا له قولهم بالأيمان المغلظة وصوبوا رأيه بالإيقاع بهم. ثم إن الوالي أخذ يستقصي مثيري هذه الفتنة من المجروحين وكتب أسماءهم وآخر الأمر أعدمهم.(3/201)
وأما الكوسا محمد آغا وكتخداه وكاتبه فإنهم وصلوا إلى قسطنطينية وقابل الكوسا الحضرة السلطانية وعدد له سابق خدماته للدولة وما كان منه حينما نصب السلطان وذكر مجيئه ذلك الحين إلى حلب وتهدئته لأمورها، إلا أن ذلك لم يجده شيا وبرز الأمر بقتله لقتله كثيرا من الناس الأبرياء في حلب وغيرها فقتل ولقي جزاء أعماله.
شيء من أحوال سلطان ذلك العصر السلطان مرادخان
استوى السلطان المذكور على عرش السلطنة العثمانية سنة اثنتين وثلاثين وألف وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر، وتوفي سنة تسع وأربعين وألف فتكون مدة سلطنته سبع عشرة سنة.
قال في خلاصة الأثر في ترجمته: وحكى بعض المتقربين إلى السلطان مراد أنه خرج ليلة من الحرم وما عليه إلا ثياب المنام، قال: وكانت ليلة شديدة الثلج وأمر بفتح باب السراي السلطاني وخرج منه فتسارع الخدمة إليه وكنت أنا من جملتهم، فصحبت معي فروتين من فرى السلطان وتبعناه فانتهى إلى البحر وطلب زورقا وركب وركبنا وما زال إلى أن أشار إلى الملاح بأن ينحو إلى أسكدار، ثم خرج منها إلى التربة المشهورة في طرفها الآخذ إلى أناطولي فاستقر تحت شجرة ثمة ووقفنا معاشر الخدمة وكنا نشاهد منه غاية التضجر حتى إن بخار الحرارة ليتصعد من وجهه لشدة ما عنده من الانزعاج، ثم بعد حصة أشار إليّ وقال: انظر هذين الشبحين اللذين لاحا من بعيد أدركهما وسلهما من أين أقبلا، قال: فأدركتهما وسألتهما فقالا: مقدمنا من حلب، فقلت لهما: السلطان طلب أن يراكما وهو جالس هناك، وأشرت إليه فأسرعا إلى أن وقفا قدامه وقبلا الأرض ثم قال لهما: ما الذي جاء بكما؟ فقالا: معنا رؤوس أقوام من الطغاة قتلوا بحلب، فأمرهما بإخراج الرؤوس، فحين وقع بصره عليها انصرف عنه ما كان يجد من التلهب وطلب فروا فوضعنا عليه ما كان معنا من فرى وغيرها وهو يشتكي البرد، ثم نهض وأسرع إلى السراي التي بأسكدار وقال: إني مذ أويت إلى الفراش في ليلتي هذه أخذتني الفكرة في أمر هؤلاء المقتولين وتحصيلهم فلم أملك نفسي أن نهضت من مرقدي وجرى ما جرى اه.
أقول: ولعل هذه الرؤوس هي رؤوس مثيري فتنة اليكيجرية في هذه السنة وقد تقدم أن الوالي أحمد باشا تتبعهم وقبض عليهم وآخر الأمر أعدمهم، إذ لم نطلع على فتنة أثناء سلطنة السلطان مراد غير الفتنة التي قدمنا ذكرها.(3/202)
ذكر منع السلطان مراد خان في جميع ممالكه تعاطي شرب الدخان
قال العلامة الدحلاني في تاريخه «خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام»: كان أول ظهور شجرة الدخان سنة تسعمائة وتسع وتسعين، وقد أرّخ ذلك بعض الفضلاء بقوله:
يا سائلي عن الدخان أجبني ... هل له في كتابنا إيماء (1)
قلت ما فرط الكتاب بشيء ... ثم أرخت يوم تأتي السماء
99913281156 - قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة سنة 1043: وقد كان درويش باشا ونصوح باشا في زمن سلطنة السلطان أحمد الذي تولى السلطنة سنة 1012قد ناهضا فكرة تناول الدخان واستعمال القهوة وسدا هذا الباب، إلا أن ذلك لم يطل كثيرا وعاد الناس إلى ما كانوا عليه.
وفي هذه السنة حصل حريق عظيم في قسطنطينية وعلى أثره كثر اللغط والقيل والقال عن أسباب تلك المصيبة العظمى، وكانت المساوي في القهاوي قد انتشرت وعمت وطمت، فخشية من وقوع فتنة يستطير شررها صدر أمر السلطان مراد خان بإغلاق جميع الأماكن التي يتعاطى فيها شرب الدخان والقهوة على شرط أن لا تفتح فيما بعد مطلقا، وأرسل بهذا الأمر إلى جميع الممالك العثمانية فعطلت فيها القهاوي أيضا وأشرفت على الخراب مع تمادي الزمن، وبقي ذلك إلى زمن السلطان محمد خان ابن السلطان إبراهيم خان فعاد أرباب الفساد في أوائل سلطنته إلى ما كانوا عليه، وشمل ذلك جميع الممالك العثمانية إلا دار السلطنة فإن أماكن القهوة بقيت مغلقة فيها.
وبعد أن أغلقت أماكن القهوة في زمن السلطان مراد أصدر أوامره بمنع شرب الدخان المسمى بالتوتون والتنباك وأن من يتناوله يقتل سياسة، وأخذ العلماء والوعاظ يعظون الناس ويردعونهم عن تعاطيه ويحذرونهم عواقب مخالفة الأوامر السلطانية، إلا أن البعض من الناس لم يرتدعوا بذلك وظلوا مصرين على شربه.
ثم بلغ المسامع السلطانية أن الحريق العظيم الذي حصل قريبا ما كان سببه إلا هؤلاء الفسقة الذين يغشون أماكن القهوة ويتناولون فيها، فصدر عندئذ الأمر السلطاني بتخريب أماكن القهوة وحولت تلك الأمكنة إلى بيع الجلود وصنع الأخذية.
__________
(1) صدر البيت مكسور على هذه الصورة، وصوابه: سألوني عن الدخان وقالوا.(3/203)
واهتم السلطان مراد أشد الاهتمام في منع تعاطي الدخان وإزالته من جميع ممالكه وشدد النكير على من يتناوله، لكنما كان بقدر ما يشدد كان الناس يتهافتون على شربه عملا بما قيل (المرء حريص على ما منع). وقد اشتهر أن السلطان مراد قتل كثيرا من الناس الذين كانوا يتعاطون شرب الدخان، ويحكى عنه أنه كان يتجول خفية في شوارع الآستانة فمن وجده وليس معه مصباح قتله في الحال، وربما كان يأتي إلى بعض المنازل ليلا ونهارا فمن وجده يتعاطى شرب الدخان قتله، ووصل في الزجر عن الدخان إلى درجة أن الناس لا يتجاسرون على شربه لا ليلا ولا نهارا إلا إذا خرج أحدهم إلى الصحراء. ومن جملة ما يحكى عنه في هذا الباب أن ابن إمام محلة خواجا باشا وهو رجل شاب في مقتبل العمر تأخر ليلة في الجامع ولقرب بيته من الجامع لم يستصحب معه مصباحا فخرج من الجامع قاصدا بيته، فصادف خروجه مرور السلطان مراد من هذا المكان فقال له: أما بلغك أوامري؟ فتلعثم الإمام في الكلام وقتله السلطان مراد، وكان كل يوم يرى في بعض أزقة قسطنطينية عدة من القتلى، واتصل بمسامع السلطان مراد أن في أدرنة قهوة لا زالت مفتحة الأبواب يتعاطى فيها الدخان، فأرسل بستانجي باشا وأصحبه بأوامره المتضمنة خرب القهوة وصلب صاحبها، فجاء هذا إلى أدرنة ونفذ الأمر وقتل غير واحد من الناس الذين لم يمتثلوا الأمر السلطاني القاضي بمنع تعاطي الدخان.
والسلطان مراد ناله كلفة عظيمة ومشقة شديدة في مناهضة شاربي الدخان، وما كان قصده إظهار سطوته وتأييد سلطنته بل كان قصده ردع هؤلاء الأسافل وتأديب هؤلاء الأشقياء الذين انغمسوا في مستنكر الأمور ومستقبح الأخلاق وإرجاعهم إلى الخطة المثلى وقطع دابر الفساد والفجور الذي انتشر بين العامة، ولذلك كان أهل العقول وذوو الأخلاق الفاضلة وأرباب الاطلاع يحبذون أعمال السلطان ويرون أنها في محلها اه.
وقال العلامة المحبي في ترجمة السلطان المذكور: ومن أعماله تبطيله القهوات في جميع ممالكه والمنع عن شرب التبغ بالتأكيدات البليغة وله في ذلك التحريض الذي ما وقع في عهد ملك أبدا اه.
رأي العلامة الدحلاني في شرب الدخان
قال في خلاصة الكلام في الكلام على إمارة الشريف مسعود أمير مكة في أواسط القرن الثاني عشر: ومما كان في دولة مولانا الشريف مسعود أنه منع الناس من التظاهر
بشرب الدخان فرفع من القهاوي والأسواق وصار حاكمه يقبض على من يراه عنده من الأطواق، فقيل إنه كان يعتقد فيه التحريم، وقيل إن فعله هذا لا ينشأ عن تحريم ولا تحليل وإنما لما تظاهر الناس بشربه في الشوارع وتعاطاه الأراذل والأسافل ولا يرفعونه إذا مرّ عليهم شريف أو عالم أو فاضل فأمر بعدم التظاهر بشربه لذلك.(3/204)
قال في خلاصة الكلام في الكلام على إمارة الشريف مسعود أمير مكة في أواسط القرن الثاني عشر: ومما كان في دولة مولانا الشريف مسعود أنه منع الناس من التظاهر
بشرب الدخان فرفع من القهاوي والأسواق وصار حاكمه يقبض على من يراه عنده من الأطواق، فقيل إنه كان يعتقد فيه التحريم، وقيل إن فعله هذا لا ينشأ عن تحريم ولا تحليل وإنما لما تظاهر الناس بشربه في الشوارع وتعاطاه الأراذل والأسافل ولا يرفعونه إذا مرّ عليهم شريف أو عالم أو فاضل فأمر بعدم التظاهر بشربه لذلك.
وللعلماء في الدخان أقاويل بين تحريم وتحليل ويلزم القائلين بالتحريم تفسيق المسلمين بالتعميم حيث كانوا إما شاربا أو في بيته من يشرب أو مشاهدا، فما خرج أحد من الثلاث عن واحد فحينئذ لا يوجد في المسلمين عدل خصوصا والعدالة شرط في شهود النكاح، ويترتب على هذا أن الأنكحة على بعض المذاهب سفاح وهذا حرج عظيم وخطب جسيم مع أن القائلين بالتحريم لا مستند لهم صريح من الكتاب والسنة وإنما ذلك بمحض الأقيسة المجهولة المحتملة مع أن البلوى به عامة بين الأشراف والعلماء والعامة.
وبعض العلماء توقف عن الإفتاء فيه بتحريم أو تحليل وكتب في جواب سئال سئل فيه عنه بقول الله تعالى {وَلََا تَقُولُوا لِمََا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هََذََا حَلََالٌ وَهََذََا حَرََامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللََّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللََّهِ الْكَذِبَ لََا يُفْلِحُونَ}.
أقول: إنا وإن لم نقل بحرمته نظرا لما يلزم من القول بذلك ما قاله العلامة الدحلاني لكن لم يبق شك ولا ريب في ضرره الجسيم للأجسام حالا أو مآلا، وأطباء العصر في كل قطر قد أجمعوا على ذلك، والضرر كما قال الفقهاء يجب أن يزال ولو قديما واستعمال الشدة في منعه وإزالته كما فعله السلطان مراد لا تجدي شيئا، وأرى أن خير مقاوم له هو المدرسة ومنابر الجوامع والكنائس وكراسي الوعاظ وإن طال الزمن بشرط أن يكون الناهي عنه والمبين لمضاره غير مبتلى به عملا بما قيل: (لا تنه عن خلق وتأتي مثله).
والحمد لله الذي عافانا وحمانا من تناوله من حين نشأتنا ولله المنة والفضل.
سنة 1045
قال مصطفى نعيما: في هذه السنة عيّن واليا على حلب ابن أمير كونه يوسف باشا وبقي في الولاية شهرين ثم عزل وأعيد إليها أحمد باشا السابق.(3/205)
سنة 1048 مرور السلطان مراد من حلب قاصدا بغداد لفتحها
قال مصطفى نعيما: في ثامن شوال يوم الأربعاء سنة 1047خرج السلطان مراد خان من مقر سلطنته قسطنطينية قاصدا بغداد لمحاربة شاه العجم واستخلاص بغداد منه، وكان وصوله إلى حلب حادي عشر ربيع الأول من سنة ألف وثمانية وأربعين، وأقام فيها ستة عشر يوما، ولما كان فيها جاءت عساكر مصر وانضمت إلى ما معه من الجيوش وعزل وهو في حلب قاضيها كبيري محمد أفندي وولى مكانه حسن كتخدا زاده أمير حلب، وفي السادس والعشرين من ربيع الأول غادر حلب قاصدا حيلان ومنها إلى مرج دابق وهو المكان الذي التقى فيه السلطان سليم خان بالسلطان قانصوه الغوري ملك مصر، ثم توجه منه قاصدا بغداد وأدى الحال إلى فتح بغداد وإنقاذها من شاه العجم.
قال العلامة الدحلاني في تاريخه الفتوحات الإسلامية في الكلام على فتح بغداد: في سنة ثمان وأربعين وألف تجهز مولانا السلطان مراد وتوجه لفتح بغداد ومعه مائة ألف مقاتل، ثم تتابعت الجنود حتى بلغت ثلاثمائة ألف، ولما خرج من دار السلطنة كان لابسا لبس العرب القدماء وعلى رأسه خوذة من الفولاذ اللامع محاطة بشال أحمر مسدولة أطرافه على أكتافه.
قال المحبي في ترجمة والده فضل الله بن محب الله: سافر والدي إلى حلب لما قدم إليها شيخ الإسلام المولى يحيى بن زكريا في خدمة السلطان مراد في سنة ثمان وأربعين وألف وألّف في سفرته هذه رحلته الحلبية اه.
ضرب النقود الفضية في حلب
ووجدت عند بيت المركوبلي قطعة فضية أصغر من ربع المجيدي مكتوبا على طرفها الواحد: [مراد ابن أحمد] وعلى الثاني: [دام ملكه ضرب في حلب سنة 48] وقدمنا في حوادث سنة 929ضرب النقود الذهبية في حلب.
سنة 1049
في هذه السنة توفي السلطان مراد خان وارتقى على عرش السلطنة العثمانية أخوه السلطان إبراهيم خان ابن السلطان أحمد خان.(3/206)
سنة 1050
في هذه السنة كان الوالي في حلب حسين باشا ابن نصوح باشا كما في السالنامة.
سنة 1053
في هذه السنة كان الوالي في حلب سياوس باشا، ثم عزل وولي عثمان باشا جفته لري كما في السالنامة.
سنة 1054 تعيين إبراهيم باشا السلحدار وفتنة الأمير عساف رئيس عربان الديار الحلبية
قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة ما ترجمته: حينما توجه السلطان إبراهيم خان إلى أدرنة بقصد الفرجة أسند وهو هناك ولاية حلب إلى إبراهيم باشا السلحدار، فتوجه إليها وأخذ في ضبط أمورها وتدبير شؤونها.
وكان في ذلك الحين رئيس العربان الأمير عساف يعيث في الأرض فسادا ويتسلط هو وعربانه على القرى بالسلب والنهب وكان قمع ثائرته من الأمور المتعسرة على الدولة وعزله عن هذه الزعامة كذلك، فأخذ إبراهيم باشا في تدبير حيلة يستولي بها عليه فأرسل إليه رجلا من خواصه يدعوه إلى حضور ضيافته، لكن الأمير عساف لم يكن مطمئن الجانب من إبراهيم باشا خصوصا والرسول لم يكن ممن يثق بكلامه من أعيان حلب، فلم يجب الدعوة وأجاب القاصد أنه لتعوده على خشونة البداوة لا يرغب الدخول إلى الحاضرة ويرجو لهذا أن يعفى من إجابة دعوة الباشا وحضور ضيافته، وأرسل خيلا كريمة إلى الباشا واعتذر بأن تقرب عربانه من ديار حلب لا يوافق المصلحة. ولما لم يفد هذا التدبير شيئا أحضر إبراهيم باشا رجلا من أعيان حلب اسمه (دالي قورد) وذاكره في شأن الأمير عساف فقال له: إن العربان لا تأتي إلى الحواضر والرأي عندي أن تدعوه إلى مكان يكون بعيدا عن الحاضرة مقدار مرحلة، فوافقه على ذلك وفوّض إليه الأمر فتوجه هذا إليه ودعاه فأتى هو وعشائره إلى مكان يبعد خمس ساعات عن حلب، وقد أرسل الباشا لوازم الضيافة إلى هذا المكان
وكثير من أهالي حلب توجهوا زمرا زمرا بدعوة من الباشا إلى ذلك المكان بأبهة عظيمة، لكن (دالي قورد) جاء سحرا إلى إبراهيم باشا قبيل توجهه وقال له: يا حضرة الباشا إن كان فكرك قتل ملك الصحراء في هذه المرة فإن ذلك محال لأني قد أعطيته أمانا وعهودا وثيقة أنك لا تتعرض له بسوء، ثم إن الغفلة التي كانت في العربان قد زالت في هذا الزمان وأصبحوا الآن يعلمون من أدنى حكرة وإشارة ماذا يراد بهم من الخدع، والأمير عساف لا يأتي بقليل من أتباعه بل يأتي بجميع قبائله فإذا لمح منكم أدنى مكروه تقصدونه به فإنه ينادي النفير وحينئذ لا ينتظر أنكم تظفرون به بل الغالب أن النصر يكون بجانبه، وإذا عولت على الإيقاع به فإن عساكرك غير مدربة وعساكر الأمير متعودة على الحرب، وأيضا فإنا إذا عاملنا هذا الرجل معاملة سيئة وغدرنا به بعد أن أعطيناه العهود والمواثيق فإن جميع العربان في هذه الأقطار الشاسعة لا تأمن لنا بعد الآن ولا تثق بعهودنا وتعتبرها من خونة العهود وتضعف شوكة نفوذها وسلطتنا عليهم والأمر إليك. فوعده الباشا خيرا وطمن قبله ثم خرج الباشا من الشهباء إلى المكان الذي أعد للاجتماع بملك الصحراء وإقامة الضيافات له، وخرج معه قسم من العساكر وهي مسلحة بالبنادق، فحضر عساف ملك الصحراء ومعه أزيد من ستة آلاف فارس من عشائره بالعدد التامة من الرماح والسيوف. ومن عادة العرب أنهم أينما ساروا يسيرون معهم آلافا من الدروع الداوودية محملة على الجمال مع كل مقدم من مقدميهم خشية طارق يطرق عليهم، ومن عادتهم حمل بيوت من الشعر من جملتها بيت كبير عظيم يجتمع فيه كبراؤهم ويتشاورون فيه في مهامهم ويقضون ويمضون وهو لديهم بمنزلة الديوان في الحواضر، فهذه الدروع وهذه البيوت شعار دولتهم وعظمتهم.(3/207)
وكان في ذلك الحين رئيس العربان الأمير عساف يعيث في الأرض فسادا ويتسلط هو وعربانه على القرى بالسلب والنهب وكان قمع ثائرته من الأمور المتعسرة على الدولة وعزله عن هذه الزعامة كذلك، فأخذ إبراهيم باشا في تدبير حيلة يستولي بها عليه فأرسل إليه رجلا من خواصه يدعوه إلى حضور ضيافته، لكن الأمير عساف لم يكن مطمئن الجانب من إبراهيم باشا خصوصا والرسول لم يكن ممن يثق بكلامه من أعيان حلب، فلم يجب الدعوة وأجاب القاصد أنه لتعوده على خشونة البداوة لا يرغب الدخول إلى الحاضرة ويرجو لهذا أن يعفى من إجابة دعوة الباشا وحضور ضيافته، وأرسل خيلا كريمة إلى الباشا واعتذر بأن تقرب عربانه من ديار حلب لا يوافق المصلحة. ولما لم يفد هذا التدبير شيئا أحضر إبراهيم باشا رجلا من أعيان حلب اسمه (دالي قورد) وذاكره في شأن الأمير عساف فقال له: إن العربان لا تأتي إلى الحواضر والرأي عندي أن تدعوه إلى مكان يكون بعيدا عن الحاضرة مقدار مرحلة، فوافقه على ذلك وفوّض إليه الأمر فتوجه هذا إليه ودعاه فأتى هو وعشائره إلى مكان يبعد خمس ساعات عن حلب، وقد أرسل الباشا لوازم الضيافة إلى هذا المكان
وكثير من أهالي حلب توجهوا زمرا زمرا بدعوة من الباشا إلى ذلك المكان بأبهة عظيمة، لكن (دالي قورد) جاء سحرا إلى إبراهيم باشا قبيل توجهه وقال له: يا حضرة الباشا إن كان فكرك قتل ملك الصحراء في هذه المرة فإن ذلك محال لأني قد أعطيته أمانا وعهودا وثيقة أنك لا تتعرض له بسوء، ثم إن الغفلة التي كانت في العربان قد زالت في هذا الزمان وأصبحوا الآن يعلمون من أدنى حكرة وإشارة ماذا يراد بهم من الخدع، والأمير عساف لا يأتي بقليل من أتباعه بل يأتي بجميع قبائله فإذا لمح منكم أدنى مكروه تقصدونه به فإنه ينادي النفير وحينئذ لا ينتظر أنكم تظفرون به بل الغالب أن النصر يكون بجانبه، وإذا عولت على الإيقاع به فإن عساكرك غير مدربة وعساكر الأمير متعودة على الحرب، وأيضا فإنا إذا عاملنا هذا الرجل معاملة سيئة وغدرنا به بعد أن أعطيناه العهود والمواثيق فإن جميع العربان في هذه الأقطار الشاسعة لا تأمن لنا بعد الآن ولا تثق بعهودنا وتعتبرها من خونة العهود وتضعف شوكة نفوذها وسلطتنا عليهم والأمر إليك. فوعده الباشا خيرا وطمن قبله ثم خرج الباشا من الشهباء إلى المكان الذي أعد للاجتماع بملك الصحراء وإقامة الضيافات له، وخرج معه قسم من العساكر وهي مسلحة بالبنادق، فحضر عساف ملك الصحراء ومعه أزيد من ستة آلاف فارس من عشائره بالعدد التامة من الرماح والسيوف. ومن عادة العرب أنهم أينما ساروا يسيرون معهم آلافا من الدروع الداوودية محملة على الجمال مع كل مقدم من مقدميهم خشية طارق يطرق عليهم، ومن عادتهم حمل بيوت من الشعر من جملتها بيت كبير عظيم يجتمع فيه كبراؤهم ويتشاورون فيه في مهامهم ويقضون ويمضون وهو لديهم بمنزلة الديوان في الحواضر، فهذه الدروع وهذه البيوت شعار دولتهم وعظمتهم.
وحينما أقبلت تلك الفرسان كان معظمها متدرعا بتلك الدروع، ولما قرب ملك العرب عساف انتخب مئات من قومه من شجعانهم وأتى إلى المكان الذي أعد لنزوله والباقون من قبائله وقفوا بعيدا عنهم.
ولما وصل إلى حضرة الباش ترجل عن فرسه وسعى خطوات وأتى إلى الباشا لأجل تقبيل ركابه والسلام عليه والباشا أيضا نزل عن فرسه ومشى إلى الأمام، وكانت عساكر الباش قد وضعت الرصاص في البنادق وحينما دخل عساف بين العساكر أطلق عليه اثنان منهم الرصاص من أمامه واثنان منهم من خلفه فلم يصب بشيء منها لأنه كان لابسا ثلاثة من الدروع، وحينئذ حصل الهيجان في العربان الذين أتوا معه وأحضروا له فرسا فركبها للحال وتقدم للمكان الذي فيه إبراهيم باشا فقتل هو ومن معه مقدار عشرين من الباشوات
والأغوات وكروا راجعين إلى المكان الذي وقفت فيه جيوشهم، ونادى الأمير فيهم وأعلمهم بغدرهم وسوء نيتهم، فأقبلت تلك الجيوش كالسيل المنحدر وقد علا صياحها بالزغاريت والأناشيد الحماسية على مقتضى اصطلاحاتهم وانحطت على العساكر التركية وأعملت فيها السيف فقتل من قتل وجرح من جرح ومن كان منهم قوي الفرس لاذ إلى الفرار ومن لم يتمكن أخذ أسيرا وأخذ ما عليه من اللباس والسلاح، وكانت الأسرى تقدر بأربعة آلاف.(3/208)
ولما وصل إلى حضرة الباش ترجل عن فرسه وسعى خطوات وأتى إلى الباشا لأجل تقبيل ركابه والسلام عليه والباشا أيضا نزل عن فرسه ومشى إلى الأمام، وكانت عساكر الباش قد وضعت الرصاص في البنادق وحينما دخل عساف بين العساكر أطلق عليه اثنان منهم الرصاص من أمامه واثنان منهم من خلفه فلم يصب بشيء منها لأنه كان لابسا ثلاثة من الدروع، وحينئذ حصل الهيجان في العربان الذين أتوا معه وأحضروا له فرسا فركبها للحال وتقدم للمكان الذي فيه إبراهيم باشا فقتل هو ومن معه مقدار عشرين من الباشوات
والأغوات وكروا راجعين إلى المكان الذي وقفت فيه جيوشهم، ونادى الأمير فيهم وأعلمهم بغدرهم وسوء نيتهم، فأقبلت تلك الجيوش كالسيل المنحدر وقد علا صياحها بالزغاريت والأناشيد الحماسية على مقتضى اصطلاحاتهم وانحطت على العساكر التركية وأعملت فيها السيف فقتل من قتل وجرح من جرح ومن كان منهم قوي الفرس لاذ إلى الفرار ومن لم يتمكن أخذ أسيرا وأخذ ما عليه من اللباس والسلاح، وكانت الأسرى تقدر بأربعة آلاف.
ورجع الفارون على أسوأ حال وهم حفاة عراة، وبعض من العربان هجموا على المكان الذي فيه الباشا وكان في وسط العساكر وأخذوا في محاربتهم وقتل كثير من الفريقين وأخيرا رجعوا عنهم وعاد الباشا بمن بقي معه إلى حلب.
واستولى العربان على الخيم التي أحضرها الباشا ليقيم فيها الضيافات وعلى القدور والأطعمة وسائر لوازم ذلك استولوا على الجميع مع كثير من الخيول. وكذلك أخذ العربان ثياب الأهالي الذين أتوا مع الباشا للتفرج والنزهة وخيولهم وعادوا إلى حلب بحالة سيئة يرثى لها وجرح البعض منهم. والمنتظر بعد الآن من الأمير عساف أن لا يكون له ثقة بالعثمانيين ويشق عصا الطاعة وأن يزداد العربان طغيانا على طغيانهم.
ذكر تعيين درويش محمد باشا على حلب
قال مصطفى نعيما: وحينما اتصلت هذه الأخبار بمسامع الدولة عزلت إبراهيم باشا ووجهت ولاية حلب إلى درويش باشا الذي كان منعزلا عن ولاية بغداد.
قال المؤلف: أخبرني بهذه الواقعة والدي المرحوم محمد آغا سردار حلب وأخبرني أنه كان مع إبراهيم باشا في واقعته هذه مع الأمير عساف وأنه قتل من حاشية إبراهيم باشا من 20إلى 30شخصا وسلبت حوائج أربعين ومن الأهلين سلب وجرح كثيرون.
ثم إن الدولة رأت أن الأولى استمالة الأمير المذكور وأرسلت تحارير تتلطف به، ثم إن كتخدا بك بكتاش آغا تبين أنه صديق للأمير عساف، فبعد أن جعل كتخدا الباب فبواسطة جدنا المرحوم علي آغا الصغير وهو من أعيان حلب
وعقلائها أرسل إلى عساف الفرمان الذي تقرر إرساله إليه وأرسلت له هدايا ذات شأن بقصد استمالته وعوده إلى سابق الطاعة. وفي ذلك الحين توجه والدي مع جدي في هذه المهمة وبوصولهما إلى المكان النازل فيه الأمير عساف وقومه استقبلا استقبالا حسنا على عادة العربان بإيقاف ثلة من الفرسان لابسة الدروع الداوودية، وحينما أخرجا الفرمان والخلعة قبلهما وقبلهما، ثم شرع جدي يباسطه الكلام وقال له: إن إطاعة الدولة العثمانية هي أقصى أماني الدول والملل ومدار افتخارهم، وبما أنك من نسل أبي ريش ذلك الرجل العريق في النسب والفصاحة وهو أصل العرب والعربان فإنه لا يحتمل أن يصدر منك شيء خارج عن دائرة الآداب، فما هو السبب حينئذ فيما حصل بينك وبين إبراهيم باشا من الأمور التي أدت إلى ما لا تحمد عقباه وما هي بواعث ذلك.(3/209)
ثم إن الدولة رأت أن الأولى استمالة الأمير المذكور وأرسلت تحارير تتلطف به، ثم إن كتخدا بك بكتاش آغا تبين أنه صديق للأمير عساف، فبعد أن جعل كتخدا الباب فبواسطة جدنا المرحوم علي آغا الصغير وهو من أعيان حلب
وعقلائها أرسل إلى عساف الفرمان الذي تقرر إرساله إليه وأرسلت له هدايا ذات شأن بقصد استمالته وعوده إلى سابق الطاعة. وفي ذلك الحين توجه والدي مع جدي في هذه المهمة وبوصولهما إلى المكان النازل فيه الأمير عساف وقومه استقبلا استقبالا حسنا على عادة العربان بإيقاف ثلة من الفرسان لابسة الدروع الداوودية، وحينما أخرجا الفرمان والخلعة قبلهما وقبلهما، ثم شرع جدي يباسطه الكلام وقال له: إن إطاعة الدولة العثمانية هي أقصى أماني الدول والملل ومدار افتخارهم، وبما أنك من نسل أبي ريش ذلك الرجل العريق في النسب والفصاحة وهو أصل العرب والعربان فإنه لا يحتمل أن يصدر منك شيء خارج عن دائرة الآداب، فما هو السبب حينئذ فيما حصل بينك وبين إبراهيم باشا من الأمور التي أدت إلى ما لا تحمد عقباه وما هي بواعث ذلك.
فتنهد الأمير عساف وقال: آه، ثم قال: والله (يا علي) لم يصدر مني ما يستوجب هذا العمل غاية الأمر أن إبراهيم باشا دعاني إلى مكان كذا لأجل أن يعقد معي عهدا ويقيم لي ضيافة والله يعلم أني أتيت والإخلاص ملء قلبي وليس لي نية سوء للدولة، وحينما دخلت بين عساكره قابلني اثنان منهم بالرصاص فكان حينئذ ما كان. ثم إنه أحضر الدروع التي كان لابسها وأراها لجدي ووالدي وأراهما تأثير الرصاص في تلك الدروع وانتثار حلقات من صدرها وأقسم لهما إنه ظل شهرين يبصق دما من أثر تلك الضروب. ثم قال: ما هو ذنبي الذي حدا بإبراهيم باشا أن يعاملني تلك المعاملة الفظيعة؟ فأخذ جدي يتلطف به ويسليه وأفهمه أن رجال الدولة لا رضاء لها بهذا العمل والواجب عليك من الآن وصاعدا إطاعة الدولة وضبط أمور العربان ومنع تلك التعديات منهم، والدولة العثمانية عزلت إبراهيم باشا وفي ذلك دليل واضح على أنها لا تقصد لك سوءا إلى غير ذلك من عبارات التلطف، ثم قال له: والدولة توصيك أن تضبط أمور العربان بهمة عالية تبرهن بذلك على إخلاصك للدولة وحسن نواياك لها.
ثم إن الأمير عساف أرسل للدولة عدة خيول من جياد الخيل وأنعم على والدي وجدي بعشر من الحصن وستة أفراس وأعطاهما حوالة بألفي دينار على أحد أصحابه بحلب، ثم أنعم عليهما بعشرة آلاف غرش أيضا اه ما ذكره نعيما في بيان هذه الحادثة.(3/210)
(أقول): تأمل رعاك الله في هذه السياسة الخرقاء وفي تلك الطرق التي كان يسلكها هؤلاء الولاة في إدارة الملك وتأييد السلطة، أما كان الأحرى بهذا الباشا أن يصغي إلى إرشادات ذلك الوجيه (دالي قورد) ويعمل بما أشار به عليه ويسلك منهاج المسالمة مع هذا الرجل ويعدل عن مهيع الغدر وقصد الفتك به ويستجلبه باللطف واللين وأنواع البر، خصوصا وقد أجابه إلى حضور دعوته واستماع نصيحته في المكان الذي عينه له، وفي تلبيته الدعوة دليل واضح على ندمه على ما فرط منه أو من عشائره من التعدي على ما حوله من القرى واستلاب أموال أهلها ورغبته بالرجوع إلى الطريقة المثلى والجادة القويمة. أما كان الأجدر بحضرة الباشا بعد أن يستقبله استقبالا حسنا يليق بأمثاله أن يقدم له المواعظ الحسنة والنصائح اللازمة ويأخذ عهوده ومواثيقه بلزوم الطاعة والانقياد إلى الجماعة وكف عشائره عن كل ما يخل بالأمن وراحة أولئك الفلاحين القاطنين في القرى التي حوله، وإذا لم يجد فيه ذلك الرجل وخان العهود وفصم عرى تلك المواثيق وعاد هو أو عشائره إلى السلب والنهب والإخلال بالأمن فلا بأس حينئذ إذا استعمل القوة وسلك مناهج الشدة واستعد له تمام الاستعداد ثم جرد السيف في وجهه وعمل بمقتضى قول أبي تمام:
(السيف أصدق أنباء من الكتب) ولكن يغلب على الولاة المستبدين أنهم لا يستعملون اللين إلا بعد العجز ولا يسلكون سبيل اللطف إلا بعد منتهى الضعف ولا يجودون بالوصل إلا بعد أن لا ينفع الوصل، بصرنا الله طريق الرشاد وهدانا سبيل السداد.
ترجمة درويش محمد باشا:
أما درويش محمد باشا فإنه بقي واليا كما في السالنامة إلى سنة ألف وسبع وخمسين، وقد ترجمه في قاموس الأعلام فقال: هو جركسي الأصل، ولما صار محمد باشا الطباني صدرا أعظم صار المترجم كتخداه، وفي سنة 1047عين واليا على الشام، وفي سنة 1048عين واليا لديار بكر، وفي سنة 1049حاز رتبة الوزارة وعين محافظا لبغداد، وفي سنة 1054عين واليا لحلب، وفي سنة 1055عين واليا للأناضول (هكذا وهو يخالف ما في السالنامة) وفي سنة 1062صار محافظ البحر، وفي
سنة 1063أسند إليه منصب الصدارة بقي فيه 21شهرا وأخذ في هذه المدة في جمع الأموال وصار من كبار الأغنياء، ثم عرض له مرض بقي فيه أربعة أشهر، ثم توفي ودفن في حظيرة جامع علي باشا العتيق بالقرب من ديكليلي طاش في قسطنطينية وظهر عنده من النقود 1100كيس وغير ذلك من المخلفات، وتوفي وله من العمر اثنان وستون سنة اه.(3/211)
أما درويش محمد باشا فإنه بقي واليا كما في السالنامة إلى سنة ألف وسبع وخمسين، وقد ترجمه في قاموس الأعلام فقال: هو جركسي الأصل، ولما صار محمد باشا الطباني صدرا أعظم صار المترجم كتخداه، وفي سنة 1047عين واليا على الشام، وفي سنة 1048عين واليا لديار بكر، وفي سنة 1049حاز رتبة الوزارة وعين محافظا لبغداد، وفي سنة 1054عين واليا لحلب، وفي سنة 1055عين واليا للأناضول (هكذا وهو يخالف ما في السالنامة) وفي سنة 1062صار محافظ البحر، وفي
سنة 1063أسند إليه منصب الصدارة بقي فيه 21شهرا وأخذ في هذه المدة في جمع الأموال وصار من كبار الأغنياء، ثم عرض له مرض بقي فيه أربعة أشهر، ثم توفي ودفن في حظيرة جامع علي باشا العتيق بالقرب من ديكليلي طاش في قسطنطينية وظهر عنده من النقود 1100كيس وغير ذلك من المخلفات، وتوفي وله من العمر اثنان وستون سنة اه.
سنة 1057 تولية حلب لأحمد باشا الدباغ
في هذه السنة تولى حلب أحمد باشا الدباغ.
وبقي إلى سنة 1060كما في السالنامة.
وترجمه في قاموس الأعلام فقال: كان من وزراء السلطان محمد خان الرابع آبازي الجنس، عين سنة 1048لولاية ديار بكر ثم لولاية أرضروم، وفي سنة 1054زوج ببنت السلطان مراد الرابع، ثم بقي مدة ست سنين واليا في حلب والشام، وفي سنة 1060عاد إلى الآستانة وعين واليا لبغداد، وقبل توجهه أسند إليه منصب الصدارة، وفي مدة صدارته كانت الخزينة في غاية الضيق فقطع رواتب الأمراء وطرح على التجار ضرائب تلافيا لهذا الضيق فاشتد الأمر على الرعية في زمنه وتعددت الشكايات منه، فبعد ثلاثة عشر شهرا عزل من منصب الصدارة وعين بدله مصطفى أبشير باشا والي حلب ونفي إلى معلقرة ثم عفي عنه، ثم عين واليا في بعض الولايات مدة سبع أو ثماني سنين وتوفي سنة 1073وله من العمر ستون سنة اه.
سنة 1060
في هذه السنة تولى حلب موستارلي مصطفى باشا وبقي في ولايتها سنة واحدة كما في السالنامة.
سنة 1061 تولية حلب للوزير مصطفى أبشير باشا صاحب الوقف المشهور
في هذه السنة تولى حلب مصطفى باشا المشهور بأبشير باشا كما في السالنامة.(3/212)
قال المحبي: هو مصطفى باشا الشهير بأبشير الوزير الأعظم أحد الوزراء المشهورين بالجلالة والرأي الصائب وحسن السياسة، ولي الشام في سنة ستين وألف وألجىء في حكومته إلى غزو بلاد الدروز، فخرج من دمشق في جمع عظيم، وبلغ الأمير ملحم بن يونس المعني خبر خروجه بقصدهم فجمع جمعا كثيفا من الدروز وعزم على المقابلة ووقعت المحاربة بين الفريقين في وادي قرنانا فكان عسكر الوزير في أسفل الوادي لكونهم ركبانا وجماعة الدروز من أعلى الوادي، فخلص بعد صعوبة وذهب له ولعسكره شيء كثير من الخيل والسلاح والعدد، ثم عزل عن محافظة دمشق وأعطي كفالة حلب وله بها الخيرات العظيمة من الجامع والخان والحوانيت وغيرها مما جعله وقفا على الجامع وعلى صرة لأهالي مكة تحمل إليهم كل سنة وشرط توزيعها لمن يكون قاضيا بمكة. ثم جاءه ختم الوزارة العظمى وهو بحلب سنة أربع وستين وألف وقيل في تاريخه [وزير الخير] ولم تطل مدته في الوزارة وقام العسكر عليه وقتلوه، وكان قتله في أوائل سنة خمس وستين وألف اه.
ترجمته:
قال المؤرخ الشهير أحمد رفيق التركي في كتابه «تصاوير رجال» في ترجمة أبشير باشا ما ملخصه: هو ابن أخت جركس أبازة من الجلالية، دخل في صباه في سلك رجال أندرون همايون (هم رجال يتربون داخل السراي السلطانية) ووجهت إليه رتبة أمير أخور وكان واليا على بودين (في مقاطعة بسارابيا) ثم على الشام وحارب العصاة هناك وكان قبل ذلك قام بحركات ثوروية مدة خمس سنوات في جهات سيواس، وكان معاونا لحسن آغا الأبازة في أفعاله، وبعد ذلك تعين واليا لحلب. وكان معروفا بطول قامته وممتازا بغباوته، وكان أكثر شيء يحافظ عليه عدم الالتفات لأحد، وكان عبوسا دائما لأن دماغه لم يترب على إدارة الدولة، وكان مما يمتاز به أنه يقعد على ركبتيه ليظهر أدبه ووقاره مع خشونة طبيعته ويتظاهر بتصوف جاهلي، فكان يشرب حليبا بدلا عن القهوة، وينظر لمن يشرب الدخان بمنزلة شارب المسكر، وكان بخيلا جدا، وكان يتلهى بركوب الخيل ولعب الرمح وضرب اللباد بالسيف، وأكثر حديثه في الصيد، وبالغ في الغدر والاعتساف إلى درجة نفرت الناس منه، ويظهر أن أخلاق أبشير باشا هذه كانت مقبولة ومرغوبة عند أهل السراي السلطانية لذلك تزوج بعائشة سلطان، وفي الآخر جلب أبشير باشا من رياسة الأشقياء إلى مقام الصدارة.(3/213)
الكلام على وقفه المشهور:
معظم أوقافه واقعة في مكان واحد في دائرة واحدة في المحلة المعروفة بالجديدة، وهناك جامعه في جملة هذه الدائرة، ومن جملة شروط وقفه أن يصرف لرجل عالم ليقرأ الناس في العلوم والأحاديث في الأشهر الحرم، وله في كل يوم خمسة عثامنة، وأن يصرف لرجل من أهل العلم ليقرىء أطفال المسلمين بالمكتب الذي أنشأه الواقف بالقرب من الجامع خمسة عثامنة. وبعد أن ذكر رواتب باقي الموظفين بهذا الجامع ذكر صدقات كثيرة لأناس مخصوصين في الحرمين الشريفين، ثم قال: وما فضل من الوقف المرقوم بعد الترميم والتعمير وإصلاح الوقف وصرف المعين لأربابه يقسم الباقي أثلاثا، الثلث يرسل أيضا إلى مكة المشرفة والثلثان إلى المدينة المنورة يفرق إلى الفقراء والمساكين. حرر في 15شوال سنة 1064.
قال في شرط وقفه: إن للمتولي في كل يوم مقابلة أجرة توليته عشرين من العثامنة، ولم يذكر أن يكون نقيب أشراف حلب هو المتولي عليه.
وفي المدة الأخيرة أثبتوا استنادا على التعامل اشتراط ذلك، ويغلب على الظن أنه لا أصل له في شرط الواقف، وقد كان المتولي عليه منذ أربعين سنة أبو الهدى أفندي الصيادي الخان شيخوني المولد (قرية من قرى المعرة) نزيل الآستانة الذي حصل له التقدم العظيم والقبول التام عند السلطان عبد الحميد والمتوفى فيها حوالي سنة 1328، ووكل أمر هذا الوقف إلى الشيخ محمد العبيسي الحموي من حين أن أتى من بلدته حماة إلى حلب وذلك سنة 1309 وبقي فيه مدة طويلة، فباشر أمره مباشرة حسنة ورممه وزاد في ريعه، ثم وكل أمره إلى عبد الرزاق أفندي الصيادي أخي أبي الهدى أفندي، ثم انتقل منه إلى السيد مسعود أفندي الكواكبي حينما صار نقيبا للأشراف في حلب بعد وفاة أبي الهدى أفندي، ولما عزل عن هذه الوظيفة وصارت النقابة لعبد الرزاق أفندي المذكور وذلك منذ ثلاث سنين سلم إليه الوقف برمته وذلك بعد أخذ ورد طال أمره بينه وبين دائرة الأوقاف بحلب والمراقبة العامة للأوقاف في بيروت، وأخيرا أجبرت دائرة الأوقاف على تسليمه فسلمته إليه وهو بيده إلى هذه السنة وهي سنة 1343، وتبلغ وارادته 1500ليرة عثمانية ذهبا، وحقوق أهل الحرمين الصريحة في هذا الوقف متهاون فيها وقد كان يصلهم بعض حقوقهم، وأما الآن فلا يصلهم منها شيء ولله الأمر من قبل ومن بعد.(3/214)
سنة 1064
بعد مصطفى أبشير باشا عين لولاية حلب طيار زادة مصطفى باشا وبقي إلى سنة 1066كما في السالنامة.
سنة 1066 ذكر تعيين سيدي أحمد باشا والوقائع بينه وبين مصطفى باشا واليها السابق
قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة ما خلاصته: في هذه السنة عين سيدي أحمد باشا إلى قونية وهناك لظلمه وجوره لم يتحمله الأهالي وصار بينه وبينهم قتال أدى إلى عزله وتعيينه إلى حلب.
ولما عين إليها أتى إلى حلب كورد محمد وهو رجل من كبار أهالي قونية وصار يبث بين الأهالي أخبار ظلمه وفظائعه وسيىء أعماله، وأعلم واليها قره مصطفى باشا بسوء إدارته وتعدياته ومنعه من مغادرة حلب وتسليمها إلى سيدي أحمد باشا متى أتى إليها، وصار يقول له: إن رجال الدولة يعلمون أحوال هذا الرجل وإنه إنما عينوه إلى حلب تخلصا من شره، ولو أمكنتهم الفرصة لقتلوه وهم عازمون على ذلك، وإن أهالي قونية وقفوا أمامه وقاتلوه وعرضوا أمرهم للآستانة فعزل عنها وعين إلى حلب، إلى غير ذلك من العبارات المنفرة، وصار يخوف أعيان حلب من شر هذا الرجل ويوهمهم، وبين لهم ما لديه من العساكر ويقص عليهم أفعاله في كوتاهية وغيرها من البلاد وأنه رجل لا يبالي بسفك الدماء وسلب الأموال وأنه متى دخل حلب لا بد وأن يجري على الطريقة التي ألفها وتعود عليها.
ولم يزل كورد محمد ينشر أخبار سيدي أحمد باشا حتى شاع أمره بين جميع طبقات الأهالي وأثر ذلك فيهم، فعندها قرر الأهالي هنا واليهم السابق مصطفى باشا وقالوا له: نحن لا نريد سيدي أحمد باشا، وعرضوا للآستانة وأعلموها أنه إذا أدّى الأمر فإنا مستعدون لمحاربته ووعدوا مصطفى باشا بما يلزم من المال في قتال هذا الرجل. واتحدوا مع واليهم المذكور على هذه الفكرة وأعدوا ما يلزم من المهمات، وحصنوا القلعة بالذخائر والمؤن.(3/215)
وكان أحمد باشا في هذا الحين أرسل متسلما من طرفه ليتسلم القلعة، فمنعه الوالي وأهالي حلب وطردوه، فتوجه المتسلم إلى سيدي أحمد باشا وأعلمه بواقعة الحال، فاستشاط غضبا وبادر بالحال بتوجهه إلى حلب وأمده حسن آغا أبازة والي قونية بالعساكر والذخائر.
وأما والي حلب مصطفى باشا فإنه قبل مجيء سيدي أحمد باشا جمع من أهالي حلب من يقدر على حمل السلاح وكذا جمع اليكيجرية والسباهية واستعد للحرب، ولما وصل سيدي أحمد باشا إلى حلب حصل بين الفريقين قتال عظيم. وكان أحمد باشا جمع عساكر ومؤنا من أطراف حلب واستعد للحرب أيضا وقطع الماء عن أهالي حلب ومنع دخول المؤن إلى البلدة وحرق البساتين والكروم والبيوت التي هي في ضواحي حلب واستعمل كل ما يمكنه من أنواع التضييق على أهالي حلب ووقع في الناس كرب عظيم، وفي هذه المحاربات أبلى رجل أسود من العرب هو زعيم عساكر بيره جيك بلاء حسنا وقتل من عساكر سيدي أحمد باشا عددا كثيرا، وأخبار شجاعة هذا الرجل وفتكه لم تزل مستفيضة يتحدث بها الناس إلى اليوم.
وبعد مضي شهرين من الحصار ضاق الحال على الأهالي كثيرا ورفعوا أمرهم إلى الآستانة شاكين من هذه الأحوال مظهرين عجبهم من تعيين مثل هذا الظالم عليهم، وطلبوا تعيين غيره بأي صورة كان، فأرسلت الدولة الأوامر إليه مرتين بلزوم رجوعه وتركه الحصار، فلم يصغ لأوامر الدولة وثابر على محاصرة إلى حلب. ومن جملة مضايقته أنه أمر عساكره بنقل التراب ووضعه أمام باب الفرج فصار هؤلاء ينقلون ذلك، وعلا التراب حتى سامت السور (1) وفي أثناء مدة الحصار كان أهالي حلب يرسلون الرسل إلى مقر السلطنة يعلمون رجال الدولة بهذه الأحوال وأن الحال إذا بقي على هذا المنوال فإن هذا الظالم لا بد من دخوله واستيلائه على البلدة.
__________
(1) أقول: هذه الأتربة بقيت مكردسة وصارت روابي متصلة مسافة عشر دقائق واشتهرت باسم التلل وقد أدركناها على تلك الحال، وفي نواحي سنة 1310أزيلت جميعها في مدة سنتين أو أكثر وبني مكانها دور عظيمة ووسمت تلك الدور بمحلة التلل.(3/216)
والتجار الذين كانوا قاطنين في خان والده [هكذا ولا أدري أي خان هو] شكوا أمرهم إلى مفتي حلب (1) وإلى الوزير وكبار رجال الدولة راجين عزل هذا الرجل، في آخر الأمر جاءت الأوامر مشددة بالعزل وعين واليا على سيواس.
ذكر عزل سيدي أحمد باشا وتعيين مرتضى باشا
وعين على حلب مرتضى باشا والي بغداد وغادرها عندئذ سيدي أحمد باشا، وهكذا انتهت فتنته. وفي هذه المحاصرة حصل لأهالي حلب ضيق عظيم، ولو أن سيدي أحمد باشا دخل البلدة ما كان ينتظر أن يحصل لهم مثل هذا الضيق وتلك الشدة.
سنة 1067 خروج حسن باشا أبازه زاده على الدولة وتغلبه على كثير من البلاد العثمانية ومن جملتها حلب ومحاربة مرتضى باشا ثم قتله في حلب
أطال الفاضل مصطفى نعيما في تاريخه الكلام على أحوال هذا الرجل والفتن التي كانت منه، وقد اقتضبنا منها هنا خلاصتها. قال:
أصل حسن باشا أبازة زادة من أبناء السباهية دخل في سلك مأموري الدولة وأخذ يترقى في المناصب إلى أن صار من كبار رجال الدولة، غير أنه كان ميالا
__________
(1) هو المولى محمد بن الحسن الكواكبي مؤلف الفوائد السمية وهو شرح لمنظومته الفرائد السنية في الفقه الحنفي، وقد أشار المولى المذكور في خطبة كتابه هذا إلى هذه الوقائع حيث قال: فببينا أنا على هذا النمط وقد امتطيت جواد الشطط إذ نودي النضال النضال وتكسرت النصال على النصال، حتى كأن فؤادي في غشاء من نبال، وذلك ما اتفق في سنة ست وستين من تجمع العشائر من كل فج عميق، حتى وقعت شهباؤنا بالمضيق، وذلك بتسبب أهل الفساد ممن استوطن طارئا بهذه البلاد، فذهب الطريف والتالد وحذفت الصلة والعائد.(3/217)
بطبيعته إلى الظلم والفساد وسلب الأموال من الرعية وجمعها، وساعده على ذلك خلو الجو له إذ كان سلطان ذلك العصر وهو السلطان محمد بن إبراهيم حينما تولى السلطنة دون سن البلوغ ليس له من الأمر شيء والحل والربط منوط بالوزراء خاصة، فاستبد هؤلاء بالأمر فاختلت أمور الدولة واضطربت أحوالها وكثر الجور والفساد من كبار الدولة في كل مكان، وكان المترجم من عداد أولئك الذين أكثروا الفساد في الأرض، وزاد في الطين بلة أن السلطان عين للوزارة العظمى رجلا شديدا فجعل ديدنه البطش في الوزراء وكبار رجال الدولة وقتل منهم غير واحد، فانفض كثير من حوله وأخذوا يجمعون أمرهم ويوحدون كلمتهم وانضموا إلى حسن باشا أبازة، وكان إذا ذاك في قونية، وكان في عداد من انضم إليه وصار من شيعته طيار زاده الوزير أحمد باشا وميزا باشا وغيرهم نحو خمسة عشر رجلا من كبار رجال الدولة، وحينما عصى سيدي أحمد باشا في حلب ساعده حسن باشا بإرسال العساكر والذخائر كما تقدم، ولما تفاقم أمره أرسلت له الدولة مرتضى باشا والي حلب وعينت واليا لحلب أدرنه لي سوخته محمود باشا، وكانت قوة حسن باشا أبازة تزداد يوما فيوما وأخذ يعيث في الأرض فسادا ويغير على أطراف البلاد فقطع السبل وأخاف أهل البلاد في نواحي قونية وبروسة وما حول تلك البلاد.
ولما بلغ حسن باشا أبازة مجيء السردار مرتضى باشا بمن معه من العسكر الجرار توجه حسن باشا من جهات بروسة إلى أنقرة وشغلها بعساكره، وفي هذه الأثناء وصل إلى حلب متسلم من طرف واليها أدرنه لي سوخته محمود باشا ومعه صورة الفتوى بقتل حسن باشا مع من التف حوله ومعه أمر بالنفير وجمع العساكر لقتال هذا الباغي، فتلقى أهل حلب الفتوى بالقبول وأخرجوا من حلب متسلمها من طرف حسن باشا صهره حمامجي أوغلي ومعه مقدار ألف من عساكر اللوندية وطردوهم إلى خارج البلد.
ثم إن حسن باشا عظم أمره واستطار شرر فتنته وكثر الملتفون حوله من أهالي البلاد وخشي السلطان عواقب أمره حتى إنه عزم أن يخرج بنفسه لقتاله فمنعه الصدر الأعظم إذ لم يجد توجهه مناسبا للمصلحة، وآخر الأمر وعد السردار مرتضى أن يكفيه أمره وتوجه بعساكره إلى هذه البلاد، وهو في الطريق تصادف مع
حمامجي أوغلي صهر حسن باشا الذي كان متسلما في حلب من طرف عمه وطرد منها كما تقدم، فأظهر هذا الإخلاص والطاعة وانضم إلى جيش مرتضى باشا، وكان في جيش مرتضى باشا محمود باشا أدرنه لي الذي تعين واليا في حلب ومعه أيضا دولار باشا، فتواطأ هذان مع حمامجي أوغلي وأرسل الثلاثة سرا إلى حسن باشا أبازة أنهم سينضمون إلى جيشه عند حصول المعركة، فأحس مرتضى باشا بالأمر بواسطة بعض الجواسيس وقتل الثلاثة، وبعد قتلهم توجه إلى أسكي شهر ومنها إلى قونية وحصل في تلك النواحي أمور يطول شرحها.(3/218)
ثم إن حسن باشا عظم أمره واستطار شرر فتنته وكثر الملتفون حوله من أهالي البلاد وخشي السلطان عواقب أمره حتى إنه عزم أن يخرج بنفسه لقتاله فمنعه الصدر الأعظم إذ لم يجد توجهه مناسبا للمصلحة، وآخر الأمر وعد السردار مرتضى أن يكفيه أمره وتوجه بعساكره إلى هذه البلاد، وهو في الطريق تصادف مع
حمامجي أوغلي صهر حسن باشا الذي كان متسلما في حلب من طرف عمه وطرد منها كما تقدم، فأظهر هذا الإخلاص والطاعة وانضم إلى جيش مرتضى باشا، وكان في جيش مرتضى باشا محمود باشا أدرنه لي الذي تعين واليا في حلب ومعه أيضا دولار باشا، فتواطأ هذان مع حمامجي أوغلي وأرسل الثلاثة سرا إلى حسن باشا أبازة أنهم سينضمون إلى جيشه عند حصول المعركة، فأحس مرتضى باشا بالأمر بواسطة بعض الجواسيس وقتل الثلاثة، وبعد قتلهم توجه إلى أسكي شهر ومنها إلى قونية وحصل في تلك النواحي أمور يطول شرحها.
ثم إن الدولة أمرت قدري باشا والي الشام ومعه من الأمراء والعساكر بالالتحاق بمرتضى باشا وعينت واليا على حلب قوناقجي علي باشا، وآخر الأمر اتخذ مرتضى باشا حلب مركزا لحركاته العسكرية وحسن باشا كان قد حضر إلى عينتاب واتخذها مقرا له ولعساكره أيضا. وشرع مرتضى باشا يستميل أهل هذه البلاد من عرب وكرد وتركمان ويحرضهم على قتال الخارجي حسن باشا، فاجتمع من هؤلاء كثيرون وأخذوا الطرق على حسن باشا وقطعوا عليه المؤن، فضاق عندئذ به الأمر فقرر على الذهاب لجهة الجزيرة وتوجه إلى بيره جك، وهناك تقابل مع واليها وحصل بينهما قتال قتل فيه من جماعة حسن باشا نحو ألف، وشدد مرتضى باشا الأمر على حسن باشا وضايقه أشد المضايقة وقتل من جماعته كثيرا. وصادف إذ ذاك وقوع الشتاء وانقطاع السبل والقحط والغلاء فلم يجد حسن باشا بدا من الاستسلام وأرسل إلى مرتضى باشا يطلب منه الأمان واستحصال العفو عن جرائمه بواسطته من حضرة السلطان.
ثم أخذ مرتضى باشا هو وقوناقجي علي باشا والي حلب في إعمال الحيلة في القبض على حسن باشا وكبار شيعته وأدخل من جماعته في جيش حسن باشا فئة أخذت تفرق الكلمة بين عساكره واستمالت منهم جملة منها مفتي جيشه والبلوك باشي، فأقنع هذان لحسن باشا بالتوجه إلى حلب والصلح مع السردار مرتضى باشا واستحصال العفو السلطاني، فتوجه حسن باشا إلى حلب ومعه ثلاثون من كبار جيشه فخرج مرتضى باشا ووالي حلب قوناقجي علي باشا واستقبلوه استقبالا حسنا وأنزلوه ومن معه في دار الحكومة وعملوا لهم ضيافة شائقة فيها، وبات حسن باشا وأحمد باشا الطيار وكنعان باشا في السراي بنية النوم فيها وبقية الجماعة وزعت على
عدة بيوت من بيوت أعيان حلب كل شخصين أو ثلاثة في بيت، وكان الاتفاق مع هؤلاء الأعيان أنهم متى سمعوا صوت المدفع من القلعة يقبض كل واحد على من عنده ويقتله في الحال وأن من أفشى هذا السر سواء كان صاحب المنزل أو أحدا من بيته فإن صاحب المنزل يقتل. وبعد العشاء صار مرتضى باشا يباسط من بات عنده في دار الحكومة ويطعمهم من الحلوى، ثم آذنهم بصلاة العشاء وكلفهم الوضوء فقاموا لتناول الوضوء وشمروا عن سواعدهم وكان قد أخفى مقدار عشرين رجلا مدججين بالسلاح، فأشار مرتضى باشا إلى هؤلاء فظهروا وهجموا على هؤلاء الثلاثة وأوسعوهم ضربا بالخناجر إلى أن قتلوا، وبعد أن فرغ من أمرهم أرسل إلى القلعة فضرب بها المدفع الموعود به فقام كل واحد من أولئك على من كان عنده فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد وقطعت رؤوسهم وملئت تبنا وأرسلت إلى مقر السلطنة، وفي اليوم التالي ألقيت جثثهم في ساحة باب الفرج، وكان عددهم ثلاثين رجلا، وكان قتلهم ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وستين وألف. وسرد المؤرخ نعيما أسماءهم واحدا واحدا ولم نجد في ذلك كبير فائدة. ثم قال المؤرخ تحت عنوان (غريبة):(3/219)
ثم أخذ مرتضى باشا هو وقوناقجي علي باشا والي حلب في إعمال الحيلة في القبض على حسن باشا وكبار شيعته وأدخل من جماعته في جيش حسن باشا فئة أخذت تفرق الكلمة بين عساكره واستمالت منهم جملة منها مفتي جيشه والبلوك باشي، فأقنع هذان لحسن باشا بالتوجه إلى حلب والصلح مع السردار مرتضى باشا واستحصال العفو السلطاني، فتوجه حسن باشا إلى حلب ومعه ثلاثون من كبار جيشه فخرج مرتضى باشا ووالي حلب قوناقجي علي باشا واستقبلوه استقبالا حسنا وأنزلوه ومن معه في دار الحكومة وعملوا لهم ضيافة شائقة فيها، وبات حسن باشا وأحمد باشا الطيار وكنعان باشا في السراي بنية النوم فيها وبقية الجماعة وزعت على
عدة بيوت من بيوت أعيان حلب كل شخصين أو ثلاثة في بيت، وكان الاتفاق مع هؤلاء الأعيان أنهم متى سمعوا صوت المدفع من القلعة يقبض كل واحد على من عنده ويقتله في الحال وأن من أفشى هذا السر سواء كان صاحب المنزل أو أحدا من بيته فإن صاحب المنزل يقتل. وبعد العشاء صار مرتضى باشا يباسط من بات عنده في دار الحكومة ويطعمهم من الحلوى، ثم آذنهم بصلاة العشاء وكلفهم الوضوء فقاموا لتناول الوضوء وشمروا عن سواعدهم وكان قد أخفى مقدار عشرين رجلا مدججين بالسلاح، فأشار مرتضى باشا إلى هؤلاء فظهروا وهجموا على هؤلاء الثلاثة وأوسعوهم ضربا بالخناجر إلى أن قتلوا، وبعد أن فرغ من أمرهم أرسل إلى القلعة فضرب بها المدفع الموعود به فقام كل واحد من أولئك على من كان عنده فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد وقطعت رؤوسهم وملئت تبنا وأرسلت إلى مقر السلطنة، وفي اليوم التالي ألقيت جثثهم في ساحة باب الفرج، وكان عددهم ثلاثين رجلا، وكان قتلهم ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وستين وألف. وسرد المؤرخ نعيما أسماءهم واحدا واحدا ولم نجد في ذلك كبير فائدة. ثم قال المؤرخ تحت عنوان (غريبة):
ومن الوقائع العجيبة أنه في الليلة التي قتل فيها حسن باشا وجماعته بحلب وذلك ليلة السبت حصل في ذلك اليوم وقت العصر في الآستانة زلزلة عظيمة خرب بسببها بيوت كثيرة وسمعت تلك الزلزلة في كثير من البلدان، وحصل لأهالي البلاد منها خوف عظيم. ثم قال: قال أرسطو في كتابه المسمى (بأدوار وأكوار): كل زمن يحصل فيه بين الناس فتن وتسفك لأجلها الدماء وتزهق الأرواح بغير حق يعقب ذلك حصول حوادث سماوية من خسوف وكسوف أو وقوع زلازل أرضية، وحوادث الأزمنة الغابرة أيدت ذلك حيث إنه كان يعقب كل ملحمة من الملاحم حصول أمر من الأمور السماوية أو بلية من البلايا الأرضية، وفي ذلك دليل على عدم رضاء الخالق بهدم البنية الإنسانية. وفي فتنة حسن باشا قتل ألوف من الخلائق ذهبت دماؤها هدرا فلا غرابة إذا حصل على إثر ذلك تلك الزلازل العظيمة اه.
أقول: ومن غرائب الاتفاق أنه يوم الأحد الموافق للثاني والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وثلاثين حصل هنا عصر ذلك اليوم زلزلة قوية رجفت لها
الأرض عدة مرات من الغرب إلى الشرق بصورة مزعجة خاف منها الناس، لكن لم يخرب بها شيء من البيوت والحمد لله. وكان في ذلك الأثناء حصل وقائع عظيمة بين الجيوش التركية والجيوش العربية والإنكليزية في جهة فلسطين بالقرب من درعا وسفك فيها دماء كثيرة من الطرفين، وآخر الأمر انكسرت الجيوش التركية وولت الأدبار وتبعتها الجيوش العربية والإنكليزية وحاولت الجيوش التركية دخول الشام والاعتصام بجبال الكسوة التي في ضواحي الشام واتخاذها مقرا للدفاع فلم تتمكن من ذلك وسبقتها الجيوش العربية والإنكليزية، ودخلت الشام ليلة الاثنين في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة أي بعد الزلزلة التي حصلت في حلب بيوم واحد.(3/220)
أقول: ومن غرائب الاتفاق أنه يوم الأحد الموافق للثاني والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وثلاثين حصل هنا عصر ذلك اليوم زلزلة قوية رجفت لها
الأرض عدة مرات من الغرب إلى الشرق بصورة مزعجة خاف منها الناس، لكن لم يخرب بها شيء من البيوت والحمد لله. وكان في ذلك الأثناء حصل وقائع عظيمة بين الجيوش التركية والجيوش العربية والإنكليزية في جهة فلسطين بالقرب من درعا وسفك فيها دماء كثيرة من الطرفين، وآخر الأمر انكسرت الجيوش التركية وولت الأدبار وتبعتها الجيوش العربية والإنكليزية وحاولت الجيوش التركية دخول الشام والاعتصام بجبال الكسوة التي في ضواحي الشام واتخاذها مقرا للدفاع فلم تتمكن من ذلك وسبقتها الجيوش العربية والإنكليزية، ودخلت الشام ليلة الاثنين في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة أي بعد الزلزلة التي حصلت في حلب بيوم واحد.
سنة 1070
كان الوالي فيها بعد قوناقجي علي باشا الخاصكي محمد باشا كما في السالنامة.
قال في تاريخ راشد: اتصل بمسامع الصدر الأعظم في الآستانة أن والي حلب محمد باشا صار يضرب السكة المغشوشة لنفسه، فأوجب ذلك كسادا في سوق التجارة وفسادا في معاملات الناس، فعرض ذلك على الحضرة السلطانية فأمر بعزله وإحضاره إلى الآستانة، ولما وصلها قتله في شوال من سنة ألف وإحدى وسبعين.
سنة 1071
كان الوالي فيها أبو النور محمد باشا كما في السالنامة.
سنة 1072 وفاة الوزير محمد باشا الكوبريلي وآثاره في هذه البلاد
في هذه السنة توفي الوزير الأعظم محمد باشا الكوبريلي، وقد ترجمه العلامة المحبي في تاريخه بترجمة حافلة وقال: إنه قام بأعباء الوزارة أتم قيام ولمّ شعث الدولة وعظمت دولته وجبيت إليه ذخائر الدنيا، وكان قبل أن يتولى الوزارة قد قامت الفتن على ساق وانتصب الخلاف وارتفع الوفاق وتقوت ضعاف الدولة وأظهروا العتوَّ والصولة فكانوا في آرائهم ناظرين
إلى ورائهم. ولما ولي المترجم الوزارة أخمد بحسن تدبيره ثائرة الفتن وأكثر من محو أصحاب الكلمة وفرق شملهم، وخرج في أثناء وزارته على الدولة حسن باشا محافظ حلب وتبعه ابن الطيار كافل الشام والوزير كنعان وانضاف إليهم من العسكر جمع عظيم، وكان خروجهم خوفا من صاحب الترجمة وحسدا له فصرف وجه همته إلى الانتقام منهم فقتلوا على يد مرتضى باشا.(3/221)
في هذه السنة توفي الوزير الأعظم محمد باشا الكوبريلي، وقد ترجمه العلامة المحبي في تاريخه بترجمة حافلة وقال: إنه قام بأعباء الوزارة أتم قيام ولمّ شعث الدولة وعظمت دولته وجبيت إليه ذخائر الدنيا، وكان قبل أن يتولى الوزارة قد قامت الفتن على ساق وانتصب الخلاف وارتفع الوفاق وتقوت ضعاف الدولة وأظهروا العتوَّ والصولة فكانوا في آرائهم ناظرين
إلى ورائهم. ولما ولي المترجم الوزارة أخمد بحسن تدبيره ثائرة الفتن وأكثر من محو أصحاب الكلمة وفرق شملهم، وخرج في أثناء وزارته على الدولة حسن باشا محافظ حلب وتبعه ابن الطيار كافل الشام والوزير كنعان وانضاف إليهم من العسكر جمع عظيم، وكان خروجهم خوفا من صاحب الترجمة وحسدا له فصرف وجه همته إلى الانتقام منهم فقتلوا على يد مرتضى باشا.
ثم قال: وبعد أن تمهدت البلاد وتوطدت أحوال الملك وأمنت الغوائل واطمأنت الناس تفرغ الوزير صاحب الترجمة لإجراء الخيرات فعمر الخان المعروف به في طريق قسطنطينة بين أسكي شهر وأزنيق والخان والعمارات الكثيرة في إدلب وفي بلاد روم إلي مما صار تعلقا عظيما وجوارا جسيما، ثم وقف على جهات، وقد وقفت على صورة الوقفية بإنشاء المولى أنسي وذكرت ديباجتها في ترجمته.
وصف إدلب للفاضل برهان الدين أفندي العيّاشي مفتيها الآن
قال في رسالة أرسلها إلينا: «إدلب» هي قصبة قديمة إسلامية بها جامع عمري، ولم أقف لها على ترجمة فيما وصل إلي من كتب التاريخ ولا عرفت بانيها ولا اطلعت لأحد من المتقدمين على ذكرها سوى ما ذكره السيد مرتضى الزبيدي في شرحه للقاموس بقوله: وفاته ذكر إدلب وهما قريتان كبرى وصغرى من أعمال حلب. اه.
وكلامنا الآن على إدلب الصغرى لأن الكبرى الآن خراب يباب، وهي الآن من أعمال حلب وموقعها بالجانب الجنوبي الغربي من حلب والمسافة بينهما اثنتا عشرة ساعة والطريق بينهما سهل، وبناؤها في بسيط مرتفع من الأرض وعمارتها من الحجر الصلد الخالص البياض وأزقتها واسعة ومفروشة بالبلاط وهي كثيرة المساجد وصلاة الجمعة تقام بها في ثلاثة عشر جامعا وأهلها مسلمون يقلدون الإمام الشافعي في عباداتهم، وفيها ما يقارب مائة بيت من طائفة نصارى الروم الأرثوذكس وعاداتهم في الغالب تشابه عادات المسلمين حتى إن نساءهم يستترن كتستر النساء المسلمات، وبين الفريقين ألفة ومودة، ولسان أهلها عربي، وفيهم سجية الكرم وحب الغريب وإكرام الضيوف، وبها مصانع وصهاريج لجمع ماء المطر ومنه يشرب أهلها لفقد الماء الجاري بها، ويوجد في بعض بيوت الأغنياء
آبار ماؤها ملح يستعملونه في حوائجهم الضرورية، وفي البلدة بئر ماء معين واقع في جانبها الغربي الشمالي متصلة في التلة الغربية من البلدة تستقي حماماتهم من مائها، ويوجد في شمالي البلدة على بعد عشرين دقيقة في خرائب إدلب الكبرى عدة آبار ماء معين عذب يشرب منها أبناء السبيل وربما يستقي منها أهل البلد عند قلة ماء المطر، وأغزرها ماء بئر يسمى (البريات) قلما ينزح ماؤها مهما توافدت عليه الوراد. ويوجد أيضا بجانبها الغربي على بعد مسافة ساعة عيون ماء معين يجري على وجه الأرض تسمى (مرتين) من أعذب مياه الدنيا وأطيبها وهو يسقي ثلاثة بساتين متنوعة الأشجار مختلفة البقول. (1)(3/222)
وكلامنا الآن على إدلب الصغرى لأن الكبرى الآن خراب يباب، وهي الآن من أعمال حلب وموقعها بالجانب الجنوبي الغربي من حلب والمسافة بينهما اثنتا عشرة ساعة والطريق بينهما سهل، وبناؤها في بسيط مرتفع من الأرض وعمارتها من الحجر الصلد الخالص البياض وأزقتها واسعة ومفروشة بالبلاط وهي كثيرة المساجد وصلاة الجمعة تقام بها في ثلاثة عشر جامعا وأهلها مسلمون يقلدون الإمام الشافعي في عباداتهم، وفيها ما يقارب مائة بيت من طائفة نصارى الروم الأرثوذكس وعاداتهم في الغالب تشابه عادات المسلمين حتى إن نساءهم يستترن كتستر النساء المسلمات، وبين الفريقين ألفة ومودة، ولسان أهلها عربي، وفيهم سجية الكرم وحب الغريب وإكرام الضيوف، وبها مصانع وصهاريج لجمع ماء المطر ومنه يشرب أهلها لفقد الماء الجاري بها، ويوجد في بعض بيوت الأغنياء
آبار ماؤها ملح يستعملونه في حوائجهم الضرورية، وفي البلدة بئر ماء معين واقع في جانبها الغربي الشمالي متصلة في التلة الغربية من البلدة تستقي حماماتهم من مائها، ويوجد في شمالي البلدة على بعد عشرين دقيقة في خرائب إدلب الكبرى عدة آبار ماء معين عذب يشرب منها أبناء السبيل وربما يستقي منها أهل البلد عند قلة ماء المطر، وأغزرها ماء بئر يسمى (البريات) قلما ينزح ماؤها مهما توافدت عليه الوراد. ويوجد أيضا بجانبها الغربي على بعد مسافة ساعة عيون ماء معين يجري على وجه الأرض تسمى (مرتين) من أعذب مياه الدنيا وأطيبها وهو يسقي ثلاثة بساتين متنوعة الأشجار مختلفة البقول. (1)
أما موقع البلدة فلطيف للغاية لاحتباك شجر الزيتون وإحاطته بالبلدة من أطرافها الأربعة إحاطة الهالة بالقمر على مسافة أكثر من ساعتين من الجهات الأربع، ويتخلل أشجار زيتونها أنواع من الشجر النفيس كالتين المتنوع الأشكال والعنب المختلف الألوان وكذلك المشمش واللوز والجوز وكثير من الأشجار ذات الثمار اللذيذة.
وأما الهواء بها فمعتدل للغاية والحر بها قليل الدوام سريع الزوال، وأرضها جيدة وتربتها قابلة الإنبات وترابها أحمر قان، وقد كان مرتبها قبل ثلاثمائة سنة شيئا زهيدا يدفع بجهة الخراج الموظف لجانب الدولة العثمانية. وحينما اجتاز بها المرحوم محمد باشا الكوبريلي شاهد من أهلها حفاوة وإكراما فابتاع بها قطع أراض معدودة، ولما عهد إليه بمسند صدارة الدولة العثمانية أمر بإنشاء عدة عقارات في إدلب أدخلها في جملة وقفه. ثم استحصل فرمانا عاليا من السلطنة العثمانية باقتطاع وارداتها بجهة التمليك الملوكي وجعلها جفتلكا مستقلا خاصا بدولته مفروز القلم عن غيره مقطوع القدم من تسلطات أحد من المأمورين واستثناها من جميع التكاليف الأميرية بما استحصله من الامتيازات العالية حتى يروى أن أحد الجناة في غير بلاد إذا دخلها فقد أمن على نفسه من أن تصل إليه يد أحد. وكان يرسل لأجل إدارة شؤونها متسلما من خواص لائذيه ويعامل حسبما يتلقاه من أوامر سيده موليه أهلها بالعدل والإحسان، فهرعت إليها بالجهرة أهل القرى المجاورة وقصدها الكثير من أطراف البلاد وتديرها طوائف من الناس، ثم اختصها بطبخ الصابون دون سائر بلاد حلب فأنشئت بها ثلاثة وثلاثون مصبنة كلها تطبخ الصابون بحيث يصل منه إلى بغداد والروم إيلي وغيرها من
__________
(1) أقول: جلبت عيون مرتين إلى إدلب هذه السنة وهي سنة 1343بمساعي المفتي المذكور وقائم مقامها وطنينا توفيق بك الحياني، وسنذكر ذلك في الكلام على أعمال دائرة النافعة.(3/223)
البلاد الشاسعة، وبذلك أصبحت مصرا بين الأمصار ومعدودة في مصاف المدن الكبار، وبقيت على هذا المنوال ما ينيف عن نصف قرن ثم تبدلت الأحوال بتبدل الأزمان سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلا.
وصف إدلب أيضا لصديقنا الشيخ كامل الكيّالي (1)
قال: عرفت هذه البلدة قديما وحديثا بحسن المناخ وطيب الهواء وجودة التربة والثمرة واعتدال الطقس في الفصول الأربعة. تسامت بموقعها الطبيعي لانبساطها على مرتفع من الأرض يساوي قمة الجبل الغربي المتصل بالجبل الجنوبي المعروف بجبل ريحا، ويقال له في القديم جبل السمّاق واشتهر في الأيام الأخيرة بجبل الزاوية، ويبتعد عنها بمقدار بضع كيلو متر، وبهذا المقدار يبتعد عنها من شمالها الجبل الأحمر ويقال له الأعلى وجبل الشيخ بركات، ومن شرقيها جنوبا إلى الشمال سهولها الواسعة الخصبة المتصلة بسهول حلب تقطع القفول مسافة هاته السهول باثنتي عشرة ساعة وهي عبارة عن أربعين كيلومترا تقديرا.
يزيد هواء هذه البلدة طيبا وصفاء احتفاف نطاقها بأشجار الزيتون المباركة المستديرة بها استدارة السوار بالمعصم بحيث يسير الراكب في ظلالها من أي جهة قصدها مسير ساعتين على سير الخيل، يتخللها كروم العنب والتين المقسم به المضروب به المثل، ومناظر هاتيك الكروم زاهية زاهرة، وقلما يوجد منها عاريا عن شجر الزيتون، ومن ارتقى على نشز عال ونظر إلى هذه البلدة واحتفافها بالزيتون من كافة الأطراف سيما حينما تترنح أغصانه بتمويج الهواء يتخيل له أن هناك بحرا مضطربا قامت في وسطه جزيرة شائقة شاهقة.
كما عرفت هذه البلدة بطيب الهواء عرف أهلها بطيب الأخلاق وحسن المعاشرة وإقراء الضيف ومؤاثرة الغرباء على الأقرباء وبالذكاء والسخاء الفطريين، وفيها يقول رحال كبير من فضلاء دمشق الشام بعد كلام جميل في وصفها يطول شرحه:
__________
(1) نشرها في أربعة أعداد في جريدة البريد السوري الحلبية من عدد 161فصاعدا بتاريخ 23صفر سنة 1341و 14 تنشرين الأول سنة 1923بعنوان «لمعة من تاريخ إدلب».(3/224)
إن قيل إن الشام عين بلادنا ... صدقوا ولكن إدلب إنسانها
فاقت على عدن الجنان كرومها ... وعلى الكرام لقد سمت سكانها
كانت قبل الفتح الإسلامي إلى أواخر القرن العاشر ذات محلتين إحداهما كبرى شمالية والثانية صغرى جنوبية، وإليها أشار السيد مرتضى الزبيدي في كتابه تاج العروس فيما استدركه على القاموس حيث قال: (ومما فات المصنف ذكر إدلب الكبرى والصغرى من أعمال حلب) ونسب إليها أستاذه السيد شعيب الكيالي في مادة (كيل). ثم انضمت الكبرى إلى الصغرى وصارتا كتلة واحدة على ما سيأتي بيانه قريبا. والوثائق المحفوظة بمكاتب أهلها أن أصلها (إدليب) بياء بعد اللام وربما رسمها بعضهم بالذال المعجمة ثم طرأها ما طرأ كيانها من التحريف والتصحيف فقالوا (إدلب) وغاية ما هنالك أنها لفظة غير عربية، وقدم تاريخها المجهول يدل على أنها (كلدانية) ويؤيده النقش الكلداني من الصور والتماثيل النافرة الظاهرة في صفحات بعض الأحجار الضخمة من آثارها القديمة المشابهة لأشكال الرسوم المشاهدة في أحجار باب مسجد قاقان في عقبة حلب، تلك الرسوم التي استدل بها بعض مؤرخيها على كلدانيتها وسبق تاريخ وجودها على وجود الخليل عليه السلام.
طرأت على إدلب طوارىء مهمة في أدوار مختلفة فحدثت فيها حوادث هائلة ونشبت حولها معارك مدهشة سيما في القرون الوسطى زمن التنازع بين ملوك الطوائف في هذه الأقطار. ومن نظر في تواريخ مقامات الشهداء الشاهدة بخطها الكوفي والعربي على أحجار أضرحتها الضخمة البارزة فضلا عن المتردمة التي تبرز آنا فآنا للباحثين يتحقق عظم ما دار حولها من العظائم والوقائع رغما عن عدم وجود تاريخ يجمع بين دفتيه تفاصيلها ويفصح عن درجة أهميتها، ونكتفي عن كتابة تاريخ لها يثبت قدمها وتقدمها وما كان للملوك من شدة الاعتناء بها وجود بعض الآثار الملوكية بها للآن، فإن شاهد الحس أثبت من شاهد النقل.
أخص بالذكر من تلك الآثار المهمة القديمة جامعها العمري المعمور للآن ولا أدري أهو خطابي النسبة أم أموي، والذي يتبادر إلى الحقيقة الثاني إذا تذكرنا أموي حلب وهي من إيالتها. ومنها الملجأ العظيم الذي كان أنشأه الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس المعروف الآن بخان الشحاذين، ذلك البناء الفخم الذي وقف له الأوقاف الكثيرة ليأوي إليه عابر والسبيل وعجزة العفاة، ولكن مع الأسف قد عفا رسم أوقافه ولم يبق إلا هيكل بنائه ينتفع بالالتجاء إليه غرباء الشحاذين في فصل الشتاء، وقد كان قبل ستين سنة تسبق تاريخ اليوم
تهدم معظمه فقام بعمارته ومرمته أهل الخير وتم على ما هو عليه الآن. وكانت اليد العاملة في إعماره للمرحومين السيد إسماعيل الكيالي والشيخ نجيب الحميداني وقد أخرجا من بابه حانوتين لتعود غلتهما على ما يلزمه من المرمة استبقاء لعينه، فجزى الله المحسنين خير الجزاء. ومنها مما سيأتي بيانه.(3/225)
أخص بالذكر من تلك الآثار المهمة القديمة جامعها العمري المعمور للآن ولا أدري أهو خطابي النسبة أم أموي، والذي يتبادر إلى الحقيقة الثاني إذا تذكرنا أموي حلب وهي من إيالتها. ومنها الملجأ العظيم الذي كان أنشأه الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس المعروف الآن بخان الشحاذين، ذلك البناء الفخم الذي وقف له الأوقاف الكثيرة ليأوي إليه عابر والسبيل وعجزة العفاة، ولكن مع الأسف قد عفا رسم أوقافه ولم يبق إلا هيكل بنائه ينتفع بالالتجاء إليه غرباء الشحاذين في فصل الشتاء، وقد كان قبل ستين سنة تسبق تاريخ اليوم
تهدم معظمه فقام بعمارته ومرمته أهل الخير وتم على ما هو عليه الآن. وكانت اليد العاملة في إعماره للمرحومين السيد إسماعيل الكيالي والشيخ نجيب الحميداني وقد أخرجا من بابه حانوتين لتعود غلتهما على ما يلزمه من المرمة استبقاء لعينه، فجزى الله المحسنين خير الجزاء. ومنها مما سيأتي بيانه.
ما سبب تسميتها إدلب الصابون:
عرفت هذه البلدة من القديم بعمل الصابون لعظم وارداتها من ثمر الزيتون المغروس أكثر أرضها بشجرته المباركة، فكان بها تحت الأرض من المعامل لعصر الزيت ما ينيف على مائتي معمل تزاول عصره من أوائل فصل الشتاء إلى منتصف الصيف، وذلك بسبب أن آلة العصر كانت في تلك العصور إنما هي (القضيب والفليجة) المتخذتان من الخشب على شكلهما البسيط، وما زالتا مستعملتين إلى أن ظهرت منذ أربعين سنة الآلات الحديدية، فمجموع المعامل الآن بها منها خمسون معملا أكثر أبنيتها قائم على وجه الأرض. وكان يوجد بها لطبخ الصابون ستة وثلاثون مصبنة منها ذات القدرين وذات الأربعة، وعلى كثرة هذه المصابن كانت نيرانها دائمة الاضطرام تحت قدور الطبخ عامة أيام السنة حتى شكلت على التمادي من مرجوع القلى الذي هو أحد المواد المستعملة في طبخ الزيت صابونا هاتين الرمادتين القائمتين على طرفي البلدة، إحداهما في الغربي الشمالي والثانية في الجنوبي الشرقي، وكل منهما على رغم تقادم العهد وما جرفه السيل وأذرته الرياح كالطود العظيم، ويوجد أيضا في جهتها الشمالية على حافة الجادة الغربية الموصلة إلى معرة مصرين رمادة ثالثة دونهما في الحجم، وكفى بهذه الآثار العظيمة دليلا على عظم ما كانت تخرجه هذه المعامل من الزيت والصابون، لم لا وقد كان محظورا طبيخه على سائر البلاد السورية بمقتضى الأمر السلطاني القاضي بحصر عمله في معاملها على ما يأتي تفصيله.
ولكن مع الأسف لم يبق من تلك المصابن سوى اثنتين إحداهما في البازار المتوسط معطلة بيد العياشية، والثانية في محلة الكيّالية بيد بني المعلّم لكنها غير مستديمة العمل، وهناك ثالثة صغيرة يستعملها في فصل الشتاء أصحابها من بني البعّاج.
بقدر ما كانت هذه البلدة في الأدوار السابقة راقية في صنعة الصابون كانت تجارتها راقية، وذلك حينما كان مرفأ ثغر اللاذقية عامرا ولم يكن من ثمة لثغر الإسكندرونة من ذكر، فكان كل ما يلقيه البحر إلى الداخل من البلاد العربية حتى العراق على مرفئها وما
يرد إليه من واردات تلك الجهات أخذا وإعطاء ومبادلة إنما يصدر على الغالب بواسطة تجار إدلب وقوافلها وعملاتها لتوسط مركزها بين المدينتين اللاذقية والشهباء، فكانت آنئذ واسطة العقد بينهما ومركز الدائرة لما التفت حولها من البلاد. ولما رأى الصدر الأعظم للدولة العثمانية في أوائل القرن الحادي عشر أهمية مركزها الجغرافي والتجاري وجه إليها نظر الاعتناء فزاد في عمارتها عمارات كثيرة ورتب أسواقها على نسق أسواق المدينة في حلب فجعل لكل حرفة وبضاعة سوقا خاصا، وانضمت إليها بمدة وجيزة محلتها الكبرى إدلب الشمالية وكانت المسافة بينهما مقدار ألف متر فصارتا كتلة واحدة، وعندئذ توسع نطاقها واتسع سورها، وكان له بابان فصار له خمسة، أما اليوم فلم يبق للسور من أثر إلا ما كان من بعض أحجار في الباب الغربي الجنوبي غائصة في الأرض وهو الذي يدخل منه إلى بازار الدواب، وكذا الحجر السفلي من الباب الغربي الشمالي الذي يدخل منه إلى محلة الشهيد وفخذ الباب الجنوبي الواقع غربي تربة الإمام الكاملي وبعض رسوم جادة لبوابات تلك الأبواب.(3/226)
بقدر ما كانت هذه البلدة في الأدوار السابقة راقية في صنعة الصابون كانت تجارتها راقية، وذلك حينما كان مرفأ ثغر اللاذقية عامرا ولم يكن من ثمة لثغر الإسكندرونة من ذكر، فكان كل ما يلقيه البحر إلى الداخل من البلاد العربية حتى العراق على مرفئها وما
يرد إليه من واردات تلك الجهات أخذا وإعطاء ومبادلة إنما يصدر على الغالب بواسطة تجار إدلب وقوافلها وعملاتها لتوسط مركزها بين المدينتين اللاذقية والشهباء، فكانت آنئذ واسطة العقد بينهما ومركز الدائرة لما التفت حولها من البلاد. ولما رأى الصدر الأعظم للدولة العثمانية في أوائل القرن الحادي عشر أهمية مركزها الجغرافي والتجاري وجه إليها نظر الاعتناء فزاد في عمارتها عمارات كثيرة ورتب أسواقها على نسق أسواق المدينة في حلب فجعل لكل حرفة وبضاعة سوقا خاصا، وانضمت إليها بمدة وجيزة محلتها الكبرى إدلب الشمالية وكانت المسافة بينهما مقدار ألف متر فصارتا كتلة واحدة، وعندئذ توسع نطاقها واتسع سورها، وكان له بابان فصار له خمسة، أما اليوم فلم يبق للسور من أثر إلا ما كان من بعض أحجار في الباب الغربي الجنوبي غائصة في الأرض وهو الذي يدخل منه إلى بازار الدواب، وكذا الحجر السفلي من الباب الغربي الشمالي الذي يدخل منه إلى محلة الشهيد وفخذ الباب الجنوبي الواقع غربي تربة الإمام الكاملي وبعض رسوم جادة لبوابات تلك الأبواب.
ومن عمارات الصدر المشار إليه الباقية للآن الخان المعروف بخان الرز الكائن أمام الجامع المنسوب إليه وسوق البازركان المتصل به.
ثم إنه بعد أن أتم نظامها على ما سلف أصدر أمرا سلطانيا جاء في بعض مواده إعفاء أهل هذه البلدة وكل من يأوي بالسكنى إليها من كافة التكاليف السلطانية حتى من الأعشار المشروعة مدة عشرين سنة على أن تعود تلك الأعشار خاصة بعد المدة المضروبة إلى مصالح الحرمين المحترمين المكي والمدني، وأن من لجأ إليها على سبيل الإقامة والاستقامة أمين في سربه من كل غائلة لا يسأل من طرف الحكومة عمّا فعل ولو كان جانيا جناية القتل ومعلوم ما كان إذ ذاك من استعظام تلك الجريمة بعكس اليوم (فما أكثر الجرحى وما أرخص القتلى) وأن من ينسب إلى الخرقة العلمية سواء كان من أهلها أو من سواها يكون على غاية من العناية والرعاية إلى غير ذلك من الامتيازات التي من أهمها حصر عمل الصابون في معاملها وحظره على سائر البلاد السورية وإخطاره الحكومة في كافة الجهات من المخالفة بشديد المعاقبة، فمن ثمة اشتهرت بإدلب الصابون وصارت كعبة القصد سيما وقد وطد أمر الحكومة بها على دعائم العدل المفرط وخصص لها قوانين خاصة بها امتازت بها على كافة ما جاورها من البلدان، على أن تواصيه كانت ملتزمة متوالية بشأنها وشؤون سكانها
على الأخص منها أهل العلم والصلاح والذمة آنا فآنا تترى من قبله إلى ولاة حلب ومنها إلى متسلميها من حكام الإدارة والسياسة، وما زالت هذه عنايته بها مدة حياته الأمر الذي حمل أهالي القرى التي حولها إلى تحويل الوجهة بالهجرة إليها والسكنى بها. وكانت نحوا من ثلاثين قرية وها هي محالها الآن مزارع ومغارس لأهلها اليوم، وكذا رغب الانحياز إليها كثير من أهالي البلاد الدانية منها كالجسر وحارم وأنطاكية والمعرة وريحا وسرمين ومعرة مصرين والقاصية عنها كاللاذقية والأدهمية ودمشق وحمص وحماة وحلب، تلقب إلى اليوم بقايا تلك العائلات فيها بأسماء محلاتها الأصلية فلا تعرف إلا بالنسبة إليها.(3/227)
ثم إنه بعد أن أتم نظامها على ما سلف أصدر أمرا سلطانيا جاء في بعض مواده إعفاء أهل هذه البلدة وكل من يأوي بالسكنى إليها من كافة التكاليف السلطانية حتى من الأعشار المشروعة مدة عشرين سنة على أن تعود تلك الأعشار خاصة بعد المدة المضروبة إلى مصالح الحرمين المحترمين المكي والمدني، وأن من لجأ إليها على سبيل الإقامة والاستقامة أمين في سربه من كل غائلة لا يسأل من طرف الحكومة عمّا فعل ولو كان جانيا جناية القتل ومعلوم ما كان إذ ذاك من استعظام تلك الجريمة بعكس اليوم (فما أكثر الجرحى وما أرخص القتلى) وأن من ينسب إلى الخرقة العلمية سواء كان من أهلها أو من سواها يكون على غاية من العناية والرعاية إلى غير ذلك من الامتيازات التي من أهمها حصر عمل الصابون في معاملها وحظره على سائر البلاد السورية وإخطاره الحكومة في كافة الجهات من المخالفة بشديد المعاقبة، فمن ثمة اشتهرت بإدلب الصابون وصارت كعبة القصد سيما وقد وطد أمر الحكومة بها على دعائم العدل المفرط وخصص لها قوانين خاصة بها امتازت بها على كافة ما جاورها من البلدان، على أن تواصيه كانت ملتزمة متوالية بشأنها وشؤون سكانها
على الأخص منها أهل العلم والصلاح والذمة آنا فآنا تترى من قبله إلى ولاة حلب ومنها إلى متسلميها من حكام الإدارة والسياسة، وما زالت هذه عنايته بها مدة حياته الأمر الذي حمل أهالي القرى التي حولها إلى تحويل الوجهة بالهجرة إليها والسكنى بها. وكانت نحوا من ثلاثين قرية وها هي محالها الآن مزارع ومغارس لأهلها اليوم، وكذا رغب الانحياز إليها كثير من أهالي البلاد الدانية منها كالجسر وحارم وأنطاكية والمعرة وريحا وسرمين ومعرة مصرين والقاصية عنها كاللاذقية والأدهمية ودمشق وحمص وحماة وحلب، تلقب إلى اليوم بقايا تلك العائلات فيها بأسماء محلاتها الأصلية فلا تعرف إلا بالنسبة إليها.
فمما تقدم عظم شأنها وراجت بضائعها ونمت زراعتها وكثرت صنائعها واتسع نطاقها وطاب الاستقرار بها حيث أصبحت مأمنا لكل خائف ومأمولا لكل آمل، تختال سكنها تيها بتلك الامتيازات الملوكية في بحبوحة من العيش متدرجة يوما فيوما على درجات الارتقاء إلى ذروة السعادة والنجاح دون خلود إلى راحة الخمود والجمود كما هي عليه اليوم، ولا أدري إلى ماذا يكون مصيرها إذا لم تستيقظ من سباتها وتسعى سعيها في استرجاع ماضيها الزاهر ورقيها الباهر.
ما سبب شهرتها بالأزهر الأصغر:
بقدر ما كانت تجارة هذه البلدة راقية وشؤونها العمرانية زاهية نامية كانت من الوجهة العلمية أرقى درجة وأسرع حركة وأبعد صيتا وأعظم شهرة، فقد أنجبت فيما سلف من أهل العلم والعرفان أئمة عظاما شاع ذكرهم وعبق عطرهم، شهدت بفضلهم أعلام الأمصار وسارت سيرتهم كالشمس في رابعة النهار. أخص بالذكر منهم تنويها بشأنهم لا استقصاء لعددهم الإمام الكبير الشيخ أحمد الكاملي وولده المفتي الشيخ ياسين والأستاذ الجليل السيد الشيخ إسماعيل الكيّالي وأولاده الخمسة وأشهرهم السيد شعيب من أشياخ السيد مرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس كما ذكره في مادة (كيل) فيما استدركه من الكلمات على القاموس المحيط وترجمه المرادي الدمشقي في تاريخه سلك الدرر، والعلّامة الكبير الشيخ عمر الفيومي والشيخ صالح الحميداني الكبير أحد تلامذة السيد شعيب المشار إليه والمحشّي لكتابه الوامق، والشيخ علي الجوهري والشيخ عبد الرحمن الجوهري الكبير، والشيخ شومان الشهيد الذي نوّه بشأنه الشيخ أبو السعود الكواكبي الحلبي في إحدى مجموعاته والشيخ السلموني والشيخ يوسف الحمداني والعلّامة الأسقاطي الأزهري
والشيخ أحمد المرتيني الكبير وأضرابه الأجلّاء كالشيخ خليل أمين الفتوى الذي ينسب إليه الجامع المعروف بجامع الشيخ خليل لطول مجاورته فيه وكالعلامة الفرضي الكبير الشيخ محمد محي الدين الكيّالي والشيخ الكاملي الصغير حفيد الكاملي الكبير صاحب القابوس مختصر القاموس، ومنهم إمام عصره السيد محمد حافظ أفندي الكيّالي الكبير والأستاذ المعروف بالغزالي الثاني والأستاذ الشيخ عمر أفندي المرتيني الشافعي الصغير وأخيه الشيخ صالح وأولادهما والشيخ عبد القادر النوري الكيالي وأولاده أصحاب التصانيف العديدة، والشيخ محمد الجوهري الكبير والشيخ صلاح الجوهري وغيرهم ممن يطول شرحهم، ولهؤلاء الأعلام بقية خيرهم خير خلف لخير سلف أدركنا منهم جملة منها أفاضل لا تزال في قيد الحياة نفع الله بهم وبأمثالهم البلاد والعباد، ولكل من ذكرناه من أولئك الجهابذ آثار حميدة ومآثر مفيدة تستوعب لو بسطنا الكلام عليها مجلدا ضخما عدا من تقدمهم من الطبقات فيما قبل الألف الهجرية، وبعزمي إن ساعدني القدر إنشاء تاريخ يجمع ما يسعدني الحظ من العثور على بعض تراجمهم مرتبا فيه أسماءهم الكريمة على الحروف الأبجدية قاصدا بذلك خدمة العلم والعلماء واستلفاتا لأنظار ناشئة اليوم إلى ما عساهم أن ينظروا في سيرة أسلافهم فتهزهم حمية الانتماء إليهم إلى الاقتداء بهم والسلوك في مسالكهم. إذا كانت بهذا السلف الصالح وما ظهر وبهر من علومهم وشهد لهم الأقران في منطوقهم ومفهومهم تسمى هذه البلدة على ما اشتهر الأزهر الأصغر.(3/228)
بقدر ما كانت تجارة هذه البلدة راقية وشؤونها العمرانية زاهية نامية كانت من الوجهة العلمية أرقى درجة وأسرع حركة وأبعد صيتا وأعظم شهرة، فقد أنجبت فيما سلف من أهل العلم والعرفان أئمة عظاما شاع ذكرهم وعبق عطرهم، شهدت بفضلهم أعلام الأمصار وسارت سيرتهم كالشمس في رابعة النهار. أخص بالذكر منهم تنويها بشأنهم لا استقصاء لعددهم الإمام الكبير الشيخ أحمد الكاملي وولده المفتي الشيخ ياسين والأستاذ الجليل السيد الشيخ إسماعيل الكيّالي وأولاده الخمسة وأشهرهم السيد شعيب من أشياخ السيد مرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس كما ذكره في مادة (كيل) فيما استدركه من الكلمات على القاموس المحيط وترجمه المرادي الدمشقي في تاريخه سلك الدرر، والعلّامة الكبير الشيخ عمر الفيومي والشيخ صالح الحميداني الكبير أحد تلامذة السيد شعيب المشار إليه والمحشّي لكتابه الوامق، والشيخ علي الجوهري والشيخ عبد الرحمن الجوهري الكبير، والشيخ شومان الشهيد الذي نوّه بشأنه الشيخ أبو السعود الكواكبي الحلبي في إحدى مجموعاته والشيخ السلموني والشيخ يوسف الحمداني والعلّامة الأسقاطي الأزهري
والشيخ أحمد المرتيني الكبير وأضرابه الأجلّاء كالشيخ خليل أمين الفتوى الذي ينسب إليه الجامع المعروف بجامع الشيخ خليل لطول مجاورته فيه وكالعلامة الفرضي الكبير الشيخ محمد محي الدين الكيّالي والشيخ الكاملي الصغير حفيد الكاملي الكبير صاحب القابوس مختصر القاموس، ومنهم إمام عصره السيد محمد حافظ أفندي الكيّالي الكبير والأستاذ المعروف بالغزالي الثاني والأستاذ الشيخ عمر أفندي المرتيني الشافعي الصغير وأخيه الشيخ صالح وأولادهما والشيخ عبد القادر النوري الكيالي وأولاده أصحاب التصانيف العديدة، والشيخ محمد الجوهري الكبير والشيخ صلاح الجوهري وغيرهم ممن يطول شرحهم، ولهؤلاء الأعلام بقية خيرهم خير خلف لخير سلف أدركنا منهم جملة منها أفاضل لا تزال في قيد الحياة نفع الله بهم وبأمثالهم البلاد والعباد، ولكل من ذكرناه من أولئك الجهابذ آثار حميدة ومآثر مفيدة تستوعب لو بسطنا الكلام عليها مجلدا ضخما عدا من تقدمهم من الطبقات فيما قبل الألف الهجرية، وبعزمي إن ساعدني القدر إنشاء تاريخ يجمع ما يسعدني الحظ من العثور على بعض تراجمهم مرتبا فيه أسماءهم الكريمة على الحروف الأبجدية قاصدا بذلك خدمة العلم والعلماء واستلفاتا لأنظار ناشئة اليوم إلى ما عساهم أن ينظروا في سيرة أسلافهم فتهزهم حمية الانتماء إليهم إلى الاقتداء بهم والسلوك في مسالكهم. إذا كانت بهذا السلف الصالح وما ظهر وبهر من علومهم وشهد لهم الأقران في منطوقهم ومفهومهم تسمى هذه البلدة على ما اشتهر الأزهر الأصغر.
ويقال إن أول من وصفها بهذا الوصف الزاهر إمام عصره الحجة العمدة الثبت الثقة العلم المفرد الشيخ حسين التونسي ثم المصري الأزهري وذلك حينما قدم إدلب خلال تجواله في البلاد السورية سنة أربعين بعد المائتين والألف وأقام بها مدة غير قليلة فكانت تجتمع عليه علماؤها وقتئذ وتجري بينهم المذاكرات والمباحثات النظرية ويطارحهم المسائل العويصة والمشاكل الدقيقة ويساجلهم في ضروب من الأبحاث النقلية والعقلية فيجد منهم ما لم يجده في علماء البلاد ممن ناظرهم وحاورهم، فأجاز فيها واستجاز، ولما كانت تجتمع عليه العلماء من غيرها ويرى منهم التقصير في المناظرة يقول لهم: اذهبوا إلى إدلب فإن هناك الأزهر الأصفر ووفروا كلفة المشقة بالذهاب إلى مصر. وقد صدر مثل هذه الجملة عن جملة من أهل الفضل منهم العلامة الشهير الشيخ عبد الغني أفندي الرافعي أثناء وجوده بها قاضيا سنة ثلاث وتسعين بعد المائتين والألف، وله كما للأستاذ التونسي المتقدم محاورات
ومناظرات لو تدوّنت لشكلت حجم كتاب ضخم سنأتي على بعض ما وصلنا منها في تاريخنا المنوي إن شاء الله إنشاؤه.(3/229)
ويقال إن أول من وصفها بهذا الوصف الزاهر إمام عصره الحجة العمدة الثبت الثقة العلم المفرد الشيخ حسين التونسي ثم المصري الأزهري وذلك حينما قدم إدلب خلال تجواله في البلاد السورية سنة أربعين بعد المائتين والألف وأقام بها مدة غير قليلة فكانت تجتمع عليه علماؤها وقتئذ وتجري بينهم المذاكرات والمباحثات النظرية ويطارحهم المسائل العويصة والمشاكل الدقيقة ويساجلهم في ضروب من الأبحاث النقلية والعقلية فيجد منهم ما لم يجده في علماء البلاد ممن ناظرهم وحاورهم، فأجاز فيها واستجاز، ولما كانت تجتمع عليه العلماء من غيرها ويرى منهم التقصير في المناظرة يقول لهم: اذهبوا إلى إدلب فإن هناك الأزهر الأصفر ووفروا كلفة المشقة بالذهاب إلى مصر. وقد صدر مثل هذه الجملة عن جملة من أهل الفضل منهم العلامة الشهير الشيخ عبد الغني أفندي الرافعي أثناء وجوده بها قاضيا سنة ثلاث وتسعين بعد المائتين والألف، وله كما للأستاذ التونسي المتقدم محاورات
ومناظرات لو تدوّنت لشكلت حجم كتاب ضخم سنأتي على بعض ما وصلنا منها في تاريخنا المنوي إن شاء الله إنشاؤه.
إجمال أحوالها:
وبالجملة فإن تطورات هذه البلدة في الأدوار السالفة عجيبة جدا، فتارة قرية وتارة قصبة وتارة قضاء كبيرا وطورا منحطة، سنة الله في ملكه. أما حالتها اليوم ففي دور التوقف عدا حالتها التجارية فإنها هاوية إلى أسفل دركات الانحطاط لتوقف حالة التجارة في اللاذقية منذ أهمل مرفأها الذي كان عامرا قبل خمسين سنة على حين لم يكن لمرفأ الإسكندرونة من ذكر، وقد أشرنا إلى هذه النقطة آنفا، وهناك أسباب أخر، منها رفع انحصار عمل الصابون في إدلب وإباحته لبقية البلاد السورية وقد كان كما علمت محصورا بها محظورا على غيرها، ومنها مرور السكة الحديدية بين دمشق والشهباء في الأراضي الخالية من الأملاك المدورة البعيدة عنها دون مرورها بها مع اتصال خط (الشوسة) من ثغر الإسكندرونة إلى حلب بحيث أصبحت كالثغر الوحيد للداخل كما كانت اللاذقية في السابق، وكان العقد بينها وبين الشهباء وضواحيها مركز إدلب، إلى غير ذلك مما يطول بيانه.
وأما حالتها من الوجهة العلمية فبهذه النسبة منحطة جدا سيما في الأيام الأخيرة عندما اضطرمت نيران الحرب العامة وأتت على الرطب واليابس ومزقت وثائق الامتيازات التي منها امتياز أهل العلم وطلابه باستثنائهم من الخدمة العسكرية، فإن الطلبة في إلغاء تلك الامتيازات تفرقت في مواقع الحروب أيدي سبا، ومعاهدها العلمية لفقد مجاوريها تعطلت وأكثرها اليوم متداع إلى الخراب بعد أن كانت بأهلها آنسة عامرة تضاهي معاهد العلم في معظم البلاد الراقية.
وأما حالتها من الوجهة العمرانية فهي منذ خمسين سنة حتى اليوم مركز قضاء كبير يليق أن يكون لواء من جهات متعددة، أهمها احتواء هذا القضاء على نواحيه الثلاث:
ريحا، سرمين، معرة مصرين، ويتبعها ما ينيف عن مائتي قرية ومزرعة وقد استدارت بمواقعها الطبيعية حول مركز هذه البلدة كاستدارة أشجار الزيتون بها، وعلى هذا الشكل قد
التف حول هذا القضاء الأقضية المجاورة كالمعرة والجسر وحارم وسمعان، وأراضي كل من هذه الأقضية متاخم لأراضي هذا القضاء، وبين كل منها وبينه غاية التلازم والتلاحم والتداخل في الأخذ والعطاء وأكثر المعاملات السائرة.(3/230)
ريحا، سرمين، معرة مصرين، ويتبعها ما ينيف عن مائتي قرية ومزرعة وقد استدارت بمواقعها الطبيعية حول مركز هذه البلدة كاستدارة أشجار الزيتون بها، وعلى هذا الشكل قد
التف حول هذا القضاء الأقضية المجاورة كالمعرة والجسر وحارم وسمعان، وأراضي كل من هذه الأقضية متاخم لأراضي هذا القضاء، وبين كل منها وبينه غاية التلازم والتلاحم والتداخل في الأخذ والعطاء وأكثر المعاملات السائرة.
ولو أمعنت حكومتنا اليوم في هذه النقطة المهمة لما وسعها إلا تشكيل هذا القضاء لواء بالاستحقاق، ولا يخفى على العارفين ما ينجم عن ذلك من الرقي والنجاح فيما يعود على الدولة والملة بالفائدة المادية والأدبية، على أنه بلغني أن الحكومة كانت عزمت على ذلك بيد أنها تأخرت عن التشكيل ريثما تساعدها الظروف ويتسنى لها إبراز هذه الفكرة إلى حيّز العمل والإجراء.
وأما حالتها من وجهة الأمور الخيرية ومسائل الأوقاف فهي كحالتها من الوجهة العلمية والتجارية منحطة جدا، وعلى كثرة معابدها ومساجدها ورباطاتها كانت أوقافها كثيرة العدد وافرة الغلة، وعلى هذه الكثرة قد أخنى عليها الدهر وتداولتها أيدي المتنفذة باسم التولية تارة وباسم التحكير أخرى، حتى إن كثيرا منها لولا عناية مجاوريها من أهل المساعي الخيرية يجمعون من جيوبهم غلة ينفقونها في مرمتها لذهبت كذهاب أوقافها بالعين والأثر.
مما أسلفناه لك أيها القارىء الكريم في هذه المقدمة عن تاريخ هذه البلدة [وكلها حقائق ناصعة ثابتة بالبيان والعيان] تعلم درجة أهميتها وأهمية مركزها وشؤونها في أطوارها وأدوارها وما كان لها من الماضي الزاهر والتاريخ العجيب بحيث لو كان مدونا لكان تاريخا مجيدا، لكنها مع كمال الأسف لم يكن لها حظ من يراع المؤرخين ممن تقدم أو تأخر حتى ولا من أهلها على كثرة كتابها ونبغائها قديما وحديثا وحتى هذه الساعة، بل إن أكثر حوادثها وما يتعلق بشؤونها التاريخية يرويها منهم الخلف عن السلف أخذا من الأفواه وحفظا في الصدور كما كان عليه رواة الأحاديث عند إرادة تدوينها في الصدر الأول. ومن العجيب أن أكثر المؤرخين قد أرخوا لكثير من قراها ولواحقها المحاذية لها على غاية القرب منها كبكفلون ودانيث وترنبة وسرمين وضربوا صفحا عن ذكرها إلا ما كان على طريق الاستدراك كما فعل الزبيدي في شرح القاموس، وقد سبقت إشارتنا إليه، أو الاستطراد بذكر البعض
من مشاهيرها كالمرادي في ترجمته للأستاذين السيد شعيب وابن عمه السيد عبد الجواد الكيّالي الحلبي، وكالمحبي في ترجمة الصدر محمد باشا الكوبريلي، وربما تعرض لها بعض التعرض على ما أظن صاحب در الحبب في تاريخ حلب (1)، وأخيرا صاحب الذيل لمعجم البلدان بعبارة وجيزة جدا، وسنوالي إن شاء الله المقال على ما تحتويه البلدة من الآثار القديمة والحديثة وعلى ما ينشأ ويتفرع عنها وعن ملحقاتها من المحصولات والمستغلات وعن أحوالها الإدارية ودوائرها الرسمية بفصول ضافية نلتزم بها إعطاء كل ذي حق حقه مستوفى بالكيل الأوفى وكل آت آت (2).(3/231)
مما أسلفناه لك أيها القارىء الكريم في هذه المقدمة عن تاريخ هذه البلدة [وكلها حقائق ناصعة ثابتة بالبيان والعيان] تعلم درجة أهميتها وأهمية مركزها وشؤونها في أطوارها وأدوارها وما كان لها من الماضي الزاهر والتاريخ العجيب بحيث لو كان مدونا لكان تاريخا مجيدا، لكنها مع كمال الأسف لم يكن لها حظ من يراع المؤرخين ممن تقدم أو تأخر حتى ولا من أهلها على كثرة كتابها ونبغائها قديما وحديثا وحتى هذه الساعة، بل إن أكثر حوادثها وما يتعلق بشؤونها التاريخية يرويها منهم الخلف عن السلف أخذا من الأفواه وحفظا في الصدور كما كان عليه رواة الأحاديث عند إرادة تدوينها في الصدر الأول. ومن العجيب أن أكثر المؤرخين قد أرخوا لكثير من قراها ولواحقها المحاذية لها على غاية القرب منها كبكفلون ودانيث وترنبة وسرمين وضربوا صفحا عن ذكرها إلا ما كان على طريق الاستدراك كما فعل الزبيدي في شرح القاموس، وقد سبقت إشارتنا إليه، أو الاستطراد بذكر البعض
من مشاهيرها كالمرادي في ترجمته للأستاذين السيد شعيب وابن عمه السيد عبد الجواد الكيّالي الحلبي، وكالمحبي في ترجمة الصدر محمد باشا الكوبريلي، وربما تعرض لها بعض التعرض على ما أظن صاحب در الحبب في تاريخ حلب (1)، وأخيرا صاحب الذيل لمعجم البلدان بعبارة وجيزة جدا، وسنوالي إن شاء الله المقال على ما تحتويه البلدة من الآثار القديمة والحديثة وعلى ما ينشأ ويتفرع عنها وعن ملحقاتها من المحصولات والمستغلات وعن أحوالها الإدارية ودوائرها الرسمية بفصول ضافية نلتزم بها إعطاء كل ذي حق حقه مستوفى بالكيل الأوفى وكل آت آت (2).
سنة 1077 ذكر تولية حلب لحسين باشا
بعد محمد باشا أبي النور ولي حلب حسين باشا في هذه السنة وبقي في الولاية إلى سنة 1080كما في السالنامة.
قال المحبي في ترجمة حسين باشا الوزير المعروف بصاري حسين أي الأصفر: وكان من مشاهير الوزراء له الصولة الباهرة والهيبة العظيمة، وكان فيه تلطف بالرعايا وانتقام من ذوي الكبر والمناصب، ولي حلب مدة ثم نقل منها إلى نيابة الشام في سنة إحدى وثمانين وألف. ثم ساق المحبي آثاره في دمشق وأحواله فيها فراجعه إن شئت.
__________
(1) أقول: تعرض لها في آخر صفحة من تاريخه حيث قال في ترجمة أبي يزيد بن أحمد المعري الكفر رومي ثم الإدلبي:
إدلب الصغرى مريد سيدي علوان الحموي ويظهر أن وفاته في أواسط القرن العاشر ولم أجد لها ذكرا في كتاب قبل هذا التاريخ، ويظهر أنها كانت قرية صغيرة لذا لم يتعرض لذكرها صاحب المعجم ولا ابن الشحنة في نزهة النواظر وإنما الأهمية في ذلك الحين لجارتيها معرة مصرين وسرمين حيث كان في كل واحدة منهما وال وقاض كما سيأتيك في حوادث سنة 1097 وهذه كانت تابعة لواحدة من هاتين، والفضل في تقدمها وعمرانها يرجع إلى محمد باشا الكوبريلي كما تقدم ذكره.
(2) أقول: اخترمته المنية قبل بلوغه هذه الأمنية وكانت وفاته في 18ذي الحجة سنة 1342رحمه الله.(3/232)
سنة 1081
كان الوالي فيها إبراهيم باشا، ثم عزل في هذه السنة وولي سلحدار حسين باشا كما في السالنامة.
وفي هذه السنة حصل طاعون بحلب خرج فيه من باب المقام في يوم واحد ألف جنازة 1هـ. (1).
سنة 1082:
كان الوالي فيها قبلان مصطفى باشا.
سنة 1085:
كان الوالي فيها إبراهيم باشا.
سنة 1089:
كان الوالي فيها حسين باشا.
سنة 1089:
كان الوالي فيها قره محمد باشا وعمر فيها الخان العظيم المسمى بخان الوزير في محلة السويقة كما في السالنامة.
قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته: وفي أثناء ولاية قره محمد باشا حرروا بيوت الأشراف واليكيجارية.
سنة 1092
في هذه السنة حصل غلاء بيع رطل الخبز في حلب بثلثي قرش (اه من رسالة الفنصاوي).
سنة 1093
كان الوالي فيها محمود باشا. قال في تاريخ راشد: نقل من ولاية ديار بكر إليها ثم استدعي في هذه السنة إلى الآستانة فأسند إليه منصب الصدارة.
ثم كان الوالي فيها أيضا بكر باشا كما في السالنامة. وفي قاموس الأعلام أنه وليها في هذه السنة مصطفى باشا مصاحب. وقال في ترجمة المذكور: إنه كان أولا من أخصاء الحضرة السلطانية، ثم وجهت إليه رتبة الوزارة، ثم نال شرف مصاهرة الحضرة السلطانية في سنة 1086، وفي سنة 1093عيّن واليا إلى حلب ثم صار قبّه نشين، وفي سنة 1095 صار مسند قبوادان بعد مصطفى باشا السلحدار، وفي سنة 1098توفي هناك وهو في هذه الوظيفة اه.
__________
(1) كما في رسالة الطاعون والغلاء لعبد الله بن قاسم الفنصاوي بخطه.(3/233)
سنة 1094 مقتطفات من مفكرات (شوفاديه دارفيو) عن حلب
في سنة 1683م الموافقة لهذه السنة كان معتمد (قنصل) الدولة الإفرنسية في حلب الموسيو (شوفاديه دارفيو) وهو ممن تقلب في هذه الوظيفة في عدة بلاد من بلاد الدولة العثمانية من جملتها حلب، وكان يكتب عن كل بلدة حل فيها ما يشاهده من عمرانها وأحوال الحكومة فيها وأخلاق أهلها وعاداتهم فجمع من ذلك ستة مجلدات سماها [مفكرات شوفاديه دارفيو] وهي باللغة الإفرنسية وقد طبعت في باريس في مطبعة [شارل جان باتيست دليسين لوفيس] وفي الجزء السادس من أواسطه إلى آخره كتب عن حلب وحالتها وقتئذ، فاقتطفنا منه مايهم الوقوف عليه من عمرانها وطرز الحكومة فيها وعادات أهلها وأخلاقهم في ذلك العصر وأهملنا منه ما هو معروف أو ما لا طائل تحته.
قال في وصفها ووصف قلعتها:
إن حلب هي أجمل البلاد العثمانية بعد قسطنطينية والقاهرة بلا خلاف، وهي واقعة في عرض 36ونصف من المنطقة الجنوبية وفي طول 65من خط الاستواء. وهي مبنية على سبع رواب الأربع العظام منها هي ضمن السور وأعظمهن هي الرابية الواقعة في وسط البلدة وهي القلعة، وهي محاطة بالأحجار العظيمة ويحيط بها خندق عميق مملوء إلى نصفه بماء المطر، ولطول بقاء هذا الماء وكثرة ما يلقى فيه من الأقذار ومن جثث القتلى تجد الروائح المنتنة تفوح منه كثيرا، وفوق باب القلعة قصر عظيم يقال إنه مبني من زمن الرومانيين الذين كانوا في هذه البلاد، وهو واسع جدا، والولاة الذين يعينون إلى حلب والمتسلمون اتخذوه دار سكناهم، وهذا القصر لارتفاع جدرانه مشرف على معظم البلد وهو ذو أهمية عظمى عند الأهالي، وهو من إنشاء الإفرنج غير الصليبيين (أي من زمن الرومانيين).
يحكى أن هذا القصر أنشأه أحد ملوك الإفرنج بدون أن يكلفه سوى قيمة حجر كبير من نوادر الأحجار الكبيرة الثمينة، ونظرا لكبر هذه الحجر وندورة أمثالها لم يجد في زمنه من يقدر على شرائها، ودفع ثمنها فأهداها لابنته، وهذه الملكة قبضت قيمتها بعض مراكب محملة بالذهب والفضة وبنت بها هذا القصر (1)، وهذا القصر مع قدمه يوجد بعض
__________
(1) لا صحة لذلك أصلا وسيأتيك ذكر من بناه في الكلام على القلعة.(3/234)
أبنية في البلدة هي أقدم منه، ومع ذلك لا يشاهد في كل هذه المدينة بناية ذات شأن من الآثار القديمة.
وهذه المدينة كانت تسمى في العصور القديمة بيرا والدليل على ذلك وجود هذا الاسم في كتب السريانيين الكنائسية، ومهما تكن حلب قديمة فهي اليوم من أعظم مدن التجارة ما بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. ويوجد فيها عالم من جميع أجناس الأمم القديمة، والفينيقيون هم أول من جعل لها مركزا عظيما في التجارة.
والفرنساويون أيضا أسسوا فيها من زمن قديم محلات تجارية أغنت فيهم عددا غير قليل، وفي وقتنا هذا الإنكليزيون أسسوا فيها محلات تجارية مهمة. والعجم ترسل إليها أدوية وحريرا وأقمشة ثمينة. ولمحصولات الهند رواج عظيم في حلب يجلب منها إليها كميات كبيرة. بيد أن بخل وشراهة الأتراك عطلت تلك التجارة الكبيرة بواسطة الضرائب الثقيلة التي تتقاضاها على البضائع. واجتهد الأتراك كثيرا في نقل البضائع التي كانت ترد إلى حلب إلى أزمير لتحصل أزمير على المركز الذي لحلب.
كلامه عن نهرها وبساتينها وأشجارها وأثمارها:
وحلب تسقى من نهر صغير يسمى بقويق أو (سيقا) أو (سيكمه) وفي الأزمنة الغابرة كان يسمى (بيلوس) ومنبعه يبعد عن حلب ثلاثة أيام بالقرب من عينتاب من الشمال الشرقي، ومن هناك يجري إلى أن يمر من غرب المدينة، وهو ينقسم إلى قسمين.
وعن بعد ميلين لا ينظر في حلب إلى غير بساتينها، لكن زراعتها مخالفة لطريقة زراعتنا وللكيفية التي نقتطف بها الأثمار من شجرنا. وشجرها غير مرتب مثل شجر بلادنا بل مختلط بعضه في بعض مع اعوجاج، ومع ذلك فإنها تعطي الفائدة المطلوبة، وجدير بهذه البساتين أن تسمى غابات واسعة، ويوجد فيها أشجار خوخ بديعة جدا وكذلك أشجار برتقال وهي مغطاة بالزهور والثمر وكذلك أشجار ليمون (في زمننا هذا لا وجود للبرتقال والليمون في بساتين حلب ولا يوجد إلا في بعض الدور) وأشجار آجاص وعنّاب وتفاح ودراقنة ولوز ومشمش وتين من كل نوع وفستق، وهنا تكلم عن الفستق بما لا طائل تحته ثم قال: ويوجد في هذه البساتين كثير من البطيخ الأخضر والأصفر والخضرة فيها كثيرة
لا تقدر، وبلدة مثل هذه البلدة يقتضي أن يكون فيها من الخضرة بهذا المقدار لتقوم بكفاية الأهالي بحيث إن الطاعون الذي حصل فيها سنة 1669مات فيه مائة ألف نسمة وبقي يفتك بالأهالي ثمانية أيام (تقدم الإشارة إليه في حوادث سنة 1080).(3/235)
وعن بعد ميلين لا ينظر في حلب إلى غير بساتينها، لكن زراعتها مخالفة لطريقة زراعتنا وللكيفية التي نقتطف بها الأثمار من شجرنا. وشجرها غير مرتب مثل شجر بلادنا بل مختلط بعضه في بعض مع اعوجاج، ومع ذلك فإنها تعطي الفائدة المطلوبة، وجدير بهذه البساتين أن تسمى غابات واسعة، ويوجد فيها أشجار خوخ بديعة جدا وكذلك أشجار برتقال وهي مغطاة بالزهور والثمر وكذلك أشجار ليمون (في زمننا هذا لا وجود للبرتقال والليمون في بساتين حلب ولا يوجد إلا في بعض الدور) وأشجار آجاص وعنّاب وتفاح ودراقنة ولوز ومشمش وتين من كل نوع وفستق، وهنا تكلم عن الفستق بما لا طائل تحته ثم قال: ويوجد في هذه البساتين كثير من البطيخ الأخضر والأصفر والخضرة فيها كثيرة
لا تقدر، وبلدة مثل هذه البلدة يقتضي أن يكون فيها من الخضرة بهذا المقدار لتقوم بكفاية الأهالي بحيث إن الطاعون الذي حصل فيها سنة 1669مات فيه مائة ألف نسمة وبقي يفتك بالأهالي ثمانية أيام (تقدم الإشارة إليه في حوادث سنة 1080).
كلامه على هوائها:
هواء المدينة وما حولها من البلاد حسن لطيف جدا، لكن الغريب إذ دخلها وكان مبتلى بمرض من الأمراض فإن مرضه يظهر فيها وربما ساقه إلى الموت، وهذا أمر صعب جدا على من يممها من الفرنساويين والإنكليزيين والشعوب الشمالية من الأمم التي تتعاطى شرب الخمر وتلقي بنفسها في حمأة الفسق والفجور.
كلامه على دورها ودورها وأبوابها وشوارعها وأسواقها وجوامعها وكنائسها:
يمكن للإنسان بالمشي المعتاد أن يدور حول المدينة في مدة ثلاث ساعات، وأسواقها وشوارعها كثيرة على حالتها السابقة (كأنه يشير إلى ضيقها). ولحلب عشرة أبواب (عدّدها) ثم قال: ومفاتيح أبواب المدينة يحفظها زعيم الإنكشارية وعنده 350جنديا لمحافظة تلك الأبواب، والإنكشارية معفوون من لبس طربوش التكليف (أي العسكرية الرسمية) مثل الآستانة وهم غير مجبورين على الذهاب إلى الحرب، وهؤلاء بمثابة المستحفظ لا يساقون إلى الحرب إلا عند الاضطرار.
وبنايات حلب طبقة واحدة، والتخوت الموضوعة في البيوت تغطى بسجاد وبسط كانت نسجت في معامل في نفس البلد، وصناعها كانوا كثيرا ما يقلدون بعملهم أحسن مصنوعات العجم.
وفي كل دار من دور الأهلين لا يسكنها إلا عائلة واحدة، ومتى بلغ الولد سبعا من العمر يحظرون عليه الدخول إلى مساكن النساء. وأحسن البنايات في المدينة هي أبنية الجوامع وعددها كثير، والمنارات والقبب مصفحة بالرصاص وهي تستجلب نظر الناظرين لحسنها، وأجمل هذه الجوامع الجامع المعروف بالبهرامية سمي باسم بانيه بهرام باشا حاكم حلب ثم جامع العادلية. وحسن الأبنية ليس في جوامع حلب بل خاناتها وأسواقها حسنة البناء أيضا، وفي خاناتها حجر واسعة يستأجرها التجار الغرباء للسكنى ولتعاطي التجارة، وبعض هذه الأسواق مغطاة بالرصاص (لا وجود لذلك الآن) وفي هذه
الأسواق تجد كل ما تتطلبه نفسك من لوازم الزينة والحاجات الضرورية من اللؤلؤ إلى حصيرة القش.(3/236)
وفي كل دار من دور الأهلين لا يسكنها إلا عائلة واحدة، ومتى بلغ الولد سبعا من العمر يحظرون عليه الدخول إلى مساكن النساء. وأحسن البنايات في المدينة هي أبنية الجوامع وعددها كثير، والمنارات والقبب مصفحة بالرصاص وهي تستجلب نظر الناظرين لحسنها، وأجمل هذه الجوامع الجامع المعروف بالبهرامية سمي باسم بانيه بهرام باشا حاكم حلب ثم جامع العادلية. وحسن الأبنية ليس في جوامع حلب بل خاناتها وأسواقها حسنة البناء أيضا، وفي خاناتها حجر واسعة يستأجرها التجار الغرباء للسكنى ولتعاطي التجارة، وبعض هذه الأسواق مغطاة بالرصاص (لا وجود لذلك الآن) وفي هذه
الأسواق تجد كل ما تتطلبه نفسك من لوازم الزينة والحاجات الضرورية من اللؤلؤ إلى حصيرة القش.
والأرمن لهم في حلب كنيستان السريانيون منهم والمارونيون لكل طائفة كنيسة، والنسطوريون لا كنيسة لهم لقلة عددهم وهم لذلك يختلطون بغيرهم.
الكلام على محلات حلب
المدينة منقسمة إلى 72اثنتين وسبعين محلة ولكل محلة إمام غير الإمام الذي في الجوامع، وإلى هذا الإمام المرجع في جميع أمور محلته وهو الذي يجبي الضرائب المقررة على سكانها ويدفعها إلى الحاكم الكبير (الوالي)، وهو منتخب من طرف أهل محلته مع مأمورين تابعين له يكونان تحت يده الأول هو من المشايخ وهو الذي يقبض الأموال، والثاني حارس، ويطلب من هذا محافظة المحلة ليلا منعا للسرقات والنهب، وهؤلاء الثلاثة ليس لهم راتب معين غايته أنهم معفوون من الضرائب، وهذان المأموران وإن لم يكونا معينين من طرف الإمام لكن للإمام الحق أن يرفض استخدامهما إلا إذا أثبت هذا ارتكابا لهذا الإمام.
من الاثنتين وسبعين محلة التي تنقسم المدينة إليها يوجد 22محلة داخل السور و 50 محلة خارجه. ثم ساق أسماءها وعدد أبواب كل محلة ثم قال:
مجموع الدور 13360
الجوامع 272
القصور والسرايات 35
الخانات 68
القهاوي 187
الحمامات 64
الكنبين (هكذا) 40
أفران 36
مدارات 37
مولوي خانه 2
مدارس علمية 8
مارستانات 3
سجن 1
مسلخ 8
دباغة 1
مصابن 4
مصابغ 6
كنائس نصارى 4
كنائس يهود 1
14137(3/237)
(أقول): وبعض هذه المحلات قد انقسم الآن إلى محلتين وبعض الأسماء قد تغير لكن ذلك قليل، وسنذكر في آخر الكتاب عدد المحلات الآن مع بيان أسمائها إن شاء الله تعالى.
(ثم قال): وجميع هذه الأبواب ما عدا الجوامع وقليلا من المحلات تدفع (ويركو) إلى الحاكم في كل سنة شيئا معلوما عن كل دار، والمحصل الذي يقبض هذه الضرائب المرتبة من أظلم الناس، والمحصلون لا يكتفون بتحصيل هذه الضرائب المرتبة بل يأخذون زيادات كثيرة، وهذا التعدي والظلم المتمادي جميعه على علم من الحاكم وهو يغض عنه لأن له حصة في هذه اللصوصية. وعدا عن ذلك كان الحكام الذين يتعينون مجددا يأخذون ضريبة خصوصية غير معينة وزيادتها وقلتها ترجع إلى رأي هؤلاء الحكام الذين لا يبالون بما يرتكبونه من ظلم الرعية وأخذهم أموال الناس بغير حق، وهم بعد أن يتناولوا من الرعية ما يشبعون به بطونهم الواسعة يتركون للناس حريتهم الدينية ولا يبالون بما يتدينون به.
عدد نفوس الشهباء في ذلك العصر:
ثم من الأمور الصعبة أن يعرف عدد سكان هذه البلدة على الضبط والتحقيق، إنما الأقرب إلى الصحيح أن عددهم يبلغ من 285مائتين وخمسة وثمانين ألفا إلى 290مائتين وتسعين ألفا، وذلك عموم السكان على اختلاف الملل والنحل ذكورهم وإناثهم.
والنصارى وحدهم يقدرون من 30ثلاثين ألفا إلى 35خمسة وثلاثين، واليهود يبلغون 2000 ألفي شخص.
والنصارى يدفعون عن كل رأس ستة قروش تؤخذ ممن بلغ سن الشباب ويؤخذ نصف قرش عن كل رأس، وقد يؤخذ من المراهقين ضريبة بدعوى أنهم بالغون.
وصفه لأخلاق أهل حلب:
وقد امتاز أهالي حلب على جميع البلاد العثمانية بحسن المعاملة والمجاملة واللطف، وتلك الأخلاق سجية فيهم لا كلفة فيها سواء كانوا عربا أو أتراكا، وتمنعهم تلك الأخلاق من إيقاع الضرر بغيرهم، ولكنهم إذا انساقوا إلى الإضرار مشوا وأضروا. وهم يودون الغرباء وخصوصا الإفرنج فإنهم يودونهم أكثر من سواهم. ومعاملتهم في التجارة حسنة وهم مستقيمون فيها. وهم أهل غيرة دينية يحافظون على الشريعة الإسلامية أشد المحافظة (وهنا وصف اليهود بذميم الصفات ثم قال): وجل ما يحترف به اليهود هو الصرافة والدلالة،
ومن رام تعاطي هذه الصنعة (الصرافة) لا بد له من أن يلتجىء إليهم وإلا فلا يروج أمره، ويوجد منهم أغنياء يتعاطون الربا وهم ماهرون فيه.(3/238)
وقد امتاز أهالي حلب على جميع البلاد العثمانية بحسن المعاملة والمجاملة واللطف، وتلك الأخلاق سجية فيهم لا كلفة فيها سواء كانوا عربا أو أتراكا، وتمنعهم تلك الأخلاق من إيقاع الضرر بغيرهم، ولكنهم إذا انساقوا إلى الإضرار مشوا وأضروا. وهم يودون الغرباء وخصوصا الإفرنج فإنهم يودونهم أكثر من سواهم. ومعاملتهم في التجارة حسنة وهم مستقيمون فيها. وهم أهل غيرة دينية يحافظون على الشريعة الإسلامية أشد المحافظة (وهنا وصف اليهود بذميم الصفات ثم قال): وجل ما يحترف به اليهود هو الصرافة والدلالة،
ومن رام تعاطي هذه الصنعة (الصرافة) لا بد له من أن يلتجىء إليهم وإلا فلا يروج أمره، ويوجد منهم أغنياء يتعاطون الربا وهم ماهرون فيه.
وكل سكان هذه البلدة ما عدا الأشراف والمثرين يتعاطون التجارة والحرف وهم منقسمون إلى 72اثنتين وسبعين صناعة ولكل صناعة رئيس، وعندما تطرح الضرائب القاسية على قسم من هؤلاء الأقسام فتقسيمها على الأهالي وتحصيلها منوط برئيس هذه الصناعة، وهذا أيضا لا ينسى نفسه من الفوائد الذاتية ويقاسمه بهذا القرص الحلو الباشا والقاضي وغيرهما ممن يحميه ويدافع عنه إذا حصلت شكاية ما عليه.
كلامه على الوالي والمتسلم والقاضي وغيرهم من ولاة الأمور:
يمشي أمام الوالي رجلان يحملان علمين والعلم ذو شعب ثلاث واحدة بيضاء وواحدة معلقة ببيضة من نحاس مموهة بالذهب. وحكومة حلب تدفع سنويا ثمانين ألف قرش للوالي منها 30إلى 35ألفا يصرفها الوالي في حاشيته التي تبلغ من 500إلى 600 شخص والباقي يأخذه لنفقته الخاصة، لكن ما يبقى لا يكفيه لنفقاته لأن من هذا المبلغ يرسل هدايا ذات شأن للباب العالي حفظا لمقامه ومركزه عند كبار رجال الدولة في دار السلطنة، خصوصا إذا كان ممن يلاحظ مستقبله فهو يحرص كل الحرص على جمع المال، ولذا تجد الباشا يستعمل مهارته في استحصال مائتي ألف زيادة عما خصص له وذلك من طريق التعدي والرشوة. ومقاطعة الوالي 1200قرية منها 300قرية خراب و 900قرية عامرة، ويوجد أيضا قرى أخر هي لوجهاء البلدة.
والذين هم تحت تصرفه لا يخلون أيضا من الفخفخة، وهو لا يسحب فلسا من خزائنه لأجل أن يدفعه إلى الضباط الذين هم غير مستخدمين لديه.
ومعاشات الضباط محددة تعين لهم من الآستانة لكنهم لا يأخذون بقدر ما يعين لهم بل يأخذون بقدر ما يريدون، ولذلك لا يلزمهم إعطاء درس بهذا الخصوص فكلهم حاذقون ماهرون في صناعة السلب والنهب، وهم يصرفون جهدهم أياما ليشتروا لهم مركزا يكون من أحسن المراكز (وأحسنها أبعدها) وهناك يؤمنون ثروتهم، ومن النادر أن يبقى هؤلاء المستخدمون في وظائفهم أكثر من سنة، ولا يتأتى لهم ذلك إلا إذا كان لديهم قوة مدافعة تجاه ولاة الأمور في الآستانة.(3/239)
(المتسلم): هو قائم مقام الباشا عند غيابه لكن راتبه أقل من راتب الباشا.
القاضي ونوابه:
هو في الدرجة الثالثة، ويلزم أن يكون عالما بالشرائع وقوانين الملك وعوائده التي لا تختلف في كل محل وهو حاكم أهلي وجزائي [أي يحكم في المسائل الحقوقية والجزائية] وحكمه ينفذ في الحال في المسائل الأهلية وأحكامه مطلقة في الأحكام الجنائية وإن جرت إلى الممات من تعذير أو ضرب أو حبس أو قتل، وتعيين ذلك مفوض إليه، وعندما يحكم يقبض الجلادون على المجرم ويربطونه وينفذون ما حكم به عليه إلا إذا تداخل الباشا قبل حبسه، وأما بعد دخول المجرم السجن فلا مرد من تنفيذ الحكم، وهذا نادر جدا ولا يحظى بالشفاعة إلا من كان كثير الأصدقاء وكان كبير المنزلة من علم أو جاه.
وقد يقوم القاضي مقام الباشا عند غيابه، وراتبه 500خمسمائة (سيأتي في الكلام على العملة أن كل 144بواحد من 24فتكون الخمسمائة ثلاثة قروش ونصف في كل يوم) وهو يسكن داخل المحكمة وفيها يفصل المخاصمات، ومن يربح الدعوى يدفع ما لحقها من المصاريف، وهذا هو العدل إذ يكفي المدعى عليه أنه خسر الدعوى فلا يزاد عليه دفع المصاريف، وهذه المصاريف لا تبلغ عادة عشر المبلغ المتحاكم عليه وهذا وارد كبير.
ويوجد مع القاضي أربعة أشخاص مفرقون في أربعة أطراف المدينة، ولكل واحد محكمة صغيرة خصوصية وهم تابعون للقاضي، هؤلاء ينظرون في الدعاوي الجزئية وهم مجبورون أن يعلموه كل يوم عن كل دعوى رفعت إليهم ورأوها ويسجلوا تلك الدعوى في دفتر القيد الكبير. والقاضي يرسل من طرفه نوابا إلى جميع محلات العادلية لأجل أن يعلموهم أصول المرافعة، وبهذه الصورة يتجلى العدل بأجلى مظاهره إذا كان القاضي يهتم بذلك حق الاهتمام ويراقب سير الدعاوي، لكن شد ما يخطئون لكثرة ما يجري من شهادات الزور.
المفتي:
هو مرجع الشريعة وهو بعد القاضي في الدرجة وله طرز مخصوص في لباسه ومراكبه ويتعمم بعمامة كبيرة جدا تعلوه الحشمة والوقار، وهو مستشار القاضي في الأمور الأهلية والجزائية.(3/240)
نقيب الأشراف:
لنقيب الأشراف طربوش أخضر وعمامة خضراء في شكل مخصوص يعرف بها.
والأشراف يتعممون بعمامة خضراء، والأتراك يباح لهم أن يلبسوا ثيابا خضرا. ولا يتعمم بالعمامة الخضراء غير الأشراف ولهم حرمة زائدة عند الأهالي وخصوصا عندما تطابق أخلاقهم أصلهم، وشهادتهم في الأمور العدلية هي الحكم القاطع.
آغة اليكيجرية:
هو في الدرجة الخامسة، ويسمى سردارا أيضا، ويقبض راتبه من السيد الكبير (الوالي) لكن هذا الراتب تدفعه المدينة لأن السيد لا يخرج من خزائنه شيئا لأجل أن يدفعه إلى ضباطه. والآغا هو الحاكم المطلق في عسكره وغير الآغا لا حاكمية له، وآغة اليكيجرية العام هو الذي يعين آغوات اليكيجرية إلى هذه الوظيفة، والآغا يضع ضريبة على كل البضائع والحبوب والثمار والحشيش وعلى كل شيء يباع في المدينة.
آغة الخيالة:
هو في الدرجة السادسة ويأخذ راتبه من الآغا العمومي الذي هو في دار السلطنة.
الدفتردار:
هو الذي يحصل ضرائب السيد الكبير (الباشا)، وهو أيضا يسمى بالباشا، ومن مدة قريبة أضيف الى وظيفته وظائف أخر مثل استحصال ضرائب تؤخذ من النصارى واليهود، وعليه حفظ واردات كمرك البضائع، ومن جميع هذه الواردات التي يجمعها يقدم إلى بيت مال السيد الكبير 800كيس أو 400ألف قرش. وعند ورود قوافل كثيرة أو مراكب بحرية تحصل له أرباح طائلة، ولهذا السبب تجده يهتم بمحافظة التجار وخصوصا الإفرنج، ولكن في سني القحط يخسر كثيرا وعندئذ لا يحصل له أدنى مساعدة ولا يسامح بشيء من المرتب عليه ويبيعون في ذلك أثاث بيته وخيوله وخدامه، وإذا لم يف ذلك بما عليه يحبس ويوضع تحت العذاب إلى أن يسدد المال الباقي عليه. وهو يقدم هدايا جزيلة إلى الباب العالي ويرشي الوالي بقصد بقائه في منصبه.
الشاه بندر:
هو القاضي في المسائل المتنازع فيها بين التجار في أمور تجارتهم، ويتعين لهذه الوظيفة من الوزير الأعظم، والتجار التابعون إلى السيد الكبير يرغبون أن تكون مسائلهم عند الشاه بندر لا عند القاضي.(3/241)
الصوباشي:
هو آخر الكل من الضباط الكبار، وهو مثل قاضي التجار ويوجد تحت يده ضباط أخر، وتعيينه يكون من طرف الوالي، وراتبه 1200قرش ويأخذ عشرة في المائة من واردات المظالم التي تقع، ويأخذ أيضا شيئا معينا من المظالم الجزائية التي لا تجاوز مائة قرش وله الحق أن يراها، والتي تجاوز المائة قرش يدعها للباشا لكن هو يأخذ العشر.
العاشر:
هو الموظف على الكمارك، وهذا له الحق أن يفتش جميع البضائع التي ترد إلى هذه البلدة، وبما أنه ضامن لهذه الواردات فله تأثير خاص على الأسعار، ولمعتمدي الدول الحق أن يمنعوه إذا رأوا منه إجحافا بتسعير البضائع ويردوه عن غدره للأهالي وهذا شيء صعب.
العملة في حلب:
تضرب السكة بقلعة حلب بأمر والي حلب، وكان يضرب ثلاثة أنواع نوعان من فضة ونوع من نحاس:
النوع الأول هو (1) واحد من (24) أربعة وعشرين القرش.
النوع الثاني هو سدس الأول يعني واحدا من 144مائة وأربعة وأربعين.
النوع الثالث هو نصف سدس النوع الثاني يعني واحدا من ألف وسبعمائة وثمانية وعشرين، وذلك يحصل من ضرب (12) اثني عشر (في 144) مائة وأربع وأربعين، وهذه العملة هي الدارجة، وأما بين التجار فيستعملون الدراهم المضروبة بالقاهرة أو العملة الأجنبية (المجر. وأوستريا. وهولاندا. وفينيسيا. التي يسميها العرب البندقية) أو القطع الكبار من الدراهم المضروبة في دار السلطنة العثمانية.
قوة البلد:
قوة البلد مركبة من عدد سكانها الكثيرين الذين يمكن تشكيل جيش كثيف منهم، لكنه غير منظم، ولا حاجة للتكلم على أبواب البلد لأنها أصبحت خرابا في عدة أماكن، حتى إن القلعة التي هي في وسط البلد مشرفة على الانهدام وهي لا تثبت أمام الحصار أزيد من أربع وعشرين ساعة، ويوجد فيها 1400شخص حينما يتخذها الحاكم سكنا له من هؤلاء 350من اليكيجرية المدربين، ويوجد على أطراف السور مقدار أربعين مدفعا بعيارات مختلفة لكنها قليلة الجدوى عند اللزوم، ويقال إنه كان فيها أكثر من ذلك لكنما
السلطان مراد أخذ منها حينما توجه لحصار بغداد الذي حصل سنة 1630ولم يرسل بدلها.(3/242)
قوة البلد مركبة من عدد سكانها الكثيرين الذين يمكن تشكيل جيش كثيف منهم، لكنه غير منظم، ولا حاجة للتكلم على أبواب البلد لأنها أصبحت خرابا في عدة أماكن، حتى إن القلعة التي هي في وسط البلد مشرفة على الانهدام وهي لا تثبت أمام الحصار أزيد من أربع وعشرين ساعة، ويوجد فيها 1400شخص حينما يتخذها الحاكم سكنا له من هؤلاء 350من اليكيجرية المدربين، ويوجد على أطراف السور مقدار أربعين مدفعا بعيارات مختلفة لكنها قليلة الجدوى عند اللزوم، ويقال إنه كان فيها أكثر من ذلك لكنما
السلطان مراد أخذ منها حينما توجه لحصار بغداد الذي حصل سنة 1630ولم يرسل بدلها.
مستهلكات حلب من الحبوب والخضر وغير ذلك:
من المستحيل معرفة ما يستهلك فيها من الخواريف والمعز والدجاج والطيور.
ويستهلك فيها وفي نواحيها من الحنطة كل يوم مائة مكوك تقريبا والملوك قنطاران ونصف والقنطار مائة رطل والرطل خمس أقات وثلاثة أرباع الأقة [هو الرطل المسمى الآن بالخنكاري المستعمل الآن في أورفة] ويصرف فيها كل يوم خمسون مكوكا من الشعير تقريبا مادام الباشا موجودا ومن 30إلى 35عند غيابه.
ويصرف من الخضرة ستون مكوكا في اليوم محسوبا فيها ما تأكله البقر والجمال، ويصرف فيها كمية عظيمة من الأثمار المختلفة الأجناس، ويمكن أن نقول إن ما يصرف في حلب من الأثمار يعادل ما يصرف في ثلاث مدن كحلب في أوروبا. والأتراك يتهافتون كثيرا على أكل هذه الأثمار ولذا ترى الأمراض متفشية فيهم. والأرز والقهوة يجلبان إلى حلب من القاهرة ويصرف منها كمية كبيرة لا يمكن تقديرها، ثم من حين ما تعود الترك على استعمال السكر في القهوة وفي أشربتهم أصبح ما يصرف من السكر مبلغا كبيرا لا يمكن تقديره، ويأتيهم السكر من أوربا بكثرة ويباع بثمن رخيص في جميع بلدان الشرق.
الأثمار في حلب:
ويوجد بحلب بكثرة الأثمار الآتية: دراقنة الصيفية والشتوية، مشمش، خوخ سبعة أنواع، تفاح ستة أنواع، آجاص خمسة أنواع، جبس بطيخ مائي أربعة أنواع، بطيخ عدي ثلاثة أنواع، برتقال، ليمون من كل الأنواع، تمر ثلاثة أنواع، زعرور، لوز، جوز، عنّاب، زيتون نوعان، تين ستة أنواع، وغير ذلك من أنواع الأثمار التي يعجز تعدادها.
وكل هذه الأثمار لذيذة الطعم، وإني لم أقل عنها تسبب الأمراض إلا لعلمي بأن الإكثار منها يوجب المرض، وأفخر العنب هو الذي يجلب من قيس وهي قرية تبعد عن حلب عشرة أميال وهو حلو مثل العسل كثير الماء وحبته سمينة ممتلئة.
ومن سنين قلائل ابتدىء في زرع التتن في هذه البلاد.
الأمراض في حلب:
الأمراض الأكثر انتشارا في حلب هي: الإسهال، الحمى اليومية وهي التي تبقى يوما واحدا، الحمى الحارة، الجنون، الريح المسبب البرد، النزلات على العين، ضعف
المفاصل، ويوجد مرض من أنواع الحمى يأتي غالبا للصغار دفعة واحدة بشدة عظيمة مع ألم عظيم في الرأس ولكن لا يلزم لشفائها سوى حجامتها.(3/243)
الأمراض الأكثر انتشارا في حلب هي: الإسهال، الحمى اليومية وهي التي تبقى يوما واحدا، الحمى الحارة، الجنون، الريح المسبب البرد، النزلات على العين، ضعف
المفاصل، ويوجد مرض من أنواع الحمى يأتي غالبا للصغار دفعة واحدة بشدة عظيمة مع ألم عظيم في الرأس ولكن لا يلزم لشفائها سوى حجامتها.
والهواء هنا لا يكون سببا للأمراض بل هو نقي صاف، بل تأتي الأمراض من كثرة تناول الأثمار، ومع هذا فإن الوفيات قليلة إلا في أوقات الطاعون. والأهالي هنا رغما عن كثرة غشيانهم للنساء فإن غالبهم يصل إلى سن الشيخوخة.
الزراعة في هذه البلاد:
الزراعة هنا تقريبا مثل أوروبا ولكنها أهون منها، لا يحرثون الأرض سوى مرة واحدة ثم يزرعون بها ثم يزحفونها [أي يغطون البذر بالتراب ويسميه الفلاحون بالطبان في عصرنا] ووقت خروج الزرع لا يهتمون برفع ما خبث من النبات الخارج بين الزرع، ووقت الحصاد لا ينفضون الحزم لكن لهم طاحون من دف عليه صفحات حديد [يظهر أنه ما يسمى الآن بالجرجر] وهم يربطون البقر أو غيرها من الحيوانات على الدولاب وتدار، وبدوران هذا الدولاب تتكسر الحزم ويخرج الحب، وبعد ذلك يذرّونه في الهواء، وبهذه الصورة ينفصل الحب عن التبن. وكل الأراضي تزرع سنة وتترك سنة. وغرس العنب واستثماره في هذه البلاد هو أسهل من أوروبا وهو لا يكسح أبدا، ولهذا السبب لا تبقى الكروم هنا كثيرا وغرس الأشجار المثمرة ليس أحسن حالا من غرس العنب.
كلامه على خانطومان:
هذا المكان يبعد عن حلب ثلاثة أميال [من جهة القبلة] ويوجد فيه أربعون محافظا يقودهم آغا، والقصد من وجود هؤلاء المحافظين رد غارات العربان ومنعهم من نهب حبوب القرى، وخانطومان هي بجانب النهر وهذا النهر يصب في سهول تبعد عن حلب ثلاثة أميال، وبذلك يصير الهواء غير نقي، وهؤلاء المحافظون تؤمن معيشتهم من أهل القرى المجاورة ومن البلدة. وكان في هذا المكان بعض مدافع جميلة أخذت لحصار بغداد وبقي منها خمسة أو ستة لا تصلح إلا لإخراج الصوت.
ثم تكلم على خان العسل قال: وهو يبعد ميلين عن حلب في الطريق الآخذة إلى طرابلس، وكان كبيرا ومحصنا تأوي إليه القوافل، وهو الآن كاد يخرب تماما، وبقرب هذا الخان عين صغيرة تخرج من ذيل رابية صغيرة وماؤها عذب.
[ثم قال]: هذه هي ملاحظاتي الخصوصية التي كتبتها عن حلب أثناء إقامتي فيها(3/244)
سنة 1095 ذكر ولاية قره حسين زاده مصطفى باشا
قال في السالنامة: في هذه السنة ولي حلب قره حسين زادة مصطفى باشا.
قال في قاموس الأعلام: كان في ابتداء أمره في زمرة البكداشية، وفي سنة 1090 صار يكيجري آغاسي، وفي سنة 1092أنعم عليه برتبة الوزارة، وفي سنة 1094بعد عوده من السفر من بلاد النمسا أضيف إليه رتبة السردارية وعين واليا إلى حلب، ثم لفراره من ميدان الحرب وكان ذلك سببا لكسرة الجيش نفي سنة 1096إلى قنيثرة، وفي سنة 1098صار يكيجري آغاسي ثانيا، ثم صار مدة قليلة محافظا لموقع سد البحر، وفي سنة 1099أسند إليه منصب الصدارة فوضع على الرعية ضرائب كثيرة ثقيلة لخلو الخزينة من الأموال على إثر الحروب المتعاقبة، فانزعجت الرعية من تلك الضرائب الثقيلة، وكان أيضا لقلة عقله وسوء تدبيره وعكوفه على ملذات نفسه ودع الأشغال إلى قوم ليسوا أهلا لإدارة شؤون الأمة، فتفاقم الأمر فعزل ونفي إلى معلقرة سنة 1101، وتوفي هناك وله من العمر سبع وستون سنة اه.
سنة 1096
كان الوالي فيها إبراهيم باشا كما في السالنامة.
سنة 1097 احتراق محلة بانقوسا
قال الكاتب في مجموعته: في هذه السنة احترقت بانقوسا من باب الحديد إلى ورشة الفعول على الصفين اه.
وجود القضاة في سرمين ومعرة مصرين
قال المحبي في ترجمة عمه صنع الله بن محب الله: إنه تولى قضاء معرة مصرين وتوجه إليها وضبطها ورجع إلى الروم [قسطنطينية] وأنا مقيم بها، ثم أعطي قضاء معرة مصرين
ثانيا وسافر إليها فصحبته في الطريق إلى أن وصلنا إلى أنطاكية ثم افترقنا، ثم سافر إلى الروم وولي قضاء سرمين ووصل إليها فتوفي بها وهو قاض، وكانت وفاته في سنة سبع وتسعين وألف عن ستين سنة اه.(3/245)
قال المحبي في ترجمة عمه صنع الله بن محب الله: إنه تولى قضاء معرة مصرين وتوجه إليها وضبطها ورجع إلى الروم [قسطنطينية] وأنا مقيم بها، ثم أعطي قضاء معرة مصرين
ثانيا وسافر إليها فصحبته في الطريق إلى أن وصلنا إلى أنطاكية ثم افترقنا، ثم سافر إلى الروم وولي قضاء سرمين ووصل إليها فتوفي بها وهو قاض، وكانت وفاته في سنة سبع وتسعين وألف عن ستين سنة اه.
(أقول): ويستفاد من هذه الترجمة أن معرة مصرين وسرمين كانتا بلدتين عامرتين يتولاهما القضاة، ولعلهما أخذتا في التدني من ذلك الحين من حين ما ابتدأت إدلب تتقدم في العمران حينما عمر فيها محمد باشا الكوبريلي عماراته كما قدمنا في حوادث سنة 1072، وهما في عصرنا الحاضر بلدتان صغيرتان جدا لا شأن لهما بمثابة قرية ولا يتولاهما القضاة، لكن معرة مصرين أكثر عمرانا في الجملة.
سنة 1098 ذكر تولية حلب إلى سياوش باشا
في هذه السنة ولي حلب سياوش باشا كما في السالنامة.
قال في قاموس الأعلام: هو آبازي الأصل ومن عتقاء أحمد باشا كوبريلي. وكان في ابتداء أمره في معية الباشا المذكور برتبة بلوك آغاسي، وفي سنة 1095صار رئيسا للزردخانة ثم عين واليا لديار بكر ثم إلى حلب. ولما فرّ الصدر سليمان باشا من ميدان الحرب انتخب المترجم باتفاق أمراء الجيش مكانه بصورة وكيل، ثم جاءه وهو في نيش فرمان الأصالة، وبعد عوده إلى إستانبول أتى الأشقياء إلى داره فنهبوا ما فيها ثم قتلوه، وكان ذا حظ عظيم من العقل والتدبير وأصالة الرأي.
وفي هذه السنة حصل غلاء بيع رطل الخبز بنصف قرش اه من رسالة الفنصاوي.
سنة 1101:
كان الوالي خليل باشا.
سنة 1106:
كان الوالي جعفر باشا.
سنة 1107:
كان الوالي طورسون محمد باشا.
سنة 1107:
كان الوالي جعفر باشا مرة ثانية.
سنة 1108:
كان الوالي عثمان باشا.(3/246)
قال الفنصاوي: في هذه السنة حصل غلاء بيع رطل الخبز بثلث قرش ونصفه تراب بيلون. وفيها كان الوالي عثمان باشا، وهو غير ذاك كما في السالنامة.
سنة 1109
كان الوالي سلحدار حسن باشا.
سنة 1111
كان الوالي علي باشا.
سنة 1112
كان الوالي يوسف باشا.
هؤلاء هم الولاة في هذه السنين كما في السالنامة، ولم نقف على شيء من أخبارهم أو تراجمهم لنذكرها.
سنة 1114 وجود الطباعة في حلب
قال في مجلة الشرق (1): سبق لنا في مقالتنا عن ابن الإفرنجية الشاعر الحلبي (المشرق 2: 442) أن النهضة الأدبية التي عمت اليوم بلاد الشام، كان بدؤها في مدينة حلب منذ أوائل القرن الثامن عشر، وقد أحرزت لها الشهباء في ذلك العصر مجدا آخر وهي أنها سبقت كل البلاد الشرقية بفن الطباعة العربية، وكانت بعض مطبوعات لغتنا الشريفة نشرت قبلها بالآستانة العلية لكنها كانت بحرف عبراني (المشرق 3: 173)، ثم طبعت المزامير في قزحيا سنة 1610بالحرف السرياني المعروف بالكرشوني (المشرق 3:
245)، أما الحروف العربية فكان ظهورها لأول مرة في حلب في العشر الأول من القرن الثامن عشر. وأصل هذه المطبعة مجهول إلى اليوم فلا يعلم من أمرها شيء، ولعل حروفها حفرت وسبكت في مدينة حلب نفسها. وهي حروف خشنة والطبع عليها غير متقن وإن كان جليا نضرا. وقد زعم العلامة [شتورر] في كتابه «المطبوعات العربية» أن حروف مطبعة حلب هي حروف مدينة بكرش عاصمة الفلاخ جلبها إلى حلب أثناسيوس الرابع البطريرك الأنطاكي، وقد خطّأ المستشرق الشهير دي ساسي رأى شتورر لما وجد من الاختلاف بين حروف كتب بكرش وحلب، وما لا ينكر أن أثناسيوس المذكور بعد أن ولاه
__________
(1) جلد 3صحيفة 355سنة 1900(3/247)
مدة حزب من الروم الكرسي الأنطاكي (سنة 1686) في حياة كيرللّس الخامس رضي بأسقفية حلب على شرط أن يذكر اسمه في الصلوات العمومية كبطريرك ويوقع بعد اسمه «البطريرك الأنطاكي سابقا» ولما توفي كيرلّس الخامس سنة 1720عاد إلى البطريركية فساس أمورها إلى سنة وفاته 1724، وكان أثناسيوس رحل سنة 1698إلى بلاد الفلاخ ودخل على أميرها حناقسطنطين برنكوقان ونال منه أن يسعى بطبع الكتب الطقسية باليونانية والعربية، فأجاب الأمير إلى ملتمسه وعين له كاهنا كرجيا يدعى أنثيموس ليحفر له حروفا عربية، ففعل وطبع في بكرش باليونانية والعربية كتاب الليتورجيات الثلاث سنة 1701ثم كتاب القنداق ووزعها مجانا على كهنة الروم، ثم عاد أثناسيوس إلى حلب واهتم بطبع كتب أخرى طقسية في هذه المدينة. ولا نعلم كيف توصل إلى سكب الحروف ولعله استصحب معه الكاهن أنثيموس المذكور فحفر له حروفا جديدة، أو كان هو أتقن هذا الفن فعلمه قوما من الحلبيين، وما لا مشاحة فيه أن أثناسيوس أدرك غايته فنشر بالطبع في حلب بعض الكتب الدينية، ونثبت هنا قائمة ما نعرف منها حسب تاريخها، وهذه المطبوعات أضحت اليوم عزيزة الوجود وفي خزانة كتبنا الشرقية أربعة منها: (1) كتاب المزامير طبع سنة 1706وهو ترجمة عبد الله بن الفضل الأنطاكي الكاتب الشهير، وهذا الكتاب جدد طبعه في حلب سنة 1709و 1725و 1735وعنه أخذت الطبعات التالية. (2) كتاب الإنجيل الشريف طبع بقطع كبير في السنة عينها 1706وعدد صفحاته 283وهو مزين بصور الأربعة الإنجيليين، ونظن أن هذه الترجمة هي أيضا لابن الفضل الأنطاكي نقلت عن الأصل اليوناني. (3) كتاب الدر المنتخب من معاملات القديس يوحنا فم الذهب، نقله عن اليونانية البطريرك أثناسيوس وطبعه سنة 1707، وفي مكتبنا نسختان من الطبعة الحلبية. (4) كتاب النبوات، طبع سنة 1708بقطع كبير عدد صفائحه 128. (5) فصول من الإنجيل المقدس لكل أعياد السنة، طبع سنة 1708. (6) عظات أثناسيوس البطريرك طبع سنة 1711. (7)
البركلستيكون أو بالأحرى براكليتكوس أي المعزّي، طبع في حلب سنة 1711. (8)
كتاب صخرة الشك، وهو كتاب ينفي بعض العقائد التي تعلمها الكنيسة الرومانية، طبع في حلب سنة 1721. هذا ما حصلنا عليه بخصوص مطبعة حلب القديمة ولا نعلم كيف انتهت هذه المطبعة وكيف بطلت آلاتها وتضعضعت حروفها اه.(3/248)
وفي آداب اللغة العربية لجرجي زيدان [ج 4ص 55] أن أسبق مدائن سوريا للطباعة هي حلب، فقد ظهرت الطباعة فيها بأوائل القرن الثامن عشر وطبع أول كتاب في العقد الأول من القرن المذكور. وقد كتب إلينا جورج بك الخياط المحامي في حلب أن عنده نسخة من كتاب طقسي كنسي مطبوع في حلب باليونانية والعربية سنة 1702، ثم طبع الإنجيل فيها سنة 1706، قال: وقد صنع أمهات هذه الطبعة العربية واليونانية الشماس عبد الله زاخر الحلبي وكان صائغا ماهرا يحب الأدب والعلم اه.
سنة 1115 ذكر ولاية جورليلي علي باشا
قال في قاموس الأعلام: ولد المترجم في جورلي (بلدة من أعمال أدرنة في قضاء تكفور طاغي) وأحضره إلى الآستانة قره بيرام آغا وأدخل إلى السراي السلطانية، وفي زمن السلطان مصطفى خان الثاني صار سلحدار الحضرة السلطانية، وفي سنة 1115في حادثة أدرنة أنعم عليه برتبة الوزارة، وفي زمن السلطان أحمد خان الثالث عاد إلى الآستانة ثم بقي في أدرنة بصفة قائممقام عليها، وبعد أن قام ثمة ببعض الأمور المهمة عين في هذه السنة واليا على حلب، وفي سنة 1116عيّن واليا على طرابلس الغرب، ثم أحضر في هذه السنة إلى الآستانة، وفي سنة 1118عيّن لمنصب الصدارة وزوج ببنت السلطان مصطفى خان وبقي في هذا المنصب أربع سنوات وزيادة يدبر أمور السلطنة أحسن تدبير، وفي سنة 1122عزل بوشاية بعض الواشين ونفاق بعض المنافقين وأرسل إلى جزيرة مدللي وهناك أعدم وسنه لم يجاوز الأربعين، وكان رجلا عاقلا مدبرا عادلا كثير الميل إلى عمل الخير والإحسان، وجدد وهو بحلب تربة سيدنا زكريا عليه السلام التي هي داخل الجامع الكبير (1).
__________
(1) هذا سهو فان تجديد التربة كان في سنة 1120في زمن عبدي باشا كما سيأتيك نقله عن قاضي حلب عبد الرحمن أفندي ولما سيأتيك في ترجمة علي بن أسد الله مفتي حلب المتوفى سنة 1130وكما هو منقوش على باب التربة، لكن صدر ذلك بأمره أيام صدارته.(3/249)
وله في دار السعادة عدة آثار منها جامع في بارمق قبو ودار للحديث ومكتبة وجامع آخر في الساحل عند الترسخانة وحمام وغير ذلك من الآثار الجليلة. وأحضر رأسه إلى الآستانة ودفن في صحن جامعه الذي هو في بارمق قبو اه.
سنة 1115:
كان الوالي جركس محمد باشا.
سنة 1116:
كان الوالي حاجي قيران حسن باشا.
سنة 1116:
كان الوالي سلحدار أباره سليمان باشا.
في هذه السنة شرع ببناء قلعة بالقرب من بيلان في المكان المعروف بقبة أغاج وذلك حفظا لهذه النواحي من قطّاع الطريق اه تاريخ راشد.
سنة 1117:
كان الوالي فيها إبراهيم باشا.
سنة 1119:
في هذه السنة ولي حلب عبدي باشا كما في السالنامة.
سنة 1120 تجديد تربة سيدنا يحيى عليه السلام في الجامع الكبير بحلب
قال قاضي حلب عبد الرحمن بن مصطفى الكبيري الذي تولى القضاء فيها هذه السنة في آخر رسالة له ذكر فيها نبذة من تاريخ حلب أغلبها مما يتعلق بالجامع الكبير:
وفي زماننا هذا وهو زمان السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان أمر الوزير الأعظم (الصدر) علي باشا في زمان حكومة الفقير بتوسيع المرقد المقدس، فشرعنا في تنفيذ أمره في اليوم الرابع من شعبان سنة عشرين ومائة وألف وهدم الحائط الشرقي (أي شرقي المنبر) وهو محل المقام ووراء الصندوق الذي هو ستر جلاله من قديم الأيام، إذ ظهر هذا الجرن بين الحائط المرئي والحائط القديم وهو من الرخام الأبيض، فلما أخذنا في حمله فاح منه رائحة طيبة أزكى من المسك فحملناه بالتسليم ووضعناه في خزانة، وأحضر أكثر من ثلاثين شخصا من حفاظ القرآن الكريم وصاروا يقرؤون عنده ويهللون ولازموا المكان ليلا ونهارا إلى أن تم ذلك المقام، ولما كان يوم الجمعة قبل العصر حادي عشر ذلك الشهر من
السنة المرقومة اجتمعنا مع الوالي وقتئذ وهو الدستور المكرم حضرة عبدي باشا والعلماء والأعيان ورفعنا الجرن المبارك مع الوزير والعلماء والصلحاء ووضعناه في جرن أكبر منه موضوع فوق بناء مؤسس مرتفع عن الأرض، ووضعنا فوقه من الرخام والتراب الذي كان معه من الأزمنة الماضية وغطيناه بالرخام والتراب والقراء يقرؤون القرآن ويطلبون الرحمة والرضوان والحمد لله على ما أنعم من هذه النعم الجليلة والبركة الجميلة التي لم تتيسر إلا لآحاد من الناس اه باختصار قليل.(3/250)
وفي زماننا هذا وهو زمان السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان أمر الوزير الأعظم (الصدر) علي باشا في زمان حكومة الفقير بتوسيع المرقد المقدس، فشرعنا في تنفيذ أمره في اليوم الرابع من شعبان سنة عشرين ومائة وألف وهدم الحائط الشرقي (أي شرقي المنبر) وهو محل المقام ووراء الصندوق الذي هو ستر جلاله من قديم الأيام، إذ ظهر هذا الجرن بين الحائط المرئي والحائط القديم وهو من الرخام الأبيض، فلما أخذنا في حمله فاح منه رائحة طيبة أزكى من المسك فحملناه بالتسليم ووضعناه في خزانة، وأحضر أكثر من ثلاثين شخصا من حفاظ القرآن الكريم وصاروا يقرؤون عنده ويهللون ولازموا المكان ليلا ونهارا إلى أن تم ذلك المقام، ولما كان يوم الجمعة قبل العصر حادي عشر ذلك الشهر من
السنة المرقومة اجتمعنا مع الوالي وقتئذ وهو الدستور المكرم حضرة عبدي باشا والعلماء والأعيان ورفعنا الجرن المبارك مع الوزير والعلماء والصلحاء ووضعناه في جرن أكبر منه موضوع فوق بناء مؤسس مرتفع عن الأرض، ووضعنا فوقه من الرخام والتراب الذي كان معه من الأزمنة الماضية وغطيناه بالرخام والتراب والقراء يقرؤون القرآن ويطلبون الرحمة والرضوان والحمد لله على ما أنعم من هذه النعم الجليلة والبركة الجميلة التي لم تتيسر إلا لآحاد من الناس اه باختصار قليل.
وسيأتيك ذكر ذلك في ترجمة علي بن أسد الله المتوفى سنة 1130وقد حققنا في الجزء الثاني في صحيفة 319أن المدفون هنا هو رأس سيدنا يحيى عليه السلام لا سيدنا زكريا عليه السلام كما هو مستفيض ومشهور بين الناس.
تولية حلب إلى تبردار محمد باشا
في هذه السنة ولي حلب تبردار محمد باشا، ويظهر أن ولايته كانت في أواخرها لما تقدم آنفا.
سنة 1122 ذكر تولية إبراهيم باشا للمرة الثانية
قال في السالنامة: في هذه السنة كان الوالي إبراهيم باشا للمرة الثانية. قال في القاموس: هو موره لي الأصل ولد في قرية طوبيوليجة ثم صار كتخدا عند الصدر الأعظم جورليلي علي باشا، ولما عزل الصدر المذكور صار من محافظي البحرية وبقي فيها ثلاث سنوات، ثم عزل عنها وصار واليا في مصر سنة 1121، ومنها نقل إلى ولاية حلب ثم القدس، وصار في بعض السنين أميرا على الحاج، وفي سنة 1129أعيد لمنصب محافظية البحر، وبعد سنة من تعيينه توجه إلى قندية [بلدة في جزيرة كريد] فتوفي هناك اه.
سنة 1125:
كان الوالي طوبال يوسف باشا.
سنة 1125:
كان الوالي جركس محمد باشا للمرة الثانية.
سنة 1127:
كان الوالي مقتول زاده علي باشا.(3/251)
سنة 1128:
كان الوالي عبد الرحمن باشا الحلبي.
سنة 1128:
كان الوالي مصطفى باشا.
سنة 1130:
كان الوالي عثمان باشا.
سنة 1131:
كان الوالي موره لي علي باشا.
سنة 1131 ذكر تولية حلب لرجب باشا
كان الوالي في حلب في هذه السنة رجب باشا كما في السالنامة. بعد البحث الكثير لم أقف له على ترجمة، لكن ذكر راشد في تاريخه التركي وكذا إسماعيل عاصم في ذيله على هذا التاريخ شيئا من أحواله قالا: إنه كان واليا في ديار بكر وسيواس، ولما حصلت الحرب بين الدولة العثمانية والنمسا وكان قائد الجيوش العثمانية الصدر الأعظم خليل باشا أرسل رجب باشا المذكور ومعه ثلاثون ألفا من العساكر ليكون مع الصدر المذكور. ويظهر من كلامهما أنه كان رجل إدارة لا رجل قيادة لأنه لم تظهر منه الشجاعة المطلوبة وتأخر في موضع كان عليه أن يقدم فيه، وكان من المحبوبين عند السلطان أحمد خان ومن المقربين لديه، وكانت وفاته يوم الثلاثاء في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1139في بلدة إيروان [عاصمة حكومة الأرمن الآن بالقرب من القارص] وبعد وفاته عين ولده أحمد بك حاكما على البلدة المذكورة.
ومن آثاره في حلب تجديد السبيل الذي عن يمين باب خان الصابون وقد كتب فوق السبيل على جدار الخان:
(1) جدد هذا السبيل المبارك صاحب الخيرات.
(2) الوزير الأكرم الحاج رجب باشا سنة 1132.
وقد طالت مدة ولايته بحلب وابتنى واقتنى فيها دورا عظيمة في محلة باحسيتا وله ذرية تعرف إلى يومنا هذا ببيت رجب باشا ولم تزل دورهم في هذه المحلة.(3/252)
سنة 1132 ذكر بناء مجرى قناة حلب وإصلاح طريقها
وأخذ 2500قرش من وصية الشيخ أسعد بن ناصر التي أوصى أن يبنى ببعضها سبيل لتصرف في إصلاح الطريق المذكورة بعد أن استحصل فتوى بجواز ذلك لأن النفع أعم، وقد حرز بذلك حجة شرعية في هذه السنة ظفرت بها عند أحمد أمير ونصها: حضر بمجلس الشرع الشريف لدى مولانا وسيدنا [إلخ الألقاب التي تذكر للقضاة وكان القاضي وقتئذ مصطفى أفندي] عثمان آغا ابن الحاج عبد الرحمن بيك الشهبندر وفلان وفلان [26] شخصا وقرروا بمحضر من صاحب هذا الكتاب الحاج حسين ابن الحاج أمير قائلين في تقريرهم بأن المتوفى الشيخ أسعد ابن الحاج ناصر في حال حياته قد أوصى إلى الحاج حسين المذكور أن يأخذ من ماله ألفين وخمسمائة غرش ويبني ببعضها سبيلا يجري الماء إليه من قناة حلب، والحال أن الماء يجري من قناة حلب إلى قساطل وسبلانات بمدينة حلب للشرب وغيره ولا فائدة لبناء سبيل آخر مع وجود ما ذكر، وأن القناة المذكورة تهدمت من أصل مجراها وأشرفت على التلف وانقطاع الماء عن حلب واضطر الحال إلى عمارتها وإصلاح مجراها لتستمر تلك المنافع العامة، وليس للقناة مال تبنى به، وإننا الآن نطلب من الحاج حسين المذكور أن يأخذ المبلغ المزبور من تركة الشيخ أسعد المرقوم ويصرفه في بناء مجرى القناة وإصلاح طريقها بناء محكما ليبقى زمانا طويلا ويكون النفع أعم والثواب أوفى وأتم للموصي الشيخ أسعد المرقوم بسبب ذلك أبرزوا من أيديهم فتوى شريفة سؤالها:
صورة الفتوى:
في زيد أوصى إلى عمرو أن يأخذ من ثلث ماله دراهم كذا ويبني بمقدار كذا منها سبيلا في مدينة حلب في محلة كذا ويجري الماء إليه من قناة حلب ليشرب منه المارّون عليه من الناس ويشتري بالباقي عقارا يوقفه على مصالح ذلك السبيل، وكان الماء يجري من قناة إلى قساطل وسبلانات في تلك المحلة للشرب وغيره ولا فائدة في بناء سبيل آخر في تلك المحلة مع وجود ما ذكر. وكانت القناة المذكورة تهدمت من أصل مجراها وأشرفت على التلف
والانقطاع واضطر الحال إلى عمارتها وإصلاح مجراها لتستمر تلك المنافع العامة ولم يكن لها ماتبنى به من المال، فرأى القاضي أيده الله تعالى وسدد آراءه أن يصرف هذا الموصى به كله في بناء مجرى القناة وإصلاح طريقها بناء محكما ليبقى أحقابا من السنين ويكون النفع أعم والثواب أوفر وأتم للموصي بسبب ذلك فأمر الوصي بذلك فأنفقه الوصي في ذلك وتوفر الماء في القساطل والسبلانات والسقايات توفرا ظاهرا مستمرا، فهل يضمن الوصي المال والحالة هذه أولا.(3/253)
في زيد أوصى إلى عمرو أن يأخذ من ثلث ماله دراهم كذا ويبني بمقدار كذا منها سبيلا في مدينة حلب في محلة كذا ويجري الماء إليه من قناة حلب ليشرب منه المارّون عليه من الناس ويشتري بالباقي عقارا يوقفه على مصالح ذلك السبيل، وكان الماء يجري من قناة إلى قساطل وسبلانات في تلك المحلة للشرب وغيره ولا فائدة في بناء سبيل آخر في تلك المحلة مع وجود ما ذكر. وكانت القناة المذكورة تهدمت من أصل مجراها وأشرفت على التلف
والانقطاع واضطر الحال إلى عمارتها وإصلاح مجراها لتستمر تلك المنافع العامة ولم يكن لها ماتبنى به من المال، فرأى القاضي أيده الله تعالى وسدد آراءه أن يصرف هذا الموصى به كله في بناء مجرى القناة وإصلاح طريقها بناء محكما ليبقى أحقابا من السنين ويكون النفع أعم والثواب أوفر وأتم للموصي بسبب ذلك فأمر الوصي بذلك فأنفقه الوصي في ذلك وتوفر الماء في القساطل والسبلانات والسقايات توفرا ظاهرا مستمرا، فهل يضمن الوصي المال والحالة هذه أولا.
الجواب:
لا يضمن لأنه مخالفة إلى خير، وقد نقل الإمام الصدر الشهيد حسام الدين الخاصي في الفتاوى الكبرى عن النوازل ما نصه: وإن أوصى بأن يتصدق في عشرة أيام فلا بأس بأن يتصدق في يوم لأن ذلك لا يتفاوت إلّا إلى خير هذا ووجه الخيرية أن التعجيل في الإنفاق خير من التأخير، وأما الخيرية فيما نحن فيه فغنية عن البيان وظاهرة للعيان وفي السراجية أوصى لفقراء بلدة معينة فالأفضل أن لا يعطي لغيرهم ولو أعطى جاز وفي الخاصي معزيا إلى النوازل أيضا، هذا قول الإمام أبي يوسف رحمه الله تعالى وبه يفتي وقد بينه في العيون بأن الوصية جعل الموصى به لله سبحانه وتعالى وكل الفقراء فيه سواء. انتهى والله أعلم، كتبه أبو السعود الحقير المفتي بمدينة حلب غفر له (هو الكواكبي) وطالعها الحاكم المشار إليه أدام الله تعالى نعمه عليه ورأى أن في صرف هذا المبلغ في بناء مجرى القناة وإصلاح طريقها نفعا عاما للخاص والعام وأكثر ثوابا للموصي المزبور، فأمر المولى المومى إليه الحاج حسين المذكور بأن يصرف المبلغ المرسوم في بناء مجرى القناة وتجديدها وإصلاح طريقها ليجري الماء إلى القساطل والسبلانات بحلب وينتفع به عامة الناس أمرا شرعيا.
ثم إن الألفين والخمسمائة القروش المذكورة صرفت بمعرفة الدستور المكرم والمشير المفخم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب متمم مهام الأنام بالرأي الصائب مؤسس بنيان الدولة والإقبال مشيد أركان السعادة والإجلال المحفوف بصنوف عواطف الملك المتعال الوزير المحترم حضرة الحاج رجب باشا يسّر الله له من الخير ما يشاء والي ولاية حلب حالا أدام الله تعالى إجلاله وختم بالصالحات أعماله ومعرفة الأكابر والأعيان والمعتمدين على القناة وغيرهم من أهل البلد في تعمير مجرى القناة وترميمها وتلييس بعض أماكنها في قيمة أحجار وكلس وقنب وقصرمل وأجرة معلمين وفعلة، ولم يبق في يد الحاج
حسين المذكور من المبلغ المسطور شيء أصلا وكتب ما هو الواقع وحرر بالطلب في اليوم الغرة من رجب لسنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف اه.(3/254)
ثم إن الألفين والخمسمائة القروش المذكورة صرفت بمعرفة الدستور المكرم والمشير المفخم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب متمم مهام الأنام بالرأي الصائب مؤسس بنيان الدولة والإقبال مشيد أركان السعادة والإجلال المحفوف بصنوف عواطف الملك المتعال الوزير المحترم حضرة الحاج رجب باشا يسّر الله له من الخير ما يشاء والي ولاية حلب حالا أدام الله تعالى إجلاله وختم بالصالحات أعماله ومعرفة الأكابر والأعيان والمعتمدين على القناة وغيرهم من أهل البلد في تعمير مجرى القناة وترميمها وتلييس بعض أماكنها في قيمة أحجار وكلس وقنب وقصرمل وأجرة معلمين وفعلة، ولم يبق في يد الحاج
حسين المذكور من المبلغ المسطور شيء أصلا وكتب ما هو الواقع وحرر بالطلب في اليوم الغرة من رجب لسنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف اه.
وعلى هامش الحجة خط أبي السعود أفندي الكواكبي المفتي بحلب وقتئذ والسيد عمر نقيب الأشراف والعلامة المحدث الشيخ يوسف الحسيني.
سنة 1133
في هذه السنة حررت استحقاقات الجوامع والقساطل والحمامات والمحلات من قناة حلب وأثبت ذلك في سجل المحكمة الشرعية، وعندي منها نسخة خطية قديمة مستخرجة من السجل وهي تبلغ عشر صحائف من هذا الكتاب، ولم أثبتها لطولها ولأن عمل الناس على خلاف هذا التقسيم، ويظهر أن تحريرها على إثر إصلاح طريق القناة.
سنة 1136
كان الوالي فيها كورد إبراهيم باشا كما في السالنامة.
سنة 1137 ذكر تولية حلب لحكيم باشا زاده علي باشا
له في قاموس الأعلام ترجمة حافلة قال في أولها: هو علي باشا ابن رئيس الأطباء نوح أفندي، ولد سنة 1100في إستانبول، وفي زمن السلطان أحمد خان الثالث أدخل في زمرة بوابي الدركاه، ثم تولى عدة وظائف، ثم عهد إليه بولاية حلب سنة 1137، وفي فتح أذربيجان وتبريز ظهر من المشار إليه خدمات جلى فأنعم عليه سنة 1138برتبة الوزارة وولي ولاية أناطولي، ثم ساق تقلباته في المناصب وخدماته الجليلة للدولة العثمانية إلى أن قال: وفي سنة 1155أسند إليه منصب الصدارة وبقي فيها مدة سنة ونصف ثم تغير عليه قلب الحضرة السلطانية فعزل سنة 1156ونفي إلى مدللي مدة ثم عين واليا لقندية، وفي سنة 1158عين واليا لحلب للمرة الثانية، وفي هذه السنة جاءت الأخبار بأن نادر شاه ملك العجم عزم على مهاجمة القارص فعين المترجم قائدا للعساكر التي وجهت إلى تلك
الجهات، وبعد انعقاد الصلح مع نادر شاه توجه إلى التنكيل بعصاة اللوندات، ثم ساق ما تقلب فيه من المناصب إلى أن قال: وفي سنة 1169عيّن واليا إلى مصر وفي سنة 1170عيّن واليا إلى أناطولي، وفي هذه السنة توفي في كوتاهية، وبعد مدة نقلت جثته إلى إستانبول ودفن في الجامع الذي عمره في أثناء صدارته الأولى، وكان عاقلا عالما مدبرا شجاعا ذا رأي متين سخيا حازما شديدا، توفي وله من العمر سبعون سنة.(3/255)
له في قاموس الأعلام ترجمة حافلة قال في أولها: هو علي باشا ابن رئيس الأطباء نوح أفندي، ولد سنة 1100في إستانبول، وفي زمن السلطان أحمد خان الثالث أدخل في زمرة بوابي الدركاه، ثم تولى عدة وظائف، ثم عهد إليه بولاية حلب سنة 1137، وفي فتح أذربيجان وتبريز ظهر من المشار إليه خدمات جلى فأنعم عليه سنة 1138برتبة الوزارة وولي ولاية أناطولي، ثم ساق تقلباته في المناصب وخدماته الجليلة للدولة العثمانية إلى أن قال: وفي سنة 1155أسند إليه منصب الصدارة وبقي فيها مدة سنة ونصف ثم تغير عليه قلب الحضرة السلطانية فعزل سنة 1156ونفي إلى مدللي مدة ثم عين واليا لقندية، وفي سنة 1158عين واليا لحلب للمرة الثانية، وفي هذه السنة جاءت الأخبار بأن نادر شاه ملك العجم عزم على مهاجمة القارص فعين المترجم قائدا للعساكر التي وجهت إلى تلك
الجهات، وبعد انعقاد الصلح مع نادر شاه توجه إلى التنكيل بعصاة اللوندات، ثم ساق ما تقلب فيه من المناصب إلى أن قال: وفي سنة 1169عيّن واليا إلى مصر وفي سنة 1170عيّن واليا إلى أناطولي، وفي هذه السنة توفي في كوتاهية، وبعد مدة نقلت جثته إلى إستانبول ودفن في الجامع الذي عمره في أثناء صدارته الأولى، وكان عاقلا عالما مدبرا شجاعا ذا رأي متين سخيا حازما شديدا، توفي وله من العمر سبعون سنة.
سنة 1138
قال في السالنامة: في هذه السنة كان الوالي محمد باشا السلحدار اه. أقول:
لعل ذلك سهو فإن ولاية محمد باشا السلحدار الأولى كانت سنة 1143كما سيأتي في ترجمته.
ذكر تولية حلب لعارفي أحمد باشا
قال في السالنامة: في هذه السنة كان الوالي عارفي أحمد باشا اه.
قال في قاموس الأعلام: هو إستانبولي الأصل ومعدود من جملة أدبائها ومشاهير الخطاطين فيها، بعد أن أحرز رتبة الخوجكان عيّن كاتبا ثم رئيسا للكتاب في قلم الصدارة، وفي سنة 1130حاز رتبة الوزارة وعيّن لصنجق تكه ثم إلى نيكبولي ثم إلى حلب، وفي سنة 1136كان قائد عسكر روانه، وفي سنة 1144عيّن واليا على وان ثم أعيد على إثر ذلك إلى صنجق تكه وتوفي بها، وكان ماهرا في التحرير في الأقلام الستة.
سنة 1141:
كان الوالي فيها داماد علي باشا.
سنة 1142:
كان الوالي فيها كوجك مصطفى باشا.
سنة 1143:
كان الوالي فيها إبراهيم باشا.
ذكر تولية حلب لمحمد باشا السلحدار
قال في السالنامة: كان الوالي في هذه السنة محمد باشا.
قال في قاموس الأعلام: هو إستانبولي الأصل دخل السراي الهمايونية وصار فيها
أولا جاويشا للكلار ثم كتخدا ثم رقي دفعة واحدة إلى وظيفة السلحدار للحضرة السلطانية، وفي سنة 1140زوجه السلطان ببنته عائشة وحاز شرف مصاهرة العائلة الملوكية فرقي لأجل ذلك إلى رتبة الوزارة، ثم ولي أرضروم، ولما استشهد الداماد إبراهيم باشا أودع ختم الصدارة إلى عهدة المذكور، وفي ذلك الأثناء تولى السلطان محمود خان الأول [كان توليته سنة 1143في ربيع الأول] فأبقي المترجم في منصبه، وبعد مائة يوم عزل وعيّن واليا إلى حلب ثم لبغداد ثم أعيد إلى حلب، وفي سنة 1150توفي بها، وفي رواية توفي في أرضروم، وكان مع نحافة جسمه قادرا على إدارة الأمور حسن التدبير اه. ولم يذكر في السالنامة أنه تولى حلب مرة ثانية، والمتبادر من كلام القاموس أنه أعيد إليها سنة 1150أو سنة 1149أي بعد بولاد أحمد باشا الآتي ذكره وتوفي سنة 1150.(3/256)
قال في قاموس الأعلام: هو إستانبولي الأصل دخل السراي الهمايونية وصار فيها
أولا جاويشا للكلار ثم كتخدا ثم رقي دفعة واحدة إلى وظيفة السلحدار للحضرة السلطانية، وفي سنة 1140زوجه السلطان ببنته عائشة وحاز شرف مصاهرة العائلة الملوكية فرقي لأجل ذلك إلى رتبة الوزارة، ثم ولي أرضروم، ولما استشهد الداماد إبراهيم باشا أودع ختم الصدارة إلى عهدة المذكور، وفي ذلك الأثناء تولى السلطان محمود خان الأول [كان توليته سنة 1143في ربيع الأول] فأبقي المترجم في منصبه، وبعد مائة يوم عزل وعيّن واليا إلى حلب ثم لبغداد ثم أعيد إلى حلب، وفي سنة 1150توفي بها، وفي رواية توفي في أرضروم، وكان مع نحافة جسمه قادرا على إدارة الأمور حسن التدبير اه. ولم يذكر في السالنامة أنه تولى حلب مرة ثانية، والمتبادر من كلام القاموس أنه أعيد إليها سنة 1150أو سنة 1149أي بعد بولاد أحمد باشا الآتي ذكره وتوفي سنة 1150.
سنة 1147
كان الوالي فيها بولاد أحمد باشا كما في السالنامة.
سنة 1149 ذكر تجديد مجرى نهر الساجور بعد انقطاعه
وفي بعض المسودات التي عندي ما ملخصه أن أرغون الكاملي لما ساق النهر إلى حلب سنة 731وقف عليه أوقافا كثيرة، ولم يزل النهر المذكور جاريا إلى حلب إلى أن حدثت زلزلة عظيمة في سنة 1004فهدمت جسرا له بالقرب من حلب وتعدى بعض القابضين على الماء وتهاون بأمره أهل حلب بالمجيء ولم يزل مقطوعا إلى سنة 1149فاعتنى بشأنه أحد أكابر حلب يقال له نعسان آغا فقدم على سوقه وأوصله إلى حلب كما كان سابقا بعد أن أوقف عليه أوقافا أضافها إلى أوقاف أرغون المذكور.
وقال في مجموعة عند أحمد أفندي القدسي بعد أن ذكر ما قدمناه في حوادث سنة 731: ثم تغلبت عليه (على نهر الساجور) أيدي الغاصبين فانقطع عن حلب إلى سنة 1149فجدده أحد أكابر حلب يقال له نعسان آغا وأنشد في ذلك خطيب أموي حلب الشيخ علي الدباغ فقال:
لما أتى حلب الساجور قلت له ... كيف اهتديت وما ساقتك أعوان
فقال كانوا نياما عن مساعدتي ... حتى تيقظ طرف وهو نعسان
وأنشد أيضا:(3/257)
وقال في مجموعة عند أحمد أفندي القدسي بعد أن ذكر ما قدمناه في حوادث سنة 731: ثم تغلبت عليه (على نهر الساجور) أيدي الغاصبين فانقطع عن حلب إلى سنة 1149فجدده أحد أكابر حلب يقال له نعسان آغا وأنشد في ذلك خطيب أموي حلب الشيخ علي الدباغ فقال:
لما أتى حلب الساجور قلت له ... كيف اهتديت وما ساقتك أعوان
فقال كانوا نياما عن مساعدتي ... حتى تيقظ طرف وهو نعسان
وأنشد أيضا:
حلب فاقت البلاد بماء ... وهواء وأهلها زدن قدرا
يقظوهم لأبحر الجود حتى ... إن نعسانهم لقد ساق نهرا
سنة 1150 تولية حلب لعثمان باشا الدوركي باني المدرسة العثمانية
في هذه السنة ولي حلب عثمان باشا الدوركي كما في السالنامة.
قال المرادي في تاريخه: هو عثمان باشا الوزير ابن عبد الرحمن (1) بن عثمان الدوركي الأصل الحلبي المولد والمنشأ، انتقلت بوالده الأحوال إلى أن صار في الباب العالي رئيس الجاويشية وهي رتبة قعساء لا ينالها إلا من هو مجرب في معرفة قوانين الدولة، ومنها أنعمت عليه الدولة بمنصب حلب برتبة روملي، ورحل من إسلامبول إلى مقر حكومته حلب، ففي الطريق ناداه داعي المنون فأجاب فامتحن صاحب الترجمة، ثم ترقت أحواله إلى أن صار محصل الأموال الميرية بحلب، وكانت له دربة في الأمور فجمع الأموال وبنى وشيّد ورأس وساعده الوقت وبنى داره الكائنة بمحلته داخل باب النصر على شفير الخندق وهي أحد الدور العظام في الارتفاع والإحكام وبشرقيها كان سور الأربعين قديما وهذا كان أحد أبواب مدينة حلب ومحله عند مسجد الأربعين المعروف الآن بزاوية القرقلار يسكنها مشايخ الطريقة
__________
(1) رأيت في بعض المجاميع ما نصه: قد انتقل عبد الرحمن باشا بن عثمان آغا الدوركي إلى رحمة الله في شهر شوال سنة 1127في قسطنطينية وانتقل والده عثمان آغا سنة 1107، ونظم الأديب عبد الله الزيباري أبياتا أرّخ فيها موته وقد نقلت عن خطه قال:
تبارك الله باري كل إنسان ... سبحانه كل يوم هو في شان
مقلب الدهر حي في ... باق وكل امرىء من خلقه فاني
فاستبصروا يا أولي الأبصار واعتبروا ... فيمن مضى من أخلاء وأقران
إن المنون التي مدت مخالبها ... كم شتتت شمل أحباب وأخدان
حتى لقد غادرت عثمان مندرجا ... من بين أقرانه في طي أكفان
مستودعا بحضيض الرمس تكنفه ... عواطف البر من ألطاف منان
جازاه رب البرايا من تفضله ... خير المكافات من عفو وغفران
وأكرم الله مثواه وأسكنه ... في جنة الخلد في روح وريحان
بشرى له حسنت في الله نيته ... وهل جزي محسن إلا بإحسان
فلا تخف أيها الراجي على سرف ... في رحمة الله أرّخ موت عثمان
1107(3/258)
النور بخشية، وشرقي دار المترجم العين المعروفة بالعوينة يقصدها المرضى يوم السبت قبل طلوع الشمس يغتسلون بها ولها ذكر في الخواصات التي بحلب (1).
ثم إن المترجم شرع في عمارة جامعه المعمور لصيق داره أوائل سنة إحدى وأربعين ومائة فاشترى الدور التي كانت في محل الجامع من أهلها بالأثمان المضاعفة، وكان يقترض من التجار أهل الخير والصلاح المعروفين بحل المال ويصرفه في عمارة الجامع ويوفيهم من ثمن حنطة كانت عنده إلى أن فرغ بناء الجامع وتم على أكمل الوجوه، ولما انتهى حفر أساس الجامع وحررت القبلة بتحرير العلامة الشيخ جابر الحوراني الأصل والعلامة الشيخ علي الميقاتي بأموي حلب نزل صاحب الترجمة بنفسه إلى الأساس واستدعى بطين فوضعه ووضع عليه حجرا ووضع بينهما صرة صغيرة لا يدرى ما هي وصعد، وشرعوا في البناء بالأحجار الهرقلية الهائلة وأبطل العمل شتاء إلى أن كمل سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف، ووضع فيه منبرا من الرخام الأصفر الفائق وفي صحنه حوضا من الرخام الأصفر طوله أربعة عشر ذراعا في مثلها وفي شماله مصطبة مرخمة بالرخام الأصفر بقدر الحوض وبنى فيه إحدى وأربعين حجرة منها ثلاثون للمجاورين والباقي لأرباب الشعائر وعيّن له خطيبا شكري محمد أفندي البكفلوني وهو أول خطيب خطب به لأنه كان مرغوبا عند الأتراك التمطيط في الخطبة على عادة خطباء إسلامبول، وعيّن له مدرسا تاتار أفندي العينتابي فاستقام أربعة أشهر ثم استعفي فنصب مكانه العلامة محمود أفندي الأنطاكي وعين السيد محمد الكبيسي محدثا وعين عبد الكريم أفندي الشراباتي واعظا عقب صلاة الجمعة وعين السيد عبد الغني الصباغ إمام الجهرية والعلامة الشيخ جابر إمام السرية، وعين له أربعة مؤذنين وعين شعالين وفراشين وقارئا يقرأ النعت وكنّاسين ولكل من أبوابه الثلاثة بوابا وأسكن الثلاثين حجرة ثلاثين رجلا من أهل البلدة أو من غيرها وشرط عليهم البيتوتة في الجامع وملازمة الصلوات الخمس وقراءة جزء من القرآن العظيم بعد صلاة الصبح، وفي أثناء عمارة الجامع صار متسلما بحلب وجاءته رتبة روملي، ثم أنعمت عليه الدولة برتبة الوزارة ومنصب طرابلس، ثم عزل عنها وولي سيواس ثم دمشق وحج منها أميرا للحاج، ثم ولي حلب فدخلها سنة خمسين ومائة وألف
__________
(1) لا أثر الآن لهذه العين وأصبحت أثرا بعد عين، وهناك قسطل ماؤه من قناة حلب معروف بقسطل العوينة بذيل تربة الجبيل.(3/259)
وشرع في عمارة المطبخ المسمى بالعمارة على باب جامعه الشرقي، ثم ولي آدنة ثم بروسة وعين لمحافظة بغداد، ثم ولي إيالة صيدا ثم ولي جدة ومشيخة الحرم المكي فأقام بمكة المشرفة إلى أن توفي في ذي القعدة سنة ستين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى اه.
وفي مجموعة منقولة عن تاريخ ابن ميرو قال: اشترى عدة دور بالأثمان الزائدة وهدمها وأدخل منها جانبا لداره وبنى المطبخ وبجانبه فرنا لخبز الخبز ومكانا لوضع الذخيرة ومكانا للطبّاخ والبوّاب، جميع هذه الأماكن مبنية بالأحجار داخلا وخارجا ما بها من الخشب إلا أغلاق الأبواب والشبابيك، وبنى به حوضا هائلا من الرخام الأصفر ينزل إليه بدرج من الحجر، ورصص قباب الجامع وأسطحته وأسطحة المطبخ بألواح الرصاص المحكم.
الكلام على أوقاف المدرسة العثمانية
للواقف رحمه الله عدة وقفيات على هذه المدرسة أولاهن كانت سنة 1142حيث وقف فيها 27عقارا وأخراهن كانت سنة 1152، وكان كلما اشترى جملة من العقارات وقفها إلى أن بلغت نحو المائة، وأعظم هذه العقارات شأنا البساتين التي هي خارج باب الفرج من شمالي البستان المعروف ببستان (كل آب) إلى محطة الشام فبغداد وما بين ذلك من البساتين التي تقدر قيمتها اليوم بنحو مليون ليرة عثمانية ذهبا، وقد أخذ قطعة منها فجعلت القسم الشمالي من محطة الشام ودفعت شركة الخط قيمتها لمتولي الوقف الآن الوجيه أمين آغا اليكن خمسة أو ستة آلاف ليرة عثمانية فعمر بهذا المبلغ وبما كان مجتمعا لديه من غلة الوقف عشرين دارا في البساتين المذكورة بالقرب من الجسر الكبير هناك ودارا في محلة الجميلية بالقرب من المدرسة السلطانية وألحق ذلك إلى العقارات الموقوفة على مصالح المدرسة وذلك سنة 1317. وهذه البساتين واقعة اليوم في أعظم بقعة في حلب وأصبح المتر المكعب هناك بليرتين وثلاثة، ولو اعتني بأمر هذه البساتين وتلك الأراضي الواسعة هناك تمام الاعتناء لدرت خيرات كثيرة وزادت في ريع هذا الوقف زيادة تستحق الذكر.
شرط الواقف في الوقفية الأولى:
خطيب صالح له في كل يوم 30عثمانيا فضيا. إمام للصلوات الجهرية في كل يوم 24عثمانيا فضيا. إمان ثان للصلوات السرية في كل يوم 16عثمانيا فضيا. مدرس جامع
بين المعقول والمنقول قادر على إفادة الفروع والأصول يفيد الطلبة في المدرسة المذكورة كل يوم خلا الجمعة والثلاثاء له كل يوم 40عثمانيا. محدث عالم يفيد الحديث ولوازمه يقرأ كل يوم اثنين وخميس في كل يوم 20عثمانيا. واعظ يعظ بعد صلاة الجمعة في كل يوم 16 عثمانيا للمكتب. معلم تقي مأمون في كل يوم 24عثمانيا. يعطى ثلاثون حجرة إلى ثلاثين طالبا من أهالي هذه البلدة أو غيرها متزوجا أو عزبا على أن لا يكون فيهم رجل يحلق لحيته ولا تعطى حجرة بشفاعة، وشرط أن يواظبوا في حجراتهم ليلا ونهارا مع الصلوات الخمس في الجماعة، والمتزوج يذهب ليلة الجمعة وليلة الثلاثاء، وعلى الطالب قراءة جزء من القرآن مع رفقائه، وعين للرجال الثلاثين في كل يوم 240عثمانيا لكل شخص ثمانية عثمانيات فضية على أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن. معلم القرآن يقرأ في كل جمعة سورة الكهف قبل صلاة الجمعة. حافظ حسن الصوت يقرأ قبل صلاة الجمعة حزبا من القرآن وبعد الصلاة عشرا من القرآن. له 4مؤذنين لهم لكل واحد في كل يوم 16عثمانيا. له 3 بوابين. معين للمدرس والمحدث له 10عثمانيات. له كنّاسان في كل يوم 10عثمانيات للواحد. له شعّالان في كل يوم 10عثمانيات للواحد. له قيّم للسبيل مع القيام بكنسه وتنظيفه في كل يوم 12عثمانيا. حافظ للكتب المدرس والمحدث يأخذ الكتب ويفتح باب الحجرة في كل يوم اثنين وخميس يدخل الطالب ويطالع محلا يريده من تلك الكتب ويكتب منها ما يريد لا يخرج كتابا منها إلى خارج الجامع، ومنع إخراج شيء من الكتب وترم الكتب وتصلح في نفس المكتبة، وظيفة الحافظ في كل يوم 20عثمانيا.(3/260)
خطيب صالح له في كل يوم 30عثمانيا فضيا. إمام للصلوات الجهرية في كل يوم 24عثمانيا فضيا. إمان ثان للصلوات السرية في كل يوم 16عثمانيا فضيا. مدرس جامع
بين المعقول والمنقول قادر على إفادة الفروع والأصول يفيد الطلبة في المدرسة المذكورة كل يوم خلا الجمعة والثلاثاء له كل يوم 40عثمانيا. محدث عالم يفيد الحديث ولوازمه يقرأ كل يوم اثنين وخميس في كل يوم 20عثمانيا. واعظ يعظ بعد صلاة الجمعة في كل يوم 16 عثمانيا للمكتب. معلم تقي مأمون في كل يوم 24عثمانيا. يعطى ثلاثون حجرة إلى ثلاثين طالبا من أهالي هذه البلدة أو غيرها متزوجا أو عزبا على أن لا يكون فيهم رجل يحلق لحيته ولا تعطى حجرة بشفاعة، وشرط أن يواظبوا في حجراتهم ليلا ونهارا مع الصلوات الخمس في الجماعة، والمتزوج يذهب ليلة الجمعة وليلة الثلاثاء، وعلى الطالب قراءة جزء من القرآن مع رفقائه، وعين للرجال الثلاثين في كل يوم 240عثمانيا لكل شخص ثمانية عثمانيات فضية على أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن. معلم القرآن يقرأ في كل جمعة سورة الكهف قبل صلاة الجمعة. حافظ حسن الصوت يقرأ قبل صلاة الجمعة حزبا من القرآن وبعد الصلاة عشرا من القرآن. له 4مؤذنين لهم لكل واحد في كل يوم 16عثمانيا. له 3 بوابين. معين للمدرس والمحدث له 10عثمانيات. له كنّاسان في كل يوم 10عثمانيات للواحد. له شعّالان في كل يوم 10عثمانيات للواحد. له قيّم للسبيل مع القيام بكنسه وتنظيفه في كل يوم 12عثمانيا. حافظ للكتب المدرس والمحدث يأخذ الكتب ويفتح باب الحجرة في كل يوم اثنين وخميس يدخل الطالب ويطالع محلا يريده من تلك الكتب ويكتب منها ما يريد لا يخرج كتابا منها إلى خارج الجامع، ومنع إخراج شيء من الكتب وترم الكتب وتصلح في نفس المكتبة، وظيفة الحافظ في كل يوم 20عثمانيا.
بستاني لبستان الجامع المذكور له في كل يوم 10عثمانيات. القنوي له في كل يوم 10عثمانيات. مشرف على المرتزقة وأرباب الشعائر المرقومين ويعرف الآن بنقطه جي بحيث إذا ترك أحدهم وظيفته من غير عذر تحصى عليه. وله في كل يوم 8عثمانيات. جابي للوقف له في كل يوم 20عثمانيا. ناظر له في كل يوم 40عثمانيا، ومن وظائفه أن من أخل من أرباب الشعائر والوظائف فعلى المتولي إخراجه من وظيفته. وتعيين أرباب هذه الجهات بأسرها مفوض إلى رأي المتولي لا يداخله في ذلك أحد غيره بوجه من الوجوه وشرط الواقف التولية لنفسه ثم لزوجته ثم لولده منها وهو محمد طاهر بك، وبعده فللأسن الأرشد ممن يحدث لحضرة الواقف من الأولاد الذكور والإناث، ثم للأسن فالأرشد من أولاد أولاده، وإذا انقرض نسله فللأرشد من ذرية أخته زازية خانم ثم للأسن الأرشد من عتقاء أولاد عتقاء الواقف، ثم للأسن الأرشد من عتقاء شقيقته زازية خانم، وللمتولي في كل يوم 300فضي
بمقابلة خدمته، وإذا لم يبق أحد منهم تكون التولية لقاضي حلب ويكون معلومه 60 عثمانيا، وشرط أولا أن يعطى المرتب على الأحكار من عقارات الوقف وشرط العزل والنصب لنفسه ثم لمن يكون متوليا يختار ممن يكون أهلا له. وشرط أن لا يداخل وقفه المذكور أحد الحكام وولاة أمور الأنام بشيء من عزل ذي جهة أو نصبه أو محاسبة متولي الوقف أو غير ذلك بوجه من الوجوه. حرر ذلك سنة 1142.(3/261)
بستاني لبستان الجامع المذكور له في كل يوم 10عثمانيات. القنوي له في كل يوم 10عثمانيات. مشرف على المرتزقة وأرباب الشعائر المرقومين ويعرف الآن بنقطه جي بحيث إذا ترك أحدهم وظيفته من غير عذر تحصى عليه. وله في كل يوم 8عثمانيات. جابي للوقف له في كل يوم 20عثمانيا. ناظر له في كل يوم 40عثمانيا، ومن وظائفه أن من أخل من أرباب الشعائر والوظائف فعلى المتولي إخراجه من وظيفته. وتعيين أرباب هذه الجهات بأسرها مفوض إلى رأي المتولي لا يداخله في ذلك أحد غيره بوجه من الوجوه وشرط الواقف التولية لنفسه ثم لزوجته ثم لولده منها وهو محمد طاهر بك، وبعده فللأسن الأرشد ممن يحدث لحضرة الواقف من الأولاد الذكور والإناث، ثم للأسن فالأرشد من أولاد أولاده، وإذا انقرض نسله فللأرشد من ذرية أخته زازية خانم ثم للأسن الأرشد من عتقاء أولاد عتقاء الواقف، ثم للأسن الأرشد من عتقاء شقيقته زازية خانم، وللمتولي في كل يوم 300فضي
بمقابلة خدمته، وإذا لم يبق أحد منهم تكون التولية لقاضي حلب ويكون معلومه 60 عثمانيا، وشرط أولا أن يعطى المرتب على الأحكار من عقارات الوقف وشرط العزل والنصب لنفسه ثم لمن يكون متوليا يختار ممن يكون أهلا له. وشرط أن لا يداخل وقفه المذكور أحد الحكام وولاة أمور الأنام بشيء من عزل ذي جهة أو نصبه أو محاسبة متولي الوقف أو غير ذلك بوجه من الوجوه. حرر ذلك سنة 1142.
شروطه في الوقفية الثانية:
وشرط في الوقفية الثانية قارئا يقرأ كل يوم قبل صلاة الظهر سورة الزمر وغيرها من السور التي بعدها ويعطى له 8عثمانيات، وفي الرابعة أن يعطى من ريعه 10عثمانيات لمن يكون مدرسا بالمدرسة المذكورة ليعظ الناس باللسان التركي في كل يوم اثنين وخميس. وكان عيّن في الوقفية الأولى للمتولي 300عثماني فضي هي غرشان ونصف غرش على حساب كل 120عثمانيا بغرش واحد من المعاملة الجديدة، فزاد في الوقفية الثانية في معلوم التولية في كل يوم 900عثماني فبلغ معلومها بهذه الزيادة كل يوم 1200عثماني كل 120عثمانيا بغرش واحد.
وشرط 10عثمانيات بحساب كل مائة وعشرين بغرش واحد للمدرس لقراءة التفسير الشريف داخل السراي. وذكر في الوقفية الحادية عشرة أنه بجوار السراي بنى مكانا يعرف بالعمارة مشتملا على مطبخ وفرن وبيت معد للمونة وبيت معد لسكنى الطباخ وحجرة معدة لسكنى البواب وقسطل يجري إليه الماء من قناة حلب ومغارة لوضع الحطب، وشرط أن يطبخ في مطبخها في كل يوم شوربة من نصف شنبل حلبي من القمح برطلين حلبيين من اللحم طبخا جيدا ما عدا ليالي الجمع وليالي شهر رمضان فإنه يطبخ فيها 10أرطال حلبية أرزا برطلين حلبيين من اللحم الضأن ويطبخ فيها رطلان ونصف من الأرز وخمسة أرطال من العسل البلدي يعرف بالزردا ويصب للأرز والزردا من السمن في كل يوم رطلان ونصف ويخبز 10أرطال حلبية الرغيف وزن خمسين درهما، وعيّن خمسة دراهم من الزعفران الخالص للزردا وللشوربة 10دراهم كمونا وللأرز والخبز كل يوم رطلا من الملح وللشوربة رطلا من الحمص وفي السنة قنطارا من البصل، وعيّن للطبخ كل يوم 50رطلا من الحطب وللفرن كل يوم نصف قنطار من القش ولمطبخ العمارة قنديل، ويدفع لذلك قدر الحاجة من الزيت والقطن والقش، ووقف قدرا من النحاس وزنه ثلاثون رطلا لطبخ الشوربة وقدرا
وزنه 25رطلا لطبخ الأرز وقدرا وزنه 15لطبخ الزردا وثلاثة مغارف وزنها أربعة أرطال وكفكيرا ثلاث قطع ومقلاة من النحاس ولقنا كبيرا وزنه 13رطلا وسطلين وزن كل واحد رطلان ونصف ومصفاة وزنها سبعة أرطال ومائة وخمسين طاسة وزن الواحدة سبع أواق.(3/262)
وشرط 10عثمانيات بحساب كل مائة وعشرين بغرش واحد للمدرس لقراءة التفسير الشريف داخل السراي. وذكر في الوقفية الحادية عشرة أنه بجوار السراي بنى مكانا يعرف بالعمارة مشتملا على مطبخ وفرن وبيت معد للمونة وبيت معد لسكنى الطباخ وحجرة معدة لسكنى البواب وقسطل يجري إليه الماء من قناة حلب ومغارة لوضع الحطب، وشرط أن يطبخ في مطبخها في كل يوم شوربة من نصف شنبل حلبي من القمح برطلين حلبيين من اللحم طبخا جيدا ما عدا ليالي الجمع وليالي شهر رمضان فإنه يطبخ فيها 10أرطال حلبية أرزا برطلين حلبيين من اللحم الضأن ويطبخ فيها رطلان ونصف من الأرز وخمسة أرطال من العسل البلدي يعرف بالزردا ويصب للأرز والزردا من السمن في كل يوم رطلان ونصف ويخبز 10أرطال حلبية الرغيف وزن خمسين درهما، وعيّن خمسة دراهم من الزعفران الخالص للزردا وللشوربة 10دراهم كمونا وللأرز والخبز كل يوم رطلا من الملح وللشوربة رطلا من الحمص وفي السنة قنطارا من البصل، وعيّن للطبخ كل يوم 50رطلا من الحطب وللفرن كل يوم نصف قنطار من القش ولمطبخ العمارة قنديل، ويدفع لذلك قدر الحاجة من الزيت والقطن والقش، ووقف قدرا من النحاس وزنه ثلاثون رطلا لطبخ الشوربة وقدرا
وزنه 25رطلا لطبخ الأرز وقدرا وزنه 15لطبخ الزردا وثلاثة مغارف وزنها أربعة أرطال وكفكيرا ثلاث قطع ومقلاة من النحاس ولقنا كبيرا وزنه 13رطلا وسطلين وزن كل واحد رطلان ونصف ومصفاة وزنها سبعة أرطال ومائة وخمسين طاسة وزن الواحدة سبع أواق.
وعيّن طبّاخا وتلميذين مساعدين للطبخ وللعمارة كيلاريا يحفظ لوازم المطبخ وتلميذا يساعده وللعمارة بوابا أمينا وفرّانا وعجّانا ومعلوم الطباخ 32عثمانيا ولكل تلميذ 16 وللكيلاري 30وللتلميذ 15وللفرّان 20وللعجّان 20وللبوّاب 16وللقنوي 4عثمانيات كل يوم. يوزع في كل يوم طاسة ورغيفان للمدرس وناظر الوقف والخطيب والمحدث والإمام والواعظين وخازن الكتب والجابي والكاتب ومدرس السراي وخدام العمارة ولسائر مرتزقة الجامع من سبيل دار ومعلم أطفال وبوّاب وخادم وفرّاش وكنّاس ومؤذن وقارىء عشر وحواميم وسائر طلبة العلم المجاورين، وفي أيام الجمعة وأيام شهر رمضان يعطى لكل واحد طاسة من الأرز والزردا ورغيفان من الخبز وهذا الطعام غير الراتب المعين:
وشرط في الوقفية الأخيرة المحررة سنة 1152على المتولي إذا اجتمع عنده مبلغ صالح لشراء شيء من العقار يشتريه ويضمه إلى الوقف المذكور ولم يشترط لذريته أو عتقائه أو أبناء عتقائه شيئا من فاضل غلة هذا الوقف، وليس فيه سوى أن للمتولي في كل يوم 1200 عثماني كما تقدم.
الكلام على هذه المدرسة:
هذه المدرسة أعظم مدارس الشهباء شأنا وأوسعها بناء، وقبليتها قبة واحدة شاهقة مبنية على جدران عريضة جدا أمامها صفتان كبيرتان عليهما أربعة عواميد ضخمة وعلى طرفيها إيوانان كبيران بجانب الأيمن منهما منارة مدورة الشكل عظيمة الارتفاع على نسق منارات الآستانة، وقبليها بستان مغروس بشجر الكبّاد وصحن المدرسة واسع جدا في وسطه حوض كبير يجري الماء فيه في غالب الأوقات، ووراء هذا الحوض مصطبة على طول الحوض يحيط بهذا الصحن الواسع ثلاثة أروقة فيها 24عمودا من الحجر الأصفر، ووراء الأروقة أربعون حجرة، وفي الجهة الشرقية حوش صغيرة تشتمل على عدة حجر، وخارج المدرسة في الجهة القبلية منها مكتب وسبيل، وجميع القبب والأسطحة مغطاة بالرصاص وقد صب الرصاص بين الجدران أيضا كل ذلك ليزداد البناء متانة وصبرا على الأيام، وعن يمين الإيوان الغربي دهليز في صدره قاعة للتدريس لها شبابيك مطلة على البستان وفي شرقيه
حجرة واسعة اتخذت مكتبة ووضع فيها كتب قيّمة من المخطوطات، ومنذ أربعين سنة أهداها المرحوم تقي الدين باشا المدرس والي بغداد ومكة كتبا مخطوطة ومطبوعة، غير أن الأيدي قد لعبت بهذه المكتبة وسرق منها معظم نفائسها ولم يبق منها إلا القليل وذلك لإهمال متولي الوقف وقيّم المكتبة أمرها، وقد شرط أن تكون مفتحة الأبواب يومين في الأسبوع كما تقدم ولا تفتح الآن إلا بعد الإلحاح في طلب الفتح، ومن أسباب ضياع الكتب فيها إعارتها للمجاورين ثم عدم السؤال عنها أو التفتيش عليها، فكان ذلك سبب تبعثرها، وآخر ما سمعت عن هذه المكتبة أنه كان فيها نسخة نفيسة الخط جدا من تفسير القاضي البيضاوي كأنها كتبت بقلم واحد وهي مذهّبة استعارها بعض بسطاء الطلبة من بضع سنين فوضعها في شباك حجرته فمر من مر فرآها هناك والشبّاك مفتوح فسرقها. وإنّي لا أرى وجها لإخراج الكتب من المكتبة لأجل الحضور فيها ومثل البيضاوي يباع المطبوع منه بقيمة زهيدة لا يعجز الطالب مهما كان فقيرا عن قيمته، وبالجملة لا أثر للانتظام في هذه المكتبة وحالتها تتفطر لها قلوب محبي المطالعة والاطلاع، ولا أدري يسمح الزمان بتعويض ما فقد منها وتنظيم شؤونها وجعلها صالحة للاستفادة في كل وقت شأن الأمم الراقية في مكاتبهم.(3/263)
هذه المدرسة أعظم مدارس الشهباء شأنا وأوسعها بناء، وقبليتها قبة واحدة شاهقة مبنية على جدران عريضة جدا أمامها صفتان كبيرتان عليهما أربعة عواميد ضخمة وعلى طرفيها إيوانان كبيران بجانب الأيمن منهما منارة مدورة الشكل عظيمة الارتفاع على نسق منارات الآستانة، وقبليها بستان مغروس بشجر الكبّاد وصحن المدرسة واسع جدا في وسطه حوض كبير يجري الماء فيه في غالب الأوقات، ووراء هذا الحوض مصطبة على طول الحوض يحيط بهذا الصحن الواسع ثلاثة أروقة فيها 24عمودا من الحجر الأصفر، ووراء الأروقة أربعون حجرة، وفي الجهة الشرقية حوش صغيرة تشتمل على عدة حجر، وخارج المدرسة في الجهة القبلية منها مكتب وسبيل، وجميع القبب والأسطحة مغطاة بالرصاص وقد صب الرصاص بين الجدران أيضا كل ذلك ليزداد البناء متانة وصبرا على الأيام، وعن يمين الإيوان الغربي دهليز في صدره قاعة للتدريس لها شبابيك مطلة على البستان وفي شرقيه
حجرة واسعة اتخذت مكتبة ووضع فيها كتب قيّمة من المخطوطات، ومنذ أربعين سنة أهداها المرحوم تقي الدين باشا المدرس والي بغداد ومكة كتبا مخطوطة ومطبوعة، غير أن الأيدي قد لعبت بهذه المكتبة وسرق منها معظم نفائسها ولم يبق منها إلا القليل وذلك لإهمال متولي الوقف وقيّم المكتبة أمرها، وقد شرط أن تكون مفتحة الأبواب يومين في الأسبوع كما تقدم ولا تفتح الآن إلا بعد الإلحاح في طلب الفتح، ومن أسباب ضياع الكتب فيها إعارتها للمجاورين ثم عدم السؤال عنها أو التفتيش عليها، فكان ذلك سبب تبعثرها، وآخر ما سمعت عن هذه المكتبة أنه كان فيها نسخة نفيسة الخط جدا من تفسير القاضي البيضاوي كأنها كتبت بقلم واحد وهي مذهّبة استعارها بعض بسطاء الطلبة من بضع سنين فوضعها في شباك حجرته فمر من مر فرآها هناك والشبّاك مفتوح فسرقها. وإنّي لا أرى وجها لإخراج الكتب من المكتبة لأجل الحضور فيها ومثل البيضاوي يباع المطبوع منه بقيمة زهيدة لا يعجز الطالب مهما كان فقيرا عن قيمته، وبالجملة لا أثر للانتظام في هذه المكتبة وحالتها تتفطر لها قلوب محبي المطالعة والاطلاع، ولا أدري يسمح الزمان بتعويض ما فقد منها وتنظيم شؤونها وجعلها صالحة للاستفادة في كل وقت شأن الأمم الراقية في مكاتبهم.
ومما لا ريب فيه أن هذه المدرسة لا نظير لها في البلاد السورية وكثير من البلاد الإسلامية في ضخامة بنائها وسعة أرجائها وغزارة وقفها، ومع هذا فإنها لم تخرج لنا منذ مائة عام إلى الآن من العلماء ما يبلغ عد الأصابع، وهي ككثير من المدارس العلمية التي في حلب أصبحت منذ مدة طويلة ملجأ للكسالى ومأوى للعجزة وذلك لإهمال متوليها أمورها وعدم تقديرهم العلم حق قدره، ومنذ سنتين اهتم بأمرها السيد يحيى الكيالي مدير الأوقاف الحالي وأخرج منها من كان مقيّدا فيها وطالت مدته ومن لا يرتجى الخير في بقائه وقيد فيها طلبة من جديد وكلف المتولي أن يعطي لكل مجاور ليرة عثمانية ذهبا في كل شهر بعد أن كان 46قرشا، وزيد في سنة 1336إلى 95قرشا لارتفاع أسعار الليرة العثمانية من 127قرشا إلى 250، وكلّف مدرسيها المعينين فيها أن تكون قراءتهم للدروس في أوقات معينة، وكتب كذلك على مقتضى البرنامج الموضوع للمدرسة الخسروية وأصبحت تابعة للامتحانات السنوية، وبذلك انتظم أمر التدريس فيها بعض الانتظام ولعله بعد ذلك تزداد انتظاما فتخرج لنا رجالا عالمين عاملين فتنتفع بهم العباد والبلاد.
ومنذ عهد قريب راجع المجاورون فيها المحكمة الشرعية طالبين قيمة ما هو مقدر لهم من الأطعمة على مقتضى شرط الواقف المتقدم، وبعد أخذ ورد حكم لهم أن يتقاضوا في كل
شهر 400قرش على اعتبار قيمة الليرة العثمانية الذهبية 275قرشا الذي هو سعرها الحالي، غير أن المتولي لم يعطهم أكثر من ليرة واحدة، والحال باق على هذا إلى الآن ولا ندري ما يكون الحال في المستقبل.(3/264)
ومنذ عهد قريب راجع المجاورون فيها المحكمة الشرعية طالبين قيمة ما هو مقدر لهم من الأطعمة على مقتضى شرط الواقف المتقدم، وبعد أخذ ورد حكم لهم أن يتقاضوا في كل
شهر 400قرش على اعتبار قيمة الليرة العثمانية الذهبية 275قرشا الذي هو سعرها الحالي، غير أن المتولي لم يعطهم أكثر من ليرة واحدة، والحال باق على هذا إلى الآن ولا ندري ما يكون الحال في المستقبل.
ولو أتيح لهذه المدرسة متول عامل يقدر العلم حق قدره ويوجه العناية إلى استثمار أراضيها الواسعة لدرت خيرا كثيرا وغزرت مواردها وعاد ذلك بالفائدة الكبرى على هذا المعهد العلمي العظيم ورجعت إليه حياته الأولى ومجده السابق والله الموفق.
سنة 1153 ذكر تولية حلب للوزير يعقوب باشا
قال العلامة المرادي في تاريخه: قدم حلب مرتين مرة حين انفصاله من صيدا مارا إلى أدرنة، ومرة قدمها واليا سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف. سار في مبدأ أمره سيرة حسنة بحلب ثم جاز لما أمر بالجردة من حلب لاستقبال الحجيج ولم يعد منها لحلب بل توجه إلى دار السلطنة فإنه كان دعي للمصاهرة. وكان رحمه الله لا بأس به له شفقة ومحبة للفقراء، وفي أيامه وصل سفير طهماس قولي المدعو بنادر شاه من مملكته إيران لحلب مجتازا لدار السلطنة واحتفلت له الدولة العلية إظهارا لأبّهة السلطنة ومعه تسعة من الفيلة على ظهورهم التخوت وهم أمام السفير كل هنيهة يقفون لسلامه ويأمرهم الفيال فيطأطئون خرطومهم حين السلام، وكان وصولهم لحلب ثامن شوال سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وكان يوما مشهودا حضرت أهل القرى كلها لمشاهدة الفيلة، وأسم هذا السفير حجي خان كان من أهل العناد والطغيان، وكان قدم سفير آخر من طهماس المذكور واجتاز بحلب عاشر شوال سنة خمس واربعين ومائة والف لجمع الأسارى، والقصة مشهورة إلا أنه لم يكن بهذه الأبهة وخرجت إليه نساء الأعاجم اللاتي كن أخذن أسارى واستولدن، فمنهم من أبى وهو الأقل والباقون تبعوا السفير لارتكاب القبائح علنا. وتوفي بعد ذلك بقليل رحمه الله اه.
سنة 1156
كان الوالي فيها حسين باشا ووقع في أيامه طاعون، ذكر ذلك الشيخ بكري الكاتب في مجموعته وهذا لم يذكره مرتب السالنامة.(3/265)
سنة 1157
كان الوالي فيها حاجي أحمد باشا للمرة الأولى على ما في السالنامة. ويظهر أنه سهو وولايته الأولى إنما كانت سنة 1158بعد حكيم أوغلي علي باشا. قال بكري الكاتب في مجموعته ما نصه: (سنة 1158كان والي حلب أحمد باشا وقتلت الأنجكارية وطلع البهلوان على القلعة وزينت المدينة) اه.
سنة 1158
كان الوالي فيها حكيم باشا زاده علي باشا للمرة الثانية وولايته الأولى كانت سنة 1137وتقدمت ترجمته ثمة. ثم عزل وولي بعده حاجي أحمد باشا وولي هذا سنة 1165 وستأتيك ترجمته هناك.
سنة 1160:
كان الوالي فيها حسين باشا.
سنة 1162:
كان الوالي فيها عثمان باشا زاده إسماعيل باشا.
سنة 1163 تولية حلب لسعد الدين باشا العظم
في هذه السنة ولي حلب سعد الدين باشا العظم. قال ابن ميرو في تاريخه: هو سعد الدين بن إسمعيل الوزير ابن الوزير من آل العظم مولده بمعرة النعمان بعد الثلاثين ومائة وألف، وربي في مهد الإقبال وترعرع في حجر الوزارة إلى أن صار متسلما عن أخيه أسعد الوزير المتقدم بحماة فأحسنت له الدولة العلية برتبة روملي من قريحتهم لإشاعة أراجيف كاذبة عن وفاة أخيه أسعد بطريق الحجاز (يظهر أن في العبارة نقصا بعض كلمات) ثم لمّا وصلت البشاير بوصول الحجيج لدمشق آيبين وأميرهم المذكور في الأحياء عيّنت الدولة العلية للمترجم منصب حوران فاستعفى عن ذلك لأنه لم يتول هذه الإيالة في الدولة العثمانية أحد استقلالا لقلة دخلها ووفرة خرجها، فولوه طرابلس جرداويا لأخيه أسعد الوزير المتقدم
فاستقام جرداويا فيها وفي صيدا وحلب اثنتي عشرة سنة، فلما عزل أخوه من دمشق ولي المترجم مرعشا ثم صيدا ثم جدة فرحل إليها مع الركب الشامي سنة 1173، ثم عزل عنها وقدم دمشق أوائل سنة 1174مع الركب الشامي فولوه مرعشا فاستعفى، فولي قونية فارتحل إليها ودخلها، ثم ولي إيالة الرقة فرحل إليها ودخلها في ربيع الأول سنة 1175وكان بها الطاعون، وتزايد الطاعون على الناس وحكى الجارف أو عمواس، وتوفي مطعونا ليلة الأحد حادي عشري ذي القعدة سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بجامعها الأعظم بمقبرة هناك. وكان المترجم ولي حلب سنة 1163وحصل بينه وبين أهلها وحشة فرحل منها جرداويا، فلما عاد لدمشق عزل عنها وولي صيدا، ثم اجتاز بحلب سنة 1170 لمرعش وسنة 1174إلى أورفة. وكان شهما ذا عنفوان وحلاوة رحمه الله وتجاوز عنه، وأعقب ابنه نصوح بك ابن سنتين وصار وزيرا بمنصب ديار بكر في سنة 1199بعد وفاة عمه محمد باشا وابن عمه عبد الله باشا وأعطوه الوزارة ومنصب أورفة.(3/266)
في هذه السنة ولي حلب سعد الدين باشا العظم. قال ابن ميرو في تاريخه: هو سعد الدين بن إسمعيل الوزير ابن الوزير من آل العظم مولده بمعرة النعمان بعد الثلاثين ومائة وألف، وربي في مهد الإقبال وترعرع في حجر الوزارة إلى أن صار متسلما عن أخيه أسعد الوزير المتقدم بحماة فأحسنت له الدولة العلية برتبة روملي من قريحتهم لإشاعة أراجيف كاذبة عن وفاة أخيه أسعد بطريق الحجاز (يظهر أن في العبارة نقصا بعض كلمات) ثم لمّا وصلت البشاير بوصول الحجيج لدمشق آيبين وأميرهم المذكور في الأحياء عيّنت الدولة العلية للمترجم منصب حوران فاستعفى عن ذلك لأنه لم يتول هذه الإيالة في الدولة العثمانية أحد استقلالا لقلة دخلها ووفرة خرجها، فولوه طرابلس جرداويا لأخيه أسعد الوزير المتقدم
فاستقام جرداويا فيها وفي صيدا وحلب اثنتي عشرة سنة، فلما عزل أخوه من دمشق ولي المترجم مرعشا ثم صيدا ثم جدة فرحل إليها مع الركب الشامي سنة 1173، ثم عزل عنها وقدم دمشق أوائل سنة 1174مع الركب الشامي فولوه مرعشا فاستعفى، فولي قونية فارتحل إليها ودخلها، ثم ولي إيالة الرقة فرحل إليها ودخلها في ربيع الأول سنة 1175وكان بها الطاعون، وتزايد الطاعون على الناس وحكى الجارف أو عمواس، وتوفي مطعونا ليلة الأحد حادي عشري ذي القعدة سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بجامعها الأعظم بمقبرة هناك. وكان المترجم ولي حلب سنة 1163وحصل بينه وبين أهلها وحشة فرحل منها جرداويا، فلما عاد لدمشق عزل عنها وولي صيدا، ثم اجتاز بحلب سنة 1170 لمرعش وسنة 1174إلى أورفة. وكان شهما ذا عنفوان وحلاوة رحمه الله وتجاوز عنه، وأعقب ابنه نصوح بك ابن سنتين وصار وزيرا بمنصب ديار بكر في سنة 1199بعد وفاة عمه محمد باشا وابن عمه عبد الله باشا وأعطوه الوزارة ومنصب أورفة.
سنة 1165:
كان الوالي فيها سيد أحمد باشا.
سنة 1165:
كان الوالي فيها عبد الرحمن باشا.
سنة 1165 ذكر تولية حلب لحاجي أحمد باشا
في السالنامة أنه تولى حلب للمرة الثالثة، والذي يتبادر من ترجمته الآتية أن ولايته الأولى كانت سنة 1158وهذه ولايته للمرة الثانية ولم يتولاها ثلاث مرات كما ظنه مرتب السالنامة.
قال في قاموس الأعلام: كان المترجم من وزراء السلطان محمود خان الأول، ولد سنة 1113في بلدة قوجة من سواحل البحر الأسود، وكان من أخصاء حاجي بكر باشا وصار كتخداه حينما كان واليا في جدة، ثم عاد إلى الآستانة وصار كتخدا الحضرة السلطانية، ولما وقعت المحاربة بين الدولة العثمانية وروسية عين المترجم على إيصال الذخائر للجيوش ثم نزع ذلك من يده لعدم قيامه بهذا الأمر كما يجب، ولما صار محمد باشا اليكن
صدرا أعظم صار المترجم كتخداه وذلك سنة 1150، ولما صار الصدر المذكور قائدا عاما على الجيوش التي وجهت لقمع ثورة بعض الأشقياء الخارجين في ولاية آيدين توجه المترجم معه ثم عيّن واليا على آيدين ثم رفع إلى منصب الصدارة سنة 1153، وبعد أن أقام اثنين وعشرين شهرا بلغ المسامع السلطانية أن المترجم ألف تناول الرشوة فعزل ونفي إلى رودس، وفي سنة 1156أعيد إلى الوزارة ثم عيّن واليا لصيدا ثم إلى الأناضول، ثم صار قائد العسكر في حرب إيران ووفق، ثم صار واليا في حلب (أي سنة 1158كما قدمنا) وديار بكر وبغداد، وفي سنة 1161صار واليا في مصر بقي سنتين ثم صار واليا في إيج أيل وفي قندية ثم أعيد إلى حلب وتوفي فيها سنة 1166اه.(3/267)
قال في قاموس الأعلام: كان المترجم من وزراء السلطان محمود خان الأول، ولد سنة 1113في بلدة قوجة من سواحل البحر الأسود، وكان من أخصاء حاجي بكر باشا وصار كتخداه حينما كان واليا في جدة، ثم عاد إلى الآستانة وصار كتخدا الحضرة السلطانية، ولما وقعت المحاربة بين الدولة العثمانية وروسية عين المترجم على إيصال الذخائر للجيوش ثم نزع ذلك من يده لعدم قيامه بهذا الأمر كما يجب، ولما صار محمد باشا اليكن
صدرا أعظم صار المترجم كتخداه وذلك سنة 1150، ولما صار الصدر المذكور قائدا عاما على الجيوش التي وجهت لقمع ثورة بعض الأشقياء الخارجين في ولاية آيدين توجه المترجم معه ثم عيّن واليا على آيدين ثم رفع إلى منصب الصدارة سنة 1153، وبعد أن أقام اثنين وعشرين شهرا بلغ المسامع السلطانية أن المترجم ألف تناول الرشوة فعزل ونفي إلى رودس، وفي سنة 1156أعيد إلى الوزارة ثم عيّن واليا لصيدا ثم إلى الأناضول، ثم صار قائد العسكر في حرب إيران ووفق، ثم صار واليا في حلب (أي سنة 1158كما قدمنا) وديار بكر وبغداد، وفي سنة 1161صار واليا في مصر بقي سنتين ثم صار واليا في إيج أيل وفي قندية ثم أعيد إلى حلب وتوفي فيها سنة 1166اه.
سنة 1166
كان الوالي فيها عبد الله باشا الفراري وهذه ولايته للمرة الأولى.
سنة 1168 تولية حلب للوزير راغب باشا صاحب السفينة المشهورة به
في هذه السنة ولي حلب محمد راغب باشا. قال في قاموس الأعلام: ولد سنة 1110في الآستانة ووالده كان من كتبة الدفترخانه فيها فدوام ثمة مع والده في ابتداء أمره، وبالنظر لما اكتسبه من المعلومات وللاستعداد الفطري الذي فيه عين سنة 1135 لتحرير الأماكن التي ضبطت من دولة إيران مرافقا لعارفي أحمد باشا والي وان ولعبد الرحمن باشا الكوبريلي ولعلي باشا والي تبريز، وفي سنة 1141عاد إلى دار الخلافة، وفي سنة 1142أرسل لبغداد وكيلا للرئاسة، وفي هذه السنة صار دفتردار الولاية، وفي سنة 1146بعد محاصرة بغداد عاد إلى الآستانة فعيّن في دائرة المالية، وفي سنة 1148عيّن والي بغداد أحمد باشا سر عسكرا لولاية أرضروم فعيّن المترجم مرافقا له ووكيلا لرئاسة الكتاب، وفي هذه السنة عاد إلى الآستانة، وفي سنة 1149عيّن محاسبا للخزينة وأرسل مع الجيش الذي أرسل إلى ايساقجي، وعقب ذلك استدعي إلى الآستانة للمذاكرة مع سفراء دولة إيران وعيّن مكتوبجيا للصدارة، وفي خلال هذه المدة قام بعدة أمور سياسية هامة، وفي سنة 1153صار رئيس الكتاب، وبعد أن بقي في هذا المنصب ثلاث سنين عيّن واليا
لمصر وأنعم عليه برتبة الوزارة وبقي فيها خمس سنين، وفي سنة 1161عيّن محصلا لآيدين، وفي سنة 1164عيّن واليا للرقة (1)، وفي سنة 1168عيّن واليا لحلب، وفي سنة 1170صار أمير الحاج ووالي الشام، وقبل وصوله إليها استدعي إلى الآستانة وولي منصب الصدارة العظمى وبقي فيه ست سنوات وثلاثة أشهر ونصف على عهد سلطنة السلطان عثمان الثالث وعهد السلطان مصطفى الثالث وقام بأمور هذا المنصب قياما حسنا وأمضيت هذه المدة خالية من الحروب. وتزوج بصالحة سلطان أخت السلطان مصطفى فحاز شرف المصاهرة بالعائلة السلطانية، وفي سنة 1176في رمضان توفي إلى رحمة الله ودفن في محلة قوسقة في جوار مكتبته التي أنشأها هناك.(3/268)
في هذه السنة ولي حلب محمد راغب باشا. قال في قاموس الأعلام: ولد سنة 1110في الآستانة ووالده كان من كتبة الدفترخانه فيها فدوام ثمة مع والده في ابتداء أمره، وبالنظر لما اكتسبه من المعلومات وللاستعداد الفطري الذي فيه عين سنة 1135 لتحرير الأماكن التي ضبطت من دولة إيران مرافقا لعارفي أحمد باشا والي وان ولعبد الرحمن باشا الكوبريلي ولعلي باشا والي تبريز، وفي سنة 1141عاد إلى دار الخلافة، وفي سنة 1142أرسل لبغداد وكيلا للرئاسة، وفي هذه السنة صار دفتردار الولاية، وفي سنة 1146بعد محاصرة بغداد عاد إلى الآستانة فعيّن في دائرة المالية، وفي سنة 1148عيّن والي بغداد أحمد باشا سر عسكرا لولاية أرضروم فعيّن المترجم مرافقا له ووكيلا لرئاسة الكتاب، وفي هذه السنة عاد إلى الآستانة، وفي سنة 1149عيّن محاسبا للخزينة وأرسل مع الجيش الذي أرسل إلى ايساقجي، وعقب ذلك استدعي إلى الآستانة للمذاكرة مع سفراء دولة إيران وعيّن مكتوبجيا للصدارة، وفي خلال هذه المدة قام بعدة أمور سياسية هامة، وفي سنة 1153صار رئيس الكتاب، وبعد أن بقي في هذا المنصب ثلاث سنين عيّن واليا
لمصر وأنعم عليه برتبة الوزارة وبقي فيها خمس سنين، وفي سنة 1161عيّن محصلا لآيدين، وفي سنة 1164عيّن واليا للرقة (1)، وفي سنة 1168عيّن واليا لحلب، وفي سنة 1170صار أمير الحاج ووالي الشام، وقبل وصوله إليها استدعي إلى الآستانة وولي منصب الصدارة العظمى وبقي فيه ست سنوات وثلاثة أشهر ونصف على عهد سلطنة السلطان عثمان الثالث وعهد السلطان مصطفى الثالث وقام بأمور هذا المنصب قياما حسنا وأمضيت هذه المدة خالية من الحروب. وتزوج بصالحة سلطان أخت السلطان مصطفى فحاز شرف المصاهرة بالعائلة السلطانية، وفي سنة 1176في رمضان توفي إلى رحمة الله ودفن في محلة قوسقة في جوار مكتبته التي أنشأها هناك.
وكان وزيرا عالما عادلا يعرف الألسنة الثلاثة (التركية والعربية والفارسية) وكان شاعرا ومنشئا في هذه الألسنة وله من المؤلفات سفينة العلوم (2) أودع فيها أنواعا من العلوم والفنون، وقد طبع في أوربا، وفي زمن صدارته كانت حضرته مجمعا للعلماء والأدباء، وكان حسن المعاشرة يميل للممازحة وله مع شعراء عصره مطارحات ومساجلات مدونة وبالأخص مع الشاعرة الشهيرة فطنت خانم (صاحبة الديوان) وجمع شعره في ديوان، وجمع في مكتبته نوادر الكتب وجعل في بنايتها مكتبا وسبيلا، وله في نواحي حلب والأناضول آثار حسنة من بناء الجسور وغيرها وقد تضمن شعره ضروبا من الأمثال والحكم، ومن نظمه في التركية:
(1) كمالكدن خبر ويركيمسه سندن احتشام آلماز.
(2) مظفر وقت فرصتده عدودن انتقام آلماز
(3) كوريكندن كيمسه لر عالمده مهجور أولمسون
(4) بولمسون يا رب تعين ناسزالردن بري
اه ما في قاموس الأعلام.
__________
(1) يستفاد منه أن الرقة في هذا الحين كانت واسعة العمران ذات شأن عظيم.
(2) مطبوع في مصر في مطبعة بولاق سنة 1282
(1) أخبرنا عن كمالك فلا أحد يغبطك عليه.
(2) الظافر لا ينتقم من عدوه وقت الفرصة
(3) أرجو أن لا يكون أحد محروما مما رأيته.
(4) يا رب لا تسد منصبا لمن لا يستحقه.(3/269)
وقال في هامش الجزء الثاني من المرادي: كان نقش خاتم محمد راغب باشا هذا البيت:
بمحمد يرجو الأمان محمد ... مما يخاف وفي نوالك راغب
وله ترجمة على ظهر كتابه «سفينة العلوم» المطبوع في مصر، ومما قاله هناك: توجد مؤلفاته في مكتبته بالقسطنطينية تعرف باسمه وفيها مدرسة للعلوم ومطبخ للفقراء، وله تربة جميلة تعرف باسمه بقرب المدرسة تستحق النظر إليها ومشاهدتها، وكان من أحسن رجال زمانه، وله البراعة الكاملة في حسن التدبير وسياسة الأحكام، وكان في انعقاد شروط الصلح في بلغار الذي تم سنة 1739م، ثم بعد ذلك أرسل واليا على مصر ثم على آيدين ثم على حلب، وفي جميع مناصبه أظهر كل حكمة وعدالة في السياسة بين الرعايا على مشرب الدولة العلية، وقد اتضح حسن تدبيره في قتل المماليك في مصر عندما أرسل من طرف الدولة وخلص تلك العباد من تسلط أولئك العصاة الذين كانوا أبقوا شوكتهم يزعجون الباب العالي فأنعم عليه بعطايا جزيلة لأنه أراح منهم الدولة والأهالي. ولما جلس السلطان مصطفى على كرسي السلطنة العثمانية أبقى الصدر المشار إليه فسلمه الأحكام وزوّجه أخته، وأخذ يجتهد في تقوية العساكر والمتجر والزراعة ونشر العلوم، وزاد في عمارة السفن الحربية وعوض الخسارات وكثر الأموال في الخزينة، وكان يميل إلى الحرب ويشوق السلطان إلى ذلك ليأخذ لقب الغازي لكن عاجله الموت فتأسفت عليه رجال الدولة رحمه الله رحمة واسعة.
سنة 1170
كان الوالي فيها جته لي زاده عبدي باشا كما في السالنامة. والذي يظهر أنه عبد الله باشا الفراري وهذه ولايته للمرة الثانية، وتولى ثالثا سنة 1173، وتأتي ترجمته ثمة، ثم تولى بعده في هذه السنة علي باشا كما في السالنامة، ويظهر أن مدته لم تطل سوى أشهر قلائل.
تولية حلب لأسعد باشا العظم
في هذه السنة ولي حلب أسعد باشا العظم. قال ابن ميرو في تاريخه: هو أسعد الوزير الشهير ابن إسماعيل الوزير الشهير بابن العظم، مولده بمعرة النعمان سنة سبع عشرة ومائة وألف، صار، متسلما لوالده بالمعرة وحماة وامتحن مع والده وأفرج عنه حين أفرج عن
والده وأمر بالذهاب مع والده إلى خانية فاستعفى لعلة كانت به عن الذهاب، فعفي عنه وبقي عند عمه سليمان الوزير بأطرابلس، ثم أنعمت الدولة لعمه المذكور له بمالكانة حماة وتوابعها مناصفة وذهب إليها وسار بها سيرة حسنة وعمر بها خانات وحمامات وبساتين ودور ليس لذلك كله في البلاد الشامية نظير، ثم أنعمت له الدولة بطوخين برتبة روملي وصار جرداويا لأمير الحاج علي باشا الوزير بن عبدي باشا الوزير سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف، ثم بعد عوده ولي صيدا فضاق بها ذرعا لأمور يطول شرحها فاستعفى وطلب حماة منصبا بعد أن كانت مالكانة له ولعمه كما تقدم، فرفعته من المالكانة ووجهت له منصبا ودخلها سنة أربع وخمسين وماية وألف وبذل الأموال إلى أن جعلها مالكانة له بعناية الوزير الكبير بكر باشا والي جدة سابقا، وفي سنة ست وخمسين تولى دمشق وإمرة الحاج لموت عمه سليمان الوزير وحج بالحجيج أربع عشرة حجة وعزل عن دمشق وإمرة الحاج بالوزير حسين باشا مكي زاده وولوه حلب، فدخلها أوائل جمادى الآخرة سنة سبعين ومائة وألف، وبعد ستة أيام من دخوله إليها عزل وولي مصر فاستعفى فقرر بحلب إلى أوائل سنة إحدى وسبعين وماية وألف، ففي محرمها عزل وولي سيواس فرحل إليها وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، فدخلها في اواخر ربيع الأول، ثم في ثامن رجب من السنة المذكورة وصل الأمر العالي عن يد محمد آغا الأورفلي رئيس البوابين بالباب العالي بالقبض على صاحب الترجمة ونفيه الى جزيرة كريد، ونسبوا ما وقع للحجيج له، وأخر من سيواس لنحو الجزيرة المذكورة.(3/270)
في هذه السنة ولي حلب أسعد باشا العظم. قال ابن ميرو في تاريخه: هو أسعد الوزير الشهير ابن إسماعيل الوزير الشهير بابن العظم، مولده بمعرة النعمان سنة سبع عشرة ومائة وألف، صار، متسلما لوالده بالمعرة وحماة وامتحن مع والده وأفرج عنه حين أفرج عن
والده وأمر بالذهاب مع والده إلى خانية فاستعفى لعلة كانت به عن الذهاب، فعفي عنه وبقي عند عمه سليمان الوزير بأطرابلس، ثم أنعمت الدولة لعمه المذكور له بمالكانة حماة وتوابعها مناصفة وذهب إليها وسار بها سيرة حسنة وعمر بها خانات وحمامات وبساتين ودور ليس لذلك كله في البلاد الشامية نظير، ثم أنعمت له الدولة بطوخين برتبة روملي وصار جرداويا لأمير الحاج علي باشا الوزير بن عبدي باشا الوزير سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف، ثم بعد عوده ولي صيدا فضاق بها ذرعا لأمور يطول شرحها فاستعفى وطلب حماة منصبا بعد أن كانت مالكانة له ولعمه كما تقدم، فرفعته من المالكانة ووجهت له منصبا ودخلها سنة أربع وخمسين وماية وألف وبذل الأموال إلى أن جعلها مالكانة له بعناية الوزير الكبير بكر باشا والي جدة سابقا، وفي سنة ست وخمسين تولى دمشق وإمرة الحاج لموت عمه سليمان الوزير وحج بالحجيج أربع عشرة حجة وعزل عن دمشق وإمرة الحاج بالوزير حسين باشا مكي زاده وولوه حلب، فدخلها أوائل جمادى الآخرة سنة سبعين ومائة وألف، وبعد ستة أيام من دخوله إليها عزل وولي مصر فاستعفى فقرر بحلب إلى أوائل سنة إحدى وسبعين وماية وألف، ففي محرمها عزل وولي سيواس فرحل إليها وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، فدخلها في اواخر ربيع الأول، ثم في ثامن رجب من السنة المذكورة وصل الأمر العالي عن يد محمد آغا الأورفلي رئيس البوابين بالباب العالي بالقبض على صاحب الترجمة ونفيه الى جزيرة كريد، ونسبوا ما وقع للحجيج له، وأخر من سيواس لنحو الجزيرة المذكورة.
فقتل بمدينة أنقرة ليلة خامس شعبان من السنة المذكورة بداخل حمام. وكان ملازما للصلاة بالجماعة وكثرة الطواف وزيارة روضة سيد الأنام حين تردده إلى الحرمين رحمه الله تعالى وسامحه، وأعقب بنتا زوّجت من ابن عمها محمد باشا الوزير المترجم آنفا.
تولية حلب للوزير عبد الجليل زاده حسين باشا
قال العلامة المرادي: حسين باشا ابن إسماعيل باشا الجليلي وحيد دهره وفريد عصره عدلا وكرما ورياسة وتقدما، تعاطى كؤوس الفضل شابا وكهلا وشيخا ورسخ قدمه في المحاسن رسوخا. كان في العزم والثبات والحزم في مكان لا ينال. ترجمه عثمان الدفتري في كتابه الروض فقال: صاحب الآثار المعمورة والمحامد المبرورة، الذي قلد أعناق الأنام
بقلائد نعمه وأورق أغصان الآمال بسحب سيبه وكرمه، روح جسد هذا الزمان إنسان عين كل إنسان، تميمة قامة الدهر نتيجة وزراء العصر، ذو المحامد المنوعة والمكارم المرصعة، سحاب المجد والسماحة مالك أزمة العلو والرجاحة، حسيني الأخلاق طاهر العنصر والأعراق. وترجمه جامع هذه الكراسة في كتابه مراتع الأحداق فقال: ماضي بيض الصوارم فاضح الغمائم، صيب البنان طلق الجنان، حاوي الفخر درة العصر، حياة العلا وضاح الجلا، زناد الفضل الموري عطايا فلك العز المضيء بالسجايا. إلى أن قال: ظهر ظهور الشمس في الآفاق فأصبح في الوزراء بمنزلة الأحداق، فبهر فضله واشتهر عدله، وانبسطت لوجوده بسط الأفراح وانطوت بطالعه السعيد منشورات الأتراح، واعتدل مزاج الزمان بعد انحرافه وامتنع المجد لعدله ومعرفته من انصرافه، وانتعش جسم العلم بعد أن انتعش وانمحى ما كان من الجور على صحيفة الزمان قد انتقش، وسرت حميا عطاياه بمشاش العديم فأصبحت أيامه رياش الدهر البهيم، فأقام سوق الفضل بعد ما كسد وأصلح من العلا ما أندرس وفسد، وكانت وزارته سنة ست وأربعين ومائة وألف، ثم في سنة سبعين ومائة وألف ولي حلب (يظهر أن هذا أصح مما ذكره في السالنامة أن ولايته كانت سنة إحدى وسبعين) ثم عاد إلى مسقط رأسه بلدة الموصل وتوفي بها سنة إحدى وسبعين بعد المائة والألف ودفن بالجامع الذي أنشأه ولده محمد أمين باشا، ومولده كان بالموصل سنة سبع ومائة وألف ورثته الشعراء بمراثي عديدة يطول ذكرها، وله مع الوزير أحمد باشا والي بغداد وقائع عدة اه.(3/271)
قال العلامة المرادي: حسين باشا ابن إسماعيل باشا الجليلي وحيد دهره وفريد عصره عدلا وكرما ورياسة وتقدما، تعاطى كؤوس الفضل شابا وكهلا وشيخا ورسخ قدمه في المحاسن رسوخا. كان في العزم والثبات والحزم في مكان لا ينال. ترجمه عثمان الدفتري في كتابه الروض فقال: صاحب الآثار المعمورة والمحامد المبرورة، الذي قلد أعناق الأنام
بقلائد نعمه وأورق أغصان الآمال بسحب سيبه وكرمه، روح جسد هذا الزمان إنسان عين كل إنسان، تميمة قامة الدهر نتيجة وزراء العصر، ذو المحامد المنوعة والمكارم المرصعة، سحاب المجد والسماحة مالك أزمة العلو والرجاحة، حسيني الأخلاق طاهر العنصر والأعراق. وترجمه جامع هذه الكراسة في كتابه مراتع الأحداق فقال: ماضي بيض الصوارم فاضح الغمائم، صيب البنان طلق الجنان، حاوي الفخر درة العصر، حياة العلا وضاح الجلا، زناد الفضل الموري عطايا فلك العز المضيء بالسجايا. إلى أن قال: ظهر ظهور الشمس في الآفاق فأصبح في الوزراء بمنزلة الأحداق، فبهر فضله واشتهر عدله، وانبسطت لوجوده بسط الأفراح وانطوت بطالعه السعيد منشورات الأتراح، واعتدل مزاج الزمان بعد انحرافه وامتنع المجد لعدله ومعرفته من انصرافه، وانتعش جسم العلم بعد أن انتعش وانمحى ما كان من الجور على صحيفة الزمان قد انتقش، وسرت حميا عطاياه بمشاش العديم فأصبحت أيامه رياش الدهر البهيم، فأقام سوق الفضل بعد ما كسد وأصلح من العلا ما أندرس وفسد، وكانت وزارته سنة ست وأربعين ومائة وألف، ثم في سنة سبعين ومائة وألف ولي حلب (يظهر أن هذا أصح مما ذكره في السالنامة أن ولايته كانت سنة إحدى وسبعين) ثم عاد إلى مسقط رأسه بلدة الموصل وتوفي بها سنة إحدى وسبعين بعد المائة والألف ودفن بالجامع الذي أنشأه ولده محمد أمين باشا، ومولده كان بالموصل سنة سبع ومائة وألف ورثته الشعراء بمراثي عديدة يطول ذكرها، وله مع الوزير أحمد باشا والي بغداد وقائع عدة اه.
قال بكري الكاتب في مجموعته: وفي أيامه وقع غلاء عظيم عم جميع النواحي.
سنة 1171
كان الوالي فيها محسن زاده محمد باشا كما في السالنامة
سنة 1172 ذكر تولية حلب لمحمد باشا الجتجي
قال المرادي في ترجمته: اجتاز بحلب قبل الوزارة وبعدها سنة سبعين لما ولي منصب طرابلس، ثم ولي حلب سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف فنزل بالميدان الأخضر أواخر المحرم
من السنة المذكورة ثم ارتحل لجهة عينتاب وكلز، ثم عاد ونزل داخل البلدة، وكان الغلاء قد عمّ حتى بيع المكوك الحلبي من الحنطة بمائة وستين قرشا وكثرت الموتى من الجوع، فعزل من حلب وولي دمشق وحج سنتين وعزل من دمشق بسبب عزل شريف مكة الشريف مساعد بن سعيد وتولية الشريف جعفر بن سعيد مكانه، فلما قفل الحجيج من مكة عاد الشريف مساعد وأزاح أخاه عن الشرافة ووليها وعرض للدولة العلية بذلك فكان أقوى سبب في عزله، وولي ديار بكر فنهض إليها وهو متوعك المزاج إلى أن توفي بها في جمادى سنة أربع وسبعين ومائة وألف.(3/272)
قال المرادي في ترجمته: اجتاز بحلب قبل الوزارة وبعدها سنة سبعين لما ولي منصب طرابلس، ثم ولي حلب سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف فنزل بالميدان الأخضر أواخر المحرم
من السنة المذكورة ثم ارتحل لجهة عينتاب وكلز، ثم عاد ونزل داخل البلدة، وكان الغلاء قد عمّ حتى بيع المكوك الحلبي من الحنطة بمائة وستين قرشا وكثرت الموتى من الجوع، فعزل من حلب وولي دمشق وحج سنتين وعزل من دمشق بسبب عزل شريف مكة الشريف مساعد بن سعيد وتولية الشريف جعفر بن سعيد مكانه، فلما قفل الحجيج من مكة عاد الشريف مساعد وأزاح أخاه عن الشرافة ووليها وعرض للدولة العلية بذلك فكان أقوى سبب في عزله، وولي ديار بكر فنهض إليها وهو متوعك المزاج إلى أن توفي بها في جمادى سنة أربع وسبعين ومائة وألف.
قال في السالنامة: وتولى بعده في هذه السنة مصطفى باشا.
سنة 1173 تولية حلب لعبد الله باشا الفراري للمرة الثالثة
قدمنا أنه تولاها سنة 1166للمرة الأولى وهذه ولايته الثالثة.
قال المرادي في ترجمته: هو عبد الله بن حسن باشا الشهير بالفراري، ومعناها الهارب، الحنفي الشريف، كان في دولة المرحوم السلطان محمود ابن السلطان مصطفى خان الثاني أمير أخور، ثم ولي جزيرة قبرص بالوزارة، ثم ولي آيدين ومنها دعي للختام (هكذا) فدخل إسلامبول مختفيا إلى دار السلطنة ودخل للعرض وفوض له المرحوم السلطان محمود الوكالة المطلقة إذ ذاك، ثم عزل منها وولي مصر القاهرة سنة 1164 فوصل إليها في رمضان، ثم عزل عنها وولي حلب ودخلها سنة (لم يذكر وقد قدمنا أن ولايته الأولى كانت سنة 1166) ثم ولي أورفة ثم عاد إلى حلب سنة (لم يذكر أيضا وولايته الثانية كانت سنة 1170) ثم ولي ديار بكر وكان بها الغلاء وعمّ تلك الديار بل سرى في جميع البلاد حتى بيع الشنبل من البر الحلبي بأحد عشر قرشا، وأما نواحي ديار بكر وأورفة وماردين فإنهم أكلوا الميتة بل أكل بعض الناس بعضهم، وثبت ذلك لدى الحكام واشتد عليه وعلى أتباعه الخطب واستولى عليهم المرض ففرج الله عنه وعنهم بالعزل منها.
وولي حلب ثالثا ودخلها مسرورا في رجب سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف. وكان رحمه الله سخيا حسن المعاشرة ذا معرفة واطلاع على كلام القوم، واستقام بحلب إلى أن توفي يوم السبت في الساعة الرابعة من النهار سنة أربع وسبعين ومائة وألف ذاكرا كلمة الشهادة جاهرا بها ودفن بتكية الشيخ أبي بكر رحمه الله اه.(3/273)
قال ابن ميرو: وكان يستحضر غالب عبارة الإنسان الكامل للجيلي وكل من ذاكره لا يشك أنه ممن عانى خدمة الطريق مدة عمره لقوة حافظته، وتوفي عن سن عالية ممتعا بحواسه ذاكرا كلمة الشهادة يجهر بها إلى أن فارق الدنيا وكانت وفاته بدار العدل.
سنة 1174
كان الوالي فيها بكر باشا كما في السالنامة.
سنة 1175
كان الوالي فيها مصطفى باشا.
قال في قاموس الأعلام: انتظم صاحب الترجمة في سلك (سلحشوان) ولذكائه عين بعد مدة وجيزة قبوجي باشا، وفي سنة 1159صار أمير أخور أول، وفي سنة 1163صار أمير أخور ثاني، وفي سنة 1165في زمن السلطان محمود الأول رقي لمنصب الصدارة وبقي فيها سنتين ونصف، وفي سنة 1168لما توفي السلطان عثمان خان الثالث أبقي في منصب الصدارة ثم عزل بعد شهرين ونفي إلى مدللي، وفي سنة 1169صار واليا في مورة ثم أحضر إلى الآستانة وأعيد إلى منصب الصدارة بقي فيها نحو تسعة أشهر ثم عزل سنة 1170ونفي إلى رودس، وفي سنة 1171عيّن لمصر، وفي سنة 1173عيّن لجدة، وفي سنة 1175عيّن واليا على حلب، وفي سنة 1177في زمن السلطان مصطفى أعيد لمنصب الصدارة ثم عزل سنة 1178ونفي إلى مدللي وهناك أعدم لأمور جرت منه. وعمر جامعا في محلة أبي أيوب الأنصاري وتكية للنقشبندية وأحضر رأسه ودفن هناك، وكان شاعرا أورد له في القاموس بيتين من الشعر التركي.
سنة 1177 ذكر ولاية محمد باشا العظم الدمشقي
في هذه السنة ولي حلب الوزير محمد باشا العظم الدمشقي.
قال المرادي في سلك الدرر: هو محمد باشا ابن مصطفى بن فارس بن إبراهيم وجده لأمه الوزير الشهير إسمعيل باشا الدمشقي الشهير بابن العظم الوزير الكبير صاحب
الرأي السديد والحزم والتدبير، كريم الشيم والأصول ومن جمع من أنواع المزايا وشرائف السجايا وبدائع الكمالات ما لا تحيط به العقول.(3/274)
قال المرادي في سلك الدرر: هو محمد باشا ابن مصطفى بن فارس بن إبراهيم وجده لأمه الوزير الشهير إسمعيل باشا الدمشقي الشهير بابن العظم الوزير الكبير صاحب
الرأي السديد والحزم والتدبير، كريم الشيم والأصول ومن جمع من أنواع المزايا وشرائف السجايا وبدائع الكمالات ما لا تحيط به العقول.
ذا وزير لم يأل في النصح جهدا ... ظل يسعى بكل أمر حميد
ومتى عدّ آل عثمان جمعا ... يا لعمري فذاك بيت القصيد
كان من رؤساء الوزراء عفة وكمالا وعدلا ودينا وسخاء ومروءة وشجاعة وفراسة وتدبيرا، وكان واسع الرأي مهابا بحيث يتفق أنه يفصل الخصومة بين الشخصين بمجرد وقوفهما بين يديه ونظره لهما ينقاد المبطل للحق، وهذه المزية قد استأثر بها، وكان يحب العلماء والصلحاء والفقراء ويميل إليهم الميل الكلي ويكرمهم الإكرام التام باليد واللسان، ذا شهامة وافرة وشجاعة متكاثرة وحرمة واحتشام وكمال مشهور في الأنام، طاهرا من كل ما يشين مشغول الأوقات إما بفصل الخصومات بين المسلمين أو بتلاوة كتاب الله المبين أو بالصلاة على سيد المرسلين أو اصطناع يد أو إسداء معروف إلى أحد من المساكين، لم تسمع عنه زلة ولم تعهد له صبوة ولم يوقف له على كبوة ولا هفوة، ميمون الحركات والسكنات مسعودا في سائر الأطوار والحالات بحيث إنه لم يتفق له توجه إلى شيء إلا ويتمه الله له على مراده، ولم يتعاص عليه أحد إلا ويكون هلاكه على يديه. ولد بدمشق سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وحصل وبرع وتنبل، ثم ذهب إلى حلب سنة ثلاث وستين ومائة وألف مع خاله الوزير الشهير سعد الدين باشا لما وليها ودخل معه طرابلس مرات، ثم استقام بدمشق وعكف على تحصيل الكمالات إلى أن بلغ مصطفى خان وفاة الوزير سعد الدين باشا فنظر إلى المترجم بأنظار اللطف وأنعم عليه برتبة أمير الأمراء بروم إيلي مع عقارات خاله أسعد باشا الشهير، فترقى بذلك أوج السعادة، وبعد برهة من الزمان أنعم عليه برتبة الوزارة فأتت إليه منقادة مع الإنعام بمنصب صيدا وذلك سنة ست وسبعين ومائة وألف، فنهض من دمشق إليها وسار السيرة الحسنة بين أهليها، ثم انفصل عنها وولي حلب فدخلها رابع عشري شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف، وكانت حلب مجدبة ولم يصبها المطر فحصل بيمن قدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ونمو زروع وعامل أهلها بالشفقة والإكرام ورفع عنهم من البدع ما كان ثلما في الإسلام فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور، منها إزالة منكر كان قد حدث بها سنة إحدى وسبعين ومائة وألف، وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلا وتجتمع بها الأوباش إلى أن زاد
البلاء وفجرت النساء مع ما ينضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد، فحانت التفاتة من صاحب الترجمة في بعض الليالي من السطح إلى ذلك فقصده مختفيا وأزاله، وفي ثاني يوم أمر بإزالة هذا المنكر ونبه على أن لا تفتح الحانات ليلا أبدا، فطوى بسبب ذلك بساط الفجور وانجلى من ظلمة المعاصي الديجور، ومن جملة ما رفعه من المظالم بحلب حين توليه لها بدعة الدومان عن حرفة الجزّارين التي أوغرت صدور المسلمين، وكان حدوثه بها سنة إحدى وستين بعد المائة والألف، والدومان اسم لمال يجتمع من ظلامات متنوعة يستدان من بعض الناس بأضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة، وطريقتهم في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء أو أغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرؤوس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبرا وقهرا، كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلا عن الفقراء وأعضل الداء. واتفق أنه في سنة ست وسبعين كان قاضيا بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة، فلم تساعده الأقدار فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها وكتب عليهم صكوكا ووثائق وسجلها في قلعة حلب، فلما عزل عاد كل شيء لما كان عليه، فلما كان أواخر محرم سنة ثمان وسبعين قبض صاحب الترجمة على رئيسهم كاورحجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والإحسان. وامتدحه أدباؤها بالقصائد البديعة، فمن ذلك ما قاله الشهاب أحمد الورّاق:(3/275)
ذا وزير لم يأل في النصح جهدا ... ظل يسعى بكل أمر حميد
ومتى عدّ آل عثمان جمعا ... يا لعمري فذاك بيت القصيد
كان من رؤساء الوزراء عفة وكمالا وعدلا ودينا وسخاء ومروءة وشجاعة وفراسة وتدبيرا، وكان واسع الرأي مهابا بحيث يتفق أنه يفصل الخصومة بين الشخصين بمجرد وقوفهما بين يديه ونظره لهما ينقاد المبطل للحق، وهذه المزية قد استأثر بها، وكان يحب العلماء والصلحاء والفقراء ويميل إليهم الميل الكلي ويكرمهم الإكرام التام باليد واللسان، ذا شهامة وافرة وشجاعة متكاثرة وحرمة واحتشام وكمال مشهور في الأنام، طاهرا من كل ما يشين مشغول الأوقات إما بفصل الخصومات بين المسلمين أو بتلاوة كتاب الله المبين أو بالصلاة على سيد المرسلين أو اصطناع يد أو إسداء معروف إلى أحد من المساكين، لم تسمع عنه زلة ولم تعهد له صبوة ولم يوقف له على كبوة ولا هفوة، ميمون الحركات والسكنات مسعودا في سائر الأطوار والحالات بحيث إنه لم يتفق له توجه إلى شيء إلا ويتمه الله له على مراده، ولم يتعاص عليه أحد إلا ويكون هلاكه على يديه. ولد بدمشق سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وحصل وبرع وتنبل، ثم ذهب إلى حلب سنة ثلاث وستين ومائة وألف مع خاله الوزير الشهير سعد الدين باشا لما وليها ودخل معه طرابلس مرات، ثم استقام بدمشق وعكف على تحصيل الكمالات إلى أن بلغ مصطفى خان وفاة الوزير سعد الدين باشا فنظر إلى المترجم بأنظار اللطف وأنعم عليه برتبة أمير الأمراء بروم إيلي مع عقارات خاله أسعد باشا الشهير، فترقى بذلك أوج السعادة، وبعد برهة من الزمان أنعم عليه برتبة الوزارة فأتت إليه منقادة مع الإنعام بمنصب صيدا وذلك سنة ست وسبعين ومائة وألف، فنهض من دمشق إليها وسار السيرة الحسنة بين أهليها، ثم انفصل عنها وولي حلب فدخلها رابع عشري شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف، وكانت حلب مجدبة ولم يصبها المطر فحصل بيمن قدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ونمو زروع وعامل أهلها بالشفقة والإكرام ورفع عنهم من البدع ما كان ثلما في الإسلام فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور، منها إزالة منكر كان قد حدث بها سنة إحدى وسبعين ومائة وألف، وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلا وتجتمع بها الأوباش إلى أن زاد
البلاء وفجرت النساء مع ما ينضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد، فحانت التفاتة من صاحب الترجمة في بعض الليالي من السطح إلى ذلك فقصده مختفيا وأزاله، وفي ثاني يوم أمر بإزالة هذا المنكر ونبه على أن لا تفتح الحانات ليلا أبدا، فطوى بسبب ذلك بساط الفجور وانجلى من ظلمة المعاصي الديجور، ومن جملة ما رفعه من المظالم بحلب حين توليه لها بدعة الدومان عن حرفة الجزّارين التي أوغرت صدور المسلمين، وكان حدوثه بها سنة إحدى وستين بعد المائة والألف، والدومان اسم لمال يجتمع من ظلامات متنوعة يستدان من بعض الناس بأضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة، وطريقتهم في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء أو أغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرؤوس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبرا وقهرا، كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلا عن الفقراء وأعضل الداء. واتفق أنه في سنة ست وسبعين كان قاضيا بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة، فلم تساعده الأقدار فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها وكتب عليهم صكوكا ووثائق وسجلها في قلعة حلب، فلما عزل عاد كل شيء لما كان عليه، فلما كان أواخر محرم سنة ثمان وسبعين قبض صاحب الترجمة على رئيسهم كاورحجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والإحسان. وامتدحه أدباؤها بالقصائد البديعة، فمن ذلك ما قاله الشهاب أحمد الورّاق:
أعرف البان أم نفح الورود ... أطيب المسك أم أنفاس عود
أروض مر سجساج عليه ... فتم بسره غب الورود
أم الأزهار أيقظها نسيم ... فضاعت بالشذا بعد الرقود
ومنها:
ومن وفّى المعالي مهر مثل ... له دانت على رغم الحسود
ومن يذكو أريج الخيم منه ... زكا فعلا ووفى بالعهود
ومن يبغ المكارم لا يبالي ... بما يوليه من كرم وجود
ومن هانت عليه النفس نالت ... يداه ما يروم من الوجود
ومن يطع الإله ينل مراما ... ويحرز ما يسر من المجيد
ومن يرد اكتساب الحمد تنأى ... مطامعه عن الأمل البعيد
ومن يول الجميل لكل عاف ... ينل حمدا مع المدح المزيد
ومنها:(3/276)
ومن وفّى المعالي مهر مثل ... له دانت على رغم الحسود
ومن يذكو أريج الخيم منه ... زكا فعلا ووفى بالعهود
ومن يبغ المكارم لا يبالي ... بما يوليه من كرم وجود
ومن هانت عليه النفس نالت ... يداه ما يروم من الوجود
ومن يطع الإله ينل مراما ... ويحرز ما يسر من المجيد
ومن يرد اكتساب الحمد تنأى ... مطامعه عن الأمل البعيد
ومن يول الجميل لكل عاف ... ينل حمدا مع المدح المزيد
ومنها:
وأذهب بدعة الدومان تسمى ... بخسر مؤلم كبد المريد
فكم ذبح الفقير بغير جرم ... بسكين المظالم والحقود
ومنها في الختام:
ودم في ذروة المجد المعلى ... كبدر التم في شرف الصعود
أقول: وهي طويلة أوردها المرادي بتمامها وقد اقتصرنا منها على هذا المقدار (قال):
ثم إن المترجم عزل من حلب في منتصف شوال سنة ثمان وسبعين وولي إيالة الرها المعروفة بأورفة فاستقام بحلب إلى أن ورد منشوره في ذي القعدة فنهض إليها ولم تطل إقامته بها، فعزل عنها وولي إيالة آدنة فنهض منها واجتاز بحلب ودخلها في المحرم سنة تسع وسبعين ونزل بتكية الشيخ أبي بكر وتوجه إلى آدنة، فقبل وصوله إليها ولي إيالة صيدا فكر راجعا إلى صيدا ودخلها في صفر من السنة المرقومة ثم عزل عنها وأعطي قونية، ثم ولي الشام وإمارة الحاج الشريف بعد الوزير عثمان باشا فدخلها في شهر رجب سنة خمس وثمانين ومائة وألف وصار لأهلها به كمال الفرح والسرور وسلك سبل العدل وتردى برداء الإنصاف، ثم عزل عنها في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأعطي قونية، ثم أعيد إلى ولاية دمشق وإمارة الحاج في سنة سبع وثمانين وأقبل على أهلها بكمال الإكرام ووفور الاعتناء التام، وكانت أيامه بها مواسم أفراح واستمر واليها إلى حين وفاته. وراج في أيامه سوق الشعر فمدحه الشعراء بالقصائد الطنانة وأهلك الله على يده جملة من الخوارج منهم علي ابن عمر الظاهر الزيداني قتله في رمضان سنة تسع وثمانين وصالح العدوان من بغاة المشايخ ومرعي المقدّاني الشيعي وغيرهم من البغاة وقطاع الطريق، وراقت دمشق وما والاها في أيامه وصفا لأهلها العيش ونامت الفتن وسلم الناس من الإحن. وبنى بدمشق آثارا حسنة صار بها ارتفاق للمسلمين، منها السوق الذي بناه بقرب داره تجاه القلعة الدمشقية عند المدرسة الأحمدية، وبنى فيه سبيلا لطيفا محكما وأجرى إليه الماء من نهر القنوات، وعمل لضريح الأستاذ الأكبر محيي الدين بن العربي قدس الله سره تابوتا من النحاس الأصفر ويوضع على
قبره، وعمر غالب ضرائح الأنبياء والأولياء والصحابة بدمشق وما والاها من البلاد، وبنى في طريق الحاج الشريف قلعة لبئر الزمرد واصطنع فيه آثارا جميلة، وعمرّت في أيامه دار خزينة السراي بدمشق سنة ست وتسعين وبنى الجهة القبلية في السراي المرقومة جميعها وبنى محكمة الباب.(3/277)
ثم إن المترجم عزل من حلب في منتصف شوال سنة ثمان وسبعين وولي إيالة الرها المعروفة بأورفة فاستقام بحلب إلى أن ورد منشوره في ذي القعدة فنهض إليها ولم تطل إقامته بها، فعزل عنها وولي إيالة آدنة فنهض منها واجتاز بحلب ودخلها في المحرم سنة تسع وسبعين ونزل بتكية الشيخ أبي بكر وتوجه إلى آدنة، فقبل وصوله إليها ولي إيالة صيدا فكر راجعا إلى صيدا ودخلها في صفر من السنة المرقومة ثم عزل عنها وأعطي قونية، ثم ولي الشام وإمارة الحاج الشريف بعد الوزير عثمان باشا فدخلها في شهر رجب سنة خمس وثمانين ومائة وألف وصار لأهلها به كمال الفرح والسرور وسلك سبل العدل وتردى برداء الإنصاف، ثم عزل عنها في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأعطي قونية، ثم أعيد إلى ولاية دمشق وإمارة الحاج في سنة سبع وثمانين وأقبل على أهلها بكمال الإكرام ووفور الاعتناء التام، وكانت أيامه بها مواسم أفراح واستمر واليها إلى حين وفاته. وراج في أيامه سوق الشعر فمدحه الشعراء بالقصائد الطنانة وأهلك الله على يده جملة من الخوارج منهم علي ابن عمر الظاهر الزيداني قتله في رمضان سنة تسع وثمانين وصالح العدوان من بغاة المشايخ ومرعي المقدّاني الشيعي وغيرهم من البغاة وقطاع الطريق، وراقت دمشق وما والاها في أيامه وصفا لأهلها العيش ونامت الفتن وسلم الناس من الإحن. وبنى بدمشق آثارا حسنة صار بها ارتفاق للمسلمين، منها السوق الذي بناه بقرب داره تجاه القلعة الدمشقية عند المدرسة الأحمدية، وبنى فيه سبيلا لطيفا محكما وأجرى إليه الماء من نهر القنوات، وعمل لضريح الأستاذ الأكبر محيي الدين بن العربي قدس الله سره تابوتا من النحاس الأصفر ويوضع على
قبره، وعمر غالب ضرائح الأنبياء والأولياء والصحابة بدمشق وما والاها من البلاد، وبنى في طريق الحاج الشريف قلعة لبئر الزمرد واصطنع فيه آثارا جميلة، وعمرّت في أيامه دار خزينة السراي بدمشق سنة ست وتسعين وبنى الجهة القبلية في السراي المرقومة جميعها وبنى محكمة الباب.
وكان رحمه الله تعالى له مبرات كلية وصدقات جلية وخفية خصوصا لمن أدركهم الفقر من ذوي البيوت وأهل العلم بدمشق فكان يتفقد أحوالهم ويبرهم ويكرم نزلهم، وله عطايا جزيلة كل سنة للعلماء وأهل الصلاح والدين وإغاثة كلية للضعفاء والمساكين، طاهر الذيل واللسان واليد من كل ما يشين، ومدح من أدباء دمشق بالقصائد العديدة التي لو دونت لبلغت مجلدات وكان يجيزهم على ذلك الجوائز السنية، وكانت أوقاته مصروفة في أنواع القربات من تلاوة قرآن واشتغال بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم أو رفع ظلامة عن مظلوم أو تنفيس كربة عن مكروب، وبالجملة فهو أحسن من أدركناه من ولاة دمشق وأكملهم رأيا وتدبيرا، ولم يزل على أحسن حال وأكمل سيرة حتى توفي بدمشق وهو وال عليها ثالث عشر جمادى الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف وحمل بمجمع عظيم لم يتخلف عنه أحد من أهل دمشق من الرجال والنساء ودفن بتربة الباب الصغير شمالي ضريح سيدنا بلال الحبشي رحمه الله تعالى اه باختصار قليل.
سنة 1178 ذكر تولية حلب لمحمد باشا الوزير
قال الفاضل عبد الله ميرو في تاريخه لحلب: محمد باشا الوزير دخل حلب برتبة روملي أمير الأمراء منفصلا على كلز سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وأمرته الدولة العلية بنظام بيلان وباياس، فنهض من حلب إلى أنطاكية، وكان قتل بأنطاكية قره إبراهيم آغا غيلة قتله جماعة من أهل أنطاكية لأمور يطول شرحها، ففتش صاحب الترجمة على القاتلين فظفر بالبعض ورتب جزاءهم ونهض منها إلى باياس وكان أهلها قد شقوا عصا الطاعة فحاصرهم ورئيسهم موسى بن إبراهيم ويس، فبعد محاصرتهم ظفر بهم وعاد لحلب مظفرا فأنعمت عليه الدولة العلية المرتبة العالية الوزارة وكانت هي حاجته وأمنيته، فاستقام بحلب إلى أن عزل في ست من شوال سنة ثمانين ومائة وألف بالوزير علي باشا ابن كور أحمد باشا الوزير، ونهض
صاحب الترجمة من حلب غرة ذي القعدة إلى مقر حكومته الرها، وكان صاحب الترجمة قبل أن يتولى كلز أمير الأمراء بالرها وهي أول مناصبه.(3/278)
قال الفاضل عبد الله ميرو في تاريخه لحلب: محمد باشا الوزير دخل حلب برتبة روملي أمير الأمراء منفصلا على كلز سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وأمرته الدولة العلية بنظام بيلان وباياس، فنهض من حلب إلى أنطاكية، وكان قتل بأنطاكية قره إبراهيم آغا غيلة قتله جماعة من أهل أنطاكية لأمور يطول شرحها، ففتش صاحب الترجمة على القاتلين فظفر بالبعض ورتب جزاءهم ونهض منها إلى باياس وكان أهلها قد شقوا عصا الطاعة فحاصرهم ورئيسهم موسى بن إبراهيم ويس، فبعد محاصرتهم ظفر بهم وعاد لحلب مظفرا فأنعمت عليه الدولة العلية المرتبة العالية الوزارة وكانت هي حاجته وأمنيته، فاستقام بحلب إلى أن عزل في ست من شوال سنة ثمانين ومائة وألف بالوزير علي باشا ابن كور أحمد باشا الوزير، ونهض
صاحب الترجمة من حلب غرة ذي القعدة إلى مقر حكومته الرها، وكان صاحب الترجمة قبل أن يتولى كلز أمير الأمراء بالرها وهي أول مناصبه.
وكان في أيامه بحلب الغلاء المفرط إلى أن بيع المكوك الحلبي من الحنطة بمائتي قرش وحصل للناس الكرب العظيم. وفي زمنه صلبت المرأة الفاحشة فاطمة الشهيرة بعزة قاش لأمور يطول شرحها. وفي زمنه نفي جناب السيد محمد أفندي نقيب الطالبيين بحلب الشهير بجلبي أفندي ابن المولى السيد أحمد أفندي طه زاده إلى بروسة بشكاية أحد أهالي حلب، وخرج المذكور من حلب ثاني عشر شعبان سنة ثمانين ومائة وألف كما هو مشروح في ترجمته (لم أرها فيه).
وصاحب الترجمة كان في حجر عبد الله باشا أمير عشير أكراد الخانة من أعمال شهر زور ثم انتقل إلى أحمد باشا الوزير والي بغداد، وبعد حصار بغداد خرج فارّا مع آغوات المشار إليه لما بلغهم عود طهماس إلى محاصرة بغداد مرة ثانية، وكان بها الوزير أحمد باشا الشهير بابن الجمال الرهاوي فاستخلصه لنفسه وبقي في خدمته إلى أن توفي المشار إليه بمرج دابق، وكان صاحب الترجمة ديونداره وأحسن عشرته مع الناس، فرجع بعد مدة إلى الرها وصاهر بني الجمال وصار كتخداي الجاويشية بها. ثم في زمن الوزير الصدر الشهير راغب محمد باشا استدعي صاحب الترجمة إلى أبواب السلطنة فأنعم بسلحشورية خاص واستقام في الخدمة برهة وعاد إلى الرها واستقام إلى أن صار طاعون سنة خمس وسبعين ومائة وألف توفي مطعونا واليها الوزير سعد الدين باشا عظم زاده ووليها الوزير مصطفى باشا شاه سوار زاده، وبعد وصوله إليها بأيام قلائل توفي الوزير أيضا مطعونا، فلما بلغ الدولة العلية ذلك أحسنوا للمترجم برتبة أمير الأمراء ومنصب أورفة (ومنها لحلب) ومنها عيّن إلى ملاطية، وبعد رجوعه في عام إحدى وثمانين أعطوه منصب مصر ذهب برا ورجع برا، ثم أعطي منصب الرقة ثالثا وعيّن للسفر سائق العسكر، وبعد وصوله للأوردي جعلوه سر عسكر قلاص وذلك سنة 1184، ويظهر أنه توفي هناك في هذه السنة ولا عقب له.
سنة 1180 ذكر تولية حلب لعلي باشا الكور
قال المرادي في ترجمته: هو علي باشا الوزير ابن كور أحمد باشا الوزير، دخل واليا تاسع عشر ذي القعدة سنة ثمانين ومائة وألف، وفي الرابع عشر من ذي الحجة من السنة
المذكورة أحسنت له الدولة بمنصب القارص، ونهض من حلب رابع المحرم سنة إحدى وثمانين ومائة وألف، وكان متحجبا عن الناس، وفي زمنه طرد من كتابتي القسمة العسكرية والبلدية من محكمة حلب أحمد وولده أحمد أيضا البكفلوني بموجب أمر عال سعى بإصداره بعض أهل الخير المقيمين بدار الخلافة جزاهم الله خيرا، وتوفي الوزير المترجم في بندر في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف، وكان ذا حشمة ووقار وسكينة محبا للعلماء ومكرما لهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة اه.(3/279)
قال المرادي في ترجمته: هو علي باشا الوزير ابن كور أحمد باشا الوزير، دخل واليا تاسع عشر ذي القعدة سنة ثمانين ومائة وألف، وفي الرابع عشر من ذي الحجة من السنة
المذكورة أحسنت له الدولة بمنصب القارص، ونهض من حلب رابع المحرم سنة إحدى وثمانين ومائة وألف، وكان متحجبا عن الناس، وفي زمنه طرد من كتابتي القسمة العسكرية والبلدية من محكمة حلب أحمد وولده أحمد أيضا البكفلوني بموجب أمر عال سعى بإصداره بعض أهل الخير المقيمين بدار الخلافة جزاهم الله خيرا، وتوفي الوزير المترجم في بندر في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف، وكان ذا حشمة ووقار وسكينة محبا للعلماء ومكرما لهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة اه.
سنة 1181
كان الوالي فيها محمد أمين باشا الأورفلي.
سنة 1182
كان الوالي فيها رجب باشا. قال الطرابلسي (1): في سابع ذي القعدة من هذه السنة تقاتلت الأنكجارية مع الدالاتية وقتلوا باقي آغا الدالاتي وقطّعوه إربا في بانقوسا.
سنة 1183
كان الوالي فيها أحمد باشا زاده محمد باشا، ثم محمد باشا، ثم عبدي باشا للمرة الأولى الثلاثة في هذه السنة كما في السالنامة.
قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته: في هذه السنة وقع مطر في رمضان في تموز عظيم مات بسببه خمسون نفسا، ووقع مكتب لليهود في محلة بحسيتا مات تحته عشرة أولاد وحاخام وامرأة وابنها.
قال الطرابلسي: في 24من صفر قامت الأشراف على التفنكجية ورفعوهم بأمر الأعيان بعد ما صار القتل بين الفريقين اه.
__________
(1) ظفرنا بمجموع عند بعض الوجهاء بخط محمد أفندي الطرابلسي فيه حوادث من سنة 1182إلى 1201وعبارته قريبة من العامية فنقلنا منه ما له تعلق بتاريخ الشهباء.(3/280)
سنة 1184
قال الطرابلسي: في 15جمادى الأولى من هذه السنة نزلوا الصنجق من القلعة إلى بيت الطرابلسي وكان يوما عظيما، وفيه قامت الأشراف وقوموا معهم أهالي البلد في مجيء محمد باشا ابن العظم وما أدخلوه إلى حلب، وفي جمادى الثانية جاءت الأخبار بأن عبد الرحمن باشا والي بيلان صار له منصب حلب فقامت الأشراف وجميع أهالي البلد معهم وأعطوا جوابا في عدم دخوله إلى حلب وكلهم مسلحون ليلا ونهارا، ودخل بعد الصلح مع أهالي البلد في 16جمادى الثانية من هذه السنة، وفي 18رجب ليلة الأربعاء قامت الأشراف على الباشا في السرايا وحاصروه وصار بينهم الضرب بالرصاص وصار القتل من الطرفين.
سنة 1185
قال الطرابلسي: في 27ربيع الأول جاء إلى حلب حضرة حسين باشا الداماد معينا واليا عليها. وفيها نفى حسين باشا ابن العمادي إلى قلعة البيرة وبعد أيام أرسل فقتله وأرسل رأسه إلى الدولة.
سنة 1186
كان الوالي فيها حاجي عثمان باشا كما في السالنامة.
سنة 1188
كان الوالي فيها محمد باشا كما في السالنامة.
سنة 1189 ذكر ولاية الحاج علي باشا جه طلجلي
قال الطرابلسي في مجموعته: وفي غرة جمادى الثانية سنة 1189دخل إلى حلب الحاج علي باشا جه طلجلي واليا عليها دخلها من باب المقام، وبعد مدة أظهر الجور
والتعدي وصار يظهر المظالم والبدع، ففر غالب البازركان ووجوه الناس ومن له شهرة، وفي رمضان رفع الأعيان إلى السجن وضيق عليهم وأخذ منهم مائة ألف غرش وقتل السيد خليل ابن النواني باش جاويش النقيب، وضاقت الناس ذرعا إلى أن أخرج آغوات البلد والأوجاقلية في معية كتخداه كوسا كاهيه لقتال التركمان وصار يخرب القرى ويسلب أموالها في الطريق إلى أن وصل لجسر الشغر وحاصرها وأرسل يطلب مددا من الباشا، فأخرج دلالا ينادي في حلب بخروج باقي الأنكجارية لإمداد كاخيته وهو إذ ذاك محاصر الجسر فأبوا وامتنعوا عن الرواح.(3/281)
قال الطرابلسي في مجموعته: وفي غرة جمادى الثانية سنة 1189دخل إلى حلب الحاج علي باشا جه طلجلي واليا عليها دخلها من باب المقام، وبعد مدة أظهر الجور
والتعدي وصار يظهر المظالم والبدع، ففر غالب البازركان ووجوه الناس ومن له شهرة، وفي رمضان رفع الأعيان إلى السجن وضيق عليهم وأخذ منهم مائة ألف غرش وقتل السيد خليل ابن النواني باش جاويش النقيب، وضاقت الناس ذرعا إلى أن أخرج آغوات البلد والأوجاقلية في معية كتخداه كوسا كاهيه لقتال التركمان وصار يخرب القرى ويسلب أموالها في الطريق إلى أن وصل لجسر الشغر وحاصرها وأرسل يطلب مددا من الباشا، فأخرج دلالا ينادي في حلب بخروج باقي الأنكجارية لإمداد كاخيته وهو إذ ذاك محاصر الجسر فأبوا وامتنعوا عن الرواح.
وفي 17شوال من هذه السنة رفع علي باشا كتخداه نقيب زاده السيد مصطفى الطرابلسي وأرسله بالعساكر لخارج البلد إلى قتال التركمان وصار أبو بكر آغا أمين الجبّول كتخدا حلب.
وفي ليلة السبت ويومه سلخ شوال قامت أهالي البلدة بأجمعها على والي حلب علي باشا الجطلجلي وحاصروه في سراي حلب حصارا عظيما وضايقوه وبطل الأذان ستة أيام.
وفي اليوم الثاني من ذي القعدة ضرب دزدار قلعة حلب الحاج طه الزنانيري على المسلمين الموحدين من القلعة رصاصا خزنويا. وفي اليوم السادس من الشهر المذكور أخرجوا الباشا مع جماعته من باب الفرج وشبكوا التفنك على رأسه مثل الجملون من دار العدل إلى باب الفرج والنساء خلفه بالزغاريط والأولاد بالشتم الشنيع وصار نهارا مهولا.
وفي اليوم التاسع فتح من أبواب البلد باب أنطاكية وباب النصر والمدينة جميعها فتحت مع أبواب الخانات ونزل هو في تكية الشيخ أبي بكر ومكث يومين وليلة، ثم سافر إلى خان طومان بجميع عساكره وكتخداه ومكث في الخان سبعة عشر يوما ورحل في يوم الخميس إلى قصبة سرمين، وبعده بيومين رحل كتخداه إلى سرمين وأخذ معه المدافع واستقامت البلدة محاصرة كما كانت أولا.
وفي 27من ذي القعدة ورد الأمر العالي بمتسلمية حلب إلى كوجك علي آغا زاده الحاج محمد آغا إلى حين تشريف أحمد باشا عزت والي القرص.
وفي اليوم الخامس عشر من ذي الحجة فتحوا باب الفرج بأمر القاضي والأعيان.
وفي شوال من هذه السنة صار المطر في هذه البلدة ليلا مع نهار كأفواه القرب من غير فاصل خمسة وأربعين يوما ودام إلى العاشر من ذي الحجة، صار الزود في نهر قويق كل يوم أكثر من يوم إلى اليوم الثالث عشر زاد النهر حتى قلب من فوق جسر باب الجنان من بين
الداربزينات، ومن جسر باب الفرج دخل الماء من شبابيك قصر بستان الشاهبندر مقدار ذراع أو أكثر، ومن عند الجغيلات قلب الماء ودخل من شبابيك إيوان بستان الأريحاوى مقدار ذراع أو أكثر، ودخل الماء في حارة المشارقة والورّاقة إلى البيوت وهدم غالبها، وأما الورّاقة فلم يبق منها بيت، وفي هذه المدة صار في جميع البلد وقوع بيوت وجدران وستائر وكل ذلك لم يحصل منه ضرر والحمد لله ولم يقتل سوى شخص واحد قصّاب من أهالي محلة البيّاضة من بيت علامو.(3/282)
وفي شوال من هذه السنة صار المطر في هذه البلدة ليلا مع نهار كأفواه القرب من غير فاصل خمسة وأربعين يوما ودام إلى العاشر من ذي الحجة، صار الزود في نهر قويق كل يوم أكثر من يوم إلى اليوم الثالث عشر زاد النهر حتى قلب من فوق جسر باب الجنان من بين
الداربزينات، ومن جسر باب الفرج دخل الماء من شبابيك قصر بستان الشاهبندر مقدار ذراع أو أكثر، ومن عند الجغيلات قلب الماء ودخل من شبابيك إيوان بستان الأريحاوى مقدار ذراع أو أكثر، ودخل الماء في حارة المشارقة والورّاقة إلى البيوت وهدم غالبها، وأما الورّاقة فلم يبق منها بيت، وفي هذه المدة صار في جميع البلد وقوع بيوت وجدران وستائر وكل ذلك لم يحصل منه ضرر والحمد لله ولم يقتل سوى شخص واحد قصّاب من أهالي محلة البيّاضة من بيت علامو.
سنة 1190 إسناد متسلمية حلب إلى أبي بكر آغا أمين الجبّول
قال الطرابلسي: وفي 2محرم الحرام سنة 1190جاءت متسلمية حلب من قبل غازي أحمد عزت باشا إلى أبي بكر آغا أمين الجبّول وضبط أحكامها.
وفي 15منه جاء السيد حسين آغا صاري كوله أوغلي سردار حلب سابقا من كلّز ودخل إلى بيته بعد المغرب فجاء اليكيجارية وهجموا على بيته بالسلاح وضربوه وضربوا جماعته وأصابه ضربان وخربوا بيته وأحرقوه واستقام جريحا ثلاثة أيام، وفي الثامن عشر منه توفي إلى رحمة الله. وفي ذلك اليوم بعد العصر رفع المتسلم اثنين إلى القلعة الواحد حمو التت والثاني ابن العجمية. وفي 24من صفر طلع متسلم حلب أمين الجبّول وصحبته آغوات وعساكرها والآلايات لقتال أشقياء اللاوند، ويوم الجمعة وقع الحرب بين الطائفتين وانكسر المتسلم بعساكره وأسروا متسلم حلب وقدور آغا حمصه وابن عبد السلام دالي باش، وقتل من عسكر حلب أكثر من مائة واحد، وصار القتال بين الفريقين في خربة معراته بين خانطومان والراموسة، وبعد ذلك فكوا المأسورين بمائتي كيس وعشرين كيسا دراهم وعشرة من الخيل وعشرة فروات وعشرة قبابيط جوخ وخمسين جزمة وثلاثة قناطير ونصف قهوة حبا وأطلقوهم بعد ثلاثة أيام وصار في هذه الوقعة شيء فظيع.
ذكر قدوم أحمد عزت باشا في هذه السنة
قال الطرابلسي: وفي ربيع الأول دخل غازي أحمد عزت باشا إلى حلب وضبط أحكامها. وقد تقدم ذكر تعيينه واليا عليها وتوكيل أمين الجبّول من قبله لحين وصوله. وفي
18 - من شهر ربيع الأول جاء الخبر أن أشقياء اللاوند القبسيين جاؤوا إلى قرى حلب مقدار 1800خيّال، فخرج أحمد عزت باشا من البلد إلى تكية الشيخ أبي بكر وصحبته جميع الأعيان وأرسل مناديا يأمر اليكيجارية والأشراف والسباهية والرعايا أن يخرجوا معه لقتال اللئام وأرسل إلى جميع النواحي مرسوما يستدعيهم للقتال، وفي اليوم الثاني أرسل خنكارلي زاده إلى الراموسة وعيّن معه العسكر بتمامه وسيّره إلى الراموسة وبقي الباشا في التكية ومعه المدافع وبات العسكر ليلة واحدة في الراموسة، وفي اليوم الثاني رجعوا إلى حلب وأمرهم الباشا أن يأتوا إلى الشيخ أبي بكر لأجل أن ينزل صحبة العسكر بالألاي إلى السراي.(3/283)
قال الطرابلسي: وفي ربيع الأول دخل غازي أحمد عزت باشا إلى حلب وضبط أحكامها. وقد تقدم ذكر تعيينه واليا عليها وتوكيل أمين الجبّول من قبله لحين وصوله. وفي
18 - من شهر ربيع الأول جاء الخبر أن أشقياء اللاوند القبسيين جاؤوا إلى قرى حلب مقدار 1800خيّال، فخرج أحمد عزت باشا من البلد إلى تكية الشيخ أبي بكر وصحبته جميع الأعيان وأرسل مناديا يأمر اليكيجارية والأشراف والسباهية والرعايا أن يخرجوا معه لقتال اللئام وأرسل إلى جميع النواحي مرسوما يستدعيهم للقتال، وفي اليوم الثاني أرسل خنكارلي زاده إلى الراموسة وعيّن معه العسكر بتمامه وسيّره إلى الراموسة وبقي الباشا في التكية ومعه المدافع وبات العسكر ليلة واحدة في الراموسة، وفي اليوم الثاني رجعوا إلى حلب وأمرهم الباشا أن يأتوا إلى الشيخ أبي بكر لأجل أن ينزل صحبة العسكر بالألاي إلى السراي.
سنة 1191
قال الطرابلسي: وفي 19رجب دخل الحاج إبراهيم باشا من عتقاء أولاد العظم إلى حلب واليا وتعاطى الأحكام، وعيّن أحمد عزت باشا على المدينة المنورة.
سنة 1192
قال الطرابلسي ما ملخصه: في صفر من هذه السنة قام الناس على القاضي من قلة الخبز، فأخذوه معهم إلى السرايا وأهانوه وصاروا يشتمونه ووضعوه في الجاويش خانه وأرادوا قتله، فخلصه السيد عبد اللطيف الألاجاتي وأدخله إلى الحاج إبراهيم باشا ولكن بعد جهد، ثم إن الباشا وعد الناس إلى ثلاثة أيام فانكفوا، وبعد مرورها أخرجوا مقدارا من الخبز إلى السوق لأجل تسكين الخواطر وبقي القاضي عند الباشا إلى غرة ربيع الأول، فتوجه من حلب إلى إسلامبول، وفي هذا الأثناء قدم الناس عرضا يطلبون فيه نقل الحنطة من البيرة إلى حلب بالسعر الواقع معونة للفقراء. وفي 14ربيع الثاني من هذه السنة وصل إلى حلب إمام زاده السيد محمد صادق أفندي قاضي حلب وكان وقورا مهابا، وفي 17منه جاء الإذن السلطاني بنقل حنطة البيرة وصار الناس يتوجهون إليها لشراء الحنطة وصاروا يشترون الحنطة من هناك في سعر ثمانين والسعر وقتئذ في حلب 180مائة وثمانون، فأحضروا مقدار مائتي مكوك وارتخت الأسعار وصار يباع رطل الخبز بعشرين، ثم أخذ في التنازل إلى أن وصل إلى ستة ووقف عندها. وكان القاضي المذكور يدور بنفسه في الأسواق وينظر في أمور الخبز وصار يرسل إلى المحكمة أناسا يعاقبهم بضرب العصي وأناسا يرفعهم
إلى القلعة، وفي ذلك الأثناء قامت الناس على أحمد الخباز في السقطية وجاؤوا به إلى القاضي فأمر برفعه إلى القلعة فذهب به الناس إلى الباشا، فحال وصوله إلى السرايا أمر الباشا بقتله ففي الحال قطعوا رأسه. وفي 10جمادى الثاني تقاتل اليكيجارية مع الأشراف وقتلوا أخا شيخ الدقاقين السيد أحمد وجرح اثنان أو ثلاثة من الأشراف وانهزم عدة أشخاص من اليكيجارية فانحازوا إلى محمد الخرفان أمير لواء الموالي بحلب فأرسل أعيان البلد وأكابرهم في طلبهم فما سلمهم وأبقاهم عنده.(3/284)
قال الطرابلسي ما ملخصه: في صفر من هذه السنة قام الناس على القاضي من قلة الخبز، فأخذوه معهم إلى السرايا وأهانوه وصاروا يشتمونه ووضعوه في الجاويش خانه وأرادوا قتله، فخلصه السيد عبد اللطيف الألاجاتي وأدخله إلى الحاج إبراهيم باشا ولكن بعد جهد، ثم إن الباشا وعد الناس إلى ثلاثة أيام فانكفوا، وبعد مرورها أخرجوا مقدارا من الخبز إلى السوق لأجل تسكين الخواطر وبقي القاضي عند الباشا إلى غرة ربيع الأول، فتوجه من حلب إلى إسلامبول، وفي هذا الأثناء قدم الناس عرضا يطلبون فيه نقل الحنطة من البيرة إلى حلب بالسعر الواقع معونة للفقراء. وفي 14ربيع الثاني من هذه السنة وصل إلى حلب إمام زاده السيد محمد صادق أفندي قاضي حلب وكان وقورا مهابا، وفي 17منه جاء الإذن السلطاني بنقل حنطة البيرة وصار الناس يتوجهون إليها لشراء الحنطة وصاروا يشترون الحنطة من هناك في سعر ثمانين والسعر وقتئذ في حلب 180مائة وثمانون، فأحضروا مقدار مائتي مكوك وارتخت الأسعار وصار يباع رطل الخبز بعشرين، ثم أخذ في التنازل إلى أن وصل إلى ستة ووقف عندها. وكان القاضي المذكور يدور بنفسه في الأسواق وينظر في أمور الخبز وصار يرسل إلى المحكمة أناسا يعاقبهم بضرب العصي وأناسا يرفعهم
إلى القلعة، وفي ذلك الأثناء قامت الناس على أحمد الخباز في السقطية وجاؤوا به إلى القاضي فأمر برفعه إلى القلعة فذهب به الناس إلى الباشا، فحال وصوله إلى السرايا أمر الباشا بقتله ففي الحال قطعوا رأسه. وفي 10جمادى الثاني تقاتل اليكيجارية مع الأشراف وقتلوا أخا شيخ الدقاقين السيد أحمد وجرح اثنان أو ثلاثة من الأشراف وانهزم عدة أشخاص من اليكيجارية فانحازوا إلى محمد الخرفان أمير لواء الموالي بحلب فأرسل أعيان البلد وأكابرهم في طلبهم فما سلمهم وأبقاهم عنده.
وفي 12منه عزل الحاج إبراهيم باشا وتسلم ابن الشيخبندر.
سنة 1193 ذكر تولية أحمد عزت باشا مرة ثانية
قال الطرابلسي: وفي أوائل سنة ثلاث وتسعين وجّه منصب حلب إلى الغازي أحمد عزت باشا، وبعد حضوره توجه إلى نواحي أنطاكية واستقام بها عدة أيام ورحل منها إلى جبل الأقرع، وفي أواسط شعبان ورد الأمر العالي بضبط أمواله لطرف الميري ونفيه إلى مدينة القدس الشريف وعيّنوا لذلك جبان أوغلي قبجي باشي فأتى به من الطريق إلى أن أوصله إلى تكية الشيخ أبي بكر وضبط جميع أمواله وأثقاله وخيله وعراه بحيث لم يبق معه شيئا وأخذه وتوجه به إلى القدس الشريف ورفع عنه أطواخه.
أقول: لا ذكر لهذا الوالي في السالنامة.
قال في قاموس الأعلام: هو كوتاهي الأصل ومن نسل كرميان بك لازم في الباب العالي وصار كتخدا الصدارة العظمى، ثم نفي ثم صار أمين دار الضرب والترسخانة ثم أعيد إلى الكتخدائية، وبعد قتل محمد باشا قائد السر عسكر في بكرش عيّن المترجم في موضعه فأبرز غاية الشجاعة والمهارة، ثم على التعاقب عيّن واليا في ودين وأرضروم وحلب، ثم صار محافظ المدينة المنورة، وفي سنة 1191وقع منه تقصير في بعض وظائفه فعزل وعيّن متصرفا للقدس، وفي سنة 1193عزل من ولاية حلب وصودرت أمواله ثم أعيد لمتصرفية القدس، وفي سنة 1195عيّن محافظا لخوتين فتوفي هناك اه.
وذكر جودت باشا في تاريخه في حوادث سنة 1195أنه بوشاية بعض الواشين عزل من حلب ونفي إلى القدس وصودرت أمواله، ولما توجه إلى القدس خرج عليه قطاع
الطريق وسلبوا منه ما كان باقيا معه من أمواله ولم يبق معه شيء أصلا، وكانت عائلته قد بقيت في حلب بعد توجهه مدة سنة ووصلت إلى غاية من الفقر بحيث صار بعض أهل الخير يتصدقون عليها، ثم بعد ذلك أعيد المترجم إلى رتبة الوزارة وعيّن إلى سنجق كوستنديل من بلاد بلغاريا الآن اه.(3/285)
وذكر جودت باشا في تاريخه في حوادث سنة 1195أنه بوشاية بعض الواشين عزل من حلب ونفي إلى القدس وصودرت أمواله، ولما توجه إلى القدس خرج عليه قطاع
الطريق وسلبوا منه ما كان باقيا معه من أمواله ولم يبق معه شيء أصلا، وكانت عائلته قد بقيت في حلب بعد توجهه مدة سنة ووصلت إلى غاية من الفقر بحيث صار بعض أهل الخير يتصدقون عليها، ثم بعد ذلك أعيد المترجم إلى رتبة الوزارة وعيّن إلى سنجق كوستنديل من بلاد بلغاريا الآن اه.
ذكر تولية حلب لعبدي باشا
قال الطرابلسي: ومن حين عزله وجّه منصب حلب إلى الوزير عبدي باشا سر عسكر أناطولي وفوّض له تفتيش عينتاب وكلز وأعزاز وعينوا في معيته خزينه دار شاهين علي باشا، فجاء عينتاب قبل عبدي باشا فحاصرها أياما ثم دخلها سلما واستقام بها إلى أن وصل عبدي باشا في سلخ ذي القعدة وأحضر بمعيته عمر باشا بن رشوان وأرسل منشورا إلى أنطاكية ومثله إلى حلب يستدعي جميع آغوات البلدتين اليكيجارية فيهما داخلا وخارجا حسب المنشور، فبادر الجميع وأسرعوا في التوجّه لطرفه في أوائل ذي الحجة وكان سبقتهم أنكجارية أنطاكية وأعيانها صحبة سردارها فتح الله آغا ابن قرجا إبراهيم، وكان وصول أعيان حلب قبل العيد وتأخّر عنهم في الرواح باكير آغا الجبولي حيث إنه كان متسلما من قبله والسيد أحمد أفندي الدوركلي، فإن هذين توجها في أواسط ذي الحجة، وفي أثناء ذلك وردت أمانة الكمشخانة للمرقوم فاستأذن من الباشا ورجع إلى حلب وتأهّب للسير لناحية الكمشخانة حسب مأموريته.
ثم إن الباشا أنزل أعيان البلد في قناقات وذلك بعد ما وقع في عينتاب من قتل نفوس وسلب أموال وهتك أعراض بصورة فوق الحد، ولما شاهد ذلك شاهين علي باشا لم تطاوعه نفسه بالبقاء بعد أن رأى ما رأى من المظالم الشنيعة فتوجّه إلى حلب فلم يحصل له بها إقبال ولم يخرج أحد لملاقاته حسب أمر عبدي باشا، وسار لمنصبه يائسا، وكانت توجهت محصلية حلب إلى الحاج مصطفى آغا شيخبندر زاده فاستأذن من الباشا فلم يأذن له بالتوجه لحلب وأمره أن يوكل على المحصلية ابنه قدور آغا فأرسل له الأوراق ووكّله في الضبط، وكان ذلك في غرة محرم سنة 1194.
سنة 1194
وفي أثناء ذلك ظهرت دعوى على الحاج طه الزنانيري دزدار قلعة حلب وابنه يس آغا، فطلبهما الباشا وحبسهما ووقع السقف عليهما فماتا في آن واحد، وبعد أن ضبط
عبد القادر آغا (سماه آنفا قدور آغا للعادة المتعارفة) وكالة عن أبيه بشهرين مرض أبوه مسموما وتوفي في الأوردي في سلخ صفر سنة 1194فقرر الباشا أمر المحصلية استقلالا على قدور آغا.(3/286)
وفي أثناء ذلك ظهرت دعوى على الحاج طه الزنانيري دزدار قلعة حلب وابنه يس آغا، فطلبهما الباشا وحبسهما ووقع السقف عليهما فماتا في آن واحد، وبعد أن ضبط
عبد القادر آغا (سماه آنفا قدور آغا للعادة المتعارفة) وكالة عن أبيه بشهرين مرض أبوه مسموما وتوفي في الأوردي في سلخ صفر سنة 1194فقرر الباشا أمر المحصلية استقلالا على قدور آغا.
وفي أوائل ربيع الأول رحل الباشا بعساكر كالرمال إلى بلدة كلّز، وكان قد أنذرهم قبل ركوبه وأرسل لهم متسلما فردوه وظهر منهم أمور خارجة عن العادة، ثم في أثناء ركوبه أرسل لهم ثانيا القبوجي باشي المعين في معيته وأمرهم أن يخرجوا أهل العرض والرعايا لطرف الباشا وتبقى الأشقياء، فأجابوه بلسان واحد: ليس في بلدتنا أهل عرض أصلا بل كلّنا أشقياء، ولما أخبر الباشا بذلك زحف على كلّز بعسكره وحاصرها وأخذ تربة شرحبيل ووالى المدافع ناحية البلد وصار يغض النظر عمّن انهزم، ودخل البلد عنوة وفتحها قهرا ووقع القتال والنهب في كلّز وهتكت أعراض وأزيحت بكارات بنات وذبح أطفال ولم يسلم من شائبة سوى دار مقتول دلي خليل باشا ومن التجأ إليها، وبعد ذلك قرر في كلّز كورد محمد آغا متسلما بها، ثم رحل عنها وتوجّه لناحية قصبة أعزاز بعساكره وأثقاله ونزل بها مقدار أربعة أشهر، وفي أثناء المدة الأولى عزل أبو بكر آغا متسلم حلب وطلبه إليه وولى مكانه متسلما محمد آغا خنكارلي زاده، فتثاقل أبو بكر آغا في الرواح، ثم توجّه نحوه فلما وصل إليه سجنه وأظهر أن في ذمته أموالا يطلبها، فصار أبو بكر يبيع أمواله وأثقاله إلى أن باع جميع ما تملكه يده ولم يبق شيئا، فعل ذلك وهو مسجون لم يتخلص، والطلب لم يزل باقيا عليه فصار أقاربه وأصحابه ومن يلوذ به يعاونونه ثم استدانوا فوق الجميع إلى أن رضي الباشا!!
واستمر محبوسا نيفا وسبعين يوما، ثم أرسله نفيا إلى قلعة أرواد من أعمال طرابلس الشام وعيّن معه بيارق دالاتية فقاموا به من الأوردي وتوجهوا لناحية اللاذقية، ففي ذهابهم كلما مروا على قرية من قرى حلب وضعوا له الأغلال وعذّبوه وهددوه بالقتل وأهالي القرى تترجى فيه وتبذل لأشقياء الدالاتية دراهم ليكفوا عنه، واستمروا على ذلك إلى أن وصلوا إلى قلعة أرواد بعد أن رأى الموت عيانا مرات عديدة وهو يستغيث فلا يغاث، وكل ما وقع من عبدي باشا كان بتقريب من لا يخاف الله تعالى وبتشويق بعض أتباعه ككاتب ديوانه وأحد أعيان حلب وغيرهم. وفي اليوم الرابع والعشرين من رجب توجّه كاتب الديوان وابن جبان إلى دار أحمد أفندي الخنكارلي وابنه إذ ذاك كان متسلما فطلبوه من الحرم بعد ما أحاطوا بداره بالتفكجية المسلحين بالسلاح الكامل ولم يشعر أحد ذلك الوقت، فخرج
إليهم وتلقاهم أحسن ملتقى وجلس لمؤانستهم فلم يشعر إلا وقد أحاط به الجند من كل جانب وقبضوا عليه وذبحوه وجزّوا رأسه ورجعوا به إلى السرايا، وفي الحال أركبوا ابنه محمد آغا المتسلم وأركبوا أيضا كواكبي زاده السيد أحمد أفندي وعيّنوا معهما بيارق فأخذوهما والرأس وخرجوا بهم من باب قنسرين إلى أوردي عبدي لناحية أعزاز فحبسوهما في جادر وركزوا الرأس حذاء ابنه. وفي اليوم الثاني نفي كواكبي زاده إلى قلعة البيرة وعيّن معه بيارق فصاروا يفعلون فيه أمثال الجبوط (هكذا) وأضعاف ذلك، وبعد ذلك أرسل الرأس للدولة العلية وحرّر في تعريفه بأن الذي يأخذ البغاة من طرفه ويعصى بالمال الأميري هذا جزاؤه.(3/287)
واستمر محبوسا نيفا وسبعين يوما، ثم أرسله نفيا إلى قلعة أرواد من أعمال طرابلس الشام وعيّن معه بيارق دالاتية فقاموا به من الأوردي وتوجهوا لناحية اللاذقية، ففي ذهابهم كلما مروا على قرية من قرى حلب وضعوا له الأغلال وعذّبوه وهددوه بالقتل وأهالي القرى تترجى فيه وتبذل لأشقياء الدالاتية دراهم ليكفوا عنه، واستمروا على ذلك إلى أن وصلوا إلى قلعة أرواد بعد أن رأى الموت عيانا مرات عديدة وهو يستغيث فلا يغاث، وكل ما وقع من عبدي باشا كان بتقريب من لا يخاف الله تعالى وبتشويق بعض أتباعه ككاتب ديوانه وأحد أعيان حلب وغيرهم. وفي اليوم الرابع والعشرين من رجب توجّه كاتب الديوان وابن جبان إلى دار أحمد أفندي الخنكارلي وابنه إذ ذاك كان متسلما فطلبوه من الحرم بعد ما أحاطوا بداره بالتفكجية المسلحين بالسلاح الكامل ولم يشعر أحد ذلك الوقت، فخرج
إليهم وتلقاهم أحسن ملتقى وجلس لمؤانستهم فلم يشعر إلا وقد أحاط به الجند من كل جانب وقبضوا عليه وذبحوه وجزّوا رأسه ورجعوا به إلى السرايا، وفي الحال أركبوا ابنه محمد آغا المتسلم وأركبوا أيضا كواكبي زاده السيد أحمد أفندي وعيّنوا معهما بيارق فأخذوهما والرأس وخرجوا بهم من باب قنسرين إلى أوردي عبدي لناحية أعزاز فحبسوهما في جادر وركزوا الرأس حذاء ابنه. وفي اليوم الثاني نفي كواكبي زاده إلى قلعة البيرة وعيّن معه بيارق فصاروا يفعلون فيه أمثال الجبوط (هكذا) وأضعاف ذلك، وبعد ذلك أرسل الرأس للدولة العلية وحرّر في تعريفه بأن الذي يأخذ البغاة من طرفه ويعصى بالمال الأميري هذا جزاؤه.
ووجّه نقابة حلب إلى لطوف بيك عادلي زاده والمتسلمية لكوجك علي آغا زاده محمد سعيد آغا، وبعد ذلك رحل الباشا بالأوردي لطرف حلب ونزل هو في تكية الشيخ أبي بكر في غرة شعبان المعظم واستمر في تعيين مباشرين على أهل البلد والقرى وصار يسلب أموال الناس والقتل مستمر وفي سجونه أكابر ومشايخ وأشراف خلا الرعايا وأهل الذمة شيء كثير، وأما عساكره في البلدة فشيء زائد، وأما ارتكابهم فعل القبايح مثل لعب القمار والزنا واللواطة فشيء لا يوصف، وأما شربهم الخمور متجاهرين في الأزقة والشوارع فهو شرب الماء نعوذ بالله تعالى.
وفي آخر يوم من رمضان أتت أوراق النقابة إلى لطوف بك العادلي ولبس خلعتها ثالث يوم العيد، وفي اليوم الثاني من العيد توفي أسبير أفندي المفتي ودفن في الجبيل. وفيه قتل الباشا ثلاثة أنفار شلحوا يهوديا في باب النصر الواحد تحت القلعة والثاني في القصيلة والثالث عند سبيل محرم ومسك من أتباعه تفكجي لغلام وسخمه في الدكان فمسكوه في حمام القاضي ورفعوه إلى القلعة على أعين الناس، وبعد أيام أنزلوه من غير تكدير.
وفي 3شوال من سنة 1194أخذ من كل حارة بغلا وإكديشا وقتل التفكجي الذي فعل الفاحشة مع غلام لأجل تسكيت الناس على البغال. وأتى جماعة الباشا إلى محلة باب النصر وصاروا ينظرون الدور المناسبة للقناقات وكلما رأوا دارا مناسبة أخرجوا منها النساء وأخذوا مفاتيحها.
واشتروا للباشا بقرة صفراء وبقرة سوداء حتى يشرب لبنها وصاروا كلما سمعوا في بقرة عند شخص يأخذونها. وخربوا جهات باب الله (بابلّا) لأنه كان مقيما في تكية الشيخ أبي بكر، ثم رحل إلى الراموسة وضربها وخرب بستانها.(3/288)
وفي 26شوال أرسل ابن قره ملا مصطفى آغا متسلما على كلز وفيه نهب ابن عمه قرية عنجاره وحور وغيرها بإذن الباشا.
وفي 29منه بلغ سوء فعل أتباعه أن كسروا غراريف بساتين حلب ودواليبها وأخشاب بيوتها وطياراتها من حدود قرية باب الله (بابلّا) إلى قرب بستان الدباغة وحرقوها وحرقوا أخشاب قرى البلد بأجمعها وسلبوا متاع حرمها ونهبوا أغنامها وسائر مواشيها وتركوها قاعا صفصفا إلا ما قلّ وحماه الله من كيدهم من القرى الغربية البعيدة عن ممر طريقهم، وقطع جريمة ابن العبد بأربعين كيسا بعد سلب أمواله، وأرسل الباشا إلى محصل حلب وسأله: أيش قدر تكلف فرش السرايا عليك؟ قال له: مائة كيس، فقال له: بدّي ثمن الفرش عليّ دراهم لله وله مرادي أرسلها، فأخذها منه.
وفي ختام سنة 1194رحل عثمان باشا وتوجه ناحية كلز ونزل في بيوتها، ثم طرح عبدي باشا ضرائب على الأهالي داخلا وخارجا من جمال وبقر وغنم ومعز وملح وفستق وبن وشب وتنباك وقطن وحرير وحنطة وشعير وغير ذلك.
سنة 1195
قال الطرابلسي: فيها في محرم الحرام طرح عبدي باشا على النصارى ألف غنمة بستة عشر كيسا وطرح تسعمائة على اليهود بمثل ذلك.
وفي آخر يوم منه دخل عثمان باشا البلد ونزل عساكره في جميع البيوت حتى الأكابر مثل دار عمر أفندي وجلبي أفندي وطرابلسي زاده وكواكبي زاده وبيت الزعيم وأمثالهم مع ما يلزمهم، ثم طرح على القصّابين سبعمائة أذن غنمة فأغلقوا الدكاكين وانهزموا.
ذكر ذهاب عبدي باشا من حلب
وفي عاشر صفر رحل عبدي باشا من حلب وصحبته 36يدكا مسومة وأربعون في الجنازير ولله الحمد على خلاص الفقراء.
وفي الحادي عشر منه نبه عثمان باشا على الأسواق أن تفتح وأن يعود الناس إلى بيعهم وشرائهم وأن كل من اشترى منه العسكر شيء ولم يعطه المشتري الثمن أو نقصه منه شيء أو تعدى عليه أحد ولم يخبر به الباشا يشنقه على دكانه، وكل دكان لا يفتحها صاحبها
ينهبها ويشنق صاحبها، ونبه على أهالي القرى أن تخرج إلى قراها وتتعاطى زراعتها وأن ما مضى لا يعاد (لكن بعد خراب البصرة). وفي اليوم الثاني أرسل مناديا ينادي بأن من وجد في البلد من أتباع عبدي باشا لا يلومن إلا نفسه، ونبه أن لا يحمل أحد السلاح وكل من وجد من أهالي المحلات خارجا عن الطريق المستقيم فعلى جيرانه أن يخبروا عنه ليقتله، ومن يشهد جيرانه بحسن حاله فلا سبيل لأحد عليه، وصار يقتل كل من أخبر عن سوء حاله فقتل عدة أشخاص.(3/289)
وفي الحادي عشر منه نبه عثمان باشا على الأسواق أن تفتح وأن يعود الناس إلى بيعهم وشرائهم وأن كل من اشترى منه العسكر شيء ولم يعطه المشتري الثمن أو نقصه منه شيء أو تعدى عليه أحد ولم يخبر به الباشا يشنقه على دكانه، وكل دكان لا يفتحها صاحبها
ينهبها ويشنق صاحبها، ونبه على أهالي القرى أن تخرج إلى قراها وتتعاطى زراعتها وأن ما مضى لا يعاد (لكن بعد خراب البصرة). وفي اليوم الثاني أرسل مناديا ينادي بأن من وجد في البلد من أتباع عبدي باشا لا يلومن إلا نفسه، ونبه أن لا يحمل أحد السلاح وكل من وجد من أهالي المحلات خارجا عن الطريق المستقيم فعلى جيرانه أن يخبروا عنه ليقتله، ومن يشهد جيرانه بحسن حاله فلا سبيل لأحد عليه، وصار يقتل كل من أخبر عن سوء حاله فقتل عدة أشخاص.
وفي 18منه طلب عثمان باشا من أهل القلعة دراهم مثل عبدي باشا. وفي 19 ربيع الأول نزل عثمان باشا عند عبدي باشا وحبس السردار عثمان بيك العادلي، وأتى طاطار (ساع) إلى عبدي باشا من طرف الدولة فقتله ونهب عبدي باشا وهو في عندان ثلاث قرى. وفي 25منه رحل من عندان إلى ما فوق عينتاب.
وفي 5ربيع الثاني دخل قاضي حلب، وبعد ثلاثة أيام أتى الباشا إليه فشرط عليه القاضي أن لا يرفع أحدا إلى القلعة إلا بمراسلة الشرع ولا يقتل أحدا إلا بالوجه الشرعي.
وفي هذا الأثناء أرسل عبدي باشا يطرح على الناس بقرا وجمالا مع يزيد أوغلي، فلما سمع القاضي أحضر يزيد أوغلي وقال له: أفنديك يرينا فرمان أن منصب حلب عليه حتى نطرح له ذلك، وأغلظ له الكلام وقال له: الحق بباشتك وهذا شيء لا يصير في أيامي ولا يتم.
ثم إن القاضي أطلق المحابيس الذين هم في القلعة حيث لم يكن لهم شيء من الجريمة.
وفي اليوم الثاني دخلت امرأة على القاضي ومعها شيء مغطى فظنوه هدية منها، فكشفوا الغطاء فإذا بعظام غنم وآذان وقالت للقاضي: لو كنت في بلاد الإفرنج ما فعلوا معي ذلك، فلما سمع القاضي بذلك أحضر العلماء وعقد مجلسا عاما وأرسل أخبر للباشا، فرد الجواب أن الذي مضى لا يعاد ولا يباع شيء إلا بالسعر الواقع.
عزل عثمان باشا وتولية الحاج يوسف باشا ابن العظم
قال الطرابلسي: وفي 7جمادى الأولى عزل عثمان باشا وصار المنصب للحاج يوسف باشا ابن العظم. وفي 10منه رجع عبدي باشا إلى نواحي حلب ونزل في خانطومان وأرسل طلب ذخيرة من البلد فما أعطاه القاضي، فقال نعمان آغا ابن الشيخبندر: نخاف من سطوته، فقال له القاضي: أنت أعطها وحدك، فنهب الباشا
مواشي الخان وغيره ورحل في اليوم الثاني وعرضوا المتسلمية على الأعيان فما قبلها أحد خوفا من عبدي باشا لئلا يؤتى أحد من قبله.(3/290)
قال الطرابلسي: وفي 7جمادى الأولى عزل عثمان باشا وصار المنصب للحاج يوسف باشا ابن العظم. وفي 10منه رجع عبدي باشا إلى نواحي حلب ونزل في خانطومان وأرسل طلب ذخيرة من البلد فما أعطاه القاضي، فقال نعمان آغا ابن الشيخبندر: نخاف من سطوته، فقال له القاضي: أنت أعطها وحدك، فنهب الباشا
مواشي الخان وغيره ورحل في اليوم الثاني وعرضوا المتسلمية على الأعيان فما قبلها أحد خوفا من عبدي باشا لئلا يؤتى أحد من قبله.
وفي 24منه رحل عثمان باشا وأخذ من كل محلة بغلا وأطلق خيله على الزرع وقتل ثلاثا من النساء في باب الله (بابلّا).
وفي 15جمادى الثانية دخل يوسف باشا ابن العظم إلى حلب ومعه أولاد رستم وخدم في بابه ابن العبد ويزيد أوغلي وجرم أولاد رستم ثلثمائة كيس وصار يأخذ مماليك وجواري من أصحابها مجانا قهرا.
وفي غرة شعبان صار يحصر البازركان وغيرهم ويكرمهم ويقول لهم: أنا وزير اقشعوا خاطري ولا يعلم بها أحد حتى لا يمشيها غيري، وأرسل طلب من كل قرية حصانا.
وفي 25رمضان رحل يوسف باشا وصار متسلما قدور آغا.
وفي 16ذي الحجة صارت النقابة على السيد مصطفى أفندي جابري زاده.
سنة 1196
قال الطرابلسي: في 22صفر ضرب ابن عمو قفل الشام بقرب خانطومان فطلع حسين آغا متسلم حلب لقتاله فتصادفوا عند الجب قرب أراضي كفر حمرة فتقاتلوا. وفي هذا الأثناء أتى كرد محمد باشا والي كلز لمعونة المتسلم فأصابه ضرب وقع قتيلا وقطعه الأكراد وانكسر وقتل ابن أخت المتسلم وجرح من الدالاتية ناس كثير غير المقتولين وكان يوما فظيعا.
وفي 20ربيع الأول أتى إبراهيم باشا حوالي إدلب وطلب ذخيرة فما أعطوه جوابا، فأرسل أخذ من حلب مدافع وجبخانة وغير مهمات وأخذ الأنكشارية، وفي كل ليلة يضرب المدافع، فضج أهالي إدلب من هذا الحال خصوصا النساء والأولاد، فتوسط الأعيان والقاضي ودخل الأنكجارية لإدلب ومشوا في الصلح بين الباشا وأهالي إدلب فصالحوهم على 80كيسا.
وفي 15شوال انعزل إبراهيم باشا وصار حسين آغا متسلما.(3/291)
ذكر تولية حلب لعلي باشا
قال الطرابلسي: وفي 16ذو القعدة دخل علي باشا قرا واليا على حلب.
وقال جودت باشا في حوادث هذه السنة: كان الوالي في حلب خزينة دار علي باشا. وهذا مما أغفله مرتب السالنامة.
سنة 1197
في الرابع من جمادى الثانية يوم الاثنين دخل مصطفى باشا والي قونية إلى حلب معينا واليا عليها.
سنة 1198
في ربيع الأول منها عزل مصطفى باشا وتوجه من حلب.
وفيها صار برد عظيم في ديركوش لم ير مثله وأتلف جميع المزروعات إلى أن عادت الأرض كأنها لم تزرع.
وصار روفائيل بيجوتو قنصلا جديدا عن النامسا وذلك من البدع الجديدة التي أحدثتها الدولة.
ذكر تولية حلب لعبدي باشا
فيها في شعبان وصل إلى حلب عبدي باشا، وفي أول الأمر أخذ في العدل وإنصاف الظالم من المظلوم، وبعد مدة قليلة أخذ في الظلم والجور والتعدي بشكل لم يسبق له مثيل إلا سميه الأول وبقي يأخذ موضع القرش أربعة.
ودار على المحلات ونقض جميع الدعاوي والأمور الماضية وأحضر الخبازين والصواصنة وقال لهم: أنتم قتلتم صوصانيا ودهوره الخبّازون، وجرمهم ألفا ومائتي قرش، فصار الخبز لذلك بخمسة وعثماني إلى أن صار بستة مصاري ولم يلتفت إلى ذلك، وصار يجرم المحلات على قدر ما تصل إليه أوامره وصارت حبوسه ملأى بالناس وصادر النحّاسين والفرّايين.(3/292)
وفي غرة ذي القعدة دخل عبد الله باشا ابن العظم إلى الميدان (مفتشا على عبدي باشا).
وفي 3منه أتى لعبدي باشا تقرير المنصب عليه وعمل طيفور بك فرحا عظيما ليلا مع نهار. وفي الساعة الرابعة أتوا وختموا أماكنه وقالوا له: عليك حساب وأنت مطلوب للدولة.
ويوم الخميس (في أواخر ذي القعدة) سدوا بوابة الطيارة ولم يزل ضرب الرصاص والناس ليلا مع نهار تحت السلاح ونزلوا تفنكا من القلعة وخربوا حمص خان والتفتيش واقع على العوانية والغمازين خصوصا على من كان تفكجيا في السراي، وأظهروا الخط الشريف الوارد في إبطال البدع ورفع المظالم وسجلوه في المحكمة وكتبوا أربع عرائض في جميع ما فعله عبدي باشا وأعوانه من المبتدا إلى المنتهى وأرسلوها صحبة خمسة أشخاص عالم وسيد وأنكشاري وتابع قاضي حلب وواحد من أهل البلد إلى الدولة العلية. وفي 15ذي الحجة رحل عبد الله باشا لمنصبه.
سنة 1199
في ربيع الأول عزل عبدي باشا بعد أن تحقق ما أتاه من المظالم وعيّن إلى أورفة، وقد تأيدت عرائض حلب بعرائض من عنتاب وأنطاكية
وفي 20ربيع الأول صار القائمقام علي باشا قرا متسلما في حلب.
تولية حلب لمصطفى باشا
في 22رجب صار منصب حلب لمصطفى باشا. وفي 7شعبان أرسل المتسلمية لمن تختارونه (هكذا ولعل المقصود أنه أرسل لأعيان حلب أن يعينوا متسلما من يختارونه) فما أحد رضي بها إلا ابن السياف وصار عنده كنج أحمد آغا حمصه تفكجي باشي. وفي سلخ ذي الحجة أتى إلى جلبي أفندي محصلية حلب والمتسلمية إلى سعيد آغا.
سنة 1200
في خامس صفر دخل مصطفى باشا الذي تقدم ذكر تعيينه إلى حلب. وفي 17 من شوال طلب علي آغا وكنج أحمد آغا حمصه إليه فما راحوا فذهب جلبي أفندي إلى
الباشا وأخذا معه كنج أحمد آغا بكفالته له، فلما دخلا على الباشا نظر إلى أحمد آغا وطلب منه حساب المتسلمين فأجابه: أنا لست بمتسلم أنا نفر من الأنفار، فطلب عند ذلك من جلبي أفندي خمسة من الإختيارية فأتى له بعشرة خمسة من المطلوبين وخمسة من غيرهم، فسأل عن أسمائهم فقالوا: فلان وفلان، فنظر إلى الورقة التي بيده ثم قال لجلبي أفندي، ليس هؤلاء من المطلوبين، فقال له الأفندي: المطلوبون من الأوجاق، فطردهم ثم طلب منه علي آغا فأخذ له أمانا وأتى به إلى الباشا مع جملة من الأعيان، فلما وصلوا إلى تكية الشيخ أبي بكر نظر الباشا من القصر يرى كأن البلد قد خرجت عليه لأن الأوجاقية لما سمعوا برواح علي آغا إلى الباشا خرج من البلد مقدار ألفين من السكمانية بالسلاح الكامل إلى ظاهر البلد ليروا ما الخبر، فلما رأى ذلك الباشا أمر أتباعه أن لا يتعرض لأحد بسوء وقال للحاضرين: أنا وأنتم شيء واحد، وخلع على السردار وعلى علي آغا وكنج أحمد آغا وطيب خواطر الجميع وأمرهم بالنزول.(3/293)
في خامس صفر دخل مصطفى باشا الذي تقدم ذكر تعيينه إلى حلب. وفي 17 من شوال طلب علي آغا وكنج أحمد آغا حمصه إليه فما راحوا فذهب جلبي أفندي إلى
الباشا وأخذا معه كنج أحمد آغا بكفالته له، فلما دخلا على الباشا نظر إلى أحمد آغا وطلب منه حساب المتسلمين فأجابه: أنا لست بمتسلم أنا نفر من الأنفار، فطلب عند ذلك من جلبي أفندي خمسة من الإختيارية فأتى له بعشرة خمسة من المطلوبين وخمسة من غيرهم، فسأل عن أسمائهم فقالوا: فلان وفلان، فنظر إلى الورقة التي بيده ثم قال لجلبي أفندي، ليس هؤلاء من المطلوبين، فقال له الأفندي: المطلوبون من الأوجاق، فطردهم ثم طلب منه علي آغا فأخذ له أمانا وأتى به إلى الباشا مع جملة من الأعيان، فلما وصلوا إلى تكية الشيخ أبي بكر نظر الباشا من القصر يرى كأن البلد قد خرجت عليه لأن الأوجاقية لما سمعوا برواح علي آغا إلى الباشا خرج من البلد مقدار ألفين من السكمانية بالسلاح الكامل إلى ظاهر البلد ليروا ما الخبر، فلما رأى ذلك الباشا أمر أتباعه أن لا يتعرض لأحد بسوء وقال للحاضرين: أنا وأنتم شيء واحد، وخلع على السردار وعلى علي آغا وكنج أحمد آغا وطيب خواطر الجميع وأمرهم بالنزول.
وظيفة محصلي الأموال واستنزافهم أموال الأمة
قال جودت باشا في الجزء الثالث من تاريخه في حوادث سنة ألف ومائتين ما ترجمته: أن وظيفة المحصل في حلب من أهم المناصب وهي مطمح أنظار مأموري الدولة، ومنذ أربعين سنة كان هؤلاء المأمورون يتعاطون كل وسيلة ويبذلون كل مرتخص وغال في سبيل الحصول على هذه الوظيفة لأنها كانت تعود عليهم بمال جزيل وثروة طائلة ينالون بسببها بعد رجوعهم إلى الآستانة رتبة الوزارة ورتبة مير ميران، ومن هؤلاء الرجال أحمد باشا فإنه بهذه الطريقة أخذ العلم والطوخ وحاز شهرة عظيمة. وهذه الوظيفة ظلت مدة تباع وتشترى بيع من يزيد، وكثير من هؤلاء الرجال الذين تولوا هذه الوظيفة في حلب بالنظر لاعتسافهم وجورهم صاروا ممقوتين عند عقلاء رجال الآستانة ولا ينظرون إليهم نظر إجلال واحترام لكثرة ارتكابهم، حتى أدى الحال إلى أن بعض المغسلين صاروا يتعهدون هذه الوظيفة ويحصلون هذه الأموال لكنهم كانوا يؤدون بعضها إلى الدولة ويزدردون الباقي يصرفونه في شهوات أنفسهم، حتى آل الأمر إلى أن الدولة صارت ترسل من طرفها مفتشين على هؤلاء المحصلين، وربما حضر الصدر الأعظم بنفسه للتفتيش.(3/294)
ومن غريب الأمر أن هؤلاء المفتشين الذين كانوا يرسلون للتفتيش حينما يأتون ويرون هذه الأموال يداخلهم الجشع والطمع ويأخذون إلى جيوبهم ما تيسر لهم من هذه الأموال على حد قول من قال (كالمستجير من الرمضاء بالنار)!!!
ثم قال: ذكر المؤرخ واصف أفندي في تاريخه أنه قبل خمس وعشرين سنة صادف وهو بحلب رجلا اسمه قبوجي باشا سليم آغا كان قد أتى للتفتيش، وكان وهو في الآستانة عليه دين كثير ونسج على منوال غيره من المفتشين وتأهل بحلب وأقام بها وصار له عدة أولاد، فقال واصف أفندي: فسألته عن مدة إقامته بحلب وأسباب ذلك فقال لي: هنا عشر سنين وإني يئست من مناصب الدولة فحضرت إلى هنا وأنا الآن أتناول راتبا يوميا أربعين قرشا أصرف بعضها وأدخر الباقي إلى أن حصل لي مال كثير، وأنا الآن أتجر بما حصلت عليه من هذه الأموال.
ثم قال جودت باشا: هذه هي حال مباشري الوظائف في حلب، الكثير منهم بعد أن يستنزف أموال الأمة في حلب يصرفها في الفسق والفجور والشهوات النفسية ويؤدي الحال بهؤلاء إلى الإفلاس، فمنهم من يموت قهرا ومنهم من يغادر الشهباء إلى غيرها من البلاد، وبهذه الصورة ولهذه الأسباب كانت أموال الدولة تتبعثر وتذهب ضياعا. وتلافيا لهذا الخلل ولبعض ما فات افتكر الدفتردار حسن أفندي في الآستانة أن يجعل وظيفة التحصيل على حدة ووظيفة الكمرك على حدة، وصار يعطي وظيفة الكمرك على طريق الضمان وأموال الولايات ترسل رأسا إلى دار السلطنة، وبهذه الصورة أصلح بعض الخلل في مالية الدولة وفي وظيفة تحصيل الأموال اه.
سنة 1201 عزل مصطفى باشا وتولية حلب لمير عبد الله باشا
في الثاني من المحرم انعزل مصطفى باشا، وفي 20منه رحل من حلب.
قال الطرابلسي: وفي 15صفر عزل السيد علي باشا جاويش، ففي اليوم الثاني ولى هاربا تحت الليل هو وجاويشان، فثاني يوم صار التفتيش عليهم الأمور كان أوقعها في وقوفه عند جلبي أفندي، ثم قتلوا قاتل القنوي في قصطل الحرامي ورفعوا ابن الكلرجي جابي جلبي أفندي والشيخ علي السرميني وكل من له دعوى تحرك على أتباع الأفندي وختموا على دائرة
جلبي أفندي (لعلها الدار التي في السراي المتخدة دائرة للعدلية) داخلا وخارجا. وثاني يوم من وفاة الأفندي توجه أخوه علي أفندي وابنه عباس أفندي إلى ناحية الدولة ثم ختم القاضي بيت طيفون والحاج طه بن عمر أفندي وحامد أفندي وغيرهم من المعتقلين.(3/295)
قال الطرابلسي: وفي 15صفر عزل السيد علي باشا جاويش، ففي اليوم الثاني ولى هاربا تحت الليل هو وجاويشان، فثاني يوم صار التفتيش عليهم الأمور كان أوقعها في وقوفه عند جلبي أفندي، ثم قتلوا قاتل القنوي في قصطل الحرامي ورفعوا ابن الكلرجي جابي جلبي أفندي والشيخ علي السرميني وكل من له دعوى تحرك على أتباع الأفندي وختموا على دائرة
جلبي أفندي (لعلها الدار التي في السراي المتخدة دائرة للعدلية) داخلا وخارجا. وثاني يوم من وفاة الأفندي توجه أخوه علي أفندي وابنه عباس أفندي إلى ناحية الدولة ثم ختم القاضي بيت طيفون والحاج طه بن عمر أفندي وحامد أفندي وغيرهم من المعتقلين.
وصار عبد الله أفندي الجابري مفتيا في حلب.
وفي 15جمادى الأولى وجدنا خاروفا برأسين وأربعة أيدي وأربعة أرجل وألية واحدة.
وأتى يوسف باشا واستقام في الشيخ أبي بكر أربعة أشهر إلى غرة جمادى الثاني، ففيها رحل وطلب قبل رحيله من البلد ثمانين كيسا و 140دابة وسبعة مدافع وذخائر فردوا له الجواب: ما عندنا شيء، إن كان مرادك المجيء تفضل أنت و 150عسكريا لا غير وإلا فابق مكانك.
قتال أهالي حلب مع عثمان باشا
ودخل عثمان باشا إلى أنطاكية ونزل جميع عساكره على الحريم وفعل أفعالا قبيحة في أنطاكية لم تفعلها الخوارج حتى قتل ابن الكاتب وفض بكارة بنته وأخذها معه إلى أرمناز وقتل شيخها وصادرها وأتى إلى إدلب وصادرها وخرب جميع القرى التي مرّ عليها وما حول ذلك إلى أن وصل إلى خانطومان فرعى مزروعاتها ومزروعات ما حولها إلى أن وصل إلى الراموسة فكمل خرابها ونزل بقرب الشيخ سعيد وأرسل عساكره ونهب بساتين البلد وسلبوا ثياب من رأوه في طريقهم، وانعقد القتال بينه وبين أهالي البلد وصار النقص في عساكره من القتال ومن الطاعون والقتل أكثر، ولكن كانوا يخفون القتلى، وانجرح من أهل البلد أبو بزبور وقطعوا رأس واحد. واستقام القتال عدة أيام إلى أن عجز عن الظفر ورحل إلى قرية عندان ولا زال يسلب أموال الناس ويأكل مزروعاتهم، ثم رحلوا الى جفتلك حسن باشا وشلحوا أتباعه وكانوا سبعة من أهالي كلز في طريقهم وانقطع الطريق، وأخذ في طريقه معز حلب ذبح منهم مقدار مائة رأس، ولما بعد عن حلب رأوا في الشيخ سعيد مقدار سبعين قتيلا من أتباعه وفي خانطومان مقدار ثلاثين وذلك ما عدا الذين وقعوا في الطريق من عند خانطومان إلى الشيخ سعيد (1)، ثم رحل من جفتلك حسن باشا إلى البيرة.
__________
(1) قال الكاتب في مجموعته: جاء عثمان باشا وحاصر حلب من جهة خانطومان خمسة عشر يوما وما قدر يدخل حلب اه. أقول: لم أقف على أسباب تلك المحاصرة ولعل ذلك لقيام الفتن بين السيدة واليكيجارية كما يستفاد من الحوادث الآتية.(3/296)
الطاعون العظيم في حلب
وفي 17رجب من هذه السنة (1201) فشا الطاعون في حلب ووضعت امرأة ولدا مطعونا في صدره، وكان يموت فيه كل يوم 100وأكثر، وفي يوم واحد طلع من كلز 186إنسانا.
وفي 17شعبان أحصوا الموتى من حلب فبلغ 34200من حلب، وأحصوا بعد ذلك الذي مات في أربعة أيام فبلغ 1400شخص والعياذ بالله تعالى اه ملخصا عن مجموعة ابن الطرابلسي.
قال الكاتب في مجموعته: في هذه السنة حصل غلاء وطاعون وقلة مطر ونشف النهر في أيام الربيع وبقي مقطوعا إلى أيام الأربعينية، وصار الغلاء في جميع المأكولات حتى أكل الناس حب القطن وحب الخرنوب وعجو المشمش المر بعد أن يحلّوه واستمر إلى الربيع، والطاعون وقع من أول رجب إلى آخر رمضان ثم انقطع، واستمر الغلاء إلى أن صار البيدر وشنبل الحنطة بخمسة وعشرين قرشا والخبز وصل إلى القرش بعد أن كان بثلاث عشرة بارة واللحم بقرش ونصف (أي رطل).
سنة 1204 تولية حلب لكوسا مصطفى باشا
في هذه السنة كان الوالي كوسا مصطفى باشا كما في السالنامة.
سنة 1205
قال الكاتب في مجموعته: في ذي القعدة من هذه السنة حصروا كوسا باشا في السراي أربعة أيام وبعدها أخرجوه من باب الفرج.
ذكر فتنة بطال آغا زاده نوري محمد آغا في عينتاب
قال جودت باشا في الجزء الخامس من تاريخه: كان بطال آغا زاده نوري محمد آغا من وجهاء أهالي عينتاب أنعم عليه سنة 1196برتبة مير ميران وأعطي مقاطعة عينتاب يتصرف فيها تصرف المالكين، وبعد أن تمكن فيها ابتدأت المنازعة بينه وبين اليكيجرية فلم يطق
أهالي عينتاب تلك المنازعات فاستدعوا متصرف كلز دال طبان (1) زاده محمد علي باشا فأتى إلى عينتاب ومعه كثير من الأتراك، وحينما قدمها انهزم نوري محمد آغا واستولى محمد علي باشا على عينتاب، لكنه أخذ في ظلم الرعية أكثر مما كان يظلمهم نوري محمد آغا، وهناك ذكر جودت باشا المثل السائر وهو (رحم الله النبّاش الأول) فاتفق أهالي عينتاب وقتلوا طبان زاده محمد علي باشا وتخلصوا من شره، وحينما بلغ ذلك نوري محمد آغا عاد إلى نواحي عينتاب ومعه كثير من الأشقياء وقطع طريق حلب وأخذ في النهب والسلب. وحينما بلغ حكومة الآستانة هذه الأخبار أرسلت عساكر كثيرة مع عبد الله بك كتخدا بقصد استئصال شأفته، وصادف في هذا الأثناء قدوم عبدي باشا معزولا من ولاية مصر ومرّ على نواحي عينتاب فلاذ نوري محمد آغا بعبدي باشا نادما على ما كان منه فأمنه هذا بشرط أن يذهب معه إلى ديار بكر فتوجه معه إليها، وصادف وفاة عبدي باشا في ديار بكر فانتهز هذا الفرصة وعاد إلى العيث في نواحي عينتاب على ما كان عليه واتفق مع السادة الأشراف وصار يحارب اليكيجرية وينهب أموالهم ويخرب بيوتهم. وبعد أن حصل منه ما حصل تيقن أن الدولة العثمانية لا تتحمل منه تلك الفعال فأخذ يرمم قلعة عينتاب بقصد الحصول على رضاء الدولة عنه، إلا أن الدولة عينت لقمع فتنته كوسا مصطفى باشا والي حلب، ولكن كان قبل ذلك حصل فيها فتنة أدت إلى هجوم أهالي حلب عليه وعلى عسكره وحصل بينهما مناوشة قتل فيها كثير من الطرفين وأدت إلى انهزامه إلى خارج حلب، فوافاه الأمر وهو في الصحراء بالتوجه إلى عينتاب فتوجه إليها وحاصرها خمسة أشهر، ثم لما نفدت الذخائر من قلعتها اضطر نوري محمد آغا إلى التسليم ثم أعدم وكان ذلك سنة 1206 وسكنت تلك العاصفة.(3/297)
قال جودت باشا في الجزء الخامس من تاريخه: كان بطال آغا زاده نوري محمد آغا من وجهاء أهالي عينتاب أنعم عليه سنة 1196برتبة مير ميران وأعطي مقاطعة عينتاب يتصرف فيها تصرف المالكين، وبعد أن تمكن فيها ابتدأت المنازعة بينه وبين اليكيجرية فلم يطق
أهالي عينتاب تلك المنازعات فاستدعوا متصرف كلز دال طبان (1) زاده محمد علي باشا فأتى إلى عينتاب ومعه كثير من الأتراك، وحينما قدمها انهزم نوري محمد آغا واستولى محمد علي باشا على عينتاب، لكنه أخذ في ظلم الرعية أكثر مما كان يظلمهم نوري محمد آغا، وهناك ذكر جودت باشا المثل السائر وهو (رحم الله النبّاش الأول) فاتفق أهالي عينتاب وقتلوا طبان زاده محمد علي باشا وتخلصوا من شره، وحينما بلغ ذلك نوري محمد آغا عاد إلى نواحي عينتاب ومعه كثير من الأشقياء وقطع طريق حلب وأخذ في النهب والسلب. وحينما بلغ حكومة الآستانة هذه الأخبار أرسلت عساكر كثيرة مع عبد الله بك كتخدا بقصد استئصال شأفته، وصادف في هذا الأثناء قدوم عبدي باشا معزولا من ولاية مصر ومرّ على نواحي عينتاب فلاذ نوري محمد آغا بعبدي باشا نادما على ما كان منه فأمنه هذا بشرط أن يذهب معه إلى ديار بكر فتوجه معه إليها، وصادف وفاة عبدي باشا في ديار بكر فانتهز هذا الفرصة وعاد إلى العيث في نواحي عينتاب على ما كان عليه واتفق مع السادة الأشراف وصار يحارب اليكيجرية وينهب أموالهم ويخرب بيوتهم. وبعد أن حصل منه ما حصل تيقن أن الدولة العثمانية لا تتحمل منه تلك الفعال فأخذ يرمم قلعة عينتاب بقصد الحصول على رضاء الدولة عنه، إلا أن الدولة عينت لقمع فتنته كوسا مصطفى باشا والي حلب، ولكن كان قبل ذلك حصل فيها فتنة أدت إلى هجوم أهالي حلب عليه وعلى عسكره وحصل بينهما مناوشة قتل فيها كثير من الطرفين وأدت إلى انهزامه إلى خارج حلب، فوافاه الأمر وهو في الصحراء بالتوجه إلى عينتاب فتوجه إليها وحاصرها خمسة أشهر، ثم لما نفدت الذخائر من قلعتها اضطر نوري محمد آغا إلى التسليم ثم أعدم وكان ذلك سنة 1206 وسكنت تلك العاصفة.
(ثم قال جودت باشا ما ترجمته): أن هؤلاء الخونة كانوا يتقربون إلى كبراء رجال الدولة بسافل الأمور فكانوا يعينونهم إلى بعض المقاطعات ويعينونهم على الفساد في الأرض والتسلط على عباد الله إلى أن يؤدي الأمر إلى عصيان الرعية وقيامها في وجه الحكومة والتبعة في كل ذلك على كبراء الدولة اه.
قال الكاتب في مجموعته في حوادث سنة 1206: فيها أحضر رأس ابن بطال من عينتاب مع جملة رؤوس عدتهم خمس وعشرون رأسا أرسلهم كوسا باشا في نصف ربيع الثاني ثم أرسلت إلى إسلامبول.
__________
(1) في الأصل: وآل طبال، والصواب ما أثبتناه.(3/298)
تعيين ترنج زاده سليمان باشا واليا على حلب
قال جودت باشا في الجزء الخامس في حوادث سنة 1205إنه تعيّن واليا على حلب ترنج زاده سليمان باشا اه وهذا لم يذكر في السالنامة.
سنة 1208 قيام الفتن بين السادة الأشراف وبين اليكيجرية
قال جودت في الجزء السادس من تاريخه في حوادث سنة 1208ما ترجمته: أنه قبل عدة سنين كانت الفتن متواصلة بين السادة الأشراف وبين الذين سموا أنفسهم اليكيجرية، إلا أنه بعد ذلك تزايد الأمر في هذه السنة واستولى اليكيجرية على منافع البلاد وأكثروا من إيذاء السادة الأشراف ومن العيث في البلاد بصورة أزالت نفوذ الولاة من البلاد وحالوا دون إقامة الأحكام فيها. وبعد أن وضعت الحرب الروسية أوزارها وتفرغت الدولة لإصلاح الخلل في داخل بلادها عينت سليمان فيضي باشا المذكور واليا على حلب، وأخذ هذا في إصلاح البلدة وتنظيم شؤونها وإزالة ما كان فيها من أسباب الاختلاف والفساد بين هاتين الفئتين، وتأمينا لهذه الاضطرابات وعدم حدوثها في المستقبل أخذ سليمان باشا من كبراء البلدة ضمانات وعهودا. إلا أنه بالرغم عن هذه التشبثات فإن الأشقياء في حلب نقضوا تلك العهود وهجموا على محمد أفندي الغوري أحد وجهاء حلب وأخذوا في ضربه وشتمه بلا سبب ولا موجب إلى أن قتل وعادوا إلى ما كانوا عليه من العيث في نواحي الشهباء.
وأما سليمان باشا فإنه لعجزه عن إرجاع الأمن إلى نصابه خرج إلى بعض بساتين حلب وقعد فيها وأرسل يعلم الدولة بذلك، فتسكينا لهذه الأحوال أرسلت الدولة وفدا إلى الشهباء، ولما وصل جمع بين سليمان باشا وبين اليكيجرية وأصلح ذات بينهما وهدأ الحال، ووصلت الأخبار إلى الآستانة بسكون الحال في أواسط سنة 1208.
زيادة بيان في هذه الفتن وحادثة جامع الأطروش
قال الكاتب في مجموعته: في هذه السنة قامت الفتن بين اليكيجارية والأشراف وبقيت عشرين يوما، ثم انكسرت الأشراف وحصرهم اليكيجارية في جامع الأطروش وفعلوا أفعالا فظيعة اه.(3/299)
حدثني بعض أهل محلة ألطنبغا نقلا عن بعض أشياخها أنه بينما كان بضعة من الأشراف مارّين أمام جامع الأطروش وإذ باليكيجارية قد انقضوا عليهم وكانوا كثيري العدد فلم يجد الأشراف بدا من الهرب فالتجؤوا إلى الجامع وأغلقوا بابه ووضعوا وراءه أحجارا، فحاول اليكيجارية فتحه فلم يتمكنوا فأحضروا قطرانا ودهنوا الباب وأعطوه النار فاحترق، ولم يزل أثر الحريق في أطراف الباب باقيا إلى يومنا هذا، فدخلوا عليهم فانهزم أولئك إلى المنارة فضايقوهم فألقوا بأنفسهم إلى سطح الجامع ومنه إلى سطح بيوت الخلاء فلحقوهم هناك وقبضوا عليهم فاستغاثوا بهم فلم يغاثوا بل بالوا بأفواههم وذبحوهم. ولهذه الحادثة الفظيعة نظمت عدة قصائد للشيخ وفا الرفاعي وغيره، وقد أنشدني عبد القادر الطرابيشي من أهل الباب أبياتا في هذه الحادثة نسبها إلى فاضل بك الإستانبولي وهو الآن ممن جاوز الثمانين وهي:
يا مصطفى إن القلوب منغصه ... لبنيك في الشهباء حلّت منقصه
في جامع يدعى الطروش لقد غدت ... بدمائهم تلك الأماكن مقنصه
أدرك فجسم الدين ساء مزاجه ... ولقد كوى الأشراف إبن الحمصه
أقبل وقل للحربلي الحرب لي ... وأذق إلى ذاك الوجاق المخمصه
في النازعات فاجعلن ياسينهم ... وجميعهم ليست إليه مخصصه
فدماء أعداء الإله ثمينة ... ودماء أولاد الرسول مرخصه
ولأنت أولى بالجميع وهذه ... شكواهم رفعت إليك ملخصه
ذكر قيام الفتن بين هاتين الفئتين في عينتاب أيضا
قال جودت باشا: إن الأهالي من قديم الزمان في نواحي حلب وعينتاب منقسمون إلى قسمين سادة (أو أميرية) ويكيجرية، وهاتان الفئتان بينهما غاية الخلاف دائما وهما في فتن لا تنقطع، وكان لليكيجرية إشارات خاصة وهي النواشين، وكان علامة السادة العمائم الخضر. والسادة أو الأميرية هم عبارة عن أعيان البلاد ومن التف حولهم وذلك من قبل فتح السلطان سليم لهذه البلاد، وأهالي مرعش أيضا كانوا منقسمين إلى فئتين فئة البيازيدية وفئة ذي الغادرية وهؤلاء من نسل ملوك تلك البلاد قبل الفتح السليمي، وكان النزاع بين هاتين الطائفتين مستمرا أيضا، وفي أثناء هذه العشر سنوات
ازداد طغيان فرقة السادة وقتلوا من اليكيجرية عدة مئات، فأمر متصرف مرعش ذو القدر زاده عمر باشا بالتوجه إلى عينتاب وإصلاح شؤونها، فتوجه إلى عينتاب إلا أن بعض الأشقياء من العشائر خرجوا عليه وقتلوه في أثناء الطريق رميا بالرصاص، فعينت الدولة حسن باشا متصرفا على مرعش عوضا عن عمر باشا فتوجه إليها اه.(3/300)
قال جودت باشا: إن الأهالي من قديم الزمان في نواحي حلب وعينتاب منقسمون إلى قسمين سادة (أو أميرية) ويكيجرية، وهاتان الفئتان بينهما غاية الخلاف دائما وهما في فتن لا تنقطع، وكان لليكيجرية إشارات خاصة وهي النواشين، وكان علامة السادة العمائم الخضر. والسادة أو الأميرية هم عبارة عن أعيان البلاد ومن التف حولهم وذلك من قبل فتح السلطان سليم لهذه البلاد، وأهالي مرعش أيضا كانوا منقسمين إلى فئتين فئة البيازيدية وفئة ذي الغادرية وهؤلاء من نسل ملوك تلك البلاد قبل الفتح السليمي، وكان النزاع بين هاتين الطائفتين مستمرا أيضا، وفي أثناء هذه العشر سنوات
ازداد طغيان فرقة السادة وقتلوا من اليكيجرية عدة مئات، فأمر متصرف مرعش ذو القدر زاده عمر باشا بالتوجه إلى عينتاب وإصلاح شؤونها، فتوجه إلى عينتاب إلا أن بعض الأشقياء من العشائر خرجوا عليه وقتلوه في أثناء الطريق رميا بالرصاص، فعينت الدولة حسن باشا متصرفا على مرعش عوضا عن عمر باشا فتوجه إليها اه.
سنة 1210 تعيين عظم زاده عبد الله باشا واليا على حلب
قال جودت باشا في حوادث هذه السنة: فيها تعين عظم زاده عبد الله باشا واليا على حلب. وفي السالنامة أنه عين سنة 1207، ويغلب على الظن أن الأصح ما قاله جودت باشا.
سنة 1214
كان الوالي فيها حاجي إبراهيم باشا كما في السالنامة، وهو إبراهيم باشا المشهور بقطر آغاسي جد آل القطر آغاسية الآن.
وفي سنة 1212استولى الفرنسيس على مصر فشرعت الدولة العثمانية تجهز العساكر والجيوش من البلاد وترسلها إلى مصر بقصد محاربة الفرنسيس وإخراجه من مصر.
قال الشيخ بكري الكاتب: في غرة جمادى الأولى من سنة 1214سافر من حلب إلى مصر أحمد آغا حمصة ومعه سبعة آلاف خيال من الأنجكارية وسحبوا أمامهم بيرقا كبيرا. وفي الثالث من شوال حبس أحمد آغا الحمصة بعد رجوعه مكسورا وسلب ماله وقبض على بعض جماعة من الأنجكارية وأخذ منهم أموال.
سنة 1215
قال الشيخ بكري الكاتب: فيها خرج إبراهيم باشا قطر آغاسي إلى الديار المصرية.
وفيها أتى خط شريف في سفر الأشراف إلى مصر، وكان نقيبهم يومئذ محمد أفندي القدسي وسافر معه أربعة آلاف من الأشراف وطلع السنجق نهار السبت لثلاث مضت من ربيع الثاني، وفي هذه السفرة صار الفتوح (أي استرداد مصر).(3/301)
قال جودت باشا في تاريخه في ترجمة محمد أفندي القدسي: لما أتى الفرنسيس إلى الديار المصرية وجهزت الدولة العثمانية الجيوش إلى مصر لأجل استردادها جمع المترجم مقدار خمسة أو ستة آلاف من أهالي حلب وتوجه إلى مصر مع القائد ضيا باشا وشكر على خدمته هذه ووعد بأن يعطى قضاء مصر بعد استردادها، وأنهى له من ذلك الحين من طرف القائد المذكور بتوجيه مولوية مصر عليه إلخ ما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى في وفيات هذه السنة في القسم الثاني.
سنة 1216
فيها عاد قدسي أفندي من مصر ودخل حلب هو والأشراف وصارت زينة يوم دخولهم وأتت البشائر باسترداد مصر، ثم قدم الوزير الأعظم ومعه إبراهيم باشا قطر آغاسي.
سنة 1217
قال الكاتب: فيها أحضر الوزير الأعظم (ضيا باشا) الوجوه والأشراف والسردار عبد الرحمن آغا تل أرفادي وأولاد الجزماتي وخطباء الجوامع وإبراهيم باشا قطر آغاسي ورفع الأغوات ونفى 36شخصا من الأنجكارية وعمل على الأشراف نذرا (ضريبة) مقدار ثلاثمائة كيس وعلى الأنجكارية مثل ذلك على أنه لا يدخلهم إلى البلد مدة وكتب على الفريقين حججا اه. يظهر أن ذلك لفتن كانت قائمة بين الفريقين أدت إلى نفي 36من الأنجكارية ومصادرة الفريقين.
ثم قال: ثم صدر أمر من الصدر الأعظم في نفي 43شخصا من آغوات الأنجكارية ومن يلوذ بهم وسلم الفرمان إلى إبراهيم باشا، ثم استولى الوزير على القلعة ووضع فيها من عنده عسكرا من الأرنؤوط، ثم سافر الصدر إلى إستانبول ومعه قدسي أفندي.
سنة 1218:
كان الوالي فيها إبراهيم باشا.
سنة 1220:
كان الوالي فيها علاء الدين باشا.
سنة 1222:
كان الوالي فيها يوسف ضيا باشا.
سنة 1224:
كان الوالي فيها سرور باشا.
سنة 1226:
كان الوالي فيها محمد راغب باشا كما في السالنامة.
وفي هذه السنة مات أحمد آغا حمصة وهو من زعماء الأنجكارية.(3/302)
سنة 1227 ذكر تولية حلب لجبّار زاده جلال الدين باشا
قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته: في سادس رجب من سنة 1227جاء ابن جبان إلى حلب ونزل في الشيخ أبي بكر الوفائي ودعا الأنجكارية بحيلة زينة وقتل آغوات الأنجكارية ومن جملتهم إبراهيم آغا الحربلي وياسين آغا ابن تل قراحية اه.
قال جودت باشا في الجزء العاشر من تاريخه في حوادث سنة 1228: ولظهور الفتن في حلب عزل عن ولايتها راغب باشا وعيّن جبار زاده جلال الدين باشا. وحينما كان واليا عليها وكان قد أعطي صلاحية واسعة احتال على قبض ثمانية عشر من رؤساء الأشرار في حلب وأعدمهم، وبهذه الصورة سكنت الفتن هنا مدة اه.
(أقول): الدائر على ألسنة الناس إلى يومنا هذا عن ابن جبار بالنون، والمتواتر عنه أنه كان رجلا جبارا كاسمه ملأ الشهباء جورا وظلما منه ومن أتباعه وحواشيه وأخذ في مصادرة الناس، ومتى سمع بغني كلفه دفع ما يأمره به من الأكياس (والكيس خمسمائة قرش) فإن لم يدفع أو تأخر عن الدفع أخذه أعوانه إلى القلعة وضربوا عنقه وألقوا برأسه وجثته إلى الخندق، وكان كلما قتل شخصا ضرب مدفعا فإذا سمع في تلك الليلة صوت ثلاثة مدافع علم أن المقتول ثلاثة، وكان الناس يتحدثون في اليوم الثاني أن فلانا (ضربوا طوبه) يعنون أنه قتل، واضطر الناس في ذلك العصر إلى عدم التظاهر بالغنى والله أكبر على من تظاهر بشيء مما أنعم الله به عليه. نعم قد أحسن صنعا في قتل من قتله من الأنكجارية نظرا لما نقل إلينا بالتواتر أيضا من أنهم في ذلك العصر أكثروا من الفساد في الشهباء وخارجها، وكان النساء إذا أردن الخروج إلى الحمام يخرجن مجتمعات مقدار عشرة فأكثر، ومن خرجت منفردة تكون قد عرضت عرضها للهتك، وإذا خرج منهن ثلاث أو أربع فهن على خطر. إلا أنه قتل هؤلاء لا لقطع دابر الفساد وإراحة العباد من أذاهم وشرهم وبسط بساط العدل والأمن في ربوع هذه البلاد بل ليخلفهم هو وأتباعه في سيىء أعمالهم ويحذو حذوهم في شرورهم وتعدياتهم ويزيد عليهم، فكانت حالة الشهباء معه ومع أتباعه بالنسبة إلى حالة الأنكجارية كالمستجير من الرمضاء بالنار. والخلاصة أن ولايته وولاية خورشيد باشا الآتي ذكره والناسج على منواله كانتا أشد الولايات على الشهباء وزمنهما
أشأم الأزمنة، وكثيرا ما كنا نسمع من أفواه الطاعنين في السن يقولون لنا: إنكم الآن في مهد سيدنا عيسى بالنسبة إلى ما كان في زمن ابن جبان وخورشيد باشا.(3/303)
(أقول): الدائر على ألسنة الناس إلى يومنا هذا عن ابن جبار بالنون، والمتواتر عنه أنه كان رجلا جبارا كاسمه ملأ الشهباء جورا وظلما منه ومن أتباعه وحواشيه وأخذ في مصادرة الناس، ومتى سمع بغني كلفه دفع ما يأمره به من الأكياس (والكيس خمسمائة قرش) فإن لم يدفع أو تأخر عن الدفع أخذه أعوانه إلى القلعة وضربوا عنقه وألقوا برأسه وجثته إلى الخندق، وكان كلما قتل شخصا ضرب مدفعا فإذا سمع في تلك الليلة صوت ثلاثة مدافع علم أن المقتول ثلاثة، وكان الناس يتحدثون في اليوم الثاني أن فلانا (ضربوا طوبه) يعنون أنه قتل، واضطر الناس في ذلك العصر إلى عدم التظاهر بالغنى والله أكبر على من تظاهر بشيء مما أنعم الله به عليه. نعم قد أحسن صنعا في قتل من قتله من الأنكجارية نظرا لما نقل إلينا بالتواتر أيضا من أنهم في ذلك العصر أكثروا من الفساد في الشهباء وخارجها، وكان النساء إذا أردن الخروج إلى الحمام يخرجن مجتمعات مقدار عشرة فأكثر، ومن خرجت منفردة تكون قد عرضت عرضها للهتك، وإذا خرج منهن ثلاث أو أربع فهن على خطر. إلا أنه قتل هؤلاء لا لقطع دابر الفساد وإراحة العباد من أذاهم وشرهم وبسط بساط العدل والأمن في ربوع هذه البلاد بل ليخلفهم هو وأتباعه في سيىء أعمالهم ويحذو حذوهم في شرورهم وتعدياتهم ويزيد عليهم، فكانت حالة الشهباء معه ومع أتباعه بالنسبة إلى حالة الأنكجارية كالمستجير من الرمضاء بالنار. والخلاصة أن ولايته وولاية خورشيد باشا الآتي ذكره والناسج على منواله كانتا أشد الولايات على الشهباء وزمنهما
أشأم الأزمنة، وكثيرا ما كنا نسمع من أفواه الطاعنين في السن يقولون لنا: إنكم الآن في مهد سيدنا عيسى بالنسبة إلى ما كان في زمن ابن جبان وخورشيد باشا.
وتتابع تلك الفتن بين الأنكجارية والسادة وظلم هؤلاء الولاة عطل دولاب التجارة وأوقف سير الصناعة وتقدم الزراعة، فنضبت لذلك منابع الثروة واستولى الفقر والفاقة على البلاد، وأتت بعد ذلك الزلزلة التي كانت سنة 1237وتابع ذلك الفتن التي حصلت في زمن احتلال إبراهيم باشا المصري لهذه البلاد فأثرت تلك العوامل تأثيرا كبيرا في الثروة والعمران وتفرق كثير من الناس في البلاد وتخربت أماكن كثيرة داخل الشهباء وخارجها.
ولاستيلاء الفقر ونضوب منابع الثروة ومهاجرة الكثيرين قلت النفوس، وكنت تجد معظم الحوانيت في الأسواق مغلقة، ويقدر الخبيرون أن نفوس حلب بعد جلاء إبراهيم باشا عن هذه البلاد تقدر بخمسة وسبعين إلى ثمانين ألفا، وقد علمت في حوادث سنة 1094أن شوفاديه دارفيو قدرها ب 280ألفا فلله الأمر من قبل ومن بعد.
زيادة بيان في مظالم ابن جبّان
كتب إلينا طاهر آغا المكانسي ابن محمد آغا نقلا عن والده الذي شاهد أحوال ابن جبان وقتل إبراهيم آغا الحربلي وأغوات الأنجكارية فآثرنا إثباتها لما فيها من التفاصيل، ومنها يتجلى لنا ما كان عليه ابن جبان من الظلم والجور وما كان عليه الحال في ذلك الزمن قال:
لما استقرت أقدام ابن جبان هنا عين اثنين من طرفه يتجسسان على الناس فصارا يقدمان له في كل يوم ورقة تتضمن اسم من ينبغي مصادرته ويقولان إن هذا يستحق جرمين ومقدار الجرم أربعون كيسا، فكان ابن جبان يرسل من طرفه اثنين حاملين للبلطة (نوع من السلاح) فيأتيان بمن أمرا بإحضاره فيزج في الحبس في القلعة ويوضع في رقبته زنجير له شوك ثم يطالب بما قرر عليه وهو جرم أو جرمان أو أكثر، فإذا أحضر ذلك أطلق سبيله ومن لم يعط الجرم في خلال ثلاثة أيام يخنق ليلا ويرمى تجاه باب القلعة، وكلما خنقوا واحدا أطلقوا مدفعا فكان يعلم عدد المخنوقين في هذه الليلة من عدد المدافع، وكانوا لا يمكنون أهالي المخنوق من نقل جثته بل يضعون عسكرا يحافظون تلك الجثث الملقاة في الخندق، وربما أتى بعض أهالي المخنوقين ليلا وحبا على ركبتيه إلى أن يصل إلى قريبه فيحمله أو يحمل عضوا منه إذا كانت أوصاله مقطعة ويصعد به خفية ويذهب فيدفنه. وكان الوالي إذا أراد النزول إلى السوق أمر فزينت له الأسواق نهارا، فينزل ومعه البلطجية والعساكر عن يمينه وشماله فيدور
في الأسواق ومتى أدار الوالي نظره إلى رجل فإن البلطجية يأتون فيضربون رقبة صاحب ذلك الحانوت، يفعل ذلك بثلاثة أو أربعة أشخاص ثم يعود.(3/304)
لما استقرت أقدام ابن جبان هنا عين اثنين من طرفه يتجسسان على الناس فصارا يقدمان له في كل يوم ورقة تتضمن اسم من ينبغي مصادرته ويقولان إن هذا يستحق جرمين ومقدار الجرم أربعون كيسا، فكان ابن جبان يرسل من طرفه اثنين حاملين للبلطة (نوع من السلاح) فيأتيان بمن أمرا بإحضاره فيزج في الحبس في القلعة ويوضع في رقبته زنجير له شوك ثم يطالب بما قرر عليه وهو جرم أو جرمان أو أكثر، فإذا أحضر ذلك أطلق سبيله ومن لم يعط الجرم في خلال ثلاثة أيام يخنق ليلا ويرمى تجاه باب القلعة، وكلما خنقوا واحدا أطلقوا مدفعا فكان يعلم عدد المخنوقين في هذه الليلة من عدد المدافع، وكانوا لا يمكنون أهالي المخنوق من نقل جثته بل يضعون عسكرا يحافظون تلك الجثث الملقاة في الخندق، وربما أتى بعض أهالي المخنوقين ليلا وحبا على ركبتيه إلى أن يصل إلى قريبه فيحمله أو يحمل عضوا منه إذا كانت أوصاله مقطعة ويصعد به خفية ويذهب فيدفنه. وكان الوالي إذا أراد النزول إلى السوق أمر فزينت له الأسواق نهارا، فينزل ومعه البلطجية والعساكر عن يمينه وشماله فيدور
في الأسواق ومتى أدار الوالي نظره إلى رجل فإن البلطجية يأتون فيضربون رقبة صاحب ذلك الحانوت، يفعل ذلك بثلاثة أو أربعة أشخاص ثم يعود.
ولما تكرر منه هذا العمل الفظيع سأله وجوه البلد عن سبب قتل هؤلاء وما ذنبهم فكان يقول: لا ذنب لهم غير أني أقصد إرهاب الناس.
وشاع في بعض الأيام خبر عزله فقبض أعوانه على واحد واتهموه أنه القاتل، فأنكر ذلك وحلف لهم فلم يصدقوه فعزا ذلك إلى شخص آخر وقال: إني سمعتها منه، فتركوه حينئذ وقبضوا على الثاني فأنكر كذلك وحلف لهم فلم يصدقوه، فعزا ذلك إلى شخص آخر فأطلقوه وقبضوا على ذلك الشخص وهكذا إلى أن قبضوا على شخص يقال له الحاج بدّور الخيمي فأنكر ولم يعز ذلك لأحد، فأتي به إلى سوق الزرب (الضرب) وكان هناك شجرة دلبة قديمة ونصبوا له خشبات الصلب وصاروا يستنطقونه وهو يحلف لهم الأيمان المغلظة أنه لم يقل ذلك ولا علم له بمن قال، فلم يجده ذلك نفعا وصلبوه تحت الشجرة المذكورة بمحضر من الناس.
تفصيل مقتل إبراهيم آغا حربلي
وكان إبراهيم آغا الحربلي من التجار بحلب ذوي الثروة الطائلة، فبلغ ابن جبان أمواله ونقوده فألقى القبض عليه وحبسه عنده (في الشيخ أبي بكر) وأمر بتعذيبه ليلا ونهارا، وكان أعوانه يحمون الآنية من النحاس ويجردون إبراهيم آغا من ثيابه ويضعونه فوق الآنية حتى يسيل الدهن من أليتيه، فكان يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجار، وهم يقولون له قر لنا عن الذهب الذي عندك، فكان من شدة العذاب يقول لهم إن في داري الفلانية في المحل الفلاني فيه كذا من الجهاديات والغازيات فيتوجهون ويدخلون إلى الدار بغير استئذان ويأتون بما فيها من النقود، ولم يزالوا على ذلك مدة سبعة أيام، وفي آخر الأمر أقرّ لهم أن في داره التي في محلة قارلق في الصهريج كذا وكذا من الذهب وكان مبلغا عظيما فذهبوا وأتوا به، ولما تيقنوا أنه لم يبق عنده شيء قطعوا رأسه بجانب حوض الشيخ أبي بكر وكان عمره حين قتل خمسا وسبعين سنة وذلك سنة ألف ومائتين وثمانية وعشرين.(3/305)
سنة 1230 ذكر الطواعين التي حصلت في حلب من سنة 1097إلى هذه السنة
قال ابن الفنصاوي في رسالته التي نوهنا عنها في حوادث سنة 1042و 1080ما نصه بالحرف: وصار سنة ألف وسبع وتسعين طاعون إلا أنه ألطف منه وكان أشد من الطواعين التي صارت بعده، ثم صار بعده طاعون سنة 1103ألف ومائة وثلاثة ثم امتد إلى بغداد فأباد أهلها وتلك النواحي حتى حكى بعض أقاربنا أنه رأى ميتة في كفنها وكفنها مكتوب فيه: هذه بنت فلان وهي مربوطة على ظهر حمار من أمكنه أن يواري هذه الحرمة في التراب لنيل الثواب. وإن فلانا كان ذا مال عظيم ولم يكن أحد يواريها التراب وذلك لأنه لم يوجد من يتولى مثل هذه المصالح بل ولا غيرها، وبقيت الأزقة والأسواق مملوءة بالموتى والمار لا يقدر على المرور من روايح الجيف، والذي تصل إليه ويوجد له من يحمله يرمى في الشط، فكان الرجل على ما نقل يمشي خطوات ثم يرجف ويقع فيموت في الحال. حتى حكي أن بيتا من البيوت دخله لص فمات في دهليزه في الحال، ثم دخله آخر فمات في الحال إلى ثمانية أنفار، فدخل التاسع فرأى أصحاب الدار كلهم موتى منتنين وهو يعرفهم من قبل ورأى اللصوص كلهم موتى في الدهليز وكان يعرفهم، وفي حال دخول كل منهم كان مراقبا له لكونه من جيران ذلك البيت.
ثم صار طاعون سنة 1109ألف ومائة وتسعة صار مخصوصا في بعض بيوت الناس بحلب. ثم صار طاعون سنة 1117ألف ومائة وسبعة عشر ظهر في شباط وانقطع بالكلية في أواخر تموز. ثم ظهر في السنة التي بعدها سنة 1118ألف ومائة وثمانية عشر في أوائل أيار وانقطع في الكلية في أواخر آب، وكان طاعونا على خلاف العادة المعروفة من الطواعين الماضية في هذه البلاد على ما نقله المسنّون المعمّرون، لكن كان طاعونا لطيفا ينزل الجامع الكبير كل يوم عشر جنائز أو أقل أو أكثر ولا يصل إلى عشرين إذا بلغ غاية الكثرة في اشتداده وأيام كثرته، وكان امتداده لطيفا إذ لو مات فيه من مات في مدة أيامه المعودة لأوقع وهما في البلد فكان الخوف منه الخوف من امتداده فقط.
ثم صار طاعون سنة 1131ألف ومائة وإحدى وثلاثين، وكان في الكثرة والشدة مثل الطاعون الذي وقع سنة ألف ومائة وثلاثين. ثم صار طاعون خاص ببعض الأشخاص
وبعض البيوت بحلب سنة 1140ألف ومائة وأربعين. ثم وقع طاعون سنة 1145ألف ومائة وخمسة وأربعين وهو قريب من طاعون سنة ألف وماية وإحدى وثلاثين، وغالب من مات فيه فتيان من قبل الثلاثين إلى أولاد صغار الأكثر فيهم فوق العشرة دون العشرين.(3/306)
ثم صار طاعون سنة 1131ألف ومائة وإحدى وثلاثين، وكان في الكثرة والشدة مثل الطاعون الذي وقع سنة ألف ومائة وثلاثين. ثم صار طاعون خاص ببعض الأشخاص
وبعض البيوت بحلب سنة 1140ألف ومائة وأربعين. ثم وقع طاعون سنة 1145ألف ومائة وخمسة وأربعين وهو قريب من طاعون سنة ألف وماية وإحدى وثلاثين، وغالب من مات فيه فتيان من قبل الثلاثين إلى أولاد صغار الأكثر فيهم فوق العشرة دون العشرين.
ثم وقع الطاعون المشهور بعد الغلاء المشهور سنة ألف ومائة وسبعين بحلب، فعلى ما أخبر المسنّون أنه في ذلك الغلاء قدم إلى حلب أكثر من عشرين ألف غريب كلهم فقراء وصاروا يجمدون الدم على النار ويأكلونه من الجدب العظيم الذي وقع في بلادهم، ثم أعقبه الوباء المشهور العظيم. وفي سنة 1201إحدى ومائتين وألف وقع بحلب أيضا الغلاء المشهور وأعقبه الوباء المشهور وبلغ في الكثرة على ما قيل كل يوم نحو ألف جنازة (انظر حوادث هذه السنة) وخلت منه غالب البلد.
وأما الطواعين التي شاهدها صاحب هذه الأوراق العبد الفقير عبد الله ابن السيد قاسم الفنصاوي فإن أول طاعون شاهدته بحلب سنة 1217ألف ومائتين وسبعة عشر لطيف ينزل فيه إلى الجامع الكبير أيام زيادته نحو عشرين جنازة أو أقل، ثم وقع أيضا سنة 1222ألف ومائتين واثنتين وعشرين مثله أو ألطف منه. ثم وقع سنة 1228ألف ومائتين وثمان وعشرين لطيف للغاية، ثم اشتد سنة التاسعة والعشرين شدة تقرب مما وقع سنة الواحد لكن أقل.
ومات فيه من علماء حلب وفضلائها جماعة أجلاء فمن أجلّهم شيخنا وحيد الدهر وفريد العصر في الحفظ والإتقان الشيخ هاشم الكلاسي، ومن أجلّهم المحقق المدقق الفقيه المحدث الشيخ عاصم البانقوسي والشيخان الكاملان الفاضلان الجامعان بين الحفظ والإتقان والروايات والعلم فقها وحديثا فروعا وأصولا ونحوا وأدبا الشيخ عبد الله والشيخ طه أولاد الشيخ محمد العقاد المشهور، وشيخنا العالم الفاضل والنحرير الجهبذ الكامل الشيخ محمد الضرير الشهير بالنوري، والشيخ أحمد الواعظ الخطيب بجامع الكبير الشهير بالأشرفي وغيرهم من أفاضل حلب. ثم عاودها في سنة الثلاثين بعد المائتين والألف وصار ثلاث سنين متواليات، ومات في هذه السنة من العلماء الشيخ طاهر البانقوسي أخو الشيخ عاصم المذكور رحم الله الجميع.
سنة 1231
كان الوالي فيها سيد أحمد باشا كما في السالنامة.(3/307)
سنة 1233 ذكر ولاية خورشيد باشا
تقدم أن جبّار زاده جلال الدين باشا احتال على قبض ثمانية عشر من رؤساء الأنجكارية في حلب وأعدمهم وبهذه الصورة سكنت الفتن هنا مدة. قال جودت باشا:
إلا أنه لم تمض مدة إلا وعادت الفتن إلى الظهور وعاد الأشرار إلى ما كانوا عليه وانضم إليهم بعض الفارين من وجه الدولة، فرؤي أن من الواجب تأديبهم واستئصال شأفة الفساد، إلا أن السبب الذي دعا هؤلاء الأشرار إلى إثارة الفتن والقيام في وجه الحكومة كان هو سوء إدارة من كان في دائرة خورشيد باشا وسيىء أحوالهم. وبقدر ما كان خورشيد باشا صالحا عابدا كان مأمورو معيته أراذل أسافل. ورئيس دائرته سليمان بك كان غريبا في أحواله وأطواره بحيث كانت الخمرة لا ترتفع من رأسه ليلا ونهارا، وكان منهمكا تمام الانهماك في شهواته السافلة، وكانت حالته في السكر تصل به إلى حد الجنون، وكان في بعض الليالي يؤدي به الحال إلى إشهار السلاح على من حضره. وصادف أنه تكدر من سائسه نهارا فدخل الإصطبل ليلا ففرّ من كان هناك من السوّاس فأخذ في تقطيع حزامات الخيل وصار يضرب فيها، فخرجت الخيول ليلا وصارت تتجول في الأزقة وحصل للأهلين من الرعب ما لا مزيد عليه ولم يعلموا السبب إلى اليوم الثاني، وكان جميع من كان مع خورشيد باشا على هذا المنوال إلا أنه كان لا يظن بأتباعه إلا خيرا نظرا لصلاحه حتى إنه ما كان ليظن أن معتمده على هذه الصورة ولا كان يظن أن إمامه أيضا كان على شاكلة هؤلاء وسائرا سيرتهم.
فكانت أحوال رجال حكومة خورشيد باشا تؤثر على إحساسات أهالي حلب وتجعل حب الانتقام ينمو في قلوبهم شيئا فشيئا. ولما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى توجه عصبة منهم إلى بيت سليمان بك المذكور وأعدموه في منزله وهجموا أيضا على دور بقية أمراء خورشيد باشا ودار إمامه أيضا وأخذوا كل ما وجدوه من آلات الفسق والفجور وساقوا أمامهم هؤلاء الأمراء وشهروهم في الأزقة وأمامهم ذلك الإمام إلى أن وصلوا بهم إلى المحكمة وقالوا للقاضي: يا قاضي حسبك أن تعلم الآستانة بهذا فقط.
ثم إن ذلك الإمام استعمل أنواع المخادعات والحيل وأقنع خورشيد باشا أن هؤلاء قصدهم إثارة الفتن والعصيان على الدولة، فانقلب الأمر وانعكست القضية على هؤلاء
بحيث دعت الحال أن يتوجه لفيف من وجوه الشهباء وعلمائها إلى خورشيد باشا وهو مقيم في الشيخ أبي بكر وصاروا يتلطفون بخاطره ويلتمسون رضاه. ثم إن خورشيد باشا قطع المؤن والماء عن البلدة وضيق عليها أشد التضييق وبعث العساكر في أنحائها وأرسل فاستحضر متسلميها، وأرسل إلى ديار بكر لاستحضار العساكر التي أرسلت بمعية سلحدار باشا، وأرسل إلى سلانيك لاستحضار ألفي جندي عن طريق اللاذقية وكتب بما قام به من التدابير إلى مقر السلطنة. فوصلت تحاريره في 18محرم، وكان في ذلك الأثناء حدثت فتن في ديار بكر فكان ذلك سببا لاضطراب أحوال الحكومة في الآستانة.(3/308)
ثم إن ذلك الإمام استعمل أنواع المخادعات والحيل وأقنع خورشيد باشا أن هؤلاء قصدهم إثارة الفتن والعصيان على الدولة، فانقلب الأمر وانعكست القضية على هؤلاء
بحيث دعت الحال أن يتوجه لفيف من وجوه الشهباء وعلمائها إلى خورشيد باشا وهو مقيم في الشيخ أبي بكر وصاروا يتلطفون بخاطره ويلتمسون رضاه. ثم إن خورشيد باشا قطع المؤن والماء عن البلدة وضيق عليها أشد التضييق وبعث العساكر في أنحائها وأرسل فاستحضر متسلميها، وأرسل إلى ديار بكر لاستحضار العساكر التي أرسلت بمعية سلحدار باشا، وأرسل إلى سلانيك لاستحضار ألفي جندي عن طريق اللاذقية وكتب بما قام به من التدابير إلى مقر السلطنة. فوصلت تحاريره في 18محرم، وكان في ذلك الأثناء حدثت فتن في ديار بكر فكان ذلك سببا لاضطراب أحوال الحكومة في الآستانة.
إن خورشيد باشا بالرغم على كونه صالحا متدينا صافي السريرة نظيف اللسان، وبالرغم عن سوء أحوال حاشيته فكان الواجب على أهالي حلب أن يرفعوا أمرهم رأسا للدولة لا أن يثيروا الفتن ليؤدي الحال إلى اعتبارهم عصاة في نظر الدولة لتسعى في تأديبهم ولكونهم كانوا مستحقين للتأديب (هكذا رأيه ومصلحة دولته تدعوه أن يقول ذلك).
أعطي الأمر إلى متصرف قيسارية أبي بكر باشا بجمع مقدار من العساكر والتوجه إلى حلب، وكذلك أعطي الأمر إلى جبّار زاده جلال الدين باشا والي آدنة بإرسال عساكر مع قائد إلى ديار بكر عوضا عن العساكر التي استدعيت من ديار بكر إلى حلب ووعد جبّار زاده المذكور لوالي حلب بتقديم كل ما يلزم له من أنواع المساعدة في سبيل تأديب هؤلاء العصاة، حتى إنه وعده بالمجيء بنفسه إذا اقتضى الحال.
ثم إن العساكر التي كانت حضرت من طريق الإسكندرونة وكانت موجهة إلى بغداد ومعها آلات الحرب والمدافع أمرت بالبقاء في حلب والالتحاق بمن هناك من العساكر.
وأرسل من هؤلاء شرذمة لتأديب حمود الإبراهيم رئيس عشيرة الحديديين لمعاونته العصاة من أهالي حلب، ثم حضر إلى حلب متسلمو الأطراف مع ما لديهم من العساكر ووصل إليها عساكر سلانيك وعساكر الأرناؤوط التي كانت موجهة إلى ديار بكر، وكانت هذه العساكر تأتي إلى حلب زمرة بعد زمرة، ثم حضر إليها جبارزاده جلال الدين باشا والي آدنة ولطف الله باشا والي الرقة وحضر معهم عساكر أيضا فصار في حلب قوة عظيمة من العساكر.
ثم حصل وقعة في محلة قسطل الحرامي بين العساكر والعصاة من الأهالي فانكسر العصاة لكنهم لم يخلدوا إلى السكينة، فاتفق الولاة الثلاثة على الدخول جبرا إلى داخل البلدة بما معهم من العساكر، فرتب هؤلاء كيفية الهجوم على نفس البلدة فهجموا عليها في
ربيع الآخر (أي في سنة 1235) وصاروا يطلقون المدافع على أسوار البلدة وقت السحر فخربوا جانبا من السور، فدخل منه عساكر الأرناؤوط (وكانت مدة الحصار مائة وأحد عشر يوما) وصار القتال داخل البلدة في الشوارع والأسواق، وكان القتال سجالا بينهم إلى أن أدى الحال إلى فرار العصاة من الأهالي، ثم دخل الولاة مع ما معهم من العساكر واحتلوا البلدة ثم إنهم أعدموا سبعة من كبار العصاة وأرسلوا برؤوسهم إلى الآستانة مع تحريرات فوقع عليها الوزراء الثلاثة، وهذه التحارير وصلت إلى الباب العالي في جمادى الأولى فسر الباب العالي لذلك كثيرا وأنعم على الولاة الثلاثة بخلع من فرو السمّور وأنعم على خورشيد باشا بخنجر مرصّع بثمين الأحجار.(3/309)
ثم حصل وقعة في محلة قسطل الحرامي بين العساكر والعصاة من الأهالي فانكسر العصاة لكنهم لم يخلدوا إلى السكينة، فاتفق الولاة الثلاثة على الدخول جبرا إلى داخل البلدة بما معهم من العساكر، فرتب هؤلاء كيفية الهجوم على نفس البلدة فهجموا عليها في
ربيع الآخر (أي في سنة 1235) وصاروا يطلقون المدافع على أسوار البلدة وقت السحر فخربوا جانبا من السور، فدخل منه عساكر الأرناؤوط (وكانت مدة الحصار مائة وأحد عشر يوما) وصار القتال داخل البلدة في الشوارع والأسواق، وكان القتال سجالا بينهم إلى أن أدى الحال إلى فرار العصاة من الأهالي، ثم دخل الولاة مع ما معهم من العساكر واحتلوا البلدة ثم إنهم أعدموا سبعة من كبار العصاة وأرسلوا برؤوسهم إلى الآستانة مع تحريرات فوقع عليها الوزراء الثلاثة، وهذه التحارير وصلت إلى الباب العالي في جمادى الأولى فسر الباب العالي لذلك كثيرا وأنعم على الولاة الثلاثة بخلع من فرو السمّور وأنعم على خورشيد باشا بخنجر مرصّع بثمين الأحجار.
ثم لما كان يدور على الألسنة في دوائر الآستانة أن أسباب هذا الاختلال في حلب وأسباب هذه الفتن إنما كان لسوء إدارة حاشية خورشيد باشا تقرر إرسال معتمد للتحقيق عن الأسباب التي دعت أهالي حلب إلى القيام في وجه الحكومة والعصيان على الدولة، فأرسل لهذه المهمة مصطفى نظيف أفندي الكاملي، وكان إرساله بسعي نقيب الأشراف في الآستانة عبد الوهاب أفندي، إلا أنه لم يرق في عين خورشيد باشا إرسال مصطفى أفندي لأن خورشيد باشا لما كان رئيس العسكر في جهة صوفية كان مصطفى نظيف أفندي من رجال معيته بوظيفة أمين المنزل ولم يكن ممتنا منه. وكان نقيب الأشراف عبد الوهاب نافذ الكلمة في دوائر الآستانة وكان في نيته أن يعين مصطفى نظيف أفندي واليا على حلب بعد أن يعزل عنها خورشيد باشا، وأسر إليه ذلك وأوصاه أن يذهب إلى حلب بدبدبة وفخفخة عظيمة، فتوجه إليها كما أشار إليه النقيب وزيادة، وخورشيد باشا لكونه كان قبل ذلك في منصب الصدارة ومنصب القيادة الأولى وله يد عليا في دوائر الدولة واطلاع على شؤونها وتطوراتها، فقبل وصول مصطفى نظيف أفندي إلى حلب علم بخفايا ما ينوي له. وبعد ضبط حلب بيومين على الصورة التي تقدمت وصل إلى حلب مصطفى نظيف أفندي ونزل في مكان قريب من مكان الشيخ أبي بكر، فأوقفه خورشيد باشا في هذا المكان، وبعد أيام طلبه إليه وبعد أن أعلمه أنه مطلع على خفايا نواياه أكرمه وأحسن إليه وأباح له أن يقوم بالمهمة التي أتى لأجلها.
وبعد أن أخذ المفتش في التحقيق والتدقيق عن أسباب هذه الفتن رفع تقريرا مسهبا بيّن فيه أن أغراض خورشيد باشا الخفية هي التي كانت السبب لإثارة هذه الفتن وذلك
العصيان، وأيضا فإن خورشيد باشا قرب إليه من لا يستحق التقريب وأبعد من لا يستحق التبعيد وأعدم من الأهلين من لا يستحق الإعدام، وكل ذلك نشأ عن مأموري معية خورشيد باشا بما اعتاده من الظلم للأهلين وتناول الرشوة التي لا تطاق منهم في سبيل أغراضهم الفاسدة. ورفع تقارير أخر، إلا أن تلك التقارير التي قدمها إلى دوائر الآستانة لما كان بعضها يناقض بعضا تناقضا بيّنا وللمساعي التي بذلها خورشيد باشا ألقيت في زوايا الإهمال وتخلص خورشيد باشا مما كتب في حقه وفاز بسياسته ودهائه.(3/310)
وبعد أن أخذ المفتش في التحقيق والتدقيق عن أسباب هذه الفتن رفع تقريرا مسهبا بيّن فيه أن أغراض خورشيد باشا الخفية هي التي كانت السبب لإثارة هذه الفتن وذلك
العصيان، وأيضا فإن خورشيد باشا قرب إليه من لا يستحق التقريب وأبعد من لا يستحق التبعيد وأعدم من الأهلين من لا يستحق الإعدام، وكل ذلك نشأ عن مأموري معية خورشيد باشا بما اعتاده من الظلم للأهلين وتناول الرشوة التي لا تطاق منهم في سبيل أغراضهم الفاسدة. ورفع تقارير أخر، إلا أن تلك التقارير التي قدمها إلى دوائر الآستانة لما كان بعضها يناقض بعضا تناقضا بيّنا وللمساعي التي بذلها خورشيد باشا ألقيت في زوايا الإهمال وتخلص خورشيد باشا مما كتب في حقه وفاز بسياسته ودهائه.
ومن الغريب أنه بعد انتهاء هذه الفتنة واتخاذ التدابير الشديدة أتى مأمور إلى صالح قوجه آغا أحد المتسلمين لديه وأخبره أن البارحة تنازع رجل فقير درويش من دراويش المولوية مع عسكري لأجل عباءة فأخذ الدرويش المسكين وحبس ليلا وخنق.
وصبيحة هذا اليوم حضرت زوجة الدرويش ومعها أولاده الأربعة إلى باب خورشيد باشا ورفعت له عريضة بيّنت فيها الحال وذكرت أنه ليس لديها ما تتعشى به هي وأولادها تلك الليلة، وأن زوجها لم يترك سوى أربعة قروش، واستمطرت رحمة الباشا بهؤلاء الأولاد، فتأسف الباشا جدا لهذه الحادثة وأحسن إلى المرأة وأولادها بنصف كيس، فتعجب صالح آغا من هذا الخبر واستغربه جدا وقال لذلك الرجل الذي أخبره بالحكاية إنه ضرب هذا اليوم ثلاثة مدافع إعلاما بإعدام ثلاثة رجال في هذه الليلة، وهذا اليوم لم تزد أجساد القتلى الذين وجدوا في ميدان القلعة على ثلاثة رجال وإني سأجري التحقيقات وأعلم حضرة الباشا عن الرجل الذي يقتضي أن يعدم وأعدم مكانه هذا الدرويش وأين فر ذلك الرجل الذي أعطي الأمر بإعدامه (قصده أنه تبين أنه أعدم أربعة والحال لم يطلق سوى ثلاثة مدافع فلم كان ذلك) وأيضا أعدم أربعة أشخاص بدون ذنب وترك عوضا عنهم أربعة مستحقين للإعدام ولم يتركوا إلا لما بذلوه من الرشوة. أخبر بذلك من وقف على حقائق الأمور. وتبين أن قطار آغاسي مصطفى بك له يد في هذه الأعمال الفظيعة، فاضطر صالح آغا قوجة إلى السكوت. وهذه الأخبار مندرجة في تاريخ شاني زاده والعهدة على الراوي.
ثم قال جودت باشا: في ذلك الزمن كان يوجد كثير من أعيان وجوه البلاد على هذه الصفات وليست مختصة في الولايات ومحصورة فيها، بل كان يوجد كثير من هؤلاء الرجال في نفس العاصمة ولم يكن للرجل قيمة ولا للدم حرمة، وكان يذبح الإنسان كما تذبح الدجاجة الصغيرة. (ثم قال): والحاصل أنه في ذلك الزمان سواء كان في الآستانة
أو في الولايات كان يوجد كثير من الرجال قلوبهم قاسية كالحجر الأسود، وكان سوء الإدارة في جميع أطراف المملكة بصورة لا يمكن التعبير عنها، وكان لا يوجد طريقة لإزالة هذه الأمور إلا بتجديد نظامات الدولة وإدخال الإصلاح في دوائرها، وكان أول من حاز قصب السبق في ذلك محمد علي باشا والي مصر اه.(3/311)
ثم قال جودت باشا: في ذلك الزمن كان يوجد كثير من أعيان وجوه البلاد على هذه الصفات وليست مختصة في الولايات ومحصورة فيها، بل كان يوجد كثير من هؤلاء الرجال في نفس العاصمة ولم يكن للرجل قيمة ولا للدم حرمة، وكان يذبح الإنسان كما تذبح الدجاجة الصغيرة. (ثم قال): والحاصل أنه في ذلك الزمان سواء كان في الآستانة
أو في الولايات كان يوجد كثير من الرجال قلوبهم قاسية كالحجر الأسود، وكان سوء الإدارة في جميع أطراف المملكة بصورة لا يمكن التعبير عنها، وكان لا يوجد طريقة لإزالة هذه الأمور إلا بتجديد نظامات الدولة وإدخال الإصلاح في دوائرها، وكان أول من حاز قصب السبق في ذلك محمد علي باشا والي مصر اه.
زيادة بيان في ثورة أهل حلب على واليهم خورشيد باشا
قال المراش في مختصر تاريخ حلب: لما أفضى الأمر إلى السلطان محمود العثماني وذلك في سنة 1223شرع في وضع نظام جديد للمملكة مغاير للنظام الذي جرى عليه سلفاؤه، ونوى أن ينفي من جنده جماعة المتطوعة المعروفين بالأنجكارية لأن استمرارهم في الجيش ينافي النظام الجديد، وكان قد صح عنده أنهم سيتغلبون عليه كما تغلبوا على سلفائه حتى لم يبقوا لهم من الخلافة سوى الخطبة والسكة، وأضمر أن ينكبهم نكبة الرشيد للبرامكة، وولى على البلاد التي كان فيها فئة منهم ولاة من أهل ثقته وفوض إليهم إنجاز ما شرع فيه، وعقد على ولاية حلب لرجل من أوليائه يقال له أحمد خورشيد باشا.
وقد تقدم أن حلب كانت على انحطاطها لم تزل من أهم مدن المملكة العثمانية تجارة وكثرة أهل وكان المسلمون من أهلها حزبين أحدهما يعرف بحزب السيدة وهم الأقل عددا والأعظم شأنا وذلك كان فيهم أكثر الخاصة والأعيان وذوي الوجاهة والمنظورين، والآخر يعرف بحزب الأنجكارية وكان فيه الأنجكارية أنفسهم ومن كان ضلعه معهم من العامة.
وكانت نفوس هذه الفئة لم تطب لقبول النظام الجديد لما كان يلزم عنه من نزع امتيازات الأنجكارية وانكسار شوكتهم، فلما صارت الولاية لخورشيد باشا المتقدم ذكره وأشعروا بما كان السلطان يضمره من قطع دابر الأنجكارية على يده ناصبوه العداوة فثقل الوطأة عليهم وعلى كل من كان قائما بنصرتهم أو متصفا بشعارهم من أهل المدينة، وأقبل يعريهم شيئا فشيئا عن كل ما كان لهم من امتيازات قديمة كانوا قد حصلوا عليها وتفردوا بها من حيث هم جند السلطان وحماة آل عثمان، فساواهم بغيرهم من الناس في الضرائب وكانوا قبل ذلك معفيين منها، وجعل ينكس أعلامهم ويحملهم من عنفه ما لم يألفوه ويتحكم فيهم بهواه حتى لم يبق لهم سبيل إلى الشك في أنهم قد أصبحوا على أثر النظام الجديد رعية بعد أن كانوا رعاة، وصاروا مرؤوسين بعد أن كانوا رؤساء، فنقموا عليه ذلك فيما نقموا وعقدوا عزمهم آخر الأمر على الثورة به وخلع ربقته من أعناقهم. وكان مما نقموا
عليه أيضا ضربه عليهم ضريبة جديدة سماها خراج الدار واعتزاله إياهم، وذلك أنه رأى من الحزم وتسهيلا لإنجاز ما كان شارعا فيه أن يهجر دار الولاية التي في المدينة وأن يقيم في قصر حصين مبني على هضبة في شمالي المدينة يعرف بقصر الشيخ أبي بكر ويستنيب عن نفسه في دار الولاية رجلا يعرف بالمتسلم، وكان هذا المتسلم فظا غليظا فلم يرتضوه ورغبوا إلى الوالي بادىء بدء أن يعزله ويولي غيره وأن يعفيهم من تلك الضريبة فأبى.(3/312)
وكانت نفوس هذه الفئة لم تطب لقبول النظام الجديد لما كان يلزم عنه من نزع امتيازات الأنجكارية وانكسار شوكتهم، فلما صارت الولاية لخورشيد باشا المتقدم ذكره وأشعروا بما كان السلطان يضمره من قطع دابر الأنجكارية على يده ناصبوه العداوة فثقل الوطأة عليهم وعلى كل من كان قائما بنصرتهم أو متصفا بشعارهم من أهل المدينة، وأقبل يعريهم شيئا فشيئا عن كل ما كان لهم من امتيازات قديمة كانوا قد حصلوا عليها وتفردوا بها من حيث هم جند السلطان وحماة آل عثمان، فساواهم بغيرهم من الناس في الضرائب وكانوا قبل ذلك معفيين منها، وجعل ينكس أعلامهم ويحملهم من عنفه ما لم يألفوه ويتحكم فيهم بهواه حتى لم يبق لهم سبيل إلى الشك في أنهم قد أصبحوا على أثر النظام الجديد رعية بعد أن كانوا رعاة، وصاروا مرؤوسين بعد أن كانوا رؤساء، فنقموا عليه ذلك فيما نقموا وعقدوا عزمهم آخر الأمر على الثورة به وخلع ربقته من أعناقهم. وكان مما نقموا
عليه أيضا ضربه عليهم ضريبة جديدة سماها خراج الدار واعتزاله إياهم، وذلك أنه رأى من الحزم وتسهيلا لإنجاز ما كان شارعا فيه أن يهجر دار الولاية التي في المدينة وأن يقيم في قصر حصين مبني على هضبة في شمالي المدينة يعرف بقصر الشيخ أبي بكر ويستنيب عن نفسه في دار الولاية رجلا يعرف بالمتسلم، وكان هذا المتسلم فظا غليظا فلم يرتضوه ورغبوا إلى الوالي بادىء بدء أن يعزله ويولي غيره وأن يعفيهم من تلك الضريبة فأبى.
وكان قد مضى عليهم نحو من سبع سنين وهم في هذه الحالة التي لم يألفوها، غير أنه كان يتعذر عليهم اجتماع كلمتهم على أمر ما، وذلك لأن أوجاقهم (1) كان قد ألغي وانفرط عقدهم من الجيش على أثر النظام الجديد، فلم يبق لهم رئيس نافذ الكلمة يجمع أمرهم وأصبحوا فوضى، وكان الوالي أوجس من عداوتهم ما حمله على اعتزالهم كما ذكرنا وعلى مداومة التيقظ والسهر عليهم فلم يتسن لهم أن يتواطؤوا على أمر ذي بال إنجازا لما كانوا ينوونه. ثم عن للوالي أن يبارح المدينة بضعة أيام لمناظرة ما كان قد شرع فيه مرارا ولم ينجز قط أعني جر ماء الساجور إلى حلب (2)، فرأوا أن غيابه هذا من سوانح الفرص التي لا ينبغي إهمالها فانتهزوها واجتمع زعماؤهم وتواطؤوا على الثورة وشق عصا الجماعة.
ولما كان مساء يوم الجمعة الثاني والعشرين من تشرين الأول سنة تسع عشرة وثمانمائة للميلاد (توافق أواخر سنة 1234) خرج مناد من قبلهم وجال في شوارع المدينة ينشد ولدا عمره سبع سنين قد فقده أهله في الساعة السابعة من الليل، وكان هذا النداء أمارة تؤذن لأصحابهم بما صمموا عليه من الثورة، وكان في الولد الذي عمره سبع سنين إشارة إلى أنه قد سلبت حريتهم وعروا من امتيازاتهم منذ سبع سنين، والساعة السابعة إيعاز إلى أصحابهم أن يبتدئوا الثورة في تلك الساعة من الليل وكان أول من سمع هذا النداء أهل المحلة المعروفة بقارلق، فحملوا سلاحهم وكبسوا منازل الجند السلطاني التي كانت في محلتهم
__________
(1) أصل الأوجاق أو جاغ فحرفته العامة، وهو لفظ تركي معناه لغة موقد أي موقد النار، واصطلاحا بيت رئيس القوم يجتمعون إليه فيه، ثم توسع فيه حتى صار يطلق على الزعيم نفسه، ومنه أوجاق الأنجكارية أي زعيمهم، وقد يراد به نسق أو طائفة من الجند تكون مؤلفة منهم، وقد ألغي ذلك كله بالنظام الجديد اه منه.
(2) تقدم أنه نجز سنة 731في أيام سيف الدين أرغون لكن لعدم الاعتناء بأمره سدت مجاريه إلى يومنا هذا.(3/313)
وقتلوا نفرا ممن وجدوه فيها. ثم انضم إليهم أهل باقي المحال التي خارج السور وأقبلوا يكبسون ما كان فيها من منازل العسكر ويقتلون من يلقونه فيها إلى الصباح، ولم يسلم من جند الوالي الذين كانوا في تلك المنازل أو في أبواب السور سوى من فاز بنفسه هربا فلحق بقصر الشيخ أبي بكر أو لجأ إلى القلعة.
وكان في المدينة من قبل الوالي موظفان آخران غير المتسلم أحدهما يعرف بالجوخدار والآخر بالأربا أميني، فلما علما بالثورة هربا وحث الجوخدار ابنه على الهرب أيضا، إذ كان قد علم أنه ليس له بالثائرين طاقة، فأبى أن يبرح مكانه فحصره الثائرون ونقبوا عليه داره ففر من السطح إلى دار جاره واختفى في مغارة هناك، إلا أن بعض الناس أبصر به وهو يتسلق حاجزا بين سطحين فدل عليه طائفة من الثائرين فأخرجوه من المغارة وقتلوه ومثّلوا به وألقوا جثته من إحدى الكوى إلى البرية.
ثم صارت طائفة منهم إلى الزقاق المعروف بالطويل، وكان فيه منزل لجند الوالي فحصروهم فيه وضيقوا عليهم، فأضرم الجند النار في أرجائه فاحترق واحترق معه ما كان يلاصقه من دور الناس، فاشتغل الثائرون بإطفاء النار ففاز الجند بأنفسهم هربا. وقد تقدم أن المتسلم كان مقيما بدار الولاية وهي في المدينة داخل السور، وكان آخرون من أصحاب الوالي وعماله مقيمين بقناقات أي دور داخل السور أيضا، فكان كاتب السر مقيما بالقناق المعروف بدار بني الجزماتي في محلة العريان، وكان المحصل مقيما بدار عمر طه زاده بالقرب من جامع البهرامية في محلة الجلّوم، فلما علم قاضي المدينة بالثورة أتى دار الولاية وشاور المتسلم في الأمر وقر رأيهما على الخروج من المدينة فخرجا منهما لساعتهما وصحبهما أيضا نفر من الأعيان المنتمين إلى حزب السيدة وفيهم أولاد إبراهيم باشا قطر آغاسي وغيرهم ولجؤوا جميعا إلى قصر الوالي، فلما رآهم الوالي وافدين عليه لائذين بقصره وعلم بما تم على جنده أخذته سورة الغضب وأمر بتسديد المدافع على محال الثائرين ورماها بكرات الحديد التي يقال لها قنابر في اصطلاح العامة.
وفي صباح يوم الأحد الرابع والعشرين من تشرين الأول أتى بعض المنظورين من حزب الأنكجارية إلى دار كاتب السر وأشاروا عليه أن يخرج هو أيضا من المدينة وضمنوا له أنه لا يتعرض له أحد حتى يحصل في مأمنه، فأبى إلا القتال (1)، فهجم الثائرون داره
__________
(1) قيل إنه كان سكيرا وإن السكر سوّل له أن لا يبرح مكانه.(3/314)
وحصروه فيها ثم نقبوها عليه وقتلوه وقتلوا اثنين وعشرين رجلا من الجند كانوا معه، ثم أتوا دار الولاية وكان فيها أخو المتسلم وقد انضوى إليه صاحب الشرطة ونفر من الشرطة والجلاوزة وخدام الإصطبل والمطبخ وذلك نحو من أربعمائة نفس فحصرهم الثائرون في دار الولاية وأحرقوا آخر الأمر ما كان يحاذيها ويلاصقها من الأسواق (1) وضيقوا عليهم وقطعوا عنهم الميرة مدة أربعة أيام حتى أضر بهم الجوع وخارت قواهم وضعفوا عن الدفاع، فنقبوا عليهم وقتلوا منهم نفرا وفرّ باقوهم إلى برج القلعة، ولجأ صاحب الشرطة وابنه وأخو المتسلم إلى القلعة نفسها، وكان ذلك يوم الخميس الثامن والعشرين من تشرين الأول.
وكان المحصل قد خرج من منزله وأبقى فيه مقدم الأرناؤوط في مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم فحصرهم الثائرون ونصبوا حول المنزل متاريس وأقبلوا يرمونهم من ورائها ولم ينالوا منهم أربا إلا بعد مشقة، وذلك أن الأرناؤوط تحصنوا بجامع البهرامية. وكانوا يطلقون الرصاص من مأذنته وكواه على الثائرين ولا يمكنونهم من الدنو، ثم اضطروا آخر الأمر إلى التسليم وراسلوا في ذلك زعماء أهل المدينة، فجاءهم شيخ من العلماء المنظورين وأمنهم على أنفسهم ونزع منهم السلاح وأتى بهم إلى داره مستسلمين.
ثم رأى الثائرون أن المصلحة في تخلية سبيلهم، فأطلقوهم ثاني يوم بعد أن أجازوهم تحت السلاح (2)، ولما مضى على الثورة أسبوع ولم يبق في المدينة ولا في الربض من جند الوالي أحد إلا من كان محصورا في القلعة رأى الثائرون أن الجو قد خلا لهم فطمحت أبصارهم إلى التسطي على الوالي في قصره، فخرجوا من الأبواب في التاسع والعشرين من تشرين الأول وحلوا في هضبة تقابل القصر وتعرف بجبل العظام (3) وشرعوا يطلقون منها الرصاص على القصر، فأمر الوالي فأطلقت عليهم المدافع، واستمر الثائرون والجند يتناوشون القتال أربعة أيام والحرب بينهم سجال حتى عنّ للثائرين من أهل محلة آق يول (أغير) أن يهجموا القصر فهجموه يوم الثلاثاء الثاني من تشرين الثاني، فانبرى لهم الجند ورفعوهم عنه، وكانت هذه أول وقعة ذات بال جرت بين الثائرين والجند وهلك فيها خلق كثير من الفريقين.
__________
(1) مثل سوق العبي وسوق الدهشة والضرب وقراقماش والصابون.
(2) وذلك أنهم شبكوا من بواريدهم ما ينيف على عشرة آلاف بارودة في باب الحديد وجعلوها على هيئة أزج وأجازوهم ليلقوا الرعب في قلوبهم ويظهروا للوالي أنهم ذوو نجدة وبأس شديد لا ينقصهم العدد ولا العدد فعبروا تحته وأفئدتهم تخفق من الخوف اه منه.
(3) ولعل ذلك لكثرة ما يرى فيها من العظام المستحجرة اه منه.(3/315)
وكان الثائرون قد رأوا أن أمورهم لا تصلح ما لم يكن لهم رؤساء يدبرونهم ويجمعون كلمتهم لا في أمر القتال فقط بل في سياسة المدينة أيضا، إذ كان لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم، فاجتمعوا وقدموا على أنفسهم رجالا يركنون إليهم ويثقون بهم وجعلوا ناظورتهم واحدا منهم ذا رأي وحزم يقال له محمد قجة، فاجتمع هؤلاء المقدمون بعلماء المدينة ومشايخها للمشاورة في الأمر، وكانوا قد أوجسوا أنه إذا طالت مدة الحصار وما يلزم عنه من انقطاع الميرة عنهم وأصر الوالي على حبس ماء القناة عن المدينة وكان قد أمر بحبسه اضطربت أحوالهم، فرأوا من الحزم أن يتلافوا الأمر واجتمعوا عند نائب القاضي في منزله الذي بالمحكمة وذلك يوم الأربعاء الثالث من تشرين الثاني، وقر رأيهم على شراء ما كان عند الأعيان من القمح وتوزيعه في الناس، فأخذوه وأدوا ثمنه إلى وكلاء أربابه إذ كان أربابه أنفسهم غائبين عن المدينة ملتجئين بقصر الوالي. ثم رفع العلماء قصة إلى الوالي كتبوها عن لسان الأهلين وقالوا فيها إنهم لم يحملوا السلاح عصيانا وإنما ثاروا لشدة ما كانوا يلقونه من العنف وما كان يبهظهم من الضريبة الجديدة أي خراج الدور، سيما وأنها ضربت عليهم في سنة قحط وغلاء سعر، وذكروا أن أكثر ما يتظلمون منه إنما هو ناشىء عن متسلمه، وكرروا الرغبة إليه في أن يعفيهم من هذا الخراج وأن يعزل هذا المتسلم وينزل هو إلى دار الولاية فيلي سياسة المدينة بنفسه كما جرت به العادة في سائر المدن وأن يجمع جنده في موضع واحد من البلد إذ كان يسوءهم أن يكون العسكر بين ظهرانيهم متفرقا في منازل شتى متأشبا بهم مساكنا لهم وهو مؤلف في غالب أمره من رعاع الترك وسفلة الأرناؤوط، ولوحوا له بأن يبني ما كان قد احترق من الأسواق والأزقة، وأرسلوا إليه نائب القاضي بهذه القصة، فلما أتاه بها لم يصخ إليها صغيا من يومه ورأى من الحزم أن يؤخر الجواب إلى الغد. فلما كان الغد أجابهم عليها فقال إنه يجدد بناء ما احترق لكنه لا يعفيهم من الخراج ولا ينزل إلى دار الولاية، وقصارى ما يفعله أنه يعزل المتسلم القديم وينصب آخر مكانه، ولمح إلى متسلم عينتاب، وقيل إنه وعدهم بالتلميح لا بالتصريح أن يجعل رياسة الشرطة لزعيمهم محمد قجة المتقدم ذكره فلم يروا في ذلك مقنعا.
ودامت الحال على ذلك أياما الرسل بين الوالي والأهلين تتردد، والمواقع بين الجند والثائرين تتعاقب كل يوم وتتجدد، والحرب بين الفئتين سجال إذ لم يكن يتأتى للثائرين أن يستولوا على قصر الوالي ولا للجند أن يقتحموا المدينة ويأخذوها عنوة وذلك لقلة عددهم.(3/316)
وقد اتضح مما كان يدور بين رسل الوالي وأهل المدينة أن خورشيد باشا كان عاقدا عزمه على إنفاذ أمر السلطان في جلاء الأنكجارية عن حلب والقبض على زعمائهم الذين تسببوا في الثورة، فصمم على ذلك وأبى إلا بلوغ هذه الغاية، وكان رسله في كل محاوراتهم مع الثائرين يقترحون هذا الشرط ويقولون إنه لا يتم بدونه وفاق، وكان الثائرون يأبونه ويقولون إن الأنكجارية إخوتهم وأولادهم وقد بذلوا أنفسهم دونهم فلن يخذلوهم أبدا وإنه ليس ثم زعماء يصح أن يقال عنهم إنهم تسببوا في الثورة وإنما ثار الناس عامة من فورهم، فإما العفو عن الجميع أو معاقبة الجميع. ولما شعروا بأن محمد بن قجة وكان مقدمهم كما أسلفنا قد بدا منه فتور وجنح إلى الصلح على شرط الوالي قرفوه بأنه كان يحاول أن يستأمن لنفسه بالغدر بأصحابه، فعزلوه عن الرياسة وقدموا على أنفسهم رجلا آخر.
ومما زاد في إلقاء التنافر وتعذر الصلح أن فئة الأنكجارية كانوا قد أشربوا في قلوبهم بغض الوالي والمتسلم متوهمين أنهما كانا يعملان على جلائهم عداوة ومن تلقاء أنفسهما، فلذا كانوا إذا اجتمعوا وتشاوروا في أمر من أمورهم أصروا على اقتراح عزلهما، ولما قدم ابن جوبان إلى حلب كما سنذكره لك بعيد هذا طمعوا في أن يحملوا السلطان على عقد الولاية له مكان خورشيد وعزب عنهم أن السلطان كان قد قضى بقطع شأفتهم وعقد على ذلك عزمه منذ أفضت إليه الخلافة وأن خورشيد باشا والمتسلم ما كانا سوى آلة في يده ينفذ بهما مآربه، فلذا تعذر الوفاق وأبطأ إبرام الصلح وطالت مدة الحصار حتى أنافت على شهرين لم ينقطع القتال فيهما يوما واحدا.
وقد هلك في بعض هذه الوقائع خلق كثر من الفئتين المتحاربتين، قيل إنه قتل نحو من مائة وخمسين رجلا في وقعة قاضي عسكر الأولى التي جرت في الثامن عشر من تشرين الثاني، ونحو من مائتين وخمسين رجلا في وقعة قاضي عسكر الثانية وهي التي جرت في الحادي والعشرين منه. وكان في هذا الوقعة نحو ألف وخمسمائة فارس من جند الوالي يصحبهم سبعة مدافع ومن الثائرين نحو خمسة آلاف رجل سوى النساء. ومن خبر هذه الوقعة أن جند الوالي حاولوا اقتحام المحلة المعروفة بقاضي عسكر على حين غفلة من الثائرين إذ كان أكثرهم قد تركوا متارسهم وذهبوا يقيمون صلاة الجمعة في مساجدهم، فكاد الجند يستولون على المحلة، ونمي الخبر إلى الثائرين فتركوا الصلاة وطاروا إلى المحلة زرافات ووحدانا وانبروا للجند فأظهر هؤلاء الهزيمة إلى ما وراء الكروم، وكان ذلك خدعة راموا بها
إبعاد الثائرين عن المتارس، فانخدع الثائرون وبارحوا متارسهم واتبعوا الجند وابتعدوا نحو ميلين عن المدينة، ثم كر الجند عليهم كرة منكرة وأثخنوا فيهم فانكسروا وانقلبوا راجعين إلى المدينة وتحصنوا فيها ثانية وصدوا الجند عن دخولها عنوة.(3/317)
وقد هلك في بعض هذه الوقائع خلق كثر من الفئتين المتحاربتين، قيل إنه قتل نحو من مائة وخمسين رجلا في وقعة قاضي عسكر الأولى التي جرت في الثامن عشر من تشرين الثاني، ونحو من مائتين وخمسين رجلا في وقعة قاضي عسكر الثانية وهي التي جرت في الحادي والعشرين منه. وكان في هذا الوقعة نحو ألف وخمسمائة فارس من جند الوالي يصحبهم سبعة مدافع ومن الثائرين نحو خمسة آلاف رجل سوى النساء. ومن خبر هذه الوقعة أن جند الوالي حاولوا اقتحام المحلة المعروفة بقاضي عسكر على حين غفلة من الثائرين إذ كان أكثرهم قد تركوا متارسهم وذهبوا يقيمون صلاة الجمعة في مساجدهم، فكاد الجند يستولون على المحلة، ونمي الخبر إلى الثائرين فتركوا الصلاة وطاروا إلى المحلة زرافات ووحدانا وانبروا للجند فأظهر هؤلاء الهزيمة إلى ما وراء الكروم، وكان ذلك خدعة راموا بها
إبعاد الثائرين عن المتارس، فانخدع الثائرون وبارحوا متارسهم واتبعوا الجند وابتعدوا نحو ميلين عن المدينة، ثم كر الجند عليهم كرة منكرة وأثخنوا فيهم فانكسروا وانقلبوا راجعين إلى المدينة وتحصنوا فيها ثانية وصدوا الجند عن دخولها عنوة.
ولما صح عند الوالي بعد هذه المواقع أنه عاجز عن قمع الثورة لقلة من عنده من الرجال استنجد السلطان فأوعز السلطان إلى ثلاثة من ولاة المدن القريبة أن يسيروا إلى حلب بمن معهم من الجند، ويقال إنه أمرهم سرا أن يسعوا في إصلاح ذات البين بالتي هي أحسن حقنا للدماء، فإن لم يتسن لهم ذلك على وجه لا يكون فيه إفراط في الحكم ولا تفريط في العنف حتى لا ييأس الثائرون لشدة العنف ولا يتجرؤوا لفرط التساهل فيحسبوا الحلم عجزا وضعفا ويتمادوا في غيهم ويتجرأ غيرهم على اقتفاء أثرهم فلينصروا خورشيد باشا بجنودهم.
فكان أول هؤلاء الثلاثة قدوما إلى حلب لطف الله باشا والي سيواس، وصل إلى المدينة في السادس عشر من كانون الأول ومعه ألف رجل وبعض مدافع وحل بهم في البستان المعروف ببستان الشيخ طه إلى الشمال من المدينة، ولما أبصر به الجند المحصورون في القلعة أطلقوا المدافع إحدى وعشرين طلقة للتسليم عليه فرد عليهم بتسع طلقات على ما تقتضيه قوانين النظام الجديد، ووصل بعده بثلاثة أيام باكر باشا والي قيسارية ومعه أيضا جند ومدافع، ثم نزلت الطامة الكبرى بقدوم جلال الدين محمد بن جوبان في أربعة آلاف من الجند وذلك بعد أسبوع من وصول باكر باشا.
وكان الثائرون قبل وصول هذه النجدة أضعاف جند الوالي عددا، غير أنهم كانت تعوزهم العدد، ولو كان لهم مدافع كما كان لجند الوالي وكان فيهم من يحسن ممارستها فما كان يبعد أن يستولوا على قصر الوالي من أول وهلة، وقد حاولوا أن يستعينوا غير مرة على ذلك بالمدافع فلم يفوزوا منها بطائل وذلك لأنه لم يكن فيهم من يعرف من أمرها شيئا، ولذا لم يغن عنهم عددهم حين كان الوالي في قل من الرجال، فلما أتاه مدد السلطان وقدم ابن جوبان بنجدة بأربعة آلاف رجل كما أسلفنا تشدد عزمه ووثق بالنصر ورأى أن وضع الحلم موضع السيف مضر بالسياسة فأبى إلا نزول الثائرين على حكمه.
وكان المتبحرون في فن الحرب وأبوابها وحيلها من قواده وقواد أنصاره قد علموا أن الاستيلاء على المدينة لا يسهل عليهم بالسرعة المقصودة ما لم يستولوا أولا على الزقاق الطويل
وهو في الربض الشرقي الشمالي من أرباض المدينة إزاء القصر، وكان الثائرون كثيرا ما يتحصنون فيه ويتسطون منه على القصر، فلذا كان جند الوالي قد صرفوا جل همتهم بادىء بدء إلى الاستيلاء عليه.(3/318)
وكان المتبحرون في فن الحرب وأبوابها وحيلها من قواده وقواد أنصاره قد علموا أن الاستيلاء على المدينة لا يسهل عليهم بالسرعة المقصودة ما لم يستولوا أولا على الزقاق الطويل
وهو في الربض الشرقي الشمالي من أرباض المدينة إزاء القصر، وكان الثائرون كثيرا ما يتحصنون فيه ويتسطون منه على القصر، فلذا كان جند الوالي قد صرفوا جل همتهم بادىء بدء إلى الاستيلاء عليه.
وهاجموه مرارا يحاولون أخذه ولم يستطيعوا، فلما أتى مدد السلطان وتكاثر الجند تأتى لهم بعد العناء الشديد والجهد الجاهد أن يأخذوه، وكان ذلك في الثالث من كانون الثاني سنة عشرين وثمانمائة وألف (أوائل سنة 1235هـ). فلما تم لهم الاستيلاء عليه لم يلبثوا أن استولوا على المدينة بأسرها في بضعة أيام كما سترى، وكان حرس القلعة وسكانها والأرناؤوط اللاجئون إليها قد حصرهم فيها الثائرون وقطعوا عنهم الميرة والمدد، وكان إذا حاول أحد منهم أن يخرج منها فإن كان من سكانها ردوه إليها وإن كان من الجند أو من الأرناؤوط قتلوه صبرا، إذ كان هؤلاء كالشوكة في جوانبهم وكالشجى في حلوقهم شديدي النكاية في الثائرين يرمونهم بالرصاص والقنابر من أمد بعيد ويثبطونهم عن الجولان في المدينة والتنقل فيها إلى حيث كانت تدعوهم ضرورة القتال، فلذا شددوا عليهم الحصار رجاء أن يكرهوهم على التسليم ويضطروهم إلى النزول على حكمهم، وراسلوا في ذلك مقدمهم مرارا فكان يأباه ويقول إنه خادم الوالي فلن يبرح مكانه أو يأذن له سيده، واستمروا محصورين إلى أن انقضت الثورة واستولى خورشيد باشا على المدينة ففرج عنهم.
وقد تقدم ذكر أهمية التجارة في حلب، على أن جل تجارها كانوا يومئذ من الإفرنج، فلما طالت مدة الحصار وتفاقم الخطب انقطعت قوافلهم وتعطلت متاجرهم فاجتمعوا وضربوا أخماسا بأسداس، وكان أيضا قد بلغهم عن رجل من زعماء الثائرين يقال له ابن عرب ناصر أنه لما رأى اشتداد الأزمة على حزبه قال في إحدى حانات القهوة: إن الثائرين قد بلغ منهم السكين العظم وإنه قد آن للإفرنج وقناصلهم أن يسعوا في حمل الدولة على عزل هذا الوالي وكشف بلائه عن المدينة، فقد أضر الجوع بفقرائها من جري الحصار وإنه إن لم يحاول الإفرنج إزالة بعض الشدة عن المدينة بمقدار وسعهم وهم يأكلون خيراتها بمتاجرهم اتخذ الناس من ذلك دليلا على أنهم لا هم لهم سوى مصلحة أنفسهم.
وتهددهم أيضا بطريقة منحرفة فقال إنه لا يأمن إذا اشتد اليأس بالفقراء الجائعين أن يثوروا على الإفرنج وينزلوا بهم ما يكرهون، فأوجس الإفرنج خيفة على أنفسهم وخشوا غائلة هذا الوعيد وأجمعوا على إغلاق أبواب الخانات التي كانوا يقيمون بها، وأعدوا من البارود
وأسلحته ما يذبون به عن أنفسهم وعقدوا عزمهم على السعي في الصلح وبذل مجهودهم في إبرامه، فراسلوا الوالي في ذلك وذكروا له ما كان الناس فيه من الضيق وما صار إليه الأهلون ولا سيما الفقراء من سوء الحال، وحذروه غائلة ما يترتب على ذلك من اليأس وإن اليأس كثيرا ما يحدو إلى ارتكاب الجرائم، وسولوا له أن يعدل عن جلاء الأنكجارية، فقال لهم في جوابه: إن جلاء هؤلاء لا بد منه إذ كان قد أتاه به أمر مشدد من السلطان، فلما بلغ ذلك الثائرين تنخوا وأخذتهم الحمية فقالوا: لو رام الأنكجارية أنفسهم أن يجلوا عن المدينة طائعين لم ندعهم، فإما أن ننجلي عنها معهم ونغادرها خاوية على عروشها أو نهلك معهم.(3/319)
وتهددهم أيضا بطريقة منحرفة فقال إنه لا يأمن إذا اشتد اليأس بالفقراء الجائعين أن يثوروا على الإفرنج وينزلوا بهم ما يكرهون، فأوجس الإفرنج خيفة على أنفسهم وخشوا غائلة هذا الوعيد وأجمعوا على إغلاق أبواب الخانات التي كانوا يقيمون بها، وأعدوا من البارود
وأسلحته ما يذبون به عن أنفسهم وعقدوا عزمهم على السعي في الصلح وبذل مجهودهم في إبرامه، فراسلوا الوالي في ذلك وذكروا له ما كان الناس فيه من الضيق وما صار إليه الأهلون ولا سيما الفقراء من سوء الحال، وحذروه غائلة ما يترتب على ذلك من اليأس وإن اليأس كثيرا ما يحدو إلى ارتكاب الجرائم، وسولوا له أن يعدل عن جلاء الأنكجارية، فقال لهم في جوابه: إن جلاء هؤلاء لا بد منه إذ كان قد أتاه به أمر مشدد من السلطان، فلما بلغ ذلك الثائرين تنخوا وأخذتهم الحمية فقالوا: لو رام الأنكجارية أنفسهم أن يجلوا عن المدينة طائعين لم ندعهم، فإما أن ننجلي عنها معهم ونغادرها خاوية على عروشها أو نهلك معهم.
وإنما كان ذلك منهم ضربا من نزاع المحتضر، إذ كانت قواهم في الحقيقة قد خارت لتطاول مدة الحصار عليهم وانقطاع الميرة عنهم واستيلاء جند الوالي كل يوم على حي جديد من أحيائهم منذ تم لهم الاستيلاء على الزقاق الطويل، فنخبت قلوبهم وانكسرت عزائمهم وأخذ مظافروهم ومظاهروهم يتسللون منهم واحدا بعد واحد حتى أصبحوا في الرابع والعشرين من كانون الثاني وهم نفر قليل لا قبل لهم بجند الوالي وأنصاره، فجنحوا إلى الصلح على شرط الوالي وكتبوا إليه في نزول الأنكجارية على حكمه في الجلاء عن المدينة وأنهم يرغبون إليه أن ينظرهم ثلاثة أيام، فأجابهم الوالي إلى ذلك.
ولما انقضت هذه العدة وذلك في الثامن والعشرين من كانون الثاني صباحا دخل خورشيد باشا المدينة صلحا ومعه المتسلم ونحو أربعمائة من الجند ونزل في دار بني الجابري في نفر من الجند وتفرق باقوهم في أحياء المدينة، ثم أمر بإصعاد الميرة إلى القلعة سدا لرمق حرسها والجنود الذين كانوا فيها وعاد في مساء ذلك اليوم إلى قصره.
إلا أن أهل المحلة المعروفة بالقصيلة لما رأوا غرارات الميرة يصعد بها إلى القلعة ساءهم ذلك فاستأنفوا الفتنة وتحصنوا بالجوامع وطفقوا يرمون الجند بالرصاص من مآذنها حتى اضطروهم إلى الهرب، فلما بلغ ذلك الوالي كاد يتميز من الغيظ وأمر أصحاب مدافعه أن يرموا المدينة بالقنابر، وأوعز إلى قواده أن يهجموها برجالهم في ليلتهم تلك ويأخذوها بالسيف إذ كان أهلها قد غدروا وصالحوه على دخل، فهجموها وأخذوها بالسيف وعاملوها معاملة مدينة قد أخذت عنوة واستباحوها إلى الصباح (1).
__________
(1) وكان عدد ما نهبوه من الدور سبعمائة دار اه منه.(3/320)
وهكذا استتب الأمر لخورشيد باشا وتمكن من فتح المدينة وقمع الثورة، فرجا أهل الدعة من السكان وكثير من الثائرين أنه سيعاملهم بالرفق والحلم إذ كان الحلم والعفو من مكارم الأخلاق، ولأنه كان في نفوسهم أنه أخذ المدينة صلحا ولم يعتدوا بالفتنة الأخيرة. أما هو فقد كان في نفسه أنه أخذها عنوة ولذلك رأى أن إفراطه في الحلم في هذا الموطن ضرب من التفريط فلم يعف عن زعماء الثائرين جميعا كما رجوا بل أمر بنفر منهم وفيهم ابن قجة نفسه فضربت أعناقهم وألقيت جثثهم في خندق القلعة وهرب من باقي الزعماء من هرب واختفى من اختفى فأذكى عليهم العيون وكان من يثقفه منهم يقتله صبرا، واستمر على ذلك أياما كان عامة الأنكجارية يجلون في أثنائها أرسالا، فلما تيقن أنه لم يبق منهم في المدينة أحد منهم يعتد به نادى بالأمان واطمأنت الناس وعادت المياه إلى مجاريها اه.
سنة 1237
كان الوالي فيها بيلانلي مصطفى باشا كما في السالنامة. ومن آثاره تجديد العمارة التي على مرقد عماد الدين النسيمي في التكية المعروفة به بالقرب من دار الحكومة، ودفن زوجته داخل القبة ولا زال قبرها موجودا.
ذكر الزلازل العظيمة وما تهدم فيها
قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته: في شهر آب حصل زلازل عظيمة هدمت حارة اليهود والعقبة وسوق العطّارين مكثت أربعين يوما كل يوم هزة وهدمت مكتب أولاد وبيوتا ودورا وكثيرا من أماكن البلد حتى اضطر الناس للخروج إلى ظاهر البلد واستعملوا بيوت الدف والشعر، وانشقت منارة الجامع الكبير مقدار ما يسع إنسانا ووقع أحجار من وسطها من محل الأذان، وطبق الشق في الحال وأثره باق إلى زماننا هذا وقد حشي بالحجارة، وكان ذلك سنة 1278وقد شاهدت ذلك اه.
قال جودت باشا في تاريخه: في الساعة الثالثة من ليلة سادس ذي الحجة (1) من سنة ألف ومائتين وسبع وثلاثين 1237حصل في حلب وكلّز وأنطاكية وما يجاور هذه
__________
(1) وجدت على ظهر كتاب في مكتبة المولوية بخط بعض الحلبيين أن الزلزلة كانت ليلة الأربعاء في الثامن والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة وهو أصح مما ذكره جودت باشا من أنها كانت في السادس من ذي الحجة، أما كونها ليلة الأربعاء فمما لا خلاف فيه كما ستقرؤه في الأبيات الآتية، وقيل كانت ليلة السابع والعشرين كما ستقرؤه في المقامة الترمانينية قريبا.(3/321)
البلاد زلزلة شديدة تهدم فيها كثير من الأبنية وقتل تحت الهدم عالم كثير وأوجبت هذه الحادثة أكدارا كثيرة في الآستانة اه (1).
وقد ظفرت بقصيدة مخمسة لمحمد تقي الدين ابن الشيخ محمد المطلبي وهو قاطن في ديار حلب في هذه السنة وهي تصف تلك الزلازل وتذكر البلاد والأماكن التي خربتها وقد أثبتناها على ما فيها من التسامح من ناظمها والتحريف من ناسخها قال:
ما لليالي تمادى في مساويها ... والدهر كدر لذاتي وصافيها
والحادثات رمتني في دواهيها ... والعين بالدمع ما جفت مآقيها
والبيض والسمر ما كلت مواضيها
حلت علينا مصائب أوجبت هرمي ... مما ألم بنا في الأشهر الحرم
زلازل لم ترى أمثالها إرم ... كأنها السيل سيل العارض العرم
أو بحريم طغى من عند منشيها
تزلزل العقل منا والقلوب دوت ... والروح ماجت وفي بحر الهموم هوت
وجمرة الحرب في وسط الفؤاد ثوت ... أخنت ضلوعي وعيني الغزار كوت
فسال دمعي من عيني ليطفيها
في كل يوم رجيف لا يفارقنا ... والأرض تهتز جل الله خالقنا
في كل آن نظن الدهر خانقنا ... والله حافظنا والله رازقنا
كأننا سفن زالت مراسيها
قد حل في أرضنا من كل نائبة ... هز وهد وتكدير ورائبة
ووقع دور وأوطان ونادبة ... وموت أهل وأولاد وتاقبة
تبكي على أهلها من عاد يحويها
تلك الرزايا تمادت ليس يحصرها ... مر الزمان ولا الأيام تقصرها
كأن أرواحنا والدهر يعصرها ... عصر العصير ولا الأوقات تنصرها
مثل الدقيق سطت في سوافيها
والنفس في إصر والقلب في فكر ... والأهل في كدر والجسم في ضجر
__________
(1) ذكر عبد الله المراش في تاريخه مختصر تاريخ حلب أن القتلى نحو عشرين ألفا.(3/322)
والخلق في حذر والأرض في هدر ... والعين في عبر والناس في سفر
يبكي عليها من الأهوال باكيها
زلازل ما سمعنا مثلها أبدا ... ولا زمان مضى في مثلها شهدا
ولا كتاب ولا خبر بها وردا ... ولا سماء ولا جبل لها رعدا
مثل الرعيد الذي لا زال يوحيها
والشهب في الأفق ترمي بيننا شررا ... مثل المشاعيل يقفو إثرها إثرا
وفي الأراضي رجيف حير البشرا ... وفي الليالي رجيج يقلق البصرا
وفي النهار مشقات نقضيها
والشمس تصهرنا والقر يقهرنا ... والذل يحقرنا والترب يسترنا
والهز يزعجنا والدهر يدمرنا ... والدار تبعدنا عنها وتخبرنا
أن البلاء ركام في نواحيها
لعل بارئنا الموصوف بالقدم ... وهو الرؤوف وذو الألطاف والكرم
بالمصطفى المجتبى والبيت والحرم ... يأذن برفع البلا عن سائر الأمم
برأفة منه تنجينا وتنجيها
فكم خطوب بأرض الشام قد وقعت ... وفي حماة وحمص أعين دمعت
وفي المعرة كم من نسوة فجعت ... وأرض ريحا وسلقين لقد صدعت
وأرض عنتاب ماجت في أهاليها
أين القصير وأين الجسر يا سندي ... صاروا رميما بلا مال ولا ولد
أفناهم الدهر والباقون في كمد ... وكم تحصنوا في حصن وفي زرد
فلم تفدهم وناعي الموت ناعيها
وانظر إلى حلب آها على حلب ... أفناهم الدهر بالزلزال والعطب
تبكي عليهم بنو الأتراك والعرب ... أسفا عليهم ذوي الغايات والرتب
سقاهم من كؤوس الموت ساقيها
كم من شباب وغادات بها فنيت ... وكم عيون عليها بالبكا عميت
وكم ديار لهم من أهلها خليت ... وكم جسوم لهم في أرضها بليت
أضحى عبيدهم تبكي مواليها
حلت عليهم زلازل أوهنت جلدي ... وذاب من وقعها جسمي كذا كبدي
وقرح الجفن دمعي واكتوى جسدي ... وخانني الدهر فيهم آه وا ولدي
ومارت الدور من أعلى عواليها
كم من ديار وخانات بها هدمت ... وكم مساجد للعباد قد عدمت
وكم موادن في حيطانها صدمت ... وكم نفوس على ما فاتها ندمت
راحوا ضياعا ولم تكفل ذراريها
بالله يا سادتي نوحوا على حلب ... وأندبوا الفضل والإحسان والأدب
وابكوا أهيل الهدى والجود والحسب ... يا ليتهم سلموا من وقعة الوصب
أولم يكونوا بليل الأربعا فيها
كانت ديارهم من أحسن الدور ... كأنها جنة للولد والحور
أتتهم هزة كالنفخ في الصور ... وقال رب العلا يا أرضها موري
فمارت الدور وانهدت أعاليها
تلك العلال على أربابها نكست ... وفي بحار الزلازل والبلا ركست
تلك الحوانيت تحت الأرض قد طمست ... وأوجه الخلق من بلواهم عبست
والبوم صاحت سرورا في نواحيها
وانظر إلى القلعة الشهبا وقد عثرت ... في أهلها بعد ما مالت وقد دثرت
وفي الخنادق أحجار لها نثرت ... وكم نفوس عليها حرقة زفرت
أسفا عليها وخانتها لياليها
وكم شموس وأقمار بها كسفت ... وكم خدود منعمة بها تلفت
وكم أراض بهم وبغيرهم رجفت ... وكم رياح البلا من فوقهم عصفت
سادوا وقد خسفت فيهم أراضيها
حزني على ذلك البنيان والغرف ... صاروا رميما بأهل المجد والشرف
عاشوا زمانا بصفو العيش والترف ... وعاش بعضهم باللهو والسرف
شادوا بناء فخاب الآن بانيها
كانوا أناسا يخاف الدهر صولتهم ... فخانهم دهرهم واغتال دولتهم
تبكي عليهم مطاياهم ونسوتهم ... والمجد يبكيهم أيضا وإخوتهم
والدار تندب من قد كان يحميها
تبكي عيوني إذا نظرتك يا حلب ... دما عليك ولم يهتز بي طرب
ما كنت أحسب أن الدهر ينقلب ... يوما عليك وتغدو دوركي خرب
أو حادث الدهر بالهزات يبليها
لعل يوما أراها مثل عادتها ... تدنو إليها مواليها وسادتها
وتعمر الدار في إيناس قادتها ... ويأذن الله في إمضا إرادتها
فالله أعدمها والله يحييها
فانظر قراها وأيدي الدهر ما لعبت ... فيها وما فتكت فيها وما ضربت
فأهلها دمرت والدور قد خربت ... وما أجارت ولا أبقت ولا وهبت
لكنها سلبت منها أهاليها
أرض الأتارب غارت ثم إبّين ... ورام حمدان ليس الأمر بالهين
وإدلب هدمت وبلاد سرمين ... وبنش بعضها ومعار مصرين
وبلاد دركوش قد غارت بمن فيها
يا إدلب أين أنت من مواليك ... صرت خرابا وقد شتت أهاليك
مالي أراكي وقد هدت أعاليك ... أغالك الدهر أم شلت أياديك
أم الزمان جنى أم خان واليها
مالي أرى البوم في ساحاتها قطنت ... والدور خالية من بعد ما سكنت
والأرض ماجت بهم يا ليتها ركنت ... تلك الزلازل عليهم بعد ما أحزنت
نساءهم وابتلاهم في ذراريها
حيف على إدلب ما كان ألطفها ... في أهلها والنسا ما كان أظرفها
حلت عليّ بلايا لست أعرفها ... تستغرق الكتب لو قد كنت أوصفها
فالله باريهم قد خصهم فيها
دركوش دركوش لم يبق بها دار ... ولا رجال ولا أنثى ولا جار
وكلهم في بطون الأرض قد صاروا ... جبالهم فوقهم من هزة ماروا
تبكي الوحوش عليهم ثم عاصيها
من أرمناز بلاني الدهر بالعبر ... فبعضهم في الفلا والبعض في حفر
وبعضهم مثخن والبعض في سفر ... والدور واقعة والكل في كدر
أمسوا مواتا وقاضي الحق قاضيها
يا جسر شغر لحاك الله من وطن ... أفنيت أهلك لا غسل ولا كفن
قرحت قلبي بالأحزان والشجن ... أسفا على كل وجه أبيض حسن
وأهيف قد دوت منه مبانيها
وحل في كلّز ما حل في حلب ... فبعضهم ميت والبعض في هرب
وبعضهم ناحل والبعض في عطب ... وبعضهم في البلا كالنار في حطب
والريح تسفي عليهم من سوافيها
والدور قد هدمت والناس قد عدمت ... والنفس ما سلمت من هزة علمت
والخلق ما رحمت لكنها نقمت ... والناس ما ظلمت لكنها ظلمت
فنالها من عذاب الله موديها
والترك ما تركت ظلما ولا هجرت ... والكرد ما عطفت لكنها فجرت
والعرب قد فسقت ما لحظة أجرت ... والأرض من غير حق بالدماء جرت
من أجل ذلك قد مادت رواسيها
وأرض أعزاز ما قرت ولا سكنت ... من الأراجيف والزلزال ما ركنت
أمست قراها عجافا بعد ما سمنت ... وأهلها في بطون الأرض قد دفنت
راحوا سكارى وصار الترب واليها
قرى القصير خلت ما فيهم دار ... والكل من شدة الهزات قد غاروا
وأهلها في قرار الأرض قد صاروا ... والناس في أمرهم والله قد حاروا سارت مطاياهم والموت حاديها ما أقبح الموت إذ أفنى أكابرهم ... واصطاد أوسطهم أيضا أصاغرهم وفرق البين إرغاما عشائرهم ... وكدر الدهر قاطنهم وسائرهم لم يبق منهم سوى آثار ناديها ريحا قراها قراها الدهر كاس ظما ... والعين من أجلها شربت كؤوس عما والبين هدم أركانا لهم ورمى ... والحتف في أهلها كالبحر حين طما ناداهم الموت فاتبعوا مناديها وسرمدا وبلاد الحلقة انهدمت ... وأكثر الخلق مع أموالها انهزمت ودورها بعضها في البعض إصطدمت ... من بعد ما شيدوها القوم واختدمت وأهلها في البلا لا خل ينجيها
هدت أنطاكي وهد البرج والصور ... وغارت الأرض والخانات والدور وأظلم الأفق لم يبدو به نور ... ونادى رب العلا يا أهلها موروا فزلزلت أرضها وانحط عاليها ولست أعلم نفسا منهم سلمت ... من المصائب وأركان لهم ثلمت تلك الجبال لهم وديانها لثمت ... من رجفة في جميع الخلق قد عظمت يا ليتنا لم نراها في أراضيها ومرعش بارتعاش الهز ما برحت ... وأرض بيلان في بحر لقد سبحت والروم ظني بها خسرت وما ربحت ... والترك والكرد ما سلمت وما نجحت جبالهم قد تساوت مع روابيها ولست أعلم ما قد صار في البلد ... من غير هذا ومن هذا فني جلدي نعوذ من شرها بالواحد الأحد ... جبار قهار لم يولد ولم يلد إن شاء أعدمها أو شاء يبقيها وأمة الخير بالقرآن هذبها ... لولا المعاصي فشت ما كان عذبها لعلها جحدت حكما فكذبها ... وبالزلازل والهزات أدبها حتى تفيء لأمر الله مهديها عيناي من كثرة الزلزال قد سهرت ... وحادثات الليالي للورى قهرت آيات خالقنا للخلق قد بهرت ... لفظت درا وأفكاري به ظهرت أستغفر الله مما كنت أجنيها أنشأت نظمي وقلبي لازم الفكرا ... أنا التقي وشعري يشبه الدررا كأنه الشمس تعلو البدو والحضرا ... يحدو الحداة بها إن أوجدوا سفرا يهتز من شدة الأهوال قاربها بليغة عبقت في أرضنا وسمت ... على اللآلي وآناف العدا رغمت ذادت حواسدها عن نيلها وحمت ... عن وردها وقلوب الطاعنين رمت وأخرست كل منطيق قوافيها رصعتها من يواقيت علت فغلت ... وفي الفصاحة سادت في الورى وعلت وأخبرت عن يد الأيام ما فعلت ... وأفجعت كل قلب بالرثا وسلت ترثي الألى ذهبوا جلت مراثيها
نسجتها حلة تجلى بها الحور ... في جيدها درر في وجهها نور لم يعترى نظمها كذب ولا زور ... إن رمت تاريخها تاريخها الغور 1237
تبارك الله ما أحلى معانيها لا تتهموني بكذب إنني رجل ... قد أخبروني وقلبي هائم وجل لما سمعت بها أنشأتها عجل ... إن يكذبوا فلهم من ربهم أجل أو كان قد صدقوا شدنا مبانيها أستغفر الله من جرمي ومن زللي ... إن كنت أخطأت في قولي وفي عملي فإن رحمة ربي منتهى أملي ... نظمتها درة فاقت على الحمل تحلو لسامعها الصاغي وتاليها صلى الإله على المبعوث في الأمم ... محمد المصطفى ذو المجد والهمم خير البرية من عرب ومن عجم ... والآل والصحب أهل المجد والكرم ما فاض فضل من الرحمن باريها
و(3/323)
والخلق في حذر والأرض في هدر ... والعين في عبر والناس في سفر
يبكي عليها من الأهوال باكيها
زلازل ما سمعنا مثلها أبدا ... ولا زمان مضى في مثلها شهدا
ولا كتاب ولا خبر بها وردا ... ولا سماء ولا جبل لها رعدا
مثل الرعيد الذي لا زال يوحيها
والشهب في الأفق ترمي بيننا شررا ... مثل المشاعيل يقفو إثرها إثرا
وفي الأراضي رجيف حير البشرا ... وفي الليالي رجيج يقلق البصرا
وفي النهار مشقات نقضيها
والشمس تصهرنا والقر يقهرنا ... والذل يحقرنا والترب يسترنا
والهز يزعجنا والدهر يدمرنا ... والدار تبعدنا عنها وتخبرنا
أن البلاء ركام في نواحيها
لعل بارئنا الموصوف بالقدم ... وهو الرؤوف وذو الألطاف والكرم
بالمصطفى المجتبى والبيت والحرم ... يأذن برفع البلا عن سائر الأمم
برأفة منه تنجينا وتنجيها
فكم خطوب بأرض الشام قد وقعت ... وفي حماة وحمص أعين دمعت
وفي المعرة كم من نسوة فجعت ... وأرض ريحا وسلقين لقد صدعت
وأرض عنتاب ماجت في أهاليها
أين القصير وأين الجسر يا سندي ... صاروا رميما بلا مال ولا ولد
أفناهم الدهر والباقون في كمد ... وكم تحصنوا في حصن وفي زرد
فلم تفدهم وناعي الموت ناعيها
وانظر إلى حلب آها على حلب ... أفناهم الدهر بالزلزال والعطب
تبكي عليهم بنو الأتراك والعرب ... أسفا عليهم ذوي الغايات والرتب
سقاهم من كؤوس الموت ساقيها
كم من شباب وغادات بها فنيت ... وكم عيون عليها بالبكا عميت
وكم ديار لهم من أهلها خليت ... وكم جسوم لهم في أرضها بليت
أضحى عبيدهم تبكي مواليها
حلت عليهم زلازل أوهنت جلدي ... وذاب من وقعها جسمي كذا كبدي
وقرح الجفن دمعي واكتوى جسدي ... وخانني الدهر فيهم آه وا ولدي
ومارت الدور من أعلى عواليها
كم من ديار وخانات بها هدمت ... وكم مساجد للعباد قد عدمت
وكم موادن في حيطانها صدمت ... وكم نفوس على ما فاتها ندمت
راحوا ضياعا ولم تكفل ذراريها
بالله يا سادتي نوحوا على حلب ... وأندبوا الفضل والإحسان والأدب
وابكوا أهيل الهدى والجود والحسب ... يا ليتهم سلموا من وقعة الوصب
أولم يكونوا بليل الأربعا فيها
كانت ديارهم من أحسن الدور ... كأنها جنة للولد والحور
أتتهم هزة كالنفخ في الصور ... وقال رب العلا يا أرضها موري
فمارت الدور وانهدت أعاليها
تلك العلال على أربابها نكست ... وفي بحار الزلازل والبلا ركست
تلك الحوانيت تحت الأرض قد طمست ... وأوجه الخلق من بلواهم عبست
والبوم صاحت سرورا في نواحيها
وانظر إلى القلعة الشهبا وقد عثرت ... في أهلها بعد ما مالت وقد دثرت
وفي الخنادق أحجار لها نثرت ... وكم نفوس عليها حرقة زفرت
أسفا عليها وخانتها لياليها
وكم شموس وأقمار بها كسفت ... وكم خدود منعمة بها تلفت
وكم أراض بهم وبغيرهم رجفت ... وكم رياح البلا من فوقهم عصفت
سادوا وقد خسفت فيهم أراضيها
حزني على ذلك البنيان والغرف ... صاروا رميما بأهل المجد والشرف
عاشوا زمانا بصفو العيش والترف ... وعاش بعضهم باللهو والسرف
شادوا بناء فخاب الآن بانيها
كانوا أناسا يخاف الدهر صولتهم ... فخانهم دهرهم واغتال دولتهم
تبكي عليهم مطاياهم ونسوتهم ... والمجد يبكيهم أيضا وإخوتهم
والدار تندب من قد كان يحميها
تبكي عيوني إذا نظرتك يا حلب ... دما عليك ولم يهتز بي طرب
ما كنت أحسب أن الدهر ينقلب ... يوما عليك وتغدو دوركي خرب
أو حادث الدهر بالهزات يبليها
لعل يوما أراها مثل عادتها ... تدنو إليها مواليها وسادتها
وتعمر الدار في إيناس قادتها ... ويأذن الله في إمضا إرادتها
فالله أعدمها والله يحييها
فانظر قراها وأيدي الدهر ما لعبت ... فيها وما فتكت فيها وما ضربت
فأهلها دمرت والدور قد خربت ... وما أجارت ولا أبقت ولا وهبت
لكنها سلبت منها أهاليها
أرض الأتارب غارت ثم إبّين ... ورام حمدان ليس الأمر بالهين
وإدلب هدمت وبلاد سرمين ... وبنش بعضها ومعار مصرين
وبلاد دركوش قد غارت بمن فيها
يا إدلب أين أنت من مواليك ... صرت خرابا وقد شتت أهاليك
مالي أراكي وقد هدت أعاليك ... أغالك الدهر أم شلت أياديك
أم الزمان جنى أم خان واليها
مالي أرى البوم في ساحاتها قطنت ... والدور خالية من بعد ما سكنت
والأرض ماجت بهم يا ليتها ركنت ... تلك الزلازل عليهم بعد ما أحزنت
نساءهم وابتلاهم في ذراريها
حيف على إدلب ما كان ألطفها ... في أهلها والنسا ما كان أظرفها
حلت عليّ بلايا لست أعرفها ... تستغرق الكتب لو قد كنت أوصفها
فالله باريهم قد خصهم فيها
دركوش دركوش لم يبق بها دار ... ولا رجال ولا أنثى ولا جار
وكلهم في بطون الأرض قد صاروا ... جبالهم فوقهم من هزة ماروا
تبكي الوحوش عليهم ثم عاصيها
من أرمناز بلاني الدهر بالعبر ... فبعضهم في الفلا والبعض في حفر
وبعضهم مثخن والبعض في سفر ... والدور واقعة والكل في كدر
أمسوا مواتا وقاضي الحق قاضيها
يا جسر شغر لحاك الله من وطن ... أفنيت أهلك لا غسل ولا كفن
قرحت قلبي بالأحزان والشجن ... أسفا على كل وجه أبيض حسن
وأهيف قد دوت منه مبانيها
وحل في كلّز ما حل في حلب ... فبعضهم ميت والبعض في هرب
وبعضهم ناحل والبعض في عطب ... وبعضهم في البلا كالنار في حطب
والريح تسفي عليهم من سوافيها
والدور قد هدمت والناس قد عدمت ... والنفس ما سلمت من هزة علمت
والخلق ما رحمت لكنها نقمت ... والناس ما ظلمت لكنها ظلمت
فنالها من عذاب الله موديها
والترك ما تركت ظلما ولا هجرت ... والكرد ما عطفت لكنها فجرت
والعرب قد فسقت ما لحظة أجرت ... والأرض من غير حق بالدماء جرت
من أجل ذلك قد مادت رواسيها
وأرض أعزاز ما قرت ولا سكنت ... من الأراجيف والزلزال ما ركنت
أمست قراها عجافا بعد ما سمنت ... وأهلها في بطون الأرض قد دفنت
راحوا سكارى وصار الترب واليها
قرى القصير خلت ما فيهم دار ... والكل من شدة الهزات قد غاروا
وأهلها في قرار الأرض قد صاروا ... والناس في أمرهم والله قد حاروا سارت مطاياهم والموت حاديها ما أقبح الموت إذ أفنى أكابرهم ... واصطاد أوسطهم أيضا أصاغرهم وفرق البين إرغاما عشائرهم ... وكدر الدهر قاطنهم وسائرهم لم يبق منهم سوى آثار ناديها ريحا قراها قراها الدهر كاس ظما ... والعين من أجلها شربت كؤوس عما والبين هدم أركانا لهم ورمى ... والحتف في أهلها كالبحر حين طما ناداهم الموت فاتبعوا مناديها وسرمدا وبلاد الحلقة انهدمت ... وأكثر الخلق مع أموالها انهزمت ودورها بعضها في البعض إصطدمت ... من بعد ما شيدوها القوم واختدمت وأهلها في البلا لا خل ينجيها
هدت أنطاكي وهد البرج والصور ... وغارت الأرض والخانات والدور وأظلم الأفق لم يبدو به نور ... ونادى رب العلا يا أهلها موروا فزلزلت أرضها وانحط عاليها ولست أعلم نفسا منهم سلمت ... من المصائب وأركان لهم ثلمت تلك الجبال لهم وديانها لثمت ... من رجفة في جميع الخلق قد عظمت يا ليتنا لم نراها في أراضيها ومرعش بارتعاش الهز ما برحت ... وأرض بيلان في بحر لقد سبحت والروم ظني بها خسرت وما ربحت ... والترك والكرد ما سلمت وما نجحت جبالهم قد تساوت مع روابيها ولست أعلم ما قد صار في البلد ... من غير هذا ومن هذا فني جلدي نعوذ من شرها بالواحد الأحد ... جبار قهار لم يولد ولم يلد إن شاء أعدمها أو شاء يبقيها وأمة الخير بالقرآن هذبها ... لولا المعاصي فشت ما كان عذبها لعلها جحدت حكما فكذبها ... وبالزلازل والهزات أدبها حتى تفيء لأمر الله مهديها عيناي من كثرة الزلزال قد سهرت ... وحادثات الليالي للورى قهرت آيات خالقنا للخلق قد بهرت ... لفظت درا وأفكاري به ظهرت أستغفر الله مما كنت أجنيها أنشأت نظمي وقلبي لازم الفكرا ... أنا التقي وشعري يشبه الدررا كأنه الشمس تعلو البدو والحضرا ... يحدو الحداة بها إن أوجدوا سفرا يهتز من شدة الأهوال قاربها بليغة عبقت في أرضنا وسمت ... على اللآلي وآناف العدا رغمت ذادت حواسدها عن نيلها وحمت ... عن وردها وقلوب الطاعنين رمت وأخرست كل منطيق قوافيها رصعتها من يواقيت علت فغلت ... وفي الفصاحة سادت في الورى وعلت وأخبرت عن يد الأيام ما فعلت ... وأفجعت كل قلب بالرثا وسلت ترثي الألى ذهبوا جلت مراثيها
نسجتها حلة تجلى بها الحور ... في جيدها درر في وجهها نور لم يعترى نظمها كذب ولا زور ... إن رمت تاريخها تاريخها الغور 1237
تبارك الله ما أحلى معانيها لا تتهموني بكذب إنني رجل ... قد أخبروني وقلبي هائم وجل لما سمعت بها أنشأتها عجل ... إن يكذبوا فلهم من ربهم أجل أو كان قد صدقوا شدنا مبانيها أستغفر الله من جرمي ومن زللي ... إن كنت أخطأت في قولي وفي عملي فإن رحمة ربي منتهى أملي ... نظمتها درة فاقت على الحمل تحلو لسامعها الصاغي وتاليها صلى الإله على المبعوث في الأمم ... محمد المصطفى ذو المجد والهمم خير البرية من عرب ومن عجم ... والآل والصحب أهل المجد والكرم ما فاض فضل من الرحمن باريها
و(3/324)
والخلق في حذر والأرض في هدر ... والعين في عبر والناس في سفر
يبكي عليها من الأهوال باكيها
زلازل ما سمعنا مثلها أبدا ... ولا زمان مضى في مثلها شهدا
ولا كتاب ولا خبر بها وردا ... ولا سماء ولا جبل لها رعدا
مثل الرعيد الذي لا زال يوحيها
والشهب في الأفق ترمي بيننا شررا ... مثل المشاعيل يقفو إثرها إثرا
وفي الأراضي رجيف حير البشرا ... وفي الليالي رجيج يقلق البصرا
وفي النهار مشقات نقضيها
والشمس تصهرنا والقر يقهرنا ... والذل يحقرنا والترب يسترنا
والهز يزعجنا والدهر يدمرنا ... والدار تبعدنا عنها وتخبرنا
أن البلاء ركام في نواحيها
لعل بارئنا الموصوف بالقدم ... وهو الرؤوف وذو الألطاف والكرم
بالمصطفى المجتبى والبيت والحرم ... يأذن برفع البلا عن سائر الأمم
برأفة منه تنجينا وتنجيها
فكم خطوب بأرض الشام قد وقعت ... وفي حماة وحمص أعين دمعت
وفي المعرة كم من نسوة فجعت ... وأرض ريحا وسلقين لقد صدعت
وأرض عنتاب ماجت في أهاليها
أين القصير وأين الجسر يا سندي ... صاروا رميما بلا مال ولا ولد
أفناهم الدهر والباقون في كمد ... وكم تحصنوا في حصن وفي زرد
فلم تفدهم وناعي الموت ناعيها
وانظر إلى حلب آها على حلب ... أفناهم الدهر بالزلزال والعطب
تبكي عليهم بنو الأتراك والعرب ... أسفا عليهم ذوي الغايات والرتب
سقاهم من كؤوس الموت ساقيها
كم من شباب وغادات بها فنيت ... وكم عيون عليها بالبكا عميت
وكم ديار لهم من أهلها خليت ... وكم جسوم لهم في أرضها بليت
أضحى عبيدهم تبكي مواليها
حلت عليهم زلازل أوهنت جلدي ... وذاب من وقعها جسمي كذا كبدي
وقرح الجفن دمعي واكتوى جسدي ... وخانني الدهر فيهم آه وا ولدي
ومارت الدور من أعلى عواليها
كم من ديار وخانات بها هدمت ... وكم مساجد للعباد قد عدمت
وكم موادن في حيطانها صدمت ... وكم نفوس على ما فاتها ندمت
راحوا ضياعا ولم تكفل ذراريها
بالله يا سادتي نوحوا على حلب ... وأندبوا الفضل والإحسان والأدب
وابكوا أهيل الهدى والجود والحسب ... يا ليتهم سلموا من وقعة الوصب
أولم يكونوا بليل الأربعا فيها
كانت ديارهم من أحسن الدور ... كأنها جنة للولد والحور
أتتهم هزة كالنفخ في الصور ... وقال رب العلا يا أرضها موري
فمارت الدور وانهدت أعاليها
تلك العلال على أربابها نكست ... وفي بحار الزلازل والبلا ركست
تلك الحوانيت تحت الأرض قد طمست ... وأوجه الخلق من بلواهم عبست
والبوم صاحت سرورا في نواحيها
وانظر إلى القلعة الشهبا وقد عثرت ... في أهلها بعد ما مالت وقد دثرت
وفي الخنادق أحجار لها نثرت ... وكم نفوس عليها حرقة زفرت
أسفا عليها وخانتها لياليها
وكم شموس وأقمار بها كسفت ... وكم خدود منعمة بها تلفت
وكم أراض بهم وبغيرهم رجفت ... وكم رياح البلا من فوقهم عصفت
سادوا وقد خسفت فيهم أراضيها
حزني على ذلك البنيان والغرف ... صاروا رميما بأهل المجد والشرف
عاشوا زمانا بصفو العيش والترف ... وعاش بعضهم باللهو والسرف
شادوا بناء فخاب الآن بانيها
كانوا أناسا يخاف الدهر صولتهم ... فخانهم دهرهم واغتال دولتهم
تبكي عليهم مطاياهم ونسوتهم ... والمجد يبكيهم أيضا وإخوتهم
والدار تندب من قد كان يحميها
تبكي عيوني إذا نظرتك يا حلب ... دما عليك ولم يهتز بي طرب
ما كنت أحسب أن الدهر ينقلب ... يوما عليك وتغدو دوركي خرب
أو حادث الدهر بالهزات يبليها
لعل يوما أراها مثل عادتها ... تدنو إليها مواليها وسادتها
وتعمر الدار في إيناس قادتها ... ويأذن الله في إمضا إرادتها
فالله أعدمها والله يحييها
فانظر قراها وأيدي الدهر ما لعبت ... فيها وما فتكت فيها وما ضربت
فأهلها دمرت والدور قد خربت ... وما أجارت ولا أبقت ولا وهبت
لكنها سلبت منها أهاليها
أرض الأتارب غارت ثم إبّين ... ورام حمدان ليس الأمر بالهين
وإدلب هدمت وبلاد سرمين ... وبنش بعضها ومعار مصرين
وبلاد دركوش قد غارت بمن فيها
يا إدلب أين أنت من مواليك ... صرت خرابا وقد شتت أهاليك
مالي أراكي وقد هدت أعاليك ... أغالك الدهر أم شلت أياديك
أم الزمان جنى أم خان واليها
مالي أرى البوم في ساحاتها قطنت ... والدور خالية من بعد ما سكنت
والأرض ماجت بهم يا ليتها ركنت ... تلك الزلازل عليهم بعد ما أحزنت
نساءهم وابتلاهم في ذراريها
حيف على إدلب ما كان ألطفها ... في أهلها والنسا ما كان أظرفها
حلت عليّ بلايا لست أعرفها ... تستغرق الكتب لو قد كنت أوصفها
فالله باريهم قد خصهم فيها
دركوش دركوش لم يبق بها دار ... ولا رجال ولا أنثى ولا جار
وكلهم في بطون الأرض قد صاروا ... جبالهم فوقهم من هزة ماروا
تبكي الوحوش عليهم ثم عاصيها
من أرمناز بلاني الدهر بالعبر ... فبعضهم في الفلا والبعض في حفر
وبعضهم مثخن والبعض في سفر ... والدور واقعة والكل في كدر
أمسوا مواتا وقاضي الحق قاضيها
يا جسر شغر لحاك الله من وطن ... أفنيت أهلك لا غسل ولا كفن
قرحت قلبي بالأحزان والشجن ... أسفا على كل وجه أبيض حسن
وأهيف قد دوت منه مبانيها
وحل في كلّز ما حل في حلب ... فبعضهم ميت والبعض في هرب
وبعضهم ناحل والبعض في عطب ... وبعضهم في البلا كالنار في حطب
والريح تسفي عليهم من سوافيها
والدور قد هدمت والناس قد عدمت ... والنفس ما سلمت من هزة علمت
والخلق ما رحمت لكنها نقمت ... والناس ما ظلمت لكنها ظلمت
فنالها من عذاب الله موديها
والترك ما تركت ظلما ولا هجرت ... والكرد ما عطفت لكنها فجرت
والعرب قد فسقت ما لحظة أجرت ... والأرض من غير حق بالدماء جرت
من أجل ذلك قد مادت رواسيها
وأرض أعزاز ما قرت ولا سكنت ... من الأراجيف والزلزال ما ركنت
أمست قراها عجافا بعد ما سمنت ... وأهلها في بطون الأرض قد دفنت
راحوا سكارى وصار الترب واليها
قرى القصير خلت ما فيهم دار ... والكل من شدة الهزات قد غاروا
وأهلها في قرار الأرض قد صاروا ... والناس في أمرهم والله قد حاروا سارت مطاياهم والموت حاديها ما أقبح الموت إذ أفنى أكابرهم ... واصطاد أوسطهم أيضا أصاغرهم وفرق البين إرغاما عشائرهم ... وكدر الدهر قاطنهم وسائرهم لم يبق منهم سوى آثار ناديها ريحا قراها قراها الدهر كاس ظما ... والعين من أجلها شربت كؤوس عما والبين هدم أركانا لهم ورمى ... والحتف في أهلها كالبحر حين طما ناداهم الموت فاتبعوا مناديها وسرمدا وبلاد الحلقة انهدمت ... وأكثر الخلق مع أموالها انهزمت ودورها بعضها في البعض إصطدمت ... من بعد ما شيدوها القوم واختدمت وأهلها في البلا لا خل ينجيها
هدت أنطاكي وهد البرج والصور ... وغارت الأرض والخانات والدور وأظلم الأفق لم يبدو به نور ... ونادى رب العلا يا أهلها موروا فزلزلت أرضها وانحط عاليها ولست أعلم نفسا منهم سلمت ... من المصائب وأركان لهم ثلمت تلك الجبال لهم وديانها لثمت ... من رجفة في جميع الخلق قد عظمت يا ليتنا لم نراها في أراضيها ومرعش بارتعاش الهز ما برحت ... وأرض بيلان في بحر لقد سبحت والروم ظني بها خسرت وما ربحت ... والترك والكرد ما سلمت وما نجحت جبالهم قد تساوت مع روابيها ولست أعلم ما قد صار في البلد ... من غير هذا ومن هذا فني جلدي نعوذ من شرها بالواحد الأحد ... جبار قهار لم يولد ولم يلد إن شاء أعدمها أو شاء يبقيها وأمة الخير بالقرآن هذبها ... لولا المعاصي فشت ما كان عذبها لعلها جحدت حكما فكذبها ... وبالزلازل والهزات أدبها حتى تفيء لأمر الله مهديها عيناي من كثرة الزلزال قد سهرت ... وحادثات الليالي للورى قهرت آيات خالقنا للخلق قد بهرت ... لفظت درا وأفكاري به ظهرت أستغفر الله مما كنت أجنيها أنشأت نظمي وقلبي لازم الفكرا ... أنا التقي وشعري يشبه الدررا كأنه الشمس تعلو البدو والحضرا ... يحدو الحداة بها إن أوجدوا سفرا يهتز من شدة الأهوال قاربها بليغة عبقت في أرضنا وسمت ... على اللآلي وآناف العدا رغمت ذادت حواسدها عن نيلها وحمت ... عن وردها وقلوب الطاعنين رمت وأخرست كل منطيق قوافيها رصعتها من يواقيت علت فغلت ... وفي الفصاحة سادت في الورى وعلت وأخبرت عن يد الأيام ما فعلت ... وأفجعت كل قلب بالرثا وسلت ترثي الألى ذهبوا جلت مراثيها
نسجتها حلة تجلى بها الحور ... في جيدها درر في وجهها نور لم يعترى نظمها كذب ولا زور ... إن رمت تاريخها تاريخها الغور 1237
تبارك الله ما أحلى معانيها لا تتهموني بكذب إنني رجل ... قد أخبروني وقلبي هائم وجل لما سمعت بها أنشأتها عجل ... إن يكذبوا فلهم من ربهم أجل أو كان قد صدقوا شدنا مبانيها أستغفر الله من جرمي ومن زللي ... إن كنت أخطأت في قولي وفي عملي فإن رحمة ربي منتهى أملي ... نظمتها درة فاقت على الحمل تحلو لسامعها الصاغي وتاليها صلى الإله على المبعوث في الأمم ... محمد المصطفى ذو المجد والهمم خير البرية من عرب ومن عجم ... والآل والصحب أهل المجد والكرم ما فاض فضل من الرحمن باريها
و(3/325)
والخلق في حذر والأرض في هدر ... والعين في عبر والناس في سفر
يبكي عليها من الأهوال باكيها
زلازل ما سمعنا مثلها أبدا ... ولا زمان مضى في مثلها شهدا
ولا كتاب ولا خبر بها وردا ... ولا سماء ولا جبل لها رعدا
مثل الرعيد الذي لا زال يوحيها
والشهب في الأفق ترمي بيننا شررا ... مثل المشاعيل يقفو إثرها إثرا
وفي الأراضي رجيف حير البشرا ... وفي الليالي رجيج يقلق البصرا
وفي النهار مشقات نقضيها
والشمس تصهرنا والقر يقهرنا ... والذل يحقرنا والترب يسترنا
والهز يزعجنا والدهر يدمرنا ... والدار تبعدنا عنها وتخبرنا
أن البلاء ركام في نواحيها
لعل بارئنا الموصوف بالقدم ... وهو الرؤوف وذو الألطاف والكرم
بالمصطفى المجتبى والبيت والحرم ... يأذن برفع البلا عن سائر الأمم
برأفة منه تنجينا وتنجيها
فكم خطوب بأرض الشام قد وقعت ... وفي حماة وحمص أعين دمعت
وفي المعرة كم من نسوة فجعت ... وأرض ريحا وسلقين لقد صدعت
وأرض عنتاب ماجت في أهاليها
أين القصير وأين الجسر يا سندي ... صاروا رميما بلا مال ولا ولد
أفناهم الدهر والباقون في كمد ... وكم تحصنوا في حصن وفي زرد
فلم تفدهم وناعي الموت ناعيها
وانظر إلى حلب آها على حلب ... أفناهم الدهر بالزلزال والعطب
تبكي عليهم بنو الأتراك والعرب ... أسفا عليهم ذوي الغايات والرتب
سقاهم من كؤوس الموت ساقيها
كم من شباب وغادات بها فنيت ... وكم عيون عليها بالبكا عميت
وكم ديار لهم من أهلها خليت ... وكم جسوم لهم في أرضها بليت
أضحى عبيدهم تبكي مواليها
حلت عليهم زلازل أوهنت جلدي ... وذاب من وقعها جسمي كذا كبدي
وقرح الجفن دمعي واكتوى جسدي ... وخانني الدهر فيهم آه وا ولدي
ومارت الدور من أعلى عواليها
كم من ديار وخانات بها هدمت ... وكم مساجد للعباد قد عدمت
وكم موادن في حيطانها صدمت ... وكم نفوس على ما فاتها ندمت
راحوا ضياعا ولم تكفل ذراريها
بالله يا سادتي نوحوا على حلب ... وأندبوا الفضل والإحسان والأدب
وابكوا أهيل الهدى والجود والحسب ... يا ليتهم سلموا من وقعة الوصب
أولم يكونوا بليل الأربعا فيها
كانت ديارهم من أحسن الدور ... كأنها جنة للولد والحور
أتتهم هزة كالنفخ في الصور ... وقال رب العلا يا أرضها موري
فمارت الدور وانهدت أعاليها
تلك العلال على أربابها نكست ... وفي بحار الزلازل والبلا ركست
تلك الحوانيت تحت الأرض قد طمست ... وأوجه الخلق من بلواهم عبست
والبوم صاحت سرورا في نواحيها
وانظر إلى القلعة الشهبا وقد عثرت ... في أهلها بعد ما مالت وقد دثرت
وفي الخنادق أحجار لها نثرت ... وكم نفوس عليها حرقة زفرت
أسفا عليها وخانتها لياليها
وكم شموس وأقمار بها كسفت ... وكم خدود منعمة بها تلفت
وكم أراض بهم وبغيرهم رجفت ... وكم رياح البلا من فوقهم عصفت
سادوا وقد خسفت فيهم أراضيها
حزني على ذلك البنيان والغرف ... صاروا رميما بأهل المجد والشرف
عاشوا زمانا بصفو العيش والترف ... وعاش بعضهم باللهو والسرف
شادوا بناء فخاب الآن بانيها
كانوا أناسا يخاف الدهر صولتهم ... فخانهم دهرهم واغتال دولتهم
تبكي عليهم مطاياهم ونسوتهم ... والمجد يبكيهم أيضا وإخوتهم
والدار تندب من قد كان يحميها
تبكي عيوني إذا نظرتك يا حلب ... دما عليك ولم يهتز بي طرب
ما كنت أحسب أن الدهر ينقلب ... يوما عليك وتغدو دوركي خرب
أو حادث الدهر بالهزات يبليها
لعل يوما أراها مثل عادتها ... تدنو إليها مواليها وسادتها
وتعمر الدار في إيناس قادتها ... ويأذن الله في إمضا إرادتها
فالله أعدمها والله يحييها
فانظر قراها وأيدي الدهر ما لعبت ... فيها وما فتكت فيها وما ضربت
فأهلها دمرت والدور قد خربت ... وما أجارت ولا أبقت ولا وهبت
لكنها سلبت منها أهاليها
أرض الأتارب غارت ثم إبّين ... ورام حمدان ليس الأمر بالهين
وإدلب هدمت وبلاد سرمين ... وبنش بعضها ومعار مصرين
وبلاد دركوش قد غارت بمن فيها
يا إدلب أين أنت من مواليك ... صرت خرابا وقد شتت أهاليك
مالي أراكي وقد هدت أعاليك ... أغالك الدهر أم شلت أياديك
أم الزمان جنى أم خان واليها
مالي أرى البوم في ساحاتها قطنت ... والدور خالية من بعد ما سكنت
والأرض ماجت بهم يا ليتها ركنت ... تلك الزلازل عليهم بعد ما أحزنت
نساءهم وابتلاهم في ذراريها
حيف على إدلب ما كان ألطفها ... في أهلها والنسا ما كان أظرفها
حلت عليّ بلايا لست أعرفها ... تستغرق الكتب لو قد كنت أوصفها
فالله باريهم قد خصهم فيها
دركوش دركوش لم يبق بها دار ... ولا رجال ولا أنثى ولا جار
وكلهم في بطون الأرض قد صاروا ... جبالهم فوقهم من هزة ماروا
تبكي الوحوش عليهم ثم عاصيها
من أرمناز بلاني الدهر بالعبر ... فبعضهم في الفلا والبعض في حفر
وبعضهم مثخن والبعض في سفر ... والدور واقعة والكل في كدر
أمسوا مواتا وقاضي الحق قاضيها
يا جسر شغر لحاك الله من وطن ... أفنيت أهلك لا غسل ولا كفن
قرحت قلبي بالأحزان والشجن ... أسفا على كل وجه أبيض حسن
وأهيف قد دوت منه مبانيها
وحل في كلّز ما حل في حلب ... فبعضهم ميت والبعض في هرب
وبعضهم ناحل والبعض في عطب ... وبعضهم في البلا كالنار في حطب
والريح تسفي عليهم من سوافيها
والدور قد هدمت والناس قد عدمت ... والنفس ما سلمت من هزة علمت
والخلق ما رحمت لكنها نقمت ... والناس ما ظلمت لكنها ظلمت
فنالها من عذاب الله موديها
والترك ما تركت ظلما ولا هجرت ... والكرد ما عطفت لكنها فجرت
والعرب قد فسقت ما لحظة أجرت ... والأرض من غير حق بالدماء جرت
من أجل ذلك قد مادت رواسيها
وأرض أعزاز ما قرت ولا سكنت ... من الأراجيف والزلزال ما ركنت
أمست قراها عجافا بعد ما سمنت ... وأهلها في بطون الأرض قد دفنت
راحوا سكارى وصار الترب واليها
قرى القصير خلت ما فيهم دار ... والكل من شدة الهزات قد غاروا
وأهلها في قرار الأرض قد صاروا ... والناس في أمرهم والله قد حاروا سارت مطاياهم والموت حاديها ما أقبح الموت إذ أفنى أكابرهم ... واصطاد أوسطهم أيضا أصاغرهم وفرق البين إرغاما عشائرهم ... وكدر الدهر قاطنهم وسائرهم لم يبق منهم سوى آثار ناديها ريحا قراها قراها الدهر كاس ظما ... والعين من أجلها شربت كؤوس عما والبين هدم أركانا لهم ورمى ... والحتف في أهلها كالبحر حين طما ناداهم الموت فاتبعوا مناديها وسرمدا وبلاد الحلقة انهدمت ... وأكثر الخلق مع أموالها انهزمت ودورها بعضها في البعض إصطدمت ... من بعد ما شيدوها القوم واختدمت وأهلها في البلا لا خل ينجيها
هدت أنطاكي وهد البرج والصور ... وغارت الأرض والخانات والدور وأظلم الأفق لم يبدو به نور ... ونادى رب العلا يا أهلها موروا فزلزلت أرضها وانحط عاليها ولست أعلم نفسا منهم سلمت ... من المصائب وأركان لهم ثلمت تلك الجبال لهم وديانها لثمت ... من رجفة في جميع الخلق قد عظمت يا ليتنا لم نراها في أراضيها ومرعش بارتعاش الهز ما برحت ... وأرض بيلان في بحر لقد سبحت والروم ظني بها خسرت وما ربحت ... والترك والكرد ما سلمت وما نجحت جبالهم قد تساوت مع روابيها ولست أعلم ما قد صار في البلد ... من غير هذا ومن هذا فني جلدي نعوذ من شرها بالواحد الأحد ... جبار قهار لم يولد ولم يلد إن شاء أعدمها أو شاء يبقيها وأمة الخير بالقرآن هذبها ... لولا المعاصي فشت ما كان عذبها لعلها جحدت حكما فكذبها ... وبالزلازل والهزات أدبها حتى تفيء لأمر الله مهديها عيناي من كثرة الزلزال قد سهرت ... وحادثات الليالي للورى قهرت آيات خالقنا للخلق قد بهرت ... لفظت درا وأفكاري به ظهرت أستغفر الله مما كنت أجنيها أنشأت نظمي وقلبي لازم الفكرا ... أنا التقي وشعري يشبه الدررا كأنه الشمس تعلو البدو والحضرا ... يحدو الحداة بها إن أوجدوا سفرا يهتز من شدة الأهوال قاربها بليغة عبقت في أرضنا وسمت ... على اللآلي وآناف العدا رغمت ذادت حواسدها عن نيلها وحمت ... عن وردها وقلوب الطاعنين رمت وأخرست كل منطيق قوافيها رصعتها من يواقيت علت فغلت ... وفي الفصاحة سادت في الورى وعلت وأخبرت عن يد الأيام ما فعلت ... وأفجعت كل قلب بالرثا وسلت ترثي الألى ذهبوا جلت مراثيها
نسجتها حلة تجلى بها الحور ... في جيدها درر في وجهها نور لم يعترى نظمها كذب ولا زور ... إن رمت تاريخها تاريخها الغور 1237
تبارك الله ما أحلى معانيها لا تتهموني بكذب إنني رجل ... قد أخبروني وقلبي هائم وجل لما سمعت بها أنشأتها عجل ... إن يكذبوا فلهم من ربهم أجل أو كان قد صدقوا شدنا مبانيها أستغفر الله من جرمي ومن زللي ... إن كنت أخطأت في قولي وفي عملي فإن رحمة ربي منتهى أملي ... نظمتها درة فاقت على الحمل تحلو لسامعها الصاغي وتاليها صلى الإله على المبعوث في الأمم ... محمد المصطفى ذو المجد والهمم خير البرية من عرب ومن عجم ... والآل والصحب أهل المجد والكرم ما فاض فضل من الرحمن باريها
و(3/326)
والخلق في حذر والأرض في هدر ... والعين في عبر والناس في سفر
يبكي عليها من الأهوال باكيها
زلازل ما سمعنا مثلها أبدا ... ولا زمان مضى في مثلها شهدا
ولا كتاب ولا خبر بها وردا ... ولا سماء ولا جبل لها رعدا
مثل الرعيد الذي لا زال يوحيها
والشهب في الأفق ترمي بيننا شررا ... مثل المشاعيل يقفو إثرها إثرا
وفي الأراضي رجيف حير البشرا ... وفي الليالي رجيج يقلق البصرا
وفي النهار مشقات نقضيها
والشمس تصهرنا والقر يقهرنا ... والذل يحقرنا والترب يسترنا
والهز يزعجنا والدهر يدمرنا ... والدار تبعدنا عنها وتخبرنا
أن البلاء ركام في نواحيها
لعل بارئنا الموصوف بالقدم ... وهو الرؤوف وذو الألطاف والكرم
بالمصطفى المجتبى والبيت والحرم ... يأذن برفع البلا عن سائر الأمم
برأفة منه تنجينا وتنجيها
فكم خطوب بأرض الشام قد وقعت ... وفي حماة وحمص أعين دمعت
وفي المعرة كم من نسوة فجعت ... وأرض ريحا وسلقين لقد صدعت
وأرض عنتاب ماجت في أهاليها
أين القصير وأين الجسر يا سندي ... صاروا رميما بلا مال ولا ولد
أفناهم الدهر والباقون في كمد ... وكم تحصنوا في حصن وفي زرد
فلم تفدهم وناعي الموت ناعيها
وانظر إلى حلب آها على حلب ... أفناهم الدهر بالزلزال والعطب
تبكي عليهم بنو الأتراك والعرب ... أسفا عليهم ذوي الغايات والرتب
سقاهم من كؤوس الموت ساقيها
كم من شباب وغادات بها فنيت ... وكم عيون عليها بالبكا عميت
وكم ديار لهم من أهلها خليت ... وكم جسوم لهم في أرضها بليت
أضحى عبيدهم تبكي مواليها
حلت عليهم زلازل أوهنت جلدي ... وذاب من وقعها جسمي كذا كبدي
وقرح الجفن دمعي واكتوى جسدي ... وخانني الدهر فيهم آه وا ولدي
ومارت الدور من أعلى عواليها
كم من ديار وخانات بها هدمت ... وكم مساجد للعباد قد عدمت
وكم موادن في حيطانها صدمت ... وكم نفوس على ما فاتها ندمت
راحوا ضياعا ولم تكفل ذراريها
بالله يا سادتي نوحوا على حلب ... وأندبوا الفضل والإحسان والأدب
وابكوا أهيل الهدى والجود والحسب ... يا ليتهم سلموا من وقعة الوصب
أولم يكونوا بليل الأربعا فيها
كانت ديارهم من أحسن الدور ... كأنها جنة للولد والحور
أتتهم هزة كالنفخ في الصور ... وقال رب العلا يا أرضها موري
فمارت الدور وانهدت أعاليها
تلك العلال على أربابها نكست ... وفي بحار الزلازل والبلا ركست
تلك الحوانيت تحت الأرض قد طمست ... وأوجه الخلق من بلواهم عبست
والبوم صاحت سرورا في نواحيها
وانظر إلى القلعة الشهبا وقد عثرت ... في أهلها بعد ما مالت وقد دثرت
وفي الخنادق أحجار لها نثرت ... وكم نفوس عليها حرقة زفرت
أسفا عليها وخانتها لياليها
وكم شموس وأقمار بها كسفت ... وكم خدود منعمة بها تلفت
وكم أراض بهم وبغيرهم رجفت ... وكم رياح البلا من فوقهم عصفت
سادوا وقد خسفت فيهم أراضيها
حزني على ذلك البنيان والغرف ... صاروا رميما بأهل المجد والشرف
عاشوا زمانا بصفو العيش والترف ... وعاش بعضهم باللهو والسرف
شادوا بناء فخاب الآن بانيها
كانوا أناسا يخاف الدهر صولتهم ... فخانهم دهرهم واغتال دولتهم
تبكي عليهم مطاياهم ونسوتهم ... والمجد يبكيهم أيضا وإخوتهم
والدار تندب من قد كان يحميها
تبكي عيوني إذا نظرتك يا حلب ... دما عليك ولم يهتز بي طرب
ما كنت أحسب أن الدهر ينقلب ... يوما عليك وتغدو دوركي خرب
أو حادث الدهر بالهزات يبليها
لعل يوما أراها مثل عادتها ... تدنو إليها مواليها وسادتها
وتعمر الدار في إيناس قادتها ... ويأذن الله في إمضا إرادتها
فالله أعدمها والله يحييها
فانظر قراها وأيدي الدهر ما لعبت ... فيها وما فتكت فيها وما ضربت
فأهلها دمرت والدور قد خربت ... وما أجارت ولا أبقت ولا وهبت
لكنها سلبت منها أهاليها
أرض الأتارب غارت ثم إبّين ... ورام حمدان ليس الأمر بالهين
وإدلب هدمت وبلاد سرمين ... وبنش بعضها ومعار مصرين
وبلاد دركوش قد غارت بمن فيها
يا إدلب أين أنت من مواليك ... صرت خرابا وقد شتت أهاليك
مالي أراكي وقد هدت أعاليك ... أغالك الدهر أم شلت أياديك
أم الزمان جنى أم خان واليها
مالي أرى البوم في ساحاتها قطنت ... والدور خالية من بعد ما سكنت
والأرض ماجت بهم يا ليتها ركنت ... تلك الزلازل عليهم بعد ما أحزنت
نساءهم وابتلاهم في ذراريها
حيف على إدلب ما كان ألطفها ... في أهلها والنسا ما كان أظرفها
حلت عليّ بلايا لست أعرفها ... تستغرق الكتب لو قد كنت أوصفها
فالله باريهم قد خصهم فيها
دركوش دركوش لم يبق بها دار ... ولا رجال ولا أنثى ولا جار
وكلهم في بطون الأرض قد صاروا ... جبالهم فوقهم من هزة ماروا
تبكي الوحوش عليهم ثم عاصيها
من أرمناز بلاني الدهر بالعبر ... فبعضهم في الفلا والبعض في حفر
وبعضهم مثخن والبعض في سفر ... والدور واقعة والكل في كدر
أمسوا مواتا وقاضي الحق قاضيها
يا جسر شغر لحاك الله من وطن ... أفنيت أهلك لا غسل ولا كفن
قرحت قلبي بالأحزان والشجن ... أسفا على كل وجه أبيض حسن
وأهيف قد دوت منه مبانيها
وحل في كلّز ما حل في حلب ... فبعضهم ميت والبعض في هرب
وبعضهم ناحل والبعض في عطب ... وبعضهم في البلا كالنار في حطب
والريح تسفي عليهم من سوافيها
والدور قد هدمت والناس قد عدمت ... والنفس ما سلمت من هزة علمت
والخلق ما رحمت لكنها نقمت ... والناس ما ظلمت لكنها ظلمت
فنالها من عذاب الله موديها
والترك ما تركت ظلما ولا هجرت ... والكرد ما عطفت لكنها فجرت
والعرب قد فسقت ما لحظة أجرت ... والأرض من غير حق بالدماء جرت
من أجل ذلك قد مادت رواسيها
وأرض أعزاز ما قرت ولا سكنت ... من الأراجيف والزلزال ما ركنت
أمست قراها عجافا بعد ما سمنت ... وأهلها في بطون الأرض قد دفنت
راحوا سكارى وصار الترب واليها
قرى القصير خلت ما فيهم دار ... والكل من شدة الهزات قد غاروا
وأهلها في قرار الأرض قد صاروا ... والناس في أمرهم والله قد حاروا سارت مطاياهم والموت حاديها ما أقبح الموت إذ أفنى أكابرهم ... واصطاد أوسطهم أيضا أصاغرهم وفرق البين إرغاما عشائرهم ... وكدر الدهر قاطنهم وسائرهم لم يبق منهم سوى آثار ناديها ريحا قراها قراها الدهر كاس ظما ... والعين من أجلها شربت كؤوس عما والبين هدم أركانا لهم ورمى ... والحتف في أهلها كالبحر حين طما ناداهم الموت فاتبعوا مناديها وسرمدا وبلاد الحلقة انهدمت ... وأكثر الخلق مع أموالها انهزمت ودورها بعضها في البعض إصطدمت ... من بعد ما شيدوها القوم واختدمت وأهلها في البلا لا خل ينجيها
هدت أنطاكي وهد البرج والصور ... وغارت الأرض والخانات والدور وأظلم الأفق لم يبدو به نور ... ونادى رب العلا يا أهلها موروا فزلزلت أرضها وانحط عاليها ولست أعلم نفسا منهم سلمت ... من المصائب وأركان لهم ثلمت تلك الجبال لهم وديانها لثمت ... من رجفة في جميع الخلق قد عظمت يا ليتنا لم نراها في أراضيها ومرعش بارتعاش الهز ما برحت ... وأرض بيلان في بحر لقد سبحت والروم ظني بها خسرت وما ربحت ... والترك والكرد ما سلمت وما نجحت جبالهم قد تساوت مع روابيها ولست أعلم ما قد صار في البلد ... من غير هذا ومن هذا فني جلدي نعوذ من شرها بالواحد الأحد ... جبار قهار لم يولد ولم يلد إن شاء أعدمها أو شاء يبقيها وأمة الخير بالقرآن هذبها ... لولا المعاصي فشت ما كان عذبها لعلها جحدت حكما فكذبها ... وبالزلازل والهزات أدبها حتى تفيء لأمر الله مهديها عيناي من كثرة الزلزال قد سهرت ... وحادثات الليالي للورى قهرت آيات خالقنا للخلق قد بهرت ... لفظت درا وأفكاري به ظهرت أستغفر الله مما كنت أجنيها أنشأت نظمي وقلبي لازم الفكرا ... أنا التقي وشعري يشبه الدررا كأنه الشمس تعلو البدو والحضرا ... يحدو الحداة بها إن أوجدوا سفرا يهتز من شدة الأهوال قاربها بليغة عبقت في أرضنا وسمت ... على اللآلي وآناف العدا رغمت ذادت حواسدها عن نيلها وحمت ... عن وردها وقلوب الطاعنين رمت وأخرست كل منطيق قوافيها رصعتها من يواقيت علت فغلت ... وفي الفصاحة سادت في الورى وعلت وأخبرت عن يد الأيام ما فعلت ... وأفجعت كل قلب بالرثا وسلت ترثي الألى ذهبوا جلت مراثيها
نسجتها حلة تجلى بها الحور ... في جيدها درر في وجهها نور لم يعترى نظمها كذب ولا زور ... إن رمت تاريخها تاريخها الغور 1237
تبارك الله ما أحلى معانيها لا تتهموني بكذب إنني رجل ... قد أخبروني وقلبي هائم وجل لما سمعت بها أنشأتها عجل ... إن يكذبوا فلهم من ربهم أجل أو كان قد صدقوا شدنا مبانيها أستغفر الله من جرمي ومن زللي ... إن كنت أخطأت في قولي وفي عملي فإن رحمة ربي منتهى أملي ... نظمتها درة فاقت على الحمل تحلو لسامعها الصاغي وتاليها صلى الإله على المبعوث في الأمم ... محمد المصطفى ذو المجد والهمم خير البرية من عرب ومن عجم ... والآل والصحب أهل المجد والكرم ما فاض فضل من الرحمن باريها
و(3/327)
والخلق في حذر والأرض في هدر ... والعين في عبر والناس في سفر
يبكي عليها من الأهوال باكيها
زلازل ما سمعنا مثلها أبدا ... ولا زمان مضى في مثلها شهدا
ولا كتاب ولا خبر بها وردا ... ولا سماء ولا جبل لها رعدا
مثل الرعيد الذي لا زال يوحيها
والشهب في الأفق ترمي بيننا شررا ... مثل المشاعيل يقفو إثرها إثرا
وفي الأراضي رجيف حير البشرا ... وفي الليالي رجيج يقلق البصرا
وفي النهار مشقات نقضيها
والشمس تصهرنا والقر يقهرنا ... والذل يحقرنا والترب يسترنا
والهز يزعجنا والدهر يدمرنا ... والدار تبعدنا عنها وتخبرنا
أن البلاء ركام في نواحيها
لعل بارئنا الموصوف بالقدم ... وهو الرؤوف وذو الألطاف والكرم
بالمصطفى المجتبى والبيت والحرم ... يأذن برفع البلا عن سائر الأمم
برأفة منه تنجينا وتنجيها
فكم خطوب بأرض الشام قد وقعت ... وفي حماة وحمص أعين دمعت
وفي المعرة كم من نسوة فجعت ... وأرض ريحا وسلقين لقد صدعت
وأرض عنتاب ماجت في أهاليها
أين القصير وأين الجسر يا سندي ... صاروا رميما بلا مال ولا ولد
أفناهم الدهر والباقون في كمد ... وكم تحصنوا في حصن وفي زرد
فلم تفدهم وناعي الموت ناعيها
وانظر إلى حلب آها على حلب ... أفناهم الدهر بالزلزال والعطب
تبكي عليهم بنو الأتراك والعرب ... أسفا عليهم ذوي الغايات والرتب
سقاهم من كؤوس الموت ساقيها
كم من شباب وغادات بها فنيت ... وكم عيون عليها بالبكا عميت
وكم ديار لهم من أهلها خليت ... وكم جسوم لهم في أرضها بليت
أضحى عبيدهم تبكي مواليها
حلت عليهم زلازل أوهنت جلدي ... وذاب من وقعها جسمي كذا كبدي
وقرح الجفن دمعي واكتوى جسدي ... وخانني الدهر فيهم آه وا ولدي
ومارت الدور من أعلى عواليها
كم من ديار وخانات بها هدمت ... وكم مساجد للعباد قد عدمت
وكم موادن في حيطانها صدمت ... وكم نفوس على ما فاتها ندمت
راحوا ضياعا ولم تكفل ذراريها
بالله يا سادتي نوحوا على حلب ... وأندبوا الفضل والإحسان والأدب
وابكوا أهيل الهدى والجود والحسب ... يا ليتهم سلموا من وقعة الوصب
أولم يكونوا بليل الأربعا فيها
كانت ديارهم من أحسن الدور ... كأنها جنة للولد والحور
أتتهم هزة كالنفخ في الصور ... وقال رب العلا يا أرضها موري
فمارت الدور وانهدت أعاليها
تلك العلال على أربابها نكست ... وفي بحار الزلازل والبلا ركست
تلك الحوانيت تحت الأرض قد طمست ... وأوجه الخلق من بلواهم عبست
والبوم صاحت سرورا في نواحيها
وانظر إلى القلعة الشهبا وقد عثرت ... في أهلها بعد ما مالت وقد دثرت
وفي الخنادق أحجار لها نثرت ... وكم نفوس عليها حرقة زفرت
أسفا عليها وخانتها لياليها
وكم شموس وأقمار بها كسفت ... وكم خدود منعمة بها تلفت
وكم أراض بهم وبغيرهم رجفت ... وكم رياح البلا من فوقهم عصفت
سادوا وقد خسفت فيهم أراضيها
حزني على ذلك البنيان والغرف ... صاروا رميما بأهل المجد والشرف
عاشوا زمانا بصفو العيش والترف ... وعاش بعضهم باللهو والسرف
شادوا بناء فخاب الآن بانيها
كانوا أناسا يخاف الدهر صولتهم ... فخانهم دهرهم واغتال دولتهم
تبكي عليهم مطاياهم ونسوتهم ... والمجد يبكيهم أيضا وإخوتهم
والدار تندب من قد كان يحميها
تبكي عيوني إذا نظرتك يا حلب ... دما عليك ولم يهتز بي طرب
ما كنت أحسب أن الدهر ينقلب ... يوما عليك وتغدو دوركي خرب
أو حادث الدهر بالهزات يبليها
لعل يوما أراها مثل عادتها ... تدنو إليها مواليها وسادتها
وتعمر الدار في إيناس قادتها ... ويأذن الله في إمضا إرادتها
فالله أعدمها والله يحييها
فانظر قراها وأيدي الدهر ما لعبت ... فيها وما فتكت فيها وما ضربت
فأهلها دمرت والدور قد خربت ... وما أجارت ولا أبقت ولا وهبت
لكنها سلبت منها أهاليها
أرض الأتارب غارت ثم إبّين ... ورام حمدان ليس الأمر بالهين
وإدلب هدمت وبلاد سرمين ... وبنش بعضها ومعار مصرين
وبلاد دركوش قد غارت بمن فيها
يا إدلب أين أنت من مواليك ... صرت خرابا وقد شتت أهاليك
مالي أراكي وقد هدت أعاليك ... أغالك الدهر أم شلت أياديك
أم الزمان جنى أم خان واليها
مالي أرى البوم في ساحاتها قطنت ... والدور خالية من بعد ما سكنت
والأرض ماجت بهم يا ليتها ركنت ... تلك الزلازل عليهم بعد ما أحزنت
نساءهم وابتلاهم في ذراريها
حيف على إدلب ما كان ألطفها ... في أهلها والنسا ما كان أظرفها
حلت عليّ بلايا لست أعرفها ... تستغرق الكتب لو قد كنت أوصفها
فالله باريهم قد خصهم فيها
دركوش دركوش لم يبق بها دار ... ولا رجال ولا أنثى ولا جار
وكلهم في بطون الأرض قد صاروا ... جبالهم فوقهم من هزة ماروا
تبكي الوحوش عليهم ثم عاصيها
من أرمناز بلاني الدهر بالعبر ... فبعضهم في الفلا والبعض في حفر
وبعضهم مثخن والبعض في سفر ... والدور واقعة والكل في كدر
أمسوا مواتا وقاضي الحق قاضيها
يا جسر شغر لحاك الله من وطن ... أفنيت أهلك لا غسل ولا كفن
قرحت قلبي بالأحزان والشجن ... أسفا على كل وجه أبيض حسن
وأهيف قد دوت منه مبانيها
وحل في كلّز ما حل في حلب ... فبعضهم ميت والبعض في هرب
وبعضهم ناحل والبعض في عطب ... وبعضهم في البلا كالنار في حطب
والريح تسفي عليهم من سوافيها
والدور قد هدمت والناس قد عدمت ... والنفس ما سلمت من هزة علمت
والخلق ما رحمت لكنها نقمت ... والناس ما ظلمت لكنها ظلمت
فنالها من عذاب الله موديها
والترك ما تركت ظلما ولا هجرت ... والكرد ما عطفت لكنها فجرت
والعرب قد فسقت ما لحظة أجرت ... والأرض من غير حق بالدماء جرت
من أجل ذلك قد مادت رواسيها
وأرض أعزاز ما قرت ولا سكنت ... من الأراجيف والزلزال ما ركنت
أمست قراها عجافا بعد ما سمنت ... وأهلها في بطون الأرض قد دفنت
راحوا سكارى وصار الترب واليها
قرى القصير خلت ما فيهم دار ... والكل من شدة الهزات قد غاروا
وأهلها في قرار الأرض قد صاروا ... والناس في أمرهم والله قد حاروا سارت مطاياهم والموت حاديها ما أقبح الموت إذ أفنى أكابرهم ... واصطاد أوسطهم أيضا أصاغرهم وفرق البين إرغاما عشائرهم ... وكدر الدهر قاطنهم وسائرهم لم يبق منهم سوى آثار ناديها ريحا قراها قراها الدهر كاس ظما ... والعين من أجلها شربت كؤوس عما والبين هدم أركانا لهم ورمى ... والحتف في أهلها كالبحر حين طما ناداهم الموت فاتبعوا مناديها وسرمدا وبلاد الحلقة انهدمت ... وأكثر الخلق مع أموالها انهزمت ودورها بعضها في البعض إصطدمت ... من بعد ما شيدوها القوم واختدمت وأهلها في البلا لا خل ينجيها
هدت أنطاكي وهد البرج والصور ... وغارت الأرض والخانات والدور وأظلم الأفق لم يبدو به نور ... ونادى رب العلا يا أهلها موروا فزلزلت أرضها وانحط عاليها ولست أعلم نفسا منهم سلمت ... من المصائب وأركان لهم ثلمت تلك الجبال لهم وديانها لثمت ... من رجفة في جميع الخلق قد عظمت يا ليتنا لم نراها في أراضيها ومرعش بارتعاش الهز ما برحت ... وأرض بيلان في بحر لقد سبحت والروم ظني بها خسرت وما ربحت ... والترك والكرد ما سلمت وما نجحت جبالهم قد تساوت مع روابيها ولست أعلم ما قد صار في البلد ... من غير هذا ومن هذا فني جلدي نعوذ من شرها بالواحد الأحد ... جبار قهار لم يولد ولم يلد إن شاء أعدمها أو شاء يبقيها وأمة الخير بالقرآن هذبها ... لولا المعاصي فشت ما كان عذبها لعلها جحدت حكما فكذبها ... وبالزلازل والهزات أدبها حتى تفيء لأمر الله مهديها عيناي من كثرة الزلزال قد سهرت ... وحادثات الليالي للورى قهرت آيات خالقنا للخلق قد بهرت ... لفظت درا وأفكاري به ظهرت أستغفر الله مما كنت أجنيها أنشأت نظمي وقلبي لازم الفكرا ... أنا التقي وشعري يشبه الدررا كأنه الشمس تعلو البدو والحضرا ... يحدو الحداة بها إن أوجدوا سفرا يهتز من شدة الأهوال قاربها بليغة عبقت في أرضنا وسمت ... على اللآلي وآناف العدا رغمت ذادت حواسدها عن نيلها وحمت ... عن وردها وقلوب الطاعنين رمت وأخرست كل منطيق قوافيها رصعتها من يواقيت علت فغلت ... وفي الفصاحة سادت في الورى وعلت وأخبرت عن يد الأيام ما فعلت ... وأفجعت كل قلب بالرثا وسلت ترثي الألى ذهبوا جلت مراثيها
نسجتها حلة تجلى بها الحور ... في جيدها درر في وجهها نور لم يعترى نظمها كذب ولا زور ... إن رمت تاريخها تاريخها الغور 1237
تبارك الله ما أحلى معانيها لا تتهموني بكذب إنني رجل ... قد أخبروني وقلبي هائم وجل لما سمعت بها أنشأتها عجل ... إن يكذبوا فلهم من ربهم أجل أو كان قد صدقوا شدنا مبانيها أستغفر الله من جرمي ومن زللي ... إن كنت أخطأت في قولي وفي عملي فإن رحمة ربي منتهى أملي ... نظمتها درة فاقت على الحمل تحلو لسامعها الصاغي وتاليها صلى الإله على المبعوث في الأمم ... محمد المصطفى ذو المجد والهمم خير البرية من عرب ومن عجم ... والآل والصحب أهل المجد والكرم ما فاض فضل من الرحمن باريها
وعمل الشيخ محمد الترمانيني والد الشيخ عبد السلام أفندي المتوفى سنة 1250 مقامة في وصف هذه الزلزلة ثم تخلص منها إلى مدح والي عصره، قال بعد الخطبة:
أما بعد، فلما كانت سنة سبع وثلاثين بعد المائتين والألف. حصل في أواخرها ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة الهز والرجف. وذلك في محروسة حلب السنية. وما ينسب إليها من القرى والبلاد البهية. فبينما نحن في ثالث ساعة من تلك الليلة نتحدث.
ولحاظ أعين سرورنا بألبابنا تغزو وتعبث. إذ وردت علينا مقدمات جيوش هازم اللذات.
وصار كل منا يقول والله إن للموت سكرات. وما ذاك إلا دوي كدوي الصواعق.
تتدكدك من هوله الشوامخ والشواهق. وما مضت ثانية من الثواني. إلا ولم يعرف الواحد منا الثاني. ونفضتنا الأرض عن ظهرها حتى قربنا من السماء. وكدنا نغترف بأكفنا من السحاب الماء. ثم هبطنا للحضيض الأسفل. وعدنا لما وصلنا إليه أول. نحو خمس مرات متواليات. حتى ظننا أن الأرض قد اختلطت بالسموات. وأن نفخة الفزع قد آن أوانها.
وأن الساعة قد حانت أحيانها. فصرنا أولا نبتهل ونتضرع. ونستغيث ونار الخوف بأفئدتنا تتدلع. ثم تلجلج اللسان تلجلج الفأفاء. ولم يبق لنا من الحواس سوى بصر شاخص إلى السماء. واستولت علينا ظلمات الغضب. ولم يثبت لأحد في ذلك الوقت عصب. فبينما
نحن في ذا الحال. إذ نزلت علينا شهب من السماء تتلامع. ورآها غالب من كان في ذات العواصم يتبايع. ثم اشتد الظلام في تلك الليلة حتى غاب سناها. وصار الواحد منا إن أخرج يده لم يكد يراها. فأيقنّا إذ ذاك هول يوم القيامة. ثم لما تذكرنا ما أعدّ لها من العلامة. علمنا أن هذه هي المقدمات. وأنها لعبر وعظات. فبعد خمس من الدقايق. زال الظلام من المغارب والمشارق. ونظرنا إلى أنفسنا كأنّا خرجنا من القبور. وعلينا التراب مغط للثياب وللشعور. ثم التفتنا إلى الربوع والقصور. فرأيناها قاعا صفصفا كهيئة الجبال يوم النشور. فاشتغلنا بالحسبلة والحوقلة. خشية من الاسترجاع واستعذنا بالله من هول تلك الزلزلة. وافتقدنا الأهل والأقارب. والأباعد والأجانب. فإذا قد فقد منهم نحو عشرة آلاف. كلهم كفنوا بثيابهم أو فراش أو لحاف. وخرجنا من البلدة إلى الصحراء.(3/328)
وأن الساعة قد حانت أحيانها. فصرنا أولا نبتهل ونتضرع. ونستغيث ونار الخوف بأفئدتنا تتدلع. ثم تلجلج اللسان تلجلج الفأفاء. ولم يبق لنا من الحواس سوى بصر شاخص إلى السماء. واستولت علينا ظلمات الغضب. ولم يثبت لأحد في ذلك الوقت عصب. فبينما
نحن في ذا الحال. إذ نزلت علينا شهب من السماء تتلامع. ورآها غالب من كان في ذات العواصم يتبايع. ثم اشتد الظلام في تلك الليلة حتى غاب سناها. وصار الواحد منا إن أخرج يده لم يكد يراها. فأيقنّا إذ ذاك هول يوم القيامة. ثم لما تذكرنا ما أعدّ لها من العلامة. علمنا أن هذه هي المقدمات. وأنها لعبر وعظات. فبعد خمس من الدقايق. زال الظلام من المغارب والمشارق. ونظرنا إلى أنفسنا كأنّا خرجنا من القبور. وعلينا التراب مغط للثياب وللشعور. ثم التفتنا إلى الربوع والقصور. فرأيناها قاعا صفصفا كهيئة الجبال يوم النشور. فاشتغلنا بالحسبلة والحوقلة. خشية من الاسترجاع واستعذنا بالله من هول تلك الزلزلة. وافتقدنا الأهل والأقارب. والأباعد والأجانب. فإذا قد فقد منهم نحو عشرة آلاف. كلهم كفنوا بثيابهم أو فراش أو لحاف. وخرجنا من البلدة إلى الصحراء.
واشتدت بنا جميعنا البلواء. إلى أن برزت شموس الذات الأحمدية. وجالت فرسان الهمة الآصفية. في ميدان روضة بلدتنا البهية. فنادى من قبله منادي السرور. أن أبشروا فقد زال العناء من الصدور. وقد آن أوان العفو من الرب الغفور. فسكنت الأرض واستقرت.
ولولا الله دامت حركتها واستمرت. وأنسنا بقدوم جنابه العالي. وإنما بقدوم جنابه العالي انتظم شملنا كنظم العقود في اللآلي الخ.
(أقول): تهدم في هذه الزلزلة أيضا ما كان أمام باب القلعة من الدور والأسواق والمدارس والجوامع يبتدي ذلك من جانب خان الفرّايين غربا إلى المحلة المعروفة بساحة الملح والمحلة المعروفة بالمزوّق والمحلة المعروفة بباب الأحمر شرقا، وإلى حدود محلة القصيلة ومحلة السفاحية شمالا، ولم يبق مما كان ثمة من الأبنية سوى مدرسة خسرو باشا والزاوية المعروفة بزاوية الشيخ تراب وجامع الأطروش والمدرسة السلطانية والحمام المعروفة قديما بحمام الناصرية المشهورة الآن بحمام اللبابيدية. وقد لحق هذه الأماكن شيء من الخراب أيضا وبقيت تلك الأماكن قاعا صفصفا إلى سنة 1300فتجدد فيها في أول هذا القرن ثلاثة خانات شرقي خان الفرايين ثم خان آخر بينها وبين المدرسة الخسروية وهو الخان المعروف بالشونة. وقد دخل فيه بقية سوقين كانا للمدرسة المذكورة كما قدمنا، وجدد ثمة في الجهة الغربية مستشفى للغرباء واسع جدا شرع في عمارة هذا المستشفى سنة 1302أثناء ولاية المرحوم جميل باشا، وبعد أن ارتفع البناء فيه مقدار ثلاثة أمتار عزل الوالي المذكور فأهمل البناء فيه وبقي على هذه الصورة تأوى إليه الكلاب وأرباب الفساد إلى سنة 1317، فسعى رؤوف
باشا في إتمامه واهتم لذلك غاية الاهتمام. وفي الجهة الشرقية بنى مفتي حلب محمد أفندي العبيسي دارا لسكناه وخانا بين داره وبين حمام الناصرية، وبنيت دور حقيرة شمالي جامع الأطروش أمام المحلة المعروفة بساحة الملح وما عدا ذلك فهو خراب إلى هذه السنة سنة 1343.(3/329)
(أقول): تهدم في هذه الزلزلة أيضا ما كان أمام باب القلعة من الدور والأسواق والمدارس والجوامع يبتدي ذلك من جانب خان الفرّايين غربا إلى المحلة المعروفة بساحة الملح والمحلة المعروفة بالمزوّق والمحلة المعروفة بباب الأحمر شرقا، وإلى حدود محلة القصيلة ومحلة السفاحية شمالا، ولم يبق مما كان ثمة من الأبنية سوى مدرسة خسرو باشا والزاوية المعروفة بزاوية الشيخ تراب وجامع الأطروش والمدرسة السلطانية والحمام المعروفة قديما بحمام الناصرية المشهورة الآن بحمام اللبابيدية. وقد لحق هذه الأماكن شيء من الخراب أيضا وبقيت تلك الأماكن قاعا صفصفا إلى سنة 1300فتجدد فيها في أول هذا القرن ثلاثة خانات شرقي خان الفرايين ثم خان آخر بينها وبين المدرسة الخسروية وهو الخان المعروف بالشونة. وقد دخل فيه بقية سوقين كانا للمدرسة المذكورة كما قدمنا، وجدد ثمة في الجهة الغربية مستشفى للغرباء واسع جدا شرع في عمارة هذا المستشفى سنة 1302أثناء ولاية المرحوم جميل باشا، وبعد أن ارتفع البناء فيه مقدار ثلاثة أمتار عزل الوالي المذكور فأهمل البناء فيه وبقي على هذه الصورة تأوى إليه الكلاب وأرباب الفساد إلى سنة 1317، فسعى رؤوف
باشا في إتمامه واهتم لذلك غاية الاهتمام. وفي الجهة الشرقية بنى مفتي حلب محمد أفندي العبيسي دارا لسكناه وخانا بين داره وبين حمام الناصرية، وبنيت دور حقيرة شمالي جامع الأطروش أمام المحلة المعروفة بساحة الملح وما عدا ذلك فهو خراب إلى هذه السنة سنة 1343.
وفي جانب من هذا الخراب من أمام جامع الأطروش إلى حمام الناصرية ومنها إلى أمام باب القلعة إلى شرقي المدرسة السلطانية تقام سوق في كل يوم جمعة يباع فيها الخضر والفواكه والصوف والقطن والحصر وأواني النحاس والأخشاب والطيور والدجاج والثياب القديمة والشيت والخام وغير ذلك، ويقدر من يجتمع فيه كل يوم جمعة من الصباح إلى الظهر بعشرة آلاف، وبعض هذا المكان يعرف قديما بدرب المرمى ثم عرف بدرب المبلط.
قال في كنوز الذهب في الكلام على الدروب: درب المبلّط هو الدرب الآخذ من حمّام الذهب إلى ناحية القلعة، وقد بلطه الظاهر غازي ويعرف الآن بدرب المبلّط، وسميت حمام الذهب لأنها وقف على الفقراء وكانوا يأخذون منها صدقتهم ذهبا، وقد جعل بعضها الآن ملكا والذي فعل ذلك قرض الله ذريته.
والساحة التي هي أمام الحمّام اتخذت لبيع الدواب في كل يوم وهذا المكان معروف من القديم بسوق الخيل.
سنة 1240
كان الوالي فيها كليسلي محمد وحيد باشا كما في السالنامة.
سنة 1242 ذكر ولاية سيروزلي يوسف باشا
قال الكاتب في مجموعته في حوادث هذه السنة: فيها حصل غلاء ووباء (طاعون)، وكان والي حلب يوسف باشا إلى أن صار رطل الخبز بناقشلي وعمّ الوباء اه.
قال في قاموس الأعلام: هو ابن إسماعيل بك أحد أعيان سيروز، عيّن سنة 1233في بعض الوظائف إلى يانية، ولما كان فيها أتته رتبة الوزارة وعين محافظا إلى أغريبوز
ثم إلى صاروخان، وفي سنة 1238عين إلى حلب (في السالنامة أن تعيينه كان سنة 1242وافق فيه ما قاله الكاتب كما تقدم فهو أصح مما ذكره في القاموس) ثم عيّن إلى كوتاهية ثم منتشا ثم قره حصار، وفي سنة 1251عيّن محافظا إلى بلغراد، وفي سنة 1256أعيد إلى صاروخان، وفي سنة 1258عاد إلى سيروز وطنه وهناك توفي سنة 1259. وكان شاعرا أورد له في القاموس بيتين من الشعر التركي.(3/330)
قال في قاموس الأعلام: هو ابن إسماعيل بك أحد أعيان سيروز، عيّن سنة 1233في بعض الوظائف إلى يانية، ولما كان فيها أتته رتبة الوزارة وعين محافظا إلى أغريبوز
ثم إلى صاروخان، وفي سنة 1238عين إلى حلب (في السالنامة أن تعيينه كان سنة 1242وافق فيه ما قاله الكاتب كما تقدم فهو أصح مما ذكره في القاموس) ثم عيّن إلى كوتاهية ثم منتشا ثم قره حصار، وفي سنة 1251عيّن محافظا إلى بلغراد، وفي سنة 1256أعيد إلى صاروخان، وفي سنة 1258عاد إلى سيروز وطنه وهناك توفي سنة 1259. وكان شاعرا أورد له في القاموس بيتين من الشعر التركي.
سنة 1243
كان الوالي فيها رؤوف باشا كما في السالنامة.
سنة 1244 ولاية علي باشا وقتله لأحمد بك ابن إبراهيم باشا
هذا لم يذكره في السالنامة. قال الكاتب في مجموعته: في سنة 1244أحضر يوسف بك أمرا بقتل أحمد بك وكان والي حلب علي باشا فقتل أحمد بك وهو في بستان المفتي ضرب برصاص وهو على درج القصر.
تفصيل مقتله:
ذكر الشيخ وفا الرفاعي قصة قتل أحمد بك في بعض مجاميعه بأوسع من ذلك فقال: كان أحمد بك ابن الحاج إبراهيم باشا قطر آغاسي أمير الحج الأسبق الذي تولى حلب أمر أن يتوجه إلى أرضروم بمائة وخمسين عسكريا، فتوجه من حلب في 20من كانون فأصابه عند كرم الخوش حمى معها ذات الجنب، فعاد إلى حلب وأقام في بستان المفتي، وكان والي حلب وقتئذ علي باشا فأتاه الأمر بقتل أحمد بك، وذلك ليلة الثلاثاء في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة 1244، فتوجه علي باشا للبستان المذكور فتلقاه أحمد بك وأحسن استقباله وجلسا للمحادثة، ثم نهض علي باشا وخرج من باب القصر فخرج لتشييعه، وكان علي باشا أوقف ثلاثا من أتباعه بالباب وأعلمهم أنه مأمور بقتله وأمرهم أن يطلقوا عليه الرصاص متى خرج، ولما خرج كما قلنا أطلق عليه القواس باشي الرصاص ثم ثنى عليه الجماشرجي، وقيل ثم ثلث عليه المعتمد فخر أحمد بك صريعا،
فحزوا رأسه وأدخلوا الجثة إلى دار الحريم فوقع الصراخ والنواح، وصادف أني ذلك اليوم خرجت لوداعه لأنه كان صمم على التوجه يوم الخميس في التاسع والعشرين من الشهر المذكور وجلست بالقرب منهم أنتظر ذهابهم من عنده لأدخل إليه، فلما وقع الأمر عدت إلى البلد، ثم سمعت أنهم يريدون دفنه تلك الليلة فرجعت إلى بستان المفتي ومعي حطب زاده، وبعد أن غسلوه مشينا مع الجنازة من بستان المفتي إلى التكية المولوية ووصلنا مع العشاء، وبعد أن صلينا عليه وكنت أنا إمام القوم واروه التراب في قبر هناك جديد، وكتب على قبره من نظمي:(3/331)
ذكر الشيخ وفا الرفاعي قصة قتل أحمد بك في بعض مجاميعه بأوسع من ذلك فقال: كان أحمد بك ابن الحاج إبراهيم باشا قطر آغاسي أمير الحج الأسبق الذي تولى حلب أمر أن يتوجه إلى أرضروم بمائة وخمسين عسكريا، فتوجه من حلب في 20من كانون فأصابه عند كرم الخوش حمى معها ذات الجنب، فعاد إلى حلب وأقام في بستان المفتي، وكان والي حلب وقتئذ علي باشا فأتاه الأمر بقتل أحمد بك، وذلك ليلة الثلاثاء في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة 1244، فتوجه علي باشا للبستان المذكور فتلقاه أحمد بك وأحسن استقباله وجلسا للمحادثة، ثم نهض علي باشا وخرج من باب القصر فخرج لتشييعه، وكان علي باشا أوقف ثلاثا من أتباعه بالباب وأعلمهم أنه مأمور بقتله وأمرهم أن يطلقوا عليه الرصاص متى خرج، ولما خرج كما قلنا أطلق عليه القواس باشي الرصاص ثم ثنى عليه الجماشرجي، وقيل ثم ثلث عليه المعتمد فخر أحمد بك صريعا،
فحزوا رأسه وأدخلوا الجثة إلى دار الحريم فوقع الصراخ والنواح، وصادف أني ذلك اليوم خرجت لوداعه لأنه كان صمم على التوجه يوم الخميس في التاسع والعشرين من الشهر المذكور وجلست بالقرب منهم أنتظر ذهابهم من عنده لأدخل إليه، فلما وقع الأمر عدت إلى البلد، ثم سمعت أنهم يريدون دفنه تلك الليلة فرجعت إلى بستان المفتي ومعي حطب زاده، وبعد أن غسلوه مشينا مع الجنازة من بستان المفتي إلى التكية المولوية ووصلنا مع العشاء، وبعد أن صلينا عليه وكنت أنا إمام القوم واروه التراب في قبر هناك جديد، وكتب على قبره من نظمي:
لقد فزت يا قومي ونلت شهادة ... وغفران ربي كل يوم مجدد
فعممني عفوا وجاد برحمة ... ومثواي في دار النعيم مخلد
ولما دعاني طبت زلفى لقربه ... وفي المقعد الصدق المقيم مؤبد
فبشر أني أحمد الله أرخوا ... وقصري في الفردوس زاه مشيد
قال: وكان عفا الله عنه على سنه متكالبا على الدنيا ذا طمع عظيم يحب الادخار ولا يقنعه شيء يتلو دائما هل من مزيد من كل شيء، كتوما رصينا. ولما كنت في الآستانة بقصد الحصول على جهة أتعيش منها أنعم علي بمزرعة السربس فأخذتها بالتولية ببراءة ثم شاركت المترجم على النصف فوضع المترجم يده على الكل وصار يستورد جميع الواردات ولا يعطيني إلا القليل منها، ذا إصرار إذا خطر له أمر يصر على إمضائه ولو تبين له غلطه، وكان يضمر الغدر لمن عانده أو بلغه عنه ما يكدره. وتوفق أيام حكومته إلى ترميم المسجد الأموي وتعميره وإلى تعمير سبيل عظيم في باب المقام اكتفى به أهل تلك المحلة واستغنوا عن شراء الماء في أوقات الاحتياج، وإلى تعمير سبيل آخر في محلة تراب الغرباء وإلى ترميم المشهد المدفون فيه الإمام محسن رضي الله عنه، وقتل قبل أن تتم العمارة، ولعل الله يسمح عنه بسبب هذه الآثار.
والمشهور أن علي باشا أرسل رأس أحمد بيك إلى دار السلطنة والسلطان وقتئذ هو السلطان محمود، وهناك قبض على أخيه مصطفى بيك الذي كان في الآستانة أمير أخور أول وعرض عليه رأس أخيه أحمد بك وسأله: هذا هو أخوك؟ فقال: نعم، فأمر بقتله فقتل أيضا. ثم ورد الأمر بمصادرة أملاكهما التي في حلب وملحقاتها فصودرت أملاكهما وقراها، ثم جرى نفي أولادهما وكافة من يلوذ بهما البعض منهم إلى سيواس والبعض إلى عينتاب والبعض إلى أمكنة أخرى.(3/332)
سنة 1245 ولاية إبراهيم باشا ثم علي رضا باشا
قال في السالنامة: كان الوالي فيها إبراهيم باشا ثم صار علي رضا باشا
ترجمة علي رضا باشا:
قال في قاموس الأعلام: هو طرابزوني الأصل بعد أن تقلب في عدة وظائف صار مدير الإصطبل العامر سنة 1244، ثم عين قائمقاما لحلب، وبعد سنة أنعم عليه برتبة الصدارة وعيّن واليا لحلب، وفي سنة 1246شق والي بغداد عصا الطاعة فأمر المترجم بالتوجه إلى بغداد فتوجه إليها ووفق في سفره وعيّن واليا على بغداد، وفي سنة 1257عيّن واليا على الشام ثم عزل عنها سنة 1261، وعلى أثر ذلك توفي بالشام، وله شعر ذكر منه في القاموس بيتين.
أقول: يغلب على الظن أن علي رضا باشا هو المذكور في حوادث سنة 1244 الذي قتل أحمد بك قطر آغاسي وبقي إلى هذه السنة، وأن ما ذكره في السالنامة أن الوالي في هذه السنة كان أولا إبراهيم باشا ثم علي رضا باشا سهو، أعني أنه لم يتول حلب في هذه السنة من يسمى بإبراهيم باشا.
سنة 1247
كان الوالي فيها إينجه بيرقدار زاده محمد باشا كما في السالنامة.
سنة 1248 ذكر مجيء إبراهيم باشا المصري ابن محمد علي باشا إلى الديار الشامية واستيلائه على عكا ثم على دمشق ثم على حمص وحماة ثم على حلب
قال إسكندر أبكاريوس في الباب الثالث من كتابه المسمى بالمناقب الإبراهيمية والمآثر الخديوية (1) ما خلاصته:
__________
(1) مطبوع في حمص سنة 1910(3/333)
حدث بين محمد علي باشا أبي إبراهيم باشا المصري وبين عبد الله باشا والي عكا نفور وخصام، وكان عبد الله باشا لا يركن إليه في أمر من الأمور عديم الوفاء منقلب الآراء لا يرعى عهدا ولا يحفظ ودا، وكان أبوه من مماليك أحمد باشا الجزار يقال له علي آغا الخزندار، فساعدته يد العناية حتى تمكن من الولاية وجعل دأبه تحصين عكا بالأبراج والأسوار وجمع المال، وكان قد استولى عليه البطش واستخفه البطر وطيب العيش حتى حاد عن الطريق وأشهر العصيان على الدولة العثمانية أملا بالاستقلال وطمعا في الأموال، ولما بلغ السلطان محمود خان ذلك أرسل عسكرا لقتاله تحت راية درويش باشا والي دمشق، فحاصره زمنا طويلا، ولما طالت عليه الحال استدعى الأمير بشير الشهابي (حاكم جبل لبنان) وأرسله إلى الديار المصرية ليستميل له خاطر الحضرة الخديوية لإصلاح أمره مع الدولة العثمانية، وكان محمد علي له وجاهة كبيرة ومنزلة عند الدولة رفيعة خطيرة فلبى دعوته وكتب في شأنه إلى القسطنطينية واسترضى الدولة عنه بموجب إرادة سنية فرفعت عنه الحصار، غير أن عبد الله باشا كبرت نفسه بعد ذلك وجحد فضل محمد علي باشا وإحسانه إليه وسلك معه سلوك اللئام وتكلم في حقه بما لا يليق من الكلام، فلما بلغ محمد علي باشا هذا الخبر كاتب الحضرة السلطانية يعلمه بهذا الشان ويلتمس من جلالته خلع عبد الله من ولايته، فلم يكترث بخطابه ولا أجابه على كتابه، فاستعظم ذلك الأمر ولم يعد يمكنه الاصطبار على ذلك الذل والعار، فجهز ولده إبراهيم باشا وأمره أن يسير لحرب الديار الشامية وأردفه بالعمارة البحرية وأصحبه بثلاثين ألفا من العساكر، وكان خروجه من الإسكندرية في غرة جمادى الأولى سنة 1247.
قال جرجي زيدان في كتابه مشاهير الشرق في ترجمة الأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان: وفي سنة 1831م قدم المغفور له إبراهيم باشا بن محمد علي باشا لحصار عكا.
والسبب الحقيقي لقدومه يكاد يكون مجهولا لأن المؤرخين قلما أفصحوا عن حقيقة، ولكنا قد عرفناه ممن عاصر الأمير (بشير الشهابي) وكان من حاشيته وسمع حقيقة الخبر من فيه قال: إن محمد علي باشا لما قدم إليه الأمير بشأن العفو عن عبد الله باشا تداولا في أمور كثيرة تعود إلى التعاضد والتعاون عند الحاجة، وكان محمد علي باشا عازما على توسيع نطاق حكمه بافتتاح سورية، وكان يظن صنعه الجميل مع عبد الله باشا والأمير يكفي لبلوغ أمانيه، ولكنه رأى من عبد الله باشا اعوجاجا عن غرضه، والغالب أن عبد الله باشا كان طامعا بمثل مطامع محمد علي، فلما علم بما نواه هذا صار يحاذره.(3/334)
وأدرك محمد علي ذلك فعزم على اختباره والتعويل على تنفيذ مقاصده بالقوة فبعث إلى الأمير بشير أن يبعث إليه بجانب من الأخشاب التي يحتاج إليها في بناء المراكب، فباشر الأمير إجابة طلبه فمنعه عبد الله باشا، فشق ذلك على محمد علي واعتبره بظاهر الأمر مخالفا لأوامر الدولة العلية، لأن تلك المراكب إنما هي للحكومة، فجرد لمقاصته حملة تحت قيادة ولده إبراهيم باشا لحصار عكا. ثم قال: وبعد أن فتح إبراهيم باشا عكا وقبض على عبد الله باشا وبعث به إلى الإسكندرية سار إلى دمشق وفتحها.
وهنا ذكر صاحب المناقب الإبراهيمية في الباب الرابع والخامس والسادس تفاصيل الحروب التي كانت بينه وبين عبد الله باشا إلى أن استولى على عكا ثم على بقية السواحل ثم على جبل لبنان ثم على دمشق، إلى أن قال في الباب السابع:
وكانت الدولة العلية لما بلغها قدوم إبراهيم باشا إلى سورية وافتتاحه المواني البحرية عينت السردار حسين باشا وأرسلت معه ستين ألفا من العساكر ومائة وستين مدفعا، وعند وصوله إلى أنطاكية أرسل أمامه طليعة من العساكر إلى حمص بقيادة محمد باشا البيرقدار (والي حلب المتقدم الذكر) وعند وصوله إليها عسكر بجنده حواليها، ولما بلغ إبراهيم باشا وصول هذا الجيش وهو بدمشق استعد لاستقباله وكتب إلى عباس باشا يأمره بالمسير من بعلبك إلى القصير، وكتب إلى حسن المناسترلي وكان في طرابلس الشام يأمره بالمجيء إلى القصير، ثم سار هو بمن معه من العساكر فالتقى بهذين في المكان المتقدم، ثم ساروا جميعا منه إلى حمص.
ذكر انكسار العساكر العثمانية بالقرب من حمص
قال في المناقب: كان محمد باشا والي حلب ومن معه من الباشاوات لما بلغهم قدوم إبراهيم باشا إليهم أخذوا في الاستعداد، وسار محمد باشا بمن معه من العساكر فالتقى الجيشان في حمص، وكانت العساكر العثمانية ثلاثين ألفا ومعها أربعون مدفعا والعساكر المصرية عشرين ألفا ومعها أربعة وأربعون مدفعا، ولما دارت رحى الحرب لم تثبت العساكر العثمانية أمام العساكر المصرية ولاذت بالفرار بعد أن قتل منها نحو أربعة آلاف ومن العساكر المصرية خمسمائة، وكان سبب الانتصار مهارة إبراهيم باشا في إدارة حركات الحرب.(3/335)
أما محمد باشا فإنه قصد حلب وتبعه أكثر القوّاد والوزراء، وأما محمد باشا البيرقدار فإنه بعد انهزامه قصد حسين باشا السردار ليعلمه بتلك الكسرة ويطلب منه النجدة واستحوذ إبراهيم باشا على مهمات الجيش العثماني وذخائره وفرق منها على ضبّاطه وعساكره واستولى على حمص وحماة، وكان قد وقع في يده ألفان من الأسارى بين عساكر نظامية وأرناؤوط، فعاملهم بالرفق والإحسان وأدخلهم بين جنوده المصرية وعيّن لكل واحد منهم راتبا وكتب إلى أبيه بمصر يخبره بهذا النصر.
ذكر وصول حسين باشا السردار إلى حلب وامتناع الحلبيين من تقديم عسكر له
قال في المناقب ما خلاصته: كان حسين باشا السردار قد خرج من أنطاكية طالبا حمص وحماة، فبلغه وهو في أثناء الطريق ما حل بعسكره، فاضطرب لذلك فؤاده وارتد راجعا إلى الوراء ليجمع شمل العساكر المنهزمة ويأخذ لنفسه الاحتياطات اللازمة، ولما أتاه محمد باشا البيرقدار بمن معه من المنهزمين وبخه ورفسه برجله ونزع عنه سيفه وطرده من أمامه ووكل به بعض الخدم، ثم أخذ في السير إلى أن وصل إلى جسر الحديد وهو مكان يبعد عن أنطاكية أربع ساعات وجمع ما تشتت من الجنود ثم ارتحل قاصدا حلب، ولما وصلها التقى بواليها محمد باشا فأعلمه بواقعة الحال وهزيمة العسكر، فازداد حنقا على حنق وقلقا على قلق، وعند وصوله إلى حلب عقد مجلسا حربيا مع الأعيان والعلماء، وبعد جلسة طويلة ومذاكرة مستطيلة طلب منهم أن يمدوه بالذخائر والعدد ويقدموا له عسكرا من أبناء البلد، فلم يوافقوه على ذلك لأن نفوسهم كانت غير مائلة إليه ولا مؤملة حصول النصر على يديه، بل كانوا يحاولون الخروج من قبضة الدولة العلية والدخول تحت طاعة الحكومة المصرية، فلما يئس من النجدة والمعونة عزم على المسير إلى الإسكندرونة، ليقيم فيها الحواجز والقلاع ويجعلها حصن الوقاية والدفاع.
ومما يستحق الاعتبار أن هذا السردار كان قد اجتمع مع قنصل فرانسا في ذلك النهار، فأخذ يحادثه في الكلام ويسأله عن حواصل بر الشام وعن أسعار الحرير والحنطة والشعير وغير ذلك من المسائل التي ليس تحتها طائل، وبعد أن تناول معه الطعام خرج إلى المضارب والخيام وبات تلك الليلة في المعسكر، وعند طلوع النهار بلغته الأخبار بقرب
وصول ذلك الجبار والليث المغوار إبراهيم باشا، فلم يسعه إلا الرحيل من هذه الديار، فقسم جيشه إلى قسمين وأرسله إلى الإسكندرونة على طريقين الأول سار على طريق كلّز وبيلان وسار هو في الثاني عن طريق أنطاكية، وتبعه والي حلب ووالي دمشق الشام، وعند وصوله إلى الإسكندرية أقام فيها.(3/336)
ومما يستحق الاعتبار أن هذا السردار كان قد اجتمع مع قنصل فرانسا في ذلك النهار، فأخذ يحادثه في الكلام ويسأله عن حواصل بر الشام وعن أسعار الحرير والحنطة والشعير وغير ذلك من المسائل التي ليس تحتها طائل، وبعد أن تناول معه الطعام خرج إلى المضارب والخيام وبات تلك الليلة في المعسكر، وعند طلوع النهار بلغته الأخبار بقرب
وصول ذلك الجبار والليث المغوار إبراهيم باشا، فلم يسعه إلا الرحيل من هذه الديار، فقسم جيشه إلى قسمين وأرسله إلى الإسكندرونة على طريقين الأول سار على طريق كلّز وبيلان وسار هو في الثاني عن طريق أنطاكية، وتبعه والي حلب ووالي دمشق الشام، وعند وصوله إلى الإسكندرية أقام فيها.
استيلاء إبراهيم باشا على حلب
قال في المناقب الإبراهيمية: إن إبراهيم باشا لما استولى على حمص وحماة سار إلى حلب على طريق تل السلطان فمعرة النعمان فحلب، وكان وصوله إليها في اليوم الثامن من شهر صفر سنة 1248ألف ومائتين وثمانية وأربعين هجرية ويوافق ذلك السابع عشر من تموز سنة 1832مسيحية وذلك بعد خروج حسين باشا من المدينة بيومين، فاستقبله أهلها بالترحيب والتفخيم ودخلها بموكب عظيم، وكان أول من ورد إليه للتهنئة والسلام قناصل الدول العظام، ثم جاء القاضي والمفتي (كان المفتي في ذلك الحين محمد أفندي الجابري ذكر ذلك الشيخ بكري الكاتب في مجموعته) وأعيان البلد وباقي الوجوه والعمد فسلموا عليه وهنأوه، وبعد أيام قلائل وردت إليه الكتب والرسائل من عمال تلك الديار تعرب عن تهنئته والانتظام في سلك دولته.
وبعد أن نظم أحكام المدينة وأذعنت لطاعته جميع الولايات الكائنة في تلك الجهات كديار بكر ونواحيها وأورفة وما يليها ونصب بها الولاة والمتسلمين تجهز للارتحال إلى الإسكندرونة للقاء حسين باشا، وكان رحيله من حلب في اليوم السابع والعشرين من صفر فوصل إلى بيلان في اليوم الثاني من ربيع الأول.
انكسار الجيش العثماني في بيلان
قال في المناقب: كان حسين باشا عند مروره ببيلان أقام فيها سبعة عشر ألفا من الرجالة والفرسان ليقطع على المصريين منافذ الطريق بإقامة الحواجز عند باب مضيقها بحيث كان يستطيع بألف مقاتل يدفع عشرين ألفا بالنسبة إلى مركزها الشاهق. فلما أقبل إبراهيم باشا إليها وأشرف بجيشه عليها وجدها مشحونة بالعساكر والمؤن فبادر إلى الحرب وقسم جيشه إلى أربعة أقسام وأقام كل قسم في مكان، ولما اختبر إبراهيم باشا مراكز
الجيوش العثمانية وعرف حركاتهم الحربية أمر الآلاي الثامن والثامن عشر من الرجالة وآلاي الحرس أن يسيروا عن طريق كلّز ويصعدوا إلى ذروة الجبل ويهجموا على ميسرة الجيوش العثمانية، ثم أمر حسن بك المناسترلي بالهجوم على الميمنة من الجهة الثانية المعروفة بطريق أنطاكية، وأقام إبراهيم باشا عن يمين ويسار فم الوادي فرقا من خيالة الأجناد ليعضد العساكر إذا ظفروا ويرد العدو عنهم إذا انكسروا، فلما رأت العساكر العثمانية تقدم الجيوش المصرية وهي صاعدة إليها ومشرفة عليها من اليمين والشمال أطلقت عليها المدافع من الجانبين المحكمة على الطريقين، فعند ذلك أمر إبراهيم باشا عسكره بالهجوم وإطلاق المدافع وتسابقت العساكر إلى الحرب فاشتبك القتال بين الجانبين واصطدمت الرجال بالرجال وسالت الدماء، وكانت ساعة من ساعات القيامة أذهلت العقول وأشابت الأطفال، وكانت النيران بين الطرفين غير منقطعة غير أن المصريين كانوا في الحرب أكثر انتظاما وأخف حركة، واستمر القتال من العصر إلى بعد غروب الشمس، وكانت جيوش الأتراك قد كلت وقتل منها ما يزيد عن ثلاثة آلاف نفس، فعند ذلك اختل نظامها وتمزقت صفوفها فولّت الأدبار وتشتت شملها ولم يفقد من المصريين غير أربعمائة وعشرين شخصا واستولى المصريون على مدافعهم وذخائرهم.(3/337)
قال في المناقب: كان حسين باشا عند مروره ببيلان أقام فيها سبعة عشر ألفا من الرجالة والفرسان ليقطع على المصريين منافذ الطريق بإقامة الحواجز عند باب مضيقها بحيث كان يستطيع بألف مقاتل يدفع عشرين ألفا بالنسبة إلى مركزها الشاهق. فلما أقبل إبراهيم باشا إليها وأشرف بجيشه عليها وجدها مشحونة بالعساكر والمؤن فبادر إلى الحرب وقسم جيشه إلى أربعة أقسام وأقام كل قسم في مكان، ولما اختبر إبراهيم باشا مراكز
الجيوش العثمانية وعرف حركاتهم الحربية أمر الآلاي الثامن والثامن عشر من الرجالة وآلاي الحرس أن يسيروا عن طريق كلّز ويصعدوا إلى ذروة الجبل ويهجموا على ميسرة الجيوش العثمانية، ثم أمر حسن بك المناسترلي بالهجوم على الميمنة من الجهة الثانية المعروفة بطريق أنطاكية، وأقام إبراهيم باشا عن يمين ويسار فم الوادي فرقا من خيالة الأجناد ليعضد العساكر إذا ظفروا ويرد العدو عنهم إذا انكسروا، فلما رأت العساكر العثمانية تقدم الجيوش المصرية وهي صاعدة إليها ومشرفة عليها من اليمين والشمال أطلقت عليها المدافع من الجانبين المحكمة على الطريقين، فعند ذلك أمر إبراهيم باشا عسكره بالهجوم وإطلاق المدافع وتسابقت العساكر إلى الحرب فاشتبك القتال بين الجانبين واصطدمت الرجال بالرجال وسالت الدماء، وكانت ساعة من ساعات القيامة أذهلت العقول وأشابت الأطفال، وكانت النيران بين الطرفين غير منقطعة غير أن المصريين كانوا في الحرب أكثر انتظاما وأخف حركة، واستمر القتال من العصر إلى بعد غروب الشمس، وكانت جيوش الأتراك قد كلت وقتل منها ما يزيد عن ثلاثة آلاف نفس، فعند ذلك اختل نظامها وتمزقت صفوفها فولّت الأدبار وتشتت شملها ولم يفقد من المصريين غير أربعمائة وعشرين شخصا واستولى المصريون على مدافعهم وذخائرهم.
وعند طلوع النهار أرسل إبراهيم باشا عباس باشا إلى الاسكندورنة في ستة آلاف مقاتل ليقتفي أثر حسين باشا السردار، واتفق أن حسين باشا قبل أن تصل إليه أخبار الهزيمة كان موجودا في دار موسيو مارتينلي قنصل دولة فرانسة، فبينما هو يتناول الطعام إذ بلغه هذا الخبر وما حل بعسكره فاستعظم المصاب فنهض للحال بمن بقي معه من الرجال طالبا الهزيمة والفرار، وعند وصول عباس باشا إلى البلد وجدها مشحونة بالذخائر والعدد فاستولى عليها، ثم أرسل سرية أسرت من كان متأخرا من جيوش الأتراك، وما زال حسين باشا مجدا في السير إلى أن وصل إلى قونية.
وعاد إبراهيم باشا إلى حلب بعد أن كتب إلى أبيه من بيلان بما جرى.
استيلاء إبراهيم باشا على قونية
في الباب الثامن من الكتاب الموسوم بالمناقب الإبراهيمية تكلم على الحرب التي جرت بين إبراهيم باشا وبين محمد رشيد باشا الصدر الأعظم عند قونية وانتهت بأسر
الصدر المذكور واستيلاء إبراهيم باشا على قونية، وأطال الكلام في ذلك وخلاصته: أن الدولة العلية لما بلغها انكسار جيشها الذي أرسلته بقيادة حسين باشا السردار عزلت حسينا وعيّنت محمد رشيد باشا الصدر الأعظم وأخذت في تجهيز العساكر، وأما إبراهيم باشا فإنه أخذ في التقدم نحو القسطنطينية وخرج من حلب في الخامس عشر من ربيع الأول من السنة المذكورة وذلك يصادف الحادي عشر من آب سنة 1832، ولما وصل إلى آدنة لم يجد فيها من يقاومه فاستولى عليها ثم سار نحو قونية، فالتقى هناك بالجيوش العثمانية بقيادة محمد رشيد باشا وكان ذلك في التاسع والعشرين من رجب من السنة المذكورة وعددها خمسة وخمسون ألفا، وكان عدد الجيوش المصرية ثلاثين ألفا، وبعد حرب دامت سبع ساعات أسر الصدر وانكسرت الجيوش العثمانية وولت الأدبار واستولت الجيوش المصرية على ما معها من المدافع والذخائر والمهمات، وأخذ من الجيوش العثمانية ثمانية آلاف أسير وستة وخمسون مدفعا وقتل خمسة آلاف رجل، وقتل من العساكر المصرية ثمانمائة وجرح ألف وعشرون شخصا، وبعد انكسار الجيوش العثمانية عاد إبراهيم باشا إلى قونية فدخلها ظافرا منصورا ومعه الصدر الأعظم محمد رشيد باشا وهو أسير فأكرمه غاية الإكرام وأحسن معاملته وأعطاه المحل ليجلس به وجلس هو بقربه، ثم أمر إبراهيم باشا بالقهوة أن تحضر فأبى الصدر أن يشربها وخشي أن تكون مسمومة وطلب شربة من ماء فأحضرت، ولما ملأ الساقي الطاس تمهل عن أخذها وشربها فمد إبراهيم باشا يده بسرعة وشرب منها قسما كبيرا ثم قال له: خذ ولا تسىء بنا ظنا.(3/338)
في الباب الثامن من الكتاب الموسوم بالمناقب الإبراهيمية تكلم على الحرب التي جرت بين إبراهيم باشا وبين محمد رشيد باشا الصدر الأعظم عند قونية وانتهت بأسر
الصدر المذكور واستيلاء إبراهيم باشا على قونية، وأطال الكلام في ذلك وخلاصته: أن الدولة العلية لما بلغها انكسار جيشها الذي أرسلته بقيادة حسين باشا السردار عزلت حسينا وعيّنت محمد رشيد باشا الصدر الأعظم وأخذت في تجهيز العساكر، وأما إبراهيم باشا فإنه أخذ في التقدم نحو القسطنطينية وخرج من حلب في الخامس عشر من ربيع الأول من السنة المذكورة وذلك يصادف الحادي عشر من آب سنة 1832، ولما وصل إلى آدنة لم يجد فيها من يقاومه فاستولى عليها ثم سار نحو قونية، فالتقى هناك بالجيوش العثمانية بقيادة محمد رشيد باشا وكان ذلك في التاسع والعشرين من رجب من السنة المذكورة وعددها خمسة وخمسون ألفا، وكان عدد الجيوش المصرية ثلاثين ألفا، وبعد حرب دامت سبع ساعات أسر الصدر وانكسرت الجيوش العثمانية وولت الأدبار واستولت الجيوش المصرية على ما معها من المدافع والذخائر والمهمات، وأخذ من الجيوش العثمانية ثمانية آلاف أسير وستة وخمسون مدفعا وقتل خمسة آلاف رجل، وقتل من العساكر المصرية ثمانمائة وجرح ألف وعشرون شخصا، وبعد انكسار الجيوش العثمانية عاد إبراهيم باشا إلى قونية فدخلها ظافرا منصورا ومعه الصدر الأعظم محمد رشيد باشا وهو أسير فأكرمه غاية الإكرام وأحسن معاملته وأعطاه المحل ليجلس به وجلس هو بقربه، ثم أمر إبراهيم باشا بالقهوة أن تحضر فأبى الصدر أن يشربها وخشي أن تكون مسمومة وطلب شربة من ماء فأحضرت، ولما ملأ الساقي الطاس تمهل عن أخذها وشربها فمد إبراهيم باشا يده بسرعة وشرب منها قسما كبيرا ثم قال له: خذ ولا تسىء بنا ظنا.
الصلح بين الدولة العثمانية والحكومة المصرية ورجوع إبراهيم باشا إلى سورية قال في المناقب الإبراهيمية في الباب التاسع ما خلاصته: لما وصلت أخبار هذه الكسرة إلى القسطنطينية اضطرب الباب العالي ولم يبق في وسعه إلا التسليم للقضاء، وفكر رجال الدولة فيما يجبر الخلل فلم يجدوا أوفق من الصلح، فطلبوا إذ ذاك من فرنسا توسط الأمر فأجابتهم إلى ذلك وبعثت وكيل سفارتها البارون دي فارين برسالة إلى إبراهيم باشا وبأخرى إلى والده محمد علي باشا، وبعد أخذ ورد تقرر أن تتنازل الدولة العثمانية للحكومة المصرية عن جزيرة كريد وعن آدنة وسورية، وتحررت شروط العهد في السادس عشر من
ذي القعدة والثامن من نيسان ورجع إبراهيم باشا إلى قطر الشام وشرع في تمهيده وتنظيم شؤونه.(3/339)
الصلح بين الدولة العثمانية والحكومة المصرية ورجوع إبراهيم باشا إلى سورية قال في المناقب الإبراهيمية في الباب التاسع ما خلاصته: لما وصلت أخبار هذه الكسرة إلى القسطنطينية اضطرب الباب العالي ولم يبق في وسعه إلا التسليم للقضاء، وفكر رجال الدولة فيما يجبر الخلل فلم يجدوا أوفق من الصلح، فطلبوا إذ ذاك من فرنسا توسط الأمر فأجابتهم إلى ذلك وبعثت وكيل سفارتها البارون دي فارين برسالة إلى إبراهيم باشا وبأخرى إلى والده محمد علي باشا، وبعد أخذ ورد تقرر أن تتنازل الدولة العثمانية للحكومة المصرية عن جزيرة كريد وعن آدنة وسورية، وتحررت شروط العهد في السادس عشر من
ذي القعدة والثامن من نيسان ورجع إبراهيم باشا إلى قطر الشام وشرع في تمهيده وتنظيم شؤونه.
قال في مشاهير الشرق في الكلام على العائلة الخديوية: إن الباب العالي لما أرسل رشيد باشا الصدر الأعظم جنّد إبراهيم باشا جندا كبيرا من البلاد التي افتتحها وسار نحو الآستانة لملاقاة رشيد باشا فالتقى الجيشان في دسمبر (ك 1) سنة 1832م في قونية جنوبي آسيا الصغرى فتقهقر رشيد باشا برجاله واخترق إبراهيم باشا آسيا الصغرى حتى هدد الآستانة.
فتعرضت الدول وفي مقدمتهن الدولة الروسية فأنفدت إلى مصر البرنس مورافيل لمخاطبة محمد علي باشا بذلك وتهديده، فبعث إلى إبراهيم باشا أن يتوقف عن المسير، ثم عقدت بمساعدة الدول معاهدة من مقتضاها أن تكون سورية قسما من مملكة مصر وإبراهيم باشا حاكما عليها وجابيا لخراج آدنة، وقد تم ذلك الوفاق في 24ذي القعدة سنة 1248الموافق 14أيار سنة 1832وهو المدعو وفاق كوتاهية، فعاد إبراهيم باشا إلى سورية واهتم بتدبير أحكامها وجعل مقامه أولا في أنطاكية وابتنى فيها قصرا وقشلاقات، وولى إسماعيل بك على حلب وأحمد منكلي باشا على آدنة وطرسوس، أما الإجراءات العسكرية فلم يكن يسوغ لأحد أن يتولاها سواه.
سنة 1249 ذكر قتل أحمد آغا بن هاشم
أحمد آغا بن هاشم هو أحد زعماء الأنكشارية في حلب، والسبب في قتل إبراهيم باشا له أن إبراهيم باشا لما قفل من قونية وعاد إلى حلب أخذ في جمع العساكر والاستعداد خشية طارق يطرق البلاد على غرة، وطلب من الأغوات أن يسلموا أولادهم فترددوا في بادىء الأمر ثم اتفقوا على تسليمهم، وقبل سفرهم طلع آباؤهم لوداعهم فرأوهم على حالة مهينة يحتقرون ويشتمون فقال الآباء: هذه حالة أولادنا وهم هنا بين ظهرانينا فكيف تكون حالتهم في السفر، فندموا على ما فعلوا وأخذوا في إعمال الحيلة فاجتمعوا في منزل أحمد آغا بن هاشم، وهناك قرروا قتل إبراهيم باشا ووكيله وكتبوا بذلك عهدا ختموه جميعا وسلموه لابن حطب (أحد آغوات الأنكشارية) فأخذ هذا ورقة العهد وذهب توا
إلى وكيل إبراهيم باشا، فحين اطلاع هذا عليها أخذها وسلمها إلى إبراهيم باشا فأمر إبراهيم باشا بالتحقيق عن هذه المسألة، ولما سئلوا أنكروا إلا أحمد آغا هاشم فإنه لم ينكر وقال: إني دعوت هؤلاء إلى منزلي وقرأت عليهم هذه الورقة وأجبرتهم على ختمها وليس لأحد منهم تصنع، فأخبر إبراهيم باشا بذلك فأمر بقتله، فأخذ وقتل أمام قهوة الآغا، وبعد قتله بنصف ساعة أرسل إبراهيم باشا أمرا بالإبقاء عليه وكان القضاء قد نفذ.(3/340)
أحمد آغا بن هاشم هو أحد زعماء الأنكشارية في حلب، والسبب في قتل إبراهيم باشا له أن إبراهيم باشا لما قفل من قونية وعاد إلى حلب أخذ في جمع العساكر والاستعداد خشية طارق يطرق البلاد على غرة، وطلب من الأغوات أن يسلموا أولادهم فترددوا في بادىء الأمر ثم اتفقوا على تسليمهم، وقبل سفرهم طلع آباؤهم لوداعهم فرأوهم على حالة مهينة يحتقرون ويشتمون فقال الآباء: هذه حالة أولادنا وهم هنا بين ظهرانينا فكيف تكون حالتهم في السفر، فندموا على ما فعلوا وأخذوا في إعمال الحيلة فاجتمعوا في منزل أحمد آغا بن هاشم، وهناك قرروا قتل إبراهيم باشا ووكيله وكتبوا بذلك عهدا ختموه جميعا وسلموه لابن حطب (أحد آغوات الأنكشارية) فأخذ هذا ورقة العهد وذهب توا
إلى وكيل إبراهيم باشا، فحين اطلاع هذا عليها أخذها وسلمها إلى إبراهيم باشا فأمر إبراهيم باشا بالتحقيق عن هذه المسألة، ولما سئلوا أنكروا إلا أحمد آغا هاشم فإنه لم ينكر وقال: إني دعوت هؤلاء إلى منزلي وقرأت عليهم هذه الورقة وأجبرتهم على ختمها وليس لأحد منهم تصنع، فأخبر إبراهيم باشا بذلك فأمر بقتله، فأخذ وقتل أمام قهوة الآغا، وبعد قتله بنصف ساعة أرسل إبراهيم باشا أمرا بالإبقاء عليه وكان القضاء قد نفذ.
وبعد مدة دعا إبراهيم باشا الآغوات إلى الشيخ أبي بكر (المكان المعروف) فقعدوا جميعا أمام الحوض الذي هناك فضرب عليهم زنجيرا وألقى القبض على جميعهم ثم قتلهم جميعا وفيهم ابن حطب الذي أفشى أمرهم.
وكان لقتل هؤلاء الآغوات عند الأهالي رنة سرور واستحسان نظرا لتطاير شررهم وعظم ضررهم وكثرة تعدياتهم. ونظم الشيخ عبد الرحمن الموقت أحد علماء ذلك العصر وأدبائه قصيدة يذم فيها الأنكشارية ويصف أفعالهم وأحوالهم ويذكر في البيت الأخير منها تاريخ قطع رأس أحمدآغا بن هاشم وهي:
أهل الفساد شرهم ... في حلب الشهباء دائم
طائفة خبيثة ... فلا يرى منهم مسالم
ويبغضون زمرة الأ ... شراف من كل العوالم
كم قتلوا كم سفكوا ... كم هتكوا ستر المحارم
كم بضعوا لآل بي ... ت المصطفى بكل صارم
فأبادهم رب العلا ... وسطا عليهم كل حازم
ولهم بقايا سفل ... ورثوا العداوة والمآثم
أخذوا وبيلا مثل أخ ... ذ بواشق عند الحمائم
كم مرة قصدوا لإي ... قاع الفساد مع الملاحم
فلم يقدر ذاك رب ... العرش منّاح المكارم
فأتت عليهم دولة ال ... مصري أرباب العزائم
فاستظهروا لفسادهم ... ولما تناجوا من جرائم
فنفوا لبعض منهم ... لعكة من غير خادم
فقلت في التاريخ جا ... وقطعت رأس ابن هاشم
وذكر الشيخ بكري الكاتب في مجموعته من هؤلاء الآغوات عيسى آغا وبكور آغا كعدان وذكر اسم وكيل إبراهيم باشا وقتئذ وهو حمزة بك. ولكنه قال: إن قتل أحمد آغا هاشم كان عند خان الصابون والله أعلم.(3/341)
أهل الفساد شرهم ... في حلب الشهباء دائم
طائفة خبيثة ... فلا يرى منهم مسالم
ويبغضون زمرة الأ ... شراف من كل العوالم
كم قتلوا كم سفكوا ... كم هتكوا ستر المحارم
كم بضعوا لآل بي ... ت المصطفى بكل صارم
فأبادهم رب العلا ... وسطا عليهم كل حازم
ولهم بقايا سفل ... ورثوا العداوة والمآثم
أخذوا وبيلا مثل أخ ... ذ بواشق عند الحمائم
كم مرة قصدوا لإي ... قاع الفساد مع الملاحم
فلم يقدر ذاك رب ... العرش منّاح المكارم
فأتت عليهم دولة ال ... مصري أرباب العزائم
فاستظهروا لفسادهم ... ولما تناجوا من جرائم
فنفوا لبعض منهم ... لعكة من غير خادم
فقلت في التاريخ جا ... وقطعت رأس ابن هاشم
وذكر الشيخ بكري الكاتب في مجموعته من هؤلاء الآغوات عيسى آغا وبكور آغا كعدان وذكر اسم وكيل إبراهيم باشا وقتئذ وهو حمزة بك. ولكنه قال: إن قتل أحمد آغا هاشم كان عند خان الصابون والله أعلم.
قال الكاتب في مجموعته: وفي هذه السنة طلب إبراهيم باشا أسلحة الأهالي وفرض على كل إنسان بارودة وإن لم يكن عنده حتى وصلت الواحدة إلى 300ثلاثمائة قرش، ونفى إبراهيم باشا بقية الآغوات إلى طرابلس، وأخذ أولاد الأعيان وألبسهم في الجندية وعمل عسكرا من الأولاد الصغار من اثني عشر إلى خمسة عشر سماهم الأفندية، وجعل على أهل المحلات فريضة توزع حسب الحال، وبنى قشلة في أطراف الكلّاسة وصار يأخذ أعمدة الجوامع والأحجار الجسيمة ولكن لم يتمها، وبنى قشلة في الشيخ يبرق اه.
أقول: وهي ثكنة عظيمة وواسعة جدا ابتدىء في عمارتها من ذلك الحين ولم تتم إلا من سنين قلائل نظرا لعظمها وسعة حجمها، ولما كان جميل باشا واليا على حلب اقتلع كثيرا من الأحجار المبلط بها جبل القلعة ونقلها إلى بناء القشلة المذكورة، ومكان تلك الأحجار لم يزل باديا وهو عن يمين باب القلعة.
قال جرجي زيدان في ترجمة الأمير بشير الشهابي (حاكم لبنان): ثم رأى إبراهيم باشا أن الأمر لا يستتب له إلا إذا جرد البنانيين والنابلسيين وغيرهم من السلاح، فعهد بذلك إلى الأمير فجمع السلاح ولم يكن جمعه كافيا لاستتباب الراحة لأن البلاد لم تخضع لحكومته خضوعا تاما والدولة لم تفتأ عن محاربته تارة بعد أخرى، فقضى إبراهيم باشا في سوريا نحوا من تسع سنوات لم يهدأ له فيها بال.
سنة 1255 حرب نزّب
قال في المناقب الإبراهيمية ما خلاصته: وفي سنة 1255هجرية الموافقة لسنة 1839مسيحية صدرت الأوامر السلطانية إلى حافظ باشا أن يسير لاستخلاص بلاد سورية، فسار في سبعين ألف مقاتل بين فارس وراجل، ولما بلغ إبراهيم باشا ذلك استعد لحربه وزحف بأربعين ألفا وما زال سائرا حتى انتهى إلى نزّب وهو سهل فسيح الرحاب بين (بيره جك) و (عينتاب) وكان وصوله إلى ذلك المكان يوم الخميس الواقع في الرابع
والعشرين من حزيران، فنزل على شاطىء نهر بقرب معسكر الأتراك، ولما استقر به المكان أصدر أوامره إلى قواد العساكر أن يكونوا عند الصباح مستعدين للحرب، ثم استدعى رجلا يعتمد عليه يقال له سليمان فأمره أن يسير إلى جيش الأتراك ويتجسس أحوالهم وينظر بعين فراسته أمورهم وأوامرهم، فسار هذا حتى وصل إلى مضاربهم ثم قصد الصيوان الكبير الذي برسم الوزير، وبعد أن اختبر الأحوال رجع وأخبره بما شاهد، ومما قاله له: إني رأيت حافظ باشا في الصيوان وهو جالس على الديوان كانه ملك أو سلطان ومن حوله القواد والأعيان وفي يده ماسورة من الياسمين عليها طقم من الكهرباء الفاخر مرصع بنفيس الجواهر، وبينما أنا أراقب أحوالهم إذ أحضرت الخدام مائدة الطعام فكانت عدة أنواع فاخرة أكثرها من لحوم الدجاج والضان والحلويات المختلفة الألوان، ثم قال له: يا سليمان أما وجدت بينهم وزيرا أو قائدا كبيرا يفترش الأرض سريرا وينام تحت ظل الشمس والقمر ويسند رأسه إلى حجر ولا يبالي بالمشقة والخطر ولا بأنواع الطعام المفتخر؟ فقال له: وحق الواحد الأحد إني ما وجدت أحدا على هذه الصفة وما هم إلا كالعرائس يتقلبون في صدور المجالس في أفخر الحلل والملابس، على صدورهم النياشين المرصعة وبين أيديهم الأطعمة المتنوعة، فلما زاد كلامه زاد ضحكه وابتسامه وقال له: إذا كانوا على ما تقول فسوف نبلغ منهم المأمول (إلى أن قال):(3/342)
قال في المناقب الإبراهيمية ما خلاصته: وفي سنة 1255هجرية الموافقة لسنة 1839مسيحية صدرت الأوامر السلطانية إلى حافظ باشا أن يسير لاستخلاص بلاد سورية، فسار في سبعين ألف مقاتل بين فارس وراجل، ولما بلغ إبراهيم باشا ذلك استعد لحربه وزحف بأربعين ألفا وما زال سائرا حتى انتهى إلى نزّب وهو سهل فسيح الرحاب بين (بيره جك) و (عينتاب) وكان وصوله إلى ذلك المكان يوم الخميس الواقع في الرابع
والعشرين من حزيران، فنزل على شاطىء نهر بقرب معسكر الأتراك، ولما استقر به المكان أصدر أوامره إلى قواد العساكر أن يكونوا عند الصباح مستعدين للحرب، ثم استدعى رجلا يعتمد عليه يقال له سليمان فأمره أن يسير إلى جيش الأتراك ويتجسس أحوالهم وينظر بعين فراسته أمورهم وأوامرهم، فسار هذا حتى وصل إلى مضاربهم ثم قصد الصيوان الكبير الذي برسم الوزير، وبعد أن اختبر الأحوال رجع وأخبره بما شاهد، ومما قاله له: إني رأيت حافظ باشا في الصيوان وهو جالس على الديوان كانه ملك أو سلطان ومن حوله القواد والأعيان وفي يده ماسورة من الياسمين عليها طقم من الكهرباء الفاخر مرصع بنفيس الجواهر، وبينما أنا أراقب أحوالهم إذ أحضرت الخدام مائدة الطعام فكانت عدة أنواع فاخرة أكثرها من لحوم الدجاج والضان والحلويات المختلفة الألوان، ثم قال له: يا سليمان أما وجدت بينهم وزيرا أو قائدا كبيرا يفترش الأرض سريرا وينام تحت ظل الشمس والقمر ويسند رأسه إلى حجر ولا يبالي بالمشقة والخطر ولا بأنواع الطعام المفتخر؟ فقال له: وحق الواحد الأحد إني ما وجدت أحدا على هذه الصفة وما هم إلا كالعرائس يتقلبون في صدور المجالس في أفخر الحلل والملابس، على صدورهم النياشين المرصعة وبين أيديهم الأطعمة المتنوعة، فلما زاد كلامه زاد ضحكه وابتسامه وقال له: إذا كانوا على ما تقول فسوف نبلغ منهم المأمول (إلى أن قال):
وفي اليوم الثاني اشتعلت نيران الحرب ودام القتال نحو ثماني ساعات ونصف كانت عساكر الأتراك قد كلت فتأخرت إلى الوراء طالبة مرعش بعد أن قتل منها نحو ستة آلاف، وأسر حافظ باشا قائد تلك الحملة واستحوذ المصريون على أثقالها وذخائرها، ورجع إبراهيم باشا ظافرا منصورا، وانتهى إلى الآستانة خبر هذا الانكسار بعد ثمانية أيام من وفاة السلطان محمود وجلوس ولده السلطان عبد المجيد.
سنة 1256 خروج إبراهيم باشا من البلاد السورية
قال في المناقب: بعد أن انتصر إبراهيم باشا في حرب نزّب حذرت الدول الإفرنجية أن يفتتح القسطنطينية ويجلس على تخت السلطنة العثمانية، فاتحدت الدولة الإنكليزية مع الدولة الروسية والنمساوية والبروسيانية على إخراجه من هذه الديار وعقدوا اجتماعا في لندن
قرروا فيه أن تبقى الأقطار المصرية مع قسم صغير من الديار الشامية ويكون ذلك من بعده لذريته، وكلفوا محمد علي باشا بالانسحاب في مدة عشرة أيام، فعظم ذلك لديه ولم يصادق عليه، فاتفقت هذه الدول مع الدولة العلية على إشهار الحرب على الحكومة المصرية، وأرسلت الدولة الإنكليزية سنة 1840م عمارة بحرية تحت قيادة الورد دوبرت ستابفورد فضرب بيروت فسلمت في الحادي عشر من شهر أيلول واضطرت بقية السواحل إلى التسليم، ولما رأى محمد علي باشا أنه أصبح في مركز حرج ولا يمكنه مقاومة الدول الأورباوية جنح للسلم وسحب عساكره من البلاد السورية بعد حروب عديدة ووقائع هائلة اه.(3/343)
قال في المناقب: بعد أن انتصر إبراهيم باشا في حرب نزّب حذرت الدول الإفرنجية أن يفتتح القسطنطينية ويجلس على تخت السلطنة العثمانية، فاتحدت الدولة الإنكليزية مع الدولة الروسية والنمساوية والبروسيانية على إخراجه من هذه الديار وعقدوا اجتماعا في لندن
قرروا فيه أن تبقى الأقطار المصرية مع قسم صغير من الديار الشامية ويكون ذلك من بعده لذريته، وكلفوا محمد علي باشا بالانسحاب في مدة عشرة أيام، فعظم ذلك لديه ولم يصادق عليه، فاتفقت هذه الدول مع الدولة العلية على إشهار الحرب على الحكومة المصرية، وأرسلت الدولة الإنكليزية سنة 1840م عمارة بحرية تحت قيادة الورد دوبرت ستابفورد فضرب بيروت فسلمت في الحادي عشر من شهر أيلول واضطرت بقية السواحل إلى التسليم، ولما رأى محمد علي باشا أنه أصبح في مركز حرج ولا يمكنه مقاومة الدول الأورباوية جنح للسلم وسحب عساكره من البلاد السورية بعد حروب عديدة ووقائع هائلة اه.
وقال جرجي زيدان في كتابه مشاهير الشرق في ترجمة الأمير بشير الشهابي:
رأت الدول أن إبراهيم باشا لا بد من إخراجه من سورية بالقوة فجاء (ريشاردوود) الإنكليزي بمأمورية سرية وكان يعرف العربية فأغرى السوريين على كتابة عرض يطلبون فيه من الدولة العلية وسفراء دول إنكلترا وفرنسا والنمسا أن يخرجوا الجنود المصريين من بينهم، فكتبوا وأرسلت الكتابة إلى الآستانة فجاء الأميرال نابيه في عمارة إنكليزية إلى مينا بيروت، وبعث يتهدد متسلميها ويبشر اللبنانيين والسوريين بقدوم عمارات أخرى لإنقاذ سورية من الدولة المصرية، ثم جاءت العمارة العثمانية وفيها بوارج إفرنجية وأطلقت المدافع على بيروت فتحققت الجنود المصرية أن الانسحاب أولى بهم بعد أن دافعوا دفاع الأبطال وصبروا صبر الرجال اه.
خروج إبراهيم باشا من حلب
قال الشيخ أبو الوفا الرفاعي في مجموعته ومن خطه نقلت: من الحوادث في شهر رمضان سنة 1256قدوم الحاج يوسف بك شريف زاده إلى حلب بشرذمة قليلة من العسكر المجمعين من الأطراف، وابتهج الناس لقدومه لأنه الحكمدار من طرف السلطنة السنية. وكان ذلك بعد ذهاب إبراهيم باشا المصري وجنده الذين تجمعوا وتنصلوا من داخل حلب إلى الشيخ يبرق وباتوا ليلة واحدة، ثم في اليوم الثاني توجهوا نحو قبلة بعد أن ألقى الله تعالى الرعب في قلوبهم بأجمعهم ومعهم الأطواب والدواب، وكانوا قبل ذلك أرسلوا حريمهم وأثقالهم بعد أن باعوا من أمتعتهم ما يثقلهم بأبخس الأثمان، وبعد رحيلهم من الشيخ يبرق دخل الناس فصاروا يقلعون البلور والحديد والرفوف التي أبقوها اه.(3/344)
تتمة لهذه الفصول أو عودا على بدء
قال الشيخ صالح ابن الشيخ أحمد المرتيني الإدلبي الأصل أحد أفاضل الشهباء في رسالة له ألفها في المحرم من سنة ألف ومائتين وسبعة وخمسين أعني بعد خروج إبراهيم باشا من هذه البلاد بقليل، وهي لطيفة الإنشاء مسجعة على طريقة المتقدمين، ويظهر أنه صاغ عقودها في إدلب قبل أن يتوطن حلب، وقد ذكر فيها وقائع إبراهيم باشا المصري من حين خروجه على الدولة العثمانية واستيلائه على سورية وقونية إلى حين مغادرته لها وعودته إلى البلاد المصرية، ويظهر مما سطره أنه لم يكن ممتنا من الحركة التي قام بها إبراهيم باشا ووالده محمد علي باشا وعدهما من الطغاة البغاة ورشقهما بألسنة حداد وعبارة غاية في المرارة، وقد رأيت أن ألتقط منها نبذا أتمم فيها هذا الفصل وأ أيّد بها ما تقدم ذكره لما فيها من زيادة الفوائد، خصوصا والمؤلف من أهل ذلك العصر، فهو إذا لم يكن ممن شاهد تلك الوقائع بعينه فقد سمعها حين وقوعها ممن شاهدها ورآها، قال في حق محمد علي باشا:
وفي سنة خمس أو ست وعشرين بعد المائتين وألف أحدث في جميع ممالكه الحادثة الشنيعة والبدعة السيئة الفظيعة أعني بها البدعة المسماة بالنظام، فألبس المسلمين الثياب الضيقة ذات الأزرار ونسخ العمامة والثياب التي تزين لابسها الوقار، فصار المسلم أشبه شيء بالإفرنجي من أهل الحرب بعد أخذه من بيته موثوقا مساقا بالشتم والضرب. إلى أن قال:
ثم لا زالت هذه أفعالهم في الأقطار، وفي كل شهرين أو ثلاثة يقبضون على الشبان من تلك الأمصار، حتى صارت خالية من الكهول والشبان والرجال إلا شيخا زمنا أو أعمى أو عطيل الحواس والأوصال، فعمت الفاحشة هناك في النساء والأبكار وأنكحت الحرة نفسها على ملء بطنها خوفا من العار، وصار الغني في تلك الأطراف من يملك قوت يومه وليلته وثوبا يستر به ما بين سرته وركبته.
(ثم قال بعد أن ذكر خروج إبراهيم باشا على الدولة العثمانية ومجيئه سنة 1248إلى عكا وحصاره ثم فتحه لها واستيلائه على دمشق الشام): ثم عزم أن يتوجه بجيشه العرمرم لتحصيل مدينة حلب، فحينئذ شاعت في جميع الأقطار أخباره وانتشرت في الخافقين أحواله وآثاره، فتوجهت لملاقاته عساكر مولانا السلطان وسر عسكرهم إنج بيرقدار أول وزير من وزراء الدولة قد خان، فتقابل العسكران خارج حمص عند البحيرة فثبت لقتاله نحو الألفين والباقون أخذتهم الحيرة، مع أن العساكر السلطانية كانت إذ ذاك من الألوف
نحو السبعين وعسكر إبراهيم دون العشرين ألفا بيقين، فأول من خان وباشر بالفرار سر العسكر إنج بيرقدار وفي معيته جماعة من الوزراء وبعض رؤوس هذه الأطراف من الوجوه والأمراء، فولوا على أدبارهم هاربين تاركين ما وراءهم من العساكر والذخائر وللنجاة طالبين إلى أن دخلوا بلدتنا المسماة بإدلب الصغرى فصادفوا بها حلول ركاب سردار المملكة الآتي لمعاونة وزير عكا المتقدم ذكرا، فحين شاهد منهم السردار الفرار وسوء المنقلب احتوشته مخاوف الدهر فانحاز بهم وبما معه من الأجناد إلى مدينة حلب.(3/345)
(ثم قال بعد أن ذكر خروج إبراهيم باشا على الدولة العثمانية ومجيئه سنة 1248إلى عكا وحصاره ثم فتحه لها واستيلائه على دمشق الشام): ثم عزم أن يتوجه بجيشه العرمرم لتحصيل مدينة حلب، فحينئذ شاعت في جميع الأقطار أخباره وانتشرت في الخافقين أحواله وآثاره، فتوجهت لملاقاته عساكر مولانا السلطان وسر عسكرهم إنج بيرقدار أول وزير من وزراء الدولة قد خان، فتقابل العسكران خارج حمص عند البحيرة فثبت لقتاله نحو الألفين والباقون أخذتهم الحيرة، مع أن العساكر السلطانية كانت إذ ذاك من الألوف
نحو السبعين وعسكر إبراهيم دون العشرين ألفا بيقين، فأول من خان وباشر بالفرار سر العسكر إنج بيرقدار وفي معيته جماعة من الوزراء وبعض رؤوس هذه الأطراف من الوجوه والأمراء، فولوا على أدبارهم هاربين تاركين ما وراءهم من العساكر والذخائر وللنجاة طالبين إلى أن دخلوا بلدتنا المسماة بإدلب الصغرى فصادفوا بها حلول ركاب سردار المملكة الآتي لمعاونة وزير عكا المتقدم ذكرا، فحين شاهد منهم السردار الفرار وسوء المنقلب احتوشته مخاوف الدهر فانحاز بهم وبما معه من الأجناد إلى مدينة حلب.
وقد كانت وجهته الدولة العلية بالذخائر والأجناد إلى مساعدة وزير عكا في رد أولي البغي والإلحاد، فلم يزل ممتطيا مطية التواني والكسل حتى نزل بعكا وغيرها من البلاد ما نزل، فأقام والوزراء بحلب أياما قلائل يلتمس من أهلها مدافعة شر إبراهيم الهائل، فلم يجبه أحد لمراده واختلفت كلمة أنصاره وأجناده، فبينما هو في لجج الأفكار غارق وإذا بخبر توجه إبراهيم نحوه طارق، فبادر ومن معه الرحيل والهرب وإبراهيم في إثرهم يطلبهم أشد الطلب، إلى أن وصلوا إلى قرب بيلان تصدوا لمحاربته ساعة من الزمان، فغلبهم بسحره القاطع وخداع حربه الشائع، فانقلبوا ناكصين على الأعقاب وحاز على ما بقي معهم من الذخائر والأطواب.
(ثم قال بعد أن ذكر توجه إبراهيم باشا إلى قونية واستيلائه عليها وأسره للصدر حسبما قدمنا): ومنها (أي من أفعاله) أنه عندما حصل له في البلاد الأمن والتمكين شرع في تعداد أفراد المسلمين، إلا الصبيان والنساء وبعضا من مشاهير العلماء ورتب على كل واحد الجزية في كل عام وسماها إعانة الجيش على الحرب والاصطدام، فكانت تؤخذ من الذمي باللين والرفق والصبر ومن الشريف بالشتم والضرب والقهر، ويعطى المسلم بعد دفعها قطعة قرطاس كي لا يكون بينها وبين الجزية أدنى التباس، فمن كان ذا مال أداها من ماله الذي ملكه ومن كان فقيرا تكلف الاستعطاء لينجو من العذاب والهلكة، فتؤخذ من الفقير في كل سنة من القروش خمسين ومن الغني ذي الثروة خمسا من المئين. (ومنها) ما رتبه على أنواع الحبوب وسماه بالشون وعلى جميع الأشجار من كرم وتين ورمان وزيتون. (ثم قال): ومنها هدمه لكثير من المساجد والمدارس وإتلاف ما فيها من الزخارف والنفائس وأخذ أحجارها لأن يبني بها قشلا وإصطبلات للدواب حتى صارت رحباتها مواضع المزابل والأقذار وروث الكلاب، وقد اتخذ كثيرا من المساجد العامرة مرابط لخيول عساكره ومخازن لآلات حربه وذخائره. (ثم قال):(3/346)
ولنرجع إلى تتمة ما أحدثوه في بلادنا واقترفوه من تعطل أحوالنا وأسر أولادنا، فنقلوا أنه لما صفت لهم الأيام بادروا لأخذ الأسلحة من المسلمين على الإطلاق وقطع المرور في الطرق والأسفار إلا بأوراق، فصار لا يخرج الرجل من بلده إلا بورقة يأخذها من الديوان وكفيل من أهله يتعهد بعوده إلى الأوطان، والناس لا يدرون ما قصدهم بذلك ولا يشعرون بما وراء هذا القانون من المهالك، إلى أن دخلت سنة إحدى وخمسين وثلاث وخمسين وأربع وخمسين بعد المائتين وألف من هجرة سيد المرسلين وقع القبض على أولاد المسلمين في سائر القرى والأمصار مع الترخيص للعساكر بالهجوم على أعراض المسلمين ثلاث ساعات من نهار، وذلك لأجل نظامهم الذي أسكنهم دار البوار ونادى عليهم بلسان الحال يا أهل البغي الدمار الدمار. (إلى أن قال):
ثم لا زال ظلمهم في الأقطار ذائع حتى تلاشت الأمصار وخربت أغلب القرى وما بقي منها فللعدم مسارع، والأكثر من الناس قد هجر الأوطان والعيال وتفرقوا في سائر جهات الأرض وشعف الجبال، وانقطعت آمالهم إلا من ذي العزة والجلال. (ثم ذكر) مجيء حافظ باشا ومعه من العساكر مائة ألف أو يزيدون ومحاربته لإبراهيم باشا في نزّب وانكساره ووقوعه في قبضة إبراهيم باشا وذلك سنة 1255ووفاة السلطان محمود في هذا الأثناء وجلوس السلطان عبد المجيد على كرسي السلطنة العثمانية وتشييده المراكب الحربية إلى أن وقفت قبالة مدينة بيروت وعكا ورمتها بالمدافع دكا دكا وسلمتا وبادرت الجيوش المصرية للهرب، وانحاز إبراهيم باشا بمن بقي معه نحو الشام وأرسل في طلب ماله من العساكر والأجناد المقيمة في البغاظات [الثغور] والقشل والبلاد وأمرهم بإتلاف ما يتركونه من الذخائر والسلاح، وقتل كل من كان عاجزا عن السير معهم كي لا يعود لوطنه ويرتاح، ولم ينته رمضان سنة 1256ست وخمسين ومائتين وألف إلا وقد خلت منهم الديار ورجع كل أسير إلى وطنه وقرّت العين بالعين، ثم لم تبرح هذه الفئة الباغية تجول في ميدان الجزع والحيرة مع قطع المدد ونقص العدد وضنك العيش وقلة الذخيرة وهم محصورون في مدينة دمشق الشام من غير محاصر لهم سوى سيف القدرة والانتقام إلى مستهل شهر ذي القعدة بادروا بالرحيل نحو الإسكندرية، وحينئذ زينت الأمصار فرحا بخذلانهم وانعكاسهم وقامت مواسم التهاني والأفراح وبسطت أكف الدعاء لحضرة أمير المؤمنين بالألسن الفصاح.
ثم ختم المؤلف رسالته بقصيدة امتدح بها السلطان عبد المجيد ليست من غرضنا.
وقد أفادتنا هذه الرسالة ما كانت عليه الحال في البلاد السورية أثناء احتلال الجيوش المصرية
لها في هذه السنوات التسع. ويظهر أن إبراهيم باشا لم يتمكن من القيام بشيء من الإصلاحات النافعة والمشاريع العمرانية في هذه البلاد لانشغاله بالحروب تثبيتا لقدمه فيها وأملا بالاستيلاء عليها استيلاء نهائيا. والذي أراه أن إبراهيم باشا لم يصب في سياسته بتوجيه آماله إلى افتتاح البلاد التركية وطموح نظره إلى الاستيلاء على القسطنطينية مقر السلطنة العثمانية مع علمه بصعوبة هذا المرتقى، لأن الأمة التركية تتفانى دون حصول ذلك والدول الغربية لا تسكت عنه، وكان الأولى بإبراهيم باشا أن يوجه وقتئذ نظره إلى افتتاح بلاد العراق وبافتتاحها يكون قد ضم إليه البلاد الحجازية والأقطار اليمانية، ويكون قد صار في قبضته وتحت حوزته جميع جزيرة العرب فيتأسس لديه دولة عربية متنائية الأطراف قوية الشكيمة عظيمة السلطان وحسبه ذلك، ويكون حينئذ للأمة الإسلامية دولتان عظيمتان في الشرق تقفان سدا منيعا أمام مطامع الدول الغربية فيه، ولو حصل ذلك لما حصل ما كان من الحوادث في الشرق من أول هذا القرن إلى يومنا هذا، ولكن إرادة الله لم تشأ ذلك وقضاؤه كان بخلاف ذلك.(3/347)
وقد أفادتنا هذه الرسالة ما كانت عليه الحال في البلاد السورية أثناء احتلال الجيوش المصرية
لها في هذه السنوات التسع. ويظهر أن إبراهيم باشا لم يتمكن من القيام بشيء من الإصلاحات النافعة والمشاريع العمرانية في هذه البلاد لانشغاله بالحروب تثبيتا لقدمه فيها وأملا بالاستيلاء عليها استيلاء نهائيا. والذي أراه أن إبراهيم باشا لم يصب في سياسته بتوجيه آماله إلى افتتاح البلاد التركية وطموح نظره إلى الاستيلاء على القسطنطينية مقر السلطنة العثمانية مع علمه بصعوبة هذا المرتقى، لأن الأمة التركية تتفانى دون حصول ذلك والدول الغربية لا تسكت عنه، وكان الأولى بإبراهيم باشا أن يوجه وقتئذ نظره إلى افتتاح بلاد العراق وبافتتاحها يكون قد ضم إليه البلاد الحجازية والأقطار اليمانية، ويكون قد صار في قبضته وتحت حوزته جميع جزيرة العرب فيتأسس لديه دولة عربية متنائية الأطراف قوية الشكيمة عظيمة السلطان وحسبه ذلك، ويكون حينئذ للأمة الإسلامية دولتان عظيمتان في الشرق تقفان سدا منيعا أمام مطامع الدول الغربية فيه، ولو حصل ذلك لما حصل ما كان من الحوادث في الشرق من أول هذا القرن إلى يومنا هذا، ولكن إرادة الله لم تشأ ذلك وقضاؤه كان بخلاف ذلك.
تتمة أخرى لهذه الفصول وذكر تولية إبراهيم باشا لإسماعيل بك:
لما استولى إبراهيم باشا المصري على حلب جعل الحاكم فيها من قبله إسماعيل بك كما قدمنا وكانوا يسمونه بالحكمدار، وكان هذا يتلقى الأوامر من إبراهيم باشا ويبلغها الأهلين، واتخذ له مجلسا مؤلفا من بعض الأهلين برئاسة هذا الحاكم فكانت العرائض ترفع إلى هذا المجلس ويقرر عليها، وقد استفدنا ذلك من دفتر من مقررات هذا المجلس عند الوجيه أسعد أفندي العينتابي أوله في شوال من سنة 1253وآخره في ذي القعدة من سنة 1254، ويستفاد منه أن الإعانات من زيت وغيره كانت تطرح على أهالي القرى المساكين وأن لوازم الجيش كانت تؤخذ بنصف ثمنها إلى ثلثي ثمنها وأنه قد طرح على الأهالي إعانات وزعت بمعرفة مشايخ الحارات، فكان هؤلاء يقبضونها ولا يعطون وصلا إلى الدافع، ونشأ عن ذلك تلاعب مشايخ الحارات فيما يقبضونه حتى أدى الحال إلى رفع الشكايات إلى إبراهيم باشا ولزوم تأسيس مجلس يؤلف من عشرة أشخاص في كل محلة ليناظر قبض هذه الإعانة ويرتفع الاغتلاس. واستفيد من بعض المقررات أن اللاذقية وقتئذ كانت مرتبطة بحلب، وأن العملة النحاسية كانت تضرب في قلعتها واتخذ ذلك من بعض المدافع القديمة التي كانت بالقلعة ومن النحاس القديم، واستفيد منه أن مقدار ما طبخ من الصابون في حلب وإدلب سنة 1253كان أربعة وسبعين طبخة ونصف طبخة.(3/348)
مقدار الصابون الذي يطبخ الآن في حلب
عدد المصابن الموجودة الآن في حلب عشرة، وفي بعض الدور بعض قدور صغيرة تبلغ قدرا كبيرا أي تعادل مصبنة، فالمجموع إحدى عشرة مصبنة، وقبل الحرب العامة التي حصلت سنة 1333كان عدد الطبخات من الصابون يتراوح بين 400إلى 450 طبخة، والطبخة وزنها ثلاثة آلاف وسبعمائة أمة والأمة 400درهم، وبعد الحرب العامة أي منذ ست سنوات إلى الآن تنازل ذلك إلى 250طبخة، وأسباب ذلك انفصال الأناضول عن حلب ووضع رسم الكمرك على البضائع التي ترسل من حلب إلى بلاد الأناضول، وصار يؤخذ على طبخة الصابون 75ليرة عثمانية ذهبا فصار لذلك يطبخ الصابون في كلّز ونزّب وعينتاب، وتراجعت هذه الصنعة هنا إلى الوراء بعد أن كانت رائجة رواجا عظيما ولها أهمية كبرى.
بناء مدرسة الإسماعيلية
هذه المدرسة بالقرب من دار الحكومة بينهما خطوات قلائل بناها إسماعيل بك المذكور وكتاب وقفها محرر في ربيع الأول سنة 1255ووقف عليها خمسين كتابا منها نسخة من شرح العيني على البخاري في 6مجلدات والمواهب اللدنية للقسطلاني في مجلد والسيرة الحلبية في مجلدين والمفاتيح الدرية للشراباتي الحلبي. وقد تمزق شمل هذه الكتب ولم يبق منها إلا القليل نقل في السنة الماضية إلى المدرسة الخسروية. ووقف عليها بستان القبار شمالي حلب وطاحونا هناك وبساتين في خانطومان على ضفة النهر هناك وعدة أراض هناك وطاحونا في قرية الشيخ أحمد وتسعة دكاكين ودارا في حلب، وهي الآن تحت يد دائرة الأوقاف وطلبتها ومدرسوها يأخذون رواتبهم منها. وقد نظم السيد يحيى الكيالي مدير الأوقاف دروسها وجعلها مرتبطة بالمدرسة الخسروية وذلك حين افتتاح هذه المدرسة سنة 1340كما قدمنا.
تولية حلب لأسعد مخلص باشا
بعد أن غادر إبراهيم باشا المصري الديار السورية تولى حلب في هذه السنة أسعد مخلص باشا كما في السالنامة.(3/349)
قال في قاموس الأعلام: هو آياشلي الأصل ووالده كان مفتيا بها حاز رتبة الوزارة سنة 1230وعين واليا على أدرنة، وفي سنة 1245صار واليا على أرضروم ثم صار واليا في سيواس ثم في صيدا ثم في حلب، وفي النهاية صار واليا في كردستان، وتوفي وهو وال عليها سنة 1267. وهو عالم فاضل شاعر ماهر في إدارة أمور الدولة بلا مدافع، وهو والد سعد الله باشا سفير الدولة العثمانية في ويانة اه.
سنة 1258
في هذه السنة كان الوالي فيها وجيهي باشا كما في السالنامة.
قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته: في هذه السنة أتت الأرناؤوط إلى حلب بعد إبراهيم باشا من أشقودرة ومن نواحي الصرب والهرسك وهم نحو ثلاثة آلاف فأقاموا مدة يأكلون فيها الكلاب والجراذين من المراحيض ويشوونها بالأفران قهرا، ومن تطرف من أهالي البلد سواء كان صغيرا أو كبيرا نساء وأولادا أو رجالا فإنهم يفعلون به حتى ضجرت منهم أهالي البلد فقاموا عليهم وحصروهم في خان البيرقدار في سوق الصغير فأمرت الدولة بإخراجهم من حلب في هذا التاريخ.
سنة 1261:
كان الوالي فيها عثمان باشا كما في السالنامة.
سنة 1263:
كان الوالي فيها مصطفى مظهر باشا ووقع فيها هواء أصفر.
سنة 1264:
كان الوالي فيها الحاج كامل باشا كما في السالنامة.
سنة 1265:
كان الوالي فيها ظريف مصطفى باشا كما في السالنامة.
ابتداء تحرير النفوس في حلب
قال الشيخ عبد القادر المشاطي في مجموعته: في هذه السنة حضر نامق باشا السر عسكر إلى حلب ونزل في قناق بهاء الدين أفندي القدسي ورتب مجلسا لأجل تحرير نفوس حلب مؤلفا من محمد أسعد أفندي الجابري والحاج أشريف بك وتقي الدين أفندي المدرس مفتي حلب وعارف بيك وغيرهم من أعيان حلب في التكية المنصورية في محلة
الفرافرة، وبعد سنة صار ناظر النفوس عمر أفندي باقي زاده ابن عبد الله أفندي قاضي العسكر الحلبي اه. ولم يذكر كم بلغت نفوس حلب في ذلك الحين.(3/350)
قال الشيخ عبد القادر المشاطي في مجموعته: في هذه السنة حضر نامق باشا السر عسكر إلى حلب ونزل في قناق بهاء الدين أفندي القدسي ورتب مجلسا لأجل تحرير نفوس حلب مؤلفا من محمد أسعد أفندي الجابري والحاج أشريف بك وتقي الدين أفندي المدرس مفتي حلب وعارف بيك وغيرهم من أعيان حلب في التكية المنصورية في محلة
الفرافرة، وبعد سنة صار ناظر النفوس عمر أفندي باقي زاده ابن عبد الله أفندي قاضي العسكر الحلبي اه. ولم يذكر كم بلغت نفوس حلب في ذلك الحين.
سنة 1267 ذكر الفتنة المعروفة بقومة البلد وأسبابها
كانت هذه الفتنة يوم الأربعاء حادي عشر ذي الحجة من هذه السنة، وسببها على ما تلقيناه من عدة أشخاص ممن نثق بهم أن إبراهيم باشا المصري كان طلب من عبد الله بك البابنسي (1) فرسا كان يعرفها وقد كان عبد الله بك أهداها ليوسف بيك أشريف. فعندئذ أرى عبد الله بيك الكتاب ليوسف بك وعرض عليه أن ينتخب بدلها فرسين أو ثلاثة مما عنده فامتنع فعظم الأمر على عبد الله بيك وأفهم يوسف بيك أن إبراهيم باشا هو ولي نعتمه والسبب في إيصال كل خير إليه، وليس في وسعه أن يرد له الجواب بالخيبة، فلم يفد ذلك وأصر هذا على المنع لغاية في نفسه، فما كان من عبد الله بيك إلا أن أرسل خدامه إلى إصطبل يوسف بيك وسحبوا الفرس جبرا فأسرها يوسف في نفسه.
ثم شاع في هذا الأثناء أن الحكومة مصممة على ضم الويركو وأخذ عسكر، فراجع أهالي باب النيرب ليوسف بك فكلفهم أن يراجعوا عبد الله بك، وإنما كلفهم بذلك بقصد إثارة فتنة عليه بقصد الانتقام منه، فتجمهر هؤلاء وذهبوا إليه بالطبول والزمور، وكان عبد الله بك إذ ذاك مريضا وكان الخبر قد اتصل به وعلم ما قصد به فأخذ حذره واستنفر من عنده فحضروا إليه زرافات ووحدانا، ولما وصل أولئك إلى بيت عبد الله بك ووجدوا جماعته مجتمعين وهم شاكو السلاح وتيقنوا أن لا قبل لهم بهم، وحينئذ خرج عبد الله بك إليهم وسألهم عن سبب اجتماعهم ومجيئهم إليه متسلحين، ولما كان لا بد لهم من
__________
(1) عبد الله بك البابنسي أصله من بابنس قرية في شمالي حلب وكان رجلا أميا وكان شوباصيا عند بيت الجابري أو بيت القدسي، ولما أتى إبراهيم باشا إلى حلب حظي عنده وتقدم لديه إلى أن جعله متسلم حلب واستلم زمام أمورها، وأخذ في جمع الأموال ووشوا به عند إبراهيم باشا، فلما أحضره وسأله عن ذلك قال له: دخلت وليس عندي سوى أم حمدان (زوجته) وأم عركوب (فرسه) فهذان لي وخذ الباقي، فضحك منه ولم يأخذ منه شيئا، وكان إبراهيم باشا يعول عليه في مهماته وأموره وبقي على ذلك إلى أن خرج من حلب.(3/351)
الجواب عما سأل سلكوا طريق الاستنباط والحيل تغطية لحقيقة مقاصدهم وسترا لما أكنته ضمائرهم ولو صدقوهم القول لا قتتل الفريقان وقتئذ وهدرت دماء كثيرة، فقالوا له: إنا لا نرضى بضم الويركو ولا نعطي عسكرا، فقال لهم: تعرفون شغلكم، ثم قالوا له: نريد أن ننهب القشلة والنصارى، فقال لهم أيضا: تعرفون شغلكم. ووجدت هذه الكلمة آذانا صاغية من الفريق الآخر وما ذلك إلا لاستيلاء الجهل عليهم واستحكامه في قلوبهم، فوافقوهم على اقتراحهم، وتوجهت الفئتان إلى محلة الجديدة وكان رؤساؤهم أحمد حميدة وهو الزعيم وشنكان وأبو عبد الله الحشك وأحمد العباس والحاج مصطفى سفقلو والحاج حومد ابن سليطين وعلوش السعيد ومعهم نحو المائتين وأخذوا في نهب محلة النصارى، وظلت هذه الفتنة قائمة ثلاثة أيام ولم تكن قاصرة على بيوت النصارى بل تعدت إلى بيوت المسلمين ودكاكينهم فنهبوا منها ما أمكنهم نهبه من حقير وجليل، وانهزم في هذا الأثناء الحاج يوسف بك أشريف والحاج أشريف وخرجت نساؤهم إلى بيوت أخر، وقبض هؤلاء الجهلة في ذلك الحين على تقي الدين أفندي المدرس مفتي حلب إذ ذاك عند سبيل دالي محمود وكان مارا في هذا المحل وهو راكب، فأنزلوه عن دابته وحاولوا ذبحه فأخذ في ملاطفتهم وموعظتهم فلم يسمعوا قوله فصادف مرور الأستاذ الشيخ أحمد شنون الحجار فأخذ في وعظهم وإرشادهم، ولما له من الحرمة في قلوبهم أصغوا إليه وتركوا تقي الدين أفندي، وهكذا خلصه الله من أيدي هؤلاء. ولم يقتل في هذه الفتنة من النصارى سوى رجلين عن غير قصد أحدهما بطرس حمص من كبار تجار المسيحيين.
ولما تفاقم الأمر واتسع الخرق اتخذت الحكومة التدابير اللازمة لإخماد نار هذه الفتنة، ووجهت المدافع على محلة باب النيرب وقارلق وبيوت الأغوات الأنجكارية فخربت قسما من هاتين المحلتين فسكنت عند ذلك الفتنة.
وعلى إثر ذلك أرسلت الحكومة محمد باشا القبرصلي الذي تولى الصدارة بعد ذلك، فأول عمل قام به أن نفى عبد الله بك البابنسي وابن أخيه محمد آغا والحاج عمر الجاهل ومحمد آغا بازو ورمضان آغا وإبراهيم الطبّال وعيسى آغا وابنه عمر آغا إلى الآستانة، ففي الطريق توفي عبد الله بك في جناق قلعة ودفن فيها والآن له هناك قبر وأهل البلد يزورونه تبركا، ويقال ابن أخيه محمد آغا سمه أملا بأخذ منصبه. ثم عيّن محمد باشا لمحمد آغا المكانسي لجمع المنهوبات واستعمل الحكمة في استخراجها وجمعها ثم أعادها إلى
أربابها ولم يفقد منها إلا القليل، ويقال إن الحكومة دفعت لهم قيمة ما لم يرد عليهم من أموالهم، وأما ظريف باشا فإنه عزل على إثر هذه الفتنة بمجيء محمد باشا القبرصلي وأرسل مع المنفيين إلى الآستانة وكريد.(3/352)
وعلى إثر ذلك أرسلت الحكومة محمد باشا القبرصلي الذي تولى الصدارة بعد ذلك، فأول عمل قام به أن نفى عبد الله بك البابنسي وابن أخيه محمد آغا والحاج عمر الجاهل ومحمد آغا بازو ورمضان آغا وإبراهيم الطبّال وعيسى آغا وابنه عمر آغا إلى الآستانة، ففي الطريق توفي عبد الله بك في جناق قلعة ودفن فيها والآن له هناك قبر وأهل البلد يزورونه تبركا، ويقال ابن أخيه محمد آغا سمه أملا بأخذ منصبه. ثم عيّن محمد باشا لمحمد آغا المكانسي لجمع المنهوبات واستعمل الحكمة في استخراجها وجمعها ثم أعادها إلى
أربابها ولم يفقد منها إلا القليل، ويقال إن الحكومة دفعت لهم قيمة ما لم يرد عليهم من أموالهم، وأما ظريف باشا فإنه عزل على إثر هذه الفتنة بمجيء محمد باشا القبرصلي وأرسل مع المنفيين إلى الآستانة وكريد.
أقول: يعيش أهالي الشهباء مع بعضهم البعض على اختلاف مللهم ونحلهم على غاية الوفاق والوئام، وهذه الحادثة فذة في بابها لا تجد لها نظيرا في تاريخ الشهباء من قبل ومن بعد، وقد نشأت من سوء إدارة يوسف بك وعبد الله بيك، وإذا علمت أن هذا قد كان رجلا أميا وقد نال ما نال من المناصب بدون استحقاق لها فلا تستغرب إذا أشعل نار هذه الفتنة بسائق الجهل وعدم التروي والتبصر، والذي تراه وتستقرئه في تاريخ الحلبيين أنهم كانوا إذا جاعوا قاموا وإذا ظلموا ثاروا وتأبى نفوسهم أن ترضى به وأن تقيم عليه.
سنة 1268:
كان الوالي في حلب عثمان نوري باشا.
سنة 1269:
كان الوالي في حلب سليمان رأفت باشا.
سنة 1270 الحرب بين الدولة العثمانية والدولة الروسية
في هذه السنة كانت الحرب العظيمة بين الدولة العثمانية والدولة الروسية والسلطان يومئذ عبد المجيد خان وتعرف بحرب القرم، وكان النصر حليف الدولة العثمانية، وساعدها فيها دولتا فرنسا وإنكلترة، وقد دون هذه المحاربة غير واحد من المؤرخين منهم السيد أحمد الدحلاني في تاريخه الفتوحات الإسلامية. وخرج لأجلها من حلب ألف وخمسمائة جندي، وكان قائد العسكر الحلبي علي بك بن يوسف بك أشريف وكان خروجه في 15 جمادى الأولى من هذه السنة، وامتدحه حين توجهه إلى الحرب الشاعر الأديب أبو النور الكيالي الإدلبي بقصيدة طويلة في نحو ستين بيتا قال في مطلعها:
خطرت بقوام كالسمهر ... هيفا بلواحظها تسحر
فتنت بجمال مشرقة ال ... وضاح حكى نجما أزهر
سلبت لب العشاق بكو ... كب مطلعها الزاهي الأبهر
ومنها:(3/353)
خطرت بقوام كالسمهر ... هيفا بلواحظها تسحر
فتنت بجمال مشرقة ال ... وضاح حكى نجما أزهر
سلبت لب العشاق بكو ... كب مطلعها الزاهي الأبهر
ومنها:
ما همت بغيرك لا وفتى ... ليث الهيجا بطل قسور
العالي المجد عليّ الجد ... عظيم السعد حلا مظهر
ومنها:
وشريف الأصل شريف الجد ... شريف الإسم علي حيدر
إن جاد على متن الدهما ... قال الرائي هذا عنتر
أو قام لبذل المال ترى ... بأنامله مزنا يحدر
كتب الرحمن براحته ... (إنا أعطيناك الكوثر)
ومنها:
خذها ياذا المفضال ولا ... تنظر للناظم إن قصر
فيها بشرى بالنصر لكم ... والمدح مع السعد الأكبر
وعلي يسمو أرخ جا ... وعساكرنا بعلي تنصر
74011240810
1270
سنة 1271
كان الوالي فيها سليمان رحمي باشا.
ترجمة لائحة رفعها إسماعيل رحمي باشا للآستانة تبين حالة المعارف وقتئذ:
قال: غني عن البيان أن حلب من بلاد الدولة العثمانية ومعدودة من البلاد المعتبرة العظيمة ولسان أهاليها هو اللسان العربي الذي هو أحلى الألسن وألذها. ومع أن هذا اللسان هو اللسان الأصلي لهم فإنهم لا يأبهون به، وفي حال حداثتهم لا يرغبون في تعلم الفنون النحوية والصرفية التي هي أساس العلوم الأخرى ويقنعون بتعلم وقراءة القرآن العظيم في الكتاتيب. وكثير منهم لا يحصلون القواعد العربية كما يجب حتى إن بعض الأطفال يتركون القراءة والكتابة بتاتا ويظلون في ظلمات الجهل. وما يتكلمونه أكثره لا يعلم من كثرة الغلط. وهذا الحال لا تليق بالأهالي مع ما فيهم من الاستعداد الفطري والفطنة والذكاء، ومع كون بعض الطلاب يجتهدون في تحصيل العلوم في المدارس فإنه يقتضي تحري وسيلة حسنة لتدريس العلوم العقلية والنقلية في الوقت المناسب لها. وهنا طلب الوالي المذكور تأسيس مكتب رشدي وأن يعين لمعلمه كل سنة ثمانية عشر ألفا من القروش.(3/354)
وبعد سنوات قلائل تأسس هذا المكتب في المدرسة المنصورية في محلة الفرافرة وكنت في عداد تلامذته سنة 1304وحزت الشهادة منه في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة 1306، وكان مديره الشيخ محمود أفندي لامع وهو رجل فاضل من أهالي كلّز له إلمام باللغة العربية، وكان ذا همة ونشاط على علو سنة حريصا على التعليم حسن الأخلاق عاد بعيد هذا التاريخ إلى وطنه ولم أقف على السنة التي توفي فيها رحمه الله تعالى.
تعيين حمدي باشا
وفي هذه السنة عيّن لولاية حلب حمدي باشا.
سنة 1272
كان الناس يشربون الدخان المعروف بالتتن بواسطة بودقة يوضع فيها التتن ويوضع عليها النار وتوضع هذه البودقة في أنبوبة طولها من شبر إلى نحو ذراعين تدعى الغليون.
وللناس اعتناء كبير في هذه البودقة وهذا الغليون ويتغالون في أثمانها وفي صناعتها ويضعون في طرفها الذي يمتصون منه الدخان أحجار الكهرباء الصفراء.
ففي هذه السنة بطل ذلك وصاروا يمتصون ذلك بوضع التتن في ورقة صغيرة رقيقة يلفون فيها التتن وهي التي تدعى بالسيكارة إلى يومنا هذا.
وفي هذه السنة صار الناس في عقود الأنكحة يحضرون المنشدين، وقبل إجراء صيغة عقد النكاح يديرون عليهم أطباق الحلوى ولم يكن في ذلك الوقت سوى الحلوى التي تسمى بالراحة، وبعد إجرائه يديرون عليهم كاسات الشراب.
سنة 1273
كان الوالي فيها أشقو دره لي مصطفى باشا كما في السالنامة.
إنشاء المطبعة المارونية
قدمنا أن حلب كانت أسبق البلاد السورية إلى فن الطباعة وأن وجودها فيها كان سنة 1114، غير أنه لم يعلم كم بقيت هذه المطبعة ومتى أهمل أمرها. ولم تزل حلب خالية من ذلك إلى سنة 1273 (1857م) ففيها أنشئت المطبعة المارونية.(3/355)
قال في مجلة الشرق (1): أما إنشاء المطبعة المارونية في حلب فكان سنة 1857من الحميد الأثر يوسف مطر، وأول العملة فيها هو الداعي (نيقولادس كيلون)، وأول مدير كان الخواجا سليم مطر خطار من بيروت أقام نحو سنة فخلفه في إدارة المطبعة القس فرنسيس هارون إلى سنة 1870، وكان مديرها الثالث صاحب الإمضاء منذ 1870إلى 1896أي نحوا من سبع وعشرين سنة، ثم سلمت إلى الخواجا سليم مطر وهو فيها كعامل ومدير لها. ثم سرد ما طبع في هذه المطبعة ومن جملة ذلك: ديوان ابن الفارض. ديوان فرنسيس مراش المسمى نظم اللآلي للمحبر الشمالي. غابة الحق له اه.
أقول: ثم تتابع إنشاء المطابع أهمل بعضها وبقي بعضها، وفي الشهباء في هذه السنة وهي سنة 1343أربع عشرة مطبعة من ضمنها مطبعة الحكومة ومطبعتي التي دعوتها (المطبعة العلمية) وقد أسستها سنة 1341بالاشتراك مع السيد عبد الغفور المسوتي مدير المدرسة الفاروقية التجهيزية وولدي محمد. غير أن حالة حلب العلمية والتجارية لا تتحمل هذا العدد من المطابع فهي لذلك غير رائجة والكساد قد استولى على جميعها.
سنة 1274:
كان الوالي في حلب الحاج كامل باشا.
سنة 1275:
كان الوالي في حلب محمد رشيد باشا.
سنة 1276:
كان الوالي في حلب إسماعيل باشا.
سنة 1277:
كان الوالي في حلب عصمت باشا.
سنة 1279 تولية حلب لثريا باشا وتشكيله متصرفية دير الزور
قال في قاموس الأعلام: هو ثريا باشا ابن عثمان باشا الكركجي ولد بالآستانة سنة 1241، وبعد أن أتم التحصيل عيّن في غرفة ضبط الديوان الهمايوني في الباب العالي، وبعد أن تقلب في عدة مناصب عيّن رئيسا للكتاب في سفارة باريس، وفي سنة 1275 حاز رتبة البكلربكية وعيّن متصرفا للقدس الشريف، وفي سنة 1279رقي لرتبة الوزارة
__________
(1) جلد 3صحيفة 385.(3/356)
وعيّن واليا على حلب، وتوجه أثناء ولايته إلى دير الزور ومعه قوة عسكرية، وسبب ذلك أن طائفة من العربان هناك صارت تقطع الطرقات وتخيف السابلة فقمع ثائرتهم وقطع دابرهم وأعاد الأمن إلى نصابه وشكل متصرفية دير الزور في ذلك الحين وجعل فيها حكومة، فكوفىء على ذلك برتبة المجيدي الأول (ثم ذكر تقلباته في المناصب العالية إلى أن قال:) وفي سنة 1295نقل إلى سيواس فتوفي فيها سنة 1296. وكان عالما أديبا محبا للعلماء راغبا في ترقية العلوم وكاتبا في اللغة التركية والإفرنسية وأدخل إصلاحات كثيرة على الولايات وأبقى فيها بعضا من جليل آثاره اه.
معلومات عن دير الزور
وضع وجيه بك الجزار الذي كان مفتشا للأمور الاقتصادية في دولة حلب منذ سنتين تقريرا مسهبا عن المعلومات الزراعية والاقتصادية والإدارية عن متصرفية دير الزور أجاد فيه كل الإجادة، وهو يدل عن بحث كثير وتدقيق قدمه إلى المتصرف وقتئذ خليل أفندي الأزن، وقد اطلعنا عليه واخترنا منه ما يهم الوقوف عليه من أحوال تلك البلدة وما ألحق بها، ولو أثبتنا الجميع لطال ذيل الكلام لأنه يبلغ نحو ستين صحيفة من تاريخنا. قال تحت عنوان:
تطورات دير الزور الإدارية:
لم يكن لواء دير الزور حتى سنة 1864 (1279هـ) ملحقا لولاية أو سنجق كلا ولم يكن تابعا لدولة ما.
في أوائل 1864افتتحه ثريا باشا والي ولاية حلب إذ ذاك حيث جاءه بحملة عسكرية تتألف من أربع كتائب (طابور) بقيادة كولونيل (بيكباشي) وجعله قضاء مربوطا بولاية حلب، وبعد أن ركز فيه قائممقاما ومأمورين قفل راجعا إلى حلب من دون أن يشكل له نواحي ترجع بأمورها إليه.
بتاريخ 1870م قلب القضاء سنجقا تابعا أيضا لولاية حلب ولم يكن له أقضية أو نواح أيضا، ففي أواخر عام 1870وفي زمن المتصرف أرسلان باشا جرت تشكيلات اللواء الإدارية فصار كل من الرقة والصبخة والعشارة والبصيرة وأبو كمال والشدادي وسنجار ونصيبين ورأس العين وويران شهر ومسكنة قضاء، وصارت تدمر ناحية مربوطة بمركز السنجق وتل عنصر ناحية ملحقة بقضاء سنجار ورورينة ناحية ملحقة بقضاء نصيبين،
وكل من كيلي ودقوري وميللي وخلجان ناحية مربوطة برأس العين، والسنجق ألحق بجميع أقضيته ونواحيه هذه بولاية حلب.(3/357)
بتاريخ 1870م قلب القضاء سنجقا تابعا أيضا لولاية حلب ولم يكن له أقضية أو نواح أيضا، ففي أواخر عام 1870وفي زمن المتصرف أرسلان باشا جرت تشكيلات اللواء الإدارية فصار كل من الرقة والصبخة والعشارة والبصيرة وأبو كمال والشدادي وسنجار ونصيبين ورأس العين وويران شهر ومسكنة قضاء، وصارت تدمر ناحية مربوطة بمركز السنجق وتل عنصر ناحية ملحقة بقضاء سنجار ورورينة ناحية ملحقة بقضاء نصيبين،
وكل من كيلي ودقوري وميللي وخلجان ناحية مربوطة برأس العين، والسنجق ألحق بجميع أقضيته ونواحيه هذه بولاية حلب.
قبل انقضاء عام 1870وبعد إكمال التشكيلات المذكورة ذهب المتصرف أرسلان باشا المشار إليه إلى الآستانة وفك ارتباط سنجق دير الزور عن ولاية حلب وجعله سنجقا مستقلا مرجعه عاصمة الخلافة رأسا.
وفي سنة 1876ربط قضاء سنجار بولاية الموصل وقضاء نصيبين بسنجق ماردين الملحق لولاية ديار بكر وقضاء مسكنة بولاية حلب، وعاد ارتباط دير الزور بولاية حلب كما هو سابقا.
وسنة 1881في زمن المتصرف الفريق حسين باشا استعاد السنجق استقلاله وانفك عن ولاية حلب وصار مستقلا مربوطا بعاصمة الدولة المركزية إذ ذاك.
وعام 1883انسلخ قضاء الرقة عن سنجق دير الزور وارتبط بولاية حلب.
وعام 1909ارتبطت ناحية القائم بقضاء البوكمال وانسلخت من قضاء عانة المربوطة بولاية بغداد.
وعام 1911ارتبطت ناحية تدمر بقضاء حمص الملحق بسنجق حماة وانسلخت من سنجق دير الزور.
عام 1914ارتبط قضاء عانة بسنجق دير الزور وانسلخ عن ولاية بغداد وكان له ناحيتان هيت وحديثة.
وعام سقوط بغداد بيد الإنكليز ارتبط قضاء الدليم الذي حال الاحتلال البريطاني بينه وبين بغداد بسنجق دير الزور.
وعام 1918عاد ارتباط قضاء الرقة بسنجق دير الزور وانسلخ عن ولاية حلب.
وعام 1918انسحبت الحكومة التركية وتركت التشكيلات الإدارية كما هو مسرود أعلاه، وكانوا عازمين أن يجعلوا في العام القادم كلا من ناحيتي السبخة والحسجة قضاء يربط بكل منهما نواحي تجاورهما.
[أقول]: وفي هذه السنة وهي سنة (1925) م (1343) صار هذا اللواء مرتبطا بالشام رأسا كما صارت ولاية حلب ومتصرفية اللاذقية مرتبطة بها أيضا، وذلك حينما تشكلت الوحدة السورية وتشكلت الوزارة في دمشق.(3/358)
الموقع والحدود والأنهار التي فيها:
دير الزور على شاطىء الفرات من الضفة اليمنى جهة الشامية على أراض سهلة متشكلة من الرسوبات النهرية التي أتت بواسطة مياه الفرات من أعالي الأناضول واقعة ما بين 3733في درجة العرض و 4037في درجة الطول ومرتفعة عن سطح البحر 180مترا تقريبا. القصبة بشكل مستطيل من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي على امتداد نهر الفرات طولا وعرضا سبعمائة متر.
حدود اللواء الطبيعية:
شمالا ديار بكر، ماردين وأورفة وقسم من حلب. غربا حماة وحمص وتدمر والشام.
جنوبا قسما من الشام وحكومة الأردن ثم تتصل بحدود العراق في قضاء عانة التابعة لبغداد شرقا أيضا والموصل. بعدها عن حلب 350وعن تدمر 250وعن الشام 480وعن بغداد 570وعن الموصل 380كيلو متر. لا يوجد بوسط صحراء هذه المدن بلدة معمورة غير بلدة الزور فلذلك يليق أن يطلق عليها اسم (مدينة الصحراء).
نهر الفرات العظيم يشق اللواء إلى قسمين، يبتدأ من لواء أورفة (تركيا) ومنبج (سورية) شمالا ويدخل حدود العراق في قضاء عانة جنوبا بطول 580كيلومتر منها 270 كيلومتر داخل لواء الزور والبقية لحلب، فالجهة اليمنى نظرا لانحدار النهر يطلق عليها قطعة الشامية والجهة اليسرى يطلق عليها الجزيرة.
فالأراضي بجهة الشامية أكثرها سهول وطبيعتها كلسية ويوجد سلسلة جبل بوسط سهل الشامية يبتدىء من جنوب وشرق أثريا إلى أن ينتهي ما فوق التبني التي تبعد عن الدير شمالا 35كيلو متر ويطلق عليه جبل البشري، فنظرا لقلة الأمطار قد انحصرت الزراعة إلى ساحل الفرات في الأراضي الرسوبية التي لا تعلو النهر أكثر من ستة أمتار. فحدود جهة الشامية الإدارية الآن من الشمال الزيارة من قضاء الرقة وغربا أبو فياض وجبل البشري من قضاء منبج وتدمر من دولة الشام وجنوبا الصحراء الذي يحادد حكومة الأردن وثم جرد درناج على شاطىء الفرات التابع لناحية القائم في قضاء عانة التابع لبغداد.
وأما الجهة الثانية الواقعة على يسار الفرات التي تسمى بالجزيرة فجميعها سهول وأراضيها رسوبية متسعة الأرجاء، حدودها الإدارية جنوبا ناحية القائم الباغوز شرقا البديع وأم الذيبان اللتين تبعدان عن الدير 150كيلو مترا وشمالا خط حديد بغداد من نصيبين إلى
تل أبيض وقضاء الرقة، وبوسط هذه السهول يرتفع جبل العزيز يمتد طولا من الشرق إلى الغرب تقريبا 50وعرضا من الشمال إلى الجنوب 20كيلو مترا الحاوي على كثير من أشجار البطم والفستق، ثم تنبع عين ماء من نقطة رأس العين الواقعة جنوب خط بغداد وتنحدر إلى الجنوب بعد أن تنضم إليها عيون كثيرة وتشكل نهر الخابور فيشق هذا النهر قسم الجزيرة إلى قسمين من الشمال إلى الجنوب ويقطع مسافة 300كيلو مترا تقريبا ثم يختلط بنهر الفرات في نقطة البصيرة تجاه قضاء الميادين داخل اللواء.(3/359)
وأما الجهة الثانية الواقعة على يسار الفرات التي تسمى بالجزيرة فجميعها سهول وأراضيها رسوبية متسعة الأرجاء، حدودها الإدارية جنوبا ناحية القائم الباغوز شرقا البديع وأم الذيبان اللتين تبعدان عن الدير 150كيلو مترا وشمالا خط حديد بغداد من نصيبين إلى
تل أبيض وقضاء الرقة، وبوسط هذه السهول يرتفع جبل العزيز يمتد طولا من الشرق إلى الغرب تقريبا 50وعرضا من الشمال إلى الجنوب 20كيلو مترا الحاوي على كثير من أشجار البطم والفستق، ثم تنبع عين ماء من نقطة رأس العين الواقعة جنوب خط بغداد وتنحدر إلى الجنوب بعد أن تنضم إليها عيون كثيرة وتشكل نهر الخابور فيشق هذا النهر قسم الجزيرة إلى قسمين من الشمال إلى الجنوب ويقطع مسافة 300كيلو مترا تقريبا ثم يختلط بنهر الفرات في نقطة البصيرة تجاه قضاء الميادين داخل اللواء.
مساحة لواء دير الزور:
مساحة لواء دير الزور التقريبية شامية وجزيرة تبلغ ستين ألف كيلو متر مربع على الأقل.
الأنهار:
1 - كما ذكرنا آنفا أعظمها نهر الفرات الذي ينبع من سفوح جبال أرزنجان وأرضروم ويخترق الأناضول فيدخل سورية من محطة جرابلس فيمر من قضاء منبج والرقة بدولة حلب، ثم يدخل اللواء إلى أن يصل منتهى قضاء أبو كمال فيدخل في قضاء عانة والعراق ويصب في شط العرب. فطوله داخل اللواء 270وداخل دولة حلب عموما مع اللواء 580كيلومتر.
2 - نهر الخابور: ينبع من رأس العين التي هي محطة بغداد فيمر من وسط الجزيرة من الشمال إلى الجنوب، وبعد أن يقطع مسافة 300كيلو متر تقريبا يصب في نهر الفرات بنقطة ناحية البصيرة جنوب شرقي دير الزور.
ثم ذكر الأنهر التي تصب في نهر الخابور من الشمال إلى الجنوب والأنهر التي تصب على نهر جغجغ والأنهر التي تصب على نهر الرد، ثم ذكر الجداول ثم العيون وهي كثيرة.
والذي يظهر لك هنا أن الاستفادة من هذه الأنهار وهذه الجداول والعيون قليلة جدا.
ثم ذكر الآبار التي في الشامية والآبار التي في الجزيرة وهي كثيرة يطول تعدادها.
الجبال:
في الشامية: جبل البشري: يبتدىء من أثريا ويمتد من الشرق إلى الغرب وينتهي قرب قصبة الدير فوق التبني. طوله تقريبا 60كيلو متر عرضه 30كيلو مترا ارتفاعه لا يتجاوز المائة متر عن السهول التي بأطرافه.(3/360)
في الجزيرة: جبل عبد العزيز: يبتدىء من جنوب وغرب الخابور ويمتد غربا لجهة الفرات. طوله 7060عرضه 20كيلومترا ارتفاعه 150متر عن سطح الأرض وتقريبا ربعه مغروس بأشجار البطم والزعرور والتين.
أخشاب نواعير الخابور جميعها الموجودة الآن معمولة من أشجار بطم جبل عبد العزيز.
وبعد الكلام على الجبال تكلم على الطرق العامة من الدير إلى حلب ومنها إلى بغداد ومنها ومنها. ذكر ذلك مرحلة مرحلة مع بيان المسافة.
المعادن:
الكبريت: موجود في المياه التي تنبع برأس العين وكانت الحكومة التركية تلزمه سنويا لطلاب استخراجه تقريبا ب 80000غرش.
معدن المغرة: لونه أحمر يستعملونه في صباغ الغنم موجود في جبل البشري يحتاج لتدقيقات وتتبعات زائدة.
النحاس: في ناحية الصور على الخابور بطريق الموصل قد جلب منه النحاسون في الدير وأرادوا تصفيته فلم يتوفقوا لشيء أيضا يحتاج إلى تدقيقات زائدة.
سرديوم بوتاسيوم: يوجد في البصيرة وفي الصور والشدادي والقصبي مشهور (ببارود القصبي) يغلي ترابه بالماء وبعد التصفية يكسرونه ويخلطونه مع فحم الغرب والصفصاف ويصير بارودا يستعملونه للصيد والقنص، يحتاج لتدقيقات حيث يمكن استعماله سمادا كيماويا.
القير والإسفالت: يخرج من جبل البشري الواقع في الشامية، وهذا يتحصل في الأكثر بأيام الصيف. يتقطر من جوانب الوديان وأهمها وادي القير، يحتاج إلى تدقيقات وتتبعات. ويقال أيضا إنه يوجد في جبل البشري وأبو فياض فحم معدني وقد أخذ امتيازه بعض الحلبيين، ولكنه أيضا يحتاج إلى تدقيقات وتتبعات زائدة.
التشكيلات الترابية وأوصاف الأراضي الطبيعية:
إن تركيب الأتربة العمومية بالمائة ثمانون رمل وعشرون صلصال وجص وكلس ومقدار من المواد المنبتة العضوية وغير العضوية، وفي بعض المحلات يكون مقدار الرمل تنزل إلى المائة ستين والمواد الصلصالية الرقيقة صعدت إلى المائة أربعين، فهذه الأراضي نادرة وقد يكون تشكلها ناشئا عن ترسب هذه الأتربة من مياه الفرات التي جاءت بأيام الفيض
وغمرت الأراضي المنخفضة الواقعة على جانب الفرات، ويحتمل أن تكون تشكلت من المواد الرقيقة المنجرة بواسطة السيول والمترسبة أيضا في المحلات المنحطة والمنخفضة، فأكثر الأراضي الرملية التي تكون قد دخل في تركيبها مواد من الجص، إذا جفت تكسب مقاومة عنيفة وتقاوم سكك الحراثة بحيث يصعب شقها وفلاحتها، ومن هذه الأسباب تكون هذه الأراضي مساعدة لغرس بذور الجراد الذي لم ينقطع دابره.(3/361)
إن تركيب الأتربة العمومية بالمائة ثمانون رمل وعشرون صلصال وجص وكلس ومقدار من المواد المنبتة العضوية وغير العضوية، وفي بعض المحلات يكون مقدار الرمل تنزل إلى المائة ستين والمواد الصلصالية الرقيقة صعدت إلى المائة أربعين، فهذه الأراضي نادرة وقد يكون تشكلها ناشئا عن ترسب هذه الأتربة من مياه الفرات التي جاءت بأيام الفيض
وغمرت الأراضي المنخفضة الواقعة على جانب الفرات، ويحتمل أن تكون تشكلت من المواد الرقيقة المنجرة بواسطة السيول والمترسبة أيضا في المحلات المنحطة والمنخفضة، فأكثر الأراضي الرملية التي تكون قد دخل في تركيبها مواد من الجص، إذا جفت تكسب مقاومة عنيفة وتقاوم سكك الحراثة بحيث يصعب شقها وفلاحتها، ومن هذه الأسباب تكون هذه الأراضي مساعدة لغرس بذور الجراد الذي لم ينقطع دابره.
إن السهول في هذا المحيط لا تنحصر في لواء دير الزور فقط بل تمتد شمالا إلى ماردين وشرقا للموصل وبغداد وقبلة لبحر عمان والحجاز وغربا للشام وحلب، فعليه يحتمل أن تكون هذه البادية الجسمية إما بحالة بحر وإما مرتعا لمياه الدجلة والفرات، فالاحتمال الأخير هو الأصح نظرا لما يصادفه المدققون من الأحجار المدورة والمختلفة الأجناس المخلوطة بالرمال في أي نقطة كانت من هذه السهول. فلا شك أن هذه الحجارة تدل أنها نقلت بواسطة مياه الدجلة والفرات من مسافات بعيدة، ولا يبعد أن هذه الأراضي كانت معتدلة تماما، ففي أكثر السنين باختلاط دجلة والفرات تركت الأحجار والجص التي أتت بها هذه الأنهار من منابعها وطريقها.
وبما أن الولايات العثمانية الشمالية مثل ديار بكر وبتليس هي أراض ولقانية فالزلازل التي كانت تحصل بتلك الأنحاء أثرت في هذا اللواء فحدثت الارتفاعات والانحطاطات، ولذلك ثبت نهر الدجلة والفرات في المواقع التي نشاهدها اليوم.
حرارة المحيط:
إن لواء دير الزور يعد من المناطق الحارة، وحيث إن اللواء خال من الجبال والعوارض فالإقليم وحرارة المحيط مساوية لبعضها في كل مكان. فلعدم وجود قيود زراعية في دائرة الزراعة لفقدانها لم نتمكن من الوقوف عليها لنطلع على جداول الترصدات الهوائية، ولكن الذي بقي في حافظتي أن الدرجة الوسطية ما بين 1514سانتيغراد أي مجموع الحرارة العمومية في السنة 5000درجة.
إن هذه الدرجة مساعدة لنمو جميع النباتات والأشجار والحبوب على أن تكون بواسطة الري والإسقاء، حيث كما ذكرنا آنفا إن طبيعة الأراضي الرملية لشدة وجود الحرارة لم يمكن تطبيق زراعة العذي بها لا صيفا ولا شتاء سوى في القسم الشمالي المحادد إلى نصيبين فهو قابل لزراعة الحنطة والشعير على الأمطار أي عذي، وأما خلاف ذلك فجميعه بواسطة الإسقاء.(3/362)
الجماد: في بعض السنين يجمد الماء في هذا الهواء ولكن لا يكون له تأثير يذكر حيث يوجد من نباتات المناطق الحارة، ومثل أشجار النخل والليمون والبرتقال لم تتأثر من هذه البرودة، ويقع هذا التجمد في وسط الشتاء على الأكثر، وأما في مواسم الخريف والربيع فإنه لا يحصل جماد.
الأمطار: قليلة في دير الزور نسبة إلى حكومة حلب، ففي ولاية حلب ارتفاع ماء المطر السنوي من 600500ميليمتر حال كون أمطار لواء دير الزور لا تبلغ 200 300ميليمتر، وهذا نسبة لأراضي دير الزور الرملية لا يعد شيئا.
الندى: إن لواء دير الزور محروم من الغابات والأحراج إلا قليلا على ضفتي الفرات، ولذلك إذا حصل في الربيع قليل من الندى فهي أيام معدودة ومحدودة، وفي بقية الربيع والصيف والخريف لا يحصل ندى قط.
أسماء الرياح السائدة وتأثيرها:
الرياح التي تهب في لواء دير الزور أكثرها غربي وحياة البلدة مبنية عليه، وفي الصيف تهب الرياح الشرقية ولكن ليس لها مضرة إلا إذا هبت في أوائل مايس فإنه يضر بمزروعات الحنطة بحيث فصل النمو لا يتم تماما، ولذلك تبقى حبوب الحنطة ضعيفة وفقيرة من النمو.
وبعد هذا تكلم عن الزراعة العمومية فيه وما يزرع ومقدار ما يزرع وأطال في بيان ذلك، ثم عقد فصلا آخر لطرز الري والإسقاء وبيان الآلات التي يسقى بها ووصفها وبين ما تحتاج إليه من النفقات، ثم تكلم عن مساحة الأراضي التي تزرع بالوسائط المختلفة، ثم عقد فصلا لبيان أسماء وأهمية المستنقعات، ثم تكلم عن المراعي.
الحيوانات:
قال: إن الحيوانات في لواء دير الزور عبارة عن الحيوانات الأهلية وهي الخيل والبقر والغنم ومن الحيوانات الوحشية الذئب وآوى والغزال والأرنب ونادرا الضبع والنمر والخنزير، ثم ذكر الخيل وأنواعها وأصولها والبغال والحمير والجمال، ثم عقد بعد ذلك فصلا لنوع الأراضي المزروعة وبين سعتها وما يمكن أن تعطيه من الواردات لو اعتني بشأنها، ثم عقد فصلا لأسعار التجارة الزراعية ولأجور العمال الزراعيين وللآلات الزراعية والمعامل.(3/363)
الأحراج:
الأحراج في دير الزور تنحصر على أطراف نهر الفرات وفي الحوائج التي بواسطة النهر، ولم يكن في غير هذا المحل أحراج تذكر سوى في جبل عبد العزيز يوجد قليل من شجر البطم.
إن الأحراج التي هي على ضفتي الفرات جميعها مملوكة، وهي من شجر الغرب والطرفة. ثم وضع بعد ذلك جداول تبين هذه الأحراج مفصلا، ثم عقد فصلا للاستفادة من الطرق النهرية وفصلا لبيان الأحزاب في دير الزور وبين درجة معارفهم، ويستفاد من مجموعه أن المعارف هناك لم تزل قليلة جدا وأن الأمية منتشرة في الأهلين.
ثم وضع جدولا لبيان القرى المربوطة بلواء دير الزور مع بيان القبائل والنفوس إلى غير ذلك من الأبحاث التي يقتضي عليها على رجال الإدارة هناك أن يطلعوا على تفاصيلها.
أقول: وفي العام الماضي تأسس هناك مدرسة تجهيزية تشكيلاتها وصنوفها مثل المدرسة التجهيزية التي في حلب، وعيّن مديرا لها صبحي بك نجل سعادة مرعي باشا الملاح حاكم حلب الآن، وقد فتح فيها في السنة الماضية الصف السابع وعدد التلامذة فيها 150والمنتظر أن تنشر هناك المعارف بسرعة ويكون لهم منها حظ وافر وذلك لالتفاتهم إليها في الآونة الأخيرة وإقبالهم عليها ولما جبلوا عليه من الذكاء الفطري والاستعداد الطبيعي، وفقهم الله لما فيه صلاحهم وسعادتهم في دينهم ودنياهم.
وصول السلك البرقي
وفي هذه السنة وصل السلك البرقي إلى حلب وصارت المخابرات بواسطته.
سنة 1282
فيها حصل هواء أصفر وهو المعروف بالكوليرا وفتك فتكا ذريعا. وفيها ابتدىء بتبليط أزقة حلب.
وفيها ظهرت صنعة الزنانير الهندية بحلب وتسمى صنعة (الأغباني) على يد امرأة نصرانية أسلمت على يد الشيخ طه الكيالي، وكانت رأت عنده زنّارا من صنع الهند فالتقطت منه هذه الصنعة، وهي اليوم صنعة واسعة يشتغل فيها ألوف من النساء في حلب وتحمل بكثرة إلى بلاد الحجاز والبلاد التركية وغيرها.(3/364)
سنة 1283 ذكر تولية حلب لجودت باشا
تولى حلب في هذه السنة جودت باشا وهو أحد أعاظم رجال الدولة العثمانية وصاحب التاريخ العظيم المشهور باسمه، وفي تاريخنا هذا تجد عنه نقولا كثيرة بل هو مادتنا في السنين الأخيرة كما ترى. وقد حدثنا عنه غير واحد أنه كان عالما فاضلا تلقى العلوم الشرعية وتزيا مدة بزي العلماء، وهو أحد رجال مجلة الأحكام العدلية كما تراه فيها، ثم انتظم في سلك المأمورين الإداريين فتزيا بزيهم وتقلب في مناصبهم إلى أن عيّن واليا على حلب في هذه السنة كما ذكرته جريدة الفرات الرسمية في عددها الصادر في 6ذي الحجة سنة 1312. وله في مشاهير الشرق لجرجي زيدان ترجمة حافلة صدرها بصورته (1) نقتطف منها ما يأتي:
قال: هو الوزير أحمد جودت باشا ابن الحاج إسماعيل آغا ابن الحاج علي أفندي. ولد في مدينة لوفجة التابعة لولاية الطونة سنة 1238، وكان والده من أعيان لوفجة وعضوا من أعضاء مجلسها، فربي أحمد في حجر والديه وتهذب على يديهما وتلقى مبادىء العلوم في وطنه، وقد ظهرت عليه مخائل النجابة منذ نعومة أظفاره، فلما شب قدم الآستانة سنة 1255فأقام فيها يتلقى العلوم والآداب على أحسن علمائها فأتقن الفقه وأصوله والحديث والتفسير وعلم الكلام والمنطق والفلسفة على أنواعها والرياضيات بفروعها والجغرافية والتاريخ واللسان الفارسي، وأتقن اللسان التركي والعربي حتى نظم الشعر فيها جميعا. وفي سنة 1260عكف على درس القضاء فنال قصب السبق على أقرانه ونال رتبة (رؤوس تدريس). وفي سنة 1267عيّن عضوا في المجمع العلمي العثماني. وفي سنة 1271عيّن قاضيا لغلطة أحد أقسام الآستانة الثلاثة. وكان كلما تقلد منصبا قام بمهامه حق القيام فانهالت عليه الرتب والمناصب والوسامات. فنال سنة 1273باية ولاية مكة المكرمة وتعيّن عضوا في مجلس التنظيمات ورئيسا للقومسيون المنعقد إذ ذاك لترتيب القوانين والنظامات المتعلقة بالأراضي.
وفي سنة 1278عيّن عضوا في مجلس الأحكام العدلية على إثر إلغاء مجلس التنظيمات وإحالته إلى مجلس الأحكام العدلية. وفي آخر سنة 1279عيّن مفتشا في
__________
(1) وتوجد صورته في تاريخ الصحافة العربية في صحيفة 68.(3/365)
البوسنة والهرسك. وفي سنة 1281أرسل في الفرقة الإصلاحية التي سارت لإصلاح ما اختل من شؤون القوزاق، ولما عاد سنة 1282عيّن عضوا في المجلس العالي، وبعد قليل وجهت إليه رتبة الوزارة السامية، ثم ضمت إيالات حلب وأطنة وألوية القوزاق ومرعش وأورفة إلى ولاية واحدة قصبتها مدينة حلب وعهدت حكومتها إليه، فقدمها واستلم زمام الأحكام بهمة ونشاط نحو سنتين، حتى إذا كان انقسام مجلس الأحكام العدلية سنة 1284إلى قسمين وتشكلت منه هيئتان عرفتا بمجلس شورى الدولة وديوان الأحكام العدلية ولي هو رئاسة ديوان الأحكام العدلية، ثم تحولت هذه الرئاسة إلى نظارة الديوان ثم إلى نظارة العدلية، وتشكلت تحت رئاسته لجنة علمية لتأليف كتاب في الفتاوي على مذهب أبي حنيفة فألفته وهو المعروف بمجلة الأحكام العدلية وعليه المعول في سائر المحاكم الشرعية والنظامية، وفي سنة 1288عيّن عضوا في مجلس شورى الدولة، وفي السنة التالية عهدت إليه ولاية مرعش ولم يلبث بها إلا قليلا، ثم استقدم لتولي نظارة الأوقاف، وفي سنة 1290عيّن ناظرا للمعارف.
(ثم قال): وفي سنة 1296استعفى خير الدين باشا من مسند الصدارة فقام هو بمهامها موقتا، ثم عهدت إليه نظارة العدلية، وفي سنة 1300تغير الوكلاء جميعا فاعتزل الأعمال وأكب على المطالعة والتأليف، ثم أعيد إلى نظارة العدلية، وفي سنة 1305 انفصل عنها وبقي من أعضاء مجلس الوكلاء إلى أن توفاه الله في 2ذي الحجة سنة 1312 ودفن في تربة السلطان محمد الفاتح وله من العمر 74سنة. وكان عالما فاضلا اشتهر في كثير من العلوم وخصوصا العلوم الإسلامية والتاريخ، وكان يعرف اللغات التركية والفارسية والعربية معرفة جيدة تكلما وكتابة مع إلمام بالفرنساوية والبلغارية، وكان سهل الخلق كريم الخصال وديعا متواضعا واسع العلم عالي الهمة مخلصا للدولة.
(مؤلفاته): أما مؤلفاته فعديدة في التركية والعربية بين مطبوع وغير مطبوع أشهرها وأكبرها تاريخ آل عثمان المعروف بتاريخ جودت، طبع بالتركية في تسعة مجلدات، وهو جليل في بابه بل هو المرجع الوحيد لتاريخ الدولة العلية، وقد عني في نقله من اللسان التركي إلى العربي عبد القادر أفندي الدنا رئيس محكمة تجارة بيروت فنشر منه الجزء الأول سنة 1307مطبوعا طبعا متقنا في بيروت. ومن مؤلفاته رسائل عديدة في العربية وبعض التعليقات طبعت مجموعة واحدة. وبعد أن سرد بقية مؤلفاته قال: وله تعليمات مخصوصة في نظارة المعارف لتدريس الطلبة على أساليب سهلة جديدة وجميع ذلك باللغة العثمانية،
على أن بعضها قد ترجم إلى اللغة العربية كتاريخ آل عثمان ومجلة الأحكام العدلية وغيرهما اه.(3/366)
(مؤلفاته): أما مؤلفاته فعديدة في التركية والعربية بين مطبوع وغير مطبوع أشهرها وأكبرها تاريخ آل عثمان المعروف بتاريخ جودت، طبع بالتركية في تسعة مجلدات، وهو جليل في بابه بل هو المرجع الوحيد لتاريخ الدولة العلية، وقد عني في نقله من اللسان التركي إلى العربي عبد القادر أفندي الدنا رئيس محكمة تجارة بيروت فنشر منه الجزء الأول سنة 1307مطبوعا طبعا متقنا في بيروت. ومن مؤلفاته رسائل عديدة في العربية وبعض التعليقات طبعت مجموعة واحدة. وبعد أن سرد بقية مؤلفاته قال: وله تعليمات مخصوصة في نظارة المعارف لتدريس الطلبة على أساليب سهلة جديدة وجميع ذلك باللغة العثمانية،
على أن بعضها قد ترجم إلى اللغة العربية كتاريخ آل عثمان ومجلة الأحكام العدلية وغيرهما اه.
(لطيفة): حدثني مرعي باشا الملاح حاكم حلب الآن قال: وقف المجذوب المشهور الشيخ سعود صاحب النوادر إلى جودت باشا فقال له: الناس يقولون إنك باشا، فقال: كذا يقولون، فقال: ويقولون إنك عالم، قال: كذا يقولون، فقال: إني سائلك عن سؤال لأرى هل تدري جوابه، فقال: سل، فقال: ما هو بسمار الوجود؟ فقال:
لا أدري، فقال له: إن كنت لا تدري فضع في كفي دينارا لأقول لك، فوضع له ذلك فقال له وهو يشير إلى الدينار: هذا هو البسمار يا حمار، فضحك الباشا منه ومشى في سبيله.
تحرير الأملاك
في هذه السنة حررت الأملاك في حلب وصار لها دائرة مخصوصة عرفت بالطابو، وأول من تولى هذه الدائرة راغب أفندي الجابري وبقي فيها إلى أن مات، ذكر ذلك المشاطي في مجموعته.
سنة 1284 صدور جريدة الفرات الرسمية وترتيب السالنامة
في هذه السنة في الثالث والعشرين من شهر محرم صدرت هنا جريدة الفرات الرسمية وهي أول جريدة صدرت في مدينة حلب باللغتين التركية والعربية، كانت تصدر في الأسبوع مرة، وفي 13صفر سنة 1285صدرت اعتبارا من العدد الخمسين بثلاث لغات التركية والعربية والأرمنية، وبعد أن صدر منها عدة أعداد باللغات الثلاث عادت كالسابق وصدرت باللغتين السابقتين.
وفي هذه السنة أيضا صدرت جريدة تسمى (غدير الفرات) وهي ملحقة بجريدة الفرات لكنها غير رسمية كانت تصدر عند الاقتضاء، وقد رأيت العدد التاسع والأربعين من الفرات وهو مؤرخ في 29محرم سنة 1285، ورأيت من غدير الفرات العدد 11و 28 ويظهر أنه صدر منها مقدار ثلاثين عددا ثم احتجبت، وكان المحرر للقسم التركي في الجريدتين حالت بك.(3/367)
وفي شوال سنة 1333صدر علاوة على جريدة الفرات جريدة غير رسمية تحت اسم (علاؤه فرات) كذلك باللسانين كانت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، صدر منها 47عددا، وآخر عدد صدر من جريدة الفرات مؤرخ في 5محرم سنة 1337و 10 تشرين أول سنة 1334ورقمه 2420، ثم استبدلت بجريدة (حلب). وفي هذه السنة أي سنة 1284رتبت السالنامة وطبعت باللغة التركية وسميت (فهرست ولاية حلب) وكان الفضل في ذلك راجعا إلى رئيس الكتاب وقتئذ (مكتوبجي) حالت بك المذكور وصارت السالنامة ترتب في كل سنة وتطبع وقد زيد فيها على السنين الأولى كثيرا، والفضل في ذلك راجع إلى رئيس كتاب مجلس إدارة الولاية وقتئذ وهو عارفي بك (1)، وظلت تصدر إلى سنة 1326هجرية و 1324شمسية عن السنة الخامسة والثلاثين، ثم أهملت بعد هذه السنة إلى يومنا هذا، وهي كتاب مفيد يستفاد منه أمور كثيرة عن تاريخ حلب والملحقات بها وعن شؤونها الزراعية والمالية إلى غير ذلك، وتجد فيها أسماء من ولي حلب من حين فتحها إلى سنة 1326هجرية وعليها بنينا القسم الأول وهو قسم الولاة من تاريخنا هذا واستدركنا عليها في عدة مواضع.
ترجمة عارفي حالت بك مرتب السالنامة:
قال في الجزء الثالث من قاموس الأعلام: هو حالت بك ابن ناظر المالية السابق خالد أفندي وينتسب إلى السيد عبد القادر الكيلاني، ولد سنة 1255، قرأ اللغة العربية والفارسية على الخواجه حسام الدين أفندي ثم تلقى العلم في جامع أياصوفية عن أساتذة الجامع المذكور، وصار هو في حداثة سنه يحرر المقالات الكثيرة في جريدة الحوادث وصحح تاريخ نابليون، وبعد أن وجد في عدة وظائف صغار أنعم عليه بالرتبة الثانية، ثم صار معاونا للمكتوبجي في حلب. ثم صار مكتوبجيا فيها، وهو في هذه الوظيفة أسست في حلب جريدة الفرات الرسمية، كذلك نشر هنا جريدة غير رسمية سماها (غدير الفرات) ثم رتب السالنامة الحلبية وسماها (فهرست ولاية حلب) وأرسل منها نسخة إلى الباب العالي فوقعت لديه موقع الاستحسان، وأرسل منها إلى كل ولاية نسخة وأمروا أن ينسجوا على منوالها. وفي سنة 1282شمسية لما تشكلت المحاكم العدلية عيّن المترجم كاتبا ثانيا في ديوان الأحكام العدلية ثم كاتبا أولا واجتهد في وضع نظاماتها موقع الإجراء وكوفىء على ذلك برتبة
__________
(1) المذكور من كتاب الأتراك المشاهير وقد بقي هنا رئيسا لكتاب مجلس الإدارة مقدار ثمان سنوات وحول من حلب في جمادى الآخرة سنة 1304.(3/368)
أولى، ثم بعد مدة انفصل وعيّن مكتوبجيا للمعارف وتوفي وهو في هذه الوظيفة سنة 1295 وهو في الأربعين من العمر. وله رسالة في فن البلاغة التركية سماها الأنموذج وكتاب في تراجم سلاطين آل عثمان ومجموعة سماها (مبدأ الكتابة) محتوية على مقالات أدبية وقد طبعت ومجموعة سماها (دولاب) ورسالة (سر الأسرار) ورسالة (سير الأقمار) وديوان سماه (حالة الشباب) وغير ذلك، وله شعر لطيف أورد في القاموس بيتين منه.
ذكر احتراق سوق الصيّاغ والعقّادين والبادستان
قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته: في الساعة السابعة من ليلة الأحد من شهر جمادى الثانية (لم يذكركم كان في الشهر) من سنة 1284ظهرت نار من سوق الصيّاغ فأحرقته جميعه واتصلت منه إلى سوق العقّادين والقوّافين والطرابيشية والبادستان وأحرقت ما في تلك الأسواق من الأرزاق، واتصل الحريق إلى سوق الطيبية وسوق العطّارين. وفي اليوم الثاني هدموا القبو والجملون وكان من الدف ولم يسلم سوى سوق الحرير الذي هو داخل سوق البادستان [جعل هذا السوق مخزنا واحدا سنة 1318واستأجره الحاج أحمد العطري ثم استأجره محمد بشير الدرويش ثم اشتراه بعد ذلك وهو فيه إلى هذه السنة وهي سنة 1343] وهدموا قبة كانت فوق الجامع القبلي لأجل قطع النار عن الجامع والأسواق، وبعده عقدوا على سوق العطّارين والطيبية والطرابيشية والصيّاغ قبوا من حجر وزادوا في عرض الأسواق، وجملة الدكاكين التي احترقت نحو خمسمائة دكان. أما السبب فقيل إنه من الحكومة حيث طلبت توسيع الأسواق فامتنعت الأهالي عن خرب دكاكينها لا سيما الوجهاء، وقيل إن بعض الأعداء ألقوا الحريق، وقيل من أحد دكاكين الصاغة والله أعلم.
اه.
سنة 1285 ذكر تعيين ناشد باشا
في هذه السنة في محرم وصل إلى الشهباء ناشد باشا معينا واليا عليها وقرىء منشور تعيينه في السادس والعشرين منه ورأيناه منشورا في عدد 49من جريدة الفرات الرسمية المؤرخ في 29منه.(3/369)
في رمضان من هذه السنة افتتح في الشهباء مكتب للصناعة أدخل إليه مقدار 100من أبناء الفقراء وصاروا يشتغلون فيه في صناعة الأحذية والأقمشة الحريرية والصوفية.
سنة 1286
فيها أتى الشهباء درويش باشا معينا واليا عليها كما في السالنامة.
سنة 1287
فيها حصلت زلزلة عظيمة في أنطاكية خرب فيها كثير من البيوت وتلف بسببها كثير من الأموال.
سنة 1288
فيها في شعبان وصل إلى الشهباء ثريا باشا معينا واليا على حلب ورأينا منشور تعيينه منشورا في عدد 233من جريدة الفرات المؤرخ في 7شعبان من هذه السنة.
سنة 1289و 1290
فيها أتى الشهباء الحاج علي باشا معينا واليا عليها وعزل في ربيع الآخر من سنة 1290، وفي السادس عشر منه توجه منها قاصدا دار الخلافة، وفي أواخر هذا الشهر وافى الشهباء مرحوم كرد أحمد باشا معينا واليا عليها كما قرأته في عدد 310من الفرات، وهذا أصح مما هو مذكور في السالنامة من أنه عين عليها سنة 1289.
وفي هذه السنة أرسلت الدولة العثمانية ستارا من المخمل مزركشا بديع الصنعة إلى مرقد رأس يحيى عليه السلام في الجامع الكبير وخرج الوالي والعلماء والأعيان وجمع غفير من الأهالي والعساكر لاستقباله وكان يوما مشهودا، ووضع الستار على الضريح بكمال التعظيم والاحترام.(3/370)
سنة 1291:
كان الوالي فيها محمد رشدي باشا الشرواني ويظهر أنه لم تطل مدته.
سنة 1291:
كان الوالي فيها للمرة الثانية محمد رشيد باشا.
سنة 1292:
كان الوالي فيها سامح باشا.
سنة 1292:
كان الوالي فيها أسعد مخلص باشا.
سنة 1293:
كان الوالي فيها أمين باشا.
سنة 1295:
كان الوالي فيها كامل باشا الصدر الأعظم الشهير، وكان مجيئه إلى حلب كما أخبرني سعادة مرعي باشا الملاح في الرابع عشر من صفر من هذه السنة.
سنة 1296:
كان الوالي فيها عبد الله غالب باشا.
ولاية سعيد باشا
وبعد عبد الله غالب باشا ولي سعيد باشا وقرأت نبأ تعيينه في العدد العاشر من جريدة الاعتدال التي أصدرها في حلب المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي المؤرخ في 15 شوال من السنة المذكورة، وقرأت في هذا العدد من التصورات ما نصه: ذكر أن حضرة أبهتلو مدحت باشا يتصور جعل طريق العربات [تراموي] الجاري عملها في طرابلس طريقا حديدية يوصلها إلى وادي الفرات حيث تمتد إلى بغداد مارة على الدير. نقول: نظرا إلى شهرة حضرة المشار إليه في أنه يتبع التصور بالعزم والقصد بالفعل لا يستبعد على سامي همته أن يقوم بمثل ذلك الأمر الخطير الذي لا حاجة لبيان أنه سبب لحياة الولايات الثلاث أعني سوريا وحلب وبغداد اه.
قال في السالنامة: وفي هذه السنة تشكلت المحاكم العدلية في ولاية حلب. وفيها حولت العساكر الضبطية إلى سلك الژاندرمة. وفيها تشكلت في الولاية إدارة البوليس [الشرطة] وفيها أسكن في حارم ومنبج مهاجرو الجراكسة.
ذكر الغلاء في هذه السنة
في هذه السنة حصل في تشرين برد شديد تصاعدت بسببه أسعار المأكولات فبيع الشنبل من الحنطة الذي يبلغ وقتئذ 75أقة بمائتين وخمسة وسبعين قرشا، ثم وصل إلى
ثلاثمائة، وكانت الليرة العثمانية في ذلك الحين بمائة وإحدى وعشرين قرشا، وبيع الرطل من الخبز باثني عشر قرشا، ثم تصاعد إلى 14قرشا والرطل ألف درهم، وبيع الرطل من السمن بخمسة وأربعين قرشا، وبقي هذا الغلاء إلى نهاية آذار، ثم فرج الله الكرب ورخصت الأسعار، وتعرف هذه السنة إلى يومنا هذا بسنة الغلاء.(3/371)
في هذه السنة حصل في تشرين برد شديد تصاعدت بسببه أسعار المأكولات فبيع الشنبل من الحنطة الذي يبلغ وقتئذ 75أقة بمائتين وخمسة وسبعين قرشا، ثم وصل إلى
ثلاثمائة، وكانت الليرة العثمانية في ذلك الحين بمائة وإحدى وعشرين قرشا، وبيع الرطل من الخبز باثني عشر قرشا، ثم تصاعد إلى 14قرشا والرطل ألف درهم، وبيع الرطل من السمن بخمسة وأربعين قرشا، وبقي هذا الغلاء إلى نهاية آذار، ثم فرج الله الكرب ورخصت الأسعار، وتعرف هذه السنة إلى يومنا هذا بسنة الغلاء.
سنة 1297 ذكر ولاية جميل نامق باشا
في هذه السنة عيّن واليا على حلب المرحوم جميل حسين باشا ابن نامق باشا.
قال في قاموس الأعلام: هو جميل باشا ابن نامق باشا المشير وهو أكبر أولاده، بعد أن أكمل التحصيل في مكتب فنون الحربية صار ضابطا، وبالنظر لذكائه واستعداده قطع عدة مراتب في مدة قليلة، ثم صار ياورا عند السلطان عبد العزيز، ثم صار رئيس المابين، ثم قائد فرقة، وفي أثناء ذلك كان في حلب في هذا المنصب. وفي سنة 1297عيّن واليا عليها، وفي سنة 1299أنعم عليه برتبة مشير وبقي واليا في حلب مدة سبع سنين إلى سنة 1304، وفي هذه السنة عزل عن حلب وعيّن واليا على الحجاز وبقي ثمة قليلا وأحضر إلى دار السعادة وعيّن عضوا في مجلس التفتيش العسكري العمومي، وفي سنة 1307توفي فجأة وهو في قصره في محلة جامليجه في دار السعادة. هذا ما ذكره في ترجمته في قاموس الأعلام.
أقول: وهو أول وال أدركته من ولاة الشهباء، وكان يكثر القعود بعد صلاة الجمعة في سوق الجوخ في دكان أحمد أفندي بطيخة بائع الأقمشة وهي الدكان الكبيرة التي هي عن يسار الداخل إلى خان العلبية وقد اتخذت الآن دكانتين، وكنت أراه وأنا صغير أدخل إلى الخان المذكور متوجها إلى مخزننا الكائن في صدر هذا الخان. وكان رحمه الله عظيم الهيبة كثير الوقار سديد الرأي حسن الإدارة لشؤون الرعية ساهرا على ما فيه راحتها، وسارت القوافل في مدة ولايته آمنة مطمئنة وأمنت السبل في جميع معاملات حلب، بل امتد الأمن إلى أطراف العراق، وكانت القوافل إذا حملت القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والبضائع لا تخشى معارضا ولا تجد في طريقها لقطاع الطريق أثرا لما يعلمونه من شدة سطوته وعظيم بطشه.(3/372)
ومن جملة مزاياه أنه واضع الحجر الأول في أساس المعارف في هذه الديار ولم يكن لها قبله أثر في هذه البلاد إلا ما كان في المدارس العلمية كالعثمانية والشعبانية. وقد بذل المرحوم جميل باشا قصارى جهده في تأسيس المكاتب الابتدائية والرشدية، وسنذكر في حوادث سنة 1302مجموع ما أسسه في الشهباء وحدها من المكاتب من حين ولايته إلى هذه السنة.
وقبل تأسيس هذه المكاتب كان العارفون بالقراءة والكتابة قليلين جدا إذ لم يكن في حلب سوى كتاتيب قليلة في الزوايا والمساجد المهجورة، وكان أحسنها الكتّاب الذي كان فيه الخطاط المشهور الشيخ محمد العريف المعروف بالأشرفية نسبة إلى المدرسة الشرفية الكائنة وراء الجامع الكبير لأن سكناه كانت فيها، وقد أدركته وهو قاطن بها، ثم انتقل منها إلى مدرسة القرموطية في محلة بحسيتا بالقرب من الجامع العمري وبقي فيه يعلم الأطفال الكتابة والقراءة والخط وشيئا من مبادي الحساب والفقه إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى، واستلمه من بعده الشيخ أحمد المصري وهو لا زال فيه إلى يومنا هذا، وقد أدخل إليه الشيخ أحمد شيئا من الانتظام وهو يجتهد في ترقيته وفقه الله تعالى.
ومن جملة الأعمال الجليلة التي قام بها جميل باشا ترميمه لكثير من المساجد والجوامع بعد أن كادت تشرف على الخراب وصارت تقام فيها الصلوات بعد أن كانت مهملة منها.
واهتم أيضا بتوسيع الجادات وافتتاح الشوارع وأهمها الشارع الذي يبتدىء من باب الفرج ويمر بالتكية المولوية إلى الميدان أمام نهر قويق إلى أن يصل إلى جامع المرحوم ذكي باشا المدرس.
ومن جملة مزاياه أنه كان كثير العطف على الأوساط والضعفاء يعاملهم بالشفقة والحنان والرأفة فتراهم راضين عنه وهو راض عنهم، ويعامل الأغنياء والوجهاء بالشدة ويضايقهم كثيرا في دفع ما عليهم من المرتبات الأميرية بخلاف الولاة الذين كانوا قبله، ومع هذا فإنه لم يخل من الطمع النفسي والنفع الذاتي. وبالجملة فقد كانت مدة ولايته أعيادا ومواسم وحمدت سيرته وآثاره وخلدت له في الشهباء ذكرا جميلا.
سنة 1299
في شعبان من هذه السنة فصل لواء دير الزور عن ولاية حلب وجعل متصرفية على حدة، ذكرت ذلك الفرات في عدد 695، وذكرت في عدد 697أن جميل باشا سعى بترميم المدرسة العصرونية لتتخذ مكتبا ابتدائيا.(3/373)
سنة 1300 بناء المكتب الرشدي تحت القلعة
قال المشاطي في مجموعته: في هذه السنة اشترت الحكومة دورا تحت القلعة من الحاج عبد القادر العكام والحاج محمد الحمامي وغيرهما وإلى جانبها مزار أم الصالح أيوب (هكذا) جانب سوق الضرب وعمر الجميع جميل باشا مكتبا كبيرا، وكان المعتمد على العمارة أحمد بيك العادلي واحتفل يوم وضع الحجر الأول وكان ذلك في شعبان.
أقول: في المكان الذي أشار إليه المشاطي بأنه مزار أم الصالح أيوب كان تربة الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين الشهيد، وكان في خانقاه بنتها أم الملك الصالح وكان بجانبها خانقاه أخرى ومدرسة، وإليك بيان ذلك:
قال أبو ذر في تاريخه: (خانقاه) أنشأتها السيدة أم الصالح إسمعيل ابن العادل نور الدين الشهيد تحت القلعة إلى جانب السيفية المتقدم ذكرها في المدارس في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وبنت إلى جانبها تربة دفنت بها ولدها الصالح ووقفت على قراء هذه التربة أوقافا من جملتها بستان بظاهر حلب يعرف بالبقعة (1) وشرطت في القارىء أن يكون أعمى، وغرضها في ذلك أن تحضر القراءة بنفسها وأن لا تحتجب منهم، وأما الخانقاه فمن جملة أوقافها حصة بقرية كفر كرمين من عزاز.
وقال أبو ذر في الكلام على (المدرسة السيفية): هذه المدرسة غربي خندق القلعة أنشأها الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر، انتهت سنة سبع عشرة وستمائة، وعلى حائطها الشرقي مكتوب شرط الواقف أن يدعى للخليفة الناصر لدين الله وللسلطان الذي في أيامه قبل الدعاء لواقفها، وأن يدرس فيها مذهبا الإمامين الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما، وعلى حائطها أنها وقف على الشافعية. ثم قال بعد أن ذكر من تولى التدريس فيها: وقد عمرها شيخنا (ابن خطيب الناصرية) لما ألزمه قصروه بعمارة المدارس وفتح لها شبابيك في شرقيها، ومن جملة أوقافها حصة بقرية أسلايين من عمل سرمين وحصة بقرية المالكية من عمل أعزاز وحصة بقرية قيبار.
__________
(1) هذا البستان لا زال موجودا ويعرف بكرم البقعة وقد صار ملكا من مدة لا أعلمها وتداولته الأيدي وهو الآن في ملك أولاد أبي شالة.(3/374)
وقال في الكلام على الخوانق: خانقاه: أنشأها سعد الدين كمشتكين الخادم مولى بيت الأتابك عماد الدين قرب دور بني العديم وتوفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
قلت: بيت بني العديم اندثر في محنة تيمور وصار كوما عظيما عقب فتنة تيمور وكان ملاصقا للمدرسة الصلاحية (هي المدرسة المعروفة الآن بالبهائية) من جهة الشرق، وكان عمارة عظيمة على بابه قناطر بلق، وفي أيامنا شراه شخص يقال له جمعة الفاعل وحرر منه ترابا كثيرا وخرج فيه بئر ماء، وإلى جانبه بيت الشريف نقيب الأشراف، وإلى جانب هذه الدار بوابة من الرخام الأصفر ثلاث قطع (1) وهي باقية واندثر داخلها وعمره الناس أملاكا، ولعل هذه الخانقاه المذكورة هذا المكان، والآن يعرف هذا المكان بالقلقاسية نسبة إلى شيخ كان ساكنا بها يكره أهل القلقاس، وهناك خانقاه أخرى بالقرب من آدر الشريف الهاشمي بدرب لا منفذ له وتسمى بخانقاه طاوس، فيحتمل أن تكون هذه ويحتمل أن تكون المتقدم ذكرها اه.
وفي ليلة دخول العساكر الشريفية إلى حلب سنة 1337أحرق بعض الغوغاء الطابق العلوي الشمالي من هذا المكتب ونهب منه كثير من الآلات الدراسية وبئس ما فعلوا، ومنذ سنتين رممته دائرة المعارف واتخذت هذا المكتب مكتبا ودارا للصناعة، وكان بينه وبين باب سوق الضرب مكان خرب واسع بنته دائرة النافعة هذه السنة وألحق بالمدرسة المذكورة، ولعل هذا المكان هو المدرسة السيفية التي قدمنا ذكرها.
اتخاذ المدرسة الجرديكية مكتبا ثم حانوتا والكلام عليها:
وفي أواخر هذه السنة اتخذت مدرسة الجرديكية الكائنة في سوق السويقة مكتبا ابتدائيا بعد أن كانت قهوة، وقد كان يعلم الأطفال فيها الشيخ فريد الأيوبي الخطاط ولا زال في الأحياء، وبعد توجه جميل باشا بمدة وجيزة اتخذ هذا المكتب دكان طباخ وبقي على ذلك أزيد من 15سنة، ومنذ عشرين سنة عمرته دائرة المعارف واتخذته مخزنا واسعا للتجارة يباع فيه الأقمشة وهو على هذا إلى يومنا هذا.
__________
(1) هذه القطع الثلاث لم تزل موجودة إلى الآن وهي في غربي المكتب وطرفها الغربي داخل في بنيان الخان المعروف بخان خاير بك وعلى هذا تكون دور بني العديم ودار بيت الشريف نقيب الأشراف قد دخلت في بنيان الخان.(3/375)
الكلام على هذه المدرسة:
قال أبو ذر في كنوز الذهب: هذه المدرسة بسوق البلاط لها باب من السوق المذكور ينزل إليها منه بدرج وباب آخر من درب شرقيها وهي ملاصقة للصاحبية، أنشأها الأمير عز الدين جرديك النوري في سنة تسعين وخمسمائة وانتهت في سنة إحدى، وأول من ولي تدريسها الشيخ مقرب الدين أبو حفص عمر بن علي بن محمد بن فارس بن عثمان بن قشام التميمي الحنفي ولم يزل بها إلى أن عزل نفسه سنة 644، ثم قتل في بيته عند استيلاء التتر على حلب، ثم وليها بعده صفي الدين عمر بن زقزق الحموي ثم توجه إلى حماة سنة 652، وتولى بعده محيي الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن النحاس ولم يزل إلى أن انقضت الدولة الناصرية، ومن جملة وقفها حصة بكفر نوران، والفقهاء الحنفية يتناولون من وقفها، وجرديك هو الذي تولى قتل شاور بمصر وقتل ابن الخشاب بحلب، وكان بطلا شجاعا ولي إمرة القدس لصلاح الدين وتوفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
وقال ابن الشحنة في الدر المنتخب: وقد وصل تدريسها ليدي إلى أن نزلت عنها لولديَّ أيضا. وذكرها رضي الدين الحنبلي في تاريخه در الحبب وقال: إن تدريسها وصل إليه.
سنة 1301 تعمير المستشفى تحت القلعة
في ربيع الثاني منها بوشر بجمع الإعانات لأجل تعمير مستشفى للغرباء تحت القلعة.
وفيها أسس مكتب ابتدائي في جامع الزينبية في الفرافرة ومكتب في جامع البهرمية ومكتب في المدرسة العثمانية ومكتب في جوار الشعبانية ومكتب في جوار القشلة، وكلها ابتدائية يعلم فيها القرآن العظيم والخط ومبادي الحساب وشيء من الفقه لا غير. وفيها عمر حائط القبلية في المدرسة السلطانية الكائنة تجاه باب القلعة.
ذكر عدد نفوس الأهالي في هذه السنة:
في هذه السنة حررت نفوس أهالي حلب فبلغت كما ذكرته جريدة الفرات في عددها 772المؤرخ في 8رجب من هذه السنة:(3/376)
70839 - المسلمون: ذكور: 34605إناث: 36234
20525 - المسيحيون: ذكور: 10657إناث: 09868
07825 - الموسويون: ذكور: 03953إناث: 03872
99189
4997449215 - عدد النفوس الذكور في القيود القديمة:
المسلمون: 21383
المسيحيون: 08142
الموسويون: 2531
32061 - الزيادةالآن: 17154
49215 - في هذه السنة رمم جسر مراد باشا الواقع في طريق إسكندرونة (فرات عدد 874)
غرائب المخلوقات:
وقالت في عدد 782المؤرخ في 29رمضان من هذه السنة: في هذه الأيام ولدت إحدى نساء القرباط المقيمين في ظاهر محلة باب النيرب طفلا له رأسان كل واحد منهما بوجه، محتو على جميع الجوارح سوى أن الوجه الواحد مدور والآخر طويل مخروط، ولون العينين إحداهما الشهلة والأخرى السواد، وهو كامل أعضاء البدن، وقد نزل من بطن أمه ميتا لا حراك فيه أصلا اه.
وفي هذه السنة وجه جميل باشا عنايته لتعمير الثكنة العسكرية في الشيخ يبرق وعمر فيها قسما كبيرا واقتلع كثيرا من الأحجار الكبيرة المبلط بها جبل القلعة ونقلها إلى الثكنة المذكورة.
ذكر بناء جميل باشا داره ظاهر باب الفرج
في هذه السنة أو التي بعدها عمر جميل باشا داره العظيمة ذات الطبقات فوق التربة الدقماقية بأمتار يفصل بينهما الجادة التي تذهب شمالا، وهي أول دار بنيت بظاهر باب
الفرج، ثم سميت هذه المحلة بالجميلية نسبة إليه، ولم يكن في ذلك المكان ولا خارج بوابة القصب شيء من العمران سوى التكية المولوية، وكان أمام التكية المذكورة البستان المعروف ببستان الكلاب ويقال [كل آب] وكان هذا المكان مخوفا يخشى على من مرّ منه وحده أن تؤخذ ثيابه عنه، فصار هذا المكان بعد فتح هذا الشارع آمنا مسلوكا، وأخذ الناس في البناء في هذا البستان وفوق النهر وتتابع العمران بعد ذلك غربا وشمالا إلى أن اتصل بمحطة الشام غربا وكاد أن يتصل بمحطة بغداد شمالا كما هو مشاهد، وتقدر الدور التي بنيت في هذه الأربعين سنة تقريبا من ظاهر باب الفرج غربا إلى الثكنة العسكرية المسماة بقشلة الشيخ يبرق شمالا بأربعة آلاف دار وزيادة، وفي السنين الأخيرة قبل إعلان الحرب العامة كانت تقدر البنايات بثلاثمائة دار في السنة فكان ينتهي في كل يوم دار تقريبا، وفي مدة الحرب ترك الناس البناء لغلاء الآلات والحجارة وأجرة العملة إلا من كان مضطرا لإتمام ما كان شارعا فيه. وبعد سنة 1338باشر بعض الناس في البناء بالرغم عن غلاء ما ذكرنا، ونشطهم لذلك غلاء أجرة الدور والدكاكين خصوصا في هذه الأماكن، ولم يزل العمران آخذا في الازدياد في هذه الأماكن وربما لا تمضي سنون قلائل إلا ويتصل العمران بمحطة بغداد الواقعة في ذيل الجبل المعروف بجبل الخناقية، وقد بنى الأهالي هناك دورا عظيمة متعددة، وبنى الأرمن المهاجرون منذ سنتين أو ثلاث شمالي المحطة في ذيل هذا الجبل دورا كثيرة صغيرة من الأخشاب والأحجار.(3/377)
في هذه السنة أو التي بعدها عمر جميل باشا داره العظيمة ذات الطبقات فوق التربة الدقماقية بأمتار يفصل بينهما الجادة التي تذهب شمالا، وهي أول دار بنيت بظاهر باب
الفرج، ثم سميت هذه المحلة بالجميلية نسبة إليه، ولم يكن في ذلك المكان ولا خارج بوابة القصب شيء من العمران سوى التكية المولوية، وكان أمام التكية المذكورة البستان المعروف ببستان الكلاب ويقال [كل آب] وكان هذا المكان مخوفا يخشى على من مرّ منه وحده أن تؤخذ ثيابه عنه، فصار هذا المكان بعد فتح هذا الشارع آمنا مسلوكا، وأخذ الناس في البناء في هذا البستان وفوق النهر وتتابع العمران بعد ذلك غربا وشمالا إلى أن اتصل بمحطة الشام غربا وكاد أن يتصل بمحطة بغداد شمالا كما هو مشاهد، وتقدر الدور التي بنيت في هذه الأربعين سنة تقريبا من ظاهر باب الفرج غربا إلى الثكنة العسكرية المسماة بقشلة الشيخ يبرق شمالا بأربعة آلاف دار وزيادة، وفي السنين الأخيرة قبل إعلان الحرب العامة كانت تقدر البنايات بثلاثمائة دار في السنة فكان ينتهي في كل يوم دار تقريبا، وفي مدة الحرب ترك الناس البناء لغلاء الآلات والحجارة وأجرة العملة إلا من كان مضطرا لإتمام ما كان شارعا فيه. وبعد سنة 1338باشر بعض الناس في البناء بالرغم عن غلاء ما ذكرنا، ونشطهم لذلك غلاء أجرة الدور والدكاكين خصوصا في هذه الأماكن، ولم يزل العمران آخذا في الازدياد في هذه الأماكن وربما لا تمضي سنون قلائل إلا ويتصل العمران بمحطة بغداد الواقعة في ذيل الجبل المعروف بجبل الخناقية، وقد بنى الأهالي هناك دورا عظيمة متعددة، وبنى الأرمن المهاجرون منذ سنتين أو ثلاث شمالي المحطة في ذيل هذا الجبل دورا كثيرة صغيرة من الأخشاب والأحجار.
المكاتب التي افتتحت في زمن جميل باشا:
ذكرت ذلك جريدة الفرات في عدد 805المؤرخ في 17صفر من هذه السنة:
اسم المكتب / المحلة / عدد التلامذة /
العصرونية / الفرافرة / 75/ الجرديكية: / السويقة: / 61/ عثمانية: / الفرافرة: / 70/ موتياب أحمد باشا: / وراء الجامع: / 81/ جامع الحاج موسى: / السويقة: / 51/ حموي: البياضة: 64
رقبان: / سوق بانقوسا: 42/
(عدد المكاتب 13مكتبا)
اسم المكتب / المحلة / عدد التلامذة / شعبانية: / الفرافرة: / 40
زينبية: / الفرافرة: 39/
قرماني: / بحسيتا: / 48
بهرامية: / جامع البهرامية: 72
قسطل أقرب: / سوق الدجاج: / 58
أكحل: / ساحة التنانير: 35
تعمير الرواق الغربي في الجامع الكبير:(3/378)
تعمير الرواق الغربي في الجامع الكبير:
كان الرواق الغربي في الجامع الكبير متوهنا فاهتم جميل باشا بأمره واستحصل على إذن من الآستانة بنقضه وتجديده، ففي سنة 1302بوشر بالعمارة وحضر جميل باشا ومعه مفتي حلب يومئذ الشيخ بكري الزبري وغيرهما من الأعيان والمأمورين ووضع بيده أول حجر في أول سارية عند باب القبلية، ووضع هناك حقا داخله ورقة ودراهم من ضرب السلطان عبد الحميد، وفي أثناء العمل ظهر بئر ماء بالقرب من باب الجامع وظهر في الأساس عواميد كبيرة مكسرة، وكتب على القنطرة الوسطى من الرواق (جدد هذا الإيوان بأمر وإرادة أمير المؤمنين حضرة مولانا السلطان الأعظم الغازي عبد الحميد خان الثاني عز نصره بسعي والي الولاية المشير الأفخم السيد حسين جميل باشا أدام الله إجلاله سنة 1302) وعزل جميل باشا في أوائل سنة 1304ولم ينته العمل، وكمل في زمن ولاية عثمان باشا ولذلك نقش اسم عثمان باشا على الباب الذي هو أمام المدرسة الحلوية والفضل في ذلك يرجع إلى جميل باشا.
تجديد عمارة الحوض فيه:
وفي هذه السنة جددت عمارة الحوض الكبير في صحن الجامع وكتب على رفرافه من نظم الشيخ كامل الغزي هذه الأبيات:
قد شاد هذا الحوض بعد توهن ... ملك بما يرضي الإله خبير
عبد الحميد مليكنا الغازي أمي ... ر المؤمنين له الثنا الموفور
من آل عثمان الأولى شاد العلى ... للمسلمين لواهم المنصور
وبسعي والينا جميل من غدا ... يجني المحامد سعيه المشكور
هو قطب دائرة الوزارة وهو في ... رتب المكارم والفخار مشير
لما تكامل حسنه أرخته ... حوض به للعالمين طهور
قال المشاطي: ويوم المباشرة وضع المأمور عزت آغا حقا صغيرا فيه سكة مولانا السلطان في حجر البناء فوق العمود الذي بين الحوضين والذي يقابلك إذا كان وجهك للشرق.
أقول: وفي أثناء إصلاح هذا الحوض محيت الكتابة التي على طرف جرن الرخام الكبير الذي في وسط الحوض وهو من آثار قرعويه غلام سيف الدولة وقد كتب عليه اسمه
كما قدمنا، وهذا مما يؤاخذ به جميل باشا حيث لم ينبه المعمار إلى ملاحظد ذلك. وكذلك محيت هذه الأبيات التي كتبت على رفرافه حينما دهن وذلك في هذه السنة أعني سنة 1343.(3/379)
أقول: وفي أثناء إصلاح هذا الحوض محيت الكتابة التي على طرف جرن الرخام الكبير الذي في وسط الحوض وهو من آثار قرعويه غلام سيف الدولة وقد كتب عليه اسمه
كما قدمنا، وهذا مما يؤاخذ به جميل باشا حيث لم ينبه المعمار إلى ملاحظد ذلك. وكذلك محيت هذه الأبيات التي كتبت على رفرافه حينما دهن وذلك في هذه السنة أعني سنة 1343.
نقل حوض الماء الذي في الحجازية في الجامع الكبير:
كان في وسط الحجازية حوض صغير وعليه درابزين وكيلات للشرب منه، ففي سنة 1276وسع وجعل عشرا في عشر، ثم في هذه السنة نقل هذا الحوض من الوسط وعمر في شمالي الحجازية وجعل أكبر مما كان ودففت أرض الحجازية وجدرانها وبذلك صارت صفوف المصلين فيها تتصل ببعضها، وجعل بجانبه قسطل كبير يخزن فيه الماء ويستعمل عندما تنقطع المياه من القناة، ووراء هذا القسطل حجرة ملئت عظاما نبشت من قبور كانت في أرض الحجازية ووضعت هناك وسد باب هذه الحجرة وصار القسطل أمامها.
وبقي الحوض على هذه الصورة إلى سنة 1338، ففيها رفع هذا الحوض بتاتا وفرش مكانه بالرخام واتخذ في صدر القبلية قسطل له حنفيات وذلك حفظا للماء من النتن، وقد كان الماء في هذا الحوض لا يمضي عليه يومان إلا ويظهر نتنه لكثرة المتوضئين وبهذا العمل زال ذلك.
وفي هذه السنة أعني سنة 1302أو التي بعدها أرسل إلى الجامع من الآستانة ثريا كبيرة بديعة الشكل وعلقت بالقبة الوسطى من الجامع أمام المحراب الأعظم.
سنة 1303 حوادث شتى
في رجب من هذه السنة بوشر بعمارة جامع العمري خارج باب الجنان.
وفي شعبان كملت عمارة جامع في دار الحكومة داخل دائرة العدلية أمام الحوض، وفيه بوشر بعمارة جامع الزكي.
وفي شوال كملت عمارة دائرة البوسطة والتلغراف [البريد والبرق] بدار الحكومة عن يمين الداخل إليها.
وفي 22ذي الحجة وصل إلى حلب صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات في شورى الدولة للتحقيق عن الخلاف الواقع بين والي حلب جميل باشا وبين بعض الوجهاء.(3/380)
سنة 1304 إطلاق زيرون جقماقيان المرعشي الرصاص على جميل باشا
قالت الفرات في عدد 888المؤرخ في 20صفر من هذه السنة و 15تشرين الثاني ما نصه: صباح الثلاثاء المصادف 17من صفر و 11من تشرين الثاني بنيما كان والي الولاية العالي حضرة دولتلو جميل باشا الأفخم متوجها من دار الحكومة إلى منزله ماشيا وكانت الساعة إحدى عشر ونصف مساء إذ عرض له حين وصوله لساحة باب الفرج زيرون جقماقيان المرعشي على ملأ من الناس وقال: جميل باشا لا تتحرك، كيف تتخلص الآن من يدي؟ واتخذ هدفا وأطلق عليه رصاصة من راولور (مسدس) في يده، فبعون الملك المتعال وإثر توجه الجناب الملوكاني لم يصبه الرصاص، فوثب عليه حضرة والي باشا وثبة الأسد بأسرع ما يكون وأخذ بعاتقه، فعندها أطلق الجاني النار ثانية فمر الرصاص بين رجلي الوالي المشار إليه فهجم عند ذلك ياور ملجأ الولاية الملازم إسماعيل أفندي والجاويشية والأتباع وحاولوا أخذ الراولور من يد الجاني فأطلقها ثالثة وهرب، فبلطف الله تعالى ذهب الرصاص في الهواء وقبض على الجاني، ولما قبض عليه هجم عليه كثير من الأهالي الموجودين في تلك الساحة وأرادوا تقطيعه إربا وإذاقته ريب المنون، فمنعهم حضرة الوالي قائلا: (أرجوكم لا تقتلوه) فتراجعوا عنه، وفي الحال سأله الوالي فقال: ما سبب قصدك هذا، هل كان من نفسك أو بسوق أحد؟ فقال الجاني: كان بسوق غيري وسوف أبدي الأمر، فأرسل للحبس وأخذ غيره من المظنونين تحت التوقيف وابتدأ بإجراء التحقيقات الأولية اه.
أسباب إطلاق زيرون الرصاص على جميل باشا وأسماء الوجهاء الذين ألقي عليهم القبض على إثر هذه الحادثة بحجة أنهم مدبروها وما جرى في ذلك من الأمور
كان جميل باشا منع زيرون المرعشي المحامي من تعاطي المحاماة وضيق عليه أسباب معيشته بكل ما يمكن، فضاق ذرع زيرون لذلك ووقف له في ميدان باب الفرج أمام قسطل السلطان الذي هو مكان الساعة الآن، ولما مرّ جميل باشا قال له: (طورنمة جميل باشا) أي لا تتحرك يا جميل باشا، وأطلق عليه عدة طلقات لكنه لم يصبه، وأكثر
الروايات تفيد أنه لم يطلق عليه شيئا لكنه هدده بالضرب، فتراكض الجنود الذين كانوا بمعيته وكان وقتئذ راكبا بغلة سوداء (يخالف ما تقدم من أنه كان ماشيا وما هنا أصح) وقبضوا على الضارب وأوجعوه ضربا وسيق إلى السجن، وظن جميل باشا أن زيرون لم يفعل فعلته من عند نفسه بل بإيعاز بعض وجوه الشهباء الذين كانوا ناقمين عليه، فاتخذ ذلك وسيلة للقبض عليهم فأرسل الجنود ليلا وقبض على حسام الدين أفندي القدسي ونافع باشا الجابري وعبد الرحمن أفندي الكواكبي وعبد الرحمن آغا كتخدا ومصطفى آغا يازجي ومحمود آغا الشربجي وعابدين بك الدري، وكان هذا قبل مدة عيّن في وظيفة [مدعي عمومي] ثم عزل، وأحمد بك الداغستاني، وكان هذا قائدا للمفرزة البغالة بحلب سابقا وعزله جميل باشا، وأودع الجميع السجن كل واحد في غرفة على حدة ومنع الناس من مقابلتهم. وقبل وقوع هذه الحادثة كانت حكومة الآستانة أرسلت صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات بشورى الدولة في الآستانة [قدمنا تاريخ مجيئه وهذا الرجل استلم منصب المشيخة الإسلامية بعد إعلان الدستور وتوفي وهو شيخ الإسلام سنة 1327] إلى حلب للتحقيق عن الشكايات التي توالت من أهالي حلب على جميل باشا، وحصلت هذه الحادثة وهو هنا وكان ثبت عنده أن جميل باشا عدل في معاملاته عن مهيع العدل والإنصاف وسلك طريق الجور والاعتساف وأنه يلزم تحويله من حلب، وهذه الحادثة أثرت عليه كثيرا وأكدت ذلك اللزوم، إلا أنه خاف على نفسه من جميل باشا فترك الدار التي كان يقطنها في محلة مستدام بك وانتقل إلى التكية المولوية بظاهر باب الفرج وأخذ يقدم اللوائح ويبسط لحكومة الآستانة أعمال جميل باشا.(3/381)
كان جميل باشا منع زيرون المرعشي المحامي من تعاطي المحاماة وضيق عليه أسباب معيشته بكل ما يمكن، فضاق ذرع زيرون لذلك ووقف له في ميدان باب الفرج أمام قسطل السلطان الذي هو مكان الساعة الآن، ولما مرّ جميل باشا قال له: (طورنمة جميل باشا) أي لا تتحرك يا جميل باشا، وأطلق عليه عدة طلقات لكنه لم يصبه، وأكثر
الروايات تفيد أنه لم يطلق عليه شيئا لكنه هدده بالضرب، فتراكض الجنود الذين كانوا بمعيته وكان وقتئذ راكبا بغلة سوداء (يخالف ما تقدم من أنه كان ماشيا وما هنا أصح) وقبضوا على الضارب وأوجعوه ضربا وسيق إلى السجن، وظن جميل باشا أن زيرون لم يفعل فعلته من عند نفسه بل بإيعاز بعض وجوه الشهباء الذين كانوا ناقمين عليه، فاتخذ ذلك وسيلة للقبض عليهم فأرسل الجنود ليلا وقبض على حسام الدين أفندي القدسي ونافع باشا الجابري وعبد الرحمن أفندي الكواكبي وعبد الرحمن آغا كتخدا ومصطفى آغا يازجي ومحمود آغا الشربجي وعابدين بك الدري، وكان هذا قبل مدة عيّن في وظيفة [مدعي عمومي] ثم عزل، وأحمد بك الداغستاني، وكان هذا قائدا للمفرزة البغالة بحلب سابقا وعزله جميل باشا، وأودع الجميع السجن كل واحد في غرفة على حدة ومنع الناس من مقابلتهم. وقبل وقوع هذه الحادثة كانت حكومة الآستانة أرسلت صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات بشورى الدولة في الآستانة [قدمنا تاريخ مجيئه وهذا الرجل استلم منصب المشيخة الإسلامية بعد إعلان الدستور وتوفي وهو شيخ الإسلام سنة 1327] إلى حلب للتحقيق عن الشكايات التي توالت من أهالي حلب على جميل باشا، وحصلت هذه الحادثة وهو هنا وكان ثبت عنده أن جميل باشا عدل في معاملاته عن مهيع العدل والإنصاف وسلك طريق الجور والاعتساف وأنه يلزم تحويله من حلب، وهذه الحادثة أثرت عليه كثيرا وأكدت ذلك اللزوم، إلا أنه خاف على نفسه من جميل باشا فترك الدار التي كان يقطنها في محلة مستدام بك وانتقل إلى التكية المولوية بظاهر باب الفرج وأخذ يقدم اللوائح ويبسط لحكومة الآستانة أعمال جميل باشا.
وعلى أثر هذه الحادثة استلم جميل باشا زمام قيادة العسكرية النظامية بحلب من يد وكيله أمير اللواء محمد علي باشا وصار يدير شؤون الأمور العسكرية أيضا لأنه كان حائزا رتبة مشير وله السلطة العليا على العسكرية أيضا. وكان كل يوم يرسل مقدار مائة جندي من الجنود النظامية فيحيطون بدائرة السجن زاعما أنه بذلك يحفظ المحبوسين من الهرب، وفي باطن الأمر كان يفعل ذلك خشية من تجمهر الأهالي وتخليص المسجونين.
فعند ذلك اتحد أمير اللواء محمد علي باشا مع صاحب بك وصارا يرسلان اللوائح إلى حكومة الآستانة، وكان محمد علي بك مسموع الكلمة هناك ولدوائر الآستانة فيه ظن حسن، وأرسل برقية إلى السر عسكرية بالآستانة وإلى مشير الجيش الخامس في الشام
يخبرهما أن الوالي جميل باشا استلم زمام الأمور العسكرية وأنه لم يبق بيده شيء من الأمر وأنه لا يتحمل تبعة ذلك إذا حصل ما ليس بالحسبان.(3/382)
فعند ذلك اتحد أمير اللواء محمد علي باشا مع صاحب بك وصارا يرسلان اللوائح إلى حكومة الآستانة، وكان محمد علي بك مسموع الكلمة هناك ولدوائر الآستانة فيه ظن حسن، وأرسل برقية إلى السر عسكرية بالآستانة وإلى مشير الجيش الخامس في الشام
يخبرهما أن الوالي جميل باشا استلم زمام الأمور العسكرية وأنه لم يبق بيده شيء من الأمر وأنه لا يتحمل تبعة ذلك إذا حصل ما ليس بالحسبان.
وكان الصدر الأعظم سعيد باشا والسر عسكر علي رضا باشا من الناقمين على جميل باشا فاستحصلا على إدارة سنية من السلطان عبد الحميد بتحويله بالرغم عن معارضة نامق باشا والد جميل باشا وغيره ممن كانوا مظاهرين لجميل باشا، فحول إلى الحجاز، وصدرت الإدارة السنية إلى المشير عثمان باشا بتعيينه واليا على حلب، وقد كان عثمان باشا واليا في الحجاز وكان هذا أيضا قد اتسعت دائرة الخلف بينه وبين شريف مكة عون الرفيق باشا.
وخشي الباب العالي وقتئذ أن يبلغ جميل باشا نبأ تحويله إلى الحجاز وبيده زمام السلطة العسكرية فأصدر أمره إلى الفريق شاكر باشا الذي كان مقيما في الشام وكان هذا من الناقمين على جميل باشا أيضا أن يسافر حالا إلى حلب وبوصوله ينزل القشلاق ويستلم القيادة العسكرية. وهكذا فعل، ولما تم له ذلك أعلم الباب العالي على لسان البرق، فعندئذ وردت برقية من الصدارة تفيد تحويله إلى الحجاز وتسليم الولاية إلى شاكر باشا المذكور ريثما يحضر الوالي الجديد.
وأحضر في ذلك اليوم طابور من الجند إلى دائرة الحكومة بحجة حضور سحب القرعة العسكرية. وعقب ذلك حضر شاكر باشا إلى دائرة الحكومة واستلم زمام الولاية وذهب جميل باشا إلى بيته.
وبعد ذلك حضر صاحب بك إلى دار الحكومة وأحضر المحبوسين من الوجهاء إلى حضرته ولاطفهم وأطلق سراحهم.
وبعد أسبوع سافر جميل باشا إلى الحجاز، وكان سفره يوم الخميس لستة وعشرين يوما مضت من ربيع الأول من هذه السنة.
وقبل مجيء جميل باشا كانت الحكومة بحلب ضعيفة جدا وكان البعض من الوجهاء يسرحون ويمرحون ويفعلون ما يشاؤون ويعاملون الناس بأسوأ المعاملة خصوصا الفلاحين، فلم يرق ذلك في عين جميل باشا وأخذ في معاكستهم وصار يحول بينهم وبين رغائبهم، فعظم ذلك عليهم وبدأ الخلاف بينه وبينهم، وكان في ذلك الحين قد بدأ يميل إلى منافعه الشخصية وصار ذا ثروة طائلة واشترى أراضي وعدة قرى واستحكر أراضي في محلة الجميلية
أخذها بأثمان بخسة من يد أربابها، والخلاصة أنه لم يقصر أيضا في جرّ القرص إلى نفسه وطرق باب الطمع والاستبداد والمخالفة للوجدان الطاهر، فاتخذ الوجهاء تلك الأمور أسبابا لتتابع الشكايات عليه إلى أن أدت الحال إلى ما ذكرناه. ولا تنس ما قدمناه من أن أوساط الناس والضعفاء كانوا راضين عنه لعطفه عليهم وأخذه بناصرهم وهم لا يزالون يتناقلون أخباره ومناقبه ويتحدثون بها في مجالسهم بملء الإعجاب. وقد كانت وفاته كما قدمناه سنة 1307رحمه الله تعالى.(3/383)
وقبل مجيء جميل باشا كانت الحكومة بحلب ضعيفة جدا وكان البعض من الوجهاء يسرحون ويمرحون ويفعلون ما يشاؤون ويعاملون الناس بأسوأ المعاملة خصوصا الفلاحين، فلم يرق ذلك في عين جميل باشا وأخذ في معاكستهم وصار يحول بينهم وبين رغائبهم، فعظم ذلك عليهم وبدأ الخلاف بينه وبينهم، وكان في ذلك الحين قد بدأ يميل إلى منافعه الشخصية وصار ذا ثروة طائلة واشترى أراضي وعدة قرى واستحكر أراضي في محلة الجميلية
أخذها بأثمان بخسة من يد أربابها، والخلاصة أنه لم يقصر أيضا في جرّ القرص إلى نفسه وطرق باب الطمع والاستبداد والمخالفة للوجدان الطاهر، فاتخذ الوجهاء تلك الأمور أسبابا لتتابع الشكايات عليه إلى أن أدت الحال إلى ما ذكرناه. ولا تنس ما قدمناه من أن أوساط الناس والضعفاء كانوا راضين عنه لعطفه عليهم وأخذه بناصرهم وهم لا يزالون يتناقلون أخباره ومناقبه ويتحدثون بها في مجالسهم بملء الإعجاب. وقد كانت وفاته كما قدمناه سنة 1307رحمه الله تعالى.
ذكر ولاية عثمان نوري باشا
في التاسع عشر من شهر ربيع الثاني من هذه السنة حضر عثمان نوري باشا معينا واليا على حلب.
وفيها تقرر إنشاء محلة خارج باب الفرج ودعيت السليمية باسم الأمير سليم نجل السلطان عبد الحميد خان الثاني.
أقول: كان القصد من ذلك أن ينسى اسم الوالي جميل باشا وعبثا كان ذلك، فقد غلب اسم الجميلية على تلك المحلة مع أنه في الآونة الأخيرة حرر على جدرانها اسم السليمية وهكذا قيدت في دفاتر الحكومة.
قالت الفرات: كان تقرر في زمن ولاية جميل باشا إنشاء مكتب إعدادي واختير المكان في محلة السليمية، وفي ذي القعدة من هذه السنة بوشر بعمارته في أثناء ولاية عثمان نوري باشا.
أقول: بعد أن بوشر به في هذه السنة أهمل ثم شرع في بنائه 1307وتم في سنة 1310كما سنذكره.
قالت الفرات: بقي عثمان نوري باشا هنا مقدار تسعة أشهر لكنه لم يأت أثناء ولايته بعمل يذكر وذلك لأن المرض كان ملازما له في أكثر المدة.
سنة 1305 ذكر استعفاء عثمان نوري باشا وتعيين حسن باشا
قالت الفرات: وفي أوائل المحرم من هذه السنة طلب عثمان نوري باشا استعفاءه من
دار السعادة فأجيب إلى ذلك وعيّن بدله حسن باشا أحد أعضاء مجلس النافعة، وكان وصوله إلى حلب يوم الاثنين سابع صفر.(3/384)
قالت الفرات: وفي أوائل المحرم من هذه السنة طلب عثمان نوري باشا استعفاءه من
دار السعادة فأجيب إلى ذلك وعيّن بدله حسن باشا أحد أعضاء مجلس النافعة، وكان وصوله إلى حلب يوم الاثنين سابع صفر.
وفي شوال من هذه السنة بوشر بترميم المشهد.
سنة 1307
في رجب من هذه السنة عزل حسن باشا، وفي 17منه توجه من حلب وعيّن بدله عارف باشا والي طرابزون سابقا، وكان وصوله إلى حلب يوم الخميس في 12رمضان الموافق 19نيسان سنة 1306رومية. وفي شوال بوشر بإكمال بناء المكتب الإعدادي في حلب (في السليمية) وكان قد شرع في بنائه من ثلاث سنوات.
سنة 1308
في صفر وربيع الأول من هذه السنة حصل هنا داء الهيضة المعروف بالكوليرا.
اكتشاف آثار قديمة في المعرة:
قالت الفرات في عددها 1105المؤرخ في 1رمضان من هذه السنة ما نصه:
ورد إلينا من مكاتبنا في المعرة أنه ظهر بناء قديم في أرض تبعد خمس دقائق عن المعرة، ولما كان درك هذا البناء لم يظهر حتى الآن فإن مقداره لم يكن معلوما، إلا أن بابه الداخلي عبارة عن قطعة حجر سوداء وفي سقف الباب صورة رخم، وهكذا يوجد في بقية الأحجار أنواع من الرسوم لم تعرف حتى الآن، وقد انكسر بعضها، وعندما تدخل إليه ترى في كل جهة من يمينك ويسارك وأمامك صندوقين هما قبران، فالجملة ستة صناديق من الحجر المصنع فيها عظام إنسان بالية، ويوجد بين الصندوقين اللذين هما تجاه الداخل عمود حجري قطعة واحدة قد طوق من طرفيه بطوق معدني وفي قرب هذا العامود كوزان من الحجر متصلان ببعضهما اه.
وفي ذي الحجة عاد إليها داء الهيضة وضرب الحجر الصحي حول البلدة مدة عشرة أيام، ودام هذا الداء من أوائل ذي الحجة إلى أواخر صفر من السنة التي بعدها.(3/385)
سنة 1309
في الفرات في عدد 1130المؤرخ في 12ربيع أول ما نصه: من أخبار المعرة أنه رمم فيها المسجد الكائن في قرية الدير الشرقي في قضاء المعرة المدفون فيه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وجمعت المصاريف من ذوي الغيرة والحمية اه.
وفيها في عدد 1162المؤرخ في 7ذي القعدة ما نصه: أن قناة حلب طولها ثلاثة عشر ألف ذراع، وقد طبق منها للآن مسافة إحدى عشر ألف ذراع والباقي وهو ألفا ذراع التي هي في خلال البساتين جار تطبيقها في الحالة الحاضرة اه.
سنة 1310 ذكر إتمام المكتب السلطاني في محلة السليمية
في أواخر صفر من هذه السنة كملت عمارة المكتب الإعدادي الملكي خارج باب الفرج في المحلة المعروفة بالسليمية (ثم دعي المكتب السلطاني) واحتفل بافتتاحه يوم الجمعة ثاني ربيع الأول وألقيث في ذلك الاحتفال خطب وكلها ترمي إلى شكر السلطان عبد الحميد خان الثاني والثناء عليه وعلى اهتمامه بنشر المعارف في البلاد العثمانية.
والذي علمناه أنه صرف على هذا المكتب نحو ثلاثين ألف ليرة عثمانية وأنه اختلس قسم كبير من هذه النفقات.
عزل عارف باشا وتعيين عثمان باشا للمرة الثانية
في 15جمادى الثانية من هذه السنة وصل إلى حلب عثمان نوري باشا وهي ولايته على حلب للمرة الثانية، وتوجه منها واليها السابق عارف باشا في التاسع عشر من هذا الشهر.
سنة 1311
قالت الفرات في عدد 1232المؤرخ في 9ربيع الثاني من هذه السنة: من آثار عثمان نوري باشا اهتمامه بردم الخندق المعروف بالعطوي واتخاذه جادة، وتعريضه جسر الناعورة مقدار ذراعين من كل طرف.(3/386)
ذكر ترميم جامع البختي
في رمضان من هذه السنة بوشر بترميم جامع البختي الكائن قرب محلة آقيول ومصاريف ترميمه دفعت من الخزينة السلطانية الخاصة.
الكلام على هذا الجامع:
قال أبو ذر في كنوز الذهب: هذا الجامع شمالي بانقوسا غير متصل بعمائرها بل في طرف المقابر، وشماليه جبل به قبة صغيرة مدفون بها شخص من التجار يقال له بيق، أنشأه الحاج عيسى بن موسى الكردي في أيام السلطان الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي في سنة خمس وأربعين وستمائة، وعمارته محكمة من الآلات الثقيلة، ومن غربيه دكة مرخمة خارجة وهو مكان نير اه.
وفي الدر المنتخب لابن الشحنة قال: عدد ابن شداد بالرمادة أربعة وثلاثين مسجدا.
وقال: قال في مختصر البلدان: الرمادة محلة كبيرة كالمدينة في ظاهر حلب متصلة بالمدينة وهي المكان الذي يعرف بجامع البختي. (أقول): وهذا يفيد أن هذا المكان كان في زمن ابن شداد في القرن السابع عامرا وفيه هذا العدد من المساجد، وقد خرب في حوادث تيمورلنك حتى لم يبق فيه سوى جامع البختي، ولذا هجر الجامع وتداعى للخراب إلى أن قدر له الترميم في هذه السنة بأمر من السلطان عبد الحميد خان الثاني رحمه الله.
وقد كتب على بابه من نظم شيخنا الشيخ بشير الغزي رحمه الله هذه الأبيات:
انظر إلى آثار رحمة ربنا ... أحيا الموات وعاد بالإحسان
وإلى صنيع مليكنا الغازي الذي ... سعد الزمان به وكل مكان
فلأمة المختار جدد جامعا ... حتى تقام عبادة الرحمن
فلتغتبط إذ أرخوه بعيدها ... قد شاده الملك الحميد الثاني
المواليد والوفيات في هذه السنة في حلب وملحقاتها
قالت الفرات في عدد 1263المؤرخ في 19ذي القعدة من هذه السنة الموافق 11 مايس سنة 1310و 24منه سنة 1891ما نصه: تبين من دفاتر النفوس أنه من ابتداء آذار إلى غاية شباط وهي السنة الماضية بلغ عدد المواليد في حلب 1912والوفيات
1670، وأما الملحقات فكانت عدد المواليد 8040ووفياتها 7815، فعلى هذا تزيد مواليد ولايتنا عن وفياتها في سنة واحدة 467نسمة.(3/387)
قالت الفرات في عدد 1263المؤرخ في 19ذي القعدة من هذه السنة الموافق 11 مايس سنة 1310و 24منه سنة 1891ما نصه: تبين من دفاتر النفوس أنه من ابتداء آذار إلى غاية شباط وهي السنة الماضية بلغ عدد المواليد في حلب 1912والوفيات
1670، وأما الملحقات فكانت عدد المواليد 8040ووفياتها 7815، فعلى هذا تزيد مواليد ولايتنا عن وفياتها في سنة واحدة 467نسمة.
عزل عثمان نوري باشا وتعيين حسن باشا للمرة الثانية
قالت الفرات: في أواخر ذي الحجة من هذه السنة عزل عثمان نوري باشا وبارح الشهباء في اليوم الثاني من المحرم سنة 1312وعيّن بدله حسن باشا واليها السابق.
سنة 1312
في التاسع عشر من المحرم وصل إلى حلب واليها حسن باشا وهذه ولايته للمرة الثانية.
سنة 1313
في جمادى الثانية عزل حسن باشا وعيّن بدله مصطفى ذهني باشا، وكان وصوله في الحادي عشر من هذا الشهر وبقي هنا نحو أربعين يوما، ثم عزل وعيّن بدله رائف باشا وكان وصوله إلى حلب في خامس شعبان من هذه السنة.
ثورة الأرمن في جهة زيتونة ومرعش
كان ابتداء هذه الثورة في أواخر السنة الماضية، وسببها منازعات حصلت بين بعض الأرمن وبعض صغار مأموري الحكومة مثل محصلي المال ورجال الدرك في قرى فرنس وآلاباشي من أعمال قضاء زيتون التابع للواء مرعش. والحكومة لم تلق بالا لهذه المنازعات (ومعظم النار من مستصغر الشرر) ولم تتخذ التدابير لحسمها فتوسعت من القرى إلى بلدة زيتون.
وكان هناك رجل من الأرمن يسمى ناظارت وهو جاويش في الدرك فشكل بعض عصابات وترأسها وكان المحافظ لبلدة زيتون توفيق بك وكان رجلا ضعيف العزيمة قليل التدبير فكلف المسلمين القاطنين هناك الانحياز إلى الثكنة العسكرية مع الجنود العثمانية التي كانت
بالثكنة المذكورة، وطلب نجدة من مرعش، فطمع الأرمن لذلك واندلع لهيب الثورة وطار شررها، وتسلط الأرمن على بعض عائلات المأمورين والضباط الذين لم يتمكنوا من الالتجاء إلى الثكنة ومثلوا بهم تمثيلا فظيعا يحمر له وجه الإنسانية خجلا. ولما اتسع نطاق هذه الثورة هاج المسلمون القاطنون في القرى المجاورة وابتدؤوا يجتمعون في مرعش وابتدأ الأرمن يحتشدون في زيتون وقدر عددهم بما يزيد على عشرين ألفا. وفي هذا الأثناء حضر من أمريكا تسعة من الأرمن خرجوا من السويدية ومنها ذهبوا إلى الزيتون من طريق جبال بيلان وكاوورطاغ، ولما وصلوها استلموا رئاسة هذه العصابات، ولما وصلت أخبار تلك الفظائع التي حصلت في زيتون ومرعش هاج لها مسلمو مرعش وثاروا على الأرمن فحصلت مذبحة قتل فيها من الطرفين كثير، وبعد أيام قلائل حدثت مذبحة في عينتاب قدرت القتلى فيها من الأرمن بنحو سبعمائة، ثم حصلت مذبحة في بيره جك ثم في أورفة وهي أعظم مذبحة وقعت ويقدر القتلى فيها من الأرمن بألفين، وسرت تلك الحوادث إلى ولاية آدنة. ولما تفاقم الأمر جمع رديف ولاية حلب وولاية آدنة وولاية أزمير واستلم زمام القيادة مصطفى رمزي باشا، وكان قائد الجيوش التي أتت من أزمير وآدنة علي محسن باشا، وأما القيادة العامة فأنيطت بأدهم باشا قائد فرقة حلب. ولما وصلت تلك الجيوش إلى زيتون أحاطت بالثائرين إحاطة السوار بالمعصم وأرسل القائد أدهم باشا الرسل لرؤساء هذه العصابات بقصد نصحهم والإقلاع عما هم فيه فلم تزدهم النصيحة إلا عتوا ونفورا، وذلك لما قام في مخيلتهم من إقامة مملكة أرمنية ولم يلاحظوا قلة عددهم وعددهم وأنهم في وسط البلاد العثمانية التي معظم سكانها من المسلمين.(3/388)
وكان هناك رجل من الأرمن يسمى ناظارت وهو جاويش في الدرك فشكل بعض عصابات وترأسها وكان المحافظ لبلدة زيتون توفيق بك وكان رجلا ضعيف العزيمة قليل التدبير فكلف المسلمين القاطنين هناك الانحياز إلى الثكنة العسكرية مع الجنود العثمانية التي كانت
بالثكنة المذكورة، وطلب نجدة من مرعش، فطمع الأرمن لذلك واندلع لهيب الثورة وطار شررها، وتسلط الأرمن على بعض عائلات المأمورين والضباط الذين لم يتمكنوا من الالتجاء إلى الثكنة ومثلوا بهم تمثيلا فظيعا يحمر له وجه الإنسانية خجلا. ولما اتسع نطاق هذه الثورة هاج المسلمون القاطنون في القرى المجاورة وابتدؤوا يجتمعون في مرعش وابتدأ الأرمن يحتشدون في زيتون وقدر عددهم بما يزيد على عشرين ألفا. وفي هذا الأثناء حضر من أمريكا تسعة من الأرمن خرجوا من السويدية ومنها ذهبوا إلى الزيتون من طريق جبال بيلان وكاوورطاغ، ولما وصلوها استلموا رئاسة هذه العصابات، ولما وصلت أخبار تلك الفظائع التي حصلت في زيتون ومرعش هاج لها مسلمو مرعش وثاروا على الأرمن فحصلت مذبحة قتل فيها من الطرفين كثير، وبعد أيام قلائل حدثت مذبحة في عينتاب قدرت القتلى فيها من الأرمن بنحو سبعمائة، ثم حصلت مذبحة في بيره جك ثم في أورفة وهي أعظم مذبحة وقعت ويقدر القتلى فيها من الأرمن بألفين، وسرت تلك الحوادث إلى ولاية آدنة. ولما تفاقم الأمر جمع رديف ولاية حلب وولاية آدنة وولاية أزمير واستلم زمام القيادة مصطفى رمزي باشا، وكان قائد الجيوش التي أتت من أزمير وآدنة علي محسن باشا، وأما القيادة العامة فأنيطت بأدهم باشا قائد فرقة حلب. ولما وصلت تلك الجيوش إلى زيتون أحاطت بالثائرين إحاطة السوار بالمعصم وأرسل القائد أدهم باشا الرسل لرؤساء هذه العصابات بقصد نصحهم والإقلاع عما هم فيه فلم تزدهم النصيحة إلا عتوا ونفورا، وذلك لما قام في مخيلتهم من إقامة مملكة أرمنية ولم يلاحظوا قلة عددهم وعددهم وأنهم في وسط البلاد العثمانية التي معظم سكانها من المسلمين.
ولما لم تجد هذه النصائح شيئا أخذت تلك الجيوش تناوشهم القتال وحاصروهم مقدار شهر، فعند ذلك تداخلت السفراء بالآستانة وتم الاتفاق بينهم وبين الباب العالي أن يسافر من حلب الموسيو بارنهام معتمد إنكلترا في حلب ومعتمد فرنسا وإيطاليا أيضا إلى الزيتون ويتوسطوا في أمر الصلح، فتوجه هؤلاء وألزموا رؤساء العصابات بتقديم الطاعة وتسليم ما لديهم من السلاح إلى الحكومة العثمانية، وأصدرت الحكومة عفوا عن الأرمن والأشخاص الذين كانوا أتوا من أميركا وترأسوا العصابات وأبعدت هؤلاء عن بلادها، كما حصل الاتفاق مع معتمدي الدول المذكورة، وجيء بالجاويش نظارت بطل هذه الثورة وغيره من وجهاء الأرمن إلى حلب وتركوا فيها تحت نظر الحكومة وبقوا هنا عدة أشهر ثم أعيدوا إلى بلادهم بعد أن سكنت الأحوال.(3/389)
وظلت هذه الفتنة إلى أواخر هذه السنة ودامت من ابتدائها إلى أن خمدت نارها خمسة عشر شهرا. وفي أواخر هذه السنة أطلق سراح العساكر وأنعم على أدهم باشا القائد العام لهذه الجيوش برتبة مشير وتعين قائدا عاما للجيوش التي وجهت لمحاربة اليونان، وعيّن علي محسن باشا قائدا فوق العادة على ولاية آدنة وحلب وبقي في حلب إلى أن توفي فيها في شوال سنة 1321ودفن بالتكية المولوية، وكانت جنازته حافلة حضرها ألوف من الناس، واتخذ قبره من حجارة حمراء استحضرت من بلاد إيطاليا ونقش عليها بيتان من نظم شيخنا الشيخ بشير أفندي الغزي رحمه الله وهما:
لله رمس ضم مولى ماجدا ... للمرتضى صهر النبي سميّا
رضوان يوم العيد أرخ إنه ... أضحى علي في الجنان عليّا
1321
سنة 1314
في هذه السنة شكلت لجنة لإكمال عمارة مستشفى الغرباء الذي كان بوشر به في أثناء ولاية جميل باشا، وكان قد ارتفع من أبنيته مقدار ثلاثة أمتار، وفي صفر منها شرع المجلس البلدي بعمارة منتزه السبيل شمالي حلب إلى غربيها وحفر ثمة حوض على شكل نصف دائرة يملأ من بئر حفر هناك يستخرج ماؤه بواسطة دولاب يدور في الهواء، وانتهت عمارته في منتصف محرم من سنة 1315.
ذكر الحرب بين الدولة العثمانية واليونان
في منتصف ذي القعدة من هذه السنة ابتدأت الحرب بين الدولة العلية العثمانية واليونان، وفي نصف ذي الحجة أوقف رحى الحرب وكان النصر حليف الدولة العثمانية، واستولت على كثير من بلاد اليونان حتى قاربت العساكر العثمانية عاصمتهم (آتينا) إلا أن الدول الأوربية لم تمكن الدولة العثمانية من اجتناء ثمرة انتصارها وأعادت لليونان ما أخذ منها بل زادتها من أملاك الدولة العثمانية، وقد أفرد ذلك بتأليف مخصوص موسوم بحرب الدولة العثمانية مع اليونان بالتركية والعربية.(3/390)
سنة 1315 ذكر افتتاح الجادة المعروفة بجادة الخندق
ذكرنا في حوادث سنة 1311أنه بوشر فيها بردم الخندق المعروف بخندق العطوي، ولا زال الردم متتابعا فيه من عدة جهات من تلك السنة إلى هذه السنة، ففيها تم ردمه وذلك من أمام تربة الجبيلة إلى ساحة باب الفرج، واشترت البلدية دورا في محلة العوينة من الباب الثاني لدار الحكومة المعروف بباب السجن إلى باب النصر وخربت تلك الدور فاتصلت الجادة من دار الحكومة إلى باب النصر إلى ساحة باب الفرج إلى محطة الشام، ومن محلة بانقوسا إلى باب النصر، فصارت هذه الجادة أعظم جادة في الشهباء، وقد شطرت البلدة إلى شطرين تقريبا وأخذ الناس في بناء الدور والمخازن والخانات والمقاهي في طرفيها، وربما لا يمضي عشر سنوات إلا وتتصل الأبنية ببعضها من الجانبين ولا يبقى ثمة موضع خال.
وفي سنة 1316بوشر ببناء الجسر العظيم الذي في أواخر هذه الجادة، صرف عليه مقدار ثلاثة آلاف ليرة عثمانية، وقد جاء آية للناظرين وصارت البساتين التي في جانبه منتزها عاما.
وفي ذي الحجة من هذه السنة استحضر دولاب ذو مراوح حديدية تدور بواسطة الهواء ليسقى من مائه بستان أنشىء في أطراف قهوة البلدية في المكان المعروف بالسبيل الذي اتخذ منتزها عاما وبني تحت هذا الدولاب صومعة.
سنة 1316 ذكر بناء منارة الساعة في ساحة باب الفرج
في 15ربيع الأول من هذه السنة احتفل بوضع الحجر الأول في أساس منارة الساعة تجاه باب الفرج، ثم بوشر بعد ذلك ببنائها على صورتها الحاضرة، وكان موضعها قسطل ماء مربع الشكل يسمى قسطل السلطان وهو من آثار السلطان سليمان خان العثماني.
وبلغ مصروف عمارة المنارة نحو 600ليرة عثمانية جمعت من ذوي الثروة واليسار، وإذا تأملت ما في هذه المنارة من حسن الصنعة يظهر لك ما وصل إليه فن البناء في حلب
وأن البنّائين هنا حازوا قصب السبق على كثير من البلدان. وكملت عمارتها في سنة 1317، وقد أرّخ ذلك الشيخ أحمد الشهيد مفتي بلدة حارم بقوله:(3/391)
وبلغ مصروف عمارة المنارة نحو 600ليرة عثمانية جمعت من ذوي الثروة واليسار، وإذا تأملت ما في هذه المنارة من حسن الصنعة يظهر لك ما وصل إليه فن البناء في حلب
وأن البنّائين هنا حازوا قصب السبق على كثير من البلدان. وكملت عمارتها في سنة 1317، وقد أرّخ ذلك الشيخ أحمد الشهيد مفتي بلدة حارم بقوله:
أنشا لنا الملك الحميد مآثرا ... عظمت صناعتها وأي صناعه
حامي حمى الدين المكين ومن له ... أضحت سلاطين الورى أتباعه
من ذاك في حلب أقام منارة ... تثني عليه بساعة سمّاعه
أيام دولة رائف فخر العلا ... والي حمى الشهبا بأبرك ساعه
ولذاك نادى في الورى تاريخها ... أثر يقوم إلى انفصال الساعه
وكان المهندس لهذا البناء شارتيه أفندي مهندس الولاية وبكر صدقي أفندي مهندس المركز، وكان رئيس المجلس البلدي وقتئذ بشير أفندي الأبري، وقد بذل الجميع من الهمة والعناية ما استحقوا مزيد الشكر والثناء.
سنة 1318 ذكر عزل رائف باشا وتعيين أنيس باشا
في ربيع الأول من هذه السنة عزل رائف باشا وعيّن بدله أنيس باشا، وكان وصوله إلى حلب في السابع عشر من هذا الشهر، وفي أواخر ربيع الثاني توجه منها واليها السابق رائف باشا. وقد كان رحمه الله وعفا عنه وزيرا جليلا عظيم الشأن واسع المدارك حسن الإدارة كثير التنقيب عن أحوال المأمورين وأعمالهم، خفت في زمنه وطأة الرشوة حتى كاد أن لا يبقى لها أثر في دوائر الحكومة، والناس مجمعون على أنه لم تر الشهباء بعد جميل ولم يأتها بعده مثله، والكثير منهم يقولون إنه أحسن إدارة وأسمى فكرا وأدق نظرا من جميل باشا. وله في الشهباء آثار حسنة وتقدمت في زمنه في العمران كثيرا، وحسبك الجدول الذي سنذكره دليلا على ما قلناه لأن تلك الأعمال التي قام بها المجلس البلدي في مدة ولاية رائف باشا وهي أربع سنين ونصف كان له فيها اليد الطولى والهمة العليا.
وكما أن له آثارا حسنة فإن له أثرا قبيحا وسنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهو فتح بيوت مخصوصة للفحش في محلة بحسيتا ثم امتد إلى محلة المصابن، وبعد أن كانت المومسات قلائل في الشهباء يعددن بالأصابع أصبحن بفضل اتخاذ هذه الأمكنة الخبيثة يناهز عددهن خمسمائة، وبعد أن كان لا ينغمس في هذه الحمأة ولا يتلطخ
في هذه القاذورات إلا أشخاص قلائل لما يعترض ذلك من الأخطار والمشقات التي ربما تفضي إلى القتل ولا يقدم على ذلك إلا من خبثت نفسه وكانت في أحط درجات الدناءة وليس فيه مثقال ذرة من المروءة والشهامة والشرف أصبح المختلفون إلى هذه الأماكن مئات من الناس بل ألوفا، وفشا أمر الزنا في أبناء الشهباء وما حولها بعد أن كانوا تمثال الفضيلة والعفة والأخلاق الكريمة. وتهافت الشبان في هذه السنين الأخيرة على هذه المواخير لسهولة الوصول إليها غير مبالين بقوله تعالى {لََا تَقْرَبُوا الزِّنى ََ إِنَّهُ كََانَ فََاحِشَةً وَسََاءَ سَبِيلًا} وقد فشا فيهم فوق ما يكتسبونه من الإثم وغضب الله تعالى داء الزهري والإفرنكي والتعقيبة وقل منهم السالم منها، وتراهم غادين رائحين إلى أبواب الأطباء للتخلص من هذه التهلكة وهيهات هيهات فقد سبق السيف العذل.(3/392)
وكما أن له آثارا حسنة فإن له أثرا قبيحا وسنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهو فتح بيوت مخصوصة للفحش في محلة بحسيتا ثم امتد إلى محلة المصابن، وبعد أن كانت المومسات قلائل في الشهباء يعددن بالأصابع أصبحن بفضل اتخاذ هذه الأمكنة الخبيثة يناهز عددهن خمسمائة، وبعد أن كان لا ينغمس في هذه الحمأة ولا يتلطخ
في هذه القاذورات إلا أشخاص قلائل لما يعترض ذلك من الأخطار والمشقات التي ربما تفضي إلى القتل ولا يقدم على ذلك إلا من خبثت نفسه وكانت في أحط درجات الدناءة وليس فيه مثقال ذرة من المروءة والشهامة والشرف أصبح المختلفون إلى هذه الأماكن مئات من الناس بل ألوفا، وفشا أمر الزنا في أبناء الشهباء وما حولها بعد أن كانوا تمثال الفضيلة والعفة والأخلاق الكريمة. وتهافت الشبان في هذه السنين الأخيرة على هذه المواخير لسهولة الوصول إليها غير مبالين بقوله تعالى {لََا تَقْرَبُوا الزِّنى ََ إِنَّهُ كََانَ فََاحِشَةً وَسََاءَ سَبِيلًا} وقد فشا فيهم فوق ما يكتسبونه من الإثم وغضب الله تعالى داء الزهري والإفرنكي والتعقيبة وقل منهم السالم منها، وتراهم غادين رائحين إلى أبواب الأطباء للتخلص من هذه التهلكة وهيهات هيهات فقد سبق السيف العذل.
وهناك مضار أخرى كثيرة نشأت عن فتح هذه البيوت لو بسطنا القول فيها لطال الكلام وخرجنا من موضوعنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بيان الإنشاءات التي حصلت في مدة ولاية رائف باشا
قالت الفرات في عددها 1561المؤرخ في 4محرم سنة 1318ما ملخصه:
إحصائية نظمها مجلسنا البلدي أبان فيها ما حصل في السنين الأربع الأخيرة من العمائر والإنشاءات في مواقع مختلفة من مدينة حلب:
1 - جادة الخندق وأولها الفرع الآخذ إلى دار الحكومة الطول ذراع 449عرض 18.
2 - جادة فتحت من بستان النيال متصلة ببوابة الخل آخذة إلى محلة سليمان الحلبي طول 600عرض 20.
3 - جادة ابتداؤها من رأس فرع دار الحكومة تكملة لجادة الخندق آخذة إلى خان الدلال باشي في بانقوسا طول 500عرض 18.
4 - جادة فتحت من جسر الناعورة آخذة إلى الجادة الجديدة طول 250عرض 20.
5 - جادة ثلاث جادات تلتقي مع بعضها في بستان الكلاب طول 922عرض 20.
6 - جادة محلة السفاحية وقد وسع رأسها على قدر الكفاية.
7 - جادة فتحت في بستان الكلاب تبتدي من عند إدارة الديون العمومية.
وهي بقية جادة الخندق وتنتهي للجادة الآخذة إلى العزيزية طول 315عرض 20.(3/393)
8 - ساحة خارج باب الفرج كان فيها بيت قهوة فأخذت من ذويها شراء وهدمت ووسعت بها الساحة المذكورة.
9 - جسر باب النصر كان عليه ثلاث دكاكين أخذت شراء وهدمت وصححت بأرضها استقامة جادة الخندق (الجسر كان بين باب النصر وبين الطرق الثلاثة الآخذة إلى سوق النحاسين وإلى محلة جامع الزكي وإلى الجديدة)
10 - افتتاح فرع آخذ من جادة دار الحكومة إلى جامع العثمانية.
11 - جادة فتحت على طول 112وعرض 18لتوصل القسم الآخذ إلى باب الأحمر بجادة الخندق المارة من خان هاشم أفندي دلال باشي الكائن في بانقوسا.
12 - شراء بعض منازل أولاد إلياهو سلويرة وهدمها وأخذ أرضها لتصحيح جادة الخندق الممتدة من باب النصر إلى موقع السهروردي.
13 - جادة فتحت على طول 18وعرض 18ذراعا تكملة لجادة الخندق الممتدة من باب الحديد إلى باب الأحمر وبرية المسلخ.
14 - جادة على حافة النهر طولها 280عرضها 20قد سطحت بردم 5600ذراع من التراب و 1110من الرصاص مكعبا.
15 - جادة بستان كور مصري طولها 300وعرضها 20وهي بقية جادة الخندق قد سطحت من تعبئة 6000ذراع تراب مكعبا.
16 - جادة فتحت أولها الجسر الذي انعقد على النهر وآخرها طريق شوسة إسكندرونة طولها 950ذراعا وعرضها 20.
17 - فسحة تجاه سبيل القهوة التي هي المنتزه العام قد سطحت جديدا طولها 145 وعرضها 45ذراعا ومجموع طمها 3625ذراعا مكعبا.
18 - جسر السيد الكائن في مبدأ جادة كلّز وعينتاب وهو ممر بساتين حلب في شمالها وممر الجسور القريبة من حلب من جهتين 9أذرع وأصلح وطمت أقسامه التي هي في طول 400ذراع، وبلغ مجموع أذرع الطم بالتكعيب 7200ذراع.
19 - بقية شعبة جادة الحكومة طولها 33ذراعا وعرضها 18.
20 - طريق الثكنة الهمايونية في محلة الريش طول 86عرض 5وبلغ إملاؤها بالتراب 1720ذراعا.(3/394)
21 - جادة فتحت من محلة العزيزية إلى جادة الخندق في بستان الكلاب طول 412 وعرضها 20وتسويتها الترابية 7776ذراعا مكعبا وإملاؤها 19286ذراعا مكعبا.
22 - ميدان المسلخ الذي هو من أعظم الأسواق التي تباع فيها أنواع المواشي، فقد سيج من جهاته الأربع بجدران منعا لتعدي الناس عليه وعمر في وسطه حوض واسع تؤدي إليه الطرقات من كل جانب.
23 - أرض في بستان السليمية مهدت بالتراب وبلغ مجموع إملائها 3622ذراعا وفتح فيها طريق طوله 340ذراعا.
24 - تمهيد بعض الجادات التي فتحت جديدا وتصليح الجادات القديمة، فقد بلغ ما ملىء منها بالتراب منذ ابتداء سنة 1312إلى غاية 315 (111522) ذراعا مكعبا وهذا عدا المقادير التي سبق ذكرها.
25 - طم طريق شوسة إسكندرونة الذي يبتدىء من تحجير الكيلو الأول في محلة السليمية، فقد جرى عليه من التسوية الترابية 1777ذراعا مكعبا.
26 - قسم من جادة الخندق الممتد إلى الجادة الآخذة من إدارة الديون العمومية في موقع السهروردي الآخذة إلى محلة العزيزية، فقد بلغت التسوية الترابية 9215ذراعا مكعبا وبلغ تنظيمه الترابي 2081ذراعا مكعبا.
فرش طرق المركبات:
27 - جادة ممتدة من جسر الناعورة إلى تحجير الكيلو الأول من محلة السليمية على طول 505وعرض 6أذرع، وقد جعلت شوسة فبلغت 1010أذرع.
28 - جادة طولها 385آخذة من جسر الناعورة إلى باب الفرج، والقسمة التي توجد في قربه قد جعلت شوسة وبلغ فرشها 1428ذراعا مكعبا.
29 - جادة ممتدة من برج الساعة إلى إدارة الديون العمومية في موقع السهروردي طولها 276ذراعا قد بلغ فرشها شوسة 621ذراعا مكعبا.
30 - فرش شوسة طولها 300ذراع أولها من دار جرجي مخملجي وآخرها عند دار جرجي بليط يبلغ فرشها 660ذراعا.
31 - شوسة من بوابة الخل إلى بستان النيال طولها 470ذراعا وفرشها 833ذراعا مكعبا.(3/395)
32 - تعمير المنتزه المعروف بالسبيل الذي كان يملأ بماء المطر، عمر مجمع الماء وشيّد على طرفه قبلة وشمالا سياج على صفة القطع الناقص وأحكم سده وفتح تجاه هذه العمارة بستان مساحته 28385ذراعا، وحفر تجاه باب مجمع الماء القديم بئر ووضع عليه دولاب لاستخراج الماء أحضر من أمريكا ارتفاعه 22ذراعا وهو يدور بقوة الهواء، ووضع هذا الدولاب على قاعدة شيّدت من حجارة النحيت ارتفاعها 6أذرع، وفتح في أواسط هذا البستان حوض يبلغ دوره 310أذرع وعمقه ذراع ونصف، وللدولاب المذكور حاصل كبير مركوز تحت قناته يبلغ قطره نحو 3أذرع وارتفاعه 4مدّ منه قناة حديدية سحبت إلى الأمام حتى وصلت إلى طريق شوسة إسكندرونة، وهناك تفرغ الماء بقسطل له حنفية مزدوجة يستقي منها الوارد والصادر، وصار هذا الموضع منتزها عاما للشهباء.
33 - مستشفى جسيم كان شرع في بنائه قبلا لأجل تداوي الغرباء والفقراء، وهو عبارة عن 32حجرة وبيتين عظيمين وصالونين طويلين وبيت لغسل الثياب ومكان لغسل الأموات وحمامين في كل واحد منهما 8مغاطس وحجرتين بستار للثياب وأجزائية وحجرة لفحص المرضى وحجرتين لفحص العيون والعمليات الاعتيادية وبستانين كبيرين في طول 84وعرض 20مترا من تجاه المستشفى ومن طرفيه، وهما مزدانان بالأعمدة اللطيفة ومسيجان بجدران مع دهليز جميل وحجرتين للبواب، ومجموع مساحة هذا المستشفى مع مشتملاته 17913ذراعا مكعبا.
34 - سراب طوله 500وارتفاعه 50ر 1ممتد من خان دلال باشي إلى باب النصر.
35 - سراب من قسطل الحرامي والحميدية والصليبة ينتهي عند إدارة الديون العمومية.
36 - مسجد عمر بدل مسجد قديم على الفرع الآخذ من جادة الخندق إلى دار الحكومة، ويشتمل هذا المسجد على قبلية فسيحة ومكتب للصبيان وحجرة وصحن مفروش بالبلاط وحاصل للماء تبلغ مساحته 572ذراعا مكعبا.
37 - جدران سيّجت بها مقبرة الإسلام في محلة السليمية مساحتها 1188ذراعا.
38 - جدار على ضفة النهر مساحته 783ذراعا.
39 - مخفر تجاه منتزه السبيل على طريق مركبات إسكندرونة مساحته 2847ذراعا.
40 - برج ساعة في ساحة باب الفرج يعلو في الهواء 35ذراعا قد فتح في قاعدتها من الجهات الثلاث حياض جميلة الصنعة، وهذا البرج يدل على تقدم صنعة البناء في حلب، ومساحة هذا البرج 1155ذراعا مكعبا.(3/396)
41 - جدار شيد على جادة ضفة النهر منعا لطغيان المياه مساحته 321ذراعا.
42 - تعميرات تبلغ 350ذراعا أقيمت بدل جانب ما هدم من تكية القرقلار.
43 - تعميرات تبلغ 700ذراع أقيمت على فرع التكية المذكورة.
44 - تعميرات غرفة مجلس إدارة الولاية التي انهدم بعضها حين افتتاح الفرع المذكور تبلغ مساحتها 140ذراعا.
45 - إصلاح وتجديد جسر المعزي في طريق كلّز مساحته 339ذراعا.
46 - إصلاح وتجديد جسر السيد تبلغ مساحة ما جدد وأصلح 361ذراعا.
47 - جدران عمرت للسياج على طرفي جادة الخندق التي فتحت في بستان كورمصري مساحتها 1581ذراعا.
48 - حوض ماء عمر على شكل لطيف في الجادة الآخذة إلى دار الحكومة مساحته 48 ذراعا.
49 - مسجد أنشىء تعويضا على جادة الخندق الآخذة إلى باب الأحمر وبرية المسلخ وفيه مكتب للصبيان ورصيف علويّ تحته حجرتان للجامع وثلاث دكاكين فتحت في واجهة المكتب مما يلي الجادة، وطول هذا المسجد مع مشتملاته 31ذراعا وعرضه 16ومساحته 496شطرنجيا و 2000ذراع مكعب.
50 - ثلاث دكاكين من وقف النسيمي وتكية القرقلار عمرت تعويضا على جادة الخندق الآخذة إلى دار الحكومة مساحتها 288ذراعا مكعبا.
51 - جدران سدود شيّدت على طرفي جادة جديدة ابتداؤها من الجسر الحجري الذي عقد على نهر قويق وانتهاؤها طريق شوسة إسكندرونة تبلغ مساحتها 1900ذراع.
52 - دولاب ماء أنشىء تعويضا على جادة الخندق بين البساتين وهو مركب من 100 ذراع.
53 - جدران سد على طرف طريق الثكنة في حارة الريش مساحتها 556ذراعا.
54 - حوض جسيم أنشىء في فسحة برية المسلخ طوله 53وعرضه 27ومساحته 1431ذراعا مستطيل القطع له أربع زوايا يبلغ تكعيبه 2070ذراعا.
ثم ذكرت من 55إلى 85الجادات التي بلطت داخل الشهباء مما لم نجد في ذكره كبير فائدة.(3/397)
86 - حوض يشاد جديدا في حجم 2127ذراعا لأجل رش الطرقات على الطرز الحديث يؤخذ منه الماء بواسطة أقنية حديدية وأدوات معلومة اه.
أقول: هذا الحوض في ذيل تربة الجبيلة وقد تعطل ولم يأت بالفائدة التي بني لأجلها.
إنشاء الخط الحديدي من الشام إلى المدينة المنورة
قبل أشهر بوشر بإنشاء السكة الحديدية الحجازية من الشام إلى المدينة المنورة وصارت تجمع لها الإعانات من الأقطار الإسلامية. وفي ربيع الثاني من هذه السنة صار تجمع الإعانات من وجهاء الشهباء وتجارها، وقد نشرت جريدة الفرات ما دفعه أهالي الشهباء في هذا السبيل فبلغ ألفي ليرة عثمانية.
الاحتفال بافتتاح مخفر في محلة العزيزية:
من جملة آثار رائف باشا إنشاء مخفر في محلة العزيزية واسع جدا، وقد احتفل بافتتاحه في جمادي الأولى من هذه السنة.
سنة 1319 افتتاح مكتب للصنايع
في ربيع الأول من هذه السنة استأجرت المعارف دار الصابوني المشهورة في محلة باب قنسرين أمام جامع الرومي واتخذتها مكتبا للصنايع ودخل إليه نيف ومائة طالب وصارت تصنع فيه الأحذية وتعلم فيه النجارة والحياكة، وفي ربيع الثاني منها عين مديرا له الشيخ كامل أفندي الغزي.
سنة 1320
في أواخر جمادى الثانية منها عزل أنيس باشا وعيّن بدله مجيد بك، وقد وصل إلى هنا في 5رجب، وفي أيام أنيس باشا أصلح إيوان المدرسة الحلوية ونقش اسمه عليه.
سنة 1321 إقامة معرض لصنائع حلب في المكتب السلطاني
في جمادى الثانية من هذه السنة أقيم في المكتب السلطاني الكائن في محلة السليمية معرض عرضت فيه أنواع الصنائع الحلبية من أقمشة وخزف وزجاج وخصصت كل غرفة
لصنعة من الصناعات، ودام ذلك نحو شهر، وزيّن المكتب من بابه إلى مدخل البنايات وصار الناس يفدون للفرجة عليه من حلب وخارجها. وقد دل هذا المعرض على تقدم صنعة الأقمشة الحريرية والقطنية وصنعة السجاد المصنوع من الحرير والصوف.(3/398)
في جمادى الثانية من هذه السنة أقيم في المكتب السلطاني الكائن في محلة السليمية معرض عرضت فيه أنواع الصنائع الحلبية من أقمشة وخزف وزجاج وخصصت كل غرفة
لصنعة من الصناعات، ودام ذلك نحو شهر، وزيّن المكتب من بابه إلى مدخل البنايات وصار الناس يفدون للفرجة عليه من حلب وخارجها. وقد دل هذا المعرض على تقدم صنعة الأقمشة الحريرية والقطنية وصنعة السجاد المصنوع من الحرير والصوف.
سنة 1322
في أواخر جمادى الثانية من هذه السنة عزل مجيد بك وتوجه في السادس والعشرين منه من حلب. وفي يوم الثلاثين منه وصل إلى حلب كاظم بك معينا واليا عليها.
انظر لتقلبات الدهر:
كان للوالي مجيد بك ولد شاب اسمه نجيب بك كان هنا مع أبيه أثناء ولايته وصار له من النفوذ ما لا يوصف، وكان من الزهو والخيلاء على جانب عظيم. حدثني أحد وجهاء الشهباء قال: سافرت إلى الآستانة لبعض شؤوني وذلك أثناء الحرب العامة فدعاني صديق لي لتناول الغذاء في بعض فنادق الآستانة، فلما دخلنا إليه استقبلنا خدمته على حسب العادة، فرأيت بين هؤلاء رجلا كنت رأيته ولكني نسيت من هو يحدق النظر إلي، وفي آخر الأمر عرفته حق المعرفة فإذا هو نجيب بك ابن والي حلب مجيد بك وقد تقلبت به الأحوال بعد سفره مع أبيه من حلب حتى صار خادما في إحدى فنادق الآستانة فسبحان المعز المذل.
سنة 1323 توقيع المقاولة على إيصال الخط الحديدي من حماة إلى حلب
كان الخط الحديدي قد مدّ من قبل سنوات من محطة رياق (بلدة صغيرة بين بيروت والشام) إلى حماة.
قالت الفرات في عدد 1818المؤرخ في 3ربيع الثاني من هذه السنة ناقلة عن صحف دار السعادة: إن مقاولة إيصال الخط من حماة إلى حلب قد وقع عليها في اليوم الثامن عشر من مايس وإن المهندسين المعهود إليهم بمناظرة الأعمال الأولية من هذا الخط قد توجهوا في هذه الأيام إلى حماة.(3/399)
وقالت في عدد 1822تاريخ 21تموز سنة 1321رومية و 2جمادى الأولى: جاء في جرائد بيروت أن المهندسين الذين انتخبتهم إدارة السكة الحديدية لهندسة المواضع من الخط الحديدي بين حماة وحلب يصلون إلى بيروت في أول تموز، وفي العاشر منه يصل الموسيوفون كاب مدير قسم الأشغال فيوزع الأشغال في خمسة أو ستة أماكن بوقت واحد لكي ينهوها في مدة عشرة أشهر، والمسافة بين حماة وحلب 143كيلومترا.
تحرير نفوس حلب
في جمادى الأولى من هذه السنة انتهى تحرير نفوس حلب فزادت عن قبل 14535 نسمة. وإذا جمع إلى عددهم سنة 1301فيكون المجموع 113724.
وفي شهر رجب عزل كاظم بك وولي ناظم باشا وكان وصوله إلى حلب يوم الإثنين في 12رجب الموافق 11أيلول سنة 1905.
وفي يوم السبت الموافق سابع عشر رجب شنقت امرأة على الربوة التي هي أمام القلعة وهي من أهالي أنطاكية اسمها كاملة بنت كورمش كانت قتلت زوجها عمدا بالسم وقتلت بنتا لها منه عمرها 3سنوات اسمها رقّوش عن غير قصد وذلك منذ ثلاث سنوات، وحكمت عليها محكمة استئناف الجزاء بالقتل قصاصا، واقترن الحكم بالإرادة السلطانية فنفذ الحكم في هذا اليوم. وتوجه ذلك اليوم ألوف من الناس رجالا ونساء لمشاهدة ذلك المنظر الرهيب الذي لم يروا مثله قبل ذلك بسنين.
سنة 1324 ذكر وصول الخط الحديدي من حماة إلى حلب
في الثامن عشر من جمادى الثانية من هذه السنة الموافق لسادس آب سنة 1906 و 24تموز سنة 1322تم مد الخط الحديدي من حماة إلى حلب الذي بوشر به في العام الماضي كما أشرنا إليه، وخرج يوم وصوله ألوف من الناس لمشاهدة ذلك، وكان الناس يائسين من وصول الخط إلى هذه البلاد.
الاحتفال العظيم بوصول الخط إلى حلب:
في يوم الخميس الموافق للسابع عشر من شعبان احتفل بوصول الخط الحديدي إلى حلب، وأقيم ذلك الاحتفال في المكان الذي اتخذ محطة له في غربي حلب حضره والي الولاية
ومأمور والملكية والعسكرية وكثير من العلماء والوجهاء وألوف من الناس، وألقي فيه كثير من الخطب والقصائد وكلها تضرب على وتر واحد وهو الثناء والشكر للسلطان عبد الحميد خان الثاني وتعداد ماله في البلاد العثمانية من الآثار الجليلة. وأرخ وصول الخط الحديدي إلى حلب صديقنا السري الفاضل الشيخ مسعود أفندي الكواكبي بقوله:(3/400)
في يوم الخميس الموافق للسابع عشر من شعبان احتفل بوصول الخط الحديدي إلى حلب، وأقيم ذلك الاحتفال في المكان الذي اتخذ محطة له في غربي حلب حضره والي الولاية
ومأمور والملكية والعسكرية وكثير من العلماء والوجهاء وألوف من الناس، وألقي فيه كثير من الخطب والقصائد وكلها تضرب على وتر واحد وهو الثناء والشكر للسلطان عبد الحميد خان الثاني وتعداد ماله في البلاد العثمانية من الآثار الجليلة. وأرخ وصول الخط الحديدي إلى حلب صديقنا السري الفاضل الشيخ مسعود أفندي الكواكبي بقوله:
حبّذا خط حديد به ... قد أعدنا شأن شهبانا
عمت الأفراح لما غدا ... كاملا في نصف شعبانا
ولسان السعد أرخه ... وطريق الخير قد بانا
132454104841325
سنة 1325 أول مسابقة بين الخيل وغيرها جرت في حلب
في سادس رمضان جرت مسابقة بين الخيل في الميدان الكائن جنوبي السبيل على دور 1300متر. دار للمرة الأولى ثمانية من الخيول العربية الأصيلة وللمرة الثانية ستة عشر من الخيول الأصيلة أيضا، أعطي للسابق في المرة الأولى جائزة قدرها خمسون ليرة عثمانية وللسابق في المرة الثانية خمسة وعشرون ليرة، ودار للمرة الثالثة سبعة من الخيول التي لم ينظر إلى أصلها وأعطي للسابق 25ليرة.
ثم جرت مسابقة بين 15رجلا من أهل القرى في الركض وأعطي للسابق 8 مجيديات.
ثم جرت مسابقة بين السيارات المسماة (بسكليت) وأعطي للسابق عشر مجيديات.
واتخذ هناك وراء مكان المسابقة مكان لقعود المتفرجين صفت فيه مقاعد بقيم مختلفة وخصصت تلك الواردات لهذه الغاية، وهي أول مسابقة جرت في حلب على هذا الطرز.
توسيع الحجازية في الجامع الكبير وغير ذلك من الأعمال فيه:
في هذه السنة أو التي قبلها حكرت أرض كانت تربة قديمة في جوار التربة المعروفة بالعبّارة خارج باب الفرج بمبلغ 1500ليرة عثمانية ذهبا أخذتها دائرة الأوقاف ووسعت بها
قبلية الحجازية التي هي داخل الجامع في الطرف الشرقي، أدخلت فيها جانبا من الرواق الشمالي ووسعت الباب وقد كان صغيرا والنافذتين اللتين بجانبه، وفرشت أرضها بالبلاط ووسعت بها باب قبلية الأحناف الذي في الرواق الغربي وقد كان صغيرا جدا، وباب قبلية الشافعية الذي في الرواق الشرقي والغرف التي فيه، وبلطت تلك الغرف وأصلحت قسما كبيرا من بلاط أسطحة الأروقة. وكان الواقف على هذه الأعمال الشيخ محمد العبيسي مفتي حلب وبذل في ذلك من الهمة ما يستحق الثناء والشكر، وبقي العمل سنتين أو أكثر قليلا. ونظم الشيخ كامل أفندي الغزي أبياتا نقشت على باب قبلية الحجازية وهي:(3/401)
في هذه السنة أو التي قبلها حكرت أرض كانت تربة قديمة في جوار التربة المعروفة بالعبّارة خارج باب الفرج بمبلغ 1500ليرة عثمانية ذهبا أخذتها دائرة الأوقاف ووسعت بها
قبلية الحجازية التي هي داخل الجامع في الطرف الشرقي، أدخلت فيها جانبا من الرواق الشمالي ووسعت الباب وقد كان صغيرا والنافذتين اللتين بجانبه، وفرشت أرضها بالبلاط ووسعت بها باب قبلية الأحناف الذي في الرواق الغربي وقد كان صغيرا جدا، وباب قبلية الشافعية الذي في الرواق الشرقي والغرف التي فيه، وبلطت تلك الغرف وأصلحت قسما كبيرا من بلاط أسطحة الأروقة. وكان الواقف على هذه الأعمال الشيخ محمد العبيسي مفتي حلب وبذل في ذلك من الهمة ما يستحق الثناء والشكر، وبقي العمل سنتين أو أكثر قليلا. ونظم الشيخ كامل أفندي الغزي أبياتا نقشت على باب قبلية الحجازية وهي:
في ظل سلطان الزمان مليكنا ... عبد الحميد المعتلي بمقامه
وبسعي والينا المعظم ناظم ... من ساد في الشهباء حسن نظامه
وعناية المولى الهمام محمد ... مفتي الشريعة زيد في إكرامه
صحت معالمه وشيد بناؤه ... وزكا شذا وزها بفرش رخامه
عمل به الإسلام طابت نفسه ... أرخت لما فاح مسك ختامه
1326
تتمة فيما حصل بعد ذلك في الجامع من الأعمال المهمة:
في سنة 1341و 1343فرشت قبلية الحنفية والشافعية بالسجاد العجمي وبلغت قيمة هذه المفروشات نحو ألف ليرة عثمانية ذهبا، والسجاد القديم وزع على بعض المساجد.
وفي سنة 1341عمل سبيل ماء في الرواق الغربي بجانب الباب المقابل للحلوية يأتيه الماء من ماء عين التل بواسطة أنابيب حديدية وصلت به من مكان خارج الجامع بجانب الباب، ونقشت أحجار هذا السبيل نقشا بديعا دل على دقة صنعة وعظيم براعة، والجرن الموضوع هنا كان ملقى في أرض جامع الأطروش لا ينتفع فجيء به وزيّن بالنقوش اللطيفة أيضا، ووضع في أعلى هذه الحجارة حجرة صغيرة نقش عليها بالخط الكوفي البديع من الجانبين قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللََّهِ}.(3/402)
وفي هذه السنة أعني سنة 1343جددت قبة الحوض الصغير الذي في أرض الجامع ودهن ظاهرها وظاهر قبة الحوض الكبير الذي في الصحن، ووضع درابزين من الحديد في أعلى منارة الجامع ودهن هذا الحديد والرفراف والدرابزين التي تحته.
وكانت حافة جدار الرواق الشمالي من قنطرة الباب الشمالي إلى أواخر الرواق من جهة الشرق خالية من الشرفات الموجودة على جدران الجامع في الجهات الثلاث فأكمل ذلك المكان الخالي ليكون على نسق واحد في جهاته الأربع تحسينا لمنظر الجامع، وكمل بناء هذه الشرفات في هذا الشهر وهو شهر شوال من سنة 1343وهو آخر عمل حصل فيه.
وهذه الأعمال في هذه السنين الثلاث كانت بمساعي مدير الأوقاف الحالي السيد يحيى الكيالي وقد نقش اسمه فوق هذا السبيل وفوق القنطرة الوسطى من هذا الرواق.(3/403)
خاتمة
وفينا والحمد لله بما وعدنا به في المقدمة من ذكر ملوك الشهباء وأمرائها وما كان في زمنهم من الحوادث ذات الشأن من حين الفتح الإسلامي إلى سنة 1325هجرية. وقلت ثمة إني أود وضع قسمين يكونان متممين لهذا التاريخ أذكر في قسم محلات حلب وما في كل واحدة منها من المدارس والجوامع وغير ذلك من الآثار القديمة وأتكلم على كل مكان فأذكر اسم بانيه وواقفه وما وقفه وحالته إلخ، فهذا القسم وإن لم يتسن لي وضعه على هذا النسق على حدة غير أني في آخر ترجمة كل ملك أو وال ذكرت ما له من الآثار وتكلمت عليها بقدر الاستطاعة والإمكان. وفي تراجم الأعيان في الأجزاء التالية سأتكلم إن شاء الله تعالى على ما لهم من الآثار على هذا النسق أيضا، فأكون قد أتيت على معظم هذا القسم وتكلمت على الأهم والمهم من هذه الآثار الجليلة مما يهم معرفته والوقوف على أحواله.
ولما كانت النفوس تتوق إلى معرفة قلعة حلب تلك القلعة العظيمة ذات الشأن الخطير والقدر الرفيع أحببت أن أختم هذا الجزء بذكر ما كتبه المؤرخون عنها، وأتبع ذلك بوصف حالتها الحاضرة، وأتبع ذلك بالكلام على حمّامات حلب القديمة والموجودة الآن، وأذكر جدولا في عدد دور حلب وبقية أماكنها، وجدولا في عدد نفوسها ونفوس معاملاتها الآن والأعمال التي قامت بها دائرة الأشغال العامة، وأختم الكلام فيه بما قاله فحول الشعراء في مديح الشهباء من النظم البديع الدال على رفعة شأنها وعظيم قدرها فأقول:(3/404)
ولما كانت النفوس تتوق إلى معرفة قلعة حلب تلك القلعة العظيمة ذات الشأن الخطير والقدر الرفيع أحببت أن أختم هذا الجزء بذكر ما كتبه المؤرخون عنها، وأتبع ذلك بوصف حالتها الحاضرة، وأتبع ذلك بالكلام على حمّامات حلب القديمة والموجودة الآن، وأذكر جدولا في عدد دور حلب وبقية أماكنها، وجدولا في عدد نفوسها ونفوس معاملاتها الآن والأعمال التي قامت بها دائرة الأشغال العامة، وأختم الكلام فيه بما قاله فحول الشعراء في مديح الشهباء من النظم البديع الدال على رفعة شأنها وعظيم قدرها فأقول:
الكلام على 49509 قلعة حلب
قال أبو ذر في كنوز الذهب: اعلم أن القلعة التي بحلب قيل أول من بناها ميخائيل وقيل سلقوس الذي بنى حلب، وهي على جبل مشرف على المدينة وعليها سور وبه أبراج، وكان قديما عليها بابان من حديد أحدهما دون الآخر كذا قاله أحمد ابن الطبيب الذي نكبه المعتضد، والآن عليها خمسة أبواب ثلاثة من حديد خالص واثنان محددان، وهذان البابان والبرج الذي عليهما جددهما دمرداش كافل حلب بعد فتنة تيمور وأخرب أماكن بحلب ونقل أحجارها لعمارة هذا البرج، فمن ذلك خان القوّاسين نقل أعمدته وجعل بين هذا البرج وبين البلد خلوا يوضع عليه سقالة من الخشب يمر عليها الصاعد للقلعة وعليه مشط من الحديد يرفع وينزل في عجلات، وهو باب سادس خارج الأبواب بحيث إذا هجم أحد على باب القلعة أرخي هذا المشط وبقي من هجم داخل المشط انتهى.
وقد تقدم أن الخليل عليه السلام كان قد وضع أثقاله بتل القلعة وكان يقيم به ويبث الرعاة إلى تل الفرات والجبل الأسود ويجلس بعض الرعاة بما معهم عنده ويأمر بحلب ما معه واتخاذ الأطعمة ويفرقها على الضعفاء والمساكين، وبها مقامان له صلّى الله عليه وسلّم.
وقال الهروي: بقلعة حلب مقام إبراهيم، أما المقام الأعلى فهو الذي تقام فيه الجمعة وبه صندوق وبه قطعة من رأس يحيى عليه السلام ظهرت سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، وأما المقام الثاني فكان موضعه كنيسة للنصارى إلى أيام بني مرداس، وكان فيه المذبح الذي قرب إبراهيم عليه السلام فغيرت بعد ذلك وجعلت مسجدا وجدد عمارته نور الدين الشهيد ووقف عليه وقفا ورتب فيه مدرسا يدرس الفقه على مذهب أبي حنيفة. وقال ابن بطلان: في القلعة مسجد وكنيستان وفي إحداهما المذبح.(3/405)
ولما ملك كسرى حلب وبنى سور البلد بنى في القلعة مواضع. ولما جاء أبو عبيدة إلى حلب وأخذها ثم جاء إلى القلعة، فلما عاينها دامس أبو الهول قال: هي قلعة منيعة شامخة حصينة يعجز عن مثلها الرائد وتمتنع على الطالب والقاصد، لا ينفع أهلها محاصرة الرجال ولا يضيق صدرهم من قتال. ثم احتال عليها أبو الهول وأخذها من يوقنا، والقصة مطولة مذكورة في كتاب الواقدي (1). وكان أخذه لها من البرج الكبير المطل على باب الأربعين هذا وصفه لها. وقد وجدها مرممة الأسوار بسبب زلزلة كانت أصابتها قبل الفتوح فأخربت أسوارها وأسوار البلد ولم يكن ترميما محكما فنقض بعض ذلك وبناه، وكذلك لبني أمية وبني العباس فيها آثار.
ولما استولى نقفور ملك الروم على حلب في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وجاس خلال الديار اعتصم بها الهاشميون فحمتهم، ولم يكن لها حينئذ سور عامر يمنعهم لأنها كانت قد تهدمت وعفت آثار تلك المرابع، فكانوا يتقون سهام العدو بالأكف والبرادع، وزحف نقفور عليها فألقي على ابن أخيه حجر فمات، فلما رأى نقفور ذلك طلب الصلح فصالحه من كان فيها ومن حينئذ اهتم الملوك بعمارتها وتحصينها، فبنى سيف الدولة فيها مواضع لما بنى سور حلب، وكانت الملوك لا تسكنها بل كانوا يسكنون قصورهم التي بالبلد.
وفي تاريخ الذهبي: لما قتل ابن أخت الملك كان قد أسر من أعيان حلب ألفا ومائتين فضرب أعناقهم جميعهم. ولما ولي سعد الدولة بنى فيها أماكن وسكنها وذلك لما أتم ما بناه والده سيف الدولة من الأسوار. وكذلك بنى فيها بنو مرداس دورا وجددوا سورها، وكذلك من بعدهم من الملوك إلى أن وليها عماد الدين أقسنقر وولده عماد الدين زنكي فحصناها ولهم بها آثار حسنة. وبنى فيها طغدكين برجا من قبليها ومخزنا للذخائر عليه اسمه، وبنى فيها السلطان نور الدين أبنية كثيرة وعمل ميدانا وخضره بالحشيش يسمى الميدان الأخضر، وكذلك بنى فيها ولده الصالح باشورة كانت قديمة فجددها وكتب عليها اسمه، وفي وسطها برج كبير فوق طريق الماء الذي يدخل إلى الساتورة، وعلى البرج اسم الصالح إسماعيل. وكانت هذه الباشورة من موضع الباب الذي يلي البلد وتدور في وسط التل إلى المنشار المتصل بباب الأربعين، وكان في الباشورة مساكن للأجناد.
__________
(1) هو الفتوحات الشامية وهو مطبوع كثير التداول، وقد بسط القول فيه على فتح حلب وقلعتها.(3/406)
قال ابن أبي طي: ثم في سنة ثمان وثمانين وخمسماية دخلت والظاهر غازي قد شرع في بناء جسر الجبل وهدم الطريق الأول، وكان أولا يدخل إليه من سرداب عليه باب يقال له باب السر وكان عمره شريف الدين أبو المعالي بن سيف الدولة، وكان هذا الباب برسم المهمات، فلما ملك حلب رضوان كره الصعود من باب القلعة وكان يتجرد من الباطنية ففتح هذا السرب وجعله درجة يصعد منها إلى الجوشن وهو فصيل للقلعة، ولم تزل كذلك إلى زمن الصالح إسماعيل فعمل له في الخندق الذي هو موضع هذا الجسر بستانا كان ينزل إليه ويتفرج فيه.
فلما ملك حلب العادل خرب فصيل القلعة من جنب تلك الدرجة إلى حدود دركاوات القلعة وعمل مكان الفصيل سفحا، ثم عمل طريقا منكشفا في وجهه سترة شراريف إذا كان راكبا رأى وجه من يكون واقفا تحت القلعة. وكان الصاعد في تلك الدرجة ينزل أولا إليها من شمالي ميدان باب العراق حتى يصير إلى قعر خندق القلعة ثم يصعد من هناك مع سفح التل، فلما ملك الظاهر حلب فكر في أمر الدرجة وأن الملك يحكم على نفسه (1) من يكون على جانب الخندق فلا يمكنه من حصل في الخندق دفع عادية من يريد أذيته إما اختيارا وإما اضطرارا، فعمد إلى الدرجة وهدمها وقلع شجره وأذهب أثره ثم هدم باقي الفصيل إلى الأرض. وكان سور حلب الشرقي متصلا بفصيلة القلعة فقطعه وباعده عنها، ثم جعل سعة الخندق أربعين ذرعا، ثم بنى جانب الميدان من جهة الشمال بالصخور، ثم نقي قعر الخندق إلى أن نبع الماء من أصله، ثم بنى ثمانية عضايد من أسفل الخندق ورفعها إلى أن حاذت أرض الميدان، ثم مدّ عليها أخشاب التوت وأعواد الدلب والسنديان وجعله سقفا واحدا إلى تل القلعة، ثم أقام على تل القلعة بابا عاليا وجعل عليه مصراعين من حديد، ثم بنى على أصله من الشمال برجا عاليا وجعل عليه باب حديد أيضا، ثم ساق من هذا البرج إلى سور القلعة العالي طريقا مدرجا بحجارة سود طوال وبنى له شراريف من يسار هذا الطريق، ثم عمد إلى رأس هذا الطريق من جهة الشمال فبنى عليه برجين عظيمين عاليين مسامتين أبراج القلعة، ثم جعل في إحدهما باب حديد فإذا أفضي إليه خرج إلى داخل القلعة، وبنى هذا الجسر في مقدار خمس سنين وغرم عليه ما يزيد على خمسين ألف دينار مصرية.
__________
(1) هكذا في الأصل. والكلمة مطموسة في مخطوطة أبي ذر.(3/407)
ثم قال (أي ابن أبي طي): في سنة خمس وتسعين تم تسفيح تل القلعة بالحجارة، وانتهت القطعة التي بين باب الجبل وباب القلعة، وشرع في هدم باب القلعة والباشورة، وكان باب القلعة أولا يفتح إلى جهة الشرق والأرض متصلة به. ثم شرع بعد هدمه في سعة الخندق وقطع باب القلعة عن البلد وبنى به الجسر الكبير. وفي سنة ثمان وتسعين شرع الظاهر في حفر خندق القلعة وتوسعته أربعين ذراعا وبنى جانبه بالصخور ولقي أرضه حتى نبع الماء. وفي سنة سبع جد الظاهر في عمارة القلعة وحفر خنادقها.
ولما وسع الظاهر الخندق وعمقه وبنى حائطه من جهة البلد في سنة عشر وستمائة في رابع عشر رمضان وجد فيه تسع عشرة لبنة من ذهب وزنها سبعة وعشرون رطلا بالحلبي (الرطل سبعمائة وعشرون درهما) ورفع بابها إلى مكانه الآن، وعمل لها هذا الجسر الممتد وحصنها، وبنى فيها مصنعا كبيرا للماء الحلو ومخازن للغلات وسفح تلها، وفي تاريخ الصاحب سفح بعضها وعزم على التتميم فاخترمته المنية وبناه بالحجر الهرقلي. وكان الباب أولا قريبا من أرض البلد متصلا بالباشورة فوقع في سنة ستمائة وقتل تحته خلق كثير. وبنى على الباب برجين لم ير مثلهما قط، وعمل للقلعة خمس دركاوات بآزاج معقودة وجعل لها ثلاثة أبواب حديد زاد واحدا وجعل لكل باب أسفهسلارا ونقيبا، وبنى فيها أماكن يجلس بها الجند وأركان الدولة وكان معلقا بها آلات الحرب، وفتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل شرقي بابها وعمل له دركاه لا يفتح إلا له إذا نزل دار العدل، وهذا الباب وما قبله انتهت عمارتهما في سنة إحدى عشرة وستمائة، وقد سد هذا الباب وعمل عليه برجان عظيمان. وأخبرني من أثق به أن الباب الذي أغلق هو الذي عليه البرج المطل على سوق الخيل.
واعلم أن هذه القلعة لم تزل في عمارة وزيادة إلى أن ملكها صلاح الدين يوسف وأعطاها لأخيه العادل فبنى بها برجا ودارا لولده فلك الدين وتعرف الآن به، وفي وسطها بئر قديمة ينزل إليها بمائة وخمسة وعشرين مرقاة قد هندمت تحت الأرض وخرقت خروقا وصيّرت آزاجا ينفذ بعضها إلى بعض إلى ذلك الماء المالح. (قلت): وهذه الدار بيد بعض أمراء القلعة الآن، وهذه البئر موجودة. وذكر لي بعض القدماء أنه كان هذا البئر دولاب حيلة يستعمل عند احتياج أهل القلعة إلى الماء وليس عندهم من الدواب ما يستعملونه في الساتورة المعهودة. وبنى فيها (أي في القلعة) الظاهر ساتورة محكمة بدرج
إلى العين تمير بها سائر منازلها، وبنى ممشى من شمالي القلعة إلى باب الأربعين وهو طريق بآزاج مقعودة لا تسلك إلا في الضرورة وكأنه باب سر. وزاد في حفر الخندق وأجرى فيه الماء الكثير، وأخرق في شفير الخندق مما يلي البلد مغاير أعدها لسكنى الأسارى يكون في كل مغارة مقدار خمسين بيتا وأكثر. وبنى فيها دارا تعرف بدار العز وكان في موضعها دار للعادل نور الدين تسمى دار الذهب ودار تعرف بدار العواميد ودار الملك رضوان، وذلك في سنة أربع وثمانين. وفيها يقول الرشيد عبد الرحمن ابن النابلسي في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وأنشده إياها ممتدحا له:(3/408)
واعلم أن هذه القلعة لم تزل في عمارة وزيادة إلى أن ملكها صلاح الدين يوسف وأعطاها لأخيه العادل فبنى بها برجا ودارا لولده فلك الدين وتعرف الآن به، وفي وسطها بئر قديمة ينزل إليها بمائة وخمسة وعشرين مرقاة قد هندمت تحت الأرض وخرقت خروقا وصيّرت آزاجا ينفذ بعضها إلى بعض إلى ذلك الماء المالح. (قلت): وهذه الدار بيد بعض أمراء القلعة الآن، وهذه البئر موجودة. وذكر لي بعض القدماء أنه كان هذا البئر دولاب حيلة يستعمل عند احتياج أهل القلعة إلى الماء وليس عندهم من الدواب ما يستعملونه في الساتورة المعهودة. وبنى فيها (أي في القلعة) الظاهر ساتورة محكمة بدرج
إلى العين تمير بها سائر منازلها، وبنى ممشى من شمالي القلعة إلى باب الأربعين وهو طريق بآزاج مقعودة لا تسلك إلا في الضرورة وكأنه باب سر. وزاد في حفر الخندق وأجرى فيه الماء الكثير، وأخرق في شفير الخندق مما يلي البلد مغاير أعدها لسكنى الأسارى يكون في كل مغارة مقدار خمسين بيتا وأكثر. وبنى فيها دارا تعرف بدار العز وكان في موضعها دار للعادل نور الدين تسمى دار الذهب ودار تعرف بدار العواميد ودار الملك رضوان، وذلك في سنة أربع وثمانين. وفيها يقول الرشيد عبد الرحمن ابن النابلسي في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وأنشده إياها ممتدحا له:
دار حكت دارين في طيب ولا ... عطر بساحتها ولا عطّار
رفعت سماء عمادها فكأنها ... قطب على فلك السعود تدار
وزهت رياض نقوشها ببنفسج (1) ... غض وورد يانع وبهار
نور من الأصباغ مبتهج ولا ... نور وإزهار ولا أزهار
ما أينعت منها الصخور وأورقت ... إلا وفيها من نداك بحار
وضحت محاسنها ففي غسق الدجى ... تلقى (2) لصبح جبينها إسفار
ومنها:
فتقر عين الشمس إن يضحي لها ... بفنائها مستوطن وقرار
تربت بد رامت بها خيلا لها ... في غير معترك الورى إحصار
وفوارسا شيب (3) لظى حرب وما ... دعيت نزال ولم تشن مغار
صور ترى ليث العرين تجاهه ... منها ولا تخشى سطاه صوار
ومنها:
__________
(1) لعل الصواب: فبنفسج، وبذلك يتخلص البيت من الإقواء.
(2) لعل الصواب: يلفى.
(3) لعل الصواب: شبت.(3/409)
وموسدين على أسرة ملكهم ... سكرا ولا خمر ولا خمّار
هذا يعانق عوده طربا وذا ... دأبا يقبّل ثغره المزمار
وهي طويلة جدا فإنه خرج من هذا إلى ذكر البركة والفوارة والرخام ثم إلى مدح الملك الظاهر فاقتصرت منها على ما يعلم منه حسن هذه الدار. وبنى حولها بيوتا وحجرا وحمامات وبستانا كبيرا في صدر إيوانها فيه أنواع الأزهار وأصناف الأشجار، وبنى على بابها آزجا يسلك فيه إلى الدركاوات التي قدمنا ذكرها، وبنى على بابها أماكن لكتاب الدرج وكتاب الجيش.
وهنا كتب العلامة أبو ذر على الهامش ما نصه: قلت: وهذه القاعة هي القاعة العظمى الموجودة الآن، وهي محكمة البنيان واسعة الأرجاء كثيرة المخادع، وبها إيوان كبير وبصدره وجانبيه مخادع. وقد كانت هذه القاعة أشرفت في أيامنا على الانهدام فأمر السلطان الظاهر خشقدم لمتوليها بإصلاح هذه القاعة فأصلحت وبيضت وزخرفت، وهي مفروشة بالرخام الملون المحكم التركيب، وبها فوارة يأتي إليها الماء من الساتورة الحلوة إلى مقلب في إيوانها الصغير محكم من الرخام الملون، ثم يغوص الماء في أسفل هذا المقلب ويخرج من الفوارة التي في وسط هذه القاعة، ولهذه القاعة دهليز طويل جدا وبوابة عظيمة، وإلى جانب هذه القاعة قاعة لطيفة مفروشة من الرخام الملون المحكم التركيب، ولها بابان أحدهما من جانب القاعة العظمى والآخر يدخل دهليزها وسيأتي من عمرها.
وبهذه القاعة العظمى من جهة الشرق قاعة ثالثة لطيفة ولها أيضا بابان باب يخرج منه إلى حمّام القلعة الآن وباب في جانب القاعة العظمى، ولو استوفينا وصف هذه القاعة لأطلنا وفي الجملة ما رؤي مثلها.
ولما تزوج الظاهر في سنة تسع وستمائة بضيفة خاتون ابنة عمه الملك العادل التي حكمت في حلب بعد وفاته وأسكنها بها وقعت نار عقب العرس فاحترقت وجميع ما كان فيها من الفرش والمصاغ والآلات والأواني واحترق معها الزردخاناة، وكان الحريق في حادي عشر جمادى الأولى من سنة تسع، ثم جدد عمارتها وسماها دار الشخوص لكثرة ما كان منها في زخرفتها، وسعتها أربعون ذرعا في مثلها.
قال في كنوز الذهب في الكلام على مدرسة الفردوس التي بنتها الملكة ضيفة خاتون بنت الملك العادل وزوجة الملك الظاهر غازي: إنها لما ولدت الملك العزيز في سنة عشر
أظهرت السرور وبقيت حلب شهرين مزينة والناس في أكل وشرب، ولم يبق صنف من أصناف الناس إلا أفاض عليهم السلطان النعم ووصلهم بالإحسان، وسيّر إلى المدارس والخوانق الغنم والذهب وأمرهم أن يعملوا الولائم، ثم فعل ذلك مع الأجناد والغلمان، وعمل للنساء دعوة مشهودة أغلقت لها المدينة. وأما داره بالقلعة فزينها بالجواهر وأواني الذهب، وكان حين أمر بحفر الخراب حول القلعة وجد عشرين لبنة ذهبا فيها قنطار حلبي فعمل منها أربعين قشوة بحقاقها، وختن ولده الأكبر أحمد وختن معه جماعة من أولاد المدينة وقدم له تقادم جليلة فلم يقبل منها شيئا رفقا بهم، لكن قبل قطعة سمندل ذراعين في ذراع فغمسوها في الزيت وأوقدوها حتى نفد الزيت وهي ترجع بيضاء فالتهوا بها عن جميع ما حضر. (1)(3/410)
قال في كنوز الذهب في الكلام على مدرسة الفردوس التي بنتها الملكة ضيفة خاتون بنت الملك العادل وزوجة الملك الظاهر غازي: إنها لما ولدت الملك العزيز في سنة عشر
أظهرت السرور وبقيت حلب شهرين مزينة والناس في أكل وشرب، ولم يبق صنف من أصناف الناس إلا أفاض عليهم السلطان النعم ووصلهم بالإحسان، وسيّر إلى المدارس والخوانق الغنم والذهب وأمرهم أن يعملوا الولائم، ثم فعل ذلك مع الأجناد والغلمان، وعمل للنساء دعوة مشهودة أغلقت لها المدينة. وأما داره بالقلعة فزينها بالجواهر وأواني الذهب، وكان حين أمر بحفر الخراب حول القلعة وجد عشرين لبنة ذهبا فيها قنطار حلبي فعمل منها أربعين قشوة بحقاقها، وختن ولده الأكبر أحمد وختن معه جماعة من أولاد المدينة وقدم له تقادم جليلة فلم يقبل منها شيئا رفقا بهم، لكن قبل قطعة سمندل ذراعين في ذراع فغمسوها في الزيت وأوقدوها حتى نفد الزيت وهي ترجع بيضاء فالتهوا بها عن جميع ما حضر. (1)
وكان عنده من أولاد أبيه وأولاد أولادهم مائة وخمسة وعشرون نفسا فزوّج الذكور منهم بالإناث فعقد في يوم واحد خمسا وعشرين عقدا بينهم، ثم صار كل ليلة يعمل عرسا ويحتفل له، وبقي على ذلك مدة رجب وشعبان ورمضان اه.
وفي أيام العزيز ابن الظاهر وقعت من القلعة عشرة أبراج مع أبدانها وذلك في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ووافق ذلك زمن البرد، وكان تقدير ما وقع خمسمائة ذراع وهو المكان المجاور لدار العدل، ووقع نصف الجسر الذي بناه الملك الظاهر فاهتم الأتابك شهاب الدين طغريل بعمارتها فجمع الصناع واستشارهم فأشاروا أن يبنى من أسفل الخندق على الجبل ويصعد بالبناء فإنها متى لم تبن على ما وصفنا وقع ما يبنى عاجلا وطرأ فيه ما طرأ الآن وإن قصدها عدو لم يمنعه، فرأى الأتابك أن ذلك يحتاج إلى مال كثير ومدة طويلة فعدل عن هذا الرأي وقطع أشجار الزيتون والتوت وترك الأساس على التراب وبنى. ولهذا لما نزلها التتر لم يتمكنوا من أخذها إلا من هذا المكان لتمكن النقابين منه.
وفي سنة ثمان وعشرين بنى فيها العزيز دارا إلى جانب الزردخاناه يستغرق وصفها الإطناب ويقصر عنه الإسهاب مساحتها ثلاثون ذراعا في مثلها.
ولما تسلم التتر القلعة في تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وستمائة عمدوا إلى خراب سورها وأحرقوا ما كان بها من الذخائر والزردخاناه والمجانيق، وزال رونقها وذهبت محاسنها. ولما هزم الملك المظفر التتر على عين جالوت وهرب من كان منهم في حلب ثم
__________
(1) هنا تكلم على السمندل وأي شيء هو وأحال تحقيق أمره إلى حياة الحيوان للكمال الدميري. وقد تكلم عليه ابن خلكان في تاريخه أيضا.(3/411)
عادوا إليها مرة ثانية بعد قتل المظفر فرأوا في القلعة برجا قد بني للحمام بأمر الملك المظفر قطز فأنكروا عليهم وأخربوا القلعة خرابا شنيعا وما فيها من الدور والخزاين ولم يبقوا فيها مكانا للسكنى، وذلك في المحرم سنة تسع وخمسين.
وقال بعض المؤرخين: وفي دولة العزيز جدد طغرل دارا فيها للسكنى فظهر في الأساس صورة أسد من حجر أسود فأزالوه عن موضعه فسقط بعد ذلك الجانب القبلي من أسوار القلعة وانهدم من جسرها قطعة كبيرة. ولما حفر العزيز أساس الدار المذكورة وذلك في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ظهر لهم مطمورة مطبقة وفيها رجل في رجليه لبنة حديد فلا أشك أنه أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن بهلول بن أبي أسامة أحد كبراء حلب، وهو الذي قبض عليه أسد الدولة صالح بن مرداس ودفنه حيا بالقلعة، وهذا الرجل ولي قضاء حلب وتمكن في أيام سديد الدولة ثعبان بن محمد (1) وموصوف والي القلعة فكانا يرجعان إلى رأيه، فلما حضر نواب صالح كان ابن أبي أسامة في القلعة فتسلمها نواب صالح وقتلوا موصوفا وابن أبي أسامة دفنوه حيا، وذلك سنة خمس عشرة وأربعمائة، وقال بعض الناس في ذلك:
وأد القضاة أشد من ... وأد البنات عمى وغيا
أدفنت قاضي المسلم ... ين بقلعة الشهباء حيا
واعلم أن هذه القلعة حصينة ومباركة ببركة الخليل عليه السلام وبركة الخضر عليه السلام ومقامهما بها، وما رامها أحد بسوء إلا أهلكه الله بعد ذلك، ولم تؤخذ فيما استحضر بقتال ولا خربت في جدال، وها أنا أذكر لك ما يبين هذا:
أما الصحابة رضي الله عنهم فأخذوها بالحيلة وصعود الرجال على أكتاف الرجال ليلا، وكانت أسوارها غير حصينة كما تقدم. وأما فتح القلعي فقد عصى فيها على مولاه مرتضى الدولة بن لولو ثم سلمها إلى نواب الحاكم. وقد عصى فيها عزيز الدولة فاتك على الحاكم فسلمها أيضا وقتل بالمركز، وكان قصره الذي تنسب إليه خانكاه القصر متصلا بالقلعة والحمّام المعروف بحمّام القصر إلى جانبه تحصينا لها فصار الخندق موضعه، ولما جاء الملك الظاهر هدم الحمّام وجعلها مطبخا له، ولما قتل عزيز الدولة صار الظاهر وولده المستنصر يوليان واليا بالقلعة وواليا بالمدينة خوفا أن يتفق ما اتفق من عزيز الدولة.
__________
(1) في زبدة الحلب: سديد الملك ثعبان بن محمد بن ثعبان.(3/412)
وأما أبو المكارم مسلم بن قريش فقد غارت الساتورة فسلموها له إذ ذاك عطشا.
ولما حاصرها غلت الأسعار بحلب فعول على الرحيل عنها واتفق له ما ذكرناه في ترجمته.
وأما هولاكو فإنه أخذها بالأمان ثم خربها، وبقيت نحو ثلاث وثلاثين سنة كذلك حتى شرع في عمارتها قراسنقر المنصوري بأمر الملك المنصور، وكملت عمارتها في سنة تسعين وستمائة. قال ابن حبيب: وكتب عليها اسم السلطان الأشرف خليل ابن المنصور بماء الذهب فإنه تولى السلطنة في هذه السنة.
وأما غازان فامتنعت منه وامتنعت من منطاش أيضا.
وأما تيمور فأخذها بالأمان ثم خربها جماعته وأخذ منها من حواصلها ما بهره كما اعترف به تيمور أنه لم يجد في حصن قط ما وجد فيها، ودامت على ذلك خرابا حتى انتدب لعمارتها جكم العادل وهو الذي ادعى السلطنة بحلب وقتل على يد عثمان بن طرعلي في سنة تسع وثمانمائة وأخرب عدة أماكن بحلب من الترب والمدارس لعمارتها وعمل بنفسه واستعمل قضاة البلد، وعمر البرج المطل على سوق الخيل وكذلك البرج المطل على باب الأربعين (البرج الشمالي) وبنى قصرا على البرجين المطلين على باب القلعة. وهذا القصر عظيم واسع جدا مفروش بالرخام وله مناظر من جهاته المطلة على البلد، وله بوابة عظيمة وتجاهها إيوان واسع برسم مصالح خدمة السلطان إذا حضر إلى حلب ونزل بهذا البرج.
وقيل إنه لم ير مثل هذا القصر في حصون المسلمين. أما المكحلة (المدفع) التي على جدران البرجين والدركاه فمن فعل نائبها الأمير ناصر الدين في أيام الظاهر برقوق.
وقد حاصرها جماعة منهم ابن قصروه فامتنعت وكذلك تغري ورمش كافل حلب في سنة اثنتين وأربعين حصارا بليغا ورمى عليها بمكحلة عظيمة فأثر فيها في البرج المطل على سوق الخيل، ونقب عليها، ونزل في النقب بنفسه فرأى ما يهوله فرجع واستعان في حصارها بمشاة من الأكراد، وزحف عليها ليلة العاشر من رمضان من جميع جوانبها ونزلوا الخندق ظنا منهم أن يلقوا الجسر الذي لها، ففتح أهل القلعة بإشارة نقيبها الأمير شهاب الدين طاقات من أعلى الجسر ورموا عليهم بقدور من الكلس فخرجوا، وبالجملة لم يأخذها أحد بالأمان كما في فصل الملوك.
وقد نقل إلى هذه القلعة المؤيد أخشابا من دمشق وسقف القصر ببعضه وأحدث الكوات التي في ظلمة الدركاه وبعضها باق الآن. وقد عمر نائبها (باك) في أيام
الأشرف برجا مثمنا شرقي بابها وعمل له شباكا من النحاس الأصفر فردا في بابه. ثم خرب من سورها مكان من جهة الغرب فعمر في أيام الظاهر جقمق، وأصلح في التسفيح مكان بالقرب من جسرها في أيامه أيضا.(3/413)
وقد نقل إلى هذه القلعة المؤيد أخشابا من دمشق وسقف القصر ببعضه وأحدث الكوات التي في ظلمة الدركاه وبعضها باق الآن. وقد عمر نائبها (باك) في أيام
الأشرف برجا مثمنا شرقي بابها وعمل له شباكا من النحاس الأصفر فردا في بابه. ثم خرب من سورها مكان من جهة الغرب فعمر في أيام الظاهر جقمق، وأصلح في التسفيح مكان بالقرب من جسرها في أيامه أيضا.
ذكر ما يضرب فيها من النوبات:
قال: أما النوبة التي تضرب عند ثلث الليل الأخير فهذا شيء أحدثته ضيفة خاتون أم العزيز لأجل قيام الليل فإنها كانت تقوم ذلك الوقت للصلاة وما كان أحد يستطيع إيقاظها.
وأما التي تضرب بعد العشاء فللإعلام بانقضاء صلاة العشاء، ثم يضرب الطبل مرة واحدة بعد ذلك إلى ثلث الليل، ثم يضرب مرتين ثم ثلاثا.
وأصل ذلك أنه كان بالقلعة جرس كالتنور العظيم معلق على برج من أبراجها التي من غربيها كانت الحراس تحركه ثلاث دفعات في الليل دفعة في أوله لانقطاع الرجل عن السعي وأخرى في وسطه للبديل وأخرى في آخره للإعلام بالفجر، وعلق هذا الجرس في سنة ست وتسعين وأربعمائة. والسبب في تعليقه ما حكاه منتخب الدين يحيى بن أبي طي النجار الحلبي في تاريخه أن الفرنج لما ملكوا أنطاكية في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة طمعوا في بلاد حلب فخرجوا إليها وعاثوا في بلادها وملكوا معرة النعمان وقتلوا من فيها، فخافهم الملك رضوان بن تاج الدولة تتش لعجزه عن دفعهم فاضطر إلى مصالحتهم، فاقترحوا عليه أشياء من جملتها أن يحمل إليهم في كل سنة قطيعة من مال وخيل وأن يعلق بقلعة حلب هذا الجرس ويضع صليبا على منارة المسجد الجامع، فأجابهم إلى ذلك، فأنكر عليه القاضي أبو الحسن بن الخشاب وكان بيده زمام البلد وضع الصليب على منارة الجامع وقبح ذلك، فراجع الفرنج في أمر الصليب إلى أن أذنوا له في وضعه على الكنيسة العظمى التي بنتها هيلانة، فلم يزل بها إلى أن حاصرت الفرنج حلب سنة ثماني عشرة وخمسمائة ونبشوا ما حولها من القبور فأخذ القاضي ابن الخشاب الكنايس كما تقدم ورمى الصليب. وأما الجرس فإنه لم يزل معلقا إلى أن ورد حلب الشيخ الصالح أبو عبد الله بن حسان المغربي فسمع حركة الجرس وهو مجتاز تحت القلعة فالتفت إلى من كان معه وقال: ما هذا الذي قد سمعت من المنكر في بلدكم، هذا شعار الفرنج، فقيل له: هذه عادة البلد من قديم الزمان، فازداد إنكاره وجعل أصبعيه في أذنيه وقعد في الأرض وقال: الله أكبر الله أكبر،
وإذا بوجبة عظيمة قد وقعت في البلد فانجلت عن وقوع الجرس إلى الخندق وكسره وذلك في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فجدد بعد ذلك وعلق مرة ثانية فانقطع لوقته وانكسر وبطل من ذلك اليوم.(3/414)
وأصل ذلك أنه كان بالقلعة جرس كالتنور العظيم معلق على برج من أبراجها التي من غربيها كانت الحراس تحركه ثلاث دفعات في الليل دفعة في أوله لانقطاع الرجل عن السعي وأخرى في وسطه للبديل وأخرى في آخره للإعلام بالفجر، وعلق هذا الجرس في سنة ست وتسعين وأربعمائة. والسبب في تعليقه ما حكاه منتخب الدين يحيى بن أبي طي النجار الحلبي في تاريخه أن الفرنج لما ملكوا أنطاكية في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة طمعوا في بلاد حلب فخرجوا إليها وعاثوا في بلادها وملكوا معرة النعمان وقتلوا من فيها، فخافهم الملك رضوان بن تاج الدولة تتش لعجزه عن دفعهم فاضطر إلى مصالحتهم، فاقترحوا عليه أشياء من جملتها أن يحمل إليهم في كل سنة قطيعة من مال وخيل وأن يعلق بقلعة حلب هذا الجرس ويضع صليبا على منارة المسجد الجامع، فأجابهم إلى ذلك، فأنكر عليه القاضي أبو الحسن بن الخشاب وكان بيده زمام البلد وضع الصليب على منارة الجامع وقبح ذلك، فراجع الفرنج في أمر الصليب إلى أن أذنوا له في وضعه على الكنيسة العظمى التي بنتها هيلانة، فلم يزل بها إلى أن حاصرت الفرنج حلب سنة ثماني عشرة وخمسمائة ونبشوا ما حولها من القبور فأخذ القاضي ابن الخشاب الكنايس كما تقدم ورمى الصليب. وأما الجرس فإنه لم يزل معلقا إلى أن ورد حلب الشيخ الصالح أبو عبد الله بن حسان المغربي فسمع حركة الجرس وهو مجتاز تحت القلعة فالتفت إلى من كان معه وقال: ما هذا الذي قد سمعت من المنكر في بلدكم، هذا شعار الفرنج، فقيل له: هذه عادة البلد من قديم الزمان، فازداد إنكاره وجعل أصبعيه في أذنيه وقعد في الأرض وقال: الله أكبر الله أكبر،
وإذا بوجبة عظيمة قد وقعت في البلد فانجلت عن وقوع الجرس إلى الخندق وكسره وذلك في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فجدد بعد ذلك وعلق مرة ثانية فانقطع لوقته وانكسر وبطل من ذلك اليوم.
قال كمال الدين ابن العديم في ترجمة هذا الرجل: محمد بن حسان بن محمد أبو عبد الله وأبو بكر المغربي الزاهد رجل فاضل مقرىء محدث ولي من أولياء الله تعالى، قدم حلب ونزل بدار الضيافة بالقرب من تحت القلعة، وكان من الموسرين المتمولين ببلاد المغرب فترك ذلك جميعه وخرج على قدم التجريد وحج بيت الله الحرام، ثم قدم حلب ورحل منها إلى جبل لبنان وساح فيه، وقيل إنه مات فيه ولم يذكر وقت وفاته اه.
وقال (يعني ابن أبي طي) في سيرة الملك الظاهر: في السنة التي قتل فيها السهروردي (هي سنة 587) أبطل غازي الجرس من قلعة حلب وكان معلقا كأنه التنور العظيم في ثالث برج من أبراج القلعة من شمالي المنظرة المطلة على حلب، وسببه أنه جلس ليلة للسمر فسمعه فسأل عن ذلك وقال: هذه مملكة الإسلام وهذا من شعار الكفار، فذكر له السبب فقال: عجبا للسلطان نور الدين كيف لم يوفق لذلك، وأمر بإبطاله انتهى (1).
ثم اتخذ هذا الضرب في القلاع عادة. وأما الضرب الذي يضرب وقت اصفرار الشمس فلأن الخليل عليه السلام كان يتخذ للفقراء طعاما ويجمعهم ذلك الوقت لأكله.
وبقية ما يضرب فيها في الأوقات فهو من اصطلاح الملوك.
وسورها مساحته ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون ذراعا وعدد أبراجها تسعة وأربعون برجا وأبدانها ثمان وأربعون بدنة، هذا ما كانت عليه قديما.
وقال ابن شداد: المساجد التي بالقلعة عدتها عشرة مساجد أولها مسجد النور ملاصق سور القلعة، ومنها مسجد الخضر عليه السلام.
__________
(1) أقول: ما ذكره ابن أبي طي هنا في سبب إزالة هذا الجرس يناقض ما ذكره قبل ذلك من أن إزالته كانت بسبب أبي عبد الله المغربي مع أن ابن أبي طي كان في ذلك الوقت شابا مشاهدا لهذه القصة. وأما السنة التي حصلت فيها وهي سنة 587فلا تناقض فيها والله أعلم.(3/415)
مدائح الشعراء لهذه القلعة:
قال السري الرفاء من قصيدة يمدح سيف الدولة بها:
وشاهقة تحمي الحمام سهولها ... ويمنع أسباب المنايا وعورها
إذا سترت عين السحاب وقد سرت ... جوانبها خلت السحاب ستورها
مقيما يمر الطير دون مقامه ... فليس ترى عيناه إلا ظهورها
تنس إلى عليائها الأسد فانثنت ... تساور بالبيض الصوارم نورها
وقال الفقيه الوزير أبو الحسن علي بن ظافر المعروف بابن أبي المنصور يصف قلعة حلب من قصيدة مدح بها الظاهر غازي:
وفسيحة الأرجاء سامية الذرا ... قلبت حسيرا عن علاها الناظرا
كادت لفرط سموها وعلوها ... تستوقف الفلك المحيط الدائرا
وردت قواطنها المجرة منهلا ... ورعت سوابقها النجوم أزاهرا
شماء تسخر بالزمان وطالما ... بشواهق البنيان كان الساخرا
ويظل صرف الدهر منها خائفا ... وجلا فما شيء لديها خاسرا
ويشوق حسن روائها مع أنها ... أفنت بصحتها الزمان الغابرا
فلأجلها قلب الزمان قد انثنى ... قلقا وطرف الجو أمسى ساهرا
غلابة غلب الملوك فطالما ... قهرت من اغتصب الممالك قاهرا
غنيت بجود مليكها وعلت به ... حتى قد امتطت الغمام الماطرا
فترى وتسمع للغمام ببرقه ... والرعد لمعا تحتها وزماجرا
وقدمنا في الجزء الثاني في صحيفة 305ما مدحت به هذه القلعة أيضا.
ووجدت على ظهر كتاب من لسان الحكام في الفقه الحنفي عليه خط العلامة إبراهيم ابن الملا الحلبي ما نصه: مما قيل في تاريخ تبييض قلعة حلب بأمر نصوح باشا أمير الأمراء بحلب وذلك في أواخر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وألف:
يمينا قلعة الشهباء أضحت ... عروسا عرفها مسك يفوح
وقالت أرخوا عني بياضي ... فأرخنا مبيضها نصوح
1012(3/416)
وصف القلعة الحاضر:
القلعة واقعة في وسط المدينة تقريبا نحو ثلثها الفوقاني صناعي وما تحته جبل طبيعي أبيض اللون لين يظهر لك ذلك من جدران خندقها، وهي إهليلجية الشكل يبلغ أكبر قطرها طولا 500متر وأصغره 400متر، ويبلغ قطر قمتها خمسين مترا، وتعلو عن سطوح المنازل المحاذية لها 60مترا وعن سطح البحر 500متر، يحيط بها خندق عظيم ويصعد إليها من الجهة الجنوبية حيث بني هناك جسر عظيم عليه ثماني قناطر قائمة في الخندق، بني على هذا الجسر الباب الأول وهو مصفح بالحديد من آثار الملك الظاهر غازي، وقد ذكرنا في الجزء الثاني في صحيفة 183ما هو مكتوب على هذا الباب وعلى الباب الرابع.
ثم تنتهي إلى الباب الثاني وقد كتب عليه:
1 - أمر بعمارتها بعد دثورها السلطان الأعظم الملك الأشرف صلاح
2 - الدنيا والدين خليل محيي الدولة الشريفية العباسية ناصر الملة المحمدية عز نصره.
وتحت ذلك حجرة كبيرة هي قنطرة الباب كتب عليها:
1 - جددت بعد إهمال عمارتها وإشرافها على الدثور في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق
2 - وشرف بوجوده وأدام دولته العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن يوسف أرسلان نائب السلطنة بها في شهور سنة ست وثمانين وسبعمائة.
وفوق هذا الباب وأمامه قبو عظيم الارتفاع وبرج كبير يحمل القصر العظيم الذي فوقه، وقد كتب على ظاهر هذا البرج وفي هذا القبو بخط حسن جاف جدا ما نصه:
1 - أمر بعمارتها بعد دثورها مولانا السلطان الأعظم الملك الأشرف العالم العادل الغازي المنصور
2 - صلاح الدنيا والدين ناصر الإسلام والمسلمين عماد الدولة ركن الملة مجير الأمة ظهير الخلا
3 - فة نصير الإمامة سيد الملوك والسلاطين سلطان جى
4 - وش الموحدين ناصر الحق بالبراهين محيي العدل في العالمين قاهر الخوارج والمتمردين(3/417)
5 - قاتل الطغاة والمارقين قامع عبدة الصلبان إسكندر الزمان فاتح الأمصار هازم جيوش الفرنج والأرمن والتتار هادم عكا والبلاد الساحلية محيي الدولة الشريفة العباسية ناصر الملة المحمدية والدين مولانا السلطان الملك المنصور قلاون أعز الله أنصاره وذلك سنة إحدى وسبعمائة.
وكتب في صدر مطلع القلعة فوق قوله نصير الإمامة قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللََّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهََا قَدْ بَيَّنََّا لَكُمُ الْآيََاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وتحت ذلك (بالإشارة العالية المولوية الأميرية الكبيرية الشمسية قراسنقر الجوكندار المنصوري الأشرفي كافل المملكة الحلبية أعز الله نصره) وقد قدمنا في حوادث سنة 690شروع قراسنقر في عمارتها.
ثم تنعطف إلى جهة اليسار وهناك الباب الثالث وعلى قنطرته تمثال أسدين متقابلين كأنهما يتناطحان تحتهما حجرة كبيرة هي قنطرة هذا الباب، وفي منعطف هذا الباب مصطبة مرتفعة هي على ما نقل مقام الخضر عليه السلام، وهناك مصطبة أخرى فيها محراب هي تربة دفن فيها غير واحد وربما كانت ضيفة خاتون ابنة الملك العادل مدفونة هنا أيضا.
ثم تمشي إلى الباب الرابع وهناك باب عظيم أيضا وعلى طرفيه تمثال أسدين من الحجر الذي على اليمين كأنه يضحك والذي على اليسار كأنه يبكي، وتاريخ هذا الباب سنة 606وهو مصفح بالحديد من عهد الظاهر غازي، وقد قدمنا ما كتب عليه في الجزء الثاني في صحيفة 183.
وقد كتب على قنطرة هذا الباب:
1 - البسملة
2 - أمر بعمله مولانا السلطان الظاهر العالم
3 - العادل المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور عماد الدنيا
4 - ملك الإسلام والمسلمين سيّد الملوك والسلاطين قامع الكفرة والمشركين
5 - قاهر الخوارج والمشركين أبو المظفر الغازي ابن الملك الناصر صلاح الدين
6 - يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين أعز الله أنصاره الملكي الظاهري
7 - وذلك في سنة ست وستمائة.
وبعد هذا الباب تخرج إلى فضاء القلعة الذي كان عامرا بالدور والقصور والمساجد والحمامات وأماكن الذخائر ولا تجد الآن هناك إلا آثار ذلك العمران.(3/418)
وبعد أن تقطع خطوات تجد قبوا آخر تنزل منه بدرج على نحو عشرة أمتار إلى قبو شديد الظلمة ليس له سوى كوة واحدة يبلغ طوله نحو 20ذراعا وعرضه نحو 15ذراعا، وفيه ثلاث سوار نصفها مبني من الحجر وأعلاها مبني من القرميد، وقد قوي هذا القرميد على صدمات الدهر ولا زال متينا، وهذا المكان هو حبس القلعة المشهور، وقد تقدم معك أن الكثير من الأمراء وغيرهم كانوا يحبسون فيه وهو مشهور بحبس الملك الظاهر. وبالقرب من هذا القبو جرن من المرمر فيه صورة سمكتين متقابلتين، وهناك صورة طفلين واقفين، وطول هذا الجرن نحو مترين وعرضه نحو ذراع وعمقه كذلك، وقد أخرج هذا الجرن من بين الردم حديثا، وتقدم في كلام أبي ذر أنه في سنة 628بنى فيها العزيز دارا إلى جانب الزردخاناه، فهذه الدار العظيمة التي قال عنها إنه يستغرق وصفها الإطناب لم يبق منها سوى بابها العظيم الملون الأحجار بهندسة بديعة يكل اللسان عن وصفه وقد تراكمت الأتربة وراءه حتى صارت كالجبل العظيم، وبعض أحجار هذا الباب ملقى في أرض القلعة، وقد كتب على حجرة فوق قنطرة هذا الباب:
1 - البسملة
2 - ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر
3 - ساق الماء إلى هذه القلعة المباركة في أيام مولانا
4 - السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين شعبان أعز الله
5 - أنصاره بالإشارة العالية المولوية المالكية المخدومية السيفية منكلي بغا
6 - كافل الممالك الشريفة الحلبية عز الله نصره بولاية العبد
7 - الفقير إلى الله محمد الأشرفي أعزه الله في شهر المحرم سنة سبع وستين وسبعمائة.
ويلاصق هذه الدار من جهة الجنوب دار الزردخاناه ولا زال بابها موجودا وعلى قنطرتها حجرة صفراء كبيرة لم أتمكن من قراءة ما كتب عليها سوى بعض كلمات وهي الزردخاناه والتاريخ الذي في السطر الأخير وهو سنة عشر وستمائة، وداخل هذا المكان قبو واسع لا شيء فيه.
وجنوبي هذا المكان المكان المعروف بالساتورة (بئر ماء واسع) أمامه أجران كبيرة من الحجر الأسود وداخله جرن أصفر كبير طوله متران وستون سنتيما وعمقه نصف متر
وهو من عهد الرومانيين وعليه هذه الكتابة: وليس في القلعة من آثار الرومانيين سوى هذا الجرن والجرن الذي قدمنا ذكره.(3/419)
وجنوبي هذا المكان المكان المعروف بالساتورة (بئر ماء واسع) أمامه أجران كبيرة من الحجر الأسود وداخله جرن أصفر كبير طوله متران وستون سنتيما وعمقه نصف متر
وهو من عهد الرومانيين وعليه هذه الكتابة: وليس في القلعة من آثار الرومانيين سوى هذا الجرن والجرن الذي قدمنا ذكره.
ثم تمشي إلى جهة الجنوب أيضا صاعدا إلى ما فوق الأقبية التي فيها أبواب القلعة، وهناك تجد بابا كبيرا من الرخام في داخله صحن واسع طوله نحو 20ذراعا وعرضه نحو 12ذراعا يحيط به جدران عالية تجد في صدره من جهة الجنوب أيضا بابا واسعا من الرخام الملون كتب في أعلاه:
لصاحب هذا القصر عز ودولة ... وكل الورى في حسنه يتعجب
بنى في زمان العدل بالجود والتفى ... محاسنه فاقت جميع الغرائب
وشاهدت في هذا الصحن بغالا وخيلا مربوطة تحت أرجلها أكوام الزبل فقلت:
سبحان المعز المذل، بعد أن كان هذا المكان مقعد الملوك والأمراء صار إصطبلا للدواب.
ومن هذا الباب العظيم تدخل إلى دهليز وهناك مخادع، ثم تخرج منه إلى القصر الكبير المبني على الباب الثاني وما يليه المطل على الجهة الجنوبية من البلدة.
طول هذا القصر 28مترا وعرضه كذلك، وفي وسطه ساريتان عظيمتان ومعهما عمودان من الحجر الأسود، وفي القصر ثلاثة أروقة كل رواق ذو ثلاث قبب، والسقف جميعه متهدم الآن وجدرانه من الجهات الثلاث متوهنة خصوصا الجدار المشرف على البلدة فإنه متشقق، وفي هذه السنة رمم من أسفله ووضع في شقوقه وفي أرضه قضبان حديدية فتماسك بهذه الواسطة وهذا يؤخر سقوطه سنين.
وفي صدر هذا القصر شباك كبير من النحاس الأصفر بديع الصنع وقد كان أربع عشرة شبكة وقد سرق منها ثلاث وفيه الآن إحدى عشرة شبكة.
وعلى قنطرة هذا الشباك وفي جوانبه من داخله وعلى عضادتيه من خارجه فوق ذلك الرخام الملون كتابة بخط جاف إلا أنها مشتبكة ببعضها البعض لم أتمكن من قراءتها إلا بعد الجهد بعد وضع السلالم، وساعدني في ذلك الشابان النجيبان الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ معروف الدواليبي يوم خرجنا إلى القلعة عدة مرات لهذه الغاية وذلك في شعبان من هذه السنة وهي سنة 1343:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين أمر بإنشاء هذا القصر المبارك مولانا السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم المالك الملك قايتباي حامي الذمار على ملوك الأرض أعلا شرفا
بخدمة الحرمين الشريفين سلطان الإسلام والمسلمين قامع الكفرة والمشركين عز نصره بتاريخ شهر ربيع الآخر سنة ثمانين وثمانمائة.(3/420)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين أمر بإنشاء هذا القصر المبارك مولانا السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم المالك الملك قايتباي حامي الذمار على ملوك الأرض أعلا شرفا
بخدمة الحرمين الشريفين سلطان الإسلام والمسلمين قامع الكفرة والمشركين عز نصره بتاريخ شهر ربيع الآخر سنة ثمانين وثمانمائة.
وفوق هذا الشباك حجرة هذه صورتها وصورة ما كتب فيها (1):
وفي القنطرة الوسطى من هذا القصر حجر كبير نقش عليه:
1 - جدد هذه القبة عند تلاف بنفقة مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري
2 - في أيام المقر الأشرف نائب القلعة وكيل المقام الشريف عز الله أنصاره بتاريخ
وتحت الشباك الكبير من ظاهر القصر حجرة كبيرة كتب عليها: أمر بعمارة هذا القصر المبارك بعد دثورها (هكذا) مولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي عز نصره بتاريخ سبعين وثمانمائة.
وعن يمين هذا الشباك حجرة مدورة كتب عليها:
كتب السعد على أبوابها ... ادخلوها بسلام آمنين
وبجانبها حجرة أخرى بين هذا الشباك والشباك الصغير الذي بجانبه مكتوب عليها بالخط الكوفي: [لا إله إلا الله محمد رسول الله] وعن يمين هذه الحجرة وشمالها ختمان مستديران كتب فيهما:
__________
(1) تقرا الرنوك عادة من الوسط الى الأعلى فالأسفل. راجع مقال «الرنوك المملوكية في المملكة الحلبية» للأستاذ محمد كامل فارس. (عاديات حلب: الكتاب الثاني).(3/421)
وفي القلعة مسجدان أحدهما في وسطها وهو من آثار الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين الشهيد وآثار والده، وقد داخل بناءه الوهن وهو ماش في طريق الخراب إذا لم تتداركه أيدي الترميم، وقد كتب على بابه المؤلف من ثلاثة أحجار سوداء:
1 - أمر بعمارته الملك الصالح نور الدين أبو الفتح.
2 - إسماعيل بن محمود بن زنكي بن آقسنقر ناصر أمير
3 - المؤمنين بتولي العبد شاذبخت سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
ومكتوب على يمين باب القبلية:
1 - بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا
2 - المسجد المقام الملك العادل نور الدين
3 - الفقير إلى رحمة الله أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر غفر الله له ولوالديه
4 - وأحسن ختامه في سنة ثلاثة
5 - وستين وخمسمائة.
وهناك عن يمين شباك القبلية المطل على الصحن حجر نافر في الجدار قدر شبرين مكتوب عليه في صدره قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مََا سَمِعَهُ} إلخ الآية وعلى طرفه:
1 - مما وقف الفقير إلى رحمة الله شاذبخت الملكي
2 - العادلي على المسجد المقام بالقلعة المنصورة
3 - القرية المعروفة ببنابل وقفا محبسا مؤبدا اه.
وتحت هذه الحجرة بئر مردوم الآن وله حلقة من حديد لتعليق الدلو.
وعن يسار باب القبلية حجر مكتوب عليه:(3/422)
1 - وقف العبد الفقير إلى الله تعالى شيخ الإسلام محب
2 - الدين محمد بن الشحنة الحنفي عامله الله بلطفه نصف فدان
3 - بقرية أورم الكبرا من جبل سمعان على فرش وتنوير ومصالح
4 - مقام الخليل بقلعة حلب بتاريخ جماد الأول سنة أحد عشر وثمانمائة.
وفي شمالي قبلية هذا المسجد عمودان من الرخام أحدهما أزرق يستدل من هندسة تاجه البديعة أنه من صنع الروم، وثانيها أصفر خال من النقوش. وفي وسط القبلية أحجار مبنية على هيئة قبر لا أدري من هو، وفي غربيها حجرة صغيرة بداخلها جرن مربع مبني بأرض الحجرة، وهناك بأرض هذه الحجرة حجرة من الرخام الأبيض مدورة قدر ذراع كتب عليها:
1 - جدد عمارة هذا المسجد
2 - بقلعة المحية بحلب المحروسة
3 - مصطفى بن أيدين الخزينة دار بقلعة المزيورة
4 - تاريخ سنة ثمان وثمانين
5 - وتسعمائة.
ومحراب القبلية كان مصفحا بمحراب من الخشب بديع الصنعة على نسق محراب المدرسة الحلوية سرق بتمامه منذ ثلاث سنين أو أربع، وصورته قبل أخذه مأخوذة بالمصور الشمسي [الفوتوغراف] وتوجد عند باعة الرسوم بكثرة وعندي منها واحدة، وآثار السرقة ظاهرة في القشرة الكلسية من الجدار ولله الأمر.
ومن هذا المسجد تأخذ إلى ناحية الشمال فتجد مسجدا آخر، وبين المسجدين نحو 35مترا، وهذا المسجد أكبر من ذاك لكن لا سقف لقبليته ولم يبق منه سوى جدرانه ومحرابه وبعض أروقة، وهو من آثار الملك الظاهر غازي، وقد كتب على بابه:
1 - بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله مولانا السلطان الملك الظاهر
2 - العالم العادل المجاهد المؤيد المظفر المنصور غياث الدنيا والدين أبو المظفر
3 - الغازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب خلد الله ملكه في سنة عشر وستمائة.
وفي محراب هذا الجامع جرن من الحجر البازالت طوله متر وعرضه ذراع ومكتوب على جانب قنطرة هذا الباب:(3/423)
1 - أدام الله العز والبقاء لمولانا السلطان الملك الظاهر
2 - أبي سعيد خشقدم عز نصره برسم الأمير الكبير المخدومي
3 - تغري بردي الظاهري نائب القلعة بحلب عز نصره بأن لا
4 - يسكن أحد في هذا الجامع ولا يستعمل لغير الصلاة ومن يحدث خلاف ويغير
5 - عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين إلى يوم الدين.
ويلاصق هذا المسجد منارة القلعة العظيمة وعدد مراقيها 78مرقاة وقد كان أعلاها محاطا بدرابزين والآن قد ذهب، وهذه المنارة أول ما يراه قاصدو حلب بل ترى بالمنظار مع هذه القلعة من جبل الزاوية المطل على بلدة ريحا.
وبجانب هذه المنارة من الجهة الشرقية ثكنة واسعة بنيت حديثا من نحو 70سنة وهي مطلة على البلدة من الجهة الشمالية.
وعلى جدار البرج المطل على الجهة الشمالية كتابة بالخط الكوفي وهي: [أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره سنة 877].
وفي شرقي هذه الثكنة تجد بناية في داخلها المكان المعروف بالساتورة [بئر واسع فيه ماء] وهي محفورة إلى تخوم القلعة، ويحيط بها على شكل مراقي المنارات درج يأخذ بك إلى أعماق القلعة، وقد نزلت إليه وعددت تلك المراقي فبلغت 183درجة، وقد انتهى بي إلى بئر لا أدري ما وراءه، وأخبرني من نزل فيه إلى عشرين درجة أخرى فيكون مجموع الدرجات فيه 203، ويقال إنه من هنا ومن محلات أخر في القلعة كان يخرج إلى ظاهر البلد من عدة محلات بواسطة سراديب مبنية، وهذه كانوا يستفيدون منها أوقات الحصار.
وفي القلعة ساتورة ثالثة جنوبي المسجد النوري مستطيلة الشكل على نسق الدواليب التي في بساتين حلب وهي مهجورة الآن لا يستخرج ماؤها.
وفي وسط القلعة لكن إلى الشرق أقرب مدخل ينزل منه على هيئة شكل مائل وهو درج تراكمت عليه الأتربة حتى أزالت منه هيئة الدرج، وفيه عدة منعطفات تنتهي في آخره إلى قاعة كبيرة جدا فيها أربع سوار وأربع قناطر عالية جدا مبنية بالحجارة المنحوتة، وفيها أواوين، وفي طرف هذه القاعة في الجهة المقابلة لنزول النازل إليها بالقرب من الجدار بئر لا ماء فيها، ولعلها سرداب يخرج منه إلى خارج البلد، ولهذه القاعة عدة كوى في أرض القلعة وبسببها يجد الداخل إليها هواء باردا وعمقها نحو 14مترا. وفي القلعة عدة
مغارات وقاعات تحت أرضها وكلها مقبية ومنها ما هو مردوم الآن. ووجدت في أرض القلعة حجرة كبيرة ملقاة على الأرض أخبرت أن في طرفها الآخر كتابة، وبعد أن قلبت لي وجدت مكتوبا عليها:(3/424)
وفي وسط القلعة لكن إلى الشرق أقرب مدخل ينزل منه على هيئة شكل مائل وهو درج تراكمت عليه الأتربة حتى أزالت منه هيئة الدرج، وفيه عدة منعطفات تنتهي في آخره إلى قاعة كبيرة جدا فيها أربع سوار وأربع قناطر عالية جدا مبنية بالحجارة المنحوتة، وفيها أواوين، وفي طرف هذه القاعة في الجهة المقابلة لنزول النازل إليها بالقرب من الجدار بئر لا ماء فيها، ولعلها سرداب يخرج منه إلى خارج البلد، ولهذه القاعة عدة كوى في أرض القلعة وبسببها يجد الداخل إليها هواء باردا وعمقها نحو 14مترا. وفي القلعة عدة
مغارات وقاعات تحت أرضها وكلها مقبية ومنها ما هو مردوم الآن. ووجدت في أرض القلعة حجرة كبيرة ملقاة على الأرض أخبرت أن في طرفها الآخر كتابة، وبعد أن قلبت لي وجدت مكتوبا عليها:
1 - البسملة مما أمر بعمله مولانا
2 - السلطان الملك العزيز محمد غياث الدنيا والدين ركن الإسلام
3 - والمسلمين سيد الملوك والسلاطين خلد الله ملكه
4 - بتولي العبد الفقير إلى رحمة الله سيف الدين سدكين الملكي العزيزي سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. ولا أدري باب أي شيء كانت.
ولم يزل في القلعة بقية كتابات مثل الكتابة التي عن يسار الباب الأول والكتابة التي بجانب قنطرة الباب الثاني في الطرف الأيمن، فإن بعض كلمات تعسر علي قراءتها ولم أجد فيها كبير فائدة لذا أضربت عنها.
وما عدا ما ذكرناه من الأماكن في القلعة تجده عرصة خالية والأبراج الكثيرة المحيطة بقمتها آخذة في الانهدام، وإذا طال الحال عليها ولم ترمم فإنها تتساقط شيئا بعد شيء إلى أن تبقى أثرا بعد عين.
وفي قبلي القلعة برج عظيم في وسط الجبل مكتوب عليه: [أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري في أيام المقر السيفي سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المنصورة عز نصره سنة 914].
ويقابله برج عظيم آخر على شاكلته في الجهة الشمالية مكتوب عليه: [جدد هذا السور مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري عز نصره في أيام المقر الأشرفي الأمير السيفي عين مقدام الألوف بالديار المصرية سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة عز نصره سنة 915]
والذي ظهر لنا أن آخر من اعتنى بأمر القلعة من ملوك الجراكسة هما السلطان قايتباي والسلطان قانصوه الغوري الذي هو آخر سلاطينهم وكما اعتنيا بها اعتنيا بأمر أسوار حلب الخارجية، يرشدك إلى ذلك الكتابات التي على جدار باب قنسرين وغيره من الأبواب والأبراج الباقية من آثار السور الذي كان محيطا بحلب، والذي دعاهما إلى تحصين قلعتها وأسوارها وقوعها في الحدود بين المملكتين الجركسية والعثمانية، وبعد الفتح العثماني لم
يعتن بشأن القلعة والأسوار، ولعل ذلك لأن حلب أصبحت في وسط البلاد العثمانية والوقائع الحربية الهامة صارت بعيدة عنها ومن جهة أخرى لم يبق للقلاع كبير فائدة بالنظر لتقدم الفنون الحربية وظهور هذه المدافع وأصبح مثلها لا يجدي شيئا عند الحصار، ومن ذلك الحين أخذت في الخراب، ثم جاءت الزلزلة الكبرى التي حصلت سنة 1237 فهدمت الكثير من مبانيها، والذي يظهر أن إبراهيم باشا نقل الكثير من حجارة هذه الأبنية في تعمير الثكنة الكبيرة شمالي حلب المعروفة بقشلة الشيخ يبرق، وقدمنا أن جميل باشا في أول هذا القرن نقل الكثير من بلاطها الخارجي في عمارة هذه الثكنة أيضا.(3/425)
والذي ظهر لنا أن آخر من اعتنى بأمر القلعة من ملوك الجراكسة هما السلطان قايتباي والسلطان قانصوه الغوري الذي هو آخر سلاطينهم وكما اعتنيا بها اعتنيا بأمر أسوار حلب الخارجية، يرشدك إلى ذلك الكتابات التي على جدار باب قنسرين وغيره من الأبواب والأبراج الباقية من آثار السور الذي كان محيطا بحلب، والذي دعاهما إلى تحصين قلعتها وأسوارها وقوعها في الحدود بين المملكتين الجركسية والعثمانية، وبعد الفتح العثماني لم
يعتن بشأن القلعة والأسوار، ولعل ذلك لأن حلب أصبحت في وسط البلاد العثمانية والوقائع الحربية الهامة صارت بعيدة عنها ومن جهة أخرى لم يبق للقلاع كبير فائدة بالنظر لتقدم الفنون الحربية وظهور هذه المدافع وأصبح مثلها لا يجدي شيئا عند الحصار، ومن ذلك الحين أخذت في الخراب، ثم جاءت الزلزلة الكبرى التي حصلت سنة 1237 فهدمت الكثير من مبانيها، والذي يظهر أن إبراهيم باشا نقل الكثير من حجارة هذه الأبنية في تعمير الثكنة الكبيرة شمالي حلب المعروفة بقشلة الشيخ يبرق، وقدمنا أن جميل باشا في أول هذا القرن نقل الكثير من بلاطها الخارجي في عمارة هذه الثكنة أيضا.
وبالجملة فإن هذه القلعة كما قاله مؤرخو حلب من عجائب الدنيا ومن الآثار العظيمة في الشهباء، وإذا جلت فيها قليلا تظللك الهيبة وتعتريك الخشية وتظهر لك رفعة شأنها وتتجلى لك عظمة البانين لها وتناديك بلسان حالها:
هذه آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
ويظهر لك أيضا مقدار عنايتهم بإنشاء القلاع والحصون المنيعة وتقوية وسائل الدفاع وأنهم كانوا يبذلون كل مرتخص وغال من نفائس أموالهم في سبيل المحافظة على أوطانهم وبلادهم معتقدين أن ذلك من الأمور المفترضة والواجبات المقدسة بها يتقربون إلى الله وبها ينالون رضاه.
وإذا تخيلت من وصفها هنا ما كانت عليه حينما كانت قصورها شامخة ومبانيها مشيدة وهي مزينة بما فيها من المتاحف مزدانة بمن فيها من الملوك والأمراء آهلة بمن فيها من السكان ورأيت ما صارت إليه الآن وقد طمست فيها تلك المعالم وذهبت منها تلك المحاسن ولم يبق من تلك الديار إلا بعض الرسوم وبقية الآثار، هنالك تتقد في فؤادك نيران الزفرات والحسرات وتسح من مآقيك الدموع والعبرات وتنوح على مجد مضى وعز سلف، بيد أن ذلك لا يعود عليك بشيء من الجدوى ولا يزيل عنك تلك الشكوى، والدواء الوحيد لاستعادة ذاك الشرف الباذخ والعز الرفيع لا يكون إلا بإزالة غشاوة الجهل عن هذه العيون وإماطة حجاب الغفلة عن هذه القلوب والاستنارة بنور العلم والاستهداء بنجومه، ولا حياة مع ذلك إذا لم تعتصم هذه الأمة بحبل الدين المتين وتستمسك بعروته الوثقى وتجعله أساس نهضتها ودعامة رقيها مع التخلق بالأخلاق الفاضلة والمزايا العالية، فذلك مفتاح كل نجاح والوسيلة لكل فلاح، وبذلك تستبدل العناء بالهناء والكدر بالصفاء وتستعيد مكانتها الأولى ومنزلتها السامية وتنال عز الدنيا وسعادة الآخرة.(3/426)
الحمّامات التي بحلب كما ذكره أبو ذر في كنوز الذهب
قال: واعلم أن حلب كانت كثيرة الخلق والدليل على ذلك كثرة مساجدها وحماماتها، فقد ذكر ذلك ابن شداد وسنورد كلامه بحروفه ونزيد عليه: قال ابن شداد:
فمما بباطنها من الحمامات:
1 - الحمام الجديد. قلت: ولا أعرفه الآن.
1 - حمام السلطان بباب الأربعين. قلت:
وهي موجودة الآن وهي على حافة الخندق، وهذه الحمام تم بناؤها سنة ثمان وستمائة بأمر الظاهر وكانت بالبستان على باب الأربعين تحت المشهد.
2 - حمامان بالمعقلية. قلت: بالمعقلية الآن حمام تعرف بأزدمر والأخرى دثرت ولا أعرفها.
2 - حمامان لمحيي الدين بن العديم.
قلت: هما داخل باب النصر بالسوق ويعرفان الآن بالبجاسي كافل جلب.
2 - حمامان للناصح. ولا أعرفهما.
2 - حماما الفوقاني. ولا أعرفهما.
2 - حمامان أنشأهما القاضي جمال الدين
1 - حمام حسام الدين بباب الأربعين. ولا أعرفها.
1 - حمام الواساني. قلت: وفي كتاب وقف الشرفية سماها حمام واسانو ولم يذكر ابن شداد أن جرنا أسود ولم يذكر أن الخليل عليه السلام اغتسل به والآن هو مشهور أن الخليل اغتسل به، وهي حمام مباركة يدخلها الناس للتبرك بآثار الخليل عليه السلام ويحصل لهم الشفا من أمراضهم خصوصا النساء.
2 - حماما علي بالمدبغة. قلت: أحدهما قد دثرت، وبالقرب من سويقة علي بالدرب الآخذ إلى حارة اليهود حمام قد تعطلت الآن وبعضها عامر، والحمام التي هي عامرة بالسويقة الآن أرضها وقف على المدرسة العصرونية.
2 - حماما الست أحدهما قد تعطلت الآن.
1 - حمام الحدادين. قلت: قد ظهر في عصرنا حمام تجاه المدرسة الحدادية فلعلها هي.
1 - حمام القبة. قلت: وهذه إلى جانب حمام الزجّاجين وقد دثرت ودخلت في إصطبل ابن الشيباني شمالي قاعة ابن الكلزي.
1 - حمام الزجّاجين إنشاء بني العجمي.
2 - حماما السباعي. وبدرب السباعي (بزقاق البهرامية) حمام خراب آثارها
باقية.(3/427)
2 - حماما السباعي. وبدرب السباعي (بزقاق البهرامية) حمام خراب آثارها
باقية.
1 - حمام بدرب أتابك. ولا أعرفها.
2 - حمام العفيف برأس الدلبة. وقال ابن أبي طي في سيرة الظاهر: في هذه السنة أي سنة ثمان وستمائة تمت الحمام التي عند جسر الدلبة والدار أنشأهما عفيف الدين المعروف بابن زريق. قلت: وبرأس الدلبة الآن حمامان.
2 - حماما الشريف. ولا أعرفهما.
1 - حمام الوزير. قلت: هي بالعينية وصارت الآن سكنا وسدسها وقف بني الأعز.
1 - حمام الشماس. قلت هي بالجلوم بحضرة رحبة ابن القلندر الهاشمي، والشماس وزير نصر بن صالح وهو أبو الفرج المؤمل بن يوسف وكان نصرانيا حسن التدبير محبا لفعل الخير، وكان أخوه ناظرا في البلد البراني فعمره وعمر المسلحة البرانية، وهذه الحمام المعروفة بالشماس تعرف أيضا بالمعلق وثلثها وقف سيأتي في مدرسة الجبيل.
1 - حمام الوالي بالجلّوم. قلت: ولا أعرفها، وبالجلوم الآن حمامات داثرة.
1 - حمام عامر يقال لها حمام بلبان.
1 - حمام الصفي بالعقبة. قلت: الآن تعرف بالبزدار، والصفي بن المنذر هو ناظر حلب في أيام الظاهر غازي وكان ضابطا حسن السيرة للرعايا.
2 - حماما الحاجب. ولا أعرفهما.
1 - حمام القاضي بهاء الدين بباب العراق.
قلت: ولا أعرفها، وهناك الآن حمام تعرف بالذهب وهي وقف على الفقراء وغيرهم.
1 - حمام الوالي بباب العراق. ولا أعرفها أيضا.
1 - حمام شمس الدين لولو. وهي معروفة عامرة وهي جارية الآن في أوقاف المدرسة السفّاحية.
2 - حماما ابن عصرون. قلت: وهما بسويقة حاتم بالأبارين إحداهما تعطلت وصارتا الآن وقفا على رباط بالقدس وغزة، ووقفت على كتاب فيه أنها حمام النعيم.
1 - حمام العوافي بباب الجنان. قلت:
وهي وقف على المدرسة الشرفية واستبدلت بحوانيت داخل باب النصر ودثرت هذه الحمام وصارت جنينة وبقربها حمام قديم قد صار دنكا لدق الأرز.
2 - حماما أبي حصين. قلت: وهما بحضرة جب السدلي وقد صارتا الآن دورا لبني السيد الهاشمي وغيره ونصفهما وقف ست الهنا بنت صالح بن العجمي.
1 - حمام حمدان. ولا أعرفها أيضا (أقول: هي حمام ساحة بزه وهي
موجودة إلى الآن).(3/428)
1 - حمام حمدان. ولا أعرفها أيضا (أقول: هي حمام ساحة بزه وهي
موجودة إلى الآن).
1 - حمام البدر بن مهما ندار. ولا أعرفها.
2 - حماما موغان. قلت: رأيت بخط الصاحب كمال الدين: حماما أوران يقال إن عيسى عليه السلام دخل إحداهما.
1 - حمام الشحينة براس التل. قلت: هي موجودة الآن.
1 - حمام بن خدرس. ولا أعرفها الآن.
2 - حماما السرور. وهما بالقرب من آدر شيخنا المذيل وباعهما بعض من العجم للحاج محمد الأعزازي فصيرها دورا ومنتزها.
1 - حمام الكاملية.
2 - حماما ابن الخشاب. ولا أعرفهما لكن مقابل التربة الخشابية أثر حمام تحت التراب.
1 - حمام ابن العجمي بباحسيتا. وسيتا داخل باب الفرج مسجد وبه قبر والناس يزورونه ويقولون إنه قبر عبد صالح يعرف بسيتا وإنه باح بالسر فنسبت المحلة إليه.
1 - حمام ابن الملك المعظم ولا أعرفها.
1 - حمام الشريف عز الدين بدرب الخراف. ولا أعرفها
1 - حمام إنشاء ابن نصر الله. ولا أعرفها.
2 - حمامان بدار بيت ذكا. وهما وقف على الزجاجية.
1 - حمام الفسيتقة. وهي الآن خراب بالقرب من خندق القلعة من جهة الغرب وهي وقف على العصرونية.
1 - حمام الفصيصي. ولا أعرفها.
2 - حماما ابن الأيسر. قلت: ولا أعرفهما.
2 - حماما السابق. قلت: ولا أعرفهما.
1 - حمام برأس التل. أيضا ولا أعرفها
1 - حمام العرايس. ولا أعرفها.
2 - حمامان بالفرايين. ولا أعرفهما.
2 - حمامان بالقلعة. قلت: إحداهما عامرة والأخرى هي دار الضرب الآن.
49510 - الحمّامات التي بالحاضر بظاهر حلب وعددها 28
2 - حماما السوق.
2 - حماما الركن.
1 - حمام الكاملية.
1 - حمام الإدريسي.
1 - حمام ابن الدرمش.
2 - حماما القاضي.
2 - حماما أسد الدين.
2 - حماما بني عصرون.
1 - حمام ابن الدرمش بحارة الحوارنة.
1 - حمام الخان.
1 - حمام الشهاب داود.
1 - حمام ابن العسقلاني.(3/429)
1 - حمام البدوية.
1 - حمام مدرسة بلدق.
1 - حمام ابن سلاح دار.
1 - حمام الجوهري إنشاء سعد الدين ابن الدريوش.
1 - حمام قرب دار حبيب الكردي.
2 - حماما سوق التبن بالرابية.
1 - حمام الظاهرية.
1 - حمام طمان بالظاهرية.
1 - حمام البغرسي بالظاهرية.
1 - حمام بجسر الأنصاري. قلت: واندثر الجميع ومحلاتها فلا يعرف أثرها.
49511 - الحمّامات التي كانت بالياروقية
1 - حمام الملك الظافر.
1 - حمام عز الدين ميكائيل.
1 - حمام ابن سنقري.
49512 - الحمّامات التي خارج باب أنطاكية
1 - حمام الجسر ولحقت أثرها تجاه مدرسة الحاج أبي بكر.
2 - حماما قيصر.
1 - حمام الحافظي.
1 - حمام الزملكاني.
1 - حمام عريف الصاغة.
49513 - الحمّامات التي كانت بالحلبة (الفيض)
2 - حماما الشهاب بن العجمي.
1 - حمام فخر الدين إياس.
49514 - الحمّامات التي بالبساتين
1 - حمام ببستان تحت مشهد الدكة.
1 - حمام ببستان شمس الدين خضر الوالي.
1 - حمام ببستان ابن تكيل الذهب.
1 - حمام ببستان مشهد الحسين.
1 - حمام ببستان الوزير ابن حرب.
1 - حمام ببستان المضيق يعرف بابن حسون.
1 - حمام ببستان النقيب محمد بن صدقة بالخناقية.
1 - حمام بستان الملك.
1 - حمام بالخناقية أيضا.
1 - حمام ببستان ابن عبد الرحيم.
1 - حمام ببستان الأزرق.
1 - حمام ببستان تاج الملوك المعروف
بالناصح.(3/430)
1 - حمام ببستان تاج الملوك المعروف
بالناصح.
1 - حمام ببستان الرئيس صفي الدين طارق.
1 - حمام ببستان ابن حرب المنتقل إلى قرطاي.
1 - حمام ببستان الوالي.
1 - حمام ببستان جمال الدولة.
1 - حمام ببستان شمس الدين لولو.
1 - حمام ببستان الشريف.
1 - حمام ببستان بكتاش والي القلعة.
1 - حمام ببستان فخر الدين بن الخشاب.
1 - حمام ببستان كافي اليهود بالهزازة وهذه أعيدت في أيامنا.
3 - حمامات ثلاثة ببساتين السلطان.
49515 - الحمّامات التي وقعت بالرمادة قرب مسجد البختي وببانقوسا
1 - حمام الملّاح.
2 - حماما فخر الدين الوالي.
2 - حماما جمال الدولة.
1 - حمام بدر الدين ابن أبي الهيجاء.
1 - حمام بهاء الدين ابن أبي الهيجاء.
1 - حمام فخر الدين أخي شمس الدين لولو.
2 - حمامان ببانقوسا أحدهما لابن أبي الحصين والآخر يعرف بالمغارة.
49516 - الحمّامات التي في الدور
2 - حمامان بدار المعظم حمام بدار جمال الدولة.
1 - حمام بدار شمس الدين لولو.
1 - حمام بدار علاء الدين طاي بغا.
1 - حمام بدار سعد الدين ابن الدريوش.
1 - حمام في آدر بني الخشاب.
1 - حمام بدار الشريف بقلعته.
1 - حمام بدار ظفر بباب الأربعين.
1 - حمام بدار علاء الدين الناصح بالتنانيريين.
1 - حمام سيف الدين أحمد بن الناصح برأس درب الخراف.
1 - حمام بدار سيف الدين علي بن قليج.
1 - حمام بدار عماد الدين أخيه.
1 - حمام بدار بدر الدين الوالي.
1 - حمام بدار الشريف الزجّاج بقلعة الشريف.
1 - حمام بدار نظام الدين الوزير في باب النصر.
1 - حمام بدار أتابك.
1 - حمام بدار جمال الدولة إقبال الظاهري.(3/431)
1 - حمام بدار صارم الدين أزبك الظاهري.
1 - حمام بدار حسام الدين علي بن بهاء الدين أيوب.
1 - حمام بدار الصاحب جمال الدين بن الأكرم.
1 - حمام بدار الرئيس صفي الدين طارق.
1 - حمام بدار شهاب الدين بن علم الدين.
1 - حمام بدار الملك رشيد.
1 - حمام بدار الأمير سيف الدين بكتوت العزيزي.
1 - حمام بدار صاحب شيزر.
1 - حمام بدار نجم الدين الجوهري.
1 - حمام بدار ابن بغا.
1 - حمام بدار عماد الدين عبد الرحيم بن العجمي.
1 - حمام بدار الجمال عثمان بن العجمي.
1 - حمام بدار عز الدين الحموي.
1 - حمام بدار قيصر في درب العدول.
177 - قلت: وهذه الحمامات لا تعرف الآن ولا بعض بيوت أربابها، وأهمل حماما بدار صاحب الشرفية وحماما بدار أخيه شمس الدين الموقوفة على والدي وكانت راكبة على قبو ورأيت آثارها وبعض كيزانها، وقد جدد القاضي زين الدين عمر بن السفاح حماما داخل داره وكذلك الشيخ شمس الدين ابن الشماع جدد حماما بداره اه.
قال في الدر المنتخب في الباب الخامس عشر بعد أن ذكر عددها مجملا نقلا عن ابن شداد المتوفى سنة 684بمصر: وهذه الحمامات التي ذكرتها بحسب ما وصل إليه علمي وفارقت عليه بلدي في سنة سبع وخمسين وستمائة وهي على هذه الكثرة كانت لا تكفي من بحلب، ولقد بلغني أنها في العصر الذي وضعت فيه هذا الكتاب دون العشرة وقد تهدم أكثرها (أي في دخول التتار إلى حلب) إن في ذلك لعبرة لمن يتذكر أو يخشى.
قال صاحب الدر: وقد أعيد بعد ذلك كثير من الحمامات واستمر كثير منها داثرا، ثم جدد بعد ذلك بحلب حمامات كثيرة داخل البلد وخارجه من ذلك الحمامان العظيمان حمام أشقتمر (1) وحمام الناصري (2) اللتين ليس بالمملكة ما يضاهيهما اه ثم ذكر
__________
(1) هي في محلة القصيلة وهي موجودة.
(2) هي الحمام التي تحت القلعة في سوق الجمعة المعروفة الآن باللبابيدية لصنع اللبابيد فيها ولا تستعمل لاغتسال الناس.(3/432)
صاحب الدر المنتخب في أواخر كتابه الحمامات الموجودة في عصره وعدها مع حمام في القلعة 47حماما. ومعظم ما ذكره موجود الآن وهو 39حماما، وتجدد في هذا القرن حمامان فالمجموع إحدى وأربعون حماما وإليك أسماءها وأماكنها.
1 - حمام الويوضي في محلة باب أنطاكية.
1 - حمام العتيقة في محلة الكلاسة.
1 - حمام الجديدة في محلة بناها الحاج محمد وإبراهيم العرو سنة 1328.
1 - حمام بزدار في ذيل العقبة.
1 - حمام عتّاب في محلة الجلّوم.
1 - حمام الجوهري في محلة باب قنسرين.
1 - حمام المالحة في محلة باب قنسرين.
1 - حمام ميخان في محلة السفّاحية.
1 - حمام بزه في محلة ساحة بزه.
1 - حمام الصالحية في محلة باب المقام.
1 - حمام الذهب في محلة زقاق النخلة.
1 - حمام اللبابيدية في سوق الجمعة وهي (حمام الناصري).
1 - حمام عاشق في محلة القصيلة وهي حمام أشقتمر وقد تقدم ذكرها.
1 - حمام برسين في محلة باب النيرب.
1 - حمام الجابرية في دكاكين حجيج بناها الحاج ضياء الجابري سنة 1315.
1 - حمام باب الأحمر في محلة باب الأحمر (أغلبك).
1 - حمام البياضة (السروي) في محلة البياضة.
1 - حمام بلبان في محلة المستدامية.
1 - حمام القاضي في جادة باب النصر.
1 - حمام أوج خان في سوق النحاسين.
1 - حمام القوّاس عند جامع الذكي.
1 - حمام بهرام في محلة الجديدة.
1 - حمام البساتنة في قسطل الحرامي.
1 - حمام الألمجي في محلة الألمجي.
1 - حمام أغيور في محلة أغيور (آقيول).
1 - حمام السبيل عند سبيل دالي محمود.
1 - حمام الأفندي في محلة سوق الدجاج.
1 - حمام الجديدة في محلة بانقوسا.
1 - حمام سوق الغزل في محلة خان السبيل.
1 - حمام رقبان في محلة بانقوسا.
1 - حمام النحاسين قبلي الجامع الكبير.
1 - حمام الأبرية في محلة سويقة حاتم.
1 - حمام الواساني في هذه المحلة.
1 - حمام السلطان في محلة الفرافرة.
1 - حمام مصطفى باشا في محلة الفرافرة.
1 - حمام أزدمر في محلة الفرافرة.
1 - حمام الخونكرلي في محلة الفرافرة.
1 - حمام الجديدة في سويقة الحجارين.
1 - حمام التل في محلة باحسيتا.
1 - حمام الجسر في باب الجنان.
1 - حمام الخسته خانه في محلة الرمضانية.(3/433)
وقد كان في منتهى سوق الحرير ملاصق مسجد اليتامى وأمام الطريق التي تأخذ بك إلى محلة جب الله أسد الله حمام تعرف بحمام البيلوني لأنها تابعة لوقفه وكانت تدعى قديما حمام موغان، وقد خربت عند تعريض الجادة هناك وذلك سنة 1335وبني موضعها منذ سنتين سبع حوانيت عظيمة ألحقت بوقف بني البيلوني وبعض هذه الحمام عرضت به الجادة هناك.
وإذا قسمنا عدد نفوس أهالي حلب قبل 20سنة وهو 120ألفا على هذه الأربعين يكون لكل حمام ثلاثة آلاف، وعلى هذا المعدل إذا رجعنا إلى عدد الحمامات السابق وهو 177حماما واعتبرنا العامر منها في تلك الأزمنة في عصر واحد 120حماما يكون معظم ما بلغته نفوس حلب في عصور عمرانها في القرون الوسطى الهجرية نحو 360ألفا فتكون نفوس حلب الآن على ما سيأتيك في الإحصاء الأخير هي على النصف من هذا العدد وضعف ما كانت عليه في أواسط القرن الماضي كما قدمنا ذلك في حوادث سنة 1227.(3/434)
عدد الدور التي في نفس حلب والدكاكين
وغير ذلك على مقتضى القيود الرسمية في دائرة الأملاك في هذه السنة أعني سنة 1343 17335الدور.
9627 - الدكاكين.
242 - الخانات.
127 - المقاهي.
73 - القيساريات.
27 - الطواحين.
120 - المدارات.
29 - الفنادق.
46 - معامل الطحين والجليد.
117 - الأفران.
7 - الفاخورات.
15 - المصابن الكبيرة والصغيرة.
14 - المطابع.
24 - المصابغ.
10 - المعاصر.
27813
41 - الحمامات.
16 - تنانير الكلس.
258 - السبل والقصاطل.
36 - الدوائر الرسمية.
42 - المدارس الرسمية.
20 - المدارس غير الرسمية.
72 - الترب التي داخل البلدة وخارجها
28298 - ومجموع عدد محلات حلب التي فيها هذه المباني 105.
الجوامع والمساجد وغير ذلك
120 - الجوامع.
180 - المساجد.
34 - المدارس العلمية العامرة والخربة.
34 - الزوايا والتكايا.
2 - المارستانات.
370 - أقول: في الدر المنتخب (ص 105) جملة المساجد التي داخل حلب وخارجها على ما ذكره ابن شداد 725مسجدا اه فيكون الموجود الآن أقل من نصف ما كان، ومن هنا يمكنك أن تستنتج مقدار نفوس حلب في تلك العصور بما يؤيد ما استنتجناه في الكلام على الحمامات.(3/435)
49517 - الكنائس في حلب وموقعها وتاريخ بنائها
الاسم كنيسة الأربعين شهيدا للأرمن الغريغوريين
كنيسة السيدة للأرمن الغريغوريين
كنيسة مار أنطانيوس للآباء الفرنسيسين
كنيسة انتقال السيدة للسريان الكاتوليك
كنيسة أم المعونات للأرمن الكاتوليك
كنيسة بشارة الإنجيل للبروتستانت
كنيسة مار فرنسيس للآباء الفرنسيسين
كنيسة السيدة للروم الأرثوذكس
كنيسة سيدة الانتقال للروم الكاتوليك
كنيسة مار جرجس للروم الكاتوليك
كنيسة قلب يسوع للآباء اليسوعيين
كنيسة مار بطرس للكلدان
كنيسة مار جرجس للسريان الأرثوذكس
الموقع في الصليبة قديمة وآخر تجديدها سنة 1869.
في الصليبة قديمة وآخر تجديدها سنة 1850.
في الكتاب قديمة وآخر تجديدها سنة 1665.
في الصليبة قديمة جدا وآخر تجديدها سنة 1850بعد حريقها.
في تومايات الصليبة بناؤها سنة 1840.
في جقور قسطل اتخاذها كنيسة سنة 1867.
في جلوم الكبرى «شيباني» بناؤها سنة 1878.
في صليبة تجديدها بقصد التوسيع سنة 1851.
في صليبة تجديدها سنة 1801بعد حريقها.
في شرعسوس بناؤها سنة 1850.
في تراب الغربا بناؤها سنة 1881.
في عزيزية بناؤها سنة 1882.
في جقور قسطل قديمة، وأما اختصاصها بالسريان بعد أن كانت مشتركة بينهم وبين الأرمن فيرجع إلى سنة 1893.(3/436)
كنيسة القديس بوناونتورا للآباء الفرنسيسيين
كنيسة مار إلياس الحي للموارنة
كنيسة الأنفس المطهرية للموارنة
في الرام بناؤها سنة 1907.
في صليبة قديمة ثم أبطلت وتشيد عوضها سنة 1891.
في حميدية بناؤها سنة 1910.(3/437)
كنائس اليهود ومحلاتها
الكنيسة الكبيرة في محلة بحسيتا
كنيسة بيت ناسي في محلة القلة
كنيسة مدارس البومين في محلة القلة
كنيسة ماكين كبوريم في محلة المصابن
كنيسة مدراس عبود في محلة اليهود
كنيسة حاخام موسى دباح في محلة اليهود.
كنيسة مدارس الحسيدين في محلة اليهود.
كنيسة عزرة عدس في محلة البندرة.
كنيسة سلويرة في محلة البندرة.
كنيسة سلويرة في محلة الجميلية.
كنيسة الجميلية في محلة الجميلية.(3/438)
نفوس حلب لتاريخ 24جمادى الأولى سنة 1343
الموافق غرة كانون الثاني سنة 1925 98016المسلمون: الذكور: 46379. الإناث: 51637.
03156 - المسلمون: المهاجرون.
101172
029023 - النصارى الوطنيون ويزيد إناثهم عن ذكورهم 6في المائة تقريبا.
005995 - اليهود: الذكور: 2905. الإناث: 3090.
1868 - الأجانب
29942 - مهاجرو الأرمن.
168000 - وربما كان مجموع ما هو بدون قيد مقدار 7آلاف فيكون مجموع النفوس الموجودة الآن في نفس حلب نحو 175ألفا.(3/439)
نفوس ملحقات حلب كما استخرجناه من دائرة النفوس
50062 - جبل سمعان.
43173 - إذلب.
23593 - الباب.
23181 - حارم.
22837 - أعزاز.
22456 - كردطاغ.
20796 - منبج.
18925 - المعرة.
17877 - جسر الشغور.
17690 - جرابلس.
12543 - دير الزور
2752 - ميادين (1)
987 - أبو كمال
13710 - الرقة وتوابعها (2)
81401 - أنطاكية
19509 - إسكندرونة (3)
بيلان والآن مركز
13014 - القضاء في قرق خان 404606
وإذا قدرنا ما حول دير الزور وميادين وأبو كمال والعشائر القاطنة في ولاية حلب مع ما هو بدون قيد بخمسة وتسعين وخمسمائة ألف فتكون نفوس ولاية حلب الآن تقديرا نصف مليون.
__________
(1) هذه نفوس نفس هذه البلاد، وأما ما حولها من القرى والعشائر فلم يحرر بعد، ولا ذكر لدير الزور في السالنامة لنستخرج منها القيود القديمة لأنها كانت متصرفية مستقلة تراجع الآستانة رأسا.
(2) نفس الرقة 1583وأما ما حولها فلم يحرر من جديد، وفي السالنامة الأخيرة لسنة 1326نفس الرقة 795وعدد توابعها 12127فتكون الرقة وتوابعها كما ذكرنا أعلاه.
(3) نفوس هذه البلاد الثلاثة وملحقاتها التي تحررت من جديد لم تأت بعد إلى الولاية، والعدد الذي ذكرناه استخرجناه من السالنامة الأخيرة لسنة 1326هجرية.(3/440)
دائرة الأشغال العامة
هذه الدائرة وظيفتها بناء الجسور والقناطر وتمهيد الطرق وغير ذلك من الأعمال، وقد تأسست سنة اثنتين وثلاثمائة وألف أو بعد ذلك بقليل، وكانت مؤلفة من مهندس ومعاون له، وأعمالها منحصرة بتمهيد الطرق، ثم صدر قانون في سنة 1307يكلف جميع العثمانيين من سن 17إلى 60بالشغل أربعة أيام في السنة بدنا أو بدلا أو مالا، وكان المهندس والمعاون يرجعان في أمورهما إلى لجنة مؤلفة من الوالي ومدير المصرف الزراعي وعضو من مجلس الإدارة. وبقيت تلك اللجنة إلى شعبان من سنة 1329ففيها صدرت إرادة سنية بإلغائها.
فهذه اللجنة أتمت من الأعمال ما يأتي:
تمهيد طريق لسير العجلات من حلب إلى الإسكندرونة وطوله 156كيلو مترا.
وتمهيد طريق من طوب بوغاز (نقطة على طريق الإسكندرونة) إلى أنطاكية طوله 36كيلو متر وتمهيد 20كيلو مترا من الطريق التي بين حلب وبيره جك ومهدت العوارض قدر 100كيلو متر ما بين حلب وبغداد ليكون صالحا لسير العجلات في موسم الصيف.
وأنشىء طريق من قرب كفرأنطون على طريق الإسكندرونة شمالا يمر من أعزاز كلّز عينتاب حتى مرعش، وهو من مفرق الطريق إلى كلّز 50كيلو مترا ومنها إلى عينتاب 59ومنها إلى حدود مرعش 34.
وفي سنة 1329شكلت هذه الإدارة على نسق الإدارات التي في بلاد الغرب من رئيس المهندسين ومهندسين ومناظرين وكتاب وصارت تقوم بهذه الأعمال على صورة فنية من إنشاء الجسور اللازمة للطرقات وغير ذلك.
وفي سنة 1334أنشىء طريق ما بين خان عفرين على طريق الإسكندرونة وبلدة راجو، ولم تزل تشكيلات هذه الإدارة على هذه الصورة حتى سنة 1340، ففيها تشكلت هذه الدائرة بصورة أنظم مما كانت عليه وزيد في نفقاتها مبلغ وافر، لذا أمكنها أن تقوم بأعمال كثيرة في هذه السنين الثلاث وهي:(3/441)
1 - فتح طريق من حلب إلى أنطاكية يمر من أورم الصغرى وأورم الكبرى والأثارب وقصر البنات وحارم طوله من حلب إلى أنطاكية 100كيلو متر، ثم منه إلى حارم وهو 65كيلو مترا والدائرة مهتمة بإكماله إلى أنطاكية.
2 - فتح طريق من حلب إلى إدلب ريحا (جسر الشغر) طوله 122كيلو مترا، تم منه 63كيلومترا، وسيتم الباقي بعد سنة من هذا التاريخ، ومن الجسر إلى اللاذقية سيكمل من قبل حكومتها.
3 - تنظيم ساحة برية المسلخ وجعلها حديقة عامة وردم الخندق من عند محلة جب قرمان إلى جامع التوبة في محلة باب النيرب، وأنشئت في برية المسلخ أمام الحديقة مدرسة ابتدائية تحتوي على 15غرفة واسعة داخل عرصة طولها 120مترا وعرضها 55 مترا، وأنشأت هناك مستوصفا لمعاينة الفقراء مجانا فيه 9غرف طوله 80مترا وعرضه 25 مترا وستكون مصاريفه من جانب إدارة الصحة العامة.
4 - إكمال البناية التي كانت أسست سنة 1330غربي التكية المولوية أمام النهر، وكان قد بني منها طابق واحد لكنه لم يكمل فبني الطابق العلوي وأكمل السفلي، والمنتظر اتخاذ هذه البناية العظيمة مدرسة للهندسة وهي 15غرفة.
5 - إكمال بناية أمام مخفر الكتّاب قبلي بستان باقي جاويش خصصت لدائرة قيادة الدرك والاقتصاد، وكان مكانها نصف التربة الدقماقية والنصف الآخر باق وفيها 18 غرفة، وكان بوشر فيها أثناء الحرب من قبل دائرة النافعة لتكون مسكنا للولاة، وبني منها جدرانها ثم تركت فأكملتها الآن.
6 - فتح طريق من بساتين (بابلّا) مارا بالمسلخ وينتهي في محلة باب النيرب إلى قسطل علي بك.
7 - فتح طريق من حلب إلى الباب وقد وصل الآن إلى قرية نقّارين وأنشىء في قرية مرّان جسران على هذا الطريق وجسر في قرية المديونة في هذا الطريق وجسر في قرية الغوز ودير قاق وجسر آخر في كروم الباب ومجموعه 36كيلو مترا.
8 - فتح طريق من الباب إلى بزاعة مع إنشاء أربعة جسور فيما بين الباب وبزاعة طوله 5كيلو مترات.
9 - جلب ماء قرية مرتين التي تبعد عن إدلب 7كيلومترات إلى إدلب بواسطة
أقنية حديدية وموتور ومضخة، ومصاريف ذلك النصف من الأهالي والنصف من مجلس بلدية إدلب، بلغت المصاريف 12ألف ورقة سورية تعادل 2880ليرة عثمانية ذهبا.(3/442)
9 - جلب ماء قرية مرتين التي تبعد عن إدلب 7كيلومترات إلى إدلب بواسطة
أقنية حديدية وموتور ومضخة، ومصاريف ذلك النصف من الأهالي والنصف من مجلس بلدية إدلب، بلغت المصاريف 12ألف ورقة سورية تعادل 2880ليرة عثمانية ذهبا.
10 - ترصيف الطريق من باب النصر إلى باب الحديد.
11 - بناء دور للحكومة في قضاء أعزاز والمعرة وجرابلس وجسر الشغر وكردطاغ ودير الزور كل دار 24غرفة.
12 - إنشاء مدرسة في إدلب ذات 6صفوف واسعة كان بني منها جدرانها إلى النوافذ فأكملت في هذه المدة وسلمت للمعارف.
13 - بناء مدرسة تجهيزية في دير الزور ذات طابقين تشتمل على 20غرفة.
14 - ترميم حيطان قاعة القلعة وربطها بقضبان حديدية (وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام على القلعة).
15 - بناء بجانب مدرسة الصنائع تحت القلعة فيه 5غرف ليكون دارا لصناعة الحدادة تلحق بهذه المدرسة (وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام على هذا المكتب).
16 - بناء أثر تذكاري بطرف قبور الجراكسة في ذيل جبل الجوشن يعلم منه الشروع في فتح الطريق من حلب إلى أنطاكية من جهة ومن حلب إلى جسر الشغر من جهة أخرى.
هذا ما قامت به من الأعمال إلى هذا الشهر وهو شهر شوال من سنة 1343، وفي مقرراتها تعريض جسر الناعورة لضيقه وستجعله 20مترا وستباشر به عمّا قريب.
فصل فيما مدحت به حلب (1)
قال أبو العلاء المعري:
يا شاكي النوب انهض طالبا حلبا ... نهوض مضنى لحسم الداء ملتمس
واخلع حذاك إذا حاذيتها أدبا ... كفعل موسى كليم الله في القدس
وقال أبو الطيب المتنبي:
كلما رحبت بنا الروض قلنا ... حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا ... وإليها وجيفنا والذميل
__________
(1) قدمنا بعضا منه في الجزء الثاني في صحيفة 304(3/443)
وقال أبو الفتح ابن حيّوس من قصيدة يمدح بها الأمير شرف الدولة مسلم بن قريش لما فتح حلب سنة 473:
ما أدرك الطلبات مثل مصمم ... إن أقدمت أعداؤه لم يحجم
لا يتشكون إليك نائبة سوى ... تقصيرهم عن شكر هذي الأنعم
أقدمت أمتع مقدم وغنمت أو ... في مغنم وقدمت أسعد مقدم
ولقد ظفرت بما يعز مرامه ... إلا عليك فدم عزيزا واسلم
كانت تعد من المعاقل برهة ... وسمت بملكك وهي بعض الأنجم
فضلت على كل البقاع وبينت ... فضل الصبور على الممض المؤلم
من زاد عنها نخوة لم يخش من ... عتب العتاب ولا ملام اللوّم
وقال أبو الوليد البحتري:
أقام كل ملثّ الودق رجّاس ... على ديار بعلوى الشام أدراس
فيها لعلوة مصطاف ومرتبع ... من بانقوسا وبابلّى وبطياس
منازل أنكرتنا بعد معرفة ... وأوحشت من هوانا بعد إيناس
يا علو لو شئت أبدلت الصدود لنا ... وصلا ولان لصب قلبك القاسي
هل من سبيل إلى الظهران من حلب ... ونشوة بين ذاك الورد والآس
وقال أبو فراس الحمداني:
الشام لا بلد الجزيرة لذتي ... وقويق لا ماء الفرات منائي
وأبيت مرتهن الفؤاد بمنبج ال ... سوداء لا بالرقة البيضاء
وقال أيضا:
ارتاح لما جاز أرتاحا ... ولاح من جوشن ما لاحا
لما رأى مسحب أذياله ... باح من الحب بما باحا
ملعب لهو كلما زرته ... وجدت فيه الروح والراحا
وقال أيضا:
نظرت وضمت جانبيّ التفاتة ... وما التفت المشتاق إلا لينظرا
إلى أرجوانيّ من البرق كلما ... تنمر علويّ السحاب تعصفرا
يضيء غماما فوق بطياس واضحا ... يبض وروضا تحت بطياس أخضرا
وقد كان محبوبا إلي لوانه ... أضاء غزالا عند بطياس أحورا
وقال أبو بكر الصنوبري:(3/444)
نظرت وضمت جانبيّ التفاتة ... وما التفت المشتاق إلا لينظرا
إلى أرجوانيّ من البرق كلما ... تنمر علويّ السحاب تعصفرا
يضيء غماما فوق بطياس واضحا ... يبض وروضا تحت بطياس أخضرا
وقد كان محبوبا إلي لوانه ... أضاء غزالا عند بطياس أحورا
وقال أبو بكر الصنوبري:
إني طربت إلى زيتون بطياس ... بالصالحية ذات الورد والآس
من ينس عهدهما يوما فلست له ... وإن تطاولت الأيام بالناسي
يا موطنا كان من خير المواطن لي ... لما خلوت به ما بين جلّاسي
وقائل لي أفق يوما فقلت له ... من سكرة الحب أو من سكرة الكاس
لا أشرب الكاس إلا من يدي رشإ ... مهفهف كقضيب البان ميّاس
مورد الخد في قمص موردة ... له من الآس أكليل على الراس
قل للذي لام فيه هل ترى خلفا ... يا أملح الروض بل يا أملح الناس
وقال سعد الدين ابن الشيخ محيي الدين بن عربي:
حلب تفوق بمائها وهوائها ... وبنائها والزهر من أبنائها
نور الغزالة دون نور رحابها ... والشهب تقصر عن مدى شهبائها
طلعت نجوم النصر من أبراجها ... فبروجها تحكي بروج سمائها
والسور باطنه ففيه رحمة ... وعذاب ظاهره على أعدائها
بلد يظل به الغريب كأنه ... في أهله فاسمع جميل ثنائها
وقال عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي:
قل للنسيم إذا حملت تحية ... فاهد السلام لجوشن وهضابه
واسأله هل سحب الربيع رداءه ... فيها وجر الفضل من أهدابه
وتبسمت عند الرياض وأفصحت ... بثناء بارقه ومدح سحابه
ولقد حننت وعاد لي من نحوه ... شجن بخلت به على خطّابه
وصبابة علقت بقلب متيم ... وصل الغرام إليه قبل حجابه
وإذا الغريب صبا إلى أوطانه ... شوقا فمعناه إلى أوطانه
وقال أيضا متشوقا وهو بآمد (ديار بكر):
خليليّ من عوف ابن عذرة إنني ... لكل غرام فيكما لجدير
كفى حزنا أني أبيت وبيننا ... وسيع الفلا والسامرون كثير
وأصبح مغلوبا على حكم رأيه ... وقد عشت دهرا ما عليّ أمير
أشيم ركابي في بلاد غريبة ... من العيش لم يسرح بهن بعير
فقد جهلت حتى أراد خبيرها ... بوادي الفطين أن يلوح سنير
وكم طلبت ماء الأحص بآمد ... وذلك ظلم للرجاء كبير
عدوها قويقا واطلبوا لحنينها ... نحايف جسمي إن تهب دبور
فو الله ما ريح الصبا بحنينة ... إليها ولا ماء الأحص نمير
سقى الهضبة الأدماء من ركن جوشن ... سحاب يسير نوره وينير
وحل عقود المزن في حجراته ... نسيم بأدواء القلوب خبير
فما ذكرته النفس إلا تبادرت ... مدامع لا يخفى بهن ضمير
وقال أبو عبد الله أبو العباس الصفري يتشوق إلى حلب وهو بدمشق:(3/445)
خليليّ من عوف ابن عذرة إنني ... لكل غرام فيكما لجدير
كفى حزنا أني أبيت وبيننا ... وسيع الفلا والسامرون كثير
وأصبح مغلوبا على حكم رأيه ... وقد عشت دهرا ما عليّ أمير
أشيم ركابي في بلاد غريبة ... من العيش لم يسرح بهن بعير
فقد جهلت حتى أراد خبيرها ... بوادي الفطين أن يلوح سنير
وكم طلبت ماء الأحص بآمد ... وذلك ظلم للرجاء كبير
عدوها قويقا واطلبوا لحنينها ... نحايف جسمي إن تهب دبور
فو الله ما ريح الصبا بحنينة ... إليها ولا ماء الأحص نمير
سقى الهضبة الأدماء من ركن جوشن ... سحاب يسير نوره وينير
وحل عقود المزن في حجراته ... نسيم بأدواء القلوب خبير
فما ذكرته النفس إلا تبادرت ... مدامع لا يخفى بهن ضمير
وقال أبو عبد الله أبو العباس الصفري يتشوق إلى حلب وهو بدمشق:
من مبلغ حلب السلام مضاعفا ... من مغرم في ذاك أعظم حاجه
أضحى مقيما في دمشق يرى بها ... عذب الشراب من الأسى كدجاجه
وقال أيضا:
يا برق طالع من ثنية جوشن ... حلبا وحي كريمة من أهلها
واسأله هل حمل النسيم تحية ... منها فإن هبوبه من رسلها
ولقد رأيت فهل رأيت كوقفة ... للبين يشفع هجرها في وصلها
وقال جمال الدين يحيى بن مطروح يمدح حلب وملكها نقلا عن ديوانه المطبوع:
على حلب الغراء مني تحية ... لها أرج كالمسك والعنبر الوردي
وما هي إلا جنة الخلد بهجة ... ولا عجب شوقي إلى جنة الخلد
نعم ورعى الرحمن فيها عصابة ... مناقبهم جلّت عن الحصر والحدِّ
وخصص منهم منعما راجح النهى ... مباح الحمى خفاق ألوية الحمد
هو النيّر العلوي غير مدافع ... وعند ملوك الأرض واسطة العقد
فما زاد قرب الدار إلا تشوقا ... على أن قرب الدار خير من البعد
لأبي الحسن علي بن عنبر الحلوي:
لئن سمحت أيدي الزمان برحلة ... إلى حلب حل الحيا عندها الحبى
شكرت لما أولت يدا غربة النوى ... زماني بها شكر المجازي على الحبا
وقابلت معناه وقبلت مبسما ... فحيا فأحيا عنده ميت الصِّبا
فأهلا وسهلا بالشمال تؤمه ... وسقيا ورعيا للجنوب وللصَّبا
وقال محمد بن حرب الخطيب وهو بالبيرة يتشوق إلى حلب:(3/446)
لئن سمحت أيدي الزمان برحلة ... إلى حلب حل الحيا عندها الحبى
شكرت لما أولت يدا غربة النوى ... زماني بها شكر المجازي على الحبا
وقابلت معناه وقبلت مبسما ... فحيا فأحيا عنده ميت الصِّبا
فأهلا وسهلا بالشمال تؤمه ... وسقيا ورعيا للجنوب وللصَّبا
وقال محمد بن حرب الخطيب وهو بالبيرة يتشوق إلى حلب:
يقر لعيني أن أروح بجوشن ... وماء قويق تحته متسربا
لقد طفت في الآفاق شرقا ومغربا ... وقلبت طرفي بينها متقلبا
فلم أر كالشهباء في الأرض منزلا ... ولا كقويق في المشارب مشربا
جعلت شعار الوجد لي بعد بعدكم ... شعارا ومجرى مذهب الدمع مذهبا
لعل زمانا قد قضى بفراقنا ... يريني قريبا شملنا متقربا
وقال الأمير ركن الدين: أنشدني موفق الدين الكاتب يتشوق إلى حلب:
سلام على الحي الذي دون جوشن ... سلام يرثّ الدهر وهو جديد
تضوع بمسراه البلاد كأنما ... تراه من الكافور وهو صعيد
فلي أبدا شوق إليه مبرِّح ... ولي كلَّ يوم أنّة ونشيد
وكيف أداوي بالعراق محبة ... شآمية إن الدواء بعيد
ومما قاله الوزير أبو القاسم بن الحسين المغربي:
أمّا إلى حلب فقلبي نازح ... أبدا وماء علاقتي متصوب
بلد عرفت بها العدو مكلما ... عني وشيطان الغواية يحلب
أيام أركب من شبابي جامحا ... فيمرّ بي فيما يشاء ويذهب
هيهات لا تلك الليالي عود ... أبدا ولا ذاك الزمان معقّب
لهفي عليه وإن تمنطق عادلا ... فيه وأصفح عنه حيس مهذب
وقال أيضا:
مل بي إلى حلب أعلل ناظري ... فيها غداة تحث بي الأشواق
بلد أرقت به مياه شبيبتي ... حيث النجيع إذا أردت مراق
وله أيضا:
حن قلبي إلى معالم بابلّا ... حنين المولَّه المشغوف
مطلب اللهو والهوى وكناس ... الخرّد العين والظباء الهيف
حيث شطّا قويق مسرح طرفي ... وسواقيه مؤنسي وأليفي
ليس من لم يكثر الحنين إلى الأ ... وطان إن شتت النوى بظريف (1)
ذاك من شيمة الكرام ومن عه ... د الوفاء المحبب الموصوف
__________
(1) هكذا جاء البيت، ويستقيم وزنه بحذف لم.(3/447)
وقال أبو الفتح محمود بن الحسن المعروف بكشاجم:
أرتك يد الغيث آثارها ... وأعلنت الأرض أسرارها
وكانت أكنَّت لكانونها ... خبايا وأعطته آدارها
فما تقع العين إلا على ... رياض تصنف نوارها
يفتح فيها نسيم الصبا ... جناها فيهتك أستارها
ويسفح فيها دماء الشقيق ... إذا ظل يفتض أبكارها
ويدني إلى بعضها بعضها ... كضم الأحبة زوارها
تغض لنرجسها أعين ... وطورا تحدق أبصارها
إذا مزنة سكبت ماءها ... على بقعة أشعلت نارها
وما أمتعت جارها بلدة ... كما أمتعت حلب جارها
هي الخلد تجمع ما تشتهي ... فزرها فطوبى لمن زارها
وللهو فيها شهور الربيع ... حين يقطف أزهارها
إذا ما استمد قويق السما ... بها فأمدته أمطارها
وأقبل ينظم أجيادها ... يغيض المياه وأغوارها
وأرضع جناتها دره ... فعمم بالنور أشجارها
ودار بأكنافها دورة ... ينسّي الأوائل تذكارها
نسبها صاحب الدر المنتخب لكشاجم ونسبها ابن شداد لأبي بكر الصنوبري والله أعلم.
وفي المختار من الكواكب المضية نقلا عن ابن خطيب الناصرية قال: حلب بلدة مباركة عذبة الماء طيبة الهواء جيدة الأبناء لكنها مقبلة على غربائها مدبرة عن أبنائها كما قيل:
غريبها مقدم ... وأهلها في الساقة
وقال صاحب الفراسة:
وحلب خزانة الذكاء ... وموطن العفة والحياء
طالعها للغرباء سعد ... وهي لمن فيها شقا وكد
لكنها تعطي دقيق العلم ... لأهلها من بعد لطف الفهم
والعصبيات لديهم وافره ... وعلقة الحذق عليهم ظاهره
وقال أبو نصر محمد بن محمد الخضري:(3/448)
وحلب خزانة الذكاء ... وموطن العفة والحياء
طالعها للغرباء سعد ... وهي لمن فيها شقا وكد
لكنها تعطي دقيق العلم ... لأهلها من بعد لطف الفهم
والعصبيات لديهم وافره ... وعلقة الحذق عليهم ظاهره
وقال أبو نصر محمد بن محمد الخضري:
يا حلبا حييت من مصر ... وجاد مغناك حيا القطر
أصبحت في جلّق حران من ... وجد إلى مربعك النضر
والعين من شوق إلى العين ... والفيض غدت فائضة تجري
ما بردى عندي ولا دجلة ... ولا مجاري النيل من مصر
أحسن مرأى من قويق إذا ... أقبل في المد وفي الجذر
يا أسفي منه على جرعة ... تبل مني غلة الصدر
كم فيك من يوم ومن ليلة ... مرّ لنا من غرر الدهر
ما بين بطياس وحيلان ... والميدان والجوسق والجسر
وروض ذاك الجوهريّ الذي ... أرواحه أزكى من العطر
وزهره الأحمر من ناظر ... الياقوت والأصفر كالتبر
والنور في أجياد أغصانه ... منظم أبهى من الدّرِّ
منازل لا زال حلف الحيا ... على رباها دائم الدَّرِّ
تالله لا زلت لها ذاكرا ... ما عشت في سري وفي جهري
وكيف ينساها فتى صيغ من ... تربتها الطيبة النشر
وكل يوم مرّ في غيرها ... فغير محسوب من العمر
إن حنّ قلبي إليها فلا ... غرو حنين الطير للوكر (1)
يا ليت شعري هل أراها وهل ... يسمع بالقرب بها دهري
وقال ابن مشرق المارديني:
حيا حمى الشهباء حقا إنها ... مدينة يرتع في نعيمها
نسيمها ألطف شيء في الورى ... وأهلها ألطف من نسيمها
وكتب أبو سعيد ابن الغزي إلى كمال الدين ابن الأستاذ:
كتبت وما اجتاز السلو ببالي ... ووجدي بكم وجدي وحالي حالي
وأذكر لو يجدي التذكر راحة ... وأسأل عنكم لو يفيد سؤالي
أيا ساكني الشهباء عهدي بعهدكم ... قديم ولاء لم يشب بملال
__________
(1) البيت مكسور كما هو واضح. ولعل الصواب: إن حن لي قلب إليها فلا(3/449)
أياديكم عندي أياد عميمة ... توالت وما شكري لها متوالي
أؤمل شكرا أرتضيه لمثلكم ... لقد كلّفت نفسي إذا بمحال
أيا راكبا يزجي الركائب طلّعا ... رويدك من أين بها وكلال
إذا حلب يممت ساحة أرضها ... فحي قياما بالمقام عوالي
وعرج بباب الأربعين مبلغا ... سلامي أحبابا به وموالي
وطارحهم عني قديم مودة ... أغار عليها أن تمر ببالي
إذا ما ذكرت الفيض فاضت مدامعي ... تبل عليها وبلها المتبالي
ولم أله عن باب الجنان تسليا ... لسلسال ماء كالحياء زلال
سقى المشهد الأعلى فأعلام جوشن ... بواكر داني الهنديين سجال
وروى مقر الأنبياء سحائب ... يؤلفها ريحا صبا وشمال
بذلت لروض الجوهري جواهرا ... من الدمع فهي اليوم غير غوال
أقامت بقلبي للغرام لواعج ... لمرأى أنيق عنده وجمال
يذكرني الفردوس طيب نعيمه ... فيا حسنه لو لم يشب بزوال
مغان عهدت الأنس فيهن دائما ... فما بالها ولّت كطيف خيال
وقضّيت أياما بها ولياليا ... فيا طيب أيام وطيب ليال
وما حلب إلا مقر مكارم ... ومعدن أفضال وكنز معالي
إذا ظفرت كفاك منها بصاحب ... فقل في خليل حاز حسن خلال
يقصر عن شهبائها الشهب رفعة ... فقد كملت وصفي علا وجلال
وقال محمد بن النابلسي (1) يذكر الميدان الأخضر الذي جدده الملك الظاهر غازي:
فحبذا في حلب مسارح ... للحسن روح الروح في عيانها
وحبذا ما تمرح الأعين في ... مروجه الفيحاء من ميدانها
وما اكتست أقطاره من حلل ... تنوّق الصانع في ألوانها
قال في كنوز الذهب: الميدان الأخضر الذي جدده الظاهر غازي هو شمالي حلب، طوله سبعمائة وخمسون ذراعا وعرضه من القبلة خمسون ومن الشمال سبعون ذراعا، هكذا كان قديما، وخارجه دكة عظيمة لا يصعدها أحد للنزول عليها إلا
__________
(1) هكذا في الأصل، والصواب: أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن المفرِّج النابلسي (الأعلاق الخطيرة 1/ 167).(3/450)
السلطان، ولم تزل الملوك تعمر في هذا الميدان وتحسنه. ولما أراد الأشرف برسباي الحضور إلى حلب عمر فيه قصروه كافل حلب عمارة كثيرة وعمر فيه إينال الأشقر.
ومما قاله الملك الناصر (1) صلاح الدين يتشوق إلى حلب وهو بدمشق قصيدة أولها:
سقى حلب الشهباء في كل لزبة ... سحائب غيث نورها ليس يقلع
فتلك ربوعي لا العقيق ولا الحمى ... وتلك دياري لا زرود ولعلع
وقال الإمام محمد بن النحاس الحلبي يتشوق لحلب:
سقى حلبا سحب من الدمع لم تزل ... تسح إذا شح الغمام غمائما
وحيا الحيا قيعانها وأكامها ... وأخرج فيها للربيع كمائما
بلاد بها قضيّت لهوي وصبوتي ... وصاحبت فيها العيش جزلان ناعما
وأول أرض مسّ جلدي ترابها ... ونحّى بها عني الشباب تمائما
وله أيضا:
سقى زمانا تقضىّ في ربا حلب ... من السحاب ملثّ المزن هطال
ولا عدا ربعها غيث يراوحه ... يحثّه من حداة الرعد إزجال
منازل لم أزل ألهو بمربعها ... بها نعمت فلا حالت بها الحال
أصبو إليها ولا أصغي للائمة ... ما لذة العيش إلا القيل والقال
وقال السراج المختار:
حيا الحيا تربة الشهباء من حلب ... بما تدر من الأنواء من حلب
وصاب أرجاءها صوب العهاد ولا ... زال السحاب عليها خد منسحب
ومنها:
من لي بها ورداء الوصل يجمعنا ... ونحن نرفل في موشيّها القشب
آها على طيب أيام لنا سلفت ... لو كان ينفع تأويه لمكتئب
ما إن تذكرت أوقات السرور بها ... إلا ورحت حليف الهم والكرب
وبات طرفي بماء الدمع في غرق ... ومهجتي بزناد الشوق في لهب
لئن بكيت على دار ونحت بها ... فلست أول محزون ومنتحب
__________
(1) هو صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي (الأعلاق الخطيرة 1/ 169).(3/451)
وقال الشيخ شرف الدين أبو بكر بن محمد بن أبي الثناء محمود الحلبي:
أيا ساكني الشهباء جادت ربوعكم ... دموعي إذا ما الغيث ضنّ غمامه
لئن لاح برق في حمى الحي موهنا ... فمن نار وجدي يستمد ضرامه
وإن هب معتل النسيم على الربى ... فمن سقم جسمي يستعار سقامه
أتاني كتاب منكم ففضضته ... كما شق عن ثوب الرياض كمامه
وقبلته حتى محوت سطوره ... ولذ لقلبي في البعاد التثامه
عليكم سلام طيب النشر عاطر ... يفض لديكم كل وقت ختامه
وقال الشيخ تقي الدين ابن حجة الحموي:
غدت حلب تقول دمشق حفت ... بأنواع من الورد الغريب
فبالجوريّ إن هي كاثرتني ... قنعت أنا ببستان النصيبي
وقال الشيخ زين الدين ابن الوردي:
عليك بصهوة الشهباء يكفي ... بجوشنها محاربة الزمان
فللعرفان في الفردوس طيب ... يفوح شذاه من باب الجنان
وقال الشيخ أحمد بن عبد العزيز يتشوق إليها ويمدح السلطان صلاح الدين:
منازلنا حيث المزار قريب ... وداعي الهوى يدعو الهوى فيجيب
سقى حلبا جفني ربوعك باكر ... من المزن مجرور الذيول سكوب
وأدهم جهال له البرق غرة ... تضيء ومنه للجنوب جنيب
يسيره طورا فإن وطىء الثرى ... فسيان ريا هدة وكثيب
وأوطف من نوء السماكين مغدق ... سمير الصبا يخطي بها ويصيب
إذا فوّقت منه سهام مروقة ... رمى الجدب عن قوس الحيا فيصيب
إلى أن تبدّى في سماء رياضها ... كواكب نور ما لهن غروب
ويعتم بالنوار هام هضابها ... ويلبس برد النبت وهو قشيب
ويصقل خد الأرض بين خلالها ... من النهر كف للربيع خضيب
وأيامنا حيث الديار خصيبة ... ووجه التداني ما علاه قطوب
ألا هل يعيد الله عصرا قطعته ... بظلك إذ غصن الشباب رطيب
ونحن كما شاء الهوى نجتني المنى ... وليس علينا في الملام رقيب
فيا جيرة الشهباء إن طال نأينا ... وحالت حزون بيننا وسهوب
صفوت لكم حبا على القرب والنوى ... فسيان منكم مشهد ومغيب
ومنها:(3/452)
منازلنا حيث المزار قريب ... وداعي الهوى يدعو الهوى فيجيب
سقى حلبا جفني ربوعك باكر ... من المزن مجرور الذيول سكوب
وأدهم جهال له البرق غرة ... تضيء ومنه للجنوب جنيب
يسيره طورا فإن وطىء الثرى ... فسيان ريا هدة وكثيب
وأوطف من نوء السماكين مغدق ... سمير الصبا يخطي بها ويصيب
إذا فوّقت منه سهام مروقة ... رمى الجدب عن قوس الحيا فيصيب
إلى أن تبدّى في سماء رياضها ... كواكب نور ما لهن غروب
ويعتم بالنوار هام هضابها ... ويلبس برد النبت وهو قشيب
ويصقل خد الأرض بين خلالها ... من النهر كف للربيع خضيب
وأيامنا حيث الديار خصيبة ... ووجه التداني ما علاه قطوب
ألا هل يعيد الله عصرا قطعته ... بظلك إذ غصن الشباب رطيب
ونحن كما شاء الهوى نجتني المنى ... وليس علينا في الملام رقيب
فيا جيرة الشهباء إن طال نأينا ... وحالت حزون بيننا وسهوب
صفوت لكم حبا على القرب والنوى ... فسيان منكم مشهد ومغيب
ومنها:
وكل الذي يأتيه من حسناته ... زماني مع هذا البعاد ذنوب
فخلوا نسيم الريح من سفح جوشن ... يوافيه منه نسمة وهبوب
أحملها شوقا سلامي إليكم ... فيعبق منها للجنوب جيوب
فيا ليت شعري والأماني تعلة ... أيضحي بعيد الدار وهو قريب
فيسرح طرفي في ثنيات جوشن ... بروض رعاه العز وهو خصيب
وأكرع من صافي قويق بمرود ... هو الدهر لي دون المياه حبيب
وقائلة لم تشتكي الشوق والأسى ... لقد كدت من فرط الحنين تذوب
أما إن ترى إلا وأنت مروّع ... مشوق إلى تلك الديار طروب
تفارقها عمدا وتمسي لفقدها ... وأنت قريح المقلتين كئيب
فقلت لها ما عن ملال هجرتها ... وكيف وعودي في الحفاظ صليب
ولكن دعاني فاستجبت مبادرا ... إلى العز عزم للعلاء طلوب
ونفس كريم لافنا الهون طيب ... لديه ولا مغنى الهوان رحيب
وجود صلاحيّ إذا جاد صوبه ... تعلّم منه الغيث كيف يصوب
وحسن محيّا يوسفيّ إذا بدت ... طلاقته بشرا فليس يغيب
هو الملك لا راج نداه مخيب ... لديه ولا لاج إليه غريب
نهوب لأرواح الكماة لدى الوغى ... وللجيش مهما حاز وهو وهوب
مكارمه فينا ضروب تنوعت ... وليس له في العالمين ضريب
فلا تنكري أن بعت أهلي وموطني ... بقربي منه إنني لمصيب
وليس سوى دار الكرامة موطن ... وليس سوى شخص العلاء نسيب
وقال الشيخ شمس الدين محمد ابن العفيف من قصيدة:
أقول والبارق العلوي مبتسم ... والريح مقبلة والغيث ينسكب
إذا سقى حلب من مزن غادية ... أرضا فخصت بأوفى قطره حلب
أرض متى قلت من سكان أربعها ... أجابك الأشرفان الجود والحسب
قوم إذا زرتهم أصفوك ودهم ... كأنما لك أم منهم وأب
وقال منصور بن المسلم بن أبي الخرجين النحوي الحلبي من قصيدة:(3/453)
أقول والبارق العلوي مبتسم ... والريح مقبلة والغيث ينسكب
إذا سقى حلب من مزن غادية ... أرضا فخصت بأوفى قطره حلب
أرض متى قلت من سكان أربعها ... أجابك الأشرفان الجود والحسب
قوم إذا زرتهم أصفوك ودهم ... كأنما لك أم منهم وأب
وقال منصور بن المسلم بن أبي الخرجين النحوي الحلبي من قصيدة:
عسى مورد من سفح جوشن نافع ... فإني إلى تلك الموارد ظمآن
وما كل ظن ظنه المرء كائن ... يحوم عليه للحقيقة برهان
وقال عيسى بن سعدان الحلبي من أبيات ذكرها في المعجم في الكلام على جبل السمّاق (1):
يا حبّذا التلعات الخضر من حلب ... وحبذا طلل بالسفح من طلل
يا ساكني البلد الأقصى عسى نفس ... من سفح جوشن يطفي لاعج الغلل
طال المقام فوا شوقا إلى وطن ... بين الأحصّ وبين الصحصح الرمل
ماذا يريد الهوى مني وقد علقت ... إني أنا الأرقم بن الأرقم الدغل
والبيت الأخير من تاريخ ابن شداد.
ولأبي بكر الصنوبري قصيدة طويلة أوردها ياقوت في معجمه بتمامها وأولها:
احبسا العيس احبساها ... وسلا الدار اسألاها
اسألا أين ظباء ال ... دار أم أين مهاها
حلب بدر دجا أنجمها الزهر قراها
ومنها:
حبذا جامعها الجامع للنفس تقاها
موطن يرسي ذوو البر لمرساه جباها
حلب أكرم مأوى ... وكريم من أواها
وقد ختمها بقوله:
فافخري يا حلب المدن يزد جاهك جاها
إنه إن تكن المدن رخاخا كنت شاها
وقال الشاعر سرور بن الحسين من أعيان القرن الحادي عشر من قصيدة ستأتي في
__________
(1) يسبق هذه الأبيات في «الاعلاق الخطيرة»:
عهدي بها في رواق الصبح لامعة ... تلوي ضفائر ذاك الفاحم الرجل
وقولها وشعاع الشمس منخرط ... حييت يا جبل السمّاق من جبل(3/454)
ترجمته:
وليلة غاظ البدر فيها اجتماعنا ... فكنا نرى في وجهه أثر الحقد
وملتقطات من فؤادي تجتني ... أحاديث أحلى مجتنى من جنى الشهد
ألذ من الماء القراح على الظما ... وأعذب من طيب الكرى عقب السهد
وبالبقعة الغنّاء من سفح جوشن ... فتلك الربى فالسفح من جوشن الفرد
كأنا إلى شاطي مجر قويقها ... وقد أشرف السعدي بكم أنجم السعد
تجد بنا أهواؤنا فحلومنا ... موفرة فيها على الهزل والجد
وكم بردت للتل عين قريرة ... سرورا بنا والشمل منتظم العقد
وقال عمر اللبقي الحلبي من أعيان القرن الثاني عشر:
شهبا العواصم لا تخفى محاسنها ... فالله يكلؤها من كل ذي عوج
يمم حمى حلب تلق السرور على ... جبين أبنائها ألنيّر البهج
فعج ولج وتأمل بلدة شملت ... باب الجنان وباب النصر والفرج
وللفاضل يوسف بن حسين الحسيني من أعيان القرن الثاني عشر:
قل لمن رام النوى عن بلدة ... ضاق فيها ذرعه من حرج
علل القلب بسكنى حلب ... إن في الشهباء باب الفرج
ولبعضهم في عين التل وقد أجاد:
برؤية عين التل قرت عيوننا ... وزاد ابتهاج العين في ربوة العين
ولما رأى إنسان عيني لعينها ... فعوذتها بالله من شر ذي عين
تمّ بتوفيقه تعالى طبع الجزء الثالث من (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) وبه تمّ القسم الأول من التاريخ ويليه الجزء الرابع ومنه يبتدىء القسم الثاني وهو تراجم أعيان الشهباء وبالله التوفيق(3/455)
برؤية عين التل قرت عيوننا ... وزاد ابتهاج العين في ربوة العين
ولما رأى إنسان عيني لعينها ... فعوذتها بالله من شر ذي عين
تمّ بتوفيقه تعالى طبع الجزء الثالث من (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) وبه تمّ القسم الأول من التاريخ ويليه الجزء الرابع ومنه يبتدىء القسم الثاني وهو تراجم أعيان الشهباء وبالله التوفيق
فهرست الجزء الثالث من إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء
7 - ترتيب مملكة حلب في دولة الجراكسة
9 - أحوال نواب حلب وقضاتها وأمرائها وكيفية استقبال نواب حلب
12 - الكلام على دار العدل بدمشق وحلب وسبب بنائهما
14 - وفاة الملك المؤيد شيخ وسلطنة ولده الملك المظفر أحمد سنة 824
14 - تولية حلب للأمير ألطنبغا الصغير وقتل الأمير يشبك اليوسفي
15 - ترجمة يشبك وسبب قتله سنة 824
16 - مقتل علي عماد الدين النسيمي
17 - ترجمة ألطنبغا الصغير
18 - تولية حلب للأمير إينال الجكمي
18 - ترجمة كردي أمير التركمان وأسباب شنقه
19 - تولية حلب للأمير تغري بردي بن قصروه
20 - سلطنة الملك الظاهر ططر الجركسي
20 - موت الملك الظاهر ططر وسلطنة ابنه محمد
20 - أخبار عصيان الأمير تغري بردي
20 - ترجمة تغري بردي
22 - تولية حلب للأمير قاني بك سنة 825
22 - خلع الملك الصالح محمد وسلطنة برسباي
22 - تولية حلب للأمير جارقطلو سنة 826
23 - تولية حلب للأمير قصروه سنة 830
23 - الكلام على مشهد الأنصاري
27 - الكلام على صنعة الزجاج بحلب واشتهارها في الآفاق
28 - مجيء الملك الأشرف إلى حلب سنة 836وتوجهه لآمد لمحاربة قرايلك
29 - تولية حلب للأمير قرقماش سنة 837
30 - ترجمة الأمير قرقماش
32 - تولية حلب للأمير إينال الجكمي سنة 839أيضا
32 - توليتها للأمير تغري ورمش وعصيانه
37 - آثاره في حلب
38 - تولية حلب لجلبان ثم لقانباي الحمزاوي سنة 843
38 - ترجمة جلبان
39 - تولية حلب لقاني بك البهلوان سنة 849وذكر وفاته وآثاره
40 - تولية حلب لبرسباي ثم لتنم
41 - عزل تنم وتولية حلب لقانباي الحمزاوي سنة 852
42 - ترجمة تنم المؤيدي
42 - الكلام على سقف الجامع الأعظم وجداريه سنة 853
44 - سنة 855أخلاق وعادات
45 - وفاة الظاهر جقمق وسلطنة ولده عثمان سنة 857
45 - خلع الملك المنصور عثمان وسلطنة الأشرف إينال
46 - ولاية الأمير جانم الأشرفي سنة 859(3/456)
47 - ترجمة قاني بك
47 - وصول ماء السمرمر إلى حلب
48 - الغلاء الشديد في حلب سنة 861
48 - بطلان الدراهم المستعملة وضرب دراهم جديدة في حلب
49 - حادثة الشيخ جنيد الأردبيلي وماآل إليه أمره
50 - تولية حلب لإينال اليشبكي والطاعون العظيم في حلب سنة 863
50 - ترجمة إينال اليشبكي
50 - تولية حلب للأمير جاني بك الناجي
51 - عصيان جانم الأشرفي النائب السابق سنة 866
51 - قتل جانم الأشرفي سنة 867
51 - تولية حلب للأمير بردبك سنة 868ثم الأمير يشبك البجاسي
52 - فتنة شاه سوار نائب أبلستين سنة 872
52 - وفاة السلطان خشقدم الظاهري وسلطنة أبي النصر بلباي ثم خلعه
53 - انتصار شاه سوار على الجيوش المصرية
53 - عود بردبك لنيابة حلب وأخبار عصيان شاه سوار
55 - تولية حلب للأمير إينال الأشقر سنة 873
57 - انكسار عسكر سوار على يد نائب ملطية سنة 874
57 - تولية حلب للأمير قانصوه اليحياوي
58 - انكسار ابن رمضان أمير التركمان سنة 875
60 - استرداد عينتاب وآدنة وطرسوس من شاه سوار سنة 876
61 - القبض على شاه سوار وقتله سنة 877
63 - تولية الأبلستين للأمير شاه بضاع
63 - تتمة أخبار سوار وأسباب عصيانه
64 - الحرب بين المصريين وبين حسن الطويل ملك العراق
67 - توجه قانصوه نائب حلب إلى مصر
67 - مجيء السلطان قايتباي إلى حلب سنة 882وعوده إلى مصر
68 - تولية حلب للأمير أزدمر سنة 884
69 - عصيان سيف أمير آل فضل في نواحي حماة وتوجه يشبك إلى حماة
71 - قتل الأمير يشبك الدوادار سنة 885
72 - تولية حلب للأمير ورديش
73 - قتل سيف أمير آل فضل
73 - محاصرة علي دولات لملاطية سنة 888
74 - إرسال تجريدة ثانية إلى ابن دلغادر صاحب مرعش ومبدأ الخلاف بين الدولتين الجركسية والعثمانية سنة 889
75 - العود لمحاربة علي دولات وانكساره
75 - تولية حلب للأمير أزدمر ثانية
76 - توجه جاني بك حبيب إلى القسطنطينية رسولا وسبب الوحشة بين الدولتين المصرية والعثمانية سنة 890
77 - أول وقعة بين الجراكسة والعثمانيين
77 - خروج العسكر المعين إلى علي دولات بقيادة الأتابكي إزبك
78 - عود جاني بك وإخباره بما لاقاه(3/457)
78 - الحرب بين العساكر المصرية والعساكر العثمانية وانتصار العساكر المصرية
79 - عود العساكر العثمانية مع العساكر المصرية
80 - إطلاق أحمد بك هرسك القائد العثماني
80 - الحرب بين العساكر المصرية والعثمانية وانتصار المصريين أيضا سنة 893
82 - عود الأمير إزبك إلى مصر وإرسال تجريدة إلى البلاد الحلبية وسبب ذلك
84 - عود شاه بضاع إلى طاعة الدولة المصرية سنة 895
84 - مجيء العساكر العثمانية إلى كولك وإرسال المصريين تجريدة لهم
86 - الصلح بين السلطان بايزيد العثماني والسلطان قايتباي
87 - وقوع فتنة بين نائب حلب وبين أهلها
87 - وفاة أزدمر بن مزيد نائب حلب
88 - تولية حلب للأمير إينال السلحدار
88 - وفاة قايتباي سنة 901وسلطنة ولده محمد
89 - عصيان آق بردي ومحاصرته حلب وتولية الأمير جان بلاط سنة 903
90 - قتل الملك الناصر وسلطنة قانصوه الأشرفي سنة 904
90 - تولية حلب للأمير قصروه بن إينال ومحاصرة آقبردي حلب
91 - إرسال خاير بك أخي قانصوه رسولا إلى ابن عثمان
92 - تولية حلب للأمير دولت باي
93 - خلع السلطان قانصوه وتولية السلطنة للملك الأشرف جان بلاط
93 - خلع جان بلاط وسلطنة الملك العادل طومان باي
93 - تولية حلب للأمير قرقماش سنة 906
94 - قتل الملك العادل طومان باي وسلطنة الملك الأشرف قانصوه
95 - تولية حلب للأمير سيباي سنة 908
95 - تولية حلب للأمير خاير بك سنة 910 وهو آخر أمرائها من طرف الدولة الجركسية
96 - توسط علي دولات باي صاحب مرعش في الصلح بين سيباي ودولات باي والسلطان
96 - ترجمة سيباي الجركسي وآثاره بحلب
97 - الحرب بين السلطان سليم العثماني وبين السلطان قانصوه الغوري سنة 922وأسباب هذه الحرب
99 - زيادة بيان في أسباب هذه الحرب وحالة ملوك الجراكسة
105 - استعدادات الغوري لهذه الحرب
111 - خروج طلب الغوري من مصر
112 - خروج الغوري مع أمرائه وجيوشه
114 - مجيء قاصد من السلطان سليم إلى السلطان الغوري
116 - ورود مكاتبة من سيباي نائب الشام إلى الغوري وهو في غزة
117 - وصول الغوري إلى الشام ثم حلب
117 - مسير السلطان سليم إلى هذه الديار
118 - وصول القاضي زيرك زاده والأمير قراجا إلى حلب رسولين إلى الغوري
119 - إرسال الغوري وهو بحلب قاصدا إلى السلطان سليم(3/458)
120 - إرساله الأمير كرتباي لكشف الأخبار
121 - خطيب الجامع الكبير بحلب مدة إقامة الغوري بها
122 - أسعار القوت في حلب ذلك الحين
122 - إنعام الغوري على أمرائه وجيوشه
124 - خروج عسكر الغوري من حلب إلى حيلان
125 - توجه الغوري من حيلان إلى مرج دابق والملحمة العظمى فيه
128 - ما ذكره المحلي في تفصيل هذه الملحمة
131 - قطع رأس السلطان الغوري
132 - نبذة من شعر الغوري وموشحاته
135 - مبيت السلطان سليم في مرج دابق
136 - الكلام على مرج دابق وعلى قبر سليمان بن عبد الملك
138 - منع أهل حلب للجراكسة المنهزمين من دخول حلب
139 - دخول خير بك إلى حلب وخروجه منها مع ابن السلطان الغوري
139 - مجيء السلطان سليم إلى حلب واستقبال الأهالي له
140 - دخوله إلى حلب واستيلاؤه على القلعة وما فيها من الذخائر
142 - رحيل السلطان سليم من حلب للشام
143 - صفة السلطان سليم
143 - أول ولاة الدولة العثمانية بحلب وأول قضاتها
144 - محاصرة جان بردي الغزالي نائب الشام لحلب
146 - انقراض الدولة الدلغادرية من مرعش وألبستان سنة 928
146 - ضرب النقود الذهبية في حلب سنة 929
146 - تولية حلب لعيسى باشا وقتل قراقاضي بالجامع الكبير سنة 935
148 - تولية حلب لموسى بك الخالدي سنة 937
148 - تولية حلب لخسرو باشا باني المدرسة الخسروية سنة 938
149 - الكلام على خان قورت بك من أوقاف هذه المدرسة وأسباب تسليمه إلى ورثة شكري البليط وتفصيل تلك القضية الهامة
151 - تشبث سعادة حاكم حلب مرعي باشا الملاح في هذه القضية والمخابرات التي جرت بينه وبين المفوض السامي
157 - الكلام على المدرسة الخسروية
158 - وصف الجامع والمدارس التي فيه
160 - النهضة العلمية في الشهباء وإحياء هذه المدرسة بالعلم سنة 1340والأعمال التي حصلت فيها
163 - تولية حلب لحسين بك سنة 941
164 - تولية حلب لمصطفى باشا سنة 951 وترجمته
165 - تولية حلب لسنان باشا سنة 952
165 - مرور السلطان سليمان بحلب سنة 956وسنة 960
166 - تولية حلب لمحمد باشا دوقه كين باني جامع العادلية سنة 957
167 - أوقاف محمد باشا دوقه كين
170 - الكلام على جامع العادلية(3/459)
170 - تولية حلب إلى بيربك الرمضاني سنة 960
171 - تولية حلب إلى قباد بك الرمضاني
171 - إحضار ماء السمرمر إلى حلب لأجل إبادة الجراد
173 - تولية حلب لفرهاد باشا سنة 964
174 - تولية حلب لعلي بن علوان باشا سنة 984
175 - تولية حلب لبهرام باشا سنة 988 والكلام على جامعه
176 - ولاة حلب من سنة 994إلى 999
177 - تولية حلب لمحمد باشا سنة 1002
177 - تولية حلب للأمير أحمد بن مطاف سنة 1005وآثاره بحلب
178 - الكلام على شرط وقفه وما فيه من الآثار الخيرية
179 - تولية حلب للحاج إبراهيم باشا سنة 1008
180 - ولاة حلب سنة 1009و 1010
180 - تولية حلب لنصوح باشا سنة 1011 ووقائعه مع بعض كبار الجند المتغلبين في حلب والشام
184 - تعيين حسين باشا ابن جانبولاذ على حلب ووقائعه مع واليها نصوح باشا
187 - قتل حسين باشا وتغلب ابن أخيه الأمير علي على حلب وخروجه على السلطنة سنة 1014والأخبار في ذلك
194 - تولية حلب إلى ديشنلك حسين باشا سنة 1016
195 - تولية حلب لمحمد باشا ثم يوسف باشا سنة 1017
195 - تولية حلب إلى كوجك سنان باشا سنة 1018
195 - قصيدة غراء لبعض شعراء الشهباء مدح بها سنان باشا
196 - تولية حلب لمحمود باشا سنة 1019
197 - قتل الأمير حسين بن يوسف بن سيفا من أمراء طرابلس الشام في حلب في هذه السنة على يد قره قاش
198 - تولية حلب لمحمد باشا سنة 1031
198 - تولية حلب لكورجي محمد باشا سنة 1039
198 - تولية حلب لمرتضى نوغاي باشا
199 - ذكر الطاعون العظيم سنة 1042
199 - الكلام على الرخام المفروش في صحن الجامع الأموي وتجديد بلاطه في هذا العام
200 - مجيء السردار محمد باشا وقتله مرتضى نوغاي باشا وتولية حلب إلى أحمد باشا سنة 1043
201 - ذكر فتنة اليكيجرية في هذه السنة
202 - شيء من أحوال سلطان ذلك العصر السلطان مراد خان العثماني
203 - منع السلطان مراد تعاطي شرب الدخان وأخباره في ذلك
204 - رأي العلامة الدحلاني في الدخان
205 - تعيين ابن أمير كونه يوسف باشا ثم عزله وإعادة أحمد باشا سنة 1045
206 - مرور السلطان مراد من حلب قاصدا بغداد لفتحها سنة 1048
206 - ضرب النقود الفضية في حلب هذه السنة(3/460)
207 - تولية حلب لحسين باشا ابن نصوح باشا سنة 1050
207 - تولية حلب لسياوش باشا سنة 1053
207 - تولية حلب لإبراهيم باشا السلحدار وفتنة الأمير عساف رئيس عربان الديار الحلبية سنة 1054وما جرى في ذلك من الأخبار الهامة
209 - تعيين درويش محمد باشا على حلب وتداركه فتنة الأمير عساف
211 - ترجمة درويش محمد باشا
212 - تولية حلب لأحمد باشا الدباغ سنة 1057
212 - تولية حلب لموستارلي مصطفى باشا سنة 1060
212 - تولية حلب لمصطفى أبشير باشا صاحب الوقف المشهور سنة 1061
213 - ترجمة مصطفى أبشير باشا
214 - الكلام على وقفه
215 - تولية حلب لطيار زاده مصطفى بك سنة 1064
215 - تعيين سيدي أحمد باشا والوقائع بينه وبين مصطفى باشا سنة 1066
217 - عزل سيدي أحمد باشا وتعيين مرتضى باشا
217 - خروج حسن باشا أبازه على الدولة وتغلبه على كثير من البلاد العثمانية ومن جملتها حلب وذلك سنة 1068وبيان الوقائع في حلب
221 - تولية حلب لعلي باشا الخاصكي سنة 1070
221 - تولية حلب لأبي النور محمد باشا
221 - وفاة الوزير محمد باشا الكوبريلي وآثاره في هذه البلاد
222 - وصف إدلب لمفتيها الفاضل برهان الدين أفندي العياشي
224 - وصف إدلب أيضا للفاضل الشيخ كامل أفندي الكيالي الأدلبي
232 - تولية حلب لحسين باشا سنة 1077
233 - تولية حلب لإبراهيم باشا سنة 1080ثم سلحدار حسين باشا
233 - الطاعون في حلب في هذه السنة
233 - ولاة حلب من سنة 1082إلى سنة 1093
234 - مقتطفات من مفكرات (شوفاديه دارفيو) معتمد دولة فرانسا في حلب سنة 1094
234 - وصفه لحلب ولقلعتها
235 - كلامه على نهرها وبساتينها وأشجارها
236 - كلامه على هوائها ودورها وغير ذلك
237 - كلامه على محلات حلب وعدد دورها وجوامعها وقصورها وخاناتها
238 - تقديره لنفوسها في ذلك الوقت
238 - وصفه لأخلاق أهلها
239 - كلامه على الوالي والقاضي والمتسلم وغيرهم من ولاة الأمور
242 - كلامه على العملة في حلب وعلى قوة البلد
243 - كلامه على مستهلكات حلب من الحبوب وغير ذلك
243 - كلامه على الأثمار في حلب(3/461)
243 - كلامه على الأمراض في حلب
244 - كلامه على الزراعة في هذه البلاد
244 - كلامه على قرية خانطومان
245 - تولية حلب لقره حسين زاده مصطفى باشا سنة 1095وترجمته
245 - احتراق محلة بانقوسا
245 - وجود القضاة في سرمين ومعرة مصرين
246 - تولية حلب لسياوش باشا سنة 1098
246 - ولاة حلب من 1101إلى 1108
247 - حصول غلاء سنة 1108
247 - ولاة حلب من 1109إلى 1112
247 - وجود الطباعة في حلب سنة 1114
249 - ولاية جورليلي علي باشا سنة 1115
250 - ولاة حلب سنة 1115و 1116
250 - تولية حلب لعبدي باشا
250 - تجديد تربة سيدنا يحيى عليه السلام في الجامع الكبير بحلب سنة 1120
251 - تولية حلب إلى تبردار محمد باشا
251 - تولية حلب لإبراهيم باشا سنة 1122
251 - ولاة حلب من 1125إلى 1131
252 - تولية حلب لرجب باشا سنة 1131
253 - بناء مجرى قناة حلب وإصلاح طريقها سنة 1132من وصية الشيخ أسعد بن ناصر بعد استحصال فتوى بجواز ذلك
255 - تحرير استحقاقات الجوامع والقساطل والمحلات من قناة حلب سنة 1133
255 - تولية حلب لحكيم باشا زاده علي باشا سنة 1137
256 - ولاية عارفي أحمد باشا سنة 1138
256 - ولاة حلب من 1141إلى 1143
256 - تولية حلب لمحمد باشا السلحدار سنة 1143
257 - تجديد مجرى نهر الساجور بعد انقطاعه سنة 1149
258 - تولية حلب لعثمان باشا الدوركي باني المدرسة العثمانية سنة 1150
260 - الكلام على أوقاف المدرسة العثمانية
263 - وصف هذه المدرسة وبيان حالتها العلمية
265 - تولية حلب للوزير يعقوب باشا سنة 1153
265 - تولية حلب لحسين باشا سنة 1156
266 - ولاية حاجي أحمد باشا سنة 1157
266 - تولية حلب لحكيم باشا زاده علي باشا للمرة الثانية سنة 1158
266 - ولاة حلب من 1160إلى 1162
266 - تولية حلب لسعد الدين باشا العظيم سنة 1163وترجمته
267 - ولاة حلب سنة 1165
267 - ولاية حاجي أحمد باشا سنة 1165
268 - تولية حلب لعبد الله باشا الفراري سنة 1166
268 - توللية حلب للوزير راغب باشا صاحب السفينة سنة 1168وترجمته
270 - تولية حلب لأسعد باشا العظم سنة 1170وترجمته
271 - تولية حلب للوزير عبد الجليل زاده حسين باشا سنة 1170
272 - ولاية محمد باشا الجتجي سنة 1172(3/462)
273 - تولية حلب لعبد الله باشا الفراري للمرة الثالثة سنة 1173
274 - تولية حلب لبكر باشا سنة 1174
274 - تولية حلب لمصطفى باشا سنة 1175
274 - تولية حلب لمحمد باشا العظم سنة 1177وترجمته
278 - تولية حلب لمحمد باشا سنة 1178
279 - ولاية علي باشا الكور سنة 1180
281 - منع محمد باشا العظم من الدخول إلى حلب واليا عليها سنة 1184
281 - ولاة حلب من 1185إلى 1188
281 - ولاية الحاج علي باشا جه طلجلي سنة 1189ومحاصرة أهالي حلب له وإخراجهم له من حلب
283 - إسناد متسلمية حلب إلى أبي بكر آغا أمين الجبول سنة 1190
283 - ولاية أحمد عزت باشا سنة 1190
284 - تولية حلب للحاج إبراهيم باشا سنة 1191
284 - قيام أهالي حلب على القاضي لحصول الغلاء سنة 1192
285 - القتال بين اليكيجارية والأشراف في هذه السنة
285 - تولية حلب لأحمد عزت باشا مرة ثانية سنة 1193
286 - محاربته لأهالي كلّز وبيان مظالمه ومظالم أتباعه
289 - دخول عثمان باشا حلب سنة 1195
289 - ذهاب عبدي باشا منها وما كان من الحوادث
290 - عزل عثمان باشا وتولية الحاج يوسف باشا ابن العظم سنة 1195
291 - ضرب إبراهيم باشا لإدلب لمنعهم عنه الذخيرة سنة 1196
292 - تولية حلب لعبدي باشا للمرة الثانية سنة 1198وبيان أعماله الفظيعة
293 - تولية حلب لمصطفى باشا سنة 1200
294 - وظيفة محصلي الأموال واستنزافهم أموال الأمة
295 - عزل مصطفى باشا وتولية حلب لمير عبد الله باشا سنة 1201
296 - قتال أهالي حلب مع عثمان باشا
297 - الطاعون العظيم في حلب سنة 1201
297 - تولية حلب لكوسا مصطفى باشا سنة 1204ومحاصرته وإخراجه
297 - ذكر فتنة بطال آغا زاده نوري محمد آغا في عينتاب سنة 1205
299 - تولية حلب لسليمان باشا سنة 1205
299 - قيام الفتن بين السادة وبين اليكيجرية سنة 1208
299 - حادثة اليكيجرية بجامع الأطروش
300 - قيام الفتن بين هاتين الفئتين في عينتاب أيضا
301 - ولاية عبد الله باشا العظم سنة 1210
301 - تعيين إبراهيم باشا قطر آغاسي واليا على حلب سنة 1214
301 - توجه العساكر الحلبية لمصر للاشتراك مع الجيوش العثمانية في محاربة الفرنساويين سنة 1214(3/463)
302 - نفي بعض الأنجكارية ووضع الضرائب عليهم وعلى الأشراف لقيام الفتن بينهم سنة 1217
302 - ولاة حلب من 1218إلى 1226
303 - تولية حلب لجبار زاده جلال الدين باشا المشهور [بابن جبان] سنة 1227 وبيان مظالمه
304 - زيادة بيان في مظالم ابن جبان
305 - تفصيل مقتل إبراهيم آغا الحربلي
306 - تفصيل الطواعين التي حصلت في حلب من سنة 1097إلى 1230
308 - ولاية خورشيد باشا سنة 1233وبيان مظالمه والخلاف بينه وبين أهالي حلب والوقائع بينه وبينهم
312 - زيادة بيان في ثورة أهل حلب على واليهم خورشيد باشا وتفصيل تلك الثورة سنة 1234و 1235
321 - تولية حلب لبيلانلي سنة 1237
321 - ذكر الزلازل العظيمة سنة 1237وما تهدم فيها
322 - ذكر قصيدة مخمسة للشيخ محمد تقي الدين ابن الشيخ محمد المطلبي يصف فيها هذه الزلازل وما خربته من البلاد في الديار الحلبية
328 - مقامة للشيخ محمد الترمانيني يصف فيها هذه الزلازل أيضا
330 - ولاية يوسف باشا سنة 1242
331 - ولاية علي باشا وقتله لأحمد بك ابن إبراهيم باشا سنة 1244
333 - ولاية حلب لعلي رضا باشا سنة 1245
333 - ترجمة علي رضا باشا
333 - ذكر مجيء إبراهيم باشا المصري إلى الديار الشامية واستيلائه على عكة وغيرها ثم على حلب سنة 1248
335 - انكسار العساكر العثمانية بالقرب من حمص أمام إبراهيم باشا المصري
336 - وصول حسين باشا السردار إلى حلب وامتناع الحلبيين من تقديم عسكر له
337 - استيلاء إبراهيم باشا على حلب
337 - انكسار الجيش العثماني في بيلان
338 - استيلاء إبراهيم باشا على قونية
340 - قتل أحمد آغا ابن هاشم سنة 1249
342 - الحرب بين إبراهيم باشا وين الدولة العثمانية في نزّب سنة 1255
343 - خروج إبراهيم باشا المصري من البلاد السورية سنة 1256
344 - بيان خروج إبراهيم باشا من حلب
345 - تتمة لهذه الفصول من رسالة للشيخ صالح المرتيني الإدلبي
348 - تتمة أخرى لهذه الفصول وذكر تولية إبراهيم باشا لإسماعيل بك
349 - مقدار الصابون الذي كان يطبخ في هذه السنين ومقدار الصابون الذي يطبخ الآن في حلب
349 - بناء المدرسة الإسماعيلية
349 - تولية حلب لأسعد مخلص باشا
350 - تولية حلب لوجيهي باشا وأعمال عساكر الأرنؤوط في حلب ومحاصرة أهل حلب لهم سنة 1258(3/464)
350 - ابتداء تحرير النفوس سنة 1263
351 - ذكر الفتنة المعروفة بقومة البلد سنة 1267وأسبابها
353 - الحرب بين الدولة العثمانية والروسية سنة 1270وتوجه العساكر من حلب مع علي بك أشريف لحضورها تولية
354 - تولية حلب لإسماعيل رحمي باشا وذكر لائحة قدمها للآستانة تبين فيها حالة المعارف في حلب
355 - ابتداء استعمال ورق السيكارة بدلا من الغليون سنة 1272
355 - إنشاء المطبعة المارونية سنة 1273
356 - عدد المطابع في حلب سنة 1343
356 - تولية حلب لثريا باشا سنة 1279 وتشكيله متصرفية دير الزور
357 - معلومات هامة عن دير الزور مقتطفة من تقرير مسهب وضعه وجيه بك الجزار المهندس سنة 1341
364 - وصول السلك البرقي إلى حلب
364 - ابتداء صنعة الزنانير المسماة بالأغباني وانتشارها في حلب سنة 1282
365 - تولية حلب لجودت باشا سنة 1283 وترجمته
367 - ابتداء تحرير الأملاك في حلب
367 - صدور جريدة الفرات الرسمية سنة 1284وترتيب السالنامة
368 - ترجمة حالت بك مرتب السالنامة
369 - ذكر احتراق سوق الصياغ والعقادين والبادستان وتوسيع الأسواق
369 - تعيين ناشد باشا سنة 1285
370 - الزلازل في أنطاكية سنة 1287
371 - ولاة حلب من 1291إلى 1296
371 - ولاية سعيد باشا وذكر إصدار عبد الرحمن أفندي الكواكبي جريدة الاعتدال في حلب سنة 1296
371 - تشكيل المحاكم العدلية سنة 1296
371 - الغلاء الشديد في هذه السنة
372 - ولاية جميل نامق باشا سنة 1297وبيان أحواله وآثاره في حلب
374 - تعمير المكتب الرشدي تحت القلعة سنة 1300وبيان ما كان من المدارس في مكان هذا المكتب
375 - اتخاذ المدرسة الجرديكية مكتبا ثم حانوتا والكلام عليها
376 - تعمير المستشفى الوطني تحت القلعة سنة 1301وتأسيس عدة مكاتب ابتدائية
376 - عدد نفوس حلب سنة 1301
377 - غرائب المخلوقات
377 - بناء جميل باشا داره ظاهر باب الفرج وتتابع الأبنية ثمة
378 - المكاتب التي افتتحت زمن جميل باشا
379 - تعمير الرواق الغربي في الجامع الكبير سنة 1302وغير ذلك من الأعمال فيه
381 - إطلاق زيرون المرعشي الرصاص على جميل باشا سنة 1304وما حصل بسبب ذلك من الحوادث وعزل جميل باشا
384 - تولية حلب لعثمان نوري باشا
384 - تولية حلب لحسن باشا سنة 1305(3/465)
385 - تولية حلب لعارف باشا سنة 1307
385 - حصول الكوليرا في سنة 1308
385 - اكتشاف آثار قديمة في المعرة
386 - ترميم قناة حلب سنة 1309وغير ذلك من الحوادث
386 - إتمام المكتب السلطاني في محلة السليمية (الجميلية)
386 - تعيين عثمان باشا ثانيا سنة 1310
387 - ترميم جامع البختي شمالي حلب سنة 1311والكلام على هذا الجامع
387 - المواليد والوفيات في هذه السنة في حلب وملحقاتها
388 - تعيين حسن باشا ثانيا سنة 1312 تعيين مصطفى ذهني باشا ثم رائف باشا
388 - ثورة الأرمن في جهة زيتونة ومرعش وبيان أسبابها وذكر وفاة علي محسن باشا
390 - تشكيل لجنة لإكمال عمارة المستشفى تحت القلعة
390 - الحرب بين الدولة العثمانية واليونان سنة 1314
391 - فتح الجادة العظيمة في حلب المعروفة بجادة الخندق سنة 1315
391 - بناء منارة الساعة سنة 1316
392 - عزل رائف باشا وأحواله وآثاره وتعيين أنيس باشا سنة 1318
393 - جدول في بيان الإنشاءات التي حصلت والطرق التي افتتحت في زمن ولاية رائف باشا
398 - إنشاء الخط الحديدي من الشام إلى المدينة المنورة ومقدار ما دفعته الشهباء في إنشاء هذا الخط
398 - افتتاح مكتب للصنايع سنة 1319
398 - إقامة معرض لصنائع حلب سنة 1321
400 - تحرير نفوس حلب سنة 1323
400 - وصول الخط الحديدي إلى حلب سنة 1324
401 - أول مسابقة جرت بين الخيل وغيرها في حلب سنة 1325
401 - توسيع الحجازية في الجامع الكبير وغير ذلك من الأعمال فيه
402 - تتمة فيما حصل بعد ذلك في الجامع من الأعمال في سنة 13431341
404 - خاتمة هذا الجزء وما فيه من الفصول
405 - الكلام على قلعة حلب العظيمة
414 - ما كان يضرب فيها من النوبات
416 - مدائح الشعراء لهذه القلعة
417 - وصفت القلعة الحاضر وبيان ما فيها من الكتابات القديمة وبقايا الآثار
427 - إحصاء الحمامات القديمة التي كانت بحلب وهي 177حماما
433 - الحمامات الموجودة الآن وهي إحدى وأربعون حماما
434 - استنتاج نفوس حلب في العصور القديمة من عدد الحمامات الموجودة والقديمة
435 - الدور التي في نفس حلب والدكاكين الخ
435 - عدد الجوامع والمساجد والمدارس(3/466)
436 - عدد كنائس النصارى
438 - عدد كنائس اليهود
439 - إحصاء نفوس حلب سنة 1343
440 - نفوس ملحقات حلب
441 - دائرة الأشغال العامة وأعمالها
443 - فصل فيما مدحت به حلب من مشاهير الشعراء وهو الخاتمة
انتهى بعون الله الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع(3/467)
الجزء الرابع
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله بارىء النسم ومولي النعم ومفني الأمم ومحيي الرمم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل العرب والعجم، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الذين أناروا للناس السبل بمحاسن أقوالهم وجميل سيرهم وأفعالهم، ورضي الله عن الصحابة والتابعين الذين اقتفوا أثرهم واهتدوا بهديهم فكانوا خير خلف لخير سلف وبعد:
فهذا هو القسم الثاني من تاريخنا (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) قد أودعنا فيه كما قلنا في المقدمة تراجم أعيانها ما بين وزير خطير وأمير كبير ومحدث وفقيه وشريف ووجيه وخطيب وطبيب وشاعر وأديب وتاجر وزعيم وغيرهم من ذوي المزايا وأرباب المناقب، مبتدئين فيه من القرن الثالث للهجرة النبوية، لأنا لم نعثر على تراجم لأحد منهم قبل ذلك إلا على ترجمة واحدة مع عدم التيقن بكون المترجم حلبيا وهي الآتية، وقد بينا في المقدمة خطتنا في هذا القسم وأوسعنا الكلام على ذلك هناك. ولنشرع في المقصود مستمدين من الله تعالى العون والتوفيق إلى أقوم طريق إنه نعم المولى ونعم النصير.(4/7)
(أعيان القرن الثاني)
1 - تمّام بن نجيح
تمام بن نجيح الأسدي قيل أنه دمشقي، وأظنه حلبيا. حدث عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين وعون بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن موسى وعطاء بن أبي رباح.
حدث عنه سفيان الثوري وإسماعيل بن عباس وبقية بن الوليد الحمصيان ومنشر (2) (هكذا ولعله بشر أو بشير) بن إسماعيل ومحمد بن جابر الحلبيان ويحيى بن سلام الإفريقي وإبراهيم ابن المبارك اه. تاريخ ابن عساكر (1).
أقول: لم يذكر تاريخ وفاته، غير أن الحسن البصري ومحمد بن سيرين رضي الله عنهما كانت وفاتهما سنة مائة وعشرة كما ذكره القاضي ابن خلكان، فتكون وفاة المترجم في أواسط القرن الثاني.
* * * __________
(1) من مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق وهو في 19مجلدا ضخما.
(2) الصواب: مبشّر.(4/9)
(أعيان القرن الثالث)
2 - موسى بن خالد
موسى بن خالد بن الوليد الحلبي ختن الغرياني. سمع أبا إسحق الفزاري ومعمر بن سليمان وتوفي كهلا. روى عنه عباس الرفقي ومحمد بن سهل بن عسكر وعبد الله الدارمي. اه (من تاريخ الإسلام للذهبي فيمن توفي بين عشرة وعشرين ومائتين).
3 - عبيد بن جنّاد الكلابي
عبيد بن جناد الكلابي الرقي نزيل حلب وقاضيها من موالي بني جعفر بن كلاب.
روى عن عبد الله بن عمرو الرقي وابن المبارك وعطاء بن مسلم وابن عيينة، وروى عنه عمر بن شبد وأحمد بن يحيى الحلواني وابن أبي الحواري وأبو زرعة. قال ابن أبي حاتم:
سئل عنه أبي فقال: صدوق. اه (ذهبي فيمن توفي بين العشرين والثلاثين ومائتين).
4 - يعقوب بن كعب الأنطاكي
يعقوب بن كعب الأنطاكي الحلبي أبو حامد وأبو يوسف. روى عن عبد الله بن وهب وهبة بن الوليد وعيسى بن يونس والوليد بن مسلم ومحمد بن سلمة الحراني وأبي معاوية الضرير، وروى عنه أبو داود وأحمد بن سيار المروزي ومحمد بن إبراهيم البوشنجي وأحمد بن أبي خيثمة وأبو بكر بن أبي عاصم. قال أبو حاتم: ثقة، وقال أحمد العجلي:
ثقة رجل صالح صاحب سنة. اه (ذهبي من وفيات ما بين الثلاثين والأربعين ومائتين).(4/10)
5 - أبو توبة الحلبي المتوفى سنة 241
أبو توبة الحلبي الحافظ الثبت الربيع بن نافع شيخ طرسوس. حدث عن معاوية بن سلام وأبي المليح الرقي وإبراهيم بن سعد وشريك وابن المبارك وخلق. وعنه أبو داود.
وأخرج الشيخان عن رجل عنه. وحدث عنه أحمد والدارمي وأبو حاتم ويعقوب الفسوي وخلق. قال أبو حاتم: ثقة حجة، وقال أبو داود: كان يحفظ الطوال نجي (هكذا) بها، ورأيته يمشي حافيا وعلى رأسه طويلة، ويقال إنه كان من الأبدال رحمه الله، عمر دهرا وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين، وهو آخر من حدث عن معاوية بن سلام. اه (طبقات المحدثين لابن عبد الهادي).
6 - أحمد بن خليل الكندي
أحمد بن خليل أبو عبد الله الكندي الحلبي. سمع أبا نعيم وأبا اليمان والحميدي ومحمد ابن عيسى بن الطباع وزهير بن عباد وطبقتهم، وله رحلة واسعة ومعرفة جيدة. روى عنه علي بن أحمد المصيّصي وأحمد بن مروان الدينوري وسليمان الطبراني وآخرون. اه (ذهبي فيمن توفي بين الثمانين والتسعين ومائتين).
7 - الوليد بن عبيد البحتري الشاعر المشهور المتوفى سنة 284
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري (1) الشاعر المشهور، ولد بمنبج وقيل بزردفنة (2) وهي قرية من قراها ونشأ وتخرج بها، ثم خرج إلى العراق ومدح جماعة من الخلفاء أولهم المتوكل على الله وخلقا كثيرا من الأكابر والرؤساء، وأقام ببغداد دهرا
__________
(1) وبقية نسبه ساقها ابن خلكان في تاريخه.
(2) قال في معجم البلدان: (زردفنة) بالضم ثم السكون وضم الدال وسكون الفاء وفتح النون وهاء من قرى منبج من أرض الشام، بها كان مولد أبي عبادة الوليد بن عبيد البحتري الشاعر سنة 200في أول أيام المأمون، ذكر ذلك أبو غالب همام بن الفضل بن المهذب المعري في تاريخ له قال فيه: وحدثني أبو العلاء المعري عمن حدثه أن البحتري كان يركب برذونا له وأبوه يمشي قدامه، فإذا دخل البحتري على بعض من يقصده وقف أبوه على بابه قابضا عنان دابته إلى أن يخرج فيركب ويمضي، وقال غير ابن المهذب: ولد البحتري في سنة 205ومات سنة 284. اه.(4/11)