علا: تمييز أو حال، أى عم علاه أو عاليا، وفاعل عم: لا يعقلون وخطابا أيضا حال أى مخاطبا، وذا خطاب، ويجوز أن يكون خطابا تمييز على قولنا إن علا حال، ونيطلا أيضا تمييز، أى نصيبا، وقال الشيخ:
هو مفعول من أجله، أى عطاء، لأنه يستعمل فى العطاء، وأصله الدلو، ثم استعير للنصب كما قال تعالى:
{(ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحََابِهِمْ} [1]).
والغيبة والخطاب فى ذلك ظاهران، ولفظه فى السور الثلاث:
{(أَفَلََا تَعْقِلُونَ)}.
وبعده فى الأنعام:
{(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} [2]).
وفى الأعراف وهى المراد بقوله وتحتها، أى تحت هذه السورة بعده {(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتََابِ} [3]).
وبعده فى يوسف:
{(حَتََّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [4]).
الخطاب فى الثلاث لعم علا، وتابعهم أبو بكر فى يوسف، والذى فى يس لابن ذكوان ونافع، وذلك قوله 637 [وياسين (م) ن (أ) صل ولا يكذبونك ال
خفيف (أ) تى (ر) حبا وطاب تأوّلا]
يعنى الذى بعده:
{(وَمََا عَلَّمْنََاهُ الشِّعْرَ} [5]).
وبقى موضع آخر فى القصص ذكره فى سورته:
{(وَمََا عِنْدَ اللََّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ََ أَفَلََا تَعْقِلُونَ} [6]).
الخطاب فيه لغير أبى عمرو، وأما:
{(فَإِنَّهُمْ لََا يُكَذِّبُونَكَ} [7]).
فالتخفيف فيه والتشديد من باب واحد: أكذب وكذب، مثل أنزل ونزل، وتأولا تمييز، ورحبا حال من الضمير فى أنى العائد على يكذبونك، أو مفعول به أى صادف مكانا رحبا من صدور قرائه، لقبولهم له،
__________
(1) سورة الذاريات، آية: 59.
(2) سورة الأنعام، آية: 33.
(3) سورة الأعراف، آية: 170.
(4) سورة، آية: 110.
(5) سورة يس، آية: 69.
(6) آية: 60.
(7) سورة الأنعام، آية: 33.(2/440)
وتوجيههم لمعانيها، إذ يحتمل أن يكون من أكذبته، أى وجدته كاذبا، وأكذبته أيضا إذا نسبته إلى الكذب كقول الكميت: ... فطائفة قد أكفرتنى بحبكم ... أى نسبتنى إلى الكفر.
638 [أريت فى الاستفهام لا عين (ر) اجع
وعن نافع سهّل وكم مبدل جلا]
يعنى إذا جاء لفظ ايت، أو رأيتم، بعد همزة الاستفهام، فالكسائى وحده يسقط عين الكلمة، وهى الهمزة لأنها عين الفعل تخفيفا لاجتماعها مع همزة الاستفهام، وهى لغة للعرب مشهورة، كقوله:
أرأيت امرأ كنت لم أبله ... أتانى فقال: اتخذنى خليلا
وقد أجمع على إسقاطها فى المضارع، نحو يرى مع الاستفهام وغيره، فلم ترجع فى الماضى فى هذا الموضع، وهو الاستفهام، فقوله راجع صفة لعين، أى باعتبار الموضع، ويجوز نصبه على هذا، نحو: لا رجل ظريفا فيها: ولا رجل ظريف فيها، كلاهما لغة، وخبر لا محذوف. أى: راجع فيه، ولو جعلت راجع خبر لا، لم يبق عائد إلى المبتدأ الذى هو رأيت، فهذا كقولك زيد لا غلام ظريف له، أو فى الدار، ويجوز أن يكون راجع خبر المبتدأ، ولا عين على تقدير لا عين فيه: جملة حالية أى رأيت محذوف العين راجع فى المعنى إلى الثابت العين، لأنهما لغتان بمعنى واحد، وهذا الوجه أولى ليكون قد رمز بعد كمال التقييد، وعلى الوجه الأول يلزم أن يكون راجع من جملة التقييد وهو رمز، وليس ذلك من عادته، ولأن هذا الباب لو فتح للزم أن تكون كلمات التقييد رمزا، وإلا فجعل البعض رمزا دون بعض فيه إلباس، وقد سبق التنبيه على أن لفظ: «فيه»، فى قوله: وكسر لما فيه ملبس، وأنه لو قال فضم سكونا فيه لكان فيه محتملا للتقييد، وهو رمز، وأما قوله:
وفى ونكون انصبه، فلو لم يكن ظاهرا كل الظهور أن لفظ النصب لا يأتى إلا بيانا للقراءة، وتقييدا لها، وإلا لأوهم أنه رمز نافع، ولم تكن له حاجة بذلك البيان، فإن الكلمة التى قبلها مثلها فى القراءة. فكانت الثانية داخلة فى قيدها، وهذه عادته كقوله فيما يأتى إذا فتحت شدد لشام، وهاهنا فتحنا، ولم يحتج أن يعيد لفظ شدد وكذا «وإن بفتح عم نصر أو بعدكم نما»، وكذا «وينذر صندلا»، ولم يحتج أن يقول بالغيب، وقال بعضهم: تقدير البيت اذكر رأيت كائنا فى الاستفهام، ثم قال: وعن نافع سهل، أى جعل الهمزة التى أسقطها الكسائى بين بين، على قياس تخفيف الهمز، وأبدلها جماعة من مشايخ مشيخة المصريين لورش ألفا، وهذا على ما تقدم له من الخلاف فى أنذرتهم وأنتم والله أعلم.
639 [إذا فتحت شدّد لشام وهاهنا ... فتحنا وفى الأعراف واقتربت كلا]
يعنى {(إِذََا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [1] {فَتَحْنََا عَلَيْهِمْ أَبْوََابَ كُلِّ شَيْءٍ} [2] {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى ََ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنََا عَلَيْهِمْ} [3] {فَفَتَحْنََا أَبْوََابَ السَّمََاءِ} [4]).
__________
(1) سورة الأنبياء، آية: 96.
(2) سورة الأنعام، آية: 44.
(3) سورة الأعراف، آية: 96.
(4) سورة القمر، آية: 11.(2/441)
والتخفيف والتشديد فى كل ذلك لغتان، ومن عادته أن يجمع النظائر مقدما لما فى سورته مهما أمكن، وهنا لم يمكنه، فقدم الذى فى الأنبياء ثم رجع إلى ما فى سورة الأنعام، وغيرها، ومعنى «كلا» حفظ، وهو مهموز كما قال تعالى:
{(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} [5]).
ولكن وقف عليه فأبدل من الهمزة ألفا لسكونها. والله أعلم.
640 [وبالغدوة الشّامىّ بالضّمّ هاهنا ... وعن ألف واو وفى الكهف وصّلا]
أى يقرأ بن عامر بالغدوة والعشىّ بضم الغين وسكون الدال، وبالواو موضع الألف فتصير بالغدوة، ولم ينبه على كون الدال ساكنة استغناء باللفظ به، وكان له أن يستغنى أيضا باللفظ عن ذكر الضم والواو وإنما ذكرهما لتعرف القراءة الأخرى، فنبه بالضم على الفتح، ونص على الألف بدلا عن الواو، وبقى فتح الدال استغنى عن التنبيه عليه لأن الألف لا يكون قبلها إلا مفتوح أو تركه لأنه قد لفظ بالدال فى قراءة ابن عامر ساكنة، فكأنه قال: بسكون الدال ولو قال: ذلك لكان ضدا، لكون المطلق الحركة المطلقة وهى: الفتح ومعنى قوله عن ألف واو أى وثبت له بدلا عن واو، ثم قال: «وفى الكهف وصلا» أى اتبع الذى فى الكهف الذى فى الأنعام، فقرأ ذلك كما قرأ هذا، أو وفى الكهف وصل، هذه القراءة إلينا ورسمت الغدوة بالواو فى جميع المصاحف، كالصلوة والزكوة والحيوة، قال الفراء فى سورة الكهف من كتاب المعانى: قرأ أبو عبد الرحمن السلمى بالغدوة والعشىّ، ولا أعلم أحدا قرأ بها غيره. العرب لا تدخل الألف واللام فى الغدة لأنها معرفة بغير ألف ولام، سمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغدوة قط، يعنى بردا أصابه، يريد: كغداة يومه، ألا نرى أن العرب لا تضيفها، فكذلك لا تدخلها الألف واللام، إنما يقولون: أتيتك غداة لخميس، ولا يقولون غدوة الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة، وقال أبو عبيد: كان عبد الله بن عامر وأهل الشام أو كثير منهم يقرءونها بالغدوة، على واو، كذلك يروى عن أبى عبد الرحمن السلمى، وأما القراءة فعلى غير هذا قرءوا جميعا بالغداة قال: وكذلك هى عندنا وإنما نرى ابن عامر والسلمى، قرءا تلك القراءة اتباعا للخط، قال: والذى نقول به: ليس فى إثباتهم الواو فى الكتاب دليل على القراءة بها، لأنهم قد كتبوا الصلاة والزكوة بالواو. ولفظهما على تركها، وكذلك الغداة على هذا وجدنا ألفاظ العرب، قال ابن النحاس قرأ أبو عبد الرحمن السلمى وعبد الله بن عامر ومالك بن دينار: بالغدوة. قال: وباب غدوة أن يكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها، كما تنكر الأسماء الأعلام. فإذا نكرت دخلتها الألف واللام للتعريف، وعشى وعشية نكرتان لا غير قال أبو على: وجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز وإن كان معرفة أن ينكر، كما حكاه زيد من أنهم يقولون: لقيته فينة، والفينة بعد الفينة ففينة مثل الغدوة فى التعريف، بدلالة امتناع الانصراف وقد دخلت عليه لام التعريف وذلك أن يقدر من أمة كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك، وقول من قال: بالغداة أبين، قال سيبويه: زعم الخليل أنه يجوز أن يقول أتيتك اليوم غدوة وبكرة،
__________
(5) سورة الأنبياء، آية: 42.(2/442)
فجعلهما بمنزلة ضحوة، قال أبو العباس المهدوى: حكى سيبويه والخليل: أن بعضهم ينكره، فيقول رأيته غدوة بالتنوين، وبذلك قرأ ابن عامر نكرة، فأدخل عليها الألف واللام. والله أعلم.
641 [وأنّ بفتح (عمّ ن) صرا وبعد (ك) م
(ن) ما يستبين (صحبة) ذكّروا ولا]
نصرا، تمييز أو حال، كما تقدم فى وعم علا، ونما أى: ورد، من قولهم: نما الحديث، قال: من حديث نمى إلىّ عجيب، أى كم مرة نمى، أى نقل: أراد أنه:
{(مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهََالَةٍ} [1]).
والذى بعده:
{(فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)}.
قرأهما ابن عامر وعاصم بالفتح، ونافع فتح الأوّل وكسر الثانى، والباقون بكسرهما، فكسرهما معا ظاهر أما الأول فوقع مستأنفا على وجه التفسير، والثانية واقعة بعد فاء الجزاء، فكانت مكسورة كقوله سبحانه:
{(وَمَنْ يَعْصِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نََارَ جَهَنَّمَ} [2]).
أجمعوا على كسرها، وهذا وجه كسر نافع لها، وأما فتح الأول فعلى البدل من الرحمة، أو على تقدير:
لأنه. وفتحت الثانية، وإن كانت بعد فاء الجزاء على حذف مبتدا أى فأمره أنه غفور رحيم أو على تقدير حذف الخبر، فالغفران حاصل له، وقد أجمع على الفتح فى:
{(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحََادِدِ اللََّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ} [3] {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلََّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} [4]).
ومنهم من جعل الثانية تكريرا للأولى، لأجل طول الكلام على حد قوله:
{(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذََا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرََاباً وَعِظََاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [5]).
ودخلت الفاء فى:
{(فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)}.
على حد دخولها فى:
{(فَلََا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفََازَةٍ)}.
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 54.
(2) سورة الجن، آية: 23.
(3) سورة التوبة، آية: 63.
(4) سورة الحج، آية: 4.
(5) سورة المؤمنون، آية: 35.(2/443)
على قول من جعله توكيدا لقوله:
(ولا تحسبنّ الّذين يفرحون).
إلا أن هذا ليس مثل:
{(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذََا مِتُّمْ)}.
لأن هذه لا شرط فيها، وتلك فيها شرط فيبقى بغير جواب، فقيل: الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه، تقديره: غفور له، ومنهم من جعل الثانية معطوفة على الأولى بالفاء، وكل هذا تكلف، والوجه ما قدمناه، وأجاز الزجاج كسر الأولى مع فتح الثانية، وإن لم يقرأ به، وأما:
{(وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ)}.
فذكره صحبة متابعة للرواية، أى قرءوه بالياء، لأن لفظ السبيل مذكر فى قوله تعالى:
{(وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لََا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [1]).
ومن قرأه بالتاء أنثوه، كما جاء:
{(قُلْ هََذِهِ سَبِيلِي} [2] {وَيَبْغُونَهََا عِوَجاً} [3]).
وكل هذا على قراءة من رفع «سبيل» على أنه فاعل تستبين: وهم كل القراء غير نافع، على ما سيأتى فى أول البيت الآتى، وأما قراءة نافع بنصب سبيل، فعلى أنها مفعول تستبين، والتاء للخطاب، لا للتأنيث، أى ولتستبين أنت سبيل المجرمين أى تتبينها وتعرفها، فقول الناظم: «صحته ذكروا»، يريد أن غيرهم أنثوا، ونافع لم يؤنث، وإنما جاء بتاء المخاطبة. ولكن العبارة ضاقت عليه، فلم يمكنه التنبيه عليه، واغتفر أمره، لأن قراءته كقراءة الجماعة لفظا بالتاء، إلا أنهما يفترقان فى المعنى، وذلك لا يقدح فى التعريف بصورة القراءة، وقوله: ولا: أى متابعة، وهو فى موضع نصب على الحال، أو هو مفعول من أجله، والله أعلم.
642 [سبيل برفع (ح) ذ ويقض بضمّ سا
كن مع ضمّ الكسر شدّد وأهملا]
مضى الكلام فى رفع سبيل ونصبه، وأما يقضى الحق، فقرئ بضم الساكن، وهو القاف، وبضم الكسر فى الصاد مع تشديد الصاد وإهمالها، وهو أن نجعلها غير منقوطة فتعود صادا، فتصير الكلمة يقص من القصص من قوله تعالى:
{(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [4]).
وبمعنى الإتباع من قوله سبحانه:
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 146.
(2) سورة يوسف، آية: 108.
(3) سورة الأعراف، آية: 85.
(4) سورة الكهف، آية: 130.(2/444)
{(فَارْتَدََّا عَلى ََ آثََارِهِمََا قَصَصاً} [1]).
أى يتبع الحق فيما يفعل، والقراءة الأخرى: من القضاء، والحق: نعت مصدر محذوف، أى يقضى القضاء الحق، أو مفعول به على إسقاط الخافض، أى يقضى بالحق كما قال:
{(وَاللََّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [2]).
وهو مفعول صريح، على أن يقضى بمعنى يصنع الحق وتفعله، والياء منه محذوفة فى الرسم باتفاق، فلهذا احتمل القراءتين، ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص فى أول البيت الآتى فقال:
643 [(ن) عم (د) ون (إ) لباس وذكّر مضجعا
توفّاه واستهواه حمزة منسلا]
ما أحسن ما عبر عن القراءتين فى يقص، وكأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه فقال بعده: «نعم دون إلباس» قدّر كأن سائلا سأل فقال: هل استوعبت قيود هاتين القراءتين؟ فقال: نعم، من غير إلباس، بل هو أمر واضح ظاهر، ووقع لى أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة، وذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا، فهو أسهل مما أتى فلو قال:
سبيل برفع خذ ويقض يقص صا ... د حرمى نصر إذ بلا ياء انزلا
لحصل الغرض، واجتمع فى بيت واحد بيان اللفظين فى القراءة. ورمزها وعرف بأن رسمها بلا ياء، ولكن فيما عبر به الناظم رحمه الله صناعة حسنة، وأسلوب غريب. وأما:
{(تَوَفَّتْهُ رُسُلُنََا} [3] {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيََاطِينُ} [4]).
فقرأهما حمزة: توفاه، واستهواه، والخلاف فيهما كالذى سبق فى:
{(فَنََادَتْهُ الْمَلََائِكَةُ} [5]).
فى آل عمران، أى ذكر حمزة لفظ هذا الفعل، وأضجع ألفه، أى أمالها على أصله، ولو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله، كما أنه فى البيت الآتى لما ذكر الكوفيين قرءوا أنجانا فى موضع أنجيتنا لم يتعرض للإمالة، وكان ذلك مفهوما من بابها، فهمزة والكسائى يميلان الألف، وعاصم لا يميل على أصله، وضد تذكير الفعل تأنيثه، وذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره، فيلزم حذف الألف من آخر الفعل لسكونها، وقوله منسلا، ليس برمز، لأنه صرح باسم القارئ، ولم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر، يقال: انسلت القوم:
إذا تقدمتهم، وهو حال من حمزة، والله أعلم.
644 [معا خفية فى ضمّه كسر شعبة ... وأنجيت للكوفيّ أنجى تحوّلا]
__________
(1) سورة الكهف، آية: 64.
(2) سورة غافر، آية: 20.
(3) سورة الأنعام، آية: 61.
(4) سورة الأنعام، آية: 71.
(5) آية: 39.(2/445)
الضم والكسر فى «خفية» لغتان، وقوله معا يعنى هنا وفى الأعراف:
{(تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [1] {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [2]).
أى مظهرين للضراعة والاستكانة، ومضمرين ذلك فى أنفسكم، أى ادعوا ربكم وارغبوا إليه ظاهرا وباطنا وأما التى فى آخر الأعراف:
{(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} [3]).
فذلك من الخوف، بتقديم الياء على الفاء، ووزنه فعلة، كجلسة وركبة، فأبدلت الواو ياء لأجل الكسرة قبلها، وأما قوله:
{(لَئِنْ أَنْجَيْتَنََا مِنْ هََذِهِ} [4]).
فعلى الخطاب، وقراءة الكوفيين على الغيبة، أى: أنجانا الله، وهما ظاهران، أى وأنجيت تحول للكوفى أنجا، وهم فى ذلك على أصولهم فى الإمالة فيميلها حمزة والكسائى، ولم يبين ذاك كما بين فى توفاه واستهواه و «فناداه الملائكة» لضيق العبارة عليه، والله أعلم.
645 [قل الله ينجيكم يثقّل معهم ... هشام وشام ينسينّك ثقّلا]
أى هشام مع الكوفيين، على تشديد «ينجيكم»، وابن عامر وحده على تشديد:
{(يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطََانُ} [5]).
والتخفيف والتشديد فيهما لغتان، أنجى ونجى، وأنسى ونسى، كأنزل ونزل، وأكمل وكمل، وأمتع ومتع.
646 [وحرفى رأى كلّا أمل (م) زن صحبة
وفى همزه (ح) سن، وفى الرّاء (ي) جتلا]
كلا بمعنى جميعا، فهو حال من رأى، أى: حيث أتى رأى فأمال حرفيه، أى أمل حرفى رأى جميعا، وليس كلا تأكيدا لحرفى، لأن تأكيد المثنى إنما يكون بلفظ كلا، ولو أراد ذلك لأتى بلفظ «معا»، واتزن النظم به، ولا هو تأكيد لرأى، وإلا لكان مخفوضا كما قال: المخلصين الكل، فلا يتجه أن يكون كلا هنا إلا بمنزلة جميعا فى نحو قوله: عليهم إليهم حمزة، ولديهم جميعا فيكون منصوبا على الحال من رأى، ورأى هنا معرفة، أى:
وحرفى هذا اللفظ، فجاز نصب الحال عنه، وإن كان مضافا إليه، لأنه من باب رأيت وجه القوم جميعا.
ومزن صحبة منصوب على الحال أيضا، أو على المدح، وكنى بالمزن، وهو السحاب عن العلم، وعنى بالحرفين الراء والهمزة، وعلى التحقيق: الهمزة غير ممالة، وإنما الإمالة فى الألف التى بعدها، وإنما من ضرورة ذلك
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 63.
(2) سورة الأعراف، آية: 55.
(3) سورة الأعراف، آية: 205.
(4) سورة يونس، آية: 22.
(5) سورة الأنعام، آية: 68.(2/446)
إضجاع فتحة الهمزة، والعرب تستحسن إمالة الراء، لا سيما إذا كان بعدها ألف ممالة، ثم قال: وفى همزه حسن، أى: واقتصر على إمالة همز رأى: أبو عمرو، وفى إمالة الراء خلاف عن السوسى، و «مزن صحبة» أمالوهما معا، والله أعلم.
647 [بخلف وخلف فيهما مع مضمر
(م) صيب وعن عثمان؟؟؟ فى الكلّ قلّلا]
أى: وعن ابن ذكوان الخلف فى إمالة الهمزة والراء معا. إذا اتصلت الكلمة بالمضمر، نحو:
{(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ََ} [1] {رَآهََا تَهْتَزُّ} [2] {فَرَآهُ فِي سَوََاءِ الْجَحِيمِ} [3]).
وجه الخلاف بعد الألف عن الطرف باتصال الضمير بها. وعثمان هو: ورش، أمال الحرفين حيث جاءت كلمة رأى: بين بين، نحو:
{(رَأى ََ كَوْكَباً} [4] {رَأى ََ نََاراً} [5]).
وقوله: بخلف فى أول البيت، يعنى عن السوسى المرموز فى البيت السابق، ثم ابتدأ «وخلف فيهما»، فقوله فيهما: خبر المبتدإ إن كان مصيب صفته، وإلا فهو صفته إن كان مصيب الخبر، وفى «قللا» ضمير تثنية يرجع إلى حرفى رأى، و «الكل» هنا هو كلا فى البيت السابق.
648 [وقبل السّكون الرّا أمل (ف) ى (ص) فا يد
بخلف وقل فى الهمز خلف (ي) قى (ص) لا]
يعنى: إذا وقع رأى قبل ساكن، نحو:
{(رَأَى الْقَمَرَ} [6] {رَأَى الشَّمْسَ} [6] {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النََّارَ} [8] {وَإِذََا رَأَى الَّذِينَ)}.
فقد تعذرت إمالة الألف لسقوطها لأجل الساكن، وإضجاع الهمز إنما كان لأجل إمالة الألف، فأمال هؤلاء الراء تقدير أن الألف كلها موجودة ممالة بخلف عن السوسى وحده وأما إمالة الهمزة ففيها الخلاف عن السوسى وعن أبى بكر، لأنه إذا قدم ذكر الخلف وأطلقه كان لجميع من يأتى بعده، وإن قدم ذكر القراء: اختص الخلف المطلق بالأخير منهم، وإن قيد الخلف ظهر أمره، وخلف السوسى: أنه يميل الراء والهمزة معا، ولا يميلهما معا، ومثله الخلف المذكور لهشام فى باب الزوائد، فى إثبات ياء كيدونى فى الأعراف وصلا ووقفا، أو لا يثبتها وصلا ووقفا، ووجه إمالة الهمزة اعتبار الأصل أيضا، فإن التقاء الساكنين عارض، ولينبه على أنه لو وقف على الكلمة لأمال، وقوله فى «صفا يد»: أى فى صفا نعمة، وقوله «يقى صلا»، يعنى: العلم، لأن معرفة الخلف تستلزمه، أى يقى صلاء النار إن شاء الله تعالى، وصلاء النار حرها، صح بالكسر والمد، والفتح والقصر.
__________
(1) سورة النجم، آية: 13.
(2) سورة الصافات، آية: 55.
(3) سورة الأنعام، آية: 76.
(4) سورة طه، آية: 10.
(5) سورة الكهف، آية: 53.
(6) سورة الأنعام، الآيتان: 77و 78.
(8) سورة الكهف، آية: 53.(2/447)
649 [وقف فيه كالأولى ونحو رأت رأوا
رأيت بفتح الكلّ وقفا وموصلا]
فيه: بمعنى عليه، أى إذا وقفت على هذا الذى لقيه ساكن، فالحكم فيه كالحكم فى الكلمة لأولى، وهى:
{(رَأى ََ كَوْكَباً} [1]).
ونحوه، فتميل الحرفين لحمزة والكسائى وأبى بكر وابن ذكوان، وتميل لأبى عمرو فتحة الهمزة وحدها، وأما السوسى فلا يختلف حكمه، فإن الخلف له فى إمالة الراء فى الكلمتين، وورش أمال الحرفين بين بين، فهذه تفاصيل مذاهبهم فى نحو رأى كوكبا تطرد فى نحو:
{(رَأَى الْقَمَرَ} [2]).
إذا وقفت على رأى لأن الساكن قد زال، فرجعت الألف، فأما إذ كان بعد الهمز ساكن لا ينفصل من الكلمة نحو:
{(فَلَمََّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} [3] {رَأَتْهُمْ مِنْ مَكََانٍ بَعِيدٍ} [4] و {إِذََا رَأَوْكَ} [5] {فَلَمََّا رَأَوْهُ عََارِضاً} [6] و {إِذََا رَأَوْهُمْ قََالُوا} [7] {فَلَمََّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [8] {وَإِذََا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} [9]
{إِذََا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ} [10]).
فكل القراء يفتحون الراء والهمزة، لأن الألف التى بعد الهمزة هنا معدومة لا ترجع أبدا، وكسر فتحة الهمزة إنما كان لأجل إمالة الألف، وكذلك الذين أمالوا الراء، إنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يميلونها لإمالة الألف أو مع كونها فى حكم الموجودة فى نحو أى القمر فأما فى موضع سقطت فيه الألف وليست فى حكم الموجودة فإنهم فتحوا على الأصل فى الوقف والوصل، وقوله بفتح الكل أى مقروء بفتح القراء كلهم، واقفين وواصلين 650 [وخفّف نونا قبل فى الله (م) ن (ل) هـ
بخلف (أ) تى والحذف لم يك أوّلا]
يعنى نون {(أَتُحََاجُّونِّي فِي اللََّهِ} [11]).
ولم يمكنه النطق بالكلمة فى نظمه لما فيها من اجتماع الساكنين، وذلك لا يقع متزنا، ومثله ما يأتى فى سورة
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 76.
(2) سورة الأنعام، آية: 77.
(3) سورة النمل، آية: 44.
(4) سورة الفرقان، آية: 12.
(5) سورة الفرقان، آية: 41.
(6) سورة الأحقاف، آية: 24.
(7) سورة المطففين، آية: 32.
(8) سورة يوسف، آية: 80.
(9) سورة الأنعام، آية: 68.
(10) سورة الدهر، آية: 19.
(11) الأنعام، آية: 80.
سورة سبأ، آية: 33.
سورة الزمر، آية: 64.(2/448)
النحل، ومن قبل فيهم يكسر النون نافع، ويشبه ذلك تعبيره عن ستجدنى بقوله: وما بعده إن شاء، لأن فى ستجدنى خمس متحركات متواليات، وذلك ممتنع فى الشعر، والأصل أتحاجونني بنونين، الأولى علامة رفع الفعل، والثانيد نون الوقاية، فللعرب فى مثل ذلك ثلاث لغات: إبقاء النونين على حالهما، كما قال تعالى فى سورة سبأ:
{(إِذْ تَأْمُرُونَنََا أَنْ نَكْفُرَ بِاللََّهِ} [1]).
وإدغام الأولى فى الثانية على أصل قاعدة الإدغام، فيلزم من ذلك النطق بنون مشددة، واللغة الثالثة حذف إحدى النونين فبقى نون واحدة مخففة كرهة للتضعيف، وقد قرئ بهذه اللغات الثلاث فى سورة الزمر:
{(أَفَغَيْرَ اللََّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [2]).
كما يأتى، وقرئ:
{(أَتَعِدََانِنِي} [3]).
فى الأحقاف بالإظهار والإدغام دون الحذف، ولم يقرأ هنا بالإدغام والحذف، وقيل: إن الحذف لغة غطفان، وقوله: من له أتى، أى خفف النون القارئ الذى أتى التخفيف له، أى الذى وصل إليه نقله، وورد إليه خبره، وعرفه قراءة ولغة، خلافا لمن أنكر الحذف، وقوله بخلف يعنى: من هشام وحده لإطلاقه فرجع إلى من يليه، وهو المرموز فى «له» دون «من» وقوله: و «الحذف لم يك أولا» يعنى: أن المحذوفة من النونين هى الثانية دون الأولى، لأن الاستثقال بها وقع، ولأن الأولى تقوم مقامها فى وقاية الفعل، وهى دالة على رفع الفعل، ففي حذفها إخلال، ولأن الأولى قد تكون ضمير الفاعل، وذلك نون جماعة المؤنث، نحو أكرمننى، وقد جاء الحذف فى فليتي وتخوفنى، والأصل فليتنى، فلا ينبغى أن يقال الفاعل حذف، وبقى نون الوقاية، وأيضا فقد حذفت نون الوقاية حيث لم يجتمع مع غيرها فى نحو قدى وليتى ولعلى ففهم أنها هى المجترئ على حذفها فى جميع المواضع، ولا ضرورة تلجئ إلى الكشف عن مثل هذا، والبحث عنه، ولكنه من فوائد علم العربية، وقد تعرض له أبو على فى الحجة، ويأتى مثل هذا فى سورة الحجر.
651 [وفى درجات النّون مع يوسف (ث) وى
وو اليسع الحرفان حرّك مثقّلا]
يعنى {(نَرْفَعُ دَرَجََاتٍ مَنْ نَشََاءُ} [4]).
هنا مع حرف يوسف، وعنى بالنون: التنوين فى درجات، وثوى: أى أقام التنوين فيها، وتقديرها نرفع درجات من نشاء، فيكون درجات منصوبا على التمييز أو الحال، أى ذوى درجات، أو على إسقاط الخافض أى فى درجات، ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى:
__________
(1) الآية: 33.
(2) سورة الزمر، آية: 64.
(3) سورة الأحقاف، آية: 17.
(4) سورة الأنعام، آية: 83.(2/449)
(ورفع بعضهم درجات وآتيناه (1) {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجََاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ} [2]
{وَرَفَعْنََا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجََاتٍ لِيَتَّخِذَ} [3]).
القراءة الأخرى على إضافة درجات، إلى أصحابها، فتكون هى المرفوعة، ومنه قوله تعالى:
{(رَفِيعُ الدَّرَجََاتِ} [4]).
وفى الحديث:
«اللهمّ ارفع درجته فى علّيّين، ومن رفعت درجته فقد رفع».
قوله: وو الليسع، لفظ القرآن واليسع فأدخل واو العطف الفاصلة على ذلك لتحصل حكاية لفظ القرآن وهى فى موضعين: هنا، وفى سورة ص، وإليهما أشار بقوله: الحرفان، لأن الحرف فى اصطلاح القراء عبارة عن الكلمة المختلف فى قراءتها، وفى إعراب الحرفان نظر، وذلك أنه جاء بلفظ الرفع، فلزم أن يكون وو الليسع قبله مبتدأ، والحرفان بدل منه بدل الاشتمال، كأنه قال حرفاه، أى موضعاه، ويجوز أن يكون مبتدءا ثانيا. أى الحرفان من هذا اللفظ، ولو قال: الحرفين بالنصب لكان أجود إعرابا، وأقل إضمارا، فإن قولك زيدا اضرب بنصب زيد، أولى من رفعه بدرجات، وقوله: وو الليسع حرك، مثل زيدا اضرب سواء، وأراد بالتحريك فتح اللام، لأنه ليس فى كلمة اليسع ساكن سواها، ومثقلا حال من فاعل حرك، أى مشددا اللام ثم تمم الكلام فقال:
652 [وسكّن (ش) فاء واقتده حذف هائه
(ش) فاء وبالتّحريك بالكسر (ك) فّلا]
يعنى سكن الياء وضاق عليه النظم عن بيان محل التسكين، فإنه محتمل أن يكون فى الياء والسين، وشفاء:
حال، أى ذا شفاء، فقرأ حمزة والكسائى على أن اسمه ليسع، على وزن لحمر، فدخلت عليه آلة التعريف، وعلى قراءة الجماعة يكون اسمه كأنه يسع، على ومن يضع، ثم دخله الألف واللام، كقوله: رأيت الوليد ابن اليزيد، وكل هذا من تصرفاتهم فى الأسماء الأعجمية، واختار أبو عبيد قراءة التخفيف، وقال: كذلك وجدنا اسم هذا النبى فى الأنباء والأحاديث، وقال الفراء فى قراءة التشديد: هى أشبه بأسماء العجم، وقوله تعالى:
{(فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} [5]).
الهاء فى اقتده هاء السكت، فحذفها فى الوصل شفاء كما تقدم فى يتسنه ومن أثبتها فى الوصل أجراه مجرى الوقف، واتبع الرسم، وأجمعوا على إثبات هاء السكت فى الوصل فى كتابيه وحسابيه فى موضعين
__________
(1) سورة البقرة، آية: 253.
(2) سورة الأنعام، آية: 165.
(3) سورة الزخرف، آية: 32.
(4) سورة المؤمن، آية: 15.
(5) سورة الأنعام، آية: 309.(2/450)
فى الحاقة، واختلفوا فى ماليه وسلطانيه وماهيه فى سورة القارعة، على ما يأتى وابن عامر حرك هاء اقتده بالكسر، قال ابن مجاهد: يشم الهاء الكسر من غير بلوغ ياء، قال: وهذا غلط، لأن هذه الهاء هاء وقف، لا تعرف فى حال من الأحوال، أى لا تحرك، وإنما تدخل ليتبين بها حركة ما قبلها، وقال أبو على:
ليس بغلط، ووجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التى تلحق الوقف، وحسن إضماره لذكر الفعل الدال عليه، وعلى هذا قول الشاعر:
هذا سراقة للقرآن يدرسه
فالهاء كناية عن المصدر، ودل يدرس على الدارس، ولا يجوز أن يكون ضمير القرآن، لأن الفعل قد تعدى إليه اللام، فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره، كما أنك إذا قلت: زيدا ضربته، لم تنصب زيدا بضربت، لتعديه إلى الضمير، قلت: فالهاء على هذا ضمير الاقتداء الذى دل عليه اقتد، وقيل: ضمير الهدى وقيل: إن هاء السكت تشبه بهاء الضمير، فتحرك كما تشبه هاء الضمير بهاء السكت، فتسكن، وقوله:
كفلا، أى جعل له كافل، وهو الذى ينصره، ويذب عنه ثم قال:
653 [ومدّ بخلف (م) اج والكلّ واقف
بإسكانه يذكو عبيرا ومندلا]
أى: مد كسرة الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه، والمد فرع تحريكها، فجرى فيها على القياس، إذ هاء الضمير بعد المتحرك موصولة فى قراءة يؤده وفألفه ونحوهما، وهشام من مذهبه القصر فى ذلك، فقصرها هنا، وقوله: ماج، أى: اضطرب، وهو صفة لخلف، وهو من زيادات هذه القصيدة، فلم يذكر صاحب التيسير فيه عن ابن ذكوان غير المد، وذكر النقاش عن هشام حذف الهاء، كقراءة حمزة والكسائى، وذكر عن ابن ذكوان مثل قراءة نافع وغيره، بالإسكان، ويجوز فى قراءة الإسكان أن تكون الهاء ضميرا، على ما ذكر فى قراءة ابن عامر، وأسكنت كما أسكنت فى فألقه وينقه ونحوهما، فإذا وقفت على اقتده فكلهم أثبتوا الهاء ساكنة، لأنها إن كانت هاء السكت فظاهر، وإن كانت ضميرا فالوقف يسكنها، فهذا معنى قوله: والكل واقف بإسكانه، أى بإسكان الهاء، ويذكو معناه: يفوح، من ذكت النار: أى اشتعلت والعبير أخلاط تجمع بالزعفران: عن الأصمعى وقال: أبو عبيدة، هو الزعفران وحده، والمندل: العود.
يقال له المندل، والمندلى، ذكره المبرد، وأنشد:
إذا أخمدت يلفى عليها المندل الرطب
وقال صاحب الصحاح رحمه الله المندلى عطر ينسب إلى المندل، وهى بلاد الهند، وانتصب عبيرا ومندلا على التمييز، ويجوز أن يكونا حالين، أى: مشبها ذلك، والضمير فى يذكو للهاء. أو الإسكان، وموضع الجملة من يذكو نصب على الحال، لأن إثبات الهاء فى الوقف ساكنة لا كلام فيه، والله أعلم.
654 [وتبدونها تخفون مع تجعلونه
على غيبه (ح) قّا وينذر (ص) ندلا]
يعنى (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا (1)).(2/451)
654 [وتبدونها تخفون مع تجعلونه
على غيبه (ح) قّا وينذر (ص) ندلا]
يعنى (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا (1)).
وجه الغيب فيه الرد على قوله:
{(إِذْ قََالُوا مََا أَنْزَلَ اللََّهُ عَلى ََ بَشَرٍ} [1]).
والخطاب لقوله:
{(قُلْ إِي} [3]).
قل لهم ذلك، وقوله: وعلمتم على قراءة للغيب التفات، والغيب فى:
(ولينذر أمّ القرى).
يرجع إلى الكتاب، فيكون فعل الإنذار مسندا إلى الكتاب، والخطاب للنبى صلّى الله عليه وسلم، وصندلا تمييز أو حال، على ما سبق فى «عبيرا ومندلا»، عطف جميع ما فى هذا البيت على ما فى البيت السابق، أى وهذا المذكور فى هذا البيت يذكو صندلا، كما ذكا ذاك عبيرا ومندلا، وقوله على غيبة، أى: على ما فيه من الغيبة فهو فى موضع الحال، كقولك: هو على حداثته يقول الشعر، أى: ويذكو يبدونها وما بعده على غيبه حقا، مصدر مؤكد، والصندل شجر طيب الرائحة، والله أعلم.
655 [وبينكم ارفع (ف) ى (ص) فا (نفر) وجا
عل اقصر وفتح الكسر والرّفع (ث) مّلا]
أى: كائنا فى صفا نفر، فقصر الممدود، أو أراد فى صلابة الصفا لمقصورة لقوة الحجة فيه، قال أبو عبيد وكذلك نقرؤها بالرفع، لأنا قد وجدنا العرب تجعل بين اسما من غير «ما» ويدل على ذلك قوله:
{(فَلَمََّا بَلَغََا مَجْمَعَ بَيْنِهِمََا} [3]).
فجعل «بين» اسما من غير «ما» وكذلك قوله:
{(هََذََا فِرََاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [5]).
وقد سمعناه فى غير موضع من أشعارها، وكان أبو عمرو يقول: معنى تقطع بينكم تقطع وصلكم، فصارت هاهنا اسما من غير أن يكون معها ما، قال: وقرأها الكسائى نصبا وكان يعتبرها بحرف عبد الله، لقد تقطع ما بينكم.
قال الزجاج: الرفع أجود، ومعناه لقد تقطع وصلكم، والنصب جائز المعنى، لقد تقطع ما كان من الشرك بينكم، قال أبو على: لما استعمل بين مع الشيئين المتلابسين فى نحو: بينى وبينك شركة، وبينى وبينه رحم وصداقة، صارت لاستعمالها فى هذه المواضع بمنزلة الوصلة، وعلى خلاف الفرقة، فلهذا جاء لقد تقطع وصلكم.
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 91.
(3) سورة الكهف، آية: 61.
(5) سورة الكهف، آية: 78.(2/452)
قلت: وقيل المعنى تفرق جمعكم وتشتت، وقيل اتسع فى الظرف، فأسند الفعل إليه مجازا، كما أضيف إليه فى قوله تعالى:
{(شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} [1] و {مَجْمَعَ بَيْنِهِمََا} [2]).
و {(هََذََا فِرََاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ)}.
وقال عنترة: كأنها أقص الأكام عشية ... بقريب بين المنشمين مصلم
وقول أبى عمرو: لقد تقطع وصلكم، يعنى أن البين يطلق بمعنى الوصل، فلا يكون الظرف متسعا فيه، هذا وجه آخر، وقراءة النصب على أنه ظرف على أصله، والفاعل مضمر دل عليه سياق الكلام، أى: لقد تقطع الاتصال بينكم، وقيل لقد تقطع الذى بينكم فحلف الموصول، وقيل: تقطع الأمر بينكم، وقيل:
بينكم صفة موصوف محذوف، أى: لقد تقطع وصل بينكم، كقولهم: ما منهما مات، أى: أحد مات، وقيل الفاعل:
{(مََا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)}.
أى لقد تقطع وصل ما زعمتم، كقولك: قام وقعد زيد فأحد الفعلين رافع للفاعل الموجود، والآخر فاعله مضمر لدلالة الموجود عليه، وأما قوله تعالى:
(وجاعل اللّيل سكنا (3)).
فهذه القراءة موافقة لقوله تعالى:
{(فََالِقُ الْإِصْبََاحِ} [3]).
كلاهما اسم فاعل أضيف إلى مفعوله، وقرأه الكوفيون، وجعل الليل جعلوه فعلا ماضيا ومفعولا به، لأن فالق بمعنى فلق، فعطفوا وجعل عليه أراد فتح الكسر فى العين، وفتح الرفع فى اللام ومعنى ثمل أصلح، والله أعلم.
656 [وعنهم بنصب اللّيل واكسر بمستقر
ر القاف (ح) قّا خرّقوا ثقله (ا) نجلا]
أى عن الكوفيين، لأنه صار مفعولا وفى قراءة الباقين هو مضاف إليه، فكان مجرورا، وقوله سبحانه بعد ذلك والشمس والقمر بالنصب يقوى قراءة الكوفيين: أى وجعل ذلك حسبانا وقوله تعالى:
{(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وََاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [5]).
هما بفتح القاف والدال موضع الاستقرار والاستيداع فالتقدير فلكم مستقر وهو حيث يستقر الولد فى الرحم
__________
(1) سورة البقرة، آية: 180.
(2) سورة الكهف، آية: 61.
(3) سورة الأنعام، آية: 96.
(5) سورة الأنعام، آية: 98.(2/453)
ولكم مستودع وهو حيث أودع المنى فى صلب الرجل وإذا كسرت القاف كان اسم فاعل أى فمنكم مستقر فى الرحم أى قد صار إليها واستقر فيها ومنكم من هو مستودع فى صلب أبيه فعلى هذه القراءة يكون مستودع اسم مفعول لأن فعله متعد ولم يتجه فى مستقر بفتح القاف أن يكون اسم مفعول لأن فعله لازم فلهذا عدل إلى جعله اسم مكان وعطف مستودع عليه لفظا ومعنى لإمكان ذلك فيهما والتخفيف والتشديد فى وخرقوا له بنين لغتان والتخفيف أكثر وفى التشديد معنى التكثير ولهذا قال انجلا أى ظهر وجهه وانكشف معناه وهو التكثير لأن المشركين، قالوا: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزيز ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وكل طائفة من هؤلاء عالم لا يحصى، ومعنى: وخرقوا، أى افتروا ذلك، يقال خرق، واختلق، واخترق، إذا افترى والباء فى بنصب زائدة، أو التقدير: وثمل الفتح أيضا بنصب الليل عنهم.
657 [وضمّان مع ياسين فى ثمر (ش) فا
ودارست (حقّ) مدّه ولقد حلا]
أى: هنا، ويس، يريد:
{(انْظُرُوا إِلى ََ ثَمَرِهِ إِذََا أَثْمَرَ} [1] {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمََا عَمِلَتْهُ} [2]).
فالضمان فى الثاء والميم فيكون جمع ثمرة، كخشب فى جمع خشبة، أو جمع ثمار، ككتب فى جمع كتاب أو جمع ثمر، كأسد فى جمع أسد، وقيل: هو اسم مفرد لما يجنى، كطنب وعنق، وأما ثمر بفتح الثاء والميم، فجمع ثمرة، كبقر وشجر، وخرز، واختلفوا أيضا فى الذى فى الكهف، كما يأتى، إلا أن حمزة والكسائى جريا فيه على ضم الحرفين، كما ضما هنا وفى يس، وعاصم وحده جرى على الفتحتين فى الجميع، ونافع وابن كثير وابن عامر ضموا فى الكهف وحدها، وزاد أبو عمرو: إسكان الميم فيها، وكل ذلك لغات، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو:
(وليقولوا دارست (3)).
على وزن فاعلت، أى دارست غيرك هذا الذى جئتنا به، والباقون بلا ألف درست أى قرأت، وهو فى الرسم بغير ألف كما فى:
(جاعل اللّيل).
إلا أن الألفات كثير حذفها فى أوساط الكلم من الرسم، ثم ذكر قراءة أخرى، فقال:
658 [وحرّك وسكّن (ك) افيا واكسر أنّها
(ح) مى (ص) وبه بالخلف (د) رّ وأوبلا]
أى: حرك السين، أى افتحها وسكن التاء، فقل: درست، على وزن خرجت، فالتاء على هذه القراءة
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 99.
(2) سورة يس، آية: 35.
(3) سورة الأنعام، آية: 105.(2/454)
هى تاء التأنيث الساكنة، اللاحقة لأواخر الأفعال الماضية، والتاء فى القراءتين السابقتين تاء الخطاب المفتوحة ومعنى هذه القراءة: أى امحيت هذه الآيات وعفت ومضت عليها دهور، فكانت من أساطير الأولين، فأحييتها أنت وجئتنا بها، وكافيا حال، ثم قال: واكسر أنها: أراد:
{(أَنَّهََا إِذََا جََاءَتْ لََا يُؤْمِنُونَ} [1]).
فألقى حركة الهمزة فى أنها على الراء الساكنة من اكسر، فيجوز كسر الراء وفتحها على بناء حركة الهمزة المنقولة، وفيها قراءتان: الكسر لأبى عمرو وابن كثير، ولأبى بكر بخلاف عنه، وهى ظاهرة، لأنها استئناف إخبار عنهم: أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية، ومعنى وما يشعركم وما يدريكم إيمانهم إذا جاءت، فحذف المفعول وابتدأ بالإخبار بنفى وقوعه، والقراءة الأخرى بالفتح يوهم ظاهرها أنه عذر للكفرة، فقيل: إن أنها بمعنى: لعلها، وهى فى قراءة: أبىّ لعلها ذكر ذلك أبو عبيد وغيره، ولعل تأتى كثيرا فى مثل هذا الموضع، نحو:
{(وَمََا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السََّاعَةَ قَرِيبٌ} [2] {وَمََا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكََّى} [3]).
وقيل إنها وما بعده مفعول يشعركم، على أن لا زائدة، نحو:
{(وَحَرََامٌ عَلى ََ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا أَنَّهُمْ لََا يَرْجِعُونَ} [4]).
وهو قول الكسائى والفراء، وقيل هو عذر للمؤمنين أنهم لا يعلمون ما سبق به القضاء على الكفار من أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية، على ما قاله تعالى:
{(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لََا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جََاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [5]).
وقيل التقدير لأنها إذا جاءت: أى منعنا من الإتيان بالآية أنهم لا يؤمنون إذا جاءت، قال الزجاج: زعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهى قراءة أهل المدينة، قال: وهذا الوجه أقوى وأجود فى العربية، والذى ذكر أنّ «لا» لغو: غالط، لأن ما كان لغوا لا يكون بمنزلة لغو، ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن «لا» غير لغو، فليس يجوز أن يكون معنى لفظه: مرة لنفى ومرة لإيجاب، وقد أجمعوا على أن معنى أنّ هاهنا إذا فتحت معنى لعل، قلت: وقد تكلم أبو على فى الاصطلاح على هذا، واقتصر لمن قال أنّ «لا» لغو، واختار أن يكون التقدير: لأنها، أى: فلا نؤتيهموها لإصرارهم على كفرهم عند ورودها، فتكون هذه الآية كقوله تعالى:
{(وَمََا مَنَعَنََا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيََاتِ إِلََّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [6]).
أى بالآيات المقترحة، وقول الناظم: «حمى صوبه» أضاف حمى إلى الصوب، وهو نزول المطر
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 109.
(2) سورة الشورى، آية: 42.
(3) سورة عبس، آية: 3.
(4) سورة الأنبياء، آية: 95.
(5) يونس، الآيتان: 96و 97.
(6) سورة الإسراء، آية: 59.(2/455)
والهاء فى صوبه للكسر المفهوم من قوله «واكسر ودر» أى: تتابع صبه وسيلانه، وأو بل أى: صار ذا وبل وقد مضى الكلام فيه فى قوله «جودا وموبلا» فى الإدغام الصغير، وأشار إلى ظهور حجة قراءة الكسر، والله أعلم.
659 [وخاطب فيها يؤمنون (ك) ما (ف) شا
وصحبة (كفؤ فى الشّريعة وصّلا]
فيها، أى: فى هذه الآية، وفاعل خاطب: تؤمنون، جعله مخاطبا لما كان فيه خطاب، وقد تقدم نظيره، فمن قرأ بالخطاب كان وما يشعركم خطابا للكفار، ومن قرأ بالغيبة فالخطاب للمؤمنين، ويجوز أن يكون للكفار على قراءة الكسر، وعلى تقدير لعل، والخطاب فى الشريعة وصله صحبة كفؤ، يعنى: فى قوله تعالى:
{(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللََّهِ وَآيََاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [1]).
الخطاب للمرسل إليهم، والغيبة ظاهرة، والله أعلم.
660 [وكسر وفتح ضمّ فى قبلا (ح) مى
ظهيرا وللكوفيّ فى الكهف وصّلا]
ضم، إما فعل ما لم يسم فاعله، أو أمر، فإن كان لم يسم فاعله فهو صفة لفتح، وحذف مثله بعد قوله:
وكسر تخفيفا، وأراد كسر ضم وفتح ضم، أى القاف والباء من قبلا مضمومتان، فهو كقوله تعالى:
{(وَاللََّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [2]).
وهذه الصفة المقدرة هى التى سوّغت جواز الابتداء بقوله وكسر، وفى قبلا: خبره، وإن كان ضم فعل أمر: كان عدولا عن الوجه الأقوى فى الإعراب، مع إمكانه إلى الوجه الأضعف حين رفع وكسر وفتح، وكان الوجه نصبهما، لأنهما مفعول ضم، والظاهر أنه قصد هذا الوجه وغفل عن ضعف الرفع فى مثل هذا، فقد تكرر منه هذا النظم فى قوله المتقدم، و «والليسع» الحرفان حرك، وفاعل حمى ضمير الضم المفهوم من قوله ضم وظهيرا حال منه أو مفعول به، أى حمى من كان له ظهيرا، أى: معينا يحتج له وينصره، وإذا كان حلا فمعناه أن قراءة الضم ظهرت على الأخرى بكثرة وجوهها، والخلاف فى قوله تعالى:
{(وَحَشَرْنََا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [3]).
وفى الكهف:
{(أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذََابُ قُبُلًا} [4]).
يقرءان بضم القاف والباء، وبكسر القاف وفتح الباء، قيل القراءتان بمعنى واحد، أى: عيانا، وقيل:
المضموم هنا جمع قبيل، وهو الكفيل، أى كفلاء بما وعدناهم، والقبيل أيضا: الجماعة، أى جماعات تشهد
__________
(1) سورة الجاثية، آية: 6.
(2) سورة التوبة، آية: 62.
(3) سورة الأنعام، آية: 111.
(4) سورة الكهف، آية: 55.(2/456)
بصدقك، قال الفراء، فى سورة الأنعام: قبلا: جمع قبيل، وهو: الكفيل، قال: وإنما اخترت هاهنا أن يكون القبيل فى معنى الكفالة، لقولهم:
{(أَوْ تَأْتِيَ بِاللََّهِ وَالْمَلََائِكَةِ قَبِيلًا} [1]).
يضمون ذلك، قال: وقد يكون قبلا، من قبل وجوههم، كما تقول: أتيتك قبلا، ولم أك دبرا، وقد يكون القبيل: جمعا للقبيلة، كأنك قلت: أو تأتى بالله والملائكة قبيلة قبيلة، وجماعة جماعة، وقال فى الكهف قبلا عيانا، وقد يكون قبلا بهذا المعنى، وقد يكون قبلا، كأنه طوائف من العذاب، مثل: قبيل وقبل، قال أبو على: قال أبو زيد: يقال لقيت فلانا قبلا ومقابلة، وقبلا وقبلا، وقبليا وقبيلا، كله واحد، وهو المواجهة، ثم أتبع ذلك بكلام طويل مفيد رحمه الله.
661 [وقل كلمات دون ما ألف (ث) وى
وفى يونس والطّول (ح) اميه (ظ) لّلا]
يعنى قرأ هؤلاء كلمة بالإفراد، وهو يؤدى معنى الجمع، كما تقدم فى رسالاته فى المائدة، ويأتى له نظائر، وأراد:
(وتمّت كلمات ربّك صدقا وعدلا (2) إنّ الّذين حقّت عليهم كلمات ربّك لا يؤمنون (3)
وكذلك حقّت كلمات ربّك على الّذين كفروا أنّهم أصحاب النّار (4)).
أفرد الكوفيون الثلاثة، ووافقهم ابن كثير وأبو عمرو فى يونس والطول، وما فى قوله «دون ما ألف»:
زائدة.
662 [وشدّد حفص منزل وابن عامر
وحرّم فتح الضّمّ والكسر (إ) ذ (ع) لا]
أراد {(أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [5]).
التخفيف والتشديد لغتان، من أنزل ونزل، وحرم بفتح الحاء والراء، على إسناد الفعل إلى الله، وبضم الحاء وكسر الراء على بناء الفعل للمفعول، وكذا توجيه الخلاف فى فصل لكم الذى قبله، وهو قوله:
663 [وفصّل (إ) ذ (ث) نّى يضلّون ضمّ مع
يضلّوا الّذى فى يونس (ث) ابتا ولا]
فقراءة نافع وحفص بإسناد الفعلين إلى الفاعل وقراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر بإسنادهما إلى المفعول
__________
(1) سورة الإسراء، آية: 92.
(2) سورة الأنعام، آية: 115.
(3) سورة يونس، آية: 97.
(4) سورة غافر، آية: 6.
(5) سورة الأنعام، آية: 114.(2/457)
وقراءة حمزة والكسائى وأبى بكر بإسناد فصل إلى الفاعل، وإسناد حرّم إلى المفعول، ولم يأت عكس هذا، ومعنى: إذ ثنى: أى أعاد الضمير فى فصل إلى اسم الله تعالى قبله، فهو مثن بذكره، ويقال: ضل فى نفسه وأضل غيره، وأراد:
{(وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ} [1] {رَبَّنََا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} [2]).
فى يونس، ولا خلاف فى فتح التى فى صاد:
{(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ} [3]).
وسيأتى الخلاف فى التى فى إبراهيم وغيرها، وقوله: ثابتا حال من مفعول ضم، وولا: تمييز، أى نصرا أو يكون حالا، على تقدير: «ذا»، و «لا»، وساق الناظم رحمه الله هذه الأبيات الثلاثة على خلاف ترتيب التلاوة، ولكن على ما تهيأ له نظمه، وكان يمكنه أن يقول:
وشدد حفص منزل وابن عامر ... وفى كلمات القصر للكوف رتلا
وفى يونس والطول ظلل حاميا ... وفصل فتح الضم والكسر ثق ألا
وحرم إذ علا يضلون ضم مع ... يضلوا الذى فى يونس ثابتا ولا
664 [رسالات فردا، وافتحوا دون علّة ... وضيقا مع الفرقان حرّك مثقلا]
يريد قوله تعالى:
{(اللََّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسََالَتَهُ} [4]).
وجه الإفراد والجمع فيه كما سبق فى:
{(فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ} [5]).
فى سورة المائدة، وتكلمنا ثم على فتح التاء وخفضها، وقوله: وضيقا مع الفرقان، أراد يجعل صدره ضيقا حرجا.
{(إِذََا أُلْقُوا مِنْهََا مَكََاناً ضَيِّقاً} [6]).
شدد الياء، وكسرها كل القراء، سوى ابن كثير، والقراءتان كما سبق فى الميت والميّت، ثم تمم الكلام فقال:
665 [بكسر سوى المكّى ورا حرجا هنا
على كسرها (ا) لف (ص) فا وتوسّلا]
بين التحريك، أنه بالكسر ولو لم يبين لكان فتحا لإطلاقه، وقوله: سوى المكى، مستثنى من محذوف
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 119.
(2) سورة يونس، آية: 88.
(3) سورة ص، آية: 26.
(4) سورة الأنعام، آية: 124.
(5) سورة المائدة، آية: 67.
(6) سورة الفرقان، آية: 13.(2/458)
أى: لكل سوى المكى، والرواية بكسر التنوين، وإلا لجاز أن يكون «بكسر»، مضافا إلى سوى المكى، وقوله ورا حرجا، أراد: وراء حرجا بالمد، وإنما قصره ضرورة، يريد:
{(ضَيِّقاً حَرَجاً} [1]).
كسر راءه نافع وأبو بكر، وفتحها الباقون، وهما بمعنى واحدا عند قوم، وقيل هما كدنف ودنف يحتاج الفتح إلى تقدير مضاف، أى ذا حرج، لأنه مصدر، والكسر اسم فاعل: كحذر وحذر، قال الشيخ: وإذا تضايق الشجر والتف فلم تطق الماشية تخلله لتضايقه سمى حرجا وحرجة، فشبه به قلب الكافر، لضيقه عن الحكمة والإلف الأليف وصفا أخلص، يعنى: على كسر هذه الراء قارئ أليف مخلص، متوسل إلى الله تعالى: أى متقرب إليه، وقوله: هنا زيادة فى البيان، ولله أعلم.
666 [ويصعد خفّ ساكن (د) م ومدّه
(ص) حيح وخفّ العين (د) اوم (ص) ندلا]
أى: ذو خف أى ذو حرف خفيف ساكن، وهو الصاد فى قراءة ابن كثير، والباقون على تحريك الصاد بالفتح وتشديدها، دم: يعنى على القراءة به، ثم ذكر أن شعبة زاد مدا يعنى: بعد الصاد، وأنه وابن كثير معا خففا العين، فقرأ ابن كثير:
{(كَأَنَّمََا يَصَّعَّدُ} [2]).
على وزن يذهب ويعلم، وهو ظاهر لأنه مضارع صعد، كعلم وقرأ شعبة يصاعد: أصله يتصاعد، فأدغم التاء فى الصاد، وقرأ الجماعة:
(يصّعّد).
بتشديد الصاد والعين، أصله يتصعد، فأدغم، ومفعول قوله: داوم، محذوف، أى: داوم خف الصاد فى قراءة ابن كثير، وداوم المد بعدها فى قراءة أبى بكر، وصندلا: حال، أى عطرا مشبها صندلا.
667 [ويحشر مع ثان بيونس وهو فى
سبأ مع نقول اليا فى الأربع (ع) مّلا]
يعنى يحشر الذى بعد يصعد: وهو:
{(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ} [3]).
والثانى فى يونس هو الذى بعده:
{(كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} [4]).
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 125.
(2) سورة الأنعام، آية: 125.
(3) سورة الأنعام، آية: 128.
(4) الآية: 45.(2/459)
وقوله وهو يعنى يحشر فى سبأ مصاحب لقوله يقول، يعنى:
{(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلََائِكَةِ} [1]).
الياء فى الأربع، يعنى فى يقول مع يحشر فى السور الثلاث لحفص، والباقون بالنون، ووجه القراءتين ظاهر: ولا خلاف فى الأول بيونس، والأول بالأنعام أنهما بالنون، وقوله ونحشر مع ما بعده مبتدأ، والياء مبتدأ ثان، وخبره عملا، أى اعمل فيها، وقوله: فى الأربع من باب إقامة الظاهر مقام المضمر، وفيه زيادة فائدة العددية التى اندرج بسببها لفظ يقول فيما فيه الخلاف، لأن العدة لانتم إلا بيقول، وعمل وأعمل: واحد، كأنزل ونزل، وقصر لفظ الياء، ونقل حركة الهمزة فى الأربع، وأبدل همزة سبإ ألفا بعد أن أسكنها بنية الوقف على قراءة قنبل، كما يأتى، وكل ذلك سبق له نظائر، والله أعلم.
668 [وخاطب شام تعلمون ومن تكو
ن فيها وتحت النّمل ذكره (ش) لشلا]
يعنى {(وَمََا رَبُّكَ بِغََافِلٍ عَمََّا يَعْمَلُونَ} [2] {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ} [3]).
وجه الخطاب أن بعده:
{(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ)}.
وما بعده إلى آخر الآية، والغيب: رد على ما قبله من قوله:
(ولكلّ درجت ممّا عملوا (4) وأما من يكون له عاقبة الدّار (5)).
هنا وفى القصص، فتذكيره وتأنيثه على ما سبق فى:
(ولا تقبل منها شفاعة (6)).
لأن تأنيث العاقبة غير حقيقى، وشلشلا، أى: خفيفا.
669 [مكانات مدّ النّون فى الكلّ شعبة
بزعمهم الحرفان بالضّمّ رتّلا]
مكانات جمع مكانة وقد تقدم الكلام فى نظير ذلك من الجمع والإفراد من كلمات ورسالات وغيرهما، وقوله مد النون، لأنه إذا أشبع فتحها صارت ألفا، فكان المد فيها، وهو كما سبق فى سورة المائدة وفى العين فامدد، وقوله فى الكل يعنى حيث جاء، والزعم بفتح الزاى وضمها لغتان، وقوله بزعمهم:
الحرفان مبتدأ نحو: السمن منوان بدرهم، أى الموضعان منه، رتلا بالضم، وليس مثل ما تقدم من قوله:
واليسع الحرفان، فقد سبق أنه لو قال: ثم الحرفين بالنصب، لكان أجود وأما هنا فالرفع لا غير.
__________
(1) سورة سبإ، آية: 40.
(2) سورة الأنعام، آية: 133.
(3) سورة الأنعام، آية: 132.
(4) سورة الأنعام، آية: 135
(5) والقصص، آية: 37.
(6) سورة البقرة، آية: 48.(2/460)
670 [وزيّن فى ضمّ وكسر ورفع قت
ل أولادهم بالنّصب شاميّهم تلا]
671 [ويخفض عنه الرّفع فى شركاؤهم
وفى مصحف الشّامين بالياء مثّلا]
يعنى قوله تعالى:
{(وَكَذََلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلََادِهِمْ شُرَكََاؤُهُمْ} [1]).
قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين، والمفعول قتل المضاف إلى أولادهم، وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله، وقتل بالرفع، على أنه أقيم مقام الفاعل، وأولادهم بالنصب مفعول قتل، لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه، أى قتل شركاءهم أولادهم كقولك: عرف ضرب زيد عمرا، أضيف المصدر إلى الفاعل، فانجر وبقى المفعول منصوبا، لكن فى قراءة ابن عامر زيادة على هذا، وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة، وسيأتى توجيه ذلك، فقوله وزين مبتدأ، وفى ضم وكسر فى موضع الحال أى كائنا فى ضم الزاى وكسر الياء، ورفع قتل عطف على: وزين أولادهم كذلك، على حذف حرف العطف، وبالنصب فى موضع الحال، أى منصوبا، وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان، وخبر، هى خبر وزين، وما بعده أى تلا على هذه الصورة، أو بكون وزين وما بعده مفعولا لقوله تلا، مقدما عليه، أى ابن عامر تلا ذلك، وكان التعبير على هذا التقدير يقتضى أن يقول: وقتل بالرفع، فلم يتزن له، فقلب اللفظ لأمن الإلباس، لأن من تلا قتل بالرفع، فقد تلا الرفع، وقيل: ورفع قتل مبتدإ، خبره محذوف، أى وله رفع قتل، وله أولادهم بالنصب، وقوله: وفى مصحف الشامين، حذف منه ياء النسبة المشددة وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى فى باب التكبير، فى قوله: وفيه عن المكين: أراد أن مصحف أهل الشام الذى أرسله عثمان رضي الله عنه إليهم رسم فيه شركائهم بالياء، فدل ذلك على أنه مخفوض، فهو شاهد لقراءته كذلك، ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم، فهو الذى استنكر من قراءته، فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله، وشركائهم صفة له، قال أبو عمرو الدانى، فى مصاحف أهل الشام:
(أولادهم شركائهم).
بالياء، وفى سائر المصاحف شركاؤهم بالواو، قال أبو البرهسم فى سورة الأنعام فى إمام أهل الشام وأهل الحجاز: أولدهم شركائهم، وفى إمام أهل العراق شركاؤهم، قلت: ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء، ويحتمل أيضا قراءة أبى عبد الرحمن السلمى، على إسناد زين إلى القتل، كما فعل ابن عامر، ولكنه خفض الأولاد بالإضافة، ورفع شركاؤهم على إضمار فعل، كأنه قيل: من زينه؟ فقال شركاؤهم، فهو مثل ما يأتى فى سورة النور يسبح له فيها بفتح الياء، ثم قال: رجال، أى يسبحه رجال، وهى قراءة ابن عامر وأبى بكر، وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر، ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد،
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 137(2/461)
وعلى قراءة أبى عبد الرحمن السلمى السابقة، وهذا أوجه من القراءة، لا استبعاد فيه: لفظا ولا معنى، قال الزجاج وقد رويت شركائهم، بالياء فى بعض المصاحف، ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم لأن نعت أولادهم شركاؤهم فى أموالهم، وقال ابن النحاس: فيها أربع قراءات، فذكر ما ذكرناه، ونسب قراءة السلمى إلى الحسن أيضا، ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام، فقال: وحكى غير أبى عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا زين بالضم، قتل، بالرفع وخفض أولادهم شركائهم بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولدهم، لأنهم شركاؤهم فى النسب والميراث، وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم، ثم قال: وفى بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء، فإن تكن مثبتة عن الأولين. فينبغى أن يقرأ زين، ويكون الشركاء هم الأولاد، لأنهم منهم فى النسب والميراث، فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاى، فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون أتيتها عشايا، ويقولون فى تثنية حمراء حمرايان، فهذا وجه أن يكونوا أرادوا:
(زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم).
يعنى بياء مضمومة، لأن شركائهم فاعل زين، كما هو فى القراءة العامة، قال: وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد. قلت: يعنى تقدير الكلام زين مزين، فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد، سواء قرئ زين بالفتح أو بالضم، وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة، هم: خدم الأصنام أو الشياطين، زينوا للكفرة أن يقتلوا أولادهم بالوأد، وبالنحر للآلهة، وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين، لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين فى المعنى والله أعلم.
672 [ومفعوله بين المضافين فاصل ... ولم يلف غير الظرف فى الشّعر فيصلا]
يعنى أن المفعول فى قراءة ابن عامر وهو أولادهم الذى هو مفعول القتل، وقع فاصلا بين المضاف والمضاف إليه، لأن قتل مضاف إلى شركائهم، وأكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف فى الشعر خاصة: فهذا معنى قوله: ولم يلف، أى لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف والمضاف إليه، وأما فى كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف، فكيف بغيره، ذكر الناظم رحمه الله ما اعترض به على قراءة ابن عامر، ثم مثل بالظرف فقال:
673 [كلله درّ اليوم من لامها فلا ... تلم من سليمى النّحو إلّا مجهّلا]
أراد: بيتا أنشده سيبويه وغيره، وهو لعمرو بن قميئة:
لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله در اليوم من لامها
يريد: لله درّ من لامها اليوم، أنشد سيبويه أيضا لأبى حية النميرى كما خط الكتاب بكف يوما يهودى
أى بكف يهودى يوما، وأنشد لدرنا بنت عتبة:
هما أخوا فى الحرب من لا أخا له
أى اخوا من لا أخا له فى الحرب، قال: وقال ذو الرمة:(2/462)
لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله در اليوم من لامها
يريد: لله درّ من لامها اليوم، أنشد سيبويه أيضا لأبى حية النميرى كما خط الكتاب بكف يوما يهودى
أى بكف يهودى يوما، وأنشد لدرنا بنت عتبة:
هما أخوا فى الحرب من لا أخا له
أى اخوا من لا أخا له فى الحرب، قال: وقال ذو الرمة:
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريخ
أى كأن أصوات أواخر الميس، وكل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح، وبالجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه، ولا يجوز ذلك فى غير الشعر، قال سيبويه فى قوله:
يا سارق الليلة أهل الدار بخفض الليلة على التجوز، ونصب أهل على المفعولية، ولا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا فى شعر: كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور، ثم. وقال مما جاء فى الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة، فذكر الأبيات المتقدمة وغيرها، ثم قال: وهذا قبيح، ويجوز فى الشعر على هذا مررت بخير وأفضل من ثم، قال أبو الفتح ابن جنى: الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر كثير، لكنه من ضرورة الشاعر، وقوله: مليم، هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه، أى من مليم أهل النحو، وهو اسم جنس، هكذا وقع فى روايتنا بلفظ المفرد. ولو كان بلفظ الجمع كان أحسن، أى من مليمى النحو، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وتقع كذلك فى بعض النسخ، وهو الأجود، وحذفها إنما جاء من الكاتب، لأن الناظم أملى، فخفيت الياء على الكاتب، لأنها ساقطة فى اللفظ، أى الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين، منهم من ضعفها، ومنهم من جهّل قارئها وكلهم قد أتى بما يلام عليه، لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين، لكن من نفى ذلك ولم يجهل فأمره أقرب، إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك، ومن جهل فقد تعدى طوره، فبين أمره ولمه وجهله بما قد خفى عنه، فإنّ هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها عليه، ولم يقرأها من تلقاء نفسه، وسيأتى توجيهها. قال أبو عبيد: وكان عبد الله بن عامر وأهل الشام يقرءونها زين بضم الزاى.
(قتل).
بالرفع أولادهم بالنصب.
(شركائهم).
بالخفض، ويتأوّلونه قتل شركائهم أولادهم فيفرقون بين الفعل وفاعله، قال أبو عبيد: ولا أحب هذه القراءة، لما فيها من الاستكراه، والقراءة عندنا هى الأولى لصحتها فى العربية، مع إجماع أهل الحرمين والبصرتين بالعراق عليها، وقال أبو على: فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول والمفعول به مفعول المصدر وهـ اقبيح قليل فى الاستعمال، ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى، ألا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف فى الكلام، وحال السعة مع اتساعهم فى الظروف حتى أوقعوها مواقع، لا يقع فيها غيرها، نحو:
{(إِنَّ فِيهََا قَوْماً جَبََّارِينَ} [1]).
__________
(1) سورة المائدة، آية: 22.(2/463)
تلقون للهجر حولا كميلا:
ولا تلحنى فيها فإنى لحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلابله
ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها، ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف فى الكلام، مع اتساعهم فى الظرف فى الكلام، وإنما جاء فى الشعر، فأن لا يجوز فى المفعول به الذى لم يتسع فيه بالفصل به أجدر، وقال الزمخشرى: وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف، فشيء لو كان فى مكان الضرورات، وهو الشعر، لكان سمجا مردودا، فكيف به فى الكلام المنثور، فكيف به فى القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.
قال: والذى حمله على ذلك أنه رأى فى بعض المصاحف شركائهم مكتوبا بالياء، ولو قرئ يجر الأولاد والشركاء، لأن الأولاد شركاؤهم فى أموالهم، لوجد فى ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.
قلت: فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله، ثم ذكر وجه هذه القراءة، فقال:
674 [ومع رسمه زجّ القلوص أبى مزا ... دة الأخفش النّحويّ أنشد مجملا]
أى ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر، وهو جرّ شركائهم وأما نصب الأولاد، فليس فيه إلا النقل المحض، لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها، كما سبق، وهو الذى رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم، أى مع شهادة هذا البيت الذى ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به، وهو ما أنشده الأخفش، ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوى، صاحب الخليل وسيبويه:
فزججتها بمزجة ... زجّ القلوص أبى مزادة
أى زجّ أبى مزادة القلوص، فالقلوص مفعول، ويروى فزججتها متمكنا، ويروى فتدافعت، قال الفراء [فى كتاب المعانى] بعد إنشاده لهذا البيت: وهذا مما كان يقوله نحويو أهل الحجاز، ولم نجد مثله فى العربية، وقال فى موضع آخر: ونحويو أهل المدينة ينشدون هذا البيت، والصواب: زجّ القلوصى بالخفض، وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعرّى [فى كتاب شرح الجمل]: واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر، كما يفصل بينهما بالظرف، قال: وليس ذلك ببعيد، وقد حكى أن بعض القراء قرأ:
{(فَلََا تَحْسَبَنَّ اللََّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)}.
على تقدير مخلف رسله وعده، قال: وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت:
فزججته متعرضا ... زجّ القلوص أبى مزاح
قال: هكذا الرواية عنه، وقد روى أبى مزادة، قال أبو على الفارسى: وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له: أنه قد جاء فى الشعر الفصل، على حد ما قرأ، قال الطرماح:
يطفن بحوزىّ المراتع لم ترع ... بواديه من قرع القسى الكنائن
قال: وزعموا أن أبا الحسن أنشد «زجّ القلوص أبى مزادة» فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، قال ابن جنى فى بيت الطرماح: لم نجد فيه بدّا من الفصل، لأن القوافى مجرورة، قال فى زجّ القلوص فصل بينهما بالمفعول
به، هذا مع قدرته على أن يقول زجّ القلوص أبو مزادة، كقولك سرنى أكل الخبز زيد، قال: وفى هذا البيت عندى دليل على قوّة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم، وأنه فى نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول، ألا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها، لا لشيء غير الرغبة فى إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول قال أبو الحسن الحوفىّ، احتج ابن الأنبارى لهذه القراءة فقال: قد جاء عن العرب: هو غلام إن شاء الله أخيك ففرق بإن شاء الله، ويروى أن عبد الله بن ذكوان قال: سألنى الكسائى عن هذا الحرف وما بلغه من قراءتنا فرأيته كأنه أعجبه، ونزع بهذا البيت:(2/464)
يطفن بحوزىّ المراتع لم ترع ... بواديه من قرع القسى الكنائن
قال: وزعموا أن أبا الحسن أنشد «زجّ القلوص أبى مزادة» فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، قال ابن جنى فى بيت الطرماح: لم نجد فيه بدّا من الفصل، لأن القوافى مجرورة، قال فى زجّ القلوص فصل بينهما بالمفعول
به، هذا مع قدرته على أن يقول زجّ القلوص أبو مزادة، كقولك سرنى أكل الخبز زيد، قال: وفى هذا البيت عندى دليل على قوّة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم، وأنه فى نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول، ألا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها، لا لشيء غير الرغبة فى إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول قال أبو الحسن الحوفىّ، احتج ابن الأنبارى لهذه القراءة فقال: قد جاء عن العرب: هو غلام إن شاء الله أخيك ففرق بإن شاء الله، ويروى أن عبد الله بن ذكوان قال: سألنى الكسائى عن هذا الحرف وما بلغه من قراءتنا فرأيته كأنه أعجبه، ونزع بهذا البيت:
تنفى يداها الحصى فى كل هاجرة ... نفى الدراهم تنقاد الصياريف
فنصب الدراهم، ورواه غيره بخفض الدراهم، ورفع تنقاد على الصحة. قلت: وإنما أعجب الكسائى لأنه وافق عنده ما بلغه من جواره لغة، ومثله ما أنشده غيره:
فداسهم دوس الحصاد الدائس
أى دوس الدائس الحصاد، وفى شعر أبى الطيب، سقاها الحجى سقى الرياض السحائب
أى سقى السحائب الرياض، قال أبو الحسن ابن خروف: يجوز الفصل بين لمصدر والمضاف إليه بالمفعول لكونه فى غير محله، فهو فى نية التأخير، ولا يجوز بالفاعل لكونه فى محله، وعليه قراءة ابن عامر:
قلت: وقد أنشد الشيخ أبو العلاء المعرى فى شرحه بيتا فيه الفصل بالفاعل وبالجار والمجرور معا، وهو تمر على ما تستمر وقد شفت ... غلائل عبد القيس منها صدورها
أى: شفت عبد القيس غلائل صدورها منها وجاء الفصل أيضا بالمنادى المضاف، أنشد ابن جنى فى كتاب الخصائص:
كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام
قال أى كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام قلت: ووجدت فى شعر أسند إلى الفرس معاوية يخاطب به عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى:
نجوت وقد بل المرادى سيفه ... من ابن أبى شيخ الأباطح طالب
أى من ابن أبى طالب شيخ الأباطح، ففصل بين مضاف ومضاف إليه، وهو صفة لذلك المضاف والمضاف إليه، وابن أبى طالب هو: علىّ رضي الله عنه، ولا يعدّ فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى، وذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل لمرفوع لفظا، فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا، فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله، نحو أعجبنى ضرب عمرا زيد، فكذا فى الإضافة، وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجر ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف والمضاف إليه، فى نحو قوله تعالى:
{(فَبِمََا نَقْضِهِمْ مِيثََاقَهُمْ} [1] {فَبِمََا رَحْمَةٍ مِنَ اللََّهِ} [2]).(2/465)
نجوت وقد بل المرادى سيفه ... من ابن أبى شيخ الأباطح طالب
أى من ابن أبى طالب شيخ الأباطح، ففصل بين مضاف ومضاف إليه، وهو صفة لذلك المضاف والمضاف إليه، وابن أبى طالب هو: علىّ رضي الله عنه، ولا يعدّ فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى، وذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل لمرفوع لفظا، فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا، فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله، نحو أعجبنى ضرب عمرا زيد، فكذا فى الإضافة، وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجر ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف والمضاف إليه، فى نحو قوله تعالى:
{(فَبِمََا نَقْضِهِمْ مِيثََاقَهُمْ} [1] {فَبِمََا رَحْمَةٍ مِنَ اللََّهِ} [2]).
فإن قالوا: ما زائدة، فكأنها ساقطة في اللفظ لسقوطها فى المعنى.
قلت: والمفعول المقدم هو فى غير موضعه معنى، فكأنه مؤخر لفظا، ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت فى الكلام المنثور مثله، لأنه ناف، ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفى بإجماع، ولو نقل لى هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله فى النثر لرجع عن قوله، فما باله لا يكتفى بناقلى القراءة عن التابعين، عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم الذى حكاه ابن الأنبارى فيه الفصل فى غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل وفاعل، مع حرف شرط، مما يقوى ما ذكرناه أنهم التزموا أن انفصل بالجار والمجرور لم يأت إلا فى الشعر، وقد روت الرواة فى أحاديث النبى صلّى الله عليه وسلم الفصل بهما، وهو نحو قوله صلّى الله عليه وسلم:
«فهل أنتم تاركوا لى صاحبى»، و «تاركوا لى أمرائي».
أى تاركوا صاحبى لى، وتاركوا أمرائى لى، فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت فى الكلام المنثور فصل بالمفعول ولا بالظرف ونحوه، والله أعلم.
قال أبو القاسم الكرمانى فى لباب التفاسير: قراءة بن عامر وإن ضعفت فى العربية للإحالة بين المضاف والمضاف إليه، فقويت فى الروية عالية، وفى كتاب الخصائص لابن جنى بأن ما يرد عن العربى مخالفا للجمهور إذا تفق شيء من ذلك، نظر فى حال العربى، وفيما جاء به، فإن كان فصيحا وكان ما أورده مما يقبله القياس، فإن الأولى أن يحسن الظن به، وقد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها، أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبى الحجاج، عن أبى خليفة الفضل ابن الحباب، قال: قال ابن عون عن ابن سيرين، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهيت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب فى الأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يثوبوا إلى ديوان مدوّن ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك، وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم كثيره، قال:
وحدثنا أبو بكر عن أبى خليفة قال: قال يونس بن حبيب قال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير، قال أبو الفتح: إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطإ، ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده.
قلت: وقد بينا وجه القياس فى هذه القراءة، وقد حان نقلها من طريق صحيح، وبالله التوفيق:
وقول الناظم رحمه الله أبى مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة: أراد أن يأتى بلفظ الشاعر فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام فى الأخفش، فلزم تحريكها ففتحها، على حدّ قوله سبحانه:
{(الم اللََّهُ)}.
__________
(1) سورة النساء، آية: 155والمائدة، آية: 13.
(2) سورة آل عمران، آية: 159.(2/466)
فى أوّل آل عمران، ولو أبدل الهاء تاء على الأصل وفتحها لكان له وجه، لأنه واصل وشاعرها أبدلها هاء للوقف، ولكن كان يفوت لفظ الحكاية، وكان بعض الشيوخ يجيزوا قراءته بالتاء، ولم نسمعه من الشيخ أبى الحسن رحمه الله إلا بالهاء، واتفق أنى رأيت الشيخ الشاطبى رحمه الله فى المنام، وسألته عنه: أهو بالتاء أو بالهاء، فقال بالهاء، والله أعلم.
675 [وإن يكن أنّث (ك) فؤ صدق وميتة
(د) نا (ك) افيا وافتح حصاد (ك) ذى (ح) لا]
فتح نون يكن بإلقاء حركة همزة أنث إليها، ثم حذف الهمزة وكسر الدال من حصاد، على حكاية لفظ القرآن، وكفؤ صدق: منصوب على الحال، وكذا كافيا، وكذى حلا، فى موضع الحال، أى كائنا كصاحب حلا، وهو جمع حلية، أراد:
(وإن تك ميتة فهم فيه شركاء (1)).
فرفع ميتة على أن كان تامة، أى وإن يوجد فى بطنها ميتة، وتأنيث ميتة غير حقيقى، فلهذا ذكر ابن كثير ومن نصب ميتة وأنث تكن فدّر: وإن تكن الأجنة ميتة، وهى قراءة أبى بكر، وقراءة الباقين على وإن يكن ما فى بطونها ميتة، وقول الناظم رحمه الله: وميتة، يعنى بالرفع، وإطلاقه دال على ذلك، والحصاد بفتح الحاء وكسرها، لغتان، فالفتح قراءة ابن عامر وأبى عمرو، وعاصم، ورمزه فى البيت الآتى، وهو:
676 [(ن) ما وسكون المعز (حصن) وأنّثوا
يكون (ك) ما (ف) ى (د) ينهم ميتة (ك) لا]
أشار بقوله: نما إلى عاصم، ومعناه اشتهر وانتشر، من نما المال وغيره ينمى، إذا زاد، والمعز بإسكان العين وفتحها، لغتان: اسم جمع لماعز كتجر وخدم، ومن أنث يكون، ورفع ميتة: جعل كان تامة، ومن نصب ميتة، وأنث يكون، فعلى ما تقدم فى مثلها، فى:
{(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} [2]).
بنصب الفتنة، وتأنيث تكن، أنث الفعل لتأنيث الخبر، أو على تقدير إلّا أن تكون الأنعام، أو الجنة، أو النفس ميتة، ومن نصب ميتة، وذكر يكون قدر إلا أن يكون الموجود ميتة، وكلا: معناه حرس، لأن الرفع مع التأنيث قراء واضحة، بخلاف التأنيث مع النصب، وموضع قوله: إن يكون ميتة نصب على البدل من محرما، كما تقول لا أحد كريما إلا زيدا، أو عمرا، فقوله:
{(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} {أَوْ فِسْقاً} [3]).
كلها معطوفات على موضع أن يكون ميتة، سواء قرئت صفة بالنصب أو بالرفع، كأنه قال: لا أجد
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 139.
(2) سورة الأنعام، آية: 23.
(3) سورة الأنعام، آية: 145.(2/467)
محرما إلا ميتة أو دما أو لحم خنزير أو فسقا، ويجوز على قراءة ميتة بالنصب أن تكون المنصوبات بعدها عطفا عليها، والله أعلم.
677 [وتذّكّرون الكلّ خفّ (ع) لى (ش) ذا
وأنّ اكسروا (ش) رعا وبالخفّ (ك) مّلا]
الكل: يعنى حيث جاء، والتخفيف فى الذال لا فى الكاف، الأصل تتذكرون، فمن خفف حذف التاء الثانية، ومن شاد أدغمها فى الذال، والشذا: بقية القوة: والشدة، أى خف على قوة من الحجج:
{(وَأَنَّ هََذََا صِرََاطِي مُسْتَقِيماً} [1]).
كسرة على لاستئناف، والفتح على حذف حرف الجر، أى: ولأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه، قال أبو على: من فتح أنّ، فقياس قول سيبويه أنه حملها على فاتبعوه لأنه قال فى قوله:
{(لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ} [2] {وَإِنَّ هََذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وََاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [3] {وَأَنَّ الْمَسََاجِدَ لِلََّهِ} [4]).
إن المعنى: لهذا فليعبدوا رب، ولأن هذه أمتكم، ولأن المساجد لله:
{(فَلََا تَدْعُوا مَعَ اللََّهِ أَحَداً} [4]).
فكذلك قوله:
ول {(أَنَّ هََذََا صِرََاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [6]).
قال: ومن خفف، يعنى وفتح، فإن المخففة فى قوله تتعلق بما تتعلق به المشددة، وموضع هذا رفع بالابتداء وخبره: صراطى، وفى أن ضمير القصة والحديث، والفاء فى قوله فاتبعوه: مثل الفاء فى قولك بزيد فامرر، وعلى قراءة الكسر عاطفة جملة على جملة، وعلى القول الأول زائدة، وقال الفراء: تفتح إن بوقوع اتل عليها وإن شئت جعلتها خفضا، يريد:
{(ذََلِكُمْ وَصََّاكُمْ بِهِ} [6] وبأنّ {هََذََا صِرََاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [6]).
وقول الناظم: وبالخف كملا، أى: كملت وجوه القراءة فيها، لأنها ثلاثة، وقد ذكرها، والله أعلم.
678 [ويأتيهم (ش) اف مع النّحل فارقوا
مع الرّوم مدّاه خفيفا وعدّلا]
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 153.
(2) سورة قريش، آية: 1.
(3) سورة المؤمنون، آية: 52.
(4) سورة الجن، آية: 18.
(6) سورة الأنعام، آية: 153.(2/468)
يعنى {(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلََّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلََائِكَةُ} [1]).
هنا وفى النحل، قرأهما بالياء حمزة والكسائى على التذكير، والباقون بالتاء، ووجههما ظاهر، لأن تأنيث الجماعة غير حقيقى، وقرأ حمزة والكسائى أيضا:
(فارقوا دينهم (2)).
وفى الروم على وزن: قاتلوا، والباقون فرقوا بتشديد الراء، من التفريق والأول من المفارقة، وهما متقاربان لأن من فرق دينه فآمن ببعض وكفر ببعض، فقد فارق الدين المأمور به، والله أعلم.
679 [وكسر وفتح خفّ فى قيما ذكا
ويا آتها وجهى مماتى مقبلا]
خف صفة وفتح، أى افتح من غير تشديد، فالقراءة الأخرى بالكسر، والتشديد فى الياء مع فتح القاف وقد تقدم الكلام فى:
(قيّما).
فى سورة النساء، ثم ذكر من ياءات الإضافة ياءين: أحدهما:
(وجهى).
الذى فتحها نافع وابن عامر وحفص، والثانية «ومماتى» فتحها نافع وحده، وقول الناظم: مقبلا، حال من محذوف تقديره: خذه مقبلا عليه، وهو اعتراض بين عدد الياءات، ويجوز أن يكون التقدير: أتى ذلك مقبلا وظاهر الكلام فيه معنى حسن، فإن الوجه معناه: القصد، فكأنه قال: وجهى مماتى، فى حال كون الممات مقبلا إلى الانفكاك لى منه، والله أعلم.
680 [وربّى صراطى ثمّ إنّى ثلاثة ... ومحياى والإسكان صحّ تحمّلا]
أراد {(رَبِّي إِلى ََ صِرََاطٍ} [3]).
فتحها نافع وأبو عمرو، و {(صِرََاطِي مُسْتَقِيماً} [4]).
فتحها ابن عامر وحده، «إنى» فى ثلاثة مواضع:
{(إِنِّي أُمِرْتُ} [5]).
فتحها نافع وحده:
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 158.
(2) سورة الأنعام، آية: 159.
(3) سورة الأنعام، آية: 161.
(4) سورة الأنعام، آية: 153.
(5) سورة الأنعام، آية: 14.(2/469)
{(إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ} [1] {إِنِّي أَرََاكَ وَقَوْمَكَ} [2]).
فتحهما الحرميان وأبو عمرو، ومحياى أسكنها قالون وورش بخلاف عنه، فهى ثمان ياءات، ثم أكد صحة الإسكان فى محياى من جهة النقل بقوله: والإسكان صح تحملا، لأن النحاة طعنوا فيه، كما سبق ذكره، ونصب تحملا على التمييز، وإنما قال ذلك لأجل ما قاله أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز، قال: أوجه الروايتين وأولاهما بالصحة رواية من روى الإسكان، إذ هو الذى رواه ورش عن نافع دون غيره، وإنما الفتح اختيار من ورش، وقد كان له اختيار يأخذ به، يخالف فيه ما رواه ورش عن نافع دون غيره، وإنما الفتح اختيار من ورش، وقد كان له اختيار يأخذ به، يخالف فيه ما رواه عن نافع، وربما لم يبينه للقارئ متحملة عنه، على أنه يرويه عن نافع، وقال أبو الأزهر وداود بن أبى طيبة: أمرنى عثمان بن سعيد أن أنصبها مثل مثواى، وزعم أنه أقيس فى النحو، وقال يونس بن عبد الأعلى، قال لى عثمان بن سعيد: وأحب إلىّ أن بنصب محياى ويوقف مماتى.
قلت: ونعم ما اختاره ورش من فتح ياء محياى وقد أتى فى باب ياءات الإضافة تقرير ذلك، وفيها زائدة واحدة:
{(وَقَدْ هَدََانِ} {وَلََا أَخََافُ} [3]).
أثبتها فى الوصل أبو عمرو وحده، وانتظمت لى موضع قوله، والإسكان صح تحملا، فقلت زيدت قد هدانى لمن تلا.
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 15.
(2) سورة الأنعام، آية: 74.
(3) سورة الأنعام، آية: 80.(2/470)
سورة الأعراف
681 [وتذّكّرون الغيب زد قبل تائه
(ك) ريما وخفّ الذّال (ك) م (ش) رفا (ع) لا]
أى زاد ابن عامر ياء، فقرأ:
(قليلا ما يتذكّرون (1)).
وخفف الذال، والباقون لم يزيدوا هذه الياء الدالة على الغيب، وهم فى تخفيف الذال وتشديدها مختلفون، على ما سبق فى الأنعام، وإنما احتاج إلى إعادة الكلام فى تخفيف الذال هنا لأجل زيادة ابن عامر على تخفيفها، وقد سبق الكلام فى تعليل مثل هذه القراءات، وفى معنى قوله: كم شرفا علا فى سورة النساء، والله أعلم.
682 [مع الزّخرف اعكس تخرجون بفتحة
وضمّ وأولى الرّوم (ش) افيه (م) ثّلا]
أراد {(وَمِنْهََا تُخْرَجُونَ. يََا بَنِي آدَمَ} [2]).
وفى الزخرف:
{(بَلْدَةً مَيْتاً كَذََلِكَ تُخْرَجُونَ} [3]).
والأولى من الروم:
{(وَكَذََلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آيََاتِهِ} [4]).
احترز من الثانية، وهى:
{(ثُمَّ إِذََا دَعََاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذََا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [5]).
فإنهم أجمعوا على أن الفعل فيه مسندا إلى الفاعل، فاختلفوا فى المواضع الثلاثة المذكورة، فقرأها حمزة والكسائى وابن ذكوان كذلك مسماة للفاعل، وقرأها غيرهم على بناء الفعل للمفعول، ووجه القراءتين ظاهر، لأنهم أخرجوا فخرجوا، فقوله بفتحة: يعنى فى التاء، وضم يعنى فى الراء، ولو قال: بفتحة فضم فعطف بالفاء كان أجود من الواو هنا، لأن قراءة الباقين أيضا بضم وفتحة، والواو لا تقتضى ترتيبا، وإذا قيل ذلك بالفاء بان أن الضم بعد الفتحة، فيفهم أنها على إسناد الفعل إلى الفاعل وفائدة قوله: اعكس، أن يجعل مكان فتحة التاء ضمة، ومكان الضم فتحا، ولولا قوله: اعكس لجعلت مكان الفتحة كسرة، لأنها ضدها.
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 30.
(2) سورة الأعراف، آية: 26و 27.
(3) سورة الأعراف، آية: 11.
(4) سورة الروم، آية: 19و 20.
(5) سورة الروم، آية: 25.(2/471)
683 [بخلف (م) ضى فى الرّوم لا يخرجون (ف) ى
(ر) ضا ولباس الرّفع (ف) ى (حقّ ن) هشلا]
أى عن ابن ذكوان خلاف فى أولى الروم المذكورة، وقوله: مضى رمزه، ولو لم يرمز لكان معلوما، لأن ذكره للخلف مهما أطلقه بعد رمزين أو أكثر رجع إلى آخر رمز، هذه عادته، ولكنه اضطر هنا إلى كلمة يتزن البيت بها، فلو أتى بغير ما فى أوله ميم لأوهم رمزا لغير ابن ذكوان، فكان رمز الميم أولى، ولأن فيه زيادة بيان، ويجوز أن يقال: هذا الموضع لا نظير له، فإن المواضع التى يطلق فيها الخلف بعد رمز متعدد، يكون الخلف فيها راجعا إلى الحرف المرموز له، وهنا رجع الخلف إلى بعض المذكور، وهو موضع واحد من ثلاثة:
فلو قال: بخلف الذى فى الروم، لظن أن الخلف فيه للجميع، وأن الموضعين الآخرين لا خلف فيهما، فأزال الوهم بالرمز، والله أعلم.
ثم قال: لا يخرجون يعنى الذى فى الجاثية:
{(فَالْيَوْمَ لََا يُخْرَجُونَ مِنْهََا} [1]).
انفرد حمزة والكسائى عن ابن ذكوان بقراءته بفتح الياء وضم الراء، وهو مشتبه بالذى فى الحشر:
{(لَئِنْ أُخْرِجُوا لََا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [2]).
فليس فى فتح يائه خلاف، وقوله: فى رضى، أى كائن فى رضى من قبول العلماء له، وفى ظاهر العبارة أيضا معنى حسن وهو: أن الكفار لا يخرجون مرضيا عنهم، بل يخرجون من عذاب إلى عذاب، أعاذنا الله برحمته والقراءتان فى جميع ذلك مثل يرجعون ويرجعون وأما:
{(وَلِبََاسُ التَّقْوى ََ} [3]).
بالنصب فعطف على ما قبله، قال أبو على: ومن رفع قطع اللباس فى الأول، واستأنف به، فجعله مبتدا وقوله: ذلك صفة أو بدل أو عطف بيان، ومن قال: إن ذلك لغو: يعنى فصلا لم يكن على قوله دلالة، لأنه يجوز أن يكون على حد ما ذكرنا، وخير خبر اللباس، والمعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب له إلى الله تعالى مما خلق له من اللباس والرياش، الذى يتجمل به، وأضيف اللباس إلى التقوى، كما أضيف إلى الجوع والخوف فى قوله تعالى:
{(فَأَذََاقَهَا اللََّهُ لِبََاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [4]).
وقال غير أبى على: ولباس بالرفع خبر مبتدأ، أى وهو لباس التقوى، فيكون وهو ضمير اللباس الموارى للسوأة، سماه لباس التقوى لستره العورة، لأن كشفها محرم ينافى التقوى، وإليه الإشارة بقوله ذلك خير أى خير فى نفس الأمر، أى خير من الريش المتجمل به، والذى يظهر من قراءة النصب أنه استعار التقوى
__________
(1) سورة الجاثية، آية: 26.
(2) سورة الحشر، آية: 12.
(3) سورة الأعراف، آية: 26.
(4) سورة النحل، آية: 112.(2/472)
لباسا، كما استعار للجوع والخوف مجازا، ثم أشار إليه بقوله ذلك خير أى مما تقدم، أو المجموع خير فى نفسه، أو خير من عدمه، كما قال سبحانه فى موضع آخر:
{(ذََلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} [1]).
وإذا دلتنا قراءة النصب على أن لباس التقوى غير اللباس الموارى للسوأة، فالأولى جعل قراءة الرفع كذلك فيكون مبتدأ، وذلك إشارة إليه للعلم به والحث عليه من الشارع فى عدة مواضع، وما أحسن قول الشاعر:
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ... تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وإعراب قول الشاطبى: «ولباس الرفع» كما سبق فى قوله والميتة الخف خولا، فى آل عمران، وقد سبق تفسير قوله: «فى حق نهشلا» فى سورة النساء أى: يتسلى بذلك المنقول من الضعفاء العاجزين عن لباس الزينة فى الدنيا، والله أعلم.
684 [وخالصة (أ) صل ولا يعلمون قل
لشعبة فى الثّانى ويفتح (ش) مللا]
هذا البيت جامع لثلاث مسائل استعمل فيها الرفع والغيب والتذكير، وهى الأمور التى يستغنى بها لفظا عن القيد.
المسألة الأولى:
{(خََالِصَةً يَوْمَ الْقِيََامَةِ} [2]).
القراءة فيها دائرة بين الرفع والنصب، فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الرفع لمن رمز له، وهو نافع وحده، فالباقون بالنصب فوجه الرفع أن يكون خالصة خبر المبتدأ الذى هو «هى» وقوله للذين آمنوا متعلق بالخبر، وفى الحياة: معمول آمنوا، أى هى خالصة يوم القيامة للمؤمنين فى الدنيا، ويجوز أن يكون للذين آمنوا خبر المبتدا، وخالصة خبر بعد خبر، وفى الحياة الدنيا معمول الأول، أى استقرت فى الدنيا للمؤمنين، وهى خالصة يوم القيامة، وخالصة بالنصب على الحال، أى: هى للمؤمنين فى الدنيا، على وجه الخلوص يوم القيامة، بخلاف الكافرين، فإنهم وإن نالوها فى الدنيا فما لهم فى الآخرة منها شيء وذكر أبو على وجوها كثيرة فيما يتعلق به قوله فى الدنيا، قال الشيخ: ومعنى قوله: أصل، أنها خلقت للذين آمنوا بطريق الأصالة فى الدنيا والآخرة، وإنما شاركهم غيرهم فى الدنيا بطريق التبعية.
المسألة الثانية:
{(قََالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلََكِنْ لََا تَعْلَمُونَ} [3]).
القراءة فيها دائرة بين الغيب والخطاب، فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الغيب لشعبة وحده والباقون بالخطاب، ووجه القراءتين ظاهر سبق لهما نظائر، وقوله: فى الثانى، احترز به من قوله تعالى:
__________
(1) سورة البقرة، آية: 232.
(2) سورة الأعراف، آية: 32.
(3) سورة الأعراف، آية: 38.(2/473)
(وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (1)).
فإنه بالخطاب من غير خلاف، فإن قلت: هلا قال فى الثالث، فإنّ قبل هذين الموضعين ثالثا، وهو:
{(إِنَّ اللََّهَ لََا يَأْمُرُ بِالْفَحْشََاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ} [2]).
وهو أيضا بالخطاب بلا خلاف، قلت: أراد الثانى بعد كلمة خالصة التى ذكر الخلاف فيها، ولم يحتج إلى الاحتراز عما تقدم خالصة، فإن ذلك يعلم أنه لا خلاف فيه، لأنه تعداه، ولو كان فيه خلاف لذكره قبل خالصة، هذا غالب نظمه، وإن كان فى بعض المواضع يقدم حرفا على حرف، على ما يواتيه النظم، ولكن الأصل ما ذكرناه، ونظير ما فعله هنا ما يأتى فى سورة يونس من قوله: وذاك هو الثانى، يعنى لفظ ننجى بعد نجعل وهو ثالث إن ضممت إليه آخر قبل نجعل على ما سيأتى فى موضعه إن شاء الله تعالى، والدليل على أنه يراعى ترتيب الحروف، ولا يحتاج إلى أن يحترز عن السابق قوله فى سورة المؤمنين: «صلاتهم شاف»، أراد التى بعد أماناتهم ولم يحترز عن قوله:
{(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} [3]).
لأنها سبقت ذكر أماناتهم، وهذه مواضع حسنة لطيفة يحتاج من يروم فهم هذا النظم أن ينظر فيها، ولو أنه قال: وخالصة أصل، وشعبة يعلمون بعد «ولكن لا» لما احتاج إلى ذكر ثان ولا ثالث.
المسألة الثالثة:
(لا يفتّح لهم أبواب السّماء (4)).
اختلف فيها فى موضعين: أحدهما المذكور فى هذا البيت، وهو التذكير والتأنيث، وكان إطلاق الناظم فى قوله ويفتح «شمالا» دليلا على أنه أراد التذكير لحمزة والكسائى، ووجه القراءتين ظاهر، لأن تأنيث الأبواب ليس بحقيقى، وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها، ثم ذكر الموضع الثانى فقال:
685 [وخفّف (ش) فا (ح) كما وما الواو دع (كفى
وحيث نعم بالكسر فى العين (ر) تّلا]
أى وافق أبو عمرو حمزة والكسائى على تخفيف يفتح لهم ولم يوافقهما فى التذكير، فصار فيها ثلاث قراءات: التذكير مع التخفيف، والتأنيث مع التخفيف، وقراءة الباقين التأنيث مع التشديد، فالتخفيف من فتح والتشديد من فتح، وقد تقدّم نظيرهما، وقوله: وما الواو دع الواو بالنصب: مفعول دع، أى اترك الواو: أسقطها من قوله تعالى:
{(وَمََا كُنََّا لِنَهْتَدِيَ} [5]).
قرأها ابن عامر كذلك، لأن الواو لم ترسم فى مصحف الشام، وهو نظير قراءته فى سورة البقرة:
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 33.
(2) سورة الأعراف، آية: 28.
(3) سورة المؤمنون، آية: 2.
(4) سورة الأعراف، آية: 40.
(5) سورة الأعراف، آية: 43.(2/474)
{(قََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ} [1]).
والباقون بالواو فيهما، على ما رسم فى مصاحفهم، ووجه إثبات الواو فائدة العطف وسقوطها الاستئناف أو الاستغناء عنها، وإليه الإشارة بقوله: كفى قال أبو على كأن الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى القياس به عن حرف العطف، قبل: ومثل ذلك قوله تعالى:
{(سَيَقُولُونَ ثَلََاثَةٌ رََابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} [2]).
فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى، ونعم: بفتح العين وكسرها، لغتان، وهو حرف مستعمل تارة عدة وتارة تصديقا، وقوله: وحيث نعم، أى وحيث هذا اللفظ موجود فى القرآن، ففيه هذا الخلاف، والله أعلم.
686 [وأن لعنة التّخفيف والرّفع (ن) صّه
(سما) ما خلا البزّى وفى النّور (أ) وصلا]
يريد {(أَنْ لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} [3]).
وتخفيفه فى نون أن والرفع فى آخر لعنة لأنه إذا خففت أن بطل عملها وارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر وأضمر بعد أن ضمير الشأن، وقرأ نافع وحده بمثل هذا فى سورة النور فى قوله سبحانه:
{(أَنَّ لَعْنَتَ اللََّهِ عَلَيْهِ إِنْ كََانَ مِنَ الْكََاذِبِينَ} [4]).
وكذلك يقرأ أيضا:
{(أَنَّ غَضَبَ اللََّهِ} [4]).
على ما سيأتى فى مكانه، وقراءة الباقين ظاهرة فى المواضع الثلاثة بتشديد أنّ ونصب ما بعدها على أنه اسمها وأسكن «يا» البرى وخففها ضرورة، والله أعلم.
687 [ويغشى بها والرّعد ثقّل (صحبة)
والشّمس مع عطف الثّلاثة كمّلا]
يريد {(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهََارَ} [6]).
بهذه السورة وبالرعد، التخفيف فيها، والتشديد لغتان، ويقال أغشى وغشّى مثل: أنزل ونزل، وأما {(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرََاتٌ} [7]).
قرئت الأربعة بالرفع، والنصب أما لرفع فعلى الابتداء، والخبر مسخرات، وأما النصب فعلى تقدير:
__________
(1) سورة الكهف، آية: 4.
(2) سورة الكهف، آية: 22.
(3) سورة الأعراف، آية: 44.
(4) سورة النور، آية: 7و 9.
(6) سورة الأعراف، آية: 7.
(7) سورة النحل، آية: 12.(2/475)
وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات، فيكون نصب مسخرات على الحال، أو يكون على إضمار جعل، فيكون مسخرات مفعولا به، فقوله: والشمس أدخلا واو العطف الفاصلة على واو التلاوة، وأطلق لفظ الشمس ولم يقيد حركتها ليعلم أنها رفع، ثم قال: مع عطف الثلاثة، يعنى بالثلاثة والقمر والنجوم مسخرات وهذه الثلاثة منها اثنان معطوفا، والثالث وهو مسخرات ليس معطوفا، لكنه فى حيز ما عطف، فأعطاه حكمه، فلهذا قال: مع عطف الثلاثة، أى مع الثلاثة المتصفة بالعطف، فهو من باب: سحق عمامة، أى عمامة موصوفة بأنها سحق، أى ذات سحق، بمعنى بالية، فكذا هذه الثلاثة موصوفة بأنها ذات عطف، أى معطوفا وقوله كمل الرفع فى الأربعة، والفاعل هو القارئ، أو هذا للفظ لأن التكميل فيه كما سبق فى خاطب.
688 [وفى النّحل معه فى الأخيرين حفصهم
ونشرا سكون الضّمّ فى الكلّ (ذ) لّلا]
معه: أى مع ابن عامر فى رفع الأخيرين حفص، أى وافقه على رفع النجوم مسخرات فى سورة النحل ولم يوافقه على رفع والشمس والقمر فى النحل، ولا على رفع الأربعة هنا، فى عبارة الناظم نظر، وذلك أنها لا تخلو من تقديرين، وكلاهما مشكل: أحدهما أن يكون تقدير الكلام: حفص وابن عامر على الرفع فى الأخيرين فى النحل، فهذا صحيح، ولكن لا يبقى فى نظمه دلالة على أن ابن عامر يرفع الأولين فى النحل، لأن لفظه فى البيت الأول، لم يأت فيه بما يدل على الموضعين، ولفظه فى هذا البيت لم يتناول إلا الأخيرين، والتقدير الثانى أن يكون فى النحل متعلقا بالبيت الأول، كأنه قال يرفع هذه الأربعة هنا وفى النحل، ثم ابتدأ وقال معه فى الأخيرين حفص، وهذا وإن كان محصلا لعموم رفع الأربعة فى الموضعين لابن عامر، فلا يبقى فى اللفظ دلالة على أن حفصا لم يوافقه لا على رفع الأخيرين فى النحل فقط، بل يبقى ظاهر الكلام أن حفصا موافقة على رفع الأخيرين فى الموضعين، فلو قال: وفى النحل حفص معه، ثم فى الأخيرين نشرا الى آخر البيت لاتضح المعنى بقوله ثم لدلالته على تخصيص موافقة حفص بما فى النحل فقط، والذى فى النحل هو:
{(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومُ مُسَخَّرََاتٌ} [1]).
فرفع الأربعة ظاهر على ما سبق، ورفع الأخيرين على الابتداء والخبر، والشمس والقمر نصبهما على ما توجه به نصب الأربعة، وذلك بفعل مضمر، وهو وخلق الشمس، أو وجعل الشمس وما بعدها، فيكون مسخرات حالا أو مفعول به كما مضى، أو يقدر هذا الفعل قبل والنجوم، ويكون الشمس والقمر معطوفين على الليل والنهار، وانما لم نقل ذلك فى والنجوم مسخرات، لأن الفعل الناصب هو: سخر فيصير المعنى وسخر النجوم مسخرات، وهذا غير مستقيم، ويجوز أن يكون المعنى ونتعلم هذه الأشياء فى حال كونها مسخرات لما خلقن له، أو يكون مسخرات بمعنى تسخيرات، فيكون مصدرا، أى سخرها أنواعا من التسخير، كقوله سرحه مسرحا، ووقع فى تفسير الواحدى خلل فى نقل قراءة حفص فى النحل: فقال وقرأ حفص مسخرات بالرفع وحدها، وجعلها خبر مبتدإ محذوف، كأنه قال هى مسخرات، وأما نشرا من قوله تعالى:
__________
(1) سورة النحل، آية: 12.(2/476)
(وهو الّذى يرسل الرّياح نشرا (1)).
وحيث تاء، فأسكن شيئا مدلول ذللا، ومعنى ذلك سهل وقرب، وقوله ومكان الضم مبتدأ ثان، وقامت الألف واللام فى الكلمة مقام الضمير العائد على المبتدإ الأول، أى في كله أى فى جميع مواضعه، ثم قال:
689 [وفى النّون فتح الضمّ (ش) اف وعاصم
روى نونه بالباء نقطة اسفلا]
قرأ حمزة والكسائى بفتح النون وسكون الشين، على أنها مصدر فى موضع الحال، أو مؤكدا أى ذات نشر أو ننشرها أى نحييها، فنشرت نشرا أى حييت، من أنشر الله الموتى فنشرها، وأقام قوله يرسل الريح مقام ينشرها، قال أبو زيد أنشر الله الريح إنشارا إذا بعثها، وقراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو نشرا بضم النون والشين جمع نشور، أو نشر، وهى الريح الحية، وقراءة ابن عامر على تخفيف هذا القراءة، بضم النون وإسكان الشين، وقراءة عاصم بشرا بباء مضمومة، وإسكان الشين جمع بشير من قوله تعالى:
{(يُرْسِلَ الرِّيََاحَ مُبَشِّرََاتٍ} [2]).
أى تبشر بالمطر والرحمة، وقد مضى إعراب لفظ: نقطة أسفلا، وفى سورة البقرة أى لها نقطة أسفلها، قيدها بذلك خوفا من التصحيف، والله أعلم.
690 [ورا من إله غيره خفض رفعه
بكلّ (ر) سا والخفّ أبلغكم (ح) لا]
مجموع قوله من إله غيره فى موضع خفض بإضافة راء إليه، أى وراء هذا اللفظ، حيث الباء خفض رفعها رسا، أى ثبت ووجه الخفض أنه صفة إله لفظا، والرفع صفة له معنى، لأن التقدير: ما لكم إله غيره، ومن زائد وأبلغ وبلغ لغتان، كأغشى وغشى، والقراءة بهما هنا فى موضعين، وفى الأحقاف، فقول الناظم والخف: مبتدأ، وخبر حلا. وأبلغكم منصوب بالمبتدإ، لأنه مصدر، كأنه قال: وتخفيف أبلغكم حلا، فأقام الخف مقام التخفيف، فلما أدخل عليه لام التعريف نصب المضاف إليه مفعولا به، وكان التخفيف مضافا إلى المفعول، كما تقول: ضرب زيد حسن ثم تقول: الضرب زيد أحسن، ومنه قول الشاعر:
كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا
والأصل عن ضرب مسمع، والله أعلم.
691 [مع احقافها والواو زد بعد مفسدي
ن (ك) فؤا وبالإخبار إنّكمو (ع) لا]
أى مع كلمة أحقافها، وهى:
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 57.
(2) سورة الروم، الآية: 46.(2/477)
{(وَأُبَلِّغُكُمْ مََا أُرْسِلْتُ بِهِ، وَلََكِنِّي} [1]).
والهاء عائدة على سور القرآن، للعلم بها، ثم قال: وزد واوا، بعد قوله مفسدين، يريد قوله تعالى فى قصة صالح:
{(وَلََا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [2] {وَقََالَ الْمَلَأُ} [3]).
رسمت الواو فى مصحف الشام دون غيره، فقرأها ابن عامر كذلك، وحذفها الباقون، كما أنه حذف واو {(وَمََا كُنََّا لِنَهْتَدِيَ)}.
وأثبتها الباقون، وكفرا: حال من فاعل زد، أو من الواو، أى إثباتها مكافئ لحذفها، إذ المعنى فيهما واحد، قوله: وبالإخبار، متعلق بعلا، أى أئنكم علا وارتفع بقراءته على الخبر، أى بهمزة واحدة فى قوله (أئنّكم لتأتون الفاحشة (4)).
أخبر عنهم بما كانوا عليه توبيخا لهم، وقرأه الباقون بزيادة همزة الاستفهام الذى بمعنى الإنكار، وهم على أصولهم فى تحقيق الثانية وتسهيلها، والمد بين الهمزتين، وترك المد، والذى قرأ بالإخبار حفص ونافع، وقد رمز له فى أوّل البيت الآتى.
فإن قلت: من أين يتعين أن الاستفهام ضد الإخبار حتى تعلم منه قراءة الباقين، وإنما هما قسمان من أقسام الكلام، والأمر والنهى والتمنى والترجى كذلك.
قلت: قد نطق بلفظ الاستفهام فى قوله أئنكم علا، فأغنى عن أحد الضدين: الإخبار وكأنه قال:
يقرأ هذا اللفظ على الخبر، فيعلم أن قراءة الباقين بهذا اللفظ، ويجوز أن يندرج ذلك تحت الإثبات والحذف، فالإخبار حذف لهمزة لاستفهام، وضد إثباتها، والله أعلم.
692 [(أ) لا و (ع) لى ال (حرمىّ) إنّ لنا هنا
وأو أمن الإسكان (حرميّ) هـ (ك) لا]
ألا من تتمة رمز ما سبق، وعلى فى قوله: وعلى الحرمى: فعل ماض ارتفع به الحرمى، وألا: حرف تنبيه، أخبر بعد بأن قراءة الحرميين:
{(إِنَّ لَنََا لَأَجْراً} [5]).
بالإخبار قد علمت، ولو كان على حرف جر لكان له معنى مستقيم أيضا، أى على الحرميين قراءة إن لنا بالإخبار، والواو فى: وعلى، للفصل، والعين رمز حفص، لأن الواو زائدة على الكلمة، فكأنه قال:
وحفص بخلاف العين فى قوله: وعى نفر، فإنها متوسطة، وسيأتى لهذا نظائر، وكم صحبة يا كاف، ودون
__________
(1) سورة الأحقاف، الآية: 23.
(2) سورة الأعراف، الآية: 74.
(3) سورة العنكبوت، الآية: 28.
(4) سورة الأعراف، الآية: 113.
(5) سورة الشعراء، الآية: 43.(2/478)
عناد عم، وحكم صحاب قصر همزة جاءنا وقد سبق فى شرح الخطبة الكلام على هذا، وقوله: هنا، احترازا من الذى فى الشعراء، فإنه بالاستفهام اتفاقا، كقراءة الباقين هنا، وأما:
{(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ} [1]).
ففي واوه الإسكان والفتح، فالإسكان على أنها حرف أو، أى أفأمنوا هذا أو هذا، وقراءة الجماعة على أنها واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام، وهو استفهام بمعنى النفى، وقوله: الإسكان: مبتدأ ثان، والعائد إلى الأول محذوف، أى الإسكان فيه، ومعنى كلا: حفظ وحرس، والله أعلم.
693 [علىّ على (خ) صّوا وفى ساحر بها
ويونس سحّار (ش) فا وتسلسلا]
أى خصوا علىّ موضع على، فى قوله تعالى:
{(حَقِيقٌ عَلى ََ أَنْ لََا أَقُولَ} [2]).
فقراءة نافع واضحة، أى واجب على قول الحق، وأن لا أقول على الله غيره، وعلى فى قراءة الجماعة متعلقة برسول، وحقيق صفته أى انى رسول على هذه الصفة، وهى أنى لا أقول إلا الحق، وحقيق بمعنى حق أى أنا رسول حقيقة، ورسالتى موصوفة بقول الحق، قال ابن مقسم: حقيق من نعت الرسول أى رسول حقيق من رب العالمين أرسلت، على أن لا أقول على الله إلا الحق، وهذا معنى صحيح واضح، وغفل أكثر المفسرين من أرباب اللغة عن تعلق حرف على برسول، ولم يخطر لهم تعلقه إلا بقوله: حقيق، فقال الأخفش والفراء على بمعنى الباء، أى حقيق بأن لا أقول إلا الحق، كما جاءت الباء بمعنى على فى:
{(وَلََا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرََاطٍ} [3]).
وتبعهما الأكثرون على ذلك، وذكر الزمخشرى أربعة أوجه أخر.
أحدها: أن يكون من المقلوب لا من الإلباس، كقوله:
وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
ومعناه: وتشقى الضياطرة بالرماح يعنى، فتكون بمعنى قراءة نافع، أى قول الحق حقيق على، فقلب اللفظ، فصار أنا حقيق على قول الحق، قال:
والثانى: أن ما لزمك فقد لزمته، فلما كان قول الحق حقيقا عليه، كان هو حقيقا على قول الحق، أى لازما له.
والثالث: أن تضمن حقيق معنى حريص، كما ضمن هيجنى: معنى ذكرنى فى بيت الكتاب: يعنى قوله:
إذا تغنى الحمام الورق هيجنى ... ولو تغربت عنها: أمّ عمار
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 98.
(2) سورة الأعراف، الآية: 105.
(3) سورة الأعراف، الآية: 86.(2/479)
نصب أم عمار بهيجنى، لأنه استعمله بمعنى ذكرنى.
قال: والرابع: أن يغرق موسى صلّى الله عليه وسلم فى وصف نفسه بالصدق، أى أنا حقيق على قول الحق، أى واجب على أن أكون أنا قائله، والقائم به، وكل هذه وجوه متعسفة، وليس المعنى إلا على ما ذكرته أولا، وقراءة حمزة والكسائى:
{(يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحََّارٍ عَلِيمٍ} [1]).
والباقون بكل ساحر وكذا فى يونس:
{(وَقََالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سََاحِرٍ عَلِيمٍ} [2]).
ولا خلاف فى الذى فى الشعراء أنه سحّار بألف بعد الحاء، كما قرأ حمزة والكسائى فى الأعراف ويونس وساحر وسحار مثل عالم وعلّام، وفى التشديد مبالغة، وتقدير نظم البيت وسحار شفا فى موضع ساحر فى الأعراف ويونس، والمتسلسل الماء الذى يجرى فى الحلق سائغا سهل الدخول فيه، يشير إلى الميل إليه لموافقته لفظ ما أجمع عليه فى الشعراء.
694 [وفى الكلّ تلقف خفّ حفص وضمّ فى
سنقتل واكسر ضمّه متثقّلا]
لفظ فى هذا البيت بقراءة حفص، ولفظ بقراءة الجماعة فى البقرة عند: ذكر تاءات البزى، ويروى:
ثلاثا فى تلقف، والتخفيف والتشديد فى القاف، ويلزم التخفيف سكون اللام والتشديد فتحها، ولم ينبه عليه للعلم به من لفظه، وقد سبق له نظائر، وقوله: وفى الكل يعنى: هنا تلقف، وفى طه والشعراء، فقراءة حفص من: لقف يلقف، كعلم يعلم، وقراءة الباقين أصلها: تتلقف: فحذفت التاء الثانية تخفيفا، كقوله تعالى:
{(تَنَزَّلُ الْمَلََائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهََا} [3]).
وتقدير النظم: وتلقف مخفف حفص فى الكل، وأما:
{(سَنُقَتِّلُ أَبْنََاءَهُمْ)}.
فالضم فى النون، وكسر الضم مع التشديد فى التاء، ومتثقلا: حال من المكسور، وهو الضم الذى بمعنى المضموم، ثم تمم الكلام فى ذلك فقال:
695 [وحرّك (ذ) كا (ح) سن وفى يقتلون (خ) ذ
معا يعرشون الكسر ضمّ (ك) ذى (ص) لا]
أى: حرك القاف بالفتح، فيصير مستقبل قتل بتشديد التاء، والقراءة الأخرى مستقبل قتل بتخفيف
__________
(1) سورة الشعراء، الآية: 37.
(2) سورة يونس، الآية: 79.
(3) سورة القدر، الآية: 5.(2/480)
التاء، وهما ظاهرتان، وفى التشديد معنى التكثير، وذكا بضم الذال والمد: اسم الشمس، وقصره ضرورة أى هى ذكا حسن، يعنى القراءة: أى حرك مشبها شمس حسن، ثم قال: وفى يقتلون خذ: أى فيه بما قيد به فى سنقتل، يعنى:
{(يُقَتِّلُونَ أَبْنََاءَكُمْ} [1]).
لم يخففه غير نافع، وأما سنقتل فخففه نافع وابن كثير، ثم قال: معا يعرشون، يعنى: هنا وفى النحل، ضم الراء وكسرها لغتان، وقوله: كذى صلا، أى كصاحب صلا، والصلاء بالمد: ذكا النار بالقصر، واستعارها، وذلك يستعار للتعبير به عن الذكاء الممدود، وهو الفطنة، أى ضم الكسر فيه مشبها ذلك، والله أعلم.
696 [وفى يعكفون الضّمّ يكسر (ش) افيا
وأنجى بحذف الياء والنّون (ك) فّلا]
ضم الكاف وكسرها لغتان، وقرأ ابن عامر:
(وإذ أنجاكم من آل فرعون (2) والباقون أنجيناكم) وكلاهما ظاهر.
697 [ودكّاء لا تنوين وامدده هامزا
(ش) فا وعن الكوفىّ فى الكهف وصّلا]
الدكاء بالمد: الرابية الناشرة من الأرض، كالدكة، أى جعله كذلك، يعنى الجبل، هاهنا والسد فى الكهف، أو جعله أرضا مستوية، ومنه: ناقة دكاء: للمستوية السنام، ودكا بالقصر والتنوين فى قراءة الجماعة مصدر، بمعنى مدكوكا، أو مندكا، أى مندقا، والمعنى دكه دكا: مثل قعد جلوسا، ومرفوع وصلا، ضمير عائد على دكا الممدود، غير المنون أى: وصل إلينا نقله عن الكوفيين فى حرف الكهف، والله أعلم.
698 [وجمع رسالاتى (ح) مته (ذ) كوره
وفى الرّشد حرّك وافتح الضّمّ (ش) لشلا]
يريد قوله تعالى:
{(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النََّاسِ بِرِسََالََاتِي} [3]).
وقد سبق الكلام فى إفراد رسالة وجمعها فى سورة المائدة والأنعام وذكوره بمعنى سيوفه، يشير بذلك إلى حجج القراءة وعدالة من نقلها، والرشد والرشد: لغتان كالبخل والبخل، وقيل الرشد بالضم: الصلاح، وبالفتح الدين ولهذا أجمع على ضم فإن آنستم منهم رشدا وعلى فتح فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا أى حرك الشين بالفتح وافتح ضم الراء فى حال خفته.
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 141.
(2) سورة الأعراف، الآية: 141.
(3) سورة الأعراف، الآية: 144.(2/481)
699 [وفى الكهف (ح) سناه وضمّ حليّهم
بكسر (ش) فا واف والاتباع ذو حلا]
أى وفتح الذى فى الكهف أبو عمرو وحده وهو قوله تعالى على أن تعلمن مما علمت رشدا وضمه الباقون وقبل هذا الحرف فى الكهف موضعان لا خلاف فى فتحهما وهما وهيئ لنا من أمرنا رشدا وقل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا وذلك لموازنة رءوس الآى قبلهما وبعدهما نحو عجبا عددا أحدا وأما وجه الإسكان فى الثالث المختلف فيه فلأن قبله علما وبعده صبرا فرشدا بالضم والإسكان يوافقه، فاتفق أن اللفظ المختلف فيه فى الصورتين هو واقع فى قضية موسى عليه السلام ولعل الناظم أشار بقوله «حسناه» إلى حسن القراءتين وهو مصدر على فعلى كحسنى أو هو تثنية حسن، أى حسنا هذا اللفظ، وحسناه قراءتاه، وحلى جمع حلى: الأصل ضم الحاء ومن كسرها أتبعها كسرة اللام فلهذا قال! والاتباع ذو حلا تعليلا لهذه القراءة أى الإتباع معروف فى لغة العرب مستحسن عندهم، وليس قوله ذو حلا برمز، فإن رمز قراءة الكسر فى قوله شفا، والاتباع هى بكسر الحاء وهو يوهم أنه رمز لقراءة أخرى فى بادئ الرأى، فلو كان حذفه وقيد موضع الخلاف فى الكهف كان أولى فيقول:
وفى ثالث فى الكهف حز وحليهم ... بكسر لضم الحاء الاتباع شمللا والله أعلم.
700 [وخاطب يرحمنا ويغفر لنا (ش) ذا
وبا ربّنا رفّع لغيرهما انجلا]
أى مشبها شذا، أو ذا شذا وهو العود لأنهما قرءا على الخطاب ونصبا ربنا على حذف حرف النداء وقراءة الباقين على الغيب وإسناد الفعلين إلى ربنا، فلهذا رفع على الفاعلية.
701 [وميم ابن أمّ اكسر معا (كفؤ) (صحبة)
وآصارهم بالجمع والمدّ (ك) لّلا]
معا يعنى: هنا ونى طه، وفتح الميم وكسرها لغتان، وإفراد الإصر وجمعه مضت نظائره، وهو الثقل من التكاليف وغيرها، وكفؤا: حال من فاعل اكسر، أو مفعوله، وقد مضى فى النساء معنى كللا.
702 [خطيئاتكم وحده عنه ورفعه
(ك) ما (أ) لّفوا والضّمير بالكسر عدّلا]
عنه أى عن ابن عامر، ورفع التاء له ولنافع لأنهما قرءا يغفر: بإسناد الفعل إلى المفعول، فلزم رفع خطيئتكم لابن عامر، وخطيئاتكم لنافع، وإنما كسر الباقون التاء علامة للنصب فى خطيئاتكم لأنهم يقرءون نغفر، بإسناد الفعل إلى الفاعل، فخطيئاتكم مفعوله، وأبو عمرو قرأ خطايا، على جمع التكسير: فموضعها نصب، ومعنى ألفوا: أجمعوا.
703 [ولكن خطايا (ح) جّ فيها ونوحها
ومعذرة رفع سوى حفصهم تلا]
أى: وقرأ أبو عمرو فى هذه السورة، وفى سورة نوح خطايا على وزن مطايا، والذى فى نوح:(2/482)
703 [ولكن خطايا (ح) جّ فيها ونوحها
ومعذرة رفع سوى حفصهم تلا]
أى: وقرأ أبو عمرو فى هذه السورة، وفى سورة نوح خطايا على وزن مطايا، والذى فى نوح:
(ممّا خطاياهم أغرقوا (1)).
وقرأ الباقون بجمع السلامة مما خطيئاتهم وهو مشكل، إذ لقائل أن يقول: من أين يعلم ذلك، فلعل الباقين قرءوا بالإفراد، أو بعضهم بجمع السلامة وبعضهم بالإفراد، كما قرءوا فى الأعراف، فلو أنه قال:
بعد قوله: والغير بالكسر عدلا * كنوح خطايا فيهما حج وحده * أى كحرف نوح، وأبو عمرو يقرأ فيهما، أى فى الأعراف ونوح: خطايا، لم يبق مشكلا، ولعله اجتزأ عن ذلك بقوله أولا «خطيئاتكم وحده» عنه فكأنه قال: وهذا اللفظ قرأه أبو عمرو هنا وفى نوح خطايا، فبقى الباقون فى السورتين على ما لفظ به، وهو خطيئاتكم.
فإن قلت: هلا قال: والغير بالخفض أو بالجر، لأنها حركة إعراب لا بناء؟.
قلت: هذه العبارة جيدة فى حرف نوح، لأنه مجرور، وأما الذى فى الأعراف فمنصوب، وعلامة نصبه الكسرة، فعدل إلى لفظ الكسر، لأنه يشمل الموضعين، والله أعلم.
وأما {(مَعْذِرَةً إِلى ََ رَبِّكُمْ} [2]).
فهو بالرفع: خبر مبتدإ محذوف، وبالنصب مصدر، أو مفعول له، وقال سيبويه بعد قوله: فقالت حنان ما أتى بك هاهنا، ومثله فى أنه، على الابتداء، وليس على فعل قوله تعالى {قََالُوا مَعْذِرَةً إِلى ََ رَبِّكُمْ} لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليسوا عليه، ولكنهم قيل لهم لم تعظون قوما فقالوا معذرة أى موعظتنا معذرة إلى ربكم قال: ولو قال رجل لرجل: معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا لنصب، والله أعلم.
704 [وبيس بياء (أ) مّ والهمز (ك) هفه
ومثل رئيس غير هذين عوّلا]
أراد {(بِعَذََابٍ بَئِيسٍ} [3]).
ومعنى أمّ: قصد، فقرأه نافع بتسهيل قراءة ابن عامر، وقراءة ابن عامر بهمزة ساكنة محققة من بئس، كحدر كما يقال كبد فى كبد، وقراءة غيرهما على وزن فعيل ظاهرة، والكل صفة عذاب، ومعناه الشدّة من قولهم:
بؤس الرجل يبؤس بأسا، إذا كان شديد البأس، فعذاب بئيس: مثل عذاب شديد، ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر من البأساء، يقال: بئس يبأس بؤسا وبئسا وبأسا، وقال أبو على [فى قراءة نافع] بيس، فجعل بئس الذى هو فعل اسما، فوصف به مثل:
«إنّ الله ينهى عن قيل وقال».
وقوله: عول، ليس برمز، لأنه صرح بالقارئ فى قوله: غير هذين، وعولا: خبر غير هذين، أى عول عليه، أى على مثل رئيس، فقرأ به، والله أعلم.
__________
(1) سورة نوح، آية: 25.
(2) سورة الأعراف، آية: 164.
(3) سورة الأعراف، آية: 165.(2/483)
705 [وبيئس اسكن بين فتحين (ص) ادقا
بخلف وخفّف يمسكون (ص) فا ولا]
ألفى همزة اسكن على تنوين بئيس، فانفتح وحذفت الهمزة، أى أسكن الياء بين فتح الباء وفتح الهمزة، ولو قال: وبيس: الياء بين فتحتين، كأن الأولى، لئلا يقرأ بهمزة ساكنة بين الباء والياء، على وزن فعيل وكان يستفاد سكون الياء من لفظه بالحرف، أى: قرأه أبو بكر على وزن فيعل، وهو صفة أيضا كضيغم، والوجه الآخر لأبى بكر مثل الجماعة، فهم ذلك من قوله: غير هذين، وأمسك ومسّك: لغتان وصفا بالتنوين؟؟؟، أى قويا، وولاء: متابعة، وهو تمييز من معناه، أى قويا متابعته، أو حال بعد حال، أى ذا متابعة، ويجوز أن يكون صفا بلا تنوين فعلا ماضيا، وفى ولا: الوجهان، ويجوز أن يكون صفا: بلا تنوين مضافا إلى: ولا، أى قوى متابعته، ويجوز أن يكون مقصورا من الممدود، والله أعلم.
706 [ويقصر ذرّيّات مع فتح تائه
وفى الطّور فى الثّانى (ظ) هير تحمّلا]
يريد (وإذ أخذ ربّك من بنى آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم (1)).
قصره الكوفيون وابن كثير، أى حذفوا ألفه فصار مفردا بعد أن كان جمعا، فلزم فتح الياء لأنه مفعول به وإنما كانت مكسورة فى قراءة الباقين بالجمع، لأن الكسر هو علامة النصب فى جمع المؤنث السالم وقال: فتح تائه ولم يقل نصب، لما سبق تقريره فى رسالته فى سورة المائدة، والثانى فى الطور هو:
(ألحقنا بهم ذرّيّاتهم).
الخلاف فى الموضعين واحد، وكلتا القراءتين ظاهرة ثم قال:
707 [وياسين (د) م (غ) صنا ويكسر رفع أو
ول الطّور للبصرى وبالمدّ (ك) م (ح) لا]
زاد معهم أبو عمرو فى إفراد الذى فى يس، وهو:
(أنّا حملنا ذرّيّتهم (2)).
ومعنى: دم غصنا، أى مشبها غصنا فى الانتفاع بظله وثمره، وكنى بذلك عن تعليم العلم، وأول الظهور هو:
{(وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ)}.
قصره أيضا ابن كثير والكوفيون، كما فعلوا بالثانى، لكن تاء الأول مرفوعة، لأنه فاعل، وأبو عمرو
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 172.
(2) سورة يس، آية: 41.(2/484)
وابن عامر: جمعاهما، وهو معنى قوله: وبالمد كم حلا، فتاء الثانى مكسورة لهما، لأنه مفعول، وتاء الأول مضمومة لابن عامر، لأنه فاعل، ومكسورة لأبى عمرو، لأنه مفعول، لأنه يقرأ:
(وأتبعناهم ذرّيّاتهم).
مع ما يأتى فى سورة.
فإن قلت: لم قال: وبكسر، ولم يقل: ويخفض، وهى حركة إعراب؟.
قلت: لأنه نصب علامته الكسرة.
فإن قلت: هلا قال: وبنصب؟.
قلت: لما كان المألوف من علامة النصب إنما هو الفتحة خاف على من لا يعرف النحو أن يفتح التاء فى جمع المؤنث السالم، فعدل إلى التعبير بعلامة النصب هنا، وهى الكسرة لهذا المعنى، وهو حسن.
708 [يقولوا معا غيب (ح) ميد وحيث يل
حدون بفتح الضمّ والكسر (ف) صّلا]
يريد {(شَهِدْنََا أَنْ تَقُولُوا} [1]).
وبعده أو يقولوا الغيب. حميد لأنه قبله ما يرجع إليه، والخطاب على الالتفات، ولحد وألحد لغتان وهو فى ثلاث سور، هنا:
{(وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمََائِهِ} [2]).
وفى النحل:
{(لِسََانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} [3]).
وفى فصلت:
{(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيََاتِنََا} [4]).
ثم ذكر أن الكسائى وافق حمزة فى حرف النحل، فقال.
709 [وفى النّحل والاه الكسائى وجزمهم
يذرهم (ش) فا والياء (غ) صن تهدّلا]
والاه: أى تابع حمزة، والجزم والرفع فى:
(يذرهم فى طغيانهم (5)).
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 173.
(2) سورة الأعراف، آية: 180.
(3) سورة النحل، آية: 103.
(4) سورة فصلت، آية: 40.
(5) سورة الأعراف، آية: 186.(2/485)
تقدم مثله فى البقرة:
{(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئََاتِكُمْ} [1]).
والياء لله، والنون للعظمة، ويقال: تهدل الغصن، أى استرخى لكثرة ثمرته، فقراءة حمزة والكسائى بالياء والجزم، وقراءة عاصم وأبى عمرو بالياء، والرفع: والباقون بالنون والرفع.
710 [وحرّك وضمّ الكسر وامدده هامزا
ولا نون شركا (ع) ن (ش) ذا (نفر) ملا]
شركا مفعول، وحرك ولا نون: يعنى لا تنوين فيه، وضم الكسر يعنى فى الشين، والتحريك عبارة عن فتح الراء، فيصير شركاء: جمع شريك، على وزن كرماء، وشركا على تقدير ذا شرك، ويجوز أن يكون سمى الشريك شركاء على المبالغة، وقوله عن شذا متعلق بمحذوف، أى آخذا ذلك، والشذا يجوز أن يكون بمعنى بقية النفس، أى: خذه عن بقية نفر ملا، أى ثقاة، ويجوز أن يكون عبارة عن الطيب، وكنى به عن العلم أى آخذا ذلك عن علم نفر هذه صفتهم، وعبر عن العلم بالشذا لأن العلم طيّب العلماء، والله أعلم.
711 [ولا يتبعوكم خفّ مع فتح بائه
ويتبعهم فى الظّلّة (ا) حتلّ واعتلا]
يريد {(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى ََ لََا يَتَّبِعُوكُمْ} [2]).
التخفيف من تبع، مثل علم، والتشديد من اتبع مثل اتسق، والظلّة هى: سورة الشعراء: فى آخرها {(وَالشُّعَرََاءُ يَتَّبِعُهُمُ)}.
التخفيف فى الموضعين لنافع وحده، وكذلك ويتبعهم فى الظلة، وقوله احتل: أى حمل ذلك فى هاتين الكلمتين، وهو تخفيف التاء بإسكانها وفتح الباء، واعتلا: ارتفع، والله أعلم.
712 [وقل طائف طيف (ر) ضى (حقّ) هـ ويا
يمدّون فاضمم واكسر الضّمّ (أ) عدلا]
قل هنا بمعنى: اقرأ، أى اقرأ هذه الكلمة التى هى طائف اقرأها طيف للكسائى وأبى عمرو وابن كثير، يريد قوله تعالى:
{(إِذََا مَسَّهُمْ طََائِفٌ} [3]).
قال أبو عبيدة طيف من الشيطان أى يلم به لما قالوا أبو زيد: طاف الخيال يطيف طيفا وطاف الرجل يطوف طوفا إذا أقبل وأدبر، فمن قرأ طائف كان اسم فاعل من أحد هذين، ومن قرأ طيف
__________
(1) سورة البقرة، آية: 271.
(2) سورة الأعراف، آية: 183.
(3) سورة الأعراف، آية: 201.(2/486)
فهو مصدر أو تخفيف طيف كميت، ويكون طيف بمعنى: طائف، يحتمل الوجهين، وقال أبو على: الطيف مصدر، فكان المعنى: إذا مسهم وخطر لهم خطرة من الشيطان تذكروا، قال: ويكون طائف بمعناه، مثل العاقبة والعافية، ويجوز ذلك مما جاء المصدر فيه على فاعل وفاعلة، والطيف أكثر، لأن المصدر على هذا الوزن أكثر منه على وزن فاعل، فالطيف كالخطرة، والطائف كالخاطر، وقوله رضى حقه، أى حقه رضى، أى مرضى، وأما:
{(وَإِخْوََانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ} [1]).
فقراءة الجماعة من مدّ، مثل شدّ، لأنه هو المستعمل فى المكروه، نحو.
{(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيََانِهِمْ} [2] {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذََابِ مَدًّا} [3]).
وقراءة نافع وحده من أمد، مثل أعد، وهو أكثر ما يستعمل فى المحبوب، نحو:
{(وَأَمْدَدْنََاهُمْ بِفََاكِهَةٍ} [4] أتمدّوننى بمال (5) {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوََالٍ وَبَنِينَ} [6] {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلََائِكَةِ} [7] {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمََا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مََالٍ وَبَنِينَ} [8]).
قال أبو على: فوجهه هاهنا أنه بمنزلة قوله تعالى:
{(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} [9] وقوله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ََ} [10]).
وقيل مدّ وأمدّ لغتان، يقال مدّ النهر وأمدّه بحر آخر، وأمددت الجيش بمد: إذا أعنتهم، ومددتهم صرت لهم مددا، وقال: سيل أبىّ مدّه أنّى، وأعدلا حال: أى عادلا فى بيان وجه ذلك.
713 [وربّى معى بعدى وإنّى كلاهما ... عذابى آياتى مضافاتها العلا]
فيها سبع ياءات إضافة:
{(رَبِّيَ الْفَوََاحِشَ} [11]).
أسكنها حمزة وحده:
{(مَعِيَ بَنِي إِسْرََائِيلَ)}.
فتحها حفص وحده:
{(مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ} [12].
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 202.
(2) سورة البقرة، آية: 15.
(3) سورة مريم، آية: 79.
(4) سورة الطور، آية: 22.
(5) سورة النمل، آية: 36.
(6) سورة نوح، آية: 12.
(7) سورة الأنفال، آية: 9.
(8) سورة المؤمنون، آية: 55.
(9) سورة آل عمران، آية: 21.
(10) سورة الليل، آية: 10.
(11) سورة الأعراف، آية: 33.
(12) سورة الأعراف، آية: 33.(2/487)
فتحها الحرميان وأبو عمرو:
{(إِنِّي أَخََافُ عَلَيْكُمْ} [1]).
فى قصة نوح، كذلك فتحها أبو عمرو والحرميان:
{(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ} [2]).
فتحها أبو عمرو وابن كثير، فهذا معنى قوله: كلاهما، أى «إنى وإنى» كلاهما، أى جاء لفظ «إنى» فى موضعين وهذا كما سبق فى معنى قوله: معا.
{(قََالَ عَذََابِي أُصِيبُ} [3]).
فتحها نافع وحده:
{(سَأَصْرِفُ عَنْ آيََاتِيَ الَّذِينَ} [4]).
أسكنها ابن عامر وحمزة، ويقع فى بعض النسخ عذابى وآياتى بإسكان ياء عذابى وإثبات واو العطف فى وآياتى وفى بعضها بفتح الياء وحذف الواو، وفيها زائدة واحدة فى آخرها:
{(ثُمَّ كِيدُونِ فَلََا} [5]).
أثبتها أبو عمرو فى الوصل، وعن هشام خلاف فى الوصل والوقف، وقلت فى ذلك:
مضافاتها سبع وفيها زيادة ... تحلت أخيرا ثم كيدون مع فلا
أى هى {(كِيدُونِ فَلََا تُنْظِرُونِ} [6]).
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 150.
(2) سورة الأعراف، آية: 59.
(3) سورة الأعراف، آية: 144.
(4) سورة الأعراف، آية: 146.
(5) سورة الأعراف، آية: 195.
(6) سورة النازعات، آية: 7.(2/488)
سورة الأنفال
714 [وفى مردفين الدّال يفتح نافع ... وعن قنبل يروى وليس معوّلا]
أى: وليس معولا عليه، قال صاحب التيسير: قرأ نافع مردفين بفتح الدال، وكذلك حكى لى محمد ابن أحمد عن ابن مجاهد أنه قرأ على قنبل، قال: وهو واهم.
قلت: والقائل بأنه وهم، هو ابن مجاهد، فإنه قال فى كتاب السبعة [له] من رواية ابن بدهن: قرأت على قنبل مردفين بفتح الدال، مثل نافع، وهو وهم. حدثنى الجمال أحمد ابن يزيد عن القواس عن أصحابه مردفين بكسر الدال.
قلت: والقواس هو شيخ قنبل، وكان قنبل سنة قرأ عليه ابن مجاهد قد اختلط على ما بيناه عند اسمه فى الخطبة فى الشرح الكبير، واختار أبو عبيد قراءة الفتح، قال: وتأويله: أن الله تعالى أردف المسلمين بهم، قال: وكان مجاهد يفسرها ممدين، وهو تحقيق هذا المعنى، قال: وفسرها أبو عمرو [على قراءة الكسر] أردف بعضهم بعضا، قال أبو عبيدة: فالإرداف: أن يحمل الرجل صاحبه خلفه، ولم يسمع هذا فى نعت الملائكة يوم بدر، فإن تأول بعضهم مردفين، بمعنى رادفين: لم أحبه أيضا، لأن القرآن لم ينزل بهذه اللغة، ألا تسمع قوله تعالى:
{(تَتْبَعُهَا الرََّادِفَةُ} [1]).
ولم يقل المردفة، وكذلك قوله تعالى:
{(رَدِفَ لَكُمْ} [2]).
يقول: أردف لكم، وقال الفراء: مردفين: متابعين، يردف بعضهم بعضا، ومردفين فعل بهم: قال الزجاج. يقال: أردفت الرجل إذا جئت بعده، فمعنى مردفين: يأتون فرقة بعد فرقة قال أبو على: من قال مردفين احتمل وجهين. أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم، تقول أردفت زيدا، فيكون المفعول محذوفا فى الآية، والآخر أن يكونوا جاءوا بعدهم: قال أبو الحسن: تقول العرب بنو فلان مردفوننا، أى يجيئون بعدنا. قال أبو عبيدة: مردفين جاءوا بعد، وردفنى وأردفنى واحد، فمردفين: صفة للألف، الذين هم الملائكة، ومردفين على أردفوا الناس، أى أنزلوا بعدهم، فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب فى ممدكم، مردفين بألف من الملائكة، والله أعلم.
715 [ويغشى (سما) خفّا وفى ضمّه افتحوا
وفى الكسر (حقّ) اوالنّعاس ارفعوا ولا]
__________
(1) سورة النازعات، آية: 7.
(2) سورة النمل، آية: 72.(2/489)
خفا: تمييز، أو حال أى ارتفع تخفيفه، أو ارتفع خفيفا أى ذا خف يعنى تخفيف الشين مع سكون الغين، والباقون بفتح الغين وتشديد الشين، وهما لغتان سبق ذكرهما فى الأعراف، وزاد ابن كثير وأبو عمرو على تخفيف الشين: فتحها وفتح الياء الأولى، وانقلبت الياء الأخيرة ألفا لانفتاح ما قبلها فقرءا مما يغشاكم مضارع غشى، كعمى يعمى، فهذا معنى قوله: وفى ضمه افتحوا، يعنى ضم الباء وفى الكسر يعنى كسر الشين فتحوا ايضا فتحا حقا، والتقدير حق ذلك حقا، ولزم من قراءتهما يغشى أن يرتفع النعاس على الفاعلية وأن ينتصب فى قراءة غيرهما على المفعولية، ليتعدى الفعل إليه بالزيادة على غشى همزة أو تضعيفا، فهذا معنى قوله: والنعاس ارفعوا، أى لمدلول حقا، ولا بالكسر، أى: ذوى ولاء، أى متابعة.
716 [وتخفيفهم فى الأوّلين هنا ول
كن الله وارفع هاءه (ش) اع (ك) فّلا]
يعنى الأولين {(وَلََكِنَّ اللََّهَ قَتَلَهُمْ} [1] {وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} [1] احتراز من {وَلََكِنَّ اللََّهَ سَلَّمَ} [3]
{وَلََكِنَّ اللََّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [4]).
فإنهما مشددان بلا خلاف، وموضع قوله ولكن الله نصب على أنه مفعول، وتخفيفهم أى: وتخفيفهم ولكن الله فى الموضعين الأولين أى: تخفيف هذا اللفظ، ولهذا قال: وارفع هاءه، أى: الهاء من اللفظ المذكور، وهى التى فى اسم الله تعالى، وفى الأولين، هو: خبر المبتدإ، ويجوز أن يكون من جملة ما تعلق بالمبتدإ، والخبر شاع، وقوله: وارفع هاءه: وقع معترضا، لأنه من تتمة القراءة، فليس بأجنبى، وقد سبق تعليل القراءتين فى:
{(وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا} [5]).
وكفلا: جمع كافل، ونصبه على التمييز.
717 [وموهن بالتّخفيف (ذ) اع وفيه لم
ينوّن لحفص كيد بالخفض عوّلا]
يريد {(مُوهِنُ كَيْدِ الْكََافِرِينَ} [6]).
وهنت الشيء وأوهنته واحد، أى جعلته واهنا ضعيفا، وتنوين موهن ونصب كيد هو الأصل، لأنه اسم فاعل نصب مفعوله، وإضافة حفص إضافة تخفيف، نحو بالغ الكعبة فى قراءة الجميع، وبالغ أمره فى قراءة حفص أيضا، كما سيأتى، ومعنى: ذاع، انتشر وقوله: لم ينوّن، أى لم يقع فيه تنوين لحفص، فالفعل مسند إلى الجار والمجرور، ولا ضمير فيه يرجع إلى موهن، أغنى عن ذلك قوله: وفيه، وكيد مبتدأ وخبره عوّل عليه.
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 17.
(3) سورة الأنفال، آية: 43.
(4) سورة الأنفال، آية: 63.
(5) سورة البقرة، آية: 102.
(6) سورة الأنفال، آية: 18.(2/490)
718 [وبعد وإنّ الفتح (عمّ ع) لا وفي
هما العدوة اكسر (حقّ) االضّمّ واعدلا]
يعنى: وبعد موهن:
{(وَأَنَّ اللََّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [1]).
الفتح فيه عم علاه، أو عم ذا علا، وهو على إضمار حرف الجر، أى ولأن الله مع المؤمنين امتنع عنا فئتكم، وقرأ الباقون بكسر وأن على الاستئناف، والعدوة بكسر العين وضمها: لغتان، وهم جانب الوادى وقيل المكان المرتفع، وقوله: فيهما لأنها فى موضعين:
{(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيََا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى ََ} [2]).
وهى مخصوصة فى العلم حكاية لما فى القرآن، وإنما موضعها رفع بالابتداء، وتقدير الكلام: والعدوة اكسر الضم فى موضعيها، ويجوز أن يكون العدوة بدلا من الضمير فى فيهما، أو فى عطف بيان، أى اكسر الضم فيهما، ثم بين ما أضمره فقال: العدوة كقولك: رأيته زيدا ومررت به زيد.
فإن قلت: كيف بدل مفردا من ضمير تثنية، وأنت لا تقول رأيتهما زيدا، بل يجب أن تقول زيدا وعمرا أو الزيدين، أو نحو ذلك؟ قلت: لما كان المضمر فى هذا النظم لفظا متحدا، لم يحتج إلى تثنية اللفظ المثنى، بل اللفظ المفرد كاف فى البيان، كالتمييز فى عشرون رجلا، لما كان الغرض بيان حقيقة المعدود المتحد الجنس كفى فى بيانه لفظ مفرد، فكذا هذا، ولما كان المضمر فى قولك: رأيتهما ومررت بهما يحتمل الاختلاف لزم البيان بلفظ التثنية، أو ما يقوم مقامه، والكلام فى حقا كما سبق، إما نعت مصدر محذوف، أى اكسر الضم كسرا حقا، وهو مصدر مؤكد، أى حق ذلك حقا، والألف فى «واعدلا»: بدل عن نون التأكيد الخفيفة، أراد: واعدلن. قال الشيخ: لأن أبا عبيد زعم أن الضم أعرب اللغتين وأكثرهما، وقد ذكر اليزيدى أن الكسر لغة أهل الحجاز، وأنكر أبو عمرو الضم، فاعدل أنت، ويقال: العدوة بالفتح أيضا، والله أعلم.
719 [ومن حيى اكسر مظهرا (إ) ذ (ص) فا (هـ) دى
وإذ يتوفّى أنّثوه (ل) هـ (م) لا]
يريد {(وَيَحْيى ََ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [3]).
أصل هذا المدغم حيى بياءين، على وزن عمى، فأدغم، أراد اكسر الياء الأولى مظهرا لما كان أدغم فى قراءة الغير، وللباقين افتح مدغما وهما لغتان: نحو عيى وعى، وهدى: تمييز أو حال، أى صفا هداه وصفا ذا هدى، كما سبق فى عم علا وغيره، والتأنيث والتذكير فى:
{(يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلََائِكَةُ)} [4].
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 19.
(2) سورة الأنفال، آية: 42.
(3) سورة الأنفال، آية: 42.
(4) سورة الأنفال، آية: 50.(2/491)
سبق نظيرهما فى تأتيهم الملائكة فى آخر الأنعام، وللفظ الفاصل هنا بين الفعل والفاعل أكثر منه ثم، فلهذا كان الأكثر هنا على التذكير، وثم على التأنيث «والملا» بضم الميم جمع ملاءة، وهى الملحفة كنى بذلك عن الحجج، وقد سبق أيضا تفسيره.
720 [وبالغيب فيها تحسبنّ (ك) ما (ف) شا
(ع) ميما وقل فى النّور (فا) شيه (ك) حلا]
يريد (ولا تحسبنّ الّذين كفروا سبقوا (1)).
فقراءة الخطاب ظاهرة: الذين كفروا سبقوا: مفعول بلا تحسبن، والخطاب للنبى صلّى الله عليه وسلم، وأما القراءة بالغيب، فعلى تقدير: ولا يحسبن الرسول أو حاسب، فبقى الذين كفروا سبقوا: مفعولين كما ذكرنا، وقيل الذين كفروا فاعل يحسبن، وسبقوا: المفعول الثانى، والأول محذوف تقديره: إياهم سبقوا، كذا قدره أبو على، وهو معنى تقدير أبى عبيد وغيره حين قالوا لا تحسبنهم سبقوا، وقيل سد سبقوا مسد المفعولين، على تقدير أنهم سبقوا أو أن سبقوا أو بأن: قدره أبو على أيضا ثم حذفت أن واسمها اختصارا للعلم بمكانها، ومعنى سبقوا: فاتوا، كما قال سبحانه فى موضع آخر:
{(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئََاتِ أَنْ يَسْبِقُونََا)}.
والذى فى النور:
(لا يحسبنّ الّذين كفروا معجزين فى الأرض (2)).
يتوجه فيه جميع الوجوه المذكورة، إلا الأخير منها، وهو تقدير: أنهم سبقوا لأن لفظ معجزين: منصوب، نعم يقوم مقامه وجه آخر لا يتأتى هناك، وهو أن يكون معجزين: مفعولا أولا، وفى الأرض: مفعولا ثانيا، أى: لا تحسبن أن فى الأرض من يعجز الله، وقوله عميما: حال من الضمير فى فشا، ومعناه: اشتهر فى حال عمومه، يشير إلى أنه مقدر بقولنا: لا يحسبن أحد، وكحلا بالتشديد، مبالغة فى كحل عينه، استعاره هنا على أنه شفا، أو بصر، ونور، وعدى، ونحو ذلك، والله أعلم.
721 [وإنّهم افتح (ك) افيا واكسروا لشع
بة السّلم واكسر فى القتال (ف) طب (ص) لا]
يريد {(إِنَّهُمْ لََا يُعْجِزُونَ} [3]).
كسره على الاستئناف، والفتح على تقدير: لأنهم، وقيل: هو مفعول: لا يحسبن، على تقدير أنّ لا زائدة لأن ابن عامر الذى فتح أنهم، يقرأ لا يحسبن، بالغيب وتكون زيادة لا هنا كما سبق فى الأنعام:
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 59.
(2) سورة النور، آية: 57.
(3) سورة الأنفال، آية: 52.(2/492)
{(أَنَّهََا إِذََا جََاءَتْ لََا يُؤْمِنُونَ} [1]).
بكسر السين وفتحها لغتان، واللام ساكنة فيهما، ويقال أيضا: بفتح السين واللام، ومعنى الجميع:
المسالمة، والمصالحة، يريد {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} ولهذا قال: فاجنح لها، لما كان السلم بمعنى المسالمة، والذى فى سورة القتال:
{(فَلََا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} [2]).
ومعنى قوله: فطب صلا أى: ذكاء، لأنه قد سبق أن صلاء النار هو استعارها، ويعبر به عن الذكاء، كما يقال: هو يتوقد ذكاء، ويجوز أن تكون: إشارة إلى نار القرى التى يهتدى بها الأضياف، والتى تصلح طعامهم، أى: طب نارا، على معنى: طب قرى لأضيافك، أى طب علما لمن قصدك مستفيدا، فصلا:
تمييز، والله أعلم.
722 [وثانى يكن (غ) صن وثالثها ثوى
وضعفا بفتح الضّمّ (ف) اشيه (ن) فلا]
يريد {(وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً} [3]).
هذه هى الثانية تذكير يكن وتأنيثها، لأن الفعل مسند إلى مائة، وتأنيثها غير حقيقى، وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها، فحسن التذكير، وأما التأنيث فهو الأصل نظرا إلى لفظ علامة التأنيث فى مائة، والثالث قوله تعالى بعد ذلك:
(فإن تكن منكم مائة صابرة (4)).
الكلام فيه كما سبق فى الثانية. لكن أبو عمرو فرق بينهما فى قراءته، فأنث الثالث كما وصف المائة بقوله صابرة، فتأكد التأنيث فى الموصوف بتأنيث الصفة، فقوى مقتضى مشاكلة التأنيث فى يكن، وإنما قال:
ثانى وثالث، لأن قبلهما أول لا خلاف فى تذكيره، وهو:
{(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} [5]).
وبعدهما رابع لا خلاف فى تذكيره أيضا وهو:
{(وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ)}.
ودلنا على أن مراده التذكير فى الثانى والثالث: إطلاقه وعدم تقييده، وأما:
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 109.
(2) سورة محمد صلّى الله عليه وسلم، آية: 35.
(3) سورة الأنفال، آية: 65.
(4) سورة الأنفال، آية: 66.
(5) سورة الأنفال، آية: 65.(2/493)
{(وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} [1]).
ففتح الضاد وضمها فيه لغتان، ومعنى نفلا: أى أعطى نفلا، وهى الغنيمة، والله أعلم.
723 [وفى الرّوم (ص) ف (ع) ن خلف (ف) صل وأنّت ان
يكون مع الأسرى الأسارى حلا (ح) لا]
يريد قوله تعالى:
{(اللََّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} [2]).
الخلاف فى الثلاثة كالتى فى الأنفال، سير؟؟؟ أن حفصا اختار الضم فى ثلاثة: الروم لما نذكر، فصار له وجهان، فلذا ذكر عنه خلافا دون أبى بكر وحمزة، قال صاحب التيسير فى سورة الروم: أبو بكر وحمزة من ضعف فى الثلاثة بفتح الضاد، وكذلك روى حفص عن عاصم فيهن، غير أنه ترك ذلك واختار الضم اتباعا منه لرواية حدّثه بها الفضل بن مرزوق، عن عطية العوفى عن ابن عمر أن النبى صلّى الله عليه وسلم أقرأه ذلك بالضم ورد عليه الفتح وأباه. قال: وعطية يضعف، وما رواه حفص عن عاصم عن أئمته: أصح، وبالوجهين آخذ فى روايته لأتابع عاصما على قراءته، وأوافق حفصا على اختياره.
قلت: وهذا معنى قول ابن مجاهد: عاصم وحمزة من ضعف بفتح الضاد، ثم قال حفص عن نفسه: بضم الضاد، فقوله عن نفسه، يعنى: اختيارا منه، لا نقلا من عاصم، وفى كتاب مكى: قال حفص: ما خالفت عاصما فى شيء مما قرأت به عليه إلا ضم هذه الثلاثة الأحرف. قال أبو عبيد: وبالضم يقرأ اتباعا للغة النبى صلّى الله عليه وسلم، سمعت الكسائى يحدث عن الفضل بن مرزوق عن عطية العوفى: قال: قرأت على ابن عمر الله الذى خلقكم من ضعف بالفتح فقال إنى قرأتها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما قرأت فقال لى من ضعف. قال أبو عبيد: يعنى بالضم، قوله: وأنث أن يكون أراد قوله تعالى:
{(أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ََ} [3]).
فألقى حركة أنّ على ثاء أنث، وقد سبق أن تأنيث الجمع غير حقيقى، فيجوز تذكير الفعل المسند إليه، ثم قال: مع الأسرى: الأسارى يعنى:
{(قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ََ} [4]).
يقرؤه أبو عمرو الأسارى وكلاهما جمع أسير، ولا خلاف فى الأولى أن يكون له أسرى وهو غير ملبس، لأنه ذكرها معرّفة باللام، وتلك هى الثانية، واتفق للناظم هنا اتفاق حسن، وهو تكرير الرمز فى حلاحلا بعد تكرر كلمتى القراءة، وهما: تكون، والأسارى، فأنث أبو عمرو تكون، وقرأ الأسارى، ولم يرمز لقراءة تكون، فجاء تكرير الرمز بعد الأسارى مناسبا حسنا، وإن كان لو لم يكرره لجاز، كما جمع فى
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 54.
(2) سورة الروم، آية: 67.
(3) سورة الأنفال، آية: 67.
(4) سورة الأنفال، آية: 70.(2/494)
البقرة مسألتين لابن عامر فى قوله عليم وقالوا وقال فى آخر البيت كفلا، وكما جمع لحمزة ثلاث مسائل فى آل عمران فى قوله سنكتب، وقال فى آخر البيت: فتكمل، وتارة يكرر الرمز من غير تكرار الحرف المختلف فيه، نحو: اعتاد أفضلا، يمنى علا علا، وإنما اتفق له مناسبة التكرار هنا، وقوله: مع الأسرى، أى مع قراءة موضع الأسرى: الأسارى، ومن الممكن أن يقدر مع قراءة الأسرى موضع الأسارى، فيفيد ضد المقصود، ولكنه هنا لفظ بقراءتين من غير قيد، فالرمز للثانية منهما، كقوله: سكارى معا سكرى: وعالم قل علام شاع، ولو كان قال: وفى الأسرى الأسارى، لكان أظهر، ولكنه قصد مزج الموضعين من غير تخلل واو فاصلة بينهما، ولو قال: بالواو لكان له أسوة بقوله وكن فيكون وحلا: فى موضع نصب على الحال من فاعل أنث، أى أنث تكون مع قراءتك الأسارى ذا حلا، وحلا صفة حلا، وقال الشيخ رحمه الله معنى أن يكون مع الأسرى، أى أنثه مصاحبا له، والأسارى مبتدأ وحلاحلا خبره.
قلت: هذا مشكل، فإن تكون فى القراءة مصاحبة للأسارى، لا للأسرى إن أراد أن يجمع قراءتى أبى عمرو وإن أراد بالمصاحبة المذكور فى التلاوة بعد، يكون فتلك أسرى لا أسارى كما سبق بيانه، ثم لو كان بعد يكون لفظ الأسرى لبقيت قراءة الجماعة فى موضع الخلاف، لا دليل عليها، فإن ذلك لا يفهم من لفظ الأسارى، والله أعلم.
724 [ولايتهم بالكسر (ف) ز وبكهفه
(ش) فا ومعا إنّى بياءين أقبلا]
يريد {(مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [1]).
وفى الكهف:
{(هُنََالِكَ الْوَلََايَةُ لِلََّهِ الْحَقِّ} [1]).
قال أبو عبيد: يقال مولى بين الولاية من ولايتهم، إذا فتحت، فإذا كسرت فهو من وليت الشيء. قال الزجاج: الولاية من النصرة والنسب بفتح، والتى بمنزلة الإمارة مكسورة. قال: وقد يجوز كسرها، لأن فى تولى بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة والعمل، وكلما كان من جنس الصناعة مكسور، مثل القصارة والخياطة. قال أبو على. قال أبو الحسن: ما لكم من ولايتهم من شيء، هذا من الولاية، فهو مفتوح، وأما فى السلطان: فالولاية مكسورة، وكسر الواو فى الأخرى لغة، وليست بذلك. قال أبو عبيد: والذى عندنا فى هذا الأخذ بفتح الواو فى الحرفين جميعا، يعنى فى الأنفال والكهف. قال: لأن معناهما من الموالاة فى الدين وأما الولاية فإنما هى من السلطان والإمارة. ولا أحبها فى هذا الموضع، وقال الفراء:
{(مََا لَكُمْ مِنْ وَلََايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [3]).
يريد من مواريثهم من شيء وكسر الواو فى من ولايتهم أعجب إلىّ من فتحها، لأنها إنما تفتح إذا
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 72.
(3) سورة الأنفال، آية: 44.(2/495)
كانت نصرة أكثر ذلك وكان الكسائى يذهب إلى النصرة بفتحها، ولا أظنه علم التفسير، ويختارون فى وليته ولاية الكسر، وقد سمعناها بالفتح والكسر فى معنييهما جميعا، والهاء فى قوله: وبكهفه، للقرآن للعلم به، وإنى: بياءين، أى فى موضعين وهما:
{(إِنِّي أَرى ََ مََا لََا تَرَوْنَ} {إِنِّي أَخََافُ اللََّهَ} [1]).
فتحها الحرميان وأبو عمرو. وقوله: معا، تأكيد، وكذا أقبلا، والألف فى آخره ضمير الياءين، أى:
إنى ملتبس بياءين أقبلا معا، وإن كان أقبل: خبر إنى، والتقدير إنى أقبل بياءين معا، فالألف للإطلاق.
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 48.(2/496)
سورة التوبة
725 [ويكسر لا أيمان عند ابن عامر
ووحّد (حقّ) مسجد الله الأوّلا]
أراد {(إِنَّهُمْ لََا أَيْمََانَ لَهُمْ} [1]).
الفتح جمع يمين، والكسر بمعنى الإسلام، أو بمعنى الأمان، أى لا تؤمنهم من القتل، وتقدير البيت: ويكسر عند ابن عامر لا إيمان ولا ينبغى من جهة الأدب أن يقرأ إلا بفتح الهمزة وإن كان كسرها جائزا فى التلاوة وذلك لقبح ما يوهمه تعلق عند بأيمان وموضع لا أيمان رفع: أى يكسر همز هذا اللفظ، فليته قال:
وهمزة لا أيمان كسر ابن عامر، وقوله تعالى:
(ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله).
وحّده ابن كثير وأبو عمرو لأن المراد به المسجد الحرام وليدل على أنه إنما جمع ثانيا باعتبار أن كل مكان منه مسجدا، وأريد به جميع المساجد، والتوحيد يؤدّى معناه، كما تقدم فى مواضع، ومن جمع فلهذا المعنى ولموافقته الثانى إنما يعمر مساجد الله فجمعه متفق عليه.
726 [عشيراتكم بالجمع (ص) دق ونوّنوا
عزير (ر) ضى (ن) صّ وبالكسر وكّلا]
جمع أبو بكر: عشيراتكم، كما جمع مكانات، وعبر عن قراءته ثم بمد النون، وهنا بالجمع، لأنه لم يمكنه هنا أن يقول بمد الراء، ولو قال بالمد لم يحصل الغرض، لأن فى عشيرتكم مدين: الياء والألف، فلو قال بالمد موضع بالجمع لظن أنه الياء، فعدل إلى لفظ الجمع، وكذا لو كان أطلق لفظ المد فى مكانات، لم يدر أى الألفين أراد، فقيد بقوله: مد النون، وقد سبق معناه، ومن نون: عزير، فهو عنده اسم عربى فهو منصرف، وكسر التنوين لالتقاء الساكنين، وهو مبتدأ وابن خبره، ومن لم ينون فهو عنده أعجمى، فلم يصرفه، وهذا اختيار الزمخشرى * وقيل: بل عربى، وإنما ابن صفة، فحذف التنوين لوقوع ابن بين علمين والخبر محذوف، أى: معبودنا أو نبينا، أو يكون المحذوف هو المبتدأ: أى المعبود أو، النبى عزير، وأنكر عبد القاهر الجرجانى فى كتاب [دلائل الإعجاز] هذا التأويل، وقرره أحسن تقرير.
وحاصله أن الإنكار ينصرف إلى الخبر، فيبقى الوصف كأنه مسلّم، كما تقول. قال فلان: زيد بن عمرو قادم، وإنما يستعمل مثل هذا إذا لم يقدر خبر معين، ويكون المعنى أنهم يلهجون بهذه العبارة كثيرا فى محاوراتهم لا يذكرون عزيرا إلا بهذا الوصف، وقيل حذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قرأ بعضهم:
__________
(1) سورة التوبة، آية: 12.(2/497)
{(أَحَدٌ اللََّهُ الصَّمَدُ} [1]).
بحذف التنوين من أحد، قال الفراء: سمعت كثيرا من الفصحاء يقرءونها، ذكر هذين الوجهين أبو على، وقال، لأن عزيرا ونحوه ينصرف: عجميا كان أو عربيا. قال الزجاج: ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود: وقوله رضى نص أى: مرضى، نص بمعنى نصه مرضى، وهو نعت مصدر محذوف، أى نونوه تنوينا مرضيا النص عليه، وبالكسر، وكل ذلك التنوين، أو يكون حالا من فاعل نونوا، أى ذوى رضى نص، أى: راضين بالنص عليه، والله أعلم.
727 [يضاهون ضمّ الهاء يكسر عاصم
وزد همزة مضمومة عنه واعقلا]
أى زد همزة بعد الهاء المكسورة، فيكون مضارع ضاهأ على وزن دارأ، ومعناه شابه وقراءة الجماعة من دارا على زن راما، وهما لغتان، مثل أرجيت وأرجأت قال الزجاج: والأكثر ترك الهمزة والألف فى: واعقل، بدل من نون التأكيد الخفيفة، والله أعلم.
728 [يضلّ بضمّ الياء مع فتح ضاده
(صحاب) ولم يخشوا هناك مضلّلا]
أراد {(يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [2]).
قرأه صحاب على إسناد الفعل للمفعول، وأسنده الباقون إلى الفاعل، وكلاهما ظاهر، وتمم البيت بقوله:
ولم يخشوا، إلى آخره، أى: لم يخافوا من عائب لقراءتهم.
729 [وأن تقبل التّذكير (ش) اع وصاله
ورحمة المرفوع بالخفض (ف) اقبلا]
يريد {(أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقََاتُهُمْ} [3]).
والتذكير والتأنيث كما سبق فى:
(ولا تقبل منها شفاعة (4)).
وغيره وأما:
{(وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [5]).
بالرفع لمعطوف على أذن خير أى هو أذن خير، وهو رحمة، وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير،
__________
(1) سورة الإخلاص، آية: 1و 2.
(2) سورة التوبة، آية: 37.
(3) سورة التوبة، آية: 5.
(4) سورة البقرة، آية: 48.
(5) سورة التوبة، آية: 61.(2/498)
والفاء فى فاقبلا: زائدة، وأرادا: قبله بالخفض، والألف فى آخره كالألف فى آخر واعتلا.
730 [ويعف بنون دون ضمّ وفاؤه
يضمّ تعذّب تاه بالنّون وصّلا]
731 [وفى ذاله كسر وطائفة بنص
ب مرفوعه عن عاصم كلّه اعتلا]
أراد {(إِنْ نَعْفُ عَنْ طََائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طََائِفَةً} [1]).
قرأ عاصم على بناء الفعلين، وهما يعف وتعذب للفاعل المتكلم، فلزم من ذلك النون فى أولهما، وفتحها فى يعف مع ضم الفاء وكسر ذال نعذب، ونصب طائفة بعدها، وقراءة الجماعة على بناء الفعلين للمفعول الغائب، فلزم من ذلك أن يكون أول يعف ياء مضمومة، وفتح الفاء، وأول نعذب تاء، لأجل تأنيث طائفة فهى أولى من الياء لعدم الفعل، ثم فتح الذال ورفع طائفة بعدها، لأنها مفعول ما لم يسم فاعله وقوله: تاه، أى تاؤه، فقصر الممدود.
732 [وحقّ بضمّ السّوء مع ثان فتحها
وتحريك ورش قربة ضمّه جلا]
أراد {(عَلَيْهِمْ دََائِرَةُ السَّوْءِ} [2]).
وثانى سورة الفتح * وهو:
{(وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [3]).
ولا خلاف فى فتح الأول، وهو:
{(الظََّانِّينَ بِاللََّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} وكذا {مََا كََانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} و {أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ)}.
والسوء بالضم العذاب، كما قيل له سييه، والسوء بالفتح المصدر، والهاء فى فتحها للسور، وحذف الياء من ثانى للضرورة، وقوله تعالى:
{(أَلََا إِنَّهََا قُرْبَةٌ لَهُمْ} [4]).
ضم الراء وإسكانها لغتان، وقربة فى النظم: مفعول التحريك، وإنما رفعه حكاية لفظ القرآن، وضمه مفعول جلا، وجلا: خبر التحريك الذى هو المبتدا.
__________
(1) سورة التوبة، آية: 66.
(2) سورة الفتح، آية: 6.
(3) سورة الفتح، آية: 12.
(4) سورة التوبة، آية: 99.(2/499)
733 [ومن تحتها المكّى يجرّ وزاد من
صلاتك وحّد وافتح التّا (ش) ذّا (ع) لا]
يعنى {(تَحْتَهَا الْأَنْهََارُ)}.
فى الآية التى أولها:
{(وَالسََّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ)}.
ثبتت فى مصاحف مكة دون غيرها، فقرأها ابن كثير، وجر تحتها بها، وحذفها الباقون، فانتصب تحتها على الظرفية، فقوله: وزاد من: أى كلمة من، ثم قال: صلاتك وحد، يعنى:
{(إِنَّ صَلََاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [1]).
التوحيد فيه، والجمع سبق نظيرهما، والصلاة هنا بمعنى الدعاء، فهو مصدر يقع على القليل والكثير، وإنما جمع لاختلاف أنواعه، فمن وحد فتح التاء، لأن الفتح علامة النصب فى المفرد، ومن جمع كسرها، لأن الكسر علامة النصب فى جمع المؤنث السالم، وشذا حال أى ذا شذا علا.
734 [ووحّد لهم فى هود ترجئ همزه
(ص) فا (نف) ر مع مرجئون وقد حلا]
يعنى {(قََالُوا يََا شُعَيْبُ أَصَلََاتُكَ تَأْمُرُكَ} [2]).
أى عيادتك، ولم يتعرض للتاء، لأنها مضمومة فى قراءتى الإفراد والجمع، لأنها مبتدأ، ثم ذكر الخلاف فى:
{(تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ مِنْهُنَّ} [3]).
فى سورة الأحزاب:
{(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} [4]).
هنا بالهمز فيهما، وبغير همز، وهما لغتان، قال صاحب المحكم: والهمز أجود، وأرى ترجى مخففا من ترجئ، لمكان تووى: أى طلب المشاكلة بينهما، وقد تقدم فى الخطبة أن ضد الهمز لا همز، ثم ينظر فى الكلمة المهموزة، فإن كان الهمز لم يكتب له صورة نطقت بباقى حروف الكلمة على صورتها، وهو كقوله الصابئين الهمز والصابئون خذ، وإن كانت كتبت له صورة نطقت فى موضع الهمز بالحرف الذى صورت به. كقوله ويهمز ضيزى وفى هذا البيت المشروح الأمران، يقرأ الباقون: ترجى بالياء التى هى صورة الهمز،
__________
(1) سورة التوبة، آية: 100.
(2) سورة هود، آية: 87.
(3) سورة الأحزاب، آية: 51.
(4) سورة التوبة، آية: 106.(2/500)
ويقرءون مرجون بواو بعد الجيم، إذ لا صورة للهمزة، وقوله، صفا نفر، خفض نفر بإضافة صفا المقصور أو الممدود إليه، أى الهمز قوى وصاف من الكدورة.
735 [و (عمّ) بلا واو الّذين وضمّ فى ... من اسّس مع كسر وبنيانه ولا]
أى قرأ مدلول عم جميع المذكور فى هذا البيت، أراد:
{(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً} [1]).
سقطت الواو فى مصاحف المدينة والشام، فقرأها نافع وابن عامر على الاستئناف، وقرأ الباقون بالواو عطفا لجملة على جملة، فتقدير البيت: قرأ عم الذين بلا واو، وحذف التنوين من واو لالتقاء الساكنين، ولم يرو إضافة واو إلى الذين، فإن الذين لا واو فيه، ولو كان: والذين، لأمكن تقدير ذلك، ثم قال: وضم، وهو فعل أمر، أى ضمه لمدلول عم أيضا، ويجوز وضم بفتح الضاد، على أن يكون فعلا ماضيا، أى قرأ عم الذين، وضم فى أفمن أسس: ضم الهمزة وكسر السين، جعله فعلا لم يسم فاعله، فلزم من ذلك رفع بنيانه لأنه مفعوله، وقرأ الباقون ببناء الفعل للفاعل، وهو ضمير يرجع إلى من فتحوا الهمزة والسين، ونصبوا بنيانه والخلف فى الموضعين هنا، ولم ينبه على ذلك، فهو نظير ما ذكرناه فى قوله فى سورة النساء: وندخله نون، ولم يقل معا.
فإن قلت: يكون إطلاقه دليلا على تعميم ما فى السورة من ذلك، وقوله معا قدر حرك، زيادة بيان.
قلت: لا يستمر له هذا إذ يلزم أن يكون قوله: وعم بلا واو الذين: يشمل كل لفظ، والذين من هذا الموضع إلى آخر السورة نحو:
{(مََا كََانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا} [2] {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سََاعَةِ الْعُسْرَةِ} [3]).
وقول الناظم: وبنيانه مفعول فعل مضمر، أى: وارفع بنيانه لمدلول عم، أو ورفع عم بنيانه، وإطلاقه له: دليل على رفعه، وولا بكسر الواو مفعول له أى متابعة للنقل.
736 [وجرف سكون الضّمّ (ف) ى (ص) فو (ك) امل
تقطّع فتح الضّمّ (ف) ى (ك) امل (ع) لا]
الضم والإسكان فى راء جرف: لغتان، وتقطع قلوبهم بضم التاء على بناء الفعل للمفعول، وبفتحها على بنائه للفاعل، وأصله تتقطع، فحذفت التاء الثانية مثل:
{(تَنَزَّلُ الْمَلََائِكَةُ)}.
وسبق له نظائر.
__________
(1) سورة التوبة، آية: 107.
(2) سورة التوبة، آية: 113.
(3) سورة التوبة، آية: 117.(2/501)
837 [يزيغ (ع) لى (ف) صل يرون مخاطب
(ف) شا ومعى فيها بياءين جمّلا]
يعنى {(كََادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [1]).
قرأ حفص وحمزة بالتذكير فى يزيغ، لأن تأنيث قلوب غير حقيقى، والباقون بالتأنيث، وإطلاقه دل على إرادته لتذكير، ثم قال: يرون مخاطب: جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه، يعنى:
{(أَوَلََا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عََامٍ مَرَّةً} [2]).
الخطاب للمؤمنين، والغيبة للمنافقين، وفى هذه السورة يا آن للإضافة، كلاهما فى لفظ معى أحدهما:
{(مَعِيَ أَبَداً)}.
فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وحفص، والثانية:
{(مَعِيَ عَدُوًّا)}.
فتحها حفص وحده، وليس فيها، ولا فى الأنفال، ولا فى يونس شيء من الزوائد، والله أعلم.
__________
(1) سورة التوبة، آية: 119.
(2) سورة التوبة، آية: 126.(2/502)
سورة يونس عليه السلام
738 [وإضجاع را كلّ الفواتح (ذ) كره
(ح) مى غير حفص طاويا (صحبة) ولا]
ذكر فى هذا الموضع جميع ما وقع الخلاف فى إمالته من الحروف المقطعة فى أوائل السور، ويقال لها للفواتح لأن السور استفتحت بها، وإنما أميلت لأنها أسماء ما يلفظ به من الأصوات المنقطعة، وقد أمالوا يا فى الندا، وهى حرف، فإمالة هذه الأسماء أولى، فابتدأ بذكر الراء، لأنها أول حروف الفواتح إمالة، سواء كانت فى الرا، وذلك فى: يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر، أو فى المر، فى أول الرعد، فلهذا قال: كل الفواتح، والإضجاع هو الإمالة، وأتى بلفظ را، فقصر، را، حكاية للفظه فى القرآن، وكذا ما يأتى من: طا، ويا، وها، وحا، ولا نقول: إنه قصر ذلك ضرورة، وأشار بقوله: ذكره حمى إلى حسن الإضجاع، أى لا يصل أحد إلى الطعن عليه، فهو فى حمى من ذلك، واستثنى منهم حفصا فإنه لا يميل شيئا فى القرآن إلا كلمة مجراها وقد سبق ذكره فى باب الإمالة ثم ذكر أن صحبة أمالوا طاويا فالطاء من: طه، وطسم وطس، والياء من يس، وأما الياء من كهيعص، فوافقهم على إمالتها ابن عامر كما يأتى فى البيت الآتى، وولا فى آخر البيت بكسر الواو فى شرح الشيخ، ورأيته فى بعض النسخ من القصيدة بفتحها، وهو أحسن، لأن قبله وبنيانه ولا بالكسر، وهو قريب منه، فالكسر بمعنى متابعة، أى: أمال صحبة طاو يا متابعة لنقل، فهو مفعول من أجله، والفتح على تقدير: ذا، ولا، أى نصر للإمالة ومحبة لها، فهو حال من صحبة، أى أمالوهما ذوى ولا.
739 [و (ك) م (صحبة) يا كاف والخلف (ي) اسر
وها (صف (ر) ضى (ح) لوا وتحت (ج) نى (ح) لا]
الكاف فى كم: رمز ابن عامر، كأنه قال: وابن عامر ومدلول صحبة على إمالة يا التى فى أول سورة مريم وعبر عنها بقوله: كاف، لأنه أولها كما يقال: ص، ن، ق، وكذا صنع فى غير هذا الموضع، كقوله فى يوسف وفى كاف فتح اللام فى مخلصا ثوى، ومعنى الكلام فى الظاهر وكم صحبة أمالوها، أى: أمالها كثير من القراء، ثم قال: والخلف فى إمالتها عن السوسى والياسر فى اللغة هو: اللاعب بقداح الميسر، وكان لا يتعاطاه من العرب إلا الكرماء، فكأنه قال: والخلف خلف كريم، أى هو صادر عن نقل صحيح، ثم قال:
وها، أى وإمالة ها من كهيعص لأبى بكر والكسائى وأبى عمرو، ثم قال: وتحت، أى: وإمالة ها من السورة التى تحت مريم، وهى: طه، جنا حلا، أى: حلا جناه، وإمالته لورش، ولأبى عمرو، ومن يأتى ذكره فى البيت الآتى، وليس لورش ما يميله إمالة محضة غيرها من طه، وما عدا ذلك إنما يميله بين اللفظين.
740 [(ش) فا (ص) ادقا حم (مخ) تار (صحبة)
وبصر وهم أدرى وبالخلف (م) ثّلا]
حمزة والكسائى وأبو بكر هم: تتمة من أمال ها من طه ثم قال حم أى أمال «حا» من حم فى السور السبع ابن ذكوان وصحبه، ثم قال: وهم وأبو عمرو أمالوا لفظ أدرى كيف أتى، نحو أدراك وأدراكم وعن ابن ذكوان خلاف فيه، فقوله وبصر مبتدا وليس عطفا على صحبة، لامتناع الجمع بين الرمز والتصريح، والله أعلم.(2/503)
740 [(ش) فا (ص) ادقا حم (مخ) تار (صحبة)
وبصر وهم أدرى وبالخلف (م) ثّلا]
حمزة والكسائى وأبو بكر هم: تتمة من أمال ها من طه ثم قال حم أى أمال «حا» من حم فى السور السبع ابن ذكوان وصحبه، ثم قال: وهم وأبو عمرو أمالوا لفظ أدرى كيف أتى، نحو أدراك وأدراكم وعن ابن ذكوان خلاف فيه، فقوله وبصر مبتدا وليس عطفا على صحبة، لامتناع الجمع بين الرمز والتصريح، والله أعلم.
741 [وذو الرّا لورش بين بين ونافع
لدى مريم ها يا وحا (ج) يده (ح) لا]
جمع فى هذا البيت ذكر من أمال شيئا من ذلك بين بين، فورش فعل ذلك فى را، من:
(الر والمر).
ونافع بكماله فى ها يا أول مريم، وورش وأبو عمرو فعلا ذلك فى «حا» من:
(حم).
فى السور السبع، وأما لفظ أدرى فقد علم من مذهب ورش فى إمالته بين بين من باب الإمالة، وإنما ذكره الناظم هنا لأجل زيادة أبى بكر وابن ذكوان على أصحاب إمالته، وإلا فهو داخل فى قوله: وما بعد راء شاع حكما، فأبو عمرو وحمزة والكسائى فيه على أصولهم، والجيد كل العنق، والله أعلم.
742 [ففصّل يا (حقّ ع) لا ساحر (ظ) بى
وحيث ضياء وافق الهمز قنبلا]
قصر لفظ يا ضرورة، والخلاف فى نفصل الآيات بالياء والنون ظاهر، ثم قال ساحر ظبى يعنى قوله تعالى قبل: يفصل:
(قال الكافرون إنّ هذا لسحر مبين (1)).
أى ذو سحر، قرأه مدلول ظبى ساحر، فقوله ساحر هو: مما استغنى لميه باللفظ عن القيد، ولكنه لم يبين القراءة الأخرى، والخلاف فى مثل هذا دائر تارة بين ساحر وسحار، على ما فى الأعراف، والذى فى آخر يونس، وتارة هو دائر بين ساحر وسحر، على ما مر فى المائدة وما يأتى فى طه، وظبى: جمع ظبة، وهى من:
السيف، والسهم، والسنان حدها، أى هو ذو ظبى أى له حجج تحميه وتقوم بنصرته، ثم قال: وحيث ضياء، أى: حيث أتى هذا اللفظ فضياء مرفوع بالابتداء، على ما عرف فيما بعد حيث، والخبر محذوف، أى وحيث ضياء موجود، ولا تنصب حكاية لما فى يونس، فإنه قد يكون مجرورا نحو ما فى القصص:
{(مَنْ إِلََهٌ غَيْرُ اللََّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيََاءٍ} [2]).
ثم قال: وافق الهمز قنبلا، وهو من قولك: وافقنى كذا، إذا صادفته من غرضك، وأراد همز الياء،
__________
(1) سورة يونس، آية: 2.
(2) سورة القصص، آية: 71.(2/504)
ولم يبين ذلك، وفى آخر الكلمة همزة، فربما يتوهم السامع أنه هو المعنى، ثم لو فهم ذلك لم يكن مبينا للقراءة الأخرى، فإن الهمز ليس ضده إلا تركه، ولا يلزم من تركه إبداله ياء، فقد حصل نقض فى بيان هاتين المسألتين، ساحر، وضياء، فلو أنه قال: ما تبين به الحرفان لقال: ساحر، ظبى، بسحر، ضياء، همزيا الكل زملا، قالوا: ووجه هذا الهمزة أنه أخر الياء وقدم الهمزة، فانقلبت الياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة كسقاء ووداء، وهذه قراءة ضعيفة فإن قياس اللغة القرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما، فكيف يتحيل بتقديم وتأخير إلى ما يؤدى إلى اجتماع همزتين لم يكونا فى الأصل، هذا خلاف حكمة اللغة. قال ابن مجاهد ابن كثير وحده ضياء بهمزتين فى كل القرآن، الهمزة الأولى قبل الألف، والثانية بعدها، كذلك قرأت على قنبل، وهى غلط، وكان أصحاب البزى وابن فليح ينكرون هذا، ويقرءون ضياء مثل الناس، قال أبو على:
ضياء مصدرا، وجمع ضوء، كبساط.
743 [وفى قضى الفتحان مع ألف هنا
وقل أجل المرفوع بالنّصب (ك) مّلا]
يريد {(لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [1]).
قراءة ابن عامر على البناء للفاعل، فنصب أجلهم على المفعولية، وقراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول، وهو: أجلهم، فلزم رفعه، فقول الناظم الفتحان يعنى فى القاف والضاد، والألف بعدهما، والقراءة الأخرى علمت بما لفظ به، لا من الضدية، ولو بين القراءة الأخرى باللفظ فقال: قضى، موضع قوله: هنا، أو موضع قوله: وقل، لكان أولى وأكثر فائدة، لما فيه من الإيضاح، ورفع وهم احتمال أن يريد زيادة ألف على الياء، فيصير قضيا، وإنما قال: هنا، احترازا من التى فى الزمر:
{(قَضى ََ عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [2]).
فإن الخلاف فيها أيضا كهذا الخلاف وإن كان الأكثر ثم على مثل قراءة ابن عامر هنا، وكان مستغنيا عن هذا الاحتراز، فإن الإطلاق لا يعم غير ما فى السورة التى هو فى نظم خلفها، على ما بيناه مرارا، والله أعلم.
744 [وقصر ولا (هـ) اد بخلف (ز) كا وفى ال
قيامة لا الأولى وبالحال أوّلا]
يعنى بالقصر: حذف ألف ولا، من قوله:
{(وَلََا أَدْرََاكُمْ بِهِ} [3]).
ومن قوله:
{(لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ} [4]).
__________
(1) سورة يونس، آية: 11.
(2) سورة الزمر، آية: 42.
(3) سورة يونس، آية: 16.
(4) سورة القيامة، آية: 1.(2/505)
دون قوله:
{(وَلََا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ} [1]).
فهذا معنى قوله: لا الأولى، أى وقصر لا الواردة فى سورة القيامة أولا، فالمعنى على القصر لو شاء لأدراكم به فتكون اللام جواب لو، قال ابن مجاهد: قرأت على قنبل:
{(وَلََا أَدْرََاكُمْ)}.
فقال ولأدراكم فجعلها لا ما دخلت على أدراكم، فراجعته غير مرة فلم يرجع، ذكر ذلك فى غير كتاب السبعة، ويوجد فى بعض نسخها، ومعنى القصر فى لا أقسم مؤول بأنها لام الابتداء دخلت على فعل الحال، أى لأنا أقسم، فهذا معنى قوله: وبالحال أولا، وقراءة الباقين بالمد ظاهرة فى:
{(وَلََا أَدْرََاكُمْ)}.
بكون لا نافية، وأما فى القيامة فيكون موافقة لما بعدها، وفى معناها: اختلاف للمفسرين. قيل: لا زائدة وقيل نافية ردا على الكفرة، ثم استأنف أقسم بيوم القيامة فيتفق معنى القراءتين على هذا، واختار الزمخشرى أنه نفى للقسم، على معنى أن المذكور قدره فوق ذلك، والله أعلم.
745 - وخاطب عمّا يشركون هنا (ش) ذا
وفى الرّوم والحرفين فى النّحل أوّلا]
عما يشركون، فاعل خاطب، وشذا حال منه، ولو قدمه على هنا لكان أولى، ليتصل المعطوف، وهو قوله: وفى الروم وما بعده بالمعطوف عليه، وهو هنا، ولئلا يتوهم أن الذى فى الروم والنحل خطابه لغير حمزة والكسائى، ولا سيما وقد قال فى آخر البيت أولا، فيتوهم أنه رمز لنافع، وإنما هو ظرف للحرفين، أى اللفظين الواقعين أول سورة النحل، ولم يحترز بذلك من شيء بعدهما وإنما هو زيادة بيان، وهذا مما يقوى ذلك الوهم، ولو كان احترازا لخف أمره، والذى هنا بعده:
{(وَمََا كََانَ النََّاسُ إِلََّا أُمَّةً} [2]).
والذى فى الروم بعده:
{(ظَهَرَ الْفَسََادُ} [3]).
واللذان فى النحل:
{(سُبْحََانَهُ وَتَعََالى ََ عَمََّا يُشْرِكُونَ} [4] {بِالْحَقِّ تَعََالى ََ عَمََّا يُشْرِكُونَ} [5]).
الخطاب فى الجميع للمشركين، والغيب إخبار عنهم، والله أعلم.
__________
(1) سورة القيامة، آية: 1.
(2) سورة يونس، آية: 19.
(3) سورة الروم، آية: 41.
(4) سورة النحل، آية: 1.
(5) سورة النحل، آية: 3.(2/506)
746 [يسيّركم قل فيه ينشركم (ك) فى
متاع سوى حفص برفع تحمّلا]
أى جعل مكان يسيركم ينشركم من قوله تعالى:
{(فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [1] و {مَتََاعَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} [2]).
بالرفع خبر بغيكم أو خبر مبتدأ محذوف، أى هو متاع، وخبر: بغيكم قوله على أنفسكم أى لا يتجاوزها، ونصب متاع على أنه مصدر، أى تتمتعون متاعا، وقال أبو على تبغون متاع الحياة الدنيا، أو يكون متعلقا بقوله بغيكم، وخبر بغيكم محذوف لطول الكلام.
747 [وإسكان قطعا (د) ون (ر) يب وروده
وفى باء تبلو التّاء (ش) اع تنزّلا]
القطع بسكون الطاء: الجزء من الليل الذى فيه ظلمة، قال الله تعالى:
{(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [3]).
وقال الشاعر:
افتحى الباب فانظرى فى النجوم ... كم علينا من قطع ليل بهيم
وبفتح الطاء: جمع قطعة، وكلتا القراءتين ظاهرة، وقوله مظلما: صفة قطعا، على قراءة الإسكان، وعلى قراءة الفتح هو حال من الليل، وأما:
{(هُنََالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ} [4]).
فقرأها حمزة والكسائى بتاءين. من التلاوة أو من التلوّ، وهو: الإتباع، وقرأها الباقون بباء موحدة قبل اللام، من الاختبار، وتنزلا: نصب على التمييز، ولم يقيد الناظم حرفى القراءة مما لا يحتمل التصحيف على عادته، مثل شاع بالثا مثلثا، وغيرهما بالباء: نقطة أسفلا، وهو مشكل إذ من الجائز أن تقرأ: وفى تاء تبلوا الباء شاع، فيكون عكس مراده، فلو أنه قال فى البيت الأول: متاع سوى حفص وقطعا رضى دلا:
بالإسكان تبلو كل نفس من التلا ... وة والباقون تبلو من البلا
لا تضح المراد، ويكون الإطلاق فى متاع دالا على رفعه، فلا يحتاج إلى قيد، على ما عرف من اصطلاحه والله أعلم.
748 [ويا لا يهدّى اكسر (ص) فيّا وهاه (ن) ل
وأخفى (ب) نو (ح) مد وخفّف (ش) لشلا]
__________
(1) سورة الجمعة، آية: 10.
(2) سورة القصص، آية: 60.
(3) سورة الحجر، آية: 65.
(4) سورة يونس، آية: 30.(2/507)
قصر: يا، وها، ضرورة أراد:
(أم من لا يهدّى (1)).
قرأه حمزة والكسائى من هدى يهدى، كرمى يرمى، وهو بمعنى يهتدى، أو على أنه على تقدير إلا بأن يهدى وحرف الجر يحذف مع أن كثيرا، وقراءة الباقين: أصلها يهتدى، فأريد إدغام التاء فى الدال، فألقيت حركتها على الهاء لتدل على حركة المدغم، كما قالوا: يعض، ويرد، ويفر، والأصل: يعضض، ويردد، ويفرر، وكسر عاصم الهاء لالتقاء الساكنين، ولم ينبه على حركة المدغم، لأنه قد علم أن تاء الافتعال لا تكون إلا مفتوحة بخلاف عين الفعل المدغمة فى يعض ويرد ويفر، فإن حركتها اختلفت كما ترى، ولم يفعل ذلك عاصم فى:
{(لََا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} [2]).
ففتح كغيره، ولم يكسر، لأن الكسر فى لا يهدى أنسب للياء قبلها، وكسر شعبة الياء اتباعا للهاء، ولا يجوز كسر ياء المضارعة إلا فى مثل هذا، وفى ييجل، لننقلب الواو ياء، ومن أخفى حركة الهاء نبه بذلك على أن أصلها السكون. قال فى التيسير: والنص عن قالون بالإسكان.
قلت: والكلام عليه كما سبق فى لا تعدو ونعما وغيرهما، لأنه جمع بين الساكنين على غير حدهما، فلا يستقيم، وشلشلا: حال، لأنه كتب فى المصحف بغير تاء، فخفف قراءة فى حال كونها خفيفا فى الرسم، ويجوز أن يكون شلشلا: صفة قامت مقام المصدر، وهى فى معناه، لا من لفظه ل فكأنه قال: وخفف خفيفا:
أى تخفيفا، كما قال: قم قائما، أى قياما، وعنى بالتخفيف: قراءة ترك تشديد الدال، وبقى سكون الهاء لم ينبه عليه، وهذا قد سبق له نظائر، ولكنه نطق فيها بالكلمات مخففة، نحو: وفى الكل تلقف خف حفص، ولا يتبعوكم خف، ويغشى سما خفا، وموهن بالتخفيف ذاع، ولو قال فى موضع وخفف شلشلا: ويهدى شمردلا، لكان أبين، لكونه نص على لفظ القراءة، كما نص على لفظ قراءة الباقين فى قوله: ويا «لا» يهدى اكسر، فيكون المعنى، وقرئ: يهدى فى حال كونه شمر دلا أى خفيفا.
749 [ولكن خفيف وارفع النّاس عنهما
وخاطب فيها يجمعون (ل) هـ (م) لا]
أراد {(وَلََكِنَّ النََّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [3]).
الخلاف فيها كما سبق فى:
{(وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا} [4] {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} [5] {وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} [6]).
وقوله: عنهما، أى عن حمزة والكسائى، والغيبة والخطاب فى قوله: هو خير مما يجمعون ظاهر أن
__________
(1) سورة يونس، آية: 35.
(2) سورة النساء، آية: 154.
(3) سورة البقرة، آية: 57.
(4) سورة البقرة، آية: 102.
(5) سورة البقرة، آية: 177.
(6) سورة الأنفال، آية: 17.(2/508)
الخطاب للكفار، والغيب إخبار عنهم، وقوله فيها: أى فى هذه السورة، وملا جمع ملاءة، وهى:
الملحفة، وقد ذكرنا المراد بها.
750 [ويعزب كسر الضّمّ مع سبأ (ر) سا
وأصغر فارفعه وأكبر (ف) يصلا]
أى مع حرف سبأ، والكسر والضم فى زاى يعزب: لغتان، ومعناه وما يبعد وما يغيب، ومعنى رسا، ثبت واستقر ورفع، ولا أصغر على الابتداء، والفتح على أنه اسم لا، بنى معها كالوجهين فى لا حول ولا قوة إلا بالله، بفتحهما ورفعهما، على ما ذكرناه. وقال كثير من الناس: أن الرفع عطف على موضع من مثقال، والفتح على لفظ مثقال، أو على ذرة ولكنه لا ينصرف، وهو مشكل من جهة المعنى، ويزيل الإشكال أن يقدر قبل قوله إلا فى كتاب ليس شيء من ذلك إلا فى كتاب مبين، وكذا يقدر فى آية الأنعام:
{(وَعِنْدَهُ مَفََاتِحُ الْغَيْبِ} [1]).
وأما الذى فى سورة سبأ فلم يقرأ:
{(وَلََا أَصْغَرَ مِنْ ذََلِكَ وَلََا أَكْبَرَ} [2]).
إلا بالرفع فقط، وهو يقوى قول من يقول: إنه معطوف، وسببه أن مثقال فيها بالرفع، لأنه ليس قبله حرف جر، وفيصلا: حال من المرفوع، وكأنه أشار إلى الوجه المذكور أوّلا، أى انفصل مما قبله فى المعنى فارتفع بالابتداء والخبر، وقال الشيخ: فيصلا: حال من الفاعل فى ارفعه، أى حاكما فى ذلك.
751 [مع المدّ قطع السّحر (ح) كم تبوّءا
بيا وقف حفص لم يصحّ فيحملا]
أى قطع همز السحر مع ما بعدها حكم من الأحكام المنقولة فى علم القراءات، يريد قوله تعالى:
{(مََا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ)}.
قرأه أبو عمرو بقطع الهمزة، على أنها للاستفهام، وبالمد بعدها بدلا من همزة الوصل، فصار مثل آلذكرين وهو استفهام بمعنى التقرير والإنكار عليهم، وما فى ما جئتم به استفهامية أيضا، أى: أى شيء جئتم به، ثم ابتدأ آلسحر أى أهو السحر؟ وقراءة الجماعة بهمزة وصل من غير مد: على أن ما موصولة بجئتم به، وهى مبتدأ، والسحر خبرها، أى الذى جئتم به السحر حقيقة، وحكى أبو على الأهوازى من طريق الأصمعى عن أبى عمرو مثل قراءة الجماعة، وأما:
{(أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا} [3]).
فروى عن حفص أنه إذا وقف عليه أبدل الهمزة ياء مفتوحة، وأنكر ذلك أبو العباس الأشنانى فيما حكاه
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 59.
(2) سورة يونس، آية: 61.
(3) سورة يونس، آية: 87.(2/509)
ابن أبى هاشم عنه، ولم يعرفه. قال: وقال فى الوقف مثل الوصل يعنى بالهمز، قال الدانى: وبذلك قرأت وبه آخذ.
قلت: وهو أيضا فاسد من جهة العربية، فإنه ليس على قياس تسهيل الهمز، وقول الناظم: تبوّءا، مبتدأ ووقف حفص إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ثان، أى وقف حفص عليه بياء لم يصح، وإن كان وقف مجرورا بإضافة يا إليه، فالخبر لم يصح، أى تبوّءا باليا: لم يصح، ونصب، فيحملا فى جواب النفى بالفاء.
752 [وتتّبعان النّون خفّ (م) دّا وما
ج بالفتح والاسكان قبل مثقّلا]
أى خف مداه، لأن الناطق بالخفيفة أقصر مدا من الناطق بالشديدة، وهى نون رفع الفعل على أن تكون لا للنفى لا للنهى، والواو للحال: أى فاستقيما غير متعبين، أو تكون جملة خبرية معناها النهى، كقوله تعالى:
{(لََا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ} [1]).
أو يكون إخبارا محضا بجملة مستأنفة، أى: ولستما تتبعان، وإن قلنا: إن لا: نهى، كانت النون نون التأكيد الخفيفة على قول يونس والفراء، وكسرت لالتقاء الساكنين، وقيل: خففت الثقيلة للتضعيف، كما تخفف رب وإن، ثم إن الناظم ذكر رواية أخرى عن ابن ذكوان، وليست فى التيسير، وهى بسكون التاء، وفتح الباء وتشديد النون من تبع يتبع، والنون المشددة للتأكيد، فهذا معنى قوله: وماج، أى اضطرب بالفتح فى الباء والإسكان فى التاء قبل الباء، ومثقلا: حال من فاعل ماج، وهو ضمير تتبعان، وهذه قراءة جيدة لا إشكال فيها. قال الدانى فى غير التيسير: وقد ظن عامة البغداديين أن ابن ذكوان أراد تخفيف التاء دون النون، لأنه قال فى كتابه بالتخفيف، ولم يذكر حرفا بعينه، قال: وليس كما ظنوا، لأن الذين تلقوا ذلك أداء وأخذوه منه مشافهة: أولى أن يصار إلى قولهم، ويعتمد على روايتهم، وإن لم يتفق ذلك فى قياس العربية، ولم يذكر ابن مجاهد عن ابن ذكوان غير هذا الوجه، وذكر الأهوازى عن ابن عامر فى هذه الكلمة أربع قراءات تشديد التاء والنون كالجماعة، وتخفيفهما وتشديد التاء، وتخفيف النون، وعكسه: تخفيف التاء وتشديد النون وهما الوجهان المذكوران فى القصيدة، وساق الأخير من طريق ابن ذكوان.
فان قلت: هل يجوز أن تكون الميم فى: وماج، رمزا نحو الكاف من وكم صحبة، لأنها قراءة ولم يذكر لها قارئا.
قلت: لا يجوز لأن الرمز الحرفى إذا تمحض يجب تأخيره عن القراءة، بل تكون هذه القراءة لمن رمز له فى القراءة قبلها، كقوله: وعم بلا واو الذين: البيت، فالقراءتان متى اجتمعتا فى بيت لقارئ متحد، تارة يتقدم رمزه، وتارة يتأخر، مثل كفلا، فى البيت الذى أوله عليم، وقالوا: وقد رد القراءة فى بيت لا رمز فيه على رمز فى بيت قبله، فى قراءة فتثبتوا فى سورة النساء، فما هنا أولى، والله أعلم.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 83.(2/510)
753 [وفى أنّه اكسر (ش) افيا وبنونه
ونجعل (صف) والخفّ ننج (ر) ضى (ع) لا]
يريد قوله تعالى:
{(آمَنْتُ أَنَّهُ} [1]).
الكسر فيه للاستئناف، أو على إضمار القول، والقول هنا هو المعبر عنه بالإيمان، أو ضمن آمنت معنى قلت، والفتح على حذف الباء، أى: آمنت بأنه كذا، نحو يؤمنون بالغيب، وهو مفعوله من غير تقدير حرف جر، أى صدّقت أنه كذا، والخلف فى قوله سبحانه:
(ونجعل الرّجس (2)).
بالنون والياء ظاهر، النون للعظمة والياء لأن قبله إلا بإذن الله والهاء فى قوله، وبنونه لقوله: ونجعل نحو: فى داره زيد، لأن الواو فى ونجعل من التلاوة، فيكون ونجعل مبتدا، وبنونه: خبر مقدم، أى استقر بنونه، ويجوز أن تكون ونجعل مفعول صف، أى: صف بنونه، والخف مبتدأ، وننجى مفعول به، كما ذكرنا فى قوله فى الأعراف والخف أبلغكم، ورضى: خبر المبتدا، وعلا: تمييز، أو خبر بعد خبر، وننجى المختلف فى تخفيفه وتشديده، هو:
(كذلك حقّا علينا ننجى المؤمنين (3)).
وهما لغتان: أنجى ونجى، كأنزل ونزل، ولا خلاف فى تشديد الذى قبله:
{(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنََا} [3]).
ولا فى تشديد ننجيك ببدنك فى هذه الطريقة المنظومة، وقد ذكر أبو على الأهوازى الخلاف فيهما أيضا، ونسب تخفيفهما إلى أبى عمرو والكسائى، وكتبت ننجى المؤمنين بلا ياء فى المصاحف الأئمة فلهذا يقع فى كتب مصنفى القراءات بلا ياء. قال الشيخ: والوقف عليه على رسمه بغير ياء.
قلت: ويقع فى نسخ القصيدة ننج بلا ياء، والأصل الياء كتابة ولفظا.
فان قلت: لعله ذكره بلا ياء ليدل على موضع الخلاف، لأن الياء فيه محذوفة فى الوصل لالتقاء الساكنين.
قلت: لو كان أراد ذلك لم يحتج إلى تقييده بما ذكره فى البيت الآتى، وهو:
754 [وذاك هو الثّانى ونفسى تاؤها
وربّى مع أجرى وإنّى ولى حلا]
يعنى: هو الثانى بعد كلمة ونجعل الرجس وإلا فهو الثالث لوعد ننجيك والكلام فى هذا كما سبق
__________
(1) سورة يونس، آية: 90.
(2) سورة يونس، آية: 100.
(3) سورة يونس، آية: 103.(2/511)
فى الأعراف فى قوله لا يعلمون قل لشعبة فى الثانى، يعنى بعد خالصة، وإلا فهو ثالث، ثم ذكر ياءات الإضافة، وهى خمس، وأراد:
{(مِنْ تِلْقََاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ} [1] {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [2]).
فتحها نافع وأبو عمرو:
{(إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا عَلَى اللََّهِ} [3]).
فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص:
{(إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ} [4] {لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ)}.
فتحهما الحرميان وأبو عمرو، وحلا: ليس برمز، وكذا كل ما كان مثله مما مضى ومما يأتى من الأبيات المذكور فيها عدد ياءات الإضافة، لأنه لم يذكر أحكامها فى أواخر السور، كما سبق بيان، والهاء فى ياؤها للسورة، وليس فيها من الزوائد شيء والله أعلم.
__________
(1) سورة يونس، آية: 15.
(2) سورة يونس، آية: 53.
(3) سورة يونس، آية: 72.
(4) سورة يونس، آية: 15.(2/512)
سورة هود
755 [وإنّى لكم بالفتح (حقّ ر) واته
وبادئ بعد الدّال بالهمز (ح) لّلا]
يريد {(إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ)}.
فى أول قصة نوح: الفتح على حذف الباء، أى أرسلناه بهذا الكلام، والكسر على: فقال إنى لكم وأما بادئ الرأى فذكر أن أبا عمرو قرأه بهمزة بعد الدال، وبدأ الشيء: أوله، ولم يبين قراءة الجماعة، وهى بياء مفتوحة، إما من بدأ إذا ظهر، أو يكون خفف الهمز الذى فى قراءة أبى عمرو، وقياس تخفيفه أنه يبدل ياء لانفتاحه وكسر ما قبله، فهو كما فى ضياء فى قراءة قنبل، ولو قال: وبادئ همز الياء عن ولد العلا، لكان أجلى وأحلى، وحللا من التحليل.
756 [ومن كلّ نون مع قد افلح عالما
فعمّيت اضممه وثقّل (ش) ذّا (ع) لا]
يريد {(مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)}.
هنا وفى سورة:
{(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [1]).
التنوين فى تقدير: من كل شيء زوجين، ويكون زوجين: مفعولا، واثنين تأكيدا، وعلى قراءة غير حفص يكون اثنين: مفعول احمل، وأما:
{(فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} [2]).
فاضمم عينه وشدّد ميمه، فيكون معناه: أخفيت، وقراءة الباقين بالتخفيف على معنى: خفيت، ووزنه، ولا خلاف فى تخفيف:
{(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبََاءُ} [3]).
فى سورة القصص، وإعراضه عن ذكرها دليل على أن الخلف المذكور مختص بما فى هذه السورة، ألا ترى أن من كل زوجين لما كان فى سورتين، ذكرهما، وهو: أول هذا البيت، ويجوز فى البيت ضم تاء، فعميت وكسرها، كما قرئ بهما قوله تعالى:
{(قََالَتِ اخْرُجْ)}.
__________
(1) سورة المؤمنون، آية: 1.
(2) سورة القصص، آية: 66.
(3) سورة يوسف، آية: 31.(2/513)
الكسر على التقاء الساكنين، والضم للإتباع، وشذا: حال من الفاعل أو المفعول فى اضممه، وثقل أى ذا شذا عال، والله أعلم.
757 [وفى ضمّ مجراها سواهم وفتح يا
بنىّ هنا (ن) صّ وفى الكلّ (ع) وّلا]
أى غير حمزة والكسائى وحفص: ضم ميم مجراها على أنه مصدر: أجرى، وهؤلاء فتحوها على أنها مصدر: جرى «وفى» فى قوله: وفى ضم بمعنى على، أى: على ضمها من عدا هؤلاء، وأما يا بنىّ بفتح الياء وكسرها، فلغتان: مثل ما تقدم فى يا ابن أمّ بفتح الميم وكسرها، ففتح حفص الجميع، ووافقه أبو بكر هنا، فعلى الكسر أصله: يبنى، فحذفت الياء كما تقول: يا غلام، والأصل يا غلامى، وعلى الفتح أبدلت الياء ألفا، لتوالى الياءات والكسرات، ثم حذفت الألف، وبقيت الفتحة دالة عليها.
758 [وآخر لقمان يواليه أحمد
وسكّنه (ز) اك وشيخه الأوّلا]
فى لقمان ثلاثة مواضع:
{(يََا بُنَيَّ لََا تُشْرِكْ بِاللََّهِ} [1] {يََا بُنَيَّ إِنَّهََا إِنْ تَكُ} [1] {يََا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلََاةَ} [1]).
فالوسطى على ما تقدم تفتح لحفص، وتكسر لابن كثير وغيره. والأولى والأخيرة فتحهما حفص، وكسرهما من عدا ابن كثير، وأما ابن كثير فسكن الأولى، وله فى الأخيرة وجهان، فتحها البزى، فوافق حفصا فى ذلك وسكنها قنبل، ووجه الإسكان: أن بعد حذف ياء الإضافة بقى ياء مشددة، هى مجموع ياء التصغير، وياء لام الفعل، فخفف ذلك التشديد بحذف الياء الأخيرة، وهى لام: الفعل، وبقيت ياء التصغير وهى ساكنة، وكأنه عند التحقيق وصل بنية الوقف، فإذا وقف على المشدّد جاز تخفيفه، وفى قراءة ابن كثير جمع بين اللغات الثلاث، ففتح وسكن، وكسر الأكثر، ومعنى يواليه: يتابعه، وأحمد هو: اسم البزى، وزاك عبارة عن قنبل، وشيخه هو: ابن كثير.
759 [وفى عمل فتح ورفع ونوّنوا
وغير ارفعوا إلّا الكسائىّ ذا الملا]
يريد {(إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صََالِحٍ)}.
فالفتح فى الميم، والرفع والتنوين فى اللام، فقراءة الكسائى واضحة، أى إنه عمل عملا غير صالح، وقراءة الجماعة على تقدير إنه ذو عمل، وإن كانت الهاء فى إنه عائدة على النداء، فقراءتهم أيضا واضحة، والملا:
الأشراف، ويريد: مشايخه أو أصحابه.
__________
(1) سورة لقمان، الآيات: 13و 16و 17.(2/514)
760 [وتسألن خفّ الكهف (ظ) لّ (ح) مي
وهاهنا (غ) صنه وافتح هنا نونه (د) لا]
الذى فى الكهف:
(فلا تسألن عن شيء والذى هنا {فَلََا تَسْئَلْنِ مََا لَيْسَ لَكَ)}.
وأصله: فلا تسئل، لحقته نون الوقاية، بعدها ياء المفعول، وهى ثابتة فى الكهف لثبوتها فى الرسم، إلا فى وجه: عن ابن ذكوان، تقدم ذكره فى آخر باب الزوائد، وأما هنا فحذفت الياء تخفيفا، فهذه قراءة الجماعة المرموزين فى هذا البيت، والمراد بالتخفيف: تخفيف النون، والباقون ألحقوا نون التأكيد الخفيفة فى آخر الفعل، فأدغمت فى نون الوقاية، ففتحت اللام، وكانت ساكنة، لأجل التقاء الساكنين فبقيت نون مشدّدة مكسورة، فبهذا قرأ نافع فى الكهف، مع إثبات الياء، وكذا ابن عامر، وفى وجه حذف ابن ذكوان الياء، وأما هنا فقرأ ابن عامر ونافع وابن كثير بالتشديد، إلا أن نافعا وابن عامر كسرا النون من غير ياء، وابن كثير فتح النون، لأنه ألحق الفعل نون التأكيد الثقيلة، ولم يأت بنون الوقاية، ولا ياء المفعول، وإنما لم يفعل فى الكهف مثل هذه، لأن الياء فيه ثابتة فى الرسم، ويلزم من إثبات الياء كسر النون، وأما التى فى هود فلم ترسم فيها ياء، فأمكن فيها القراءتان، وقول الناظم: خف الكهف صفة تسألن أى الخفيف فى سورة الكهف، وظل حمى: خبره، ولفظ بقوله تسألن بلا ياء، ليشمل لفظ ما فى السورتين، وقوله وهاهنا غصنه أى فرع ذلك، لأن من خففه أقل عددا من مخفف الكهف، وقد سبق معنى ولا، وفاعله: ضمير عائد على تسألن، أى جمع وجوه القراءات فيه، من فتح وكسر، وتخفيف وتشديد فى السورتين، فهو كمن أخرج دلوه ملآنا.
761 [ويومئذ مع سال فافتح (أ) تى (ر) ضا
وفى النمل (حصن) قبله النّون (ث) مّلا]
يريد {(وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ)}.
وفى سورة سأل سائل {(لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذََابِ يَوْمِئِذٍ} [1]).
قرئ بفتح الميم وجرها، فأما جرها فظاهر، لأنه اسم أضيف إليه ما قبله، فكان مجرورا، وأما وجه الفتح فكونه أضيف إلى غير متمكن، وهو «إذ» وهذه حالة كل ظرف لزم الإضافة، إذا أضيف إلى غير متمكن، ويجوز أن لا يبنى، وعليه القراءة الأخرى. وأما الذى فى النمل، وهو:
{(وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} [2]).
فزاد على فتح الميم عاصم وحمزة، لكن الكوفيون نوّنوا قبله من فزع فهذا معنى قوله: قبله النون،
__________
(1) سورة المعارج، آية: 11.
(2) آية: 89.(2/515)
أى قبل يومئذ زاد الكوفيون نونا أو تنوينا، والباقون أضافوا من فزع إلى يومئذ فمن جرّ الميم مع الإضافة فقراءته واضحة، كما سبق شرحه، وهو ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر، على أصلهم، ومن فتحها مع الإضافة، وهو: نافع وحده، فوجهه ما تقدم. فقراءته فى السور الثلاث على طريقة واحدة، وأما فتح الميم بعد التنوين، فهو فى قراءة عاصم وحمزة يكون حركة إعراب، وهو ظرف منصوب إما بفزع، وإما بآمنون، وقراءة الكسائى تحتمل الأمرين، لأنه فتح الذى فى هود وسأل، لاعتقاده فيه البناء، فكذا لو وجه هذا التنكير فى فزع أنه أريد تهويله، أى من فزع عظيم، وهو الفزع الأكبر: آمننا الله تعالى منه، ومعنى ثمل: أصلح، لأن التنوين جوّد الفتح على الظرفية، ولم يخرج إلى وجه البناء، والله أعلم.
762 [ثمود مع الفرقان والعنكبوت لم
ينوّن (ع) لى (ف) صل وفى النّجم (ف) صّلا]
أراد (ألا إنّ ثمودا كفروا ربّهم).
وفى الفرقان:
{(وَعََاداً وَثَمُودَ وَأَصْحََابَ الرَّسِّ} [1]).
وفى العنكبوت:
{(وَعََاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسََاكِنِهِمْ} [2]).
وفى النجم:
{(وَثَمُودَ فَمََا أَبْقى ََ} [3]).
لم ينون الجميع حفص وحمزة، ووافقهما أبو بكر على عدم تنوين الذى فى النجم، ورمزه فى أول البيت الآتى: «نما»، لأن النون لعاصم بكماله فى اصطلاح هذه الطريقة، عبارة عن أبى بكر وحفص معا، والباقون نونوا فى الجميع، ووجه التنوين وعدمه مبنى على صرف هذه الكلمة وعدم صرفها، وللعرب فيها مذهبان:
تارة تصرفها ذهابا إلى اسم الحى، وتارة تترك صرفها ذهابا إلى اسم القبيلة، وكذا الخلاف فى سبأ لما سيأتى فى سورة النمل. فإن قلت: أطلق قوله: ثمود هنا، فما المانع أن يظن أنه أراد التى فى أوّل القصة وإلى ثمود أخاهم صالحا وهو غير منصرف اتفاقا، قلت: منع منه أمران.
أحدهما أن هذا سابق على كلمة يومئذ، فلو كان فيه خلاف لذكره قبل مسئلة يومئذ، لا يقال: إنه فى بعض المواضع يقدم ما تأخر من الحروف ويؤخر ما تقدم، كقوله بعد هذا البيت: ويعقوب، ثم قال هنا: قال سلم، ومثله ودرى اكسر، ثم قال: يسبح فتح الباء. كذا صف، وتوقد البيت، ولفظ توقد قبل يسبح، وإنما ضرورة النظم تحوج إلى مثل هذا، فإن جوابه أنه لا ضرورة هنا، لأن مسئلة يومئذ فى بيت مستقل، فكان يمكنه تأخيره.
__________
(1) الآية: 38.
(2) الآية: 38.
(3) الآية: 51.(2/516)
الأمر الثانى: أن جميع هذه المواضع الأربعة المختلف فيها منصوبة والخلاف واقع فى إثبات التنوين وعدمه فقط، وأما قوله: وإلى ثمود، فمجرور، فلا يكفى فيه ذكر التنوين، بل لا بدّ من جره عند من صرفه، كما ذكر بعد ذلك فى الثمود، فلم يدخل فى مراده، والله أعلم. قال سيبويه وثمود وسبأ هما: مرة للقبيلتين، ومرة للحيين، وكثرتهما سواء. قال أبو على: فمن صرف فى جميع المواضع كان حسنا، ومن لم يصرف فى جميع المواضع فكذلك، وكذلك إن صرف فى موضع ولم يصرف فى موضع آخر، إلا أنه لا ينبغى أن يخرج عما قرأت به القراء، لأن القراءة سنة، فلا ينبغى أن نحمل على ما تجوزه العربية حتى ينضم إلى ذلك الأثر من قراءة القراء وقول الناظم: على فصل: أى على قول فصل، والله أعلم.
واختار أبو عبيد قراءة التنوين فى هذه المواضع الأربعة، لأنها رسمت بألف بعد الدال، وهو دليل الصرف.
763 [(ن) ما لثمود نوّنوا واخفضوا (ر) ضا
ويعقوب نصب الرّفع (ع) ن (ف) اضل (ك) لا]
نما من تتمة رمز الذى فى النجم، ثم ابتدأ لثمود أراد:
{(أَلََا بُعْداً لِثَمُودَ)}.
صرفه الكسائى فخفضه ونونه موافقة لما قبله، وهو:
{(أَلََا إِنَّ ثَمُودَ)}.
وفتحه الباقون غير منون، لأنه غير مصروف، وقوله: رضى، أى: ذوى رضى وموضع لثمود نصب بما بعده، وقرئ يعقوب بالنصب والرفع، فالنصب على تقدير ووهبنا لها يعقوب من وراء إسحاق، ودل عليه معنى قوله تعالى:
{(فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ)}.
لأنه فى معنى وهبنا، واختاره أبو على، وذكر وجهين آخرين على ضعف فيهما: أحدهما أن يكون مجرورا، عطفا على إسحاق، والثانى أن يكون منصوبا، عطفا على موضع بإسحاق، أى فبشرناها بإسحاق، ويعقوب، من وراء إسحاق، وضعفهما من جهة الفصل بين واو العطف والمعطوف بالظرف، فهو كالفصل بين الجار والمجرور، ولو قلت مررت بزيد اليوم وأمس عمرو على: تقدير وبعمر وأمس، لم يحسن، ولكن فى الشعر يحتمل مثل ذلك كما جاء بكف يوما يهودى ومثله فى الفصل بين حرف العطف والمرفوع، وآونة أثالى، وفى المنصوب.
ويوما أديمها نعلا
فى بيتين معروفين أنشدهما أبو على وغيره، الأول لابن أحمر، والثانى للأعشى، وله نظير فى إعراب بعضهم.
{(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هََادٍ} [1]).(2/517)
ويوما أديمها نعلا
فى بيتين معروفين أنشدهما أبو على وغيره، الأول لابن أحمر، والثانى للأعشى، وله نظير فى إعراب بعضهم.
{(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هََادٍ} [1]).
على أن هاد عطف على منذر، أى أنت منذر وهاد لكل قوم، وقد مضى فى هذه القصيدة، وسيأتى نحو من ذلك فى نظم الناظم، وذكر وجه العطف جماعة من أئمة العربية، وأما قراءة يعقوب بالرفع، فعلى الابتداء وخبره ما قبله، أى مولود لها من وراء إسحاق يعقوب، أو يكون فاعل من وراء، على قول الأخفش: أى واستقر لها من وراء إسحاق يعقوب. قال أبو جعفر النحاس: وتكون الجملة فى موضع الحال، وأظنه فى البشارة أى فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب، قال: ويجوز على إضمار فعل، أى: ويحدث من وراء إسحاق يعقوب وقوله نصب الرفع، أى نصب رفعه، أو نصب الرفع فيه منقول عن فاضل، كلأه: أى حفظه.
764 [هنا قال سلم كسره وسكونه
وقصر وفوق الطّور (ش) اع تنزّلا]
كسره: مبتدأ وسكونه وقصر عطف عليه، وشاع خبر المبتدا، وتنزلا تمييز، وفوق الطور: عطف على هنا، أى قوله: قال سلم موضع قال سلام هنا وفى الذاريات، وهما لغتان، كحرم وحرام، وحل وحلال، وقيل سلم ضد حرب، وذلك لأنه نكرهم، فقال: أنا مسالم لكم، ورفعه على حكاية قوله، أى:
سلام عليكم، أوامرى سلام ونصب قالوا سلاما أى قولا ذا سلامة، لم يقصد فيه حكاية قولهم، وكذا معنى قوله تعالى:
{(وَإِذََا خََاطَبَهُمُ الْجََاهِلُونَ قََالُوا سَلََاماً} [2]).
وأما فى كل موضع يقصد التسليم، فلم يأت الأمر معرفا، والأكثر تنكيره:
{(سَلََامٌ عَلَيْكُمْ بِمََا صَبَرْتُمْ} [3] {سَلََامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [4] {سَلََامٌ عَلى ََ نُوحٍ} [5] {وَسَلََامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [6]).
وجاء معرفا فى:
{(وَالسَّلََامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} [7] {وَالسَّلََامُ عَلى ََ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ََ} [8]).
وقيل التقدير: سلمنا سلاما، وله نظائر، والله أعلم.
765 [وفاسر أن اسر الوصل (أ) صل (د) نا وها
هنا (حقّ) إلّا امراتك ارفع وأبدلا]
يريد: حيث جاء هذان اللفظان، وجاء فأسر فى ثلاث سور: هنا:
__________
(1) سورة الرعد، آية: 7.
(2) سورة الفرقان، آية: 63.
(3) سورة الرعد، آية: 24.
(4) سورة يس، آية: 58.
(5) سورة الصافات، آية: 79.
(6) سورة مريم، آية: 16.
(7) سورة مريم، آية: 32.
(8) سورة طه، آية: 47.(2/518)
(فأسر بأهلك بقطع من اللّيل (1)).
ومثله فى الحجر والدخان:
{(فَأَسْرِ بِعِبََادِي لَيْلًا} [2]).
وأما {(أَنْ أَسْرِ)}.
ففي طه والشعراء، عنى بالوصل: همزة الوصل ولا يظهر لفظها إلا على تقدير، أن تقف على أن، فتبتدئ:
إسر، بكسر الهمزة، وأما إذا وصلت فلا يظهر إلا أثرها، وهو حذفها فى الدرج، وكسر النون من أن لالتقاء الساكنين لورش وغيره، وأما فى كلمة فأسر، فلا يظهر أثر إلا فى حذفها، وقرأ الباقون بهمزة القطع المفتوحة، فالنون من أن ساكنة على أصلها، لكنها تفتح لحمزة إذا وقف على أن أسر، على رواية نقل الحركة له فى الوقف، والقراءتان مبنيتان على الفعل الذى منه هذا الأمر، وفيه لغتان: سرى، وأسرى، فعلى لغة سرى: جاءت همزة الوصل فى الأمر، كقولك: ارم، من رمى، وعلى لغة: أسرى، جاءت همزة القطع، كقولك من أعطى: أعط، ويشهد لسرى قوله سبحانه:
{(وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} [3]).
ويشهد لأسرى قوله تعالى:
{(سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ} [4]).
ويتعلق بهما بحث كما ذكرناه فى تفسير آية سبحان، فأما قوله تعالى:
{(وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)}.
فقرئ برفع امرأتك ونصبها، فقوله: هاهنا، احترازا من الذى فى العنكبوت:
{(إِنََّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ)}.
فإنه منصوب باتفاق، لأنه مستثنى من موجب، وأما هنا فمستثنى من غير موجب، فجرى فيه الوجهان النصب والرفع، كما سبق فى سورة النساء:
{(مََا فَعَلُوهُ إِلََّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)}.
و (إلّا قليلا).
لكن لم يقرأ بالنصب ثم إلا واحد، وهاهنا الأكثر على النصب، فلهذا قال جماعة من أئمة العربية: إنه مستثنى من قوله تعالى:
__________
(1) سورة الحجر، آية: 65،
(2) سورة الدخان، آية: 23.
(3) سورة الفجر، آية: 4.
(4) أول سورة الإسراء.(2/519)
{(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ)}.
ليكون مستثنى من موجب، وهذا فيه إشكال من جهة المعنى إذ يلزم من استثنائه من:
{(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ)}.
أن لا يكون أسرى بها، وإذا لم يسر بها، كيف يقال:
{(لََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)}.
على قراءة الرفع، فكيف تؤمر بالالتفات، وقد أمر أن لا يسرى بها، فهى لما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا، فيجوز أن يكون هو لم يسر بها، ولكنها تبعتهم، والتفتت، فأصابها ما أصاب قومها، والذى يظهر لى أن الاستثناء على القراءتين منقطع، لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استؤنف الإخبار عنها بمعنى: لكن امرأتك يجرى لها كيت وكيت، والدليل على صحة هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت فى سورة الحجر، وليس فيها استثناء أصلا، فقال تعالى:
{(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبََارَهُمْ وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [1]).
فلم تقع العناية إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى، فجاء شرح حال امرأته فى سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم، ونحو ذلك قوله تعالى فى سورة الحجر:
{(إِنَّ عِبََادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطََانٌ إِلََّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغََاوِينَ} [2]).
قال كثير من المفسرين: إنه استثناء متصل، وبنى قوم على ذلك جواب الاستثناء: الأكثر من الأقل، لأن الغاوى أكثر من المهتدى، وعندى أنه منقطع، بدليل أنه فى سورة سبحان:
{(إِنَّ عِبََادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطََانٌ، وَكَفى ََ بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [3]).
فأطلق ولم يستثن الغاوين، دل على أنه أراد بقوله تعالى عبادى المخلصين المكلفين، وهم ليس للشيطان عليهم سلطان، فلا حاجة إلى استثناء الغواة منهم، فحيث جاء فى الحجر استثناء الغواة كان على سبيل الانقطاع أى لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان، فإذا اتضح هذا المعنى لك علمت أن القراءتين واردتان على ما يقتضيه العربية فى الاستثناء المنقطع، ففيه لغتان، النصب والرفع، فالنصب لغة أهل الحجاز، وعليها الأكثر، والرفع لبنى تميم، وعليها اثنان من القراء، ولهذا قلت فى المنظومة التى فى النحو:
واحمل على المنقطع إلا امرأتك ... فى هود مطلقا فتقوى حجتك
وقول الناظم: ارفع وأبدلا، يجوز بضم الهمزة وفتحها، فضمها على أنه فعل لم يسم فاعله، وفتحها على الأمر، والألف فى آخره بدل من نون التأكيد الخفيفة، والمعنى: واحكم على المرفوع أنه بدل من أحد
__________
(1) سورة الإسراء، آية: 65.
(2) سورة الإسراء، آية: 65.
(3) أول سورة المعارج.(2/520)
قوله {وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} هذا على قول الجماعة إنه مستثنى من ذلك، ولم يختلفوا فيه، وإنما الخلاف بينهم فى قراءة النصب، منهم من استثناها من ذلك، ومنهم من استثناها من فأسر بأهلك وقوله {إِلَّا امْرَأَتَكَ}
أبدل فيه الهمزة ألفا، ليتزن له النظم، وقد سمع نحو ذلك من العرب يقولون: المراة والكماة، فيبدلونها ألفا ولزم من هذه العبارة فى نظمه إيهام، وذلك أنه قال: ارفع وأبدلا، فيظن أنه أراد ما لفظ به من إبدال الهمزة ألفا، وإنما أراد بالإبدال من جهة الإعراب، ووقع لى فى تصحيح ما أعربه النحاة معنى حسن، وذلك أن يكون فى الكلام اختصار، نبه عليه اختلاف القراءتين، وكأنه قيل فأسر بأهلك إلا امرأتك، وكذا روى أبو عبيد وغيره: أنها فى قراءة ابن مسعود هكذا، وليس فيها ولا يلتفت منكم أحد فهذا دليل على استثنائها من المسرى بهم، ثم كأنه سبحانه قال: فإن خرجت معكم وتبعتكم من غير أن تكون أنت سريت بها فإنه أهلك عن الالتفات غيرها، فإنها ستلتفت ويصيبها ما أصاب قومها، فكانت قراءة النصب دالة على ذلك المعنى المتقدم، وقراءة الرفع دالة على هذا المعنى المتأخر، ومجموعها دال على جملة المعنى المشروح.
766 [وفى سعدوا فاضمم (صحاب) اوسل
به وخفّ وإن كلّا (إ) لى (ص) فوه (د) لا]
صحابا أى ذا صحاب، ويقال: سال عنه وسال به بمعنى، وعليه حمل قوله تعالى:
{(سَأَلَ سََائِلٌ بِعَذََابٍ} [1]).
أى عن عذاب، ومنه:
{(فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} [2]).
وقال علقمة: فإن تسألونى بالنساء فإننى
وقال الشيخ: سل به بمعنى اعتن به، واشتغل به كما يقال سل عنه، بمعنى ابحث عنه وفتش عنه، وإنما قال ذلك لصعوبة تخريج وجه الضم، لأنه يقتضى أن يكون سعد متعديا، وهى لغة مجهولة، ويدل على وجودها قولهم: مسعود، والمعروف أسعده الله، بالألف، وقيل إن سعد لغة هذيل، يقال: سعد كما يقال: جن، وأما: وإن كلا لما ليوفينهم فمعناها على القراءات من أشكل الآيات، وقد نظم فى هذا البيت الخلاف فى أن، وفى البيت الآتى الخلاف فى لما، والخلاف فيهما فى التشديد والتخفيف، فقوله وإن كلا فى موضع خفض بإضافة، وخف إليه، واعلم أنّ إنّ يجوز تخفيفها، وهى باقية على إعمالها، فقوله: كلا اسمها مخففة كانت أو مشددة، ولا يجوز أن يكون المخففة نافية، لأنها قد نصبت كلها، وقد دخلت اللام فى الخبر، إلا فى قراءة من شدد كما يأتى. فهى قراءة أبى بكر وحده، وقوله إلى صفوه دلا: خبر وخف وإن كلا والهاء فى صفوه للخف، وفاعل دلا: ضمير عائد إلى القارئ، أى إلى صفو الخف أدلى القارئ دلوه، ثم استخرجها: أى وجد قراءة حلوة فقرأ بها، يقال: دلوت الدلو: نزعتها، وأدليتها أرسلتها فى البئر، قال الله تعالى:
__________
(1) سورة المعارج، آية: 1.
(2) سورة الفرقان، آية: 59.(2/521)
{(فَأَدْلى ََ دَلْوَهُ} [1]).
واجتزى الشاطبى بقوله: دلا عن أن يقول: أدلى، فدلا لأنه لا يوصف بأنه دلا إلا بعد أن يكون أدلى دلوه. وقال صاحب الصحاح: قد جاء فى الشعر: الدالى بمعنى المدلى، فإذا كان الأمر كذلك ظهر قول الناظم أي دلا إلى صفوه بمعنى أدلى دلوه إليه، والله أعلم.
767 [وفيها وفى يس والطّارق العلا
يشدّد لمّا (ك) امل (ف) صّ (ن) اعتلا]
العلى: نعت للطارق، وفى جعله نعتا للسور الثلاث نظر من جهة أن بعضها معبر عنه بالضمير، والمضمر لا يوصف، فأشار إلى قوة قراءة من شدد لما بقوله كامل نص فاعتلا، فالقراءات فى هاتين الكلمتين:
(أنّ ولمّا).
أربع: تخفيفهما لنافع وابن كثير، تشديدهما لابن عامر وحمزة وحفص، تخفيف إنّ وتشديد لمّا لأبى بكر وحده، تشديد إنّ وتخفيف لمّا لأبى عمرو والكسائى، فمن شدد إنّ وخفف لمّا، فاللام فى لما: هى التى تدخل فيما كان فى خبر إنّ واللام فى ليوفينهم جواب قسم محذوف، ومثله:
{(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [2]).
غير أن اللام فى، لمن داخلة على الاسم، وفى لمّا داخلة على موضع الخبر، وقام القسم وجوابه مقام الخبر، وما فى لمّا زائدة، لتفرق بين اللامين: لام التوكيد ولام القسم، وقيل بمعنى الذى، وزاد بعضهم فجعلها بمعنى من، وقيل اللام فى لمّا موطئة للقسم، مثل:
{(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [3]).
والمعنى: وإن جميعهم، والله ليوفينهم ربك أعمالهم من حسن وقبح وإيمان وجحود، فهذا تعليل قراءة أبى عمرو والكسائى. قال الفراء: جعل ما اسما للناس كما جاز:
{(فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} [4]).
ثم جعل اللام التى فيها جوابا لأن، وجعل اللام التى فى ليوفينهم لا ما دخلت على نية يمين فيما بين ما وصلتها كما تقول: هذا من ليذهبن، وعندى: ما، لغيره خير منه، ومثله.
{(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)}.
ثم قال بعد ذلك ما يدل على أن اللام مكررة، فقال: إذا عجلت العرب باللام فى غير موضعها أعادوها إليه، نحو إن زيدا لإليك لمحسن، ومثله:
__________
(1) سورة يوسف، آية: 19.
(2) سورة النساء، آية: 73.
(3) سورة الزمر، آية: 65.
(4) سورة النساء، آية: 3.(2/522)
ولو أن قومى لم يكونوا عزة ... لبعد لقد لا لقيت لا بدّ مصرعا
قال: أدخلها فى بعد وليس بموضعها، وسمعت أبا الجراح يقول: إنى بحمد الله لصالح، وقال أبو على فى قراءة من شدد إن وخفف لما: وجهها بيّن، وهو أنه نصب كلا بأن، وأدخل لام الابتداء على الخبر، وقد دخل فى الخبر لام ليوفى وهى التى يتلقى بها القسم، وتختص بالدخول على الفعل، فلما اجتمع اللامان فصل بينهما كما فصل بين أن واللام، فدخلت ما، وإن كانت زائدة: للفصل، ومثله فى الكلام إن زيدا لما لينطلقن. قال: هذا بين، ويلى هذا الوجه فى البيان قراءة من خفف:
(إنّ ولمّا).
وهى قراءة ابن كثير ونافع. قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق كما قالوا: كأن ثدييه حقان، قال: ووجهه من القياس:
(أنّ: إنّ).
مشبهة فى نصبها بالفعل، والفعل يعمل محذوفا كما يعمل غير محذوف، نحو لم يك زيد منطلقا.
{(فَلََا تَكُ فِي مِرْيَةٍ)}.
وكذلك لا أدر.
قلت: فتعليل هذه القراءة كالتى قبلها سواء، واللام فى لمّا هى الفارقة بين المخففة من الثقيلة والنافية، وقال الفراء: وأما الذين خففوا أنّ فإنهم نصبوا، وهو وجه لا أشتهيه، لأن اللام لا يقع الفعل الذى بعدها على شيء قبله، فلو وقعت كل لصلح ذلك كما يصلح أن يقول: إن زيدا لقائم، لا يصلح إن زيدا لا ضرب، لأن تأويلها كتأويل إلا.
قلت: واستشكل أبو على وغيره قراءة من شدد لمّا هنا فى سورة هود، سواء شدد إن أو خففها، لأنه قد نصب بها كلا وإذا نصب بالمخففة كانت بمنزلة المنقلة، فكما لا يحسن إن زيدا إلا منطلق، لأن إلا إيجاب بعد نفى، ولم يتقدم هذا إلا إيجاب مؤكد، فكذا لا يحسن إن زيدا لما منطلق، لأنه بمعناه، وإنما شاع نشدتك بالله إلا فعلت، ولما، لأن معناه الطلب، فكأنه قال: ما أطلب منك إلا فعلك، فحرف النفى مراد مثل:
{(تَاللََّهِ تَفْتَؤُا} [1]).
ومثل أبو على بقولهم: شر أهر ذا ناب، أى ما أهره إلا شر، قال: وليس فى الآية معنى النفى ولا الطلب، وحكى عن الكسائى أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل فى لمّا. قال أبو على: ولم يبعد فيما قال: قال أبو جعفر النحاس: القراءة بتشديدها عند أكثر النحويين لحن، حكى عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز، ولا يقال: إن زيدا إلا لأضربنه، ولا لما لأضربنه، قال: وقال الكسائى: الله جل وعز أعلم بهذه القراءة، ما أعرف لها وجها قال: وللنحويين بعد هذا فيها أربعة أقوال: فذكرها مختصرة، وأنا أبسطها، وأنبه على ما فيها، ثم أذكر وجها خامسا هو الحق إن شاء الله تعالى.
__________
(1) سورة يوسف، آية: 85.(2/523)
الأول قاله الفراء، وتبعه فيه جماعة، قال: أراد لمن ما، فلما اجتمع ثلاث ميمات حذف واحدة، فبقيت ثنتان، فأدغمت إحداهما فى الأخرى كما قال الشاعر:
وإنى لما أصدر الأمر وجهه ... إذا هو أعيا بالسبيل مصادر
قال نصر بن على الشيرازى: وصل من الجارة بما، فانقلبت النون أيضا ميما للإدغام، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت احديهن، فبقى لمّا بالتشديد، قال: وما هاهنا بمعنى: من، وهو اسم لجماعة الناس، كما قال تعالى:
{(فَانْكِحُوا مََا طََابَ)}.
إلى من طاب، والمعنى: وإن كلا من الذين ليوفينهم ربك أعمالهم، أو من جماعة ليوفينهم ربك أعمالهم، قال المهدوى: حذفت الميم المكسورة، والتقدير لمن خلق ليوفينهم، وجوز أن يكون تقدير هذا الوجه:
لمن ما، بفتح الميم، وتكون اللام داخلة على من التى بمعنى الذى، وما بعدها زائدة.
قال: فقلبت النون ميما، وأدغمت فى الميم التى بعدها، فاجتمعت ثلاث ميمات، فحذفت الوسطى منهن، وهى المبدلة من النون، فقيل لما قلت، فقد صار لهذا الوجه الذى استنبطه الفراء تقديران، وسبق المهدوى إلى التقدير الثانى: أبو محمد مكى، وقال: التقدير: وإن كلا لخلق ليوفينهم ربك، قال: فيرجع إلى معنى القراءة الأولى التى بالتخفيف، وهذا هو الذى حكاه الزجاج، فقال: زعم بعض النحويين أن معناه لمن ما، ثم قلبت النون ميما، فاجتمعت ثلاث ميمات، فحذفت الوسطى، قال: وهذا القول ليس بشيء، لأن من لا يجوز حذفها، لأنها اسم على حرفين وقال النحاس: قال أبو إسحاق: هذا خطأ، لأنه يحذف النون من من، فيبقى حرف واحد، وقال أبو على: إذا لم يقو الإدغام على تحريك الساكن قبل الحرف المدغم فى نحو: قوم مالك، فأن لا يجوز الحذف أجدر، قال على: إن فى هذه السورة ميمات اجتمعت فى الإدغام أكثر مما كان يجتمع فى لمن ما، ولم يحذف منها شيء، وذلك قوله:
{(وَعَلى ََ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ)}.
فإذا لم يحذف شيء من هذا، فأن لا يحذف ثم أجدر.
قلت: وما ذكره الفراء استنباط حسن، وهو قريب من قولهم فى:
{(لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} [1]).
أصله: لكن أنا، تم حذفت الهمزة وأدغمت النون فى النون، وكذا قولهم أما أنت منطلقا انطلقت، قالوا المعنى لأن كنت منطلقا، وما أحسن ما استخرج الشاهد من البيت الذى أنشده، واجتمع فى أمم ممن معك ثمانى ميمات، خمس ظاهرة، والتنوين فى أمم، والنون من ممن، كلاهما تقلب ميما وتدغم فى الميم بعده، على ما تمهد فى بابهما فى الأصول، ثم إن القراء أراد أن يجمع بين قراءتى التخفيف والتشديد من لمّا فى معنى واحد فقال: ثم يخفف كما قرأ بعض القراء:
{(وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ)}.
__________
(1) سورة الكهف، الآية: 38.(2/524)
بحذف الياء عند الياء، أنشدنى الكسائى شعرا:
واشمت العداة بنا فأضحوا ... لدىّ تباشرون بما لقينا
معناه يتباشرون، فحذف ياؤه لاجتماع الياءات، قلت: الأولى أن يقال: حذفت ياء الإضافة من لدى، فبقيت الياء الساكنة قبلها، المنقلبة عن ألف لدى، وهو مثل قراءة من قراءة يا بنى بالإسكان على ما سبق، وأما الياء من يتباشرون فثابتة لدلالتها على المضارعة، قال: ومثله كأن من آخرها القادم، يريد إلى القادم، فحذف عند اللام اللام الأولى، قلت: لأن آخر إلى حذف لالتقاء الساكنين، وهمزة الوصل من القادم تحذف فى الدرج، فاتصلت لام إلى بلام التعريف فى القادم، فحذفت الثانية على رأيه، والأولى أن يقال: حذفت الأولى، لأن الثانية دالة على التعريف، فلم يبق من حروف «إلى» غير الهمزة، فاتصلت بلام القادم، فبقيت الهمزة على كسرها، وهذا قريب من قولهم:
(ملكذب).
فى من الكذب:
(وبالعنبر).
فى بنى العنبر:
(وعلماء).
بنو فلان، أى على الماء.
القول الثانى: قال الزجاج: زعم المازنى أن أصلها لما بالتخفيف، ثم شددت الميم، قال: وهذا ليس بشيء لأن الحروف نحو «رب» وما أشبهها تخفف، ولسنا نثقل ما كان على حرفين.
الثالث: قال النحاس: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: الأصل وإن كلا لما ليوفينهم بالتنوين، من لممته لما، أى جمعته، ثم بنى منه فعلى، كما قرئ ثم أرسلنا رسلنا تترا بغير تنوين وبتنوين.
قلت: الذى فى كتاب القراءات لأبى عبيد، وروى عن بعض القراء وإن كلا لما منونة يريد جميعا.
قال: وهى صحيحة المعنى، إلا أنها خارجة عن قراءة الناس، وقال الفراء: المعنى وإن كلا شديدا ليوفينهم وإن كلا حقا ليوفينهم وقال أبو على: وقد روى أنه قرئ وإن كلا لما منونا، كما قال:
وتأكلون التراث أكلا لما فوصف بالمصدر، وينبغى أن يقدر المضاف إليه كل نكرة، ليحسن وصفه بالنكرة ولا يقدر إضافته إلى معرفة، فيمتنع أن تكون لمّا وصفا له، ولا يجوز أن تكون حالا، لأنه لا شيء فى الكلام عامل فى الحال، قال: فإن قال: إن لما فيمن ثقل، إنما هى لمّا هذه، وقف عليها بالألف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فذلك مما يجوز فى الشعر. قال ابن جنى: معنى لما بالتنوين توفية جامعة لأعمالهم جمعا، ومحصلة لأعمالهم تحصيلا، فهو كقولك قياما لأقومنّ، وقعودا لأقعدنّ، قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: استعمال لما فى هذا المعنى بعيد. وحذف التنوين من المنصرف فى الوصل أبعد، قال: وقيل: لما فعلى من اللم، ومنع الصرف لأجل ألف التأنيث، والمعنى فيه مثل مضى لما المنصرف، قال: وهذا أبعد، إذ لا تعرف لما فعلى بهذا
المعنى ولا بغيره، ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال، وهو خلاف الإجماع، وأن يكتبوها بالياء، وليس ذلك بمستقيم.(2/525)
وتأكلون التراث أكلا لما فوصف بالمصدر، وينبغى أن يقدر المضاف إليه كل نكرة، ليحسن وصفه بالنكرة ولا يقدر إضافته إلى معرفة، فيمتنع أن تكون لمّا وصفا له، ولا يجوز أن تكون حالا، لأنه لا شيء فى الكلام عامل فى الحال، قال: فإن قال: إن لما فيمن ثقل، إنما هى لمّا هذه، وقف عليها بالألف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فذلك مما يجوز فى الشعر. قال ابن جنى: معنى لما بالتنوين توفية جامعة لأعمالهم جمعا، ومحصلة لأعمالهم تحصيلا، فهو كقولك قياما لأقومنّ، وقعودا لأقعدنّ، قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: استعمال لما فى هذا المعنى بعيد. وحذف التنوين من المنصرف فى الوصل أبعد، قال: وقيل: لما فعلى من اللم، ومنع الصرف لأجل ألف التأنيث، والمعنى فيه مثل مضى لما المنصرف، قال: وهذا أبعد، إذ لا تعرف لما فعلى بهذا
المعنى ولا بغيره، ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال، وهو خلاف الإجماع، وأن يكتبوها بالياء، وليس ذلك بمستقيم.
قلت: فهذه ثلاثة أوجه، وهى خمسة فى المعنى، لأن الأول اختلف فى تقديره على وجهين: لمن ما بكسر الميم وفتحها، وهذا الثالث اختلف فى ألفه على وجهين: أحدهما أنها بدل من التنوين، والثانى أنها للتأنيث.
القول الرابع: قال الزجاج: وقال بعضهم قولا ولا يجوز غيره:
(إن لمّا) فى معنى (إلّا) مثل:
{(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا حََافِظٌ} [1]).
ثم أتبع ذلك بكلام طويل مشكل، حاصله: أن معنى إن زيد لمنطلق: ما زيد إلا منطلق، فأجريت المشددة كذلك فى هذا المعنى إذا كانت اللام فى خبرها، وعملها النصب فى اسمها باق بحاله، مشدّدة ومخففة، والمعنى نفى بأن وإثبات باللام التى فى معنى إلا، ولما، بمعنى إلا، قلت: قد تقدم إنكار أبى على جواز إلا فى مثل هذا لموضع، فكيف يجوّز لما التى بمعناها، على أن من الأئمة من أنكر مجىء لمّا بمعنى إلا، قال أبو عبيد: أما من شدد لما يتأولها إلا فلم نجد هذا فى كلام العرب، ومن قال هذا لزمه أن يقول: رأيت القوم لمّا أخاك، يريد إلا أخاك، وهو غير موجود. قال الفراء: وأما من جعل لما بمنزلة إلّا فإنه وجه لا نعرفه، وقد قالت العرب مع اليمين: بالله لما قمت عنا، وإلا قمت عنا، فأما فى الاستثناء فلم تقله فى شعر ولا غيره، ألا ترى أن ذلك لو حاز لسمعت فى الكلام: ذهب الناس لمّا زيدا.
قالت: وقد ذكر ابن جنى وغيره أن إلا نقع زائدة، فلا بعد فى أن تقع لما التى بمعناها زائدة، فهذا وجه آخر، فصارت الوجوه سبعة والصحيح فى معنى لما المشددة فى هذه السورة ما قاله الشيخ أبو عمرو رحمه الله فى أماليه المفرقة على مواضع من القرآن وغيره، قال: لما هذه هى لما الجازمة له، حذف فعلها للدلالة عليه، لما ثبت من جواز حذف فعلها فى قولهم: خرجت ولما، وسافرت ولما، ونحوه، وهو سائغ فصيح، فيكون المعنى:
وإن كلا لما يهملوا، ولما يتركوا، لما تقدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين، كقول تعالى:
{(فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)}.
ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم، ثم بين ذلك بقوله: ليوفينهم ربك أعمالهم قال: وما أعرف وجها أشبه من هذا، وإن كانت الناوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع فى القرآن، قال والتحقيق يأبى استبعاد ذلك، قلت: هذا وجه مليح ومعنى صحيح، والسكوت على لما دون فعلها قد نص عليه الزمخشرى فى مفصله وأنشد ابن السكيت شاهدا على ذلك فى كتاب معانى الشعر له:
فجئت قبورهم بدءا ولمّا ... فناديت القبور فلم يجبنه
وقال فى معناه بدءا أى سيدا، وبدء القوم أى سيدهم، وبدء الجزور، خبر أنصبائها، قال: وقوله ولما، أى لم أكرم سيدا إلا حين ماتوا، فإنى سدت بعدهم، كما قال الآخر:
__________
(1) سورة الطارق، آية: 4.(2/526)
خلت الدّيار فسدت غير مدافع ... ومن الشّقاء تفرّدى بالسّودد
قلت: ونظير السكوت على لما دون فعلها سكوت النابغة على قد، دون فعلها فى قبله:
أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا ... لمّا تزل برحالنا وكأن قد
أى: وكأن قدر زالت، قال الشيخ أبو عمرو: وأما قراءة أبى بكر فلها وجهان، أحدهما: الوجوه المذكورة فى قراءة ابن عامر وغيره، فتكون أن مخففة من الثقيلة فى قراءتهم، والوجه الثانى: أن تكون أن نافية، ويكون كلا منصوبا بفعل مضمر تقديره، وإن أرى كلا أو وإن أعلم، ونحوه ولما بمعنى إلا نحو إن كل نفس لما عليها حافظ ومن هاهنا كانت أقل إشكالا من قراءة ابن عامر، لقبولها هذا الوجه الذى هو غير مستبعد ذلك الاستبعاد، وإن كان فى نصب الاسم الواقع بعد حرف المنفى استبعاد، ولذلك اختلف فى مثل قوله:
إلا رجلا جزاه الله خيرا، هل هو منصوب بفعل مقدر ونون ضرورة، فاختار الخليل: إضمار الفعل، واختار يونس التنوين للضرورة، قلت: فهذا ما يتعلق بتوجيه القرارات فى تشديدان ولما فى تخفيفها فى هذه السورة، وهو من المواضع المشكلة غاية الإشكال، وقد اتضحت والحمد لله، وإن كان قد طال الكلام فيها، فلا بد فى المواضع المشكلة من التطويل زيادة فى البيان ولو كان الشرح الكبير بلغ هذا الموضع لم يحتج إلى هذا التطويل فى هذا المختصر، والله الموفق.
والذى فى يس:
{(إِنْ كُلٌّ لَمََّا جَمِيعٌ لَدَيْنََا مُحْضَرُونَ} [1]).
وفى الطارق:
{(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا حََافِظٌ} [2]).
إن فى الموضعين للنفى، لأن كل مرفوع بعدها، فلم يحتج أن تجعلها المخففة من الثقيلة، على قراءة من شدد لما، ولما بمعنى إلا، ومن خففها فهى لام الابتداء، وما زائدة، وإن هى المخففة من الثقيلة، ولم تعمل، والله أعلم.
768 [وفى زخرف (ف) ى (ن) صّ (ل) سن بخلفه
ويرجع فيه الضّمّ والفتح (إ) ذ (ع) لا]
يريد {وَإِنْ كُلُّ ذََلِكَ لَمََّا مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} الكلام فيه كالكلام فى الذى فى يس والطارق، ولسن جمع لسن بكسر السين، وهو الفصيح، لأن اللسن بفتح السين: الفصاحة، يقال: لسن بالكسر، فهو السن ولسن، وقوم لسن، لم يوافق ابن ذكوان على تشديد التى فى الزخرف، وعن هشام: فيها خلاف، وتقدير البيت: والتشديد فى حرف الزخرف مستقر فى نص قوم فصحاء نقلوه، وأما: وإليه يرجع الأمر كله فالخلاف فيه ظاهر، سبق له نظائر، وهو إسناد الفعل إلى المفعول أو الفاعل.
__________
(1) آية: 30.
(2) آية: 4.(2/527)
769 [وخاطب عمّا يعملون بها وآ
خر النّمل (ع) لما (عمّ) وارتاد منزلا]
عما تعملون فاعل خاطب، جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه، وعلما: مفعول خاطب، أى خاطب ذوى علم وفهم، وهم بنو آدم، وقال الشيخ: هو مصدر، أى: اعلم ذلك علما وآخر النمل، يروى بجر الراء ونصبها، فالجر عطفا على الضمير فى بها، مثل قراءة به والأرحام والنصب عطفا على موضع الجار ولمجرور كأنه قال: هنا وآخر النمل، وكلا الموضعين فى آخر السورة (1) وما ربك بغافل عما تعلمون فالخطاب هنا للنبى عليه السلام والمؤمنين، والغيبة رد على قوله:
{(وَقُلْ لِلَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ} [1]).
والخطاب فى آخر النمل رد على قوله:
{(سَيُرِيكُمْ آيََاتِهِ)}.
والغيبة إخبار عنهم، وارتاد معناه: طلب، والضمير فى عم وارتاد: للعلم، أى علما عم العقلاء من بنى آدم المخاطبين، واختار موضعا لنزوله وحلوله فيهم، والله أعلم، ثم ذكر ياءات الإضافة فقال:
770 [ويا آتها عنّى وإنّى ثمانيا
وضيفى ولكنّى ونصحى فاقبلا]
أراد: عنى إنه لفرح فتحها نافع، وأبو عمرو، وإنى فى ثمانية مواضع:
{(إِنِّي أَخََافُ إِنْ عَصَيْتُ} {إِنِّي أَخََافُ عَلَيْكُمْ)}.
فى قصتى نوح وشعيب:
{(إِنِّي أَعِظُكَ} {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ)}.
إنى أعوذ بك، فتح الخمس الحرميان وأبو عمرو:
{(إِنِّي أَرََاكُمْ بِخَيْرٍ} [1]).
فتحها نافع وأبو عمرو والبزى:
{(إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظََّالِمِينَ} [4]).
فتحها نافع وأبو عمرو:
{(إِنِّي أُشْهِدُ اللََّهَ} [4]).
فتحها نافع وقد ضبطت هذه الثمانية فى بيت، فقلت:
أراكم أعوذ أشهد الوعظ مع إذا ... أخاف ثلاثا بعد أن تكملا
__________
(1) سورة النمل، آية: 93.
(4) سورة هود، آية: 122.(2/528)
أى هذه الألفاظ بعد إنى، ونبهت بالوعظ على أعظكم:
و {(ضَيْفِي أَلَيْسَ)}.
فتحها نافع وأبو عمرو:
{(وَلََكِنِّي أَرََاكُمْ)}.
فتحها البزى ونافع وأبو عمرو ولا ينفعكم نصحى إن أردت فتحها نافع وأبو عمرو، فهذه اثنتا عشرة ياء وقوله ثمانيا نصب على الحال من إنى، أى خذها ثمانيا، أو فاقبلها ثمانيا، وثمانيا مصروف، قال الجوهرى:
لأنه ليس بجمع، فيجرى مجرى: جوار، وسوار فى ترك الصرف، وما جاء فى الشعر غير مصروف فهو على توهم أنه جمع، وأراد فاقبلن، فأبدل من نون التأكيد ألفا وياءاتها مبتدأ ويجوز نصبه بكسر التاء مفعولا، لقوله: فاقبلا، وعنى وما بعده بدل منه، وما أحلى ما اتفق له من اتصال هاتين اللفظتين ونصحى فاقبلا، والله أعلم.
771 [شقاقى وتوفيقى ورهطى عدّها
ومع فطرن أجرى معا تحصّ مكملا]
أراد {(شِقََاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ)}.
فتحها الحرميان وأبو عمرو:
{(وَمََا تَوْفِيقِي إِلََّا بِاللََّهِ)}.
فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر:
{(أَرَهْطِي أَعَزُّ)}
فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن ذكوان:
{(فَطَرَنِي أَفَلََا تَعْقِلُونَ)}.
فتحها نافع والبزى:
{(إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا)}.
موضعان فى قصتى نوح وهود، فلهذا قال: أجرى معا، سكنهما ابن كثير وحمزة والكسائى وأبو بكر ونصب معا كنصب ثمانيا، فهذه ثمانى عشرة ياء إضافة، وقوله: تحص، مجزوم لأنه جواب قوله: عدها، ومكملا حال من فاعل تحص، وفيها ثلاث زوائد:
{(فَلََا تَسْئَلْنِ)}.
أثبتها فى الوصل أبو عمرو وورش:
{(وَلََا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي)}.(2/529)
أثبتها فى الوصل أبو عمرو وورش:
{(وَلََا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي)}.
أثبتها فى الوصل أبو عمرو وحده:
{(يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ نَفْسٌ)}.
أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو والكسائى، وأثبتها ابن كثير فى الحالين، وقلت فى ذلك:
وزيدت فلا تسألن ما يوم يأت لا ... تكلم لا تخزون فى ضيفى العلا(2/530)
وزيدت فلا تسألن ما يوم يأت لا ... تكلم لا تخزون فى ضيفى العلا
سورة يوسف عليه السلام
772 [ويا أبت افتح حيث جا لابن عامر
ووحّد للمكّى آيات الولا]
الخلاف فى يا أبت مثل ما سبق فى يا ابن أم ويا بنى، بالفتح والكسر، والتاء فى يا أبت: تاء تأنيث، عوضت عن ياء الإضافة فى قراءة من كسرها، لأنه حركها بحركة ما قبل ياء الإضافة، لتدل على ذلك، وهى فى قراءة من فتح عوض من الألف المبدلة من ياء الإضافة فى قولك يا أبا، وفتحت تحريكا لها بحركة ما قبل الألف، وقيل: يجوز أن يكون الفتح على حد قولهم فى الترخيم: يا أميمة، بالفتح، وقراءة ابن كثير:
(آية للسّائلين).
بالإفراد، أى آية عجيبة، كما جاء فى آخر السورة:
{(لَقَدْ كََانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ)}.
والباقون بالجمع، كما جاء فى مواضع:
{(إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً} {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ)}.
ووجه القراءتين ظاهر، وكم من آية فى ضمنها آيات، واختار أبو عبيد قراءة الجمع، وقال: لأنها عبر كثيرة قد كانت فيهم، والولا: القرب، وهو صفة لقوله:
{(آيََاتٌ لِلسََّائِلِينَ)}.
أى ذات الولا، أى القريبة، من قوله يا أبت، ولا خلاف فى إفراد التى فى آخر السورة:
{(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ)}.
773 [غيابات فى الحرفين بالجمع نافع ... وتأمننا للكلّ يخفى مفصّلا]
يريد بالحرفين موضعين: وهما:
{(وَأَلْقُوهُ فِي غَيََابَتِ الْجُبِّ} {وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيََابَتِ الْجُبِّ)}.
والغيابة ما يغيب فيه شيء، وغيابة البئر: فى جانبه فوق الماء، فوجه الإفراد ظاهر، ووجه الجمع: أن يجعل كل موضع مما يغيب غيابة، ثم يجمع، أو كان فى الجب غيابات، أى ألقوه فى بعض غيابات الجب، أو أريد بالجب: الجنس أى ألقوه فى بعض غيابات الأجبية، وأما:
{(مََا لَكَ لََا تَأْمَنََّا)}.
فأصله لا تأمننا: بنونين، على وزن: تعلمنا، وقد قرئ كذلك على الأصل، وهى قراءة شاذة، لأنها على خلاف خط المصحف، لأنه رسم بنون واحدة، فاختلفت عبارة المصنفين عن قراءة القراء المشهورين له.
وحاصل ما ذكروه ثلاثة أوجه: إدغام إحدى النونين فى الأخرى إدغاما محضا بغير إشمام، إدغام محض مع الإشمام، إخفاء لا إدغام، وهذه الوجوه الثلاثة هى المحكية عن أبى عمرو فى باب الإدغام الكبير، فالإخفاء هو المعبر عنه بالروم ولم يذكر الشاطبى فى نظمه هنا غير وجهين: الإخفاء فى هذا البيت، والإدغام مع الإشمام فى البيت الآتى، ومال صاحب التيسير إلى الإخفاء، وأكثرهم على نفيه، قال فى التيسير: مالك لا تأمننا بإدغام النون الأولى فى الثانية، وإشمامها الضم، قال: وحقيقة الإشمام فى ذلك أن يشار بالحركة إلى النون، لا بالعضو إليها، فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا، لأن الحركة لا تسكن رأسا، بل يضعف الصوت بها، فيفصل بين المدغم والمدغم فيه لذلك، وهذا قول عامة أئمتنا، وهو الصواب. لتأكيد دلالته وصحته فى القياس، فهذا معنى قول الناظم «للكل يخفى مفصلا» أى تفصل إحدى النونين عن الآخر، بخلاف حقيقة الإدغام، وقال أبو بكر ابن مهران فى كتاب «الإدغام» مالك لا تأمننا، بالإشارة إلى الضمة وتركها، قال:(2/531)
فأصله لا تأمننا: بنونين، على وزن: تعلمنا، وقد قرئ كذلك على الأصل، وهى قراءة شاذة، لأنها على خلاف خط المصحف، لأنه رسم بنون واحدة، فاختلفت عبارة المصنفين عن قراءة القراء المشهورين له.
وحاصل ما ذكروه ثلاثة أوجه: إدغام إحدى النونين فى الأخرى إدغاما محضا بغير إشمام، إدغام محض مع الإشمام، إخفاء لا إدغام، وهذه الوجوه الثلاثة هى المحكية عن أبى عمرو فى باب الإدغام الكبير، فالإخفاء هو المعبر عنه بالروم ولم يذكر الشاطبى فى نظمه هنا غير وجهين: الإخفاء فى هذا البيت، والإدغام مع الإشمام فى البيت الآتى، ومال صاحب التيسير إلى الإخفاء، وأكثرهم على نفيه، قال فى التيسير: مالك لا تأمننا بإدغام النون الأولى فى الثانية، وإشمامها الضم، قال: وحقيقة الإشمام فى ذلك أن يشار بالحركة إلى النون، لا بالعضو إليها، فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا، لأن الحركة لا تسكن رأسا، بل يضعف الصوت بها، فيفصل بين المدغم والمدغم فيه لذلك، وهذا قول عامة أئمتنا، وهو الصواب. لتأكيد دلالته وصحته فى القياس، فهذا معنى قول الناظم «للكل يخفى مفصلا» أى تفصل إحدى النونين عن الآخر، بخلاف حقيقة الإدغام، وقال أبو بكر ابن مهران فى كتاب «الإدغام» مالك لا تأمننا، بالإشارة إلى الضمة وتركها، قال:
ولم يحك عن أحد منهم إلا الإدغام المحض، من أشار منهم ومن ترك، ولو أراد من أشار الإخفاء دون الإدغام لفرقوا وبينوا، وقالوا: ادغم فلان وأخفى فلان فلما قالوا: ادغم فلان وأشار، وأدغم فلان ولم يشر درينا أنهم أرادوا الإدغام دون الإخفاء، وأنه لا فرق عندهم بين الإشارة وتركها، والله أعلم.
وقال صاحب الروضة: لا خلاف بين جماعتهم فى التشديد، والله أعلم.
774 [وأدغم مع إشمامه البعض عنهم ... ونرتع ونلعب ياء (حصن) تطوّلا]
أى فعل ذلك بعض المشايخ عن جميع القراء، وهذا الوجه ليس فى التيسير، وقد ذكره غير واحد من القراء والنحاة، حتى قال بعضهم: أجمعوا على إدغام لا تأمننا، قال ابن مجاهد: كلهم قرأ لا تأمنا بفتح الميم وإدغام النون الأولى فى الثانية، والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضم اتفاقا، قال أبو على: وجهه أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون، فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا فى الإدراج أشموا النون المدغمة فى تأمنا، قال: وليس هذا بصوت خارج إلى ذلك اللفظ، إنما هو تهيئة العضو لإخراج ذلك الصوت به، ليعلم بالتهيئة أنه يريد ذلك المهيأ له، قال: وقد يجوز فى ذلك وجه آخر فى العربية، وهو أن يتبين ولا يدغم، ولكنك تخفى الحركة، وإخفاؤها هو أن لا تشبعها بالتمطيط، ولكنك تختلسها اختلاسا، قلت، وهذا هو الوجه المذكور فى البيت الأول، وقال أبو الحسن الحوفى: جمهور القراء على الإشمام، للإعلام بأن النون من «تأمن» كانت مرفوعة، وصفة ذلك أنك تشير إلى الضمة من غير صوت مع لفظك بالنون المدغمة، وهو شيء يحتاج إلى رياضة، قال مكى: لا تأمنا، بإشمام النون الساكنة الضم بعد الإدغام، وقبل استكمال التشديد، هذه ترجمة القراء، قلت: ووجه الإشمام الفرق بين إدغام المتحرك وإدغام الساكن، قال القراء: تشير إلى الرفعة، وإن تركت فلا بأس، كل قد قرئ به، والياء فى:
{(يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ)}.
ليوسف، والنون لجميع الإسوة؟؟؟، ثم ذكر خلاف القراء فى العين، فقال:
775 [ويرتع سكون الكسر فى العين (ذ) و (ح) ما
وبشراى حذف الياء (ث) بت وميّلا]
من أسكن العين فللجزم، وقراءته من رتع يرتع، أى يتسع فى الخصب، ومن كسرها فهو من ارتعى يرتعى، يفتعل من الرعى، فحذف الياء للجزم وأثبتها قنبل فى وجه على ما تقدم فى باب الزوائد، فقرأه الكوفيون بالياء وسكون العين، وقراءة نافع بالياء وكسر العين، وقراءة ابن عامر وأبى عمرو بالنون وسكون العين وقراءة ابن كثير بالنون وكسر العين وبإشباع كسرتها فى وجه، ففي يرتع خمس قراءات، وفى يلعب قراءتان:(2/532)
775 [ويرتع سكون الكسر فى العين (ذ) و (ح) ما
وبشراى حذف الياء (ث) بت وميّلا]
من أسكن العين فللجزم، وقراءته من رتع يرتع، أى يتسع فى الخصب، ومن كسرها فهو من ارتعى يرتعى، يفتعل من الرعى، فحذف الياء للجزم وأثبتها قنبل فى وجه على ما تقدم فى باب الزوائد، فقرأه الكوفيون بالياء وسكون العين، وقراءة نافع بالياء وكسر العين، وقراءة ابن عامر وأبى عمرو بالنون وسكون العين وقراءة ابن كثير بالنون وكسر العين وبإشباع كسرتها فى وجه، ففي يرتع خمس قراءات، وفى يلعب قراءتان:
الياء لحصن، والنون للباقين، وأما:
(بشراى).
فمن حذف ياءه كأن قد نادى البشرى من غير إضافة أى: أقبلى فهذا وقتك، والباقون على إضافة البشرى إليه، وكلاهما ظاهر، وقوله: «ثبت» أى قراءة ثبت، يقال: رجل ثبت أى ثابت القلب، ثم ذكر فى البيت الآتى أن حمزة والكسائى أمالا الألف على أصلهما، لأنها ألف تأنيث، لا سيما وقبلها راء، فقال:
776 [(ش) فاء وقلّل (ج) هبذا وكلاهما
عن ابن العلا والفتح عنه تفضّلا]
«شفاء» حال من الممال، أى ذا شفاء، وقلل أى أمل بين بين. وجهبذا: أى مشبها جهبذا، وهو الناقد الحاذق فى نقده، وجمعه جهابذة، كأنه أشار بذلك إلى التأنق فى التلفظ بين بين، فإنها صعبة على كثير ممن يتعاطى علم القراءة، أى أمالها ورش بين اللفظين، على أصله فى إمالة ذوات الراء، ثم قال: وكلاهما بمعنى الإمالة والتقليل، رويا عن أبى عمرو، وروى عنه الفتح، وهو الأشهر، وعليه أكثر أهل الأداء وليس فى التيسير غيره، واختاره أبو الطيب ابن غلبون بين اللفظين. قال مكى: وقد ذكر عن أبى عمرو مثل ورش، والفتح أشهر، وحكى أبو على الأهوازى الإمالة عن أبى عمرو من طريق اليزيدى، قال مكى: أما الإمالة المحضة فهى أقيس من الوجهين الأخيرين، لأنه أمال البشرى إمالة محضة، وأمال الرؤيا بين اللفظين، فكما أمال رؤياى بين اللفظين، كذلك يقتضى أن يميل بشراى على قياس أصله، والفتح فيه، وبين اللفظين خروج عن الأصل الذى طرده فى إمالته، قلت: وعلل الدانى الفتح بأن ألف التأنيث هنا رسمت ألفا، ففتح ليدل على ذلك ويلزم على هذا القياس أن لا يميل رؤياى بين اللفظين كذلك، والله أعلم.
777 [وهيت بكسر (أ) صل (ك) فؤ وهمزه
(ل) سان وضمّ التّا (ل) وى خلفه (د) لا]
أى أصل عالم كفؤ وهمزه لسان، أى: لغة، وقصر لفظ التاء، ولوى ضرورة، ولوى خلفه مبتدأ، ودلا: خبره، وقد سبق معناه، يقال: هيت: كأين، وهيت: كحيث، وهيت: مثل غيظ، قرئ بهذه الثلاث اللغات، وزاد هشام الهمز، وهو من أهل كسر الهاء وضم التاء وفتحها، وهو اسم فعل، بمعنى: هلم وأسرع، ويقال أيضا: هيت كجير، ولم يقرأ بهذه اللغة، وقيل: المهموز فعل: من هاء يهئ، كجاء يجيء إذا تهيأ، فعلى الفتح: وهو المشهور عن هشام، يكون خطابا ليوسف، على معنى حسنت هيئتك، أو على معنى تهيأ أمرك الذى كنت أطلبه، لأنها ما كانت تقدر فى كل وقت على الخلوة به، وتحتمل قراءة نافع وابن
ذكوان أن أصلها الهمز، فخففت، وقال أبو على: يشبه أن يكون هيت مهموزا بفتح التاء، وهما من الراوى، لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف، وهو لم يتهيأ لها، ولو كان: لقالت له هئت لى، وجوابه: أن يقال:(2/533)
777 [وهيت بكسر (أ) صل (ك) فؤ وهمزه
(ل) سان وضمّ التّا (ل) وى خلفه (د) لا]
أى أصل عالم كفؤ وهمزه لسان، أى: لغة، وقصر لفظ التاء، ولوى ضرورة، ولوى خلفه مبتدأ، ودلا: خبره، وقد سبق معناه، يقال: هيت: كأين، وهيت: كحيث، وهيت: مثل غيظ، قرئ بهذه الثلاث اللغات، وزاد هشام الهمز، وهو من أهل كسر الهاء وضم التاء وفتحها، وهو اسم فعل، بمعنى: هلم وأسرع، ويقال أيضا: هيت كجير، ولم يقرأ بهذه اللغة، وقيل: المهموز فعل: من هاء يهئ، كجاء يجيء إذا تهيأ، فعلى الفتح: وهو المشهور عن هشام، يكون خطابا ليوسف، على معنى حسنت هيئتك، أو على معنى تهيأ أمرك الذى كنت أطلبه، لأنها ما كانت تقدر فى كل وقت على الخلوة به، وتحتمل قراءة نافع وابن
ذكوان أن أصلها الهمز، فخففت، وقال أبو على: يشبه أن يكون هيت مهموزا بفتح التاء، وهما من الراوى، لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف، وهو لم يتهيأ لها، ولو كان: لقالت له هئت لى، وجوابه: أن يقال:
وقع قولها لك بيانا، لا متعلقا بهيت، والمعنى: لك أقول والخطاب لك، ومثله:
{(وَكََانُوا فِيهِ مِنَ الزََّاهِدِينَ} [1] {بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [2]) والله أعلم.
778 [وفى كاف فتح اللّام فى مخلصا (ث) وى
وفى المخلصين الكلّ (حصن) تجمّلا]
يريد {(إِنَّهُ كََانَ مُخْلَصاً)}.
فى سورة مريم وسماها «كاف» لأنها استفتحت بهذه الحروف، فصارت كصاد، ونون، وقاف، وفى قوله: وفى المخلصين الكل: أى حيث جاء معرفا باللام، فقوله مخلصين له الدين، لا خلاف فى كسر لامه، ومعنى الكسر: أنهم أخلصوا لله تعالى دينهم، ومعنى الفتح أخلصهم الله، أى اجتباهم وأخلصهم من السوء، والله أعلم.
779 [معا وصل حاشا (ح) جّ دأبا لحفصهم
فحرّك وخاطب يعصرن (ش) مردلا]
يريد: أن لفظ: حاشا جاء فى موضعين فى هذه السورة:
{(قُلْنَ حََاشَ لِلََّهِ مََا هََذََا بَشَراً} {قُلْنَ حََاشَ لِلََّهِ مََا عَلِمْنََا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)}.
أثبت أبو عمرو الألف بعد الشين فى الموضعين، إذا وصل الكلمة بما بعدها، فإن وقف عليها حذف الألف كسائر القراء وقفا ووصلا، اتباعا للرسم، ولا يكاد يفهم هذا المجموع من هذا اللفظ اليسير، وهو قوله «معا وصل حاشا حج» فإنه إن أراد بوصل حاشا إثبات ألفها فى الوصل دون الوقف على معنى وصل هذا اللفظ، فيكون من باب قوله: وباللفظ استغنى عن القيد إن جلا: فكأنه قال: وصل حاشا بالمد لم يعلم أىّ المدين يريد، ففي هذه اللفظة ألفان: أحدهما بعد الحاء، والأخرى بعد الشين، وكل واحدة منهما قد قرئ بحذفها قرأ الأعمش حشا لله وأنشد ابن الأنبارى على هذه القراءة:
حشا رهط النبى فإنّ منهم ... بحورا لا تكدرها الدلاء
وإن كان أراد بقوله «وصل حاشا» وصل فتحة الشين بألف، كما توصل الضمة بواو، والكسرة بياء، لم يكن مبينا لحذفها فى الوقف، وتقدير البيت: وصل كلمتى حاشا معا حج: أى غلب، وحاشا حرف جر يفيد معنى البراءة، وبهذا المعنى استعمل فى الاستثناء، ثم وضع موضع البراءة، فاستعمل كاستعمال المصادر، فقيل: حاشا لله، كما يقال: براءة لله، فلما تنزل منزلة الأسماء تصرفوا فيه بحذف الألف الأولى تارة وبحذف الثانية أخرى، وتارة بتنوينه قرأ أبو السمال حاشا لله هذا معنى ما ذكره الزمخشرى، ومال أبو على إلى أنه فعل، فقال: هو على فاعل، مأخوذ من الحشا الذى يعنى به الناحية، والمعنى: أنه صار فى حشا: أى فى ناحية مما قرن به، أى لم يقترنه ولم يلابسه، وصار فى عزل عنه وناحية، وفاعله يوسف.
__________
(1) سورة الصافات، آية: 102.
(2) آية 51.(2/534)
أى بعد عن هذا الذى رمى به: لله، أى لخوفه ومراقبة أمره:
(والدأب والدأب: لغتان، كالمعز والمعز).
والفاء فى «فحرك» زائدة، أى حرك دأبا لحفص، ويعصرون: بالخطاب والغيبة ظاهر، وما فيه الخطاب تارة يجعله مفعولا بالخطاب كهذا، وتارة فاعلا نحو وخاطب عما يعملون، وكل ذلك لأن الخطاب فيه، وشمردلا حال من فاعل خاطب، أو مفعوله، ومعناه خفيفا، والله أعلم.
780 [ونكتل بيا (ش) اف وحيث يشاء نو
ن (د) ار وحفظا حافظا (ش) اع عقلا]
يريد {(فَأَرْسِلْ مَعَنََا أَخََانََا نَكْتَلْ)}.
الياء للأخ، والنون لجماعة الأخوة، وقوله تعالى:
{(يَتَبَوَّأُ مِنْهََا حَيْثُ يَشََاءُ)}.
الياء ليوسف، والنون نون العظمة، ولا خلاف فى قوله:
{(نُصِيبُ بِرَحْمَتِنََا مَنْ نَشََاءُ)}.
أنه بالنون ودار: اسم فاعل من دريت، والتقدير: ذو نون قارئ دار، وشاف كذلك، أى بياء قارئ شاف، ويجوز أن يكون «شاف» صفة يا، أو خبر نكتل، وبيا متعلق به، أى ونكتل شاف بياء، ووزن نكتل: نفتل، والعين محذوفة، والأصل نكتال: حذفت الألف لالتقاء الساكنين فى حال الجزم، وأصل نكتال نكتيل: على وزن نفتعل، مثل نكتحل، ويتعلق بذلك حكاية ظريفة جرت بين أبى عثمان المازنى وابن السكيت فى مجلس المتوكل أو وزيره ابن الزيات، قد ذكرتها فى ترجمة يعقوب بن السكيت فى مختصر تاريخ دمشق، وقوله حفظا مبتدأ، وخبره مضمر: أى يقرأ حافظا، أو يكون خبره شاع عقلا، وعقلا، تمييز، وهو جمع عاقل، أى شاع ذكر الذين عقلوه، وحافظا: حال، أى شاع على هذه الحالة فى القراءة، ويجوز أن يكون عقلا حال، على معنى ذا عقل، وانتصب حفظا فى الآية، وحفظا على التمييز، وجوز الزمخشرى:
أن يكون حافظا حالا، ومنعه أبو على، والتمييز فى حفظا ظاهر: أى حفظ لله خير من حفظكم، ووجه حافظا أن لله تعالى حفظة، كماله حفظ، نحو قوله تعالى:
{(وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً)}.
فالتقدير: حافظه خير من حافظكم، كما كان حفظه خيرا من حفظكم، ويجوز أن يكون التمييز من باب قولهم: لله دره فارسا، أى در فروسيته، فيرجع المعنى إلى القراءة الأخرى، وهذا التمييز الذى هو حافظ:
يجوز إضافة خير إليه، وقد قرئ خير حافظ ولا تجوز الإضافة إلى حفظ إلا على تقدير خير ذى حفظ، والله أعلم.
وقدم ذكر الخلاف فى نكتل على حيث يشاء ضرورة للنظم، وإلا فالأمر بالعكس، وقدمه.(2/535)
يجوز إضافة خير إليه، وقد قرئ خير حافظ ولا تجوز الإضافة إلى حفظ إلا على تقدير خير ذى حفظ، والله أعلم.
وقدم ذكر الخلاف فى نكتل على حيث يشاء ضرورة للنظم، وإلا فالأمر بالعكس، وقدمه.
781 [وفتيته فتيانه (ع) ن (ش) ذا ورد
بالاخبار فى قالوا أئنّك (د) غفلا]
أى يقرأ فتيانه، أو التقدير وقراءة فتيته بلفظ فتيانه لحفص وحمزة والكسائى، وهم الذين قرءوا حافظا فلو قال «عنهم» موضع قوله «عن شذا» لاستقام لفظا ومعنى، وفتية وفتيان كلاهما جمع فتى، كإخوة وإخوان: الأول للقلة، والثانى للكثرة، فكأن الخطاب كان لجميع الأتباع، والذين باشروا الفعل قليل منهم وقوله: ورد، أى: اطلب: من راد، وارتاد إذا طلب الكلأ، ودغفلا مفعول به، وهو العيش الواسع، أى اطلب عيشا وسعا بالقراءة بالأخبار فى قوله:
{(إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)}.
لأنها ظاهرة المعنى، وذلك أنهم جزموا بمعرفته لما اتضح لهم من قرائن دالة على ذلك، فهذه قراءة ابن كثير وقرأ الباقون بالاستفهام، وهم على أصولهم فى التحقيق والتسهيل والمد بين الهمزتين، ثم يحتمل أن يكون استفهاما على الحقيقة، ولم يكن بعد قد تحقق عندهم، وتكون قراءة ابن كثير على حذف همزة الاستفهام، كما قيل ذلك فى قوله:
{(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهََا عَلَيَّ} [1]).
أى: وتلك نعمة، وله نظائر، ويحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الاستغراب والاستعظام، وإن كانوا قد عرفوه حق المعرفة، أى إنك لهو، ونحن وأنت يعامل بعضنا بعضا معاملة الغرباء، ولعل بعض الإخوة قالوه خبرا، وبعضهم استفهاما، فجاءت القراءتان كذلك، ومن عادة الناظم أن يجعل الاستفهام ضد الإخبار، وقد تقدّم تقرير ذلك فى سورة الأعراف، وسيأتى مثله فى الرعد، واتفق لى نظم أربعة أبيات عوض الثلاثة المتقدمة، تبين فيها القراءتان فى حاشا وصلا ووقفا، وذكر فيها الخبر والاستفهام فى أئنك مع التنبيه على أنهم على أصولهم فى ذلك، تجديدا للعهد بما تقدمت معرفته، وتذكيرا بذلك خوفا من الذهول عنه، ولم يستقم لى إيضاح جميع ذلك إلا بزيادة بيت، فقلت:
وفى الوصل حاشا حج بالمد آخرا ... معاد، أبا حرك لحفص فتقبلا
أراد بالمد بعد الشين احترازا عن المد بعد الحاء، ثم قال:
ونكتل، بياء يعصرون الخطاب شذ ... وحيث يشا، النون دار وأقبلا
استغنى برمز واحد، وهو قوله شذ لقراءتين فى نكتل ويعصرون، ثم قال:
وفى حافظا حفظا صفا حق عمهم ... وفتيته عنهم لفتيانه انجلا
والأخبار فى قالوا أئنك دغفلا ... ويستفهم الباقى على ما تأصلا
782 [وييأس معا واستيأس استيأسوا وتي
أسوا اقلب عن البزّى بخلف وأبدلا]
__________
(1) سورة الشعراء، آية: 22.(2/536)
«معا» يعنى هنا وفى الرعد:
{(إِنَّهُ لََا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللََّهِ} [1] {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [2] {حَتََّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [3]
{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} [4] {وَلََا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللََّهِ} [5]).
فهذه خمسة مواضع، استفعل فيها بمعنى: فعل، كاستعجب واستسخر، بمعنى: عجب وسحر، وكلها من اليأس من الشيء، وهو عدم توقعه، لا التى فى الرعد، قيل: إنها بمعنى علم، فقراءة الجماعة فى هذه المواضع على الأصل: الهمز فيها بين الياء والسين، وروى عن البزى أنه قرأها بألف مكان الياء، وبياء مكان الهمزة، وكذلك رسمت فى المصحف، وحمل ذلك على القلب والإبدال قال أبو على: قلبت العين إلى موضع الفاء، فصار استفعل، وأصله: استيأس، ثم خفف الهمزة وأبدلها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، فصار مثل: راس وفاس، فهذا معنى قول الناظم: اقلب وأبدلا، ولم يذكر ما هو المقلوب وما هو المبدل، وأراد بالقلب:
التقديم والتأخير، وعرفنا أن مراده تقديم الهمزة على الياء، قوله وأبدلا، فإن الإبدال فى الهمز، ثم لم يبين أى شيء يبدل، بل أحال ذلك على قياس تسهيلها، لأنها إذا جعلت فى موضع الياء وأعطيت حكمها بقيت ساكنة بعد فتح، وبقيت الياء مفتوحة على ما كانت عليه الهمزة، ثم لما اتصفت الهمزة بالسكون جاز إبدالها ألفا، فقرأ البزى بذلك فى وجه، وإن لم يكن من أصله إبدال الهمزة المنفردة، كما أنه سهل همزة:
{(لَأَعْنَتَكُمْ)}.
بين بين فى وجه، وإن لم يكن ذلك من أصله، جمعا بين اللغات: القلب فى هذه اللغة فى الفعل الماضى، يقال: يئس وأيس، فيبنى المضارع على ذلك، فقراءة الجماعة من لغة يئس، وهى الأصل عندهم، وقراءة البزى من لغة أيس، فمضارعه: ييأس، وأراد الناظم: وأبدلن، فأبدل النون ألفا.
783 [ويوحى إليهم كسر حاء جميعها
ونون علا يوحى إليه (ش) ذا (ع) لا]
أى وحيث أتى وعلا خبر: أى القراءة بالكسر وبالنون ذات علا، لإسناد الفعل فيها إلى الله تعالى، والقراءة الأخرى بالياء وفتح الحاء، على أنه فعل ما لم يسم فاعله، وأراد بقوله: يوحى إليه، قوله تعالى فى سورة الأنبياء:
{(إِلََّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)}.
فقرأ حفص الجميع بالنون وكسر الحاء، ووافقه حمزة والكسائى على الذى فى لأنبياء، ولا خلاف فى الذى فى أول الشورى:
{(كَذََلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ)}.
__________
(1) سورة يوسف، آية: 87.
(2) سورة الرعد، آية: 31.
(3) سورة يوسف، آية: 110.
(4) سورة يوسف، آية: 80.
(5) سورة يوسف، آية: 87.(2/537)
بالياء، واختلف فى كسر الحاء وفتحها، كما سيأتى، وتقدم معنى: شذا علا:
784 [وثانى ننج احذف وشدّد وحرّكن
(ك) ذا (ن) ل وخفّف (ك) ذّبوا (ث) ابتا تلا]
يريد حذف النون الثانية وتشديد الجيم وتحريك الياء بالفتح، فيصير فعلا ماضيا لم يسم فاعله، من أنجى، والقراءة الأخرى على أنه فعل مضارع من «أنجى» وهو قوله تعالى:
{(فَنُجِّيَ مَنْ نَشََاءُ)}.
فالنون الأولى حرف المضارعة، والثانية من أصل الفعل، فالمحذوف فى قراءة التشديد هى الأولى حقيقة، لأن الفعل فيها ماض، ولكن الناظم أراد حذف الثانى صورة لا حقيقة، وكانت هذه العبارة أخصر، لبقاء النون الأولى مضمومة، فلو كان نص على حذف الأولى لاحتاج إلى أن يقول: وضم الثانية، ولولا الاحتياج إلى هذا لأمكن أن يقال: أراد الثانى من فننجى، لأن لفظ القرآن كذلك، والثانى من فننجى هى النون الأولى وكان يستقيم له أن يقول: وثانى فننجى احذف، ولكنه عدل إلى تلك العبارة لما ذكرناه، والنون فى قوله:
وحركن، نون التأكيد الخفيفة التى تبدل ألفا فى الوقف، وقوله «كذا نل» دعاء للمخاطب بالنجاة، وأما:
{(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)}.
فخفف الكوفيون الذال، وثابتا: حال من التخفيف، وتلا بمعنى: تبع ما قبله من القراءات الثابتة، وقيل: أراد تلا بالمد: أى ذمة، فالتشديد وجهه ظاهر، هو من التكذيب، ويكون ظنوا بمعنى تيقنوا، وجوز أبو على: أن يكون بمعنى حسبوا، والتكذيب من الكافر كان مقطوعا به، فلا وجه للحسبان على هذا إلا ما سنذكره من تفسير صحيح عن عائشة رضى الله عنها، وأما قراءة التخفيف فمن قولهم: كذبته الحديث، أى لم أصدقه فيه، ومنه:
{(وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللََّهَ وَرَسُولَهُ)}.
فالمفعول الثانى فى الآيتين محذوف، ثم فى تأويل هذه القراءة وجوه أربعة: اثنان على تقدير أن يكون الضمير فى وظنوا أنهم الرسل، واثنان على تقدير أن يكون الضمير للمرسل إليهم، وقد تقدم ذكرهم فى قوله:
{(عََاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)}.
ولفظ الرسل أيضا: دال على مرسل إليهم، فإن عاد الضمير على المرسل، وهو الظاهر لجرى الضمير على الظاهر قبله، فله وجهان: أحدهما: وظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بالنصر، أو كذبهم رجاؤهم كذلك وانتظارهم له من غير أن يكون الله تعالى وعدهم به، ولهذا يقال: رجا صادق، ورجا كاذب، وقوله بعد ذلك جاءهم نصرنا أى جاءهم بغتة من غير موعد، والوجه الثانى منقول عن ابن عباس، قال: وظن من أعطاهم الرضى فى العلانية وأن يكذبهم فى السريرة، وذلك لطول البلاء عليهم: أى على الأتباع، وقد قيل فى قراءة التشديد نحو من هذا، روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لم يزل البلاء بالأنبياء صلوات الله
عليهم حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذّبوهم» وفى صحيح البخارى عن عائشة فى قراءة التشديد:(2/538)
ولفظ الرسل أيضا: دال على مرسل إليهم، فإن عاد الضمير على المرسل، وهو الظاهر لجرى الضمير على الظاهر قبله، فله وجهان: أحدهما: وظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بالنصر، أو كذبهم رجاؤهم كذلك وانتظارهم له من غير أن يكون الله تعالى وعدهم به، ولهذا يقال: رجا صادق، ورجا كاذب، وقوله بعد ذلك جاءهم نصرنا أى جاءهم بغتة من غير موعد، والوجه الثانى منقول عن ابن عباس، قال: وظن من أعطاهم الرضى فى العلانية وأن يكذبهم فى السريرة، وذلك لطول البلاء عليهم: أى على الأتباع، وقد قيل فى قراءة التشديد نحو من هذا، روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لم يزل البلاء بالأنبياء صلوات الله
عليهم حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذّبوهم» وفى صحيح البخارى عن عائشة فى قراءة التشديد:
قالت: «هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدّقوا وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر» حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك» فاتحد على ذلك معنى القراءتين، وأما إن كان الضمير فى وظنوا أنهم للمرسل إليهم فلتأويله وجهان: أحدهما: وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر، والثانى: وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل فيما أخبروا به من أنهم ينصرون عليهم، وهذا قول يحكى عن سعيد بن جبير رضي الله عنه، سئل عن ذلك فقال نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم، فقال الضحاك ابن مزاحم وكان حاضرا، لو رحلت فى هذه إلى اليمن كان قليلا، قال أبو على: وإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل أن الذى وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا فيه، فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء ولا إلى صالحى عباد لله، قال: وكذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا وظنوا أنهم قد أخلفوا، لأن الله لا يخلف الميعاد، ولا مبدل لكلمات الله، قلت: وإنما قال ابن عباس ما تقدم ذكره فخفى معناه على من عبر بهذه العبارة، والله أعلم.
785 [وأنّى وإنّى الخمس ربّى بأربع
أرانى معا نفسى ليحزننى حلا]
أنى وما عطف عليه مبتدا، وحلا: خبره، والخمس: نعت لإنى المكسورة وحدها، والمفتوحة واحدة وهى أنى أوف الكيل فتحها نافع وحده، والخمس المكسورة إنى أرانى مرتين، فتحهما نافع وأبو عمرو إنى أرى سبع بقرات إنى أنا أخوك إنى أعلم من الله فتحهن الحرميان وأبو عمرو، وربى فى أربعة مواضع وربى أحسن مثواى فتحها أيضا الحرميان وأبو عمرو ذلكما مما علمنى ربى إنى تركت إلا ما رحم ربى إن سوف أستغفر لكم ربى إنه فتحهن نافع وأبو عمرو، و «أرانى» معا، يعنى أرانى أعصر أرانى أحمل فتحهما الحرميان وأبو عمرو وما أبرئ نفسى إن فتحها نافع وأبو عمرو وقال إنى ليحزننى فتحها الحرميان، فهذه أربع عشرة ياء من جملة اثنين وعشرين، ثم ذكر الثمانى الباقية فقال:
786 [وفى إخوتى حزنى سبيلى بى ولي
لعلّى آبائي أبى فاخش موحلا]
أراد وبين إخوتى إن فتحها ورش وحده وحزنى إلى الله فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر هاه سبيلى أدعو فتحها نافع وحده بى إذ أخرجنى لى أبى فتحهما نافع وأبو عمرو لعلى أرجع فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر ملة آبائي إبراهيم كذلك أبى أو يحكم فتحها الحرميان وأبو عمرو، وقوله «وفى إخوتى» تقديره: والياءات المختلف فيها أيضا فى هذه الألفاظ إخوتى وما بعده، وقوله «فاخش موحلا» يعنى فى عددها واستخراج مواضعها، فإنها ملبسة، لا سيما قوله: الخمس، فقد يظن أنه نعت لأنى المفتوحة، وتقرأ الأولى بالكسر، وإنما هو نعت للمكسورة، والأولى مفتوحة، وقد يظن أن الخمس نعت لهما، ومجموعهما خمسة مواضع، أحدهما: اثنان، والآخر ثلاثة كما قال: «وفى مريم والنحل خمسة أحرف» وقال تسؤ ونشأ
ست أى مجموعهما ست، كل واحد ثلاثة، وقد تقدم بيان ذلك، أو فاخش غلطا فى استخراجها من السورة فلا تعدّ ما ليس منها نحو إن ربى لطيف لما يشاء إنى حفيظ عليم ونحو ذلك، ولا خلاف فى تسكينه، والموحل: مصدر وحل الرجل بكسر الحاء، إذا وقع فى الوحل بفتح الحاء، وهو الطين الرقيق، وقال الشيخ رحمه الله: أى فاخش موحلا فى إخوتى وما نسق عليه، كما تقول: وفى دار عمرو فاجلس، وفيها ثلاث زوائد نرتع أثبت ياءه قنبل بخلاف عنه فى الحالين حتى تؤتونى موثقا أثبتها ابن كثير فى الحالين، وأبو عمرو فى الوصل من يتقى ويصبر أثبتها قنبل وحده، وقلت فى ذلك:(2/539)
786 [وفى إخوتى حزنى سبيلى بى ولي
لعلّى آبائي أبى فاخش موحلا]
أراد وبين إخوتى إن فتحها ورش وحده وحزنى إلى الله فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر هاه سبيلى أدعو فتحها نافع وحده بى إذ أخرجنى لى أبى فتحهما نافع وأبو عمرو لعلى أرجع فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر ملة آبائي إبراهيم كذلك أبى أو يحكم فتحها الحرميان وأبو عمرو، وقوله «وفى إخوتى» تقديره: والياءات المختلف فيها أيضا فى هذه الألفاظ إخوتى وما بعده، وقوله «فاخش موحلا» يعنى فى عددها واستخراج مواضعها، فإنها ملبسة، لا سيما قوله: الخمس، فقد يظن أنه نعت لأنى المفتوحة، وتقرأ الأولى بالكسر، وإنما هو نعت للمكسورة، والأولى مفتوحة، وقد يظن أن الخمس نعت لهما، ومجموعهما خمسة مواضع، أحدهما: اثنان، والآخر ثلاثة كما قال: «وفى مريم والنحل خمسة أحرف» وقال تسؤ ونشأ
ست أى مجموعهما ست، كل واحد ثلاثة، وقد تقدم بيان ذلك، أو فاخش غلطا فى استخراجها من السورة فلا تعدّ ما ليس منها نحو إن ربى لطيف لما يشاء إنى حفيظ عليم ونحو ذلك، ولا خلاف فى تسكينه، والموحل: مصدر وحل الرجل بكسر الحاء، إذا وقع فى الوحل بفتح الحاء، وهو الطين الرقيق، وقال الشيخ رحمه الله: أى فاخش موحلا فى إخوتى وما نسق عليه، كما تقول: وفى دار عمرو فاجلس، وفيها ثلاث زوائد نرتع أثبت ياءه قنبل بخلاف عنه فى الحالين حتى تؤتونى موثقا أثبتها ابن كثير فى الحالين، وأبو عمرو فى الوصل من يتقى ويصبر أثبتها قنبل وحده، وقلت فى ذلك:
رواندها نرتع وتؤتون موثقا ... ومن يتقى أيضا ثلاث تجملا(2/540)
رواندها نرتع وتؤتون موثقا ... ومن يتقى أيضا ثلاث تجملا
سورة الرعد
787 [وزرع نخيل غير صنوان أوّلا
لدى خفضها رفع (ع) لى (حقّه) طلا]
يريد الخفض رفع فى هذه الكلمات الأربع، وهى قوله تعالى {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوََانٌ وَغَيْرُ صِنْوََانٍ} وقوله «أو لا» قيد لصنوان، ونصبه على الظرف بعامل مقدر، أى الواقع أولا، احترز بذلك من صنوان الذى بعد غير، فإنه مخفوض اتفاقا، لأنه مضاف إليه، ووجه الرفع فى هذه الكلمات أنه عطف وزرع ونخيل على قوله وفى الأرض قطع متجاورات وجنات أى فيها ذا وذا وزرع ونخيل وقوله صنوان: نعت لنخيل، وغير: عطف على صنوان، والصنوان: جمع صنو، وهو أن يكون الأصل واحدا، وفيه النخلتان والثلاث والأربع، وصنو الشيء: مثله الذى أصلهما واحد، وفى الحديث «عم الرجل صنو أبيه» ويتعلق بهذه اللفظة بحث حسن يتعلق بصناعة النحو من جهة أن صنوان جمع تكسير، وقد سلم فيه لفظ المفرد، كما يسلم فى جمع السلامة، وقد ذكرت ذلك فى المجموع من نظم المفصل، ووجه قراءة الخفض فى هذه الكلمات الأربع أنها عطفت على أعناب، أى احتوت الجنات التى فى الأرض على أعناب وزرع ونخيل، كما قال تعالى:
فى موضع آخر:
{(وَجَعَلْنََا فِيهََا جَنََّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنََابٍ)}.
وقال تعالى:
{(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ)}.
وقال تعالى:
{(جَعَلْنََا لِأَحَدِهِمََا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنََابٍ وَحَفَفْنََاهُمََا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنََا بَيْنَهُمََا زَرْعاً)}.
وقال فى سورة الأنعام:
{(وَجَنََّاتٍ مِنْ أَعْنََابٍ)}.
وذكر الزرع والنخل قبل ذلك، وقال فى آخر السورة:
{(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنََّاتٍ مَعْرُوشََاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشََاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ)}.
فعطف النخل والزرع على جنات، فهذا موافق لقراءة الرفع هنا، وكل واحد من هذه الأنواع موجود، فجاءت الآيات والقراءات على وجوه ما الأمر عليه، وقوله «طلا» فى موضع نصب على التمييز:
وهو جمع طلية، وهو العنق، أى علت أعناق حقه، ومنه «المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» إشارة إلى أمنهم وسرورهم ذلك اليوم الذى يحزن فيه الكافر، ويخجل فيه المقصرون، وهذا البيت أتى به الناظم
مقفى كما فعل فى أول سورة الأنبياء وفى سأل، وباب التكبير كما يأتى، وهو: أنه جعل لفظ عروضه موافقا للفظ ضربه، على حد ما ابتدأ به القصيدة فقال:(2/541)
وهو جمع طلية، وهو العنق، أى علت أعناق حقه، ومنه «المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» إشارة إلى أمنهم وسرورهم ذلك اليوم الذى يحزن فيه الكافر، ويخجل فيه المقصرون، وهذا البيت أتى به الناظم
مقفى كما فعل فى أول سورة الأنبياء وفى سأل، وباب التكبير كما يأتى، وهو: أنه جعل لفظ عروضه موافقا للفظ ضربه، على حد ما ابتدأ به القصيدة فقال:
وقل قال عن شهد وآخرها علا
إلى نصب فاضمم وحرك به علا
روى القلب ذكر الله فاستسق مقبلا
وذلك جائز فى وسط القصيدة جوازه فى أولها، كما فعل امرؤ القيس فى التفريع.
ألا أنعم صباحا أيها الطل البالى ... وهل ينعمن من كان فى الزمن الخالى
ثم قال بعد بيتين آخرين:
ديار لسلمى عافيات بذى الخال. الخ عليها كل أسحم هطال
وقال فى التقفية فى أثناء قصيدته المشهورة:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملى
788 [وذكّر تسقى عاصم وابن عامر
وقل بعده باليا يفضّل (ش) لشلا]
التذكير على تقدير: يسقى المذكور، والتأنيث على تسقى هذه الأشياء، ويفضل بعضها بالياء والنون ظاهر أن النون للعظمة، والياء رد إلى اسم الله فى قوله:
{(اللََّهُ الَّذِي رَفَعَ)}.
وما بعده، وشلشلا: حال من فاعل قل، أى خفيفا، والله أعلم.
789 [وما كرّر استفهامه نحو آئذا
أئنّا فذو استفهام الكلّ أوّلا]
أى كل موضع تكرر فيه لفظ الاستفهام على التعاقب فى آية واحدة، أو كلام واحد، نحو هذا الذى وقع فى سورة الرعد، وهو:
(أءذا كنا ترابا أءنا لفى خلق جديد).
وهذا قد جاء فى القرآن فى أحد عشر موضعا هذا أولها، وفى سبحان موضعان كلاهما:
(أءذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا (1)).
__________
(1) آية: 49، 98.(2/542)
وفى قد أفلح:
(قالوا أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون (1)).
وفى النمل:
(أءذا كنا ترابا وآباؤنا أءنا لمخرجون (2)).
وفى العنكبوت:
(اءنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أءنكم لتأتون الرجال (3)).
وفى الم السجدة:
(أءذا ضللنا فى الأرض أءنا لفى خلق جديد (4)).
وفى الصافات موضعان:
(أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون (5)).
والثانى مثله:
(أءنا لمدينون (6)).
وفى الواقعة:
(وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون (7)).
وفى النازعات:
(أءنا لمردودون فى الحافرة. أءذا كنا عظاما نخرة (8)).
وقد جمعت ذلك، فى بيتين، وقلت:
بواقعة قد افلح النازعات سج ... دة عنكبوت الرعد والنمل أولا
وسبحان فيها موضعان وفوق صا ... د ايضا فإحدى عشرة الكل مجتلا
ونظمته على بحر البسيط فقلت:
رعد قد افلح نمل عنكبوت ... وسجدة واقعة والنازعات ولا
وموضعان بسبحان ومثلهما ... فويق صاد فإحدى عشرة النملا
__________
(1) آية: 82.
(2) آية: 17.
(3) الآيتان: 28و 29.
(4) آية: 10.
(5) آية: 16.
(6) آية: 53.
(7) آية: 47.
(8) آية: 10.(2/543)
فالجميع واقع فى أنه واحد على لفظ واحد، وما نظمه صاحب القصيدة أءذا أءنا إلا فى موضعين فى النازعات، فإنه فى آيتين متجاورتين، ولفظه على عكس ما ذكره، وهو أءنا وأءذا والذى فى العنكبوت فى آيتين ولكنه بلفظ آخر متحد، وهو أءنكم أئنكم فما أراد الناظم بقوله نحو أءذا أءنا إلا تشبيه تعاقب الاستفهامين على ما بيناه، فإن قلت: قد تكرر فى سورة والصافات يقول:
(أءنك لمن المصدقين. أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمدينون).
فيأخذ الوسط مع الذى قبله، أم الذى بعده؟ قلت: بل مع الذى بعده، فإنهما اللفظان، ونص عليهما الناظم، فلا معدل عنهما، إلا إذا لم يجدهما كما فى العنكبوت، كيف وإن أتتك قد تقدم ذكرها فى باب الهمزتين من كلمة، فإن لم يذكر ثم شيئا من الاستفهامين، وإن كان الجميع لا خلف عن هشام فى مده، وضابطه أن يتكرر الاستفهام، وفى كل واحد همزتان، وإلا فقد يوجد أحد الشرطين ولا يكونا من هذا الباب، بيانه أن المتكرر يوجد وليس فى كل واحد همزتان، كالذى فى قصة لوط فى سورة الأعراف:
{(أَتَأْتُونَ الْفََاحِشَةَ} أئنكم لتأتون).
فهذا استفهام مكرر، لكن الأول همزه واحد، والثانى كذلك فى قراءة نافع وحفص، وفى قراءة غيرهما ويوجد الهمزتان، ولا يكرر، وهذا كثير نحو:
(أئن لنا لأجرا أءنك لأنت يوسف أءنّا لمغرمون).
كل ذلك يقرأ بالاستفهام والخبر، وليس من هذا الباب، ومنه ما أجمع فيه على الاستفهام نحو:
(أءذا ما مت أءنا لتاركوا آلهتنا أءنك لمن المصدقين أئن ذكرتم).
ولفظ الناظم بقوله أئذا أئنا مد الأول وقصر الثانى لأجل الوزن، وكلاهما قرئ به كما بينه، ولكن لم يخص أحد بالمد الأول دون الثانى، بل منهم من مدهما ومنهم من قصرهما فى جميع هذه المواضع، ثم بين الناظم اختلاف القرّاء فى هذا الاستفهام المكرر على الصفة المذكورة، فقال: «فذو استفهام الكل أولا» أى كل القراء يقرأ أول بلفظ الاستفهام، أى بهمزتين، والتحقيق والتسهيل يوجدان من أصولهم فى ذلك، ونصب قوله أولا على الظرف، أى أول الاستفهامين، يدل على ذلك أنه قال بعد ذلك: «وهو فى الثانى» أى والإخبار فى اللفظ الثانى، على ما سنبينه، ولو كان قال الأول بالألف واللام، ولو نصبه على أنه مفعول بالاستفهام لأنه مصدر، لكان جائزا، ويكون معنى استفهموه: جعلوه بلفظ الاستفهام، فقوله الكل مبتدأ، وذو استفهام خبره مقدم عليه، والجملة خبر، وما كرر استفهامه والعائد إليه محذوف، أى الكل ذو استفهام فيه أولا، ويجوز أن يكون المعنى كله ذو استفهام، على أن يكون الكل عبارة عن المواضع لا عن القراء، والمعنى الأول، لقوله بعده سوى نافع، وعلى المعنى الثانى نحتاج أن يقدر للقراء سوى نافع، والله أعلم.
790 [سوى نافع فى النّمل والشّام مخبر
سوى النّازعات مع إذا وقعت ولا]
أى استثنى نافع وحده الذى فى النمل، فقرأ الأول فيه بالإخبار أى بهمزة واحدة:
(أءذا كنا ترابا).(2/544)
790 [سوى نافع فى النّمل والشّام مخبر
سوى النّازعات مع إذا وقعت ولا]
أى استثنى نافع وحده الذى فى النمل، فقرأ الأول فيه بالإخبار أى بهمزة واحدة:
(أءذا كنا ترابا).
ووافق الجماعة كلهم فى المواضع الباقية على الاستفهام فى الأول، ثم ذكر قراء ابن عامر، وهى أنه يقرأ بالإخبار فى جميع المواضع، ما عدا: النمل، واستثنى له أيضا من غير النمل الواقعة والنازعات فلزم من ذلك أن الأول فى النازعات والواقعة لم يقرأ أحد بالإخبار، والذى فى النمل الإخبار فيه لنافع وحده، وما عدا ذلك الإخبار فيه لابن عامر وحده، إلا الذى فى العنكبوت، فإنه وافقه على الإخبار فى الأول جماعة، كما يأتى فى البيت الآتى، فهذا معنى قوله «والشام مخبر» يعنى فى غير النمل سوى كذا وكذا، وولا فى آخر البيت بكسر الواو، أى والشام مخبر متابعة، فهو فى موضع نصب على أنه مفعول من أجله، فكأن أصحاب الناظم رحمه الله قد استشكلوا استخراج ذلك، لأنهم قدروا قوله «فذو استفهام الكل أولا» سوى نافع، فبذلك فسره الشيخ، ونظم هذا المعنى فى بيتين نذكرهما» وإذا كان المعنى كذلك لزم أن يكون قد بين الخلاف فى موضع واحد، وليس هو فى السورة التى النظم فيها، ثم رام بيانه فى جملة المواضع، وعكس هذا أولى، فغير الشاطبى هذا البيت بما دل على أن مراده: فذو استفهام الكل فى جميع المواضع، فقال:
سوى الشام غير النازعات وواقعة ... له نافع فى النمل أخبر فاعتلا
أى نافع وحده قرأ فى النمل بالإخبار، ودل على أنه منفرد بذلك أنه لم يعد ذكر ابن عامر معه، وذلك لازم كما بيناه، قوله «رمى صحبة» وفى غير ذلك قال الشيخ رحمه الله ومعنى البيتين يعود إلى شيء واحد، والأول أحسن، وعليه أعول.
قلت: فى البيت الثانى تنكير لفظ واقعة وإسكانها، وذلك وإن كان جائز للضرورة فاجتنابه مهما أمكن أولى، وقوله له زيادة لا حاجة إليها، قال: ولو قال الناظم رحمه الله: فالاستفهام فى النمل أولا:
خصوص وبالاخبار شام بغيرها ... سوى النازعات مع إذا وقعت ولا
لا ارتفع الإشكال وظهر المراد، والخاء فى خصوص رمز.
791 [و (د) ون (ع) ناد (عمّ) فى العنكبوت مخ
برا وهو فى الثّانى (أ) تى (ر) اشدا ولا]
أى تابع ابن كثير وحفص ونافع ابن عامر فى الإخبار فى أول الذى فى العنكبوت، فقرءوا إنكم بهمزة إن المكسورة، وهذا أحد المواضع التى رمز فيها بعد الواو الفاصلة فى كلمة واحدة، ومخبرا حال من الضمير فى عم، وهو عائد على الأول من الاستفهامين جعله مخبرا، لأن الإخبار فيه كما يجعل ما فيه الخطاب مخاطبا فى نحو وخاطب عما تعلمون.
ثم قال: وهو «يعنى الإخبار» فى الثانى أى فى الاستفهام الثانى فى كل المواضع الأحد عشر المذكورة إلا ما يأتى استثناؤه، وكل ما تقدم ذكره كان مختصا بالاختلاف فى الأول.
وقوله «أتى راشدا، رمز لنافع والكسائى، فهما المخبران فى الثانى فقرأ إنا بهمزة واحدة مكسورة وراشدا حال أو مفعول به، أى أتى الإخبار قارئا راشدا، وولا بفتح الواو فى موضع نصب على التمييز، أى
راشدا ولاؤه، وهو وما قبله المكسور الواو ممدودان، وإنما قصرا للوقف عن ما ذكرناه مرارا.(2/545)
وقوله «أتى راشدا، رمز لنافع والكسائى، فهما المخبران فى الثانى فقرأ إنا بهمزة واحدة مكسورة وراشدا حال أو مفعول به، أى أتى الإخبار قارئا راشدا، وولا بفتح الواو فى موضع نصب على التمييز، أى
راشدا ولاؤه، وهو وما قبله المكسور الواو ممدودان، وإنما قصرا للوقف عن ما ذكرناه مرارا.
792 [سوى العنكبوت وهو فى النّمل (ك) ن (ر) ضا
وزاداه نونا إنّنا عنهما اعتلا]
أى لم يقرأ أحد فى ثانى العنكبوت بالإخبار، وهو يعنى الإخبار فى ثانى النمل لابن عامر والكسائى، وأما نافع فاستفهم كالباقين، لأنه قرأ الأول بالخبر كما سبق، وكذا فعل فى العنكبوت لما أخبر فى الأولى استفهم فى الثانى وابن عامر لما كان مستفهما فى أول النمل على خلاف أصله أخبر فى الثانى هنا على خلاف أصله أيضا، ثم قال:
وزاده نونا، أى زاد ابن عامر والكسائى الثانى فى النمل نونا، فقراءة:
(أءنا لمخرجون).
والباقون بنون واحدة، والاستفهام أئنا ثم قال:
793 [و (عمّ) (ر) ضا فى النّازعات وهم على
أصولهم وامدد (ل) وى (ح) افظ (ب) لا]
رضى فى موضع نصب على التمييز أى عم رضا الإخبار فى ثانى النازعات، فقرئ إذا كنا بهمزة واحدة فوافق ابن عامر نافعا والكسائى فى أصلهما الذى هو الإخبار فى الثانى، لأنه يقرأ الأوّل بالاستفهام، فهو كما قرأ فى النمل، وكان القياس أن يفعل فى الواقعة كذلك، لكنه استفهم فى الموضعين. كما أن الكسائى استفهم فى موضعى العنكبوت، فخالفا أصلهما فيهما، والباقون على الاستفهام مطلقا، وهم على أصولهم فى ذلك، لأنه اجتمع فى قراءتهم بالاستفهام همزتان فى الأوّل وهمزتان فى الثانى.
فمن مذهبه تحقيق الهمزتين وهم الكوفيون وابن عامر: حقق.
ومن مذهبه تسهيل الثانية سهل، وهم الحرميان وأبو عمرو، على ما تمهد فى باب الهمزتين من كلمة.
ومن مذهبه المد بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة مدهنا، وهم أبو عمرو وقالون وهشام. وقد رمزهم هنا بقوله «وامدد لوى حافظ بلا» وإنما اعتنى ببيان ذلك ولم يكتف بما تقدم فى باب الهمزتين من كلمة «إعلاما» بأن هشاما يمد هنا بغير خلاف عنه، بخلاف ما تقدم فى الباب المذكور، وقد ذكر لهشام فيه سبعة مواضع لا خلف عنه فى مدها، فهذا الباب كذلك، وقوله «وامدد لوى» أراد «لوا» الممدود، فقصره ضرورة، وهو مفعول امدد وإذا مد اللواء ظهر واشتهر أمره، لأن مد نشره بعد طيه، فكأنه يقول انشر علم الحفظة القراء وأشهر قراءاتهم، ومعنى ابتلا: اختبر، وهو صفة لحافظ، وأشار الشيخ إلى أن لوى فى موضع نصب على الحال، أى فى علوّ لواء الحافظ وشهرته، واعلم أن القراءة بالاستفهام فى هذه المواضع فى الأصل، وهو استفهام: الانكار والتعجب، ومن قرأ بالخبر فى الأول أو الثانى استغنى بأحد الاستفهامين عن الآخر، وهو مرا فيه، ومن جمع بينهما فهو أقوى تأكيدا، والعامل فى إذا من قوله إذا كنا فى أول المواضع التسع،
وثانى النازعات فعل مضمر يدل عليه ما بعده فى الأوّل وما قبله فى الثانى. تقديره أنبعث إذا كنا ترابا؟ أنرد إذا كنا عظاما نخرة؟ ومن قرأ بالإخبار فى ثانى النازعات جاز أن يتعلق إذا بما قبله، وهو لمردودون وأما الإخبار فى باقى المواضع فلفظه «إنا» فلا يعمل ما بعد إن فيما قبلها، كما لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله، نص عليه أبو على، وأما الموضع الحادي عشر، وهو الذى فى العنكبوت، فليس فيه لفظ إذا، فالأمر فيه ظاهر.(2/546)
ومن مذهبه المد بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة مدهنا، وهم أبو عمرو وقالون وهشام. وقد رمزهم هنا بقوله «وامدد لوى حافظ بلا» وإنما اعتنى ببيان ذلك ولم يكتف بما تقدم فى باب الهمزتين من كلمة «إعلاما» بأن هشاما يمد هنا بغير خلاف عنه، بخلاف ما تقدم فى الباب المذكور، وقد ذكر لهشام فيه سبعة مواضع لا خلف عنه فى مدها، فهذا الباب كذلك، وقوله «وامدد لوى» أراد «لوا» الممدود، فقصره ضرورة، وهو مفعول امدد وإذا مد اللواء ظهر واشتهر أمره، لأن مد نشره بعد طيه، فكأنه يقول انشر علم الحفظة القراء وأشهر قراءاتهم، ومعنى ابتلا: اختبر، وهو صفة لحافظ، وأشار الشيخ إلى أن لوى فى موضع نصب على الحال، أى فى علوّ لواء الحافظ وشهرته، واعلم أن القراءة بالاستفهام فى هذه المواضع فى الأصل، وهو استفهام: الانكار والتعجب، ومن قرأ بالخبر فى الأول أو الثانى استغنى بأحد الاستفهامين عن الآخر، وهو مرا فيه، ومن جمع بينهما فهو أقوى تأكيدا، والعامل فى إذا من قوله إذا كنا فى أول المواضع التسع،
وثانى النازعات فعل مضمر يدل عليه ما بعده فى الأوّل وما قبله فى الثانى. تقديره أنبعث إذا كنا ترابا؟ أنرد إذا كنا عظاما نخرة؟ ومن قرأ بالإخبار فى ثانى النازعات جاز أن يتعلق إذا بما قبله، وهو لمردودون وأما الإخبار فى باقى المواضع فلفظه «إنا» فلا يعمل ما بعد إن فيما قبلها، كما لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله، نص عليه أبو على، وأما الموضع الحادي عشر، وهو الذى فى العنكبوت، فليس فيه لفظ إذا، فالأمر فيه ظاهر.
794 [وهاد ووال قف وواق بيائه
وباق (د) نا هل يستوى (صحبة) تلا]
يعنى حيث وقعت هذه الكلم فى هذه السورة أو غيرها نحو.
{(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هََادٍ} [1] {وَمَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ فَمََا لَهُ مِنْ هََادٍ} [2] {وَمََا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وََالٍ} [3]
{وَمََا لَهُمْ مِنَ اللََّهِ مِنْ وََاقٍ} [4] {مََا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمََا عِنْدَ اللََّهِ بََاقٍ} [5]).
ابن كثير يقف بالياء على الأصل، وأنما حذفت فى الوصل لاجتماعها مع سكون التنوين، فإذا زال التنوين بالوقف رجعت الياء» والباقون يحذفونها تبعا لحالة الوصل، وهما لغتان، والحذف أكثر وفيه متابعة الرسم، وأما ما يستوى المختلف فيه فهو قوله تعالى {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمََاتُ وَالنُّورُ} لما كان تأنيث الظلمات غير حقيقى جاز أن يأتى الفعل المسند إليها بالتذكير والتأنيث، فقراءة صحبة بالتذكير، وإطلاق الناظم له دال على أنه ذلك، وقبل هذا هل يستوى الأعمى والبصير لا خلاف فى تذكيره، إذ لا يتجه فيه التأنيث مع تذكير الفاعل، فلم يحتج إلى أن يقيد موضع الخلاف، بأن يقول الثانى أو نحو ذلك، وقد سبق فى الأصول أن هذا الموضع لا إدغام فيه لأحد من القرّاء، لأن من مذهبه إدغام لام هل عند التاء وهما حمزة والكسائى قرءا هنا بالياء، وهشام استثنى هذا الموضع من أصله، وفى «تلا» ضمير يعود على صحبه لأن لفظه مفرد، والله أعلم.
795 [وبعد (صحاب) يوقدون وضمّهم
وصدّوا (ث) وى مع صدّ فى الطّول وانجلا]
أى وبعد يستوى قراءة صحاب يوقدون بالغيبة ردا إلى قوله تعالى {أَمْ جَعَلُوا لِلََّهِ} وقراءة الباقين بالخطاب ظاهرة، وصدوا ثوى مع صدأى أقام الضم فى وصدوا مع الضم فى {وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} فى غافر للكوفيين، والباقون بفتح الصاد، وتوجيه القراءتين ظاهر، لأن الله تعالى لما صدهم عن سبيله صدوهم، لا راد لحكمه، والضمير فى وضمهم للقراء، أهل الأداء وهو يوهم أنه ضمير صحاب، ولا يمكن ذلك، لأجل أبى بكر، ولأن ثوى حينئذ لا يبقى رمزا مع التصريح.
__________
(1) سورة الرعد، آية: 7.
(2) سورة الرعد، آية: 33.
(3) سورة الرعد، آية: 11.
(4) سورة الرعد، آية: 34.
(5) سورة النحل، الآية: 96.(2/547)
796 [ويثبت فى تخفيفه (حقّ ن) اصر
وفى الكافر الكفّار بالجمع (ذ) لّلا]
يريد {(يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ وَيُثْبِتُ)}.
التخفيف والتشديد لغتان، من أثبت وثبت، مثل أنزل ونزل والكافر فى قوله تعالى وسيعلم الكافر أريد به الجنس، ووجه الجمع ظاهر، ولهذا قال ذللا، أى سهل معناه حين جمع، والله أعلم، وفيها زائدة واحدة الكبير المتعال أثبتها فى الحالين ابن كثير وحده * وقلت فى ذلك.
ولا ياء فيها للإضافة وارد ... وفى المتعالى زائد قد تحصلا(2/548)
ولا ياء فيها للإضافة وارد ... وفى المتعالى زائد قد تحصلا
سورة إبراهيم عليه السّلام
797 [وفى الخفض فى الله الّذى الرّفع (عمّ) خا
لق امدده واكسر وارفع القاف (ش) لشلا]
يريد اسم الله تعالى الذى فى قوله:
{(إِلى ََ صِرََاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللََّهِ الَّذِي لَهُ)}.
فرفعه على الابتداء، والخفض على البدل من العزيز الحميد أو هو عطف بيان، وأما ألم تر أن الله خلق السموات فقرأه حمزة والكسائى خالق على أنه اسم فاعل، فمدا بعد الخاء وكسر اللام ورفعا القاف، لأنه خبر أن وقراءة الباقين خلق على أنه فعل ماض، ثم قال:
798 [وفى النّور واخفض كلّ فيها والأرض
هاهنا مصرخىّ اكسر لحمزة مجملا]
أى وافعل مثل ذلك فى سورة النور، فى قوله تعالى:
{(وَاللََّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مََاءٍ} [1]).
واخفض لفظ كل فيها بإضافة خالق إليه، والباقون نصبوا كل لأنه مفعول خلق، وقوله والأرض هاهنا أى واخفض لفظ الأرض فى سورة إبراهيم على قراءة حمزة والكسائى، لأنه معطوف على السموات، والسموات فى قراءتهما مخفوضة لإضافة خالق إليها، والسموات فى قراءة غيرهما مفعولة بقوله خلق، فهى منصوبة، وإنما علامة نصبها الكسرة، فلما اتحد لفظ النصب والجر لم يحتج إلى ذكر السموات، وذكر ما عطف عليها، وهو الأرض، لأن فيها يبين النصب من الجر، فمن كانت السموات فى قراءته منصوبة نصب الأرض بالعطف عليها، وقرأ حمزة وما أنتم بمصرخيّ بكسر الياء المشددة وقرأ الباقون بفتحها، وهو الوجه، لأن حركة ياء الإضافة الفتح مطلقا، سكن ما قبلها أو تحرك، وقوله: مجملا، يعنى فى تعليل قراءة حمزة، وهو من قولهم أحسن وأجمل فى قوله أو فعله، أى اكسر غير طاعن على هذه القراءة، كما فعل من أنكرها من النحاة، ثم ذكر وجهها فقال:
799 [كها وصل أو للسّاكنين وقطرب
حكاها مع الفرّاء مع ولد العلا]
ذكر لها وجهين من القياس العربى، مع كونها لغة محكية، وإنما تكلف ذلك لأن جماعة من النحاة أنكروا هذه القراءة، ونسبوها إلى الوهم واللحن. قال الفراء فى كتاب المعانى: وقد خفض الياء من مصرخىّ: الأعمش
__________
(1) سورة النور، الآية: 45.(2/549)
ويحيى بن وثاب جميعا. حدثنى بذلك القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب، ولعلها من وهم القراء طبقة يحيى، فإنه قل من سلم منهم من الوهم. ولعله ظن أن الياء فى مصرخىّ حافظة للفظ كله والياء للمتكلم خارجة من ذلك، قال: ومما نرى أنهم أوهموا فيه نوله ما تولى ونصله بالجزم ظنوا أن الجزم فى الهاء ثم ذكر غير ذلك، مما لم يثبت قراءة، وقد تقدم وجه الإسكان فى نوله ونحوه وسنقرر كسر ياء بمصرخي وقال أبو عبيد: أما الخفض فإنا نراه غلطا، لأنهم ظنوا أن الياء التى فى قوله بمصرخي تكسر كل ما بعدها، قال: وقد كان فى القراء من يجعله لحنا، ولا أحب أن أبلغ به هذا كله ولكن وجه القراءة عندنا غيرها.
قال الزجاج: هذه القراءة عند جميع النحويين ردية مرذولة. ولا وجه لها إلا وجيه ضعيف ذكر، وبعض النحويين يعنى: القراءة، فذكر ما سنذكره فى الحركة لالتقاء الساكنين.
وقال ابن النحاس: قال الأخفش سعيد: ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من أحد من النحويين قال أبو جعفر:
قد صار هذا بإجماع، لا يجوز ولا ينبغى أن يحمل كتاب الله تعالى على الشذوذ قال أبو نصر بن القشيرى فى تفسيره:
ما ثبت بالتواتر عن النبى صلّى الله عليه وسلم فلا يجوز أن يقال هو خطأ أو قبيح أو ردى بل فى القرآن فصيح، وفيه ما هو أفصح. فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذى قرأ حمزة أفصح.
قلت: يستفاد من كلام أهل اللغة فى هذا ضعف هذه القراءة وشذوذها، على ما قررنا فى ضبط القراءة القوية والشاذة، وأما عدم الجواز فلا، فقد نقل جماعة من أهل اللغة أن هذه لغة وإن شذت وقل استعمالها، قال أبو على: قال الفراء فى كتابه فى التصريف: زعم القاسم بن معن أنه صواب، قال، وكان ثقة بصيرا، وزعم قطرب أنه لغة فى بنى يربوع، يزيدون على ياء الإضافة ياء وأنشد:
ماض إذا ما هم بالمضى ... قال لها هل لك يا قافى
قال: وقد أنشد الفراء ذلك أيضا.
قلت: فهذا معنى قول الناظم: وقطرب حكاها مع الفراء فالهاء فى حكاها: ضمير هذه اللغة، ولم يتقدم ذكرها. ولكنها مفهومة من سياق الخفض فى تقرير هذه القراءة، فهو مثل قوله تعالى: {فَلَمََّا جََاءَ أَمْرُنََا جَعَلْنََا عََالِيَهََا سََافِلَهََا} [1] أى عالى مدائن قوم لوط ولم يتقدم لها ذكر ولكن علم ذلك من سياق القصة، وقال الفراء فى كتاب المعانى: وقد سمعت بعض العرب ينشد:
قال لها هل لك يا قافى ... قالت له ما أنت بالمرضى
فخفض الياء من فى، فإن يكن ذلك صحيحا فهو مما يلتقى من الساكنين، وتمام كلام سننقله فيما بعد، فانظر إلى الفراء كيف يتوقف فى صحة ما أنشده، ومعناه يا هذه، هل لك فى، قال الزجاج: هذا الشعر مما لا يلتفت إليه وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب، ولا هو مما يحتج به فى كتاب الله تعالى اسمه، وقال الزمخشرى: هى قراءة ضعيفة، واستشهدوا لها ببيت مجهول، فذكره.
__________
(1) سورة هود، آية: 82.(2/550)
قلت: ليس بمجهول، فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجلى الراجز، ورأيته أنا فى أول ديوانه، وأول هذا الرجز:
أقبل فى ثوبى معافرى ... بين اختلاط الليل والعشى
وهذه اللغة باقية فى أفواه الناس إلى اليوم، يقول القائل ما فى أفعل كذا، وفى شرح الشيخ، قال حسين الجعفى: سألت أبا عمرو بن العلاء عن كسر الياء، فأجازه، وهذه الحكاية تروى على وجوه ذكرها ابن مجاهد فى كتاب «الياءات» من طرق، قال خلاد المقرئ: حدثنا حسين الجعفى، قال: قلت لأبى عمرو ابن العلاء:
إن أصحاب النحو يلحنوننا فيها، فقال: هى جائزة أيضا، إنما أراد تحريك الياء فليس يبالى إذا حركتها، وفى رواية لا تبالى إلى أسفل حركتها أو إلى فوق، وفى رواية: سألت أبا عمرو بن العلاء عنها فقال: من شاء فتح ومن شاء كسر، وقال خلف: سمعت حسين الجعفى يروى عن أبى عمرو بن العلاء فقال: إنها بالخفض حسنة، وقال محمد بن عمر الرومى: حدثنى الثقة عن حسين الجعفى، قال: قدم علينا أبو عمرو بن العلاء. فسألته عن القرآن فوجدته به عالما، فسألته عن شيء قرأ به الأعمش واستشنعته وما أنتم بمصرخي بالجر فقال: جائزة قال: فلما أجازها أبو عمرو، وقرأ بها الأعمش أخذت بها، قال: وهى عند أهل الأعراب ليست بذاك، فهذا معنى قول الناظم «مع ولد العلا» يعنى أن أبا عمرو حكى هذه اللغة ونقلها، وعلى ضعفها وشذوذها قد وجهها العلماء بوجهين: أحدهما أن ياء الإضافة شبهت بهاء الضمير التى توصل بواو إذا كانت مضمومة، وبياء إذا كانت مكسورة، وتكسر بعد الكسر والياء الساكنة، ووجه المشابهة أن الياء ضمير، كالهاء، كلاهما على حرف واحد يشترك فى لفظه النصب والجر، وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة، فكسرت كما تكسر الهاء فى عليه، وبنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء، وحمزة كسر هذه الياء من غير صلة، لأن الصلة ليست من مذهبه ومعنى المصرخ: المغيث، وأصل مصرخى: مصرخينى، حذفت النون للإضافة، فالتقت الياء التى هى علامة الجر، مع ياء الإضافة، فأدغمت فيها، وتوجيه هذه اللغة بهذا الوجه، هو الذى اعتمد عليه أبو على فى كتاب «الحجة» فقال: وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون فى موضع نصب أو جر، فالياء فى النصب والجر كالهاء فيهما، وكالكاف فى أكرمتك، وهذا لك. فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة فى هذا لهو، وضربهو، ولحق الكاف أيضا الزيادة فى قول من قال: أعطيتكاه وأعطيتكيه، فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء، ولحقت التاء الزيادة فى نحو قول الشاعر:
رميتيه فأصميت وما أخطأت الرمية
كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد، فقالوا فى، ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء فى قول من قال له: أرقان، وزعم أبو الحسن أنها لغة.
قلت ليس التمثيل بقوله: له أرقان، مطابقا لمقصوده، فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها، وليس مراده إلا حذف الصلة فقط، فالأولى لو كان مثل بنحو: عليه، وفيه، ثم قال أبو على: وكما حذفت الزيادة من الكاف، فقيل أعطيتكه وأعطيتكيه، كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها، وأقرت الكسرة التى كانت تلى الياء المحذوفة، فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر، قال: فإذا كانت هذه الكسرة فى الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها، وعضده من القياس ما ذكرنا، لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة
بذلك لحن، لاستقامة ذلك فى السماع والقياس، وما كان كذلك لا يكون لحنا، قلت: فهذا معنى قول الشاطبى رحمه الله: كها وصل، أى: نزلت الياء فى مصرخى منزلة هاء الضمير الموصلة بحرف المد، فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها، وهو الياء، ثم حذفت الصلة منها، كما تحذف من الهاء * الوجه الثانى: أشار إليه الناظم بقوله أو للساكنين أى أو يكون الكسر فى بمصرخي لأجل التقاء الساكنين، وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة، وقبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا، ولم يمكن تحريكها لأنها علامة الجر، ولأنها مدغمة فى الثانية، فلزم تحريك ياء الإضافة فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل فى التقاء الساكنين، وهذا الوجه نبه عليه الفراء أولا، وتبعه فيه الناس، قال الزجاج: أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر، لأن أصل التقاء الساكنين الكسر، قال الفراء: ألا ترى أنهم يقولون: لم أره منذ اليوم ومذ اليوم، والرفع فى الذال هو الوجه، لأنه أصل حركة منه، والخفض جائز، فكذلك الياء من مصرخى خفضت ولها أصل فى النصب، قال الزمخشرى كأنه قدّر ياء الإضافة ساكنة، ولكنه غير فصيح، لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف فى نحو عصاى فما بالها وقبلها ياء، وقال بعضهم: كسرها اتباعا للكسرة التى بعدها، كما قرأ بعضهم الحمد لله بكسر الدال اتباعا لكسر اللام بعدها، فكما تقول العرب، بعير، وشعير، ورحيم، بكسر أوائلها اتباعا لما بعدها، فهذا وجه ثالث، وكلها ضعيفة، والله أعلم.(2/551)
قلت ليس التمثيل بقوله: له أرقان، مطابقا لمقصوده، فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها، وليس مراده إلا حذف الصلة فقط، فالأولى لو كان مثل بنحو: عليه، وفيه، ثم قال أبو على: وكما حذفت الزيادة من الكاف، فقيل أعطيتكه وأعطيتكيه، كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها، وأقرت الكسرة التى كانت تلى الياء المحذوفة، فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر، قال: فإذا كانت هذه الكسرة فى الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها، وعضده من القياس ما ذكرنا، لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة
بذلك لحن، لاستقامة ذلك فى السماع والقياس، وما كان كذلك لا يكون لحنا، قلت: فهذا معنى قول الشاطبى رحمه الله: كها وصل، أى: نزلت الياء فى مصرخى منزلة هاء الضمير الموصلة بحرف المد، فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها، وهو الياء، ثم حذفت الصلة منها، كما تحذف من الهاء * الوجه الثانى: أشار إليه الناظم بقوله أو للساكنين أى أو يكون الكسر فى بمصرخي لأجل التقاء الساكنين، وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة، وقبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا، ولم يمكن تحريكها لأنها علامة الجر، ولأنها مدغمة فى الثانية، فلزم تحريك ياء الإضافة فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل فى التقاء الساكنين، وهذا الوجه نبه عليه الفراء أولا، وتبعه فيه الناس، قال الزجاج: أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر، لأن أصل التقاء الساكنين الكسر، قال الفراء: ألا ترى أنهم يقولون: لم أره منذ اليوم ومذ اليوم، والرفع فى الذال هو الوجه، لأنه أصل حركة منه، والخفض جائز، فكذلك الياء من مصرخى خفضت ولها أصل فى النصب، قال الزمخشرى كأنه قدّر ياء الإضافة ساكنة، ولكنه غير فصيح، لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف فى نحو عصاى فما بالها وقبلها ياء، وقال بعضهم: كسرها اتباعا للكسرة التى بعدها، كما قرأ بعضهم الحمد لله بكسر الدال اتباعا لكسر اللام بعدها، فكما تقول العرب، بعير، وشعير، ورحيم، بكسر أوائلها اتباعا لما بعدها، فهذا وجه ثالث، وكلها ضعيفة، والله أعلم.
800 [وضمّ (ك) فا (حصن) يضلّوا يضلّ عن
وأفئدة باليا بخلف (ل) هـ ولا]
الكفاء بكسر الكاف: النظير والمثل، أى ضم مماثلا لحصن، فهو فى موضع نصب على الحال، وهو ممدود قصره ضرورة كما قصر الهاء فى قوله فى البيت السابق «كها وصل» يريد ضموا الياء من ليضلوا عن سبيله ومن.
{(لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ)} فى الحج (1) ولقمان (2).
و {(لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ)} فى الزمر (3).
ووجه القراءتين ظاهر، وقال صاحب التيسير هشام: من قراءتى على أبى الفتح افئدة من الناس بياء بعد الهمزة، قال: وكذلك نص عليه الحلوانى عنه، قال الشيخ: وذكر أبو الفتح فى كتابه فى قراءة السبعة، وروى هشام وحده عن ابن عامر فاجعل افئدة بياء ساكنة بعد الهمزة، قال: وهذه القراءة وجهها الإشباع، والإشباع: أن تزيد فى الحركة حتى تبلغ بها الحرف الذى أخذت منه، والغرض بذلك: الفرق بين الهمزة والدال، لأنهما حرفان شديدان، والولاء: مصدر ولى ولاء، قلت الولاء النصر، وهذه أيضا
__________
(1) سورة الحج، الآية: 9.
(2) سورة لقمان الآية: 6.
(3) الآية: 8.(2/552)
قراءة ضعيفة بعيدة عن فصاحة القرآن، وقل من ذكرها من مصنفى القراءات، بل أعرض عنها جمهور الأكابر، ونعم ما فعلوا، فما كل ما يروى عن هؤلاء الأئمة يكون مختارا، بل قد روى عنهم وجوه ضعيفة، وعجيب من صاحب التيسير: كيف ذكر هذه القراء مع كونه أسقط وجوها كثيرة لم يذكرها، نحو ما نبهنا عليه مما زاده ناظم هذه القصيدة، وهاهنا قراءة صحيحة تروى عن عاصم وأبى عمرو وإنما نؤخرهم ليوم بالنون ذكرها ابن مجاهد وغيره من كبار أئمة القراءة ولم يذكرها صاحب التيسير، لأنها ليست من طريق اليزيدى، وقد أشبعت الكلام فى هذا فى الشرح الكبير فى آخر سورة أم القرآن، وما وزان هذه القراءة إلا أن يقال فى أعمدة وأنجدة أعميدة وأنجيدة، بزيادة ياء بعد الميم والجيم، وكان بعض شيوخنا يقول: يحتمل أن هشاما قرأها بإبدال الهمزة ياء، أو بتسهيلها كالياء، فعبر الراوى لها بالياء، فظن من أخطأ فهمه أنها بياء بعد الهمزة، وإنما كان المراد بياء عوضا من الهمزة، فيكون هذا التحريف من جنس التحريف المنسوب إلى من روى عن أبى عمرو بارئكم ويأمركم ونحوه بإسكان حركة الإعراب، وإنما كان ذلك اختلاسا، وفى هذه الكلمة قراءة أخرى ذكرها الزمخشرى فى تفسيره، وإن كان قد وهم فى توجيهها، وهى بكسر الفاء من غير همز ووجهها أنها: ألقيت حركة الهمزة على الساكن قبلها، وحذفت، فهذه قراءة جيدة، وهى صورة ما يفعله حمزة فى الوقف عليها، ولعل من روى قراءة الإشباع كان قد قرأها بلا همز، فرد هشام عليه متلفظا بالهمزة، وأشبع كسرتها زيادة فى التنبيه على الهمزة، فظن أن الإشباع مقصود، فلزمه ورواه، والله أعلم.
801 [وفى لتزول الفتح وارفعه (ر) اشدا
وما كان لى إنّى عبادى خذ ملا]
يعنى فتح اللام الأولى ورفع الثانية. فالهاء فى «ارفعه» لهذا اللفظ، فإن على قراءة الكسائى مخففة من الثقيلة مبالغة فى الإخبار بشدة مكرهم، كقوله ومكروا مكرا كبارا أى قد كان مكرهم من كبره وعظمه بزبل ما هو مثل الجبال فى الامتناع على من أراد إزالتها فى ثباتها وعلى قراءة الباقين تكون «إن» إما شرطية، أى: وإن كان مكرهم معادلا إزالة أشباه الجبال الرواسى، وهى المعجزات، والآيات، فالله مجازيهم بمكر أعظم منه، وإما أن يكون «إن» نافية، واللام فى «لتزول» مؤكدة لها، أى وما كان مكرهم بالذى يزيل ما هو بمنزلة الجبال، وهى الشرائع ودين الله تعالى، فإن قلت: على هذا كيف يجمع بين القراءتين؟.
فإن قراءة الكسائى أثبتت أن مكرهم تزول منه الجبال وقراءة غيره نفته؟
قلت تكون الجبال فى قراءة الكسائى إشارة إلى أمور عظيمة غير الإسلام ومعجزاته، لمكرهم صلاحية إزالتها، والجبال فى قراءة الجماعة إشارة لما جاء به النبى عليه السلام من الدين الحق، فلا تعارض حينئذ، والله أعلم، وأريد حقيقة الجبال قراءة الكسائى، كما قال سبحانه فى موضع آخر.
{(تَكََادُ السَّمََاوََاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبََالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمََنِ وَلَداً} [1]).
__________
(1) سورة مريم، آية: 90و 91.(2/553)
وفى قراءة غيره أريد بالجبال ما سبق ذكره، ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة، وهى ثلاثة فى هذه السورة.
{(وَمََا كََانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطََانٍ} [1]).
فتحها حفص وحده.
{(رَبَّنََا إِنِّي أَسْكَنْتُ} [2]).
فتحها الحرميان وأبو عمرو.
و {(قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} [3]).
فتحها هؤلاء وعاصم، وملا جمع ملاءة، أى خذ ذا ملاءة أى ذا حجج ووجوه مستقيمة، وفيها ثلاث زوائد.
{(وَخََافَ وَعِيدِ)}.
اثبتها فى الوصل ورش وحده بما أشركتمون من قبل أثبتها فى الوصل أبو عمر وحده دعائى أثبتها فى الوصل أبو عمرو وحمزة وورش، وأثبتها فى الحالين البزى وحده، وقلت فى ذلك.
دعائى بما أشركتمون وقوله ... وخاف وعيدى للزوائد أجملا
__________
(1) سورة إبراهيم، آية: 22.
(2) سورة إبراهيم، آية: 37.
(3) سورة إبراهيم، آية: 31.(2/554)
سورة الحجر
802 [وربّ خفيف (إ) ذ (ن) ما سكّرت (د) نا
تنزّل ضمّ التّا لشعبة مثّلا]
يريد {(رُبَمََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)}.
التخفيف والتشديد، فيها لغتان، ومعنى نما: بلغ من قول الشاعر:
من حديث نمى إلى عجيب
أو من نمى المال إذا زاد، لأن لفظة رب فيه لغات كثيرة وسكرت بالتخفيف، أى حبست من قولهم وسكرت النهر، وبالتشديد، يجوز أن يكون من هذا شدد للكثرة وأن يكون بمعنى حيرت، من السكر، ويجوز أن يقرأ فى البيت مخففا ومشددا، والتخفيف أولى ليطابق الرمز بعده، والتشديد قد يوهم من قلت معرفته بهذا النظم أنه من باب، وباللفظ استغنى عن القيد، فيقرأ لابن كثير بالتشديد، وإنما هو مقيد بما تقدمه من ذكر التخفيف، كقوله: وفصل إذ ثنى وفى أحصن عن نفر العلا
استغنى عن تقييدهما بالقيد المذكور قبل كل واحد منهما، وكذا فى هذه السورة منجوك وقدرنا وقوله ما تنزل الملائكة بضم التاء ظاهر، وبفتحها على حذف إحدى التاءين. أصله تتنزل الملائكة، والله أعلم.
803 [وبالنّون فيها واكسر الزّاى وانصب ال
ملائكة المرفوع عن (ش) ائد علا]
أى واقرأ بالنون فى هذه الكلمة موضع التاء واكسر الزاى، فيصير ينزل على وزن يحوّل، ويلزم من ذلك نصب الملائكة، لأنه مفعول به، ومن قرأ بالتاء رفع الملائكة، لأنه فاعل، على قراءة من فتح التاء، ومفعول ما لم يسم فاعله على قراءة من ضمها، ولم ينبه على ضم النون وكان الأولى أن يذكره فيقول:
وبالنون ضما أى ضم ولا حاجة إلى قوله «فيها» لأنه معلوم، وقوله «المرفوع» نعت الملائكة لأنه لفظ، وقوله «عن شائد علا» أى ناقلا له عن عالم هذه صفته، أى عن من بنى المناقب العلا ورفعها وحصلها بعلمه ومعرفته، ولا خلاف فى تشديد الزاى هنا، وقد تقدم فى البقرة.
804 [وثقّل للمكّيّ نون تبشّرو
ن واكسره (حرميّا) وما الحذف أوّلا]
قراءة الجماعة ظاهرة النون مفتوحة، لأنها العلامة لرفع الفعل، ومن كسرها قدر أصل الكلمة تبشرننى بنونين، وياء الضمير المفعولة، فحذف نافع نون الوقاية كما حذفها فى أتحاجوني فى الله وأدغم ابن كثير نون علامة الرفع فيها، كقراءة الجماعة فى أتحاجوني ثم حذف نافع وابن كثير الياء كما حذفت فى نظائره من رءوس الآى، نحو عقاب ومتاب وأبقيا كسرة النون دالة على الياء المحذوفة، وقوله «حرميا» حال من
فاعل «واكسره» أى قارئا يقرؤه الحرمى، أو من مفعوله، لأنه فعل منسوب إلى الحرمى، وقد سبق معنى «وما الحذف أولا» فى سورة الأنعام، يعنى أن من قرأ بالتخفيف مع الكسرة، وهو نافع حذف إحدى النونين، وليس الحذف فى الأولى منهما، بل فى الثانية توفيرا على الفعل علامة رفعه، والتقدير: وما وقع الحذف أولا، ولو قال الأول على تقدير: وما المحذوف الأول من التنوين، لكان جائزا.(2/555)
804 [وثقّل للمكّيّ نون تبشّرو
ن واكسره (حرميّا) وما الحذف أوّلا]
قراءة الجماعة ظاهرة النون مفتوحة، لأنها العلامة لرفع الفعل، ومن كسرها قدر أصل الكلمة تبشرننى بنونين، وياء الضمير المفعولة، فحذف نافع نون الوقاية كما حذفها فى أتحاجوني فى الله وأدغم ابن كثير نون علامة الرفع فيها، كقراءة الجماعة فى أتحاجوني ثم حذف نافع وابن كثير الياء كما حذفت فى نظائره من رءوس الآى، نحو عقاب ومتاب وأبقيا كسرة النون دالة على الياء المحذوفة، وقوله «حرميا» حال من
فاعل «واكسره» أى قارئا يقرؤه الحرمى، أو من مفعوله، لأنه فعل منسوب إلى الحرمى، وقد سبق معنى «وما الحذف أولا» فى سورة الأنعام، يعنى أن من قرأ بالتخفيف مع الكسرة، وهو نافع حذف إحدى النونين، وليس الحذف فى الأولى منهما، بل فى الثانية توفيرا على الفعل علامة رفعه، والتقدير: وما وقع الحذف أولا، ولو قال الأول على تقدير: وما المحذوف الأول من التنوين، لكان جائزا.
805 [ويقنط معه يقنطون وتقنطوا
وهنّ بكسر النّون (ر) افقن (ح) مّلا]
يريد {قََالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ} وفى الروم {إِذََا هُمْ يَقْنَطُونَ} [1] وفى الزمر {لََا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللََّهِ} (2)
فتح النون فيها وكسرها لغتان، فماضى المفتوح قنط بالكسر، وماضى المكسور قنط بالفتح، وهى أفصح اللغتين، وقد أجمعوا على الفتح فى الماضى فى قوله تعالى فى الشورى {مِنْ بَعْدِ مََا قَنَطُوا} «وحملا» جمع حامل، وقوله ويقنط مبتدأ، ومعه يقنطون خبره، أى هذه الكلمات اجتمعت واتحد لحكم فيها، ثم ابتدأ مبينا حكمها، فقال: هن بكسر النون وفتحها، ولو قال: موضع وهن جميعا لكان أحسن وأظهر معنى، والله أعلم.
806 [ومنجوهم خفّ وفى العنكبوت تن
جينّ (ش) فا منجوك (صحبت) هـ (د) لا]
أى ذو خف، أى خفيف، أراد إنا لمنجوهم أجمعين لننجينه وأهله إنا منجوك وأهلك التخفيف والثقيل فيها من أنجى ونجى، كأنزل ونزل، وهما لغتان خفف الثلاثة حمزة والكسائى، ووافقهما أبو بكر وابن كثير على تخفيف منجوك، ولو قال: لمنجوهم خفف باللام بدل الواو لكان أحسن حكاية، لما فى الحجر، ولا حاجة إلى واو فاصلة لظهور الأمر، كما قال بعد ذلك: قدرنا بها والنمل، وقد مضى معنى دلا فى مواضع، وفيه ضمير راجع إلى لفظ صحبة، لأنه مفرد، وهو كما سبق فى الرعد: صحبة تلا، والله أعلم.
807 [قدرنا بها والنّمل (ص) ف وعباد مع
بناتى وأنّى نمّ إنّى فاعقلا]
يريد {إِلََّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنََاهََا} وفى النمل التخفيف والتشديد فيهما أيضا لغتان، واستغنى بقيد التخفيف فى منجوهم عن القيد فيهما، كما سبق فى سكّرت وهو من التقدير لا من القدرة، ومثل ذلك سيأتى فى الواقعة والمرسلات والأعلى، ثم ذكر ياءات الإضافة، وهى أربع بناتى إن كنتم فتحها نافع وحده عبادى فى أنا وقل إنى أنا النذير فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو.
__________
(1) آية: 36.
(2) آية: 53.(2/556)
سورة النحل
808 [وينبت نون (ص) حّ يدعون عاصم
وفى شركائى الخلف فى الهمز (هـ) لهلا]
أى ذو نون. يريد {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ} النون للعظمة والياء: زد إلى اسم الله تعالى فى قوله تعالى {أَتى ََ أَمْرُ اللََّهِ} وما بعدها من ضمائر الغيبة إلى قوله وعلى الله قصد السبيل وهو الذى أنزل ينبت لكم ثم قال الناظم، يدعون عاصم، أى قرأه عاصم بالياء على الغيبة، يريد {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ} لأن قبله {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} بالغيبة والباقون قرءوا بالتاء على الخطاب، ووجهه ما قبله من قوله {وَاللََّهُ يَعْلَمُ مََا تُسِرُّونَ وَمََا تُعْلِنُونَ}:
فإن قلت: من أين علمت أن قراءة عاصم بالغيب:
قلت: لعدم التقييد، فهو أحد الأمور الثلاثة التى إطلاقه يغنى عن قيدها، وهى الرفع، والتذكير، والغيب.
فإن قلت: لم لم يحمل هذا الإطلاق على القيد السابق فى وتنبت نون، فيكون كما تقدم فى سكرت وقدرنا.
قلت: لا يستقيم لفظ النون فى يدعون، ولولا ذلك لا تجه هذا الاحتمال، وروى البزى ترك الهمز فى قوله أين شركائى الذين كنتم ولزم من ذلك عدم المد الزائد على الألف، لأجل الهمزة، وهذا معنى قول بعض المصنفين: بغير همز ولا مد، قطعا لوهم من عداه أن يظن أن المد يبقى وإن سقطت الهمزة، وإنما قرأ كذلك قصرا للمدود، ولم يفعل ذلك فى الذى فى القصص وغيرها، ولا يلزم الناظم الاحتراز عن ذلك، لما ذكرناه مرارا: أن الإطلاق لا يتناول إلا ما فى السورة التى هو فيها، وما شذ عن ذلك كالتوراة وكائن فهو الذى يعتذر عنه وقصر الممدود ضعيف لا يجيزه النحويون إلا فى ضرورة الشعر، فهذه قراءة ضعيفة أيضا، فلم يكن لصاحب التيسير حاجة إلى تضمين كتابه مثل هذه القراءات الضعاف * وعن قارئها فيها خلاف، وترك ذكر ما ذكره ابن مجاهد وغيره عن أبى بكر عن عاصم تنزل الملائكة بالروح من أمره بالتاء المضمومة وفتح الزاى ورفع الملائكة على ما لم يسم فاعله، فهذه قراءة واضحة من جهة العربية، وقد دونها الأئمة فى كتبهم، ولم يذكر قصر شركائى إلا قليل منهم، فترى من قلت معرفته ولم يطلع إلا على كتاب التيسير ونحوه يعقد أن قصر شركائى من القراءات السبع، وتنزل الملائكة ليس منها، وكذا إلا بشق الأنفس ذكر أبو على الأهوازى وغيره عن أبى عمرو وابن عامر أنه بفتح الشين، ولهذا نظائر كثيرة، وقول الناظم «هلهل» من قولهم: هلهل النساج الثوب، إذا خفف نسجه، وثوب هلهل وشعر هلهل من ذلك، فإن كان فعلا فمعناه لم يتيقن الخلاف فيه، وإن كان اسما وهو منصوب على الحال، أى استقر الخلف فيه فى الهمز «هلهلا» يشير إلى ضعف الرواية بترك الهمز وضعف القراءة.
فإن قلت: من أين تعلم قراءة الجماعة أنها بالهمز.
قلت: لأن تقدير كلامه الخلف فى الهمز للبزى «هلهلا» قصده لا خلف فى الهمز عن غير البزى، وهو المراد، والله أعلم.(2/557)
فإن قلت: من أين تعلم قراءة الجماعة أنها بالهمز.
قلت: لأن تقدير كلامه الخلف فى الهمز للبزى «هلهلا» قصده لا خلف فى الهمز عن غير البزى، وهو المراد، والله أعلم.
809 [ومن قبل فيهم يكسر النّون نافع
معا يتوفّاهم لحمزة وصّلا]
يعنى نون تشاقون فيهم وإنما لم يقله بهذه العبارة لأنها لا تستقيم فى النظم إلا مخففة القاف، ولم يقرأ أحد بذلك، وكسر نافع وحده النون وفتحها الباقون، والكلام فى ذلك كما سبق فى تبشرون فى الحجر.
ولم يشدد أحد النون هنا، وقوله «معا» هو حال من يتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم الذين تتوفاهم الملائكة طيبين قرأهما حمزة بالياء على التذكير، وإطلاقه دل على ذلك، والباقون قرءوهما بالتأنيث، ووجههما ظاهر، وفى «وصلا» ضمير تثنية.
810 [سما ك) املا يهدى بضمّ وفتحة
وخاطب تروا (ش) رعا والآخر (ف) ى (ك) لا]
يريد {فَإِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} كما قال فى موضع آخر من يضل الله فلا هادى له أى من يضلله فلا يهدى فالفعل مبنى لما لم يسم فاعله، فقوله يهدى فاعل «سما» و «كاملا» حال منه، وقرأ الكوفيون بفتح الياء وكسر الدال، على سناد الفعل إلى الفاعل، أى لا يهدى الله من يضله، أو يكون يهدى بمعنى يهتدى كما تقدم فى يونس، ثم قال الناظم: «وخاطب يروا» يريد {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ََ مََا خَلَقَ اللََّهُ مِنْ شَيْءٍ} أى اقرأه بالخطاب، جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه «وشرعا» مفعول مطلق، أى شرع ذلك شرعا، أو فى موضع الحال، أى ذا شرع، فإن كان حالا من المفعول، فتقديره مشروعا، وإن كان من فاعل خاطب، فتقدير: ناطقا بما هو مشروع، ثم قال: «والآخر» بكسر الخاء، يريد ألم تروا إلى الطير مسخرات الخطاب فيه لحمزة وابن عامر، والأوّل لحمزة والكسائى، ولو فتحت الخاء من الآخر لم يتضح الأمر لإبهامه، فلم يعلم الذى قرأه الكسائى من الذى قرأه ابن عامر إلا بقرينة تقدم الذكر، وذلك قد يخفى، وقد ترك الناظم الترتيب فى مواضع، وقوله «فى كلا» أى فى اللفظ وحراسة وهو ممدود، ووجه القراءتين فى الموضعين ظاهر، والله أعلم.
811 [ورا مفرطون اكسر (أ) ضا يتفيّؤا ال
مؤنّث للبصريّ قبل تقبّلا]
أى ذا أضاء، أو مشبها أضاء فى الانتفاع بعلمك كما ينتفع بمائه، والإضاء جمع أضاة بفتح الهمزة، وهو الغدير، والجمع بكسر الهمزة والمد، كأكام وبفتحها والقصر كفتى، ومفرطون بالكسرة من أفرط فى المعصية إذا تغلغل فيها، وبالفتح أى مقدمون إلى النار، من أفرطته: إذا قدمته فى طلب الماء، أو هم منسيون من رحمة الله، من أفرطت فلانا خلفى إذا تركته ونسيته، وأما يتفيؤا ظلاله فهو فى التلاوة قبل مفرطون، أخره ضرورة النظم، فلهذا قال «قبل» أى قبل مفرطون، ووجه التأنيث والتذكير فيه ظاهر، لأن تأنيث الظلال غير حقيقى، والله أعلم.
812 [و (حقّ صح) اب ضمّ نسقيكمو مما
لشعبة خاطب يجحدون معلّلا]
معا: يعنى هنا وفى قد أفلح ضم النون وفتحها لغتان، فالضم من أسقى، والفتح من سقى، قال الشاعر فجمع بينهما.(2/558)
811 [ورا مفرطون اكسر (أ) ضا يتفيّؤا ال
مؤنّث للبصريّ قبل تقبّلا]
أى ذا أضاء، أو مشبها أضاء فى الانتفاع بعلمك كما ينتفع بمائه، والإضاء جمع أضاة بفتح الهمزة، وهو الغدير، والجمع بكسر الهمزة والمد، كأكام وبفتحها والقصر كفتى، ومفرطون بالكسرة من أفرط فى المعصية إذا تغلغل فيها، وبالفتح أى مقدمون إلى النار، من أفرطته: إذا قدمته فى طلب الماء، أو هم منسيون من رحمة الله، من أفرطت فلانا خلفى إذا تركته ونسيته، وأما يتفيؤا ظلاله فهو فى التلاوة قبل مفرطون، أخره ضرورة النظم، فلهذا قال «قبل» أى قبل مفرطون، ووجه التأنيث والتذكير فيه ظاهر، لأن تأنيث الظلال غير حقيقى، والله أعلم.
812 [و (حقّ صح) اب ضمّ نسقيكمو مما
لشعبة خاطب يجحدون معلّلا]
معا: يعنى هنا وفى قد أفلح ضم النون وفتحها لغتان، فالضم من أسقى، والفتح من سقى، قال الشاعر فجمع بينهما.
سقى قومى بنى مجد ... وأسقى نميرا وللقبائل من هلال
دعاء للجميع بما يخصب بلادهم، وفى التنزيل:
{(وَسَقََاهُمْ رَبُّهُمْ شَرََاباً طَهُوراً} [1]).
{(وَسُقُوا مََاءً حَمِيماً} [2]).
{(وَأَرْسَلْنَا الرِّيََاحَ لَوََاقِحَ فَأَنْزَلْنََا مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَأَسْقَيْنََاكُمُوهُ} [3]).
{(وَأَسْقَيْنََاكُمْ مََاءً فُرََاتاً} [4]).
وقيل الأصل فى أسقى جعل له سقيا، وفى سقى رواه من العطش، ثم استعمل فى المعنى الواحد لتقارب المعنيين وأجمعوا على الضم فى الفرقان، فى قوله تعالى:
{(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ} [5]).
وحكى فيه الفتح عن الأعمش وعاصم من رواية المفضل عنهما، ثم قال الناظم: «لشعبة خاطب يجحدون» يريد {أَفَبِنِعْمَةِ اللََّهِ يَجْحَدُونَ} وجه الخطاب أن قبله {وَاللََّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى ََ بَعْضٍ} ووجه الغيب أن قبله {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} وأجاز معللا بفتح اللام وكسرها. ووجه الجمع ظاهر.
813 [وظعنكم إسكانه (ذ) ائع ونج
زينّ الّذين النّون (د) اعيه (ن) وّلا]
إسكان العين فى ظعن وفتحها لغتان، كمعز ومعز، ونهر ونهر، وشعر وشعر، فلهذا قال «ذائع» أى مشتهر مستفيض، والنون فى ولنجزين الذين صبروا والياء ظاهران، ولا خلاف فى التى بعدها، ولنجزينهم أنه بالنون، فلهذا قيد موضع الخلاف بقوله «الذين» ويجوز النون بالرفع على أنه مبتدأ ثان، وبالنصب على أنه مفعول نوّل، أى داعى نجزين نوّل النون فيه.
814 [(م) لكت وعنه نصّ الأخفش ياءه
وعنه روى النّقّاش نونا موعّلا]
__________
(1) سورة الحجر، آية: 94.
(2) سورة النساء، آية: 94.
(3) سورة النساء، آية: 49.
(4) سورة الأنعام، آية: 145.
(5) سورة الأنعام، آية: 139.(2/559)
الميم فى «ملكت» رمز ابن ذكوان أى أنه فى جملة من روى عنه النون، ثم بين أن الصحيح عنه القراءة بالياء، فقال «عنه» يعنى عن ابن ذكوان نص الأخفش على الياء. وهو هارون بن موسى ابن شريك الدمشقى تلميذ ابن ذكوان، وكان يعرف بأخفش باب الجابية، والهاء، فى ياءه ترجع إلى لفظ نجزين المختلف فيه، ثم قال: وعنه، يعنى عن الأخفش روى النقاش، وهو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر ابن سند البغدادى المفسر، وهو ضعيف عند أهل النقل، روى عن شيخه الأخفش فى قراءة ابن ذكوان لهذا الحرف نونا، قال صاحب التيسير ابن كثير وعاصم لنجزين الذين بالنون وكذلك روى النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان، قال: وهو عندى وهم، لأن الأخفش ذكر ذلك فى كتابه عنه بالياء، وذكر بالأهوازى فى كتاب الإيضاح النون عن ابن ذكوان وعن هشام أيضا، وعن ابن عامر وأبى عمرو من بعض الطرق، وقال:
قال النقاش: أشك كيف قرأته على الأخفش عن ابن ذكوان، وقول الناظم «موهلا» هو حال من النقاش، أو صفة للنون، أى مغلطا، يقال: وهل فى الشيء وعنه بكسر الهاء إذا غلط وسهى، وهل وهلا، ووهلت إليه بالفتح أهل وهلا ساكن الهاء إذا ذهب، وهمل إليه فأنت تريد غيره مثل وهمت، هكذا فى صحاح الجوهرى، قال الشيخ: موهلا من قولهم وهله فتوهل، أى وهمه فتوهم، وهو منصوب على الحال من النقاش، أى منسوعا إلى الوهم فيما نقل، يريد ما قال صاحب التيسير هو عندى وهم، وقد ذكرناه، والله أعلم.
815 [سوى الشّام ضمّوا واكسروا فتنوا لهم
وبكسر فى ضيق مع النّمل (د) خللا]
لهم أى لجميع القراء السبعة سوى الشامى، فحذف ياء النسبة، أو التقدير سوى قارئ الشام، فحذف المضاف، يريد {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هََاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا فُتِنُوا} أى فتنهم الكافر بالإكراه على النطق بكلمة الكفر، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، وذلك نحو ما جرى لعمار بن ياسر وأصحابه بمكة رضي الله عنهم، وهو موافق للآية الأولى {وَالَّذِينَ هََاجَرُوا فِي اللََّهِ مِنْ بَعْدِ مََا ظُلِمُوا} لم يختلف فيه أنه على ما لم يسم فاعله، وقرأ ابن عامر: «فتنوا» بإسناد الفعل إلى الفاعل بفتح الفاء والتاء، لأن الفتح ضد الضم والكسر معا، ووجه هذه القراءة أن تكون الآية نزلت فى الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر، وأوقعوا الفتن فى الذين أسلموا وهاجروا وجاهدوا وصبروا، وذلك نحو ما جرى لمن تأخر إسلامه كعكرمة بن أبى جهل، وعمه الحارث، وسهيل بن عمرو وأضرابهم رضي الله عنهم، وتكون القراءتان فى الطائفتين، الفاتنين والمفتونين، وقيل التقدير فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة الكفر، ومعنى القراءتين متحد المراد بهما المفتونون، وقيل معنى فتنوا: افتتنوا، قال الشيخ: روى أبو عبيد عن أبى زيد فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع فى الفتنة، وتحوّل من الحال الصالحة إلى السيئة، وفتن إلى النساء أراد الفجور بهن، وقيل الضمير فى فتنوا يعود إلى الخاسرون. والمفعول محذوف أى من بعد ما فتنهم أولئك الخاسرون، وأما فى ضيق مما يمكرون هنا وفى النمل، ففتح الضاد وكسرها لغتان، كالقول والقيل، وقيل المفتوح تخفيف ضيق كهين وميت، أى فى أمر ضيق، وقوله سوى الشامى استثنى من الضمير فى لهم كما سبق، ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر، ويجوز أن يكون فى موضع نصب بفعل مضمر، كقولك زيدا اكتب الكتاب له، أى لابسه وخالطه بذلك «ودخللا» حال من قوله فى ضيق أى هو دخيل مع الذى فى النمل مشابه له فى الكسر، والله أعلم.(2/560)
815 [سوى الشّام ضمّوا واكسروا فتنوا لهم
وبكسر فى ضيق مع النّمل (د) خللا]
لهم أى لجميع القراء السبعة سوى الشامى، فحذف ياء النسبة، أو التقدير سوى قارئ الشام، فحذف المضاف، يريد {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هََاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا فُتِنُوا} أى فتنهم الكافر بالإكراه على النطق بكلمة الكفر، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، وذلك نحو ما جرى لعمار بن ياسر وأصحابه بمكة رضي الله عنهم، وهو موافق للآية الأولى {وَالَّذِينَ هََاجَرُوا فِي اللََّهِ مِنْ بَعْدِ مََا ظُلِمُوا} لم يختلف فيه أنه على ما لم يسم فاعله، وقرأ ابن عامر: «فتنوا» بإسناد الفعل إلى الفاعل بفتح الفاء والتاء، لأن الفتح ضد الضم والكسر معا، ووجه هذه القراءة أن تكون الآية نزلت فى الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر، وأوقعوا الفتن فى الذين أسلموا وهاجروا وجاهدوا وصبروا، وذلك نحو ما جرى لمن تأخر إسلامه كعكرمة بن أبى جهل، وعمه الحارث، وسهيل بن عمرو وأضرابهم رضي الله عنهم، وتكون القراءتان فى الطائفتين، الفاتنين والمفتونين، وقيل التقدير فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة الكفر، ومعنى القراءتين متحد المراد بهما المفتونون، وقيل معنى فتنوا: افتتنوا، قال الشيخ: روى أبو عبيد عن أبى زيد فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع فى الفتنة، وتحوّل من الحال الصالحة إلى السيئة، وفتن إلى النساء أراد الفجور بهن، وقيل الضمير فى فتنوا يعود إلى الخاسرون. والمفعول محذوف أى من بعد ما فتنهم أولئك الخاسرون، وأما فى ضيق مما يمكرون هنا وفى النمل، ففتح الضاد وكسرها لغتان، كالقول والقيل، وقيل المفتوح تخفيف ضيق كهين وميت، أى فى أمر ضيق، وقوله سوى الشامى استثنى من الضمير فى لهم كما سبق، ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر، ويجوز أن يكون فى موضع نصب بفعل مضمر، كقولك زيدا اكتب الكتاب له، أى لابسه وخالطه بذلك «ودخللا» حال من قوله فى ضيق أى هو دخيل مع الذى فى النمل مشابه له فى الكسر، والله أعلم.
سورة الإسراء
816 [ويتّخذوا غيب (ح) لا ليسوء نو
ن (ر) او وضمّ الهمز والمدّ (ع) دّلا]
أى ذو غيب حلو لأن قبله لبنى إسرائيل والخطاب حكاية ما فى الكتاب، وهما مثل ما فى البقرة لا تعبدون إلا الله كلاهما فى بنى إسرائيل، والمعنى واحد، ولو دخلت أن فى الذى فى البقرة لكانت أن لا تعبدوا مثل أن لا تتخذوا سواء، فاتحد اللفظ والمعنى، وأما ليسوءوا وجوهكم فقراءة الكسائى بالنون ظاهرة لكثرة ما قبله من نونات العظمة، وقرأ غيره بالياء، فمن فتح الهمزة وقصره كما فعل الكسائى، فالفاعل هو الله تعالى، كما قال سبحان الذى أسرى بعبده وبعده عسى ربكم أو يكون الفاعل الوعد، أو البعث، وهذه قراءة ابن عامر وحمزة وأبى بكر، وضم الهمز ومده حفص، وهو المرموز فى قوله «عدلا» والحرميان وأبو عمرو رمز لهم فى البيت الآتى بقوله «سما» فالضمير المرفوع فى ليسوءوا للعباد الذين هم أولوا بأس شديد واللام فى ليسوءوا على القراءات الثلاث متعلقة بفعل مضمر، أى بعثناهم ليقع ذلك، وقول الناظم والمد بالرفع، عطف على ضم لهمز.
817 [(سما) ويلقّاه يضمّ مشدّدا
(ك) فى يبلغنّ امدده واكسر (ش) مردلا]
أراد كتابه يلقاه أى يستقبله به، وقرأ الباقون يلقاه بفتح الياء والتخفيف، وذلك ظاهر المعنى، والهاء للكتاب أو للإنسان، لأن ما لقبك فقد لقيته وإما يبلغن عندك الكبر فمد بعد الغين، أى زد ألفا واكسر النون المشددة، فيصير يبلغان والضمير للوالدين، وأحدهما بدل منه، وهو فاعل على قراءة القصر، والنون للتأكيد فيها، والله أعلم.
818 [وعن كلّهم شدّد وفا أفّ كلّها
بفتح (د) نا (ك) فؤا ونوّن (ع) لى (ا) عتلا]
يعنى أجمعوا على تشديد النون، وهذا منه زيادة فى البيان، وإلا فهو معلوم مما تقدم، لأنه لفظ بقوله «يبلغن» مشدد النون وأمر بكسرها، ولم يتعرض للتشديد بنفى ولا إثبات، فدل على أنه لا خلاف فيه، وأما «أف» ففيها لغات كثيرة، لم يقرأ فيها إلا بثلاث: الفتح، والكسر، والتنوين مع الكسر، وهى قراءة نافع وحفص، وهو معنى قوله «على اعتلا» أى معتمدا على اعتلا، وقوله «كلها» بالجر تأكيد «لأف» يعنى حيث جاء، وهو: هنا وفى الأنبياء والأحقاف، والله أعلم.
819 [وبالفتح والتّحريك خطأ (م) صوّب
وحرّكه المكّى ومدّ وجمّلا]
يريد {إِنَّ قَتْلَهُمْ كََانَ خِطْأً} فلفظ بقراءة الجماعة، وذكر أن ابن ذكوان فتح الخاء والطاء، وعبر عنه
بالتحريك المطلق، وهو الفتح ليؤخذ للباقين ضده وهو السكون، وعبر عن حركة الخاء بلفظ الفتح ليؤخذ للباقين ضده، وهو الكسر، فدخل ابن كثير من الباقين فى هذا، ولم يخالفهم فيه، ولما خالفهم فى إسكان الطاء تعرض له، فقال: وحركه المكى، وزاد مدا بعد الطاء، فقراءة الجماعة خطأ بمعنى إنما يقال: خطأ خطأ كإثم إنما، وهو فى قراءة ابن ذكوان ضد الصواب، وقيل هما لغتان كالحذر والحذر والمثل والمثل.(2/561)
819 [وبالفتح والتّحريك خطأ (م) صوّب
وحرّكه المكّى ومدّ وجمّلا]
يريد {إِنَّ قَتْلَهُمْ كََانَ خِطْأً} فلفظ بقراءة الجماعة، وذكر أن ابن ذكوان فتح الخاء والطاء، وعبر عنه
بالتحريك المطلق، وهو الفتح ليؤخذ للباقين ضده وهو السكون، وعبر عن حركة الخاء بلفظ الفتح ليؤخذ للباقين ضده، وهو الكسر، فدخل ابن كثير من الباقين فى هذا، ولم يخالفهم فيه، ولما خالفهم فى إسكان الطاء تعرض له، فقال: وحركه المكى، وزاد مدا بعد الطاء، فقراءة الجماعة خطأ بمعنى إنما يقال: خطأ خطأ كإثم إنما، وهو فى قراءة ابن ذكوان ضد الصواب، وقيل هما لغتان كالحذر والحذر والمثل والمثل.
قال الزجاج: وقد يكون من خطأ خطأ إذا لم يصب، وقراءة ابن كثير خاطأ خطاء، مثل خاطر خطارا.
قال أبو على: وإن لم يسمع خاطأ ولكن قد جاء ما يدل عليه، وهو: تخاطأ لأنه مطاوعه.
قال: وقد قالوا أخطى فى معنى خطى، كما أن خطى فى معنى أخطى.
قلت: فإلى هذا أشار الناظم بقوله «مصوّب» لأن قوما استبعدوا قراءة ابن ذكوان، فقالوا: الخطأ ما لم يتعمد، وجوابه أنه استعمل فى التعمد أيضا، وقول الناظم خطأ مصوّب مبتدأ وخبر، أى هو مصوّب بالفتح والتحريك، فقابل بين لفظى الخطأ والتصويب، وإخباره عن الخطأ بالتصويب من عجائب هذا النظم، ومحاسنه، والله أعلم.
820 [وخاطب فى يسرف (ش) هود وضمّنا
بحرفيه بالقسطاس كسر (ش) ذ (ع) لا]
أى قراءة شهود أراد فلا تسرف فى القتل الخطاب للولى أو الإنسان، والياء للولى، وضم القسطاس وكسره لغتان، والهاء فى «بحرفيه» للقسطاس، والباء فى «بالقسطاس» من نفس التلاوة، أى وضمنا هذا اللفظ بموضعيه، يعنى هنا وفى الشعراء، فأخبر عن الضم بالكسر على تقدير: وموضع ضمنا كسر هؤلاء، أى كسر ذوى شذا عال، أى ذوى بقية حسنة وطيب فائق، والله أعلم.
821 [وسيّئة فى همزه اضمم وهائه
وذكّر ولا تنوين (ذ) كرا مكمّلا]
يريد {كُلُّ ذََلِكَ كََانَ سَيِّئُهُ} فقوله ذلك إشارة إلى المنهى عنه، وإذا ضممت الهمز والهاء وذكرت: أى لم تجعل الهاء للتأنيث، بل ضمير مذكر، فلا تنوين حينئذ، فيكون السيئ مضافا إلى ما تقدم، أى كان سيئ المذكور مكروها، فيكون ذلك إشارة إلى جميع ما تقدم مما وصى به الإنسان، وفيه حسن وهو المأمور به، وسيّئ، وهو المنهى عنه، ومكروها على القراءة بالتأنيث خبر لكان بعد خبر، وقوله ذكرا مكملا: مصدر مؤكد من لفظ ذكر، وإن لم يكن مصدره، أراد تذكيرا مكملا، ويجوز أن يكون فعله مضمرا: أى ذكرت ذلك ذكرا مكملا لجميع قيوده، وقال الشيخ: التقدير أذكر ذكرا، والله أعلم.
822 [وخفّف مع الفرقان واضمم ليذكروا
(ش) فاء وفى الفرقان يذكر فصّلا]
أى خفف لفظ ليذكروا هنا وفى الفرقان، أراد ولقد صرفنا فى هذا القرآن ليذكروا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا والتخفيف فى هذين لحمزة والكسائى. أراد تخفيف الذال والكاف، وهو حذف تشديدهما، وهما مفتوحان، فنص على ضم الكاف ولم ينص على إسكان الذال لوضوحه، وهو مضارع ذكر يذكر، والمشدد مضارع تذكر، والأصل ليتذكر، فأدغمت التاء فى الذال وقوله «شفاء»: حال من ليذكروا أو من فاعل «خفف» واضمم أى ذا شفاء، ثم ذكر أن فى الفرقان موضعا آخر اختص حمزة بتخفيفه، وهو لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا 823 [وفى مريم بالعكس (حقّ ش) فاؤه
يقولون (ع) ن (د) ار وفى الثّان (ن) زّلا]
بالعكس، أى بالتشديد وفتح الكاف، يريد أولا يذكر الإنسان، ولو كان جرى على سننه ورمز لمن خفف كان أحسن ... وقلت أنا فى ذلك:
وفى كاف نل إذ كم يقولون دم علا ... وفى الثانى نل كفا سما وتبجلا
وأنث تسبح عن حمى شاع وصله وبعد ... اكسروا اسكان رجلك عملا
ولم يبق فى البيت تضمين، واجتمع الرمز المفرق وهو قوله هنا نزلا، وفى البيت الآتى سما كفله، ويقولون فى الموضعين بالغيب، والخطاب ظاهر، أراد بالثانى سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.(2/562)
822 [وخفّف مع الفرقان واضمم ليذكروا
(ش) فاء وفى الفرقان يذكر فصّلا]
أى خفف لفظ ليذكروا هنا وفى الفرقان، أراد ولقد صرفنا فى هذا القرآن ليذكروا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا والتخفيف فى هذين لحمزة والكسائى. أراد تخفيف الذال والكاف، وهو حذف تشديدهما، وهما مفتوحان، فنص على ضم الكاف ولم ينص على إسكان الذال لوضوحه، وهو مضارع ذكر يذكر، والمشدد مضارع تذكر، والأصل ليتذكر، فأدغمت التاء فى الذال وقوله «شفاء»: حال من ليذكروا أو من فاعل «خفف» واضمم أى ذا شفاء، ثم ذكر أن فى الفرقان موضعا آخر اختص حمزة بتخفيفه، وهو لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا 823 [وفى مريم بالعكس (حقّ ش) فاؤه
يقولون (ع) ن (د) ار وفى الثّان (ن) زّلا]
بالعكس، أى بالتشديد وفتح الكاف، يريد أولا يذكر الإنسان، ولو كان جرى على سننه ورمز لمن خفف كان أحسن ... وقلت أنا فى ذلك:
وفى كاف نل إذ كم يقولون دم علا ... وفى الثانى نل كفا سما وتبجلا
وأنث تسبح عن حمى شاع وصله وبعد ... اكسروا اسكان رجلك عملا
ولم يبق فى البيت تضمين، واجتمع الرمز المفرق وهو قوله هنا نزلا، وفى البيت الآتى سما كفله، ويقولون فى الموضعين بالغيب، والخطاب ظاهر، أراد بالثانى سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
وقبله قل لو كان معه آلهة كما يقولون.
824 [(سما ك) فله أنّث يسبّح (ع) ن (ح) مي
(ش) فا واكسروا إسكان رجلك (ع) مّلا]
أراد تسبح له السموات السبع التأنيث والتذكير فيه ظاهران، ورجلك بإسكان الجيم اسم جمع للراجل كصحب ورجل وبكسر الجيم بمعنى راجل، كتعب وتاعب، وحذر حاذر، وبمعنى رجل بضم الجيم الذى بمعنى راجل، فيكون كسر الجيم وضمها لغتين نحو ندس وندس، والمعنى وجمعك الرجل واستغنى بالفرد عن الجمع لدلالته عليه بالجنسية، وقيل: يجوز أن تكون قراءة الإسكان من هذا سكنت الكسرة أو الضمة تخفيفا، نحو فخذ وعضد، وعملا جمع عامل، هو حال من الضمير فى اكسروا.
825 [ويخسف (حقّ) نونه ويعيدكم
فيغرقكم واثنان يرسل يرسلا]
الخلاف فى هذه الخمسة دائر بين النون والباء، فكلاهما ظاهر، أراد أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل أم أمنتم أن يعيد فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم وقوله نرسل نرسل كلاهما بدل من اثنان، ونصهما على الحكاية.
826 [خلافك فافتح مع سكون وقصره
(سما ص) ف نأى أخّر معا همزه (م) لا]
أراد: وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا أى افتح الخاء مع سكون اللام وحذف الألف، وكلتا القراءتين بمعنى بعدك، ونأ وناء، مثل أى وراء، كلاهما على وزن رعى وراع: لغتان، وتأخير الهمز من الفعلين على القلب، فيصبر وزنهما: فلع قال الشاعر:(2/563)
826 [خلافك فافتح مع سكون وقصره
(سما ص) ف نأى أخّر معا همزه (م) لا]
أراد: وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا أى افتح الخاء مع سكون اللام وحذف الألف، وكلتا القراءتين بمعنى بعدك، ونأ وناء، مثل أى وراء، كلاهما على وزن رعى وراع: لغتان، وتأخير الهمز من الفعلين على القلب، فيصبر وزنهما: فلع قال الشاعر:
وكل خليل رآنى فهو قائل
ونقل الشارح فى كتاب «الغاية» من أبى بكر بن مقسم قال: نأى بوزن نعى لغة قريش، وكثير من العرب وناء بوزن باع: لغة هوازن بن سعد بن بكر وبنى كنانة وهزيل وكثير من الأنصار، قال شاعرهم نجالد عنه بأسيافنا ... وناءت معد بأرض الحرم
وقول الآخر: وناء بكلكل قلت: ناء فى قول امرئ القيس ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
ليس من هذا، وذاك معناه نهض ينهض نهوضا ثقيلا لطول صدراه، وقوله معا: يعنى هنا وفى سورة فصلت:
827 [تفجّر فى الأولى كتقتل (ث) أبت
و (عمّ ن) دى كسفا بتحريكه ولا]
أى بالتخفيف على وزن تقتل، والأولى قوله حتى تفجر لنا من الأرض احترازا من الثانية فتفجر الأنهار فلا خلاف فى تشديدها لقوله فى مصدرها: تفجيرا وفجر، وفجر كسجر وسجر، يقال: فجر الماء وفجره إذا فتح سكره وشقه، وقوله تعالى {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ} هو: مطاوع فجر بالتخفيف، وكسفا بإسكان السين وفتحها: لغتان: جمع كسفة، وهو القطعة، ومثلها: سدرة وسدر، ولقحة ولقح، وندى تمييز، وكسفا فاعل عم، ولا مفعول له، أى بتحريكه متابعة للنقل.
828 [وفى سبإ حفص مع الشّعراء قل
وفى الرّوم سكّن (ل) يس بالخلف مشكلا]
أراد أو نسقط عليهم كسفا فاسقط علينا كسفا حركهما حفص وحده، وفى الروم:
{(وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} [1]).
سكنه ابن عامر: ولم يختلف فى إسكان الذى فى الطور وإن يروا كسفا من السماء ساقطا والله أعلم:
829 [وقل قال الأولى (ك) يف (د) ار وضمّ تا
علمت (ر) ضى والياء فى ربّى انجلا]
__________
(1) الآية: 48.(2/564)
أراد {(قُلْ سُبْحََانَ رَبِّي)}.
هذه هى الأولى، والثانية قوله:
{(قُلْ لَوْ كََانَ فِي الْأَرْضِ مَلََائِكَةٌ)}.
لا خلاف فى قراءة هذه على الأمر، وقرأ الأولى بلفظ المضى ابن عامر وابن كثير، وقول الناظم: الأولى، هو نعت لقوله: قل لا، لقوله قال، أى: وقل الأولى تقرأ قال، لمن رمز له، ومثله قوله فى أول الأنبياء «وقل قال عن شهد» وقوله: «كيف دار» أى كيف دار اللفظ، فإحدى القراءتين راجعة إلى معنى الأخرى، لأنه أمر بالقول فقال، و «تا» علمت بالضم لموسى، وبالفتح لفرعون، و «رضا» حال من فاعل ضم أو مفعوله أى ذا رضى، ثم ذكر ياء الإضافة فى موضع واحد وهو ربى إذا لأمسكتم فتحها نافع وأبو عمرو، وفيها زائدتان ولئن أخرتن إلى أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وأثبتها ابن كثير فى الحالين ومن يهدى الله فهو المهتد أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وقلت فى ذلك.
وفيها لئن أخرتنى زيد باؤه ... كذلك فهو المهتدى قد تكفلا(2/565)
وفيها لئن أخرتنى زيد باؤه ... كذلك فهو المهتدى قد تكفلا
سورة الكهف
830 [وسكتة حفص دون قطع لطيفة
على ألف التّنوين فى عوجا بلا]
قال صاحب «التيسير» قرأ حفص عوجا، يسكت على الألف سكتة لطيفة من غير قطع ولا تنوين، ثم يقول: فيما، وقال مكى: كان حفص يقف على عوجا وقفة خفيفة فى وصله.
قلت: فهذا معنى قوله دون قطع، أى: دون قطع نفس، لأنه فى وقفه واصل، وغرضه من ذلك إيضاح المعنى لئلا يتوهم أن قيما نعت عوجا، وإنما قيما حال من الكتاب المنزل، أو منصوب بفعل مضمر، أى جعله قيما ولما التزم صورة الوقف لأجل ذلك لزمه أن يبدل من التنوين ألفا يقف عليها، لأن التنوين لا يوقف عليه، فهذا معنى قوله، على ألف التنوين، أى على الألف المبدلة من التنوين، وفى ذلك نظر، فإنه لو وقف على التنوين لكان أدل على غرضه، وهو: أنه واقف بنية الوصل، وكثير من المصنفين، كالأهوازى وابن غلبون، يقولون: نقف على عوجا، ولا يذكرون إبدال التنوين ألفا، وقال الأهوازى: ليس هو وقفا مختارا لأن فى الكلام تقديما وتأخيرا، معناه: أنزل على عبده الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا، ومعنى بلا: اختبر، وفاعله ضمير عائد إلى حفص ثم قال:
831 [وفى نون من راق ومرقدنا ولا
م بل ران والباقون لا سكت موصلا]
أى وسكت فى هذه المواضع الثلاثة أيضا أحدها: النون من من راق فى سورة القيامة لما اندغمت النون فى الراء بغير غنة وقف على من ليعلم أنهما كلمتان، وليست اللفظة على وزن فعال، وكذا الكلام فى لام بل ران على قلوبهم (1) وأما من بعثنا من مرقدنا (2) فوقف على مرقدنا، لئلا يتوهم أن هذا الذى بعده صفة للمرقد، وإنما هو مبتدأ، قال مكى: ولو اختار متعقب الوقف على عوجا وعلى مرقدنا لجميع القراء لكان ذلك حسنا، لأنه يفرق بين معنيين فهو تمام مختار الوقف عليه قال: وقرأ الباقون ذلك كله بغير وقف مروى عنهم، لأنه متصل فى الخط، والإدغام فرع، ولا كراهة فيه، ولو لزم الوقف على اللام والنون ليظهر للزم فى كل مدغم فهذا معنى قول الناظم: «والباقون» لا سكت و «موصلا» نعت لسكت، أى لا سكت لهم منقولا عنهم موصلا إلينا، وقال الشيخ: موصلا نصب على الحال، أى فى حال إيصال المذكور فى المواضع المذكورة بما بعده، قال المهدوى: وكان يلزم حفصا مثل ذلك فى ما شاكل هذه المواضع، وهو لا يفعله، فليس لقراءته وجه من الاحتجاج يعتمد عليه إلا اتباع الرواية، قلت أول من هذه المواضع بمراعاة الوقف عليها ولا يحزنك قولهم، إن العزة لله جميعا فينبغى الوقف على «قولهم»، لئلا يتوهم أن ما بعده هو المفعول، وكذا أنهم أصحاب النار. الذين يحملون العرش ينبغى الاعتناء بالوقف على النار، ثم يبتدأ بما بعده لئلا يوهم الصفة، ولذلك نظائر، والله أعلم.
__________
(1) سورة المطففين، آية: 14.
(2) سورة يس، آية: 52.(2/566)
832 [ومن لدنه فى الضّمّ أسكن مشمّه
ومن بعده كسران عن شعبة اعتلا]
أى أسكن ضم الدال فى حال كونك مشمه، فالهاء فى مشمه للضم، والكسران فى النون والهاء، وهذا معنى قول صاحب التيسير: قرأ أبو بكر من لدنه بإسكان الدال وإشمامها شيئا من الضم، وبكسر النون والهاء، ويصل الهاء بياء، وكذا قال صاحب الروضة: إشمامها شيئا من الضم، وصرح الأهوازى فقال باختلاس ضمة الدال، وأما مكى فقال: الإشمام فى هذا إنما هو بعد الدال، لأنها ساكنة فهى بمنزلة دال زيد المرفوع فى الوقف، وليس بمنزلة الإشمام فى سيئت وقيل لأن هذا متحرك، ولم يذكر الشيخ فى شرحه غير هذا القول، فقال: حقيقة هذا الإشمام أن يشير بالعضو إلى الضمة بعد إسكان الدال، ولا يدركه الأعمى لكونه إشارة بالعضو من غير صوت، قال أبو على: وهذا الإشمام ليس فى حركة خرجت إلى اللفظ، وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة ليعلم أن الأصل كان فى الدال الضمة، فأسكنت كما أسكنت الباء فى سبع، والكسر من النون لالتقاء الساكنين وكسرت الهاء بعدها لأجل كسرة النون، نحو: به، ومن أجله.
833 [وضمّ وسكّن ثمّ ضمّ لغيره ... وكلّهم فى الها على أصله تلا]
أى ضم الدال وسكن النون، ثم ضم الهاء لغير شعبة، وأما حكم الهاء فى الضم والكسر والصلة فعلى ما عرف من أصولهم فى باب هاء الكناية، فتكسر الهاء وتصلها بياء فى قراءة شعبة، لأجل كسر ما قبلها، وتضم الهاء فى قراءة غيره لعدم الكسر قبلها، وابن كثير وحده يصلها بواو كما يقرأ منهو وعنهو والباقون يضمون ولا يصلون كما يقرءون منه وعنه.
834 [وقل مرفقا فتح مع الكسر (عمّ) هـ
وتزور للشّامى كتحمرّ وصّلا]
أى عم مرفقا فتح فى الميم مع الكسر فى الفاء، والباقون بعكس ذلك: كسروا الميم وفتحوا الفاء، وهما لغتان فى مرفق اليد، وفيما يرتفق به، وقيل: هما لغتان فيما يرتفق به، وأما مرفق اليد فبكسر الميم وفتح الفاء لا غير، وتزور ظاهر.
835 [وتزّاور التّخفيف فى الزّاى (ث) أبت
(وحرميّ) هم ملّئت فى اللّام ثقّلا]
أصله تتزاور، فمن شدد أدغم التاء الثانية فى الزاى، ومن خفف حذفها كما مضى فى نحو تنزل الملائكة وتذكرون وهما وقراءة ابن عامر سواء: الكل بمعنى العدول والانحراف، والتخفيف والتشديد فى ملئت لغتان ففي التشديد تكثير.
836 [بورقكم الإسكان (ف) ى (ص) فو (ح) لوه
وفيه عن الباقين كسر تأصّلا]
يعنى أن الأصل كسر التاء، والإسكان تخفيف نحو كبد وفخذ، والورق: الفضة، ويقال له الرقة أيضا.(2/567)
835 [وتزّاور التّخفيف فى الزّاى (ث) أبت
(وحرميّ) هم ملّئت فى اللّام ثقّلا]
أصله تتزاور، فمن شدد أدغم التاء الثانية فى الزاى، ومن خفف حذفها كما مضى فى نحو تنزل الملائكة وتذكرون وهما وقراءة ابن عامر سواء: الكل بمعنى العدول والانحراف، والتخفيف والتشديد فى ملئت لغتان ففي التشديد تكثير.
836 [بورقكم الإسكان (ف) ى (ص) فو (ح) لوه
وفيه عن الباقين كسر تأصّلا]
يعنى أن الأصل كسر التاء، والإسكان تخفيف نحو كبد وفخذ، والورق: الفضة، ويقال له الرقة أيضا.
837 [وحذفك للتّنوين من مائة شفا
وتشرك خطاب وهو بالجزم (ك) مّلا]
يريد ثلاثمائة سنين، من حذف التنوين من مائة، أضافها إلى سنين كما يقال ثلاثمائة سنة، وإنما أوقع الجمع موقع المفرد كقوله تعالى {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا} [1].
وقال الفرزدق:
ثلاث مئين للملوك وفى بها ردائي
وقال آخر:
وخمس مئ منها قسى وزائف
ونحو ذلك نحو قول عنترة:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا
فلفظ الحلوبة يستعمل للواحد والجمع، فلما وصفها هنا بالجمع فى قوله سود أشعر ذلك بأنه استعملها جمعا، فيكون التمييز بالجمع فى موضع المفرد، وهو الأصل، بدليل أن مميز العشرة فما دونها مجموع، وإنما أفرد فيما عدا ذلك اختصارا لما كثر المعدود، قال الفراء: من العرب من يضع سنين فى موضع سنة، وأما من نون ثلاثمائة: فسنين عنده إما تمييز منصوب، كقوله إذا عاش الفتى مائتين عاما، ووجه جمعها ما سبق، وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من ثلاث، فهو على هذه الأوجه منصوب، وإما أن يكون عطف بيان أو بدلا من مائة، فيكون مجرورا وقيل البدل أجود من عطف البيان، لأن عطف البيان من النكرة غير سائغ عند البصريين، أى ولبثوا فى كهفهم سنين ثلاث مائة، قال الزجاج سنين عطف على ثلاث: عطف البيان والتوكيد، قال:
وجائز أن يكون سنين من نعت المائة، وهو راجع فى المعنى إلى ثلاث، كما قال:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا
فجعل سودا نعتا لحلوبة، وهو فى المعنى نعت لجملة العدد، وكذا قال أبو جعفر النحاس: الخفض رد على مائة، لأنها بمعنى مائتين، وقال الفراء: من نون وهو يريد الإضافة نصب سنين بالتفسير للعدد، ونقل الزمخشرى فى مفصله عن أبى إسحاق أنه قال: لو انتصب سنين على التمييز لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسع مائة سنة، فكأنه قصد بذلك الرد على الفراء، وهو غير لازم، لأن قراءة الإضافة لا تشعر بذلك وسنقرر ذلك فى شرح النظم إن شاء الله، وأما ولا تشرك فى حكمه أحدا فقراءة ابن عامر بلفظ النهى، وهو ظاهر، وقراءة الباقين على الإخبار على لفظ الغيبة، أى ولا يشرك الله أحدا فى حكمه، وقوله خطاب أى ذو خطاب، والله أعلم
__________
(1) سورة الكهف، آية: 104.(2/568)
838 [وفى ثمر ضمّيه يفتح عاصم
بحر فيه والإسكان فى الميم حصّلا]
معنى الكلام فى ثمر بضم الثاء والميم وفتحهما فى سورة الأنعام، وزاد هنا إسكان الميم تخفيفا، وكل ذلك لغات، وقوله: بحرفيه، بمعنى موضعيه فى هذه السورة، وكان له ثمر وأحيط بثمره وقد تقدم ذكر الذى فى يس فى سورة الأنعام، فثمر بضمتين جمع ثمار، وثمار جمع ثمرة، وثمر بفتحتين جمع ثمرة، كبقر فى جمع بقرة، وثمر بسكون الميم جمع ثمرة أيضا، كبدنة وبدن، ويجوز أن يكون مخففا من مضموم الميم الذى هو جمع ثمار، ويجوز أن يكون المضموم الميم مفردا، كعنق وطنب، وقيل الثمرة بالضم المال، وبالفتح المأكول، وقيل: يقال فى المفرد ثمرة بضم الميم، كسمرة، والله أعلم.
839 [ودع ميم خيرا منهما (ح) كم (ث) أبت
وفى الوصل لكنّا فمدّ (ل) هـ (م) لا]
يريد خيرا منهما منقلبا: أى من الجنتين، ومنها على إسقاط الميم، رد على قوله وخل جنته والميم ساقطة فى الرسم من مصاحف العراق دون غيرها، وعلى ذلك قراءة الفريقين، وحكم ثابت بالضم، على تقدير، هو حكم ثابت، ويجوز نصبه على أنه مصدر مؤكد نحو صبغة الله وصنع الله وأما لكنا هو الله فأجمعوا على إثبات ألفه فى الوقف، واختلفوا فى الوصل، فأثبتها ابن عامر إجراء للوصل مجرى الوقف، وحذفها الباقون، لأن هذه الألف هى ألف أنا. وقد تقدم فى سورة البقرة أنها تحذف فى الوصل دون الوقف، ونافع أثبتها وصلا، وقيل الهمزة خاصة، قالوا: وأصل هذه الكلمة: لكن أنا، بإسكان النون من لكن، وبعدها ضمير المتكلم، منفصلا مرفوعا، وهو: أنا، فألقيت حركة همزة أنا على نون لكن، فانفتحت وحذفت الهمزة، فاتصلت النونان فأدغمت الأولى فى الثانية، وحذفت ألف أنا فى الوصل، على ما عرف من اللغة، وثبت فى الوقف، وخرّجوا على هذا التقدير قول الشاعر:
وتقليننى لكن إياك لا أقلى
أى لكن أنا، قال الزجاج: إثبات ألف أنا فى الوصل شاذ، ولكن من أثبت فعلى الوقف، كما يثبت الهاء فى قوله ماهيه وكتابيه.
وأجاز أبو على أن يكون الضمير المتصل بلكن، مثل المنفصل الذى هو نحن، نحو لم يعننا، فأدغمت نون لكن فيها، فالألف ثابتة وقفا ووصلا، لأن ألف فعلنا لا تحذف، قال: وعاد الضمير على الضمير الذى دخلت عليه، لكن على المعنى، ولو عاد على اللفظ لكان لكنا هو الله ربنا، قال الزجاج فأما لكنا هو الله ربى فهو الجيد بإثبات الألف، لأن الهمزة قد حذفت من أنا، وصار إثبات الألف عوضا من الهمزة، قال: وقرئ لكن بإسكان النون، ولكنن بنونين بلا إدغام، لأن النونين من كلمتين ولكننا بنونين وألف، قال: والجيد البالغ ما فى مصحف أبى لكن أنا هو الله ربى فهذا هو الأصل وجميع ما قرئ به جيد بالغ، ولا أنكر القراءة بهذا، والأجود اتباع القراءة ولزوم الرواية، فإن القراءة سنة، وكلما كثرت الرواية فى الحرف، وكثرت به القراءة، فهو المتبع، وما جاز فى العربية ولم يقرأ به قارئ فلا نقر أنّ به، فإن القراءة به بدعة، وكل
ما قلت به الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل فى الشذوذ، فلا ينبغى أن يقرأ به، قال أبو عبيد، وكتبت لكنا يعنى بألف قال: هكذا، ورأيتها فى المصحف الذى يقال: إنه الإمام: مصحف عثمان، والفاء فى قوله فمد زائدة وملا جمع ملاءة أشار إلى حججه وعلله، وقد سبق تفسيره.(2/569)
وأجاز أبو على أن يكون الضمير المتصل بلكن، مثل المنفصل الذى هو نحن، نحو لم يعننا، فأدغمت نون لكن فيها، فالألف ثابتة وقفا ووصلا، لأن ألف فعلنا لا تحذف، قال: وعاد الضمير على الضمير الذى دخلت عليه، لكن على المعنى، ولو عاد على اللفظ لكان لكنا هو الله ربنا، قال الزجاج فأما لكنا هو الله ربى فهو الجيد بإثبات الألف، لأن الهمزة قد حذفت من أنا، وصار إثبات الألف عوضا من الهمزة، قال: وقرئ لكن بإسكان النون، ولكنن بنونين بلا إدغام، لأن النونين من كلمتين ولكننا بنونين وألف، قال: والجيد البالغ ما فى مصحف أبى لكن أنا هو الله ربى فهذا هو الأصل وجميع ما قرئ به جيد بالغ، ولا أنكر القراءة بهذا، والأجود اتباع القراءة ولزوم الرواية، فإن القراءة سنة، وكلما كثرت الرواية فى الحرف، وكثرت به القراءة، فهو المتبع، وما جاز فى العربية ولم يقرأ به قارئ فلا نقر أنّ به، فإن القراءة به بدعة، وكل
ما قلت به الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل فى الشذوذ، فلا ينبغى أن يقرأ به، قال أبو عبيد، وكتبت لكنا يعنى بألف قال: هكذا، ورأيتها فى المصحف الذى يقال: إنه الإمام: مصحف عثمان، والفاء فى قوله فمد زائدة وملا جمع ملاءة أشار إلى حججه وعلله، وقد سبق تفسيره.
840 [وذكّر تكن (ش) اف وفى الحقّ جرّه
على رفعه (ح) بر (س) عيد (ت) أوّلا]
يريد {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ} تذكير الفعل وتأنيثه ظاهران، وأما هنالك الولاية لله الحق فجر الحق على أنه صفة لله، ورفعه على أنه صفة للولاية، والحق: مصدر، فالوصف به على تقدير ذى الحق، وذات الحق، ويشهد لقراءة الجر: قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، هنالك الولاية لله وهو الحق وقوله تعالى {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللََّهِ مَوْلََاهُمُ الْحَقِّ} ويشهد لقراءة الرفع قراءة أبى هنالك الولاية الحق لله، وقوله سبحانه الملك يومئذ الحق للرحمن قال الفراء: والولاية الملك، ولو نصب الحق على معنى حقا كان صوابا، قال أبو على:
ومعنى وصف الولاية بالحق، أنه لا يشوبها غيره، ولا يخاف فيها ما فى سائر الآيات من غير الحق، وقول الناظم: وفى الحق جره، مبتدأ وخبره، ثم استأنف على رفعه حبر، أى عالم، سعيد، نعت حبر تأول للرفع ما ذكرناه، والله أعلم.
841 [وعقبا سكون الضّمّ (ن) صّ (ف) تى ويا
نسيّر والى فتحها (نفر) ملا]
يريد وخير عقبا ضم القاف وإسكانها لغتان، وهى العاقبة والعقبى والعقبة، ومعناها الآخرة، وأما ويوم نسير الجبال فقرأه على البناء للمفعول نفر ملا، وهو جمع ملى، وهو الثقة، ثم ذكر تمام تقييد القراءة، فقال:
842 [وفى النّون أنّث والجبال برفعهم
ويوم يقول النّون حمزة فضّلا]
أنث أى اجعل دلالة التأنيث موضع النون، وهى التاء، وإنما نص على النون لتعلم قراءة الباقين، ولو لم يذكر ذلك لأخذ التذكير ضدا للتأنيث، ورفع الجبال لأنه مفعول فعل ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون بالنون وكسر الياء، ونصب الجبال لأنه مفعول فعل مسند للفاعل، وقد شرح بمعنى القراءة الأولى فى:
{(وَسُيِّرَتِ الْجِبََالُ فَكََانَتْ سَرََاباً} [1] {وَإِذَا الْجِبََالُ} [2] سُيِّرَتْ).
وقد نسب السير إلى الجبال فى يوم تمور السماء مورا، وتسير الجبال سيرا ويقوى النون فى نسير قوله تعالى بعده وحشرناهم فلم نغادر والضمير فى برفعهم عائد على نفر ويوم بقول نادوا شركائى الياء فيه لله تعالى والنون للعظمة، وفضلها حمزة فقرأ بها:
__________
(1) سورة النبأ، آية: 20.
(2) سورة التكوير، آية: 3.(2/570)
843 [لمهلكهم ضمّوا ومهلك أهله
سوى عاصم والكسر فى اللّام (ع) وّلا]
يريد ضم الميم فى وجعلنا لمهلكهم موعدا ما شهدنا مهلك أهله (1) فى سورة النمل. وكلهم سوى عاصم ضموا الميم وفتحوا اللام، لأنه يعنى الإهلاك، وفعله أهلك، نحو:
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [2] وعاصم فتح الميم، فيكون من الهلاك، وفعله هلك، والمصدر مضاف إلى الفاعل، وعلى قراءة الضم إلى المفعول، ويجوز أن يكون المفتوح الميم بمعنى المضموم، فقد قيل: إن هلك استعمل لازما ومتعديا، نحو رجع ورجعته، وفتح اللام مع فتح الميم قراءة أبى بكر عن عاصم، وهى أشبع اللغتين، وكسر اللام رواية حفص عن عاصم، ونظيره مرجع ومحيض، والفتح هو الباب والقياس ومعنى عوّل جوز أى عوّل عليه.
844 [وها كسر أنسانيه ضمّ لحفصهم
ومعه عليه الله فى الفتح وصّلا]
أضاف ها إلى الكسر لما كان الكسر فيها، وقصرها ضرورة، ويجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس، أراد وكسر هاء أنسانيه ضم، والضم هو الأصل فى هاء الضمير على ما سبق تقريره فى باب هاء الكناية وهذا حكم من أحكام ذلك الباب، ومثله ما يأتى فى أول طه.
{(لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [3]).
ووجه الكسر فيهما مجاورة الهاء للياء الساكنة والكسرة: نحو فيه وبه، وقوله فى آخر البيت وصلا، ذكره الشيخ بفتح الواو والصاد، أى وصله حفص بما قبله، وبضم الواو وكسر الصاد، أى وصل ذلك ونقل له.
845 [لتغرق فتح الضّمّ والكسر غيبة
وقل أهلها بالرّفع (ر) اويه (ف) صّلا]
يعنى فتح ضم الياء وكسر الراء، وغيبة: حال أى ذا غيبة، وفتح خبر لتغرق أى هو مفتوح الضم والكسر فى حال غيبته، أى بالياء مكان التاء، أسند الفعل إلى الأهل فارتفع الأهل بالفاعلية، أى ليغرقوا، وفى القراءة الأخرى أسند الفعل إلى المخاطب، فانتصب أهلها على أنه مفعول به واللام فى ليغرق لام العاقبة على القراءتين، ومعنى فصل: بين، والله أعلم:
846 [ومدّ وخفّف ياء زاكية (س) ما
ونون لدنّى خفّ (ص) احبه إلى]
__________
(1) الآية: 49.
(2) سورة يونس، آية: 13.
(3) الآية: 10.(2/571)
أراد نفسا زاكية وكلتا القراءتين ظاهرة: الزاكى والزكى واحد، ومثل هاتين القراءتين ما سبق فى المائدة قاسية وقسية وقوله قد بلغت من لدنى عذرا تشديد نونه، من جهة أن نون لدن ساكنة، الحق بها نون الوقاية لتقى نونها من الكسر الواجب قبل ياء المتكلم فى الحروف الصحيحة، كما فعل ذلك في من وعن محافظة على سكونها، فاجتمع نونان، فأدغمت نون لدن فى نون الوقاية، ونافع لم يلحق نون الوقاية فانكسرت نون لدن وإذا كان قد حذفها من أتحاجوني وتبشرون مع كونها قد اتصلت بنون رفع الفعل، فحذفها من هذا أولى، وإلى فى آخر البيت: واحد الآلاء، وهى: النعم، قال الجوهرى: واحدها ألى بالفتح، وقد نكسر وتكتب بالياء، مثاله: معى وأمعاء، وإعراب صاحبة مبتدأ وإلى خبره، أى ذو إلى، أى ذو نعمة، ويجوز أن يكون صاحب فاعل خف، وإلى حال، أى ذا نعمة، ثم بين قراءة أبى بكر فقال.
847 [وسكّن وأشمم ضمة الدّال (ص) ادقا
تخذت فخفّف واكسر الخاء (د) م (ح) لا]
أى سكن الدال تخفيفا كما تسكن عضد وسبع، وأهل هذه اللغة يكسرون نون لدنّ لالتقاء الساكنين فلم يحتج شعبة إلى إلحاق نون الوقاية، لأن نون لدنّ مكسورة فلهذا جاءت قراءته بتخفيف النون، واما إشمامه ضمة الدال فللدلالة على أن أصلها الضم، وفى حقيقة هذا الإشمام من الخلاف ما سبق فى من لدنه فى أول السورة، وصرح ابن مجاهد هنا بما صرح به صاحب التيسير ثم، فقال: يشم الدال شيئا من الضم، وقال هناك بإشمام الدال الضمة، وفسره أبو على بأنه تهيئة العضو لإخراج الضمة، وصاحب التيسير قال: هنا أبو بكر بإسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون، وقال هناك: وإشمامها شيئا من الضم، ونقل الشيخ فى شرحه عنه أنه قال يجوز أن يكون هنا الإشارة بالضمة إلى الدال فيكون إخفاء لا سكونا، ويدرك ذلك بحاسة السمع، وقال الشيخ يشمها الضم على ما تقدم فى من لدنه من الإشارة بالعضو.
قلت: وجه اختلاس الضمة هنا أظهر منه هناك، من جهة أن كسر النون هناك، إنما كان لالتقاء الساكنين، فلو لم تكن الدال ساكنة سكونا محضا لم يحتج إلى كسر النون، وبقيت على سكونها، وهنا كسر النون لأجل إيصالها بياء المتكلم، كما أن نافعا يكسرها مع إشباعه لضمة الدال، غير أن الظاهر أن قراءته فى الموضعين واحدة، وقد بان أن الصواب ثم الإشارة بالعضو، فكذا هنا، والله أعلم.
وأما لتّخذت عليه أجرا فخفف التاء وكسر الخاء ابن كثير وأبو عمرو فيكون الفعل تخذ مثل علم، قال أبو عبيد هى مكتوبة هكذا، وهى لغة هذيل، وقرأ الباقون بتشديد التاء وفتح الخاء، فيكون الفعل اتخذ نحو اتخذوا أيمانهم جنة واتخذوا آياتى ورسلى هزوا وذلك كثير فى القرآن ماضيه ومضارعه نحو ومن الناس من يتخذ وتلك اللغة لم يأت مضارعها فى القرآن، ولا ماضيها فى غير هذا الموضع، وإعراب قوله: دم حلا، كإعراب دم يدا، أى ذا حلا، أو يكون تمييزا، نحو: طب نفسا، والله أعلم.
848 [ومن بعد بالتّخفيف يبدل هاهنا
وفوق وتحت الملك (ك) افيه (ظ) لّلا]
أى من بعد لتخذت أن يبدلهما ربهما وفوق الملك وتحتها: يعنى: سورتى التحريم، ونون: أن يبدله أزواجا.
{(عَسى ََ رَبُّنََا أَنْ يُبْدِلَنََا} [1]).(2/572)
848 [ومن بعد بالتّخفيف يبدل هاهنا
وفوق وتحت الملك (ك) افيه (ظ) لّلا]
أى من بعد لتخذت أن يبدلهما ربهما وفوق الملك وتحتها: يعنى: سورتى التحريم، ونون: أن يبدله أزواجا.
{(عَسى ََ رَبُّنََا أَنْ يُبْدِلَنََا} [1]).
فحذف الناظم المضاف إليه بعد فوق اكتفاء بذكره له بعد تحت، ومثله: بين ذراعى وجبهة الأسد، قال أبو على: بدل وأبدل يتقاربان فى المعنى، كما أن نزل وأنزل، كذلك، إلا أن بدل ينبغى أن يكون أرجح لما جاء فى التنزيل من قوله:
{(لََا تَبْدِيلَ لِكَلِمََاتِ اللََّهِ} [2]).
ولم يجيء فيه الإبدال، وقال وإذا بدلنا آية مكان آية.
{(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [3] {وَبَدَّلْنََاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [4]).
وسيأتى ذكر الخلاف فى الذى فى سورة النور:
{(وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} [5]).
قال الشيخ والهاء فى كافيه عائدة على يبدل بالتخفيف فى المواضع الثلاثة، وإنما ظلل لأنه بإجماع من أهل للعربية لا مطعن فيه، لأنه فى المواضع الثلاثة تبديل الجوهرة بأخرى، وإنما تكلم النحاة فى قراءة التشديد، لأنهم زعموا أن التشديد إنما يستعمل فى تغير الصفة دون الجوهر.
قلت: هذا قول بعضهم، وليس بمطرد، وقد رده أبو على، وقال المبرد يستعمل كل واحد منهما فى مكان الآخر، والله أعلم.
849 [فأتبع خفّف فى الثّلاثة (ذ) اكرا
وحامية بالمدّ (صحبت) هـ (ك) لا]
أى خفف الباء من فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين فهذا معنى قوله فى الثلاثة، والأولى أن يقرأ أول بيت الشاطبى، وأتبع خفف بالواو، وتكون الواو للعطف أنث للفصل، ويقع فى كثير من النسخ فأتبع بالفاء، وليس جيدا إذ ليس الجميع بلفظ فأتبع بالفاء، إنما الأول وحده بالفاء، والآخران خاليان منهما، ولم ينبه على قطع الهمزة، ولا بد منه فليته قال، وأتبع كل اقطع هنا خفف ذاكر، أى كله وذهب التنوين لالتقاء الساكنين، والتخفيف والتشديد لغتان، وهما بمعنى تبع كعلم، قال الله تعالى:
{(فَمَنْ تَبِعَ هُدََايَ)}.
فى البقرة، وقال فى طه:
__________
(1) سورة التوبة، آية: 36.
(2) سورة النور، آية: 55.
(3) سورة البقرة، آية: 59.
(4) سورة البقرة، آية: 38.
(5) سورة سبأ، آية: 16.(2/573)
{(فَمَنِ اتَّبَعَ} وقال {فَأَتْبَعَهُ شِهََابٌ ثََاقِبٌ} [1] {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [2]).
وهذه المواضع مجمع عليها، واختلف هنا وفى الذى فى آخر الأعراف والشعراء، وقيل اتبع يتعدى إلى لمفعولين، بدليل:
{(وَأَتْبَعْنََاهُمْ فِي هََذِهِ الدُّنْيََا لَعْنَةً} [3]).
فالتقدير أتبع أمره سببا، وقيل: اتبع الحق واتبع بمعنى، واختار أبو عبيد قراءة التشديد، قال: لأنها من المسير إنما هى افتعل من قولك: تبعت القوم وأما الاتباع بهمز الألف، فإنما معناه اللحاق كقولك:
{(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} {فَأَتْبَعَهُ شِهََابٌ)}.
ونحوه واختار الفراء قراءة التخفيف فقال أتبع أحسن من اتبع، لأن اتبعت الرجل إذا كان يسير وأنت تسير وراءه. فإذا قلت اتبعته فكأنك قفوته، قال أبو جعفر النحاس وغيره: الحق أنهما لغتان بمعنى السير، فيجوز أن يكون معه اللحاق وأن لا يكون:
قلت ومعنى الآية وآتيناه من كل شيء أى من أسباب كل شيء: أراده من أغراضه، ومقاصده فى ملكه سببا طريقا موصلا إليه: والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم، أو قدرة، وآلة: فأراد بلوغ المغرب:
{(فَأَتْبَعَ سَبَباً)}.
يوصله إليه:
(حتّى بلغ).
وكذلك أراد بلوغ المشرق.
{(فَأَتْبَعَ سَبَباً)}.
وأراد بلوغ السدين.
{(فَأَتْبَعَ سَبَباً)}.
هذه عبارة الزمخشرى فى ذلك وقال أبو على:
{(وَآتَيْنََاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)}.
بالخلق إليه حاجة سببا أى علما ومعونة له على ما مكناه فيه، فاتجه فى كل وجه وجهناه له، وأمرناه به، للسبب، الذى ينال به صلاح ما مكن منه، وقوله.
__________
(1) سورة الصافات، آية: 10.
(2) سورة الشعراء، آية: 60.
(3) سورة القصص، آية: 42.(2/574)
(فى عين حامية).
هذه القراءة بزيادة ألف بعد الحاء، وبياء صريحة بعد الميم أى حارة من حميت تحمى فهى حامية قال أبو على:
ويجوز أن تكون فاعلة من الحمأة، فخففت الهمزة بقلبها ياء محضة، قلت: لأنها مفتوحة، بعد مكسورة، فإبدالها ياء، هو قياس تخفيفها على ما سبق فى باب وقف حمزة. وفى هذا الوجه، جمع بين معنى القراءتين كما يأتى، ثم تمم الكلام فى بيان هذه القراءة فى البيت الآتى، وأخبر عن لفظ صحبة بقوله: كلا أى حفظ، كما أخبر عنها فيما تقدم بقوله: «تلا وفى موضع آخر «ولا» لأنه مفرد:
850 [وفى الهمز ياء عنهم و (صحاب) هم
جزاء فنوّن وانصب الرّفع وأقبلا]
فالقراءة الأخرى بالقصر والهمز حمئة أى فيها الحمأة، وهو الطين الأسود. وروى أن معاوية: سأل كعبا أين تجد الشمس تغرب فى التوراة. فقال: فى «ماء وطين» وفى رواية: فى «حمأة وطين» وفى أخرى فى طينة سوداء، أخرجهن أبو عبيد فى كتابه، وروى فى شعر تبع فى ذى القرنين.
فرأى مغيب الشمس عند مائها ... فى غير ذى خلب دثاط حرمد
أى فى عين ماء ذى طين، وحمأ أسود قال الزجاج: يقال حميت البئر فهى حمئة، إذا صار فيها الحمأة:
ومن قرأ حامية بغير همز، أراد حارة، قال: وقد تكون حارة ذات حمأة يعنى جمعا بين القراءتين. وقرأ مدلول صحاب (فله جزاء الحسنى) أى: فله الحسنى جزاء، فجزاء مصدر منصوب، فى موضع الحال. المعنى فله الحسنى مجزية، أو مجزيا بها. والمراد بالحسنى على هذه القراءة الجنة، وقرأ الباقون بإضافة جزاء إلى الحسنى.
قال الفراء: الحسنى حسناته فله جزاؤها، وتكون الحسنى الجنة، ويضيف الجزاء إليها وهى هو، كما قال «دين القيمة» ولدار الآخرة. وقال أبو على: له جزاء الخصال الحسنة التى أتاها وعملها، واختار أبو عبيد قراءة النصب، وقال أبو على قال أبو الحسن: هذا لا تكاد العرب تتكلم مقدما إلا فى الشعر، وقول الناظم «وأقبلا» أراد وأقبلن، فأبدل من نون التأكيد الخفيفة ألفا.
851 [(على ح) قّ السّدّين سدّا (صحاب حق
ق الضّمّ مفتوح ويس (ش) د (ع) لا]
رمز فى المواضع الثلاثة لمن فتح السين فيها، والفتح، والضم، لغتان، فموضعان منها هنا حتى إذ بلغ بين السدين {(عَلى ََ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنََا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)} والذى فى يس: موضعان:
{(وَجَعَلْنََا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [1]).
أى الضم مفتوح فيهما، وفى يس، ولولا أن الخلاف فى السين واقع بين الضم، والفتح، دون الرفع، والنصب، لكان قوله: على حق السدين موهما، أنه بالضم لإطلاقه ويكون قوله: الضم مفتوح مختصا بسدا ولكن ما ذكره فى الخطبة من قوله: وفى الرفع، والتذكير، والغيب، مختص بالرفع، والرفع غير الضم
__________
(1) سورة يس، آية: 9.(2/575)
على ما سبق بيانه هنا لك رشد علا، من شاد البناء، اذا رفعه، وطلاه باتشيد، وهو الجص: وعلا: جمع عليا أو مفرد.
852 [ويأجوج مأجوج اهمز الكلّ (ن) اصرا
وفى يفقهون الضّمّ والكسر (ش) كلّا]
يعنى بالكل هنا: وفى الأنبياء، وهما اسمان أعجميان، لطائفتين عظيمتين، قيل لا يموت الواحد منهم حتى يخلف من صلبه ألفا، ومصداق هذا م الحديث الصحيح، لما ذكر نعت النار. قال إن منكم واحدا، ومن يأجوج ومأجوج ألفا. وقيل: يأجوج اسم لذكرانهم ومأجوج اسم لأناثهم، وهما على أوزان كثير من أعلام العجمة. كطالوت، وجالوت، وداود، وهاروت، وماروت، فالألف فيهما كالألف فى هذه الأسماء وأما همز هذه الألف فلا وجه له عندى، إلا اللغة المحكية عن العجاج، أنه كان يهمز العالم، والخاتم، وقد حاول جماعة من أئمة العربية لهما اشتقاقا كما يفعلون ذلك فى نحو آدم، ومريم، وعيسى، على وجه الرياضة فى علم التصريف، والا فلا خفاء أنها كلها أعجمية، وهذه طريقة الزمخشرى وغيره من المحققين. وأقرب ما قيل فى اشتقاقها، أن يأجوج من الأج، وهو الاختلاط وسرعة العدو، أو من أجيج النار، فوزن يأجوج يعفول، ومأجوج معفول، فيكون الهمز فيهما هو الأصل، وتركه من باب تخفيف الهمز، وقيل ماجوج من ماج يموج اذا اضطرب، ويشهد لهذه المعانى ما وصفهم الله تعالى به، فإفسادهم فى الأرض على وجه القهر والغلبة، يشبه تأجج النار والتهابها عاصية على موقدها، وكونهم «من كل حدب ينسلون» يناسب سرعة العدو، وكون بعضهم «يموج فى بعض» هو الاختلاط، فالمانع لهما من الصرف، هو العجمة مع العلمية، وإن قبل هما عربيان، فالتأنيث عوض العجمة، لأنهما اسمان لقبيلتين، ويفقهون بفتح الياء والقاف. أى لا يفقهون لجهلهم بلسان من يخاطبهم، وبضم الياء وكسر القاف لا يفهمون غيرهم قولا لعجمة ألسنتهم، فالمفعول الأوّل محذوف نحو: {(لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً)} أو الألف فى شكلا للضم، والكسر، أى: جعلا شكلا فى يفقهون:
853 [وحرّك بها والمؤمنين ومدّه
خراجا (ش) فا واعكس فخرج (ل) هـ (م) لا]
خراجا مفعول حرك: أى بهذه السورة، وبسورة المؤمنين أراد فتح الراء، ومد ذلك الفتح فيصير ألفا، والقراءة الأخرى بإسكان الراء: لأنه ضد التحريك، وإذا بطلت الحركة بطل مدها، والخرج والخراج واحد، كالنول والنوال. أى جعلا يخرج من الأموال، فالذى هنا {«فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً»} والذى فى المؤمنين {«أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} [1]» وقوله: واعكس فخرج يعنى الثانى فى سورة المؤمنين {«فَخَرََاجُ رَبِّكَ} [1] خَيْرٌ» أى اقرأه لابن عامر وحده بالإسكان، والقصر. أى ما يعطيه الله سبحانه خير مما يعطيه هؤلاء. فقد صار فى حرفى المؤمنين ثلاث قراءات، مدهما لحزة، والكسائى، وقصرهما لابن عامر، ومد الأول وقصر الثانى للباقين، وأما مد الأوّل وقصر الثانى فلا والله أعلم. وقد مضى معنى ملا وأنه جمع ملاءة وهى المحفة، ويمكن به الحجة لأنها جبة وسترة:
__________
(1) سورة المؤمنون، آية: 72.(2/576)
854 [ومكّننى أظهر (د) ليلا وسكّنوا
مع الضّمّ فى الصّدفين عن شعبة الملا]
دليلا حال من مكننى: أى أظهره دليلا على أن القراءة الأخرى بالإدغام، هذا أصلها، النون الأولى من أصل الفعل، والثانية نون الوقاية، فلما اجتمع المثلان ساغ الإدغام، والاظهار، ورسم فى مصحف أهل مكة بنونين، وفى غيره بنون واحدة، فكل قراءة على موافقة خط مصحف، وقال الشيخ: دليلا حال من الضمير فى أظهر المرفوع، أو المنصوب، أو على أنه مفعول. وقوله وسكنوا يعنى المشايخ، والرواة سكنوا الدال وضموا الصاد ناقلين ذلك عن شعبة، ووجه الإسكان التخفيف لاجتماع ضمتين كما فى قراءة غيره كما يأتى، وأضاف شعبة إلى الملإ وهم الأشراف فلهذا جره وإلا فشعبة غير منصرف، كذا ذكره الشيخ فى شرحه، ويجوز أن يكون غير منصرف، ولم يصفه إلى الملا ويكون الملا فاعل، وسكنوا على لغة أكلونى البراغيث فيكون فيه من البحث ما فى قوله تعالى:
{(عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [1]).
وقوله سبحانه:
{(وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [2]).
والملا ليس برمز مع شعبة، لأن الرمز لا يجتمع مع مصرح باسمه، ولكنه مشكل من جهة ما بعده فإن قوله: كما حقه رمز. ولا مانع من أن يكون الملا منضما إلى ذلك رمزا للقراءة الآتية، إلا كونه أضاف شعبة إليه.
وفى ذلك نظر، وكان يمكنه أن يقول عن شعبة ولا، والله أعلم:
855 [(كما حقّ) هـ واهمز مسكّنا
لدى ردما ائتونى وقبل اكسر الولا]
الهاء فى حقه، وضماه للفظ الصدفين، أى إنه يستحق فى الأصل ضمين، هذا معنى ظاهر اللفظ، وباطنه أن ابن عامر، وابن كثير، وأبا عمرو قرءوا بضم الصاد والدال معا، والكاف فى كما، نحو: التى فى قوله تعالى:
{(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصََارَهُمْ كَمََا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ} [3]).
فما بعدها علة لما قبلها فى الموضعين، والضمان علة الإسكان، وقرأ الباقون وهم نافع، وحمزة، والكسائى، وحفص، بفتحهما فالفتح فيهما والضم لغتان، والإسكان لغة ثالثة. والمعنى بالصدفين ناحيتا الجبلين المرتفعين المتقابلين، وقوله واهمز مسكنا أى ائت بهمزة ساكنة فى لفظ «ردما ائتونى» وقد لفظ فى نظمه بصورة القراءة المقصودة، وكسر التنوين قبلها، وهو المراد بقوله: وقبل اكسر، أى وقبل هذا الهمز الساكن اكسر ما وليه ودنا منه، وهو التنوين. وإنما كسره لأنه التقى مع الهمز الساكن، أى اكسر ذا الولاء يقال: والى ولاء:
__________
(1) سورة المائدة، آية: 71.
(2) سورة الأنبياء، آية: 21.
(3) سورة الأنعام، آية: 110.(2/577)
وفعلته على الولاء، أى شيئا بعد شيء، والى هذا. هذا أى اتصل به ويقع فى بعض النسخ اكسروا بضمير الجمع ولا حاجة إليه، والإفراد أولى لقوله قبله واهمز، ويأتى، وابدأ، وزد فى البيتين الباقيين، ووجه هذه القراءة أنها من أتى يأتى، أى «جيئونى بزبر الحديد» وحذفت الباء فتعدى الفعل فنصب، قال أبو على: «ايتونى» أشبه بقوله:
{(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)}.
لأنه كلفهم المعونة على عمل السد، ولم يقبل الخراج الذى بذلوه له، فقوله: «ائتونى» الذى معناه «جيئونى» إنما هو معونة على ما كلفهم من قوله: «فأعينونى بقوة» ثم ذكر من له هذه القراءة فقال:
856 [لشعبة والثّانى (ف) شا (ص) ف بخلفه
ولا كسر وابدأ فيهما الياء مبدلا]
الثانى قوله:
قال (ائتونى أفرغ عليه).
سكن الهمزة حمزة، وعن شعبة خلاف، فكأنه فى أحد الوجهين: جمع بين القراءتين فى الموضعين، وهذا الموضع الثانى ليس قبله تنوين ولا ساكن غيره، فلهذا قال: ولا كسر، إنما قبله فتحة لام، قال والمعنى فى الموضع الثانى كما سبق فى الأول، والياء محذوفة من قطرا، إن كان مفعوله، وإن كان قطرا مفعول أفرغ، فالتقدير «ائتونى بقطر» أفرغه عليه، فحذف الأول لدلالة الثانى عليه، ولم يحتج قطرا المذكور إلى باء، لأنه مفعول أفرغ، فهذا بيان هذه القراءة فى الموضعين فى حال الوصل، ثم شرع يبين الابتداء بالكلمتين على تقدير الوقف قبلها، فقال: وابدأ فيهما أى فى الموضعين بإبدال الباء من الهمزتين، لأن فى كل موضع همزة ساكنة بعد كسر همزة الوصل، فوجب قلبها ياء كما يفعل فى «ائت بقرآن» فهذا معنى قوله:
857 [وزد قبل همز الوصل والغير فيهما
بقطعهما والمدّ بدءا وموصلا]
أى قبل هذه الياء المبدلة من الهمزة الساكنة زد همزة الوصل المكسورة ليمكن النطق بالياء الساكنة قال الفراء: قول حمزة صواب من وجهين، يكون مثل أخذت الخطام، وأخذت بالخطام، ويكون على ترك الهمزة الأولى فى أتونى، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية، قلت لهذا وجه آخر لأن المقتضى لإبدال الثانية ألفا اجتماعها مع الأولى، فإذا حذفت الأولى انهمزت الثانية، وهو مثل ما قيل فى قراءة قالون «عاد الولى» فى أحد الوجهين، وينبغى على هذا الوجه إذا ابتدأت أن تقيد الهمزة المفتوحة التى حذفت فهى أولى من اجتلاب همزة وصل، والله أعلم، ثم بين قراءة باقى القراء فقال: والغير يعنى غير حمزة وشعبة فيهما، أى فى الموضعين بقطعهما، أى بقطع الهمزتين ولم يبين فتحهما، لأن فعل الأمر لا يكون فيه همزة قطع إلا مفتوحة، ثم قال: والمد أى
وبالمد بعد همزة القطع وبدأ وموصلا، حالان. أى هذه قراءة غيرهما بادئا، وواصلا لا يختلف الحال فى ذلك. ومعنى هذه القراءة من الإيتاء وهو الإعطاء، فمعنى آتونى، أعطونى، وهو يحتمل المناولة والاتهاب، وقام الدليل على أنه لم يرد الاتهاب لامتناعه عن أخذ الخرج، فتعينت الإعانة بالمناولة وتحصيل الأدلة والله أعلم.(2/578)
857 [وزد قبل همز الوصل والغير فيهما
بقطعهما والمدّ بدءا وموصلا]
أى قبل هذه الياء المبدلة من الهمزة الساكنة زد همزة الوصل المكسورة ليمكن النطق بالياء الساكنة قال الفراء: قول حمزة صواب من وجهين، يكون مثل أخذت الخطام، وأخذت بالخطام، ويكون على ترك الهمزة الأولى فى أتونى، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية، قلت لهذا وجه آخر لأن المقتضى لإبدال الثانية ألفا اجتماعها مع الأولى، فإذا حذفت الأولى انهمزت الثانية، وهو مثل ما قيل فى قراءة قالون «عاد الولى» فى أحد الوجهين، وينبغى على هذا الوجه إذا ابتدأت أن تقيد الهمزة المفتوحة التى حذفت فهى أولى من اجتلاب همزة وصل، والله أعلم، ثم بين قراءة باقى القراء فقال: والغير يعنى غير حمزة وشعبة فيهما، أى فى الموضعين بقطعهما، أى بقطع الهمزتين ولم يبين فتحهما، لأن فعل الأمر لا يكون فيه همزة قطع إلا مفتوحة، ثم قال: والمد أى
وبالمد بعد همزة القطع وبدأ وموصلا، حالان. أى هذه قراءة غيرهما بادئا، وواصلا لا يختلف الحال فى ذلك. ومعنى هذه القراءة من الإيتاء وهو الإعطاء، فمعنى آتونى، أعطونى، وهو يحتمل المناولة والاتهاب، وقام الدليل على أنه لم يرد الاتهاب لامتناعه عن أخذ الخرج، فتعينت الإعانة بالمناولة وتحصيل الأدلة والله أعلم.
858 [وطاء فما اسطاعوا لحمزة شدّدوا
وأن ينفد التّذكير (ش) اف تأوّلا]
يريد {(فَمَا اسْطََاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ)}.
أى طاء هذه اللفظة، فقيده بالفاء، لأن الذى بعده بالواو، وطاء منصوب، لأنه مفعول «شدوا، والأصل استطاعوا، فقراءة الجماعة بحذف التاء. وروى عن حمزة إدغامها فى الطاء. قال ابن مجاهد: هو رديء، لأنه جمع بين ساكنين. وقال الزجاج من قرأ بإدغام التاء فى الطاء فلاحن مخطئ، زعم ذلك النحويون، الخليل، ويونس، وسيبويه، وجميع من قال بقولهم: لأن السين ساكنة، فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين، فإن قال اطرح حركة التاء على السين فخطأ أيضا. لأن سين استفعل لم تحرك قط.
قلت: إنما قال ذلك. لأنه لا يتحقق محض الإدغام إلا بتحريك السين. قال أبو جعفر النحاس: حكى أبو عبيد: أن حمزة كان يدغم التاء فى الطاء، ويشدد الطاء. قال أبو جعفر النحاس: ولا يقدر أحد أن ينطق به، لأن السين ساكنة، والتاء المدغمة ساكنة. قال سيبويه: هذا محال. وقال الجوهرى: فى باب روم من جمع بين الساكنين فى موضع لا يصح فيه اختلاس الحركة فهو مخطئ، كقراءة حمزة «فما اسطاعوا، لأن سين الاستفعال لا يجوز تحريكها بوجه من الوجوه، وأما.
{(وَمَا اسْتَطََاعُوا لَهُ نَقْباً)}.
فلم يختلفوا فى إظهار التاء فيها. وأما التذكير فى «أن تنفد كلمات ربى» والتأنيث فظاهران، وتأولا تمييز.
859 [ثلاث معى دونى وربّى بأربع
وما قيل إن شاء المضافات تجتلا]
ثلاث مبتدأ، وهو مضاف إلى كلمة معى، وما بعد ثلاث عطف عليه. والمضافات خبر المبتدأ أو هو مبتدأ، وثلاث خبره مقدم عليه. أى الياءات المضافة فى هذه السورة تجتلى، أى تكشف فى هذه الكلمات، وهى «معى» ثلاث مواضع يريد «معى صبرا» فتحهن حفص وحده «من دونى أولياء» فتحها نافع وأو عمرو «وربى» فى أربع كلمات «قل ربى أعلم بعدتهم فعسى ربى أن يؤتين بربى أحدا ولولا إذ دخلت بربى أحدا ولم تكن له فئة» فتح الأربع الحرميان، وأبو عمرو، وقوله: وما قبل إن شاء، أى والذى قبل قوله إن شاء الله وهو «ستجدنى إن شاء الله صابرا» فتحها نافع وحده فهذه تسع ياءات إضافة، وفيها سبع زوائد: المهتد، أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو «أن يهدين ربى لأقرب»، «فعسى ربى أن يؤتين» على «أن تعلمنى» أثبتهن فى الوصل أيضا نافع، وأبو عمرو، وأثبتهن فى الحالين ابن كثير، «إن ترن أنا أقل» أثبتها فى الوصل أبو عمرو،
وقالون، وأثبتها فى الحالين ابن كثير «ما كنا نبغ فارتدا» أثبتها فى الحالين ابن كثير، وفى الوصل نافع، وأبو عمرو، والكسائى، «فلا تسألن عن شيء» أثبتها الجميع فى الحالين، واختلف عن ابن ذكوان فى حذفها وقلت فى ذلك:(2/579)
859 [ثلاث معى دونى وربّى بأربع
وما قيل إن شاء المضافات تجتلا]
ثلاث مبتدأ، وهو مضاف إلى كلمة معى، وما بعد ثلاث عطف عليه. والمضافات خبر المبتدأ أو هو مبتدأ، وثلاث خبره مقدم عليه. أى الياءات المضافة فى هذه السورة تجتلى، أى تكشف فى هذه الكلمات، وهى «معى» ثلاث مواضع يريد «معى صبرا» فتحهن حفص وحده «من دونى أولياء» فتحها نافع وأو عمرو «وربى» فى أربع كلمات «قل ربى أعلم بعدتهم فعسى ربى أن يؤتين بربى أحدا ولولا إذ دخلت بربى أحدا ولم تكن له فئة» فتح الأربع الحرميان، وأبو عمرو، وقوله: وما قبل إن شاء، أى والذى قبل قوله إن شاء الله وهو «ستجدنى إن شاء الله صابرا» فتحها نافع وحده فهذه تسع ياءات إضافة، وفيها سبع زوائد: المهتد، أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو «أن يهدين ربى لأقرب»، «فعسى ربى أن يؤتين» على «أن تعلمنى» أثبتهن فى الوصل أيضا نافع، وأبو عمرو، وأثبتهن فى الحالين ابن كثير، «إن ترن أنا أقل» أثبتها فى الوصل أبو عمرو،
وقالون، وأثبتها فى الحالين ابن كثير «ما كنا نبغ فارتدا» أثبتها فى الحالين ابن كثير، وفى الوصل نافع، وأبو عمرو، والكسائى، «فلا تسألن عن شيء» أثبتها الجميع فى الحالين، واختلف عن ابن ذكوان فى حذفها وقلت فى ذلك:
زوائدها سبع فلا تسألن أن ... تعلمنى نبغى وإن ترنى تلا
ويهدنى ربى هذا المهتدى ومن ... ويؤتينى خيرا فصادفت منهلا(2/580)
زوائدها سبع فلا تسألن أن ... تعلمنى نبغى وإن ترنى تلا
ويهدنى ربى هذا المهتدى ومن ... ويؤتينى خيرا فصادفت منهلا
سورة مريم عليها السلام
860 [وحرفا يرث بالجزم (ح) لو (ر) ضى وقل
خلقت خلقنا (ش) اع وجها مجمّلا]
يريد «يرثنى ويرث» الجزم على جواب «هب لى» والرفع على أن يكون صفة «لوليا» أى وليا وارثا للعلم والنبوّة، ومثله «فأرسله معى ردأ يصدقنى» يقرأ أيضا بالجزم والرفع، والأقل على الجزم فى «يرث» وعلى الرفع فى «يصدقنى» وأجمعوا على رفع:
{(أَنْزِلْ عَلَيْنََا مََائِدَةً مِنَ السَّمََاءِ تَكُونُ لَنََا} [1]).
واستبعد أبو عبيد: قراءة الجزم: وقال الذى يجزم يريد الشرط أى إنك إذا وهبت لى وليا ورثنى، فكيف يخبر بهذا زكرياء ربه، وهو أعلم به منه، وجوابه أن من يطلب من الأنبياء ولدا من الله سبحانه لا يطلبه إلا صالحا، فهذه الصفة مقدرة، فجزم بالوراثة بناء على ظاهر الحال نحو:
{(أَخِّرْنََا إِلى ََ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ)}.
ثم وجه الجزم مراعاة لفظ الأمر، وإن لم تكن الوراثة لازمة من الهبة، فهذا أقوى من الجزم فى مثل:
{(وَقُلْ لِعِبََادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)}.
ونحوه وقال أبو على: أوقع العام موقع الخاص، وأراد بالولى وليا وارثا: وقول الناظم «حاو رضى» خبر قوله وحرفا * فإن قلت الخبر مفرد، والمبتدأ مثنى، فكيف يسوغ هذا * قلت من وجوه: [أحدها أن التقدير ولفظ حرفى يرث بالجزم حلو، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه [والثانى التقدير كل واحد منهما حلو،] والثالث تنزيل لحرفين منزلة حرف واحد فكأنه قال: ويرث فى الموضعين حلو، وأنشد النحاة على ذلك:
وكان فى العين حب قرنفل ... أو سنبلا كحلت به فانهلت
والرابع مجموع قوله حلو رضى خبر عن الحرفين، أى هذا حلو، وهذا رضى. ويلزم من انصاف أحدهما بأحد الوصفين اتصافه بالآخر من حيث المعنى: فإن الحلو مرضى، والمرضى حلو، ويجوز وجه خامس أن يكون بالجزم خبر حرفا أى مستقران بالجزم كما تقول الزيدان بالدار. ثم قال حاو أى الجزم فيهما حلو رضى. وأما:
{(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ)}.
بالتاء وبنون العظمة فظاهر ونصب وجها على التمييز مجملا نعته.
__________
(1) سورة إبراهيم، آية: 44.(2/581)
861 [وضمّ بكيّا كسره عنهما وقل
عتيّا صليّا مع جثيّا (ش) ذا (ع) لا]
أى عن حمزة والكسائى، ووافقهما حفص على كسر «عتيا. وصليا، وجثيا» فبكيا وجثيا جمعا باك، وجاث، «وعتيا وصليا» مصدرا عتى، وصلى، وأصل الجمع فعول، وبكيا، وصليا لا مهما ياء ويجب إدغام واو فعول فيها، لأن اجتماع واو وياء. وقد سبقت أحدهما بالسكون موجب لذلك بعد قلب الواو ياء، كقولهم طيا وليا. فإذا انقلبت واو فعول ياء وجب كسر ما قبلها، لأن ياء ساكنة قبلها ضمة غير موجود فى اللغة فصار بكيا، وصليا على لفظ قراءة الجماعة ومن كسر الياء والصاد فللإتباع وأما عتيا وجثيا فلا مهما واو، وقد رفضوا أن توجد واو متطرفة بعد متحرك، ولم ينظروا إلى حجز واو فعول. ففعلوا فيه ما فعلوا فى نحو:
أدل كسروا ما قبل واو فعول، فانقلبت ياء، فلزم قلب الواو الثانية ياء ثم الإدغام فصار «عتيا وجثيا» ومن كسر العين والجيم فللإتباع. وهذا الصنيع فى الغالب واجب فيما كان جمعا نحو: جثيا وغير لازم فى المصادر نحو: عتيا فيجوز عتوا كقوله تعالى:
{(وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً)}
واختار أبو عبيد قراءة الضم وقال: هى أنصح اللغتين وأفخمها، وتقدير البيت كسر عتيا وما بعده على شذا أى ذو شذا عال، قال: وقد تقدم معنى شذا علا فى مواضع، وأن معنى الشذا الطيب، أو نقية النفس.
862 [وهمز أهب باليا (ج) رى (ح) لو (ب) حره
بخلف ونسيا فتحه (ف) ائز (ع) لا]
يريد {(لِأَهَبَ لَكِ غُلََاماً زَكِيًّا)}.
فالهمز للمتكلم، والياء للرب تعالى، أو لرسوله. وإنما جاز نسبة الهبة إلى الرسول، سواء كان بالهمزة، أو الباء، لكونه أرسل لذلك ويجوز أن تكون الباء بدلا من الهمزة، لأنها همزة مفتوحة بعد مكسور، فقياس تخفيفها قلبها ياء نحو: لئلا فيتفق معنى القراءتين ولفظهما، لأن الهمزة المخففة كالمحققة، وقد كتبت فى المصحف بالألف، وقوله جرى حلو بحره عبارة حسنة والباء من أهب مفتوحة. ولكنه أدغمها فى باء بالياء لما التقى المثلان، كما يدغم أبو عمرو «لذهب بسمعهم» وهذا أولى من حمله على أنه أسكن المتحرك للضرورة، «ونسيا» بالفتح والكسر واحد، وهو الشيء الحقير ينسى، وقيل ما أغفل من شيء حقير. وقيل ما إذا ذكر لم يطلق، والكل متقارب المعنى، وعلا تمييز:
863 [ومن تحتها اكسر واخفض (ا) لدّهر (ع) ن (ش) ذا
وخفّ تساقط (ف) اصلا فتحمّلا]
يريد {(فَنََادََاهََا مِنْ تَحْتِهََا)}.
أى أكسر الميم، واخفض التاء: أى ناداها المولود من تحتها، والقراءة الأخرى بالفتح والنصب: أى ناداها الذى تحتها، ونصب الدهر على الظرف كقوله:(2/582)
863 [ومن تحتها اكسر واخفض (ا) لدّهر (ع) ن (ش) ذا
وخفّ تساقط (ف) اصلا فتحمّلا]
يريد {(فَنََادََاهََا مِنْ تَحْتِهََا)}.
أى أكسر الميم، واخفض التاء: أى ناداها المولود من تحتها، والقراءة الأخرى بالفتح والنصب: أى ناداها الذى تحتها، ونصب الدهر على الظرف كقوله:
(إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ):
وقوله عن شذا: أى عن ذى شذا، وفى لفظ تساقط قراءات كثيرة المشهور منها فى طريقة الناظم ثلاث «تساقط» بتشديد السين، والأصل يتساقط فأدغمت التاء الثانية فى السين، هذه قراءة الجميع غير حمزة، وحفص. وأما حمزة فحذف التاء فخففت السين، وقراءة حفص فى البيت الآتى، وقول الناظم: وخف تساقط تساقط فاعل خف، وفاصلا حال من تساقط يعنى أنه فصل بين المفعول وهو رطبا، وبين العامل فيه وهو «هزى» وهذا قول المبرد فى ما حكاه الزجاج وغيره عنه. ولهذا قال فتحملا: أى تحمله النحويون عنه، أو تحملوا ذلك، وجوّزوه لخفته فى الفصل. وقال الزمخشرى «رطبا» تمييز أو مفعول على حسب القراءة، يعنى على قراءة حفص ونحوها.
ثم قال: وعن المبرد جواز انتصابه «بهزى» وليس «بذاك» وقال أبو على: فاعل تساقط النخلة أو جذعها، ثم حذف المضاف فأسند الفعل إلى النخلة، ويكون سقوط الرطب من الجذع أنه لها، «ورطبا» منصوب على أنه مفعول به، ويجوز أن يكون فاعل تساقط ثمرة النخلة، ورطبا حال وإن لم يجر للثمرة ذكر، فلفظ النخلة يدل عليها، والباء فى بجذع زائدة مثل: ألقى بيده قال: ويجوز أن يكون المعنى «وهزى إليك» بهز جذع النخلة رطبا، أى إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا، فإذا هززت الرطب سقط، قلت يعنى هزى إليك رطبا بسبب هزك للجذع، وهذا تقرير المعنى الذى ذهب إليه المبرد، والله أعلم.
864 [وبالضّمّ والتّخفيف حفصهم
وفى رفع قول الحقّ نصب (ن) د (ك) لا]
أى ضم الياء، وخفف السين، وكسر القاف: أى تساقط النخلة رطبا، فرطبا مفعول به، ونصب قول الحق على أنه مصدر مؤكد لقوله.
{(ذََلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)}.
أى قلت قول الصدق، أى قولا صدقا حقا، وقيل هو نصب على المدح، والحق اسم الله تعالى، والرفع على تقدير هو قول الحق: أى عيسى كلمة الله، أو هذا الكلام قول الحق أى الصدق، أو كلام الله الذى هو الحق المبين، وقوله نصب ند، أى قارى، هذه صفته. يقال فلان ند أى جواد، وكلا حفظ وحرث.
865 [وكسر وأنّ الله (ذ) اك وأخبروا
بخلف إذا ما متّ (م) فين وصّلا]
الكسر على الاستئناف، أو عطف على قوله {(إِنِّي عَبْدُ اللََّهِ)}.
والفتح على تقدير ولأن:(2/583)
865 [وكسر وأنّ الله (ذ) اك وأخبروا
بخلف إذا ما متّ (م) فين وصّلا]
الكسر على الاستئناف، أو عطف على قوله {(إِنِّي عَبْدُ اللََّهِ)}.
والفتح على تقدير ولأن:
{(اللََّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ)}.
أو عطف على:
{(وَأَوْصََانِي بِالصَّلََاةِ وَالزَّكََاةِ)}.
وبأن {(اللََّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ)}.
وقوله {(ذََلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)} إلى قوله {(كُنْ فَيَكُونُ)} كلام معترض، وقوله: ذاك من ذكا الطيب يذكوا إذا فاحت ريحه، أى وجه الكسر بين ظاهر، وأخبروا يعنى الرواة باختلاف بينهم عن ابن ذكوان، وموفين، جمع موف، ووصلا، جمع واصل هما حالان من فاعل أخبروا، يريد قوله تعالى:
{(أَإِذََا مََا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ)}.
قراءة الجماعة بالاستفهام الذى يقال على وجه الإنكار، وهم على أصولهم فى ذلك فيما يتعلق بتحقيق لهمزة الثانية وتسهيلها، وإدخال الألف بين الهمزتين. وروى عن ابن ذكوان حذف همزة الإنكار وهى مرادة فى المعنى، وله نظائر ومثل هذا يعبر عنه بالإخبار، لأنه على لفظ الخبر المحض، ويجوز أن يكون حكاية منه للفظ الذى قيل له بعينه كما قال لسوف، وليس، بموضع تأكيد بالنسبة إلى حال هذا المنكر، وإنما كأنه قبل له «لسوف تخرج حيا إذا ما مت» فحكى هذا اللفظ منكرا له: وقد تقدم تقدير أن ضد الأخبار عند الناظم الاستفهام فى سورة الأعراف، والرعد، والله أعلم:
866 [وننجّى خفيفا (ر) ض مقاما بضمّه
(د) نا رءيا ابدل مدغما (ب) اسطا (م) لا]
ذكر فى هذا البيت ثلاثة أحرف، ننجى، مقاما، رئيا، وننجى مفعول رض، وخفيفا حال منه، ومقاما مبتدأ، ورئيا مفعول أبدل، وفتح التنوين من رئيا بإلقاء حركة همزة أبدل عليه، ومدغما باسطا حالان من فاعل أبدل، وملا مفعول باسطا، وسبق تفسير ملا، والتخفيف والتشديد فى «ثم ننجى الذين اتقوا» لغتان. وقد سبق ذكر ذلك فى مواضع، والمقام بالضم الإقامة، وموضعها وبالفتح القيام، أو موضعه، والخلاف فى هذه السورة فى قوله تعالى:
{(خَيْرٌ مَقََاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)}.
وسيأتى الخلاف فى الذى بالأحزاب، والدخان. ولا خلاف فى ضم الذى فى آخر الفرقان، وأما رئيا فى قوله:
{(هُمْ أَحْسَنُ أَثََاثاً وَرِءْياً)}.
فأبدل قالون، وابن ذكوان، همزه ياء لسكونه وكسر ما قبله، كما يفعل حمزة فى الوقف، فالتقى ياءان
فأدغم الأولى فى الثانية، وهو أحد الوجهين لحمزة، وقد سبق توجيههما فى باب وقف حمزة، وضعف مكى وجه الإدغام نظرا إلى أن أصل الباء الهمزة، وكما أن حمزة لا يدغم رئيا إذا خفف همزها فى الوقف، وواجب فى غير ذلك إدغام الواو الساكنة قبل الياء، ويمكن الفرق بأن التقاء المثلين أثقل من التقاء واو وياء، على أنه قد قيل فى قراءة من لم يهمز وأدغم إنها من الرى، وهو يستعار لمن ظهر عليه أثر النعمة، فلا يكون فى الكلمة إبدال، ولذلك امتنع السوسى من إبدال همزها، وقد تقدم، والله أعلم.(2/584)
فأبدل قالون، وابن ذكوان، همزه ياء لسكونه وكسر ما قبله، كما يفعل حمزة فى الوقف، فالتقى ياءان
فأدغم الأولى فى الثانية، وهو أحد الوجهين لحمزة، وقد سبق توجيههما فى باب وقف حمزة، وضعف مكى وجه الإدغام نظرا إلى أن أصل الباء الهمزة، وكما أن حمزة لا يدغم رئيا إذا خفف همزها فى الوقف، وواجب فى غير ذلك إدغام الواو الساكنة قبل الياء، ويمكن الفرق بأن التقاء المثلين أثقل من التقاء واو وياء، على أنه قد قيل فى قراءة من لم يهمز وأدغم إنها من الرى، وهو يستعار لمن ظهر عليه أثر النعمة، فلا يكون فى الكلمة إبدال، ولذلك امتنع السوسى من إبدال همزها، وقد تقدم، والله أعلم.
867 [وولدا بها والزّخرف اضمم وسكّنن
(ش) فاء وفى نوح (ش) فا حقّه ولا]
هنا أربعة مواضع:
{(لَأُوتَيَنَّ مََالًا وَوَلَداً} {وَقََالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمََنُ وَلَداً} {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمََنِ وَلَداً} {وَمََا يَنْبَغِي لِلرَّحْمََنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً)}.
وفى الزخرف:
{(قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ} [1]).
أى ضم الواو وسكن اللام لحمزة، والكسائى، والباقون بفتحهما وهما لغتان نحو: العرب والعرب، والعجم والعجم وقيل: ولدا بالضم جمع ولد بالفتح، كأسد وأسد، ووافق ابن كثير، وأبو عمرو لحمزة والكسائى على ضم الذى فى نوح، وهو:
{(وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مََالُهُ وَوَلَدُهُ} [2]).
وقوله وسكنا أدخل نون التأكيد الخفيفة فى فعل الأمر، ويجوز كتابتها بالألف اعتبارا بحالة الوقف عليها، فإنها بالألف، وشفا حال، أى ذا شفاء، وولا فى آخر البيت بالفتح وهو تمييز أو حال، أى ذا ولاء. أو ومفعول شفا كما تقول: شفى الله فلانا، أى شفى الحق ولاء، وذكر الشيخ أن ولا هاهنا بالفتح، والكسر.
قلت: الكسر بعيد فإنه سيأتى بعد بيت واحد، «حلا صفوه» ولا بالكسر، فلا حاجة إلى تكرار القافية على قرب من غير ضرورة.
868 [وفيها وفى الشّورى يكاد (أ) تى (ر) ضا
وطا يتفطّرن اكسروا غير أثقلا]
التذكير، والتأنيث. فى يكاد السموات فى السورتين أمرهما ظاهر، سبقت أمثاله، ورضا حال. أى أتى التذكير ذا رضى، أى مرضيا. لأن تأنيث السموات غير حقيقى، وطا يتفطرن مفعول اكسروا، وقصره ضرورة. وقوله غير أثقلا حال من الطاء: أى غير مشدد أثقل بمعنى ثقيلا. ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال:
__________
(1) آية: 81.
(2) سورة نوح، آية: 21.(2/585)
869 [وفى التّاء نون ساكن (ح) جّ (ف) ى صع (ا)
(ك) مال وفى الشّورى (ح) لا (ص) فوه ولا]
أى وفى موضع التاء نون ساكن، فيصير ينفطرن مضارع انفطر، والقراءة الأخرى مضارع تفطر، وانفطر، وتفطر، مطاوعا فطرته فطّرته وكلاهما بمعنى شققته، وفى التشديد معنى التكرير، والتكثير والمبالغة، وأكثر ما جاءنى القرآن مخففا نحو:
{(إِذَا السَّمََاءُ انْفَطَرَتْ} [1] {السَّمََاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [2] {فََاطِرُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [3]).
ولكن هنا المقصود تعظيم أمر قولهم وتهويله. فناسب التشديد، والأكثر على التشديد فى الشورى: لم يخفف غير أبى بكر، وأبى عمرو، وولا فى آخر البيت بالكسر، ومعناه المتابعة، وهو تمييز أو حال كما سبق فى قوله: شفا حقه ولا. لكن لا يستقيم هنا أن يكون مفعولا به، لأن حلا فعل لازم بخلاف شفا فى ذلك البيت وصفا فى قوله صفا كمال ممدود، وقصره الناظم ضرورة، والله أعلم 870 [وراءى واجعل لى وإنّى كلاهما
وربّى وآتانى مضافاتها الولا]
فيها ست ياءات إضافة:
{(مِنْ وَرََائِي وَكََانَتِ)}.
فتحها ابن كثير وحده:
{(اجْعَلْ لِي آيَةً)}.
فتحها نافع وأبو عمرو:
{(إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمََنِ)}.
{(إِنِّي أَخََافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذََابٌ)}.
فتحهما الحرميان، وأبو عمر:
{(سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ)}.
فتحها نافع، وأبو عمرو:
{(آتََانِيَ الْكِتََابَ)}.
سكنها حمزة وحده، وقوله: مضافاتها خبر قوله «وراءى» وما بعده، والولاء جمع الولياء، والولياء، تأنيث الأولى، أى الولا بالضبط والحفظ، ومعرفة الخلف فيها، والله أعلم.
__________
(1) سورة الانفطار، آية: 1.
(2) سورة المزمل، آية: 18.
(3) سورة الشورى، آية: 11.(2/586)
سورة طه
871 [لحمزة فاضمم كسرها أهله امكثوا
معا وافتحوا إنّى أنا (د) ائما (ح) لا]
قصر لفظ «ها» ضرورة، وقوله «معا» أى هنا، وفى القصص، وقد تقدم أن الضم هو الأصل فى هاء الكناية، وإنما الكسر لأجل كسر ما قبلها، وأما فتح:
{(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)}.
فعلى تقدير «نودى موسى» بكذا، والكسر هنا أولى، وعليه الأكثر لقوله: يا موسى، فصرح بلفظ النداء فكان الكسر بعده واضحا نحو:
{(يََا زَكَرِيََّا إِنََّا نُبَشِّرُكَ} [1]).
{(يََا مَرْيَمُ إِنَّ اللََّهَ اصْطَفََاكِ} [2]).
وليس مثل الذى فى آل عمران:
{(فَنََادَتْهُ الْمَلََائِكَةُ)}.
{(أَنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ََ)}.
فليس ثم لفظ النداء، فأمكن تقدير فنادته بكذا، قال أبو علىّ: من كسر فلان الكلام حكاية، كأنه نودى فقيل:
{(يََا مُوسى ََ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)}.
فالكسر أشبه بما بعده مما هو حكاية، وذلك قوله:
{(إِنَّنِي أَنَا اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنَا)}.
وقوله: {(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ)}.
فهذه كلها حكاية، فالأشبه أن يكون قوله:
{(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)}.
كذلك أيضا. وقول النظم دائما حال من مفعول افتحوا، وحلا تمييز: أى دائما حلاه، أو حال من فاعل دائما. أى دائما ذا حلا، ويجوز أن يكون دائما نعت مصدر، أى فتحا دائما، والله أعلم.
__________
(1) سورة مريم، آية: 7.
(2) سورة آل عمران، آية: 42.(2/587)
872 [ونوّن بها والنّازعات طوى (ذ) كا
وفى اخترتك اخترناك (ف) از وثقّلا]
طوى مفعول نوّن، ووجه تنوينه ظاهر، لأنه اسم واد، وهو مذكر مصروف، ومن لم ينونه لم يصرفه جعله اسما لبقعة، أو لأرض، أو هو معدول عن طاو، تقديرا كعمر عن عامر. واختار أبو عبيد صرفه، وقال عجبت ممن أجرى سبا، وترك إجراء طوى، وذلك أثقل من هذا، وقرأ حمزة وحده «وأنا اخترناك» بضمير الجمع فى الكلمتين للتعظيم، والباقون «وأنا اخترتك» بضمير التكلم المفرد، ومفعول قوله: وثقلا أول البيت الآتى أى شدّد لفظ وأنا.
873 [وأنا وشام قطع اشدد وضمّ فى اب
تدا غيره واضمم وأشركه (ك) لكلا]
أى وقراءة ابن عامر قطع همزة «اشدد به أزرى» قرأه بهمزة مفتوحة جعله فعلا مضارعا مجزوما: على جواب الدعاء فى قوله:
{(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي)}.
أى أشدد أنا، ولزم فتح الهمزة لأنها همزة متكلم من فعل ثلاثى كقولك أضرب أنا وأخرج وأذهب، وقراءة الباقين على الدعاء، وهمزته همزة وصل مضمومة إذا ابتدئ بالكلمة ضمت، وإذا وصلت الكلمة بما قبلها سقطت، لأنه أمر من فعل ثلاثى كما تقول: يا زيد اخرج وادخل. فهذا معنى قوله: وضم فى ابتداء غيره، أى ضم الهمزة، وابن عامر يفتحها وصلا ووقفا، لأنها همزة قطع وأما «وأشركه فى أمرى» فالقراءة فيه كما مضى من حيث المعنى بالعطف عليه، فالهمزة فى قراءة ابن عامر للمتكلم، إلا أن فعلها رباعى فلزم ضم الهمزة كما لزم، وأحسن أى أشدد أنا به أزرى وأشركه أنا أيضا فى أمرى، وقراءة الجماعة على أنه دعاء معطوف على على اشدد: طلب من الله سبحانه أن يشد به أزره، وأن يشركه فى أمره، ولفظ الأمر من الرباعى بفتح الهمزة وقطعها نحو أكرم زيدا وأحسن إليه. قال أبو على: الوجه الدعاء دون الإخبار لأن ذلك معطوف على ما تقدمه من قوله.
{(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)}.
فكما أن ذلك كله دعاء فكذلك ما عطف عليه، فأما الإشراك فيبعد فيه الحمل على غير الدعاء، لأن الإشراك فى النبوّة لا يكون إلا من الله تعالى، اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذى هو غير النبوّة، وإنما ينبغى أن تكون النبوّة لقوله:
{(فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [1]).
وقوله {(كَيْ نُسَبِّحَكَ)}.
__________
(1) سورة القص، آية: 34(2/588)
كالجواب بعد هذه الأشياء التى سألها، فأما أشدد به أزرى، فحمله على الإخبار أسهل. وقول الناظم كلكلا بدل من قوله: وأشركه بدل البعض من الكل والكلكل الصدر أى اضمم صدره وهو الهمزة:
874 [مع الزّخرف اقصر بعد فتح وساكن
مهادا (ث) وى واضمم سوى (ف) ى (ن) د (ك) لا]
أى اقصر مهادا بعد فتح ميمه وإسكان هائه فيصير مهدا، هنا وفى سورة الزخرف.
(الّذى جعل لكم الأرض مهادا (1)).
ولا خلاف فى التى فى عمّ يتساءلون:
{(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهََاداً} [2]).
لتشاكل الفواصل. والمهد والمهاد الشيء الممهد، سموا المفعول بالمصدر: كقوله: فى الدرهم ضرب الأمير أى مضروبه، ومنه تسمية المكتوب كتابا، وفعل وفعال كلاهما مصدر، ومنه مهد الصبى، والفراش، والبساط. قال أبو على: المهد مصدر كالفرش، والمهاد كالفراش فى قوله:
{(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرََاشاً} [3]).
{(وَاللََّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسََاطاً} [4]).
وهما اسم ما يفرش ويبسط، قال ويجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء: فجمع كما يجمع فعل على فعال، ويجوز أن يكون المعنى ذا مهد، فيكون فى المعنى كقول من قال مهادا. ثم قال الناظم: «واضمم سوى» يعنى مكانا سوى، أى عدلا، لا يكون أحد الفريقين فيه أرجح حالا من الآخر. قال أبو عبيد: يضم أوّله ويكسر مثل طوى، وطوى، قال أبو على: سوى فعل من النسوية، فكان المعنى مكانا تستوى مسافته على الفريقين، وهذا بناء يقل فى الصفات، ومثله قوم عدى. فأما فعل فهو فى الصفات أكثر، وقوله فى ند كلا أى: فى قراءة جواد حفظه، وحرسه من الطعن، أو فى مكان ند ذى كلاء، أى كائنا فى خصب، يشير إلى ما قاله أبو على: إن الضم أكثر فى مثل هذا الوزن فى الصفات من الكسر، واختار أبو عبيد قراءة الكسر قال لأنها أفشى اللغتين: ثم بين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فقال:
875 [ويكسر باقيهم وفيه وفى سدى
ممال وقوف فى الأصول تأصّلا]
ممال بمعنى إمالة: فى هذين اللفظين: «سوى وسدى» إمالة فى الوقف لزوال التنوين المانع من إمالتهما وصلا، ثم قال فى الأصول تأصل أى تأصل ذلك وتبين فى باب الإمالة من أبواب الأصول المقدمة قبل السور فى قوله:
«سوى وسدى» فى الوقف عنهم، أى عن صحبة أمالوهما إمالة محضة، وأبو عمرو وورش يقرءانهما بين اللفظين
__________
(1) آية: 10.
(2) آية: 6.
(3) سورة البقرة، آية: 22.
(4) سورة نوح، آية: 19.(2/589)
كغيرهما من رءوس الآى، وإنما ذكر ذلك هنا تجديدا للعهد بما تقدم وزيادة بيان. وتأكيدا لذلك، لئلا يظن أن ضم السين مانع من الإمالة لحمزة وأبى بكر، فقال: أمر الإمالة على ما سبق سواء فى ذلك من كسر السين، وهو الكسائى، ومن ضمها وهو حمزة، وأبو بكر، والله أعلم.
876 [فيسحتكم ضمّ وكسر (صحاب) هم
وتخفيف قالوا إنّ (ع) المه (د) لا]
أى ذو ضم فى الياء، وكسر فى الحاء، وصحابهم فاعل المصدر كأنه قال ضمه وكسره صحابهم: فقراءتهم من أسحت، وفتح غيرهم الياء والحاء، فقراءتهم من سحت وهما لغتان، يقال سحته وأسحته إذا استأصله، وخفف حفص، وابن كثير، إنّ من قوله سبحانه «قالوا إن هذان لساحران» وهذه قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف، فى تأويل رفع هذان بعدها لأن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب فى الإسم نحو:
{(وَإِنْ كُلٌّ لَمََّا جَمِيعٌ} [1]).
{(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمََّا عَلَيْهََا} [2]).
ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، واللام فى الخبر هى الفارقة بين المخففة من الثقيلة، وبين النافية، هذه عبارة البصريين فى كل ما جاء من هذا القبيل نحو:
{(وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكََاذِبِينَ} [3]).
{(وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغََافِلِينَ} [4]).
والكوفيون يقولون: إن نافية، واللام بمعنى إلا. أى ما هذان إلا ساحران وكذلك البواقى فعالم هذه القراءة دلا أى أخرج دلوه ملأى فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره قال الزجاج: روى عن الخليل «إن هذان لساحران» بالتخفيف قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل:
{(إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ)}.
بالتخفيف، قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
877 [وهذين فى هذان (ح) جّ وثقله
(د) نا فاجمعوا صل وافتح الميم (ح) وّلا]
أى وقرأ أبو عمرو: «إن هذين» بنصب «هذين» لأنه اسم إن، فهذه قراءة جلية أيضا، فلهذا قال حج أى غلب فى حجته لذلك، ثم قال: وثقله دنا أى: أن ابن كثير شدد النون من هذان، وهذا قد تقدم ذكره فى النساء، وإنما أعاد ذكره تجديدا للعهد به، وتذكيرا بما لعله نسى كما قلنا فى «سوى وسدى» وأما قراءة
__________
(1) سورة يس، آية: 32.
(2) سورة الطارق، آية: 4.
(3) سورة الأعراف، آية: 66.
(4) سورة يوسف، آية: 3.(2/590)
غير أبى عمرو، وابن كثير، وحفص، فبتشديد إنّ، وهذان بألف. قال أبو عبيد: ورأيتها أنا فى الذى يقال:
إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان بهذا الخط هذان ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين فى جميع ذلك المصحف بإسقاط الألف، فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوهما بالياء، ولا يسقطونها.
قلت: فلهذا قرئت بالألف اتباعا للرسم، واختارها أبو عبيد وقال: لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة. وقال الزجاج، أما قراءة أبى عمرو فلا أجيزها. لأنها خلاف المصحف، وكلما وجدت إلى موافقة المصحف سبيلا لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة وما عليه أكثر القراءة، ولكنى أستحسن إن هذان بتخفيف إن، وفيه إمامان: عاصم، والخليل: وموافقة أبىّ فى المعنى، وإن خالفه اللفظ. يروى عنه أنه قرأ «ما هذان إلّا ساحران» وفى رواية «إن ذان إلا ساحران» قال ويستحسن أيضا:
{(إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ)}.
لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ. قال: وهذا حرف مشكل على أهل اللغة: وقد كثر اختلافهم فى تفسيره.
قلت: مدار الأقوال المنقولة عنهم فى ذلك على وجهين. أحدهما: أن يكون هذان اسما لأن، والآخر:
أن يكون مبتدأ، فإن كان اسما لأن فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب، يقولون هذان فى الرفع، والنصب، والجر، كما يلفظون لسائر الأسماء المقصورة. كعصى، وموسى. وكذا ما معناه التثنية نحو: كلا إذا أضيف إلى الظاهر اتفاقا من الفصحاء، وإلى الضمير فى بعض اللغات. قال الزجاج: حكى أبو عبيد عن أبى الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، إنها لغة كنانة يجعلون ألف الاثنين فى الرفع، والنصب والخفض، على لفظ واحد.
يقولون آتانى الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، ويقولون ضربته من أذناه، ومن يشترى منى الحقان، قال: وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة بنى الحارث ابن كعب، وقال أبو عبيد: كان الكسائى يحكى هذه اللغة عن بنى الحارث بن كعب، وخيثم، وزبيد، وأهل تلك الناحية. وقال الفراء: أنشدنى رجل من الأسد عن بعض بنى الحارث:
فاطرق اطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
قال وحكى عنه أيضا هذا خط يدا أخى أعرفه. قال أبو جعفر النحاس: هذا الوجه من أحسن ما حملت عليه الآية: إذ كانت هذه اللغة معروفة قد حكاها من يرتضى علمه، وصدقه، وأمانته، منهم: أبو زيد الأنصارى وهو الذى يقال إذا قال سيبويه: حدثنى من أثق به فإنما يعنيه، وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة روى عنه سيبويه وغيره وقال غيره هى لغة بنى العنبر، وبنى الهجيم. ومراد وعذرة، وبعضهم يفر من الياء مطلقا فى التثنية، والأسماء الستة، وعلى والى قال الراجز:
أى قلوص راكب تراها ... طاروا على هن فطر علاها
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا فى المجد غايتاها
قال هوير الحارثى: أنشده الكسائى:
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابى التراب عقيم
معناه وإلى موضع هابي التراب أى ترابه، مثل الهباء يريد به القبر، ثم وصفه بأنه عقيم أى لا سكن له بعده وأنشد غيره:(2/591)
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابى التراب عقيم
معناه وإلى موضع هابي التراب أى ترابه، مثل الهباء يريد به القبر، ثم وصفه بأنه عقيم أى لا سكن له بعده وأنشد غيره:
كأن صريف ناباه إذا ... ما أمرهما ترنم أخطبان
وقال أبو حاتم. قال أبو زيد سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا فيقول: جئت إلاك وسلمت علاك * قلت فإذا ثبتت هذه اللغة فقد وجهها النحاة بوجوه منها: ما يشمل جميع مواضع التثنية، ومنها ما يختص باسم الإشارة، قيل شبهت ألف التثنية بألف يفعلان، فلم تغير. وقيل لأن الألف حرف الإعراب عند سيبويه، وحرف الإعراب لا يتغير، وقيل الألف فى هذان هى ألف هذا، وألف التثنية، حذفت لالتقاء الساكنين، وقيل: جعلوا هذان لفظا موضوعا للتثنية مبنيا على هذه الصفة، كما قالوا فى المضمر أنتما وهما، لأن أسماء الإشارة أسماء مبنيات كالمضمرات، فلم تعرب تثنيتهما، وقيل فروا من ثقل الياء إلى خفة الألف، لما لم يكن هنا على حقيقة التثنية بدليل أنه لم يقل ذيان، كما يقال رحيان، وحبليان. وقال الفراء: الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعل، فلما ثنيته زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول فى كل حال، كما قالت العرب الذى ثم زادو نونا تدل على الجمع، فقالوا الذين فى رفعهم، ونصبهم، وخفضهم، كذا تركوا هذان فى رفعه، ونصبه، وخفضه، قلت: وإنما اكتفوا بالنون فى هذين الضربين لأنها لا نحذف لإضافة، ولما كانت النون تحذف من غيرهما للإضافة احتاجوا إلى ألف تبقى دلالة على التثنية قال وكنانة تقول ألذون، وقال النحاس: سألت أبا الحسن بن كيسان عنها فقال سألنى: عنها إسماعيل بن إسحاق فقلت لما كان يقال هذا فى موضع النصب والخفض والرفع على حال واحد، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد: قلت: هذه سبعة أوجه صالحة لتعليل لغة من لا يقلب ألف هذا، وهى مفرقة فى كتب جماعة من المصنفين يوردونها على أنها وجوه فى الاحتجاج لهذه القراءة، وليست الحجة إلا فى كونها لغة لبعض العرب، إذ لو لم يثبت كونها لغة لما ساغ لأحد برأيه أن يفعل ذلك لأجل هذه المعانى أو بعضها فترى بعضهم يقول، فى تقليل هذه القراءة خمسة أقوال، وبعضهم يقول ستة وبعضهم بلغ بها تسعة، وليس لها عندى إلا ثلاثة أقوال ذكرنا منها قولا واحدا وهو: أنها على لغة هؤلاء القوم ووجهنا هذه اللغة بوجوه سبعة، وهذان فيها كلها اسم لأن، القول الثانى أن تكون أن بمعنى نعم. وقد ثبت ذلك فى اللغة كأنهم لما:
{(فَتَنََازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى ََ)}.
أفضى بعضهم إلى بعض ذلك فقال المخاطبون نعم. هو: كما تقولون أو قال لهم فرعون وملؤه:
(هذان ساحران).
فانظروا كيف تصنعون فى إبطال ما جاءا به؟ فقالوا: نعم، ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا:
{(هََذََانِ لَسََاحِرََانِ)}.
وهذا القول محكى عن جماعة من النحاة المتقدمين. قال النحاس: وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل
ابن إسحاق يذهبان، قال ورأيت أبا إسحاق، وأبا الحسن، على بن سليمان يذهبان إليه. قلت: وهذا القول يضعفه دخول اللام فى خبر المبتدإ، فأنشدوا على ذلك أبياتا وقع فيها مثل ذلك، واستنبط الزجاج لها تقديرا آخر وهو:(2/592)
وهذا القول محكى عن جماعة من النحاة المتقدمين. قال النحاس: وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل
ابن إسحاق يذهبان، قال ورأيت أبا إسحاق، وأبا الحسن، على بن سليمان يذهبان إليه. قلت: وهذا القول يضعفه دخول اللام فى خبر المبتدإ، فأنشدوا على ذلك أبياتا وقع فيها مثل ذلك، واستنبط الزجاج لها تقديرا آخر وهو:
لهما ساحران، فتكون داخله على مبتدأ، ثم حذف للعلم به. واتصلت اللام بالخبر دلالة على ذلك، قال:
وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن يزيد يعنى القاضى فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه فى هذا وقال أبو على: هذا تأويل غير مرتضى عندى إذ يقبح أن يذكر التأكيد، ويحذف تفسير المؤكد أو شيء من المؤكد [القول الثالث] قال الزجاج: النحويون القدماء. الهاء هاهنا مضمرة. المعنى «إنّه هذان لساحران».
يعنى إنه ضمير الشأن والجملة بعده مبتدأ وخبر، وفيه بعد من جهة اللام كما سبق، ومن جهة أخرى. وهى حذف ضمير الشأن فذلك ما يجيء إلا فى الشعر ومنهم من قال ضمير الشأن والقصة موجود، وهو أنها ذان فيكون اسم الإشارة خاليا من حرف التنبيه، ولكن هذا يضعفه مخالفة خط المصحف، فبان لمجموع ذلك ضعف هذه القراءة فإنها إن حملت على تلك اللغة فهى لغة مهجورة غير فصيحة، ولأن لغة القرآن خلافها بدليل قوله تعالى:
{(إِحْدَى ابْنَتَيَّ هََاتَيْنِ)}.
وجميع ما فيه من ألفاظ التثنية فإنها إنما جاءت على اللغة الفصيحة التى فى الرفع بالألف، وبالياء فى النصب والجر، وإن حملت على أن إن بمعنى نعم، فهى أيضا لغة قليلة الاستعمال، ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد فى الخبر كما سبق، وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف، ويضعفه أيضا اللام فى الخبر وقراءة هذين بالياء، ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة، لكنها على مخالفة ظاهر الرسم، فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا، إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان والله المستعان، وقول الناظم فأجمعوا صل أى ائت بهمزة الوصل فى قوله تعالى:
(فأجمعوا كيدهم).
وافتح الميم فهو موافق لقوله:
{(فَجَمَعَ كَيْدَهُ)}.
المتفق عليه وقراءة الباقين بهمزة القطع، وكسر الميم من أجمع أمره إذا أحكم، وعزم عليه، وكلاهما متقارب. والذى فى يونس بالقطع:
(فأجمعوا أمركم وشركاؤكم).
وحولا حال وهو العارف بنحو، الأمور والله أعلم.
878 [وقل ساحر سحر (ش) فا وتلقّف ار
فع الجزم مع أنثى يخيّل (م) قبلا]
يريد «إنما صنعوا كيد سحر». أى الذى صنعوه كيد من صانعة السحر، وقرأ حمزة والكسائى «كيد سحر» على تقدير «كيد من سحر» أو «كيد لسحر» نحو باب ساج، وضرب زيد، والتقدير «كيد ذى سحر» أو عبر» عن الساحر بالسحر مبالغة، فيتخذ معنى القراءتين، (وتلقف ما صنعوا).(2/593)
878 [وقل ساحر سحر (ش) فا وتلقّف ار
فع الجزم مع أنثى يخيّل (م) قبلا]
يريد «إنما صنعوا كيد سحر». أى الذى صنعوه كيد من صانعة السحر، وقرأ حمزة والكسائى «كيد سحر» على تقدير «كيد من سحر» أو «كيد لسحر» نحو باب ساج، وضرب زيد، والتقدير «كيد ذى سحر» أو عبر» عن الساحر بالسحر مبالغة، فيتخذ معنى القراءتين، (وتلقف ما صنعوا).
الرفع على الاستئناف، أو فى موضع الحال المقدرة من فاعل ألقى، أو مفعوله. فالتاء للخطاب على الأول، وللتأنيث على الثانى. وإنما أنث والمفعول هو ما بمعنى الذى اعتبارا بالمدلول وهو العصا، وجزم تلقف على جواب الأمر، وهى قراء الجماعة، ولم يرفع غير ابن ذكوان وحده، وهو الذى قرأ نخيل إليه بالتأنيث فقول الناظم «مقبلا» رمز للحرفين تلقف، وتخيل، ومقبلا حال من فاعل ارفع. وأقام قوله أنثى مقام تأنيثا إقامة للاسم مقام المصدر، وهو استعمال بعيد فى مثل هذا، أو أراد مع كلمة أنثى أى مؤنثة: ثم بينها بقوله: نخيل أى هى تخيل، وجعلها أنثى، لما كان التأنيث فيها، ووجه التأنيث أن يكون الضمير فى تخيل للحبال، والعصى.
ويكون قوله: أنها تسعى» بدل اشتمال منه، وعلى قراءة التذكير يكون قوله: «أنها تسعى» وهو مرفوع تخيل أى تخيل إليه سعيها.
879 [وأنجيتكم وأعدتكم ما رزقتكم
(ش) فا لا تخف بالقصر والجزم (ف) صّلا]
يريد:
{(قَدْ أَنْجَيْنََاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوََاعَدْنََاكُمْ} يا بنى إسرائيل كلوا من طيّبات ما رزقناكم).
الكل بنون العظمة فى قراءة الجماعة، وقرأ الثلاثة: حمزة والكسائى، بتاء المتكلم على ما لفظ به الناظم، ولم يبين القراءة الأخرى لظهور أمرها، وأجمعوا على النون فى قوله:
{(وَنَزَّلْنََا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ََ)}.
وهو متوسط بين هذه الكلم، وبه احتج أبو عمرو فى اختيار قراءته، ووافقه أبو عبيد على صحة الاحتجاج، ووجه قراءة التاء قوله بعد ذلك:
{(فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)}.
ولم يقل غضبنا وكل ذلك من باب الالتفات وتلوين الخطاب. وهو باب من أبواب الفصاحة معروف فى علم البيان، وقرأ حمزة وحده:
(لا تخف دركا).
بالجزم على جواب الأمر وهو: قوله:
{(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً} [1]).(2/594)
بالجزم على جواب الأمر وهو: قوله:
{(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً} [1]).
أى إن تضرب لا تخف، ويجوز أن يكون استئناف نهى. ولما سكنت الفاء للجزم سقطت الألف من تخاف لالتقاء الساكنين، فعبر الناظم بالقصر عن حذف الألف، وبالجزم عن سكون الفاء، وقرأ غير حمزة لا تخاف بإثبات الألف، ورفع الفاء، وهو فى موضع الحال. أى اضرب غير خائف ولا خاش، أو يكون مستأنفا، أى لست تخاف ولا تخشى وعلى قراءة الجزم يكون ولا تخشى بعده منقطعا أو مشبع الفتحة لأجل الفاصلة والله أعلم.
880 [وحا فيحلّ الضّمّ فى كسره (ر) ضا
وفى لام يحلل عنه وافى محلّلا]
يريد {(فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ} [2]).
قرأهما الكسائى بضم الحاء من حلّ يحلّ إذا نزل، وغيره بالكسر من حل يحل إذا وجب، من حل الدين يحل. وقد أجمعوا على كسر:
{(أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [3] {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذََابٌ مُقِيمٌ} [4]).
وعلى صم:
{(أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دََارِهِمْ)}.
وأشار بقوله: «واقى محللا» إلى جوازه، وفاعل وافى ضمير عائد على الضم فى كسره. أى وافى ذلك فى لام يحلل أيضا.
881 [وفى ملكنا ضمّ (ش) فا وافتحوا (أ) ولى
(ن) هى وحملنا ضمّ واكسر مثقّلا]
يريد {(مََا أَخْلَفْنََا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنََا)} ضم الميم حمزة والكسائى، وفتحها نافع وعاصم، وكسرها الباقون، فالملك بالضم السلطان، وبالفتح مصدر ملك، وبالكسر ما حازته اليد. أى بسلطاننا أو بأن ملكنا أمرنا أو باختيارنا. واختار أبو عبيد قراءة الكسر، واستبعد الضمة وقال: أى ملك كان لبنى إسرائيل يومئذ، وقوله «أولى نهى» أى أصحاب عقول، وهو حال من فاعل افتحوا أو منادى على حذف حرف الندا، وحملنا، وحملنا بضم الحاء وكسر اليم وتشديدها ظاهران، والله أعلم.
882 [(ك) ما (ع) ند (حرمىّ) وخاطب تبصروا
(ش) ذّا وبكسر اللّام تخلفه (ح) لا]
__________
(1) سورة طه، آية: 77.
(2) سورة طه، آية: 81.
(3) سورة الزمر، آية: 40.
(4) سورة الرعد، آية: 31.(2/595)
هؤلاء هم الذين قرءوا حملنا بالضم والتشديد: أى افعل كما فى مذهب هؤلاء فى هذا الحرف، والغيبة فى يبصروا به لبنى إسرائيل، والخطاب لأجل قوله «فما خطبك» وتبصروا فاعل خاطب لما كان الخطاب فيه، وشذا حال. أى ذا شذا. ثم قال وتخلفه حلا بكسر اللام، أى لا يقدر على إخلافه وبفتح اللام أى لا يخلفك الله إياه ثم قال:
883 [(دراك ومع ياء بننفخ ضمّه
وفى ضمّه افتح عن سوى ولد العلا]
دراك أى أدرك. ومراده لحق بمن سبق. وهو رمز لابن كثير على كسر لام لن تخلفه ثم ذكر يوم ينفخ فى الصور قرأه أبو عمرو بالنون على إسناد الفعل إلى الله تعالى بنون العظمة، أى نأمر بالنفخ فيه، فهو موافق لقوله بعده وعشر، وقرأ الباقون بياء مضمومة وفتح الفاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله، والهاء فى ضمه الأولى للياء، وهو مبتدأ، وما قبله خبره كما تقول مع زيد بالدار غلامه والهاء فى ضمه الثانية للفظ ينفخ يريد ضم الفاء والله أعلم.
884 [وبالقصر للمكّى واجزم فلا يخف
وأنّك لا فى كسره (ص) فوة (ا) لعلا]
يريد {فَلََا يَخََافُ ظُلْماً وَلََا هَضْماً} الجزم على نهى الغائب، والرفع على الإخبار ولا خلاف فى الذى فى سورة الجن:
{(فَلََا يَخََافُ بَخْساً وَلََا رَهَقاً} [1]).
أنه مرفوع، «وأنك لا تظمؤا» بالكسر عطف على «إن لك أن لا تجوع وإن ذلك أن لا تظمأ» وبالفتح عطف على «أن لا تجوع» ولا يلزم من ذلك إدخال إن المكسورة على المفتوحة لأن هذا هنا تقدير ولأن «لك» قد فصل بينهما والله أعلم.
885 [وبالضّمّ ترضى (ص) ف (ر) ضا يأتهم مؤن
نث (ع) ن (أ) ولى (ح) فظ لعلّى أخي حلا]
يريد «لعلك» بضم التاء وفتحها ظاهر وكذا «أو لم يأتهم بينة» بالتاء والياء لأن تأنيث بينة غير حقيقى. أى صف ترضى بالضم إذا رضى ويأتهم مؤنث عن أصحاب حفظ أى منقول عن العلماء الحفاظ، ثم ذكر ياءات الإضافة وهى ثلاث عشرة فى هذه السورة لعلى آتيكم» فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر «أخى اشدد» فتحها ابن كثير وأبو عمرو وقوله حلا: أى ذو حلا، أو يكون أخبر بلفظ الجمع عن الاثنين، لأنهما أقل الجمع على الرأى المختار.
__________
(1) آية: 13.(2/596)
886 [وذكرى معا إنّى معا لى ضعفا؟؟؟ حشر
تنى عين نفسى إنّنى راسى انجلا]
يعنى وأقم الصلاة لذكرى إن الساعة فتحها نافع وأبو عمرو، فى ذكرى اذهبا إنى آنست نار إنى أنا ربك لى أمرى لنفسى اذهب إننى أنا الله فتح الستة هذه الحرميان، وأبو عمرو {(وَلِيَ فِيهََا مَآرِبُ)} فتحها ورش وحفص {(حَشَرْتَنِي أَعْمى ََ)} فتحها الحرميان على عينى إذ تمشى ولا برأسى إنى خشيت فتحهما نافع وأبو عمرو وحذف الياء من «عينى» ضرورة وفيها زائدة واحدة أن لا تتبعن أفعصيت أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو وفى الحالين ابن كثير وقلت فى ذلك:
فتلك ثلاث بعد عشر وزائد ... بتتبعنى الآلات من بعد لفظ لا
أى الذى أتى من بعد لفظ لا(2/597)
فتلك ثلاث بعد عشر وزائد ... بتتبعنى الآلات من بعد لفظ لا
أى الذى أتى من بعد لفظ لا
سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
887 [وقل قال (ع) ن (ش) هد وآخرها (ع) لا
وقل أولم لا واو (د) اريه وصّلا]
أى مقروء قال يريد قل ربى يعلم القول قرأه حمزة والكسائى وحفص على رسمها فى مصاحف الكوفة دون غيرهم، وفى آخر السورة قل رب احكم بالحق قرأه حفص وحده، قال أى قال الرسول، وقل أمر له بذلك ولما أمر به قاله، والواو فى {«أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا»} لم تكتب فى مصاحف أهل مكة، فلم تثبت فى قراءة ابن كثير، وفائدتها العطف، ومعنى «داريه وصلا» أى عالمه وصله، أى نقله وعلمه، والله أعلم.
888 [وتسمع فتح الضّمّ والكسر غيبة
سوى اليحصبى والضّمّ بالرّفع وكّلا]
يريد {وَلََا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعََاءَ} قراءة ابن عامر على الخطاب للنبى صلّى الله عليه وسلم فلزم أن تكون التاء مضمومة، والميم مكسورة، لأنه مضارع اسمع، ونصب لفظ الضم لأنه مفعول به، وغيره جعل الصم فاعلا فرفعه، وأسند نفى السماع إليه، فلزم فتح ضم الياء وكسر الميم، لأنه مضارع سمع، ولزم أن يكون أوله ياء على الغيبة، فقوله غيبة. أى ذا غيبة.
889 [وقال به فى النّمل والرّوم (د) ارم
ومثقال مع لقمان بالرّفع (أ) كملا]
به أى بما ذكرناه دارم. أى شيخ معمر وقد سبق معناه فى سورة النساء. يعنى أن ابن كثير وحده قرأ فى مثل هذا فى النمل، والروم بما قرأ به الجماعة هنا، ووافق الباقون لابن عامر على ما قرأ به وحده هنا، وأما وإن كان مثقال حبة وفى لقمان:
{(يََا بُنَيَّ إِنَّهََا إِنْ تَكُ مِثْقََالَ حَبَّةٍ} [1]).
فرفعه نافع وحده فى الموضعين على أن «كان» تامة، كما قرأ هو وابن كثير فى سورة النساء:
{(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضََاعِفْهََا} [2]).
وكما أجمعوا على وإن كان ذو عسرة والنصب على أنه خبر كان، والتقدير، وإن كان الشيء مثقال حبة وفى لقمان تك المظلمة مثقال. وعلى قراءة نافع يكون تأنيث الفعل على المعنى، لأن المثقال سيئة أو حسنة، كما قال:
{(فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} [3]).
بقوله بالرفع أكملا إلى أن الجملة على قراءة الرفع لا تحتاج إلى تقدير اسم لكان، والله أعلم.
__________
(1) آية: 16.
(2) آية: 40.
(3) سورة الأنعام، آية: 160.(2/598)
890 [جذاذا بكسر الضّمّ (ر) او ونونه
ليحصنكم (ص) افى وأنّث (ع) ن (ك) لا)
أى قرأه راو: فالمكسور جمع جذيذ بمعنى مجذوذ، كخفاف وكرام فى جمع خفيف، وكريم، والمضموم جمع جذاذة كزجاجة، وزجاج. وقيل الضم واحد فى معنى الجمع كالرفاة والفتاة. وهذا بناء ما كسر وفرقت أجزاؤه وقيل هما لغتان. قال أبو على: جذاذ الشيء إذا قطعته، ومثل الجذاذ الحطام والرفات، والضم فى هذا النحو أكثر، والكسر فيما زعموا لغة، وهى قراءة الأعمش، وقرأ أبو بكر وحده لنحصنكم من بأسكم بالنون لقوله وعلمناه صنعة لبوس لكم فهى نون العظمة وقرأه حفص، وابن عامر بالتاء تأنيثا للفعل على الحمل على المعنى.
أى ليحصنكم اللبوس، لأن المراد بها الدروع أو التقدير لتحصنكم الصنعة، وقرأ الباقون بالياء على التذكير أى ليحصنكم الله تعالى، أو «داود»، أو اللبوس. لأنه بمعنى ملبوس، أو التعليم الذى دل عليه، وعلمناه كل ذلك قد قيل وهو صحيح، واختار أبو عبيد قراءة الياء. قال لأن اللبوس أقرب الى الفعل، وهو ذكر فكان أولى به. وقول الناظم ونونه على تقدير ولنحصنكم نونه صافى على التقديم والتأخير ومثله ما سبق فى يونس، وبنونه ونجعل صف أى ونجعل صف بنونه، ويجوز أن يكون لنحصنكم، ونجعل كلاهما بدلا من الهاء كما تقول:
ضربته زيدا، واضمر ذلك على شريطة التفسير تفخيما له وصافا فعل من المصافاة، وقراءة الجماعة بالياء يجوز أن نأخذها من كونها تذكيرا، فهو ضد للتأنيث إن عادت على اللبوس، ويجوز أن نأخذها من الضد للنون إن عادت على الله سبحانه، أو على داود عليه السّلام، أو على التعليم. وإنما لم يقل وبالتاء عن كلا لئلا يشتبه بلفظ الياء.
891 [وسكّن بين الكسر والقصر (صحبة)
وحرم وننجى احذف وثقّل (ك) ذى (ص) لا]
وحرم مفعول وسكن، أى صحبة راء هذا اللفظ وقبله كسر الحاء، وبعده حذف الألف، وهو المعبر عنه بالقصر، وقراءة الباقين «وحرام» بفتح الحاء والراء، وإثبات الألف «وحرم وحرام» لغتان كحل وحلال، يريد قوله تعالى {وَحَرََامٌ عَلى ََ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا}، وأما {وَكَذََلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} فكتبت فى المصحف بنون واحدة، فقرأه ابن عامر وأبو بكر كذلك. فهذا معنى قوله احذف: أى احذف نونه الثانية، كما قال فى سورة يوسف وثان ننج احذف، وكلا الموضعين كتب بنون واحدة. وقوله وثقل يعنى شدّد الجيم، وباقى القراء بنونين، وتخفيف الجيم من أنجى ينجى، وقراءة ابن عامر، وأبى بكر من نجى ينجى، كما قال قبله ونجيناه من الغم واختار أبو عبيد هذه القراءة، وضعفها النحاة وعسر تخريج وجهها على معظم المصنفين. قال أبو عبيد هذه القراءة أحب إلىّ لأنا لا نعلم المصاحف فى الأمصار كلها كتبت إلا بنون واحدة، ثم رأيتها فى الذى يسمى الإمام «مصحف عثمان بن عفان» أيضا بنون واحد وقال إنما قرأها عاصم كذلك اتباعا للخط، وقد كان بعضهم يحمله من عاصم على اللحن.
قال ابن مجاهد: قرأ عاصم وحده فى رواية أبى بكر نجى بنون واحد مشدد الجيم على ما لم يسم فاعله، قال وروى عن أبى عمرو نجى مدغمة، قال: وهذا وهم لا يجوز هاهنا الإدغام لأن النون الأولى متحركة، والثانية
ساكنة، والنون لا تدغم فى الجيم، وإنما خفيت النون لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم، فحذفت من الكتاب، وهى فى اللفظ ثابتة، ومن قال إنها مدغمة فقد غلط، قال الزجاج: أما ما روى عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل. قال: وقد قال بعضهم: المعنى نجى النجاء المؤمنين، وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم، لا يجوز ضرب زيدا، يريد ضرب الضرب زيدا، لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذى ضربه ضرب فلا فائدة فى إضماره وإقامته مقام الفاعل، وإنما قال الزجاج ذلك، لأن الفراء وأبا عبيد تحيلا فى تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء: القراء يقرءونها بنونين، وكتابتها بنون واحدة وذلك لأن النون الثانية ساكنة، ولا تظهر الساكنة على اللسان، فلما خفيت حذفت، وقد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة، ونصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك، لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر فى نجى، فنوى به الرفع، ونصب المؤمنين فيكون كقوله: ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول: ضرب زيدا وكذلك نجى النجاء المؤمنين وقال أبو عبيد الذى عندنا فيه أنه ليس بلحن وله مخرجان فى العربية.(2/599)
قال ابن مجاهد: قرأ عاصم وحده فى رواية أبى بكر نجى بنون واحد مشدد الجيم على ما لم يسم فاعله، قال وروى عن أبى عمرو نجى مدغمة، قال: وهذا وهم لا يجوز هاهنا الإدغام لأن النون الأولى متحركة، والثانية
ساكنة، والنون لا تدغم فى الجيم، وإنما خفيت النون لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم، فحذفت من الكتاب، وهى فى اللفظ ثابتة، ومن قال إنها مدغمة فقد غلط، قال الزجاج: أما ما روى عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل. قال: وقد قال بعضهم: المعنى نجى النجاء المؤمنين، وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم، لا يجوز ضرب زيدا، يريد ضرب الضرب زيدا، لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذى ضربه ضرب فلا فائدة فى إضماره وإقامته مقام الفاعل، وإنما قال الزجاج ذلك، لأن الفراء وأبا عبيد تحيلا فى تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء: القراء يقرءونها بنونين، وكتابتها بنون واحدة وذلك لأن النون الثانية ساكنة، ولا تظهر الساكنة على اللسان، فلما خفيت حذفت، وقد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة، ونصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك، لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر فى نجى، فنوى به الرفع، ونصب المؤمنين فيكون كقوله: ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول: ضرب زيدا وكذلك نجى النجاء المؤمنين وقال أبو عبيد الذى عندنا فيه أنه ليس بلحن وله مخرجان فى العربية.
أحدهما أن يريد ننجى مشددة لقوله ونجيناه من الغم ثم تدغم الثانية فى الجيم.
والمخرج الآخر أن يريد نجى فعل، فيكون معناه نجى النجاء المؤمنين، فيكون نصب المؤمنين على هذا، ثم ترسل الياء فلا ينصبها.
قلت الوجه للثانى قد أبطله الزجاج على ما سبق، والأوّل فاسد، لأنه قدر الكلمة مشدّدة الجيم، ثم جوز أن ندغم النون الثانية فى الجيم، ولا يتصور الإدغام فى حرف مشدد، ولم يكن له حاجة إلى تقدير الكلمة مشددة الجيم، بل لو ادّعى أن الأصل ما قرأ به الجماعة بتخفيف الجيم، ثم زعم الإدغام لكان أقرب على أنه أيضا ممتنع: قال النحاس: هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد البون من الجيم، فلا تدغم فيها، فلا يجوز فى من جاء بالحسنة مجاء بالحسنة وقال الزمخشرى: النون لا تدغم فى الجيم ومن تمحل لصحته فجعله فعل:
وقال نجى النجاء المؤمنين، فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره فمتعسف بارد التعسف.
قلت ومعنى قولهم أرسل الياء أى أسكنها، وقال مكى فيه بعد من وجهين:
أحدهما أن الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر.
والثانى أنه كان يجب فتح الياء من نجى، لأنه فعل ماض، قال وقيل: إن هذه القراءة على طريق إخفاء النون فى الجيم قلت وهذا تأويل أبى على فى الحجة. قال مكى: وهذا أيضا بعيد. لأن الرواية بتشديد الجيم والإخفاء لا يكون معه تشديد قال: وقيل أدغم النون فى الجيم وهذا أيضا لا نظير له، لا يدغم النون فى الجيم فى شيء من كلام العرب لبعد ما بينهما، وإنما تعلق من قرأ هذه القراءة بأن هذه اللفظة فى المصاحف بنون واحدة قال: فهذه القراءة إذا قرئت بشد الجيم وضم النون وإسكان الياء غير ممكنة فى العربية قال أبو على:
فأما قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمر لأن الفعل دل عليه، فذلك مما لا يجوز فى ضرورة الشعر والبيت الذى أنشده ابن قتيبة:
ولو ولدت فقيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا
لا يكون حجة فى هذه القراءة وإنما وجهها ما ذكرنا لأن الراوى حسب الإخفاء إدغاما.
قال الشيخ: واحتجوا لإسكان الياء بقراءة الحسن:
{(وَذَرُوا مََا بَقِيَ مِنَ الرِّبََا} [1]).(2/600)
قال الشيخ: واحتجوا لإسكان الياء بقراءة الحسن:
{(وَذَرُوا مََا بَقِيَ مِنَ الرِّبََا} [1]).
ويقول النابغة [ردت عليه أقاضيه وليده] قال: وقد قرأ أبو جعفر ليجزى قوما أى ليجزى الجزاء قوما [قلت وكل هذا استدلال بقراءات ضعيفة شاذة، وبضرورات شعر، وكل ذلك مما يشهد بضعف هذه القراءة، وعجبت ممن يذكرها ويترك غيرها مما هو شائع لغة ونقلا، وموافق خطا نحو ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ذكر ابن مجاهد رواية عن أبى عمرو بياء مضمومة، ورواية عن ابن عامر بتاء مفتوحة مع كسر الجيم، وأجود ما وقفت عليه فى توجيه هذه القراءة ما نقله أبو جعفر النحاس قال: لم أسمع فى هذا بأحسن من شيء سمعته من على ابن سليمان: قال الأصل ننجى فحذف إحدى النونين لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى {وَلََا تَفَرَّقُوا} الأصل تتفرقوا قال: والدليل على صحة ما قال أن عاصما يقرأ نجى بإسكان الياء، ولو كان على ما تأوله من ذكرنا لكان مفتوحا، وقال أبو الفتح ابن جنى فى كتاب الخصائص فى باب امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس: أجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا وقتل يوم أخاك، قال هو جائر فى القياس وإن لم يرد به الاستعمال، ثم أنشد ابن جنى [لسب بذلك الجرو الكلابا] قال هذا من أقبح الضرورة، ومثله لا يعتد به أصلا، بل لا يثبت الا محتقرا شاذا، قال: وأما قراءة من قرأ وكذلك نجى المؤمنين فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل، لأنه عندنا على حذف إحدى نونى ننجى كما حذف ما بعد حرف المضارعة فى قوله تعالى: تذكرون أى تتذكرون، ويشهد لذلك أيضا سكون لام نجى ولو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا فى الضرورة، وقال فى كتاب المحتسب: روى عن ابن كثير وأهل مكة ونزل الملائكة تنزيلا يعنى فى سورة الفرقان، قال وكذلك روى خارجة عن أبى عمرو قال:
أبو الفتح ينبغى أن يكون محمولا على أنه أراد وننزل الملائكة إلا أنه حذف النون الثانية التى هى فاء فعل لالتقاء النونين استخفافا، وشبهها بما حذف من أحد المثلين الزائدين فى نحو: قولك أنتم تفكرون وتظهرون وأنت تريد تتفكرون وتتظهرون. قال ونحوه قراءة من قرأ «وكذلك نجى المؤمنين» ألا تراه يريد ننجى فحذف النون الثانية وإن كانت أصلا لما ذكرنا، قلت ونقل هذه القراءة وتعليلها المذكور الزمخشرى فى تفسيره، وذكره المهدوى فى قراءة «ننجى المؤمنين» وهو وجه سديد غريب لا تعسف فيه، ويشهد له أيضا حذف إحدى النونين من «أتحاجوني، وتبشرونى وتأمرونى وتأمرونى أعبد» وعجبت من شيخنا أبى الحسن رحمه الله كيف لم ينقل هذا التعليل فى شرحه مع كونه فى إعراب النحاس وهو كثير الأخذ منه، وقراءة الجماعة فنجى بنونين الثانية ساكنة وبتخفيف الجيم من الإنجاء، وقبله «ونجيناه من الغم» بالتشديد جمعا بين اللغتين، كما جمع بينهما فى كثير من القرآن نحو.
{(فَمَهِّلِ الْكََافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [2]).
{(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلََا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذََا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} [3]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 278.
(2) سورة الطارق، آية: 17.
(3) سورة محمد صلّى الله عليه وسلم، آية: 20.(2/601)
وقول الناظم «كذى صلا» إشارة إلى النظر، والفكرة فى وجه هذه القراءة. أى كن فى الذكاء والبحث كذى صلا، وقد سبق تفسيره ويقال بكسر الصاد وفتحها والله أعلم.
892 [وللكتب اجمع (ع) ن (ش) ذا ومضافها
معى مسّنى إنّى عبادى مجتلا]
أى عن ذى شذا، يريد كطىّ السجل للكتاب فالقراءة دائرة بين الجمع والإفراد قد سبق لهما نظائر فالكتب جمع كتاب، والكتاب فى الأصل مصدر كتب كتابا مثل: بنى بناء، ثم قيل للمكتوب كتاب، وقد اختلف فى معنى السجل فقيل: هو ملك يطوى صحائف بنى آدم. وقيل كاتب كان للنبى صلّى الله عليه وسلم، فالمعنى على هذين القولين ظاهر أى كما يطوى السجل الكتاب، أو الكتب. فالمفرد اسم جنس يغنى عن الجمع، فهو واحد يراد به الكثرة، واللام فى الكتب، أو للكتاب زائدة وحسنها اتصالها بمعمول المصدر تقوية لتعديته نحو: عرفت ضرب زيد لعمرو، والأصل ضرب زيد عمرا، فكهذا هنا «كطىّ السجل للكتاب» فإضافة طىّ الى السجل من باب إضافة المصدر إلى فاعله، وقيل إن السجل هو اسم الصحيفة، فيكون المصدر مضافا إلى مفعوله، نحو:
{(بِسُؤََالِ نَعْجَتِكَ إِلى ََ نِعََاجِهِ} [1]).
والمعنى كطى الصحيفة للكتابة فيها، أو لأجل المكتوب فيها قال قتادة: كطى الصحيفة فيها الكتب.
قال أبو على كطىّ الصحيفة مدرجا فيه الكتب. أى لدرج الكتب فيها، فإن كان الجمع للمكتوب فظاهر، وإن كان للمصدر فلأجل اختلاف أنواعه، وقول الناظم: «مجتلا» خبر قوله ومضافها، ومع وما بعده عطف بيان لمضافها أو صفة له على تقدير الذى هو كذا وكذا، وأراد هذا «ذكر من معى» فتحها حفص وحده إنى إله من دونه فتحها نافع وأبو عمرو «مسنى الضرّ» عبادى الصالحون» سكنهما حمزة والله أعلم.
__________
(1) سورة ص، آية: 24.(2/602)
سورة الحج
893 [سكارى معا سكرى (ش) فا ومحرّك
ليقطع بكسر اللّام (ك) م (ج) يده (ح) لا]
يريد {وَتَرَى النََّاسَ سُكََارى ََ وَمََا هُمْ بِسُكََارى ََ} قرأهما حمزة والكسائى «سكرى» كلاهما جمع سكران، وأجمعوا على:
{(لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} [1]).
ونظير القراءتين «أسارى وأسرى» كما سبق فى الأنفال، والبقرة، وجمع سكران على سكارى بضم السين، السين، وبالألف بعد الكاف هو القياس، كعجلان وعجالى، وكسلان وكسالى. وإنما جمع على سكرى بفتح السين والقصر حملا له على فعيل بمعنى مفعول، إذا كان ذا آفة، وبلية فحمل سكران عليه لملاقاته إياه فى المعنى، كجرحى، وقتلى. ونظيره قولهم: «روبان وروبى» وهو الذى سكر من شرب اللبن الرائب، والمختلط من كثرة السير، والتعب قال الشاعر:
فأما تميم تميم بن مر ... فألقاهم القوم روبى نياما
قال سيبويه: قالوا رجل سكران، وقوم سكرى، وذلك لأنهم جعلوه كالمرضى. قال: وقالوا رجال روبى جعلوه بمنزلة سكرى، والروبى الذين قد استثقلوا نوما فشبهوه بالسكران. قال أبو على: ويجوز أن يجمع سكران على سكرى من وجه آخر، وهو أن سيبويه حكى: رجل سكر، وقد جمعوا هذا البناء على فعالى، فقالوا هرم وهرمى، وزمن وزمنى، وضمن وضمنى، لأنه من باب الأدواء والأمراض التى يصاب بها، وأما كسر اللام فى ثم ليقطع فهو الأصل، لأنها لا أمر، فهى مكسورة بدليل أنها إذا لم يدخل عليها أحد الحروف الثلاثة الفاء، والواو، وثم لا تكون إلا مكسورة، وهذه الحروف إذا اتصلت بها فمنهم من سكنها تخفيفا لتوسطها باتصال حرف العطف بها، واتصال الفاء والواو بها أشد من اتصال ثم، لأن ثم كلمة مستقلة بخلافهما، فإنهما يصيران إذا اتصلا بكلمة كأنهما بعض حروفها، فلهذا يسكن مع الفاء والواو من لا يسكن مع ثم، وذلك نظير ما سبق فى أوّل البقرة فى إسكان «فهو، وهو» ثم هو والفاء أشد اتصالا من الواو لأنها متصلة لفظا وخطا، والواو منفصلة خطا، فلهذا اتفق القراء على إسكان اللام مع الفاء نحو «فليمدد، فلينظر» واختلفوا مع الواو وثم، كما يأتى فإسكانها مع الفاء أحسن، ومع ثم أبعد ومع الواو متوسط، فإن قلت: فلم اختلف القراء فى ترك الإسكان مع الفاء فى فهو وفهى، وأجمعوا على إسكان اللام مع الفاء، قلت لخفة الكلمتين لقلب؟؟؟ حروفهما بخلاف ما دخل عليه لام الأمر، فإنها أكثر حروفا، فناسبت التخفيف، ولهذا كان الأكثر على الإسكان هنا مع الواو، ومع ثم، وفى، وهو، وفهو الأكثر على التحريك، وتقدير البيت وليقطع محرك بكسر اللام، وميزكم محذوف. أى كم مرة «حلا جيده» والجيد العنق.
__________
(1) سورة النساء، آية: 43.(2/603)
894 [ليوفوا ابن ذكوان ليطّوّفوا له
ليقضوا سوى بزّيّهم (نفر ج) لا]
أراد ليوفوا نذورهم وليطوفوا لم يكسرهما سوى ابن ذكوان، وأجمعوا على إسكان:
{(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي)}.
فى البقرة (1)، وفى النور:
{(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} [2]).
وأما ثم ليقضوا تفثهم فهو بعد ثم، فكسر اللام أبو عمرو، وابن عامر، وقنبل، وورش لأنه استثنى البزى من نفر، ومدلول نفر: ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، ورمز مع نفر لورش، بقوله «جلا» فكسر قنبل ليقضوا، ولم يكسر ليقطع جمعا بين اللغتين إعلاما بجوازهما.
895 [ومع فاطر انصب لؤلؤا (ن) ظم (إ) لفة
ورفع سواء غير حفص تنخّلا]
أى انصب لؤلؤا هنا مع حرف فاطر، بريد؟؟؟:
{(يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [3]).
فوجه الخفض العطف على «أساور من ذهب» ووجه النصب العطف على موضع من أساور أو على تقدير ويحلون لؤلؤا، ورسم بالألف فى الحج خاصة دون فاطر، والقراءة نقل فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى وليس اتباع الخط بمجرده واجبا ما لم يعضده نقل، فإن وافق فيها ونعمت ذلك نور على نور. قال الشيخ:
وهذا الموضع أدل دليل على اتباع النقل فى القراءة، لأنهم لو اتبعوا الخط وكانت القراءة إنما هى مستندة إليه لقرءوا هنا بألف، وفى الملائكة بالخفض. قال أبو عبيد: ولولا الكراهة لخلاف الناس لكان اتباع الخط أحب إلىّ، فيكون هذا بالنصب، والآخر بالخفض، وقول الناظم: نظم ألفة مصدر وقع وصفا للؤلؤ، وحسن ذكر النظم مع ذكر اللؤلؤ، وهو إشارة إلى الائتلاف الواقع للمؤمنين فى الجنة كقوله تعالى:
{(وَنَزَعْنََا مََا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوََاناً} [4]).
الآية، جعلنا الله تعالى بكرمه منهم، وقوله ورفع سواء مفعول قوله: «تنخلا» أى غير حفص تنخل:
أى اختار رفع سواء العاكف فيه وحفص وحده نصبه، فوجه رفعه أنه خبر، والعاكف: مبتدأ، والجملة ثانى مفعولى جعلناه، ونصبه على أن يكون هو المفعول الثانى، فالعاكف فاعل، لأنه مصدر، أى مستويا فيه العاكف والبادى، ويجوز أن يكون حالا من الها فى جعلناه، وللناس هو المفعول الثانى، أى جعلناه لهم فى حال استواء العاكف فيه والبادى فيه، وعند هذا يجوز أن يكون حالا من الذكر فى المستقر.
__________
(1) الآية: 186.
(2) آية: 31.
(3) آية: 33.
(4) سورة الأعراف، آية: 43.(2/604)
896 [وغير (صحاب) فى الشّريعة ثمّ ول
يوفّوا فحرّكه لشعبة أثقلا]
أى وغير صحاب اختاروا رفع الذى فى الشريعة، يعنى فى سورة الجاثية وهو سواء محياهم ومماتهم ننصبه مع حفص حمزة والكسائى على الحال، ومحياهم فاعله، ورفع الباقون على أنه خبر مقدم والجملة بدل من الكاف فى كالذين آمنوا فهى فى موضع نصب على المفعولية، وقرأ شعبة وليوفوا نذورهم بفتح الواو وتشديد الفاء من «وفى»، والباقون من «أوفى» وهما لغتان وهذا كالخلاف فى:
{(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)}.
فى البقرة (1) فقرأ شعبة هنا كما قرأ ثم، ونبه الناظم هنا على فتح ما قبل المشدد، لم ينبه ثم على ما سبق ذكره «وأثقلا» حال من الهاء فى فحركه أى ثقيلا، وقوله ثم لإقامة الوزن، وأجمعوا على أوفوا بالعقود بالألف وإبراهيم الذى وفى بالتشديد.
و {(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [2]) بالألف.
897 [فتخطفه عن نافع مثله وقل
معا منسكا بالكسر فى السّين (ش) لشلا]
أى وليوفوا فى تحريك الخاء بالفتح، وتشديد الطاء، والأصل «فتتخطفه الطير» حذفت إحدى التاءين قال الجوهرى اختطفه وتخطفه بمعنى، وقراءة الباقين من خطف يخطف، وتعسف بعضهم فى توجية قراءة نافع وجها، ذكره الشيخ فى شرحه لا حاجة إليه، والنسك بالفتح يقال فى المصدر، واسم الزمان والمكان وهو جار على القياس، والكسر لغة فيه، وتقدير البيت: وقل مسرعا منسكا مستقر بالكسر فى السين معا، يعنى فى موضعين ولكل أمه جعلنا منسكا ليذكر اسم الله لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه).
898 [ويدفع (ح) قّ بين فتحيه ساكن
يدافع والمضموم فى أذن (ا) عتلا]
يريد إن الله يدفع فقوله: «ويدفع» حق جملة من مبتدأ وخبر أى قراءة «يدفع حق» ثم قيد هذه القراءة بقوله بين فتحيه ساكن، يعنى سكون الدال بين فتح الياء، والفاء. لأن القراءة الأخرى لا تعلم من ضد هذا القيد، فاحتاج إلى بيانها بقوله: يدافع، فحذف المضاف للعلم به، ولم تكن له حاجة إلى تقييد قراءة يدفع لأنه قد لفظ بالقراءتين، وكان له أن يقول:
ويدفع حق فى يدافع وارد ... وفى إذن اضمم ناصرا أنه حلا
ومن بعد هذا الفتح فى «نا» يقاتلون، فيتصل رمز أذن فى بيت واحد، وقد مضى الكلام فى سورة البقرة فى مصدر هذين الفعلين ولولا دفع الله ودفاع لله، ومثله هنا أيضا فقراءة نافع يدافع موافقة لقراءة دفاع،
__________
(1) الآية: 185.
(2) سورة المائدة، آية: 3.(2/605)
وقراءة ابن كثير، وأبى عمرو يدفع لقراءتهما، «ولولا دفع الله»، والباقون جمعوا بينهما فقرءوا «يدافع» «ولولا دفع» إشعارا بتقاربهما فى المعنى، فإن المراد من يدافع يدفع، فهو من باب طارقت النعل، وعاقبت اللص، وعافاه الله. ثم تمم الكلام فى أذن فقال:
899 [(ن) عم (ح) فظوا والفتح فى تا يقاتلوا
ن (عمّ ع) لاه هدّمت خفّ (إ) ذ (د) لا]
أى: ضم أذن للذين نافع، وعاصم، وأبو عمر، وعلى ما لم يسم فاعله، وفتح الباقون على تقدير «أذن الله لهم» يقاتلون بفتح التاء على بناء الفعل للمفعول أيضا، وبكسرها على بنائه للفاعل، والتخفيف والتشديد فى هذين ظاهران، وسبق معنى ولا.
900 [وبصريّ أهلكنا بتاء وضمّها
يعدّون فيه الغيب (ش) ايع (د) خللا]
يريد فكأين من قرية أهلكناها بنون العظمة قرأه أبو عمرو بتاء مضمومة أهلكتها، والغيب فى {(كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمََّا تَعُدُّونَ)} لقوله قبله: {«وَيَسْتَعْجِلُونَكَ»} وهذا هو الدخلل الذى شايعه، أى المداخل أى المناسب والخطاب ظاهر:
901 [وفى سبإ حرفان معها معاجزي
ن (ح) قّ بلا مدّ وفى الجيم ثقّلا]
يريد {(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيََاتِنََا مُعََاجِزِينَ أُولََئِكَ لَهُمْ عَذََابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ)}.
{(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيََاتِنََا مُعََاجِزِينَ أُولََئِكَ فِي الْعَذََابِ مُحْضَرُونَ)}.
هذان فى سبأ (1)، (2) وقوله «معها» أى مع حرف هذه السورة وهو {«وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيََاتِنََا مُعََاجِزِينَ أُولََئِكَ أَصْحََابُ الْجَحِيمِ»} فمعنى معجزين، ينسبون من تبع النبى صلّى الله عليه وسلم إلى العجز، وقيل مثبطين الناس عنه، وقيل معناه يطلبون تعجيزنا، وفى المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا فى التعجيز، واختار أبو عبيد قراءة المد، ورواها عن ابن عباس وقال معناها مشاقين: وقال أبو على معاجزين ظانين، ومقدرين أنهم يعجزوننا، لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور، فيكون ثواب وعقاب، وقال الشيخ سعوا معجزين ومعاجزين، أى بالطعن فينا، وقولهم سحر وشعر وغم، ذلك من البهتان.
902 [والأوّل مع لقمان يدعون غلّبوا
سوى شعبة والياء بيتى جمّلا]
__________
(1) آية: 5.
(2) آية: 38.(2/606)
يريد بالأول وأن ما يدعون من دونه ومثله فى لقمان، واحترز بقوله الأوّل من الذى بعده، وهو إن الذين تدعون من دون الله وأراد يدعون الأوّل فلما قدم الصفة أتبعها الموصوف بيانا فهو من باب قول النابغة:
والمؤمن العائدات الطير أى قرأ يدعون فى الموضعين بالغيبة أبو عمرو وصحاب والباقون بالخطاب، ووجههما ظاهر، وفى هذه السورة ياء واحدة للاضافة وطهر بيتى فتحها نافع وهشام وحفص، وفيها زائدتان، والباد أثبتها فى الحالين ابن كثير، وفى الوصل ورش وأبو عمرو نكير أثبتها فى الوصل ورش وحده وقلت فى ذلك:
زوائدها ياءان والباد بعده ... نكير وما شيء إلى النمل أنزلا
أى وما شيء من الزوائد فيما بعد الحج من السور إلى سورة النمل، والله أعلم.(2/607)
زوائدها ياءان والباد بعده ... نكير وما شيء إلى النمل أنزلا
أى وما شيء من الزوائد فيما بعد الحج من السور إلى سورة النمل، والله أعلم.
سورة المؤمنون
903 [أماناتهم وحّد وفى سال (د) اريا
صلاتهم (ش) اف وعظما (ك) ذى (ص) لا]
يريد {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمََانََاتِهِمْ} هنا، وفى سورة سأل، وحدهما ابن كثير وحده والذين هم على صلاتهم يحافظون وحده هنا حمزة والكسائى، ولا خلاف فى إفراد الذى فى سورة سأل، ولا فى لأوّل هنا وهو قوله:
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلََاتِهِمْ خََاشِعُونَ} وعلم أن موضع الخلاف هو الثانى لذكره إياه بعد أماناتهم، فالتوحيد يدل على الجنس، والجمع لاختلاف الأنواع، وقد اتفق على الجمع فى أن تؤدّوا الأمانات وعلى الأفراد فى:
{(إِنََّا عَرَضْنَا الْأَمََانَةَ} [1]).
وعلى جمع:
{(حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ} [2]).
وعلى الإفراد فى أقيموا الصلاة قوله: «وعظما»، أى ووحد عظما يعنى فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما وقد ذكره فى البيت الآتى فى قوله: مع العظم وحدهما ابن عامر، وأبو بكر. كما قال الراجز: فى حلقكم عظم، وقد شجيناه أى فى حلوقكم عظام، والعظام بالجمع، وموضع «كذى صلا» نصب على الحال من فاعل وحد وقد سبق تفسيره.
904 [مع العظم واضمم واكسر الضّمّ (حقّ) هـ
بتنبت والمفتوح سيناء (ذ) لّلا]
يريد ثنيت بالدهن اضمم التاء، واكسر الباء، فيصير من أنبت وهو بمعنى نبت، فيتحد معنى القراءتين: أى تنبت ومعها الدهن، وقيل المفعول محذوف: أى ينبت زيتونها، وبالدهن فى موضع الحال من الشجرة على الوجه الأوّل. أى ملتبسة بالدهن، وعلى الوجه الثانى يكون حالا، إما من الشجرة، أو من المفعول المحذوف، وقيل الياء زائدة، والمعنى تنبت الدهن كقوله ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ومن قرأه من نبت فالباء للتعدية، أو مع مجرورها للحال، وقوله «حقه» أى هو حقه (وتنبت) متعلق باضمم، أو باكسر، أو بالضم، وقوله والمفتوح «سيناء» أى وسيناء المفتوح فقدم الصفة ضرورة، وأتى بما بعدها بيانا كالعائدات الطير، ومعنى ذلك قرب وسهل، أراد بفتح السين والباقون بكسرها وهو اسم أعجمى تكلمت به العرب مفتوحا ومكسورا، وقالوا أيضا «سنين» والمانع له من الصرف مع العلمية العجمة، وقيل «طور سينا» مركب كحضر موت على لغة الإضافة.
__________
(1) سورة الأحزاب، آية: 72.
(2) سورة البقرة، آية: 238.(2/608)
905 [وضمّ وفتح منزلا غير شعبة
ونوّن تترا (حقّ) هـ واكسر الولا]
التقدير غير شعبة «ذو ضم وفتح» لفظ «منزلا» فمنزلا مفعول بأحد المصدرين قبله، يريد {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا} فضم الميم، وفتح الزاى يجعله مصدرا، أو اسم مكان من أنزل، وقرأه شعبة بفتح الميم وكسر الزاى على أنه كذلك من نزل، ونظير القراءتين ما تقدم فى «مدخلا» و «تترى» مصدر من المواترة فمن نونه جعل وزنه فعلا كضربا، ومن لم ينوّن جعله فعلى كدعوى من المصادر التى لحقتها ألف التأنيث المقصورة، وقد سبق ما يتعلق بإمالتها فى باب الإمالة، ثم قال: «واكسر الولا» أى ذا الولا يعنى الموالى لتترى، أى الذى هو قريب منه بعده، ثم بينه فقال:
906 [وأنّ (ث) وى والنّون خفّف (ك) فى وته
جرون بضمّ واكسر الضّمّ (أ) جملا]
يريد {وَإِنَّ هََذِهِ أُمَّتُكُمْ} الكسر على الاستئناف، والفتح على تقدير ولأن هذه على ما تقدم فى الأنعام فى قوله تعالى:
{(وَأَنَّ هََذََا صِرََاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [1]).
وخفف ابن عامر النون فى الموضعين كما قال سبحانه:
{(وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} [2]).
وقرأ نافع وحده سامرا تهجرون بضم التاء وكسر الجيم، من أهجر فى منطقه إذا أفحش فيه، وقرأ غيره بفتح التاء وضم الجيم، من هجر إذا هذى. وقال أبو على «تهجرون آياتى مما يتلى عليكم من كتابى فلا تنقادون له، وتهجرون تأتون بالهجر، وهو الهذيان، وما لا خير فيه من الكلام. وفى الحديث فى زيارة القبور ولا تقولوا هجرا، وقال أبو عبيد: القراءة الأولى أحب إلينا ليكون من الصدود والهجران كقوله.
{(فَكُنْتُمْ عَلى ََ أَعْقََابِكُمْ تَنْكِصُونَ} [3]).
هذا يشبه الهجران، ومن قرأها تهجرون أراد الإفحاش فى المنطق. وقد فسرها بعضهم على الشرك وقول الناظم «أجملا» هو حال من فاعل اكسر أو مفعول، أو نعت مصدر محذوف أى كسرا جميلا.
907 [وفى لام لله الأخيرين حذفها
وفى الهاء رفع الجرّ عن ولد العلا]
فى هذه السورة سيقولون لله فى ثلاثة مواضع: الأول لا خلاف فيه أنه لله بإثبات لام الجر وهو جواب قوله قل لمن الأرض ومن فيها والخلاف فى الثانى والثالث وهما جواب قوله قل من رب السموات {(قُلْ مَنْ}
__________
(1) آية: 153.
(2) سورة يونس، آية: 10.
(3) سورة المؤمنون، آية: 66.(2/609)
{بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}، فقرأهما أبو عمرو بحذف حرف الجر، فارتفع الإسم الجليل على أنه خبر مبتدأ، أى هو الله فهو جواب مطابق للفظ السؤال، وكذلك كتب فى مصاحف البصرة، وقرأهما غيره كالأول بإثبات لام الجر، وكذلك كتب فى مصاحفهم، وهو جواب من حيث المعنى، لأن قولك: من مالك هذه الدار، ولمن هذه الدار، معناهما واحد. قال أبو عبيدة: كان الكسائى يحكى عن العرب أنه يقال للرجل: من رب هذه الدار، فيقول لفلان، بمعنى هى لفلان، وقول الناظم الأخيرين هو مضاف إليه، أى وفى لام هذا اللفظ الذى فى الموضعين الأخيرين كما تقدم فى قوله «وأخرتنى» الإسراء وحذفها مبتدأ فهو كقولك فى صدر سيد الرجلين علم، والله أعلم.
908 [وعالم خفض الرّفع (ع) ن (نفر) وفت
ح شقوتنا وامدد وحرّكه (ش) لشلا]
يريد سبحان الله عما يصفون عالم الغيب فبالخفض هو نعت لاسم الله تعالى، وبالرفع على تقدير هو عالم، والشقاوة على لفظ السعادة والشقوة كالردة والفطنة لغتان: أى افتح الشين، وحرك القاف بالفتح ومدها، وقدم ذكر المد على التحريك لضرورة الوزن ولتعين القاف لذلك، فليس فى حرف شقوتنا ما يقبل التحريك غير القاف، لأنها ساكنة، والبواقى متحرك. وقوله «عن نفر» أى منقول عن نفر وفتح شقوتنا كذلك من حيث المعنى أى عن جماعة قرءوا به والله أعلم.
909 [وكسرك سخريّا بها وبصادها
على ضمّه (أ) عطى (ش) فاء وأكملا]
يريد فاتخذتموهم سخريا وفى ص أتخذناهم سخريا من سخرت إذا ضحكت منه، وقيل الكسر فى سين ذلك وضمها لغتان، وقيل الضم من السخرة والعبودية، والكسر من الهزؤ واللعب، وأجمعوا على ضم الذى فى الزخرف:
{(لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا} [1]).
لأن المراد المعنى الأول لينتظم قوام العالم، والهاء فى قوله. وبصادها تعود على سور القرآن للعلم بذلك، كما أنه إذا قال حفصهم يعلم أنه أراد حفص القراء والهاء فى على ضمه للكسر وقوله بها معمول وكسرك وعلى ضمه خبر المبتدأ ويجوز أن يكون بها خبر قوله: وكسرك أى اختص ذلك بهذه السورة: وبسورة ص، ثم استأنف فقال على ضمه أعطى سخريا شفاء، وفاعل أعطى ضمير عائد على سخريا لا على كسرك، ولو عاد على كسرك لكان هو خبر المبتدأ، ولزم أن يكون الرمز الكسر، وليس الرمز إلا للضم وأشار بقوله وأكملا إلى إكمال الضم فى مواضع سخريا الثلاثة والله أعلم قال أبو عبيد: وكذلك هى عندنا لأنهن إنما يرجعن إلى معنى واحد، وهما لغتان «سخرى وسخرى» وقد رأيناهم أجمعوا على ضم التى فى الزخرف فكذلك الأخريان.
__________
(1) الآية: 32.(2/610)
910 [وفى أنّهم كسر (ش) ريف وترجعو
ن فى الضّمّ فتح واكسر الجيم واكملا]
يريد «أنهم هم الفائزون» الكسر على الاستئناف، والفتح على تقدير لأنهم أو بأنهم، أو هو مفعول جزيتهم، أى جزيتهم الفوز، فحمزة والكسائى قرءا بالكسر، وهما قرعا {(وَأَنَّكُمْ إِلَيْنََا لََا تُرْجَعُونَ)}
بفتح التاء وكسر الجيم، والباقون بضم التاء وفتح الجيم، ووجه القراءتين ظاهر: وقد سبق له نظائر ويأتى الخلاف فى حرف القصص فى موضعه، وحمزة والكسائى قرءا ذلك الموضع أيضا كهذا على إسناد الفعل إلى الفاعل، ولعله أشار بقوله واكملا إلى هذا أى كملت قراءتهما فى الموضعين فلم تختلف، أى وأكمل أيها المخاطب فى قراءتك لهما لما كان الكمال فى قراءته جعله فيه مجازا، وأراد وأكملن فأبدل من النون ألفا:
911 [وفى قال كم قل دون (ش) كّ وبعده
(ش) فا وبها ياء لعلّى علّلا]
يريد «قال كم لبثتم» قرأها ابن كثير وحمزة والكسائى، «قل» على الأمر، والذى بعد هذا قال «إن لبثتم» لم يقرأه على الأمر إلا حمزة والكسائى: فجريا على الأمر فى الموضعين وهو أمر لمن عينه الله سبحانه للسؤال، وقرأ الباقون بالخبر فى الموضعين: أى قال الله، أو الملك، وقرأ ابن كثير الأولى بالأمر، والثانية بالخبر، فكأنه مردود على المأمور أوّلا: أى قل ذلك المأمور: قال أبو على وزعموا أن فى مصحف الكوفة قل فى الوضعين. قال أبو عبيد: والقراءة عندنا على الخبر كلاهما لأن عليها مصاحف أهل الحجاز، وأهل البصرة، وأهل الشام، ولا أعلم مصاحف مكة أيضا إلا عليها، وإنما انفردت مصاحف أهل الكوفة با أخرى قال أبو عمرو الدانى: وينبغى أن يكون الحرف الأوّل بغير ألف فى مصاحف أهل مكة، والثانى بالألف لأن قراءتهم كذلك، ولا خبر عندنا فى ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبى عبيد، ثم قال وبها ياء أى ياء إضافة واحدة، ثم بينها بقوله لعلى: أراد «لعلى أعمل صالحا، فتحها الحرميان، وأبو عمرو، وابن عامر وقوله «عللا» أى علل قائل هذا الكلام نفسه عند الموت بذلك. فقال علله بالشيء أى ألهاه به.
والله أعلم.(2/611)
والله أعلم.
سورة النور
912 [و (حقّ) وفرّضنا ثقيلا ورأفة
يحرّكه المكى وأربع أوّلا]
يريد {وَفَرَضْنََاهََا} أى فرضنا أحكامها، وفى التثقيل إشعار بكثرة ما فيها من الأحكام المختصة بها لا توجد فى غيرها من السور، كالزنا، والقذف، واللعان، والاستئذان وغض الطرف والكتابة وغير ذلك، فسرها أبو عمرو: فصلنا، ومعناها بالتخفيف أوجبنا حدودها جعلناها فرضا. وقول الناظم: «وحق» هو خبر مقدم وثقيلا حال من المنوى فيه أى وفرضنا حق ثقيلا، وأما ولا تأخذكم بهما رأفة بإسكان الهمزة ففتحها ابن كثير وكلاهما لغة، ولا خلاف فى إسكان التى فى الحديد: وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة قال ابن مجاهد. قال لى قنبل: كان ابن أبى بزة قد أوهم وقرأهما جميعا بالتحريك، فلما أخبرته إنما هى هذه وحدها رجع.
قلت: وهذا مما جمع فيه بين اللغتين، واختير الإسكان فى التى فى الحديد، لتجانس لفظ رحمة التى بعدها، ونظير هاتين القراءتين «دأبا ودآبا» والمعز وظعنكم من باب الإسكان، لأجل حرف الحلق مثل: شعرة وشعرة، ثم قال «وأربع أوّلا» أى الواقع أولا، يريد فشهادة أحدهم أربع شهادات اختلف فى رفعه ونصبه، وخبر قوله: وأربع فى أول البيت الآتى، وهو صحاب، أى وأربع بالرفع، قراءة صحاب، ودلنا على الرفع إطلاقه ووجه الرفع أنه خبر «فشهادة أحدهم» ونصبه على المصدر كما تقول شهدت أربع شهادات، والخبر محذوف أى فواجب شهادة أحدهم، أو المحذوف المبتدأ وهو فالواجب شهادة أحدهم نحو: والذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة) والجملة خبر «والذين» ولا خلاف فى نصب الثانى، وهو أن تشهد اربع شهادات (لأنه مصدر لا غير للتصريح بالفعل قبله، وهو قوله أن تشهد.
913 [صحاب وغير الحفص خامسة الأخي
ر أن غضب التّخفيف والكسر أدخلا]
أى وكل القراء غير حفص رفعوا والخامسة أن غضب الله وهو الأخير، ولا خلاف فى رفع الأول والخامسة أن لعنة الله فالرفع فيها على الابتداء، وما بعده خبره أى والشهادة الخامسة هى لفظ كذا: ونصب الثانى على وتشهد الخامسة. لأن قبله «أن تشهد أربع شهادات» ثم أبدل «أن غضب الله» منه. قال أبو على: ويجوز فى القياس النصب فى الخامسة الأولى رفع أربع شهادات، أو نصب وقول الناظم الأخير هو نعت خامسة، ولا نظر إلى التأنيث فيها لأن المراد هذا اللفظ الأخير، وأسقط الألف واللام من الخامسة ضرورة وزن النظم، وأدخلها فى حفص كذلك أيضا، فكأنه عوض ما حذف، وهما زائدتان فى الحفص كقول الشاعر «والزيد زيد المعارك» وقد وقع فى مسند ابن أبى شيبة وغيره حدثنا حسين بن على الجعفى، عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده قال: أذن بلال حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال الحافظ أبو القاسم حفص هو بن عمر بن سعد القرظ، ولغرابة هذه العبارة بهم كثير فيها ويسبق لسان القارئ لما إلى لفظ الخفض بالخاء والضاد المعجمتين الذى هو أخو الكسر
لشهرة هذه اللفظة وكثرة دورها فى القصيدة. كقوله: «والأرحام» بالخفض جملا، والنون بالخفض شكلا، فإن قيل لو أنه قال صحاب، وحفص نصب خامسة الأخير لحصل الغرض، ولم يبق لفظ موهم.(2/612)
913 [صحاب وغير الحفص خامسة الأخي
ر أن غضب التّخفيف والكسر أدخلا]
أى وكل القراء غير حفص رفعوا والخامسة أن غضب الله وهو الأخير، ولا خلاف فى رفع الأول والخامسة أن لعنة الله فالرفع فيها على الابتداء، وما بعده خبره أى والشهادة الخامسة هى لفظ كذا: ونصب الثانى على وتشهد الخامسة. لأن قبله «أن تشهد أربع شهادات» ثم أبدل «أن غضب الله» منه. قال أبو على: ويجوز فى القياس النصب فى الخامسة الأولى رفع أربع شهادات، أو نصب وقول الناظم الأخير هو نعت خامسة، ولا نظر إلى التأنيث فيها لأن المراد هذا اللفظ الأخير، وأسقط الألف واللام من الخامسة ضرورة وزن النظم، وأدخلها فى حفص كذلك أيضا، فكأنه عوض ما حذف، وهما زائدتان فى الحفص كقول الشاعر «والزيد زيد المعارك» وقد وقع فى مسند ابن أبى شيبة وغيره حدثنا حسين بن على الجعفى، عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده قال: أذن بلال حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال الحافظ أبو القاسم حفص هو بن عمر بن سعد القرظ، ولغرابة هذه العبارة بهم كثير فيها ويسبق لسان القارئ لما إلى لفظ الخفض بالخاء والضاد المعجمتين الذى هو أخو الكسر
لشهرة هذه اللفظة وكثرة دورها فى القصيدة. كقوله: «والأرحام» بالخفض جملا، والنون بالخفض شكلا، فإن قيل لو أنه قال صحاب، وحفص نصب خامسة الأخير لحصل الغرض، ولم يبق لفظ موهم.
قلت لكن نخيل عليه قراءة الباقين فإنها بالرفع وليس ضد النصب إلا الخفض، فاقتحم حزونة هذه العبارة لكونها وافية بغرضه، والألف فى قوله أدخلا ضمير تثنية يرجع إلى التخفيف، والكسر. أى أدخلا فى لفظ أن غضب فالتخفيف فى أن والكسر فى ضاد غضب. أى قرأ نافع وحده ذلك، فيكون أن مخففة من الثقيلة، وغضب فعل ماض فاعله اسم الله، فيجب رفعه فهو معنى قوله فى البيت الآتى. ويرفع بعد الجر. أى بعد أن غضب يجعل الرفع موضع الجر فى الكلمة المتصلة به، وقراءة الجماعة واضحة يكون الغضب اسما مضافا إلى الله تعالى، وهو اسم أن المشددة مثل (أن لعنة الله عليه) والنحويون يقولون إن ضمير الشأن مقدر أى أنه لعنة الله وأن غضب الله ولو أن قراءة نافع بفتح ضاد غضب. كقراءة الجماعة فكانت على وزن لعنة الله. فيكون قد خفف أن فيها فقط، لكانت أوجه عندهم، لأنهم يستقبحون أن يلى الفعل أن المخففة حتى يفصل بينهما بأحد الحروف الأربعة بحرف النفى إن كان الكلام نفيا نحو أن لا يرجع اليهم قولا وان كان ايجابا فبحرف قد فى الماضى وبالسين أو سوف فى المضارع نحو علم أن سيكون وكان القياس عندهم أن يقال: أن قد غضب الله. قال أبو على: فإن قيل فقد جاء {(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسََانِ إِلََّا مََا سَعى ََ)} {(نُودِيَ أَنْ بُورِكَ)} فليس يجرى مجرى ما، ونحوها مما ليس بفعل وقوله بورك على الدعاء قلت فكذا هنا يحمل غضب الله على الدعاء، فلا يحتاج إلى حرف قد.
914 [ويرفع بعد الجرّ يشهد (ش) ائع
وغير أولى بالنّصب (ص) احبه (ك) لا]
قد سبق شرح قوله ويرفع بعد الجر، فالجر منصوب لأنه مفعول يرفع وليس مضافا إلى بعد، لأن بعد مبنى على الضم بحذف ما أضيف إليه. أى بعد قوله: «أن غضب»، وأما يوم تشهد عليهم ألسنتهم فيقرأ يشهد بالتذكير، حمزة، والكسائى. والباقون بالتأنيث. لأن تأنيث الألسنة غير حقيقى، فجاز فيه الوجهان. قال أبو على: كلاهما حسن. وقد مر نحوه، وأما غير «أولى الإربة» فنصبه على الحال، أو على الاستثناء، وخفضه على أنه صفة للتابعين. أى الذين لا إربة لهم فى النساء، والإربة الحاجة، ومعنى صاحبه كلا أى حفظ ذلك، ونقله أو حرسه.
915 [ودرّىّ اكسر ضمّه (ح) جّة (ر) ضى
وفى مدّه والهمز (صحبت) هـ (ح) لا]
أى ضم الدال، وحجة حال من فاعل اكسر، أو مفعوله. أى اقرأه ذا حجة مرضية. وأخبر عن صحبته بلفظ حلا كما سبق فى صحبة كلا، والهمز مجرور عطفا على وفى مده، ولو رفع لكان له وجه حسن. أى وحلا درى فى مده، والهمز مصاحب له، ولا يمنع كون صحبته رمزا من تقدير هذا المعنى، كما لم يمنع فى قوله كما حقه ضماه. أى حق أن يضم صاد الصدفين وداله على ما سبق شرحه، فحصل من مجموع ما فى البيت أن أبا عمرو والكسائى قرءا درى على وزن شريب وسكيت بكسر الدال والمد والهمز، وحمزة وأبا بكر بضم الدال، والمد والهمز على وزن مريق. قال الجرمى: زعم أبو الخطاب أنهم يقولون مريق للعصفر، وقرأ الباقون وهم
حفص، وابن عامر، والحرميان بضم الدال وتشديد الياء، فلا مد ولا همز. وهذه أجود القراءات عندهم جعلوها نسبة إلى الدر فى الصفا والإضاءة، وإنما نسب الكوكب مع عظم ضوئه لى الدر باعتبار أن فضل ضوء ذلك الكوكب على غيره من الكواكب، كفضل الدر على غيره من الحب. قال أبو عبيد: القراءة التى نختارها درى وهو فى التفسير المنسوب إلى الدر فى إضاءته وحسنه، وفى الحديث المرفوع «إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما تراءون الكوكب الدرّى فى أفق السماء» هكذا نقلته العلماء إلينا بهذا اللفظ. قال أبو على:(2/613)
915 [ودرّىّ اكسر ضمّه (ح) جّة (ر) ضى
وفى مدّه والهمز (صحبت) هـ (ح) لا]
أى ضم الدال، وحجة حال من فاعل اكسر، أو مفعوله. أى اقرأه ذا حجة مرضية. وأخبر عن صحبته بلفظ حلا كما سبق فى صحبة كلا، والهمز مجرور عطفا على وفى مده، ولو رفع لكان له وجه حسن. أى وحلا درى فى مده، والهمز مصاحب له، ولا يمنع كون صحبته رمزا من تقدير هذا المعنى، كما لم يمنع فى قوله كما حقه ضماه. أى حق أن يضم صاد الصدفين وداله على ما سبق شرحه، فحصل من مجموع ما فى البيت أن أبا عمرو والكسائى قرءا درى على وزن شريب وسكيت بكسر الدال والمد والهمز، وحمزة وأبا بكر بضم الدال، والمد والهمز على وزن مريق. قال الجرمى: زعم أبو الخطاب أنهم يقولون مريق للعصفر، وقرأ الباقون وهم
حفص، وابن عامر، والحرميان بضم الدال وتشديد الياء، فلا مد ولا همز. وهذه أجود القراءات عندهم جعلوها نسبة إلى الدر فى الصفا والإضاءة، وإنما نسب الكوكب مع عظم ضوئه لى الدر باعتبار أن فضل ضوء ذلك الكوكب على غيره من الكواكب، كفضل الدر على غيره من الحب. قال أبو عبيد: القراءة التى نختارها درى وهو فى التفسير المنسوب إلى الدر فى إضاءته وحسنه، وفى الحديث المرفوع «إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما تراءون الكوكب الدرّى فى أفق السماء» هكذا نقلته العلماء إلينا بهذا اللفظ. قال أبو على:
ويجوز أن يكون فعيلا من الدرء، فخفف الهمز فانقلبت ياء، كما تنقلب من النسى والنبى إذا خففت ياء.
قلت يعنى أنها تكون مخففة من القراءة الأخرى المنسوبة إلى حمزة، وأبى بكر. قال أبو على: هو فعيل من الدرء الذى هو الدفع. قال ومما يمكن أن يكون من هذا البناء قولهم: العلية ألا تراه من علا. فهو فعيل وقال الزجاج: النحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه، لأنه ليس فى الكلام شيء على فعيل. قال أبو على: هذا غلط. قال سيبويه: ويكون على فعيل وهو قليل فى الكلام المرتق. حدثنا أبو الخطاب عن العرب. وقالوا:
«كوكب درّى» وهو صفة هكذا قرأنه على أبى بكر بالهمز فى درىء. قال أبو عبيد: كان بعض أهل العربية يراه لحنا لا يجوز، والأصل فيها عندنا فعول. مثل: شيوخ. ثم تستثقل الضمات المجتمعة فيه لو قال دروء، فترد بعض تلك الضمات إلى الكسرة، فيقال درى. قال: وقد وجدنا العرب تفعل هذا فى فقول، وهو أخف من الأوّل. وذلك كقولهم «عتوّا وعتيا» وكلتا اللغتين فى التنزيل. وأما قراءة أبى عمرو، والكسائى بكسر الدال والهمزة. فقال الزجاج: الكسر جيد بالهمز يكون على وزن فعيل، ويكون من النجوم الدرارى التى تدرأ. أى تنحط وتسير متدافعة. يقال، درأ الكوكب يدرأ إذا تدافع منقضا فتضاعف ضوؤه، يقال تدارأ الرجلان إذا تدافعا. قال الفراء الدرى من الكواكب الناصعة، وهو من درأ الكوكب إذا انحط، كأنه رجم به الشيطان. قالوا والعرب تسمى الكواكب العظام التى لا تعرف أسماؤها الدرارى. قال: ومن العرب من يقول: كوكب درى ينسبه إلى الدر فيكسر أوله، ولا يهمز كما يقال «سخرى وسخرى»، «وبحر لجى ولجى». قال النحاس: ومن قرأ درى بالفتح وتشديد الياء أبدل من الضمة فتحة، لأن النسب باب تغيير.
قلت: هى قراءة شاذة حكيت عن قتادة وغيره. قال: وضعف أبو عبيد قراءة أبى عمرو، والكسائى لأنه تأوّلها من درأت. أى وقعت، أى كوكب يجرى من الأفق وإذا كان التأويل على ما تأوّله لم يكن فى الكلام فائدة. ولا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب. قال: وروى عن محمد بن يزيد أن المعنى كوكب يندفع بالنور كما يقال اندرأ الحريق. أى اندفع، وحكى سعيد بن مسعدة درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوؤه وعلا قيل هو من قولهم: درأ علينا فلان إذا طلع مفاجأة. وكذلك طلوع الكوكب، حكاه الجوهرى.
وقال: قال أبو عمرو بن العلاء: سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرف وكان من أفصح الناس:
ما تسمون الكوكب الضخم، فقال الدرى: وحكى أبو على عن أبى بكر، عن أبى العباس قال: أخبرنى أبو عثمان عن الأصمعى عن أبى عمرو قال: قد خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب درى بكسر الدال. قال الأصمعى: فقلت أفيهمزون. قال: إذا كسروا فبحسبك. قال أمحذوة من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت. وهذا فعيل منه، قال أبو على: يعنى أنهم إذا كسروا أوله دل الكسر على إرادتهم الهمز وتخفيفهم، قال صاحب المحكم: درأه دفعه، ودرأ عليهم، خرج فجأة، وادرأ الحريق انتشر، وكوكب
درى مندفع فى مضيه من المشرق إلى ذلك، والجمع درائى على وزن دراعيع. قلت: وكونه من درأ إذا دفع أحسن، لأنه يدفع الظلام بنوره والله أعلم.(2/614)
ما تسمون الكوكب الضخم، فقال الدرى: وحكى أبو على عن أبى بكر، عن أبى العباس قال: أخبرنى أبو عثمان عن الأصمعى عن أبى عمرو قال: قد خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب درى بكسر الدال. قال الأصمعى: فقلت أفيهمزون. قال: إذا كسروا فبحسبك. قال أمحذوة من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت. وهذا فعيل منه، قال أبو على: يعنى أنهم إذا كسروا أوله دل الكسر على إرادتهم الهمز وتخفيفهم، قال صاحب المحكم: درأه دفعه، ودرأ عليهم، خرج فجأة، وادرأ الحريق انتشر، وكوكب
درى مندفع فى مضيه من المشرق إلى ذلك، والجمع درائى على وزن دراعيع. قلت: وكونه من درأ إذا دفع أحسن، لأنه يدفع الظلام بنوره والله أعلم.
916 [يسبّح فتح البا (ك) ذا (ص) ف ويوقد ال
مؤنّث (ص) ف (ش) رعا و (حقّ) تفعّلا]
يعنى «يسبح له فيها» بفتح الباء على ما لم يسم فاعله، وكسرها على تسمية الفاعل، وهو رجال، وعلى قراءة الفتح يكون رجال فاعل فعل مضمر. أى يسبحه رجال أو مبتدأ خبره مقدم عليه، وهو فى بيوت، وقرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائى، توقد بالتأنيث: أى توقد الزجاجة أو المشكاة كما تقول: أو قدت البيت وقرأ نافع وابن عامر وحفص يوقد بالتذكير، أى يوقد المصباح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو توقد بفتح التاء والواو، وتشديد القاف، وفتح الدال على أنه فعل ماض. أى توقد المصباح وهو معنى قوله «وحق تفعلا» أى قرءا على وزن تفعل، مثل تكرم وتبصر، والألف للاطلاق لا ضمير تثنيه، وإعرابه أن يقال حق خبر مقدم، وتفعل مبتدأ مؤخر، أراد. والقراءة على وزن تفعل حق، وحكى ابن مجاهد رواية عن عاصم، وأهل الكوفة توقد على وزن قراءة أبى عمرو، إلا أن الدال مرفوعة فيكون مضارع قراءة أبى عمرو، والأصل تتوقد، فحذفت التاء الثانية نحو «لا تكلم نفس»، وحكى أبو عبيد هذه القراءة عن ابن محيصن، والضمير فيها للزجاجة كما سبق فى القراءة الأولى، فهذه أرفع قراءات الأولى والأخيرة راجعة إلى الزجاجة، والثانية والثالثة إلى المصباح، قال أبو على: توقد على أن فاعل توقد المصباح هو البين، لأن المصباح هو الذى يتوقد، قال: سموت إليها والنجوم كأنها ... مصابيح رهبان تشبه لقفال
أى ويوقد مثله يعنى بالتذكير والله أعلم.
917 [وما نوّن البزّى سحاب ورفعهم
لدى ظلمات جرّ (د) ار وأوصلا]
يريد: {(سَحََابٌ ظُلُمََاتٌ بَعْضُهََا فَوْقَ بَعْضٍ)} فقرأه البزى على إضافة سحاب إلى ظلمات: أى سحاب ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض، وهى ما تقدم تفصيله فى قوله: {(أَوْ كَظُلُمََاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ)} قال أبو على أضاف السحاب إلى الظلمات لاستقلال السحاب وارتفاعه فى وقت هذه الظلمات، كما تقول سحاب رحمة، وسحاب مطر، إذا ارتفع فى الوقت الذى يكون فيه المطر، ومن نوّن سحاب ورفع ظلمات وهى قراءة غير ابن كثير كان ظلمات خبر مبتدأ محذوف، أى تلك ظلمات مجتمعة، وقرأ قنبل بالتنوين، وجر ظلمات على أنها وردت تكريرا، وبدلا من ظلمات الأولى، وقوله: ورفعهم لدى ظلمات، أى ورفع القراء فى ظلمات، جره من درى ذلك، فقوله: جر فعل ماض، ودار فاعله وأوصل عطف على جر، أى قرأ ذلك وأوصله إلينا ويجوز فى قوله ورفعهم النصب لأنه مفعول جر، والرفع على الابتداء نحو: (وكل وعد الله) والنصب أقوى عند أهل العربية والله أعلم.
918 [كما استخلف اضممه مع الكسر (ص) ادقا
وفى يبدلنّ الخفّ (ص) احبه (د) لا]
أى اضمم التاء مع أنك تكسر اللام، فيصير فعل ما لم يسم فاعله، وقراءة الباقين على إسناد الفعل للفاعل وهو الله تعالى فهو موافق لقراءة «ليستخلفنهم» والخلاف فى «وليبدلنهم» بالتخفيف والتشديد سبق فى الكهف أنهما لغتان، وسبق معنى دلا.(2/615)
918 [كما استخلف اضممه مع الكسر (ص) ادقا
وفى يبدلنّ الخفّ (ص) احبه (د) لا]
أى اضمم التاء مع أنك تكسر اللام، فيصير فعل ما لم يسم فاعله، وقراءة الباقين على إسناد الفعل للفاعل وهو الله تعالى فهو موافق لقراءة «ليستخلفنهم» والخلاف فى «وليبدلنهم» بالتخفيف والتشديد سبق فى الكهف أنهما لغتان، وسبق معنى دلا.
919 [وثانى ثلاث ارفع سوى (صحبة) وقف
ولا وقف قبل النّصب إن قلت أبدلا]
يعنى {(ثَلََاثُ عَوْرََاتٍ لَكُمْ)} فهذا الثانى، والأوّل لا خلاف فى نصبه، وهو ثلاث مرات، لأنه ظرف، فرفع الثانى على معنى هذه الأوقات، أوقات ثلاث عورات، فيجوز لك أن تقف على ما قبلها، وهو صلاة العشاء، ثم تبتدى «ثلاث عورات» وأما قراءة النصب فتحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون بدلا من ثلاث مرات، فلا وقف على هذا التقدير، لأن الكلام لم يتم، وليس برأس آية فيغتفر ذلك لأجله نحو:
{(اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [1]).
{(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [2]).
{(لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} [3]).
فهذا قوله، ولا وقف قبل النصب إن قلت أبدلا. أى إن قلت هو بدل من الأول وإن قدرت «ثلاث عورات» منصوبا بفعل مضمر جاز الوقف مثل: قراءة الرفع، والتقدير {(ثَلََاثُ عَوْرََاتٍ لَكُمْ)} أى احفظوها وراعوها، والله أعلم.
__________
(1) سورة الفاتحة، آية: 6.
(2) سورة الشورى، آية: 52.
(3) سورة اقرأ، آية: 15.(2/616)
سورة الفرقان
920 [ويأكل منها النون (ش) اع وجزمنا
ويجعل برفع (د) لّ (ص) افيه (ك) مّلا]
يريد {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهََا} الياء فى يأكل والنون ظاهران، وأما (ونجعل لك قصورا) فرفعه على الاستئناف، وجزمه على العطف على موضع جواب الشرط الذى هو جعل لك على لغة من يجزم جواب الشرط إذا كان فعل الشرط ماضيا، وهو اللغة الفصيحة، ويجوز أن تكون هذه القراءة بالرفع، وإنما أدغم اللام من يجعل فى لام لك، كما يفعل أبو عمرو فى غير هذا الموضع، فيتحد تقدير القراءتين «وكملا» جمع كامل، وهو مفعول «دل»، أى دل حسن هذا اللفظ وصفاؤه رجالا كاملين عقلا ومعرفة، فقرءوا به وإن كانت القراءة الأخرى كذلك والله أعلم.
921 [ونحشر يا (د) ار (ع) لا فيقول نو
ن شام وخاطب تستطيعون (ع) مّلا]
يريد ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله الياء فيه، والنون أيضا ظاهران، وأراد ذو يا قارئ دار أى عارف، وعملا صفة دار، أو صفة يا، والخلاف أيضا فى، فيقول بالياء والنون ظاهر، فابن عامر قرأ بالنون فيهما، وابن كثير وحفص بالياء فيهما، والباقون بالنون فى نحشرهم، والياء فى فيقول لقوله بعدء أنتم أضللتم عبادى وكل ذلك من تلوين الخطاب كما فى أوّل سورة الإسراء، والياء فى يستطيعون للآلهة، والخطاب لعبادها، وتستطيعون فى البيت مفعول خاطب، جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه، ومثله فى النمل وتخفون خاطب، وتقدم فى الأنعام، وخاطب شام. ويجوز أن يكون فى كل هذه المواضع على حذف حرف الجر. أى خاطب بهذا اللفظ، وعملا جمع عامل وهو حال من فاعل خاطب، وهو وإن كان لفظه أمر المفرد فالمراد به الجمع، كأنه قال:
وخاطب أيها الرهط والقوم أو الفريق القراءة، وقال الشيخ يستطيعون، بدل من قوله وخاطب، أو عطف بيان، وعملا مفعول خاطب.
قلت لا يبين لى وجه ما ذكر فى تستطيعون، وأما جعل عملا مفعول خاطب، فيجوز على أن يكون يستطيعون مفعولا بعامل مقدر، أى قارئا يستطيعون، وأراد بالعمل المخاطبين يستطيعون، لأنهم كما قال الله تعالى:
{(عََامِلَةٌ نََاصِبَةٌ} [1]).
وإن كان مراد الشيخ بما ذكره أن المأمور بالخطاب هو لفظ تستطيعون جعله مخاطبا لهم لما كان الخطاب فيه كقولك: قم زيد. فهذا على حذف النداء، أى قم يا زيد فكذا التقدير، وخاطب يا يستطيعون: أى يا هذا اللفظ، ولا يبعد فى التجوز تمثيل ذلك كما تخاطب الديار والآثار، ويطرد هذا الوجه فى نحو: وخاطب تعصرون وما أشبه.
__________
(1) سورة الغاشية، آية: 3.(2/617)
922 [ونزّل زده النّون وارفع وخفّ وال
ملائكة المرفوع ينصب دخللا]
لفظ بقراءة ابن كثير، وبين ما فعل فيها فقال: «زده النون» أى زده النون الساكنة، لأن النون المضمومة موجودة فى قراءة الباقين، وارفع يعنى اللام لأنه صار فعلا مضارعا، فوجب رفعه. وخف يعنى تخفيف الزاى، لأن قراءة الباقين بتشديدها على أنه فعل ماض لما لم يسم فاعله، وهو مطابق للمصدر الذى ختمت به الآية، وهو تنزيلا، ومصدر قراءة ابن كثير إنزالا إلا أن كل واحد منهما يوضع موضع الآخر، أنشد أبو على:
وقد تطوّيت انطواء الخصب
وقال: حيث كان تطوّيت وانطويت يتقاربان، حمل مصدر ذا على مصدر ذا، ولا حاجة إلى أن يقال الناظم لم ينبه على إسكان النون ذهابا إلى أن المزيدة هى الأول، بل تجعل المزيدة هى الثانية، وتخلص من الاعتراض، ومن الجواب بأن خف ينبئ عن ذلك، وبأن الزاى إذا خففت لم يكن بدّ من إسكان النون، فهب أن الأمر كذلك فمن أين تعلم قراءة الباقين أنها بالضم، وهو لم يلفظ بها.
فإن قلت: فى التحقيق الزائدة هى الأولى لأنها حرف المضارعة، والثانية هى أوّل الفعل الماضى.
قلت: صحيح إلا أن الناظم لا يعتبر فى تعريفه إلا صورة اللفظ: ألا تراه كيف قال فى يوسف وثان ننج احذف فأورد الحذف على الثانية ليصير الفعل ماضيا، وإنما المحذوف حرف المضارعة، فكذا هنا، ونصب ابن كثير الملائكة لأنه مفعول «وتنزّل» ورفعه الباقون، لأنه مفعول «ونزل ودخللا» حال لأن قيله {(لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلََائِكَةُ)} فهو مداخله ومرافقه فى اللفظ والمعنى.
923 [تشقّق خفّ الشّين مع قاف (غ) الب
ويأمر (ش) اف واجمعوا سرجا ولا]
يريد {(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمََاءُ بِالْغَمََامِ)} وفى سورة ق.
{(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرََاعاً} [1]).
الأصل فيها تتشقق، فمن خفف حذف إحدى التاءين، ومن شدد أدغم الثانية فى الشين، قال أبو على قال أبو الحسن: الخفيفة أكثر فى الكلام لأنهم أرادوا الخفة فكان الحذف أخف عليهم من الإدغام فهذا معنى قوله:
غالب أى تخفيف الشين فيه مع حرف قاف أكثر من تشديدها فى اللغة، ثم قال: «ويأمر شاف» أراد أنسجد لما تأمرنا أى بالغيب لإطلاقه، والباقون بالخطاب الرسول صلّى الله عليه وسلم، والياء إخبار عنه، قال ذلك بعضهم لبعض، وخاطبه بعضهم به، وقيل لما تأمرنا المسمى بالرحمن، وإن كنا لا نعرفه ثم قال: «وأجمعوا سرجا» يعنى {(وَجَعَلَ فِيهََا سِرََاجاً)} يقرؤه حمزة والكسائى بالجمع على إرادة الشمس، والنجوم العظام، وقال الزجاج: أراد الشمس والقمر والكواكب العظام معهما.
__________
(1) سورة الفرقان، آية: 25.
قلت: فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك: {(وَقَمَراً مُنِيراً)} من باب قوله: وملائكته وجبريل وميكال، والإفراد للشمس كما جاء فى سورة النبأ وجعلنا سراجا وهاجا) وفى سورة نوح:(2/618)
قلت: فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك: {(وَقَمَراً مُنِيراً)} من باب قوله: وملائكته وجبريل وميكال، والإفراد للشمس كما جاء فى سورة النبأ وجعلنا سراجا وهاجا) وفى سورة نوح:
{(وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرََاجاً} [1]).
وقيل المراد بالسرج النجوم دون الشمس، وهى المصابيح المذكورة فى الآية الأخرى، فكأنه سبحانه أشار إلى ما يظهر فى السماء ليلا وهو القمر والنجوم، والقراءة بالإفراد تحتمل ذلك على إرادة الجنس، كما فى نظائره أو أراد به الشمس فيكون مجموع القراءتين الصحيحتين قد أفاد مجموع النجوم، والقمرين «وولا» بالكسر وهو مفعول له أو حال، أى لأجل المتابعة، أو ذوى متابعة.
924 [ولم يقتروا اضمم (عمّ) والكسر ضمّ (ث) ق
يضاعف ويخلد رفع جزم (ك) ذى (ص) لا].
أى اضمم أوله، وضم أيضا كسره، وهو فى الثانى. وإنما قال فى الثانى ضم الكسر، ولم يقل فى الأول ضم الفتح، لأن الكسر ليس ضدا للضم، والفتح ضده، فالذين ضموا الثانى فتحوا الأوّل، والذين ضموا الأوّل كسروا الثانى، والباقون فتحوا الأوّل وكسروا الثانى، وهم ابن كثير، وأبو عمرو. قرءا امن قتر يقتر، مثل: ضرب، والكوفيون من قتر يقتر، مثل يقتل، ونافع وابن عامر من أقتر يقتر، مثل: أكرم يكرم، وكل ذلك لغات فى تضييق النفقة، وقيل أقتر خلاف أيسر يدل عليه على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقال فى معنى التضييق وكان الإنسان قتورا فهذا من قتر، وفى مضارعه لغتان الكسر والضم مثل: يعكفون ويعرشون. وقال أبو حاتم لا وجه للإقتار هاهنا. إلا أن يذهب به إلى أن المسرف يفتقر سريعا. قال أبو جعفر النحاس: تعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه لأن أهل المدينة عنده لا يقع فى قراءتهم الشاذ، وتأوّل لهم أن المسرف يفتقر سريعا. قال: وهذا تأويل بعيد، ولكن التأويل لهم أن أبا عمرو الجرمى حكى عن الأصمعى أنه يقال للإنسان إذا ضيق قتر، يقتر ويقتر. وقتر يقتر، وقتر يقتر. قال فعلى هذا تتضح القراءة وإن كان فتح الياء أصح وأقرب متأولا، وأشهر وأعرف. ومن أحسن ما قيل فى معناه: قول أبى عبد الرحمن الجبلى: من أنفق فى غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار، ومن أنفق فى طاعة الله فهو القوام، وأما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فالرفع فيهما على الاستئناف، والجزم على البدل من يلن أثاما لأنهما فى معنى واحد. وقوله: رفع جزم. أى ذو رفع جزم فيهما. وقوله «كذى صلا» فى موضع الحال. أى مشتهرا اشتهار ذى الصلاء. أى موقد النار لقصد جمع الأصناف أو يكون التقدير «كن كذى صلا» أى تقرأ العلم لأضيافك وهم المستفيدون المستحقون لذاك.
925 [ووحّد ذرّيّاتنا (ح) فظ (صحبة)
ويلقون فاضممه وحرّك مثقّلا]
يريد ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا إفراد الذرية وجمعها ظاهران. وقد سبق مثلهما فى الأعراف.
__________
(1) آية: 16.(2/619)
وأما ويلقون فيها تحية فاضمم ياءه، وافتح لامه، وثقل قافه لغير صحبة من قوله ولقاهم نضرة وسرورا وهو موافق لقوله يجزون الغرفة وقرأه صحبة من لقى يلقى نحو تحيتهم يوم يلقونه سلام وقال فى ضدهم فسوف يلقون غيا وهما ظاهران أيضا والله أعلم.
926 [سوى (صحبة) والياء قومى وليتنى
وكم لو وليت تورث القلب أنصلا]
سوى صحبة خبر قوله: ويلقون أى هو قراءة سوى صحبة، فحذف المضاف واعترض بين المبتدإ وخبره بقوله: فاضممه، وحرك مثقلا، وحقه أن يتأخر، وفيها من ياءات الإضافة ياءان إن قومى اتخذوا فتحها نافع، وأبو عمرو، والبزى يا ليتنى اتخذت فتحها أبو عمرو وحده ثم أن لفظ ليتنى أذكر الناظم رحمه الله قصة الظالم الذى يعض على يديه يوم القيامة ويقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول يا ويلتا لم أتخذ فيندم ويتأسف، ويتمنى فى وقت لا ينفعه ذلك، فتمم الناظم البيت بما بينه العقلاء على الاستعداد خوفا من وقوع مثل ذلك «وأنصلا» جمع نصل أى تورث القلب ألما كألم وقوع النصول فى القلب، فيقول المتندم المتأسف: لو أنى فعلت كذا، ولو أنى ما فعلت، وهذه كلمة قد نهى الشرع عنها. ففي صحيح مسلم. أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«إن أصابك شيء فلا تقل لولا أنى فعلت» ولكن قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان» وأضاف الناظم «كم» إلى حرفى «لو» و «ليت»، والمراد المرات المقولة بهذين اللفظين. حكى «لو» بلفظها وأعرب «ليت» فخفضها ونونها، لأنه أجراهما هاهنا مجرى الأسماء فى الإخبار عنها. وقد استعمل الفصحاء ذلك، فتارة حكوا، وتارة أعربوا. قال أبو زيد الطائى:
ليت شعرى وأين منى ليت ... إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء
وقال أبو تمام:
قولى نعم، ونعم إن قلت واجبة ... قالت عسى وعسى جسرا إلى نعم
وأدخل بعضهم الألف واللام فقال:
والمرء مرتهن بسوف وليتنى ... وهلاكه فى السوف ثم الليت
وأفرد تورث، وهو خبر عن اثنين اختصارا واستغناء بالخبر عن أحدهما نحو ولا ينفقونها فى سبيل الله وأنث لفظ تورث باعتبار الكلمة ويجوز تذكيره باعتبار اللفظ والحرف:(2/620)
والمرء مرتهن بسوف وليتنى ... وهلاكه فى السوف ثم الليت
وأفرد تورث، وهو خبر عن اثنين اختصارا واستغناء بالخبر عن أحدهما نحو ولا ينفقونها فى سبيل الله وأنث لفظ تورث باعتبار الكلمة ويجوز تذكيره باعتبار اللفظ والحرف:
سورة الشعراء
927 [وفى حاذرون المدّ (م) ا (ث) لّ فارهي
ن (ذ) اع وخلق اضمم وحرّك به (ال) علا]
يريد {وَإِنََّا لَجَمِيعٌ حََاذِرُونَ} قبل الحذر، والحاذر سواء، وقيل الحذر من طبع على الحذر، وقيل المتيقظ والحاذر الذى يحذر ما حدث، أو المستعد كأنه أخذ حذره، ومعنى قوله: مائل أى ما زال من قولهم ثللت الحائط إذا هدمته، ويقال للقوم إذا اذهب عزهم قد ثل عرشهم، ثم قال «فارهين ذاع» أى قرأه بالمد من قرأ حاذرون، وزاد معهم هشام يريد {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبََالِ بُيُوتاً فََارِهِينَ} وقيل أيضا فارهين وفرهين سواء، وقيل فارهين حاذقين، وفرهين أشرين أو كيسين أو فرحين. ثم قال وخلق اضمم يريد إن هذا إلّا خلق الأولين اضمم خاءه وحرك به. أى حرك اللام بالضم، وانما احتاج إلى قوله به، لأن مطلق التحريك هو الفتح، فيصير خلق أى إن هذا إلا عادة الأولين يشيرون إلى الحياة والموت، أو إلى دينهم، أو إلى ما جاء به. كما قالوا عنه أساطير الأولين وخلق بفتح الخاء وسكون اللام بمعنى كذب الأولين، أو يكون إشارة إلى خلقهم. أى ما نحن إلا كالأولين فى الحياة والموت، ثم رمز لمن ضم الخاء واللام. فقال العلا كما فى ند فى البيت الآتى، فالعلا مبتدأ وما يعده الخبر. أى ذو العلا كالذى فى مكان ند، أو كالذى فى كرم، أو أراد أنه خبر مبتدأ محذوف، ذاك هو العلا والله أعلم.
928 [(ك) ما (ف) ى (ن) د والايكة اللّام ساكن
مع الهمز واخفضه وفى صاد (غ) يطلا]
يريد {أَصْحََابُ الْأَيْكَةِ} هنا، وفى صاد، قرأهما الحرميان، وابن عامر ليكة بفتح اللام من غير همز:
وفتح التاء. وأجمعوا على الذى فى الحجر، والذى فى قاف أنها الأيكة بإسكان اللام، وبعده همزة وبخفض التاء، وإنما خص ما فى الشعراء، وص بتلك القراءة. لأن صورته فى الرسم كذلك واختارها أبو عبيد، وضعفها علماء العربية. قال أبو عبيد: لا أحب مفارقة الخط فى شيء من القرآن إلا ما تخرج من كلام العرب، وهما ليس بخارج من كلامها مع صحة المعنى فى هذه الحروف، وذاك أنا وجدنا فى بعض التفسير الفرق بين الأيكة، وليكة فقيل: ليكة هى اسم القرية التى كانوا فيها، والأيكة البلاد كلها، فصار الفرق فيما بينهما شبيها بفرق ما بين بكة، ومكة، ورأيتهن مع هذا فى الذى يقال له الإمام مصحف عثمان مفترقات، فوجدت التى فى الحجر، والتى فى ق الايكة، ووجدت التى فى الشعراء والتى فى صاد ليكة، ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار كلها بعد، فلا نعلمها إذا اختلفت فيها، وقرأها أهل المدينة على هذا اللفظ الذى قصصنا، يعنى بغير ألف ولام، ولا إجراء، هذه عبارته، وليست سديدة. فإن اللام موجودة فى ليكة، وصوابه بغير ألف وهمزة، قال: فأى حجة تلتمس أكثر من هذا، فبهذه نقرأ على ما وجدناه مخطوطا بين اللوحين.
قال أبو العباس المبرد فى كتاب الخط: كتبوا فى بعض المواضع كذّب أصحاب ليكة المرسلين بغير ألف، لأن الألف تذهب فى الوصل، ولذلك غلط القارئ بالفتح فتوهم أن ليكة اسم شيء، وأن اللام أصل.
فقرأ أصحاب ليكة المرسلين قال الفراء: نرى والله أعلم أنها كتبت فى هذين الموضعين على ترك الهمزة، فسقطت الألف لتحريك اللام. قال مكى: تعقب ابن قتيبة على أبى عبيد فاختار الأيكة بالألف والهمزة.(2/621)
قال أبو العباس المبرد فى كتاب الخط: كتبوا فى بعض المواضع كذّب أصحاب ليكة المرسلين بغير ألف، لأن الألف تذهب فى الوصل، ولذلك غلط القارئ بالفتح فتوهم أن ليكة اسم شيء، وأن اللام أصل.
فقرأ أصحاب ليكة المرسلين قال الفراء: نرى والله أعلم أنها كتبت فى هذين الموضعين على ترك الهمزة، فسقطت الألف لتحريك اللام. قال مكى: تعقب ابن قتيبة على أبى عبيد فاختار الأيكة بالألف والهمزة.
والخفض وقال: إنما كتبت بغير ألف على تخفيف الهمزة. قال: وقد أجمع الناس على ذلك، يعنى فى الحجر، وق. فوجب أن يلحق ما فى الشعراء، وص بما أجمع عليه، فما أجمعوا عليه شاهد لما اختلفوا فيه قال الزجاج:
القراءة بجر ليكة، وأنت تريد الأيكة أجود من أن تجعلها ليكة، وتفتحها لأنها لا تنصرف. لأن ليكة لا تعرف وإنما هو أيكة للواحد، وأيك للجمع: مثل أجمة وأجم، والأيكة: الشجر الملتف، فأجود القراءات فيها الكسر وإسقاط الهمز لموافقة المصحف، ولا أعلمه إلا قد قرئ به، قال النحاس: أجمع القراء على خفض التى فى الحجر، والتى فى سورة ق، فيجب أن يرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه، إذا كان المعنى واحدا. فأما ما حكاه أبو عبيد من أن ليكة اسم القرية التى كانوا فيها، وأن الأيكة اسم البلد كله، فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله، ولو عرف من قاله لكان فيه نظر. لأن أهل العلم جميعا من أهل التفسير، والعلم بكلام العرب على خلافه، لا نعلم بين اللغة اختلافا أن الأيكة الشجر الملتف، فما احتجاج بعض من احتج لقراءة من قرأ فى هذين الموضعين بالفتح أنه فى السواد ليكة فلا حجة له فيه. والقول فيه أن أصله الأيكة، ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام فسقطت، فاستغنت عن ألف الوصل. لأن اللام قد تحركت، فلا يجوز على هذا إلا الخفض كما تقول: «مررت بالأحمر» على تحقيق الهمزة، ثم تخففها فتقول: بلحمر فإن شئت كتبته فى الخط على ما كتبته أولا، وأن شئت كتبته بالحذف، ولم يجز إلا الخفض، فكذلك لا يجوز فى الأيكة إلا الخفض: قال سيبويه: واعلم أن كل ما لا ينصرف إذا أدخلته الألف واللام، أو أضفته انصرف. قال: ولا نعلم أحدا خالف سيبويه فى هذا. وقال أبو على: قول من قال ليكة ففتح التاء مشكل، لأنه فتح مع لحاق اللام الكلمة، وهذا فى الامتناع كقول من قال: مررت بلحمر، فيفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة الكلمة. وقال: إنما كتبت ليكة على تخفيف الهمز والفتح، لا يصح فى العربية لأنه فتح حرف الإعراب فى موضع الجر مع لام المعرفة، فهو على قياس من قال: مررت بلحمر قال: ويبعد أن يفتح نافع ذلك مع ما قاله ورش.
قلت: يعنى أن ورشا مذهبه عنه نقل الحركة. وقد فعل ذلك فى الحجر، وق مع الخفض، فكذا فى الشعراء، وص. وقال الزمخشرى: قرئ أصحاب الأيكة بالهمز وتخفيفها، وبالجر على الإضافة، وهو الوجه ومن قرأ بالنصب وزعم أن ليكة بوزن ليلة اسم بلد فوهم قاد إليه خط المصحف، وإنما كتبت على حكم لفظ اللافظ كما تكتب أصحاب النحو لأن ولولى على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف، وقد كتب فى سائر القرآن على الأصل، والقصة واحدة على أن ليكة اسم لا يعرف، وروى: أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف، وكان شجرهم الدوم، قلت، يعنى فهذا اللفظ مطابق لحالهم، وأما لفظ ليكة على أن تكون اللام فاء الكلمة، وهى مركبة من لام وياء وكاف، فهذا شيء غير موجود فى لسان العرب، بل هذا التركيب مما أهملته فلم يتلفظ به، فهو مشبه بالحاء والدال المعجمتين مع الجيم، فإنه مما نص عليه أهل اللغة أنه أهمل فلم تنطق به العرب، ولكن لا وجه لهذه القراءة غير ذلك قال الزجاج: أهل المدينة يفتحون على ما جاء فى التفسير أن اسم المدينة التى كان فيها شعيب ليكة: قال ابن القشيرى: قال أبو على: لو صح هذا فلم أجمع القراء على الهمز فى قوله وإن كان أصحاب الأيكة فى سورة الحجر، والأيكة التى ذكرت
هاهنا، هى التى ذكرت هناك؟ وقد قال ابن عباس: الأيكة الغيضة ولم يعبرها بالمدينة والبلد، قال: وهذا الاعتراض مردود إذا ثبتت هذه القراءة، ولا يبعد أن تسمى بقعة ليكة ثم يعبر عن ذلك البقعة بالغيضة، والأيكة لكثرة أشجارها، وقال الخليل: الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر، وقيل الأيك شجر الدوم، وهو المقل، وهو أكثر شجر مدين وقيل بعث شعيب إلى مدين، والأيكة وهما قريتان. قال صاحب الصحاح: من قرأ أصحاب الأيكة فهى الغيضة ومن قرأ ليكة فهى اسم القرية ويقال هما مثل بكة ومكة.(2/622)
قلت: يعنى أن ورشا مذهبه عنه نقل الحركة. وقد فعل ذلك فى الحجر، وق مع الخفض، فكذا فى الشعراء، وص. وقال الزمخشرى: قرئ أصحاب الأيكة بالهمز وتخفيفها، وبالجر على الإضافة، وهو الوجه ومن قرأ بالنصب وزعم أن ليكة بوزن ليلة اسم بلد فوهم قاد إليه خط المصحف، وإنما كتبت على حكم لفظ اللافظ كما تكتب أصحاب النحو لأن ولولى على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف، وقد كتب فى سائر القرآن على الأصل، والقصة واحدة على أن ليكة اسم لا يعرف، وروى: أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف، وكان شجرهم الدوم، قلت، يعنى فهذا اللفظ مطابق لحالهم، وأما لفظ ليكة على أن تكون اللام فاء الكلمة، وهى مركبة من لام وياء وكاف، فهذا شيء غير موجود فى لسان العرب، بل هذا التركيب مما أهملته فلم يتلفظ به، فهو مشبه بالحاء والدال المعجمتين مع الجيم، فإنه مما نص عليه أهل اللغة أنه أهمل فلم تنطق به العرب، ولكن لا وجه لهذه القراءة غير ذلك قال الزجاج: أهل المدينة يفتحون على ما جاء فى التفسير أن اسم المدينة التى كان فيها شعيب ليكة: قال ابن القشيرى: قال أبو على: لو صح هذا فلم أجمع القراء على الهمز فى قوله وإن كان أصحاب الأيكة فى سورة الحجر، والأيكة التى ذكرت
هاهنا، هى التى ذكرت هناك؟ وقد قال ابن عباس: الأيكة الغيضة ولم يعبرها بالمدينة والبلد، قال: وهذا الاعتراض مردود إذا ثبتت هذه القراءة، ولا يبعد أن تسمى بقعة ليكة ثم يعبر عن ذلك البقعة بالغيضة، والأيكة لكثرة أشجارها، وقال الخليل: الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر، وقيل الأيك شجر الدوم، وهو المقل، وهو أكثر شجر مدين وقيل بعث شعيب إلى مدين، والأيكة وهما قريتان. قال صاحب الصحاح: من قرأ أصحاب الأيكة فهى الغيضة ومن قرأ ليكة فهى اسم القرية ويقال هما مثل بكة ومكة.
قلت إنما قال ذلك تقليدا لما ذكره أبو عبيد، وإلا فلم يذكر فى حرف الكاف فصلا للام، ولا ذكره غيره فيما علمت، وقول الناظم: «غيطلا» منصوب على الحال من مفعول أخفضه أى مفسرا بذلك، لأن الغيطل جمع غيطلة وهى الشجر الكبير، وجعله الشيخ حالا من الفاعل، فقال اخفضه مفسرا أو متأولا ذلك بالغيطل. أى أنك فى القراءة الأخرى إنما تتأوله بالبقعة، فقد صار للأيكة حالان، حال هو فيها بقعة، وحال هو فيها غيطلة، فافعل ذلك به غيطلا.
929 [وفى نزّل التّخفيف والرّوح والأمي
ين رفعهما (ع) لوّ (سما) وتبجّلا]
يريد نزل به الروح الأمين فمع التخفيف رفع الروح، لأنه فاعل: والأمين صفته، ومع التشديد نصبهما على المفعولية، ويناسب التشديد ما قبله من قوله: وإنه لتنزيل رب العالمين وعلو: بضم العين وكسرها نقيض السفل بضم السين وكسرها.
930 [وأنث يكن لليحصبى وارفع آية
وفا فتوكّل واو (ظ) مئانه (ح) لا]
يريد أو لم يكن لهم آية قرأ الجماعة بتذكير يكن، ونصب آية على أنها خبر كان، واسمها أن يعلمه علماء بنى إسرائيل أى أو لم يكن علم العلماء آية لهم على صدقك، وعلى قراءة ابن عامر قال الزمخشرى:
جعلت آية اسما، وأن يعلمه خبرا. قال: وليست كالأولى لوقوع النكرة اسما، والمعرفة خبرا.
وقد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك، فقيل: فى يكن ضمير القصة، وآية أن بعلمه جملة واقعة موقع الخبر.
قال: ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هى جملة لشان وأن يعلمه بدل عن آية، ويجوز مع نصب الآية تأنيث يكن كقوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا قلت: ولكن لم يقرأ به. وأما فتوكل على العزيز الرحيم فرسم بالفاء فى المدنى، والشامى، وبالواو فى غيرهما، قال أبو على: الوجهان حسنان، قال الشيخ:
الواو عطف جملة على جملة، والفاء على أنه كالجزاء لما قبله، وقال الزمخشرى: له محملان فى العطف، أن يعطف على فقل. أو فلا تدع [قلت لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله، فلا تدع، فإن عصوك فهى فى الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم، والهاء فى قول الناظم: ظمئانه تعود إلى الفاء، لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا، ظمئ المكان إليها فقال: الواو أيضا خلت هنا والله أعلم،
931 [ويا خمس أجرى مع عبادى ولى معى
معا مع أبى إنّى معا ربّى انجلا]
أضاف لفظ «يا» إلى «خمس»، وقصره ضرورة كما قصر لفظ «فا» فى البيت السابق فى قوله «وفا فتوكل» يريد إن أجرى إلا فى خمسة مواضع فى قصة نوح، وهود، وصالح ولوط، وشعيب، عليهم السلام فتحهن نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، وأراد بعبادى إنكم متبعون فتحها نافع وحده معى ربى سيهدين فتحها حفص وحده، ومن معى من المؤمنين فتحها حفص وورش عدو لى إلا اغفر لأبى إنه فتحهما نافع وأبو عمرو «إنى أخاف» موضعان فى قصة موسى، وهو عليهما السلام ربى أعلم فى قصة شعيب عليه السلام، فتح الثلاث: الحرميان، وأبو عمرو، فتلك ثلاث عشرة ياء إضافة.(2/623)
الواو عطف جملة على جملة، والفاء على أنه كالجزاء لما قبله، وقال الزمخشرى: له محملان فى العطف، أن يعطف على فقل. أو فلا تدع [قلت لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله، فلا تدع، فإن عصوك فهى فى الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم، والهاء فى قول الناظم: ظمئانه تعود إلى الفاء، لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا، ظمئ المكان إليها فقال: الواو أيضا خلت هنا والله أعلم،
931 [ويا خمس أجرى مع عبادى ولى معى
معا مع أبى إنّى معا ربّى انجلا]
أضاف لفظ «يا» إلى «خمس»، وقصره ضرورة كما قصر لفظ «فا» فى البيت السابق فى قوله «وفا فتوكل» يريد إن أجرى إلا فى خمسة مواضع فى قصة نوح، وهود، وصالح ولوط، وشعيب، عليهم السلام فتحهن نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، وأراد بعبادى إنكم متبعون فتحها نافع وحده معى ربى سيهدين فتحها حفص وحده، ومن معى من المؤمنين فتحها حفص وورش عدو لى إلا اغفر لأبى إنه فتحهما نافع وأبو عمرو «إنى أخاف» موضعان فى قصة موسى، وهو عليهما السلام ربى أعلم فى قصة شعيب عليه السلام، فتح الثلاث: الحرميان، وأبو عمرو، فتلك ثلاث عشرة ياء إضافة.(2/624)
الواو عطف جملة على جملة، والفاء على أنه كالجزاء لما قبله، وقال الزمخشرى: له محملان فى العطف، أن يعطف على فقل. أو فلا تدع [قلت لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله، فلا تدع، فإن عصوك فهى فى الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم، والهاء فى قول الناظم: ظمئانه تعود إلى الفاء، لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا، ظمئ المكان إليها فقال: الواو أيضا خلت هنا والله أعلم،
931 [ويا خمس أجرى مع عبادى ولى معى
معا مع أبى إنّى معا ربّى انجلا]
أضاف لفظ «يا» إلى «خمس»، وقصره ضرورة كما قصر لفظ «فا» فى البيت السابق فى قوله «وفا فتوكل» يريد إن أجرى إلا فى خمسة مواضع فى قصة نوح، وهود، وصالح ولوط، وشعيب، عليهم السلام فتحهن نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، وأراد بعبادى إنكم متبعون فتحها نافع وحده معى ربى سيهدين فتحها حفص وحده، ومن معى من المؤمنين فتحها حفص وورش عدو لى إلا اغفر لأبى إنه فتحهما نافع وأبو عمرو «إنى أخاف» موضعان فى قصة موسى، وهو عليهما السلام ربى أعلم فى قصة شعيب عليه السلام، فتح الثلاث: الحرميان، وأبو عمرو، فتلك ثلاث عشرة ياء إضافة.
سورة النمل
932 [شهاب بنون (ث) ق وقل يأتينّنى
(د) نا مكث افتح ضمّة الكاف (ن) وفلا]
أراد بشهاب قبس وقوله بنون: أى بزيادة تنوين للكوفيين، فيكون قبس صفة لشهاب: أى مقبوس، يقال: قبست نارا، وقيل هو بدل، ومن أضاف فهو من باب ثوب خز، لأن القبس الشعلة من النار، وكذلك الشهاب، لكن الشهاب يطلق أيضا على الكوكب، وعلى كل أبيض ذى نور، فأضيف للبيان. وحكى أبو على عن أبى الحسن أن الإضافة أكثر وأجود فى القراءة، كما تقول دار آجر، وسوار ذهب، قال: ولو قلت سوار ذهب ودار آجر لكان عربيا إلا أن الأكثر فى كلام العرب الإضافة، ثم قال: وقل يأتيننى دنا، أى بزيادة نون أيضا، فاستغنى بقيد شهاب عن تقييده، كما استغنى فى التخفيف والتثقيل بقيد المسألة الأولى عن الثانية، نحو سكرت فاسعرت عن أولى ملاد، وفى اللفظ ما ينبئ عن ذلك، فهو فيهما من باب الإثبات والحذف، أراد أو ليأتينى بسلطان مبين زاده ابن كثير نونا وهى نون الوقاية، وقبلها نون التأكيد الشديدة، وقراءة الجماعة إما على إسقاط نون الوقاية أو على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ثم أدغمت فى نون الوقاية، وأما مكث ففتح الكاف منه وضمها لغتان ويقوى الفتح أنكم ماكثون ماكثين فيه أبدا ونوفلا حال من فاعل افتح وقد تقدم.
933 [معا سبأ افتح دون نون (ح) مى (هـ) دى
وسكّنه وانو الوقف (ز) هرا ومندلا)
يريد {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ}:
{(لَقَدْ كََانَ لِسَبَإٍ} [1]).
فهذا معنى قوله «معا» أى هنا وفى سورة سبأ افتح الهمز من لفظ سبأ دون نون، أى من غير تنوين، لأنه لا ينصرف وحمى هدى حال، وقراءة الباقين بالصرف، كسروا الهمزة ونونوا، وهما لغتان فى لفظ سبأ وثمود الصرف وتركه، نص سيبويه وغيره عليهما، بناء على أنه يقصد بهما الحى أو القبيلة، وحسن لفظ الصرف هنا ليناسب الكلمة التى بعده، وهى قوله «بنبإ» فهو أولى من صرف سلاسلا وقواريرا للتناسب على ما يأتى فى موضعه، وروى قنبل إسكان الهمزة، وقرأ به ابن مجاهد عليه، وقال: هو وهم، وبين الناظم علته بقوله وانو الوقف، أى تكون واصلا بنية الوقف، وهذا باب لو فتح لذهب الإعراب من كلام العرب، واستوى الوقف والوصل، ولكن يقع مثل هذا نادرا فى ضرورة الشعر، قال مكى: الإسكان فى الوصل بعيد غير مختار ولا قوى، وقوله: زهرا ومندلا حمالان من فاعل سكنه أو مفعوله، اى ذا زهر ومندل أى ذا طيب بمعنى طيبا، أى خذه بقبول غير متكره له:
__________
(1) سورة سبأ، آية: 15.(2/625)
934 [ألا يسجدوا راو وقف مبتلى ألا
ويا واسجدوا وابدأه بالضّمّ موصلا]
أى قراءة الكسائى بتخفيف «ألا» جعله حرف تنبيه نحو:
{(أَلََا إِنَّ أَوْلِيََاءَ اللََّهِ} {أَلََا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [1] (2)).
وتقدير البيت ألا يسجدوا، قراءة راو فيكون يسجدوا بعده كلمتين تقريرهما يا اسجدوا بحرف النداء، وفعل الأمر، والمنادى محذوف أى يا قوم اسجدوا، وهذه لغة فصيحة مشهورة كثيرة، ومنها قول الشماخ:
ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال
أى يا أصحابي اسقياني إلا أنه لم يكتب فى المصحف إلا على هذه الصورة، بحذف ألا يا، وحذف ألف الوصل من اسجدوا، وحذف الألف من «يا» مطرد فى رسم المصاحف، نحو ينوح يقوم فى يا نوح يا قوم، وحذفت ألف الوصل أيضا فى نحو بسم الله فلما اجتمعا فى هذه الكلمة حذفا، ونظيرها فى الرسم يبنؤم فى يا ابن أم، حذفت الألف من يا وألف الوصل من ابن، فحصل من هذا أن الرسم احتمل ما قرأه الكسائى وما قرأ به غيره، واختار أبو عبيد قراءة الجماعة، وقال: لأنها فى بعض التفاسير: وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا، قال: ومن قرأها بالتخفيف جعلها أمرا مستأنفا بمعنى: ألا يا أيها اسجدوا، وهذا وجه حسن إلا أنّ فيه انقطاع الجزء الذى كان من أمر ملكة سبأ وقومها، ثم رجع بعد إلى ذكرهم، والقراءة الأولى خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع فيه، قال أبو على: وهذا هو الوجه، ولتجرى القصة على سننها، ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها، وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع، لأنه يجرى مجرى الاعتراض، وما يساد القصة وكأنه لما قيل وزين لهم الشيطان أعمالهم الآية قد دل هذا الكلام على أنهم لا يسجدون لله تعالى ولا يتدينون بدين، فقال: ألا يا قوم، أو يا مسلمون اسجدوا لله الذى يخرج الخبء فى السموات والأرض خلافا عليهم، وحمدا لله مكان ما هداهم لتوحيده، فلم يكونوا مثلهم فى الطغيان والكفر، قال الفراء: قرأها أبو عبد الرحمن السلمى والحسن وحميد الأعرج مخففة، على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا. فيضمر هؤلاء ويكتفى بقوله «ا» وسمع بعض العرب يقول ألا يا ارحمونا ألا يا تصدّقوا علينا، وحدثنى الكسائى أن عيسى الهمدانى قال: ما كنت أسمع الشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر، وهى فى قراءة عبد الله هلا تسجدوا بالتاء. فهذه حجة لمن خفف، لأن قولك ألا تقوم بمنزلة قولك قم، وفى قراءة أبى ألا يسجدون لله الذى يعلم سركم وما تعلنون، قال: وهو وجه الكلام، لأنها سجدة، ومن قرأ أن لا يسجدوا، فشدد فلا ينبغى لها أن تكون سجدة لأن المعنى زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا، وقول الناظم: وقف مبتلا ألا يا، أورد أن يبين هذه الكلمات المتصلة لينفصل بعضها من بعض لفظا، كما هى منفصلة تقديرا، فقال: إذا ابتليت بالوقف أى اختبرت وسئلت عن ذلك على وجه الامتحان، أو أراد بالابتلاء الاضطرار. أى إذا اضطررت إلى ذلك لانقطاع نفس أو نسيان، فلك أن تقف على «ألا» لأنه عرف مستقل لا اتصال له بما بعده، بخلافها إذا شددت فى قراءة الجماعة على ما يأتى، ولك أن تقف على «يا» لأنها حرف النداء والمنادى بها محذوف، فهذا موضع الاختبار، لأن الياء متصلة بالفعل
__________
(1) سورة يوسف، آية: 62.
(2) سورة هود، آية: 5.(2/626)
لفظا وخطا، وأما الوقف على «ألا» فلا يحتاج إلى الاختبار إذ لا يخفى أنه كلمة، وكذا الوقف على اسجدوا، بل الوقف عليهما من باب الاضطرار لا الاختبار، فلما كان قوله مبتلا يحتمل الأمرين ذكر موجبهما على كل واحد من التقديرين، ونصب مبتلا على الحال، وكذا ما بعده، لأن التقدير قائلا: ألا، ويا، واسجدوا، ثم قال:
وابدأه بالضم، أى ابدأ اسجدوا بضم همزة الوصل، لأنه فعل أمر من المضارع المضموم الوسط، كاخرج وادخل، فكما تضم الهمزة إذا ابتدأت ادخلوا مصر كذلك تضم فى اسجدوا إذا ابتدأت بها. وغير الناظم من المصنفين لا يذكرون الوقف إلا على ألا يا، لأنه موضع الاختبار، وفى شرح الغاية لابن مهران:
روى عن الكسائى أنه وقف ألا يا وابتدأ اسجدوا، قال: فإن صح ذلك فعلى طريق إظهار الأصل، لا على طريق الاختبار فى الوقف، كأنه قيل له فعلا أثبت النون كما فى ألا يتقون ألا تقاتلون ألا تجدون، فأخبرهم بأصل الكلمة، وقوله موصلا: حال من أوصلته أى بلغته، أى مبلغا علم ذلك إلى من لا يعرفه، وذكر الشيخ فيه وجهين: أحدهما أن معنى موصلا ناطقا بهمزة الوصل، والثانى فى حال وصلك أى إنه ليس بابتداء تستمر عليه إنما أنت تبتدى للضم للاختبار ثم تصله بما قبله تاليا، قلت فهى على هذا المعنى حال مقدرة إلا أن فى استعمال موصلا بهذا المعنى نظرا وقد سبق التنبيه عليه فى باب الهمزتين من كلمة، وفى سورة البقرة لأنه بمعنى واصلا ثم 935 [أراد لا يا هؤلاء اسجدوا وقف
له قبله والغير أدرج مبدلا]
أى أراد الكسائى هذا التقدير وقد سبق شرحه، ثم قال: وقف له أى للكسائى قبله، أى قبل ألا يسجدوا أى يجوز لك الوقف على فهم لا يهتدون إذ لا تعلق لما بعده به، ثم قال والغير أدرج أى غير الكسائى أدرج يهتدون مع ألا يسجدوا ولم يقف قبله وجعله بدلا من أعمالهم أو من السبيل على زيادة «لا» فقوله مبدلا بفتح الدل مفعول أدرج، أى أدرج لفظا مبدلا أو حال من المفعول، أى أدرجه فى حال كونه مبدلا مما قبله، ثم ذكر وجها آخر فقال:
936 [وقد قيل مفعولا وإن أدغموا بلا
ولبس بمقطوع فقف يسجدوا ولا]
أى أدرج مفعولا. وفى نصب مفعول الوجهان المقدمان: إما مفعول به، وإما حال، أى أعرب ألا يسجدوا بأنه مفعول، واختلفت فى ذلك فقيل: هو مفعول به أى فهم لا يهتدون أن يسجدوا، ولا زائدة وقيل: هو مفعول له أى زين لهم لئلا يسجدوا أو قصدهم لئلا يسجدوا، وهذا الوجه، والأوّل الذى هو بدل من أعمالهم يكون فيه «لا» غير زائدة بخلاف البدل من السبيل والنصب بيهتدون، فهى فيهما زائدة، فلا يجوز فى قراءة الجماعة الوقف على يهتدون لأجل هذا التعلق على الوجوه الأربعة بخلاف قراءة الكسائى فلا تعلق لها بما قبلها وهذا كله يقال: إظهارا لمعانى الكلام وتعريفا بتعلق بعضه ببعض ليتدرب فيه الطالب وإلا فالمختار عندنا جواز الوقت على رءوس الآى مطلقة.
قال: وإن أدغموا بلا يعنى أن ألا أصلها أن «لا» فأدغمت النون فى اللام إدغاما واجبا لسكونها على ما عرف
فى باب النون الساكنة فمن ثم جاء التشديد.(2/627)
قال: وإن أدغموا بلا يعنى أن ألا أصلها أن «لا» فأدغمت النون فى اللام إدغاما واجبا لسكونها على ما عرف
فى باب النون الساكنة فمن ثم جاء التشديد.
ثم قال وليس بمقطوع يعنى لم يفصل بين الحرفين فى الرسم فلم يكتب أن لا بل لم تكتب النون صورة أصلا بل كتبت على لفظ الادغام فلأجل ذلك احتمل الرسم قراءة الكسائى وقراءة الجماعة وهى أن الناصبة للفعل ولا بعدها للنفى أو زائدة على ما تقرر من المعانى.
ثم قال فقف يسجدوا يعنى أنه ليس لك أن تقف فى الابتلاء ثلاث وقفات كما ذكرنا للكسائى لأن تلك المواضع كل كلمة مستقلة بمقصودها لأن إلا أفادت الاستفتاح و «يا» مع المنادى المحذوف أفادت الندا.
ثم قال اسجدوا وهو أمر تام وهاهنا إن وقفت على ألا كنت قد وقفت على أن الناصبة دون منصوبها فلا يتم الكلام الا بقوله يسجدوا وهاهنا إشكالان:
الأول أن ظاهر قوله أن لا وقف للجماعة إلا على يسجدوا فإن أراد وقف الاختيار فذاك فى آخر لآية، وإن أراد وقف الاضطرار جاز على «ألا» وهذا هو المنقول قد صرح به جماعة من المصنفين.
قال ابن الأنبارى من قرأ بالتثقيل وقف على ألا، وابتدأ يسجدوا، وهو ظاهر كلام صاحب التيسير فإنه قال الكسائى ألا يسجدوا بتخفيف اللام ويقف ألايا، ويبتدئ اسجدوا على الأمر أى ألا يا أيها الناس اسجدوا، والباقون يشددون اللام لاندغام النون فيها ويقفون على الكلمة بأسرها.
وقال شيخه أبو الحسن ابن غلبون: لا ينبغى أن يتعمد الوقف والابتداء هاهنا. لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض من حيت الندا وخطابه، فلا يفصل بعضه من بعض.
قال: ولا يجوز الوقف للباقين إلا على آخر الآية، وإن انقطع نفس القارئ لهم على «ألا» رجع الى أول الكلام، فإن لم يفعل ابتدأ يسجدوا بالياء مفتوحة قال الأهوازى: يقفون عليه ألا ويبتدئون يسجدوا كما فى الكتاب.
وقال صاحب الروضة: الوقف عليه قبيح فإن وقف واقف عليه مضطرا ابتدأ بيسجدوا كما يصل.
وقال ابن الفحام يبتدئ الياء معجمة الأسفل فى أوّل الفعل:
وجواب هذا الإشكال أن الناظم استغنى عن ذكر الوقف على ألا لظهور الأمر فيه فلم يكن لهم عنده إلا منع الوقوف، على أن من ألا، فمنع ذلك بقوله: وليس بمقطوع ثم اهتم بمنع فصل الياء من يسجدوا، كما فعل الكسائى فقال: فقف يسجدوا وضاق عليه البيت فلم يتمكن من التنصيص على التفاصيل كلها، ويجوز أن يكون الناظم ما أراد بقوله، وليس بمقطوع. إلا أن هذا اللفظ متصل فى قراءة الجماعة الياء مع السين لأنها حرف المضارعة بخلافها فى قراءة الكسائى فإنها مفصولة منها تقديرا لأنها من حرف النداء لأمن الفعل.
الإشكال الثانى: لم كان حذف النون من أن فى الخط مانعا من الوقوف على هذه الكلمة للجماعة ورد النون فى الوقف.
فإن قلت لأنها لم ترسم فالألف من يا لم ترسم فى يسجدوا، وقد وقف الكسائى عليها وجوابه: أن النون من أن صارت لاما للادغام والألف من يا حذفت ولم تتعوّض لفظا آخر فعادت فى الوقف.
فإن قلت: فقد حفص على اللام من:
(بل ران (1)).(2/628)
فإن قلت: فقد حفص على اللام من:
(بل ران (1)).
وهى اللفظ راء لإدغامها فى الراء، وكذا النون فى:
{(مَنْ رََاقٍ} [2]).
قلت سببه أن اللام والنون رسمتا، ولو رسمت هنا لفعل مثل ذلك، والله أعلم:
وقول الناظم فى آخر البيت: «ولا» هو بفتح الواو أى ذا ولاء أى نصر، أى ناصرا للقراءة أن منصورا بها لوضوحها وعدم الكلفة فى تقديرها، لأن ما يضاف إلى المصدر يكون تارة فى المعنى فاعلا وتارة مفعولا، كما أن المصدر يضاف مرة إلى فاعله وتارة إلى مفعوله، 937 [ويخفون خاطب يعلنون (ع) لى (ر) ضا
تمدّوننى الإدغام (ف) از فثقّلا]
يريد ويعلم ما يخفون وما يعلنون قرأهما الكسائى بالخطاب بناء على قراءته بالأمر بالسجود على من قص عليه حكايتهم، وقراءة حفص على ابتداء المخاطبة كما ابتدأها الكسائى فى ألا يا اسجدوا وقراءة الباقين بالغيب فيهما ظاهرة، وقوله «على رضا» أى كائنا على رضا من ناقليه له، وإن كان «علا» فعلا فرضى تمييز أو حال، أى علا رضاه أو على ذا رضى، وأما أتمدونن بمال ففيه نونان فجاز الادغام كما فى أتحاجوني والإظهار الأصل وعليه الرسم قال أبو عبيد: إنما هو نونان فى كل المصاحف، وقوله الإدغام أى ذو الادغام فيه أى قارئه فاز فثقلا:
938 [مع السّوق ساقيها وسوق اهمزوا (ز) كا
ووجه بهمز بعده الواو وكّلا]
يريد {بِالسُّوقِ وَالْأَعْنََاقِ} و {كَشَفَتْ عَنْ سََاقَيْهََا}:
{(فَاسْتَوى ََ عَلى ََ سُوقِهِ} [3]).
وسوق فى الموضعين جمع ساق فوجه الهمز فى الجميع إن الواحد مهموز، وإن لم يكن الواحد مهموزا فوجهه إن كان على وزن فعل ضمة الواو، كما قالوا أقّتت فى وقتت ثم أسكن تخفيفا، وإن كان على وزن فعل فوجهه مجاورة الضمة للواو كما تقدم فى عادا له لى وأما الهمز فى المفرد فقيل هو لغة كهمز رأس وكأس، وقيل أجرى على الجمع تابعا له، وقيل: من العرب من يقلب حرف المدّ همزة كما يقلب الهمزة حرف المدّ ومن ذلك همز العجاج والعالم والخاتم، ومنه همز يأجوج ومأجوج كما سبق، فاعلم أن وجه همز الجمع أقوى من همز المفرد، قال أبو على أما الهمز فى ساق فلا وجه له، وأما على سوقه وبالسوق فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان كان قبلها ضمة قد جاء فى كلامهم، وإن لم يكن بالفاء شىء زعم أبو عثمان أن أبا الحسن أخبره: قال أبو حية النميرى: بهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة وينشد: لحب المؤقدان إلى مؤسى
قال ابن مجاهد همز ابن كثير وحده وكشفت عن ساقيها فى رواية أبى الإخريط، ولم يهمز غيره، وكذلك بالسوق وسوقه وهكذا قرأت على قنبل عن النبال وحدثنى مضر بن محمد عن ابن أبى بزة قال: كان:
__________
(1) سورة المطففين، آية: 14.
(2) سورة القيامة، آية: 27.
(3) سورة الفتح، آية: 29.(2/629)
وهب بن واضح يهمز ذلك، وأنا لا أهمز من ذلك شيئا، وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا، قال: ولم يهمز أحد يوم يكشف عن ساق ولا وجه للهمز فى ذلك والصواب بلا همز، ثم زاد الناظم ذكر وجه ليس فى التيسير يختص بالجمع وهو بواو بعد همز سئوق على وزن فعول ويهمز الواو الأولى لانضمامها فى نفسها، قال ابن مجاهد: وقال علىّ ابن نصر عن أبى عمرو سمعت ابن كثير يقرأ بالسئوق بواو بعد الهمز قال أبو بكر رواية أبى عمرو عن ابن كثير هذه هى الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت لانضمامها، والأول لا وجه له لم يذكر ابن مجاهد هذا الوجه الا فى حرف ص ولم ينقله فى حرف الفتح ونقله صاحب الروضة فى ص على وجه آخر فقال: روى بكار عن ابن مجاهد عن قنبل بالسؤق بضم الهمزة وروى نظيف عن قنبل بهمزة ساكنة، وكذا قال ابن الفحام رواه الفارسى عن ابن مجاهد من طريق ابن بكار عن قنبل بهمزة مضمومة، وقال ابن رضوان فى كتاب الموضح:
روى بكار عن ابن مجاهد ضم الهمز وإثبات واو بعدها من قوله تعالى بالسوق فيصير اللفظ فيها مثل بالسعوق وكذا قال صاحب «الشمس المنيرة» والشيخ أبو محمد: وقالا فى قوله بالسوق خاصة يعنى فى ص دون التى فى الفتح، وأظن من عبر بهمزة مضمومة ولم يذكر الواو أراد مع الواو، لأن مرجع الجميع إلى نقل ابن مجاهد وابن مجاهد صرح فى كتاب «السبعة» له فى سورة ص بأنه بواو بعد الهمزة ولم يخصص الناظم بهذا الوجه حرف ص ولكن لم أر من ذكره فى حرف الفتح والله أعلم ولا بعد فى ذلك فإنه قد خصص ساقيها بالهمز دون.
{(وَالْتَفَّتِ السََّاقُ بِالسََّاقِ} [1] و {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ} [2]).
وأما قراءة لجماعة من غير همز فواضحة لأن وزن ساق فعل بفتح العين، فجمع على فعل بإسكانها كأسد وأسد.
939 [نقولنّ فاضمم رابعا ونبيّتن
نه ومعا فى النّون خاطب (ش) مردلا]
أراد قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن فالنون عبارة عنهم والتاء خطاب بعضهم لبعض، وقوله اضمم رابعا أى الحرف الرابع فى الكلمتين وهو اللام والتاء، وإنما وجب ضمه لأن كل واحد من الفعلين خطاب لجماعة والأصل تقولون وتبيتون بضم اللام والتاء فلما لحقت الفعل نون التأكيد حذفت الواو لالتقاء الساكنين ومثله لتؤمنن به ولتنصرنه وعلى القراءة بالنون الفعلان لا واو فيهما لأنهما نقول ونبيت، فلما اتصلت بها دون التأكيد بنى أحدهما على الفتح نحو لنصدقن ولنخرجن معكم والفاء فى فاضمم زائدة رابعا مفعول لا ضمم إن كان تقولن مبتدأ وإن كان تقولن مفعول اضمم فرابعا تمييز، لأنه تبيين لأى الحروف بضم أو بدل البعض نحو اضرب زيدا ظهرا أى اضرب ظهره ونبيتنه عطف على نقولن ومعا حال فيهما أى وخاطب فيهما معا فى موضع النون أى ائت بتاء الخطاب عوضا من نون المتكلمين وحركتهما حركة النون فهى فى نقولن مفتوحة لأنه مضارع فعل ثلاثى وهو قال وفى نبيتنه مضمومة لأنه مضارع فعل رباعى وهو نبيت وشمرد لا حال من فاعل خاطب أو مفعول به أى خاطب من يسرع إلى إجابتك ويخف فى قضاء حاجتك وحصل فى ضمن ذلك المقصود من تقييد القراءة والتعريف بها والله أعلم.
__________
(1) سورة القيامة، آية: 29.
(2) سورة القلم، آية: 42.(2/630)
940 [ومع فتح أنّ النّاس ما بعد مكرهم
لكوف وأمّا يشركون (ن) د (ح) لا]
يريد {أَنَّ النََّاسَ كََانُوا بِآيََاتِنََا لََا يُوقِنُونَ} والذى بعد مكرهم {فَانْظُرْ كَيْفَ كََانَ عََاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنََّا دَمَّرْنََاهُمْ}
أى ومع فتح هذا الذى بعد مكرهم أى فتحهما الكوفيون، أما أن الناس فعلى تقدير تكلمهم بأن الناس أى بهذا الكلام والكسر حكاية قول الدابة، ويجوز أن يكون على القراءتين من كلام الله تعالى مستأنفا على الكسر وتعليلا على الفتح، أى لكونهم كانوا لا يوقنون بالآيات أخرجنا لهم هذه الآية العظيمة الهائلة تخاطبهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر، ونحو ذلك، وأما كسر أنا دمرناهم فعلى الاستئناف والفتح على تقدير لأنا، أو هو خبر كان أو بدل من عاقبة أو خبر مبتدإ أى هى أنا، والخلاف فى أما يشركون بالغيب والخطاب ظاهر والرمز لقراءة الغيب لأنه أطلقها كأنه قال والغيب فيه ندحلو والله أعلم.
941 [وشدّد وصل وامدد بل ادّارك (ا) لّذى
(ذ) كا قبله يذّكّرون (ل) هـ (ح) لا]
أى شدد الدال وصل الهمزة أى اجعلها همزة وصل وامدد بعد الدال ثم لفظ بالقراءة التى قيدها فالقراءة الأخرى بقطع الهمزة، وقد سبق أن همزة القطع فى الماضى لا تكون إلا مفتوحة وبتخفيف الدال، وهو هنا سكونها، ولا يلزم من التخفيف السكون ولكن لظهوره تسامح بعدم ذكره وبترك المد، فيبقى أرك مثل أدغم، ولو أنه لفظ بالقراءتين كان أسهل، فيقول وبل أدرك اجعله بل ادارك الذى ومعنى أدرك بلغ وانتهى، وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وقراءة الباقين أصلها تدارك أى تتابع فأدغمت التاء فى الدال فاحتيج إلى همزة الوصل، لأن الأوّل صار ساكنا ومثله اثاقلتم اطيرنا بك وحكم همزة الوصل كسرها فى الابتداء بها وحذفها فى الوصل فتكسر اللام من «بل» لالتقاء الساكنين ولام بل ساكنة فى قراءة أدرك إذ لم يلقها ساكن، وفى هذه الكلمة أيضا عشر قراءات غير هاتين القراءتين، ذكرها أبو القاسم الزمخشرى فى تفسيره ثم قال قبله يذكرون أى قبل بل ادارك قليلا ما يذكرون قرأه بالغيب أبو عمرو وهشام وفهم ذلك من الإطلاق والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر، والله أعلم.
942 [بهادى معا تهدى (ف) شا العمى ناصبا
وباليا لكلّ قف وفى الرّوم (ش) مللا]
يريد {وَمََا أَنْتَ بِهََادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلََالَتِهِمْ} هنا وفى آخر الروم يقرؤه حمزة تهدى فيلزم نصب العمى لأنه مفعوله وهو مجرور فى قراءة غيره لأنه مضاف إليه وتقدير البيت فشا تهدى فى موضع بهادى فى حال كونه ناصبا للعمى والقراءتان ظاهرتان.
وقال الشيخ صاحب الحال: فشا لأنه يريد به حمزة، ثم قال: وبالياء لكل قف، أى فى حرف النمل سواء فى ذلك من قرأ بهادى ومن قرأ تهدى لأنها رسمت بالياء.
ثم قال: وفى الروم شمللا، أى ووقف بالياء فى حرف الروم حمزة والكسائى على الأصل وحذفها الباقون لأنها لم ترسم وهذا الموضع مما يشكل على المبتدى فيظن أن الوقوف بالياء فى الموضعين للكل وأن قوله وفى الروم
شملل، أى قرأ الكسائى وحمزة فى الروم بما قرأ به حمزة وحده فى النمل، وهو تهدى العمى وليس كذلك، لقوله فى أول البيت «معا» قال ابن مجاهد كتب بهادى العمى بياء فى هذه السورة على الوقف وكتب الذى فى الروم بغير ياء على الوصل، وقال خلف كان الكسائى يقف عليهما بالياء.(2/631)
ثم قال: وفى الروم شمللا، أى ووقف بالياء فى حرف الروم حمزة والكسائى على الأصل وحذفها الباقون لأنها لم ترسم وهذا الموضع مما يشكل على المبتدى فيظن أن الوقوف بالياء فى الموضعين للكل وأن قوله وفى الروم
شملل، أى قرأ الكسائى وحمزة فى الروم بما قرأ به حمزة وحده فى النمل، وهو تهدى العمى وليس كذلك، لقوله فى أول البيت «معا» قال ابن مجاهد كتب بهادى العمى بياء فى هذه السورة على الوقف وكتب الذى فى الروم بغير ياء على الوصل، وقال خلف كان الكسائى يقف عليهما بالياء.
وقال مكى: هذا الحرف فى المصاحف بالياء والذى فى الروم بغير ياء ووقف عليهما حمزة والكسائى بالياء وهو مذهب شيخنا يعنى أبا الطيب ابن غلبون، قال: وقد روى عن الكسائى أنه وقف عليهما بغير ياء، ووقف الباقون هاهنا بالياء، وفى الروم بغير ياء اتباعا للمصحف، ولا ينبغى أن يتعمد الوقف عليهما لأنه ليس بتمام ولا قطع كاف لا سيما الذى فى الروم لأنه كتب بغير ياء على نية الوصل، فإن وقفت بياء خالفت السواد وإنما ذكرنا مذاهب القراء فى الوقف عند الضرورة، فأما على الاختيار فلا، وكذلك ما شابه هذا فاعلمه.
943 [وآتوه فاقصر وافتح الضّمّ (ع) لمه
فشا تفعلون الغيب (حقّ ل) هـ ولا]
يريد {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ} هو بالمد جمع آت مضاف إلى الهاء كما فى سورة مريم.
{(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فَرْداً} [1]).
وهو كقولك عابدوه وداعوه وأتوه بالقصر وفتح التاء فعل وفاعل ومفعول، نحو رموه وقضوه والغيب والخطاب فى بما يفعلون ظاهران.
944 [ومالى وأوزعنى وإنّى كلاهما
ليبلونى الياءات فى قول من بلا]
الياءات خبر قوله «وما لى» وما بعده أى هذه ياءات الإضافة التى فى هذه السورة ولا بمعنى اختبر، أى قل ذلك فى جواب من اختبرك وسألك عنها فالقول مصدر أضيف إلى المقول له، وهو المفعول والمصدر كما يضاف إلى فاعله يضاف إلى مفعوله، ويجوز أن يكون مضافه إلى الفاعل، أى عرفت هذا من يريد أن يختبر غيره بها، وهى خمس ياءات ما لى لا أرى الهدهد فتحها ابن كثير وعاصم والكسائى وهشام أوزعنى أن أشكر فتحها ورش والبزى إنى آنست فتحها الحرميان وأبو عمرو إنى ألقى ليبلونى أأشكر فتحهما نافع وحده، وفيها زائدتان أتمدونن بمال أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وفى الحالين ابن كثير وحمزة، وقد سبق أن حمزة يدغم النون الأولى فى الثانية، فما آتانى الله أثبتها مفتوحة فى الوصل ساكنة فى الوقف قالون وحفص وأبو عمرو، بخلاف عنهم فى الوقف، وفتحها فى الوصل وحذفها فى الوقف ورش وقلت فى ذلك:
وفيها فما آتانى الله قبله ... تمدوننى زيدا فلا تك مغفلا
__________
(1) آية: 95.(2/632)
سورة القصص
945 [وفى نرى الفتحان مع ألف ويا
ئه وثلاث رفعها بعد (ش) كلّا]
الفتحان فى الراء والحرف الذى قبلها والألف بعد الراء والياء مكان النون، وهى الحرف الذى قبل الراء فيصير اللفظ ويرى ويلزم من ذلك رفع الكلم الثلاث التى بعدها على الفاعلية وهى فرعون وهامان وجنودهما وفى القراءة الأخرى الثلاث منصوبة على المفعولية، ويجوز فى ويائه الجر عطفا على ألف، ويجوز وياؤه بالرفع عطفا على الفتحان، ومعنى شكل صور والقراءة بالنون المضمومة وكسر الراء وفتح الياء توجد من تلفظ الناظم بها لا من ضد ما ذكره، ووجه القراءتين ظاهر.
946 [وحزنا بضمّ مع سكون (ش) فا ويص
در اضمم وكسر الضّمّ (ظ) اميه (أ) نهلا]
قيد فى حزنا ما لفظ به ليأخذ ضده للقراءة الأخرى، وضد الضم والسكون معا الفتح فيهما، فالحزن والحزن لغتان مثل العجم، والعجم والعرب والعرب، والبخل، والبخل قرئ بهما هاهنا فى قوله ليكون لهم عدوّا وحزنا وأجمعوا على الفتح فى {(الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [1]).
وفى {(وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً} [2]).
وعلى الضم فى {(وَابْيَضَّتْ عَيْنََاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [3]).
{(إِنَّمََا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللََّهِ} [4]).
وادّعى بعضهم أن الضم يكون فى المرفوع والمحرور والفتح فى الذى ظهر فيه النصب، وأما حتى يصدر الرعاء فأراد ضم يائه وكسر داله، فيكون مضارع أصدر، والمفعول محذوف أى يصدر الرعاء مواشيهم، ويصدر بفتح الياء وضم الدال من صدر وهو فعل لازم، والصدر الانصراف، وأصدرت الماشية صرفتها وإنما يصدرونها بعد ريها، فلهذا قال «ظاميه أنهلا» ويعنى بالظامئ الذى ظمئت ماشيته، أى عطشت أو يكون إشارة إلى حال موسى عليه السّلام، فإنه كان حينئذ ظمئان ذا تعب وجوع وقد سقى المواشى، وهو ظمئان منهل، أى ساق النهل وهو الشرب الأول.
__________
(1) سورة فاطر، آية: 34.
(2) سورة التوبة، آية: 82.
(3) سورة يوسف، آية: 84.
(4) سورة يوسف، آية: 86.(2/633)
947 [وجذوة اضمم (ف) زت والفتح (ن) ل و (صح
بة ك) هف ضمّ الرّهب واسكنه (ذ) بّلا]
جميع ما فى هذا البيت من القراءات لغات، والأكثر على كسر الجيم، وضمها حمزة وفتحها عاصم وأخذت قراءتهم من ضد الفتح ويقال أيضا جذية بالياء، وفى الجيم الحركات الثلاث، وقال أبو عبيد القطعة الغليظة من الخشب كأن فى طرفها نارا ولم تكن، والرهب الخوف قرأه حفص بفتح الراء وإسكان الهاء، وأبو بكر وحمزة والكسائى وابن عامر بضم الراء وإسكان الهاء، والباقون بفتحهما لأن الفتح ضد الضم والإسكان المطلق ويجوز ضمهما لغة ووصل الناظم همزة وأسكنه ضرورة وذلك جائز، أنشد أبو على:
إن لم أقاتل فألبسونى برقعا ... يابا المغيرة رب أمر مفصل
قال وهذا النحو فى الشعر غير ضيق، وذبل جمع ذابل وهى الرماح، ونصبه على الحال أى ذا ذبل يشير إلى الحجج والأدلة. والله أعلم.
948 [يصدّقنى ارفع جزمه (ف) ى (ن) صوصه
وقل قال موسى واحذف الواو (د) خللا]
الجزم على جواب أرسله معى والرفع على أنها جملة فى موضع الحال أى أرسله مصدقا، وإنما قال ارفع جزمه لأن الجزم ليس ضدا للرفع وإن كان الرفع ضدا للجزم ومثله ما سبق فى الفرقان.
يضاعف ويخلد رفع جزم والواو من وقال موسى ربى أعلم محذوفة من المصحف المكى دون غيره فلهذا، أسقطها ابن كثير وأثبتها غيره؟ ودخللا حال من قال موسى، أى هى بحذف الواو مداخل لما قبله وهو قال رب إنى قتلت منهم نفسا ولو قال الناظم موضع دخللا دم ولا أى ذا ولا لكان أولى لأنه لم يأت بواو فاصلة بين هذه المسألة والتى بعدها: وقد افتتح البيت الآتى بالرمز فى كلمتين، فالكلمة الأولى وهى «نما» مترددة بين أن تكون تابعة لما فى هذا البيت أو لما بعدها، بل نما نفر بجملته، يجوز أن يكون من تتمة رمز قال موسى، ويكون رمز يرجعون ما بعده وهو ثق الذى هو رمز سحران فيكون للكوفيين الحرفان كنظائر له سبقت، والله أعلم.
949 [(ن) ما (نفر) بالضّمّ والفتح يرجعو
ن سحران (ث) ق فى ساحران فتقبلا]
نما أى نقل، فالمعنى: نقل جماعة يرجعون بضم الياء وفتح الجيم على بناء الفعل للمفعول، والباقون بفتح الياء وكسر الجيم على بناء الفعل للفاعل، وقد سبق نظيرهما يريد وظنوا أنهم الينا لا يرجعون وقرأ الكوفيون قالوا سحران تظاهرا والباقون ساحران يعنون موسى وهارون، وقيل ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين، وسحران كذلك على حذف مضاف، أى كل واحد منهما ذو سحر وقيل: عنى بذلك التوراة والقرآن ونصب فتقبلا على جواب الأمر بقوله ثق، والله أعلم.
950 [ويحبى خليط يعقلون (ح) فظته
وفى خسف الفتحين حفص تفخّلا]
الخلاف فى يجبى إليه بالتذكير والتأنيث ظاهر، لأن تأنيث الثمرات غير حقيقى، ومعنى قوله خليط أى مألوف معروف ليس بغريب، أى تذكير يجبى خليط لم يؤنثه سوى نافع، وأما وما عند الله خبر وأبقى أفلا تعقلون فقرأه أبو عمرو وحده بالغيب وغيره بالخطاب وهما أيضا ظاهران، وأما لخسف بنا فقرأه على بناء الفعل للفاعل حفص على معنى لخسف الله بنا وقرأ غيره على بناء الفعل للمفعول بضم الخاء وكسر السين ومعنى تنخلا اختار حفص فى خسف الفتحين يعنى فتح الخاء والسين ولم يذكر قراءة الباقين ولا يؤخذ من الضد إلا كسر السين، وأما ضم الخاء فإن الضم ضد الجزم ونظير القراءتين هنا.(2/634)
950 [ويحبى خليط يعقلون (ح) فظته
وفى خسف الفتحين حفص تفخّلا]
الخلاف فى يجبى إليه بالتذكير والتأنيث ظاهر، لأن تأنيث الثمرات غير حقيقى، ومعنى قوله خليط أى مألوف معروف ليس بغريب، أى تذكير يجبى خليط لم يؤنثه سوى نافع، وأما وما عند الله خبر وأبقى أفلا تعقلون فقرأه أبو عمرو وحده بالغيب وغيره بالخطاب وهما أيضا ظاهران، وأما لخسف بنا فقرأه على بناء الفعل للفاعل حفص على معنى لخسف الله بنا وقرأ غيره على بناء الفعل للمفعول بضم الخاء وكسر السين ومعنى تنخلا اختار حفص فى خسف الفتحين يعنى فتح الخاء والسين ولم يذكر قراءة الباقين ولا يؤخذ من الضد إلا كسر السين، وأما ضم الخاء فإن الضم ضد الجزم ونظير القراءتين هنا.
{(اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} [1]).
فى المائدة وعبارته هناك جيدة وضم استحق افتح لحفص وكسره وكأنه أشار هنا بالفتحين إلى قراءته هناك أو إلى قوله فى أوّل السورة وفى نرى الفتحان فإنهما فتحا ضم وكسر فكذا فى خسف، والله أعلم.
951 [وعندى وذو الثّنيا وإنّى أربع
لعلّى معا ربّى ثلاث معى اعتلا]
فيها اثنتا عشرة ياء إضافة عندى أو لم يعلم فتحها نافع وأبو عمرو واختلف فيها عن ابن كثير ستجدنى إن شاء الله فتحها نافع وحده وهى التى عبر عنها بقوله وذو الثنيا، أى واللفظ المصاحب للثنيا والثنيا الاسم من الاستثناء وإنما عبر عنها بذلك لأن بعدها إن شاء لله، وهذا اللفظ يطلق عليه علماء الشريعة وغيرهم لفظ الاستثناء باعتبار أصل اللغة لأنها ثبت اللفظ المعلق بها عن القطع بوقوع موجبه وفى الحديث: «إذا حلف الرجل فقال إن شاء الله فقد استثنى» وقد تقدم فى باب ياءات الإضافة التعبير عنها بقوله وما بعده إن شاء، وإنما لم ينص عليها بلفظها كما فعل فى أخواتها لأنها لفظة لا يمكن أن تدخل فى وزن الشعر أصلا لاجتماع خمس حركات فيها متوالية، ثم قال: وإنى أربع، أى أربع كلمات فتارة يؤنث هذه الألفاظ باعتبار الكلمات كقوله بعده ربى ثلاث، وتارة يذكر باعتبار اللفظ كقوله وذو الثنيا، وذلك على حسب ما يؤاتيه نظمه أراد إنى آنست إنى أنا الله رب العالمين إنى أخاف أن يكذبون فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو وإنى أريد أن أنكحك فتحها نافع وحده لعلى آتيكم لعلى أطلع فتحهما الحرميان وأبو عمرو وابن عامر عسى ربى أن يهدينى ربى أعلم بمن ربى أعلم من فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو فأرسله معى ردأ فتحها حفص وحده، وقوله فى آخر البيت اعتلا. هو خبر وعندى وما بعده أى اعتلا المذكور فى تبيين ياءات الإضافة فى هذه السورة، وكان الواجب على هذا التقدير نصب أربعا وثلاثا على الحال، أى اعتلا هذا وذا فى حال كونهما على هذا العدد، كما قال فى آخر سورة هود «وياءاتها عنى وإنى ثمانيا، وإن جعل إنى أربع مبتدأ وخبر، وكذا ربى ثلاث. احتاج كل واحد من هذا الألفاظ إلى خبر فيترك الكلام، ويكثر الإضمار، فلا حاجة إلى ذلك، وفيها زائدة واحدة يكذبون قال سنشد: أثبتها فى الوصل ورش وحده، وقلت فى ذلك:
وواحدة فيها تزاد يكذبو ... ن قال وما شيء إلى سبأ تلا
أى لم يبق شيء من الزوائد إلى سورة سبأ وتلا بمعنى تبع ما تقدم من ياءات الزوائد، والله أعلم.
__________
(1) آية: 16.(2/635)
سورة العنكبوت
952 [يروا (صحبة) خاطب وحرّك ومدّ فى الن
نشاءة (حقّا) وهو حيث تنزّلا]
أى تروا قراءة صحبة، فحذف المضاف للعلم به، ثم بين القراءة: ما هى، فقال خاطب أى بالخطاب، ولم ولو لم يبينها لما حملت إلا على ضد الخطاب وهو الغيب، لإطلاقه يريد {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللََّهُ الْخَلْقَ}
وجه الخطاب أن قبله {وَإِنْ تُكَذِّبُوا} ووجه الغيبة {فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ}، والنشأة بإسكان الشين والقصر على وزان الرأفة والرحمة، والنشاءة بفتح الشين والمد على وزان الكآبة، كلاهما لغة، وقد حكى فتح همزة الرأفة ومدها أيضا، ولغة القصر أقوى، قال أبو عبيد: هى اللغة السائرة والقراءة المعروفة، قال أبو على: حكى أبو عبيد النشأة ولم يذكر الممدود، قال: وهو فى القياس كالرأفة والرآفة والكأبة والكآبة، قال مكى: وهو مصدر من غير لفظ ينشى، والتقدير ثم الله ينشئ الأموات فينشئون النشأة الآخرة، وقوله وهو حيث تنزلا يعنى هنا وفى سورتى النجم والواقعة وأن عليه النشأة:
{(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى ََ} [1]).
قال صاحب التيسير: ووقف حمزة على وجهين فى ذلك: أحدهما أن يلقى حركة الهمزة على الشين ثم يسقطها طردا للقياس، والثانى أن يفتح الشين ويبدل الهمزة ألفا اتباعا للخط، قال: ومثله قد سمع من العرب والله أعلم.
953 [مودّة المرفوع (ح) قّ (ر) واته
ونوّنه وانصب بينكم (عمّ ص) ندلا]
رفع «مودة» على أنها خبر «إن» إن كانت «ما» موصولة أى إن الذى اتخذتموه من دون الله أوثانا ذو مودّة بينكم، وإن كانت «ما» كافة فمودّة خبر مبتدأ محذوف، أى هى مودّة بينكم أو مبتدأ والخبر فى الحياة الدنيا ومن نصب مودّة فلا يكون ما فى إنما إلا كافة ونصبها على أنها مفعول من أجله، ويكون اتخذ على هذا الوجه وعلى قراءة الرفع متعديا إلى مفعول واحد نحو:
{(أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللََّهِ عَهْداً فَلَنْ} [2]).
ويجوز أن يكون مودّة ثانى مفعولى اتخذوا أيمانهم جنة وبينكم بالنصب ظرف منصوب بالمصدر الذى هو مودّة، ويجوز أن يكون صفة له أى مودّة كائنة بينكم، وخفض بينكم بالإضافة إلى مودّة المنصوبة والمرفوعة على وجه الاتساع فى الظروف نحو:
{(شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} [3]).
__________
(1) سورة الواقعة، آية: 62.
(2) سورة البقرة، آية: 81.
(3) سورة المائدة، آية: 11.(2/636)
والمعنى على ما تعطيه قراءة النصب ولم يقرأ أحد برفع مودّة ونصب بينكم ولو قرئ لجاز وإنما كل من رفع مودّة خفض بينكم وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائى، ومن نصب مودّة اختلفوا فمنهم من خفض بينكم أيضا وهم حمزة وحفص ومنهم من نصبهما معا وهو نافع وابن عامر وأبو بكر ولا يستقيم النصب إلا بتنوين مودّة، وكل من خفض بينكم أسقط التنوين من مودّة، لأجل الإضافة، سواء فى ذلك من رفع ومن نصب، وقد سبق معنى صندلا فى سورة الأنعام، ونصبه هنا على التمييز أو الحال، على تقدير ذا صندل، يشير إلى حسنه وطيبه، والله أعلم.
954 [ويدعون (ن) جم (ح) افظ وموحّد
هنا آية من ربّه (صحبة د) لا]
أى قراءة نجم حافظ، والعالم يعبر عنه بالنجم للاهتداء به، أراد إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء فالغيب فيه والخطاب ظاهران، فالغيبة تعود إلى مثل الذين اتخذوا والخطاب لهم، وأما التوحيد والجمع فى وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه فقد تقدم مثلهما مرارا: وموحد، خبر مقدم وآية من ربه مفعول به، وصحبة مبتدا، وقد سبق معنى «دلا» وذكر الخبر، ولفظ «دلا» مفرد باعتبار لفظ صحبة لأنه مفرد، ويجوز أن يكون موحد مبتدأ، وصحبة فاعله، على رأى من يقول اسم الفاعل غير معتمد، والله أعلم.
955 [وفى ونقول الياء (حصن) ويرجع
ن (ص) فو وحرف الرّوم (ص) افيه (ح) لّلا]
يريد {وَيَقُولُ ذُوقُوا مََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} التاء والنون فيه ظاهرتان، وقد سبق لهما نظائر، والغيب فى قوله:
ثم إلينا يرجعون لأن قبله {يَوْمَ يَغْشََاهُمُ الْعَذََابُ} والخطاب لقوله تعالى {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا}
والذى فى الروم:
(ثمّ يعيده ثمّ إليه يرجعون (1)).
وقيد الناظم بقوله الياء، لأن ضده النون، وأطلق يرجعون لأن ضده الخطاب ولا يجوز أن يكون استغنى عن تقييد يرجعون باليا بتقييد يقول كما قال فى سورة النساء وياسوف يؤتيهم عزيز وحمزة سنؤتيهم، لأن الضد ثم فى القراءتين متحد، وهو النون وهنا اختلف الضد، فالقراءة بالغيب لا يقيدها بالياء أبدا إنما يطلقها ويقول بالغيب وهذا من دقائق ما اشتمل عليه هذا النظم فاعرفه، وما أحسن قوله «صافيه حللا» أى كثير الحلول فيه لأجل صفائه.
956 [وذات ثلاث سكّنت با نبوّئن
ن مع خفّه والهمز بالياء (ش) مللا]
أى «با» قوله تعالى لنبوئنّهم من الجنة غرفا فقصر لفظ «با» ضرورة وهو مبتدأ وذات ثلاث خبره مقدم عليه، أى
__________
(1) آية: 11.(2/637)
صارت ذات ثلاث نقط، وإذا نقطت صورة الباء بثلاث صارت ثاء، وقوله سكنت صفة لذات ثلاث كما تقول:
هند امرأة حسنة، أى هذه الباء ثاء ساكنة، والهاء فى خفة تعود على لفظ نبوئن، أراد تخفيف الواو، وهو مشكل فإن فى لفظ نبوئن حرفين مشددين الواو والنون، وليس فى تشديد النون خلاف، والواو فى قوله والهمز واو الحال، أى صار ثاء ساكنة مع خفة الواو فى حال كون الهمز أسرع بالياء، أى أتى بالياء فى مكانه، أى أبدل الهمز ياء فصارت القراءة لنثوينّهم، من الثواء وهو الإقامة، قال الزجاج: يقال ثوى الرجل إذا أقام، وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه، قال الفراء:
وكل حسن بوّأته وأثويته منزلا
سواء معناه أنزلته، قال الزمخشرى: ثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة همزة النقل لم يتجاوز مفعولا واحدا نحو ذهب وأذهبته، والوجه فى تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف إما إجراؤه مجرى لننزلهم ونبوءنهم أو حذف الجار واتصال الفعل، أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم:
قلت: فهذا جواب ما روى عن اليزيدى أنه قال: لو كان لنثوينهم لكان فى غرف واختار أبو عبيد القراءة الأخرى لإجماعهم على التى فى النحل.
{(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيََا حَسَنَةً} [1]).
قال: لا نعلم الناس يختلفون فيه، فهذا مثله وإن كان ذاك فى الدنيا وهذا فى الآخرة فالمعنى فيهما واحد قال ورأيت هذا الحرف الذى هو فى العنكبوت فى الذى يقال له الإمام مصحف عثمان بالياء معجمة.
قلت: وهذا بعد ما نقطت المصاحف، وكثر هذا اللفظ فى القرآن، نحو:
{(وَلَقَدْ بَوَّأْنََا بَنِي إِسْرََائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [2]).
{(وَإِذْ بَوَّأْنََا لِإِبْرََاهِيمَ مَكََانَ الْبَيْتِ} [3]).
وقال {(يَتَبَوَّأُ مِنْهََا حَيْثُ يَشََاءُ} [4]).
وقال {(نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشََاءُ} [5]).
وقال {(أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا بِمِصْرَ بُيُوتاً} [6]).
وقيل لفظ الثواء لائق بأهل الآخرة هى دار القرار، وروى عن الربيع بن خيثم أنه قرأها كذلك، وقال:
الثواء فى الآخرة والنبوّة فى الدنيا، وقد قال الله تعالى فى حق الكفرة:
{(أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكََافِرِينَ} [7]).
وهو فى آخر هذه السورة، فناسب أن يقال للمؤمنين نحو ذلك فى الجنة، وقال سبحانه وتعالى:
__________
(1) آية: 41.
(2) سورة يونس، آية: 93.
(3) سورة الحج، آية: 26.
(4) سورة يوسف، آية: 56.
(5) سورة الزمر، آية: 74.
(6) سورة يونس، آية: 87.
(7) سورة العنكبوت، آية: 68.(2/638)
{(وَمََا كُنْتَ ثََاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [1]).
أى مقيما عندهم مستمرا بين أظهرهم، والله أعلم.
957 [وإسكان ول فاكسر (ك) ما (ح) جّ (ج) ا (ن) دى
وربّى عبادى أرضى ألبابها انجلا]
يعنى كسر لام وليتمتعوا وقد تقدم فى الحج أن لام الأمر يجوز كسرها وإسكانها، وهى معطوفة على ليكفروا وهى أيضا لام الأمر بدليل إسكان ما عطف عليها وهو أمر تهديد نحو اعملوا ما شئتم وقيل الأولى لام كى والثانية لام الأمر، ونظير ذلك قوله تعالى فى النحل:
{(لِيَكْفُرُوا بِمََا آتَيْنََاهُمْ فَتَمَتَّعُوا} [2]).
قال أبو عبيد: إنما يجوز هذا لو كانت فليتمتعوا بالفاء، لأن الفاء قد يستأنف بها الخبر، وإنما معنى الواو العطف، فكيف يترك العطف ويرجع إلى الأمر، والفاء فى قوله فاكسر زائدة وفيها ثلاث ياءات إضافة مهاجر إلى ربى إنه فتحها نافع وأبو عمرو يا عبادى الذين آمنوا أسكنها حمزة والكسائى وأبو عمرو إن أرضى واسعة فتحها ابن عامر وحده.
__________
(1) سورة القصص، آية: 45.
(2) سورة النحل، آية: 55.(2/639)
ومن سورة الروم إلى سورة سبأ
إنما ذكر هذا الترجمة على هذه الصورة لأنه لم يتمحض بيت لآخر سورة من هذه السور الأربع، فإن آخر ما يتعلق بالروم قوله وينفع كوفى فتمم البيت بذكر رحمة التى من لقمان، ثم ذكر البحر من لقمان مع أخفى من سورة السجدة، ثم ذكر لما صبروا من سورة السجدة مع يعملون من سورة الأحزاب، فى بيت وكل موضع جمع فيه سورا فى ترجمة فهذا سببه، وسيأتى إن شاء الله تعالى:
958 [وعاقبة الثّانى (سما) وبنونه
نذيق (ز) كا للعالمين اكسروا (ع) لا]
يريد {ثُمَّ كََانَ عََاقِبَةَ الَّذِينَ أَسََاؤُا} هذا هو الثانى المختلف فى رفعه ونصبه. والأول لا خلاف فى رفعه، وهو كيف كان عاقبة الذين من قبلهم فوصف عاقبة وهو مؤنث بالثانى على تأويل وهذا اللفظ الثانى، وإنما لم ينونه لأنه حكى لفظه فى القرآن وهو غير منوّن لأنه مضاف إلى الذين، واعتذر الشيخ عن كونه لم ينونه بأنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين، أو أراد وعاقبة الموضع الثانى ولا حاجة إلى هذا الاعتذار، فالكلمة فى القرآن لا تنوين فيها. وقد قال بعد هذا: يذيق ذكا بالنصب، فأى عذر لنصبه لولا أنه حكى لفظه فى القرآن وهو لنذيقهم بعض الذى عملوا وهو ملبس بقوله تعالى {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} ولم يقيد القراءة فى عاقبة، وكان ذلك إشارة إلى رفعها لمدلول سما، والباقون بنصبها، فهى إن رفعت اسم كان، وإن نصبت خبرها، والسوأى بعد ذلك هو الخبر أو الاسم، وهو كناية عن العذاب، وهو تأنيث الأسوأ، وإن كذبوا على تقدير لأن كذبوا ويجوز أن يكون السوأى مصدر كالرجعى والبشرى، أى أساءوا الإساءة الشنيعة، وهى الكفر أو نعتا لموصوف محذوف أى أساء والخلال السوأى والخبر أو الاسم قوله أن كذبوا ومعنى الذين أساءوا أى أشركوا، والتقدير ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله تعالى، أى لم يظفر فى كفره وشركه بشيء إلا بالتكذيب بآيات الله، ويجوز أن يكون السوأى هو الخبر، أو الإسم لا على المعنى المتقدم، بل على تقدير الفعلة السوأى، ثم بينها بقوله ان كذبوا فيكون ان كذبوا عطف بيان أو بدلا، ويجوز على هذا التقدير على قراءة الرفع أن لا يكون للسوأى خبرا، بل معنى أساءوا السوأى أى فعلوا الخطيئة السوأى، وخبر كان محذوف إرادة الإبهام، ليذهب الوهم إلى كل مكروه، كل هذه الأوجه منقولة، وهى حسنة، وقيل يجوز أن تكون إن فى قوله أن كذبوا مفسرة بمعنى أى كذبوا. وهذا فيه نظر، فإن من شرط أن المفسرة أن يأتى بعدها فعل فى معنى القول، ثم قال. وبنونه نذيق أى ونذيق زكا، وهى نون العظمة وقراءة الباقين بالياء أى ليذيقهم الله وكسر حفص اللام من قوله إن فى ذلك لآيات للعالمين جعله جمع عالم واحد العلماء، وكما قال تعالى فى آية أخرى:
{(وَمََا يَعْقِلُهََا إِلَّا الْعََالِمُونَ} [1]).
وفى موضع آخر:
(إنّ فى ذلك لآيات لقوم يعلمون (2)).
__________
(1) سورة العنكبوت، آية: 43.
(2) سورة النمل، آية: 52.(2/640)
وفتح الباقون اللام، جعلوها جمع عالم أى لكافة الناس، وعلا حال: أى ذو علا:
959 [ليربوا خطاب ضمّ والواو ساكن
(أ) تى واجمعوا آثار (كم) (ش) رفا (ع) لا]
أى ذو خطاب مضموم، يعنى تاء مضمومة.
وقال الشيخ، يجوز أن يكون ضم امرا قلت: خطاب على هذا التقدير يكون حالا، أى ضم لتربوا ذا خطاب، فكان الواجب نصبه أى وما أتيتم من ربا لتربوا أنتم سكنت الواو لأنها واو الضمير فى تربون، وحذفت النون للنصب، هذه قراءة نافع وحده وقراءة الباقين على الغيب بياء مفتوحة وواو منصوبة لأنه فعل مضارع خال من ضمير بارز مرفوع فظهر النصب فى آخره، والتقدير ليربوا ذلك الربا.
وأما فانظر إلى آثار رحمة الله فالإفراد فيه والجمع سبق لهما نظائر مثل رسالته ورسالاته، وكلمة وكلمات: وذرية وذريات الافراد يراد به الجنس ووجه الجمع ظاهر، ومعنى كم شرفا علاكم: كم علا شرفا، والمميز محذوف أى كم مرة وقع ذلك، والله أعلم.
960 [وينفع كوفىّ وفى الطّول (حصنه)
ورحمة ارفع (ف) ائزا ومحصّلا]
يريد {فَيَوْمَئِذٍ لََا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} وفى غافر.
{(يَوْمَ لََا يَنْفَعُ الظََّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [1]).
تذكير الفعل فى ذلك وتأنيثه ظاهران من قبل أن لفظ معذرة مؤنث، ولكنه تأنيث غير حقيقى، ونافع أنث هنا وذكر فى سورة الطور جمعا بين اللغتين، وأما ورحمة فى أوّل لقمان فهى معطوفة على هدى، وهدى فى موضع نصب على الحال أو المدح، أو فى موضع رفع على تقدير هو هدى ورحمة أو خبر بعد خبر، أى تلك هدى ورحمة، أو يكون هدى منصوبا ورحمة مرفوعا، أى وهو رحمة والله أعلم.
961 [ويتّخذ المرفوع غير (صحابه) م
تصعّر بمدّ خفّ (إ) ذ (ش) رعه (ح) لا]
يريد {وَيَتَّخِذَهََا هُزُواً} النصب عطف على ليضل والرفع على يشترى أو على الاستئناف والهاء فى يتخذها لآيات الكتاب أو للسبيل وتقدير البيت قراءة غير صحابهم على حذف مضاف، وصاعر خده وصعّره واحد كضاعف وضعف، ومعناهما الإعراض عن الناس تكبرا والصغر الميل فى الخد خاصة وقوله: خف ليس صفة للمد ولكنه خبر بعد خبر لأن الخف فى العين أى تصاعر ممدود خفيف.
__________
(1) آية: 52.(2/641)
962 [وفى نعمة حرّك وذكّر هاؤها
وضمّ ولا تنوين (ع) ن (ح) سن (ا) عتلا
يريد {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} حرّك أى افتح العين وذكر هاؤها أى جعلت هاء الضمير التى للمذكر المفرد فى مثل.
{(فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [2]).
وليست هاء تأنيث، ثم قال وضم أى وضم ذلك الهاء ولا تنوين لتأخذ بضد ذلك للقراءة الأخرى، وهى التى لفظ بها، فحاصل الخلاف أن هذا الحرف يقرأ بالإفراد والجمع كنظائر له سلفت، وقوله ظاهرة وباطنة صفة لنعمة فى قراءة الإفراد، وحال فى قراءة الجمع وقد قال تعالى:
{(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا} [3]).
لم يختلف فى افراده.
963 [سوى ابن العلا والبحر أخفى سكونه
(ف) شا خلقه التّحريك (حصن) تطوّلا]
والبحر مبتدأ خبره سوى ابن العلا على تقدير قراءة غير أبى عمرو فأبو عمرو وحده نصبه عطفا على اسم أن أى ولو أن البحر يمده، والرفع على وجهين منقولين ذكرهما الزجاج والزمخشرى وغيرهما:
أحدهما: أنه مبتدا ويمده الخبر والجملة فى موضع الحال:
والثانى: أن يكون عطفا على موضع إن واسمها وخبرها، لأن الجميع فى موضع رفع، لأنه فاعل فعل مضمر. أى ولو وقع ذلك والبحر ممدودا بسبعة أبحر، فيمده على هذا الوجه حال من البحر، وهذا العطف جائز بلا خلاف وإنما الممتنع العطف محل على اسم أن المفتوحة فقط دون محل المجموع منها، ومن اسمها وخبرها، وإنما يجوز العطف بالرفع على محل الاسم فقط، مع إن المكسورة والفرق أن اسم المفتوحة بعض كلمة فى التقدير، بخلاف اسم المكسورة، فمهما وقعت المفتوحة فى موضع رفع جاز العطف بالرفع على محل المجموع منها، ومن اسمها وخبرها، كما أن العطف على محل المكسورة إنما كان من أجل ذلك، وعليه يحمل قوله تعالى:
{(أَنَّ اللََّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [1]).
لأن أن وما بعدها مبتدأ، ورسوله عطف عليه واذان من الله خبر مقدم عليه، وقد سبق تقرير هذا الفصل فى سورة المائدة، ولذلك قال أبو عبيد: الرفع هنا حجة لمن قرأ التى فى المائدة العين بالعين رفعا، فكذلك كان يلزم أهل هذه القراءة أن يرفعوا تلك، وأما فلا تعلم نفس ما أخفى بفتح الياء فعلى أنه فعل ماض
__________
(1) سورة الفجر، آية: 15.
(2) سورة سيدنا إبراهيم، آية: 34.
(3) سورة؟؟؟، آية: 3.(2/642)
وبسكونها هو فعل مضارع مسند إلى المتكلم سبحانه، وأما أحسن كل شيء خلقه بفتح اللام فعل أن يكون جملة واقعة صفة لشيء قبله فيكون فى موضع خبر، ويجوز أن يكون صفة لقوله كل شيء فتكون فى موضع نصب، وإذا سكنت اللام بقى لفظه مصدرا ونصبه على البدل من كل شيء، أو هو منصوب على أنه مصدر دل عليه ما تقدم من قوله أحسن كل شيء (1) فكأنه قال خلق كل شيء فهو من باب اقتران المصدر بغير فعله اللفظى، ولكن بما هو فى معناه والهاء فى خلقه على هذا تعود إلى الله تعالى:
964 [لما صبروا فاكسر وخفّف (ش) ذا وقل
بما يعملون اثنان عن ولد العلا]
أى اكسر اللام وخفف الميم، فالمعنى لصبرهم كما قال فى الأعراف:
{(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى ََ عَلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ بِمََا صَبَرُوا} [2]).
أى بصبرهم والقراءة الأخرى لما بفتح اللام وتشديد الميم أى حين صبروا وقوله شذا أى ذا شذاء وقرأ أبو عمرو:
(بما يعملون خبيرا (3)).
فى أوّل الأحزاب وبعده:
{(بِمََا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جََاؤُكُمْ} [4]).
بالغيب فيهما والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر، فهذا معنى قوله بما يعملون اثنان وفى سورة الفتح أيضا اثنان:
{(بِمََا تَعْمَلُونَ خَبِيراً بَلْ ظَنَنْتُمْ} [5]).
{(بِمََا تَعْمَلُونَ بَصِيراً. هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [6]).
والخلاف فى الثانى كما يأتى فى موضعه، والأوّل بتاء الخطاب إجماعا، والله أعلم.
965 [وبالهمز كلّ اللّاء والياء بعده
(ذ) كا وبياء ساكن (ح) جّ (هـ) مّلا]
أى حيث جاء: هنا وما جعل أزواجكم اللاء وفى المجادلة:
(إلّا اللّاء ولدنهم (6)).
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 137.
(2) سورة الأحزاب، آية: 2.
(3) سورة الأحزاب، آية: 9و 10.
(4) آية: 11و 12.
(5) آية: 24و 25.
(6) آية: 2.(2/643)
وفى الطلاق:
(واللّاء يئسن واللّاء لم يحضن (1)).
قرأ الجميع الكوفيون وابن عامر بهمزة بعدها ياء ساكنة: اللائي على وزن القاضى والداعى، فهذا هو أصل الكلمة، أى كل اللاء بالهمز والياء بعده ويجوز والياء بالرفع على الابتداء، ثم ذكر أن أبا عمرو والبزى قرءا بياء ساكنة من غير همز، فكأنهما حذفا الهمز وبقيت الياء الساكنة إلا أنهم لا يوجهون هذه القراءة بهذا.
إنما يقولون: حذفت الياء لتطرفها كما تحذف من القاضى ونحوه، ثم أبدل من الهمزة ياء ساكنة، وهذه القراءة على هذا الوجه ضعيفة، لأن فيها جمعا بين ساكنين، فالكلام فيها كما سبق فى محياى فى قراءة من سكن ياءً وشبهه، جوز ذلك ما فى الألف من المد، ولكن شرط جواز مثل هذا عند أئمة اللغة المعتبرين أن يكون الساكن الثانى مدغما ولا يرد على هذا ص من ق لأن أسماء حروف التهجّي موضوعة على الوقف، والوقف يحتمل اجتماع الساكنين، فإن وقف على محياى أو اللائى فهو مثله، وإنما الكلام فى الوصل، وأما إجازة بعضهم اضربان واضربنان بإسكان النون والتقت حلقتا البطنان بإثبات الألف فشاذ ضعيف عندهم، والله أعلم.
وقوله حج هملا أى غلبهم فى الحجة، وقد تقدم شرح هملا فى باب ياءات الإضافة فى قوله: إلا مواضع هملا، وهو جمع هامل، والهامل البعير المتروك بلا راع، أى غلب فى الحجة قوما غير محتفل بهم، يشير إلى تقوية الإسكان، وأنه له ضعف.
966 [وكالياء مكسورا لورش وعنهما
وقف مسكنا والهمز (ز) اكيه (ب) جّلا]
أى وسهل ورش الهمزة بين بين، وهو المراد بقوله كالياء مكسورا لأنها صارت بين الهمزة والياء المكسورة، وهذا قياس تخفيفها لأنها همزة مكسورة بعد ألف، وهذه القراء مروية عنهما، أى عن أبى عمرو والبزى، وهو وجه قوى لا كلام فيه، ذكره جماعة من الأئمة المصنفين كصاحب الروضة. قال: قرأ أبو عمرو وورش والبزى وذكر غيرهم بتليين الهمزة من غير ياء بعدها، وهو ظاهر كلام ابن مجاهد، فإنه قال، قرأ ابن كثير ونافع اللاء ليس بعد الهمزة ياء، وقرأ أبو عمرو شبيها بذلك، غير أنه لا يهمز، وكذا قال أبو عبيد: قرأ نافع وأبو عمرو اللاء مخفوضة غير مهموزة ولا ممدودة ونص مكى على الإسكان، ولم يذكر صاحب التيسير غيره لهما، وقال فى غيره: قرأت على فارس ابن أحمد بكسر الياء كسرة مختلسة من غير سكون، وبذلك كان يأخذ أبو الحسين بن المنادى وغيره، وهو قياس تسهيل الهمز، قال الشيخ: وقد قيل: إن الفرّاء عبروا عن التليين لهؤلاء بالإسكان.
قالوا: وإظهار أبى عمرو فى اللاء يئسن مما يدل على أنه تليين وليس بإسكان.
قلت: قد سبق فى باب الإدغام الكبير تقرير هذا، وذكر أبو على الأهوازى الوجهين عنهما.
قوله: وقف مسكنا، أى مسكنا للياء لهؤلاء، لأن الوقف يحتمل اجتماع الساكنين.
قال فى التيسير: وإذا وقف يعنى ورشا صيرها ياء ساكنة، قال وحمزة إذا وقف جعل الهمزة بين بين على
__________
(1) آية: 4.(2/644)
أصله، ومن همز منهم ومن لم يهمز أشبع التمكين للألف فى الحالين، إلا ورشا، فإن المد والعصر جائزان فى مذهبه، لما ذكرناه فى باب الهمزتين:
قلت: هو ما نظمه الشاطبى رحمه الله بقوله.
وإن حرف مد قبل همز مغير «البيت» ثم ذكر أن قنبلا وقالون قرءا بالهمز من غير ياء بعده، فإذا وقفا أسكنا الهمز، وفى قراءة أبى عمرو والبزى من المد والقصر مثل ما مر فى قراءة ورش، والله اعلم.
967 [وتظّاهرون اضممه واكسر لعاصم
وفى الهاء خفّف وامدد الظّاء (ذ) بّلا]
أى اضمم التاء واكسر الهاء لعاصم، وهو داخل أيضا فى رمز من خفف الهاء ومد الظاء وخففها، كما فى البيت الآتى، فقراءة عاصم تظاهرون مضارع ظاهر، مثل قاتل، وقرأ ابن عامر تظاهرون على اللفظ الذى فى بيت الناظم، وهو مضارع تظاهر، مثل تقاتل، والأصل تتظاهرون، فأدغم التاء فى الظاء وقرأ حمزة والكسائى مثله إلا أنهما خففا الظاء لأنهما حذفا الياء التى أدغمها ابن عامر وقرأ الباقون تظّهّرون بتشديد الظاء والهاء من تظهر مثل تكلم وأدغموا التاء فى الظاء:
968 [وخفّفه (ث) بت وفى قد سمع كما
هنا وهناك الظّاء خفّف (ن) وفلا]
أى خفف الظاء قارئ ثبت وهم الكوفيون وفى قد سمع الله موضعان حكمهما ما ذكر هنا إلا أن الظاء ثم لم يخففه إلا عاصم وحده لأنه يقرأ يظاهرون من ظاهر ولم يخفف الظاء حمزة والكسائى لأنه لم يجتمع تاءان فتحذف الثانية منهما لأن موضعى سورة قد سمع فعلهما للغيبة لا للخطاب الذين يظهرون منكم والذين يظاهرون من نسائهم ولكن أدغما التاء فى الظاء كما يقرأ ابن عامر، والنوفل: السيد المعطاء، ونصبه على الحال أى ذا نوفل، أى قارئ سيد:
969 [و (حقّ صحاب) قصر وصل الظّنون والر
رسول السّبيلا وهو فى الوقف (ف) ى (ح) لا]
أى قصروا هذه الكلمات الثلاث فى الوصل، وهى وتظنون بالله الظنونا يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وبعده فأضلونا السبيلا رسمت هذه الثلاثة بالألف هنا ولم ترسم فى قوله وهو يهدى السبيل وإثبات الألف فى تلك المواضع لتشاكل الفواصل، وهو مطلوب مراعا فى أكثر القرآن، وقد يندر فى بعض الصور ما لا يشاكل، ومنه:
{(أَنْ لَنْ يَحُورَ} [1]).
__________
(1) آية: 14.(2/645)
فى سورة الانشقاق، فإنه بغير ألف بعد الراء وكل يوم هو فى شأن (1) بالهمز وكذا بالخاطئة (2) فى الحاقة وخاطئة (3) فى اقرأ، كلتاهما مهموز، وأنا أختار ترك الهمز فى هذه الثلاثة على قراءة حمزة فى الوقف لتشاكل الفواصل، ثم قال: وهو فى الوقف، أى والقصر فى الوقف، لحمزة وأبى عمرو فهما يقصران وقفا ووصلا على الأصل، ومد نافع وابن عامر وشعبة فى الحالين تبعا لخط المصحف، وابن كثير والكسائى وحفص جمعوا بين الخط ولأصل فى الحالين، فمدوا فى الوقف لأنه يحتمل ذلك كما فى القوافى كقوله:
وولى الملامة الرجلا
وقصروا فى الوصل ونحوا بذلك منحى هاء السكت، وهذه القراءة هى المختارة.
قال أبو عبيد: والذى أحب فى هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليهن تعمدا، وذلك لأن فى إسقاط الألفات منهن مفارقة الخط، وقد رأيتهن فى الذى يقال ل «الإمام» مصحف عثمان، مثبتات كلهن، ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار، فان نعلمها اختلفت فكيف يمكن التقدم على حذفها، وأكره أيضا أن أثبتهن مع إدماج القراءة، لأنه خروج من العربية. لم نجد هذا عندهم جائزا فى اضطرار ولا غيره فإذا صرت إن الوقف عليها فأثبتّ الألفات كنت متبعا للكتاب. ويكون مع هذا فيما موافقة لبعض مذاهب العرب، وذلك أنهم يثبتون مثل هذه الألفات فى قوافى أشعارهم ومصاريعها، لأنها مواضع قطع وسكت، فأما فى حشو لأبيات فمعدوم غير موجود على حال من الحالات، وقال الزجاج: الذى عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من حذاقهم أن يقرءوا الظنونا ويقفوا على الألف ولا يصلوا وإنما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل، يثبتون فى آخرها فى الوقف ما يحذف مثله فى الوصل، فهؤلاء لا يتبعون المصحف، ويكرهون أن يصلوا فيثبتوا الألف لأن الآخر لم يقفوا عليه، فيجروه مجرى الفواصل ومثل هذا فى كلام العرب فى القوافى، نحو قوله:
أقلّى اللوم عاذل والعتابا ... وقولى إن أصبت لقد أصابا
فأثبت الألف، لأنها فى موضع فاصلة وهى القافية، وأنشد أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
ومن ذلك قول الأعشى:
استأثر الله بالوفاء وبالعدل ... وولى الملامة الرجلا
وقال أبو على: وجه من أثبت فى الوصل أنها فى المصحف كذلك، وهى رأس آية، ورءوس الآى تشبه بالقوافى من حيث كانت مقاطع، كما كانت القوافى مقاطع، فكما شبه أكرمن وأهانن بالقوافى فى حذف الياء منهن نحو:
من حذر الموت أن يأتين ... وإذا ما انتسبت له أتكوّن
كذلك يشبه هذا فى إثبات الألف بالقوافى، وأما فى الوصل فلا ينون، ويحمل على لغة من لا ينون ذلك إذا وصل فى الشعر، لأن من لا ينون أكثر، قال أبو الحسن: وهى لغة أهل الحجاز، فأما من طرح الألف فى الوصل فإنهم ذهبوا إلى أن ذلك فى القوافى، وليس رءوس الآى بقواف، فيحذف فى الوصل كما يحذف غيرها، فما يثبت فى الوقف، نحو التشديد الذى يلحق الحرف الموقوف عليه.
__________
(1) سورة الرحمن، آية: 29.
(2) آية: 9.
(3) الآية: 16.(2/646)
قال: وهذا إذا ثبت فى الخط فينبغى أن لا يحذف كما لا تحذف هاء الوقف من حسابيه وكتابيه وأن يجرى مجرى الموقوف عليه فهو وجه. وإذا ثبت ذلك فى القوافى فى الوصل فشأنه فى الفواصل حسن.
قال غيره: وأما من قرأ بغير ألف فهو الأصل المشتهر فى كلامهم، تقول رأيت الرجل باسكان اللام، ومن العرب من يجرى القوافى فى الإنشاد مجرى الكلام الموزون، فيقول:
أقلى اللوم عاذل والعتاب
واسأل بمصقله البكرى ما فعل
فإذا كانوا يجرون القوافى مجرى الكلام غير الموزون، فلأن يتركوا الكلام غير الموزون على حالته ولم يشبهوه بالموزون أولى، والله أعلم:
970 [مقام لحفص ضمّ والثان (عمّ) فى الد
دخان وآتوها على المدّ (ذ) و (ح) لا]
يريد {لََا مُقََامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} والثانى فى الدخان:
{(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقََامٍ أَمِينٍ} [1]).
والأول فيها لا خلاف فى فتحه، وهو:
{(وَزُرُوعٍ وَمَقََامٍ كَرِيمٍ} [2]).
كما أجمعوا على فتح مقدم إبراهيم وقد سبق فى مريم الكلام على القراءتين، وإن المفتوح موضع القيام، والمضموم بمعنى الإقامة، وأراد ضم الميم الأولى، ولا جائز أن تحمل على الميم الثانية، لوجهين:
أحدهما: أن ذلك فى الميم الثانية لو كان لعبر عنه بالرفع لا بالضم، لأنها حركة إعراب:
والثانى لو أريد ذلك لذكر معه التنوين، لأنه من باب وبالرفع نونه فلا رفث ولا بيع نونه ولا خلة ولا شفاعة وارفعهن.
وأما لآتوها بالمد فإنه بمعنى أعطوها أى أجابوا إلى ما سئلوه، وأتوها بالقصر بمنى فعلوها. وجاءوها يقال أثبت الخبر إذا فعلته، والمعنى ثم سئلوا فعل الفتنة لفعلوها، واختار أبو عبيد قراءة المد، وقال: قد جاءت الآثار فى الذين كانوا يفتنون بالتعذيب فى الله أنهم أعطوا ما سألهم المشركون غير بلال، وليس فى شيء من الحديث أنهم جاءوا ما سألهم المشركون، ففي هذا اعتبار للمد فى قوله لآتوها بمعنى أعطوها.
قال أبو على: ومما يحسن المد قوله سئلوا والإعطاء مع السؤال حسن، والمعنى لو قيل لهم كونوا على المسلمين مع المشركين لفعلوا ذلك، وحلا فى آخر البيت، مصدر مفتوح الحاء وليس بفعل ماض.
حكى الشيخ فى شرحه عن الناظم رحمهما الله: يقال ذو حلا أى ذو حسن من حلى فى عينه وصدره، يحلى قال ويقال أيضا حلى بالشيء أى ظفر به يحلى وقد قال ابن ولّاد إن «حلا» لا يعرف، يعنى أن المصدر المعروف من هذين الفعلين إنما هو حلاوة.
__________
(1) آية: 51.
(2) سورة الدخان آية: 26.(2/647)
قال الشيخ: ويجوز أن يكون ذو بمعنى الذى، أى على المد الذى حلا، كقول الطائى:
وبئرى ذو حفرت وذو طويت
قلت: وكأنه أشار بقوله حلا إلى ما ذكره أبو عبيد، وأبو على:
971 [وفى الكلّ ضمّ الكسر فى أسوة (ن) دى
وقصر (ك) فا (ح) قّ يضاعف مثقّلا]
الضم والكسر فى أسوة لغتان ومثله قدوة وعدوة بضم القاف والعين وكسرهما وقوله فى الكل يعنى هنا وفى الممتحنة موضعان، ويجوز ضم الكسر على الأمر وضم الكسر على الابتداء، ويضاعف مبتدا، وقصر كفا حق خبره، ومثقلا حال منه، أى يضعف لها العذاب بالقصر مع تشديد العين، وقد تقدم فى سورة البقرة أن ضاعف وضعف لغتان، فابن كثير وابن عامر قرءا من لغة ضعف هناك وهنا، وأبو عمرو شدد هنا دون ثم، والباقون قروا من لغة ضاعف فى الموضعين والله أعلم.
قال أبو عبيد: كان أبو عمرو يقرأ هذه وحدها يضعف مشددة بغير ألف لقوله ضعفين وقال ما كان أضعافا كثيرة فإنه يضاعف، وما كان ضعفين فإنه يضعف.
قال أبو عبيد: لا نعلم بين ما فرق أبو عمرو فرقا.
972 [وباليا وفتح العين رفع العذاب (حص
ن حسن وتعمل نؤت بالياء (ش) مللا]
الواو فى وبالياء فاصلة، لأن هذه مسئلة غير المتقدمة، وإن كان الجميع متعلقا بكلام واحد فالذى تقدم بيان الخلاف فى القصر والتشديد، وهذا بيان قراءة من يقرأ بالياء وفتح العين ورفع العذاب وضدها: وهى القراءة بالنون وكسر العين، ونصب العذاب. فكأنه قال: ويضاعف بالياء وفتح العين على ما لم يسم فاعله، ورفع العذاب لأنه مفعول ما لم يسم فاعله. فأسقط حرف العطف من «ورفع العذاب» ضرورة للعلم به. وقوله حصن حسن أى رمز ذلك، وهو خبر المبتدا المقدر. وهو يضاعف وما عطف عليه، وهو رفع العذاب، أى المجموع حصن حسن فاجتمع أبو عمرو مع حصن فى الياء وفتح العين. وخالفهم فى المد فقرءوا يضاعف وقرأ هو وحده يضعف، وكلا الفعلين لما لم يسم فاعله فاتفق معهم على رفع العذاب، فبقى ابن كثير وابن عامر على النون وكسر العين على بناء الفعل للفاعل، فلزم نصب العذاب لأنه مفعوله والنون للعظمة، هما من أهل القصر والتشديد فقرءا نضعف لها العذاب والقراءات هاهنا ثلاث، ووجوهها ظاهرة، إنما كان مشكلا استخراجها من هذا النظم، وقد سهله الله تعالى فاتضح ولله الحمد.
قوله ويعمل يؤت أراد ويعمل صالحا نؤتها قرأهما حمزة والكسائى بالياء أما الياء فى يعمل فعطف على يقنت وأجمعوا فى يقنت على لفظ التذكير ردا على لفظ «من» فكذا ما عطف عليه. وهو يعمل وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث ردا على معنى «من» لأنها عبارة عن النساء، ولهذا رجعت الضمائر بلفظ التأنيث فى نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها وأما الياء فى يؤتها فلله تعالى، وقرأ الباقون بالنون للعظمة، فقول الناظم بالياء تقييد لقوله يؤت، ليكون النون للباقين، لأنها أخت الياء فى اصطلاحه، ولا تكون تقييد ليعمل أيضا، وإن
كان صحيحا من حيث المعنى، واللفظ، فإنها بالياء أيضا، ولكن امتنع ذلك خوفا من اختلال القراءة الأخرى، فإنها ليست بالنون، فلا يكون هذا إلى من باب التذكير والتأنيث، فيكون قوله ويعطل مطلقا من غير تقييد، ليدل إطلاقه له على أنه أراد به التذكير فيأخذ للباقين ضده، وهو التأنيث، وشمللا خبر عن يعمل ويؤت على حذف حرف العطف.(2/648)
قوله ويعمل يؤت أراد ويعمل صالحا نؤتها قرأهما حمزة والكسائى بالياء أما الياء فى يعمل فعطف على يقنت وأجمعوا فى يقنت على لفظ التذكير ردا على لفظ «من» فكذا ما عطف عليه. وهو يعمل وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث ردا على معنى «من» لأنها عبارة عن النساء، ولهذا رجعت الضمائر بلفظ التأنيث فى نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها وأما الياء فى يؤتها فلله تعالى، وقرأ الباقون بالنون للعظمة، فقول الناظم بالياء تقييد لقوله يؤت، ليكون النون للباقين، لأنها أخت الياء فى اصطلاحه، ولا تكون تقييد ليعمل أيضا، وإن
كان صحيحا من حيث المعنى، واللفظ، فإنها بالياء أيضا، ولكن امتنع ذلك خوفا من اختلال القراءة الأخرى، فإنها ليست بالنون، فلا يكون هذا إلى من باب التذكير والتأنيث، فيكون قوله ويعطل مطلقا من غير تقييد، ليدل إطلاقه له على أنه أراد به التذكير فيأخذ للباقين ضده، وهو التأنيث، وشمللا خبر عن يعمل ويؤت على حذف حرف العطف.
973 [وقرن افتح (ا) ذ نصّوا يكون (ل) هـ (ث) وى
يحلّ سوى البصرى وخاتم وكّلا]
يريد افتح القاف من وقرن فى بيوتكن والباقون بكسرها، وكلاهما فعل أمر لجماعة النساء فالمفتوح من قررت بالمكان أقر بكسر الراء فى الماضى وفتحها فى المضارع، فى قول من أجاز ذلك، ونظيره عض من عضضت، وقيل من قار يقار إذا اجتمع، فيكون مثل: خفن الله، أى اجتمعن فى بيوتكن، والمكسور من قررت بالمكان أقر بفتح الراء فى الماضى وكسرها فى المضارع، وهى اللغة المعروفة فى قررت بالمكان، فيكون مثل جدن فى الأمر من جددت فيه، أو من وقر يقر، فيكون مثل عدن، من وعد، فإن أخذنا ذلك من قررت بفتح راء وكسرها فتكون عين الفعل حذفت لأنه ألقيت حركتها على الفاء فحذفت لالتقاء الساكنين هى ولام الفعل، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الفاء، والأصل أقررن بفتح الراء الأولى وكسرها، وإن قلنا إنّ قرن بالكسر من وقر يقر فالمحذوف فاء الفعل، وهى الواو، وإن قلنا إن قرن بالفتح من قار يقار فالمحذوف عين الفعل، وهى واو أيضا، وهذا الوجه حكاه الزمخشرى عن أبى الفتح الهمدانى.
وقال أبو على: الوجه فى وقرن بالكسر لأنه يجوز من وجهين لا إشكال فى جوازه منهما، وهما من القرار والوقار، وفتح القاف على ما ذكرت من الخلاف، زعم أبو عثمان أن قررت فى المكان لا يجوز، وقد حكى ذلك بعض البغداديين، فيجوز الفتح فى القاف على هذه اللغة إذا ثبتت، وقال أبو عبيد، والقراءة التى نختارها بكسر القاف فيكون مأخوذا من الوقار، فأما الفتح فإن أشياخنا من أهل العربية كانوا ينكرونه، ويقولون: إن كان من الوقار فهو بالكسر على قراءتنا، وإن كان من القرار فينبغى أن يكون من أقررنا أو أقررنا، قال: وقد وجدناها تخرج فى العربية من وجه فيه بعد، وهو شبيه بقوله:
{(فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [1]).
وأصلها من المضاعف ظللت، قال مكى: وقيل إن هذه القراءة مشتقة من قررت به عينا أقر، قال: وليس المعنى على هذا، لم يؤمرن أن تقر أعينهن فى بيوتهن، إنما أمرن بالقرار أو بالوقار فى بيوتهن، قال: والاختيار كسر القاف لأن عليه المعنى الصحيح.
وأما أن يكون لهم الخيرة ولا يحل لك النساء فالتذكير فيهما والتأنيث ظاهران، وأبو عبيد يختار التذكير فى هذا ونحوه، والثرى بالقصر: التراب الندى وبالمد المال الكثير، فيجوز أن يكون قصره ضرورة، وقد تقدم أن الناظم يستعير هذه الأشياء ونحوها كناية عن وضوح القراءة وكثرة الحجج لها، وردا لكلام من
__________
(1) سورة الواقعة، آية: 65.(2/649)
تكلم فيها، وأما وخاتم النبيين فوجه الفتح فيه أن الذى يختم به يقال بفتح التاء وكسرها، فكأنه صلّى الله عليه وسلم جعل كالخاتم لما ختم به الأنبياء، قال أبو عبيد: وبالكسر نقرأ، لأن التأويل أنه صلّى الله عليه وسلم ختمهم فهو خاتمهم، وكذلك رويت الآثار عنه فى صفة نفسه أنه قال «أنا خاتم النبيين» لم نسمع واحدا من فقهائنا يروى هذا الحرف فى حديثه إلا بكسر التاء، قال الزجاج: من كسر فمعناه ختم النبيين، ومن فتح فمعناه آخر النبيين لا نبى بعده، والواو فى قول الناظم، وقرن وخاتم، ليست فاصلة، بل هى من نفس الكلمة فى القرآن، كالياء فى يكون ويحل، وأما الواو فى وكلا فليست فاصلة أيضا، ولا معنى لها هنا، فلو أتى بكلمة أولها نون رمزا لقراء الفتح لكان أولى، فيقول نولا أو نحو ذلك، ويستغنى عن الرمز بعد قوله فى البيت الآتى، ويأتى بالواو الفاصلة، ثم فيقول: وخاتم نزلا بفتح، وقل: ساداتنا اجمع إلى آخره:
فإن قلت: لو قال كذلك لكان قد رمز قبل تقييد القراءة، وهو قد قال، ومن بعد ذكرى الحرف اسمى رجاله، قلت: الذى التزمه أن لا يتقدم الرمز على الحرف المختلف فيه، أما تقدمه على التقييد فلا، كقوله سما العلا شذا الجزم.
974 [بفتح (ن) ما ساداتنا اجمع بكسرة
(ك) فى وكثيرا نقطة تحت (ن) فّلا]
يريد {إِنََّا أَطَعْنََا سََادَتَنََا} هو جمع سيد، وسادات جمع هذا الجمع، وكسر تائه علامة النصب، لأنه جمع سلامة وفتح تاء سادة علامة نصبه، لأنه جمع تكسير ومثله كتبة وفجرة، وأما {وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}، فقراءة عاصم وحده بالباء الموحدة والقراءتان وجههما كما سبق فى البقرة فى إثم كبير قال أبو على: الكبر؟؟؟ مثل العظم، والكثرة أشبه بالمعنى، لأنهم يلعنون مرة بعد مرة، وقوله: نفل معناه أعطى لقطة من تحته والتنفيل الإعطاء. فقوله نقطة بالنصب ثانى مفعول نفلا، وجعل النقطة نفلا، لأنها دون الثلاث التى للثاء، فتلك بمنزلة النفل فى قسم الغنيمة، لأنها دون سهم الغانم، والله أعلم.(2/650)
974 [بفتح (ن) ما ساداتنا اجمع بكسرة
(ك) فى وكثيرا نقطة تحت (ن) فّلا]
يريد {إِنََّا أَطَعْنََا سََادَتَنََا} هو جمع سيد، وسادات جمع هذا الجمع، وكسر تائه علامة النصب، لأنه جمع سلامة وفتح تاء سادة علامة نصبه، لأنه جمع تكسير ومثله كتبة وفجرة، وأما {وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}، فقراءة عاصم وحده بالباء الموحدة والقراءتان وجههما كما سبق فى البقرة فى إثم كبير قال أبو على: الكبر؟؟؟ مثل العظم، والكثرة أشبه بالمعنى، لأنهم يلعنون مرة بعد مرة، وقوله: نفل معناه أعطى لقطة من تحته والتنفيل الإعطاء. فقوله نقطة بالنصب ثانى مفعول نفلا، وجعل النقطة نفلا، لأنها دون الثلاث التى للثاء، فتلك بمنزلة النفل فى قسم الغنيمة، لأنها دون سهم الغانم، والله أعلم.
سورة سبأ وفاطر
975 [وعالم قل علّام (ش) اع ورفع خف
ضه (عمّ) من رجز أليم معا ولا]
أى قرأه علام وعالم وعلام، كلاهما من الصفات كضارب وضراب، وفى التشديد مبالغة وفى القرآن عالم الغيب فى مواضع مجمع عليها و {عَلََّامُ الْغُيُوبِ} (1) فى المائدة، وفى آخر هذه السورة، ولم يجيء علام الغيب إلا فى قراءة حمزة والكسائى هاهنا، والخفض فى عالم وعلام على اتباع وربى أو لله فى قوله الحمد لله ورفع عالم على المدح، أى هو عالم الغيب، أو مبتدأ وخبره لا يعزب عنه ومن رجز أليم موضعان هنا وفى الجاثية، والرجز أشد العذاب وسيئه، وقيل: إنه كالرجس بمعنى القذر، فهذا فائدة جعل العذاب فيه باعتبار صفته، والواو فى قوله: ولا، ليست فاصلة كالواو فى وكلا التى سبق ذكرها، وأما أقل ما اتفق له فى هذه القصيدة من أمثال هذا نحو وخاتم وكلا وإلياسين بالكسر، وصلا فإن الواوات فى أوائل هذه الكلم توهم الفصل، لأنها كلمات لم تسبق تقييدا بخلاف الواو فى قوله.
وبالضم واقصر واكسر التاء فاتلوا
فهذه الكلمات كلها تقييد، فلم تضر الواوات فى أوائلها، ومعنى، ولا بكسر الواو متابعة، وهو مفعول من أجله من الكلام الذى يأتى بعده، أى رفع متابعة ومن رجز أليم مبتدأ، وخبره أوّل البيت الآتى، وهو:
976 [على رفع خفض الميم (د) لّ (ع) ليمه
ونخسف نشأ نسقط بها الياء (ش) شللا]
خفض الميم من أليم على أنه صفة لرجز ورفعها على أنه نعت لعذاب، أى لهم عذاب أليم من رجز، والياء والنون فى قوله تعالى {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ} ظاهران، معنى شمللا أى حكم على الياء بالشمول لهذه الثلاثة.
977 [وفى الرّيح رفع (ص) حّ منسأته سكو
ن همزته (م) اض وأبدله (إ) ذ (ح) لا]
يريد {وَلِسُلَيْمََانَ الرِّيحَ} رفع الريح على الابتداء ولسليمان خبره، كما يقول لزيد المال، والنصب على إضمار وسخرنا لسليمان الريح، عطفا على معنى وألنا له الحديد لأن ذلك تسخير لداود عليه السلام، والمنسأة العصا العظيمة التى تكون مع الراعى، على وزن محبرة، وأصلها الهمز، لأنها من نسأت البعير، زجرته وسقته وطردته، فهى اسم آلة من ذلك كالمقدحة والمجرفة، فقرأتها الجماعة كذلك على الأصل،
__________
(1) آية: 116.(2/651)
وأبدل الهمزة ألفا نافع وأبو عمرو، والهمز المتحرك لا يبدل حرف مد إلا سماعا، وهذا مسموع قال الشاعر:
إذا دنيت على المنساة من كبر
وأسكن ابن ذكوان الهمز تخفيفا، وهو عند النحاة ضعيف: فإنه يلزم منه أن يوجد ساكن غير الألف قبل هاء التأنيث، وهذا لا يوجد وقال بعضهم، يمكن أن تكون القراءة بها بين بين وهو القياس فى تخفيف هذه الهمزة، لكن الراوى لم يضبط، وقال صاحب التيسير ابن ذكوان: بهمزة ساكنة ومثله قد يجيء فى الشعر لإقامة الوزن، وأنشد الأخفش الدمشقى: زاد الشيخ لبعض الأعراب:
صريع خمر قام من وكاته ... كقومة الشيخ إلى منسأته
فقوله ماض إشارة إلى جوازه، أى قد مضى حكمه، والهاء فى أبدله للهمز، أى أبدل ذلك الهمز الساكن إذ خلا إبداله، والله أعلم.
978 [مساكنهم سكّنه واقصر على (ش) ذا
وفى الكاف فافتح (ع) الما (ف) تبجّلا]
يريد لقد كان لسبإ فى مساكنهم هذه قراءة الجماعة بالجمع، وأفرده حمزة والكسائى وحفص فقرءوا، مسكنهم إلا أن الكسائى كسر الكاف، وفتحها حمزة وحفص وكلاهما لغة والفتح أقيس والجمع يجوز أن يكون لكل واحد منهما والله أعلم.
979 [نجازى بياء وافتح الزّاى والكفو
ر رفع (سما ك) م (ص) اب أكل أضف (ح) لا]
يجازى إلا الكفور على بناء الفعل للمفعول ونجازى بالنون، ليكون الفعل مسندا للفاعل، والكفور منصوب لأنه مفعول، وهو موافق لما قبله ذلك جزيناهم بما كفروا وصاب أى نزل، يعنى قد نزل نظائر فى القرآن، فيها الفعل مبنى لما لم يسم فاعله، نحو هل يجزون إلا وقوله: سما، هو خبر يجازى، والكفور رفع جملة حالية، وكم صاب جملة أخرى خبرية عنه، أى كم مرة ورد، وسيأتى فى فاطر:
{(كَذََلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [1]).
ثم قال أكل أضف حلا، أى ذا حلا، يريد {ذَوََاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} أضاف أبو عمرو أكل إلى خمط فانحذف التنوين من أكل، والباقون لم يضيفوا فبقى منوّنا، وأما الخلاف فى إسكان الكاف وضمها فقد سبق فى سورة البقرة، واختار أبو عمرو التنوين، قال: لأن الأكل هاهنا هو الخمط فى التفسير، فالتنوين أولى به من الإضافة، مع أن أهل هذه القراءة أكثر.
قلت: الأكل المأكول، وهو الجنا، كما قال:
__________
(1) الآية: 36.(2/652)
{(تُؤْتِي أُكُلَهََا كُلَّ حِينٍ} [1]).
وثمر كل شيء يطلق عليه اسم شجرته، وعلى الشجرة اسم ثمرها، فكما تقول عندى ثمرتان وعنب ورمان برفع الجميع وتنوينه، فكذا تقول هذا أكل خمط وأثل وسدر، والإضافة على تقدير ثمرة هذا النوع من الشجر وإنما ذكر سبحانه الأكل تصريحا بأن هذا صار مأكولهم بعد ما كانوا مخولين فى ما شاءوا من ثمار الجنتين المقدم ذكرهما كلوا من رزق ربكم واشكروا له قال أبو عبيد: الخمط كل شجرة مرة ذات شوك، وقال الزجاج: كل نبت أخذ طعما من مرارة فلم يمكن أكله خمط، وقيل فى كتاب الخليل: الخمط شجرة الأراك وقال الجوهرى: هو ضرب من الأراك له حمل يؤكل، والأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه، قال الزمخشرى:
وجه من نون، أن أصله ذواتى أكل أكل خمط، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، أو وصف الأكل بالخمط، كأنه قيل: ذواتى أكل شفيع.
قلت: هو نحو قولهم مررت بقاع عرفج كله، أو على تقدير ذى خمط، كما قيل ذلك فى قوله تعالى:
{(وَيُسْقى ََ مِنْ مََاءٍ صَدِيدٍ} [1]).
أى ذى صديد، وأجاز جماعة أن يكون بدلا، ومنعه أبو على فاختار أن يكون عطف بيان، ورجح قراءة الإضافة فقال: ما ذهب إليه أبو عمرو فى قراءته بالإضافة حسن، فإن الأكل إذا كان الجناء فإن جناء كل شجرة منه قال: وخير الإضافة ليس فى حسن الإضافة، وذلك لأن الخمط إنما هو اسم شجرة، وليس بوصف، وإذا لم يكن وصفا ولم يجرى على ما قبله كما يجرى الوصف على الموصوف، والبدل ليسى بالسهل أيضا، لأنه ليس هو هو ولا بعضه، لأن الجناء من الشجرة، وليس الشجرة من الجناء، قال: فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان، كأنه بين أن الجناء لهذا الشجر ومنه، وكان الذى حسن ذلك أنهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة، قال الشاعر فى صفته:
القفار ليست بخطمه
قال أبو الحسن: الأحسن فى كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل دار آجر وثوب خز، قال:
وأكل خمط قراءة كثيرة، وليست بالجيدة فى العربية، وقال الفراء: الخمط فى التفسير هو الأراك، وهو البربر، قال النحاس: قال محمد بن يزيد: الخمط كل ما تغير إلى ما لا تشتهى واللبن خمط إذا حمض، والأولى عنده فى القراءة ذواتى أكل خمط بالتنوين على أنه نعت لأكل أو بدل منه، لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده، فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتى أكل حموضة وأكل مرارة، والله أعلم.
980 [و (حقّ) لوا باعد بقصر مشدّدا
وصدّق للكوفيّ جاء مثقّلا]
باعد مبتدأ وخبره: حق «لوا»، ويقصر مشددا حالان من باعد، عاملهما: حق، لأنه مصدر، وقصر لفظ اللواء ضرورة، وكنى بذلك عن شهرة القراءة، وكلتاهما واضحة: باعد، وبعد، مثل ضاعف وضعف
__________
(1) سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الآيتان: 26و 16.(2/653)
يريد قوله سبحانه باعد بين أسفارنا وصدق عليهم إبليس ظنه بالتخفيف والتشديد، قيل هما سواء، وظنه مفعول به، يقال: وعد مصدوق ومكذوب، قال الله تعالى:
{(ذََلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [1]).
ومن أبيات الحماسة: فوارس صدقوا فيهم ظنونى
أى كان منهم ما ظننت فيهم، وكذا إبليس ظن أنه يقويهم إلا قليلا، فوقع ذلك، وقيل: التقدير فى قراءة التخفيف فى ظنه، فحذف الجار متعدى الفعل، فنصب وقيل التقدير ظن ظنه، نحو فعلته جهدك، وقيل:
فى التشديد حق عليهم ظنه أو وجده صادقا، وروى «ظنه» بالرفع على تخفيف صدق، فيكون ظنه بدلا من إبليس، وقيل أيضا بجواز نصب إبليس ورفع ظنه، فكما صدق إبليس ظنه فكذا صدق ظنه، وظنه هو قوله لأغوينهم أجمعين، قال ذلك ظنا.
981 [وفزّع فتح الضّمّ والكسر (ك) امل
ومن أذن اضمم (ح) لو (ش) رع تسلسلا]
الخلف فى هذين الفعلين فى إسناد الفعل إلى الفاعل، وهو الله عز وجل، أو لما لم يسم فاعله، وكلاهما ظاهر، فإن أسند فزع إلى الفاعل، فالفاعل هو الله تعالى، أو ما هناك من الحال، قال ابن جنى: إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه كثير، منه ما حكاه سيبويه من قولهم:
إذا كان غدا فائتنى
وكذلك قول الشاعر:
فإن كان لا يرضيك حتى تردنى ... إلى قطرى لا إخالك راضيا
أى إن كان لا يرضيك ما جرى أو ما الحال عليه.
قلت: وقرئ شاذا فزع بتخفيف الزاى مع البناء للمفعول، وقرئ أيضا بالراء المهملة والعين المعجمة مع البناء للفاعل أو المفعول، والراء مشددة ومخففة، فهذه ست قراءات مع البناء للمفعول، واثنان مع البناء للفاعل، ومفعول ما لم يسم فاعله قوله: عن قلوبهم نحو سير عن البلد.
قال ابن جنى: المعنى فى جميع ذلك إذا كشف عن قلوبهم، وقوله: «حلو شرع» حال من مفعول اضمم.
982 [وفى الغرفة التّوحيد (ف) از ويهمز الت
تناوش (ح) لوا (صحبة) وتوصّلا]
يريد {وَهُمْ فِي الْغُرُفََاتِ آمِنُونَ} ووجه الجمع ظاهر كما جاء فى موضع آخر:
{(لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهََا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} [2] {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً} [3]).
ووجه الإفراد قوله: {أُوْلََئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمََا صَبَرُوا} فهو اسم جنس يراد به الجمع والكثرة، والتناوش
__________
(1) سورة هود، آية: 65.
(2) سورة الزمر، آية: 20.
(3) سورة سبأ، آية: 37.(2/654)
التناول بغير همز ووجه الهمز ضم الواو مثل: أقتت، وأدؤر، وأجوه وقيل: هو من ناشت: إذا تأخرت وأبطأت، وإذا وقف حمزة جعل الهمزة بين بين على أصله، وذكر صاحب التيسير له وجها آخر هنا: أنه يقف بضم الواو على تعليل الهمز بأن سببه ضمة الواو، فقال: فعلى هذا يقف بضم الواو، ويرد ذلك إلى أصله، ولم يتعرض الناظم رحمه الله لهذا الوجه فى نظمه هنا. واعتذر عن ذلك فيما وجدته فى حاشية النسخة المقروة عليه، فقال: تركه لضعف هذا التأويل، قال: ثم لو صح كيف يرد الوقف الشيء إلى أصله، وهو عارض وأين له نظير حتى يبنى عليه ويلزمه ذلك فى عطاء وجزاء.
قلت: وهذا الوجه صحيح لحمزة، ولكن مأخذه اتباع الرسم كما سبق فى بابه، واستغنى الناظم بذلك عن ذكره هنا، والله أعلم.
وقوله «حلوا» حال من التناؤش، وصحبه وتوصلا تمييزان من الحال أى حلوا صحبته وتوصله:
983 [وأجرى عبادى ربّى اليا مضافها
وقل رفع غير الله بالخفض (ش) كلّا]
يريد: الياء فى هذه الكلمات الثلاث هى مضافها، أى الذى يجرى عليه أحكام ياءات الإضافة بالفتح والإسكان، فقوله {إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا عَلَى اللََّهِ وَهُوَ عَلى ََ كُلِّ} فتحها نافع وأبو عمرو، وابن عامر وحفص عبادى الشكور فتحها كلهم غير حمزة ربى إنه سميع قريب فتحها نافع وأبو عمرو وفى سبأ زائدتان، كالجوارى أثبتها أبو عمرو وورش فى الوصل، وابن كثير فى الحالين فكذبوا رسلى فكيف كان نكير أثبتها فى الوصل ورش وحده، وأما:
{(هَلْ مِنْ خََالِقٍ غَيْرُ اللََّهِ} [1]).
فى سورة فاطر فالحفظ صفة لخالق على اللفظ، والرفع صفة على المعنى لأن التقدير: هل خالق غير الله، ومعنى شكل صدر، والله أعلم.
984 [ونجزى بياء ضمّ مع فتح زائه
وكلّ به ارفع وهو عن ولد العلا]
يريد {كَذََلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} قرأه أبو عمرو بضم الياء على بناء الفعل للمفعول، وقرأه الباقون بفتح النون على بنائه للفاعل، والهاء فى «به» تعود على يجزى، لأن كل مرفوع به، لأنه مفعوله الذى أقيم مقام فاعله، ونصبه الباقون على المفعولية:
985 [وفى السّيّئ المخفوض همزا سكونه
(ف) شا بيّنات قصر (حقّ ف) تى (ع) لا]
همزا منصوب على التمييز: أى المخفوض همزه، يريد ومكر السيئ احترازا من المرفوع بعده، وهو
__________
(1) الآية: 3.(2/655)
ولا يحيق المكر السيئ فإنه لا خلاف فى تحريك همزه، وأما ذلك المخفوض فروى عن حمزة سكون همزه تخفيفا، لأجل كثرة الحركات، وقد سبق ما فى هذا فى قراءة بارئكم ويأمركم، ونحوه، وقيل: إنه وصل بنية الوقف، وعندى أنه أسكنه وقفا، فظن الراوى أنه يفعل ذلك وصلا، وسبب كونه أسكن هذه الهمزة وقفا أن من مذهبه تخفيف الهمز فى الوقف على الطريقة المذكورة فى بابه، وقياسها أن تبدل هذه الهمزة ياء، لأنها تسكن للوقف، وقبلها مكسور، فيجب قلبها ياء: إذا خففت فكأنه استثقل اجتماع ثلاث ياءات: الوسطى مكسورة، فترك الهمز ساكنا على حاله، فهو أخف من إبداله، فهو نظير ما فعله أبو عمرو فى تؤوى وتؤويه حين لم يبدل همزه استثقالا للإبدال، وهو معنى قول الناظم فيما سبق أخف بهمزه، وقال الزمخشرى: لعله اختلس فظن سكونا، أو وقف وقفة خفيفة، ثم ابتدأ ولا يحيق، قال أبو جعفر، النحاس: قال الأعمش وحمزة ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ فحذف الإعراب من الأوّل وأثبته فى الثانى، قال أبو إسحاق: وهو لحن، قال أبو جعفر. وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه، وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز فى كلام ولا شعر لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها دخلت للفرق بين المعانى، وقد عظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا: وقال: إنّما كان يقف عليه، فغلط من أدّى عنه، قال: والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثانى لما لم يكن الكلام أعربه، والحركة فى الثانى أثقل منها فى الأوّل، لأنها ضمة بين كسرتين قال: واحتج بعض النحويين لحمزة فى هذا بأن سيبويه أنشد:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم ... فاليوم أشرب غير مستحقب
قال: وهذا لا حجة فيه: لأن سيبويه لم يجزه، وإنما حكاه على الشذوذ وضرورة الشعر، وقد خولف فيه وقيل: إنما هو: صاح قوم: وفاليوم فاشرب.
قال الزّجاج ومكر السيئ موقوفا، وهذا عند النحويين من الحذاق بالنحو، وإنما يجوز فى الشعر فى الاضطرار، وأنشدوا.
قلت: صاحب قوم اليوم اشرب غير
قال: وهذان البيتان قد أنشدهما جميع النحويين المذكورين، وزعموا كلهم أن هذا من الاضطرار فى الشعر ولا يجوز مثله فى كتاب الله تعالى أنشدنا هما أبو العباس محمد بن يزيد رحمه الله تعالى.
إذا اعوججن قلت صالح قوم ... وهذا جيد بالغ وأنشدنا
فاليوم فاشرب غير مستحقب
فأما ما يروى عن أبى عمرو بن العلا إلى بارئكم فإنما هو أن يختلس الكسر اختلاسا ولا يجزم بارئكم، قال: وهذا إنما رواه عن أبى عمرو من لا يضبط النحو، كضبط سيبويه والخليل، ورواه سيبويه باختلاس الكسر، كأنه يقلل صوته عند الكسر، وأكثر أبو على فى الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان لأجل توالى الكسرات، والاضطرار: وللوصل بنية الوقف، ثم قال: وإذا ساغ ما ذكرنا فى هذه القراءة من التأويل، لم يسغ لقائل أن يقول: إنه لحن، ألا ترى أن العرب قد استعملوا ما فى قياس ذلك.
ثم قال: وهذه القراءة وإن كان لها مخلص من الطعن، فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور
فى الدرج، وقال ابن القشيرى ما ثبت بالاستفاضة والتواتر أن النبى صلّى الله عليه وسلم قرأه فلا بد من جوازه، ولا يجوز أن يقال: إنه لحن، ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه، وإن كان هو فصيحا.(2/656)
ثم قال: وهذه القراءة وإن كان لها مخلص من الطعن، فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور
فى الدرج، وقال ابن القشيرى ما ثبت بالاستفاضة والتواتر أن النبى صلّى الله عليه وسلم قرأه فلا بد من جوازه، ولا يجوز أن يقال: إنه لحن، ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه، وإن كان هو فصيحا.
قلت: وعلى الجملة فإسكان السيئ أهون من إسكان بارئكم لإمكان حمل ذلك على الوقف كما سبق، ولا يمكن تقدير ذلك فى بارئكم ويأمركم، والله أعلم.
وقال مكى: لو نوى الوقف لخفف الهمزة على أصله، وهذا قد سبق الاعتذار عنه.
وقوله «بينات قصر حق فتى» بإضافة حق إلى فتى، علا، يريد قوله تعالى {فَهُمْ عَلى ََ بَيِّنَةٍ مِنْهُ} فالإفراد فيه والجمع قد سبق لهما نظائر، وليس فى سورة فاطر ياء إضافة، وفيها زائدة واحدة، فكيف كان نكيرى أثبتها فى الوصل ورش وحده.
وقلت فى ذلك مع الياءين اللتين ذكرناهما فى سورة سبأ:
وزاد نكيرى والجوارى لذى سبأ ... وفى فاطر أيضا نكيرى تقبلا(2/657)
وزاد نكيرى والجوارى لذى سبأ ... وفى فاطر أيضا نكيرى تقبلا
سورة يس
986 [وتنزيل نصب الرّفع (ك) هف (ص) حابه
وخفّف فعزّزنا لشعبة مجملا]
النصب على المصدر أى نزل الله ذلك تنزيلا يعنى الرسالة إليه التى دل عليها قوله تعالى {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}
أو يكون تفسيرا للصراط المستقيم، وجعله الزمخشرى منصوبا بإضمار أعنى، وهو النصب على المدح، ووجه الرفع أنه خبر مبتدا مجذوف الخبر، قدر أبو على الأمرين، فقال: من رفع فعلى هو تنزيل العزيز الرحيم أو تنزيل العزيز الرحيم هذا وقال الفراء القراءة بالنصب يريد {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} تنزيلا حقا، ومن رفع جعله خير إنك لتنزيل العزيز، أو على الاستئناف، أى: ذلك تنزيل، وقال أبو عبيد: هى مثل صنع الله وصبغة الله والرافعون يريدون هنا تنزيل العزيز الرحيم ومن خفف فعززنا فمعناه غلبنا، وهو مطاوع عازنى فعززته، أى غالبنى فغلبته، ومعناه بالتشديد قوينا، قال أبو عبيد: وهذا أشبه بالمعنى، وقول الناظم «محملا» أى معينا على الحمل يقال: أحملته أى أعنته على الحمل، فمعناه مكثرا حملة هذه القراءة، والله أعلم.
987 [وما عملته يحذف الهاء (صحبة)
وو القمر ارفعه (سما) ولقد حلا]
اختلفت المصاحف فى إثبات الهاء وحذفها، وهى ضمير راجع إلى ما إن كانت بمعنى الذى، وقد أجمع فى القرآن على إثبات الهاء فى:
{(كَمََا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطََانُ} [1]).
وعلى حذفها فى مواضع:
{(أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} [2]).
{(وَسَلََامٌ عَلى ََ عِبََادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ََ} [3]).
{(إِلََّا مَنْ رَحِمَ} [4]).
ويجوز على حذف الهاء أن تكون «ما» مصدرية أى ومن عمل أيديهم، ويجوز على إثبات الهاء أن تكون «ما» نافية أى وما عملت أيديهم ذلك، ورفع والقمر ونصبه من باب زيد ضربته، وفيه اللغتان، وحسن النصب ما قبله من الجملة الفعلية من قوله أحييناها وأخرجنا منها حبا وجعلنا ونسلخ منه النهار فهو مثل والسماء بنيناها بأبد:
__________
(1) سورة البقرة، آية: 225.
(2) سورة الفرقان، آية: 41.
(3) سورة «، آية:؟؟؟.
(4) سورة هود، آية: 43.(2/658)
{(وَالْأَرْضَ فَرَشْنََاهََا} [1]) {(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذََلِكَ دَحََاهََا} [2]).
أجمعوا على نصب كل ذلك، وحسن الرفع أن المعنى وآية لهم القمر كما قال تعالى قبله {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ} {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} فكذا التقدير وآية لهم الشمس وآية لهم القمر، فيكون مبتدءا وخبره ما بعده أو ما قبله، على اختلاف فى ذلك، لاحتمال المعنى كلا منه، ونستقصى إن شاء الله توجيه ذلك فى شرح نظم المفصل فى النحو، وإلى هذا أشار الناظم بقوله «ولقد حلا» وكذا قال الفراء: الرفع أحب إلىّ من النصب، لأنه قال وآية لهم الليل ثم جعل الشمس والقمر متبعين الليل فهما فى مذهبه آيات مثله.
988 [وخا يخصمون افتح (سما ل) ذ وأخف (ح) ل
وبرّ وسكّنه وخفّف (ف) تكملا]
قرأ حمزة ما لفظ به الناظم سكن الخاء وخفف الضاد، فهى من خصم يخصم إذا غلب فى الخصومة أى يخصم بعضهم بعضا، وقيل يجوز أن يكون الأصل يختصمون، كما هو أصل قراءة غيره، فحذف هو التاء، وغيره أدغمها فى الصاد، فلهذا شددت الصاد، ثم لما أدغمت التاء فى الصاد اجتمع ساكنان: التاء المدغمة والخاء، فمنهم من كسر الخاء لالتقاء الساكنين، وهم عاصم والكسائى وابن ذكوان، ومنهم من فتح الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها، مثل هذا الاختلاف ما سبق فى سورة يونس فى قوله تعالى:
{(أَمَّنْ لََا يَهِدِّي} [3]).
فعاصم طرد مذهبه فى كسر ما قبل التاء المدغمة، وزعم الفراء أن الكسر أكثر وأجود، وخالفه غيره، وحكى ابن مجاهد وغيره عن أبى بكر كسر التاء فى يخصمون تبعا للخاء كما كسر ياء يهدّى، وأبو عمرو وقالون أخفيا فتحة الخاء كما أخفيا فتحة الياء فى يهدى ووجه الدلالة على أن أصل هذا الحرف: السكون، وقال صاحب التيسير: النص عن قالون الإسكان فيهما، وكذا ذكر ابن مجاهد وغيره، وضعف ذلك الحذاق لما فيه من الجمع بين الساكنين، قال الزجاج: هى ردية، وكان بعض من روى قراءة أهل المدينة يذهب إلى أن هذا لم يضبط عن أهل المدينة، كما لم يضبط عن أبى عمرو:
{(إِلى ََ بََارِئِكُمْ} [4]).
وإنما زعم أن هذا يختلس فيه الحركة اختلاسا، وهى فتحة الخاء، والقول كما قال: والقراءة الجيدة بفتح الخاء وكسرها جيد أيضا، وقال النحاس، إسكان الخاء لا يجوز لأنه جمع بين الساكنين، وليس الأوّل حرف مد ولين، وإنما يجوز فى هذا إخفاء الحركة، فلم يضبط الراوى كما لم يضبط عن أبى عمرو:
{(فَتُوبُوا إِلى ََ بََارِئِكُمْ} [5]).
إلا من رواية من يضبط اللغة، كما روى سيبويه عنه أنه كان يختلس الحركة.
__________
(1) سورة الذاريات، الآيتان: 47و 48.
(2) سورة النازعات، آية: 30.
(3) آية: 35.
(4) سورة البقرة، آية: 54.
(5) سورة البقرة، آية: 54.(2/659)
وقال بعض المتأخرين: ليس هذا بمنكر، لأن الساكن الثانى مدغم فى حرف آخر، والحرفان اللذان أدغم أحدهما فى الآخر يرتفع اللسان عنهما ارتفاعة واحدة، فيصيران كحرف واحد متحرك، فكأنه لم يلتق هاهنا ساكنان.
قلت: هذا خلاف ما يشهد به الخبر لفظا ووزنا فى الشعر، بل الحرف المشدد حرفان حقيقة، ولا يمكن الجمع بين الأوّل منهما وساكن قبله غير حرف مد، وأما قول أبى على: من زعم أن ذلك ليس فى طاقة اللسان يعلم فساده بغير استدلال فمقابل بمثله، وقوله «حلوبر» منصوب على الحال من فاعل أخف أو مفعوله» أى أخف الفتحة فى حال حلاوتها، وبر يجوز بفتح الباء وكسرها، وكلاهما له حلاوة شبه بها حلاوة الإخفاء، ولكونه بين المنزلتين دال على كل واحد من الأمرين: الحركة والسكون.
989 [وساكن شغل ضمّ (ذ) كرا وكسر فى
ظلال بضمّ واقصر اللّام (ش) لشلا]
أى ضم الغين ذا ذكر، وضمها وإسكانها لغتان، وإذا ضم الكسر من قوله: فى ظلال، وهو كسر الظاء وقصر اللام، أى لم تشبع فتحها فتصير ألفا وصارت الكلمة، فى ظلل جمع ظلة:
كحلة وحلل، وظلال جمع ظل، كقدح وقداح، أو يكون أيضا جمع ظلة، كبرمة وبرام، وأجمعوا على أن:
{(يَأْتِيَهُمُ اللََّهُ فِي ظُلَلٍ} [1]).
بالضم والقصر وعلى يتفيؤا ظلاله بالكسر والمد، وشلشلا حال من فاعل اقصر أى خفيفا.
990 [وقل جبلا مع كسر ضمّيه ثقله
(أ) خو (ن) صرة واضمم وسكّن (ك) ذى (ح) لا]
أى مع كسر الجيم والباء ثقل اللام أى ثقلها، يقال: ثقل وثقل بسكون القاف وفتحها، وتقدير النظم ثقله مع كسر ضميه أخو نصرة فهذه قراءة نافع وعاصم جمع جبلة، وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بضم الجيم وسكون الباء، وهو تخفيف قراءة الباقين بضمهما، قال الجوهرى: جميع ذلك لغات، وهو الجماعة من الناس، وقيل جبلا جمع جبيل كرغف ورغيف، والجبل الخلق، وحلا فى آخر البيت بفتح الحاء، ومعناه الظفر، وهو منصوب، وقد سبق فى سورة الأحزاب مثله، فمعنى كذى حلا، أى كذى ظفر، وهو فى موضع الحال من فاعل وسكن.
891 [وتنكسه فاضممه وحرّك لعاصم
وحمزة واكسر عنهما الضّمّ أثقلا]
أى ضم نونه الأولى وافتح الثانية واكسر الكاف وشددها، فيصير لنكسه من نكسه، مثله كسله، وهو
__________
(1) سورة البقرة، آية: 210.(2/660)
مبالغة فى نكسه بالتخفيف، وقيل المخفف أكثر استعمالا، وفى المشدد موافقة نعمره فى اللفظ، وأرادوا كسر ذا الضم وهو الكاف، وأثقلا حال منه بمعنى ثقيلا.
992 [لينذر (د) م (غ) صنا والأحقاف هم
بها بخلف (هـ) دى مالى وإنّى معا حلا]
أى مشبها غصنا فى حملك للعلم المشفع به، كما يحمل الغصن الثمر، يريد {لِيُنْذِرَ مَنْ كََانَ حَيًّا} الغيب للقرآن والخطاب للنبى صلّى الله عليه وسلم، وفى الأحقاف:
{(لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [1]).
وقوله، هم بها، أى قرءوا فيها بما قرءوا به هنا وهو الغيب الذى دل عليه إطلاقه للحرف وعدم تقييده، واختلف عن البزى فى الأحقاف فقط، ثم ذكر ياءات لإضافة فى يسن وهى ثلاث وما لى لا أعبد سكنها حمزة وحده إنى إذا لفى ضلال فتحها نافع وأبو عمرو، وإنى آمنت بربكم فاسمعون فتحها الحرميان وأبو عمرو وفيها زائدة واحدة ولا ينقذون أثبتها فى الوصل ورش وحده، وقلت فى ذلك:
ويس زد فيها ولا ينقذون مع ... لتردين فيما فوق صاد تنزلا
__________
(1) آية: 12.(2/661)
سورة والصافات
993 [وصفّا وزجرا ذكرا ادغم حمزة
وذروا بلا روم بها التّا فثقّلا]
أى وذكرا فحذف حرف العطف وذروا عطف عليها أيضا، فصل بينهما بقوله أدغم حمزة، وقوله بلا روم أى إدغاما محضا، بخلاف ما سبق ذكره فى مذهب أبى عمرو فى الإدغام فى شرح قوله: واشمم ورم فى غير باء وميمها، وقوله بها أى فى أوائل هذه الكلمات الأربع، التاء مفعول أدغم، أى أدغم حمزة التاء الموجودة قبل كل واحد من هذه الألفاظ فى هذه الألفاظ فى أوائلها، فثقل أى فشدد، لأن الإدغام يوجب ذلك، أراد إدغام والصافات صفا فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا هذه الثلاثة هنا والرابعة:
{(وَالذََّارِيََاتِ ذَرْواً} [1]).
فإن قلت ما للناظم لم يذكر أبا عمر ومع حمزة فى إدغام هذه المواضع، وهو مشاركه فى هذا المذهب وتقدم ذكر باب الإدغام لأبى عمرو غير مانع له من ذلك، كما ذكره معه فى قوله: إدغام بيت فى حلا، وقد تقدم فى سورة النساء.
قلت: مذهب أبى عمرو فى الإدغام غير مذهب حمزة، وذلك أن لمنقول عن أبى عمرو أنه كان يفعل ذلك عند الإدراج والتخفيف، وترك الهمز الساكن، فإذا همز أو حقق لم يدغم من الحروف المتحركة شيئا إلا:
{(بَيَّتَ طََائِفَةٌ} [2]).
فلما كان يدغم بيت طائفة مطلقا أشبه ذلك مذهب حمزة، فذكره معه فيها، ولما كان أمره فى والصافات صفا على خلاف ذلك لم يذكره معه، ولهذا قال ابن مجاهد: قرأ أبو عمرو وإذا أدغم وحمزة على كل حال والصافات صفا فقيد ذكر أبى عمرو بقوله إذا أدغم، وقال فى حمزة: على كل حال، وترك الإدغام هو المختار فى ذلك، قال الفراء: كان ابن مسعود يدغم التاء من والصافات، فالزاجرات، فالتاليات والتبيان أجود لأن القراءة ثبتت على التمكين والتفصيل والبيان، وقال أبو عبيد: وكان الأعمش يدغمهن، والقراءة التى نختارها هى الأولى بالتحقيق والبيان على ما ذكرنا من مذهبنا فى جميع القرآن، إلا ما كان يخالف الخط ويخرج من لغات العرب، وقال النحاس: وهذه القراءة التى نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها يعنى الإدغام والله أعلم.
994 [وخلّادهم بالخلف فالملقيات فال
مغيرات فى ذكرا وصبحا فحصّلا]
أى وأدغم خلاد بخلاف عنه فالملقيات فى سورة والمرسلات فى ذال ذكرا وتاء فالمغيرات فى
__________
(1) سورة الذاريات، آية: 1.
(2) سورة النساء، آية: 81.(2/662)
سورة والعاديات فى صاد صبحا وزاد أبو عمرو فى مذهب الإدغام على ذلك إدغام والعاديات ضبحا، وإدغام والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا فى سورة والنازعات وابن مجاهد وغيره من أكابر المصنفين لم يذكروا لحمزة إدغاما إلا فى الكلمات الأربع المتقدمة، ولم يذكر أبو عبيد سوى الثلاث التى فى الصافات، وأما هذا المذكور عن خلاد فى إدغام هذين الموضعين فقريب، وعنى به قول صاحب التيسير: واقرأنى أبو الفتح فى رواية خلاد فالملقيات ذكرا، فالمغيرات صبحا بالإدغام أيضا من غير إشارة وذكر فى غير التيسير أن حمزة لم يدغم إلا الأربعة الأول.
قال الشيخ: وكذا ذكر ابن غلبون وغيره، ولم يذكر أبو الفتح فى كتابه إلا المواضع الأربعة عن حمزة والفاء فى فحصلا ليست برمز لأنه قد صرح أوّلا بالقارئ وهو خلاد.
فإن قلت: يحتمل أنه أراد الخلف عن خلاد فى المواضع المتقدمة كما قال فى آخر يس: بخلف هدى:
ويكون إدغام هذين الموضعين لحمزة:
قلت: يمنع من ذلك أن الواو فى: وخلادهم فاصلة.
فإن قلت: قد جاء أشياء على هذه الصورة والخلف لما مضى نحو: وقالون ذو خلف ووجهان فيه لابن ذكوان، هاهنا وخلف فيهما مع مضمر مصيب.
قلت: قوله فيه وفيهما بيان لموضع الخلاف، والواو بعد ذلك فاصلة أيضا فى المواضع الثلاثة المذكورة:
995 [بزينة نوّن (ف) ى (ن) د والكواكب ان
صبوا (ص) فوة يسّمّعون (ش) ذا (ع) لا]
أى كائنا فى مكان ند، وفى بعض النسخ فى ندا، بزيادة ألف، أى كائنا فى ندا، وهو الكرم وأشار بذلك إلى وجوه هذه القراءة، وصفوة: حال من الكواكب أو من المخاطبين، وهو جمع صفى مثل صبى وصبية، شذا حال من فاعل علا أو هو مفعول به، أى علاه، نحو: علا زيدنا يوم النقا زيدكم:
وهو تمييز مقدم على عامله على رأى من جوز ذلك، أى على شذاه، أى طيبه والقراءات فى بزينة الكواكب ثلاث قرأ حمزة وحفص بتنوين زينة وخفض الكواكب، وأبو بكر بتنوين زينة ونصب الكواكب، والباقون بإضافة زينة إلى الكواكب، والزينة مصدر كالنسبة، واسم لما يتزين به كما قوله سبحانه.
{(الْمََالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} [1]).
ويحتمل الأمرين: قراءة الإضافة فإن فسر بالمصدر كان مضافا إلى فاعله أو مفعوله، أى بأن زانتها الكواكب، أو بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها هى فى أنفسها، وإن فسر الزينة بالاسم، فالإضافة للبيان نحو خاتم حديد، لأن الزينة مبهمة فى الكواكب وغيرها، فما يزان به أو يراد بما زينت به الكواكب، أى بحليتها وهو ضوؤها وأشكالها المختلفة، كالثريا، والجوزاء، وبنات نعش، وأما
__________
(1) سورة الكهف، آية: 46.(2/663)
قراءة التنوين وجر الكواكب، فالكواكب عطف بيان أو بدل، والزينة فيها اسم لما يتزين به، ونكر للتعظيم، أى بزينة لها شأن عظيم ثم بينها بما هو مشاهد معلوم حسنه وزينه، فقال، الكواكب، وقيل يجوز على هذه القراءة أن تكون الزينة مصدرا، وتجعل الكواكب بزينة مبالغة، أو على تقدير زينة الكواكب، فحذف المضاف، وأما القراءة بنصب الكواكب مع التنوين، فالزينة؟؟؟ فيها مصدر، والكواكب مفعول به، وجوز الزجاج وغيره أن يكون بدلا من موضع بزينة، وقيل: هو منصوب بإضمار أعنى بعد التنكير المشعر بالتعظيم، فعلى هذين القولين: يجوز أن تكون الزينة اسما لا مصدرا، ويجوز أن تكون مصدرا على المبالغة إن قلنا الكواكب بدلا من الموضع، وعلى تقدير: أعنى زينة الكواكب إن قلنا هو منصوب بإضمار أعنى، وجوز الشيخ أبو عمرو أن تكون الكواكب بدلا من السماء، بدل الاشتمال، قال كأنه قيل إنا زينا الكواكب فى السماء الدنيا بزينة، فيكون الزينة مصدرا، قال الزجاج: بزينة الكواكب يعنى بتنوين زينة ورفع الكواكب، قال ولا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأن إلا بها إلا أن تثبت رواية صحيحة لأن القراءة سنة، والرفع فى الكواكب على معنى: إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب، أو بأن زينت الكواكب:
قال النحاس: هو على ما حكى النحويون عجبت من قراءة فى الحمام القرآن، بمعنى: إن قرئ، وأما لا يسمعون إلى الملأ الأعلى فنشرحها فى البيت الآتى، وهو:
996 [بثقليه واضمم تا عجبت (ش) ذا وسا
كن معا او آباؤنا (ك) يف (ب) لّلا]
أى على بثقليه أراد تشديد السين والميم على ما لفظ به، وأصله يتسمعون، فأدغمت التاء فى السين، وقراءة الباقين لا يسمعون من سمع إليه إذا أصغى مع الإدراك، ولم ينبه على إسكان السين لظهوره، وإلا فلا يلزم من ضد النقل الإسكان، بل يكفى ترك النقل، وذلك يكون تارة مع حركة، كما فى الميم وتارة مع سكون، واختار أبو عبيد قراءة التشديد، لأجل تعدية الفعل بإلى، وإنما عدى بها على قراءة التخفيف لتضمين الفعل معنى الإصغاء، قوله: «واضمم تاء عجبت شذا» أى ذا شذا، فهو حال من الفاعل أو المفعول، وإضافة العجب إلى الله تعالى، وكذا سائر ما أضيف إليه مما لا يصح اتصافه بأعيانه: المراد منه لوازمه وثمراته، فالمعنى هنا أن حال هؤلاء انتهت فى القبح إلى حد يتعجب منه تعجب الإنكار والذم، وذكر أبو عبيد أنها قراءة ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن مقفل وإبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش رضي الله عنهم، ويشهد لها {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} فأخبر الله جل جلاله أنه عجب، والحديث المرفوع: «لقد عجب الله البارحة من فلان».
قلت: وفى حديث آخر «يعجب ربكم من إلكم (1) وقنوطكم».
واختار أبو عبيد قراءة الرفع، وقال الفراء: الرفع أحب إلينا لأنها قراءة على وعبد الله وابن عباس رضي الله عنهم، قال: والعجب وإن أسند إلى الله تعالى فليس معناه منه كمعناه من العباد، كما أنه قال:
__________
(1) قوله إلكم: الإلّ أشد القنوط، وقيل هو رفع الصوت بالبكاء اهـ خطيب.(2/664)
{(سَخِرَ اللََّهُ مِنْهُمْ} [1]).
{(اللََّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [2]).
وعجبت بالفتح خطاب للنبى صلّى الله عليه وسلم، وقيل التقدير فى الضم قل يا محمد بل عجبت، وأما أو آباؤنا الأوّلون هنا وفى الواقعة، وإلى ذلك الإشارة بقوله معا، فإسكان الواو وفتحها كما مضى فى:
{(أَوَأَمِنَ} [3]).
فى سورة الأعراف وتقدير النظم أو آباؤنا ساكن معا فالواو للعطف نحو:
{(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جََاءَكُمْ} [4]).
قال الشيخ ومعنى كيف بللا أى على تبليله وقلته، أى لم يقرأ به سوى ابن عامر وقالون.
997 [وفى ينزفون الزّاى فاكسر (ش) ذا وقل
فى الأخرى (ث) وى واضمم يزفّون (ف) اكملا]
هو بكسر الزاى من أنزف إذا سكر وذهب عقله، كما قال «لعمرى لئن أنزفتم أو صحوتم» أو من أنزف إذا نفد شرابه، وبفتح الزاى بنى الفعل لما لم يسم فاعله، وليس هو الفعل المذكور فإنه لازم، ولكن يقال نزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر، وعنى بالأخرى التى فى الواقعة، ثم قال واضمم يزفون يعنى ضم الياء لحمزة وافتحها لغيره، ولا خلاف فى كسر الزاى، والخلاف الذى مضى فى ينزفون فى الزاى فتحا وكسرا، ولا خلاف فى ضم الياء، أراد فأقبلوا إليه يزفون ومعناه بفتح الياء يسرعون من زفّ الظليم والبعير يزف زفيفا، ويزفون بالضم يصيرون إلى الزفيف، أو من أزف غيره إذا حمله على الزفيف، والألف فى قوله فأكملا كالألف السابقة فى فحصلا كلاهما بدل من نون التأكيد الخفيفة، وقد سبق مثله مرارا.
998 [وماذا ترى بالضّمّ والكسر (ش) ائع
وإلياس حذف الهمز بالخلف (م) ثّلا]
أى قرأ حمزة والكسائى بضم التاء وكسر الراء من غير لفظ إمالة على وزن رمى ودعى لفظا، ومعناه ماذا تظهر من الإذعان والانقياد لأمر الله تعالى، وقراءة الباقين بفتح التاء والراء، وهو من الرأى، اختبروا رأيه فى ذلك فوجده كما يحب صلّى الله عليه وسلم، وأمال الراء أبو عمرو على أصله وورش بين اللفظين، وإلياس سريانى تكلمت به العرب على وجوه، كما فعلوا فى جبريل وميكال، فقالوا إلياسين كجبرائيل، وإلياس كإسحاق، ووصلوا همزته كأنه فى الأصل ياس، دخلته آلة التعريف، وموضع هذا الخلاف وإن إلياس وصل همزته ابن ذكوان وقطعها غيره.
__________
(1) سورة التوبة، آية: 79.
(2) سورة البقرة، آية:
(3) سورة الأعراف، آية: 98.
(4) سورة الأعراف، آية: 63و 69.(2/665)
999 [وغير (صحاب) رفعه الله ربّكم
وربّ وإلياسين بالكسر وصّلا]
الهاء فى رفعه لغير صحاب أى مرفوعه، أى الذى رفعه غير صحاب، هو قوله الله ربكم ورب جعلوه مبتدأ وخبرا، ولو قال برفع الله ربكم لحصل الغرض وكان أبين لفظا، ونصب الثلاث صحاب جعلوا ذلك بدلا من أحسن الخالقين أو عطف بيان وأما سلام على إلياسين فكسر همزتها وقصرها وأسكن كسر لامها من ذكره فى قوله:
1000 [مع القصر مع إسكان كسر (د) نا (غ) نى
وإنّى وذو الثّنيا وأنّى اجملا]
عنى بالقصر حذف المدّ بين الهمزة المفتوحة واللام المكسورة، فقرأ مدلول قوله: دنا، غنا، على ما لفظ به فى البيت السابق، وغنا فى موضع نصب على التمييز، أو الحال أى دنا غناه، أو ذا غناء، لأن هذه القراءة استغنت بوضوحها عن تأويل القراءة الأخرى، لأن هذه لغة فى اسم إلياس على ما سبق، وقرأه نافع وابن عامر آل ياسين كما جاء آل عمران وكتبت كذا مفصولة فى المصحف كأن اسمه يس على وزن ميكال، فيكون اسمه جاء فى القرآن بأربع لغات وكذا سبق فى قراءة اسم جبريل، وهى إلياس بقطع الهمزة ووصلها، وياسين وإلياسين، وتكون القراءتان قد تضمنتا التسليم عليه وعلى آله، وقيل: أريد بآله نفسه، وقيل سلم عليهم من أجله تنبيها على استحقاقهم لذلك لعدم شهرتهم بخلاف آل باقى الأنبياء المسلم عليهم فى هذه السورة، وقيل: المراد بالقراءتين آله، وإلياسين جمع، فهو من باب قول الراجز:
قدنى من نصر الخُبَيبين قدي
وردّ هذا بأنه لو أريد لكان الوجه تعريفه، فيقال الإلياسين كقوله الخُبَيبين، وقرئ على إلياسين بوصل الهمزة، فهذا يمكن فيه ذلك، لأن فيه آلة التعريف، وقيل ياسين اسم أبى إلياس، أضيف الآل إليه فدخل إلياس فيهم، ثم ذكر ياءات الإضافة فى هذه السورة، وهى ثلاث: إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فتحهما الحرميان وأبو عمرو ستجدنى إن شاء الله فتحهما نافع وحده، وهى المراد بقوله وذو الثنيا، وقد سبق معنى ذلك فى آخر سورة القصص، وفيها زائدة واحدة لتردين أثبتها ورش وحده فى الوصل، وقد سبق نظمها مع زائدة ولا ينقذون فى آخر سورة يس (1)، والألف فى قوله أجملا للإطلاق لا للتثنية، لأن المذكور ثلاث ياءات نبهت على المذكور على وجه الإجمال دون التفصيل، كما قال فى باب ياءات الإضافة أحكيه مجملا، ويجوز أن تكون الألف للتثنية، ويكون الضمير لأنى وإنى، فهما المجملان بين ألفاظ السورة، أما ستجدنى فلا، فإنها بقوله وذو الثنيا متميزة، فكأنها مذكورة بعينها.
__________
(1) آية: 23.(2/666)
سورة ص
1001 [وضمّ فواق (ش) اع خالصة أضف
له (ا) لرّحب وحّد عبدنا قبل (د) خللا]
فواق بضم الفاء وفتحها لغتان، وقيل الفتح بمعنى الإفاقة والضم ما بين شخب الحلبتين، أى ما لها من رجوع، أو ما يمهلهم ولا مقدار فواق وخالصة ذكرى الدار بالإضافة أى بما خلص من ذكراها، أى لا يخلطون ذكر الآخرة بالدنيا، وتقدير قراءة التنوين يخلصه خالصة، ثم بينها فقال هى ذكرى الدار وقوله: وحدّ عبدنا قبل، أى الذى قبل خالصة احترازا من توحيد غيره، فإنه مجمع عليه، وعبادنا بالجمع ظاهر لأن بعده إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ووجه الإفراد تمييز إبراهيم عليه السّلام على ولده بتشريفه بوصفه بالعبودية، كما ميز بالخلة، وعطف عليه ما بعده، ولهذا قال: دخللا، أى هو خاص دخللا لإبراهيم، ودخيل الرجل ودخلله الذى يداخله فى أموره ويختص به، ويجوز أن يكون المراد به أنه مداخل لما قبله فى الإفراد، وهو قوله تعالى:
{وَاذْكُرْ عَبْدَنََا أَيُّوبَ} {نِعْمَ الْعَبْدُ}، وقبل ذلك: {وَاذْكُرْ عَبْدَنََا دََاوُدَ} فصرح لهؤلاء بوصف العبودية لفظا، وهى مرادة للكل تقديرا، لأنهم جميعهم من الطبقة العليا المصطفين من الخلق.
فإن قلت مفهوم قوله: أضف أن قراءة الباقين بترك الإضافة، وترك الإضافة تارة يكون لأجل التنوين، وتارة لأجل الألف واللام، فمن أين تعين التنوين لقراءة الباقين؟
قلت: من وجهين، أحدهما أنه لفظ بها منوّنة فى نظمه، فكأنه قال: أضف هذا اللفظ، فضده لا تضف هذا اللفظ، والثانى أن الألف واللام زيادة على رسم الكلمة، فلا يذهب وهم إليها:
1002 [وفى يوعدون (د) م (ح) لا وبقاف (د) م
وثقّل غسّاقا معا (ش) ائد (ع) لا]
يريد {هََذََا مََا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسََابِ} وجه الغيب أن قبله وعندهم والخطاب للمؤمنين، وفى ق:
{(هََذََا مََا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوََّابٍ حَفِيظٍ} [1]).
لم يقرأه بالغيب إلا ابن كثير وحده، لأن قبله:
{(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [2]).
وقوله دم حلا، أى ذا حلا أو دامت حلاك، نحو: طب نفسا، فهو حال أو تمييز، والجملة دعا له بذلك، والغساق بتخفيف السين وتشديدها واحد، وهو ما يسيل من صديد أهل النار: أعاذنا الله بكرمه منها، وقوله شائد علا: فاعل ثقل، أى قارئ هذه صفته شاد العلا فيما حصل من العلم والمعرفة، وقوله: معا يعنى هنا هذا فليذوقوه حميم وغساق وفى سورة النبأ:
{(إِلََّا حَمِيماً وَغَسََّاقاً} [3]).
__________
(1) آية: 32.
(2) آية: 31.
(3) آية: 35.(2/667)
1003 [وآخر للبصرى بضمّ وقصره
ووصل اتّخذناهم (ح) لا (ش) رعه ولا]
يريد {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ} أى وعذاب آخر، وقرأه أبو عمرو، وأخر بضم الهمزة ولا مدّ بعدها، فصار على وزن كبر جمع أخرى، أى وعقوبات أخر، وقوله بعد ذلك: أزواج، خبر وأخر على القراءتين، وجاز أن يكون لفظ المبتدإ واحدا والخبر جمعا، لأن العذاب يشتمل على ضروب، كما تقول عذاب فلان أنواع شتى، وقرئ اتخذناهم سخريا بوصل الهمزة. فتذهب فى الدرج وتكسر إذا ابتدئ بها، وقرئت بالقطع فتفتح مطلقا:
فإن قلت: من أين علم أن همزة القطع هنا مفتوحة؟.
قلت: من جهة أنها همزة فى أوّل فعل ماض، فلا تكون إذا كانت للقطع إلا مفتوحة، لأنها همزة استفهام هنا، وتقع فى غير الاستفهام فى نحو أكرم، لا تخرج همزة الفعل الماضى المقطوعة عن ذلك،: واتخذناهم بالوصل جملة صفة واقعة لرجالا بعد صفة، وبالقطع على أنه استفهام إنكار على أنفسهم، وأم بعد الاستفهام متصلة، وبعد الحبر منقطعة، وولا بالكسر حال، أى ذا ولاء أى متابعة، أو يكون مفعولا من أجله، أى حلا شرعه من أجل ما لزمه من المتابعة، ويجوز أن يكون تمييزا، أى حلت متابعة شرعه.
1004 [وفالحقّ (ف) ى (ن) صر وخذ ياء لى معا
وإنّى وبعدى مسّنى لعنتى إلى]
أى فالحق أنا، أو فالحق منى، والنصب على الأخرى أى فالتزموا الحق، أو على حذف حرفى القسم، نحو والله لأفعلن، ولا خلاف فى نصب: والحق أقول، وفيها ست ياءات إضافة: ولي نعجة ما كان لى من ثم فتحهما حفص، وحيث إنى أحببت وفتحها، وكان أبو عمر وجدتان وأبو عمر: لأحد من بعدى إناءة فتحها نافع وأبو عمرو: مسنى الضر، سكنها حمزة وحده لعنتى إلى يوم الدين وفتحها نافع وحده.(2/668)
1004 [وفالحقّ (ف) ى (ن) صر وخذ ياء لى معا
وإنّى وبعدى مسّنى لعنتى إلى]
أى فالحق أنا، أو فالحق منى، والنصب على الأخرى أى فالتزموا الحق، أو على حذف حرفى القسم، نحو والله لأفعلن، ولا خلاف فى نصب: والحق أقول، وفيها ست ياءات إضافة: ولي نعجة ما كان لى من ثم فتحهما حفص، وحيث إنى أحببت وفتحها، وكان أبو عمر وجدتان وأبو عمر: لأحد من بعدى إناءة فتحها نافع وأبو عمرو: مسنى الضر، سكنها حمزة وحده لعنتى إلى يوم الدين وفتحها نافع وحده.
سورة الزمر
1005 [أمن خفّ (حرمىّ ف) شا مدّ سالما
مع الكسر (حقّ) عبده اجمع (ش) مردلا]
يريد {أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ} من خفف جعل الهمزة للنداء أو الاستفهام والخبر محذوف أى كغيره كقوله تعالى {أَفَمَنْ شَرَحَ اللََّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلََامِ} فهى أم دخلت على من فأدغمت الميم فى مثلها والمعادل لأن محذوف تقديره الكافر المتخذ من دون الله أندادا خير أم من هو قانت، ومثلها {أَتَّخَذْنََاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زََاغَتْ} على قراءة الوصل معناه مفقودون هم أم زاغت الأبصار عنهم، ونحوه ما لى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين أى أحاضر هو أم غائب، ويجوز أن تكون أم منقطعة فى جميع ذلك وتقدير موضعها بل، وهمزة الاستفهام فيتحد تقدير المحذوف فى القراءتين هنا وهو الخبر، وعلى التقدير الأوّل يكون المحذوف هو المبتدأ، ونظيره قوله تعالى فى سورة محمد صلّى الله عليه وسلم كمن هو خالد فى النار أى أهؤلاء كمن هو خالد فى النار، ومن الاتفاق العجيب أنه لو جمع بين اللفظين فى السورتين لانتظم مضى ما قدر فى كل واحد منهما، وهو أمن هو قانت كمن هو خالد، وقول الناظم أمن مبتدأ خبره حرمى فشا، وخف فى موضع الحال من أمن أى أمن لفظ حرمى فشا خفيفا، ثم استأنف جملة أخرى فعلية أو اسمية، فقوله مد إما فعل ماض فاعله حق، وإما مبتدأ خبره حق أراد، ورجلا سلما لرجل فقوله سلما مصدر سلم ذا سلامة، يقال سلم سلما وسلما وسلامة، ومن قرأ بالمدّ وكسر اللام فظاهر، وأ ليس الله بكاف عبده الإفراد للجنس، ووجه الجمع ظاهر، وشمردلا: أى خفيفا، وهو حال من الفاعل أو المفعول.
1006 [وقل كاشفات ممسكات منوّنا
ورحمته مع ضرّه النّصب (حمّلا]
يريد {كََاشِفََاتُ ضُرِّهِ} وممسكات رحمته قراءة أبى عمرو على الأصل بالتنوين ونصب ضره ورحمته لأنهما مفعولا كاشفات ممسكات، وقراءة الباقين على الإضافة فهما مثل زيد ضارب عمرا، وضارب عمرو، وفى قوله حملا ضمير تثنية، وهو الألف يرجع إلى رحمته وضره، والنصب مفعول ثان لحملا أى حملا النصب، ومنوّنا حال من فاعل قال.
1007 [وضمّ قضى واكسر وحرّك وبعد رف
ع (ش) اف مفازات اجمعوا (ش) اع (ص) ندلا]
أى ضم القاف واكسر الضاد وافتح الياء وارفع ما بعد ذلك، وهو الموت، لأنه مفعول قضى المبنى لما لم يسم فاعله، وقراءة الباقين على بناء الفعل للفاعل، والموت مفعول به منصوب، وقوله: رفع شاف أى رفع قارئ شاف، وأما بمفازاتهم فالجمع والأفراد فيه ظاهران مثل مكاناتكم ومكانتكم، وصندلا حال أو تمييز، أى ذا صندل، أو شاع صندله أى طيبه.
1008 [وزد تأمرونى النّون (ك) هفا و (عمّ) خف
فه فتّحت خفّف وفى النّبإ العلا]
يريد {أَفَغَيْرَ اللََّهِ تَأْمُرُونِّي} قرأه بنونين ابن عامر على الأصل، وهما نون رفع الفعل ونون الوقاية، وحذف نون الوقاية نافع وحده، وأدغم الباقون نون الرفع فى نون الوقاية، ولما أظهر ابن عامر النون زال الإدغام فزال التشديد فى قراءته، فلهذا ذكره مع نافع فى تخفيف النون، ولو لم يقل ذلك لزيدت نون مع بقاء الأخرى على تشديدها، وأما فتحت أبوابها فى الموضعين فخفف الكوفيون تاءه وشددها غيرهم، وكذا فى سورة النبأ.(2/669)
1007 [وضمّ قضى واكسر وحرّك وبعد رف
ع (ش) اف مفازات اجمعوا (ش) اع (ص) ندلا]
أى ضم القاف واكسر الضاد وافتح الياء وارفع ما بعد ذلك، وهو الموت، لأنه مفعول قضى المبنى لما لم يسم فاعله، وقراءة الباقين على بناء الفعل للفاعل، والموت مفعول به منصوب، وقوله: رفع شاف أى رفع قارئ شاف، وأما بمفازاتهم فالجمع والأفراد فيه ظاهران مثل مكاناتكم ومكانتكم، وصندلا حال أو تمييز، أى ذا صندل، أو شاع صندله أى طيبه.
1008 [وزد تأمرونى النّون (ك) هفا و (عمّ) خف
فه فتّحت خفّف وفى النّبإ العلا]
يريد {أَفَغَيْرَ اللََّهِ تَأْمُرُونِّي} قرأه بنونين ابن عامر على الأصل، وهما نون رفع الفعل ونون الوقاية، وحذف نون الوقاية نافع وحده، وأدغم الباقون نون الرفع فى نون الوقاية، ولما أظهر ابن عامر النون زال الإدغام فزال التشديد فى قراءته، فلهذا ذكره مع نافع فى تخفيف النون، ولو لم يقل ذلك لزيدت نون مع بقاء الأخرى على تشديدها، وأما فتحت أبوابها فى الموضعين فخفف الكوفيون تاءه وشددها غيرهم، وكذا فى سورة النبأ.
{(وَفُتِحَتِ السَّمََاءُ)}.
وقد سبق فى الأنعام والأعراف نظير ذلك، والعلا نعت لسورة النبأ، وليس برمز، لأنه قد صرح بصاحب هذه القراءة فى البيت الآتى، وهو:
1009 [لكوف وخذ يا تأمرونى أرادنى
وإنّى معا مع يا عبادى فحصّلا]
محصلا حال من فاعل خذ ياء هذه الكلمات محصلا لها، فهى التى اختلف فى إسكانها وفتحها، أراد تأمرونى أعبد فتحها الحرميان أرادنى الله بضر أسكنها حمزة وحده، ولا خلاف فى إسكان أو أرادنى برحمة وقوله: وإنى معا، أراد إنى أمرت فتحها نافع وحده إنى أخاف إن عصبت فتحها الحرميان وأبو عمرو يا عبادى الذين أسرفوا أسكنها أبو عمرو وحمزة والكسائى، وفيها زائدة واحدة فبشر عبادى الذين يستمعون القول أثبتها السوسى وقفا ووصلا، وفتحها فى الوصل، هذا على رأى صاحب القصيدة، وأما صاحب التيسير فعدها فى ياءات الإضافة، فلهذا قال الناظم: مع يا عبادى، فزاد حرف الندا، وهو يا: ليميز بينهما وقلت فى ذلك:
فبشر عبادى زائد فى نظومنا ... مضاف لذى التيسير، والكل قد جلا
أى ولكل قول من ذلك وجه صحيح.(2/670)
فبشر عبادى زائد فى نظومنا ... مضاف لذى التيسير، والكل قد جلا
أى ولكل قول من ذلك وجه صحيح.
سورة غافر
1010 [ويدعون خاطب (إ) ذ (ل) وى هاء منهم
بكاف (ك) فى زد الهمز (ث) مّلا]
أراد والذين تدعون من دونه الخلاف فيه فى الغيب، والخطاب ظاهر، وقوله إذ لوى، أى أعرض لأنه عدل إلى الخطاب فأعرض عن إجراء الكلام على الغائبين فى قوله ما للظالمين من حميم ولا شفيع وأما أشد منهم قوّة فكتب فى مصاحف الشام موضع منهم بالهاء منكم بالكاف، فكل قرأ بما فى مصحفه، والكلام فيه كما فى يدعون لأنه خطاب وغيب، وأما إنى أخاف أن يبدل دينكم وأن فقراءة الجماعة بواو العطف، وزاد الكوفيون قبل الواو همزة، وأسكنوا الواو فصارت أو أن، بحرف أو، وهو للعطف أيضا، إلا أنه للترديد بين أمرين، والواو للجمع بينهما، وكذلك هى فى مصاحف الكوفة بزيادة همزة، وكل واحد من الأمرين مخوف عنده، فوجه الجمع ظاهر ووجه الترديد أن كل واحد منهما كان فى التحذير، فكيف إذا اجتمعا، وقوله ثملا هو جمع ثامل وهو المصلح والمقيم، وقد سبق شرحه فى المائدة، ونصبه هنا على أنه ثانى مفعولى زد، كما تقول زد الدراهم قوما صالحين، ويجوز أن يكون حالا من الهمزة، على تقدير ذا ثمل، أى جماعة مصلحين للمعنى مقيمين على القراءة به، ويجوز أن يكون حالا من فاعل زد، لأنه لم يرد به واحدا وإنما هو خطاب لكل قارئ، فهو كما تقدم فى الفرقان وخاطب يستطيعون عملا، والله أعلم.
1011 [وسكّن لهم واضمم بيظهر واكسرن
ورفع الفساد انصب (إ) لى (ع) اقل (ح) لا]
أى سكن الواو للكوفيين كما تقدم، ثم تكلم فى خلاف كلمة يظهر، فقال: ضم تاء واكسر هاءه فيصير يظهر من أظهر، فهو فعل متعد، فلزم نصب الفساد لأنه مفعوله وفاعله ضمير يرجع إلى موسى عليه السّلام، وقراءة الباقين بفتح الياء والهاء ورفع الفساد على أنه فاعل يظهر، فقوله: واضمم بيظهر أى بهذا اللفظ، والنون فى واكسرن للتأكيد، وإلى عاقل متعلق بحال محذوف، أى وانصب رفع الفساد مضيفا ما ذكرت إلى قارئ عاقل حلا:
1012 [فأطّلع ارفع غير حفص وقلب نو
ونوا (م) ن (ح) ميد ادخلوا (نفر ص) لا]
فاطلع بالرفع عطف على أبلغ وبالنصب لأنه فى جواب الترجى، ونظيره ما يأتى فى سورة عبس، وأما على كل قلب متكبر فمن نون قلب فمتكبر صفة له، لأنه محل الكبر، ومن أضاف كان متكبر صفة للجملة، والتقدير على قلب لمتكبر، وقدر أبو على على كل قلب كل متكبر، فحذفت كل الثانية، وقدر الزمخشرى على قراءة التنوين: على كل ذى قلب، ولا حاجة إلى شيء من ذلك، فالمعنى فى القراءتين أوضح من أن تحتاج إلى حذف، وإنما قدر أبو على «كل» الثانية لتقيد العموم فى أصحاب القلوب، لأنه ظن أن ظاهر
الآية لا تفيد إلا الطبع على جملة القلب، وجوابه أن عموم «كل» المضاف إلى «القلب» للقلوب وأصحابها، لأنه شامل لقلوب المتكبرين، فاسترسل العموم على الكلمتين، لأن المضاف إلى المضاف إلى كل كالمضاف إليها نفسها، والدليل عليه أن ما من قلب لمتكبر إلا وهو داخل فى هذا اللفظ، وذلك هو المقصود، فلا فرق بين أن تقول كل قلب متكبر، أو قلب كل متكبر، وروى أن ابن مسعود قرأها كذلك، فهو شاهد لقراءة الإضافة، قال أبو عبيد معنى على قلب متكبر، وعلى قلب كل متكبر يرجعان إلى معنى واحد، وقال الفراء المعنى فى تقدم القلب وتأخره واحد، سمعت بعض العرب يقول: يرجّل شعره يوم كل جمعة يريد كل جمعة، والمعنى واحد، وقوله غير حفص يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون على حذف حرف النداء، أى يا غير حفص، كأنه نادى القارئين لذلك، والثانى أن يكون حالا أى غير قارئ لحفص أى إذا قرأت لغيره فارفع، وقوله من حميد أى هو تنزيل من حميد، يعنى الله تعالى، كما قال تنزيل من حكيم حميد ويجوز أن يقدر آخذين للتنوين من قارئ حميد، أى محمود الطريقة فى الثقة والعلم، ثم قال: ادخلوا أى ادخلوا آل فرعون نفر صلا، أى ذو صلا، يريد الذكاء، على ما سبق تفسيره فى سورة الأنعام وغيرها، وهو خبرا ادخلوا، ثم ذكر ما يفعل فيه هؤلاء، فقال:(2/671)
1012 [فأطّلع ارفع غير حفص وقلب نو
ونوا (م) ن (ح) ميد ادخلوا (نفر ص) لا]
فاطلع بالرفع عطف على أبلغ وبالنصب لأنه فى جواب الترجى، ونظيره ما يأتى فى سورة عبس، وأما على كل قلب متكبر فمن نون قلب فمتكبر صفة له، لأنه محل الكبر، ومن أضاف كان متكبر صفة للجملة، والتقدير على قلب لمتكبر، وقدر أبو على على كل قلب كل متكبر، فحذفت كل الثانية، وقدر الزمخشرى على قراءة التنوين: على كل ذى قلب، ولا حاجة إلى شيء من ذلك، فالمعنى فى القراءتين أوضح من أن تحتاج إلى حذف، وإنما قدر أبو على «كل» الثانية لتقيد العموم فى أصحاب القلوب، لأنه ظن أن ظاهر
الآية لا تفيد إلا الطبع على جملة القلب، وجوابه أن عموم «كل» المضاف إلى «القلب» للقلوب وأصحابها، لأنه شامل لقلوب المتكبرين، فاسترسل العموم على الكلمتين، لأن المضاف إلى المضاف إلى كل كالمضاف إليها نفسها، والدليل عليه أن ما من قلب لمتكبر إلا وهو داخل فى هذا اللفظ، وذلك هو المقصود، فلا فرق بين أن تقول كل قلب متكبر، أو قلب كل متكبر، وروى أن ابن مسعود قرأها كذلك، فهو شاهد لقراءة الإضافة، قال أبو عبيد معنى على قلب متكبر، وعلى قلب كل متكبر يرجعان إلى معنى واحد، وقال الفراء المعنى فى تقدم القلب وتأخره واحد، سمعت بعض العرب يقول: يرجّل شعره يوم كل جمعة يريد كل جمعة، والمعنى واحد، وقوله غير حفص يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون على حذف حرف النداء، أى يا غير حفص، كأنه نادى القارئين لذلك، والثانى أن يكون حالا أى غير قارئ لحفص أى إذا قرأت لغيره فارفع، وقوله من حميد أى هو تنزيل من حميد، يعنى الله تعالى، كما قال تنزيل من حكيم حميد ويجوز أن يقدر آخذين للتنوين من قارئ حميد، أى محمود الطريقة فى الثقة والعلم، ثم قال: ادخلوا أى ادخلوا آل فرعون نفر صلا، أى ذو صلا، يريد الذكاء، على ما سبق تفسيره فى سورة الأنعام وغيرها، وهو خبرا ادخلوا، ثم ذكر ما يفعل فيه هؤلاء، فقال:
1013 [على الوصل واضمم كسره يتذكّرو
ن (كهف (سما) واحفظ مضافاتها العلا]
أى على وصل همزة، وضم خاءه المكسورة فيكون فعل أمر من دخل، وقرأ الباقون بقطع الهمزة وفتحها على ما سبق فى نظائره، وبكسر الخاء فيكون فعل أمر من دخل، فعلى الأول هو أمر لهم أى ادخلوا يا آل فرعون، وعلى الثانى هو أمر للملائكة، وآل فرعون مفعول به، والغيب والخطاب فى قليلا ما يتذكرون ظاهران ثم ذكر الياءات، 1014 [ذرونى وادعونى وإنّى ثلاثة
لعلّى وفى مالى وأمرى مع إلى]
يريد {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ََ} {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} فتحهما ابن كثير وحده {إِنِّي أَخََافُ} ثلاثة مواضع واحد من قول فرعون {إِنِّي أَخََافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} واثنان من قول مؤمن آل فرعون {إِنِّي أَخََافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزََابِ} {إِنِّي أَخََافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنََادِ} فتحهن الحرميان وأبو عمرو {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبََابَ} فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر {مََا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجََاةِ} كذلك إلا ابن ذكوان وأفوّض أمرى إلى الله فتحها نافع وأبو عمرو، وهذا معنى قوله «مع إلى» وموضع هذه الكلمات رفع أى، هى ذرونى وكذا وكذا، أو نصب على البدل من مضافاتها فى البيت السابق، وقوله: وإنى ثلاثة ينبغى أن يكون ثلاثة منصوبا على الحال، وهو كما سبق تقريره فى سورة القصص، وأنث العدد هناك وذكّره هنا باعتبار الكلمات والألفاظ، وقوله لعلى على حذف حرف العطف وفى مالى، أى وياء الإضافة فى مالى أيضا، وهو عطف على المعنى لأن ما تقدم فيه كذلك ياءات الإضافة، فهو قريب من قوله تعالى:
{(إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ} [1]).(2/672)
1013 [على الوصل واضمم كسره يتذكّرو
ن (كهف (سما) واحفظ مضافاتها العلا]
أى على وصل همزة، وضم خاءه المكسورة فيكون فعل أمر من دخل، وقرأ الباقون بقطع الهمزة وفتحها على ما سبق فى نظائره، وبكسر الخاء فيكون فعل أمر من دخل، فعلى الأول هو أمر لهم أى ادخلوا يا آل فرعون، وعلى الثانى هو أمر للملائكة، وآل فرعون مفعول به، والغيب والخطاب فى قليلا ما يتذكرون ظاهران ثم ذكر الياءات، 1014 [ذرونى وادعونى وإنّى ثلاثة
لعلّى وفى مالى وأمرى مع إلى]
يريد {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ََ} {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ} فتحهما ابن كثير وحده {إِنِّي أَخََافُ} ثلاثة مواضع واحد من قول فرعون {إِنِّي أَخََافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} واثنان من قول مؤمن آل فرعون {إِنِّي أَخََافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزََابِ} {إِنِّي أَخََافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنََادِ} فتحهن الحرميان وأبو عمرو {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبََابَ} فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر {مََا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجََاةِ} كذلك إلا ابن ذكوان وأفوّض أمرى إلى الله فتحها نافع وأبو عمرو، وهذا معنى قوله «مع إلى» وموضع هذه الكلمات رفع أى، هى ذرونى وكذا وكذا، أو نصب على البدل من مضافاتها فى البيت السابق، وقوله: وإنى ثلاثة ينبغى أن يكون ثلاثة منصوبا على الحال، وهو كما سبق تقريره فى سورة القصص، وأنث العدد هناك وذكّره هنا باعتبار الكلمات والألفاظ، وقوله لعلى على حذف حرف العطف وفى مالى، أى وياء الإضافة فى مالى أيضا، وهو عطف على المعنى لأن ما تقدم فيه كذلك ياءات الإضافة، فهو قريب من قوله تعالى:
{(إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ} [1]).
إلى أن قال وفى الرقاب، أى وتدفع أيضا فى فك الرقاب وفى الإنفاق فى سبيل الله تعالى، وموضع قوله «مع إلى» نصب على الحال، أى مصاحبا للفظ إلى، والله أعلم.
وفيها ثلاث زوائد «يوم التلاق يوم التناد» أثبتهما نافع فى الوصل، وابن كثير فى الحالين «اتبعونى أهدكم» أثبتها فى الوصل أبو عمرو وقالون وفى الحالين ابن كثير، وقلت فى ذلك:
يا اتبعونى أهدكم والتلاق والت ... ناد ثلاث فى الزوائد تجتلا
__________
(1) سورة التوبة، آية: 60.(2/673)
سورة فصلت
1015 [وإسكان نحسات به كسره (ذ) كا
وقول مميل السّين للّيث أخملا]
النحس بالاسكان مصدر نحس نحسا نقيض سعد سعدا، واسم الفاعل نحس بكسر الحاء والقراءة بالكسرة ظاهرة، لأنها نعت لأيام، وأما القراءة بالإسكان فإما مخففة منه أو صفة على فعل نحو صعب وسهل، أو وصف بالمصدر نحو عدل وقوله سبحانه فى يوم نحس لا دلالة فيه على قراءة الإسكان لأنه مضاف الى المصدر قال أبو على: قال المفسرون فى نحسات قولين: أحدهما الشديدات البرد، والآخر أنها المشئومات عليهم، فتقدير قوله فى يوم نحس مستمر فى يوم شؤم، قال صاحب التيسير، وروى للفارسى عن أبى طاهر عن أصحابه عن أبى الحارث إمالة فتحة السين، قال ولم أقرأ بذلك، وأحسبه وهما، فهذا معنى قول الناظم: أخمل، أى ترك قول من نقل ذلك عن الليث، وهو أبو الحارث راوى الكسائى، وإنما أضاف الإمالة إلى السين، وهى للألف فى التحقيق أميلت للكسرة بعدها لما تقدم من أنه يلزم من إمالة كل ألف إمالة الآخر، إذ يلزم فى إمالة الفتحة إمالة فتحة الحرف الذى قبلها، وإذا كان كذلك فيجوز الاقتصار على ذكر أحدهما لدلالته على الألف، وقد ذكرنا فى شرح قوله وراء تراء فاز، وفى إمالة رأى فى سورة الأنعام:
1016 [ونحشر ياء ضمّ مع فتح ضمّه
وأعداء (خ) ذ والجمع (عمّ ع) قنقلا]
أى ذو ياء، وأعداء بالرفع، لأنه مفعول ما لم يسم فاعله، وهو يحشر بضم الياء وفتح الشين وأما نافع وحده فقرأ بفتح النون وضم الشين أى نحشر نحن أعداء الله بالنصب لأنه مفعول به، وأما وما تخرج من ثمرات من أكمامها فقرئ بالإفراد وبالجمع، ووجههما ظاهر، قال الجوهرى: العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل، وقال غيره فى قول امرئ القيسى.
بنا بطن غبت ذى حقاف ... ويروى بطن حقف ذى قفاف عقنقل.
أى رمل منعقد داخل بعضه، بعض، وقال ابن سيدة العقنقل من الأودية ما عظم واتسع، ونصبه الناظم على الحال أى عم الجميع مشبها عقنقلا فى الكثرة والاجتماع والعظمة والسعة بخلاف الأفراد، ثم ذكر الكلمة المختلف فى جمعها فقال:
1017 [لدى ثمرات ثمّ يا شركائى ال
مضاف ويا ربّى به الخلف (ب) جّلا]
أى المضاف فى هذه السورة من الياءات يا شركائى ويا ربى، فقصر لفظ «يا» فى الموضعين ضرورة أراد أين شركائى قالوا فتحها ابن كثير وحده ولئن رجعت إلى ربى فتحها نافع وأبو عمرو، ثم قال به أى بيا ربى الخلف عن قالون فى فتحه، وهذا لم يذكر فى ياءات الإضافة، لأن صاحب التيسير ذكره هنا، وقال فى غير التيسير بالوجهين أقرأنيها فارس بن أحمد:(2/674)
1017 [لدى ثمرات ثمّ يا شركائى ال
مضاف ويا ربّى به الخلف (ب) جّلا]
أى المضاف فى هذه السورة من الياءات يا شركائى ويا ربى، فقصر لفظ «يا» فى الموضعين ضرورة أراد أين شركائى قالوا فتحها ابن كثير وحده ولئن رجعت إلى ربى فتحها نافع وأبو عمرو، ثم قال به أى بيا ربى الخلف عن قالون فى فتحه، وهذا لم يذكر فى ياءات الإضافة، لأن صاحب التيسير ذكره هنا، وقال فى غير التيسير بالوجهين أقرأنيها فارس بن أحمد:
سورة الشورى والزخرف والدخان
1018 [ويوحى بفتح الحاء (د) ان ويفعلو
ن غير (صحاب) يعلم ارفع (ك) ما (ا) عتلا]
يريد كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله ومن فتح الحاء بنى الفعل لما لم يسم فاعله، ورفع اسم الله تعالى على الابتداء أو بفعل مضمر، كما تقدم فى {(يُسَبِّحُ لَهُ} {رِجََالٌ)}.
فى سورة النور (1) ومعنى دان: انقاد وأطاع، وقيل: يقال: دان الرجل إذا عز، ويفعلون بالغيب، لأن قبله يقبل التوبة عن عباده وبالخطاب ظاهر، وتقدير النظم وغيب يفعلون قراءة غير صحاب، فحذف المضاف من المبتدا والخبر للعلم بهما.
وأما يعلم المختلف فى رفع ميمه ونصبه فهو ويعلم الذين يجادلون ولا خلاف فى رفع ويعلم ما تفعلون لأنه عطف على يقبل التوبة ويعفو ويعلم وأما المختلف فيه فرفعه على الاستئناف، والذى بعده فاعل أو مفعول، فهذه قراءة ظاهرة، فلهذا قال فيها: كما اعتلا وقراءة النصب مشكلة، أجود ما تحمل عليه ما قاله أبو عبيد، قال وكذلك نقرؤها بالنصب على الصرف: كالتى فى آل عمران.
{(وَلَمََّا يَعْلَمِ اللََّهُ الَّذِينَ جََاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصََّابِرِينَ)}.
قلت: معنى الصرف أن المعنى كان على جهة فصرف إلى غيرها، فتغير الإعراب لأجل الصرف، وتقديره أن يقال: كان العطف يقتضى جزم ويعلم فى الآيتين لو قصد مجرد العطف، وقد قرئ به فيهما شاذا:
لكن قصد معنى آخر فتعين له النصب، وهو معنى الاجتماع، أى يعلم المجاهدين والصابرين معا، أى يقع الأمران مقترنا أحدهما بالآخر، ومجرد العطف لا يتعين له هذا المعنى، بل يحتمله، ويحتمل الافتراق فى الوجود، كقولك جاء زيد وعمرو: يحتمل أنهما جاءا معا ويحتمل تقدم كل منهما على الآخر، وإذا ذكر بلفظ المفعول معه كان وقوع الفعل منهما معا فى حالة واحدة، فكذا النصب فى قوله: ويعلم أفاد الاجتماع فلهذا أجمع على النصب فى آية آل عمران، قال الزمخشرى فيها ويعلم الصابرين نصب بإضمار «أن» والواو بمعنى الجمع، كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن.
قلت: والعبارة عن هذا بالصرف هو تعبير الكوفيين، ومثله لا يسعنى شيء ويضيق عنك، أى لا يجتمع الأمران، ولو رفعت والواو للعطف تغير المعنى، فهذا الجمع معنى مقصود وضع النصب دليلا عليه، فكذا النصب فى ويعلم الذين يجادلون فى آياتنا أى يقع إهلاكهم والعلم معا مقترنين.
واعتراض النحاس على أبى عبيد فى تسويته بين الآيتين وقال ويعلم الصابرين جواب لما فيه النفى، فالأولى به النصب، وهذا وهم ليس هو بجواب للنفى، بل المعنى على ما ذكرناه، ولو كان جوابا لما ساغت قراءة الحسن بالجزم.
__________
(1) آية: 36و 37.(2/675)
وقال الزجاج: النصب على إضمار «أن» لأن قبلها جزاء تقول ما تصنع أصنع مثله وأكرمك، على معنى وأن أكرمك وإن شئت، وأكرمك بالرفع على معنى: وأنا أكرمك، ويجوز وأكرمك جزما.
قلت: النصب فى هذا المثال على ما قررناه من معنى الجمعية أى أصنعه مكرما لك، فالنصب يفيد هذا المعنى نصا والرفع يحتمله، على أن تكون الواو للحال، ويحتمل الاستئناف.
وقال الزمخشرى: ما قاله الزجاج فيه نظر لما أورده سيبويه فى كتابه، قال: واعلم أن النصب بالفاء والواو فى قوله: إن تأتنى آتك وأعطيك، ضعيف وهو نحو من قوله.
وألحق بالحجاز فأستريحا:
فهذا يجوز وليس بحد للكلام ولا وجهه، إلا أنه فى الجزاء صار أقوى قليلا، لأنه ليس بواجب أن يفعل، إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذى لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه، قال: ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة.
قلت النصب بالواو فى هذا المعنى ليس بضعيف، بل هو قوى، بدليل الإجماع على نصب ما فى آل عمران وأما بالفاء فضعيف لأن الفاء لا تفيد ما تفيده الواو من معنى الجمعية، فلهذا كانت قراءة من قرأ فى آخر البقرة يحاسبكم به الله فيغفر بالنصب شاذة، وقد أنشد الأعشى فى بيتين نصب ما عطف بالواو لهذا المعنى:
ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى ... وتدفن منه الصالحات
مع أنه لا ضرورة إلى النصب فالرفع كان ممكنا له فما عدل إلى النصب إلا لإرادة هذا المعنى، وهذا النصب بالواو لهذا المعنى كما يقع فى العطف على جواب الشرط يقع أيضا فى العطف على فعل الشرط، نحو إن تأتنى وتعطينى أكرمك، قال أبو على: فينصب تعطينى وتقديره: إن يكن إتيان منك وإعطاء أكرمك.
قلت: مراده أن يجتمعا مقترنين ولو أراد مجرد وقوع الأمرين معرضا عن صفة الجمعية لكان الجزم يفيد هذا المعنى، فقد اتضحت ولله الحمد قراءة النصب على هذا المعنى من العطف إن يشإ يسكن الريح فتقف السفن أو إن يشأ يعصف الريح فيغرقها وينج قوما بطريق العفو عنهم، ويحذر آخرين بعلمهم ما لهم من محيد:
فإن قلت: كيف يوقف العفو على الشرط، وهذا الكلام خارج مخرج الامتنان، ولهذا قيده بقوله عن كثير، ولو كان معلقا على المشيئة لأطلق العفو عن الكل، نحو ولو شاء الله لجمعهم على الهدى:
قلت: إنما علقة على الشرط ليتبين أنه إنما يفعل ذلك بمشيئته وارادته، لا بالاستحقاق عليه، وأما ويعلم فإن جعلنا الذين بعده فاعلا سهل دخوله فى حيز الشرط، وإن جعلناه مفعولا فالمعنى يعلمه واقعا نحو إلا لنعلم من يتبع الرسول أى نبقيهم على الكفر، ولا يسهل لهم الإيمان حتى يؤتوا ولهذا للإشكال قال ابن القشيرى رحمهما الله فى تفسيره: ويعف معطوف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى، قال وقرئ ويعفو بالرفع.
قلت فيكون مستأنفا ويعلم عطف عليه إن كان مرفوعا ونظيره فى هذه السور فان يشأ الله يختم على قلبك ثم استأنف فقال ويمحو الله الباطل ويحق الحق وبعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم، واستدل بأنه كتب فى المصحف بغير واو، فيكون الاستئناف بقوله ويحق كقوله فى براءة ويتوب الله على من يشاء ويجوز أن تكون قراءة القراء ويعف بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف، وحذف الواو ليس للجزم، بل للتخفيف كما
تحذف الألف والياء لذلك، فالجميع حرف علة، والواو أثقلها فالحذف لها أقيس وأولى، قال الفراء: كل ياء أو واو تسكنان، وما قبل الياء مكسور، وما قبل الواو مضموم، فإن العرب تحذفها وتجتزئ بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء، قال أبو على: حذفت الألف كما حذفت الياء وإن كان حذفهم لها أقل منه فى الياء لاستحقاقهم لها، وذلك فى نحو قولهم: أصاب الناس جهد، ولوتر ما أهل مكة عليه، وقولهم حاش لله، ورهط ابن المعل فحذفها فى الوقف للقافية كما حذفت الياء: وقد حذفوا من لم يك ولا أدر، قلت: وفى القرآن يوم يأتى وما كنا نبغى وإذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى، لأنها أثقل، وليشاكل ما قبله من المجزوم، فهو كما قالوا فى صرف سلاسلا وقواريرا كما يأتى، وكما «رووا رجعن مأزورات غير مأجورات» ولما لم يمكن صورة الجزم فى ميم ويعلم حركت بالحركات الثلاث، وذكر الزمخشرى لقراءة النصب وجها آخر، فقال: هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون، ونحوه فى العطف على التعليل المحذوف غير عزيز فى القرآن، منه قوله تعالى {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنََّاسِ} وقوله {وَخَلَقَ اللََّهُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} ولتجزى كل نفسى بما كسبت قلت: ومثله {وَكَذََلِكَ نُرِي إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ} {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ََ} ولكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو، ولم يذكر فى ويعلم الذين:(2/676)
قلت فيكون مستأنفا ويعلم عطف عليه إن كان مرفوعا ونظيره فى هذه السور فان يشأ الله يختم على قلبك ثم استأنف فقال ويمحو الله الباطل ويحق الحق وبعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم، واستدل بأنه كتب فى المصحف بغير واو، فيكون الاستئناف بقوله ويحق كقوله فى براءة ويتوب الله على من يشاء ويجوز أن تكون قراءة القراء ويعف بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف، وحذف الواو ليس للجزم، بل للتخفيف كما
تحذف الألف والياء لذلك، فالجميع حرف علة، والواو أثقلها فالحذف لها أقيس وأولى، قال الفراء: كل ياء أو واو تسكنان، وما قبل الياء مكسور، وما قبل الواو مضموم، فإن العرب تحذفها وتجتزئ بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء، قال أبو على: حذفت الألف كما حذفت الياء وإن كان حذفهم لها أقل منه فى الياء لاستحقاقهم لها، وذلك فى نحو قولهم: أصاب الناس جهد، ولوتر ما أهل مكة عليه، وقولهم حاش لله، ورهط ابن المعل فحذفها فى الوقف للقافية كما حذفت الياء: وقد حذفوا من لم يك ولا أدر، قلت: وفى القرآن يوم يأتى وما كنا نبغى وإذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى، لأنها أثقل، وليشاكل ما قبله من المجزوم، فهو كما قالوا فى صرف سلاسلا وقواريرا كما يأتى، وكما «رووا رجعن مأزورات غير مأجورات» ولما لم يمكن صورة الجزم فى ميم ويعلم حركت بالحركات الثلاث، وذكر الزمخشرى لقراءة النصب وجها آخر، فقال: هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون، ونحوه فى العطف على التعليل المحذوف غير عزيز فى القرآن، منه قوله تعالى {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنََّاسِ} وقوله {وَخَلَقَ اللََّهُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} ولتجزى كل نفسى بما كسبت قلت: ومثله {وَكَذََلِكَ نُرِي إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ} {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ََ} ولكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو، ولم يذكر فى ويعلم الذين:
وقال ابن القشيرى: فى تفسيره فى بعض المصاحف وليعلم باللام، فهذا يقوى قراءة النصب، ويؤيد الوجه الذى ذهب إليه الزمخشرى.
1019 [بما كسبت لا فاء (عمّ) كبير فى
كبائر فيها ثمّ فى النّجم (ش) مللا]
سقطت الفاء من فيما فى المصحف المدنى والشامى، وثبتت فى مصاحف العراق ووجه دخولها تضمين ما فى قوله: وما أصابكم من مصيبة، معنى الشرط، وهى بمعنى الذى، وإذا تضمن الذى معنى الشرط جاز دخول الفاء فى حيزه وجاز حذفها وأما كبائر الإثم بالجمع فظاهر وقراءة الإفراد تقدم لها نظائر، فهو فى اللفظ إفراد يراد به الجمع، لأنه للجنس، واختار أبو عبيد الجمع، فإن الآثار التى تواترت كلها بذكر الكبائر لم نسمع لشيء منها بالتوحيد، ومعنى شملل: أسرع.
1020 [ويرسل فارفع مع فيوحى مسكّنا
(أ) تانا وأن كنتم بكسر (ش) ذا العلا]
أى فارفع الفعلين ألا أن فيوحى لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله مسكنا، وهو حال من فاعل ارفع، أى ارفعه مسكنا له، فهو مثل قوله ناصبا كلماته بكسر، لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر، ورفع «يرسل» على تقدير: أو هو يرسل، والنصب بإضمار «أن» فيكون عطفا على «وحيا» عطف مصدر على مثله من جهة المعنى، وقوله فيوحى عطف على يرسل رفعا ونصبا، وانتهى الخلاف فى حروف عسق وليس فيها من ياءات الإضافة شيء، وإنما فيها زائدة واحدة، وهى ومن آياته الجوار أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وفى الحالين ابن كثير، ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف، وهو
{(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} [1]).(2/677)
1020 [ويرسل فارفع مع فيوحى مسكّنا
(أ) تانا وأن كنتم بكسر (ش) ذا العلا]
أى فارفع الفعلين ألا أن فيوحى لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله مسكنا، وهو حال من فاعل ارفع، أى ارفعه مسكنا له، فهو مثل قوله ناصبا كلماته بكسر، لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر، ورفع «يرسل» على تقدير: أو هو يرسل، والنصب بإضمار «أن» فيكون عطفا على «وحيا» عطف مصدر على مثله من جهة المعنى، وقوله فيوحى عطف على يرسل رفعا ونصبا، وانتهى الخلاف فى حروف عسق وليس فيها من ياءات الإضافة شيء، وإنما فيها زائدة واحدة، وهى ومن آياته الجوار أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وفى الحالين ابن كثير، ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف، وهو
{(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} [1]).
تقرأ أن بالفتح والكسر، فالفتح ظاهر على التعليل، أى لأن كنتم، والكسر على لفظ الشرط، قال الزمخشرى: هو من الشرط الذى يصدر عن المستدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير: إن كنت عملت فوفنى حقى، وهو عالم بذلك، ولكنه يخيل فى كلامه أن تفريطك فى الخروج عن الحق فعل من له شك فى الاستحقاق مع وضوحه، استجهالا له، قال الفراء تقول: أسبك أن حرمتنى، تريد إذ حرمتنى، وتكسر إذا أردت إن تحرمنى، ومثله {(وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ} [2]).
بكسر أن وبفتح ومثله {(فَلَعَلَّكَ بََاخِعٌ نَفْسَكَ عَلى ََ آثََارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} و {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} [3]).
والعرب تنشد قول الفرزدق أتجزع أن أذنا قبيبة جزنا
وأنشدونى أتجزع أن بان الخليط المودع
وفى كل واحد من البيتين ما فى صاحبه من الكسر والفتح، وقول الناظم: وإن «كنتم» مبتدأ، وشذا العلا خبره وبكسر فى موضع الحال من المبتدأ، وإن كان منونا، وإن كان مضافا إلى مثله، فهو الخبر.
1021 [وينشأ فى ضمّ وثقل (صحابه)
عباد برفع الدّال فى عند (غ) لغلا]
أى ضم الياء وشدد الشين، ويلزم من ذلك فتح النون، ومعنى ينشأ بالفتح والتخفيف: يربى وينشأ يربى كلاهما ظاهر، ولفظ بالقراءتين فى عباد الرحمن وعند الرحمن ونص على حركة الدال، لأن اللفظ لا ينبى عنها أى «عباد» مرفوع الدال، يقرأ فى موضع عند، والتعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر، وأما عبارة «عند» فاشار إلى شرف منزلتهم، وقد جاء فى القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين بل عباد مكرمون إن الذين عند ربك لا يستكبرون ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته، وغلغل من قولهم:
تغلغل الماء فى النبات إذا تخلله، وقد غلغلته أنا، والمعنى: أن «عباد» تخلل معناه معنى عند، فكان له كالماء للشجر، لا بدّ للشجر منه، فكذا صفة العبودية لا بدّ منها لكل مخلوق، وإن اتصف باطلاق ما يشعر برفع المنزلة كلفظ «عند» وما أشبهها.
1022 [وسكّن وزد همزا كواو أو شهدوا
(أ) مينا وفيه المدّ بالخلف (ب) لّلا]
__________
(1) آية: 5.
(2) سورة الكهف، آية: 6.
(3) سورة المائدة، آية: 2.(2/678)
أشهدوا مفعول وسكن، يعنى سكن الشين المفتوحة من قوله تعالى {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} وزد بعد همزة الاستفهام همزة مسهلة كالواو، أى همزة مضمومة مسهلة بين بين، كما يقرأ أؤنبئكم فيكون أصله أشهدوا:
أى حضروا، ثم دخلت عليه همزة الاستفهام التى بمعنى الانكار، فهو من معنى قوله تعالى {مََا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، وعن قالون خلاف فى المد بين هاتين الهمزتين، وهو يمد بلا خلاف بين الهمزتين من كلمة مطلقا، ومعنى بلل: قلل، وقراءة الباقين من شهدوا بمعنى حضروا، ثم دخلت على الفعل همزة الإنكار وفى معنى هذه الآية قوله سبحانه فى سورة والصافات منكرا عليهم.
{(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلََائِكَةَ إِنََاثاً وَهُمْ شََاهِدُونَ} [1]).
1023 [وقل قال (ع) ن (ك) فؤ وسقفا بضمّه
وتحريكه بالضّمّ (ذ) كّر (أ) نبلا]
يعنى قل أو لو جئتكم قرأه حفص، وابن عامر قال على الخبر، أى قال النذير، وقراءة الباقين على حكاية ما أمر به النذير، أى قلنا له إذ ذاك: قل لهم هذا الكلام، وتقدير البيت: وقل يقرأ، ثم قال وسقفا بضمه أى بضم السين وتحريك القاف جمعا، قال أبو على: سقف جمع سقف كرهن ورهن، قال: وسقف واحد يدل على الجمع، ألا ترى أنه قد علم بقوله لبيوتهم أن لكل بيت سقفا، قال أبو عبيد: ولم تجد مثال فعل بجمع على فعل غير حرفين، سقف وسقف، ورهن ورهن.
قلت: وأجمعوا على إفراد التى فى النحل:
{(فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [2]).
{(وَجَعَلْنَا السَّمََاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [3]).
وقوله ذكر أنبلا أى نبيلا، أى ذكر هذا اللفظ فى حال نبله، أو ذكر شخصا نبيلا، أى أفهمه أنه أحد الحرفين المجموعين على هذا الوزن.
1024 [و (ح) كم (صح) اب قصر همزة جاءنا
وأسورة سكّن وبالقصر عدّلا]
الحاء من «وحكم» رمز أبى عمرو، وقد سبق استشكاله والتنبيه عليه فى مواضع، يريد {حَتََّى إِذََا جََاءَنََا قََالَ} فقراءة القصر على أن الجائى واحد، وهو الذى عشى عن ذكر الرحمن عزّ وجل، وقراءة المدّ على أن الجائى اثنان، هو وقرينه، وهو القائل لقرينه {يََا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} الآية وأسورة جمع سوار كأخمرة فى جمع خمار، وأساورة جمع الجمع، وأجمع أساور، وهو لغة فى السور، وهو موافق لقوله {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ}
فهو بالهاء وبغير الهاء واحد، والله أعلم.
__________
(1) آية: 150.
(2) آية: 26.
(3) سورة الأنبياء، آية: 32.(2/679)
1025 [وفى سلفا ضمّا (ش) ريف وصاده
يصدّون كسر الضّمّ (ف) ى (ح) قّ (ن) هشلا]
أى ضما قارئ شريف، يريد ضم السنن واللام، قالوا هو جمع سليف كرغف فى جمع رغيف، وبفتح السين واللام جمع سالف كخدم فى جمع خادم، وكلاهما بمعنى واحد، وقال أبو على سلف جمع سلف، مثل أسد وأسد، ووثن ووثن، وسلف اسم من أسماء الجمع، كخدم وطلب وحرس، وكذلك المثل يراد به الجمع، فمن ثم عطف على سلف فى قوله فجعلناهم سلفا ومثلا واختار أبو عبيد قراءة الفتح: وقال، هى التى لا تكاد العامة تعرف غيرها، لأن الآثار التى نقلتها الفقهاء إلينا إنما يقفا فيها كلها السلف كذلك، ذكرهم معاد، ويبدأ، ولم يسمع فى شيء منها السلف، وقوله وصاد يصدون، قال الشيخ: الهاء فى وصاده إضمار على شريطة التفسير، قلت يكون قوله يصدون بدلا من الضمير، كما تقول ضرب زيدا ومررت به زيد، ويجوز أن يكون على التقديم وللتأخير، أى ويصدون صاده، كما قيل نحو ذلك فى قوله تعالى {وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ} على قراءة من رفع يعقوب أن التقدير ويعقوب من وراء إسحاق، وقولة كسر: إما مبتدأ ثان أو بدل اشتمال، والعائد على يصدون محذوف، أى كسر الضم منه، أو كسر ضمه على قيام الألف واللام مقام الضمير، نحو مفتحة لهم الأبواب أى أبوابها، وقد سبق معنى فى حق نهشلا، فى سورة النساء، وكسر الصاد وضمها فى يصدون هنا لغتان، مثل الخلاف فى كاف يعكفون وراء يعرشون، وهو من الصديد الذى هو الجلبة والصياح والضجيج، وقيل الضم من الصدود الذى هو الإعراض قال أبو عايد: لو كانت من هذا لكان إذا قومك عنه يصدون، ولم يكن منه، وجوابه أن المعنى من أجل هذا المثل صدوا عن الحق وأعرضوا عنه، وقرأت بخط ابن مجاهد فى «معانى القرآن» يصدون منه وعنه سواء، وقال الفراء: العرب تقول يصد ويصد مثل يشد ويشد، وينم وينم لغتان.
1026 [ء آلهة كوف يحقّق ثانيا
وقل ألفا للكلّ ثالثا ابدلا]
يريد آلهتنا خير أم هو فيها ثلاث همزات: ثنتان مفتوحتان، والثالثة ساكنة، فأجمع على إبدالها ألفا لسكونها وفتح ما قبلها، واختلف فى الثانية، فحققها الكوفيون على أصلهم فى باب الهمزتين من كلمة، وسهلها الباقون بين بين على أصولهم فى قراءة آمنتم وحفص يسقط الأولى من آمنتم وأثبتها هنا، والكلام فى التحقيق والتسهيل والإبدال وعدم المدّ بين الهمزتين، كما سبق فى مسئلةء آمنتم فى الأصول، وقوله:
ء آلهة، مبتدأ وكوف خبره أى قراءة كوف، ثم بينها بقوله يحقق ثانيا، أى ثانى حروفه، وإنما قال ذلك لأنه يمكن اتزان البيت بقراءة آلهة على لفظ التسهيل، وهذا مما استدلّ به على أن الهمزة المسهلة برنة المحققة، ويجوز أن يكون «كوف» مبتدا ثانيا وما بعده خبره، والجملة خبر الأوّل، وقوله: ألفا ثانى مفعولى أبدل، والمفعول الأوّل هو مرفوع أبدل العائد علىء آلهة، وثالثا نصب على التمييز من ذلك الضمير، على قول من أجاز تقديم التمييز على عاملة، أى أبدل هذا اللفظ ثالثا، أى ثالث حروفه أبدل ألفا، فيكون تقدير هذا النظم، أبدل ثالثا ألفا، كما لو قلت ريد كسى رأسا قلنسوة، ولو قال ثالثه أبدلا لكان أظهر، ووصل همزة
القطع جائز للضرورة، وفى عبارة الناظم، نقل حركة همزة أبدل إلى التنوين، فانضم وانحذف الهمزة كما يقرأ ورش غرورا أولئك مأواهم وقد سبق شرح مثل هذا البيت فى «باب الهمزتين من كلمة»:(2/680)
ء آلهة، مبتدأ وكوف خبره أى قراءة كوف، ثم بينها بقوله يحقق ثانيا، أى ثانى حروفه، وإنما قال ذلك لأنه يمكن اتزان البيت بقراءة آلهة على لفظ التسهيل، وهذا مما استدلّ به على أن الهمزة المسهلة برنة المحققة، ويجوز أن يكون «كوف» مبتدا ثانيا وما بعده خبره، والجملة خبر الأوّل، وقوله: ألفا ثانى مفعولى أبدل، والمفعول الأوّل هو مرفوع أبدل العائد علىء آلهة، وثالثا نصب على التمييز من ذلك الضمير، على قول من أجاز تقديم التمييز على عاملة، أى أبدل هذا اللفظ ثالثا، أى ثالث حروفه أبدل ألفا، فيكون تقدير هذا النظم، أبدل ثالثا ألفا، كما لو قلت ريد كسى رأسا قلنسوة، ولو قال ثالثه أبدلا لكان أظهر، ووصل همزة
القطع جائز للضرورة، وفى عبارة الناظم، نقل حركة همزة أبدل إلى التنوين، فانضم وانحذف الهمزة كما يقرأ ورش غرورا أولئك مأواهم وقد سبق شرح مثل هذا البيت فى «باب الهمزتين من كلمة»:
1027 [وفى تشتهيه تشتهى (حقّ صحبة)
وفى ترجعون الغيب (ش) ايع (د) خللا]
اختلف المصاحف الأئمة فى هذه الكلمة، فكتبت الهاء فى مصاحف المدينة والشام، وحذفت من غيرها ووجه القراءتين ظاهر، لأن الجملة صلة «ما» وحذف العائد من الصلة إلى الموصول جائز، والغيب فى قوله وعنده علم الساعة وإليه ترجعون شايع دخللا قبله وهو فذرهم يخوضوا والخطاب على الالتفات واختار أبو عبيد الغيب.
1028 [وفى قيله اكسروا كسر الضّمّ بعد (ف) ى
(ن) صير وخاطب تعلمون (ك) ما (ا) نجلا]
هكذا وقع فى الرواية فى جميع النسخ، وفى قيله اكسر اللام وهو سهو والصواب على ما مهده فى خطبته أن تكون اخفض، لأنها حركة إعراب، ثم قال: واكسر الضم يعنى فى الهاء، وهذا على بابه، لأنه حركة بناء، وإنما قال فى الثانية اكسر الضم، وقال فى الأولى اكسر، ولم يقل اكسر الفتح، لأن الفتح ضد الكسر، فكفى الإطلاق، والضم ليس ضد للكسر، فاحتاج إلى بيان القراءة الأخرى، وقوله: بعد، أى بعد ذلك الكسر، وقوله: فى نصير فى موضع الحال، أى كائنا فى رهط نصير، أى فى جملة قوم ينتصرون لتوجيه القراءتين، فوجه الجر العطف على لفظ الساعة فى قوله وعنده علم الساعة وقيله أى وعلم قيله، وقيل الواو فى وقيله للقسم وجوابه إن هؤلاء وأما النصب فعطف على موضع الساعة، فإنه فى موضع نصب، أى يعلم الساعة ويعلم قيله، وقيل عطف على سرهم ونجواهم وقيل هو نصب على المصدر، أى وقال قيله، أى شكا شكواه، والقيل والقول واحد، ومنه قول كعب بن زهير:
يسعى الوشاة جنابتها وقيلهم ... إنك يا ابن أبى سلمى لمقتول
ذكر الوجهين الأخيرين الأخفش والفراء، وذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو على، وسبقه إليها الزجاج، واختار العطف على موضع الساعة، وصدق لأن الجر عطف على لفظها، فيتحد معنى القراءتين، وذكر النحاس وجهين آخرين: أن يكون عطفا على مفعول محذوف. أى ورسلنا يكتبون ذلك، وقيله، أو وهم يعلمون الحق وقيله، واختار أبو عبيد قراءة النصب، قال: لكثرة من قرأ بها، ولصحة معناها إنما هى فى التفسير أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيله يا رب وقال النحاس القراءة البينة بالنصب من جهتين إحداهما أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما، وإن تباعد ذلك لانفصال العامل والمعمول فيه مع المنصوب، وذلك فى المخفوض إذا فرقت بينهما قبيح، والجهة الأخرى أن أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب، قال: والهاء فى قيله تعود إلى النبى محمد، أو إلى عيسى بن مريم عليهما السلام.
قلت: وإذا كان المعنى يصح على عطف وقيله المنصوب على مفعول وهم يعلمون المحذوف، أى إلا من
شهد بالحق وهم يعلمونه ويعلمون قيله، فيجوز أن يقال: إن القراءتين عطف على بالحق: النصب على الموضع، والجر على اللفظ، والذى شهد بالحق ذكر فى التفسير أنهم: الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام، وقال الزمخشرى بعد حكايته للوجوه الثلاثة المتقدمة: والذى قالوه ليس بقوى فى المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر اللفظ، وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه.(2/681)
قلت: وإذا كان المعنى يصح على عطف وقيله المنصوب على مفعول وهم يعلمون المحذوف، أى إلا من
شهد بالحق وهم يعلمونه ويعلمون قيله، فيجوز أن يقال: إن القراءتين عطف على بالحق: النصب على الموضع، والجر على اللفظ، والذى شهد بالحق ذكر فى التفسير أنهم: الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام، وقال الزمخشرى بعد حكايته للوجوه الثلاثة المتقدمة: والذى قالوه ليس بقوى فى المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر اللفظ، وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه.
قلت: أما على قراءة الجر فواضح جوازه، وقد تقدم ذكرنا له، وأما على قراءة النصب فغلط، لأن حرف القسم موجود، وهو الواو، فلا نصب مع وجودها، والله أعلم.
ثم قال: وخاطب تعلمون يعنى الذى هو آخر السورة، ووجه الخطاب فيه والغيب ظاهر، وقد سبقت نظائرهما، والله أعلم.
1029 [بتحتى عبادى اليا ويغلى (د) نا (ع) لا
وربّ السّماوات اخفضوا الرّفع (ث) مّلا]
أى هاتين الكلمتين فى سورة الزخرف، الياء يعنى ياء الإضافة المختلف فى فتحها، وإسكانها الأولى من تحتى أفلا تبصرون فتحها نافع والبرى وأبو عمرو، والثانية يا عبادى لا خوف عليكم فتحها فى الوصل أبو بكر، وسكنها فى الحالين نافع وأبو عمرو وابن عامر وحذفها الباقون فى الحالين وفيها زائدة واحدة واتبعون هذا صراط أثبتها فى الوصل أبو عمره وحده ثم ذكر الخلاف فى آخر سورة الدخان فقال ويغلى يعنى كالمهل تغلى فى البطون قرأه بالتذكير ابن كثير وحفص أى يغلى الطعام والباقون بالتأنيث أى تغلى الشجرة وعلا حال أو تمييز أى دنا ذا علاء أو دنا علاه والخفض فى رب السموات فى أول للسورة على البدل من قوله رحمة من ربك والرفع على الابتداء وخبره لا إله إلا هو أو يكون خبر مبتدأ محذوف أى هو رب السموات وثملا حال من فاعل اخفضوا أى مصلحين وقد تقدم.
1030 [وضمّ اعتلوه اكسر (غ) نى إنّك افتحوا
(ر) بيعا وقل إنّى ولى الياء حمّلا]
أى ذا غنى والضم والكسر فى تا فاعتلوه لغتان، وهو القود بعنف والفتح فى ذق إنك أى لأنك أنت والكسر ظاهر، وهما على وجه التهكم والاستهزاء، وربيعا حال أى ذوى ربيع أو ذا ربيع، على أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول، والربيع: النهر الصغير، فحسن من جهة اللفظ قوله افتحوا ربيعا، والألف فى آخر حملا ضمير يرجع إلى إنى ولى، والياء بالنصب مفعول ثان لحملا أى أتت ياء الإضافة المختلف فيها فيهما أراد إنى آتيكم بسلطان فتحها الحرميان وأبو عمرو، وإن لم تؤمنوا لى فتحها ورش وحده وفيها زائدتان أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون أثبتهما فى الوصل ورش وحده وقلت فيهما مع الجوار فى الشورى واتبعونى فى الزخرف.
وو اتبعوني والجوار وترجمو ... ن فاعتزلون زائدات لدى العلا(2/682)
وو اتبعوني والجوار وترجمو ... ن فاعتزلون زائدات لدى العلا
سورة الشريعة والأحقاف
1031 [معا رفع آيات على كسره (ش) فا
وإنّ وفى أضمر بتوكيد أوّلا]
يعنى آيات لقوم يوقنون آيات لقوم يعقلون قرءا بالرفع والنصب وعلامة النصب الكسر ولا خلاف فى الأول وهو إن فى السموات والأرض لآيات للمؤمنين أنه منصوب بالكسر، لأنه اسم إن وأما آيات لقوم يوقنون فرفعها ونصبها أيضا ظاهران كقولك: إن فى الدار زيد وفى السوق عمرو وعمرا فهذا جائز باتفاق، فالنصب على تقدير وإن فى السوق عمرا فحرف إن مقدر قبل فى، والرفع عطف على موضع اسم إن، أو على استئناف جملة ابتدائية أو يكون عمرو فاعل فى السوق على رأى من يجوز ذلك، فكذا قوله تعالى {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمََا يَبُثُّ مِنْ دََابَّةٍ آيََاتٌ} وذلك لظهور حرف فى من قوله وفى خلقكم وأما قوله تعالى {وَاخْتِلََافِ اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} فلم يأت فيه حرف إن ولا حرف فى فهنا اختلف النحاة، فقيل إن الواو نائبة عنهما وإن اختلف عملهما لفظا ومعنى، وهذا هو الذى يسمى عندهم العطف على عاملين، أى على عمل عاملين، أو معمولى عاملين، نحو إن فى الدار زيدا والحجرة عمرا، أى وإن فى الحجرة عمرا أى وإن فى اختلاف الليل والنهار آيات، وعلى قراءة الرفع تكون الواو نائبة عن حرف فى، أى وفى اختلاف الليل والنهار آيات، عطفا على قوله وفى خلقكم آيات فمنهم من يقول: هو على هذه القراءة أيضا عطف على عاملين، وهما حرف فى والابتداء المقتضى للرفع، ومنهم من لا يطلق هذه العبارة فى هذه القراءة لأن الابتداء ليس بعامل لفظى، وقد استدل أبو الحسن الأخفش بهذه الآية على جواز العطف على عاملين، وصوّبه أبو العباس فى استدلاله بهذه دون غيرها، وقال أبو بكر بن السراج: العطف على عاملين خطأ فى القياس، غير مسموع من العرب، ثم حمل ما فى هذه الآية على التكرار للتأكيد، قال أبو الحسن الرمانى هو كقولك: إن فى الدار زيدا والبيت زيدا، فهذا جائز بالإجماع لأنه بمنزلة إن زيدا فى الدار والبيت فهما قال فتدبر هذا الوجه الذى ذكره ابن السراج فإنه حسن جدا لا يجوز حمل كتاب الله تعالى إلا عليه وقد يثبت القراءة بالكسر ولا عيب فى القرآن على وجه والعطف على عاملين عند من أجازه عيب ومن لم يجزه فقد تناهى فى العيب فلا يجوز حمل هذه الآية إلا على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره.
قلت: ولا ضرر فيما ذهب إليه من ذهب من العطف على عاملين وسنتكلم إن شاء الله تعالى عليه فى شرح النظم من النحو ونبين وجهه من القياس، وقد استدلوا على ذلك بأبيات تكلف المانعون له تأويلها قال الزجاج ومثله فى الشعر:
أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا
أهل قال عطف على ما عملت فيه كل وما عملت فيه تحسبين؟ وأنشد أبو على للفرزدق:
وباشر راعيها العلا بلسانه ... وجنبيه حر النار ما يتحرف
قال: فهذا عطف على الفعل والهاء، وأنشد أيضا:
أوصيت من سره قلبا حرا ... بالكلب خيرا والحماة شرا
واختار أبو عبيد قراءة الكسر اعتبارا بقراءة أبىّ بن كعب لآيات فى المواضع كلها، قال: لأنها دالة على أن الكلام لسق على الحرف الأول.(2/683)
أوصيت من سره قلبا حرا ... بالكلب خيرا والحماة شرا
واختار أبو عبيد قراءة الكسر اعتبارا بقراءة أبىّ بن كعب لآيات فى المواضع كلها، قال: لأنها دالة على أن الكلام لسق على الحرف الأول.
وقول الناظم: وإن وفى أضمر قال الشيخ: قال رحمه الله لم أرد بقولى اضمر الإضمار الذى هو كالمعطوف به وإنما أردت أن حرف العطف ناب فى قوله وفى خلقكم عن أن وفى قوله واختلاف عن أن وفى، وإذا كانت الآيات توكيدا خرج عن العطف على عاملين الذى يأباه أكثر البصريين، وخرج عن إضمار حرف الجر الذى هو قليل فى الكلام.
قلت فهذا معنى قوله بعد ذلك بتوكيد أولا، وكأنه جمع بين القولين فإن من يرى العطف على عاملين أضمر أن وفى بخلاف من أكد وقال الزمخشرى هو من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت هما أن وفى أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر فى واختلاف والنصب فى آيات إذا رفعت فالعاملان الابتداء وفى وهو على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه، وقد أباه سيبويه فهو على مذهبه على إضمار فى، والذى حسنه تقدم ذكره فى الآيتين قبلها أو ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكرير ورفعها بإضمار هى.
قلت: التكرير هو التوكيد الذى ذكره ابن السراج وإضمار فى هو قول أبى على فى الحجة وقد بسطه وتكلف بيانه، وحاصله أنه أعمل حرف الجر مضمرا وذلك قليل فى كلامهم مستضعف وليس القول بالعطف على عاملين بأضعف من هذا وأما النصب على الاختصاص والرفع باضمار هى فوجه آخر زاده من تصرفه وتقدير الكلام على العطف على عاملين إن فى السموات والأرض لآيات للمؤمنين وإن فى خلقكم آيات وإن فى اختلاف الليل والنهار آيات وعلى قول التأكيد إن فى السموات والأرض وفى خلقكم واختلاف الليل لآيات آيات آيات وتفرقت كما تفرق بين الفواصل فبأى آلاء ربكما تكذبان ويل يومئذ للمكذبينء إله مع الله إن فى ذلك لآيات فى سورة الروم أى إن فى كل واحد من هذه المذكورات آيات وتارة تقصد الجملة كما فى آل عمران إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات وفى البقرة زاد على ذلك والفلك التى تجرى فى البحر إلى قوله لآيات لقوم يعقلون والتقدير فى قراءة الرفع على قول التأكيد وفى خلقكم وما يبث من دابة واختلاف الليل إلى آخره آيات آيات.
1032 [لنجزى يا نصّ (سما) وغشاوة
به الفتح والإسكان والقصر (ش) مّلا]
أى ذو ياء نص سما أى منصوص على الباء نصا رفيعا لأن الضمير فى الفعل يرجع إلى اسم الله تعالى قبله من قوله أيام الله وقراءة الباقين بنون العظمة، وغشوة وغشاوة واحد وهو ما يغطى العين عن الأبصار: وفيها لغات أخر ولم يختلفوا فى التى فى البقرة أنها غشاوة وقول الناظم غشاوة مبتدأ وحكى لفظ القرآن فأتى به منصوبا وشملا به خبر أى شمل بهذا اللفظ الفتح فى الغين والإسكان فى الشين والقصر وهو حذف الألف وفى شرح الشيخ فى شمل ضمير يرجع إلى غشاوة ولو أراد ذلك لم يحتج إلى قوله به، والله أعلم.
1033 [وو السّاعة ارفع غير حمزة حسنا ال
محسّن إحسانا لكوف تحوّلا]
إعراب غير حمزة كما سبق فى قوله فأطلع ادفع غير حفص يريد {وَالسََّاعَةُ لََا رَيْبَ فِيهََا} نصبها عطف على لفظ {إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ} ورفعها عطف على موضع اسم إن أو على الابتداء، قال أبو الحسن الأخفش الرفع أجود فى المعنى وأكثر فى كلام العرب إذا جاء بعد خبر إن اسم معطوف أو صفة أن يرفع قال أبو على يقوى ما ذهب إليه أبو الحسن قوله {إِنَّ الْأَرْضَ لِلََّهِ يُورِثُهََا مَنْ يَشََاءُ مِنْ عِبََادِهِ وَالْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} لم تقرأ العاقبة فيما علمت إلا مرفوعة.(2/684)
1032 [لنجزى يا نصّ (سما) وغشاوة
به الفتح والإسكان والقصر (ش) مّلا]
أى ذو ياء نص سما أى منصوص على الباء نصا رفيعا لأن الضمير فى الفعل يرجع إلى اسم الله تعالى قبله من قوله أيام الله وقراءة الباقين بنون العظمة، وغشوة وغشاوة واحد وهو ما يغطى العين عن الأبصار: وفيها لغات أخر ولم يختلفوا فى التى فى البقرة أنها غشاوة وقول الناظم غشاوة مبتدأ وحكى لفظ القرآن فأتى به منصوبا وشملا به خبر أى شمل بهذا اللفظ الفتح فى الغين والإسكان فى الشين والقصر وهو حذف الألف وفى شرح الشيخ فى شمل ضمير يرجع إلى غشاوة ولو أراد ذلك لم يحتج إلى قوله به، والله أعلم.
1033 [وو السّاعة ارفع غير حمزة حسنا ال
محسّن إحسانا لكوف تحوّلا]
إعراب غير حمزة كما سبق فى قوله فأطلع ادفع غير حفص يريد {وَالسََّاعَةُ لََا رَيْبَ فِيهََا} نصبها عطف على لفظ {إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ حَقٌّ} ورفعها عطف على موضع اسم إن أو على الابتداء، قال أبو الحسن الأخفش الرفع أجود فى المعنى وأكثر فى كلام العرب إذا جاء بعد خبر إن اسم معطوف أو صفة أن يرفع قال أبو على يقوى ما ذهب إليه أبو الحسن قوله {إِنَّ الْأَرْضَ لِلََّهِ يُورِثُهََا مَنْ يَشََاءُ مِنْ عِبََادِهِ وَالْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} لم تقرأ العاقبة فيما علمت إلا مرفوعة.
قلت: والأولى فى تقدير قراءة الرفع العطف على موضع اسم إن ليتحد معنى القراءتين ويكون قوله لا ريب فيها جملة مستقلة فهى على وزان الآية التى فى سورة الحج وإن الساعة آتية لا ريب فيها والمعنى وإذا قيل إن وعد الله حق وإن الساعة حق وذلك على وفق ما فى الصحيحين من دعاء النبى صلّى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد «أنت الحق ووعدك حق والساعة حق».
وأما {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسََانَ بِوََالِدَيْهِ حُسْناً} فهذه قراءة الجماعة كالتى فى العنكبوت سواء، وقراءة الكوفيين هنا إحسانا اعتبارا بالتى فى سورة البقرة والأنعام وسبحان، وذكر أبو عبيد أنها فى المصاحف مختلفة أيضا، فكل قرأ بما فى مصحفه، ومعنى إحسانا أى تحسن إليهما إحسانا، ومعنى حسنا أى وصية ذات حسن، أى تفعل بهما فعلا ذا حسن ولم يقرأ هنا بفتح الحاء والسين كما قرأ فى البقرة وقولوا للناس حسنا إلا فى قراءة شاذة ووجهها ظاهر أى يفعل بهما فعلا حسنا، وقول الناظم تحولا هو خبر حسنا أى تحولا حسنا إحسانا فى قراءة الكوفيين وقوله المحسن كلمة حشو لا تعلق لها بالقراء لا رمزا ولا تقييدا وهى صفة حسنا أى المحسن شرعا وعقلا وإنه ليوهم أنه رمز لنافع وتكون قراءة، غيره، وغير الكوفيين حسنا بفتح الحاء والسين كما قرأ به فى البقرة وترك قيدها لظهورها فليس بأبعد من قوله فى سورة طه وأنجيتكم واعدتكم ولو أنه قال حسنا الذى بعد إحسانا لم يوهم شيئا من ذلك لأنه كالتقييد للحرف.
1034 [وغير (صحاب) أحسن ارفع وقبله
وبعد بياء ضمّ فعلان وصّلا]
أى وقراءة غير صحاب أحسن ثم بينها بقوله ارفع أى بالرفع، وقال الشيخ: التقدير أحسن ارفع لهم، قال:
ويجوز نصب غير على إسقاط الخافض وتقديرا حسن ارفع لغير صحاب.
فإن قلت: لو أراد ذلك لقال لغير صحاب.
قلت: إنما عدل إلى الواو لأنها تفصل بين المسألتين، يريد {أَحْسَنَ مََا عَمِلُوا} وقبل أحسن وبعده فعلان وصلا بياء ضمت هذا تقدير النظم، ومعناه أن الجماعة قرءوا يتقبل ويتجاوز على بناء الفعلين لما لم يسم فاعله، فأولهما ياء مضمومة، وأحسن مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله، وقراءة صحاب بنون العظمة المفتوحة على بناء الفعلين للفاعل، وأحسن منصوب لأنه مفعول يتقبل الذى قبله ومفعول يتجاوز قوله عن سيئاتهم.
1035 [وقل عن هشام أدغموا تعداننى
نوفيهم باليا (ل) هـ (حقّ ن) هشلا]
القراءة بنونين مكسورتين هو الأصل لأن الأولى علامة رفع الفعل بعد ضمير التثنية مثل تضربان والثانية نون الوقاية وهشام أدغم الأولى فى الثانية كما أدغم فى أتحاجوني لوجود المثلين ورويت أيضا عن ابن ذكوان مع أنهما قرءا فى الزمر تأمروننى بنونين فأظهرا ما أدغم غيرهما وكثير من المصنفين لم يذكروا هذا الإدغام فى أتعدانني ولم يقرأ أحد بحذف إحدى النونين كما فى تأمروننى وتحاجونى، وحكى الأهوازى رواية أخرى بفتح النون الأولى وهى غلط فلهذا يقال فى ضبط قراءة الجماعة بنونين مكسورتين، وأما ليوفيهم أعمالهم فقراءته بالياء والنون ظاهرة وقد سبق معنى نهشلا.(2/685)
قلت: إنما عدل إلى الواو لأنها تفصل بين المسألتين، يريد {أَحْسَنَ مََا عَمِلُوا} وقبل أحسن وبعده فعلان وصلا بياء ضمت هذا تقدير النظم، ومعناه أن الجماعة قرءوا يتقبل ويتجاوز على بناء الفعلين لما لم يسم فاعله، فأولهما ياء مضمومة، وأحسن مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله، وقراءة صحاب بنون العظمة المفتوحة على بناء الفعلين للفاعل، وأحسن منصوب لأنه مفعول يتقبل الذى قبله ومفعول يتجاوز قوله عن سيئاتهم.
1035 [وقل عن هشام أدغموا تعداننى
نوفيهم باليا (ل) هـ (حقّ ن) هشلا]
القراءة بنونين مكسورتين هو الأصل لأن الأولى علامة رفع الفعل بعد ضمير التثنية مثل تضربان والثانية نون الوقاية وهشام أدغم الأولى فى الثانية كما أدغم فى أتحاجوني لوجود المثلين ورويت أيضا عن ابن ذكوان مع أنهما قرءا فى الزمر تأمروننى بنونين فأظهرا ما أدغم غيرهما وكثير من المصنفين لم يذكروا هذا الإدغام فى أتعدانني ولم يقرأ أحد بحذف إحدى النونين كما فى تأمروننى وتحاجونى، وحكى الأهوازى رواية أخرى بفتح النون الأولى وهى غلط فلهذا يقال فى ضبط قراءة الجماعة بنونين مكسورتين، وأما ليوفيهم أعمالهم فقراءته بالياء والنون ظاهرة وقد سبق معنى نهشلا.
1036 [وقل لا ترى بالغيب واضمم وبعده
مساكنهم بالرّفع (ف) اشيه (ف) وّلا]
قوله بالغيب أى بسورة الغيب، وإنما هو من باب التذكير لأجل الاستثناء المفرغ نحو ما يقوم إلا هند، ولا يجوز فى هذا التأنيث إلا فى شذوذ وضرورة، وإنما ذكر لفظ الغيب دون التذكير لأن القراءة الأخرى بالخطاب لا بالتأنيث، ولهذا فتحت التاء، أى لا ترى أيها المخاطب إلا مساكنهم بالنصب لأنه مفعول ترى المبنى للفاعل ومن قرأ يرى بضم الياء رفع مساكنهم، لأنه مفعول ما لم يسم فاعله، ثم ذكر ياءات الإضافة، فقال:
1037 [وياء ولكنّى ويا تعداننى
وإنّى وأوزعنى بها خلف من بلا]
أى بهذه الأربعة خلاف القراء فى الفتح والإسكان أراد ولكنى أراكم فتحها نافع وأبو عمرو والبزى أتعدانني إن أخرج فتحها الحرميان إنى أخاف عليكم فتحها الحرميان وأبو عمرو أوزعنى أن أشكر فتحها ورش والبزى.(2/686)
1037 [وياء ولكنّى ويا تعداننى
وإنّى وأوزعنى بها خلف من بلا]
أى بهذه الأربعة خلاف القراء فى الفتح والإسكان أراد ولكنى أراكم فتحها نافع وأبو عمرو والبزى أتعدانني إن أخرج فتحها الحرميان إنى أخاف عليكم فتحها الحرميان وأبو عمرو أوزعنى أن أشكر فتحها ورش والبزى.
ومن سورة محمد صلّى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن جل وعز
لم تكن له ضرورة تلجئه إلى جمع هذه الترجمة، فلم يتصل نظم ما فى هذه السورة بما فى الفتح ولا ما فى الفتح بما فى الحجرات ولا ما فى الذاريات بما فى الطور، ومهما أمكن الفصل كان أبين، فكان ينبغى إفراد هذه السورة والفتح، ثم يقول: سورة الحجرات، وق، والذاريات، ثم يقول: سورة الطور، والنجم، والقمر، ويكون لهذه السورة وسورة الفتح أسوة بإفراده سورة فصلت مما قبلها وبعدها، فكل واحدة ثلاثة أبيات، والله أعلم.
1038 [وبالضّمّ واقصر واكسر التّاء قاتلوا
(ع) لى (ح) جّة والقصر فى آسن (د) لا]
يريد والذين قاتلوا فى سبيل الله قرأها حفص وأبو عمرو قتلوا وكلاهما ظاهر، فصفة المجموع أنهم قاتلوا وقتلوا، أى قتل منهم، والماء الآسن هو المتغير، فمن قصر فهو من أسن بكسر السين يأسن يفتحها، فهو أسن كحذر، ومن مد فهو من أسن بفتح السين يأسن بكسر السين وضمها، فهو آسن على وزن فاعل، كضارب وقاتل، وكل ذلك لغات، وقد سبق معنى دلا.
1039 [وفى آنفا خلف (هـ) دى وبضمّهم
وكسر وتحريك وأملى (ح) صّلا]
أى والقصر فى آنفا ذو خلف عن البرى يريد قوله تعالى {مََا ذََا قََالَ آنِفاً} أى الساعة قال أبو على: يجوز أن يكون توهمه مثل حاذر وحذر، وفاكه وفكه، والوجه المد، وأما وأملى لهم على بناء الفعل للفاعل، فالضمير فيه لله تعالى كما قال تعالى {إِنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدََادُوا إِثْماً}، وقيل: يجوز أن يعود على ما قبله مجازا أى الشيطان سوّل لهم وأملى، وقراءة أبى عمرو على بناء الفعل لما لم يسم فاعله، وهو يحتمل الأمرين، فضم الهمز وكسر اللام وحرك الياء بالفتح، فقوله وبضمهم وما بعده متعلق بقوله حصلا، وأملى مبتدءا وحصلا خبره، أى حصل بالصم والكسر والتحريك، والله أعلم.
1040 [وأسرارهم فاكسر (صحابا) ونبلون
نكم نعلم اليا (ص) ف ونبلو واقبلا]
صحابا حال من فاعل اكسرا ومفعوله، أى ذا صحاب، ويجوز أن يكون على تقدير اكسروا صحابا، فهو أمر لمفرد لفظا وهو لجماعة تقديرا، وهذا كما سبق فى قوله.
زد الهمز ثملا وخاطب يستطيعون عملا
وأسرار بفتح الهمزة جمع سر، وبالكسر مصدر أسر، وأما الباء والنون فى هذه الكلمات الثلاث وهى وليبلونكم حتى يعلم ويبلو فالنون للعظمة والياء لأن قبله والله يعلم أعمالكم وأراد الناظم ويبلونكم ويعلم ويبلو الياء صف فيها فقدم وأخر للضرورة، أو يكون أراد ويبلو كذلك أى بالياء وأراد واقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا، أى صف واقبل وفرغ الكلام فى سورة القتال:
1041 [وفى يؤمنوا (حقّ) وبعد ثلاثة
وفى ياء يؤتيه (غ) دير تسلسلا]
يريد {لِتُؤْمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ} وبعدها ثلاثة ألفاظ أيضا وهى وتعزروه وتوقروه وتسبحوه قرأ الأربعة بالغيب حق أى ليؤمن المرسل إليهم ويفعلوا كيت وكيت، وقرأ الباقون بالخطاب وهو ظاهر، وأما فسنؤتيه أجرا عظيما. فالياء فيه والنون كما سبق فى ولنبلونكم وقوله غدير تسلسلا عبارة حسنة حلوة وأشار الى كثرة أمثال ذلك، وقد تقدم والله أعلم:(2/687)
زد الهمز ثملا وخاطب يستطيعون عملا
وأسرار بفتح الهمزة جمع سر، وبالكسر مصدر أسر، وأما الباء والنون فى هذه الكلمات الثلاث وهى وليبلونكم حتى يعلم ويبلو فالنون للعظمة والياء لأن قبله والله يعلم أعمالكم وأراد الناظم ويبلونكم ويعلم ويبلو الياء صف فيها فقدم وأخر للضرورة، أو يكون أراد ويبلو كذلك أى بالياء وأراد واقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا، أى صف واقبل وفرغ الكلام فى سورة القتال:
1041 [وفى يؤمنوا (حقّ) وبعد ثلاثة
وفى ياء يؤتيه (غ) دير تسلسلا]
يريد {لِتُؤْمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ} وبعدها ثلاثة ألفاظ أيضا وهى وتعزروه وتوقروه وتسبحوه قرأ الأربعة بالغيب حق أى ليؤمن المرسل إليهم ويفعلوا كيت وكيت، وقرأ الباقون بالخطاب وهو ظاهر، وأما فسنؤتيه أجرا عظيما. فالياء فيه والنون كما سبق فى ولنبلونكم وقوله غدير تسلسلا عبارة حسنة حلوة وأشار الى كثرة أمثال ذلك، وقد تقدم والله أعلم:
1042 [وبالضّمّ ضرّا (ش) اع والكسر عنهما
بلام كلام الله والقصر وكّلا]
يريد {إِنْ أَرََادَ بِكُمْ ضَرًّا} قال أبو على: الضر بالفتح خلاف النفع، وفى التنزيل {مََا لََا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلََا نَفْعاً} [1] والضر بالضم سوء الحال وفى التنزيل {فَكَشَفْنََا مََا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} والأبين فى هذا الفتح عندى ويجوز أن يكونا لغتين فى معنى كالفقر والفقر والضعف والضعف وقوله عنهما أى عن حمزة والكسائى المدلول عليهما بالشين شاع، وكلام إذا كسرت لامه وقصر أى حذفت ألفه صار كلم، وهو بمعنى كلام كقوله يحرفون الكلم عن من مواضعه والأكثر فى المضاف إلى الله استعمال الكلام، نحو {بِرِسََالََاتِي وَبِكَلََامِي} {حَتََّى يَسْمَعَ كَلََامَ اللََّهِ}
وقوله والقصر: عطف على والكسر، وقوله وكلا خبر عنهما، فالألف فيه ضمير التثنية، أى وكل الكسر والقصر بلام كلام، فكسرت ولم تمد الفتحة فيها فقصرت، كما قال: وفى يتناجون اقصر النون مكانات مد النون 1043 [بما يعملون (ح) جّ حرّك شطأه
(د) عا (م) اجد فآزره (م) لا]
يريد بما يعملون بصيرا. هم الذين كفروا قرأه أبو عمرو وحده بالغيب والباقون بالخطاب، ولا خلاف فى الذى {بِمََا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [2] بل ظننتم أنه بتاء الخطاب، والخلاف فى الحرفين فى الأحزاب، وشطأه بسكون الطاء وفتحها لغتان، وهو فراخ الزرع، وآزره وأزره بالمد والقصر، أى قواه وأعانه، وقيل المد بمعنى ساواه أى ساواه الشطء والزرع، وعلى الأول يجوز أن تكون الهاء فى فآزره للشطأ أو للزرع، لأن كل واحد منهما مقوّ للآخر، وملا جمع ملاء وهو الملحفة، وقد سبق ذكرها فى مواضع، وهى هنا حسنة المعنى، على تقدير ذا ملأ، لأن تقويت طافات الزرع والتفافها يشبه الاشتمال بالملا، والله أعلم.
وانتهى إلى هنا ذكر الخلاف فى سورة الفتح، ثم ذكر ما فى الحجرات وما بعدها، فقال:
1044 [وفى يعملون (د) م يقول بياء (ا) ذ
(ص) فا واكسروا أدبار (إ) ذ (ف) از (د) خللا]
يريد آخر الحجرات والله بصير بما تعملون قرأه ابن كثير وحده بالغيب، والباقون بالخطاب وكلاهما
__________
(1) سورة المائدة، آية: 76.
(2) سورة الأنبياء، آية: 84.(2/688)
ظاهر، وأما يوم يقول لجهنم فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر، وأما أدبار السجود فهو بالكسر مصدر أدبر وبالفتح جمع دبر أى وقت أدبار السجود، وإنما قال فى الكسر فاز دخلل لموافقته الذى فى آخر الطور فهو مجمع على كسره:
1045 [وباليا ينادى قف (د) ليلا بخلفه
وقل مثل ما بالرّفع (ش) مّم (ص) ندلا]
يريد واستمع يوم ينادى المناد ياء ينادى محذوفة فى الرسم لأنها محذوفة فى الوصل لالتقاء الساكنين، فإذا وقف عليها فكلهم يحذفها اتباعا للوصل والرسم، وابن كثير أثبتها فى أحد الوجهين عنه على الأصل، وليست هذه معدودة من الياءات الزوائد، وإن كانت محذوفة فى الرسم، لأن تلك شرطها أن يكون مختلفا فى إثباتها وصلا ووقفا، وهذه وإن اختلف فى إثباتها وقفا فلم يختلف فى حذفها وصلا، وإنما عدّ من الزوائد فما أتانى الله فبشر عباد الذين لأن من فتحهما أثبتهما وصلا وهى ياء إضافة قابلة للفتح، وهذه ياء ينادى لام الفعل فهى ساكنة فى حال الرفع، ولكن فى قاف ثلاثة زوائد المناد بعد ينادى، أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وفى الحالين ابن كثير فحق وعيد من يخاف وعيد أثبتهما فى الوصل ورش وحده، وأما {مِثْلَ مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (1) فى سورة والذاريات فشمم صندلا، أى شمم قارئه وسامعه طيبا لظهور الوجه فيه لأنه صفة لحق أى إنه لحق مثل نطقكم وما زائدة ووجه الفتح أنه فى موضع رفع، ولكنه فتح فتحة بناء لإضافته إلى غير متمكن، كقوله:
وتداعا منخراه بدم ... مثل ما أثمر حماض الخيل
هكذا أنشده أبو عثمان وأبو عمرو بالفتح، وهو نعت مجرور، ومنه قوله:
* لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت.
بفتح غير، فهو فاعل يمنع، وقيل: هو نعت مصدر محذوف، أى لحق حقا مثل ما، وقيل حال من الضمير فى لحق، لأنه مصدر وصف به، وأجاز الجرمى أن يكون حالا من لحق نفسه وإن كان بكسرة، وأجاز هذا رجل مقبلا أى لحق كأنها مثل نطقكم، وقال أبو عبيد: وقال بعض العرب يجعل مثل نصبا أبدا.
فيقولون هذا رجل مثلك، وقال الفراء: العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم، يعنى المبتدأ فيقولون، مثل من عبد الله، ويقولون: عبد الله مثلك وأنت مثله، لأن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا لقيت الكاف، قلت: وهذه لغة غريبة وفيها نظر.
1046 [وفى الصّعقة اقصر مسكن العين (ر) اويا
وقوم بخفض الميم (ش) رّف (ح) مّلا]
هذا تقييد لما لفظ به، فالقصر حذف الألف من الصاعقة، وفى قوله مسكن العين نظر، وصوابه مسكن الكسر، فإن الإسكان المطلق ضده الفتح، على ما تقرر فى الخطبة وغيرها، فما وقع ذلك إلا سهوا عما التزمه
__________
(1) آية: 23.(2/689)
باصطلاحه، فإن قيل الصعقة لا كسر فيها، فكيف يقول مسكن الكسر؟ قلت: وكذلك لا بدّ فيها، فكيف قال اقصر، إنما ذلك باعتبار القراءة الأخرى، أى اسكن فى موضع الكسر، ولم يتعرض الشيخ لهذا فى شرحه أولا، ثم فى آخر عمره زاد فى شرحه نكتا فى مواضع هذا منها، فقال: قوله مسكن العين أراد به عين الفعل كما قال، لا عين راجع، وهذا زيادة إغراب فى البيت، وغير مخلص من الإشكال، والصاعقة اسم النازلة والصعقة مصدر صعقتهم، فقوله فأخذتهم الصعقة كما قال فأخذتهم الصبيحة قال أبو على: قيل إن الصعقة مثل الزجرة، وهو الصوت الذى يكون عن الصاعقة، قوله: وقوم، يريد وقوم نوح بالخفض عطف على وفى موسى وقوله وفى موسى عطف على وتركنا فيها آية أى وفى موسى وفى عاد، وفى ثمود وقوم نوح آيات والنصب على، وأهلكنا قوم نوح أو واذكر قوم نوح وانقضى النظم لما فى الذاريات، ثم شرع فى حروف والطور فقال:
1047 [وبصر وأتبعا بو اتّبعت وما
ألتنا اكسروا (د) نيا وإن افتحوا (ا) لجلا]
أى قرأ أبو عمرو والذين آمنوا واتبعناهم موضع قراءة غيره واتبعتهم وكلاهما واضح، وقد مضى ذكر الخلاف فى ذرياتهم الذى بعد اتبعناهم، والذى بعد ألحقنا بهم فى سورة الأعراف، وأما وما ألتناهم، فكسر اللام ابن كثير وحده، وفتحها غيره، وهما لغتان وفيها لغات أخر ذكرها الشيخ فى شرحه، والكل بمعنى النقصان، وقوله دنيا من قولهم هو ابن عمى دنيا ودنيا، إذا كسرت الدال نوّنت، وإذا ضممتها لم تنوّن، أى قريبا يشير إلى أنه قريب من الحرف المذكور قبله، وهو واتبعناهم وقال الشيخ: يعنى إن ألتنا بالكسر قريب من ألتنا بالفتح كابنى العم، ثم قال: وأن افتحوا الجلا بفتح الجيم وقصر الممدود، أى ذا الجلا، يعنى الجلى ورضى فى أوّل البيت الآتى متصل به معنى ورمزا فهو فى موضع نصب على التمييز أى الجلى رضاه ويجعلها أن يكون خبر مبتدأ محذوف أى هو رضى، وموضع الخلاف هو قوله إنه هو البر الرحيم وهو مشكل، فإن قبله موضعين لا خلاف فى كسرهما، وهما إنا كنا قبل فى أهلنا مشفقين إنا كنا من قبل ندعوه إنه ولا يليق الفتح لا بقوله إنه هو البر على تقدير لأنه أو ندعوه بأنه أى نصفه بهاتين الصفتين، فالذى فتحه نافع والكسائى وكسره الباقون على الابتداء، فلهذا قال الجلا رضاه، أى الواضح أمره بجواز ذلك فيه، وكأنه قيده بذلك، والله أعلم.
1048 [رضا يصعقون اضممه (ك) م (ن) صّ والمسي
طرون (ل) سان (ء) اب بالخلف (ز) مّلا]
أى اضمم ياءه فيبقى فعلا لم يسم فاعله من أصعقهم، فيكون مثل يكرمون، وقيل: يقال صعقهم فيكون مثل يضربون، ومن فتح الياء فهو مضارع صعق اللازم لقوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ} وكلتا الآيتين إشارة إلى صعقة تقع يوم القيامة، شهد ذلك ما فى صحيح البخارى من قول النبى صلّى الله عليه وسلم «فإن الناس يوم القيامة يصعقون» وقد بينا ذلك فى مسألة مفردة مذكورة فى الكراسة الجامعة، وقوله: كم نص: أى كم قارئ نص عليه أو كم مرة وقع من قارئه وناقله، وقوله لسان أى لغة والزمل الضعيف أى قرأه بالسين هشام وقنبل وحفص بخلاف عنه ثم بين قراءة غيرهم فقال:
1049 [وصاد كزاى (ق) ام بالخلف (ض) بعه
وكذّب يرويه هشام مثقّلا]
أى قرأه الباقون بالصاد، وأشم الصاد زاء خلف وخلاد بخلاف عنه، والكلام فى هذا كما سبق فى الصراط تعليلا وشرحا لعبارة الناظم، فإنه استغنى باللفظ عن القيد وفيه نظر نبهنا عليه هنا، والضبع العضد أى أشدّ وأقوى، وانتهى ذكر ما فى الطور من الحروف، ثم انتقل إلى سورة والنجم، فقال: وكذب يعنى ما كذب الفؤاد ما رأى شدده هشام أى لم يكذب ما رآه بعينه، قال أبو على: كذب يتعدى إلى مفعول بدلة قوله:(2/690)
1048 [رضا يصعقون اضممه (ك) م (ن) صّ والمسي
طرون (ل) سان (ء) اب بالخلف (ز) مّلا]
أى اضمم ياءه فيبقى فعلا لم يسم فاعله من أصعقهم، فيكون مثل يكرمون، وقيل: يقال صعقهم فيكون مثل يضربون، ومن فتح الياء فهو مضارع صعق اللازم لقوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ} وكلتا الآيتين إشارة إلى صعقة تقع يوم القيامة، شهد ذلك ما فى صحيح البخارى من قول النبى صلّى الله عليه وسلم «فإن الناس يوم القيامة يصعقون» وقد بينا ذلك فى مسألة مفردة مذكورة فى الكراسة الجامعة، وقوله: كم نص: أى كم قارئ نص عليه أو كم مرة وقع من قارئه وناقله، وقوله لسان أى لغة والزمل الضعيف أى قرأه بالسين هشام وقنبل وحفص بخلاف عنه ثم بين قراءة غيرهم فقال:
1049 [وصاد كزاى (ق) ام بالخلف (ض) بعه
وكذّب يرويه هشام مثقّلا]
أى قرأه الباقون بالصاد، وأشم الصاد زاء خلف وخلاد بخلاف عنه، والكلام فى هذا كما سبق فى الصراط تعليلا وشرحا لعبارة الناظم، فإنه استغنى باللفظ عن القيد وفيه نظر نبهنا عليه هنا، والضبع العضد أى أشدّ وأقوى، وانتهى ذكر ما فى الطور من الحروف، ثم انتقل إلى سورة والنجم، فقال: وكذب يعنى ما كذب الفؤاد ما رأى شدده هشام أى لم يكذب ما رآه بعينه، قال أبو على: كذب يتعدى إلى مفعول بدلة قوله:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
ومعنى كذبتك أى أرتك ما لا حقيقة له، فمعنى ما كذب الفؤاد ما رأى أى لم يكذب فؤاد ما أدركه بصره، أى كانت رؤية صحيحة غير كاذبة، وإدراكا على الحقيقة، قال ويشبه أن يكون الذى شدد أكد هذا المعنى أفتمارونه على ما يرى أى أترومون إزالته عن حقيقة ما أدركه وعلمه، قال الزمخشرى: ما كذب فؤاد محمد صلّى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبرائيل عليه السلام، أى ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه يعنى أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك فى أن ما رآه حق وقرئ ما كذب أى صدقه ولم يشك أنه جبريل بصورته، وقال أبو عبيد: وبالتخفيف نقرأ، وهى فى التفسير ما كذب فى رؤيته، يقول: إن رؤيته قد صدقت.
قلت: قد سبق فى قوله تعالى {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} أى فى ظنه، فكذا هنا، ما كذب فيما رأى أى فى رؤيته، أى: صدق فيها.
1050 [تمارونه تمرونه وافتحوا (ش) ذا
مناءة للمكّى زد الهمز وأحفلا]
هذا مثل قوله: سكارى معا سكرى، أى قراءة حمزة والكسائى اللفظ الثانى وهو تمرونه وسكرى، وقوله: وافتحوا زيادة بيان هنا أى افتحوا التاء، وكان له أن لا يذكره كما لم يذكر فتحة السين فى سكرى، وشذا حال من الفاتحين، أو من المفتوح أى ذوى شذا، أو ذا شذا، ومعنى أفتمارونه أفتجادلونه؟ وبخهم سبحانه فى مجادلتهم للنبى عليه السلام فيما ذكره لهم صلّى الله عليه وسلم من الإسراء به، وتمرونه بمعنى تجحدونه، قال الزمخشرى: أفتمارونه، من المراء: وهو الملاحاة والمجادلة، واشتقاقه من مرى الناقة، كأن كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه، وقرئ أفتمرونه، أى أفتغلبونه فى المراء، من ماريته فمريته، ولما فيه من معنى الغلبة عدى بعلى، كما يقول غلبته على كذا، وقيل أفتمرونه: أفتجحدونه وأنشدوا:
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة ... لقد مريت أخا ما كان يمريكا
وقال: يقال مريته حقه أى جحدته، وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين، وقال النحاس: قال قال محمد بن زيد: يقال: مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه، وعلى بمعنى «عن» قال بنو كعب
ابن ربيعة يقولون: رضي الله عليك، أى عنك، ومناة على وزن نجاة، ومناءة بزيادة همزة بعد الألف على وزن مجاعة: لغتان قال جرير.(2/691)
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة ... لقد مريت أخا ما كان يمريكا
وقال: يقال مريته حقه أى جحدته، وتعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين، وقال النحاس: قال قال محمد بن زيد: يقال: مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه، وعلى بمعنى «عن» قال بنو كعب
ابن ربيعة يقولون: رضي الله عليك، أى عنك، ومناة على وزن نجاة، ومناءة بزيادة همزة بعد الألف على وزن مجاعة: لغتان قال جرير.
أزيد مناة توعدنا ابن تيم
وأنشد الكسائى:
ألا هل أتى التيم ابن عبد مناءة
وقوله: واحفلا أرادوا حفلن فأبدل من نون التوكيد الخفيفة ألفا للوقف، أى احتفل بهذه القراءة فاحتج لها، لأن من الناس من أنكر المد، قال أبو على: قال أبو عبيد: اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة، ولعل مناءة بالمد لغة لم أسمع بها عن أحد من رواة اللغة، وقد سمع زيد مناة عبد مناة ولم أسمع بالمد.
قال الزمخشرى فى اشتقاق اللفظين على القراءتين: كأنها سميت مناءة، لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها، أى كانت تراق، ومناة مفعلة من النوء، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها * قلت: ومن الأوّل تسمية منى لكثرة ما يراق فيها من دماء الأضاحى والنسك فى الحج وقال الجوهرى:
عبد مناة بن أدّ بن طابخة، وزيد مناة بن تميم بن مرة، يمد ويقصر، قال: هو ابن الحارثي:
. الاهل أتى التيم بن عبد مناءة.
1051 [ويهمز ضيزى خشّعا خاشعا (ش) فا
(ح) ميدا وخاطب تعلمون (ف) طب (ك) لا]
أى ويهمز المكى ياء ضيزى، والهمز فى ذلك وتركه لغتان، يقال ضازه حقه يضازه، أى إذا نقصه وجاز فيه على وزن حساه يحساه، ويقال ضازه يضيزه، مثل باعه يبيعه، فوزن ضئزى بالهمز فعلى بكسر الفاء، قالوا هى مصدر وصف به كالذكرى، وإذا لم تهمز فوزنها عندى كذلك، وهى مصدر أيضا، والتقدير قسمة ءات ضيزى، وقال النحاة وزنها فعلى بضم الفاء، وإن كانت فى لفظ ضيزى مكسورة اعتبارا بالأصل، كما يقال فى وزن ييض فعل، وفى وزن بيوت فعول، قال أبو على: لأنهم لم يجدوا فى الصفات شيئا على فعلى، يعنى بكسر الفاء مع ألف التأنيث، قلت: لا نجعلها صفة بل مصدرا كالمهموز، قال أبو على: حكى التوزى الهمز فى هذه ضأزه يضأزه: إذا ظلمه، وأنشد:
اذا ضأزانا حقنا فى غنيمة
قلت: وانتهى الكلام فى حروف سورة النجم، ثم قال الناظم: خشعا خاشعا مثل سكارى معا سكرى أى قوله تعالى {خُشَّعاً أَبْصََارُهُمْ} يقرأه شفا حميدا خاشعا، وهما لغتان فى اسم الفاعل إذا وقع فاعلا مجموعا. هل يفرد فى نفسه أو يجمع جمع تكسير؟ تقول: مررت بزيد قاعدا غلمانه وقعودا غلمانه، سواء فى ذلك الحال والصفة نحو مررت برجل قاعد غلمانه وقعود غلمانه، وسنوضح ذلك فى شرح الناظم إن شاء الله تعالى، قال الزمخشرى: وفى خشعا بالجمع هو لغة، تقول: أكلونى البراغيث، وليس كذلك، فإن أكلونى لغة ضعيفة، وتلك فصيحة، قال أبو على: يرجح مررت برجل حسان قومه، على حسن قومه، قال الزمخشرى: ويجوز أن يكون فى خشعا ضميرهم ويقع أبصارهم بدلا عنه.
قلت: يعنى يخرجون من الأجداث خشعا فهو حال، وقيل يجوز أن يكون مفعول يدع الداع أى
يدعو قوما خشعا أبصارهم ثم قال: وخاطب يعلمون بمعنى قوله سيعلمون غدا من الخطاب فيه والغيب ظاهران، وكلا تمييز، وهو المرعى وأبدل الهمزة ألفا لما سكنت للوقف، وكنى به عن العلم المقتبس من المخاطب ويجوز أن يكون كلا مصدر كلأه أى حرسه وحفظه كلأ كضرب ضربا، ثم نقل حركة الهمزة إلى اللام وحذفت الهمزة، ثم يكون هذا المصدر تمييزا أو فى موضع الحال ليطيب حفظك أو طب واحفظ، وفى هذه السورة ثمانى زوائد، ويوم يدع الداع أثبتها فى الوصل ورش وأبو عمرو، وفى الحالين البزى مهطعين إلى الداع أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وفى الحالين ابن كثير ونذر فى ستة مواضع: واحد فى قصة نوح، واثنان فى قصة عاد، وواحد فى قصة ثمود، واثنان فى قصة لوط، أثبت الستة فى الوصل ورش وحده، وتقدم ثلاث زوائد فى سورة ق فقلت فيه:(2/692)
قلت: يعنى يخرجون من الأجداث خشعا فهو حال، وقيل يجوز أن يكون مفعول يدع الداع أى
يدعو قوما خشعا أبصارهم ثم قال: وخاطب يعلمون بمعنى قوله سيعلمون غدا من الخطاب فيه والغيب ظاهران، وكلا تمييز، وهو المرعى وأبدل الهمزة ألفا لما سكنت للوقف، وكنى به عن العلم المقتبس من المخاطب ويجوز أن يكون كلا مصدر كلأه أى حرسه وحفظه كلأ كضرب ضربا، ثم نقل حركة الهمزة إلى اللام وحذفت الهمزة، ثم يكون هذا المصدر تمييزا أو فى موضع الحال ليطيب حفظك أو طب واحفظ، وفى هذه السورة ثمانى زوائد، ويوم يدع الداع أثبتها فى الوصل ورش وأبو عمرو، وفى الحالين البزى مهطعين إلى الداع أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو، وفى الحالين ابن كثير ونذر فى ستة مواضع: واحد فى قصة نوح، واثنان فى قصة عاد، وواحد فى قصة ثمود، واثنان فى قصة لوط، أثبت الستة فى الوصل ورش وحده، وتقدم ثلاث زوائد فى سورة ق فقلت فيه:
وزد نذرى ستا كذا الداع فيهما ... بقاف المنادى مع وعيدى معا علا(2/693)
وزد نذرى ستا كذا الداع فيهما ... بقاف المنادى مع وعيدى معا علا
سورة الرحمن عز وجل
1052 [وو الحبّ ذو الرّيحان رفع ثلاثها
بنصب (ك) فى والنّون بالخفض (ش) كلّا]
ثلاثها بمنزلة كلها فى صحة الإضافة، وأنث العدد قصدا إلى الكلمات وأطلق الرفع والنصب فى الثلاث على حسب ما يليق بكل منها، فرفع الحب والريحان بالضمة فيهما، ونصبهما بالفتحة فيهما، ورفع ذو بالواو ونصبها بالألف.
وفى قوله فى البقرة: ناصبا كلماته، بكسر لم يجتز بلفظ النصب حتى يبين أنه بالكسر، لتيسر ذلك عليه ثم وتعسره هنا، وإلا فالمعهود فى عبارته بالنصب إنما هو الفتحة ورفع الثلاثة بالعطف على فاكهة، أى فيها فاكهة والحب والريحان، وذو: صفة للحب، ونصبها بفعل مضمر أى وخلق الحب ذا العصف والريحان ورسمت ذا بالألف فى المصحف الشامى، وخفض حمزة والكسائى النون من الريحان على تقديمه ذو العصف وذو الريحان، والريحان الورق الذى يشم والنصف ورق الزرع، ولا خلاف فى جره، لأنه مضاف إليه صريحا، وقوله شكل من شكلت الكتاب إذا قيدته بالضبط بما يدل على الحركات مأخوذ من شكال الدابة لأن اللفظ قبل شكله متردد من جهات يتعين بالشكل بعضها:
1053 [ويخرج فاضمم وافتح الضّمّ (إ) ذ حمى
وفى المنشآت الشّين بالكسر (ف) احملا]
يريد {مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ} قرأه الجماعة على إسناد الفعل إلى الفاعل، وقرأه نافع وأبو عمرو على أنه فعل ما لم يسم فاعله، فضما الياء وفتحا الراء المنشآت بكسر الشين وفتحها نعت للجوار، وهى السفن فقراءة الفتح ظاهرة لأنها أنشئت وأجريت، وقيل المرفوعات الشرع، وقيل فى معنى الكسر إنها تنشئ الموج بجربها أو ترفع الشرع، أو تنشئ السير على طريق المجاز، نحو مات زيد، ومرض فمات، يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه وهو فى الحقيقة لغيره، والفاء فى فاحملا زائدة، وهى رمز، والشين مفعول به، أى احمل الشين بالكسر، أى انقلها كذلك، وأراد احملن بنون التأكيد، فأبدلها ألفا كما سبق فى نظائر له، ثم تمم الرمز فقال:
1054 [(ص) حيحا بخلف نفرغ الياء (ش) ائع
شواظ بكسر الضّمّ مكّيتهم جلا]
أى كسر الشين حمزة وأبو بكر بخلاف عنه وأما سنفرغ لكم أيها الثقلان فالخلاف فيه بالياء والنون ظاهر، قال أبو على: وليس الفراغ هنا فراغا من شغل، ولكن تأويله القصد، كما قال جرير.
الآن قد فرغت إلى تميم
وقال الزمخشرى: المراد التوفر على النكاية، أى لا يكون له شغل سواه، ستنقضى شئون الدنيا فلا يبقى إلا شأن واحد، وهو جزاؤكم، والشواظ بكسر الشين وضمها: لغتان، وهو اللهب، وقوله جلا، ليس برمز لأنه قد صرح بالقارئ، وهو مكيهم، فلا رمز معه، والله أعلم.
1055 [ورفع نحاس جرّ (حقّ) وكسر مي
م يطمث فى الأولى ضمّ (ت) هدى وتقبلا]
رفع مفعول جر، وحق فاعله، ورأيت فى بعض النسخ رفع بالضم على الابتداء، وجر بالرفع خبره، وحق مجرور بالإضافة كلا اللفظين صواب، ووجهه ظاهر، ووجه رفع نحاس العطف على شواظ، وجره عطف على نار، أى الشواظ من نار ونحاس، وفى النحاس قولان: أحدهما أنه الدخان، والثانى أنه الصفر المذاب، وفى الشواظ أيضا قولان لأهل اللغة، قال أبو عبيد: هو اللهب لا دخان فيه، وقال بعضهم لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا، فإن قلنا: النحاس بمعنى الدخان، والشواظ ما لا دخان فيه ظهرت قراءة الرفع، وعلى القول الآخر تظهر قراءة الجر، وإن قلنا: النحاس هو الصفر المذاب ظهرت أيضا قراءة الرفع، واستخرج أبو على وجها لقراءة الجر على قولنا الشواظ ما لا دخان فيه، وهو أن التقدير وشيء من نحاس، فيحذف الموصوف وتقام الصفة مقامه، ثم حذفت من: من قوله ومن نحاس، لأن ذكره قد سبق فى من نار، ويقال طمث البكر يطمثها ويطمثها ويطمثها بفتح الميم فى الماضى، وبكسرها وبضمها فى المضارع إذا دماها بالجماع، وعنى بالأولى التى بعدها كأنهن الياقوت ضم الميم الدورى عن الكسائى، وإعراب قوله نهدى وتقبلا سبق فى شرح قوله فى باب الإمالة «أمل تدعى حميدا وتقبلا»:(2/694)
الآن قد فرغت إلى تميم
وقال الزمخشرى: المراد التوفر على النكاية، أى لا يكون له شغل سواه، ستنقضى شئون الدنيا فلا يبقى إلا شأن واحد، وهو جزاؤكم، والشواظ بكسر الشين وضمها: لغتان، وهو اللهب، وقوله جلا، ليس برمز لأنه قد صرح بالقارئ، وهو مكيهم، فلا رمز معه، والله أعلم.
1055 [ورفع نحاس جرّ (حقّ) وكسر مي
م يطمث فى الأولى ضمّ (ت) هدى وتقبلا]
رفع مفعول جر، وحق فاعله، ورأيت فى بعض النسخ رفع بالضم على الابتداء، وجر بالرفع خبره، وحق مجرور بالإضافة كلا اللفظين صواب، ووجهه ظاهر، ووجه رفع نحاس العطف على شواظ، وجره عطف على نار، أى الشواظ من نار ونحاس، وفى النحاس قولان: أحدهما أنه الدخان، والثانى أنه الصفر المذاب، وفى الشواظ أيضا قولان لأهل اللغة، قال أبو عبيد: هو اللهب لا دخان فيه، وقال بعضهم لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا، فإن قلنا: النحاس بمعنى الدخان، والشواظ ما لا دخان فيه ظهرت قراءة الرفع، وعلى القول الآخر تظهر قراءة الجر، وإن قلنا: النحاس هو الصفر المذاب ظهرت أيضا قراءة الرفع، واستخرج أبو على وجها لقراءة الجر على قولنا الشواظ ما لا دخان فيه، وهو أن التقدير وشيء من نحاس، فيحذف الموصوف وتقام الصفة مقامه، ثم حذفت من: من قوله ومن نحاس، لأن ذكره قد سبق فى من نار، ويقال طمث البكر يطمثها ويطمثها ويطمثها بفتح الميم فى الماضى، وبكسرها وبضمها فى المضارع إذا دماها بالجماع، وعنى بالأولى التى بعدها كأنهن الياقوت ضم الميم الدورى عن الكسائى، وإعراب قوله نهدى وتقبلا سبق فى شرح قوله فى باب الإمالة «أمل تدعى حميدا وتقبلا»:
1056 [وقال به اللّيث فى الثّان وحده
شيوخ ونصّ الليث بالضمّ الأوّلا]
به أى بالضم والثانى هو الذى قبله حور مقصورات والأولا نصب بالضم كقوله:
عن الضرب مسمعا.
قال صاحب التيسير أبو عمر عن الكسائى لم يطمثهن فى الأوّل بضم الميم، وأبو الحارث عنه فى الثانى، كذلك هذه قراءتى، والذى نص عليه أبو الحارث كرواية الدورى، وقال فى غيره قرأت على فارس ابن أحمد فى رواية أبى الحارث كرواية الدورى، وقال طاهر بن غلبون: إن الضم فى الأوّل الدورى، وعكس ذلك لأبى الحارث اختيار من أهل الأداء.
1057 [وقول الكسائى ضمّ أيّهما تشا
وجيه وبعض المقرئين به تلا]
قال الدانى فى غير التيسير: على أن الكسائى خير فيهما فقال: ما أبالى أيهما قرأت بالضم أو الكسر بعد أن لا أجمع بينهما، قال أبو عبيد: كان الكسائى يروى فيهما الضم والكسر، وربما كسر إحداهما وضم الأخرى، فقول الكسائى: هذا وجيه، أى له وجاهة، لأن فيه الجمع بين اللغتين، وبعض المقرئين به تلا، يعنى بهذا التخيير كابن أشتة، وغيره، ممن لم يذكر غير التخيير.
1058 [وآخرها يا ذى الجلال ابن عامر
بواو ورسم الشّام فيه تمثّلا]
أى يا ذو الجلال، آخر السورة قرأها ابن عامر بواو، أى جعل مكانها واوا ولزم من ذلك ضم الذال قبلها، فلهذا لم ينبه عليه وقصر لفظ «يا» ضرورة، يعنى قوله سبحانه تبارك اسم ربك ذى الجلال فهو بالياء نعت للرب، وبالواو نعت للاسم، لأن المراد بالاسم هنا المسمى، لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية، وهى المراد تسبيحها وتنزيهها والثناء عليها بقوله سبح اسم ربك الأعلى وقد استقصينا بيان ذلك وتحقيقه فى آخر كتاب البسملة الأكبر، وقوله: تمثل أى تشخص، الواو فى رسم المصحف الشامى، وقد أجمعوا على الأوّل أنه بالواو، وهو ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام:(2/695)
1058 [وآخرها يا ذى الجلال ابن عامر
بواو ورسم الشّام فيه تمثّلا]
أى يا ذو الجلال، آخر السورة قرأها ابن عامر بواو، أى جعل مكانها واوا ولزم من ذلك ضم الذال قبلها، فلهذا لم ينبه عليه وقصر لفظ «يا» ضرورة، يعنى قوله سبحانه تبارك اسم ربك ذى الجلال فهو بالياء نعت للرب، وبالواو نعت للاسم، لأن المراد بالاسم هنا المسمى، لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية، وهى المراد تسبيحها وتنزيهها والثناء عليها بقوله سبح اسم ربك الأعلى وقد استقصينا بيان ذلك وتحقيقه فى آخر كتاب البسملة الأكبر، وقوله: تمثل أى تشخص، الواو فى رسم المصحف الشامى، وقد أجمعوا على الأوّل أنه بالواو، وهو ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام:(2/696)
1058 [وآخرها يا ذى الجلال ابن عامر
بواو ورسم الشّام فيه تمثّلا]
أى يا ذو الجلال، آخر السورة قرأها ابن عامر بواو، أى جعل مكانها واوا ولزم من ذلك ضم الذال قبلها، فلهذا لم ينبه عليه وقصر لفظ «يا» ضرورة، يعنى قوله سبحانه تبارك اسم ربك ذى الجلال فهو بالياء نعت للرب، وبالواو نعت للاسم، لأن المراد بالاسم هنا المسمى، لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية، وهى المراد تسبيحها وتنزيهها والثناء عليها بقوله سبح اسم ربك الأعلى وقد استقصينا بيان ذلك وتحقيقه فى آخر كتاب البسملة الأكبر، وقوله: تمثل أى تشخص، الواو فى رسم المصحف الشامى، وقد أجمعوا على الأوّل أنه بالواو، وهو ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام:
سورة الواقعة والحديد
1059 [وحور وعين خفض رفعهما (ش) فا
وعربا سكون الضّمّ (ص) حّح (ف) عتلى]
الخفض عطف على فاكهة ولحم طير من باب تقلدت بالسيف والرمح، أى إنهم جامعون بين هذه الأشياء، وفاكهة ولحم طير معطوفان، إما على أكواب وإما على جنات النعيم، فإن كانا على أكواب فالمعنى أنهم ينعمون بحور عين، كما نعموا بما قبله، وإن كانا على جنات، فالمعنى أنه فى مقارنة بحور عين، أو معاشرة حور عين، وأما وجه الرفع فعلى تقدير: ولهم حور عين، أو وفيها حور عين، أو عطف على ولدان وجوّز أبو على أن تكون عطفا على الضمير فى متقابلين، ولم يؤكد لطول الفصل، وجوّز أيضا أن تكون على تقدير: وعلى سرر موضونة حور عين، وأما عربا، فضم الراء وإسكانها لغتان، وسبق لها نظائر مثل نذرا، ونذرا، وجمع عروب، وهى المرأة المتحببة إلى زوجها:
1060 [وخفّ قدرنا (د) ار وانضمّ شرب (ف) ى
ندى الصّفو واستفهام إنّا (ص) فا ولا]
يعنى {نَحْنُ قَدَّرْنََا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} التخفيف والتشديد فى قدرنا: لغتان، وقد سبق ذلك فى سورة الحجرات، وشرب الهيم بضم الشين وفتحها، مصدر شربت الإبل. وقيل الضم الاسم كالشغل، والفتح المصدر، وجاء المفتوح جمع شارب كركب وصحب فى غير هذا الموضع، وقوله تعالىء إنا لمغرمون على الخبر قرأه شعبة بزيادة همزة الاستفهام الذى بمعنى التقدير، وقوله صفا ولا، أى شديد متابعة أوصاف متابعته، أو هو صفا ذا ولاء، أى متابعة، فنصبه على الحال. وعلى الأوّل تمييز، وصفا بمعنى شديد مقصور، والذى بمعنى صاف ممدود فقصر. ضرور، فإن كان من الصفاء الممدود فالتقدير الاستفهام ذو صفا، وإن كان مقصورا فالتقدير مشبه صفا فى قوته.
1061 [بموقع بالإسكان والقصر (ش) ائع
وقد أخذ اضمم واكسر الخاء (ح) وّلا]
يعنى إسكان الواو وحذف الألف بعدها، من قوله سبحانه بمواقع النجوم فهو من باب الإفراد والجمع، وقد سبق لهما نظائر. وتمم الكلام فى حروف سورة الواقعة، ثم شرع فى سورة الحديد، قرأ أبو عمرو وحده {وَقَدْ أَخَذَ مِيثََاقَكُمْ} على بناء الفعل للمفعول والباقون بفتح الهمزة والخاء على بنائه للفاعل، وهو الله تعالى، وحوّلا: حال، وهو العالم بتحوّل الأمور.
1062 [وميثاقكم عنه وكلّ (ك) فى وأن
ظرونا بقطع واكسر الضّمّ (ف) يصلا]
عنه أى عن أبى عمرو، رفع القاف من ميثاقكم، لأنه مفعول أخذ الذى لم يسم فاعله، ونصبه غيره لأنه مفعول أخذ المسمى للفاعل، وأما وكل وعد الله الحسنى فرفعه على الابتداء كبيت الكتاب كله لم أصنع، وكتب كذلك فى مصحف الشام، وهو فى الأصل مفعول وعد، ولكن إذا تقدم المفعول على الفعل ضعف عمله فيه، فيجوز رفعه وقراءة الجماعة بالنصب على الأصل، وقد أجمعوا على نصب الذى فى سورة النساء، وأما انظرونا نقتبس بقطع الهمزة المفتوحة وكسر الظاء قراءة حمزة وحده، فبمعنى أمهلونا أى ارفقوا بنا كى ندرككم، وقراءة الباقين بوصل الهمزة وضم الظاء بمعنى انتظرونا أو التفتوا إلينا، يقال نظرته إذا انتظرته، وأنظرته إذا أخرته وأمهلته، وفيصلا حال بمعنى حاكما 1063 [ويؤخذ غير الشّام ما نزل الخفي
ف (إ) ذ (ع) زّ والصّادان من بعد (د) م (ص) لا]
يريد {لََا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} قراءة الجماعة بالتذكير، لأن تأنيث الفدية غير حقيقى، وأنث ابن عامر على اللفظ، وما نزل من الحق بالتخفيف والتشديد ظاهران، لأن ما نزله الله فقد نزل هو، ومعنى إذ عز، أى هذا قليل فى الكتاب العزيز، نحو وبالحق نزل والأكثر ذكر التنزيل، والإنزال مسند إلى اسم الله تعالى، وقوله: ما نزل مبتدأ والخفيف خبره، وقوله ويؤخذ غير الشام، على تقدير تذكير يؤخذ قراءة غير أهل الشام، فحذفت هذه المضافات للعلم بها، ثم قال: والصادان من بعد أى من بعد ما نزل يريد الصادين:(2/697)
1062 [وميثاقكم عنه وكلّ (ك) فى وأن
ظرونا بقطع واكسر الضّمّ (ف) يصلا]
عنه أى عن أبى عمرو، رفع القاف من ميثاقكم، لأنه مفعول أخذ الذى لم يسم فاعله، ونصبه غيره لأنه مفعول أخذ المسمى للفاعل، وأما وكل وعد الله الحسنى فرفعه على الابتداء كبيت الكتاب كله لم أصنع، وكتب كذلك فى مصحف الشام، وهو فى الأصل مفعول وعد، ولكن إذا تقدم المفعول على الفعل ضعف عمله فيه، فيجوز رفعه وقراءة الجماعة بالنصب على الأصل، وقد أجمعوا على نصب الذى فى سورة النساء، وأما انظرونا نقتبس بقطع الهمزة المفتوحة وكسر الظاء قراءة حمزة وحده، فبمعنى أمهلونا أى ارفقوا بنا كى ندرككم، وقراءة الباقين بوصل الهمزة وضم الظاء بمعنى انتظرونا أو التفتوا إلينا، يقال نظرته إذا انتظرته، وأنظرته إذا أخرته وأمهلته، وفيصلا حال بمعنى حاكما 1063 [ويؤخذ غير الشّام ما نزل الخفي
ف (إ) ذ (ع) زّ والصّادان من بعد (د) م (ص) لا]
يريد {لََا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} قراءة الجماعة بالتذكير، لأن تأنيث الفدية غير حقيقى، وأنث ابن عامر على اللفظ، وما نزل من الحق بالتخفيف والتشديد ظاهران، لأن ما نزله الله فقد نزل هو، ومعنى إذ عز، أى هذا قليل فى الكتاب العزيز، نحو وبالحق نزل والأكثر ذكر التنزيل، والإنزال مسند إلى اسم الله تعالى، وقوله: ما نزل مبتدأ والخفيف خبره، وقوله ويؤخذ غير الشام، على تقدير تذكير يؤخذ قراءة غير أهل الشام، فحذفت هذه المضافات للعلم بها، ثم قال: والصادان من بعد أى من بعد ما نزل يريد الصادين:
من قوله إن المصدقين والمصدقات أى والصادان كذلك، يريد بالتخفيف لابن كثير وأبى بكر، وهما بالتخفيف بمعنى الذين صدقوا الله ورسوله، والتشديد بمعنى المتصدقين فأدغمت التاء فى الصاد فهو مثل المزمل والمدثر، وروى عن أبىّ بن كعب رضي الله عنه إظهار التاء فيهما، وقوله وأقرضوا الله عطف على الفعل المفهوم من هذا اللفظ، تقديره: إن الذين صدقوا أو اصدقوا وأقرضوا فمعناه على التخفيف: أو الذين آمنوا وعملوا هذا النوع من الخير، وهو الإقراض الحسن، ومعناه على التشديد: إن الذين تصدقوا وكان إقراضهم لله تعالى على الوجه الأحسن، وهو من أطيب الكسب صادرا عن نية خالصة ومقصد صالح، وقوله: دم صلا، أى ذا صلاء، والصلاء عبر به عن الذكاء وعن القرى بالعلم، وقد سبق تحقيق المعنيين من هذا اللفظ 1064 [وآتاكم فاقصر (ح) فيظا وقل هو ال
غنىّ هو احذف (عمّ) وصلا موصّلا]
يريد {وَلََا تَفْرَحُوا بِمََا آتََاكُمْ} القصر بمعنى جاءكم والمد بمعنى أعطاكم الله، واختار أبو عبيد قراءة أبى عمرو لموافقته لقوله فاتكم، ولم يقل أفاتكم، ووجه المد إضافة الخبر إليه دون ضده، كما قال بيده الخير وقوله:
ولا تفرحوا استئناف نهى، وقيل عطف على لكيلا تأسوا والأول أجود، أما فإن الله هو الغنى فاحذف لفظ هو فى قراءة نافع وابن عامر، كما هو محذوف فى مصاحف المدينة والشام، وأثبته غيرهما، كما هو ثابت فى مصاحفهم، ولا خلاف فى إثبات الذى فى سورة الممتحنة، وهو مثل هذا، وهو فى هذين الموضعين للفصل، فحذفه غير مخل بأصل المعنى، وقوله: وصلا نصب على التمييز، وموصلا نعته، أى عم وصله الموصل الينا أى عم نقله وخبره، فذكره الأئمة فى كتبهم(2/698)
ولا تفرحوا استئناف نهى، وقيل عطف على لكيلا تأسوا والأول أجود، أما فإن الله هو الغنى فاحذف لفظ هو فى قراءة نافع وابن عامر، كما هو محذوف فى مصاحف المدينة والشام، وأثبته غيرهما، كما هو ثابت فى مصاحفهم، ولا خلاف فى إثبات الذى فى سورة الممتحنة، وهو مثل هذا، وهو فى هذين الموضعين للفصل، فحذفه غير مخل بأصل المعنى، وقوله: وصلا نصب على التمييز، وموصلا نعته، أى عم وصله الموصل الينا أى عم نقله وخبره، فذكره الأئمة فى كتبهم
ومن سورة المجادلة إلى سورة ن
كان ينبغى أن يقول: سورة المجادلة والحشر، ثم يقول: ومن سورة الممتحنة إلى سورة الطلاق، ثم يقول:
سورة الطلاق والتحريم والملك، فكانت تنقسم الجملة التى ذكرها ثلاثة أقسام، لأنها منفصلة فى المواضع التى ذكرتها على ما نظمه، والله أعلم.
1065 [وفى يتناجون اقصر النّون ساكنا
وقدّمه واضمم جيمه (ف) تكمّلا]
أراد بقصر النون حذف الألف التى بعدها فى حال سكونه النون وتقديمه على التاء، فإذا فصلت ذلك وضممت الجيم صار ينتجون على وزن يذهبون، هذه قراءة حمزة، وقراءة الباقين ما لفظ به وأصلهما يفتعلون ويتفاعلون، على وزن يختصمون ويتخاصمون، فحذفت لام الكلمة منهما لأنها فى يتناجون ياء تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، ثم حذفت للساكن بعدها، وفعل فى يتناجون ما فعل فى قاضون، فقيل ينتجون كما قيل قاضون، ومعنى القراءتين واحد، إلا أن يتناجون موافق لقوله تعالى إذا تناجيتم فلا تتناجو وتناجوا بالبر قال أبو على يفتعلون ويتفاعلون يجريان مجرى واحد.
1066 [وكسر انشزوا فاضمم معا (ص) فو خلفه
(ع) لا (ع) مّ وامدد فى المجالس (ن) وفلا]
يريد {وَإِذََا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} كسر الشين فيهما وضمها لغتان، يقال نشز ينشز، أى انهضوا، وهمزة انشزوا همزة وصل، إذا ابتدئ بها حركت بحركة الشين، وصفو خلفه مبتدأ، وخبره علا عم، والتوحيد والجمع فى المجالس والمجلس ظاهران، والنوفل: الكثير العطا.
1067 [وفى رسلى اليا يخربون الثّقيل (ح) ز
ومع دولة أنّث يكون بخلف (ل) لا]
يريد ياء الإضافة فى قوله تعالى {وَرُسُلِي إِنَّ اللََّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} فتحها نافع وابن عامر، وانتهى الكلام فى سورة المجادلة.
وأما يخربون بيوتهم فالتخفيف فيها والتشديد لغتان من أخرب وخرب، مثل أنزل ونزل، وقيل الإخراب أن تترك الموضع ربا، والتخريب الهدم، وقيل معنى التخفيف أنهم يعطلونها ويعرضونها للخراب بخروجه منها، ويخربون مفعول خرب، الثقيل نعته، ثم قال ومع دولة أى ومع رفع دولة أنث تكون التى قبله بخلف عن هشام. يريد {كَيْ لََا يَكُونَ دُولَةً} والذى فى كتابى التيسير والتبصرة لمكى أن هشاما رفع دولة، واختلف عنه فى تأنيث يكون وتذكيره، والذى ذكره أبو الفتح فارس: أن الخلاف فى الموضعين أحد الوجهين، مثل قراءة الجماعة بتذكير يكون ونصب دولة، وهو قول صاحب الروضة، والثانى تأنيث تكون ورفع دولة، وهو الذى ذكره طاهر ابن غلبون وأوه، ولم يذكر المهدوى وابن شريح لهشام إلا رفع دولة، ولم يتعرضا للخلاف فى يكون، وابن مجاهد وغيره لم يذكروا الخلاف فى الكلمتين أصلا، وتوجيه هذه القراءات ظاهر
من رفع دولة جعل كان تامة، ومن نصب قدر كيلا يكون الفيء دولة أى يتداوله الأغنياء بينهم مختصين به دون الفقراء، وتأنيث دولة ليس بحقيقى، فجاز تذكير يكون المسند إليها، وذكر الأهوازى فى بعض الروايات فتح الدال، والمشهور ضمها بلا خلاف، وحكى أبو عبيد فتح الدال عن أبى عبد الرحمن السلمى، قال: ولا نعلم أحدا فتحها، قال: والفرق بين الضم والفتح أن الدولة بالضم اسم الشيء الذى يتداول بعينه، والدولة بالفتح الفعل، وقرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله قوله بخلف لا، أراد لائيا، أى مبطئا وجاء هذا من اللأى قال الشيخ وسألته عن قوله بخلف لا فقال: إن شئت، قلت سمى بلا النافية، لأنه قد أثبت التأنيث، ونافية يثبت التذكير، وإن شئت قلت: بخلف لاء اسم فاعل من لاء إذا أبطأ لأن التذكير عن هشام أقل فى الرواية من التأنيث، ولأنه لا فصل هنا. فيحسن من جهة العربية.(2/699)
وأما يخربون بيوتهم فالتخفيف فيها والتشديد لغتان من أخرب وخرب، مثل أنزل ونزل، وقيل الإخراب أن تترك الموضع ربا، والتخريب الهدم، وقيل معنى التخفيف أنهم يعطلونها ويعرضونها للخراب بخروجه منها، ويخربون مفعول خرب، الثقيل نعته، ثم قال ومع دولة أى ومع رفع دولة أنث تكون التى قبله بخلف عن هشام. يريد {كَيْ لََا يَكُونَ دُولَةً} والذى فى كتابى التيسير والتبصرة لمكى أن هشاما رفع دولة، واختلف عنه فى تأنيث يكون وتذكيره، والذى ذكره أبو الفتح فارس: أن الخلاف فى الموضعين أحد الوجهين، مثل قراءة الجماعة بتذكير يكون ونصب دولة، وهو قول صاحب الروضة، والثانى تأنيث تكون ورفع دولة، وهو الذى ذكره طاهر ابن غلبون وأوه، ولم يذكر المهدوى وابن شريح لهشام إلا رفع دولة، ولم يتعرضا للخلاف فى يكون، وابن مجاهد وغيره لم يذكروا الخلاف فى الكلمتين أصلا، وتوجيه هذه القراءات ظاهر
من رفع دولة جعل كان تامة، ومن نصب قدر كيلا يكون الفيء دولة أى يتداوله الأغنياء بينهم مختصين به دون الفقراء، وتأنيث دولة ليس بحقيقى، فجاز تذكير يكون المسند إليها، وذكر الأهوازى فى بعض الروايات فتح الدال، والمشهور ضمها بلا خلاف، وحكى أبو عبيد فتح الدال عن أبى عبد الرحمن السلمى، قال: ولا نعلم أحدا فتحها، قال: والفرق بين الضم والفتح أن الدولة بالضم اسم الشيء الذى يتداول بعينه، والدولة بالفتح الفعل، وقرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله قوله بخلف لا، أراد لائيا، أى مبطئا وجاء هذا من اللأى قال الشيخ وسألته عن قوله بخلف لا فقال: إن شئت، قلت سمى بلا النافية، لأنه قد أثبت التأنيث، ونافية يثبت التذكير، وإن شئت قلت: بخلف لاء اسم فاعل من لاء إذا أبطأ لأن التذكير عن هشام أقل فى الرواية من التأنيث، ولأنه لا فصل هنا. فيحسن من جهة العربية.
قلت: يقال لأى لأيا مثل رمى رميا، أى أبطأ، واللأى مثله، فاسم الفاعل من لأى لاء، مثل: رام وقاض، والوقف عليه كالوقف على ماء، والله أعلم.
1068 [وكسر جدار ضمّ والفتح واقصروا
(ذ) وى (أ) سوة إنّى بياء توصّلا]
يجوز فى وكسر الرفع على الابتداء وخبره ضمّ، إن كان فعل ما لم يسم فاعله، وإن كان فعل أمر فالنصب فى وكسر لأنه مفعول، والفتح عطف عليه رفعا ونصبا، أى ضم الجيم والدال، واحذف الألف فيصير جدر، وهو جمع جدار، وهو كما سبق فى المواضع المختلف فيها فى إفرادها وجمعها، وذوى أسوة: حال من فاعل اقصروا، أى متأسين بمن سبق من القراء، ثم ذكر ياء الإضافة فى الحشر، وهى إنى أخاف الله فتحها الحرميان وأبو عمرو، ثم ذكر حروف سورة الممتحنة فقال:
1069 [ويفصل فتح الضّمّ (ن) صّ وصاده
بكسر (ث) وى والثّقل شافيه كمّلا]
يعنى يوم القيامة يفصل بينكم قرأ عاصم يفصل مضارع فصل بالتخفيف على بناء الفعل للفاعل، ومثله قراءة حمزة والكسائى، إلا أنه مضارع فصل بالتشديد، وقرأ الباقون على بناء الفعل للمفعول، وخففوا الصاد المفتوحة، سوى ابن عامر، فإنه شددها، ولم ينبه الناظم على فتح الفاء لمن قرأ بالتشديد، لأن التشديد يرشد إليه، ووجه هذه القراءات ظاهر.
1070 [وفى تمسكوا ثقل (ح) لا ومتمّ لا
تنوّنه واخفض نوره (ع) ن (ش) ذا (د) لا]
أمسك ومسك من باب أنزل ونزل، ويشهد لقراءة أبى عمرو والذين يمسكون بالكتاب شددها الأكثر، ومتم نوره فى سورة الصف من نون ونصب نوره فهو الأصل، مثل زيد مكرم عمرا، ومن أضاف فحذف التنوين وخفض المفعول فللتخفيف، وقوله: عن شذا، أى شذا دلا، وقد سبق معناهما.
1071 [ولله زد لئاما وأنصار نوّنا
(سما) وتنجّيكم عن الشّام ثقّلا]
يعنى قوله تعالى {كُونُوا أَنْصََارَ اللََّهِ} زد لام الجر على اسم الله، ونون أنصار فيصير أنصار الله، وقراءة الباقين على الإضافة، كما أجمعوا على الإضافة فى الحرف الثانى، وهو قال الحواريون نحن أنصار الله لم يقرأ أحد منهم أنصار الله، لأنهم أخبروا عن تحقق ذلك فيهم، واتصافهم بصحة الإضافة والنسبة.(2/700)
1070 [وفى تمسكوا ثقل (ح) لا ومتمّ لا
تنوّنه واخفض نوره (ع) ن (ش) ذا (د) لا]
أمسك ومسك من باب أنزل ونزل، ويشهد لقراءة أبى عمرو والذين يمسكون بالكتاب شددها الأكثر، ومتم نوره فى سورة الصف من نون ونصب نوره فهو الأصل، مثل زيد مكرم عمرا، ومن أضاف فحذف التنوين وخفض المفعول فللتخفيف، وقوله: عن شذا، أى شذا دلا، وقد سبق معناهما.
1071 [ولله زد لئاما وأنصار نوّنا
(سما) وتنجّيكم عن الشّام ثقّلا]
يعنى قوله تعالى {كُونُوا أَنْصََارَ اللََّهِ} زد لام الجر على اسم الله، ونون أنصار فيصير أنصار الله، وقراءة الباقين على الإضافة، كما أجمعوا على الإضافة فى الحرف الثانى، وهو قال الحواريون نحن أنصار الله لم يقرأ أحد منهم أنصار الله، لأنهم أخبروا عن تحقق ذلك فيهم، واتصافهم بصحة الإضافة والنسبة.
فإن قلت: فمن أين يعلم أن الخلاف فى الأول دون الثانى؟
قلت: هو غير مشكل على من تدبر صورة الحط فإن الثانى لو نوّن لسقطت الألف من اسم الله، وهى ثابتة فى الرسم، وأما الأول فأمكن جعل الألف صورة التنوين المنصوب، فلم تخرج القراءتان عن صورة الرسم والنون فى قوله نونن للتأكيد، وأنجى ونجى، كأمسك ومسّك، وقوله عن الشام أى عن قارئ الشام:
1072 [وبعدى وأنصارى بياء إضافة
وخشب سكون الضّمّ (ز) اد (ر) ضا (ح) لا]
أى فى الصف لفظان كل واحد منهما ياء إضافة مختلف فى إسكانها وفتحها، الأول من بعدى اسمه فتحها الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر، والثانى من أنصارى إلى الله فتحها نافع وحده وليس فى سورة الجمعة شيء من الحروف التى لم تذكر بعد، ولكن فيها أشياء مما يتعلق بما سبق كلفظ هو، والإمالة وصلة ميم الجمع، وهذا قد علم مما تقدم فيها، وخشب بإسكان الشين وضمها لغتان كثمر وثمر، أى سكون الضم فيه زاد حلاه رضى، أو هو ذو حلا.
1073 [وخفّ لووا (إ) لفا بما يعملون (ص) ف
أكون بواو وانصبوا الجزم (ح) فّلا]
يريد {لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ} لوى رأسه ولواه اذا عطفه وأماله، أى أعرض: معناهما واحد، وفى التشديد زيادة تكثير، قال أبو على التخفيف يصلح للقليل والكثير، والتكثير يختص بالكثرة وإلفا حال من لووا، أو هو أليف للتشدد لأن معناهما واحد، يعملون فى آخر السورة: الغيب فيه والخطاب ظاهران، وقرأ أبو عمرو وأكون من الصالحين عطفا على فأصدق لفظا، وهى قراءة واضحة، وقرأ غيره بإسكان النون وحذف الواو لالتقاء الساكنين، ووجه ذلك أنه مجزوم عطفا على موضع فأصدق، لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوما، لأنه جواب التحضيض الذى هو فى معنى التمنى والعرض، والكل فيه معنى الأمر، وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة فى علم العربية مقررة، وإن كان فيه فاء انتصب، قال أبو على: أعنى السؤال عن عن ذكر الشرط، والتقدير أخرنى فإن تؤخرنى أصدق. فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء فى موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله وأكن عليه، مثل ذلك قراءة من قرأ من يضلل الله فلا هادى له ونذرهم وأنشد:
أيا سلكت فإننى لك كاشح ... وعلى انتقاصك فى الحياة وازدد
قال: حمل ازدد على موضع الفاء وما بعدها، ومثله:
قابلونى بليتكم لعلى ... أصالحكم واستدرج نويا
قال: حمل واستدرج على موضع الفاء المحذوفة وما بعدها من لعلى واختار أبو عبيد هذه القراءة لاتفاق المصاحف على كتابة هذا الحرف بحذف الواو، قال: وفى القرآن ما لا يحصى من تكون ويكون فى موضع الرفع والنصب، لم تحذف الواو فى شيء منها، إنما حذفوا فى موضع الجزم خاصة، قال: وكان من حجة أبى عمرو فيها، أن قال: إنما حذفت الواو اختصارا فى الخط كما حذفوها «فى كلمن» وكان أصلها أن تكون بالواو:(2/701)
أيا سلكت فإننى لك كاشح ... وعلى انتقاصك فى الحياة وازدد
قال: حمل ازدد على موضع الفاء وما بعدها، ومثله:
قابلونى بليتكم لعلى ... أصالحكم واستدرج نويا
قال: حمل واستدرج على موضع الفاء المحذوفة وما بعدها من لعلى واختار أبو عبيد هذه القراءة لاتفاق المصاحف على كتابة هذا الحرف بحذف الواو، قال: وفى القرآن ما لا يحصى من تكون ويكون فى موضع الرفع والنصب، لم تحذف الواو فى شيء منها، إنما حذفوا فى موضع الجزم خاصة، قال: وكان من حجة أبى عمرو فيها، أن قال: إنما حذفت الواو اختصارا فى الخط كما حذفوها «فى كلمن» وكان أصلها أن تكون بالواو:
قلت: وكذلك كان يقول فى إن هذان لساحران إن اليا حذفت فى الرسم، فلهذا يحكى عنه أنه قال:
ما وجدت فى القرآن لحنا غير إن هذان وأكن من الصالحين يعنى فى كتابة القرآن، ووجه حذفهما على قراءته أنهما من حروف المد، فكما تحذف الألف كثيرا اختصارا فكذا أختاها، وقد قال الفراء: العرب قد تسقط الواو فى بعض الهجاء كما أسقطوا الألف من سليمان وأشباهه، قال: وايت فى مصاحف عبد الله فقولا فقلا بغير واو، ف ق ل ا.
قلت: والاعتماد فى القراءتين على صحة النقل فيهما، وإنما هذا اعتذار عن الخط، وقوله: حفلا جمع حافل، وهو حال من فاعل وانصبوا، أى متمكنين بكثرة العلم وسعته من توجيه القراءتين.
1074 [وبالغ لا تنوين مع خفض أمره لحفص وبالتّخفيف (ع) رّف (ر) فّلا] أى لا تنوين فيه، لأنه مضاف إلى ما بعده، والكلام فى بالغ أمره كما سبق فى متم نوره والتشديد فى {(عَرَّفَ بَعْضَهُ} [1]).
سورة التحريم بمعنى أعلم إعلام متابعة، فأعرض عن بعض أو أغضى عنه إحسانا وتكرما، ولهذا قيل: ما زال التثاقل من شأن الكرام.
ومعنى عرّف بالتخفيف جازى، وهو إشارة إلى ذلك القدر من المعاتبة أو إلى غيره، ومنه:
{(وَمََا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللََّهُ} [2]).
ويطلق هذا اللفظ أيضا مشعرا بالوعد والوعيد، فيقال عرفت ما صنع فلان، ومنه:
{(أُولََئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللََّهُ مََا فِي قُلُوبِهِمْ} [3]).
قال الفراء: عرف بالتخفيف أى غضب من ذلك وجازى عليه، كما تقول للرجل يسيء إليك: لأعرفن لك ذلك، وهو وجه حسن، وتقدير النظم وعرف: رفل بالتخفيف، أى عظم:
1075 [وضمّ نصوحا شعبة من تفوّت
على القصر والتّشديد (ش) قّ تهلّلا]
قال أبو الحسن والأخفش، نصحته فى معنى صدقته، توبة نصوحا أى صادقة، وقال الفتح: كلام العرب
__________
(1) آية: 3.
(2) سورة البقرة، آية: 197.
(3) سورة النساء، آية: 63.(2/702)
وقراءة الناس، ولا أعرف الضم قال أبو على: يشبه أن يكون مصدرا، قال الفراء: كأن الذين قرءوا نصوحا أرادوا المصدر، مثل قعودا، واللذين قالوا نصوحا جعلوه من صفة التوبة، ومعناها أن يحدث نفسه إذا تاب من ذنب أن لا يعود إليه أبدا، وذكر الزمخشرى فى تفسيره وجوها حسنة فى ذلك، وقال: النصوح مصدر نصح كالنصح، مثل الشكور والشكر، أى ذات نصوح أو انتصح نصوحا، ثم شرع الناظم فى سورة الملك فقال: من تفوت يريد {مََا تَرى ََ فِي خَلْقِ الرَّحْمََنِ مِنْ تَفََاوُتٍ} أى تباين واختلاف، فإذا حذفت الألف وشددت الواو صار تفوّت وهو بمعناه تفاوت وتفوّت مثل تظاهر وتظهر، والقراءتان مصدرا هذين الفعلين، وقوله: تفاوت مبتدأ وشق تهللا خبره، وقوله: على القصر والتشديد شق فى موضع الحال، أى مقصورا مشددا أى هذا اللفظ على ما فيه من القصر والتشديد شق تهلله، وهو من قولهم شق ناب البعير، إذا طلع، والمعنى طلع تهلله، أى لاح وظهر، أو يكون من شق البرق إذا سطع من خلال السحاب، ومعنى تهلل: تلألأ وأضاء، ويجوز أن يكون تهللا حال، أى ذا تهلل: والله أعلم.
1076 [وآمنتموا فى الهمزتين أصوله
وفى الوصل الأولى قنبل واوا ابدلا]
يريدء أمنتم من فى السماء حكمه مذكور فى باب الهمزتين من كلمة، فهو مثلء أنذرتهم داخل فى عموم قوله: وتسهيل أخرى همزتين بكلمة البيت، فقد عرف حكم هذه الكلمة من هناك، ومعنى أصوله أى أصول حكمه، وسبق أيضا فى الباب المذكور أن قنبلا أبدل الهمزة الأولى واوا لانفتاحها وانضمام ما قبلها، فى قوله النشور. ويسهل الثانية على أصله، وهذا لإبدال إنما يكون عند اتصال هذه الكلمة بالنشور، فإذا وقف على النشور حقق الهمزة إذا ابتدأ كغيره، فهذا معنى قوله: وفى الوصل، أى إبدال قنبل الهمزة الأولى واوا فى حالة الوصل دون الوقف.
فإن قلت: لهذا البيت فائدة غير الأذكار بما تقدم بيانه، والمتقدمات كثيرة، فلم خصص الناظم الأذكار بهذا دون غيره؟
قلت: له فائدتان غير الأذكار: إحداهما لما ذكر مذهب قنبل هذا فى باب الهمزتين لم يبين أنه يفعل ذلك فى الوصل، بل أطلق، فنص على الوصل هنا ليفهم أنه لا يفعل ذلك فى الوقف على ما قبلء أمنتم لزوال المقتضى لقلب الهمزة واوا، وهو الضمة، ولم يقنع بقوله ثم موصلا، فإن استعمال موصل بمعنى واصل، غريب على ما نبهنا عليه هناك، والفائدة الأخرى النصوصية على الكلمة، فإنه لما ذكر الحكم هناك كان كلامه فىء آمنتم بزيادة ألف بعد الهمزتين وفتح الميم، وهذه الكلمة لفظها غير ذلك، فإن بعد الهمزتين فيها ميما مكسورة.
1077 [فسحقا سكونا ضمّ مع غيب يعلمو
ن من (ر) ض معى باليا وأهلكنى انجلا]
يعنى أن الكسائى وحده ضم حاء فسحقا لأصحاب السعير وقرأ فستعلمون من هو فى ضلال بالياء على الغيبة، وإنما قال «من» احترازا من الذى قبله فستعلمون كيف نذير فإنه بالخطاب بغير خلاف وقرأ
غير الكسائى بإسكان حاء فسحقا وخطاب فستعلمون من وجه القراءتين فى الموضعين ظاهر، وسكونا فى البيت بدل من فسحقا بدل اشتمال، أى ضم فسحقا سكونه، ويجوز أن يكون سكونا مفعول ضم، وقوله فسحقا مبتدأ، أو مفعول فعل مضمر، فهو من باب زيدا اضرب رأسه، يجوز فيه الرفع والنصب، والنصب أقوى فى العربية، والعائد محذوف على التقديرين، أى سكونا فيه، أو سكونه، وقوله رض فعل أمر من راض الأمر رياضة، أى رض نفسك فى قبول دقائق العلم واستخرج المعانى، ثم ذكر ما فى سورة الملك من ياءات الإضافة، فقال معى انجلا، باليا» وكذا أهلكنى يريد {مَعِيَ أَوْ رَحِمَنََا} سكنها حمزة والكسائى وأبو بكر إن ألكنى الله سكنها حمزة وحده، وفيها زائدتان: نذير ونكير، أثبتهما معا فى الوصل ورش وحده، ولم يبق من ياءات الزوائد إلا أربع فى سورة الفجر، وسيأتى بيانها فى موضعها، وقد نظمت الجميع فى بيت هنا فقلت:(2/703)
1077 [فسحقا سكونا ضمّ مع غيب يعلمو
ن من (ر) ض معى باليا وأهلكنى انجلا]
يعنى أن الكسائى وحده ضم حاء فسحقا لأصحاب السعير وقرأ فستعلمون من هو فى ضلال بالياء على الغيبة، وإنما قال «من» احترازا من الذى قبله فستعلمون كيف نذير فإنه بالخطاب بغير خلاف وقرأ
غير الكسائى بإسكان حاء فسحقا وخطاب فستعلمون من وجه القراءتين فى الموضعين ظاهر، وسكونا فى البيت بدل من فسحقا بدل اشتمال، أى ضم فسحقا سكونه، ويجوز أن يكون سكونا مفعول ضم، وقوله فسحقا مبتدأ، أو مفعول فعل مضمر، فهو من باب زيدا اضرب رأسه، يجوز فيه الرفع والنصب، والنصب أقوى فى العربية، والعائد محذوف على التقديرين، أى سكونا فيه، أو سكونه، وقوله رض فعل أمر من راض الأمر رياضة، أى رض نفسك فى قبول دقائق العلم واستخرج المعانى، ثم ذكر ما فى سورة الملك من ياءات الإضافة، فقال معى انجلا، باليا» وكذا أهلكنى يريد {مَعِيَ أَوْ رَحِمَنََا} سكنها حمزة والكسائى وأبو بكر إن ألكنى الله سكنها حمزة وحده، وفيها زائدتان: نذير ونكير، أثبتهما معا فى الوصل ورش وحده، ولم يبق من ياءات الزوائد إلا أربع فى سورة الفجر، وسيأتى بيانها فى موضعها، وقد نظمت الجميع فى بيت هنا فقلت:
نذيرى نكيرى الملك فى الفجر أكرمنى ... أهاننى بالوادى ويسرى تكملا
أضاف الكلمتين إلى الملك أى حرفا هذه السورة، واكتفى بذكر الملك بعد نكيرى عن ذكره بعد نذيرى، فهو كقوله:
بين ذراعى وجبهة الأسد
وهما مبتدأ والخبر محذوف، أى زائدتان ثم قال فى الفجر زوائد، وهى كيت وكيت، ويجوز أن يكون الملك مرفوعا على أنه خبر المبتدأ، على حذف المضاف أى زائدا الملك، والله أعلم.(2/704)
بين ذراعى وجبهة الأسد
وهما مبتدأ والخبر محذوف، أى زائدتان ثم قال فى الفجر زوائد، وهى كيت وكيت، ويجوز أن يكون الملك مرفوعا على أنه خبر المبتدأ، على حذف المضاف أى زائدا الملك، والله أعلم.
ومن سورة ن إلى سورة القيامة
1078 [وضمّهم فى يزلقونك (خ) الد
ومن قبله فاكسر وحرّك (ر) وى (ح) لا]
أى ضمهم فى ياء ليزلقونك بأبصارهم خالد أى مقيم، ونافع وحده فتح الياء يقال إذا أزال قدمه، ويقال زلقه أيضا فزلق هو والمعنى: إنهم لعداوتهم له ينظرون إليه نظرا يكاد يهلكه.
وأما وجاء فرعون ومن قبله بفتح القاف وسكون الياء، فمعناه والطغاة الذين قبله، ومعناه بكسر القاف وفتح الباء والذين معه من أشياعه وأتباعه، وقوله ومن قيله مفعول فاكسر والفاء زائدة، وروى حال منه أو من الفاعل أى ذا روى حلو، أى اكسر من قبله وحركه مرويا له بالحركات التى يستحقها، وبالاحتجاج له بما يوافقه.
1079 [ويخفى (ش) فاء ماليه ماهيه فصل
وسلطانية من دون هاء (ف) توصلا]
يعنى لا تخفى منكم خافية تذكير تخفى وتأنيثه ظاهران، وحذف حمزة هاء السكت من قوله ما أغنى عنى مالية. هلك عنى سلطانية. خذوه إذا وصل الكلام بعضه ببعض، وكذلك ماهية نار حامية فى سورة القارعة، وهذا نظير ما فعل هو والكسائى فى يتسنه واقتده أو أثبتها الباقون لثباتها فى خط المصحف، فهو وصل بنية الوقف، وكلهم أثبتها وقفا، وفى سورة الحاقة أربع أخر كتابيه مرتين وحسابيه مرتين أثبت حمزة هاءهن كالجماعة جمعا بين الأمرين، ويعقوب الحضرمى حذف الجميع وصلا، وحذف الكسائى فى يتسنه واقتده لخفاء هاء السكت فيهما لأنهما فعلا جزم، وقد قيل ليسا للسكت وترك الحذف هنا لوضوح الأمر.
1080 [ويذّكّرون يؤمنون (م) قاله
بخلف (ل) هـ (د) اع ويعرج (ر) تّلا]
يعنى قليلا ما تؤمنون: ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون الغيب فيهما لمن رمز له والخطاب للباقين ويعرج الملائكة بالتذكير للكسائى والباقون بالتأنيث، ووجه القراءتين فى الحرفين ظاهر، وقد سبق لهن نظائر.
1081 [وسال بهمز (غ) صن (د) ان وغيرهم
من الهمز أو من واو او ياء ابدلا]
أى غصن ثمردان يعنى همز سأل سائل جعله لظهور أمره كغصن ثمردانى من يد من يجنيه ونافع وابن عامر قرءا بالألف من غير همز وتلك الألف تحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون بدلا من الهمز وهو الظاهر، وهو من البدل السماعى قال حسان:
سألت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
فيكون بمعنى قراءة الهمز.(2/705)
1081 [وسال بهمز (غ) صن (د) ان وغيرهم
من الهمز أو من واو او ياء ابدلا]
أى غصن ثمردان يعنى همز سأل سائل جعله لظهور أمره كغصن ثمردانى من يد من يجنيه ونافع وابن عامر قرءا بالألف من غير همز وتلك الألف تحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون بدلا من الهمز وهو الظاهر، وهو من البدل السماعى قال حسان:
سألت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
فيكون بمعنى قراءة الهمز.
الوجه الثانى أن تكون الألف منقلبة عن واو، فيكون من سأل يسأل وأصله سول كخول، قال أبو زيد:
سمعت من يقول هما يتساولان، وقال المبرد يقال: سلت أسأل مثل خفت أخاف وهما يتساولان، وقال الزجاج يقال سألت أسأل وسلت أسال والرجلان يتساولان ويتساءلان بمعنى واحد.
والوجه الثالث أن تكون الألف منقلبة عن ياء من سال يسيل أى سال عليهم واد يهلكهم، روى ذلك عن ابن عباس فهو من باب باع يبيع فتقدير البيت سال همز ألفها غصن دان وغيرهم أبدل هذه الألف من الهمز الذى قرأ به غصن دان، أو أبدلها من واو أو من ياء وقد تبين كل ذلك.
1082 [ونزّاعة فارفع سوى حفصهم وقل
شهاداتهم بالجمع حفص تقبّلا]
ذكر الزجاج فى توجيه كل قراءة من الرفع والنصب ثلاثة أوجه.
أما الرفع فعلى أن نزاعة خبر لأن بعد خبر، أو هى خبر لظى والضمير فى أنها ضمير القصة، أو خبر مبتدأ محذوف أى هى نزاعة.
وأما النصب فعلى الاختصاص أو على تقدير تتلظى نزاعة، أو على الحال المؤكدة، قال: يكون نزاعة منصوبا مؤكدا لأمر النار، وجوّز الزمخشرى أن تكون نزاعة بالرفع صفة لظى أن أريد به اللهب ولم يكن علما على النار إلا أن هذا القول باطل بدليل أنه لم يصرف.
وأما والذين هم بشهاداتهم قائمون فالإفراد فيه والجمع كما سبق فى نظائره، والإفراد أنسب لقوله بعده والذين هم على صلاتهم يحافظون وهو مجمع عليه.
1083 [إلى نصب فاضمم وحرّك به (ع) لا
(ك) رام وقل ودّا به الضّمّ (أ) عملا]
أى اضمم النون وحرك بالضم الصاد وهو اسم مفرد وجمعه أنصاب، وكذلك النصب بفتح النون وسكون الصاد وهو قراءة الباقين وهو ما نصب ليعبد من دون الله تعالى، وقيل: نصب جمع نصب مثل سقف فى جمع سقف، وقيل هو جمع نصاب وقيل النصب العلم. وقيل الغاية وقيل شبكة الصائد.
وقال أبو على: يمكن أن يكون النصب والنصب لغتين كالضعف والضعف، ويكون التثقيل كشغل وشغل وطنب وطنب ودا اسم الصنم بفتح الواو وضمها لغتان واختار أبو عبيد الفتح، وقال كانوا يتسمون بعبد ود، وأما الود فالغالب عليه المودة.
1084 [دعائى وإنّى ثمّ بينى مضافها
مع الواو فافتح إن (ك) م (ش) رفا (ع) لا]
يريد {دُعََائِي إِلََّا فِرََاراً} أسكنها الكوفيون {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} فتحها الحرميان وأبو عمرو وبينى مؤمنا فتحها
حفص وهشام ثم شرع فى سورة الجن فقال افتح إن مع الواو يعنى مهما جاء «وإن» فالخلاف فى فتحها وكسرها احترز بذلك عن أن يأتى مع الفاء نحو فإن له نار جهنم فهو متفق على كسره وعن أن المجردة عن الواو نحو وأنه استمع فهو متفق على فتحه فقالوا إنا سمعنا متفق على كسره، فإن كانت مع الواو ليست مشددة فمتفق أيضا على فتحها نحو وإن لو استقاموا فضابط مواضع الخلاف أن تكون أن مشددة بعد واو، وذلك فى اثنى عشر حرفا متوالية، أوائل الآى جميعها، لا يخرج عن أنه. إنا أنهم، وهى وأنه تعالى جد ربنا وإنه كان يقول وأنا ظننا أن لن تقول وأنه كان رجال وأنهم ظنوا وأنا لمسنا وإنا كنا نقعد وأنا لا ندرى وأنا منا الصالحون وأنا ظننا أن لن نعجز وأنا لما سمعنا الهدى وأنا منا المسلمون وأما وأن المساجد وأنه لما قام فسيأتى ذكرهما، فهذه الاثنا عشر فتحها ابن عامر وحمزة والكسائى وحفص، وهم نصف القراء، وكسرها الباقون ومضى معنى قوله كم شرفا علا فى أوّل سورة الأعراف، فوجه الكسر العطف على أنا سمعنا فالكل فى حيز القول أى فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا وقالوا إنه تعالى جدر بنا وأنه كان يقول وأنا ظننا إلى آخر ذلك، وقيل: إن قوله وأنه كان رجال وأنهم ظنوا آيتان معترضتان فى كلام الله تعالى فى أثناء الكلام لمحكى عن الجن، وقيل بل هما أيضا من كلامهم يقوله بعضهم لبعض، وأما الفتح فقيل عطف على أنه استمع فيلزم من ذلك أن يكون الجميع داخلا فى حيز أوحى، أى أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن، وأنه تعالى جد ربنا، فهذا وإن استقام معناه فى هذا فلا يستقيم فى وأنه كان يقول سفيهنا وأنا لمسنا وأنا كنا إذ قياسه سفيههم ولمسوا، وكانوا.(2/706)
1084 [دعائى وإنّى ثمّ بينى مضافها
مع الواو فافتح إن (ك) م (ش) رفا (ع) لا]
يريد {دُعََائِي إِلََّا فِرََاراً} أسكنها الكوفيون {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} فتحها الحرميان وأبو عمرو وبينى مؤمنا فتحها
حفص وهشام ثم شرع فى سورة الجن فقال افتح إن مع الواو يعنى مهما جاء «وإن» فالخلاف فى فتحها وكسرها احترز بذلك عن أن يأتى مع الفاء نحو فإن له نار جهنم فهو متفق على كسره وعن أن المجردة عن الواو نحو وأنه استمع فهو متفق على فتحه فقالوا إنا سمعنا متفق على كسره، فإن كانت مع الواو ليست مشددة فمتفق أيضا على فتحها نحو وإن لو استقاموا فضابط مواضع الخلاف أن تكون أن مشددة بعد واو، وذلك فى اثنى عشر حرفا متوالية، أوائل الآى جميعها، لا يخرج عن أنه. إنا أنهم، وهى وأنه تعالى جد ربنا وإنه كان يقول وأنا ظننا أن لن تقول وأنه كان رجال وأنهم ظنوا وأنا لمسنا وإنا كنا نقعد وأنا لا ندرى وأنا منا الصالحون وأنا ظننا أن لن نعجز وأنا لما سمعنا الهدى وأنا منا المسلمون وأما وأن المساجد وأنه لما قام فسيأتى ذكرهما، فهذه الاثنا عشر فتحها ابن عامر وحمزة والكسائى وحفص، وهم نصف القراء، وكسرها الباقون ومضى معنى قوله كم شرفا علا فى أوّل سورة الأعراف، فوجه الكسر العطف على أنا سمعنا فالكل فى حيز القول أى فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا وقالوا إنه تعالى جدر بنا وأنه كان يقول وأنا ظننا إلى آخر ذلك، وقيل: إن قوله وأنه كان رجال وأنهم ظنوا آيتان معترضتان فى كلام الله تعالى فى أثناء الكلام لمحكى عن الجن، وقيل بل هما أيضا من كلامهم يقوله بعضهم لبعض، وأما الفتح فقيل عطف على أنه استمع فيلزم من ذلك أن يكون الجميع داخلا فى حيز أوحى، أى أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن، وأنه تعالى جد ربنا، فهذا وإن استقام معناه فى هذا فلا يستقيم فى وأنه كان يقول سفيهنا وأنا لمسنا وأنا كنا إذ قياسه سفيههم ولمسوا، وكانوا.
وقال الزجاج: ذكر بعض النحويين أنه معطوف على الهاء: المعنى عنده فآمنا به وأنه تعالى جدر بنا، وكذلك ما بعدها.
قال: وهذا رديء فى القياس لا يعطف على الهاء المكنية المخفوضة إلا بإظهار الخافض:
قال مكى: وهو فى أن أجود منه مع غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن.
ثم قال الزجاج: لكن وجهه أن بكون محمولا على معنى آمنا به لأن معنى آمنا به صدقناه وعلمناه فيكون المعنى وصدقنا أنه تعالى جدّ ربنا، قال الفراء: فتحت أن لوقوع الإيمان عليها وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن فى بعض ما فتح دون بعض فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإنه يحسن منه فعل مضارع الإيمان، فوجب فتح أن نحو صدقنا وألهمنا وشهدنا كما قالت العرب. وزججن الحواجب والعيونا. فنصب العيون لاتباعها والحواجب وهى لا تزجج إنما تكحل، فأضمر لها الكحل.
1085 [وعن كلّهم أنّ المساجد فتحه
وفى أنّه لمّا بكسر (ص) وى (ا) لعلا]
فتحه بدل من المساجد نحو: أعجبنى زيد حسنه وعن كل القراء افتح وأن المساجد لله لأنه معطوف على أنه استمع، وكذا وإن لو استقاموا وقيل تقديره ولأن المساجد لله فلا تدعوا كما سبق وأن هذا صراطى مستقيما وأن الله ربى وربكم وأن هذه أمتكم وإنما نص الناظم على هذا المجمع عليه لئلا يظن أن فيه خلافا لأنه يشمله قوله مع الواو فافتح أن.
وأما قوله: وأنه لما قام عبد الله فلم يكسره إلا أبو بكر ونافع على الاستئناف، والباقون فتحوا عطفا على أنه استمع وهذا مما يقوى أن فتح وأن المساجد على ذلك وقيل: إن فتح وإنه لما قام وكسره على ما سبق فى الاثنى عشر وأنه من تمام كلام الجن المحكى، ويشكل عليه كادوا يكونون لأن قياسه كدنا نكون إلا أن يقال أخبر بعضهم عن فعل بعض، وقوله صوى العلا، مبتدأ تقدم عليه خبره، أى وصوى العلا فى أنه لما أى فى هذا اللفظ المكسور، والصوى العلا بالصاد المهملة المضمومة وفتح الواو: الربى ونحوها، وهى أيضا أعلام من حجارة منصوبة فى الفيافى المجهولة يستدل بها على الطريق، الواحدة صوة مثل قوّة وقوى، أى أعلام العلا فى هذا.(2/707)
1085 [وعن كلّهم أنّ المساجد فتحه
وفى أنّه لمّا بكسر (ص) وى (ا) لعلا]
فتحه بدل من المساجد نحو: أعجبنى زيد حسنه وعن كل القراء افتح وأن المساجد لله لأنه معطوف على أنه استمع، وكذا وإن لو استقاموا وقيل تقديره ولأن المساجد لله فلا تدعوا كما سبق وأن هذا صراطى مستقيما وأن الله ربى وربكم وأن هذه أمتكم وإنما نص الناظم على هذا المجمع عليه لئلا يظن أن فيه خلافا لأنه يشمله قوله مع الواو فافتح أن.
وأما قوله: وأنه لما قام عبد الله فلم يكسره إلا أبو بكر ونافع على الاستئناف، والباقون فتحوا عطفا على أنه استمع وهذا مما يقوى أن فتح وأن المساجد على ذلك وقيل: إن فتح وإنه لما قام وكسره على ما سبق فى الاثنى عشر وأنه من تمام كلام الجن المحكى، ويشكل عليه كادوا يكونون لأن قياسه كدنا نكون إلا أن يقال أخبر بعضهم عن فعل بعض، وقوله صوى العلا، مبتدأ تقدم عليه خبره، أى وصوى العلا فى أنه لما أى فى هذا اللفظ المكسور، والصوى العلا بالصاد المهملة المضمومة وفتح الواو: الربى ونحوها، وهى أيضا أعلام من حجارة منصوبة فى الفيافى المجهولة يستدل بها على الطريق، الواحدة صوة مثل قوّة وقوى، أى أعلام العلا فى هذا.
قال الشيخ: وفى قراءة الكسر ارتفاع كارتفاع الصوى ودلالة كدلالتها، لظهور المعنى فيها، والله أعلم.
وقرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله قال: نبه بهذا على أن الكسر فصيح بالغ، لقوة دلالته على الاستئناف، قال: وانظر فصاحة القراءة واهتمامهم فى نقلهم حين أجمعوا على فتح وإن المساجد ليبينوا أنه غير معطوف، وأن معناه واعلموا أو نحوه من الإضمار لما دل عليه فلا تدعوا فيكون وأنه لما قام معطوفا عليه، قال: ويكاد الفتح والكسر يتقابلان فى الحسن.
1086 [ونسلكه يا كوف وفى قال إنّما
هنا قل (ف) شا (ف) صّا وطاب تقبّلا]
الياء والنون فى نسلكه ظاهران، وقال إنما ادعوا ربى يعنى عبد الله قراءة حمزة وعاصم قل، على الأمر مثل الذى عبده قل إنى لا أملك لكم وقوله نصا وتقبلا منصوبان على التمييز.
1087 [وقل لبدا فى كسره الضّمّ (ل) لازم
بخلف ويا ربّى مضاف تجمّلا]
لم يذكر فى التيسير عن هشام سوى الضم وقال فى غيره وروى عنه كسرها وبالضم آخذ.
قال الفراء: المعنى فيها واحد، لبده ولبده: أى كادوا يركبون النبى صلّى الله عليه وسلم رغبة فى القرآن وشهوة له، يعنى الجن.
وقال الزجاج: المعنى أن النبى عليه السلام لما صلّى الصبح ببطن نخلة كاد الجن لما سمعوا القرآن وتعجبوا منه أن يسقطوا على النبى صلّى الله عليه وسلم، وقيل كادوا يعنى به جميع الملل تظاهرات على النبى عليه السلام.
قال: ومعنى لبدا يركب بعضهم بعضا وكل شيء لصقته لشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته، ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التى تفرش، ثم ذكر أن كسر اللام وضمها فى معنى واحد وكذا قال الزمخشرى وقال: هو ما يلبد بعضه على بعض، ومنه لبدة الأسد، وحكى أبو على عن أبى عبيد لبدا بالكسر أى جماعات واحدها لبدة، قال قتادة: تلبد الجن والإنس على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه، قال واللبد بالضم الكثير، من قوله: أهلكت مالا لبدا وكأنه قيل له لبد لركوب بعضه على بعض ولصوق بعضه ببعض، لكثرته، فكأنه أراد كادوا يلصقون به من شدة دنوهم للاستماع مع كثرتهم، فيكون على هذا
قريب المعنى من قوله لبدا، إلا أن لبدا أعرف بهذا المعنى وأكثر ثم قال: «ويا ربى» أى وياء ربى فقصره ضرورة، أى هذه ياء الإضافة فى سورة الجن يريد {رَبِّي أَمَداً} فتحها الحرميان وأبو عمرو.(2/708)
قال: ومعنى لبدا يركب بعضهم بعضا وكل شيء لصقته لشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته، ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التى تفرش، ثم ذكر أن كسر اللام وضمها فى معنى واحد وكذا قال الزمخشرى وقال: هو ما يلبد بعضه على بعض، ومنه لبدة الأسد، وحكى أبو على عن أبى عبيد لبدا بالكسر أى جماعات واحدها لبدة، قال قتادة: تلبد الجن والإنس على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه، قال واللبد بالضم الكثير، من قوله: أهلكت مالا لبدا وكأنه قيل له لبد لركوب بعضه على بعض ولصوق بعضه ببعض، لكثرته، فكأنه أراد كادوا يلصقون به من شدة دنوهم للاستماع مع كثرتهم، فيكون على هذا
قريب المعنى من قوله لبدا، إلا أن لبدا أعرف بهذا المعنى وأكثر ثم قال: «ويا ربى» أى وياء ربى فقصره ضرورة، أى هذه ياء الإضافة فى سورة الجن يريد {رَبِّي أَمَداً} فتحها الحرميان وأبو عمرو.
1088 [ووطئا وطاء فاكسروه (ك) ما (ح) كوا
وربّ بخفض الرّفع (صحبت) هـ (ك) لا]
لم تكن له حاجة إلى قوله فاكسروه فإنه قد لفظ بالقراءتين، فهو مثل خشعا خاشعا، وقل قال، وما أشبه ذلك، فالرمز فيه للفظ الثانى، ولكنه قال: فاكسروه زيادة فى البيان مثل ما ذكرناه فى قوله تمارونه تمرونه، وافتحوا، ولو قال هنا: واكسروه بالواو كان أولى من الفاء، كما قال ثم: وافتحوا:
وسببه أن الفاء تشعر بأن هذه مواضع الخلاف وليس ذلك كله، بل هو جزء منه فإن لفظ وطاء يشتمل على كسر الواو وفتح الطاء والمد بعدها، وإذا قاله بالواو بعد الإشعار بذلك وصار من باب التخصيص بعد التعميم للاهتمام بالمخصص نحو: وجبرئيل وميكائيل ونخل ورمان.
بيانه أن لفظ وطاء يغنى عن قيوده، لأنه كالمصرح بالقيود الثلاثة، فإذا نص بعد ذلك على قيد منها كان من ذلك الباب، ولو قال موضع فاكسروه فاقرءوه لكان رمزا لحمزة، فعدل إلى لفظ يفهم قيدا من قيود القراءة، وكان له أن يقول: ووطأ كضرب قل وطاء كما حكوا كقوله إذا قل إذ، ويحصل له تقييد القراءة الأولى ومعنى القراءة بالكسر والمد، أن عمل ناشئة الليل أشد مواطأة، أى موافقة، لأنه يواطأ فيها السمع القلب للفراغ من الأشغال، بخلاف أوقات النهار، وقوله وطأ بفتح الواو وسكون الطاء والقصر بمعنى الشغل أى هو:
أشق على الإنسان من القيام بالنهار، وفى الحديث.
«للهم اشدد وطأتك على مضر».
وهو أقوم قيلا أى أشد استقامة وصوابا لفراغ البال، والمعنى: أشد ثبات قدم فى العبادة من قولهم وطأ على الأرض وطاء، والناشئة القيام بعد النوم، فهو مصدر بمعنى النشأة، وقيل هى الجماعة الناشئة، أى القائمون بالليل، لأنها تنشأ من مضجعها إلى العبادة أى تنهض وترتفع، وقيل هى ساعات الليل، والكلام فى خفض رب المشرق ورفعه كما سبق فى سورة الدخان، الخفض على البدل من ربك فى قوله واذكر اسم ربك والرفع على أنه خبر، أى هو رب المشرق، وكلا بمعنى حفظ وحرس وأفرده على لفظ صحبة وسبق مثله:
1089 [وثل؟؟؟ ثلثه فانصب وفا نصفه (ظ) بى
وثلثى سكون الضّمّ (ل) لاح وجمّلا]
يجوز وثا ثلثه باسكان اللام وصلة الهاء ويجوز ثلثه بضم اللام وسكون الهاء وكلاهما لضرورة الوزن وفى كل وجه منها إخلال بلفظ الكلمة فى القرآن من جهة إسكان اللام فى الأول وإسكان الهاء فى الثانى. إلا أن الوجه الثانى أقرب. فإنه لفظ الوقف على هذه الكلمة فهو واصل بنية الوقف.
وأما إسكان اللام من ثلثه فلم ينقل فى هذه القراءات المشهورة، وقد حكاه أبو عبيد، ثم الأهوازى بعده عن ابن كثير، ووجهه ظاهر كما قرأ هشام بإسكان اللام من ثلثى الليل للتخفيف. فكلاهما سواء، فلو كانت هذا القراءة مما ذكر فى هذه القصيدة لكان الاختيار وثا ثلثه، بإسكان اللام وقصر لفظ «ثا» ضرورة،
وكذا لفظ فانصفه، وظبى جمع ظبة السيف، وهو حده أى ذا ظبا، أى صاحب حجج تحميه عن الطعن والاختيان عليه، فإن أبا عبيد قال قراءتنا التى نختار الخفض كقوله سبحانه علم أن لن تحصوه فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه وثلثه وهم لا يحصونه، ووجه النصب فى ونصفه وثلثه العطف على محل أدنى أى تقوم أقل من الثلثين، وتقوم نصفه وتقوم ثلثه، والخفض عطف على ثلثى الليل، أى وأقل من نصفه وثلثه، ومجموع القراءتين محمول على اختلاف الأحوال لتكرر الليالى واختلافها، فمرة يقوم نصف الليل محرزا ومرة أقل منه، وكذلك الثلث وتارة أقل من الثلثين، أى إن ربك يعلم أنكم تأتون بالواجب مرة وبدونه أخرى، لكن الثلثين ما تكملون لطوله فيقع منكم الغلط فيه وجعل الفراء والزجاج قوله ونصفه وثلثه على قراءة النصب تفسيرا للأدنى المذكور، وهو مشكل من جهة أن واو العطف تمنع من ذلك وكان النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، مخيرين بين هذه التقديرات الثلاثة فى قيام الليل على اختلاف مراتبها فى الأجر، وأقرب شيء لهذا الحكم التخيير بين خصال كفارة اليمين على تفاوت مراتبها والتخيير بين نفرى الحجج، وقيل إنما وقع التخيير بين هذه الثلاثة باعتبار تفاوت الأزمان، فالنصف عند الاعتدال وما قاربه وقيام الثلثين أو الأدنى من ثلثى الليل عند الطول، وقيام الثلث عند قصر الليل، والدليل على التخيير قوله تعالى فى أول السورة {قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ} وللعلماء فى إعراب نصفه قولان مشكلان:(2/709)
وأما إسكان اللام من ثلثه فلم ينقل فى هذه القراءات المشهورة، وقد حكاه أبو عبيد، ثم الأهوازى بعده عن ابن كثير، ووجهه ظاهر كما قرأ هشام بإسكان اللام من ثلثى الليل للتخفيف. فكلاهما سواء، فلو كانت هذا القراءة مما ذكر فى هذه القصيدة لكان الاختيار وثا ثلثه، بإسكان اللام وقصر لفظ «ثا» ضرورة،
وكذا لفظ فانصفه، وظبى جمع ظبة السيف، وهو حده أى ذا ظبا، أى صاحب حجج تحميه عن الطعن والاختيان عليه، فإن أبا عبيد قال قراءتنا التى نختار الخفض كقوله سبحانه علم أن لن تحصوه فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه وثلثه وهم لا يحصونه، ووجه النصب فى ونصفه وثلثه العطف على محل أدنى أى تقوم أقل من الثلثين، وتقوم نصفه وتقوم ثلثه، والخفض عطف على ثلثى الليل، أى وأقل من نصفه وثلثه، ومجموع القراءتين محمول على اختلاف الأحوال لتكرر الليالى واختلافها، فمرة يقوم نصف الليل محرزا ومرة أقل منه، وكذلك الثلث وتارة أقل من الثلثين، أى إن ربك يعلم أنكم تأتون بالواجب مرة وبدونه أخرى، لكن الثلثين ما تكملون لطوله فيقع منكم الغلط فيه وجعل الفراء والزجاج قوله ونصفه وثلثه على قراءة النصب تفسيرا للأدنى المذكور، وهو مشكل من جهة أن واو العطف تمنع من ذلك وكان النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، مخيرين بين هذه التقديرات الثلاثة فى قيام الليل على اختلاف مراتبها فى الأجر، وأقرب شيء لهذا الحكم التخيير بين خصال كفارة اليمين على تفاوت مراتبها والتخيير بين نفرى الحجج، وقيل إنما وقع التخيير بين هذه الثلاثة باعتبار تفاوت الأزمان، فالنصف عند الاعتدال وما قاربه وقيام الثلثين أو الأدنى من ثلثى الليل عند الطول، وقيام الثلث عند قصر الليل، والدليل على التخيير قوله تعالى فى أول السورة {قُمِ اللَّيْلَ إِلََّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ} وللعلماء فى إعراب نصفه قولان مشكلان:
أحدهما أنه بدل من الليل، ويلزم منه التكرير، فإن قوله قم نصف الليل إلا قليلا هو الثلث، فأى حاجة إلى قوله أو انقص منه قليلا وإن كان البدل بعد الاستثناء كأنه قال: قم أكثر الليل نصفه أى نصف أكثر الليل أو انقص منه كان ذلك ردا إلى تنصيف مجهول، فقوله قم ثلث الليل كان أخصر، فأولى.
الوجه الثانى أن نصف بدل من قليلا، وهو مشكل من جهة استثناء النصف وتسميته قليلا، فكيف يكون نصف الشيء قليلا بالنسبة إلى الباقى، وهما متساويان، فإن كان الباقى كثيرا فالآخر مثله، وإن كان المستثنى قليلا فالآخر مثله، فلا يستقيم فى إعراب نصفه إلا أن يكون مفعول فعل مضمر دل عليه ما تقدم، أى قم نصفه أو انقص أو زد.
ويكون فى فائدة الآية التى قبلها وجهان:
أحدهما: أنه إرشاد إلى المرتبة العليا وهى قيام أكثر الليل ثم خير بينه وبين ما دونه تخفيفا، لأنه تكليف فى ابتداء أمر لم يعتادوه، ومنه ما جاء فى صفة عبد الله بن عمر رضي الله عنه لما سمع قول النبى صلّى الله عليه وسلم فى حقه:
«نعم الرجل عبد الله لو كان يصلّى من الليل».
قال نافع: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. وهذا موافق لما دلت عليه آية أخرى فى سورة والذاريات فى صفة المؤمنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وذلك أن الموفقين إذا أخذوا أنفسهم بقيام الليل واعتادوه صار أشهى إليهم من راحة النوم لولا حظ الطباع البشرية من ذلك القدر القليل.
الوجه الثانى: أن يكون المراد من الليل جنس الليالى لا كل ليلة بانفرادها، على الصفة التى بينت فى الآية الأخرى، وهذا كما يوصى بعض المسافرين لخوف الحر، فيقال سر الليل، ثم يبين له فيقال ارحل من نصف الليل أو ثلثه أو أوله، ويكون قوله تعالى {إِلََّا قَلِيلًا} استثناء لليالى الأعذار من مرض أو غلبة نوم أو نحو من ذلك، ثم انتقل إلى سورة المدثر فقال:
1090 [والرّجز ضمّ الكسر حفص إذا قل اذ
وأدبر فاهمزه وسكّن (ع) ن (ا) جتلا]
يعنى راء والرجز فاهجر وفسر المضموم بالأوثان والمكسور بالعذاب:(2/710)
الوجه الثانى: أن يكون المراد من الليل جنس الليالى لا كل ليلة بانفرادها، على الصفة التى بينت فى الآية الأخرى، وهذا كما يوصى بعض المسافرين لخوف الحر، فيقال سر الليل، ثم يبين له فيقال ارحل من نصف الليل أو ثلثه أو أوله، ويكون قوله تعالى {إِلََّا قَلِيلًا} استثناء لليالى الأعذار من مرض أو غلبة نوم أو نحو من ذلك، ثم انتقل إلى سورة المدثر فقال:
1090 [والرّجز ضمّ الكسر حفص إذا قل اذ
وأدبر فاهمزه وسكّن (ع) ن (ا) جتلا]
يعنى راء والرجز فاهجر وفسر المضموم بالأوثان والمكسور بالعذاب:
وقال الفراء: إنهما لغتان، وإن المعنى فيهما واحد، وقال أبو عبيد: الكسر أفشى اللغتين وأكثرهما.
وقال الزجاج معناهما واحد وتأويلهما: اهجر عبادة الأوثان، والرجز فى اللغة: العذاب، قال لله تعالى {وَلَمََّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} فالمعنى ما يؤدى إلى عذاب الله فاهجر قال أبو على المعنى وذا العذاب فاهجر، وقوله:
إذا قل إذ، يعنى اجعل موضع إذا بالألف، إذ بغير ألف، واهمز أدبر وسكن الدال لحفص ونافع وحمزة، ورمزه فى أول البيت الآتى يعنى والليل إذ أدبر كتب فى المصحف بألف واحدة بين الذال والدال، فجعلها هؤلاء صورة الهمزة من أدبر، وجعلوا إذ ظرفا لما مضى، وجعل باقى القراء الألف من تمام كلمة إذ، وهى ظرف لما يستقبل وقرءوا دبر بفتح الدال، على وزن رفع.
قال الفراء: هما لغتان، يقال أدبر النهار ودبر، ودبر الصيف وأدبر، وكذلك قبل وأقبل، فإذا قالوا أقبل الراكب أو أدبر لم يقولوه إلا بألف.
قال: وإنهما عندى فى المعنى لواحد، لا أبعد أن يأتى فى الرجال ما يأتى فى الأزمنة.
وقال الزجاج كلاهما جيد فى العربية، يقال دبر الليل وأدبر.
وفى كتاب أبى على عن يونس: دبر: انقضى وأدبر: تولى، وقالوا كأمس الدابر، وكأمس المدبر، قال:
والوجهان حسنان.
وقال أبو عبيد: كان أبو عمرو يقول: هى لغة قريش قد دبر الليل. حدثنا حجاج عن هارون أخبرنى حنظلة السدوسى عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قرأها والليل إذا أدبر بجعل الألف مع إذا.
قال حنظلة: وسألت الحسن عنها فقال إذا أدبر، فقلت يا أبا سعيد إنما هى ألف واحدة، فقال: فهى إذا والليل إذا دبر.
قال أبو عبيد: جعل الألف مع أدبر، وبالقراءة الأولى نأخذ إذا بالألف دبر بغير ألف لكثرة قرائها ولأنها أشد موافقة للحرف الذى يليه، ألا تراه، قال: والصبح إذا أسفر فكيف يكون فى أحدهما إذا وفى الآخر إذ.
قال: وفى حرف عبد الله وأبى: حجة لمن جعلها إذا ولمن جعلها أدبر جميعا: حدثنا حجاج عن هارون قال فى حرف أبىّ وابن مسعود إذا أدبر قال أبو عبيد بألفين.
قلت: هذه القراءة هى الموافقة لقوله {إِذََا أَسْفَرَ} موافقة تامة بلفظ إذا والإتيان بالفعل بعدها على وزن أفعل، وأما كل واحدة من القراءتين المشهورتين فموافقة له من وجه دون وجه، والموافقة بلفظ إذا أولى من الموافقة بلفظ أفعل، فإن أفعل وفعل قد ثبت أنهما لغتان بمعنى واحد، فكانا سواء، وأما إذ وإذا فمتغايران، ولا يعرف بعد القسم فى القرآن إلا مجىء إذا دون إذ نحو والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى وإذ وإذا فى كل ذلك لمجرد الزمان مع قطع النظر عن مضى واستقبال، فهو مثل وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب فسوف
يعلمون. إذ الأغلال فى أعناقهم وقد حكى الأهوازى عن عاصم وأبى عمرو رواية إذا أدبر بألفين والله أعلم.(2/711)
قلت: هذه القراءة هى الموافقة لقوله {إِذََا أَسْفَرَ} موافقة تامة بلفظ إذا والإتيان بالفعل بعدها على وزن أفعل، وأما كل واحدة من القراءتين المشهورتين فموافقة له من وجه دون وجه، والموافقة بلفظ إذا أولى من الموافقة بلفظ أفعل، فإن أفعل وفعل قد ثبت أنهما لغتان بمعنى واحد، فكانا سواء، وأما إذ وإذا فمتغايران، ولا يعرف بعد القسم فى القرآن إلا مجىء إذا دون إذ نحو والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى وإذ وإذا فى كل ذلك لمجرد الزمان مع قطع النظر عن مضى واستقبال، فهو مثل وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب فسوف
يعلمون. إذ الأغلال فى أعناقهم وقد حكى الأهوازى عن عاصم وأبى عمرو رواية إذا أدبر بألفين والله أعلم.
وقول الناظم: قل إذ بكسر اللام على إلقاء حركة همزة إذ عليها. بخلاف كسرة النون فى قوله عن اجتلا، فإنها كسرت لأجل الساكن بعدها، والمعنى عن اجتلاء، أى عن كشف وظهور من توجيهه، وهو ممدود، فلما وقف عليه سكنت الهمزة فأبدلت ألفا، فاجتمع ألفان، فحذفت إحداهما، وقد سبق ذكر ذلك فى شرح أول الخطبة فى قوله: أجذم العلا، والفاء فى قوله فاهمز زائدة.
1091 [فبادر وفا مستنفرة (عمّ) فتحه
وما يذكرون الغيب (خ) صّ وخلّلا]
فبادر من تتمة رمز القراءة السابقة، أى فبادر إليه وقصر لفظ «وفا» ضرورة ومستنفرة بكسر الفاء بمعنى نافرة وبالفتح نفرها غيرها.
قال أبو على: قال أبو الحسن: الكسر فى مستنفرة أولى، ألا ترى أنه قال فرت من قسورة فهذا يدل على أنها هى استنفرت، ويقال نفر واستنفر، مثل سخر واستسخر. وعجب واستعجب، ومن قال: مستنفرة، فكأن القسورة استنفرها أو الرامى، قال أبو عبيد مستنفرة ومستنفرة مذعورة، قال: والقسورة: الأسد:
وقالوا: الرماة.
قال ابن سلام: سألت أبا سوار العنبرى وكان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن، فقلت كأنهم حمر ماذا؟
فقال: كأنهم حمر مستنفرة طردها قسورة، فقلت: إنما هو: فرت من قسورة، فقال، أفرت؟ فقلت: نعم قال: فمستنفرة.
والخلاف فى وما يذكرون بالياء والتاء ظاهر، وقد سبق فى أوّل آل عمران معنى قوله: خص، وخللا يقال: عم بدعوته وخلل، أى خص، فجمع الناظم بينهما لاختلاف اللفظين.(2/712)
والخلاف فى وما يذكرون بالياء والتاء ظاهر، وقد سبق فى أوّل آل عمران معنى قوله: خص، وخللا يقال: عم بدعوته وخلل، أى خص، فجمع الناظم بينهما لاختلاف اللفظين.
ومن سورة القيامة إلى سورة النبأ
لا تعلق لسورة القيامة بما بعدها، فكان ينبغى إفرادها، ثم يقول: هل أتى، والمرسلات، لاتصالهما فى نظمه والله أعلم.
1092 [ورا برق افتح (آ) منا يذرون مع
يحبّون (حقّ ك) فّ يمنى (ع) لا علا]
يريد {فَإِذََا بَرِقَ الْبَصَرُ} أى شخص وتحير قال الأخفش المكسورة فى كلام العرب أكثر، والمفتوحة لغة.
قال أبو عبيدة: القراءة عندنا بالكسر، لأنها اللغة السائرة المتعالية، والغيبة فى تحبون العاجلة وتذرون الآخرة والخطاب فيهما ظاهران، ومعنى «آمنا» أى آمنا من البرق يوم القيامة أو آمنا من المنازع فيه، وقوله «حق» كف لأن الحق أبدا يدفع الباطل، لأن فى أوّل الجملة حرف الردع، وهو كلا ومعناه الزجر والكف، وأما تمنى فالضمير فيه للمنى إن قرئ بالياء على التذكير، وإن قرئ بالتأنيث، فالضمير للنطفة كما أنه فى سورة النجم كذلك، وهو من نطفة إذا تمنى ومعناه تصب وتراق فى الرحم، وعلا بالضم مفعول علا مقدم عليه، أو هو خبره يمنى أى ذو علا أى عال بالتذكير.
1093 [سلاسل نوّن (إ) ذ رووا (ص) رفه (ل) نا
وبالقصر قف (م) ن (ع) ن (هـ) دى خلفهم (ف) لا
سلاسل على وزن دراهم وهو ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة، ولكنه كتب فى المصاحف بألف بعد اللام، كما كتب فى الأحزاب الظنونا والرسولا والسبيلا فالمتابعة لخط المصحف اقتضت إثبات تلك الألف فى الأحزاب فى الوصل، ولم يمكن تنوينها لأجل أن كل كلمة منها فيها الألف واللام، فالتنوين لا يجتمع معها، وأما فى سلاسلا فأمكن قبوله للتنوين على لغة من يصرف ذلك.
قال أبو على: قال أبو الحسن سلاسلا منوّنة فى الوصل والسكت على لغة من يصرف نحو ذا من العرب، قال: وسمعنا من العرب من يصرف هذا ويصرف جميع ما لا ينصرف، وقال: هذا لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه فى الشعر فصرفوه فجرت ألسنتهم على ذلك، وقال مكى: حكى الكسائى أن بعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك، قال ابن القشيرى: صرف ما لا ينصرف سهل عند العرب، قال الكسائى هو لغة من يجرى الأسماء كلها إلا قولهم: هو أظرف منك، فإنهم لا يجرونه:
قلت: القرآن العربى فيه من جميع لغات العرب لأنه أنزل عليهم كافة وأبيح لهم أن يقرءوه على لغاتهم المختلفة، فاختلفت القراءات فيه لذلك، فلما كتبت المصاحف هجرت تلك القراءات كلها، إلا ما كان منها موافقا لخط المصحف، فإنه بقى، كقراءة إن هذان كما سبق، ومثل هذا التنوين فإن كتابة الألف فى آخر الاسم المنصوب يشعر بالتنوين، وقد بينا هذه القاعدة وقررناها فى كتاب الأحرف السبعة الملقب «بالمرشد الوجيز» وقد وجهت هذه اللغة بأنه أصل الكلام، وعلة الجمع ضعيفة فى اقتضاء منع الصرف، بدليل صرف باقى أبنية الجموع،
وكونه لا نظير له فى الآحاد غير مقتض لمنع الصرف بدليل العلم المرتجل الذى لا نظير له فى أسماء الأجناس يقاس عليه لا بمنع الصرف، وفيه علتان: العلمية وكونه لا نظير له، وهذا كان أولى بالمانعية لأن العلمية مانعة فى مواضع بشرطها والجمع غير معروف منه منع الصرف إلا فى هذا الموضع المتنازع فيه، فهذا الوجه من القياس مقوّ لهذه اللغة المسموعة.(2/713)
قلت: القرآن العربى فيه من جميع لغات العرب لأنه أنزل عليهم كافة وأبيح لهم أن يقرءوه على لغاتهم المختلفة، فاختلفت القراءات فيه لذلك، فلما كتبت المصاحف هجرت تلك القراءات كلها، إلا ما كان منها موافقا لخط المصحف، فإنه بقى، كقراءة إن هذان كما سبق، ومثل هذا التنوين فإن كتابة الألف فى آخر الاسم المنصوب يشعر بالتنوين، وقد بينا هذه القاعدة وقررناها فى كتاب الأحرف السبعة الملقب «بالمرشد الوجيز» وقد وجهت هذه اللغة بأنه أصل الكلام، وعلة الجمع ضعيفة فى اقتضاء منع الصرف، بدليل صرف باقى أبنية الجموع،
وكونه لا نظير له فى الآحاد غير مقتض لمنع الصرف بدليل العلم المرتجل الذى لا نظير له فى أسماء الأجناس يقاس عليه لا بمنع الصرف، وفيه علتان: العلمية وكونه لا نظير له، وهذا كان أولى بالمانعية لأن العلمية مانعة فى مواضع بشرطها والجمع غير معروف منه منع الصرف إلا فى هذا الموضع المتنازع فيه، فهذا الوجه من القياس مقوّ لهذه اللغة المسموعة.
ووجه آخر: قال أبو على: إن هذه الجموع أشبهت الآحاد لأنهم قد قالوا صواحبات يوسف، فلما جمع جمع الآحاد المنصرفة جعلوه فى حكمها فصرفوها، فهذا معنى قوله: إذ رووا صرفه لنا، وقال الزجاج:
الأجود فى العربية أن لا يصرف سلاسل، ولكن لما جعلت رأس آية صرفت ليكون آخر الآى على لفظ واحد.
قلت: ادّعاء أن سلاسل رأس آية بعيد، ولكن الممكن أن يقال: المعرف به فى القرآن هو اللغة الفصيحة، وهو منع صرف هذا الوزن من المجموع، بدليل: صوامع ومساجد، وإنما عدل عن لغة المشهورة فى سلاسل إرادة التناسب لما ذكر معها من قوله وأغلالا وسعيرا.
فإن قلت فكان ينبغى على هذا صرف صوامع ومساجد ليشاكلا لفظ بيع وصلوات من قوله تعالى {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوََاتٌ وَمَسََاجِدُ}.
قلت: إنما فعل ذلك فى المنصوب خاصة، لأن المناسبة تحصل فيه وقفا ووصلا، فإن المنوّن يوقف عليه بالألف، فكان الرسم الألف دالا على الأمرين، أما غير المنصوب، فإنه يوقف عليه بالسكون، منوّنا كان أو غير منوّن، فلا حاجة تدعوا إلى صرفه لأجل المناسبة وصلا، والمناسبة فى الوقف مهمة، بل هى العمدة فى ذلك، بدليل أن جماعة ممن لم ينوّن فى الوصل يثبت الألف فى الوقف، ونظير هذا الموضع قراءة من قرأ فى سورة نوح ولا يغوثا ويعوقا بالتنوين، لأجل أن قبله ودّا ولا سواعا وبعده ونسرا وهذا تعليل الزمخشرى فى ذلك، فإنه قال لعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات، كما قرئ وضحاها بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواج هذا قوله هنا: ويجيء مثل ذلك فى سلاسلا وهو وجه سائغ، فعدل عن ذلك لما وصل إليه، وقال فيه وجهان:
أحدهما أن تكون هذه النون بدلا من حرف الإطلاق، ويجرى الوصل مجرى الوقف.
والثانى: أن يكون صاحب هذه القراءة ممن ضرى برواية الشعر ومرن لسانه على صرف غير المنصرف.
قال الشيخ: هذا كلام صدر عن سوء الظن بالقراءة، وعدم معرفته بطريقتهم فى اتباع النقل.
قلت: هذا جواب الوجه الثانى.
وأما الوجه الأول: فالتنوين الذى حمله عليه يسمى بتنوين الترنم، النائب مناب حرف الإطلاق، ولا يستقيم ذلك هنا، فان ذلك التنوين ثابت وقفا، وهذا مبدل منه ألف فى الوقف، وكل تنوين أبدل منه ألف فى الوقف فهو تنوين الصرف، ولو كان هذا التنوين فى كلمات الأحزاب الظنونا والرسولا والسبيلا لكان تنوين الترنم فإن الألف فى الوقف ألف الإطلاق، فلتكن النون القائمة مقامه كذلك، ولو كان هذا التنوين ثابتا فى سلاسل وقفا، كما هو ثابت وصلا لأمكن فيه ذلك على أنه لغة ضعيفة أيضا، قال أبو الحسن الأخفش: لا يجوز فى الظنونا وشبهه تنوين الأعلى لغة من ينوّن فى القوافى، قال: ولا تعجبنى تلك اللغة لأنها ليست لغة أهل الحجاز.
قلت: فكل من لوّن سلاسلا فى الوصل وقف عليه بالألف، ومن لم ينوّن وصلا اختلفوا، فمنهم من وقف على اللام ساكنة، وهو الذى عبر عنه بالقصر، وهذا قياس قراءتهم فى الوصل، وهم: حمزة، وقنبل، بلا خلاف والبزى وحفص وابن ذكوان بخلاف عنهم، ومنهم من وقف بألف اتباعا للرسم، وهم أبو عمرو وهؤلاء الرواة الثلاثة فى وجههم الثانى، وتكون ألف الوقف عند هؤلاء ألف الإطلاق، كالتى فى الظنونا وشبهه «وعن» فى قول الناظم «من عن» اسم كالتى فى قول القطامى.(2/714)
وأما الوجه الأول: فالتنوين الذى حمله عليه يسمى بتنوين الترنم، النائب مناب حرف الإطلاق، ولا يستقيم ذلك هنا، فان ذلك التنوين ثابت وقفا، وهذا مبدل منه ألف فى الوقف، وكل تنوين أبدل منه ألف فى الوقف فهو تنوين الصرف، ولو كان هذا التنوين فى كلمات الأحزاب الظنونا والرسولا والسبيلا لكان تنوين الترنم فإن الألف فى الوقف ألف الإطلاق، فلتكن النون القائمة مقامه كذلك، ولو كان هذا التنوين ثابتا فى سلاسل وقفا، كما هو ثابت وصلا لأمكن فيه ذلك على أنه لغة ضعيفة أيضا، قال أبو الحسن الأخفش: لا يجوز فى الظنونا وشبهه تنوين الأعلى لغة من ينوّن فى القوافى، قال: ولا تعجبنى تلك اللغة لأنها ليست لغة أهل الحجاز.
قلت: فكل من لوّن سلاسلا فى الوصل وقف عليه بالألف، ومن لم ينوّن وصلا اختلفوا، فمنهم من وقف على اللام ساكنة، وهو الذى عبر عنه بالقصر، وهذا قياس قراءتهم فى الوصل، وهم: حمزة، وقنبل، بلا خلاف والبزى وحفص وابن ذكوان بخلاف عنهم، ومنهم من وقف بألف اتباعا للرسم، وهم أبو عمرو وهؤلاء الرواة الثلاثة فى وجههم الثانى، وتكون ألف الوقف عند هؤلاء ألف الإطلاق، كالتى فى الظنونا وشبهه «وعن» فى قول الناظم «من عن» اسم كالتى فى قول القطامى.
من عن يمين الجبيا
أى نشأ للواقف بالقصر: القصر من جانب هدى خلفهم، وفلا من قولهم: فلوته أى ربيته، أو بمعنى فصل من فلوته عن أمه، أى فصلته وفطمته، أو بمعنى تدبر من فليت الشعر: إذا تدبرته واستخرجت معناه، قال الفراء: كتبت سلاسلا بالألف فأراها بعض القراء لمكان الألف التى فى آخرها ولم يجرها بعضهم، وقال الذى لم يجرها العرب تثبت فيما لا يجرى الألف فى النصب، فإذا وصلوا حذفوا الألف، قال:
وكل صواب.
1094 [(ز) كا وقواريرا فنوّنه (إ) ذ (د) نا
(ر) ضا (ص) رفه واقصره فى الوقف (ف) يصلا]
زكا من تتمة رمز الواقفين بالقصر فى سلاسل، والكلام فى تنوين كانت قواريرا والوقف عليها بالألف وبالقصر كما سبق فى سلاسلا، وزاد الوقف بالألف هنا حسنا كونه رأس آية، فلهذا لم يقصره فى الوقف إلا حمزة وحده، وأجمعوا على ترك صرف الذى فى النمل صرح ممرد من قوارير.
1095 [وفى الثّان نوّن (إ) ذ (ر) ووا (ص) رفه وقل
يمدّ هشام واقفا معهم ولا]
يعنى قوارير من فضة ولكونه ليس برأس آية لم يقف عليه بالألف ممن لم ينون فى الوصل إلا هشام، وأما من نونه فوقف عليه بالألف المبدلة من التنوين فلهذا قال: واقفا معهم، أى مع المنونين، وو لا بالكسر:
أى متابعة للرسم، فانه بالألف فى أكثر المصاحف كالذى قبله قال الفراء ثبتت الألف فى الأولى لأنها رأس آية، والأخرى ليس برأس آية، فكان ثبات الألف فى الأولى أقوى، وكذلك رأيتها فى مصحف عبد الله بن مسعود، وقرأ بها أهل البصرة وكتبوها فى مصاحفهم. كذلك وأهل الكوفة وأهل المدينة يثبتون الألف فيها جميعا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد فى معنى نصب بكنايتين مختلفتين، قال: وإن شئت أجريتهما جميعا وإن شئت لم تجرهما وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فى كتاب أهل البصرة، ولم تجر الثانية إذ لم تكن فيها الألف واختار أبو عبيد سلاسلا وقواريرا قوارير كلهن بإثبات الألف والتنوين، قال: وكذلك هى فى مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف، ورأيتها فى الذى يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان قواريرا الأولى مثبتة والثانية كانت بالألف فحكت، ورأيت أثرها بينا هناك، وقال الزجاج: قرئت قوارير غير مصروفة، وهذا الاختيار عند النحويين، ومن قرأ بصرف الأول فلأنه رأس آية، وترك صرف الثانى لأنه ليس بآخر آية، ومن صرف الثانى أتبع اللفظ اللفظ، لأن العرب ربما قلبت إعراب الشيء ليتبع اللفظ اللفظ،
فيقولون: جحر ضب خرب، وإنما الخرب من نعت الجحر، فكيف بما يترك صرفه، وجميع ما يترك صرفه يجوز صرفه فى الشعر، يعنى فأمره فى المتابعة أخف من غيره، وقال الزمخشرى: هذا التنوين بدلا من ألف الإطلاق، لأنه فاصلة، وقد سبق بيان فساد هذا القول، ثم قال: وفى الثانى لاتباعه الأول، وذكر أبو عبيد وغيره أن فى مصاحف البصرة، الأول بألف والثانى بغير ألف، وبعضهم ذكر أن الأول أيضا بغير ألف فى بعض المصاحف، وهذا هو الظاهر.(2/715)
أى متابعة للرسم، فانه بالألف فى أكثر المصاحف كالذى قبله قال الفراء ثبتت الألف فى الأولى لأنها رأس آية، والأخرى ليس برأس آية، فكان ثبات الألف فى الأولى أقوى، وكذلك رأيتها فى مصحف عبد الله بن مسعود، وقرأ بها أهل البصرة وكتبوها فى مصاحفهم. كذلك وأهل الكوفة وأهل المدينة يثبتون الألف فيها جميعا، وكأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد فى معنى نصب بكنايتين مختلفتين، قال: وإن شئت أجريتهما جميعا وإن شئت لم تجرهما وإن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فى كتاب أهل البصرة، ولم تجر الثانية إذ لم تكن فيها الألف واختار أبو عبيد سلاسلا وقواريرا قوارير كلهن بإثبات الألف والتنوين، قال: وكذلك هى فى مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف، ورأيتها فى الذى يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان قواريرا الأولى مثبتة والثانية كانت بالألف فحكت، ورأيت أثرها بينا هناك، وقال الزجاج: قرئت قوارير غير مصروفة، وهذا الاختيار عند النحويين، ومن قرأ بصرف الأول فلأنه رأس آية، وترك صرف الثانى لأنه ليس بآخر آية، ومن صرف الثانى أتبع اللفظ اللفظ، لأن العرب ربما قلبت إعراب الشيء ليتبع اللفظ اللفظ،
فيقولون: جحر ضب خرب، وإنما الخرب من نعت الجحر، فكيف بما يترك صرفه، وجميع ما يترك صرفه يجوز صرفه فى الشعر، يعنى فأمره فى المتابعة أخف من غيره، وقال الزمخشرى: هذا التنوين بدلا من ألف الإطلاق، لأنه فاصلة، وقد سبق بيان فساد هذا القول، ثم قال: وفى الثانى لاتباعه الأول، وذكر أبو عبيد وغيره أن فى مصاحف البصرة، الأول بألف والثانى بغير ألف، وبعضهم ذكر أن الأول أيضا بغير ألف فى بعض المصاحف، وهذا هو الظاهر.
1096 [وعاليهم اسكن واكسر الضّمّ (إ) ذ (ف) شا
وخضر برفع الخفض (ع) مّ (ح) لا (ع) لا]
يجوز أن يحرك الميم من عاليهم فى البيت بالحركات الثلاثة لضرورة الوزن، وإلا فهى ساكنة فى لفظ القرآن أو موصولة بواو عند من مذهبه ذلك، وإنما لفظ به الناظم على قراءة من أسكن الياء وكسر الهاء، وليست الصلة من مذهب من قرأ كذلك، فلم يبق أن يكون لفظ به إلا على قراءة إسكان الميم، وحينئذ يجوز فتحها بنقل حركة همزة اسكن إليها وكسرها لالتقاء الساكنين على تقدير أن يكون وصل همزة القطع وضمها لأنها حركتها الأصلية عند الصلة، فهى أولى من حركة مستعارة يريد {عََالِيَهُمْ ثِيََابُ سُندُسٍ} أى الذى يعلوهم ثياب من سندس، فهو مبتدأ وخبر، وقراءة الباقين بنصب الياء وضم الهاء، وهو حال من قوله ولقاهم نضرة وسرورا ومن وجزاهم بما صبروا هذا قول أبى على، وأجاز الزجاج أن يكون حالا من الضمير فى عليهم أو من الولدان، وتبعه الزمخشرى فى ذلك، وزاد وجها آخر، وهو أن يكون التقدير: رأيت أهل نعيم عاليهم، وثياب سندس مرفوع به، وقد أجيز أن يكون عاليهم ظرفا، كأنه لما كان عال بمعنى فوق أجرى مجراه، فهو كقولك فوقهم ثياب، وخضر بالرفع صفة لثياب وبالجر صفة لسندس، وجاز ذلك، وإن كان سندس مفردا وخضر جمعا لما كان السندس راجعا إلى جمع وهو الثياب، والمفرد إذا أريد به الجمع جاز وصفه بالجمع، نحو على رفرف خضر وعبقرىّ حسان ومن هذا الإخبار عن المفرد والجمع نحو ما سبق فى قراءة نافع وحمزة عاليهم ثياب وعكسه قول الشاعر:
ألا إن جيران العشية رابح
وحلا فى البيت تمييز أو حال. أى عمت حلاة أو عم ذا حلاه، أخبر عن خضر بأنه عم حلاه وبأنه علا فهما جملتان، وقوله برفع الخفض متعلق بأحدهما. والله أعلم.
1097 [وإستبرق (حرمىّ ف) صر وخاطبوا
تشاءون (حصن) وقّتت واوه (ح) لا]
أى ورفع خفض استبرق لهؤلاء، ووجه الرفع العطف على ثياب، أى وثياب استبرق، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقرأ الباقون بالجر عطفا على سندس، أى ثياب هذين النوعين، فصار فى هاتين الكلمتين خضر واستبرق أربع قراءات رفعهما لنافع، وحفص اخفضهما لحمزة والكسائى خفض خضر ورفع استبرق لابن كثير وأبى بكر عكسه، رفع خضر وجر استبرق لأبى عمرو وابن عامر، وهو أجود هذه القراءات الأربع، واختاره أبو عبيد، قال أبو على: هو أوجه هذه الوجوه، لأن خضر صفة مجموعة لموصوف،
مجموع، واستبرق جنس أضيف إليه الشاب كما أضيف إلى سندس كما تقول ثيابا خز وكتان، ودل على ذلك قوله تعالى فى سورة الكهف:(2/716)
1097 [وإستبرق (حرمىّ ف) صر وخاطبوا
تشاءون (حصن) وقّتت واوه (ح) لا]
أى ورفع خفض استبرق لهؤلاء، ووجه الرفع العطف على ثياب، أى وثياب استبرق، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقرأ الباقون بالجر عطفا على سندس، أى ثياب هذين النوعين، فصار فى هاتين الكلمتين خضر واستبرق أربع قراءات رفعهما لنافع، وحفص اخفضهما لحمزة والكسائى خفض خضر ورفع استبرق لابن كثير وأبى بكر عكسه، رفع خضر وجر استبرق لأبى عمرو وابن عامر، وهو أجود هذه القراءات الأربع، واختاره أبو عبيد، قال أبو على: هو أوجه هذه الوجوه، لأن خضر صفة مجموعة لموصوف،
مجموع، واستبرق جنس أضيف إليه الشاب كما أضيف إلى سندس كما تقول ثيابا خز وكتان، ودل على ذلك قوله تعالى فى سورة الكهف:
{(وَيَلْبَسُونَ ثِيََاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [1]).
وأما وما تشاءون بالغيب والخطاب فظاهر، وحصنا حال من فاعل خاطبوا أو مفعوله وهو تشاءون، جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه، أى ذوى حصن أو ذا حصن، وقرأ أبو عمرو وحده وإذا الرسل وقتت بالواو وهو أصل الكلمة لأنها من الوقت، قال الفراء: أى جمعت لوقتها يوم القيامة، وقال الزجاج:
جعل لها وقت وأجل للفصل والقضاء بين الأمم، وقال أبو على: جعل يوم الدين والفصل لها وقتا، كما قال:
{(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقََاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [2]).
وقال الزمخشرى: معنى توقيت الرسل أى تبين وقتهم الذى يحضرون فيه للشهادة على أممهم.
قلت: كأنه والله أعلم بعد الوقوف من طول ذلك اليوم ومعاينة ما فيه من الأهوال الواقعة بالسماء والكواكب والجبال وغيرها ووقوع الخلائق فى ذلك الكرب العظيم الذى يطلبون الخلاص منه لسرعة الفصل بينهم، فيقصدون الرسل لذلك على ما جاء فى حديث الشفاعة فحينئذ والله أعلم يبين لهم وقت الفصل بينهم، وقوله لأى يوم أجلت تعظيم للوقت الذى يقع فيه الفصل والجزاء، والمراد باليوم الحين والزمان، ولطول يوم القيامة يعبر عن الوقت فيه، ثم بين الناظم قراءة الباقين، فقال:
1098 [وبالهمز باقيهم قدرنا ثقيلا (إ) ذ
(ر) سا وجمالات فوحّد (ش) ذا (ع) لا]
أى همزوا الواو من وقتت فصارت همزة مضمومة او لك لغة فى كل واو مضمومة، قالوا فى وجوه: أجوه، وفى وعد أعد، واختار هذه القراءة أبو عبيد لموافقة الكتاب مع كثرة قرائها، وهى أيضا موافقة لقوله أجلت، وثقل نافع والكسائى فقدرنا وخفف الباقون لقوله فنعم القادرون ووجه التثقيل قوله من نطفة خلقه فقدره أجمع على تشديده أى فنعم القادرون نحن على تقديره، وقيل المخفف والمشدد بمعنى واحد، وجمالات جمع جمالة، وجمالة جمع جمل، كجارة فى جمع حجر، وقبل جمالات جمع جمال، كرجالات فى جمع رجال، ووجه القراءتين ظاهر، ومضى معنى: شذا علا:
__________
(1) آية: 31.
(2) سورة الدخان، آية: 40.(2/717)
ومن سورة النبأ إلى سورة العلق
لا نعلق لما نظمه فى سورة النبأ بما بعدهما، والنازعات وعبس متصلتان، وكذا التكوير والانفطار، وسورة المطففين منفردة، وكذا الانشقاق ومن سورة البروج إلى العلق متصل، وفيها سور لم يذكر لها خلفا متجددا، كما سبق التنبيه عليه فى سورة الجمعة، وهى: والطارق، والليل، والضحى، وأ لم نشرح، والتين ولكنها لا تخلو من خلاف مر ذكره فى الأصول وغيرها، والله أعلم.
1099 [وقل لابثين القصر (ف) اش وقل ولا
كذابا بتخفيف الكسائىّ أقبلا]
أى القصر فيه يريد {لََابِثِينَ فِيهََا أَحْقََاباً} فلابث ولبث من باب حاذر، حذر، وفاره وفره، وقد مضيا فى سورة الشعراء، ومنه طامع وطمع، وقال الزمخشرى: اللبث أقوى، لأن اللابث من وجد منه اللبث ولا يقال لبث إلا لمن شأنه اللبث، كالذى يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه، وقال الفراء: أجود الوجهين بالألف، يعنى لأجل نصب ما بعده لأن إعمال ما كان على وزن فاعل أكثر من إعمال فعل، وأما كذابا بالتخفيف فمصدر كذب، مثل كتب كتابا وبالتشديد مصدر كذب، مثل كلم كلاما، وفسر فسارا، وموضع الخلاف قوله تعالى {لََا يَسْمَعُونَ فِيهََا لَغْواً وَلََا كِذََّاباً} يعنى أهل الجنة جعلنا الله منهم، لا يسمعون فيها كذبا ولا تكذيبا، وقيده الناظم بقوله ولا احترازا من النهى قبله، وكذبوا بآياتنا كذابا فهو مجمع على تشديده، لأن فعله معه، وقال الزمخشرى: فعال فى باب فعل كله فاش فى كلام فصحاء من العرب، لا يقولون غيره وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال: لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله.
1100 [وفى رفع يا ربّ السّماوات خفضه
(ذ) لول وفى الرّحمن (نا) ميه (ك) مّلا]
أى خفض الباء من رب السموات للكوفيين وابن عامر وحفص، النون من الرحمن لعاصم وابن عامر فخفضهما على البدل من ربك ويجوز فى الرحمن أن يكون صفة أو عطف بيان ومن رفعهما كان على تقدير هو: رب السموات الرحمن، أو يكون رب مبتدأ والرحمن خبره أو الرحمن نعته أو عطف بيان له، ولا يملكون خبره، ومن غاير بينهما وهو حمزة والكسائى خفضا ياء رب على البدل، ورفع الرحمن على الابتداء ولا يملكون خبره، أو على تقدير هو الرحمن واستئناف لا يملكون، وتقدير البيت: وخفض الرفع فى الرحمن ناقله كملا، لأنه كمل الخفض فى الحرفين معا، يقال: نميت الحديث إذا بلغته، والله أعلم.
1101 [وناخرة بالمدّ (صحبت) هم وفى
تزكّى تصدّى الثّان (حرمىّ) اثقلا]
نخرة وناخرة واحد، أى بالية وفى قراءة القصر زيادة مبالغة، وفى قراءة المد مؤاخاة رءوس الآى قبلها
وبعدها، وأما فقل هل لك إلى أن تزكى وفى سورة عبس فأنت له تصدى فثقل الحرميان الحرف الثانى من الكلمتين وهما الزاى والصاد، فهذا معنى قوله الثانى، أى ثانى حروفهما، والأصل تتزكى وتتصدى بتاءين، فمن ثقل أدغم ومن خفف حذف على ما سبق فى تظاهرون وتقدير حرمى أثقل الحرف الثانى فى تزكى وتصدى، فقوله الثانى مفعول أثقلا والألف فى أثقل يجوز أن تكون للإطلاق، وأن تكون ضمير التثنية حملا على لفظ حرمى، فإنه مفرد، وعلى معناه الآن مدلوله اثنان، وألقى حركة همزة أثقلا على تنوين حرمى، وحذف الياء من الثان: ولم يفتحها، وهو مفعول به ضرورة، وجاء لفظ الثانى منها ملبسا على المبتدئ يظن أن تصدى موضعان الخلاف فى الثانى فيهما، وإنما ذكر الثانى هنا كقولهء آلهة كوف يحقق ثانيا أى ثانى حروفه، ولأجل أن مراده أثقلا الحرف الثانى فى هاتين الكلمتين عدل إلى حرف «فى» عن أن يقول: وأن تزكى على لفظ التلاوة، والله أعلم.(2/718)
1101 [وناخرة بالمدّ (صحبت) هم وفى
تزكّى تصدّى الثّان (حرمىّ) اثقلا]
نخرة وناخرة واحد، أى بالية وفى قراءة القصر زيادة مبالغة، وفى قراءة المد مؤاخاة رءوس الآى قبلها
وبعدها، وأما فقل هل لك إلى أن تزكى وفى سورة عبس فأنت له تصدى فثقل الحرميان الحرف الثانى من الكلمتين وهما الزاى والصاد، فهذا معنى قوله الثانى، أى ثانى حروفهما، والأصل تتزكى وتتصدى بتاءين، فمن ثقل أدغم ومن خفف حذف على ما سبق فى تظاهرون وتقدير حرمى أثقل الحرف الثانى فى تزكى وتصدى، فقوله الثانى مفعول أثقلا والألف فى أثقل يجوز أن تكون للإطلاق، وأن تكون ضمير التثنية حملا على لفظ حرمى، فإنه مفرد، وعلى معناه الآن مدلوله اثنان، وألقى حركة همزة أثقلا على تنوين حرمى، وحذف الياء من الثان: ولم يفتحها، وهو مفعول به ضرورة، وجاء لفظ الثانى منها ملبسا على المبتدئ يظن أن تصدى موضعان الخلاف فى الثانى فيهما، وإنما ذكر الثانى هنا كقولهء آلهة كوف يحقق ثانيا أى ثانى حروفه، ولأجل أن مراده أثقلا الحرف الثانى فى هاتين الكلمتين عدل إلى حرف «فى» عن أن يقول: وأن تزكى على لفظ التلاوة، والله أعلم.
1102 [فتنفعه فى رفعه نصب عاصم
وأنّا صببنا فتحه (ث) بته تلا]
الرفع عطف على يذكروا، والنصب على أنه واب الترجى من لعله يزكى كما تقدم من.
{(فَأَطَّلِعَ} [1])
فى سورة غافر.
{(أَنََّا صَبَبْنَا} [2])
كسره على الابتداء وفتحه على أنه بدل من طعامه أى فلينظر إلى أصل طعامه، قال أبو على: هو بدل اشتمال، لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه فهو على نحو:
{(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ} [3]).
{(قُتِلَ أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ} [4]) بالنار.
{(وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [5]).
لأن الذاكرة كالمشتمل على المذكور، وقال إلى طعامه والمعنى إلى كونه وحدوثه، وهو موضع الاعتبار وأنا صببنا فى البيت مبتدأ وثبته مبتدأ ثان، وفتحه مفعول تلا، ومعنى ثبته أى ناقله وقارئه الثبت، يقال:
رجل ثبت بسكون الباء أى ثابت القلب ويقال: هذا شيء ليس بثبت بفتح الباء أى ليس بحجة، والله أعلم.
__________
(1) آية: 6.
(2) آية: 37.
(3) سورة البقرة، آية: 217.
(4) سورة البروج، آية: 4.
(5) سورة الكهف، آية: 63.(2/719)
1103 [وخفّف (حقّ) سجّرت ثقل نشّرت
(ش) ريعة (حقّ) سعّرت (ع) ن (أ) ولى (م) لا]
التخفيف فى هذه الكلمات الثلاثة والتشديد سبق لها نظائر ولم يبين القراءة المرموزة فى سعرت إحالة على ما نص عليه فى الحرف قبلها وهو الثقل، فهو مثل ما أحال سكرت فى أوّل الحجر على ما قبله وهو: ورب خفيف والملأ: الأشراف والرؤساء، يشير إلى أن هذه القراءة مأخوذة عن جماعة أصحاب شيوخ أكابر أخذوها عنهم.
1104 [وظا بضنين (ح) قّ (ر) او وخفّ فى
فعدّلك الكوفى و (حقّ) ك يوم لا]
الأولى أن تكتب بضنين بالضاد لوجهين:
أحدهما: أنها هكذا كتبت فى المصاحف الأئمة، قال الشاطبى رحمه الله فى قصيدة الرسم: والضاد فى بضنين تجمع البشر.
والثانى: أن يكون قد لفظ بالقراءة الأخرى، فإن الضاد والظاء ليسا فى اصطلاحه ضدين.
فإن قلت: فكيف تصح حينئذ إضافة الظاء إلى هذا اللفظ وليس فيه ظاء؟
قلت: يصح ذلك من جهة أن هذا اللفظ يستحق هذا الحرف باعتبار القراءة الأخرى، ولهذا يجوز لك أن تقرأ قوله فى سورة النساء ويا سوف تؤتينهم عزير بالنون، ومعنى بظنين بالظاء من الظنة، وهى التهمة أى ما هو بمتهم على ما لديه من علم الغيب الذى يأتيه من قبل الله تعالى، ومعناه بالضاد ببخيل: أى لا يبخل بشيء منه بل يبلغه كما أمر به امتثالا لأمر الله تعالى وحرصا على نصح الأمة، «وعلى» على هذه القراءة بمعنى الباء، وذلك ثابت لغة، وقد سبق فى شرح قول «وليس على قرانه متأكلا» ويكون سبب العدول عن الباء إليها استقامة معناها على القراءتين أو كراهة لتكرار الباء لو قيل بالغيب بضنين وقال الفراء فى تفسير بضنين:
يقول يأتيه غيب السماء وهو منقوش فيه فلا يبخل به عليكم ولا يضن به عنكم، وقيل المعنى: إنه جامع لوصفين جليلين، وهما الاطلاع على علم الغيب وعدم البخل، كما تقول هو على علمه شجاع أى جامع للوصفين واختار أبو عبيد القراءة بالظاء، وقال: إنهم لم يبخلوه فيحتاج إلى أنه ينفى عنه ذلك البخل، إنما كان المشركون يكذبون به، فأخبرهم الله تعالى أنه ليس بمتهم على الغيب، وجواب هذا أن يقال: وصفه الله تعالى بذلك لحرصه على التبليغ وقيامه لما أمر به، ولا يتوقف نفى البخل عنه على رميهم إياه به:
فإن قلت: إذا كانت الكتابة بالضاد فكيف ساغ مخالفتها إلى الظاء.
قلت باعتبار النقل الصحيح كما قرأ أبو عمرو وقتت بالواو مع أن أبا عبيد قد أجاب عن هذا فقال:
ليس هذا بخلاف الكتاب، لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما فى المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى، قال: فهذا قد يتشابه فى خط المصحف ويتدانى، قال الشيخ: صدق أبو عبيد، فإن الخط القديم على ما وصف، وقال الزمخشرى: هو فى مصحف عبد الله بالطاء، وفى مصحف أبىّ بالضاد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ بهما، وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب، ومعرفة مخرجيهما مما لا بدّ
منه للقارئ، فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين، فإن فرقوا ففرقا غير صواب، وبينهما بون بعيد، ثم ذكر مخرجيهما على ما سيأتى بيانه فى باب مخارج الحروف، ثم قال ولو استوى الحرفان لما ثبت فى هذه الكلمة قراءتان اثنتان، ولا اختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب، قلت: وقد صنفت مصنفات فى الفرق بين الضاد والظاء مطلقا، وحصرت كلمات الحرفين، ونظم جماعة من شيوخ القراءة ما فى القرآن العظيم من الظاءات، فيعلم بذلك أن ما عدا ما نظموه يكون بالضاد، وقد ذكرت فى ذلك فصلا بديعا فى مختصر تاريخ دمشق، فى ترجمة عبد الرزاق بن على، فى حرف العين، وقوله: فعد لك بالتخفيف، أى عدل بعضك ببعض، فكنت معتدل الخلقة متناسبها، فلا تفاوت فيها. قال عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه:(2/720)
ليس هذا بخلاف الكتاب، لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما فى المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى، قال: فهذا قد يتشابه فى خط المصحف ويتدانى، قال الشيخ: صدق أبو عبيد، فإن الخط القديم على ما وصف، وقال الزمخشرى: هو فى مصحف عبد الله بالطاء، وفى مصحف أبىّ بالضاد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ بهما، وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب، ومعرفة مخرجيهما مما لا بدّ
منه للقارئ، فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين، فإن فرقوا ففرقا غير صواب، وبينهما بون بعيد، ثم ذكر مخرجيهما على ما سيأتى بيانه فى باب مخارج الحروف، ثم قال ولو استوى الحرفان لما ثبت فى هذه الكلمة قراءتان اثنتان، ولا اختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب، قلت: وقد صنفت مصنفات فى الفرق بين الضاد والظاء مطلقا، وحصرت كلمات الحرفين، ونظم جماعة من شيوخ القراءة ما فى القرآن العظيم من الظاءات، فيعلم بذلك أن ما عدا ما نظموه يكون بالضاد، وقد ذكرت فى ذلك فصلا بديعا فى مختصر تاريخ دمشق، فى ترجمة عبد الرزاق بن على، فى حرف العين، وقوله: فعد لك بالتخفيف، أى عدل بعضك ببعض، فكنت معتدل الخلقة متناسبها، فلا تفاوت فيها. قال عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه:
وعدلنا ميل بدر فاعتدل
وبالتشديد معناه قوّمك وحسنك وجعلك معتدلا، فهما متقاربان، ومعنى البيت خف الكوفى فى قراءة فعدلك بالتخفيف، ثم قال: وحقك يوم لا يعنى رفع يوم لا تملك لأنه بدل من يوم الذى قبله أو على تقدير هو يوم لا تملك والنصب على تقدير تدانون، أى تجازون يوم كذا لأن لفظ الدين بدل عليه، أو بإضمار أعنى أو على تقدير اذكر، وقيل بدل من يوم الدين الذى بعد يصلونها وقيل ومبنى لإضافته إلى لا، كما تقدم فى مثل ما، فيجوز على هذا أن تكون على ما تقدم من وجهى الرفع ووجود النصب، قال الشيخ: وقوله:
وحقك يوم لا، أضاف يوم إلى لا، لأن اليوم مصاحب لها.
قلت: لا حاجة إلى هذا الاعتذار، فإنه حكاية لفظ القرآن، وقيدها بذلك احترازا من ثلاثة قيلها مضافة إلى الدين.
1105 [وفى فاكهين اقصر (ع) لا وختامه
بفتح وقدّم مدّه (ر) اشدا ولا]
فاكهين وفكهين واحد، المد والقصر كما سبق فى لابثين ولبثين، وفارهين وفرهين، أى انقلبوا معجبين متنعمين متلذذين فرحين.
وأما ختامه مسك فقرأه الكسائى بفتح الخاء، وقدم الألف على التاء فصار خاتمه، كما قرأ عاصم وخاتم النبيين قال الفراء: الخاتمة والختام متقاربان فى المعنى إلا أن الخاتم الإسم والختام المصدر. قال أبو على:
خاتمه آخره وختامه عاقبته، والمراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة وأرجها مع طيب الطعم، وعن سعيد بن جبير ختامه آخر طعمه، وقوله: ولا بفتح الواو أى ذا ولاء أى نصر لهذه القراءة، لأن أبا عبيد كرهها، وقال:
حجة الكسائى فيها حديث كان يرويه عن على، ولو ثبت عن على لكان فيها حجة، ولكنه عندنا لا يصح عنه، قلت: قد أسند الفراء فى كتاب المعانى عن على وعلقمة فقال: حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن عن على أنه قرأ خاتمه مسك، قال وحدثنا أبو الأحوص عن أشهب بن أبى الشعثاء المحاربى قال قرأ علقمة بن قيس: خاتمة مسك وقال أما رأيت المرأة تقول للعطار: اجعل لى خاتمه مسكا، تريد آخره، وتفسيره أن الشارب يجد آخر كأسه ريح المسك، والله أعلم.
1106 [يصلّى ثقيلا ضمّ (عمّ ر) ضا (د) نا
وبا تركبنّ اضمم (ح) يا (عمّ ف؟؟؟) هّلا)
ضم فعل ما لم يسم فاعله فى موضع الحال أيضا، أى مضموم الياء وعمّ: خبر يصلى، أى عم رضاه أو ذا رضى، وقراءة الباقين يصلى سعير مضارع صلى، كما قال تعالى {سَيَصْلى ََ نََاراً} ثم قال اضمم باء لتركبن طبقا ذا حيا، ولحيا بالقصر الغيث، ونهلا جمع ناهل، وهو الشارب أى مشبها حيا عام النفع، وهو خطاب للإنسان، فهو بفتح الباء على اللفظ وبضمها، لأن المراد بالإنسان المخاطب الجنس، ومعنى طبقا عن طبق أى حالا بعد حال، من شدائد أحوال القيامة وأهوال مواقفها، قيل: هى خمسون موقفا كل حالة منها مطابقة للأخرى، فى الشدة والهول، وقيل غير ذلك، والله أعلم.(2/721)
حجة الكسائى فيها حديث كان يرويه عن على، ولو ثبت عن على لكان فيها حجة، ولكنه عندنا لا يصح عنه، قلت: قد أسند الفراء فى كتاب المعانى عن على وعلقمة فقال: حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن عن على أنه قرأ خاتمه مسك، قال وحدثنا أبو الأحوص عن أشهب بن أبى الشعثاء المحاربى قال قرأ علقمة بن قيس: خاتمة مسك وقال أما رأيت المرأة تقول للعطار: اجعل لى خاتمه مسكا، تريد آخره، وتفسيره أن الشارب يجد آخر كأسه ريح المسك، والله أعلم.
1106 [يصلّى ثقيلا ضمّ (عمّ ر) ضا (د) نا
وبا تركبنّ اضمم (ح) يا (عمّ ف؟؟؟) هّلا)
ضم فعل ما لم يسم فاعله فى موضع الحال أيضا، أى مضموم الياء وعمّ: خبر يصلى، أى عم رضاه أو ذا رضى، وقراءة الباقين يصلى سعير مضارع صلى، كما قال تعالى {سَيَصْلى ََ نََاراً} ثم قال اضمم باء لتركبن طبقا ذا حيا، ولحيا بالقصر الغيث، ونهلا جمع ناهل، وهو الشارب أى مشبها حيا عام النفع، وهو خطاب للإنسان، فهو بفتح الباء على اللفظ وبضمها، لأن المراد بالإنسان المخاطب الجنس، ومعنى طبقا عن طبق أى حالا بعد حال، من شدائد أحوال القيامة وأهوال مواقفها، قيل: هى خمسون موقفا كل حالة منها مطابقة للأخرى، فى الشدة والهول، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
وفى نظم هذا البيت نظر فى موضعين، أحدهما: يصلى فإنه لم ينص على فتح الصاد ولا سكونها، والثانى قوله وبا تركبن ولم يقيد لفظ الباء بما تتميز به من التاء، وكلمة تركين فيها الحرفان، وكل واحد منهما قابل للخلاف المذكور، وكان يمكنه أن يقول:
يصلى بيصلى عم دم رم وتركبن ... بالضم قبل النون حز عم نهلا
1107 [ومحفوظ اخفض رفعه (خ) صّ وهو فى ال
مجيد (ش) فا والخفّ قدّر (ر) تّلا)
الخفض نعت للوح وهو موافق لما يطلقه الناس، من قولهم: اللوح المحفوظ، قرأه نافع بالرفع جعله صفة لقرآن فى قوله: بل هو قرآن مجيد أى هو قرآن مجيد محفوظ فى لوح، والضمير فى قوله هو للخفض، أى اخفض رفع ذو العرش المجيد فيكون نعتا للعرش، ورفعه على أنه خبر بعد ثلاثة أخبار لقوله وهو الغفور والتخفيف والتشديد فى قدر فهدى سبق مثله فى والمرسلات قوله والخف على تقدير، وذو الخف، وقدر عطف بيان له، أو يكون قدر مفعول، والخف نحو الضرب زيدا أعلم.
1108 [وبل يؤثرون (ح) ز وتصلى يضمّ (ح) ز
(ص) فا يسمع التّذكير (حقّ) وذو جلا]
الغيب والخطاب فى تؤثرون ظاهران، وكذلك تصلى نارا بضم التاء وفتحها، وتأنيث لاغية غير حقيقى، فجاز تذكير الفعل المسند إليها وهو يسمع، هذا على قراءة من رفعها، وأما من نصبها على المفعولية، ففتح التاء من تسمع على ما يأتى، وقوله: وذو جلا أى جلاء بالمدّ بمعنى انكشاف، وظهور وهو تتمة للبيت والرمز حق وحده.
1109 [وضمّ (أ) ولوا (حقّ) ولاغية لهم
مسيطر اشمم (ض) اع والخلف (ق) لّلا]
يعنى ضم التاء من تسمع نافع وضم الياء ابن كثير وأبو عمرو، فالمجموع ضم أوّل يسمع ولاغية لهم بالرفع،
لأن تسمع على قراءة الثلاثة فعل ما لم يسم فاعله، وإن كان أوّله مختلفا فيه بينهم دائرا بين التاء والياء، وقراءة الباقين بتاء الخطاب، أى لا تسمع أنت وأيها السامع فيها لاغية، فإن قلت من أين علم ذلك وهو إنما ذكر التذكير فضده التأنيث وهو حاصل فى قراءة نافع، أما قراءة غيره فبالخطاب.(2/722)
1109 [وضمّ (أ) ولوا (حقّ) ولاغية لهم
مسيطر اشمم (ض) اع والخلف (ق) لّلا]
يعنى ضم التاء من تسمع نافع وضم الياء ابن كثير وأبو عمرو، فالمجموع ضم أوّل يسمع ولاغية لهم بالرفع،
لأن تسمع على قراءة الثلاثة فعل ما لم يسم فاعله، وإن كان أوّله مختلفا فيه بينهم دائرا بين التاء والياء، وقراءة الباقين بتاء الخطاب، أى لا تسمع أنت وأيها السامع فيها لاغية، فإن قلت من أين علم ذلك وهو إنما ذكر التذكير فضده التأنيث وهو حاصل فى قراءة نافع، أما قراءة غيره فبالخطاب.
قلت: لما اشتركوا مع نافع فى القراءة بالتاء وإن اختلف مدلولها تأنيثا وخطابا تجوز فى أن جعل قراءتهم ضدا للتذكير فهو كما سبق فى ولتستبين فى سورة الأنعام، ويجوز أن تكون التاء فى قراءة الجماعة للتأنيث أيضا، على أن يكون فاعلها ضميرا عائدا على الوجوه فى قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاعِمَةٌ} أى لا تسمع تلك الوجوه فيها لاغية، وقوله: أولوا حق أى أصحاب حق، وأما لست عليهم بمصيطر فاشم الصاد زاء خلف، كما فعل فى الصراط وفى المصيطرون فى الطور، وعن خلاد فى ذلك خلاف، ولكون هذه القراءة قد عرفت لخلف، وخلاد من سورتى الفاتحة والطور أطلق الإشمام، ولم يبين أنه بالزاى فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ومعنى ضاع فاح وانشر، والخلف قللا، لأن من المصنفين من لم يذكر لخلاد إلا أحد الوجهين إما الصاد الخالصة كالجماعة، وإما الإشمام مثل خلف، فذكر الخلاف قليل.
1110 [وبالسّين (ل) ذ والوتر بالكسر (ش) ائع
فقدّر يروى اليحصبيّ مثقّلا]
أى وقرأ بمصيطر بالسين هشام وحده، على أصل الكلمة، والباقون بالصاد، وتعليل هذه القراءات كما سبق فى الصراط، والوتر يكسر الواو وفتحها لغتان، قال أبو عبيد: وبكسر الواو نقرؤها لأنها أكثر فى العامة وأفشى، ومع هذا إنا تدبرنا الآثار التى جاء فيها ذكر وتر الصلاة فوجدناها كلها بهذه اللغة لم نسمع فى شيء منها الوتر، يعنى بالفتح، قال: والمعنى فيهما واحد، إنما تأويله الفرد الذى هو ضدّ الشفع، وقال مكى وغيره:
الفتح لغة أهل الحجاز والكسر لغة بنى تميم.
وأما فقدر عليه روقه فالتخفيف والتشديد فيه لغتان، وهو بمعنى ضيق، والتخفيف أكثر فى القرآن:
1111 [وأربع غيب بعد بل لا (ح) صولها
يحضّون فتح الضّمّ بالمدّ (ث) مّلا]
أى وأربع كلمات تقرأ بالغيبة، ثم بين مواضعها فقال: حصولها بعد لفظ بل لا يريد كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون وتأكلون وتحبون انفرد أبو عمرو بقراءة الغيب والباقون بالخطاب، ووجهها ظاهر، وقرأ الكوفيون تحاضون من المحاضة، أى يحض بعضكم بعضا، وأصلها تتحاضون فحذفت التاء الثانية كما فى نظائره، ومعنى ثملا: أى أصلح أى فتح ضمه أصلح بالمدّ، لأنه لا يستقيم إلا به، ويعنى بفتح الضم فتح الحاء المضمومة من تحضون فى قراءة الباقين.
1112 [يعذّب فافتحه ويوثق (ر) اويا
وياءان فى ربّى وفكّ ارفعن ولا]
يعنى فتح ذال يعذب، وثاء يوثق على بناء الفعلين للمفعول، والهاء فى عذابه للإنسان، على قراءة الكسائى
هذه، وقراءة الباقين بكسرهما على بناء الفعلين للفاعل، وهو أحد، والهاء فى عذابه عائدة على الله تعالى، أى هو متولى الأمور كلها لا معذب سواه أى إن عذاب من يعذب فى الدنيا ليس كعذاب الله، ويجوز أن يكون الها عائدة على الإنسان أيضا، واختاره الشيخ أبو عمرو ليفيد المعنى زيادة عذاب هذا الإنسان على غيره، وإذا عاد الضمير إلى الله تعالى لم يفد هذا المعنى بخلاف قراءة الفتح، فإن على كلا التقديرين يحصل هذا المعنى، فإن الهاء إن عادت على الإنسان فظاهر على ما سبق، وإن عادت على الله تعالى كان المعنى: لا يعذب أحد مثل تعذيب الله تعالى لهذا الإنسان، واختار أبو عبيد قراءة الفتح، وأسند فيها حديثا عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال مع صحة المعنى فيها، لأن تفسيرها لا يعذب عذاب الكافر أحد، ومن قرأ بالكسر فإنه يريد لا يعذب عذاب الله عز وجل أحد، قال: وقد علم المسلمون أنه ليس يوم القيامة معذب سوى الله تعالى، فكيف يكون لا يعذب أحد مثل عذابه، وأراد بقوله وياءان فى ربى أن هذا اللفظ الذى هو ربى تكرر فى هذه السورة فى موضعين ففيه ياءان من ياءات الإضافة يريد {رَبِّي أَكْرَمَنِ} و {رَبِّي أَهََانَنِ} فتحهما الحرميان وأبو عمرو وفيها أربع زوائد تقدم نظمها فى آخر سورة تبارك يسر أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو وفى الحالين ابن كثير بالواد أثبتها فى الوصل ورش وفى الوقف ابن كثير على اختلاف عن قنبل أكرمن وأهانن أثبتهما فى الوصل نافع وأبو عمرو على اختلاف عنه وفى الوقف البزى والنون فى قوله ارفعن نون التوكيد الخفيفة التى تبدل ألفا فى الوقف ومثلها فى القرآن لنسفعن بالناصية وليكونا من الصاغرين وولا بالكسر أى متابعا فهو مفعول من أجله أو التقدير ذو ولاء فيكون حالا وليست الواو فاصلة فإن المسألة لم تتم بعد، أى ارفع الكاف من قوله تعالى فى سورة البلد {فَكُّ رَقَبَةٍ} لمن يأتى ذكره ثم ذكر ما يفعله هذا الرافع فى رقبة فقال:(2/723)
1112 [يعذّب فافتحه ويوثق (ر) اويا
وياءان فى ربّى وفكّ ارفعن ولا]
يعنى فتح ذال يعذب، وثاء يوثق على بناء الفعلين للمفعول، والهاء فى عذابه للإنسان، على قراءة الكسائى
هذه، وقراءة الباقين بكسرهما على بناء الفعلين للفاعل، وهو أحد، والهاء فى عذابه عائدة على الله تعالى، أى هو متولى الأمور كلها لا معذب سواه أى إن عذاب من يعذب فى الدنيا ليس كعذاب الله، ويجوز أن يكون الها عائدة على الإنسان أيضا، واختاره الشيخ أبو عمرو ليفيد المعنى زيادة عذاب هذا الإنسان على غيره، وإذا عاد الضمير إلى الله تعالى لم يفد هذا المعنى بخلاف قراءة الفتح، فإن على كلا التقديرين يحصل هذا المعنى، فإن الهاء إن عادت على الإنسان فظاهر على ما سبق، وإن عادت على الله تعالى كان المعنى: لا يعذب أحد مثل تعذيب الله تعالى لهذا الإنسان، واختار أبو عبيد قراءة الفتح، وأسند فيها حديثا عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال مع صحة المعنى فيها، لأن تفسيرها لا يعذب عذاب الكافر أحد، ومن قرأ بالكسر فإنه يريد لا يعذب عذاب الله عز وجل أحد، قال: وقد علم المسلمون أنه ليس يوم القيامة معذب سوى الله تعالى، فكيف يكون لا يعذب أحد مثل عذابه، وأراد بقوله وياءان فى ربى أن هذا اللفظ الذى هو ربى تكرر فى هذه السورة فى موضعين ففيه ياءان من ياءات الإضافة يريد {رَبِّي أَكْرَمَنِ} و {رَبِّي أَهََانَنِ} فتحهما الحرميان وأبو عمرو وفيها أربع زوائد تقدم نظمها فى آخر سورة تبارك يسر أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو وفى الحالين ابن كثير بالواد أثبتها فى الوصل ورش وفى الوقف ابن كثير على اختلاف عن قنبل أكرمن وأهانن أثبتهما فى الوصل نافع وأبو عمرو على اختلاف عنه وفى الوقف البزى والنون فى قوله ارفعن نون التوكيد الخفيفة التى تبدل ألفا فى الوقف ومثلها فى القرآن لنسفعن بالناصية وليكونا من الصاغرين وولا بالكسر أى متابعا فهو مفعول من أجله أو التقدير ذو ولاء فيكون حالا وليست الواو فاصلة فإن المسألة لم تتم بعد، أى ارفع الكاف من قوله تعالى فى سورة البلد {فَكُّ رَقَبَةٍ} لمن يأتى ذكره ثم ذكر ما يفعله هذا الرافع فى رقبة فقال:
1113 [وبعد اخفضن واكسر ومدّ منوّنا
مع الرّفع إطعام (ن) دا (عمّ ف) انهلا]
النون فى اخفضن للتوكيد أيضا يريد اخفض الكلمة التى بعد فك وهى رقبة فهى مخفوضة بإضافة فك إليها لأن فك بعد أن كان فعلا ماضيا فى القراءة بفتح الكاف صار برفعها اسما مضافا إلى رقبة، وقوله واكسر يعنى همزة إطعام، والمدّ زيادة ألف بعد العين والتنوين مع الرفع فى الميم فيبقى إطعام معطوفا على فك، فهما اسمان فى هذه، وفى الأخرى هما فعلان ماضيان فقوله إطعام مفعول اكسر ومد أى افعل فيه الكسر والمد والتنوين والرفع وقوله ندا أى ذا نداء وقوله عم فانهلا أراد فانهلن فأبدل من النون ألفا أى فاشرب يقال منه نهل بكسر الهاء ينهل فوجه هذه القراءة أنها تفسير للعقبة والتقدير هى فك رقبة أو إطعام وعلى قراءة الباقين يكون فك رقبة بدلا من فلا اقتحم وما بينهما اعتراض كما قيل فى يوم لا تملك المنصوب أنه بدل من يوم الدين وقد اعترض بينهما جمل فى ثلاث آيات.
1114 [ومؤصدة فاهمز معا (ع) ن (ف) تى (ح) مى
ولا (عمّ) فى والشّمس بالفاء وانجلا]
معا يعنى فى سورتى البلد والهمز والهمز فى مؤصدة وتركه لغتان وقد تقدم الكلام فيها فى باب الهمز المفرد ومعنى مؤصدة مطبقة وقوله عن فتى أى ناقلا له عن فتى حماه، وأما ولا يخاف عقباها فى سورة والشمس فقرأها
نافع وابن عامر بفاء موضع الواو على ما فى المصحف المدنى والشامى وهو عطف على ما قبله من الجمل المعطوفات بالفاء فقال لهم فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها ولا يخاف عقباها وقرأ الباقون بالواو على ما فى مصاحفهم وهى واو الحال أى فسوّاها غير خائف والضمير فى ولا يخاف يرجع إلىّ من رجع إليه الضمير فى فسوّاها وقيل يرجع إلى الرسول وقيل يرجع إلى العاقل وقراءة الفاء ترد هذه القول ومعنى فدمدم عليهم أرجف بهم وقيل أطبق العذاب عليهم، والضمير فى فسوّاها للدمدمة أو لآية ثمود أى فسوّى الدمدمة بينهم أو فسوّاهم فى ذلك لم يفلت منهم أحدا، فقول الناظم «ولا مبتدأ وعم خبره» أى ولا فى والشمس عم بالفاء وأنجلا أى كفا.(2/724)
1114 [ومؤصدة فاهمز معا (ع) ن (ف) تى (ح) مى
ولا (عمّ) فى والشّمس بالفاء وانجلا]
معا يعنى فى سورتى البلد والهمز والهمز فى مؤصدة وتركه لغتان وقد تقدم الكلام فيها فى باب الهمز المفرد ومعنى مؤصدة مطبقة وقوله عن فتى أى ناقلا له عن فتى حماه، وأما ولا يخاف عقباها فى سورة والشمس فقرأها
نافع وابن عامر بفاء موضع الواو على ما فى المصحف المدنى والشامى وهو عطف على ما قبله من الجمل المعطوفات بالفاء فقال لهم فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها ولا يخاف عقباها وقرأ الباقون بالواو على ما فى مصاحفهم وهى واو الحال أى فسوّاها غير خائف والضمير فى ولا يخاف يرجع إلىّ من رجع إليه الضمير فى فسوّاها وقيل يرجع إلى الرسول وقيل يرجع إلى العاقل وقراءة الفاء ترد هذه القول ومعنى فدمدم عليهم أرجف بهم وقيل أطبق العذاب عليهم، والضمير فى فسوّاها للدمدمة أو لآية ثمود أى فسوّى الدمدمة بينهم أو فسوّاهم فى ذلك لم يفلت منهم أحدا، فقول الناظم «ولا مبتدأ وعم خبره» أى ولا فى والشمس عم بالفاء وأنجلا أى كفا.(2/725)
1114 [ومؤصدة فاهمز معا (ع) ن (ف) تى (ح) مى
ولا (عمّ) فى والشّمس بالفاء وانجلا]
معا يعنى فى سورتى البلد والهمز والهمز فى مؤصدة وتركه لغتان وقد تقدم الكلام فيها فى باب الهمز المفرد ومعنى مؤصدة مطبقة وقوله عن فتى أى ناقلا له عن فتى حماه، وأما ولا يخاف عقباها فى سورة والشمس فقرأها
نافع وابن عامر بفاء موضع الواو على ما فى المصحف المدنى والشامى وهو عطف على ما قبله من الجمل المعطوفات بالفاء فقال لهم فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها ولا يخاف عقباها وقرأ الباقون بالواو على ما فى مصاحفهم وهى واو الحال أى فسوّاها غير خائف والضمير فى ولا يخاف يرجع إلىّ من رجع إليه الضمير فى فسوّاها وقيل يرجع إلى الرسول وقيل يرجع إلى العاقل وقراءة الفاء ترد هذه القول ومعنى فدمدم عليهم أرجف بهم وقيل أطبق العذاب عليهم، والضمير فى فسوّاها للدمدمة أو لآية ثمود أى فسوّى الدمدمة بينهم أو فسوّاهم فى ذلك لم يفلت منهم أحدا، فقول الناظم «ولا مبتدأ وعم خبره» أى ولا فى والشمس عم بالفاء وأنجلا أى كفا.
ومن سورة العلق إلى آخر القرآن
لا تعلق لسورة العلق بما بعدها فى نظمه، وسورة القدر ولم يكن متصلتان، وكذا التكاثر والهمزة ولإيلاف والكافرون متصلات فى نظمه ثم سورة تبت وما بين ذلك كله من السور لا خلف فيها إلا ما سبق ذكره فى الأصول وغيرها، وكذا ما بعد تبت.
1115 [وعن قنبل قصرا روى ابن مجاهد
رآه ولم يأخذ به متعمّلا]
قصرا مفعول روى ورآه مفعول قصرا لأنه مصدر أى روى ابن مجاهد عن قنبل قصرا فى هذه الكلمة وهى أن رآه استغنى فحذف الألف بين الهمزة والهاء وابن مجاهد هذا هو الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس ابن مجاهد شيخ القراء بالعراق فى وقته، وهو أوّل من صنف فى القراءات السبع، على ما سبق بيانه فى خطبة هذا الكتاب وأوضحناه فى كتاب الأحرف السبعة وقد ذكرت من أخباره فى ترجمته فى «مختصر تاريخ بغداد» ومات رحمه الله سنة أربع وعشرين وثلاث مائة وقد ضعف بعضهم قراءته على قنبل، وقال: إنما أخذ عنه وهو مختلط لكبر سنه على ما ذكرناه فى ترجمة قنبل فى الشرح الكبير لهذه القصيدة، وقال ابن مجاهد فى «كتاب السبعة» له: قرأت على قنبل أن رآه قصرا بغير ألف بعد الهمزة فى وزن «رعه» قال: وهو غلط لا يجوز إلا رآه فى وزن رعاه ممالا وغير ممال، فهذا معنى قول الناظم ولم يأخذ به لأنه جعله غلطا، ومعنى متعملا أى: عاملا يقال عمل واعتمل وتعمل، فيجوز أن يكون حالا من ابن مجاهد، وهو ظاهر، ويجوز أن يكون مفعولا به، أى لم يأخذ به على أحد قرأ عليه، والمتعمل طالب العلم الآخذ نفسه به، يقال تعمل فلان لكذا وسوف أتعمل فى حاجتك، أى أتعنى، وهذا كالمتفقه والمتنسك أى لم يطالب أحدا من تلامذته بالقراءة به وهذه العبارة غالبة فى ألفاظ شيوخ القراء يقول قائلهم به قرأت وبه آخذ أى وبه أقرئ غيرى.
وقال الشيخ الشاطبى رحمه الله فيما قرأته بخط شيخنا أبى الحسن رحمه الله: رأيت أشياخنا يأخذون فيه بما ثبت عن قنبل من القصر خلاف ما اختاره ابن مجاهد.
وقرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله: زعم ابن مجاهد أنه قرأ بهذا عليه أى على قنبل ورده ورآه غلطا، هكذا فى السبعة ولم يتعرض فى الكتاب له لما علم من صحة الرواية فيه، قال: وإذا صح تصرف العرب فى رأيا لقلب، ويحفظ الهمزة، فكيف ينكر قصر الهمزة إذا صحت به الرواية.
وقال الشيخ فى شرحه: وكذلك رواه أبو عون يعنى محمد بن عمر الواسطى عن قنبل والرواية عنه صحيحة وقد أخذ له الأئمة بالوجهين وعول صاحب التيسير على القصر، يعنى لأنه لم يذكر فيه غبره فإنه قال:
قرأ قنبل أن رآه بقصر الهمزة والباقون بمدها وقال فى غيره وبه قرأت، وأثبت بن غلبون وأبوه الوجهين، واختار إثبات الألف، قال الشيخ: وهى لغة فى رآه ومثله فى الحذف قول رؤبة وصانى الحجاج فيما وصنى قال: وما كان ينبغى لابن مجاهد إذا جاءت القراءات ثابتة عن إمام من طريق لا يشك فيه أن يردها، لأن وجهها لم يظهر له، وقد سبق فى حاشا ذكر هذا الحذف ونحوه، وإذا كانوا يقولون لا أدر من المستقبل الذى يلبس الحذف فيه قراءة أولى.
قلت: وأنشدنى الشيخ أبو الحسن رحمه الله لنفسه بيتين بعد هذا البيت حالة قراءتى لشرحه عليه فى الكرة الأخيرة التى لم نقرأ عليه بعدها:(2/726)
قرأ قنبل أن رآه بقصر الهمزة والباقون بمدها وقال فى غيره وبه قرأت، وأثبت بن غلبون وأبوه الوجهين، واختار إثبات الألف، قال الشيخ: وهى لغة فى رآه ومثله فى الحذف قول رؤبة وصانى الحجاج فيما وصنى قال: وما كان ينبغى لابن مجاهد إذا جاءت القراءات ثابتة عن إمام من طريق لا يشك فيه أن يردها، لأن وجهها لم يظهر له، وقد سبق فى حاشا ذكر هذا الحذف ونحوه، وإذا كانوا يقولون لا أدر من المستقبل الذى يلبس الحذف فيه قراءة أولى.
قلت: وأنشدنى الشيخ أبو الحسن رحمه الله لنفسه بيتين بعد هذا البيت حالة قراءتى لشرحه عليه فى الكرة الأخيرة التى لم نقرأ عليه بعدها:
ونحن أخذنا قصره عن شيوخنا ... بنصى صحيح صح عنه فبجلا
ومن ترك المروى من بعد صحة ... فقد زل فى رأى رأى متخيلا
قلت: لعل ابن مجاهد رحمه الله إنما نسب هذا إلى الغلط لأخذه إياه عن قنبل فى زمن اختلاطه، مع ما رأى من ضعف هذا الحذف فى العربية لأنه وإن جاء نحوه ففي ضرورة شعر، أو ما يجرى مجرى ذلك من كلمة كثر دورها، على ألسنتهم، فلا يجوز القياس على ذلك وقد صرح بتضعيف هذه القراءة جماعة من الأئمة قال أبو على:
إن الألف حذفت من مضارع رأى فى قولهم:
أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة
فهلا جاز حذفها أيضا من الماضى.
قيل: إن الحذف لا يقاس عليه لا سيما فى نحو هذا إن كان على غير قياس. فإن قلت فقد جاء حاشا لله يكون إلا فعلا لأن الحرف لا يحذف منه وقال رؤبة فيما وصنى قيل إن ذلك فى القلة بحيث لا يصار يسوغ القياس عليه ومما يضعفه إن الألف ثبتت حيث تحذف الياء والواو، ألا ترى أن من قال إذا يسر فحذف الياء فى الفاصلة لم يحذف من نحو والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وقال مكى هو بعيد فى القياس والنظر والاستعمال هذا مع كونه علل هذه القراءة بخمس علل كلها ضعيفة ومن أعربها أن الألف حذفت لأجل الساكن بعد الهاء ولم يعتد بالهاء حاجزا ولو كان ذلك مسوغا هذا لكان فى قراءة الجماعة أولى فإنهم لم يعتدوا بالهاء حاجزا فى امتناعهم فى صلة هاء الكتابة لأجل الساكن قبلها على ما سبق فى بابه، والله أعلم.
1116 [ومطلع كسر اللّام (ر) حب وحرفى ال
بريّة فاهمز (آ) هلا (م) تأهّلا]
يريد {حَتََّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} كسر لامه رحب، أى واسع أى لم تضق وجوه القريبة عن توجيهه خلافا لمن استبعده ووجهه أنه قد جاء فى أسماء الزمان والمكان مفعل بكسر العين فما مضارعه يفعل بضمها أسماء محصورة وهذا منها نحو المشرق والمغرب والمسجد ومنها ما جاء فيه الوجهان نحو النسك والمسكن والمطلع وقد قرئ بهما فى هذه الثلاثة، فالمفتوح والمكسور المراد بهما زمن الطلوع، ومنهم من جعلهما مصدرين فاحتاج إلى تقدير أى حذف مضاف إلى زمن طلوع الفجر إذا قدرنا هما اسمى زمان لم تحتج إلى هذا والزجاج جعل المفتوح مصدرا والمكسور اسم زمان وهمز البرية هو الأصل لأنها من برأ الله الخلق ومن لم يهمزها فإما أن يكون خفف الهمز كما تقدم فى النبيء وهو الأولى أو يكون مأخوذا من البرا وهو التراب فلا همز فيه ولكن قراءة الهمز ترد هذا الوجه قال أبو على البرية من برأ الله الخلق فالقياس فيه الهمز إلا أنه مما ترك همزه كقولهم النبى والذرية والخابية فى أنه ترك الهمز فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك فى الاستعمال كما أن من همز النبى كان كذلك وترك الهمز فيها أجود وإن كان الأصل الهمز لأنه لما ترك فيه الهمز صار كرده إلى الأصول المرفوضة مثل ضننوا وما أشبه ذلك من الأصول التى لا تستعمل، قال: قال وهمز من همز البرية يدل على فساد قول من قال: إنه من البراء الذى هو التراب ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همز على حال إلا على وجه الغلط كما حكوا امتلأت الحجر ونحو
ذلك من الغلط الذى لا وجه له فى الهمز والفاء فى قوله فاهمزه زائدة وحرفى البرية مفعول باهمز وآهلا متأهلا حالان من فاعل اهمز ومعنى آهلا ذا أهل من قولهم أهل المكان إذا كان له أهل ومكان مأهول فيه أهله وقد أهل فلان بفتح الهاء يأهل بضمها وكسرها أهولا أى تزوج وكذا تأهل فيكون دعاء له أى اهمزه مزوجا إن شاء الله تعالى فى الجنة نحو اذهب راشدا أو اهمزه كائنا فى جماعة يريدونه وينصرونه أى لست منفردا بذلك وإنما قال ذلك إشارة إلى خلاف من يرد الهمز فى هذا ومعنى متأهلا أى متصديا للقيام بحجته محصلا لها أى لك أهلية ذلك وقال الشيخ آهلا حال من مفعول اهمز ويشكل عليه أن مفعول اهمز مثنى والحال مفردة ونافع مذهبه همز النبى والبرية معا ووافقه ابن ذكوان على همز البرية فقط، فقد صار همز البرية له أهل أكثر من أهل الهمز فى النبى وبابه والله أعلم.(2/727)
1116 [ومطلع كسر اللّام (ر) حب وحرفى ال
بريّة فاهمز (آ) هلا (م) تأهّلا]
يريد {حَتََّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} كسر لامه رحب، أى واسع أى لم تضق وجوه القريبة عن توجيهه خلافا لمن استبعده ووجهه أنه قد جاء فى أسماء الزمان والمكان مفعل بكسر العين فما مضارعه يفعل بضمها أسماء محصورة وهذا منها نحو المشرق والمغرب والمسجد ومنها ما جاء فيه الوجهان نحو النسك والمسكن والمطلع وقد قرئ بهما فى هذه الثلاثة، فالمفتوح والمكسور المراد بهما زمن الطلوع، ومنهم من جعلهما مصدرين فاحتاج إلى تقدير أى حذف مضاف إلى زمن طلوع الفجر إذا قدرنا هما اسمى زمان لم تحتج إلى هذا والزجاج جعل المفتوح مصدرا والمكسور اسم زمان وهمز البرية هو الأصل لأنها من برأ الله الخلق ومن لم يهمزها فإما أن يكون خفف الهمز كما تقدم فى النبيء وهو الأولى أو يكون مأخوذا من البرا وهو التراب فلا همز فيه ولكن قراءة الهمز ترد هذا الوجه قال أبو على البرية من برأ الله الخلق فالقياس فيه الهمز إلا أنه مما ترك همزه كقولهم النبى والذرية والخابية فى أنه ترك الهمز فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك فى الاستعمال كما أن من همز النبى كان كذلك وترك الهمز فيها أجود وإن كان الأصل الهمز لأنه لما ترك فيه الهمز صار كرده إلى الأصول المرفوضة مثل ضننوا وما أشبه ذلك من الأصول التى لا تستعمل، قال: قال وهمز من همز البرية يدل على فساد قول من قال: إنه من البراء الذى هو التراب ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همز على حال إلا على وجه الغلط كما حكوا امتلأت الحجر ونحو
ذلك من الغلط الذى لا وجه له فى الهمز والفاء فى قوله فاهمزه زائدة وحرفى البرية مفعول باهمز وآهلا متأهلا حالان من فاعل اهمز ومعنى آهلا ذا أهل من قولهم أهل المكان إذا كان له أهل ومكان مأهول فيه أهله وقد أهل فلان بفتح الهاء يأهل بضمها وكسرها أهولا أى تزوج وكذا تأهل فيكون دعاء له أى اهمزه مزوجا إن شاء الله تعالى فى الجنة نحو اذهب راشدا أو اهمزه كائنا فى جماعة يريدونه وينصرونه أى لست منفردا بذلك وإنما قال ذلك إشارة إلى خلاف من يرد الهمز فى هذا ومعنى متأهلا أى متصديا للقيام بحجته محصلا لها أى لك أهلية ذلك وقال الشيخ آهلا حال من مفعول اهمز ويشكل عليه أن مفعول اهمز مثنى والحال مفردة ونافع مذهبه همز النبى والبرية معا ووافقه ابن ذكوان على همز البرية فقط، فقد صار همز البرية له أهل أكثر من أهل الهمز فى النبى وبابه والله أعلم.
1117 [وتا ترونّ اضمم فى الأولى (ك) ما (ر) سا
وجمّع بالتّشديد (ش) افيه (ك) لّا]
يعنى لترون الجحيم فالضم من أرى والفتح من رأى ولا خلاف فى فتح الثانى وهو لترونها وجمع ما لا بالتخفيف والتشديد وحد وفى لفظ التشديد موافقة لقوله وعدّده وقيل التشديد لما يكون شيئا بعد شيء والتخفيف لما يجمع فى قرب وسرعة كقوله تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنََاهُمْ جَمْعاً} وقد جاء التخفيف بمعنى التشديد وهو لما يجمع شيئا بعد شيء كقوله ... ولها بالماطرون إذا أكل النمل الذى جمعا ... والنمل لا يجمع ما يدخره فى وقت واحد
وكذلك الظاهر من أداء الحرب فى قول الأعشى:
لأمر يجمع الأداة لريب ... الدهر لا مسند ولا زمال
ذكر ذلك أبو على المسند بفتح النون الدعى والزمال الجبان وقوله فى أولى أى فى الكلمة الأولى ورسا بمعنى ثبت واستقر.
1118 [(وصحبة) الضّمّين فى عمد وعوا
لإيلاف باليا غير شامّيهم تلا]
وعوا أى حفظوا الضمين فى هذه العلة وهما ضم العين والميم والباقون بفتحهما وكلاهما جمع عمود وقد أجمعوا على الفتح فى بغير عمد فى الرعد ولقمان وأما لإيلاف قريش فقراءة ابن عامر بحذف الياء وكلتا القراءتين مصدر وهما لغتان يقال آلف إيلافا وألف آلافا فمن الأوّل قول ذى الرمة من المؤلفات الرهل أما حره ومن الثانى ما أنشده أبو على:
زعم أن أخواتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إيلاف
وقراءة ابن عامر حسنة فإن فيها جمعا بين اللغتين باعتبار الحرفين فان الثانى بالياء بغير خلاف وهو معنى قوله:
1119 [وإيلاف كلّ وهو فى الخطّ ساقط
ولي دين قل فى الكافرين تحصّلا]
أى وكلهم أثبت الياء فى الحرف الثانى وهو إيلافهم رحلة وهذه الياء ساقطة فى خط المصحف والأولى ثابتة والألف بعد اللام فيهما ساقطة وصورتهما لإيلاف قريش الفهم فأجمعوا على قراءة الثانى بالياء وهو بغير ياء فى الرسم واختلفوا فى الأوّل وهو بالياء، وهذا مما يقوى أمر هؤلاء القراء فى اتباعهم فيما يقرءونه النقل الصحيح دون مجرد الرسم وما يجوز فى العربية وقد روى حذف الياء من الثانى أيضا، وفى سورة الكافرين ياء إضافة وهى ولي دين فتحها نافع وهشام وحفص والبزى بخلاف عنه وأسكنها الباقون.(2/728)
1119 [وإيلاف كلّ وهو فى الخطّ ساقط
ولي دين قل فى الكافرين تحصّلا]
أى وكلهم أثبت الياء فى الحرف الثانى وهو إيلافهم رحلة وهذه الياء ساقطة فى خط المصحف والأولى ثابتة والألف بعد اللام فيهما ساقطة وصورتهما لإيلاف قريش الفهم فأجمعوا على قراءة الثانى بالياء وهو بغير ياء فى الرسم واختلفوا فى الأوّل وهو بالياء، وهذا مما يقوى أمر هؤلاء القراء فى اتباعهم فيما يقرءونه النقل الصحيح دون مجرد الرسم وما يجوز فى العربية وقد روى حذف الياء من الثانى أيضا، وفى سورة الكافرين ياء إضافة وهى ولي دين فتحها نافع وهشام وحفص والبزى بخلاف عنه وأسكنها الباقون.
1120 [وها أبى لهب بالإسكان (د) وّنوا
وحمّالة المرفوع بالنّصب (ن) زّلا]
أى أثبتوا هاءه بالإسكان لابن كثير وفتحها الباقون، ولعلهما لغتان كالنهر ولم يختلفوا فى فتح الهاء من قوله تعالى {ذََاتَ لَهَبٍ} وكذا ولا يغنى من اللهب قال أبو على هذا يدل على أنه أوجه من الإسكان وقال الزمخشرى الإسكان فى أبى لهب من تغيير الأعلام كقولهم شمس بن مالك بالضم.
قلت: وفى الإسكان مغايرة بين اللفظين فى الموضعين وخفف العلم بالإسكان لثقل المسمى على الجنان والاسم على اللسان، وحمالة الحطب بالرفع صفة وامرأته، وفى جيدها الخبر، أوهما خبران لها إن كانت مبتدأ وإن كانت عطفا على ضمير سيصلى تعين حمالة الحطب للصفة وكان فى جيدها فى موضع الحال أو خبرا ومبتدأ جملة مستأنفة ونصب حمالة الحطب على الذم والشتم قال الزمخشرى وأنا استحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل قلت: حمالة الحطب اسمها أم جميل عليها وعلى أبى لهب لعنة الله.(2/729)
قلت: وفى الإسكان مغايرة بين اللفظين فى الموضعين وخفف العلم بالإسكان لثقل المسمى على الجنان والاسم على اللسان، وحمالة الحطب بالرفع صفة وامرأته، وفى جيدها الخبر، أوهما خبران لها إن كانت مبتدأ وإن كانت عطفا على ضمير سيصلى تعين حمالة الحطب للصفة وكان فى جيدها فى موضع الحال أو خبرا ومبتدأ جملة مستأنفة ونصب حمالة الحطب على الذم والشتم قال الزمخشرى وأنا استحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل قلت: حمالة الحطب اسمها أم جميل عليها وعلى أبى لهب لعنة الله.
باب التكبير
إنما أخر ذكر هذا الباب لأن حكمه متعلق بالسور الأخيرة، ومن المصنفين من لم يذكره أصلا كابن مجاهد وقدم النظم قبل بيان حكمه عند القراء أبياتا فى فضل الذكر مطلقا من تكبير وغيره فقال:
1121 [روى القلب ذكر الله فاستسق مقبلا
ولا تعد روض الذّاكرين فتمحلا
هذا البيت مقفى مثل أول القصيدة وأول سورة الرعد والأنبياء وغيرها وهو حسن كما نبهنا عليه فى شرح الذى فى أول الرعد، وروى القلب ريه يقال روى من الماء يروى على وزن رضى يرضى ويقال فى مصدره أيضا ريا وريا بفتح الراء وكسرها نص عليه الجوهرى ولما جعل ذكر الله تعالى ريا للقلب أمر بالازدياد من الرى فاتبع ذلك اللفظ المجاز ما يناسبه فقال فاستسق أى اطلب السقى مقبلا على ذلك أى أكثر من الذكر والتمس محله ومواضعه ولا تعد أى ولا تتجاوز رياضه والروض جمع روضة فتمحلا أى فتصادف محلا فلا يحصل رى ولا شرب وأشار بذلك وما يأتى بعده إلى أحاديث كثيرة جاءت عن النبى صلّى الله عليه وسلم فى فضل ذكر الله تعالى والحث عليه، وهى مفرقة فى الصحيحين وغيرهما.
وقد جمع جعفر الفرياني الحافظ فيه مصنفا حسنا، وما أحسن ما قال بلال بن سعيد وهو من تابعى أهل الشام:
«الذكر ذكران: ذكر الله باللسان حسن جميل، وذكر الله عند ما أحلّ وحرّم أفضل، وكيف لا يكون ذكر الله تعالى روى للقلب، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
يقول الله تعالى «أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه حين يذكرنى، فإن ذكرنى فى نسفه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم» أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما:
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه كان يقول:
«إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله تعالى» أخرجه الحافظ البيهقى فى كتاب الدعوات.
وأما تعبيره عن مجالس الذكر بالروض فلما جاء فى حديث جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:
«يا أيها الناس إن لله تعالى سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر فارتعوا فى رياض الجنة، قلنا أين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا فى ذكر الله، واذكروه بأنفسكم من كان يحب أن يعلم كيف منزلته من الله عز وجل فلينظر منزلة الله عنده، فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد حيث أنزله من نفسه» أخرجه البيهقى فى كتاب الدعوات وشعب الإيمان».
وأخرجه الفرياني وأخرج أيضا فى معناه أحاديث كثيرة منها عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «من أحبّ أن يرتع فى رياض الجنة فليكثر من ذكر الله عز وجل».
1122 [وآثر عن الآثار مثراة عذبه
وما مثله للعبد حصنا وموئلا]
آثر من الإيثار أى قدم مثراة عذب الذكر على كل شىء والمثراة من قولهم هذا مثراة للمال أى مكثرة له أى قدم مكتسب عذبه ومكثرته ولمثراة أيضا مصدر ثرى المكان يثرى ثرى ومثراة إذا كثر نداه فبلله أى قدم ندى عذبه على كل شيء وذلك مما يستعار للوصلة والذكر وصلة بين العبد وبين ربه عز وجل ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «بلوا أرحامكم ولو بالسلام» أى صلوها، وتقول العرب بينى وبين فلان مثرى أى وصلة لم تنقطع، وهو مثل كأنه قال لم ييبس ما بينى وبينه ومنه قول جرير:(2/730)
1122 [وآثر عن الآثار مثراة عذبه
وما مثله للعبد حصنا وموئلا]
آثر من الإيثار أى قدم مثراة عذب الذكر على كل شىء والمثراة من قولهم هذا مثراة للمال أى مكثرة له أى قدم مكتسب عذبه ومكثرته ولمثراة أيضا مصدر ثرى المكان يثرى ثرى ومثراة إذا كثر نداه فبلله أى قدم ندى عذبه على كل شيء وذلك مما يستعار للوصلة والذكر وصلة بين العبد وبين ربه عز وجل ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «بلوا أرحامكم ولو بالسلام» أى صلوها، وتقول العرب بينى وبين فلان مثرى أى وصلة لم تنقطع، وهو مثل كأنه قال لم ييبس ما بينى وبينه ومنه قول جرير:
فلا توبسوا بينى وبينكم الثرى ... فإن الذى بينى وبينكم مثرى
وقوله عن الآثار أى آخذا بذلك الإيثار عن الآثار والأخبار الواردة عن النبى عليه الصلاة والسلام أى مستمدا أدلة الإيثار من الآثار نحو ما فى صحيح مسلم عن الأغر أبى مسلم أنه شهد على أبى هريرة وأبى سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
قال: «ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى فى من عنده» وفى جامع الترمذى عن عبد الله بن بشر أن رجلا قال يا رسول الله:
«إن شرائع الإسلام قد كثرت علىّ فأخبرنى بشيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى» قال هذا حديث حسن غريب، وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
«إن لله ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر، فإذا أتوا على قوم يذكرون الله تعالى جلسوا فأظلوهم بأجنحتهم ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم فيقول تبارك وتعالى وهو أعلم: من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويحمدونك ويهللونك ويكبر ونك ويستجير ونك من عذابك ويسألونك جنتك فيقول الله تعالى، وهل رأوا جنتى ونارى فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوهما فقد أجرتهم مما استجاروا وأعطيتهم ما سألوا فيقال إن فبهم رجلا مرّ بهم فقعد معهم فيقول وله فقد غفرت إنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم» وعن الحارث الأشعرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
«إن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بنى اسرائيل أن يعملوا بهن:
أن لا يشركوا بالله شيئا، وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، وأمركم بالصيام والصدقة وضرب لكل واحدة مثلا، ثم قال: وأمركم بذكر الله تعالى كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلب العدوّ سراعا من أثره حتى أتى حصنا حصينا، فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجوا من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل» وعن أبى الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها من درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال: ذكر الله عز وجل» أخرجه البيهقى فى كتاب الدعوات، ففي ذلك تفسير قوله * وما مثله للعبد حصنا وموئلا * أى وما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها فى الحديث، ونصب حصنا وموئلا على التمييز أى ما للعبد حصن وموئل مثل الذكر ويجوز نصبهما على الحال أى مشبها حصنا وموئلا هنا اسم مكان أى موضعا يؤول إليه، أى يرجع ويأوى فيه، وكل ذلك استعارات حسنة، وقد سبق فى أوّل القصيدة تفسير الموئل بالمرجع، وهو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك ولا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجار لاختلاف المعنى حينئذ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام.
1123 [ولا عمل أنجى له من عذابه
غداة الجزا من ذكره متقبّلا]
أى للعبد ولهاء فى عذابه وذكره لله تعالى وغداة الجزاء يعنى يوم القيامة لأن النجاة المعتبرة هى المطلوبة ذلك اليوم فنصب غداة على الظرف وقصر الجزاء ضرورة ومتقبلا حال من الذكر فإنه إن لم يكن متقبلا لم يفد الذكر شيئا وضمن هذا البيت حديثا روى مرفوعا وموقوفا.(2/731)
«ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها من درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال: ذكر الله عز وجل» أخرجه البيهقى فى كتاب الدعوات، ففي ذلك تفسير قوله * وما مثله للعبد حصنا وموئلا * أى وما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها فى الحديث، ونصب حصنا وموئلا على التمييز أى ما للعبد حصن وموئل مثل الذكر ويجوز نصبهما على الحال أى مشبها حصنا وموئلا هنا اسم مكان أى موضعا يؤول إليه، أى يرجع ويأوى فيه، وكل ذلك استعارات حسنة، وقد سبق فى أوّل القصيدة تفسير الموئل بالمرجع، وهو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك ولا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجار لاختلاف المعنى حينئذ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام.
1123 [ولا عمل أنجى له من عذابه
غداة الجزا من ذكره متقبّلا]
أى للعبد ولهاء فى عذابه وذكره لله تعالى وغداة الجزاء يعنى يوم القيامة لأن النجاة المعتبرة هى المطلوبة ذلك اليوم فنصب غداة على الظرف وقصر الجزاء ضرورة ومتقبلا حال من الذكر فإنه إن لم يكن متقبلا لم يفد الذكر شيئا وضمن هذا البيت حديثا روى مرفوعا وموقوفا.
أما المرفوع فعن ابن عمر فى الحديث الذى سبق فى أول:
«صقالة القلوب ذكر الله تعالى» قال بعد ذلك «وما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله تعالى، قالوا:
ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع» وأما الموقوف ففي آخر الحديث الذى سبق أوله «ألا أنبئكم بخير أعمالكم» قال: وقال معاذ بن جبل «ما عمل آدمى من عمل أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى» أخرجهما البيهقى من كتاب الشعب والدعوات الكبير وأخرجه الفريابى فى كتابه عن معاذ، وزاد «قالوا: ولا الجهاد فى سبيل الله عز وجل قال: لا ولو ضرب بسيفه، زاد فى رواية «حتى ينقطع» ثلاثا قال الله تعالى {وَلَذِكْرُ اللََّهِ أَكْبَرُ} والله أعلم:
1124 [ومن شغل القرآن عنه لسانه
ينل خير أجر الذّاكرين مكمّلا]
جعل الشيخ رحمه الله تفسير هذا البيت الحديث الذى أخرجه الترمذى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول الرب عز وجل:
«من شغله القرآن عن ذكرى ومسئلتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين، وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» قال هذا حديث حسن غريب وقد ذكر طريق هذا الحديث وتكلم عليه الحافظ المقرئ أبو العلا الهمذانى فى أول كتابه فى الوقف والابتداء، وقال «من شغله قراءة القرآن» وفى آخره أفضل ثواب السائلين وفى رواية «من شغله القرآن فى أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائى ومسئلتى» وذكره أبو بكر بن الأنبارى فى أول كتاب الوقف أيضا وأخرجه البيهقى أيضا وأخرجه البيهقى فى شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول «من شغله ذكرى عن مسئلتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين».
قال البيهقى وكذا رواه البخارى فى التاريخ.
قلت: فبان من مجموع هذه الروايات أن الاشتغال بالذكر يقوم مقام الدعاء وأن قراءة القرآن من جملة الاشتغال بالذكر، بل هو أفضل وإليه أشار الناظم بقوله خير أجر الذاكرين ومكملا حال إما من خير وإما من أجر، وقد نص الإمام الشافعى رضي الله عنه على ذلك فقال أستحب أن يقرأ القرآن يعنى فى الطواف لأنه موضع ذكر، والقرآن من أعظم الذكر والهاء فى قوله عنه يجوز أن تعود على الذكر يعنى ومع ما ذكرنا من
فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل ويجوز أن تعود على من، أى من كف لسانه عنه أى أذاه لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر الكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير.(2/732)
قلت: فبان من مجموع هذه الروايات أن الاشتغال بالذكر يقوم مقام الدعاء وأن قراءة القرآن من جملة الاشتغال بالذكر، بل هو أفضل وإليه أشار الناظم بقوله خير أجر الذاكرين ومكملا حال إما من خير وإما من أجر، وقد نص الإمام الشافعى رضي الله عنه على ذلك فقال أستحب أن يقرأ القرآن يعنى فى الطواف لأنه موضع ذكر، والقرآن من أعظم الذكر والهاء فى قوله عنه يجوز أن تعود على الذكر يعنى ومع ما ذكرنا من
فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل ويجوز أن تعود على من، أى من كف لسانه عنه أى أذاه لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر الكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير.
وفى الحديث عن أم حبيبة زوج النبى صلّى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر وذكر الله» وفى الكتاب المذكور للحافظ أبى العلا عن أبى هريرة مرفوعا «أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن» وفيه عن أنس مرفوعا «أفضل العبادة قراءة القرآن وتلاوة القرآن أحب إلىّ» قال أبو يحيى الحمامى سألت سفيان الثورى عن الرجل يقرأ القرآن أحب إليك أم يغزو قال يقرأ القرآن فإن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» قلت هذا حديث صحيح أخرجه البخارى وقد جمع الحافظ أبو العلا طرقه فى أول كتاب الوقف المذكور قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبى يقول: رأيت رب العزة فى المنام فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال كلامى يا أحمد فقلت يا رب بفهم أو بغير فهم فقال بفهم وبغير فهم.
قلت فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعى رضي الله عنه لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلوا كلام الله عز وجل ويؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت فى أحاديث أخر.
1125 [وما أفضل الأعمال إلّا افتتاحه
مع الختم حلّا وارتحالا موصّلا]
أى افتتاح القرآن مع ختمه أى حالة ختمه للقرآن يشرع فى أوله فقوله موصلا حال من الضمير فى افتتاحه العائد على القرآن أى فى حال وصل أوله بآخره وقوله حلا وارتحالا من باب المصدر المؤكد لنفسه لأن الحل والارتحال المراد بهما افتتاحه مع الختم فهو نحو له على ألف درهم عرفا وأشار بذلك إلى حديث روى من وجوه عن صالح عن قتادة عن زرارة بن أبى أوفى عن ابن عباس قال: «قال رجل يا رسول الله أى الأعمال أحب إلى الله عز وجل قال الحالّ المرتحل» أخرجه أبو عيسى الترمذى فى أبواب القراءة فى أواخر كتابه، فقال: حدثنا نصر بن على الجهضمى قال حدثنا الهيثم بن الربيع حدثنى صالح المرى فذكره، ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه: حدثنا محمد بن بشار حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا صالح المرى عن قتادة عن زرارة بن أبى أوفى عن النبى صلّى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن ابن عباس قال: وهذا عندى أصح، يعنى أنه من حديث زرارة، وليس له صحة إلّا من حديث ابن عباس وكيف ما كان الأمر فمدار الحديث على صالح المرى، وهو وإن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث، قال البخارى فى تاريخه: هو منكر الحديث، وقال النسائى: صالح المرى متروك الحديث.
ثم على تقدير صحته فقد اختلف فى تفسيره فقيل المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتى بيانه، وقيل بل هو إشارة إلى تتابع العزو وترك الإعراض عنه، فلا يزال فى حل وارتحال وهذا ظاهر اللفظ إذ هو حقيقة فى ذلك وعلى ما أوّله به الفراء يكون مجازا وقد رووا التفسير فيه مدرجا فى الحديث ولعله من بعض رواته.
قال أبو محمد بن قتيبة فى آخر غريب الحديث، له فى ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها: جاء فى الحديث «أى الأعمال أفضل؟ قال: الحال المرتحل؟ قيل ما الحال المرتحل: قال الخاتم والمفتتح» قال ابن قتيبة: الحال هو الخاتم للقرآن، شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به، كذلك تالى القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده، والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير، قال:(2/733)
ثم على تقدير صحته فقد اختلف فى تفسيره فقيل المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتى بيانه، وقيل بل هو إشارة إلى تتابع العزو وترك الإعراض عنه، فلا يزال فى حل وارتحال وهذا ظاهر اللفظ إذ هو حقيقة فى ذلك وعلى ما أوّله به الفراء يكون مجازا وقد رووا التفسير فيه مدرجا فى الحديث ولعله من بعض رواته.
قال أبو محمد بن قتيبة فى آخر غريب الحديث، له فى ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها: جاء فى الحديث «أى الأعمال أفضل؟ قال: الحال المرتحل؟ قيل ما الحال المرتحل: قال الخاتم والمفتتح» قال ابن قتيبة: الحال هو الخاتم للقرآن، شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به، كذلك تالى القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده، والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير، قال:
وقد يكون الخاتم المفتتح أيضا فى الجهاد، وهو أن يغزو ويعقب، وكذلك الحال المرتحل يريد أنه يصل ذلك بهذا.
قلت: هذا هو الظاهر من تفسير هذا اللفظ لوجهين:
أحدهما حمل اللفظ على حقيقته، فيكون التفسير الأول الذى ذكره ابن قتيبة فى الحديث من كلام بعض الرواة، وهو مفصول من الحديث، ولهذا لم يكن فى كتاب الترمذى إلا قوله الحال المرتحل من غير تفسير، وكان السائل عن التفسير بعض الرواة لبعض، فأجابه المسئول بما وقع له وتقدير الحديث عمل الحال المرتحل، وحذف المضاف لدلالة السؤال عليه.
الوجه الثانى أن المحفوظ فى الأحاديث الصحيحة غير ذلك، فإنه سئل النبى صلّى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: «إيمان بالله، ثم جهاد فى سبيله، ثم حج مبرور».
وفى حديث آخر «الصلاة لوقتها، ثم برّ الولدين، ثم الجهاد فى سبيل الله».
وقال لأبى أمامة: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» وفى حديث آخر: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة».
وإذا فسر الحال المرتحل بمتابعة الغزو وافق قوله ثم جهاد فى سبيله، أى أنه من أفضل الأعمال كنظائر لذلك يعبر عن الشيء لأنه الأفضل، أى هو من جملة الأفضل، أى المجموع فى الطبقة العليا التى لا طبقة أعلى منها، وهذا المعنى قد قررناه فى مواضع من كتبنا.
1126 [وفيه عن المكين تكبيرهم مع ال
خواتم قرب الختم يروى مسلسلا]
أى وفى القرآن أو فى ذلك العمل الذى عبر عنه بالحل والارتحال، وهو وصل آخر كل ختمة بأوّل أخرى على ما سيأتى بيانه فى عرف القراء، وقوله «عن المكين» جمع مك كما قال فى مواضع كثيرة ومك ومراد مكى بياء النسب، ولكنه حذفها ضرورة عند العلم بها تخفيفا، وقد قرأ فى الشواذ هو الذى بعث فى الأمين كأنه جمع أم، قال الزمخشرى فى تفسيره: وقرئ فى الأمين بحذف ياء النسب قلت ومثل قول عقبة الأسدي:
وأنت امرؤ فى الأشعرين مقاتل
وقول لقيط الإيادى:
زيد الفنا حين لا فى الحارثين معا
كأنهما جمع أشعر وحارث، وإنما هما جمع أشعرى وحارثى.
وقد ذكرت هذين البيتين فى ترجمة عامر بن أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى وترجمة المهلب بن أبى صفرة فى مختصرى لتاريخ دمشق، وقوله: تكبيرهم أى تكبير المكيين أى وفى القرآن تكبير المكيين مع الخواتم
جمع خاتمة، يعنى خواتم السور إذا قرب ختم القرآن فى قراءة القارئ، على ما سيبين فى موضعه، قال مكى فى التبصرة: والتكبير سنة كانت بمكة ولا يعتبر فى التكبير قراءة مكة ابن كثير ولا غيره، كانوا لا يتركون التكبير فى كل القراءات من خاتمه والضحى قال: ولكن عادة القراء الأخذ بالتكبير لابن كثير فى رواية البزى خاصة ومن المصنفين من حكى التكبير لجميع القراء فى جميع سورة القرآن، ذكره أبو القاسم الهذلى فى كتابه «الكامل» وذكره أيضا الحافظ أبو العلاء، وقوله يروى مسلسلا أى يروى التكبير رواية مسلسلة على ما هو المسلسل فى اصطلاح المحدثين: أنبأنا القاضى أبو القاسم الأنصارى أنبأنا عبد الله الفراوى أنبأنا أبو بكر البيهقى سماعا وإجازة أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ الإمام بمكة فى المسجد الحرام أنبأنا أبو عبد الله محمد بن على بن زيد الصائغ أنبأنا أحمد بن محمد بن القاسم عن أبى بزة قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت والضحى قال لى: كبر عند خاتمة كل سورة، وإنى قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت والضحى قال: كبر حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد وأمره بذلك، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبىّ بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبىّ بن كعب أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمره بذلك، قال الحاكم فى كتابه «المستدرك على الصحيحين» هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(2/734)
وقد ذكرت هذين البيتين فى ترجمة عامر بن أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى وترجمة المهلب بن أبى صفرة فى مختصرى لتاريخ دمشق، وقوله: تكبيرهم أى تكبير المكيين أى وفى القرآن تكبير المكيين مع الخواتم
جمع خاتمة، يعنى خواتم السور إذا قرب ختم القرآن فى قراءة القارئ، على ما سيبين فى موضعه، قال مكى فى التبصرة: والتكبير سنة كانت بمكة ولا يعتبر فى التكبير قراءة مكة ابن كثير ولا غيره، كانوا لا يتركون التكبير فى كل القراءات من خاتمه والضحى قال: ولكن عادة القراء الأخذ بالتكبير لابن كثير فى رواية البزى خاصة ومن المصنفين من حكى التكبير لجميع القراء فى جميع سورة القرآن، ذكره أبو القاسم الهذلى فى كتابه «الكامل» وذكره أيضا الحافظ أبو العلاء، وقوله يروى مسلسلا أى يروى التكبير رواية مسلسلة على ما هو المسلسل فى اصطلاح المحدثين: أنبأنا القاضى أبو القاسم الأنصارى أنبأنا عبد الله الفراوى أنبأنا أبو بكر البيهقى سماعا وإجازة أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ الإمام بمكة فى المسجد الحرام أنبأنا أبو عبد الله محمد بن على بن زيد الصائغ أنبأنا أحمد بن محمد بن القاسم عن أبى بزة قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت والضحى قال لى: كبر عند خاتمة كل سورة، وإنى قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت والضحى قال: كبر حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد وأمره بذلك، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبىّ بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبىّ بن كعب أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمره بذلك، قال الحاكم فى كتابه «المستدرك على الصحيحين» هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قلت وأنبأنا به أعلى من هذا: أبو اليمن الكندى أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن على بن أحمد بن عبد الله سبط أبى منصور الخياط أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله بن النقور أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا يحيى بن محمد ابن صاعد أنبأنا البزى فذكره.
قال الحافظ أبو العلاء الهمدانى: لم يرفع التكبير أحد من القراء إلا البزى، فإن الروايات قد تطارقت عنه برفعه إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، ومدار الجميع على رواية البزى كما ذكرناه، ثم أسند عن البزى قال:
دخلت على الشافعى رضي الله عنه إبراهيم بن محمد، وكنت قد وقفت عن هذا الحديث يعنى حديث التكبير، فقال له بعض من عنده إن أبا الحسن لا يحدثنا بهذا الحديث، فقال لى يا أبا لحسن: والله لئن تركته لتركت سنة نبيك قال: وجاءنى رجل من أهل بغداد ومعه رجل عباسى، وسألنى عن هذا الحديث فأبيت أن أحدثه إياه، فقال:
والله لقد سمعناه من أحمد بن حنبل عن أبى بكر الأعين عنك، فلو كان منكرا ما رواه، وكان يجتنب المنكرات، ثم أسند الحافظ أبو العلاء الروايات الموقوفة فأسند عن حنظلة بن أبى سفيان قال: قرأت على عكرمة بن خالد المخزومى فلما بلغت والضحى قال لى: هيها.
قلت: وما تريد بهيها؟ قال: كبر، فإنى رأيت مشايخنا ممن قرأ على ابن عباس، فأمرهم ابن عباس أن يكبروا إذا بلغوا والضحى، وأسند عن إبراهيم بن يحيى بن أبى حية التميمى قال: قرأت على حميد الأعرج، فلما بلغت والضحى قال لى: كبر إذا ختمت كل سورة، حتى تختم، فإنى قرأت على مجاهد فأمرنى بذلك، وقال: قرأت على ابن عباس رضي الله عنه، فأمرنى بذلك، وفى رواية أنبأنا حميد الأعرج قال: قرأت على مجاهد القرآن فلما بلغت ألم نشرح لك صدرك قال لى: كبر إذا فرغت من السورة، فلم أزل أكبر حتى ختمت القرآن، ثم قال مجاهد: قرأت على ابن عباس فلما بلغت هذا الموضع أمرنى بالتكبير، فلم أزل أكبر حتى ختمت، وقال أيضا: حدثنى حميد الأعرج عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس تسع عشرة ختمة فكلها
يأمرنى فيها أن أكبر من سورة ألم نشرح ثم أسند الحافظ أبو العلا عن شبل بن عباد قال رأيت محمد بن عبد الله ابن محيصن وعبد الله بن كثير الدارى إذا بلغا ألم نشرح كبرا حتى يختما ويقولان رأينا مجاهدا فعل ذلك وذكر مجاهد أن ابن عباس كان يأمره بذلك ثم أسند عن قنبل حديث النبال حدثنا عبد المجيد عن ابن الجريح عن مجاهد أنه كان يكبر من أول والضحى إلى الحمد قال ابن جريح وأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام قال:(2/735)
قلت: وما تريد بهيها؟ قال: كبر، فإنى رأيت مشايخنا ممن قرأ على ابن عباس، فأمرهم ابن عباس أن يكبروا إذا بلغوا والضحى، وأسند عن إبراهيم بن يحيى بن أبى حية التميمى قال: قرأت على حميد الأعرج، فلما بلغت والضحى قال لى: كبر إذا ختمت كل سورة، حتى تختم، فإنى قرأت على مجاهد فأمرنى بذلك، وقال: قرأت على ابن عباس رضي الله عنه، فأمرنى بذلك، وفى رواية أنبأنا حميد الأعرج قال: قرأت على مجاهد القرآن فلما بلغت ألم نشرح لك صدرك قال لى: كبر إذا فرغت من السورة، فلم أزل أكبر حتى ختمت القرآن، ثم قال مجاهد: قرأت على ابن عباس فلما بلغت هذا الموضع أمرنى بالتكبير، فلم أزل أكبر حتى ختمت، وقال أيضا: حدثنى حميد الأعرج عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس تسع عشرة ختمة فكلها
يأمرنى فيها أن أكبر من سورة ألم نشرح ثم أسند الحافظ أبو العلا عن شبل بن عباد قال رأيت محمد بن عبد الله ابن محيصن وعبد الله بن كثير الدارى إذا بلغا ألم نشرح كبرا حتى يختما ويقولان رأينا مجاهدا فعل ذلك وذكر مجاهد أن ابن عباس كان يأمره بذلك ثم أسند عن قنبل حديث النبال حدثنا عبد المجيد عن ابن الجريح عن مجاهد أنه كان يكبر من أول والضحى إلى الحمد قال ابن جريح وأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام قال:
أبو يحيى ابن أبى ميسرة ما رفعه أحد إلى النبى صلّى الله عليه وسلم غير ابن أبى بزة ولو كان أحد رفعه غيره لكان الواجب اتباعه إذ كان أمرا من النبى عليه السّلام قال الحافظ أبو العلا فأما الرواية والإجماع فى ذلك فعن عبد الله ابن عباس ومجاهد، وقد روى عن على رضي الله عنه أنه كان يقول إذا قرأت القرآن فبلغت بين المفصل فاحمد الله وكبر بين كل سورتين وفى رواية فتابع بين المفصل فى السور القصار واحمد الله وكبر بين كل سورتين ثم ذكر الحافظ أبو العلا عن البزى بإسناده أن الأصل فى التكبير أن النبى صلّى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحى وقد اختلف فى سبب ذلك وفى قدر مدة انقطاعه فقال المشركون قلى محمدا ربه فنزلت سورة والضحى فقال النبى صلّى الله عليه وسلم الله أكبر، وأمر النبى صلّى الله عليه وسلم أن يكبر إذا بلغ والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم قال أبو الحسن بن غلبون فلما قرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلم كبر حتى ختم شكرا لله تعالى لما كذب المشركون فيما زعموه وقال الشيخ فى شرحه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الله أكبر تصديقا لما أنا عليه وتكذيبا للكفار وذكر عن أبى عمر والدانى بسنده إلى البزى قال قال لى محمد بن إدريس الشافعى رضي الله عنه إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال وروى بعض علمائنا عن الحسن بن محمد بن عبد الله ابن أبى يزيد القرشى قال صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام فى التراويح فى شهر رمضان، فلما كان ليلة الختمة كبرت من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن فى الصلاة فلما سلمت التفت وإذا أنا بأبى عبد الله محمد ابن إدريس الشافعى رضي الله عنه قد صلى ورائى فلما بصرنى قال لى أحسنت أصبت السنة قال أبو الطيب عبد لمنعم ابن غلبون وهذه سنة مأثورة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين وهى سنة بمكة لا يتركونها البتة ولا يعتبرون رواية البزى ولا غيره قال ومن عادة القراء فى غير مكة أن لا يأخذوا بها إلا فى رواية البزى وحدها:
1127 [إذا كبّروا فى آخر النّاس أردفوا
مع الحمد حتّى المفلحون توسّلا]
الضمير فى كبروا للمكيين، بين فى هذا البيت آخر مواضع التكبير وكان قد أجمل ذلك فى قوله مع الخواتم قرب الختم وفى البيت الآتى يبين أول ذلك ومفعولا أردفوا محذوفان أى أردفوا التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول سورة البقرة حتى يصلوا إلى قوله وأولئك هم المفلحون وهذا يعبر عنه بعض المصنفين بأنه أربع آيات ويعبر عنه آخرون بأنه خمس آيات ووجه ذلك الاختلاف فى لفظ الم فعدها الكوفى آية ولم يعدها غيره وحكى الناظم لفظ القرآن بقوله حتى المفلحون وتوسلا مفعول من أجله أى تقربا إلى الله تعالى بطاعته وذكره ولا تكبير بين الحمد والبقرة قال مكى يكبر فى أول كل سورة من ألم نشرح إلى أول الحمد ثم يقرأ الحمد فإذا تم لم يكبر وابتدأ بالبقرة من غير تكبير فقرأ منها خمس آيات قال وروى أن أهل مكة كانوا يكبرون فى آخر كل ختمة من خاتمة والضحى لكل القراء لابن كثير وغيره سنة نقلوها عن شيوخهم لكن الذى عليه العمل عند القراء أن
يكبروا فى قراءة البزى عن ابن كثير خاصة وبذلك قرأت قال وحجته فى التكبير أنها رواية نقلها عن شيوخه من أهل مكة فى الختم يجعلون ذلك زيادة فى تعظيم الله عز وجلّ مع التلاوة لكتابه والتبرك بختم وحيه وتنزيله والتنزيه له من السوء لقوله وربك فكبر ولتكبروا الله وكبره تكبيرا ولذكر الله أكبر قال وحجته فى الابتداء فى آخر ختمه بخمس آيات من البقرة أنه اعتمد فى ذلك على حديث صحيح مروى عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه سئل أى الأعمال أفضل فقال الحال المرتحل يعنى الذى ارتحل من ختمة أتمها ويحل فى ختمة أخرى أى يفرغ من ختمة ويبتدئ بأخرى وعلى ذلك أدرك أهل بلدة مكة قلت قد سبق الكلام على هذا الخبر وبيان ضعفه فلا يغتر بقول مكى إنه صحيح وأحسن من عبارته عبارة أبى الحسن ابن غلبون قال فإذا قرأ قل أعوذ برب الناس كبر ثم قرأ فاتحة الكتاب وخمسا من سورة البقرة لأنه يقال أن النبى صلّى الله عليه وسلم سمى من فعل ذلك الحال المرتحل كما حدثنى أبى رحمه الله وساق الحديث عن صالح المزى عن قيادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أى الأعمال أحب إلى الله فقال الحالّ المرتحل فقال يا رسول الله وما الحال المرتحل قال فتح القرآن وختمه صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل قال فقيل إنه عليه الصلاة والسلام يعنى بذلك أنه يختم القرآن ثم يقرأ فاتحة الكتاب وشيئا من البقرة فى وقت واحد قلت أصل الحديث ضعيف كما سبق نم زاد بعضهم فيه التفسير غير منسوب إلى النبى عليه الصلاة والسلام فحملناه على أن بعض رواته المذكورين فى سنده فسره على ما وقع له فى معناه وهذا الحديث قد بين فيه أن المفسر له هو النبى صلّى الله عليه وسلم وهى زيادة غير معروفة فقد روى الأهوازى هذا التفسير بعينه ولم يقل فى الحديث يا رسول الله ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحث على الإكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها فكلما فرغ من ختمة شرع فى أخرى، أى إنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل تكون قراءة القرآن دأبه وديدنه وفى رواية أخرى أخرجها الأهوازى فى كتاب الإيضاح الحال المرتحل الذى إذا ختم القرآن رجع فيه ثم هذا الفعل من التكبير وقراءة الحمد إلى المفلحون مروى عن ابن كثير نفسه مأخوذ به عن طريق البزى وقنبل على ما سنوضحه قال أبو الطيب ابن غلبون ولم يفعل هذا قنبل ولا غيره من القراء أعنى التكبير، وهذه الزيادة من أول سورة البقرة فى قراءة الختمة سوى البزى وحده قال أبو الفتح فارس ابن أحمد ولا نقول إن هذا سنة ولا أنه لا بدّ لمن ختم أن يفعله فمن فعله فحسن جميل ومن ترك فلا حرج قال صاحب التيسير وهذا يسمى الحال المرتحل وفى جميع ما قدمناه أحاديث مشهورة يرويها العلماء يؤيد بعضها بعضا تدل على صحة ما فعله ابن كثير * قلت لم يثبت(2/736)
1127 [إذا كبّروا فى آخر النّاس أردفوا
مع الحمد حتّى المفلحون توسّلا]
الضمير فى كبروا للمكيين، بين فى هذا البيت آخر مواضع التكبير وكان قد أجمل ذلك فى قوله مع الخواتم قرب الختم وفى البيت الآتى يبين أول ذلك ومفعولا أردفوا محذوفان أى أردفوا التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول سورة البقرة حتى يصلوا إلى قوله وأولئك هم المفلحون وهذا يعبر عنه بعض المصنفين بأنه أربع آيات ويعبر عنه آخرون بأنه خمس آيات ووجه ذلك الاختلاف فى لفظ الم فعدها الكوفى آية ولم يعدها غيره وحكى الناظم لفظ القرآن بقوله حتى المفلحون وتوسلا مفعول من أجله أى تقربا إلى الله تعالى بطاعته وذكره ولا تكبير بين الحمد والبقرة قال مكى يكبر فى أول كل سورة من ألم نشرح إلى أول الحمد ثم يقرأ الحمد فإذا تم لم يكبر وابتدأ بالبقرة من غير تكبير فقرأ منها خمس آيات قال وروى أن أهل مكة كانوا يكبرون فى آخر كل ختمة من خاتمة والضحى لكل القراء لابن كثير وغيره سنة نقلوها عن شيوخهم لكن الذى عليه العمل عند القراء أن
يكبروا فى قراءة البزى عن ابن كثير خاصة وبذلك قرأت قال وحجته فى التكبير أنها رواية نقلها عن شيوخه من أهل مكة فى الختم يجعلون ذلك زيادة فى تعظيم الله عز وجلّ مع التلاوة لكتابه والتبرك بختم وحيه وتنزيله والتنزيه له من السوء لقوله وربك فكبر ولتكبروا الله وكبره تكبيرا ولذكر الله أكبر قال وحجته فى الابتداء فى آخر ختمه بخمس آيات من البقرة أنه اعتمد فى ذلك على حديث صحيح مروى عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه سئل أى الأعمال أفضل فقال الحال المرتحل يعنى الذى ارتحل من ختمة أتمها ويحل فى ختمة أخرى أى يفرغ من ختمة ويبتدئ بأخرى وعلى ذلك أدرك أهل بلدة مكة قلت قد سبق الكلام على هذا الخبر وبيان ضعفه فلا يغتر بقول مكى إنه صحيح وأحسن من عبارته عبارة أبى الحسن ابن غلبون قال فإذا قرأ قل أعوذ برب الناس كبر ثم قرأ فاتحة الكتاب وخمسا من سورة البقرة لأنه يقال أن النبى صلّى الله عليه وسلم سمى من فعل ذلك الحال المرتحل كما حدثنى أبى رحمه الله وساق الحديث عن صالح المزى عن قيادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أى الأعمال أحب إلى الله فقال الحالّ المرتحل فقال يا رسول الله وما الحال المرتحل قال فتح القرآن وختمه صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل قال فقيل إنه عليه الصلاة والسلام يعنى بذلك أنه يختم القرآن ثم يقرأ فاتحة الكتاب وشيئا من البقرة فى وقت واحد قلت أصل الحديث ضعيف كما سبق نم زاد بعضهم فيه التفسير غير منسوب إلى النبى عليه الصلاة والسلام فحملناه على أن بعض رواته المذكورين فى سنده فسره على ما وقع له فى معناه وهذا الحديث قد بين فيه أن المفسر له هو النبى صلّى الله عليه وسلم وهى زيادة غير معروفة فقد روى الأهوازى هذا التفسير بعينه ولم يقل فى الحديث يا رسول الله ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحث على الإكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها فكلما فرغ من ختمة شرع فى أخرى، أى إنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل تكون قراءة القرآن دأبه وديدنه وفى رواية أخرى أخرجها الأهوازى فى كتاب الإيضاح الحال المرتحل الذى إذا ختم القرآن رجع فيه ثم هذا الفعل من التكبير وقراءة الحمد إلى المفلحون مروى عن ابن كثير نفسه مأخوذ به عن طريق البزى وقنبل على ما سنوضحه قال أبو الطيب ابن غلبون ولم يفعل هذا قنبل ولا غيره من القراء أعنى التكبير، وهذه الزيادة من أول سورة البقرة فى قراءة الختمة سوى البزى وحده قال أبو الفتح فارس ابن أحمد ولا نقول إن هذا سنة ولا أنه لا بدّ لمن ختم أن يفعله فمن فعله فحسن جميل ومن ترك فلا حرج قال صاحب التيسير وهذا يسمى الحال المرتحل وفى جميع ما قدمناه أحاديث مشهورة يرويها العلماء يؤيد بعضها بعضا تدل على صحة ما فعله ابن كثير * قلت لم يثبت
شيء من ذلك وأكثر ما فى الأمر أن ابن كثير كان يفعله والحديث المسند فى ذلك هو فى بيان سند قراءة ابن كثير أى أخذ ابن كثير عن درباس عن ابن عباس عن أبى عن النبى صلّى الله عليه وسلم وفيه وقرأ النبى عليه الصلاة والسلام على أبى فالسند المذكور إنما هو لبيان ذلك ثم قرأ فى آخر الحديث وأنه كان اذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختم ثم قال يعنى بذلك ابن كثير والله أعلم. وقد قال أبو طالب صاحب أحمد ابن حنبل سألت أحمد إذا قرأ قل أعوذ برب الناس يقرأ من البقرة شيئا قال لا يقرأ فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه ذكره شيخنا أبو محمد ابن قدامة فى كتابه المغنى وذكر أبو الحسن ابن غلبون وغيره رواية عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يستحبون اذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات قلت ولكل من المذهبين وجه ظاهر.
1128 [وقال به البزّىّ من آخر الضّحى
وبعض له من آخر اللّيل وصّلا]
اتبع فى ذلك ما فى كتاب التيسير من نسبة ذلك إلى البزى وحده على ما حكاه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ولا يختص ذلك بالبزى عند جماعة من مصنفى كتب القراءات بل هو مروى عن قنبل كما هو مروى عن البزى لكن شهرته عن البزى أكثر وعنه انتشرت الآثار فى ذلك على ما سبق بيانه وقوله به أى بالتكبير بين بهذا البيت أوّل مواضع التكبير التى أجملها فى قوله قرب الختم فأكثر أهل الأداء على أنه من آخر والضحى وهو الصحيح لأن الآثار فى ذلك ألفاظها كما سبق مصرحة فى بعض الروايات بألم نشرح وذلك آخر والضحى وفى بعضها إطلاق لفظ والضحى وهو يحتمل الأوّل والآخر فيحمل هذا المطلق على ذلك التقييد ويتعين الآخر لذلك قال أبو الحسن ابن غلبون: اعلم أن القراء أجمعوا على ترك التكبير من سورة والضحى إلا البزى وحده فإنه روى عن ابن كثير أنه يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن ثم روى عن أبى الحسن اللغوى إجازة قال أخبرنا ابن مجاهد حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا يعقوب ابن سفيان حدثنا الحميد حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم ابن أبى حية أنبأنا حميد عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس بضعا وعشرين ختمة كلها يأمرنى أن أكبر من ألم نشرح وبه عن سفيان قال رأيت حميد الأعرج يقرأ والناس حوله فإذا بلغ والضحى كبر اذا ختم كل سورة حتى يختم ولم يذكر صاحب التيسير التكبير إلا من آخر والضحى فقول الناظم «وبعض له» أى للبزى وصل التكبير من آخر سورة والليل يعنى من أول والضحى فهذا الوجه من زيادة هذه القصيدة وهو قول صاحب الروضة قال روى البزى التكبير من أول سورة والضحى إلى خاتمة الناس ولفظه الله أكبر تابعه الزينبى عن قنبل فى لفظ التكبير وخالفه فى الابتداء به فكبر من أول سورة ألم نشرح قال ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة الناس وحكى ابن الفحام وجها عن السوسى أنه يكبر من أول ألم نشرح إلى خاتمة الناس والله أعلم وقال الحافظ أبو العلا كبر البزى وابن فليح وابن مجاهد وابن الصلت عن قنبل من فاتحة والضحى وفواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس وكبر الباقون من فاتحة ألم نشرح إلى سورة الناس قال وأجمعوا على ترك التكبير بين خاتمة الناس وبين الفاتحة إلا ما رواه فلان عن قنبل زاد بعضهم قراءة أربع آيات من أول البقرة.(2/737)
شيء من ذلك وأكثر ما فى الأمر أن ابن كثير كان يفعله والحديث المسند فى ذلك هو فى بيان سند قراءة ابن كثير أى أخذ ابن كثير عن درباس عن ابن عباس عن أبى عن النبى صلّى الله عليه وسلم وفيه وقرأ النبى عليه الصلاة والسلام على أبى فالسند المذكور إنما هو لبيان ذلك ثم قرأ فى آخر الحديث وأنه كان اذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختم ثم قال يعنى بذلك ابن كثير والله أعلم. وقد قال أبو طالب صاحب أحمد ابن حنبل سألت أحمد إذا قرأ قل أعوذ برب الناس يقرأ من البقرة شيئا قال لا يقرأ فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه ذكره شيخنا أبو محمد ابن قدامة فى كتابه المغنى وذكر أبو الحسن ابن غلبون وغيره رواية عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يستحبون اذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات قلت ولكل من المذهبين وجه ظاهر.
1128 [وقال به البزّىّ من آخر الضّحى
وبعض له من آخر اللّيل وصّلا]
اتبع فى ذلك ما فى كتاب التيسير من نسبة ذلك إلى البزى وحده على ما حكاه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ولا يختص ذلك بالبزى عند جماعة من مصنفى كتب القراءات بل هو مروى عن قنبل كما هو مروى عن البزى لكن شهرته عن البزى أكثر وعنه انتشرت الآثار فى ذلك على ما سبق بيانه وقوله به أى بالتكبير بين بهذا البيت أوّل مواضع التكبير التى أجملها فى قوله قرب الختم فأكثر أهل الأداء على أنه من آخر والضحى وهو الصحيح لأن الآثار فى ذلك ألفاظها كما سبق مصرحة فى بعض الروايات بألم نشرح وذلك آخر والضحى وفى بعضها إطلاق لفظ والضحى وهو يحتمل الأوّل والآخر فيحمل هذا المطلق على ذلك التقييد ويتعين الآخر لذلك قال أبو الحسن ابن غلبون: اعلم أن القراء أجمعوا على ترك التكبير من سورة والضحى إلا البزى وحده فإنه روى عن ابن كثير أنه يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن ثم روى عن أبى الحسن اللغوى إجازة قال أخبرنا ابن مجاهد حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا يعقوب ابن سفيان حدثنا الحميد حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم ابن أبى حية أنبأنا حميد عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس بضعا وعشرين ختمة كلها يأمرنى أن أكبر من ألم نشرح وبه عن سفيان قال رأيت حميد الأعرج يقرأ والناس حوله فإذا بلغ والضحى كبر اذا ختم كل سورة حتى يختم ولم يذكر صاحب التيسير التكبير إلا من آخر والضحى فقول الناظم «وبعض له» أى للبزى وصل التكبير من آخر سورة والليل يعنى من أول والضحى فهذا الوجه من زيادة هذه القصيدة وهو قول صاحب الروضة قال روى البزى التكبير من أول سورة والضحى إلى خاتمة الناس ولفظه الله أكبر تابعه الزينبى عن قنبل فى لفظ التكبير وخالفه فى الابتداء به فكبر من أول سورة ألم نشرح قال ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة الناس وحكى ابن الفحام وجها عن السوسى أنه يكبر من أول ألم نشرح إلى خاتمة الناس والله أعلم وقال الحافظ أبو العلا كبر البزى وابن فليح وابن مجاهد وابن الصلت عن قنبل من فاتحة والضحى وفواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس وكبر الباقون من فاتحة ألم نشرح إلى سورة الناس قال وأجمعوا على ترك التكبير بين خاتمة الناس وبين الفاتحة إلا ما رواه فلان عن قنبل زاد بعضهم قراءة أربع آيات من أول البقرة.
قلت: وهكذا حكى الهذلى أن التكبير إلى أوّل قل أعوذ برب الناس وقال بعضهم إلى خاتمتها فقول الناظم إذا كبروا فى آخر الناس اتبع فيه قول صاحب التيسير وهو يوهم أنه متفق عليه عند كل من يردف ذلك بقراءة الفاتحة وشيء من أول البقرة، بل فيه الاختلاف كما ترى.
1129 [فإن شئت فاقطع دونه أو عليه أو
صل الكلّ دون القطع معه مبسملا]
ذكر فى هذا البيت حكم التكبير فى اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التى من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة وهى مذكورة فى التيسير وغيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير أى لا يصل التكبير بآخر السورة، فهذا معنى قوله فاقطع دونه أى دون التكبير وهذا اختيار صاحب الروضة والحافظ أبى العلاء، وهو الذى اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن وغيره وقال صاحب الروضة اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن
لا يخلط به وقال أبو العلاء الحافظ أجمعوا غير المطوعى والفحام على الوقف فى آخر كل سورة ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعى والفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير وبين وصل آخر السورة بالتكبير، قال والفصل أولى.(2/738)
1129 [فإن شئت فاقطع دونه أو عليه أو
صل الكلّ دون القطع معه مبسملا]
ذكر فى هذا البيت حكم التكبير فى اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التى من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة وهى مذكورة فى التيسير وغيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير أى لا يصل التكبير بآخر السورة، فهذا معنى قوله فاقطع دونه أى دون التكبير وهذا اختيار صاحب الروضة والحافظ أبى العلاء، وهو الذى اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن وغيره وقال صاحب الروضة اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن
لا يخلط به وقال أبو العلاء الحافظ أجمعوا غير المطوعى والفحام على الوقف فى آخر كل سورة ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعى والفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير وبين وصل آخر السورة بالتكبير، قال والفصل أولى.
قلت لما ذكرته وينبنى على ذلك أن يختار فصل التكبير أيضا من التسمية على المذهب الأصح وهو أن البسملة فى أوائل السور من القرآن على ما قررنا فى كتاب البسملة ووجه ذلك ما ذكره صاحب الروضة من أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به ولا يكون وصل التكبير بالبسملة أولى إلا على رأى من لا يراها من القرآن فى أوائل السور فيكون حكمها وحكم التكبير واحدا كلاهما ذكر الله تعالى مأمور به فاتصاله أولى من قطعه، الوجه الثانى أنه يصل التكبير بآخر السورة ويقف عليه ثم يبتدئ بالبسملة وهذا معنى قوله أو عليه يعنى أو تقطع على التكبير ومأخذ هذا الوجه أن التكبير إنما شرع فى أواخر السور فهو من توابع السورة الماضية لأن النبى صلّى الله عليه وسلم إنما كبر لما تليت عليه سورة والضحى فرأى صاحب هذا الوجه أن وصله بآخر السورة والقطع عليه أولى لتبين الغرض بذلك وهذا لا يتجه إلا تعريفا على القول بأن أول مواضع التكبير آخر الضحى فإن قلنا هو مشروع من أولها فهو للسورة الآتية فيتجه القول الأوّل، واختار صاحب التيسير هذا الوجه وبدأ به فيه وهو وصل التكبير بآخر السورة لكنه خير بين الوقوف عليه ووصله بالبسملة، قال والأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة عليه لأن فيها مع وهى تدل عن الصحبة والاجتماع وقال فى غير التيسير على ما نقله الشيخ فى شرحه: الحذاق من أهل الأداء يستحبون فى مذهب البزى أن يوصل التكبير بآخر السورة من غير قطع ولا سكت على آخرها دونه ويقطع عليه ثم يقرأ بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم موصلا بالسورة الثانية إلى آخر القرآن ومنع مكى من هذا الوجه فقال فى التبصرة ولا يجوز أن تقف على التكبير دون أن تصل بالبسملة وقال فى الكشف ليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه، الوجه الثالث أن يوصل التكبير بآخر السورة وبالبسملة وهذا هو المراد من قوله أوصل الكل واختار هذا الوجه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ومكى مع تجويز غيره قال أبو الطيب وهو المشهور من هذه الوجوه وبه قرأت وبه آخذ، وقال ابنه أبو الحسن واعلم أن القارئ اذا أراد التكبير فإنه يكبر مع فراغه من آخر السورة من غير قطع ولا سكت فى وصله ولكنه يصل آخر السور بالتكبير ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وهو الأشهر الجيد إذ لم يذكر فى شيء من الحديث فصل ولا سكت، بل ذكر فى حديث ابن عباس مع، وهى تدل على الصحبة والاجتماع.
قلت: ولا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة وإن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية فى مثل ذلك إلا الاتصال المعروف فى القراءة كما أن وقوف القارئ على مواضع الوقف من أواخر الآى وغيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض، فإذا ليس الأولى إلّا الوجه الأوّل، وهو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه، وفصل التكبير من البسملة مبنى أيضا على ما ذكرناه من الخلاف فى البسملة قال صاحب التيسير ولا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير وهذا صحيح وقد مضى شرح ذلك فى آخر باب البسملة وهو قوله ومهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة، وقد وقع لى فى التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرّج هذه الوجوه كلها، أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا
وصله بها أولى الثانى أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى ووصله بالثانية أولى والثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما وقطعه عنهما فمن كبر من أول والضحى لحظ الوجه الثانى، ومن كبر من آخرها لحظ الأول وعلى هذا يبين الخلاف فى انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها فإن قلت: فما وجه من كبر من أول الضحى وكبر آخر الناس.(2/739)
قلت: ولا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة وإن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية فى مثل ذلك إلا الاتصال المعروف فى القراءة كما أن وقوف القارئ على مواضع الوقف من أواخر الآى وغيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض، فإذا ليس الأولى إلّا الوجه الأوّل، وهو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه، وفصل التكبير من البسملة مبنى أيضا على ما ذكرناه من الخلاف فى البسملة قال صاحب التيسير ولا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير وهذا صحيح وقد مضى شرح ذلك فى آخر باب البسملة وهو قوله ومهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة، وقد وقع لى فى التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرّج هذه الوجوه كلها، أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا
وصله بها أولى الثانى أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى ووصله بالثانية أولى والثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما وقطعه عنهما فمن كبر من أول والضحى لحظ الوجه الثانى، ومن كبر من آخرها لحظ الأول وعلى هذا يبين الخلاف فى انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها فإن قلت: فما وجه من كبر من أول الضحى وكبر آخر الناس.
قلت: كأنه أعطى لسورة الناس حكم ما قبلها من السور إذ كل سورة منها بين التكبيرتين وليس التكبير فى آخر الناس لأجل أوّل الفاتحة لأن الختمة قد انقضت ولو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة والبقرة ولم يفعله هؤلاء لأن التكبير للختم لا لافتتاح أوّل القرآن والله أعلم.
وقوله معه مبسملا أى مبسملا مع التكبير فنصب مبسملا على الحال من فاعل صل الكل.
1130 [وما قبله من ساكن أو منوّن
فللسّاكنين اكسره فى الوصل مرسلا]
المذكور فى هذا البيت مفرع على قولنا إن التكبير يوصل بآخر السورة وهو معنى قوله فى الوصل ومعنى مرسلا مطلقا أى الحكم فى الكسر مطلقا فى النوعين أما إذا قلنا لا يوصل وهو الوجه المختار كما سبق فلا حاجة إلى ما فى هذا البيت والذى بعده، فإن الكسر يبتدئ بفتح همزته وكذا إن قلنا إن التهليل يشرع قبل التكبير ووصلناه بآخر السورة فلا يتغير أمر مما يتعلق بأواخر السور لأن أوّل التهليل حرف متحرك وأوّل التكبير همز وصل قبل ساكن، فهمزة الوصل تسقط فى الدرج فيبقى الساكن فينظر فى أواخر السور وهى على أربعة أقسام ما آخره متحرك أو هاء ضمير وهذان القسمان يأتى ذكرهما فى البيت الآنى وذكر فى هذا البيت قسمين ما آخره ساكن وما آخره تنوين فالذى آخره ساكن الضحى ألم نشرح اقرأ والذى آخره تنوين العاديات القارعة الهمزة الفيل قريش النصر تبت الاخلاص، فحكم هذين القسمين كسر ما قبل التكبير لالتقاء الساكنين، وهذان القسمان كقسم واحد لاتحاد حكمهما ولأن سكون التنوين كسكون غيره وإنما أراد أن ينص على ساكن مرسوم حرفا فى الخط وساكن يثبت لفظ لا خطا وهو التنوين ونزل تغيير أو آخر هذه السورة لأجل ساكن أوّل التكبير منزلة تغييره إذا وصل آخر سورة بأوّل أخرى على قراءة حمزة فإن تنوين آخر والعاديات يكسر وكذا ورش إذا وصل ويفتح آخر الضحى ويكسر آخر اقرأ بإلقاء حركة همزة ما بعدهما عليهما والله أعلم.
1131 [وأدرج على إعرابه ما سواهما
ولا تصلن هاء الضّمير لتوصلا]
يعنى ما سوى الساكن والمنوّن وهو المحرز أنزله على إعرابه أى وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر التين والماعون والفلق أو كسرة كآخر القدر والتكاثر والعصر والكافرين والناس أو ضمة كآخر الكوثر ولم يكن والزلزلة ولكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد فى شرح قوله ولم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها وصلت ولم تقطع لأن ذلك يدل على علمك وفضلك وإن وصلتها قطعت لدلالة ذلك على الجهل فما أحلى ما وافقه ولا تصلن لتوصلا والنون فى ولا تصلن للتأكيد قوله وادرج من
قولهم أدرجت الكتاب أى طويته وأدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها ومتح من باب نفع يقال متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة وتعداها إلى غيرها قد أدرجها وطواها وقوله على إعرابه أى على حركة إعرابه وفى حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر والتكاثر والعصر والماعون والكوثر والناس وباقيها حركة بناء كالتين ولم يكن والزلزلة والكافرين والفلق فلم يرد بقوله إعرابه إلا مجرد الحركة، وكان يغنيه عن ذلك أن يقول وادرج على تحريكه ما سواهما.(2/740)
1131 [وأدرج على إعرابه ما سواهما
ولا تصلن هاء الضّمير لتوصلا]
يعنى ما سوى الساكن والمنوّن وهو المحرز أنزله على إعرابه أى وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر التين والماعون والفلق أو كسرة كآخر القدر والتكاثر والعصر والكافرين والناس أو ضمة كآخر الكوثر ولم يكن والزلزلة ولكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد فى شرح قوله ولم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها وصلت ولم تقطع لأن ذلك يدل على علمك وفضلك وإن وصلتها قطعت لدلالة ذلك على الجهل فما أحلى ما وافقه ولا تصلن لتوصلا والنون فى ولا تصلن للتأكيد قوله وادرج من
قولهم أدرجت الكتاب أى طويته وأدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها ومتح من باب نفع يقال متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة وتعداها إلى غيرها قد أدرجها وطواها وقوله على إعرابه أى على حركة إعرابه وفى حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر والتكاثر والعصر والماعون والكوثر والناس وباقيها حركة بناء كالتين ولم يكن والزلزلة والكافرين والفلق فلم يرد بقوله إعرابه إلا مجرد الحركة، وكان يغنيه عن ذلك أن يقول وادرج على تحريكه ما سواهما.
1132 [وقل لفظه الله أكبر وقبله
لأحمد زاد ابن الحباب فهيللا]
أى لفظ التكبير وسكن الراء من أكبر حكاية للفظ المكبر لأنه واقف عليه فهذا هو المختار فى لفظه التكبير قال ابن غليون والتكبير اليوم بمكة الله أكبر لا غير كما ذكرنا فى الأحاديث التى تقدمت وهو مشهور فى رواية الضبى؟؟؟ وحده وقال مكى الذى قرأت وهو المأخوذ به فى الأمصار الله أكبر لا غير وقوله وقبله يعنى قبل التكبير لأحمد يعنى البزى زاد ابن الحباب وهو أبو على الحسن ابن الحباب بن مخلد الدقاق قرأ على البزى وروى عنه التهليل قبل التكبير وقوله فهيللا أى فقال لا إله إلا الله والأصل أن يقال فهللا وأنما الياء بدل من أحد حرفى التضعيف نحو قولهم تظنيت يقال قد أكثرت من الهيللة أبدلت الياء من عين الكلمة لتكرير اللامات حكى أبو عمرو الدانى فى كتاب التيسير عن الحسن بن الحباب قال سألت البزى عن التكبير كيف هو فقال لى لا إله إلا الله والله أكبر قال الدانى وابن الحباب هذا من الإتقان والضبط وصدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة وبهذا قرأت على أبى الفتح وقرأت على غيره بما تقدم وحكى عن ابن الحباب أيضا أبو طاهر ابن أبى هاشم، ذكره الحافظ أبو العلاء فقال: لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم.
1133 [وقيل بهذا عن أبى الفتح فارس
وعن قنبل بعض بتكبيره تلا]
أى بما نقله ابن الحباب وهو معنى قول الدانى وبهذا قرأت على أبى الفتح وقال فى غير التيسير حدثنا أبو الفتح شيخنا حدثنا عبد الباقى بن الحسن حدثنا أحمد بن صالح عن ابن الحباب عنهم يعنى بالتهليل قال أبو عمرو وبذلك قرأت على فارس أعنى بالتهليل والتكبير وأبو الفتح هذا هو فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الضرير الحمصى سكن مصر قال الدانى فى تاريخ القراء أخذ القراءة عرضا وسماعا عن غير واحد من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم ثم قال لم يلق مثله فى حفظه وضبطه وحسن تأديته وفهمه بعلم صناعته واتساع روايته مع ظهور نسكه وفضله وصدق لهجته وسمعته يقول ولدت بحمص سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة وتوفى رحمه الله بمصر فى ما بلغنى سنة إحدى وأربع مائة وقد ذكره أبو عمرو الدانى أيضا فى أرجوزته التى نظمها فى علم القراءة فقال:
ممن أخذت عنهم ففارسوا ... وهو الضرير الحاذق الممارس
أضبط من لقيت للحروف ... وللصحيح السائر المعروف
وجميع ما ذكرناه مأخوذ به فى رواية البزى وأما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا وقال فى غيره وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال وبغير تكبير آخذ فى مذهبه فقول الشاطبى وعن قنبل بعض بتكبيره
من زيادات هذه القصيدة على ما فى التيسير والهاء فى تكبيره عائدة على البزى أى وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزى ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض ولكن قوّة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال وروى قنبل فى غير رواية الزينبى عنه التهليل والتكبير من أوّل سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزى ولقنبل وحكى الهذلى صاحب الكامل رواية عن قبل فى تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوى أن التكبير للسورة الآنية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم.(2/741)
ممن أخذت عنهم ففارسوا ... وهو الضرير الحاذق الممارس
أضبط من لقيت للحروف ... وللصحيح السائر المعروف
وجميع ما ذكرناه مأخوذ به فى رواية البزى وأما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا وقال فى غيره وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال وبغير تكبير آخذ فى مذهبه فقول الشاطبى وعن قنبل بعض بتكبيره
من زيادات هذه القصيدة على ما فى التيسير والهاء فى تكبيره عائدة على البزى أى وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزى ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض ولكن قوّة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال وروى قنبل فى غير رواية الزينبى عنه التهليل والتكبير من أوّل سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزى ولقنبل وحكى الهذلى صاحب الكامل رواية عن قبل فى تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوى أن التكبير للسورة الآنية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم.(2/742)
ممن أخذت عنهم ففارسوا ... وهو الضرير الحاذق الممارس
أضبط من لقيت للحروف ... وللصحيح السائر المعروف
وجميع ما ذكرناه مأخوذ به فى رواية البزى وأما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا وقال فى غيره وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال وبغير تكبير آخذ فى مذهبه فقول الشاطبى وعن قنبل بعض بتكبيره
من زيادات هذه القصيدة على ما فى التيسير والهاء فى تكبيره عائدة على البزى أى وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزى ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض ولكن قوّة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال وروى قنبل فى غير رواية الزينبى عنه التهليل والتكبير من أوّل سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزى ولقنبل وحكى الهذلى صاحب الكامل رواية عن قبل فى تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوى أن التكبير للسورة الآنية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم.
باب مخارج الحروف وصفاتها التى يحتاج القارئ إليها
هذا الباب من زيادات هذه القصيدة على ما فى التيسير ولكن ذكره أبو عمرو الدانى فى آخر كتاب الإيجاز وعلى ما فيه نظم الشاطبى رحمهما الله تعالى ولا تعلق له بعلم القراءات إلا من جهة التجويد وهو علم مخارج الحروف مقدمة له وهى جمع مخرج وهو موضع خروج الحرف من الفم وهى مختلفة على ما يأتى بيانه قال مكى اللحن لحنان جلى وخفى، فالجلى ترك الإعراب والخفى ترك إعطاء الحروف حقوقها وذلك إنما يكون بإخراجها من غير مخارجها وإدراجها فى غير مدارجها وتحليتها بغير صفاتها الواردة على ألسنة القراء الذين خصهم الله تعالى بنقل شريعة القراءة وإقامتهم لضبط ما اشتمل عليه من الألفاظ، فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأوّل ولا عذر للجاهل لأن فرضه السؤال.
1134 [وهاك موازين الحروف وما حكى
جهابذة النّقّاد فيها محصّلا]
هاك أى خذها اسم فعل والكاف للخطاب والموازين جمع ميزان وموازين الحروف مخارجها سماها بذلك لأنها إذا أخرجت منها لم يشارك صوتها شىء من غيرها فهى تميزها وتعرف مقدارها كما يفعل الميزان، وقوله وما حكى فى موضع نصب عطفا على موازين أى وخذ الذى حكى فيها الجهابذة من التعبير عنها واستخراج صفاتها والجهابذة جمع جهبذ وهو الحاذق فى النقد والنقاد جمع ناقد يقال نقدت الدراهم اذا استخرجت منها الزيف وكنى بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم التضلعين منه ومحصلا بفتح الصاد حال من مفعول حكى أى والذى حكاه العلماء محصلا وحسنت استعارة لفظ النقاد والجهابذة بعد ذكر الموازين، وللشيخ رحمه الله فى علم التجويد قصيدة، يقول:
للحرف ميزان فلا تك طاغيا ... فيه ولا تك مخسر الميزان
1135 [ولا ريبة فى عينهنّ ولا ربا
وعند صليل الزّيف يصدق الابتلا]
فى عينهن أى فى نفسهن والريبة الشك والربا الزيادة أى لا شك فى أنهن متعينات مخارج وصفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضرورى لا شك فيه ولا يمكن الزيادة فى التعريف بها بما يكذبه الحس وكذا النقصان وإنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أى والبرد وإلا فلا مناسبة بين قوله ولا ريبة ولا ربا إلا المجانسة اللفظية يعنى أنه أتى بها خالصة العبارة فى الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذى ادّعيته لا يخفى لأن الزيف صليله شاهد عليه وها هى معروضة عليك أى عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج والصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف والصليل الصوت والزيف مصدر زاف الدرهم إذا ردؤ ويقال أيضا درهم زائف وزيف أى رديء وصفوه بالمصدر وغلب ذلك عليه نحو رجل عدل فيجوز أن يكون الزيف فى البيت بمعنى الزائف ويجوز أن يكون المصدر والابتلاء الاختبار أى الناقد إذا اختبر درهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت
الرداءة صدق اختباره والاستعارات التى فى هذا البيت أيضا تابعة للمجازاة السابقة فهو من باب المجاز المرشح وله نظائر.(2/743)
للحرف ميزان فلا تك طاغيا ... فيه ولا تك مخسر الميزان
1135 [ولا ريبة فى عينهنّ ولا ربا
وعند صليل الزّيف يصدق الابتلا]
فى عينهن أى فى نفسهن والريبة الشك والربا الزيادة أى لا شك فى أنهن متعينات مخارج وصفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضرورى لا شك فيه ولا يمكن الزيادة فى التعريف بها بما يكذبه الحس وكذا النقصان وإنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أى والبرد وإلا فلا مناسبة بين قوله ولا ريبة ولا ربا إلا المجانسة اللفظية يعنى أنه أتى بها خالصة العبارة فى الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذى ادّعيته لا يخفى لأن الزيف صليله شاهد عليه وها هى معروضة عليك أى عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج والصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف والصليل الصوت والزيف مصدر زاف الدرهم إذا ردؤ ويقال أيضا درهم زائف وزيف أى رديء وصفوه بالمصدر وغلب ذلك عليه نحو رجل عدل فيجوز أن يكون الزيف فى البيت بمعنى الزائف ويجوز أن يكون المصدر والابتلاء الاختبار أى الناقد إذا اختبر درهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت
الرداءة صدق اختباره والاستعارات التى فى هذا البيت أيضا تابعة للمجازاة السابقة فهو من باب المجاز المرشح وله نظائر.
1136 [ولا بدّ فى تعيينهنّ من الأولى
عنوا بالمعانى عاملين وقوّلا]
أى لا بدّ لنا فى حصول تعيينهن والتعريف بهن من نقل أقوال الذين اعتنوا بالمعانى فاستنبطوها وأحكموها أى إنى أذكر ما ذكر أئمة العلماء بذلك فالأولى بمعنى الذين وعاملين حال منهم وقولا عطف عليه وهو جمع قائل أى قائلها عاملين بها والضمير فى تعيينهن قال الشيخ للموازين وكذا ولا ريبة فى عينهن ويجوز أن يكون للحروف على معنى ولا بدّ فى تعيين ما تتميز به من المخارج والصفات من الاستعانة بعبارة المتقدمين وإن كان الحس يشهد بذلك:
1137 [فابدأ منها بالمخارج مردفا
لهنّ بمشهور الصّفات مفصّلا]
منها أى من المعانى إن كان أراد بقوله عنوا بالمعانى المخارج والصفات وإن كان أراد مطلق المعانى فالهاء فى منها عائدة على الحروف وهذا مما يقوى أن الضمير فى تعيينهن للحروف، وفى قوله:
وما هاك موازين الحروف
ويكون منها على حذف مضاف أى فى أحكام الحروف وقوله مردفا لهن للمخارج بذكر ما اشتهر من صفات الحروف مفصلا ذلك أى مبينا ثم شرع فى ذكر المخارج وقال:
1138 [ثلاث بأقصى الحلق واثنان وسطه
وحرفان منها أوّل الحلق جمّلا]
أى منها ثلاثة أحرف حلت بأقصى الحلق وحرفان فى وسطه وحرفان أوّله وجملا نعت لحرفان فالألف ضمير التثنية ذكر فى هذا البيت سبعة أحرف وهى المسماة حروف الحلق وإنما قال ثلاث ولم يقل ثلاثة ومراده ثلاثة أحرف لأن الأحرف عبارة عن حروف المعجم وتلك يجوز معاملة ألفاظها بالتأنيث والتذكير فقال ثلاث بلفظ التأنيث العددى اعتبارا لذلك المعنى، ثم قال واثنان فاعتبر اللفظ فذكر وقد تقدم الكلام فى ذلك أيضا فى شرح قوله فى الأصول غير عشر ليعدلا ومثله قول عمر بن أبى ربيعة ثلاث شخوص كاعبان ومعصرا أنث عدد شخوص وهو لفظ مذكر لما أراد به نساء، ذكر سيبويه رحمه الله أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا وهى دائرة على ثلاثة الحلق والفم والشفة ويقال الحلق واللسان والشفتان والمعنى واحد وكل ذلك على التقريب وإلحاق ما اشتدّ تقاربه بمقاربه وجعله معه من مخرج واحد والتحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر باعتبار الصفات وإلا كان إياه فللحلق ثلاثة مخارج أقصاه وأوسطه وأدناه إلى الفم وهو المراد بقوله أوّل الحلق ولهذا سميت هذه الحروف السبعة لحروف لحلق إضافة لها إلى مخرجها فالثلاثة التى لأقصى الحلق الهمزة والألف والهاء وهى على هذا الترتيب فالهمزة أقصى الحروف مخرجا تكاد تخرج من الصدر والحرفان اللذان من أوسط الحلق هما العين والحاء
المهملتان والحرفان اللذان من أدنى الحلق هما الغين والخاء المعجمتان ويتبين لك مخرج كل حرف بأن تنطق بالحرف ساكنا وقبله همزة وصل، ثم شرع فى الحروف التى تخرج من الفم وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا فى أربعة مواضع من اللسان، أقصاه ووسطه وحافته وطرفه، ففي الأقصى مخرجان وفى الوسط واحد وفى الحافة مخرجان وفى الطرف خمسة مخارج فقال:(2/744)
1138 [ثلاث بأقصى الحلق واثنان وسطه
وحرفان منها أوّل الحلق جمّلا]
أى منها ثلاثة أحرف حلت بأقصى الحلق وحرفان فى وسطه وحرفان أوّله وجملا نعت لحرفان فالألف ضمير التثنية ذكر فى هذا البيت سبعة أحرف وهى المسماة حروف الحلق وإنما قال ثلاث ولم يقل ثلاثة ومراده ثلاثة أحرف لأن الأحرف عبارة عن حروف المعجم وتلك يجوز معاملة ألفاظها بالتأنيث والتذكير فقال ثلاث بلفظ التأنيث العددى اعتبارا لذلك المعنى، ثم قال واثنان فاعتبر اللفظ فذكر وقد تقدم الكلام فى ذلك أيضا فى شرح قوله فى الأصول غير عشر ليعدلا ومثله قول عمر بن أبى ربيعة ثلاث شخوص كاعبان ومعصرا أنث عدد شخوص وهو لفظ مذكر لما أراد به نساء، ذكر سيبويه رحمه الله أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا وهى دائرة على ثلاثة الحلق والفم والشفة ويقال الحلق واللسان والشفتان والمعنى واحد وكل ذلك على التقريب وإلحاق ما اشتدّ تقاربه بمقاربه وجعله معه من مخرج واحد والتحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر باعتبار الصفات وإلا كان إياه فللحلق ثلاثة مخارج أقصاه وأوسطه وأدناه إلى الفم وهو المراد بقوله أوّل الحلق ولهذا سميت هذه الحروف السبعة لحروف لحلق إضافة لها إلى مخرجها فالثلاثة التى لأقصى الحلق الهمزة والألف والهاء وهى على هذا الترتيب فالهمزة أقصى الحروف مخرجا تكاد تخرج من الصدر والحرفان اللذان من أوسط الحلق هما العين والحاء
المهملتان والحرفان اللذان من أدنى الحلق هما الغين والخاء المعجمتان ويتبين لك مخرج كل حرف بأن تنطق بالحرف ساكنا وقبله همزة وصل، ثم شرع فى الحروف التى تخرج من الفم وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا فى أربعة مواضع من اللسان، أقصاه ووسطه وحافته وطرفه، ففي الأقصى مخرجان وفى الوسط واحد وفى الحافة مخرجان وفى الطرف خمسة مخارج فقال:
1139 [وحرف له أقصى اللّسان وفوقه
من الحنك احفظه وحرف بأسفلا]
أى ومنها حرف مخرجه أقصى اللسان وهو الذى يلى أول الحلق فقوله «وفوقه» أى وما فوقه فى الحنك فحذف الموصول ضرورة وهذا الحرف هو القاف ثم قال «وحرف بأسفلا» أى ومنها حرف بأسفل الحنك مع كونه فى أقصى اللسان وهو الكاف يقال لها أقصى اللسان وما تحته من الحنك ومنهم من يقول وما فوقه من الحنك مما يلى خرج القاف قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: والأمر فى ذلك قريب لأنه قد يوجد على كل واحد من الأمرين بحسب اختلاف الأشخاص مع سلامة الذوق فعبر كل واحد على حسب وجدانه.
1140 [ووسطهما منه ثلاث وحافة ال
لسان فأقصاها لحرف تطوّلا]
أى وسط اللسان، والحنك منه يخرج ثلاثة أحرف وهى الجيم والشين المعجمة والياء المثناة من تحت فقوله منه ثلاث جملة ابتدائية هى خبر وسطها ثم ابتدأ قائلا وحافة اللسان لحرف تطولا وقوله فأقصاها بدل من حافة اللسان على زيادة الفاء ويعنى بذلك أو لا حافة اللسان كما ذكر الأئمة والحرف الذى يطول هو الضاد المعجمة لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام على ما سيأتى بيانه وهو يخرج من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس فهذا معنى قوله لحرف تطولا إلى ما يلى الأضراس على ما تراه فى البيت الآخر وهو:
1141 [إلى ما بلى الأضراس وهو لديهما
يعزّ وباليمنى يكون مقلّلا]
أى تطول إلى الموضع الذى يلى الأضراس وقوله وهو يعنى أيضا ولديهما أى لدى الجهتين اليمنى واليسرى فاضمر ما لم يجر له ذكر لأن فى قوة الكلام دليلا عليه وهو قوله ما يلى الأضراس فإن الأضراس موجودة فى الجانبين وقوله يعز أى يقل ويضعف خروجها منهما ولهذا قال سيبويه إنها تتكلف من الجانبين بل من الناس من يخرجها من الجانب الأيمن وهو قليل وهو معنى قوله وباليمنى أى وبالجهة اليمنى يكون مقللا والأكثر على إخراجها من الجانب الأيسر على حسب ما يسهل على المتكلم وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخرجها من الجانبين ومنهم من يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم والشين والياء.
1142 [وحرف بأدناها إلى منتهاه قد
بلى الحنك الأعلى ودونه ذو ولا]
أى بأدنى حافة اللسان إلى منتهى طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ومنهم من يزيد على هذا فيقول فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية وهو حرف اللام قال الشيخ أبو عمرو وكان يغنى أن يقال فويق الثنايا إلا أن سيبويه ذكر ذلك فمن أجل ذلك عددوا وإلا فليس فى الحقيقة فوق لأن مخرج النون يلى مخرجها وهى فوق الثنايا فكذلك هذا على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفى لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج فى الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا وإنما ذاك يأتى لما فيها من شبه الشدة ودخول المخرج فى ظهر اللسان فيبسط الجانبان لذلك، فلذلك عدد الضاحك والناب والرباعية والثنية وقوله ودونه بقصر الهاء أى دون هذا الحرف وهو حرف اللام حرف ذو ولاء أى متابعة له يعنى النون مخرجها مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا وهى تخرج قليلا من مخرج اللام، وقال مكى ومن أدنى طرفه وما يليه فى الحنك الأعلى تخرج النون والتنوين ومن ذلك الأدنى داخلا إلى ظهر اللسان قليلا تخرج الراء، ثم ذكر مخرج الراء فقال:(2/745)
1142 [وحرف بأدناها إلى منتهاه قد
بلى الحنك الأعلى ودونه ذو ولا]
أى بأدنى حافة اللسان إلى منتهى طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ومنهم من يزيد على هذا فيقول فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية وهو حرف اللام قال الشيخ أبو عمرو وكان يغنى أن يقال فويق الثنايا إلا أن سيبويه ذكر ذلك فمن أجل ذلك عددوا وإلا فليس فى الحقيقة فوق لأن مخرج النون يلى مخرجها وهى فوق الثنايا فكذلك هذا على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفى لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج فى الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا وإنما ذاك يأتى لما فيها من شبه الشدة ودخول المخرج فى ظهر اللسان فيبسط الجانبان لذلك، فلذلك عدد الضاحك والناب والرباعية والثنية وقوله ودونه بقصر الهاء أى دون هذا الحرف وهو حرف اللام حرف ذو ولاء أى متابعة له يعنى النون مخرجها مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا وهى تخرج قليلا من مخرج اللام، وقال مكى ومن أدنى طرفه وما يليه فى الحنك الأعلى تخرج النون والتنوين ومن ذلك الأدنى داخلا إلى ظهر اللسان قليلا تخرج الراء، ثم ذكر مخرج الراء فقال:
1143 [وحرف يدانيه إلى الظّهر مدخل
وكم حاذق مع سيبويه به اجتلا]
يعنى يدانى النون وهو الراء يخرج من مخرجها لكنه أدخل فى ظهر اللسان قليلا من مخرج النون لانحرافه إلى اللام فهذا معنى قوله إلى الظهر مدخل أى وحرف مدخل إلى الظهر يدانيه وأورد الشيخ أبو عمرو أن هذه العبارة تقتضى أن يكون مخرج الراء قبل النون لأن الراء أدخل منها إلى ظهر اللسان وأجاب بأن المخرج بعد مخرج النون وإنما يشاركه ذلك لا على أنه يستقل به ألا ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فبما هو بعد مخرج النون هذا هو الذى يجده المستقيم الطبع، قال وقد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها ولكن يتكلف لا على حسب إجراء ذلك على الطبع المستقيم والكلام فى المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على التكلف والهاء فى به يعود على الظهر أى إن سيبويه وجماعة من الحذاق يجعلون الراء من ظهر اللسان وأنهم ثم اجتلوه أى كشفوه هكذا قال الشيخ ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على المذكور أى وكم من حاذق فى صناعة العربية أى ما هربها اجتلا هذا الحرف بهذا المخرج المذكور وهو نص ما فى كتاب سيبويه الذى هو إمام نحاة البصريين قال رحمه الله ومن مخرج النون غير أنه أدخل فى ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام مخرج الراء، زاد غيره وقال: غير أن فى الراء تكريرا، وكذا ما ذكرناه فى اللام والنون هو قول سيبويه ثم قال.
1144 [ومن طرف هنّ الثّلاث لقطرب
ويحيى مع الجرمىّ معناه قوّلا]
قال أبو عمرو الدانى وقال الفراء وقطرب والجرمى وابن كيسان مخارج الحروف أربعة عشر مخرجا فجعلوا اللام والراء والنون من مخرج واحد وهو طرف اللسان قلت أما قطرب فهو أبو على محمد بن المستنير البصرى أحد العلماء بالنحو واللغة أخذ عن سيبويه وغيره ويقال إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه فى الأسحار قال له يوما ما أنت إلا قطرب ليل، والقطرب دويبة تدب ولا تفتر ومنه حديث ابن مسعود «لا أعرفن أحدكم جيفة ليل قطرب نهار» قال أبو عبيد يقال إن القطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا وحكى ثعلب أن القطرب الخفيف وكان
محمد بن المستنير يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه فيجده هنالك فيقول له ما أنت إلا قطرب ليل فلقب بذلك وأما يحيى فهو أبو زكريا بن يحيى بن زياد الفراء إمام نحاة الكوفة بعد الكسائى ذكر الخطيب أنه كان ثقة إماما وأنه كان يقال الفراء أمير المؤمنين فى النحو وأما الجرمى فهو أو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة البصرة قرأ على الأخفش وأخذ اللغة عن أبى عبيدة وأبى زيد والأصمعى، وكان ذا دين وورع فهذا معنى قوله ومن طرف اللسان والثلاث بدل من قوله هن أو عطف بيان كقولك فى الدار هو زيد أضمرته أولا اعتمادا على أن السامع يعرفه ثم اعترضك شك فى معرفته به فأتيت بما يكشفه ويوضحه ويؤكده ومعنى لقطرب أى فى قوله ومذهبه فهى لام البيان نحو هيت لك ثم ابتدأ قوله ويحيى وفى قولا ضمير تثنية راجع إلى يحيى والجرمى أى نسب إليهما قول بمعنى ما ذكر قطرب، وقال صاحب العين هذه الحروف الثلاثة ذلقية تبتدئ من ذلتى اللسان وهو تحديد طرفه.(2/746)
1144 [ومن طرف هنّ الثّلاث لقطرب
ويحيى مع الجرمىّ معناه قوّلا]
قال أبو عمرو الدانى وقال الفراء وقطرب والجرمى وابن كيسان مخارج الحروف أربعة عشر مخرجا فجعلوا اللام والراء والنون من مخرج واحد وهو طرف اللسان قلت أما قطرب فهو أبو على محمد بن المستنير البصرى أحد العلماء بالنحو واللغة أخذ عن سيبويه وغيره ويقال إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه فى الأسحار قال له يوما ما أنت إلا قطرب ليل، والقطرب دويبة تدب ولا تفتر ومنه حديث ابن مسعود «لا أعرفن أحدكم جيفة ليل قطرب نهار» قال أبو عبيد يقال إن القطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا وحكى ثعلب أن القطرب الخفيف وكان
محمد بن المستنير يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه فيجده هنالك فيقول له ما أنت إلا قطرب ليل فلقب بذلك وأما يحيى فهو أبو زكريا بن يحيى بن زياد الفراء إمام نحاة الكوفة بعد الكسائى ذكر الخطيب أنه كان ثقة إماما وأنه كان يقال الفراء أمير المؤمنين فى النحو وأما الجرمى فهو أو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة البصرة قرأ على الأخفش وأخذ اللغة عن أبى عبيدة وأبى زيد والأصمعى، وكان ذا دين وورع فهذا معنى قوله ومن طرف اللسان والثلاث بدل من قوله هن أو عطف بيان كقولك فى الدار هو زيد أضمرته أولا اعتمادا على أن السامع يعرفه ثم اعترضك شك فى معرفته به فأتيت بما يكشفه ويوضحه ويؤكده ومعنى لقطرب أى فى قوله ومذهبه فهى لام البيان نحو هيت لك ثم ابتدأ قوله ويحيى وفى قولا ضمير تثنية راجع إلى يحيى والجرمى أى نسب إليهما قول بمعنى ما ذكر قطرب، وقال صاحب العين هذه الحروف الثلاثة ذلقية تبتدئ من ذلتى اللسان وهو تحديد طرفه.
1145 [ومنه ومن عليا الثّنايا ثلاثة
ومنه ومن أطرافها مثلها انجلى]
يعنى ومن طرف اللسان ومن الثنايا العليا يعنى بينهما ثلاثة أحرف وهى الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة من فوق وعبارة سيبويه مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا زاد غيره مصعدا إلى الحنك وقال الشيخ أبو عمرو وقوله وأصول الثنايا ليس بحتم بل قد يكون ذلك من أصول الثنايا ويكون مما بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع من التكليف، ثم قال: ومنه يعنى ومن طرف اللسان ومن أطرافها أى أطراف الثنايا المذكورة أى مما بينهما وهى عبارة سيبويه مثلها أى ثلاثة أحرف وهى الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة فهى مثلها فى العدية، وقال مكى ومن طرفه وما يليه من أطراف الثنايا علياها وسفاها تخرج الظاء والذال والثاء ومعنى انجلا انكشف أى انجلا المذكور بمعنى بأن كل فريق من هذه الستة وظهر مخرجه ويجوز أن يكون الضمير فى انجلا عائدا على لفظ مثل لأنه مفرد وإن عنى به ثلاثة أى انجلا مثلها من المخرج المذكور، وقوله عليا الثنايا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها والأصل الثنايا العليا ولم يذكر سيبويه فى عبارته العليا وهى مرادة وهذه إضافة صحيحة لأن الثنايا قسمان سفلى وعليا فميز بالإضافة نحو علماء القوم وفضلاء الرجال وليس فى كل جهة إلا ثنيتان فالمجموع أربع وجوز التعبير عن المثنى بالجمع تخفيفا وهو هنا أولى من غيره لا من الإلباس ونظيره قولهم هو عظيم المناكب وغليظ الحواجب وشديد المرافق وضخم المناخر.
1146 [ومنه ومن بين الثنايا ثلاثة
وحرف من اطراف الثّنايا هى العلا]
أى ومن طرف اللسان ومن بين الثنايا لا أصولها ولا أطرافها ثلاثة أخرى وهى الصاد والسين المهملتان والزاى وقدم سيبويه ذكر هذه الثلاثة التى قبلها وعبارته فيها ومما بين طرف اللسان وفوق الثنايا مخارج الزاى والسين والصاد قال الشيخ: وعبر عن ذلك غيره، فقال من طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى كذا قال وسيبويه لم يصف الثنايا فى عبارته فى جميع هذه المواضع فلم يقل العليا ولا السفلى، وقال الشيخ أبو عمرو: قولهم الثنايا فى هذه المواضع إنما يعنون الثنايا العليا وليس ثم الاثنتان وإنما عبروا عنها بلفظ الجمع لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوما وإلا فالقياس
أن يقال وأطراف الثنيتين وقال فى الزاى وأختيها هى تفارق مخرج الطاء وأختيها لأنها بعد أصول الثنايا أو بعد ما بعد أصولها، وتفارق الطاء وأختيها لأنها قبل أطراف الثنايا، وقال غيره هى من حافته قليلا من مخرج الظاء بحيث لا تلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها، ثم بين الناظم مخرج الفاء بقوله:(2/747)
1146 [ومنه ومن بين الثنايا ثلاثة
وحرف من اطراف الثّنايا هى العلا]
أى ومن طرف اللسان ومن بين الثنايا لا أصولها ولا أطرافها ثلاثة أخرى وهى الصاد والسين المهملتان والزاى وقدم سيبويه ذكر هذه الثلاثة التى قبلها وعبارته فيها ومما بين طرف اللسان وفوق الثنايا مخارج الزاى والسين والصاد قال الشيخ: وعبر عن ذلك غيره، فقال من طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى كذا قال وسيبويه لم يصف الثنايا فى عبارته فى جميع هذه المواضع فلم يقل العليا ولا السفلى، وقال الشيخ أبو عمرو: قولهم الثنايا فى هذه المواضع إنما يعنون الثنايا العليا وليس ثم الاثنتان وإنما عبروا عنها بلفظ الجمع لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوما وإلا فالقياس
أن يقال وأطراف الثنيتين وقال فى الزاى وأختيها هى تفارق مخرج الطاء وأختيها لأنها بعد أصول الثنايا أو بعد ما بعد أصولها، وتفارق الطاء وأختيها لأنها قبل أطراف الثنايا، وقال غيره هى من حافته قليلا من مخرج الظاء بحيث لا تلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها، ثم بين الناظم مخرج الفاء بقوله:
بيان للثنايا والعلا جمع العليا وبتمام هذا البيت تم الكلام فى المخارج المتعلقة بالفم وبقى مخرج الشفة وفيها مخرجان لأربعة أحرف ثم تمم الكلام فى مخرج الفاء فقال، ومنه من بين الثنايا ثلاثة ... وحرف من أطراف الثنايا هى العلا
1147 [ومن باطن السّفلى من الشّفتين قل
وللشّفتين اجعل ثلاثا لتعدلا]
أى مخرج الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا هذه عبارة سيبويه وبقى ثلاثة أحرف وهى الواو والفاء الموحدة والميم مخرجها مما بين الشفتين فهذه حروف الشفة وحروف الحلق هى السبعة المبتدأ بذكرها والبواقى حروف الفم والفاء مشتركة بين الثنايا والشفة فمن حيث تعلقها بالثنايا فارقت حروف الشفة ومن حيث لا تعلق لها باللسان فارقت حروف الفم فالتحقيق أنها قسم برأسها ونصب لتعدلا بلام التعليل فإن كانت فتعدلا يكون نصبها بالفاء فى جواب الأمر.
1148 [وفى أوّل من كلم بيتين جمعها
سوى أربع فيهنّ كلمة أوّلا]
لما أجمل ذكر الحروف عند مخارجها أتى بها مضمنة فى أوائل كلمات بيتين على ترتيب ما بينه من المخارج فقوله وفى أول أى فى حروف أول، وأول جمع أولى ووجه هذا التأنيث ما سبق ذكره فى قوله ثلاث بأقصى الحلق لأنه نعت لحروف والحروف عبارة عن أسماء حروف التهجى وتلك الأسماء يجوز تأنيثها فكأنه قال وفى أوائل من كلمات بيتين جمع هذه الحروف ذوات هذه المخارج فقوله كلم بكسر الكاف وسكون اللام هو تخفيف كلم بفتح الكاف وكسر اللام مثل قولهم فخذ فى فخذ وكبد فى كبد، ثم قال سوى أربع أى سوى أربع أحرف فإنك لا تأخذهما من أوائل الكلمات وإنما تأخذها من مجموع الكلمة الأولى من البيت الأول من البيتين المذكورين وقوله فيهن أى فى جمعهن جمع كلمة أول البيتين فأولا مخفوض بإضافة كلمة إليه لكنه لا ينصرف هكذا قال الشيخ وهو مشكل فإن الكلمة حينئذ تبقى مجهولة فى البيت الأول فما من كلمة فيه إلا ويصدق عليها هذه العبارة فالوجه أن يكون كلمة منوّنة وأوّلا ظرف ألقيت حركة همزته على التنوين فهذا أولى لتتعين الكلمة الأولى من البيتين لجميع الحروف الأربعة على ما نبينه ثم ذكر البيتين فقال:
1149 [(أهاع) (ح) شا (غ) او (خ) لا (ق) ارىء (ك) ما
(ج) رى (ش) رط (ي) سرى (ض) ارع (ل) لاح (ن) وفلا]
أهاع هى الكلمة المضمنة أربعة أحرف من حروف الحلق وهى الثلاثة التى بأقصى الحلق وواحد من وسطه والثانى أول حشا والحرفان اللذان من أول الحلق هما أول غاو خلا وهكذا أخذ الباقى من الحروف من أوائل الكلمات إلى آخر البيت وهو النون الذى عبر عنه بقوله ودونه ذو ولا وكان الوجه تقديم ذكر الألف على الهاء
عند ذكر الحروف الحلقية فقال الهمزة والألف والهاء، كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل أهاع كان ستا فى تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن، ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع ويقال هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا فى قوله هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوى اسم فاعل من غوى يغوى غيا أى ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله والفاعل قوله خلا قارئ والخلا بالقصر الرطب من الحشيش والرطب بضم الراء الكلأ ويقال فلان حسن الخلاء أى طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القارئ وما يجنيه ساقها من التلذذ بها أى إن قراءة هذا القارئ أفرغت حشا القارئ الضال المنهمك فى طغيانه فألقى ما فى باطنه من الأخلاق الذميمة، واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين فى أهاع ثم قال كما جرى شرط يسرى ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا أى ييسر من سمع منه ذلك لليسرى ويحكى عن قراءة صالح المرى من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة رحمه الله تعالى والنوفل الكثير العطاء، أى لاح هذا القارئ كثير الفوائد والله أعلم.(2/748)
1149 [(أهاع) (ح) شا (غ) او (خ) لا (ق) ارىء (ك) ما
(ج) رى (ش) رط (ي) سرى (ض) ارع (ل) لاح (ن) وفلا]
أهاع هى الكلمة المضمنة أربعة أحرف من حروف الحلق وهى الثلاثة التى بأقصى الحلق وواحد من وسطه والثانى أول حشا والحرفان اللذان من أول الحلق هما أول غاو خلا وهكذا أخذ الباقى من الحروف من أوائل الكلمات إلى آخر البيت وهو النون الذى عبر عنه بقوله ودونه ذو ولا وكان الوجه تقديم ذكر الألف على الهاء
عند ذكر الحروف الحلقية فقال الهمزة والألف والهاء، كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل أهاع كان ستا فى تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن، ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع ويقال هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا فى قوله هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوى اسم فاعل من غوى يغوى غيا أى ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله والفاعل قوله خلا قارئ والخلا بالقصر الرطب من الحشيش والرطب بضم الراء الكلأ ويقال فلان حسن الخلاء أى طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القارئ وما يجنيه ساقها من التلذذ بها أى إن قراءة هذا القارئ أفرغت حشا القارئ الضال المنهمك فى طغيانه فألقى ما فى باطنه من الأخلاق الذميمة، واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين فى أهاع ثم قال كما جرى شرط يسرى ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا أى ييسر من سمع منه ذلك لليسرى ويحكى عن قراءة صالح المرى من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة رحمه الله تعالى والنوفل الكثير العطاء، أى لاح هذا القارئ كثير الفوائد والله أعلم.
1150 [(ر) عى (ط) هر (د) ين (ت) مّه (ظ) لّ (ذ) ى (ث) نا
(ص) فا (س) جل (ز) هد (ف) ى (و) جوه (ب) نى (م) لا]
أى رعى هذا القارئ طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذى ثناء، قال الشيخ يقال تم الله عليك النعمة وأتمها أى هو من باب فعل وأفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول ويحتمل أن يقال أراد تم به ظل ذى ثناء ثم حذف حرف الجر وهو الباء فصار تمه أى تم بذلك الدين ظل ذى ثناء وهذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين وقد حكى صاحب لمحكم تم بالشيء جعله تاما وأنشد ابن الاعرابى:
إن قلت يوما نعم فنم بها
أى أتمها فيكون مثل ذهبت به أى أذهبته فقول الشاطبى هنا اتمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت فى حاشية نسخة قرئت على الناظم رحمه الله حكى ابن طريف تمه وأتمه، ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل فى الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل هاهنا للزهد سجلا كأنه مجتمع فى وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته فقوله سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذى ثناء محذوف وقال الشيخ التقدير صفا سجل زهده ثم قال فى وجوه أى هو كائن فى جماعة وجوه، والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك أى هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقى الحروف من الراء الى الميم ثم قال.
1151 [وغنّة تنوين ونون وميم ان
سكنّ ولا إظهار فى الأنف يجتلى]
وغنة تنوين مبتدأ وفى الأنف تجتلا خبره كما تقول هند فى الدار تكرم أى ثم يكشف ويجلى أمرها وأراد
أن يبين مخرج فبين أوّلا الحروف التى تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها وهى التنوين والنون والميم فهذه ثلاثة وفى الحقيقة حرفان النون والميم لأن التنوين نون حقيقة فى المخرج والصفة وانما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين فى الوقف وفى صورة الخط وأنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل، فلهذا يعتنى القراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة والتنوين وقد مضى فى باب التكبير وما قبله من ساكن أو منوّن وأما سيبويه وأتباعه فلم يذكروا إلا النون والميم قال سيبويه فى ذكره الحروف التى بين الشديدة والرخوة ومنها حرف يجرى معه الصوت لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال قبل ذلك ومن الخياشيم تخرج النون الخفيفة وأراد بالنون الخفيفة الغنة وتسمى الخفيفة أيضا لخفتها وخفائها وقال نصر بن على الشيرازى ومنها حروف الغنة وهى النون والميم سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهى الصوت المحصو فيها كأصوات الحمائم والقمارى وقوله إن سكن ولا إظهار بيان للحالة التى تصحب الغنة لهذه الأحرف لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها فقال شرطها أن تكن سواكن وأن تكن مخفيات أو مدغمات إلا فى موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف فى ذلك على مضى شرحه فى باب أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل فى النون للسان وفى الميم للشفتين على ما سبق وكان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار ويلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو فى شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة هذه النون التى قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم قال وشرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم ليصح اخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك ومنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون فى التحقيق فإذا قلت من خلق ومن أبوك فهذه هى النون التى مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أعلن وشبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هى الأولى أيضا.(2/749)
1151 [وغنّة تنوين ونون وميم ان
سكنّ ولا إظهار فى الأنف يجتلى]
وغنة تنوين مبتدأ وفى الأنف تجتلا خبره كما تقول هند فى الدار تكرم أى ثم يكشف ويجلى أمرها وأراد
أن يبين مخرج فبين أوّلا الحروف التى تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها وهى التنوين والنون والميم فهذه ثلاثة وفى الحقيقة حرفان النون والميم لأن التنوين نون حقيقة فى المخرج والصفة وانما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين فى الوقف وفى صورة الخط وأنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل، فلهذا يعتنى القراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة والتنوين وقد مضى فى باب التكبير وما قبله من ساكن أو منوّن وأما سيبويه وأتباعه فلم يذكروا إلا النون والميم قال سيبويه فى ذكره الحروف التى بين الشديدة والرخوة ومنها حرف يجرى معه الصوت لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال قبل ذلك ومن الخياشيم تخرج النون الخفيفة وأراد بالنون الخفيفة الغنة وتسمى الخفيفة أيضا لخفتها وخفائها وقال نصر بن على الشيرازى ومنها حروف الغنة وهى النون والميم سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهى الصوت المحصو فيها كأصوات الحمائم والقمارى وقوله إن سكن ولا إظهار بيان للحالة التى تصحب الغنة لهذه الأحرف لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها فقال شرطها أن تكن سواكن وأن تكن مخفيات أو مدغمات إلا فى موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف فى ذلك على مضى شرحه فى باب أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل فى النون للسان وفى الميم للشفتين على ما سبق وكان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار ويلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو فى شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة هذه النون التى قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم قال وشرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم ليصح اخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك ومنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون فى التحقيق فإذا قلت من خلق ومن أبوك فهذه هى النون التى مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أعلن وشبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هى الأولى أيضا.
قلت: وحروف العربية الأصول هى التسعة والعشرون التى مر ذكر مخارجها ويتفرع منها حروف أخر مركبة من ألفاظ بعضها يجرى مجرى اللغات منها ما هو فصيح ومنها ما هو مستحسن وهذا سنوضحه إن شاء الله تعالى فى شرح النظم فى النحو ونبين هنا ما وقع من الفصيح فى قراءة القراء وهو همزة بين بين التى تأتى على ثلاثة ألفاظ بين الهمزة والواو وبين الهمزة والياء وبين الهمزة والألف واختلاف ذلك بحسب اختلاف حركتها وقد تقدم بيان ذلك فى شرح قوله والمسهل بين ما هو الهمز والحرف الذى منه أشكلا ومنها الصاد التى كالزاى وهى التى مر ذكرها فى قراءة حمزة فى الصراط وأصدق والمصيطرون وبمصيطر وغير ذلك ومنها الألف الممالة إمالة محضة أو بين بين، وقد مضى تحقيق ذلك فى بابه، ومنها هذه النون المخفاة المسماة بالغنة وقد اتضح أمرها فى شرح هذا البيت بتوفيق الله تعالى، والله أعلم.
وقال مكى: أما النون المخفاة فهو صوت مركب على جسم الخيشوم خاصة لا حظ للجزء من اللسان فيه وهو نوعان التنوين والنون الخفيفة الداخلة على الفعل للتوكيد، وقال قبل ذلك الغنة الصوت الزائد على جسمى النون والميم منبعثا عن الخيشوم المركب فوق غار الفم الأعلى يصدق هذا إنك لو أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة ولا يتغير الصوت بالنون لعدم الغنة المقدرة بها.
قلت: وانقضى الكلام فى المخارج ثم ذكر مشهور الصفات فقال:
1152 [وجهر ورخو وانفتاح صفاتها
ومستفل فاجمع الأضداد اشملا]
أى صفاتها كذا وكذا فذكر أربعة يأتى ذكر أضدادها وعبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر وهما الجهر والانفتاح وعن اثنين بلفظ الصفة وهما رخو ومستفل ولفظ الصفة فى الأولين مجهورة منفتحة ولفظ المصدر فى الآخرين رخاوة واستفال وبكل ذلك وقعت العبارة فى كتب الأئمة والجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم جهرت بالشيء إذا أعلنته وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجرى معها انحصر الصوت لها فقوى التصويت بها والمهموسة عشرة أحرف وهى ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذى هو الحس الخفى وقيل فى قوله تعالى {فَلََا تَسْمَعُ إِلََّا هَمْساً} هو حس الأقدام ومنه قول أبى زيد فى صفة الأسد:(2/750)
قلت: وانقضى الكلام فى المخارج ثم ذكر مشهور الصفات فقال:
1152 [وجهر ورخو وانفتاح صفاتها
ومستفل فاجمع الأضداد اشملا]
أى صفاتها كذا وكذا فذكر أربعة يأتى ذكر أضدادها وعبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر وهما الجهر والانفتاح وعن اثنين بلفظ الصفة وهما رخو ومستفل ولفظ الصفة فى الأولين مجهورة منفتحة ولفظ المصدر فى الآخرين رخاوة واستفال وبكل ذلك وقعت العبارة فى كتب الأئمة والجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم جهرت بالشيء إذا أعلنته وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجرى معها انحصر الصوت لها فقوى التصويت بها والمهموسة عشرة أحرف وهى ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذى هو الحس الخفى وقيل فى قوله تعالى {فَلََا تَسْمَعُ إِلََّا هَمْساً} هو حس الأقدام ومنه قول أبى زيد فى صفة الأسد:
يصير بالدجى هاد هموس
فالهمس الضعف فسميت مهموسة لضعف الصوت بها حين جرى النفس معها فلم يقو التصويت بها قوته فى المجهورة فصار فى التصويت بها نوع خفاء لانقسام النفس عند نطقها والرخاوة ضدها الشدة والانفتاح ضده الإطباق والاستفال ضده الاستعلاء وسيأتى بيان كل ذلك وقوله فأجمل بالاضداد أشملا أى بمعرفة أضداد ما ذكرت يجتمع شمل جميع الحروف ويعرف صفاتها لأن ما نذكره منها بصفة فالباقى بخلافه فجميع الحروف منقسمة إلى كل ضدين من هذه الأضداد الثمانية فهى أربع تقسيمات وأشملا جمع شمل وهو مفعول فاجمع.
1153 [فمهموسها عشر (حثت كشف شخصه)
(أجدّت كقطب) للشّديدة مثّلا]
أى مهموس الحروف عشرة أحرف وإنما أنث العدد على ما ذكرناه من شرح قوله ثلاث بأقصى الحلق ثم بين العشرة بأن جميعها فى هذه الكلمات الثلاثة وقال غيره سحته كف شخص وقيل كست شخصه فحث وقيل ستشحثك حصفه على الوقف بالهاء ومعنى ستشحثك ستردعك وخصفه اسم امرأة هكذا وجدته فى حاشيتى كتاب أحسن من الجميع سكت فحثه شخص، ثم جمع الحروف الشديدة من قوله أجدت كقطب وقال غيره أجدت طبقك والفاء للتأنيث أو للخطاب وقيل أيضا فى جمعها أجدك قطبت وقوله مثلا أى مثل هذا اللفظ وشخص لجميع الحروف الشديدة وسميت هذه الحروف شديدة لأنها قويت فى موضعها ولزمته ومنع الصوت أن يجرى معها حال النطق بها لأن الصوت انحصر فى المخرج فلم يجر، أى اشتد وامتنع قبوله للتليين بخلاف الرخوة فهذه الحروف الشديدة هى ثمانية منها ستة من المجهورة ومنها اثنان من المهموسة التاء والكاف والستة الباقية مجهورة شديدة اجتمع فيها أن النفس لا يجرى معها ولا الصوت فى مخرجها وهو معنى الجهر والشدة جميعا.
1154 [وما بين رخو والشّديدة (عمر نل)
و (واى) حروف المدّ والرّخو كمّلا]
أى وما بين حرف رخو والحروف الشديدة حروف قولك عمر نل أى هذه الحروف الخمسة لا رخوة ولا شديدة فهى بين القبيلين ولا ينبغى أن تكتب هنا بالواو لئلا نصير الحروف ستة وهو منادى مفرد حذف
حرف ندائه أى يا عمر ونل ما ذكرته لله، ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك وأى وهى ثلاثة أحرف الواو، والألف والياء والوأى بهمزة الألف معناه الوعد ولكنه سهل الهمزة ليأتى بلفظ الألف وسميت حروف المد لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة ثم قال والرخو كملا أى وهذا اللفظ الذى هو وأى كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التى هى ضد الشديدة أى إنها معدودة منها وإنما قال ذلك لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التى بين الرخوة والشديدة فلما لم يذكرها من حروف عمر نل بين أنه لم يخل بتركها وإنما هى عنده من قسم الرخوة والذين جعلوها بين الرخوة والشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا ولم يروعنا وهو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد وذكر بعدها العين واللام والنون والميم والراء وبينها واحدة واحدة بعبارة تقتضى أنها بين الشديدة والرخوة لم يتم لصوتها الانحصار ولا الجرى ثم قال ومنها اللينة فوصفهن ثم قال وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها وإخفائهن وأوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو، وظاهر كلام أبى الحسن الرمانى فى شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبى فإنه قال وما عدا الشديدة على وجهين شديد يجرى فيه الصوت ورخوة أما الشديد الذى يجرى فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجرى فيه الصوت لتجافيه وهى الراء واللام والنون والميم والعين وكذا ذكر أبو عمرو الدانيّ فى كتاب الإيجاز وقال يجمعها قولك لم يرع، وقال مكى فى بعض تصانيفه الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة والشدة فأدخل فيها الواو والياء ولم يدخل الألف.(2/751)
1154 [وما بين رخو والشّديدة (عمر نل)
و (واى) حروف المدّ والرّخو كمّلا]
أى وما بين حرف رخو والحروف الشديدة حروف قولك عمر نل أى هذه الحروف الخمسة لا رخوة ولا شديدة فهى بين القبيلين ولا ينبغى أن تكتب هنا بالواو لئلا نصير الحروف ستة وهو منادى مفرد حذف
حرف ندائه أى يا عمر ونل ما ذكرته لله، ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك وأى وهى ثلاثة أحرف الواو، والألف والياء والوأى بهمزة الألف معناه الوعد ولكنه سهل الهمزة ليأتى بلفظ الألف وسميت حروف المد لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة ثم قال والرخو كملا أى وهذا اللفظ الذى هو وأى كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التى هى ضد الشديدة أى إنها معدودة منها وإنما قال ذلك لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التى بين الرخوة والشديدة فلما لم يذكرها من حروف عمر نل بين أنه لم يخل بتركها وإنما هى عنده من قسم الرخوة والذين جعلوها بين الرخوة والشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا ولم يروعنا وهو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد وذكر بعدها العين واللام والنون والميم والراء وبينها واحدة واحدة بعبارة تقتضى أنها بين الشديدة والرخوة لم يتم لصوتها الانحصار ولا الجرى ثم قال ومنها اللينة فوصفهن ثم قال وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها وإخفائهن وأوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو، وظاهر كلام أبى الحسن الرمانى فى شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبى فإنه قال وما عدا الشديدة على وجهين شديد يجرى فيه الصوت ورخوة أما الشديد الذى يجرى فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجرى فيه الصوت لتجافيه وهى الراء واللام والنون والميم والعين وكذا ذكر أبو عمرو الدانيّ فى كتاب الإيجاز وقال يجمعها قولك لم يرع، وقال مكى فى بعض تصانيفه الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة والشدة فأدخل فيها الواو والياء ولم يدخل الألف.
1155 [و (قظ خصّ ضغط) سبع علو ومطبق
هو الضّاد والظّاء أعجما وإن أهملا]
أى حروف هذه الكلم الثلاث هى حروف الاستعلاء وهى سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وما عداها المستفلة لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك وقد مضى فى باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات وبعضهم ألحق العين والحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا وأضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو أى حروف الاستعلاء ويجوز ضم عين علو وكسرها وقوله ومطبق مبتدأ خبره محذوف قبله أى وفيها مطبق أى ومن هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق وهى أربعة ثم بينها بقوله أهملا الضاد والظاء المعجمتان والمهملتان يعنى الصاد والطاء والمعجم المنقوط والمهمل الذى لا نقط له وألقى حركة همزة أهملا على نون وإن والألف فى آخر أهملا ضمير التثنية وسميت هذه الأربعة مطبقة لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك وذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة والمنفتحة فيها تجوز لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك وأما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل مطبق كما قيل للمشترك فيه مشترك وكذا المنفتحة لأن الحرف لا ينفتح وإنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك وكذا المستعلية لأن اللسان يستعلى عندها قال ابن مريم الشيرازى ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ولخرجت الضاد من الكلام، لأنه ليس من موضعها شىء غيرها وموضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد ولأجل أنها غير مشاركة فى المخرج لم يوجد فى شيء من كلام الأمم إلا فى العربية، وإنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج وفى كلام الرمانى زيادة فإنه قال لولا الإطباق لصارت الطاء دالا لأنه ليس بينهما فرق إلا بالاطباق ولم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر والهمس وكذلك سبيل الصاد
والسين لأنهما مهموستان ولم يجب مثل ذلك للزاى لأنها مجهورة وكذلك الظاء والذال ولم يجب فى الثاء لأنها مهموسة.(2/752)
1155 [و (قظ خصّ ضغط) سبع علو ومطبق
هو الضّاد والظّاء أعجما وإن أهملا]
أى حروف هذه الكلم الثلاث هى حروف الاستعلاء وهى سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وما عداها المستفلة لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك وقد مضى فى باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات وبعضهم ألحق العين والحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا وأضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو أى حروف الاستعلاء ويجوز ضم عين علو وكسرها وقوله ومطبق مبتدأ خبره محذوف قبله أى وفيها مطبق أى ومن هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق وهى أربعة ثم بينها بقوله أهملا الضاد والظاء المعجمتان والمهملتان يعنى الصاد والطاء والمعجم المنقوط والمهمل الذى لا نقط له وألقى حركة همزة أهملا على نون وإن والألف فى آخر أهملا ضمير التثنية وسميت هذه الأربعة مطبقة لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك وذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة والمنفتحة فيها تجوز لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك وأما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل مطبق كما قيل للمشترك فيه مشترك وكذا المنفتحة لأن الحرف لا ينفتح وإنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك وكذا المستعلية لأن اللسان يستعلى عندها قال ابن مريم الشيرازى ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ولخرجت الضاد من الكلام، لأنه ليس من موضعها شىء غيرها وموضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد ولأجل أنها غير مشاركة فى المخرج لم يوجد فى شيء من كلام الأمم إلا فى العربية، وإنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج وفى كلام الرمانى زيادة فإنه قال لولا الإطباق لصارت الطاء دالا لأنه ليس بينهما فرق إلا بالاطباق ولم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر والهمس وكذلك سبيل الصاد
والسين لأنهما مهموستان ولم يجب مثل ذلك للزاى لأنها مجهورة وكذلك الظاء والذال ولم يجب فى الثاء لأنها مهموسة.
1156 [وصاد وسين مهملان وزاؤها
صفير وشين بالتّفشّى تعمّلا]
الذى سبق من الصفات كان له ضد يطلق على باقى الحروف ومن هاهنا صفات لبعض الحروف ليس يطلق على باقيها اسم مشعر بضد تلك الصفات بل يسلبها فهذه الثلاثة الصاد والسين المهملتان والزاى تسمى حروف الصفير لأنها يصبر بها وباقى الحروف لا صفير فيها وهذه الثلاثة هى الحروف الأسلية التى تخرج من أسلة اللسان قال ابن مريم ومنهم من الحق بها الشين وإنما يقال لها حروف الصفير لأنك تصفر عند اعتمادك على مواضعها قال مكى والصفر حد الصوت كالصوت الخارج من ضغطة ثقب قال والتفشى انتشار خروج الريح وانبساطه حتى يتخبل أن الشين انفرشت حتى لحقت بمنشإ الطاء وهى أخص بهذه الصفة من الفاء قال وقد ذكر بعضهم الضاد من هذا المعنى لاستطالتها لما اتصلت بمخرج اللام وقال ابن مريم الشيرازى ومنها حروف التفشي وهى أربعة مجموعة فى قولك مشفر وهى حروف فيها غنة ونفش وتأفف وتكرار وإنما قبل لها حروف التفشى وإن كان التفشى فى الشين خاصة لأن الباقية مقاربة له لأن الشين بما فيه من التفشى ينتشر الصوت منه ويتفشى حتى يتصل إلى مخارج الباقية وقال الشيخ سمى الشين المتفشى لأنه انتشر فى الفم برخاوته حتى اتصل بمخرج الطاء والتفشى الانتشار وقوله صغير أى ذات صغير والضمير فى زائها يرجع إلى الحروف ومهملان نعت صاد وسين وأتى بلفظ صاد وسين وشين على التنكير لأن المعبر عنه لا يختلف منكرا كان أو معرفا ومعنى تعمل هنا اتصف لأن من عمل شيئا اتصف به ولهذا عداه بالياء فى قوله بالتفشى أى اتصف الشين به ومنه قوله كن متعملا:
1157 [ومنحرف لام وراء وكرّرت
كما المستطيل الضّاد ليس يؤغفلا]
منحرف خبر مقدم أى وحرف اللام منحرف أى مسمى بالمنحرف قال سيبويه ومنها المنحرف أى ومما بين الرخو والشديد وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة وهو اللام إن شئت مددت فيها الصوت وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكنه من ناحيتى مستدق اللسان خولف ذلك قال ابن مريم مخرج الصوت على الناحيتين وما فوقهما وقال الشيخ أو عمرو اللسان عند النطق باللام ينحرف إلى داخل الحنك قليلا ولذلك سمى منحرفا وجرى فيه الصوت وإلا فهو فى الحقيقة لولا ذلك حرف شديد إذ لولا الانحراف لم يجر الصوت وهى معنى الشدة ولكنه لما حصل الانحراف مع التصويت كان فى حكم الرخوة لجرى الصوت وكذلك جعل بين الشديدة والرخوة وقوله وراء أى والراء لذلك فوصف بالانحراف، قال مكى:
والراء انحرف عن مخرج النون الذى هو أقرب المخارج إليه الى مخرج اللام، قال الشيخ: والراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاما.
قلت وأكثر المصنفين من النحاة والقراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها وعبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام والنون والميم وبين أنها من الرخوة والشديدة ومنها المكرر وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت وهو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء وكررت أى جمعت بين صفتى الانحراف والتكرير قال مكى التكرير تضعيف يوجد فى جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها ويقوى مع التشديد ولا يبلغ به حد بفتح وقال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتغير بما فيه من التكرير ولذلك يعد فى الإمالة بحرفين والحركة فيه تنزل منزلة حركتين وقال الشيخ أبو عمرو والمكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان فى مخرجه عند النطق به ولذلك أجرى مجرى الحرفين فى أحكام متفددة فحسن إسكان ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم وحسن إدغام مثل وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه فى إن يمسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا من إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة راشد وكل هذه الأحكام راجعة فى المنع والتسويغ إلى التكرير الذى فى الراء قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكى والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا أى معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد.(2/753)
والراء انحرف عن مخرج النون الذى هو أقرب المخارج إليه الى مخرج اللام، قال الشيخ: والراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاما.
قلت وأكثر المصنفين من النحاة والقراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها وعبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام والنون والميم وبين أنها من الرخوة والشديدة ومنها المكرر وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت وهو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء وكررت أى جمعت بين صفتى الانحراف والتكرير قال مكى التكرير تضعيف يوجد فى جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها ويقوى مع التشديد ولا يبلغ به حد بفتح وقال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتغير بما فيه من التكرير ولذلك يعد فى الإمالة بحرفين والحركة فيه تنزل منزلة حركتين وقال الشيخ أبو عمرو والمكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان فى مخرجه عند النطق به ولذلك أجرى مجرى الحرفين فى أحكام متفددة فحسن إسكان ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم وحسن إدغام مثل وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه فى إن يمسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا من إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة راشد وكل هذه الأحكام راجعة فى المنع والتسويغ إلى التكرير الذى فى الراء قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكى والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا أى معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد.
1158 [كما الألف الهاوى و (آوى) لعلّة
وفى (قطب جدّ) خمس قلقلة علا]
أى ويقال لحرف الألف الهاوى قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو لأنك قد تضم شفتيك فى الواو وترفع فى الياء لسانك قبل الحنك وقال الشيخ أبو عمرو الهاوى الألف لأنه فى الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوى الذى بعد الفتحة وهذا وإن شاركه الواو والياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين: أحدهما ما تحسه عند الواو والياء من التعرض لمخرجيهما والآخر اتساع هواء الألف لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة والكسرة فإنه لا يكون كذلك، فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر فى الواو والياء وقوله وآوى لعلة أى حروف كلمة آوى وهو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى يؤاوى فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف وواو وياء ومعنى لعلة أى هى حروف العلة أى متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة أى الاعتلال لما يعتريها من القلب والإبدال على ما هو معروف فى علم التصريف ولم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة وزاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب ومنهم من عد الهاء منها لانقلابها همزة فى نحو ماء وأيهات وتسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية لأنها تخرج فى هواء الفم قال ابن مريم الشيرازى وقد يقال لها أيضا الهاوية لأنها تهوى فى الفم وليس لها أحياز من الفم يعتمد فى خروجها عليها قال وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوى قال ولا شك فى أن الألف أشد هويا فى الفم لأنه أشد امتدادا واستطالة فهو يتمحض للمد ثم ذكر الناظم حروف القلقلة وهى خمسة وجمعها فى قوله قطبجد وهذا جمع حسن وقال غيره جد بطق وقد طبج ومعنى طبج حمق وهو بكسر الباء ومنهم من يفتحها وفسره بعاب وأضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف فى سبع ما سبق علو وعلا نعت لقوله خمس قلقلة أى خمس عالية أى معروفة ظاهرة لأن العالى أبدا ظاهر قال الدانى هى حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم ونبا اللسان عن موضعه وقال مكى القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه ولا يكون إلا عند
الوقف ولا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع طلب إظهار ذاته وهى مع الروم أشد قال الشيخ سميت بذلك لأنك إذا وقفت عليها تقلقل اللسان حتى تسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه وقال الشيخ أبو عمرو: سميت بذلك إما لأن صوتها صوت أشد الحروف أخذا من القلقلة التى هى صوت الأشياء اليابسة وإما لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه التحريك يشبه أمرها من قولهم قلقله إذا حركه وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة فالجهر يمنع النفس أن يجرى معها والشدة تمنع أن يجرى صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان وهو امتناع جرى النفس معها وامتناع جرى صوتها احتاجت إلى التكلف فى بيانها فلذلك يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحركها لقصد بيانها إذ لولا ذلك لم يتبين لأنه إذا امتنع النفس والصوت تقدر بيانها ما لم يتكلف بإظهار أمرها على الوجه المذكور وقال ابن مريم الشيرازى وهى حروف مشربة فى مخارجها إلا أنها لا تضغط ضغظ الحروف المطبقة غير أنها قريبة منها فإن فيها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها أى تضطرب، ولهذا سميت حروف القلقلة قال وزعم بعضهم أن الضاد والزاى والذال والطاء منها لثبوتها وضغطها فى مواضعها إلا أنها وإن كانت مشربة فى مخارجها فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة المذكورة ولكن يخرج معها عند الوقف عليها شبه النفخ قال وامتحان حروف القلقلة أن تقف عليها فإذا وقفت خرج منها صويت كالنفح لنشرها فى اللها واللسان.(2/754)
1158 [كما الألف الهاوى و (آوى) لعلّة
وفى (قطب جدّ) خمس قلقلة علا]
أى ويقال لحرف الألف الهاوى قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو لأنك قد تضم شفتيك فى الواو وترفع فى الياء لسانك قبل الحنك وقال الشيخ أبو عمرو الهاوى الألف لأنه فى الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوى الذى بعد الفتحة وهذا وإن شاركه الواو والياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين: أحدهما ما تحسه عند الواو والياء من التعرض لمخرجيهما والآخر اتساع هواء الألف لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة والكسرة فإنه لا يكون كذلك، فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر فى الواو والياء وقوله وآوى لعلة أى حروف كلمة آوى وهو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى يؤاوى فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف وواو وياء ومعنى لعلة أى هى حروف العلة أى متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة أى الاعتلال لما يعتريها من القلب والإبدال على ما هو معروف فى علم التصريف ولم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة وزاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب ومنهم من عد الهاء منها لانقلابها همزة فى نحو ماء وأيهات وتسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية لأنها تخرج فى هواء الفم قال ابن مريم الشيرازى وقد يقال لها أيضا الهاوية لأنها تهوى فى الفم وليس لها أحياز من الفم يعتمد فى خروجها عليها قال وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوى قال ولا شك فى أن الألف أشد هويا فى الفم لأنه أشد امتدادا واستطالة فهو يتمحض للمد ثم ذكر الناظم حروف القلقلة وهى خمسة وجمعها فى قوله قطبجد وهذا جمع حسن وقال غيره جد بطق وقد طبج ومعنى طبج حمق وهو بكسر الباء ومنهم من يفتحها وفسره بعاب وأضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف فى سبع ما سبق علو وعلا نعت لقوله خمس قلقلة أى خمس عالية أى معروفة ظاهرة لأن العالى أبدا ظاهر قال الدانى هى حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم ونبا اللسان عن موضعه وقال مكى القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه ولا يكون إلا عند
الوقف ولا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع طلب إظهار ذاته وهى مع الروم أشد قال الشيخ سميت بذلك لأنك إذا وقفت عليها تقلقل اللسان حتى تسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه وقال الشيخ أبو عمرو: سميت بذلك إما لأن صوتها صوت أشد الحروف أخذا من القلقلة التى هى صوت الأشياء اليابسة وإما لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه التحريك يشبه أمرها من قولهم قلقله إذا حركه وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة فالجهر يمنع النفس أن يجرى معها والشدة تمنع أن يجرى صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان وهو امتناع جرى النفس معها وامتناع جرى صوتها احتاجت إلى التكلف فى بيانها فلذلك يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحركها لقصد بيانها إذ لولا ذلك لم يتبين لأنه إذا امتنع النفس والصوت تقدر بيانها ما لم يتكلف بإظهار أمرها على الوجه المذكور وقال ابن مريم الشيرازى وهى حروف مشربة فى مخارجها إلا أنها لا تضغط ضغظ الحروف المطبقة غير أنها قريبة منها فإن فيها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها أى تضطرب، ولهذا سميت حروف القلقلة قال وزعم بعضهم أن الضاد والزاى والذال والطاء منها لثبوتها وضغطها فى مواضعها إلا أنها وإن كانت مشربة فى مخارجها فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة المذكورة ولكن يخرج معها عند الوقف عليها شبه النفخ قال وامتحان حروف القلقلة أن تقف عليها فإذا وقفت خرج منها صويت كالنفح لنشرها فى اللها واللسان.
1159 [وأعرفهنّ القاف كلّ يعدّها
فهذا مع التّوفيق كاف محصّلا]
أى أعرف القلقلة القاف أى هى المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل فى باب المفعول وهو مما شذ فى كلامهم مثل هو أحد منه وأشهر ثم قال كل يعدها أى هى مجمع على عدها من حروف القلقلة قال الشيخ أبو الحسن قالوا أصل القلقلة للقاف لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من من الصدر مع الضغط والحقر فيه أكثر من غيره قال وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف لأن حصر القاف أشد قال المبرد وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه وبين الاستقرار. فهذا آخر الكلام فى صفات الحروف التى تعرض الناظم لذكرها وهى منقسمة إلى ما يشعر بقوة وإلى ما يشعر بضعف والجهر والشدّة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة والتكرير والتفشى والاستطالة والانحراف علامات القوّة وأما الهمس والرخاوة والتسفل والانفتاح والمدّ والاعتلال والهوى فعلا مات الضعف فلا تغفل فى تطلب تجويد القراءة من مراتب الحروف على حسب تمكنها من القوّة والضعف وليست صفات القوّة ولا صفات الضعف متساوية فكل قسم منها مختلف المراتب وقد اتفق له اللفظ بجميع الحروف فى هذه الصفات التى ذكرها سوى الزاى المعجمة وفيها من الصفات ما ذكره فى البيت الأوّل وهو جهر ورخو وانفتاح صفاتها ومستفل وعرف ذلك وغيره من ضد ما ذكره والله أعلم وقوله فهذا مع التوفيق كاف أى فهذا الذى ذكرته إذا وفق الله من عرفه يكفيه فى هذا العلم ومحصلا مفعول كاف أى يكفى الطالب المشتغل المحصل ويجوز أن يكون حالا من الضمير فى كاف أى فى حال كونه محصلا لغرض الطالب محتويا عليه.
1160 [وقد وفّق الله الكريم بمنّه
لإكمالها حناء ميمونة الجلا]
المنّ الانعام وحسناء ميمونة حالان ومعنى ميمونة الجلا مباركة البروز أى كما ظهرت للناس كانت مباركة الطلعة وقد صدق رضي الله عنه فإن بركتها عمت كل من حفظها وأتقنها ولو لم يكن إلا كثرة الفوائد الحاصلة من ناظمها:(2/755)
1159 [وأعرفهنّ القاف كلّ يعدّها
فهذا مع التّوفيق كاف محصّلا]
أى أعرف القلقلة القاف أى هى المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل فى باب المفعول وهو مما شذ فى كلامهم مثل هو أحد منه وأشهر ثم قال كل يعدها أى هى مجمع على عدها من حروف القلقلة قال الشيخ أبو الحسن قالوا أصل القلقلة للقاف لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من من الصدر مع الضغط والحقر فيه أكثر من غيره قال وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف لأن حصر القاف أشد قال المبرد وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه وبين الاستقرار. فهذا آخر الكلام فى صفات الحروف التى تعرض الناظم لذكرها وهى منقسمة إلى ما يشعر بقوة وإلى ما يشعر بضعف والجهر والشدّة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة والتكرير والتفشى والاستطالة والانحراف علامات القوّة وأما الهمس والرخاوة والتسفل والانفتاح والمدّ والاعتلال والهوى فعلا مات الضعف فلا تغفل فى تطلب تجويد القراءة من مراتب الحروف على حسب تمكنها من القوّة والضعف وليست صفات القوّة ولا صفات الضعف متساوية فكل قسم منها مختلف المراتب وقد اتفق له اللفظ بجميع الحروف فى هذه الصفات التى ذكرها سوى الزاى المعجمة وفيها من الصفات ما ذكره فى البيت الأوّل وهو جهر ورخو وانفتاح صفاتها ومستفل وعرف ذلك وغيره من ضد ما ذكره والله أعلم وقوله فهذا مع التوفيق كاف أى فهذا الذى ذكرته إذا وفق الله من عرفه يكفيه فى هذا العلم ومحصلا مفعول كاف أى يكفى الطالب المشتغل المحصل ويجوز أن يكون حالا من الضمير فى كاف أى فى حال كونه محصلا لغرض الطالب محتويا عليه.
1160 [وقد وفّق الله الكريم بمنّه
لإكمالها حناء ميمونة الجلا]
المنّ الانعام وحسناء ميمونة حالان ومعنى ميمونة الجلا مباركة البروز أى كما ظهرت للناس كانت مباركة الطلعة وقد صدق رضي الله عنه فإن بركتها عمت كل من حفظها وأتقنها ولو لم يكن إلا كثرة الفوائد الحاصلة من ناظمها:
1161 [وأبياتها ألف تزيد ثلاثة
ومع مائة سبعين زهرا وكمّلا]
فاعل تزيد ضمير راجع إلى الأبيات لا إلى الألف فإن الألف تذكر وثلاثة نصب على التمييز وسبعين عطف عليه والتقدير وتزيد أيضا سبعين مع مائة فصار المجموع ألفا ومائة وثلاثة وسبعين وزهرا وكملا حالان من الضمير فى تزيد الراجع إلى الأبيات أى هى زاهرة كاملة يعنى مضيئة كاملة الأوصاف ويجوز أن يكونا صفتين للتمييز أى تزيد أبياتها على الألف أبياتا زاهرة وكاملة والوجه الأوّل أولى لأنه أعم وصفا لأنه يفيد وصف الجمع بخلاف الوجه الثانى:
1162 [وقد كسيت منها المعانى عناية
كما عريت عن كلّ عوراء مفصلا]
اثنى فى هذا البيت على معانيها وألفاظها فنصب عناية على أنه مفعولى كسيت أى أنه اعتنى بها فجاءت شريفة المعانى حسنة المبانى وقابل بين الكسوة والعرى فقال كسبت معانيها عناية وعريت فى التعبير عنها عن كل جملة عورا أى لا تنبئ عن المعنى المقصود فهى ناقصة معينة ونصب مفصلا على التمييز بها أى عن كل جملة عابت مفصلا والمفصل العضو أى عن كل ما قبح مفصله ويجوز أن يكون فاعل عريت ضميرا عائدا على القصيدة ومفصلا تمييز منه، أى كما عريت مفاصلها عن العيوب وعنى بذلك القافية أو جميع أجزاء القصيدة جعلها عروسا حسناء ميمونة الجلوة منزهة المفاصل عن العيوب على طولها وصعوبة مسلكها قال الشيخ رحمه الله وغيره: ينظم أرجوزة يعنى على قواف شتى فيضطره النظم إلى أن يأتى فى قوافيها ومقاطعها وأجزائها بما تمجه الاسماع.
1163 [وتمّت بحمد الله فى الخلق سهلة
منزّهة عن منطق الهجر مقولا]
سهولة خلقها انقيادها لمن طلبها أى إن كل أحد ينقل منها القراءات إذا عرف رموزها من غير صعوبة ولا كلفة ونصب سهلة ومنزهة على الحال ومقولا تمييز وهو اللسان والهجر الفحش أى ليس فيها كلمة قبيحة يستحيى من سماعها.
1164 [ولكنّها تبغى من النّاس كفؤها
أخائفة يعفو ويغضى تجمّلا]
الكفؤ المماثل وأ خائفة صفة للكفؤ أو بدل منه والإغضاء الستر ونصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها ويقف ويقضى عن الازدراء لما لا بدّ للبشر منه قال الله تعالى {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم وحينئذ يرى فيها من الفوائد والغرائب ما يغضى معه عن شيء يراه ولا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه فى مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته فى العلم، ذلك والمعاملة مع الله سبحانه والأعمال بالنيات سهل الله تعالى لمن يقف على كلامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن زمان قد فسد وكثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد والمستعان عليهم ربنا الواحد الصمد.(2/756)
1164 [ولكنّها تبغى من النّاس كفؤها
أخائفة يعفو ويغضى تجمّلا]
الكفؤ المماثل وأ خائفة صفة للكفؤ أو بدل منه والإغضاء الستر ونصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها ويقف ويقضى عن الازدراء لما لا بدّ للبشر منه قال الله تعالى {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم وحينئذ يرى فيها من الفوائد والغرائب ما يغضى معه عن شيء يراه ولا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه فى مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته فى العلم، ذلك والمعاملة مع الله سبحانه والأعمال بالنيات سهل الله تعالى لمن يقف على كلامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن زمان قد فسد وكثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد والمستعان عليهم ربنا الواحد الصمد.
1165 [وليس لها إلّا ذنوب وليّها
فيا طيّب الأنفاس أحسن تأوّلا]
وليها أى ناظمها أى أنها لما تكاملت صفات حسنها يعرو مفاصلها عن كل عوراء وكونها سهلة الخلق واعتنى بمعانيها ابتغت عند ذلك كفؤا يصلح للاتصال بها فما فيها ما يمنع الكفؤ منها إلا ذنوب وليها المتولى أمرها وكل هذه استعارات حسنة ملائم بعضها لبعض يعنى أن صد الناس عنها أمر فما هو إلا ما يعلمه وليها فى نفسه وإنما قال ذلك رحمه الله تواضعا لله والمؤمن يهجم نفسه بين يدى الله تعالى ويعترف بتقصيره فى طاعته ولو بلغ منها ما بلغ وإلا فوليها رحمه الله كان أحد أولياء الله تعالى وقد لقيت جماعة من أصحابه مشايخ أئمة أكابر فى أعيان هذه الأمة بمصر والشام وكلهم يعتقد فيه ذلك وأكثر منه مع إجلال له وتعظيم وتوقير حتى حملنى ذلك منهم على أن قلت:
لقيت جماعة فضلاء فازوا ... بصحبة شيخ مصر الشاطبى رحمه الله
وكلهم يعظمه كثيرا ... كتعظيم الصحابة للنبى
وكأنه رحمه الله أشار بقوله فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا إلى ذلك أى احمل كلامى على أحسن محامله وهو ما حملناه عليه من التواضع وهو كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وليت عليكم ولست بخيركم وكقول عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه فى خطبته بعد ما وعظ وذكر أما أنى أقول لكم ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندى أو كما قال وكان الناظم يقول الغرض بها أن ينفع الله بها عباده وينفع بالتعب عليها قائلها فإذا كان مذنبا عاصيا خشى أن يحمد الله علمه فلا ينتفع به أحد ثم إنه رحمه الله قال فيما أخبرنى عنه شيخنا أبو الحسن وغيره لا يقرأ أحد قصيدتى هذه إلا وينفعه الله تعالى بها لأنى نظمتها لله وتأولا مفعول أحسن أو تمييز كما تقول طب نفسا وقر عينا لتطيب نفسك ولتقر عينك وليحسن تأويلك للكلام وذلك بحمله على أحسن محامله.
1166 [وقل رحم الرّحمن حيّا وميّتا
فتى كان للإنصاف والحلم معقلا]
فتى مفعول رحم وحيا وميتا حالان منه متقدمان عليه وهذا اللفظ وجدته للإمام أبى عبد الله أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبى إياس يعظه ويقوى نفسه على الصبر فى أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا وميتا يعنى آدم ذكره الخطيب أبو بكر فى تاريخه فى ترجمة آدم ثم وصف المفتى بقوله للإنصاف والحلم معقلا أى حصنا
أو موضعا لعقل الانصاف والحلم وقد حمل الشيخ وغيره هذا البيت على أن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك فاستبعدت ذلك من جهة أنه غير ملائم لتواضعه بقوله وليس لها إلا ذنوب وليها ولا هو مناسب لطلب الترحم عليه فإن اللائق أن يقال اللهم ارحم عبدك الفقير إليك وهو ذلك فيما إذا أريد به شخص معين ولا نزكى ذلك الشخص أما إذا كان الدعاء لعموم من اتصف بتلك الصفة فإنه سائغ نحو اللهم ارحم أهل الحلم والكرم والعلم فاستنبطت له وجهين آخرين: أحدهما أنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته لأنه ندب إلى الاتصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخا ثقة يعفو ويغضى نجملا وبقوله:(2/757)
1166 [وقل رحم الرّحمن حيّا وميّتا
فتى كان للإنصاف والحلم معقلا]
فتى مفعول رحم وحيا وميتا حالان منه متقدمان عليه وهذا اللفظ وجدته للإمام أبى عبد الله أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبى إياس يعظه ويقوى نفسه على الصبر فى أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا وميتا يعنى آدم ذكره الخطيب أبو بكر فى تاريخه فى ترجمة آدم ثم وصف المفتى بقوله للإنصاف والحلم معقلا أى حصنا
أو موضعا لعقل الانصاف والحلم وقد حمل الشيخ وغيره هذا البيت على أن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك فاستبعدت ذلك من جهة أنه غير ملائم لتواضعه بقوله وليس لها إلا ذنوب وليها ولا هو مناسب لطلب الترحم عليه فإن اللائق أن يقال اللهم ارحم عبدك الفقير إليك وهو ذلك فيما إذا أريد به شخص معين ولا نزكى ذلك الشخص أما إذا كان الدعاء لعموم من اتصف بتلك الصفة فإنه سائغ نحو اللهم ارحم أهل الحلم والكرم والعلم فاستنبطت له وجهين آخرين: أحدهما أنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته لأنه ندب إلى الاتصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخا ثقة يعفو ويغضى نجملا وبقوله:
فيا طيب الأنفاس أحسن تأوّلا
فكأنه قال وقل رحم الله من كان بهذه الصفة ثم قال عسى الله يدنى سعيه أى سعى وليها المذكور فى قوله وليس لها إلا ذنوب وليها فيكون الابتداء ترج منه أو يكون داخلا فى المقول أى قل هذا وهذا أى ادع لمن اتصف بتلك الصفة وادع لناظم القصيدة ووليها: الوجه الثانى أن يكون المأمور به فى قوله وقل البيت الآخر وهو عسى الله يدنى سعيه أى قل ذلك وترجه من الله تعالى ويكون قوله رحم الرحمن حيا وميتا دعاء من المصنف لمن اتصف بهذه الصفات وهو كلام معترض بين فعل الأمر والمأمور به وكلاهما وجه حسن.
1167 [عسى الله يدنى سعيه بجواره
وإن كان زيفا غير خاف مزلّلا]
يدنى أى يقرب سعيه أى ما سعى له من عمل البر بجوازه أى بأن يجعله جائزا فلا يرده بل يتقبله على ما فيه من الخلل فأومأ إلى ذلك بقوله وإن كان زيفا أى رديئا يقال للدرهم الردىء زيف وزائف وأراد بقوله غير خاف أى زيفه ظاهر لا يخفى على من له بصيرة بالأعمال الصالحة ومزللا مثل زيفا يقال زلت الدراهم أى نفقت فى الوزن فمزلل بمعنى منقوص هذا كله إن كان اسم كان ضميرا عائدا على السعى وإن عاد على الناظم صاحب السعى فالمعنى أنها منسوب إلى الزلل والزلة الخطيئة وكل ما ذكرناه على أن تكون الهاء فى بجوازه للسعى ويجوز أن تكون للساعى أى يدنى سعيه بأن يجوّز وليه الصراط يقال جزت الموضع أجوزه جوازا إذا سلكته فالمصدر فى بجوازه مضافا إلى فاعله ويجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله على أن يكون من الجواز بمعنى السقى أى لسقيه من الحوض يوم العطش الأكبر أى يكون ذلك من علامة إدناء سعيه وتقريبه وقبوله جعلنا الله كذلك آمين.
1168 [فيا خير غفّار ويا خير راحم
ويا خير مأمول جدّا وتفضّلا]
الجد بالقصر العطية وبالمد الغنا والنفع فيجوز أن يكون قصر الممدود وهو تفضلا منصوبان على التمييز.
1169 [أقل عثرتى وانفع بها وبقصدها
حنانيك يا الله يا رافع العلا]
العبرة الزلة والإقالة منها الخلاص من تبعها وانفع بها أى بهذه القصيدة من طلب النفع بها وبقصدها يعنى
من قصد الانتفاع بها وإن لم يقو عليها فانفعه بقصده ويدخل الناظم فى هذا الدعاء لأنه قصد نظمها ونفع الناس بها وقد حقق الله رجاءه واستجاب دعاءه ثم قال حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى وهذا أحد المصادر التى جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك وسعديك والمراد بها المداومة والكثرة أى تحنن علينا تحننا بعد تحنن وقطع همزة اسم الله فى النداء جائز تفخيما له واستعانة به على مد حرف النداء مبالغة فى الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله يا رافع العلا أى يا رافع السموات العلى كما قال تعالى {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمََاوََاتِ الْعُلى ََ}
1170 [وآخر دعوانا بتوفيق ربّنا
أن الحمد لله الّذى وحده علا]
ختم دعاءه بالحمد كما قال الله تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا الله بكرمه منهم {وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} فالباء فى بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب أى إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق ربنا لاتباع هذه السنة التى لأهل الجنة.(2/758)
1169 [أقل عثرتى وانفع بها وبقصدها
حنانيك يا الله يا رافع العلا]
العبرة الزلة والإقالة منها الخلاص من تبعها وانفع بها أى بهذه القصيدة من طلب النفع بها وبقصدها يعنى
من قصد الانتفاع بها وإن لم يقو عليها فانفعه بقصده ويدخل الناظم فى هذا الدعاء لأنه قصد نظمها ونفع الناس بها وقد حقق الله رجاءه واستجاب دعاءه ثم قال حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى وهذا أحد المصادر التى جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك وسعديك والمراد بها المداومة والكثرة أى تحنن علينا تحننا بعد تحنن وقطع همزة اسم الله فى النداء جائز تفخيما له واستعانة به على مد حرف النداء مبالغة فى الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله يا رافع العلا أى يا رافع السموات العلى كما قال تعالى {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمََاوََاتِ الْعُلى ََ}
1170 [وآخر دعوانا بتوفيق ربّنا
أن الحمد لله الّذى وحده علا]
ختم دعاءه بالحمد كما قال الله تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا الله بكرمه منهم {وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} فالباء فى بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب أى إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق ربنا لاتباع هذه السنة التى لأهل الجنة.
1171 [وبعد صلاة الله ثمّ سلامه
على سيّد الخلق الرضا متنخّلا]
أى وبعد تحميد الله تعالى وذكره فنصلى ونسلم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقوله صلاة الله ثم سلامه مبتدأ وخبره على سيد الخلق أى حالان عليه والرضى نعت أى المرتضى ومتنخلا نصب على الحال أى مختارا ثم بينه فقال.
1172 [محمّد المختار للمجد كعبة
صلاة تبارى الرّيح مسكا ومندلا]
محمد عطف بيان وكعبة ثانى مفعولى المختار لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام والتقدير الذى اختير كعبة واللام فى للمجد يجوز أن تكون للتعليل أى اختير كعبة تؤمّ وتقصد من أجل المجد الحاصل له فى الدارين ويجوز أن تكون من تتمة قوله كعبة أى كعبة للمجد أى لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة وقول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج اليه ويقصد من أجل كرمه كالكعبة وهذه المعانى كلها موجودة فى المصطفى صلّى الله عليه وسلم وصلاة نصب على المصدر أى أصلى صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح لأن ما تقدم من قوله صلاة الله يغنى عن هذا التقدير ومعنى تبارى الريح تعارضها وتجرى جريها فى العموم والكثرة ومسكا ومندلا حالان أى ذات مسك ومندل وهو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها والطيب يكنى به عن الثناء الحسن ويجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخا. أى يجرى سخاوة جريها وتعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها والريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح فى حالة الطيب من الجهتين
1173 [وتبدى على أصحابه نفحاتها
بغير تناه زرنبا وقرنفلا]
أى وتشهر هذه الصلاة على أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم ورضى عنهم نفحاتها بغير تناه أى لا نهاية لها ولا تناهى لإصابتها إياهم أى دائمة سرمدية وزرنبا وقرنفلا حالان أى مشبهة ذلك وهذا مما يقوى أن مسكا ومندلا فى البيت السابق أيضا حالان فالقرنفل معروف والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة كرائحة الأترج ورقه كورق الطرفاء وقيل كورق الخلاف وفى حديث أم زرعة «زوجى المس مس أرنب والريح ريح زرنب» وقال الشاعر:(2/759)
1172 [محمّد المختار للمجد كعبة
صلاة تبارى الرّيح مسكا ومندلا]
محمد عطف بيان وكعبة ثانى مفعولى المختار لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام والتقدير الذى اختير كعبة واللام فى للمجد يجوز أن تكون للتعليل أى اختير كعبة تؤمّ وتقصد من أجل المجد الحاصل له فى الدارين ويجوز أن تكون من تتمة قوله كعبة أى كعبة للمجد أى لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة وقول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج اليه ويقصد من أجل كرمه كالكعبة وهذه المعانى كلها موجودة فى المصطفى صلّى الله عليه وسلم وصلاة نصب على المصدر أى أصلى صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح لأن ما تقدم من قوله صلاة الله يغنى عن هذا التقدير ومعنى تبارى الريح تعارضها وتجرى جريها فى العموم والكثرة ومسكا ومندلا حالان أى ذات مسك ومندل وهو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها والطيب يكنى به عن الثناء الحسن ويجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخا. أى يجرى سخاوة جريها وتعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها والريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح فى حالة الطيب من الجهتين
1173 [وتبدى على أصحابه نفحاتها
بغير تناه زرنبا وقرنفلا]
أى وتشهر هذه الصلاة على أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم ورضى عنهم نفحاتها بغير تناه أى لا نهاية لها ولا تناهى لإصابتها إياهم أى دائمة سرمدية وزرنبا وقرنفلا حالان أى مشبهة ذلك وهذا مما يقوى أن مسكا ومندلا فى البيت السابق أيضا حالان فالقرنفل معروف والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة كرائحة الأترج ورقه كورق الطرفاء وقيل كورق الخلاف وفى حديث أم زرعة «زوجى المس مس أرنب والريح ريح زرنب» وقال الشاعر:
بأبى أنت وقول الأشيب ... كأنما زر عليه الزرنب
أو زنجبيل وهو عندى أطيب والزرنب والقرنفل دون المسك والمندل من الطيب فحسن تشبيه الصلاة على الصحابة بذلك لأنهم فى الصلاة تبع للنبى صلّى الله عليه وسلم فلهذا أصابتهم نفحاتها وبركاتها رضي الله عنهم وأرضاهم آمين آمين آمين، وقد تم الكتاب والحمد لله رب العالمين.(2/760)
بأبى أنت وقول الأشيب ... كأنما زر عليه الزرنب
أو زنجبيل وهو عندى أطيب والزرنب والقرنفل دون المسك والمندل من الطيب فحسن تشبيه الصلاة على الصحابة بذلك لأنهم فى الصلاة تبع للنبى صلّى الله عليه وسلم فلهذا أصابتهم نفحاتها وبركاتها رضي الله عنهم وأرضاهم آمين آمين آمين، وقد تم الكتاب والحمد لله رب العالمين.
فهرس كتاب إبراز المعانى
صحيفة 3خطبة الكتاب بيان من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بيان أسماء أئمة القراءات بالأمصار الخمسة بيان ضابط تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح 6فصل فى ذكر القراء السبعة 12بعض ما جاء فى فضائل القرآن العزيز وفضل قراءته 23بيان القراء السبعة ورواتهم وأخبارهم 34بيان الرموز التى يشير بها الناظم إلى القراء السبعة ورواتهم 39بيان اصطلاح الناظم فى التعبير عن أوجه الخلاف 61باب الاستعاذة 64باب البسملة 68سورة أم القرآن 76باب الإدغام الكبير باب إدغام الحرفين المتقاربين فى كلمة وفى 87كلمتين 102باب هاء الكناية 113باب المد والقصر 126باب الهمزتين من كلمة 140باب الهمزتين من كلمتين صحيفة 147باب الهمز المفرد 155باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها 165باب وقف حمزة وهشام على الهمز 183باب الإظهار والادغام 186ذكر ذال إذ 187ذكر دال قد 188ذكر تاء التأنيث 190ذكر لام «هل» و «بل» 192باب اتفاقهم فى إدغام إد وقد وتاء التأنيث وهل وبل 195باب حروف قربت مخارجها 201باب أحكام النون الساكنة والتنوين 203باب الفتح والإمالة وبين اللفظين 242باب مذهب الكسائى فى إمالة هاء التأنيث فى الوقف 248باب الراءات 261باب اللامات 266باب الوقف على أواخر الكلم 273باب الوقف على مرسوم الخط 282باب مذاهبهم فى ياءات الإضافة 304باب مذاهبهم فى الزوائد 319باب فرش الحروف 319سورة البقرة
صحيفة 381سورة آل عمران 410 «النساء 426 «المائدة 438 «الأنعام 471 «الأعراف 489 «الانفال 497 «التوبة 503 «يونس عليه السلام 513 «هود «» 531 «يوسف «» 541 «الرعد 549 «إبراهيم 555 «الحجر 557 «النحل 561 «الإسراء 566 «الكهف 581 «مريم عليها السلام 587 «طه 598 «الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 603 «الحج 608 «المؤمنون 612 «النور 617 «الفرقان 621 «الشعراء 625 «النمل صحيفة 336سورة القصص 636 «العنكبوت 640ومن سورة الروم إلى سورة سبأ 651سورة سبأ وفاطر 658 «يس 662 «والصافات 667 «ص 669 «الزمر 671 «غافر 674 «فصلت 675 «الشورى والزخرف والدخان 683 «الشريعة والأحقاف 687ومن سورة محمد صلّى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن عز وجل 694سورة الرحمن عز وجل 697 «الواقعة والحديد 699ومن سورة المجادلة إلى سورة ن آ 705ومن سورة ن إلى سورة القيامة 713ومن سورة القيامة إلى سورة النبأ 718ومن سورة النبأ إلى سورة العلق 726ومن سورة العلق إلى آخر القرآن 730باب التكبير باب مخارج الحروف وصفاتها(2/761)
صحيفة 3خطبة الكتاب بيان من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بيان أسماء أئمة القراءات بالأمصار الخمسة بيان ضابط تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح 6فصل فى ذكر القراء السبعة 12بعض ما جاء فى فضائل القرآن العزيز وفضل قراءته 23بيان القراء السبعة ورواتهم وأخبارهم 34بيان الرموز التى يشير بها الناظم إلى القراء السبعة ورواتهم 39بيان اصطلاح الناظم فى التعبير عن أوجه الخلاف 61باب الاستعاذة 64باب البسملة 68سورة أم القرآن 76باب الإدغام الكبير باب إدغام الحرفين المتقاربين فى كلمة وفى 87كلمتين 102باب هاء الكناية 113باب المد والقصر 126باب الهمزتين من كلمة 140باب الهمزتين من كلمتين صحيفة 147باب الهمز المفرد 155باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها 165باب وقف حمزة وهشام على الهمز 183باب الإظهار والادغام 186ذكر ذال إذ 187ذكر دال قد 188ذكر تاء التأنيث 190ذكر لام «هل» و «بل» 192باب اتفاقهم فى إدغام إد وقد وتاء التأنيث وهل وبل 195باب حروف قربت مخارجها 201باب أحكام النون الساكنة والتنوين 203باب الفتح والإمالة وبين اللفظين 242باب مذهب الكسائى فى إمالة هاء التأنيث فى الوقف 248باب الراءات 261باب اللامات 266باب الوقف على أواخر الكلم 273باب الوقف على مرسوم الخط 282باب مذاهبهم فى ياءات الإضافة 304باب مذاهبهم فى الزوائد 319باب فرش الحروف 319سورة البقرة
صحيفة 381سورة آل عمران 410 «النساء 426 «المائدة 438 «الأنعام 471 «الأعراف 489 «الانفال 497 «التوبة 503 «يونس عليه السلام 513 «هود «» 531 «يوسف «» 541 «الرعد 549 «إبراهيم 555 «الحجر 557 «النحل 561 «الإسراء 566 «الكهف 581 «مريم عليها السلام 587 «طه 598 «الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 603 «الحج 608 «المؤمنون 612 «النور 617 «الفرقان 621 «الشعراء 625 «النمل صحيفة 336سورة القصص 636 «العنكبوت 640ومن سورة الروم إلى سورة سبأ 651سورة سبأ وفاطر 658 «يس 662 «والصافات 667 «ص 669 «الزمر 671 «غافر 674 «فصلت 675 «الشورى والزخرف والدخان 683 «الشريعة والأحقاف 687ومن سورة محمد صلّى الله عليه وسلم إلى سورة الرحمن عز وجل 694سورة الرحمن عز وجل 697 «الواقعة والحديد 699ومن سورة المجادلة إلى سورة ن آ 705ومن سورة ن إلى سورة القيامة 713ومن سورة القيامة إلى سورة النبأ 718ومن سورة النبأ إلى سورة العلق 726ومن سورة العلق إلى آخر القرآن 730باب التكبير باب مخارج الحروف وصفاتها(2/762)