فهرست المقدّمة
بين يدى الكتاب.
3 - تصدير.
6 - ترجمة الإمام الشاطبى.
7 - الشيخ شهاب الدين أبو شامة.
8 - مؤلفاته.
9 - درر تتعلق بالعلم وطلبه.
9 - الدرة الأولى: فيما يتعلق بطالب العلم فى نفسه ومع شيخه.
12 - الدرة الثانية: فى حد القراءات والمقرئ والقارئ.
13 - الدرة الثالثة: شروط المقرئ وما يجب عليه.
16 - الدرة الرابعة: فيما ينبغى للمقرئ أن يفعله.
17 «الخامسة: فى قدر ما يسمع وما ينتهى إليه سماعه 18 «السادسة: فى ما يقرأ به.
19 «السابعة: فى الإقراء والقراءة فى الطريق.
20 «الثامنة: فى حكم الأجرة على الإقراء إلخ.
22 «التاسعة: تدوين القراءات.
22 - من كتب القراءات وأنواعها ومناهجها.
23 - الشاطبية وبعض شرّاحها.
26 - مصادر التحقيق ومراجعه.(1/2)
26 - مصادر التحقيق ومراجعه.
بين يدى الكتاب تصدير
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذى أكرمنا بكتابه المنزل، وشرفنا نبيه المرسل، أحمده على ما ولانا من مننه، وخصنا به من جزيل نعمه، حمدا كثيرا طيبا مباركا.
وأشهد أن لا إله إلا الله، أضاء بالقرآن القلوب، سبحانه أنزله بأجزل لفظ وأعذب أسلوب.
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله المطهر من الذنوب.
وصلّى الله على سيدنا محمد نبى الرحمة ومبلغ الحكمة وشفيع الأمة وعلى أهله وسلم تسليما.
وبعد:
فلا يعزب عن ذوى الألباب أن علم قراءة القرآن أقدم العلوم فى الإسلام نشأة وعهدا، وأشرفها منزلة ومحتدا، حيث إن أول ما تعلّمه الصحابة من علوم الدين كان حفظ القرآن وقراءته.
ثم لما اختلف الناس فى قراءة القرآن وضبط ألفاظه مسّت الحاجة إلى علم يميّز به الصحيح المتواتر والشاذ النادر. ويتقرر به ما يسوغ القراءة به وما لا يسوغ. وقاية لكلماته من التحريف، ودفعا للخلاف بين أهل القرآن، فكان ذلك العلم علم القراءة الذى تصدّر لتدوينه الأئمة الأعلام من المتقدمين.
والحق أن تدوين علم القراءات أفاد المسلمين فائدة لم تحظ بها أمة سواهم، وذلك أن البحث فى مخارج الحروف، والاهتمام بضبطها على وجوهها الصحيحة، ليتيسر تلاوة كلمات القرآن على أفصح وجه وأبينه، كان من أبلغ العوامل فى عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى، وأسرارها وكانت ثمرة هذا الاهتمام والجهد أن القرّاء تشربوا بمزايا اللغة العربية وقواعدها ودقائقها.
ومما يؤيد ذلك أن الكثيرين من قدماء النحويين ك «الفراء» «والخليل بن أحمد الفراهيدى»
و «سيبويه» و «ابن كيسان» و «المبرد» و «الجرمى» وغيرهم، كانوا مبرّزين فى علم القراءات، كما كان الكثيرون من أئمة القراء ك «أبى عمرو بن العلاء» و «علىّ الكسائى» بارعين فى علم النحو.(1/3)
ومما يؤيد ذلك أن الكثيرين من قدماء النحويين ك «الفراء» «والخليل بن أحمد الفراهيدى»
و «سيبويه» و «ابن كيسان» و «المبرد» و «الجرمى» وغيرهم، كانوا مبرّزين فى علم القراءات، كما كان الكثيرون من أئمة القراء ك «أبى عمرو بن العلاء» و «علىّ الكسائى» بارعين فى علم النحو.
هذا. فكل من يتصدى للنظر فى تاريخ اللغة العربية، والقضايا التى تتناولها كتب النحويين، أو للبحث فى تنوع اللغات واختلافها، بحسب الأقطار والأمصار، ينبغى له أن يتتبع علم القراءات والتجويد.
ومن شرع فى درس معانى القرآن واستقصاء لطائفه واستخراج حقائقه، ثم اعتمد على القراءة الوحيدة التى يجدها فى المصحف الذى بين يديه فقط، من غير التفات إلى روايات الأئمة الآخرين، فقد غفل عن أمر ذى بال، هو: أنه لا فضل لإحدى الروايات على الأخرى فى الصحة فترجّح رواية على رواية.
هذا
ولقد منّ الله على شخصى الضعيف إذ أعاننى على تحقيق وتقديم كتاب (إبراز المعانى من حرز الأمانى) فى القراءات السبع، الذى صنّفه الإمام الكبير «عبد الرحمن بن إسماعيل» المعروف بأبى شامة الدمشقى، وهو يعتبر ولا غرو من أنفع الكتب فى هذا العلم، ويعدّ من أجلّ التصانيف وألطفها، إذ امتاز عن غيره مع سبقه وتقدمه بالتصدى لبيان توجيه القراءات من لغة العرب، واهتمامه بقضايا الإعراب، وتفرده رحمه الله بإصلاح ما عنّ له إصلاحه من أبيات القصيد المبارك، استجابة منه لقول الناظم (وليصلحه من جاد مقولا) كما اهتم بنظم ياءات الزوائد فى نهاية كل سورة من سور القرآن.
ولقد أحسن وأجاد، وأتقن وأفاد، حيث صنّف هذا الكتاب على نحو يقرب تناوله، ويسهل فهمه، ويخفف درسه، إذ خلا من الإفراط الممل، ونأى عن التفريط المخل.
وقد شغفت بأبى شامة حينما قرأت كتابه هذا، وحرصت جد الحرص على دراسته بإرادة قوية، وهمة فتية، ونفس طلعة، وكنت كلما عاودت مطالعته وأطلت التأمل فيه بدت لى روعته، وتجلت دقته، فما من موضوع أتناوله بالبحث والتمحيص، إلّا وجدت أضواء التحقيق تشرق من سماء عباراته، وأريج التدقيق يعبق من رياض أساليبه.
فلا عجب أن تظل كتبه الدوحة التى يتفيأ فى ظلالها الدارسون للقرآن والقراءات، والمنارة التى يهتدى بها الغائصون على درر الوجوه والروايات.
وإنى إذ أقدمه إلى القراء: أرجو الله أن يحقق ما إليه قصدت، وفيه رغبت ويعلم الله مدى ما بذلت فيه من جهد. وما أنفقت من وقت، وما تقاضى من مشاق، وحسبى أنها خالصة لوجه الله، وفى سبيل الله.
وقد امتازت هذه الطبعة الجديدة بجمال الفسيق، مع ما أضفت إليها مع درر ثمينة، وفوائد مهمة جليلة، جعلتها بين يدى الكتاب.(1/4)
وإنى إذ أقدمه إلى القراء: أرجو الله أن يحقق ما إليه قصدت، وفيه رغبت ويعلم الله مدى ما بذلت فيه من جهد. وما أنفقت من وقت، وما تقاضى من مشاق، وحسبى أنها خالصة لوجه الله، وفى سبيل الله.
وقد امتازت هذه الطبعة الجديدة بجمال الفسيق، مع ما أضفت إليها مع درر ثمينة، وفوائد مهمة جليلة، جعلتها بين يدى الكتاب.
أرجو الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به فى الدنيا والآخرة، إنه نعم المولى ونعم النصير.
إبراهيم عطوة عوض القاهرة غرة ربيع الأول سنة 1402هـ موافق 27ديسمبر سنة 1891م(1/5)
إبراهيم عطوة عوض القاهرة غرة ربيع الأول سنة 1402هـ موافق 27ديسمبر سنة 1891م
ترجمة الإمام الشاطبى رضي الله عنه
هو ولى الله: أبو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرعينى الشاطبي (1)، نسبة إلى شاطبة [قرية «بجزيرة الأندلس»].
كان رحمه الله تعالى إماما فى علوم القرآن، ناصحا لكتاب الله تعالى، متقنا لأصول العربية، رحلة فى الحديث، تضبط نسخ الصحيحين من لفظه، غاية فى الذكاء، حاذقا فى تعبير الرؤيا، مجيدا فى النظم، متواضعا لله تعالى، قدوة فى الصلاح، ذا بصيرة صافية، يلوح منه الكرامات.
كان يعذل أصحابه على أشياء ما اطلع عليها، وسمع الأذان بجامع مصر من غير المؤذنين مرارا، وكان محفوظ اللسان، يمنع جلساءه من فضول الكلام، لا يجلس للإقراء إلا متطهرا، خاشعا لله تعالى، له تصانيف حسنة، فمن نظمه قصيدة دالية، فى كتاب التمهيد لابن عبد البر، من فهمها أحاط بالكتاب علما.
ومنه: بكى النّاس قبلى، لا كمثل مصائبى ... بدمع مطيع كالسحاب الصوائب
ومنه: يلوموننى إذا ما وجدت ملايما ... ومالى مليم حين سمت الأكادما
ومنه فى ظاءات القرآن العظيم
ومن نظمه: رائيّته فى الرسم فائقة، وراءيته فى العدد، وواسطة عقد تصانيفه القصيد الذى ساد فى الأمصار، وتلقاه بالقبول علماء الأعصار.
أخذ القراءة عن الشيخ الإمام أبى الحسن على بن هذيل، عن أبى داود سليمان بن أبى القاسم الأموى، عن الإمام أبى عمرو الدانى، وعن الشيخ أبى عبد الله محمد بن العاصى النّفزى، عن الشيخ أبى عبد الله محمد ابن الحسن، عن أبى الحسن على بن عبد الرحمن الأنصارى، وعن أبى داود سليمان الأموى على الشيخ أبى عمرو الدانى، رحمهم الله تعالى.
ولد آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بمصر عصر الأحد آخر جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة ودفن بمقبرة البيسانى. [عرفت الناحية بسارية] بسفح جبل المقطم.
قلت مرثيا له:
سقت سحب الرضوان طلّا ووابلا ... ثرى ضم شخص الشاطبى السّدد
إمام فريد بارع متورع ... صبور طهور ذو عفاف مؤيد
ذكا علمه، فاختاره الناس قدوة ... فكم عالم من دره متقلد
هنيئا ولى الله بالخلد ثاويا ... بعيش رغيد فى ظلال مؤبد.
__________
(1) غاية النهاية لابن جزى (طبقات القراء) والبداية والنهاية لابن كثير، وتذكرة الحفّاظ.(1/6)
الشيخ شهاب الدين أبو شامة
عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبى بكر بن عباس: أبو محمد وأبو القاسم المقدسى، ثم الدمشقى الشافعى المقرئ النحوى الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدّث الفقيه المؤرخ، المعروف بأبى شامة (1)
شيخ دار الحديث الأشرفية، ومدرس الركنية.
* مولده:
ولد سنة تسع وتسعين وخمس مائة وكمل القراءات وهو حدث.
* شيوخه:
الشيخ علم الدين السخاوى، وهو تلميذ الإمام الشاطبي، وروى الحروف عن أبى القاسم بن عيسى بالإسكندرية، وسمع الصحيح من داود بن ملاعب، وأحمد بن عبد الله السّلمى، وسمع مسند الشافعى من الشيخ موفق الدين المقدسى.
* وحبب إليه طلب الحديث سنة بضع وثلاثين وستمائة، فسمع أولا من كريمة، وأبى إسحاق بن الخشوعى، وطائفة، وأتقن علم اللسان، وبرع فى القراءات، وتفقه على الفخر بن عساكر، وابن عبد السلام، والسيف الآمدى، والشيخ موفق الدين بن قدامة.
تلاميذه:
وأخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين بن الكفرى، وحمد بن موفق اللبان، وأخذ عنه الحروف وشرح الشاطبية الشيخ شرف الدين أحمد بن سياح الفزارى، وإبراهيم بن فلاح الإسكندرانى.
مواهبه:
* وكان أوحد زمانه: كتب وألف، وصنف الكثير فى أنواع من العلوم.
* وكان مع براعته فى العلوم: متواضعا، تاركا للتكلف، ثقة فى العقل.
* وكان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة عرف بها.
* وكان ذا فنون كثيرة.
قال علم الدين البرزالى الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزارى: إنه كان يقول: بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة مرتبة الاجتهاد، وقد كان ينظم أشعارا فى أوقات، فمنها ما هو مستحلى، ومنها ما لا يستحلى. فالله يغفر له ولنا.
__________
(1) البداية والنهاية، وتذكرة الحفاظ، وطبقات القراء.(1/7)
وبالجملة: فلم يكن فى وقته مثله فى نفسه، وديانته، وعفته، وأمانته.
وفاته:
وكانت وفاته بسبب محنة، ألّبوا عليه، وأرسلوا إليه من اغتاله وهو بمنزل له بطواحين الأشنان.
وقد كان انهم برأى [الظاهر براءته منه].
وقد قال جماعة من أهل الحديث وغيرهم: إنه كان مظلوما. ولم يزل يكتب فى التاريخ حتى وصل إلى رجب من هذه السنة. فذكر أنه أصيب بمحنة فى منزله بطواحين الأشنان. وكان الذين قتلوه جاءوه قبلا فضربوه ليموت، فلم يمت. فقيل له: ألا تشتكى عليهم؟ فلم يفعل، وأنشأ يقول:
[قلت لمن قال ألا تشتكى ... ما قد جرى فهو عظيم جليل
يقيّض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحق، ويشفى الغليل
إذا توكلنا عليه كفى ... فحسبنا الله ونعم الوكيل]
ولكنهم عادوا إليه مرة ثانية، وهو فى المنزل المذكور، فقتلوه بالكلية، فى ليلة الثلاثاء تاسع عشر رمضان، سنة خمس وستين وستمائة رحمه الله ودفن من يومه بمقابر دار الفراديس، وباشر بعده مشيخة دار الحديث الأشرفية الشيخ محيى الدين النووى.
وفى هذه السنة كان مولد الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالى. وقد ذيل على تاريخ أبى شامة، لأن مولده فى سنة وفاته، فحذا حذوه، وسلك نحوه، ورتب ترتيبه، وهذّب تهذيبه.
فلله درّ الإمام أبى شامة قارئا، ومقرئا، ومؤلفا، وفقيها، ومحدثا، ومؤرخا، وحافظا، ومجتهدا.
مؤلفاته
له مؤلفات مفيدة، ومصنفات عديدة، منها:
1 - شرح كبير على حرز الأمانى لم يستكمل.
2 - إبراز المعانى من حزر الأمانى (وهو الذى بين أيدينا).
3 - كتاب الرد إلى الأمر الأول.
4 - اختصار تاريخ دمشق، فى مجلدات.
5 - كتاب فى المبعث.
6 - كتاب فى الإسراء.
7 - كتاب الروضتين فى الدولتين: النورية والصلاحية.
8 - الذيل على ذلك.
9 - كتاب إنكار البدع.(1/8)
9 - كتاب إنكار البدع.
الدرة الأولى فيما يتعلق بطالب العلم فى نفسه ومع شيخه
ينبغى لطالب العلم أن يلزم مع شيخه الوقار، والتأدب، والتعظيم، فقد قالوا: (بقدر إجلال الطالب العالم ينتفع الطالب بما يستفيد من علمه).
وإن ناظره فى علم فبالسكينة والوقار.
وينبغى أن يعتقد أهليته ورجحانه، فهو أقرب إلى انتفاعه به، ورسوخ ما يسمعه منه فى ذهنه.
وقد قالت السادة الصوفية: «من لم بر خطأ شيخه خيرا من صواب نفسه: لم ينتفع».
فيما يتعلق بطالب العلم.
وقد كان بعضهم إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء، وقال: «اللهم أستر عيب معلمى عنى، ولا تذهب بركة علمه منى».
وقال الشافعى رحمه الله تعالى:
«أول سطر كنت أتصفح الورقة بين يدى مالك تصفحا رقيقا. هيبة له، لئلا يسمع رقعها.
وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والإمام الشافعى ينظر إلىّ: هيبة له.
وعن الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه قال:
من حق المتعلم أن يسلّم على المعلم خاصة، ويخصه بالتحية. وأن يجلس أمامه، ولا يشير عنده بيده، ولا يغمزن بعينه غيره، ولا يقولن له: قال فلان خلاف قولك، ولا يغتاب عنده أحدا، ولا يساور فى مجلسه، ولا يأخذ بثوب، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يشبع من طول صحبته.
وقال بعضهم: كنت عند شريك رحمه الله تعالى، فأتاه بعض أولاد المهدى، فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه، فأقبل إلينا، ثم عاد فعاد مثل ذلك:
فقال: أتستخف بأولاد الخلفاء؟.
قال: لا، ولكن العلم أجل عند الله أن أصونه.
فجثى على ركبتيه.
فقال شريك. هكذا يطلب العلم.
وقالوا. من آداب المتعلم أن يتحرى رضى المعلم، وإن خالف رضى نفسه، ولا يفشى له سرا، وأن يرد
غيبته إذا سمعها، فإن عجز فارق ذلك المجلس، وأن لا يدخل عليه بغير إذن، وإن دخل جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم، وأن يدخل كامل الهيئة فارغ القلب من الشواغل، متطهرا متنظفا بسواك، وقص شارب وظفر، وإزالة رائحة كريهة، ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا، ولا يخص الشيخ بزيادة إكرام وكذلك يسلم إذا انصرف. ففي الحديث الأمر بذلك، ولا يتخطى رقاب الناس، ويجلس حيث انتهى به المجلس، إلا أن يصرح له الشيخ والحاضرون بالتقدم والتخطى، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يقيم أحدا من مجلسه، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلّا أن يكون فى ذلك مصلحة للحاضرين، بأن يقربه عن الشيخ، ويذاكره، فينتفع الحاضرون بذلك.(1/9)
وقالوا. من آداب المتعلم أن يتحرى رضى المعلم، وإن خالف رضى نفسه، ولا يفشى له سرا، وأن يرد
غيبته إذا سمعها، فإن عجز فارق ذلك المجلس، وأن لا يدخل عليه بغير إذن، وإن دخل جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم، وأن يدخل كامل الهيئة فارغ القلب من الشواغل، متطهرا متنظفا بسواك، وقص شارب وظفر، وإزالة رائحة كريهة، ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا، ولا يخص الشيخ بزيادة إكرام وكذلك يسلم إذا انصرف. ففي الحديث الأمر بذلك، ولا يتخطى رقاب الناس، ويجلس حيث انتهى به المجلس، إلا أن يصرح له الشيخ والحاضرون بالتقدم والتخطى، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك، ولا يقيم أحدا من مجلسه، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلّا أن يكون فى ذلك مصلحة للحاضرين، بأن يقربه عن الشيخ، ويذاكره، فينتفع الحاضرون بذلك.
ولا يجلس فى وسط الحلقة إلا لضرورة. ولا بين صاحبين إلا برضاهما، وإذا فسحا له قعد وضم، ويحترس فى القرب من الشيخ، ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة، وهذا بشرط أن لا يرتفع فى المجلس على أفضل منه، ويتأدب مع رفيقه وحاضرى المجلس. فإن التأدب معهم تأدب للشيخ، واحترام لمجلسه، ويعقد قعدة المتعلمين، لا قعدة المعلّمين، وذلك بأن يجثوا على ركبتيه كالمتشهد، غير أنه لا يضع يديه على فخذيه.
وليحذر من جعلى يده اليسرى خلف ظهره معتمدا عليها، ففي الحديث: «إنها قعدة المغضوب عليهم» [رواه أبو داود فى سننه].
ولا يرفع صوته رفعا بليغا، ولا يكثر الكلام، ولا يلتفت بلا حاجة بل يقبل على الشيخ مصغيا له، فقد جاءت الرواية: «حدّث الناس ما رموك بأبصارهم» أو نحوه.
ولا يسبقهم إلى شرح مسئلة أو جواب سؤال. إلا إن علم من حال الشيخ إيثارا، ليستدل به على علىّ فضيلة المتعلم، ولا يقرأ عنده حال اشتغال قلب الشيخ وملله، ولا يسأل عن شيء فى غير موضعه، إلا إن علم من حاله أنه لا يكرهه، ولا يلح فى السؤال إلحاحا مضجرا، وإذا مشى معه كان يمين الشيخ، ولا يسأله فى الطريق، فاذا وصل الشيخ إلى منزله فلا يقف قبالة بابه. كراهة أن يصادف خروج من يكره الشيخ اطلاعه عليه، ويغتنم سؤاله عن طيب نفسه وفراغه، ويتلطف فى سؤاله، ويحسن خطابه، ولا يستحى من السؤال عن ما أشكل عليه. بل يستوضحه أكمل استيضاح، فقد قيل:
من رق وجهه عند السؤال: ظهر نقصه عند اجتماع الرجال.
وعن الخليل بن أحمد. منزلة الجهل بين الحياء والأنفة.
وينبغى له إذا سمع الشيخ يقول مسئلة، أو يحكى حكاية وهو يحفظها أن يصغى إليها إصغاء من لا يحفظها إلا إذا علم من الشيخ إيثاره بأن المتعلم حافظ.
وينبغى أن لا يترك وظيفة الفروض مع مرض خفيف ونحوه، مما يمكن الجمع بينهما، ولا يسأل تعنتا ولا تعجيزا، فلا يستحق جوابا، ومن أهم حاله أن يحصل على الكتاب بشراء أو غيره، ولا يشتغل بنسخ كتاب أصلا، فان آفته ضياع الأوقات فى صناعة أجنبية عن تحصيل العلم، وركون النفس لها أكثر من ركونها لتحصيله، وقد قال بعض أهل الفضل.(1/10)
وينبغى له إذا سمع الشيخ يقول مسئلة، أو يحكى حكاية وهو يحفظها أن يصغى إليها إصغاء من لا يحفظها إلا إذا علم من الشيخ إيثاره بأن المتعلم حافظ.
وينبغى أن لا يترك وظيفة الفروض مع مرض خفيف ونحوه، مما يمكن الجمع بينهما، ولا يسأل تعنتا ولا تعجيزا، فلا يستحق جوابا، ومن أهم حاله أن يحصل على الكتاب بشراء أو غيره، ولا يشتغل بنسخ كتاب أصلا، فان آفته ضياع الأوقات فى صناعة أجنبية عن تحصيل العلم، وركون النفس لها أكثر من ركونها لتحصيله، وقد قال بعض أهل الفضل.
«أودّ لو قطعت يد الطالب إذا نسخ». فأما شيء يسير فلا بأس به، وكذا إذا دعاه إلى ذلك قلة ما بيده من الدنيا، وينبغى أن لا يمنع عارية كتاب لأهله، وقد ذمه السلف والخلف ذما كثيرا.
قال الزهرى، إياك وغلول الكتب، [وهو حبسها عن أصحابها].
وعن الفضيل: ليس من أهل الورع، ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ متاع رجل، وكتاب رجل فيحبسه عنه.
وقال رجل لأبى العتاهية: أعرنى كتابك؟
فقال: إنى أكره ذلك.
فقال: أما علمت أن المكارم موصولة بالمكاره، فأعاره.
فهذه نبذة من الآداب لمن اشتغل بهذا الطريق، ولا تستغن عن تذكرها لتكون معينة على تحصيل المرام والخروج من الظلام إلى النور، والله تعالى هو المنان، ذو الجود والإكرام.(1/11)
فهذه نبذة من الآداب لمن اشتغل بهذا الطريق، ولا تستغن عن تذكرها لتكون معينة على تحصيل المرام والخروج من الظلام إلى النور، والله تعالى هو المنان، ذو الجود والإكرام.
الدرة الثانية فى حد القراءات والمقرئ والقارئ
فالقراءات علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوّ الناقلة.
فخرج: اللغة، والنحو، والتفسير.
ثم إنّ ترجيح بعض وجوه القراءات على بعض، إنما هو باعتبار موافقة الأفصح، أو الأشهر، أو الأكثر من كلام العرب، وإلا فالقرآن واحد بالذات متفقه ومختلفه، لا تفاضل فيه.
وموضوع علم القراءات: كلمات الكتاب العزيز من الجهة المذكورة.
وفائدته: صيانته عن التحريف والتغيير، مع ما فيه من فوائد كثيرة، تبنى عليها الأحكام. ولم تزل العلماء تستنبط من كل حرف يقرأ به قارئ معنى لا يوجد فى قراءة الآخر.
فالقراءات حجة الفقهاء فى الاستنباط، ومحجتهم فى الاهتداء إلى سواء الصراط. مع ما فى ذلك من التسهيل على الأمة، وإظهار شرفها، وإعظام أجرها، من حيث إنهم يفرغون جهدهم فى تحقيق ذلك وضبطه، حتى مقادير المدّات، إلى غير ذلك.
والمقرئ: من علم بها أداء، ورواها مشافهة، فلو حفظ كتابا أمتنع إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه من شيوخه مشافهة، بها مسلسلا.
والقارئ المبتدئ: من أفرد إلى ثلاث روايات، والمنتهى من نقل منها أكثرها.(1/12)
والقارئ المبتدئ: من أفرد إلى ثلاث روايات، والمنتهى من نقل منها أكثرها.
الدرة الثالثة شروط المقرئ وما يجب عليه
شرطه: أن يكون: مسلما، مكلّفا، ثقة، مأمونا، ضابطا، خاليا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة.
أما إذا كان مستورا، وهو ظاهر العدالة، ولم تعرف عدالته الباطنة، فيحتمل أنه يضره كالشهادة.
والظاهر أنه لا يضره، لأن العدالة الباطنة تفسر معرفتها على غير الحكام. ففي اشتراطها حرج على غير الطلبة والعوام.
ويجب عليه أن يخلص النية لله تعالى فى كل ما يقربه إليه تعالى.
وعلامة المخلص ما قال ذو النون المصرى رحمه الله: «أن يستوى عنده المدح ولذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال فى الأعمال، واقتضاؤه ثواب الأعمال فى الآخرة.
وليحذر كل الحذر من: الرياء، والحسد، والحقد، واحتقار غيره، وإن كان دونه، والعجب وقلّ من يسلم منه.
وقد روى الكسائى أنه قال: صليت بالرشيد فأعجبتنى قراءتى، فغلطت فى آية ما أخطأ فيها صبيتى قط.
أردت أن أقول لعلهم يرجعون فقلت لعلهم يرجعين.
فو الله ما اجترأ هارون الرشيد أن يقول لى أخطأت، ولكنه لما سلّمت قال: يا كسائى، أى لغة هذه؟.
قلت: يا أمير المؤمنين: قد يعثر الجواد قال: أما، فنعم.
ومن هذا قال الشيخ محى الدين النووى رحمه الله.
وليحذر، من كراهة قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة ابتلى بها بعض المسلمين الجاهلين، وهى دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته بل هى حجة قاطعة على عدم إرادته وجه الله تعالى، وإلا لماكره ذلك، وقال لنفسه: إن أردت الطاعة فقد حصلت.
ويجب عليه قبل أن ينصّب نفسه للاشتغال بالقراءات أن يعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه، وتندب الزيادة حتى يرشد جماعته فى وقوع أشياء من أمر دينهم، ويعلم من الأصول ما يدفع به شبهة طاعن فى قراءة ومن النحو والصرف طرفا لتوجيه ما يحتاج إليه، بل هما أهمّ ما يحتاج إليه المقرئ. وإلا فخطؤه أكثر من أصابته، وما أحسن قول الإمام الحضرمى فيه شعرا:
لقد يدّعى علم القراءة معشر ... وباعهموا فى النّحو أقصر من شبر
فإن قيل: ما إعراب هذا ووجهه ... رأيت طويل الباع يقصر عن فتر
ويعلم من: اللغة والتفسير طرقا صالحا.(1/13)
لقد يدّعى علم القراءة معشر ... وباعهموا فى النّحو أقصر من شبر
فإن قيل: ما إعراب هذا ووجهه ... رأيت طويل الباع يقصر عن فتر
ويعلم من: اللغة والتفسير طرقا صالحا.
وأما معرفة الناسخ والمنسوخ فمن لوازم المجتهدين، فلا يلزم المقرئ، خلافا للجعبرى.
ويلزم حفظ كتاب يشتمل على القراءة التى يقرأ بها. وإلّا داخله الوهم والغلط فى الإسناد.
وإن قرأ وهو غير حافظ فلا بد أن يكون ذاكرا لكيفية قراءته وتلاوته به حالة تلقيه من شيخه، فإن شك فليسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق وإلا فلينبه على ذلك فى الإجازة.
فأما من نسى أو ترك فلا يقرأ عليه به إلا لضرورة، مثل أن ينفرد بسند عال. أو طريق لا يوجد عنده غيره. وإن كان القارئ عليه ذاكرا، عالما بما يقرأ عليه جاز الأخذ عنه، وإلّا حرم.
وليحذر الإقراء بما يحسن: رأيا، أو وجها، أو لغة، دون رواية.
ولقد وضّح ابن مجاهد غاية الإيضاح حيث قال:
لا تغتروا بكل مقرئ، إذ الناس طبقات.
فمنهم من حفظ الآية، والآيتين، والسورة والسورتين. ولا علم له غير ذلك. فلا تؤخذ عنه القراءة، ولا تنقل عنه الرواية.
ومنهم: من حفظ الروايات ولم يعلم معانيها، ولا استنباطها من لغات العرب ونحوها. فلا يؤخذ عنه لأنه ربما يصحّف.
ومنهم من علم العربية ولا يتبع المشايخ والأثر، فلا تنقل عنه الرواية.
ومنهم من فهم التلاوة، وعلم الرواية، ويقصد للقراءات، وليس الشرط أن يجتمع فيه جميع العلوم. إذ الشريعة واسعة والعمر قصير (أه) مختصرا.
ويتأكد فى حقه: تحصيل طرف صالح من أحوال الرجال والأسانيد وهو أهم ما يحتاج إليه. وقد وهم كثير لذلك، فأسقطوا رجالا، وسمعوا آخرين، لا بغير أسمائهم. وصحّفوا أسماء رجال.
ويتأكد أيضا أن لا يخلى نفسه من الخلال الجيدة من التقلل من الدنيا والزهد فيها، وعدم المبالاة بها. وبأهلها والسخاء، والصبر، والحلم، ومكارم الأخلاق. وطلاقة الوجه [لكن لا يخرج إلى حد الخلاعة] وملازمة الورع، والسكينة، والتواضع.
وينبغى أن يكون حريصا على التعلم، مواظبا عليه، فى جميع أوقاته، ليلا ونهارا، فقد قال الشافعى رحمه الله تعالى فى رسالته:(1/14)
ويتأكد أيضا أن لا يخلى نفسه من الخلال الجيدة من التقلل من الدنيا والزهد فيها، وعدم المبالاة بها. وبأهلها والسخاء، والصبر، والحلم، ومكارم الأخلاق. وطلاقة الوجه [لكن لا يخرج إلى حد الخلاعة] وملازمة الورع، والسكينة، والتواضع.
وينبغى أن يكون حريصا على التعلم، مواظبا عليه، فى جميع أوقاته، ليلا ونهارا، فقد قال الشافعى رحمه الله تعالى فى رسالته:
حق على طلبة العلم بلوغ نهاية جهدهم فى الاستكثار من العلم، ويتصبرون على كل عارض بإخلاص النية لله تعالى، والرغبة إلى الله تعالى فى الهون عليه.
وفى صحيح مسلم: (لا يستطاع العلم براحة الجسم).
فائدة قال الخطيب البغدادى، أجود أوقات الحفظ الأسحار، ثم نصف النهار، ثم الغداة. وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود أماكن الحفظ كل موضع بعد عن الملهيات، وليس الحفظ بمحمود بحضرة النبات والخضرة، وقوارع الطرق، لأنها تمنع خلو القلب، وينبغى أن يصبر على جفوة شيخه، وسوء خلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته، واعتقاد كماله، ويتأول أفعاله التى ظاهرها الفساد تأويلات، وإذا جفاه الشيخ ابتدأه بالاعتذار، وإظهار الذنب له والعتب عليه.
وقد قالوا: من لم يصبر على أذى التعليم بقى عمره فى غاية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عن الآخرة والدنيا.
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال.
(ذلك طالبا فعززت مطلوبا).
وينبغى أن يغتنم التحصيل فى وقت الفراغ والشباب، وقوة البدن، واستراحة الخاطر، وقلة الشواغل قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
(تفقهوا قبل أن تسودوا).
وقال الشافعى رضي الله عنه.
تفقه قبل أن ترأس. فإذا تراست فلا سبيل لك إلى التفقه).
ويكتب كل ما سمعه، ثم يواظب على حلقة الشيخ، ويعتنى بكل الدروس، فإن عجز اعتنى بالأهم.
وينبغى أن يرشد رفقته وغيرهم إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكر أهم ما استفاده: على جهة النصيحة والمذاكرة، وبإرشاده يبارك له فى علمه، وتتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب الله تعالى، ومن فعل ضد ذلك كان بضده. فإذا تكاملت أهليته، واشتهرت فضيلته، اشتغل بالتصنيف، وجدّ فى الجمع والتأليف والله الموفق.(1/15)
وينبغى أن يرشد رفقته وغيرهم إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكر أهم ما استفاده: على جهة النصيحة والمذاكرة، وبإرشاده يبارك له فى علمه، وتتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب الله تعالى، ومن فعل ضد ذلك كان بضده. فإذا تكاملت أهليته، واشتهرت فضيلته، اشتغل بالتصنيف، وجدّ فى الجمع والتأليف والله الموفق.
الدرة الرابعة فيما ينبغى للمقرئ أن يفعله
ينبغى له: تحسين الزى لقوله صلّى الله عليه وسلم «إنّ الله جميل يحب الجمال» وترك الملابس المكروهة وغير ذلك، مما لا يليق به.
وينبغى له أن لا يقصد بذلك توصّلا إلى غرض من أغراض الدنيا، من: مال، أو رئاسة، أو وجاهة، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوههم إليه، ونحو ذلك.
وينبغى إذا جلس أن يستقبل القبلة، وأن يكون على طهارة كاملة، جاثيا على ركبتيه، وأن يصون عينيه حال الإقراء عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويديه عن العبث، إلّا أن يشير للقارئ إلى المد، والوقف، والوصل. وغير ذلك مما مضى عليه السلف، وأن يوسع مجلسه ليتمكن جلساؤه فيه.
كما روى أبو داود، من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: (خير المجالس أوسعها).
وأن يقدّم الأوّل فالأوّل. فإن أسقط الأوّل حقه لغيره قدمه. هذا ما عليه الناس وروى أنّ حمزة كان يقدم الفقهاء، فأول من كان يقرأ عليه سفيان الثورى.
وكان السّلمىّ وعاصم يبدآن بأهل المعايش، لئلا يحتبسوا عن معايشهم.
والظاهر أنهما كانا يفعلان ذلك إلا فى حق جماعة يجتمعون للصلاة بالمسجد، لا يسبق بعضهم بعضا، وإلا فالحق للسابق، لا للشيخ.
وأن يسوّى بين الطلبة بحسبهم، إلا أن يكون أحدهم مسافرا. أو يتفرس فيه النجابة، وغير ذلك.(1/16)
وأن يسوّى بين الطلبة بحسبهم، إلا أن يكون أحدهم مسافرا. أو يتفرس فيه النجابة، وغير ذلك.
الدرة الخامسة فى قدر ما يسمع وما ينتهى إليه سماعه
الأصل: أن هذا طاقة، فالطلبة فيه بحسب وسعهم.
وأما ما روى عن السلف أنهم كانوا يقرءون ثلاثا ثلاثا، وخمسا خمسا، وعشرا عشرا. لا يزيدون على ذلك، فهذه حالة المتلقّين.
وبلغت قراءة ابن مسعود على النبى صلّى الله عليه وسلم من أول النساء إلى قوله تعالى {(وَجِئْنََا بِكَ عَلى ََ هََؤُلََاءِ شَهِيداً)}.
وسمع نافع لورش القرآن كله فى خمسين يوما.
وقرأ الشيخ نجم الدين مؤلف «الكنز» القرآن جميعا كلّه على الشيخ تقى الدين بن الصائغ، لما رحل إليه لمصر فى سبعة عشر يوما، وقرأ شيخنا شمس الدين الجزرى على الشيخ شمس الدين بن الصائغ من أول النحل اولة الجمعة وختم ليلة الخميس فى ذلك الأسبوع للقراء السبع بالشاطبية والتيسير، والعنوان.
قال: وآخر مجلس ابتدأت فيه من أول الواقعة، ولم أزل حتى ختمت.
قال: وقدم علىّ رجل من حلب، فختم لابن كثير فى خمسة أيام، وللكسائى فى سبعة أيام.
وقرأ الشيخ شهاب الدين بن الصحان على الشيخ ابن العباس بن نحلة ختمة لأبى عمرو من وراء بيته فى يوم واحد، ولما ختم قال للشيخ: هل رأيت أحدا يقرأ هذه القراءة؟. فقال: لا تقل هكذا، ولكن قل: أرأيت شيخا يسمع هذا السماع؟.
وأعظم ما سمعت فى هذا الباب: أن الشيخ مكين الدين الأسمر دخل يوما إلى الجامع بالإسكندرية، فوجد شيخا ينظر إلى أبواب الجامع. فوقع فى نفس المكين أنه رجل صالح. وأنه يعزم على الرواح إلى جهنه ليسلم عليه، ففعل ذلك. وإذا به ابن وثيق. ولم يكن لأحدهما معرفة بالآخر ولا رؤية، فلما سلّم عليه، قال للمسكين: أنت عبد الله بن منصور؟ قال: نعم. قال: ما جئت من الغرب إلا بسببك: لأقرأك القراءات.
فقرأ عليه المسكين فى تلك الليلة القرآن من أوله، جمعا للسبع.
وعند طلوع الشمس: إذا به يقول من الجنّة والناس فختم عليه القرآن للسبع فى ليلة واحدة.(1/17)
وعند طلوع الشمس: إذا به يقول من الجنّة والناس فختم عليه القرآن للسبع فى ليلة واحدة.
الدرة السادسة فيما يقرأ به
لا يجوز له أن يقرأ إلا بما قرأ أو سمع، فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصة أو سمعها، وترك ما اتفق عليه جاز إقراؤه القرآن بها اتفاقا، بالشرط. وهو: أن يكون ذاكرا كما تقدم.
لكن لا يجوز له أن يقول قرأت بها القرآن كلّه.
وأجاز ابن مجاهد وغيره أن يقول القارئ قرأت برواية فلان القرآن من غير تأكيد، إذا كان قرأ بعض القرآن. وهو قول لا يعوّل عليه، لأنه تدليس فاحش، يلزم منه مفاسد كثيرة.
وهل يجوز أن يقرأ بما أجيز له على أنواع الإجازة، جوّزه الجعبرى مطلقا، والظاهر أنه تلا بذلك على غير ذلك الشيخ وسمعه، ثم إن أراد أن يعلى سنده بذلك الشيخ، أو يكثر طرة: جاز وحسن، لأنه جعلها متابعة. وقد فعل ذلك أبو حيان فى التجريد وغيره عن ابن البخارى وغيره متابعة.
وكذلك فعل الشيخ تقى الدين بن الصباغ بالمستنير، عن الشيخ كمال الدين الضرير، عن الشيخ السّلمى.
وقد قرأ بالإجازة أبو معشر الطبرى، وتبعه الجعبرى وغيره، وفى النفس منه شيء، ولا بد مع ذلك من اشتراط الأهلية.(1/18)
وقد قرأ بالإجازة أبو معشر الطبرى، وتبعه الجعبرى وغيره، وفى النفس منه شيء، ولا بد مع ذلك من اشتراط الأهلية.
الدرة السابعة فى الإقراء والقراءة فى الطريق
قال مالك رحمه الله تعالى:، ما أعلم القراءة تكون فى الطريق.
وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن فيها.
وقال الشيخ محى الدين النووى رحمه الله تعالى: وأما القراءة فى الطريق: المختار أنها جائزة غير مكروهة، إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كره، كما كره النبى صلّى الله عليه وسلم القراءة للناس مخافة الغلط.
قال شيخنا: وقرأت على ابن أبى الصباغ فى الطريق غير مرة: تارة نكونا ماشيين، وتارة يكون راكبا وأنا ماش.
وأخبرنى غير واحد: أنهم كانوا يستشيرون بيوم يخرج فيه لجنازة.
قال القاضى محب الدين الحلبى: كثيرا ما كان يأخذنى فى خدمته، فكنت أقرأ عليه فى الطريق.
وقال عطاء بن السائب: كنا نقرأ على ابن أبى عبد الرحمن السّلمى وهو يمشى.
قال السخاوى: وقد عاب علينا يوما الإقراء فى الطريق. ولنا فى أبى عهد الرحمن السّلمى أسوة حسنة، وقد كان ممن هو خير منا قدوة.(1/19)
قال السخاوى: وقد عاب علينا يوما الإقراء فى الطريق. ولنا فى أبى عهد الرحمن السّلمى أسوة حسنة، وقد كان ممن هو خير منا قدوة.
الدرة الثامنة فى حكم الأجرة على الإقراء، وقبول هدية القارئ
أما الأجرة فمنعها أبو حنيفة والزهرى، وجماعة لقوله عليه الصلاة والسلام «اقرءوا القرآن، ولا تأكلوا به (1).
قالوا: ولأن حصول العلم متوقف على معين من قبل المتعلم فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه، فلا يصح.
قال فى الهداية، وبعض المشايخ استحسن الإيجار على تعليم القرآن اليوم، لأنه قد ظهر التوانى فى الأمور الدينية، وفى الامتناع عن ذلك تضييع حفظ القرآن.
وأجازها الحسن وابن سيرين والشعبى إذا لم يشترط.
وأجازها مالك مطلقا: سواء اشترط المعلّم قدرا فى كل شهر أو جمعة، أو يوم. أو غيرها. أو شرط على كل جزء من القرآن كذا، ولم يشترط شيئا من ذلك. ودخل على الجهالة من الجانبين، هذا هو المعول عليه.
وقال ابن الجلّاب [من المالكية]. لا يجوز إلا مشاهرة: أى مقدرة بشهر ونحوه، ومذهب مالك:
أنه لا يقضى للمعلم بهدية الأعياد والجمع.
وهل يقضى بالحذاقة: وهى «الإصرافة» إذا جرى بها العرف أو لا؟ قولان، الصحيح: نعم.
قال سحنون: وليس فيها شيء معلوم. وهى على قدر حال الأب.
قال: وإذا بلغ الصبى ثلاثة أرباع القرآن، لم يكن لأبيه إخراجه، ووجبت الختمة للمعلم، ووقف فى الثلثين.
فرع:
انظر هل يقضى على القارئ بإعطاء شيء إذا قرأ رواية، ولم أر فيها عند المالكية نصا والظاهر: أن حكمها حكم الحذاقة.
ومذهب الشافعى: جواز أخذ الأجرة إذا شارطه واستأجره أجرة صحيحة.
قال الأصفونى فى [مختصر الروضة]: ولو استأجره لتعليم قرآن عيّن السورة والآيات، ولا يكفى أحدهما على الأصح.
__________
(1) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به» رواه الإمام أحمد والطبرانى وأبو يعلى والبيهقى فى شعب الإيمان عن عبد الرحمن بن شبل.(1/20)
وفى التقدير بالمدة وجهان: أحدهما: يكفى. والأصح: أنه لا يجب تعيين قراءة نافع أو غيره، وأنه لو كان يتعلم وينسى يرجع فى وجوب إعادته إلى العرف.
ويشترط كون المتعلم مسلما أو يرجى إسلامه.
وأما قبول الهدية فامتنع منه جماعة من السلف والخلف تورعا وخوفا من أن يكون بسبب القراءات.
وقال النووى رحمه الله: ولا يشين المقرئ طمع فى رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه. سواء كان الرفق مالا أو خدمة، وإن قل. ولو كان على صورة الهدية التى لولا قراءته عليه لما أهداها إليه.(1/21)
وقال النووى رحمه الله: ولا يشين المقرئ طمع فى رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه. سواء كان الرفق مالا أو خدمة، وإن قل. ولو كان على صورة الهدية التى لولا قراءته عليه لما أهداها إليه.
الدرة التاسعة تدوين القراءات
قيض الله تعالى لكتابه المجيد، الذى {(لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)} من دوّن وجوه قراءاته، وضبط طرق رواياته، فاجتهدوا فى ذلك حق الاجتهاد، وبذلوا النصح فى ذلك لله ورسوله والعباد، فأخذوا فى جمع ذلك وتدوينه، فاستفرغوا فيه وسعهم، وبذلوا جهدهم، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات فى كتاب: أبو عبيد «القاسم بن سلام»، وجعلهم خمسة وعشرين قارئا، مع هؤلاء السبعة، توفى سنة أربع وعشرين ومائتين.
ثم تلاه الجماعة، سالكين سنّته ومقلّدين منّته، فكثرت التآليف وانتشرت التصانيف، واختلفت أغراضهم بحسب الإيجاز والتطويل، والتكثير والتقليل، وكل له مقصد سنىّ، ومذهب مرضىّ، فكان أول من تابعه «أحمد بن جبير» الكوفى، نزيل أنطاكية، فجمع كتابا فى القراءات الخمسة، من كلّ مصر واحد، ثم القاضى «إسماعيل ابن إسحاق» المالكىّ، صاحب «قالون»، فألف كتابا جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم هؤلاء السبعة، ثم الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى، فألف كتابا سماه [الجامع]، فيه نيف وعشرون قراءة، ثم الإمام «أبو بكر محمد الدّاجونى» فجمع كتابا فى الأحد عشر، وأدخل معهم أبا جعفر، ثم [فى أثره] الإمام «أبو بكر أحمد ابن العباسى، مجاهد»، أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين، والعراقين والشام، إذ هذه الأمصار الخمسة هى التى خرج منها علم النبوة، من القرآن وتفسيره، والحديث والفقه، فى الأعمال الباطنة والظاهرة وسائر العلوم الدينية.
فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار، ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التى أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده، أو اعتقاد غيره من العلماء، أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءاتهم.
وقد ألف الناس فى زمانه وبعده فى القراءات أنواع التآليف ككتاب (الغاية) لأبى بكر أحمد بن مهران الأصبهانى ثم (المنتهى) فى العشر، «لأبى الفضل بن جعفر الخزاعى»، ثم (الإرشاد) «لأبى الطيب عبد المنعم بن غلبون» ثم (التذكرة) «لأبى الحسن طاهر بن غلبون» الحلبى، نزيل مصر، و (الهادى) «لأبى عبد الله بن سفيان القيروانى» و (المجتنى؟؟؟، «لعبد الجبار الطرطوسى»، نزيل مصر، و (الروضة) «لأبى عمر أحمد الطّلمنكىّ»، أول من أدخل القراءات الأندلس، و (التبصرة) «لأبى محمد مكى بن أبى طالب القيروانى» و «الهداية» «لأبى العباس ابن عمار» المهدوى، و (الروضة) فى العشرة المشهورة [وقراءة] «الأعمش»، لأبى على [الحسن البغدادى] المالكى
نزيل مصر، و (المفيد) فى العشرة، «لأبى نصر أحمد ابن مسرور» البغدادى، و (التيسير) و (جامع البيان) فى السبع، ولم يؤلف مثله فى هذا الفن، يشتمل على نيّف وخمسمائة رواية وطريق: عن السبعة للحافظ «أبى عمرو الدانى»، و (مفردة يعقوب) له أيضا، و (التذكار) «لأبى الفتح عبد الواحد بن شيطا» البغدادى، و (الوجيز) للإمام الذى لم يلحقه أحد فى هذا الشأن، «أبى على الحسن الأهوازى»، نزيل دمشق، و (الجامع) فى العشر، وقراءة الأعمش، لأبى محمد «الخياط» البغدادى، و (العنوان) لأبى الطاهر ابن خلف» الأندلسى، ثم المصرى، و (القاصد) «لأبى القاسم عبد الرحمن بن سعيد» الخزرجى القرطبى، و (الكامل) فى العشر، والأربع الزائدة عليها من ألف وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريق، «لأبى القاسم يوسف ابن جبارة» الهذلى، المغربى، الذى طاف البلاد، وروى عن أئمة القراءة، حتى انتهى إلى ماوراء النهر، قال «فى كامله» جملة من لقيت فى هذا العلم ثلاثمائة وخمسة [وستون] شيخا. (والتلخيص) فى الثمان، «لأبى معشر عبد الكريم» الطبرى، شيخ [مكة] و (الجامع) فى العشر، «لأبى الحسين نصر بن عبد العزيز» الفارسى، و (الكافى) «لأبى عبد الله محمد بن شريح» الرّعينى الإشبيلى، و (المستنير) فى العشر، «لأبى الطاهر ابن سوار» البغدادى، و [المهذب] فى العشر. للزاهد «أبى منصور الخياط» البغدادى، و (المصباح) فى العشر، لأبى الكرم: المبارك بن الحسين بن فتحان» الشهرزورىّ البغدادي و (تلخيص العبارات) «لأبى على الحسن بن بلّيمة بفتح الموحّدة، وتشديد اللام المكسورة بعدها الياء آخر الحروف الهوّاريّ القيروانى، نزيل الاسكندرية، و (التجريد) و (مفردة يعقوب) كلاهما لشيخ الاسكندرية «أبى القاسم عبد الرحمن ابن أبى بكر، الصّقلىّ ابن الفحّام، و (الإرشاد) فى العشرة و (الكفاية الكبرى) كلاهما «لأبى العز القلانسىّ» الواسطى، و (الموضح)، و (المفتاح) كلاهما «لأبى منصور: محمد بن خيرون» العطار البغدادى الخطيب «أبى جعفر: أحمد بن الباذش» الغرناطىّ، و (الإشارة) فى العشرة «لأبى منصور أحمد» العراقى، و (المبهج) فى القراءات الثمان، وقراءة الأعمش، وابن محيصن، وخلف، واليزيدى، و (الإيجاز)، و (إرادة الطالب) فى العشر، وهو فرش القصيدة المنجدة، وكتاب (تبصرة المبتدى) و (الكفاية) فى الست: الخمسة «لأبى محمد عبد الله بن على» سبط الخياط، مؤلف المهذّب و (المفيد) فى الثمان، لأبى عبد الله محمد الحضرمى» اليمنى، و (غاية الاختصار)، للحافظ «أبى العلاء:(1/22)
وقد ألف الناس فى زمانه وبعده فى القراءات أنواع التآليف ككتاب (الغاية) لأبى بكر أحمد بن مهران الأصبهانى ثم (المنتهى) فى العشر، «لأبى الفضل بن جعفر الخزاعى»، ثم (الإرشاد) «لأبى الطيب عبد المنعم بن غلبون» ثم (التذكرة) «لأبى الحسن طاهر بن غلبون» الحلبى، نزيل مصر، و (الهادى) «لأبى عبد الله بن سفيان القيروانى» و (المجتنى؟؟؟، «لعبد الجبار الطرطوسى»، نزيل مصر، و (الروضة) «لأبى عمر أحمد الطّلمنكىّ»، أول من أدخل القراءات الأندلس، و (التبصرة) «لأبى محمد مكى بن أبى طالب القيروانى» و «الهداية» «لأبى العباس ابن عمار» المهدوى، و (الروضة) فى العشرة المشهورة [وقراءة] «الأعمش»، لأبى على [الحسن البغدادى] المالكى
نزيل مصر، و (المفيد) فى العشرة، «لأبى نصر أحمد ابن مسرور» البغدادى، و (التيسير) و (جامع البيان) فى السبع، ولم يؤلف مثله فى هذا الفن، يشتمل على نيّف وخمسمائة رواية وطريق: عن السبعة للحافظ «أبى عمرو الدانى»، و (مفردة يعقوب) له أيضا، و (التذكار) «لأبى الفتح عبد الواحد بن شيطا» البغدادى، و (الوجيز) للإمام الذى لم يلحقه أحد فى هذا الشأن، «أبى على الحسن الأهوازى»، نزيل دمشق، و (الجامع) فى العشر، وقراءة الأعمش، لأبى محمد «الخياط» البغدادى، و (العنوان) لأبى الطاهر ابن خلف» الأندلسى، ثم المصرى، و (القاصد) «لأبى القاسم عبد الرحمن بن سعيد» الخزرجى القرطبى، و (الكامل) فى العشر، والأربع الزائدة عليها من ألف وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريق، «لأبى القاسم يوسف ابن جبارة» الهذلى، المغربى، الذى طاف البلاد، وروى عن أئمة القراءة، حتى انتهى إلى ماوراء النهر، قال «فى كامله» جملة من لقيت فى هذا العلم ثلاثمائة وخمسة [وستون] شيخا. (والتلخيص) فى الثمان، «لأبى معشر عبد الكريم» الطبرى، شيخ [مكة] و (الجامع) فى العشر، «لأبى الحسين نصر بن عبد العزيز» الفارسى، و (الكافى) «لأبى عبد الله محمد بن شريح» الرّعينى الإشبيلى، و (المستنير) فى العشر، «لأبى الطاهر ابن سوار» البغدادى، و [المهذب] فى العشر. للزاهد «أبى منصور الخياط» البغدادى، و (المصباح) فى العشر، لأبى الكرم: المبارك بن الحسين بن فتحان» الشهرزورىّ البغدادي و (تلخيص العبارات) «لأبى على الحسن بن بلّيمة بفتح الموحّدة، وتشديد اللام المكسورة بعدها الياء آخر الحروف الهوّاريّ القيروانى، نزيل الاسكندرية، و (التجريد) و (مفردة يعقوب) كلاهما لشيخ الاسكندرية «أبى القاسم عبد الرحمن ابن أبى بكر، الصّقلىّ ابن الفحّام، و (الإرشاد) فى العشرة و (الكفاية الكبرى) كلاهما «لأبى العز القلانسىّ» الواسطى، و (الموضح)، و (المفتاح) كلاهما «لأبى منصور: محمد بن خيرون» العطار البغدادى الخطيب «أبى جعفر: أحمد بن الباذش» الغرناطىّ، و (الإشارة) فى العشرة «لأبى منصور أحمد» العراقى، و (المبهج) فى القراءات الثمان، وقراءة الأعمش، وابن محيصن، وخلف، واليزيدى، و (الإيجاز)، و (إرادة الطالب) فى العشر، وهو فرش القصيدة المنجدة، وكتاب (تبصرة المبتدى) و (الكفاية) فى الست: الخمسة «لأبى محمد عبد الله بن على» سبط الخياط، مؤلف المهذّب و (المفيد) فى الثمان، لأبى عبد الله محمد الحضرمى» اليمنى، و (غاية الاختصار)، للحافظ «أبى العلاء:
الحسن بن أحمد العطار» الهمذانى، و (حرز الأمانى) المشهورة به الشاطبية»، لولى الله «أبى القاسم بن فيرة بن خلف» الرعينى الأندلسى الشاطبى الشافعى الضرير، و (شرحها)، «لعلم الدين» السخاوى، وهو أول من شرحها، واشتهرت بسببه، وكان أهل مصر كثيرا ما يحفظون (العنوان)، فلما ظهرت القصيدة تركوه وكتاب (جمال) القراء، و (كمال الإقراء) للسخاوى أيضا اشتمل على ما يتعلق بالقراءات، والتجويد،
والناسخ والمنسوخ، والوقف والابتداء. ثم شرح الشاطبية الإمام «أبو القاسم: عبد الرحمن أبو شامة»، ثم «أبو عبد الله: محمد بن الحسن الفاسى»، ثم «أبو عبد الله محمد بن أحمد الموصلى» عرف ب «شعلة» وله (الشمعة) قصيدة رائية، قدر نصف الشاطبية، أحسن نظمها، واختصارها، و (حوز المعاين فى اختصار حرز الأمانى) للإمام «محمد بن عبد الله بن مالك» الأندلسى، نزيل دمشق، وله قصيدة أخرى داليّة فى القراءات، يقول فيها:(1/23)
الحسن بن أحمد العطار» الهمذانى، و (حرز الأمانى) المشهورة به الشاطبية»، لولى الله «أبى القاسم بن فيرة بن خلف» الرعينى الأندلسى الشاطبى الشافعى الضرير، و (شرحها)، «لعلم الدين» السخاوى، وهو أول من شرحها، واشتهرت بسببه، وكان أهل مصر كثيرا ما يحفظون (العنوان)، فلما ظهرت القصيدة تركوه وكتاب (جمال) القراء، و (كمال الإقراء) للسخاوى أيضا اشتمل على ما يتعلق بالقراءات، والتجويد،
والناسخ والمنسوخ، والوقف والابتداء. ثم شرح الشاطبية الإمام «أبو القاسم: عبد الرحمن أبو شامة»، ثم «أبو عبد الله: محمد بن الحسن الفاسى»، ثم «أبو عبد الله محمد بن أحمد الموصلى» عرف ب «شعلة» وله (الشمعة) قصيدة رائية، قدر نصف الشاطبية، أحسن نظمها، واختصارها، و (حوز المعاين فى اختصار حرز الأمانى) للإمام «محمد بن عبد الله بن مالك» الأندلسى، نزيل دمشق، وله قصيدة أخرى داليّة فى القراءات، يقول فيها:
[ولا بدّ من نظمى قوافى تحتوى ... لما قد حوى حرز الأمانى وأ زيدا]
(والتكملة المفيدة لحافظ القصيدة) فى وزن الشاطبية، للخطيب «أبى الحسن على ابن عمر «الكتّانى القيجاطىّ، نظم فيها ما زاد على الشاطبية، من تبصرة مكىّ، و «كافى» ابن شريح، و «وجيز» الأهوازى، و «مختصر الشاطبية»، ل «عبد الصمد بن التبريزى» فى خمسمائة وعشرين بيتا.
وشرح الشاطبية أيضا: «أبو العباس ابن جبارة المقدسى» والعلامة المحقق «أبو إسحاق إبراهيم بن عمر» الجعبرى [نزيل مدينة الخليل عليه السلام]، بشرح عظيم لم يصنّف مثله، وكتاب (الشّرعة فى السبعة) جميعه أبواب، لم يذكر فيه فرشا، بل ذكر الفرش فى أبواب أصوله لقاضى حماة، العلامة «شرف الدين هبة الله بن عبد الكريم» البارزى، و (الكنز) فى العشر، و (الكفاية) فى العشر، نظم كتاب الكنز على وزن الشاطبية ورويّها، كلاهما ل «أبى محمد: عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه» الواسطى، و [جمع الأصول فى مشهور المنقول] قصيدة لامية فى وزن الشاطبية ورويّها، و (روضة التقرير فى الخلف بين «الإرشاد» و «التيسير») كلاهما لأبى الحسن على «الديوانى» الواسطى، و (عقد اللآلى فى قراءات السبع العوالى) فى وزن الشاطبية ورويّها، لم يأت فيها برمز، وزاد فيها على التيسير كثيرا، نظم الإمام «أبى حيّان» الأندلسى، الشافعى.
وشرح الشاطبية، و [باب وقف «حمزة وهشام» منها مفردا)، الإمام «بدر الدين: الحسن بن قاسم بن عبد الله بن على»، المعروف ب «ابن أمّ قاسم، المرادى المغربى» المجتهد، المصرى المولد.
وشرحها أيضا «أبو العباس: أحمد بن يوسف» الحلبى، نزيل القاهرة، المعروف بالسّمين.
وشرحها مصنف «البستان فى الثلاثة عشر» أبو بكر عبد الله بن أيدغدى» الشمس، الشهير ب [ابن الجندى]. (والنجوم الزاهرة فى السبعة المتواترة) لأبى عبد الله محمد بن سليمان» المقدسى، الحكرىّ الشافعى، الجامع لعيون الفضائل والمآثر والمعالى اللامع نجوم علوما فى مواقع الترافع والتعالى: كان شيخ عصره فى القراءات بلا مدافعة، وفارس ميدانها، المحكوم له بالسبق من غير ممانعة، ولى قضاء بيت المقدس، وقضاء المدينة النبوية الشريفة، قبل ذلك، ثم ولى قضاء مدينة الخليل، واستقر بها مدة سالكا أحسن سبيل، وتوفى ببيت المقدس بالبطن شهيدا، عام 781، وفرغ من تأليف «النجوم» سنة 756.
وشرح «الشاطبية» أيضا مصنف كتاب (مصطلح الإشارات)، فى الستة بعد السبعة.(1/24)
وشرحها مصنف «البستان فى الثلاثة عشر» أبو بكر عبد الله بن أيدغدى» الشمس، الشهير ب [ابن الجندى]. (والنجوم الزاهرة فى السبعة المتواترة) لأبى عبد الله محمد بن سليمان» المقدسى، الحكرىّ الشافعى، الجامع لعيون الفضائل والمآثر والمعالى اللامع نجوم علوما فى مواقع الترافع والتعالى: كان شيخ عصره فى القراءات بلا مدافعة، وفارس ميدانها، المحكوم له بالسبق من غير ممانعة، ولى قضاء بيت المقدس، وقضاء المدينة النبوية الشريفة، قبل ذلك، ثم ولى قضاء مدينة الخليل، واستقر بها مدة سالكا أحسن سبيل، وتوفى ببيت المقدس بالبطن شهيدا، عام 781، وفرغ من تأليف «النجوم» سنة 756.
وشرح «الشاطبية» أيضا مصنف كتاب (مصطلح الإشارات)، فى الستة بعد السبعة.
(وقرة العين فى الفتح والإمالة وبين اللفظين)، «أبو البقاء: على بن عثمان بن القاصح»، وكان فى عصر الثمانمائة.
وكتاب (النشر فى القراءات العشر)، الجامع لجميع طرق ما ذكرناه فى هذه المؤلفات، وفرائد فوائدها، الذى لم يسبق إلى مثله، و (تقريبه) و (طيّبته) لشيخ مشايخنا، الذى [وصف بأنه] لم تسمح الأعصار مثله «أبى الخير: محمدا بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزرى».
وشرح (الطيبة) ولد المؤلف، والعلّامة الشيخ «أبو القاسم النّويرى» المالكى، وشيخنا العلامة، زين الدين عبد الدائم الأزهرى، رأيته يسوّد فيه، ولعله لم يكمل.
وكتاب (إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز) و (نطمه) فى القراءات الأربعة عشر، للإمام «شمس الدين:
محمد بن خليل: أبى بكر بن محمد الحلبى، المشهور بابن القباقبىّ، وقال: إنه أخذ العشرة من تقريب النشر، وقراءة (ابن محيصن) من «المبهج»، و «مفردة» الأهوازى، و (الحسن البصرىّ) من «المفردة»، و (اليزيدىّ) من «المبهج» و «المستنير»، و (الأعمش) من «المبهج»، إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت الحد.
والله ولى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وإليه المرجع والمآب.
(أ. هـ) شهاب الدين القسطلانى
بسم الله الرحمن الرحيم(1/25)
(أ. هـ) شهاب الدين القسطلانى
بسم الله الرحمن الرحيم
مصادر التحقيق ومراجعه أولا المخطوطة
* الإبانة عن معانى القراءات: مكى بن أبى طالب برلين ألمانيا * أمانى ابن الشجرى: نسخة المكتبة التيمورية دار الكتب المصرية القاهرة * البغداديات: أبو على الفارسى المصورة عن نسخة طهران إيران * التبصرة فى القراءات السبع: مكى بن أبى طالب برلين ألمانيا * تفسير مشكل إعراب القرآن مكى بن أبى طالب المدرسة الأحمدية حلب سوريا * جمال القراء: على بن محمد (أبو الحسن السخاوى) المدرسة الأحمدية حلب سوريا * الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة: مكى بن أبى طالب المكتبة الظاهرية دمشق سوريا * سير أعلام النبلاء: أبو عبد الله الذهبى نسخة مكتبة أحمد الثالث (المصورة بمجمع اللغة العربية بدمشق * شرح أبيات الكتاب: ابن السيرافى نسخة مصورة فى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة ابن شهبة الأسدي نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق سوريا * شرح طيبة النشر فى القراءات العشر للإمام النويرى نسخة دار الكتب المصرية (قوله 37) * عيون التواريخ: محمد بن شاكر الكتبى نسخة دار الكتب الطاهرية دمشق سوريا * فضائل القرآن: القاسم بن سلام: (أبو عتيد) المكتبة الظاهرية دمشق سوريا
* القطع والاستئناف: النحاس (أبو جعفر) دار الكتب المصرية القاهرة * الكشف فى نكت المعانى والإعراب: لجامع العلوم (على بن الحسين) النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة * المجيد فى إعراب القرآن المجيد، السفاقسى نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق * المختار فى معانى قراءات أهل الأمصار: أحمد بن عبد الله إدريس: أبو بكر النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة * المكتفى فى الوقف والابتداء الدانى دار الكتب الظاهرية دمشق سوريا * هجاء مصاحف الأمصار: أحمد بن عمار المهدوى (المصورة عن نسخة عارف حكمة) المدينة المنورة الهداية إلى بلوغ النهاية مكى بن أبى طالب المصورة عن نسخة الرباط المغرب * الوافى بالوفيات: الخليل بن أيبك الصفدي نسخة مجمع اللغة العربية بدمشق المصورة عن نسخة أحمد الثالث بتركيا ثانيا المطبوعة * الأتباع: أبو الطيب اللغوى تحقيق عز الدين التنوخى، مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق * إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر للبنا الدمياطى طبع تركيا والميمنية بالقاهرة * تقريب النشر فى القراءات العشر: لابن الجزرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض طباعة مصطفى الحلبى القاهرة * الإحكام فى أصول الأحكام: أبو محمد بن حزم مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى القاهرة 1380هـ 1945م * أدب الكاتب: ابن قتيبة تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة القاهرة 1958 * أسرار العربية: أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد بهجت البيطار مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1957
* الاشتقاق: ابن دريد تحقيق عبد السلام هارون مطبعة السنة المحمدية القاهرة 1958 * الإصابة فى أسماء الصحابة: ابن حجر العسقلانى. مطبعة السعادة القاهرة 1323هـ * إصلاح المنطق ابن السكيت تحقيق أحمد محمد شاكر، عبد السلام هارون دار المعارف القاهرة 1956 * إعراب ثلاثين سورة: ابن خالويه المصورة عن طبعة دائرة جمعية دائرة المعارف العثمانية دار الحكمة دمشق سورية * الأغانى: الأصفهانى. المصورة عن طبعة دار الكتب المصرية * أنباء الرواة على أنباه النحاة: القفطى مصر 1928م بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة دار الكتب القاهرة 1955 * الإنصاف فى مسائل الخلاف أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة القاهرة 1955م * إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن. لأبى البقاء العكبرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى الحلبى القاهرة * إيضاح الوقف والابتداء محمد بن القاسم (أبو بكر بن الأنبارى) تحقيق محى الدين عبد الرحمن رمضان مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق 1971م * البحر المحيط أبو حيان الأندلسى مطبعة السعادة الطبعة الأولى القاهرة 1328هـ * البرهان فى علوم القرآن: الزركشى.(1/26)
* الإبانة عن معانى القراءات: مكى بن أبى طالب برلين ألمانيا * أمانى ابن الشجرى: نسخة المكتبة التيمورية دار الكتب المصرية القاهرة * البغداديات: أبو على الفارسى المصورة عن نسخة طهران إيران * التبصرة فى القراءات السبع: مكى بن أبى طالب برلين ألمانيا * تفسير مشكل إعراب القرآن مكى بن أبى طالب المدرسة الأحمدية حلب سوريا * جمال القراء: على بن محمد (أبو الحسن السخاوى) المدرسة الأحمدية حلب سوريا * الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة: مكى بن أبى طالب المكتبة الظاهرية دمشق سوريا * سير أعلام النبلاء: أبو عبد الله الذهبى نسخة مكتبة أحمد الثالث (المصورة بمجمع اللغة العربية بدمشق * شرح أبيات الكتاب: ابن السيرافى نسخة مصورة فى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة ابن شهبة الأسدي نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق سوريا * شرح طيبة النشر فى القراءات العشر للإمام النويرى نسخة دار الكتب المصرية (قوله 37) * عيون التواريخ: محمد بن شاكر الكتبى نسخة دار الكتب الطاهرية دمشق سوريا * فضائل القرآن: القاسم بن سلام: (أبو عتيد) المكتبة الظاهرية دمشق سوريا
* القطع والاستئناف: النحاس (أبو جعفر) دار الكتب المصرية القاهرة * الكشف فى نكت المعانى والإعراب: لجامع العلوم (على بن الحسين) النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة * المجيد فى إعراب القرآن المجيد، السفاقسى نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق * المختار فى معانى قراءات أهل الأمصار: أحمد بن عبد الله إدريس: أبو بكر النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة * المكتفى فى الوقف والابتداء الدانى دار الكتب الظاهرية دمشق سوريا * هجاء مصاحف الأمصار: أحمد بن عمار المهدوى (المصورة عن نسخة عارف حكمة) المدينة المنورة الهداية إلى بلوغ النهاية مكى بن أبى طالب المصورة عن نسخة الرباط المغرب * الوافى بالوفيات: الخليل بن أيبك الصفدي نسخة مجمع اللغة العربية بدمشق المصورة عن نسخة أحمد الثالث بتركيا ثانيا المطبوعة * الأتباع: أبو الطيب اللغوى تحقيق عز الدين التنوخى، مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق * إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر للبنا الدمياطى طبع تركيا والميمنية بالقاهرة * تقريب النشر فى القراءات العشر: لابن الجزرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض طباعة مصطفى الحلبى القاهرة * الإحكام فى أصول الأحكام: أبو محمد بن حزم مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى القاهرة 1380هـ 1945م * أدب الكاتب: ابن قتيبة تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة القاهرة 1958 * أسرار العربية: أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد بهجت البيطار مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1957
* الاشتقاق: ابن دريد تحقيق عبد السلام هارون مطبعة السنة المحمدية القاهرة 1958 * الإصابة فى أسماء الصحابة: ابن حجر العسقلانى. مطبعة السعادة القاهرة 1323هـ * إصلاح المنطق ابن السكيت تحقيق أحمد محمد شاكر، عبد السلام هارون دار المعارف القاهرة 1956 * إعراب ثلاثين سورة: ابن خالويه المصورة عن طبعة دائرة جمعية دائرة المعارف العثمانية دار الحكمة دمشق سورية * الأغانى: الأصفهانى. المصورة عن طبعة دار الكتب المصرية * أنباء الرواة على أنباه النحاة: القفطى مصر 1928م بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة دار الكتب القاهرة 1955 * الإنصاف فى مسائل الخلاف أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة القاهرة 1955م * إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن. لأبى البقاء العكبرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى الحلبى القاهرة * إيضاح الوقف والابتداء محمد بن القاسم (أبو بكر بن الأنبارى) تحقيق محى الدين عبد الرحمن رمضان مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق 1971م * البحر المحيط أبو حيان الأندلسى مطبعة السعادة الطبعة الأولى القاهرة 1328هـ * البرهان فى علوم القرآن: الزركشى.(1/27)
* الإبانة عن معانى القراءات: مكى بن أبى طالب برلين ألمانيا * أمانى ابن الشجرى: نسخة المكتبة التيمورية دار الكتب المصرية القاهرة * البغداديات: أبو على الفارسى المصورة عن نسخة طهران إيران * التبصرة فى القراءات السبع: مكى بن أبى طالب برلين ألمانيا * تفسير مشكل إعراب القرآن مكى بن أبى طالب المدرسة الأحمدية حلب سوريا * جمال القراء: على بن محمد (أبو الحسن السخاوى) المدرسة الأحمدية حلب سوريا * الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة: مكى بن أبى طالب المكتبة الظاهرية دمشق سوريا * سير أعلام النبلاء: أبو عبد الله الذهبى نسخة مكتبة أحمد الثالث (المصورة بمجمع اللغة العربية بدمشق * شرح أبيات الكتاب: ابن السيرافى نسخة مصورة فى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة ابن شهبة الأسدي نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق سوريا * شرح طيبة النشر فى القراءات العشر للإمام النويرى نسخة دار الكتب المصرية (قوله 37) * عيون التواريخ: محمد بن شاكر الكتبى نسخة دار الكتب الطاهرية دمشق سوريا * فضائل القرآن: القاسم بن سلام: (أبو عتيد) المكتبة الظاهرية دمشق سوريا
* القطع والاستئناف: النحاس (أبو جعفر) دار الكتب المصرية القاهرة * الكشف فى نكت المعانى والإعراب: لجامع العلوم (على بن الحسين) النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة * المجيد فى إعراب القرآن المجيد، السفاقسى نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق * المختار فى معانى قراءات أهل الأمصار: أحمد بن عبد الله إدريس: أبو بكر النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة * المكتفى فى الوقف والابتداء الدانى دار الكتب الظاهرية دمشق سوريا * هجاء مصاحف الأمصار: أحمد بن عمار المهدوى (المصورة عن نسخة عارف حكمة) المدينة المنورة الهداية إلى بلوغ النهاية مكى بن أبى طالب المصورة عن نسخة الرباط المغرب * الوافى بالوفيات: الخليل بن أيبك الصفدي نسخة مجمع اللغة العربية بدمشق المصورة عن نسخة أحمد الثالث بتركيا ثانيا المطبوعة * الأتباع: أبو الطيب اللغوى تحقيق عز الدين التنوخى، مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق * إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر للبنا الدمياطى طبع تركيا والميمنية بالقاهرة * تقريب النشر فى القراءات العشر: لابن الجزرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض طباعة مصطفى الحلبى القاهرة * الإحكام فى أصول الأحكام: أبو محمد بن حزم مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى القاهرة 1380هـ 1945م * أدب الكاتب: ابن قتيبة تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة القاهرة 1958 * أسرار العربية: أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد بهجت البيطار مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1957
* الاشتقاق: ابن دريد تحقيق عبد السلام هارون مطبعة السنة المحمدية القاهرة 1958 * الإصابة فى أسماء الصحابة: ابن حجر العسقلانى. مطبعة السعادة القاهرة 1323هـ * إصلاح المنطق ابن السكيت تحقيق أحمد محمد شاكر، عبد السلام هارون دار المعارف القاهرة 1956 * إعراب ثلاثين سورة: ابن خالويه المصورة عن طبعة دائرة جمعية دائرة المعارف العثمانية دار الحكمة دمشق سورية * الأغانى: الأصفهانى. المصورة عن طبعة دار الكتب المصرية * أنباء الرواة على أنباه النحاة: القفطى مصر 1928م بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة دار الكتب القاهرة 1955 * الإنصاف فى مسائل الخلاف أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة القاهرة 1955م * إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن. لأبى البقاء العكبرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى الحلبى القاهرة * إيضاح الوقف والابتداء محمد بن القاسم (أبو بكر بن الأنبارى) تحقيق محى الدين عبد الرحمن رمضان مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق 1971م * البحر المحيط أبو حيان الأندلسى مطبعة السعادة الطبعة الأولى القاهرة 1328هـ * البرهان فى علوم القرآن: الزركشى.
تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1957م * بغية الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس: أحمد بن يحيى الضبى دار الكاتب العربى القاهرة 1967 * بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة: السيوطى تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1964م * تأويل مشكل القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1954م * تاريخ الإسلام وطبقات مشاهير الأعلام الذهبى مكتبة القدسى مصر 1367هـ * تاريخ بغداد أحمد بن على البغدادى. مطبعة السعادة القاهرة 1931م
* التاريخ الكبير البخارى مطبعة حيدرآباد 1361هـ * تذكرة الحفاظ الذهبى المصورة عن المطبوعة بالهند. دار إحياء التراث بيروت * تعجيل المنفعة. ابن حجر مطبعة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1324هـ * التعريفات على بن محمد الجرجانى مطبعة محمد أسعد قسطنطينية 1300هـ * تفسير الطبرى. ابن جرير الطبرى تحقيق محمود محمد شاكر ومراجعة أحمد محمد شاكر دار المعارف القاهرة 1946م * تفسير غريب القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1958م * تفسير القرآن العظيم الحافظ ابن كثير دار إحياء الكتب العربية القاهرة * التسهيل لعلوم التنزيل: تفسير ابن جزرى الأندلسى تحقيق إبراهيم عطوة عوض، ومحمد عبد المنعم اليونسى طبعة دار الكتب الحديثة 1971م * تفسير النسفى. عبد الله بن أحمد النسفى دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1955 * تكمله الصلة ابن الأثير ضبط عزت العطار الحسنى القاهرة 1955م * تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلانى مطبعة دار المعارف بالهند الطبعة الأولى 1327هـ * التيسير فى القراءات السبع أبو عمرو الدانى تصحيح آتو برتزل (المصورة عن طبعة استنبول 1930) مكتبة المثنى بغداد * الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبى) مطبعة دار الكتب القاهرة 1946م * جذوة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس: أبو عبد الله الحميدى تحقيق محمد بن تاويت الطنجى مكتبة نشر الثقافة الإسلامية القاهرة 1371هـ * الجرح والتعديل: ابن أبى حاتم. مطبعة دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولى 1952م * جمهرة أنساب العرب ابن حزم تحقيق: إحسان عباس. وناصر الدين الأسد دار المعارف القاهرة * جمهرة اللغة: ابن دريد: مطبعة دائرة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1344هـ * جوامع السيرة: ابن حزم. تحقيق د. إحسان عباس و. ناصر الدين الأسد. دار المعارف القاهرة * الحجة فى علل القراءات: أبو على الفارسى * تحقيق الاستاذ على النجدى ناصف. د. عبد الحليم النجار. د عبد الفتاح شلبى القاهرة 1965م
* الحجة فى القراءات السبع (المنسوب إلى ابن خالويه) تحقيق د. عبد العال سالم مكرم دار الشروق بيروت * خزانة الأدب عبد القادر البغدادى مطبعة بولاق الطبعة الأولى مصر * الخصائص: ابن جنى. تحقيق محمد على النجار المصورة دار الهدى بيروت * خلاصة تذهيب تهذيب الكمال. أحمد الخزرجى الأنصارى المطبعة الخيرية الطبعة الأولى 1322هـ * الدر المنثور فى التفسير المأثور. السيوطى مصر * ديوان الأخطل بتعليق الأب أنطون الصالحانى اليسوعى المطبعة الكاثوليكية بيروت 1891م * ديوان العجاج تحقيق د. عزة حسن دار الشرق سورية 1971م * ديوان لبيد: لبيد بن ربيعة. تحقيق د إحسان عباس الكويت 1962م * رحلة التجانى. عبد الله التجانى تقديم حسن حسنى عبد الوهاب المطبعة الرسمية تونس 1958م رساله المفاضلة بين الصحابة. أبو محمد بن حزم تحقيق الأستاذ سعيد الأفغانى الطبعة الثانية دار الفكر بيروت 1969م * رسالة الغفران: أبو العلاء المعرى. تحقيق د عائشة عبد الرحمن دار المعارف القاهرة 1963م * زاد المسير فى علم التفسير ابن الجوزى المكتب الإسلامى الطبعة الأولى: دمشق سوريا * سنن الترمذى: تعليق وإشراف عزت عبيد الدعاس مطابع الفجر الحديثة: حمص سوريا * سنن الترمذى. تحقيق شاكر وعبد الباقى وإبراهيم عطوة عوض شركة مصطفى الحلبى * سنن النسائى. تصحيح الشيخ حسن محمد المسعودى المطبعة المصرية بالأزهر مصر * سير أعلام النبلاء: الذهبى * شرح المفصل: ابن يعيش * شرح الشاطبية: تأليف شعلة * شرح الشاطبية: ابن القاصح * شرح الشاطبية: الجعبرى * شرح الشاطبية: السيوطى * شرح الشاطبية: الضباع * صحيح البخارى: الطبعة الأوربية * صحيح مسلم: دار الطباعة العامرة * الصلة: ابن بشكوال مكتب نشر الثقافة الإسلامية
* الطبقات: خليفه بن خياط وزارة الثقافة السورية * الطبقات الكبرى: ابن سعد * غاية النهاية فى طبقات القراء لابن الجزرى الخانجى * فتح البارى شرح البخارى لابن حجر * الفهرست لابن النديم * فهرس شواهد سيبويه * فوائد من درة الغواص: الحريرى * القاموس المحيط: الفيروزآبادي * الكامل فى اللغة والأدب: المبرد * الكتاب: سيبويه * الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل الزمخشرى * غرائب القرآن ورغائب الفرقان: النيسابورى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * اللباب فى تهذيب الأنساب ابن الأثير * اللسان لابن منظور * مجاز القرآن أبو عبيدة * مسائل الرازى وأجوبتها عبد القادر بن أبى بكر الرازى الحنفى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القرآن (ابن جنى) * مختصر فى شواذ القراءات ابن خالويه * مراتب النحويين. أبو الطيب اللغوى * المعجم الصوفى تاليف الدكتورة سعاد حكيم بيروت لبنان * المزهر فى اللغة: السيوطى * مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل * مسند الإمام الشافعى * معجم الأدباء. ياقوت(1/28)
تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1957م * بغية الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس: أحمد بن يحيى الضبى دار الكاتب العربى القاهرة 1967 * بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة: السيوطى تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1964م * تأويل مشكل القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1954م * تاريخ الإسلام وطبقات مشاهير الأعلام الذهبى مكتبة القدسى مصر 1367هـ * تاريخ بغداد أحمد بن على البغدادى. مطبعة السعادة القاهرة 1931م
* التاريخ الكبير البخارى مطبعة حيدرآباد 1361هـ * تذكرة الحفاظ الذهبى المصورة عن المطبوعة بالهند. دار إحياء التراث بيروت * تعجيل المنفعة. ابن حجر مطبعة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1324هـ * التعريفات على بن محمد الجرجانى مطبعة محمد أسعد قسطنطينية 1300هـ * تفسير الطبرى. ابن جرير الطبرى تحقيق محمود محمد شاكر ومراجعة أحمد محمد شاكر دار المعارف القاهرة 1946م * تفسير غريب القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1958م * تفسير القرآن العظيم الحافظ ابن كثير دار إحياء الكتب العربية القاهرة * التسهيل لعلوم التنزيل: تفسير ابن جزرى الأندلسى تحقيق إبراهيم عطوة عوض، ومحمد عبد المنعم اليونسى طبعة دار الكتب الحديثة 1971م * تفسير النسفى. عبد الله بن أحمد النسفى دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1955 * تكمله الصلة ابن الأثير ضبط عزت العطار الحسنى القاهرة 1955م * تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلانى مطبعة دار المعارف بالهند الطبعة الأولى 1327هـ * التيسير فى القراءات السبع أبو عمرو الدانى تصحيح آتو برتزل (المصورة عن طبعة استنبول 1930) مكتبة المثنى بغداد * الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبى) مطبعة دار الكتب القاهرة 1946م * جذوة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس: أبو عبد الله الحميدى تحقيق محمد بن تاويت الطنجى مكتبة نشر الثقافة الإسلامية القاهرة 1371هـ * الجرح والتعديل: ابن أبى حاتم. مطبعة دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولى 1952م * جمهرة أنساب العرب ابن حزم تحقيق: إحسان عباس. وناصر الدين الأسد دار المعارف القاهرة * جمهرة اللغة: ابن دريد: مطبعة دائرة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1344هـ * جوامع السيرة: ابن حزم. تحقيق د. إحسان عباس و. ناصر الدين الأسد. دار المعارف القاهرة * الحجة فى علل القراءات: أبو على الفارسى * تحقيق الاستاذ على النجدى ناصف. د. عبد الحليم النجار. د عبد الفتاح شلبى القاهرة 1965م
* الحجة فى القراءات السبع (المنسوب إلى ابن خالويه) تحقيق د. عبد العال سالم مكرم دار الشروق بيروت * خزانة الأدب عبد القادر البغدادى مطبعة بولاق الطبعة الأولى مصر * الخصائص: ابن جنى. تحقيق محمد على النجار المصورة دار الهدى بيروت * خلاصة تذهيب تهذيب الكمال. أحمد الخزرجى الأنصارى المطبعة الخيرية الطبعة الأولى 1322هـ * الدر المنثور فى التفسير المأثور. السيوطى مصر * ديوان الأخطل بتعليق الأب أنطون الصالحانى اليسوعى المطبعة الكاثوليكية بيروت 1891م * ديوان العجاج تحقيق د. عزة حسن دار الشرق سورية 1971م * ديوان لبيد: لبيد بن ربيعة. تحقيق د إحسان عباس الكويت 1962م * رحلة التجانى. عبد الله التجانى تقديم حسن حسنى عبد الوهاب المطبعة الرسمية تونس 1958م رساله المفاضلة بين الصحابة. أبو محمد بن حزم تحقيق الأستاذ سعيد الأفغانى الطبعة الثانية دار الفكر بيروت 1969م * رسالة الغفران: أبو العلاء المعرى. تحقيق د عائشة عبد الرحمن دار المعارف القاهرة 1963م * زاد المسير فى علم التفسير ابن الجوزى المكتب الإسلامى الطبعة الأولى: دمشق سوريا * سنن الترمذى: تعليق وإشراف عزت عبيد الدعاس مطابع الفجر الحديثة: حمص سوريا * سنن الترمذى. تحقيق شاكر وعبد الباقى وإبراهيم عطوة عوض شركة مصطفى الحلبى * سنن النسائى. تصحيح الشيخ حسن محمد المسعودى المطبعة المصرية بالأزهر مصر * سير أعلام النبلاء: الذهبى * شرح المفصل: ابن يعيش * شرح الشاطبية: تأليف شعلة * شرح الشاطبية: ابن القاصح * شرح الشاطبية: الجعبرى * شرح الشاطبية: السيوطى * شرح الشاطبية: الضباع * صحيح البخارى: الطبعة الأوربية * صحيح مسلم: دار الطباعة العامرة * الصلة: ابن بشكوال مكتب نشر الثقافة الإسلامية
* الطبقات: خليفه بن خياط وزارة الثقافة السورية * الطبقات الكبرى: ابن سعد * غاية النهاية فى طبقات القراء لابن الجزرى الخانجى * فتح البارى شرح البخارى لابن حجر * الفهرست لابن النديم * فهرس شواهد سيبويه * فوائد من درة الغواص: الحريرى * القاموس المحيط: الفيروزآبادي * الكامل فى اللغة والأدب: المبرد * الكتاب: سيبويه * الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل الزمخشرى * غرائب القرآن ورغائب الفرقان: النيسابورى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * اللباب فى تهذيب الأنساب ابن الأثير * اللسان لابن منظور * مجاز القرآن أبو عبيدة * مسائل الرازى وأجوبتها عبد القادر بن أبى بكر الرازى الحنفى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القرآن (ابن جنى) * مختصر فى شواذ القراءات ابن خالويه * مراتب النحويين. أبو الطيب اللغوى * المعجم الصوفى تاليف الدكتورة سعاد حكيم بيروت لبنان * المزهر فى اللغة: السيوطى * مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل * مسند الإمام الشافعى * معجم الأدباء. ياقوت(1/29)
تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1957م * بغية الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس: أحمد بن يحيى الضبى دار الكاتب العربى القاهرة 1967 * بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة: السيوطى تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1964م * تأويل مشكل القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1954م * تاريخ الإسلام وطبقات مشاهير الأعلام الذهبى مكتبة القدسى مصر 1367هـ * تاريخ بغداد أحمد بن على البغدادى. مطبعة السعادة القاهرة 1931م
* التاريخ الكبير البخارى مطبعة حيدرآباد 1361هـ * تذكرة الحفاظ الذهبى المصورة عن المطبوعة بالهند. دار إحياء التراث بيروت * تعجيل المنفعة. ابن حجر مطبعة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1324هـ * التعريفات على بن محمد الجرجانى مطبعة محمد أسعد قسطنطينية 1300هـ * تفسير الطبرى. ابن جرير الطبرى تحقيق محمود محمد شاكر ومراجعة أحمد محمد شاكر دار المعارف القاهرة 1946م * تفسير غريب القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1958م * تفسير القرآن العظيم الحافظ ابن كثير دار إحياء الكتب العربية القاهرة * التسهيل لعلوم التنزيل: تفسير ابن جزرى الأندلسى تحقيق إبراهيم عطوة عوض، ومحمد عبد المنعم اليونسى طبعة دار الكتب الحديثة 1971م * تفسير النسفى. عبد الله بن أحمد النسفى دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1955 * تكمله الصلة ابن الأثير ضبط عزت العطار الحسنى القاهرة 1955م * تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلانى مطبعة دار المعارف بالهند الطبعة الأولى 1327هـ * التيسير فى القراءات السبع أبو عمرو الدانى تصحيح آتو برتزل (المصورة عن طبعة استنبول 1930) مكتبة المثنى بغداد * الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبى) مطبعة دار الكتب القاهرة 1946م * جذوة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس: أبو عبد الله الحميدى تحقيق محمد بن تاويت الطنجى مكتبة نشر الثقافة الإسلامية القاهرة 1371هـ * الجرح والتعديل: ابن أبى حاتم. مطبعة دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولى 1952م * جمهرة أنساب العرب ابن حزم تحقيق: إحسان عباس. وناصر الدين الأسد دار المعارف القاهرة * جمهرة اللغة: ابن دريد: مطبعة دائرة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1344هـ * جوامع السيرة: ابن حزم. تحقيق د. إحسان عباس و. ناصر الدين الأسد. دار المعارف القاهرة * الحجة فى علل القراءات: أبو على الفارسى * تحقيق الاستاذ على النجدى ناصف. د. عبد الحليم النجار. د عبد الفتاح شلبى القاهرة 1965م
* الحجة فى القراءات السبع (المنسوب إلى ابن خالويه) تحقيق د. عبد العال سالم مكرم دار الشروق بيروت * خزانة الأدب عبد القادر البغدادى مطبعة بولاق الطبعة الأولى مصر * الخصائص: ابن جنى. تحقيق محمد على النجار المصورة دار الهدى بيروت * خلاصة تذهيب تهذيب الكمال. أحمد الخزرجى الأنصارى المطبعة الخيرية الطبعة الأولى 1322هـ * الدر المنثور فى التفسير المأثور. السيوطى مصر * ديوان الأخطل بتعليق الأب أنطون الصالحانى اليسوعى المطبعة الكاثوليكية بيروت 1891م * ديوان العجاج تحقيق د. عزة حسن دار الشرق سورية 1971م * ديوان لبيد: لبيد بن ربيعة. تحقيق د إحسان عباس الكويت 1962م * رحلة التجانى. عبد الله التجانى تقديم حسن حسنى عبد الوهاب المطبعة الرسمية تونس 1958م رساله المفاضلة بين الصحابة. أبو محمد بن حزم تحقيق الأستاذ سعيد الأفغانى الطبعة الثانية دار الفكر بيروت 1969م * رسالة الغفران: أبو العلاء المعرى. تحقيق د عائشة عبد الرحمن دار المعارف القاهرة 1963م * زاد المسير فى علم التفسير ابن الجوزى المكتب الإسلامى الطبعة الأولى: دمشق سوريا * سنن الترمذى: تعليق وإشراف عزت عبيد الدعاس مطابع الفجر الحديثة: حمص سوريا * سنن الترمذى. تحقيق شاكر وعبد الباقى وإبراهيم عطوة عوض شركة مصطفى الحلبى * سنن النسائى. تصحيح الشيخ حسن محمد المسعودى المطبعة المصرية بالأزهر مصر * سير أعلام النبلاء: الذهبى * شرح المفصل: ابن يعيش * شرح الشاطبية: تأليف شعلة * شرح الشاطبية: ابن القاصح * شرح الشاطبية: الجعبرى * شرح الشاطبية: السيوطى * شرح الشاطبية: الضباع * صحيح البخارى: الطبعة الأوربية * صحيح مسلم: دار الطباعة العامرة * الصلة: ابن بشكوال مكتب نشر الثقافة الإسلامية
* الطبقات: خليفه بن خياط وزارة الثقافة السورية * الطبقات الكبرى: ابن سعد * غاية النهاية فى طبقات القراء لابن الجزرى الخانجى * فتح البارى شرح البخارى لابن حجر * الفهرست لابن النديم * فهرس شواهد سيبويه * فوائد من درة الغواص: الحريرى * القاموس المحيط: الفيروزآبادي * الكامل فى اللغة والأدب: المبرد * الكتاب: سيبويه * الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل الزمخشرى * غرائب القرآن ورغائب الفرقان: النيسابورى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * اللباب فى تهذيب الأنساب ابن الأثير * اللسان لابن منظور * مجاز القرآن أبو عبيدة * مسائل الرازى وأجوبتها عبد القادر بن أبى بكر الرازى الحنفى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القرآن (ابن جنى) * مختصر فى شواذ القراءات ابن خالويه * مراتب النحويين. أبو الطيب اللغوى * المعجم الصوفى تاليف الدكتورة سعاد حكيم بيروت لبنان * المزهر فى اللغة: السيوطى * مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل * مسند الإمام الشافعى * معجم الأدباء. ياقوت(1/30)
تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1957م * بغية الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس: أحمد بن يحيى الضبى دار الكاتب العربى القاهرة 1967 * بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة: السيوطى تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1964م * تأويل مشكل القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1954م * تاريخ الإسلام وطبقات مشاهير الأعلام الذهبى مكتبة القدسى مصر 1367هـ * تاريخ بغداد أحمد بن على البغدادى. مطبعة السعادة القاهرة 1931م
* التاريخ الكبير البخارى مطبعة حيدرآباد 1361هـ * تذكرة الحفاظ الذهبى المصورة عن المطبوعة بالهند. دار إحياء التراث بيروت * تعجيل المنفعة. ابن حجر مطبعة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1324هـ * التعريفات على بن محمد الجرجانى مطبعة محمد أسعد قسطنطينية 1300هـ * تفسير الطبرى. ابن جرير الطبرى تحقيق محمود محمد شاكر ومراجعة أحمد محمد شاكر دار المعارف القاهرة 1946م * تفسير غريب القرآن. ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1958م * تفسير القرآن العظيم الحافظ ابن كثير دار إحياء الكتب العربية القاهرة * التسهيل لعلوم التنزيل: تفسير ابن جزرى الأندلسى تحقيق إبراهيم عطوة عوض، ومحمد عبد المنعم اليونسى طبعة دار الكتب الحديثة 1971م * تفسير النسفى. عبد الله بن أحمد النسفى دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1955 * تكمله الصلة ابن الأثير ضبط عزت العطار الحسنى القاهرة 1955م * تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلانى مطبعة دار المعارف بالهند الطبعة الأولى 1327هـ * التيسير فى القراءات السبع أبو عمرو الدانى تصحيح آتو برتزل (المصورة عن طبعة استنبول 1930) مكتبة المثنى بغداد * الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبى) مطبعة دار الكتب القاهرة 1946م * جذوة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس: أبو عبد الله الحميدى تحقيق محمد بن تاويت الطنجى مكتبة نشر الثقافة الإسلامية القاهرة 1371هـ * الجرح والتعديل: ابن أبى حاتم. مطبعة دائرة المعارف العثمانية الطبعة الأولى 1952م * جمهرة أنساب العرب ابن حزم تحقيق: إحسان عباس. وناصر الدين الأسد دار المعارف القاهرة * جمهرة اللغة: ابن دريد: مطبعة دائرة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1344هـ * جوامع السيرة: ابن حزم. تحقيق د. إحسان عباس و. ناصر الدين الأسد. دار المعارف القاهرة * الحجة فى علل القراءات: أبو على الفارسى * تحقيق الاستاذ على النجدى ناصف. د. عبد الحليم النجار. د عبد الفتاح شلبى القاهرة 1965م
* الحجة فى القراءات السبع (المنسوب إلى ابن خالويه) تحقيق د. عبد العال سالم مكرم دار الشروق بيروت * خزانة الأدب عبد القادر البغدادى مطبعة بولاق الطبعة الأولى مصر * الخصائص: ابن جنى. تحقيق محمد على النجار المصورة دار الهدى بيروت * خلاصة تذهيب تهذيب الكمال. أحمد الخزرجى الأنصارى المطبعة الخيرية الطبعة الأولى 1322هـ * الدر المنثور فى التفسير المأثور. السيوطى مصر * ديوان الأخطل بتعليق الأب أنطون الصالحانى اليسوعى المطبعة الكاثوليكية بيروت 1891م * ديوان العجاج تحقيق د. عزة حسن دار الشرق سورية 1971م * ديوان لبيد: لبيد بن ربيعة. تحقيق د إحسان عباس الكويت 1962م * رحلة التجانى. عبد الله التجانى تقديم حسن حسنى عبد الوهاب المطبعة الرسمية تونس 1958م رساله المفاضلة بين الصحابة. أبو محمد بن حزم تحقيق الأستاذ سعيد الأفغانى الطبعة الثانية دار الفكر بيروت 1969م * رسالة الغفران: أبو العلاء المعرى. تحقيق د عائشة عبد الرحمن دار المعارف القاهرة 1963م * زاد المسير فى علم التفسير ابن الجوزى المكتب الإسلامى الطبعة الأولى: دمشق سوريا * سنن الترمذى: تعليق وإشراف عزت عبيد الدعاس مطابع الفجر الحديثة: حمص سوريا * سنن الترمذى. تحقيق شاكر وعبد الباقى وإبراهيم عطوة عوض شركة مصطفى الحلبى * سنن النسائى. تصحيح الشيخ حسن محمد المسعودى المطبعة المصرية بالأزهر مصر * سير أعلام النبلاء: الذهبى * شرح المفصل: ابن يعيش * شرح الشاطبية: تأليف شعلة * شرح الشاطبية: ابن القاصح * شرح الشاطبية: الجعبرى * شرح الشاطبية: السيوطى * شرح الشاطبية: الضباع * صحيح البخارى: الطبعة الأوربية * صحيح مسلم: دار الطباعة العامرة * الصلة: ابن بشكوال مكتب نشر الثقافة الإسلامية
* الطبقات: خليفه بن خياط وزارة الثقافة السورية * الطبقات الكبرى: ابن سعد * غاية النهاية فى طبقات القراء لابن الجزرى الخانجى * فتح البارى شرح البخارى لابن حجر * الفهرست لابن النديم * فهرس شواهد سيبويه * فوائد من درة الغواص: الحريرى * القاموس المحيط: الفيروزآبادي * الكامل فى اللغة والأدب: المبرد * الكتاب: سيبويه * الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل الزمخشرى * غرائب القرآن ورغائب الفرقان: النيسابورى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * اللباب فى تهذيب الأنساب ابن الأثير * اللسان لابن منظور * مجاز القرآن أبو عبيدة * مسائل الرازى وأجوبتها عبد القادر بن أبى بكر الرازى الحنفى تحقيق إبراهيم عطوة عوض * المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القرآن (ابن جنى) * مختصر فى شواذ القراءات ابن خالويه * مراتب النحويين. أبو الطيب اللغوى * المعجم الصوفى تاليف الدكتورة سعاد حكيم بيروت لبنان * المزهر فى اللغة: السيوطى * مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل * مسند الإمام الشافعى * معجم الأدباء. ياقوت
الحموى * معجم البلدان. ياقوت الحموى
* معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: أبو عبد الله الذهبى * المقتضب المبرد * المقنع فى معرفة مرسوم مصاحف الأمصار أبو عمرو الدانى * الموطأ: مالك ابن أنس، تحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى الحلبى * النجوم الزاهرة: ابن تغرى بردى * نشر المحاسن الغالية: «اليافعى» تحقيق إبراهيم عطوة عوض * النشر فى القراءات العشر: ابن الجزرى * نفح الطيب * النهاية فى غريب الحديث والأثر: ابن الأثير * الوزراء والكتاب: الجهشيارى * وفيات الأعيان: ابن خلكان * هدى السارى: لابن حجر تحقيق إبراهيم عطوة عوض.(1/31)
الحموى * معجم البلدان. ياقوت الحموى
* معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: أبو عبد الله الذهبى * المقتضب المبرد * المقنع فى معرفة مرسوم مصاحف الأمصار أبو عمرو الدانى * الموطأ: مالك ابن أنس، تحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى الحلبى * النجوم الزاهرة: ابن تغرى بردى * نشر المحاسن الغالية: «اليافعى» تحقيق إبراهيم عطوة عوض * النشر فى القراءات العشر: ابن الجزرى * نفح الطيب * النهاية فى غريب الحديث والأثر: ابن الأثير * الوزراء والكتاب: الجهشيارى * وفيات الأعيان: ابن خلكان * هدى السارى: لابن حجر تحقيق إبراهيم عطوة عوض.(1/32)
خطبة الكتاب
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} {فَإِذََا قَرَأْنََاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}
قرآن كريم) بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد الله الذى أسبغ علينا نعمه، وأفاض لدينا مننه. وأنزل إلينا كتابه الذى فصل آياته فأحكمه وأتقنه، وجعلنا من حملته وخدام شرعه الذى علمنا فروضه وسننه. وخصنا بإرسال أكرم الخلق عليه الذى طهر قلبه وأظهر لسنه. وجعل خير الناس أمته، وخير القرون قرنه الذى به قرنه، أبى القاسم، «محمد بن عبد الله» خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، وعلم أوليائه، الذى زان عصره وشرّف زمنه، صلوات الله وسلامه عليه، ما قصد شام شامه، وبلغ يمان يمنه. وعلى آله الأبرار الممتثلين أمره والمقتفين سننه، وعلى أصحابه الكرام الذين منهم من آواه ونصره، ومنهم من هجر لأجله أهله وماله ووطنه، وعلى كل من تبعهم بإحسان، فى جميع الأزمان، ممن اتخذ طاعة ربه سكنه، ووافق فى الصلاح سره علنه، وجعلنا ممن أصغى للمواعظ فى الدنيا أذنه، وأذهب عنه فى الآخرة حزنه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
[أما بعد] فإن أولى ما أفنى فيه المكلف عمره، وعلق به خاطره، وأعمل فيه فكره، تحصيل العلوم النافعة الشرعية، واستعمالها فى الأعمال المرضية. وأهم ذلك علم كتاب الله تعالى، الذى تولى سبحانه حفظه بفضله، وأعجز الخلائق أن يأتوا بمثله، وجعل ذلك برهانا لتصديق رسالة من أنزل عليه، وأخبر أن الباطل لا يأتيه لا من خلفه ولا من بين يديه. ثم العلوم المتعلقة به كثيرة، وفوائد كل علم منها غزيرة، لكن الأهم أوّلا إتقان حفظه، وتقويم لفظه، ولا يحصل ذلك إلا بعد الإحاطة بما صح من قراءاته وثبت من رواياته، ليعلم بأى لفظ يقرأ، وعلى أىّ وجه يروى. والقرآن كلام الله منقول نقل التواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، الذى أنزل إليه، لم يزل فى كل حين وجيل ينقله خلق لا يحصى، ويبحث فى ألفاظه ومعانيه ويستقصى، وإنما يعدّ أهل العلم منهم من كثرت عنايته به، واشتهر عند الناس بسببه.
وذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى فى أوّل كتابه فى القراءات تسمية من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من كبار أئمة المسلمين. فذكر الخلفاء الأربعة، وطلحة وسعدا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالما مولى أبى حذيفة، وأبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن
العاص، وابنه عبد الله، ومعاوية، وابن الزبير، وعبد الله بن السائب وعائشة، وحفصة وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين.(2/3)
وذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى فى أوّل كتابه فى القراءات تسمية من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من كبار أئمة المسلمين. فذكر الخلفاء الأربعة، وطلحة وسعدا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالما مولى أبى حذيفة، وأبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن
العاص، وابنه عبد الله، ومعاوية، وابن الزبير، وعبد الله بن السائب وعائشة، وحفصة وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين.
وذكر من الأنصار: أبىّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبا زيد، ومجمّع ابن حارثة، وأنس بن مالك.
ومن التابعين بالمدينة: ابن المسيب، وعروة، وسالما، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان، وعطاء ابني يسار، ومعاذ بن الحارث الذى يعرف بمعاذ القارئ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وابن شهاب، ومسلم بن جندب، وزيد بن أسلم.
وبمكة عبيد بن عميرة، وعطاء، وطاوسا، ومجاهدا وعكرمة (1)، وابن أبى مليكة وبالكوفة علقمة، والأسود، ومسروقا، وعبيدة، وعمرو بن شرحبيل والحارث بن قيس، والربيع ابن خيثم، وعمرو بن ميمون، وأبا عبد الرحمن السلمى، وزر بن حبيش، وعبيد بن نضلة، وأبا زرعة بن عمرو ابن جرير، وسعيد بن جبير، والنخعى والشعبى.
وبالبصرة: عامر بن عبد بن قيس، وأبا العالية، وأبا رجاء، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وجابر بن زيد، والحسن، وابن سيرين، وقتادة.
وبالشام: المغيرة بن أبى شهاب المخزومى صاحب عثمان بن عفان رضي الله عنه فى القراءة.
قال: ثم تجرد قوم للقراءة فاشتدت بها عنايتهم، وكثر لها طلبهم حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم ويقتدون بهم فيها، وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار الخمسة فى كل مصر ثلاثة رجال. فكان بالمدينة:
أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثم شيبة بن نصاح، ثم نافع بن أبى نعيم، وإليه صارت قراءة أهل المدينة.
وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن محيصن، وأقدمهم ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة.
وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن بهدلة، وسليمان الأعمش ثم تلاهم حمزة رابعا، ثم الكسائى.
وكان بالبصرة: عبد الله بن أبى إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، وإليه صار أهل البصرة فى القراءة واتخذوه إماما، وكان لهم رابغ وهو عاصم الجحدرى.
وكان بالشام: عبد الله بن عامر، ويحيى بن الحارث الذمارى، وثالث نسيت اسمه.
قلت: قيل هو خليد بن سعد صاحب أبى الدرداء. وعندى أنه عطية بن قيس الكلابى أو إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر.
ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا وتفرقوا فى البلاد وانتشروا: وخلفهم أمم بعد أمم عرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم. فمنهم المحكم للتلاوة المعروف بالرواية والدراية. ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بسبب ذلك الاختلاف، وقلّ الضبط واتسع الخرق، والتبس الباطل بالحق، فميز جهابذة العلماء ذلك بتصانيفهم، وحرروه وضبطوه فى تآليفهم: وقد أتقن تقسيم ذلك الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس
__________
(1) هو أبو عبد الله بن عبيد الله التميمى، توفى سنة 118.(2/4)
ابن مجاهد رحمه الله تعالى فى أوّل كتاب السبعة له، ثم قال. والقراءة التى عليها الناس: بالمدينة. ومكة، والكوفة، والبصرة، والشام هى القراءة التى تلقوها عن أوليهم تلقيا وقام بها فى كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه. وتمسكوا بمذاهبه على ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزيد بن ثابت. ثم عن محمد بن المنكدر، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبى رضي الله عنهم، يعنى أنهم قالوا: إن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأوّل، فاقرءوا كما علّمتموه.
قال زيد بن ثابت: القراءة سنة: قال إسماعيل القاضى رحمه الله: أحسبه، يعنى هذه القراءة التى جمعت فى المصحف الكريم.
وذكر عن محمد بن سيرين قال: أنبئت أن القرآن كان يعرض على النبى صلّى الله عليه وسلم كل عام مرة فى شهر رمضان، فلما كان العام الذى توفى فيه عرض عليه مرتين. قال ابن سيرين: فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة.
وعنه عن عبيدة السلمانى قال: القراءة التى عرضت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى العام الذى قبض فيه هى التى يقرؤها الناس اليوم.
قلت: وهذه السّنة التى أشاروا إليها هى ما ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نصا، أنه قرأه أو أذن فيه على ما صح عنه أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلأجل ذلك كثر الاختلاف فى القراءة فى زمانه وبعده إلى أن كتبت المصاحف باتفاق من الصحابة رضي الله عنهم بالمدينة. ونفذت إلى الأمصار، وأمروا باتباعها وترك ما عداها، فأخذ الناس بها وتركوا من تلك القراءات كل ما خالفها وبقوا ما يوافقها نصا أو احتمالا، وذلك لأن المصاحف كتبت على اللفظ الذى أنزل، وهو الذى استقر عليه فى العرضة الأخيرة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما عرضها هو على جبريل عليهما الصلاة والسلام، وكل ذلك ثابت فى الأحاديث الصحيحة مفرقا فى أبوابه. قد وقف على ذلك من له بها عناية.
فمن ذلك ما فى الصحيحين من رواية عائشة عن فاطمة عن أبيها صلّى الله عليه وسلم «أنه أسرّ إليها فى مرض موته أنّ جبريل عليه السّلام كان يعارضنى بالقرآن فى كلّ سنة مرّة، وإنّه عارضنى به العام مرّتين».
وفى صحيح البخارى من حديث أبى صالح عن أبى هريرة قال: «كان يعرض على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القرآن كلّ عام مرّة فعرض عليه مرّتين فى العام الّذى قبض فيه».
وذكر المحققون من أهل العلم بالقراءة ضابطا حسنا فى تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح، فقالوا: كل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهى قراءة صحيحة معتبرة، فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة، أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه أبو محمد مكى رحمه الله تعالى فى تصنيف له مرارا، وهو الحق الذى لا محيد عنه على تفصيل فيه، قد ذكرناه فى موضع غير هذا.
وقد كثرت تصانيف الأئمة فى القراءات المعتبرة والشاذة، ووقع اختيار أكثرهم على الاقتصار على ذكر قراء
سبعة من أئمة الأمصار وهم الذين أجمع عليهم وإن كان الاختلاف أيضا واقعا فيما نسب إليهم. وأوّل من فعل ذلك الإمام أبو بكر بن مجاهد قبيل سنة ثلاثمائة أو فى نحوها، وتابعه بعد ذلك من أتى بعده إلى الآن، وكان من كبار أئمة هذا الشأن. وبعضهم صنف فى قراءة أكثر من هذا العدد، وبعضهم فى أنقص منه.(2/5)
وقد كثرت تصانيف الأئمة فى القراءات المعتبرة والشاذة، ووقع اختيار أكثرهم على الاقتصار على ذكر قراء
سبعة من أئمة الأمصار وهم الذين أجمع عليهم وإن كان الاختلاف أيضا واقعا فيما نسب إليهم. وأوّل من فعل ذلك الإمام أبو بكر بن مجاهد قبيل سنة ثلاثمائة أو فى نحوها، وتابعه بعد ذلك من أتى بعده إلى الآن، وكان من كبار أئمة هذا الشأن. وبعضهم صنف فى قراءة أكثر من هذا العدد، وبعضهم فى أنقص منه.
واختار ابن مجاهد فمن بعده هذا العدد موافقة لقوله عليه الصلاة والسلام:
«إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» فإن كان المراد بها غير ذلك على ما ذكرناه فى كتاب مفرد لذاك، وتأسيا لمصحف الأئمة التى نفذها الصحابة إلى الأمصار، فإنها كانت سبعة على ما نطقت به الأخبار، ووقع اختيارهم من أئمة القراءة على كل مختار.
وتولى شرح كتاب ابن مجاهد فى السبعة، أبو على الفارسى النحوى فى كتاب كبير يسمى [الحجة] وقد أوضح فيه المحجة. وكان قد شرع فيه قبله شيخه أبو بكر بن السراج، فسلك أبو على بعده ذلك المنهاج وهما من كبار أئمة النحويين المحققين المتقنين. ثم شرح كتاب ابن مجاهد فى القراءات الشواذّ أبو الفتح بن جنى صاحب الشيخ أبى علىّ فى كتاب سماه ب [المحتسب] وأتى فيه بكل عجب.
[فصل] فى ذكر القراء السبعة الذين اختار ابن مجاهد قراءتهم، واشتهر ذكرهم فى الآفاق
ومعظم المصنفين فى القراءات يذكرونهم نى أوائل كتبهم، مع طرف من أخبارهم، مختلفين فى ترتيبهم.
ونحن نذكرهم بطريق الاختصار على الترتيب الذى ألفناه بهذه الديار:
الأوّل الإمام أبو عبد الرحمن نافع بن أبى نعيم المدنى رحمه الله، وبه بدأ ابن مجاهد قرأ على سبعين من التابعين. وقال فيه مالك بن أنس الإمام، وصاحبه عبد الله بن وهب: قراءة نافع سنة. وقال الليث بن سعد إمام أهل مصر: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وإمام الناس فى القراءة يومئذ نافع بن أبى نعيم. وقال:
أدركت أهل المدينة وهم يقولون: قراءة نافع سنة. وقال ابن أبى أويس: قال لى مالك: قرأت على نافع.
الثانى: أبو معبد عبد الله بن كثير المكى رحمه الله: قرأ على مجاهد وغيره من التابعين، وقيل إنه قرأ على عبد الله بن السائب المخزومى، وله صحبة. وقرأ عليه جماعة من أئمة أهل البصرة مع جلالتهم: كأبى عمرو بن العلا وعيسى بن عمر، والخليل بن أحمد، وحماد بن أبى سلمة، وابن زيد، وحديثه مخرّج فى الصحيحين. ونقل الإمام أبو عبد الله الشافعى قراءته، وأثنى عليها، وقرأ على صاحبه إسماعيل بن قسطنطين قارئ أهل مكة، وقال قراءتنا قراءة عبد الله بن كثير، وعليها وجدت أهل مكة، من أراد التمام فليقرأ لابن كثير.
الثالث: أبو عمرو بن العلاء البصرى، رحمه الله تعالى. أغزرهم علما وأثقبهم فهما. قرأ على جماعة جلة من التابعين، من أهل الحجاز والعراق، كمجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ويحيى بن يعمر، وأبى العالية. واشتهرت قراءته فى البلاد، وأخبر مثل سفيان بن عيينة قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علىّ القراءات، فبقراءة من تأمرنى أن أقرأ؟ قال اقرأ بقراءة أبي عمرو
ابن العلاء. وقال أحمد بن حنبل فى إحدى الروايات عنه: قراءة أبى عمرو أحب القراءات إلىّ، هى قراءة قريش، وقراءة الفصحاء.(2/6)
الثالث: أبو عمرو بن العلاء البصرى، رحمه الله تعالى. أغزرهم علما وأثقبهم فهما. قرأ على جماعة جلة من التابعين، من أهل الحجاز والعراق، كمجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ويحيى بن يعمر، وأبى العالية. واشتهرت قراءته فى البلاد، وأخبر مثل سفيان بن عيينة قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علىّ القراءات، فبقراءة من تأمرنى أن أقرأ؟ قال اقرأ بقراءة أبي عمرو
ابن العلاء. وقال أحمد بن حنبل فى إحدى الروايات عنه: قراءة أبى عمرو أحب القراءات إلىّ، هى قراءة قريش، وقراءة الفصحاء.
الرابع: أبو عمران: عبد الله بن عامر الدمشقى رحمه الله تعالى، هو أسنّ القراء السبعة وأعلاهم إسنادا.
قرأ على جماعة من الصحابة: حتى قيل إنه قرأ على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأنه ولد فى حياة النبى صلّى الله عليه وسلم. وممن قرأ هو عليه من الصحابة، معاوية، وفضالة بن عبيد، ووائلة بن الأسقع، وأبو الدرداء رضي الله عنهم. فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر وقام مقامه، واتخذه أهل الشام إماما، وحديثه مخرّج فى صحيح مسلم. ومن رواته الآخذين عن أصحاب أصحابه: هشام بن عمار أحد شيوخ أبى عبد الله البخارى رحمهم الله.
الخامس: أبو بكر عاصم بن أبى النجود الكوفى رحمه الله. قرأ على أبى عبد الرحمن السلمى، وزر بن حبيش، وكانا من أصحاب عثمان، وعلى، وابن مسعود، وأبىّ بن كعب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم على تفصيل فى ذلك.
وجلس عاصم للإقراء بعد وفاة أبى عبد الرحمن. وروى عنه الحديث والقرآن قبل سنة مائة، وكانت قراءته عندهم جليلة خطيرة مختارة. وقال صالح بن أحمد بن حنبل: سألت أبى أىّ القراءات أحب إليك؟
قال: قراءة نافع. قلت: فإن لم توجد. قال: قراءة عاصم. وفى رواية أخرى: قال أهل الكوفة يختارون قراءته وأنا أختارها.
السادس: أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات رحمه الله، من رجال صحيح مسلم، وهو إمام أهل الكوفة بعد عاصم، قرأ عليه جماعة من أئمة أهل الكوفة وأثنوا عليه فى زهده وورعه، منهم سفيان الثورى، وشريك ابن عبد الله، وشعيب بن حرب، وعلى بن صالح، وجرير بن عبد الحميد، ووكيع وغيرهم. ولم يوصف أحد من السبعة القراء بما وصف به حمزة من الزهد والتحرز عن أخذ الأجر على القرآن، حتى إن جرير ابن عبد الحميد قال: مربى حمزة الزيات فى يوم شديد الحر، فعرضت عليه الماء ليشرب فأبى لأنى كنت أقرأ عليه القرآن.
السابع: أبو الحسن علىّ بن حمزة الكسائى إمام نحاة الكوفة عنه أخذ القراء وغيرهم، وانتهت إليه الرئاسة فى القراءة بعد حمزة، وبلغ عند هارون الرشيد منزلة عظيمة: وكان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم، وينقطون مصاحفهم بقراءته. وقال الإمام الشافعى رضي الله عنه: من أراد أن يتبحر فى النحو فهو عيال على الكسائى.
وقال إسماعيل بن جعفر المدنى، وهو من كبار أصحاب نافع: ما رأيت أقرأ لكتاب الله من الكسائى. ورؤى رحمه الله فى المنام، فقيل له: ما فعل الله بك، قال غفر لى، وفى رواية: رحمنى ربى بالقرآن، وفى رواية إلى ماذا صرت؟ قال: إلى الجنة، قيل له ما فعل حمزة الزيات، وسفيان الثورى؟ قال: فوقنا، ما نراهم إلا كالكوكب الدرى. وفى أخرى قال: غفر لي وأكرمنى، وجمع بينى وبين النبى محمد صلّى الله عليه وسلم فقال: ألست علىّ ابن حمزة الكسائى؟ فقلت نعم (1)، فقال: اقرأ فقرأت:
{(وَالصَّافََّاتِ صَفًّا)} حتى بلغت {(شِهََابٌ ثََاقِبٌ} [2]).
فقال لى: لأباهين بك الأمم يوم القيامة، فهؤلاء هم السبعة القراء الذين أطبق عليهم أهل الأداء.
__________
(1) فقلت نعم: الصواب أن يقال بلى.
(2) سورة الصافات، آية: 1، آية: 10الصافات أيضا.(2/7)
وقد كثرت التصانيف بعد ابن مجاهد فى ذكر قراءتهم، وهى من بين مصنّف وجيز، وكتاب مطول، يجمع طرقهم وأخبارهم ورواياتهم، وآل الأمر إلى أن صنف كتاب التيسير لأبى عمرو الدانى رحمه الله فاعتمد عليه، وصرفت العناية إليه، لما فيه من التنقيح والاختيار والتحرير والاختصار.
ثم إن الله تعالى سهل هذا العلم على طالبيه بما نظمه الشيخ الإمام العالم الزاهد أبو القاسم الشاطبى رحمه الله من قصيدته المشهورة المنعوتة بحرز الأمانى، التى نبغت فى آخر الدهر أعجوبة لأهل العصر، فنبذ الناس سواها من مصنفات القراءات، وأقبلوا عليها لما حوت من ضبط المشكلات وتقييد المهملات، مع صغر الحجم وكثرة العلم، وإنما شهرها بين الناس وشرحها وبين معانيها وأوضحها، ونبه على قدر ناظمها، وعرّف بحال عالمها، شيخنا الإمام العلامة علم الدين، بقية مشايخ المسلمين، أبو الحسن على بن محمد هذا الذى ختم به الله العلم مع علوّ المنزلة فى الثقة والفهم، جزاه الله عنا أفضل الجزاء، وجمع بيننا وبينه فى دار النعيم والبقاء، فلما تبين أمرها وظهر سرها تعاطى جماعة شرحها، ولم ينصفوا من أباحهم سرحها، ورقاهم صرحها، وهى أوّل مصنف وجيز حفظته بعد الكتاب العزيز، وذلك قبل بلوغ الحلم وجريان القلم، ولم أزل من ذلك الزمان إلى الآن طالبا إتقان معرفة ما احتوت عليه من المعانى، وإبراز ما أودع فى ذلك الحرز من الأمانى، وكل حين ينفتح لى من فوائدها باب، ومن معانيها ما لم يكن فى حساب. وكنت سمعت شيخنا أبا الحسن على بن محمد المذكور، يحكى عن ناظمها شيخه الشاطبى رحمهما الله مرارا أنه قال كلاما ما معناه: لو كان فى أصحابى خير أو بركة لاستنبطوا من هذه القصيدة معانى لم تخطر لى.
ثم إنى رأيت الشيخ الشاطبى رحمه الله فى المنام وقلت له: يا سيدى حكى لنا عنك الشيخ أبو الحسن السخاوى أنك قلت كيت وكيت، فقال صدق. وحكى لنا بعض أصحابنا أنه سمع بعض الشيوخ المعاصرين للشاطبى يقول:
لمته فى نظمه لها لقصور الأفهام عن دركها فقال لى: يا سيدى هذه يقيض الله لها فتى يبينها أو كما قال: قال فلما رأيت السخاوى قد شرحها علمت أنه ذلك الفتى الذى أشار إليه.
قلت: ثم إن الله تعالى فتح على من مراجعته وبركات محاضرته معانى لم يودعها كتابه ولم يعرفها أصحابه، فأردت تدوينها مع استقصاء شرح للأبيات معنى ولفظا، وذكر ما يتعلق بها مما رأيت لها منه قسما وحظا، فابتدأت ذلك فى كتاب كبير بلغت فيه [باب الهمزتين من كلمة] فى نحو مجلدة بخطى محكمة، ثم إنى فكرت فى قصور الهمم، وتغيير الشيم، وطولبت بتتميمه فاستقصرت العمر عن تلك الهمة مع ما أنا بصدده من تصانيف مهمة، فشرعت فى اختصار ذلك الطويل واقتصرت مما فيه على القليل، فلا تهملوا أمره لكونه صغيرا حجما، فإنه كما قيل: كنيف ملئ علما، وسميته:
[إبراز المعانى من حرز الأمانى] وقد أخبرنى بهذه القصيدة عن ناظمها جماعة من أصحابه، وقرأتها على شيخنا أبى الحسن المذكور مرارا، وأخبرنى أنه قرأها على ناظمها غير مرة، ومات رحمه الله سنة تسعين وخمسمائة فى جمادى الآخرة، ومولده فى آخر سنة ثان وثلاثين وخمسمائة فيكون عمره أقل من اثنتين وخمسين سنة.
قال تغمده الله برحمته وجمع بيننا وبينه فى جنته:(2/8)
[إبراز المعانى من حرز الأمانى] وقد أخبرنى بهذه القصيدة عن ناظمها جماعة من أصحابه، وقرأتها على شيخنا أبى الحسن المذكور مرارا، وأخبرنى أنه قرأها على ناظمها غير مرة، ومات رحمه الله سنة تسعين وخمسمائة فى جمادى الآخرة، ومولده فى آخر سنة ثان وثلاثين وخمسمائة فيكون عمره أقل من اثنتين وخمسين سنة.
قال تغمده الله برحمته وجمع بيننا وبينه فى جنته:
1 [بدأت ببسم الله فى النّظم أوّلا ... تبارك رحمانا رحيما وموئلا]
أى قدمت لفظ «بسم الله الرحمن الرحيم» فى أوّل نظمى هذا، يقال: بدأت بكذا إذا قدمته فالباء الأولى لتعدية الفعل، والثانية هى التى فى أول البسملة: أى بدأت بهذا اللفظ. والنظم: الجمع، ثم غلب على جمع الكلمات التى انتظمت شعرا، فهو بمعنى منظوم، أو مصدر بحاله واللام فى النظم للعهد المعلوم من جهة القرينة، وهى قائمة مقام الإضافة كقوله تعالى:
{(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ)} (1).
أى أدنى أرض العرب أى فى نظمى، نزله منزلة المعروف المشهور تفاؤلا له بذلك، أو أراد فى هذا النظم، نزله منزلة الموجود الحاضر فأشار إليه كقوله تعالى:
{(هََذََا مِنْ شِيعَتِهِ وَهََذََا مِنْ عَدُوِّهِ)} (2).
أو يكون المصدر فى موضع الحال أى منظوما وأوّلا نعت مصدر محذوف: أى فى أن نظمت نظما أوّل أى أنه مبتكر لم يسبق إليه وهو نظم قصيدة على روى واحد فى مذاهب القراء السبعة موجزة بسبب ما اشتملت عليه من الرموز، وقد تشبه به قوم فى زماننا. فمنهم من سلك مسلكه مختصرا لها، ومنهم من غير الرموز بغيرها، ومنهم من نظم فى مذاهب القراء العشرة. زاد رواية أبى جعفر المدنى، ويعقوب الحضرمى وخلف البزار فيما اختار: والفضل للمتقدم الذى هو أتقى وأعلم، فالألف فى قوله أوّلا على هذا الوجه للإطلاق لأنه غير منصرف.
ويجوز أن تكون الألف بدلا من التنوين على أن يكون أوّلا ظرف زمان عامله بدأت أو النظم أى بدأت فى أوّل نظمى «بسم الله» أو بدأت «بسم الله» فى نظمى الواقع أوّلا، فهو كقول الشاعر:
فساغ لى الشّراب وكنت قبلا (3)
والبركة كثرة الخير وزيادته واتساعه، وشيء مبارك: أى زائد نام، وما لا يتحقق فيه ذلك يقدر فى لازمه وما يتعلق به كقوله تعالى:
{«وَهََذََا ذِكْرٌ مُبََارَكٌ أَنْزَلْنََاهُ»} (4)، {«إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبََارَكَةٍ»} (5).
أى كثير خير ذلك وما يتعلق به من الأجر، وتبارك تفاعل منه كتعاظم من العظمة، وتعالى من العلو. وقيل إنه فعل لم يتصرف أصلا، لا يقال يتبارك وغيره. ثم كمل لفظ البسملة بقوله «رحمانا رحيما» وزاد قوله «وموئلا» وهذا المعنى زاد دخول الواو فيها حسنا، والموئل. المرجع والملجأ، وهو وإن لم يكن لفظه ثابت الإطلاق على الله تعالى من حيث النقل فمعناه ثابت نحو:
{(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [6])، {(وَإِلَى اللََّهِ الْمَصِيرُ} [7]).
__________
(1) سورة الروم، آية: 3.
(2) سورة القصص، آية: 15.
(3) البيت ليزيد بن الصعق لا كما نسب إلى عبد الله بن يعرب وأتى الشارح بصدره مستشهدا به وتمامه أكاد أغص بالماء الفرات، والصواب الحميم.
(4) الأنبياء، آية: 50.
(5) سورة الدخان آية: 3.
(6) سورة يونس، آية: 4.
(7) سورة فاطر، آية: 18.(2/9)
وانتصاب الثلاثة على التمييز أو الحال: أى تبارك من رحمن رحيم، أو فى حال كونه كذلك، أو يكنّ منصوبات على المدح وتم الكلام على تبارك وهذا نحو قولهم: الحمد لله الحميد، ويتعلق بهذا البيت أبحاث كثيرة ذكرناها فى الكبير، واستوفينا ما يتعلق بشرح البسملة فى كتاب مفرد وغيره، والله أعلم:
2 [وثنّيت صلّى الله ربّى على الرّضا ... محمّد المهدى إلى النّاس مرسلا]
أى ثنيت بصلى الله: أى بهذا اللفظ كما قال بدأت ببسم الله، أو على إضمار القول، أى بقولى «صلى الله» أو ثنيت بالصلاة فقلت صلى الله، فموضع صلى الله نصب على إسقاط الخافض فى الوجه الأوّل، وعلى أنه مفعول مطلق أو مفعول به إن قلنا إنه على إضمار القول، وصلى الله لفظه خبر معناه دعاء «والرضى» بمعنى ذى الرضى أى الراضى من قوله تعالى:
{(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ََ)} (1).
أو المرضى: أى الذى ارتضاه الله تعالى أو الذى يرضيه يوم القيامة: أى يعطيه ما يرضيه من الشفاعة وغيرها فيرضى. وقرئ قوله تعالى فى آخر طه:
{(لَعَلَّكَ تَرْضى ََ} [2]).
بفتح التاء وضمها جمعا بين المعنيين، وقوله «محمد» بدل أو عطف بيان، والمهدى، اسم مفعول، من أهديت الشيء فهو مهدى، لأن الله تعالى أهداه إلى خلقه تحفة لهم فأنقذ به من أسعده من النار، وأدخله الجنة مع الأبرار.
وعن الأعمش عن أبى صالح قال: «كان النبى رسول الله صلّى الله عليه يناديهم:
«يا أيّها النّاس إنّما أنا رحمة مهداة».
أخرجه أبو محمد الدارمى فى مسنده هكذا منقطعا، وروى موصولا بذكر أبى هريرة فيه، وفى معناه قوله تعالى:
{(وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا رَحْمَةً لِلْعََالَمِينَ)} (3).
ومرسلا حال من الضمير فى المهدى. ويجوز أن يكون تمييزا كما سبق فى تبارك رحمانا: أى المهدى إرساله والله أعلم:
3 [وعترته ثم الصّحابة ثمّ من ... تلاهم على الإحسان بالخير وبّلا]
سئل مالك بن أنس رحمه الله عن عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: هم أهله الأدنون وعشيرته الأقربون. وقال الجوهرى: عترة الإنسان نسله ورهطه الأدنون.
قلت: وهو معنى قول الليث عترة الرجل أولياؤه، يعنى الذين ينصرونه ويهتمون لأمره ويعنون بشأنه،
__________
(1) سورة الضحى، آية: 4.
(2) سورة طه، آية: 130.
(3) سورة الأنبياء، آية: 107(2/10)
وليس مراد الناظم بالعترة جمع من يقع عليه هذا الاسم من عشيرة النبى صلّى الله عليه وسلم، وإنما مراده المؤمنون منهم وهم الذين جاء فيهم الحديث:
«وإنّى تارك فيكم ثقلين: كتاب الله وعترتى» وفى رواية موضع عترتى «وأهل بيتى».
وكأن ذلك تفسير للعترة، وأهل بيته: هم آله من أزواجه وأقاربه. وقد صح:
«أنّ النّبىّ صلّى الله عليه وسلم سئل عن كيفية الصّلاة عليه فقال: قولوا اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد» وفى رواية «على محمّد وعلى أزواجه وذرّيته».
فكأنه فسر الآل بما فى الحديث الآخر، فلهذا لما صلى على النبى صلى على عترته ثم على الصحابة وإن كان بعضهم داخلا فى العترة ليعم الجميع، ثم على التابعين لهم بإحسان. ومعنى «تلاهم» تبعهم، وقوله «على الإحسان» أى على طلب الإحسان، أو على طريقة الإحسان، أو على ما فيهم من الإحسان، أو يكون على بمعنى الباء كما يأتى فى قوله «وليس على قرآنه متأكلا» وفى تلا ضمير مفرد مرفوع مستتر عائد على لفظ من، ووبلا جمع وابل:
وهو المطر الغزير وأصله الصفة ولذلك جمع على فعل كشاهد وشهد، وهو منصوب على الحال من أحد الضميرين فى تلاهم: إما المرفوع العائد على التابعين، وإما المنصوب العائد على الصحابة أى مشبهين الوبل فى كثرة خيرهم، أو يكون حالا منهما معا كقولك لقيته راكبين، فإن كان حالا من المرفوع المفرد فوجه جمعه حمله على معنى من وبالخير متعلق بوبلا من حيث معناه أى جائدين بالخير. ويجوز أن يتعلق بتلا أى تبعوهم بالخير على ما فيهم من الإحسان، وإن جعلنا على بمعنى الباء كان قوله بالخير على هذا التقدير كالتأكيد له والتفسير، والله أعلم:
4 [وثلّثت أنّ الحمد لله دائما ... وما ليس مبدوءا به أجذم العلا]
وثلثت مثل ثنيت فى أنه فعل يتعدّى بحرف الجر فيجوز فى أن بعدها الفتح والكسر، فالفتح على تقدير بأن الحمد، والكسر على معنى فقلت إن الحمد لله «ودائما» بمعنى ثابتا وهو حال من الحمد، أو من اسم الله، أو نعت مصدر محذوف أى حمدا مستمرا وما مبتدأ وهى موصولة، وليس مبدوءا به صلتها واسم ليس ضمير مستتر يعود على ما، ومبدوءا خبرها، والهاء فى به عائدة على الحمد أو على اسم الله تعالى على تقدير بذكره أو باسمه وبه منصوب المحل بمبدوء أو مرفوع مبدوء ضمير عائد على ما: أى وكل كلام ليس ذلك الكلام مبدوءا بالحمد «أجذم العلا» أى مقطوع الأعلى أى ناقص الفضل، فأجذم خبر المبتدإ الذى هو ما، والجزم أصله القطع والعلاء بفتح العين يلزمه المدّ وهو الرفعة والشرف، وأتى به فى قافية البيت على لفظ المقصور، وليس هو من باب قصر الممدود الذى لا يجوز إلا فى ضرورة الشعر، بل يمكن حمله على وجه آخر سائغ فى كل كلام نثرا كان أو نظما، وذلك أنه لما وقف أسكن الهمزة ثم إنه قلبها ألفا، فاجتمع ألفان فحذف أحدهما، كما يأتى فى باب وقف حمزة وهشام على نحو السماء والدعاء، وهكذا نقول فى كل ما ورد فى هذه القصيدة من هذا الباب فى قوافيها كقوله «فتى العلا، أحاط به الولا، فتنجو من البلا» وإن افتحوا الجلا بعد على الولا عن جلا أماما يأتى فى حشو الأبيات كقوله «وحق لوى باعد وما لى سما لوى ويا خمس أجرى» فلا وجه لذلك إلا أنه من باب قصر الممدود ثم يجوز فى موضع العلا أن يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا لأن أجذم العلا من باب حسن الوجه فهو كما فى بيت النابغة:
أجبّ الظهر ليس له سنام (1)
يروى الظهر بالحركات الثلاث، وأشار بما فى عجز هذا البيت إلى حديث خرّجه أبو داود فى سننه عن أبى هريرة قال قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلم:(2/11)
4 [وثلّثت أنّ الحمد لله دائما ... وما ليس مبدوءا به أجذم العلا]
وثلثت مثل ثنيت فى أنه فعل يتعدّى بحرف الجر فيجوز فى أن بعدها الفتح والكسر، فالفتح على تقدير بأن الحمد، والكسر على معنى فقلت إن الحمد لله «ودائما» بمعنى ثابتا وهو حال من الحمد، أو من اسم الله، أو نعت مصدر محذوف أى حمدا مستمرا وما مبتدأ وهى موصولة، وليس مبدوءا به صلتها واسم ليس ضمير مستتر يعود على ما، ومبدوءا خبرها، والهاء فى به عائدة على الحمد أو على اسم الله تعالى على تقدير بذكره أو باسمه وبه منصوب المحل بمبدوء أو مرفوع مبدوء ضمير عائد على ما: أى وكل كلام ليس ذلك الكلام مبدوءا بالحمد «أجذم العلا» أى مقطوع الأعلى أى ناقص الفضل، فأجذم خبر المبتدإ الذى هو ما، والجزم أصله القطع والعلاء بفتح العين يلزمه المدّ وهو الرفعة والشرف، وأتى به فى قافية البيت على لفظ المقصور، وليس هو من باب قصر الممدود الذى لا يجوز إلا فى ضرورة الشعر، بل يمكن حمله على وجه آخر سائغ فى كل كلام نثرا كان أو نظما، وذلك أنه لما وقف أسكن الهمزة ثم إنه قلبها ألفا، فاجتمع ألفان فحذف أحدهما، كما يأتى فى باب وقف حمزة وهشام على نحو السماء والدعاء، وهكذا نقول فى كل ما ورد فى هذه القصيدة من هذا الباب فى قوافيها كقوله «فتى العلا، أحاط به الولا، فتنجو من البلا» وإن افتحوا الجلا بعد على الولا عن جلا أماما يأتى فى حشو الأبيات كقوله «وحق لوى باعد وما لى سما لوى ويا خمس أجرى» فلا وجه لذلك إلا أنه من باب قصر الممدود ثم يجوز فى موضع العلا أن يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا لأن أجذم العلا من باب حسن الوجه فهو كما فى بيت النابغة:
أجبّ الظهر ليس له سنام (1)
يروى الظهر بالحركات الثلاث، وأشار بما فى عجز هذا البيت إلى حديث خرّجه أبو داود فى سننه عن أبى هريرة قال قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«كلّ كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم».
قال الخطابى: معناه المنقطع الأبتر الذى لا نظام له. قلت: وروى هذا الحديث مرسلا، وروى «أقطع» موضع أجذم وروى:
(لم يبدأ فيه بذكر الله).
فتكون البسملة على هذا إذا اقتصر عليها مخرجة من عهدة العمل بهذا الحديث، ولو أن الناظم رحمه الله قال وثنيت أن الحمد، وثلثت صلى الله لكان أولى تقديما لذكر الله تعالى على ذكر رسوله صلّى الله عليه وسلم.
ووجه ما ذكر أنه أراد أن يختم خطبته بالحمدلة، فإن ذكر الله تعالى قد سبق بالبسملة فهو كقوله سبحانه فى آخر سورة والصافات:
{(وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} [2]) والله أعلم.
5 [وبعد فحبل الله فينا كتابه ... فجاهد به حبل العدا متحبّلا]
بعض ما جاء فى فضائل القرآن وفضل قراءته
أى وبعد هذه الخطبة أذكر بعض ما جاء فى فضائل القرآن العزيز وفضل قرّائه «وحبل الله مبتدأ، وفينا» متعلق به من حيث المعنى على ما نفسر به الحبل، أو يكون صلة لموصول محذوف أى الذى فينا، وكتابه خبر فحبل.
ويجوز أن يكون فينا هو الخبر وكتابه خبر مبتدإ محذوف أى هو كتابه والفاء فى: فحبل رابطة للكلام بما قبله ومانعة من توهم إضافة بعد إلى حبل، والعرب تستعير لفظ الحبل فى العهد والوصلة والمودّة وانقطاعه فى نقيض ذلك فلذلك استعير للقرآن العزيز، لأنه وصلة بين الله تعالى وبين خلقه، من تمسك به وصل إلى دار كرامته.
وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره فى تفسير قوله عز وجل:
{(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللََّهِ جَمِيعاً)} (3).
أنه القرآن. وفى كتاب الترمذى من حديث الحارث الأعور عن على رضي الله عنه فى حديث طويل فى وصف القرآن قال:
«هو حبل الله المتين».
وفى كتاب أبى بكر بن أبى شيبة فى ثواب القرآن عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض».
__________
(1) وقبله قوله: ونمسك بعده بذناب عبس
(2) سورة الصافات، آخر آية.
(3) سورة آل عمران آية: 103.(2/12)
وفيه عن ابن شريح الخزاعى أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«إنّ هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسّكوا به».
وقوله «فجاهد به» أى بالقرآن العزيز كما قال تعالى:
{(فَلََا تُطِعِ الْكََافِرِينَ وَجََاهِدْهُمْ بِهِ جِهََاداً كَبِيراً} [1]).
أى بحججه وأدلته وبراهينه والحبل بكسر الحاء الداهية و «متحبلا» حال من فاعل فجاهد، يقال: تحبل الصيد: إذا أخذه بالحبالة، وهى الشبكة واستعمل التجانس فى هذا البيت والذى بعده وهو مما يعدّ من الفصاحة فى الشعر وغيره:
6 [وأخلق به إذ ليس يخلق جدّة ... جديدا مواليه على الجدّ مقبلا]
أخلق به تعجب أى ما أخلقه بالمجاهدة به: أى ما أحقه بذلك، يقال هو خليق بكذا أى حقيق به، وإذ هنا تعليل مثلها فى قوله تعالى:
{(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ)} (2).
ويقال: أخلق الثوب خلق إذا بلى وجدّة تمييز، وهى ضدّ البلى، يستعار ذلك للقرآن العزيز، لما جاء فى الحديث عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا:
«إنّ هذا القرآن حبل الله لا تنقضى عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرّدّ» أخرجه الحافظ البيهقى فى كتاب المدخل أى لا يحدث له البلى ناشئا عن كثرة ترداده وتكراره ومرور الزمان عليه «وجديدا» فعيل من الجدّ بفتح الجيم وهو العظمة والعزة والشّرف، وانتصابه على الحال من ضمير يخلق العائد على القرآن العزيز، أو على المدح «ومواليه» بمعنى مصافيه وملازمه العامل بما فيه وهو مبتدأ و «على الجد» خبره فهى جملة مستأنفة: أى حصل على الجد واستقر عليه. والجد بكسر الجيم ضد الهزل «ومقبلا» حال من الضمير المقدّر فى الخبر الراجع على مواليه: أى استقر على الجدّ فى حال إقباله عليه واحتفاله به عملا وعلما، يشير إلى ما كان الأوّلون عليه من الاهتمام به. ويجوز أن يكون مواليه فاعل جديدا فيكون بمعنى جديدا له، وإن كان حالا من القرآن العزيز لفظا، نحو رأيت زيدا كريما غلامه، وعلى هذا يكون فى على الجد ثلاثة أوجه:
أحدها أن يكون حالا ومقبلا حال بعد حال.
والثانى: أن يكون معمول مقبلا قدم عليه.
والثالث: أن يكون معمول مواليه أى الذى والاه على الجد حصل له العز والشرف، وعند هذا يجوز أن يكون الجد هاهنا من الجد فى الأمر وهو الاجتهاد فيه وهو يئول إلى ضد الهزل، والله اعلم:
7 [وقارئه المرضىّ قرّ مثاله ... كالاترجّ حاليه مريحا وموكلا]
نظم فى هذا البيت ما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
__________
(1) سورة الفرقان، آية: 52.
(2) سورة الزخرف، آية: 39.(2/13)
«مثل المؤمن الّذى يقرأ القرآن مثل الأترجّة ريحها طيّب وطعمها طيّب» الحديث.
فقوله «وقارئه» مبتدأ والمرضى صفته، وأراد به تفسير المؤمن المذكور فى هذا الحديث، لأنه ليس المراد به أصل الإيمان بل أصله ووصفه. وفى كتاب الترمذى من حديث صهيب رضي الله عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم «ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه».
والجملة من قوله «قر مثاله» هى خبر المبتدإ، وقر بمعنى استقر: أى استقر مثاله مشابها للأترج، ويجوز أن يكون المرضى خبر المبتدإ أى لا يعدّ قارئا للقرآن إلا من كان مرضي الطريقة، ثم استأنف جملة فعلية فقال: قر مثاله كالأترج، ويجوز أن يكون قر وحده هو خبر المبتدإ، وفيه ضمير عائد على القارئ: أى قرت عينه، أو استقر أمره بنيل درجات الأبرار، ثم استأنف جملة اسمية بقوله مثاله كالأترج فقوله كالأترج خبر مثاله، وعلى هذا يجوز أن يكون قر دعاء، كما تقول زيد العاقل أقر الله عينه. والأترج بتشديد الجيم والأترنج بالنون لغتان وكلاهما مستقيم فى وزن البيت، وإنما اختار لغة التشديد للفظ الحديث، وحاليه بدل اشتمال من الأترج، ومريحا وموكلا حالان من الأترج، يقال أراح الطيب: إذا أعطى الرائحة، وآكل الزرع وغيره: إذا أطعم، والله أعلم.
8 [هو المرتضى أمّا إذا كان أمّة ... ويمّمه ظلّ الرّزانة قنقلا]
فسر بهذا البيت ما عناه بقوله المرضى فقوله «هو» ضمير القارئ المرضى، أو ضمير القارئ مع الإعراض عن وصفه بالمرضى لأنه أغنى عنه قوله المرتضى أما إلى آخر البيت. ويجوز أن يكون هو المرتضى خبر قوله وقارئه المرضى، وما بينهما من قوله قرّ مثاله آخر البيت اعتراض، وإما تمييز، ومعناه القصد: أى هو المرتضى قصده تيمنا به وانتفاعا بعلمه وكان بمعنى صار، ويقال للرجل الجامع للخير أمة، كأنه قام مقام جماعات لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من المصالح ومنه قوله تعالى:
{(إِنَّ إِبْرََاهِيمَ كََانَ أُمَّةً)} (1).
وقوله ويممه أى قصده، والرزانة الوقار، وقد رزن الرجل بالضم فهو رزين: أى وقور ثابت، واستعار للرزانة ظلا إشارة إلى شمول الوقار له، واستراحته فى ظله، وأمنه من تخليط الناقص من عقله، وجعل الرزانة هى التى تقصده، كأنها تفتخر به وتتزين، بأن تظله لكثرة خلال الخير فيه، مبالغة فى مدحه، وفى الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«من جمع القرآن متّعه الله بعقله حتّى يموت».
وعن عبد الملك بن عمير قال: كان يقال: إن أبقى الناس عقولا قراء القرآن، وقنقلا حال من ظل الرزانة:
أى مشبها قنقلا، وكذا يقدر فى ما جاء مثله مما هو منصوب على الحال وليس بمشتق، كقوله: وانقاد، معناه يعملا، والقنقل: المكيال الضخم، وكان لكسرى تاج يسمى القنقل، والقنقل أيضا: الكثيب من الرمل،
__________
(1) سورة النحل آية: 120.(2/14)
يشير إلى عظم الرزانة وتوفرها إن قصد الكثيب أو المكيال، وإن قصد التاج قدرت الحال بمتوجا، ومن كلامهم جلس فلان وعليه السكينة والوقار، فإن قلت علام: عطف قوله «ويممه» قلت: يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون عطفا على معنى المرتضى: أى هو الذى ارتضى أمة ويممه الوقار، فهو من باب قوله تعالى:
{(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقََاتِ وَأَقْرَضُوا)} (1).
أى إن الذين تصدقوا وأقرضوا، ويكون مضمون البيت ثناء عليه بأنه مرتضى كامل العقل. والوجه الثانى:
أن يكون معطوفا على «كان أمة» أى إذا اتصف بهاتين الصفتين: أى أن قارئ القرآن إنما يرتضى للاقتداء به ويقصد للانتفاع به بشرطين وهما أن يكون جامعا للخير، وافر العقل، والله أعلم.
9 [هو الحرّ إن كان الحرىّ حواريا ... له بتحرّيه إلى أن تنبّلا]
هو ضمير القارئ المرتضى قصده: الذى هو أمة وافر العقل. أو يكون ضمير القارئ مع الإعراض عن تلك الأوصاف، لأنه يغنى عنها اشتراطها بقوله: إن كان الحرىّ أى إن كان الحرى بها، ولهذا قال بعضهم:
إنّ إن بمعنى إذ، ولو أراد الناظم ذلك لقال إذ وكان تعليلا، والوزن موافق له، فلا حاجة إلى ارتكاب ما لم يثبت لغة، وإن ثبت فهو لغة بعيدة ضعيفة. فإن قلنا: هو ضمير القارئ بصفاته فكل بيت كأنه تأكيد لما قبله، وإن قلنا هو ضمير القارئ مطلقا كان كل بيت مستقلا بالغرض من وصفه بما يستحق به الإمامة والحرية. على أنى أقول قوله، بتحريه صلة الحرى، وليس المراد الحرى بها بل الحرى بالتحرى، وقوله «حواريا له» معترض بينهما والحر: الخالص من الرق: أى لم تسترقه دنياه ولم يستعبده هواه لأنه لما تحقق بتدبر القرآن، وفهم معانيه صغرت فى عينه الدنيا وأهلها كقوله تعالى:
{(وَمَا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا إِلََّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)}، {(وَمَا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا إِلََّا مَتََاعُ الْغُرُورِ} [2]). {(وَإِنَّ الدََّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوََانُ)}. (3) {(وَلََا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ََ مََا مَتَّعْنََا بِهِ أَزْوََاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ََ)} (4).
إلى غير ذلك من الآيات فى هذا المعنى، وما أحسن ما قاله الشاطبى رحمه الله من قصيدة له:
لمن يترك القرّاء ورد فراته ... ورودا من الدّنيا أجاج المشارب
ولو سمع القرّاء حين اقترائهم ... لفى آل عمران كنوز المطالب
بها ينظر الدّنيا بعين احتقارها ... فقيه المعانى غير عانى الذّوائب
يعنى قوله تعالى:
{(زُيِّنَ لِلنََّاسِ حُبُّ الشَّهَوََاتِ)} إلى قوله {(ذََلِكَ مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَاللََّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [5])
__________
(1) سورة الحديد، آية: 18.
(2) سورة الحديد، آية: 20.
(3) سورة العنكبوت، آية: 64.
(4) سورة طه، آية: 31.
(5) سورة آل عمران، آية: 14.(2/15)
وما أحلى قوله «فقيه المعانى»: يعنى من أعطاه الله فهما وفقها فى معانى القرآن العزيز فهذا هو الذى يحتقر الدنيا عند تلاوته لهذه الآية ونظائرها، لا الفقيه الذى هو أسير الذوائب المتقيد بلباسه وخدمة أهل الدنيا ففقيه المعانى محرر عن رق الأشياء. ويحتمل قوله هو الحر معانى أخر ذكرناها فى الكبير والحرىّ بمعنى الحقيق. والحوارى الناصر الخالص فى ولائه والياء مشدّدة خففها ضرورة، والتحرى القصد مع فكر وتدبر واجتهاد: أى يطلب هو الأحرى، والهاء فى «له» للقرآن العزيز، وفى تحريه للقارئ أو للقرآن وحواريا خبر لكان بعد خبر أو حال من ضمير الحرى العائد على القارئ. ويجوز أن يكون بتحريه متعلقا بحواريا: أى ناصرا له بالتحرى، أو تكون الباء للمصاحبة: أى مصاحبا للتحرى فيه، هذا كله على أن يكون التقدير: إن كان الحرىّ بالأوصاف السابقة، والأولى ألا يتعلق قوله «بتحريه» بالحرى كما سبق، وقوله إلى أن تنبلا متعلق بالتحرى أو بحواريا ومعنى تنبل مات، أو أخذ الأنبل فالأنبل أى انتفى ذلك من المعانى التى تحتملها ألفاظ القرآن.
10 [وإنّ كتاب الله أوثق شافع ... وأغنى غناء واهبا متفضّلا]
هذا حث على التمسك بالقرآن العزيز وتحريه، والعمل بما فيه، ليكون القرآن العزيز شافعا له، كافيه كل ما يحذر، واهبا له، متفضلا عليه بما يلقاه من ثواب قراءته والعمل به، وفى الصحيح عن أبى أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(اقرءوا القرآن فإنّه يجيء يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا البقرة وآل عمران، فإنّهما الزّهراون تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان تحاجّان عن صاحبهما).
وفى كتاب الترمذى عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
(إنّ سورة فى القرآن ثلاثين آية شفعت لرجل حتّى غفر له، وهى: تبارك الّذى بيده الملك) قال: هذا حديث حسن، وأوثق من قولهم شيء وثيق: أى محكم متين: وقد وثق بالضم وثاقة، وإنما وصفه بذلك لأن شفاعته مانعة له من وقوعه فى العذاب، وشفاعة غيره مخرجة له منه: بعد وقوعه فيه والغناء بالفتح والمد الكفاية وفعله أفعل كقوله تعالى:
{(مََا أَغْنى ََ عَنِّي مََالِيَهْ)} (1).
فقوله «وأغنى غنا» أى وأكفى كفاية: أى كفاية القرآن العزيز أتم من كفاية غيره، فأغنى فى هذا البيت ليس فعلا ماضيا ولكنه أفعل التفضيل، وبناؤه من غير الثلاثى المجرد شاذ، والقياس أن يقال: أشد غناء، أو أتم غناء، أو نحو ذلك. ويجوز أن يقال: هو من غنى. إذا استغنى، أو من غنى بالمكان: إذا أقام به، فمعناه على الأوّل أنه غنى من كفاية ما يحذر حامله ملىء بها واسع جوده. وعلى الثانى أنه دائم الكفاية مقيم عليها، لا يسأم منها ولا يمل، ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل غناء على الوجهين أى وأغنى ذى غناء، لأن المراد أن القرآن أثرى ذوى الكفايات وأدومهم عليها. ولك أن تقدر مثل ذلك فى الوجه الذى بدأنا به: أى والقرآن أكفى ذوى الكفايات.
__________
(1) سورة الحاقة، آية: 28.(2/16)
وتلخيص اللفظ على الأوجه الثلاثة أن نقول: التقدير وأغنى مغن، والمغنى الكافى ولا يتغير معناه عن ذلك فى الوجوه كلها وإنما المعانى الثلاثة فى لفظ أغنى، ولولا تقدير المضاف المحذوف للزم نصب غناء لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما أفعل بعضه، والقرآن ليس بعض الكفاية فيجب النصب كقولك: هو أفره عبدا بالنصب إذا كانت الفراهية فى العبد وهو ليس بعبد «وواهبا ومتفضلا» حالان من الضمير فى أغنى العائد على كتاب الله تعالى. وقيل النصب على التمييز كقولك: هو أغناهم أبا، وقيل إن قلنا إن أغنى بمعنى أثرى فالنصب على التمييز وإن قلنا بالوجهين الآخرين فالنصب على الحال، وقد بينا فساد هذين القولين (1) فى الكتاب الكبير، والله أعلم.
11 [وخير جليس لا يملّ حديثه ... وترداده يزداد فيه تجمّلا]
«وخير» مثل قوله: وأغنى كلاهما معطوف على أوثق ولا يمل حديثه صفة خير أو جليس أو هو خبر بعد خبر، لأن كل قول مكرر مملول، إلا القرآن العزيز فإنه كلما كرر حلا واقتبس من فوائده ما لا يدخل تحت الحصر، وأجر على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، فهو خير جليس، وكيف يمل حديثه وهو أحسن الحديث؟ كما قال سبحانه:
{(اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [2]).
وقال النبى صلّى الله عليه وسلم.
«مثل صاحب القرآن مثل جراب مملوء مسكا يفوح به كلّ مكان».
فأى جليس أفضل منه؟ والترداد: بفتح التاء مصدر ردده ترديدا وتردادا، والهاء المتصلة به تعود على القارئ أو على القرآن العزيز، لأن المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول، فهو كما سبق فى قوله بتحريه والضمير المستكنّ فى يزداد يحتمل الأمرين، والهاء فى فيه عائدة على الترداد، وفيه: بمعنى به: أى يزداد القرآن بالترداد تجملا لما يظهر من تلاوته ونوره وحلاوته وفصاحته، أو يزداد القارئ بالترداد تجملا لما يقتبس من فوائده وآدابه وجزيل ثوابه. ويجوز أن يكون الضمير فى يزداد للترداد وفى فيه للقارئ، وتكون فيه على ظاهرها لا بمعنى به، وتجمل الترداد يئول إلى جمال حاصل فى القارئ وزينة له، والله أعلم.
12 [وحيث الفتى: يرتاع فى ظلماته ... من القبر يلقاه سنا متهلّلا]
كنى عن القارئ بالفتى وصفا له بالفتوة، وهى خلق جميل يجمع أنواعا من مكارم الأخلاق، ويرتاع:
أى يفزع والهاء فى ظلماته للفتى: أى فى ظلماته الناشئة من القبر ووحشته، وإنما أضافها إليه لملابستها له،
__________
(1) لا يظهر وجه فساد القولين، غير أن يقال: إذا جعل واهبا ومتفضلا تمييزان، يصير معناه أغنى ذوى غناء هبة وتفضلا فيكون نسبة أغنى فى الحقيقة إلى الهبة والتفضل، وهذا ليس بلائح الوجه إلا على طريقة المجاز، هذا غاية ما يمكن فى توجيه الفساد، وفيه ما فيه.
(2) سورة الزمر، آية: 23.(2/17)
وكونه فيها. فقوله من القبر على هذا فى موضع الحال من الظلمات: أى صادرة من القبر. ويجوز أن يكون كنى بالظلمات عن أعماله السيئة فيكون من القبر على هذا متصلا بيلقاه: أى يلقاه القرآن من القبر: أى يأتيه من تلك الجهة. ويجوز أن يكون التقدير يرتاع من القبر كائنا فى ظلماته. ويجوز أن يكون قوله: فى ظلماته من القبر واردا على طريقة القلب لأمن الإلباس: أى يرتاع فى القبر من ظلماته، والهاء فى يلقاه للفتى أو للقرآن العزيز لأن كل واحد منهما يلقى الآخر. والسنا بالقصر: الضوء. والسناء بالمد: الرفعة، والمتهلل: الباشّ المسرور وكلاهما حال من القرآن: أى يلقى القرآن الفتى فى حال إضاءته وبشاشته: أى ذا سنا: أى مستنيرا. ويجوز أن يكون متهللا صفة لسنا. وفى جامع الترمذى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
«ضرب بعض أصحاب النّبىّ صلّى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر. فإذا هو قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتّى ختمها فأتى النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم فأعلمه فقال النّبى صلّى الله عليه وسلّم هى المانعة هى المنجّية تنجيه من عذاب القبر»، وفى كتاب ابن أبى شيبة وأول كتاب الوقف والابتداء لابن الأنبارى آثار فى فضل قارئ القرآن العامل به ذكرنا بعضها فى الكتاب الكبير، والله أعلم.
13 [هنالك يهنيه مقيلا وروضة ... ومن أجله فى ذروة العزّ يجتلى]
هنالك من تتمة قوله: يلقاه أى يلقاه فى ذلك المكان، ثم استأنف قوله يهنيه أو يكون يهنيه حالا. ويجوز أن يكون هنالك ظرفا ليهنيه، وهنالك يستعمل ظرف زمان وظرف مكان وكلاهما محتمل هنا، والظرف هو هنا والكاف خطاب واللام زائدة للدلالة على البعد، والعرب تنزل الميت أبعد منزلة وذلك لبعد الملتقى كقول الشاعر:
من كان بينك فى التّراب وبينه ... شبران فهو بغاية البعد
والهاء فى يهنيه للقارئ، وضمير الفاعل مستتر عائد على القرآن أو على القبر، فإن عاد على القرآن كان مقيلا مفعولا ثانيا ليهنيه من قولهم: هنأت الرجل أهنؤه وأهنئه: إذا أعطيته ثم ترك الهمز ضرورة على لغة كسر النون، ولو استعمل لغة الفتح لقال يهناه وإن عاد الضمير على القبر كان مقيلا تمييزا من قولهم: هنأ لي الطعام:
أى لذّلى طعمه وطاب، وروضة عطف على مقيلا بالاعتبارين. والمقيل: موضع القائلة، وهى الاستراحة فى وسط النهار، ولا يشترط فيها نوم: أى يصير له القبر كالمقيل، وكالروضة بثواب قراءة القرآن والعمل به عبر بذلك عن الراحة الحاصلة له حينئذ، وفى الحديث:
«القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النّار».
والهاء فى «ومن أجله» للقرآن، ومرفوع يجتلى للقارئ ويتعلق بيجتلى ما قبله من المجرورات، وذروة كل شيء:
أعلاه تضم ذاله وتكسر، ويجتلى: معناه ينظر إليه بارزا من قولهم اجتليت العروس، وعبر بذلك عن عظم أمره فهو سالم من كل آفة، والله أعلم.
14 [يناشده فى إرضائه لحبيبه ... وأجدر به سؤلا إليه موصّلا]
«يناشد» أى يسأل ربه، وقيل معناه يكثر المسألة ملجأ فيها وعدى بفى لأن فى المناشدة معنى الرغبة، وفاعل يناشد ضمير عائد على القرآن العزيز، وهو جملة واقعة خبرا لقوله: وإن كتاب الله أوثق شافع بعد أخبار سلفت:(2/18)
أعلاه تضم ذاله وتكسر، ويجتلى: معناه ينظر إليه بارزا من قولهم اجتليت العروس، وعبر بذلك عن عظم أمره فهو سالم من كل آفة، والله أعلم.
14 [يناشده فى إرضائه لحبيبه ... وأجدر به سؤلا إليه موصّلا]
«يناشد» أى يسأل ربه، وقيل معناه يكثر المسألة ملجأ فيها وعدى بفى لأن فى المناشدة معنى الرغبة، وفاعل يناشد ضمير عائد على القرآن العزيز، وهو جملة واقعة خبرا لقوله: وإن كتاب الله أوثق شافع بعد أخبار سلفت:
أى هو أوثق شافع وخير جليس، ويلقى قارئه حيث يرتاع ويناشد فى إرضائه، والهاء فى لحبيبه تعود على القرآن العزيز، وحبيبه قارئه العامل بما فيه، والهاء فى إرضائه يعود إلى الله تعالى، وقد تقدم ذكره فى قوله: وإن كتاب الله كقولك: غلام زيد يطلب منه كذا: أى من زيد أى يناشد الله تعالى فى أن يرضى حبيبه: أى يعطيه من الأجر والثواب ما تقرّ به عينه، فالإرضاء مضاف إلى الفاعل، وعدى الإرضاء بلام الجر لأنه مصدر نحو:
عجبت من ضرب لزيد. ويجوز أن يكون التقدير يناشد لحبيبه فى إرضائه: أى يسأل الله تعالى فى أن يرضى حبيبه، ففي الكلام تقديم وتأخير فتكون الهاء فى إرضائه للحبيب، والإرضاء حينئذ مضاف للمفعول، وقيل الهاء فى إرضائه للقرآن العزيز: أى يسأل ربه أن يعطى القارئ ما يرضى به القرآن وتكون اللام فى لحبيبه بمعنى لأجل حبيبه.
وفى كتاب الترمذى من حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«يجيء القرآن يوم القيامة، فيقول يا ربّ حلّه فيلبس تاج الكرامة، فيقول يا ربّ زده حلّة الكرامة، ثمّ يقول يا ربّ ارض عنه فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارق ويزداد بكلّ آية حسنة».
قال هذا حديث حسن. وروى عن أبى هريرة رضي الله عنه غير مرفوع. وفى هذا المعنى أحاديث كثيرة ذكرناها فى الشرح الكبير. وقوله وأجدر به تعجب كأخلق به: أى ما أجدره بذلك وأحقه به، والسؤل المسئول وهو المطلوب ونصبه على التمييز وموصلا نعته وإليه متعلق بموصلا والهاء عائدة على القرآن العزيز أو على القارئ، والضمير فى له للإرضاء: أى ما أحق سؤله أن يوصل إليه، وقيل يجوز أن يكون الهاء فى إليه للرضى الدال عليه الإرضاء أو للإلحاح الدال عليه يناشد، وموصلا حال من القرآن العزيز، وقيل غير ذلك على ما بينا وجه فساده فى الشرح الكبير، والله أعلم.
15 [فيا أيّها القارى به متمسّكا ... مجلّا له فى كلّ حال مبجّلا]
نادى قارئ القرآن المتصف بالصفات المذكورة فى هذا البيت وبشره بما ذكره فى البيت الآتى وبعده (1)
والقارئ مهموز، وإنما أبدل الهمزة ياء ضرورة، والهاء فى به للقرآن وهو متعلق بمتمسكا مقدم عليه: أى متمسكا به، يعنى عاملا بما فيه ملتجئا إليه فى نوازله كما قال تعالى:
{(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتََابِ)} (2).
__________
(1) أى الآتى بعده وبعده فحذف الأول للقرينة اهـ من هامش الأصل.
(2) سورة الأعراف، آية: 170.(2/19)
وفى الحديث الصحيح «كتاب الله فيه الهدى والنّور فتمسّكوا بكتاب الله وخذوا به» وفى رواية «من استمسك وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضلّ».
وفى به وجوه أخر بعيدة ذكرناها فى الكبير، وإجلال القرآن العزيز: تعظيمه، وتبجيله: توقيره وهما متقاربان فى المعنى، ونصب متمسكا وما بعده على الحال من ضمير القارئ، لأن المعنى: يا أيها الذى قرأ القرآن ومن إجلال القرآن حسن الاستماع له والإنصات لتلاوته، وتوقير حملته وصيانة القارئ نفسه مما يشين دينه، جعلنا الله كذلك والله أعلم.
16 [هنيئا مريئا والداك عليهما ... ملابس أنوار من التّاج والحلا]
الهنيء: الذى لا آفة فيه، الطيب المستلذ، الخالى من المنغصات، الحاصل من غير تعب. والمريء: المأمون الغائلة، المحمود العاقبة، المستساغ فى الحلق، وهما من أوصاف الطعام والشراب فى الأصل. ثم تجوّز بهما فى التهنئة بكل أمر سارّ، وهما هنا منصوبان على الحال: أى ثبت لك ثواب تمسكك بالقرآن العزيز وإجلالك له هنيئا مريئا. ويجوز أن ينصبا بفعل مضمر: أى صادفت أمرا هنيئا مريئا وأن يكونا نعتى مصدر محذوف: أى عش عيشا هنيئا مريئا، ثم ابتدأ قوله والداك عليهما البيت، وملابس جمع ملبس بفتح الميم والباء وهو مصدر كاللبس، وجمعه لاختلاف الملبوس، أو تكون جمع ملبس بكسر الميم وفتح الباء: وهو الشيء الذى يلبس، ويسمى أيضا لباسا، ومثله ميزر وإزار وملحف ولحاف، وملابس فاعل عليهما، وعليهما خبر والداك، أو يكون ملابسى مبتدأ ثانيا خبره عليهما المقدّم عليه والجملة خبر والداك، وأنوار جمع نور والنور: الضياء، وأضاف الملابس إلى الأنوار لملابستها إياها، والتاج: الإكليل، والحلى جمع حلية: وهى الهيئة من التحلى الذى هو لبس الحلى. ويجوز أن تكون الحلى جمع حلة، وأراد الحلل لكنه أبدل من ثانى حرفى التضعيف حرف علة نحو أمليت، وهذا وإن لم يكن مسموعا فهو جائز فى الضرورة، نص عليه الرمانى فى آخر، شرح الأصول والمنظوم فى هذا البيت حديث أخرجه أبو داود وغيره من حديث سهل بن معاذ الجهنى عن أبيه رضي الله عنهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
«من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشّمس فى بيوت الدّنيا لو كانت فيكم فما ظنّكم بالّذى عمل بهذا» فقوله: «من قرأ القرآن وعمل بما فيه» نظمه فى البيت السابق، وقوله «فما ظنكم بالذى عمل بهذا» منظوم فى البيت الآتى، والباقى منظوم فى هذا البيت. وفى مسند بقىّ بن مخلد عن أبى هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«يكسى والداه حلّة لا تقوم لها الدّنيا وما فيها».
ففي هذا ذكر الحلة، وفى الذى قبله ذكر التاج، فصح تفسيرنا لقوله: الحلى بالحلل ويكون نظم ما تفرق فى الحديثين، وقوله فى الحديث «تاجا وحلة» أى كل واحد منها، والله أعلم.
17 [فما ظنّكم بالنّجل عند جزائه ... أولئك أهل الله والصّفوة الملا]
هذا استفهام تفخيم للأمر وتعظيم لشأنه كقوله تعالى:(2/20)
ففي هذا ذكر الحلة، وفى الذى قبله ذكر التاج، فصح تفسيرنا لقوله: الحلى بالحلل ويكون نظم ما تفرق فى الحديثين، وقوله فى الحديث «تاجا وحلة» أى كل واحد منها، والله أعلم.
17 [فما ظنّكم بالنّجل عند جزائه ... أولئك أهل الله والصّفوة الملا]
هذا استفهام تفخيم للأمر وتعظيم لشأنه كقوله تعالى:
{(فَمََا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعََالَمِينَ} [1])
وقوله «فما ظنكم» مبتدأ وخبر وفيه معنى الأمر: أى ظنوا ما شئتم من الجزاء لهذا الولد الذى يكرم والداه من أجله والخطاب للسامعين مطلقا، فيكون التفاتا من خطاب القارئ إليهم. ويجوز أن يكون خطابا إليهم مع القراء لأن قوله «فيا أيها القارئ» للجنس: أى فما ظنكم بأنفسكم «والنجل» النسل كالولد يقع على المفرد والجمع، فحمل على اللفظ قوله عند جزائه، ثم حمل على المعنى قوله: أولئك ومفعولا الظن محذوفان: أى ما تظنونه واقعا بالنجل، وقوله «عند جزائه» ظرف للمحذوف، ولا يجوز أن يكون ظرفا للظن، وقوله: أولئك أهل الله» إشارة إلى حديث آخر أخرجه أبو عبيد والبزار وابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«إنّ لله أهلين من النّاس، قيل من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته».
والإشارة بالأهلية إلى قرب المنزلة من رحمته وكرامته، والأهل: اسم جمع كالرهط والركب، وقد جمع فى الحديث جمع السلامة، ومثله فى القرآن العزيز.
{(شَغَلَتْنََا أَمْوََالُنََا وَأَهْلُونََا} إلى {أَهْلِيهِمْ أَبَداً} [2]).
فيجوز أن يكون فى بيت الشاطبى رحمه الله تعالى أيضا مجموعا، وسقطت النون للإضافة، والواو لالتقاء الساكنين، واللفظ بالمفرد والجمع فى مثل هذا واحد، وإنما يفترقان فى الخط. فتزاد واو فى الجمع، والمصنف لم يكتب ما نظمه لأنه كان ضريرا وإنما أملاه، ولا يظهر فى اللفظ جمع فكتبه السامع مفردا، ويطرد ذلك فى قول النبى صلّى الله عليه وسلم فى آخرها هذا الحديث «أهل الله وخاصته» يجوز أن يكون جمعا وهو الأظهر اعتبارا بما فى أول الحديث. ويجوز أن يكون استعمله جمعا ومفردا فى حديث واحد كما قال سبحانه:
{(أَهْلَ الْبَيْتِ} [3]) {(وَكََانُوا أَحَقَّ بِهََا وَأَهْلَهََا} [4]) {(إِذَا انْقَلَبُوا إِلى ََ أَهْلِهِمْ} [5]).
وقال صلّى الله عليه وسلم فى حديث آخر:
«هؤلاء أهل بيتى».
والصفوة: الخالص من كل شيء بكسر الصاد وفتحها وروى ضمها. وأشار بالصفوة إلى الخاصة المذكورة فى الحديث، وأدخل واو العطف فى قوله: «والصفوة» ليأتى على صورة لفظ الحديث فى قوله صلّى الله عليه وسلم:
__________
(1) سورة الصافات، آية: 87.
(2) سورة الفتح، آية: 11و 12.
(3) سورة الأحزاب، آية: 33.
(4) سورة الفتح، آية: 26.
(5) سورة المطففين، آية: 31.(2/21)
«أهل الله وخاصّته».
والملأ: الأشراف والرؤساء، وهو موافق لما روى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال:
«أشراف أمّتى حملة القرآن وأصحاب اللّيل» وفى رواية: «قرّاء القرآن، وقوّام اللّيل».
ومن حديث على بن أبى طالب وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى رضي الله عنهم رفعوه:
«حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة».
أخرجهما الحافظ أبو العلا الهمذانى والملأ مهموز أبدل من همزه ألفا للوقف، والله أعلم.
18 [أولو البرّ والإحسان والصّبر والتّقى ... حلاهم بها جاء القرآن مفصّلا]
«أولو» مثل ذوو: بمعنى أصحاب، وهو خبر بعد أخبار لقوله «أولئك»: أى هم المتصفون بهذه الصفات الجليلة من البر وما بعده، وحلاهم مبتدأ ومعناه: صفاتهم جمع حلية وهى الصفة وخبره الجملة التى بعده وبها متعلق بجاء. ويجوز أن تكون حلاهم صفة البر والإحسان والصبر والتقى، فيكون مجرور المحل. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف: أى هذه حلاهم، ثم قال «بها جاء القرآن» والقران بلا همز وبالهمز لغتان، وهما للقراء قراءتان، ومفصلا حال من القرآن، ومعناه: مبينا، ومنه قوله تعالى:
{(كِتََابٌ فُصِّلَتْ آيََاتُهُ} [1]).
ويجوز أن يكون مفصلا من باب تفصيل القلائد بالفرائد كقول امرئ القيس (2).
فأدبرن كالجزع المفصّل بينه
وقوله:
تعرّض أثناء الوشاح المفصّل (3)
وقيل هذا المعنى أيضا فى تفسير قوله تعالى:
{(كِتََابٌ أُحْكِمَتْ آيََاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [4]).
أى فصلت بدلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص فكذا أراد الناظم أن القرآن مشتمل على ذكر الأبرار وأخبار الكفار، فصفات الأبرار فيه كالفرائد التى تفصل بها العقود، وهى الجواهر التى تزينها وتعظم وقعها، وهذا بالنسبة إلى المذكور، وأما النسبة إلى الذاكر فكلتاهما سواء، لأن كلا كلام الله عز وجل، والله أعلم.
19 [عليك بها ما عشت فيها منافسا ... وبع نفسك الدّنيا بأنفاسها العلا]
«عليك بها» إغراء وحث: أى الزم هذه الصفات، والصق بها وبادر إليها مدّة حياتك منافسا فيها غيرك
__________
(1) سورة فصلت آية: 3.
(2) آخره يجيد معم فى العشيرة مخول
(3) أوله: إذا ما الثريا فى السماء تعرضت اهـ.
(4) سورة هود، آية: 1.(2/22)
والمنافسة: المزاحمة فى الشيء رغبة فيه، ومنافسا حال من الضمير فى الإغراء، وقيل من التاء فى «عشت» وهو وهم، ولك أن تجعل فيها من صلة عشت، والضمير للدنيا وإن لم يجر لها ذكر، لأن لفظ عشت يدل عليها والدنيا التى وصف بها النفسى تأنيث الأدنى الذى هو الحقير الخسيس، وإنما وصفها بذلك لاتضاعها مبدأ ومآلا، كما قال:
ما بال من أوّله نطفة ... وجيفة آخره يفخر
لا فخر إلّا فخر أهل التّقى ... غدا إذا ضمّهم المحشر
والأنفاس جمع نفس بفتح الفاء: أى بأرواح طيبها التى هى علا فى المبدإ والمآل والهاء فى بأنفاسها تعود إلى حلاهم.
«والعلا» بضم العين والقصر له معنيان: أحدهما أن يكون جمع عليا تأنيث أعلى فيطابق موصوفه لفظا ومعنى.
والثانى أن يكون مفردا بمعنى العلاء بالفتح والمدّ، فيكون وصف الأنفاس بالعلاء على هذا من باب رجل عدل، والتقدير ذوات العلا، فالوجه الأوّل أولى، وهذا البيت بديع اللفظ جليل المعنى، يشم من رائحته أن ناظمه كان من أولياء الله رحمه الله تعالى، ثم أثنى على علماء القراءة فقال:
20 [جزى الله بالخيرات عنّا أئمّة ... لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا]
هذا دعاء بلفظ الخبر كما تقدم فى: صلى الله. وجزى: بمعنى قضى، ويتعدى إلى مفعولين نحو قوله تعالى:
{(وَجَزََاهُمْ بِمََا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [1]).
وأدخل الشاطبى رحمه الله تعالى على المفعول الثانى وهو قوله «بالخيرات» باء الجر زيادة. والمعنى جزى الله أئمة القراءة خيرا، والخيرات: جمع خيرة وهى الفاضلة من كل شيء قال الله تعالى:
{(وَأُولََئِكَ لَهُمُ الْخَيْرََاتُ} [2]).
«ولنا» يجوز أن يكون صفة لأئمة ويجوز أن يكون معمول نقلوا، ونقلوا صفة الأئمة على الوجهين، وعذبا نعت مصدر محذوف: أى نقلا «عذبا» لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه ولا حرفوا ولا بدلوا. ويجوز أن يكون حالا: أى نقلوه، وهو كذلك على هذه الحال لم يتغير عنها، ويجوز أن يريد بالقرآن القراءة لأنه مصدر مثلها من قوله تعالى:
{(فَإِذََا قَرَأْنََاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [3]).
وعذوبتها أنهم نقلوها غير مختلطة بشيء من الرأى، بل مستندهم فيها النقل الصحيح مع موافقته خط المصحف الكريم واتضاح ذلك على الوجه الفصيح، فى لغة العرب، وسلسلا عطف على عذبا، والعذب: الماء الطيب والسلسل: السهل الدخول فى الحلق، والله أعلم.
21 [فمنهم بدور سبعة قد توسّطت ... سماء العلى ولعدل زهرا وكمّلا]
بيان القراء السبعة ورواتهم واخبارهم
أى فمن تلك الأئمة الناقلين للقرآن على الوجه المرضى سبعة من صفتهم كيت وكيت، جعلهم كالبدو فى علوّ
__________
(1) سورة الدهر، آية: 13.
(2) سورة التوبة، آية: 88.
(3) سورة القيامة، آية: 18.(2/23)
منزلتهم عند الناس، واتساع علمهم، وكثرة الانتفاع بهم وشهرتهم. وقد تقدم ذكرهم وذكر طائفة من الأئمة فى خطبة هذا الكتاب، وستأتى أبيات فى نظم البدور السبعة وأصحابهم وفى السبعة، يقول أبو مزاحم الخاقانى:
وإنّ لنا أخذ القراءة سنّة ... عن الأوّلين المقرنين ذوى السّتر
فللسّبعة القرّاء حقّ على الورى ... لإقرائهم قرآن ربّهم الوتر
فبالحرمين ابن الكثير ونافع ... وبالبصرة ابن للعلاء أبو عمرو
وبالشّام عبد الله وهو ابن عامر ... وعاصم الكوفىّ وهو أبو بكر
وحمزة أيضا والكسائىّ بعده ... أخو الحذق بالقرآن والنّحو والشّعر
«والعلا» بمعنى العلاء: الممدود، وهو الرفعة والشرف، أو يكون جمع عليا فتكون على حذف الموصوف أى سماء المناقب العلا، استعار للعلى والعدل سماء، وجعل هذه البدور متوسطة لتلك السماء فى حال كونها زاهرة:
أى مضيئة كاملة من غير نقص مبالغة فى وصفهم، لأن القمر إذا توسط السماء فى حال كماله وتمامه وقوّة نوره سالما مما يستر ضوءه كان ذلك أشرف أحواله وأعظم لانتفاع الخلق به، فهم أتم نورا وأعم ضوءا وزهرا جمع أزهر أو زاهر كأحمر وحمر وبازل وبزل، يقال: زهر إذا أضاء فهو زاهر وأزهر على المبالغة، ولذلك قيل للقمر أزهر وللرجل المشرق الوجه أيضا، وهو منصوب على الحال من فاعل توسطت، وكملا، عطف وهو جمع كامل.
فإن قلت: لفظ البدر يشعر بالكمال فما معنى هذه الحال. قلت: أراد كمال أمره من سلامته مما يشينه من خسوف وغيره لاكمال جرمه، وقال فيهم أبو عمر والدانى:
فهؤلاء السّبعة الأئمّة ... هم الّذين نصحوا للأمّة
ونقلوا إليهم الحروفا ... ودوّنوا الصّحيح والمعروفا
وميّزوا الخطأ والتّصحيفا ... واطّرحوا الواهى والضّعيفا
ونبذوا القياس والآراء ... وسلكوا المحجّة البيضاء
(1) بالاقتداء بالسّادة الأخيار ... والبحث والتّفتيش للآثار اهـ، والله أعلم
22 [لها شهب عنها استنارت فنوّرت ... سواد الدّجى حتّى تفرّق وانجلا]
كنى بالشهب عن الأصحاب الذين أخذوا العلم عن البدور السبعة، ولما كانوا دونهم فى العلم والشهرة كنى عنهم بما إنارته دون إنارة البدر، ويقال نار واستنار: إذا أضاء، وضمن استنارت معنى أخذت فلذلك عداه بعن. والدجى: الظلم جمع دجية، وهى هنا كناية عن الجهل. وانجلا: أى انكشف. والشهب جمع شهاب.
__________
(1) نسخة: بالنقل والإسناد والأخبار.(2/24)
والشهاب فى أصل اللغة: اسم للشعلة الساطعة من النار، ثم سمى به الكوكب المضىء المرصد لرجم من استرق السمع من الجن، ويتعلق به كلام طويل، ومعان حسنة ذكرتها فى شرح قصيدة الشقراطسى رحمه الله، والله أعلم.
23 [وسوف تراهم واحدا بعد واحد ... مع اثنين من أصحابه متمثّلا]
أى ترى البدور المذكورين فى هذه القصيدة على هذه الصفة: أى مرتبين واحدا بعد واحد فنصب واحدا على الحال وبعد واحد صفته، وهو كقولهم: بينت حسابه بابا بابا وبابا بعد باب، هذا إن كان تراهم من رؤية البصر فكأنه نزل ظهورهم فى النظم سماعا أو كتابة منزلة المتشخص من الأجسام، وإن كان تراهم من رؤية القلب فواحدا مفعول ثان: أى تعلمهم كذلك. ويجوز أن يكون واحدا بعد واحد بدلا من هم فى تراهم، ومتمثلا صفة لواحدا بعد صفة، ومع اثنين متعلق بمتمثلا: أى متمثلا مع اثنين من أصحابه، يقال مثل قائما أى انتصب وتمثل قائما. والمعنى متمثلا فى النظم أى متشخصا فيه. ويجوز أن يكون مع اثنين خبر مبتدإ محذوف: أى كل مع اثنين، أو يكون التقدير: كلا مع اثنين بالنصب على البدل من واحدا بعد واحد: أى ترى كل واحد منهم مع اثنين من أصحابه. ويجوز أن يكون التقدير واحدا مع اثنين من أصحابه بعد واحد مع اثنين من أصحابه ثم حذف الأوّل لدلالة الثانى عليه، ولو قال: وسوف تراهم هاهنا كل واحد مع اثنين من أصحابه لكان أسهل معنى وأحسن لفظا. وأصحاب الإنسان: أتباعه ومن أخذ بقوله كقولك: أصحاب الشافعى وأصحاب أبى حنيفة فقوله من أصحابه: أى من الناقلين عنه. ثم إن الذين ذكرهم على ثلاثة أقسام: منهم من أخذ عن البدر نفسه وهم ثلاثة. أصحاب نافع، وعاصم، والكسائى. ومنهم من بينه وبين البدر واحد، وهم أصحاب أبى عمرو وحمزة. ومنهم من بينه وبين البدر أكثر من واحد، وهم أصحاب ابن كثير وابن عامر على ما سيأتى بيان ذلك.
وبين المتوسط بين أبى عمرو وصاحبيه وهو اليزيدى، وبين المتوسط بين حمزة وصاحبيه وهو سليم لتيسر ذلك عليه فى النظم وترك بيان المتوسط بين ابن كثير وصاحبيه وبين ابن عامر وصاحبيه لتعذر ذلك وتعسره نظما، والله أعلم.
24 [تخيّرهم نقّادهم كلّ بارع ... وليس على قرآنه متأكّلا]
تخير: بمعنى اختار، والنقاد جمع ناقد، والبارع: الذى فاق أضرابه فى صفات الخير، والضمير فى تخيرهم ونقادهم للبدور السبعة أو للشهب أولهما، وكل بارع بالنصب بدل من مفعول تخيرهم، أو هو نصب على المدح أثنى عليهم بالبراعة فى العلم، ثم أثنى عليهم بالتواضع فيه والزهد بقوله: وليس على قرآنه متأكلا، فهو صفة بعد صفة: أى كل بارع غير متأكل بقرآنه، وإنما دخلت الواو فى ليس على تقدير كل من برع، وليس على قرآنه أى بقرآنه متأكلا، أى لم يجعله سببا للأكل. وقد تورع جماعة من أهل العلم عن الأكل بالقرآن العزيز مع جوازه لهم. وكان حمزة رحمه الله تعالى من أشدهم فى ذلك، وقيل هو من قولهم تأكل البرق والسيف: إذا هاج لمعانه أى لم ينتصب ظاهر الشعاع لأهل الدنيا بالقرآن العزيز فيجعله وصلة إلى دنياهم، ويقال: تأكلت النار: إذا هاجت: أى لم يكثر الحرص على الدنيا فتكون على بمعنى مع كقوله تعالى:
{(وَيُطْعِمُونَ الطَّعََامَ عَلى ََ حُبِّهِ} [1]) أى مع حبه {(وَآتَى الْمََالَ عَلى ََ حُبِّهِ} [2]) {(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنََّاسِ عَلى ََ ظُلْمِهِمْ} [3]) {(الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ} [4]).
__________
(1) سورة الدهر، آية 80.
(2) سورة البقرة، آية 177.
(3) سورة الرعد، آية: 6.
(4) سورة إبراهيم، آية 39.(2/25)
وفيه وجوه أخر ذكرناها فى الشرح الكبير، والله أعلم.
25 [فأمّا الكريم السّرّ فى الطّيب نافع ... فذاك الّذى اختار المدينة منزلا]
شرع فى ذكر البدور السبعة واحدا بعد واحد، وجرت عادة المصنفين فى القراءات بذكرهم فى أوّل مصنفاتهم وذكر طرف من أخبارهم والتعريف بهم، فمنهم من اختصر، ومنهم من أكثر وقد استقصينا ذلك فى الشرح الكبير، وتقدم فى خطبة هذا الكتاب ما يجزئ من ذلك، سوى ذكره وفياتهم فنأتى بها وبشرح ما نظمه الشاطبى من أحوالهم. وقد نظم لنافع فى هذا البيت سرا كريما وهو ما ذكره (1) أبو عمرو الدانى رحمه الله فى كتاب الإيجاز، وذكره أيضا شيخه أبو الحسن بن غلبون وأبو معشر الطبرى وغيرهم.
قالوا: كان نافع رحمه الله إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن أو يا أبا رويم أتطيب كلما قعدت تقرئ الناس؟ فقال: ما أمس طيبا ولا أقرب طيبا، ولكنى رأيت فيما يرى النائم النبى صلّى الله عليه وسلم وهو يقرأ فى فىّ، فمن ذلك الوقت يشم من فىّ هذه الرائحة فهذا هو السر الكريم لنافع فى الطيب. والمراد بالكرم هنا: الشرف والنباهة والجلالة، ومنه قوله تعالى:
{(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [2]).
والكريم فى نظم الشاطبى مبتدأ والسر مضاف إليه، ويجوز رفعه ونصبه لأنه من باب: الحسن الوجه كما سبق ذكره فى «أجذم العلا» وفى الطيب متعلق بالسر أو بالكريم، ونافع بدل من الكريم أو عطف بيان، والفاء فى فذاك جواب «أما» لما فى أما من معنى الشرط وما بعد الفاء جملة اسمية هى خبر المبتدإ. أثنى عليه فى ضمن التعريف به بأنه اختار مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم منزلا له أقام بها فى جوار رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى أن مات بها فى سنة تسع وستين ومائة، وقيل غير ذلك، ومنزلا تمييز أو مفعول ثان على تضمين اختار معنى اتخذ، أو على حذف حرف الجر من الأول من باب قوله تعالى:
{(وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ} [3]).
وقيل غير ذلك والله أعلم.
26 [وقالون عيسى ثمّ عثمان ورشهم ... بصحبته المجد الرّفيع تأثّلا]
ذكر اثنين من أصحابه وفاء بوعده وكلاهما أدركه.
أحدهما: أبو موسى عيسى بن ميناء المدنى ويلقب بقالون، وهى كلمة رومية، يقولون للجيد من الأشياء هو قالون، قيل لقبه نافع بذلك لجودة قراءته، وقيل لقبه بذلك مالك بن أنس، ومات سنة خمس ومائتين بالمدينة، وقيل غير ذلك.
والثانى عثمان بن سعيد المصرى الملقب بورش (4) لقبه بذلك نافع أيضا لبياضه وقيل فيه وجوه كثيرة ذكرناها فى الشرح الكبير، ومات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة، وقالون فى البيت مبتدأ ولم يصرفه، وإن كان قبل
__________
(1) هو صاحب التيسير. ودانية: بلدة بالمغرب.
(2) سورة النور، آية: 26.
(3) سورة الأعراف، آية: 125.
(4) والورش: ضرب من الجبن اهـ.(2/26)
اللقب اسم جنس وعلى رأى الكوفيين، وإما أن يكون قد سمى به فى الأعجمية كما فى العربية التسمية بحسن وسهل، ولا بعد فى ذلك لأنه على وزان قارون وهارون، وعيسى بدل من قالون ولا يقال عطف بيان، فإن اللقب هنا أشهر من الاسم، ولهذا أيضا لم يقل إنه مضاف إلى عيسى، لأن المعروف إضافة الاسم إلى اللقب لا عكس ذلك. ويجوز أن يكون امتناع صرفه لما يأتى ذكره فى اسم غلبون فى باب المد والقصر وعثمان عطف على قالون، وورشهم عطف بيان، والضمير للقراء، وكذا قوله فيما يأتى وصالحهم وأبو عمرهم وكوفيهم وحرميهم لابن كثيرهم، والهاء فى بصحبته لنافع، والمجد مفعول تأثلا ضمير تثنية يعود إلى قالون وورش وهو خبر المبتدإ. ومعنى تأثلا جمعا: أى سادا بصحبة نافع والقراءة عليه، والله أعلم.
27 [ومكّة عبد الله فيها مقامه ... هو ابن كثير كاثر القوم معتلا]
وهذا البدر الثانى عبد الله بن كثير المكى، وصفه الشاطبى بأنه كاثر القوم معتلا: أى اعتلاء، وكاثر اسم فاعل من كثر بفتح الثاء وهو بناء الغلبة، يقال كاثرنى فكثرته: أى غلبته بالكثرة، وكذلك فاخرنى ففخرته وخاصمنى فخصمته، وعنى بالقوم: القراء السبعة، ومعتلا تمييز: أى هو أكثر اعتلاء، ووجهه لزومه مكة وهى أفضل البقاع عند أكثر العلماء، وقراءته على صحابى، وهو عبد الله بن السائب المخزومى، وهو الذى بعث عثمان رضي الله عنه معه بمصحف إلى أهل مكة لما كتب المصاحف وسيرها إلى الأمصار، وأمره أن يقرئ الناس بمصحفه فكان ممن قرأ عليه عبد الله بن كثير على ما حكاه غير واحد من المصنفين.
فإن قلت: ابن عامر قرأ على جماعة من الصحابة، ونافع لزم المدينة وهى أفضل البقاع عند مالك وغيره، وهو مذهب ناظم القصيدة.
قلت: كذلك الذى نقول، إلّا أن المجموع لم يحصل إلا لابن كثير، ولعل الناظم كان يرى مذهب الجمهور فى تفضيل مكة، وهو الأصح. وقوله «ومكة» مبتدأ وعبد الله مبتدأ ثان ومقامه مبتدأ ثالث، وفيها خبر الثالث مقدّم عليه، والثالث وخبره خبر الثانى، والجملة التى هى خبره خبر الأول. ويجوز أن يكون مقامه فاعل.
والمقام: بضم الميم الإقامة، وموضعها: أى فيها إقامته أو موضع إقامته: أى اختارها مقاما كما اختار نافع المدينة منزلا، ومات بمكة سنة عشرين ومائة، ثم ذكر اثنين من أصحابه وبينهما وبينه أكثر من واحد فقال:
28 [روى أحمد البزّى له ومحمّد ... على سند وهو الملقّب قنبلا]
له: بمعنى عنه كقوله تعالى:
{(وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كََانَ خَيْراً مََا سَبَقُونََا إِلَيْهِ} [1]).
أى عنهم، وقوله على سند: أى بسند: أو ملتبسين بسند، أو يكون التقدير: معتمدين على سند فى نقل القراءة عنه لأنهما لم يرياه:
أحدهما: أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع ابن أبى بزة، مولى لبنى مخزوم، مؤذن
__________
(1) سورة الأحقاف، آية: 11.(2/27)
المسجد الحرام أربعين سنة، وإنما قيل له البزى لأنه منسوب إلى جدّه أبى بزة، وخفف الشاطبى ياء النسب ضرورة وهو جائز، ومثله يأتى فى البصرى والمكى والدورى وغيرها.
قرأ البزى على جماعة منهم عكرمة بن سليمان. وقرأ عكرمة على شبل والقسط. وقرأ على ابن كثير، ومات البزى سنة خمس وخمسين ومائتين، وقيل غير ذلك.
والثانى: أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن خالد بن سعيد بن جرجة، ويلقب بقنبل: يقال رجل قنبل وقنابل: أى غليظ شديد، ذكره صاحب المحكم وغيره، وقيل فى سبب تلقيبه بقنبل غير ذلك، ذكرناه فى الشرح الكبير. وقرأ قنبل على أبى الحسن القواس وابن فليح، وقرأ على أصحاب القسط، وقرأ على ابن كثير.
وروى أن قنبلا قرأ أيضا على البزى، وهو فى طبقة شيخيه المذكورين، ومات قنبل سنة إحدى وتسعين ومائتين.
29 [وأمّا الإمام المازنىّ صريحهم ... أبو عمرو البصرى فوالده العلا]
وهذا البدر الثالث أبو عمرو بن العلا البصرى المازنى من بنى مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر.
والصريح: هو الخالص النسب، وليس فى السبعة من أجمع على صراحة نسبه غيره إلا ما لا يعرّج عليه فلهذا قال صريحهم، وسيأتى الكلام فى ابن عامر.
ودخل الفرزدق الشاعر على أبى عمرو وهو مختف بالبصرة يعوده فقال فيه:
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار
حتّى أتيت امرأ محضا ضرائبه ويروى:
ضخما وسيعته ... مرّ المريرة حرّا وابن أحرار
بنميّه من مازن فى فرع نبعتها ... أصل كريم وفرع غير حوّار
ويروى ناقص ويروى:
جدّ كريم وعود غير حوّار
نسبه إلى جدّه فى قوله أبا عمرو بن عمار، وهو أبو عمرو بن العلاء بن عمار، لأن عمارا كان من أصحاب على بن أبى طالب رضي الله عنه، وكان لوالده العلا قدر وشرف، وكان على طراز الحجاج بن يوسف، فاشتهر بسبب الولاية وتقدم أبيه، فلهذا صار أبو عمرو يعرف بابن العلا، فهذا معنى قول الشاطبى: فوالده العلا:
أى الرجل المشهور المتقدم فى زمانه، مات أبو عمرو رحمه الله سنة ثمان وأربعين ومائة وقيل سنة أربع أو خمس أو سبع وخمسين ومائة، ونقل قراءته خلق كثير، أضبطهم لها اليزيدى الذى يذكره الآن:
30 [أفاض على يحيى اليزيدىّ سيبه ... فأصبح بالعذب الفرات معلّلا]
هو أبو محمد يحيى بن المبارك العدوى التميمى، وعرف باليزيدى، لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور
خال المهدى يؤدب ولده فنسب إليه، ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون فى حجره يؤدبه، ومات فى أيامه سنة اثنتين ومائتين.(2/28)
30 [أفاض على يحيى اليزيدىّ سيبه ... فأصبح بالعذب الفرات معلّلا]
هو أبو محمد يحيى بن المبارك العدوى التميمى، وعرف باليزيدى، لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور
خال المهدى يؤدب ولده فنسب إليه، ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون فى حجره يؤدبه، ومات فى أيامه سنة اثنتين ومائتين.
ومعنى أفاض: أفرغ والسيب: العطاء، والعذب الماء الطيب، والفرات: هو العذب، ووجه الجمع بينهما التأكيد، أراد به صدق العذوبة وكمالها. وقيل الفرات: الصادق العذوبة، وسمى الشرب الأوّل النهل وما بعده العلل: الذى سقى مرة بعد مرة، وهو أبلغ فى الرى.
ومعنى البيت: أن أبا عمرو أفاض عطاءه على اليزيدى، وكنى بالسيب عن العلم الذى علمه إياه فأصبح اليزيدى ريان من العلم الحسن النافع، والله أعلم.
31 [أبو عمر الدّورى وصالحهم أبو ... شعيب هو السّوسىّ عنه تقبّلا]
ذكر اثنين ممن قرأ على اليزيدى:
أحدهما: أبو عمر حفص بن عمر الأزدى الدورى الضرير، نسبة إلى الدور: موضع ببغداد بالجانب الشرقى مات سنة ست وأربعين ومائتين.
والثانى: أبو شعيب صالح بن زياد السوسى، نسب إلى السوس: موضع بالأهواز، ومات بالرقة سنة إحدى وستين ومائتين فى المحرم. وصالحهم مثل ورشهم: أى هو الذى من بينهم اسمه صالح، فلم يرد وصفه بالصلاح دونهم، والهاء فى عنه لليزيدى: أى تقبلا عنه القراءة التى أفاضها أبو عمر. وعليه يقال: تقبلت الشيء وقبلته قبولا: أى رضيته، وضمن تقبلا معنى أخذا فلذلك عداه بعن، والله أعلم.
32 [وأمّا دمشق الشّام دار ابن عامر ... فتلك بعبد الله طابت محلّا]
وهذا البدر الرابع: عبد الله بن عامر الدمشقى أحد الأئمة من التابعين. وصفه الناظم بأن دمشق طابت به محللا: أى طاب الحلول فيها من أجله: أى قصدها طلاب العلم للرواية عنه، والقراءة عليه، وإضافة دمشق إلى الشام كإضافة ورش إلى القراء فى قوله ورشهم وما أشبهه. وفى ذلك أيضا تبيين لمحلها وتنويه بذكرها لا سيما لمن بعدت بلاده من أهل المشرق والمغرب، ألا يرى أن أهل الشام وما يدانيه يسمعون بالمدن الكبار شرقا وغربا.
ويتوهمون قرب مدينة منها من أخرى ولعل بينهما مسافة أشهر، وإذا كان عبد المحسن الصورى. وهو شاعر فصيح من أهل الشام قد أضاف دمشق إلى الشام فى نظمه فكيف لا يفعل ذلك ناظم أندلسى من أقصى المغرب قال عبد المحسن:
كان ذمّ الشّام مذ كنت شانى ... فبهتني عنه دمشق الشّام
ودار ابن عامر بدل من دمشق أو صفة وأوقع الظاهر موقع المضمر فى قوله: فتلك بعبد الله. بيانا لاسمه وبعبد الله متعلق بطابت ومحللا تمييز يقال مكان محلل: إذا أكثر الناس به الحلول. ومات ابن عامر رحمه الله بدمشق فى سنة ثمانية عشر ومائة.
33 [هشام وعبد الله وهو انتسابه ... لذكوان بالإسناد عنه تنقّلا]
هذان راويان أخذت عنهما قراءة ابن عامر اشتهر بذلك، وكل واحد منهما بينه وبين ابن عامر اثنان،
فهذا معنى قوله: بالإسناد عنه تنقلا: أى نقلا القراءة عنه بالإسناد شيئا بعد شيء، فتنقل من باب تفهم وتبصر.(2/29)
33 [هشام وعبد الله وهو انتسابه ... لذكوان بالإسناد عنه تنقّلا]
هذان راويان أخذت عنهما قراءة ابن عامر اشتهر بذلك، وكل واحد منهما بينه وبين ابن عامر اثنان،
فهذا معنى قوله: بالإسناد عنه تنقلا: أى نقلا القراءة عنه بالإسناد شيئا بعد شيء، فتنقل من باب تفهم وتبصر.
أما هشام، فهو أبو الوليد هشام بن عمار بن نصير السلمى خطيب دمشق، أحد المكثرين الثقات. مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائتين. قرأ على أيوب بن تميم التميمى وعراك بن خالد المرى. وقرأ على يحيى بن الحارث الذمارى. وقرأ يحيى على بن عامر.
وأما ابن ذكوان، فهو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشى الفهرى. قرأ على أيوب بن تميم أيضا وكان يصلى إماما بجامع دمشق سوى الجمعة ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين: أى هشام وعبد الله تنقلا عن ابن عامر القراءة بالإسناد. وقوله «وهو انتسابه لذكوان» جملة معترضة، يعنى لا تظن أن ذكوان والد عبد الله، وإنما هو منتسب إليه كما ذكرنا، والله أعلم.
34 [وبالكوفة الغرّاء منهم ثلاثة ... أذاعوا فقد ضاعت شذا وقر نفلا]
الغراء: يعنى المشهورة البيضاء المنيرة بكثرة العلماء بها. منهم: يعنى من السبعة ثلاثة: هم عاصم وحمزة والكسائى، أذاعوا، أى أفشوا العلم بها وشهروه ونشروه، والضمير فى ضاعت للكوفة أو للقراءة: أى فاحت رائحة العلم بها، والشذا: كسر العود، والقرنفل: معروف، وهما منصوبان على حذف مضاف هو مفعول مطلق:
أى ضوع شذا وقرنفل، أو هما نصب على التمييز: أى ضاع شذاها وقرنفلها أو لأن ضاع يستعمل فى الرائحة الكريهة أيضا فميزه بما نفى ذلك، والله أعلم.
35 [فأمّا أبو بكر وعاصم اسمه ... فشعبة راويه المبرّز أفضلا]
وهذا هو البدر الخامس: أبو بكر عاصم بن أبى النجود، أحد السادة من أئمة القراءة والحديث. مات سنة عشرين، أو سبع: أو ثمان، أو تسع وعشرين، أو سنة ثلاثين ومائة بالسماوة: وهو موضع بالبادية بين الشام والعراق من ناحية الفرات، وقيل مات بالكوفة، أثنى الشيخ الشاطبى على عاصم بأن من جملة الرواة عنه شعبة الذى برز فى الفضل، وهو باب من أبواب المدح معروف، فكم من تابع قد زان متبوعه، وكم من فرع قد شرف أصله، فقوله فشعبة مبتدأ وراويه خبره، والمبرز صفة راويه أو نعت شعبة: أو يكون راويه نعت شعبة والمبرز خبره، وأفضلا نصب على الحال: بمعنى فاضلا، وفيه زيادة مبالغة. ويقال برز الرجل: أى فاق أضرابه، ويجوز أن يكون تمييزا من باب قولهم: لله دره فارسا، لأن الإسناد فى المعنى إلى مصدر هذا الاسم أى المبرز فضله: أى فاق فضله فضل أقرانه.
ولما كان شعبة اسما مشتركا والمشهور بهذا الاسم بين العلماء هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج البصرى ميز الذى عناه بما يعرف به فقال:
36 [وذاك ابن عيّاش أبو بكر الرّضا ... وحفص وبالإتقان كان مفضّلا]
ذاك إشارة إلى شعبة، لأنه مشهور بكنيته واسم أبيه، ومختلف فى اسمه على ثلاثة عشر قولا ذكرناها فى الكبير. والرضا صفة له: أى المرضى ذكره محمد بن سعيد، فى الطبقة السابعة من أهل الكوفة. قال:
وكان من العباد. وتوفى بالكوفة فى جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة فى الشهر الذى توفى فيه هارون الرشيد بطوس.(2/30)
36 [وذاك ابن عيّاش أبو بكر الرّضا ... وحفص وبالإتقان كان مفضّلا]
ذاك إشارة إلى شعبة، لأنه مشهور بكنيته واسم أبيه، ومختلف فى اسمه على ثلاثة عشر قولا ذكرناها فى الكبير. والرضا صفة له: أى المرضى ذكره محمد بن سعيد، فى الطبقة السابعة من أهل الكوفة. قال:
وكان من العباد. وتوفى بالكوفة فى جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة فى الشهر الذى توفى فيه هارون الرشيد بطوس.
والراوى الثانى لعاصم: هو حفص بن سليم البزاز بزاءين. مات سنة ثمانين ومائة. قال أبو بكر الخطيب:
كان المتقدمون يعدونه فى الحفظ فوق أبى بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحرف الذى قرأ به على عاصم.
وقال يحيى بن معين بن عمرو بن أيوب: زعم أيوب بن المتوكل قال أبو عمر: حفص البزاز أصح قراءة من أبى بكر ابن عياش، وأبو بكر أوثق من أبى عمر فهذا معنى قول الشاطبى: وبالإتقان كان مفضلا، يعنى بإتقان حرف عاصم، لا في رواية الحديث، والله أعلم.
37 [وحمزة ما أزكاه من متورّع ... إماما صبورا للقرآن مرتّلا]
وهذا البدر السادس: أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات، شيخ القراء بالكوفة بعد عاصم، فقوله: وحمزة مبتدأ خبره ما بعده من الجملة التعجبية كقوله: زيد ما أكرمه، ومن متورع فى موضع نصب على التمييز كقولك: ما أكرمه رجلا وما أكرمه من رجل. وكذلك المنصوبات بعده: أى ما أزكى ورعه وإمامته وصبره وترتيله للقرآن. ويجوز نصب إماما وما بعده على المدح: أى اذكر إماما صبورا، ويجوز نصبهنّ على الحال، ويجوز أن يكون ما أزكاه إلى آخر البيت كلاما معترضا لمجرد الثناء، وخبر المبتدإ أوّل البيت الآتى. وهو روى خلف عنه. وأزكاه: من زكا إذا طهر ونما صلاحه: أى ما أجمعه لخصال الخير. ومات رحمه الله سنة ست وخمسين، وقيل سنة أربع أو ثمان وخمسين ومائة. والله أعلم.
38 [روى خلف عنه وخلّاد الّذى ... رواه سليم متقنا ومحصّلا]
اعتمد فى هذا الإطلاق على معرفة ذلك واشتهاره بين أهله، وهو أن سليما قرأ على حمزة، وأن خلفا وخلادا أخذا قراءة حمزة عن سليم عنه، وظاهر نظمه لا يفهم منه هذا، فإنه لا يلزم من كونهما رويا الذى رواه سليم أن يكون أخذهما عن سليم لاحتمال أن يكون سليم رفيقا لهما، ومتقنا ومحصلا حالان من الهاء فى رواه أو من الذى وكلاهما واحد.
وسليم هذا: هو سليم بن عيسى مولى بنى حنيفة. مات سنة ثمان أو تسع وثمانين ومائة، وقيل سنة مائتين.
وأما خلف: فهو صاحب الاختيار، وهو أبو محمد خلف بن هشام البزار آخره راء. مات ببغداد سنة إحدى أو ثمان أو تسع وعشرين ومائتين.
وأما خلاد: فهو أبو عيسى، ويقال أبو عبد الله خلاد بن خالد الأحول الصيرفى الكوفى ويقال خلاد ابن خليد، ويقال ابن عيسى. توفى سنة عشرين أو ثلاثين ومائتين.
29 [وأمّا علىّ فالكسائىّ نعته ... لما كان فى الإحرام فيه تسربلا]
وهذا البدر السابع: أبو الحسن على بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بميم ونون آخره، النحوى المعروف بالكسائى. مات سنة تسع وثمانين ومائة. وقيل قبل ذلك.
ذكر الشاطبى فى هذا البيت سبب كونه نعت بالكسائى وهو أحد الأقوال فى ذلك، ولم يذكر صاحب
التيسير غيره، وقيل له الكسائى: من أجل أنه أحرم فى كساء والنعت الصفة، والسربال: القميص، وقيل كل ما يلبس كالدرع وغيره، يقال سربلته فتسربل: أى ألبسته السربال فلبسه، ولما تنزل الكساء من الكسائى منزلة القميص أطلق عليه لفظ تسربل، واللام فى لما للتعليل، وما مصدرية: أى لكونه تسربل الكساء فى وقت إحرامه بنسك الحج أو العمرة وقوله؟؟؟ فيه، يحتمل وجهين.(2/31)
ذكر الشاطبى فى هذا البيت سبب كونه نعت بالكسائى وهو أحد الأقوال فى ذلك، ولم يذكر صاحب
التيسير غيره، وقيل له الكسائى: من أجل أنه أحرم فى كساء والنعت الصفة، والسربال: القميص، وقيل كل ما يلبس كالدرع وغيره، يقال سربلته فتسربل: أى ألبسته السربال فلبسه، ولما تنزل الكساء من الكسائى منزلة القميص أطلق عليه لفظ تسربل، واللام فى لما للتعليل، وما مصدرية: أى لكونه تسربل الكساء فى وقت إحرامه بنسك الحج أو العمرة وقوله؟؟؟ فيه، يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يكون متعلقا بالإحرام: أى لكونه أحرم فيه والضمير للكساء الذى دل عليه لفظ الكسائى ومفعول تسربل محذوف: أى تسربل الكساء.
الوجه الثانى أن يكون فيه مفعول تسربل: أى لكونه فى وقت الإحرام تسربل فيه، فتكون «فى» زائدة أو عداه بقى لكونه ضمنه معنى حل، أو تكون فى بمعنى الباء: أى به تسربل، وقيل سمى الكسائى لأنه كان فى حداثته يبيع الأكسية، وقيل لكونه كان من قرية من قرى السواد يقال لها باكسايا، وقيل كان يتشح بكساء ويجلس مجلس حمزة، فكان حمزة يقول: اعرضوا على صاحب الكساء. قال الأهوازى: وهذا القول أشبه بالصواب عندى.
40 [روى ليثهم عنه أبو الحارث الرّضا ... وحفص هو الدّورىّ وفى الذّكر قد خلا]
ليثهم مثل ورشهم: هو أبو الحارث الليث بن خالد. مات سنة أربعين ومائتين. والرضى: أى المرضى، أو على تقدير ذى الرضى وحفص: هو الدورى الراوى عن اليزيدى، ولهذا قال: فى الذكر قد خلا: أى سبق ذكره فيما ذكرناه من النظم.
41 [أبو عمرهم واليحصبيّ ابن عامر ... صريح وباقيهم أحاط به الولا]
أضاف أبا عمرو إلى ضمير القراء كما سبق فى ورشهم وليثهم وصالحهم، وأبو عمرو وإن كان لفظه مركبا فمدلوله مفرد، فلوحظ المدلول فأضيف على حد قولهم: حب رمانى فى إضافة ما يسمى فى العرف حب رمان واليحصبى: منسوب إلى يحصب: حى من اليمن، وفى الصاد الحركات الثلاث قبل النسب وبعده، وابن عامر عطف بيان لليحصبى، وصريح خبر المبتدإ وما عطف عليه، ولم يقل صريحان لأن الصريح كالصديق والرفيق يقع على الواحد والمتعدد أو يكون صريح خبر الأوّل أو الثانى، وحذف خبر الآخر لدلالة المذكور عليه، وقد تقدم أن معنى الصريح الخالص النسب.
فمعنى البيت أن أبا عمرو وابن عامر خالصا النسب من ولادة العجم فهما من صميم العرب، وهذا على قول الأكثر. ومنهم من زعم أن ابن عامر ليس كذلك. ومنهم من زعم أن ابن كثير وحمزة من العرب أيضا، ولم يختلف فى نافع وعاصم والكسائى أنهم ليسوا من العرب.
وغلب على ذرية العجم لفظ الموالى، يقال فلان من العرب وفلان من الموالى، فهذا الذى ينبغى أن يحمل عليه ما أشار إليه بقوله: أحاط به الولا، يعنى ولادة العجم، ولا يستقيم أن يراد به ولاء العتاقة، فإن ذلك لم يتحقق فيهم أنفسهم ولا فى أصول جميعهم، ولا يستقيم أن يراد به ولاء الحلف، فإن العربية لا تنافى ذلك، وقد كان جماعة من العرب يحالفون غيرهم. وقد قيل فى نسب أبى عمرو: إنه كان حليفا فى بنى حنيفة، وقيل كان ولاؤه
للعنبر، وقد بينا جميع ذلك وحققناه فى الشرح الكبير، والهاء فى به عائدة على باقيهم فهو لفظ مفرد وإن كان مدلوله هنا جماعة، وأحاط: أى أحدق وشمل، والله أعلم.(2/32)
وغلب على ذرية العجم لفظ الموالى، يقال فلان من العرب وفلان من الموالى، فهذا الذى ينبغى أن يحمل عليه ما أشار إليه بقوله: أحاط به الولا، يعنى ولادة العجم، ولا يستقيم أن يراد به ولاء العتاقة، فإن ذلك لم يتحقق فيهم أنفسهم ولا فى أصول جميعهم، ولا يستقيم أن يراد به ولاء الحلف، فإن العربية لا تنافى ذلك، وقد كان جماعة من العرب يحالفون غيرهم. وقد قيل فى نسب أبى عمرو: إنه كان حليفا فى بنى حنيفة، وقيل كان ولاؤه
للعنبر، وقد بينا جميع ذلك وحققناه فى الشرح الكبير، والهاء فى به عائدة على باقيهم فهو لفظ مفرد وإن كان مدلوله هنا جماعة، وأحاط: أى أحدق وشمل، والله أعلم.
42 [لهم طرق يهدى بها كلّ طارق ... ولا طارق يخشى بها متمحّلا]
أى لهؤلاء القراء مذاهب منسوبة إليهم يهدى بها: أى يهتدى بنفسه، أو يرشد المستهدين بتلك الطرق كل طارق: أى كل من يقصدها ويسلك سبيلها.
جعل تلك الطرق كالنجوم التى يهتدى بها كأنه قال: كل سالك ومارّ فى هذا العلم فإنه يهتدى بهذه الطرق ويهدى بها. وقيل المراد بكل طارق: أى كل نجم، وكنى بالنجم عن العالم لاشتراكهما فى الاهتداء بهما، ثم قال: ولا طارق يخشى بها: أى ولا مدلس، من قولهم طرق يطرق طروقا: إذا جاء بليل، والليل محل الآفات.
والمعنى أن تلك الطرق قد اتضحت واستنارت فلا يخشى عليها مضلل ولا مدلس، و «لا» بمعنى ليس وطارق اسمها ويخشى خبرها أو صفة لطارق وبها الخبر. ويجوز أن يكون بها متعلقا بمتمحلا، ومتمحلا خبر لا أو حال من الضمير فى يخشى العائد على طارق، يقال تمحل إذا احتال ومكر فهو متمحل.
43 [وهنّ اللّواتى للمواتى نصبتها ... مناصب فانصب فى نصابك مفضلا]
وهنّ ضمير الطرق، واللواتى من الأسماء الموصولة وهو جمع اللاتى جمع التى، والمواتى: الموافق، وأصله الهمز، ونصبتها: أى رفعتها وأبرزتها وأصلتها، مناصب: أى أصولا جمع منصب وهو الأصل وكذلك النصاب:
أى وتلك الطرق والمذاهب هى التى نظمت فى هذه القصيدة لمن وافقنى على ما اصطلحت فيها ونصبتها أصولا لمن يقرؤها: أو أعلاما لعز من علمها وشرفه، ومناصب مفعول ثان لنصبت على تضمين نصبت معنى جعلت، وقيل هو حال، وقيل تمييز ثم قال فانصب: أى اتعب وتجرد وشمر لتحصيلها، ونصاب الشيء أصله: أى اتعب فى تحصيل بضاعة العلم الذى يصير أصلا لك تنسب إليه إذا انتسب الناس إلى آبائهم وقبائلهم، وقيل المراد به النية: أى اتعب فى تخليص نيتك مما يفسدها فى قراءة هذا العلم ومفضلا حال من الضمير فى انصب، يقال أفضل الرجل: إذا أتى بفاضل الأعمال، كأحسن وأجمل: إذا أتى بحسنها وجميلها: أى مفضلا بإخلاص النية، والله أعلم.
44 [وما أنا (1) ذا أسعى لعلّ حروفهم ... يطوع بها نظم القوافى مسهّلا]
ها حرف تنبيه وأنا ضمير المتكلم وذا اسم إشارة، ونظير هذه العبارة قوله تعالى:
{(هََا أَنْتُمْ أُولََاءِ تُحِبُّونَهُمْ} [2]).
فإعرابه كإعرابه، وأسعى: بمعنى أحرص وأجتهد: أى إنى مجتهد فى نظم تلك الطرق راجيا حصول ذلك وتسهيله، والضمير فى حروفهم للقراء، والمراد بالحروف قراءاتهم المختلفة. وقال صاحب العين: كل كلمة
__________
(1) أنا مبتدأ ثان وأسعى خبره أو تقول أنا مبدأ وذا بدل منه، وأسعى خبره. أو ذا خبر أنا.
(2) سورة آل عمران، آية: 119.(2/33)
تقرأ على وجوه من القرآن تسمى حرفا. ويجوز أن يكون المراد بالحروف الرموز لأنها حروفهم الدالة عليهم، ويدل عليه قوله بعد ذلك: جعلت أبا جاد، كأن قائلا قال له وما تلك الحروف التى ترجو طوع القوافى بها، فقال ذلك، ويطوع بمعنى ينقاد، فكأنه ضمنه معنى يسمح فعداه بالباء، والقوافى جمع قافية، وهى كلمات أواخر الأبيات بضابط معروف فى علمها، وقد نظمت فيها الأرجوزة الوافية بعلمى العروض والقافية، ومسهلا حال من النظم، ثم قال:
45 [جعلت أبا جاد على كلّ قارئ ... دليلا على المنظوم أوّل أوّلا]
أى صيرت حروف أبى جاد فحذف المضاف للعلم به: أى جعلتها دليلا على كل قارئ ذكرته فى هذا النظم، فقوله: على المنظوم بدل من قوله: على كل قارئ بإعادة العامل، أو يكون معمول عامل مقدر: أى مرتبا على ما نظمته، وتقدير أوّل: أوّلا أوّلا فأوّلا، أو أوّلا لأوّل ثم حذف الحرف وركبت الكلمتان معا وبنيتا على الفتح: أى الأوّل من حروف أبى جاد للأوّل من القراء والثانى للثانى، وهكذا إلى أن ينتهى عدد القراء السبعة والرواة الأربعة عشر، وحروف أبى جاد: هى حروف المعجم المعروفة، جمعت فى كلمات أوّلها أبجد وكان أصله أبو جاد فحذفت منه الواو والألف لئلا تتكرر الصور، لأن أوّل أبجد ألف، وفى هوز واو، وقد بسطنا الكلام فى ذلك فى الشرح الكبير، وصفا لنا من الحروف سبع كلمات كل كلمة لواحد من السبعة وراوييه على ترتيب نظمه، الأوّل للشيخ، والثانى لأوّل الراويين، والثالث لثانيهما، ولا يعدّ فى القراء اليزيدى ولا سليم، لأنه إنما ذكرهما لبيان السند لمن قرأ عليهما لا لتنسب القراءة إليهما، والكلمات هى: أبج دهز حطى كلم نصع فضق رست، وهى تجىء نصف بيت بتسكين الحرف الوسط من دهز كلم نصع وتحريكه من البواقى، وتمام البيت دليل على المنظوم أوّل أولا، فالألف لنافع، والباء لقالون، والجيم لورش، والدال لابن كثير، وهكذا إلى آخرهم، فتكون الراء للكسائى، والسين لأبى الحارث، والتاء للدورى عنه (1) وله عن عن أبى عمرو الطاء من حطى، هذا عقد هذا الاصطلاح.
بيان الرموز التى يشير لها الناظم الى القراء السبعة ورواتهم
وننبه بعد ذلك على فوائد تتعلق باستعماله لهذه الحروف لم يتعرض لها، وإنما فهمتها من تصرفه فى نظمه.
منها: أن هذه الحروف لا يأتى بها مفردة، بل فى أوائل كلمات قد ضمن تلك الكلمات معانى صحيحة مفيدة فيما هو بصدده، من ثناء على قراءة، أو على قارئ، أو تعليل، أو نحو ذلك، على ما سيأتى بيانه، كقوله: وبسمل بين السورتين بسنة البيت، ومالك يوم الدين راويه ناصر، سلاسل نون إذ رووا صرفه لنا، وقد يأتى بها بعد الواو الفاصلة كقوله: ألا وعلا الحرمى إن لنا هنا، وكم صحبة يا كاف، ودون عنادعم، وحكم صحاب قصر همزة جاءنا، فالحاء من حكم رمز لأبى عمرو، فكأنه قال: وأبو عمرو وفلان وفلان يقرءون كذا، وكذلك الدال من ودون لابن كثير، والكاف من وكم لابن عامر، والعين من وعلى لحفص، ولا يأتى ذلك إلا حيث يكون الواو زائدة على الكلمة، فالعين من قوله: وعى نفر ليست برمز، وكذا قوله فى سورة النحل: معا يتوفاهم لحمزة وصلا سما كاملا يهدى، الواو فى وصلا فصل وهى أصلية، فالصاد ليست برمز داخل مع سما كاملا،
__________
(1) أى إذا كان راويا عن الكسائى وللدورى أيضا إذا كان راويا عن أبى عمرو البصرى الطائى.(2/34)
وكذا لا يفعل ذلك إلا فى ابتداء المسألة لا فى أثناء الرمز. فقوله حق وذو جلا، حق وذو ملا ليس الذال برمز، وكذا ما أشبه ذلك، ولو كان تجنب الرمز فى الحشو مطلقا لكان أولى.
ومنها أن رمز نافع أوّل حروف أبجد، لأن نافعا أوّل القراء فى نظمه، وأوّل حروف أبجد همزة لفظا وألف خطا، فاستعمل المجموع فى رمز نافع، فالهمزة يستعملها كثيرا نحو: ورابرق افتح آمنا، وقد يستعمل ألف الوصل نحو معى نفر العلا. له الرحب، له الحلا، وإن افتحوا الجلا، كما انجلا، وهو كثير، ولو تجنبه لكان أحسن، فإن ألف الوصل ساقطة لفظا منه: فكلما كان الرمز بلفظ بين كان أولى منه بلفظ خفى، ولزم منه إلباس فى قوله: سورة الكهف: واقبلا على حق السدين أن يكون الألف من واقبلا رمز نافع، فيكون مع على حق فى فتح السدين، كما فعل ذلك فى وعلا وكم ودون وحكم على ما تقدم.
ومنها أنه مهما اجتمع الراويان على قراءة فالرمز لإمامهما دونهما فى غالب الأمر لأنه الأخص، إذ لا يحتاج إلا إلى كلمة واحدة. وقد جاء فى بعض المواضع الرمز لهما بكلمتين لاحتياجه إلى ذلك فى إقامة الوزن، وتتمة البيت كقوله: ضوء سنا تلا. وفى الفرقان زاكيه هللا، وفى الوصل لكنا فمد له ملا.
ومنها أنه إذا اتصل شيء من هذه الحروف بضمير قراء تقدّم ذكرهم لم يكن ذلك رمزا وكان الضمير كالمصرح به من أسمائهم. ومن حكمه أن المصرح به لا رمز معه، وذلك نحو قوله: وصية ارفع صفو حرميه رضى، ثم قال: ويبصط عنهم: أى أن من تقدم ذكرهم يقرءون يبصط بالصاد، ولا نقول إن العين فى عنهم رمز حفص، ومثله وضم الراء حق ولاغية لهم أى ضم نافع وابن كثير وأبو عمرو الياء من: لا تسمع فيها (1)
ورفع: لاغية لهم أيضا، ولا نقول إن اللام فى لهم رمز هشام، وهذا بخلاف ما إذا كان الضمير غير راجع إلى أحد من القراء الذين سبق ذكرهم، فإن الحرف حينئذ يكون رمزا مثل له الرحب، له الحلا.
ومنها أنه قد جاء فى مواضع ألفاظ تصلح أن تكون رمزا وليست برمز فى مراده، وذلك كما سنبينه فى باب:
المد، والإمالة، والزوائد، وفرش الحروف. وهو مشكل، وفى باب البسملة موضع ذكر أنه رمز، وعندى أنه ليس برمز كما سنذكره.
ومنها أنه إذا اجتمعت قراءتان لقارئ واحد، فتارة يسمى لكل قراءة منهما كقوله: وفيه لم ينون لحفص كيد بالخفض عولا، وتارة يسمى بعد الثانية فتكون التسمية لهما كقوله: وأنث أن تكون مع الأسرى الأسارى حلاحلا، وفى قوله: سنكتب ياء، ضم البيت رمز بعد ثلاث قراءات لحمزة بقوله: فيكملا، وتارة يسمى مع الأولى ويعطف الثانية عليها كقوله: ويغشى سما خفا البيت، فقوله والنعاس ارفعوا، يعنى لحق المقدم ذكره، لأنه قد أتى بالواو الفاصلة فى قوله: ولا، فلو كان رفع النعاس لغير من تقدم ذكره لسماه قبل الواو فيعلم بمجيء الواو أن لا رمز لها سوى ما تقدم، والله أعلم.
46 [ومن بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله ... متى تنقضى آتيك بالواو فيصلا]
الحرف مفعول ذكرى المضاف إلى ياء المتكلم، والمراد بالحرف ما وقع الاختلاف فيه بين القراء من الكلمات وأسمى وأسمى لغتان بمعنى واحد، ويتعديان إلى مفعول واحد لأنه واحد لأنه بمعنى ذكرى الاسم. والهاء فى رجاله تعود إلى الحرف، والمراد برجاله قراؤه: أى أذكرهم برموزهم التى أشرت إليها لا بصريح أسمائهم فإن ذلك يتقدم على الحرف ويتأخر كما سيأتى.
__________
(1) سورة الغاشية، آية 11.(2/35)
بين بهذا البيت كيفية استعماله الرمز بحروف أبجد، فذكر أنه يذكر حرف القراءة (1) أوّلا ثم يرمز له سواء كان المختلف فيه كلمة أو أكثر، فالكلمة نحو: وتقبل الأولى أنثوا دون حاجز، والكلمتان نحو وكسر بيوت والبيوت يضم عن حماجلة، والثلاث نحو: وقيل وغيض، ثم جىء يشمها البيت، والأربع نحو: وسكن يؤده مع نوله، ونصله، ونؤته منها البيت، وقد تكون قاعدة كلية يدخل تحتها كلم متعددة نحو: وضمك أولى الساكنين البيت، والأغلب أن الرمز المذكور لا يأتى إلا بعد كمال تقييد القراءة إن احتاجت إلى تقييد كالأمثلة التى ذكرناها، وقد وقع قليلا رمز قبل تمام التقييد كقوله: والعين فى الكل ثقلا كما دار واقصر مع مضعفة، فقوله كما دار رمز متوسط بين كلمتى التقييد وهما ثقلا واقصر، ومثله ومع مد كائن كسر همزته دلا ولا ياء مكسورا، وأما قوله فى سورة غافر: أو أن زد الهمز ثملا وسكن لهم، فإن قوله لهم قام مقام تكرار الرمز، وقد يرمز قبل جملة التقييد كقوله: وإثم كبير شاع بالثا مثلثا، ومثله مع تسمية القارئ قوله: وفى فأزل اللام خفف لحمزة وزد ألفا من قبله فتكملا، والضمير فى تنقضى للرجال. ويجوز أن يعود على المسألة برمتها من ذكر الحرف وقرائه، لدلالة سياق الكلام على ذلك.
يريد أنه إذا انقضى ذكر الحرف ورمز من قرأه أتى بكلمة أولها واو تؤذن بانقضاء تلك المسألة واستئناف أخرى، لأن الواو لم يجعلها رمز القارئ بخلاف سائر الحروف، ولو لم يفعل ذلك لاختلطت المسائل وظن ما ليس برمز رمزا لا سيما إذا أتى بكلام بين المسألتين للحاجة إليه فى تتميم وزن البيت كقوله: وجها على الأصل أقبلا، وجها ليس إلا مبجلا حق وذو جلا، فإن ما بعد الواو ليس رمزا فى كل ذلك، وقد يأتى بكلمة أوّلها واو فى أثناء تقييد المسألة لضرورة القافية، فلا تكون الواو فيها فصلا كقوله: من رجز أليم معا، ولا على رفع خفض الميم دل عليمه، وكقوله: والياسين بالكسر وصلا مع القصر مع إسكان كسر دنا غنى، فالواو فى ولا ووصلا فى هذين الموضعين ليسا بفصل، كما أن ألفاظ التقييد لا تكون أوائلها إلا رمزا، وإنما الرمز ما يأتى بعد كمال التقييد غالبا، كذلك الواو الفاصلة هى ما يأتى بعد كمال المسألة من التقييد والرمز، والله أعلم.
وإثبات الياء فى تنقضى، وآتيك، وهما فعلا شرط وجزاء على لغة من قال:
ألم يأتيك والأنباء تنمى
وحقها حذف الياء منها للجزم، ولم يستقم له حذف الياء من تنقضى، أما من آتيك فكان حذفها جائزا له على ارتكاب زحاف جائز، والناظم لم يفعله لنفور الطبع السليم منه، وفيصلا حال وهو من الصفات التى جاءت على وزن فيعل كضيغم وبيئس وفيه معنى المبالغة، والله أعلم.
47 [سوى أحرف لا ريبة فى اتّصالها ... وباللّفظ استغنى عن القيد إن جلا]
نبه بهذا البيت على أنه إنما جعل الواو فاصلة لترتفع الريبة واللبس من اختلاط الحروف، وإنما خس الواو بالفصل، لتأتيها له فى النظم، وتيسرها عليه من حيث هى فى الأغلب عاطفة، والقراءات تراجم ومسائل يعطف بعضها على بعض، وربما فصل بغير العاطفة كقوله: دار وجها، شاع وصاله فى عمد وعوا، وهو قليل، وليس كل كلمة أولها واو يكون الواو فيها فصلا، فإن ذلك قد يقع فى كلمات القرآن وفى ألفاظ التقييد،
__________
(1) أى ما وقع الاختلاف فيه بين القراء.(2/36)
كقوله: وراؤه بكسر بعد قوله: وصحبة يصرف فتح ضم، ومنه قوله: وبالضم واقصروا كسر التاء قاتلوا، وقد تقدم أنها تقع فى أثناء كلمات التقييد وإن لم تكن تلك الكلمة تقييدا بل احتيج إليها لتتميم القافية، كقوله:
وفك ارفعن ولا، فإن قوله ولا وقع حشوا لأجل القافية، وقوله بعد ذلك: وبعد اخفضن واكسر ومدّ الواو فى الكلمات الثلاث داخلة على ما هو تقييد لا فصل فى واحدة منها، إلى قوله: ومؤصدة، فإنما الواو الفاصلة هى الآتية بعد كمال الرمز. ثم إن الكلمة التى أوّلها واو للفصل تارة ليس المراد منها إلا ذلك نحو: وضم حليهم بكسر شفا واف، فكلمة واف لم يأت بها إلا للفصل وإن تضمنت معنى صحيحا فيما يرجع إلى الثناء على القراءة وتارة تأتى الكلمة ويكون ما بعد الواو مقصودا لغير الفصل، إما هو من الحروف المختلف فيها نحو: وموصدة فاهمز وحمالة المرفوع، وإما اسم لقارئ نحو: وحمزة أسرى، وورش لئلا، وبصر وأتبعنا أو تقييد للحرف المختلف فيه نحو: وخاطب حرفا تحسبن، وبالضم صر أشاع، وميم ابن أم اكسر، وذكر لم يكن شاع، وقد يكون ما بعد الواو رمزا وهو قليل، وقد تقدم الكلام فيه نحو وعلى الحرمى، ثم ذكر فى هذا البيت أنه قد لا يأتى بالواو الفاصلة، وذلك فى أحرف من القراءات إذا اتصلت لم يلبس أمرها ولا يرتاب الناظر فيها لأنها من كلم القرآن، وذلك كقوله: وينبت نون صح يدعون عاصم، ويدعون خاطب إذ لوى، ورابرق افتح آمنا البيتين، ففي كل بيت منهما ثلاثة أحرف ولا واو بينها، وقد يقع الاتصال من تقييد قراءة ورمز أخرى كقوله: يظلمون غيب شهددنا، ثم قال: إدغام بيت فى حلا، وقوله، واكسر الضم اثقلا نعم عم فى الشورى.
فالحاصل أنه يلتزم الواو فى مواضع الريبة، وفيما عداها قد يأتى بالواو طردا للباب، وقد لا يأتى بها للاستغناء عنها، وأكثر المواضع التى أتى فيها بالواو لا لبس فيها كقوله، وعند سراط والسراط، ورضوان اضمم زكا، وقواريرا، وقد ترك الواو سهوا فى موضع واحد ملبس فى سورة القصص، وقل قال موسى واحذف الواو دخللا نما نفر بالضم، ثم ذكر حكما آخر فيما يتعلق بتقييد الحرف المختلف فيه فقال: وباللفظ استغنى عن القيد ولم يكن هنا موضع ذكره، ولو أخره إلى ما بعد انقضاء الرموز لكان أولى، وذلك عند قوله: وما كان ذا ضد إلى قوله: وفى الرفع والتذكير والغيب، فهاتيك الأبيات كلها فيما يتعلق بتقييد القراءات، وهذه الأبيات من قوله: جعلت أبا جاد إلى قوله: وما كان ذا ضد كلها فى الرمز وما يتعلق به ويتفرع عنه، فاعترض بهذا الحكم فى أثناء ذلك، فذكر أنه قد لا يحتاج إلى تقييد الحرف بهيئة قراءته إذا كان التلفظ به كاشفا عن ذلك القيد، ولهذا قال: إن جلا أى إن كشف اللفظ عن المقصود وبينه، يقال جلوت الأمر: إذا كشفته، وهذا قد أتى فى القصيدة على ثلاثة أقسام: إما أن يلفظ بالقراءتين معا كقوله: وحمزة أسرى فى أسارى، وفى طائر طيرا، سكارى معا سكرى، وعالم قل علام. وإما أن يلفظ بإحداهما ويقيد الأخرى كقوله: وبالتاء آتينا. والثالث أن يلفظ بإحداهما ولا يقيد الأخرى كقوله:
و {(مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [1]).
كأنه قال بالمدّ، ففهم من ذلك القراءة الأخرى من جهة الضد. وقد يلفظ بالقراءتين معا ويذكر بعد بعض
__________
(1) سورة الفاتحة، آية: 4.(2/37)
قيود إحداهما كقوله: تمارونه تمرونه وافتحوا شذا، وطأ وطاء فاكسروه وكل موضع لفظ بحرف مختلف فيه ولم يستغن باللفظ به عن القيد، ثم قيده بما فهم منه الخلاف باعتبار الأضداد على ما سيأتى ذكرها، فإن لم يمكن أن يلفظ بذلك اللفظ إلا على إحدى القراءتين تعين. وهو فى القصيدة على نوعين:
أحدهما أن يكون القيد لما لفظ به كقوله: وما يخدعون الفتح من قبل ساكن وبعد ذكا، وخفف كوف يكذبون: وعدنا جميعا دون ما ألف وكفلها الكوفى ثقيلا البيت، وحامية بالمدّ صحبته كلا وفى حاذرون المدّ.
والثانى أن يكون القيد لما لم يلفظ به، وهذا أحسن لأخذ كل من القراءتين حظا إما لفظا وإما تقييدا، كقوله: وفى تكملوا قل شعبة الميم ثقلا، وقصر قياما عم، مع القصر شدّد ياء قاسية شفا، ووحد للمكى آيات الولا، فإن أمكن أن يلفظ بذلك اللفظ على كل واحدة من القراءتين فالأولى أن يلفظ بما لم يقيده كقوله: عليهم إليهم حمزة بكسر الهاء وصحبة يصرف بضم الياء وذكر لم تكن بالتاء الدالة على التأنيث، وقد جاء فى سورة (طه) موضع استغنى فيه باللفظ عن القيد ولم يحصل الاستغناء به لأنه لم يجل القراءة الأخرى ولم يكشفها وهو قوله: وأنجيتكم، واعدتكم، ما رزقتكم، شفا، وسيأتى ما يمكن الاعتذار به فى موضعه إن شاء الله تعالى.
48 [وربّ مكان كرّر الحرف قبلها ... لما عارض والأمر ليس مهوّلا]
الحرف مفعول كرر وفاعله ضمير راجع إلى مكان على طريقة المجاز، جعل المكان مكررا لما كان التكرار واقعا فيه كقولهم: ليل نائم، أو يرجع إلى الناظم على طريقة الالتفات من استغنى إلى كرر كقوله تعالى.
{(لِنُرِيَهُ مِنْ آيََاتِنََا إِنَّهُ هُوَ} [1]).
أى كرر فيه الناظم الحرف قبلها: أى قبل الواو الفاصلة، ومراده بالحرف هنا حرف الرمز الدال على القارئ لا الكلمة المختلف فيها المعبر عنها بقوله: ومن بعد ذكرى الحرف، ولو قال: ورب مكان كرر الرمز لكان أظهر لغرضه وأبين، ورب حرف تقليل وعامله محذوف مقدّر بعده: أى وجد أو عثر عليه، أشار إلى أن ذلك يوجد قليلا وهو تكرار الرمز تأكيدا وزيادة بيان. وهو فى ذلك على نوعين:
أحدهما أن يكون الرمز لمفرد فيكرره بعينه كقوله اعتادا فضلا. وحلا حلاء. وعلا علا.
والثانى أن يكون الرمز لجماعة لم يرمز لواحد من تلك الجماعة كقوله: سما العلا. ذا أسوة تلا.
وقد يتقدم المفرد كقوله: إذ سما كيف عولا. وقوله: قبلها، يعنى قبل الواو الفاصلة المنطوق بها، أو قبل موضعها وإن لم توجد، فإن حلا حلا وعلا علا ليس بعدهما واو فاصلة. وقوله لما عارض تعليل للتكرير وما نكرة موصوفة: أى لأمر عارض، أو زائدة كزيادتها فى قوله تعالى.
{(فَبِمََا رَحْمَةٍ مِنَ اللََّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [2]).
__________
(1) سورة الإسراء، آية: 1.
(2) سورة آل عمران، آية: 159.(2/38)
أى لأجل عارض اقتضى ذلك من نحسين لفظ أو تتميم قافية، ثم سهل هذا الأمر على الطالب وهوّنه بقوله والأمر ليس مهولا: أى ليس مفزعا: أى لا يجر لبسا ولا يؤدى إلى إشكال.
واعلم أنه كما يكرر الرمز لعارض فقد تكرر الواو الفاصلة أيضا لذلك، كقوله: قاصد ولا ومع جزمه.
ولم يخشوا هناك مضللا، وأن يقبلا التذكير. ولم ينبه على ذلك، وهو واضح والله أعلم.
49 [ومنهنّ للكوفيّ ثاء مثلّث ... وستّتهم بالخاء ليس بأغفلا]
الضمير فى منهنّ للحروف للعلم بها، ووصف الثاء بأنه مثلث بالنقط ليميزه من الباء والتاء، وكذلك قوله:
فى الخاء ليس بأغفلا: أى أنه منقوط ليميزه من الحاء.
لما اصطلح الناظم رحمه الله على رموز للقراء منفردين اصطلح أيضا على رموز لهم مجتمعين إلا أنه ليس لكل اجتماع، بل لما يكثر دوره ووقوعه.
واعلم أن لكل واحد من القراء شيئا ينفرد به، وقد جمعت ذلك فى مصنف بترتيب حسن، ولكل واحد منهم اجتماع مع كل واحد منهم هذا مطرد، ويتفق اجتماع ثلاثة على قراءة ولا يطرد فى الجميع، وكذا يتفق اجتماع أربعة وخمسة وستة، وكان قد بقى ستة أحرف فجعل كل حرف منها رمزا لما يذكره، فذكر فى هذا البيت حرفين الثاء والخاء، فالثاء رمز للقراء الكوفيين وهم ثلاثة كما سبق، وقوله للكوفى: أى للقارئ الكوفى من السبعة: أى لهذا الجنس منهم، والحروف كلها تذكر وتؤنث، واختار التذكير فى وصف هذه الحروف هنا لما كانت عبارة عن ذكور فقال: مثلث وليس بأغفلا، وكذا الأربعة البواقى على ما يأتى، فالضمير فى وستتهم للقراء: أى يعبر عنهم بالخاء، ثم بين الستة منهم فقال:
50 [عنيت الألى أثبتهم بعد نافع ... وكوف وشام ذا لهم ليس مغفلا]
الألى بمعنى الذين: أى عنيت بالستة الذين ذكرتهم بعد ذكر نافع وهم باقى السبعة. وعبر عن الكوفيين وابن عامر وهو الشامى بالذال، وقال ليس مغفلا ليميزه عن الدال، ووجه قوله: وكوف وشام، وكذا ما يأتى بعده مثل وبصر ومك أنه حذف إحدى ياءى النسب تخفيفا كما يخفف المشدّد لضرورة الشعر، وكأن المحذوف المتحركة فبقيت الساكنة مع التنوين فحذفت لالتقاء الساكنين فصار كقاض، والألف واللام مقدّرة، أو الإضافة ولهذا صح الابتداء به: أى والكوفى والشامى، أو وكوفيهم وشاميهم ذالهم التى هى عبارة عنهم منقوطة، ثم قال:
51 [وكوف مع المكّىّ بالظّاء معجما ... وكوف وبصر غينهم ليس مهملا]
المعجم من الحروف ما نقط، من قولهم: أعجمت الكتاب: أى أزلت عجمته، والمهمل ما لم ينقط، ولسنا بخائضين فى بيان مناسبة كل حرف لمن جعله له من جهة مخارج الحروف وصفاتها، فإنه لو عكس ما ذكره لأمكن توجيهه أيضا، والله أعلم.
بيان اصطلاح الناظم فى التعبير عن اوجه الخلاف
52 [وذو النّقط شين للكسائى وحمزة ... وقل فيهما مع شعبة صحبة تلا]
شين بدل من وذو النقط وتمت حروف أبجد، واحتاج إلى الاصطلاح فى التعبير عن جماعات يكثر اتفاقهم
على القراءة فوضع ثمانى كلمات لمن يأتى ذكرهم، وهى: صحبة صحاب عم سما حق نفر حرمى حصن، منها ما هو دالّ على اثنين وهو عم حق حرمى، والبواقى مدلولها جماعة، فجعل لحمزة والكسائى إذا اتفق معهما أبو بكر عن عاصم لفظ صحبة، كقوله: رمى صحبة، وصحبة يصرف. وتارة رمز لهم بالحروف كقوله:(2/39)
52 [وذو النّقط شين للكسائى وحمزة ... وقل فيهما مع شعبة صحبة تلا]
شين بدل من وذو النقط وتمت حروف أبجد، واحتاج إلى الاصطلاح فى التعبير عن جماعات يكثر اتفاقهم
على القراءة فوضع ثمانى كلمات لمن يأتى ذكرهم، وهى: صحبة صحاب عم سما حق نفر حرمى حصن، منها ما هو دالّ على اثنين وهو عم حق حرمى، والبواقى مدلولها جماعة، فجعل لحمزة والكسائى إذا اتفق معهما أبو بكر عن عاصم لفظ صحبة، كقوله: رمى صحبة، وصحبة يصرف. وتارة رمز لهم بالحروف كقوله:
وموص ثقله صح شلشلا، وتلا: بمعنى تبع: أى تبع ما قبله فى أنه رمز وليس بصفة لصحبة وإلا تقيدت وأشعر اللفظ بأن المجموع هو الرمز، وكذا ما يأتى فى قوله: نفر حلا.
53 [صحاب هما مع حفصهم عمّ نافع ... وشام سما فى نافع وفتى العلا]
هما: يعنى حمزة والكسائى مع حفص عن عاصم يعبر عنهم بصحاب، ولفظ عم دليل نافع وشام وسما مستقر فى التعبير به عن نافع. وفتى العلا: وهو أبو عمرو بن العلا، وفى ابن كثير وهو المراد بقوله ومك فى البيت الآتى:
54 [ومكّ وحقّ فيه وابن العلاء قل ... وقل فيهما واليحصبى نفر حلا]
فيه: أى فى المكى وهو ابن كثير: أى استقر لفظ حق فيه وفى ابن العلاء فحذف حرف الجر من المعطوف على الضمير المجرور، وهو جائز فى الشعر مختلف فيه فى غيره، ولفظ نفر قل فيهما: أى فى ابن كثير وأبى عمرو وفى اليحصبى وهو ابن عامر فحذف حرف الجر أيضا.
55 [وحرمىّ المكّىّ فيه ونافع ... وحصن عن الكوفى ونافعهم علا]
أى ولفظ حرمى اشترك فيه ابن كثير ونافع، وهو نسبة إلى الحرم، والحرم والحرم واحد.
فإن قلت: هذه نسبة صحيحة فتكون كالعبارة الصريحة، فقوله حرمى كقوله: مكى وبصرى وشامى وكوفى، لأن كل واحد من ابن كثير ونافع منسوب إلى الحرم، هذا من حرم مكة، وذا من حرم المدينة.
قلت: موضع الرمز كون اللفظ مفردا أراد به مثنى، ولم يستعمل المفرد لإلباسه، إذ لا يعلم أى الحرميين أراد، والتصريح بنسبتهما أن يقول الحرميان كما يقوله صاحب العنوان وغيره، ولكونه جعل هذا اللفظ رمزا لم يتصرف فيه بحذف ياء النسبة ولا تخفيفها، بخلاف قوله: ومن تحتها المكى سوى الشام ضموا، إشعارا بأنه رمز لا نسبة. ثم قال: وحصن جعلته عبارة عن الكوفيين ونافع، وقوله: علا أى الحصن أو المذكور أى ظهر المراد وانكشف، وهذه الألفاظ الثمانية، تارة يأتى بها بصورتها، وتارة يضيف بعضها إلى ضمير القراء كقوله: ونذر أصحابهم حموه، كما قال وكوفيهم تساءلون، شاميهم تلا، وتارة يضيفه إلى الهاء والكاف نحو: وحامية بالمد صحبته كلا، وقل مرفقا فتح مع الكسر عمه، حقه بتنبت، وحقك يوم لا:
ثم قال:
56 [ومهما أتت من قبل أو بعد كلمة ... فكن عند شرطى واقض بالواو فيصلا]
أى هذه الكلمات الثمانى التى وضعتها رمزا تارة أستعملها مجردة عن الرمز الحرفى الذى تقدم ذكره، وتارة يجتمعان. فإذا اجتمعا لم ألتزم ترتيبا بينهما، فتارة يتقدم الحرف على الكلمة، وتارة تتقدم الكلمة على الحرف كقوله: وعم فتى، نعم عم، صحبة كهف، كفء صحبة، وتارة تتوسط الكلمة بين حرفين كقوله: صفو
حرميه رضى، يبشركم سما نعم. ومدلول كل واحد من الحرف والكلمة بحاله لا يتغير بالاجتماع، فهذا معنى قوله:(2/40)
56 [ومهما أتت من قبل أو بعد كلمة ... فكن عند شرطى واقض بالواو فيصلا]
أى هذه الكلمات الثمانى التى وضعتها رمزا تارة أستعملها مجردة عن الرمز الحرفى الذى تقدم ذكره، وتارة يجتمعان. فإذا اجتمعا لم ألتزم ترتيبا بينهما، فتارة يتقدم الحرف على الكلمة، وتارة تتقدم الكلمة على الحرف كقوله: وعم فتى، نعم عم، صحبة كهف، كفء صحبة، وتارة تتوسط الكلمة بين حرفين كقوله: صفو
حرميه رضى، يبشركم سما نعم. ومدلول كل واحد من الحرف والكلمة بحاله لا يتغير بالاجتماع، فهذا معنى قوله:
فكن عند شرطى: أى على ما شرطته واصطلحت عليه من موضوع كل واحد منهما: أى أنه باق بحاله، واقض بالواو فيصلا عند انتهاء كل مسألة، سواء كان رمزها بالحرف أو بالكلمات أو بهما إلا حيث لا ريبة فى الاتصال كقوله: وخفف حق سجرت البيت.
فالمعنى مهما أتت من قبل الرمز الحرفى أو من بعده كلمة من هذه الكلمات الثمانى أو مهما أتت من قبل هذه الكلمات الثمانى أو بعدها كلمة من الكلمات التى تدخل حروف أوائلها على القارئ، سواء كان مفردا كالألف والدال أو مجتمعا كالشين والذال. وفى مهما بحوث حسنة ذكرناها فى الشرح الكبير.
وحاصله أنها فى استعمال الناظم هنا وفى قوله: ومهما تصلها أو بدأت براءة بمعنى شيء ما، ووجه صحة هذا الاستعمال أن مهما مركبة من ما التي للشرط ومن ما المزيدة للتأكيد ثم أبدلت ألف ما الجزائية هاء فصار مهما.
وقد استقر أن ما الجزائية تتضمن معنى الزمان، ولهذا يقال لها الظرفية كقوله تعالى:
{(فَمَا اسْتَقََامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [1]).
فمتى أبدلت ألف الظرفية هاء لدخول المزيدة عليها صار مهما متى ما ومتى كانت المبدلة غير ظرفية لم تكن بهذا المعنى، والله أعلم.
57 [وما كان ذا ضدّ فإنّى بضدّه ... غنىّ فزاحم بالذّكاء لتفضلا]
أى وما كان من وجوه القراءات له ضد فإنه يستغنى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر، فيكون من سمى يقرأ بما ذكر، ومن لم يسم يقرأ بضد ما ذكر كقوله. وخف لووا إلفا، فيعلم أن غير نافع يشدده، وليس هذا الاستغناء بلازم فإنه قد يذكر القراءة الأخرى المعلومة من الضد كقوله: ولكن خفيف والشياطين رفعه البيت، وإن لم تكن القراءة الأخرى تعلم بالضد ذكرهما نحو: أوصى بوصى كما اعتلا، أنجيت للكوفى أنجا تحولا.
ومتى لفظ بالقراءتين فلا حاجة إلى تقييد واحدة منهما، فإن قيده كان زيادة بيان كما فعل فى وما يخدعون وإنما قال بضده ولم يقل به، ولا بذكره، لأنه قصد المعنى المذكور فى قوله تعالى:
{(أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا فَتُذَكِّرَ إِحْدََاهُمَا الْأُخْرى ََ} [2]).
ولم يقل فتذكرها: أى أيتهما ضلت ذكرتها الأخرى، فهذا اللفظ أو غل فى الإبهام من ذكر الضمير، وكذا قوله بضده: أى استغنى بأحد الضدين عن الآخر.
واعلم أنه لم يبن كلامه فى الأضداد هنا على ما يعلم بالعقل أنه ضده، بل بعضه كذلك وبعضه اصطلح هو عليه، وبيان ذلك فيما ذكر من الأمثلة كما سيأتى، وقد لف بعضها ببعض والذكى يميز ذلك، ولهذا قال: فزاحم بالذكاء لتفضلا.
__________
(1) سورة التوبة، آية: 7.
(2) سورة البقرة، آية: 282.(2/41)
58 [كمدّ وإثبات وفتح ومدغم ... وهمز ونقل واختلاس تحصّلا]
شرع يمثل الألفاظ التى يستغنى بها عن أضدادها أو بأضدادها عنها: أى هى كمد وما بعده. وقوله ومدغم اسم مفعول، ويجوز أن يكون مصدرا وهو أولى، ليناسب ما قبله وما بعده من الكلمات المذكورات. وهى منقسمة إلى ما له ضد معين وإلى ما ليس كذلك، فالأوّل يفهم بالعقل، والثانى بالاصطلاح، وإنما أشرح ما ذكره واحدا واحدا، وأبين ما فيه وأزيد على ما ذكره أمثلة أخر.
أما المد فضده القصر وهو متعين، وكلاهما مستعمل مستغنى به عن الآخر فى هذه القصيدة كقوله: وفى حاذرون المد، وفى لابثين القصر، ومد وخفف ياء زاكية، وآتاكم فاقصر.
وأما الإثبات فضده الحذف، وكلاهما مستعمل وما فى معناهما كقوله: وتثبت فى الحالين، واحذف الواو ودخللا والواو زد بعد مفسدين، وما الواو دع كفى، وزد ألفا من قبله فتكملا، وعدنا جميعا دون ما ألف حلا وقبل يقول الواو غصن، وأسقط الأولى فى اتفاقهما معا.
وأما الفتح فلم يكن له حاجة إلى ذكره، لأنه سيذكر فيما بعد أنه آخى بين الفتح والكسر فصارا ضدين بالاصطلاح، وإن كان أراد به أنه ضد للإمالة كما ذكره الشيخ فى شرحه فهو قليل الفائدة لم يستعمله إلا فى قوله فى سورة يوسف والفتح عنه تفضلا، وفى باب الإمالة، ولكن رءوس الآى قد قل فتحها، وإنما الذى يستعمله كثيرا الإمالة وضدها ترك الإمالة، ويعبر عنه بعض القراء بالفتح كما يعبر بعض النحويين عن الإمالة بالكسر، ويعبر الناظم عنها أيضا بالإضجاع نحو: وإضجاعك التوراة مارد حسنه.
وأما المدغم فضده المظهر، وكلاهما مستعمل نحو وأدغم باقيهم تمدوننى الإدغام، وأظهر لدى واع، ومن حيى اكسر مظهرا.
وأما الهمز فضده ترك الهمز وكلاهما مستعمل، وترك الهمز قد يكون بحذفه وهو حيث لا صورة له فى الرسم كقوله: وفى الصابئين الهمز والصابئون خذ، وننسها مثله من غير همز، وقد يكون بإبداله بالحرف الذى صور به الهمز كقوله: وحيث ضياء وافق الهمز قنبلا، وبادئ بعد الدال بالهمز حللا، ويأجوج مأجوج اهمز الكل ناصرا، ويهمز ضيزى، وفى ضد ذلك وورش لئلا والنسيء بيائه، ويجوز أن يقال الهمز وتركه من باب الإثبات والحذف فكان مغنيا عنه.
وأما النقل، فعبارة عن تحويل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها مع حذف الهمزة فضد ذلك إبقاء الهمز على حاله والساكن على حاله، ولم يقع التقييد فى القصيدة إلا بالعقل لا بضده نحو، ونقل ردا عن نافع، ونقل قران والقران، وفى معنى النقل لفظا التسهيل والإبدال كقوله: لأعنتكم بالخلف أحمد سهلا، وسهل أخا حمدوكم مبدل جلا، وتسهيل أخرى همزتين، وحمزة عند الوقف سهل همزه، وضد ذلك كله تحقيق الهمز، وقد استعمله فى قوله: وحققها فى فصلت صحبة أآلهة كوف يحقق ثانيا.
وأما الاختلاس فضده إكمال الحركة، لأن معناه خطف الحركة والإسراع بها، وضده ترك ذلك، وهو التؤدة فى النطق بها تامة كاملة، والاختلاس كالنقل فى أنه لم يقع التقييد إلا به دون ضده مع أن استعماله قليل كقوله: وكم جليل عن الدورى مختلسا جلا، وقد عبر عنه بالإخفاء كثيرا كقوله: وإخفاء كسر العين
وأخفى العين قالون، وأخفى بنو حمد، وأخف حلوبر، وقوله: تحصلا: أى تحصل فى الرواية وثبت، والله أعلم.(2/42)
وأما الاختلاس فضده إكمال الحركة، لأن معناه خطف الحركة والإسراع بها، وضده ترك ذلك، وهو التؤدة فى النطق بها تامة كاملة، والاختلاس كالنقل فى أنه لم يقع التقييد إلا به دون ضده مع أن استعماله قليل كقوله: وكم جليل عن الدورى مختلسا جلا، وقد عبر عنه بالإخفاء كثيرا كقوله: وإخفاء كسر العين
وأخفى العين قالون، وأخفى بنو حمد، وأخف حلوبر، وقوله: تحصلا: أى تحصل فى الرواية وثبت، والله أعلم.
59 [وجزم وتذكير وغيب وخفّة ... وجمع وتنوين وتحريك اعملا]
ضد الجزم عنده الرفع، ولا ينعكس الأمر، فهذا مما اصطلح عليه فإذا كانت القراءة دائرة بين الجزم والرفع، فإن ذكر قراءة الجزم ذكر الجزم مطلقا بلا قيد، فتكون القراءة الأخرى بالرفع لأنه ضده عنده كقوله: وحرفا يرث بالجزم، وإن ذكر قراءة الرفع لم يطلق ذلك لأن ضد الرفع النصب على ما يأتى من اصطلاحه، بل يقيد ذلك كقوله: وتلقف ارفع الجزم، يضاعف ويخلد رفع جزم، يصدقنى ارفع جزمه فكان الواجب أن يذكر الجزم مع الرفع والضم فى قوله: وحيث أقول الضم والرفع، لأن كل واحد منهما لا ينعكس ضده به.
وأما التذكير فضده التأنيث وكلاهما مستعمل كقوله: وذكر تسقى عاصم، وأنث يكن عن دارم، وليس بلازم أن يكونا عبارتين عن الياء والتاء فى أفعال المضارعة، فقد يأتى غير ذلك كقوله: وذكر فناداه، وذكر مضجعا توفاه.
وأما الغيبة فضدها الخطاب عنده، وكلاهما مستعمل كقوله، ولا يعبدون الغيب، وبالغيب عما يعملون، وخاطب تروا شرعا، وفى أم تقولون الخطاب وللتحقيق أن ضد الغيبة الحضور. والحضور ينقسم إلى خطاب وتكلم، وتردد القراءة بين الغيبة والخطاب كثير فجعلهما ضدين، والتردد بين الغيب والتكلم قليل كقوله:
تعالى فى الأعراف.
{(وَإِذْ أَنْجَيْنََاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [1]).
يقرؤه ابن عامر على الغيبة: وإذ أنجاكم فعبر الناظم عن هذا بالحذف والإثبات فقال: وانجا بحذف الياء والنون كفلا.
والخفة ضدها الثقل، وكلاهما قد جاء كقوله: وخف قدرنا دار، وثقل غساقا معا، ومثله وشدد حفص منزل.
والجمع ضده التوحيد ومثله الإفراد، والكل مستعمل كقوله وجمع رسالاتى، رسالات فرد، ووحد حق مسجد الله، خطيئته التوحيد، لكنه إذا ذكر لفظ الجمع كان ضده معلوما وهو الإفراد والتوحيد، وإذا ذكر التوحيد فضده الجمع، إلا أن الجمع على قسمين: جمع سلامة، وجمع تكسير، فإن لفظ به اتضح كقوله:
رسالات فرد (2) وإن لفظ بالإفراد فتارة يكون ضده جمع السلامة كقوله: خطيئته التوحيد، وتارة جمع التكسير كقوله: ووحد حق مسجد الله، وهنا يمكن التلفظ بالجمع فيقرأ البيت خطيئاته التوحيد، ولكل واحد من الجمع
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 141.
(2) إذا لفظ بالإفراد فالحق أن يحمل ضده الذى هو الجمع على جمع السلامة لأنه الأصل فى الجمع لأن الأصل عدم تغيير المفرد وأما قوله: ووحد حق مسجد الله فضده المكسر، وهو معلوم من المجمع عليه من لفظ المساجد اهـ.(2/43)
والإفراد ضد آخر وهو التثنية، ولكن لم يجيء إلا ضميرها، ولقلته أدرجه فى باب الحذف والإثبات: تارة كقوله ودع ميم خيرا منهما، وتارة أدرجه فى باب المد والقصر كقوله: وحكم صحاب قصر همزة جاءنا، والتنوين ضده ترك التنوين: إما لعدم الصرف، وإما للإضافة، وكلاهما قد استعمله بهذا اللفظ، وبما يؤدى معناه كقوله: ونونوا عزيز رضا نص، ثمود مع الفرقان والعنكبوت لم ينوّن وقلب نونوا من حميد خالصة أضف، أكل أضف حلا.
وقد يعبر عن التنوين بالنون نفيا وإثباتا كقوله: شهاب بنون ثق، معا سبأ افتح دون نون، وفى درجات النون، ولا نون شركا، ولو تجنب ذلك لكان أحسن لأنه قد آخى بين النون والياء كما يأتى فيتحد اللفظ، والضد يختلف فيقول تارة نغفر بنونه فيكون ضده الياء، وضابطه أن يكون الحرف المختلف فيه فعلا مضارعا. وحيث يكون الحرف المختلف فيه اسما تكون النون فيه عبارة عن التنوين.
وأما التحريك فضده الإسكان، سواء كان التحريك مقيدا أو مطلقا وكلاهما مستعمل كقوله: معا قدر حرك، وحرك عين الرعب ضما، وسكن معا شنآن، وأرنا وأرنى ساكنا الكسر، وقوله اعملا: أى اجعل عاملا فى الحرف ما يتصف به الحرف من ارتفاع وانفتاح وانخفاض، فمتى ذكر التحريك فضده السكون ومتى ذكر اسم الحركة دونها فالضد له، مثاله إذا قال ارفع فضده انصب، وإذا قال انصب فضده اخفض، وإذا قال اخفض فضده انصب، ولا مدخل للسكون فى القراءة المسكوت عنها. وإن ذكر التحريك مع واحد من هذه الثلاثة فالضد له وهو السكون، ولا التفات إلى كونه قد قيد التحريك بضم أو فتح أو كسر، مثاله قوله:
وتسأل ضموا التاء واللام حركوا برفع فلأجل قوله حركوا أخذنا السكون للقراءة الأخرى ولم نأخذ ضد الرفع، ولو قال موضع حركوا برفع رفعوا لأخذنا ضد الرفع وهو النصب: وكذا قوله: وحمزة وليحكم بكسر ونصبه يحركه، لولا قوله يحركه لكانت قراءة الباقين بفتح اللام وخفض الميم، فلما قال يحركه سكن الحرفان، فاعرف ذلك فإنه قل من أتقنه، فهذا شرح ما ذكر من أمثلة الأضداد فى هذين البيتين، وقد استعمل ألفاظا أخر كثيرة لم يذكرها هنا: منها التقديم والتأخير كقوله: هنا قاتلوا أخر، وختامه بفتح وقدم مده، ومنها القطع والوصل كقوله: وشام قطع اشدد، وشدد وصل وامدد.
ويجيء صل بمعنى آخر، وهو وصل ميم الجمع وهاء الكناية بواو أو ياء، وضده ترك ذلك.
ومنها الإهمال الدال على النقط فى القراءة الأخرى كقوله: فى سورة الأنعام فى يقض الحق شدد وأهملا.
ومنها الاستفهام والخبر كقوله: واستفهام إنا صفا ولا، وأخبروا بخلف إذا ما مت، وغير ذلك مما يأتى فى مكانه إن شاء الله تعالى.
60 [وحيث جرى التّحريك غير مقيّد ... هو الفتح والإسكان آخاه منزلا]
يعنى إذا أطلق التحريك فمراده به الفتح دون الضم والكسر، مثاله: معا قدر حرك من صحاب: أى افتح الدال وقال فى الضم والكسر، وحرك عين الرعب ضما، وضيقا مع الفرقان حرك مثقلا بكسر، فقيدهما ولم يطلق لفظ التحريك.
وقوله: والإسكان آخاه فيه وجهان: أحدهما أن السكون آخى التحريك غير المقيد فى أنه متى ذكر غير
مقيد فضده التحريك المطلق وهو الفتح: أى كأنه قال سكن حركة الفتح كقوله: ويطهرون فى الطاء السكون فضد السكون هنا الفتح.(2/44)
وقوله: والإسكان آخاه فيه وجهان: أحدهما أن السكون آخى التحريك غير المقيد فى أنه متى ذكر غير
مقيد فضده التحريك المطلق وهو الفتح: أى كأنه قال سكن حركة الفتح كقوله: ويطهرون فى الطاء السكون فضد السكون هنا الفتح.
أما إذا كان ضد السكون حركة غير الفتح فإنه يقيدها كقوله: وأرنا وأرنى ساكنا الكسر، وفى سبلنا فى الضم الإسكان.
وقد استعمل الأمرين معا فى نصف بيت فى حرف دار ست حق فى سورة الأنعام فقال وحرك وسكن كافيا، فأطلق التحريك والإسكان، فكان المراد بما نطق به من الحركة وبضد السكون الفتح، فابن عامر افتح السين وسكن التاء، والباقون سكنوا السين وفتحوا التاء.
الوجه الثانى: أن تكون الهاء فى آخاه عائدة على التحريك كله المطلق والمقيد، والمراد بالإخوة الضدية كما قال فى البيت بعده: وآخيت بين النون والياء، ويفهم من الإسكان المطلق أن ضده الفتح، لأن ضده الحركة المطلقة. وقد قال: وحيث جرى التحريك غير مقيد هو الفتح، يعنى سواء جرى ذكره نصا صريحا أو أخذ ضدا لما نص على إسكانه مطلقا، ولهذا قلت أنا بدل هذا البيت ما أظنه وفيا إن شاء الله تعالى بالمقصود.
وإن أطلق التحريك نصا ولازما ... من الضد فهو الفتح حيث تنزلا
ولم يخرج عن الأصل الذى ذكره إلا قوله، وفى الصعقة اقصر مسكن العين، وكان حقه أن يقول مسكن الكسر، وأما قوله: وإسكان بارئكم فيأتى الكلام عليه فى موضعه، ومنزلا تمييز وهو مصدر:
أى آخاه نزولا أو اسم مكان: أى آخى منزل كل واحد منهما الآخر، وقيل: هو ظرف، والله تعالى أعلم.
61 [وآخيت بين النّون واليا ومتجهم ... وكسر وبين النّصب والخفض منزلا]
أى وبين فتحهم وكسر فحذف بين لدلالة ما قبله وبعده عليه، والمعنى بالمؤاخاة أنه جعل كل اثنين مقترنين من هذه الستة يغنى ذكر أحدهما عن الآخر كقوله: ويدخله نون مع طلاق، ويؤتيه باليا فى حماه، أن الدين بالفتح رفلا إن الله يكسر فى كلا، وانصب بينكم عم، وقوم بخفض الميم، وأراد بالفتح والكسر حركتى البناء، وبالنصب والخفض حركتى الإعراب، وفائدة محافظته على ذلك الاختصار، فإن الكلمة تشتمل على حركات البناء والإعراب، فإذا اتفق الخلاف فى كلمة فيها حركتا إعراب وبناء من جنس واحد كضمة ورفع وفتحة ونصب وكسرة وجر أولا من جنس واحد، فإذا كان الخلاف فى حركة البناء قال اكسر، وإذا كان فى حركة الإعراب قال اخفض أو جر، ولو لم يكن ملتزما لهذه التفرقة لما علم عند إطلاقه أنه قصد الحرف الذى فيه حركة البناء أو حرف الإعراب، مثاله قوله: والوتر بالكسر شائع، فلفظ الوتر مشتمل على الكسر والفتح فى الواو والجر فى الراء، فتعلم من قوله: بالكسر أنه أراد كسر الواو، وقوله: وفك ارفعن تعلم أنه أراد حركة الكاف لا الفاء، ثم قال: وبعد اخفضن يعنى آخر رقبة، واكسر: يعنى همزة إطعام مع الرفع يعنى فى ميم إطعام، وقد اختل عليه هذا الالتزام فى موضع واحد سهوا وهو قوله: فى الزخرف: وفى قيله اكسر واكسر الضم، وصوابه اخفض فى الأوّل لأنه للام وهو حرف إعراب، وأما قوله: فى تضارر وضم الراء حق وهى حركة إعراب فلأجل القراءة الأخرى بالفتح، لأنها حركة بناء فلم يكن له بد من الإخلال بأحدهما
وأما قوله فى الأنعام رسالات فرد وافتحوا، وإنما هو نصب، وكذا قوله فى الأعراف: ويقصر ذريات مع فتح تائه فسيأتى عذر حسن عنهما فى موضعهما إن شاء تعالى، ومنزلا حال من التاء فى وآخيت.(2/45)
61 [وآخيت بين النّون واليا ومتجهم ... وكسر وبين النّصب والخفض منزلا]
أى وبين فتحهم وكسر فحذف بين لدلالة ما قبله وبعده عليه، والمعنى بالمؤاخاة أنه جعل كل اثنين مقترنين من هذه الستة يغنى ذكر أحدهما عن الآخر كقوله: ويدخله نون مع طلاق، ويؤتيه باليا فى حماه، أن الدين بالفتح رفلا إن الله يكسر فى كلا، وانصب بينكم عم، وقوم بخفض الميم، وأراد بالفتح والكسر حركتى البناء، وبالنصب والخفض حركتى الإعراب، وفائدة محافظته على ذلك الاختصار، فإن الكلمة تشتمل على حركات البناء والإعراب، فإذا اتفق الخلاف فى كلمة فيها حركتا إعراب وبناء من جنس واحد كضمة ورفع وفتحة ونصب وكسرة وجر أولا من جنس واحد، فإذا كان الخلاف فى حركة البناء قال اكسر، وإذا كان فى حركة الإعراب قال اخفض أو جر، ولو لم يكن ملتزما لهذه التفرقة لما علم عند إطلاقه أنه قصد الحرف الذى فيه حركة البناء أو حرف الإعراب، مثاله قوله: والوتر بالكسر شائع، فلفظ الوتر مشتمل على الكسر والفتح فى الواو والجر فى الراء، فتعلم من قوله: بالكسر أنه أراد كسر الواو، وقوله: وفك ارفعن تعلم أنه أراد حركة الكاف لا الفاء، ثم قال: وبعد اخفضن يعنى آخر رقبة، واكسر: يعنى همزة إطعام مع الرفع يعنى فى ميم إطعام، وقد اختل عليه هذا الالتزام فى موضع واحد سهوا وهو قوله: فى الزخرف: وفى قيله اكسر واكسر الضم، وصوابه اخفض فى الأوّل لأنه للام وهو حرف إعراب، وأما قوله: فى تضارر وضم الراء حق وهى حركة إعراب فلأجل القراءة الأخرى بالفتح، لأنها حركة بناء فلم يكن له بد من الإخلال بأحدهما
وأما قوله فى الأنعام رسالات فرد وافتحوا، وإنما هو نصب، وكذا قوله فى الأعراف: ويقصر ذريات مع فتح تائه فسيأتى عذر حسن عنهما فى موضعهما إن شاء تعالى، ومنزلا حال من التاء فى وآخيت.
62 [وحيث أقول الضّمّ والرّفع ساكتا ... فغيرهم بالفتح والنّصب أقبلا]
فى حيث معنى الشرط فلهذا دخلت الفاء فى الجواب فى قوله فغيرهم كقوله تعالى:
{(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ} [1])
وسقطت فى البيت المتقدم، وحيث جرى التحريك غير مقيد هو الفتح، أى فهو الفتح، وقوله الضم مبتدأ محكى والرفع عطف عليه والخبر محذوف: أى الضم لفلان والرفع لفلان، وأقبل خبر فغيرهم لأنه مفرد لفظا وإن أضيف إلى جماعة من القراء والضم حركة بناء والرفع حركة إعراب، وقوله ساكتا: أى مقتصرا على ذلك غير منبه على قراءة الباقين: أى أقول هذا ساكتا عن غيره مثال ذلك، وفى إذ يرون الياء بالضم كللا، وحتى يقول الرفع فى اللام أوّلا، فقراءة الباقين بالفتح فى ياء يرون وبالنصب فى لام يقول، فإذا كانت قراءة الباقين ليست بفتح ولا نصب فإنه لا يسكت حينئذ، بل يبين ذلك بالتقييد كقوله: وجزء أو جزؤ ضم الإسكان صف، ورضوان اضمم كسره، يضاعف، ويخلد رفع جزم، وخضر برفع الخفض، ويرفع بعد الجر.
واعلم أنه لم يواخ بين ما ذكر فى هذا البيت، بخلاف ما فى البيت المتقدم، فإن الفتح ليس ضده الضم وإنما ضده الكسر، وكذلك النصب ضده الخفض لا الرفع، وقد سبق أنه كان ينبغى له أن يذكر الجزم هنا، لأنه إذا ذكر الجزم فالقراءة الأخرى بالرفع، وإذا ذكر الرفع فالأخرى بالنصب، وإذا ذكر النصب، فالأخرى بالخفض، ولا ينعكس إلا هذا الأخير لأنه آخى بين النصب والخفض فجعلهما ضدين باصطلاحه، ثم سواء فى ذلك المثبت والمنفى من هذه التقييدات كلها، فالأضداد لا تختلف بذلك، فقوله: فى البقرة نغفر بنونه ولا ضم معناه افتح.
واعلم أنه كما يطلق حركات البناء والإعراب فقد يقيدهما بذكر الحرف الذى هما فيه كقوله: وبا عبد اضمم، وفتحك سين السلم، يضركم بكسر الفساد، الرفع فى اللام أوّلا، وبا ربنا بالنصب، وقوم بخفض الميم، ومن المواضع المطلقة فى حركة البناء ما يلبس نحو وضمهم فى يزلقونك خالد، وكان يمكنه أن يقول وضمهم يا يزلقونك والله أعلم.
63 [وفى الرّفع والتّذكير والغيب جملة ... على لفظها أطلقت من قيّد العلا]
جملة مبتدأ خبره ما قبله وما بعد جملة صفة لها ومن موصولة أو موصوفة: أى وفى هذه الثلاثة جملة مواضع فى هذه القصيدة أطلقت: أى أرسلت على لفظها من غير تقييد، من قيد العلا: أى حصله وحازه أو حصلها أو حازها، لأن العلا يحتمل الإفراد والجمع، أو يكون التقدير من حاز الرتب العلا فى الفهم والذكاء لأنه لا يكاد يفهم مثل هذه الدقائق إلا من كان كذلك.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 15.(2/46)
ومعنى البيت: أن هذه الثلاثة وهى الرفع والتذكير والغيب يذكر الكلمات التى هى فيها مطلقة، فيعلم من إطلاقه أنها هى المرادة أضدادها، مثاله وأربع أو لاصحاب، ويجبى خليط، وبل يؤثرون حز.
فيعلم من هذا الإطلاق أن مقصوده الرفع فى أربع والياء فى يجبى وهى الدالة على التذكير والياء فى يؤثرون وهى الدالة على الغيب. وكل قراءة دائرة بين الياء والتاء فهى إما تذكير أو تأنيث أو غيب أو خطاب، فلا يقيدها إذا أراد تقييدها إلا بهذه العبارة نحو: وذكر يكن شاف، ولا يعبدون الغيب، وأنث تكن عن دارم، وخاطب تروا شرعا، وإنما يقيد بالياء ما كان ضده النون كما سبق فقوله فى سورة الأحزاب ويعمل يؤت بالياء، قوله بالياء تقييد ليؤت ليكون قراءة الباقين بالنون ولا يكون تقييدا ليعمل لأن القراءة الأخرى بالتاء للتأنيث، فقوله ويعمل لفظ مطلق تعلم من إطلاقه أنه أراد به التذكير، ثم هذا الإطلاق فى هذه الثلاثة ليس بلازم، بل أخبر أنه وقع منها مواضع مطلقة ووقعت أيضا مواضع مقيدة كما سبق تمثيله فى الغيب والخطاب والتذكير والتأنيث، ومثله فى الرفع، وقل مثل ما بالرفع، وقد اجتمع إطلاق الثلاثة فى بيت واحد فى سورة الأعراف وخالصة أصل البيت. ويجوز أن يكون وخالصة مقيدا بما قبله من قوله: ولباس الرفع، كما استغنى بذكر الخفة فى الأوّل عن الخفة فى الثانى نحو: ورب خفيف إذ نما سكرت دنا، ما نزل الخفيف إذ عز والصادان والله أعلم.
64 [وقبل وبعد الحرف آتى بكلّ ما ... رمزت به فى الجمع إذ ليس مشكلا]
أراد وقبل الحرف وبعده، والمراد بالحرف كلمة القراءة، والرمز فى اللغة الإشارة والإيماء.
ولما كانت هذه الكلمات والحروف التى جعلها دلالة على القراء كالإشارة إليهم سماها رمزا، وأراد بما رمز به فى الجمع الكلمات الثمانى، فإنها هى التى لا يشكل أمرها فى أنها رمز، سواء تقدمت على الحرف أو تأخرت، أما الحروف الدالة على الجمع كالثاء والخاء وما بعدهما فلها حكم الحروف الدالة على القراء منفردين، وقد التزم ذكرها بعد الحرف بقوله: ومن بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله لينحصر موضعها فلا يتعدد المحال على الناظر المفكر فيها نعم إذا اجتمعت الحروف المرموزة للإفراد وللاجتماع مع شيء من كلمات الرمز تبعت الحروف الكلمات تتقدم معها وتتأخر، إذ لفظ الكلمات دل على محل الرمز كقوله: وحق نصير كسر واو مسوّمين على حق السدين، ثقل نشرت شريعة حق ومنزلها التخفيف حق شفاؤه، وقد نبه على ذلك قوله: ومهما أتت من قبل أو بعد كلمة كما سبق.
ويحتمل أن يكون هذا المعنى مستفادا من هذا البيت وأراد بكل ما رمزت به الحروف كلها، وقوله فى الجمع:
أى آتى بها مع كلمات رمز الجمع، فهو من باب قوله تعالى:
{(فَادْخُلِي فِي عِبََادِي} [1]).
ويقوّى هذا المعنى أنه لو أراد المعنى الأوّل لقال للجمع باللام، فلما عدل إلى لفظ «فى» من غير ضرورة دلنا على أنه لمح هذا المعنى، فإذا ثبت جواز هذا قلنا يحتمل أيضا أن يكون معنى قوله: ومهما أتت
__________
(1) سورة الفجر، آية: 29.(2/47)
من قبل أو بعد كلمة هو المعنى الذى جعلناه أوّلا لهذا البيت: أى من قبل الحرف المختلف فيه أو من بعده كلمة أى الكلمات الثمانى لا التزام لها قبلية ولا بعدية، بل آتى بها كذا وكذا، والله أعلم.
فهذه ثلاثة أبيات فرقها وكان الأولى اتصالها وجميع كلمات الرمز اتفق له تقديمها وتأخيرها على حرف القراءة وفاء بعموم قوله بل ما رمزت به كقوله: رمى صحبة، وصحبة يصرف، من يرتدد عم، وعم بلا واو الذين، فتذكر حقا، وحقا بضم الحاء فلا يحسبنهم، وما موصولة أو موصوفة وإذ تعليل واسم ليس ضمير الأبيات الدال عليه آتى.
65 [وسوف أسمّى حيث يسمح نظمه ... به موضحا جيدا معمّا ومخولا]
أى أذكر اسم القارئ صريحا حيث يسهل علىّ نظمه قبل الحرف وبعده، يقال سمح به: أى جاد به، فالهاء فى نظمه وبه عائدة على الاسم الدال عليه أسمى. ويجوز أن تكون فى نظمه عائدة على الشعر للعلم به من سياق الكلام.
وقد استقريت المواضع التى سمى فيها فوجدته قد استوعب جميع السبعة ورواتها الأربعة عشر.
ومن عادته أن لا يأتى فى ترجمة واحدة برمز مع اسم صريح استمر له هذا ولم ينبه عليه، وإنما علم بالاستقراء، ولولا ذلك للزم الإشكال فى نحو قوله فى سورة النساء: يصلون ضم كم صفا نافع بالرفع واحدة جلا، فلم يأت بواو فاصلة بين حرف يصلون وواحدة، فكان ذكره لنافع محتملا أن يكون من جملة رجال ضم يصلون ويكون جلا رمز قراءة واحدة بالرفع، ولكن لما كان محافظا على تلك القاعدة بان أن قوله نافع ابتداء مسألة وجلا ليس برمز، وليس لك أن تقول هو مثل قوله شاع تنزلا: أى أنه رمز مكرر لما تقدم من أنه لا يرمز مع مصرح به، كما أنه لا يصرح مع مرموز به، وهذا كله مخصوص بالقراءة الواحدة، وإلا فيجوز له فى الحرف الواحد المختلف فيه أن يرمز لقراءة ويسمى للقراءة الأخرى فى ذلك الحرف كما قال وقالون ذو خلف بعد قوله له دار جهلا، وقوله سوى أو وقل لابن العلا وبكسره لتنوينه. قال ابن ذكوان بعد قوله كسره فى ندخلا، وقوله ووجهان فيه لابن ذكوان بعد قوله لاح وجملا، وكذا يصرح إذا استثنى من رمز كقوله وأن لعنة التخفيف والرفع نصه سما ما خلا البزى، وإضجاع را كل الفواتح ذكره حمى غير حفص، ليقضوا سوى بزيهم نفر جلا، غلبوا سوى شعبة.
ثم التصريح يكون باسم القارئ أو كنيته أو نسبته أو ضميره كقوله: ونقل ردا عن نافع، وقطبه أبو عمرو، وكوفيهم تساءلون، وما قبله التسكين لابن كثيرهم، يمد هشام واقفا معهم ولا، وبصروهم أدرى.
وأما حرمى فإنه وإن كان نسبة إلا أنه جعله رمزا فيجىء الرمز معه كقوله وإستبرق حرمى نصر. ثم تمم الناظم رحمه الله هذا البيت بألفاظ يصعب على الطالب المبتدى فهمها مع أنه مستغن عنها، والبيت مفتقر إلى أن ينبه فيه على أنه إذا صرح باسم القارئ لا يأتى معه برمز، فلو أنه بين ذلك فى موضع تلك الألفاظ لكان أولى نحو، أن يقول:
وسوف أسمى حيث يسمح نظمه ... به خاليا من كل رمز ليقبلا
وموضحا حال من فاعل أسمى، وقيل لفظ به الذى قبله يتعلق به. والجيد: العنق. والمعم والمحول: الكريم الأعمام والأخوال لأن كلا من الفريقين يزين ذلك الجيد.(2/48)
وسوف أسمى حيث يسمح نظمه ... به خاليا من كل رمز ليقبلا
وموضحا حال من فاعل أسمى، وقيل لفظ به الذى قبله يتعلق به. والجيد: العنق. والمعم والمحول: الكريم الأعمام والأخوال لأن كلا من الفريقين يزين ذلك الجيد.
فمعناه أوضح شيئا يشبه جيدا هذه صفته أو أوضحه إيضاح جيد بهذه الصفة. وقال امرؤا القيس:
بجيد معمّم فى العشيرة مخول
فأضاف الجيد إلى الموصوف بذلك، وكذا وجدته فى استعمالهم، يصفون به الجملة لا يخصون به الجيد كقوله:
معمّ لعمرى فى الجياد ومخول
وقال يحيى بن عروة بن الزبير:
أنا والله المعمّ المخول ... تفرّقت العرب عن عمّى وخالى
يريد عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم.
66 [ومن كان ذا باب له؟؟؟ فيه مذهب ... فلا بدّ أن يسمى فيدرى ويعقلا]
أى ومن كان من القراء منفردا بمذهب مطرد قد بوّب له باب فى الأصول فلا بد من أن يسمى ذلك الباب كقوله «باب الإدغام الكبير» «باب هاء الكناية» ونحو ذلك. أو يكون المعنى: فإنى ألتزم التصريح باسمه ولا أرمزه زيادة فى البيان كقوله: وحمزة عند الوقف ورقق ورش، فإن وافقه غيره فى شيء منه أو عرض له فيه مذهب يناسبه فربما سمى ذلك الغير وربما ذكره رمزا كما فى باب هاء الكناية ونقل الحركة والإمالة، وقولهم لا بدّ من كذا: أى لا فرار منه، والتقدير: من أن يسمى، وهذا آخر ما أعلمنا به مما يستعمله فى نظمه رمزا وتقييدا، وقد نبهت على فوائد فاتته فيها من قوله: جعلت أبا جاد إلى هنا فى الترتيب والنظم والاصطلاح وكنت أؤدبه ذكر أبيات الرموز يتلو بعضها بعضا ثم ذكر كيفية استعمالها ثم اصطلاحه فى الأضداد والتقييد.
وقد نظمت عشرة أبيات فى موضع ثلاثة عشر بيتا وفيها من الزيادات والاحترازات كثير مما تقدم شرحه فلو أنه قال:
حروف أبى جاد جعلت دلالة ... على القارئ المنظوم أوّل أوّلا
ثم قال: ومنهن للكوفى ثاء مثلث إلى آخر الرمز فى قوله: ونافعهم علا، ثم بين كيفية استعماله للرموز فقال:
ومن بعد ذكرى الحرف رمز رجاله ... بأحرفهم والواو من بعد فيصلا
هذه العبارة أظهر من قوله أسمى رجاله «وفيصلا» حال.
سوى أحرف لا ريب فى وصلها وقد ... تكرر حرف الفصل والرمز مسجلا
أى حرف الرمز وحرف الفصل وهو الواو:
وقبل وبعد الحرف ألفاظ رمزهم ... وإن صحبت حرفا من الرمز أولا
هذا بيت يتضمن بيتين ومعناهما فيه أظهر منه فيهما.(2/49)
وقبل وبعد الحرف ألفاظ رمزهم ... وإن صحبت حرفا من الرمز أولا
هذا بيت يتضمن بيتين ومعناهما فيه أظهر منه فيهما.
وطورا أسميهم فلا رمز معهم ... وباللفظ استغنى عن القيد إن جلا
وما كان ذا ضد غنيت بضده ... كصل زد ودع حرك وسهل وأبدلا
ومد وتنوين وحذف ومدغم ... وهمز ونقل واختلاس وميلا
وجمع وتذكير وغيب وخفة ... ورقق وغلظ أخر اقطع وأهملا
وإن أطلق التحريك نصا ولازما ... من الضد فهو الفتح حيث تنزلا
وحيث أقول الضم والجزم ساكتا ... فغيرهم بالفتح والرفع أقبلا
وفى الرفع والتذكير والغيب لفظها ... وبالفتح واليا الكسر والنون قوبلا
أى لفظها مغن عن تقييدها، وقوبل الكسر بالفتح، وقوبل النون بالياء، ولم أعدد ألقاب الحركات باعتبار البناء والإعراب، إذ ألقاب كل نوع تطلق على الآخر وهو مجرد اصطلاح.
والمعنى: الذى ذكرناه فى فائدة ذكره للمغايرة بينهما قد أعرض عنه حيث يبين حرف الإعراب والبناء كما سبق. وقد يطلق حيث لا يتعين ذلك الحرف كما فى «يزلقونك» فهو قليل الجدوى، فالإعراض عنه أولى تخفيفا عن خاطر الطالب.
ثم شرع يثنى على قصيدته ويصفها بالجزالة وصحة المعانى، ويذكر ما اشتملت عليه من العلم فقال:
67 [أهلّت فلبّتها المعاني لبابها ... وصغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا]
أى لكثرة ما أودعت من جيد المعانى كأنها كانت صرخت بها. أى نادتها فأجابتها بالتلبية، ولبابها بدل من المعانى بدل البعض من الكل، وقيل بدل اشتمال وهو وهم: أى لم يلبها إلا خيار المعانى وشرافها، وصغت من الصياغة ويعبر بها عن إتقان الشيء وإحكامه، ما ساغ: أى الذى ساغ استعماله من الكلمات، يقال: ساغ الشراب: أى سهل مدخله فى الحلق، وتسلسل الماء: جرى فى حدور، وعذبا مسلسلا حالان من فاعل ساغ العائد على ما أو يكون مسلسلا صفة عذبا أى مشبها ذلك، أو يكون عذبا نعت مصدر محذوف: أى صوغا عذبا يستلذه السمع ويقبله الطبع.
68 [وفى يسرها التّيسير رمت اختصاره ... فأجنت بعون الله منه مؤمّلا]
أى وفيما يسره الله سبحانه منها جميع مسائل كتاب التيسير فى القراءات السبع من الطرق التى تقدم ذكرها، فالتيسير مبتدأ وما قبله خبره، وقيل فى يسرها من صلة رمت أو اختصاره، وجاز تقديمه على المصدر لأنه ظرف، ورمت الشيء: طلبت حصوله، فأجنت: أى كثر جناها منه: أى من التيسير أو من الله تعالى، ومؤملا حال من الهاء على التقديرين، وقيل إن عادت على التيسير فهو تمييز. ويجوز أن تكون الهاء فى منه للاختصار ومؤملا حال منه. ويجوز أن تكون من أجنيته الثمرة فيكون مؤملا مفعولا به ثانيا: أى فأجنتنى مؤملى، ومنه على هذا يجوز تعلقه بأجنت وبمؤملا، ولو قال: على هذا المعنى المؤملا بالألف واللام لظهر المعنى وكان أحسن.
ومصنف التيسير هو الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الدانى، وأصله من قرطبة مقرئ محدّث. مات بدانية سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
69 [وألفافها زادت بنشر فوائد ... فلفّت حياء وجهها أن تفضّلا]
الألفاف: الأشجار الملتف بعضها ببعض، وفى الكتاب العزيز:(2/50)
ومصنف التيسير هو الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الدانى، وأصله من قرطبة مقرئ محدّث. مات بدانية سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
69 [وألفافها زادت بنشر فوائد ... فلفّت حياء وجهها أن تفضّلا]
الألفاف: الأشجار الملتف بعضها ببعض، وفى الكتاب العزيز:
{(وَجَنََّاتٍ أَلْفََافاً} [1])
أى ذوات ألفاف، وحسن استعارة الألفاف هنا بعد قوله فأجنت لالتفاف المعانى فيها والأبيات، كأن كل بيت ملتف بما قبله وبعده لتعلق بعضا ببعض وانضمامه إليه، فتلك الألفاف نشرت فوائد زيادة على ما فى كتاب التيسير من زيادة وجوه أو إشارة إلى تعليل وزيادة أحكام وغير ذلك مما يذكره فى مواضعه ومن جملة ذلك جميع باب مخارج الحروف، ثم بعد هذا استحيت أن تفضل على كتاب التيسير استحياء الصغير من الكبير والمتأخر من المتقدم وإن كان الصغير فائقا والمتأخر زائدا. والذى لفت به وجهها: أى سترته هو الرمز، لأنها به كأنها فى ستر، وحياء مفعول له أو مصدر مؤكد مبين لمعنى لفت، لأن لف الوجه يشعر بالحياء، وأن تفضلا معمول حياء على حذف من: أى من أن تفضلا أو هو معمول لفت على تقدير خشية أن تفضل.
70 [وسمّيتها «حرز الأمانى» تيمّنا ... ووجه التّهانى فاهنه متقبّلا]
الحرز: ما يعتمد عليه فى حفظ ما يجعل فيه. والأمانى جمع أمنية. والتهانى جمع تهنئة وخفف ياء الأمانى وأبدل همز التهانى ياء ساكنة، لأنه لما استعملهما سجعتين سكنتا فخفف هذه وأبدل هذه لتتفقا.
ومعنى هذه التسمية أنه أودع فى هذه القصيدة أمانى طالبى هذا العلم، وأنها تقابلهم بوجه مهنئ بمقصودهم وهو من قولهم: فلان وجه القوم، أى شريفهم؟ ومعنى تيمنا: تبركا وهو مفعول من أجله. يريد أن هذه التسمية سبقت النظم ليكون كذلك، وقوله فاهنه: أى تهنأ بهذا الوجه أو بهذا الحرز، من قولهم: هنأت الرجل بفتح النون أهنئه بكسرها: إذا أعطيته حكاه الجوهرى: أى أعطه القبول منك والإقبال عليه لتنال الغرض منه، وكن له هنيئا، كما تقول: هنأنى الطعام. والمعنى ترفق به لتنال الغرض بسهولة ولا تنفر من الشيء قبل وقوفك على حقيقته، وأصله فأهنئه بالهمز ثم أبدله لكونه ياء ثم حذفها للأمر فصار اهنه كارمه، وفى جواز مثل هذا نظر من حيث النقل والقياس، وقد بسطنا القول فيه فى الشرح الكبير ومثله قول زهير (2).
وإن لا يبد بالظّلم يظلم
وحكى ابن مجاهد فى القراءات الشواذ.
{(قََالَ يََا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ} [3]).
مثل أعطهم، ومتقبلا حال: أى فى حال تقبلك إياه، ولشيخنا أبى الحسن على بن محمد رحمه الله من جملة أبيات:
هذى القصيدة بالمراد وفية ... من أجل ذلك لقبت حرز المنى
__________
(1) سورة النبا، آية: 16.
(2) أوله جرىء متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا.
(3) سورة البقرة، آية: 33.(2/51)
71 [وناديت اللهمّ يا خير سامع ... أعذنى من التّسميع قولا ومفعلا]
معنى اللهم يا الله الميم عوض عن حذف حرف النداء وقطع همزته ضرورة، ثم كرر النداء بقوله: يا خير سامع أعذنى: أى اعصمنى. والتسميع مصدر سمع بعمله: إذا عمله يريد به السمعة فى الناس والشهرة، ومثله راءى بعمله: إذا عمله ليراه الناس فيثنوا عليه، يقال: فعل ذلك رئاء وسمعة وكلاهما خلق مذموم محبط للعمل، كأن الناظم رحمه الله لما مدح نظمه بما مدحه به خاف أن يكون فى ذلك تسميع فاستعاذ بالله سبحانه منه، وقولا ومفعلا مصدران فى موضع الحال من الياء فى أعذنى: أى قائلا وفاعلا، أو منصوبان على إسقاط الخافض: أى فيهما وبهما، ويكون العامل فيهما التسميع على هذا التقدير، أو هما بدلان من ياء أعذنى بدل اشتمال: أى أعذ قولى وفعلى من التسميع، وقيل هما تمييزان.
72 [إليك يدى منك الأيادى تمدّها ... أجرنى فلا أجرى بجور فأخطلا]
يدى مفعول فعل مضمر: أى إليك مددت يدى سائلا الإعاذة من التسميع والإجارة من الجور، ثم قال الأيادى منك تمدها: أى هى الحاملة لى على مدها والمسهلة لذلك: أى هى التى أطمعتنى فى ذلك وجرأتنى عليه، وإلا فمن حقى أن لا أمدها حياء من تقصيرى فى القيام بما يجب من طاعتك. والأيادى: النعم جمع أيد وأيد جمع يد.
واليد: النعمة، ويجوز أن تكون يدى مبتدأ والأيادى مبتدأ ثان: أى يدى الأيادى منك تمدها إليك، والفاء فى فلا أجرى جواب الأمر، وفى فأخطلا جواب النفى وهى ناصبة بإضمار أن فى الموضعين، وإنما سكن أجرى ضرورة، أو على تقدير فأنا لا أجرى. ومعنى فلا أجرى بجور، أى فلا أفعله، والجور. الميل: أى يميل عن طريق الاستقامة. والخطل: المنطق الفاسد، وقد خطل بالكسر خطلا.
73 [أمين وأمنا للأمين بسرّها ... وإن عثرت فهو الأمون تحمّلا]
أمين: صوت، أو اسم فعل بنى آخره على الفتح، ومعناه اللهم استجب، وأمتا مفعول فعل مضمر معطوف على معنى أمين، كأنه قال: اللهم استجب، وهب أمنا للأمين بسرها: أى بخالصها وما فيها من الفوائد، وهى لباب المعانى الذى تقدم ذكره. وسر النسب: محضه وأفضله. وسر الوادى: أفضل موضع فيه، والباء فى بسرها: بمعنى على، يقال: هو أمين بكذا وعلى كذا والأمين الموثوق به، دعاء له بالأمن:
وهو ضد الخوف، ومن أمانته اعترافه بما فيها من الصواب، وإذاعته وتعليمه. والعثرة. الزلة وأضافها إلى القصيدة مجازا أو إنما يريد عثرة ناظمها فيها. والأمون: الناقة الموثقة الخلق التى أمن ضعفها.
كأنه أمن منها العثور لقوتها، أى إن كان فيها اختلال فاحتمله كما تتحمل هذه الناقة الأعباء الثقيلة وتصبر عليها: أى يكون بمنزلة هذه الناقة فى تحمل ما يراه من زلل أو خطأ فلا يوجد عنده قلق ولا نفرة، بل يقيم المعاذير بجهده ويعترف بتقصير البشر عن إدراك الكمال فى أمر ما.
ومن زل فى موضع وأصاب فى مواضع عديدة فهو على ما أجرى الله تعالى به العادة فى حق الأكابر إلا من ثبتت عصمته، وقوله: تحملا تمييز، وهو من باب قولهم: هو حاتم جوادا، وزهير شعرا. وقيل هو مفعول من أجله، وهو وهم.
74 [أقول لحرّ والمروءة مرؤها ... لإخوته المرآة ذو النّور مكحلا]
شرع فى ذكر وصايا وآداب ومواعظ، والحر أراد به من تقدم شرحه فى قوله «هو الحر» والمقول يأتى فى البيت الثانى.(2/52)
ومن زل فى موضع وأصاب فى مواضع عديدة فهو على ما أجرى الله تعالى به العادة فى حق الأكابر إلا من ثبتت عصمته، وقوله: تحملا تمييز، وهو من باب قولهم: هو حاتم جوادا، وزهير شعرا. وقيل هو مفعول من أجله، وهو وهم.
74 [أقول لحرّ والمروءة مرؤها ... لإخوته المرآة ذو النّور مكحلا]
شرع فى ذكر وصايا وآداب ومواعظ، والحر أراد به من تقدم شرحه فى قوله «هو الحر» والمقول يأتى فى البيت الثانى.
واعترض بباقى البيت بين القول والمقول إرادة أن ينبه على سبب النصيحة، فنظم ما جاء فى الحديث عن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
«المؤمن مرآة المؤمن».
أخرجه أبو داود.
أى أنه له بمنزلة المرآة تريه عيوبه فيصلحها. والمروءة: كمال الرجولية، وهى مشتقة من لفظ المرء كالإنسانية من لفظ الإنسان، والمرء والإنسان مترادفان، فهى عبارة عن صفات الإنسان الشريفة التى يتميز بها عن غيره من الحيوانات. وقوله، والمروءة مبتدأ أول، ومرؤها مبتدأ ثان. ومعناه رجلها الذى قامت به المروءة والمرآة خبر مرؤها والجملة خبر المروءة ولإخوته متعلق بمضاف محذوف، تقديره: نفع مرئها لإخوته كنفع المرآة لهم وذو النور صفة مرؤها أو خبر بعد خبر أو صفة للمرآة على تقدير التذكير فيها، كما قالوا: ليلة غم، لأن معناها الشيء المنور ومكحلا تمييز، كما تقول زيد ذو الحسن وجها: أى مكحله ذو نور: أى هو منوّر يشفى الداء بنوره، كما تشفى العين المريضة بما يفعله المكحل فيها، وهو الميل المعروف. وقيل مكحلا حال من مرؤها أو من المرآة على حذف المضاف فيهما كما ذكرناه وهو العامل، وقيل حال من ذو النور لأن معناه صاحب النور نحو زيد ذو مال مقيما.
75 [أخى أيّها المجتاز نظمى ببابه ... ينادى عليه كاسد السّوق أجملا]
هذا هو المقول للحر نادى أخاه فى الإسلام والدين الذى جاز هذا النظم ببابه: أى مر به، كنى بذلك عن السماع به، أو الوقوف عليه إنشادا، أو فى كاب، وكساد السلعة ضد نفاقها: أى إذا رأيت هذا النظم غير ملتفت إليه فأجمل أنت: أى ائت بالقول الجميل فيه، والألف فى آخر أجملا بدل من نون التأكيد الخفيفة، أراد أجملن مثل:
{(لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} [1]).
وقد استعمل ذلك كثيرا نحو: فاعلمه واعملا ومسئولا اسألا، واثنان فاعقلا، ويبلو واقبلا، ونظمى فاعل المحتاز وكاسد السوق حال من هاء عليه، وعليه مفعول ينادى القائم مقام الفاعل.
رقق الشاطبى رحمه الله خطابه بقوله: أخى أجمل وتواضع بجعله نظمه كاسد السوق، ولم يكسد سوقه والحمد لله بل نفقت قصيدته نفاقا واشتهرت شهرة لم تحصل لغيرها من مصنفات هذا الفن.
وكان شيخنا أبو الحسن رحمه الله قد أخبرنا عنه أنه قال: لا يقرأ أحد قصيدتى هذه إلا وينفعه الله بها لأنى نظمتها لله سبحانه.
76 [وظنّ به خيرا وسامح نسيجه ... بالإغضاء والحسنى وإن كان هلهلا]
النسيج المنسوج، واستعاره فى بيوت الشعر تشبيها ببيوت الشعر والإغضاء: التغافل عن الشيء، والحسنى
__________
(1) سورة العلق، آية: 15.(2/53)
تأنيث الأحسن: أى وبالطريقة الحسنى، أو بالكلمة الحسنى، والهلهل: السخيف النسج.
لما عبر عن النظم بالنسيج عبر عن عيبه بما يعد عيبا فى النسيج من الثياب، وهو كونه سخيفا أى أحسن القول فيه وتجاوز عنه.
77 [وسلّم لإحدى الحسنيين إصابة ... والاخرى اجتهاد رام صوبا فأمحلا]
أى وسلم لإحدى الحسنيين اللتين لا ينفك عن إحداهما: أى عبر عنه بأنه متصف بإدراك إحدى الحسنيين، فهذا من جملة الطريقة الحسنى التى يسامح بها نسيجه، أو سلمه من الطعن والاعتراض لأجل أنه لا ينفك من إحداهما أو لحصول إحدى الحسنيين له، ثم بينهما يقول إصابة واجتهاد ممحل، وفى رام ضمير عائد على الاجتهاد، جعله طالبا للصواب كما جعله وإنما المتصف بذلك حقيقة من قام به الاجتهاد، وكنى بالصوب: وهو نزول المطر عن الإصابة، وبالمحل عن الخطأ يقال: أمحل الرجل: صادف محلا، والمحل: انقطاع المطر ويبس الأرض، فللناظم على تقدير الإصابة أجران، وله على التقدير الآخر أجر واحد، وذلك مأخوذ من قول النبى صلّى الله عليه وسلم:
«من طلب علما فأدركه كان له كفلان من الأجر، وإن لم يدركه كان له كفل من الأجر».
أخرجه الدارمى فى مسنده من حديث واثلة بن الأسقع، وفى الصحيحين فى اجتهاد الحاكم نحو ذلك.
وفى إصابة وجهان: الجر على البدل من إحدى، والرفع على معنى هى إصابة، ثم استأنف بيان الحسنى الأخرى فقال: والأخرى اجتهاد، وكأن هذا كله اعتذار عن الرموز التى اصطلح عليها وعن هذه الطريقة الغريبة التى سلكها رحمه الله سبحانه.
78 [وإن كان خرق فادركه بفضلة ... من الحلم وليصلحه من جاد مقولا]
كان هنا تامة: أى وإن وجد خرق فى نسيجه وحسن ذكر الخرق هنا ما تقدم من لفظ النسيج، وكنى بالخرق عن الخطإ، وقوله فأدركه: أى فتداركه: أى تلاقه ملتبسا بفضلة من الرفق والأناة، وليصلح الخرق من جاد مقوله وهو لسانه، ونصب مقولا على التمييز. وجودة اللسان كناية عن جودة القول به.
وقد امتثل شيخنا أبو الحسن رحمه الله أدبه فى ذلك، فنبه على مواضع سنذكرها فى موضعها إن شاء الله تعالى، وحذوت حذوه فى ذلك فى مواضع ستراها، وذلك مساعدة له فيما فعله لله، وإعانة له على تقريب هذا العلم على الناس، ولله الحمد.
79 [وقل صادقا لولا الوئام وروحه ... لطاح الأنام الكلّ فى الخلف والقلا]
صادقا حال، أو أراد قولا صادقا، نظم فى هذا البيت مثلا مشهورا وهو: لولا الوئام لهلك الأنام: أى لولا موافقة الناس بعضهم بعضا فى الصحبة والمعاشرة لكانت الهلكة. وزاد الشاطبى قوله وروحه: أى روح الوئام تنبيها على ما فى الوئام من مصلحة الدين والدنيا.
وفى الحديث الصحيح: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم».
وروح الوئام حياته، أراد الحياة التى تحصل بسببه لأنه سبب لبقاء الناس وتوادهم، والروح يعبر به عما تحصل به الحياة ومنه قوله تعالى:(2/54)
وفى الحديث الصحيح: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم».
وروح الوئام حياته، أراد الحياة التى تحصل بسببه لأنه سبب لبقاء الناس وتوادهم، والروح يعبر به عما تحصل به الحياة ومنه قوله تعالى:
{(يُنَزِّلُ الْمَلََائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} [1]).
أى بالوحى، سماه روحا لحصول حياة القلوب به، فكأنه قال: لولا الوئام وثمرته، ولكنه جاء بالمثل على طريقة قولهم يعجبنى زيد وحسنه، المقصود الحسن، لكن جىء به معطوفا على من اتصف به مبالغة، وطاح: بمعنى هلك والأنام الإنس، وقيل الإنس، والجن، وقيل كل ذى روح، والقلا، البغض: أى لهلك الناس فى الاختلاف والتباغض، جعلهما ظرفين مجاز، أو يكون «فى» بمعنى الباء: أى لهلكوا بهما، كأنه وقع فى نفسه أن من الناس من يخالفه فيما قصد من الاصطلاح ويعيبه، وربما اغتيب لأجله فحذر من ذلك كله، والله أعلم.
80 [وعش سالما صدرا وعن غيبة فغب ... تحضّر حظار القدس أنقى مغسّلا]
سالما حال وصدرا تمييز: أى سالما صدرك من كل خلق رديء. والغيبة: ذكر الإنسان فى غيبته بما يكره سماعه لا لمصلحة دينية، وقوله فغب، أى لا تحضر مع المغتابين ولا توافقهم ولا تصغ إليهم، فتكون فى حكمهم، فإن لم يستطع أن يغيب بجسمه فليغب بقلبه وسمعه ولسانه، فيكون حاضرا صورة غائبا معنى.
وإنما اعتنى بذكر الغيبة من بين الأخلاق المذمومة لغلبتها على أهل العلم، ومنه قيل: الغيبة فاكهة القراء.
وقال بشر بن الحارث: هلك القراء فى هاتين الخصلتين. الغيبة والعجب، وقوله تحضر من الحضور الذى هو ضد الغيبة، وحظار القدس مفعول ثان لتحضر، أو على حذف حرف الجر: أى فى حظار القدس، والحظار الحظيرة تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح. وحظيرة القدس: الجنة، وأنقى مغسلا حالان: أى نقيا من الذنوب مغسلا منها. والقدس: الطهارة، وقيل هو موطن فى السماء فيه أرواح المؤمنين، والله أعلم.
81 - وهذا زمان الصّبر من لك بالّتى ... كقبض على جمر فتنجو من البلا
يريد أن الناس قد تغيروا وفسدوا، وساءت مقاصدهم، وكثر نفاقهم، فقل من يوثق به منهم أو يسلم من أذاهم.
وقد أدركنا الزمان الذى أخبر عنه المصطفى صلّى الله عليه وسلم فيما رواه أبو ثعلبة الخشنى عنه قال:
«ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذى رأى برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فهنّ أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«يأتى على النّاس زمان الصّابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر».
أخرجهما الترمذى وقال حديث حسن غريب.
__________
(1) سورة النحل، آية: 2.(2/55)
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«إنّ من بعدى أيّام الصّبر المتمسّك فيهنّ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين عاملا».
وقوله «من لك بكذا» جملة استفهامية تستعمل فيما يستبعد وقوعه، وتقديره من يسمح لك به.
فمعنى البيت: من يسمح لك بحصول الحالة التى هى كقبض على جمر، وحصولها هو القيام فيها بحقوق الله تعالى.
وقد ذكر الشيخ الشاطبى رحمه الله زمان الصبر فى قصيدة أخرى له فقال:
إلى الله أشكو وحدتى فى مصائبى ... وهذا زمان الصّبر لو كنت حازما
عليك بالاسترجاع إنّك فقد ... حياة العلى وابغ السّلوّ منادما
أى عليك بقولك.
{(إِنََّا لِلََّهِ وَإِنََّا إِلَيْهِ رََاجِعُونَ} [1]).
على فقدك لحياة العلى ونادم السلو عنها، فقد أيست منها.
82 [ولو أنّ عينا ساعدت لتوكّفت ... سحائبها بالدّمع ديما وهطلا]
أى ولو ساعدت عين صاحبها لكثر بكاؤها دائما على التقصير فى الطاعة وقلة البضاعة. ومعنى توكفت:
قطرت وتصببت وسالت. قال الأزهرى: وكف البيت وتوكف: أى هطل، وقوله سحائبها أى مدامعها على وجه الاستعارة والديم جمع ديمة كجيز ولين فى جمع جيزة ولينة: وهما الناحية والنخلة. والأكثر فى جمع ديمة ديم بفتح الياء. والديمة: المطر الدائم ليس بشديد الوقع، وهطلا جمع هاطلة والهطل: تتابع المطر والدمع وسيلانه، وديما وهطلا حالان من السحائب المتوكفة: أى دائمة هاطلة فهى حقيقة بذلك ومن فسر توكفت هنا بمعنى توقعت فقد جهل معنى البيت وأخطأ اللغة، وقد بينا ذلك فى الشرح الكبير، والله أعلم.
83 [ولكنّها عن قسوة القلب قحطها ... فيا ضيعة الأعمار تمشى سبهللا]
الهاء فى لكنها للعين، أو هو ضمير القصة والهاء فى قحطها للعين، والقحط: الجدب، أى لم ينقطع الدمع إلا بسبب أن القلب قاس، وذلك من علامات الشقاء.
ففي جامع الترمذى عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله تعالى» هذا حديث حسن صحيح.
وفى مسند البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«أربعة من الشّفاء جمود العين، وقساء القلب، وطول الأمل، والحرص على الدّنيا».
وضيعة الأعمار مفعول فعل مضمر والمنادى محذوف: أى يا قوم احذروا ضيعة الأعمار، أو يكون ناداها على معنى التلهف والتأسف، نحو:
__________
(1) سورة البقرة، آية: 156.(2/56)
{(يََا حَسْرَتَنََا عَلى ََ مََا فَرَّطْنََا فِيهََا} [1]).
وقوله تمشى حال من الأعمار أو جملة مستأنفة مفسرة مؤكدة لقوله: يا ضيعة الأعمار أى تمر وتذهب باطلة ضائعة، يقال لكل فارغ سبهلل، وجاء فلان سبهلل أى غير محمود المجيء أى جاء وذهب فى غير شيء، والله أعلم.
84 [بنفسى من استهدى إلى الله وحده ... وكان له القرآن شربا ومغسلا]
أى أفدى بنفسى، ومن موصولة أو موصوفة. ومعنى استهدى طلب الهداية. أى سلك الطريق المستقيم الموصل إلى الله تعالى، والهاء فى وحده لله عز وجل، أو تعود على المستهدى.
فمعناه على الأوّل أنه مخلص لله فى استهدائه لا يريد إلا الله. وعن الثانى هو منفرد فى ذلك، لأنه فى زمان خمول الحق وعلو الباطل، والشّرب: النصيب.
أى إذا اقتسم الناس حظوظهم كان القرآن العزيز حظه، فيكون القرآن العزيز له شربا يتروى به، ومغسلا يتطهر به من الذنوب، بدوام تلاوته والعمل بما فيه والتلذذ بمناجاة منزله به فى ظلام الليل، فمغسلا اسم مكان على التجوز، أو مصدر على معنى ذا غسل.
85 [وطابت عليه أرضه فتفتّقت ... بكلّ عبير حين أصبح مخضلا]
طابت معطوف على استهدى، والهاء فى عليه وأرضه للمستهدى وقيل هى فى أرضه لله، والمراد بالأرض المعروفة وعليه: بمعنى له، أى طابت له الأرض التى تحمله، لما عنده من الانشراح بسبب صلاح حاله مع الله تعالى، وكنى بقوله: فتفتقت بكل عبير عن ثناء أهلها عليه واغتباطهم به. والعبير: الزعفران، وقيل أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران. ومعنى تفتقت: تشققت، أو يكون المعنى أن الأرض زكت وكثر خيرها بسبب هذا المستهدى، لقيامه بالحق وعمله بطاعة الله، من قولك: طابت نفسى على كذا أى وافقتها، وطابت الأرض: إذا أخصبت، وقيل الهاء فى أرضه للقرآن العزيز، استعار للقرآن العزيز أرضا، كأن القارئ له حالة تفكره فيه وتدبره لمعانيه كالسالك فى أرض تفتقت بكل عبير. يشير إلى كثرة الفوائد الحاصلة له بذلك علما وعملا.
ومعنى مخضلا: أى مبتلا، كنى بذلك عما أفاض الله تعالى عليه من نعمه بالمحافظة على حدوده.
86 [فطوبى له والشّوق يبعث همّه ... وزند الأسى يهتاج فى القلب مشعلا]
طوبى له خبر أو دعاء والواو فى «والشوق» للحال: أى العيش الطيب له فى هذه الحالة: أى ما أطيب عيشه حين يبعث الشوق همه، والهم هنا الإرادة: أى الشوق إلى ثواب الله العظيم، والنظر إلى وجهه الكريم يثير إرادته، ويوقظها ويحركها مهما آنس منها فتورا أو غفلة. ويجوز أن يكون طوبى له دعاء معترضا والشوق وما بعده معطوف على ما تقدّم من الجمل، أى بنفسى من استهدى وطابت عليه أرضه، ومن الشوق يبعث همه، والأسى: الحزن، والزند: الذى يقدح به النار استعارة له، ويهتاج: أى يثور وينبعث، ومشعلا حال من فاعل يهتاج: أى موقدا. وسبب هذا الحزن المشتعل التأسف على ما ضاع من العمر والخوف من التغير. وفى طوبى بحوث أخر حسنة ذكرناها فى الشرح الكبير.
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 31.(2/57)
87 [هو المجتبى يغدو على النّاس كلّهم ... قريبا غريبا مستمالا مؤمّلا]
المجتبى: المختار، وفى يغدو وجهان: أحدهما أنها جملة مستأنفة. والثانى أنها حال من ضمير المجتبى.
وفى معناها أيضا وجهان: أحدهما أنها من غدا يغدو إذا مر: أى أنه يمر بالناس متصفا بهذه الصفات الجليلة المذكورة وهو باين منهم: أى يمر بهم مرورا غير مزاحم لهم على الدنيا ولا مكاثر لهم.
والثانى أنه من غدا بمعنى صار التى من أخوات كان وعلى الناس خبرها: أى رفع الله تعالى منزلته على الناس وقريبا وما بعده أخبار لها أيضا أو أحوال والمراد بقربه تواضعه، أو هو قريب من الله تعالى قرب الرحمة والطاعة، وهو غريب فى طريقته ومذهبه، لقلة أشكاله فى التمسك بالحق لأنه كالقابض على الجمر، مستمالا أى يطلب منه من يعرف حاله الميل إليه والإقبال عليه، ويؤمل عند نزول الشدائد كشفها بدعائه وبركته: أى من جملة صفاته أن يكون مطلوبا للناس لا طالبا لهم بل ينفر منهم بجهده.
88 [يعدّ جميع النّاس مولى لأنّهم ... على ما قضاه الله يجرون أفعلا]
يعد هنا: بمعنى يعتقد ويحسب، فلهذا عداها إلى مفعولين، وأفرد مولى لأن «جميع» لفظ مفرد كقوله:
{(نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} [1]).
وفى معناه وجهان.
أحدهما أنه أراد يعد كل واحد منهم عند الله تعالى مأمورا مقهورا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فلا يرجوهم ولا يخافهم، بل يكون اعتماده واتكاله على خالقه، أو لا يرى لهم نفعا ولا ضرا لأن أفعالهم تجرى على سابق القضاء والقدر.
والثانى أنه أراد سيدا، فلا يحتقر أحدا منهم بل يتواضع لكبيرهم وصغيرهم، لجواز أن يكون خيرا منه، فإن النظر إلى الخاتمة.
فعلى الأوّل وصفه بالتوكل وقطع طمعه عن الخلق. وعلى الثانى وصفه بالتواضع وصيانة نفسه عن الكبر والعجب ونحوهما.
ثم علل ذلك بقوله: لأنهم على ما قضاه الله: أى تجرى أفعالهم على ما سبق به القضاء من السعادة والشقاء وأفعلا تمييز. ووجه جمعه اختلاف أنواع أفعال الخلق فهو كقوله تعالى:
{(بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا} [2]) والله أعلم.
89 [يرى نفسه بالذّمّ أولى لأنّها ... على المجد لم تلعق من الصّبر والألا]
أى لا يشغل نفسه بعيب الناس وذمهم ويرى ذمه لنفسه أولى، لأنه يعلم منها ما لا يعلمه من غيرها، أو يرى نفسه مقصرة بالنسبة إلى غيره ممن سبقه من المجتهدين فيذمها لذلك، وقوله: على المجد: أى على تحصيل الشرف
__________
(1) سورة القمر، آية: 44.
(2) سورة الكهف، آية: 103.(2/58)
يصفها بالتقصير عن مجاهدات الصديقين، وعبر عن تحمله فى ذلك المكاره والمشاق بتناوله ما هو مر المذاق.
والصبر بكسر الصاد وفتحها مع سكون الباء، وبفتح الصاد مع كسر الباء ثلاث لغات كما فى كبد وكتف، ذكر ذلك الناظم فيما أملاه من الحواشى على قصيدته. ومنهم من أنكر فتح الصاد مع سكون الباء: وهو الشيء المر الذى يضرب بمرارته المثل، والألا بالمد. شجر حسن المنظر مر الطعم، وقيل إنه الدفلى، وقيل إنه يؤكل ما دام رطبا فإذا يبس لسع ودبغ به واحده ألاة.
قال الشيخ فى شرحه. ولو قال لم تصبر على الصبر والألا لكان أحسن، لأن الألا لا يلعق: وهو نبت يشبه الشيح رائحة وطعما، ولا يستعظم لعقه وإنما يستعظم الصبر عليه مع العدم، وقوله. من الصبر: أى من مثل الصبر.
قلت: هو من باب قولهم:
متقلّدا سيفا ورمحا ... وعلفتها تبنا وماء
أى لم تلعق من الصبر ولم تأكل من الألا: أى لم يتناول الأشياء المرة لعقا مما يلعق وأكلا مما يؤكل، ولو قال: لم تطعم لجمع الأمرين، والله أعلم.
90 [وقد قيل: كن كالكلب يقصيه أهله ... وما يأتلى فى نصحهم متبذّلا]
أى لا يحملك ما ترى من تقصير الناس فى حقك على ترك نصحهم، أولا يحملك الفقر والبؤس على ترك طاعة الرب سبحانه وتعالى، وحث المخاطبين بلا صفة المحمودة فى أخس الحيوانات وأنجسها من المحافظة على خدمة أهله وإن قصروا فى حقه.
وقد صنف أبو بكر محمد بن خلف المرزبان جزءا ذكر فيه أشياء مما وصفت الكلاب ومدحت به، سماه [تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب] ونظم الشيخ الشاطبى رحمه الله تعالى فى هذا البيت من ذلك أثرا.
روى عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: أوصى راهب رجلا فقال: انصح لله حتى تكون كنصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويضربونه، ويأبى إلا أن يحيط بهم نصحا. ويقصيه: أى يبعده ويأتلى، أى يقصر وهو يفتعل من الائتلاء، وقوله تعالى:
{(وَلََا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [1]).
هو أيضا يفتعل ولكن من الألية: وهى الحلف، ومبتذلا حال من فاعل يأتلى أو خبر كن: أى كن مبتذلا كالكلب، والتبذل فى الأمر: الاسترسال فيه، لا يرفع نفسه عن القيام بشيء من جليله وحقيره.
91 [لعلّ إله العرش يا إخوتى يقى ... جماعتنا كلّ المكاره هوّلا]
أى لعل الله تعالى يقينا إن قبلنا هذه الوصايا وعملنا بها جميع مكاره الدنيا والآخرة، وهوّلا حال من المكاره وهو جمع هائل، يقال هالنى الأمر يهولنى هولا، أى أفزعنى فهو هائل: أى مفزع.
__________
(1) سورة النور، آية: 22.(2/59)
92 [ويجعلنا ممّن يكون كتابه ... شفيعا لهم إذ ما نسوه فيمحلا]
يجعلنا معطوف على يقى، ومن موصولة أو موصوفة، وإذ ظرف شفيعا كقوله تعالى:
{(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [1]).
فقيل هى تعليل فى الموضعين كما فى قوله تعالى:
{(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمََا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ فَأْوُوا} [2]).
قلت: التقدير وإذ اعتزلتموهم أفلحتم وخلصتم، فأووا الآن إلى الكهف. وأما «إذ ظلمتم» فنزل المسبب عن الشيء كأنه وقع زمن سببه، فكأنه انتفى نفع الاشتراك فى العذاب زمن ظلمهم. وفى بيت الشاطبى رضي الله عنه، كأن الشفاعة حصلت زمن عدم النسيان لما كانت مسببة عنه.
وقال أبو على: الدنيا والآخرة متصلتان، وهما سواء فى حكم الله وعلمه، حتى كأنها واقعة، وكأن اليوم ماض، وقيل التقدير بعد إذ ظلمتم، فهكذا يقدّر بعد إذ ما نسوه، وقيل العامل فى إذ ويجعلنا، ولا خفاء بفساد هذا. ويقال: محل به إذا سعى به إلى سلطان ونحوه وبلغ أفعاله القبيحة مثل: وشى به ومكر به، وانتصاب فيمحلا على جواب النفى بالفاء. قال أبو عبيد فى كتاب [فضائل القرآن]. ثنا حجاج عن ابن جريج قال: حدّثت عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«القرآن شافع مشفّع وماحل مصدّق، من شفع له القرآن يوم القيامة نجا، ومن محل به القرآن يوم القيامة كبّه الله فى النّار على وجهه».
وفى كتاب الترمذى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«عرضت علىّ ذنوب أمّتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة أو آية من القرآن أوتيها رجل ثمّ نسيها».
وروى فى ذم نسيان القرآن آثار كثيرة، والمراد بها نرك العمل به، فإن النسيان الترك، ومنه قوله تعالى:
{(وَلَقَدْ عَهِدْنََا إِلى ََ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [3]).
وقد فسر ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه.
«القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النّار».
أخرجه مع غيره أبو بكر بن أبى شيبة فى كتاب ثواب القرآن.
__________
(1) سورة الزخرف، آية: 31.
(2) سورة الكهف، آية: 16.
(3) سورة طه، آية: 115.(2/60)
فالحاصل أن للقرآن يوم القيامة حالتين:
إحداهما: الشفاعة لمن قرأه ولم ينس العمل به.
والثانية: الشكاية لمن نسيه: أى تركه متهاونا به ولم يعمل بما فيه.
ولا يبعد أن يكون من تهاون به حتى نسى تلاوته كذلك، والله أعلم.
قال الشيخ: وفى الدعاء: ولا تجعل القرآن بنا ماحلا: أى ذاكرا لما أسلفناه من المساوى فى صحبته.
93 [وبالله حولى واعتصامى وقوّتى ... وما لى إلّا ستره متجلّلا]
حولى: أى تحوّلى من أمر إلى أمر، والاعتصام: الامتناع من كل ما يشين: أى ذلك كله بيد الله لا يحصل إلا بمعونته ومشيئته.
وفى الحديث الصحيح.
«لا حول ولا قوّة إلّا بالله كنز من كنوز الجنّة».
قال ابن مسعود فى تفسيرها: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوّة على طاعة الله إلا بعون الله.
قال الخطابى: هذا أحسن ما جاء فيه، ومتجملا حال من الياء فى لى: أى وما لى ما أعتمد عليه إلا ما قد جللنى به من ستره فى الدنيا، فأنا أرجو مثل ذلك فى الآخرة، أى ومالى إلا ستره فى حال كونى متجللا به: أى متغطيا به، وقيل هو حال من الستر وفيه نظر.
94 [فيا ربّ أنت الله حسبى وعدّتى ... عليك اعتمادى ضارعا متوكّلا]
حسبى: أى كافى والعدة: ما يعد لدفع الحوادث، والضارع: الذليل، والمتوكل: المظهر للعجز معتمدا على من يتوكل عليه، وهما حالان من الياء فى اعتمادى، وهذا آخر شرح الخطبة.
باب الاستعاذة
كل ما يأتى فى كتب العلماء من قولهم باب أو فرع أو نحو ذلك فهو خبر مبتدإ محذوف. وبعضهم يظهره:
أى هذا باب نذكر فيه مذاهب القراء فى الاستعاذة قبل القراءة، وهى طلب الإعاذة من الله تعالى، وهى عصمته كالاستجارة والاستعانة والاستغاثة، يقال: عذت بفلان واستعذت به: أى لجأت إليه، ولفظ الاستعاذة على اختلافه كما سيأتى ذكره كلفظ الخبر، ومعناه الدعاء: أى اللهم أعذنى.
95 [إذا ما أردت الدّهر نقرأ فاستعذ ... جهارا من الشّيطان بالله مسجلا]
الدهر منصوب على الظرف، وجهارا مصدر فى موضع الحال: أى مجاهرا أو جاهرا، أو يكون نعت مصدر محذوف: أى تعوّذا جهارا. أى ذا جهار. وهذا فى استعاذة القارئ على المقرئ أو بحضرة من يسمع قراءته، أما من قرأ خاليا أو فى الصلاة فالإخفاء له أولى، ومسجلا: بمعنى مطلقا لجميع القراء فى جميع القرآن، لا يختص ذلك بقارئ دون غيره، ولا بسورة، ولا بحزب، ولا بآية دون باقى السور والأحزاب والآيات، وهذا بخلاف البسملة على ما سيأتى. ووقت الاستعاذة. ابتداء القراءة على ذلك العمل فى نقل الخلف عن السلف
إلا ما شذ عن بعضهم أن موضعها بعد الفراغ من القراءة، وقوله تعالى:(2/61)
95 [إذا ما أردت الدّهر نقرأ فاستعذ ... جهارا من الشّيطان بالله مسجلا]
الدهر منصوب على الظرف، وجهارا مصدر فى موضع الحال: أى مجاهرا أو جاهرا، أو يكون نعت مصدر محذوف: أى تعوّذا جهارا. أى ذا جهار. وهذا فى استعاذة القارئ على المقرئ أو بحضرة من يسمع قراءته، أما من قرأ خاليا أو فى الصلاة فالإخفاء له أولى، ومسجلا: بمعنى مطلقا لجميع القراء فى جميع القرآن، لا يختص ذلك بقارئ دون غيره، ولا بسورة، ولا بحزب، ولا بآية دون باقى السور والأحزاب والآيات، وهذا بخلاف البسملة على ما سيأتى. ووقت الاستعاذة. ابتداء القراءة على ذلك العمل فى نقل الخلف عن السلف
إلا ما شذ عن بعضهم أن موضعها بعد الفراغ من القراءة، وقوله تعالى:
{(فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ} [1]).
معناه إذا أردت القراءة كقوله:
{(إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا} [2]).
وقول النبى صلّى الله عليه وسلم:
«إذا توضّأ أحدكم فليستنثر، ومن أتى الجمعة فليغتسل».
كل ذلك على حذف الإرادة للعلم بها، وأظهر الشاطبى رحمه الله فى نظمه ذلك المقدر المحتاج إليه فى الآية، وهو الإرادة، فقال إذا ما أردت الدهر تقرأ، ولم يقل إذا ما قرأت الدهر للكل فاستعذ، إشارة إلى تفسير الآية، وشرحها، وهو كقولك: إذا أكلت فسم الله إذا أردت الأكل، استغنى بالفعل عن ذكر الإرادة لشدّة اتصاله بها، ولكونه موجودا فيها.
96 [على ما أنى فى النّحل يسرا وإن تزد ... لربّك تنزيها فلست مجهّلا]
أى استعذ معتمدا على ما أتى فى سورة النحل دليلا ولفظا، وهو قوله سبحانه وتعالى:
{(فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ)}.
فهذا اللفظ هو أدنى الكمال فى الخروج عن عهدة الأمر بذلك، ولو نقص منه بأن قال: أعوذ بالله من الشيطان ولم يقل الرجيم كان مستعيذا ولم يكن آتيا باللفظ الكامل فى ذلك، ويسرا مصدر فى موضع الحال من فاعل أتى: أى أتى: ذا يسر. أى سهلا ميسرا، وتيسره: قلة كلماته، فهو أيسر لفظا من غيره على ما سنذكره، وزاد يتعدى إلى مفعولين نحو قوله تعالى:
{(وَزِدْنََاهُمْ هُدىً} [3]).
والمفعول الأوّل هنا محذوف: أى وإن تزد لفظ الاستعاذة تنزيها: أى لفظ تنزيه، يريد بذلك أن تذكر صفة من صفات الله تعالى تثنى عليه بها سواء كانت صفة سلب أو ثبوت، نحو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم، أو أعوذ بالله السميع العليم، فكل صفة أثبتها له فقد نزهته عن الاتصاف بضدها، وقوله: لربك متعلق بتنزيها، ولا يمتنع ذلك من جهة كونه مصدرا فلا يتقدم معموله عليه، فإن هذه القاعدة مخالفة فى الظروف لاتساع العرب فيها وتجويزها من الأحكام فيها ما لم تجوّزه فى غيرها. وقد ذكرت ذلك فى نظم المفصل، وقررناه فى الشرح الكبير. ومن منع هذا قدر لأجل تعظيم ربك، وقيل لربك هو المفعول الأوّل دخلت اللام زائدة: أى وإن تزد ربك تنزيها وقوله فلست مجهلا: أى منسوبا إلى الجهل، لأن ذلك كله صواب مروى، وليس فى الكتاب ولا فى السنة الثابتة ما يردّ ذلك.
__________
(1) سورة النحل، آية: 98.
(2) سورة المائدة، آية: 6.
(3) سورة الكهف، آية: 13.(2/62)
97 [وقد ذكروا لفظ الرّسول فلم يزد ... ولو صحّ هذا النّقل لم يبق مجملا]
أى وقد ذكر جماعة من المصنفين فى علم القراءات أخبارا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغيره لم يزد لفظها على ما أتى فى الفحل.
منها «أنّ ابن مسعود قرأ على النّبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله السّميع العليم، فقال:
قل أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم».
وعن جبير بن مطعم قال:
«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم».
وكلا الحديثين ضعيف، والأوّل لا أصل له فى كتب أهل الحديث.
والثانى أخرجه أبو داود بغير هذه العبارة وهو:
«أعوذ بالله من الشّيطان، من نفخه ونفثه وهمزه».
ثم يعارض كل واحد منهما بما هو أصح منهما، أخرجه أبو داود والترمذى من حديث أبى سعيد الخدرى قال:
«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا قام من اللّيل يقول: أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم من همزه ونفخه ونفثه».
قال الترمذى: هو أشهر حديث فى هذا الباب. وفى صحيح أبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة عن ابن مسعود عن النبى صلّى الله عليه وسلم:
«أنّه كان يقول: اللهمّ إنّى أعوذ بك من الشّيطان الرّجيم ونفخه وهمزه ونفثه».
وأشار بقوله: ولو صح هذا النقل إلى عدم صحته كما ذكرناه، وقوله لم يبق مجملا: أى إجمالا فى الآية، وذلك أن آية النحل لا تقتضى إلا طلب أن يستعيذ القارئ بالله من الشيطان الرجيم، فبأى لفظ فعل المخاطب فقد حصل المقصود كقوله تعالى:
{(وَسْئَلُوا اللََّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [1]).
ولا يتعين للسؤال هذا اللفظ فبأى لفظ سأل كان ممتثلا. ففي الآية إطلاق عبر عنه بالإجمال، وكلاهما قريب وإن كان بينهما فرق فى علم أصول الفقه.
وأما زوال إجمال الآية لصحة ما رواه من الحديث، فوجهه أنه كان يتعين حتما أو أولوية، وأيا مّا كان فهو معنى غير المفهوم من الإطلاق والإجمال، إذ الألفاظ كلها فى الاستعاذة بالنسبة إلى الأمر المطلق سواء يتخير فيها المكلف، وإذا ثبتت الأولوية لأحدها أو تعين فقد زال التخيير، والله أعلم.
__________
(1) سورة النساء، آية: 32.(2/63)
98 [وفيه مقال فى الأصول فروعه ... فلا تعد منها باسقا ومظلّلا]
أى فى التعوذ قول كثير وكلام طويل تظهر لك فروعه فى الكتب التى هى أصول وأمهات.
يشير إلى الكتب المطولة فى هذا العلم، كالإيضاح لأبى على الأهوازى، والكامل لأبى القاسم الهذلى وغيرهما ففيها يبسط الكلام فى ذلك ونحوه، فطالعها وانظر فيها، ولا تتجاوز منها القول الصحيح الظاهر البين المتضح الحجج، وأشار إلى ذلك بقوله. باسقا أى عاليا والمظلل: ما له ظل لكثرة فروعه وورقه: أى قولا باسقا، وقيل مراده بالأصول علم أصول الفقه لأجل الكلام المتعلق بالنصوص فالهاء فى فيه تعود إلى لفظ الرسول، أو إلى النقل، أو إلى المذكور بجملته. وقد أوضحنا ذلك كله فى الشرح الكبير، وبالله التوفيق.
99 [وإخفاؤه (ف) صل (أ) باه وعاننا ... وكم من فتى كالمهدوى فيه أعملا]
أى روى إخفاء التعوذ عن حمزة ونافع، لأن الفاء رمز حمزة، والألف رمز نافع، وهذا أوّل رمز وقع فى نظمه، والواو فى وعاتنا للفصل وتكررت بقوله وكم، هذا هو المقصود بهذا النظم فى الباطن.
وأما ظاهره فقوله «فصل» يحتمل وجهين:
أحدهما أنه فصل من فصول القراءة وباب من أبوابها كرهه مشايخنا وحفاظنا: أى ردوه ولم يأخذوا به، والوعاة جمع واع كقاض وقضاة، يقال: وعاه أى حفظه.
والثانى أن يكون أشار بقوله فصل إلى بيان حكمة إخفاء التعوّذ، وهو الفصل بين ما هو من القرآن وغيره، فقوله: وإخفاؤه فصل، جملة ابتدائية و «أباه وعاتنا» جملة فعلية هى صفة لفصل على الوجه الأوّل مستأنفة على الوجه الثانى، لأن الوعاة ما أبوا كونه فاصلا بين القرآن وغيره، وإنما أبا الإخفاء الوعاة، لأن الجهر به إظهار لشعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد.
ومن فوائده أن السامع له ينصت للقراءة من أوّلها لا يفوته منها شيء، وإذا أخفى التعوّذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء، وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة وفى الصلاة، فإن المختار فى الصلاة الإخفاء، لأن المأموم منصت من أوّل الإحرام بالصلاة، ثم أشار بقوله «وكم من فتى» إلى أن جماعة من المصنفين الأقوياء فى هذا العلم اختاروا الإخفاء وقرروه واحتجوا له وذكر منهم المهدوى، وهو أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ المفسر، مؤلف الكتب المشهورة: التفصيل والتحصيل والهداية وشرحها، منسوب إلى المهدية من بلاد إفريقية بأوائل المغرب، والهاء فى فيه للإخفاء «وأعملا» فعل ماض خبر «وكم من فتى» أى أعمل فكره فى تصحيحه وتقريره، وفيه وجوه أخر ذكرناها فى الشرح الكبير، والله أعلم.
باب البسملة
البسملة، مصدر بسمل: إذا قال «بسم الله» وهى لغة مولدة، ومثلها هلل: إذا قال: «لا إله إلا الله» وحمدل: إذا قال «الحمد لله»، وحسبل إذا قال «حسبى الله»، وحوقل وحولق إذا قال «لا حول ولا قوة إلا بالله» وحيعل إذا قال «حى على الصلاة» أريد الاختصار، فعبر بكلمة واحدة عن كلمتين أو أكثر، سبك لفظ تلك الكلمة منها، ومنه ما فعلوا فى النسب من عبقسى وعبشمى وعبدرى وحضرمى.
ثم البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به، وهى من القرآن العظيم من قصة سليمان عليه السلام فى سورة النمل.(2/64)
البسملة، مصدر بسمل: إذا قال «بسم الله» وهى لغة مولدة، ومثلها هلل: إذا قال: «لا إله إلا الله» وحمدل: إذا قال «الحمد لله»، وحسبل إذا قال «حسبى الله»، وحوقل وحولق إذا قال «لا حول ولا قوة إلا بالله» وحيعل إذا قال «حى على الصلاة» أريد الاختصار، فعبر بكلمة واحدة عن كلمتين أو أكثر، سبك لفظ تلك الكلمة منها، ومنه ما فعلوا فى النسب من عبقسى وعبشمى وعبدرى وحضرمى.
ثم البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به، وهى من القرآن العظيم من قصة سليمان عليه السلام فى سورة النمل.
وأما فى أوائل السور، ففيها اختلاف للعلماء قرائهم وفقهائهم قديما وحديثا فى كل موضع رسمت فيه من المصحف. والمختار أنها فى تلك المواضع كلها من القرآن، فيلزم من ذلك قراءتها فى مواضعها، ولها حكم غيرها من الجهر والإسرار فى الصلاة وغيرها.
وقد أفردت لتقرير ذلك كتابا مبسوطا مستقلا بنفسه، ثم اختصرته فى جزء لطيف بعون الله تعالى وحده.
100 [وبسمل بين السّورتين (ب؟؟؟) سنّة ... (ر) جال (ف؟؟؟) موها (د) رية وتحمّلا]
البسملة تقع فى قراءة القراء فى ثلاثة مواضع. إذا ابتدءوا سورة أو جزءا، وسيأتى الكلام فيهما، والثالث بين كل سورتين، فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر، والحاجة إلى معرفته أمس، وفاعل بسمل قوله «رجال» وبسنة، حال مقدمة: أى آخذين أو متمسكين بسنة، وهى كتابة الصحابة رضي الله عنهم لها فى المصحف وما روى من الآثار فى ذلك، أو تكون نعت مصدر محذوف: أى بسملة ملتبسة بسنة منقولة، ونموها: أى نقلوها ورفعوها وأسندوها إلى النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، والضمير للبسملة أو للسنة، والجملة صفة لرجال أو للسنة، «ودرية» وتحملا مصدران فى موضع الحال من فاعل نموها أى ذوى درية، وتحمل: أى دارين متحملين لها: أى جامعين بين الدراية والرواية، والمبسملون من القراء هم الذين رمز لهم فى هذا البيت من قوله «بسنة رجال نموها درية» وعلم من ذلك أن الباقين لا يبسملون، لأن هذا من قبيل الإثبات والحذف.
قال أبو طاهر بن أبى هاشم صاحب ابن مجاهد: أولى القولين بالصواب عندى الفصل بين السورتين بالبسملة لاتباع المصحف وللحديث الذى يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اقرءوا ما فى المصحف، ثم ذكر قول ابن عمر فلم كتبت فى المصحف إن لم تقرأ؟ قال أبو طاهر: ألا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم فى المصحف من سائر آى القرآن، إذ كان رسمها فى الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما. قال: وقد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين وعاصم والكسائى وأهل الشام.
101 [ووصلك بين السّورتين (ف) صاحة ... وصل واسكتن (ك) لّ (ج) لاياه (ح) صّلا]
بين فى صدر هذا البيت قراءة حمزة رضي الله عنه ورمز له بقوله «فصاحة» وبين فى عجز البيت قراءة ابن عامر وورش وأبى عمرو ورمز لهم بقوله «كل جلاياه حصلا» وبين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به، وفصاحة خبره، وإنما كان فصاحة لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور ومعرفة أحكام ما يكسر منها وما يحذف لالتقاء الساكنين كآخر المائدة والنجم، وبيان همزة القطع والوصل، كأول القارعة.
و {(أَلْهََاكُمُ التَّكََاثُرُ} [1]).
__________
(1) سورة التكاثر آية: 1.(2/65)
وما يسكت عليه فى مذهب خلف كآخر والضحى، فكل ذلك لا يحكمه ويتقنه إلا من عرف كيف يصله، وسكوت خلف لا يخرجه عن كونه وصلا، فإنه لا يفعل ذلك إلا فى الوصل كما سيأتى شرحه فى قوله: روى خلف فى الوصل.
وقد نقل أبو على الأهوازى عن حمزة أنه قال. إنما فعلت ذلك ليعرف القارئ كيف إعراب أواخر السور أى ووصلك بين السورتين بعد إسقاط البسملة يستلزم فصاحة، ثم بين قراءة غير حمزة ممن لم يبسمل فقال: وصل واسكتن» وهذا على التخيير، وإلا فالجمع بينهما محال إلا فى حالتين: أى صل إن شئت كما سبق لحمزة، واسكت، على آخر السورة إن شئت، وبهذا التقدير دخل الكلام معنى التخيير، وإلا فالواو ليست بموضوعة له، وقد قيل إنها قد تأتى للتخيير مجازا، والنون فى واسكتن للتوكيد، ولعله قصد بذلك أن السكوت لهم أرجح من الوصل. وقال صاحب التيسير على اختيار ذلك لهم، وقال الشيخ رحمه الله عليه أكثر أهل الأداء، لما فيه من الفصل، وقد روى السكت أيضا عن حمزة «وجلاياه» جمع جلية وهو مفعول حصل، والهاء فى جلاياه تعود على التخيير: أى كل من أهل الأداء استوضح التخيير ورآه صوابا، أو تعود على كل: أى كل من القراء حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه، والله أعلم.
102 [ولا نصّ كلّا حبّ وجه ذكرته ... وفيها خلاف جيده واضح الطّلا]
أى لم يرد بذلك نص عن هؤلاء بوصل ولا سكوت، وإنما التخيير بينهما لهم اختيار من المشايخ واستحباب منهم، وهذا معنى قوله «حب وجه ذكرته» وكلا حرف ردع وزجر، كأنه منع من اعتقاد النصوصية عن أحد منهم على ذلك، ثم قال «وفيها» أى فى البسملة خلاف عنهم، جيد ذلك الخلاف واضح الطلا: أى أنه مشهور معروف عند العلماء والجيد: العنق، والطلا جمع طلاة أو طلية والطلية: صفحة العنق وله طليتان، فجاء بالجمع فى موضع التثنية لعدم الإلباس كقولهم: عريض الحواجب، وطويل الشوارب، وقيل الطلا الأعناق أنفسها فكأنه قال: عنق هذا الخلاف واضح الأعناق: أى هو الواضح من بينها، وإنما تتضح الأعناق إذا كانت مرتفعة، وارتفاع الأعناق والرءوس يكنى به عن ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة، ومنه الحديث الصحيح.
«المؤذّنون أطول النّاس أعناقا يوم القيامة».
فحاصل ما فى هذا البيت أن الخلاف فى البسملة مروى عن ابن عامر وورش وأبى عمرو، بل أكثر المصنفين لم يذكروا عن ابن عامر إلا البسملة، وقد ذكرنا عبارة المصنفين عنهم فى ذلك فى الشرح الكبير، فإذا قلنا لا يبسملون فهل يصلون كحمزة أو يسكتون؟ لم يأت عنهم فى ذلك نص، وذكر الشيوخ الوجهين لهم استحبابا، وقد بسطنا الكلام فى ذلك بسطا شافيا، ولم نجعل فى هذا البيت رمزا لأحد كما ذكر غيرنا، فإنا إذا قلنا إن كلا حب رمز ابن عامر وأبى عمرو لزم من مفهوم ذلك أن يكون ورش عنه نص فى التخيير وليس كذلك، بل لم يرد عنه نص فى ذلك. وإن قلنا إن جيده، رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر وأبو عمرو لم يرد عنهما خلاف فى البسملة وهو خلاف المنقول، فلهذا قلنا لا رمز فى البيت أصلا، والله أعلم.
103 [وسكتهم المختار دون تنفّس ... وبعضهم فى الأربع الزّهر بسملا]
السكت والسكوت واحد كلاهما مصدر سكت، والضمير فى سكتهم يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل
والسكت: أى السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس، فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا، ويجوز أن يكون صفة السكت ويجوز أن يكون خبره، كأنه لما خير أوّلا بين الوصل والسكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه فى قوله «واسكتن» وقوله بعد ذلك دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف أو حال من ضمير المختار والإشارة بقولهم «دون تنفسى» إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة، وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات، وفى أثنائها من الوقوف التامة والكافية، فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر والله أعلم.(2/66)
103 [وسكتهم المختار دون تنفّس ... وبعضهم فى الأربع الزّهر بسملا]
السكت والسكوت واحد كلاهما مصدر سكت، والضمير فى سكتهم يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل
والسكت: أى السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس، فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا، ويجوز أن يكون صفة السكت ويجوز أن يكون خبره، كأنه لما خير أوّلا بين الوصل والسكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه فى قوله «واسكتن» وقوله بعد ذلك دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف أو حال من ضمير المختار والإشارة بقولهم «دون تنفسى» إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة، وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات، وفى أثنائها من الوقوف التامة والكافية، فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر والله أعلم.
ثم قال: وبعضهم، أى وبعض المشايخ من المقرئين الذين استحبوا التخيير بين الوصل والسكوت، واختاروا فى السكوت أن يكون دون تنفس، اختاروا أيضا البسملة لهؤلاء الثلاثة فى أوائل أربع سور، هى: القيامة، والمطففين، والبلد، والهمزة دون سائر السور، قالوا لأنهم استقبحوا وصلها بآخر السور قبلها من غير تسمية، وقوله «الزهر» جمع زهراء تأنيث أزهر: أى المضيئة المنيرة، كنى بذلك عن شهرتها ووضوحها بين أهل هذا الشأن فلم يحتج إلى تعيينها.
104 [لهم دون نصّ وهو فيهنّ ساكت ... لحمزة فافهمه وليس مخذّلا]
لهم أى لابن عامر وورش وأبى عمرو «دون نص» أى من غير نص، وقد استعمل رحمه الله لفظ دون بمعنى غير كثيرا كقوله: ومن دون وصل ضمها، (وسلطانيه) من دون هاء، ولفظ غير مؤات له فى المواضع كلها. قال صاحب التيسير، وليس فى ذلك أثر عنهم» وإنما هو استحباب من الشيوخ، ثم قال «وهو فيهن» أى وذلك البعض يسكت فى هذه المواضع الأربعة لحمزة، لأن حمزة مذهبه الوصل فاكتفى له هنا بالسكت، ثم قال «فافهمه» أى افهم هذا المذهب المذكور وليس مخذلا، يقال: خذله إذا ترك عونه ونصرته خذلانا وخذل عنه أصحابه تخذيلا: أى حملهم على خذلانه، فالتقدير وليس مخذلا عنه أصحابه، ويجوز أن يكون اسم ليس عائدا على البعض فى قوله «وبعضهم» كأن التقدير. وليس ذلك القائل مخذلا عن نصرة هذا المذهب، بل قد انتصب له من ساعده ونصره وأعانه. وإنى أقول، لا حاجة إلى تكلف التسمية لأجل المعنى المذكور، بل السكوت كاف للجميع، كما يكتفى به لحمزة، وكما يكتفى به بين الآيات الموهم اتصالها أكثر مما فى هذه الأربعة أو مثلها مثل:
{(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} [1]) بعد قوله: {(أَنَّهُمْ أَصْحََابُ النََّارِ} [2]) وقوله: {(لََا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ} [3])
بعد قوله: {(وَكََانَ فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [4]).
ويمكن حمل قول الشاطبى رحمه الله «وليس مخذلا» على السكوت المفهوم من قوله «وهو فيهن ساكت» أى ليس هذا السكوت مخذلا، بل هو مختار لحمزة وغيره، ولقد أعجبنى قول أبى الحسن الحصرى:
ولم أقر بين السّورتين مبسملا ... لورش سوى ما جا فى الأربع الغرّ
وحجّتهم فيهنّ عندى ضعيفة ... ولكن يقرون الرّواية بالنّصر
__________
(1) سورة غافر، آية: 7.
(2) سورة غافر أيضا، آية: 6.
(3) سورة النساء، آية: 114.
(4) النساء أيضا آية: 113.(2/67)
قال من شرح هذا لو قال يقرون المقالة موضع قوله الرواية لكان أجود إذ لا رواية عنهم بذلك، وقد أشبعت الكلام فى هذا فى الشرح الكبير.
105 [ومهما تصلها أو بدأت براءة ... لتنزيلها بالسّيف لست مبسملا]
قد سبق الكلام فى مهما وأن فيها معنى الشرط، فتدخل الفاء فى جوابها كقوله فيما مضى: فكن عند شرطى، وفيما يأتى «فلا تقفن الدهر» وهى محذوفة فى هذا البيت لضرورة الشعر. والتقدير: فلست مبسلا، وقيل إنما تدخل الفاء لأنه خبر بمعنى النهى وهو فاسد، فإن الفاء لازمة فى النهى، فكيف الخبر الذى بمعناه، وقوله «تصلها» الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير وبراءة مفعول بدأت، والقاعدة تقتضى حذف المفعول من الأوّل، فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى:
{(آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} [1]).
وقيل براءة بدل من الضمير فى تصلها، بمعنى أن سورة براءة لا بسملة فى أوّلها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال لأن البسملة لم ترسم فى أوّلها، بخلاف غيرها من السور.
ثم بين الحكمة التى لأجلها لم تشرع فى أوّلها البسملة فقال «لتنزيلها بالسيف» أى ملتبسة بالسيف، كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، وفيها الآية التى يسميها المفسرون آية السيف وهذا التعليل يروى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه وعن غيره. قال القاضى أبو بكر ابن الباقلانى، وعليه الجمهور من أهل العلم. وقد زدت فى الشرح الكبير هذا المعنى بسطا وتقريرا وذكرت وجوها أخر فى التعليل، ونقل الأهوازى أن بعضهم بسمل فى أوّل براءة.
106 [ولا بدّ منها فى ابتدائك سورة ... سواها وفى الأجزاء خيّر من تلا]
الضمير فى منها للبسملة وفى سواها لبراءة وسورة منصوب على إسقاط الخافض: أى بسورة وكذا قوله «أو بدأت براءة» أى براءة، يقال بدأت بالشيء: أى ابتدأت به، وأما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء، ومنه.
«بدأ الله الخلق» (2).
وسورة نكرة فى كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى، فكأنه قال: مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل، ولو قال: ولا بد منها فى ابتدأ كل سورة سواها لزال هذا الإشكال.
ومعنى البيت: أن القراء كلهم اتفقوا فى ابتداء السور على البسملة، سواء فى ذلك من بسمل منهم بين السورتين ومن لم يبسمل. ووجهه أنهم حملوا كتابه ما فى المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل وهى ساقطة فى الدرج.
قال بعض العلماء: ولا خلاف بين القراء فى البسملة أول فاتحة الكتاب، سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها، ولم يذكر ذلك فى القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة فى غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا
__________
(1) سورة الكهف، آية: 96.
(2) سورة العنكبوت، آية: 20، والتلاوة {(بَدَأَ الْخَلْقَ)}.(2/68)
مبتدئا، ثم قال وفى «الأجزاء» أى وفى ابتداء الأجزاء والأحزاب والأعشار وغير ذلك، ويجمع ذلك أن تقول كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه لأنه موضع ابتداء فى الجملة، كما يسمى فى ابتداء الوضوء والأكل والشرب «ومن تلا» فاعل خير وتلا: بمعنى قرأ، كنى بذلك عن أهل الأداء ولو كان خير بضم الخاء وكسر الياء لكان حسنا: أى خير التالى وهو القارئ فى ذلك، والله أعلم.
107 [ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفنّ الدّهر فيها فتثقلا]
الضمير فى تصلها وفيها للبسملة، وأواخر جمع فى موضع مفرد: أى بآخر سورة: أى بالكلمات الأواخر أو نقول: سورة لفظ مفرد فى موضع جمع، لأنه ليس المراد سورة واحدة، بل جميع السور، فكأنه قال:
مع أواخر السور، «والدهر» نصب على الظرفية «وفيها» بمعنى عليها كما قيل ذلك فى قوله تعالى:
{(فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [1]).
أى عليها «ولا تقفن» نهى نصب فى جوابه «فتثقلا» بإضمار أن بعد الفاء. ومعنى فتثقل أى يستثقل ويتبرم بك، لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها، فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها وما بعدها. ولك أن تقطعها من الآخر والأوّل وتلفظ بها وحدها، والأولى قطعها من الآخر ووصلها بالأوّل، فهذه أربعة أوجه: الأوّل مكروه والآخر مستحب، وما بينهما وجهان متوسطان: وهما وصل البسملة بهما، وقطعها عنهما، ويتعلق بالوصل والقطع أحكام ذكرناها فى الكبير، قال صاحب التيسير والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز، والله أعلم.
سورة أم القرآن
هى الفاتحة، سميت بذلك، لأنها أوّل القرآن، وأم الشيء: أصله وأوّله، ومن ذلك تسمية مكة بأم القرى، ومنه:
{(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتََابِ} [2]).
أى أصله، وهو اللوح المحفوظ، لأن كل كائن مكتوب فيه، وقوله فى الآيات المحكمات:
{(هُنَّ أُمُّ الْكِتََابِ} [3]).
أى أصل الكتاب، لأنه تحمل المتشابهات عليها وترد إليها. وقيل سميت أم القرآن، لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمه، وهى الراية. وقيل فيه وجوه أخر، وتسمى بأسماء أخر، أشهرها سورة الحمد، وفاتحة الكتاب؟ لأن الكتاب العزيز بها يفتتح كتابة وتلاوة، وهى مكية. وقيل نزلت بالمدينة أيضا، وليس بعد بيان الاستعاذة والبسملة إلا ذكر ما اختلف فيه من الحروف فى سورة الحمد. وكان الترتيب يقتضى أن يبدأ بأوّل موضع وقع فيه الخلاف منها، وهو إدغام الميم من قوله تعالى:
{«الرَّحِيمِ. مََالِكِ} [4]».
__________
(1) سورة طه، آية: 71.
(2) سورة الرعد، آية: 39.
(3) سورة آل عمران آية: 7.
(4) سورة الفاتحة، آية: 3، 4.(2/69)
وإظهاره إلا أنه نظر فى مواضع الخلاف فى الفاتحة، فبدأ منها بما لا يتكرر فى غيرها وهو الخلاف فى «ملك ومالك» ثم أردفه بالخلاف فيما وقع فيها وفى غيرها فذكر الصراط وميم الجمع والهاء قبلها، ثم ذكر باب الإدغام الكبير، أفرده لطوله وكثرة تشعبه بباب يجمع مسائله وأطرافه. ولأجل «الرحيم مالك» فعله، والله أعلم.
108 [ومالك يوم الدّين (ر) او به (ن) اصر ... وعند سراط والسّراط ل قنبلا]
هذا من جملة المواضع التى استغنى فيها باللفظ عن القيد، فلم يحتج إلى أن يقول «ومالك» بالمد أو مد أو نحو ذلك، لأن الشعر لا يتزن على القراءة الأخرى، فصار اللفظ كأنه مقيد، فكأنه قال بالمد كما قال فى موضع آخر «وفى حاذرون» المد: أى قرأ «مالك» بالمد الكسائى وعاصم، وقراءة الباقين بالقصر لأنه ضد المد، والمد هنا هو إثبات الألف، والقصر حذفها. وكان التقييد ممكنا له لو قال «ومالك» ممدودا نصير رواته والقراءتان صحيحتان ثابتتان، وكلا اللفظين من مالك وملك صفة لله تعالى.
وقد أكثر المصنفون فى القراءات والتفاسير من الكلام فى الترجيح بين هاتين القراءتين، حتى إن بعضهم يبالغ فى ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين وصحة اتصاف الرب سبحانه وتعالى بهما، فهما صفتان لله تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط، ولا ينبغى أن يتجاوز ذلك.
وممن اختار قراءة مالك بالألف عيسى بن عمر وأبو حاتم وأبو بكر بن مجاهد وصاحبه أبو طاهر بن أبى هاشم، وهى قراءة قتادة والأعمش وأبى المنذر وخلف ويعقوب، ورويت عنى النبى صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وأبى هريرة ومعاوية، ثم عن الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود وسعيد بن جبير وأبى رجاء والنخعى وأبىّ عبد الرحمن السلمى ويحيى بن يعمر وغيرهم.
واختلف فيه عن على وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين.
وأما قراءة «ملك» بغير ألف فرويت أيضا عن النبى صلّى الله عليه وسلم، وقرأ بها جماعة من الصحابة والتابعين فمع بعدهم، منهم أبو الدرداء وابن عمر وابن عباس ومروان بن الحكم ومجاهد ويحيى بن وثاب والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن جريج والجحدرى وابن جندب وابن محيصن وخمسة من الأئمة السبعة، وهى اختيار أبى عبيد وأبى بكر بن السراج النحوى ومكى المقرى، وقد بينت كلامهم فى ذلك فى الشرح الكبير وأنا أستحب القراءة بهما، هذه تارة وهذه تارة، حتى إنى فى الصلاة أقرأ بهذه فى ركعة وهذه فى ركعة، ونسأل الله تعالى اتباع كل ما صح نقله والعمل به. ثم قال «وعند سراط والسراط» أى مجردا عن لام التعريف ومتصلا بها. ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو:
{(إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [1]) {(هََذََا صِرََاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [2]) {(أَهْدِكَ صِرََاطاً سَوِيًّا} [3]).
وقد تكون معرفة بالإضافة نحو:
__________
(1) سورة الشورى، آية: 52.
(2) سورة يس، آية: 61.
(3) سورة مريم، آية: 43.(2/70)
{(صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [1]) {(صِرََاطِ اللََّهِ الَّذِي} [2]) {(صِرََاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [3]) {(صِرََاطِي مُسْتَقِيماً} [4]).
فلهذا لم أقل إرادة المنكر والمعرف ومثله «وكسر بيوت والبيوت» ونقل قران والقران، بخلاف قوله «فى لؤلؤ فى العرف والنكر شعبة» فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا وهو نكرة، ولو اقتصر على لفظ النكرة فى الكل لحصل الغرض، فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال «ووالاه فى بئر وفى بئس ورشهم» والحكم عام فى كل ما فى القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء والفاء واللام، وفى وبئس بالواو وفى فبئس بالفاء، وفى لبئس باللام، وإنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام وتعدد المضاف إليه، ولو أنه قال: سراط بسين قنبل كيف أقبلا، وبالصاد باقيهم وزاء أشمها البيت لتم له المقصود، والله أعلم.
ثم هذا أيضا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد، فكأنه قال بالسين واعتمد على صورة الكتابة، فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد «وقنبلا» منصوب لأنه مفعول به لقوله «ل» وهذه اللام المنفردة هى فعل أمر من قوله «ولى هذا» هذا يليه إذا جاء بعده: أى اتبع قنبلا عند هاتين اللفظتين، فاقرأ قراءته فيهما بالسين فى جميع القرآن، وقد بين ذلك بقوله رحمه الله:
109 [بحيث أتى والصّاد زاء أشمّها ... لدى خلف واشمم لخلّاد الاوّلا]
أى بحيث أتى المذكور، وهذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى:
{(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)} (5).
والباء فى «بحيث» زائدة، ولو لم يقل بحيث أتى، لاقتصر الحكم على ما فى الفاتحة، وهكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورة كقوله. وخفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ، وفى «شركاى الخلف» فإن كان الخلاف مطردا فى موضعين قال معا، وإن كان فى أكثر قال جميعا أو كلا أو حيث جاء ونحو ذلك، ولم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة: كالتوراة وكأين فى آل عمران، وقراءة الباقين بالصاد، وهى أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها، وأفصحها لغة، وعلم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله «والصاد زاء أشمها» كأنه قال: والباقون بالصاد وأشمها زاء خلف. ويجوز فى قوله الصاد النصب والرفع والنصب هو المختار لأجل الأمر، وغلط من قال هنا الرفع أجود، وأصل كلمة السراط السين والصاد بدل منها لأجل قوة الطاء، ومن أشمها زاء بالغ فى المناسبة بينهما وبين الطاء. وروى عن بعضهم إبدالها زاء خالصة، والمعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاى فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاى.
والإشمام فى عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة: أحدها خلط حرف بحرف كما فى الصراط وما يأتى فى أصدق ومصيطر. والثانى خلط حركة بأخرى كما يأتى فى قيل، وغيض، وأشباههما. والثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان والتحريك كما يأتى فى:
__________
(1) سورة الفاتحة، آية: 7.
(2) سورة الشورى، آية: 53.
(3) سورة الأعراف، آية: 16.
(4) سورة الأنعام، آية: 153.
(5) سورة البقرة، آية: 191.(2/71)
{(تَأْمَنََّا عَلى ََ يُوسُفَ} [1]).
على ظاهر عبارة صاحب التيسير. والرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف. وهو الذى يأتى فى باب الوقف وفى باب وقف حمزة وهشام، وآخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك، ونوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء الله وقوله لدى خلف: أى عنده، ومعنى عنده: أى فى مذهبه وقراءته، ووصل همزة القطع من قوله وأشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم، وأصله من قولهم أشممته الطيب: أى أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة، والأولا مفعول واشمم ونقل الحركة من همزة أوّل إلى لام التعريف فتحركت، فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد لالتقاء الساكنين تقديرا، وإن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة، وسيأتى تحقيق هذين الوجهين فى مسألة «عادا الأولى» والمراد بالأوّل.
{(اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [2]).
أى أشمه وحده خلاد دون ما بقى فى الفاتحة وفى جميع القرآن وهذه إحدى الروايات عنه. وقلّ من ذكرها.
وروى أنه يوافق خلفا فى حرفى الفاتحة معا دون سائر القرآن.
وروى أنه يشم ما كان بالألف واللام فقط فى الفاتحة وغيرها. والرواية الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء فى الفاتحة وغيرها.
قال أبو الطيب بن غلبون: المشهور عن خلاد بالصاد فى جميع القرآن. قال: وهذه الرواية هى المعوّل عليها وبها آخذ فى فاتحة الكتاب وغيرها.
وفى الشرح الكبير تعليل هذه الروايات وبسط القول فى ذلك والله أعلم.
110 [عليهم إليهم حمزة ولديهمو ... جميعا بضمّ الهاء وقفا وموصلا]
أى قرأ حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بضم الهاء وحذف واو العطف من إليهم ضرورة، وسيأتى له نظائر، فموضع عليهم وإليهم ولديهم نصب على المفعولية ويجوز الرفع على الابتداء وخبره حمزة أى يقرؤهن بالضم أو قراءة حمزة، والأولى أن يلفظ بالثلاثة فى البيت مكسورات الهاء ليتبين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فلا تتبين قراءتهم من قوله بضم الهاء، ولو قال بضم الكسر لبان ذلك، ولعله أراده وسبق لسانه حالة الإملاء إلى قوله بضم الهاء، وسيأتى فى قوله: كسر الهاء بالضم شمللا، وقف للكل بالكسر مكملا، ما يوضح أن الخلاف فى هذا الباب دائر بين كسر الهاء وضمها، ومن عادته المحافظة على قيوده وإن كان موضع الخلاف مشهورا أولا يحتمل غيره كقوله: وها هو وها هى أسكن، ثم قال: والضم غيرهم وكسر مع كونه صرح بلفظى هو وهى، وهذه الكلمات الثلاث ليس منها فى الفاتحة إلا عليهم وأدرج معها إليهم ولديهم لاشتراكهن فى الحكم، وهذا يفعله كثيرا حيث يسمح النظم به كقوله «وقيل، وغيض، وجىء، وحيل، وسيق، وسىء، وسيت» ويتركه حيث يتعذر عليه، فيذكر كل واحد فى سورته كقوله: فى الأحزاب بما يعلمون اثنان عن
__________
(1) سورة يوسف، آية: 11.
(2) سورة الفاتحة، آية: 6(2/72)
ولد العلا. ثم قال: فى سورة الفتح: بما يعملون حج، وقال فى البقرة: وفتحك سين السلم، ثم ذكر فى الأنفال الذى فى سورة القتال، فكل واحد من الجمع والتفريق يقع مع اتحاد القارئ واختلافه، وقوله جميعا: أى حيث وقعت هذه الثلاث فى جميع القرآن، ووقفا وموصلا حالان من حمزة: أى ذا وقف ووصل: أى فى حالتى وقفه ووصله، فالموصل والوصل مثل المرجع والرجع.
واعلم أن الضم فى الهاء هو الأصل مطلقا للمفرد والمثنى والمجموع، نحو: «منه، وعنه، ومنهما، وعنهما، ومنهم، وعنهم، ومنهن وعنهن»: وفتحت: فى «منها، وعنها» لأجل الألف، وكسرت إذا وقع قبلها كسر أو ياء ساكنة نحو «بهم، وفيهم» فمن قرأ بالضم فهو الأصل. وإن كان الكسر أحسن فى اللغة كما قلنا فى الصراط، وإنما اختص حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بالضم، لأن الياء فيها بدل عن الألف، ولو نطق بالألف لم يكن إلا الضم فى الهاء فلحظ الأصل فى ذلك، وإنما اختص جمع المذكر دون المؤنث والمفرد والمثنى، فلم يضم عليهن، ولا عليه، ولا عليهما» لأن الميم فى عليهم يضم عند ساكن فى قراءته، ومطلقا فى قراءة من يصلها بواو، فكان الضم فى الهاء اتباعا وتقديرا، وليس فى عليه وعليهما وعليهن ذلك، ولم يلحظ يعقوب الحضرمى هذا الفرق فضم هاء التثنية وجمع المؤنث، ونحو: فيهم، وسيؤتيهم، وقد ضم حمزة فيما يأتى:
{(لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [1]).
وضم حفص {«عَلَيْهُ اللََّهَ»} (2) فى الفتح.
{(وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ} [3]).
والضم الأصل فى الكل، والله أعلم.
111 [وصل ضمّ ميم الجمع قبل محرّك ... (د) راكا وقالون بتخييره جلا]
نبه على أن أصل ميم الجمع أن تكون مضمومة، والمراد بوصل ضمها إشباعه فيتولد منه واو، وذلك كقولهم:
فى أنتم، ومنهم أنتمو، ومنهمو، فيكون زيادة الجمع على حد زيادة التثنية هذه بواو وهذه بألف «فأنتمو، وأنتما» كالزيدون والزيدان وقاما وقاموا وكلاهما لغة فصيحة، وقد كثر مجيئها فى الشعر وغيره. قال لبيد:
وهمو فوارسها وهم حكّامها
فجمع بين اللغتين، وكذا فعل الكميت فى قوله:
هززتكمو لو أنّ فيكم مهزة
وقال الفرزدق:
من معشر حبّهم دين وبغضهمو ... كفر
وقوله: قبل محرك احتراز مما بعده ساكن وسيأتى حكمه، لأن الزيادة قبل الساكن مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين. وبقى عليه شرط آخر وهو أن لا يتصل بميم الجمع ضمير، فإنه إن اتصل بها ضمير وصلت لجميع القراء وهى اللغة الفصيحة حينئذ، وعليها جاء الرسم نحو:
__________
(1) سورة طه، آية: 10.
(2) آية: 10.
(3) سورة الكهف، آية: 63.(2/73)
{(فَإِذََا دَخَلْتُمُوهُ}، {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} {فَأَسْقَيْنََاكُمُوهُ} {أَنُلْزِمُكُمُوهََا} {حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}
{حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ)}.
وقوله دراكا: أى متابعة، وهو مصدر فى موضع الحال: أى صلة تابعا لما نقل، يقال دارك الرجل صوبه:
أى تابعه، والدال رمز ابن كثير، وصرف اسم قالون هنا وترك صرفه فيما تقدم، فيكون صرفه أو ترك صرفه للضرورة وجلا: أى كشف، وذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير وقراءة الجماعة على صحة القراءتين وثبوتهما: أى يروى عن قالون الوجهان الوصل وتركه، وهذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه، ويروى عن قالون مثل ورش: وعن ابن كثير مثل الجماعة.
112 [ومن قبل همز القطع صلها لورشهم ... وأسكنها الباقون بعد لتكملا]
كان يلزمه أن يذكر مع ورش ابن كثير وقالون، لئلا يظن أن هذا الموضع مختص بورش كما قال فى باب الإمالة: رمى صحبة، ولو قال ومن قبل همز القطع وافق (1) ورشهم لحصل الغرض.
ومعنى البيت أن ورشا يقرأ مثل قراءة ابن كثير إذا كان بعد الميم همزة قطع، وهى التى تثبت فى الوصل نحو:
{(عَلَيْهِمْ} {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ} {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} {إِنََّا مَعَكُمْ إِنَّمََا)}.
لكن ورشا يكون أطول مدا من ابن كثير على أصله، وإنما خص ورش الصلة بما كان قبل همزة لحبه المد وإيثاره له، ولهذا مد ما بعد الهمزة فى وجه كما سيأتى وأراد أيضا الجمع بين اللغتين كما قال امرؤ القيس:
أمرخ خيامهمو أم عشر ... أم القلب فى إثرهم منحدر
وخص ذلك ليستعين بالمد على النطق بالهمز. قال أبو على: كأنه أحب الأخذ باللغتين وكان المدّ قبل الهمزة مستحبا. واعتل له المهدوى وغيره بما يلزمه من نقل الحركة على أصله، ولو نقل إليها لتحركت بالضم والفتح والكسر، فآثر أن يحركها بحركتها الأصلية ولا تعتورها الحركات العارضة، والهاء فى صلها وأسكنها تعود على ميم الجمع، وإنما بين قراءة الباقين أنها بالإسكان لئلا يظن أنها بترك الصلة، ولا يلزم من ترك الصلة الإسكان إذ ربما تبقى الميم مضمومة من غير صلة كما يفعل فى هاء الكناية وهو المعبر عنه ثم بالقصر وسيأتى، ولم يقرأ بذلك فى الميم لقوتها واستغنائها عن الحركة، ولما كانت الهاء خفية ضعيفة قويت بالحركة تارة وبها وبالصلة أخرى، وقوله بعد متعلق بالباقون: أى الذين بقوا فى ذكرى بعد ذكر من وصل، ولا يجوز تعلقه بأسكنها، لأن من المسكنين من سبق الواصلين فى الزمان كابن عامر إلا على تأويل ترتيب الذكر فيرجع إلى المعنى الأول. ويجوز أن يتعلق بمحذوف، ولتكملا أيضا متعلق به: أى أعلمتك بقراءة الباقين بعد ما ذكرت قراءة الواصلين لتكمل وجوه القراءة فى ميم الجمع، وإن علقنا بعد بالباقون كان لتكملا متعلقا بأسكنها واللام للعاقبة، لأنهم لم يسكنوها لهذه العلة، وإنما كانت العاقبة ذلك. ويجوز على هذا أن يتعلق اللام بصلها والواو فى وأسكنها للحال: أى صلها لورش فى الحال التى أسكنها فيها الباقون لتكمل وجوهها، وإسكان ميم الجمع هو اللغة الفصيحة الفاشية.
وقد وافق من وصلها على ترك الصلة فى الوقف، وكذا فى هاء الكناية، ولم ينبه الناظم على ذلك فى البابين، والله أعلم.
__________
(1) فيه نظر، إذ لم يعلم منه أوافق الأقرب على التخيير أم الأبعد على الصلة اهـ ضباع.(2/74)
113 [ومن دون وصل ضمّها قبل ساكن ... لكلّ وبعد الهاء كسر فتى العلا]
ذكر فى هذا البيت حكم ميم الجمع إذا لقيها ساكن، ولا يقع ذلك الساكن فى القرآن إلا بعد همزة الوصل فقال: ضمها من غير صلة لكل القراء، ووجه الضم تحريكها لالتقاء الساكنين، واختير ذلك لأنه حركتها الأصلية فهى أولى من حركة عارضة، ولم تمكن الصلة لأن إثباتها يؤدى إلى حذفها لأجل ما بعدها من الساكن، وضمها فعل أمر. وفى نسخة ضمها على أنه مبتدأ خبره ما قبله أو ما بعده ومثله:
«منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (1) وأنتم الأعلون (2)).
وكان يمكن إثبات الصلة فى:
«{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ} (3)).
لأن الساكن بعدها مدغم، فيبقى من باب إدغام أبى عمرو:
«{قََالَ رَبِّ} [4]».
وقد فعل ذلك البزى فى «عنهو تّلهى، فظلتموا تفكّهون» إلا أن الفرق أن إدغام أبى عمرو والبزى طارئ على حرف المد فلم يحذف له وكذا إدغام «دابة، والصاخة، وخاصة» فلم يحذف حرف المد خوفا من الإجحاف باجتماع إدغام طارئ وحذف. وأما إدغام اللام فى الذين، ونحوه فلأصل لازم وليس بطارئ على حرف المد فإنه كذلك أبدا كان قبله حرف مد أو لم يكن، فحذف حرف المد للساكنين طردا للقاعدة، فلم يقرأ منهمو الذين كما لم يثبت حرف المد فى مثل:
{(قََالُوا اطَّيَّرْنََا} [5] و {ادْخُلَا النََّارَ} [6] و {فِي النََّارِ} [7]).
ثم قال: وبعد الهاء كسر فتى العلا: أى إن وقع قبل الميم التى قبل الساكن هاء كسر أبو عمرو الميم اتباعا للهاء لأن الهاء مكسورة، وبقى الباقون على ضم الميم، ثم ذكر شرط كسر الهاء فقال:
114 [مع الكسر قبل الها أو الياء ساكنا ... وفى الوصل كسر الهاء بالضّمّ (ش) مللا]
أى إذا كان قبل الهاء كسر أو ياء ساكنة وقصر لفظ الهاء ضرورة، وساكنا حال من الياء والياء كغيرها من الحروف يجوز تأنيثها وتذكيرها. ومعنى شملل: أسرع وفاعله ضمير عائد على كسر الهاء: أى أتى بالضم فى عجل جعل الكسر آتيا بالضم تجوزا واتساعا وإن كانا لا يجتمعان. ووجهه توافق معنى القراءتين وصحتهما وحلول كل واحد منهما فى محل الآخر، والشين رمز حمزة والكسائى قرءا بضم الهاء والميم على الأصل فى الميم والإتباع فى الهاء وأبو عمرو كسر الهاء لما قبلها والميم للإتباع، والباقون ضموا الميم على الأصل لما احتاجوا إلى تحريكها لأجل الساكن بعدها، وكسروا الهاء لمجاورة ما أوجب ذلك من الكسر أو الياء الساكنة، كما أجمعوا على «بهم، وفيهم»
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 110.
(2) سورة آل عمران أيضا، آية: 139.
(3) سورة التوبة، آية: 61.
(4) سورة مريم، آية: 3.
(5) سورة النمل، آية: 47.
(6) سورة التحريم، آية: 10.
(7) سورة غافر، آية: 49.(2/75)
إذا لم يكن بعدها ساكن، ولم يبالوا بالخروج من كسر إلى ضم، لأن الكسر عارض، قاله أبو على. وقوله:
فى الوصل لم يكن إليه حاجة فإن الكلام فيه، فكان ينبغى أن ينبه على أنه شرط فى ضم الميم، كما أنه شرط فى ضم الهاء وإلا فإتيانه به هاهنا يوهم أنه شرط فى ضم الهاء فقط وليس كذلك، وكان يغنى عنه أيضا قوله بعد ذلك:
وقف للكل بالكسر، ثم مثل ما ذكره فقال:
115 [كما بهم الأسباب ثمّ عليهم ال ... قتال وقف للكلّ بالكسر مكملا]
«ما» فى كما زائدة مثل ما قبل الهاء فيه كسر بقوله تعالى:
{(وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبََابُ} [1]) ومثله فى {(قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [2] {مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ} [3]).
ومثل ما قبله ياء ساكنة بقوله سبحانه:
{(فَلَمََّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتََالُ} [4]) ومثله {(يُرِيهِمُ اللََّهُ أَعْمََالَهُمْ} [5] {إِذْ أَرْسَلْنََا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} [6]).
ثم قال وقف للكل بالكسر يعنى فى الهاء، لأن ضمها فى قراءة حمزة والكسائى كان اتباعا لضم الميم لا لمجرد كون الضم هو الأصل، فإنهما لم يضما الهاء فى نحو:
{(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [7]) ولا ضم الكسائى نحو {(أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [8]).
وإذا كان ضم الهاء اتباعا للميم ففي الوقف سكنت الميم فلم يبق إتباع فعاودا كسر الهاء، ولا يستثنى من هذا إلا الكلمات الثلاث المقدم ذكرها، وهى «عليهم، وإليهم، ولديهم» فإن حمزة يضم الهاء فيها وقفا ووصلا، فلا يؤثر الوقف فى مذهبه شيئا فى نحو:
{(عَلَيْهِمُ الْقِتََالُ} [9]).
إلا سكون الميم فقط وكان ينبغى (10) للناظم أنه ينبه على سكون الميم وقفا كما نبه على كسر الهاء، ولكنه أهمله لوضوحه، ومكملا حال: أى قف مكملا وجوه القراءة فى ميم الجمع، والله أعلم.
باب الإدغام الكبير
الإدغام إدخال الشيء فى الشيء، ومنه: أدغمت اللجام فى فم الفرس: إذا أدخلته فيه، وأدغمت رأس الفرس فى اللجام كذلك، قال الشاعر:
بمقر باب بأيديهم أعنّتها ... خصّ إذا أفزعوا أدغمن فى اللّجم
__________
(1) سورة البقرة، آية 166.
(2) سورة البقرة أيضا، آية: 93.
(3) سورة القصص، آية: 23.
(4) سورة النساء، آية: 77.
(5) سورة البقرة، آية: 177.
(6) سورة يس، آية: 14.
(7) سورة البقرة، آية: 10.
(8) سورة الفاتحة، آية: 7.
(9) سورة النساء، آية: 177.
(10) (قوله وكان ينبغى الخ) لا حاجة إليه لأن الناظم لم يهمل ذلك بل بينه فى قوله وأسكنها الباقون لأنه دل على أن أصله السكون وصلا ووقفا، وإنما عرض له التغيير من الصلة والكسر والضم وصلا اهـ ضباع.(2/76)
ولما أدخل أحد الحرفين فى الآخر على سبيل التقريب ونبا اللسان عنهما نبوة واحدة سمى إدغاما. وقيل أصل الكلمة من الخفاء، ومنه الأدغم من الخيل: وهو الذى خفى سواده، فالحرف المدغم يخفى ولا يتبين، يقال: أدغم وادّغم بوزن أفعل وافتعل، وإنما فعلت العرب ذلك طلبا للخفة لما ثقل التقاء الحرفين المتجانسين والمتقاربين على ألسنتهم، ويكون فى بعض المواضع واجبا، وفى بعضها جائزا، وفى بعضها ممتنعا على تفصيل معروف عند علماء العربية.
وأما الإدغام فى مذاهب القراء فينقسم إلى صغير وكبير: فالصغير ما اختلف فى إدغامه من الحروف السواكن، ولا يكون إلا فى المتقاربين، وهو الذى يأتى ذكره بعد وقف حمزة وهشام على الهمز إلى أوّل باب الإمالة، وهو فى تسعة أحرف يجمعها قولك: ذل ثرب دفنت، وكل المصنفين فى علم القراءات يذكرونه.
وأما الإدغام الكبير فحذفه جماعة من المصنفين كصاحب العنوان ومكى والمهدوى، ومنهم من فرشه على ترتيب السور، وهو يكون فى المثلين والمتقاربين من الحروف المتحركة، وسمى بالكبير لتأثيره فى إسكان المتحرك قبل إدغامه، ولشموله نوعى المثلين والمتقاربين. ومن شواهد الإدغام الكبير فى شعر العرب قول عدى بن زيد:
وتذكّر رّبّ الخورنق إذ ... فكّر يوما وللهدى تفكير
فقوله تذكر فعل ماض ورب فاعله. وقال آخر:
عشيّة تّمنّى أن تكون حمامة ... بمكّة يؤويك السّتار المحرّم
116 [ودونك الادغام الكبير وقطبه ... أبو عمرو البصرىّ فيه تحفّلا]
دونك هنا من ألفاظ الإغراء، يقال دونك كذا: أى خذه، والإدغام مفعول به، وقطب كل شيء:
ملاكه، وهو ما يقوم به، وقطب القوم: سيدهم الذى يدور عليه أمرهم، والواو فى وقطبه للحال أو للاستئناف، وقطبه مبتدأ وأبو عمرو خبره، ثم استأنف جملة أخرى فقال فيه تحفلا: أى فى أبى عمرو اجتمع الإدغام، يقال تحفل المجلس، وتحفل اللبن فى الضرع، وتحفل الوادى: إذا امتلأ بالماء. ويجوز أن يكون أبو عمرو عطف بيان والخبر فيه تحفلا، على أن تكون الهاء فى فيه للإدغام، وفاعل تحفل ضمير عائد على أبى عمرو:
أى تحفل أبو عمرو فى أمر الإدغام من جميع حروفه ونقله والاحتجاج له والقراءة به، يقال: احتفلت لكذا أو بكذا أو فى كذا، وتحفل بمعناه مثل اكتسب وتكسب، أراد بذلك أن مدار الإدغام على أبى عمرو، فمنه أخذ وإليه أسند وعنه اشتهر من بين القراء السبعة، والإظهار والإدغام كلاهما مروى عن اليزيدى عن أبى عمرو من طريق الدورى والسوسى وغيرهما، ولم أر بعد فى كتاب تخصيص رواية السوسى بذلك عن الدورى (1) وقد كان الشيخ الشاطبى رحمه الله يقرئ به من طريق السوسى، ولم يوافق أبا عمرو فى المشهور على شيء من الإدغام الكبير سوى حمزة فى إدغام {(بَيَّتَ طََائِفَةٌ)}.
__________
(1) وعلى ذلك عمل أهل الأداء الآن اهـ ضياع.(2/77)
{(وَالصَّافََّاتِ صَفًّا} [1]).
وما ذكر معها فى سورتها. واختار أبو طاهر بن أبى هاشم الإظهار كما هو مذهب سائر القراء، قال: لأن فيه إيتاء كل حرف حقه من إعرابه أو حركة بنيته التى استحقها، والإدغام يلبس على كثير من الناس وجه الإعراب. ويوهم غير المقصود من المعنى، نحو قوله تعالى:
{(وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمََا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [2] و {الْمُصَوِّرُ لَهُ} [3]).
ولم يذكر أبو عبيد الإدغام فى كتابه، وقال فى:
{(بَيَّتَ طََائِفَةٌ} [4]).
القراءة عندنا هى الأولى، يعنى الإظهار لكراهتنا الإدغام إذا كان تركه ممكنا.
117 [ففي كلمة عنه مناسككم وما ... سلككّم وباقى الباب ليس معوّلا]
الأولى أن يقرأ مناسككم فى هذا البيت من غير إدغام، لأنه إن قرئ مدغما لزم ضم الميم وصانتها بواو، وليست قراءة أبى عمرو ولا غيره هكذا نعم يجوز من حيث اللغة، فلهذا نقول: إن اضطررنا إليه جاز ارتكابه كقوله فيما بعد:
{(وَطُبِعَ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [5]).
لأن البيت لا يتزن إلا بالصلة، وأما سلككم فلا يستقيم التلفظ به فى البيت إلا مدغما ساكن الميم، وأراد قوله:
{(فَإِذََا قَضَيْتُمْ مَنََاسِكَكُمْ} [6]) فى البقرة (و {مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [7]).
فى سورة المدثر: أى لم يأت الإدغام من أبى عمرو فى حرفين فى كلمة واحدة إلا فى هذين الموضعين. ويرد عليه نحو:
{(يَرْزُقُكُمْ} [8]).
كما سيأتى فى أوّل الباب الآتى، فإنه أدغم ذلك وشبهه، وجميعه من باب الإدغام الكبير فى كلمة واحدة وإنما خصص هذين من باب التقاء المثلين فى كلمة واحدة وما أوردناه هو من باب المتقاربين، وإنما ورد عليه من جهة أنه لم يقيد بالمثلين، بل قال: ففي كلمة عنه، ولم يتقدم قبل هذا البيت سوى أنه حضنا على الإدغام الكبير، ولم يعرفنا ما هو، ووقع لى أنه لو قال عوض البيت السابق:
أبو عمرو البصرى يدغم أن تحر ... ركا والتقى المثلان فى الثانى الأوّلا
__________
(1) سورة الصافات، آية: 1.
(2) سورة النمل، آية: 40.
(3) سورة الحشر، آية: 24.
(4) سورة النساء، آية: 81.
(5) سورة التوبة، آية: 87.
(6) سورة البقرة آية: 20.
(7) آية: 42.
(8) سورة سبأ، آية: 24.(2/78)
لكان شرحا للإدغام الكبير الواقع فى المثلين، ويأتى قوله: ففي كلمة عنه بعد تمهيد قاعدته، وقولنا تحركا والتقى من باب قاما وقعد الزيدان، وهو الوجه المختار للبصريين فى باب توجه الفعلين إلى فاعل واحد، فاعلم أن الإدغام الكبير ضربان: أحدهما إدغام حرف فى مثله، وهو الذى ذكره فى جميع هذا الباب. والآخر إدغام حرف فى مقاربه، وسيأتى فى الباب الآخر، وشرطهما معا أن يكونا متحركين، فإن سكن أوّل المثلين وجب إدغامه للكل بشرط أن لا يكون حرف مدّ ولين، ثم الحرف الذى يدغم فى مثله لا يخلو هو والذى يدغم فيه: إما أن يلتقيا فى كلمة أو فى كلمتين، فإن التقيا فى كلمة لم يدغم إلا فى هاتين الكلمتين المذكورتين فى هذا البيت. ثم قال: وباقى الباب ليس معوّلا، أى على إدغامه، أو لا معوّل عليه بإدغام، أو التقدير: وإدغام باقى الباب ليس معوّلا عليه فحذف المضاف، كما أن التقدير: ففي كلمة عنه إدغام مناسككم، وباقى الباب مثل قوله تعالى «بأعيننا وأ تعدانني، وجباههم، ووجوههم، وبشرككم» وقد روى إدغام ذلك وهو فى بأعيننا أقوى لتحرك ما قبل المثلين، وفى بشرككم ضعيف لسكونه وهو حرف صحيح. وقد أدغم أبو عمرو وغيره مواضع تأتى فى سورها مثل «ما مكننى، وتأمرونى أعبد وأ تحاجونى فى الله» وروى إدغام:
{(إِنَّ وَلِيِّيَ اللََّهُ} [1]).
فى آخر الأعراف، وهو ضعيف لأن الحرف المدغم مشدّد، وسيأتى أنه لا يدغم مثل ذلك نحو:
{(مَسَّ سَقَرَ} [2]) والله أعلم.
118 [وما كان من مثلين فى كلمتيهما ... فلا بدّ من إدغام ما كان أوّلا]
أى وما وجد من هذا القبيل وهو التقاء مثلين فى كلمتين، ويلزم من ذلك أن يكون أحدهما آخر كلمة والآخر أوّل كلمة بعدها، فلا بد من إدغام الأوّل فى الثانى إلا ما يأتى استثناؤه مما أجمع عليه أو اختلف فيه، وشرطهما أن يتحركا، فإن سكن الأوّل أدغم للجميع، وإن سكن الثانى فلا إدغام للجميع. مثال الأوّل:
{(إِذْ ذَهَبَ} [3] {وَقَدْ دَخَلُوا} [4]) ومثال الثانى {(إِلَى الصَّلََاةِ اتَّخَذُوهََا} [5] {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ} [6]).
ثم هذا الإدغام فى المثلين من كلمتين يأتى فى القرآن فى سبعة عشر حرفا، لأن عشرة من باقى الحروف لم يلتق منها مثلان متحركان فى القرآن، وهى: الجيم والخاء المعجمة، والدال والذال والزاى والشين المعجمة، والصاد والضاد والطاء والظاء. وأما الألف فلا يتأتى إدغامها لأنها لا تزال ساكنة. وأما الهمزتان إذا التقتا، فأبو عمرو يسقط الأولى إن اتفقنا ويسهل الثانية إن اختلفتا على ما سيأتى بيانه فلا إدغام فيها.
وأما الحروف التى تدغم فى مقاربها فستة عشر حرفا ستأتى فى الباب الآتى، وأما نحو قوله:
{(أَنَا نَذِيرٌ} [7]).
__________
(1) سورة الأعراف، آية 196.
(2) سورة القمر، آية: 48.
(3) سورة الأنبياء، آية: 87.
(4) سورة المائدة، آية: 57.
(5) سورة المائدة، آية: 58.
(6) سورة العنكبوت، آية: 41.
(7) سورة الملك، آية: 26.(2/79)
فإن المثلين التقيا لفظا ولا إدغام محافظة على حركة النون، ولهذا تعمد بألف فى الوقف، ومما يدغم آخر سورة الرعد وإبراهيم إذا وصلا بالنسبة عند من يرى ذلك لأبى عمرو، وقد ذكر فيه خلاف، والله أعلم.
119 [كيعلم ما فيه هدى وطبع على ... قلوبهم والعفو وأمر تمثّلا]
مثل التقاء المثلين فى كلمتين. وقد تقدم أن ذلك واقع فى سبعة عشر حرفا، وهى الباء والتاء والثاء والحاء المهملة والراء والسين المهملة والعين وعشرة الأحرف بعدها، مثال ذلك:
{(لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [1] {الشَّوْكَةِ تَكُونُ} [2] {ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} [3] {لََا أَبْرَحُ حَتََّى} [4] {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} [5] {وَتَرَى النََّاسَ سُكََارى ََ} [6] {وَطُبِعَ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [7] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ} [8]).
وليس فى القرآن للغين غيره:
{(تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ} [9] {الْغَرَقُ قََالَ آمَنْتُ} [10] {إِنَّكَ كُنْتَ بِنََا} [11] {جَعَلَ لَكُمُ} [12]
{تَعْلَمُ مََا} [13] {أَحْسَنُ نَدِيًّا} [14] {إِلََّا هُوَ وَالْمَلََائِكَةُ} [15] {إِنَّهُ هُوَ} [16]) ولا تمنع صلة الهاء.
{(نُودِيَ يََا مُوسى ََ} [17]).
وقوله تمثلا: أى تمثل المذكور، وهو إدغام أوّل المثلين إذا التقيا فى كلمتين. ومعنى تمثلا: أى تشخص وتشكل وتصوّر وتبين، وقد تضمن ما مثل به فى هذا البيت ثلاثة أنواع عليها مدار الباب. وذلك أن الحرف المدغم إما أن يكون قبله متحرك أولا، فإن كان فمثاله:
{(يَعْلَمُ مََا} [18] {وَطُبِعَ عَلى ََ} [19]).
وإن لم يكن متحركا، فإما أن يكون حرف مد أولا، فإن كان فمثاله:
{(فِيهِ هُدىً} [20]).
وإن لم يكن حرف مد فهو حرف صحيح، ومثاله:
{(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ} [21]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 20.
(2) سورة الأنفال، آية: 7.
(3) سورة المائدة، آية 73.
(4) سورة الكهف، آية: 60.
(5) سورة ص، آية: 24.
(6) سورة الحج، آية: 2.
(7) سورة التوبة، آية: 87.
(8) سورة آل عمران، آية: 85.
(9) سورة المطففين، آية: 24.
(10) سورة يونس، آية: 90.
(11) سورة طه، آية: 35.
(12) سورة النحل، آية: 89.
(13) سورة المائدة، آية: 116.
(14) سورة مريم، آية: 73.
(15) سورة آل عمران، آية: 18.
(16) سورة الإسراء، آية: 1.
(17) سورة طه، آية: 11.
(18) سورة النحل، آية: 19.
(19) سورة التوبة، آية: 87.
(20) سورة البقرة، آية: 2.
(21) سورة الأعراف، آية: 199.(2/80)
وهذا القسم إطلاق الإدغام عليه فيه مسامحة، بخلاف النوعين المتقدمين، وسيأتى تحقيق ذلك فى آخر باب إدغام المتقاربين. ثم ذكر ما استثنى إدغامه من المثلين فقال:
120 [إذا لم يكن تا مخبر أو مخاطب ... أو المكتسى تنوينه أو مثقّلا]
الضمير فى يكن عائد إلى قوله ما كان أولا: أى إذا لم يكن ذلك الأول من المثلين تاء مخبر: أى ضميرا هو تاء دالة على المتكلم، أو يكن تاء مخاطب، أو يكن الذى اكتسى تنوينه: أى منونا. وأشار بذلك إلى أن نون التنوين كالحلية والزينة، فلا ينبغى أن يعدم، وقصر لفظ تا وأسكن ياء المكتسى ضرورة، وهما منصوبان خبرين لقوله يكن، ولهذا نصب أو مثقلا، وعلة استثناء المنون والمثقل ظاهرة. أما المنون فلأن التنوين حاجز بين المثلين، وهو حرف صحيح معتد به فى زنة الشعر، وتنقل إليه حركة الهمزة ويكسر لالتقاء الساكنين. وأما المثقل فيستحيل إدغامه بدون حذف أحد الحرفين من المشدد، وقد حكى بعضهم إدغامه على لغة تخفيف المشدد، وحكى بعضهم إدغام:
(من أنصار. ربّنا (1)).
ولم يعتد بالتنوين لذهابه فى الوقف، وحكى بعضهم إدغام:
{(لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} [2]).
وفيه المانعان الخطاب والتشديد، والعلة فى استثناء تاء المخبر والمخاطب كونهما كناية عن الفاعل أو شبهه، والإدغام تقريب من الحذف، والفاعل لا يحذف نحو:
{(كُنْتُ تُرََاباً} [3] {وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا} [4]).
وألحق بذلك التاء من أنت (5) تكره وشبهه ليكون الباب واحدا، وذكر لذلك علل أخر هى فى الشرح الكبير.
121 [ككنت ترابا أنت تكره واسع ... عليم وأيضا تمّ ميقات مثّلا]
هذه أمثلة ما تقدم استثناؤه فى البيت السابق على ترتيبه وقوله: وأيضا أى أمثل النوع الرابع ولا أقتصر على تمثيل الأنواع الثلاثة، وهو مصدر آض: إذا رجع، والضمير فى مثلا عائد على المذكورات: أى مثل جميع المستثنى، أو يكون عائدا على لفظ:
{(فَتَمَّ مِيقََاتُ} [6]).
أى وأيضا ثم ميقات، مثل به كما مثل بالثلاثة الأول، ومثله:
{(مَسَّ سَقَرَ} [7] {وَخَرَّ رََاكِعاً} [8] {وَأُحِلَّ لَكُمْ} [9]).
__________
(1) سورة آل عمران آية: 192، 193.
(2) سورة الإسراء، آية: 74.
(3) سورة النبأ، آية: 40.
(4) سورة العنكبوت، آية: 48.
(5) (قوله رحمه الله وألحق بذلك التاء من أنت) فيه إشارة إلى أن التاء من أنت ليست بضمير بالإجماع، وإنما الضمير أن اهـ.
(6) سورة الأعراف، آية: 143.
(7) سورة القمر، آية: 48.
(8) سورة ص، آية: 24.
(9) سورة النساء، آية: 24.(2/81)
وقد أورد على استثناء المنون الهاء الموصولة بواو أو ياء نحو:
{(سُبْحََانَهُ هُوَ اللََّهُ} [1] {مِنْ فَضْلِهِ} [2] {هُوَ خَيْراً لَهُمْ} [3]).
وقيل يلزم استثناؤه أيضا، فإن الواو والياء حرف حاجز بين المثلين. زعم أبو حاتم وغيره أن الإدغام فيها غير جائز.
والفرق بينهما أن التنوين حرف مستقل مقصود فى نفسه دال على تمكن الاسم وصرفه، والصلة عبارة عن إشباع حركة الهاء، فلم يكن لها استقلال ولهذا تحذف للساكن والتنوين يحرك. وإذا اجتمع التنوين وحرف العلة حذف حرف العلة وبقى التنوين نحو: قاض وغاز، فهو أولى بالاعتداد فضلا عن الصلة، والله أعلم.
122 [وقد أظهروا فى الكاف يحزنك كفره ... إذ النّون تخفى قبلها لتجمّلا]
أراد قوله تعالى فى سورة لقمان:
{(وَمَنْ كَفَرَ فَلََا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [4]).
استثناه بعضهم للعلة التى ذكرها (5) وبعضهم أدغمه جريا على الأصل، والضمير فى أظهروا يعود إلى بعض المصنفين والرواة وأهل الاختيار لا إلى جميعهم، لأنهم مختلفون فى ذلك على ما نقلناه فى الشرح الكبير، وهذه العلة ذكرها أبو طاهر بن أبى هاشم وغيره، وهى أن الإخفاء تقريب من الإدغام والنون تخفى قبل الكاف على ما سيأتى تقريره فى باب أحكام النون الساكنة والتنوين، وإذا كان الإخفاء كالإدغام فكأن الكاف. الأولى مدغم فيها فتكون كالحرف المشدد فى «مس سقر» ونحوه، وذلك ممتنع الإدغام فكذا هذا، وهذه العلة تقوى استثناء تاء المخبر والمخاطب فى نحو: كنت وأنت، لأن النون أيضا مخفاة قبل التاء، فكأن الناظم أراد بهذه العبارة الاستدلال على صحة استثناء تاء المخبر والمخاطب، فقال إنهم أظهروا الكاف من «يحزنك» لهذه العلة، وهى موجودة فى تاءى المخبر والمخاطب، وإذ ظرف فيه معنى التعليل، وقوله لتجملا تعليل لإخفاء النون أو للإظهار والضمير فيه للكلمة: أى لتجمل الكلمة ببقائها على صورتها، والله أعلم.
123 [وعندهم الوجهان فى كلّ موضع ... تسمّى لأجل الحذف فيه معلّلا]
أى وعند المصنفين من المشايخ الوجهان من الإظهار والإدغام فى كل موضع التقى فيه مثلان بسبب حذف وقع فى آخر الكلمة الأولى لأمر اقتضى ذلك، وقد يكون المحذوف حرفا أو حرفين. فمن نظر إلى أصل الكلمة فيظهر إذ لم يلتق فى الأصل مثلان، ومن نظر إلى الحالة الموجودة فيدغم، وقوله تسمى فعل ماض وقع صفة لموضع، وأضاف التسمية إليه تجوزا لأجل أنه وجد فيه ما اقتضى تلقينه بذلك، ولو قال يسمى بضم الياء المثناة من تحت لكان حسنا وهو حقيقة الكلام، ومعللا مفعول به على الوجهين، وكل كلمة فيها حرف العلة، وهى:
__________
(1) سورة الزمر، آية: 4.
(2) سورة النساء، آية: 32.
(3) سورة آل عمران، آية: 180.
(4) سورة لقمان، آية: 23.
(5) لا داعى إلى هذا التفصيل، إذ لا يستفاد الحلاف من لفظ الناظم مع أن الإجماع عن أبى عمرو من طريق السوسى على الإظهار. قال السخاوى. روى إدغامه من طريق الدورى عن أبى عمرو، وروى غيره الإظهار، وبه أخذ أبو عمرو الحافظ، وعليه عول ناظم القصيدة اهـ ضباع.(2/82)
الألف والياء والواو موضع أحد حروفها الأصول تسمى معلة، فإن طرأ عليها ما يغير حرف العلة فيها من حذف أو قلب يقال هذه كلمة معتلة وقد أعلت، كأنه حصل بها إعلال ومرض، فقوله معللا لا يجيء من أعله إنما هو اسم مفعول من علله ولا يبعد استعماله بمعناه، مثل: نزل وأنزل، ثم مثل ذلك فقال:
124 [كيبتغ مجزوما وإن يك كاذبا ... ويخل لكم عن عالم طيّب الخلا]
أراد: {(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ دِيناً} [1]).
كان الأصل يبتغى بالياء فحذف للجزم، وقوله مجزوما حال نبه بها على أن هذا اللفظ فرع عن غيره، وإن يك أصله يكون فسكنت النون للجزم فحذفت الواو لالتقاء الساكنين ثم حذفت النون تخفيفا، فهذه الكلمة حذف منها حرفان.
{(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [2]).
أصله يخلو بالواو، وإنما حذفت جوابا للأمر، وقوله عن عالم متعلق بقوله فى البيت السابق: وعندهم الوجهان: أى عند أهل الأداء الوجهان مرويان عن عالم طيب الخلا، وأراد به أبا عمرو بن العلاء نفسه لأنه قطب ذلك كما سبق، أو أراد به أبا محمد اليزيدى لأنه هو الذى شهر ذلك عنه. والخلا بالقصر: الرطب من الحشيش وكنى به عن العلم لأن الناس يقتبسونه كما يختلون الخلا، ويقال: هو طيب الخلا: أى حسن الحديث. وقال الشيخ أبو الحسن رحمه الله: أراد بالعالم الطيب نفسه، أو صاحب التيسير: أى خذه أو أخذته أنا عنه، والله أعلم.
125 [ويا قوم ما لى ثمّ يا قوم من بلا ... خلاف على الإدغام لا شكّ أرسلا]
أراد: {(يََا قَوْمِ مََا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجََاةِ} [3] {وَيََا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللََّهِ} [4]).
أرسلا أطلقا على الإدغام بلا خلاف لا شك فى ذلك إذ ليس فيهما ما يمنع الإدغام، وإن توهم متوهم أنه من باب المعتل، لأن أصله يا قومى بالياء ثم حذفت ردّ عليه وهمه، فإن اللغة الفصيحة يا قوم بحذف الياء وصاحبها لا يثبت الياء بحال، فصارت الياء كالعدم من حيث التزم حذفها، ولأن الياء المحذوفة من يا قوم ليست من أصل الكلمة بل هى ضمير المضاف إليه، بخلاف المحذوف من يبتغ ونحوه، وكأن الناظم أورد هذا البيت فى صورة الاحتجاج على ترجيح الإدغام فى المعتل فقال: قد أجمعوا على إدغام هذا فكذا ما سبق، ونص صاحب التيسير على أنه من المعتل مع الإجماع على الإدغام.
126 [وإظهار قوم آل لوط لكونه ... قليل حروف ردّه من تنبّلا]
عنى بالقوم أبا بكر بن مجاهد وغيره من البغداديين، منعوا إدغام {«آلَ لُوطٍ} [5]» حيث وقع لقلة حروفه، وهو فى الحجر والنمل والقمر، ولا أعلم ما معنى قولهم إنه قليل الحروف، فإنهم إن عنوا به أنه فى الخط حرفان
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 85.
(2) سورة يوسف، آية: 9.
(3) سورة غافر، آية: 41.
(4) سورة هود، آية: 30.
(5) سورة القمر وغيرها من السور، آية: 34.(2/83)
فلا اعتبار بالخط، وإنما الاعتبار باللفظ، وهو فى اللفظ ثلاثة أحرف، فهو مثل: قال لهم، فكما يدغم قال يدغم آل لأنه مثله، وعلى وزنه فيمنع هذا التعليل من أصله ويردّ على قائله، فقوله وإظهار قوم مبتدأ خبره قوله رده من تنبلا، يعنى به صاحب التيسير وغيره: أى من صار نبيلا فى العلم: أى من رسخت فيه قدمه، أو من مات من المشايخ، يعنى أن هذا ردّ قديم.
ثم بين الذى رده به فقال:
127 [بإدغام لك كيدا ولو حجّ مظهر ... بإعلال ثانيه إذا صحّ لاعتلا]
قال صاحب التيسير رحمه الله: قد أجمعوا على إدغام «لك كيدا» فى يوسف وهو أقل حروفا من آل لأنه على حرفين، وقيل لا يستقيم هذا الرد لأن لك كلمتان اللام حرف والكاف مجرورة المحل بها فهى قائمة مقام اسم مظهر وهو يوسف، فكما يدغم: {«لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} [1]» فكذا الكاف التى هى كناية عنه. ثم قال: ولو حج مظهر، أى ولو احتج من اختار الإظهار استعمل حج بمعنى احتج مثل قرأ واقترأ وكسب واكتسب، والمعروف أن حج: بمعنى غلب فى الحجة كقوله عليه الصلاة والسلام:
«فحجّ آدم موسى».
وإن حمل ما فى البيت على هذا المعنى لم يبق لقوله لاعتلا فائدة، فإن من غلب فى حجته معتل: أى مرتفع، وأراد أن يذكر حجة سائغة غير منقوضة عليه لمن اختار الإظهار فى آل لوط، وهى حجة قد سبق بها جماعة من المتقدمين، مثل ابن أبى هاشم وابن مهران وصاحب التيسير، وهى أن ثانى حروف آل قد تغير مرة بعد مرة والإدغام تغيير آخر، فعدل عنه خوفا من أن يجتمع على كلمة قليلة الحروف فى نظرهم تغييرات كثيرة، فيصير مثل:
{(وَإِنْ يَكُ كََاذِباً} [2]).
وقوله: إذا صح بعد قوله بإعلال ثانيه من محاسن الكلام حيث قابل الإعلال بالصحة، يعنى إذا صح له الإظهار من جهة النقل، فإن أبا عمرو الدانى قال فى غير التيسير: لا أعلم الإظهار فيه من طريق اليزيدى. ثم بين إعلال ثانيه فقال:
128 [فإبداله من همزة هاء أصلها ... وقد قال بعض النّاس من واو أبدلا]
أى إبدال ثانى حروف آل وهو الألف من همزة أصل تلك الهمزة هاء، يعنى هذا القائل أن أصل الكلمة أهل فأبدلت الهاء همزة، كما قيل أرقت فى هرقت، فاجتمعت همزة ساكنة بعد همزة مفتوحة فوجب قلبها ألفا على القياس المطرد المعروف الذى بينه فى آخر باب الهمز المفرد، وهذا القول وإن اعتمد عليه جماعة فهو مجرد دعوى وحكمة لغة العرب تأبى ذلك، إذ كيف يبدل من الحرف السهل وهو الهاء حرف مستثقل، وهو الهمزة التى من عادتهم الفرار منها حذفا وإبدالا وتسهيلا على ما عرف فى بابه، مع أنهم إذا أبدلوا الهاء همزة فى هذا المكان فهى فى موضع لا يمكن إثباتها، بل يجب قلبها ألفا، فأى حاجة إلى اعتبار هذا التكثير من التغيير بلا دليل،
__________
(1) سورة يوسف، آية: 21.
(2) سورة غافر، آية: 28.(2/84)
وفى لفظ ماء قام دليل إبدالها همزة لتقوى على الإعراب، وأما أرقت فالهاء فيه بدل من الهمزة وليست الهمزة بدلا من الهاء، كذا يقول أهل النحو، وهو الموافق للقياس.
ثم قال وقد قال بعض الناس يعنى أبا الحسن بن شنبوذ وغيره: إن ثانى آل أبدل من واو، وهذا هو الصحيح الجارى على القياس. وأهل التصانيف من اللغويين وأصحاب الأعزية لا يفسرون هذه الكلمة إلا فى فصل الواو بعد الهمزة فيكون أصل الكلمة أول، كما أن أصل قال قول، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فى اللفظين على قياس معروف فى علم التصريف، فهو مشتق من آل يئول إذا رجع: أى أن آل الرجل إليه يرجعون فى النسب أو الدين والمذهب. وإذا كان من باب قال فله حكم قال فيدغم.
ولم يذكر الشاطبى رحمه الله هذا القول الثانى حجة للإظهار، فإنه غير مناسب له، وإنما بين أن العلماء مختلفون فى أصل الكلمة، فيعطى كل أصل حكمه.
129 [وواو هو المضموم هاء كهو ومن ... فأدغم ومن يظهر فبالمدّ علّلا]
المضموم بالخفض صفة لهو وهاء منصوب على التمييز: أى الذى ضمت هاؤه نحو:
{(هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [1]).
احترز بذلك عما سكنت هاؤه فى قراءة أبى عمرو، وهو ثلاثة مواضع.
{(وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمََا} [2] {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} [3] {وَهُوَ وََاقِعٌ بِهِمْ} [4])
والجمهور على (5) منع الإدغام فى هذه المواضع الثلاثة.
وبعضهم قال هى مظهرة بلا خلاف، ووجهه أن الكلمة قد خففت بسكون هائها فلم تحتج إلى تخفيف الإدغام.
وقال صاحب التيسير: لا خلاف فى الإدغام. قلت: يريد فى طرقه التى قرأ بها، وإلا فقد ذكر الخلاف فيها أبو على الأهوازى والحافظ أبو العلا وغيرهما قدس سرهم.
وأما المواضع المضمومة الهاء، وهى ثلاثة عشر موضعا فإدغامها ظاهر، ولهذا جزم بقوله فأدغم، ومنهم
__________
(1) سورة النحل، آية: 76.
(2) سورة الأنعام، آية: 27.
(3) سورة النحل أيضا، آية: 63.
(4) سورة الشورى، آية: 22.
(5) حاصل كلامه أن الجمهور من رواة أبى عمرو على عدم إدغام المواضع الثلاثة، لأن الهاء خففت بالسكون فلا تحتاج إلى تخفيف الإدغام، إلا أن صاحب التيسير على أنه لا خلاف فى الإدغام، وهذا التقدير يعطى جواز الوجهين فى الثلاثة من طريق النظم وجرى على ذلك أيضا شعلة فى شرحه، وهو خلاف المفهوم من كلام الناظم، إذ المفهوم منه والذى جرى عليه جمهور الشراح عدم الخلاف فيهن، وذلك أنه لما قيد محل الخلاف بالمضموم الهاء بقى ساكنها على الأصل فى اجتماع المثلين من متفق الإدغام، كما أنه لما قيد بواو هو بقى غير واو هو مدغما على الأصل فيه نحو {(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ)}. وأيضا تعليل المظهر بالمد يفهم أنه حيث لا يوجد المد لا يظهر. ويؤيد ما قلناه قول الحافظ الدانى فى جامعه فى إدغام «هو ومن» بالوجهين قرأت ذلك، واختار الإدغام لاطراده وجريه على قياس نظائره. ثم قال: فإن سكن ما قبل الواو سواء كان هاء أو غيرها فلا خلاف فى إدغام الواو فى مثلها وذلك نحو {«وَهُوَ وَلِيُّهُمْ»} و {«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ»} اهـ ضباع.(2/85)
من أظهرها، لأن الواو زيدت تقوية لهاء الضمير، ففي إدغامها كالإخلال بما زيدت لأجله، ولأن الواو تشدد فى لغة قوم من العرب، والتخفيف هو اللغة الفصيحة التى نزل بها القرآن، ففي إدغامها ما يؤدى إلى أن الواو تشتبه بتلك اللغة. وقيل أيضا إن تشديد الواو هو الأصل ثم خففت فاستغنى بذلك التخفيف عن تخفيف الإدغام، وكل هذه علل حسنة للإظهار لا بأس بها، وقول الشاطبى: ومن يظهر فبالمد عللا يوهم أنه لم يعلله بغير ذلك.
ثم تقديره أن يقال: إذا كان قبل الواو ضمة وقصد إلى إدغامها وجب إسكانها للإدغام فتصير حرف مد ولين، وحروف المد واللين لا تدغم لأداء الإدغام إلى ذهاب المد مثل «قالوا وأقبلوا» وهذا خطأ من المعلل، فإن هذا مد تقديرى لا ثبوت له، فلا يلزم من منع الإدغام حيث كان المد محققا أن يمتنع أيضا إذا كان المد مقدرا.
130 [ويأتى يوم أدغموه ونحوه ... ولا فرق ينجى من على المدّ عوّلا]
نقض على من علل بالمد فى إظهار الواو، بأنه يلزمه مثل ذلك فى الياء فى «يأتى يوم، ونودى يا موسى» وهذا مدغم عند من يرى الإظهار فى: هو ومن، ونحوه، ولا فرق بينهما فيما يرجع إلى المد، فإن ما قرره فى الواو موجود مثله فى الياء، فهذا معنى قوله: ولا فرق ينجى من على المد عوّلا.
وأما قوله:
{(فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وََاهِيَةٌ} [1]).
فينبغى أن يكون حكمه حكم قوله تعالى {«وَهُوَ وََاقِعٌ بِهِمْ»} فإن الكلمة خففت بإسكان الهاء فيهما، والضمير فى أدغموه عائد على معنى من فى قوله ومن يظهر فبالمد عللا.
131 [وقبل يئسن الياء فى اللّاء عارض ... سكونا أو اصلا فهو يظهر مسهلا]
أى فأبو عمرو يظهره راكبا للطريق الأسهل، يقال: أسهل: إذا ركب السهل، يعنى أنه أظهر الياء من قوله تعالى:
{(وَاللََّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [2]).
بلا خلاف، وعلل ذلك بأن الياء عارض سكونها أو أصلها، فقوله سكونا أو أصلا منصوبان على التمييز، ونقل حركة همزة أصلا إلى واو أو فكأنه أراد تعليلين، ولو أراد أن يجعل المجموع علة واحدة لقال سكونا وأصلا: أى سكونها عارض وأصلها عارض، وكلا التعليلين غير مستقيم. أما السكون العارض فغير صالح لأن يمنع الإدغام كما لم يمنع فى نحو:
{(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ} [3] {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ} [4]).
وأما إن كانت فى نفسها عارضة وأصلها همزة فكان ينبغى أن يجرى فيها الوجهان المتقدمان فى يبتغ ونحوه نظرا إلى الأصل وإلى ما عليه اللفظ الآن، وفى قوله عارض أصلا نظر، فإن الأصل هو الهمز وليس بعارض، ولو قال لفظا موضع أصلا لكان أبين.
__________
(1) سورة الحاقة، آية: 16.
(2) سورة الطلاق، آية: 4.
(3) سورة ق، آية: 48.
(4) سورة الحجرات، آية: 11.(2/86)
وشيخنا أبو الحسن زاد فى شرحه بآخره أن أصلا منصوب على المصدر كقولك: ما فعلته أصلا. قال: وأو بمعنى بل، أو بمعنى الواو فكأنه جعل المجموع علة واحدة، والظاهر خلافه.
ثم الصواب أن يقال لا مدخل لهذه الكلمة فى هذا الباب بنفى ولا إثبات، فإن الياء كما زعم الناظم ساكنة، وباب الإدغام الكبير مختص بإدغام المتحرك، وإنما موضع ذكر هذه قوله: وما أوّل المثلين فيه مسكن فلا بد من إدغامه، وعند ذلك يجب إدغامه لسكون الأوّل وقبله حرف مد، فالتقاء الساكنين فيه على حدهما.
على أنى أقول (1) سبب الإظهار عدم التقاء المثلين بسبب أن أبا عمرو رحمه الله كان يقرأ هذه الكلمة بتليين الهمزة بين بين، وعبروا عنه بياء مختلسة الكسرة والهمزة المسهلة كالمحققة. قال أبو بكر بن مهران: ولا تدغم «واللائى يئسن» لأنها ليست بياء خالصة فيدغمها فى مثلها، إنّما هى همزة ملينة، ولو كانت ياء خالصة لأدغم.
قلت: ومن عبر من الرواة عن قراءة أبى عمرو بإسكان الياء خفى عنه أمر التسهيل فلم يضبطه، والله أعلم.
وقد نظمت هذا التعليل الصحيح فقلت:
وقبل يئسن الياء فى اللاء همزة ... ملينة حقا فأظهر مسهلا
باب إدغام الحرفين المتقاربين فى كلمة وفى كلمتين
هذا أيضا من جملة الإدغام الكبير، فإنه على ضربين: إدغام المثلين وإدغام المتقاربين كل واحد منهما فى كلمة وفى كلمتين، فإدغام المثلين مضى فى الباب السابق فلا يحتاج فيه إلى أكثر من أن تسكن الحرف وتدغمه فى مثله، وهذا الباب مقصور على إدغام حرف فى حرف يقاربه فى المخرج، ويحتاج فيه مع تسكينه إلى قلبه إلى لفظ الحرف المدغم فيه، فترفع لسانك بلفظ الثانى منهما مشددا ولا تبقى للأوّل أثرا، إلا أن يكون حرف إطباق أو ذا غنة فتبقى أثر الإطباق والغنة على تفصيل فى ذلك معروف والمتقاربان كالمثلين تقريبا فساغ الإدغام فيهما وليس ذلك فى كل متقاربين، فقد تعرض موانع من الإدغام ومقتضيات الإدغام أبعد منهما، فاعتمد على ما يذكره.
132 [وإن كلمة حرفان فيها تقاربا ... فإدغامه للقاف فى الكاف مجتلا]
كلمة فاعل فعل مضمر: أى وإن وجدت كلمة وكان ينبغى أن يكون بعدها ما يفسر هذا المضمر كقوله تعالى:
{(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ} [2]).
فالوجه أن يقول: وإن كلمة وجد فيها حرفان تقاربا، فيكون حرفان فاعل فعل مضمر. أو نقول: حرفان مبتدأ وتقاربا خبره، ولك أن تجعل حرفان بدلا من كلمة، بدل بعض من كل فيكون تقاربا نعت حرفان، وهو تفسير للمضمر المقدر: أى وإن تقارب حرفان فى كلمة، والهاء فى فإدغامه تعود على أبى عمرو وهو مبتدأ
__________
(1) فيه نظر، لأن كلام الناظم مفرع على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة ليدخل فى المثلين لا على وجه تسهيلها بين بين. وحينئذ فلا حاجة إلى تغيير البيت بما قاله اهـ ضياع.
(2) سورة التوبة، آية: 6.(2/87)
ومجتلى خبره: أى إدغام أبى عمرو للقاف فى الكاف مكشوف منظور إليه: أى أنه مشهور ظاهر، ويجوز أن يكون الخبر قوله: للقاف فى الكاف، كما تقول: إكرامى لزيد: أى أخصه بذلك دون غيره فكذا هاهنا: أى إدغام أبى عمرو فى الحرفين المتقاربين فى كلمة كائن للقاف فى الكاف لا غير، ومجتلى على هذا فى موضع نصب على الحال.
ومعنى البيت أنه لم يدغم من كل حرفين متقاربين التقيا فى كلمة واحدة سوى القاف فى الكاف بشرطين يأتى ذكرهما فى البيت الآتى، فنحو: متجاورات، ويتدبرون، والمتطهرين، ويتذكرون، والمتصدقين لا يدغمه وإن كانت التاء تدغم فى الجيم والدال والطاء والذال والصاد على ما سيأتى فى هذا الباب وغيره. ثم ذكر الشرطين فقال:
133 [وهذا إذا ما قبله متحرّك ... مبين وبعد الكاف ميم تخلّلا]
ما زائدة مثلها فى قوله تعالى:
{(وَإِذََا مََا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} [1]).
أى وهذا الإدغام كائن إذا استقر قبل القاف حرف متحرك ووقع بعد الكاف ميم، وإنما اشترطا ليكونا على منهاج ما أدغم من المثلين فى كلمة وهو {(مَنََاسِكَكُمْ} و {مََا سَلَكَكُمْ)} وقوله {(مُبِينٌ)} أى بين، ولم يحترز به من شيء وإنما هو صفة مؤكدة. ومعنى تخلل من قولهم: تخلل المطر إذا خص ولم يكن عاما: أى تخلل أبو عمرو بإدغامه ذلك ولم يعم جميع ما التقت فيه القاف بالكاف. وقيل الضمير فى تخلل للميم، من تخللت القوم: إذا دخلت بين خللهم وخلالهم: أى تخلل الميم الحروف التى قبله وبعده، والله أعلم.
134 [كيرزقكّم واثقكّمو وخلقكّمو ... وميثاقكم أظهر ونرزقك انجلا]
مثل فى النصف الأوّل من البيت ما وجد فيه الشرطان من التحريك والميم فأتى بثلاثة أمثلة، فالكلمة الأولى يمكن أن تقرأ فى البيت مدغمة وغير مدغمة: وما بعدها لا يتزن الشعر إلا بقراءتهما مدغمتين، ويلزم الإدغام فى الثلاثة صلة الميم بواو، ثم قال: وميثاقكم أظهر لأجل فقد أحد الشرطين: وهو تحريك ما قبل القاف، ونرزقك أيضا أظهره لفقد الشرط الثانى، وهو عدم وجود الميم فى آخره، ومعنى انجلى: انكشف، أى ظهر الأمر بتمثيل المدغم وغير المدغم، وميثاقكم فى البيت بفتح القاف لأنه مفعول أظهر، وقد جاء فى القرآن منصوبا فى البقرة، ومرفوعا فى الحديد على قراءة أبى عمرو، فلم يمكن أن تجعله حكاية إذ يعم المحكى فى الموضعين، وقد روى إدغام ما قبله ساكن، وروى ترك الإدغام فى المتحرك أيضا وأما قوله فى سورة المرسلات {(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ)}
فمجمع على إدغامه.
135 [وإدغام ذى التّحريم طلّقكنّ قل ... أحقّ وبالتّأنيث والجمع أثقلا]
أى وقل إدغام طلقكن أحق مما تقدم ذكره من يرزقكم ونحوه: أى أولى بالإدغام منه لأن الإدغام أريد به التخفيف، وكلما كانت الكلمة أثقل كان أشد مناسبة للإدغام مما هو دونها فى الثقل، وقد وجد فيه أحد الشرطين
__________
(1) سورة التوبة، آية: 122.(2/88)
وهو تحريك ما قبل القاف وفقد الشرط الثانى وهو الميم، ولكن قام مقامها ما هو أثقل منها وهو النون، لأنها متحركة ومشددة ودالة على التأنيث والميم ساكنة خفيفة دالة على التذكير، فهذا وجه الأحقية بذلك، والناظم جعله قد ثقل بالتأنيث والجمع. أما التأنيث فهو ما أشرنا إليه وهو أحد أسباب الترجيح الثلاثة، وأما الجمع فمشترك فإن الميم أيضا دالة على الجمع فإن أردت نظم المرجحات الثلاثة فقل.
وطلقكن ادغم أحق فنونه ... محركة جمع المؤنث ثقلا
أى هو أحق: يعنى الإدغام، ومحركة وما بعدها أخبار لقوله فنونه، والنون تؤنث وتذكر فلهذا أنث محركة وذكر ثقلا. وكان ابن مجاهد وعامة أصحابه يظهرونه لما يلزم فى الإدغام من توالى ثلاثة أحرف مشدّدة اللام والكاف والنون.
واختلف الرواة عن أبى عمرو فى إدغامه. واختلف المشايخ فى الاختيار من ذلك، فمنهم من أظهره للاستثقال المذكور، ومنهم من أدغمه وقال هو أحق لما تقدم ذكره، وقول الناظم ذى التحريم: أى صاحب التحريم:
أى الحرف الذى فى سورة التحريم، وقوله {(طَلَّقَكُنَّ)} بيان له.
136 [ومهما يكونا كلمتين فمدغم ... أوائل كلم البيت بعد على الولا]
أى ومهما يكن المتقاربان ذوى كلمتين: أى إذا التقيا فى كلمتين على حد التقاء المثلين فيما تقدم، فأبو عمرو مدغم من ذلك الحروف التى هى أوائل كلم البيت الآتى عقيب هذا البيت، فهذا معنى قوله: بعد على الولا أى بعد هذا البيت وهو الذى يليه، والولاء: المتابعة وهو ممدود وقف عليه وأبدل همزه فانقصر، وأراد خذ كلم هذا البيت الآتى على الولاء: أى استوعبها يتلو بعضها بعضا، والكلم جمع كلمة كلاهما بفتح الكاف فكسر اللام ويجوز فيهما إسكان اللام ونقل حركتها إلى الكاف فتكسر، فعلى هذا استعملهما فى هذا البيت وغيره، والكلمة فى عرف القراء الحروف المتصلة ما لم يحسن قطع شيء منها مما قبلها فنحو (خلقكم، وطلقكن) كلمة، وهى كلمات عند أهل النحو، وبما ومنه كل واحدة عندهم كلمتان، وهى فى العرف كلمة.
والغرض من هذا أن تعلم أن كلمات البيت الآتى التى تأخذ حروفها الأوائل ست عشرة كلمة، فخذ منها ستة عشر حرفا، ثم ذكرها فقال:
137 [(ش) فا (ل) م (ت) ضق (ن) فسا (ب) ها (ر) م (د) وا (ض) ن
(ث) وى (ك) ان (ذ) ا (ح) سن (س) أى (م) نه (ق) د (ج) لا]
اعلم (1) أنه أتى فى مثل هذا البيت الذى يذكر فيه كلما لأجل حروف أوائلها تضمنها معانى قصدها من غزل ومواعظ لئلا يبقى كلاما منتظما صورة لا معنى تحته وقد ضمن هذا البيت التغزل بامرأة من نساء الآخرة وسماها شفا، وقد سمت العرب بذلك النساء وكثر فى أمهات القرشيين، وهو ممدود وقصره ضرورة، ولم ينوّنه لأنه جعله علما على مؤنث، وقوله «لم تضق نفسا» أى أنها حسنة الخلق، ونصب نفسا على التمييز، ورم: أى اطلب بها: أى بوصلها وقربها دواء ضن، وقصر دواء ضرورة: أى دواء رجل ضن على أنه اسم منقوص ولو قال
__________
(1) (قوله اعلم الخ) كذا بالنسخ التى بأيدينا، ولعل الصواب أن مثل هذا البيت يذكر فيه الخ فيكون يذكر خبر أن اهـ ضباع.(2/89)
ضنا بالفتح على أنه مقصور لكان معناه أيضا حسنا، والضنا بالقصر: المرض، يقال منه ضنى بالكسر ضنا شديدا فهو رجل ضنا وضن مثل حرا وحر قاله الجوهرى، ومعنى ثوى أقام وسأى على وزن رأى مقلوب ساء على وزن جاء وهو بمعناه، ومثله نأى وناء: أى ساءت حال من أجل الضنا، أو كانت مساءته ناشئة من الضنا، وقوله قد جلا: أى كشف الضنا أمره، فالضمير فى ثوى ومنه وجلا للضنا الدال عليه لفظ ضن، وفى كان وسأى لضن، وهذه جمل أتى بها من غير حرف عطف استئنافا لا أخبارا بعد أخبار كقوله تعالى:
{(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيََاتِ} [1] {الرَّحْمََنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسََانَ عَلَّمَهُ الْبَيََانَ} [2]).
وقيل المعنى سأى من يرى ذلك منه أو ساءه الضنا على أن من زائدة، وسيذكر كل حرف من هذه الستة عشر فيما ذا يدغم، ولكن لم يلتزم ترتيب ما فى هذا البيت بل أتى به على ترتيب صاحب التيسير، ولم يمكنه جمع الحروف على ذلك الترتيب فى بيت له معنى مستقيم، فخالف الترتيب فى جميع حروفها ثم شرط فى إدغام هذه الحروف الستة عشر أن تكون سالمة من أربعة أوصاف فقال:
138 [إذا لم ينوّن أو يكن تا مخاطب ... وما ليس مجزوما ولا متثقّلا]
أى إذا لم يكن الحرف المدغم موصوفا بإحدى هذه الصفات الأربع فالمنوّن وتاء المخاطب والمثقل مضى الكلام عليها فى باب المثلين، وإذا امتنع إدغام ذلك هناك فهنا أولى. فمثال المنوّن.
{(فِي ظُلُمََاتٍ ثَلََاثٍ} [3] {شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ} [4] {رَجُلٌ رَشِيدٌ} [5] {نَذِيرٌ لَكُمْ} [6]) ومئال الخطاب:
{(كُنْتَ ثََاوِياً} [7] {فَلَبِثْتَ سِنِينَ} [8] {دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} [9] {خَلَقْتَ طِيناً} [10]) ومثال المثقل {(أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [11] {لِلْحَقِّ كََارِهُونَ} [12] {لََا يَضِلُّ رَبِّي} [13] {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} [14]).
ولم يقع فى القرآن تاء متكلم عند مقارب لها، فلهذا لم يذكرها فى المستثنى.
وأما المجزوم فنحو: {(لَمْ يُؤْتَ سَعَةً} [15]).
لم يدغم بلا خلاف وإن كان المجزوم فى باب المثلين فيه وجهان، لأن اجتماع المثلين أثقل من اجتماع المتقاربين، وسيأتى خلاف فى قوله تعالى:
{(وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ} [16] {وَآتِ ذَا الْقُرْبى ََ} [17]).
لأن الطاء والدال أقرب إلى التاء من السين، ويأتى خلاف فى:
__________
(1) سورة الرعد، آية: 2.
(2) آية: 41.
(3) سورة الزمر، آية: 6.
(4) سورة الحشر، آية: 14.
(5) سورة هود، آية: 78.
(6) سورة سبأ، آية: 46.
(7) سورة القصص، آية: 45.
(8) سورة طه، آية: 40.
(9) سورة الكهف، آية: 39.
(10) سورة الإسراء، آية: 63.
(11) سورة البقرة، آية: 200.
(12) سورة المؤمنون، آية: 70.
(13) سورة طه، آية: 52.
(14) سورة الأعراف، آية: 134.
(15) سورة البقرة، آية: 247.
(16) سورة النساء، آية: 102.
(17) سورة الإسراء، آية: 26.(2/90)
{(جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا} [1]).
ولم يذكر الناظم تمثيلا لما استثنى من المتقاربين كما ذكر فى المثلين، وكان ذكر المتقاربين أولى لعسر أمثلته وقد نظمت فيه بيتا فقلت:
نذير لكم مثل به كنت ثاويا ... ولم (2) يؤت قبل السين هم بها انجلا
أراد يؤت سعة من المال ولم يمكن نظمه لكثرة حركاته فقال قبل السين.
139 [فزحزح عن النّار الّذى حاه مدغم ... وفى الكاف قاف وهو فى القاف أدخلا]
شرع من هنا يبين المواضع التى أدغمت فيها تلك الحروف الستة عشر فبدأ بالحاء: أى أدغمت فى العين فى قوله تعالى:
{(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [3]).
فقط لطول الكلمة وتكرر الحاء فيها، وهذا هو المشهور ورواية الجمهور، وروى ترك إدغامه، وروى إدغامها فى العين حيث التقيا مطلقا نحو:
{(ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [4] و {الْمَسِيحُ عِيسَى} [5] {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا} [6]).
وقوله: فزحزح عن النار بالفاء، أراد فمنها: أى من الكلمات المدغمات زحزح: الذى أدغم حاؤه وقصر الحاء ضرورة، ثم ذكر أن القاف والكاف يدغم كل واحد منهما فى الآخر بشرط أن يتحرك ما قبل كل واحد منهما. وقد بين ذلك فى البيت الآتى، ولم يذكر فى الكلمة الواحدة إلا إدغام القاف فى الكاف فقط لأن عكسه لم يوجد فى القرآن، ثم مثل ذلك فقال:
140 [خلق كلّ شيء لك قصورا وأظهرا ... إذا سكن الحرف الّذى قبل أقبلا]
نطق بالحرفين مدغمين فى هذين المثالين، ثم قال وأظهرا، يعنى القاف والكاف إذا سكن الحرف الذى قبلهما نحو:
{(وَفَوْقَ كُلِّ} [7] {وَتَرَكُوكَ قََائِماً} [8]).
ويقال أقبلته الشيء: إذا جعلته يلى قبالته يقال: أقبلنا الرماح نحو القوم، وأقبلنا الإبل أفواه الوادى فهذه ثلاثة أحرف من الستة عشر، الحاء والقاف والكاف، ثم ذكر الجيم فقال:
141 [وفى ذى المعارج تعرج الجيم مدغم ... ومن قبل أخرج شطأه قد تثقّلا]
أى أدغم حرف الجيم فى حرفين: التاء فى:
__________
(1) سورة مريم، آية: 27.
(2) لو قال. وقبل سعة لم يؤت هم بها انجلا، لكان أوضح اهـ من هامش الأصل.
(3) سورة آل عمران، آية: 185.
(4) سورة المائدة، آية: 3.
(5) سورة النساء، آية: 17.
(6) سورة البقرة، آية: 229.
(7) سورة يوسف، آية: 76.
(8) سورة الجمعة، آية: 11.(2/91)
{(ذِي الْمَعََارِجِ تَعْرُجُ} [1]) والشين فى {(أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [2]).
وهو قبل ذى المعارج فى تأليف القرآن وليس لهما نظير، وحكى الإظهار فيهما، وقوله قد تثقلا: أى أدغم ثم ذكر الشين والضاد فقال:
142 [وعند سبيلا شين ذى العرش مدغم ... وضاد لبعض شأنهم مدغما تلا]
أراد قوله تعالى فى سبحان:
{(إِلى ََ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [3]).
ولا يجوز عند النحويين إدغام الشين والضاد إلا فى مثلهما ولم يلتق منهما مثلان فى القرآن، ويجوز فى قوله وضاد الرفع على الابتداء وتلا خبره: أى تبع ما قبله فى حال كونه مدغما، ويجوز نصبه على أنه مفعول تلا، وفاعله ضمير يعود على أبى عمرو: أى تلاه أبو عمرو: أى قرأه مدغما.
143 [وفى زوّجت سين النّفوس ومدغم ... له الرّأس شيبا باختلاف توصّلا]
أى وأدغمت سين النفوس فى زاى زوّجت من قوله تعالى:
{(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [4]) وموضع قوله {(الرَّأْسُ شَيْباً} [5]).
رفع بالابتداء، وقوله ومدغم له خبر مقدم عليه والضمير فى له لأبى عمرو، ويقال توصل إليه: أى تلطف فى الوصول إليه: أى وصل الخلاف إلى هذا الحرف، ففي هذا البيت إدغام السين فى حرفين، ثم قال:
144 [وللدّال كلم (ت) رب (س) هل (ذ) كا (ش) ذا
(ض) فا (ث) مّ (ز) هد (ص) دقه (ظ) اهر (ج) لا]
أى وللدال كلم تدغم عندها وهى ما وافق أوائلها أوائل هذه الكلمات العشر فى هذا البيت من قوله: ترب سهل إلى قوله جلا.
وضمن فى هذا البيت الثناء على أبى محمد سهل بن عبد الله التسترى أحد أولياء الله المشهورين. قال القشيرى فى رسالته: هو أحد أئمة القوم، ولم يكن له فى وقته نظير فى المعاملات والورع، وكان صاحب كرامات.
لقى ذا النون المصرى بمكة سنة حج، توفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقيل ثلاث وسبعين، والتراب: التراب وذكا من قولهم ذكت النار تذكو ذكا مقصور: أى اشتعلت: والشذا: حدة الرائحة: أى فاحت رائحة ترابه يشير بذلك إلى الثناء عليه وما ظهر من كرامته وأعماله الصالحة، وشذا منصوب على التمييز: أى ذكا شذاه، وصفا: طال يشير إلى كثرة ذلك، وثم بفتح الثاء بمعنى هناك: أى دفن فى ذلك التراب زهد ظاهر الصدق لم
__________
(1) سورة المعارج، آية: 3.
(2) سورة الفتح، آية: 29.
(3) سورة الإسراء آية: 42.
(4) سورة التكوير، آية: 7.
(5) سورة مريم، آية: 4.(2/92)
يكن عن رياء ولا تصنع، وجلا: بمعنى كشف، اى او صح الزهد أمر سهل رحمة الله عليه وأبان أنه من خيار عباد الله.
وقال الشيخ: أراد جلاء بالمد، وهو منصوب على التمييز: أى صدق ذلك الزهد ظاهر: أى بين مكشوف جلاء مثال إدغام الدال فى الحروف العشرة.
{(فِي الْمَسََاجِدِ تِلْكَ} [1] {عَدَدَ سِنِينَ} [2] {وَالْقَلََائِدَ ذََلِكَ} [3] {وَشَهِدَ شََاهِدٌ} [4] {مِنْ بَعْدِ ضَرََّاءَ} [5]
{يُرِيدُ ثَوََابَ} [6] {تُرِيدُ زِينَةَ} [7] {نَفْقِدُ صُوََاعَ} [8] {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} [9] {دََاوُدُ جََالُوتَ} [10]) وفى:
{(دََارُ الْخُلْدِ جَزََاءً} [11]) خلاف (12).
ثم ذكر حكم الدال بعد الساكن فقال.
145 [ولم تدغم مفتوحة بعد ساكن ... بحرف بغير التّاء فاعلمه واعملا]
تدغم وتدغم لغتان بفتح الدال المشدّدة وإسكانها: أى إذا انفتحت الدال وقبلها ساكن لم تدغم فى غير التاء، فالباء فى بحرف وفى بغير التاء بمعنى «فى» وبغير التاء بدل من قوله بحرف على إعادة العامل والألف فى واعملا بدل من نون التأكيد. فمثال الدال المفتوحة مع غير التاء:
{(لِدََاوُدَ سُلَيْمََانَ} [13] {بَعْدَ ذََلِكَ زَنِيمٍ} [14] {آلَ دََاوُدَ شُكْراً} [15] {وَآتَيْنََا دََاوُدَ زَبُوراً} [16]
{بَعْدَ ضَرََّاءَ مَسَّتْهُ} [17] {بَعْدِ ظُلْمِهِ} [18] {بَعْدَ ثُبُوتِهََا} [19]).
فهذا كله لا يدغم. ومثالها مع التاء:
(كاد تزيغ (20) {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} [21]).
ولا ثالث لهما، فهذان يدغمان، لأن التاء من مخرج الدال فكأنهما مثلان، فإن كسرت الدال أو ضمت بعد ساكن أدغمت نحو:
{(مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ} [22] {وَقَتَلَ دََاوُدُ جََالُوتَ} [23]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 17.
(2) سورة المؤمنون، آية: 112.
(3) سورة المائدة، آية: 2.
(4) سورة الأحقاف، آية: 10.
(5) سورة فصلت، آية: 50.
(6) سورة النساء، آية: 134.
(7) سورة الكهف، آية: 28.
(8) سورة يوسف، آية: 72.
(9) سورة المائدة، آية: 29.
(10) سورة البقرة، آية: 251.
(11) سورة فصلت، آية: 28.
(12) والصحيح أن هذا الخلاف دائر بين الإدغام المحض الذى هو مذهب المتقدمين والإخفاء الذى ذهب إليه أكثر المتأخرين اهـ ضباع.
(13) سورة ص، آية: 30.
(14) سورة القلم، آية: 11.
(15) سورة سبأ، آية: 12.
(16) سورة النساء، آية: 163.
(17) سورة هود، آية: 10.
(18) سورة الشورى، آية: 41.
(19) سورة النحل، آية: 94.
(20) سورة التوبة، آية: 117.
(21) سورة النحل، آية: 94.
(22) سورة التوبة، آية: 127.
(23) سورة البقرة، آية: 251.(2/93)
146 [وفى عشرها والطّاء تدغم تاؤها ... وفى أحرف وجهان عنه تهلّلا]
أى والتاء تدغم فى حروف الدال العشرة وفى الطاء، إلا أن من جملة حروف الدال العشرة التاء فيكون إدغام التاء فيها من باب المثلين، وإنما لم يستثنها لحصول الغرض مع الاختصار من غير إلباس، فإذا أسقطت التاء من العدد عددت الطاء عوضها فيكمل للتاء أيضا عشرة أحرف، ولم يلق الدال طاء فى القرآن، فلهذا لم يذكر الطاء فى حروفها، وكذا لم يلق التاء دالا فى القرآن إلا والتاء ساكنة نحو:
{(أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمََا} [1]).
وذلك واجب الإدغام كما سيأتى، فلهذا أيضا لم يذكر الدال فى حروف التاء، والهاء فى عشرها للدال، وفى تائها يجوز أن يكون للدال، ويجوز أن يكون للعشر، وأن يكون للحروف السابقة الستة عشر.
وفى شرح الشيخ: لك أن تعيد الضمير فى عشرها على الأحرف السابقة التى للدال وهو مشكل فإنه من إضافة الشيء إلى نفسه وذلك غير جائز، فمثال إدغام التاء فى الطاء:
{(الْمَلََائِكَةُ طَيِّبِينَ} [2]) ومع السين {(بِالسََّاعَةِ سَعِيراً} [3]) ومع الذال {(وَالذََّارِيََاتِ ذَرْواً} [4]) ومع الشين {(بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} [5]) ومع الضاد {(وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً} [6]) ولا ثانى له، ومع الثاء {(وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ} [7]) ومع الزاى {(إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} [8]) ومع الصاد {(وَالْمَلََائِكَةُ صَفًّا} [9]) ومع الظاء {(الْمَلََائِكَةُ ظََالِمِي} [10]).
فى النساء والنحل ليس غيره، ومع الجيم:
{(وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ جُنََاحٌ} [11]).
ولم يذكر فى التاء ما ذكره للدال من كونها لم تدغم مفتوحة بعد ساكن، لأن التاء لم تقع كذلك إلا وهى حرف خطاب، وهو قد علم استثناؤه نحو:
{(دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} [12] و {أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} [13]).
إلا فى مواضع وقعت فيها مفتوحة بعد ألف، فهى على قسمين: منها ما نقل فيها الخلاف، وهى الأربعة المذكورة فى البيت الآتى، وهى المشار إليها بقوله: وفى أحرف وجهان عنه تهللا، والألف فى «تهللا» ضمير الوجهين: أى استنارا وظهرا ونقلا عن أبى عمرو، ومنها موضع واحد لا خلاف فى إدغامه، وهو قوله:
__________
(1) سورة يونس، آية: 89.
(2) سورة النحل، آية: 32.
(3) سورة الفرقان، آية: 11.
(4) سورة الذاريات، آية 1.
(5) سورة النور، آية: 4.
(6) سورة العاديات، آية: 1.
(7) سورة آل عمران، آية: 79.
(8) سورة الزمر، آية: 73.
(9) سورة النبأ، آية: 38.
(10) سورة النساء، آية: 97.
(11) سورة الملك، آية: 93.
(12) سورة الكهف، آية: 39.
(13) سورة طه، آية: 36.(2/94)
{(وَأَقِمِ الصَّلََاةَ طَرَفَيِ النَّهََارِ} [1]).
لأن الطاء من مخرج التاء، فهو كاستثناء التاء مع الدال لأن الثلاثة من مخرج واحد، ولو اتفق أن وقعت الطاء بعد الدال المفتوحة بعد ساكن لكان هذا حكمها. وأما:
{(بَيَّتَ طََائِفَةٌ} [2]).
فأكثر المصنفين فى الإدغام لا يذكرونه فى الإدغام الكبير بل يذكرونه فى سورته. وسببه أن أبا عمرو كان يدغمه وإن لم يقرأ بالإدغام الكبير، وهو معنى قولهم إنه كان يدغمه فى الأحوال كلها. وبعضهم يقول فى الحالين:
أى سواء قرأ بالإدغام أو بالإظهار، فهذا الموضع لا بدّ من إدغامه عنده.
ثم اختلفوا هل هو من قبيل الإدغام الكبير أو الصغير، وهو مبنى على أن التاء فى قراءته مفتوحة أو ساكنة والظاهر أنها مفتوحة كقراءة الجماعة، فيكون من باب الإدغام الكبير، وقد بينا وجه الخلاف فى ذلك فى الشرح الكبير.
147 [فمع حمّلوا التّوراة ثمّ الزّكاة قل ... وقل آت ذا ال ولتأت طائفة علا]
أى قل هى الزكاة مع حملوا التوراة ولو قال الزكاة ثم قل آت لكان أولى لأنه أبين لموضع الإدغام وتخلص من تكرار قل، أراد قوله تعالى فى البقرة:
{(وَآتُوا الزَّكََاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} [3]).
وفى سورة الجمعة:
{(حُمِّلُوا التَّوْرََاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهََا} [4]).
وأراد بقوله آت ذل قوله تعالى:
{(وَآتِ ذَا الْقُرْبى ََ} [5]).
فى سورة سبحان، وفى سورة الروم:
{(فَآتِ ذَا الْقُرْبى ََ} [6]).
وبين الذال ولام التعريف من القربى ألفان: أحدهما ألف ذا والأخرى همزة الوصل فى القربى، وهى تسقط فى الدرج، وسقطت ألف ذا لأجل لام التعريف بعد اهـ لكونها ساكنة فلهذا كتبتها أنا ذل بإسقاط الألفين على صورة اللفظ، ويقع فى النسخ بالألفين على الأصل، وقطع لام التعريف مما دخلت عليه جائز فى الشعر كقوله:
دع ذا وقدم ذا وألحقنا بذل وقصد الناظم بذلك زيادة البيان وإلا فكان يمكنه أن يقول وقل آت ذا والهمزة فى {(وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ)} تبدل ألفا فى قراءة المدغم، فجاءت التاء فى هذه المواضع الأربعة بعد ألف فوجه الخلاف فى التوراة والزكاة كونها مفتوحة بعد ساكن فخفت فلم تدغم، ووجه الخلاف فى آت ولتأت ما تقدم فى:
__________
(1) سورة هود، آية: 114.
(2) سورة النساء، آية: 81.
(3) سورة البقرة، آية: 83.
(4) سورة الجمعة، آية: 5.
(5) سورة الإسراء، آية: 38.
(6) سورة الروم، آية: 75.(2/95)
{(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ} [1]).
لأنها كلها من المجزوم، ولا خلاف فى إظهار:
{(وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} [2]).
وهو مثلهما، وليس قوله «علا رمزا» لأن الباب كله لأبى عمرو وقد تقدم قوله وفى أحرف وجهان عنه:
148 [وفى جئت شيئا أظهروا لخطابه ... ونقصانه والكسر الإدغام سهّلا]
يريد قوله فى سورة مريم عليها السلام.
{(لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا} [3]).
بكسر التاء فهذا الذى اختلف فيه، فأما مفتوح التاء فلا خلاف فى إظهاره، وهو موضعان فى الكهف:
{(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [4] {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [5]).
لأن تاء الخطاب لم تدغم فى المثلين، ففي المتقاربين أولى أن لا تدغم، فعلل وجه الإظهار بالخطاب، يعنى بالخطاب الموجود فيه تاء الخطاب، وأما مجرد الخطاب فغير مانع من الإدغام، بدليل إدغام:
{(لَكَ كَيْداً} [6] و {إِنَّكِ كُنْتِ} [7]).
ونحوه، وعلل أيضا بالنقصان وهو حذف عين الفعل لسكون ما قبل تاء الخطاب، وهذا مطرد فى كل فعل معتل الوسط نحو: قمت، وبعت وسرت ووجه الإدغام ثقل الكسرة فى التاء وهى ضمير تأنيث، فهو الذى سهل الإدغام، بخلاف ما فى الكهف وبخلاف ثقل الضم فى:
{(كُنْتُ تُرََاباً} [8]):
149 [وفى خمسة وهى الأوائل ثاؤها ... وفى الصّاد ثمّ السّين ذال تدخّلا]
الهاء فى ثاؤها كما تقدم فى تاؤها تعود على الحروف السابقة، أو على الدال، أو على عشرها: أى أدغمت الثاء المثلثة فى خمسة أحرف، وهى الخمسة الأوائل من حروف الدال، يريد أوائل كلمات «ترب سهل ذكا شذا ضفا» مثال ذلك.
{(حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [9] {وَوَرِثَ سُلَيْمََانُ} [10] {وَالْحَرْثِ ذََلِكَ} [11] و {حَيْثُ شِئْتُمْ} [12] و {حَدِيثُ ضَيْفِ} [13]) وليس غيره.
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 85.
(2) سورة البقرة، آية: 247.
(3) آية: 27.
(4) آية: 71.
(5) آية: 74.
(6) سورة يوسف، آية: 5.
(7) سورة يوسف، آية: 29.
(8) سورة النبأ آية: 40.
(9) سورة الحجر، آية: 65.
(10) سورة النمل، آية: 16.
(11) سورة آل عمران، آية: 14.
(12) سورة البقرة، آية: 58.
(13) سورة الذاريات، آية: 24.(2/96)
ثم ذكر أن الذال المعجمة أدغمت فى السين والصاد المهملتين، وذلك فى:
{(فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} [1]).
فى الكهف فى موضعين، وفى الجن موضع:
{(مَا اتَّخَذَ صََاحِبَةً وَلََا وَلَداً} [2]).
والتدخل بمعنى الدخول، يقال: تدخل الشيء، إذا دخل قليلا قليلا، ومثله: تحصل من حصل، وتعلم من علم.
150 [وفى اللّام راء وهى فى الرّا وأظهرا ... إذا انفتحا بعد المسكّن منزلا]
أى إذا أدغمت اللام فى الراء والراء فى اللام ونحو:
{(كَمَثَلِ رِيحٍ} [3] {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [4]).
وفى إدغام الراء ضعف عند نحاة البصرة، وإذا انفتحا بعد مسكن أظهرا نحو:
{(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} [5] {إِنَّ الْأَبْرََارَ لَفِي} [6]).
ومنزلا حال من ضمير المسكن المقدر فيه، وأنت ضمير اللام فى قوله وهى. ثم ذكر ضمير اللام والراء معا فى قوله: وأظهرا إذا انفتحا جمعا بين اللغتين وقصر الراء ضرورة:
151 [سوى قال ثمّ النّون تدغم فيهما ... على إثر تحريك سوى نحن مسجلا]
يعنى سوى كلمة قال فإنها أدغمت فى كل راء بعدها وإن كانت اللام مفتوحة وقبلها حرف ساكن وهو الألف نحو:
{(قََالَ رَبِّي} [7] {قََالَ رَجُلََانِ} [8] {وَقََالَ رَبُّكُمُ} [9]).
لأن ذلك كثير الدور فى القرآن فخفف بالإدغام، بخلاف:
{(فَيَقُولَ رَبِّ} [10] {رَسُولَ رَبِّهِمْ} [11]) ونحوه.
ثم ذكر أن النون تدغم فيهما أى فى الراء واللام بشرط أن يتحرك ما قبلهما، وهو معنى قوله «على إثر تحريك» أى تكون النون بعد محرك مثل:
__________
(1) سورة الكهف، آية: 61.
(2) سورة الجن، آية: 3.
(3) سورة آل عمران، آية: 117.
(4) سورة هود، آية: 78.
(5) سورة الحاقة، آية: 10.
(6) سورة المطففين آية: 18.
(7) سورة الشعراء، آية: 188.
(8) سورة المائدة، آية: 23.
(9) سورة غافر، آية: 60.
(10) سورة المنافقون، آية: 10.
(11) سورة الحاقة، آية: 10.(2/97)
{(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} [1] {خَزََائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [2] {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} [3] {مِنْ بَعْدِ مََا تَبَيَّنَ لَهُمُ} [4]).
فإن وقع قبل النون ساكن لم تدغم مطلقا، سواء كان ذلك الساكن ألفا أو غيرها، وسواء كانت النون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو:
{(يَخََافُونَ رَبَّهُمْ} [5] {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [6] {أَنََّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ} [7]).
ولهذا قال «مسجلا» أى يشترط التحريك قبلها مطلقا فى جميع أحوال النون، وليس الأمر فيها كما سبق فى اللام والراء من أنه لم يستثن من ذلك إلا المفتوح بعد ساكن.
ثم قال الشيخ الشاطبى رحمه الله «سوى نحن» أى استثنى مما قبل النون فيه ساكن كلمة نحن، فأدغمت فى اللام بعدها حيث أتت نحو:
{(وَنَحْنُ لَهُ} [8] {وَمََا نَحْنُ لَكَ} [9]).
وهو عشرة مواضع «ومسجلا» حال من فاعل تدغم العائد على النون، أو هو نعت مصدر محذوف:
أى إدغاما مطلقا، ويجوز أن يكون حالا من نحن: أى فى جميع القرآن. والأول أولى، والله أعلم.
152 [وتسكن عنه الميم من قبل بائها ... على إثر تحريك فتخفى تنزّلا]
عنه: يعنى عن أبى عمرو، والهاء فى بائها تعود على الحروف السابقة أو على الميم، وتخفى عطف على تسكن غير أن تاء تخفى مفتوحة وتاء تسكن مضمومة وتنزلا تمييز، وقوله «على إثر تحريك» أى تكون الميم بعد محرك نحو:
{(آدَمَ بِالْحَقِّ} [10] {بِأَعْلَمَ بِالشََّاكِرِينَ} [11] {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [12] {حَكَمَ بَيْنَ الْعِبََادِ} [13].
والمصنفون فى التعبير عن هذا مختلفون، فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقى لكل واحد منهما غنة، كما يبقى الإطباق فى الحرف المطبق إذا أدغم ومنهم من يعبر عنه بالإخفاء لوجود الغنة وهى صفة لازمة للميم الساكنة، فلم يكن إدغاما محضا، فإن سكن ما قبل الميم أظهرت نحو:
{(إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ} [14] {الْيَوْمَ بِجََالُوتَ} [15] {وَأُولُوا الْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ} [16]) وقيل فى ذلك خلاف.
153 [وفى من يشاء با يعذّب حيثما ... أتى مدغم فادر الأصول لتأصلا]
أى وإدغام الباء من كلمة:
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 167.
(2) سورة الإسراء آية: 100.
(3) سورة الإسراء أيضا، آية: 90.
(4) سورة التوبة، آية: 113.
(5) سورة النحل، آية: 50.
(6) سورة إبراهيم، آية: 1.
(7) سورة البقرة، آية: 247.
(8) سورة البقرة، آية: 138.
(9) سورة الأعراف، آية: 132.
(10) سورة المائدة، آية: 27.
(11) سورة الأنعام، آية: 53.
(12) سورة العلق، آية: 4.
(13) سورة غافر، آية: 48.
(14) سورة البقرة، آية: 132.
(15) سورة البقرة أيضا، آية: 249.
(16) سورة التوبة، آية: 75.(2/98)
(يعذّب (1)) فى (من يشاء (1)) حيث أتى فى القرآن {(يُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [1]).
بضم الباء، وهو خمسة مواضع، سوى الذى فى البقرة فإنه ساكن الباء فى قراءة أبى عمرو، فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير، ولهذا وافقه عليه جماعة على ما سنذكره، فقوله «با» مبتدأ وقصره ضرورة ومدغم خبره، وما عدا كلمة يعذب لا يدغم باؤها فى الميم نحو (ضرب مثل):
{(سَنَكْتُبُ مََا قََالُوا} [4]).
لأنه اقترن بكلمة بعذب ما يجب إدغامه فى أصله وهو (يرحم من):
{(وَيَغْفِرُ لِمَنْ} [5]).
إما قبلها أو بعدها فطرد الإدغام فيه موافقة لما جاورها فهذا آخر ذكر إدغام الحروف الستة عشر، ولهذا ختم ذلك بقوله «فادر الأصول» أى قف على أصول الإدغام وحصلها لتأصلا: أى لتشرف، يقال رجل أصيل الرأى: أى محكم الرأى وقد أصل أصالة.
ثم لما فرغ من تفصيل الحروف المدغمة فى باب المتقاربين ذكر بعد ذلك ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربيا كل قاعدة فى بيت، فقال فى القاعدة الأولى:
154 [ولا يمنع الإدغام إذ هو عارض ... إمالة كالأبرار والنّار أثقلا]
أثقلا: أى ثقيلا وهو حال من الإدغام، يريد بالثقل التشديد الحاصل بالإدغام، ولم يرد أنه أثقل لفظا من الإظهار، لأنه ما أدغم إلا طلبا للخفة وإذ هو عارض، ظرف خرج مخرج التعليل. وقد سبق تحقيق القول فيه فى شرح قوله «إذ ما نسوه فيمحلا» وإمالة مفعول يمنع، وسقط التنوين منه لإضافته إلى كالأبرار، وهو مشكل فإنه ليس فى القرآن كالأبرار بالكاف، فالوجه أن يقال: هو مضاف إلى الكاف وحدها، وهى هنا اسم بمعنى مثل كقول الراجز:
يضحكن عن كالبرد المنهم
أى إمالة مثل الأبرار، ويجوز أن تكون الكاف ضمير المخاطب، والأبرار مفعول إمالة: أى إمالتك الأبرار، فهو مثل قوله «وإضجاعك التوراة» والناظم رحمه الله كان ضريرا فأملى هذا اللفظ فسبق إلى ذهن الكاتب السامع منه أنها كاف التشبيه فكتبها متصلة بالأبرار، والله أعلم: أى لا يمنع الإدغام فى حال ثقله إمالة الألف فى نحو:
{(وَتَوَفَّنََا مَعَ الْأَبْرََارِ رَبَّنََا} [6] {إِنَّ كِتََابَ الْأَبْرََارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [7]).
لزوال الكسر الموجب للإمالة بالإدغام، وعلة ذلك أن الإدغام عارض فكأن الكسرة موجودة، وهو كالوقف الذى تحذف الحركة فيه أيضا، فهى وإن حذفت مرادة منوية وهذه مسألة من مسائل الإمالة فبابها أليق
__________
(1) سورة المائدة، آية: 40.
(4) سورة آل عمران، آية: 181.
(5) سورة آل عمران، آية: 181.
(6) سورة آل عمران، آية: 193.
(7) سورة المطففين، آية: 18.(2/99)
من باب الإدغام. وقد ذكر فى باب الإمالة أن عروض الوقف لا يمنع الإمالة فالإدغام معه كذلك، وكان يغنيه عن البيتين هنا وثم أن يقول:
ولا يمنع الإدغام والوقف ساكنا ... إمالة ما للكسر فى الوصل ميلا
فيستغنى عن بيتين مفرقين فى بابين بهذا البيت الواحد فى باب الإمالة.
ثم ذكر القاعدة الثانية فقال:
155 [وأشمم ورم فى غير باء وميمها ... مع الباء أو ميم وكن متأمّلا]
يعنى بالإشمام والروم ما يأتى تحقيقه فى باب الوقف على أواخر الكلم: أى لك أن تشم وتروم فى جميع الحروف المدغمة فى المثلين والمتقاربين سوى أربع صور:
وهى أن يلتقى الباء مع مثلها نحو:
{(نُصِيبُ بِرَحْمَتِنََا} [1]) أو مع الميم نحو: {(يُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [2]).
أو يلتقى الميم مع مثلها نحو:
{(يَعْلَمُ مََا} [3]) أو مع الباء نحو: {(أَعْلَمُ بِمََا كََانُوا} [4]).
فهذا معنى قوله «مع الباء أو ميم» أى كل واحد من الباء والميم مع الباء أو ميم، والهاء فى ميمها تعود إلى الباء لأنها مصاحبتها ومن مخرجها، أو تعود على الحروف السابقة.
والإشمام يقع فى الحروف المضمومة والروم يدخل فى المضمومة والمكسورة ولا يقعان فى المفتوحة.
ويمتنع الإدغام الصحيح مع الروم دون الإشمام، فالروم هنا عبارة عن الإخفاء والنطق ببعض الحركة، فيكون مذهبا آخر غير الإدغام وغير الإظهار. وهذان المذهبان المحكيان عن أبى عمرو من الإشمام والروم فى الحروف المدغمة سيأتيان لجميع القراء فى مسألة:
{(لََا تَأْمَنََّا عَلى ََ يُوسُفَ} [5]).
ووجه دخولهما فى الحروف المدغمة وهما من أحكام الوقف أن الحرف المدغم يسكن للإدغام، فشابه إسكانه إسكانه للوقف، فجرت أحكام الوقف فيه. واستثناء هذه الصور الأربع. إنما يتجه بعض الاتجاه على مذهب الإشمام للعلة التى ذكرها صاحب التيسير وهو قوله لأن الإشارة تتعذر فى ذلك من أجل انطباق الشفتين: أى تتعسر، لأن الإشارة بالشفة، والباء والميم من حروف الشفة، والإشارة غير النطق بالحرف فيتعذر فعلهما معا فى الإدغام لأنه وصل، ولا يتعذران فى الوقف لأن الإشمام فيه هو ضم الشفتين بعد سكون الحرف فلا يقعان معا.
ومنهم من استثنى الفاء أيضا ومنهم من لم يستثن شيئا من ذلك أما الروم فلا يتعذر لأنه نطق ببعض حركة الحرف فهى تابعة لمخرجه، فكما ينطق بالباء والميم بكل حركتهما كذلك ينطق بهما بعض حركتهما. وأظن الناظم رحمه الله أشار إلى هذه الأشياء ونحوها بقوله «وكن متأملا» أى تأمل ما قد أطلقه المصنفون فى التعبير عن ذلك بفهمك
__________
(1) سورة يوسف، آية: 140.
(2) سورة العنكبوت، آية: 21.
(3) سورة الأنعام، آية: 60.
(4) سورة المائدة، آية: 61.
(5) سورة يوسف، آية: 11.(2/100)
وتدبره بعقلك وعلمك، ونزل كل شيء فى منزلته، ولا تزله عن مرتبته. وقد نقلت فى الشرح الكبير. من كلام المصنفين فى ذلك عبارات كثيرة مختلفة، ولله الحمد.
ثم ذكر القاعدة الثالثة فقال:
156 [وإدغام حرف قبله صحّ ساكن ... عسير وبالإخفاء طبّق مفصلا]
أى إدغام الحرف الذى قبله حرف صحيح ساكن عسير: أى يعسر النطق به وتعسر الدلالة على صحته لأنه يؤدى إلى الجمع بين الساكنين، لأن الحرف المدغم لا بدّ من تسكينه وقوله عسير خبر المبتدإ الذى هو إدغام حرف، وقوله قبله: صح ساكن جملة فى موضع الصفة لحرف.
واحترز بقوله صح ساكن عما قبله ساكن ليس بحرف صحيح بل هو حرف مد فإن الإدغام يصح معه نحو:
{(فِيهِ هُدىً} [1] {وَقََالَ لَهُمْ} [2]).
ويقول ربنا، وكذا إذا انفتح ما قبل الواو والياء نحو:
{(قَوْمُ مُوسى ََ} [3]).
كيف فعل فإن فى ذلك من المد ما يفصل بين الساكنين. وأما ما قبله ساكن صحيح فلا يتأتى إدغامه إلا بتحريك ما قبله وإن خفيت الحركة، فإن لم يحرك انحذف الحرف الذى تسكنه للإدغام وأنت تظن أنه مدغم، ودليل ذلك أن العرب إذا أدغمت نحو ذلك فى الكلمة الواحدة حركت الساكن نحو، استعد واستعف، ولذلك لما أجمع على إدغام الميم فى مثلها فى.
{(فَنِعِمََّا هِيَ} [4]).
كسرت العين وهى ساكنة فى غير هذا الموضع نحو:
{(نِعْمَ الْعَبْدُ} [5]).
فإذا ثبت أن ذلك ممتنع الإدغام لم يبق فيه إلا الإظهار أو الروم السابق ذكره، وهو النطق ببعض الحركة، ويعبر عنه بالاختلاس وبالإخفاء، فهذه العبارات كلها صحيحة والتعبير عنه بالإدغام تجوز. قال الجوهرى فى:
{(شَهْرُ رَمَضََانَ} [6]):
إنما هو بحركة مختلسة، ولا يجوز أن تكون الراء الأولى ساكنة لأن الهاء قبلها ساكنة فيؤدى إلى الجمع بين الساكنين فى الوصل من غير أن يكون قبلها حرف لين، وهذا غير موجود فى شيء من لغات العرب وكذا:
{(إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [7] و {أَمَّنْ لََا يَهِدِّي} [8] و {يَخِصِّمُونَ} [9]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 2.
(2) سورة البقرة أيضا، آية: 248.
(3) سورة الأعراف، آية: 148.
(4) سورة البقرة، آية: 271.
(5) سورة ص، آية: 30.
(6) سورة البقرة، آية: 185.
(7) سورة الحجر، آية: 9.
(8) سورة يونس، آية: 35.
(9) سورة يس، آية: 49.(2/101)
وأشباه ذلك قال: ولا معتبر بقول القراء إن هذا ونحوه مدغم لأنهم لا يحصلون هذا الباب، والضمير فى طبق للقارئ: أى إذا أخفاه القارئ أصاب، وإن رام إدغامه امتنع عليه. ويجوز أن يكون الضمير للتعبير وإن لم يجر له ذكر، لأنه مفهوم من سياق الكلام: أى العبارة عنه بالإخفاء هى العبارة الصحيحة أو طبق من عبر عنه بالإخفاء مفصلا. وقيل الضمير فى طبق للحرف وليس بشيء. ومعنى مفصلا: أصاب، وهو من قولهم: طبق السيف إذا أصاب المفصل، وكذا طبق الجزار المفصل، ويقال للرجل إذا أصاب الحجة أنه يطبق المفصل، ثم مثل ما قبله ساكن فقال:
157 [خذ العفو وأمر ثمّ من بعد ظلمه ... وفى المهد ثمّ الخلد والعلم فاشملا]
ذكر أمثلة من المثلين والمتقاربين، فذكر من المثلين:
{(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [1] {مِنَ الْعِلْمِ مََا لَكَ} [2]) ومن المتقاربين: {(مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} [3]
و {فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [4] و {دََارُ الْخُلْدِ جَزََاءً} [5]).
وقوله فاشملا أراد فاشملن ثم أبدل من النون الخفيفة المؤكدة ألفا، يقال شملهم الأمر: إذا عمهم بكسر الميم فى الماضى وفتحها فى المضارع. وفيه لغة أخرى، وهى فتحها فى الماضى وضمها فى المضارع: أى فاشمل الجميع من البابين بالحفظ والفهم: أى اجمعه، فالأمر من ذلك بفتح الميم على اللغة الفصيحة وبضمها على اللغة الأخرى.
وقال ابن دريد: شمل الرجل وانشمل: أسرع أى أسرع فى حفظ ذلك وفهمه وتعليمه ولا تتبطأ فى ذلك ولا تتخلف عنه، والله أعلم.
باب هاء الكناية
هذا الباب غير متعلق بسورة الفاتحة، بل هو وما بعده من الأبواب إلى آخر الأصول مما يتعلق بسورة البقرة فما بعدها، وقد تقدمت ترجمة سورة الفاتحة وذكر ما فيها من الحروف فرشا وأصولا، فكان القياس بعد الفراغ من الإدغام أن يقول سورة البقرة، ثم يبوب لما فيها من الأصول، ثم يذكر الفرش وكذا فعل صاحب التيسير.
فإن قلت: لم قدم حروف الفرش فى الفاتحة على الأصول وعكس ذلك فى البقرة.
قلت: لتقدم حروف الفرش فى نظم آياتها، وهو (مالك، والصراط، ثم عليهم) وقد سبق الاعتذار عن تأخر باب الإدغام عن ذلك.
وأما فى البقرة فأول ما تجد فيها من الحروف قوله تعالى:
{(فِيهِ هُدىً} [6]).
ويتعلق به أمران: أحدهما الإدغام وقد سبق. والثانى صلة هاء الكناية، فيتعين الابتداء ببابها، وبعده باب المد والقصر لأجل قوله تعالى:
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 199.
(2) سورة الرعد، آية: 37.
(3) سورة الشورى، آية: 41.
(4) سورة مريم، آية: 29.
(5) سورة فصلت، آية: 28.
(6) سورة البقرة، آية: 2.(2/102)
{(بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [1]).
وأبواب الهمزة لأجل قوله تعالى:
{(يُؤْمِنُونَ} و {أَأَنْذَرْتَهُمْ)}.
وباب نقل الحركة وترقيق الراء لقوله تعالى:
{(وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [2]).
وباب الإظهار والإدغام الصغير لقوله:
{(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ} {غِشََاوَةٌ وَلَهُمْ} [3]).
ولو كان وصل ذلك بباب الإدغام الكبير لكان حسنا. وقد فعل ذلك جماعة من المصنفين، وباب الإمالة لقوله:
{(هُدىً} و {عَلى ََ أَبْصََارِهِمْ غِشََاوَةٌ)} وباب اللامات لقوله: {(وَيُقِيمُونَ الصَّلََاةَ)}.
وأما باب الوقف على أواخر الكلم فظاهر، وكان حقه أن يتقدم على هذه الأبواب، لأنه محتاج إليه فى كلمات الفاتحة وغيرها، وأتبع ذلك بالوقف على مرسوم الخط اتباعا للوقف بالوقف. فقد اتضح أن المقتضى لذكر هذه الأبواب مقدم على كلمة:
{(وَمََا يَخْدَعُونَ} [4]).
وتلك أوّل كلمات الفرش، فلزم من ذلك ذكر تلك الأبواب قبلها، وألحق بها ياءات الإضافة والزوائد لأنها أيضا موجودة فى سورة البقرة وإن تقدم عليها بعض كلمات الفرش إلحاقا لأبواب الأصول بعضها ببعض.
ثم اعلم أن ما أضيف من هذه الأبواب إلى المصادر التى هى أفعال القراء فهو الجارى على حقيقة الكلام، نحو: باب الاستعاذة والبسملة والإدغام والمد والقصر، ونقل الحركة والوقف والإمالة، وما أضيف إلى محل هذه الأفعال فهو على حذف مضاف، نحو: باب هاء الكناية وباب الهمزتين والهمز المفرد: أى باب أحكام ذلك كما صرح بذلك فى أوّل باب أحكام النون الساكنة والتنوين، أو يقدر المحذوف فى كل باب بما يناسبه:
أى باب صلة الهاء وباب تسهيل الهمز ونحو ذلك. وهاء الكناية فى عرف القراء عبارة عن هاء الضمير التى يكنى بها عن الواحد المذكر الغائب وحقها الضم، إلا أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة فحينئذ تكسر، ويجوز الضم كما قرئ به فى:
{(لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [5] {وَمََا أَنْسََانِيهُ} [6] {عَلَيْهُ اللََّهَ} [7]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 4.
(2) نفس السورة، آية: 4.
(3) نفس السورة، آية: 7.
(4) نفس السورة، آية: 9.
(5) سورة طه، آية: 10.
(6) سورة الكهف، آية: 63.
(7) سورة الفتح، آية: 10.(2/103)
فى سورة الفتح. والخلاف بين القراء فى هاء الكناية فى صلتها بواو إن كانت مضمومة وبياء إن كانت مكسورة، وفى تحريكها بذلك من غير صلة ويسمى قصرا، وفى إسكانها فى مواضع مخصوصة، وسيأتى جميع ذلك إن شاء الله تعالى:
158 [ولم يصلوا ها مضمر قبل ساكن ... وما قبله التّحريك للكلّ وصّلا]
قصر لفظ ها ضرورة: أى هاء الضمير إذا لقيها ساكن لم توصل لجميع القراء، لأن الصلة تؤدى إلى الجمع بين ساكنين بل تبقى الهاء على حركتها ضمة كانت أو كسرة، ومثاله:
{(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ} [1] {وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ََ} [2]).
وكذا إذا كانت الصلة ألفا وذلك فى ضمير المؤنث المجمع على صلته بها مطلقا، فإن صلتها تحذف للساكن بعدها نحو:
{(مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ} [3] {فَأَجََاءَهَا الْمَخََاضُ} [4]).
فقوله ولم يصلوا ها مضمر عام يشمل ضمير المذكر والمؤنث وإن كان خلاف القراء واقعا فى المذكر فحسب، فأمكن حمل اللفظ فيه على عمومه.
ولا يرد على هذا الإطلاق إلا موضع واحد فى قراءة البزى فإنه يقرأ فى سورة عبس عنهو تلهى بالصلة وتشديد التاء بعدها، فقد وصل قبل ساكن فى قراءته، وأما قنبل فوصل قبل متحرك، وهذا كما أنه يصل ميم الجميع فى قوله تعالى:
{(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ} [5] {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [6]).
على رواية تشديد التاء بعدها.
ووجهه أن الجمع بين الساكنين فى مثل هذا جائز فصيح من حيث اللغة، لأن الأوّل حرف مدّ والثانى مدغم، فهو من باب (دابة، والضالين).
فإن قلت: فلم لا يوصل نحو:
{(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ} [7]) فهو كذلك.
قلت: لأن الإدغام فى الذين متأصل لازم بخلاف تلك المواضع، وقد سبق هذا الفرق فى ترك صلة ميم الجمع قبل الساكن.
ثم قال: وما قبله التحريك: أى والذى تحرك ما قبله من هاءات المضمر المذكر التى ليس بعدها ساكن، فكل القراء يصلها بواو إن كانت مضمومة، وبياء إن كانت مكسورة، والضمير فى وصل يرجع إلى ما لأنها بمعنى الذى، وشدد وصل للتكثير لكثرة المواضع نحو كسر وقطع، ومثال ذلك:
__________
(1) سورة النساء، آية: 83.
(2) سورة الليل، آية: 21.
(3) سورة البينة، آية: 8.
(4) سورة مريم، آية: 23.
(5) سورة آل عمران، آية: 143.
(6) سورة الواقعة، آية: 65.
(7) سورة النساء، آية: 83.(2/104)
{(أَمََاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [1] {وَخَتَمَ عَلى ََ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [2]).
ووجه أصل الصلة أن الهاء حرف خفى فقوى بالصلة بحرف من جنس حركته، إلا أن هذه الصلة تفعل فى الهاء التى تكون من نفس الكلمة نحو:
{(مََا نَفْقَهُ كَثِيراً} [3] {فَوََاكِهُ كَثِيرَةٌ} [4] ولمّا أن توجّه) لأن صلة مثل ذلك قد توهم تثنية وجمعا بخلاف هاء الضمير، ولأن هاء الضمير اسم على حرف واحد فناسب أن تقوى، وما أجروه مجرى هاء الضمير الهاء فى اسم الإشارة إلى المؤنث نحو:
{(هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ} [5])
فهى موصولة للكل لتحرك ما قبلها، وتحذف عند الساكن نحو.
{(هََذِهِ النََّارُ} [6]).
ثم إن الصلة تسقط فى الوقف كما ذكرنا فى صلة ميم الجمع إلا الألف فى ضمير المؤنث. وذلك لأن الصلة زيادة فى الآخر لتتميم وتكميل فشابهت التنوين، فحذفت كما تحذف مع الضم والكسر، وتثبت مع الفتح كما تبدل من التنوين ألفا فى الوصل.
159 [وما قبله التّسكين لابن كثيرهم ... وفيه مهابا معه حفص أخو ولا]
أى وصل ما قبله ساكن لابن كثيرهم وحده نحو: (فيه، وعليه، وإليه، ومنه، واجتباه، وعقلوه) فإن لقى الهاء ساكنا لم يصل على ما سبق تقريره، نحو:
{(إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [7] {فَأَرََاهُ الْآيَةَ} [8] {يَعْلَمْهُ اللََّهُ} [9]).
وقراءة الباقين بترك الصلة فى كل ما قبله ساكن، وعلم ذلك من الضد، لأن ضد الصلة تركها.
ووافق ابن كثير هشام على صلة (أرجئه) بواو على ما سنذكره، ووافقه حفص على صلة:
{(فِيهِ مُهََاناً} [10]).
فى سورة الفرقان بياء، فهذا معنى قوله: وفيه مهانا معه حفص: أى مع ابن كثير، والولاء بكسر الواو والمد: بمعنى المتابعة مصدر والاه ولاء مثل راماه رماء، وهذه اللفظة قد كثر ورودها فى قافية هذه القصيدة، وهذا معناها حيث جاءت، ولوقوفه عليها سقط همزها ومدها على ما سبق تقريره فى: أجذم العلا، فقوله:
وفيه مهانا مبتدأ وما بعده الخبر، والعائد إلى المبتدإ محذوف للعلم به: أى وهذه الكلمة حفص أخو متابعة لابن كثير فيها، فقوله حفص مبتدأ ثان وخبره أخو ولا: أى ذو متابعة لابن كثير فى مذهبه، لأن الموافقة كالمتابعة،
__________
(1) سورة عبس، آية: 21.
(2) سورة الجاثية، آية: 23.
(3) سورة هود، آية: 91.
(4) سورة المؤمنون، آية: 12.
(5) سورة هود، آية: 64.
(6) سورة الطور، آية: 19.
(7) سورة غافر، آية: 3.
(8) سورة النازعات، آية: 20.
(9) سورة البقرة، آية: 97.
(10) سورة الفرقان، آية: 69.(2/105)
أو هو صاحب متابعة السنة فى قراءته، وكل من أكثر من شيء ولازمه جاز أن يدعى أخاه كقوله:
* قل لابن قيس أخى الرّقيّات (1) * فإن قلت: هل يجوز أن تعود الهاء فى معه إلى لفظ {(فِيهِ مُهََاناً)} كما يقال زيد معه المال.
قلت: هو جائز من حيث اللفظ، ولكنه ممتنع من جهة أنه يوهم أن حفصا وحده يصله دون ابن كثير، وإن رجع الضمير فى معه إلى ابن كثير زال هذا الوهم. فمن قرأ بالصلة فعلى الأصل، والأكثر على ترك الصلة تخفيفا، وهشام وحفص جمعا بين اللغتين، وقيل قصدا بالصلة تطويل اللفظ تشنيعا على (ملإ فرعون ما أمروا به) وإسماعا للخلق ما أوعد به العاصى.
160 [وسكّن يؤدّه مع نولّه ونصله ... ونؤته منها (ف) اعتبر (ص) افيا (ح) لا]
شرع يذكر ما وقع فيه الخلاف بين القراء فى إسكان هاء الكناية منه، وهو عشرة ألفاظ جاءت فى خمسة عشر موضعا، وهى: (نوله، ونصله، ويأته، ويرضه، وألقه، ويتقه) فهذه ستة لم يكرر شيء منها (ويؤده، وأرجه، ويره) كل واحد جاء مرتين، فهى ستة أيضا، (ونؤته) فى ثلاثة مواضع، وعدها أبو بكر بن مجاهد ستة عشر موضعا، فزاد:
{(لَمْ يَرَهُ} [2]).
فى سورة البلد، وكلها هاءات كناية اتصلن بأفعال حذفت أواخرها للجزم بالشرط أو جوابه أو للأمر، ولم يذكرها صاحب التيسير إلا مفرقة فى أماكنها فى القرآن وكلها غير أرجئه كان واجب الصلة للكل لتحرك ما قبل الهاء، ولكن عرض فيه أمر آخر اقتضى جواز الإسكان فيه وجواز القصر على ما سيأتى، فصار فيها ثلاثة أوجه، وقد لفظ الناظم رحمه الله بالكلمات المذكورة فى هذا البيت على الوجوه الثلاثة، فسكن يؤده، ونوله ووصل نصله، وقصر:
{(نُؤْتِهِ مِنْهََا} [3]).
وهذا من عجيب ما اتفق: أى أن حمزة وأبا بكر عن عاصم وأبا عمرو سكنوا هاء الكناية فى هذه الكلمات الأربع من بين العشر المذكورة، وهى فى سبعة مواضع:
{(يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [4]) موضعان فى آل عمران {(نُوَلِّهِ مََا تَوَلََّى وَنُصْلِهِ} [5]) فى سورة النساء {(نُؤْتِهِ مِنْهََا)} موضع فى {(حم عسق} [6]) وموضعان فى آل عمران.
فإن قلت: من أين يعلم أنه أراد تكرير يؤده ونؤته وعادته فى مثل ذلك أن يقول معا أو جميعا أو حيث أتى أو نحو ذلك:
__________
(1) تمامه: ما أحسن العرف فى المصيبات. والعرف: بكسر العين الصبر اهـ من هامش الأصل.
(2) سورة البلد، آية: 7.
(3) سورة آل عمران، آية: 145.
(4) سورة آل عمران، آية: 175.
(5) سورة النساء، آية: 115.
(6) سورة الشورى، آية: 1.(2/106)
قلت: إطلاقه وعدم تقييده دل على ذلك، لأنه ليس بعضه أولى به من بعض، فإن ما يذكره فى أبواب الأصول لنسبته إلى المواضع كلها سواء، ولهذا قال (أرجئه) ولم يبين أنه فى سورتين، وإنما يحتاج إلى قوله معا وجميعا فى فرش الحروف، لئلا يظن أن ذلك مختص بما فى تلك السورة دون غيرها، هذا هو الغالب من أمره.
وقد جاء فى بعض المواضع مقيدا فى الأصول كقوله (تسؤ، ونشأ) ست وعشر (يشأ، ونبى) بأربع (وأرجى) معا (وأقرأ) ثلاثا، ولم يستوعب التقييد فى هذه المواضع المستثناة فقال بعد ذلك (ومؤصدة) ولم يقل معا فأطلق على الأصل وجاء الإطلاق فى الفرش فى مواضع مع عموم الحكم كالتوراة وكائن: على ما يأتى. وإسكان هاء الكناية لغة محكية سواء اتصلت بمجزوم أو غيره كقوله: وأنشده ابن مجاهد:
وأشرب الماء مائى نحوه عطش ... إلّا لأنّ عيونه سيل واديها
ولم يسكنها القراء إلا فى المجزوم كالكلمات المذكورة ووجه الإسكان تشبيه هاء الضمير بألفه وواوه ويائه فأسكنت، أو استثقلت صلتها فأسكنت كما فعل فى ميم الجميع، أو وصلت بنية الوقف، وهذه الوجوه الثلاثة نعم المجزوم وغيره.
وفى المجزوم وجهان آخران:
أحدهما أنها سكنت تنبيها على الحرف المحذوف قبلها للجزم.
والثانى أنها سكنت لحلولها محله، ونبه بقوله: صافيا حلا، على صحة هذه القراءة، وحسن وجهها فى العربية وإن كانت قد جاءت على خلاف المعهود فى هاءات الكناية من التحريك والصلة، وصافيا نعت المفعول المحذوف:
أى لفظا صافيا حلوا، أو يكون حالا من فاعل فاعتبر: أى اعتبر المذكور فى حال صفاء ذهنك وباطنك من النفرة منه وحلاوة عبارتك فى ذكر دليله، أو يكون حالا من مفعول فاعتبر المحذوف إن قدرته معرفة: أى فاعتبر المذكور فى حا، صفائه وحلاوته، فيعود المعنى إلى ما ذكرناه فى الوجه الأول، أو أراد فاعتبر نظما صافيا حلوا.
ووجهه ما ذكرناه من أنه لفظ فى هذا البيت بوجوه الاختلاف الثلاثة فى هذه الكلمات ونحوه، والله أعلم وأحكم.
161 [وعنهم وعن حفص فألقه ويتّقه ... (ح) مى (ص) فوة (ق) وم بخلف وأنهلا]
أى وعن من تقدم ذكرهم وعن حفص إسكان قوله تعالى:
{(فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} [1]).
فى سورة النمل. والتقدير: وسكن فألقه عنهم وعن حفص، فيكون عطفا على قوله: وسكن يؤده، وقد تقدم فى شرح الخطبة، أن ضمير من تقدم رمزه نازل منزلة المسمى بصريح لفظه لا منزلة الرمز، فلهذا جمع بين الضمير فى وعنهم وبين قوله وعن حفص فصار على إسكان فألقه عاصم بكماله وأبو عمرو وحمزة، وقوله ويتقه مبتدأ وليس عطفا على فألقه، والواو من نفس التلاوة، أراد قوله تعالى فى سورة النور:
__________
(1) سورة النمل، آية: 28.(2/107)
{(وَيَخْشَ اللََّهَ وَيَتَّقْهِ} [1]).
وخبر المبتدإ حمى صفوه إلى آخر البيت. وتقدير الكلام فيه: وإسكان ويتقه على حذف مضاف: أى أسكن هاءه أبو بكر وأبو عمرو وخلاد عن حمزة بخلاف عنه فنقص من الرمز المذكور فى البيت السابق راو، وهو خلف وزاد فى فألقه راو وهو حفص.
ومعنى حمى صفوه: أى صفو إسكانه قوم بخلف: أى حماه جماعة بحجج مختلفة وهى خمسة أوجه سبق ذكرها ومعنى أنهل سقاه النهل وهو الشرب الأوّل، وحسن استعارة النهل بعد ذكر الصفو، أشار بذلك إلى أنهم قاموا فى نصرة الإسكان بما انشرحت له الصدور، فهذا معنى ظاهر هذا الكلام، والمراد بباطنه رمز القراء، وقوله بخلف ليس رمزا، وكذلك كل ما جاء منه نحو بخلفه بخلفهما بخلفهم، لأن المراد منه أن القارئ المذكور قبلها اختلفت الرواية عنه، فكأنه من تتمة ذكره، وأفرد الضمير فى أنهل ردا على لفظ قوم. ويجوز أن يكون الضمير فيه ليتقه: أى روى هذا الحرف القوم الذين حموه لما استنبطوا من المعانى والفوائد، أو يعود على الصفو وهو أليق: أى حموه مما يكدره حفظا له بحاجتهم إليه فأنهلهم ورواهم، ثم بين قراءة حفص لهذه الكلمة فقال:
162 [وقل بسكون القاف والقصر حفصهم ... ويأته لدى طه بالإسكان (ي) جتلا]
أى قراءة حفصهم فحذف المضاف، يعنى أن حفصا يسكن القاف ويحرك الهاء بالكسر من غير صلة، وهذا معنى القصر، وهو ترك الصلة لأنها مد، وأسكن القاف لأنها صارت آخر الفعل بعد حذف الياء للجزم وقيل أجرى يتقه مجرى كتف فأسكن الوسط تخفيفا وأنشد:
فبات منتصبا وما تكردسا
فلما سكنت القاف ذهبت صلة الهاء، لأن أصل حفص أن لا يصل الهاء التى قبلها ساكن إلا فى قوله تعالى {فِيهِ مُهََاناً} وبقيت كسرة الهاء أمارة على عروض الإسكان فى القاف والأصل كسرها، ولولا هذا المعنى لوجب ضم الهاء لأن الساكن قبلها غير ياء، فهو مثل منه وعنه. وقيل كانت الهاء ساكنة فى قراءة حفص كما أسكنها فى فألقه، فلما أسكن القاف كسر الهاء لالتقاء الساكنين وهذا ضعيف، إذ لا مقتضى لإسكان القاف على تقدير سكون الهاء، ولأن كسر القاف وسكون الهاء أخف من العكس فلا معنى للعدول عنه:
وأما قوله: {(وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً} [2]).
فى سورة طه فلم يذكر الإسكان فيه إلا عن السوسى تبعا لصاحب التيسير، وذكره الأهوازى عن ابن عامر وعاصم وأبى عمرو وحمزة رحمهم الله تعالى. ومعنى يجتلا: ينظر إليه بارزا غير مستتر، من قولهم: اجتليت العروس، يشير إلى أن الإسكان محكى مسطور فى الكتب فلا ينفى لعدم ذكر بعض المصنفين له كابن الفحام فى تجريده وغيره. وقوله لدى طه: أى عندها وفى أثناء آياتها، وسمى سورة هذا الحرف زيادة فى البيان لا للتمييز إذ ليس غيره.
__________
(1) سورة النور، آية: 52.
(2) سورة طه، آية: 75.(2/108)
163 [وفى الكلّ فصر الهاء () ان (ل) انه ... يخلف وفى طه بوجهين (ب) جّلا]
يعنى بالكل جميع الألفاظ المجزومة من قوله: وسكن يؤده إلى يتقه، وقصر الهاء عبارة عن ترك الصلة، ويسمى أيضا الاختلاس. وقوله: بان لسانه رمز لقالون وهشام، ومعناه فى الظاهر اتضحت لغته وظهر نقله، لأن قصر الهاء لغة فصيحة سواء اتصلت بمجزوم أو غيره، أنشد الدانى للأعشى جمعا بين اللغتين القصر والصلة قوله:
وما له من مجد تليد وماله ... من الرّيح حظّ لا الجنوب ولا الصّباء
ووجه لغة القصر فى المجزوم النظر إلى الحرف المحذوف قبل الهاء للجزم لأن حذفه عارض، ولو كان موجودا لم توصل الهاء لوجود الساكن قبلها على ما تقرر، فهذا توجيه حسن لما جاءت القراءة به من القصر فى المجزوم، ولم تأت فى غيره لفقد هذه العلة فيه، وقوله بخلف: يعنى عن هشام لأنه الذى يليه، ولو كان الخلاف عنه وعن قالون لقال بخلفهما، ولو كان عن ثلاثة لقال بخلفهم، وكل هذا قد استعمله فى نظمه كما سيأتى.
والخلف الذى عن هشام وجهان:
أحدهما القصر وقد ذكره.
والثانى الصلة كسائر القراء، ولا يجوز أن يكون الإسكان، لأنه قد ذكر الإسكان عن الذين قرءوا به ولم يذكر هشاما معهم.
وأما حرف طه فوصله هشام كسائر القراء غير السوسى.
ولقالون وجهان: القصر والصلة، ولا يكون الإسكان لما ذكرنا. ووجه الصلة تحرك الحرف الذى قبل الهاء، ولا نظر إلى الحرف المحذوف. وقوله: بوجهين متعلق بمحذوف: أى يقرأ حرفه بوجهين بجلا: أى وقرا كلاهما يشير إلى أن القصر أفشا من الإسكان فى لغة العرب كما تقدم بيانه، ولأنه ضمير على حرف واحد صحيح: فكان محركا كالتاء والكاف. ووجه إسكانها تشبيهها بالألف والواو.
وفى ياء الإضافة وجهان: الفتح والإسكان وسيأتيان. ويجوز أن يكون التقدير: والحرف الذى فى طه بجل بوجهين.
164 [وإسكان يرضه (ي) منه (ل) بس (ط) يّب
بخلفهما والقصر (ف) اذكره (ن) ولا]
أراد قوله تعالى فى سورة الزمر:
{(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [1]).
أسكنه السوسى بلا خلاف وهشام والدورى عن أبى عمرو بخلفهما، وأخبر بظاهر لفظه عن الإسكان بأن يمنه لبس طيب، تقريرا له وإزالة للنفرة عنه. ويجوز فى قوله والقصر وجهان: الرفع على الابتداء وخبره ما بعده أو محذوف: أى والقصر كذلك يمنه لبس طيب. أو والقصر مقروء به، فهو قريب من قوله تعالى:
__________
(1) سورة الزمر، آية: 7.(2/109)
{(الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا} [1] {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [2]).
والنصب بفعل مضمر فسره ما بعده والفاء فى فاذكره زائدة كقوله:
* وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى (3) * والخلف الذى للدورى هو الإسكان والصلة، والذى لهشام الإسكان والقصر، وعلم ذلك من جهة أنه ذكر هشاما مع أصحاب القصر فى أوّل البيت الآتى ولم يذكر الدورى معهم، فكان مع المسكوت عنهم وهم أصحاب الصلة، ونوفلا حال» والنوفل: الكثير العطاء.
165 [(ل) هـ (ا) لرّحّب ولزّلزال خيرا يره بها
وشرّا يره حرفيه سكّن (ل) يسهلا]
الرحب: السعة أشار إلى شهرته وصحته: أى يجد المتصدى لنصرة القصر رحبا وسعة ومجالا من نقل ذلك لغة وقوّة تعليلية، فالذين قصروا يرضه حمزة وعاصم وهشام. بخلاف عنه، ونافع. ثم قال: والزلزال أى وسورة الزلزال يعنى:
{(إِذََا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزََالَهََا} [4]).
وهو مبتدأ وسكن خبره، والعائد إلى المبتدإ الضمير فى بها، وأنثه لأنه ضمير السورة:
{(خَيْراً يَرَهُ} [5]) و {(شَرًّا يَرَهُ} [5])
مفعول سكن، وحرفيه صفة لهما يفيد التأكيد.
وإنما أكثر من هذا البيان ولم يكتف بقوله يره كما نص على ألقه ويتقه ويؤده وغير ذلك حذرا من التى فى سورة البلد قوله:
{(لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [7])
فتلك لم يذكر فى التيسير فيها خلافا وذكره فى غيره، والهاء فى حرفيه تعود على لفظ الزلزال، ويجوز أن يكون بدلا من خيرا يره وشرا يره بدل البعض من الكل، ويعنى بحرفيه هاءى الكناية فى هذا اللفظ، وكأن الوجه على هذا أن يقول حرفيهما. وإنما وحد ردا على يره لأنه لفظ واحد تكرر، والألف فى ليسهلا للتثنية أى ليسهل الحرفان بالإسكان، ويجوز أن يكون خبر الزلزال قوله خيرا يره بها وشرا يره. ثم قال: سكن حرفى هذا اللفظ كما تقول الدار بها زيد وعمرو أكرمهما. وقيل أشار بقوله ليسهلا إلى ثقل الصلة هنا من جهة أن بعد كل هاء منهما واو فيلتقى واوان فى قوله، يرهو، ومن يعمل يرهو، والعاديات، لأن هذه الصلة إنما اعتبارها
__________
(1) سورة النور، آية: 8.
(2) سورة المائدة، آية 38.
(3) أوله لا تجزعي إن منفسا أهلكته اه.
(4) سورة الزلزلة، آية: 1.
(5) سورة الزلزال، آية: 7و 8.
(7) سورة البلد، آية: 7.(2/110)
فى الوصل، وأما الوقف فبالإسكان لا صلة فيه لجميع القراء فى جميع الهاءات، وقد تقدم ذكره.
فإن قلت: هذه المواضع التى نص لبعض القراء على إسكانها من أين تعلم قراءة الباقين.
قلت: قد سبق الإعلام بها فى قوله: وما قبله التحريك للكل وصلا، وهذه المواضع المسكنة كلها قبل هاءاتها متحركات، فكأنه قال: القراء كلهم على صلة الهاء إذا تحرك ما قبلها واستثنى هؤلاء هذه المواضع فأسكنوها، والله أعلم.
166 [وعى (نفر) أرجئه بالهمز ساكنا ... وفى الهاء ضمّ (ل) فّ (د) عواه (ح) رملا]
أرجئه موضعان فى الأعراف والشعراء، ومعنى وعى حفظ: أى حفظ مدلول نفر، وهم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أرجئه بهمزة ساكنة، وحفظ الباقون بلا همز، وهما لغتان فصيحتان قرئ بهما قوله تعالى:
(وآخرون مرجئون (1) و {تُرْجِي مَنْ تَشََاءُ} [2]).
ونفر همزوا الجميع، يقال أرجأت الأمر: إذا أخرته، وبعض العرب يقول أرجيت كما يقول أخطيت وتوضيت فلا يهمز حكاه الجوهرى. وقوله بالهمز، يؤخذ منه أن قراءة الباقين بلا همز، ولم تكن له حاجة إلى قوله ساكنا فإنه قد لفظ به كذلك.
فإن قلت: فيه زيادة بيان.
قلت: صدقت ولكنه يلبس الضد، إذ يلزم من ذلك أن يكون الضد فتح الهمز كقوله (ويطهرن) فى الطاء السكون (والأيكة) اللام ساكن (منسأته) سكون همزته ماض، فإن ضد السكون فيها فتح الطاء واللام والهمزة. وعذره فى ذلك أن الهمز هو صاحب الضد فضده لا همز كما ذكر ذلك فى (الصابئين) و (الأيكة) ولم يقدح فى ذلك وصفه الهمز بالسكون، وهذا كما أن الحركة ضدها السكون، ولا يقدح فى ذلك ذكره الكسر والضم والفتح معها على ما مهدناه فى شرح الخطبة، وساكنا حال من الهمز. ولو قال مكانه فيهما لكان جيدا وارتفع الإيهام المذكور أى فى الموضعين.
ثم ذكر أن جميع من همز أرجئه ضم الهاء إلا ابن ذكوان فإنه كسرها. واستبعدت قراءته وتكلم فيها من جهة أن الهاء إنما تكسر بعد كسر أو ياء ساكنة وحقها الضم فى غير ذلك، فأرجئه مثل منه وزنه وأهبه. وقد اعتذر له بأن الهمز لم يعتد به حاجزا لقبوله الإبدال، فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة، أو كأنها بعد ياء ساكنة فى التقدير لو أبدلت الهمزة ياء. ويضعف هذا الاعتذار وجوه.
الأوّل أن الهمز معتدّ به حاجزا بإجماع فى (أنبئهم ونبئهم) والحكم واحد فى ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكسر والضم.
الثانى أنه كان يلزمه صلة الهاء إذ هى فى حكمه كأنها قد وليت الجيم.
الثالث أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء نظرا إلى أن أصلها همزة فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة، وسيأتى تحقيق ذلك فى باب وقف حمزة فضم الهاء مع الهمز هو الوجه
__________
(1) سورة التوبة، آية: 106.
(2) سورة الأحزاب، آية: 51.(2/111)
فلهذا قال فيه: لف دعواه حرملا والهاء فى دعواه للضم. والحرمل: ثبت معروف له فى الأدوية مدخل، أشار بذلك إلى ظهور وجه الضم مع الهمز، أى فى طى الدعوى به ما يبين حسنه وجودة القراءة به. وذكر ابن جنى فى كتابه المحتسب قال: وروى عن ابن عامر (أنبئهم) بهمزة وكسر الهاء. قال ابن مجاهد: وهذا لا يجوز. قال ابن جنى: طريقه أن هذه الهمزة ساكنة، والساكن ليس بحاجز حصبن عندهم، فكأنّ لا همز هناك أصلا. ثم قرر ذلك بنحو مما تقدم، والله أعلم قال:
167 [وأسكن (ن) صيرا (ف) از واكسر لغيرهم
وصلها (ج) وادا (د) ون (ر) يب (ل) توصلا]
نصيرا حال من فاعل أسكن: أى ناصرا فائزا بظهور الحجة، وقد تقدم وجه الإسكان، وقرأ به؟؟؟ منا عاصم وحمزة ولا همز فى قراءتهما فصار أرجه كألقه وهما يسكنانهما، وأبو عمرو وافقهما على ألقه ولم يمكنه الإسكان فى أرجه لأنه يهمز ففي الإسكان جمع بين ساكنين، ثم قال: واكسر لغيرهم أى لغير الذين ضموا والذين سكنوا وهم نافع والكسائى وابن ذكوان. وقد مضى الكلام فى قراءة ابن ذكوان، ونافع والكسائى كسرا الهاء لكسرة الجيم قبلها إذ ليسا من أصحاب الهمز.
ثم ذكر الذين وصلوا الهاء وهم أربعة: اثنان من أصحاب الضم والهمز، وهما ابن كثير وهشام، واثنان من أصحاب الكسر بلا همز وهما الكسائى وورش وصلاها بياء على أصلهما فى صلة ما قبله متحرك، وابن كثير وصلها بواو على أصله فى صلة ما قبله ساكن. وهشام وافقه وخالف أصله فى ترك صلة ما قبله ساكن، فقد وافق ابن كثير على مذهبه فى الصلة راويان كل واحد منهما فى حرف واحد: أحدهما فى صلة الضم بواو وهو هشام فى هذا الحرف. والآخر فى صلة الكسر بياء وهو حفص فى:
{(فِيهِ مُهََاناً} [1]).
وقد تقدم وأبو عمرو ضم من غير صلة على أصله، وقالون قصر الهاء فكسرها من غير صلة على أصله فى المواضع المجزومة كلها.
فالحاصل أن فى كلمة أرجه ست قراءات: ثلاث لأصحاب الهمز، لابن كثير وهشام وجه، ولأبى عمرو وجه، ولابن ذكوان وجه. وثلاث لمن لم يهمز لعاصم وحمزة وجه، وللكسائى وورش وجه، ولقالون وجه، وقد جمعت هذه القراءات الست فى بيت واحد فى النصف الأول قراءات الهمز الثلاث، وفى النصف الآخر قراءات من لم يهمز الثلاث فقلت:
وأرجئه مل والضم خر صله دع لنا ... وأرجه ف نل صل جى رضى قصره بلا
فابتدأت بقراءة ابن ذكوان ولم أخف تصحيفها بغيرها، إذ لا يمكن فى موضعها من جهة الوزن شيء من القراءات الست إلا قراءة أبى عمرو وهى مبينة بعدها، وقراءة قالون على زحاف فى البيت، وقراءة قالون سنبين فى آخر البيت مع أن صورة الكتابة مختلفة، فتعين ما ابتدأ به لابن ذكوان، والله أعلم.
__________
(1) سورة الفرقان، آية: 69.(2/112)
وجميع الكلمات المجزومة الخمسة عشر توصل بالياء إلا كلمتين يرضه ويره فإنهما يوصلان بالواو. وفى أرجئه الوجهان، من وصل هامزا فبالواو، وغير الهامز يصل بالياء. وقوله جوادا حال من فاعل صلها.
والريب: الشك، وقوله لتوصل من محاسن الكلام.
باب المد والقصر
المد فى هذا الباب: عبارة عن زيادة المد فى حروف المد لأجل همزة أو ساكن. والقصر: ترك الزيادة من المد، وقد يستعمل المد فى إثبات حرف المد والقصر فى حذفه، وذلك يأتى فى فرش الحروف نحو: ومد أنا فى الوصل، وفى (حاذرون) المد، وقصر:
{(آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} [1]).
وآتاكم فقصر حفيظا، ومعنى القصر: المنع من قولهم قصرت فلانا عن حاجته: أى منعته منها ومنه {(حُورٌ مَقْصُورََاتٌ فِي الْخِيََامِ} [2]).
فلهذا سمى منع المد قصرا، والله أعلم.
168 [إذا ألف أو ياؤها بعد كسرة ... أو الواو عن ضمّ لقى الهمز طوّلا]
ألف فاعل فعل مضمر فسره قوله لقى الهمز: أى إذا لقيت الألف الهمز، والهاء فى ياؤها تعود على الألف لأنها أختها فى المد، أو تعود على حروف الهجاء للعلم بها، وقوله: عن ضم أى بعد ضم لأن عن للمجاوزة، وأسكن الياء فى لقى ضرورة، والضمير فى طول الحرف المد مطلقا: أى الذى لقى الهمز، ومعنى طول مد، لأن حرف المد كلما طوّل ازداد مدا وقد تقدم أن حروف الهجاء يجوز تأنيثها وتذكيرها، فلهذا أنث فى قوله ياؤها وذكر فى قوله لقى الهمز طول، وذكر فى هذا البيت حروف المد الثلاثة، وهن، الألف والياء والواو، ولم يقيد الألف لأنها لا تقع إلا بعد فتحة، وقيد الياء بكسرة قبلها والواو بضمة قبلها، لأن كل واحدة منهما يجوز أن يقع قبلها فتحة (كهيئة، وسوأة) ولذلك حكم سيأتى وشرط الياء والواو أيضا أن يكونا ساكنين، وأما الألف فلا تكون إلا ساكنة، فالألف لا يزال حرف مدّ.
وأما أختاها فبشرطين:
أحدهما السكون.
والثانى أن يكون حركة ما قبلهما من جنسهما قبل الياء كسرة وقبل الواو ضمة، فحينئذ يكونان حرفى مد نحو قال وقيل ويقول. ينطق فى هذه الثلاثة بعد القاف بمدة ثم لام.
فإذا اتفق وجود همز بعد أحد هذه الحروف طول ذلك المد، استعانة على النطق بالهمز محققا، وبيانا لحرف المد خوفا من سقوطه عند الإسراع لخفائه وصعوبة الهمز بعده، وهذا عام لجميع القراء إذا كان ذلك فى كلمة واحدة، نص على ذلك جماعة من العلماء المصنفين فى علم القراءات من المغاربة والمشارقة.
__________
(1) سورة الروم، آية: 39.
(2) سورة الرحمن، آية: 72.(2/113)
ومنهم من أجرى فيه الخلاف المذكور فى كلمتين على ما سيأتى. وبعضهم اختار تفضيل الألف على أختيها فى المد، وتفضيل الياء على الواو، والله أعلم وأحكم.
169 [فإن ينفصل فالقصر (ي) ادره (ط) البا ... بخلفهما (ي) رويك (د) رّا ومخضلا]
أى فإن ينفصل المذكور بعضه من بعض، والمذكور هو أن يلقى حرف المد همزا. وهو فى اصطلاح القراء على ضربين: متصل ومنفصل. فالمتصل: أن يلتقيا فى كلمة واحدة، وقد سبق ذكره. والمنفصل:
أن يلتقيا وحروف المد آخر كلمة والهمز أوّل كلمة أخرى، ويسمى مد حرف لحرف، وهذا هو المذكور فى هذا البيت. فالقراء فيه على قسمين: منهم من جرى على المد كما فى المتصل. ومنهم من لم يطول المد، بل اقتصر على ما فى حرف المد من المد الذى فيه إذا لم يصادف همزة، فهذا هو الذى عبر عنه بالقصر، وسواء فى ذلك حرف المد المرسوم فى المصحف والذى لم يرسم له صورة نحو (ها أنتم، ويا آدم) لم يرسم فى كل كلمة غير ألف واحدة هو صورة الهمزة وألف ها ويا محذوفة، ونحو صلة هاء الكناية وميم الجمع نحو:
{(بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [1] {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [2]).
يجرى الأمر فيه كغيره من المد والقصر على ما تقتضيه مذاهب القراء فالذين قصروا هم ابن كثير والسوسى، وكذا قالون والدورى عن أبى عمرو بخلاف عنهما. والباقون على المد (3) ولم يذكر صاحب التيسير القصر عن الدورى، فهو من زيادات القصيدة، وقد ذكره غيره على ما نقلناه فى الشرح الكبير.
ومنهم من نقل الخلاف عن أبى عمرو نفسه. ووجه القصر الانفصال، لأن لكل كلمة حكم الاستقلال، فلم يقو الالتقاء قوته إذا كان فى كلمة واحدة. ومنهم (4) من حكى عن ابن كثير المد فى كلمة الشهادة.
وقد ذكر جماعة من المصنفين تفصيلا بين أصحاب المد فجعل بعضهم أطول مدا من بعض، ولم يتعرض الشيخ الشاطبى رحمه الله فى نظمه لذلك.
وحكى عنه الشيخ أبو الحسن رحمه الله فى شرحه أنه كان يرى فى المنفصل مدتين: طولى لورش وحمزة ووسطى لمن بقى.
ويجوز فى قوله فالقصر الرفع والنصب أجود، ويرويك جملة مستأنفة أو حال من الهاء فى بادره: أى بادره طالبا مرويا، فيكون طالبا حالا من الفاعل ومرويا حالا من المفعول، نحو: لقيته مصعدا منحدرا.
ويجوز أن يكون يرويك جوابا للأمر فى بادره ولم يجزمه ضرورة، ودرا مصدر فى موضع الحال: أى دارّا ومخضلا عطف عليه، وهما حالان من فاعل يرويك العائد على القصر، يقال درت الناقة ودر الضرع باللبن يدر ويدر درورا ودرا. والدر: اللبن نفسه أيضا، ودرت السماء: كثر مطرها. وأخضلت الشيء فهو مخضل:
إذا بللته، وشيء خضل أى رطب. والخضل: النبات الناعم، وكل هذا ثناء على القصر: أى بادره يثلج له
__________
(1) سورة البقرة، آية: 27.
(2) سورة البقرة أيضا، آية: 87.
(3) وفى الشرح الكبير هذا اختيار صاحب القصيدة والذى أخذناه عن شيخنا أبى الحسن والمتصل وجهان. مد طويل لورش وحمزة. ومد متوسط للباقين وفى المنفصل كذلك اه.
(4) كالحافظ أبى العلا الهمدانى والهذلى والطبرى وليس من طريق الناظم اهـ ضياع.(2/114)
صدرك بما يدر من فوائده وينسكب من معانى استحسانه وهو اختيار المبرد، ثم مثل القسمين فقال:
170 [كجىء وعن سوء وشاء اتّصاله ... ومفصوله فى أمّها أمره إلى]
أى اتصال الهمز بحرف المد فى كلمة واحدة مثل جىء فى قوله:
{(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [1]).
فهذا مثال الياء ومثله سىء بهم والواو كقوله:
{(أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} [2]).
وثلاثة قروء الألف فى نحو شاء وجاء ثم مثل المفضول وهو الالتقاء فى كلمتين بقوله سبحانه:
{(فِي أُمِّهََا رَسُولًا} [3]).
فهذا مثال الياء ومثله:
{(أُولِي أَجْنِحَةٍ} [4] {يََا بَنِي آدَمَ} [5]) والواو نحو: {(قُوا أَنْفُسَكُمْ} [6] {قََالُوا آمَنََّا} [7]).
ومثل الشاطبى رحمه الله بقوله: أمره إلى، إعلاما بأن واو الصلة التى لا رسم لها فى المصحف كغيرها. ومثله على قراءة ورش وغيره إنهمو أناس عليهمو آياتنا ومثال الألف:
{(لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [8] {أَنَّهََا إِذََا جََاءَتْ} [9] {لََا أَعْبُدُ مََا تَعْبُدُونَ} [10]).
وضاق على الناظم تمثيل الألف من القرآن فى هذا البيت وإن كان حاصلا من جمعه بين المثالين فى قوله أنها أمره. لأن الغرض تصوير المثال، كما أنه فى بيت آخر سيأتى مثل بأوهلا فى آخر باب الهمز المفرد فقال: كآدم أوهلا وليس أوهل فى القرآن، والهاء فى اتصاله ومفصوله لحرف المد. ومفصوله مبتدأ وما بعده الخبر على حذف مضاف: أى مثل هذا اللفظ وغلط من قال الخبر فى الجار والمجرور: أى مستقر فى المذكور، لأن فى أمها لم يقصد به فى البيت إلا حكاية ما فى القرآن. وفى نحو قوله تعالى هؤلاء مدان مد ألف ها من المنفصل ومد الألف الأخيرة من المتصل، فاعلم ذلك والله أعلم.
171 [وما بعد همز ثابت أو مغيّر ... فقصر وقد يروى لورش مطوّلا]
أى والذى وقع من حروف المد بعد همز سواء كان ذلك الهمز ثابتا أو مغيرا، ويعنى بالثابت الباقى على لفظه وصورته، وبالمغير ما لحقه نقل أو تسهيل أو إبدال على ما نبينه. وتقدير الكلام: فإن انعكس ما ذكرناه فوقع حرف المد بعد الهمز، وهذا لا يكون إلا فى المتصل لأن حرف المد لا يقع أوّل كلمة لاستحالة ذلك من أجل سكونه. فقوله: وما مبتدأ وخبره قوله فقصر: أى فهو ذو قصر أو فحكمه قصر، ودخلت الفاء لما
__________
(1) سورة الفجر، آية: 23.
(2) سورة النساء، آية: 149.
(3) سورة القصص، آية: 59.
(4) سورة فاطر، آية: 1.
(5) سورة الأعراف، آية: 26.
(6) سورة التحريم، آية: 6.
(7) سورة البقرة، آية: 14.
(8) سورة القتال، آية: 19.
(9) سورة الأنعام، آية: 109.
(10) سورة الكافرون، آية: 2.(2/115)
فى المبتدإ من معنى الشرط، وهذا القصر لجميع القراء ورش وغيره، ولم يذكر ابن مجاهد عن أحد خلاف ذلك ولا عامة كتب العراقيين، ثم قال أو قد يروى ذلك لورش مطوّلا: أى ممدودا مدا طويلا، قياسا على ما إذا تقدم حرف المد على الهمز. ونص على المذكور ابن شريح وابن الفحام وصاحب العنوان ومكى والمهدوى وغيرهم من المغاربة والمصريين فى مصنفاتهم، ووجه القصر عدم المعنى الذى لأجله مد حرف المد إذا تقدم على الهمز، والله أعلم.
172 [ووسّطه قوم كآمن هؤلا ... ء آلهة آتى للإيمان مثّلا]
أراد وسط المد لورش فى ذلك جماعة ليكون المد فى هذا النوع أقل منه فيما إذا تقدم حرف المد على الهمز لظهور الفارق بينهما، ولم يذكر صاحب التيسير غيره، وذكره أيضا أبو على الأهوازى وغيره، ولا مانع من أن يكون لفظ قوم فى بيت الشاطبى رحمه الله رمزا لخلاد على اصطلاحه كما قال فيما مضى: حمى صفوه قوم، فكان ينبغى له أن يأتى بلفظ يزيل هذا الاحتمال، نحو أن يقول وبالمدة الوسطى، أو يقول ووسطه أيضا كآمن فقد صار لورش ثلاثة أوجه فى هذا النوع: القصر كسائر القراء والمد المتوسط، والمد الطويل. ثم مثل ما فيه هذه الأوجه بأربعة أمثلة: اثنان فيهما الهمز ثابت وهما آمن وآتى وبعد الهمز ألف، ومثال ما بعده واو أوحى وأوتى، ومثال ما بعده ياء:
{(إِيلََافِهِمْ} [1] {وَإِيتََاءِ ذِي الْقُرْبى ََ} [2]).
وإن كان الهمز فى بعض ذلك يجوز أن تلقى حركته على الساكن قبله فيصير من باب الهمز المغير، نحو:
{(قُلْ أُوحِيَ} [3] {مَنْ آمَنَ} [4]).
واثنان من أمثلة الناظم فيهما الهمز مغير أحدهما:
{(لَوْ كََانَ هََؤُلََاءِ آلِهَةً} [5]).
فقراءة ورش بإبدال همزة آلهة ياء فى الوصل بعدها ألف فهى حرف مد بعد همز مغير، والثانى للإيمان بنقل حركة همزة إيمان إلى اللام، ونحو:
{(جََاءَ آلَ لُوطٍ} [6]).
يسهل ورش همزة آل بين بين، فالياء من إيمان والألف من آل بعد همز مغير وبعض (7) من يرى المد لم يذكره بعد الهمز المغير، ووجهه عدم الهمز، ووجه المد ترك الاعتداد بالعارض، فالوجهان جائزان فى قصر حرف المد قبل الهمز المغير على ما يأتى فى باب الهمزتين من كلمتين، فقصر حرف المد بعد الهمز المغير أولى.
ثم إن بعض القائلين بالمد فى هذا النوع قد استثنوا له مواضع فلم يمدوها، وقد ذكرها الناظم فقال:
__________
(1) سورة قريش، آية: 2.
(2) سورة النحل، آية: 90.
(3) سورة الجن، آية:؟؟؟.
(4) سورة سبأ، آية: 37.
(5) سورة الأنبياء، آية: 99.
(6) سورة الحجر، آية: 61.
(7) (قوله وبعض الخ) ولكن العمل الآن من طريق النظم على تسوية المغير بالمحقق فليعلم اهـ ضباع.(2/116)
173 [سوى ياء إسراءيل أو بعد ساكن ... صحيح كقرآن ومسئولا اسألا]
فى كلمة إسرائيل حرفا مد، الألف قبل الهمزة والياء بعدها، فمد الألف من باب المتصل ومد الياء من هذا النوع المختص لورش، وأكثر ما تجىء كلمة إسرائيل بعد كلمة بنى، فيجتمع ثلاث مدات: مد يا بنى من المنفصل، وفى إسرائيل مدتان مع طول الكلمة وكثرة دورها، فاستثنى مد الياء تخفيفا فترك.
فإن قلت:
{(وَجََاؤُ أَبََاهُمْ} [1]).
فيه أيضا ثلاث مدات، فمد الألف قبل الهمزة من المتصل، ومد الواو لهمزة أباهم من المنفصل، ومدها للهمزة قبلها من النوع المختص لورش.
قلت: مدها لما بعدها وما قبلها متحد فتدخلا، فلم يبق إلا مدتان، وأو فى قوله: أو بعد ساكن بمعنى الواو، كما قال بعد ذلك: وما بعد همز الوصل، أراد وما بعد ساكن ثم حذف الموصول اكتفاء بصلته، يعنى واستثنوا من ذلك ما وقع من الهمز الذى بعده حرف مد بعد ساكن صحيح: أى ليس بحرف علة، مثل جاءوا والموءودة وسوآت والنبيئين، فإن المد فى كل هذا منصوص عليه، والذى قبله ساكن صحيح، نحو:
قرآن وظمئان ومسئولا، وعللوه بأن الهمزة معرضة للنقل إلى الساكن قبلها، وهذه علة فاسدة من وجوه.
الأوّل: أنه ليس من مذهب ورش النقل فى كلمة واحدة.
الثانى: أنه فيما تحقق فيه النقل يمد نحو للايمان، فما الظن بما يتوهم جواز نقله لغة.
الثالث: أنه منقوض بالموءودة، فإن النقل فيها سائغ كقرآن، وقد نص مكى والدانى فى كتاب الإيجاز على مدها فعندى أن علة استثنائه مشكلة، وأن الناظم نبه على ذلك فى قوله اسألا، وهو فعل أمر مؤكد بالنون، الخفيفة ثم أبدل منها ألفا فى الوقف كنظائر له سلفت: أى اسألن عن علته وابحث عنها واكشفها ثم ذكر باقى المستثنى فقال:
174 [وما بعد همز الوصل ايت وبعضهم ... يؤاخذكم آلآن مستفهما تلا]
ما بمعنى الذى مجرورة المحل عطفا على إسرائيل، وقوله ايت مثل:
{(ائْتِ بِقُرْآنٍ} [2] {ائْتُوا صَفًّا} [3] {ائْذَنْ لِي} [4] {اؤْتُمِنَ} [5]).
إذا ابتدأت بهذه الكلمات ونحوها وقع حرف المد بعد همز الوصل وحرف المد فى الجميع بدل من الهمزة التى هى فاء الكلمة من آتى وآذن وآمن، ولهذا: إذا وصلت الكلمة بما قبلها ذهبت همزة الوصل ونطقت بفاء الكلمة همزة فى موضع حرف العلة، فوجه ترك المد ظاهر، وهو أن أصل أحرف المد همزة، ولأن همزة الوصل قبله عارضة.
وذكر بعض المصنفين فى مده وجهين، وعلة المد النظر إلى صورة الكلمة الآن والإعراض عن الأصل.
__________
(1) سورة يوسف، آية: 16.
(2) سورة يونس، آية: 15.
(3) سورة طه، آية: 64.
(4) سورة التوبة، آية: 49.
(5) سورة البقرة، آية: 283.(2/117)
واتفقوا على منع المد فى الألف المبدلة من التنوين بعد الهمزة نحو خطأ وملجأ وماء وغثاء وأما نحو:
{(رَأَى الْقَمَرَ} [1] و {تَرََاءَا الْجَمْعََانِ} [2] و {تَبَوَّؤُا الدََّارَ} [3]).
مما حذف منه حرف العلة لساكن بعده فى الوصل، فإذا وقفت عليه وقفت على حرف العلة ومددته لأجل الهمزة قبله، فهذا آخر ما استثنى بعد همز ثابت، وهذا آخر باب المد والقصر فى كتاب التيسير. وزاد صاحب القصيدة عليه فى هذا الباب من قوله: وبعضهم يواخذكم إلى آخر قوله وفى واو سوآت البيت، إلا أن الدانى ذكر مد نحو شيء وسوء فى أوّل البقرة.
ثم ذكر الناظم ما استثنى من هذا النوع بعد همز مغير فلم يمد لورش فقال: وبعضهم أى وبعض أهل الأداء استثنى لورش مواضع أخر ليست فى كتاب التيسير كالمهدوى ومكى والحصرى فى قصيدته ومحمد بن شريح فى كتاب التذكير قال: ولم يمد يواخذكم:
{(عََاداً الْأُولى ََ} [4] و {الْآنَ} [5]).
فى الموضعين فى يونس، أعنى الألف التى بعد اللام وقال أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز: أجمع أهل الأداء على ترك زيادة تمكين فى قوله:
{(يُؤََاخِذُكُمُ} [6] و {لََا تُؤََاخِذْنََا} [7] و {لََا يُؤََاخِذُكُمُ اللََّهُ} [8]).
حيث وقع، وكأن ذلك عندهم من واخذت غير مهموز.
قلت: فقد نص الدانى على أن استثناء يواخذكم مجمع عليه، فكان يلزمه ذكره فى كتاب التيسير ثم قال:
وزاد بعضهم ثلاثة أحرف فى آلآن فى الموضعين فى يونس: وعادا الأولى فى النجم، قلت: فهذه الثلاثة هى التى جعلها الدانى من استثناء بعضهم، فأدخل الشاطبى فيها يؤاخذكم لما رأى بعض المصنفين قد قرنها بهنّ، ولم يذكر استثناء ما تصرف منها، وكان يلزمه ذكره لئلا يتوهم تخصيصها بذلك، ثم قال آلآن مستفهما: أى هو من جملة ما استثنى بعضهم، وتلا خبر وبعضهم، ومستفهما حال من فاعل تلا: أى وبعضهم تلا يؤاخذكم كيف ما وقع وآلآن فى حال استفهامه به وعادا الأولى بغير مد، ودل على هذا التقدير كونه يعدّ فى تعداد ما استثنى من الممدود، ويجوز أن يكون مستفهما حالا من الآن لما كان الاستفهام فيه، ويجوز على هذا أن تكون الهاء مفتوحة أى مستفهما به.
وفيه مدتان لم يبين المستثنى منهما: إحداهما بعد همزة الاستفهام. والثانية بعد اللام وهى المستثناة، بين ذلك المهدوى وابن شريح كما نقلناه من كلامه. ووجه استثنائه استثقال الجمع بين مدتين من هذا النوع المختص بورش فى كلمة واحدة، ولا نظير لذلك، فمد بعد الهمزة الأولى الثابتة وترك المد بعد الثانية المغيرة بالنقل وأما:
{(الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ عَنْكُمْ} [9]).
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 77.
(2) سورة الشعراء، آية: 61.
(3) سورة الحجر، آية: 9.
(4) سورة النجم، آية: 5.
(5) سورة الأنفال، آية: 66.
(6) سورة البقرة، آية: 225.
(7) سورة البقرة أيضا، آية: 286.
(8) سورة المائدة، آية: 89.
(9) سورة الأنفال، آية: 66.(2/118)
فليس فيه إلا مدة واحدة، واحترز بقوله مستفهما عن هذا ونحوه لأن ما لفظ به فى البيت يمكن قراءته باستفهام قبضا لخبن مفاعيلن، ونظمت أنا بيتا نطقت فيه بما لا يحتمل غير الاستفهام، وأدرجت يؤاخذ مع المجمع عليه فى الاستثناء على ما ذكره الدانى، ولم أقيده بالضمير ليشمل المواضع كلها، وأوضحت ما بعد همز الوصل بأن ذلك فى حال الابتداء، وصرحت بالتمثيل بايت فقلت:
وما بعد همز الوصل بدءا كايت مع ... يؤاخذ زاد البعض آلآن قصر لا
أى موضع الاستثناء فى آلآن قصر لفظها لامها وهو ترك المد بعد الهمزة الثانية المنقول حركتها إلى اللام.
ففي البيت الذى نظمته خمسة أشياء فاتت بيت الشاطبى رحمه الله، وهى تصريح التمثيل بايت، وذكر البدء، وإدراج يؤاخذ مع المستثنى المتفق عليه، وتعريته من الضمير ليعم، وبيان موضع المستثنى من الآن، ثم تمم المستثنى فقال:
175 [وعاد الأولى وابن غلبون طاهر ... بقصر جميع الباب قال وقوّلا]
لم يسمح له النظم أن يلفظ بعادا الأولى على قراءة ورش فلفظ بها على قراءة حمزة إذا وقف عليها فى بعض الوجه. وأما قراءة ورش فبادغام التنوين فى اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها فلم يمد واو لولى هنا وإن كان يمدها فى:
{(سِيرَتَهَا الْأُولى ََ} [1]).
لأن الحركة هنا صارت كاللازمة من أجل التنوين فيها، فكأن لا همز فى الكلمة لا ظاهرا ولا مقدرا، فإن وقفت لورش على عادا فلك فى ابتداء لولى مذهبان: المد إن لم تعتد بالعارض، وتركه إن اعتددت بها ذكرهما المهدوى، وقوله: وابن غلبون مبتدأ، وطاهر عطف بيان ميزه بذلك من أبيه: كل واحد منهما يقال له ابن غلبون وكلاهما من علماء القراءات المصنفين فيها، فالأب مصنف كتاب (الإرشاد) وشيخ أبى محمد مكى بن أبى طالب، وهو أبو الطيب عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون الحلبى نزيل مصر، وابنه أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم، وهو مصنف كتاب [التذكرة] وشيخ صاحب التيسير، وقوله بقصر جميع الباب متعلق بقال، وقال هو خبر المبتدإ أتى بذلك وأخذ به وعنى بجميع الباب كل ما كان حرف المد فيه بعد همز ثابت أو مغير، وقولا عطف على قال:
أى وقوّل ورشا بذلك: أى جعله هو المذهب له، وما سواه غلطا ووهما قد قرر ذلك فى كتاب التذكرة فأحسن، وما قال به ابن غلبون هو الحق، وهو اختيار ناظم القصيدة فى ما أخبرنى الشيخ أبو الحسن عنه رحمهما الله تعالى.
وغلبون اسم مشتق من الغلبة، وهو فى الزنة كحمدون من الحمد وسعدون من السعد، واستعمله الناظم هنا غير منصرف، وفى باب الهمز المفرد منصرفا، والنظم يحتمل الأمرين. وقد نقل ابن برهان فى شرح (اللمع) عن أبى على أن حمدون يمتنع صرفه، ووقع فى نظم المتنبى حمدون مصروفا وغير مصروف فى بيت واحد، فقال ابن جنى فى شرحه: ترك صرف حمدون ضرورة وقد أجازه الكوفيون، فدل هذا الكلام على أن رأى ابن جنى فيه الصرف فتحصلنا على وجهين فى حمدون وغلبون مثله، فالصرف رأى أبى الفتح، وتركه رأى شيخه أبى على رحمه الله، والله أعلم.
__________
(1) سورة طه، آية: 21.(2/119)
176 [وعن كلّهم بالمدّ ما قبل ساكن ... وعند سكون الوقف وجهان أصّلا]
أى وما وقع من حروف المد قبل ساكن فحكمه المد عن كل القراء، فهذه الجملة معطوفة على قوله:
وما بعد همز ثابت أو مغير، فقوله ما قبل ساكن، ما فيه بمعنى الذى، وهى مبتدأ خبره أحد الجارين قبله مع مجروره وبالمد وعن كلهم، فأيهما قدرته خبرا علقت الآخر به، فإن جعلت الخبر بالمد كان التقدير: والذى قبل ساكن مقروء بالمد عن كلهم، وإن قلت الخبر عن كلهم قدرت مروىّ عن كلهم بالمد ولولا الباء فى بالمد لكان ما قبل ساكن مفعولا به.
واعلم أن الساكن الواقع بعد حرف المد، تارة يكون مدغما، وتارة غير مدغم. والمدغم على ضربين:
واجب الإدغام لغة وجائزه. فالواجب نحو:
{(دَابَّةٍ} [1] و {الصَّاخَّةُ} [2] و {الطَّامَّةُ} [3] و {الضََّالِّينَ} [4] و {أَتُحََاجُّونِّي} [5] و {آلذَّكَرَيْنِ} [6]
و {(آللََّهُ خَيْرٌ} [7]) والجائز نحو {(الْكِتََابَ} [8] {الْأَبْرََارَ لَفِي} [9] {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنََا} [10]) على قراءة أبى عمرو {(وَلََا تَعََاوَنُوا} [11]).
على قراءة البزى، والساكن غير المدغم نحو ما يأتى فى فواتح السور:
{(آلْآنَ} [12]) فى موضعى يونس، وكذا (واللائي (13) {وَمَحْيََايَ} [14])
فى قراءة من أسكن، وكذا ما يأتى فى قراءة ورش من الإبدال فى نحو:
{(أَأَنْذَرْتَهُمْ} [15] و {شََاءَ أَنْشَرَهُ} [16])
وشرط الإدغام المذكور: أن يكون فى كلمة، أو واقعا بعد التقاء الكلمتين كما مثلنا من قراءتى أبى عمرو والبزى، فإن كان الإدغام فى الكلمة الثانية سابقا لالتقائهما مستمرة حاله على ذلك، فإن حروف المد تحذف حينئذ، ولا يقنع بالمد فيها نحو:
{(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [17] {وَقََالُوا اتَّخَذَ} [18] {وَالْمُقِيمِي الصَّلََاةِ} [19]).
وكذا الساكن غير المدغم نحو:
{(وَإِذَا الْجِبََالُ} [20] {وَقََالُوا الْحَمْدُ لِلََّهِ} [21] {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنََا بِهِ الْأَرْضَ} [22]).
__________
(1) سورة هود، آية: 56.
(2) سورة عبس، آية: 33.
(3) سورة النازعات، آية: 34.
(4) سورة الفاتحة، آية: 7.
(5) سورة الأنعام، آية: 80.
(6) سورة الأنعام أيضا، آية: 143.
(7) سورة النمل، آية: 59.
(8) سورة فاطر، آية: 32.
(9) سورة الأنفال، آية: 13.
(10) سورة يوسف، آية: 56.
(11) سورة المائدة، آية: 2.
(12) سورة يونس، آية: 91.
(13) سورة الطلاق، آية: 5.
(14) سورة الأنعام، آية: 162.
(15) سورة البقرة، آية: 6.
(16) سورة عبس، آية: 22.
(17) سورة التكوير، آية: 1.
(18) سورة يونس، آية: 68.
(19) سورة الحج، آية: 65.
(20) سورة التكوير، آية: 3.
(21) سورة فاطر، آية: 34.
(22) سورة العنكبوت، آية: 40.(2/120)
فقوله ما قبل ساكن ليس على إطلاقه، بل يختص بما كان من ذلك فى كل ما يعد كلمة واحدة. قوله: وعند سكون الوقف.
يعنى إذا كان الساكن بعد حرف المد إنما سكنه الوقف، وقد كان محركا فسكونه عارض، فهل يمد لأجله لأنه سكون فى الجملة أو لا يمد نظرا إلى عروض السكون ويكتفى بما فى حرف المد من المد فيه وجهان:
وذلك نحو:
{(الْمَصِيرُ} [1] {وَيُؤْمِنُونَ} [2] و {الْأَلْبََابِ} [3]).
وذلك أيضا عام لجميع القراء وإنما قال: سكون الوقف ولم يقل وعند الوقف، احترازا من الروم فلا مد مع الروم، ويمد مع الإشمام، لأنه ضم الشفتين بعد سكون الحرف.
ثم إذا قيل بالمد فهل هو مد متوسط أو مشبع؟ فيه وجهان. وذكر الشيخ وغيره أن الناظم أشار إلى هذين الوجهين بقوله وجهان أصلا: أى جعلا أصلا يعتمد عليه، وأشار بقوله أصلا إلى وجه ثالث، وهو الاختصار على ما فى حرف المد من المد، ولا يظهر لى أنه أراد بالوجهين إلا القصر والمد، لأنه ذكر المد لما قبل ساكن، ولم يبين طوله ولا توسطه، وقال بعد ذلك وعند سكون الوقف وجهان أصلا: فعلم أنه المد وضده وهو القصر، ولو كان أشار إلى الطول والتوسط لكان ممدودا بلا خلاف، وإنما الخلاف فى المقدار، والمد لا يفهم من عبارته فى نظمه، فالظاهر ما ذكرته، لكن ما ذكره الشيخ يقويه ما يأتى فى شرح البيت الآتى، وقوله أصلا تنبيه على الوجوه الثلاثة، كأنه قال: اختلف فى مده وقصره بالنظر إلى أصل الكلام فى ذلك. ثم إذا قيل بالمد فهل هو مشبع أو متوسط، فيه وجهان ولا يمتنع أن يكون أصلا رمزا لنافع، فهو لفظ موهم كما ذكرناه فى: ووسطه قوم، وقوله قبل ذلك: وعن كلهم، لا يدفع هذا الإبهام، لاحتمال أن يقال الذى هو عن كلهم هو غير سكون الوقف. ثم لا فرق فى حرف المد بين أن يكون مرسوما نحو:
{(قََالَ} [4]) أو غير مرسوم نحو {(الرَّحْمََنُ} [5]).
أو كان بدلا من همزة نحو:
{(الذِّئْبُ} [6] {وَيُؤْتِ} [7]) والرأس.
واختار أبو الحسن الحصرى وجه القصر فى سكون الوقف، لأنه كسائر ما يوقف عليه مما قبله ساكن صحيح نحو:
{(وَالْعَصْرِ} [8] و {خُسْرٍ} [8] و {بِالصَّبْرِ} [8]).
فما الظن بما قبله حرف مد؟ فقال فى قصيدته التى نظمها فى قراءة نافع:
__________
(1) سورة الحج، آية: 48.
(2) سورة البقرة، آية: 3.
(3) سورة آل عمران، آية: 7.
(4) سورة البقرة، آية: 33.
(5) سورة الرحمن، آية: 1.
(6) سورة يوسف، آية: 13.
(7) سورة النساء، آية: 40.
(8) الآيات: 1و 2و 3من سورة العصر.(2/121)
وإن يتطرف عند وقفك ساكن ... فقف دون مد ذاك رأيى بلا فخر
فجمعك بين الساكنين يجوز إن ... وقفت وهذا من كلامهم الحر
177 [ومدّ له عند الفواتح مشبعا ... وفى عين الوجهان والطّول فضّلا]
له: أى للساكن، لأن كلامه فى البيت السابق فيما يمد قبل الساكن، فكأنه قال: ويمد لأجل الساكن أيضا فى موضع آخر وهو فواتح السور، ومشبعا حال من فاعل مد، ويجوز بفتح الباء على معنى مدا مشبعا، فيكون نعت مصدر محذوف، ويجوز فى دال مد الحركات الثلاث. والفواتح: جمع فاتحة وهى الأوائل، ومنه سميت فاتحة الكتاب، وعنى بها أسماء حروف التهجى التى تبتدأ بها السور نحو: كاف قاف نون لام ميم سين، إذ لا مد فى فاتحة سورة لأجل ساكن إلا فيها، وفى:
{(وَالصَّافََّاتِ} [1] و {الْحَاقَّةُ} [2]).
وذلك قد علم مما قبل. وقوله: عند الفواتح، أى فيها وبحضرتها، كما قال فى الباب السابق: ويأته لدى طه، ولا بعد فى أن يتجوز بحضرة الشيء عن الشيء، وهذا المد أيضا لجميع القراء، ولأن السكون لازم قال مشبعا كمدا دابة: بخلاف المد لسكون الوقف. ومنهم من اختار تفضيل مد المدغم على غيره، ففضل مد لام، من ألف لام على مد ميم. ومنهم من سوى، فإن تحرك الساكن نحو ميم أول آل عمران لجميع القراء وأول العنكبوت على قراءة ورش، ففي المد وجهان ظاهران. والأقيس عندهم المد وترك الاعتداد بالعارض. ثم قال:
وفى عين الوجهان، يعنى فى لفظ عين من حروف الفواتح، وذلك فى.
{(كهيعص} [3]، و {عسق} [4]).
وإنما أعرب آخرها وكسر ونوّن، وكان الوجه أن ينطق بها على لفظها ساكنة من أجل أن الشعر لا يجمع فيه بين ساكنين.
ولما انتفى هذا المانع فى ألف طه نطق بهن على لفظهن فى البيت الذى يأتى. ولو قال فى عينها الوجهان لكان أيضا جيدا: أى فى عين الفواتح.
وظاهر كلامه أن الخلاف فى مدعين لجميع القراء، لأن السابق كذلك، وهو اختيار مكى. ونص المهدوى وابن شريح أن ذلك مختص بورش.
ووجه الخلاف انفتاح ما قبل الياء، فلم يقو المد فيها قوته فى الياء لينكسر ما قبلها. وقوله: الوجهان، الألف واللام فيه للعهد: أى الوجهان المذكوران فى المد لسكون الوقف فى البيت قبله هما فى عين مطلقا وصلا ووقفا. ثم قال:
والطول فضلا، يعنى المد فى عين لأنه لاجتماع الساكنين مع أن الثانى ليس بعارض، بخلاف سكون الوقف.
ويحتمل أنه عنى أن الطول فضل فى عين وفى المد لسكون الوقف لشبه الجميع بباب دابة، ولا نظر إلى عروض السكون فى الوقف.
والأولى أن يكون قوله الوجهان إشارة إلى إشباع المد، وهو المراد بالطول، وإلى عدم إشباع المد مع أنه لا بدّ من المد، فلهذا قال: والطول فضلا، يعنى الإشباع، ولم يقل والمد فضلا لأن المد فى الوجهين.
__________
(1) سورة الصافات، آية: 1.
(2) سورة الحاقة، آية: 1.
(3) سورة مريم، آية: 1.
(4) سورة الشورى، آية: 2.(2/122)
178 [وفى نحو طه القصر إذ ليس ساكن ... وما فى ألف من حرف مد فيمطلا]
أى إذ ليس فيه ساكن فيمد حرف المد لأجله، فوجب القصر فى كل ما كان من حروف الهجاء على حرفين، وذلك خمسة أحرف: حا. را. طا. يا. ها. وأما ألف فآخره ساكن، ولكن ليس فيه حرف مد، وقوله فيمطلا:
أى فيمد، وكل ممدود ممطول، يقال، مطلت الحديدة أمطلها مطلا، إذا ضربتها بعد ما حميت فى النار ومددتها لتطول، ومنه اشتقاق المطل بالدين، لأنه مد فى المدة، ونصب فيمطلا فى جواب النفى بالفاء.
فقد تحرر من هذين البيتين أن حروف الفواتح على أربعة أقسام، الأول ما هو على ثلاثة أحرف والتقى فيه حرف المد والساكن، وقبل حرف المد حركته المجانسة له فهو ممدود بلا خلاف، وذلك فى سبعة أحرف، للألف أربعة: صاد قاف كاف لام، وللياء اثنان: سين ميم، وللواو واحد نون. القسم الثانى مثل ذلك إلا أنه عدم مجانسة الحركة للحرف، ففي مده خلاف وهو حرف واحد وهو عين، والثالث والرابع المذكوران فى هذا البيت لا مد فيهما لفقد الساكن فى حا وأخواتها، ولفقد حرف المد فى ألف، والله أعلم.
179 [وإن تسكن اليا بين فتح وهمزة ... بكلمة أو واو فوجهان جمّلا]
يعنى إذا كان قبل الياء والواو فتح وبعدهما همزة فى كلمة واحدة نحو: (كهيئة وسوأة) فلورش فى مد ذلك وجهان جميلان، وهذا هو مد المتصل بعينه الذى تقدم فى أول الباب، لم يعدم من شرطه إلا كون حرف المد ليس حركة ما قبله من جنسه، فصار هذا من الممدود لأجل الهمز بمنزلة:
(عين (1)، {وَجَرَيْنَ} [2]).
فى الممدود لأجل الساكن، والمتصل بمنزلة لام ميم. وكان الأولى وصل الكلام فى هذا الفصل بالكلام فى المتصل والمنفصل، لأنه كله من باب واحد وهو مد حرف المد لهن بعده، ثم يذكر مده لهمز قبله، ثم يذكر مده للساكن بعده، ويقسمه إلى مدغم وغير مدغم مبينا ما يحذف حرف المد لأجله مما يمد على ما سبق تفصيله، إلى فواتح وغير فواتح، وإلى ما يمد وصلا ووقفا، وإلى ما يمد وقفا لا غير، ولكن لما لم يكن ذلك فى التيسير فى هذا الباب أخره إلى الفراغ من نظم ما فى التيسير والجيم من قوله: جملا يجوز أن تكون رمزا لورش، ولا يضر ذلك تسميته فى البيت الآتى، فهو كما يتكرر الرمز، فهذا أولى. ويجوز أن يكون أتى به لمجرد الوصف، واستغنى بالتسمية عن الرمز، والتقدير: ففيه وجهان، فحذف خبر المبتدإ للعلم به، ثم بين الوجهين فقال:
180 [بطول وقصر وصل ورش ووقفه ... وعند سكون الوقف للكلّ أعملا
وصل ورش ووقفه مبتدأ، وخبره بطول وقصر: أى الوجهان له فى الوصل والوقف، لأنه لما مدّ ذلك وصلا كان ذلك من باب مدّ المتصل، وكل من مدّ المتصل وصلا مدّه وقفا لوجود الهمز الموجب لذلك، والمراد بالوجهين المدّ المشبع والمتوسط، نص على ذلك المهدوى وغيره، ونبه على ذلك بقوله بطول، أى بتطويل المدّ والقصر عدم تطويل المدّ مع بقاء أصل المدّ، ولولا إرادته لهذا المعنى لقال بمد وقصر، فوجه الإشباع جعله كالمتصل، ووجه التوسط حطه عن تلك الرتبة قليلا لضعفه عن ذلك بانفتاح ما قبله، وقد بين ذلك الحصرى فى قصيدته فقال:
__________
(1) سورة الواقعة، آية: 22.
(2) سورة يونس، آية: 22.(2/123)
وفى مدّ عين ثم شيء وسوأة ... خلاف جرى بين الأئمة فى مصر
فقال أناس مدّه متوسط ... وقال أناس مفرط وبه أقرى
فإن قلت: كيف عبر الناظم رحمه الله عن المدّ المتوسط بلفظ القصر: وهلا كان المفهوم منه عدم المدّ مطلقا، كما استعمله بهذا المعنى فى قوله فيما تقدم، فإن ينفصل فالقصر، وقوله، وفى نحو طه القصر.
قلت: كأنه قال بمد طويل ومد قصير.
ووجه التعبير عنه بالتوسط أنه مذهب بين مذهبين الإفراط فى المد وعدمه الذى هو لسائر القراء، لأن الياء والواو متى ما انفتح ما قبلهما لم يكن فيهما مد وإن كانا قابلين له لو فعل فيهما لأجل همز أو ساكن كما سيأتى.
والدليل على أنهما لا مد فيهما له إجراؤهما مجرى الحروف الصحيحة فى إدغامهما فى مثلهما نحو:
{(عَصَوْا وَكََانُوا} [1] و {آوَوْا وَنَصَرُوا} [2]).
واخشعى يا هند.
وإذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما فلا إدغام لما فيهما من المدّ، فجاز أن يعبر عن ذلك المدّ بالقصر:
أى لا يزاد عليه: وهنا لما لم يكن فيهما مد كان القصر عبارة عن مد يسير يصيران به على لفظهما إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما.
ووجه قراءة ورش أن العرب أعطتهما وإن انفتح ما قبلهما حكم ما لم ينفتح فى إدغام ما هما قبله، نحو: ثوب بكر، ودويبة. وفى اجتماع النوعين ردفا فى الشعر، ولا يدغمان فى مقاربهما، ولا ينقل إليهما حركة الحرف الموقوف عليه فى نحو زيد وعون من لغته النقل فى بكر ونصر، وذلك للمد المقدر فيهما فينزل منزلة الحركة.
ثم قال: وعند سكون الوقف، أراد أن يبين حكم الياء والواو المفتوح ما قبلهما عند لقائهما للساكن بعد أن بين حكمهما عند الهمز، وهذا كما ذكر حكم حروف المد واللين عند الهمز، ثم ذكر حكمهما عند الساكن، وقد تقدم.
يعنى إذا وقعت الياء والواو المفتوح ما قبلهما قبل حرف سكن للوقف همزة كان أو غيره، فالوجهان المذكوران وهما المد المشبع والمتوسط أعملا لجميع القراء، نحو: شيء، وسوء، وميت، وخوف. وأعملا بمعنى استعملا كقول نابغة بنى شيبان:
أمدح الكاس ومن أعملها ... وأهج قوما قتلونا بالعطش
181 [وعنهم سقوط المدّ فيه وورشهم ... يوافقهم فى حيث لا همز مدخلا]
ذكر وجها ثالثا عن القراء، وهو عدم المد فى حرف اللين قبل الساكن للوقف، فصار لهم فيه ثلاثة أوجه، ووافقهم ورش عليها فى الوقف على كل ما لا همز فيه، نحو:
{(رَأْيَ الْعَيْنِ} [3] و {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [4] و {فَلََا فَوْتَ} [5] و {الْمَوْتُ} [6]).
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 112.
(2) سورة الأنفال، آية: 72.
(3) سورة آل عمران، آية: 13.
(4) سورة التوبة، آية: 52.
(5) سورة سبأ، آية: 51.
(6) سورة المائدة، آية: 106.(2/124)
فيكون له أيضا ثلاثة أوجه.
وأما ما كان ساكنه همزة نحو: شيء، وسوء، فله فيه الوجهان المقدمان وقفا ووصلا، لأن مد ورش هو لأجل الهمز لا لأجل سكون الوقف، وهذه الأوجه الثلاثة فى الوقف هنا هى الأوجه التى سبقت فى حروف المد واللين عند سكون الوقف، ولم ينص ثم على وجه سقوط المد. وفى نصه عليه هنا تنبيه على ذلك. واحترز أيضا بقوله: هنا وعند سكون الوقف عن الوقف بالروم، فلا مد فيه كما سبق فى حروف المد واللين، إلا فى روم الهمزة فالمد باق لورش وحده لأجل الهمز، فقد بان لك أن حرف اللين وهو الياء والواو المفتوح ما قبلهما لا مد فيه إلا إذا كان بعده همز أو ساكن عند من رأى ذلك، فإن خلا من واحد منهما لم يجز مده، فمن مد: عليهم، وإليهم، ولديهم، ونحو ذلك وقفا أو وصلا أو مد نحو:
{(الصَّيْفِ} [1]، و {الْبَيْتِ} [1]، و {الْمَوْتِ}، و {الْخَوْفُ} [3]).
فى الوصل فهو مخطئ. وقوله مدخلا نعت لما قبله، والألف فيه للإطلاق إن قدرناه مبنيا على الفتح كموصوفه، وهى بدل من التنوين إن قدرناه منصوبا منوّنا، وكلاهما جائز فى صفة اللفظ المفرد المبنى بعد لا، وخبر لا محذوف تقديره لا همز فيه: أى يوافقهم فى مكان عدم الهمز، والله أعلم.
182 [وفى واو سوآت خلاف لورشهم ... وعن كلّ الموءودة اقصر وموئلا]
هذا الخلاف هو سقوط المد والمد.
فإن قلنا بالمد كان على الوجهين فى طوله وتوسطه، فوجه المد ظاهر. ووجه تركه النظر إلى أصل ما تستحقه هذه الواو وهو الفتح، لأن ما وزنه فعلة بسكون العين جمعه فعلات بفتحها كتمرات وجفنات، وأسكن حرف العلة تخفيفا.
ويقال ترك مدها لئلا يجمع بين مدتين فى كلمة واحدة مقتضيهما ضعيف، لأن مد ما قبله فتح ضعيف، ومد ما بعد الهمز ضعيف كما سبق، ولهذا جاء فى الكل، بخلاف اجتماع المدتين فى نحو:
{(جََاؤُ} [4] والنبيين (5)).
فإن المد قبل الهمز مجمع عليه، فلم يكن فى الكلمة مد مقتضيه ضعيف غير واحد، وهو ما بعد الهمز.
فإن قلت: كيف يمد ما بعد الهمزة فى سوآت، وقبل الهمز ساكن، وليس من أصل ورش مد ذلك كما تقدم.
قلت: لأن الواو حرف علة والمانع هو الساكن الصحيح، على أن الواو وإن كانت ساكنة لفظا فهى متحركة تقديرا على ما بيناه، فلو حظ الأصل فى ترك مدها فى نفسها وفى مد ما بعد الهمزة، فالعلة واحدة والحكم
__________
(1) سورة قريش، آية: 2، 3.
(3) سورة الأحزاب، آية: 19.
(4) سورة الفرقان، آية: 4.
(5) سورة آل عمران، آية: 81.(2/125)
مختلف فيهما، ولهذا ألغز الحصرى هذه الكلمة فى أبيات له قد ذكرناها (1) والجواب عنها من نظم جماعة من المشايخ فى الشرح الكبير، وأطلق لفظ سوءات ليتناول ما أضيف إلى ضمير التثنية، وإلى ضمير الجمع نحو:
{(بَدَتْ لَهُمََا سَوْآتُهُمََا} [2] {يُوََارِي سَوْآتِكُمْ} [3]) وأما {(الْمَوْؤُدَةُ} [4]).
فأجمعوا على ترك المدة فى واوها الأولى، لأن الثانية بعد الهمزة ممدودة، فلم يجمع بين مدتين والتزم ذلك فيها خلاف (سوآت) لثقل مد الواو والهمزة المضمومة، بخلاف الهمزة المفتوحة ومد الألف بعدها، وأما موئلا فترك مده مشاكلة لرءوس الآى، لأن بعده موعدا.
وقد ذكر فيه فى (الموءودة) علل أخر ضعيفة تركت ذكرها هنا اختصارا، وهى مذكورة فى الشرح الكبير، والله سبحانه أعلم، وهو على كل شيء قدير.
باب الهمزتين من كلمة
أى باب حكم الهمزتين المعدودتين من كلمة، وكذا معنى باب الهمزتين من كلمتين، وبعض المصنفين يجعل موضع من فى، وهى ظاهرة المعنى، والهمز أول حروف المعجم، والهمز جمع همزة كتمرة وتمر ومصدر همز همزا، والهمز فى أصل اللغة مثل الغمز والضغط، وسمى الحرف همزة لأن الصوت بها يغمز ويدفع، لأن فى النطق بها كلفة، ولذلك تجرأ على إبدالها وتسهيلها بجميع أنواع التسهيل على ما سيأتى فى أبوابه.
والكلام فى الهمز على طريقة مذاهب القراء يأتى فى خمسة أبواب سوى ما تأخر ذكره فى فرش الحروف كالمذكور فى سورة الرعد من لفظ الاستفهامين، وفى الزخرف:
__________
(1) لغز الحصرى هو قوله:
سألتكم يا مقرئى الغرب كله ... وما من سؤال الحبر عن علمه بد
بحرفين مد وإذا وما المد أصله ... وذا لم يمدوه ومن أصله المد
وقد جمعا فى كلمة مستبينة ... على بعضكم تخفى ومن بعضكم تبدو اه
وأجابه الإمام الشاطبى بقوله:
عجبت لأهل القيروان وماجدوا ... لدى قصرى سوآت وفى همزها مدوا
لورش ومد اللين للهمز أصله ... سوى مشرع الثنيا إذا عذب الورد
وما بعد همز حرف مد يمده ... سوى ما سكون قبله ما له مد
وفى همز سوآت يمد وقبله ... سكون بلا مد فمن أين ذا المد؟
يقولون عين الجمع فرع سكونها ... فذو القصر بالتحريك الأصلى يعتد
ويوجب مد الهمز هذا بعينه ... لأن الذى بعد المحرك ممتد
ولولا لزوم الواو قلبا لحركت ... يجمع بفعلات فى الأسما له عقد
وتحريكها واليا هزيل وإن فشا ... فليس له فيما روى قارئ عقد
وللحصرى نظم السؤال بها وكم ... عليه اعتراض حين زايله الجد
ومن يعن وجه الله بالعلم فليعن ... عليه وإن عنى به خانه الجد اه
وقوله سوى مشرع الثنيا: أى موضع الاستثناء من الموءودة وموئلا اه.
(2) سورة الأعراف، آية: 22.
(3) سورة الأعراف أيضا، آية: 26.
(4) سورة التكوير، آية: 8.(2/126)
{(أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [1] {أَآلِهَتُنََا خَيْرٌ} [2]).
والهمز إما أن يأتى منفردا أو منضما إلى مثله، فالمفرد ذكره فى ثلاثة أبواب متوالية ستأتى والمنضم إلى همز آخر ينقسم إلى قسمين: إلى ما هو فى كلمة، وإلى ما هو فى كلمتين، فرسم لكل قسم منهما بابا.
واعلم أن جميع ما ذكر أنه من كلمة فالهمزة الأولى منهما همزة استفهام منفصلة تقديرا من الكلمة إلا حرفا واحدا وهو:
{(أَئِمَّةً} [3]).
وأخر عن هذا الباب ما كان ينبغى أن يذكر فيه، وهو إذا اجتمعت همزتان الثانية ساكنة، فتلك كانت أولى بهذا الباب، لأن الكلمة مبنية على تلك الزنة بالهمزتين معا، فذكر ذلك فى آخر باب الهمز المفرد، وكان ينبغى أن يذكر هنا عند ذكر أئمة، فكلا اللفظين فيه همزتان الثانية أصلها السكون كما سيأتى بيانه، وباقى المذكور فى هذا الباب الأولى منهما مفتوحة أبدا لا يتعلق بها حكم إلا فى كلمة:
(أآمنتم (4)).
ومعظم الخلاف إنما هو فى الثانية، وهى مفتوحة ومكسورة ومضمومة. قال رحمه الله تعالى:
183 [وتسهيل أخرى همزتين بكلمة ... (سما) وبذات الفتح خلف (ل) تجملا]
لما كانت الهمزة حرفا جلدا على اللسان فى النطق بها كلفة بعيد المخرج يشبه بالسعلة لكونه نبرة من الصدور توصل إلى تخفيفه فسهل النطق به كما تسهل الطرق الشاقة والعقبة المتكلف صعودها. فلهذا سمى تخفيفها تسهيلا، ثم تخفيفها يكون على ثلاثة أنواع: الإبدال والنقل، وجعلها بين بين، وتجتمع الأنواع الثلاثة فى باب وقف حمزة وهشام، وللنقل باب مختص به والإبدال له باب الهمز المفرد، وهو يقع فى المتحركة والساكنة. وأما النقل وبين بين فلا يكونان إلا فى المتحركة وهذا الباب وما بعده مختصان بما يسهل بين بين، ويقع فيهما ذكر الإبدال قليلا، ولفظ التسهيل وإن كان يشمل هذه الأنواع الثلاثة تسمية من حيث اللغة والمعنى، إلا أنه قد صار فى اصطلاح القراء وكثرة استعمالهم وتردّده فى كلامهم كالمختص ببين بين: أى تكون الهمزة بينها وبين الحرف الذى منه حركتها، وقد بين ذلك فى آخر الباب الذى بعد هذا.
ثم الهمزة الأولى فى هذا الباب لا تكون إلا مفتوحة محققة إلا أن يأتى قبلها ساكن فتنقل حركتها إليه فى مذهب من يرى ذلك بشرطه نحو:
{(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ} [5] {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} [6] {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ} [7]).
وهذا سيأتى ذكره فى بابه إن شاء الله تعالى. وأخرى: بمعنى أخيرة، أى الهمزة الأخيرة من همزتين واقعتين بكلمة وهى الثانية، والأصل: الأخرى تأنيث آخر بفتح الخاء كقوله تعالى:
__________
(1) سورة الزخرف، آية: 22.
(2) سورة الزخرف، آية: 58.
(3) سورة السجدة، آية: 24.
(4) سورة طه، آية: 22.
(5) سورة آل عمران، آية: 15.
(6) سورة البقرة، آية: 140.
(7) سورة فصلت، آية: 9.(2/127)
{(وَلَقَدْ مَنَنََّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى ََ} [1]).
ثم استعملت أخرى بمعنى أخيرة كقوله تعالى:
{(وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى ََ} [2]).
وقال تعالى فى موضع آخر:
{(ثُمَّ اللََّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [3]).
فقابل بهما سبحانه لفظ الأولى فى قوله تعالى:
{(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى ََ} [4]).
وقال تعالى أيضا:
{(قََالَتْ أُخْرََاهُمْ} و {قََالَتْ أُولََاهُمْ لِأُخْرََاهُمْ} [5]).
أى الفرقة المتقدمة للفرقة المتأخرة، ومنه قوله: جاء بى فى أخريات الناس: أى أواخرهم، ولا أفعله أخرى الليالى: أى أبدا.
فالهمزة الأخيرة من همزتين وهى الثانية، تستهيلها بأن يجعل لفظها بين الهمزة والألف إن كانت مفتوحة، وبين الهمزة والياء إن كانت مكسورة، وبين الهمزة والواو إذا كانت مضمومة، والذين فعلوا هذا التسهيل مدلول قوله سما وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو، وسما خبر قوله: وتسهيل أخرى همزتين وإنما صح الابتداء بلفظ تسهيل، وهو نكرة لتخصيصه بإضافته إلى مضاف إلى موصوف إن جعلنا بكلمة صفة لهمزتين: أى كائنتين بكلمة كقولك: بيت رجل ذى علم مقصود، ويجوز أن تجعل بكلمة صفة تسهيل: أى وتسهيل واقع بكلمة فى همزة ثانية سما: أى ارتفع شأنه وظهر وجهه، وعليه أكثر العرب، واختارته الأئمة من أهل العربية، لأنهم إذا كانوا يستثقلون الهمزة المفردة فيخففونها بجميع أنواع تخفيفها فما الظن بما إذا اجتمعت مع همزة أخرى وقراءة باقى القراء بتحقيق الهمزة الثانية كالأولى؟ فضد التسهيل تركه، وهو إبقاء الهمز على حاله، وهذا الخلاف مختص بالهمزة المتحركة لأنها هى التى يمكن جعلها بين بين.
أما إذا كانت ساكنة فإبدالها واجب على ما يأتى فى موضعه.
قوله: وبذات الفتح: أى وبالهمزة الأخيرة ذات الفتح على حذف الموصوف: أى وبالهمزة المفتوحة خلف لهشام فى التسهيل والتحقيق، واللام فى لتجملا رمز لهشام، والضمير فيها يرجع إلى الهمز أو إلى الكلمة، وهو متعلق بالتسهيل لأنه مصدر: أى وسهلت الهمزة الأخيرة لتجمل، لأن تسهيلها يخفف النطق بها فهو جمال لها، ولا يتعلق بالاستقرار المتعلق به وبذات الفتح، لأنه ليس فى الخلف جمال لها، والجمال: الحسن، وقد جمل الشيء بالضم فهو جميل، وسيأتى لهشام تسهيل موضع من المكسورة وموضعين من المضمومة بخلاف عنه فيهما؟ كما أن الخلاف عنه فى المفتوحة، لكنه استوعبها بالتسهيل لثقل اجتماع المثلين، وليس فى كتاب التيسير
__________
(1) سورة طه، آية: 38.
(2) سورة النجم، آية: 47.
(3) سورة العنكبوت، آية: 20.
(4) سورة الواقعة، آية: 62.
(5) سورة الأعراف، آية: 38، 39.(2/128)
والعنوان والمستنير غيره، وكذا ذكر ابنا غلبون ومكى والمهدى وابن شريح، وذكر له التحقيق ابن مجاهد والنقاش، وصاحب الروضة. وممن لم يذكر له إلا التحقيق أبو معشر وابن مريم والشيخ أبو محمد البغدادى، وهو رواية إبراهيم بن عباد عن هشام. وذكر الوجهين أبو على الأهوازى وابن رضوان وابن الفحام والحافظ أبو العلا الهمدانى، والله أعلم:
184 [وقل ألفا عن أهل مصر تبدّلت ... لورش وفى بغداد يروى مسهّلا]
ألفا مفعول تبدلت: أى تبدلت الهمزة الثانية المفتوحة ألفا لورش، قل ذلك عن أهل مصر: أى انقله عنهم وانسبه إليهم، والضمير فى يروى عائد على المذكور وهى الهمزة بالصفة المتقدمة: أى يروى ذلك مسهلا أى بين بين كما سبق، وهى رواية العراقيين وغيرهم، وإنما ذكر يروى بعد تأنيث تبدلت، والضمير فيهما للهمزة لأجل قوله مسهلا، ثم رجع إلى التأنيث فى البيت الآتى فقال: وحققها فى فصلت، فالتأنيث الأصل، والتذكير على تأوّل يروى ذلك كما تقدم، أو يروى الهمز والتسهيل هو الوجه المختار الجارى على القياس.
وأما البدل فى مثل هذا فلا يكون إلا سماعا، لأنه على خلاف قياس تخفيف الهمز على ما سيأتى بيانه فى باب وقف حمزة.
وقد قيل: إنه لغة لبعض العرب فعلى هذا إن كان بعد الهمزة الثانية المبدلة ساكن طوّل المد لأجله نحو:
{(أَأَنْذَرْتَهُمْ} [1]).
أخذا من قوله: وعن كلهم بالمد ما قبل ساكن. وعلى رواية التسهيل لا مد، لأن المسهلة بزنة المحققة.
وقيل يمد لأن المسهلة قريبة من الساكنة ولهذا لاتبتدأ بها، وليس فى القرآن متحرك بعد الهمزتين فى كلمة سوى موضعين الذى فى هود، وهو قوله تعالى:
{(أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} [2] و {أَأَمِنْتُمْ} [3]) فى تبارك.
فهذه أصول مطردة لمن حقق أو سهل أو أبدل تأتى فى جميع المواضع.
ثم ذكر التى خرج فيها بعضهم عن أصله وكان الخلاف فيها غير الخلاف المقدم ذكره، وهى تسعة مواضع فى طريقته، وبعضهم زاد عليها، وإنما ذكرها صاحب التيسير فى سورها فقال:
185 [وحقّقها فى فصّلت (صحبة) ء أع ... جمىّ والأولى أسقطنّ (ل) تسهلا]
أى وحقق الهمزة الثانية التى هى ذات الفتح فى حرف فصلت صحبة فقرءوا:
{(ءَ أَعْجَمِيٌّ} [4]).
وخالف ابن ذكوان وحفص أصلها فسهلاها كما يقرؤها ابن كثير، وأسقط هشام الأولى فقرأ على لفظ الخبر: أى هو أعجمى وعربى، أو والرسول عربى، أو يكون معنى الاستفهام باقيا، وإن سقطت همزته للعلم بها من قرينة الحال كنظائر له فيتفق حينئذ معنى القراءتين، والاستفهام هنا للإنكار.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 6.
(2) آية: 72.
(3) آية: 16.
(4) سورة فصلت، آية: 44.(2/129)
ويجوز أن يكون قوله أعجمى بدلا من حرف فصلت، أو عطف بيان له، وفصل بينهما بفاعل حققها وهو صحبة ضرورة، ولك أن تجعله خبر مبتدإ محذوف: أى هوء أعجمى، وقوله لتسهلا: أى لتركب الطريق السهل أو لتسهل اللفظ بإسقاطها، ثم إن الناظم رحمه الله بعد ذكره لحرف فصلت أتبعه ما وقع فيه الخلاف بعده فلهذا ذكر ما فى الأحقاف ونون، ثم ذكر ما قبل فصلت على الترتيب فقال:
186 [وهمزة أذهبتم فى الأحقاف شفّعت ... بأخرى (ك) ما (د) امت وصالا موصّلا]
شفعت: أى جعلت شفعا بزيادة همزة التوبيخ عليها، ابن كثير وابن عامر يقرءانها بهمزتين وكل واحد منهما على أصله من التحقيق والتسهيل وإدخال الألف بينهما على ما يأتى، فالتحقيق لابن ذكوان، ولهشام التسهيل وإدخال الألف، ولابن كثير التسهيل من غير ألف، ولم أر فى تصانيف من تقدم الناظم من ذكر لهشام التحقيق هنا، فإن كان فالمد معه، ولكن ليس هذا مما يؤخذ قياسا، ألا ترى أن ابن عامر بكماله شفع فى نون مع التسهيل كما يأتى.
وظاهر نظم الشاطبى أن وجه التحقيق لهشام يجرى هنا لإطلاقه القول فى ذلك وإجماله له مع أنه بين الذى فى سورة ن، وللحافظ أبى عمرو الدانى رحمه الله كتاب مستقل فى إيضاح مذاهب القراء فى الهمزتين الملتقيتين فى كلمة أو كلمتين متفقتين أو مختلفتين، فحكى فيه عن ابن ذكوان فى:
{(أَذْهَبْتُمْ} [1]).
وجهين: أحدهما تحقيق الهمزتين، والثانى بهمزة ومدة.
قال: واختلف أصحاب هشام عنه، فروى الحلوانى عنه بهمزة مطولة قال: يعنى أنه حقق همزة الاستفهام وسهل همزة القطع بعدها فجعلها بين بين، وأدخل ألفا فاصلة بينهما طردا لمذهبه فى سائر الاستفهام. وقال أحمد ابن يونس: حدثنا هشام عن أصحابه عن ابن عامر أأذهبتم بهمزتين ولم يذكر فصلا بينهما.
قلت: ولم يذكر تحقيقا ولا تسهيلا، والظاهر التسهيل توفيقا بين الروايتين ويصدق على ذلك إطلاق عبارة الهمزتين. قال الدانى: وقياس رواية إبراهيم بن عباد عن هشام أن يحققها ويفصل بألف بينهما، وقوله كما دامت نعت لمصدر محذوف: أى شفعت تشفيعا دائما دواما كدوام همزة أذهبتم فى نفسها: أى ثابتا ثباتا كثباتها:
والمعنى أن ثبات التشفيع فى قراءة ابن عامر وابن كثير كثبات همزة أذهبتم لا تبرح ولا تذهب، أو شفعت بأخرى دائمة كدوامها فتواصلا وصالا موصلا ينقله بعض القراء إلى بعض. وقيل كما دامت كذلك مشفعة بهمزة التوبيخ مواصلة لها فى مواضع كثيرة نحو:
{أَأَشْفَقْتُمْ} [2]).
ويؤيده قوله فى آخر السورة:
{(أَلَيْسَ هََذََا بِالْحَقِّ} [3]).
__________
(1) سورة الأحقاف، آية: 20.
(2) سورة المجادلة، آية: 13.
(3) سورة الأحقاف، آية: 34.(2/130)
ولا يمتنع الاستفهام بطريق التوبيخ عما وجد وكان كقوله تعالى:
{(أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ} [1] {أَكَذَّبْتُمْ بِآيََاتِي} [2]).
ووجه القراءة على الخبر ظاهر والله أعلم.
187 [وفى نون فى أن كان شفع حمزة ... وشعبة أيضا والدّمشقى مسهّلا]
أى وفى حرف نون، ثم أبدل منه قوله فى أن كان بإعادة حرف الجر، يريد قوله تعالى:
{(أَنْ كََانَ ذََا مََالٍ وَبَنِينَ} [3]).
أى لا تطعه لأن كان ذا مال ومن زاد همزة الإنكار فمعناه ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه؟ فحمزة وأبو بكر وهو شعبة عن عاصم زادا همزة وحققاهما على أصلهما، والدمشقى وهو ابن عامر زاد همزة وسهل الثانية: أى وشفع الدمشقى فى حال تسهيله. خالف أصله، فسهل هذا الموضع بلا خلاف، وهشام يدخل ألفا بين الهمزتين على أصله كما يأتى وابن ذكوان يقرأ هنا كابن كثير فى غير هذا الموضع.
وذكر صاحب التيسير فى سورة فصلت قال: على أن بعض أهل الأداء من أصحابنا يأخذ لابن ذكوان بإشباع المد هنا، يعنى فىء أعجمى وفىء أن كان ذا مال قياسيا على مذهب هشام، قال: وليس ذلك بمستقيم من طريق النظر، ولا صحيح من جهة القياس، وذلك أن ابن ذكوان لما لم يفصل بهذه الألف بين الهمزتين فى حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما فى حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح فى مذهبه.
188 [وفى آل عمران عن ابن كثيرهم ... يشفّع أن يؤتى إلى ما تسهّلا]
أى مضافا إلى ما تسهلا فى مذهبه: أى أنه وإن شفع:
{(أَنْ يُؤْتى ََ أَحَدٌ} [4]).
فهو يسهل الثانية على أصله، وقراءة الباقين فى هذه المواضع الثلاثة أذهبتم وأن كان وأن يؤتى بعدم التشفيع وهو الإتيان بهمزة واحدة، وصاحب التيسير يعبر عن مذهب من سهل فى هذه المواضع بهمزة ومدة، ومراده بين بين، والله أعلم.
189 [وطه وفى الأعراف والشّعرا بها ... ء آمنتم للكلّ ثالثا ابدلا]
أى وطه بها وفى الأعراف والشعراء لفظ آمنتم، وقيل بها: أى بهذه السور الثلاث على زيادة فى من قوله وفى الأعراف، ووجه الكلام: وطه والأعراف والشعراء بهاء آمنتم، ولو قال مع الأعراف لما احتاج إلى هذا التكلف، وثالثا نصب على التمييز، وقد تقدم على عامله، وفى جواز مثل ذلك خلاف النحويين، ولو قال ثالثه أبدلا لخلص من ذلك وظهر المراد، ولكن فيه وصل همزة القطع، ومثل ذلك فى التمييز قولك زيد ضربته ظهرا لأن الظهر بعضه، وكذا ثالث حروف أآمنتم بعضها، وقيل هو نصب على الحال: أى أبدل
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 106.
(2) سورة النمل، آية: 84.
(3) سورة القلم، آية: 14.
(4) سورة آل عمران، آية: 73.(2/131)
همزه فى حال كونه ثالثا، ولا دليل على هذا، بل الضمير فى أبدل يعود إلى المذكور وهو أآمنتم وأصل آمن أأمن بهمزة ثانيا ساكنة ثم دخلت همزة الترفيع فاجتمعت ثلاث همزات فأبدلت الثالثة ألفا بلا خلاف لسكونها وانفتاح ما قبلها، والثانية مختلف فى تسهيلها على ما سنذكر، فعلى قراءة من سهلها يكون قد اجتمع همزتان مخففتان ليس بينهما حاجز، وقد جرى بمجلس أبى محمد مكى ذكر اجتماع همزتين مخففتين فى القرآن ليس بينهما حاجز فى قراءة ورش، فأجاب بأربعة أوجه: اثنان منها نقلت حركة الأولى إلى ساكن قبلها، والثانية مسهلة بين بين، أو مبدلة نحو:
{(قُلْ أَأَنْتُمْ} [1] {مَنْ آمَنَ} [2]).
والثالث منها: الأولى بين بين، والثانية مبدلة وهى:
(أآمنتم (3) {آلِهَتُنََا خَيْرٌ} [4]) والرابع نحو: {(مِنَ السَّمََاءِ آيَةً} [5] و {هََؤُلََاءِ آلِهَةً} [6]).
الأولى من آية وآلهة مبدلة ياء وبعدها ألف منقلبة من همزة، والله أعلم.
190 [وحقّق ثان (صحبة) ولقنبل ... بإسقاطه الأولى بطه تقبّلا]
أى وحقق الهمزة الثانية من: أآمنتم صحبة على أصولهم، وسهلها الباقون بين بين، ومن أبدل لورش الثانية فى نحو: ء أنذرتهم ألفا أبدلها أيضا ألفا ثم حذفها هنا لأجل الألف التى بعدها نص عليه أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز، فتبقى قراءة ورش على هذا على وزن قراءة حفص بإسقاطه الهمزة الأولى كما يأتى، فلفظهما متحد، وأخذهما مختلف.
واعلم أن كل من أسقط الهمزة الأولى حقق الثانية أيضا، وهو حفص فى المواضع الثلاثة، وقنبل فى طه كما يأتى، فليس تحقيق الثانية من خصائص صحبة إلا بتقدير اجتماعها مع الأولى، فإذا سقطت الأولى فالثانية فى قراءة صحبة صارت أولى لمن أسقط الأولى، ومدلول صحبة هم حمزة والكسائى وأبو بكر، وقال ثان لأنه أراد الحرف ولم ينصبه ضرورة كما قال الآخر: لعلى أرى باق على الحدثان، وقنبل أسقط الأولى فى طه وحقق الثانية فقرأ على لفظ الخبر.
وفيه أيضا معنى التقريع والتوبيخ وإن انحذفت همزته، كما يبقى معنى الاستفهام بعد حذف همزته، لأن قرينة الحال دالة عليها، والضمير فى تقبلا للفظ أآمنتم: أى تقبل هذا الحرف لقنبل بسبب إسقاطه الأولى منه بسورة طه، وقيل الضمير فى تقبل يعود إلى الإسقاط وليس بشيء.
191 [وفى كلّها حفص وأبدل قنبل ... فى الأعراف منها الواو والملك موصلا]
أى وفى المواضع الثلاثة أسقط حفص الهمزة الأولى كما فعل قنبل فى طه، وأبدل قنبل فى سورة الأعراف منها: أى من الأولى واوا، لأن ما قبلها ضمة فى:
{(قََالَ فِرْعَوْنُ} [7]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 140.
(2) سورة البقرة، آية: 62.
(3) سورة الأعراف، آية: 132.
(4) سورة الزخرف، آية: 58.
(5) سورة الشعراء، آية: 40.
(6) سورة الأنبياء، آية: 199.
(7) سورة الأعراف، آية: 132.(2/132)
والهمزة المفتوحة بعد الضمة إذا أريد تسهيلها قلبت واو، وفى سورة الملك:
{(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمََاءِ} [1]).
أبدل أيضا قنبل من همزتها الأولى واوا كذلك، لأن قبلها:
{(وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [2]).
والهمزة الثانية فى الموضعين يسهلها بين بين على أصله، وهو فى التى فى الشعراء يقرأ كما يقرأ من يحقق الثانية، فقد غاير فى قراءته بين المواضع الثلاثة فى الهمزة الأولى، فأسقطها فى طه، وأبدلها فى الأعراف، وأثبتها فى الشعراء، وحكم ما فى الملك حكمء أنذرتهم وشبهه، لأن ليس فيها إلا همزتان، ولم يكن له حاجة بذكر التى فى الملك هنا، فإنها ليست بلفظ هذه الكلمة، ولأنه قد أفرد لها بيتا فى سورتها، فلو قال هنا فى الأعراف منها الواو فى الوصل موصلا بفتح الصاد من موصلا لكان أولى وأبين، وقوله موصلا بكسر الصاد حال من قنبل:
أى أبدل الأولى موصلا لها إلى ما قبلها، احترز بذلك من الوقف على فرعون أو النشور، فإنه لو ابتدأ بما بعدهما لم يكن إبدال لانفصال الضمة من الهمزة، والناظم رحمه الله يستعمل كثيرا فى هذه القصيدة موصلا بمعنى واصلا كما يأتى فى البقرة والنمل. وفيه نظر، فإن موصلا اسم فاعل من أوصله: إذا بلغه، ويقال وصله به، ومنه الواصلة للشعر، ويقرن لفظ الوصل بالإيصال.
ووجه الاعتذار له أنهما يتلاقيان فى المعنى، لأن الشيء إذا أوصلته إلى الشيء فقد وصلته به. وكان يمكنه من جهة وزن الشعر أن يقول واصلا، ولكنه عدل عنه تجنبا للسناد الذى هو عيب من عيوب القوافى وهو تأسيس بعضها دون بعض.
192 [وإن همز وصل بين لام مسكّن ... وهمزة الاستفهام فامدده مبدلا]
هذه مسألة ليست فى كتاب التيسير فى هذا الباب، وإنما ذكرها فى سورة يونس تبعا لذكر نقل الحركة لنافع فى:
{(آلْآنَ} [3]).
ولم يجعل هذه المسألة أصلا، فلم يذكرها هنا ولا فى سورة الأنعام لأنها مما أجمع القراء عليه، ولم توضع كتب القراءات إلا لبيان الحروف المختلف فيها لا المتفق عليها، ولكن جرت عادة أكثر المصنفين أن يذكروا فى بعض المواضع من المتفق عليه ما يشتد إلباسه بالمختلف فيه ليحصل التمييز بينهما، وهذا الموضع من ذلك القبيل، ومنه ما ذكر فى آخر باب الهمز المفرد والإدغام الصغير، ومسألة:
{(لََا تَأْمَنََّا} [4]).
فى يوسف وغير ذلك. قوله: وإن همز وصل يعنى وإن وقع همز وصل، فحذف الفعل ولم يذكر له مفسرا ظاهرا، وكذا فى قوله فى الباب الذى بعد هذا: وإن حرف مد قبل همز مغير، ولا بد بعد إن الشرطية من وقوع صريح أو مقدر بمفسر ظاهر نحو:
__________
(1) آية: 16، 17.
(2) الآية: 15.
(3) سورة يونس، آية: 91.
(4) آية: 11.(2/133)
{(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ} [1]).
ومن العجز من شعر الحماسة (2):
إن ذو لوثة لاثا
ووجه ما ذكره أن الظرف فى البيتين دال على المفسر، وهو ما يتعلق الظرف به فالتقدير: وإن همز وصل وقع بعد لام إلى آخره، وإن حرف مد وقع قبل همز مغير، وأراد أن همزة الوصل التى دخلت على لام التعريف إذا دخل عليها همزة الاستفهام أبدلت ألفا ومدت لأجل سكون اللام بعدها وكان القياس أن تحذف همزة الوصل، لأنه استغنى عنها بدخول همزة الاستفهام عليها، كما فى قوله:
{(أَفْتَرى ََ عَلَى اللََّهِ كَذِباً} [3]) فى سورة سبأ {(أَصْطَفَى الْبَنََاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [4]).
ولكن فى لغة العرب الفرق بينهما، لأنها لو حذفت مع لام التعريف لاقتبس الاستفهام بالخبر لأن همزة الوصل فيه مفتوحة كهمزة الاستفهام، وهى فى (أفترى، وأصطفى) مكسورة، ففتح همزتها دليل على أنها للاستفهام لا للخبر، فأعرضت العرب عن حذف همزة الوصل مع لام التعريف إذا دخل الاستفهام عليها وأبدلتها ألفا، والهاء فى قوله: فامدده لهمز الوصل، وكذا فى قوله ويقصره فى البيت الآتى، وهو مجاز، فإن الهمزة لا تقبل المد ولا القصر كسائر الحروف غير حروف العلة الثلاثة، ولكن أطلق عليه صفة ما يبدل منه وهو الألف، ومبدلا حال؟ ولو كان بفتح الدال لقوى هذا المعنى. ويجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس، كأنه أراد:
فأبدله مادا أى حرف مد، وهذا هو حقيقة المعنى المراد، وجملة ما وقع فى القرآن من ذلك ستة مواضع متفق عليها، وهى:
{(آلذَّكَرَيْنِ} [5]).
موضعان فى الأنعام:
{(آلْآنَ} [6]).
موضعان فى يونس، وفيها:
{(آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [7]) وفى النمل {(آللََّهُ خَيْرٌ} [8]).
وفى يونس موضع سابع مختلف فيه وهو:
{(السِّحْرُ إِنَّ اللََّهَ سَيُبْطِلُهُ} [9]).
فهو فى قراءة أبى عمرو من هذا الباب، وهو فى قراءة الباقين خبر، والله أعلم:
__________
(1) سورة التوبة، آية: 6.
(2) أوله (إذا لقام بنصرى معشر ... خشن عند الحفيظة).
(3) آية: 8.
(4) سورة الصافات، آية: 153.
(5) آية: 143.
(6) آية: 51و 91.
(7) سورة يونس، آية: 9.
(8) سورة النمل، آية: 59.
(9) سورة يونس، آية: 81.(2/134)
193 [فللكلّ ذا أولى ويقصره الّذى ... يسهّل عن كلّ كالآن مثّلا]
أى فهذا الوجه أولى لكل القراء: أى إبدال همزة الوصل هنا ألفا أولى من تسهيلها بين بين كما ذكر بعضهم عن كل القراء أيضا، لأن همزة الوصل لا قدم لها فى الثبوت فتسهل، والقائل بالتسهيل لا يمد، لأن المسهلة بزنة المحققة، فلم يجتمع ساكنان بدليل اتزان الشعر فى نحو قوله:
* أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به (1) * سواء أنشدت الثانية محققة أو مسهلة بين بين مع أن بعدها نونا ساكنة. ويحتمل أن يقال بالمد على مذهب التسهيل تخريجا من الوجه المحكى فى أوّل الباب على قراءة ورش، وهذا فى مد يكون فاصلا بين المسهلة والساكن بعدها، أما المد الذى يفصل بين المحققة والمسهلة لثقل اجتماعهما على ما سيأتى فلا جريان له هنا على مذهب التسهيل، وقد بينه فى البيت الآتى، وقوله: عن كل يتعلق بيسهل أو بيقصر، وقوله كالآن خبر مبتدإ محذوف: أى وذلك كالآن، ثم استأنف جملة خبرية بقوله مثلا. أى حصل تمثيل ذلك بما ذكرناه قال بآلآن مثلا لكان المعنى ظاهرا ولم يحتج إلى هذه التقديرات، والله أعلم.
194 [ولا مدّ بين الهمزتين هنا ولا ... بحيث ثلاث يتّفقن تنزّلا]
هنا، يعنى فى هذا الذى سهلت فيه همزة الوصل: أى من مذهبه المد بين الهمزتين على ما سيأتى لا يفعل ذلك هنا، لأن همزة الوصل لا قدم لها فى الثقل، لأن ثبوتها عارض وحقها الحذف فى الوصل وكذلك لا مد بين الهمزتين فى كلمة اجتمع فيها ثلاث همزات، وذلك لفظان:
(أآمنتم).
فى الأعراف وطه والشعراء:
{(أَآلِهَتُنََا خَيْرٌ} [2]).
فى الزخرف، فالهمزة الثالثة مبدلة ألفا بإجماع على ما تقدم بيانه، وسيأتى أيضا فى سورة الزخرف، والثانية مختلف فى تحقيقها وتسهيلها، ولم يمد أحد بينهما وبين الأولى خوفا من ثقل الكلمة باجتماع همزتين بينهما همزة، وقيل لئلا يجمعوا بين أربع ألفات وليس فى ذلك اللفظ أربع ألفات، وإنما فيه همزتان وألفان، نعم فى الخط ألفان هما صورة الهمزتين، وقوله: بحيث ثلاث، ثلاث مرفوع بالابتداء، ولا يجوز جرها بإضافة حيث إليها، لأن حيث إنما تضاف إلى الجمل لا إلى المفردات، وقد شذ ما لا قياس عليه، ويتفقن صفة ثلاث، والخبر محذوف:
أى مجتمعة، وقد كثر حذف الخبر بعد حيث لدلالة الكلام عليه، ولا يكون يتفقن خبرا لئلا يبقى الابتداء بنكرة من غير وجود شرطها، وإدخال الباء على حيث كإدخال من عليها فى نحو:
{(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [3]).
ونصب تنزلا على التمييز: أى اتفق نزولهن، والله أعلم.
__________
(1) بيت شعر الأعشى ميمون، وآخره:
ريب النون ودهر مفند خبل
(2) الآية: 58.
(3) سورة البقرة، آية: 149.(2/135)
195 [وأضرب جمع الهمزتين ثلاثة ... ء أنذرتهم أم لم أئنّا أءنزلا]
أى أن اجتماع الهمزتين فى كلمة واحدة يأتى فى القرآن على ثلاثة أضرب، ثم بينها بالأمثلة، والهمزة الأولى مفتوحة فى الأضرب الثلاثة، والثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وكان الأولى تقديم هذا البيت فى أول الباب، وإنما احتاج إلى ذكر هذا التقسم ليبنى عليه الخلاف فى المد بين الهمزتين كما سيأتى، وموضع قوله:
{(أَأَنْذَرْتَهُمْ)}.
وما بعده رفع على أنه خبر مبتدإ محذوف، تقديره: أمثلتها كذا وكذا على حذف حرف العطف، وأم لم تتمة لقوله أأنذرتهم احتاج إليها الوزن الشعر، ولا مدخل لها فى الأضرب الثلاثة، فقوله {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فى سورة البقرة ويس مثال المفتوحتين:
{(أَإِنََّا لَتََارِكُوا آلِهَتِنََا} [1]).
ونحوه مثال ما الثانية فيه مكسورة والأولى مفتوحة، وقوله أءنزل عليه الذكر مثال ما الثانية فيه مضمومة والأولى مفتوحة فى الجميع ولا تكون إلا همزة الاستفهام والله أعلم.
196 [ومدّك قبل الفتح والكسر (ح) جّة ... ب (ها (ل) ذّ وقبل الكسر خلف له ولا]
أى قبل ذات الفتح وذات الكسر، يعنى أن أبا عمرو وقالون وهشاما مدوا قبل الهمزة الثانية المفتوحة وقبل المكسورة، وحجة خبر قوله ومدك على تقدير حذف مضاف: أى ذو حجة، وهى إرادة الفصل بين الهمزتين لثقل اجتماعهما، ولأن الأولى ليست من بنية الكلمة، ففصل بينهما ايذانا بذلك ولهذا ضعف المد فى كلمة أئمة، لأن الأولى من بنية الكلمة وهى لغة فاشية، قال ذو الرمة:
* (2) آأنت أم أمّ سالم
«بهالذ» أى الجأ إليها وتمسك بها، ثم قال. وقيل ذات الكسر خلف لهشام إلا فيما يأتى ذكره، والهاء فى له يعود على الخلف، والولا: النصر: أى لكل وجه دليل ينصره، والله أعلم.
197 [وفى سبعة لا خلف عنه بمريم ... وفى حرفى الأعراف والشّعرا العلا]
لا خلف لهشام فى مد هذه السبعة، أو يكون التقدير: وفى مد سبعة لا خلف عنه، ثم بينها بما بعدها: أى هى بمريم، أو يكون قوله بمريم بدلا من قوله وفى سبعة، لأن معنى مريم أى بمريم لا خلف عنه فى المد، وكذا فى حر فى الأعراف وما بعد ذلك، والذى فى مريم قوله تعالى:
{(أَإِذََا مََا مِتُّ} [3]).
وفى الأعراف موضعان:
__________
(1) سورة الصافات، آية: 36.
(2) أوله: أيا ظبية الوعاء بين جلاجل. وبين النقا
(3) آية: 66.(2/136)
(أئنكم لتأتون (1) أئن لنا لأجرا (2)) وفى الشعراء (أئن لنا لأجرا (3)).
والعلا نعت السور الثلاث، فهذه أربعة مواضع من السبعة، ثم قال:
198 [أئنّك آئفكا معا فوق صادها ... وفى فصّلت حرف وبالخلف سهّلا]
يريد قوله تعالى فى والصافات:
{(أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [4] {أَإِفْكاً آلِهَةً} [4]).
أى وفى أءنك أئفكا، وقوله معا حال منهما، كما تقول جاء زيد وعمرو معا: أى مصطحبين: أى إنهما فى سورة واحدة فوق صادها وهى سورة الصافات، وفى قوله معا يوهم أن أئفكا موضعان كقوله:
(نعما).
معا فلو قال موضعها هما فوق صادها لزال الإيهام، والضمير فى صادها لسور القرآن، وفوق ظرف للاصطحاب الذى دل عليه معا. أى اصطحبا فوق صادها أو ظرف الاستقرار: أى ولا خلف فى مد أئنك أئفكا اللذين فوق صادها، وفى فصلت خرف وهو:
{(أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ} [6]).
وبالخلف سهلا: أى روى عن هشام تسهيله ولم يسهل من المكسور وغيره، وفى جميع المفتوح خلف مقدم سوى حرف نون والأحقاف وأأعجمى وأ أمنتم، ولم يذكر صاحب التيسير فى حرف فصلت لهشام غير التسهيل، ولم يذكر صاحب الروضة فيه لابن عامر بكماله غير التحقيق.
فإن قلت: من أين يعلم أن لهشام المد فى هذه المواضع السبعة بلا خلاف وكل واحد من الأمرين محتمل لأنه ذكر الخلاف له فى المد قبل المكسور واستثنى هذه المواضع فمن أين تعلم المدّ دون القصر.
قلت: هذا سؤال جيد. وجوابه أنه قد قدم أنه يمد قبل الفتح والكسر، ثم استثنى الخلاف له قبل الكسر إلا فى سبعة، فلو لم يذكر الخلف فى المكسورة لأخذنا له المد فى الجمع عملا بما ذكر أولا، فغايته أنه عين ما عدا السبعة للخلاف، فنزل هذا منزلة استثناء من استثناء، فكأنه قال يمد مطلقا إلا قبل الكسر فإنه لا يمد إلا فى سبعة مواضع، فمعناه أنه يمد فيها لأن الاستثناء من النفى إثبات، على أنه لو قال سوى سبعة فالمد حتم بمريم لزال هذا الإشكال، والله أعلم.
199 [وآئمّة بالخلف قد مدّ وحده ... وسهّل (سما) وصفا وفى النّحو أبدلا]
لم يمد هنا بين الهمزتين غير هشام بخلاف عنه، لأن الأولى من بنية الكلمة كما سبق ذكره، ولأن الهمزة الثانية حركتها عارضة فلم يتحكم ثقلها إذا أصلها السكون، وذلك أن أئمة جمع إمام وأصله أئمة على وزن مثال
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 81.
(2) سورة الأعراف، آية: 113.
(3) الآية: 41.
(4) الآية: 52و 86.
(6) الآية: 9.(2/137)
وأمثلة، ثم نقلت حركة الميم إلى الهمزة فانكسرت وأدغم الميم فى الميم، فمن حقق فعلى هذا وهم الكوفيون وابن عامر على أصولهم، ومن سهل أيضا فهو على أصله وهم مدلول سما إذ قد اجتمع همزتان متحركتان الآن، ولا نظر إلى كون الحركة عارضة، فإن ذلك الأصل مرفوض. وقوله: أئمة مفعول مقدم بالخلف: أى مدها مدا ملتبسا بالخلف، ووصفا تمييز: أى سما وصف التسهيل. ثم قال: وفى النحو أبدلا: أى رأى أهل النحو إبدال الهمزة ياء فى أئمة، نص على ذلك أبو على فى الحجة والزمخشرى فى مفصله «ووجهه النظر إلى أصل الهمزة وهو السكون، وذلك يقتضى الإبدال مطلقا، وتعينت الياء هنا لانكسارها الآن فأبدلت ياء مكسورة، ثم لم يوافق أبو القاسم الزمخشرى أهل النحو فى ذلك واختار مذهب القراء، فقال فى تفسيره فى سورة براءة فى قوله تعالى:
{(فَقََاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [1]).
فإن قلت: كيف لفظ أئمة.
قلت: همزة بعدها همزة بين بين: أى بين مخرج الهمزة والياء، وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة وإن لم تكن مقبولة عند البصريين.
قال وأما التصريح بالياء فليس بقراءة. ولا يجوز أن تكون، ومن صرح بها فهو لاحن محرف.
قلت: ولم يذكر صاحب التيسير إبدالها ياء ولا ذكر مسألة أئمة فى هذا الباب، وإنما ذكرها فى سورة براءة، ولفظ الناظم بأئمة على قراءة هشام بالمد، والضمير فى قوله: أبدلا للمسهل المفهوم من قوله وسهل وهو الهمز المكسور.
وقال ابن جنى فى باب شواذ الهمز من كتاب الخصائص: ومن شواذ الهمز عندنا قراءة الكسائى أئمة بالتحقيق فيهما، فالهمزتان لا تلتقيان فى كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين نحو: سأال وسأار وجأار. وأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا وليس لحنا، وذلك نحو، قرأ أبوك و:
{(السُّفَهََاءُ أَلََا} [2] {وَيُمْسِكُ السَّمََاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} [3] و {أَنْبِئُونِي بِأَسْمََاءِ هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [4]).
فهذا كله جائز عندنا على ضعف، لكن التقاؤهما فى كلمة واحدة غير عينين لحن إلا ما شذ مما حكيناه فى خطاء وبابه.
200 [ومدّك قبل الضّمّ (ل) بّى (ح) بيبه ... بخلفهما (ب) رّا وجاء ليفصلا]
مضى الكلام فى المد قبل الفتح والكسر، ثم ذكر المد قبل الضم، فنص على أن لهشام وأبى عمرو خلافا فى ذلك، ولم يذكر عن قالون خلافا فى المد، وقد ذكره ابن الفحام فى تجريده. وأما أبو عمر فالمشهور عنه
__________
(1) الآية: 12.
(2) سورة البقرة، آية: 13.
(3) سورة الحج، آية: 65.
(4) سورة البقرة، آية: 27.(2/138)
ترك المد ولم يذكر له صاحب التيسير غيره، وذكره غيره. وأما هشام فله ثلاثة أوجه: اثنان كالوجهين عن أبى عمرو، والثالث فصله فى البيت الآتى، والهاء فى حبيبه تعود إلى المد: أى لباه حبيبه، ويكون الحبيب كناية عن القارئ كأن المد ناداه ليجعله فى قراءته فأجابه بالتلبية والقبول له، وبرا حال من حبيبه: أى لباه فى حال بره وشفقته عليه، أو يكون برا مفعول لبى حبيبه قارئا بارا بالمد مختارا له. والبر والبار. بمعنى واحد، وهو ضد العاق المخالف، والضمير فى جاء للمد: أى جاء المد للفصل بين الهمزتين.
201 [وفى آل عمران رووا لهشامهم ... كحفص وفى الباقى كقالون واعتلا]
فصل فى هذا البيت الوجه الثالث الذى لهشام. وشرحه أن يقال: إن هذه الهمزة المضمومة بعد المفتوحة جاءت فى القرآن فى ثلاثة مواضع، وجاءت لبعضهم فى موضع رابع. أما الثلاثة ففي آل عمران:
{(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذََلِكُمْ} [1]) وفى ص {(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [2]) وفى القمر {(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ} [3]) ولرابع فى الزخرف {(أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [4]).
على قراءة نافع وحده وسيأتى فى سورته، والباقون بهمزة واحدة، فلا مد فيه لغير نافع.
ومذهب هشام فى الثلاثة على ما فى التيسير أنه فى آل عمران بلا خلاف، فإنه قال: وهشام من قراءتى على أبى الحسن بتحقيق الهمزتين من غير ألف بينهما فى آل عمران، ويسهل الثانية ويدخل قبلها ألفا فى الباقيتين كقالون، والباقون يحققون الهمزتين فى ذلك، وهشام من قراءتى على أبى الفتح كذلك ويدخل بينهما ألفا.
فقد اتفق الشيخان أبو الحسن وأبو الفتح على التحقيق فى آل عمران، وعلى المد فى ص والقمر، واختلفا فى المد فى آل عمران والتسهيل فى ص والقمر، فتكون قراءة هشام فى ص والقمر كقراءته (أئنكم) فى فصلت:
مد بلا خلاف وتسهيل بخلاف، فيكون قد فعل فى المكسورة فى بعض مواضعها، وجماعتنا أشكل عليهم تنزيل النظم على ما فى التيسير. وصوابه أن يقال: لهشام فى هذه الثلاثة ثلاثة أوجه.
القصر والتحقيق فى الجميع، وهذا الوجه ذكره صاحب الروضة وغيره، وهو من زيادات هذه القصيدة.
والوجه الثانى المد فى الجميع مع التحقيق، وهذا الذى قرأه صاحب التيسير على أبى الفتح فارس بن أحمد، وهو شيخه الذى ذكره فى آخر باب التكبير.
والوجه الثالث التفصيل، القصر والتحقيق فى آل عمران، والمد والتسهيل فى الباقيين، وهذا الذى قرأه صاحب التيسير على أبى الحسن طاهر بن غلبون الذى سبق ذكره فى باب المد والقصر، فالوجهان الأولان لهشام يماثل فيهما أبا عمرو فى أنه يمد فى الجميع ولا يمد، فلهذا أدرجه الناظم معه فقال فى البيت الأول: بخلفهما، ثم ذكر لهشام الوجه الثالث فى البيت الثانى، ولو أنه نظم مقتصرا على ما فى التيسير لقال، ما كنت قد نظمته قديما تسهيلا على الطلبة:
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 15.
(2) الآية: 8.
(3) الآية: 25.
(4) الآية: 19.(2/139)
ومدك قبل الضم بر حبيبه ... بخلف هشام فى الثلاثة أصلا
ففي آل عمران يمد بخلفه ... وفى غيرها حتما وبالخلف سهلا
أى مدّ حتما بلا خلاف، والله أعلم.
باب الهمزتين من كلمتين
يعنى الهمزتين المجتمعتين من كلمتين، وذلك أن تكون أولاهما آخر كلمة والثانية أوّل كلمة أخرى وذلك يأتى على ضربين.
أحدهما أن يتفقا فى الفتح أو الكسر أو الضم. والآخر أن لا يتفقا فى شيء من ذلك بل يختلفا فيه، ولكل واحد من الضربين حكم يخصه، وقد بين كلا منهما وبدأ بقسم الاتفاق فقال:
202 [وأسقط الأولى فى اتّفاقهما معا ... إذا كانتا من كلمتين فتى العلا]
فتى العلا فاعل أسقط: يعنى ولد العلا وهو أبو عمرو بن العلاء، أسقط الهمزة الأولى من المتفقتين بالفتح والكسر والضم، وهذا نقل علماء القراءات عن قراءة أبى عمرو بإسقاط الهمزة.
ثم منهم من يرى أن الساقطة هى الأولى لأن أواخر الكلم محل التغيير غالبا، ومنهم من يجعل الساقطة هى الثانية، لأن الثقل بها حصل.
والذى نقله النحاة عن أبى عمرو أنه يخفف الأولى من المتفق والمختلف جميعا.
قال أبو على فى التكملة: أهل التحقيق يحققون إحداهما، فمنهم من يخفف الأولى ويحقق الثانية، ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الثانية، وهو الذى يختاره الخليل، ويحتج بأن التخفيف وقع على الثانية إذا كانتا فى كلمة واحدة نحو آدم وآخر، فكذلك إذا كانتا من كلمتين.
قال الخليل: رأيت أبا عمرو قد أخذ بهذا القول فى قوله:
{(يََا وَيْلَتى ََ أَأَلِدُ} [1]).
قال العبدى فى شرحه: مذهب أبى عمرو تخفيف الأولى. ومذهب الخليل تخفيف الثانية، والقراء على خلاف ما حكاه النحويون عنه، وذلك أنهم يقولون الهمزتان إذا التقيا بحركة واحدة حذفت إحداهما حذفا من غير أن تجعلها بين بين، وإذا اختلفت الحركة عادوا إلى ما قلناه. قال: وقياس قول أبى عمرو المحذوفة هى الأولى، لأنه حكى مذهبه أن تكون الأولى بين بين.
قلت: ومن فوائد هذا الاختلاف ما يظهر فى نحو:
{(جََاءَ أَمْرُنََا} [2]).
من حكم المد فيه.
__________
(1) سورة هود، آية: 72.
(2) سورة هود، آية: 8.(2/140)
فإن قبل الساقطة هى الأولى كان المد فيه من قبيل المنفصل. وإن قبل هى الثانية كان المد من قبيل المتصل.
وقد نص مكى فى كتاب التبصرة على قول أن الساقطة هى الأولى.
ثم إن القارئ لأبى عمرو إذا وقف على جاء فإنه يمد ويهمز، فإن الحذف إنما يكون فى الوصل لأن الاجتماع إنما يحصل فيه.
ولم أر أن النحويين ذكروا لغة الإسقاط. ووجهها على ما نقله القراء أن من مذهب أبى عمرو الإدغام فى المثلين، ولم يمكن هنا لثقل الهمز غير مدغم فكيف به مشددا مدغما، فعدل الإسقاط واكتفى به. وقوله وقوله معا حال من ضمير التثنية الذى أضيف إليه الاتفاق لأنه بمنزلة قولك اتفقا معا، ولا فائدة لقوله معا فى هذا الموضع إلا مجرد التوكيد، كما لو قال كليهما، وفى غير هذا الموضع معا يذكر لفائدة سننبه عليها فى الباب الآتى، والهاء فى اتفاقهما عائدة (1) على الهمزتين فى قوله فى أوّل الباب السابق: وتسهيل أخرى همزتين، ثم مثل صورة الاتفاق فقال:
203 [كجا أمرنا من السّما إنّ أوليا ... أولئك أنواع اتّفاق تجمّلا]
فمثل المفتوحتين بقوله تعالى جاء أمرنا والمكسورتين بقوله فى سبأ:
{(مِنَ السَّمََاءِ إِنَّ فِي ذََلِكَ} [2]).
والمضمومتين بقوله فى الأحقاف:
{(أَوْلِيََاءُ أُولََئِكَ} [3]).
وليس فى القرآن العزيز غيره، ولفظ بالأمثلة الثلاثة على لفظ قراءة أبى عمرو فالهمزة المسموعة فى جاء أمرنا هى أول أمرنا، ومثله:
{(ثُمَّ إِذََا شََاءَ أَنْشَرَهُ} [4]).
الهمزة أوّل أنشره لأنها همزة قطع، فإن اتفق بعد ما آخره همزة: همزة وصل حذفت فتبقى الهمزة المسموعة هى آخر الكلمة الأولى لجميع القراء:
{(فَمَنْ شََاءَ اتَّخَذَ} [5] {فَإِذََا أَنْزَلْنََا عَلَيْهَا الْمََاءَ اهْتَزَّتْ} [6]).
الهمزة آخر شاء وآخر الماء.
وقوله أنواع خبر مبتدإ محذوف: أى هى أنواع اتفاق تجمل: أى تزين.
ثم بين مذهب قالون والبزى فقال:
204 [وقالون والبزّىّ فى الفتح والقا ... وفى غيره كانيا وكالواو سهّلا]
أى وافقا أبا عمرو فى ذواتى الفتح فأسقطا الأولى منهما، وفى غير الفتح جعلا المكسورة كالياء والمضمومة كالواو: أى سهلا كل واحدة منهما بين بين فجمعا بين اللغتين.
__________
(1) بعيد والأولى عودها على الهمزتين فى هذا الباب ومثلها الألف فى كانتا اهـ ضباع.
(2) سورة هود، آية: 40.
(3) الآية: 32.
(4) سورة عبس، آية: 22.
(5) سورة المزمل، آية: 19.
(6) سورة الحج، آية: 5.(2/141)
205 [وبالسّوء إلّا أبدلا ثمّ أدغما ... وفيه خلاف عنهما ليس مقفلا]
يعنى قوله تعالى فى سورة يوسف:
{(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمََّارَةٌ بِالسُّوءِ} [1]).
خالفا فيها أصلهما فعدلا عن تسهيل همزة السوء بين بين، لأن لغة العرب فى تخفيف همزة مثل ذلك على وجهين سيأتى ذكرهما فى باب وقف حمزة وهشام.
أحدهما أن تلقى حركة الهمزة على الواو وبحذف الهمز، وهذا لم يقرأ به لهما، وهو الوجه المختار فى تخفيف همز ذلك، وقد نبه عليه مكى رحمه الله فى التبصرة.
والثانى أن تبدل الهمزة واوا وتدغم الواو التى قبل الهمزة فيها، وهذا الوجه هو المذكور لهما فى هذا البيت:
أى أبدلا الهمزة واوا ثم أدغما فيها الواو التى قبلها، وإنما اختارا هذا على وجه نقل الحركة، لأن النقل يؤدى هنا إلى أن تنكسر الواو بعد ضمة فتصير مثل قول وهو مرفوض فى اللغة، وقول بالتشديد مستعمل وهو أخف من قول، ولعل سببه حجز الساكن بين الضمة والكسرة. وقد فعل قالون نحو ذلك فى لفظ النبى فى موضعين فى سورة الأحزاب لأنه يهمز لفظ النبى وقبل الهمز ياء فأبدل الهمزة ياء وأدغم فيها الياء التى قبلها، وذلك متعين، ثم لا يجوز فيه نقل حركة الهمزة إلى الياء، لأنها زائدة، بخلاف الواو هنا، وهذا سيأتى ذكره فى سورة البقرة إن شاء الله تعالى، ثم قال وفيه: أى وفى تخفيف بالسوء خلاف عن قالون والبزى، ليس مقفلا، أى ليس مغلقا أو ليس مقفلا عليه، أى ممنوعا لا يوصل إليه، بل هو مشهور معروف فى كتب مصنفة، منها التبصرة لمكى، وإن كان صاحب التيسير ما ذكره ولم يذكر هذه المسألة إلا فى سورتها، والخلاف المشار إليه أنهما قرءاها بين بين على أصلهما، ولا يمنع من ذلك كون الواو ساكنة قبلها، فإنها لو كانت ألفا لما امتنع جعلها بين بين بعدها لغة. على ما يأتى، فالواو قريبة منها، والله أعلم.
قال مكى: ذكر عن قالون فيها أنه يجعل الأولى كالياء الساكنة، قال: والأحسن الجارى على الأصول إلقاء الحركة، ولم يرو عنه، ويليه فى الجواز الإبدال والإدغام، وهو الأشهر عن قالون، وهو الاختيار لأجل جوازه، والرواية، قال فأما البزى فقد روى عنه الوجهان أيضا، والاختيار الإبدال والإدغام لجريه على الأصول.
قلت: فهذا آخر الكلام فى مذهب من يخفف الهمزة الأولى، إما بإسقاط وإما بتسهيل. وذلك فى الوصل، فلو وقف عليها لحققت الهمزة، وسنذكر ذلك أيضا فى سورة البقرة بتوفيق الله تعالى.
206 [والأخرى كمدّ عند ورش وقنبل ... وقد قيل محض المدّ عنها تبدّلا]
مذهب أبى عمرو وقالون والبزى كان متعلقا بالهمزة الأولى، ومذهب ورش وقنبل يتعلق بالثانية، لأن الثقل عندها حصل، وهى المرادة بقوله «والأخرى» وروى عنهما فى تسهيلها وجهان: أحدهما جعلها بين بين، لأنها همزة متحركة ما قبلها، كذلك قياس تسهيلها، وهو المراد بقوله «كمد» «والوجه الثانى لم يذكر فى التيسير، وهو أن تبدل حرفا ساكنا من جنس حركتها، وهو مذهب عامة المصريين كما فعلوا ذلك فى المفتوحتين فى كلمة
__________
(1) الآية: 53.(2/142)
واحدة، إلا أن البدل هنا عام فى المفتوحة والمكسورة والمضمومة لأنه أمكن إبدال المكسورة ياءً ساكنة والمضمومة واوا ساكنة، لأن حركة ما قبلهما من جنسهما، ولم يمكن ذلك فى كلمة واحدة، لأن قبلهما فتحا وبعدهما ساكنا، والهمز المتحرك: المتحرك ما قبله لا يبدل إلا سماعا، وهذا المراد بقوله «محض المدّ» قالوا:
وأما {(جََاءَ آلَ} [1]).
فالبدل فيه ممتنع، والتسهيل متعين خوفا من اجتماع ألفين:
قلت: وأى مانع فى ذلك إذا اجتمع ألفان زيد فى المدّ لهما لو حذف إحداهما، كما ذكر هذان الوجهان لحمزة فى وقفه على مثل: يشاء ومن السماء وهو قوله فيما يأتى ويقصر أو يمضى على المد أطولا، إلا أنه اغتفر ذلك فى وقف حمزة لتعينه، وأما {«جََاءَ آلَ»} فلنا عنه مندوحة إلى جعل الهمزة بين بين، فصير إليه.
وقوله: محض المد مبتدأ وخبره قوله عنها تبدلا، أى تبدل المدّ المحض عن الهمزة.
وقال بعض الشارحين محض المدّ منصوب بقوله نبدل.
قلت: فالمعنى حينئذ تبدل الهمز محض المد، فيبقى قوله عنها لا معنى له فنصب محض المد فاسد، والله أعلم.
207 [وفى هؤلا إن والبغا إن لورشهم ... بياء خفيف الكسر بعضهم تلا]
قال صاحب التيسير (2) وأخذ على ابن خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة فى البقرة فى قوله:
{(هََؤُلََاءِ إِنْ كُنْتُمْ} [3]) وفى النور {(عَلَى الْبِغََاءِ إِنْ أَرَدْنَ} [4]).
فقط، قال: وذلك مشهور عن ورش فى الأداء دون النص.
قلت: وهذا الوجه مختص بورش فى هذين الموضعين، وفيهما له ولقنبل الوجهان السابقان:
208 [وإن حرف مدّ قبل همز مغيّر ... يجز قصره والمدّ ما زال أعدلا]
هذا الخلاف يجيء على مذهب أبى عمرو، وقالون، والبزى، لأنهم يغيرون الأولى إسقاطا أو تسهيلا فوجه القصر زوال الهمز أو تغيره عن لفظه المستثقل، والمد إنما كان لأجله، ووجه المد النظر إلى الأصل، وهو الهمز وترك الاعتداد بما عرض من زواله، ونبه على ترجيح وجه المدّ بقوله: «والمدّ ما زال أعدلا» لقول صاحب التيسير: إنه أوجه، فإنه قال: ومتى سهلت الهمزة الأولى من المتفقتين أو أسقطت فالألف التى قبلها ممكنة على حالها مع تخفيفها، اعتدادا بها، ويجوز أن يقصر الألف لعدم الهمزة لفظا، والأوّل أوجه.
ثم اعلم أن هذين الوجهين على قراءة الإسقاط، إنما هما فى مذهب من يقصر فى المنفصل كالبزى والسوسى وقالون والدورى فى أحد الروايتين عنهما، فإنهم يمدون المتصل نحو:
(جاء والسّماء وأولياء).
__________
(1) سورة الحجر، آية: 61.
(2) هذه عبارة اصطلاحية فيقال أخذ على القراءة بمعنى قرأت عليه اهـ ضباع.
(3) الآية: 31.
(4) الآية: 33.(2/143)
فلما تغيرت الهمزة فى قراءتهم اتجه الخلاف المذكور: إما فى قراءة من يمد المتصل والمنفصل جميعا فكل ذلك ممدود له بلا خلاف كالرواية الأخرى عن قالون والدورى، لأنه كيف ما فرض الأمر، فهو إما متصل أو منفصل، فليس لهم إلا المدّ، وكذا على قول من زعم أن الهمزة الساقطة هى الثانية ليس إلا المدّ فى قراءته، لأن الكلمة التى فيها المدّ المتصل بحالها، ويجرى الوجهان لحمزة فى وقفه على نحو:
(الملائكة وإسرائيل).
وكل هذه تنبيهات حسنة والله أعلم.
ومضى وجه قوله «وإن حرف مد بغير فعل» مفسر فى شرح قوله «وإن همز وصل» فى الباب السابق.
209 [وتسهيل الأخرى فى اختلافهما (سما) ... تفيء إلى مع جاء أمّة انزلا]
فرغ الكلام فى أحكام المتفقتين ثم شرع فى بيان حكم المختلفتين إذا التقتا فى كلمتين، فالأولى محققة بلا خلاف عند القراء، وإن كان يجوز تسهيلها عند النحاة على ما سبق ذكره.
ووجه ما اختاره القراء أن حركة الثانية مخالفة للأولى، فلم يصح أن تكون خلفا منها، ودالة عليها بخلاف المتفقتين، ثم إن الذين سهلوا فى المتفقتين على اختلاف أنواع تسهيلهم، وهم مدلول سماهم أيضا الذين سهلوا الثانية من المختلفتين متفقين على لفظ تسهيلها، على ما يأتى بيانه.
ثم شرع يعدد أنواع اختلافها، وهى خمسة أنواع، والسمة العقلية تقتضى ستة، إلا أن النوع السادس لا يوجد فى القرآن، فلهذا لم يذكر.
أما الخمسة الموجودة فى القرآن فهى أن تكون الأولى مفتوحة والثانية مكسورة أو مضمومة، وأن تكون الثانية مفتوحة والأولى مضمومة أو مكسورة، فهذه أربعة أنواع، والخامس أن تكون الأولى مضمومة والثانية مكسورة، والنوع السادس الساقط أن تكون الأولى مكسورة والثانية مضمومة، نحو فى الماء أمم، فذكر فى هذين البيتين النوعين الأولين من الخمسة المكسورة بعد المفتوحة، بقوله:
{(تَفِيءَ إِلى ََ أَمْرِ اللََّهِ} [1]).
والمضمومة بعد المفتوحة بقوله:
{(جََاءَ أُمَّةً} [2]).
فى سورة قد أفلح، وليس فى القرآن من هذا الضرب غيره، وأما تفيء إلى فمثله كثير نحو:
{(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدََاءَ إِذْ حَضَرَ} [3]).
ووضع قوله تفيء إلى رفع، لأنه خبر مبتدإ محذوف أى هى نحو:
(تفيء إلى).
وكذا وكذا، وقوله أنزلا جملة معترضة:
__________
(1) سورة الحجرات، آية: 9.
(2) الآية: 44.
(3) سورة البقرة، آية: 133.(2/144)
210 [نشاء أصبنا والسّماء أو ائتنا ... فنوعان قل كاليا وكالواو سهّلا]
وهذان نوعان على العكس مما نقدم، وهما مفتوحة بعد مضمومة، كقوله تعالى فى سورة الأعراف:
{(أَنْ لَوْ نَشََاءُ أَصَبْنََاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} [1]) ومثله {(النَّبِيُّ أَوْلى ََ بِالْمُؤْمِنِينَ} [2]).
فى قراءة نافع ومفتوحة بعد مكسورة كقوله فى الأنفال:
{(مِنَ السَّمََاءِ أَوِ ائْتِنََا} [3] بِعَذََابٍ أَلِيمٍ).
فأما النوعان الأوّلان فى البيت السابق فالثانية فيهما مسهلة بين بين، وهو المراد بقوله كاليا وكالواو، لأنها همزة متحركة بعد متحرك، وأما النوعان اللذان فى هذا البيت فأبدلت فيهما ياء وواوا، كما قال:
211 [ونوعان منها أبدلا منهما وقل ... يشاء إلى كالياء أقيس معدلا]
منها أى من الأنواع المتقدمة، والضمير فى أبدلا عائد إلى الياء والواو فى قوله كاليا وكالواو، وفى منهما للهمزتين، أى أبدل الياء والواو من همزهما، وهذا قياس تخفيف الهمزة المفتوحة بعد الضم، أن تبدل واوا، وبعد الكسرة أن تبدل ياء، وهذا مما استثنى من تسهيل الهمز المتحرك بعد حرف متحرك بين بين، لمعنى اقتضى ذلك على ما نبين فى باب وقف حمزة إن شاء الله تعالى، فأبدلت فى:
(نشاء أصبناهم واوا، وفى السّماء أو ائتنا) ياء.
ولا يضر كونه فى البيت السابق قدم ذكر الياء على الواو فى قوله كاليا وكالواو سهلا.
ثم قال: ونوعان منهما أبدلا، فعاد الضمير إليهما، والواو فى هذا البيت متقدمة على الياء من لفظ ما مثل به من الآيتين، فإنا نرد كل شيء إلى ما يليق به وله نظائر، فقوله: ونوعان مبتدأ، ومنها صفته وأبدلا خبره ونوعان فى البيت السابق أيضا مبتدأ ومهلا صفته، وخبره محذوف قبله، أى فمنها نوعان سهلا، كالياء وكالواو، ومنها نوعان أبدلا منهما، فلما ذكر منهما بعد نوعان صارت صفة له، ثم ذكر النوع الخامس، وهو مكسورة بعد مضمومة نحو:
{(وَاللََّهُ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [4]).
فقياسها أن تجعل بين الهمزة والياء، لأنها مكسورة بعد متحرك، أى جعلها كالياء أقيس من غيره لغة، ومعدلا، تمييز، أى أقيس عدول عن هذه الهمزة هذا العدول، ثم ذكر مذهب القراء فيها فقال:
212 [وعن أكثر القرّاء تبدل واوها ... وكلّ بهمز الكلّ يبدا مفصّلا]
واوها ثانى مفعولى تبدل، فلهذا نصبه والهاء عائدة على الهمزة، لأنها تبدل منها فى مواضع، أو على الحروف للعلم بها أى تبدل الهمزة واوا مكسورة.
وقال صاحب التيسير: المكسورة المضموم ما قبلها تسهل على وجهين: تبدل واوا مكسورة على حركة
__________
(1) الآية: 100.
(2) سورة الأحزاب، آية: 6.
(3) الآية: 32.
(4) سورة البقرة، آية: 213.(2/145)
ما قبلها، وتجعل بين الهمزة والياء على حركتها، والأول: مذهب القراء، وهو آثر والثانى: مذهب النحويين وهو أقيس.
قلت: ولم يذكر مكى فى التبصرة، ولا ابن الفحام فى التجريد، ولا صاحب الروضة غير الوجه الأقيس، وذكر ابن شريح ثلاثة أوجه، فذكر الوجه الأقيس.
ثم قال: وبعضهم يجعلها بين الهمزة والواو، ومنهم من يجعلها واوا، والأول أحسن.
قلت: فلهذا قال الشاطبى: «عن أكثر القراء تبدل واوها، لأن متهم من سهلها باعتبار حركة ما قبلها لأنها أثقل من حركتها، وهذا الوجه أقرب من وجه الإبدال الذى عليه الأكثر، وهذان الوجهان سيأتيان فى باب وقف حمزة منسوبا، الإبدال إلى الأخفش، ووجه التسهيل موصوف ثم بالإعضال، وسيأتى الكلام على ذلك.
وقوله: وكل بهمز الكل يبدأ، أى وكل من سهل الثانية من المتفقتين والمختلفتين، وإنما ذلك فى حال وصلها بالكلمة قبلها، لأن الهمزتين حينئذ متصلان، وتلتقيان، فأما إذا وقف على الكلمة الأولى فقد انفصلت الهمزتان، فإذا ابتدأ بالكلمة الثانية حقق همزتها، ولو أراد القارئ تسهيلها لما أمكنه لقرب المسهلة من الساكن، والساكن لا يمكن الابتداء به.
وقوله: يبدأ أبدل فيه الهمزة ألفا ضرورة أو يقدر أنه وقف عليه فسكنت الهمزة، فجاز قلبها حينئذ ألفا ومفصلا أى مبينا لفظ الهمزة محققا له.
فإن قلت: كما بين الابتداء للكل، كان ينبغى أن يبين الوقف على الأولى للكل، لأن التسهل قد وقع فى الأولى وفى الثانية فى حال الاتصال، فبقى بيان حالهما فى الانفصال، فلم تعرض لبيان حال الثانية دون الأولى؟
قلت: من حقق الهمزة الأولى وقف عليها ساكنة، إلا من عرف من مذهبه أنه يبدلها، كما يأتى فى باب وقف حمزة وهشام، ومن سهلها وقف أيضا بسكونها إذ لا تسهيل مع السكون، وللكل أن يقفوا بالروم والإشمام بشرطهما، على ما سيأتى فى بابه، فلما كان للوقف باب يتبين فيه هذا وغيره، أعرض عنه، وأما الابتداء فلا باب له، فبين هنا ما دعت الحاجة إلى بيانه، والله أعلم وأحكم:
213 [والإبدال محض والمسهّل بين ما ... هو الهمز والحرف الّذى منه أشكلا]
لما كان يستعمل كثيرا لفظى الإبدال والتسهيل احتاج إلى بيان المراد منهما فى اصطلاح القراء فقال:
«الإبدال محض» أى ذو حرف محض، أى يبدل الهمز حرف مد محضا ليس يبقى فيه شائبة من لفظ الهمز، بخلاف التسهيل، فإنه عبارة عن جعل الهمز بينه وبين الحرف المجانس لحركة الهمزة، فمن أبدل فى موضع التسهيل، أو سهل فى موضع الإبدال فهو غالط، فما فى قوله: «بين ما» بمعنى الذى، أى بين الذى، هو الهمز، وبين الحرف الذى منه، أى من جنس لفظه أشكل الهمز، أى ضبط بما يدل على حركته.
قال الجوهرى: يقال شكلت الكتاب: قيدته بالإعراب، قال: ويقال أشكلت الكتاب بالألف، كأنك أزلت عنه الإشكال والالتباس، ويقع فى كثير من عبارات المصنفين غير ذلك فيرى بعضهم يقول:
قرأ ورش وابن كثير بهمزة وبعدها مدة فى تقدير ألف، وقرأ قالون وأبو عمرو وهشام بهمزة وبعدها مدة مطولة فى تقدير ألفين، فكملت هذه العبارة كثيرا من الناس على أن مدوا بعد الهمزة وكان بعض أهل الأداء يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء.(2/146)
قال الجوهرى: يقال شكلت الكتاب: قيدته بالإعراب، قال: ويقال أشكلت الكتاب بالألف، كأنك أزلت عنه الإشكال والالتباس، ويقع فى كثير من عبارات المصنفين غير ذلك فيرى بعضهم يقول:
قرأ ورش وابن كثير بهمزة وبعدها مدة فى تقدير ألف، وقرأ قالون وأبو عمرو وهشام بهمزة وبعدها مدة مطولة فى تقدير ألفين، فكملت هذه العبارة كثيرا من الناس على أن مدوا بعد الهمزة وكان بعض أهل الأداء يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء.
وسمعت أنا منهم من ينطق بذلك، وليس بشيء، والله أعلم.
باب الهمز المفرد
يعنى بالمفرد الذى لم يجتمع مع همز آخر، وما مضى فى البابين السابقين، فهو حكم الهمز المجتمع مع همز آخر فى كلمة وكلمتين، ثم شرع فى بيان الهمز المفرد فذكر حكمه فى ثلاثة أبواب متوالية، هذا أولها.
وتخفيف الهمز يقع على ثلاثة أضرب نقل، وإبدال، وبين بين.
فالذى مضى فى البابين تخفيفه فى عموم الأحوال بين بين، وجاء منه شيء قليل بالإبدال والإسقاط.
والذى فى هذا الباب كله إبدال.
والذى فى الباب بعده كله نقل.
وباب وقف حمزة فيه جميع الأنواع، وإنما قدم الأبواب التى كثر مسهلوها وأخر ما ينفرد به واحد أو اثنان:
والله المستعان:
214 [إذا سكنت فاء من الفعل همزة ... فورش يريها حرف مدّ مبدّلا]
أى إذا سكنت همزة فى حال كونها فاء من الفعل، لأنه حال بمعنى متقدمة، ويجوز أن يكون ظرفا، لأنه بمعنى أولا، ومعنى كونها فاء للفعل أن الكلمة التى تكون فيها همزة لو قدرتها فعلا لوقعت الهمزة موضع فائه، أى أول حروفه الأصول، وذلك نحو:
{(مَأْتِيًّا} [1]).
لأنك لو قدرت هذا فعلا لكان أتى، ووزن أتى فعل، فالهمزة موضع الفاء، وتقريبه أن يقال: هى كل همزة ساكنة بعد همزة وصل، أو تاء، أو فاء، أو ميم، أو نون، أو واو، أو ياء، يجمعها قولك: «فيتمنوا» وهمزة الوصل نحو قوله:
{(ائْتِ بِقُرْآنٍ} [2] {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [3] {الَّذِي اؤْتُمِنَ} [4]).
لأن وزنها أفعل:
وافتعل: يؤمنون فأتوا فائيا:
{(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} (5) {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} (6) {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ} (7)).
لأن وزنهما أفعل وافتعلوا:
__________
(1) سورة مريم، آية: 61.
(2) سورة يونس، آية: 15.
(3) سورة طه، آية: 64.
(4) سورة البقرة، آية: 283.
(5) سورة البقرة، آية: 55.
(6) سورة طه، آية: 122.
(7) سورة الطلاق، آية: 6.(2/147)
{(يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [1]).
ولا فرق بين أن تكون هذه الحروف أو الكلمة أول فى وسطها، نحو:
{(أَتَأْتُونَ الْفََاحِشَةَ} [2] {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ} [3] {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ} [4]).
فإذا علمت همزة فاء الفعل بالحد والعلامة، فإذا وقعت ساكنة أبدلها ورش حرف مد من جنس حركة ما قبلها، ففي يأتين إبدالها ألفا وفى الذى اؤتمن ياء وفى نؤمن لك واوا، وقوله يريها أى يريك إياها، وحرف مد مفعول ثالث إن كان يرى بمعنى يعلم، أى ورش ومن يقوم مقامه من المعلمين قراءته يعلمونك أيها الطالب بأنها فى قراءته حرف مد، ويجوز أن يكون يرى من رؤية البصر، فيكون حرف مد حالا، أى يبصرك إياها على هذه الصفة، كقولك أرأيت زيدا فقيرا، وأ رأيته إياه غنيا، أى بصرته به فأبصره فى هاتين الحالتين وإنما خص ورش همزة فاء الفعل بالإبدال دون همزة عينه ولامه، وهى الواقعة فى الوزن فى موضع العين أو اللام، لأن همزة فاء الفعل، كأنها مبتدأة، وورش من أصله نقل حركة الهمزة المبتدأة، كما يأتى فأجرى هذه مجرى تيك فى التعبير، أو لأنه لما وجب إبدالها فى نحو:
{(آمَنَ} [5] {وَآتَى الْمََالَ} [5]).
مما وقعت فيه بعد همزة طرد الباب، فأبدلها مطلقا، كما فعلت العرب فى مضارع أفعل، حذفوا الهمزة لأجل حذفها مع همزة المتكلم مع سائر حروف المضارعة، وأبدل ورش ثلاثة مواضع من همزات عين الفعل وهى بئر وبئس والذئب وسيأتى.
ومبدلا حال من ضمير ورش، وهو فاعل يريها وبدّل وأبدل لغتان، قرئ بهما فى مواضع، وهما كنزّل وأنزل، وفى التشديد معنى التكثير، ثم ذكر ما استثناه ورش من همز فاء الفعل، فلم يبد له، فقال:
215 [سوى جملة الإيواء والواو عنه إن ... تفتّح إثر الضّمّ نحو مؤجّلا]
أى سوى كل كلمة مشتقة من لفظ الإيواء، نحو تؤوى وتؤويه ومأواهم ومأواكم والمأوى وفأووا إلى وعلته أن الهمز فى تؤوى أخف من إبداله، فطرد جميع الباب لأجله، وجمع بين اللغتين، ثم استأنف كلاما آخر بقوله والواو عنه، أى مبدلة نائبة عن همز فاء الفعل إن تفتح الهمز بعد ضم، وذلك قياس تخفيف كل همز مفتوح بعد ضم أن يبدل واوا، ولم يخفف غير هذا من همز فاء الفعل، نحو:
(يتأخّر ومآرب وتؤزّهم).
لأنه كان يلزمه فيه التسهيل، وإنما مذهبه الإبدال فى همز فاء الفعل فلم يخرج عنه، وقيل الهاء فى عنه تعود على ورش، والواو مروية عن ورش إن يفتح الهمز. والأول أولى لأن فيه عود الضمير فى عنه، وتفتح إلى شيء واحد، وقد روى عن ورش تسهيل باقى الباب فى فاء الفعل، على ما يقتضيه القياس، والمشهور الأول.
وإثر ظرف، يقال: إثر، وأثر ومؤجلا فى موضع جر، وإنما نصبه حكاية للفظه فى القرآن العزيز، وهو قوله تعالى:
__________
(1) سورة الحج، آية: 37.
(2) سورة النمل، آية: 54.
(3) سورة الأحزاب، آية: 13.
(4) سورة النمل، آية: 37.
(5) سورة البقرة، آية: 177.(2/148)
{(كِتََاباً مُؤَجَّلًا} (1) ومثله {يُؤََاخِذُكُمُ} (2) {يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} (3) {لََا تُؤََاخِذْنََا} (4) {وَالْمُؤَلَّفَةِ} (5)) ويؤيد وغير ذلك.
وأما نحو (فؤادك وسؤال).
فالهمزة فيه عين الفعل، فلا يبدلها، والله أعلم:
216 [ويبدل للسّوسيّ كلّ مسكّن ... من الهمز مدّا غير مجزوم ن اهملا]
وهذا الإبدال منسوب فى كتاب التيسير وغيره إلى أبى عمرو نفسه. لم يختص السوسى بذلك، وذكره فى باب مستقل غير الباب الذى بين فيه مذهب ورش.
وقال الشيخ فى شرحه، أما قوله ويبدل للسوسى، فلأن القراءة به وقعت من طريقه لا من طريق الدورى، وعن السوسى اشتهر ذلك اشتهارا عظيما دون غيره.
قلت: وممن نسبه إلى السوسى من المصنفين: ابن شريح، وابن الفحام، وغيرهما.
قوله «كل مسكن» أى كل همزة ساكنة سواء كانت فاء أو عينا أولا، ما يبدلها حرف مد من جنس حركة ما قبلها، ففاء الفعل مضى تمثيله فى مذهب ورش وعين الفعل مثل: رأس، وبأس، وبئر، وبئس، ولام الفعل نحو:
({فَادََّارَأْتُمْ فِيهََا} (6) وجئت وشئت).
فإن قلت: لم أبدلت الساكنة ولم تبدل المتحركة.
قلت: لأن الساكنة أثقل لاحتباس النفس معها. والإجماع على إبدالها إذا اجتمعت مع المتحركة فى كلمة وهذا مدرك بالحس، وهو من خصائص الهمز، وسائر الحروف ساكنها أخف من متحركها، هذا قول جماعة ويرد عليه إسكان أبى عمرو بارئكم طلبا للتخفيف، وقول النحويين: إن سكون الوسط يقاوم أحد سببى منع الصرف، ولم يفرقوا بين حروف وحرف. وقيل إنما خص الساكنة بالتخفيف لأن تسهيلها يجرى مجرى واحدا، وهو البدل، والمتحركة تخفيفها أنواع فآثر أن يجرى اللسان على طريقة واحدة، ومدا ثانى مفعول يبدل، أى حرف مد وغير مجزوم استثناء من كل مسكن، أى أهمل فلم يبدل.
ثم ذكر المجزوم فقال:
217 [تسؤ ونشأ ستّ وعشر يشأ ومع ... يهيّئ وننسأها ينبّأ تكمّلا]
أى: والمجزوم المهمل هو كذا وكذا، وقوله «ست» صفة «تسؤ ونشأ» أو خبر مبتدأ محذوف، أى كلتاهما ست كلمات أى كل لفظة منهما فى ثلاثة مواضع تسؤ فى آل عمران. وفى المائدة، وفى التوبة ونشأ بالنون فى الشعراء، وسبأ ويس ويشأ بالياء عشر كلمات فى النساء، وإبراهيم، وفاطر، وفى الأنعام، ثلاث وفى سبحان ثنتان، وفى الشورى ثنتان، وعشر فى النظم مضاف إلى يشأ: أى وعشر هذا اللفظ ولو نوّن لاستقام النظم، ولكن كان يوهم عوده إلى ما قبله فيكون تسؤ ويشأ بالنون ست عشر أى وتسؤ ست وو يشأ عشر فلهذا الخوف من الإيهام عدل إلى الإضافة، وبهىء لكم فى الكهف وننسأها فى البقرة وأم
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 145.
(2) سورة البقرة آية: 225.
(3) سورة النور، آية: 42.
(4) آخر سورة البقرة، آية: 286.
(5) سورة التوبة، آية: 60.
(6) سورة البقرة، آية: 72.(2/149)
لم ينبأ فى النجم تسع عشرة كلمة، ولم يستوعب صاحب التيسير ذكر مواضعها كما حصرها الناظم رحمه الله، فالهمزة فى جميع ذلك ساكنة للجزم، ولهذا قال: تكملا» أى تكمل المجزوم، واستثناه لعروض السكون، والأجل؟؟؟ الحركة، ولئلا يجمع على الهمز أمرين: إسكانا، ثم إبدالا، ويرد على هاتين العلتين نحو:
جئتم وشئتم والأولى أن يقال: حافظ على الهمز كراهة لصورة ثبوت حرف المد فى موضع الجزم أو الوقف، أو يقال حافظ على ما سكونه علامة الإعراب، فلم يغيره ويرد عليه ما روى من إسكانه علامتى الإعراب فى الرفع والجر، من نحو:
. يأمركم وبارئكم على ما يأتى.
ولكن الأصح عنه أنه كان (1) يختلس الحركة فى ذلك، فتوهم بعض الرواة أنها سكون.
وقوله تعالى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهََا} يبدل همزه، وليس من المستثنى، لأن سكون الهمز فيه لأجل ضمير الفاعل لا للجزم.
218 [وهيّئ وأنبئهم ونبّئ بأربع ... وأرجئ معا واقرأ ثلاثا فحصّلا]
وجميع ما فى هذا البيت سكونه علامة للبناء، فحافظ عليه، فقوله: وهيئ عطف على مجزوم فى قوله غير مجزوم أهملا. أى وغير هيئ وما بعده ووقع تسؤ ونشأ بيانا للمجزوم ويجوز أن يكون وهيئ مبتدأ، وما بعده من البيتين عطف عليه، والخبر قوله: كله تخيره إلى آخر البيت، وأراد:
{(وَهَيِّئْ لَنََا مِنْ أَمْرِنََا} [2] {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمََائِهِمْ} [3]).
نبىء بأربع أى بأربع كلمات:
{(نَبِّئْنََا بِتَأْوِيلِهِ} [4] {نَبِّئْ عِبََادِي} [5] {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} [6] {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمََاءَ} [6]).
وأرجئه فى الأعراف والشعراء، ولذلك قال: معا أى فى موضعين، وحقيقة الكلام فى السورتين معا، وكذا معنى هذا اللفظ، وفائدته حيث جاء خصصه الناظم بذلك، وهو فى اللغة يستعمل للاثنين فما فوقها، وقد استشهدت على ذلك بأبيات العرب فى موضعين من شرح «الشقراطسية، ووقع فى قصيدة متمم ابن نويرة الأمران فقال:
إذا جنب الأولى شجعن لها معا
فهى هنا حال من جماعة، وقال فى الاثنين:
قلّما تغرّبنا كأنّى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وكذا تستعمل العرب جميعا، قال مطيع بن أياس:
كنت ويحيى كيدى واحد ... نرمى جميعا ونرامى معا
__________
(1) قوله والأصح عنه أنه كان يختلس: غريب، ووجه غرابته أنه لا يتصور مثله فى الرواية المتواترة اه.
(2) سورة الكهف، آية: 10.
(3) سورة البقرة، آية: 33.
(4) سورة يوسف، آية: 36.
(5) سورة الحجر، آية: 49.
(6) سورة الحجر، آية: 15وسورة القمر، آية: 28.(2/150)
فجميعا هنا حال من اثنين، واصطلاح الناظم على أن معا للاثنين، وجميعا لما فوقها.
وقوله: واقرأ ثلاثا، أراد اقرأ كتابك اقرأ باسم ربك الذى اقرأ وربك الأكرم:
وقوله: {(إِلََّا نَبَّأْتُكُمََا بِتَأْوِيلِهِ} [1]).
مبدل فجملة المبنى المستثنى إحدى عشرة كلمة وقوله فحصلا الألف فيه بدل من نون التأكيد أراد فحصلن وقد سبق له نظائر ثم ذكر مواضع أخر مستثناة وعللها فقال:
219 [وتؤوى، وتؤويه، أخفّ بهمزه ... ورئيا بترك الهمز يشبه الامتلا]
يعنى أنه استثنى أيضا:
{(وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشََاءُ} [2] {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [3]).
فهمزها لثقل الإبدال فيهما ولم يطرد ذلك فى جملة ما هو مشتق من لفظ الإيواء كما فعل ورش لزوال هذه العلة، واستثنى أيضا:
{(هُمْ أَحْسَنُ أَثََاثاً} [4] وَرِءْياً).
لأنه لو أبدل الهمزة ياء لوجب إدغامها فى الياء التى بعدها، كما قرأ قالون وابن ذكوان فكان يشبه لفظ الرى، وهو الامتلاء بالماء، ويقال أيضا رويت ألوانهم وجلودهم ريا، أى امتلأت وحسنت، ورءيا بالهمز من الرواء، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة، وبترك الهمز يحتمل المعنيين، فترك أبو عمرو الإبدال لذلك:
وقول الناظم: وتؤوى، وتؤويه، معطوفان على ما تقدم باعتبار الوجهين المذكورين فى هيئ، وقوله:
أخف خبر مبتدأ محذوف، أى ذلك بهمزة أخف منه بلا همز وكذا قوله ورءيا عطف على ما تقدم أيضا، وما بعده جملة مستأنفة، أى يشبه بترك الهمز الامتلاء، وكذا قوله فى البيت الآتى، وهو مؤصدة، أو صدت، يشبه ويجوز أن يكون تؤوى ورءيا ومؤصدة مبتدآت، وما بعد كل واحد خبره والله أعلم.
220 [ومؤصدة أوصدتّ يشبه كلّه ... نخيّره أهل الأداء معلّلا]
أى واستثنى أيضا مؤصدة فهمزها لأنها عنده من آصدت أى أطبقت، فلو أبدل همزها لظن أنها من لغة أو صدت كما يقرأ غيره، فلهذا قال أوصدت يشبه فأوصدت مفعول يشبه، أى مؤصدة بترك الهمز يشبه لغة أو صدت، ثم قال: كله، أى كل هذا المستثنى تخيره المشايخ، وأهل أداء القراء معللا بهذه العلل المذكورة، قيل: إن ابن مجاهد اختار ذلك وروى عن أبى عمرو بعضه، وقاس الباقى عليه وقيل الجميع مروى عن أبى عمرو، ومؤصدة موضعان: فى آخر سورة البلد والهمزة، فهذه خمس وثلاثون كلمة لم يقع فيها إبدال لأبى عمرو، ومؤصدة موضعان: فى آخر سورة البلد والهمزة، فهذه خمس وثلاثون كلمة لم يقع فيها إبدال لأبى عمرو، وإن كان حمزة فى الوقف يبدل الجميع على أصله كما يأتى، ولا ينظر إلى هذه العلل، وهى على خمسة أقسام كما
__________
(1) سورة يوسف، آية: 27.
(2) سورة الأحزاب، آية: 15.
(3) سورة المعارج آية: 13.
(4) سورة مريم، آية: 74.(2/151)
تقدم: ما سكونه علامة للجزم، وما سكونه علامة للبناء فى مثال الأمر، وما همزه أخف من إبداله، وما ترك همزه يلبسه بغيره وما يخرجه الإبدال من لغة إلى أخرى، وقد اتضح ذلك ولله الحمد.
وحكى ابن الفحام فى التجريد أن منهم من زاد على هذا المستثنى، ومنهم من نقص، ومنهم من لم يستثن شيئا:
221 [وبارئكم بالهمز حال سكونه ... وقال ابن غلبون بياء تبدّلا]
وبارئكم عطف على المستثنى أى وغير بارئكم المقروء للسوسى بهمزة ساكنة، على ما يأتى فى سورة البقرة أى المقروء بالهمز فى حال سكونه، فنصب حال سكونه على الحال، وإن قدرنا وهيئ وما بعده مبتدآت كان قوله وبارئكم على تقدير وبارئكم كذلك، ويجوز قراءة وبارئكم فى البيت بكسر الهمزة وإسكان الميم، وبسكون الهمزة وصلة الميم، ولكل وجه.
ولم يذكر صاحب التيسير بارئكم فى المستثنى ولا نبه عليها فى سورتها أنها تبدل، وذكر فيها مكى الوجهين:
الهمزة والإبدال، واختار ترك الإبدال، ووجهه أن سكونها عارض للتخفيف، فكأنها محركة فاستثناؤه أولى من المجزوم الذى سكونه لازم لأمر موجب له.
قال مكى فى كتاب التبصرة: اختلف المعقبون فيما أسكنه أبو عمرو استخفافا نحو بارئكم فى رواية الرقيين عنه، فمن القراء من يبدل منها ياء ويجريها مجرى ما سكونه لازم، ومنهم من يحققها لأن سكونها عارض، ولأنها قد تغيرت فلا نغيرها مرة أخرى، قياسا على ما سكونه علم للجزم، وهو أحسن وأقيس، لأن سكونها ليس بلازم، وقال أبو الحسن طاهر بن غلبون فى كتاب التذكرة: وكذا أيضا هو يعنى السوسى يترك الهمزة من قوله تعالى بارئكم فى الموضعين فى البقرة فيبدلها ياء ساكنة، لأنه يسكنها فى هذه الرواية تخفيفا من أجل توالى الحركات، فلذلك تركها كما يترك همزة وإن أسأتم ويبدلها ياء ساكنة، كما يبدل همز الذئب وما أشبهه.
قلت: والإبدال عندى أوجه من القراءة بهمزة ساكنة، وإليه مال محمد بن شريح فى كتاب التذكير، والضمير فى قوله «تبدلا» للهمز ومما يقوى وجه البدل التزام أكثر القراء والعرب إبدال همزة البرية، فأجرى ما هو مشتق من ذلك مجراه، والله أعلم:
222 [ووالاه فى بئر وفى بئس ورشهم ... وفى الذّئب ورش والكسائى فأبدلا]
أى وتابع ورش السوسى فى إبدال همزة بئر وبئس ياء وهو عين الفعل، وتابعه فى الذئب ورش الكسائى معا فأبدلا همزه أيضا ياء، وكل ذلك لغة فالذئب موضعان فى يوسف، وبئر فى سورة الحج، وبئس فى مواضع، وسواء اتصلت به فى آخره ما أوفى أوله واو، أو فاء، أو لام، أو تجرد عنها.
فأما الذى فى الأعراف:
(بعذاب بئيس (1)).
فنافع بكماله يقرؤه كذلك بالياء من غير همز، وهو غير هذا.
__________
(1) آية: 165.(2/152)
223 [وفى لؤلؤ فى العرف والنّكر شعبة ... ويألتكم الدّورى والابدال (ي) جتلا]
أى وتابعه شعبة عن عاصم فى إبدال همزة لؤلؤ الأولى واوا سواء كانت الكلمة معرفة باللام، نحو:
{(يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [1] اللُّؤْلُؤُ).
أو منكرة نحو:
{(مِنْ ذَهَبٍ} [2] وَلُؤْلُؤاً).
وذكر صاحب التيسير هذا الحكم فى سورة الحج، ووجه اختيار شعبة تخفيف لؤلؤ دون غيره: استثقال اجتماع الهمزتين فيه، والساكنة أثقل فأبدلها.
قوله ويألتكم الدورى: أى قراءة الدورى بهمزة ساكنة، وأبدلها السوسى على أصله، فالياء من يجتلا ومزه، وهذا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد، فكأنه قال: بالهمز وقراءة الباقين بضد ذلك، وهو ترك الهمز فإذا ترك صار: يلتكم، وكذلك قرءوا، وإنما تعين أن لفظ يألتكم بالهمز للدورى، والوزن مستقيم بالهمز وبالألف، لأنه قال بعده: والإبدال يجتلا، فتعين أن قراءة الدورى بالهمز، وهو من: ألت يألت، وقراءة الباقين من لات يليت، وهما لغتان بمعنى نقص، وإنما كان موضع ذكر هذا الحرف سورته، وهناك ذكره صاحب التيسير. قال: قرأ أبو عمرو: ولا يألتكم بهمزة ساكنة بعد الياء، وإذا خفف أبدلها ألفا، والباقون بغير همز ولا ألف.
224 [وورش لئلّا والنّسيء بيائه ... وأدغم فى ياء النّسيء فثقّلا]
أى قرأ لئلا حيث وقع بياء، لأن الهمزة مفتوحة بعد كسر، فهو قياس تخفيفها، وأبدل أيضا من همزة النسيء فى سورة التوبة ياء، وأدغم الياء التى قبلها فيها، وهذا أيضا قياس تخفيفها، لأن قبلها ياء ساكنة زائدة، وهكذا يفعل حمزة فيهما إذا وقف عليهما، ورسما فى المصحف بالياء فالهاء فى بيانه للهمز الموجود فى لئلا والنسيء، أى بيائه التى رسم بها أو بياء هذا اللفظ التى رسم بها، أو أراد بياء الهمز المبدل، لأنه قد: علم وألف.
أن الهمزة تبدل تارة ألفا، وتارة واوا، ياء، باعتبار حركة ما قبلها، على الأوضاع المعروفة فى ذلك، فقال: ورش يقرأ لئلا والنسيء بياء الهمزة المعروف إبدالها منه:
وقوله وأدغم فى ياء النسيء أى أدغم فى هذه الياء المبدلة من الهمزة، ولم يذكر المدغم لضيق النظم عنه، واكتفى بما يدل عليه، لأن المبدلة من الهمزة إذا كانت مدغما فيها علم أن المدغم ما كان قبلها، وهو الياء التى بعد السين، وقوله «فثقلا» أى فشدد، لأن الإدغام يحصل ذلك، وقيل الهاء فى بيائه لورش، أضافها إليه لأنه يبدلها من الهمزة.
__________
(1) سورة الرحمن، آية: 22.
(2) سورة الحج، آية: 23وسورة فاطر، آية: 33.(2/153)
وذكر صاحب التيسير النسيء فى سورتها ولئلا فى هذا الباب، وأصلها لأن لا فأدغم.
225 [وإبدال أخرى الهمزتين لكلّهم ... إذا سكنت عزم كآدم أوهلا]
هذه المسألة موضعها «باب الهمزتين من كلمة، لا هذا الباب، فإنه للهمز المفرد.
وأخرى بمعنى آخرة، أى إذا اجتمع همزتان فى كلمة، والثانية ساكنة، فإبدالها عزم، أى واجب لا بدّ منه، وفى الحديث «فكانت عزمة» والأصل: ذو عزم، أى إبدالها أمر معزوم عليه، وهو أن تبدل حرف مد، من جنس حركة ما قبلها، لثقل الهمزة الساكنة، ولا حركة لها فتسهل بين بين، فتعين البدل ولا يكون ذلك إلا فى كلمة واحدة، وقال أبو بكر الأنبارى فى كتاب الوقف والابتداء: وقد أجاز الكسائى أن يثبت الهمزتين فى الابتداء، فأجاز للمبتدئ أن يقول ائت بقرآن بهمزتين. قال: وهذا قبيح، لأن العرب لا تجمع بين همزتين الثانية منهما ساكنة.
ثم قال: وأجاز الكسائى أن تبتدئ اؤتمن بهمزتين.
قلت: ثم مثل الناظم بمثالين فيهما نظر، أحدهما آدم وأصله على هذا الرأى أأدم، كأنه مشتق من أديم الأرض، أو من الأدمة، فوزنه أفعل، وقيل إنما وزنه فاعل، لأن التسمية بهذا الوزن غالبة فى الأسماء القديمة التى هى عمود النسب بين إبراهيم ونوح صلوات الله عليهما، وذكره الزمخشرى فى باب تخفيف الهمز من مفصله، وقال فى تفسيره: أقرب أمره أن يكون على فاعل كعازر، وعابر، وشالح، وفالغ.
قلت: والوجهان محتملان أيضا فى آزر، وإنما تعين مثالا لذلك: آخر، وآمن، وآتى، ونحوه.
المثال الثانى قوله: أو هلا، لفظ ليس فى القرآن، وهو من قولهم «أو هل فلان، لكذا، أى جعل له أهلا، هكذا فى شرح الشيخ، ويشهد له قول صاحب المحكم: آهله لذلك الأمر، وءأهله، ويجوز أن يكون من قولهم آهلك الله فى الجنة إيهالا، أى أدخلكها وزوجك فيها، حكاه الجوهرى عن أبى زيد، وقد استعمل الناظم اسم المفعول من هذا فى باب ياءات الإضافة فى قوله: «وافق موهلا «واستعمل اسم الفاعل من ثلاثى هذا لازما فى قوله: «فاهمز آهلا متأهلا» على ما سيأتى شرحه فى موضعه إن شاء الله تعالى:
فقوله: أوهل، مثاله فى القرآن:
{(أُوتِيَ مُوسى ََ} [1] {أُوذِينََا مِنْ قَبْلِ} [2] {اؤْتُمِنَ أَمََانَتَهُ} [3]).
إذا ابتدأت، فهذه أمثلة قلبها ألفا وواوا ومثال قلبها ياء:
{(لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ. إِيلََافِهِمْ} [4] {ائْتِ بِقُرْآنٍ} [5]).
إذا ابتدأت به، وهذا أمر مجمع عليه لغة، ولا يختص بقراءة القرآن، ولهذا صح تمثيله بأوهل وهو بدل لازم لا يرتد تصغيرا ولا تكسيرا، كأواخر، وأو يخر، بخلاف قولهم ميقات ومواقيت، وموسر ومياسير، ومويقت ومويسر، فرد الجمع والتصغير ياء ميقات إلى أصلها، وهو الواو، لأنه من الوقت وردا واو موسر
__________
(1) سورة البقرة، آية: 136.
(2) سورة الأعراف، آية: 129.
(3) سورة البقرة، آية: 283.
(4) سورة قريش، آية: 1و 2.
(5) سورة يونس، آية: 15.(2/154)
إلى أصلها وهو الياء، لأنه من اليسار وأماما لا أصل له فى الهمز، ويشبه فى اللفظ ما هو مهموز، فيخفى على من لا خبرة له، فتعرض لبيانه بعض المتقدمين فقال: لا يجوز همز يوقنون والموقنين ويوفون والموفون وتورون ولا همز يولى ويوقى وموهن مما لا أصل له فى الهمز، قال الحصرى:
ولا تهمزن ما كانت الواو أصله ... كقولك فى الإنسان يوفون بالنّذر
والله أعلم.
باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها
هذا نوع من أنواع تخفيف الهمز المفرد، وأدرج معه فى الباب مذهب حمزة فى السكت، وهو مذكور فى كتاب التيسير بعد باب الوقف على مرسوم الخط فى باب يخصه، وذكر فى الباب أيضا مسألة آلآن وعادا لولى وهما فى التيسير فى سورتى يونس والنجم، وهكذا ردءا ذكرها الدانى فى سورة القصص.
وبالله التوفيق:
226 [وحرّك لورش كلّ ساكن آخر ... صحيح بشكل الهمز واحذفه مسهلا]
وصف الساكن بوصفين: أحدهما أن يكون آخر الكلمة، والهمز أول الكلمة التى بعدها لأن الأطراف أنسب للتغيير من غيرها، والثانى أن يكون الساكن الآخر صحيحا أى ليس بحرف مد ولين نحو:
{(فِي أَنْفُسِهِمْ} [1] و {قََالُوا آمَنََّا} [2]).
لأن حرف المد لما فيه من المد بمنزلة المتحرك، فلم ينقل إليه كما لم ينقل إلى المتحرك ويدخل فى هذا ميم الجمع قبل الهمز، لأن ورشا يصلها بواو، فلا ينقل حركة ذلك الهمز فى نحو.
{(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ)}:
لأن قبله حرف مد ولين وهو الواو التى هى صلة الميم، فإن كان قبل الهمزة ياء أو واو ليسا بحرفى مد ولين، وذلك بأن ينفتح ما قبلهما، فإنه ينقل حركة الهمزة إليهما نحو:
{(ابْنَيْ آدَمَ} [3] {ذَوََاتَيْ أُكُلٍ} [4] {خَلَوْا إِلى ََ} [5] {تَعََالَوْا} [6] أَتْلُ {وَلَوْ أَنَّهُمْ} [7]).
ودخل فى الضابط أنه ينقل حركة الهمزة فى أحسب الناس إلى الميم من ألف لام ميم، فى أول العنكبوت وينقل إلى تاء التأنيث، نحو:
{(قََالَتْ أُولََاهُمْ} [8]).
وإلى التنوين نحو:
{(كُفُواً أَحَدٌ} [9]).
__________
(1) سورة النساء، آية: 65.
(2) سورة البقرة، الآيتان: 14و 16.
(3) سورة المائدة، آية: 37.
(4) سورة سبأ، آية: 16.
(5) سورة البقرة، آية: 14.
(6) سورة الأنعام، آية: 151.
(7) سورة النساء، آية: 64.
(8) سورة الأعراف، آية: 39.
(9) سورة الإخلاص، آية: 4.(2/155)
وإلى لام التعريف نحو: الارض والآخرة لأنها منفصلة مما بعدها، فهى وهمزتها كلمة مستقلة، نحو:
قد وهل: حرف دخل لمعنى، فكانت لذلك آخر كلمة، وإن اتصلت خطا، والتنوين معدود حرفا، لأنه نون لفظا، وإن لم تثبت له صورة فى الخط، وقد نص فى التيسير على النقل إلى جميع ما ذكرناه من الأمثلة، وليس هذان الشرطان بلازمين فى اللغة، فالنقل جائز فى وسط الكلمة كما يجوز فى آخرها، وهذا سيأتى فى مذهب حمزة فى الوقف، ويجوز النقل إلى حرف المد غير الألف مثل: قاضو أبيك، وابتغى أمره، نص الزمخشرى عليهما فى المفصل، وفى كتاب سيبويه من ذلك أمثلة كثيرة، ولو كانت الألف تقبل الحركة لجاز النقل إليها، وقيل لانتقل إلى الواو والياء حركة همزة مضمومة ولا مكسورة لثقل ذلك، والغرض من النقل تخفيف اللفظ بتسهيل الهمز والنقل فى ذلك أثقل من عدم النقل، فترك الهمز بحاله، وقد استعمل الناظم هنا قوله، ساكن صحيح باعتبار أنه ليس بحرف مد ولين، ولم يرد أنه ليس بحرف علة، بدليل أنه ينقل بعد حرف اللين فى نحو:
ابني آدم وخلوا إلى كما تقدم، وهذا بخلاف استعماله فى باب المد والقصر حيث قال: أو بعد ساكن صحيح، فإنه احترز بذلك عن حرف العلة مطلقا، بدليل أنه لا يمد واو الموءودة بعد الهمزة، وقد تقدم بيان ذلك.
وقوله بشكل الهمز أى حرك ذلك الساكن الآخر بحركة الهمز الذى بعده، أى حركة كانت.
قوله واحذفه: يعنى الهمز بعد نقل حركته، لأن بقاءه ساكنا أثقل منه متحركا، وربما يكون بعده ساكن، فى مثل قد افلح فيؤدى إلى الجمع بين الساكنين، ومسهلا حال، أى راكبا للطريق الأسهل.
227 [وعن حمزة فى الوقف خلف وعنده ... روى خلف فى الوقف سكتا مقلّلا]
يعنى حكى عن حمزة فى الوقف على الكلمة التى نقل همزها لورش، مثل قراءة ورش ومثل قراءة الجماعة، وهذا مطرد فيما نقل إليه ورش وفيما لم ينقل إليه، ولكنه داخل فى الضابط المذكور فى البيت الأول نحو:
{(يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [1]).
فإن ورشا وصل الهاء بياء، وفى ميم الجمع وجوه ستأتى، ولم يذكر صاحب التيسير النقل لحمزة فى هذا كله، وذكره جماعة غيره، وسيأتى له فى بابه أنه يخففه الهمز إذا كان وسطا أو آخرا، وهذا الباب الهمز أولا، وسيأتى له فى بابه خلاف فى الهمز المتوسط بسبب دخول حروف زوائد عليه، هل يخفيه أولا ثم ذكر صاحب التيسير من هذا نحو الأرض والآخرة دون قد أفلح وشبهه.
فإن قلنا: لا يخفف ذاك: فهذا أولى، لأن هذا مبتدأ حقيقة وذاك مبتدأ تقديرا.
وإن قلنا يخفف ذلك ففي هذا وجهان:
ثم لا ينبغى أن يختص الخلاف بالهمزة المنقولة إلى الساكن قبلها، بل يعطى لجميع الهمزات المبتدآت حكم المتوسط فيما يستحقه من وجوه التخفيف، فإن كانت المبتدأة ساكنة وذلك لا يتصوّر إلا فيما دخل عليها همزة وصل وحذفت لاتصال الكلمة التى قبلها بها نحو:
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 75.(2/156)
{(يََا صََالِحُ ائْتِنََا} [1]).
فإذا وقف عليها أبدلها واوا، وفى لقاءنا ائت يبدلها ألفا، وفى:
{(الَّذِي اؤْتُمِنَ)}.
يبدلها ياء، وصاحب التيسير ذكر ما كان من هذا القبيل فى الهمز المتوسط فقال: تفرد حمزة بتسهيل الهمزة المتوسطة نحو:
(المؤمنون ويأكلون والذّئب).
قال: وكذلك:
{(الَّذِي} [2] اؤْتُمِنَ و {لِقََاءَنَا ائْتِ} [3] و {فِرْعَوْنُ ائْتُونِي} [4]) وشبهه.
قلت: ووجهه أن دخول همزة الوصل قبلها فى الابتداء صيرها متوسطة، فإذا أبدل هذا الهمز حرف مدّ، وكان قبله من جنسه، وكان يحذف لأجل سكون الهمزة اتجه وجهان: أحدهما: عود الحرف المحذوف لزوال ما اقتضى حذفه، وهو الهمزة الساكنة، فإن الجمع بين حرفى مدّ من جنس واحد ممكن بتطويل المدّ. والوجه الثانى: حذفه لوجود الساكن، وهذان الوجهان هما المذكوران فى باب وقف حمزة وهشام على الهمز فى قوله: ويبدله مهما تطرف مثله ... ويقصر أو يمضى على المد أطولا
وينبنى على الوجهين جواز الإمالة فى قوله تعالى:
{(الْهُدَى} [5] ائْتِنََا).
لحمزة ولورش أيضا، فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا، وإن حذفناها فلا ويلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة، فالاختيار المنع، والله أعلم.
وإن كانت همزة الابتداء متحركة وقبلها متحرك جعلت بين بين مطلقا، نحو:
{(قََالَ إِبْرََاهِيمُ} [6] {إِنَّ أَبََانََا} [7] {وَجَدَ عَلَيْهِ} [8] أُمَّةً).
إلا أن تقع مفتوحة بعد كسر أو ضم فتبدل ياء أو واوا نحو:
{(فِيهِ آيََاتٌ بَيِّنََاتٌ} [9] {مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ} [10]).
وإن كانت متحركة وقبلها ساكن صحيح أو حرف لين نقل الحركة إليه على ما يتبين فى مذهب ورش، وإن كان حرف مد ولين امتنع النقل فى الألف، فتجعل الهمزة بين بين، كما يفعل فى المتوسطة، وعلى قياس مذاهب القراء فى الواو والياء يجوز قلب الهمزة والإدغام، ويجوز النقل إلى الأصليتين نحو:
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 77.
(2) سورة البقرة، آية: 282.
(3) سورة يونس، آية: 15.
(4) سورة يونس، آية: 79.
(5) سورة الأنعام، آية: 71.
(6) سورة البقرة، آية: 258.
(7) سورة يوسف، آية: 8.
(8) سورة القصص، آية: 23.
(9) سورة آل عمران، آية: 97.
(10) سورة آل عمران، آية: 7.(2/157)
يدعو إلى (1) تزدرى أعينكم.
والزائدتان هما نحو:
{(قََالُوا آمَنََّا} [2] {نَفْسِي إِنَّ} [3] النَّفْسَ).
ويجوز النقل إليهما لغة، وأما إذا كان الساكن قبل الهمزة ميم الجمع نحو:
{(عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [4]).
فقال الشيخ فى شرحه: لا خلاف فى تحقيق مثل هذا فى الوقف عندنا، قلت: قد ذكر أبو بكر بن مهران فى كتاب له قصره على معرفة مذهب حمزة فى الهمز: فيه مذاهب أحدا، وهو الأحسن: نقل حركة الهمزة إليها مطلقا فتضم تارة وتفتح تارة، وتكسر تارة، نحو:
{(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [5] {عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ} [6] {ذََلِكُمْ إِصْرِي} [7]).
الثانى: تضم مطلقا وإن كانت الهمزة مفتوحة أو مكسورة حذرا من تحرك الميم بغير حركتها الأصلية، الثالث تنقل فى الضم والكسر دون الفتح، لئلا يشبه لفظ التثنية، فإن كانت الهمزة قبلها همزة وهما متفقتان أو مختلفتان، سهل الثانية بما تقتضيه، لأنها فى الكلمة الموقوف عليها. وفى نحو:
{(أَأَنْذَرْتَهُمْ} [8])
تنقل الأولى وتسهل الثانية، ويكون تخفيف الثانيد مخرجا على الخلاف فيما هو متوسط بزائد دخل عليه، لأن همزة الاستفهام زائدة على كلمة أنذر، فإن تحققت هذه القواعد انبنى عليها مسألة حسنة، وهى قوله تعالى:
{(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ} [9]).
فيها ثلاث همزات، فنص ابن مهران فيها على ثلاثة أوجه: أحدها أنه يخفف الثلاثة: الأولى تنقل حركتها إلى لام قل، والثانية والثالثة تجعلان بين الهمزة والواو، لأنهما مضمومتان بعد متحرك، أما تسهيل الثالثة فلا خلاف فيه لأنها همزة متوسطة أو متطرفة إن لم يعتد بالضمير، وفى ذلك بحث سيأتى فى موضعه، وفى كيفية تخفيفها وجوه ستأتى وأما الثانية فهى متوسطة بسبب الزائد، ففي تخفيفها خلاف، وأما الأولى فمبتدأة، ففي نقل حركتها الخلاف المذكور فى هذا الباب.
الوجه الثانى: تخفيف الثالثة فقط، وذلك رأى من لا يرى تخفيف المبتدأة ولا يعتد بالزائد.
الوجه الثالث: تخفيف الأخيرتين فقط، اعتدادا بالزائد وإعراضا عن المبتدأة، وكان يحتمل وجها رابعا، وهو: أن يخفف الأولى والأخيرة دون الثانية، لولا أن من خفف الأولى يلزمه تخفيف الثانية بطريق الأولى، لأنها متوسطة صورة، فهى أحرى بذلك من المبتدأة، فهذا الكلام كله جره قوله «وعن حمزة فى الوقف خلف» فاحتجنا إلى استيعاب الكلام فى وقفه على كل همزة مبتدأ، وفهمت كل ما ذكرته من كلام الأئمة مفرقا فى كتبهم، حتى قال ابن مهران بتركها، وإن كانت فى أول الكلمة قال وعلى هذا يدل كلام المتقدمين وبه كان يأخذ أبو بكر
__________
(1) سورة يس، آية: 25.
(2) سورة البقرة، الآيتان 14و 76.
(3) سورة يوسف، آية: 53.
(4) سورة المائدة، آية: 105.
(5) سورة البقرة، آية: 78.
(6) سورة المنافقين، آية: 6.
(7) سورة آل عمران، آية: 81.
(8) سورة البقرة، آية: 6ويس الآية: 10.
(9) سورة آل عمران، آية: 15.(2/158)
ابن مقسم، ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها، إلا إذا ابتدأ بها، فإنه لا بدّ له منها، ولا يجد السبيل إلى تركها، وقال مكى: ذكر ابن مجاهد أنه يسهل لحمزة فى الوقف ما كان من كلمتين نحو:
{(يَعْلَمُ أَعْمََالَكُمْ} [1]).
قال يلحقها بواو، ونحو:
{(أَلََا يَظُنُّ أُولََئِكَ} [2]).
قال يجعلها بين الهمزة والواو أجرى الباب كله على أصل واحد.
فصل
قوله: وعنده أى وعند الساكن المذكور قبل، وهو كل ساكن آخر صحيح، روى خلف عن سليم عن حمزة أنه يسكت عليه قبل النطق بالهمز سكتا مقللا، أى قليلا لطيفا، وهذا حكم آخر غير نقل الهمزة، وقع معترضا فى هذا الباب لتعلقه به. وغيره من المصنفين يقرر له بابا وذكره صاحب التيسير بين مرسوم الخط وياءات الإضافة، والغرض بهذا السكت الاستعانة على إخراج الهمز وتحقيقه بالاستراحة قبله ولهذا يسبق لسان كثير من الناس إلى نقل الحركة، والسكت مطرد لخلف فى كل ما نقل فيه ورش الحركة، حتى فى الميم من قوله تعالى:
{(الم أَحَسِبَ النََّاسُ} [3]).
بقى عليه أن يسكت أيضا على ميم الجمع قبل الهمزة نحو:
{(عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ} [4]).
وورش لا ينقل إليه الحركة، ولكنه ساكن آخر صحيح، فيدخل فى عموم البيت وإن كان مراده الخصوص فى تبيين مذهب ورش. وإذا كان الساكن قبل الهمزة حرف مد استغنى بمده عن السكت.
وقال أبو القاسم الهذلى: قال سليم فى رواية خلف وغيره. المد يجزئ عن السكت عند الزيات.
وقال فى رواية غيره: الجمع بين المد والسكت أحسن.
والهاء فى قوله «وعنده» تعود على الساكن كما تقدم، ولا تعود على حمزة لنبوّ اللفظ عن ذلك وركته، ولأنه يبقى موضع السكت غير مبين، وإذا عادت الهاء على الساكن الموصوف بان موضع القراءة وخلص من قبح العبارة، وقوله «فى الوصل» يريد به إذا وصلت الكلمة التى آخرها ذلك الساكن بالكلمة التى أوّلها همزة لأنك إذا وقفت على كلمة الساكن كنت ساكتا لجميع القراء، وإنما يظهر سكت خلف فى الوصل، فنبه على ذلك.
فإن قلت بتقدير أن يقف القارئ على كلمة الهمز يكون الناظم قد استعمل لفظ الوقف حيث استعمل لفظ
__________
(1) سورة محمد صلّى الله عليه وسلم، آية: 30.
(2) سورة، المطففين آية: 4.
(3) سورة، العنكبوت آية: 1.
(4) سورة المائدة، آية: 26.(2/159)
الوصل، لأنه قد سبق أن المراد من قوله «وعن حمزة فى الوقف خلف» هو وقوفه على كلمة الهمز، فهو واقف باعتبار نقل الحركة واصل باعتبار السكت، بيانه أن القارئ إذا قرأ قد أفلح ووقف فهو مأمور بشيئين:
أحدهما السكت على الدال لأنه وصلها بهمزة أفلح، والثانى نقل حركة الهمزة إليها، لأنه قد وقف فيوصف القارئ أنه واقف واصل والحالة واحدة.
قلت: لا بعد فى ذلك لأنهما باعتبارين فموضع الوصل غير موضع الوقف فإن الوقف على آخر الكلمة الثانية، والوصل وصل آخر الكلمة الأولى بأول الثانية، ثم يقال: لا يلزم من كونه يصل الساكن بالهمز أن يقف على كلمة الهمز فقد يصلها بما بعدها، وإنما يتوجه الإشكال فى بعض الصور، وذلك عند الوقف على كلمة الهمز، وجوابه ما تقدم، ومثاله: شخص له رحم يصل بعض أقاربه ويقطع بعضهم، فيصح أن يوصف ذلك الشخص بأنه واصل وأنه قاطع نظرا إلى محل الوصل والقطع، والله أعلم.
ولا يمكن حمل قوله فى الوصل على وصل كلمة الهمزة بما بعدها كما توهمه بعضهم، لأن ذلك لم يشترطه أحد فكيف يشترط الناظم ما لم يشترط، وكلام صاحب التيسير دال على ما قاله الناظم رحمه الله، فإنه قال:
كان يسكت سكتة لطيفة من غير قطع بيانا للهمز، فقوله من غير قطع هو قول الشاطبى فى الوصل، أى من غير وقف ثم قال: وقرأ الباقون بوصل الساكن مع الهمزة من غير سكت، وهذا نص فيما ذكرنا، والله أعلم.
228 [ويسكت فى شيء وشيئا وبعضهم ... لدى اللّام للتّعريف عن حمزة تلا]
أى وسكت خلف أيضا على الساكن قبل الهمزة فى هاتين الكلمتين، وهو الياء، وهما كلمة واحدة وإنما غاير بينهما باعتبار لفظ النصب وغيره، لاختلاف ذلك فى خط المصحف فالمنصوب بألف دون المرفوع والمجرور، وهذه عبارة المصنفين من القرّاء، فسلك سبيلهم فى ذلك، وإنما فعلوا ذلك مبالغة فى البيان لئلا يتوهم من الاقتصار على لفظ أحدهما عدم جريان الحكم فى الآخر، ومثله قوله «وجزأ وجزء ضم الإسكان صف».
فإن قلت لم لم يفعل ذلك فى صراط وبيوت مع أنهما فى القرآن بلفظ النصب وغيره نحو:
{(وَيَهْدِيَكَ صِرََاطاً مُسْتَقِيماً} [1] {فَإِذََا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً} [2])
قلت: كأنه لما ضبط ذلك لخلوه عن لام التعريف استغنى عنه، وإنما احتاج إلى ذكر شيء وشيئا، لأنهما لا يدخلان فى الضابط السابق لورش، لأن ورشا لا ينقل فيهما الحركة، لأن ساكنهما ليس بآخر كلمته، فحاصله أن خلفا يسكت بين الكلمتين ولم يسكت فى كلمة واحدة إلا فى هاتين اللفظتين.
وحكى صاحب التيسير هذا السكت عن حمزة فى الكلمة الواحدة مطلقا، نحو:
{(قُرْآنٍ} [3] و {لََا يَسْأَمُ الْإِنْسََانُ} [4]).
كما فى شيء، وهو متجه، لأن المعنى الذى لأجله فعل السكت موجود فى الجميع، والذى قرأه الدانى على أبى الفتح لخلف هو ما ذكره الناظم، وكان لا يرى لخلاد سكتا فى موضع ما، وقرأ الدانى على طاهر بن غلبون
__________
(1) سورة الفتح، آية: 2.
(2) سورة النور، آية: 61.
(3) سورة يونس، آية: 15.
(4) سورة فصلت، آية: 39.(2/160)
بالسكت لخلف وخلاد جميعا على لام التعريف، وشيء وشيئا فقط، وهو المراد بقوله «وبعضهم» أى وبعض أهل الأداء تلا بالسكوت لحمزة عند لام التعريف، كالأرض والآخرة، وعنه سكوت شيء وشيئا، وتمم ذلك بقوله:
229 [وشيء وشيئا لم يزد ولنافع ... لدى يونس آلآن بالنّقل نقّلا]
أى لم يزد بعضهم على ذلك شيئا، بل اقتصر على السكت، وقال الشيخ، المراد لم يزد المذكور، فقد صار لخلف وجهان: أحدهما السكوت عند كل ساكن بالشرط المقدم، وفى شيء وشيئا والثانى يختص السكت بلام المعرفة وشيء وشيئا، فسكوته على لام التعريف وشيء وشيئا بلا خلاف عن خلف، لأن الطريقتين اجتمعتا عليه، وفى غير ذلك له خلاف، وصار لخلاد وجهان، أحدهما السكوت على لام التعريف وشيء وشيئا فقط، والوجه الثانى لخلف والآخر لا سكوت لخلاد فى موضع أصلا، وهذا الموضع من مشكلات القصيدة فافهمه، فإن وقفت لحمزة على الكلمة من ذلك، فإن كانت لفظ شيء وشيئا وقفت بتخفيف الهمزة، وله وجهان على ما يأتى، وإن كانت غيره نحو قد أفلح والأرض فإن قلنا: إن حمزة ينقل الحركة فى الوقف نقلت لأن تخفيف الهمزة فى الوقف هو مذهبه، فيقدم على غيره، كما قلنا فى وقفه على شيء وشيئا، وإن قلنا: لا ينقل وقفت لخلف بالسكت فى الأرض وبالسكت وعدمه فى قد أفلح ووقفت لخلاد بعدم السكت فى قد أفلح وبالسكت وعدمه فى الأرض فلهما ثلاثة أوجه لخلف، ولخلاد وجهان. النقل وعدمه، وفى نحو الأرض بالعكس لخلاد ثلاثة أوجه، ولخلف وجهان: النقل والسكوت، وهذا من عجيب ما اتفق، وأما ميم الجمع فإن قلنا يجوز النقل إليها فهى مثل قد أفلح وإلا ففيها لخلف وجهان: السكوت وعدمه وصلا ووقفا، وخلاد كغيره وصلا ووقفا.
فصل
لما فرغ الناظم من بيان مذهب السكت الذى وقع معترضا به فى هذا الباب، رجع إلى تتمة باب نقل الحركة، فذكر مسألة الآن فى يونس فى موضعين:
{(آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ} [1] {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [2]).
وافق قالون ورشا فى نقل الحركة إلى اللام لثقل هذه الكلمة بهمزتين، وكون اللام قبلها ساكن، فقوله آلآن مبتدأ وخبره نقلا، أى الآن الذى فى يونس نقل لنافع بالنقل، أى نقل عنه على هذه الصفة، وشدد نقلا مبالغة وتكثيرا لنقله، لأنه نقله قوم بعد قوم حتى وصل إلينا:
230 [وقل عادا الأولى بإسكان لامه ... وتنوينه بالكسر (ك) اسيه (ظ) لّلا]
يعنى إسكان لام التعريف وكسر التنوين الذى فى عادا لالتقاء الساكنين، هو واللام، وهذه القراءة جاءت على الأصل كما تقول رأيت زيدا الطويل فلهذا أثنى عليها بقوله كاسيه ظللا، أى حجتها قوية بخلاف قراءة
__________
(1) سورة يونس، آية: 51.
(2) سورة يونس، آية: 91.(2/161)
الباقين ففيها كلام، وكنى بكاسيه، عن قارئه لأنه كساه تنوينا فظلله بذلك، أى ستره عن اعتراض معترض تعرض للقراءة الأخرى، وإن كان لا يؤثر اعتراضه، والحمد لله.
وهذا الحرف فى سورة النجم وأنه أهلك عادا الأولى (1):
231 [وأدغم باقيهم وبالنّقل وصلهم ... وبدؤهم والبدء بالأصل فضّلا]
يعنى بالباقى نافعا وأبا عمرو لأن القراءة الأولى عليها الكوفيون وابن كثير وابن عامر، ويعنى بالإدغام إدغام تنوين عادا فى لام التعريف من الأولى، بعد ما نقل إلى اللام حركة الهمزة تخفيفا واعتدادا بالحركة، وإن كانت عارضة لأنهما لما نقلا والتنوين ساكن أدغماه فى اللام المتحركة بناء على قاعدة إدغام التنوين فى اللام، على ما سيأتى فى باب أحكام النون الساكنة والتنوين.
وحكى أبو عمرو بن العلا إدغام مثل ذلك فى قولهم: رأيت زيادا لعجم، فى زيادا الأعجم، ووجه الاعتراض على هذه القراءة أن تحريك اللام عارض، فكأنها تعد ساكنة، ولا يصح فى الساكن إدغام، وجواب هذا أن الممتنع هو ما يدغم فى ساكن حقيقى، أما ما هو ساكن تقديرا فلا، وليس كل عارض لا يعتد به، ولا ذلك بمجمع عليه وقد تقدم له نظائر، فمن أدغم كان معتدا بالحركة كما يعتد بها من لغته لحمر، إذا ابتدأ بكلمة الأحمر بعد نقل الحركة على ما سيأتى، والهاء فى وصلهم وبدؤهم تعود على مدلول باقيهم وجمع الضمير، والباقى اثنان: إما على مذهب من يرى أن أقل الجمع اثنان، وإما باعتبار رواتهما، أى أن النقل إلى اللام ثابت وصلا وبدأ، ويعنى بالوصل وصل الأولى بعادا، فالنقل لهما فيه لازم لأجل أنهما أدغما التنوين فيها، فإن وقفا على عادا ابتدأ الأولى بالنقل أيضا ليبقى اللفظ حاكيا بحالة الوصل، وفى كيفيته وجهان يأتيان، فأما ورش فيتعين النقل له على أصله فى النقل إلى لام التعريف، وأما قالون وأبو عمرو فالأولى لهما أن يبتدئا بالأصل كما يقرأ الكوفيون وابن كثير وابن عامر، لأنهما ليس من أصلهما النقل، وما نقلا هنا إلا لأجل الإدغام لتخفيف الكلمة، وقد زال الإدغام بالوقف فيرجع إلى الأصل، وهو لأبى عمرو أولى منه لقالون، لأن قالون فى الجملة قد نقل الحركة فى آلآن فى موضعى يونس، ونقل أيضا فى ردءا كما سيأتى.
ثم ذكر من فضل له البدء بالأصل. والبدء أيضا مصدر بدأ. فقال:
232 [لقالون والبصرى وتهمز واوه ... لقالون حال النّقل بدءا وموصلا]
أى أن قالون يهمز واو لولى إذا بدأ بالنقل، وفى الوصل مطلقا، أى حيث قلنا لقالون بالنقل، سواء ابتدأ الأولى أو وصلها بعادا، فواو لولى مهموز بهمزة ساكنة وإن قلنا يبتدئ بالأصل فلا همز، لئلا يجتمع همزتان، فهذا معنى قوله «حال النقل» ووجه الهمز ضمة اللام قبلها، فهمزت لمجاورة الضم كما همزت إذا كانت مضمومة فى أجوه وأدور، وهى لغة لبعض العرب كقوله: أحب المؤقدين إلى موسى، وهذا توجيه أبى على فى الحجة وقيل الأصل فى الواو الهمز، وأبدل لسكونه بعد همز مضموم واوا كأولى، فلما حذفت الهمزة الأولى بعد نقل حركتها إلى لام الأولى زال اجتماع الهمزتين، فرجعت تلك الهمزة، ذكر ذلك مكى وغيره. والله أعلم.
__________
(1) الآية: 50.(2/162)
ومادة هذه الكلمة مختلف فيها، وهى من المشكلات، وسنتكلم عليها فى شرح النظم إن شاء الله تعالى كلاما شافيا، وبالله التوفيق.
وقوله «بدءا وموصلا» مصدران فى موضع الحال، أى بادئا وواصلا.
ثم ذكر كيفية البدء فى حال النقل فقال:
233 [وتبدأ بهمز الوصل فى النّقل كلّه ... وإن كنت معتدّا يعارضه فلا]
أبد من همز وتبدأ ألفا بعد إسكانها ضرورة.
وقوله «بهمز الوصل» يعنى همزة الوصل التى تصحب لام التعريف تقول إذا ابتدأت كلمة دخل فيها لام التعريف على ما أوله همزة قطع نحو الأرض والآخرة والإنسان والإحسان فنقلت حركة الهمزة إلى اللام، ثم أردت الابتداء بتلك الكلمة بدأت بهمزة الوصل كما تبتدئ بها فى صورة عدم النقل لأجل سكون اللام، فاللام بعد النقل إليها كأنها بعد ساكنة، لأن حركة النقل عارضة فتبقى همزة الوصل على حالها لا تسقط إلا فى الدرج. وهذا هو الوجه المختار لغة وقراءة، على ما سيأتى تقريره، ثم ذكر وجها آخر، وهو: أن لا يحتاج إلى همزة الوصل، لأنها إنما اجتلبت لأجل سكون اللام، وقد زال سكونها بحركة النقل العارضة، فاستغنى عنها فهذا معنى قوله: «وإن كنت معتدا بعارضه» أى منزلا لحركة النقل منزلة الحركة الأصلية فلا تبدأ بهمز الوصل إذ لا حاجة إليه، فتقول على الوجه الأوّل الرض ألنسان وعلى الثانى لرض لنسان وعادة أهل النحو يمثلون فى هذه المسألة بالاحمر، فتقول على الوجه الأول: الحمر، وعلى الثانى: لحمر.
وقوله «فى النقل كله» ليشمل جميع ما ينقل إليه ورش من لام المعرفة، ويدخل فى ذلك الأولى من عادا لولى فيكون الوجهان لورش فى جميع القرآن، ويكونان لأبى عمرو وقالون فى هذا الموضع إن قلنا إنهما يبدآن بالنقل كما فى الوصل، وإن قلنا يبدآن بالأصل من غير نقل فلا بد من همزة الوصل، فقد صار لكل واحد منهما ثلاثة أوجه فى صورة الابتداء بقوله تعالى الأولى من عادا لولى ولورش وجها. كما له فى سائر القرآن على ما ذكرنا، هكذا ذكر صاحب التيسير وغيره من المصنفين فى القراءات، وتبعهم الشيخ الشاطبى رحمه الله فى نظمه هذا وفيه إشكال، وهو: أن النحاة ذكروا وجهين فى أن حركة النقل يعتد بها أولا، وأجروا على كل وجه ما يقتضى من الأحكام، لم يخصوا بذلك دخول همزة الوصل وعدم دخولها، بل قالوا: إن اعتددنا بالعارض فلا حاجة إلى تحريك النون فى «من» لأن «بل» تبقى على سكونها إذ لم يلتق ساكنان، وإن لم نعتد بالعارض أبقينا فتحة النون على حالها قبل النقل، فإذا اتضح ذلك وجب النظر فى مواضع النقل فى القرآن، فما رأينا فيه أمارة الاعتداد بالعارض حذفنا همزة الوصل فى الابتداء به، وما رأينا فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض أبقينا همزة الوصل فيه، وما لا أمارة فيه على واحد منهما ففيه الوجهان وهذا تحقيق البحث فى ذلك إن شاء الله تعالى، فنقول:
فى مسألة عادا لولى ظهرت أمارة الاعتداد بالعارض فى قراءة أبى عمرو ونافع معا، وذلك أنهما أدغما فى الوصل التنوين فى اللام، فهذه أمارة الاعتداد بحركة اللام. فإذا ابتدأ القارئ لهما بالنقل لم يحتج إلى همزة الوصل لأنا قد علمنا أن الحركة معتد بها عندهما وصلا، فابتنى الابتداء عليه، وقد نص أبو محمد مكى فى كتاب الكشف على أن ورشا لا يمد الأولى وإن كان من مذهبه مد حرف المد بعد الهمز المغير، لأن هذا وإن كان همزا مغيرا إلا أنه قد اعتد بحركة اللام، فكان لا همز فى الكلمة فلا مد.
قلت: هكذا ينبغى فى القياس أن لا تعود همزة الوصل فى الابتداء. والله أعلم.(2/163)
فى مسألة عادا لولى ظهرت أمارة الاعتداد بالعارض فى قراءة أبى عمرو ونافع معا، وذلك أنهما أدغما فى الوصل التنوين فى اللام، فهذه أمارة الاعتداد بحركة اللام. فإذا ابتدأ القارئ لهما بالنقل لم يحتج إلى همزة الوصل لأنا قد علمنا أن الحركة معتد بها عندهما وصلا، فابتنى الابتداء عليه، وقد نص أبو محمد مكى فى كتاب الكشف على أن ورشا لا يمد الأولى وإن كان من مذهبه مد حرف المد بعد الهمز المغير، لأن هذا وإن كان همزا مغيرا إلا أنه قد اعتد بحركة اللام، فكان لا همز فى الكلمة فلا مد.
قلت: هكذا ينبغى فى القياس أن لا تعود همزة الوصل فى الابتداء. والله أعلم.
ونقول فى جميع ما نقل فيه ورش الحركة إلى لام المعرفة فى جميع القرآن غير عادا لولى هو على قسمين:
أحدهما: ما ظهرت فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض كقوله تعالى:
{(إِنََّا جَعَلْنََا مََا عَلَى الْأَرْضِ} [1] {وَمَا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا} [2] فِي الْآخِرَةِ {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ} [3] {قََالُوا الْآنَ} [4] {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [5]).
ونحو ذلك ألا ترى أنه بعد نقل الحركة فى هذه المواضع لم تردّ حروف المدّ التى حذفت لأجل سكون اللام، ولم تسكن تاء التأنيث التى كسرت لسكون الآزفة فعلمنا أنه ما اعتد بالحركة فى مثل هذه المواضع، فينبغى إذا ابتدأ القارئ له فيها أن يأتى بهمزة الوصل، لأن اللام وإن تحركت فكأنها بعد ساكنة.
القسم الثانى: ما لم تظهر فيه أمارة نحو:
{(وَقََالَ الْإِنْسََانُ مََا لَهََا} [6]).
فإذا ابتدأ القارئ لورش هنا اتجه الوجهان المذكوران والله أعلم:
فصل
هذا الذى فعله نافع وأبو عمرو فى عادا لولى من النقل والإدغام، ومثله جاء فى قراءة شاذة فى قوله تعالى فى سورة المائدة:
{(إِنََّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} [7]).
لما نقل الحركة واعتدّ بها سكنت نون «من» فوجب الإدغام، وكان يمكن فى عادا لولى ثلاث قراءات صحيحات الوجوه غير ما تقدم، وهى: حذف التنوين من عادا سواء نقل الحركة فى الأولى أو لم ينقل، ووجه حذفه التقاء الساكنين على لغة من قال: ولا ذاكر إلا قليلا، ويكون حذفه مع النقل على لغة من لم يعتد بالعارض من نقل الحركة، والقراءة الثالثة على مذهب من نقل الحركة أن يكسر التنوين ولا يدغمه، لأن إدغام المتحرك ليس بواجب، ولا يمكن القراءة بسكون التنوين مع الاعتداد بالحركة إلا بالإدغام، وهى قراءة نافع وأبى عمرو، وقد سهل الله سبحانه فى هذا الباب مباحث حسنة، ولله الحمد:
234 [ونقل ردا عن نافع وكتابيه ... بالإسكان عن ورش أصحّ تقبّلا]
لو أتى بهذا البيت قبل مسألة عادا لولى لكان أحسن، ليتصل مذهب نافع بكماله: يتلو بعضه بعضا، وليفرغ مما روى عن ورش الانفراد بنقله، ثم يذكر من وافقه فى شيء من مواضع النقل، كما هى عادته غالبا فى باقى الأبواب، وإنما أخر هذا البيت لأن النقل فى كتابيه ضعيف، والنقل فى ردا على خلاف أصل ورش،
__________
(1) سورة الكهف، آية: 7.
(2) سورة الرعد، آية: 26.
(3) سورة الإسراء، آية: 11.
(4) سورة البقرة، آية: 71.
(5) سورة النجم، آية: 57.
(6) سورة الزلزلة، آية: 3.
(7) آية: 106.(2/164)
لأنه لا ينقل فى كلمة وأراد قوله تعالى:
{(فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً} [1]).
أى معينا قراءة نافع بغير همز كما يقف عليه حمزة بنقل حركة الهمزة إلى الدال الساكنة، وقيل هو من أردى على كذا أى زاد، فلا همز فيه أى أرسله معى زيادة، وأما قوله تعالى فى الحاقة:
{(كِتََابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ} [2]).
فروى عن ورش نقل حركة همزة «إنى» إلى هاء «كتابيه» لأنه ساكن آخر صحيح، فدخل فى الضابط المذكور أوّل الباب، وروى ترك النقل، وهو الصحيح فى العربية، لأن هذه الهاء هاء سكت، وحكمها السكون لا تحرك إلا فى ضرورة الشعر على قبح، وأيضا فإنها لا تثبت إلا فى الوقف، فإذا خولف الأصل فأثبتت فى الوصل إجراء له مجرى الوقف لأجل ثباتها فى خط المصحف فلا ينبغى أن يخالف الأصل من وجه آخر، وهو تحريكها، فتجتمع فى حرف واحد مخالفتان، وهذه المسألة من الزيادات، لم يذكرها الدانى رحمه الله فى التيسير، وذكرها فى غيره.
قال مكى: أخذ قوم بنقل الحركة فى هذا وتركه أحسن وأقوى.
قلت: فلهذا قال الناظم أصح تقبلا» أى وكتابيه بالإسكان أصح تقبلا منه بالتحريك، وذلك أن التحريك تقبله قوم وتقبل الإسكان قوم، فالإسكان أصح تقبلا من حيث الدليل على ما سبق، ونصبه على التمييز، وبالإسكان حال أى وكتابيه ساكنا أصح تقبلا منه متحركا، فهو مثل قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا والله أعلم.
باب وقف حمزة وهشام على الهمز
هذا الباب من أصعب الأبواب نظما ونثرا فى تمهيد قواعده وفهم مقاصده، وقد أتقنه الناظم رحمه الله، ولكثرة تشعبه أفرد له أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ رحمه الله تصنيفا حسنا جامعا، وذكر أنه قرأ على غير واحد من الأئمة فوجد أكثرهم لا يقومون به حسب الواجب فيه، إلا فى الحرف بعد الحرف:
235 [وحمزة عند الوقف سهّل همزه ... إذا كان وسطا أو تطرّف منزلا]
سبق الكلام فى مذهبه فى الهمزة المبتدأة فى شرح قوله فى الباب السابق «وعن حمزة فى الوقف خلف» والكلام فى هذا الباب فى الهمزة المتوسطة والمتطرفة التى فى آخر الكلمة، ويأتى فيهما إن شاء الله تعالى جميع أنواع تخفيف الهمز، وهى: إبداله وحذفه بعد إلقاء حركته على ساكن قبله، وجعله بين بين.
ولفظ التسهيل يشمل الجميع، وقد يخص القراء لفظ التسهيل بين بين كما سبق، وهذه الأنواع هى التى نقلها أهل العربية فى ذلك، وعند القراء نوع آخر، وهو تخفيف الهمز باعتبار خط المصحف، وسيأتى الكلام عليه وعلى تفاريع هذه الأنواع على ما تقتضيه أصول العربية والقراءات.
__________
(1) سورة القصص، آية: 34.
(2) الآية: 19و 20.(2/165)
والهاء فى همزه تعود إلى حمزة أو إلى الوقف، لملابسة كل واحد منهما هذا بفعله فيه، وهذا بأنه محل الفعل والشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسة بينهما، ووسطا ظرف، وكان تامة، أى إذا وقع فى وسط الكلمة أى بين حروفها، كما تقول جلست وسط القوم، ويجوز أن يكون خبر كان الناقصة لأن وسطا مصدر، من قولهم وسطت القوم أوسطهم وسطا وسطة أى توسطتهم. ذكره الجوهرى، فالمعنى ذا وسط أى إذا كان متوسطا أو تطرف آخرها، ومنزلا تمييز، أى تطرف منزله، أى موضعه وإنما اختص تسهيل حمزة للهمزة بالوقف، لأنه محل استراحة القارئ والمتكلم مطلقا، ولذلك حذفت فيه الحركات والتنوين، وأبدل فيه تنوين المنصوب ألفا، قال ابن مهران: وقال بعضهم هذا مذهب مشهور ولغة معروفة: يحذف الهمز فى السكت كما يحذف الإعراب فرقا بين الوصل والوقف، وهو مذهب حسن.
قال: وقال بعضهم لغة أكثر العرب الذين هم أهل الجزالة والفصاحة ترك الهمزة الساكنة فى الدرج والمتحركة عند السكت.
قلت: وفيه أيضا تآخى رءوس الآى فى مثل:
{(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [1]).
والخاطئة فى الحاقة وخاطئة فى سورة اقرأ، وأنا أستحب ترك الهمز فى هذه المواضع فى الوقف لذلك.
وأما الحديث الذى رواه موسى بن عبيدة عن نافع عن ابن عمر قال: ما همز رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة ابتدعها من بعدهم، فهو حديث لا يحتج بمثله لضعف إسناده فإن موسى بن عبيدة هو الزيدى، وهو عند أئمة الحديث ضعيف.
ثم شرع الناظم فى بيان ما يفعل حمزة بالهمز المتوسط والمتطرف فقال:
236 [فأبدله عنه حرف مدّ مسكّنا ... ومن قبله تحريكه قد تنزّلا]
أى فأبدل الهمز عن حمزة حرف مد من جنس حركة ما قبله بشرطين: أحدهما أن يكون الهمز ساكنا، والثانى أن يتحرك ما قبله، سواء توسط أو تطرف نحو يؤمنون وإن يشأ وقال الملأ والهمزة فى الملأ متحركة، ولكن لما وقف عليها سكنت، وهذا قياس تخفيف الهمزات السواكن إذ لا حركة لها، فتجعل بين بين، أو تنقل.
وقال مسكنا بالكسر، وهو حال من الضمير المرفوع فى فأبدله، ولم يقل مسكنا بالفتح، ولو قاله لكان حالا من الهاء فى فأبدله، وهى عائدة على الهمز، لئلا يوهم أنه نعت لقوله حرف مدّ، فعدل إلى ما لا إيهام فيه وحصل به تقييد الهمز بالسكون، ولأنه أفاد أن القارئ وإن سكن الهمز المتحرك فى الوقف فحكمه هكذا أى أبدل الهمز فى حال كونك مسكنا له، سواء كان ساكنا قبل نطقك به أو سكنته أنت للوقف.
والواو فى قوله ومن قبله تحريكه للحال، والجملة حال من الهمز، أى فأبدله مسكنا محركا ما قبله، فتكون
__________
(1) سورة الرحمن، آية: 20.(2/166)
الحال الأولى من الفاعل، والثانية من المفعول، نحو لقيته مصعدا ومنحدرا، واشتراط تحرك ما قبل الهمز إنما يحتاج إليه فى المتحرك الذى سكنه القارئ فى الوقف، نحو:
{(قََالَ الْمَلَأُ)}.
ليحترز به من نحو:
(يشاء وقروء وهنيئا وشيء وسوء).
وسيأتى أحكام ذلك كله.
وأما الهمزة الساكنة قبل الوقف فلا يكون ما قبلها إلا متحركا، وفى هذا القسم الذى تسكنه للوقف وتبدله حرف مدّ من جنس حركة ما قبله وجهان آخران سنذكرهما:
أحدهما: تسهيله على اعتبار مرسوم الخط، والآخر تسهيله بالروم.
فإن قلت: لم كانت الهمزة الساكنة تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها، ولم تكن من جنس حركة ما بعدها؟
قلت لأن ما قبلها حركة بناء لازمة، وما بعدها يجوز أن تكون حركة إعراب، وحركة الإعراب تنتقل وتتغير من ضم إلى فتح إلى كسر، فأى حركة منها تعتبر، ولا ترجيح لإحداهن على الأخريين، فينظر إلى ما لا يتغير، وهو حركة ما قبلها.
فإن قلت: كان من الممكن أن تعتبر كل حركة فى موضعها.
قلت: يلزم من ذلك أن ينقلب الهمز مع الضم واوا، ومع الفتح ألفا، ومع الكسر ياء فتختل بنية الكلمة نحو رأس يصير عين الكلمة فى الرفع واوا، وفى النصب ألفا وفى الجر ياء، وفى ذلك اختلال الألفاظ واختلاط الأبنية، وأيضا فاعتبار الحرف بما قبله أقرب إلى قياس اللغة من اعتباره بما بعده، ألا تراهم التزموا فتح ما قبل الألف دون ما بعدها نحو قالوا وقائل ولأن اعتبار الأوّل أخف، ومما ينبه عليه فى هذا الموضع أن كل همزة ساكنة، للجزم أو للوقف، إذا أبدلت حرف مدّ بقى ذلك الحرف بحاله لا يؤثر فيه الجازم، نحو:
{(وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً} [1] {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} [2]).
ونقل صاحب الروضة شيئا غريبا فقال: ونقف على:
{(نَبِّئْ عِبََادِي} [2])
بغير همز فإن طرحت الهمزة وأثرها. قلت نبا، وإن طرحتها وأبقيت أثرها قلت نبى، والله أعلم.
237 [وحرّك به ما قبله متسكّنا ... وأسقطه حتّى يرجع اللّفظ أسهلا]
به أى بالهمز، يعنى بحركته على حذف مضاف، يعنى إذا كان متحركا وقبله ساكن، فألق حركته على
__________
(1) سورة الكهف، آية: 16.
(2) سورة الحجر، آية: 49و 51.(2/167)
الذى استقر قبله متسكنا، وأسقط الهمز كما تقدم فى باب نقل الحركة حتى يرجع اللفظ أسهل مما كان، أو سهلا وذلك نحو موئلا ودفء تلقى الحركة إلى الواو والفاء، ويسقط الهمز، ثم تسكن الفاء من دفء للوقف، ولك فيها الروم والإشمام كما يأتى.
فإن قلت: لم كان نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، ولم ينقل إلى الساكن بعدها فى نحو:
{(قَدْ أَفْلَحَ} [1]).
قلت: لو نقل إلى الساكن بعدها لالتبست الأبنية فإنه كان يقال قد فلح فيظن أنه فعل ثلاثى، وإذا نقل إلى الساكن قبله بقى فى اللفظ ما يدل على بناء أصل الكلمة، وهو السكون بعد الهمزة، وكذا فى أشياء، وأزواج ونحوهما، ثم استثنى من هذا أن يكون الساكن قبل الهمزة ألفا فقال:
238 [سوى أنه من بعد ألف جرى ... يسهّله مهما توسّط مدخلا]
أى سوى أن حمزة يسهل الهمز المتحرك الجارى من بعد ألف مهما توسط، وما زائدة، ومدخلا تمييز، ومن بعد متعلق بيسهله، أو بتوسط أى يسهله من بعد ألف أو مهما توسط، من بعد ألف وقوله جرى، حشو لا فائدة فيها على هذا التقدير فإنه لو حذف لم يختل المعنى المقصود، وحيث قد أتى به، فأقرب ما تقدره به أن يكون حالا، ويتعلق به من بعد ما ألف، وقد مقدرة قبله، كما قيل ذلك فى قوله تعالى:
{(أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [2]).
والتقدير يسهله جاريا من بعد ألف أى فى هذه الحالة أو مهما توسط جاريا من بعد ألف، ومراده بالتسهيل هنا بين بين، وذلك لأن نقل الحركة إلى الألف متعذر، لأنها لا تتحرك، لأنها بما فيها من المدّ كأنها حرف متحرك فيسهل الهمز بعدها بين بين، كما سنذكره فى الهمز المتحرك بعد متحرك، فإذا سهله بعد الألف، هل يمكن مد الألف الذى كان لأجل الهمز أو يقصر، فيه تردد سبق، لأنها حرف مد قبل همز مغير وذلك نحو:
{(دُعََاؤُكُمْ} [3] {وَنِدََاءً} [4]).
لأن بعد الهمزة فى نداء ألف التنوين، وهى لازمة، فصارت الهمزة متوسطة.
قال صاحب التيسير فى هذا النوع: إن شئت مكنت الألف قبلها وإن شئت قصرتها، والتمكين أقيس (5)
ثم ذكر حكم المتطرفة بعد ألف. فقال:
239 [ويبدله مهما تطرّف مثله ... ويقصر أو يمضى على المدّ أطولا]
مثله أى حرفا مثله، يريد مثله ما قبله، يعنى ألفا، وذلك لأن الهمزة المتطرفة سكنت للوقف، وقبلها ألف،
__________
(1) سورة المؤمنون، آية: 1.
(2) سورة النساء، آية: 90.
(3) سورة الفرقان، آية: 77.
(4) سورة البقرة، آية: 171.
(5) وإنما كان التمكين أقيس؟؟؟، لأن الألف يستحق المد المشبع؟؟؟ مع بقاء تحقيق الهمز، فلما سهلت بين بين، حصلت بها الخفة وهى فى زنة المحققة، ومن قال بالقصر قال: كان لقوة الهمزة وقد ضعفت بالتسهيل.(2/168)
وقبل الألف فتحة، فلم تعد الألف حاجزا، فقلبت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ألفان، فإما أن يحذف إحداهما فيقصر ولا يمد، أو يبقيهما، لأن الوقف يحتمل اجتماع ساكنين، فيمد مدّا طويلا، ويجوز أن يكون متوسطا، لقوله فى باب المد والقصر: «وعند سكون الوقف وجهان أصلا» وهذا من ذلك، ويجوز أن يمد على تقدير حذف الثانية، لأن حرف المد موجود، والهمزة منوية، فهو حرف مد قبل همز مغير وإن قدر حذف الألف الأولى فلا مد، وذلك نحو:
{(صَفْرََاءُ} [1] {وَالسَّمََاءَ)}.
والمد هو الأوجه، وبه ورد النص عن حمزة من طريق خلف وغيره، وهذا مبنى على الوقف بالسكون، فإن وقف بالروم كما سيأتى فى آخر الباب فله حكم آخر، وإن وقف على اتباع الرسم أسقط الهمزة، فيقف على الألف التى قبلها فلا مد أصلا، والله أعلم وأطول حال من المد، على معنى زائدا طوله، فهذه فائدة مجيئه على وزن أفعل، والله أعلم.
240 [ويدغم فيه الواو والياء مبدلا ... إذا زيدتا من قبل حتّى يفصّلا]
فيه أى فى الهمز بعد إبداله، يعنى إذا وقع قبله واو أو ياء زائدتان فأبدله حرفا مثله، ثم أدغم ذلك الحرف فيه، كما تقدم لورش فى:
(النّسيء) وذلك نحو (خطيئة وقروء).
وقوله: حتى يفصلا، أى حتى يفصل بين الزائد والأصل فإن الواو والياء الأصليتين ينقل إليهما الحركة لأن لهما أصلا فى التحريك بخلاف الزائدة، والزائد ما ليس بقاء الكلمة ولا عينها ولا لامها، بل يقع ذلك وفى هذه الكلمات وقع بين العين واللام، لأن النسيء فعيل، والخطيئة فعيلة، وقروء فعول، والأصلى بخلافه، نحو هيئة، وشيء لأن وزنهما فعلة وفعل، فهذا النوع تنقل إليه الحركة كما فعل فى:
(موئلا ودفء).
وبعضهم روى إجراء الأصلى مجرى الزائد فى الإبدال والإدغام، وسيأتى ذلك فى قوله: وما واو أصلى تسكن قبله، أو الياء، وهذا كان موضعه، وإنما أخره لمعنى سنذكره، ولو قال بعد هذا البيت:
وإن كانتا أصلين أدغم بعضهم ... كشيء وسوء وهو بالنّقل فضّلا
لكان أظهر وأولى، والله أعلم. وفرغ الكلام فى الهمزة المتحركة الساكن ما قبلها، ثم شرع فى ذكر المتحركة المتحرك ما قبلها فقال:
241 [ويسمع بعد الكسر والضّمّ همزه ... لدى فتحه ياءً وواوا محوّلا]
أى ويسمع حمزة همزه المفتوح بعد كسر ياء وبعد ضم واوا، مبدلا من الهمزة، فقوله: محولا: نعت للواو، وحذف نعت ياء لدلالة الثانى عليه، وأراد ياء محولا، واوا محولا، ولو كسر الواو من محولا لكان جائزا، ويكون حالا من حمزة، أى محولا للهمزة ياء وواوا.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 69.(2/169)
وقوله: همزة ثانى مفعولى يسمع، والأوّل محذوف أى يسمع الناس همزه الموصوف إذا قرأه ياء وواوا أى يسمعهم إياه على هذه الصفة، وبعضهم جعل يسمع متعديا إلى ثلاثة، مفعوله الثالث قوله: محولا ياء وواوا.
وهذا البيت فصيح النظم، حيث لف الكلام فجمع بين الكسر والضم، ثم ردّ إليهما قوله ياء وواوا فردت الفطنة الياء إلى الكسر، والواو إلى الضم، فهو من باب قوله تعالى:
{(وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [1]).
وقول امرئ القيس:
كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والخشف البالى
واعلم أن قياس العربية فى كل همزة متحركة متحرك ما قبلها إذا خففت أن تجعل بين بين، إلا المفتوحة بعد كسر أو ضم، فإنها تقلب ياء وواوا، قالوا: لأنها لو جعلت بين بين لقربت من ألف، والألف لا يكون قبلها إلا فتح، ومثال ذلك فئة ولئلا ومؤجلا ويؤده ونحو ذلك:
242 [وفى غير هذا بين بين ومثله ... يقول هشام ما تطرّف مسهلا]
أى ويسمع همزه فى غير ما تقدم ذكره، بلفظ بين بين، وهذا الغير الذى أشار إليه هو ما بقى من أقسام الهمز المتحرك بعد متحرك، ومجموعهما تسعة، لأن الحركات ثلاث كل واحدة قبلها ثلاث حركات، فثلاثة فى ثلاثة تسعة.
ذكر فى البيت السابق منها قسمين: مفتوحة بعد كسر، مفتوحة بعد ضم، وحكمهما الإبدال كما سبق، فبقى لبين بين سبعة أقسام:
مفتوحة بعد مفتوح، نحو سأل مآرب.
مكسورة بعد فتح وكسر وضم، نحو بئس وخاسئين وسئلوا.
مضمومة بعد فتح وكسر وضم نحو:
(رءوف فمالئون برءوسكم).
وقد عرفت أن معنى قولهم بين بين، أن تجعل الهمزة بين لفظها وبين لفظ الحرف الذى منه حركتها أى بين هذا، وبين هذا، ثم حذفت الواو والمضاف إليه منهما، وبنيت الكلمتان على الفتح، فهذه أصول مذهب حمزة فى تخفيف الهمز على ما اقتضته لغة العرب.
ثم يذكر بعد ذلك فروعا على ما تقدم وقع فيها اختلاف ووجوها أخر من التخفيف غير ما سبق ذكره.
ثم قال: ومثله أى: ومثل مذهب حمزة مذهب هشام فيما تطرف من الهمز، أى كل ما ذكرناه لحمزة فى المتطرفة فمثله لهشام، ولم يوافقه فى المتوسطة، لأن المتطرفة أحرى بالتخفيف، لأنها آخر لفظ القارئ، وموضع
__________
(1) سورة القصص، آية: 73.(2/170)
استراحته وانقطاع نفسه، ويقع فى النسخ، ومثله بضم اللام ونصبها أجود، لأنه نعت مصدر محذوف، أى:
ويقول هشام فى تسهيل ما تطرف من الهمز قولا مثل قول حمزة و «ما» فى قوله ما تطرف ظرفية، كقوله:
{(فَمَا اسْتَقََامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [1]).
أى مهما تطرف الهمز فهشام موافق لحمزة فى تخفيفه، أو تكون «ما» مفعول يقول، لأن يقول هنا بمعنى يقرأ، أى يقرأ ما تطرف كقراءة حمزة له ومسهلا حال من هشام، أى راكبا للسهل: وأجاز الشيخ أن يكون حالا من الهاء فى مثله، العائدة على حمزة ثم ذكر الناظم فروعا للقواعد المتقدمة، فقال:
243 [ورءيا على إظهاره وإدغامه ... وبعض بكسر الها لياء تحوّلا]
أى ورءيا مقروء أو مروى أو مستقر على إظهاره وإدغامه أو ورءيا على إظهاره وإدغامه جماعة، أى اختار قوم الإظهار وآخرون الإدغام يريد قوله تعالى فى مريم:
{(هُمْ أَحْسَنُ أَثََاثاً وَرِءْياً} [2]).
وقد روى عن حمزة أنه استثناها فهمزها، كما استثناها أبو عمرو فيما تقدم ذكره، ثم قياس تخفيف همزها أن يبدل ياء، لأنه ساكن بعد كسر، فإذا فعل ذلك اجتمع ياءان، فروى الإدغام لاجتماع ياءين، وروى الإظهار نظرا إلى أصل الياء المدغمة، وهو الهمز، وكذلك الخلاف فى تؤوى وتؤويه لاجتماع واوين، فكأن الناظم أراد «ورءيا» وما كان فى معناه وكان يمكنه أن يقول «ورءيا وتؤوى» أظهرن أدغمن معا.
قال صاحب التيسير: اختلف أصحابنا فى إدغام الحرف المبدل من الهمز وفى إظهاره فى قوله: و «رئيا وتؤوى وتؤويه» فمنهم من يدغم اتباعا للخط، ومنهم من يظهر لكون البدل عارضا، والوجهان جائزان، ثم ذكر أن بعضهم يكسر هاء الضمير المضمومة لأجل ياء قبلها، تحولت تلك الياء عن همزة، ويكون الضمير فى تحولا للياء، وذكر ضميره لأن حروف الهجاء كما ذكرنا فيها وجهان: التذكير، والتأنيث، ويجوز أن يكون فاعل تحولا ضمير الهمز، أى تحول الهمز إلى تلك الياء، ثم مثل ذلك فقال:
244 [كقولك أنبئهم ونبّئهم وقد ... رووا أنّه بالخطّ كان مسهّلا]
يعنى {(أَنْبِئْهُمْ} [3] فى البقرة {وَنَبِّئْهُمْ} [4]) فى الحجر والقمر.
قال صاحب التيسير: اختلف أهل الأداء فى تغيير حركة الهاء مع إبدال الهمز ياء قبلها فى قوله: {«أَنْبِئْهُمْ} و {نَبِّئْهُمْ»}
فكان بعضهم يرى كسرها من أجل الياء، وكان آخرون يبقونها على ضمتها، لأن الياء عارضة، قال: وهما صحيحان، يعنى الوجهين، ووجه قلب الهمزة فى هاتين الكلمتين ياء أنها ساكنة بعد كسر، فهو قياس تخفيفها، فوجه كسر الهاء وجود الياء قبلها، فصار نحو «فيهم ويهديهم» وهو اختيار ابن مجاهد، وأبى الطيب بن غلبون وقال ابنه أبو الحسن: كلا الوجهين حسن، قال ابن مهران سمعت أبا بكر بن مقسم يقول: ذهب ابن مجاهد إلى أبى أيوب الضبى، فقال له: كيف يقف حمزة على قوله تعالى:
{(يََا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ)}.
__________
(1) سورة التوبة، آية: 7.
(2) الآية: 74.
(3) الآية؟؟؟: 33.
(4) سورة الحجر، آية: 51والقمر، آية: 28.(2/171)
فقال: أنبيهم خفف الهمزة وضم الهاء، فقال له ابن مجاهد: أخطأت، وذكر تمام الحكاية.
ووجه ضم الهاء أن الياء عارضة، لأن الهمزة لم تترك أصلا، وإنما خففت، وهى مرادة، وهو اختيار مكى وابن مهران، وهو الأشبه بمذهب حمزة، ألا تراه ضم هاء عليهم وإليهم ولديهم لأن الياء قبلها مبدلة من ألف، وهاتان المسألتان:
(رءيا وأنبئهم).
فرعان لقوله فأبدله عنه حرف مد مسكنا، ثم ذكر قاعدة أخرى مستقلة، فقال: وقد رووا أنه بالخط كان مسهلا، أى أن حمزة كان يعتبر تسهيل الهمز بخط المصحف الكريم، على ما كتب فى زمن الصحابة رضي الله عنهم، وذلك يعرف من مصنفات موضوعة له.
روى سليم عن حمزة أنه كان يتبع فى الوقف على الهمز خط المصحف الكريم.
قال صاحب التيسير: واعلم أن جميع ما يسهله حمزة، فإنما يراعى فيه خط المصحف الكريم دون القياس.
قلت: وضابط ذلك أن ينظر فى القواعد المتقدم ذكرها، فكل موضع أمكن إجراؤها فيه من غير مخالفة الرسم، لم يتعد إلى غيره نحو جعل:
{(بََارِئِكُمْ} [1]).
بين الهمزة والياء، وإبدال همز أبرئ ياء وهمز ملجأ ألفا، وإن لزم فيها مخالفة الرسم فسهل على موافقة الرسم فاجعل:
{(تَفْتَؤُا} [2]).
بين الهمزة والواو:
{(مِنْ نَبَإِ} [3]).
بين الهمزة والياء، ولا تبدلهما ألفا، وكان القياس على ما مضى، ذلك لأنهما يسكنان للوقف وقبلهما فتح، فيبدلان ألفا وهذا الوجه يأتى تحقيقه فى قوله «فالبعض بالروم سهلا» ومثله فى المتوسطة:
{(أُنَبِّئُكُمْ} [4]).
تجعل من بين الهمزة والياء أو تبدل ياء، على خلاف يأتى، وحكى ابن مهران خلافا فى نحو:
(تائبات سائحات).
بين بين، وإبدال الياء المحضة، وكذا فى نحو:
(رءوف تؤزّهم).
بين بين، وإبدال الواو المحضة اتباعا للرسم.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 54.
(2) سورة يوسف، آية: 85.
(3) سورة الأنعام، آية: 34.
(4) سورة آل عمران، آية: 81.(2/172)
قال غيره: وقد تأتى مواضع يتعذر فيها اتباع الرسم، فيرجع فيها إلى الأصول المتقدمة، وما روى عن حمزة رحمه الله تعالى يحمل على ما يسوغ فيه ذلك، والله أعلم.
245 [ففي اليا يلى والواو والحذف رسمه ... والأخفش بعد الكسر والضّمّ أبدلا]
بين بهذا مذهبه فى اتباع الخط عند التسهيل، ومعنى «بلى» يتبع، ورسمه مفعول به، أى يتبع رسم الخط فى الياء والواو والحذف، أى أن الهمز تارة تكتب صورته ياء، وتارة واوا، وتارة يحذف، أى لا تكتب له صورة.
وإنما ذكر هذه الأقسام الثلاثة، ولم يذكر الألف، وإن كانت الهمزة تصور بها كثيرا، لأن تخفيف كل همزة صورت ألفا على القواعد المتقدمة لا يلزم منه مخالفة الرسم، لأنها إما أن تجعل بين بين، نحو:
(سأل).
أى بين الهمزة والألف، أو تبدل ألفا فى نحو:
(ملجأ).
فهو موافق للرسم وإنما تجىء المخالفة فى رسمها بالياء والواو، وفى عدم رسمها، وقد بينا المخالفة فى الياء والواو فى كلمتى:
(تفتؤا ومن نبأ).
وقد رسم الهمز فى كلمة واحدة رسمين، مرة ألفا ومرة واوا نحو:
(الملأ).
رسم بالألف إلا فى أربعة مواضع: ثلاثة فى النمل، وواحد فى أول المؤمنون فسهل فى كل موضع باعتبار رسمه وأما الحذف ففي كل همزة بعدها واو جمع نحو:
(فمالئون يطئون مستهزءون).
فكل هذا لو خفف همزه باعتبار ما تقدم من القواعد لجعل الجميع بين بين باعتبار حركته فى نفسه فإذا أريد تخفيفه باعتبار خط المصحف حذف الهمز حذفا حتى أنهم نصوا أنه يقول فى الموءودة المودة بوزن الموزة، وفى نحو:
(برءاء).
كتبت الأولى بالواو، والثانية بالألف، فلزم من اتباع الرسم أن تبدل الأولى واوا مفتوحة إذ لم يمكن تسهيلها بين الهمزة والواو، لأن الهمزة مفتوحة وإنما تسهل على قياس ما تقدم بين الهمزة والألف، والثانية تبدل ألفا على القاعدتين معا، وهما اتباع الرسم والقياس، لأنها سكنت للوقف وقبلها فتحة فأبدلت ألفا واتفق أن كان الرسم كذلك فلا وجه غيره وعلى اتباع الخط تكون الهمزة فى:
{(تَرََاءَا الْجَمْعََانِ} [1] وفى {رَأَى الْقَمَرَ} [2]).(2/173)
كتبت الأولى بالواو، والثانية بالألف، فلزم من اتباع الرسم أن تبدل الأولى واوا مفتوحة إذ لم يمكن تسهيلها بين الهمزة والواو، لأن الهمزة مفتوحة وإنما تسهل على قياس ما تقدم بين الهمزة والألف، والثانية تبدل ألفا على القاعدتين معا، وهما اتباع الرسم والقياس، لأنها سكنت للوقف وقبلها فتحة فأبدلت ألفا واتفق أن كان الرسم كذلك فلا وجه غيره وعلى اتباع الخط تكون الهمزة فى:
{(تَرََاءَا الْجَمْعََانِ} [1] وفى {رَأَى الْقَمَرَ} [2]).
متطرفة فلها حكم المتطرفة، لأنه لم يرسم بعد الهمز فيهما شيء، بل كتبا على لفظ الوصل.
ثم بين الناظم رحمه الله تعالى مذهب الأخفش النحوى، وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة، وهو الذى يأتى ذكره فى سورة الأنعام، وغير الذى ذكره فى سورة النحل.
ووجه اتصاله بما تقدم من وجهين:
أحدهما أن ذكره استئناسا لمذهب حمزة فى إبدال الهمزة المتحرك المتحرك ما قبله، حرف مد اتباعا للخط، حيث يلزم من تسهيله على القياس المقدم مخالفة الرسم، فذكر أن من أئمة العربية الأكابر من رأى بعض ذلك فى هذا الموضع بشرطه.
وقد ذكره صاحب التيسير فقال نحو:
{(أُنَبِّئُكُمْ} [3] و {سَنُقْرِئُكَ} [4]).
يبدلها ياء مضمومة اتباعا لمذهب حمزة فى اتباع الخط عند الوقف على الهمز، وهو قول الأخفش أعنى التسهيل فى ذلك بالبدل.
الوجه الثانى أن يكون فى المعنى متصلا بقوله، وفى غير هذا بين بين، كأنه قال: إلا فى موضعين، فإن الأخفش أبدل فيهما فتصير مواضع الإبدال على قوله أربعة من تسعة، هذان نوعان، ونوعان وافق فيهما سيبويه وهما المذكوران فى قوله، ويسمع بعد الكسر والضم، وقوله ذا الضم مفعول أبدلا أى أبدل الهمز المضموم بعد الكسر بياء، وتمم بيان مذهب الأخفش، فقال:
246 [بياء وعنه الواو فى عكسه ومن ... حكى فيهما كاليا وكالواو أعضلا؟؟؟]
أى وعن الأخفش إبدال الواو فى عكس ذلك، وهو أن تكون الهمزة مكسورة بعد ضم، نحو سئل والأول نحو:
{(تُنَبِّئُهُمْ بِمََا} [5]).
فأبدل المضمومة ياء والمكسورة واوا، أبدلهما حرفين من جنس حركة ما قبلها، فتارة يوافق مذهبه الرسم فى نحو:
(تنبّئهم).
ومذهب سيبويه ما تقدم، وهو جعل كل واحدة منها بين بين، قال من قرر مذهب الأخفش: لو جعلت هنا بين بين لقربت من الساكن، فيؤدى إلى واو ساكنة قبلها كسرة، وياء ساكنة قبلها ضمة، ولا مثل لذلك فى العربية، كما أن المفتوحة بعد كسر أبدلت ياء، وبعد ضم واوا كذلك.
__________
(1) سورة الشعراء، آية: 61.
(2) سورة الأنعام، آية: 77.
(3) سورة آل عمران، آية: 14.
(4) سورة الأعلى، آية: 6.
(5) سورة التوبة، آية: 64.(2/174)
وأجيب بأنه يلزمه أيضا فى مذهبه أن تكون ياء مضمومة بعد كسرة، وواو مكسورة بعد ضمة، وذلك مطرح الاستعمال حقيقة، وما اختاره سيبويه يشبه ما اطرح استعماله، فما ذكره أفظع: وأما إلزامه المفتوحة فلأن إبدالها لا يؤدى إلى ما اطرح استعماله، بخلاف ما ذكره.
ثم قال: ومن حكى فيهما أى فى المضمومة بعد كسر والمكسورة بعد ضم، أن تجعل المضمومة كالياء، والمكسورة كالواو، أى تسهل كل واحدة منها بينها وبين حرف من جنس حركة ما قبلها لا من جنس حركتها» ليسلم من الاعتراضين الواردين على مذهب سيبويه والأخفش، فمن حكى ذلك أعضل، قال الشيخ: أى أتى بعضلة، وهى الأمر الشاق لأنه جعل همزه بين بين مخففة بينها وبين الحرف الذى منه حركة ما قبلها.
قلت: وهذا الوجه مذكور فى كتاب [الكشف] لأبى محمد مكى بن أبى طالب وغيره عن الأخفش، ويقوى فى مواضع توافق خط المصحف الكريم، كالوقف على:
(لؤلؤ).
المخفوض بروم الحركة، لأنه يجعلها بين الهمزة والواو، وذلك موافق للخط، وعلى رأى سيبويه تصير بين الهمزة والياء، فتخالف الخط فيوقفه بلا روم، ليجد قبلها واوا فيوافق الرسم، نص عليه مكى، وقد تقدم مثل هذين الوجهين المحكيين عن الأخفش فى مذهب الفراء فى نحو:
{(يَشََاءُ إِلى ََ} [1]).
أكثرهم أبدل الثانية واوا، وبعضهم جعلها بين الهمزة المكسورة والواو، وقد غلط بعض الجهال لسوء فهمه، فظن أن من سهل الهمزة بينها وبين الحرف الذى من جنس حركة ما قبلها قدّر أن الحركة تكون على الهمزة من جنس حركة الحرف قبلها، ففي:
{(تُنَبِّئُهُمْ} [2] ويستهزءون).
تسهل بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة، وفى نحو:
(سئل ويشاء إلى).
تسهل بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة، وهذا جهل مفرط وغلط بين، ولولا أنى سمعته من قائله لما صدقت أن أحدا يقوله، فإن الهمزة محركة، والحاجة داعية إلى تسهيلها، وذلك ممكن مع بقائها على حركتها فأى حاجة إلى تغير حركتها ونختل فى وزنها ولفظها، وإنما لما احتيج إلى الحرف الذى يسهل إليه، قال أهل المذهب الصحيح: يكون الحرف من جنس حركتها، فهو أقرب إليها وقال قوم: يجعل الحرف من جنس حركة ما قبلها، كما لو كانت الهمزة ساكنة، والفرق أن الساكنة لما لم تكن لها حركة اضطررنا إلى إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها، إذ لم يكن اعتبارها بنفسها وفيما ذكرناه لها حركة، فاعتبارها بها أولى، وهذا واضح لمن تأمله، والله أعلم.
ويقال: قد أعضل الأمر: أى اشتد وغلظ واستغلق، وأمر معضل: لا يهتدى لوجهه، والله أعلم.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 213.
(2) سورة التوبة، آية: 64.(2/175)
247 [ومستهزءون الحذف فيه ونحوه ... وضمّ وكسر قبل قيل وأخملا]
هذا مفرع على القول بالوقف على مرسوم الخط، فتحذف الهمزة منه، لأنها لم تكتب لها فيه صورة، وكذلك فيما أشبهه مما فيه همزة مضمومة بعد كسر، وبعدها واو ساكنة نحو:
(فمالئون (1) ليطفئوا (2) {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} [3] ومتكئون).
وهذا قد عرف مما تقدم، وإنما عرضه بهذا البيت بيان الحركة لما قبل الواو بعد حذف الهمز، وهذه مسألة ليست فى التيسير.
وقال الشيخ فى شرحه: منهم من وقف:
{(مُسْتَهْزِؤُنَ} و {مُتَّكِؤُنَ)}.
فضم ما قبل الواو، ومنهم من كسر ما قبلها ولم يمد ثم قال: وأخملا، يعنى المذهبين المذكورين، وإنما أخملا لأن حركة الهمزة ألقيت على متحرك.
وفى الوجه الآخر واو ساكنة قبلها كسرة، وليس ذلك فى العربية.
قلت: هذا الذى ذكره الشيخ فيه نظر، وإن كان قد تبعه فيه جميع من رأيت له كلاما على شرح هذا البيت، سوى الشيخ أبى عمرو رحمهما الله تعالى.
والصواب أن يقال: ضم ما قبل الواو وجه جيد، وليس نقلا لحركة الهمزة إليه، وإنما بنى الكلمة على فعلها.
قال الفراء: من العرب من يبدل الهمز يعنى فى الفعل فيقول: استهزيت، مثل استقضيت، فمن وقف على:
{(مُسْتَهْزِؤُنَ} [4]).
فعلى ذلك مثل مستقضون، وقد ذكر الشيخ ذلك فى شرحه، وقال ابن مهران: حكى عن الكسائى أنه قال: من وقف بغير همز، قال:
(مستهزون).
فرفع الزاى، ومثله متكون وليطفوا وأشباه ذلك، قال: وقال الزجاج: أما.
(مستهزون).
فعلى لغة من يبدل من الهمز ياء فى الأصل، فيقول فى استهزئ، استهزيت، فيجب على استهزيت: يستهزون:
قلت: وقد قرئ.
{(لََا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخََاطِؤُنَ} [5]).
__________
(1) سورة الصافات، آية: 66.
(2) سورة الصف آية: 8.
(3) سورة يونس، آية: 53.
(4) سورة البقرة، آية: 14.
(5) سورة الحاقة، آية: 37.(2/176)
بضم الطاء، وترك الهمز، رويت عن نافع كما قرأ:
(والصّابون (1)).
فلا وجه لإخمال هذا الوجه، أما كسر ما قبل الواو الساكنة فحقيق بالإخمال، لأنه لا يوجد فى العربية نظيره، وهو الذى أراده الناظم رحمه الله تعالى إن شاء الله.
وتقدير البيت الحذف فيه، وضم؟ يعنى فى الحرف الذى قبل الهمز، لأله صار قبل الواو الساكنة فضم:
كما فى قاضون ونحو، ثم قال؟ وكسر قبل قيل، يعنى قبل بالكسر قبل الواو، وأخمل هذا القول لأنه على خلاف اللغة العربية، ولو أراد الناظم المعنى الأوّل لقال قيلا بالألف، والوزن مؤات له على ذلك، فلما عدل عنه إلى قيل، دل على أنه ما أراد إلا وجها واحدا، فيصرف إلى ما قام الدليل على ضعفه وهو الكسر ولا معنى لصرفه إلى الضم مع كونه سائغا فى اللغة، والألف فى أخملا للإطلاق، لا للتثنية، والخامل: الساقط الذى لا نباهة له، وقد خمل يخمل خمولا، وأخملته أنا، والله أعلم.
248 [وما فيه يلفى واسطا بزوائد ... دخلن عليه فيه وجهان أعملا]
أى واللفظ الذى فيه يوجد الهمز متوسطا بسبب روف زوائد دخلن عليه واتصلن به خطا أو لفظا، ولم يأته التوسط من انتظام حروف الكلمة فيه وجهان أعملا، أى استعملا، مأخذ الوجهين أنه: هل يعطى ذلك الهمز حكم المتوسط فيسهل تسهيل مثله على ما سبق تفصيله أو حكم المبتدأ فيحقق، وأصل ذلك الاعتداد بالزائد العارض، وعدم الإعتداد به.
قال فى التيسير: والمذهبان جيدان، وبهما ورد نص الرواة.
قلت: ولا ينبغى أن يكون الوجهان إلا تفريعا على قول من لا يرى تخفيف الهمز المبتدإ لحمزة فى الوقف خلف، أما من يرى ذلك فتسهيله لهذا أولى، لأنه متوسط صورة، وقد سبق التنبيه عليه، وقوله: يلفى، أى يوجد ومنه قوله تعالى:
{(مََا أَلْفَيْنََا عَلَيْهِ آبََاءَنََا} [2]).
أى ما وجدنا، كما قال تعالى ذلك فى سورة لقمان.
وقوله: واسطا، هو اسم فاعل من وسطت القوم، وقد سبق ذكره، ثم مثل ذلك فقال:
249 [كما هاويا واللّام والبا ونحوها ... ولا مات تعريف لمن قد تأمّلا]
ما فى قوله كما زائدة، أى الزائد مثل لفظ ها ويا، أما ها ففي نحو:
{(هََا أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ} [3]).
لأن الكلمة التى للإشارة إلى الجماعة أولاء دخل عليها حرف التنبيه، وهو ها ويا لحرف النداء، نحو:
(يا ءيّها يا آدم يا أولى {يََا أُخْتَ هََارُونَ} [4]).
__________
(1) سورة المائدة، آية: 69.
(2) سورة البقرة، آية: 170.
(3) سورة النساء، آية: 109.
(4) سورة مريم، آية: 28.(2/177)
وإنما عد الهمز فى هذين الموضعين متوسطا، وإن كان الزائد الداخل عليه كلمة مستقلة بنفسها من جهة الاتصال خطا، لأن ألف «ها» و «يا»، محذوفة فى رسم المصحف الكريم، واتصلت الهاء والياء بالهمزة بعدهما، والألف المتصلة بالياء فى نحو:
(يأيّها).
هى صورة الهمزة، وليست ألف يا، والدليل على ذلك: أنه إذا لم تكن بعد يا همزة لم يكتبوا ألفا أصلا نحو:
(يقوم (1) وينوح) واللام نحو: (لأنتم أشدّ ولأبويه) والباء مثل (بأنّهم).
ونحو هذه الزوائد: (فأمنوا وأمر كأنّهمء أنذرتهم أفأنت فبأىّ لبإمام سأريكم) ونحو ذلك.
ولا مات التعريف نحو:
(الآخرة والأرض).
فالهمز فى كل ذلك متوسط باعتبار أن ما دخل عليه متصل به خطا أو لفظا، لا يمكن انفصاله منه، والزائد ما أمكن فصله من الكلمة، ولا تختل بنيتها، فحروف المضارعة لا تعطى حكم الزوائد، والهمز بعدها متوسط بلا خلاف، نحو:
(يؤمن يأكل) وكذا (وأمر فأووا وألحق به بعضهم {يََا صََالِحُ ائْتِنََا} و {إِلَى الْهُدَى ائْتِنََا} [2]).
والاختيار التحقيق لتأتى الوقف على ما قبل الهمزة، فإن وقف بتخفيف الهدى ائتنا لم يمل الألف لأنها بدل الهمزة، وليست ألف الهدى، وهو اختيار أبى عمرو الدانى، وقيل: بل هى ألف الهدى وحذفت المبدلة من الهمزة، ويحتمل أن ترجع ألف الهدى. ويجمع بين الألفين بزيادة المد، فعلى هذا تسوغ الإمالة فى ألف الهدى، لمن مذهبه الإمالة، وقد سبق ذكر الوجهين والله أعلم.
وقوله تعالى: {(هََاؤُمُ} [3]).
فى الحاقة ليس لها حكم هأنتم، لأن همزة هاؤم متوسطة، لأنها من تتمة كلمة ها، بمعنى: خذ، ثم اتصل بها ضمير الجماعة المتصل، وها أنتم، الهاء فيه للتنبيه، دخل على أنتم، وتسهل همزة هاؤم بلا خلاف بين بين، ويوقف هاؤم، ومنع مكى من الوقف عليها ظنا منه أن الأصل هاؤموا، بواو، وإنما كتبت على لفظ الوصل فحذفت فقال: لا يحسن الوقف عليها لأنك إن وقفت على الأصل بالواو خالفت الخط، وإن وقفت بغير وخالفت الأصل، وذكر الشيخ معنى ذلك وشرحه، وهو سهو، فإن الميم فى هاؤم مثل الميم فى أنتم، الأصل فيها الصلة بالواو، على ما سبق فى بيان قراءة ابن كثير، ورسم المصحف الكريم فى جميع هذا الباب بحذف الواو فيما ليس بعده ساكن، فما الظن بما بعده ساكن، فالوقف على الميم لجميع القراء، وإذا كان ابن كثير الذى
__________
(1) سورة غافر آية: 29.
(2) سورة الأعراف، آية: 77.
(3) سورة الأنعام، آية: 71.(2/178)
يصل ميم الجمع بواو فى الوصل لا يقف بالواو على الأصل، فما الظن بغيره، فإن قلت: هلا جرى الوجهان فى نحو:
(دعاؤكم وهاؤم).
لأن الهمز فيها متوسط بزائد دخل عليه بعده، كما لو كان الزائد قبله، قلت: لأن الهمز هنا دائر بين أن يكون متوسطا أو متطرفا، وأياما كان فحمزة يسهله، بخلاف ما إذا كان الزائد متقدما فإن الهمز يصير مبتدأ والمبتدأ فيه الخلاف كما سبق، ولم تكن له حاجة إلى ذكر لام التعريف، لأنه قد فهم له الخلاف فيه مما سبق فى مذهب ورش، ولكنه أراد إعلام أنه من هذا النوع، والنقل فيه أولى من غيره، والله أعلم.
250 [واشمم ورم فيما سوى متبدّل ... بها حرف مدّ واعرف الباب محفلا]
هذا عطف على كلام مقدر دل عليه ما تقدم، أى افعل ما ذكرت لك من تخفيف الهمزة، وأشمم ورم فى مواضع ذلك بشرطه، أى أن تخفيف الهمز المتطرف ليس بمانع من جريان الروم والإشمام فقطع بهذا الكلام وهم من توهم ذلك، والروم والإشمام من خصائص الأطراف، يجريان فى المضموم دون المفتوح عند القراء، ويجرى الروم وحده فى المكسور، فمعنى البيت: أنهما جائزان فى كل ما تقدم بشروطهما إلا فى موضع يبدل طرفه بالهمزة حرف مد، أى ألفا، أو واوا، أو ياء سواكن وقبلهن حركات من جنسهنّ أو ألف، فلا روم ولا إشمام حينئذ، لأن هذه حروف سواكن لا أصل لهنّ هنا فى الحركة، فصرن مثلهنّ فى يخشى، ويدعوا، ويرمى، وذلك نحو الملأ ولؤلؤ والبارئ ويشأ وضابطه كل همز طرف قبله متحرك أو ألف، وقد سبق ذكر النوعين فى قوله: فأبدله عنه حرف مد مسكنا، ويبدله مهما تطرف مثله، فأما ما قبله ساكن غير الألف فيصح رومه وإشمامه، وهو نوعان: أحدهما ما ألقى فيه حركة الهمز على الساكن، نحو دفء، والثانى ما أبدل فيه الهمز حرفا وأدغم فيه ما قبله، نحو:
(قروء وشيء).
فكل واحد من هذين النوعين قد أعطى حركة، فترام تلك الحركة.
أما ما ألقى عليه حركة الهمز فظاهر، وأما نحو قروء فقد أدغم فى الحرف المبدل من الهمز ما قبله، ولا يدغم إلا فى متحرك، وضابطه: كل همز طرف قبله ساكن غير الألف، وهذا معنى قول صاحب التيسير:
والروم والإشمام جائزان فى الحرف المتحرك بحركة الهمزة، وفى المبدل منها غير الألف.
ومحفل القوم مجتمعهم: أى هذا الباب موضع اجتماع أنواع تخفيف الهمز، فاعرفه، ونصبه على الحال.
251 [وما واو أصلىّ تسكّن قبله ... أو اليا فعن بعض بالادغام حمّلا]
أى والهمز الذى تسكن قبله واو أصلى، يعنى إذا وقعت واو أصلية ليست بزائدة، وهى ساكنة قبل الهمز نحو:
(سوء والسّوأى أو ياء كذلك نحو شيء واستيأس (1)).
__________
(1) سورة يوسف، آية: 110.(2/179)
فقد ذكر أن مثل هذا تنقل إليه الحركة، وتقدم أنهما لو كانا زائدين أبدل الهمز مثلهما وأدغما فيه، فروى بعضهم عنه إجراء الأصلى مجرى الزائد فى الإبدال والإدغام، وحكى جواز ذلك عن العرب يونس وسيبويه، وكان الأحسن أن يذكر هذا البيت عقيب قوله ويدغم فيه الواو والياء مبدلا» إذا زيدتا البيت، ويقول عقيبه وإن ولو أصلى، بلفظ حرف إن الشرطية، فهى أحسن هنا من لفظ ما، وأقوم بالمعنى المراد، ولو فعل ذلك لاتصل الكلام فى الإدغام واتصل هنا كلامه فى الروم والإشمام، فإن هذا البيت الآتى متعلق بقوله وأشمم ورم، على ما سنبينه، فوقع هذا البيت فاصلا فى غير موضعه من وجهين وبعضهم صوّب ما فعله الناظم، وقال:
قصد أوّلا أن يلخص من أحكام التسهيل حكما واحدا اشتهر، ثم يذكر بعد ذلك أحكاما أخر، كما فعل فى:
{(مُسْتَهْزِؤُنَ} [1]) وغيره والله أعلم.
252 [وما قبله التحريك أو ألف محرّكا ... طرفا فالبعض بالرّوم سهّلا]
المذكور فى هذا البيت هو ما امتنع رومه وإشمامه لأجل البدل، على ما تقدم بيانه، حكى فيه وجه آخر، عن حمزة أنه كان يجعل الهمز فى ذلك بين بين، كأنه لما كان البدل يفضى إلى تعطيل جريان الروم المختار لجميع القراء على ما سيأتى فى بابه، لم يبدل وخفف الهمز بالتسهيل، كما لو كان الهمز متوسطا، إلا أن الوقف لا يكون على متحرك، بل على ساكن أو مروم فالوقف بالسكون لا تسهيل معه إلا بالبدل والوقف بالروم يتأتى التسهيل معه بلفظ بين بين، فنزل النطق ببعض الحركة، وهو الروم، منزلة النطق بجميعها، وكل ذلك حركة الهمزة فسهلها بين بين، فهذا معنى قوله: «بالروم سهلا» أى فى حال الروم، أى وقع التسهيل بحالة الروم.
وخفى هذا المعنى على قوم فقالوا: لا معنى لبين بين إلا روم الحركة فعبر عن الروم بكونه يجعلها بين بين، وهذا التأويل ليس بشيء، فإن النطق بالروم غير النطق بالتسهيل، برهانه أن الروم عبارة عن النطق ببعض حركة الحرف، فلا يلزم من ذلك تغيير ذلك الحرف، كما إذا رام الدال من زيد، والتسهيل بين بين يغير لفظ النطق بالهمزة، والروم نطق ببعض حركة الهمزة أو حركة ما جعل بدلا عنها وهو كونها بين بين، وهذا أوضح، ولله الحمد.
فحاصل ما فى هذا البيت أن ما دخل فى الضابط الذى ذكره، وسنبينه فلحمزة فيه وجهان:
أحدهما: أن يقف بالسكون، فيلزم إبدال الهمز حرف مد، فلا روم إذا ولا إشمام، كما سبق ذكره، وهذا الذى تقدم استثناؤه له.
والثانى: أنه يروم حركة الهمزة ويجعلها بين بين، ثم إذ قلنا بهذا الوجه فهل يجرى فى المفتوح جريانه فى المضموم والمكسور، أو لا يجرى فيه، إذ لا روم فيه عند القراء: فيه اختلاف.
وقد ذكر هذا الوجه مكى فى الكشف، وجعله المختار فيما يؤدى فيه الوقف بالسكون إلى مخالفة الخط نحو:
(تفتأ (2)).
واختار الوقف بالسكون فيما يوافق الخط نحو:
(يبدئ (3)).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 14.
(2) سورة يوسف، آية: 85.
(3) سورة البروج، آية: 13.(2/180)
وقوله «محركا طرفا» حالان من الهمز المعبر عنه بما فى قوله: «وما قبله التحريك أو ألف» أى والهمز المحرك الذى هو طرف إذا وقع قبله تحريك نحو:
(قال الملأ) أو ألف نحو (يشاء).
فالبعض وقف بالروم وسهل، ويجوز أن يكون طرفا حالا من الضمير المستكن فى محركا، ويجوز أن يكون محركا حالا من مفعول سهل المحذوف تقديره، فالبعض بالروم سهلة محركا طرفا. وفيه ضعف لتقدمه على فاء الجزاء ولا يستقيم أن يكون طرفا تمييزا، على معنى محركا طرفه، لأن المراد بالمحرك هو الطرف، وهو اهمز ولو كان المراد بالمحرك اللفظ لاستقام ذلك، لكن لا يمكن أن يكون المراد به اللفظ، لقوله «وما قبله التحريك أو ألف» لأن المراد أن الحركة أو الألف قبل الهمزة لا قبل اللفظ، ولا يكون فى هذا النوع إشمام، لأن حالة الروم لا حاجة إلى الإشمام، وأن يبدل الهمز حرف مد، فلا إشمام أيضا ولا روم على ما سبق، فلو كان هذا البيت جاء عقيب قوله «وأشمم ورم» لكان أوضح للمقصود وأبين،.
وقلت أنا بيتين قربا معنى بيتيه على ما شرحناهما به:
وأشمم ورم فى كلّ ما قبل ساكن ... سوى ألف، وامنعهما المدّ مبدلا
أى فى كل همزة قبلها ساكن غير الألف، وهما نوعان: النقل، والإدغام كما سبق، أو يقول:
وأشمم ورم تحريك نقل ومدغم ... كشيء دف وامنعهما المدّ مبدلا
أى وامنع المد، أى فى حرف المد المبدل من الهمز من الروم والإشمام.
ثم بين ذلك الذى يمنعه منهما فقال:
وذلك فيما قبله ألف أو الّذى ... حرّكوا والبعض بالرّوم سهّلا
فانضبط فى هذين البيتين على التفصيل كل ما يدخله الروم والإشمام وما يدخلانه والله أعلم.
253 [ومن لم يرم واعتدّ محضا سكونه ... وألحق مفتوحا فقد شذّ موغلا]
أى ومن الناس من لم يرم لحمزة فى شيء من هذا الباب، أى ترك الروم فى الموضع الذى ذكرنا أن الروم يدخله، وهو كل ما قبله ساكن غير الألف، فنفى الروم فيه، وألحق المضموم والمكسور بالمفتوح فى أن لا روم فيه، فلم يرم:
{(لَكُمْ فِيهََا دِفْءٌ} [1] كما لم يرم {يُخْرِجُ الْخَبْءَ} [2]).
فقال الناظم: هذا قد شذ مذهبه موغلا فى الشذوذ، لأنه قد استقر واشتهر أن مذهب حمزة الروم فى الوقف إلا فيما ثبت استثناؤه، ويجوز أن يكون هذا القائل بنى مذهبه فى ترك الروم على أن حمزة وقف على الرسم، فأسقط الهمزة، إذ لا صورة لها فى نحو:
(سوء وشيء ودفء وقروء).
__________
(1) سورة النحل، آية: 5.
(2) سورة النمل، آية: 25.(2/181)
فما قبل الهمز فى ذلك كله حرف ساكن لا حظ له فى الحركة فلا روم، وهذا مأخذ حسن ولله الحمد.
ويجوز أن يكون نظر إلى أن حركة النقل والمدغم من جنس الحركة العارضة، وتلك لا يدخلها روم ولا إشمام فقاس هذه عليها.
ويقال فى نظم هذا.
ومن لم يرمه أو يشم وقاسه ... بعارض شكل كان فى الرأى محملا
ولو أتى بهذا البيت بعد قوله «وأشمم ورم» كان أحسن، لأنه متعلق به، وليس هو من توابع قوله:
«فالبعض بالروم سهلا» والهاء فى سكونه عائدة على «من» فى قوله «ومن لم يرم، أو على الحرف الذى لا يرام لأن سياق الكلام دال عليه، ولا تعود على صاحب القراءة، لأنهما اثنان: حمزة وهشام إلا أن يريد حمزة وحده، أو القارئ من حيث هو قارئ، ويقطع النظر عن تعدده.
فإن قلت: لم لم تعد على «ما فى» قوله وما قبله التحريك» والتقدير فالبعض سهله بالروم، ومن لم يرمه واعتد محضا سكونه فقد شذ ويكون هذا البيت من تبع البيت الذى قبله، لا من أتباع قوله «وأشمم ورم» أى ومن لم يرم فى هذا المتحرك الطرف الذى قبله متحرك، أو ألف ولم ير الوقوف عليه إلا بالسكون فقذ شذ؟
قلت: يمنع من ذلك أنه قد منع الروم والإشمام فى موضع يبدل فيه الهمز حرف مد، والموضع الذى يبدل فيه الهمز حرف مد هو المحرك الطرف، الذى قبله محرك أو ألف، فإذا كان هذا مختارا فيه ترك الروم، كيف يعود يقول «ومن لم يرم فقد شذ؟» وإنما أشار بهذا إلى الموضع الذى نص على جواز رومه.
فإن قلت: إن كان هذا هو المراد، فهل لا قال: ومن لم يرم ولم يشم، ولم اقتصر على ذكر الروم دون الإشمام؟ قلت: يجوز أن يكون هذا الفريق الذى نفى الروم جوّز الإشمام ولم ينفه لأنه إشارة بالعضو لانطق معه، فهو أخف من الروم، والباب باب تخفيف، فناسب ذلك ذلك، ويجوز أن يكون أيضا نفى الإشمام، واقتصر الناظم على ذكر الروم اجتزاء به عن الإشمام، لأن الكلام فيه من القوة والوضوح ما يدل على ذلك، فهو من باب قوله تعالى:
{(سَرََابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [1]).
ولم يقل تعالى: والبرد، لأنه معلوم، والله أعلم.
على أن من الناس من جعل هذا البيت متعلقا بما قبله، وقال: من الناس من أنكر الروم فى هذا النوع، فتعذر التسهيل، وأخذ فى ذلك بالبدل لا غير، فهذا قد أتى بقول شاذ، لكونه أنكر هذا الوجه، وهو مروى عن حمزة، قال: ومنهم من أجرى التسهيل بالروم بالمفتوح أيضا، وهذا أتى أيضا بقول شاذ مخالف لما عليه اختيار القراء، فأشار الناظم فى هذا البيت إلى إبطال هذين القولين: أى ومن لم يأخذ بالتسهيل فى ذلك وأخذ به فى الحركات كلها فقد شذ، وإنما ينبغى الأخذ به فى المضموم والمكسور، لأنهما محل الروم عند القراء.
__________
(1) سورة النحل، آية: 81.(2/182)
وقوله محضا: أى ليس فيه للتحريك شائبة ما، لأن الروم بخلاف ذلك، وهو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله اعتد، لأنه بمعنى حسب وظن، واعتقد، ونحو ذلك ومفتوحا: ثانى مفعولى ألحق، على حذف حرف الجر، والمفعول الأول محذوف، أى ألحق مضموم هذا البيت ومكسوره بالمفتوح الذى أجمعوا على ترك رومه، والإيغال السير السريع والإمعان فيه.
254 [وفى الهمز أنحاء وعند نحاته ... يضيء سناه كلّما اسودّ أليلا]
أى وروى فى تخفيف الهمز وجوه كثيرة وطرائق متعددة، اشتمل عليها كتب القراءات الكبار، والانحاء المقاصد والطرائق، واحدها نحو، وهو القصد والطريقة، وقد ذكر الناظم رحمه الله تعالى من تلك الطرائق أشهرها وأقواها لغة ونقلا، وذكر شيئا من الأوجه الضعيفة، ونبه على كثرة ذلك فى كتب غيره، والهاء فى نحاته وسناه للهمز، أى يضيء ضوءه عند النحاة لمعرفتهم به وقيامهم بشرحه، كلما أسود عند غيرهم، لأن الشيء الذى يجهل كالمظلم عند جاهله، والنحويون هم المتصدون لكشف ما أشكل من هذا ونحوه مما يتعلق باللسان العربى.
هذا إن كان كلما مفعولا ليضيء، وتكون «ما» نكرة موصوفة أى كل شيء أسود ويجوز أن يكون ظرفا لازما، لأن «ما» يجوز أن تكون ظرفية، ولفظ «كل» إذا أضيف إلى الظرف صار ظرفا كقوله تعالى:
{(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [1]).
فمعناه على هذا كلما أسود الهمز عند غير النحاة أضاء عندهم سناه، أى كثر ضوؤه، فيكون يضيء بلا مفعول، لأن أضاء يستعمل لازما ومتعديا.
قال الله تعالى:
{(كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [2]).
وقال {«فَلَمََّا أَضََاءَتْ مََا حَوْلَهُ»} فعبر الناظم بالإضاءة عن وضوحه عند العلماء به، وبالسواد عن إشكاله عند الجاهلين له «وأليلا» حال أى مشبها ليلا أليل فى شدة سواده، يقال ليل أليل ولائل، أى شديد الظلمة كقولهم شعر شاعر للتأكيد والمبالغة، والله تعالى أعلم.
باب الإظهار والإدغام
هذه عبارة مكى وغيره فى هذا الباب، وزاد صاحب التيسير للحروف السواكن، وهذه زيادة حسنة فيها تمييز هذا الباب من الإدغام الكبير، فإنه إدغام للحروف المتحركة، ومن المصنفين من يسمى هذا: الإدغام الصغير لذلك، ولأنه يختص ببعض الحروف، بخلاف الكبير.
وضابط هذا الباب أنه إدغام حرف ساكن فى مقاربه المتحرك، وهو ينقسم ثلاثة أقسام:
الأول: إدغام حرف من كلمة عند حروف متعددة من كلمات، وذلك حيث وقع، وهو المذكور فى فصول: إذ، وقد تاء التأنيث، وبل، وهل.
__________
(1) سورة الرحمن، آية: 29.
(2) سورة البقرة، آية: 20.(2/183)
الثانى: إدغام حرف فى حرف من كلمة أو كلمتين، أو حيث وقع، وهو الذى عبر عنه بحروف قربت مخارجها، ويتعلق به بحث سنذكره فى أول بابه إن شاء الله تعالى.
الثالث: الكلام فى أحكام النون الساكنة والتنوين على الخصوص، لأنه يتعلق به أحكام أخر غير الإدغام والإظهار من الإخفاء والقلب، كما سيأتى والله أعلم.
255 [سأذكر ألفاظا تليها حروفها ... بالإظهار والإدغام تروى ونجتلا]
أراد بالألفاظ كلمات تدغم أواخرها السواكن، وهى لفظ إذ، وقد، وبل، وهل، ونفس تاء التأنيث، وقوله تليها حروفها: أى يتبع كل لفظ منها ذكر الحروف التى تدغم أواخر هذه الألفاظ فيها، وتظهر على اختلاف القراء فى ذلك، وإنما يذكر تلك الحروف فى أوائل كلمات، على حدّ ما مضى فى شفا لم تضق، وللدال كلم، ترب، سهل، ونحو ذلك، والله أعلم.
256 [فدونك إذ فى بيتها وحروفها ... وما بعد بالتقييد قده مذلّلا]
إذ، منصوب المحل على الإغراء كقوله ودونك الإدغام، أى خذ من تلك الألفاظ كلمة إذ، فهى السابقة فى الذكر فى بيتها، أى تفرد لذكرها بيت مستقل تذكر فيه هى والحروف التى تدغم الذال منها فيها، فقوله وحروفها بالنصب عطف على إذ، وما بعد معطوف أيضا، أى وخذ ما أذكره بعد ذلك وسنبينه فى البيت الآتى ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره، أى وما يأتى بعد ذلك قده مذللا، أى خذه سهلا بسبب التقييد الذى أبينه به أى لا أدع فيه إلباسا وهو من قولهم بعير مذلل إذا كان سهل القياد، وهو الذى خزم أنفه ليطاوع قائده، ثم بين ذلك فقال.
257 [سأسمى وبعد الواو تسمو حروف من ... تسمّى على سيما تروق مقبّلا]
يعنى أسمى القراء إما بأسمائهم أو بالرمز الدال عليهم، ثم آتى بواو فاصلة بعد الرمز، وأتى بعد الواو الفاصلة بحروف من سميت من القراء، يعنى الذى يظهر ذلك القارئ ذال إذ عندها أو يدغم، وهذا فى غير القراء الذين اطرد أصلهم فى إظهار واحدة من الألفاظ المذكورة عند جميع حروفها وإدغامها، فإنه يقول فى هذا أظهرها فلان، وأدغمها فلان، ثم يذكر من انقسم مذهبه إلى إظهار وإدغام، فيقول: وأظهر فلان كذا، وأدغم فلان كذا.
وحكمة الواو الفاصلة أن لا تختلط الحروف الدالة على القراء بالحروف المدغم فيها، ولهذا إذا صرح باسم القارئ لا يأتى بالواو، كقوله: وأدغم ورش ضر ظمئان، وأدغم ورش ظافرا، وإن رمز أتى بالواو، كقوله:
وأظهر ريا قوله: واصف جلا، فالواو فى واصف فاصلة بين رمز القراء والحرف المدغم فيه، ولولا الواو لم تعرف كلمة رمز القراء من كلمة رمز الحروف، ومثله وأدغم مرو واكف ضير، وأدغم كهف، وافر سيب، لولا الواو لكانت الضاد من ضير، والسين من سيب، محتملة أن تكون رمز القارئ ورمز الحرف المدغم فيه، وإذا صرح بالاسم لم يكن إلباس، لأنه قد تمهد من معرفة اصطلاحه أنه لا يجمع بين رمز ومصرح باسمه، والسمو الارتفاع والعلو، كنى به عن ذكر الحروف على وجه ظاهر لا إلباس فيه، بسبب أنه قد فصل بالواو بينها وبين رمز القارئ.
والسيما: العلامة، وراق الشيء: صفا أى أذكر ذلك على طريقة واضحة مستحسنة، والمقبل: التقبيل، أو نفس الثغر، وهو منصوب على التمييز، أو عبر به عن نفس الفم، لأن الفم منه يخرج الكلام، فأشار إلى ما يحصل بالإثبات من العلم، كأنها خاطبتك به، فيحصل منها ما يشفيك، ويروقك: أى يقوم بما تريده منها، وكل هذه الألفاظ استعارات حسنة المعنى متجانسة الألفاظ، نبه بها على حسن ذكره لاختلاف القراء فى هذا الباب، لأنه احتاج فيه إلى زيادة لم يكن محتاجها فى غيره، ثم ذكر أن هذا الصنيع يصنعه أيضا فى غير إذ، من باقى الألفاظ، فقال.(2/184)
وأظهر ريا قوله: واصف جلا، فالواو فى واصف فاصلة بين رمز القراء والحرف المدغم فيه، ولولا الواو لم تعرف كلمة رمز القراء من كلمة رمز الحروف، ومثله وأدغم مرو واكف ضير، وأدغم كهف، وافر سيب، لولا الواو لكانت الضاد من ضير، والسين من سيب، محتملة أن تكون رمز القارئ ورمز الحرف المدغم فيه، وإذا صرح بالاسم لم يكن إلباس، لأنه قد تمهد من معرفة اصطلاحه أنه لا يجمع بين رمز ومصرح باسمه، والسمو الارتفاع والعلو، كنى به عن ذكر الحروف على وجه ظاهر لا إلباس فيه، بسبب أنه قد فصل بالواو بينها وبين رمز القارئ.
والسيما: العلامة، وراق الشيء: صفا أى أذكر ذلك على طريقة واضحة مستحسنة، والمقبل: التقبيل، أو نفس الثغر، وهو منصوب على التمييز، أو عبر به عن نفس الفم، لأن الفم منه يخرج الكلام، فأشار إلى ما يحصل بالإثبات من العلم، كأنها خاطبتك به، فيحصل منها ما يشفيك، ويروقك: أى يقوم بما تريده منها، وكل هذه الألفاظ استعارات حسنة المعنى متجانسة الألفاظ، نبه بها على حسن ذكره لاختلاف القراء فى هذا الباب، لأنه احتاج فيه إلى زيادة لم يكن محتاجها فى غيره، ثم ذكر أن هذا الصنيع يصنعه أيضا فى غير إذ، من باقى الألفاظ، فقال.
258 [وفى دال قد أيضا وتاء مؤنث ... وفى هل ويل فاحتل بذهنك أحيلا]
أى أذكر ذلك أيضا فى باقى الألفاظ.
وقوله احتل من الحوالة أو من الحيلة، وأحيلا من الحيلة، يقال: هو أحيل منك، وأحول منك، أى أكبر حيلة، وهو منصوب على الحال، والذهن: الفطنة والحفظ، أى احتل بذهنك على ما وعدتك به، أو احتل فى استخراجه.
وهذه الأبيات الأربعة غير وافية بالتعريف بما صنعه فى هذه الأبواب، على ما ستراه، وتهيأ لى مكانها أربعة أبيات لعلها تفى بأكثر الغرض، فقلت: سأذكر ألفاظا أخيرا حروفها البيت، أى الحرف الأخير من كل لفظ منها هو الذى يروى بالإظهار والإدغام، فهو أولى من نسبة ذلك إلى اللفظ بكماله، ثم ذكرت الألفاظ، فقلت:
فدونك إذ قد بل وهل تا مؤنث ... لدى أحرف من قبل واو تحصلا
أى أذكر كل واحد منها، وحروفها التى عندها يختلف فى إظهارها وإدغامها فإذا تمت الحروف جاءت كلمة أولها واو دليلا على انفصالها.
وقراءها المستوعبين وبعدهم ... أسمى الذى فى أحرف اللفظ فصلا
أى ودونك القراء الذين استوعبوا الإظهار عند الحروف والإدغام، أى أول ما أبدأ أن أقول أظهر هذا الحرف عند جميع الحروف، أو أدغم فلان وفلان، وبعد ذلك أذكر من فصل فأدغم فى بعض وأظهر فى بعض، فإذا فرغ ذكر من فصل علمت أن باقى القراء استوعبوا الإدغام فى الجميع، إن كان الأولون أظهروا، والإظهار إن كان المستوعبون الأولون أدغموا، ثم ذكرت كيفية نظمه لمن استوعب أو فصل من القراء، فقلت:
ويرمز مع واو وبعد حروفه ... أوائل كلم بعدها الواو فيصلا
أى بعد الفراغ من الرمز للقراء تأتى الواو الفاصلة، فهى بعد المستوعبين فاصلة بين المسائل على ما جرت به العادة فى سائر المسائل، ففصل بها هنا بين المستوعبين والمفصلين، كقوله فإظهارها أجرى دوام نسيمها وأظهر، قالوا وفى أظهر مثال ما ذكرناه، والواو الآتية بعد رمز المفصلين فاصلة بين القراء وحروفهم التى أدغموا عندها أو أظهروا، فإذا تمت حروف ذلك الرمز جاءت واو أخرى فاصلة بين المسائل، وهى التى تجرى فى سائر المواضع.
فحاصل الأمر أنه احتاج فى هذا الباب إذا ذكر القارئ المفصل بالرمز إلى واوين فاصلتين.
الأولى: بين القارئ والحروف، والثانية بين المسائل. وتأتى أمثلة ذلك فى استعماله، وقوله أوائل كلم بيان لكيفية ذكر الحروف، ثم ذكر ذال إذ فقال.(2/185)
فحاصل الأمر أنه احتاج فى هذا الباب إذا ذكر القارئ المفصل بالرمز إلى واوين فاصلتين.
الأولى: بين القارئ والحروف، والثانية بين المسائل. وتأتى أمثلة ذلك فى استعماله، وقوله أوائل كلم بيان لكيفية ذكر الحروف، ثم ذكر ذال إذ فقال.
(ذكر ذال إذ)
259 [نعم (إ) ذ (ت) مشت (ز) ينب (ص) ال (د) لّها ... (س) مىّ (ج) مال واصلا من توصلا]
كأنه قدر أن مستدعيا طلب منه الوفاء بما وعد فى قوله سأذكر، فقال مجيبا: نعم، وهو على عادته فى تضمين الكلمات المأخوذ حروف أوائلها، إما تغزل كما تقدم فى شفا لم تضق، وإما بثناء على صالح كقوله: ترب سهل، وحيث تغزل عنى واحدة من نساء أهل الجنة، على ما هو لائق بحاله رضي الله عنه.
وصال بمعنى استطال ووثب، والدل الدلال، وسمى جمال وإصلاحا لأن من الدل، والسمى الرفيع، ومعنى واصلا من توصلا أى يصل من توصلا إليه، أى الحروف التى تدغم فيها ذال إذ هى هذه الستة من التاء إلى الجيم، وواو واصلا فاصلة وأمثلة ذلك:
{(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ} [1] {وَإِذْ زَيَّنَ} [2] {وَإِذْ صَرَفْنََا} [3] {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} [4] {لَوْلََا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} [5] {إِذْ جََاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} [6]).
ثم ذكر من أظهرها فى الكل فقال:
260 [فإظهارها (أ) جرى (د) وام (ن) سيمها ... وأظهر (ر) يا (ق) وله واصف جلا]
أى أظهر ذال إذ عند جميع حروفها الستة نافع وابن كثير وعاصم وتابعهم الكسائى وخلّاد عند الجيم فقط، وأدغما عند البواقى، والإظهار فى جميع هذه الأبواب هو الأصل، ووجه الإدغام التخفيف لقرب المخارج، ومن فرق جمع بين اللغتين، وقيل ليست الجيم كالبواقى فى القرب من الذال والواو فى «وأظهر» وفى «واصف» للفصل.
والنسيم الريح الطيبة، والريا بالقصر: الرائحة الطيبة، والهاء فى قوله لواصف وريا، مفعول أظهر، أى أظهر واصفها طيب رائحة قوله، أى لما وصفها واصف، وجلا وصفها أى كشفه.
أظهر بقوله ذلك ثناء عطرا، وما أظهرته من الجمال والزينة أجرى دوام نسيمها، ثم ذكر باقى المفصلين الذين أدغموا فى بعض وأظهروا فى بعض، فقال:
261 [وادغم (ض) نكا واصل توم (د) رّه ... وادغم (م) ولى وجده (د) آئم ولا]
أى أدغم خلف عند التاء والدال، وأظهر عند الأربعة الباقية وأدغم ابن ذكوان عند الدال وحدها، وأظهر عند الخمسة الباقية، وباقى القراء، وهم: أبو عمرو، وهشام فقط على الإدغام عند الستة، والواو فى وأدغم فى الموضعين وفى ولا للفصل بين المسائل، والواو فى واصل وفى وجده للفصل بين الرمز والحرف،
__________
(1) سورة البقرة، آية: 66.
(2) سورة الأنفال، آية: 48.
(3) سورة الأحقاف، آية: 29.
(4) سورة الحجر، آية: 52.
(5) سورة النور، آية: 12.
(6) سورة الأحزاب، آية: 10.(2/186)
والضنك: الضيق، والتوم: جمع تومة وهى: الحبة تعمل من الفضة كالدر، أى أدغم الضيق رجل وصل توم دره، والمولى هنا هو الولى المحب، والوجد بضم الواو: الغنى، ومولى فاعل أدغم.
وقوله وجده دائم: جملة ابتدائية فى موضع الصفة لمولى، أى غناه بها دائم ستر أمره وكتم ضره، والولا بالكسر: المتابعة، ويكون صفة لمولى أيضا على تقدير ذو ولا، أو يكون محله نصبا على التمييز، أى متابعة دائمة ولو كان ولا بالفتح بمعنى الموالاة لكان حسنا، وكان مفعول أدغم الثانى أى أدغم المولى ولاه ومحبته، ويكون موافقا لأدغم الأول، فإن ضنكا مفعوله، والله أعلم.
(ذكر دال قد)
262 [وقد (س) حبت (ذ) يلا (ض) فا (ظ) لّ (ز) رنب ... (ج) لته (ص) باه (ش) ائقا ومعلّلا]
أى والحروف التى تدغم فيها دال قد وتظهر، فى هذه الثمانية، من السين إلى الشين أمثلتها:
{(قَدْ سَمِعَ اللََّهُ} [1] {وَلَقَدْ ذَرَأْنََا} [2] {قَدْ ضَلُّوا} [3] {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [4] {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} [5] {وَلَقَدْ جََاءَهُمْ} [6] {وَلَقَدْ صَرَّفْنََا} [7] و {قَدْ شَغَفَهََا حُبًّا} [8]).
والواو فى «ومعللا» فاصلة، والضمير فى سحبت لزينب المقدم ذكرها، وضفا: طال، والزرنب:
ضرب من النبات طيب الرائحة، جلته: صباه أى كشفته ريحه، وشائقا: خبر ظل، أى يشوق من وجد ريحه ومعللا عطف عليه، أى مرويا لظمائه إليه مرة بعد مرة، أو ملهيا له عن كل شيء يقال علله بالشيء، أى ألهاه به، والهاء فى جلته لزرنب، وفى صباه للذيل: يعنى أن طيب ريح ذيلها كشف عن طيب الزرنب، وأبان محله، كأنه إذا شم الزرنب تذكر به ريح ذيلها، فيظل الزرنب شائقا ومعللا وللشعراء فى هذا المعنى وما يقاربه نظوم كثيرة، والله أعلم.
263 [فاظهرها (ن) جم (ب) دا (د) لّ واضحا ... وأدغم ورش (ض) رّ (ظ) مآن وامتلا]
أى فأظهر دال «قد» عند جميع حروفها: عاصم. وقالون. وابن كثير، وأدغمها ورش عند الضاد والظاء فقط، وأظهرها عند باقى الحروف، فهو فى هذا الباب والذى بعده مفصل، وكان من المستوعبين الإظهار فى ذال إذ، والواو فى واضحا وامتلأ للفصل وقد تكررت فى الموضعين بواو وأدغم بعدهما.
والنجم يكنى به عن العالم.
264 [وادغم (م) رووا كف (ض) ير (ذ) ابل ... (ز) وى (ظ) لّه وغر تسدّاه كلكلا]
أى وفصل ابن ذكوان أيضا فأدغم عند الضاد والذال والزاى والظاء، وأظهر عند الأربعة الباقية.
والواو فى «واكف» وفى «وغر» فاصلة، ومرو، واسم فاعل من أروى يروى، ويقال: وكف البيت
__________
(1) سورة المجادلة، آية: 1.
(2) سورة الأعراف، آية: 179.
(3) سورة الأنعام، آية: 140.
(4) سورة البقرة، آية: 231.
(5) سورة الملك، آية: 5.
(6) سورة النحل، آية: 113.
(7) سورة الكهف، آية: 54.
(8) سورة يوسف، آية: 30.(2/187)
أى قطر، والضير: الضر، والذابل: الذاوى، وزوى من زويت الشيء، أى جمعته، ومنه زوى فلان المال عن ورثته، والوغر: جمع وغرة، وهى شدة توقد الحر، وتسداه: أى علاه، وكلكلا بدل من الهاء فى تسداه [بدل البعض من الكل] على حذف الضمير أى كلكله، والكلكل الصدر أى لم يبق الوغر له ظلا لنحافته وضره.
265 [وفى حرف زيّنا خلاف ومظهر ... هشام بص حرفه متحمّلا]
أى اختلف عن ابن ذكوان فى:
{(وَلَقَدْ زَيَّنَّا)}.
فروى له فيه الإظهار والإدغام.
قال صاحب التيسير: روى النقاش عن الأخفش الإظهار عند الزاى، وأظهر هشام:
{(لَقَدْ ظَلَمَكَ} [1]).
فى ص فقط، ولم تجىء دال قد عند الزاى إلا فى:
{(وَلَقَدْ زَيَّنَّا} [1]).
الذى فيه الخلاف لابن ذكوان، فلهذا لم يضره تخصيص لفظ زينا، وأما دال قد عند الظاء فجأت فى غير حرف ص، فلهذا قيد بص، وليس فيها غير هذا الموضع، فتعين.
فقد صار ابن عامر بكماله مفصلا، أدغم بعضا وأظهر بعضا، وورش كذلك، والباقون وهم: أبو عمرو وحمزة، والكسائى، أدغموها فى الجميع، وهشام مبتدأ ومظهر خبره مقدم عليه، وحرفه مفعول بالخبر، ومتحملا حال أى تحمل هشام ذلك، ونقله، والهاء فى حرفه تعود على هشام، لأنه لم يظهر غير هذا الموضع، فهو حرفه الذى اشتهر بإظهاره، ولو عاد على ص لقال حرفها، والله أعلم.
(ذكرت تاء التأنيث)
266 [وأبدت (س) نا (ث) غر (ص) فت (ز) رق (ظ) لمه ... (ج) معن ورودا باردا عطر الطّلا]
أى تاء التأنيث الساكنة المتصلة بالأفعال فى أى كلمة وقعت اختلفوا فى إظهارها وإدغامها عند هذه الحروف الستة، من السين إلى الجيم وتجمع أمثلتها بهذا البيت.
مضت كذبت لهدمت كلما خبت ... ومع نضجت كانت لذلك مثلا
أى هذا المذكور مثل ذلك، وإنما نظمتها لأن أمثلتها تصعب، لأنها ليست بلفظ واحد، فيستذكر به ما بعده، بخلاف: إذ، وقد.
وقد أتيت بالأمثلة على ترتيب الحروف المذكورة فى البيت، إلا أن الجيم قد تقدمت على الظاء، وهى:
__________
(1) آية: 24.(2/188)
{(مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [1] {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} [2] {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ} [3] {كُلَّمََا خَبَتْ زِدْنََاهُمْ} [4]
{نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [5] {كََانَتْ ظََالِمَةً} [6]).
والواو فى ورودا فاصلة، ثم تمم البيت بما يلائم معناه المقصود بظاهر اللفظ.
والضمير فى أبدت لزينب، والسنا: الضوء، والثغر: ما تقدم من الأسنان، وزرق: جمع أزرق بوصف الماء لكثرة صفائه بذلك، ويقولون: نطفة زرقاء، أى صافية، وقال زهير:
فلما وردن الماء زرقا حمامه ... وضعن عصى الحاضر المتخيّم
والظلم: ماء الأسنان، وبريقها هو كالسواد داخل عظم السن من شدة البياض، كفر ند السيف وقال الشاعر:
إلى شنباء مشربة الثّنايا ... بماء الظّلم طيّبة الرّضاب
الشنباء: ذات الشنب، وهو حدة في الأسنان حين تطلع، يراد حداثتها، وقيل. هو بردها وعذوبتها.
والرضاب: الريق.
وقوله جمعن: يعنى الزرق، ورودا: أى ذا ورود، يعنى الريق، والورود: الحضور، ثم وصفه بأنه بارد عطر، والطلاء بالمد: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، ويسمى به الخمر أيضا، والعطر: الطيب الرائحة، ومن عادة الشعراء تشبيه الريق بالخمر لجلالتها عند الجاهلية، وتبعهم فى ذلك من بعدهم من الشعراء.
قال الشيخ: أو يكون الطلا بمعنى الشفا، من طلا الإبل، قلت: وقصره فى الوقف على ما مضى فى أجذم العلا، والله أعلم.
267 [فإظهارها (د) رّ (ن) مته (ب) دوره ... وأدغم ورش (ظ) افرا ومخوّلا]
أى أظهرها عند جميع حروفها الستة ابن كثير وعاصم وقالون، وهم الذين أظهروا دال قد عند حروفها الثمانية وإنما غاير بين ألفاظ الرمز فى الموضعين، كما غاير فى عبارة الإظهار بين اللفظين، فقال فى دال قد، فأظهرها نجم بجملة فعلية، وقال هنا بجملة اسمية حذرا من تكرار الألفاظ واشتراكها، ومعنى نمته: رفعته، وأدغم ورش عند الظاء فقط، كما فعل فى دال قد، إلا أنه ليس هنا ضاد معجمة، وأظهرها عند الباقى، والمخول:
الملك، وكما اتحد فى البابين أسماء المستوعبين للإظهار اتحد أيضا المستوعبون للإدغام، فهم: أبو عمرو وحمزة والكسائى، واتحد أيضا من فصل، وهو ابن عامر، وورش، وقد تمم ذلك بقوله:
268 [وأظهر (ك) هف وافر (س) يب (ج) وده ... (ز) كىّ وفىّ عصرة ومحلّلا]
أى وظهر ابن عامر عند ثلاثة: السين والجيم والزاى والواو فى وافر، وفى قوله وفىّ فاصلة، والعصرة الملجأ، والمحلل المكان الذى يحل فيه، وهما حالان من فاعل وأظهر، أى الذى أظهر كان بهذه الصفات تشدّ
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 28.
(2) سورة الحاقة، آية: 4.
(3) سورة الحج، آية: 40.
(4) سورة الإسراء، آية: 97.
(5) سورة النساء آية: 56.
(6) سورة الأنبياء، آية: 11.(2/189)
إليه الرحال ويقتبس من فوائده، والسيب: العطا وقد تقدم: أى عطاؤه وافر، وصف الكهف بثلاث صفات: وهى أنه وافر العطا، وأنه زكىّ، وفىّ، ثم نصب عنه حالين لأجل القافية وإلا كانتا صفتين، والله أعلم.
269 [وأظهر راويه هشام لهدّمت ... وفى وجبت خلف ابن ذكوان يفتلا]
أى راوى مدلول كهف أى أظهر هشام راوى ابن عامر:
{(لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ} [1]).
زيادة على ما مضى دون باقى مواضع الصاد نحو:
{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [2] وفى {وَجَبَتْ جُنُوبُهََا} [3]).
خلاف لابن ذكوان دون قوله تعالى:
{(نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [4]).
فإنه يظهره على أصله.
وقوله يفتلى أى يتدبر ويبحث عنه، من فليت الشعر، إذا تدبرته واستخرجت معانيه، وكذلك فليت شعر الرأس وفليته، شدد للتكثير، وإنما قال ذلك لأن الإظهار هو المشهور عن ابن ذكوان، وعليه أكثر، الأئمة، ولم يذكر فى التيسير غيره، وذكر الإدغام فى غير التيسير فى قراءته على فارس ابن أحمد لابن ذكوان وهشام معا، وذكر أبو الفتح فى كتابه عن هشام الإدغام فيه، وعن ابن ذكوان الإظهار عند الجيم، حيث وقع فقد صار الخلاف فى وجبت جنوبها عن ابن عامر بكماله والأولى الإظهار على ما أطلقه فى البيت الأول.
(ذكر لام «وهل» و «بل»)
270 [ألا بل وهل (ت) روى (ث) نا (ظ) عن (ز) ينب ... (س) مير (ف) واها (ط) لح (ض) ر ومبتلا]
أى لام هاتين الكلمتين لها هذه الحروف الثمانية، من التاء إلى الضاد، اختلف فى إدغامها وإظهارها عندها وكذا أطلق غيره هذه العبارة، وهى موهمة أن كل واحدة من الكلمتين تلتقى مع هذه الثمانية فى القرآن العزيز، وليس كذلك وإنما تختص كل واحدة منها ببعض هذه الحروف، وتشتركان فى بعض، فمجموع ما لها ثمانية أحرف، واحد يختص بهل، وهو الثاء نحو:
هل ثوّب وخمسة تختص «ببل» وهى السين، والظاء، والضاد، والزاى، والطاء، نحو:
بل سوّلت بل ظننتم بل ضلوا بل زيّن بل طبع الله.
__________
(1) سورة الحج، آية: 40.
(2) سورة النساء، آية: 90.
(3) سورة الحج، آية: 26.
(4) سورة النساء، آية: 56.(2/190)
واثنان لهما معا، وهما التاء والنون نحو هل ترى بل تأتيهم.
(هل ننبئكم بل نحن).
فلو أن الناظم قال:
ألا بل وهل، تروى نوى، هل ثوى، وبل ... سرى، ظل ضر زائد، طال وابتلا
لزال ذلك الإيهام، أى لام هل وبل، لهما التاء والنون، ولهل وحدها الثاء، وليل الخمسة الباقية، والأحرف تنبيه يستفتح به الكلام، ثم قال: بل، فأضرب عن الأول، وهو الإخبار ثم استفهم، فقال:
هل تروى، أى هل تروى هذا الكلام الذى أقوله، وهو: ثنا ظعن زينب، إلى آخره، كأنه يستدعى منه أن يسمعه ذلك ومعنى ثنا: كف وصرف والظن: السير، والسمير والمسامر: هو المحدث ليلا، وأضافه إلى نواها لمخالطته إياه، كأنه يسامره أى سير زينب صرف محبها عن حاجته، والطلح بكسر الطاء: الغبى، وأضافه إلى الضر لأنه منه نشأ، وهو منصوب على الحال من سمير نواها، ومبتلا عطف عليه أى صرفته فى هذه الحال، ويجوز أن يكون ضمن ثنى: معنى صير، فيكون طلح ضر مفعولا ثانيا، والله أعلم بالصواب.
271 [فأدغمها (ر) او وأدغم فاضل ... وقور (ث) ناه (س) رّ (ت) يما وقد حلا]
أى فأدغم لا مهما الكسائى عند جميع الحروف، والباقون على إظهارها عند الجميع، إلا حمزة وأبا عمرو وهشاما، فإنهم فصلوا فأدغموا فى بعض، وأظهروا فى بعض.
أما حمزة فأدغم فى ثلاثة أحرف: الثاء، والسين، والتاء، وأظهر عند البواقى، والواو فى وقور، وفى وقد حلا، فاصلة، والوقور ذو الحلم والرزانة، وتيم اسم قبيلة مستقلة من غير قريش، وينسب حمزة إليها بالولاء أو بالنسب، فقد وافق التضمين معنى لائقا بالقارئ، أى ثناؤه سر قومه ومواليه، والثناء ممدود، وإنما قصره فى قوله ثناء، والله أعلم بالصواب.
272 [وبل فى النّسا خلّادهم بخلافه ... وفى هل ترى الإدغام حبّ وحمّلا]
أى أن خلادا له خلاف فى قوله تعالى:
{(بَلْ طَبَعَ اللََّهُ عَلَيْهََا} [1]).
فى سورة النساء وأدغم أبو عمرو هل ترى وهو فى موضعين:
{هَلْ تَرى ََ مِنْ} [2] فُطُورٍ {فَهَلْ تَرى ََ لَهُمْ مِنْ بََاقِيَةٍ} [3].
وأظهر باقى جميع هذا الباب.
__________
(1) الآية: 155.
(2) سورة الملك، آية: 3.
(3) سورة الحاقة، آية: 8.(2/191)
273 [واظهر لدى واع (ن) بيل (ض) ماته ... وفى الرّعد هل واستوف لا زاجرا هلا]
أى أظهر هشام عند النون والضاد مطلقا، وعند التاء فى الرعد، فى قوله تعالى:
{(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمََاتُ} [1]).
وأدغم الباقى، ولم يدغم أحد الذى فى الرعد، لأن حمزة والكسائى يقرءان:
(يستوى).
بالياء، وهما أهل الإدغام، أو هشام استثناه، لأنه يقرؤه بالتاء، وباقى القراء أهل الإظهار، والواو فى واع واستوف فاصلة، أى واستوف جميع هذا الباب غير زاجر بهلا وهى كلمة يزجر بها الخيل، فحذف الخافض، والتقدير لا قائلا هلا، لأن الزجر قول، فعداه تعديته، والمعنى خذه بغير كلفة ولا تعب لأنى قد أوضحته وقربته إلى فهم من أراده، والله أعلم.
باب اتفاقهم فى إدغام: إذ، وقد، وتاء التأنيث، وهل، وبل
هذا الباب ليس فى التيسير، وهو من عجيب التبويب فى مثل هذا الباب، فإنه لم ينظم هذه القصيدة إلا لبيان مواضع خلاف القراء، لا لما أجمعوا عليه، فإن ما أجمعوا عليه أكثر مما اختلفوا فيه، فذكر ما أجمعوا عليه يطول، ولكن قد يعرض فى بعض المواضع ما يختلفون فيه وما يجمعون عليه، والكل من باب واحد، فينص على المجمع عليه مبالغة فى البيان، ولأن من هذا الباب ما أجمعوا على إظهاره فى الأنواع كلها نحو:
إذ قالوا قد ترى وقالت لأخته هل ينصرونكم بل قالوا بل هو شاعر بل أدركه.
وما أجمعوا على إدغامه وما اختلفوا فيه، فلما ذكر المختلف فيه بقى المجمع عليه، وهو منقسم إلى مدغم ومظهر، فنظم المدغم لقلته، فبقى ما عداه مظهرا.
274 [ولا خلف فى الإدغام إذ (ذ) لّ (ظ) الم ... وقد (ت) يّمت (د) عد وسيما تبتّلا]
أى أدغموا ذال إذ فى مثلها نحو:
{(إِذْ ذَهَبَ)}.
وفى الظاء، لأنها من مخرجها نحو:
{(إِذْ ظَلَمْتُمْ)}.
وأدغموا دال قد فى مثلها نحو:
{(وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ)}.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 16.(2/192)
وفى التاء لأنها من مخرجها نحو:
{(وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي)}.
ولم يقع فى القرآن إذ عند الثاء المثلثة، ولا عند الطاء المهملة وإلا لوجب الإدغام للموافقة فى المخرج، والوسيم: الحسن الوجه، وتبتل: أى انقطع، وكذلك لا خلاف فى إظهار ذال إذ، ودال قد، عند خمسة أحرف يجمعها. بل نفر:
275 [وقامت (ت) ريه (د) مية (ط) يب وصفها ... وقل بل وهل (ر) اها (ل) بيب ويعقلا]
أى ولا خلاف فى إدغام تاء التأنيث فى مثلها، وفى الحرفين اللذين من مخرج التاء، وهما الدال والطاء المهملتان نحو:
{(رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} [1] {وَإِذََا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} [2] {فَلَمََّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللََّهَ} [3] {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمََا} [4]
{فَآمَنَتْ طََائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ وَكَفَرَتْ طََائِفَةٌ} [5] {إِذْ هَمَّتْ طََائِفَتََانِ} [6]).
والواو فى وصفها فاصلة، وقد تكررت، والدمية الصورة من العاج ونحوه، وتشبه بها المرأة، وجمعها دمى، ثم ذكر أن اللام من هل وبل، واجبة الإدغام فى مثلها نحو:
{(بَلْ لََا تُكْرِمُونَ} {فَهَلْ لَنََا مِنْ شُفَعََاءَ)}.
وفى الراء لقربها منها نحو:
{(بَلْ رََانَ} هل رأيتم).
واللام من قل مثلهما فى ذلك نحو:
{(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ} {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ)}.
فيجوز أن يكون قصد ذلك فى قوله وقل بل وهل أى لام هذه الكلمات الثلاث، تدغم فى مثلها، وفى الراء ويجوز أن يكون لم يقصد ذلك، وإنما وقع منه كلمة وقل تتميما للنظم، كما وقع مثل ذلك فى كلم عديدة من هذه القصيدة، وهذا الوجه هو الظاهر، لأن الباب معقود فيما اتفق عليه من إدغام ما سبق الخلاف فيه، والذى سبق ذكره من اللامات المختلف فيها هو: لام بل، وهل، ولم يجمع هذا الباب ذكر جميع ما اتفق عليه، ولهذا لم يذكر قل فى ترجمة الباب.
فإن قلت لم أدغم هل ترى بل تأتيهم ولم يدغم قل تعالوا قلت: لأن قل فعل قد أعل بحذف عينه، فلم يجمع إلى ذلك حذف لامه بالإدغام من غير ضرورة، وبل وهل كلمتان لم يحذف منهما شيء فأدغم لامهما.
فإن قلت: فقد أجمعوا على إدغام قل ربى قلت لشدة القرب بين اللام والراء، وبعد اللام من التاء، والله أعلم.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 16.
(2) سورة الكهف، آية: 17.
(3) سورة الأعراف، آية: 189.
(4) سورة يونس، آية: 89.
(5) سورة الصف، آية: 14.
(6) سورة آل عمران، آية: 69.(2/193)
وقوله رآها بألف بعد الراء، أراد راءها بهمزة بعد الألف مقلوب رآها بألف بعد الهمزة، وكلاهما لغة كقوله ويلمه لو راءه مروان، فقصر الناظم الممدود من هذه اللغة ونصب قوله ويعقلا على جواب الاستفهام بالواو، والله أعلم.
276 [وما أول المثلين فيه مسكّن ... فلا بدّ من إدغامه متمثّلا]
لما ذكر أن الذال من «إذ» والدال من «قد» وتاء التأنيث، واللام من «بل» «وهل» تدغم كل واحدة فى مثلها، خاف أن يظن أن ذلك مختص بهذه الكلمات، فتدارك ذلك بأن عمم الحكم، وقال: كل مثلين التقيا وأولهما ساكن فواجب إدغامه فى الثانى لغة وقراءة، وسواء كان ذلك فى كلمة، نحو يدرككم الموت أو فى كلمتين نحو:
ما تقدّم.
ولا يخرج من هذا العموم إلا حرف المد نحو:
{(وَأَقْبَلُوا} [1] فى يومين).
فإنه يمد عند القراء، ولا يدغم، وقرأت فى حاشية نسخة قرئت على المصنف رحمه الله قوله متمثلا: يريد متشخصا لا هوائيا، واحترز بهذا عن الياء والواو إذا كانتا حرفى مد.
قلت: وهذا احتراز فيه بعد من جهة أن متمثلا غير مشعر بذلك إذا أطلق، والله أعلم.
(وفى {مََالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطََانِيَهْ} [2]).
خلاف، والمختار الوقف على ماليه، فإن وصل لم يتأت الوصل إلا بالإدغام أو تحريك الساكن، وقال مكى فى التبصرة: يلزم من ألقى الحركة فى:
(كتابيه إنّى أن يدغم ماليه هلك).
لأنه قد أجراها مجرى الأصلى حين ألقى الحركة وقدر ثبوتها فى الوصل.
قال: وبالإظهار قرأت وعليه العمل، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
قلت: يعنى بالإظهار أن يقف على ماليه وقفة لطيفة وأما إن وصل فلا يمكن غير الإدغام أو التحريك وإن خلا اللفظ من أحدهما كان القارئ واقفا وهو لا يدرى بسرعة الوصل، وإن كان الحرفان فى كلمة واحدة مختلفتين، إلا أنهما من مخرج واحد، نحو:
(حصدتم ووعدتّم وأ لم نخلقكم وإن طردتهم).
فالإدغام لكونهما من مخرج واحد فى كلمة واحدة، ذكره الشيخ فى شرحه وهذا مما يدل على أن الساكن من المثلين والمتقاربين أثقل من المتحرك حيث أجمع على إدغام الساكن واختلف فى إدغام المتحرك، ونظير هذا ما تقدم من اجتماع الهمزتين والثانية ساكنة، فإنهم أوجبوا إبدالها، وإن كانت متحركة جوزوا تسهيلها ولم
__________
(1) سورة يوسف، آية: 71.
(2) سورة المعارج، آية: 29.(2/194)
يوجبوه، وما ذكرناه من أن حرف المد لا يدغم، قد ادعى فيه أبو على الأهوازى الإجماع، فقال فى كتابه الكبير المسمى بالإيضاح: المثلان إذا اجتمعا وكانا واوين قبل الأولى منهما ضمة، أو ياءين قبل الأولى منهما كسرة، فإنهم أجمعوا على أنهما يمدان قليلا، ويظهران بلا تشديد ولا إفراط فى التلبين، بل بالتجويد والتبيين، مثل:
{(آمَنُوا وَكََانُوا} [1] {فِي يُوسُفَ} {فِي يَتََامَى النِّسََاءِ} [2]).
قال: وعلى هذا وجدت أئمة القراءة فى كل الأمصار ولا يجوز غير ذلك، فمن خالف هذا فقد غلط فى الرواية وأخطأ فى الدراية.
قال: فأما الواو إذا انفتح ما قبلها وأتى بعدها واو من كلمة أخرى، فإن إدغامها حينئذ إجماع مثل:
(عفوا وقالوا عصوا وكانوا آووا ونصروا واتّقوا وآمنوا).
ونحو ذلك، وذكر أن بعض شيوخه خالف فى هذا، والله سبحانه أعلم.
باب حروف قربت مخارجها
هذه العبارة من الناظم، وسبقه إليها غيره، وإنما ذكر صاحب التيسير ما فى هذا الباب فى فصل وكذا الباب الذى بعده فى فصل آخر، وفى هذه العبارة بحث، وذلك أن جميع ما سبق هو إدغام حروف قربت مخارجها، فما وجه اختصاص ما فى هذا الباب بهذه العبارة، ولو كان زادها لفظ «أخر» فقال «باب حروف أخر» قربت مخارجها» لكان حسنا، ووجه ما ذكره أن الذى سبق هو كما نبهنا عليه فى أول الباب: إدغام حرف عند حروف متعددة من كلمات، والذى فى هذا الباب هو إدغام حرف فى حرف، كالباء فى الفاء، وعكسه فى عكسه، واللام فى الذال والذال فى التاء، والراء فى اللام، والباء فى الميم، أو فى حرفين كالثاء فى التاء، والذال نحو:
{(أُورِثْتُمُوهََا} {لَبِثْتُمْ} {يَلْهَثْ ذََلِكَ)}.
والدال فى الثاء والذال، نحو:
{(يُرِدْ ثَوََابَ} ص ذكر).
والنون فى الواو والميم، نحو:
{(يس وَالْقُرْآنِ} {ن وَالْقَلَمِ} {طسم)}.
فكأنه نزل ما فى هذا الباب منزلة فرش الحروف من أبواب الأصول، لقلة حروفه ودوره، أى باب حروف منشورة فى مواضع مخصوصة، والله أعلم.
__________
(1) سورة يوسف، آية: 57.
(2) سورة النساء، آية: 127.(2/195)
277 [وإدغام باء الجزم فى الفاء (ق) د (ر) سا ... (ح) ميدا وخيّر فى يتب (ق) اصدا ولا]
أضاف الباء إلى الجزم الداخل عليها، أراد الباء المجزومة، وهى فى خمسة مواضع، أما ثلاثة منها فالباء فيها مجزومة بلا خلاف عند النحويين:
{(أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ} [1] {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [2] {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ} [3]).
والموضعان الآخران الباء فيهما مجزومة عند الكوفيين دون البصريين، وهما:
{(قََالَ اذْهَبْ فَمَنْ} {فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ)}.
فلأجل الاختصار سمى الكل جزما، واختار قول الكوفيين، والبصريون يسمون نحو هذا وقفا، فلو عبر عن الكل بالوقف لكان خطأ، لأن أحدا لم يقل فى الثلاثة الأول إنها موقوفة، والاختصار منعه أن ينص على كل ضرب باسمه وصفته، أى أدغم الباء الموصوفة فى الفاء خلاد والكسائى، وأبو عمرو، ولخلاد خلاف فى قوله تعالى فى الحجرات:
{(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ)}.
وعبر عن الخلاف بلفظ التخيير، إذ لا مزية لأحد الوجهين على الآخر، فأنت فيها مخير، لأن الكل صحيح ومثله ما تقدم فى سورة الفاتحة، «وقالون بتخييره جلا» وهذه عبارة صاحب التيسير هنا، فإنه قال:
وخير خلاد فى:
{(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ)}.
وأظهر ذلك الباقون، وأثنى على الإدغام بأنه «قد رسا حميدا» أى ثبت محمودا، خلافا لمن ضعفه هنا، وقاصدا حال، والولاء بالفتح، النصر، أى قاصدا بالتخيير نصر الوجهين المخير فيهما.
فإن قلت: لم قال: وإدغام باء الجزم.
قلت: لأن الباء غير مجزومة لم تدغم إلا فى رواية شاذة عن أبى عمرو فى الإدغام الكبير، لأنه إدغام متحرك لا ريب فيه:
{(وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا} {مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ)}.
278 [ومع جزمه يفعل بذلك (س) لّموا ... ونخسف بهم (ر) اعوا وشذّا تثقلا]
الهاء فى جزمه ليفعل لأنه مؤخر فى المعنى، نحو: فى بيته يؤتى الحكم، أى: وإدغام لفظ يفعل مع جزمه أى حال كونه مجزوما، وحرف العطف كما يجوز دخوله على الجملة يدخل أيضا على ما يتعلق بها نحو قوله تعالى:
{(وَيَوْمَ الْقِيََامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللََّهِ} [4]).
أى وترى يوم، ومعناه أدغم أبو الحارث عن الكسائى اللام المجزومة من يفعل ذال «ذلك» وهو:
__________
(1) سورة النساء، آية: 74.
(2) سورة الرعد آية: 5.
(3) سورة الحجرات، آية: 11.
(4) سورة الزمر، آية: 60.(2/196)
{(وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ)}.
فى ستة مواضع فى القرآن فى البقرة، وآل عمران، وفى النساء موضعان، وفى سورة المنافقين، والفرقان فإن لم يكن يفعل مجزوما لم يدغم نحو:
{(فَمََا جَزََاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذََلِكَ مِنْكُمْ} [1]).
وقوله سلموا أى سلموه من الطعن بما احتجوا له به.
(ويخسف بهم).
فى سورة سبأ، راعوا إدغامه، أى راقبوه فقرءوا به، ولم يلتفتوا إلى من رده أى أدغم الفاء المجزومة فى الباء الكسائى وحده، فإن تحركت لم تدغم، نحو:
{(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [2]).
والألف فى قوله «وشذا» ضمير يفعل ويخسف: أى شذ إدغام هذين الحرفين عند أهل النحو، فهم يضعفونه، وتثقلا: أى إدغاما، وهو تمييز: أى وشذ إدغامهما أو حال على تقدير ذوى تثقل:
279 [وعذت على إدغامه ونبذتها ... شواهد (ح) مّاد وأورثتوا (ح) لا]
280 [(ل) هـ (ش) رعه والرّاء جزما يلامها ... كو اصبر لحكم (ط) ال بالخلف (ي) ذبلا]
أى أدغم حمزة والكسائى، وأبو عمرو الذال فى التاء فى كلمتين، وهما:
{(وَإِنِّي عُذْتُ} [3]).
فى غافر الذنب والدخان، وفى طه:
{(فَنَبَذْتُهََا} [4]).
وأدغم الثاء فى التاء فى:
{(أُورِثْتُمُوهََا} [5]).
فى الأعراف والزخرف هؤلاء مع هشام ونبذتها عطف على الهاء فى إدغامه أى على إدغام عذت وإدغام نبذتها، شواهد حماد، أو التقدير ونبذتها كذلك، والضمير فى له لحماد، أى شواهد قارئ كثير الحمد، وشواهد حماد وحلا له شرعه، كلام حسن ظاهرا وباطنا، ومعنى شرعه طريقه، والراء جزما أى مجزومة، أى ذات جزم ونصبه على الحال، أى أدغمت فى حال جزمها بلامها، أى فى اللام المعهود إدغامها فيها، كما سبق فى الإدغام الكبير نحو:
{(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [6] {أَنِ اشْكُرْ لِي} [7] {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [8]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 85.
(2) سورة الأنبياء، آية: 18.
(3) سورة، آية: 27.
(4) سورة غافر، آية: 96.
(5) سورة الأعراف، آية: 43.
(6) سورة الطور، آية: 48.
(7) سورة لقمان، آية: 14.
(8) سورة نوح، آية: 4.(2/197)
أدغمها السوسى لأنه يدغمها متحركة، فساكنة أولى، وعن الدورى خلاف، لأن الساكن يدغم منه ما لا يدغم من المحرك، على ما سبق فى الياء واللام والفاء، ولم يذكر صاحب التيسير هذا التفصيل بل ذكر الإدغام عن أبى عمرو نفسه، وقال بخلاف بين أهل العراق فى ذلك، ويذبل اسم جبل، أى طال الإدغام فى شهرته عن أبى عمرو ويذبل، أى علاء، خلافا لما قاله النحاة.
وإلى هنا ثم كلام الناظم فى الإدغام فيأخذ للباقين الإظهار فى جميع ذلك، ثم عبر فى المواضع الباقية من هذا الباب بالإظهار، فيأخذ للمسكوت عنه الإدغام فقال:
281 [ويس اظهر (ع) ن (ف) تى (ح) قه (ب) دا ... ون وفيه الخلف عن ورشهم خلا
حرك النون من هيجاء ياسين ون بالفتح وحقها أن ينطق بها ساكنة على الحكاية، وإنما فعل ذلك لضرورة الشعر، إذا الساكنان لا يلتقيان فى حشو النظم وكذا نون من:
(طس).
كما يأتى ودال صاد مريم، واختار حركة الفتح على حد قوله فى أول آل عمران:
{(الم اللََّهُ)}.
فإنه لما وجب تحريك الميم للساكن بعدها فتحت، فكذا فى هذه المواضع، ولا يجوز أن يكون إعرابها ففتحها، لأنه مفعول به، كما تعرّب المبنيات من الحروف عند قصد الألفاظ كما يأتى فى شرح قوله وكم لو وليت لأنه لو قصد ذلك لنون، إذ لا مانع من الصرف على هذا التقدير، لأنه لم يرد اسم السورة، وإنما أراد هذا اللفظ والوزن مستقيم له فى يس ون فيقول: وياسينا أظهر، بنقل حركة همزة أظهر إلى التنوين، ثم يقول:
ونونا، ثم هو على حذف مضاف أى ونون ياسين أظهر، وكذا نون نون، ودال صاد، ونون طس وكان ينبغى أن يذكر النون من هذه الحروف فى باب أحكام النون الساكنة والتنوين، لأنه منه، وفرع من فروعه، وإنما ذكره هنا لأجل صاد مريم لئلا يتفرق عليه ذكر هذه الحروف، ولم يذكرها صاحب التيسير إلا فى مواضعها من السور، أى أظهر النون من:
{(يس} و {ن)}.
حفص، وحمزة، وابن كثير، وأبو عمرو، وقالون، وأدغم الباقون، وعن ورش وجهان فى نون:
{(ن وَالْقَلَمِ)} خاصة.
ومعنى خلا: مضى، أى سبق ذكر المتقدمين له، ووجه الإدغام فى ذلك ظاهر، قياسا على كل نون ساكنة قبل واو، على ما يأتى فى الباب الآتى، ووجه الإظهار: أن حروف الهجاء فى فواتح السور وغيرها حقها أن يوقف عليها مبينا لفظها، لأنها ألفاظ مقطعة غير منتظمة، ولا مركبة، ولذلك بنيت ولم تعرب:
282 [و (حرمىّ) (ن) صر صاد مريم من يرد ... ثواب لبئت الفرد والجمع وصّلا]
أى أظهر نافع وابن كثير وعاصم جميع ما فى هذا البيت، وهو ثلاثة أحرف: الدال من هجاء صاد فى:
{(كهيعص ذِكْرُ)}.(2/198)
282 [و (حرمىّ) (ن) صر صاد مريم من يرد ... ثواب لبئت الفرد والجمع وصّلا]
أى أظهر نافع وابن كثير وعاصم جميع ما فى هذا البيت، وهو ثلاثة أحرف: الدال من هجاء صاد فى:
{(كهيعص ذِكْرُ)}.
ولا خلاف فى إظهارها من:
{(وَالْقُرْآنِ} [1]).
فلهذا ميزها منها بقوله: صاد مريم، وأظهروا الدال عند الثاء المثلثة من قوله:
{(وَمَنْ يُرِدْ ثَوََابَ} [2]).
حيث وقع، وأظهروا الثاء عند التاء من لبثت كيفما وقع، فردا وجمعا، فالفرد لبثت بضم التاء وفتحها نحو:
{(قََالَ كَمْ لَبِثْتَ قََالَ لَبِثْتُ} [3]) والجمع نحو قال: {(إِنْ لَبِثْتُمْ إِلََّا قَلِيلًا} [4]) دون قوله {(لَبِثْنََا يَوْماً} [5]).
فهو وإن كان جمعا إلا أنه ليس فيه تاء، والمدغم إنما هو الثاء عند التاء، لأن المثال الذى ذكره كذلك، وهو لبثت، ثم قال: الفرد والجمع يعنى من هذا اللفظ دون غيره، وقوله صاد مريم مفعول وصل فى آخر البيت، وكذا ما بعده، ولهذا نصب نعت لبثت، وهو الفرد والجمع، أى وصل هذا المجموع، ويجوز أن يكون ذلك مفعول فعل مضمر، أى أظهر صاد مريم وما بعده، لأن الكلام فى الإظهار، ويقع فى بعض النسخ الفرد والجمع بالضم.
قال الشيخ رحمه الله، هو مثل:
{(وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ} [6]).
فى قراءة ابن عامر، ولا حاجة إلى العدول عن النصب عطفا على صاد مريم، لأن حكم الكل واحد، فلا معنى لقطع بعضه عن بعض، والله أعلم.
ثم قال: وصل، أى وصل هذه الجملة إلينا بالإظهار والضمير فى وصل عائد على لفظة «حرمى نصر»، لأنه مفرد دال على مثنى كما سبق تقريره فى الرموز فهو كقوله فى موضع آخر: حرميه كلا ولا تكون الألف فى وصلا ضمير تثنية، لأن القارئ ثلاثة لا اثنان، فلم يبق إلا أن تكون الألف للإطلاق:
383 [وطس عند الميم (ف) ازا اتخذتم ... أخذتم وفى الإفراد (ع) اشر (د) غفلا]
أى ونون طس فاز بالإظهار عند الميم يعنى طسم فى أول الشعراء والقصص، احترازا من الذى فى أول النمل، فإن نونه مظهرة بلا خلاف، والفاء رمز حمزة، وأظهر حفص وابن كثير الذال من نحو:
__________
(1) سورة ص، آية: 1.
(2) سورة آل عمران، آية: 145.
(3) سورة البقرة، آية: 259.
(4) سورة المؤمنون، آية: 114.
(5) سورة المؤمنون، آية: 113.
(6) سورة النساء، آية: 95، وسورة الحديد آية: 10.(2/199)
{(اتَّخَذْتُمْ آيََاتِ اللََّهِ} [1] {وَأَخَذْتُمْ عَلى ََ ذََلِكُمْ إِصْرِي} [2]).
فهذا ضمير الجمع، ثم قال: وفى الإفراد، يعنى نحو:
{(فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كََانَ عِقََابِ} [3] {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلََهَاً غَيْرِي} [4] {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [5] {ثُمَّ أَخَذْتُهََا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [6]).
وتقدير الكلام إظهار اتخذتم فى الجميع، وفى الإفراد عاشر دغفلا، ويقال عيش دغفل، أى واسع وعام دغفل أى مخصب، يشير إلى ظهور الإظهار وسعة الاحتجاج له ولا مانع من توهم أن إظهار اتخذتم وأخذتم لفاز، ثم قال وفى الإفراد حفص وابن كثير والواو فصل.
284 [وفى اركب (هـ) دى (ب) رّ (ق) ريب بخلفهم
(ك) ما (ض) اع (ج) ايلهث (ل) هـ (د) ار (ج) هّلا
أى والإظهار فى اركب هدى قارئ ذى بر متواضع، يعنى قوله تعالى فى سورة هود:
{(ارْكَبْ مَعَنََا)}.
أظهر الباء البزى وقالون وخلاد بخلف عنهم، وأظهرها ابن عامر وخلف وورش بلا خلاف، وأظهر الثاء من:
{(يَلْهَثْ ذََلِكَ} [7]).
هشام وابن كثير وورش، ويلهث موضعان فى الأعراف، الخلاف فى الثانى منهما، والأول لا خلاف فى إظهار ثائه، فكان ينبغى أن يقيده كما قيد صاد مريم.
فإن قلت: الثاء لا تدغم فى الهمزة، فلهذا اغتفر أمرها، قلت: والدال لا تدغم فى الواو، فهلا اغتفر أمرها والبر بفتح الباء ذو البر، وضاع أى انتشر واشتهر، من ضاع الطيب: إذا فاحت رائحته، ودار فعل أمر من دارى يدارى، وجهلا جمع جاهل، وما أطبع اقتران هذه الكلمة فى الظاهر، كما ضاع جايلهث:
285 [وقالون ذو خلف وفى البقرة فقل ... يعذّب (د) نا يا لخلف (ج) ودا وموبلا
قد تقدم فى شرح الخطبة: أنه إنما سمى قالون هنا بعد الرمز لأنه يذكر الخلف له، كأنه مستأنف مسألة أخرى، كقوله وبصروهم أدرى، ولهذا قال: ذو خلف بالرفع، لأنه خبر، وقالون الذى هو مبتدأ، ولو عطف قالون على ما قبله لقال ذا خلف نصبا على الحال، يعنى لقالون خلاف فى الثاء من يلهث، وأما:
{(يُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [8]).
فى آخر البقرة فابن عامر وعاصم يضمان الباء كما سيأتى فى موضعه، والباقون من القراء يسكنونها، ثم
__________
(1) سورة الجاثية، آية: 35.
(2) سورة آل عمران، آية: 81.
(3) سورة المؤمنون، آية: 5.
(4) سورة الشعراء، آية: 186.
(5) سورة الكهف، آية: 77.
(6) سورة الحج، آية: 18.
(7) سورة الأعراف، آية: 176.
(8) الآية: 281.(2/200)
ثم انقسموا، فمنهم من أظهرها، وهو ورش، وعن ابن كثير خلاف، وأدغم الباقون، وأسكن الناظم الهاء من البقرة ضرورة، وكذا ما يأتى مثله، وهو جائز للشاعر فى الضرورة، قال الراجز:
لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع
والجود: المطر الغزير، ونصبه على الحال، أى ذا جود، وموبلا عطف عليه، وهو اسم فاعل، من أو بلا وقد استعمل فعله فى سورة الأنعام، فقال:
(حمى صوبه بالخلف درّ وأوبلا) والمعروف: بلت السماء فهى وابلة، والوابل: المطر الغزير، فيجوز أن يكون أوبلا مثل أغدّوا جرب أى صار ذا وبل، وقيل الموبل الذى أتى بالوبل، وهو المطر والله أعلم.
باب أحكام النون الساكنة والتنوين
التنوين: نون ساكنة أيضا. وإنما جمع بينهما فى الذكر، لأن التنوين اسم لنون ساكنة مخصوصة، وهى التى تلحق الكلمة بعد كمال لفظها، لا للتأكيد، ولا ثبات لها فى الوقف، ولا فى الحط.
وأحكامها أربعة، وهى: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء.
ثم الإدغام يكون بغنة فى موضع وبعدمها فى موضع، ومختلف فيها فى موضع، وسيأتى جميع ذلك.
ولأجل هذه الأحكام الزائدة على ما مضى أفرد لهما بابا، والله أعلم:
286 [وكلّهم التّنوين والنّون ادغموا ... بلا غنّة فى اللّام والرّا ليجملا]
أى كل القراء أدغموهما فى اللام والراء للقلب، وأسقطوا غنة التنوين والنون منهما. لتنزلهما من اللام والراء منزلة المثل، لشدة القرب، والضمير فى ليجملا، للام والراء، أو التنوين والنون، ولم يقيد النون فى نظمه بالسكون اجتزاء بذكر ذلك فى ترجمة الباب، ولو قال: وقد أدغموا التنوين والنون ساكنا لحصل التقييد، ولم يضر إسقاط لفظ كل لأن الضمير فى أدغموا يغنى عنه.
287 [وكلّ لينمو أدغموا مع غنّة ... وفى الواو واليا دونها خلف تلا]
جرت عادة المصنفين أن يقولوا: النون الساكنة تدغم فى حروف كلمة يرملون، فلما قدم الناظم فى البيت السابق ذكر اللام والراء، جمع الباقى من حروف يرملون فى لممة ينمو: أى كل القراء أدغموا النون الساكنة والتنوين فى حروف ينمو، وهى أربعة: الياء، والنون، والميم، والواو، ولم يذهبوا غنتهما معها، لأن حروف ينمو ليست فى القرب إليها كقرب اللام والراء.
قال الشيخ رحمه الله: اعلم أن حقيقة ذلك فى الواو والياء إخفاء، لا إدغام، وإنما يقولون له إدغام مجازا، وهو فى الحقيقة إخفاء على مذهب من يبين الغنة، لأن ظهور الغنة يمنع تمحض الإدغام، لأنه لا بدّ من تشديد يسير فيهما، وهو قول الأكابر، قالوا: الإخفاء ما بقيت معه الغنة، وأما عد النون والميم، فهو إدغام محض لأن فى كل واحد من المدغم والمدغم فيه غنة، وإذا ذهبت إحداهما بالإدغام بقيت الأخرى، وخلف أدغمهما عند الواو والياء بلا غنة، كما يفعل عند اللام والراء، فهو إدغام محض على قراءته، وقوله دونها أى دون الغنة
وفى اللغة: حذف الغنة وإبقاؤها جائز عند الحروف الستة، ويستثنى مما نسبه فى هذا البيت إلى الكل، وإلى خلف ما سبق ذكره من نونى: يس، ون، والقلم.(2/201)
قال الشيخ رحمه الله: اعلم أن حقيقة ذلك فى الواو والياء إخفاء، لا إدغام، وإنما يقولون له إدغام مجازا، وهو فى الحقيقة إخفاء على مذهب من يبين الغنة، لأن ظهور الغنة يمنع تمحض الإدغام، لأنه لا بدّ من تشديد يسير فيهما، وهو قول الأكابر، قالوا: الإخفاء ما بقيت معه الغنة، وأما عد النون والميم، فهو إدغام محض لأن فى كل واحد من المدغم والمدغم فيه غنة، وإذا ذهبت إحداهما بالإدغام بقيت الأخرى، وخلف أدغمهما عند الواو والياء بلا غنة، كما يفعل عند اللام والراء، فهو إدغام محض على قراءته، وقوله دونها أى دون الغنة
وفى اللغة: حذف الغنة وإبقاؤها جائز عند الحروف الستة، ويستثنى مما نسبه فى هذا البيت إلى الكل، وإلى خلف ما سبق ذكره من نونى: يس، ون، والقلم.
288 [وعندهما للكل أظهر بكلمة ... مخافة إشباه المضاعف أثقلا]
أى وعند الواو والياء أظهر النون الساكنة إذا جاءت قبلهما فى كلمة واحدة، نحو: صنوان، وقنوان، والدنيا، وبنيانه، لأنك لو أدغمت لأشبه ما أصله التضعيف، وهذا كاستثناء السوسى همزة:
{(رِءْياً} [1]).
يبدلها خوفا من أن يشبه لفظه لفظ الرىّ كما تقدم، ولم تلتق النون الساكنة فى كلمة بلام ولا راء ولا ميم فى القرآن العزيز، فلهذا لم يذكر من حروف يرملون غير الواو والياء، وأما النون إذا لقيها فيجب الإدغام للمثلية، وأما التنوين فلا مدخل له فى وسط الكلمة ولا فى أولها، وأثقلا حال من فاعل إشباه، وهو الذى فيه الكلام، وإشباه مصدر أشبه كإكرام مصدر أكرم، وأضيف إلى المفعول، وهو المضاعف، أى مخافة إشباه هذا الذى ذكرناه، وهو صنوان ونحوه فى حال كونه ثقيلا، أى مدغما المضاعف، فالمضاعف هو المفعول، أضيف إليه المصدر نحو عجبت من إكرام زيد، أى من إكرام عمرو له، والمضاعف: هو الذى فى جميع تصرفاته يكون أحد حروفه الأصول مكررا، نحو حيان، وحتان ورمان والله أعلم.
289 [وعند حروف الحلق للكل أظهرا ... (أ) لا (هـ) اج (ح) كم (ع) مّ (خ) اليه (غ) فّلا]
يعنى أظهر التنوين والنون الساكنة لكل القراء إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق لبعدهما منها، سواء كان ذلك فى كلمة أو كلمتين: ثم بين حروف الحلق بأوائل هذه الكلمات، من ألا إلى آخر البيت، وحروف الحلق سبعة، ذكر منها ستة وبقى واحد، وهو الألف، وإنما لم يذكرها لأنها لا تأتى أول كلمة ولا بعد ساكن أصلا. لأنها لا تكون إلا ساكنة، فمثالهما عند الهمزة:
{(كُلٌّ آمَنَ} {وَيَنْأَوْنَ} {مَنْ أَسْلَمَ)}
ولا توجد نون ساكنة قبل همزة فى القرآن فى كلمة غير ينأون، ومثالهما عند الهاء:
{(جُرُفٍ هََارٍ} {مِنْهََا} {مَنْ هََاجَرَ إِلَيْهِمْ)}.
ومثالهما عند الحاء:
{(نََارٌ حََامِيَةٌ} {وَانْحَرْ} {مَنْ حَادَّ اللََّهَ}. وعند العين {حَقِيقٌ عَلى ََ} {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [2]). من عمل وعند الخاء {يَوْمَئِذٍ خََاشِعَةٌ} {وَالْمُنْخَنِقَةُ} و {مَنْ خََافَ}. و {فَإِنْ خِفْتُمْ} و {مِنْ خِزْيِ} وعند الغين {مِنْ مََاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} {فَسَيُنْغِضُونَ} {مِنْ غِلٍّ)}.
وقوله: خاليه، أى ماضيه، وغفلا جمع غافل، وكأنه أشار بهذا الكلام إلى الموت أو إلى البعث، ومجازاة كل بعمله، فهذا حكم عظيم عم الغافلين عنه، كقوله:
__________
(1) سورة مريم، آية: 74.
(2) سورة الفاتحة، آية: 6.(2/202)
{(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [1]).
وفى مواعظ الحسن البصرى رحمه الله: أيها الناس إن هذا الموت قد فضح الدنيا، فلم يبق لذى لب فرحا.
وما أحسن قول بعضهم:
يا غفلة شاملة للقوم ... كأنّما يرونها فى النّوم ... ميت غد يحمل ميّت اليوم
وقوله: ألا، استفتاح كلام، وهاج بمعنى هيج الغافل هذا الحكم، أى حركه فلم يدع له قرارا ولا هناء بعيش أيقظنا الله تعالى بفضله من هذه الغفلة:
290 [وقبلهما ميما لدى اليا وأخفيا ... على غنّة عند البواقى ليكملا]
أى الموضع الذى تقلبان فيه ميما هو عند الباء، يعنى إذا التقت النون الساكنة مع الباء فى كلمة نحو:
{(أَنْبِئْهُمْ} أو فى كلمتين نحو {أَنْ بُورِكَ)}.
وإذا التقى التنوين مع الباء ولا يكون ذلك إلا فى كلمتين، نحو:
{(سَمِيعٌ بَصِيرٌ)}.
قلبا ميما ليخف النطق بهما، لأن الميم من مخرج الباء، وفيها غنة كغنة النون، فتوسطت بينهما، ولم يقع فى القرآن ولا فيما دوّن من كلام العرب ميم ساكنة قبل ياء فى كلمة واحدة، فلم يخف إلباس فى مثل: عنبر ومنبر، وعند باقى الحروف غير هذه الثلاثة عشر، وغير الألف أخفى التنوين والنون مع بقاء غنتهما، لأنها لم يستحكم فيها البعد ولا القرب منهما، فلما توسطت أعطيت حكما وسطا بين الإظهار والإدغام، وهو الإخفاء، وسواء فى ذلك ما كان فى كلمة، وما كان فى كلمتين نحو:
{(أَنْتُمْ} {أَنْذِرِ النََّاسَ} {أَنْشَأَكُمْ} {أَنْفُسَكُمْ} {إِنْ تَتُوبََا} {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ} {إِنْ كُنْتُمْ} أن قالوا {بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} {غَفُورٌ شَكُورٌ} {عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {أَزْوََاجاً ثَلََاثَةً)}.
وقوله ليكملا، أى ليكملا بوجوههما، وهى لام العاقبة، أى لتؤل عاقبتهما إلى كمال أحكامهما، لأن هذه الوجوه هى التى لهما فى اللغة، وهى الإدغام فى حروف يرملون الستة، والإظهار فى حروف الحلق الستة أيضا، والقلب عند الباء، والإخفاء فى البواقى، ثم الإدغام بغنة وبغير غنة، فكمل ذكرها فى النظم من هذه الوجوه، والله أعلم.
باب الفتح والإمالة وبين اللفظين
الفتح هنا ضد الإمالة وهو منقسم إلى فتح شديد، وفتح متوسط، فالشديد هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذى بعده ألف، ويسمى التفخيم، والقراء يعدلون عنه، ولا يستعملونه، وأكثر ما يوجد فى ألفاظ أهل خراسان، ومن قرب منهم، لأن طباعهم فى العجمة جرت عليه، فاستعملوه كذلك فى اللغة العربية، وهو
__________
(1) سورة ص، آية: 67و 68.(2/203)
فى القراءة مكروه معيب، هذا قول أبى عمرو الدانى فى كتاب [الموضح] قال: والفتح المتوسط هو ما بين الفتح الشديد والإمالة المتوسطة، وهذا الذى يستعمله أصحاب الفتح من القراء، قال: والإمالة أيضا على ضربين:
إمالة متوسطة، وإمالة شديدة، والقراء يستعملونهما معا فالإمالة المتوسطة حقها أن يؤتى بالحرف بين الفتح المتوسط وبين الإمالة الشديدة، والإمالة الشديدة حقها أن تقرب الفتحة من الكسرة، والألف من الياء، من غير قلب خالص، ولا إشباع مبالغ، قال: والإمالة والفتح لغتان مشهورتان فاشيتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فالفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة عامة أهل نجد، من تميم وقيس وأسد قال وعلماؤنا مختلفون فى أى هذه الأوجه الثلاثة أوجه وأولى، وأختار الإمالة الوسطى التى بين بين، لأن الغرض من الإمالة حاصل بها، وهو الإعلام بأن أصل الألف الياء أو التنبيه على انقلابها إلى الياء فى موضع، أو مشاكلتها للكسر المجاور لها أو الياء، ثم أسند حديثا عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول.
«اقرءوا القرآن بألحان العرب» وفى رواية «بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين».
قال فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة، ومن لحون العرب وأصواتها، وهى مذاهبها وطباعها. وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم، قال: كانوا يرون أن الألف والياء فى القراءة سواء، قال يعنى بالألف والياء التفخيم والإمالة.
قلت: وصنف كل واحد من أبى الطيب بن غلبون، وأبى عمرو الدانى فى هذا الباب مجلدة، قصراها على حكم الإمالة وما يتعلق بها، وكتاب الدانى متأخر عن كتاب ابن غلبون، فلذلك فوائده أكثر، وذكر الشيخ رحمه الله فى هذا الباب معظم ما تقع فيه الإمالة فى القرآن من أصول مطردة، وحروف منفردة وأخر من ذلك قليلا فذكره فى مواضعه من السور، تبعا لصاحب التيسير ك (التّوراة وناداه فى آل عمران ووفّاه واستهواه).
ورأى فى الأنعام ورا، وطا وها، ويا من فواتح السور وأدرى فى أول سورة يونس:
(وبشراى) فى يوسف وغيره، ذكر ذلك فى الباب أو بعضه، ويجوز فى قوله وبين اللفظين: فتح النون من بين على الظرفية، أى والحالة هى بين اللفظين، أى بين لفظى الفتح والإمالة، ويجوز كسر النون عطفا على الفتح والإمالة ولفظ بين تارة يجرى بوجوه الإعراب، كقوله:
{(هََذََا فِرََاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [1]).
وتارة ينصب على الظرف والإعراب يجرى على ما هى تابعة له، وقرئ بالوجهين قوله سبحانه:
{(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [2])
بالرفع والنصب عاما سيأتى تقريره فى موضعه إن شاء الله تعالى والله أعلم:
__________
(1) سورة الكهف، آية: 77.
(2) سورة الأنعام، آية: 94.(2/204)
291 [وحمزة منهم والكسائىّ بعده ... أمالا ذوات الياء حيث تأصّلا]
منهم أى من القراء، كقولهم أنت منهم الفارس الشجاع، أى من بينهم، والكسائى بعده، لأنه أخذ عنه أما لا ذوات الياء يعنى الألفات التى انقلبت عن الياء احترازا عن ذوات الواو، وهى الألفات التى انقلبت عن الواو، فاجتزأ بالصفة لشهرتها عن الموصوف، والإمالة تقع فى الألف والهاء والراء، وهذا الباب جميعه فى إمالة الألف، والذى بعده فى إمالة الهاء والثالث فى إمالة الراء على ما سيأتى بيانه، ثم الألف تكون أصلية ومنقلبة، وتارة زائدة، واعلم أن كل ألف منقلبة عن ياء فجائز إمالتها، وهى أن تكون عينا أو لاما، فالعين نحو باع وسار، لأنهما من البيع والسير، وهذا النوع جائز الإمالة لغة مطلقا، وقراءة فى بعض المواضع الآتية نحو:
(جاء وشاء واللام نحو هدى ورمى (1)).
فهذا هو الذى يمال مطلقا عند القراء، لمن مذهبه الإمالة، وأطلق الناظم ذوات الياء، وهو لفظ يقع على الضربين، ومراده: الضرب الثانى، ولم يبين فى نظمه الحرف الذى تقع فيه الإمالة، ولو أنه قال:
أمال الكسائى بعد حمزة إن تطر ... فت ألفات حيث ياء تأصلا
لذكر الحرف الممال وشرطيه، وهما كونه عن ياء، وكونه طرفا أى تكون لام الفعل، وإنما خص القراء الإمالة بذلك، لأنه طرف، والأطراف محل التغيير غالبا، والإمالة تغيير، فإنها إزالة الألف عن استقامتها وتحريف لها عن مخرجها إلى نحو مخرج الياء ولفظها، وأخذ لها هذا الإسم من أملت الرمح ونحوه إذا عوجته عن عن استقامته أى أما لا ألفات الياء إن تطرفت، احترازا من المتوسطة فقوله تعالى:
{(وَسََارَ بِأَهْلِهِ} [2] يمال، وكذا {فَأَثََابَهُمُ اللََّهُ} [3]).
لتوسط الألف فيها، والألف فى أثاب عن واو فى الأصل، وإنما يجوز إمالتها لغة، لأن الفعل قد زادت حروفه، فرجع إلى ذوات الياء على ما سيأتى فى شرح قوله، وكل ثلاثى يزيد فإنه ممال، وقوله حيث تأصلا قال الشيخ: أى حيث كان الياء أصلا، وهو أحد أسباب الإمالة، وأكثر أنواعها استعمالا، وإنما أميلت الألف لتدل على الأصل.
قلت: فكأن قوله حيث تأصلا، خرج مخرج التعليل، فإن «حيث» من ظروف المكان، «وإذ من ظروف الزمان، تأتى كل واحدة منهما، وفيها معنى التعليل، نحو قولك: حيث جاء زيد فلا بد من إكرامه، وإذ خرج فلا بد من التزامه، أى لأجل أن الياء أصلها أميلت، ولم يخرج ذلك مخرج الاشتراط، فإن هذا شرط مستغنى عنه بقوله ذوات الياء كما قال صاحب التيسير: كان حمزة والكسائى يميلان كل ما كان من الأسماء والأفعال من ذوات الياء، ولم يرد على ذلك، لكنه ما أراد بذوات الياء إلا كل ألف تنقلب ياء فى تثنية أو جمع أو عند رد الفعل إلى المتكلم أو غيره، فيدخل فى ذلك ما الياء فيه أصل وما ليست بأصل ولهذا مثل ب:
__________
(1) سورة طه، الأنفال: 17.
(2) القصص آية: 27.
(3) سورة المائدة، آية: 85.(2/205)
ونحوه مما ألفه للتأنيث، ثم قال: وكذلك.
(الهدى والعمى).
ونحوه مما الألف فيه منقلبة عن ياء، فجمع بين النوعين، فعبر عنهما بذوات الياء، فيجوز أن يكون الناظم سلك هذا المسلك، وقسم ذوات الياء إلى ما الألف فيه أصل، وإلى ما الألف فيه للتأنيث، وسيأتى كل ذلك ويجوز أن يكون المراد تأكيد ما تقدم أى أن الإمالة لا تقع فى قراءتهما إلا حيث كانت الياء التى انقلبت عنها الألف أصلا، وهذا وإن كان معلوما من قوله ذوات الياء، فإن ذلك لا يقال إلا لما كانت الياء فيه أصلا، فإنه غير معلوم من اللفظ، بل من قاعدة علم التصريف، فنص عليه لفظا، وغرضه إعلام أن الإمالة لهما لا تقع فى الألفات الزوائد كألف نائم، ولاعب، وإنما تقع فى ألف منقلبة عن ياء هى لام الكلمة، ويجوز أن يكون المعنى حيث تأصلا الياء، أى تمكنت تمكنا تاما، بحيث رسمت الكلمة بها لا بالواو، فأميلت الألف موافقة للرسم، فهذه ثلاثة أوجه فى معنى هذا الكلام إن كان فاعل تأصلا ضميرا عائدا على الياء، والألف فيه للاطلاق، ويجوز أن تكون الألف للتثنية، وهى ضمير عائد على حمزة والكسائى وله وجهان من المعانى:
أحدهما فى المواضع التى تأصلاها، أى أنهما أصّلا لها أصلا، فكل ما دخل فى ذلك الأصل والضابط أمالاه ثم بين الأصل والضابط بالبيت الآتى.
والثانى أن المعنى حيث تأصلاهما أى كانا أصلا فى باب الإمالة لاستيعابهما منهما ما لم يستوعب غيرهما، فكل من أمال شيئا فهو تابع لهما أو لأحدهما فى الغالب، أى فعمما جميع ذوات الياء لأنهما ليس من مذهبهما تخصيص أفراد من الكلم بالإمالة، بخلاف ما فعل غيرهما، كما ستراه، ثم لا فرق فى إمالة هذه الألف المنقلبة عن الياء لهما بين ما هى مرسومة فى المصحف بالياء وما هى مرسومة بالألف فإن من ذوات الياء ما رسم فى المصحف بالألف كما ترسم ذوات الواو نحو:
(طغا وتولّاه وأقصا المدينة والأقصا والعليا والدّنيا) وغير ذلك. وأما الحياة فلم تمل وإن كانت ألفها منقلبة عن ياء عند قوم، لأن ألفها رسمت واوا فى المصحف ولأن الخلاف قد وقع فى أصل ألفها فوقع الشك فى سبب الإمالة، فتركت وعدل إلى الفتح، فإنه الأصل، وكل ما أميل ففتحه جائز، وليس كل ما فتح إمالته جائزة، ثم من ضرورة إمالة الألف حيث تمال أن ينحى بالحرف الذى قبلها نحو الكسرة، ثم إن حمزة والكسائى يميلان الألف الموصوفة بالأوصاف المذكورة حيث وجدت، إلا فى مواضع خالف فيها بعضهم أصله، وفى مواضع زاد معهم غيرهم، ثم بين ذات الياء فقال:
292 [وتثنية الأسماء تكشفها وإن ... رددت إليك الفعل صادفت منهلا]
الهاء فى تكشفها لذوات الياء أو الألف الممالة المفهومة من سياق الكلام، أى تكشف لك أصلها إن كانت فى اسم تثنية نحو، {(قََالَ لِفَتََاهُ)}.
لأن هذا لو ثنى لانقلبت الألف ياء نحو:
{(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيََانِ} [1] وكذا {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى ََ} [2]).(2/206)
لأن هذا لو ثنى لانقلبت الألف ياء نحو:
{(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيََانِ} [1] وكذا {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى ََ} [2]).
لو ثنيته لقلت: عميان، وهذا بخلاف:
(الصّفا و {شَفََا جُرُفٍ} [3] و {سَنََا بَرْقِهِ} وعصاه وعصاى وأبا أحد).
فإن الألف فى ذلك كله أصلها الواو، ويثنى جميع ذلك بها، وأما الألف فى الأفعال فيكشفها أن تنسب الفعل إلى نفسك وإلى مخاطبك، فإن انقلبت فيه ياء أملتها نحو:
(رمى وسعى).
لأنك تقول: رميت وسعيت، بخلاف: دعا، وعفا، وخلا، وبدا، وعلا، ونجا، فإنك تقول فيهما دعوت وعفوت، إلى آخرها، ويكشفها لك أيضا لفظ المضارع، نحو: يدعو ويعفو، ولحوق ضمير التثنية نحو دعوا وعفوا، والاشتقاق يكشف الأمرين، نحو: الرمى والسعى، والعفو والعلو، فإن قلت من جملة الأسماء الممالة ما لا تظهر التثنية ياءه التى انقلبت الألف عنها، نحو: الحوايا، جمع حاوية فالألف عن ياء كائنة فى المفرد وفى تثنية المفرد، ولكن اللفظ الممال فى القرآن لا يثنى، فلم يكشف هذا اللفظ تثنية، فكيف قال: وتثنية الأسماء تكشفها؟ قلت: ذكر ذلك كالعلامة، والعلامة قد لا تعم ولكنها تضبط الأكثر، والحد يشمل الجميع وهو قوله ذوات الياء والألف من آخر الحوايا، من ذوات الياء، وأصلها حواوى، على حد ضوارب، لأنه جمع حاوية، وهى: المباعر، على أنك لو قدرت من هذا فعلا ورددته إلى نفسك، لظهرت الياء، نحو حويت وصاحب التيسير ذكر هذا الحرف مع: يتامى وأيامى، فجعل الجميع فى باب فعالى، الذى يأتى ذكره وقوله:
صادفت منهلا أى موردا للإمالة، وهذه استعارة حسنة، لأن طالب العلم يوصف بالعطش، فحسن أن يعبر عن بغيته ومطلوبه بالمورد، كما يعبر عن كثرة تحصيله بالرى، فيقال هو ريان من العلم. ثم مثل ذوات اليا من الأسماء والأفعال فقال:
293 [هدى واشتراه والهوى وهداهم ... وفى ألف التأنيث فى الكلّ ميّلا]
لأنك تقول: هديت واشتريت، وهويان وهديان، فمثل بفعلين واسمين ثم ذكر أن حمزة والكسائى ميلا أيضا ألف التأنيث فى كل موضع وقعت فيه فقوله وفى ألف متعلق بميلا، أى أوقعا الإمالة فيها فهو من باب قول ذى الرمة: يجرح فى عراقيبها نصلى، وقوله: فى الكل بدل من ألف التأنيث، أى وفى كل ما فيه ألف التأنيث أوقعا الإمالة وخالف حمزة، أصله فى الرؤيا على ما يأتى، وليست ألف التأنيث منقلبة عن ياء، وإلا لاستغنى عنها بما تقدم. وإنما هى مشبهة بالمنقلبة عن الياء لأجل أنها تصير ياء فى التثنية والجمع، تقول حبليان وحبليات.
فإن قلت: ظهرت فائدة قوله فيما قبل: حيث تأصلا فإن ألف التأنيث ليست أصلا، فاحترز عنها.
قلت: ولماذا يحترز عنها وهى ممالة لهما، كما أن الأصلية ممالة لهما، فلا وجه للاحتراز إن كانت ألف التأنيث داخلة فى مطلق قوله «ذوات الياء» وهو ممنوع، وإذا لم تكن داخلة فلا احتراز ولم يبق فيه إلا التأكيد أو المعانى التى تقدم ذكرها، ثم ذكر الأمثلة التى توجد فيها ألف التأنيث المقصورة وهى الممالة فقال:
__________
(1) سورة يوسف، آية: 36.
(2) سورة فصلت، آية: 17.
(3) سورة التوبة، آية: 109.(2/207)
294 [وكيف جرت فعلى ففيها وجودها ... وإن ضمّ أو يفتح فعالى فحصّلا]
أى وجود ألف التأنيث فى موزون فعلى كيف جرت: بفتح الفاء، أو بكسرها، أو بضمها نحو: السلوى والتقوى، والموتى، ومرضى، وإحدى، وسيما، وذكرى، والدنيا، والقربى، والأنثى، وكذلك فى فعالى:
بضم الفاء وفتحها نحو: كسالى، ويتامى، والتحق بهذا الباب: موسى وعيسى، ويحيى، وهو مذهب القراء اعتمادا على أنها فعلى فعلى وفعلى، والفاء فى فحصلا، ليس برمز لأن مراده بهذا البيت بيان محل ألف التأنيث، ولأنه سيقول بعد هذا «وعسى أيضا أمالا» والضمير لحمزة والكسائى، ولو كان فحصلا رمز اللزوم بعد ذلك إذا ذكر مسألة أن يرمز لها أو يصرح باسم القارئ، ولا يأتى بضمير من تقدم إلا إذا كان الباب كله واحدا على أنه يشكل على هذا أنه سيذكر اختصاص الكسائى بإمالة مواضع، ثم قال بعدها: وأما ضحاها والضحى، والربى، مع: القوى، فأما لاها، ويذكر أيضا ما تفرد به حفص عن الكسائى، ثم قال «ومما أمالاه. وجوابه أنه صرح باسم الكسائى وحفص، فلا إلباس، وأما بعد الرمز فلم يفعل مثل ذلك لما فيه من الإلباس، وأراد فحصلا بالنون الخفيفة ثم أبدل منها ألفا فى الوقف، ثم ذكر أنهما أمالا أشياء أخر لم تدخل فى الضابط المتقدم من ذوات الياء الأصلية، ولا فى ضابط ألف التأنيث، ولكنها من المرسومات بالياء فقال:
295 [وفى اسم فى الاستفهام أنّى وفى متى ... معا وعسى أيضا أمالا وقل بلى]
أى وأوقع الإمالة فى اسم استعمل فى الاستفهام، وهو أنى وإن كان قد استعمل غير استفهام، وهو إذا وقع شرطا، نحو أنى تقم أقم معك، إلا أنه فى القرآن للاستفهام، ولهذا قال صاحب التيسير: أما لا أنّى التى بمعنى كيف نحو قوله تعالى:
{(أَنََّى شِئْتُمْ} [1] {أَنََّى لَكِ هََذََا} [2]).
قلت: وغرضهم من هذا القيد أن يفصلوها من أنّا المركبة من أن واسمها نحو:
{(أَنََّا دَمَّرْنََاهُمْ} [3]).
وهو احتراز بعيد. فإن أحدا لا يتوهم الإمالة فى مثل ذلك، ثم قال وفى متى، أى وأوقعا الإمالة أيضا فى متى «ومعا» حال من حمزة والكسائى، أى أوقعا معا الإمالة فى ذلك، أو حال من أتى ومتى، بمعنى أنهما اصطحبا فى الإمالة والاستفهام.
وقال الشيخ: مراده أن ألف التأنيث أيضا فى اسم استعمل فى الاستفهام. وهو أنى ومتى، فأما أنى فكان ابن مجاهد يختار أن يكون فعلى فقال الدانى وزنها فعلى، وهو كقولهم: قوم «تلا» أى صرعى، وليلة «غمّى» إذا كان على السماء غيم، وألف متى مجهول، فأشبهت ألف التأنيث فى ذلك، فأميلت، ونص النحاة على أنه لو سمى بها وبيلى لثنيا بالياء، وهذا صحيح، ولكن من أين يلزم إذا كانت ألفها مجهولة أن تكون للتأنيث، وإنما وزنها فعل، والألف لام الكلمة، على أن الحروف وما تضمن معناها من الأسماء لا يتصرف فيها بوزن، ولا ينظر فى ألفاتها، ف «متى» كإلى وبلى فى ذلك.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 223.
(2) سورة آل عمران، آية: 27.
(3) سورة النمل، آية: 51.(2/208)
ثم قال: وأمالا عسى وبلى، أما عسى ففعل، تقول فيه: عسيت، فالألف منقلبة عن ياء، فهو داخل فى ما تقدم، فلم يكن له حاجة إلى إفراده بالذكر ولكنه تبع صاحب التيسير فى ذلك، فإنه قال بعد أنى:
وكذلك، متى، وبلى، وعسى، حيث وقع، ولعله إنما أفرده بالذكر لأنه لا يتصرف وقيل: إن بعض النحاة زعم أنها حرف، كما أطلق الزجاجى على كان وأخواتها أنها حروف، بمعنى أنها أدوات المعانى التى اكتسبتها الجمل معها، ولما كفت بلى فى الجواب ضارعت بذلك الإسم والفعل، فأميلت ألفها، وقيل إن ألف بلى أيضا، بل للتأنيث، وهو حرف لحقه ألف التأنيث كما لحقت تاء التأنيث: ثم، ورب وأصلها بل، فيجوز على هذا أن يقال: ألف «أنى» كذلك، وأصلها أنّ ثم خرج هذان الحرفان عن معناهما المعروف بلحوق ألف التأنيث لهما، إلى معنى آخر، فصار: أنى على وزن شتى، ورسمت: أنى، ومتى، وبلى، بالياء، وكذا: عسى، وعيسى، ويحيى، وموسى، وإلحاق الألف فى شيء من ذلك بألف التأنيث بعيد، بل هى قسم برأسها، فكأنه قال: أمالا ذوات الياء الأصلية وغير الأصلية، مما رسمت ألفه ياء، وغير الأصلية على ضربين، ألف تأنيث، وملحق بها، ولو قال عوض هذا البيت:
وموسى عسى عيسى ويحيى وفى متى ... وأنى للاستفهام تاتى وفى بلا
لكان أحسن وأجمع للغرض، وتبعناه فى ذكر عسى، وإن كانت داخلة فى قسم الياء الأصلية، وخلصنا من جزرفة العبارة، فى قوله: وفى اسم فى الاستفهام أنى، والضمير فى تأتى للإمالة، وما أبعد دعوى أنّ الألف فى موسى وعيسى ويحيى للتأنيث، فموسى وعيسى معربان، ويحيى إن كان عربيا فوزنه يفعل، والكلام فى النبى المسمى بيحيى صلّى الله عليه وسلم، وأما نحو قوله تعالى:
{(لََا يَمُوتُ فِيهََا وَلََا يَحْيى ََ} [1] وقوله {وَيَحْيى ََ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [2])
فوزنه يفعل، والله أعلم:
296 [وما رسموا بالياء غير لدى وما ... زكى وإلى من بعد حتّى وقل على]
أى وأمالا كل ما رسم فى المصحف بالياء من الألفات، وإن لم تكن الياء أصلية اتباعا للرسم، ولأنها قد تعود إلى الياء فى صورة، وذلك «ضحى» فى الأعراف وطه:
(وضحاها ودحيها).
فى والنازعات وفى والشمس وضحيها:
(وتلاها وطحاها والضّحى وسجى) فهذا جميع ما رسم من ذوات الواو بالياء على ما ذكره فى قصيدته الرائية، لكن:
(تلاها وطحاها وسحى).
لم يملها إلا الكسائى وحده، كما يأتى وإمالتها «ضحى» فى لأعراف وطه تبنى على خلاف يأتى فى آخر الباب، وأما:
__________
(1) سورة طه، آية: 74.
(2) سورة الأنفال، آية: 42.(2/209)
(ويلتا، وحسرتى، وأسفى).
فألفاتها مع كونها مرسومة بالياء منقلبة عن ياء الإضافة، فقويت الإمالة فيها، وهذا البيت لا يظهر له فائدة إلا فى هذه الألفاظ الثلاثة، فإن الياء التى انقلبت عنها الألف ليست بأصل فى الكلمة فلم تدخل فى قوله «حيث تأصلا» ويظهر أيضا فائدته فى إمالة ضحى فى الأعراف على قول من يقول: إنه إذا وقف عليه كان الوقف على ألفه الأصلية، وأما باقى الكلمات التى ذكرت أنها رسمت بالياء وهى من ذوات الواو، فكانت نعرف من ذكره إمالة رءوس الآى، وأما نحو:
(أدنى وأزكى ويدعى وتتلى).
فتعلم إمالته من البيت الآتى، فإنه من الثلاثى الزائد، ثم ذكر أنه استثنى مما رسم بالياء، وليست الياء، أصله خمس كلمات: فلم تمل وهى: اسم وفعل، وثلاثة أحرف، فالاسم لدى لم يمل، لأنه رسم بالألف فى يوسف، وبالياء فى غافر، وألفه مجهولة، فلم يمل ليجرى مجرى واحدا والفعل:
{(مََا زَكى ََ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [1]).
هو من ذوات الواو: فلم يمل تنبيها على ذلك، والحروف: إلى، وحتى، وعلى، لم تمل، لأن الحروف لا حظ لها فى الإمالة بطريق الأصالة إنما هى للأفعال والأسماء، فلم يؤثر فيها رسمها بالياء وكل ما أميل من الحروف بلى، ويا فى الندا، ولا فى أمالا، لإغنائها عن الجمل فأشبهت الفعل والاسم، وقول الناظم «من بعد حتى» الدال من بعد: مجرورة، وبعضهم اختار ضمها، وقدر حذف واو العطف من قوله حتى، ومعنى الوجهين ظاهر وإذا كسرنا الدال، كان التقدير من بعد استثناء حتى، وكذا معنى قولى أنا فيما تقدم «أمال الكسائى بعد حمزة» أى بعد إمالة حمزة:
297 [وكلّ ثلاثىّ يزيد فإنّه ... ممال كزكّاها وأنجى؟؟؟ مع ابتلى]
أى كل لفظ ثلاثى ألفه عن واو، إذا زيد فى حروفه الأصول حرف فأكثر، فصار كلمة أخرى أميل، لأن واوه تصير ياء، إذا اعتبرتها بالعلامات المقدم ذكرها، وذلك كالزيادة فى الفعل بحروف المضارعة وآلة التعدية وغيرها نحو:
(ترضى (2) وتدعى (3) وتتلى (4) ويدعى (5) وتبلى (6) ويزّكىّ (7) وتزكى (8) وزكاها (9)
و {نَجََّانَا اللََّهُ مِنْهََا} [10] {فَأَنْجََاهُ اللََّهُ مِنَ النََّارِ} [11] {وَإِذِ ابْتَلى ََ إِبْرََاهِيمَ رَبُّهُ} [12] {فَلَمََّا تَجَلََّى رَبُّهُ} [13]
__________
(1) سورة النور، آية: 21.
(2) سورة طه، آية: 130.
(3) سورة سبأ، آية: 43.
(4) سورة آل عمران، آية: 101.
(5) سورة الجاثية، آية: 28.
(6) سورة الطارق، آية: 9.
(7) سورة عبس، آية: 3.
(8) سورة الأعلى، آية: 14.
(9) سورة الشمس، آية: 9.
(10) سورة الأعراف، آية: 89.
(11) سورة العنكبوت، آية: 24.
(12) سورة البقرة، آية: 124.
(13) سورة الأعراف، آية: 143.(2/210)
{فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ} [1] {فَتَعََالَى اللََّهُ} [2] {مَنِ اسْتَعْلى ََ} [3]).
ومن ذلك أفعل فى الأسماء نحو:
(أدنى وأرنى وأزكى وأعلى).
لأن لفظ الماضى من ذلك كله تظهر فيه الياء إذا رددت الفعل إلى نفسك نحو: زكيت ورضيت وابتليت وأعليت، وأما فيما لم يسم فاعله نحو تدعى فلظهور الياء فى: دعيت، ويدعيان فقد بان أن الثلاثى المزيد يكون اسما نحو: أدنى وفعلا ماضيا: نحو: أنجى وابتلى ومضارعا مبنيا للفاعل، نحو: يرضى وللمفعول نحو: يدعى.
ولو قال الناظم رحمه الله تعالى:
وكل ثلاثى مزيد أمله مثل ... يرضى وتدعى ثم أدنى مع ابتلى
لجمع أنواع ذلك، وقد نص صاحب التيسير وغيره على أن ذلك يمال، وجعل سببه الزيادة فقال الإمالة شائعة فى تدعى وتتلى واعتدى واستعلى وأنجى ونجى وشبهه لانتقاله بالزيادة إلى ذوات الياء.
قلت: الزيادة فى أوله إذا كانت مفتوحة ظهرت الواو، نحو: يدعو، ويتلو، فإذا ضمت قلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، فمن أين تجىء الياء؟ وأين الزيادة التى اقتضت ذلك؟ لا جائز أن تكون حرف المضارعة فإنها موجودة فى حالة الضم وجودها فى حالة الفتح والضم، والفتح حركتان متقابلتان فليس إمامة هذا لأجل الزيادة، وإنما لأجل أن الياء ظهرت فى الماضى، فى قولك دعى، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها والمضارع فرع عن الماضى، فلهذا اعتقد فى ألف تدعى أنها ياء وأميلت، مع أن رسم المصحف الكريم فيها بالياء وقوله تعالى:
{(فَأَثََابَهُمُ اللََّهُ بِمََا قََالُوا} [4]).
وارد على ما ذكره فى هذا البيت فإنه ثلاثى زاد، ولا يمال لأن ألفه ليست طرفا، وهو لم يشترط الطرف فلهذا ورد والله أعلم:
298 [ولكنّ أحيا عنهما بعد واوه ... وفيما سواه للكسائى ميّلا]
أى إذا جاء أحيا أو يحيى بعد الواو، فإنهما أمالاه قال فى التيسير: واتفقا: يعنى الكسائى مع حمزة، على الإمالة فى قوله ويحيى ولا يحيى.
{(أَمََاتَ وَأَحْيََا} [5]).
إذا كان منسوقا بالواو، وتفرد الكسائى دون حمزة بإمالة أحياكم وفأحيا به وأحياها حيث وقع إذا نسق ذلك بالفاء أو لم ينسق لا غير، وإنما ذكر هذا البيت ليبين ما انفرد به الكسائى، ولهذا أتى بحرف «لكن»
__________
(1) سورة البقرة، آية: 194.
(2) سورة المؤمنون، آية: 116.
(3) سورة طه، آية: 64.
(4) سورة المائدة، آية: 85.
(5) سورة النجم، آية: 44.(2/211)
التى للاستدراك، وإلا فما اجتمعا عليه من ذلك داخل فى ذوات الياء، فكأنه قال: أمالا الجميع، لكن كذا وكذا تفرد به الكسائى، ثم استوفى جميع ما انفرد به الكسائى من ذلك وغيره فقال:
299 [ورؤياى ولرؤيا ومرضات كيفما ... أنى وخصايا مثله متقبّلا]
رؤيا: فعلى مستثناة مما فيه ألف التأنيث، ومرضاة: مفعلة، من الرضوان، ترجع ألفها إلى الياء فى التثنية والجمع، فهى كمغزى ومدعى، لأن ألفها ترجع إلى الياء فى الماضى، نحو رضيت وذكر مكى فى الثلاثى الزائد مرضاة، وكمشكاة لأن ضابطه ما كانت ألف الإمالة فيه رابعة فصاعدا، فمرضاة مستثناة من ذلك لحمزة بخلاف مزجاة، فإنها ممالة لهما، وقوله كيف ما أتى يعنى نحو مرضاة الله، ومرضاتى بخلاف الرؤيا فإنه لم يملها كيف ما أتت، لأن رؤياك لم يملها إلا الدورى عنه كما يأتى، فلهذا قال: ورؤياى والرؤيا: أى هاتان اللفظتان مع ما بعدهما ممال للكسائى، وخطايا مثله، أى مثل مرضاة، يميلها كيف ما أتت نحو:
(خطايانا خطاياكم وخطاياهم).
والإمالة فى ألفها الأخيرة لأجل الياء قبلها ولأنها من ياء لأنها جمع خطية بغير همز عند الفراء، كهدية وهدايا، وعند غيره أصلها خطايىء بياء بعدها همزة فمنهم من يقول: همزت الياء كما تهمز فى صحائف، فاجتمع همزتان فأبدلت الثانية ياء فاجتمع بعد ألف الجمع همزة عارضة فى الجمع، وياء، فوجب قلب الهمزة ياء والياء ألفا، على قياس قولهم: مطايا، ومنهم من يقول: قدمت الهمزة وأخرت الياء ثم فعل ذلك وأما الحوايا فأمالها حمزة والكسائى وألفها عن ياء، وهو على وزن خطايا، «ومتقبلا» حال من خطايا أو من ضمير مرضاة، ويجوز أن يكون تمييزا، على أن يكون متقبلا بمعنى قبولا، مثل قولهم على التمرة مثلها زيدا، ولا مانع من حيث اصطلاحه من أن يكون متقبلا رمزا، وكذا ما بعده من قوله: ليس أمرك مشكلا، «ويجتلا والذى أذنت به» إلى آخره، ويكون ما فى كل بيت لمن رمز له.
فإن قلت هو فى باب إمالة حمزة والكسائى فجميعه لا يخلو عنهما أو عن أحدهما، ولهذا يذكر ما انفرد به الكسائى. ثم يذكر ما اتفقا عليه، فيقول مع القوى فأمالاها، ولو كان ما اعترض به رمزا لما صح له هذا الضمير. إذ تقدم جماعة. فلا يتعين من يعود إليه الضمير، وكذا يذكر ما تفرد به الدورى، ثم يقول: ومما أمالاه، وذلك مما يدل على أن قوله «قد انجلا» ليس برمز.
قلت: كل هذا صحيح، معلوم أنه ليس برمز فى نفس الأمر، ولكن من حيث اصطلاحه يوهم ذلك، والله أعلم.
300 [ومحيا هموا أيضا وحق تقاته ... وفى قد همدانى ليس امرك مشكلا]
أراد {سَوََاءً مَحْيََاهُمْ} [1] فى الجاثية و {حَقَّ تُقََاتِهِ} [2].
فى آل عمران، وواثق حمزة الكسائى على إمالة الأول فيها. وهو قوله تعالى:
(إلّا أن تتّقوا منهم تقية (3)).
__________
(1) سورة الجاثية، آية: 21.
(2) سورة آل عمران، آية: 102.
(3) سورة آل عمران، آية: 28.(2/212)
لأنه رسم بالياء فى الأول، وفى الثانى بالألف، فاتبع الرسم فيهما، وكلاهما من ذوات الياء، والأصل تقية.
{(وَقَدْ هَدََانِ} [1]).
فى أول الأنعام، وصوابه فى البيت بغير ياء، لأن قراءة الكسائى كذلك والبيت متزن بالقبض وقيده بقد احترازا من الذى فى آخر السورة.
{(قُلْ إِنَّنِي هَدََانِي} [2] وفى الزمر {لَوْ أَنَّ اللََّهَ هَدََانِي} [3]).
فإن ذلك ممال لحمزة والكسائى معا، على أصلهما، والياء فيهما ثابتة بإجماعهم.
301 [وفى الكهف أنسانى ومن قبل جاء من ... عصانى وأوصانى بمريم يجتلا]
أراد {(وَمََا أَنْسََانِيهُ)}.
ومن قبل الكهف جاء فى إبراهيم:
{(وَمَنْ عَصََانِي} [4] {وَأَوْصََانِي بِالصَّلََاةِ} [5]).
فى مريم ويجتلا ليس برمز:
302 [وفيها وفى طس آتانى الّذى ... اذعت به حتّى تضوّع مندلا]
أى وفى مريم والنمل لفظ:
(آتانى يريد {آتََانِيَ الْكِتََابَ} [6] {آتََانِيَ اللََّهُ} [7]).
بخلاف الذى فى هود، فإنه ممال لهما، وقوله أذعت به أى أفشيته من قوله تعالى:
{(وَإِذََا جََاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذََاعُوا بِهِ} [8]).
أى أفشوه، والمراد أنى جهدت بالنص على إمالته، ولم أسر ذلك، ولكن فى اللفظ إشكال، لأنه إن كان فعل هذا قبل هذا الكلام، فأين ذكره، وإن كان ما فعله إلا بهذا الكلام لم تصح هذه العبارة، لأن حق ما يوصل به الذى يكون معلوما للمخاطب: وهذا لم يعلمه بعد إلا من هذه العبارة، فإن جاز ذلك فينبغى أن يجوز أن يقال:
جاءنى الذى أكرمته، ويكون إكرامك له لم يعرف إلا من هذا اللفظ، وهذا لا يجوز، فالوجه فى هذا أن يقال:
الذى: مفعول فعل مقدر، وتضرع: محذوف إحدى تاءيه، وهو مضارع لا ماض، وتقدير الكلام خذ هذا الذى أذعت به، لكى تتضوع أنت، أى تفوح رائحة عملك مشبها مندلا، والمندل نوع من الطيب، وموضع فى بلاد الهند، ينسب إليه العطر، وقيل المندل: العود الهندى.
__________
(1) آية: 80.
(2) سورة الأنعام، آية: 161.
(3) سورة الزمر، آية: 57.
(4) سورة إبراهيم، آية: 36.
(5) سورة مريم آية: 31.
(6) سورة مريم، آية: 30.
(7) سورة النمل، آية: 36.
(8) سورة النساء، آية: 83.(2/213)
303 [وحرف تلاها مع طحاها وفى سجى ... وحرف دحاها وهى بالواو تبتلا]
(تلاها وطحاها).
فى سورة والشمس:
(وسجى فى والضحى وطحاها) فى والنازعات، وأشار بقوله: وهى بالواو إلى علة استثناء حمزة لها، وهى كون ألفها عن واو، وما تقدم كانت ألفه عن ياء، ومعنى «تبتلا» تختبر، وإنما حسن إمالتها للكسائى كونها رءوس آى، فأميلت تبعا لذوات الياء فهو من باب إمالة لإمالة، ولأنها رسمت فى المصحف بالياء، كأخواتها من ذوات الياء، فلما ألحقت بها كتابة طلبا للمشاكلة ألحقت بها إمالة لذلك، والله أعلم.
304 [وأمّا ضحاها والضّحى والرّبا مع ال ... قوى فأمالاها وبالواو تختلا]
تختلا أى تجتنى وتحصل، من قولهم اختليت الخلا، وهو الحشيش إذا جززته وقطعته، أمال حمزة والكسائى هذه الأربعة، وإن كانت من ذوات الواو، لأن أوائلها إما مضموم أو مكسور، فالكسر فى واحد، وهو الربا والضم فى الثلاثة البواقى، وهى رءوس آى، ومن العرب من يثنى ما كان بهذه الصفة بالياء، وإن كان من ذوات الواو، فيقول: ربيان، وضحيان: فرار من الواو إلى الياء، لأنها أخف حيث ثقلت الحركتان، بخلاف المفتوح الأول قال مكى مذهب الكوفيين أن يثنوا ما كان من ذوات الواو مضموم الأول أو مكسورة بالياء، فأمالا على أصل مذهبهما، لأنهما كوفيان، ولم يعتبر الأصل، وإنما أفرده الناظم بالذكر، وإن كان داخلا تحت قوله: ومما أمالاه أواخر آى ما كما يأتى، لأن منه ما ليس برأس آية، وهو «الربا» وليبين أن الجميع من ذوات الواو، والقوى: جمع قوة، وهو رأس آية فى والنجم (1) ولم يبق عليه إلا ذكر العلا، ولكنه لما كان جمع عليا، وقد قلبت الواو فى عليا ياء، صار كأنه من ذوات الياء، والله أعلم.
وأما «الزنا» بالزاى والنون، فمن ذوات الياء. فلم يحتج إلى ذكره لأنه ممال لهما على أصلهما.
305 [ورؤياك مع مثواى عنه لحفصهم ... ومحياى مشكاة هداى قد انجلا]
جمع ما فى هذا البيت تفرد بإمالته الدورى عن الكسائى، دون أبى الحارث، وحفص هو، اسم أبى عمرو الدورى، والهاء فى عنه تعود إلى الكسائى، وأراد: ورؤياك المضاف إلى الكاف، وهى فى أول يوسف دون المضاف إلى الياء والمعرف باللام. فهما للكسائى بكماله، كما تقدم، وذكر مكى وغيره أن أبا الحارث وافق الدورى فى إمالة الرؤيا حيث وقعت، فلم يستثن المضاف إلى الكاف، وأما مثواى ففي يوسف:
{(إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوََايَ} [2]).
فالذى تفرد به الدورى هو المضاف إلى الياء، دون قوله تعالى:
{(أَكْرِمِي مَثْوََاهُ} [3] ومثواكم (4) ومثواهم).
__________
(1) الآية: 5.
(2) الآية: 23.
(3) سورة يوسف، آية: 21.
(4) سورة الأنعام، آية: 128(2/214)
فأمال الثلاثة حمزة والكسائى على أصلهما فى إمالة ذوات الياء:
(ومحياى).
المضاف إلى الياء فى آخر الأنعام، دون:
(ومحياهم).
فذاك للكسائى بكماله كما سبق:
و (مشكاة).
فى النور ووجه إمالتها الكسرة بعد الألف، الميم أيضا كما تميل العرب شملال، وأما هدى ففي سورة البقرة وطه. أراد المضاف إلى الياء دون المضاف إلى غيرها نحو:
(فبهداهم وهداها والهدى).
ونحوه، فذلك ممال لحمزة والكسائى:
306 [وممّا أمالاه أواخر آى ما ... بطه وآى النّجم كى تتعدّلا]
أى أواخر آى القرآن الذى تراه بسورة طه، مما أماله حمزة والكسائى على الأصول المتقدمة، وآى: جمع آية كتمر وتمرة، وما بمعنى الذى، وبطه صلتها. كما تقول عرفت ما بالدار، أى الذى فيها أراد الألفات التى هى أواخر الآيات مما جميعه لام الكلمة سواء فيها المنقلب عن الياء والمنقلب عن الواو، إلا ما سبق استثناؤه، من أن حمزة لا يميله، فأما الألف المبدلة من التنوين فى الوقف نحو همسا وضنكا ونسفا وعلما وعزما فلا تمال، لأنها لا تصير ياء فى موضع، بخلاف المنقلبة عن الواو، فإن الفعل المبنى للمفعول تنقلب فيه ألفات الواو ياء، فألف التنوين كألف التثنية لا إمالة فيها، نحو:
{(فَخََانَتََاهُمََا} {إِلََّا أَنْ يَخََافََا} {اثْنَتََا عَشْرَةَ)}.
وأما المنون من المقصور نحو:
(هدى وسوى وسدى).
ففي الألف الموقوف عليها خلاف يأتى ذكره فى آخر الباب، ثم قال: وآى النجم، أى أواخر سورة والنجم ثم بين حكمة ذلك فقال: كى تتعدلا، يعنى رءوس الآى فتصير على منهاج واحد، وهذه حكمة ترك الإمالة أنسب لها منها، لأن الفتح يناسب فى كل المواضع الممالة وغيرها، فإن فى أواخر الآى من السور المذكورة ما لا يمال، وليس فيها ما لا يفتح.
فإن قلت: أراد بالتعديل إلحاق ذوات الواو بذوات الياء فى الإمالة، لم يتم له هذا، لأن حمزة استثنى أربعة مواضع من رءوس الآى فلم يملها، فلم يكن فى إمالة الباقى تعدل، ولو لم يمل الجميع حصل التعدل، على أنى أقول: لم يكن له حاجة إلى ذكر إمالة أواخر الآى، لأن جميع ذلك قد علم مما تقدم من القواعد من ذوات الياء أصلا ورسما، وقد نص على ذوات الواو منها، فلم يبق منها شيء، ولهذا لم يتعرض كثير من المصنفين الذكر هذه السور، ولا ذكرها صاحب التيسير.
فإن قلت: فيها نحو:(2/215)
فإن قلت: أراد بالتعديل إلحاق ذوات الواو بذوات الياء فى الإمالة، لم يتم له هذا، لأن حمزة استثنى أربعة مواضع من رءوس الآى فلم يملها، فلم يكن فى إمالة الباقى تعدل، ولو لم يمل الجميع حصل التعدل، على أنى أقول: لم يكن له حاجة إلى ذكر إمالة أواخر الآى، لأن جميع ذلك قد علم مما تقدم من القواعد من ذوات الياء أصلا ورسما، وقد نص على ذوات الواو منها، فلم يبق منها شيء، ولهذا لم يتعرض كثير من المصنفين الذكر هذه السور، ولا ذكرها صاحب التيسير.
فإن قلت: فيها نحو:
{(وَأَنْ يُحْشَرَ النََّاسُ ضُحًى} [1]) فمن أين تعلم إمالته؟
قلت من قوله وما رسموا بالياء، وقد نبهنا عليه، ثم: وكذلك العلى، ثم ذكر باقى السور، فقال:
307 [وفى الشّمس والأعلى وفى اللّيل الضّحى ... وفى اقرأ وفى والنّازعات تميّلا]
308 [ومن تحتها ثمّ القيامة فى ال ... معارج يا منهال أفلحت منهلا]
الضمير فى «تميلا» المذكور، ومراده تميل أواخر أى هذه السور أيضا والضمير فى «ومن تحتها» للنازعات أراد سورة عبس، والجار والمجرور صفة موصوف محذوف، كقوله تعالى:
{(وَمََا مِنََّا إِلََّا لَهُ مَقََامٌ مَعْلُومٌ)}.
أى وفى سورة من تحت النازعات، ثم فى القيامة، ثم فى المعارج، أى وفى سورة سأل سائل، ألا ترى كيف ذكر ما قبلها وما بعدها بحرف فى، فجملة هذه السور إحدى عشر، منها أربع شملت الإمالة أواخر آياتها كلها لقبولها لذلك، وهى:
{(وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ} {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا} {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ)}.
وسبع سور دخلت الإمالة فى بعض آياتها، وهى التى تقبل الإمالة، وهى: طه، والمعارج، والقيامة والنازعات، وعبس، والضحى، واقرأ باسم ربك. ثم الإمالة فى الجميع ليس بعدها ضمير مؤنث إلا فى سورتين: والشمس والنازعات، أما والشمس فاستوعب ضمير المؤنث أواخر آيها، وأما والنازعات ففيها الأمران مرتين، ولم يأت آيات فى آخرهن ألف مقصورة نسقا إلا فى هذه السور، والمنهال الكثير الإنهال، والإنهال إيراد الإبل المنهل، ومنهلا أى موردا أو معطيا إذ يقال: أنهلت الرجل إذا أعطيته، وانتصب على الحال، فكأنه نادى نفسه أو جميع من يعلم العلم، وحروف القرآن ورواياته الثابتة من ذلك، وقد صح عن النبى صلّى الله عليه وسلم أنه قال:
(خيركم من تعلم القرآن وعلّمه).
والله أعلم.
309 [رمى (صحبة) أعمى فى الإسراء ثانيا ... سوى وسدى فى الوقف عنهم تسبّلا]
جميع ما فى هذا البيت إمالة صحبة، وهو من ذوات الياء، وسدى، من أسديت الشيء، إذا أهملته، ولا يمال.
(سوى وسدى)
__________
(1) سورة طه، آية: 59.(2/216)
فى الوصل، لأنهما منوّنان وتبنى إمالتهما فى الوقف، على خلاف يأتى، والأرجح الإمالة على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى، وأراد {(وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} [1] {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ََ} [2] {مَكََاناً سُوىً} [3] {أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [4]).
وهذه الأربعة معلوم إمالتها لحمزة والكسائى من القواعد المقدمة، وإنما ذكرها بعد ذلك لموافقة أبى بكر عن عاصم لهما فيها، وكان يمكنه أن يقول رمى شعبة، وإنما عدل عنه خوفا من وهم أن ذلك مختص بشعبة، وهذه عادته فى مثل ذلك، على ما سيتضح فيما بعد.
قال الشيخ: «وقوله تسبلا» أى تحبس، يشير إلى ثبوته.
قلت: أظن معناه أبيحت إمالته عنهم، من سبلت الماء فتسبل، لأن غيرهم لم يسبل إمالته، وهو خبر أعمى، فما بعده أى إضجاع ذلك نقل عنهم، والإضجاع من أسماء الإمالة، وإنما قدرت المحذوف بها لتذكير الضمير فيه وفى الإسراء فى موضع الحال، عاملها المضاف المحذوف، أى إمالة أعمى فى حال كونه فى الإسراء ثانيا.
(وسوى وسدى).
عنهم تسبل ورمى صحبة، أى أماله صحبة، والله أعلم.
309 [وراء تراءى (ف) از فى شعرائه ... وأعمى فى الإسرا (ح) كم (صحبة) أوّلا]
الهاء فى شعرائه تعود على الراء أو لفظ تراءا، لأن كل واحد منهما فى السورة المذكورة، فهو كقولك غلام زيد فى داره، ولفظ تراءا وزنه تفاعل، ففيه ألفان بينهما همزة، الأولى زائدة، والثانية لام الكلمة منقلبة عن ياء، فإذا وقف عليها أميلت الثانية لحمزة والكسائى، على أصلهما فى إمالة ما كان من الألفات من ذوات الياء طرفا، غير أن حمزة يجعل الهمزة بين بين، على أصله، وأضاف إلى ذلك أن إمالة الألف الأولى لمجاورة الثانية، فهو من باب إمالة الإمالة، ولهذا لم يمل الراء من قوله تعالى:
{(فَلَمََّا تَرََاءَتِ الْفِئَتََانِ} [5]).
لما لم تكن فيها إمالة تسوغ ذلك، وليست الألف أصلية منقلبة عن ياء، بل هى زائدة، لأنها ألف تفاعل ولم يجاورها كسر، فلا إمالة فيها، ولا نظر إلى كونها بعد راء، والعرب تستحسن إمالة الألف قبل الراء وبعدها، نحو ترى والنار ما لا تستحسنه فى غير ذلك، ولهذا أمالهما أبو عمرو، لأن الألف فى كل ذلك إما منقلبة عن ياء، أو هى ألف تأنيث، أو مجاورة لكسر نحو:
(ترى وبشرى وأبصارهم).
والراء المفتوحة تمنع الإمالة، إلا أن يوجد أحد أسباب الإمالة، ثم من ضرورة إمالة الألفين فى تراءا
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 17.
(2) سورة الإسراء، الآية: 72.
(3) سورة طه، الآية: 58.
(4) سورة القيامة، الآية: 36.
(5) سورة الأنفال، آية: 48.(2/217)
إمالة الراء والهمزة قبلها، فبقيت الهمزة المسهلة بين ألفين ممالتين، وهى فى نفسها ممالة، فتجاورت أربعة أحرف ممالة فى الوقف، فإذا وصلت سقطت الألف الثانية لوجود الساكن بعدها، فبطلت الإمالة فى الهمزة وبقيت إمالة الألف الأولى، والراء قبلها لحمزة وحده، فعبر الناظم عن ذلك بإمالة الراء، لأن من ضرورتها إمالة الألف بعدها، وهى عبارة صاحب التيسير، ولم يذكر ذلك فى باب الإمالة، بل فى سورة الشعراء، فقال حمزة:
{(فَلَمََّا تَرََاءَا الْجَمْعََانِ} [1]).
بإمالة فتحة الراء، وإذا وقف أتبعها الهمزة فأمالها مع جعلها بين بين، على أصله، فتصير بين ألفين ممالتين: الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء، والثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة، ألا ترى كيف عبر عن إمالة الألفين بإمالة ما قبلهما مجازا، وجعلهما أصلين فى ذلك، والحق عكس ذلك، وهو أن ما قبل الألفين أميلا لإمالة الألفين تبعا لهما، والتعبير بذلك فى الراء أقرب منه فى الهمزة، لأن الراء فى الجملة قد أميلت، حيث لا ألف مجاورة لها، كما يأتى فى باب ترقيق الراءات فى {(رَأَى الْقَمَرَ)}.
فى الوصل، وبه قرأ حمزة: أمال الراء والألف بعدها، وقد تجوّز الناظم أيضا بهذه العبارة فيه هنا عن إمالة الألف الذى بعد الراء بإمالة الراء، فقال وراء تراءا، فاز: أى إضجاعها، أو فاز بالإمالة، وعبر فى سورة الأنعام فى نحو:
{(رَأى ََ كَوْكَباً} و {رَأَى الْقَمَرَ)}.
عن إمالة الألف بإمالة الهمزة، فقال: وفى همزه حسن، وقال: وقل فى الهمز خلف، مع أن الهمز لو تجرد عن الألف لم تقع فيه إمالة أبدا، وإنما أماله من أمال فى الوصل فى:
{(رَأَى الْقَمَرَ)}.
نظرا إلى الأصل، ولم يعتد بعارض حذف الألف للساكن، وسيأتى الكلام فى نحو هذا فى آخر هذا الباب ولما لم يكن هذا المذهب فى قراءة حمزة، فى:
{(رَأَى الْقَمَرَ)}.
بل اقتصر على إمالة الراء، فعل مثل ذلك فى:
{(رَأَى الْقَمَرَ)}.
{(تَرََاءَا الْجَمْعََانِ)}.
فى الوصل، فأمال الراء دون الهمزة وأما:
(أعمى).
الأول فى سورة الإسراء، فأماله أبو عمرو موافقا لصحبة وخالفهم فى الثانى، كما سبق، إما جمعا بين اللغتين
__________
(1) سورة الشعراء، الآية: 61.(2/218)
وإما لفرق ذكروه، وهو: أن الثانى عنده أفعل التفضيل، فكأن ألفه لم يقع طرفا لافتقاره إلى «من» المقدرة، وساغ ذلك لأنه من العمى المجازى، وهو عمى القلب، دون الحقيقى الذى هو عمى العين، فلهذا بنى أفعل منه أى: من كان جاهلا للحق فى الدنيا فهو فى الآخرة أجهل وأضل، ومن أمالهما أو فتحهما سوّى بينهما، وإن اختلفا فى المعنى، لأن الألف فيهما عن ياء، ولهم أن يقولوا ليس الثانى أفعل تفضيل، بل هو اسم فاعل من العمى، كالأول، أى من كان أعمى فى الدنيا عن الحق، فهو أعمى أيضا فى الآخرة، وعند هذا يجوز أن يكون من العمى المجازى، كالأول، ويجوز أن يكون حقيقة، كما فى قوله تعالى فى طه:
{(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ أَعْمى ََ: قََالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى ََ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [1])، فهذا دليل على أنه عمى العين، إذ كان بصيرا بها قبل ذلك، ولم يكن المذكور بصيرا بقلبه، وقال سبحانه فى آخر سورة الإسراء:
{(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ عَلى ََ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا} [2]).
فقول الناظم أولا ليس برمز وإنما هو بيان لموضع أعمى، فهو من تتمة بيان الحرف المختلف فيه، وهو حال من أعمى، أى وإمالة أعمى أولا فى الإسراء حكم صحبة، فهو من القبيل الذى جاء الرمز فيه متوسطا فى أثناء التقييد، كما نبهنا عليه فى شرح الخطبة، مثل قوله: دارو اقصر مع مضعفة، وقد فصل الناظم بمسألة تراءا بين لفظى أعمى فى الإسراء، ولو اتصلا لكان أولى، فيقول:
واعمى فى الاسرا أو لا حكم صحبة ... وراء تراءا بالإمالة فصلا
فيجىء الرمز لأعمى بعد كمال قيده بقوله أولا، ولولا أن همزة تراءا لا تمال إلا فى الوقف، لقلت وراء تراءا فاز والهمز شمللا، والله أعلم.
310 [وما بعد راء (ش) اع (ح) كما وحفصهم
يوالى بمجراها وفى هود أنزلا]
حكما تمييز، أى ما وقع من الألفات بعد راء، فقل شاع حكمه فى الإمالة، وذلك لما ذكرته من مجاورتها للراء، قال الكسائى: للعرب فى كسر الراء رأى ليس لها فى غيره، وروى عن أبى عمرو أنه قال: أدركت أصحاب ابن مجاهد وهم لا يكسرون شيئا من القرآن إلا نحو:
(وما أدراك وأ فترى وترى).
أى أمال ذلك حمزة والكسائى وأبو عمرو، ومثاله:
(ذكرى واشترى والنّصارى والقمر).
وتابعهم حفص فى إمالة:
(مجريها).
__________
(1) سورة طه، الآيتان: 124و 125.
(2) الآية: 97.(2/219)
فى سورة هود، ولم يمل غيره، وهو وحمزة والكسائى يقرءونها بفتح الميم، كما يأتى فى السورة، وغيرهم بالضم، وأما إمالة ألف مرساها فلحمزة والكسائى على أصلهما، لأنها عن ياء، ولم تجاور راء، وقوله: يوالى أى يتابع، ووجه الكلام: وحفص يواليهم، فنقل الضمير من يوالى إلى حفص، فقال وحفصهم يوالى، والكل صواب، وجعل فى هذا البيت الإمالة لما بعد الراء، وهو الألف على ما ذكرنا، أن هذا هو الحق فى التعبير عن ذلك، وإمالة الراء قبل الألف تبع لها، وما ذكره فى إمالة:
(تراءا).
مجاز، والله أعلم.
311 [نأى (ش) رع ي (من باختلاف وشعبة
فى الاسرا وهم والنّون (ض) وء (س) نا (ت) لا]
أى إمالة ألف نأى شرع يمن لأنها عن ياء، والمشهور عن السوسى الفتح، ووافقهم شعبة على إمالتها فى سورة الإسراء دون فصلت، فلهذا قال: وهم، أى وهم وشعبة أمالوا التى فى سبحان، وإنما احتاج إلى قوله: وهم، لما ذكرناه فى قوله: رمى صحبة، ولم يقل شعبة، ثم قال: والنون، يعنى إمالة النون من نأى أمالها خلف والكسائى لأجل إمالة ما بعدها، وهو سبب من أسباب الإمالة، وأسباب الإمالة التى يذكرها أهل العربية هى انقلاب الألف عن الياء، أو عن كسرة، أو مجاورتها لواحدة منها، أو لإمالة، ولم يأت ذلك للقراء فى غير هذا الحرف، فلم يقرأ:
(هدى ولا رمى ولا نهار).
ولا نحو ذلك فى هذه الطرق المشهورة، وقوله، والنون: مبتدأ، وضوء سنا خبره، أى وإمالة النون ضوء أى ذات ضوء، أى لها وجه ظاهر مضىء، وأضافه إلى السنا، ومعناه الضوء لاختلاف اللفظين، نحو:
كجلمود صخر خطّه السّيل من عل
وتلا: خبر بعد خبر، ومعناه تبع، أى أميل تبعا لما بعده، لا بطريق الأصالة، ويجوز نصب ضوء سنا بقوله تلا، ويكون تلا وحده خبر المبتدأ، والثناء على هذا لإمالة ما بعد النون، والله أعلم.
312 [إناه (ل) هـ (ش) اف وقل أو كلاهما
(ش) فا ولكسر أو لياء تميّلا]
أى لإمالته دليل شاف، وهو أن ألفه منقلبة عن ياء: من أنى يأتى، بمعنى آن يئين، آى حان يحين، ومنه قول الشاعر فجمع بين اللغتين:
ألمّا يئن لى أن تقضى عمايتى ... وأعرض عن ليلى: بلى قد أناليا
وقال الله تعالى:(2/220)
ألمّا يئن لى أن تقضى عمايتى ... وأعرض عن ليلى: بلى قد أناليا
وقال الله تعالى:
{(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [1]).
وأصل أنا أنى تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، فقال: أنا الطعام يأنى إناء، إذا بلغ حال النضج، فمعنى قوله تعالى غير ناظرين إناه، أى غير متحينين وقت نضجه وإدراكه، فأمال ألف إناه هشام مع حمزة والكسائى، وأما كلاهما فى سبحان، فوجه إمالة ألفه كسرة الكاف إن قلنا: إن الألف منقلبة عن واو ولا يضرنا حجز اللام بينهما، كما أمالت العرب عماد، وإن قلنا ألفه عن ياء فظاهر، فلهذا قال: ولكسر أولياء تميلا، وقياس هذا أن تمال كلتا إذا وقف عليها من قوله:
{(كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} [2]).
ولأنها على وزن فعلى عند قوم، قال الدانى فى كتاب الإمالة: يجوز إمالتها مشبعة وغير مشبعة، فى مذهب من تقدم، وعامة القراء وأهل الأداء على القول الأول، يعنى عدم الإمالة، والله أعلم.
وذكر مكى أيضا فيها الوجهين، وإنما احتاج الناظم إلى ذكر الإمالة فى كلمة كلاهما، خوفا من عدم دخولها فى قاعدة ذوات الياء، على قولنا إنها من ذوات الواو، ولم ترسم بالياء، فنص عليها لذلك، وإلا فلم يوافق حمزة والكسائى على إمالتها غيرهما، ولم يذكر من قوله رمى صحبة إلى هاهنا، إلا المواضع التى وافقهما على الإمالة فيها غيرهما، مما لو تركه لاندرج فيما سبق، وأما راء:
(تراءا).
فلا اندراج لها فيما تقدم، فنص عليها لحمزة وحده، والله أعلم.
313 [وذو الرّاء ورش بين بين وفى أرا ... كهم وذوات اليا له الخلف جمّلا]
شرع يبين مذهب ورش عن نافع، وجميع إمالته فى القرآن بين بين، إلا الهاء من:
{(طه)}.
فإنها إمالة محضة، على ما سيأتى فى أول سورة يونس، وصفة إمالة بين بين: أن يكون بين لفظى الفتح والإمالة المحضة، كما تقول فى همزة بين بين: إنها بين لفظى الهمز وحرف المد، فلا هى همزة ولا حرف مد.
فكذا هنا، لا هى فتح ولا إمالة، وأكثر الناس ممن سمعنا قراءتهم أو بلغنا عنهم يلفظون بها على لفظ الإمالة المحضة، ويجعلون الفرق بين المحضة وبين بين: رفع الصوت بالمحضة وخفضه بين بين، وهذا خطأ ظاهر، فلا أثر لرفع الصوت وخفضه فى ذلك ما دامت الحقيقة واحدة، وإنما الغرض: تمييز حقيقة المحضة من حقيقة بين بين، وهو ما ذكرناه، فلفظ الصوت بين بين يظهر على صورة اللفظ بترقيق الراآت، وقد أطلق العلماء على ترقيق الراآت لفظ بين بين، فدل على ما ذكرناه، وإن كان الأمر فى اتضاحه لا يحتاج إلى شاهد.
قال صاحب التيسير: اعلم أن ورشا كان يميّل فتحة الراء قليلا بين اللفظين.
__________
(1) سورة الحديد، آية: 16.
(2) سورة الكهف، الآية: 33.(2/221)
وقال فى باب الإمالة: وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين، فعبر فى البابين بعبارة واحدة، فدل على اتحاد الحقيقة فيهما، وكذا ذكر فى كتاب الإمالة هو وأبو الطيب ابن غلبون قبله.
ومعنى قوله وذو الراء ورش، أى يقرؤه ورش بين بين.
ومعنى قولهم بين بين، وبين اللفظين واحد.
واللفظان هما الفتح والإمالة: أى بين هذا وبين هذا، وهو معنى قول مكى: هو صوت بين صوتين، وحكى ابن مهران عن خلف، قال: سمعت الفراء النحوى: «يحيى ابن زياد» يقول: أفرط عاصم فى الفتح، وأفرط حمزة فى الكسر.
قال: وأحب إلى أن تكون القراءة بين ذلك.
قال: خلف، فقلت له: ومن يطيق هذا؟ قال: كذلك ينبغى أن تكون القراءة، بين الفتح والكسر، مثل قراءة أبى عمرو رحمه الله، وإنما يترك ذلك من يتركه لما لا يقدر عليه، لأنه أمر صعب شديد:
قلت: صدق، ولصعوبته غلب على ألسنة الناس جعله كالإمالة المحضة، وفرقوا بينهما برفع الصوت وخفضه، وهو خطأ، وأسهل ما يظهر فيه إمالة بين بين: الراء، فهو فى نحو:
(ذكرى).
أشد بيانا، فافهم ذلك وابن عليه.
وعنى الناظم بقوله: وذو الراء ما كانت الألف الممالة المتطرفة فيه بعد الراء، نحو:
(قد نرى والقرى).
وهو الذى وافق أبو عمرو وحمزة والكسائى فى إمالته فى قوله: وما بعد راء شاع حكما، ولا يدخل فى ذلك ما بعد راء:
{(تَرََاءَا الْجَمْعََانِ} [1]).
فإنها ليست بمتطرفة، ولكنها واردة على إطلاقه، فإنه لم يقيدها بالألف المتطرفة، كما لم يقيد ألفات ذوات الياء فى أول الباب، وأما قوله تعالى:
{(وَلَوْ أَرََاكَهُمْ كَثِيراً} [2]).
فعن ورش فيه وجهان: الفتح، وبين بين، والفتح رواية المصريين، لبعد الألف عن الطرف، لكثرة الحروف المتصلة بها بعدها، والوجهان جاريان له فى ذوات الياء، والصحيح وجه بين بين، وعليه الأكثر.
قال فى التيسير: وهو الذى لا يوجد نص بخلافه عنه، وقال فى موضع آخر: وهو الصحيح الذى يؤخذ به رواية وتلاوة.
وليس يريد الناظم بقوله «ذوات الياء» تخصيص الحكم بالألفات المنقلبات عن الياء، فإن إمالة ورش أعم
__________
(1) سورة الشعراء، الآية: 61.
(2) سورة الأنفال، الآية: 43.(2/222)
من ذلك، فالأولى حمله على ذلك وعلى المرسوم بالياء مطلقا، مما أماله حمزة والكسائى، أو تفرد به الكسائى أو الدورى عنه، أو زاد مع حمزة والكسائى فى إمالته غيرهما، نحو:
(رمى وأعمى ونأى وإناه).
ودخل فى ذلك ما فيه ألف التأنيث من فعلى وفعالى، كيف تحركت الفاء، وكذلك:
(ألّ ومتى وعسى وبلى).
وكل ثلاثى زائد:
ك (أزكى وتدّعى وكذا خطايا ومزجاة وتقاة وحقّ تقاته والرّءيا كيف أتت ومثواى ومحياى وهداى).
وقد نص على ذلك كله أبو عمرو الدانى فى كتاب الإمالة، مفرقا فى أبوابه، وكشفت الأبواب التى فيها ذوات الواو مما جازت إمالته لحمزة والكسائى، أو الكسائى وحده، فوجدته لم يذكر لورش بين بين، فى:
(مشكاة ولا مرضاة ولا كلاهما وأما تلاها ودحاها وطحاها).
فساقها فى باب فعل المعتل اللام، نحو:
(أتي وسعى وقضى وسجى).
وقال فى آخره: وقرأ نافع الباب كله على نحو ما تقدم من الاختلاف عنه فى ذوات الياء، وأقرأنى ابن غلبون لورش بفتح جميع ذلك، إلا ما وقع منه رأس آية فى سورة، أواخر آيها على ياء، وليس بعد الياء كناية مؤنث، فإنه بين اللفظين.
قلت: فخرج من مذهب ابن غلبون أن ورشا يميل:
(سجى).
فى سورة والضحى، لأنه رأس آية، وليس فى آخرها هاء، ولا يميل:
(دحاها وتلاها وطحاها).
ويميل الجميع على الرواية الأولى وسنوضح ذلك أيضا فى البيت الآتى، وأما ما كسر أوله أو ضم من ذوات الواو، وهو الذى اتفق حمزة والكسائى على إمالته، وهو:
(ضحاها والضّحى والربا والقوى).
ففيه نظر، فإن الدانى جمع فى باب واحد من كتاب الإمالة ذكر الأسماء المقصورة فى القرآن، سواء انفتح أولها، نحو:
(الهوى وفتاها).
أو انكسر نحو:
(الرّبا والزّنا).(2/223)
أو انكسر نحو:
(الرّبا والزّنا).
أو انضم نحو:
(الهدى والضّحى والقوى).
وقال فى آخره: وقرأ نافع جميع ذلك على ما تقدم من الاختلاف عنه فى باب فعل.
واقرأنى ابن غلبون لورش ما كان من ذلك فيه راء أو وقع رأس آية ولم يتصل بها ضمير مؤنث بين اللفظين وما عدا ذلك بإخلاص الفتح.
قلت: فحصل لنا من ظاهر مجموع ذلك أن رءوس الآى مما لا هاء فيه تمال بلا خلاف.
(كالضّحى والقوى).
وما فيه الهاء من رءوس الآى كالذى لا هاء فيه من غير رءوس الآى ففيه الوجهان:
ك (ضحاها وتلاها وجلاها وبناها).
واستخراج ذلك من كتاب التيسير مشكل، فإنه ذكر ذوات الياء، ثم قال: وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين، إلّا ما كان من ذلك فى سورة أواخر آيها، على هاء، فإنه أخلص الفتح فيه، على خلاف بين أهل الأداء فى ذلك.
هذا، ما لم يكن فى ذلك راء، يعنى فإنه يميله بلا خلاف بين بين، نحو:
(ذكراها كما يميل ذكرى).
فى غير رءوس الآى، وهو داخل فى قوله: وذو الراء ورش بين بين، ثم ذكر صاحب التيسير ما تفرد الكسائى بإمالته، وفيه أربع كلمات من ذوات الواو:
(سجى ودحاها وتلاها وطحاها وفيه مرضاة).
وذكر فى الفصل بعينه ما اتفقا عليه من إمالة:
(الضّحى والرّبا وكلاهما).
ثم قال: وقد تقدم مذهب ورش فى ذوات الياء، وهذه العبارة تحتمل معنيين:
أحدهما أن يريد أنه فعل فى هذا الفصل ما فعله فى ذوات الياء، فيلزم من ذلك أنه يميل.
(مرضاة وكلاهما كما يميل الرّيا والضّحى وسجى ودحاها).
ولم أره فى كتاب الإمالة ذكر لورش إمالة فيهما.
والثانى أن يريد أنه أمال من هذا الفصل ما كان من ذوات الياء كما تقدم، فيلزم من ذلك أن لا يميل ذوات الواو فى رءوس الآى، ولا الرّبا، وقد ذكرنا عبارته من كتاب الإمالة، وهى تقتضى إمالة ذلك، ثم ذكر صاحب التيسير ما انفرد الدورى بإمالته، ثم قال: وفتح الباقون ذلك كله، إلا قوله عز وجل:
(رؤياك).(2/224)
والثانى أن يريد أنه أمال من هذا الفصل ما كان من ذوات الياء كما تقدم، فيلزم من ذلك أن لا يميل ذوات الواو فى رءوس الآى، ولا الرّبا، وقد ذكرنا عبارته من كتاب الإمالة، وهى تقتضى إمالة ذلك، ثم ذكر صاحب التيسير ما انفرد الدورى بإمالته، ثم قال: وفتح الباقون ذلك كله، إلا قوله عز وجل:
(رؤياك).
فإن أبا عمرو وورشا يقرءانه بين بين، على أصلهما، ولم يستثن:
(مثواى ولا محياى وهداى).
وهى ممالة لورش بين بين، لأنها من ذوات الياء، فأعمل على ما ذكره فى كتاب الإمالة فإنه بين فيه مذهب ورش فى كل فصل وباب وحرف، وأما:
(الدّنيا والعليا).
فممالان، إذ أنهما من باب فعلى إلا أنهما من ذوات الواو، ولم يرسما بالياء، فلا يمكن إدخالهما فى قوله وذوات اليا، فإنهما ليسا من ذوات الياء أصلا ولا رسما، وإنما هما منها إلحاقا، فإن ألفهما ألف تأنيث ترجع ياء فى التثنية والجمع، والله أعلم.
فهذا البيت والذى بعده من مشكلات هذه القصيدة، واستخراج مذهب ورش منهما صعب، لا سيما إذا أريد ضبط مواضع الوفاق والخلاف، وقد تحيلنا فى إدخال كثير مما أماله فى قوله ذوات اليا باعتبار الأصل والرسم، والإلحاق، وأما كل ما أماله من ذوات الواو فهو رأس آية سيأتى بيانه وشرحه فى البيت الآتى، إلا لفظ (الرّبا).
فإنه ليس برأس آية، وفى إمالته نظر عن ورش، على ما دل عليه كلام الدانى فى كتاب الإمالة، ولكنه نص فى كتاب إيجاز البيان على أن جميع ما كان من ذوات الواو فى الأسماء والأفعال نحو:
(الصّفا والرّبا وعصاى وسنابرقه وشفا جرف ومرضاة الله وخلا وعفا ودعا وبدا ودنا وعلا وما زكى).
فورش يخلص الفتح فى جميعه إلا ما وقع آخر آية، نحو:
(الضّحى وسجى وكذا {وَأَنْ يُحْشَرَ النََّاسُ ضُحًى} [1]).
عند الوقف والله أعلم.
314 [ولكن رءوس الآى قد قلّ فتحها ... له غير ماها فيه فاحضر مكمّلا]
يعنى أن رءوس الآى لا يجرى فيها الخلاف المذكور، بل قراءته لها على وجه واحد، وهو بين اللفظين، وعبر عن ذلك بقوله: قد قل فتحها، يعنى أنه قلله بشيء من الإمالة، وقد عبر عن إمالة بين بين بالتقليل فى مواضع، كقوله: وورش جميع الباب كان مقللا، والتقليل جادل فيصلا، وقلل فى جود، وعن عثمان فى الكل قللا، وأراد برءوس الآى: جميع ما فى السور المذكورة الإحدى عشرة، سواء كان من ذوات الواو، أو من ذوات الياء، وقد نص الدانى على ذلك فى كتاب: إيجاز البيان، وإنما لم يجيء وجه الفتح فيها إرادة أن تتفق ألفاظها، ولا يختلف ما يقبل الإمالة منها، وذلك أن منها ما فيه راء، نحو:
__________
(1) سورة طه، الآية 59.(2/225)
(الثرى والكبرى).
وذاك ممال لورش بلا خلاف، فأجرى الباقى مجراه ليأتى الجميع على نمط واحد، ثم استثنى من ذلك ما فيه هاء، أى غير ما فيه لفظ هاء، نحو:
(ذكراها وبناها وطحاها).
وهذا التقدير أولى من أن يقول: تقديره غير ما هاء فيه، أى ما فيه هاء بالمد، لما يلزم فى ذلك من قصر الممدود والابتداء بالنكرة من غير ضرورة إلى ذلك، ولأنه يوهم أيضا استثناء ما فيه مطلق الهاء، فيدخل فى ذلك هاء المذكر، نحو:
(تقواهم وذكراهم).
وإنما المراد هاء ضمير المؤنث.
قال الشيخ: وهو ينقسم على ثلاثة أقسام: ما لا خلاف عنه فى إمالته نحو:
(ذكراها).
وذلك داخل فى قوله: وذو الراء ورش بين بين.
وما لا خلاف عنه فى فتحه، نحو:
(ضحاها).
وشبهه من ذوات الواو.
وما فيه الوجهان، وهو: ما كان من ذوات الياء.
قلت: وتبع الشيخ غيره فى ذلك، وعندى أنه سوى بين جميع ما فيه الهاء، سواء كانت ألفه عن ياء أو واو، فيكون فى الجميع وجهان، وقد تقدم ما دل على ذلك من كلام الدانى فى كتاب الإمالة، وقال أيضا فى الكتاب المذكور: اختلف الرواة وأهل الأداء عن ورش فى الفواصل إذا كن على كناية المؤنث، نحو آى:
{(وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا)}.
وبعض آى:
{(وَالنََّازِعََاتِ)}.
فأقرأنى ذلك أبو الحسن عن قراءته باخلاص الفتح، وكذلك رواه عن ورش: أحمد بن صالح، وأقرأنيه أبو القاسم وأبو الفتح عن قراءتهما بإمالة بين بين، وذلك قياس رواية أبى الأزهر وأبى يعقوب وداود عن ورش.
قلت: وجه المغايرة بين ما فيه ضمير المؤنث وغيره من رءوس الآى: أن الألف فى:
(ضحاها).
ونحوه ليست طرفا للكلمة يحصل بإمالتها مشاكلة رءوس الآى، بل المشاكلة حاصلة بضمير المؤنث، فلم
تكن حاجة إلى إمالة الألف قبله، فصارت الكلمة كغيرها مما ليس برأس آية، فجرى فيها الخلاف، ومن سوّى فى الإمالة بين:(2/226)
ونحوه ليست طرفا للكلمة يحصل بإمالتها مشاكلة رءوس الآى، بل المشاكلة حاصلة بضمير المؤنث، فلم
تكن حاجة إلى إمالة الألف قبله، فصارت الكلمة كغيرها مما ليس برأس آية، فجرى فيها الخلاف، ومن سوّى فى الإمالة بين:
(ضحاها والضّحى).
قصد قوة المشاكلة بالإمالة وضمير المؤنث، فتقع المشاكلة طرفا ووسطا، وقوله: فاحضر مكملا، أى لا تغب عنه، فالمذكور مكمل البيان، فيكون مكملا مفعولا به، أى احضر كلاما مكملا، أو يكون التقدير احضر رجلا مكملا فى هذا العلم يفهمك إياه، أى لا تقتد ولا تقلد إلا مكمل الأوصاف، كمالا شرعيا، معتادا، فالكمال المطلق إنما هو لله عز وجل، ويجوز أن يكون مكملا نعت مصدر محذوف، أو حالا، أى احضر حضورا مكملا، أى لا تكن حاضرا ببدنك، غائبا بذهنك وخاطرك، أو احضر فى حال كونك مكملا، أى بجملتك من القلب والقالب، والله أعلم.
وإنما قال ذلك على أى معنى قصده من هذه المعانى لصعوبة ضبط مذهب ورش هنا، فأشار إلى تفهمه والبحث عنه وإلقاء السمع لما يقوله الخبير به، وقد تخلص من مجموع ما تقدم: أن ورشا يميل بين اللفظين كل ألف بعد راء، ورءوس الآى غير المؤنثة بلا خلاف، وفى المؤنثة الخالية من الراء، وفى كلمة:
(أراكهم).
وفى ذوات الياء انقلابا أو رسما أو إلحاقا خلاف، ولا يميل:
(مرضاة ولا كلا ولا كمشكاة ولا الرّبا).
من مجموع ما تقدم إمالته، وباقى ما تقدم لورش على التفصيل المذكور، ووقع لى فى ضبط ذلك بيتان، فقلت:
وذو الراء ورش بين بين وفى رءو ... س الآى سوى اللاتى تحصلا
بها وأراكهم وذى اليا خلافهم ... كلا والربا مرضاة مشكاة أهملا
فذكر أولا ما يميله بلا خلاف، ثم ما فيه وجهان، ثم ما امتنعت إمالته، والله أعلم.
315 [وكيف أتت فعلى وآخر آى ما ... تقدّم للبصرى سوى راهما اعتلا]
أى وأميل لأبى عمرو بين بين: فعلى، كيف أتت، بفتح الفاء، نحو: تقوى وشتى ويحيى أو بكسرها، نحو: إحدى وعيسى أو بضمها نحو: الحسنى وموسى وكذا أواخر الآى من السور المقدم ذكرها، وعطف ذلك على قراءة ورش، فعلم أنها بين اللفظين فلا يزال فى ذلك إلى أن يذكر الإمالة لحمزة مثل: ما أنه قال، وإدغام باء الجزم، وعطف عليها مسائل أخر، ولم يذكر الإدغام، فحملت عليه إلى أن قال: ويس أظهر وعطف المسائل إلى آخر الباب، وحمل الجميع على الإظهار، وقوله: سوى راهما اعتلا، أى سوى ما وقع من بابى: فعلى، ورءوس الآى، بالراء قبل الألف، نحو:
(ذكرى {وَمََا كُنََّا ظََالِمِينَ} [1] {هُدىً وَبُشْرى ََ} [2] {رُسُلَنََا تَتْرََا} [3] {وَمََا تَحْتَ الثَّرى ََ} [4]
و {مَآرِبُ أُخْرى ََ} [5] {وَقَدْ خََابَ مَنِ افْتَرى ََ} [6]).(2/227)
315 [وكيف أتت فعلى وآخر آى ما ... تقدّم للبصرى سوى راهما اعتلا]
أى وأميل لأبى عمرو بين بين: فعلى، كيف أتت، بفتح الفاء، نحو: تقوى وشتى ويحيى أو بكسرها، نحو: إحدى وعيسى أو بضمها نحو: الحسنى وموسى وكذا أواخر الآى من السور المقدم ذكرها، وعطف ذلك على قراءة ورش، فعلم أنها بين اللفظين فلا يزال فى ذلك إلى أن يذكر الإمالة لحمزة مثل: ما أنه قال، وإدغام باء الجزم، وعطف عليها مسائل أخر، ولم يذكر الإدغام، فحملت عليه إلى أن قال: ويس أظهر وعطف المسائل إلى آخر الباب، وحمل الجميع على الإظهار، وقوله: سوى راهما اعتلا، أى سوى ما وقع من بابى: فعلى، ورءوس الآى، بالراء قبل الألف، نحو:
(ذكرى {وَمََا كُنََّا ظََالِمِينَ} [1] {هُدىً وَبُشْرى ََ} [2] {رُسُلَنََا تَتْرََا} [3] {وَمََا تَحْتَ الثَّرى ََ} [4]
و {مَآرِبُ أُخْرى ََ} [5] {وَقَدْ خََابَ مَنِ افْتَرى ََ} [6]).
فإنه يميله إمالة محضة على ما تقدم له من ذلك فى قوله وما بعد رآء شاع حكما، فالضمير فى راهما يعود على فعلى، وعلى آخر آى: ما تقدم، وقصر لفظ الراء ضرورة، كما قصر الياء من قوله، وذوات اليا له الخلف، وفى جملا ضمير يعود على الخلف، ويجوز أن تكون الألف فيه للتنبيه، لأن معنى الخلف وجهان، فكأنه قال وجهان جملا، كما قال ذلك فى باب المد والقصر وقوله اعتلا الضمير فيه عائد على الراء، أى اعتلا فى الإمالة أو يعود على الإضجاع، أى اعتلت الإمالة فيه، فكانت محضة، وقد اختلف فى سبعة مواضع من تلك السور أهي رأس آية أم لا، فيبنى مذهب أبى عمرو وورش على ذلك الأول فى طه:
{(وَلَقَدْ أَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ} [7]).
عدها الشامى وحده، والثانى فيها أيضا:
{(هََذََا إِلََهُكُمْ وَإِلََهُ مُوسى ََ)}.
عدها المدنى الأول، والكوفى والثالث فيها أيضا:
{(فَإِمََّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [8]).
لم يعدها الكوفى، والرابع فى والنجم:
{(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلََّى} [9]).
عدها الشامى، والخامس فى والنازعات:
{(فَأَمََّا مَنْ طَغى ََ)}.
لم يعدها المدنى والساس فى والليل:
{(إِلَّا ابْتِغََاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ََ)}.
لم يعدها بعض أهل العدد، وهو غلط، والسابع فى اقرأ:
{(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ََ)}.
تركها الشامى، وليس قوله:
__________
(1) سورة الشعراء، آية: 209.
(2) سورة البقرة، آية: 97.
(3) سورة المؤمنون، آية: 44.
(4) سورة طه، آية: 6.
(5) سورة طه، آية: 18.
(6) سورة طه، آية: 61.
(7) سورة طه، آية: 88.
(8) سورة البقرة، آية: 28.
(9) سورة النجم، آية: 290.(2/228)
{(فَأَمََّا مَنْ أَعْطى ََ)}.
فى سورة والليل برأس آية، وقوله تعالى:
{(فَأَوْلى ََ لَهُمْ} {أَوْلى ََ لَكَ فَأَوْلى ََ)}.
قيل: هو أفعل، وقيل: هو فعلى، وقوله تعالى:
{(يَوْمَ لََا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى)}.
هو مفعل وليس فعلى، قال مكى.
واختلف عنه فى:
(يحيى).
فمذهب الشيخ أنه بين اللفظين، وغيره يقول بالفتح، لأنه يفعل.
قلت: يعنى يحيى اسم النبى عليه الصلاة والسلام، وأما نحو:
(ويحيى من حىّ).
فهو يفعل بلا خلاف:
(كيسعى ويخشى ويصلى) فاعلم ذلك.
316 [ويا ويلتا أنّى ويا حسرتى (ط) ووا ... وعن غيره قسها ويا أسفى العلا]
يعنى أن الدورى عن أبى عمرو أمال هذه الكلم الأربع بين بين، وهذا الحكم منقول فى التيسير وغيره عن أبى عمرو البصرى نفسه، لكنه قال من طريق أهل العراق، وتلك طريق الدورى، قال: ومن طريق أهل الرقة بالفتح، يعنى طريق السوسى، وروى عنه فتحها، وروى فتح:
{(يََا أَسَفى ََ)}.
وإمالة الثلاثة الباقية، وهذه طريق أبى الحسن ابن غلبون ووالده أبى الطيب، فلهذا اختزل الناظم:
{(يََا أَسَفى ََ)}.
عن أخواتها، وألحقها بها، أرادوا يا أسفى كذلك، وكأنه أشار بقوله طووا إلى ذلك، أى طووه ولم يظهروه إظهار غيره، فوقع فيه اختلاف كثير، ثم قال: وعن غير الدورى قسها على أصولهم، فتميل لحمزة والكسائى، لأن الجميع من ذوات الياء رسما وقد تقدم الكلام فى:
(ألّى).
والألف فى:
(ويلتا وحسرتى وأسفى).
منقلبة عن ياء، والأصل إضافة هذه الكلمات إلى ياء المتكلم، وتميل لورش بين اللفظين على أصله فى ذوات
الياء، بخلاف عنه، وافتح للباقين، وإن كان ظاهر ما فى التيسير أن ورشا لا يميلها، لأنه ذكر مذهب أبى عمرو ثم قال: وأمال ذلك حمزة والكسائى على أصلهما، وقرأه الباقون بإخلاص الفتح فى جميع ما تقدم، وقوله:(2/229)
منقلبة عن ياء، والأصل إضافة هذه الكلمات إلى ياء المتكلم، وتميل لورش بين اللفظين على أصله فى ذوات
الياء، بخلاف عنه، وافتح للباقين، وإن كان ظاهر ما فى التيسير أن ورشا لا يميلها، لأنه ذكر مذهب أبى عمرو ثم قال: وأمال ذلك حمزة والكسائى على أصلهما، وقرأه الباقون بإخلاص الفتح فى جميع ما تقدم، وقوله:
«العلا» صفة لهذه الكلمات، أى هى العلا، ولو قال ويا أسفى على لكان أحسن، لأنه لفظ القرآن.
فإن قلت: إنما عدل عنه لئلا يلتبس، ويوهم أن على من جملة الكلمات الممالة، وأن التقدير: ويا أسفا وعلى.
قلت: زال هذا الإلباس بنصه فيما سبق على أن على لا تمال، سلمنا الإلباس، لكنا نقول الإلباس أيضا واقع فى قوله العلا، فإنه من ألفاظ القرآن أيضا، فيقال لعله أراد. والعلا، ولفظ العلا لا يختص الدورى بإمالته بين اللفظين، بل ذلك لأبى عمرو بكماله ولورش، لأنها رأس آية، ثم إنه يلتبس أيضا من وجه آخر، لأنه يوهم أنه رمز لنافع فى ويا أسفى، وتكون الواو فى يا أسفى للفصل، والله أعلم.
317 [وكيف الثّلاثى غير زاغت بماضى ... أمل خاب خافوا طاب ضاقت فتجملا]
أى وكيف أتى اللفظ الذى على ثلاثة أحرف من هذه الأفعال العشرة التى يأتى ذكرها بشرط أن تكون أفعالا ماضية، فإمالتها لحمزة، وكلها معتلة العين، والإمالة واقعة فى وسطها بخلاف ما تقدم كله، فإن الإمالة كانت واقعة فى الطرف، وكلها من ذوات الياء إلا واحد، وهو: خاف، أصله خوف، فأميل لأجل الكسرة التى كانت فى الواو، ولأن الخاء قد تنكسر فى نحو: خفت، إذا رددت للفعل إلى نفسك أو إلى مخاطبك كما تكسر أوائل أخواتها لذلك، ولأن الألف قد تنقلب ياء إذا بنى الفعل لما لم يتم فاعله، نحو: خيف زيد» {(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ)}.
وزيد فى المال، ورين على قلبه، ذكر فى هذا البيت أربعة من العشرة، وهى: خاب، وخاف، وطاب وضاق، ومثل بالفعل المجرد فى: خاب، وطاب، والمتصل بالضمير فى: خافوا، وبالملحق به تاء التأنيث فى ضاقت، واستثنى من هذا لفظا واحدا فى موضعين، وهو زاغت فى الأحزاب وص، ومعنى قوله:
وكيف الثلاثى، أى سواء اتصل به ضمير، أو لحقته تاء تأنيث، أو تجرد عن ذلك: أى أمله على أى حالة جاء بعد أن يكون ثلاثيا نحو:
{(وَخََافَ وَعِيدِ} و {خََافُوا عَلَيْهِمْ} {خََافَتْ مِنْ بَعْلِهََا)}.
واحترز بالثلاثى عن الرباعى، فإنه لا يميله، وهو:
{(فَأَجََاءَهَا الْمَخََاضُ} {أَزََاغَ اللََّهُ قُلُوبَهُمْ)} لا غير.
والمرد بالثلاثى هنا أن يكون الفعل على ثلاثة أحرف أصول، والرباعى ما زاد على الثلاثة همزة فى أوله، دون ما زاد فى آخره ضمير أو علامة تأنيث فلهذا أمال نحو:
(خافت ولم يمل أزاغ الله قلوبهم).
وإن كانت عدة الحروف فى كل كلمة أربعة، فإن الهمزة مقومة للفظ الفعل، بخلاف التاء والواو فى:
(خافت وخافوا).
واحترز بقوله بماضى عن غير الفعل الماضى، فلا يميل:
{(يَخََافُونَ رَبَّهُمْ} ولا {وَخََافُونِ إِنْ كُنْتُمْ} ولا تخاف ولا {مََا تَشََاؤُنَ)}.(2/230)
واحترز بقوله بماضى عن غير الفعل الماضى، فلا يميل:
{(يَخََافُونَ رَبَّهُمْ} ولا {وَخََافُونِ إِنْ كُنْتُمْ} ولا تخاف ولا {مََا تَشََاؤُنَ)}.
ونحوه، ولا يتصور الألف فى مضارع باقى الأفعال العشرة، بل تنقلب فيها ياء نحو: يخيب، يطيب، واستثنى من الماضى أيضا زاغت، كما مضى جمعا بين اللغتين، إلا أنه فى التيسير قال: زاغ فى النجم (1). وزاغوا فى الصف (2) لا غير، وكذا قال مكى، وقال الدانى فى كتاب الإمالة: أما زاغ فجملته ثلاثة مواضع فى الأحزاب:
{(وَإِذْ زََاغَتِ الْأَبْصََارُ)}.
وفى النجم والصف، فأما فى ص:
{(أَمْ زََاغَتْ} وفى الصف {أَزََاغَ اللََّهُ قُلُوبَهُمْ)}.
فلا خلاف فى فتحهما، واستثنى ابن شريح فى الجميع ما اتصل بتاء تأنيث، ولم يستثن ابن الفحام ذلك، وطاب فى القرآن موضع واحد:
{(مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} وإنما لم يمل أجاءها).
وأزاغ تخفيفا، لأن فى إمالة ذلك ثقلا من جهة انحدار اللفظ بعد همزة، ثم صعوده إلى مثلها، وإلى حرف استعلاء، فهو مشبه بنزول واد والصعود منه، فاختير اتصال اللفظ على سنن واحد، كما يختار السنن كذلك، وإنما لم يمل:
(يخاف ويشاء).
لأن الألف فى المضارع من هذين الفعلين مفتوح الأصل، إذ التقدير (يخيف ويشيأ).
ولا ينكسر أوله إذا رد الفعل إلى المتكلم والمخاطب، ولا تنقلب ألفه ياء إذا بنى لما لم يسم فاعله، بخلاف الماضى فى هذه الوجوه كلها، فلهذا أمال الماضى دون المضارع.
وقوله بماضى كسر الياء ونونها، وهذا هو الأصل، ولكنه متروك، لا يأتى إلا فى ضرورة الشعر قال جرير:
فيوما يجازين الهوى غير ماضى
ووجه الكلام ماض بحذف الياء وإبقاء التنوين على كسر الضاد فى الرفع والجر.
والفاء فى فتجملا رمز لحمزة، ونصب الفعل بإضمار أن بعدها فى جواب الأمر فى قوله: أمل، وهو من أجمل إذا فعل الجميل ثم ذكر باقى الأفعال العشرة فقال:
318 [وحاق وزاغوا جاء شاء وزار (ف) ز ... وجاء ابن ذكوان وفى شاء ميّلا]
فهذه خمسة أفعال، وتقدم أربعة، والعاشر يأتى فى البيت الآتى والفاء فى فز: رمز حمزة أيضا، ثم ذكر أن ابن ذكوان وافق حمزة فى امالة ألف: جاء، وشاء، وزاد على ما يأتى فى البيت الآتى، ووجهه خلو هذه الأفعال الثلاثة من حروف الاستعلاء قبلها وبعدها، بخلاف الستة الباقية، فإن ثلاثة منها حرف الاستعلاء فى أوائلها وهى: خاب خاف طاب واثنان حرف الاستعلاء فى آخرهما، وهما حاق وزاغ وواحد حرف الاستعلاء فى أوله وآخره، وهو ضاق وحروف الاستعلاء تمنع الإمالة إذا وليت الألف قبلها أو بعدها فى الأسماء، فتجنبها ابن ذكوان أيضا فى الأفعال.
__________
(1) الآية: 17.
(2) الآية: 5.(2/231)
وقوله جاء مبتدأ وابن ذكوان خبره، أى وجاء ممال ابن ذكوان على حذف مضاف وفى شاء ميلا، أى وأوقع الإمالة فى شاء، ولو قال: وجاء وفى شاء ابن ذكوان ميلا لكان جاء مفعول ميل، ومن لا يعرف مقاصد هذا الكتاب يعرب جاء ابن ذكوان فعلا وفاعلا، ثم ذكر الفعل الثالث الذى أماله فقال:
319 [فزادهم الأولى وفى الغير خلفه ... وقل (صحبة) بل (ران واصحب معدّلا]
يعنى أول ما فى القرآن من كلمة زاد، وهى قوله تعالى فى أول البقرة:
{(فَزََادَهُمُ اللََّهُ مَرَضاً)}.
هذه يميلها ابن ذكوان بلا خلاف، وفى غير هذا الموضع له فى إمالة لفظ زاد كيف أتى خلاف ولا يقع فى القرآن إلا متصلا بالضمير، إلا أنه على وجوه نحو:
{(فَزََادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} {وَزََادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً} {فَزََادُوهُمْ رَهَقاً)}.
وقول الناظم فزادهم إما أن يكون معطوفا على ما قبله وحذف حرف العطف، فإن حذفه لضرورة الشعر جائز إذا دل عليه دليل، وإما أنه مبتدأ وخبره محذوف، أى فزادهم الأولى كذلك، أى أماله ابن ذكوان، وأما الفعل العاشر، فقوله سبحانه:
{(بَلْ رََانَ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ)}.
وافق حمزة الكسائى على إمالته، وأبو بكر عن عاصم ولم يملها ابن ذكوان، لأن الراء غير المكسورة إذا وليت الألف كان لها حكم حروف الاستعلاء، وقوله واصحب معدلا، مثل قوله فيما سبق: فاحضر مكملا على قولنا: أن المعنى رجلا مكملا، كأنه لمح من لفظ صحبة ما يختار فى نفس الصحبة، فحث عليه رحمه الله:
320 [وفى ألفات قبل را طرف أتت ... يكسر أمل (ت) دعى (ح) ميدا وتقبلا]
وهذا نوع آخر من الممالات، وهى كل ألف متوسطة قيل راء مكسورة، تلك الراء طرف الكلمة احترازا من نحو:
(نمارق {فَلََا تُمََارِ فِيهِمْ}).
لأن الراء فيهما عين الكلمة، أما فى نمارق فظاهر، وأما فى فلا تمار فلأن لام الفعل ياء، وحذفت للجزم واشترط صاحب التيسير ومكى وابن شريح فى الراء أن تكون لام الفعل، وهو منتقض بالحواريين، فإن الراء فيهما لام الكلمة، ولا تمال الألف قبلها، فإن ياء النسبة حلت محل الطرف، فأزالت الراء عن الطرف بخلاف الضمائر المتصلة فى نحو أبصارهم، فإنها منفصلة تقديرا باعتبار مدلولها، فلم تخرج الراء عن كونها طرف كلمة أيضا، وأما الياء فى حوارىّ فأزالت الراء عين الطرف، ولهذا انتقل الإعراب إلى ياء النسبة، وحرف الإعراب من كل معرب آخره، والمسوغ للإمالة فى هذه الألف كسرة الراء بعدها.
وقوله وفى ألفات مفعول أمل أى أوقع الإمالة فيها، وقوله تدعى مجزوم، تقديرا لأنه جواب الأمر، وإنما أجراه مجرى الصحيح، فلم يحذف ألفه، كما قرئ.
{(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)}.
بإثبات الياء كما يأتى ونصب وتقبلا، لأنه فعل مضارع بعد الواو فى جواب الأمر، كما تقول زرنى وأكرمك وليس بمعطوف على تدعى، بل على مصدره وسيأتى نظير هذا فى قوله تعالى:(2/232)
{(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)}.
بإثبات الياء كما يأتى ونصب وتقبلا، لأنه فعل مضارع بعد الواو فى جواب الأمر، كما تقول زرنى وأكرمك وليس بمعطوف على تدعى، بل على مصدره وسيأتى نظير هذا فى قوله تعالى:
{(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ)}.
بالنصب فى سورة الشورى، وقد استعمل الناظم هذه العبارة أيضا فى سورة الرحمن عز وجل، فقال:
(يطمث).
فى الأولى ضم تهدى وتقبلا، وقال الشيخ وغيره أراد وتقبلن، أى ولتقبلن ثم حذف اللام، وأبدل من النون ألفا.
321 [كأبصارهم والدّار ثمّ الحمار مع ... حمارك والكفّار واقتس لتنضلا]
مثل هذا النوع بأمثلة متعددة، خاليا من الضمير ومتصلا به، غائبا ومخاطبا، وهو يأتى فى القرآن على عشرة أوزان، ذكر الناظم منها أربعة أفعال وفعل وفعال وفعال، وبقى ستة فعال نحو: كفار وسحار، وفعال، نحو:
نهار، وبوار، وفعال، نحو: دينار، أصله دنار فأبدلت النون الأولى ياء، وفعلال، وهو قنطار، ومفعال وهو بمقدار، وإفعال، وهو إبكار، واقتس: أى قس على ما ذكرته ما لم أذكره، فهو مثل قرأ واقترأ، وقوله «لتنضلا» أى لتغلب، يقال: ناضلهم فنضلهم، إذا رماهم فغلبهم فى الرمى ويلزم أن يكون من هذا الباب:
{(مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [1]).
وهو الذى انفرد الدورى بإمالته كما يأتى، فإن الراء طرف والياء ضمير كالضمير فى:
(أبصارهم وحمارك).
322 [ومع كافرين الكافرين بيائه
وهار (ر) وى (م) رو بخلف (ص) د (ح) لا]
أى وأمالا الكافرين مع كافرين، يعنى معرفا ومنكرا، وبيائه فى موضع الحال، أى أمالا هذا اللفظ فى هذه الحالة، وهى كونه بالياء التى هى علامة النصب والجر، احترز بذلك عن المرفوع نحو: كافرون، والكافرون فإن ذلك لا يمال، لأن الراء غير مكسورة، ولا يميلان أيضا ما هو على وزن كافرين بالياء، نحو، صابرين وقادرين وبخارجين والغارمين، وأما هار من قوله تعالى:
{(عَلى ََ شَفََا جُرُفٍ هََارٍ)}.
فأصله هاور أو هاير، من هار يهور، ويهير، ثم قدمت اللام إلى موضع العين، وأخرت العين إلى موضع اللام، وفعل فيه ما فعل بقاض، فالراء على ما استقر عليه الأمر آخرا ليست بطرف، وبالنظر إلى الأصل هى طرف، ولكن على هذا التقرير لا تكون الألف تلا الراء التى هى طرف، بل بينهما حرف مقدر فصار مثل كافرين، بين الألف والراء حرف محقق، وقوله مرو، هو اسم فاعل، من أروى غيره، وهو فاعل روى
__________
(1) سورة الصف، آية: 14.(2/233)
أى نقل رجل عالم معلم، وصد نعته ومعناه العطشان، أى هو مرو لغيره بالعلم صد إلى تعلم ما لم يعلم كقوله عليه الصلاة والسلام:
«منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا».
أو يكون صد مفعولا ولم ينصبه ضرورة، أى أمال هار الكسائى بكماله، وابن ذكوان، بخلاف عنه، وأبو بكر وأبو عمرو، فإن قلت يظهر من نظم هذا البيت أن الذين أمالوا هار أمالوا كافرين، لأنه قال: ومع كافرين، ولا مانع من أن تكون الواو فى ومع فاصلة بعد واو واقتس، وإذا كان الأمر كذلك ولم يذكر بعده من أماله فيظهر أن قوله وهار عطف عليه، والرمز بعده لهما، فيكون كقوله فى آل عمران:
(سنكتب).
ياء ضم البيت ذكر فيه ثلاث قراءات فى ثلاث كلمات، ثم رمز لهن رمزا واحدا قلت: لا مانع من توهم ذلك، ويقويه أن كافرين وهار كلاهما ليس داخلا فى الضابط المقدم لأبى عمرو والدورى على ما شرحناه، فإنه فصل بين الألف والراء الفاء فى كافرين، وفى هار حرف مقدر، إما واو، وإما ياء، وعلى الوجه الآخر لا تكون الراء طرفا، وإذا خرجا من ذلك الباب قوى الوهم فى أن من أمال أحدهما أمال الآخر، ولو كان أسقط الواو من ومع، وقال مع الكافرين كافرين لزال الوهم، أى أمالا هذا مع الكافرين، ولو قال كذا كافرين الكافرين لحصل الغرض، والله أعلم.
323 [(ب) دار وجبّارين والجار (ت) مّموا ... وورش جميع الباب كان مقلّلا]
بدار رمز قالون، لأنه من جملة من أمال هار، ومعناه: بادر مثل قولهم: نزال، أى: انزل، أى بادر إلى أخذه ومعرفته، وأما الدورى وحده جبارين فى المائدة والشعراء والجار فى موضعين فى النساء والشعراء، فتمموا الباب بإمالة هذين له، وورش قلل جميع هذا الباب، أى أماله بين اللفظين، من قوله وفى ألفات قبل را طرف إلى هنا، والله أعلم.
334 [وهذان عنه باختلاف ومعه فى ال ... بوار وفى القهّار حمزة قلّلا]
يعنى جبارين والجار عن ورش خلاف فى تقليلهما، ووافق حمزة ورشا فى تقليل البوار والقهار فقط والله أعلم.
235 [وإضجاع ذى راءين (ح) جّ (ر) واته ... كالأبرار والتّقليل (ج) ادل (ف) يصلا]
الإضجاع الإمالة، وحج رواته رمز، ومعناه غلبوا فى الحجة، أى إضجاع ذى راءين مما ذكرناه أى تكون الألف قبل راء مكسورة طرف، ومثاله:
(من الأشرار ودار القرار وكتاب الأبرار فقوله إنّ الأبرار).
لا يمال، لأن الراء مفتوحة، كما لا يمال خلق الليل والنهار وفيصلا حال من الضمير فى جادل العائد على التقليل، لأن التقليل متوسط بين الفتح والإمالة، أى أمال ذلك أبو عمرو والكسائى بكماله وقرأه ورش وحمزة بين اللفظين، والله أعلم.
326 [وإضجاع أنصارى (ت) ميم وسارعوا ... نسارع والبارى وبارئكم (ت) لا]
يريد قوله تعالى:(2/234)
لا يمال، لأن الراء مفتوحة، كما لا يمال خلق الليل والنهار وفيصلا حال من الضمير فى جادل العائد على التقليل، لأن التقليل متوسط بين الفتح والإمالة، أى أمال ذلك أبو عمرو والكسائى بكماله وقرأه ورش وحمزة بين اللفظين، والله أعلم.
326 [وإضجاع أنصارى (ت) ميم وسارعوا ... نسارع والبارى وبارئكم (ت) لا]
يريد قوله تعالى:
{(مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ)}.
فى آل عمران والصف {وَسََارِعُوا إِلى ََ مَغْفِرَةٍ} {نُسََارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرََاتِ} والبارئ فى الحشر وبارئكم فى موضعين فى البقرة، انفرد بإمالة ما فى هذا البيت والذى بعده الدورى عن الكسائى، والتاء فى تميم، وتلا رمز: كل واحد منهما رمز لما سبقه من الألفاظ، وكذا آخر البيت الآتى، وأشار بقوله: تميم إلى أن الإمالة هى لغة تميم، على ما سبق نقله فى أول الباب، وهو على حذف مضاف: أى الإضجاع لغة تميم، ولو قال: واضجع:
(أنصارى).
تميم، لكان حسنا، ولم يحتج إلى حذف مضاف والضمير فى تلا فاعل يعود إلى المقصود بقوله تميم، وهو القارى، كما قال فى البيت الآتى عنه، ويجوز أن يريد تبع هذا المذكور ما قبله فى الإمالة ووجه إمالة الألف فى هذه المواضع ما بعدها من الكسر على الراء، مع أن الراء ظرف فى أنصارى، ولو لم يذكر هاهنا مع ما اختص بالدورى لكانت واجبة الإمالة فى مذهب أبى عمرو أيضا على القاعدة السابقة.
327 [وآذانهم طغيانهم ويسارعو ... ن آذاننا عنه الجوارى (ت) مثّلا]
وجميع فى هذا البيت انفرد بإمالته الدورى عن الكسائى، والضمير فى عنه له، والتاء فى تمثلا رمزه لأجل لفظ الجوارى، وقيل: الرمز هو قوله تميم، وما ذكرناه واضح، وإنما أميلت هذه الألفاظ الخمسة للكسر المجاور للألف بعدها، مع كون الكسرة على راء فى يسارعون والجوار ومع زيادة فى طغيانهم وهى مجاورة الياء للألف من قبلها وآذانهم فى القرآن فى سبعة مواضع فى البقرة والأنعام وسبحان والكهف فى موضعين وفصلت ونوح وطغيانهم فى خمس سور فى البقرة والأنعام والأعراف ويونس والمؤمنون ولا يمال طغيانا كبيرا إلا فى رواية شاذة عن الكسائى، ويسارعون فى سبعة مواضع: فى آل عمران موضعان، وفى المائدة ثلاثة، وفى الأنبياء والمؤمنون وآذاننا فى فصلت فقط، والجوار فى ثلاث سور فى حم عسق والرحمن، وكورت، وصواب قراءته فى النظم بغير ياء، لأن قراءة من أمالها كذلك فى حم عسق، وأجمعوا على حذفها فى: الرحمن، وكورت، للساكن بعدها، ثم ذكر ما اختلف فيه عن الدورى، فقال:
328 [يوارى أوارى فى العقود بخلفه ... ضعافا وحرفا النّمل آنيك (ق) وّلا]
العقود هى: سورة المائدة، يريد قوله تعالى:
{(كَيْفَ يُوََارِي} [1] {فَأُوََارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} [1]).
ولم يذكر صاحب التيسير فيهما إمالة، وقال فى كتاب الإمالة: اجتمعت القراءة على إخلاص الفتح فيهما،
__________
(1) آية: 31.(2/235)
إلا ما حدثنا به عبد العزيز بن جعفر بن محمد [هو ابن أبى غسان الفارسى] قال: حدثنا أبو طاهر بن أبى هاشم:
قال: قرأت على أبى عثمان الضرير عن أبى عمرو عن الكسائى:
(يوارى فأوارى).
بالإمالة، قال وقرأت على أبى بكر بالفتح ولم ترو الإمالة عن غيره؟ قال أبو عمرو: وقياس ذلك الموضع الذى فى الأعراف وهو قوله:
{(يُوََارِي سَوْآتِكُمْ} [1]).
ولم يذكره، ثم ذكر ضعافا من قوله تعالى فى النساء:
{(ذُرِّيَّةً ضِعََافاً)}.
فوجه إمالة ألفها كسرة الضاد، ولا اعتبار بالحاجز كما تميل العرب عمادا، وفى النمل:
{(أَنَا آتِيكَ بِهِ)}.
فى موضعين أميلت ألف آتيك لكسرة التاء بعدها، واستضعف إمالتها قوم من جهة أن أصلها همزة، لأنه مضارع أتى، ويمكن منع هذا، ويقال هو اسم الفاعل منه كقوله تعالى:
{(وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذََابٌ)}.
أى أنا محضره لك، فقوله: ضعافا مبتدأ وحرفا النمل عطف عليه، وآتيك عطف بيان له، ووجه الكلام أن يقول آتيك آتيك مرتين، وإنما استغنى بأحدهما عن الآخر، وقولا خبر المبتدإ، وما عطف عليه، ونزل حرفى النمل منزلة حرف واحد، لأنهما كلمة واحدة تكررت، وهى آتيك، وكأنه قال ضعافا وآتيك قولا، فالألف فى قولا للتثنية، أى قيلا بالإمالة، والقاف رمز خلاد، ثم قال:
329 [بخلف (ض) ممناه مشارب (لا) مع ... وآنية فى هل أتاك (ل) أعدلا]
أى الخلف عن خلاد فى إمالتها، والضاد فى ضممناه رمز خلف، أمالهما من غير خلاف، ثم قال مشارب لامع، وهما مبتدأ وخبر، أى ظاهر واضح، كالشيء اللامع، أراد أن هشاما أمال:
(مشارب).
فى سورة يس لكسرة الراء بعدها، وألف:
(آنية).
فى سورة الغاشية لكسرة النون بعدها، وللياء التى بعد الكسرة ووزنها فاعلة، وهى قوله تعالى:
{(تُسْقى ََ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ)}.
أى حارة وأما:
__________
(1) الآية: 26.(2/236)
(آنية).
التى فى سورة هل أتى: قوله تعالى:
{(وَيُطََافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ)}.
فوزنها أفعلة، لأنها جمع إناء ولم يمل ألفها أحد، ولعل سببه أن ألفها بدل عن همزة، فنظر إلى الأصل فلم تمل، فقوله فى هل أتياك، أى في سورة:
{(هَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ الْغََاشِيَةِ)}.
احترازا من التى فى:
{(هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ)}.
واللام فى لأعدلا، رمز لهشام، أى لقارئ زائد العدل، أى أماله من هذه صفته، والألف للإطلاق، والله أعلم.
330 [وفى الكافرون عابدون وعابد ... وخلفهم فى النّاس فى الجرّ (ح) صّلا]
أى فى سورة الكافرون أمال هشام:
{(وَلََا أَنْتُمْ عََابِدُونَ} فى موضعين {وَلََا أَنََا عََابِدٌ)}.
لكسرة الباء بعد الألف، واحترز بذلك من قوله تعالى:
{(وَنَحْنُ لَهُ عََابِدُونَ)}.
ثم قال: وخلفهم أى خلف الناقلين من أهل الأداء فى إمالة لفظ الناس، إذا كان مجرورا نحو:
(جميع).
الذى فى سورة الناس، فروى عن أبى عمرو الوجهان، واختار الدانى الإمالة فى كتاب الإمالة، ووجهها كسرة السين بعد الألف، وقيل إن ذلك لغة أهل الحجاز، قال الشيخ: وكان شيخنا يعنى الشاطبى رحمه الله يقرئ بالإمالة، يعنى لأبى عمرو من طريق الدورى، وبالفتح من طريق السوسى، وهو مسطور فى كتب الأئمة كذلك قلت: وكذلك أقرأنا شيخنا أبو الحسن، ولم يذكر أبو الحسن ابن غلبون غيره، ويتجه فى هذا البيت من الإشكال ما اتجه فيما مضى فى قوله: ومع كافرين: الكافرين بيائه، من أنه يحتمل أن تكون الواو فى قوله وفى الكافرون فاصلة وإذا كان كذلك فلم يذكر لقارئها رمزا، فيكون حصلا رمزا لها وللناس، وتكون الواو فى: وخلفهم عاطفة، ولو قال: وفى الكافرون عابدون وعابد له خلفهم فى الناس لخلص من ذلك الإيهام، ولا يحتاج إلى واو فاصلة فى خلفهم، لأن هذا من باب قوله سوى أحرف لا ريبة فى اتصالها، كما قال بعد هذا حمارك والمحراب، إلى آخره ولم يأت بواو فاصلة، فإن قلت: فقد سنح إشكال آخر، وهو أنه يحتمل أن يكون بعض ما فى البيت الآتى لأبى عمرو، إذ لم يأت بواو والباقى من عند الواو، لابن ذكوان فمن أين يتمحض الجميع لابن ذكوان؟ قلت: من جهة استفتاحه ذلك بقوله: حمارك، وهو مما قد علم أن أبا عمرو يميله، فدل
ذلك على أنه إنما ساقه مع ما عطف عليه لغير أبى عمرو، فينتظر من يرمز له، وليس إلا قوله مثلا، والله أعلم.(2/237)
الذى فى سورة الناس، فروى عن أبى عمرو الوجهان، واختار الدانى الإمالة فى كتاب الإمالة، ووجهها كسرة السين بعد الألف، وقيل إن ذلك لغة أهل الحجاز، قال الشيخ: وكان شيخنا يعنى الشاطبى رحمه الله يقرئ بالإمالة، يعنى لأبى عمرو من طريق الدورى، وبالفتح من طريق السوسى، وهو مسطور فى كتب الأئمة كذلك قلت: وكذلك أقرأنا شيخنا أبو الحسن، ولم يذكر أبو الحسن ابن غلبون غيره، ويتجه فى هذا البيت من الإشكال ما اتجه فيما مضى فى قوله: ومع كافرين: الكافرين بيائه، من أنه يحتمل أن تكون الواو فى قوله وفى الكافرون فاصلة وإذا كان كذلك فلم يذكر لقارئها رمزا، فيكون حصلا رمزا لها وللناس، وتكون الواو فى: وخلفهم عاطفة، ولو قال: وفى الكافرون عابدون وعابد له خلفهم فى الناس لخلص من ذلك الإيهام، ولا يحتاج إلى واو فاصلة فى خلفهم، لأن هذا من باب قوله سوى أحرف لا ريبة فى اتصالها، كما قال بعد هذا حمارك والمحراب، إلى آخره ولم يأت بواو فاصلة، فإن قلت: فقد سنح إشكال آخر، وهو أنه يحتمل أن يكون بعض ما فى البيت الآتى لأبى عمرو، إذ لم يأت بواو والباقى من عند الواو، لابن ذكوان فمن أين يتمحض الجميع لابن ذكوان؟ قلت: من جهة استفتاحه ذلك بقوله: حمارك، وهو مما قد علم أن أبا عمرو يميله، فدل
ذلك على أنه إنما ساقه مع ما عطف عليه لغير أبى عمرو، فينتظر من يرمز له، وليس إلا قوله مثلا، والله أعلم.
331 [حمارك والمحراب إكراههنّ وال ... حمار وفى الإكرام عمران مثّلا]
أى أمال ابن ذكوان جميع ما فى هذا البيت:
(حمارك فى البقرة. والحمار).
فى الجمعة. والمحراب. وعمران حيث وقعا، وإكراههن فى النور، والإكرام فى موضعين فى سورة الرحمن عز وجل، ووجهه كسرة أوائل الجميع، وما بعد الألف غير عمران، والمحراب المنصوب، ووافق فى حمارك والحمار مذهب أبى عمرو والدورى عن الكسائى فى ذلك، فإن قلت: فماله لم يذكرهما معه عند ما ذكر حمارك والحمار كما أعاد ذكر حمزة والكسائى مع من وافقهما في إمالة رمى ونأى وإناه؟. قلت: لأنه نص على الحمار وحمارك فى إمالة أبى عمرو والدورى فى قوله كأبصارهم، والدار ثم الحمار مع حمارك، فلم يضره بعد ذلك أن يذكر مذهب ابن ذكوان وحده، ومثل ذلك قوله فيما مضى: وجاء ابن ذكوان وفى شاء ميلا، وإن كان حمزة يقرأ كذلك، لأنه قد تقدم ذكره له معينا بخلاف رمى ونأى وإناه فإنه لم يتقدم النص عليها معينة، وإنما اندرجت فى قاعدة ذوات الياء، فلو لم يعد ذكر حمزة والكسائى لظن أن ذلك مستثنى من الأصل المقدم، كما تفرد الكسائى بإمالة مواضع من ذلك، والله أعلم.
332 [وكلّ بخلف لابن ذكوان غير ما ... يجرّ من المحراب فاعلم لتعملا]
أى كل هذه الألفاظ الستة فى إمالتها لابن ذكوان خلاف، إلا المحراب المجرور، فلم يختلف عنه إمالته، وهو موضعان فى آل عمران ومريم، فتفرد ابن ذكوان بإمالة هذه الكلم الأربع المحراب وإكراههن والإكرام وعمران، وباقى القراء على فتحها إلا ورشا فإنه يقرؤها بين اللفظين إلا عمران، وهو المعبر عنه بترقيق الراء على ما يأتى فى بابه، ويتضح لك الفرق بين الإمالة وبين اللفظين بقراءة ورش وابن ذكوان فى هذه الكلمات، وهو عين ما نبهنا عليه فى شرح قوله: وذو الراء ورش بين بين، وأكثر الناس يجهلون ذلك، والله أعلم.
333 [ولا يمنع الإسكان فى الوقف عارضا ... إمالة ما للكسر فى الوصل ميّلا]
فى الوقف معمول عارضا، ولو جعلناه معمول الإسكان لقلّت فائدته، فإن إسكان الوقف لا يكون إلا عارضا، ومعنى البيت: كل ألف أميلت فى الوصل لأجل كسرة بعدها نحو النار والناس فتلك الكسرة تزول فى الوقف وتوقف بالسكون، فهذا السكون فى الوقف لا يمنع إمالة الألف، لأنه عارض، ولأن الإمالة سبقت الوقف، ولم يذكر فى التيسير غير هذا الوجه، وذهب قوم إلى منع الإمالة لزوال الكسر الموجب لها، فإن رمت الحركة فالإمالة لا غير، والله أعلم.
334 [وقبل سكون قف بما فى أصولهم ... وذو الرّاء فيه الخلف فى الوصل (ي) جتلا]
أى كل ألف قبل ساكن لو لم يكن بعدها ساكن لجازت إمالتها، ففي الوصل لا يمكن إمالتها لذهابها، فإن وقف عليها، كانت على ما تقرر من أصول القراء: تمال لمن يميل، وتفتح لمن لم يمل، وتقرأ بين اللفظين لمن
مذهبه ذلك، لكن الألف التى قبلها راء اختلف عن السوسى فى إمالتها فى الوصل، ولا يظهر إلا كسر الراء، ولم يذكر صاحب التيسير للسوسى إلا الإمالة، وابن شريح وغيره من المصنفين لم يذكروا وجه الإمالة أصلا، وشرط ما يميله السوسى من هذا الباب: أن لا يكون الساكن تنوينا، فإن كان تنوينا لم يمل بلا خلف نحو قرى ومفترى ثم مثل النوعين، وهما: ذو الراء، وما ليس فيه راء، والألف طرف الكلمة، فقال:(2/238)
334 [وقبل سكون قف بما فى أصولهم ... وذو الرّاء فيه الخلف فى الوصل (ي) جتلا]
أى كل ألف قبل ساكن لو لم يكن بعدها ساكن لجازت إمالتها، ففي الوصل لا يمكن إمالتها لذهابها، فإن وقف عليها، كانت على ما تقرر من أصول القراء: تمال لمن يميل، وتفتح لمن لم يمل، وتقرأ بين اللفظين لمن
مذهبه ذلك، لكن الألف التى قبلها راء اختلف عن السوسى فى إمالتها فى الوصل، ولا يظهر إلا كسر الراء، ولم يذكر صاحب التيسير للسوسى إلا الإمالة، وابن شريح وغيره من المصنفين لم يذكروا وجه الإمالة أصلا، وشرط ما يميله السوسى من هذا الباب: أن لا يكون الساكن تنوينا، فإن كان تنوينا لم يمل بلا خلف نحو قرى ومفترى ثم مثل النوعين، وهما: ذو الراء، وما ليس فيه راء، والألف طرف الكلمة، فقال:
335 [كموسى الهدى عيسى ابن مريم والقرى ال
لتى مع ذكرى الدّار فافهم محصّلا]
إذا وقفت على موسى من قوله تعالى:
{(وَلَقَدْ آتَيْنََا مُوسَى الْهُدى ََ)}.
أملت ألف موسى لحمزة والكسائى وجعلتها بين بين لأبى عمرو وورش، وفتحت للباقين، وكذا فى:
{(عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ)}.
فهذا مثال ما ليس فيه راء، ومنه:
{(إِنََّا لَمََّا طَغَى الْمََاءُ)}.
نص مكى وغيره على أن الوقف على طغا بالإمالة لحمزة والكسائى، ومثال ما فيه الراء:
{(الْقُرَى الَّتِي بََارَكْنََا فِيهََا)}.
فى سبأ:
{(ذِكْرَى الدََّارِ)}.
فى ص، فإذا وقفت على القزى وذكرى أملت لأبى عمرو وحمزة والكسائى، ولورش بين اللفظين، وهاهنا أمر لم أر أحدا نبه عليه، وهو أن:
{(ذِكْرَى الدََّارِ)}.
وإن امتنعت إمالة ألفها وصلا، فلا يمتنع ترقيق رائها فى مذهب ورش على أصله، لوجود مقتضى ذلك، وهو الكسر قبلها، ولا يمنع ذلك حجز الساكن بينهما، فيتخذ لفظ الترقيق وإمالته بين بين فى هذا، فكأنه أمال الألف وصلا، وما ذكره الشيخ فى شرح قوله: وحيران بالتفخيم بعض تقبلا، من قوله الترقيق فى (ذكرى).
من أجل الياء، لا من أجل الكسر، أراد بالترقيق الإمالة فهو من أسمائها والله أعلم.
والسوسى فى أحد الوجهين يكسر الراء فى الوصل، ومثله:
{(حَتََّى نَرَى اللََّهَ} و {يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)} بخلاف قوله {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا)}.
لأن ألف يرى قد ذهبت للجازم، فإذا وقفت عليها: قلت أو لم ير، ثم ذكر ما حذفت فيه الألف لأجل التنوين، لأنه ساكن، فقال:
336 [وقد فخّموا التّنوين وقفا ورقّقوا ... وتفخيمهم فى النّصب أجمع أشملا]
هذا فرع من فروع المسألة المتقدمة داخل تحت قوله: وقبل سكون قف بما فى أصولهم، وأفردها بالذكر لما فيها من الخلاف، والأصح والأقوى: أن حكمها حكم ما تقدم، تمال لمن مذهبه الإمالة، وهو الذى لم يذكر صاحب التيسير غيره، وجعل للمنون ولما سبق ذكره حكما واحدا، فقال كلما امتنعت الإمالة فيه فى حال الوصل من أجل ساكن لقيه تنوين أو غيره، نحو:(2/239)
لأن ألف يرى قد ذهبت للجازم، فإذا وقفت عليها: قلت أو لم ير، ثم ذكر ما حذفت فيه الألف لأجل التنوين، لأنه ساكن، فقال:
336 [وقد فخّموا التّنوين وقفا ورقّقوا ... وتفخيمهم فى النّصب أجمع أشملا]
هذا فرع من فروع المسألة المتقدمة داخل تحت قوله: وقبل سكون قف بما فى أصولهم، وأفردها بالذكر لما فيها من الخلاف، والأصح والأقوى: أن حكمها حكم ما تقدم، تمال لمن مذهبه الإمالة، وهو الذى لم يذكر صاحب التيسير غيره، وجعل للمنون ولما سبق ذكره حكما واحدا، فقال كلما امتنعت الإمالة فيه فى حال الوصل من أجل ساكن لقيه تنوين أو غيره، نحو:
(هدى ومصفّى ومصلّى ومسمّى وضحى وغزّى ومولى وربا ومفترى والأقصا الذى وطغا الماء والنّصارى المسيح وجنا الجنّتين).
وشبهه، فالإمالة فيه سائغة فى الوقف لعدم ذلك الساكن، وذكر مكى فى المنون وجهين، أحدهما هذا، وهو الذى اختاره، وقرأه على شيخه أبى الطيب ابن غلبون، قال: ونص على:
(مصلّى وغزّى).
أن الوقف عليهما بالإمالة لحمزة والكسائى، وكلاهما فى موضع نصب، والوجه الثانى الفرق بين المنصوب وغيره، فلا يمال المنصوب، ويمال المرفوع والمجرور، قال الشيخ: وقال قوم يفتح ذلك كله، فقد صار فى المسألة ثلاثة أوجه، وهى مبنية على أن الألف فى الوقف على جميع الأسماء المقصورة المنونة هى الأصلية، رجعت لما سقط الموجب لحذفها، وهو التنوين، أو يقال: هى مبدلة من التنوين إذا كانت منصوبة المحل، وهى الأصلية فى الرفع والجر، لأنه قد ألف من اللغة الفصيحة التى نزل بها القرآن: أن تبدل من التنوين ألفا فى جميع الأحوال، لأن التنوين إنما يبدل ألفا فى النصب لانفتاح ما قبله، والانفتاح موجود فى الأحوال كلها:
فى الأسماء المعتلة المقصورة، بخلاف الصحيحة، وهذه الأوجه الثلاثة معروفة عند النحويين، فإن قلنا:
الوقف إنما هو على الألف المبدلة فى جميع الأحوال، أو فى حال النصب، فلا إمالة، لأن ألف التنوين لا حظ لها فى الإمالة، كما لو وقف على:
(أمتا وهمسا وعلما).
وقد سبق بيان ذلك، فقد صار المنصوب مفخما على قولين وممالا على قول، فلهذا قال «وتفخيمهم فى النصب أجمع أشملا» وليس ذلك منه اختيارا لهذا القول، وإنما أشار إلى أن الوجهين اتفقا عليه، والأجود وجه الإمالة مطلقا، والرسم دالّ عليه، والنقل أيضا، ومن وجهة المعنى: أن الوقف لا تنوين فيه، وإنما كانت الألف الأصلية تحذف للتنوين فى الوصل، فالنطق بالكلمة على أصلها إلى أن يلقاها ما يغيرها وأيضا فإن المبدل من التنوين إنما هو الألف، والأصلية أيضا ألف، فلا حاجة إلى حذف ما هو أصل وجلب ما هو مثله فى موضعه، فترك اعتقاد الحذف فيه أولى، وقول الناظم «وقد فخموا التنوين» فيه تجوز، فإن التنوين لا يوصف بتفخيم ولا إمالة، لعدم قبوله لهما، فهو على حذف مضاف تقديره: ذا التنوين، ولا تقول التقدير ألف التنوين لما فيه من الإلباس بألف نحو:
(أمتا وهمسا).
مما لا يمال، وسمى فى هذا الموضع الفتح تفخيما، والإمالة ترقيقا، كما سمى ترقيق الراء إمالة على ما سيأتى، «وأشملا» جمع شمل ونصبه على التمييز، أى اجتمع شمل الأصحاب على الوجهين فيه، بخلاف المرفوع والمجرور، فإن كل واحد منهما مفخم على قول واحد، وهو أضعف الأقوال، وممال على قولين، فهما فى الترقيق أجمع أشملا، لاقى التفخيم، ثم مثل ذلك فقال:(2/240)
(أمتا وهمسا).
مما لا يمال، وسمى فى هذا الموضع الفتح تفخيما، والإمالة ترقيقا، كما سمى ترقيق الراء إمالة على ما سيأتى، «وأشملا» جمع شمل ونصبه على التمييز، أى اجتمع شمل الأصحاب على الوجهين فيه، بخلاف المرفوع والمجرور، فإن كل واحد منهما مفخم على قول واحد، وهو أضعف الأقوال، وممال على قولين، فهما فى الترقيق أجمع أشملا، لاقى التفخيم، ثم مثل ذلك فقال:
337 [مسمّى ومولى رفعه مع جرّه ... ومنصوبه غزّى وتترى تزيّلا]
أى لفظ (مسمّى ومولى).
وقع كل واحد منهما فى القرآن مرفوعا ومجرورا كقوله تعالى:
{(وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} {إِلى ََ أَجَلٍ مُسَمًّى} وقال تعالى {يَوْمَ لََا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى} وأما غزّى وتترى).
فلم يقعا فى القرآن إلا منصوبين فى قوله تعالى فى آل عمران:
{(أَوْ كََانُوا غُزًّى)}.
ونصبه على أنه خبر كان، وهو جمع غاز، ووزنه فعل، مثل كافر وكفر، وأما:
(تترى).
ففي سورة قد أفلح (1) منصوب على الحال، وإنما ينفع التمثيل به على قراءة أبى عمرو، فهو الذى نونه، وأما حمزة والكسائى فلا ينونانه، فهو لهما ممال بلا خلاف فى الوقف والوصل، وكذا ورش يميله بين اللفظين وصلا ووقفا، لأنه غير منون فى قراءته أيضا، فلم يمنع فتح من نون إمالة من لم ينون، وهذا مما يقوى ما ذكرناه من ترقيق ورش راء:
{(ذِكْرَى الدََّارِ)}.
فى الوصل، فلا يمنع ترك الإمالة لزوال محلها ترقيق الراء، لوجود مقتضيه، والله أعلم.
وقوله «تزيلا» أى تميز المذكور، وهو التنوين، أى ظهرت أنواعه وتميز بعضها من بعض بالأمثلة المذكورة ومنه قوله تعالى:
{(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذََاباً أَلِيماً} [2]).
فزيلنا بينهم، والهاء فى رفعه مع جره ومنصوبه: راجعة إلى التنوين أيضا، والكل على تقدير ذى التنوين، وهو المنون، وقال الشيخ: تميز المنصوب من غيره بالمثال، فإن قلت: الألف الممالة فى:
(غزّى).
__________
(1) فى قوله تعالى: {«ثُمَّ أَرْسَلْنََا رُسُلَنََا تَتْرََا»}: الآية 44.
(2) سورة الفتح، آية: 25.(2/241)
منقلبة عن واو، لأنه من غزا يغزو، فكيف تمال؟ قلت: هو داخل فى قوله «وكل ثلاثى يزيد» فإنه ممال:
(كزكّاها) والله أعلم.
باب مذهب الكسائى فى إمالة هاء التأنيث فى الوقف
وهى الهاء التى تكون فى الوصل تاء، نحو:
(رحمة ونعمة).
أمالها بعض العرب كما تميل العرب الألف، وهى اللغة الغالبة على ألسنة الناس، وقيل للكسائى: إنك نميل ما قبل هاء التأنيث؟ فقال: هذا طباع العرصة، قال الدانى: يعنى بذلك أن الإمالة هنا لغة أهل الكوفة، وهى باقية فيهم إلى الآن، وهم بقية أبناء العرب، يقولون أخذت أخذه، وضربت ضربه، وحكى نحو ذلك عنهم الأخفش سعيد، وإنما أميلت لشبه الهاء بالألف لخفائهما واتحاد مخرجهما، وخص هاء التأنيث بذلك حملا لها على ألف التأنيث لتآخيهما فى ذلك، وكون ما قبلهما لا يكون إلا مفتوحا أو ألفا، ولم تقع الإمالة فى الهاء الأصلية، نحو:
{(وَلَمََّا تَوَجَّهَ)}.
وإن كانت تقع فى الألف الأصلية، لأن الألف أميلت، لأن أصلها الياء، والهاء لا أصل لها فى ذلك، وكذا لا تقع فى هاء الضمير نحو:
{(فَمَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ)}.
ليقع الفرق بين هاء التأنيث وغيرها، والهاء من هذه لا يحتاج إلى إمالة، لأن قبلها كسر، والله أعلم.
وكذا لا تمال هاء السكت نحو:
{(كِتََابِيَهْ)}.
لأن من ضرورة إمالتها كسر ما قبلها، وهى إنما أتى بها بيانا للفتحة قبلها، ففي إمالتها مخالفة للحكمة التى اجتلبت لأجلها، قال الدانى فى كتاب الإمالة: والنص عن الكسائى والسماع من العرب إنما ورد فى هاء التأنيث خاصة، قال: وقد بلغنى أن قوما من أهل الأداء منهم أبو مزاحم الخاقانى كانوا يجرونها مجرى هاء التأنيث فى الإمالة، وبلغ ذلك ابن مجاهد فأنكره أشد النكير، وقال فيه أبلغ قول، وهو خطأ بيّن، والله أعلم.
338 [وفى هاء تأنيث الوقوف وقبلها ... ممال الكسائى غير عشر ليعدلا]
احترز بقوله «هاء تأنيث» عن هاء السكت وهاء الضمير، وقد تقدم بيان ذلك، والوقوف مصدر بمعنى الوقف، وأضاف هاء التأنيث إليه احترازا من الهاء فى:
(هذه).
فإنها هاء تأنيث، لكنها لا تزال هاء: وقفا ووصلا، فأراد أن الإمالة واقعة فى هاء التأنيث التى هى فى الوقف
هاء، وفى الوصل تاء، سواء كانت مرسومة فى المصحف بالتاء أو بالهاء، لأن من مذهب الكسائى الوقف على جميع ذلك بالهاء، على ما يأتى بيانه، فإن قلت: ما وجه إضافة التأنيث إلى الوقوف؟ قلت: لم يضف التأنيث وحده، فإن التأنيث من حيث هو التأنيث وقفا ووصلا، وإنما أضاف إلى الوقوف ما يخصه، وهو كون حرف التأنيث صار هاء، فيكون من باب قولهم: حب رمانى، لم يضف إلى الياء الرمان وحده، وإنما أضاف حب الرمان، وقد تقدم بيان ذلك فى شرح قوله «أبو عمرهم» ويدخل تحت قوله «هاء تأنيث» ما جاء على لفظها، وإن لم يكن المقصود بها الدلالة على التأنيث، كهمزة:(2/242)
فإنها هاء تأنيث، لكنها لا تزال هاء: وقفا ووصلا، فأراد أن الإمالة واقعة فى هاء التأنيث التى هى فى الوقف
هاء، وفى الوصل تاء، سواء كانت مرسومة فى المصحف بالتاء أو بالهاء، لأن من مذهب الكسائى الوقف على جميع ذلك بالهاء، على ما يأتى بيانه، فإن قلت: ما وجه إضافة التأنيث إلى الوقوف؟ قلت: لم يضف التأنيث وحده، فإن التأنيث من حيث هو التأنيث وقفا ووصلا، وإنما أضاف إلى الوقوف ما يخصه، وهو كون حرف التأنيث صار هاء، فيكون من باب قولهم: حب رمانى، لم يضف إلى الياء الرمان وحده، وإنما أضاف حب الرمان، وقد تقدم بيان ذلك فى شرح قوله «أبو عمرهم» ويدخل تحت قوله «هاء تأنيث» ما جاء على لفظها، وإن لم يكن المقصود بها الدلالة على التأنيث، كهمزة:
(لمزة كاشفة بصيرة).
ولهذا قال صاحب التيسير: اعلم أن الكسائى كان يقف على هاء التأنيث وما ضارعها فى اللفظ بالإمالة، ومثل المضارع بما ذكرناه وغيره، فقوله «وما قبلها» أى وفى الحروف التى قبلها، وممال بمعنى الإمالة كمقام بمعنى إقامة، أى أنّ إمالة الكسائى واقعة في هاء التأنيث فى الوقف وفى الحرف الذى قبلها لقرب الهاء من الياء ولقرب ما قبلها من الكسرة، كما يفعل مثل ذلك فى إمالة الألف لا بدّ من تقريب ما قبلها من الكسر، ويوصف ذلك بأنه إمالة له، وعلى ذلك شرحنا قوله وراء:
(تراءى).
فإن قلت: لمّا ذكر فى الباب المتقدم إمالة الألفات: لم ينص على إمالة ما قبلها من الحروف، فلم ينص هنا على إمالة الحرف الذى قبل هاء التأنيث؟ قلت: لأن الألف الممالة لم يستثن من الحروف الواقعة قبلها شيء، وهنا بخلاف ذلك على ما ستراه.
قوله «غير عشر» مستثنى من موصوف قبلها المحذوف، والتقدير وفى الحروف التى قبلها غير عشرة من تلك الحروف، فإنه لم يملها، ومن ضرورة ذلك أن لا يميل الهاء، وإنما أنث لفظ عشر، وإن كان الوجه تذكيره، لأن معدوده حروف وهى مذكرة، لأنها جمع حرف، من أجل أن تلك الحروف عبارة عن حروف الهجاء، وأسماء حروف الهجاء جاء فيها التذكير والتأنيث، فأجرى ذلك فى العبارة عنها اعتبارا بالمدلول لا اعتبارا باللفظ، والعرب تعتبر المدلول تارة، والعبارة أخرى كقوله:
وأنّ كلابا هذه عشر أبطن
فأنث أبطنا، وهو جمع مذكر، وهو بطن، لما كان البطن بمعنى القبيلة، ولهذا تم البيت بقوله:
وأنت برىء من قبائلها العشر
وأشار بقوله ليعدلا إلى أن تلك الحروف تناسب الفتح دون الإمالة، فلهذا استثناها، ثم بين تلك الحروف العشرة فى كلمات جمعها فيها فقال:
339 [ويجمعها (حقّ ضغاط عص خظا) ... و (أكهر) ببعد الياء يسكن ميّلا]
أى يجمع تلك الحروف هذه الكلمات الأربع، وضغاط جمع ضغطة، وعص بمعنى عاص، وخظا بمعنى سمن، واكتنز لحمه، يشير إلى ضغطة القبر وهى عصرته والضيق فيه، والعاصى حقيق بذلك، ولا سيما
إذا كان سمينا، وكأنه يشير بالسمن إلى كثرة ذنوبه، كما يوصف من كثر ماله بذلك، والسمن الحقيقى مكروه فى ذاته لأهل الدين والعلم، لأنه يشعر غالبا بقلة اهتمامه بالآخرة وبالبلادة أيضا، والهم يذيب الجسم وينحفه، ولهذا جاء فى الحديث:(2/243)
339 [ويجمعها (حقّ ضغاط عص خظا) ... و (أكهر) ببعد الياء يسكن ميّلا]
أى يجمع تلك الحروف هذه الكلمات الأربع، وضغاط جمع ضغطة، وعص بمعنى عاص، وخظا بمعنى سمن، واكتنز لحمه، يشير إلى ضغطة القبر وهى عصرته والضيق فيه، والعاصى حقيق بذلك، ولا سيما
إذا كان سمينا، وكأنه يشير بالسمن إلى كثرة ذنوبه، كما يوصف من كثر ماله بذلك، والسمن الحقيقى مكروه فى ذاته لأهل الدين والعلم، لأنه يشعر غالبا بقلة اهتمامه بالآخرة وبالبلادة أيضا، والهم يذيب الجسم وينحفه، ولهذا جاء فى الحديث:
«أما علمت أنّ الله يبغض الحبر السّمين».
وقال النبى صلّى الله عليه وسلم فى ذم قوم:
«قليل فقه قلوبهم، وكثير شحم بطونهم».
قال العلماء: فيه تنبيه على أن الفطنة قل ما تكون مع كثرة اللحم، والاتصاف بالسمن والشحم، وفى أخبار الإمام الشافعى رضي الله عنه أنه قال: ما رأيت سمينا عاقلا قط إلّا رجلا واحدا، وفى رواية: «ما رأيت سمينا أخف روحا من محمد بن الحسن رضي الله عنه» ومثال ذلك:
(النّطيحة والحاقّة وقبضة وبالغة وحياة وبسطة والقارعة وخصاصة والصّاخّة وموعظة).
وهذه الحروف العشرة سبعة منها هى حروف الاستعلاء، تستعلى إلى الحنك الأعلى، فتناسب الفتح، وهى تمنع إمالة الألف فى الأسماء، فكيف لا تمنع إمالة الهاء التى هى مشبهة بها، فإن كان قبل حرف الاستعلاء كسرة فإن الإمالة جائزة فى الألف، نحو:
(ضعافا).
ولم يقرأ الكسائى بها فى هاء التأنيث نحو:
(القارعة).
والبالغة طردا للباب، ولأن الإمالة فى الهاء ضعيفة، فجاز أن يمنعها ما لا يمنع إمالة الألف، فإن فصل بين حرف الاستعلاء وبين الهاء فاصل جازت الإمالة، نحو:
(رقبة ومسبغة ونحلة وبطشة وعصبة).
والأحرف الثلاثة الباقية هى من حروف الحلق: الألف، والحاء، والعين، أما الألف فلأنها ساكنة لا يمكن كسرها، ولو كسر ما قبلها، لكانت الإمالة للألف لا للهاء، وأما الحاء والعين، فلأنها أقرب حروف الحلق إلى حروف الاستعلاء، فأعطيا حكمها، ثم قال: «وأكهر» أى حروف أكهر، وهى أربعة: الهمزة، والكاف، والهاء، والراء، إذا وقعت قبل هاء التأنيث، بعد ياء ساكنة أو كسرة أميلت، فذكر الباء فى هذا البيت، والكسر فى البيت الآتى، ويلزم من إمالة هذه الحروف إمالة الهاء بعدها، «والأكهر»: الشديد العبوس، يقال كهره: إذا استقبله بذلك، والكهر ارتفاع النهار مع شدة الحر، ويسكن فى موضع الحال من الياء والضمير فى ميلا: عائد على لفظ أكهر، دون معناه، وهما مبتدأ وخبر، وذكر ميلا معاملة للمضاف إليه بعد حذف المضاف لما أقيم مقامه، فهو من باب قوله تعالى:
(وكم من قرية أهلكناها فجاءها).(2/244)
والأحرف الثلاثة الباقية هى من حروف الحلق: الألف، والحاء، والعين، أما الألف فلأنها ساكنة لا يمكن كسرها، ولو كسر ما قبلها، لكانت الإمالة للألف لا للهاء، وأما الحاء والعين، فلأنها أقرب حروف الحلق إلى حروف الاستعلاء، فأعطيا حكمها، ثم قال: «وأكهر» أى حروف أكهر، وهى أربعة: الهمزة، والكاف، والهاء، والراء، إذا وقعت قبل هاء التأنيث، بعد ياء ساكنة أو كسرة أميلت، فذكر الباء فى هذا البيت، والكسر فى البيت الآتى، ويلزم من إمالة هذه الحروف إمالة الهاء بعدها، «والأكهر»: الشديد العبوس، يقال كهره: إذا استقبله بذلك، والكهر ارتفاع النهار مع شدة الحر، ويسكن فى موضع الحال من الياء والضمير فى ميلا: عائد على لفظ أكهر، دون معناه، وهما مبتدأ وخبر، وذكر ميلا معاملة للمضاف إليه بعد حذف المضاف لما أقيم مقامه، فهو من باب قوله تعالى:
(وكم من قرية أهلكناها فجاءها).
وشبهه، ولو عامل المضاف المحذوف لقال: ميلت، كما قال تعالى بعد ذلك:
{(أَوْ هُمْ قََائِلُونَ)}.
وإنما اختار الناظم ذلك لأجل القافية، فمثال الهمزة بعد الياء الساكنة:
(خطيئة هيئة وبعد الكسر خاطئة).
ومثال الكاف بعد الياء الساكنة:
(الأيكة وبعد الكسر الملائكة).
ومثال الهاء بعد الكسر:
(آلهة وفاكهة).
ولا مثال لها بعد الياء الساكنة فى القرآن، ومثال الراء بعد الياء:
(لكبيرة وصغيرة وبعد الكسر تبصرة والآخرة).
وقد ذكر الكسر قبل الأربعة فى قوله:
340 [أو الكسر والإسكان ليس بحاجز ... ويضعف بعد الفتح والضّمّ أرجلا]
إذا وقع بين الكسر وبين الراء حرف ساكن لم يكن ذلك بحاجز، أى بمانع للكسر من اقتضائه الإمالة، فكأنه قال: أو تقع هذه الحروف الأربعة بعد كسر يليها، أو بعد ساكن يليه كسر، ولا مثال لهذا فى الهمزة والكاف، وإنما مثاله فى الهاء، نحو: وجهة، وفى الراء، نحو عبرة وسدرة واختلف فى فطرة لأجل أن الساكن حرف الاستعلاء، فقوى المانع، وهذا وجه جيد، ويقويه ما يأتى فى الراءات فإنه اعتد به حاجزا فمنع الترقيق فكذا يمنع الإمالة ولكن هما بابان كل باب لقارئ فلا يلزم أحدهما مذهب الآخر، والكل جائز:
الإمالة والترك فى اللغة، ومثاله ترك ورش ترقيق راء عمران للعجمة، وابن ذكوان رققها تبعا لإمالة الألف بعدها، ولم ينظر إلى العجمة، ثم قال: ويضعف، يعنى أكهر: ضعفت حروفه عن تحمل الإمالة إذا وقعت بعد الفتح والضم، وأرجلا، جمع رجل، ونصبه على التمييز: استعار ذلك لما كان يقال لكل مذهب ضعيف هذا لا يتمشى، ونحوه، لأن الرجل هى آلة المشى، فمثال الهمزة بعد الفتح امرأة، فإن فصل بين الفتح وبين الهمزة فاصل ساكن فإن كان ألفا منع أيضا، نحو:
(براءة).
وإن كان غير ألف اختلف فيه نحو:
(سوأة).
وكهيئة والنشأة، قال الدانى: والقياس الفتح، كأنه أراد القياس على الألف، أو لأن الإسكان لمّا لم يحجز الكسر عن اقتضاء الإمالة فى نحو:
(عبرة).(2/245)
وكهيئة والنشأة، قال الدانى: والقياس الفتح، كأنه أراد القياس على الألف، أو لأن الإسكان لمّا لم يحجز الكسر عن اقتضاء الإمالة فى نحو:
(عبرة).
فكذا لا يحجز الفتح عن منع الإمالة فى نحو:
(سوأة).
مثال الكاف بعد الفتح نحو:
(مباركة والشّوكة).
سواء فى ذلك ما فيه فصل وما لا فصل فيه، وبعد الضمة نحو:
(التّهلكة).
ومثال الهاء بعد الفتح مع فصل الألف سفاهة ولا يقع غير ذلك، ومثال الراء بعد الفتح: شجرة، وثمرة وكذا مع فصل الألف وغيرها من الساكن، نحو سيارة ونضرة وبعد الضم مع الحاجز نحو عسرة، ومحشورة ويجمع ذلك كله أن تقع حروف أكهر بعد فتح أو ضم، بفصل ساكن وبغير فصل، فلهذا أطلق قوله بعد الفتح والضم، ووجه استثناء هذه الحروف الأربعة فى بعض الصور، أما الهمزة والهاء فمن حروف الحلق، فألحقا بالألف والحاء والعين والخاء والغين، وأما الكاف فقريبة من القاف فمنعت منعها، وأما الراء فلما فيها من التكرير، تشبه المستعلية، فمنعت، فأما إذا وقع قبل هذه الأحرف الأربعة كسرة أو ياء ساكنة، فإن أسباب الإمالة تقوى وتضعف المانع، فتمال الهاء، ثم مثل ما قبله ساكن بعد كسر، وما قبله كسر أو ياء ساكنة، فقال:
341 [لعبره مائه وجهه وليكة وبعضهم ... سوى ألف عند الكسائى ميّلا]
أراد قوله تعالى:
{(إِنَّ فِي ذََلِكَ لَعِبْرَةً)}.
فهذا مثال ما قبله ساكن بعد كسر ومثله ولكل وجهة ومثال ما قبله كسر:
{(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ} [1]).
ومثال ما قبله ياء:
{(أَصْحََابُ الْأَيْكَةِ} [2]).
ووقع فى نظم البيت:
(ليكة).
باللام، وهذا وإن كان قرئ به فى سورتى: الشعراء، وص (3) فليس صاحب الإمالة ممن قرأ هذه
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 66.
(2) سورة الحجر، آية: 78.
(3) سورة الشعراء، آية: 176وص، آية: 13.(2/246)
القراءة، فالأولى أن يقع المثال بما هو قراءة له، فيقال: وأيكة، بهمزة قبل الياء، ولا يضر حذف لام التعريف فإنها منفصلة من الكلمة تقديرا. ووجه ثان، وهو: أن الأيكة جاءت فى القرآن فى غير هاتين السورتين، غير مقروءة باللام بإجماع على ما فى التيسير ونظمه، فإذا وقع المثال بهمزة عم جميع المواضع، مع موافقة القراءة بخلاف التمثيل بقراءة اللام، ولعله أراد:
(الأيكة).
على قراءته، وإنما نقل حركة الهمزة إلى اللام لضرورة النظم، كما يقرأ ورش، فالصواب كتابته على هذه الصورة فى هذا البيت، ليشعر بذلك ولا يوهم أنه أراد تلك القراءة، فهو كقوله فى الأنعام:
(والآخرة).
المرفوع بالخفض وكلا والله أعلم.
ثم قال: وبعضهم: أى وبعض المشايخ من أهل الأداء: ميّل:
للكسائى جميع الحروف قبل هاء التأنيث مطلقا من غير استثناء شيء إلا الألف، قال صاحب التيسير:
والنص عن الكسائى فى استثناء ذلك معدوم، وبإطلاق القياس فى ذلك قرأت على أبى الفتح عن قراءته. ثم قال والأوّل أختار، إلّا ما كان قبل الهاء فيه ألف، فلا تجوز الإمالة فيه، وقال فى كتاب الإمالة: لم يستثن خلف عن الكسائى شيئا، وكذلك بلغنى عن أبى مزاحم الخاقانى، وكان من أضبط الناس لحرف الكسائى، وإليه ذهب أبو بكر ابن الأنبارى وجماعة من أهل الأداء والتحقيق، وبه قرأت على شيخنا أبى الفتح عن قراءته على أصحابه قال: وكان أبو بكر بن مجاهد وأبو الحسين بن المنادى، وأبو طاهر بن أبى هاشم وجميع أصحابهم: يخصون من ذلك بالفتح ما كان فيه قبل هاء التأنيث أحد عشرة: أحرف، فذكرها، ثم قال: جعلوا للهمزة والراء والكاف إذا وقعت قبل هاء التأنيث أحوالا، فأمالوا بعضا وفتحوا بعضا، ثم شرح ذلك على نحو ما تقدم، فأما الألف قبل هاء التأنيث فأتت فى عشر كلم:
(الصّلاة والزّكاة والحياة والنّجاة ومنوة وهيهات هيهات وذات ولات واللّات).
لأن الكسائى يقف على هذه الكلم الخمس بالهاء، وهو وغيره يقفون على ما عداها كذلك، فلا تمال الهاء فى هذه الكلم العشر، لأنه يلزم من ذلك إمالة الألفات، وهى لا تقبل الإمالة، لأنها من ذوات الواو فى بعضها، ومجهولة فى بعضها، ولا حظ للجميع فى الإمالة، فلو وقعت إمالة لظن أنها للألف، لا للهاء، لأن الألف هى الأصل فى الإمالة، والهاء فرع لها، ومشبهة بها، ألا ترى أن:
(تقاة ومرضات ومزجاة والتّوراة وكمشكاة).
معدودة فى باب إمالة الألف، لا فى باب إمالة الهاء، وذكر مكى فى مناة خلافا مبنيا على أصل الألف، واختار عدم الإمالة، وذكر الدانى فى ألف الحياة خلافا أنها منقلبة عن واو و، عن ياء، وإنما لم تمل على هذا القول لكونها مرسومة فى المصحف بالواو، والله أعلم.(2/247)
معدودة فى باب إمالة الألف، لا فى باب إمالة الهاء، وذكر مكى فى مناة خلافا مبنيا على أصل الألف، واختار عدم الإمالة، وذكر الدانى فى ألف الحياة خلافا أنها منقلبة عن واو و، عن ياء، وإنما لم تمل على هذا القول لكونها مرسومة فى المصحف بالواو، والله أعلم.
باب الراءات
أى باب حكم الراءات أو باب الإمالة الواقعة فى الراءات، وقد سبق إمالة الألفات والهاءات، وقد عبر فى هذا الباب عن الإمالة بالترقيق: تنبيها على أنها إمالة بين اللفظين، وقد عبر عنه الدانى فى التيسير بالإمالة، والترقيق من أسماء الإمالة، فلهذا قال الشاطبى: «وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا» وقد تقدم ذكر إمالة ورش لذوات الراء بين بين، وهذا الباب تتمة لمذهبه فى إمالة الراء، حيث لا يميلها غيره، وهو إذا لم يكن بعدها ألف، أو كان، ولكنها ألف غير طرف أو ألف تثنية نحو:
(فراش وساحران).
فقوله: «وما بعد راء شاع حكما» لا يدخل فيه هذان النوعان، لأن الإمالة المذكورة فى ذلك البيت للألف لا للراء، وجاءت إمالة الراء تبعا لها، والمذكور فى هذا الباب إمالة الراء لا الألف، فلم يضر وقوع ألف التثنية بعدها ولا غيرها، وإن كان قد خالف فى بعض هذا مخالف، على ما سنذكره إن شاء الله سبحانه، والله أعلم.
342 [ورقّق ورش كلّ راء وقبلها ... مسكّنة ياء أو الكسر موصلا]
رقق: أى أمال بين بين، قال فى التيسير: اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين، وكذا قال فى باب الإمالة، وقال مكى: كان ورش يرقق الراء، فيعلم من هذا الإطلاق أن الترقيق فى هذا الباب عبارة عن إمالة بين بين. ويستخرج من هذا أن إمالة الألفات بين بين، على لفظ الترقيق فى هذا الباب، على ما ينطق به قراء هذا الزمان، وقد نبهنا على ذلك فى شرح قوله: «وذو الراء ورش بين بين» فالمراد من ترقيق الراء تقريب فتحها من الكسرة، وقوله كل راء: يعنى ساكنة كانت أو متحركة بأى حركة تحركت على الشروط المذكورة، إلا ما يأتى استثناؤه، وقوله مسكنة: حال مقدمة لو تأخرت لكانت صفة للياء، والواو فى وقبلها للحال: أى رققها فى حال كون الياء الساكنة قبلها، نحو:
(غير والخير ولا ضير وميراث وفقيرا والمغيرات).
ولا يكون قبل الياء الساكنة إلا مفتوح أو مكسور، وقد مثلنا بالنوعين، ثم قال: أو الكسر، أى أو أن يكون قبل الراء كسر، نحو:
(الآخرة وباسرة والمدبّرات).
ولا فرق فى المكسور بين أن يكون حرف استعلاء أولا، وتقع حروف الاستعلاء قبلها إلا الغين نحو:
({نََاضِرَةٌ. إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ} قاصرات قطران).
ونحوه، فهذه ستة، ودخل ذلك كله تحت قوله: «كل راء» أى سواء توسطت أو تطرفت لحقها تنوين أو لم يلحقها، كان المكسور قبلها حرف استعلاء أو غير حرف استعلاء، فالراء مرققة محالة بين اللفظين لورش سواء وصل الكلمة أو وقف عليها، وقوله موصلا: حال من الكسر، أى: يكون الكسر موصلا بالراء فى كلمة واحدة، احترازا مما يأتى ذكره، وهو: الكسر العارض، والمفصل، والغرض من الإمالة والترقيق مطلقا
اعتدال اللفظ وتقريب بعضه من بعض، بأسباب مخصوصة، وأسباب ترقيق الراء هنا لورش: أن يكون قبلها ياء ساكنة، أو كسرة لازمة متصلة: لفظا أو تقديرا، والله أعلم.(2/248)
ونحوه، فهذه ستة، ودخل ذلك كله تحت قوله: «كل راء» أى سواء توسطت أو تطرفت لحقها تنوين أو لم يلحقها، كان المكسور قبلها حرف استعلاء أو غير حرف استعلاء، فالراء مرققة محالة بين اللفظين لورش سواء وصل الكلمة أو وقف عليها، وقوله موصلا: حال من الكسر، أى: يكون الكسر موصلا بالراء فى كلمة واحدة، احترازا مما يأتى ذكره، وهو: الكسر العارض، والمفصل، والغرض من الإمالة والترقيق مطلقا
اعتدال اللفظ وتقريب بعضه من بعض، بأسباب مخصوصة، وأسباب ترقيق الراء هنا لورش: أن يكون قبلها ياء ساكنة، أو كسرة لازمة متصلة: لفظا أو تقديرا، والله أعلم.
343 [ولم ير فصلا ساكنا بعد كسرة ... سوى حرف الاستعلا سوى الخا فكمّلا]
أى لم يعتد بالحرف الساكن الذى وقع فصلا بين الكسرة اللازمة والراء، فأعمل الكسرة ما تقتضيه من الترقيق، كأنها قد وليت الراء، وذلك نحو:
(إكراه وإكرام وسدرة).
فرقق لضعف الفاصل بسكونه، فإن كان الفاصل الساكن حرف استعلاء قوى المانع، فإنه لقوته فى منع الإمالة لا يضعف بكونه ساكنا كما يضعف غيره، ولا يقع كذلك من حروف الاستعلاء إلا: الصاد، والطاء، والقاف، نحو:
(إصرا وقطرا ووقرا).
واستثنى من حروف الاستعلاء الخاء، فلم يعتد بها فاصلا، نحو إخراجا، لأنها ضعفت عن أخواتها بالهمس، والصاد وإن كانت مهموسة إلا أنها مطبقة ذات صفير، فقويت فمنعت، فإن قلت: قوله: ولم ير:
من رؤية القلب، فأين مفعولاه؟ قلت: «فصلا» هو المفعول الثانى، وساكنا هو الأول، أى لم ير الساكن فصلا وقوله ساكنا: نكرة فى سياق النفى، فهى للعموم فاستثنى من ذلك العموم حروف الاستعلاء، فقوله حرف، بمعنى حروف اكتفى بالمفرد عن الجمع للدلالة على الجنس، ثم استثنى الخاء من هذا الجنس، فهو استثناء من استثناء، والاستثناء مغاير فى الحكم للمستثنى منه، فحروف الاستعلاء فاصلة، والخاء ليست فاصلة، فهو كقولك: خرج القوم إلا العبيد: إلا سالما، فيكون سالم قد خرج، وقصر الناظم لفظى الاستعلاء والخاء ضرورة، والضمير فى «ولم ير» وفى «فكملا» لورش، أى كمل حسن اختياره بصحة نظره حين اختزل الخاء من حروف الاستعلاء فرقق بعدها.
344 [وفخّمها فى الأعجمىّ وفى إرم ... وتكريرها حتّى يرى متعدّلا]
ذكر فى هذا البيت ما خالف فيه ورش أصله، فلم يرققه مما كان يلزم ترقيقه على قياس ما تقدم، والتفخيم ضد الترقيق، أى: وفخم ورش الراء فى الإسم الأعجمى، أى الذى أصله العجمة، وتكلمت العرب به ومنعته الصرف بسببه، والذى منه فى القرآن ثلاثة:
(إبراهيم وإسرائيل وعمران).
كان يلزمه ترقيق رائها، لأن قبلها ساكنا بعد كسرة، وليس الساكن حرف استعلاء، ثم قال «وفى إرم» أى وفخم الراء فى:
{(إِرَمَ ذََاتِ الْعِمََادِ} [1]).
__________
(1) سورة الفجر، آية: 7.(2/249)
وكان يلزمه ترقيقها، لأنها بعد كسرة، وإرم أيضا اسم أعجمى، وقيل عربى، فلأجل الخلاف فيه أفرده بالذكر، ووجه تفخيم ذلك كله التنبيه على العجمة، ورقق أبو الحسن بن غلبون:
(إرم).
لأن الكسرة وليت الراء، بخلاف البواقى، وأما:
(عزير).
فلم يتعرضوا له، وهو أعجمى، وقيل عربى على ما يبين فى سورته، فيتجه فيه خلاف مبنى على ذلك، ثم قال: وتكريرها، أى وفخم الراء أيضا فى حال تكريرها، أو فى ذى تكريرها، أى فى الكلمة التى تكررت الراء فيها، يعنى إذا كان فى الكلمة راءان نحو:
(فرارا وضرارا ولن ينفعكم الفرار وإسرارا ومدرارا).
لم ترقق الأولى، وإن كان قبلها كسرة لأجل الراء التى بعدها، فالراء المفتوحة والمضمومة تمنع الإمالة فى الألف، كما تمنع حروف الاستعلاء، فكذا تمنع ترقيق الراء، وقوله حتى يرى متعدلا، يعنى اللفظ وذلك أن الراء الثانية مفخمة، إذ لا موجب لترقيقها، فإذا فخمت الأولى اعتدل اللفظ وانتقل اللسان من تفخيم إلى تفخيم، فهو أسهل، والله أعلم.
345 [وتفخيمه ذكرا وسترا وبابه ... لدى جلّة الأصحاب أعمر أرحلا]
ذكر فى هذا البيت ما اختلف فيه مما فصل فيه بين الكسر والراء ساكن غير حرف استعلاء، فذكر مثالين على وزن واحد، وهما:
(ذكرا وسترا).
ثم قال: «وبابه» أى وما أشبه ذلك، قال الشيخ «وبابه» يعنى به كل راء مفتوحة لحقها التنوين، وقبلها ساكن قبله كسرة نحو:
(حجرا وصهرا وشيئا إمرا ووزرا).
فالتفخيم فى هذا هو مذهب الأكثر، ثم علل ذلك بأن الراء قد اكتنفها الساكن والتنوين، فقويت أسباب التفخيم، قلت: ولا يظهر لى فرق بين كون الراء فى ذلك مفتوحة أو مضمومة، بل المضمومة أولى بالتفخيم، لأن التنوين حاصل مع ثقل الضم، وذلك قوله تعالى:
{(هََذََا ذِكْرٌ} [1]).
فإن كان الساكن الذى قبل الراء قد أدغم فيها، فالترقيق بلا خلاف نحو:
(سرّا ومستقرّا).
__________
(1) سورة ص، آية: 49.(2/250)
لأن الكسرة كأنها وليت الراء من جهة أن المدغم فيه كالحرف الواحد، فالمدغم كالذاهب، ورقق أبو الحسن ابن غلبون جميع الباب إلا:
(مصرا وإصرا وقطرا).
من أجل حرف الاستعلاء، فألزمه الدانى:
(وقرا).
ومنهم من لم يرقق:
(إلّا صهرا).
لخفاء الهاء، وفخم أبو طاهر بن أبى هاشم، وعبد المنعم بن غلبون وغيرهما أيضا من المنون نحو:
(خبيرا وبصيرا ومدبرا وشاكرا).
مما قبل الراء فيه ياء ساكنة أو كسرة فكأنه قياس على:
(ذكرا وسترا).
قال الدانى: وكان عامة أهل الأداء من المصريين يميلونها فى حال الوقف، لوجود الجالب لإمالتها فى الحالين وهو الياء والكسرة، وهو الصواب، وبه قرأت، وبه آخذ، وقال فى:
(ذكرا وسترا).
أقرأنى ذلك غير أبى الحسن بن غلبون بالفتح، وعليه عامة أهل الأداء من المصريين وغيرهم، وذلك على مراد الجمع بين اللغتين، قلت: فحصل من هذا أن المنصوب المنون الذى قبل رائه ما يسوغ ترقيقها: على ثلاثة أقسام ما يرقق بلا خلاف، وهو نحو:
(سرّا ومستقرّا).
وما يرقق عند الأكثرين، وهو نحو:
(خبيرا وشاكرا).
وما يفخم عند الأكثر وهو نحو:
(ذكرا وسترا).
وقلت فى ذلك بيتا جمع الأنواع الثلاثة على هذا الترتيب، وهو:
وسرا رقيق قل خبيرا وشاكرا ... للاكثر ذكرا فخم الجلة العلا
وكأنهم اختاروا تفخيم هذا النوع، لأنه على وزن ما لا يمال، نحو:
(علما وحملا).(2/251)
وسرا رقيق قل خبيرا وشاكرا ... للاكثر ذكرا فخم الجلة العلا
وكأنهم اختاروا تفخيم هذا النوع، لأنه على وزن ما لا يمال، نحو:
(علما وحملا).
والخلاف فى ذلك إنما هو فى الأصل، ولهذا عد التنوين مانعا، أما فى الوقف فعند بعضهم لا خلاف فى الترقيق لزوال المانع، وقال أبو الطيب بن غلبون: اختلف عن ورش فى الوقف، فطائفة يقفون بين اللفظين وطائفة يقفون بالفتح من أجل الألف التى هى عوض من التنوين، والله أعلم.
والجلة: جمع جليل، وأرحلا جمع رحل، ونصبه على التمييز، وتفخيمه مبتدأ، وأعمر أرحلا خبره، وعمارة الرحل توزن بالعناية والتعاهد له، فكأنه أشار بهذه العبارة إلى اختيار التفخيم عند جلة الأصحاب من مشايخ القراء، وبابه النصب، عطف على مفعول تفخيم.
346 [وفى شرر عنه يرقّق كلّهم ... وحيران بالتّفخيم بعض تقبّلا]
أراد قوله تعالى:
{(إِنَّهََا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [1]).
رقق كل الأصحاب عن ورش راءه الأولى، لأجل كسر الثانية، وهذا خارج عن الأصل المقدم، وهو ترقيق الراء لأجل كسر قبلها، وهذا لأجل كسر بعدها، وكسرة الراء تعد بكسرتين لأجل أنها حرف تكرير، قال الدانى: لا خلاف عن ورش فى إمالتها وإن وقف عليها، قال: وقياس ذلك عند قوله فى النساء:
{(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [2]).
غير أن أصحابنا يمنعون من إمالة الراء فيه من أجل وقوع الصاد، وهى حرف استعلاء قبلها، قال: وليس ذلك مما يمنع من الإمالة هاهنا لقوة جرة الراء، كما لم يمنع منها لذلك فى نحو:
(الغار وأنصار وكالفخّار وبقنطار).
وشبهه، مع أن سيبويه قد حكى إمالة راء الضرر سماعا، وعليه أهل الأداء غير أنى بالفتح قرأت ذلك، وبه آخذ، قال وأجمعوا عنه على تفخيمها فى قوله تعالى:
{(عَلى ََ سُرُرٍ)}.
حيث وقع، قال: وقياس ما أجمعوا عليه عنه من ترقيقها فى قوله:
{(بِشَرَرٍ)}.
لأجل جرة الراء بعدها يوجب ترقيقها هنا، قال: وزادنى ابن خاقان فى الاستثناء إخلاص الفتح للراء فى قوله:
{(حَيْرََانَ)}.
فى الأنعام (3) قال: وقرأت على غيره بالترقيق، قال: وهو القياس من أجل الياء وقد ذهب إلى التفخيم جماعة من أهل الأداء، وقال: قرأت بالوجهين فى:
__________
(1) سورة المرسلات، آية: 32.
(2) آية: 95.
(3) الآية: 71.(2/252)
(حيران وإجرامى وعشيرتكم).
فى سورة براءة خاصة (1) قلت: وعلل بعضهم تفخيم حيران بالألف والنون فيه، فى مقابلة ألف التأنيث فى حيرى، وإذا وقعت الراء قبل ألف حيرى رققت، لأجل الألف الممالة، لا لأجل الياء، فكما لم يكن للحاء حكم مع وجود الألف فى حيرى، لم يكن لها حكم مع وجود الألف والنون فى حيران، قلت: وهذا كلام ضعيف لمن تأمله، ثم قال: ونظير ارتفاع حكم الياء مع الألف الممالة ارتفاع حكم الكسرة معها فى نحو:
{(ذِكْرَى الدََّارِ)}.
ألا ترى أنك إذا وقفت رققت، وإذا وصلت فخمت، قلت: وهذا ممنوع، بل إذا وصل رقق لأجل الكسرة، وإذا وقف أمال تبعا للألف، وقد سبق التنبيه على هذا فى باب الإمالة، والله أعلم.
347 [وفى الرّاء عن ورش سوى ما ذكرته ... مذاهب شذّت فى الأداء توقّلا]
توقلا: تمييز، يقال: توقل فى الجبل إذا صعد فيه، أى شذ ارتفاعها فى طرق الأداء، ولفظة الأداء كثيرة الاستعمال بين القراء، ويعنون بها تأدية القراء القراءة إلينا بالنقل عمن قبلهم، كأنه لما ذكر هذه المواضع المستثناة من الأصل المتقدم، قال: وثم غير ذلك من المواضع المستثناة اشتمل عليها كتب المصنفين، فمن تلك المذاهب ما حكاه الدانى عن شيخه أبى الحسن بن غلبون: أنه استثنى تفخيم كل راء بعدها ألف تثنية نحو:
(طهّرا وساحران).
أو ألف بعدها همزة نحو:
{(افْتِرََاءً عَلَيْهِ)}.
أو بعدها عين نحو:
(سراعا وذراعا وذراعيه).
وفخم قوم إذا كان بين الراء وبين الكسر ساكن: نحو:
(جذركم وذكركم ولعبرة).
مطلقا، ومنهم من اقتصر على تفخيم:
(وزر).
حيث وقع، ومنهم من اقتصر على:
(وزرك ذكّرك).
ومنهم من فخم فى موضعين، وهما: عشرون:
(كبره و {مََا هُمْ بِبََالِغِيهِ}).
__________
(1) الآية: 24.(2/253)
248 [ولا بدّ من ترقيقها بعد كسرة ... إذا سكنت يا صاح للسّبعة الملا]
أى إذا سكنت الراء وقبلها كسرة رققت لجميع القراء، نحو:
(مرية وشرذمة واصبر ويغفر وفرعون).
قالوا: لأن الحركة مقدرة بين يدى الحرف، وكأن الراء هنا مكسورة، ولو كانت مكسورة لوجب ترقيقها، على ما يأتى، ومن ثم امتنع ترقيق نحو:
(مرجع).
لأن الكسرة تبعد عنها، إذا كانت بعدها، وتقرب منها إذا كانت قبلها، بهذا الاعتبار، قل: ومن ثم همزت العرب نحو مؤسى والسؤق، لما كانت الضمة كأنها على الواو، والواو المضمومة بجوز إبدالها همزة، فأجروا الساكنة المضموم ما قبلها مجرى المضمومة لهذه العلة، وكثر فى نظم العرب ومن بعدهم قوله يا صاح، ومعناه: يا صاحب، ثم رخم كما قرأ بعضهم:
{(يََا مََالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنََا رَبُّكَ} [1]).
قال إلا أن ترخيم صاحب من الشذوذ المستعمل لأنه غير علم بخلاف مالك ونحوه والملا الأشراف.
349 [وما حرف الاستعلاء بعد فراؤه ... لكلّهم التفخيم فيها تذلّلا]
أى واللفظ الذى وقع فيه حرف الاستعلاء بعد رائه فراء ذلك اللفظ تذلل التفخيم فيها لكلهم، أى انقاد بسهولة، لأن التفخيم أليق بحروف الاستعلاء من الترقيق، لما يلزم المرقق من الصعود بعد النزول، وذلك شاق مستثقل وحرف الاستعلاء إذا تأخر منع الإمالة مطلقا، بخلافه إذا تقدم، فإنه لا يمنع إلا إذا لم يكن مكسورا، أو ساكنا، بعد مكسور وهذا البيت مشكل النظم فى موضعين: أحدهما أن «ما» فى أوله عبارة عن «ماذا»، والثانى الهاء فى «راؤه» إلى ماذا تعود؟ والذى قدمته من المعنى هو الصواب إن شاء الله تعالى، وهو أن «ما» عبارة عن اللفظ الذى فيه الراء بعد كسر، والهاء فى «راؤه» تعود على ذلك اللفظ، وقال الشيخ فى شرحه: يعنى والذى بعده من الراءات حرف الاستعلاء، فراؤه إن شئت رددت الضمير إلى «ما» وإن شئت أعدته على حرف الاستعلاء، قلت:
كلاهما مشكل، فإن ما مبتدأ، وقد جعلها عبارة عن الراء، فإذا عادت الهاء إلى ما يصير التقدير، فراء الراء، وذلك فاسد، لأنه من باب إضافة الشيء إلى نفسه، وذلك لا يجوز، وإن عادت إلى حرف الاستعلاء بقى المبتدأ بلا عائد يعود إليه، ثم جمع حروف الاستعلاء، فقال:
350 [ويجمعها قظ خصّ ضغط وخلفهم ... بفرق جرى بين المشايخ سلسلا]
أى يجمعها هذه الكلمات، فهى سبعة أحرف، وربما ظن السامع أن جميعها يأتى بعد الراء فيطلب أمثلة ذلك فلا يجد بعضه، إنما أراد الناظم أى شىء وجد منها بعد الراء منع، والواقع منها فى القرآن فى هذا الغرض أربعة:
الصاد، والضاد، والطاء، والقاف، ولم يقع: الخاء، والظاء، والغين، ولو أنه قال:
__________
(1) سورة الزخرف، آية: 77.(2/254)
وما بعده صاد وضاد وطا وقا ... ف فخم لكل خلف فرق تسلسلا
لبان أمر البيتين فى بيت واحد، وخلصنا من إشكال العبارتين فيهما، والله أعلم.
أما الصاد فوقعت بعد الراء الساكنة بعد كسر، وهى المرققة لجميع القراء، فمنعت الترقيق حيث وقعت، نحو:
(إرصادا ولبالمرصاد).
وأما الضاد فوقعت فى مذهب ورش فى نحو:
(إعراضا وإعراضهم).
وأما الطاء والقاف فوقعا فى الأمرين، نحو:
(قرطاس وفرقة وصراط وفراق).
وليس من شرط منع حرف الاستعلاء أن يلى الراء، بل يمنع وإن فصل بينهما الألف، ولا يقع فى مذهب ورش إلا كذلك غالبا، نحو:
(صراط وفراق وإعراض).
حتى نص مكى فى التبصرة على أن:
{(حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)}.
لا ترقق فى الوصل لأجل صاد:
(صدورهم).
فإن وقفت على:
(حصرت).
وقفت لزوال المانع، قلت: وتفخيم راء:
(حصرت) لأجل صاد (صدورهم).
بعيد، لقوة الفاصل، وهو التاء، بخلاف فصل الألف، ولأن حرف الاستعلاء مفصل من الكلمة التى فيها الراء فلا ينبغى أن يعتبر ذلك إلا فى كلمة واحدة، وعلى قياس ما ذكروه يجب التفخيم فيها إذا كانت الراء آخر كلمة، وحرف الاستعلاء أول كلمة بعدها، نحو:
{(لِتُنْذِرَ قَوْماً} {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} {وَلََا تُصَعِّرْ خَدَّكَ} {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا)}.
والتفخيم فى هذا يكون أولى عن التفخيم فى:
{(حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)}.
لوجود الفاصل فى حصرت دون ما ذكرناه، ولا أثر للصاد فى حصرت، فإنها مكسورة، فلا تمنع، لأنها مثل:
(تبصرون).(2/255)
لوجود الفاصل فى حصرت دون ما ذكرناه، ولا أثر للصاد فى حصرت، فإنها مكسورة، فلا تمنع، لأنها مثل:
(تبصرون).
والأظهر الترقيق فى الجميع، قياسا للمانع على المقتضى، وسيأتى فى البيت بعد هذا أن ما جاء بعد الكسر المفصل فلا ترقيق فيه، فلم ينظر إلى المفصل ترقيقا، فلا ينظر أيضا إلى المفصل تفخيما، فيعطى كل كلمة حكمها، والله أعلم.
ومعنى قوله «قظ خص ضغط» أى: أقم فى القيظ فى خص ذى ضغط، أى خص ضيق، أى اقنع من الدنيا بمثل ذلك وما قاربه، واسلك طريقة السلف الصالح، فقد جاء عن أبى وائل شقيق بن سلمة رحمة الله عليهما، وهو من المخضرمين وأكابر التابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما نحو من ذلك، قال عبد الله بن عمير: كان لأبى وائل خص من قصب، يكون فيه هو ودابته، فإذا غزا نقضه، وإذا رجع بناه وأما قوله فى الشعراء:
{(فَكََانَ كُلُّ فِرْقٍ} [1]).
فالراء فيه رقيقة لوقوعها بين كسرتين، وضعف منع حرف الاستعلاء بسبب كسره، ونقل الاتفاق على ترقيق هذا الحرف مكى وابن شريح وابن الفحام.
قال الشيخ رحمه الله: وفخمها بعضهم لمكان حرف الاستعلاء، قال الحافظ أبو عمرو: والوجهان جيدان قال: وإلى هذا أشار بقوله جرى بين المشايخ سلسلا، قلت: وقال الدانى فى كتاب الإمالة: كان شيخنا أبو الحسن يرى إمالة الراء فى قوله:
(والإشراق).
لكون حرف الاستعلاء فيه مكسورا، قال: فعارضته بقولى:
(إلى صراط).
وألزمته الإمالة فيه، قال: ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء لقراءة ورش عن نافع من المصريين وغيرهم فى إخلاص فتح الراء فى ذلك، وإنما قال ذلك شيخنا رحمه الله فيما أحسبه قياسا دون أداء، لاجتماع الكل على خلاف ما قاله، والله أعلم.
351 [وما بعد كسر عارض أو مفصّل ... ففخّم فهذا حكمه متبذّلا]
أى والذى يوجد من الراءات بعد كسر عارض، وهو كسر ما حقه السكون، ككسر همزة الوصل، نحو:
(امرأة وارجعوا).
إذا ابتدأت، وكسرة التقاء الساكنين، نحو:
{(وَإِنِ امْرَأَةٌ} {أَمِ ارْتََابُوا} {يََا بُنَيَّ ارْكَبْ)}.
__________
(1) آية: 63.(2/256)
إذا وصلت، أو بعد كسر مفصل، أى يكون الكسر فى حرف مفصل من الكلمة التى فيها الراء لفظا أو تقديرا، نحو ما سبق من كسرة التقاء الساكنين نحو:
(لحكم ربّك بحمد ربّهم وبرسول ولرسول).
لأن حروف الجر فى حكم المنفصل من الكلمة الداخلة هى عليها، لأن الجارّ مع مجروره كلمتان: حرف، واسم، فلعروض الكسرة فى القسم الأول، وتقدير انفصال الراء عن الكسرة فى الثانى، فخمها ورش فى المتحركة، وجميع القراء فى الساكنة، قال ابن الفحام: لم يعتد أحد بالكسرة فى قوله:
(بربّهم ولا بروح القدس ولا فى ارجعوا).
قال: وأما المبتدأة، فلا خلاف فى تفخيمها، نحو:
(أرأيت).
قلت: فيعلم من هذا أن نحو قوله تعالى:
{(مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ} {الَّذِي رُزِقْنََا)}.
لا ترقق، وإن كان قبل الراء ياء ساكنة، لأنها منفصلة عنها، ولم ينبه الناظم على الياء المنفصلة، كما نبه على الكسر المفصل، وقد نبه عليه غيره، والله أعلم.
وقوله متبذلا: حال، يشير إلى أن التفخيم مشهور عند القراء، مبذول بينهم.
352 [وما بعده كسر أو اليا فما لهم ... بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا]
أى وما وقع من الراءات بعده كسرة أو ياء، على ضد ما سبق، لأن الذى تقدم الكلام فيه أن تكون الراء بعد كسر أو ياء، وليس هذا على عمومه، بل مراده أن ما حكوا ترقيقه مما بعده كسر أو ياء لا نص لهم فيه، والذى حكوا ترقيقه من ذلك نحو:
(مريم ولفظ المرء).
وعموم ما ذكره فى هذا البيت يجيء فى الراء الساكنة، نحو:
(مريم ويرجعون).
ولا تكون الياء بعدها إلا متحركة نحو:
(لبشرين والبحرين وإلى ربّهم).
وكان القياس يقتضى أن هذا كله يرقق، كما لو تقدمت الياء أو الكسر، فإن الترقيق إمالة، وأسباب إمالة الألف تكون تارة بعدها، وهو الأكثر وتارة قبلها، فينبغى أن تكون الراء كذلك، ولكن عدم النص فى ترقيق مثل ذلك، ونقل مكى الترقيق فى نحو:
(مريم وقرية).
فقال: أما الراء الساكنة فلا اختلاف فيها أنها غير مغلظة إذا كان قبلها كسرة لازمة، أو بعدها ياء نحو:(2/257)
(مريم وقرية).
فقال: أما الراء الساكنة فلا اختلاف فيها أنها غير مغلظة إذا كان قبلها كسرة لازمة، أو بعدها ياء نحو:
(مريم وفرعون قال ونقلت بين المرء).
بالتغليظ وتركه لورش وللجماعة بالتغليظ، قال الدانى على الترقيق عامة أهل الأداء من المصريين القدماء، قال: والقياس إخلاص فتحها لفتحة الميم قبلها، قوله: فيمثلا، أى فيظهر، ثم قال:
353 [وما لقياس فى القراءة مدخل ... فدونك ما فيه الرّضا متكفّلا]
أى لو فتح قياس ما بعد الراء على ما قبلها لا تسع الأمر فى ذلك، فيقال: يلزم من إمالة:
(مريم إمالة نحو يرتع).
فلا فرق بين أن تكون الياء المفتوحة بعد الراء وقبلها، بل مراعاة ما قبلها أولى، بدليل أن الياء الساكنة اعتبرت قبل الراء، ولم تعتبر بعدها نحو:
{(وَجَرَيْنَ بِهِمْ)}.
وقد اعتذر قوم عن ذلك بما فيه تكلف، ولو رققت الراء من:
(يرتع).
لرققت لورش فى نحو:
(يرون).
فدونك ما فيه الرضى: أى ما نقل ترقيقه وارتضاه الأئمة متكفلا بتقديره وإظهاره للطلبة، أى خذه والزمه متكفلا به، ويجوز أن يكون متكفلا حالا من ما، وهو المفعول، أى خذ الذى تكفل بالرضى للقراء، والمعنى أنهم يرضون هذا المذهب دون غيره، وأما نفى أصل القياس فى علم القراءة مطلقا فلا سبيل إليه، وقد أطلق ذلك أبو عمرو الدانى فى مواضع، وقد سبقت عبارته فى:
{(بَيْنَ الْمَرْءِ)}.
بأن القياس إخلاص فتحها، وقال فى آخر باب الراءات من كتاب الإمالة: فهذه أحكام الوقف على الراءات على ما أخذناه عن أهل الأداء، وقسناه على الأصول إذ عدمنا النص فى أكثر ذلك، واستعمل ذلك أيضا فى بيان إمالة ورش الألف بين اللفظين فى مواضع كثيرة فى كتاب الإمالة وغيره.
354 [وترقيقها مكسورة عند وصلهم ... وتفخيمها فى الوقف أجمع أشملا]
يعنى إذا كانت الراء مكسورة، فكلهم يرققها إذا وقعت وسطا مطلقا نحو:
(قادرين والصّابرين).
أو أولا نحو:
(ريح ورجال).
وإن وقعت الراء المكسورة آخر كلمة رققت للجميع فى الوصل، سواء كان الكسر أصلا أو عارضا نحو:(2/258)
(ريح ورجال).
وإن وقعت الراء المكسورة آخر كلمة رققت للجميع فى الوصل، سواء كان الكسر أصلا أو عارضا نحو:
{(مِنْ أَمْرِ اللََّهِ} و {أَنْذِرِ النََّاسَ)}.
فإن وقفت زالت كسرة الراء الموجبة لترقيقها، فتفخم حينئذ، وفيه إشكال، فإن السكون عارض، وقد تقدم فى باب الإمالة أن السكون العارض فى الوقف لا يمنع الإمالة، فيتجه مثل ذلك هنا، وقد أشار إليه مكى فقال: أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول، وبعضه أخذ سماعا، ولو قال قائل إننى أقف فى جميع الباب كما أصل، سواء سكنت أو رمت، لكان لقوله وجه، لأن الوقف عارض، والحركة حذفها عارض، وفى كثير من أصول القراءات لا يعتدون بالعارض، قال فهذا وجه من القياس مستتب، والأول أحسن، قلت: وقد ذكر الحصرى الترقيق فى قصيدته فقال:
وما أنت بالترقيق واصله ... فقف عليه به إذ لست فيه بمضطر
ويمكن الفرق بين إمالة الألف وترقيق الراء، بأن إمالة الألف أقوى وأقيس وأفشى فى اللغة من ترقيق الراء، بدليل أن الألف تمال ولا كسر يجاورها، كذوات الياء، ويمال أيضا نحو:
(خاف).
لأن الخاء قد تكسر إذا قيل خفت، فاتسع فى إمالة الألف كثيرا، فجاز أن يمنع الأضعف ما يمنع الأقوى، لكن يضعف هذا الفرق نصهم على ترقيق الراء الأولى من:
(شرر).
فى الوقف، فهذا دليل على اعتبار الكسر فيها بعد ذهابه بسكون الوقف، قالوا: وترقيق الثانية لأجل إمالة الأولى، وهذا دليل على عدم اعتبار الكسر فيها، وإلا لآثر فى نفسها الترقيق ولم يعتبر بإمالة ما قبلها، ووجه ذلك: أن ترقيق الأولى أشبه إمالة الألف فى نحو:
(النّار).
وكلاهما رقق لكسرة بعده، فبقى الترقيق بعد زوال الكسرة فى الوقف كما تقدم فى الألف، وقوله:
وترقيقها مبتدأ، وخبره قوله: عند وصلهم، وأجمع أشملا: خبر قوله وتفخيمها، وأشملا تمييز، وهو جمع شمل والمعنى: هو أجمع أشملا من ترقيقها إشارة إلى كثرة القائلين به وقلة من نبه على جواز الترقيق فيه، كما نبه عليه مكى، والحصرى، فإن قلت: ما تقول فى قوله تعالى:
{(فَالْفََارِقََاتِ فَرْقاً)}.
هل تمنع القاف من ترقيق الراء المكسورة؟ قلت: لا، لقوة مقتضى الترقيق، وهو الكسر فى نفس الراء، وإنما يمنع حرف الاستعلاء ترقيق غير المكسورة، لأن مقتضى ترقيقها فى غيرها، فضعف، فقوى حرف الاستعلاء على منع مقتضاه، قال الدانى: أما الراء المكسورة فلا خلاف فى ترقيقها بأى حركة تحرك ما قبلها، ولا يجوز غير ذلك، والله أعلم.
355 [ولكنّها فى وقفهم مع غيرها ... ترقّق بعد الكسر أو ما تميّلا]
الضمير فى «ولكنها» للمكسورة، أى مع غيرها من الراءات: المفتوحة والمضمومة، والساكنة، ترقق فى الوقف إذا كان قبلها أحد أسباب ثلاثة، ذكر منها فى هذا البيت اثنين: الكسر، والإمالة، والثالث يأتى فى البيت الآتى، وهو الياء الساكنة، فمثال ذلك بعد الكسر:(2/259)
هل تمنع القاف من ترقيق الراء المكسورة؟ قلت: لا، لقوة مقتضى الترقيق، وهو الكسر فى نفس الراء، وإنما يمنع حرف الاستعلاء ترقيق غير المكسورة، لأن مقتضى ترقيقها فى غيرها، فضعف، فقوى حرف الاستعلاء على منع مقتضاه، قال الدانى: أما الراء المكسورة فلا خلاف فى ترقيقها بأى حركة تحرك ما قبلها، ولا يجوز غير ذلك، والله أعلم.
355 [ولكنّها فى وقفهم مع غيرها ... ترقّق بعد الكسر أو ما تميّلا]
الضمير فى «ولكنها» للمكسورة، أى مع غيرها من الراءات: المفتوحة والمضمومة، والساكنة، ترقق فى الوقف إذا كان قبلها أحد أسباب ثلاثة، ذكر منها فى هذا البيت اثنين: الكسر، والإمالة، والثالث يأتى فى البيت الآتى، وهو الياء الساكنة، فمثال ذلك بعد الكسر:
{(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ} {إِنَّمََا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} {فَانْتَصِرْ)}.
ومن ذلك ما كان بين الراء وبين الكسر فيه ساكن نحو الذكر والسحر والشعر:
نص عليه الدانى فى كتاب الإمالة، فكأن الشاطبى أراد بعد الكسر المؤثر فى مذهب ورش، وقد علم ذلك من أول الباب، ومثال ذلك بعد الإمالة:
{(عَذََابِ النََّارِ)}.
فى مذهب الدورى وأبى عمرو، و:
(بشرر).
فى مذهب ورش، نص عليه الدانى وغيره، وهو مشكل من وجه أن الراء الأولى إنما أميلت لكسرة الثانية فإذا اعتبرت الكسرة بعد سكون الوقف لأجل إمالة الأولى، فلم لا تعتبر لأجل ترقيقها فى نفسها؟ ولا يقع هذا المثال إلّا فى المكسورة وعلى مذهب بعض القراء، بخلاف المثال بعد الكسر، فإنه وقع فى أنواع الراء الأربعة وفى مذهب جميع القراء، وسبب الترقيق سكون الراء بعد الكسر أو ما يناسبه، وهو الإمالة وقد سبق قوله:
ولا بد من ترقيقها بعد كسرة، وهذا الاستدراك المفهوم من قوله: ولكنها لأجل قوله فى البيت السابق وتفخيمها فى الوقف أجمع أشملا، فكأنه استثنى من هذا فقال: إلا أن تكون بعد كسر أو حرف تميّل، ثم ذكر الياء الساكنة فقال:
356 [أو الياء تأتى بالسّكون ورومهم ... كما وصلهم فابل الذّكاء مصقّلا]
لا تقع الراء الساكنة بعد الياء الساكنة، وإنما تقع بعدها الراء المتحركة بالحركات الثلاث فى قراءة جميع القراء، نحو:
{(ذََلِكَ خَيْرٌ} {وَمََا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)}.
ولا يستقيم التمثيل بالمنصوب المنون، فإن الوقف لا يكون فيه على الراء، بل على الألف المبدلة من التنوين، فيبقى الترقيق فيه لورش وحده بشرطه، هذا كله إذا وقفت على الراء بالسكون، فإن وقفت بالروم، على ما سيأتى شرحه، كان حكم الوقف حكم الوصل لأنه قد نطق ببعض الحركة، فترقق المكسورة للجميع وغيرها لورش بشرطه، ويفخم الباقى للجميع، وما فى قوله: كما زائدة أى رومهم كوصلهم وفابل، بمعنى: اختبر، ومصقلا نعت مصدر محذوف، أى بلاء مصقلا، أى مصقولا يشير إلى صحة الاختبار ونقائه مما يكدّره ويشوبه من التخاليط، فبذلك يتم الغرض فى تحرير هذه المسألة، لأنها مسائل متعدّدة عبر عنها بهذه العبارة الوجيزة، وبسط هذا أن نقول: لا تخلو الياء إما أن تكون مكسورة أو غير مكسورة، فإن كانت مكسورة رققت وصلا
وروما، وفخمت إن وقفت بالسكون، إلا فى ثلاث صور، وهى أن يكون قبلها كسر أو ياء ساكنة، فترقق لجميع القراء فى هاتين الصورتين، الصورة الثالثة: أن يكون قبلها إمالة، فترقق لأصحاب الإمالة دون غيرهم، وإن كانت غير مكسورة فهى مفخمة لجميع القراء وقفا بالسكون، إلا أن يكون قبلها أحد الثلاثة فالحكم ما تقدم فى الوصل والروم، مفخمة لغير ورش، مرققة لورش بعد الكسر والياء الساكنة على ما فى أول الباب، ولا يقع الروم فى المنصوبة، فاعتبر ذلك وقس عليه.(2/260)
ولا يستقيم التمثيل بالمنصوب المنون، فإن الوقف لا يكون فيه على الراء، بل على الألف المبدلة من التنوين، فيبقى الترقيق فيه لورش وحده بشرطه، هذا كله إذا وقفت على الراء بالسكون، فإن وقفت بالروم، على ما سيأتى شرحه، كان حكم الوقف حكم الوصل لأنه قد نطق ببعض الحركة، فترقق المكسورة للجميع وغيرها لورش بشرطه، ويفخم الباقى للجميع، وما فى قوله: كما زائدة أى رومهم كوصلهم وفابل، بمعنى: اختبر، ومصقلا نعت مصدر محذوف، أى بلاء مصقلا، أى مصقولا يشير إلى صحة الاختبار ونقائه مما يكدّره ويشوبه من التخاليط، فبذلك يتم الغرض فى تحرير هذه المسألة، لأنها مسائل متعدّدة عبر عنها بهذه العبارة الوجيزة، وبسط هذا أن نقول: لا تخلو الياء إما أن تكون مكسورة أو غير مكسورة، فإن كانت مكسورة رققت وصلا
وروما، وفخمت إن وقفت بالسكون، إلا فى ثلاث صور، وهى أن يكون قبلها كسر أو ياء ساكنة، فترقق لجميع القراء فى هاتين الصورتين، الصورة الثالثة: أن يكون قبلها إمالة، فترقق لأصحاب الإمالة دون غيرهم، وإن كانت غير مكسورة فهى مفخمة لجميع القراء وقفا بالسكون، إلا أن يكون قبلها أحد الثلاثة فالحكم ما تقدم فى الوصل والروم، مفخمة لغير ورش، مرققة لورش بعد الكسر والياء الساكنة على ما فى أول الباب، ولا يقع الروم فى المنصوبة، فاعتبر ذلك وقس عليه.
ثم أشار إلى أن الأصل التفخيم بقوله:
357 [وفيما عدا هذا الّذى قد وصفته ... على الأصل بالتّفخيم كن متعمّلا]
أى كن متعملا بالتفخيم على الأصل، ومتعملا بمعنى: عاملا، وفى الصحاح تعمّل فلان لكذا، وقال غيره سوف أتعمّل فى حاجتك، أى: أقضى، فيجوز فى موضع بالتفخيم بالباء، للتفخيم باللام على ما نقله الجوهرى، والله أعلم.
باب اللامات أى تغليظها
وهذا باب لم يذكره أكثر المصنفين فى القراءات، إنما اعتنى به المغاربة والمصريون، دون البغداديين والشاميين، ولا شك أنه إن ثبت لغة فهو لغة ضعيفة مستثقلة، فإن العرب عرف من فصيح لغتها الفرار من الأثقل إلى الأخف، والتغليظ عكس ذلك، ثم هو على مخالفة المعروف من قراءة ورش، فإنها مشتملة على ترقيق الراءات وإمالة بين بين، وتخفيف الهمز نقلا وتسهيلا وإبدالا، ولهذا أكثر الروايات عن ورش: ترك التغليظ، كقراء الجماعة، هذه رواية يونس بن عبد الأعلى وداود بن أبى طيبة وغيرهما.
وقال مكى: اعلم أن هذا الباب قد اضطرب النقل فيه عن ورش، وقليل ما يوجد فيه النص عنه.
358 [وغلّظ ورش فتح لام لصادها ... أو الطّاء أو للظّاء قبل تنزّلا]
التغليظ فى هذا الباب زيادة عمل فى اللام إلى جهة الارتفاع، وضده ترك ذلك، ومنهم من يعبر عن تركه بالترقيق، وعن التغليظ بالتفخيم، ثم التغليظ إشباع الفتحة فى اللام، فلهذا لم يجئ فى المكسورة ولا المضمومة ولا الساكنة نحو:
{(يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} {تَطْلُعُ عَلى ََ قَوْمٍ} {وَصَّلْنََا لَهُمُ الْقَوْلَ)}.
وبعضهم غلظ اللام من:
(صلصال).
لوقوعها بين حرفين مستعليين، فالتغليظ عند الأكثر لا يقع إلا فى اللام المفتوحة، ولا فرق بين أن تكون مخففة أو مشددة، نحو:
{(أَوْ يُصَلَّبُوا} {وَظَلَّلْنََا عَلَيْهِمُ)}.
وحكى مكى عن شيخه أبى الطيب ابن غلبون أنه رقق المشددة بعد الظاء دون الصاد، وقوله: لصادها، أى لأجل الصاد الواقعة قبلها، أو أضافها إليها لاتصالها بها، أى إذا تنزل أحد هذه الأحرف الثلاثة قبل اللام المفتوحة غلظت اللام، ولم يعتبر أبو الطيب بن غلبون الطاء المهملة، واعتبر قوم الضاد المعجمة أيضا، نحو:(2/261)
{(أَوْ يُصَلَّبُوا} {وَظَلَّلْنََا عَلَيْهِمُ)}.
وحكى مكى عن شيخه أبى الطيب ابن غلبون أنه رقق المشددة بعد الظاء دون الصاد، وقوله: لصادها، أى لأجل الصاد الواقعة قبلها، أو أضافها إليها لاتصالها بها، أى إذا تنزل أحد هذه الأحرف الثلاثة قبل اللام المفتوحة غلظت اللام، ولم يعتبر أبو الطيب بن غلبون الطاء المهملة، واعتبر قوم الضاد المعجمة أيضا، نحو:
(أضللتم وضللنا).
ومنهم من اعتبر أيضا كل لام مفتوحة بين حرفين مستعليين مطلقا، نحو:
(خلطوا وأخلصوا و {غَلَّقَتِ الْأَبْوََابَ} فاستغلظ {مََا ذََا خَلَقُوا)}.
وكل هذا قياس على رواية ضعيفة نقلا ولغة، والله أعلم.
309 [إذا فتحت أو سكّنت كصلاتهم ... ومطلع أيضا ثمّ ظلّ ويوصلا]
أى شرط تأثير هذه الحروف الثلاثة وهى: الصاد، والطاء، والظاء، فى التغليظ فى اللام المفتوحة أن تكون مفتوحة أو ساكنة، فإن حرف الاستعلاء إذا فتح أو سكن عظم استعلاؤه، بخلافه إذا انكسر أو انضم، نحو:
(فصّلت وعطّلت وظلال و {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمََامِ}).
فمثال الصاد المفتوحة:
(الصّلاة).
ومثال الساكنة:
(فيصلب والطاء نحو طلّقتم ومطلع والظاء نحو ظلموا وإذا أظلم).
ومثل الشاطبى رحمه الله بقوله تعالى:
{(ظَلَّ وَجْهُهُ} و {يَقْطَعُونَ مََا أَمَرَ اللََّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)}.
وهذان وما أشبههما نحو:
(بطل وفصل).
وقعت اللام فيها طرفا، فالمتوسطة نحو:
(صلاتهم ومطلع).
مغلظة وصلا ووقفا، والمتطرفة مغلظة وصلا، وأما فى الوقف فقال أبو عمرو الدانى: يحتمل وجهين:
الترقيق والتفخيم، فالترقيق نظرا إلى السكون العارض بالوقف، والتفخيم نظرا إلى الأصل، قال: وهو أوجه.
360 [وفى طال خلف مع فصالا وعند ما ... يسكّن وقفا والمفخّم فضّلا]
أراد قوله تعالى:
{(أَفَطََالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} [1] {فَطََالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} [2] {فَإِنْ أَرََادََا فِصََالًا} [3] وكذلك يصّالحا).(2/262)
360 [وفى طال خلف مع فصالا وعند ما ... يسكّن وقفا والمفخّم فضّلا]
أراد قوله تعالى:
{(أَفَطََالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} [1] {فَطََالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} [2] {فَإِنْ أَرََادََا فِصََالًا} [3] وكذلك يصّالحا).
وشبهه مما بين اللام فيه وبين حرف الاستعلاء ألف فاصل، وظاهر النظم يوهم اقتصار الخلاف على:
(طال وفصالا).
ولو قال:
وفى طال خلفت مع فصالا ونحوه ... وساكن وقف والمفخم فضلا
لزال الإيهام.
قال الدانى: فى اللام وجهان: التفخيم اعتدادا بقوة الحرف المستعلى، والترقيق للفاصل الذى فصل بينهما قال: والأوجه التفخيم، لأن ذلك الفاصل ألف، والفتح منه.
قلت: وأما اللام المشدّدة نحو:
(ظلّ ويصلّبوا).
فلا يقال فيها إنه فصل بينها وبين حرف الاستعلاء فاصل: فينبغى أن يجرى الوجهان، لأن ذلك الفاصل أيضا لام أدغمت فى مثلها، فصارا حرفا واحدا، فلم تخرج اللام عن أن حرف الاستعلاء وليها، وأما الذى سكن للوقف، فنحو:
(أن يوصل).
إذا وقفت عليه، ففيه وجهان سبق ذكرهما، أى: وعند الذى يسكن فى الوقف، وقوله: وقفا، مصدر فى موضع الحال، أى ذا وقف، أى موقوفا عليه، وقوله: والمفخم فضلا يعنى فى المسألتين المذكورتين كما نقلناه من كلام الدانى.
فإن قلت: لم كان التفخيم أفضل فيما سكن للوقف، ولقائل أن يقول: ينبغى أن لا يجوز التفخيم أصلا كما سبق فى الراء المكسورة أنها تفخم وقفا ولا ترقق لذهاب الموجب للترقيق وهو الكسر، وهاهنا قد ذهب الفتح الذى هو شرط فى تغليظ اللام، وكلا الذهابين عارض.
قلت: سبب التغليظ هنا قائم، وهو: وجود حرف الاستعلاء، وإنما فتح اللام شرط، فلم يؤثر فيه سكون الوقف لعروضه وقوّة السبب، فعمل السبب عمله لضعف المعارض، وفى باب الوقف على الراء المكسورة زال السبب بالوقف، وهو الكسر، فافترقا.
361 [وحكم ذوات الياء منها كهذه ... وعند رءوس الآى ترقيقها اعتلا]
منها أى من هذه الألفاظ التى فيها اللام المستحقة للتفخيم، ويعنى الكلمات المقصورة التى آخرها ألف منقلبة عن ياء، ولا يقع ذلك فى القرآن إلا مع الصاد وحدها، فى خمسة مواضع، فى: سبحان:
__________
(1) سورة طه، آية: 86.
(2) سورة الحديد، آية: 16.
(3) سورة البقرة، آية: 233.(2/263)
{(يَصْلََاهََا مَذْمُوماً} [1] وفى الانشقاق {وَيَصْلى ََ سَعِيراً} [2] وفى الغاشية {تَصْلى ََ نََاراً} [3] وفى الليل {لََا يَصْلََاهََا إِلَّا الْأَشْقَى} [4] وفى تبت {سَيَصْلى ََ نََاراً ذََاتَ} [5] وكذا {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقََامِ إِبْرََاهِيمَ مُصَلًّى} [6]).
فى الوقف، ففي تفخيم اللام وجهان كالوجهين فيما سكن فى الوقف، وذلك أنه قد تقدم أن له فى إمالة ذوات الياء وجهين، فإن أمال فلا تغليظ، وإن لم يمل فالتغليظ، فهما ذانك الوجهان، ويجوز أن يقال: إن الخلاف على قول من يميل ذوات الياء لأن اللام جاورها ما يقتضى تغليظها وما يقتضى ترقيقها، لكن التغليظ يكون هاهنا أولى من الإمالة، لأنه شبه الخلاف الذى هنا بالخلاف الذى فيما سكن للوقف، وقد ذكر أن المفخم ثمّ:
فضل، فكذا ينبغى أن يكون هنا، وقد نص عليه الدانى فى كتاب الإمالة، فقال: والأوجه هنا التفخيم، ولم يذكر مرجحا، وإنما فرق بين هذا وبين رءوس الآى، على ما سنذكره.
وأقول: سبب ترجيح التفخيم وجود سببه سابقا، وتقدم اللام المغلظة على الألف الممالة، فعمل السبب عمله قبل وجود ما تدخله الإمالة. ثم قال: وعند رءوس الآى: أى إذا وجد مثل ذلك، وهو ما يقتضى التغليظ والإمالة فى كلمة هى رأس آية من السور الإحدى عشرة المتقدم ذكرها، غلبت الإمالة التغليظ، لأن ورشا يميل رءوس الآى بلا خلاف، لمؤاخاة رءوس الآى، والتغليظ يخالف بينها، وقد روى التغليظ، قال الدانى:
كلا الوجهين حسن جميل، غير أن الترقيق أقيس وأوجه.
قلت: فلهذا قال: ترقيقها اعتلا، أى اعتلى على التغليظ، واستعمل الترقيق هنا بمعنى الإمالة، وجملة ما وقع من ذلك فى رءوس الآى ثلاثة مواضع فى سورة القيامة:
{(وَلََا صَلََّى} [7] وفى سبح {فَصَلََّى} [8] وفى اقرأ {إِذََا صَلََّى} [9] وأما {مِنْ مَقََامِ إِبْرََاهِيمَ مُصَلًّى)}.
ففيه التغليظ فى الوصل، لأنه منون، وفى الوقف الوجهان السابقان، ولا تترجح الإمالة، وإن كان رأس آية، إذ لا مؤاخاة لآى قبلها ولا بعدها، قوله: كهذه: أى كهذه المواضع المذكورات فى البيت السابق، وهى ما فى باب طال والمسكن وقفا.
362 [وكلّ لدى اسم الله من بعد كسرة ... يرقّقها حتّى يروق مرتّلا]
أى: وكل القراء وغيرهم أيضا اجتمعوا على أن اللام من اسم الله تعالى إذا كان قبلها حرف مكسور أنهم يرققونها، والترقيق هنا ضد التغليظ، وليس المراد به الإمالة، بخلاف قوله: وترقيقها اعتلا، على ما سبق،
__________
(1) الآية: 18.
(2) الآية: 12.
(3) الآية: 4.
(4) الآية: 15.
(5) الآية: 4.
(6) سورة البقرة، الآية: 125.
(7) الآية: 31.
(8) الآية: 15.
(9) الآية: 10.(2/264)
واسم الله تعالى التزم فيه التغليظ تفخيما له وتعظيما، اختص بذلك اسمه سبحانه من غير وجود حرف استعلاء فيه فإذا وقع بعد كسرة رققت اللام تحسينا للفظ به، فهذا معنى قوله: حتى يروق مرتلا، أى: يروق فى اللفظ به حال ترتيله، وذلك لكراهة التصعد بعد التسفل، وأما سائر اللامات فمرققة مطلقا، كالليل، واللبن، واللحم.
363 [كما فخّموه بعد فتح وضمّة ... فتمّ نظام الشّمل وصلا وفيصلا]
الهاء فى فخموه، لاسم الله تعالى، ولو قال فخموها، يعنى اللام، كما قال ترقيقها لكان جيدا، وقوله وصلا وفيصلا حالان من الهاء، أى ذات وصل وفيصل، أى: سواء كانت الحركات المذكورة على حروف متصلة بالاسم العظيم أو على حروف منفصلة منه فى كلمة أخرى، فلا يتغير الحكم بشيء من ذلك فى الترقيق والتفخيم، فمثال المتصل: بالله، ولله، ومثال المنفصل:
(بسم الله قال الله رسل الله).
وكذا يرقق بعد الكسر العارض، نحو:
(قل الله).
وهذا بخلاف ما سبق فى ترقيق الراء، فإنهم قالوا: لا يؤثر فى ترقيقها كسرة مفصولة ولا عارضة، والفرق أن المراد من ترقيق الراء إمالتها، وذلك يستدعى سببا قويا للإمالة، وأما ترقيق اللام فهو الإتيان بها على ماهيتها وسجيتها، من غير زيادة شيء فيها، وإنما التغليظ هو الزيادة فيها، ولا تكون الحركة قبل لام اسم الله تعالى إلا مفصولة لفظا أو تقديرا، وأما الحركة قبل الراء، فتكون مفصولة وموصولة، فأمكن اعتبار ذلك فيها، بخلاف اللام، هذا كله فيما إذا وصلت اسم الله تعالى بما قبله، فإن ابتدأت به فخمته، لأن الهمزة قبل اللام مفتوحة، فهذه حركة متصلة، وذلك كأوّل آية الكرسى، ونحوه، والراء المرققة غير المكسورة كغير المرققة، يجب بعدها التفخيم، لأن الترقيق لم يغير فتحها ولا ضمها، وأما إذا وقع اسم الله تعالى بعد إمالة، نحو:
قراءة السوسى:
(ترى الله).
ففيه وجهان: التفخيم، كالذى بعد الراء المرققة الغير المكسورة، والترقيق، لأن فى الراء بالإمالة شيئا من الكسر، وقال شيخنا أبو الحسن: التفخيم أولى، وحكاه عن شيخه الشاطبى، وقال لى الشيخ أبو عمرو: الترقيق أولى لأمرين:
أحدهما أن أصل هذه اللام الترقيق، وإنما فخمت للفتح والضم، ولا فتح ولا ضم هنا، فعدنا إلى الأصل.
والثانى: اعتبار ذلك بترقيق الراء فى الوقف بعد الإمالة، على ما سبق فى باب الراءات.
وقوله تعالى: ({رُسُلُ اللََّهِ} الله).
الاسم الأول مفخم. والثانى مرقق، وقوله تعالى فى أوّل إبراهيم:
{(إِلى ََ صِرََاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللََّهِ)}.
هو مرقق فى الوصل ومفخم إذا ابتدئ به سواء قرئ برفع الهاء أو يجرها والله أعلم.(2/265)
هو مرقق فى الوصل ومفخم إذا ابتدئ به سواء قرئ برفع الهاء أو يجرها والله أعلم.
باب الوقف على أواخر الكلم
هذه ترجمة كان ينبغى أن يذكر فى بابها جميع ما يتعلق به فى تلاوة القرآن، فإن قوله: أواخر الكلم يشمل آخر كل كلمة، ومن جملة الكلم المنصوب المنوّن يقف القراء عليه بألف مبدلة من التنوين والمرفوع المنوّن، والمجرور المنوّن يوقف عليهما بالسكون من غير أن يبدل من تنوينهما واوا أو ياء، وهذه هى اللغة الفصيحة ومن العرب من يبدل فى الجميع، ومنهم من لا يبدل فى الجميع، فترك بيان هذا وهو مهم، ولم يذكر فى الباب إلا الكلام فى الروم والإشمام، وهما أيضا وجهان للعرب فى الوقف، فهذه خمس لغات، وفى الوقف أيضا لغتان:
النقل والتضعيف، ولم يقرأ بهما أحد إلا قليلا.
وحكى مجاهد عن أبى عمرو:
{(وَتَوََاصَوْا بِالصَّبْرِ)}.
يشم الباء شيئا من الجر، ولا يشبعه، قال: وهذا لا يجوز إلا فى الوقف، لأنه ينقل كسرة الراء إلى الباء، وحكى الأهوازى عن الضبى عن حمزة:
(دفء وجزء وملء).
بالتشديد من غير همز فى حال الوقف.
قلت: وفى الطرق المشهورة أن القراءة إنما جاءت باللغة الأولى: الفصحى، وبالروم والإشمام، وهما أيضا.
فصيحتان، فكان ينبغى أن تكون ترجمة هذا الباب «باب الروم والإشمام» ولكن تبع الناظم فى هذا عبارة التيسير، والله أعلم.
364 [والاسكان أصل الوقف. وهو اشتقاقه
من الوقف عن تحريك حرف تعزّلا]
أى اشتقاق الوقف، من قولك: وقفت عن كذا إذا لم تلابسه، فلما كان هذا وقفا عن الإتيان بالحركة سمى وقفا، لأن لغة العرب أن لا يوقف على متحرك، فالأصل أن يكون الوقف بالإسكان لهذا، ولأنه أخف، والوقف موضع تخفيف، وقوله: تعزلا، يعنى: أن الحرف صار بمعزل عن الحركة، يقال اعتزله وتعزله، ومنه: الأعزل الذى لا سلاح معه، فيجوز أن يكون تعزلا: صفة لحرف، وقد ذكرنا معناه، ويجوز أن يكون صفة لتحريك حرف، أى لتحريك انعزل عن محله.
فإن قلت فى قوله: وهو اشتقاقه: إشكال، لأن المعنى يؤول إلى تقدير، والوقف اشتقاقه من الوقف، ولا يكون اللفظ مشتقا من نفسه، ووجه الكلام إنما يسمى وقفا، من قولهم: وقفت عن كذا، لأنه وقف من الحركة.
قلت: يجوز أن يكون، وهو ضمير الشأن لا ضمير الوقف، فيلتئم الكلام ولا يتنافر، وهذا الذى ذكره تبرع منه، وليس فى كتاب التيسير الذى نظمه.(2/266)
فإن قلت فى قوله: وهو اشتقاقه: إشكال، لأن المعنى يؤول إلى تقدير، والوقف اشتقاقه من الوقف، ولا يكون اللفظ مشتقا من نفسه، ووجه الكلام إنما يسمى وقفا، من قولهم: وقفت عن كذا، لأنه وقف من الحركة.
قلت: يجوز أن يكون، وهو ضمير الشأن لا ضمير الوقف، فيلتئم الكلام ولا يتنافر، وهذا الذى ذكره تبرع منه، وليس فى كتاب التيسير الذى نظمه.
365 [وعند أبى عمرو وكوفيّهم به ... من الرّوم والإشمام سمت تجمّلا]
به: أى فيه، والهاء ضمير الوقف، والسمت الهيئة، والسمت الطريق، والسمت القصد نفسه، يقال سمت يسمت: إذا قصد، والسمت الناحية المقصودة، وكل ذلك محتمل هنا، ووصفه بالتجمل، أى عندهم من ذلك أمر جميل، من الاحتفال به والاهتمام بشأنه، والقصد له فى التلاوة به، قال صاحب التيسير: وردت الرواية عن الكوفيين وأبى عمرو بالوقف، بالإشارة إلى الحركة سواء كانت إعرابا أو بناء، والإشارة تكون روما وإشماما، والباقون لم يأت عنهم فى ذلك شيء، واستحباب أكثر شيوخنا من أهل القرآن، أن يوقف فى مذاهبهم بالإشارة لما فى ذلك من البيان.
قلت: فهذا معنى قوله:
366 [وأكثر أعلام القرآن يراهما ... لسائرهم أولى العلائق مطولا]
أعلام: جمع علم يشير إلى المشايخ أهل أداء القراءة، وجعلهم أعلاما لحصول الهداية بهم، كالأعلام فى الطرق، وأضافهم إلى القرآن الذى هو اسم للكتاب العزيز لأنهم أهله، أو أراد به القراءة، لأنها صناعتهم وأتى به بغير همز، كما فى قراءة ابن كثير له كما يأتى، والقرآن بمعنى القراءة، وأراد فى قوله تعالى:
{(إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)}.
وقوله: يراهما: يعنى الروم والإشمام، لسائرهم: أى لباقى القراء السبعة، وهم: نافع، وابن كثير، وابن عامر، والعلائق: جمع علاقة، والمطول الحبل، ونصبه على التمييز، أى يراهما أولى حبل يتعلق به، والحبل يكنى به عن السبب الموصل إلى المطلوب، فكأنه قال: أولى الأسباب سببا، أو يكون العلائق البضائع ومطولا حال من الضمير المستتر فى يراهما، الراجع على أكثر.
قال الشيخ: لأنه يكون بذلك سببا للطول أو الطول:
367 [ورومك إسماع المحرّك واقفا ... بصوت خفىّ كلّ دان تنوّلا]
أخذ يبين حقيقة الروم، فقال: هو أن تسمع الحرف المحرك احترازا من الساكن فى الوصل نحو:
{(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)}.
فهذا لا روم فيه، إنما يكون الروم فى المحرك فى حالة الوصل، فترومه فى الوقف، بأن تسمع كل قريب منك ذلك المحرك بصوت خفى، قال فى التيسير هو تضعيفك الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها، فتسمع لها صوتا خفيا يدركه الأعمى بحاسة سمعه، وقال الشيخ: هو الإشارة إلى الحركة مع صوت خفى وكلاهما واحد، وهذا أخصر، فقول الناظم: كل دان: مفعول إسماع، والمفعول الأول أضيف إليه إسماع، وهو المحرك: أراد إسماعك المحرك كل قريب منك، كقولك أسمعت زيدا كلاما.
وقوله واقفا حال من فاعل إسماع، وتنولا صفة لدان، وهو مطاوع نولته، أى: أعطيته نوالا، كأنه يشير إلى السماع، أى كل دان سامع منصت لقراءتك فهو المدرك لذلك، بخلاف غيره من غافل أو أصم، وقال صاحب صحاح اللغة: روم الحركة الذى ذكره سيبويه: هى حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف، وهى أكثر من الإشمام، لأنها تسمع، وهى بزنة الحركة، وإن كانت مختلسة مثل همزة بين بين ثم أخذ يبين الإشمام فقال:(2/267)
فهذا لا روم فيه، إنما يكون الروم فى المحرك فى حالة الوصل، فترومه فى الوقف، بأن تسمع كل قريب منك ذلك المحرك بصوت خفى، قال فى التيسير هو تضعيفك الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها، فتسمع لها صوتا خفيا يدركه الأعمى بحاسة سمعه، وقال الشيخ: هو الإشارة إلى الحركة مع صوت خفى وكلاهما واحد، وهذا أخصر، فقول الناظم: كل دان: مفعول إسماع، والمفعول الأول أضيف إليه إسماع، وهو المحرك: أراد إسماعك المحرك كل قريب منك، كقولك أسمعت زيدا كلاما.
وقوله واقفا حال من فاعل إسماع، وتنولا صفة لدان، وهو مطاوع نولته، أى: أعطيته نوالا، كأنه يشير إلى السماع، أى كل دان سامع منصت لقراءتك فهو المدرك لذلك، بخلاف غيره من غافل أو أصم، وقال صاحب صحاح اللغة: روم الحركة الذى ذكره سيبويه: هى حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف، وهى أكثر من الإشمام، لأنها تسمع، وهى بزنة الحركة، وإن كانت مختلسة مثل همزة بين بين ثم أخذ يبين الإشمام فقال:
368 [والاشمام إطباق الشّفاه بعيد ما ... يسكّن لا صوت هناك فيصحلا]
أى بعد ما يسكن الحرف المحرك، والشفاه بالهاء: جمع شفة، وإنما جمع اعتبارا بالقارئين، أو هو من باب قولهم: هو عريض الحواجب عظيم المناخر، ويقال: صحل صوته بكسر الحاء يصحل بفتحها، إذا صار أبحّ أى كانت فيه بحوحة لا يرتفع الصوت معها، فكأنه شبه إضعاف الصوت فى الروم بذلك، فقال: ليس فى الإشمام مثل ما فى الروم، قال فى التيسير: الإشمام ضمك شفتيك بعد سكون الحرف أصلا، ولا يدرك معرفة ذلك الأعمى، لأنه لرؤية العين لا غير، إذ هو إيماء بالعضو إلى الحركة، وقال الشيخ: هو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت، وقال فى موضع آخر: حقيقته أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا لفظت بالضمة، وقال الجوهرى إشمام الحرف أن تشمه الضمة أو الكسرة، وهو أقل من روم الحركة، لأنه لا يسمع، وإنما يتبين بحركة الشفة العليا، ولا يعتد بها حركة لضعفها، والحرف الذى فيه الإشمام ساكن، أو كالساكن.
قلت: وهذا خلاف ما يقوله القراء والنحاة فى حقيقة الإشمام، وفى محله أيضا، لكن قال مكى: قد روى عن الكسائى الإشمام فى المخفوض، قال وأراه يريد به الروم، لأن الكوفيين يلقبون ما سميناه روما إشماما، وما سميناه إشماما روما.
قلت: فعبر الجوهرى بما لا يوافق المذهبين فكأنه كان فى ذلك بين بين، وقال أبو على فى التكملة الإشمام هو: أن تضم شفتيك بعد الإسكان وتهيئهما للفظ بالرفع أو الضم، وليس بصوت يسمع، وإنما يراه البصير دون الأعمى، وذكر نصر بن على الشيرازى فى كتابه الموضح: أن الكوفيين ومن تابعهم ذهبوا إلى أن الإشمام هو الصوت، وهو الذى يسمع، لأنه عندهم بعض حركة، والروم هو الذى لا يسمع، لأن روم الحركة من غير تفوّه به.
قال: والأول هو المشهور عند أهل العربية.
قلت: وزعم بعضهم أن ابن كيسان ومن وافقه من الكوفيين ترجموا عن الإشمام بالروم، وعن الروم بالإشمام، وزعموا أن ذلك أقرب إلى استعمال اللفظين فى وضع اللغة، ولا مشاحّة فى التسمية إذا عرفت الحقائق.
ثم ذكر الناظم مواضع استعمال الروم والإشمام فقال:
369 [وفعلهما فى الضّمّ والرّفع وارد ... ورومك عند الكسر والجرّ وصّلا]
أى فعل الروم والإشمام ورد عنهم فى المضموم والمرفوع، ويختص الروم بالمكسور والمجرور.
370 [ولم يره فى الفتح والنّصب قارئ ... وعند إمام النّحو فى الكلّ أعملا]
الهاء في:
(يره).(2/268)
370 [ولم يره فى الفتح والنّصب قارئ ... وعند إمام النّحو فى الكلّ أعملا]
الهاء في:
(يره).
للروم أى مذهب القراء أن لا روم فى المفتوح والمنصوب، قالوا: لأن الفتحة خفيفة، فإذا خرج بعضها خرج سائرها، لأنها لا تقبل التبعيض كما تقبله الضمة والكسرة، لما فيهما من الثقل، ولأن المنصوب المنون لما تبينت فيه الفتحة لإبدال التنوين فيه ألفا لم يرم الباقى، لأن لا يبقى ذلك على التقريب من لفظه، وقال مكى:
يجوز فيه الروم، غير أن عادة القراء أن لا يروموا فيه، وأن يقفوا بالسكون للجميع، وقال: وقد اختلف لفظ أبى الطيب رحمه الله تعالى فى ذلك، وبالإسكان قرأت عليه فى المنصوب لجميع القراء، وأما أهل النحو فأجازوا الروم فى الفتح كما فى الكسر والضم، من غير فرق، فقوله: إمام النحو: يحتمل أن يريد به أئمة النحو، فهو لفظ مفرد أريد به الجنس، ويجوز أن يريد به المشهور فيهم، المقتدى به منهم، وهو: سيبويه، الذى كتابه قدوة هذا العلم، والضمير فى «أعملا» للروم، وليست الألف للتثنية، إنما هى للإطلاق، فالإشمام لا مدخل له فى حركة الفتح، كما لا مدخل له فى الكسر، وإنما يختص بحركة الضم، لأن حقيقته ضم الشفتين، وذلك لا يحصل به إلا الدلالة على الضم فقط، وقوله فى الكل: يعنى فى الحركات كلها، ولم يتعرض صاحب التيسير لبيان مذهب النحويين، قال سيبويه فى كتابه: أما ما كان فى موضع نصب أو جر، فإنك تروم فيه الحركة، فأما الإشمام فليس إليه سبيل.
371 [وما نوّع التّحريك إلّا للازم ... بناء وإعرابا غدا متنقّلا]
هذا اعتذار منه عن كونه لفظ بستة أسماء للحركات، وهن ثلاث، فخاف من إشعار ذلك بتعدد الحركات فقال ما نوعت التحريك وقسمته هذه الأقسام إلا لأعبر عن حركات الإعراب وحركات البناء، ليعلم أن حكمهما واحد فى دخول الروم والإشمام، وفى المنع منهما أو من أحدهما، ولو اقتصر على ألقاب أحدهما لخيف أن يظن أن الآخر غير داخل فى ذلك، وحركة البناء توصف باللزوم، لأنها لا تتغير ما دام اللفظ بحاله، فلهذا قال للازم بناء، أى ما نوعته إلا لأجل أنه منقسم إلى لازم البناء، وإلى ذى إعراب، غدا بذلك متنقلا، من رفع إلى نصب إلى جر، باعتبار ما تقتضيه العوامل المسلطة عليه، فألقاب الإعراب: رفع، ونصب، وجر، وربما قيل:
وخفض، وألقاب البناء: ضم، وفتح، وكسر، وقد ذكرها سيبويه فى أوّل باب من كتابه، واعتذر عن تعدد الأسماء واتحاد المسمى فى اللفظ، بنحو من ذلك، فإن الرفع والضم لفظهما واحد، وكذا النصب والفتح والجر والكسر، وكذا الذى آخره ساكن، للإعراب يسمى جزما، والذى للبناء يسمى وقفا، والله أعلم.
فمثال حركات البناء فى القرآن:
({مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} ومن حيث ومن عاد وهؤلاء).
وحركات الإعراب نحو:
({قََالَ الْمَلَأُ} {إِنَّ الْمَلَأَ} {إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ََ)}.
ونصب بناء فى قوله للازم بناء على أنه مفعول للازم أو تمييز، والتقدير: وإن اختلفا فهما متفقان فى المعنى لأن الكلمة لزمت البناء، والبناء لزم الكلمة إما مطلقا.
(كحيث وأين وهؤلاء).(2/269)
ونصب بناء فى قوله للازم بناء على أنه مفعول للازم أو تمييز، والتقدير: وإن اختلفا فهما متفقان فى المعنى لأن الكلمة لزمت البناء، والبناء لزم الكلمة إما مطلقا.
(كحيث وأين وهؤلاء).
وإما فى حالة من أحواله مطلقا، نحو:
(من قبل ولا ظلم {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}) والله أعلم.
372 [وفى هاء تأنيث وميم الجميع قل ... وعارض شكل لم يكونا ليدخلا]
شرع يبين ما يمتنع فيه الروم والإشمام على رأى القراء، فالألف فى:
(يكونا).
ليدخلا: ترجع إلى الروم والإشمام، أى لم يقعا فى هذه المواضع الثلاثة حيث كانت، الموضع الأول هاء التأنيث، وهى التى تكون تاء فى الوصل ويوقف عليها بالهاء، نحو:
(رحمة ونعمة).
فلا يدخلان فيها، لأن الحركة إنما كانت للتاء، والهاء بدل عنها فى الحالة التى تعدم الحركات فيها، وهى الوقف، فلا حركة للهاء، فترام وتشم، فأما ما وقف عليه بالتاء من هذا الباب لأجل رسمه، فيدخله الروم والإشمام، لأن الحركات داخلة فى التاء، نص عليه مكى، وقال: لم يختلف القراء فى هاء التأنيث أن الوقف عليها بالإسكان، ولا يجوز الروم والإشمام فيها، لأن الوقف على حرف لم يكن عليه إعراب، إنما هو بدل من الحرف الذى كان عليه الإعراب، إلا أن تقف على شيء منه بالتاء اتباعا لخط المصحف، فإنك تروم وتشم إذا شئت، لأنك تقف على الحرف الذى كانت الحركة لازمة له، فيحسن فيه الروم والإشمام.
الموضع الثانى: ميم الجمع، أى الدالة على جماعة، نحو:
(عليهم وإليهم ومنهم وعنهم).
فى المواضع التى توصل بواو على ما تقدم بيانه، لم يدخلا فيها، لأنها ساكنة وتحريكها فى حال صلتها على مذهب من وصلها، إنما كان لأجل الصلة، ولهذا إذا وقف عليها ترك الصلة، فيسكن الميم، وأجاز مكى رومها وإشمامها كهاء الضمير على ما يأتى، ورد عليه الدانى وقال: خالف فى ذلك الإجماع، وأتى بخطإ من القول.
قال مكى: ميم الجمع أغفل القراء الكلام عليها، والذى يجب فيها على قياس شرطهم أن يجوز فيها الروم والإشمام، لأنهم يقولون: لا فرق بين حركة الإعراب وحركة البناء فى جواز الروم والإشمام، فالذى يروم ويشم حركة الميم على النص غير مفارق له، للإجماع، والذى لا يروم حركة الميم خارج عن النص بغير رواية، اللهم إلا أن يوجد الاستثناء فيها منصوصا، فيجب الرجوع إليه إذا صح، قال: وليس ذلك بموجود، ومما يقوى جواز ذلك فيها نصهم على هاء الكناية بالروم والإشمام، فهى مثل الهاء، لأنها توصل بحرف بعد حركتها كما توصل الهاء، ويحذف ذلك الحرف فى الوقف، كما يحذف مع الهاء، فهى مثلها فى هذا، غير أن الهاء أخفى منها، فلذلك امتنعت الهاء عند القراء من الروم والإشمام، إذا كانت حركتها مثل حركة ما قبلها. أو كان قبلها ساكن من جنس حركتها، وهذا لا يكون فى الميم، لأنها ليست بالخفية، ولو كانت فى هذا مثل الهاء لم يجز الإشمام فى:
(يا قوم ويحكم).(2/270)
قال مكى: ميم الجمع أغفل القراء الكلام عليها، والذى يجب فيها على قياس شرطهم أن يجوز فيها الروم والإشمام، لأنهم يقولون: لا فرق بين حركة الإعراب وحركة البناء فى جواز الروم والإشمام، فالذى يروم ويشم حركة الميم على النص غير مفارق له، للإجماع، والذى لا يروم حركة الميم خارج عن النص بغير رواية، اللهم إلا أن يوجد الاستثناء فيها منصوصا، فيجب الرجوع إليه إذا صح، قال: وليس ذلك بموجود، ومما يقوى جواز ذلك فيها نصهم على هاء الكناية بالروم والإشمام، فهى مثل الهاء، لأنها توصل بحرف بعد حركتها كما توصل الهاء، ويحذف ذلك الحرف فى الوقف، كما يحذف مع الهاء، فهى مثلها فى هذا، غير أن الهاء أخفى منها، فلذلك امتنعت الهاء عند القراء من الروم والإشمام، إذا كانت حركتها مثل حركة ما قبلها. أو كان قبلها ساكن من جنس حركتها، وهذا لا يكون فى الميم، لأنها ليست بالخفية، ولو كانت فى هذا مثل الهاء لم يجز الإشمام فى:
(يا قوم ويحكم).
وليس فى جوازه اختلاف، وليس قول من يمنع ذلك لأجل أن الميم من الشفتين بشيء، لإجماع الجميع على الروم والإشمام فى الميم التى فى أواخر الأفعال والأسماء، التى ليست للجمع، ولو تم له منع الإشمام فيها لم يتم له منع الروم، فقياس ميم الجمع لمن ضمها وهو يريد بالضم أصلها أن يقف عليها كغيرها من المتحركات، والإسكان حسن فيها، فأما من حركها لالتقاء الساكنين، فالوقف له بالسكون لا غير، قلت: فنحو:
{(عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)}.
حركة الميم بالضم أو الكسر هى لالتقاء الساكنين عند الأكثر، فلا ترام ضما ولا كسرا، ولا تشم ضما، وهى فى مذهب من يرى الصلة ليست لالتقاء الساكنين، فيجوز فيها الروم والإشمام على مذهب ابن كثير على ما ذكره متى، وفرق الدانى بين ميم الجمع وهاء الكناية، بأن الهاء محركة قبل الصلة، بخلاف الميم، يعنى بدليل قراءة الجماعة، فعوملت حركة الهاء فى الوقف معاملة سائر الحركات، ولم يكن للميم حركة فعوملت بالسكون، فهى كالتى تحرك لالتقاء الساكنين كما يأتى.
الموضع الثالث قوله: وعارض شكل، الشكل عبارة عن الحركة هنا تجوّزا على تجوّز، وذلك أن استعماله فى دلالة الخط على الحركات والسكون مجاز، لأنه تقييد كالشكل فى الدواب، ثم استعماله مخصصا بالحركة تجوز آخر، ودلت قرينة الكلام فى الروم والإشمام على هذا التجوز. لأنهما لا يدخلان إلا فى متحرك، أى وفى شكل عارض، أى حركة عارضة، فهو من باب حسن وجه، إلا أنه لا يجوز أن تقول: مررت بحسن وجه، وأنت تريد بوجه حسن، لما فيه من إضافة الصفة إلى الموصوف، وإنما يجوز على تقدير: مررت بشخص حسن وجه، فعلى هذا يكون تقدير البيت: وفى لفظ عارض شكل لم يدخلا، وذلك حركة التقاء الساكنين. نحو:
لم يكن الذين:
{(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ} {وَعَصَوُا الرَّسُولَ} {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسََانُ} {وَيَوْمَئِذٍ)}.
لأنه ليس هنا حركة فتفتقر إلى دلالة، والعلة الموجبة للتحريك فى الوصل مفقودة فى الوقف، لأن الساكن الذى من أجله تحرك الحرف الأوّل قد باينه وانفصل عنه، فأما حركة نحو القاف من قوله تعالى:
{(وَمَنْ يُشَاقِّ اللََّهَ)}.
فترام، وإن كانت حركة التقاء الساكنين أيضا، لأن الأصل يشاقق، فأدغم وحرك، وسببه دوام مصاحبة الساكن المدغم وقفا ووصلا، ومما يمتنع رومه من الحركات العارضة حركة الهمزة المنقولة فى قراءة ورش نحو:
{(مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} و {قُلْ أُوحِيَ)}.
قال مكى: فأما إن كان الذى أوجب الحركة فى الحرف لازما، فالروم والإشمام جائزان فيه، على ما قدمناه فى الوقف على:
(جزء وملء ودفء).
إذا ألقيت حركة الهمزة على ما قبلها فى قراءة حمزة وهشام، لأنها حركة الهمزة، وهى تدل عليها، فكأن الهمزة ملفوظ بها، قال: فأما:(2/271)
(جزء وملء ودفء).
إذا ألقيت حركة الهمزة على ما قبلها فى قراءة حمزة وهشام، لأنها حركة الهمزة، وهى تدل عليها، فكأن الهمزة ملفوظ بها، قال: فأما:
(يومئذ وحينئذ).
فبالإسكان تقف عليه، لأن الذى من أجله تحركت الذال يسقط فى الوقف، فترجع الذال إلى أصلها، وهو السكون، فهو بمنزلة:
{(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ)}.
وشبهه، قال: وليس هذا بمنزلة:
(غواش وجوار).
وإن كان التنوين فى جميعه دخل عوضا من محذوف. لأن التنوين دخل فى هذا على متحرك، فالحركة أصلية والوقف عليه بالروم حسن، والتنوين فى يومئذ دخل على ساكن، فكسر لالتقاء الساكنين على الأصل، والله أعلم.
373 [وفى الهاء للإضمار قوم أبوهما ... ومن قبله ضمّ أو الكسر مثّلا]
374 [أو امّا هما واو وياء وبعضهم ... يرى لهما فى كلّ حال محلّلا]
يعنى هاء الضمير، وهى هاء الكناية التى سبق لها باب أبى قوم الروم والإشمام فيها، إذا كان قبلها ضم أو كسر، نحو:
(بمزحزحه لا نخلفه).
أو يكون قبلها، إما الضم أو الكسر، وهما الواو والياء نحو:
(فيه وعقلوه).
وطلبوا بذلك التخفيف لئلا يخرجوا من ضم أو واو إلى ضمة أو إشارة إليها، ومن كسر أو ياء إلى كسرة والهاء فى قبله تعود إلى الإضمار، أو إلى الهاء، ولو قال قبلها لجاز على هذا، وكان أحسن، لأنه أوضح، والوزن موات له قوله مثلا، أى شخص قبل الهاء، والألف للإطلاق، ويجوز أن يكون ضمير التثنية على حد قوله تعالى:
{(إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللََّهُ أَوْلى ََ بِهِمََا)}.
وليس هذا مثل قولك: زيد أو عمرو قائم، فإنه لا يجوز قائما، لأنك لم ترد الإخبار عنهما، بل عن أحدهما وهاهنا يريد الإخبار عنهما معا، وإنما حرف «أو» أفاد نفى اجتماعهما، فلا يكون إلا أحدهما، فلهذا عدل عن الواو إلى أو، فهى قريبة الشبه من قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، فإن المعنى جالسهما، وعدل إلى لفظ أو ليفيد أن لك أن تجالس واحدا منهما منفردا، كما لك أن تجالسهما معا، ثم قال: أو أماهما فنقل حركة همزة
أم إلى الواو، وجعل الواو أمّا للضم، والياء أمّا للكسر، أى أن الضم والكسر تولدا منهما، وهذه مسئلة قد اختلف الناس فيها، وهى: أن الحركات الثلاث: أصول حروف العلة، أو حروف العلة أصول الحركات، وقد سبق الناظم إلى هذه العبارة أبو الحسن الحصرى، فقال فى باب الكناية من قصيدته:(2/272)
وليس هذا مثل قولك: زيد أو عمرو قائم، فإنه لا يجوز قائما، لأنك لم ترد الإخبار عنهما، بل عن أحدهما وهاهنا يريد الإخبار عنهما معا، وإنما حرف «أو» أفاد نفى اجتماعهما، فلا يكون إلا أحدهما، فلهذا عدل عن الواو إلى أو، فهى قريبة الشبه من قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، فإن المعنى جالسهما، وعدل إلى لفظ أو ليفيد أن لك أن تجالس واحدا منهما منفردا، كما لك أن تجالسهما معا، ثم قال: أو أماهما فنقل حركة همزة
أم إلى الواو، وجعل الواو أمّا للضم، والياء أمّا للكسر، أى أن الضم والكسر تولدا منهما، وهذه مسئلة قد اختلف الناس فيها، وهى: أن الحركات الثلاث: أصول حروف العلة، أو حروف العلة أصول الحركات، وقد سبق الناظم إلى هذه العبارة أبو الحسن الحصرى، فقال فى باب الكناية من قصيدته:
وأشمم ورم ما لم تقف بعد ضمة ... ولا كسرة أو بعد أميهما فادر
وقوله: واو وياء، بدلان من أمّا، ثم قال: وبعضهم، أى وبعض الشيوخ يرى محللا لهما، أى مجوزا الروم والإشمام فى هاء الإضمار كيف كانت، وعلى أى حال وجدت، ولم يستثن ما ذكره هؤلاء القوم، فقوله محللا اسم فاعل من التحليل الذى هو ضد التحريم، ونصبه على أنه مفعول ثان لقوله يرى، وهذه المسألة لم تذكر فى التيسير، وقد ذكرها مكى فقال: إذا وقفت على هاء الكناية وكانت مضمومة وقبلها ضمة أو واو ساكنة، أو كانت مكسورة وقبلها كسرة، أو ياء ساكنة: وقفت بالإسكان لا غير عند القراء.
قال: وقد ذكر النحاس جواز الروم والإشمام فى هذا، وليس هو مذهب القراء، ويقف عليها فيما عدا هذين الأصلين، كسائر الحروف بالروم والإشمام على ما ذكرناه، والله أعلم.
باب الوقف على مرسوم الخط
يعنى خط المصحف: على ما وضعته عليه الصحابة رضي الله عنهم لما كتبوا المصاحف فى زمن عثمان رضى الله عنه وأنفذها إلى الأمصار، ففيها مواضع وجدت الكتابة فيها على خلاف ما الناس عليه اليوم فى الكتابة، وقد صنف فى ضبط ذلك تصانيف، ولأبى عمرو الدانى فى ذلك كتاب «المقنع» وقد نظمه الشيخ الشاطبى أيضا فى قصيدته الرائية، ولا يعرف ذلك إلا من وقف على تصنيف منها، وأصل الرسم: الأثر، فمعنى مرسوم الخط: ما أثره الخط.
375 [وكوفيّهم والمازنىّ ونافع ... عنوا باتّباع الخطّ فى وقف الابتلا]
المازنى هو: أبو عمرو، وعنوا أى اعتنوا باتباع خط المصحف، والابتلا: الاختبار، أى إذا اختبروا بالوقف على كلمات ليست بموضع وقف، ليعلم به معرفة القارئ بحقيقة تلك الكلمة، أو إذا انقطع نفس القارئ فوقف على تلك الكلمة، فقد وردت الرواية عن هؤلاء الأئمة المذكورين باتباع الرسم فيها، فيوقف عليها على وفق رسمها فى الهجاء، وذلك باعتبار الأواخر فى تفكيك الكلمات بعضها من بعض، وتقطيعها، فما كتب من كلمتين موصولتين لم يوقف إلا على الثانية منهما، وما كتب منهما مفصولا: يجوز أن يوقف على كل واحدة منهما، وذلك نحو: عن ما هما، كتبتا بالقطع فى موضع وبالوصل فى آخر، فيقفون فى المقطوع على عن، وفى الموصول على هما، وفى الوصل لا يظهر لذلك أثر، فلهذا خص الباب بالوقف.
376 [ولابن كثير يرتضى وابن عامر ... وما اختلفوا فيه حر أن يفصّلا]
أى يرتضى لهما الوقف على المرسوم وإن لم يرد به عنهما رواية، وذلك لما فيه من التنبيه على الرسم، قال فى التيسير: اعلم أن الرواية ثبتت لدينا عن نافع وأبى عمرو والكوفيين، أنهم كانوا يقفون على المرسوم، وليس
فى ذلك عندنا شيء يروى عن ابن كثير وابن عامر، واختيار أئمتنا أن يوقف فى مذهبهما على المرسوم كالذين روى عنهم ذلك.(2/273)
376 [ولابن كثير يرتضى وابن عامر ... وما اختلفوا فيه حر أن يفصّلا]
أى يرتضى لهما الوقف على المرسوم وإن لم يرد به عنهما رواية، وذلك لما فيه من التنبيه على الرسم، قال فى التيسير: اعلم أن الرواية ثبتت لدينا عن نافع وأبى عمرو والكوفيين، أنهم كانوا يقفون على المرسوم، وليس
فى ذلك عندنا شيء يروى عن ابن كثير وابن عامر، واختيار أئمتنا أن يوقف فى مذهبهما على المرسوم كالذين روى عنهم ذلك.
قلت وذلك منقسم إلى متفق عليه ومختلف فيه، ولم توضع هذه القصيدة إلا لبيان المختلف فيه، فلهذا قال وما اختلفوا فيه حر أن يفصلا، أى حقيق تفصيله، أى تبيينه بطريق التفصيل واحدا بعد واحد، فقوله: حر مثل: عم، وشج، وهو خبر قوله وما اختلفوا فيه، وقوله: أن يفصلا، فى موضع رفع على أنه فاعل حر يقال حر وحرا: منقوصا ومقصورا، وكلاهما مستقيم هنا وزنا ومعنى، والكل بمعنى خليق وجدير وحقيق، إلا أن المنقوص يثنى ويجمع، بخلاف المقصور، أما المتفق عليه، فنحو الوصل والقطع بين الكلمات، والإثبات والحذف فى حروف العلة، نحو:
{(وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} فى الشورى (1) و {يَدْعُ الْإِنْسََانُ بِالشَّرِّ} {يَدْعُ الدََّاعِ} {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ)}.
كتبت هذه المواضع الأربعة بحذف الواو، فيوقف عليها كذلك، وكتب:
{(يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ)}.
فى الرعد (2) بإثبات الواو، فالوقف عليه كذلك، و:
(عمّا).
موصولة إلا قوله تعالى:
{(فَلَمََّا عَتَوْا عَنْ مََا نُهُوا عَنْهُ)}.
فإنها مفصولة، وكذا:
(إمّا).
موصولة إلا فى الرعد:
{(وَإِمََّا نُرِيَنَّكَ} [3]).
وهو كثير يؤخذ من المصنفات فى ذلك فلا يطول بذكره.
ثم شرع يبين الذى اختلف فيه القراء فقال:
377 [إذا كتبت بالتّاء هاء مؤنّث ... فبالهاء قف (حقّ) ارضى ومعوّلا]
يعنى كل هاء تأنيث فى الوقف، وهى تاء فى الوصل منها ما رسم فى المصحف على لفظ الوقف، ومنها ما رسم على لفظ الوصل بالتاء، فما كتب من ذلك بالهاء فلا خلاف فى الوقف عليها كذلك، لأنها هى اللغة الفصحى، والرسم موافق لها، فلا معدل عنها، وما كتب من ذلك بالتاء فوقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائى، وخالفوا الرسم اتباعا لأفصح اللغتين، ووقف الباقون بالتاء لأنها لغة ثابتة، وفى القراءة بها موافقة
__________
(1) آية: 24.
(2) آية: 39.
(3) آية: 40.(2/274)
للرسم، وقوله «حقا رضى ومعولا» أحوال على حذف مضاف، أى ذا حق ورضى وتعويل، ويجوز أن تكون مفعولات مطلقة، وأفعالها مضمرة، أى حق ذلك حقا، ورضى ذلك رضى، وعول عليه معولا، ثم استثنى من ذلك فقال:
378 [وفى اللّات مع مرضات مع ذات بهجة
ولات (ر) ضى هيهات (هـ) ادبه رفّلا]
أى الوقف بالهاء فى هذه الأماكن مرضى، يريد قوله تعالى:
{(أَفَرَأَيْتُمُ اللََّاتَ وَالْعُزََّى} ومرضاة).
حيث وقعت، وذات من قوله:
{(ذََاتَ بَهْجَةٍ} بخلاف قوله {ذََاتَ بَيْنِكُمْ)}.
ونحوها، وليس الكلام فى بهجة، فإن الوقف عليها بالهاء بإجماع، لأنها رسمت كذلك، وأما: ولات ففي قوله تعالى:
{(وَلََاتَ حِينَ مَنََاصٍ)}.
رسم الجميع بالتاء، ووقف الكسائى عليهن بالهاء طردا لمذهبه، ولم يوافقه أبو عمرو وابن كثير لمعان اختصت بهذه المواضع، أما اللات، فإذا وقف عليها بالهاء أشبه لفظ الوقف على اسم الله، وأما مرضاة فالوقف عليه بالهاء يشبه لفظ مرضى جمع مريض: إذا أضيفت إلى هاء الضمير، وأما ذات فمؤنث ذو، ولم يجر على لفظ مذكره فوقف عليه بالتاء، كبنت وأخت، بخلاف ابنة ففيها اللغتان، لأنها على لفظ مذكرها، وهو ابن، فزيد فيه هاء التأنيث، وأما لات فالتاء فيها تأنيث بمنزلة التى: تدخل الأفعال، نحو: قامت، وقعدت، وإنما حركت لالتقاء الساكنين، وللفرق بين تاء التأنيث فى الأفعال وبينها فى الحروف، ألا تراها لا تزال مفتوحة، فهى محركة كما حركوا تاء: ثمت وربت، إلا أن هذه يجوز إسكانها، إذ لا ساكن قبلها، وما كان من هذا القبيل فحقه أن يوقف عليه بالتاء، ووقف عليها الكسائى بالهاء، لأنها أشبهت تاء التأنيث فى الأسماء، للزومها الحركة وقرأت فى كتاب أبى بكر بن مهران فى شرح كتاب سيبويه، قال. يقال: لات ولاه فى الوقف، وثمة وثمه، فى الوقف وربت وربه، فى الوقف، قلت: وقد حكى أن التاء كتبت مع حين، فعلى هذا يكون الوقف على لا، وبعدها تحين، وقال الفراء: الوقف على ولات، واللات، وذات بالتاء أحب إلىّ من الهاء، وقد رأيت الكسائى سأل أبا فقعس الأسدي، فقال: ذاة لذات، وأ فرأيتم اللاه للات. وقال فى ولات حين مناص:
ولاه، وخص الوقف بالهاء على ذات، فى:
(ذات بهجة دون ذات بينكم).
وشبهه، جمعا بين اللغتين، ووافقه البزى على:
(هيهات).
فوقفا بالهاء، ولهذا قال: رفلا، لأن الترفيل: التعظيم، وهو اسم زيادة سبب خفيف فى قافية مجزوّ؟؟؟(2/275)
(هيهات).
فوقفا بالهاء، ولهذا قال: رفلا، لأن الترفيل: التعظيم، وهو اسم زيادة سبب خفيف فى قافية مجزوّ؟؟؟
الكامل فى الضرب الأول منه، وإنما قال هاديه: رفل، لانضمام البزى إلى الكسائى فى ذلك.
379 [وقف يا أبه (ك) فؤا (د) نا وكأيّن ال
وقوف بنون وهو بالياء (ح) صّلا]
كفوا حال من الضمير فى قف، أى كفؤا فى إقامة الحجة، أى قف بالهاء قائلا يا أبه، أراد يا أبت حيث جاء، وقف عليه بالهاء ابن عامر وابن كثير. لأنها تاء تأنيث لحقت الأب فى باب النداء خاصة، فكان الوقف عليها كغيرها، فابن كثير جرى على أصله فى ذلك، وخالفه أبو عمرو، والكسائى لأنها ليست طرفا، فإن ياء الإضافة مقدرة بعدها، وقد قال أبو بكر الأنبارى: يقف بالتاء من كسر ولا يجوز أن يقف بالهاء، لأن الكسرة التى فى التاء دالة على ياء المتكلم، مثل:
(يا قوم ويا عباد).
وخالف ابن عامر هنا أصله، فلم يقف بالتاء، لأنه فتحها وصلا، على ما يأتى، فأراد أن يفرق بينها وبين غيرها من التاءات لما اختصت به هذه من أحكام لم توجد فى الباقية، ومن وقف بالتاء اتبع الرسم فى جميع الباب، وكذا من وقف على:
(كأيّن).
بالنون، وهم جميع القراء، إلا أبا عمرو، فإنه وقف على الياء تنبيها على الأصل، لأن التنوين يحذف فى الوقف، وهى كلمة أى، دخل عليها كاف التشبيه، وهى مجرورة منونة مثل زيد، فحصل ذلك المعنى منه بسبب الوقف عليه بالياء والواو فى قوله:
(وكأيّن).
للعطف، ليشمل ما جاء من ذلك بالواو والفاء، وقوله الوقوف بنون: مبتدأ وخبر، أى الوقوف فيه كائن بالنون، أى عندها كما تقول: قف بالديار، وقوله: وهو بالياء مثله، أى والوقوف أيضا:
(كأيّن).
بالياء والألف فى حصلا، ضمير الموقفين، ولا يجوز أن يكون بالياء متعلقا بضمير الوقوف الذى هو:
وهو، ويكون: حصلا: خبره، لمنعهم جواز قولك: مرورى يزيد حسن، وهو بعمرو قبيح، ويجوز أن يتعلق بالياء بقوله: حصلا، فتكون الألف فى حصّلا: للإطلاق، والله أعلم.
380 [ومال لدى الفرقان والكهف والنّسا
وسال على ما (ح) جّ والخلف (ر) تّلا]
يريد قوله تعالى:
{(مََا لِهََذَا الرَّسُولِ} و {مََا لِهََذَا الْكِتََابِ} {فَمََا لِهََؤُلََاءِ الْقَوْمِ} {فَمََا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا)}.
كتبت لام الجر مفصولة فى هذه المواضع الأربعة، تنبيها على انفصالها من مجرورها فى المعنى، فوقف أبو عمرو على ما لأن حرف الجر من الكلمة الآتية، ووقف باقى القراء على اللام: اتباعا للرسم، واختلف عن الكسائى فروى عنه مثل أبى عمرو، ومثل الجماعة، وتقدير البيت: ومال فى هذه السور الأربع الوقف فيها على لفظ ما حج: أى غلب فى الحجة، لأن الكلمة مستقلة، فوقف عليها ولم يقف على اللام الخافضة، لأنها مع ما بعدها كالكلمة الواحدة، ولفظه بقوله: ومال: تنبيه على أن الرسم كذلك، فمنه نأخذ أن وقف المسكوت عنه من القراء على اللام، وقوله: رتلا، أى بين، ومنه: ترتيل القراءة، وهو الترتيل فيها والتبيين، أى نقل الخلاف عن الكسائى فى الكتب المشهورة، والله أعلم.(2/276)
{(مََا لِهََذَا الرَّسُولِ} و {مََا لِهََذَا الْكِتََابِ} {فَمََا لِهََؤُلََاءِ الْقَوْمِ} {فَمََا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا)}.
كتبت لام الجر مفصولة فى هذه المواضع الأربعة، تنبيها على انفصالها من مجرورها فى المعنى، فوقف أبو عمرو على ما لأن حرف الجر من الكلمة الآتية، ووقف باقى القراء على اللام: اتباعا للرسم، واختلف عن الكسائى فروى عنه مثل أبى عمرو، ومثل الجماعة، وتقدير البيت: ومال فى هذه السور الأربع الوقف فيها على لفظ ما حج: أى غلب فى الحجة، لأن الكلمة مستقلة، فوقف عليها ولم يقف على اللام الخافضة، لأنها مع ما بعدها كالكلمة الواحدة، ولفظه بقوله: ومال: تنبيه على أن الرسم كذلك، فمنه نأخذ أن وقف المسكوت عنه من القراء على اللام، وقوله: رتلا، أى بين، ومنه: ترتيل القراءة، وهو الترتيل فيها والتبيين، أى نقل الخلاف عن الكسائى فى الكتب المشهورة، والله أعلم.
381 [ويا أيّها فوق الدّخان وأيّها ... لدى النّور والرّحمن (ر) افقن حمّلا]
يعنى أن فى الزخرف:
{(يََا أَيُّهَا السََّاحِرُ} [1]).
وفى سورتى النور والرحمن:
(أيّها).
بغير حرف النداء، فلهذا أعاد لفظ أيها يريد قوله تعالى:
{(وَتُوبُوا إِلَى اللََّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلََانِ)} [2].
وقف بهذا اللفظ الكسائى وأبو عمرو، وهو لفظ الوصل، وإنما سقطت الألف للساكن بعدها، فوقفا على أصل الكلمة، ووقف الباقون على الهاء من غير ألف: اتباعا للرسم، لأن الألف لم ترسم فى هذه المواضع الثلاثة فكتبت على لفظ الوصل، من غير نظر إلى الأصل، كما كتبت.
{(وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ)}. (3)
بغير واو، ووقف الجميع كذلك، وأما سائر المواضع نحو:
{(يََا أَيُّهَا النََّاسُ} {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ)}.
فالوقف بالألف لجميع القراء، لأن الرسم كذلك.
فإن قلت: تلفظ فى البيت بغير لفظ الرسم، فمن أين تعلم قراءة الباقين، قلت: من البيت الآتى، والضمير فى رافقن: لهذه المواضع، أى رافقن حاملين لهن من القراء النقلة، يشير إلى أن القراءة نقل، فالاعتماد عليه، وإن كان أصل الكلمة شاهدا لها، وحملا: جمع حامل.
382 [وفى الها على الإتباع ضمّ ابن عامر ... لدى الوصل والمرسوم فيهنّ أخيلا]
يعنى أن ابن عامر ضم الهاء فى الوصل فى هذه المواضع الثلاثة، قال الشيخ: قدرت الهاء فى المعنى كما هى
__________
(1) آية: 49.
(2) الرحمن، آية: 31.
(3) النور، آية: 31(2/277)
فى اللفظ، فضمت كما يضم المنادى المفرد، وهى لغة عربية حكاها الكسائى والفراء. قال الفراء: هى لغة بنى أسد، يقولون: أيه الرجل أقبل، وذلك أنهم شبهوا هذه الهاء بهاء الضمير، فضموها، وكذلك حركوا هاء السكت تشبيها لها بهاء الضمير، وأسكنوا هاء الضمير، تشبيها بهاء السكت، وفى قراءة ابن عامر: تحريك هاء السكت، يعنى فى الأنعام:
{(فَبِهُدََاهُمُ اقْتَدِهْ} [1]).
وقول الناظم: على الإتباع، بيان لمأخذ هذه اللغة وحركتها، وهى أنهم ضموا الهاء اتباعا لضمة الياء قبلها، والوجه فتح الهاء، وهى قراءة الجماعة، لأنها ها التى للتنبيه، حذفت ألفها للساكن الذى بعدها، ويعلم من قوله: إن ابن عامر ضم الهاء على الإتباع: أنه رسم بغير ألف، وأن من عدا الكسائى وأبا عمرو: وقفوا على الهاء، لأن الألف لا يمكن ضم ما قبلها، وكأن هذا من باب الإثبات والحذف، فكأنه قال أثبت الألف فى الوقف أبو عمرو والكسائى، فالباقون على حذفها وقفا، وزاد ابن عامر فضم الهاء فى الوصل اتباعا، والإتباع فى اللغة وجه مقصود فى مواضع كثيرة. قال الشيخ: وأجاز صاحب القصيدة ضم ابن عامر بالرفع على الابتداء وضم ابن عامر على أنه فعل وفاعل. قلت: فعلى هذا تقدير الكلام: أوقع الضم فى الهاء، فهو من باب يجرح فى عراقيبها نصلى. ثم قال الشيخ: والمرسوم مبتدأ، وفيهن، الخبر وأخيلا: منصوب على الحال، والتقدير والمرسوم استقر فيهن أخيلا: أى مشبها ذلك، والأخيل: الحبرة اليمانية شبه الرسم بها. قلت: وتبع الشارحون الشيخ فى هذا المعنى واللفظ، وهو مشكل لفظا ومعنى فإن الأخيل، طائر، والرجل المتكبر، وما رأيت أحدا من أهل اللغة ذكر أنه الحبرة وقد كشفت الكتب المشهورة فى ذلك فلم أجده، ثم: لا طائل المعنى المفهوم من هذا اللفظ على تقدير صحته: وقد طال فكرى فى معنى صحيح أحمل اللفظ عليه، فوقع لى أن قوله أخيلا فعل ماض هو خبر، والمرسوم بمعنى الرسم: مصدر على وزن مفعول، كالمجلود، والمفتون، أى والرسم أخيل فيهن ذلك، من قولهم: أخالت السماء، وأخيلت إذا كانت ترجى المطر، حكاه الجوهرى وابن سيده، فاستعارة الناظم هنا: أى أن الرسم أخيل ضم الهاء الذى قرأ به ابن عامر فى هذه المواضع الثلاثة لأنها لما رسمت على هذه الصورة بلا ألف أوقع ذلك فى ذهن من رآه، ظنا أنه رسم على لغة بنى أسد المذكورة. قال الجوهرى:
وقد أخلت السحابة وأخيلتها إذا رأيتها مخيلة للمطر، ثم إنى رأيت بعد ما وقع لى هذا المعنى الصحيح فى شرح هذا اللفظ: نسخة صحيحة من القصيدة فى طرة هذا الموضع، منها حاشية منقولة من حواشى نسخة الشيخ أبى عبد الله القرطبى رحمة الله عليه، يقال: سحاب. مخيل: أى حقيق بالمطر، ورأيت هذا أيضا فى طرة نسخة أخرى مقروءة على المصنف، ولا شك أن ما كان فيها من الحواشى هو من كلامه وزاد، فكأن الرسم حقيق بضم الهاء، إذا جاء بغير ألف، ورأيت فى حاشية نسخة أخرى قرئت على الناظم غير مرة، وهو من قولهم أخال السحاب وأخيل: إذا كان حقيقا بالمطر، ولما رسمت هذه المواضع بغير ألف إجماعا كان فيه حجة لابن عامر، قلت: فدل ذلك على أنه مراد الناظم، وأن أبا عبد الله وغيره سمعوه منه، والله أعلم.
ورسمت يا أيها فى جميع القرآن بالألف آخرها، إلا فى هذه المواضع الثلاثة، وكأنهم أشاروا بذلك إلى جواز
__________
(1) آية 90.(2/278)
كتابتها على هذا الوجه: إما اجتزاء بالفتحة عن الألف على قراءة الجماعة، وإما على اللغة الأخرى التى قرأ عليها ابن عامر، واكتفى بذلك فى هذه الثلاثة دون باقى المواضع، لأنها جمعت الأنواع الثلاثة، وهى نداء المفرد والمثنى والمجموع، فالمفرد:
(يا أيّه السّاحر والمثنى أيّه الثّقلان والمجموع أيّه المؤمنون) والله أعلم.
383 [وقف ويكأنّه ويكأنّ برسمه ... وبالياء قف (ر) فقا وبالكاف (ح) لّلا]
أى هكذا رسمتا، فقف على هذه الصورة لجميع القراء إلا الكسائى وأبا عمرو، فإن الكسائى وقف على الياء لأنه جعل:
(وى كلمة وكأنّ كلمة).
ووى كلمة يقولها المتندم والمتعجب، ووجه الكاف بعدها تشبيه الحالة للراهنة بحال الوقوع لحصول اليقين، والمتيقن كالمعاين. قلت: تقدير البيت:
كأنك بالدنيا غير كائنة أى غير موجودة: أى إنها ذاهبة واجبة الذهاب.
وكأنك بالآخرة غير زائلة أى إذا وجدت، فهى واجبة الدوام، والله أعلم.
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:
«كأنّك بالدّنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل».
وقول امرئ القيس: كأنى لم أركب جوادا للذة
وقول عبد يغوث بن وقاص: كأنى لم أركب جوادا ولم أقل
وقول الجرهمى:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ووقف أبو عمرو على الكاف جعل:
(ويك).
كلمة ويكون أصلها ويلك حذفت منها اللام، وهى لغة.
قال عنترة:
ولقد شفا نفسى وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
وقال آخر:
ألا ويك المسرة لا تدوم ... ولا يبقى على البوسى النعيم
وفتح أن بعدها على إضمار اعلم، أو إضمار لام الجر، أى لأنه.
وقراءة الجماعة تحتمل معنى قراءة للكسائى، ومعنى قراءة أبى عمرو، قال أبو الفتح بن جنى فى باب توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين من ذلك قوله تعالى:(2/279)
ألا ويك المسرة لا تدوم ... ولا يبقى على البوسى النعيم
وفتح أن بعدها على إضمار اعلم، أو إضمار لام الجر، أى لأنه.
وقراءة الجماعة تحتمل معنى قراءة للكسائى، ومعنى قراءة أبى عمرو، قال أبو الفتح بن جنى فى باب توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين من ذلك قوله تعالى:
{(وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ)}.
مذهب الخليل وسيبويه فيه أنه:
(وى).
مفصول، وهو اسم سمى به الفعل فى الخبر، وهو اسم أعجب، ثم قال مبتدئا:
({وَيْكَأَنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ} وأنشد فيه:
وى كأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وذهب أبو الحسن فيه إلى أنه:
(ويك).
أراد بويك أعجب، أى اعجب لسوء اختيارهم، فعلق أن بما فى ويك من معنى الفعل، وجعل الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك، وهنالك قال أبو على ناصرا لقول سيبويه قد جاءت كأن كالزائدة، وأنشد بيت عمر:
كأننى حين أمسى لا يكلمنى ... ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا
أى أنا كذلك، وكذلك قوله:
{(لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ)}.
أى هم لا يفلحون، وقوله رفقا: أى رافقا مصدر فى موضع الحال، أى أرفق فى تقدير وجه ذلك، وفهم معناه، وحللا من التحليل: أى جوز الوقف على الكاف ردا على من أنكر ذلك، وقوله برسمه فى موضع الحال أى ملتبسا برسمه، فكأنه قال على رسمه، وأفاد قوله هذا: أن الرسم على هذه الصورة، فلا تقتصر على بعض هذا اللفظ فى الكلمتين، وهما فى آخر سورة القصص (1) والله أعلم.
384 [وأيّا بأيّا ما (ش) فا وسواهما ... بما وبوادى النمل باليا (س) نا تلا]
يريد قوله تعالى:
{(أَيًّا مََا تَدْعُوا)}.
فى آخر سورة سبحان (2) هى كلمة «أى» زيدت عليها «ما» فهى مثل: حيثما وكيفما، وعما، فوقف حمزة والكسائى على:
__________
(1) آية: 82.
(2) آية: 110.(2/280)
(أيّا).
وحدها، وأبدلا من التنوين ألفا، لأنها كلمة مستقلة مفصولة من «ما» خطا ومعنى، ووقف الباقون على «ما» وهو مشكل، فإنها لم تتصل بما قبلها خطا، فصارت مثل «عن ما» المفصولة، فإنهم يقفون على «عن» دون «ما» وقد تقدم بيان ذلك، ولكن الفرق تحقق الانقطاع فى نحو: «عن ما» لأن الاتصال كان ممكنا، وهاهنا لم يتحقق ذلك، فإن الألف لا يتصل بها شيء فى الخط بعدها، والأكثر فى الخط اتصال ما المزيدة بما قبلها، فاحتاطوا وأجروا هذا الموضع مجراها خوفا من أن يكونوا قصدوا الاتصال، ولحظوه حال الكتابة معنى وتعلقا كما لحظوه فيما تحقق اتصاله، ثم منعهم من ذلك خطا أن الألف لا تقبل ذلك فتركوه فقوله:
وأيا بأيامّا، أى والوقف على أيا فى قوله «أياما شفا» لظهور دليله بالفصل فى الخط، وسوى مدلول شفا، وهما حمزة والكسائى، وقفوا ب «ما» أى عليها. يقال: وقفت به وعليه، قال طرفة وقفت بها أبكى
وقال عنترة: قف على دراسات الدمن وكذلك الياء فى قوله: «وبواد النمل» أى وقف الكسائى عليها بالياء، لأنها الأصل، والباقون بحذفها على الرسم، وكان ينبغى أن يذكر هذا فى سورته كما ذكر هاد ووال وواق وباق فى سورة الرعد (1) وذكر:
{(يَوْمَ يُنََادِ)}.
فى سورة ق (2) فالجميع اختلفوا فى إثبات يائه فى الوقف، واتفقوا على حذفها فى الوصل، ولهذا لم يذكرها فى باب الزوائد، على ما يأتى شرحه إن شاء الله تعالى.
385 [وفى مه وممّه قف وعمّه لمه بمه ... بخلف عن البزّىّ وادفع مجهّلا]
انفرد البزى فى رواية عنه بزيادة هذه الهاء فى الوقف على «ما» الاستفهامية الداخل عليها حرف الجر، وهى هاء السكت، لأن بعض العرب يلحقها فى هذه المواضع جبرا لما حذف من «ما» وهو ألفها، وإبقاء لحركة الميم، لئلا تذهب فى الوقف فيجتمع فى «ما» وهى حرفان حذف أحدهما وإسكان الآخر، وأنشدوا صاح الغراب بمه وأراد بما ذكره:
{(فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرََاهََا} {مِمَّ خُلِقَ} {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ} {لِمَ تَقُولُونَ} {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)}.
وشبه ذلك، ووقف غير البزى بلا هاء: اتباعا للرسم، وهى اللغة المشهورة، وقوله مجهلا: منصوب على أنه مفعول به، أراد أن من جهل قارئ هذه القراءة فهو كالصائل الظالم، فادفعه عنه، وحجة من يردعه ويزجره عن تجهيله له، ويجوز أن يكون حالا من فاعل ادفع، والمفعول محذوف، أى ادفع من ردّ هذه القراءة مجهلا له بقلة معرفته، وفى حواشى النسخة المقروءة على الناظم قال الحوفى فى البرهان: لا يجوز هذا، واحتج بالرسم، قال: فيقال له: أليس ابن كثير وغيره يثبت الزوائد فى الوقف، وليست فى الرسم، وقد وقف قوم بخلاف الرسم فى مواضع، والمعوّل عليه صحة النقل لا غير.
قلت: وحكى صاحب المستنير: أن يعقوب كان يقف على هو، وهى والنون المفتوحة نحو:
__________
(1) الآيات: 7و 1133و 34و 37. وباق فى سورة النحل الآية: 96.
(2) آية: 41.(2/281)
(العالمين والّذين).
بهاء السكت، كما فعل البزى فى هذا، فيقول:
(هوه وهيه العالمينه الّذينه).
وشبهه، وحكى الحافظ أبو العلاء عن ابن جبير عن أبى عمرو:
(يا ويلتاه وأسفاه ويا حسرته والله أعلم.
باب مذاهبهم فى ياءات الإضافة
ياء الإضافة هى: ياء المتكلم، بها تكون متصلة بالاسم والفعل والحرف، نحو:
(عذابى ليبلونى إنّى ولى).
فهى تارة مجرورة المحل، وتارة منصوبة المحل، وقد أطلق الناظم وغيره من مصنفى كتب القراءات هذه التسمية عليها، وإن كانت منصوبة المحل غير مضاف إليها نحو:
(إنّى وآتانى ويحزننى وذرونى).
تجوّزا، وقد جاءت فى المصحف على ضربين: محذوفة وثابتة، فالمحذوفة يأتى الكلام فيها فى الباب الآتى، والثابتة فيها لغتان: الفتح والإسكان، فوجه الفتح: أنها ضمير على حرف واحد، قابل لحركة الفتح، واقع فى موضع النصب والجر، فحرك كالكاف والهاء، وقولنا: قابل لحركة الفتح، لأن الياء المكسور ما قبلها لا تحرك بغير الفتح إلا فى ضرورة شعر، وقولنا واقع فى موضع النصب والجر، احترازا من باب افعلى، فى خطاب المرأة، ووجه الإسكان التخفيف، لأن حرف العلة تثقل عليه الحركة، وإن كانت فتحة، ولأن المد يخلف الحركة، فيصير الحرف بالمد كأنه محرك، وكلاهما لغة فصيحة وقد جمعهما امرؤ القيس فى بيت واحد، فقال:
ففاضت دموع العين منى صبابة ... على النحر حتى بلّ دمعى محملى
فقال: منى، بالإسكان، ودمعى بالفتح، وعند هذا نقول: كل ضمير مفرد متصل: منصوب أو مجرور لا ينفك من أن يكون ياء المتكلم أو كاف الخطاب أو هاء الغائب، فالياء تسكن، لما فيها من المد، ولأنها حرف علة تثقل عليه الحركة، وإن كانت فتحة بدليل إجماعهم على إسكان الياء من معدي كرب، ولزموا الفتح فى نحو القاضى لأجل الإعراب، والكاف حرف صحيح محرك، والهاء مع كونها حفا صحيحا فيها ضعف، فقويت بالصلة إما بواو، أو ياء، على حسب ما قبلها من الحركة، على ما سبق فى بابها، ثم ياء الإضافة الثابتة فى المصحف منها ما أجمع القراء على تسكينه، وهو كثير، نحو:
{(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} {وَمَنْ عَصََانِي} {الَّذِي خَلَقَنِي} {يُطْعِمُنِي} و {يُمِيتُنِي} {إِنِّي جََاعِلٌ}
{فَقُلْ لِي عَمَلِي} {يَعْبُدُونَنِي لََا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)}.
ومنها ما أجمع على فتحه، وهو:(2/282)
{(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} {وَمَنْ عَصََانِي} {الَّذِي خَلَقَنِي} {يُطْعِمُنِي} و {يُمِيتُنِي} {إِنِّي جََاعِلٌ}
{فَقُلْ لِي عَمَلِي} {يَعْبُدُونَنِي لََا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)}.
ومنها ما أجمع على فتحه، وهو:
{(بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} {أَرُونِيَ الَّذِينَ} {نِعْمَتِيَ الَّتِي)}.
ونحوه، مما بعده لام التعريف، أو شبهها، غير ما يأتى الخلاف فيه، ومنه ما وقع فيه قبل ياء الإضافة ألف، نحو:
(هداى وعصاى وبشراى واختلف فى محياى).
على ما يأتى، وإن وقع قبلها ياء ساكنة أدغمت فيها، وفتحت نحو:
(لدىّ وعلىّ وإلىّ وبيدىّ واختلف فى بمصرخيّ ويا بنىّ).
فى الفتح والكسر، ومنهم من أسكن.
(يا بنىّ كما يأتى).
وقد صنف الإمام أبو بكر بن مجاهد رحمه الله كتابا مستقلا فى الياءات: إثباتا وحذفا، وفتحا وإسكانا، وذكر المتفق عليه والمختلف فيه، على ترتيب القرآن، سورة سورة، وسيأتى فى آخر كل سورة ذكر ما فيها من ياءات الإضافة.
وهاهنا بيان أحكامها، فابتدأ الناظم ببيان حقيقتها فقال:
386 [وليست بلام الفعل ياء إضافة ... وما هى من نفس الأصول فتشكلا]
أى تكون آخر كلمة، ولكن ليست من حروف تلك الكلمة، بل زائدة عليها، وشرح هذا الكلام أن تقول: الكلمة إن كانت مما يوزن، ووقع فى آخرها ياء، فزنها بالفاء والعين واللام، فإن صادفت اللام مكان الياء، فتعلم أنها لام الفعل، مثاله:
{(أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً} {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ} {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ} {فَبِمََا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي}
{وَاللََّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} {يَهْدِي بِهِ اللََّهُ)}.
فحكم مثل هذه الياء فى المضارع السكون فى الرفع، والفتح فى النصب، والحذف فى الجذم، وفى الماضى الفتح، نحو:
{(أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ} {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هََذَا الْقُرْآنُ)}.
ومثاله فى الأسماء نحو:
(الدّاعى والمهتدى والزّانى والنّواصى).
فهذا وشبهه يقع الاختلاف فيه فى الياء بالحذف والإثبات، منها ما اتفق على إثباته كالزانى والنواصى ومنها ما اختلف فيه كالداعى والتلاق على ما سيأتى بيانه فى بابه، وإن كانت الكلمة مما لا يوزن وذلك فى الأسماء المبهمة، نحو: الذى، والتى، واللاتى، وفى الضمائر هى، فالياء فيها ليست بياء إضافة، لأنها من
نفس أصول الكلمة، ليست زائدة عليها، وإن كان يجوز فى ياء الذى وأخواته الحذف والتشديد، ويجوز فى ياء هى فى الشعر الإسكان والتشديد، فاحترز بقوله: وما هى من نفس الأصول، من مثل ذلك، ولم يكتف بقوله: وليست بلام الفعل لما ذكرت من الفرق بين الكلمات الموزونة وغيرها، وقوله: وما هى من نفس الأصول، يشمل الجميع، ولكن أراد التنبيه على مثل هذه الفوائد، وإذا تقرر أنها ليست من نفس الأصول لم تبق مشكلة، فلهذا قال: فتشكلا، ونصبه على الجواب بالفاء بعد النفى، وكان ينبغى أن يأتى بما يحترز به أيضا عن ياء ضمير المؤنث، فى نحو:(2/283)
فهذا وشبهه يقع الاختلاف فيه فى الياء بالحذف والإثبات، منها ما اتفق على إثباته كالزانى والنواصى ومنها ما اختلف فيه كالداعى والتلاق على ما سيأتى بيانه فى بابه، وإن كانت الكلمة مما لا يوزن وذلك فى الأسماء المبهمة، نحو: الذى، والتى، واللاتى، وفى الضمائر هى، فالياء فيها ليست بياء إضافة، لأنها من
نفس أصول الكلمة، ليست زائدة عليها، وإن كان يجوز فى ياء الذى وأخواته الحذف والتشديد، ويجوز فى ياء هى فى الشعر الإسكان والتشديد، فاحترز بقوله: وما هى من نفس الأصول، من مثل ذلك، ولم يكتف بقوله: وليست بلام الفعل لما ذكرت من الفرق بين الكلمات الموزونة وغيرها، وقوله: وما هى من نفس الأصول، يشمل الجميع، ولكن أراد التنبيه على مثل هذه الفوائد، وإذا تقرر أنها ليست من نفس الأصول لم تبق مشكلة، فلهذا قال: فتشكلا، ونصبه على الجواب بالفاء بعد النفى، وكان ينبغى أن يأتى بما يحترز به أيضا عن ياء ضمير المؤنث، فى نحو:
{(اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} {وَهُزِّي إِلَيْكِ)}.
وعن الياء فى جميع السلامة نحو:
{(حََاضِرِي الْمَسْجِدِ} و {عََابِرِي سَبِيلٍ} {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ} {وَالْمُقِيمِي الصَّلََاةِ}
{مُهْلِكِي الْقُرى ََ)}.
فهذا كله ليس من باب ياءات الإضافة، وكان يكفيه فى تعريفها أن يقول: هى ياء المتكلم، أى ضميره المعبر عنه به، فى موضع النصب والجر متصلا، ثم عرفها بالعلامة فقال:
387 [ولكنّها كالهاء والكاف كلّ ما ... تليه يرى للهاء والكاف مدخلا]
أى أنها كهاء الضمير وكافه، كل لفظ تليه ياء الإضافة، أى كل موضع تدخل فيه، فإنه يصح دخول الهاء والكاف فيه مكانها، فنقول فى:
(ضيفى ويحزننى وإنّى ولى ضيفه ويحزنه وإنّه وله وضيفك ويحزنك وإنّك ولك ولكنّ).
هاهنا إشكال، وهو: أن من المواضع ما لا يصح دخول الكاف فيه، نحو:
(فاذكرونى وحشرتنى).
فلا يبقى قوله: كل ما، على عمومه، ولو قال: كل ما تليه يرى للها، أو الكاف، لزال هذا الإشكال بحرف أو وقصر الهاء، وقوله: كل ما: مبتدأ، وحق كلمة ما بعدها أن تكتب مفصولة منها، لأنها مضاف إليها، وهى نكرة موصوفة، أى كل شيء يليه، ولا تكاد تراها فى النسخ إلا متصلة بكل، ومنهم من ينصب كل ما يعتقد أنه مثل قوله تعالى:
{(كُلَّمََا أُلْقِيَ فِيهََا فَوْجٌ)}.
وذلك خطأ ويرى خبر المبتدأ، أى كل شيء يليه الياء يرى ذلك الشيء مدخلا للهاء والكاف، أى موضع دخول لهما، وقوله: تليه يجوز أن يكون من: ولى هذا هذا، أى تبعه، وأتى بعده، أى كل موضع اتصل به ياء الإضافة يرى موضعا لاتصال الها والكاف به مكان الياء، ويجوز أن تكون تليه من الولاية التى بمعنى الإمرة
أى كل موضع وليته الياء، أى حكمت عليه بحلولها فيه، فذلك الموضع يصح أن يكون مدخلا للضميرين: الهاء والكاف، ضميرى الغائب والمخاطب، فيحكما حكمها فيه، والله أعلم.(2/284)
وذلك خطأ ويرى خبر المبتدأ، أى كل شيء يليه الياء يرى ذلك الشيء مدخلا للهاء والكاف، أى موضع دخول لهما، وقوله: تليه يجوز أن يكون من: ولى هذا هذا، أى تبعه، وأتى بعده، أى كل موضع اتصل به ياء الإضافة يرى موضعا لاتصال الها والكاف به مكان الياء، ويجوز أن تكون تليه من الولاية التى بمعنى الإمرة
أى كل موضع وليته الياء، أى حكمت عليه بحلولها فيه، فذلك الموضع يصح أن يكون مدخلا للضميرين: الهاء والكاف، ضميرى الغائب والمخاطب، فيحكما حكمها فيه، والله أعلم.
ووقع لى بيتان فى تعريفها حدا وتمثيلا باتصالها بالاسم والفعل والحرف، وتمثيل ما احترز عنه مما تقدم ذكره، فقلت، هى الياء فى أنى على متكلم ... تدل وضيفى فاذكرونى مثلا
وليست كيائى وهى أوحى واسجدى ... وياء التى والمهتدى حاضرى انجلا
فالحد أن تقول: هى الياء التى تدل على المتكلم، وعند ذلك تتصل بالحروف الجارة والناصبة، نحو: لى وإنى، وبالأسماء نحو: ضيفى، ودونى، وتحتى، وعندى، وبالأفعال الماضية والمضارعة، ومثال الأمر (كحشرتنى ويحزننى فاذكرونى).
والبيت الثانى فيه أمثلة ما الياء فيه أصل، لا عبارة عن متكلم، والله أعلم.
قال رحمه الله تعالى:
388 [وفى مائتى ياء وعشر منيفة ... وثنتين خلف القوم أحكيه مجملا]
منيفة، أى زائدة: يقال أناف على كذا: أى أشرف عليه، وأنافت الدراهم على مائة إذا زادت عليها، وناف الشيء فى نفسه ينوف: أى طال وارتفع ذكره، أى جملة ياءات الإضافة هى العدة، وهى: مائتان واثنتا عشرة ياء، وعدها صاحب التيسير مائتين وأربع عشرة ياء، فزاد ثنتين، وهما:
{(آتََانِيَ اللََّهُ)}.
فى سورة النمل (1)، وقوله فى الزمر:
{(فَبَشِّرْ عِبََادِ الَّذِينَ} [2]).
وذكرهما الناظم فى باب الزوائد لأن الياء حذفت منهما فى الرسم، وهذه حقيقة باب الزوائد، ثم إن صاحب التيسير لما ذكر:
{(آتََانِيَ اللََّهُ)}.
فى سورتها، عدها مع الزوائد، ولم يعدها مع ياءات الإضافة، وعد:
{(فَبَشِّرْ عِبََادِ)}.
فى سورتها مع ياءات الإضافة، ولا شك أنهما أخذا من كل باب من هذين البابين حكمه، فإن الخلاف فهما فى فتح الياء وإسكانها، وفى إثباتها وحذفها، وأما:
{(يََا عِبََادِ لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ)}.
__________
(1) آية: 36.
(2) آية: 17.(2/285)
فى الزخرف (1) فذكرها الشيخ الشاطبى رحمه الله فى باب ياءات الإضافة، وبين حكمها، لأن المصاحف لم تجتمع على حذف يائها، كما يأتى بيانه، بخلاف ياء:
(آتانى فى النمل وعبادى فى الزمر).
فإن المصاحف اجتمعت على حذف الياء منهما، وذكر صاحب التيسير حكم الياء التى فى الزخرف فى باب الزوائد، ولذلك عدها إحدى وستين ياء، وأدرجها فى باب ياءات الإضافة فى العدد، ولم ينص على حكمها، فإنه عد الياءات التى ليس بعدها همز: ثلاثين، كما عدها الشاطبى، ولا يتم هذا العدد إلا بالتى بالزخرف وذكرها صاحب التيسير فى سورتها مع ياءات الإضافة، فقد عدها فى البابين، وعذره فى ذلك أنها حذفت فى بعض الرسوم، كما يأتى ذكره. وقوله: أحكيه مجملا، يعنى خلف القراء فيها بالفتح والإسكان، ولم يذكر فى هذا الباب حذفا وإثباتا، إلا فى التى فى الزخرف، فإنه ذكر فيها الأمرين، فإن من أثبتها اختلفوا فى فتحها وإسكانها وكذا فعل فى باب الزوائد فى اللتين فى النمل والزمر. وقوله: مجملا: حال من الهاء فى أحكيه، أو نعت مصدر محذوف، أى ذكرا مجملا، فهو مصدر قرن بغير فعله، لأنه بمعناه، مثل قعدت جلوسا، لأن معنى أحكيه وأذكره واحد، أى أذكره على الإجمال بضابط يشملها من غير بيان مواضع الخلاف كلها تنصيصا على أعيانها فى سورها وستأتى معينة فى آخر كل سورة، وإنما أحكامها تؤخذ من هذا الباب، وقيل هو من إجمال العدد، وهو ما كان منه متفرقا، ويجوز أن يكون من أجمل: إذا أتى بالجميل، من قولهم أحسن فلان، وأجمل أى أذكره ذكرا جميلا سهلا، ويروى مجملا بكسر الميم، وهو حال من الفاعل بالمعانى السابقة.
389 [فتسعون مع همز بفتح وتسعها ... (سما) فتحها إلّا مواضع همّلا]
أى فمن جملة المائتين والاثنتى عشرة ياء المذكورة: تسع وتسعون ياء بعدها همزة مفتوحة، نحو:
(إنّى أعلم إنّى أرى).
فتحها كلها مدلول سما، وهم: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، إلا مواضع خرجت عن هذا الأصل، ففتحها بعضهم أو زاد معهم غيرهم، جمعا بين اللغتين، أو اختلف عن بعضهم فى شيء من ذلك، ومعنى هملا متروكة، وهو جمع هامل، يقال: بعير هامل من إبل هوامل، وهمّل وهمل، وقد همل هذا إذا ترك بلا راع والشيء الهمل هو السدى المتروك، وقد رتب الناظم ذكر الياءات المختلف فيه ترتيبا حسنا، وهو ترتيب صاحب التيسير، وحاصل المختلف فيه منها ستة أنواع، فإن الياء لا تخلو إما أن يكون بعدها همزة أو. لا، فالتى بعدها همزة لا تخلو من أن تكون همزة قطع أو همزة وصل، فهمزة القطع لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وإن كانت همزة وصل فلا تخلو من أن يكون معها لام التعريف أو. لا، فهذه ستة أنواع: خمسة منها لما بعده همز، وواحد مع غير همز. فابتدأ بذكر ما بعده همزة قطع، على الترتيب المذكور، وبدأ بما بعده همزة مفتوحة لكثرة ذلك، ولأن الفاتحين له من القراء ثلاثة، عبر عنهم بسما، وربما زادوا فى بعض المواضع كما يأتى بيانه، ثم ذكر ما بعده همزة مكسورة، لأنه دون ذلك فى العدة، وعلى فتحه من جملة مدلول سما اثنان
__________
(1) آية: 68.(2/286)
ثم ذكر ما بعده همزة مضمومة لقلته وعلى فتحه واحد من مدلول سما ثم ذكر ما بعده همزة وصل، وقدّم ما معه لام التعريف لكثرته، ثم ذكر النوع الآخر ثم ذكر ما لا همز بعده، وهو آخر الأنواع الستة.
واعلم أن الغالب على ياء الإضافة فى القرآن الإسكان، وأكثر ما فتح منها ما بعده همزة قطع، وسببه الخلاص بالفتح من المد، وقد ذكر ابن مجاهد فى كتابه: قال الفراء: وقد زعم الكسائى أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة، سوى الألف واللام. قال الفراء: ولم أر ذلك عند العرب: رأيتهم يرسلون الياء فيقولون: عندى أبواك، ولا يقولون عندى أبواك إلا أن يتركوا الهمزة، فيحولوا الفتحة فى الياء. قال ابن مجاهد: فأما قولهم: لى ألفان، وبى أخواى كفيلان، فإنهم ينصبون فى هذين لقلتهما. قلت: يعنى قلة حروف الكلمتين: لى، وبى، فحيث تقل الحروف يحسن الفتح ما لا يحل فى كثرتها، وقد أفادنا ما حكاه عن الفراء:
أن معظم العرب على الإسكان، وأن من فتح منهم فأكثر فتحه فيما بعده همزة قطع، وأما ما بعده همزة وصل فلا، لأنه يلزم من إسكان الياء المد فى القطع دون الوصل، ومذهب أكثر القراء عكس ذلك، وهو اختيار الفتح قبل لام التعريف، لتظهر الياء ولا تحذف لالتقاء الساكنين، وفيما بعده همزة وصل بغير لام التعريف من الخلاف نحو مما بعده همزة قطع، ولعل سببه أن همزة لام التعريف مفتوحة، فكأن فتحتها نقلت إلى الياء وهمزة الوصل فى غيرها مكسورة أو مضمومة، وقد أشار أبو عبيد إلى قريب من هذا الفرق فى سورة الصف والخلاف فى هذا الباب جميعه فى الفتح والإسكان، وليس أحدهما ضدا للآخر، فكان الواجب عليه فى اصطلاحه أن ينص فى كل ما يذكره على القراءتين معا، لكن كان يطول عليه، فاكتفى بدلالة النظم فى جميع الباب على ذلك فإنه تارة ينص على الفتح، وتارة على الإسكان، ففهم من ذلك الأمران والله أعلم.
390 [فأرنى، وتفتنّى، اتّبعنى سكونها ... لكلّ، وترحمنى أكن، ولقد جلا]
يعنى أن هذه الياءات الأربع وإن كان بعدها همزات مفتوحة، فقد أجمعوا على إسكانها، وليست من جملة التسع والتسعين التى ذكرها، وأراد:
{(أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)}.
وأتى به على قراءة ابن كثير والسوسى:
(ولا تفتنّى ألا اتّبعنى أهدك وإلّا تغفر لى وترحمنى أكن).
وفائدة ذكره لهذه المواضع الأربعة من بين المجمع عليه: أن لا يلتبس المختلف فيه بها، لأنها داخلة فى الضابط المذكور، وهو ما بعده همزة مفتوحة، فلولا تنصيصه عليها بالإسكان للكل لظن أنها من جملة العدة، فتفتح لمن يفتح تلك العدة، فعلم من ذكره لهذه المواضع أن المختلف فيه غيرها، مما بعده همزة مفتوحة، وكذا يفعل فيما بعده مكسورة ومضمومة، فلهذا قال: «ولقد جلا» أى كشف مواضع الخلاف وبينها، وفاعل جلا ضمير يرجع إلى الناظم، أو إلى المذكور. وقيل: يعود الضمير على السكون، أى كشف فصاحة هذه اللغة، وهى الإسكان بسبب الاتفاق عليه فى هذه المواضع، وكذا فيما بعده همزة مكسورة أو مضمومة كما يأتى، وقد ذكرنا فيم مضى أن أكثر الياءات فى غير كلمات الخلاف مسكنة، والمجمع على فتحه من ذلك ما قبله ساكن مدغم أو ألف، نحو:
(لدىّ وهداى).(2/287)
وفائدة ذكره لهذه المواضع الأربعة من بين المجمع عليه: أن لا يلتبس المختلف فيه بها، لأنها داخلة فى الضابط المذكور، وهو ما بعده همزة مفتوحة، فلولا تنصيصه عليها بالإسكان للكل لظن أنها من جملة العدة، فتفتح لمن يفتح تلك العدة، فعلم من ذكره لهذه المواضع أن المختلف فيه غيرها، مما بعده همزة مفتوحة، وكذا يفعل فيما بعده مكسورة ومضمومة، فلهذا قال: «ولقد جلا» أى كشف مواضع الخلاف وبينها، وفاعل جلا ضمير يرجع إلى الناظم، أو إلى المذكور. وقيل: يعود الضمير على السكون، أى كشف فصاحة هذه اللغة، وهى الإسكان بسبب الاتفاق عليه فى هذه المواضع، وكذا فيما بعده همزة مكسورة أو مضمومة كما يأتى، وقد ذكرنا فيم مضى أن أكثر الياءات فى غير كلمات الخلاف مسكنة، والمجمع على فتحه من ذلك ما قبله ساكن مدغم أو ألف، نحو:
(لدىّ وهداى).
للضرورة، أو كان بعده لام التعريف، نحو:
{(بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)}.
حرصا على بيان الياء. وقيل: حسن الإسكان فى:
(أرنى أن بعده لن ترانى وسوف ترانى).
ساكنى الياء، وفى:
(تفتىّ أن قبله ائذن لى).
ساكن الياء، وأنه محل الوقف، وفى:
(اتّبعنى أن قبله جاءنى من العلم).
ساكن الياء، وفى:
(ترحمنى أن قبله إنّ ابني من أهلى).
ساكن الياء، والله أعلم.
391 [ذرونى وادعونى اذكرونى فتحها ... (د) واء وأوزعنى معا (ج) اد (هـ) طّلا]
أراد {(ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ََ} {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)}.
فتح هذه المواضع من مدلول سما ابن كثير وحده:
{(أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ)}.
فى النمل والأحقاف (1) وهو معنى قوله: معا، وتقدير الكلام: وفتح ياءى كلمتى أوزعنى معا، وقد تقدم بيان اصطلاحه فى ذلك فى قوله: وأرجئ معا، وفتح ياءى أوزعنى فى الموضعين: ورش والبزى، والضمير فى جاد يرجع إلى الفتح، وهطلا جمع هاطل، والهطل تتابع المطر، ويقال: جاد المطر إذا غزر وهطلا: حال، أى ذا هطل، أى سحائب هطل. قال الجوهرى: سحائب هطل: جمع هاطل، ويجوز أن يكون جاد من الجودة، أى جاد فى نفسه، أو يكون من جاد بماله، إذا سمح به، ونصب هطلا على ما ذكرناه، وقيل: هطلا تمييز، على حد تفقأ زيد شحما، أى جاد هطله، والله أعلم.
392 [ليبلونى معه سبيلى لنافع ... وعنه وللبصرى ثمان تنخّلا]
معه أى مع ليبلونى سبيلى: فتحهما لنافع، أراد:
{(لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ} {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا)}.
__________
(1) سورة النمل، آية: 19والأحقاف، آية: 15.(2/288)
وعنه: يعنى عن نافع، ولأبى عمرو فتح ثمان ياءات، تنخل: أى اختير فتحها، ولو قال تنخلا: أى اختارا فتحها، وتكون الألف ضمير التثنية، كان أبين وأحسن، ثم بين مواضعها فقال:
393 [بيوسف إنّى الأوّلان ولى بها ... وضيفى ويسّر لى ودونى تمثّلا]
أراد {(إِنِّي أَرََانِي أَعْصِرُ خَمْراً} {إِنِّي أَرََانِي أَحْمِلُ)}.
احترز بقوله: الأولان، عن ثلاث ياءات أخر فى يوسف بلفظ إنى، وبعدها همزة مفتوحة، وهى:
{(إِنِّي أَرى ََ سَبْعَ بَقَرََاتٍ} {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ} {إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللََّهِ)}.
فهذه الثلاث يفتحها سما على أصلهم، ووجه الكلام ياء كلمتى إنى الأولان، أو إنى إنى الأولان، ولكنه حذف أحدهما لدلالة المراد من هذا الكلام على المحذوف، وكذا قوله: وأوزعنى معا، أى أوزعنى أوزعنى معا. وقوله: ولى بها: أى بسورة يوسف أيضا، أراد:
{(حَتََّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} و {ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ)} فى هود (1) و {يَسِّرْ لِي أَمْرِي} فى طه (2)
{مِنْ دُونِي أَوْلِيََاءَ)}.
فى آخر الكهف (3) وقوله: تمثلا، أى تشخص ذلك وبان، فهذه ست ياءات، ثم ذكر الياءين الباقيتين، فقال:
394 [وياءان فى اجعل لى وأريع (إ) ذ حمت
(هـ) داها ولكنّى بها اثنان وكلّا]
أراد {(اجْعَلْ لِي آيَةً)}.
فى آل عمران ومريم (4) فهذه آخر الياءات الثمانية لنافع وأبى عمرو فتحها، ثم ذكر أربعا فتحها لهما وللبزى فقال: وأربع: أى وفتحت أربع إذ حمت تلك الأربع هداها، أى ذوى هداها، أى المهتدى لفتحها، وهم قراؤها، حمتهم من أن يطعن عليهم فى فتحهم لها. لحسن الفتح فيها، ثم أخذ يبينها فقال: ولكنى، والواو من نفس التلاوة وليست عطفا، أراد قوله تعالى:
{(وَلََكِنِّي أَرََاكُمْ)}.
فى هود والأحقاف (5) وهو معنى قوله: بها اثنان، والهاء فى بها عائدة على: ولكنى، أى وكل بهذا اللفظ موضعان، ثم ذكر ما بقى فقال:
395 [ونحتى وقل فى هود إنّى أراكمو ... وقل فطرن فى هود (هـ) اديه (أ) وصلا]
__________
(1) آية: 78.
(2) آية: 36.
(3) آية: 102.
(4) آل عمران آية: 41ومريم آية: 10.
(5) هود، آية: 29، والأحقاف، آية: 33.(2/289)
أراد {(مِنْ تَحْتِي أَفَلََا تُبْصِرُونَ)}.
فى الزخرف (1):
{(إِنِّي أَرََاكُمْ بِخَيْرٍ} [2]).
وفتح البزى ونافع:
(فطرنى {أَفَلََا تَعْقِلُونَ)}.
وحذف الناظم الياء من فطرنى وأسكن النون ضرورة، لأنه لا يستقيم الوزن فى بحر الطويل بلفظ فطرنى لما فيه من توالى أربع حركات، ويستقيم فيه اجتماع ثلاث حركات، ومعنى قوله: هاديه أوصلا، أى أوصل فتحه، وهاديه ناقله.
396 [ويحزننى (حرميّ) هم تعداننى ... حشرتنى أعمى تأمرونى وصّلا]
وجميع ما فى هذا البيت وصل الحرميان فتحه، وليست الألف فى وصلا للتثنية، وإنما فى وصل ضمير مستكن يرجع إلى لفظ حرمى، لأنه مفرد، وإن كان مدلوله اثنين، ويجوز أن تكون الألف ضمير التثنية اعتبارا للمدلول، أراد:
{(لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا} [3] بِهِ {أَتَعِدََانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} [4] {حَشَرْتَنِي أَعْمى ََ} [5]).
فى طه:
{(تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [6]).
فى الزمر، فهذه أربع ياءات لفظ باثنتين منها ساكنتين وباثنتين مفتوحتين على ما اتفق نظمه على أن فتحته ياء:
(حشرتنى).
يحتمل أن تكون حركة ياء الإضافة، ووصل همزة أعمى ضرورة، ويحتمل أن تكون حركة الهمزة نقلت إليها، وهو أولى فهذا آخر ما أهمل فتحه بعض مدلول سما، ثم ذكر ما زاد معهم على فتحه غيرهم، فقال:
397 [أرهطي (سما م) ولى وما لى (سما ل) وى
لعلّى (سما ك) فؤا معى (نفرا) العلا]
يريد قوله تعالى:
{(أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ)}.
__________
(1) آية: 51.
(2) سورة هود، آية: 84.
(3) آية: 13.
(4) الأحقاف، آية: 17.
(5) آية، 125.
(6) آية: 64.(2/290)
زاد على فتحه ابن ذكوان:
{(مََا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجََاةِ)}.
زاد على فتحه هشام لعلى زاد على فتحه ابن عامر بكماله وهو فى ستة مواضع فى القرآن:
{(لَعَلِّي أَرْجِعُ)}.
فى يوسف (1):
{(لَعَلِّي آتِيكُمْ)}.
فى طه والقصص (2).
{(لَعَلِّي أَعْمَلُ صََالِحاً} [3]).
فى قد أفلح:
{(لَعَلِّي أَطَّلِعُ)}
فى القصص (4):
{(لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبََابَ)}.
فى غافر (5) ونصب: مولى، ولوا، وكفؤا، على التمييز، أو على الحال. والمولى: الناصر، ولوى مقصورا لواء. ويكنى به عن الشهرة. وسموه موافق لذلك، أى ارتفع لواؤه، هذا إن نصبناه على التمييز، وإن كان حالا فالتقدير: ذا لواء، والكفؤ: المماثل، وأما معى فى قوله تعالى:
{(مَعِيَ أَبَداً)}.
فى براءة (6):
{(مَعِيَ أَوْ رَحِمَنََا)}.
فى تبارك (7) فزاد على فتحه ابن عامر أيضا وحفص، وهو المذكور فى أوّل البيت الآتى. ومعى مبتدا ونفر العلا خبره أى ذو نفر العلا: أى نفر الأدلة العلا، أو يكون نفرا لعلا مبتدأ ثانيا، وخبره أول البيت الآتى، وهو قوله:
398 [(ع) ماد وتحت النّمل عندى (ح) سنه ... (إ) لى (د) رّه بالخلف وافق موهلا]
__________
(1) آية: 46.
(2) طه، آية: 10، والقصص آية: 29.
(3) آية: 100.
(4) آية: 38.
(5) آية: 37.
(6) آية: 83.
(7) آية: 28.(2/291)
أى هم عماد له فى فتحه، فالجملة خبر معى. وقوله: عندى، مبتدأ، وتحت النمل خبر، أراد قوله تعالى فى القصص:
{(إِنَّمََا أُوتِيتُهُ عَلى ََ عِلْمٍ عِنْدِي} {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} [1]).
وهذا الموضع هو الذى اختلف فيه عن بعض مدلول سما، وهو ابن كثير، ولولا الخلف لما كان له حاجة لذكره، فإنه داخل فى عموم ما تقدم لهم. وقوله: حسنه: مبتدأ أيضا: أى حسن الفتح إلى دره وافق موهلا وقوله وافق: هو خبر المبتدأ. وموهلا حا، أى مجعولا أهلا للموافقة للصواب، من قولهم: أهّلك الله لكذا، أى: جعلك أهلا له، أو هو مفعول به، أى وافق قارئا هذه صفته، أو ذا أهل، يشير إلى أن له أدلة وبراهين.
وهذا آخر الكلام فيما بعده همزة مفتوحة.
ثم ذكر النوع الثانى، وهو: ما بعده همزة مكسورة فقال:
399 [وثنتان مع خمسين مع كسر همزة ... بفتح (أ) ولى (ح) كم سوى ما تعزّلا]
أى استقرت بفتح أولى حكم، أى بفتح جماعة أصحاب حكم وعدل، وذلك نحو:
{(فَإِنَّهُ مِنِّي إِلََّا مَنِ اغْتَرَفَ} {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ} {رَبِّي إِلى ََ صِرََاطٍ)}.
سوى ما تعزلا: أى ما انعزل عن هذا الأصل، ففتحه بعض مدلول قوله: أولى حكم أو زاد معهم غيرهم ومن المواضع: ما لم تزد فيه العدة ولم تنقص وخرج عن الأصل السابق، وهو موضعان: أحدهما خلف فيه قارئ عن قارئ، وهو:
(رسلى).
فى سورة المجادلة (2) فتحه ابن عامر، وأسكنه أبو عمرو، وهو مذكور فى البيت الآتى، والثانى:
(ربّى).
فى حم السجدة (3) فتحه نافع وأبو عمرو على أصلهما، لكن عن قالون فيه وجهان، وقد ذكر الخلاف فيه فى سورته فهو نظير ما تقدم فيما بعده همزة مفتوحة، من قوله:
(عندى).
فى القصص (4) وتعزل واعتزل واحد. قال الأحوص:
يا بيت عاتكة الذى أتعزل ... حذر العدا، وبه الفؤاد موكل
__________
(1) آية: 78.
(2) آية: 21.
(3) آية: 66.
(4) آية: 78.(2/292)
400 [بناتى وأنصارى عبادى ولعنتى ... وما بعده بالفتح إن شاء أهملا]
جميع ما فى هذا البيت فتحه نافع وحده، فأهمل فلم يجر عليه الحكم المتقدم، وهو فتحه لمدلول قوله أولى حكم بل فتح لبعضهم، وأراد:
{(هََؤُلََاءِ بَنََاتِي إِنْ كُنْتُمْ} {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى)}.
فى آل عمران والصف (1):
{(أَنْ أَسْرِ بِعِبََادِي إِنَّكُمْ)}.
فى الشعراء (2) فحذف الباء ضرورة، وليس فى القرآن لفظ «عبادى» بعده همزة مكسورة غير هذا، فلا تلتبس هذه العبارة:
{(لَعْنَتِي إِلى ََ يَوْمِ الدِّينِ)}.
والذى بعده إن شاء، هو قوله تعالى:
{(سَتَجِدُنِي إِنْ شََاءَ اللََّهُ)}.
حيث جاء، وهو فى الكهف والقصص، والصافات (3)، وإنما عبر عنه الناظم بهذه العبارة. لأن مثله لا يستقيم فى وزن الشعر، لكثرة حركاته المتوالية، وليس فى القرآن ياء إضافة بعدها إن شاء غير هذه اللفظة:
فتعينت، وعبر عنها فى آخر الكهف بقوله: وما قبل إن شاء، وفى آخر القصص والصافات بقوله: وذو الثنيا أى الاستثناء، والله أعلم.
401 [وفى إخوتى ورش يدى (ع) ن (أ) ولى (ح) مى
وفى رسلى (أ) صل (ك) سا وافى الملا]
أراد {(وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي)}.
فتحها ورش وحده، وأما:
{(يَدِيَ إِلَيْكَ)}.
فى المائدة (4) فزاد حفص فى أصحاب الفتح، وهم: نافع وأبو عمرو وأما:
{(رُسُلِي إِنَّ اللََّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)}.
ففتحها نافع وابن عامر، والملا: جمع ملاءة، وهى الملحفة البيضاء، أراد إنها كسوة سابغة وافية، وانتصاب وافى الملا، على أنه مفعول ثان لكسا، أى كسا الفتح كسوة وافية، ويجوز أن يكون حالا، أى هذا الأصل الكاسى: حاله أنه وافى الملا، أى سابغ الكسوة جيدها، والله أعلم.
__________
(1) آل عمران، آية: 52والصف، آية: 14.
(2) آية: 52.
(3) الكهف، آية: 69والقصص، آية: 27والصافات، آية: 102.
(4) آية: 128.(2/293)
402 [وأمّى وأجرى سكنّا (د) ين (صحبة)
دعائي وآبائي لكوف تجمّلا]
أراد {(وَأُمِّي إِلََهَيْنِ} و {إِنْ أَجْرِيَ إِلََّا)}.
حيث جاء، زاد على فتحهما ابن عامر وحفص، ونصب قوله: دين صحبة على أنه مصدر مؤكد، مثل {(صِبْغَةَ اللََّهِ} و {كِتََابَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ)}
والدين: العادة، أى هى عادة صحبة إسكان ياءات الإضافة، أى مذهبهم وطريقتهم وما يتدينون به فى قراءة القرآن. وقيل: نصبه على الحال من الإسكان المفهوم من قوله سكنا، أى أوقع الإسكان فيهما فى حال كونه دين صحبة، وعبر فى هذا الباب تارة بالفتح وتارة بالإسكان على قدر ما سهل عليه فى النظم، كما فعل فى باب حروف قربت مخارجها، عبر تارة بالإدغام، وتارة بالإظهار، فمن أول الباب إلى هنا كان كلامه فى الفتح، وفى هذا البيت وما بعده إلى انقضاء الكلام فيما بعده همزة مكسورة: كلامه فى الإسكان، وما بعد ذلك يأتى أيضا تارة فتحا وتارة سكونا، وتعبيره فى هذا الباب بالإسكان أولى من تعبيره بالفتح، لأنه إذا قال فلان أسكن تأخذ لغيره بضد الإسكان، وهو التحريك المطلق، والتحريك المطلق هو الفتح على ما تقرر فى شرح الخطبة، وأما إذا قال: افتح فليس ضده أسكن، إنما ضده عند الناظم اكسر، ولو قال موضع الفتح حرك بفتح لصحت العبارة، كما أن عادته أن يقول فى الضم والكسر والفتح: وحرك عين الرعب ضما، ومحرك ليقطع بكسر اللام، وليحكم بكسر، ونصبه يحركه، فإن ضد ذلك كله الإسكان لأجل لفظ التحريك، وأما:
{(دُعََائِي إِلََّا)}.
فى نوح (1):
{(مِلَّةَ آبََائِي إِبْرََاهِيمَ)}.
فى يوسف (2) فأسكنهما الكوفيون، فزاد على فتحهما ابن كثير وابن عامر، وقوله لكوف متعلق بتجملا، وهو خبر دعائى وآبائى، والألف ضمير التثنية: أى حسنا فى نظرهم بالإسكان، فأسكنوهما، فقوله تجملا بالجيم، ويأتى فى سورة النساء بالحاء، على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
403 [وحزنى وتوفيقى (ظ) لال وكلّهم ... يصدّقنى انظرنى وأخّرتنى إلى]
{(وَحُزْنِي إِلَى اللََّهِ} و {مََا تَوْفِيقِي إِلََّا بِاللََّهِ)}.
أسكنهما الكوفيون وابن كثير، فيكون قد زاد على فتحهما ابن عامر، وظلال جمع ظل: أى هما ذوا ظلال لمن استظل بهما، وهو المتصف بهما [وفقنا الله تعالى للحزن على ما فرطنا فيه من أعمارنا] أى حزنه على ما سلف وتوفيق الله إياه لطاعته ظلال واقية من النار. ثم قال: وكلهم، أى وكل القراء أسكنوا ستة ألفاظ، ذكر فى هذا البيت منها ثلاثة، والباقى فى البيت الآتى، وليست من جملة العدة السابقة، والسبب فى ذكره المتفق على
__________
(1) آية: 6.
(2) آية: 38.(2/294)
إسكانه هنا: هو ما ذكرناه عند ذكر ما التقى؟؟؟ على إسكانه فيما بعده همزة مفتوحة، غير أنه فى ذلك النوع بدأ بذكر المتفق على إسكانه، وهنا ختم به هذا النوع، وأراد:
{(يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخََافُ)}.
فى القصص (1):
(و {أَنْظِرْنِي إِلى ََ يَوْمِ)}.
فى الأعراف، والحجر، وص (2):
{(لَوْلََا أَخَّرْتَنِي إِلى ََ أَجَلٍ قَرِيبٍ)}.
فى آخر المنافقين (3) وأما قوله تعالى فى سبحان:
{(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ} [4]).
فمذكور فى باب ياءات الزوائد، وحكم ياءات الزوائد أن من أثبتها لا يفتحها إلا فى المواضع المستثناة، وهى ثلاثة فى: النمل، والزمر، والزخرف، ففيهما اختلاف وسيأتى ذكر الذى فى الزخرف آخر هذا الباب، والذى فى النمل والزمر فى باب الزوائد.
فإن قلت: كيف يلفظ فى البيت بقوله يصدقنى أنظرنى؟
قلت: يحتمل وجهين، وكلاهما لا يخلو من ضرورة: أحدهما بضم القاف على قراءة عاصم وحمزة، فيلزم من ذلك وصل همزة القطع فى:
{(أَنْظِرْنِي)}.
وحذف الياء لالتقاء الساكنين، والثانى بإسكان القاف على قراءة الجماعة، فيلزم من ذلك فتح الياء، وهى لم يفتحها أحد من القراء مع وصل همزة القطع، ويجوز أن يعتذر عن هذا بأن يقال: لم يصل همزة القطع على هذا الوجه، بل نقل حركة الهمزة إلى الياء، كما تقول العرب: أبتغى أمره، فالياء على هذا كأنها ساكنة فى التقدير، لأن الفاء جاء من عارض نقل حركة الهمزة، وليس الفتح من باب فتح ياء الإضافة.
فإن قلت: فحذف الهمزة من:
(أنظرنى).
لا يقرأ به أحد؟
قلت: حذف الهمزة لا بدّ منه فى الوجهين المذكورين، فما فيه إثبات الياء أولى مما فيه حذفها، إلا أنه يعارض هذا أن فتح الياء قراءة، وحذفها معلوم يوهم أنه لالتقاء الساكنين، فالوجهان متقاربان لتعارض الكلام
__________
(1) آية: 34.
(2) الأعراف، آية: 14، والحجر، آية: 36، ص آية: 79.
(3) آية: 10.
(4) آية 62.(2/295)
فيهما، ويحتمل وجها ثالثا بإسكان القاف وحذف الياء مع بقاء كسرة النون، وتبقى همزة:
(أنظرنى).
ثابتة مفتوحة بحالها، ويكون هذا أولى بالجواز من قوله قبل ذلك وقل:
(فطرن).
فى هود، فإنه حذف الياء من:
(فطرنى).
وأسكن النون، فحذف الياء مع بقاء كسرة النون أولى.
404 [وذرّيّتى يدعوننى وخطابه ... وعشر يليها الهمز بالضّمّ مشكلا]
أراد {(وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ} {مِمََّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)}.
فى يوسف (1) وأراد بقوله: وخطابه أن يأتى هذا اللفظ بالتاء، وهو موضعان فى غافر:
{(وَتَدْعُونَنِي إِلَى النََّارِ} و {لََا جَرَمَ أَنَّمََا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [1]).
فهذه أربع ياءات، وتقدم خمس، فالمجموع تسع مجمع على إسكانها فى ستة ألفاظ، تكرر واحد مرتين وهو:
(تدعوننى).
بالخطاب، وتكرر آخر ثلاثا، وهو:
(أنظرنى).
ثم ذكر النوع الثالث، فقال: وعشر، أى وعشر ياءات تليها الهمزة المضمومة، ومشكلا: حال من الهمز يقال: شكلت الكتاب وأشكلته، وقد تقدم ذكره فى آخر باب الهمزتين من كلمتين، والعشر قوله:
{(إِنِّي أُعِيذُهََا} {إِنِّي أُرِيدُ)}.
فى المائدة والقصص:
{(فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ} {إِنِّي أُمِرْتُ)}.
فى الأنعام والزمر (3):
{(عَذََابِي أُصِيبُ بِهِ} {إِنِّي أُشْهِدُ اللََّهَ} {أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} {إِنِّي أُلْقِيَ)}.
فتحها جميعا نافع وحده، وأسكنها الباقون، وأجمعوا على إسكان ياءين، وقد ذكر ذلك فى قوله:
__________
(1) آية: 33.
(3) الآيتان: 41و 43.(2/296)
405 [فعن نافع فافتح وأسكن لكلّهم ... بعهدى وآتونى لتفتح مقفلا]
يريد قوله تعالى:
{(بِعَهْدِي أُوفِ} {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ)}.
وإنما ذكرهما للمعنى الذى ذكرناه فى المفتوحة والمكسورة، ولم يتعرض صاحب التيسير لذكر المجمع عليه من ذلك، لا في التى قبل الهمزة المفتوحة ولا المكسورة ولا المضمومة، وكأنه اتكل على بيان المختلف فيه فى آخر كل سورة، وحسنت المقابلة فى قوله: لتفتح مقفلا، بعد قوله: وأسكن، أى: لتفتح بابا من العلم كان مقفلا قبل ذكره، والله أعلم.
406 [وفى اللّام للتّعريف أربع عشرة ... فإسكانها (ف) اش وعهدى (ف) ى (ع) لا]
هذا النوع الرابع، وهو ما بعده همزة وصل بعدها لام التعريف، ومجموع الهمزة واللام عند قوم، هو المعرف، وتقدير قوله: وفى اللام. أى وفى قبل اللام، فحذف المضاف للعلم به، ولو قال وفى قبل اللام لكان على حذف الموصول، تقديره وفى الذى قبل اللام، وكل ذلك قد جاءت له نظائر فى اللغة، ونون قوله أربع عشرة ضرورة، كما قال العرجى، فجاءت تقول الناس فى تسع عشرة، وجوز الفراء الإضافة مع التنوين فى الشعر، قال فى كتاب [المعانى] أنشدنى أبو ثروان:
كلف من عنائه وشقوته ... بنت ثمانى عشرة من حجته
قلت: فعلى هذا يجوز فى بيت الشاطبى أربع عشرة، برفع أربع وجر عشرة مع التنوين فأسكن الأربع عشرة جميعها حمزة، ووافقه غيره فى بعضها، وقوله فاش: أى منتشر شائع، خلافا لما نقل عن الكسائى عن العرب من ترك ذلك، وقد تقدم ذكره، ووافق حفص حمزة على إسكان:
{(لََا يَنََالُ عَهْدِي الظََّالِمِينَ)}.
407 [وقل لعبادى (ك) ان (ش) رعا وفى النّدا
(ح) مى (ش) اع آياتى (ك) ما (ف) اح منزلا]
أراد {(قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا)}.
وافق على إسكانها ابن عامر والكسائى، ووافق على إسكان عبادى إذا جاء بعد حرف النداء أبو عمرو والكسائى، وذلك فى موضعين: فى العنكبوت:
{(يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وََاسِعَةٌ)} وفى الزمر {(يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [1]).
وهو ملبس بالتى فى أوّل الزمر:
{(يََا عِبََادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [2]).
__________
(1) العنكبوت، آية: 56والزمر آية: 53.
(2) آية: 10.(2/297)
وإنما لم يأت فيها خلاف، لأن الياء محذوفة منها فى الرسم باتفاق، وإذا لم تكن ياء فلا فتح، وأما:
(آياتى ففي الأعراف {سَأَصْرِفُ عَنْ آيََاتِيَ الَّذِينَ} [1]).
وافق ابن عامر على إسكانها، وتقدير معنى البيت: كان إسكانه شرعا، وهو فى الندا حمى شاع وفاح:
أى تضوع وظهوت رائحته، ومنزلا: تمييز، ثم عد هذه الأربع عشرة ياء فقال:
408 [فخمس عبادى اعدد وعهدى أرادنى ... وربّى الّذى آتان آياتى الحلا]
409 [وأهلكنى منها وفى صاد مسّنى ... مع الأنبيا ربّى فى الأعراف كمّلا]
تقدم ذكر عهدى وآياتى، وثلاثة من لفظ عبادى، وبقى اثنان:
{(عِبََادِيَ الصََّالِحُونَ} {عِبََادِيَ الشَّكُورُ} وأما {فَبَشِّرْ عِبََادِ الَّذِينَ)}.
فيأتى فى باب الزوائد، وأنث لفظ الخمس بحذف الهاء منه، على تأويل إرادة الكلمات، وقوله:
أرادنى: أراد:
{(إِنْ أَرََادَنِيَ اللََّهُ بِضُرٍّ} {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي} {آتََانِيَ الْكِتََابَ)}.
فى مريم (2) وأما:
{(فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ)}.
فيأتى ذكره فى باب الزوائد، والحلا: جمع حلية، وهى صفة للكلمات المذكورة، وحذف الياء من آتانى ضرورة، ويجوز إثبات الياء وفتحها نقلا لحركة همزة آياتى إليها، على حد قوله:
{(حَشَرْتَنِي أَعْمى ََ)}.
ولو حذف الياء ثم وأثبت الهمزة لكان سائغا، كما فعل هنا فى:
(آتان آياتى).
فالحاصل: أن كل واحد من الموضعين يجوز فيه ما نظمه فى الآخر، ومنها:
{(إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللََّهُ} {مَسَّنِيَ الضُّرُّ)}.
فى الأنبياء (3):
{(مَسَّنِيَ الشَّيْطََانُ)}.
فى ص (4):
{(حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوََاحِشَ)}.
فى الأعراف (1) فهذه أربع عشرة ياء، وعدها صاحب التيسير ست عشرة، فزاد ما فى النمل والزمر:
__________
(1) آية: 146.
(2) آية: 30.
(3) آية: 83.
(4) آية: 41.(2/298)
{(آتََانِيَ اللََّهُ} {فَبَشِّرْ عِبََادِ} [1] الَّذِينَ).
وإنما بين سورتى مسّنى دون سور باقى الياءات، لأن فى الأعراف:
{(وَمََا مَسَّنِيَ السُّوءُ)}.
مجمعا على فتحه، وإنما عد الشاطبى ياءات هذا النوع دون الأنواع التى سبقت، لئلا تشتبه بغيرها، نحو:
{(شُرَكََائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ} {نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ} {بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)} [2]
لأنه لم يذكر المجمع عليه من هذا القسم لكثرته، فرأى عده أيسر عليه، والمجمع عليه من هذا القسم مفتوح والمجمع عليه من ما مضى مسكن، ثم ذكر النوع الخامس فقال:
410 [وسبع بهمز الوصل فردا وفتحهم ... أخى مع إنّى (ح) قّه ليتنى (ح) لا]
أى وسبع ياءات إضافة بعدها همزة الوصل دون لام التعريف، فلهذا قال: فردا، وهو حال من الهمز ثم أخذ يذكرها واحدة بعد واحدة، ولم يعمها بحكم لأحد كما فعل فى الأنواع السابقة، لأن كل واحدة منها تختص برمز، إلا واحدة وافقت أخرى فى الرمز بهذا البيت فجمعهما، وبدأ بهما، فقال أخى مع إنى، أراد:
{(أَخِي اشْدُدْ)}.
فى طه، فهمز الوصل بعدها فى قراءة من فتحها وغيره. وهى همزة قطع فى قراءة ابن عامر، كما يأتى، وفى الأعراف:
{(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ)}.
فتحهما ابن كثير وأبو عمرو، وانفرد أبو عمرو بفتح {(يََا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ)}.
وهو يفتح الجميع، وابن كثير يفتح ما عدا:
{(يََا لَيْتَنِي)}.
فى رواية البزى ونافع يفتح ما عدا هذا البيت ثم تممها فقال:
411 [ونفسى (سما) ذكرى (سما) قومى (ا) لرّضا
(ح) ميد (هـ) دى بعدى (سما ص) فوه ولا]
__________
(1) النمل آية: 36والزمر آية: 17.
(2) آية: 40(2/299)
أراد فى طه:
{(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ} {وَلََا تَنِيََا فِي ذِكْرِي اذْهَبََا} [1])
فتحهما مدلول سما، وكرر لهما الرمز من غير حاجة إلى تكريره سوى ضرورة النظم، وخرج منهم قنبل فى فتح:
{(إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا)}.
فى الفرقان (2) وزاد مع سما أبو بكر ففتحوا {(مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)}.
والولاء بكسر الواو والمد: التابعة ونصبه على التمييز: أى سمت متابعة صفوة.
412 [ومع غير همز فى ثلاثين خلفهم ... ومحياى (ج) ى بالخلف والفتح (خ) وّلا]
وهذا النوع السادس الذى ليس بعده همز أصلا، لا همز قطع ولا همز وصل ثم شرع يذكرها واحدة بعد واحدة، فبدأ بقوله تعالى:
{(وَمَحْيََايَ)}.
فى آخر الأنعام، فالواو من جملة التلاوة لا عاطفة، فذكر أن قالون أسكنها، ولورش فيها خلاف، وفتحها الباقون، وهو لأقيس فى العربية، فلذا قال: خولا، أى ملك، وإنما ضعف الإسكان لما فيه من الجمع بين الساكنين، ولا يليق بفصاحة القرآن إلا ذلك. ألا ترى كيف أجمعوا على فتح:
(مثواى وهداى) وكلاهما مثل (محياى).
وشنع بعض أهل العربية على نافع رحمه الله متعجبا منه: كيف أسكن:
(محياى وفتح بعدها مماتى).
وكان الوجه عكس ذلك، أو فتحهما معا، والظن به أنه فتحهما معا، وهو أحد الوجهين عن ورش عنه وهى الرواية الصحيحة، فقد أسندها أبو بكر بن مجاهد فى كتاب الياءات عن أحمد بن صالح عن ورش عن نافع: الياء فى:
{(مَحْيََايَ وَمَمََاتِي)}.
مفتوحتان، وفى أخرى عن ورش قال: كان نافع يقرأ أولا محياى ساكنة الياء. ثم رجع إلى تحريكها بالنصب، قلت: فهذه الرواية تقضى على جميع الروايات، فإنها أخبرت بالأمرين، ومعها زيادة علم بالرجوع عن الإسكان إلى التحريك، فلا تعارضها رواية الإسكان، فإن الأولى معترف بها ومخبر بالرجوع عنها، وكيف وإن رواية إسماعيل بن جعفر، وهو أجلّ رواة نافع: موافقة لما هو المختار، قال ابن مجاهد: أخبرنى محمد
__________
(1) الآيتان: 41و 42.
(2) آية: 30.(2/300)
ابن الجهم، عن الهاشم عن إسماعيل بن جعفر عن أبى جعفر وشيبة ونافع، أنهم ينصبون الياء فى:
{(مَحْيََايَ وَمَمََاتِي لِلََّهِ)}.
قلت: وهذه الآية مشتملة على أربع ياءات:
{(إِنَّ صَلََاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيََايَ وَمَمََاتِي)}.
فالأولتان ساكنتان بلا خلاف فى هذه الطرق المشهورة، فكأن نافعا أسكن اثنتين وفتح اثنتين، ولا ينبغى لذى لب إذا نقل له عن إمام روايتان احداها أصوب وجها من الأخرى: أن يعتقد فى ذلك الإمام إلا أنه رجع عن الضعيف إلى الأقوى، ولا يغتر بما ذكره الدانى فى كتاب «الإيجاز» من اختياره الإسكان، وذكر وجهه من جهة العربية، فإن غاية ما استشهد به قول بعض العرب: التقت حلقتا البطان، وله ثلثا المال، بإثبات الألف فيهما، وهذا ضعيف شاذ، لم يقرأ بمثله ألا ترى أن الإجماع على أن الألف محذوفة من نحو هذا، مثل:
{(ادْخُلَا النََّارَ} {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ)}.
وأما استشهاده بقراءة أبى عمرو:
(واللّاي).
بإسكان الياء، فسيأتى الكلام عليه فى سورة الأحزاب، وحكمه حكم:
(محياى).
وقول الناظم: جىء بالخلف، أى ائت به، وانظر فى اختلاف الروايات بين لك الصواب، إن شاء الله تعالى.
413 [و (عمّ علا) وجهى وبيتى بنوح (ع) ن
(ل) وى وسواه (ع) د (أ) صلا (ل) يحفلا]
يريد (وجهى لله).
فى آل عمران (1)
{(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [2]).
فى الأنعام:
{(بَيْتِيَ مُؤْمِناً} [3]).
وسواه يعنى سوى الذى فى نوح، وهو:
__________
(1) آية: 20.
(2) آية: 79.
(3) آية: 125.(2/301)
{(بَيْتِيَ لِلطََّائِفِينَ)}.
فى البقرة والحج (1) وتقدير البيت: وعم فتح وجهى علا، وفتح بيتى وارد لواء، أى عن ذى لواء وشهرة قصروه ضرورة، كما قال: لو كنت من هاشم، أو من بنى أسد، أو عبد شمس، أو أصحاب اللوى الصيد، يريد بأصحاب اللواء: بنى عبد الدار بن قصى، وقوله عد أصلا: أى عده أصلا لفتح الذى بنوح، ليتضح عذر من عمم الفتح للجميع، يقال: حفلته أى جلوته، وحفلت كذا: أى باليت به، وفلان محافل على حسبه إذا صانه.
414 [ومع شركائى من وراءى (د) وّنوا ... ولي دين (ع) ن (هـ) اد يخلف (ل) هـ (ا) لحلا)
يريد {(أَيْنَ شُرَكََائِي قََالُوا} {مِنْ وَرََائِي وَكََانَتِ} {وَلِيَ دِينِ)}.
آخر سورة الكافرين له، أى للخلف، والحلا جمع حلية.
415 [مماتى (أ) تى أرضى صراطى ابن عامر
وفى النّمل ما لى (د) م (ل) من (ر) اق (ن) وفلا]
لو أتى بهذا البيت بعد محياى كان أولى، لأنه يتصل الكلام فى:
{(وَمَحْيََايَ وَمَمََاتِي)}.
وأراد:
{(إِنَّ أَرْضِي وََاسِعَةٌ} {وَأَنَّ هََذََا صِرََاطِي مُسْتَقِيماً} {مََا لِيَ لََا أَرَى)}.
وراق الشيء: صفا، والنوفل: السيد المعطى، وهذا الكلام مليح: أى دم نوفلا لمن راق وصفا باطنه وظاهره.
416 [ولي نعجة ما كان لى اثنين مع معى ... ثمان (ع) لا والظّلّة الثّان (ع) ن (ج) لا]
أى وفتح هذه المواضع علا، واثنين حال من قوله ما كان لى، يريد:
{(وَمََا كََانَ لِي عَلَيْكُمْ)}.
فى إبراهيم (2):
{(مََا كََانَ لِي مِنْ عِلْمٍ)}.
فى ص (3) ومعى فى ثمانية مواضع:
{(مَعِيَ بَنِي إِسْرََائِيلَ)}.
فى الأعراف (4):
__________
(1) البقرة: 125والحج، آية: 26.
(2) آية: 22.
(3) آية: 69.
(4) آية: 105.(2/302)
{(مَعِيَ عَدُوًّا)}.
فى التوبة (1):
{(مَعِيَ صَبْراً)}.
ثلاثة فى الكهف (2):
{(ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ)}.
فى الأنبياء (3):
{(إِنَّ مَعِي رَبِّي)}.
فى الشعراء (4):
{(مَعِي رِدْءاً)}.
فى القصص (5) فتح الجميع خفض، وتابعه ورش على الثانى فى سورة الظلة، وهى سورة الشعراء، لأن فيها:
{(عَذََابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ)}.
يريد قوله تعالى فى قصة نوح:
{(وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [6]).
أى وحرف الظلة، الثانى فتحه عن جلا، أى كشف، وجلوت الشيء كشفته.
417 [ومع تؤمنوا لى يؤمنوا بى (ج) اويا
عبادى (ص) ف والحذف (ع) ن (ش) اكر (د) لا]
يريد {(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي)}.
فى الدخان (7):
{(وَلْيُؤْمِنُوا بِي)}.
فى البقرة (8) فتحهما ورش:
{(يََا عِبََادِ لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ)}.
فى الزخرف (9) فتحها أبو بكر، وحذفها عن شاكر دلا، أى أخرج دلوه ملأى، يشير إلى قوة مذهبهم
__________
(1) آية: 83.
(2) الكهف آيات: 67و 72و 75.
(3) آية: 24.
(4) آية: 62.
(5) آية: 34.
(6) آية: 118.
(7) آية: 21.
(8) آية: 68.
(9) آية: 68.(2/303)
لأن الياء حذفت فى بعض المصاحف، وحذفها فى باب الندا أفصح من إثباتها، وأسكنها الباقون، وقوله فى الزمر:
{(يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [1]).
ياؤها محذوفة فى جميع المصاحف، وانضاف إلى ذلك أن حذفها فى النداء أفصح لغة، فلهذا لم يأت فيها خلاف فى حذفها من هذه الطرق المشهورة، وإن كان قد حكى إثباتها وفتحها فى طرق أخرى.
418 [وفتح ولي فيها لورش وحفصهم ... وما لى فى يس سكن (ف) تكملا]
يريد {(وَلِيَ فِيهََا مَآرِبُ أُخْرى ََ} {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ)}.
أسكنها حمزة وحده، ونصب فتكملا على جواب الأمر بالفاء، أى فتكمل معرفة مواضع الخلاف فى هذا الباب، والله أعلم.
باب مذاهبهم فى الزوائد
أى فى الياءات الزوائد على الرسم، وهى ياءات أواخر الكلم، يقع ذلك فى الأسماء والأفعال، نحو:
(الواد والمناد والتّناد ويأت ونبغ ونرتع).
فهى فى هذا ونحوه لام الكلمة، وقد تكون ياء إضافة فى موضع الجر والنصب، نحو:
(دعائي وأخّرتنى).
وتنقسم إلى ما هو رأس آية نحو:
(المتعالى).
وإلى غير ذلك، نحو:
{(وَخََافُونِ إِنْ كُنْتُمْ)}.
فما كان من هذه الياءات ثابتا رسما فلا خلاف فى إثباته، وما كان منها محذوفا رسما فمنه ما اتفق على حذفه وهو الأكثر، ومنه ما اختلف فيه، وهو ما يأتى ذكره فى هذا الباب، وفى بعض السور، وضابط ما يذكر فى هذا الباب أن تكون الياء مختلفا فى إثباتها وحذفها فى الوصل، أو فى الوصل والوقف معا، وضابط فى السور أن تكون الياء مختلفا فى إثباتها وحذفها الوقف فقط، ومجمعا على حذفها فى الوصل، وذلك نحو ما ذكره فى:
سورة الرعد، وسورة: ق:
(من هاد ووال وواق وباق ويناد).
وقد سبق التنبيه على:
__________
(1) آية: 16.(2/304)
{(وََادِ النَّمْلِ)}.
أنه كان ينبغى أن يكون من هذا، ثم بين ياءات الزوائد فقال:
419 [ودونك ياءات تسمّى زوائدا ... لأن كنّ عن خطّ المصاحف معزلا]
أى إنما سميت زوائد، لأنها زادت على رسم المصحف عند من أثبتها، والمعزل هاهنا مصدر بمعنى العزل كالمرجع، أى: لأن كن ذوات عزل، أى إنهن عزلن عن الرسم، فلم تكتب لهنّ صورة، ثم بين حكمها فقال:
420 [وتثبت فى الحالين (د) رّا (ل) وامعا ... بخلف وأولى النّمل حمزة كمّلا]
أى إن القراء مختلفون فى هذه الياءات الموصوفة بأنها زوائد، فمنهم من أثبتها فى حالى الوصل والوقف، وهم المذكورون فى هذا البيت، ومنهم من أثبتها فى الوصل دون الوقف، وهم المذكورون فى البيت الآتى، وليس الأمران على العموم، هؤلاء أثبتوا الجميع فى الحالين، وأولئك فى الوصل، بل معنى هذا الكلام: أن كل من أذكر عنه أنه أثبت شيئا ولم أقيده فانظر فيه فإن كان من المذكورين فى هذا البيت فاعلم أنه يثبته فى الحالين، وإن كان من المذكورين فى البيت الآتى فاعلم أنه يثبته فى الوصل فقط، فحصل من هذا أن ابن كثير من طريقيه أو من أحدهما، وهشاما يثبتان الياء فى الحالين فى المواضع التى يأتى ذكرها لهما، لكن ابن كثير له مواضع كثيرة، وأما هشام فليس له إلا موضع واحد فى الأعراف سيأتى ذكره، وفيه خلاف عنه وقفا ووصلا وأثبت حمزة فى الحالين موضعا واحدا، وهو:
{(أَتُمِدُّونَنِ بِمََالٍ)}.
وهو يقرؤه بتشديد النون، على ما سيأتى فى سورته، وهذا الموضع هو أول النمل لأن فيها ياءين زائدتين على رأى الناظم، وكلتاهما فى آية واحدة وهذه الياء هى الأولى، وبعدها:
(فما آتان الله).
فاحترز بقوله وأولى النمل عن ياء آتانى وقوله كملا، ليس برمز، لأن الرمز لا يجتمع مع المصرح به، وإنما معناه أن حمزة كمل عدة المثبتين فى الحالين، ودرا لوامعا: حالان من ضمير الياءات فى وتثبت، أى مشبهة ذلك، لأن هذه القراءة موافقة للأصل، لأن الياء إما لام الكلمة، أو كناية عن المتكلم، وأياما كان فالأصل إثباتها، وأما حذفها والاجتزاء بالكسرة عنها، ففرع عن ذلك الأصل، وحكى ابن قتيبة أن إثباتها لغة أهل الحجاز، ثم الإثبات فى نحو الداعى والجوارى مما الياء فيه لام الفعل، وفيه الألف واللام أحسن عند أهل العربية من الحذف، إلا فى الفواصل والقوافى، فالحذف أحسن، وكذا الياء التى هى لام الفعل، نحو (نبغى ويأتى).
إثباتها أحسن من حذفها، فإن قلت بقى على الناظم ذكر جماعة لهم خلاف فى الإثبات فى الحالين، فى ثانية النمل:
{(فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ)}.(2/305)
إثباتها أحسن من حذفها، فإن قلت بقى على الناظم ذكر جماعة لهم خلاف فى الإثبات فى الحالين، فى ثانية النمل:
{(فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ)}.
وهم قالون، وأبو عمرو، وحفص كما يأتى، وكذا قنبل: له خلاف فى الوقف على:
{(بِالْوََادِ)}.
فى سورة الفجر (1) قلت: هذا كله يجيء مفصلا مبينا، وإنما ذكر فى هذا البيت ما يأتى مجملا مطلقا، فتعلم من إجماله وإطلاقه أن الإثبات فى الحالين للمذكورين، وأما المبين فمتضح فى نفسه، فلا يحتاج إلى هذه المقدمة ثم ذكر المثبتين فى الوصل فقط فى المواضع التى تذكر لهم، فقال:
421 [وفى الوصل (ح) مّاد (ش) كور (إ) مامه
وجملتها ستون واثنان فاعقلا]
أى إمامه حماد شكور، لأن هؤلاء جمعوا فى قراءتهم بين الأصل وموافقة الرسم، وخصوا الوقف بالحذف لأنه الأليق بالتخفيف، على ما مضى فى تخفيف الهمز فى الوقف، فالمثبتون فى الوصل وحده هم: أبو عمرو، وحمزة، والكسائى، ونافع، على ما رمز لهم فى البيت، فأما الكسائى وورش فاطرد لهما ذلك، فلم يثبتا فى الوقف شيئا، وأما حمزة فقد تقدّم أنه أثبت فى الوقف والوصل:
{(أَتُمِدُّونَنِ)}.
فى النمل وحدها وما (2) عدها مما سيذكر له أنه يثبته، يختص بوصله دون وقفه، وذلك موضع واحد:
(وتقبّل دعائى).
فى سورة إبراهيم (3) وأما أبو عمرو وقالون فلهما خلاف فى الوقف على:
{(آتََانِيَ اللََّهُ)}.
فى النمل (4) كما يأتى، والباقون على حذف الجميع فى الحالين اتباعا للرسم. وهم: عاصم، وابن عامر، فقط، لكن لهشام خلاف فى الموضع الواحد المقدم ذكره، وكذا لحفص موضع واحد، وهو:
{(آتََانِيَ اللََّهُ)}.
فى النمل على ما يأتى، فما يصفو من أهل الحذف على الإطلاق أحد غير أبى بكر وابن ذكوان، والحذف لغة هذيل، قال أبو عمرو: وأنشد الفراء:
كفاك كف ما تليق درهما ... وجود أخرى تعط بالسيف الدما
لقد تخف بشارتى قدر يوم ... ولقد تخف شيمتى إعسارى
وقال آخر:
وأخو الغوان متى يشأن صر منه
__________
(1) آية: 9.
(2) آية: 36.
(3) آية: 4.
(4) آية: 36.(2/306)
وأنشد سيبويه:
أمحمد نفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من شيء تبانى
وحمله هو والنحاة على حذف لام الأمر، وجعلوه لذلك شاذا، والأولى جعله من هذا الباب، ثم ذكر الناظم عدد الياءات التى اختلف القراء فى إثباتها وحذفها، وهى محذوفة فى الرسم، فقال: جملتها اثنان وستون ياء، وعدها صاحب التيسير إحدى وستين، لأنه أسقط:
{(فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ} فى النمل فبشّر عبادى).
فى الزمر (1) وعدهما فى باب ياءات الإضافة.
فإن قلت: فينبغى أن يبقى ستون، فما هى الواحدة الزائدة.
قلت هى:
(يا عبادى).
التى فى الزخرف (2) ذكرها فى البابين، وقد تقدم التنبيه على ذلك، وذكر الناظم فى هذا الباب لفظ العدد فقال: اثنان، وأنثه فى باب ياءات الإضافة فى قوله: وعشر وتسعها وثنتان وأربع عشرة وسبع وأربع وثمان والكل فى البابين عبارة عن الياءات، وكلا اللفظين من التذكير والتأنيث سائغ فى العبارة عن الياء، لأنها من حروف المعظم، وكلها يجوز فيها الأمران على ما قد ذكرناه مرارا، ثم شرع يذكر الزوائد مفصلة فقال:
422 [فيسرى إلى الدّاع الجوار المناد يه ... دين يؤتين مع أن تعلّمنى ولا]
وأراد {(وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} {مُهْطِعِينَ إِلَى الدََّاعِ} {وَمِنْ آيََاتِهِ الْجَوََارِ)}.
فى سورة الشورى (3) دون اللتين فى سورة الرحمن وكوّرت، ودلنا على ذلك أنهما لا يمكن إثبات الياء فى الوصل لأجل الساكن بعدهما، فتعينت التى فى الشورى، وهذا بخلاف إمالة الدورى للجوارى، فإنها فى المواضع الثلاثة كما سبق:
(والمنادى).
فى سورة ق (4) {يَوْمَ يُنََادِ الْمُنََادِ} والثلاثة الباقية فى الكهف:
{(وَقُلْ عَسى ََ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي} {فَعَسى ََ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ} {عَلى ََ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمََّا عُلِّمْتَ)}.
والولاء (5) المتابعة: يعنى أن هذه الثلاثة تتابعت فى سورة واحدة على هذا النسق، ودلنا على أن مراده يهدين التى فى الكهف: أن التى فى القصص مثبتة بإجماع، وسيأتى ذلك، وليس غيرهما، فتعينت التى فى الكهف والله أعلم.
__________
(1) آية: 18.
(2) آية: 68.
(3) آية: 32.
(4) آية: 41.
(5) الآيات: 24و 40و 66.(2/307)
423 [وأخّرتنى الإسرا وتتّبعن (سما) ... وفى الكهف نبغى يأت فى هود (ر) فّلا]
أراد {(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ} [1])
وأضافها إلى الإسراء احترازا من التى فى سورة المنافقين:
{(لَوْلََا أَخَّرْتَنِي إِلى ََ أَجَلٍ قَرِيبٍ} [2]).
فإنها مثبتة فى الحالين بلا خلاف، وأراد:
{(أَلََّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ)}.
فى طه (3)، أثبت هاتين الياءين مع اللاتى فى البيت السابق، جميعها مدلول قوله: سما، فابن كثير أثبتها فى الحالين، ونافع وأبو عمرو فى الوصل فقط، وأما:
(ذلك ما كنّا نبغى ويوم يأتى لا تكلّم).
فوافقهم فيهما الكسائى فأثبتها فى الوصل، وإنما قيد:
(نبغى).
فى الكهف احترازا من التى فى يوسف:
{(يََا أَبََانََا مََا نَبْغِي} [4]).
فإنها مثبتة بإجماع، وقيد يأتى بهود، احترازا مما أجمع أيضا على إثباته، نحو:
{(يَأْتِي بِالشَّمْسِ} {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ} {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيََامَةِ)}.
ورفل معناه: عظم.
424 [سما) ودعائي (ف) ى (ج) نا (ح) لو (هـ) ديه
وفى اتّبعون أهدكم (ح) قّه (ب) لا]
سما من تتمة رمز نبغى، ويأتى، وأراد:
(وتقبّل دعائي).
أثبتها فى الوصل حمزة وورش وأبو عمرو، وأثبتها البزى فى الحالين:
{(وَاتَّبِعُونِ)}.
فى غافر (5) أثبتها فى الوصل أبو عمرو وقالون، وفى الحالين ابن كثير. وبلا بمعنى اختبر: أى اختبر الحق ما ذكرته فكان صوايا، دون ما روى من خلاف ذلك، فإن قلت: من أين علمنا أن مراده بقوله:
__________
(1) آية: 62.
(2) آية: 10.
(3) آية: 93.
(4) آية: 65.
(5) الآية: 38.(2/308)
(دعاء).
التى فى إبراهيم، دون التى فى نوح:
(دعائي إلّا فرارا).
قلت: لأن تلك دخلت فى حساب ياءات الإضافة فى عده ما بعده همزة مكسورة، وقد نص عليها فى قوله:
(دعائي وآبائي).
لكوف تجملا والفرق بينهما أن التى فى نوح ثابتة فى الرسم، والتى فى إبراهيم محذوفة، وذلك فصل ما بين ياء الإضافة والزائدة، وكذلك القول فى:
{(اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ)}.
إذ لقائل أن يقول: لم لا تدخل هذه فى ياءات الإضافة التى بعدها همزة مفتوحة، فيكون الجواب: أن هذه الياء محذوفة رسما، غير ثابتة فيه، وعلم ذلك من موضع آخر، وقيد اتبعونى بقوله أهدكم احترازا من الذى فى الزخرف لأبى عمرو وحده، وسيأتى، ومن الذى أجمع على إثباته نحو:
{(فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)} والله أعلم.
425 [وإن ترنى عنهم تمدّوننى (سما) ... (ف) ريقا ويدع الدّاع (هـ) اك (ج) نا (ح) لا]
عنهم أى عن مدلول حقه، بلا أراد:
{(إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ} و {أَتُمِدُّونَنِ)}.
فى النمل، لمدلول سما فريقا، وهذا الموضع هو الذى يثبته حمزة فى الحالين، ونصب فريقا على التمييز: أى ارتفع فريقه، وهم قراؤه، وروى عن حمزة فيه الحذف فى الحالين، والإثبات فى الوصل دون الوقف:
{(يَدْعُ الدََّاعِ)}.
فى سورة القمر (1)، أثبتها فى الحالين البزى، وفى الوصل ورش وأبو عمرو، وما احلا قوله: هاك جناحلا، أى خذ ثمرا حلوا، وهو ما نظمه الناظم رحمه الله:
426 [وفى الفجر بالوادى (د) نا (ج) ريانه ... وفى الوقف بالوجهين وافق قنبلا]
أى وافق بالودى قنبلا بالوجهين، يعنى روى عن قنبل لحذف والإثبات فى الوقف، وأما فى الوصل فيثبت بلا خلاف كورش، وأثبت البزى فى الحالين، وما أحسن ما وافقه لفظ لجريان بعد ذكر الواد.
427 [وأكرمنى معه أهانن (إ) ذ هـ (د) ى
وحذفهما للمازنى عدّ أعدلا]
يعنى أن المشهور عن أبى عمرو حذفهما، وقد روى عنه إثباتهما فى الوصل كنافع، وأثبتهما البزى فى الحالين، أراد:
__________
(1) الآية: 6.(2/309)
{(رَبِّي أَكْرَمَنِ} و {رَبِّي أَهََانَنِ)}.
كلاهما فى سورة الفجر (1)، أتبعهما ذكر بالواد، لأن الجميع فى سورة واحدة.
428 [وفى النّمل آتانى ويفتح (ع) ن (أ) ولى
(ح) مى وخلاف الوقف (ب) ين (ح) لا (ع) لا]
يعنى جمع هؤلاء بين إثبات الياء وفتحها، فى قوله تعالى:
(يعنى جمع هؤلاء بين الياء وفتحها، فى قوله تعالى:).
{(فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ خَيْرٌ مِمََّا آتََاكُمْ)}.
ويلزم من الإثبات الفتح، وإلا لانحذفت لالتقاء الساكنين، والباقون على حذفها اتباعا للرسم، فمن حذف فى الوصل حذف فى الوقف، وأما من أثبت فى الوصل فقياسه أيضا الحذف فى الوقف، لأنه ليس فيهم من المثبتين فى الحالين أحد، فأما ورش فجرى على القياس فحذفها فى الوقف، وأما قالون وأبو عمرو وحفص، فاختلف عنهم فى إثباتها وحذفها فى الوقف، ووجه إثباتها أن هذه الياء أخذت شبها من ياء الإضافة، لكونهم فتحوها، وياءات الإضافة لا تحذف فى الوقف، فكذا هذه، وقوله بين حلا متعلق بقوله علا.
429 [ومع كالجواب الباد (حقّ ج) نا (هـ) ما
وفى المهتد الإسرا وتحت (أ) خو (ح) لا]
أراد {(وَجِفََانٍ كَالْجَوََابِ} {سَوََاءً الْعََاكِفُ فِيهِ وَالْبََادِ)}.
وتقدير الكلام والباد مع كالجواب حق جناهما، فالباد مبتدا، وحق خبره، وجناهما فاعل حق، وهذا أولى بالجواز من قوله: عليك ورحمة الله السلام، والجنا المجنى، ويجوز أن يكون خبر الباد ما تقدم عليه، كقولك مع زيد درهم، كأنه قال اشترك هذان فى إثبات الياء لقارئ مخصوص، ثم بينه، وحق خبر مقدم، وجناهما مبتدأ، وكذا أعرب الشيخ وغيره قوله: وفى المهتدى الإسرا، وتحت، قال: فإن قلت كان الوجه أن يقول: وفى الإسرا المهتدى؟ قلت: معناه واشترك فى المهتدى الإسراء والكهف، وهو أخو حلا، قلت أنا: يجوز أن يكون المهتدى مضافا إلى الإسراء، لأن المراد هذه اللفظة والكلمة، فلا يمنع وجود الألف واللام فيها من إضافتها، كما لو كانت فعلا أو حرفا، لأن المراد حكاية ما فى القرآن، كما قال: وأخرتنى الإسراء، فأضاف أخرتنى إلى الإسراء. وقوله: وتحت، أى والذى تحت، أى والإثبات فى حرفى الإسراء والكهف، الذى هو المهتدى أخو حلا، واحترز بذلك من الذى فى الأعراف، فإن الياء فيه ثابتة بلا خلاف، وهو:
{(مَنْ يَهْدِ اللََّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي)}.
وكذا لفظ ما فى الإسراء والكهف، إلا أنه بغير ياء فى الرسم.
430 [وفى اتّبعن فى آل عمران عنهما ... وكيدون فى الأعراف (ح) جّ (ل) يحملا]
عنهما: يعنى عن نافع وأبى عمرو، أثبتا ياء:
__________
(1) الآيتان: 15و 16.(2/310)
{(وَمَنِ اتَّبَعَنِ)}.
فى آل عمران (1) يريد:
{(أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلََّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)}.
واحترز بذكر السورة عن التى فى آخر سورة يوسف:
{(عَلى ََ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)}.
فهى ثابتة بلا خلاف، وقيد كيدون بالأعراف احترازا من المجمع على إثباته فى هود وعلى حذفه فى المرسلات وقوله: وكيدون حج، أى غلب فى الحجة بإثبات يائه، ليحمل ذلك، ويقرأ به، وهذا هو الموضع الذى أثبته هشام فى الحالين، بخلاف عنه فيهما، وروى عن ابن ذكوان إثباتها فى الحالين أيضا. قال أحمد بن يزيد الحلوانى: رحلت إلى هشام بن عمار بعد وفاة ابن ذكوان ثلاث مرات، ثم رجعت إلى حلوان، فورد على كتابه يقول فيه: إنى أخذت عليكم:
{(ثُمَّ كِيدُونِ)}.
فى سورة الأعراف بياء فى الوصل، وهو بياء فى الحالين، يعنى الوصل والوقف.
431 [بخلف وتؤتونى بيوسف (ح) قّه ... وفى هود تسألنى (ح) واريه (ج) مّلا]
إنما أعاد ذكر الخلف عن هشام لئلا يظن أن الذى تقدم كان للوقف وحده فأبان بهذا أن له أيضا فى الوصل خلافا، وقيل إنما أعاده تأكيدا، لأن بعض المصنفين لم يذكر له هذا الخلاف، وقوله حتى تؤتون موثقا أثبتها مدلول حق، وأما:
(فلا تسألنى ما ليس لك به علم).
فأثبت الياء أبو عمرو مع تخفيف الكلمة، وأثبتها ورش مع تشديدها، ويأتى الكلام فى التخفيف والتشديد فى سورة هود، وحواريه: ناصره، وخفف الياء ضرورة كما تقدم فى أول الخطبة.
432 [وتخزون فيها (ح) جّ أشركتمون قد
هدان اتّقون يا أولى اخشون مع ولا]
فيها: أى فى هود:
{(وَلََا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} [2]).
وجميع ما فى هذا البيت أثبته أبو عمرو فى الوصل، أراد:
(أشركتمونى من قبل).
فى إبراهيم (3):
__________
(1) الآية: 20.
(2) آية: 78.
(3) آية: 22.(2/311)
{(قَدْ هَدََانِ} فى الأنعام (1) و {اتَّقُونِ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ)}.
فى البقرة (2)، وقيد هدان بقوله قد احترازا من نحو:
{(قُلْ إِنَّنِي هَدََانِي} {لَوْ أَنَّ اللََّهَ هَدََانِي)}.
فهى ثابتة باتفاق، وقيد: اتقون بقوله:
{(يََا أُولِي)}.
احترازا من قوله:
{(وَإِيََّايَ فَاتَّقُونِ)}.
فإنها محذوفة باتفاق، وقوله:
{(وَاخْشَوْنِ وَلََا تَشْتَرُوا)}.
فى المائدة فقيده بقوله: ولا، أى الذى بعده ولا، احترز بذلك عن الذى فى أول المائدة:
{(وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ)}.
فإنها فيه محذوفة فى الحالين باتفاق، ومن الذى فى البقرة:
{(وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي)}.
فإنه ثابت فى الحالين باتفاق، اتباعا للرسم فيهما، مع أن الذى فى أوّل المائدة واجب الحذف فى الوصل لأن بعده ساكنا، فأجرى الوقف مجراه.
433 [وعنه وخافون ومن يتّقى (ز) كا ... بيوسف وافى كالصّحيح معلّلا]
أى وعن أبى عمرو إثبات:
{(وَخََافُونِ إِنْ كُنْتُمْ)}.
فى آل عمران، قالوا وفى قوله وخافون من التلاوة، وليست عاطفة فى النظم، ثم قال: ومن يتقى زكا أراد:
{(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)}.
زكا: أى طهر، من طعن فى قراءة قنبل، لأنه أثبت الياء فى محل الجزم، ولا شك أنها قراءة ضعيفة، لأنه زاد على الرسم حرفا، وارتكب المحذور بزيادته وجها ضعيفا فى العربية، بخلاف الياءات المثبتة فيما تقدم، فإنها لغة فصيحة، وهو من الاختلاف فى الهجاء، فلم يضر من جهة الرسم، كقراءة:
{(مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)}.
__________
(1) الآية: 80.
(2) آية: 197.(2/312)
بالألف، ثم ذكر وجه هذه القراءة، وهو أن من العرب من يجرى المعتل مجرى الصحيح، فلا يحذف منه شيئا من حروفه للجزم، كما لا يحذف شيئا من الصحيح، ويكتفى بإسكان آخره، ومنه قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ووجه آخر، وهو أن الكسرة أشبعت فتولدت منها ياء، والإشباع قد ورد فى اللغة فى مواضع، ووجه ثالث، وهو أن من فى قوله:
{(فَمَنْ يَتَّقِي)}.
تكون بمعنى الذى، لا شرطية فلا جزم، ولكن يضعفه أنه عطف عليه قوله: ويصبر.
فأجيب بأنه أسكنه تخفيفا كما يأتى عن أبى عمرو فى يأمركم ونحوه، وأكد ذلك أبو على بأن جعله من باب هل المعطوف على المعنى نحو:
{(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ} {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيََانِهِمْ} {وَأَكُنْ مِنَ الصََّالِحِينَ)}.
لأن من يتق فى الجزاء بمنزلة الذى يتقى لدخول الفاء فى جوابهما، فقد تضمنا معا معنى الجزاء، وكل هذه وجوه ثابتة، ولكنها ضعيفة فى الفصيح على خلاف فى اللغة، وقال الحصرى:
وقد قرأ من يتقى قنبل ... فانصر على مذهبه قنبلا
واختار الناظم الوجه الأوّل، وقوله وافى أى جاء معللا كالصحيح، أى بأنه أجرى مجراه، قال أبو بكر ابن مجاهد: أخبرنى قنبل عن القواس عن أصحابه أنهم يقرءون:
(إنّه من يتّقى ويصبر).
بالياء فى الوصل والوقف، وقرأت فى حاشية نسخة مقروءة على الناظم، وأظن الحاشية من إملائه، قال معللا أى مروى بعذوب الاحتجاج له، فهو على هذا من العلل.
434 [وفى المتعالى (د) رّه والتّلاق والت ... تنا (د) را (ب) اغيه بالخلف (ج) هّلا]
(المتعالى (1) فى الرعد والتّلاق والتّناد).
فى غافر أثبت الثلاثة فى الحالين ابن كثير، وأثبت ورش وقالون بخلاف عنه ياء التلاق والتناد فى الوصل، ودرا بمعنى دفع، فأبدل من الهمزة ألفا، وباغيه بمعنى طالبه: يقال بغيت الشيء إذا طلبته، وجهلا جمع جاهل، وهو مفعول درا، أى دفع قارئه الجهال عن تضعيفه بكونه رأس آية، فلا ينبغى أن يثبت الياء لئلا يخرج عن مؤاخاة رءوس الآى، فأتى بالخلف ليرضى به كل فريق، لأن كلا الأمرين لغة فصيحة.
435 [ومع دعوة الدّاع دعانى (ح) لا (ج) نا
وليسا لقالون عن الغرّ سبّلا
يريد قوله تعالى:
__________
(1) الرعد، الآية: 9وغافر الآيتان: 15و 32.(2/313)
{(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ)}.
أثبتهما أبو عمرو وورش، وجنا فى موضع نصب على التمييز، وليسا يعنى الياءين فى هاتين الكلمتين لقالون، أى لم يشتهر إثباتهما له، وإن كان قد روى عنه إثباتهما وإثبات الأوّل دون الثانى وعكسه، والغر:
المشهورون جمع أغر، أى عن النقلة الغر، وسبلا: حال منهم، وهو جمع سابلة، وهم المختلفون فى الطرق يريد أنهم سلكوا طرق النقل وقبلوها خبرة بها، ولو جاز أن يكون جمع سبيل لقلنا هو نصب على التمييز، أى عن القوم المنيرة طرقهم، والله أعلم.
436 [نذيرى لورش ثمّ تردين ترجمو ... ن فاعتزلون ستّة نذرى جلا]
437 [وعيدى ثلاث ينقذون يكذّبو ... ن قال نكيرى أربع عنه وصّلا]
هذا كله أثبته ورش فى الوصل وحده، أراد:
(فستعلمون كيف نذير إن كدت لتردين وفى الدخان أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون).
ونذر ستة مواضع فى سورة القمر، وجلا: فيه ضمير لورش، وعيدى ثلاث: أى ثلاث كلمات، واحدة فى إبراهيم، واثنتان فى ق:
{(لََا يُنْقِذُونِ} فى يس {إِنِّي أَخََافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)}.
فى القصص (1) وقيده بقوله: قال، لأن بعده قال:
{(سَنَشُدُّ)}.
احترز بذلك عن:
{(يَكْذِبُونَ)}.
الذى ليس بعده قال، نحو:
{(أَنْ يُكَذِّبُونِ} و {يَضِيقُ صَدْرِي)}.
فهذه محذوفة باتفاق فى الحالين، و:
(نكيرى).
أربع كلمات، فى: الحج، وسبأ، وفاطر، وتبارك، وليس الذى فى الشورى من هذا الباب، وهو قوله تعالى:
{(مََا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمََا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [2]).
__________
(1) آية: 34.
(2) آية: 47.(2/314)
والضمير فى عنه لورش، فهذه تسع عشرة زائدة انفرد بها ورش، والألف فى فصلا: ليست ضمير تثنية فإن الذى تقدم متعدد. أى وصل المذكور عنه، فالألف للإطلاق.
438 [فبشّر عبادى افتح وقف ساكنا (ي) دا
وو اتّبعوني (ح) جّ فى الزّخرف العلا]
لما فتح السوسى هذه الياء فى الوصل وقف عليها بالإسكان كسائر ياءات الإضافة، وهو القياس كما فعل فى حرف النمل:
(فما آتان الله (1)).
على وجه، وحذفها الباقون فى الحالين اتباعا للرسم، ووقع فى نقل مذهب السوسى اختلاف كثير فى غير التيسير، فروى عنه الحذف فى الوقف، وروى عن أبى عمرو نفسه الحذف فى الحالين، وروى عنه الفتح فى الوصل، والحذف فى الوقف، وأشار الناظم بقوله: وقف ساكنا يدا، إلى ترك الحركة باليد، لأن المتكلم فى إبطال الشيء أو إثباته قد يحرك يده فى تضاعيف كلامه: فكأنه قال: لا تتحرك فى رد ذلك بسبب ما وقع فيه من الخلاف، هكذا ذكر الشيخ، فقوله يدا فى موضع نصب على التمييز، وكأن هذا زجر عن سؤال مقدر، واعتراض وارد من حيث القياس والجدل، وذلك أن الخلاف محكى عن أبى عمرو نفسه فى:
{(فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ)}.
فى النمل والعمل فى الاثنين واحد، فعرف الناظم أن من سمع من جهة نظمه أن السوسى يقف بياء ساكنة دون الدورى، ولم يذكر خلافا أنه يورد حرف النمل، ويطلب الفرق بينهما، ويستطيل باعتراضه، لأنه وارد فسكنه وثبته بقوله وقف ساكنا يدا، أى النقل كذا، فلا ترده بقياس وجدل، وهذا معنى جيد وتفسير حسن لظاهر اللفظ، ولكن يلزم منه أن تكون السين من ساكنا رمزا لأبى الحارث، كما لو قال باسطا يدا، فإن الباء حينئذ كانت تكون رمز قالون، وإنما المراد من هذا اللفظ بيان قراءة السوسى فى الوقف، وهى غير مبينة من هذا التفسير، فإن أريد ذلك جعل ساكنا حالا من مفعول محذوف، أى وقف عليه ساكنا، ويكون يدا حالا من الفاعل، أى ذا يد، فتظهر قراءة السوسى حينئذ، والله أعلم.
ثم قال: واتبعون أراد قوله تعالى فى سورة الزخرف:
{(وَاتَّبِعُونِ هََذََا صِرََاطٌ)}.
فأدخل واو العطف على كلمة القرآن، وفيها واو، فاجتمع واوان ليحصل حكاية لفظ القرآن، فهو كقوله فى أوّل القصيدة: بدأت ببسم الله، كأنه قال: وحرف الزخرف الذى هو واتبعونى أثبت ياءه فى الوصل أبو عمرو وحده، والعلا مفعول حج، وليس برمز، وهو مشكل، إذ يحتمل ذلك، ولا يدفعه كونه فصل بين الرمزين بقوله فى الزخرف، فإن هذا فصل تقييد، فليس أجنبيا، فلا يضر، فهو كفصله بلفظ الخلف فى أثناء الرمز، كقوله لبى حبيبه بخلفهما برا، وكما قد جاء الفصل بالرمز بين تقييدين، كقوله كم دار واقصر، فلقائل أن يقول: كما جاز الفصل بين التقييدين بالرمز، كذا يجوز الفصل بين الرمزين بالتقييد، ويؤيد الإشكال أنه
__________
(1) الآية: 36.(2/315)
قد التزم فى خطبته أنه يسمى الرجال بعد ذكر الحرف، ومتى انقضى ذلك أتى بالواو الفاصلة، والواو لم تأت هنا إلا بعد قوله: العلا، فى أوّل البيت الآتى، فليته قال: و (واتّبعونى).
زخرف حج واعتلا، أو: وو اتبعونى الزخرف اتبع فتى العلا، ويكون قد أضاف واتبعونى إلى اسم السورة، لأنه لفظ، وكلمة وحرف من حروف القراءة، فهو كما قدمناه فى قوله:
(وأخّرتنى).
الإسراء، وفى المهتدى الإسراء، والله أعلم.
439 [وفى الكهف تسألنى عن الكلّ ياؤه
على رسمه والحذف بالخلف مثّلا]
يعنى أنه رسم بالياء، فأثبتها الكل وقفا ووصلا، وروى عن ابن ذكوان حذفها فى الحالين.
فإن قلت: من أين يعلم أنه أراد فى الحالين.
قلت: هو فى التيسير كذلك، وإنما لم ينبه عليه الناظم اتكالا على فهم الذكى، من جهة أنه لا جائز أن يكون أراد أنه حذفها وصلا لا وقفا، إذ ليس فى هذا الباب له نظير، إذ كل من أثبت ياء فى الوقف أثبتها فى الوصل ولا ينعكس هذا القسم، ثم لو كان أراد هذا القسم لذكره فى سورته، كما ذكر ما يشبه ذلك فى الرعد، وإذا بطل هذا القسم فلا يجوز أن يظن بالناظم أنه أراد عكسه، وهو أنه حذفها وقفا وأثبتها وصلا، لأنه لم يذكره مع من هذا فعله فى سائر الباب، فى قوله: وفى الوصل حماد شكور إمامه، فبان أنه أراد حذفها فى الحالين، وهذه الياء التى فى الكهف زائدة على العدة، بخلاف التى فى هود، فإنها منها، لأن تلك محذوفة رسما، وهذه ثابتة فيه.
440 [وفى نرتعى خلف (ز) كا وجميعهم ... بالإثبات تحت النّمل يهدينى تلا]
ليته وصل هذا البيت بالبيت الذى فيه يتقى، لأن إثبات الياءين فيهما لقارئ واحد فى سورة واحدة، وكلاهما فى موضع الجزم، وما عطف عليهما مجزوم، أوليته قدم هذا البيت على الذى قبله لتتصل الياءات المعدودة، ثم بذكر الخارج من العدة، أراد قوله تعالى:
(أرسله معنا غدا نرتع ونلعب).
وسيأتى الخلاف فيه فى سورته، وأما وجه إثبات الياء فإجراء المعتل مجرى الصحيح، أو الإشباع، ويجيء الوجه الآخر على أن يكون نرتعى فى موضع الحال، وسكن ونلعب تخفيفا على ما تقدم فى:
{(يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)}.
والباقون على حذف الياء، لكن منهم من كسر العين، ومنهم من أسكنها، وأجمعوا على إثبات ياء:
{(يَهْدِيَنِي سَوََاءَ السَّبِيلِ)}.(2/316)
والباقون على حذف الياء، لكن منهم من كسر العين، ومنهم من أسكنها، وأجمعوا على إثبات ياء:
{(يَهْدِيَنِي سَوََاءَ السَّبِيلِ)}.
فى القصص (1) لثبوتها فى الرسم، وإنما نص عليها من بين ما أجمعوا على إثباته لأنه ذكر فيما تقدم من جملة ما اختلفوا فيه يهدين ولم يعين أنها التى فى الكهف، فخشى أن تلتبس بهذه فاستدرك وبين أن هذه مجمع عليها فتعينت تلك للخلاف، وقد نظم الشيخ رحمه الله فى الياءات المجمع على إثباتها أبياتا جمعت أشياء مما يشكل منها، ولم يحتج الناظم إلى ذكر غير حرف القصص، مما أجمع عليه إذ لا التباس لشيء منه بما ذكره، لأنه استوعب ذكر العدة ببيان مواضعها بخلاف ما فعل فى ياءات الإضافة، فلهذا ذكر المجمع عليه فى الأنواع التى لم يستوعب ذكرها مفصلة، على ما تقدم شرحه، ولم يحتج إلى ذكر غير الملتبس بما ذكره من المجمع عليه إسكانا وفتحا، هكذا هاهنا لم يذكر ما أجمع عليه حذفا وإثباتا، والله أعلم.
441 [فهذى أصول القوم حال اطّرادها ... أجابت بعون الله فانتظمت حلا]
أى تم الكلام فى الأصول، وحال اطرادها منصوب على الحال، كقوله تعالى:
{(وَهََذََا بَعْلِي شَيْخاً)}.
أو يكون العامل فيه أجابت، أى أجابت مطردة لما دعوتها، أى انقادت لنظمى طائعة بإعانة الله تعالى، فانتظمت مشبهة حلا: جمع حلية، فيكون حلا فى موضع نصب على الحال، ويجوز أن يكون تمييزا أى انتظمت حلاها، وقد ذكر نحو ذلك صاحب التيسير فقال بعد فراغه من باب الزوائد: فهذه الأصول المطردة قد ذكرناها مشروحة، وأقول المراد من إفراد الأصول بأبواب قبل الشروع فى السور الفرق بين ما يطرد حكمه وما لا يطرد، والمطرد هو المستمر الجارى فى أشباه ذلك الشيء، وكل باب من أبواب الأصول لم يخل من حكم كلى يستمر فى كل ما تحقق فيه شرط ذلك الحكم، وهو فى جميع الأبواب ظاهر، وهو خفى فى ياءات الإضافة والزوائد، وهو فى الزوائد أخفى، فوجهه فى ياءات الإضافة أن فيه ما يطرد حمله، مثل قوله: فتح سما ما بعده همزة مفتوحة، وفى الزوائد وتثبت فى الحالين، وفى الوصل حماد، فإن ذلك مطرد فى الجميع، وباقى الكلام فى البابين أشبه بالفرش منه بالأصول، وشاهده ذكر التاءات المشادة للبزى فى الفرش، وهى قريبة من الزوائد والله أعلم.
442 [وإنّى لأرجوه لنظم حروفهم ... نفائس أعلاق تنفّس عطّلا]
أى أرجو عون الله أيضا لتسهيل نظم الحروف المنفردة غير المطردة، وهو ما سيأتى ذكره فى السور، وهو معنى قول صاحب التيسير: ونحن مبتدئون بذكر الحروف المتفرقة، ونفائس: جمع نفيس، وأعلاق: جمع علق، وهو الشيء النفيس، يقولون هو علق مضنة أى يضن به ويبخل بإعادته فلا يسمح به، قال الشاعر:
وسلمى لعمر الله علق مضنة أى لا يسمح بفراقها، فمعنى نفائس أعلاق على هذا؟ نفائس أشياء نفائس، كقولك خيار الخيار، ثم هو منصوب إما على الحال من حروفهم، أو هو مفعول ثان، كما تقول:
نظمت الدر عقدا، فيكون قد كنى بالأعلاق عن القلائد، ويجوز أن يكون كنى بها عن أنواع النظم النفيسة،
__________
(1) آية: 22.(2/317)
فيكون نفائس منصوبا على المصدر، وتقديره انظم حروفهم أنفس نظم تنفس تلك لنفائس أجيادا عطلا، أى أعناقا لا قلائد لها، أى تجعلها ذات نفاسة، قال الشيخ: ومعنى ذلك أنه إذا نظمها فحفظها من لا علم له، كان كمن تحلى جيده بعقد نفيس، قلت فهذا مما يقوى جعل نفائس أعلاق: مفعولا ثانيا، ولم يذكر الشيخ إلا أنها حال من حروفهم.
443 [سأمضى على شرطى وبالله اكتفى ... وما خاب ذو جدّ إذا هو حسبلا]
أى سأستمر على ما شرطته فى الرموز والقيود، والجد ضد الهزل، وحسبل إذا قال: حسبى الله، ركب من لفظى الكلمتين، كلمة تدل عليهما، كما تقدم ذكره فى باب البسملة. وقوله وبالله اكتفى، هو: معنى حسبى الله فلهذا أخبر أنه قد حسبل، والمعنى أنى لا أخيب فيما قصدته، لأنى اكتفيت به سبحانه وتعالى فى تتمة ذلك، واستعنت به عليه، فأناب رحمه الله وما خاب، بل اشتهر ذكره وطاب، وانتفع بما نظمه الأصحاب، والله أعلم.
وهذا آخر شرح الأصول والحمد لله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه الأكرمين أجمعين.
وحسبنا الله وكفى ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.(2/318)
وحسبنا الله وكفى ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
باب فرش الحروف وهو الكلام على كل حرف فى موضعه، على ترتيب السورة
سورة البقرة
قال الشيخ رحمه الله: القراء يسمون ما قل دوره من الحروف: فرشا، لانتشاره، فكأنه انفرش، إذ كانت الأصول ينسحب حكم الواحد منها على الجميع.
قلت: وسماه بعضهم: الفروع على مقابلة الأصول، ويأتى فى الفرش مواضع مطردة حيث وقعت وهى بالأصول أشبه منها بالفرش، مثل إمالة التوراة، وفواتح السور، والكلام فى هأنتم والاستفهامين وتاءات البزى، والتشديد، والتخفيف فى ينزل وبابه، ويقع فى نسخ القصيدة ترجمة سورة البقرة فى هذا الموضع، ولم يزد صاحب التيسير على قوله: «باب ذكر فرش الحروف»، وقدم ترجمة سورة البقرة فى أول باب هاء الكناية وقد تقدم ثم معنى ذلك، وبيان صحة ما فعله، وبالله التوفيق.
444 [وما يخدعون الفتح من قبل ساكن
وبعد (ذ) كا والغير كالحرف أوّلا]
قوله: وما: تقييد للحرف المختلف فيه، احترازا من الأول، وهو قوله:
{(يُخََادِعُونَ اللََّهَ} [1]).
فإنه ليس قبله وما والساكن الخاء والفتح قبله فى الياء، وبعده فى الدال، وهذا تقييد لم يكن محتاجا إليه لأنه قد لفظ بالقراءة، ونبه على القراءة الأخرى بما فى آخر للبيت، لأنه لا يمكن أخذها من أضداد ما ذكر، فهو زيادة بيان.
فإن قلت: احترز بذلك عن أن يضم أحد الياء.
قلت: ليس من عادته، الاحتراز عن مثل هذا، ألا تراه يقول: سكارى معا سكرى، ولم يقل بضم السين اكتفاء باللفظ.
فالوجه أن يقال هو زيادة بيان لم يكن لازما له، وهو مثل قوله فى سورة الحج، ويدفع حق بين فتحيه ساكن، وذكا بمعنى اشتعل وأضاء، وأولا، ظرف، أى وقراءة الغير كالحرف الواقع أولا، وأجاز الشيخ أن يكون حالا، وأطلق الناظم الحرف على الكلمة على ما سبق فى قوله: لعل حروفهم، وقوله: وفى أحرف وجهان، وما يأتى من قوله: وفى الروم والحرفين فى النحل أولا، وذلك سائغ، ومنه قول أبى القاسم الزجاجى «باب الحروف التى ترفع الاسم وتنصب الخبر» يعنى كان وأخواتها، أى اقرءوا:
__________
(1) آية: 9.(2/319)
(يخادعون الله والّذين آمنوا وما يخادعون (1)).
ففي هذه القراءة رد لفظ ما ابتدأ به، وأجمع عليه ومن قرأ الثانية:
(يخدعون).
نبه على أن الأولى بهذا المعنى، وأن فاعلت هنا بمعنى فعلت، نحو طارقت النعل، وسافرت، وعاقبت، وقيل جعلوا خادعين لأنفسهم، لما كان ضرر ذلك عائدا إليهم كقوله تعالى فى موضع آخر:
{(إِنَّ الْمُنََافِقِينَ يُخََادِعُونَ اللََّهَ وَهُوَ خََادِعُهُمْ} [2]).
وإنما أجمع على الأول، وعدل فيه من فعل إلى فاعل كراهة التصريح بهذا الفعل القبيح أن يتوجه إلى الله سبحانه، فأخرج مخرج المحاولة لذلك والمعاناة له، والله أعلم.
445 [وخفّف كوف يكذبون وياؤه ... بفتح وللباقين ضمّ وثقّلا]
عنى بالتخفيف إسكان الكاف وإذهاب ثقل الذال، والباقون ثقلوا موضع تخفيف هؤلاء، فلزم تحريك الكاف وإن لم يتعرض له، إذ لا يمكن تثقيل الذال إلا بفتح الكاف وضم الياء، والقراءتان ظاهرتان، فإن المنافقين لعنهم الله قد وصفوا فى القرآن بأنهم كاذبون فى مواضع كثيرة، ومع أنهم كاذبون هم يكذبون، لأن الله تعالى وصفهم بقوله:
{(وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)}.
ومن لم يكن مصدقا فهو مكذب، ولا خلاف فى تخفيف:
{(بِمََا أَخْلَفُوا اللََّهَ مََا وَعَدُوهُ وَبِمََا كََانُوا يَكْذِبُونَ} [3]).
كما أنه لا خلاف فى تثقيل قوله تعالى:
{(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ)}.
ونحوه، ولا يرد على الناظم ذلك، لأنه لم يقل: جميعا، ولا بحيث أتى، ولا نحو ذلك، وتلك عادته فيما يتعدى الحكم فيه سورته، إلا مواضع خرجت عن هذه القاعدة سننبه عليها فى مواضعها، منها ما فى البيت الآتى:
(والتّوراة وكائن).
وضى فعل ماض لا أمر، بل هو من جنس ما عطف عليه من قوله: وثقلا، والله أعلم.
446 [وقيل وغيض ثمّ جىء يشمّها ... لدى كسرها ضمّا (ر) جال (ل) تكملا]
447 [وحيل بإشمام وسيق (ك) ما (ر) سا ... وسىء وسيئت (ك) ان (ر) اويه (أ) نبلا]
أراد (وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض وإذا قيل لهم آمنوا).
__________
(1) آية: 9.
(2) سورة النساء، آية: 142.
(3) سورة التوبة، آية: 77.(2/320)
وما جاء من لفظ قيل، وهو فعل ماض:
{(وَغِيضَ الْمََاءُ} {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ} {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} {وَسِيقَ الَّذِينَ)}.
موضعان فى آخر الزمر:
{(سِيءَ بِهِمْ)}.
فى هود والعنكبوت:
{(سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)}.
فأطلق هذه الأفعال ولم يبين مواضع القراءة، وفيها ما قد تكرر، والعادة المستمدة منه فيما يطلق أن يختص بالسورة التى هو فيها، كما فى يكذبون السابقة، ولكن لما أدرك مع قيل هذه الأفعال الخارجة عن هذه السورة، كان ذلك قرينة واضحة فى طرد الحكم حيث وقعت قيل، وغيرها من هذه الأفعال، ورجال فاعل يشمها، وضما مفعول ثان، والمراد بالإشمام فى هذه الأفعال: أن ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة، وبالياء بعدها نحو الواو، فهى حركة مركبة من حركتين: كسر وضم، لأن هذه الأوائل، وإن كانت مكسورة فأصلها أن تكون مضمومة، لأنها أفعال ما لم يسم فاعله، فأشمت الضم دلالة على أنه أصل ما يستحقه، وهو لغة للعرب فاشية، وأبقوا شيئا من الكسر تنبيها على ما استحقته هذه الأفعال من الاعتلال، ولهذا قال: لتكملا، أى لتكمل الدلالة على الأمرين، وهذا نوع آخر من الإشمام غير المذكور فى الأصول، وقد عبروا عنه أيضا بالضم والروم والإمالة، ومنهم من قال: حقيقته أن تضم الأوائل ضما مشبعا، وقيل مختلسا، وقيل: بل هو إيماء بالشفتين إلى ضمة مقدرة مع إخلاص كسر الأوائل، ثم القارى مخير فى ذلك الإيماء، إن شاء قبل اللفظ أو معه أو بعده، والأصح ما ذكرناه أوّلا، ومن أخلص الكسر، فلأجل الياء الساكنة بعده، كميزان، وميقات، وهو اللغة الفاشية المختارة، وقال مكى: الكسر أولى عندى، كما كان الفتح أولى من الإمالة، ونافع وابن ذكوان جمعا بين اللغتين، ورسا: أى استقر وثبت، وأنبلا: أى زائد النبل، وأما قيل الذى هو مصدر فلا يدخل فى هذا الباب، إذ لا أصل له فى الضم، وهو فى نحو:
{(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللََّهِ قِيلًا} {وَقِيلِهِ يََا رَبِّ} {إِلََّا قِيلًا سَلََاماً سَلََاماً} {وَأَقْوَمُ قِيلًا)}.
والرمز فى هذين البيتين: رجال لتكملا كما رسا كان راويه أنبلا، والله أعلم.
448 [وها هو بعد الواو والفا ولامها ... وها هى أسكن (ر) اضيا (ب) اردا (ح) لا]
أى إذا كانت الهاء من لفظ هو، والهاء من لفظ هى، بعد واو أو فاء أو لام زائدة، نحو:
{(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ} {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} وإنّ الله لهو الولىّ {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} {فَهِيَ كَالْحِجََارَةِ} {لَهِيَ الْحَيَوََانُ)}.
فأسكن الهاء فى هذه المواضع الكسائى وقالون وأبو عمرو، لأن اتصال هذه الحروف بها صيرت الكلمة مشبهة لفظ: عضد، وكتف، فأسكنت الهاء كما أسكنا تخفيفا، وقولنا: زائدة احترازا من نحو:
{(لَهْوَ الْحَدِيثِ} {إِلََّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)}.(2/321)
فأسكن الهاء فى هذه المواضع الكسائى وقالون وأبو عمرو، لأن اتصال هذه الحروف بها صيرت الكلمة مشبهة لفظ: عضد، وكتف، فأسكنت الهاء كما أسكنا تخفيفا، وقولنا: زائدة احترازا من نحو:
{(لَهْوَ الْحَدِيثِ} {إِلََّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)}.
فالهاء ساكنة باتفاق، لأنها ليست هاء هو الذى هو ضمير مرفوع منفصل، وذلك معروف، ولكنه قد يخفى على المبتدئ، فبيانه أولى، وقصر لفظ «ها» فى الموضعين ضرورة، والضمير فى لامها للحروف، أو للفظ «هو» لكثرة دخولها عليها، وراضيا حال، وباردا مفعول به، وحلا صفة باردا، كما تقول: رضيت شيئا جيدا وباردا، من قولهم: غنيمة باردة، أى حاصلة من غير مشقة، ويمكن جعل الكل أحوالا، ويكون راضيا حال من الفاعل، وباردا حالا من المفعول، نحو لقيته مصعدا منحدرا، وقيل باردا نعت مصدر محذوف، أى إسكانا باردا حلوا، يروى عن من قرأ به كالماء البارد، وهذا الحكم المذكور فى هذا البيت أيضا مطرد حيث جاءت هذه الألفاظ، لا يختص بهذه السورة، ولم يصرح بذلك، وكأنه اكتفى بضابط قوله بعد الواو وللفاء ولامها، لأن المجموع ليس فى سورة البقرة، والله أعلم.
449 [وثمّ هو (ر) فقا (ب) ان والضّمّ غيرهم
وكسر وعن كلّ يملّ هو انجلا]
أراد {(ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيََامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)}.
لم يسكنه أبو عمرو، لأن «ثم» ليس اتصالها «بهو» كاتصال الواو والفاء واللام بها لأن «ثم» كلمة مستقلة وأسكنه الكسائى وقالون حملا لثم على هذه الحروف لمشاركتها لها فى الحرفية والواو والفاء فى العطفية، وقوله رفقا بان، حال: أى أسكنه ذا رفق بين، أى أرفق به فى تقرير وجه إسكانه والضم غيرهم فى لفظ هو بعد هذه الحروف، والكسر فى لفظ هى بعدها، وإنما بين قراءة الباقين، لأنها لا تفهم من ضد الإسكان المطلق، فإن ضده على ما سبق فى الخطبة هو الفتح، على أنه كان يمكنه أن لا يتكلف ببيان قراءة الباقين، فإنها قد علمت من تلفظه بها فى قوله: وها هو، وها هى، فكأنه قال: أسكن ضم هذه وكسر هذه: ولو قال ذلك تصريحا لم يحتج إلى بيان قراءة الباقين، فهذا المذكور فى معناه، وأما قوله تعالى فى آية الدين:
{(أَنْ يُمِلَّ هُوَ)}.
فلم يسكن الهاء أحد، لأن يمل كلمة مستقلة، وليست حرفا فتحمل على أخواتها، وإنما ذكره لأن هو قد جاء فيها بعد لام، فخشى أن تدخل فى عموم قوله ولامها، فقال ضمها عن كل القراء، ولم يصرح بذلك، ولكن لفظه أنبأ عنه، ولهذا قال: انجلا، أى انكشف الأمر فى ذلك، وبعض المصنفين ذكر عن قالون إسكانها.
450 [وفى فأزلّ اللّام خفّف لحمزة ... وزد ألفا من قبله فتكمّلا]
يريد قوله تعالى:
{(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطََانُ} [1]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 36.(2/322)
والهاء فى «قبله» تعود إلى اللام، فيصير فأزال، ومعناهما واحد، أى فنحاهما عنها، وقيل يجوز أن يكون معنى قراءة الجماعة أوقعهما فى الزلة، وهى الخطيئة، والفاء فى فتكملا ليست برمز، لأنه قد صرح بقوله لحمزة، وإنما أتى بالفاء دون اللام لئلا يوهم رمزا، فإن قلت لا يكون رمز مع مصرح باسمه، قلت:
يظن أنها قراءة ثانية بالألف، وقراءة حمزة بالتخفيف فقط فاختار الفاء لئلا يحصل هذا الإيهام، وأراد فتكمل الألف الكلمة، أو تكمل أنت الكلمة بزيادتك للألف، وهو منصوب على جواب الأمر بالفاء.
451 [وآدم فارفع ناصبا كلماته ... بكسر وللمكّيّ عكس تحوّلا]
أى القراءة {(فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ} [1]).
فيكون آدم فاعلا، وكلمات مفعولا، وعلامة نصبه الكسرة، وعكس ابن كثير فجعل آدم مفعولا فنصبه وكلمات فاعلا فرفعها، والمعنى واحد، لأن ما تلقيته فقد تلقاك، وكذا ما أصبته فقد أصابك، وقوله: وللمكى عكس: أى عكس ما ذكر، وحقيقة العكس لا تتحقق هنا من جهة أن نصب آدم ليس بكسر، بل بفتح، فهو عكس مع قطع النظر عن لفظ الكسر، ولم يمكنه أن يقول: وللمكى رفع، لأنه لا يعرف الخلاف فى آدم حينئذ: لمن هو؟ لأن رفع المكى مخصوص بكلمات. وقوله: تحولا، أى المذكور إليه أو عكس تحول إلى هذا، والله أعلم.
451 [ويقبل الأولى أنّثوا (د) ون (حا) جز ... وعدنا جميعا دون ما ألف (ح) لا]
يريد قوله تعالى:
{(وَلََا يُقْبَلُ مِنْهََا شَفََاعَةٌ} [2]).
يقرأ بالتأنيث، والتذكير، أى بالتاء والياء، فوجه التأنيث ظاهر، لأن الشفاعة مؤنثة، ولهذا قال: دون حاجز، أى مانع، ووجه التذكير: أن تأنيث الشفاعة غير حقيقى، وكل ما كان كذلك جاز تذكيره، لا سيما وقد وقع بينه وبين فعله فاصل، وسيأتى له نظائر كثيرة، واحترز بقوله: الأولى، أى الكلمة الأولى عن الأخيرة، وهى:
{(وَلََا يُقْبَلُ مِنْهََا عَدْلٌ)}.
فإن الفعل مذكر بلا خلاف، لأنه مسند إلى مذكر، وهو عدل، وبعده:
{(وَلََا تَنْفَعُهََا شَفََاعَةٌ)}.
لم يختلف فى تأنيثها، لأنه لم يفصل بينهما كلمة مستقلة، بخلاف الأولى، وقرأ أبو عمرو:
(وعدنا).
فى البقرة والأعراف وطه، بغير ألف بعد الواو، لأن الله تعالى وعده، وقرأ غيره واعدنا بألف بعد
__________
(1) الآية: 37.
(2) الآية: 48.(2/323)
الواو، على معنى وعدنا كقوله فحاسبناها، وقيل يصح فيه معنى المفاعلة فإن قلت: من أين يعلم من النظم أن قراءة الباقين بألف بعد الواو دون أن يكون بألف قبلها، فيكون أوعدنا، لأنه قال: دون ما ألف، ولم ينطق بقراءة الجماعة، ولو كان لفظ بها لسهل الأمر قلت: يعلم ذلك من حيث أنه لو أراد أو عدنا للزمه أن يبين إسكان الواو وتحريكها، فلما لم يتعرض لذلك علم أنه غير مراد وأيضا فإن حقيقة الألف ثابتة فى لفظ:
(واعدنا).
وأما أوعدنا، فهى همزة قبل الواو، فإطلاق الألف عليها مجاز، والأصل الحمل على الحقيقة، فيزول الإشكال على هذا، مع ظهور القراءتين واشتهارهما وعدم صحة معنى الوعيد فى هذه المواضع، ولو قال: وفى الكل واعدنا، أو: وجملة واعدنا بلا ألف حلا، بطل هذا الإشكال، لكن فى وعدنا وواعدنا ألف بعد النون كان ينبغى الاحتراز عنها أيضا فإن قلت: تلك لا يمكن حذفها. فإن قلت: وليس كل ما لا يمكن حذفه لا يحترز منه، فإنه سيأتى فى قوله: وقالوا، الواو الأولى سقوطها، ولا يمكن إسقاط الثانية مع بقاء ضمة اللام، ثم إنه أيضا يرد عليه ما فى سورة القصص.
{(أَفَمَنْ وَعَدْنََاهُ)} وعدا حسنا (1).
فهو بغير ألف بلا خلاف، وكذا الذى فى الزخرف:
{(أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنََاهُمْ} [2]).
فإن اعتذر له بأنه قال: وعدنا، بغير هاء، والذى فى القصص بزيادة هاء، والذى فى الزخرف بزيادة هاء وميم، فلا ينفع هذا الاعتذار، فإن الذى فى طه بزيادة كاف وميم، وهو قوله تعالى:
{(وَوََاعَدْنََاكُمْ جََانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} [3]).
وصاحب التيسير نص على أن الخلاف فى وعدنا ووعدناكم، فخرج الذى فى القصص، فإنه لفظ ثالث، والذى فى الزخرف، فإنه لفظ رابع، فلو قال الناظم: وعدنا وعدناكم بلا ألف حلا، لخلص من هذا الإشكال، ولكن خلفه إشكال آخر، وهو أنه لم يقل: جميعا، ولكن يكون له أسوة بما ذكر فى بيتى الإشمام، ويبقى عليه الإشكالان المتقدمان فى موضع الألف، و «ما» فى قوله دون ما ألف زائدة، والله أعلم.
452 [وإسكان بارئكم ويأمركم له ... ويأمرهم أيضا وتأمرهم تلا]
453 [وينصركم أيضا ويشعركم وكم ... جليل عن الدّورىّ مختلسا جلا]
أى أسكن أبو عمرو فى هذه المواضع كلها، حيث وقعت حركة الإعراب تخفيفا، وقد جاء ذلك عنه من طريق الرقيين كذا ذكر الدانى ومكى وغيرهما، ورواية العراقيين عن أبى عمرو الاختلاس، وهى الرواية الجيدة المختارة، فإن الإسكان فى حركات الإعراب لغير إدغام ولا وقف ولا اعتلال منكر، فإنه على مضادة حكمة مجىء الإعراب، وجوّزه سيبويه فى ضرورة الشعر، لأجل ما ورد من ذلك فيه، نحو:
__________
(1) آية: 61.
(2) آية: 42.
(3) آية: 80.(2/324)
وقد بدا هنك من الميزر ... فاليوم أشرب غير مستحقب
ولا أعلام قد تعلل بالمناة ... فما تعرفكم العرب
ونحوه: إذا اعوججن، قلت: صاحب مقوم.
قال أبو على فى الحجة: أما حركة الإعراب فمختلف فى تجويز إسكانها، فمن الناس من ينكره، فيقول:
إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب، قال: وسيبويه يجوز ذلك فى الشعر. قال الزجاج: روى عن أبى عمرو ابن العلا أنه قرأ:
(بارئكم).
بإسكان الهمزة. قال: وهذا رواه سيبويه باختلاس الكسر، قال وأحسب الرواية الصحيحة، ما روى سيبويه، فإنه أضبط لما روى عن أبى عمرو. والإعراب أشبه بالرواية عن أبى عمرو لأن حذف الكسر فى مثل هذا، وحذف الضم إنما يأتى فى اضطرار الشعر، وفى كتاب أبى بكر بن مجاهد، قال سيبويه: كان أبو عمرو يختلس الحركة:
(من بارئكم ويأمركم).
وما أشبه ذلك مما تتوالى فيه الحركات، فيرى من يسمعه أنه قد أسكن، ولم يسكن قال أبو بكر: وهذا القول أشبه بمذهب أبى عمرو، لأنه كان يستعمل فى قراءته التخفيف كثيرا، كان يقرأ:
{(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتََابَ} و {يَلْعَنُهُمُ اللََّهُ)}.
يشم الميم من يعلمهم والنون من يلعنهم الضم من غير إشباع، وكذلك:
{(عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ)}.
يشم التاء شيئا من الخفض، وكذلك:
{(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ)}.
يشمها شيئا من الضم، وفى كتاب أبى على الأهوازى، عن المازنى، عن الأصمعى، عن أبى عمرو بن العلا قال: سمعت أعرابيا يقول:
(بارئكم).
فاختلس الكسر حتى كدت لا أفهم الهمزة، قال أبو على الفارسى: وهذا الاختلاس وإن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط وأخفى، فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك، قال: وعلى هذا المذهب حمل سيبويه قول أبى عمرو:
(على بارئكم).
فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها، فهو بزنة حرف متحرك، فمن روى عن أبى عمرو الإسكان
فى هذا النحو، فلعله سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به والخفاء إسكانا، وقال أبو الفتح بن جنى فى كتاب الخصائص الذى رواه صاحب الكتاب: اختلاس هذه الحركة لا حذفها البتة، وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذين رووه ساكنا. قال: ولم يؤت القوم فى ذلك من ضعف أمانة، لكن أتوا من ضعف دراية، قال الشيخ فى شرحه: وقد ثبت الإسكان عن أبى عمرو، والاختلاس معا، ووجه الإسكان أن من العرب من يجتزئ بإحدى الحركتين عن الأخرى، قال: وقد عزا الفراء ذلك إلى بنى تميم وبنى أسد وبعض النجديين، وذكر أنهم يحققون مثل يأمركم فيسكنون الراء لتوالى الحركات.(2/325)
فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها، فهو بزنة حرف متحرك، فمن روى عن أبى عمرو الإسكان
فى هذا النحو، فلعله سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به والخفاء إسكانا، وقال أبو الفتح بن جنى فى كتاب الخصائص الذى رواه صاحب الكتاب: اختلاس هذه الحركة لا حذفها البتة، وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذين رووه ساكنا. قال: ولم يؤت القوم فى ذلك من ضعف أمانة، لكن أتوا من ضعف دراية، قال الشيخ فى شرحه: وقد ثبت الإسكان عن أبى عمرو، والاختلاس معا، ووجه الإسكان أن من العرب من يجتزئ بإحدى الحركتين عن الأخرى، قال: وقد عزا الفراء ذلك إلى بنى تميم وبنى أسد وبعض النجديين، وذكر أنهم يحققون مثل يأمركم فيسكنون الراء لتوالى الحركات.
قلت: وكان الناظم رحمه الله مائلا إلى رواية الاختلاس، وهو الذى لا يليق بمحقق سواه، فقال: وكم جليل: أى كثير من الشيوخ الجلة: جلوا الاختلاس عن الدورى، وكشفوه وقرروه وعملوا به، ومختلسا حال من الدورى، أى جلا عن مذهبه فى حال اختلاسه، ونسب الناظم ذلك إلى الدورى، وهو محكىّ عن أبى عمرو نفسه، كما نسب إبدال الهمز الساكن إلى السوسى، وهى محكىّ عن أبى عمرو كما سبق، وسبب ذلك أن رواية الرقيين هى رواية السوسى ومن وافقه، ورواية العراقيين هى رواية الدورى وأضرابه، قال أبو على الأهوازى ومعنى الاختلاس أن تأتى بالهمز وبثلثى حركتها، فيكون الذى تحذفه من الحركة أقل مما تأتى به، قال ولا يؤخذ ذلك إلا من أفواه الرجال.
قلت: وقراءة الباقين بإشباع الكسر فى:
(بارئكم).
وإشباع الضم فى البواقى فإن قلت: من أين يؤخذ ذلك؟.
قلت: ما بعد:
(بارئكم).
قد لفظ به مضموما، فهو داخل فى قوله: وباللفظ استغنى عن القيد إن جلا، وقد سبق فى شرح الخطبة أن قوله: وإسكان:
(بارئكم).
لا يفهم منه القراءة الأخرى، فإنه ليس ضد السكون الكسر، ولو حصل التلفظ بالكسر لصار كالذى بعده، ولو قال: وبارئكم سكن لاستقام، وقوله له: أى لأبى عمرو.
فإن قلت: لم لم يكن رمزا لهشام كما قال فى موضع آخر يخلف له ولا يكون له ثوى؟
قلت: له لفظ صريح حيث يكون له ما يرجع إليه، كهذا المكان، وإن لم يكن له ما يرجع إليه فهو رمز وعلامة ذلك اقترانه فى الغالب برمز آخر معه، ومتى تجرد وكان له ما يرجع فحكمه حكم الصريح، وقوله:
تلا، ليس برمز، وهو مشكل، إذ لا مانع من جعله رمزا، ويكون إسكان يأمرهم وما بعده للدورى عن
الكسائى، وكان ينبغى أن يحترز عنه بأن بقوله: وتأمرهم حلا، أو غير ذلك مما لم يوهم رمزا لغير أبى عمرو، وأما جلا فظاهر أنه ليس برمز لتصريحه بالدورى، والله أعلم.(2/326)
تلا، ليس برمز، وهو مشكل، إذ لا مانع من جعله رمزا، ويكون إسكان يأمرهم وما بعده للدورى عن
الكسائى، وكان ينبغى أن يحترز عنه بأن بقوله: وتأمرهم حلا، أو غير ذلك مما لم يوهم رمزا لغير أبى عمرو، وأما جلا فظاهر أنه ليس برمز لتصريحه بالدورى، والله أعلم.
454 [وفيها وفى الأعراف نغفر بنونه ... ولا ضمّ واكسر فاءه (ح) ين (ظ) لّلا]
فيها يعنى فى البقرة:
{(نَغْفِرْ لَكُمْ خَطََايََاكُمْ} [1]).
ولا ضم يعنى الفتح فى النون، فتأخذ للغير بالضم وفتح الفاء، وضد النون الياء، ووجه النون أن قبله:
{(وَإِذْ قُلْنََا)}.
فهى نون العظمة، فأشار بقوله: حين ظللا إلى أنهم فى ظل غفرانه سبحانه وتعالى:
455 [وذكّر هنا (أ) صلا وللشّام أنّثوا ... وعن نافع معه فى الأعراف وصّلا]
ذكر فى هذا البيت مذهب من بقى، وهو نافع وابن عامر: فقراءة نافع هنا على الضد من قراءة الجماعة، بضم الياء وفتح الفاء، وقراءته فى الأعراف كقراءة ابن عامر فى الموضعين: بضم التاء المثناة من فوق، وهو معنى قوله: أنثوا، وقوله وذكر: أى اجعل موضع النون ياء مثناة من تحت، وقد تقدم أن التأنيث غير الحقيقى يجوز فيه التذكير، فلهذا قال: أصلا، لأن الخطايا راجعة إلى معنى الخطأ، ونافع يقرأ فى الأعراف:
(خطيئتكم (2)).
على جمع السلامة، ففيه تاء التأنيث لفظا، فترجح اعتبار التأنيث، فلهذا أنث فيها، وفى البقرة يقرأ خطايا وهو جمع تأنيثه معنوى، فضعف أمر التأنيث فذكر، وابن عامر أنث اعتبارا للمعنى، وهو فى الأعراف آكد، لأنه يقرأ فيها بالإفراد:
(خطيئتكم).
والضمير فى وصلا راجع إلى التأنيث المفهوم من قوله: أنثوا، أى وصل التأنيث إلينا بالنقل عن نافع مع ابن عامر فى الأعراف.
456 [وجمعا وفردا فى النّبيء وفى النّبو ... ءة الهمز كلّ غير نافع ابدلا]
جمعا وفردا حالان من النبيء، والهمز مفعول أبدل، وتقدير البيت كل القراء غير نافع أبدل الهمزة فى لفظ النبيء مجموعا ومفردا، فالمجموع نحو:
(الأنبياء والنّبيّين والنّبيّون).
والمفرد، نحو: النبيء ونبىء ونبيئا وفى لفظ النبوءة أيضا، يريد قوله تعالى:
__________
(1) آية: 58.
(2) آية: 161.(2/327)
{(وَلَقَدْ آتَيْنََا بَنِي إِسْرََائِيلَ الْكِتََابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ)}.
فلهذا كانت فى البيت منصوبة على الحكاية، وفى تقدم حال المجرور عليه خلاف عند النحويين، فإن كان جائزا فإعراب جمعا وفردا على ما ذكرناه، وإن لم يكن جائزا كان ذلك منصوبا بفعل مضمر، أى وخذ جمعا وفردا فى لفظ النبيء أو دونك ذلك، ثم بين ما يفعل به، فقال: أبدل كل القراء الهمز فيه، غير نافع، يعنى أن أصل هذه اللفظة الهمز، لأنه من أنبأ إذا أخبر، ثم فعل فيه بطريق تخفيف الهمز ما يفعله حمزة فى نحو:
(خطيئة وقروء ولئلّا).
من البدل والإدغام فى نبى ونبوة ومن البدل فى أنبيا أبدلت الهمزة الأولى ياء، والأصل الهمز، كما قال العباس بن مرداس.
يا خاتم النبآء إنك مرسل.
فلما جمعه على فعلاء ظهرت الهمزتان، ولما جمع على أفعلاء أبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها، فعلى هذا:
القراءتان بمعنى واحد، لأن الهمز وإبداله لغتان، لأن لغة الإبدال هى الفصيحة الفاشية، حتى أن بعض النحاة رحمهم الله يقول: التزمت العرب الإبدال فى النبى والبرية وقال أبو على فى الحجة. قال سيبويه: بلغنا أن قوما من أهل التحقيق يخففون نبى وبرية قال: وذلك رديء، قال: وإنما استردأه لأن الغالب فى استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز، وذلك الأصل كالمرفوض.
قلت: وقيل إن قراءة الجماعة يجوز أن تكون من: نبا ينبو، إذا ارتفع، والنباوة الرفعة، فلا يكون فى الكلمة همز والأول أصح لمجيء الهمز فيه، فيكون النبيء فعيلا بمعنى مفعول، بمعنى أنه مخبر من جهة لله تعالى بما لا يخبر به غيره، صلوات الله على جميع الأنبياء وسلامه.
قال أبو عبيد: الجمهور الأعظم من القراء والعوام على إسقاط الهمز من النبى وو الأنبياء والنبيين فى كل القرآن، وكذلك أكثر العرب مع حديث رويناه مرفوعا إن كان حفظ: حدثنا محمد بن ربيعة، عن حمزة الزيات، عن حمران بن أعين، أن رجلا أتى النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: يا نبىء الله، فقال: لست بنبىء ولكنى نبى الله. قال أبو عبيد: ومعناه أنه أنكر عليه الهمز، وقال لى أبو عبيدة: العرب تترك الهمز فى ثلاثة أحرف النبى والبرية والخابية وأصلهن جميعا الهمز، قال أبو عبيد: وفيها حرف آخر رابع الذرية وهو من قوله:
{(يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)}.
قلت: سأذكر إن شاء الله تعالى شرح هذه الأربعة الأحرف فى شرح ما نظمته فى النحو، وأما هذا الحديث الذى ذكره أبو عبيد فقد أوله شيخنا أبو الحسن رحمه الله فى شرحه بعد أن قال إنه غير صحيح الإسناد، وقد أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ فى كتابه المستدرك، فقال حدثنى أبو بكر أحمد بن العباس بن الإمام المقرئ، حدثنا عبد الله بن محمد البغوى، حدثنا خلف بن هشام، حدثنى الكسائى، حدثنى حسين الجعفى، عن حمران ابن أعين، عن أبى الأسود الدؤلى، عن أبى ذر، قال جاء أعرابى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكره، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
قلت: ولا يظهر لى فى تأويله إلا ما قاله أبو عبيد: إنه أنكر عليه الهمز، لأن تخفيفه هو اللغة الفصيحة،
وما أول الشيخ به الهمز لا ينفيه تخفيفه، فإن النبى سواء كان من الإخبار أو غيره، فتخفيف همزه جائز أو لازم، والله أعلم.(2/328)
قلت: ولا يظهر لى فى تأويله إلا ما قاله أبو عبيد: إنه أنكر عليه الهمز، لأن تخفيفه هو اللغة الفصيحة،
وما أول الشيخ به الهمز لا ينفيه تخفيفه، فإن النبى سواء كان من الإخبار أو غيره، فتخفيف همزه جائز أو لازم، والله أعلم.
457 [وقالون فى الأحزاب فى للنّبىّ مع ... بيوت النّبىّ الياء شدّد مبدلا]
يريد قوله تعالى:
{(إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ} و {لََا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ)}.
خالف قالون أصله فى الهمز فى هذين الموضعين، فقرأهما كالجماعة اعتبارا لا أصل له آخر، تقدم فى باب الهمزتين من كلمتين، لأجل أن كل واحد من هذين الموضعين بعده همزة مكسورة، ومذهبه فى اجتماع الهمزتين المكسورتين أن يسهل الأولى، إلا أن يقع قبلها حرف مد فتبدل، فيلزمه أن يفعل هاهنا ما فعل فى:
{(بِالسُّوءِ إِلََّا)}.
أبدل ثم أدغم غير أن هذا الوجه متعين هنا لم يرو غيره، وهذا يفعله قالون فى الوصل دون الوقف، لأن الوقف لا يجتمع فيه الهمزتان، فإذا وقف وقف على همزة، لا على ياء، وقد أشار صاحب التيسير إلى ذلك حين قال: وترك قالون الهمز فى قوله فى الأحزاب:
{(لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرََادَ} [1]).
وبيوت النبى (2) إلا فى الموضعين فى الوصل خاصة على أصله فى الهمزتين المكسورتين.
458 [وفى الصّابئين الهمز والصّابئون خذ ... وهزؤا وكفؤا فى السّواكن (ف) صّلا]
أى خذ الهمز فيهما لأنه الأصل، وروى الهمز رفعا على الابتداء، أى وفى الصابئين فى البقرة والحج (3)
وفى الصابئون فى المائدة (4) الهمز، ثم قال: خذ، أى خذ ما ذكرت بنية واجتهاد، يقال: صبأ يصبأ إذا خرج من دين إلى آخر، وأبدل نافع الهمز، فكأنه من صبا، بلا همز، كرمى ورعى، فقرأ الصابون والصابين كقولك الداعون، والداعين، ومثل هذا البدل لا يكون إلا سماعا، لأنه همز متحرك بعد متحرك فهو كما قرئ سأل سائل بالهمز وبالألف، كما يأتى، فاجتمع فى قراءة نافع همز النبى وترك همز الصابئين، والعكس الذى هو قراءة الجماعة أفصح وأولى، وهذا نحو مما مضى فى قراءة ورش ترقيق الراءات وتغليظ اللامات، وأسند أبو عبيد عن ابن عباس أنه قال: ما الخاطون إنما هى الخاطئون ما الصابئون إنما هى الصابون قال أبو عبيد: وإنما كرهنا ترك الهمزة هاهنا، لأن من أسقطها لم يترك لها خلفا، بخلاف النبيين وقرأ حمزة وحده:
(هزؤا وكفؤا).
بإسكان الزاى والفاء تخفيفا، والأصل الضم، وهو قراءة الجماعة، وقيل: هما لغتان ليست إحداهما
__________
(1) آية: 50.
(2) آية: 53.
(3) البقرة آية: 62. والحج آية: 17.
(4) آية: 99.(2/329)
أصلا للأخرى. قال مكى: حكى الأخفش عن عيسى بن عمر قال: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان: التخفيف والتثقيل، وقوله فى السواكن فصّلا: أى ذكرا فى السواكن مفصلين، أى عدا من جملة الأسماء التى سكن وسطها، نحو: قفل، وشكر، وكفر، ثم ذكر قراءة الجماعة فقال:
459 [وضمّ لباقيهم وحمزة وقفه ... بواو وحفص واقفا ثمّ موصلا]
يجوز فى ضمّ.
هنا أن يكون أمرا، وأن يكون ماضيا لم يسم فاعله، ورسمت الهمزة فى هاتين الكلمتين بواو، فوقف حمزة عليهما بالواو اتباعا للرسم مع كونه يسكن الوسط، فهو يقول:
(هزوا وكفوا).
على وزن جزؤا، ولم يفعل مثل ذلك فى جزأ، وإن كان يسكن زاؤه أيضا، لأن الهمزة فى جزأ لم ترسم واوا، فيقف على ما تمهد فى باب وقفه على الهمز بنقل حركة الهمزة إلى الزاى الساكنة، فيقول:
(جزا).
على وزن هدى، ومثل ذلك جار فى هزؤا وكفؤا قياسا، وقلّ من ذكره هنا، قال صاحب التيسير: قراءة حمزة بإسكان الزاى والفاء وبالهمز فى الوصل، فإذا وقف أبدل الهمز واوا اتباعا للخط، وتقديرا لضمة الحرف المسكن قبلها، يعنى فلهذا لم ينقل حركة الهمز إلى الساكن، وقال مكى: وقف حمزة ببدل واو من الهمزة، على غير قياس، تباعا لخط المصحف، قال: وأما جزأ، فكل القراء يسكن إلا أبا بكر، فإنه صم الزاى، ووقف حمزة بإلقاء الحركة على الزاى، يقول:
(جزا).
على الأصل المتقدم، وقال فى الكشف: كلهم همز فى هزوا وكفوا إلا حفصا، فإنه أبدل من الهمزة واوا مفتوحة، على أصل التخفيف، لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة، فهى تجرى على البدل، كقوله السفهاء إلا فى قراءة الحرميين وأبى عمرو، وكذلك يفعل حمزة إذا وقف، كأنه يعمل الضمة التى كانت على الزاى والفاء فى الأصل، قال: وكان يجب عليه على أصل التخفيف لو تابع لفظه أن يلقى حركة الهمزة على الساكن الذى قبلها، كما فعل فى جزأ فى الوقف، فكان يجب أن يقول كفا وهزا لكنه رفض ذلك لئلا يخالف الخط، فأعمل الضمة الأصلية التى كانت على الزاى والفاء فى الهمزة، فأبدل منها واوا مفتوحة ليوافق الخط، ثم تأتى بالألف التى هى عوض من التنوين بعد ذلك، فقوله: وحفص مبتدا وخبره محذوف، أى وحفص يقرأ بالواو فى حال وقفه وإيصال الكلمة إلى ما بعدها، يقال: وصلت الشيء بالشيء، وأوصلته إليه: أى بلغته إليه وألصقته به، والمستعمل فى مقابلة الوقف هو الوصل لا الإيصال، ولكنه عدل عن واصلا إلى موصلا كراهة السناد فى الشعر، فإنه عيب، لأن هذا البيت كان يبقى مؤسسا، بخلاف سائر أبيات القصيدة، وإنما أبدل حفص هذه الهمزة واوا لأنها همزة مفتوحة قبلها ضم، أراد تخفيفها، وهذا قياس تخفيفها على باب ما سبق فى باب وقف حمزة، وانفرد حفص بهذه القراءة، لأن كل من ضم الفاء لا يبدل هذه الهمزة: أما السوسى فلأنها
متحركة، وأما ورش فلأنها لام الفعل، وأما هشام فى الوقف فلأنها متوسطة، وأما حمزة فإنه وإن أبدل فإنه لم يضم الزاى والفاء، ومن شأن حفص تحقيق الهمزة أبدا، وإنما وقع له الإبدال فى هاتين الكلمتين وسهل أعجمى جمعا بين اللغات، ومن عادته مخالفة أصله فى بعض الكلم كصلته:(2/330)
على الأصل المتقدم، وقال فى الكشف: كلهم همز فى هزوا وكفوا إلا حفصا، فإنه أبدل من الهمزة واوا مفتوحة، على أصل التخفيف، لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة، فهى تجرى على البدل، كقوله السفهاء إلا فى قراءة الحرميين وأبى عمرو، وكذلك يفعل حمزة إذا وقف، كأنه يعمل الضمة التى كانت على الزاى والفاء فى الأصل، قال: وكان يجب عليه على أصل التخفيف لو تابع لفظه أن يلقى حركة الهمزة على الساكن الذى قبلها، كما فعل فى جزأ فى الوقف، فكان يجب أن يقول كفا وهزا لكنه رفض ذلك لئلا يخالف الخط، فأعمل الضمة الأصلية التى كانت على الزاى والفاء فى الهمزة، فأبدل منها واوا مفتوحة ليوافق الخط، ثم تأتى بالألف التى هى عوض من التنوين بعد ذلك، فقوله: وحفص مبتدا وخبره محذوف، أى وحفص يقرأ بالواو فى حال وقفه وإيصال الكلمة إلى ما بعدها، يقال: وصلت الشيء بالشيء، وأوصلته إليه: أى بلغته إليه وألصقته به، والمستعمل فى مقابلة الوقف هو الوصل لا الإيصال، ولكنه عدل عن واصلا إلى موصلا كراهة السناد فى الشعر، فإنه عيب، لأن هذا البيت كان يبقى مؤسسا، بخلاف سائر أبيات القصيدة، وإنما أبدل حفص هذه الهمزة واوا لأنها همزة مفتوحة قبلها ضم، أراد تخفيفها، وهذا قياس تخفيفها على باب ما سبق فى باب وقف حمزة، وانفرد حفص بهذه القراءة، لأن كل من ضم الفاء لا يبدل هذه الهمزة: أما السوسى فلأنها
متحركة، وأما ورش فلأنها لام الفعل، وأما هشام فى الوقف فلأنها متوسطة، وأما حمزة فإنه وإن أبدل فإنه لم يضم الزاى والفاء، ومن شأن حفص تحقيق الهمزة أبدا، وإنما وقع له الإبدال فى هاتين الكلمتين وسهل أعجمى جمعا بين اللغات، ومن عادته مخالفة أصله فى بعض الكلم كصلته:
{(فِيهِ مُهََاناً)}.
وإمالته مجراها ولم يصرح الناظم بقراءة حفص هنا، وحذف ما هو المهم ذكره، ولو أنه قال فى البيت الأول وهزؤا وكفؤا ساكنا الضم فصلا لاستغنى عن قوله «وضم لباقيهم»، ثم يقول بدل البيت الثانى:
وأبدل واوا حمزة عند وقفه ... وحفص كذا فى الوصل والوقف أبدلا
ورأيت فى بعض النسخ، وهو بخط بعض الشيوخ، ومنقول من نسخة الشيخ أبى عبد الله القرطبى رحمه الله ومقروءة عليه ومسموعة من لفظه عوض هذا البيت:
وفى الوقف عنه الواو أولى وضم غيره ... ولحفص الواو وقفا وموصلا
وكتب عليهما معا، ورأيت فى حاشية نسخة أخرى مقروءة على المصنف هذا البيت يتفق مع و «ضم لباقيهم» فى المعنى ومخالفة فى اللفظ، وخير المصنف بينهما، لأن كل واحد منهما يؤدى معنى الآخر.
قلت: وهذا البيت أكثر فائدة، لبيان قراءة حفص فيه، والتنبيه على أن أصل حمزة فى الوقف يقتضى وجها آخر، وهو نقل الهمز، وإنما إبداله واوا أولى من جهة النقل، وإتباع الرسم، على أن أبا العباس المهدوى قال فى شرح الهداية: الأحسن فى هزوا وكفوا أن يلقى حركة الهمزة على الزاى والفاء كما ألقيت فى جزأ والله أعلم.
460 [وبالغيب عمّا تعملون هنا (د) نا ... وغيبك فى الثّانى (إ) لى (ص) فوه (د) لا]
هنا أى بعد هزؤا وهو قوله تعالى:
{(أَتَتَّخِذُنََا هُزُواً} [1]).
ودنا، أى: دنا مما فرغنا منه، يعنى:
{(عَمََّا يَعْمَلُونَ} {أَفَتَطْمَعُونَ)}.
ووجه الغيب قطعه عن الأول واستئناف أخبار عنهم، ولهذا قال بعده:
{(أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ)}.
ووجه الخطاب رده على قوله:
{(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} ويعنى بالثانى {عَمََّا تَعْمَلُونَ} {أُولََئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيََاةَ)}.
ووجه الغيب فيه ظاهر، وهو موافقة ما قبله وما بعده، ولهذا قال: إلى صفوه دلا، أى أخرج دلوه ملأى بعد أن أدلاها إلى صفوه، وقيل: دلوت الدلو وأدليتها بمعنى، وهذه عبارة حلوة، شبه هذه القراءة بماء صاف
__________
(1) سورة البقرة، آية: 67.(2/331)
أرسل القارئ إليه آنية فاستخرجها وافية الامتلاء، يشير إلى اختياره على ما هو أهل للاختيار، ووجه الخطاب رده على قوله:
{(فَمََا جَزََاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذََلِكَ مِنْكُمْ)}.
وفاعل قوله دنا ضمير:
{(عَمََّا يَعْمَلُونَ)}.
وفاعل دلا ضمير قوله: وغيبك، والله أعلم.
461 [خطيئته التّوحيد عن غير نافع ... ولا يعبدون الغيب (ش) ايع (د) خللا]
لم يأت بواو فاصلة بين هاتين المسألتين، لأن قوله خطيئته لا يلتبس أنه رمز، لأنه رمز لنافع فيما قبله، ولأنه من لفظ القرآن، وهو فى البيت مبتدأ، والتوحيد صفته، على معنى ذو التوحيد، أو يكون مبتدأ ثانيا، أى التوحيد فيه كقولهم: السمن منوان بدرهم، ولو قال خطيئاته وحده عن غير نافع لكان أحسن، لأن فيه التلفظ بقراءة، وتقييد أخرى، ولئلا يوهم أن قراءة نافع بجمع التكسير، كما قرئ شاذا خطايا والتوحيد فى مثل هذا يفيد معنى الجمع، كقوله تعالى:
{(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا)}.
ووجه الجمع ظاهر، لأن الذنوب متعددة، وفى الإفراد موافقة قوله قبله:
{(مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً)}.
أى وأحاطت به تلك السيئة، وقيل فى قراءة الجمع: إن المراد بالسيئة الشرك، فيبقى على موازنة:
{(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ)}.
فالمعنى: من أشرك وعمل السيئات، والله أعلم، وقوله شايع: أى تابع، والدخلل الذى يداخلك فى أمورك وهو حال من الضمير فى شايع، والضمير عائد على الغيب، أو على يعبدون، فإن عاد على الغيب كان يعبدون مبتدأ، والغيب مرفوع على أنه مبتدأ ثان، أو بدل منه: بدل اشتمال، نحو: زيد ثوبه حسن، أى الغيب فيه تابع ما قبله، وهو قوله:
{(مِيثََاقَ بَنِي إِسْرََائِيلَ)}.
أى تابعه فى حال كونه دخللا: أى ليس بأجنبى، ويجوز أن يكون دخللا مفعولا على هذا، أى تابع دخيلا له، وهو ما قبله من الغيبة، وإن عاد الضمير على يعبدون كان الغيب مفعولا به، أى تابع الغيب، فيكون الغيب منصوبا، ودخللا حال، ووجه الخطاب أن بعده وقولوا للناس وهو حكاية حال الخطاب فى وقته، ولهذا يقال: قلت لزيد لا تضرب عمرا بالياء والتاء، وهو نهى بلفظ الخبر، كما يجيء الأمر كذلك نحو {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ}
{(وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ} {تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ)}.(2/332)
أى تابعه فى حال كونه دخللا: أى ليس بأجنبى، ويجوز أن يكون دخللا مفعولا على هذا، أى تابع دخيلا له، وهو ما قبله من الغيبة، وإن عاد الضمير على يعبدون كان الغيب مفعولا به، أى تابع الغيب، فيكون الغيب منصوبا، ودخللا حال، ووجه الخطاب أن بعده وقولوا للناس وهو حكاية حال الخطاب فى وقته، ولهذا يقال: قلت لزيد لا تضرب عمرا بالياء والتاء، وهو نهى بلفظ الخبر، كما يجيء الأمر كذلك نحو {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ}
{(وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ} {تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ)}.
فى سورة الصف (1) ونحو القراءتين هنا ما يأتى فى آل عمران:
{(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ)}.
بالياء والتاء (2) فالخطاب كقوله تعالى:
{(وَقُلْ لِلَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا)}.
والغيب كقوله تعالى:
{(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا)}.
وذلك قريب من قولهم: يا تميم كلكم، ويا تميم كلهم بالخطاب والغيب، نظرا إلى النداء وإلى الاسم.
462 [وقل حسنا (ش) كرا وحسنا بضمّه
وساكنه الباقون واحسن مقوّلا]
شكرا حال أو مفعول له، أى لأجل شكر الله، أى اشكر نعمة الله بسبب ما يصدر منك من القول الحسن ثم بين قراءة الباقين وقيدها بالضم والإسكان، ولزم من ذلك تقييد القراءة الأخرى، وإن كان لفظها قد جلا عنها، لأن الضم ضده الفتح، والإسكان ضده التحريك المطلق، والتحريك المطلق هو الفتح، وكان يمكنه جعل هذا البيت والذى بعده واحدا فيقول:
وقل حسنا شكرا وحسنا سواهما ... وتظاهروا تظاهرا خف ثملا
ويكون حذف النون للضرورة، كقوله قل فطرن فى هود، ولم يقرأ أحد بحذف الياء وإسكان النون ثم لو قال وإسكانه الباقون، أو وتسكينه لكان أولى من قوله وساكنه، ليعطف مصدرا على مصدر، ولا يصح ما ذكر إلا بتقدير بذى ضمه وساكنه، أى بالمضموم والساكن، وقوله بضمه وإسكانه أخصر وأولى، وأوضح معنى، والقراءتان بمعنى واحد، كلا اللفظين نعت مصدر محذوف، أى وقولوا للناس قولا حسنا، وقولا حسنا هذا، إن قلنا هما لغتان كالرشد والرشد، والبخل والبخل، والحزن والحزن، وإن قلنا: الحسن بالضم والإسكان مصدر، فتقديره قولا ذا حسن، ومقولا: أى ناقلا، لأن الناقل يقول غيره ما ينسبه إليه أى أحسن فى نقلك وتوجيه ما تنقله من هذه القراءات، ونصبه على التمييز، كقولك: لله دره فارسا، وحسبك به ناصرا لأن النسبة فى المعنى إلى مصادر هذه المنصوبات، أى لله در فروسيته، وحسبك نصرته، وليحسن تقويلك وأداؤك لهذه الوجوه من القراءات فى نسبتها إلى أربابها، والله أعلم.
463 [وتظاهرون الظّاء خفّف (ث) ابتا ... وعنهم لدى التّحريم أيضا تحلّلا]
أى الظاء فيه خفف، وثابتا حال، أى فى حال ثبوته، والتقدير تخفيفا ثابتا، فهو نعت مصدر محذوف،
__________
(1) آية: 11.
(2) آية: 13.(2/333)
وتحللا من الحلول، أو التحليل، أى: وحل التخفيف عنهم أيضا فى سورة التحريم، فى قوله تعالى:
{(وَإِنْ تَظََاهَرََا عَلَيْهِ)}.
والذى هنا تظاهرون عليهم بالإثم ووجه القراءتين ظاهر، الأصل تتظاهرون، وتتظاهرا فمن شدد أدغم التاء فى الظاء، ومن خفف حذف إحدى التاءين، وأيّتهما المحذوفة؟ فيه اختلاف لأهل العربية، وسيأتى له نظائر كثيرة، وقابل بين لفظى التحريم، وقوله: تحللا، وهو اتفاق حسن، والله أعلم.
464 [وحمزة أسرى فى أسارى وضمّهم ... تفادوهمو والمدّ (إ) ذ (ر) اق (ن) فّلا]
أى وقراءة حمزة: أسرى، أو حمزة يقرأ أسرى فى موضع أسارى، فلفظ بالقراءتين فلم يحتج إلى تقييد، وأسرى جمع أسير، كقتيل وقتلى، وأسارى قيل أيضا جمع أسير، كقديم وقدمى، وقيل جمع جمع ككسلان، لما جمعهما لمعنى، وهو عدم النشاط، فكما قالوا كسالى: قالوا أسارى، وقيل: هو جمع أسرى، وفداه وفاده: واحد، وقيل معنى المفاعلة محقن؟؟؟ فى فاد؟؟؟ ا، وقوله وضمهم يعنى فى التاء والمد: يعنى به الألف ويلزم من ذلك فتح الفاء، والباقون بفتح التاء والقصر، وإسكان الفاء، ولو قال:
أسارى قل أسرى فز وضم محركا ... لتفدوهم والمد إذ رق نفلا
لحصلت قيود القراءتين، وراق الشراب: أى صفا، وراقنى الشيء: أعجبنى، ونفل: أى أعطى النفل وهو الغنيمة، يشير بذلك إلى ظهور معنى القراءة، يريد قوله تعالى:
{(وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسََارى ََ تُفََادُوهُمْ)}.
465 [وحيث أتاك القدس إسكان داله ... (د) واء وللباقين بالضّم أرسلا]
إنما كان إسكان داله دواء، لأنه أخف، وهما لغتان: الضم لأهل الحجاز، ولإسكان لتميم وإنما احتاج إلى بيان قراءة الباقين، لأن لإسكان لمطلق ضده الفتح لا الضم، وأرسل أى طلق، ومرفوعه ضمير القدس أو الدال، وحيث: متعلق بالإسكان، وتقديمه على عامله وهو مصدر من باب الاتساع فى الظروف، وقد نص على جوازه غير واحد من المحققين، وكأن الناظم رحمه لله كان يرى ذلك، فقد تكرر ذلك فى نظمه، وقد سبق فى قوله: وإن تزد لربك تنزيها، وكان يمكنه أن يحترز هنا عن ذلك بأن يقول: وإسكان دال القدس فى كل موضع دواء.
466 [وينزل خفّفه وتنزل مثله ... وتنزل (حقّ) وهو فى الحجر ثقّلا]
التخفيف فى هذا والتشديد لغتان، وقيل فى التشديد دلالة على التكثير والتكرير، وبناء فعل يكون كذلك غالبا، وأنزل ونزّل واحد فى التعدية، وأنزل أكثر استعمالا فى القرآن، ويدل على أن نزل المشدد فى معنى أنزل إجماعهم على قوله تعالى:
{(لَوْلََا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وََاحِدَةً)}.
وإنما كرر الناظم هذه الألفاظ الثلاثة، لأن مواضع الخلاف فى القراءتين لا يخرج عنها، من جهة أن أوائل
الأفعال، لا تخلو من ياء أو تاء أو نون، وقوله: وهو عائد على آخر الألفاظ الثلاثة المذكور، وهو ننزل، لأن الذى فى الحجر موضعان أحدهما لحمزة والكسائى وحفص:(2/334)
وإنما كرر الناظم هذه الألفاظ الثلاثة، لأن مواضع الخلاف فى القراءتين لا يخرج عنها، من جهة أن أوائل
الأفعال، لا تخلو من ياء أو تاء أو نون، وقوله: وهو عائد على آخر الألفاظ الثلاثة المذكور، وهو ننزل، لأن الذى فى الحجر موضعان أحدهما لحمزة والكسائى وحفص:
{(مََا نُنَزِّلُ الْمَلََائِكَةَ} [1]).
والآخر لجميع القراء وهو قوله:
{(وَمََا نُنَزِّلُهُ إِلََّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [2]).
وفى هذا البيت نقص فى موضعين: أحدهما أن الألفاظ التى ذكرها لا تحصر مواضع الخلاف، من جهة أن مواضع الخلاف منقسمة إلى فعل مسند للفاعل، كالأمثلة التى ذكرها، وإلى أمثلة مسندة للمفعول، ولم يذكر منها شيئا، نحو:
{(أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرََاةُ)}.
فضابط مواضع الخلاف أن يقال: كل مضارع من هذا اللفظ ضم أوله، سواء كان مبنيا للفاعل أو للمفعول وقوله: ضم أوله احترازا من مثل قوله:
{(وَمََا يَنْزِلُ مِنَ السَّمََاءِ وَمََا يَعْرُجُ فِيهََا)}.
وبذلك ضبطه صاحب التيسير فقال: إذا كان مستقبلا مضموم الأول، وكذا قال مكى وغيره: الموضع الثانى الذى فى الحجر، لم يبين من ثقله، وليس فى لفظه ما يدل على أن تثقيله لجميع القراء، إذ من الجائز أن يكون المراد به مثقل لحق دون غيرهما، خالفا أصلهما فيه كما خالف كل واحد منهما أصله فيما يأتى فى للبيت الآتى، وصوابه لو قال:
وينزل حق خفه كيفما أتى ... ولكنه فى الحجر للكل ثقلا
وهذا اللفظ يشمل الموضعين فى الحجر، لأن الأول وإن اختلفت القراءات فيه مشدد للجميع، على ما يأتى بيانه فى سورته، أو يقول ننزله فى الحجر للكل ثقلا. فينص على ما يوهم أنه مختلف فيه، ولا حاجة إلى التنبيه على الموضع الآخر، لأن ذلك سيفهم من ذكره فى سورته، وقلت أيضا فى نظم بدل هذا البيت، وما بعده فى هذه المسألة ثلاثة أبيات ستأتى إن شاء الله.
467 [وخفّف للبصرى بسبحان والّذى ... فى الأنعام للمكّى على أن ينزّلا]
خالف أبو عمرو أصله فى الأنعام، فثقل لأنه جواب قوله:
{(وَقََالُوا لَوْلََا نُزِّلَ عَلَيْهِ)}.
وخالف ابن كثير أصله بسبحان، وفيها موضعان، وهما:
{(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ} {حَتََّى تُنَزِّلَ عَلَيْنََا كِتََاباً} [3]).
__________
(1) آية: 8.
(2) آية: 21.
(3) الآيتان: 82و 93.(2/335)
فثقل فيهما جمعا بين اللغتين، وبين الذى فى الأنعام بقوله: على أن ينزل، فهو عطف بيان، ولو عكس فقال: وثقل للمكى بسبحان، والذى فى الأنعام للبصرى لأوهم انفراد كل واحد منهما بذلك، وليس الأمر كذلك.
468 [ومنزلها التّخفيف (حقّ) شفاؤه ... وخفّف عنهم ينزل الغيث مسجلا]
وافق حمزة والكسائى على تخفيف:
{(إِنِّي مُنَزِّلُهََا عَلَيْكُمْ} [1]).
فى المائدة كقوله تعالى قبله:
{(رَبَّنََا أَنْزِلْ عَلَيْنََا مََائِدَةً} وعلى تخفيف {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ)}.
فى لقمان والشورى (2) لقوله فى غير موضع:
{(أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً} {وَأَنْزَلْنََا مِنَ السَّمََاءِ مََاءً)}.
ومسجلا: أى مطلقا، وهو نعت مصدر محذوف، أى تخفيفا مطلقا، ليعم الموضعين، وقلت أنا ثلاثة أبيات بدل هذه الثلاثة:
وينزل مضموم المضارع خفه ... لحق على أى الحروف تنقلا
وخفف للبصرى بسبحان والذى ... فى الأنعام للمكى وفى الحجر ثقلا
لكل وحق شاء منزلها وين ... زل الغيث تخفيفا بحرفين أسجلا
469 [وجبريل فتح الجيم والرّاء وبعدها ... وعى همزة مكسورة (صحبة) ولا]
470 [بحيث أتى والياء يحذف شعبة ... ومكيّهم فى الجيم بالفتح وكّلا]
وعى: أى حفظ، وهمزة مفعوله، وصحبة فاعله، أى همزوا بعد فتحهم الجيم والراء، وحذف أبو بكر الياء بعد الهمزة: فقرأ جبرئل، والباقون أثبتوا الياء، فقرأ حمزة والكسائى جبرءيل، وابن كثير لم يفتح إلا الجيم وليس من أصحاب الهمز، فقرأ:
(جبريل).
والباقون بكسر الجيم والراء:
(جبريل).
وكل هذه لغات فى هذا الاسم، وفيه غير ذلك، والله أعلم.
471 [ودع ياء ميكائيل والهمز قبله ... (ع) لى (ح) جّة والياء يحذف (أ) جملا]
__________
(1) الآية: 115.
(2) لقمان، الآية: 34، والشورى، آية: 28.(2/336)
أى حذف أبو عمرو وحفص الهمز، فبقى:
(ميكال).
على وزن ميثاق، وحذف نافع الياء وحدها، فقرأ:
(ميكائل):
والباقون أثبتوهما، وكل ذلك لغات فيه أيضا، وأجملا: حال أو نعت مصدر محذوف، أى حذفا جميلا وفى ميكائيل ياءان: الأولى بعد الميم، والثانية بعد الهمزة، ودلنا على أنه أراد الثانية قوله: والهمز قبله، فلما عرف ذلك أعاد ذكرها بحرف العهد، فقال والياء يحذف أجملا.
472 [ولكن خفيف والشّياطين رفعه
(ك) ما (ش) رطوا والعكس (ن) حو (سما) العلا]
أى كما شرط أهل العربية أن لكنّ إذا خففت بطل عملها، فارتفع ما بعدها، أى خفف ابن عامر وحمزة والكسائى: (لكن) فلزم كسر النون لالتقاء الساكنين، فقرءوا:
{(وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا)}.
ولم ينبه على حركة النون، ولو نبه عليها وترك ذكر قراءة الباقين، لأنها تعلم من الضد، كان أولى فيقول:
والنون بالكسر وكلا أو وصلا، فتكون قراءة الباقين تشديد النون وفتحها ونصب الشياطين: وهذه أضداد ما تقدم ذكره، وقوله: والعكس نحو: يعنى تشديد لكن ونصب الشياطين، على أنه اسم لكن، أى: هذا أيضا وجه من وجوه علم النحو، سما العلا: أى طال العلا، يعنى أنه نحو رفيع، أى ذلك وجه قوى أيضا، وهو اختيار الفراء، قال: تشديد لكن بعد الواو أوجه من تخفيفها وأفصح، لأنها إذا خففت صارت حرف عطف، والواو حرف عطف، فلزم أن لا تعمل كسائر حروف العطف، ونحوهما؟؟؟ العلا رمز قراءة الباقين، ولم يكن محتاجا إليه، فإنه لو قال: والعكس غيرهم تلا لحصل المراد، واستعمل العكس بمعنى الضد الذى اصطلح عليه، وهذا كما قال فى سورة الإسراء وفى مريم بالعكس: حق شفاؤه.
473 [وننسخ به ضمّ وكسر (ك) فى ونن ... سها مثله من غير همز (ذ) كت (إ) لى]
يعنى ضم أوله وكسر ثالثه، من أنسخ أى أمر بالنسخ، والنسخ: الإزالة، وقوله كفى: أى كفى ذلك فى الدلالة على القراءتين لفظا وضدا، فإن ضد الضم والكسر معا الفتح، ثم قال: وننسها مثله، أى بضم أوله وكسر ثالثه أيضا، وقد اتفق فى الكلمتين أن المضموم فيهما حرف النون والمكسور، حرف السين، وزاد فى ننسها أن قال: من غير همز، لتأخذ الهمز فى القراءة الأخرى، ومطلق الهمز لا يقتضى حركته، فيقتصر على أقل ما يصدق عليه اسم الهمز، وهو الإتيان بهمزة ساكنة، فهو بلا همز من النسيان، أى تذهب بحفظها من القلوب
وقيل هو من نسيت الشيء: إذا تركته، وأنسيته، أمرت بتركه، أى نأمر بترك حكمها أو تلاوتها، فكل من هذه المعانى قد وقع فيما أنزل من القرآن، وقراءة الهمز من الإنساء: الذى هو التأخير، أى نؤخرها إلى وقت هو أولى بها وأصلح للناس، أى: نؤخر إنزالها، والضمير فى ذكت: للقراء وإلى واحد الآلاء، وهو النعم، يقال المفرد بفتح الهمزة وكسرها، وهو فى موضع نصب على التمييز، أو الحال: أى ذات نعمة.(2/337)
473 [وننسخ به ضمّ وكسر (ك) فى ونن ... سها مثله من غير همز (ذ) كت (إ) لى]
يعنى ضم أوله وكسر ثالثه، من أنسخ أى أمر بالنسخ، والنسخ: الإزالة، وقوله كفى: أى كفى ذلك فى الدلالة على القراءتين لفظا وضدا، فإن ضد الضم والكسر معا الفتح، ثم قال: وننسها مثله، أى بضم أوله وكسر ثالثه أيضا، وقد اتفق فى الكلمتين أن المضموم فيهما حرف النون والمكسور، حرف السين، وزاد فى ننسها أن قال: من غير همز، لتأخذ الهمز فى القراءة الأخرى، ومطلق الهمز لا يقتضى حركته، فيقتصر على أقل ما يصدق عليه اسم الهمز، وهو الإتيان بهمزة ساكنة، فهو بلا همز من النسيان، أى تذهب بحفظها من القلوب
وقيل هو من نسيت الشيء: إذا تركته، وأنسيته، أمرت بتركه، أى نأمر بترك حكمها أو تلاوتها، فكل من هذه المعانى قد وقع فيما أنزل من القرآن، وقراءة الهمز من الإنساء: الذى هو التأخير، أى نؤخرها إلى وقت هو أولى بها وأصلح للناس، أى: نؤخر إنزالها، والضمير فى ذكت: للقراء وإلى واحد الآلاء، وهو النعم، يقال المفرد بفتح الهمزة وكسرها، وهو فى موضع نصب على التمييز، أو الحال: أى ذات نعمة.
474 [عليم وقالوا الواو الأولى سقوطها ... وكن فيكون النّصب فى الرّفع (ك) فّلا]
يعنى أسقط ابن عامر الواو الأولى من وقالوا الذى قبله عليم يعنى قوله تعالى:
{(إِنَّ اللََّهَ وََاسِعٌ عَلِيمٌ} {وَقََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ وَلَداً)}.
احترز بتقييده عما قبله من قوله:
{(وَقََالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ)}.
وهذه الواو التى أسقطها ابن عامر: اتبع فيها مصاحف أهل الشام، فإنها لم ترسم فيها، فالقراءة بحذفها على الاستئناف، ولأن واو العطف قد تحذف إذا عرف موضعها، وربما كان حذفها فى أثناء الجمل أحسن، ولا سيما إذا سيقت للثناء والتعظيم، ألا ترى إلى حسنه فى قوله تعالى فى أول سورة الرعد:
{(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيََاتِ} [1]).
وفى قوله:
{(الرَّحْمََنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسََانَ. عَلَّمَهُ الْبَيََانَ)}.
وقول الناظم: عليم، وقالوا هذا المجموع مبتد، وقوله: الواو الأولى بدل من المبتدا بدل البعض، وسقوطها بدل من الواو بدل الاشتمال، ويجوز أن يكون الواو الأولى مبتدأ ثانيا: أى الواو الأولى من هذا اللفظ وسقوطها مبتدا ثالثا، واحترز بقوله: لأولى من الواو التى بعد اللام، وقوله: وكن فيكون، أيضا مبتدا معطوف على المبتدا الأول، والنصب فى الرفع مبتدا ثان لهذا المبتدأ، أى النصب فيه فى مواضع الرفع، وفى كفلا ضمير تثنية يرجع إلى لمبتدأين، فهو خبر عنهما: أى سقوط الواو الأولى من عليم، وقالوا:
والنصب فى الرفع من كن فيكون كفلا: أى حملا، فهو كما تقول: زيد ثوبه، وعمرو قميصه مسلوبان، كأنك قلت، قميص زيد، وقميص عمرو مسلوبان، ويجوز أن يكون خبر سقوطها محذوفا، دل عليه قوله كفلا الذى هو خبر النصب فى الرفع، فالألف فى كفلا على هذا للإطلاق، لا ضمير تثنية، وجعلها ضمير تثنية أولى، لترتبط المسألتان لقارئ واحد، على ما هو غرض الناظم فإن هذا موضع ملبس، إذ لا مانع من أن تكون المسألة الأولى للرمز السابق فى البيت الذى قبل هذا البيت، فإنه لم يأت بينهما بواو فاصلة، وقد أتى بين هاتين المسألتين بواو فاصلة، وهى قوله: وكن فيكون، فيظهر كل الظهور التحاق المسألة الأولى بما تقدم، وإذ كان قد ألحق قراءة:
__________
(1) الآية: 2.(2/338)
(فتثبّتوا).
بالرمز السابق فى إشمام أصدق على ما سيأتى، مع وجود الواو الفاصلة بينهما: فإلحاق هذا يكون أولى، وكذا قوله: فى الأنفال، والنعاس ارفعوا، ولا هو: لحق المرموز لقراءة يغشاكم.
فإن قلت: قد جمع الناظم بين ثلاث مسائل لرمز واحد فى قوله فى آل عمران سنكتب ياء ضم البيت فلا بعد فى جمع مسألتين لرمز واحد.
قلت: ذلك البيت ليس فيه الإلباس المذكور، فإنه ما ابتدأ به إلا بعد واو فاصلة قبله، فلم يبق ما يوهم التحاقه بما قبله، وتعين أن يكون رمزه بعده، ولم يأت رمز إلا فى آخر البيت، فكان لجميع ما هو مذكور فى البيت.
فإن قلت: ففيه واو فى قوله: وقتل ارفعوا.
قلت: هو من نفس التلاوة فى قوله تعالى:
{(وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيََاءَ)}.
ولو لم تكن من التلاوة لما أوهمت الفصل، إذ ما قبلها لا رمز له، فيكون لعطف مسئلة على مسئلة، أى قراءة هذا وهذا فلان، وما أحسنه لو قال: عليم، وقالوا: الشام لا واو عنده، ولا حاجة إلى الاحتراز عن الواو التى بعد اللام لبعد وهم ذلك، وكان البيت قد خلص من هذا البحث الطويل، ففي النظر فى وجه قراءة النصب فى فيكون شغل شاغل. قال الزجاج: كن فيكون، رفع لا غير من جهتين، إن شئت على العطف على يقول، وإن شئت على الاستئناف، المعنى: فهو يكون. وقال ابن مجاهد، قرأ ابن عامر:
{(كُنْ فَيَكُونُ)}.
نصبا، قال: وهذا غير جائز فى العربية، لأنه لا يكون الجواب للأمر هاهنا بالفاء إلا فى: يس، والنحل فإنه صواب، وذلك نسق فى ذينك الموضعين، لا جواب، وقال: فى سورة آل عمران قرأ ابن عامر وحده:
{(كُنْ فَيَكُونُ)}.
بالنصب، قال: وهو وهم، وقال هشام: كان أيوب بن تميم، يقرأ فيكون نصبا، ثم رجع، فقرأ:
(فيكون).
رفعا، واعلم أن قراءة ابن عامر بالنصب مشكلة، لأن النصب بالفاء فى جواب الأمر حقه أن ينزل منزلة الشرط والجزاء، فإن صح صح، فتقول: قم فأكرمك، أى: إن تقم أكرمتك، ولو قدرت هذا فيما نحن فيه، فقلت: إن يكن يكن لم يكن مستقيما، كيف وأنه قد قيل: إن هذا ليس بأمر على الحقيقة، وإنما معناه أن لله إذا أراد شيئا أوجد مع إرادته له، فعبر بهذه العبارة عنه، فليس هذا مثل: قم فتقوم، فقيل جاز النصب لوجود لفظ الأمر، ولا اعتبار بالمراد به، فلا يضر أن يكون المراد به غير ذلك، قال أبو على الفارسى
أماكن، فإنه وإن كان على لفظ الأمر، فليس بأمر، ولكن المراد به الخبر، أى يكوّن، فيكون: أى يوجد بإحداثه، فهو مثل أكرم بزيد، أى إنه أمر بمعنى الخبر، قال: ومنه:(2/339)
رفعا، واعلم أن قراءة ابن عامر بالنصب مشكلة، لأن النصب بالفاء فى جواب الأمر حقه أن ينزل منزلة الشرط والجزاء، فإن صح صح، فتقول: قم فأكرمك، أى: إن تقم أكرمتك، ولو قدرت هذا فيما نحن فيه، فقلت: إن يكن يكن لم يكن مستقيما، كيف وأنه قد قيل: إن هذا ليس بأمر على الحقيقة، وإنما معناه أن لله إذا أراد شيئا أوجد مع إرادته له، فعبر بهذه العبارة عنه، فليس هذا مثل: قم فتقوم، فقيل جاز النصب لوجود لفظ الأمر، ولا اعتبار بالمراد به، فلا يضر أن يكون المراد به غير ذلك، قال أبو على الفارسى
أماكن، فإنه وإن كان على لفظ الأمر، فليس بأمر، ولكن المراد به الخبر، أى يكوّن، فيكون: أى يوجد بإحداثه، فهو مثل أكرم بزيد، أى إنه أمر بمعنى الخبر، قال: ومنه:
{(فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا)}.
والتقدير: مده الرحمن، وبنى أبو على على هذا أن جعل، فيكون بالرفع عطفا على كن، من حيث المعنى وضعف عطفه على يقول، لأن من المواضع ما ليس فيه، يقول كالموضع الثانى فى آل عمران وهو:
{(ثُمَّ قََالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)}.
ولم ير عطفه على قال من حيث أنه مضارع، فلا يعطف على ماض، فأورد على نفسه عطف الماضى على المضارع فى ولقد أمر على اللئيم يسبنى فمضيت
فقال أمر بمعنى: مررت، فهو مضارع بمعنى الماضى، فعطف الماضى عليه.
قلت: ويكون فى هذه لآية بمعنى كان فليجز عطفه على قال، ثم قال أبو على: وقد يمكن أن يقول فى قراءة بن عامر لما كان على لفظ لأمر، وإن لم يكن المعنى عليه حمل صورة اللفظ، قال: وقد حمل أبو الحسن نحو قوله تعالى:
{(قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلََاةَ)}.
على أنه أجرى مجرى جواب لأمر، وإن لم يكن جوابا له فى الحقيقة، فكذلك قول ابن عامر: يكون قوله فيكون بمنزلة جواب الأمر، نحو ائتنى فأحدثك، لما كان على لفظه.
475 [وفى آل عمران فى الأولى ومريم ... وفى الطّول عنه وهو باللّفظ أعملا]
أى فى الآية لأولى، وهى التى بعد يكون فيها:
{(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتََابَ} [1]).
احترازا من الثانية، وهى التى بعدها:
{(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [2]).
والتى فى مريم بعدها:
{(وَإِنَّ اللََّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} [3]).
والطول سورة غافر والتى فيها بعدها:
{(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجََادِلُونَ} [4]).
والضمير فى عنه: لابن عامر، وقوله: وهو يعنى النصب باللفظ أعملا، أى اعتبر فيه لفظ الأمر،
__________
(1) آل عمران، آية: 48.
(2) آل عمران، آية: 60.
(3) مريم، آية: 36.
(4) غافر، آية: 69.(2/340)
لا حقيقته، فاستعمل فى فيكون فى هذه المواضع الأربعة. وإن لم يكن جوابا على الحقيقة، وقد اعتبرت المراعاة اللفظية فى قوله:
{(قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلََاةَ وَيُنْفِقُوا} {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} {وَقُلْ لِعِبََادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)}.
وقال جرير قولا لحجاج يدع مدح كودن، وقال عمر بن أبى ربيعة:
فقلت لجناد خذ السيف واشتمل ... عليه برفق وارقب الشمس تغرب
وأسرج لى الدهماء واعجل بممطرى ... ولا يعلمن خلق من الناس مذهبى
فجعل تغرب جوابا لقوله: ارقب، وهو غير متوقف عليه، ولكنها معاملة لفظية.
476 [وفى النّحل مع يس بالعطف نصبه ... (ك) فى (ر) اويا وانقاد معناه يعملا]
هذان موضعان آخران، إلا أن يقول: الذى قبله منصوب فيهما، وهو:
{(أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)}.
فالنصب فى فيكون عطفا على أن يقول فهذا معنى قوله: بالعطف نصبه، ثم قال: كفى راويا، أى كفى راويه النصب فى توجيهه، وانقاد معناه مشبها يعمل، وهو الجمل القوى يعمل فى السير، ولهذا تابع الكسائى ابن عامر فى نصبهما، وقد ذكر هذا التوجيه غير واحد من أئمة العربية والقراءة، ويؤيده أن قراءة الرفع فى غير هذين الموضعين: قد ذكر الزجاج وغيره أنها معطوفة على يقول المرفوع، فإن قلت: هذا مشكل من جهة أخرى، وهى: أنه يلزم منه أن يكون فيكون خبرا للمبتدإ الذى هو قولنا فى النحل (1) وأمره فى يس (2) لأن قوله أن يقول خبر عنهما، فما عطف عليه يكون خبرا أيضا، كما تقول: المطلوب من زيد أن يخرج فيقاتل فيكون المطلوب منه أمرين، هما: الخروج والقتال، وهذا المعنى لا يستقيم هاهنا. لأن التقدير بصير: إنما قولنا لشيء قول كن فيكون، فيؤول المعنى إلى إنما قولنا كون، فهو كما ترى مشكل، وليس مثل قول علقمة فإن المندى رحله فركوب لأن كل واحد منهما يصح أن يكون خبرا عن المندى على الجهة التى قصدها من التجويز، قلت: القول فى الآية ليس المراد منه حقيقته كما سبق ذكره، وإنما عبر به عن سرعة وقوع المراد، فهو لقوله تعالى:
{(وَمََا أَمْرُنََا إِلََّا وََاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)}.
فكأنه سبحانه قال إذا أردنا شيئا وقع ولم يتخلف عن الإرادة، فعبر عن ذلك بقول كن فيكون فالعطف غير مناف لهذا المعنى، فصح، فهذه ستة مواضع، وقع فيها قراءة النصب منها، الموضعان الآخران نصبهما بالعطف، والأربعة السابقة منصوبة على لفظ جواب الأمر، وبقى موضعان لم يختلف فى رفعهما، وهما الثانى فى آل عمران (3) وفى الأنعام (4):
__________
(1) الآية: 40.
(2) آية: 82.
(3) آية: 47.
(4) آية: 73.(2/341)
{(وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ)}.
وعلل ذلك بعضهم بأنه معطوف على ماض لفظا فى آل عمران، وتقديرا فى الأنعام، والله أعلم.
477 [وتسأل ضمّوا التّاء واللّام حرّكوا ... برفع (خ) لودا وهو من بعد نفى لا]
يعنى قوله تعالى:
{(وَلََا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحََابِ الْجَحِيمِ)}.
فقرأه الجماعة بعد لا النافية، فهذا معنى قوله، وهو من بعد نفى لا، والمعنى أنت غير مسئول عنهم، وقراءة نافع بجزم الفعل على النهى، أى: لا تسئل عنهم، أى احتقرهم ولا تعدهم، وخلودا: مصدر: أى خلد ذلك خلودا، وثبت واستقر، أو التقدير، تحريكا، ذا خلود، والله أعلم.
478 [وفيها وفى نصّ النّساء ثلاثة ... أواخر إبراهام (ل) لاح وجمّلا]
وفيها يعنى فى سورة البقرة، وفى نص النساء، أى وفيها نص الله سبحانه عليه فى سورة النساء، كما تقول:
فى نص الشافعى كذا، أى فى منصوصه الذى نص عليه، ثم نضيف النص إلى محله، فنقول: فى نص الأم كذا أى فيهما نص عليه الشافعى فى كتاب الأم، كذا، ولو قال: وفى آى النساء لكان أحسن وأظهر، وقوله أواخر صفة لثلاثة، وإبراهام: مبتدا، وفيها متعلق بالخبر، أى إبراهام لاح فى سورة البقرة، فى جميع ما فيها من لفظ إبراهيم: يقرؤه هشام إبراهام بالألف، وفى النساء ثلاثة مواضع، كذا، وهى أواخر ما فيها يعنى:
{(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللََّهُ إِبْرََاهِيمَ خَلِيلًا} {وَأَوْحَيْنََا إِلى ََ إِبْرََاهِيمَ} [1]).
احترازا من الأول، وهو:
{(فَقَدْ آتَيْنََا آلَ إِبْرََاهِيمَ} [2]).
فقرأه هشام بالياء، وجعل بعضهم إبراهام بدلا من ثلاثة أواخر، على حذف مضاف، أى كلمات إبراهام وجعل قوله: وفيها خبر المبتدا الذى هو قوله: ثلاثة أواخر إبراهام، وفى نص النساء عطف على الخبر، ويلزم من هذا الإعراب أن تكون الثلاثة الأواخر فى البقرة، وهو خطأ، والصواب فى الإعراب ما قدمته، والله أعلم.
ولا يفهم من القصيدة قراءة الجماعة، لأنه ليس فى اصطلاحه أن ضد الألف الياء، وإنما القراءة المشهورة أظهر من ذلك، وكان طريقه المعلومة من عادته فى مثل ذلك أن يلفظ بالقراءتين معا، كقوله: وحمزة أسرى فى أسارى، سكارى معا، سكرى، وعالم قل: علام، وليس ذلك من باب استغنائه باللفظ عن القيد، لأن الوزن يستقيم له على القراءتين، ولو قال:
وفى يا إبراهيم جا ألف وفى ... ثلاث النساء آخرا لاح وانجلا
لحصل الغرض.
__________
(1) الآيتان: 125و 163.
(2) آية: 54.(2/342)
479 [ومع آخر الأنعام حرفا براءة ... أخيرا وتحت الرّعد حرف تنزّلا]
فى الأنعام لفظ إبراهيم فى مواضع، وقع الخلاف فى آخرها، وهو قوله تعالى:
{(دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ} [1]).
وفى براءة أيضا مواضع الخلاف منها فى حرفين من آخرها، وهما:
{(وَمََا كََانَ اسْتِغْفََارُ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ} و {إِنَّ إِبْرََاهِيمَ لَأَوََّاهٌ} [2]).
وتحت الرعد: يعنى سورة إبراهيم فيها:
{(وَإِذْ قََالَ إِبْرََاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ} [3]).
وأخيرا ظرف أى وقفا أخيرا والله أعلم.
480 [وفى مريم والنّحل خمسة أحرف ... وآخر ما فى العنكبوت منزّلا]
أى فى مجموعهما خمسة: اثنان فى النحل:
{(إِنَّ إِبْرََاهِيمَ كََانَ أُمَّةً} {ثُمَّ أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرََاهِيمَ} [4]).
وفى مريم ثلاثة:
{(وَاذْكُرْ فِي الْكِتََابِ إِبْرََاهِيمَ} {أَرََاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يََا إِبْرََاهِيمُ} {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرََاهِيمَ} [5]).
وآخر ما فى العنكبوت هو قوله تعالى:
{(وَلَمََّا جََاءَتْ رُسُلُنََا إِبْرََاهِيمَ} [6]).
احترازا مما قبله وهو:
{(وَإِبْرََاهِيمَ إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [7]).
ومنزلا حال من ما، وهى بمعنى الذى.
481 [وفى النّجم والشّورى وفى الذّاريات وال
حديد ويروى فى امتحانه الأوّلا]
يريد {(وَإِبْرََاهِيمَ الَّذِي وَفََّى} {وَمََا وَصَّيْنََا بِهِ إِبْرََاهِيمَ} {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} {وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا نُوحاً وَإِبْرََاهِيمَ).}
__________
(1) الآية: 116.
(2) الآية: 114.
(3) الآية: 35.
(4) الآيتان: 119و 123.
(5) الآيات: 41و 46و 58.
(6) آية: 31.
(7) آية: 19.(2/343)
وفاعل يروى، هو: هشام، والهاء فى امتحانه تعود إلى القرآن للعلم به، أو إلى لفظ إبراهيم، لأنه مذكور فيها، والأول مفعول يروى، أى يروى الأول فى سورة الممتحنة، كذلك بالألف: يعنى:
{(أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرََاهِيمَ)}.
احترازا من قوله بعده:
{(إِلََّا قَوْلَ إِبْرََاهِيمَ لِأَبِيهِ)}.
فجملة ما وقع فيه الخلاف ثلاثة وثلاثون موضعا منها خمسة عشر فى البقرة، وإبراهيم لفظ أعجمى، هو بالعبرانية بالألف، وتصرفت العرب فيه فقالته بالياء، وجاء فى أشعارهم إبراهيم: ليس بين الهاء والميم حرف وجاء أيضا إبراهيم بحذف الألف التى بين الراء والهاء، وحكى أبو على الأهوازى عن الفراء فيه ست لغات، بالياء والألف والواو، إبراهيم، إبراهام، إبراهوم، وبحذف كل واحد من هذه الحروف الثلاثة، وإبقاء الحركة التى قبلها.
(إبراهم إبراهم إبراهم).
قال: وجملة ما فى القرآن من لفظ إبراهيم: تسعة وستون موضعا رواها كلها إبراهام بألف من غير استثناء شيء منها: العباس بن الوليد عن عبد الحميد ابن بكار عن ابن عامر، وقرأتها كلها كذلك عن النوفل عن عبد الحميد عنه، ولم أقرأ عن العباس بن الوليد عنه كل ذلك إلا بالياء، ثم ذكر فى بعض الطرق، الألف فى الأحزاب والزخرف، والأعلى، قال:
والمشهور عن أصحاب ابن عامر إثبات الألف فى ثلاثة وثلاثين موضعا، يعنى ما تقدم نظمه، قال: وهو مكتوب فى مصاحف الشام فى ثلاثة وثلاثين موضعا بألف، وهو الذى قدمنا ذكره، وفى ستة وثلاثين موضعا بالياء، قال: ورأيت من يقول: بل مصاحف الأمصار الخمسة على ذلك، قال: وحدثنى أبو بكر محمد ابن أحمد السلمى، قال: قال لى أبو الحسن محمد النضر بن الأخرم: كان الأخفش يقرأ مواضع إبراهام بالألف ومواضع إبراهيم بالياء، ثم ترك القراءة بالألف، وقال لى أبو بكر السلمى أيضا: قال لى أبو الحسن السلمى كان أهل الشام يقرءون إبراهام بألف، فى مواضع دون مواضع، ثم تركوا القراءة بالألف، وقرءوا جميع القرآن بالياء، قال أبو على: وهى لغة أهل الشام قديما، كان قائلهم إذا لفظ إبراهيم فى القرآن وغيره: قال إبراهام بألف، وقال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعى دخلت بعض قرى الشام، فرأيت بعضهم يقول لبعض يا إبراهام فاعتبرت ذلك فوجدتهم ما يعرفون غيره، قال أبو زرعة الدمشقى: حدثنا محمد بن أسامة الحلبى، وكان كيسا حافظا، قال حدثنا ضمرة عن على عن أبى جميل، عن يحيى بن راشد، قال صليت خلف ابن الزبير صلاة الفجر، فقرأ صحف ابراهام وموسى قال أبو زرعة: وسمعت عبد الله بن ذكوان بحضرة المشايخ وتلك الطبقة العالية قال: سمعت أبا خليد القارئ يقول: فى القرآن ستة وثلاثون موضعا إبراهام قال أبو خليد: فذكرت ذلك لمالك بن أنس فقال: عندنا مصحف قديم، فنظر فيه، ثم أعلمنى أنه وجدها فيه كذلك، وقال أبو بكر بن مهران روى عن مالك بن أنس أنه قيل له: إن أهل دمشق يقرءون إبراهام، فقال: أهل دمشق يأكل البطيخ أبصر منهم بالقراءة، فقيل: إنهم يدعون قراءة عثمان رضي الله عنه، فقال
مالك: ها مصحف عثمان عندى، ثم دعا به فإذا فيه كما قرأ أهل دمشق، قال أبو بكر: وكذلك رأيت أنا فى مصاحفهم. وكذلك هو إلى وقتنا هذا قال: وفى سائر المصاحف.(2/344)
والمشهور عن أصحاب ابن عامر إثبات الألف فى ثلاثة وثلاثين موضعا، يعنى ما تقدم نظمه، قال: وهو مكتوب فى مصاحف الشام فى ثلاثة وثلاثين موضعا بألف، وهو الذى قدمنا ذكره، وفى ستة وثلاثين موضعا بالياء، قال: ورأيت من يقول: بل مصاحف الأمصار الخمسة على ذلك، قال: وحدثنى أبو بكر محمد ابن أحمد السلمى، قال: قال لى أبو الحسن محمد النضر بن الأخرم: كان الأخفش يقرأ مواضع إبراهام بالألف ومواضع إبراهيم بالياء، ثم ترك القراءة بالألف، وقال لى أبو بكر السلمى أيضا: قال لى أبو الحسن السلمى كان أهل الشام يقرءون إبراهام بألف، فى مواضع دون مواضع، ثم تركوا القراءة بالألف، وقرءوا جميع القرآن بالياء، قال أبو على: وهى لغة أهل الشام قديما، كان قائلهم إذا لفظ إبراهيم فى القرآن وغيره: قال إبراهام بألف، وقال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعى دخلت بعض قرى الشام، فرأيت بعضهم يقول لبعض يا إبراهام فاعتبرت ذلك فوجدتهم ما يعرفون غيره، قال أبو زرعة الدمشقى: حدثنا محمد بن أسامة الحلبى، وكان كيسا حافظا، قال حدثنا ضمرة عن على عن أبى جميل، عن يحيى بن راشد، قال صليت خلف ابن الزبير صلاة الفجر، فقرأ صحف ابراهام وموسى قال أبو زرعة: وسمعت عبد الله بن ذكوان بحضرة المشايخ وتلك الطبقة العالية قال: سمعت أبا خليد القارئ يقول: فى القرآن ستة وثلاثون موضعا إبراهام قال أبو خليد: فذكرت ذلك لمالك بن أنس فقال: عندنا مصحف قديم، فنظر فيه، ثم أعلمنى أنه وجدها فيه كذلك، وقال أبو بكر بن مهران روى عن مالك بن أنس أنه قيل له: إن أهل دمشق يقرءون إبراهام، فقال: أهل دمشق يأكل البطيخ أبصر منهم بالقراءة، فقيل: إنهم يدعون قراءة عثمان رضي الله عنه، فقال
مالك: ها مصحف عثمان عندى، ثم دعا به فإذا فيه كما قرأ أهل دمشق، قال أبو بكر: وكذلك رأيت أنا فى مصاحفهم. وكذلك هو إلى وقتنا هذا قال: وفى سائر المصاحف.
(إبراهيم).
مكتوب بالياء فى جميع القرآن إلا فى البقرة، فإن فيها بغير ياء، وقال مكى: الألف لغة شامية قليلة، قال أبو الحسن محمد بن الفيض: سمعت أبى يقول: صلّى بنا عبد الله ابن كثير القارئ الطويل، فقرأ:
(وإذ قال إبراهام لأبيه (1)).
فبعث إليه نصر بن حمزة، وكان الوالى بدمشق إذ ذاك، فخفقه بالدرة خفقات، ونحاه عن الصلاة، قال الأهوازى: لعله جعل ذلك سببا لشيء كان فى نفسه عليه، والله أعلم وأحكم.
قلت: ويحتمل أنه فعل به ذلك لكون هذا الموضع ليس من المواضع المذكورة المعدودة [ثلاثة وثلاثون] أو لأنه لما ترك أهل الشام ذلك استغرب منه ما قرأ، وخاف من تجرؤ الناس على قراءة ما ليس بمشهور فى الصلاة فأدبه على ذلك، والله أعلم.
482 [ووجهان فيه لابن ذكوان هاهنا ... وو اتّخذوا بالفتح عمّ وأوغلا]
هاهنا يعنى فى سورة البقرة، ووجه تخصيصها بذلك اتباع الخط، قال أبو عمرو الدانى: قال أبو عبد الله محمد بن عيسى عن نصير فى سورة البقرة إلى آخرها: فى بعض المصاحف إبراهم بغير ياء، وفى بعضها بالياء، قال أبو عمرو: ولم أجد ذلك كذلك فى مصاحف العراق، إلا فى البقرة خاصة، قال: وكذلك رسم فى مصاحف أهل الشام، وقال أبو عبيد: تتبعت رسمه فى المصاحف فوجدته كتب فى البقرة خاصة بغير ياء.
قلت: لم يكتب فى شيء من المصاحف الألف على وفق قراءة هشام، وإنما لما كتب بغير ياء أو هم أن الألف محذوفة، لأنها هى المعتاد حذفها، كالألف التى بعد الراء فى هذا الإسم، وفى إسحاق وفى إسمعيل وغير ذلك، ومن قرأ بالياء قال: كتابتها فى أكثر المواضع بالياء دليل على أنها المحذوفة وفى ذلك موافقة للغة الفاشية الصحيحة.
فهذا وجه الخلاف، وقوله تعالى:
{(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقََامِ إِبْرََاهِيمَ مُصَلًّى)}.
يقرأ بكسر الخاء وفتحها، فهو بالكسر أمر، وبالفتح خبر وإنما جعل الفتح أعم، لأن الضمير يرجع إلى عموم الناس، فيكون الفعل موجها إلى الأمم قبلنا نصا، وإلينا بطريق الاتباع لهم، لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، وأما قراءة الكسر فتختص بالمأمورين، ويجوز أن يكون التقدير: وقلنا لهم اتخذوا فيتحد العموم فى القراءتين، وهذا الوجه أولى، وقوله: وأوغلا: أى أمعن، من الإيغال: وهو السير السريع والإمعان فيه.
483 [وأرنا وأرنى ساكنا الكسر (د) م (ي) دا
وفى فصّلت (ي) روى (ص) فا (د) رّه (ك) لا]
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 74.(2/345)
اليد النعمة، وهو فى موضع نصب على التمييز، أى دامت نعمتك، أو يكون حالا، أى دم ذا نعمة، والسكون فى هذين اللفظين حيث وقعا للتخفيف، كقولهم فى:
{(وَأَرِنََا مَنََاسِكَنََا} {أَرِنَا اللََّهَ جَهْرَةً} {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ََ} {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)}.
والذى فى فصلت:
{(أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلََّانََا} [1]).
وافق على إسكانه أبو بكر وابن عامر، والكلا جمع كلية، والصفا ممدود، وقصره ضرورة، يشير إلى قوّة القراءة، لأن الإسكان هنا فى حركة البناء، بخلافه فى يأمركم ونحوه، والله أعلم.
484 [وأخفاهما (ط) لق وخفّ ابن عامر ... فأمتّعه أوصى بوصّى (ك) ما (ا) عتلا]
الطلق: السمح، يريد بالإخفاء: الاختلاس الذى تقدم ذكره فى:
(بارئكم ويأمركم).
وهو اللائق بقراءة أبى عمرو، والضمير فى أخفاهما لقوله:
(وأرنا وأرنى).
وخف ابن عامر مبتدأ، والخبر: فأمتعه، أى المخفف لابن عامر، قوله تعالى فأمتعه وقوله أوصى بوصى، أى: يقرأ فى موضع:
(وصّى أوصى).
ومتع، وأوصى ووصى: لغات كأنزل ونزل. وحسن تخفيف فأمتعه: قوله بعده قليلا 485 [وفى أم يقولون الخطاب (ك) ما (ع) لا
(ش) فا ورءوف قصر (صحبته ح) لا]
يريد قوله تعالى:
{(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرََاهِيمَ)}.
وجه الخطاب: أن قبله {(قُلْ أَتُحَاجُّونَنََا} وبعده {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ)}.
ووجه الغيبة أن قبله:
{(فَإِنْ آمَنُوا)}.
__________
(1) الآية: 29.(2/346)
أو يكون على الالتفات ورؤف ورءوف لغتان، ولا يختص لخلاف فى رءوف بما فى هذه السورة، فكان حقه أن يقول: جميعا، أو نحو ذلك، وكان الأولى لو قال:
صحاب كفى خاطب تقولون بعد أم وكل رءوف قصر صحبته حلا 486 [وخاطب عمّا يعملون (ك) ما (ش) فا ... ولام مولّيها على الفتح (ك) مّلا]
يريد الذى بعده:
{(وَلَئِنْ أَتَيْتَ)}.
وهو ملتبس بالذى فى آخر الآية التى أوّلها:
{(أَمْ تَقُولُونَ)}.
ولا خلاف فى الخطاب فيها، وإن اختلفوا فى أم تقولون وسببه أنه جاء بعد أم تقولون ما قطع حكم الغيبة، وهو قلء أنتم أعلم ويزيل هذا الالتباس كونه ذكره بعد رءوف، وذلك فى آخر الآية التى بعد آية رءوف، فالخطاب للمؤمنين، والغيبة لأهل الكتاب، وفتح ابن عامر اللام من قوله:
{(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهََا)}.
فانقلبت الياء ألفا، وإنما قال: كملا، لأن قراءة ابن عامر لا تحتاج إلى حذف مفعول، أى لكل فريق وجهة هو موليها، مبنى لما لم يسم فاعله، لأن مولى بفتح اللام اسم مفعول، وبكسرها اسم فاعل، فعل قراءة الجماعة يحتاج مولى إلى مفعولين حذف أحدهما، والفاعل هو الله تعالى أو الفريق، أى الله موليها إياهم، أو الفريق موليها نفسه.
487 [وفى يعملون الغيب (ح) لّ وساكن
بحرفيه يطّوّع وفى الطّاء ثقّلا]
يعنى الذى بعده:
{(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ)}.
الخطاب للمؤمنين، والغيبة لأهل الكتاب، والهاء فى بحرفيه عائدة إلى يطوع، أى وتطوع ساكن فى موضعيه، وهما:
{(أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا} {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} وقوله {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ)}.
ويعنى بالساكن العين، لأنه فعل مستقبل فانجزم بالشرط، وعلامة الجزم هنا السكون، وإنما عدل عن لفظ الجزم إلى لفظ السكون، وكان لفظ الجزم أولى من حيث أن يطوّع فعل مضارع معرب، لأن الجزم فى اصطلاحه ضده الرفع، وضد السكون الحركة المطلقة، وهى فى اصطلاحه: الفتح، وهو المراد هنا فى قراءة الباقين لا الرفع، فاستعمل اللفظ الموافق لغرضه، مع أن الضد، وهو الفتح، حركة بناء، فلم يكن له بدّ من تسمح، وهذا كما يأتى فى قوله: تضارر، وضم الراء حتى، ونحوه: وقراءة الجماعة على أن تطوّع فعل ماض
وتثقيل الطاء من أجل أن أصله على قراءتهم بتطوّع، فأدغمت التاء فى الطاء كما فى قوله:(2/347)
ويعنى بالساكن العين، لأنه فعل مستقبل فانجزم بالشرط، وعلامة الجزم هنا السكون، وإنما عدل عن لفظ الجزم إلى لفظ السكون، وكان لفظ الجزم أولى من حيث أن يطوّع فعل مضارع معرب، لأن الجزم فى اصطلاحه ضده الرفع، وضد السكون الحركة المطلقة، وهى فى اصطلاحه: الفتح، وهو المراد هنا فى قراءة الباقين لا الرفع، فاستعمل اللفظ الموافق لغرضه، مع أن الضد، وهو الفتح، حركة بناء، فلم يكن له بدّ من تسمح، وهذا كما يأتى فى قوله: تضارر، وضم الراء حتى، ونحوه: وقراءة الجماعة على أن تطوّع فعل ماض
وتثقيل الطاء من أجل أن أصله على قراءتهم بتطوّع، فأدغمت التاء فى الطاء كما فى قوله:
{(أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا)}.
ثم ذكر تمام القراءة، وهو أن أولها يا موضع التاء، فقال:
488 [وفى التّاء ياء (ش) اع والرّيح وحّدا
وفى الكهف معها والشّريعة وصّلا]
كان ينبغى أن يبين بالتقييد لفظ التاء من لفظ الياء، فإنهما متفقان فى الخط، وعادته: بيان ذلك، كقوله بالثا مثلثا، وكثيرا نقطة تحت نفلا، فلو قال:
وفى التاء ياء نقطها تحت وحد الر ... ياح مع الكهف الشريعة شمللا
لاستغنى بالرمز آخر البيت للمسألتين كما تقدم فى كفلا، أى قرأ هاتين القراءتين من شملل: أى أسرع، وأراد:
{(وَتَصْرِيفِ الرِّيََاحِ وَالسَّحََابِ)}.
وفى الكهف:
{(تَذْرُوهُ الرِّيََاحُ} [1]).
وفى الجاثية:
{(وَتَصْرِيفِ الرِّيََاحِ} [2]).
قرأ حمزة والكسائى هذه المواضع الثلاثة بالتوحيد، أى بلفظ الإفراد، وهو: الريح، وهو بمعنى الجمع، لأن المراد الجنس، وأجمعوا على توحيد ما جاء منكرا نحو:
{(وَلَئِنْ أَرْسَلْنََا رِيحاً)}.
وعلى توحيد بعض المعرف نحو:
{(وَفِي عََادٍ إِذْ أَرْسَلْنََا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)}.
والهاء فى معها تعود إلى السورة التى نحن فيها، وهى سورة البقرة:
489 [وفى النّمل والأعراف والرّوم ثانيا ... وفاطر (د) م (ش) كرا وفى الحجر (ف) صّلا]
أى وافقهما ابن كثير على التوحيد فى هذه السورة، وإعراب قوله: دم شكرا، كما تقدم فى دم يدا، أى ذا شكر، أو دام شكرك، فهو أمر بمعنى الدعاء، والذى فى النمل:
{(وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيََاحَ بُشْراً} [3]).
__________
(1) الآية: 45.
(2) آية: 5.
(3) آية: 63.(2/348)
وفى الأعراف:
{(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ} [1]).
والثانى الذى فى الروم:
{(اللََّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ فَتُثِيرُ سَحََاباً} [2]).
وأما الأوّل فيها، فمجموع بالإجماع، وهو:
{(وَمِنْ آيََاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيََاحَ مُبَشِّرََاتٍ)}.
وثانيا: حال لأن المعنى وفى الذى فى الروم ثانيا، واختص حمزة بتوحيد الذى فى الحجر، وهو قوله:
{(وَأَرْسَلْنَا الرِّيََاحَ لَوََاقِحَ} [3]).
وخالفه غيره لأجل قوله: لواقح، كما جمعوا الذى فى الروم لأجل قوله مبشرات، وحجة حمزة أن ذلك غير مانع، لأن المراد بالمفرد الجمع، فلواقح مثل نشرا بضم النون، لأنه جمع نشور فى قراءة ابن كثير وأما الكسائى فلا يلزمه ذلك، لأنه يقرأ بفتح النون:
490 [وفى سورة الشّورى ومن تحت رعده
(خ) صوص وفى الفرقان (ز) اكيه (هـ) لّلا]
يعنى قوله تعالى:
{(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوََاكِدَ عَلى ََ ظَهْرِهِ)}.
وفى سورة إبراهيم:
{(كَرَمََادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ} [4]).
وفى الفرقان:
{(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيََاحَ بُشْراً} [5]).
انفرد نافع بجمع الذى فى الشورى وإبراهيم، وانفرد ابن كثير بتوحيد الذى فى الفرقان، وقوله: خصوص مبتدأ، خبره ما قبله، أى خصوص لبعض القراء دون بعض، والهاء فى رعده كما تقدم فى امتحانه، فإن الريح وإن كانت مؤنثة يعود الضمير إليها مذكرا باعتبار أنها حرف القراءة، وموضعها، والهاء فى زاكية: للموضع أيضا، أو للتوحيد المفهوم من قوله: واحدا، وهلل: إذا قال: لا إله إلا الله، وهذا آخر الكلام فى مسئلة الرياح، والله أعلم.
491 [وأىّ خطاب بعد (عمّ) ولو ترى ... وفى إذ يرون الياء بالضّمّ (ك) لّلا]
__________
(1) آية: 57.
(2) آية: 48.
(3) آية: 22.
(4) آية: 18.
(5) آية: 48.(2/349)
بعد، يعنى: بعد ذكر الريح:
{(وَلَوْ تَرى ََ)}.
مبتدا خبره ما قبله كقولك أىّ رجل زيدا؟ على سبيل التعظيم والتفخيم لشأنه، لا على محض الاستفهام، أى هو خطاب عظيم يتعلق به أمر فظيع من شدة عذاب الله يوم القيامة، لمتخذى الأنداد من دون الله، وقيل: وأى خطاب مبتدأ، وعم: خبره، وأشار بقوله: عم إلى أنه خطاب عام لكل إنسان، أى: ولو ترى أيها الإنسان القوم الظالمين حين يرون العذاب يوم القيامة لرأيت أمرا فظيعا وشدة شديدة لا يماثلها شدة، وإن كان الخطاب للنبى صلّى الله عليه وسلم، فهو من باب مخاطبة رئيس القوم بما هو مطلوب منه ومن جميع قومه، وهو مثل قوله تعالى:
{(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ)}.
فأشار بقوله: عم، إلى أنه وإن كان على لفظ الخطاب للمفرد، فالمراد به تعميم كل مخاطب. فالذين ظلموا مفعول ترى على قراءة الخطاب وإذ يرون ظرف للرؤية، وهى فى الموضعين من رؤية البصر ويجوز أن يكون إذ يرون بدلا من الذين ظلموا بدل الاشتمال كما قيل ذلك فى نحو:
{(وَاذْكُرْ فِي الْكِتََابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ)}.
أى ولو ترى زمان رؤية الظالمين العذاب، وقد صرح بهذا المعنى فى آيات كثيرة، نحو:
{(وَلَوْ تَرى ََ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النََّارِ} {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ وُقِفُوا عَلى ََ رَبِّهِمْ} {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الظََّالِمُونَ فِي غَمَرََاتِ الْمَوْتِ} {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الظََّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ فَزِعُوا فَلََا فَوْتَ} {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلََائِكَةُ)}.
وعلى قراءة الغيبة يكون الذين ظلموا فاعل يرى وإذ يرون مفعوله على سياق هذه الآيات المذكورة، وجواب لو محذوف على القراءتين. وأن القوة وما بعده معمول الجواب المحذوف، أى لرأيت أو لرأوا، أو لعلموا أن القوة لله أى لشاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه، أنه قوى عزيز، وأن الأمر ليس ما كانوا عليه من جحورهم لذلك، وشكهم فيه، وقيل: الجواب بجملته محذوف، مثل:
{(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبََالُ)}.
وإنما أبهم تفخيما للأمر، كما يقول القائل: لو رأيت فلانا والسياط تأخذه، ولو رأيته والسيوف تغشاه من كل جانب، أى لرأيت أمرا شاقا لا صير على رؤيته، فكيف صبر من حل به، أو تقديره: لعلموا مضرة اخّاذهم للأنداد، وأن القوة على تقدير، لأن القوة، فهو تعليل للجواب، وقيل:
(أنّ القوّة).
على قراءة الغيبة، مفعول يرى، وعند هذا يجوز أن يكون يرى من رؤية القلب، وسدت أن مسد المفعولين وقيل: إن القوة على قراءة الخطاب بدل من العذاب، وقيل على قراءة الغيبة: التقدير ولو يرى الذين ظلموا
فى الدنيا حالهم حين يرون لأقلعوا عن اتخاذ الأنداد، وقيل الذين ظلموا مفعول كما فى قراءة الخطاب والفاعل ضمير عائد على لفظ «من» فى قوله: من يتخذ، وقيل التقدير: ولو يرى راء أو إنسان فى الدنيا حال الظالمين، إذ يرون العذاب لعلم أن القوة لله، كما قيل فى قوله تعالى:(2/350)
على قراءة الغيبة، مفعول يرى، وعند هذا يجوز أن يكون يرى من رؤية القلب، وسدت أن مسد المفعولين وقيل: إن القوة على قراءة الخطاب بدل من العذاب، وقيل على قراءة الغيبة: التقدير ولو يرى الذين ظلموا
فى الدنيا حالهم حين يرون لأقلعوا عن اتخاذ الأنداد، وقيل الذين ظلموا مفعول كما فى قراءة الخطاب والفاعل ضمير عائد على لفظ «من» فى قوله: من يتخذ، وقيل التقدير: ولو يرى راء أو إنسان فى الدنيا حال الظالمين، إذ يرون العذاب لعلم أن القوة لله، كما قيل فى قوله تعالى:
{(وَلََا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ)}.
أى ولا يحسبن حاسب، وقيل: التقدير، ولو يرى أحد حالهم فى ذلك الوقت فرأى أمرا هائلا، وقيل:
المعنى: ولو تيقن الذين ظلموا زمان رؤية العذاب فيكون المراد به الإيمان بالبعث على أن يرى بمعنى عرف، وهذا من المواضع المشكلة وما قدمته أحسن الوجوه فى تفسيره، وإذ فيه لمجرد الزمان من غير تعرض لمضى، كما تستعمل إذا كذلك من غير تعرض للاستقبال، نحو:
{(وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ وَالنَّهََارِ إِذََا تَجَلََّى)}.
وقال أبو على: إنما جاء على لفظ المضى لما أريد فيها من التحقيق والتقريب، وعلى هذا جاء:
{(وَنََادى ََ أَصْحََابُ الْجَنَّةِ أَصْحََابَ النََّارِ)}.
ومنه: قد قامت الصلاة، والخلاف فى يرون بفتح الياء وضمها ظاهر، فإن الله تعالى يريهم ذلك فيرونه، وما أحسن ما عبر عن الضمة على الياء بأن الياء كللت بها شبه الضمة بالإكليل، وهو تاج الملك، والله أعلم.
492 [وحيث أتي خطوات: الطّاء ساكن
وقل ضمّه (ع) ن (ز) اهد (ك) يف (ر) تّلا]
أى كيفما رتل القرآن، فإنه يضم الطاء، وضمها وإسكانها لغتان: فالإسكان موافق للفظ المفرد، لأنه جمع خطوة، وهو اسم ما بين القدمين: من خطا يخطو، والمصدر بفتح الخاء، فمعنى قوله تعالى:
{(لََا تَتَّبِعُوا خُطُوََاتِ الشَّيْطََانِ)}.
أى لا تسلكوا مسالكه، ولا تفعلوا فعله، وضم الطاء فى الجمع للاتباع، ويجوز الفتح فى اللغة أيضا، وقوله عن زاهد، أى الضم محكى مروى عن قارئ زاهد، إشارة إلى عدالة نقلته، والله أعلم.
493 [وضمّك أولى السّاكنين لثالث ... يضمّ لزوما كسره (ف) ى (ن) د (ح) لا]
وضمك: مبتدأ، وما بعده مفعول به، وتعليل، وكسره: مبتدأ ثان، وهو وما بعده خبر الأول، أى كسر ذلك الضم فى «ند» حلو فى محل رطب لين، أو التقدير كسره حلا فى ند، ويجوز أن يكون: لثالث خبر وضمك، أى ضم أول كل ساكنين واقع عند كل ثالث يضم ضما لازما، فتكون هذه اللام للتوقيت لا للتعليل، ثم بين القراءة الأخرى، فقال: كسره فى: ندحلا، وكان الوجه أن يقول: أول الساكنين بالتذكير، فلم يتزن له البيت، فعدل إلى التأنيث، ولم يتعرض الشيخ رحمه الله لبيانه، وقال غيره التقدير: وضمك السواكن الأولى، من باب التقاء الساكنين، ثم حذف الموصوف، ولام التعريف وأضاف قال، ونظيره:
{(وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرََاكُمْ} {وَقََالَتْ أُولََاهُمْ لِأُخْرََاهُمْ)}.
أى الطائفة الأخرى منهم، قلت: يجوز أن يكون أنث باعتبار المدلول، كما ذكرنا فى شرح قوله غير عشر ليعدلا، لأن السكون واقع فى حرف من حروف الهجاء، وأسماء حروف الهجاء يجوز تأنيثها، فأنث لفظ أولى بهذا الاعتبار، وذكّر لفظ الساكنين على الأصل، ويجوز أن يكون التأنيث فى أولى، باعتبار الحركة، أى أولى حركتى الساكنين، وذلك لأن الساكنين متى التقيا، فتارة يحرك الأول، وتارة يحرك الثانى، نحو: من الرجل، وانطلق، لما سكنت اللام تخفيفا، كما جاء فى خاء، فخذ، وكانت القاف ساكنة للأمر، فتحت القاف لالتقاء الساكنين، فحركة الساكن الأول فى: من الرجل؟ هى أولى حركتى الساكنين، ولا يحرك الساكن الأول إلا إذا كان التقاء الساكنين فى كلمتين، أو ما هو فى حكم الكلمتين، كهمزة الوصل، أو تقول: الحركة الأولى هى حركة الساكن الأول فى الوصل، والحركة الثانية هى حركة الهمزة إذا ابتدأت بها ووقفت على الأول والحركتان معا لا يجتمعان، فمهما حركت الأول بطلت حركة الهمزة، وإذا بطلت حركة الأول تحركت الهمزة وقوله: لثالث يضم أى: لحرف ثالث مضموم، وعده إياه ثالثا بأحد اعتبارين: أحدهما: أنه عدّ قبله الساكن، وقبل الساكن همزة الوصل اعتبارا بالكلمة لو ابتدئ بها، لأن الكلام فى مثل: انقص، واخرج، ولأن ذلك فى الخط أربعة أحرف: الثالث منها هو المضموم. الثانى: أنه عد ذلك ثالثا باعتبار الساكن الأول، لأن الحكم متعلق به، فبعده فى الوصل الساكن الثانى، وبعدهما الحرف المضموم، وهمزة الوصل انحذفت فى الدرج، فالتقى الساكن الذى هو آخر الكلمة بالساكن الذى هو بين همزة الوصل والحرف المضموم فوجب تحريك الأول، فمنهم من كسر على أصل التقاء الساكنين، ومنهم من ضم للاتباع كراهة الخروج من كسر إلى ضم، ولم يعتد بالحاجز، لأنه ساكن، فهذا معنى التعليل المفهوم من قوله لثالث يضم، وهذا التعليل بمجرده لا يكفى، فكم من ضمة لازمة لا يضم لها الساكن الأول، نحو:(2/351)
{(وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرََاكُمْ} {وَقََالَتْ أُولََاهُمْ لِأُخْرََاهُمْ)}.
أى الطائفة الأخرى منهم، قلت: يجوز أن يكون أنث باعتبار المدلول، كما ذكرنا فى شرح قوله غير عشر ليعدلا، لأن السكون واقع فى حرف من حروف الهجاء، وأسماء حروف الهجاء يجوز تأنيثها، فأنث لفظ أولى بهذا الاعتبار، وذكّر لفظ الساكنين على الأصل، ويجوز أن يكون التأنيث فى أولى، باعتبار الحركة، أى أولى حركتى الساكنين، وذلك لأن الساكنين متى التقيا، فتارة يحرك الأول، وتارة يحرك الثانى، نحو: من الرجل، وانطلق، لما سكنت اللام تخفيفا، كما جاء فى خاء، فخذ، وكانت القاف ساكنة للأمر، فتحت القاف لالتقاء الساكنين، فحركة الساكن الأول فى: من الرجل؟ هى أولى حركتى الساكنين، ولا يحرك الساكن الأول إلا إذا كان التقاء الساكنين فى كلمتين، أو ما هو فى حكم الكلمتين، كهمزة الوصل، أو تقول: الحركة الأولى هى حركة الساكن الأول فى الوصل، والحركة الثانية هى حركة الهمزة إذا ابتدأت بها ووقفت على الأول والحركتان معا لا يجتمعان، فمهما حركت الأول بطلت حركة الهمزة، وإذا بطلت حركة الأول تحركت الهمزة وقوله: لثالث يضم أى: لحرف ثالث مضموم، وعده إياه ثالثا بأحد اعتبارين: أحدهما: أنه عدّ قبله الساكن، وقبل الساكن همزة الوصل اعتبارا بالكلمة لو ابتدئ بها، لأن الكلام فى مثل: انقص، واخرج، ولأن ذلك فى الخط أربعة أحرف: الثالث منها هو المضموم. الثانى: أنه عد ذلك ثالثا باعتبار الساكن الأول، لأن الحكم متعلق به، فبعده فى الوصل الساكن الثانى، وبعدهما الحرف المضموم، وهمزة الوصل انحذفت فى الدرج، فالتقى الساكن الذى هو آخر الكلمة بالساكن الذى هو بين همزة الوصل والحرف المضموم فوجب تحريك الأول، فمنهم من كسر على أصل التقاء الساكنين، ومنهم من ضم للاتباع كراهة الخروج من كسر إلى ضم، ولم يعتد بالحاجز، لأنه ساكن، فهذا معنى التعليل المفهوم من قوله لثالث يضم، وهذا التعليل بمجرده لا يكفى، فكم من ضمة لازمة لا يضم لها الساكن الأول، نحو:
{(قُلِ الرُّوحُ)}.
وشبهه كما يأتى، فلا بد من أن يضم إلى ذلك الدلالة على حركة همزة الوصل المحذوفة فى ذلك، وهى الضمة وقوله: لزوما، أى ذا لزوم، واللزوم مصدر لزمت الشيء ألزمه لزوما، أى يكون الضم لازما لا عارضا، وذلك مثل أخرج ادعوا ضمة الراء، والعين لازمة لهذه البنية، مستحقة فيها بطريق الأصالة، احترز بذلك من الضمة العارضة غير اللازمة، وذلك نحو:
{(إِنِ امْرُؤٌ)}.
فإن ضمة الراء إنما جاءت لأجل ضمة الهمزة، فلو فتحت الهمزة أو كسرت لفتحت الراء وكسرت، وكذلك الضمة فى قوله تعالى:
{(أَنِ امْشُوا)}.
لأن حق هذه الشين أن تكون مكسورة، وأصله امشيوا، كاضربوا، وكذلك ضمة الإعراب فى نحو:
{(بِغُلََامٍ اسْمُهُ} {عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ)}.
فكل هذا يكسر فيه أوّل الساكنين، ولا يضمه أحد، لأجل عروض الضمة فى الثالث، والتمثيل بقوله:
عزير إنما ينفع فى قراءة من نونه، والذى نونه اثنان: عاصم والكسائى، فكلاهما بكسر التنوين.
أما عاصم فعلى أصله فى كسر أوّل الساكنين مطلقا، وأما الكسائى فلأجل عروض الضمة فى ابن وقوله:(2/352)
عزير إنما ينفع فى قراءة من نونه، والذى نونه اثنان: عاصم والكسائى، فكلاهما بكسر التنوين.
أما عاصم فعلى أصله فى كسر أوّل الساكنين مطلقا، وأما الكسائى فلأجل عروض الضمة فى ابن وقوله:
{(أَنِ اتَّقُوا اللََّهَ)}.
الضمة فيه على حرف رابع، لا على ثالث، لأن التاء مشددة، فهى حرفان، هذا كله مع أن الضمة عارضة، كما فى:
{(أَنِ امْشُوا)}.
فهذا تمام الكلام فى تقدير الضابط الذى ذكره الناظم، وقد أورد عليه قوله تعالى:
{(قُلِ الرُّوحُ)}.
فهو مما اتفق على كسره، مع أن ضمة الراء فيه لازمة، ومثله:
{(إِنِ الْحُكْمُ} {غُلِبَتِ الرُّومُ} {بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} {عََادٌ الْمُرْسَلِينَ)}.
وصاحب التيسير قال: إذا كان بعد الساكن الثانى ضمة لازمة، وابتدئت الألف بالضم، فهذا لقيد الثانى يخرج جميع ما ذكرناه من:
{(إِنِ امْرُؤٌ} {أَنِ امْشُوا} و {عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} و {قُلِ الرُّوحُ)}.
وشبهه لأن همزة الوصل فى أول الكلمة الثانية منهما مكسورة عند الابتداء بها فى الثلاثة الأول ومفتوحة فى الروح وما بعده، مما ذكرناه، وهذا القيد كاف وحده، فلا حاجة إلى ذكر الضمة اللازمة، ومكى رحمه الله لم يذكرها، واقتصر على ذلك القيد. فقال: اختلفوا فى الساكنين إذا اجتمعا من كلمتين، وكانت الألف التى تدخل على الساكن الثانى فى الابتداء، تبتدأ بالضم، وكذا قال ابن شريح: الاختلاف فى الساكن الذى بعده فعل فيه ألف وصل يبتدئ بالضم، فلو أن الناظم قال:
وإن همز وصل ضم بعد مسكن ... فحركه ضما كسره فى ندحلا
أى فحرك ذلك المسكن بالضم أو الكسر لمن رمز له لكان أبين وأسهل على الطالب، إلا أن فى بيت الشيخ الشاطبى رحمه الله إشارة إلى علة الضم، والله أعلم.
494 [قل ادعوا أو انقص قالت اخرج أن اعبدوا
ومحظورا انظر مع قد استهزئ اعتلا]
هذه أمثلة ما تقدم ذكره، وقد حصر أنواعه فى هذه الأمثلة الستة، وذلك أن الساكن الأول لا يخلو من أن يكون أحد هذه الأحرف الستة: اللام، والواو، والتاء، والنون، والتنوين، والدال، قال ابن الفحام:
يجمعهن من غير التنوين «لتنود» وإنما ذكر هذه القاعدة فى هذه السورة لأجل قوله تعالى:
{(فَمَنِ اضْطُرَّ)}.
ولم يتفق له التمثيل به، وأغنى عنه قوله:(2/353)
{(فَمَنِ اضْطُرَّ)}.
ولم يتفق له التمثيل به، وأغنى عنه قوله:
{(أَنِ اعْبُدُوا} ومثله {وَلََكِنِ انْظُرْ)}.
الساكن فى الجميع نون، ولو قال: من اضطرا، وانقص، قالت اخرج، قل انظروا، لحصلت النصوصية على موضع السورة التى هو فيها، ولا يضر وصل همزة، أو إسكان راء اضطر، فإن لكليهما نظائر جائزة فى اللغة، ومثل:
{(قُلِ ادْعُوا} {قُلِ انْظُرُوا)}.
فى يونس (1) لا غير، ومثل أو انقص أو اخرجوا أو ادعوا الرحمن لا غير ومثل أن اعبدوا {(أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} و {أَنِ اعْبُدُونِي} و {أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} {أَنِ اشْكُرْ لِلََّهِ} {أَنِ اغْدُوا عَلى ََ حَرْثِكُمْ)}.
ولا نظير لقوله:
{(وَقََالَتِ اخْرُجْ} {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ)}.
ومثال التنوين اثنا عشر موضعا، والله أعلم.
495 [سوى أو وقل لابن العلا وبكسره ... لتنوينه قال ابن ذكوان مقولا]
يعنى ضم أبو عمرو الواو من «أو» واللام من «قل» حيث وقعا، نحو:
{(قُلِ} {ادْعُوا الرَّحْمََنَ} {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ} {أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيََارِكُمْ} {قُلِ انْظُرُوا مََا ذََا فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ)}.
وذلك لأن كسر الواو أثقل من ضمها، واللام من «قل» قبلها ضمة، فترجح مقتضى الضم فيها، والهاء فى بكسره: تعود على ابن العلاء، وكذا الهاء فى لتنوينه، أو أراد لتنوين هذا الكلام، وقوله لتنوينه مفعول بكسره، كما تقول عجبت من ضربه لابنه، وليست لام التعليل بخلاف اللام فى الثالث، أى قرأ ابن ذكوان:
التنوين بالكسر الذى لأبى عمرو فيه، ووجه ذلك أن التنوين ليس له استقرار غيره من الحروف، فإنه يحذف ويبدل، فلما لم يكن لازما لا يضمه لأجل الاتباع، لأنه كأنه زائل، كما أنهم لم يضموا لأجل الضمة العارضة التى هى غير مستقرة لذلك، ويقال أقوله مثل قوّله، أى معلما القول بذلك، والله أعلم.
496 [بخلف له فى رحمة وخبيثة ... ورفعك ليس البرّ ينصب (ف) ى (ع) لا]
يعنى قوله تعالى فى الأعراف:
{(بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [2]).
__________
(1) آية: 101.
(2) آية: 19.(2/354)
وفى إبراهيم:
{(كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ} [1]).
روى عن ابن ذكوان ضمهما جمعا بين اللغتين، ولم يفعل ذلك فى نحو:
{(عُيُونٍ ادْخُلُوهََا} ونحو {مُتَشََابِهٍ انْظُرُوا} وأما {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ)}.
فقرأ حمزة وحفص بنصب البر على أنه خبر ليس ورفع الباقون على أنه اسمها، وأن تولوا هو الاسم على قراءة النصب، وهو الخبر على قراءة الرفع، وإنما جاز كونه اسما لأنه مقدر بالمصدر، معناه: توليتكم وجوهكم. قال الفارسى: كلا الوجهين حسن، وقوله فى علا أى فى علا ورفعة، أو فى حجج معتلية، لأن علا بالضم والقصر يحتمل الإفراد والجمع، ولا خلاف فى رفع:
{(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهََا)}.
لأن بأن تأتوا قد تعين لأن يكون خبرا بدخول الباء عليه، ولا يرد على الناظم، لأنه قال ليس البرّ بلا واو، وهذا الذى لا خلاف فى رفعه هو بالواو، وقد تعين النصب فى القرآن فى مواضع الحصر بإلا، وإنما، نحو:
{(فَمََا كََانَ جَوََابَ قَوْمِهِ إِلََّا أَنْ قََالُوا} {مََا كََانَ حُجَّتَهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} {وَمََا كََانَ قَوْلَهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنََا} {إِنَّمََا كََانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذََا دُعُوا إِلَى اللََّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا)}.
وجاء الخلاف فى الأنعام فى:
{(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} [2]).
لكن الأكثر على النصب، حملا على نظائره، ووجه الرفع أنه جائز على ما ذكرناه، وفى:
{(لَيْسَ الْبِرَّ)}.
بالعكس الأكثر على الرفع، لأنه ليس للحصر، وفى:
{(ثُمَّ كََانَ عََاقِبَةَ الَّذِينَ أَسََاؤُا السُّواى ََ أَنْ كَذَّبُوا)}.
اختلف أيضا على ما يأتى فى موضعه، والله أعلم.
497 [ولكن خفيف وارفع البرّ (عمّ) في
هما وموصّ ثقله (ص) حّ (ش) لشلا]
فيهما يعنى:
__________
(1) آية: 26.
(2) آية: 23.(2/355)
فيهما يعنى {(وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى ََ)}.
والكلام فيهما كما تقدم فى:
{(وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا)}.
وهو على حذف مضاف: أى برّ من آمن، وموص من أوصى، وموصّ من وصى، وقد تقدم أنهما لغتان، كأنزل ونزل. ومعنى الشلشل: الخفيف، وهو حال من فاعل صح، العائد على ثقله أى صح تشديده فى حال كونه خفيفا، وإنما خف بسبب كثرة نظائره فى القرآن المجمع عليها، نحو:
{(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسََانَ} {ذََلِكُمْ وَصََّاكُمْ بِهِ} فى مواضع {وَمََا وَصَّيْنََا بِهِ إِبْرََاهِيمَ)}.
وأجمعوا أيضا على التخفيف فى:
{(يُوصِيكُمُ اللََّهُ} و {يُوصِي بِهََا} ويوصين وتوصون).
فى سورة النساء.
498 [وفدية نوّن وارفع الخفض بعد فى
طعام (ل) دى (غ) صن (د) نا وتذلّلا]
قراءة نافع وابن ذكوان على إضافة فدية إلى طعام، من باب خاتم حديد، وقراءة الجماعة على أن طعام بدل من فدية، أو عطف بيان، ولقرب هذه القراءة من الأفهام جعلها كالغصن الدانى المتذلل الذى لا يعجز الضعيف عن نيل ثمره، أراد قوله تعالى:
{(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعََامُ مِسْكِينٍ)}.
ثم ذكر الخلاف فى جمع مساكين وإفراده، وكل من أضاف فدية إلى طعام، جمع مساكين، ومن نونه أفرد إلا هشاما، والله أعلم.
499 [مساكين مجموعا وليس منوّنا ... ويفتح منه النّون (عمّ) وأبجلا]
مجموعا: حال، أى عم فى حال كونه مجموعا، لأن الذين يطيقونه جماعة، على كل واحد إطعام مسكين فعلى الجماعة إطعام مساكين، وقراءة الباقين بالإفراد، على أن المراد: وعلى كل واحد إطعام مسكين كقوله تعالى فى موضع آخر:
{(فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً)}.
أى كل واحد منهم، فإذا أفرد مسكين كان مكسور النون منوّنا، لأنه مضاف إليه، وإذا جمع فتحت النون من غير تنوين، لأنه غير منصرف، كقناديل ودنانير، وحركة النون حركة إعراب على القراءتين، والفتح فيها لا ينصرف علامة الجر، فلم يمكن التعبير بالنصب، لأن الكلمة مجرورة، فكان التعبير عنها بالنصب ممتنعا، ويقال أبجله الشيء أى: كفاه، والله أعلم.
500 [ونقل قران والقران (د) واؤنا ... وفى تكملوا قل شعبة الميم ثقّلا]
أراد نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، كما يفعل حمزة فى الوقف، قرأها ابن كثير كذلك فى الوصل والوقف، وعطف قوله والقران بالجر على قران، أى نقل هذين اللفظين، أراد أن ينص على المنكر والمعرّف باللام، ومن جملة ما فيه الخلاف قرآنه فى موضعين، فى سورة القيامة (1) وقد نص عليه صاحب التيسير وغيره، وليس هو واحدا من اللفظين المذكورين فى البيت، إلا أن يكون قصد ما دخله لام التعريف وما خلا منها، ولو أنه قال: ونقل قرآن كيف كان أو كيف جاء دواؤنا لكان أعم وأبين، وما أحلى هذا اللفظ: حيث كان، موجها، أى: ذو وجهين حصل منه بيان القراءة بنقل حركة الهمزة لابن كثير، وظاهره أن نقل القرآن وهو قراءته وتلاوته وتعليمه دواء لمن استعمله مخلص من أمراض المعاصى، قال النبى صلّى الله عليه وسلم:(2/356)
أى كل واحد منهم، فإذا أفرد مسكين كان مكسور النون منوّنا، لأنه مضاف إليه، وإذا جمع فتحت النون من غير تنوين، لأنه غير منصرف، كقناديل ودنانير، وحركة النون حركة إعراب على القراءتين، والفتح فيها لا ينصرف علامة الجر، فلم يمكن التعبير بالنصب، لأن الكلمة مجرورة، فكان التعبير عنها بالنصب ممتنعا، ويقال أبجله الشيء أى: كفاه، والله أعلم.
500 [ونقل قران والقران (د) واؤنا ... وفى تكملوا قل شعبة الميم ثقّلا]
أراد نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، كما يفعل حمزة فى الوقف، قرأها ابن كثير كذلك فى الوصل والوقف، وعطف قوله والقران بالجر على قران، أى نقل هذين اللفظين، أراد أن ينص على المنكر والمعرّف باللام، ومن جملة ما فيه الخلاف قرآنه فى موضعين، فى سورة القيامة (1) وقد نص عليه صاحب التيسير وغيره، وليس هو واحدا من اللفظين المذكورين فى البيت، إلا أن يكون قصد ما دخله لام التعريف وما خلا منها، ولو أنه قال: ونقل قرآن كيف كان أو كيف جاء دواؤنا لكان أعم وأبين، وما أحلى هذا اللفظ: حيث كان، موجها، أى: ذو وجهين حصل منه بيان القراءة بنقل حركة الهمزة لابن كثير، وظاهره أن نقل القرآن وهو قراءته وتلاوته وتعليمه دواء لمن استعمله مخلص من أمراض المعاصى، قال النبى صلّى الله عليه وسلم:
«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ثم قراءة ابن كثير هذه تحتمل أن تكون من باب نقل حركة الهمزة كما ذكر، وتحتمل أن تكون من قرنت بلا همز، أى جمعت، ومنه القران فى الحج (2) وصح عن الإمام الشافعى رحمه الله أنه قال: قرأت على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول: القران اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم للقرآن مثل: التوراة والإنجيل. قال: وكان يقول:
وإذا قرأت القرآن يهمز قرأت، ولا يهمز القران. قلت: والقرآن بالهمز مصدر من قرأت كالشكران والغفران والذى فى سورة القيامة المراد به المصدر، والخلاف فيه أيضا، وذلك دليل على أن من لم يهمز نقل حركة الهمز والتسمية بالمصادر كثيرة، والله أعلم، وكمل وأكمل: لغتان، فالخلاف فى ولتكملوا العدّة كالخلاف فى ينزل وفى بأمتعة ونحو ذلك، والميم مفعول ثقل، وبقى عليه فتح الكاف، لم ينبه عليه، وكان له أن يقول لشعبة حرك تكملوا الميم ثقلا، أو وفى تكملوا حرك لشعبة أثقلا، كما قال فى سورة الحج ثم وليوفوا فحركه لشعبة أثقلا.
501 [وكسر بيوت والبيوت يضمّ (ع) ن
(ح) مى (ج) لّة وجها على الأصل أقبلا]
الكلام فى عطفه والبيوت، كما تقدم فى قوله: والقرآن، ليجمع بين ما خلا من لام التعريف وبين ما هى فيه، والخالى منها تارة يكون معرفة بالإضافة نحو بيوتكم وبيوتهن وبيوت النبى وتارة يكون نكرة منصوبة أو غير منصوبة، نحو:
{(فَإِذََا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً} {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللََّهُ أَنْ تُرْفَعَ)}.
فإذا صح لنا دخول المضاف تحت قوله: بيوت صح لنا دخول قرآنه المضاف، تحت قوله قران، وهاهنا كان يحسن ذكر الخلاف فى الغيوب، والعيون، وشيوخا، وجيوب. لأن الباب واحد، وقد جمع ذلك ابن مجاهد وغيره هنا، وجمعها الناظم فى سورة المائدة، والأصل ضم أوائل الجميع، لأن فعلا يجمع على فعول، كفلوس، وفروج، وقلوب، ومن كسر فلأجل الياء، وقال الزجاج: أكثر النحويين لا يعرفون الكسر،
__________
(1) الآيتان: 17و 18.
(2) آية: 30.(2/357)
وهو عند البصريين رديء جدا، لأنه ليس فى الكلام فعول بكسر الفاء، ذكر ذلك فى سورة النور. وقال أو على: مما يدل على جواز ذلك أنك تقول فى تحقير عين وبيت: عيينة بييت، فكسر الفاء هاهنا لتقريبه من الياء، ككسر الفاء من فعول، وذلك مما قد حكاه سيبويه قال فكما كسرت الفاء من عيينة ونحوه، وإن لم يكن من أبنية التحقير على هذا الوزن لتقريب الحركة مما بعدها، كذلك كسروا الفاء من جيوب ونحوها. وقوله وكسر بيوت، يعنى كسر الباء ويضم، جر الكسر فى اللفظين وجلة: جمع جليل، كصبية جمع صبى، ووجها تمييز لهم، أى هم أجلاء الوجوه، ويجوز أن تكون حالا من فاعل يضم، ويجوز أن يكون مفعولا لحمى، أى حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن فى الكسر، لكون الضم جاء على الأصل، ويجوز أن يكون وجها حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن فى الكسر، لكون الضم جاء على الأصل، ويجوز أن يكون وجها منصوبا بفعل مضمر، أى: خذ وجها، وقوله: على الأصل أقبلا: صفة للوجه على الوجوه كلها، غير وجه التمييز.
502 [ولا تقتلوهم بعده يقتلوكمو ... فإن قتلوكم قصرها (ش) اع وانجلا]
أى قصر هذه الألفاظ الثلاثة، وهى:
{وَلََا تُقََاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ حَتََّى يُقََاتِلُوكُمْ فِيهِ}، فإن قاتلوكم).
فقراءة المد من قاتل، وقراءة القصر من قتل، ولا خلاف فى قوله فاقتلوهم كذلك:
{(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ)}.
أى لا تبدءوهم بقتل ولا قتال حتى يبدءوكم به، ومعنى:
{(فَإِنْ قََاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)}.
أى فإن قتلوا منكم أحدا فاقتلوا منهم: أى فإن قتلوا بعضكم، على حذف مضاف للعلم به، كما سيأتى فى قراءة:
(وكأيّن من نبىّ قتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا).
أى فما وهن من لم يقتل منهم، والله أعلم.
503 [وبالرّفع نوّنه فلا رفث ولا ... فسوق ولا (ح) قّا وزان مجمّلا]
فلا رفث وما بعده مبتدأ، وبالرفع نونه خبره، وأضمر قبل الذكر، لأن الخبر فى نية التأخير، فهو كقولك: فى داره زيد، والمعنى نونه بالرفع، أى ملتبسا به، فيقرأ للباقين بغير تنوين، ملتبسا بصورة النصب وهو الفتح، وقيل: يجوز أن تكون الهاء فى نونه ضميرا مبهما، قدمه بشرط التفسير، وجعل:
{(فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ)}.
تفسيرا له، وأتى بقوله ولا بعد قوله فسوق، إقامة لوزن البيت، وإلا فقوله: ولا جدال، لا خلاف فى فتحه، ولا شك أنّ لا يبنى معها اسمها على الفتح إذا كان نكرة، ويجوز رفعه إذا كرر، وتجوز المغايرة بين ما تكرر من ذلك، ففي نحو: لا حول ولا قوّة إلّا: خمسة أوجه، فعلى هذا جاءت القراءتان، وإنما غابر
أبو عمرو وابن كثير فرفعا الأولين، على أن المراد النهى عنهما، وإن أتيا بلفظ الخبر، أى فلا يكونن رفث، وهو الجماع، ولا فسوق، وهو السباب أو المعاصى، وأما ولا جدال، فهو إخبار محض، أى قد ارتفع المراء فى زمن الحج، وفى مواقفه بعد ما كان الاختلاف فيه بين العرب من النسيء، ووقوف بعضهم بعرفة، وبعضهم بمزدلفة، وفى الحديث الصحيح عن النبى صلّى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفت ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فاشترط عدم الرفث والفسوق، ولم يذكر الجدال، فدل على أن سياقه فى الآية لمعنى آخر، غير ما سبق له الرفث والفسوق، وهو ما ذكرناه، وقراءة الجماعة تحتمل هذا التفريق أيضا، ويحتمل أن يكون الجميع منهيا عنه، والمراد به: مخاصمة الرفقاء والخدم والمكاريين، ويحتمل هذا المعنى قراءة أبى عمرو أيضا، وتكون على لغة من غاير فى الإعراب، فقال لا حول ولا قوّة، والرفع فى الآية أقوى منه فى الحوقلة لتكرر المرفوع قبل المفتوح، وقوله: حقا: مصدر مؤكد لقوله نونه بالرفع، فى وزان مجملا معطوف على الفعل الذى نصب حقا، أى حق ذلك حقا، وزان القارئ الذى حمل هذه القراءة لحسن المعنى الذى ذكرناه فى التفريق بين الثلاثة، والله أعلم.(2/358)
تفسيرا له، وأتى بقوله ولا بعد قوله فسوق، إقامة لوزن البيت، وإلا فقوله: ولا جدال، لا خلاف فى فتحه، ولا شك أنّ لا يبنى معها اسمها على الفتح إذا كان نكرة، ويجوز رفعه إذا كرر، وتجوز المغايرة بين ما تكرر من ذلك، ففي نحو: لا حول ولا قوّة إلّا: خمسة أوجه، فعلى هذا جاءت القراءتان، وإنما غابر
أبو عمرو وابن كثير فرفعا الأولين، على أن المراد النهى عنهما، وإن أتيا بلفظ الخبر، أى فلا يكونن رفث، وهو الجماع، ولا فسوق، وهو السباب أو المعاصى، وأما ولا جدال، فهو إخبار محض، أى قد ارتفع المراء فى زمن الحج، وفى مواقفه بعد ما كان الاختلاف فيه بين العرب من النسيء، ووقوف بعضهم بعرفة، وبعضهم بمزدلفة، وفى الحديث الصحيح عن النبى صلّى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفت ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فاشترط عدم الرفث والفسوق، ولم يذكر الجدال، فدل على أن سياقه فى الآية لمعنى آخر، غير ما سبق له الرفث والفسوق، وهو ما ذكرناه، وقراءة الجماعة تحتمل هذا التفريق أيضا، ويحتمل أن يكون الجميع منهيا عنه، والمراد به: مخاصمة الرفقاء والخدم والمكاريين، ويحتمل هذا المعنى قراءة أبى عمرو أيضا، وتكون على لغة من غاير فى الإعراب، فقال لا حول ولا قوّة، والرفع فى الآية أقوى منه فى الحوقلة لتكرر المرفوع قبل المفتوح، وقوله: حقا: مصدر مؤكد لقوله نونه بالرفع، فى وزان مجملا معطوف على الفعل الذى نصب حقا، أى حق ذلك حقا، وزان القارئ الذى حمل هذه القراءة لحسن المعنى الذى ذكرناه فى التفريق بين الثلاثة، والله أعلم.
504 [وفتحك سين السّلم (أ) صل (ر) ضى (د) نا
وحتّى يقول الرّفع فى اللّام (أ) وّلا]
يعنى قوله تعالى:
{(ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)}.
فتح السين وكسرها لغتان، وقد قرئ بهما الذى فى الأنفال والقتال على ما سيأتى فى الأنفال، وقيل الكسر بمعنى الإسلام والفتح بمعنى الاستسلام والمصالحة، ولهذا كسر أكثر القراء هنا وفتحوا فى الأنفال والقتال، لظهور معنى الإسلام فى البقرة، فظهور معنى المصالحة فى غيرها، فنافع وابن كثير والكسائى فتحوا الثلاثة، وأبو بكر كسر الثلاثة، وأبو عمرو وابن عامر وحفص كسروا فى البقرة وحدها، وحمزة فتح فى الأنفال وحدها وأما الرفع فى:
{(حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ)}.
فعلى تأويل أن الفعل بمعنى المضى، أى: حتى قال الرسول، أو هى حكاية حال ماضية، والفعل إذا كان كذلك ووقع بعد حتى رفع، ووجه النصب أن يكون الفعل مستقبلا، وإذا كان كذلك نصبته على تقدير: إلى أن يقول، أو كى يقول، على ما عرف فى علم النحو، والله أعلم.
505 [وفى التّاء فاضمم وافتح الجيم ترجع ال
أمور (سم) انصّا وحيث تنزّلا]
ترجع الأمور مبتدأ، وما قبله خبره، أى وترجع الأمور اضمم تاءه وافتح جيمه، فيصير الفعل مبنيا للمفعول، لأن الله رجعهن، والقراءة الأخرى على تسمية الفاعل، كقوله تعالى:
{(كُلٌّ إِلَيْنََا رََاجِعُونَ)}.
ورجع ثلاثى، سواء كان لازما أو متعديا، وسما نصا خبر آخر، لترجع الأمور، ونصا منصوب على التمييز أى سما نصه بهذا، وحيث تنزلا: عطف على ظرف محذوف، أى هنا، وحيث تنزل ترجع الأمور.(2/359)
{(كُلٌّ إِلَيْنََا رََاجِعُونَ)}.
ورجع ثلاثى، سواء كان لازما أو متعديا، وسما نصا خبر آخر، لترجع الأمور، ونصا منصوب على التمييز أى سما نصه بهذا، وحيث تنزلا: عطف على ظرف محذوف، أى هنا، وحيث تنزل ترجع الأمور.
أى حيث جاء فى سور القرآن، والله أعلم.
506 [وإثم كبير (ش) اع بالثّا مثلّثا ... وغيرهما بالباء نقطة اسفلا]
القراءتان بمعنى واحد، لأن ما كبر فقد كثر، وأجمعوا على:
{(أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمََا)}.
وقيد الثانية بقوله مثلثا، والباء بقوله: نقطة أسفلا، احترازا من التصحيف، والتقدير: هى ذات نقطة أسفلها على حذف المبتدا، أو التقدير لها نقطة أسفل، على حذف الخبر، ولو أنه قال: نقطة بالنصب، لكان حالا من الباء، أى فانقطه، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقوله: وغيرهما بالباء، أى يقرأ بالباء، والله أعلم.
507 [قل العفو للبصريّ رفع وبعده ... لأعنتكم بالخلف أحمد سهّلا]
قل العفو: مبتدأ، ورفع: خبره، أى ذو رفع، والعفو: الفضل هنا، وهو ما يسهل إخراجه، وتقدير وجه الرفع الذى ينفقونه: العفو، والنصب على تقدير: انفقوا العفو، وأحمد هو: البزى، سهل همزة:
{(لَأَعْنَتَكُمْ)}.
بين بين فى وجه، وليس من أصله تسهيل الهمزة الواحدة فى كلمة، ففعل ما فعله حمزة فى الوقف فى وجه لأنها همزة مفتوحة بعد مفتوح، فقياس تسهيلها جعلها بين بين، كسأل، ففي قراءته جمع بين اللغتين، وهو نظير إبدال حفص همزة:
(هزؤا وكفؤا).
واوا فى الوصل والوقف كما سبق، والله أعلم.
508 [ويطهرن فى الطّاء السّكون وهاؤه
يضمّ وخفّا (إ) ذ (سما) كيف (ع) وّلا]
وخفا يعنى الطاء والهاء، والباقون وهم حمزة والكسائى وأبو بكر: فتحوهما وشددوهما، لأن السكون مهما جاء مطلقا فضده الفتح، والضم ضده الفتح، ومعنى كلمات الرمز: أن هذه القراءة كيف ما عول فى تأويلها فهى سامية رفيعة محتملة للأمرين، وهما: انقطاع الدم والغسل، والقراءة الأخرى ظاهرة فى إرادة الاغتسال وأصلها: يتطهرن، فأدغمت التاء فى الطاء، أى حتى يغتسلن، فتعين حمل القراءة الأخرى على هذا المعنى أيضا وفى الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال لها «إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضى عليك الماء فتطهرين» وفى رواية «فإذا أنت قد طهرت» أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح، فيكون من قوله حتى يطهرن بهذا المعنى، أو تنزل القراءتان منزلة اجتماعهما
فكأنه قيل: حتى يطهرن، ويتطهرن أى حتى يجتمع الأمران، وهما: انقطاع الدم والاغتسال، فأحدهما لا يكفى، بدليل ما لو اغتسلت قبل انقطاع الدم فإن ذلك لا يبيح الوطء، فكذا إذا انقطع الدم ولم تغتسل، والله أعلم.(2/360)
508 [ويطهرن فى الطّاء السّكون وهاؤه
يضمّ وخفّا (إ) ذ (سما) كيف (ع) وّلا]
وخفا يعنى الطاء والهاء، والباقون وهم حمزة والكسائى وأبو بكر: فتحوهما وشددوهما، لأن السكون مهما جاء مطلقا فضده الفتح، والضم ضده الفتح، ومعنى كلمات الرمز: أن هذه القراءة كيف ما عول فى تأويلها فهى سامية رفيعة محتملة للأمرين، وهما: انقطاع الدم والغسل، والقراءة الأخرى ظاهرة فى إرادة الاغتسال وأصلها: يتطهرن، فأدغمت التاء فى الطاء، أى حتى يغتسلن، فتعين حمل القراءة الأخرى على هذا المعنى أيضا وفى الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال لها «إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضى عليك الماء فتطهرين» وفى رواية «فإذا أنت قد طهرت» أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح، فيكون من قوله حتى يطهرن بهذا المعنى، أو تنزل القراءتان منزلة اجتماعهما
فكأنه قيل: حتى يطهرن، ويتطهرن أى حتى يجتمع الأمران، وهما: انقطاع الدم والاغتسال، فأحدهما لا يكفى، بدليل ما لو اغتسلت قبل انقطاع الدم فإن ذلك لا يبيح الوطء، فكذا إذا انقطع الدم ولم تغتسل، والله أعلم.
509 [وضمّ يخافا (ف) از والكلّ أدغموا ... تضارر وضمّ الرّاء (حقّ) وذو جلا]
قرأ حمزة على ما لم يسم فاعله، كيقال، فقوله تعالى:
{(أَلََّا يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ)}.
يكون بدلا من ضمير التثنية فى يخافا وهو بدل الاشتمال، كقولك: خيف زيد شره، فالخائف غير الزوجين من الولاة والأقارب ونحو ذلك، وعلى قراءة الجماعة، هما الخائفان، وأن لا يقيما مفعول به والخطاب فى قوله تعالى:
{(وَلََا يَحِلُّ لَكُمْ)}.
يجوز أن يكون للأزواج، وأن يكون للولاء، وقوله سبحانه:
{(لََا تُضَارَّ وََالِدَةٌ)}.
أصله: لا تضارر بكسر الراء الأولى، أو بفتحها مبنيا للفاعل أو للمفعول، على اختلاف فى تفسيره، والكل صحيح المعنى فى الآية، أدغمت الراء الأولى فى الثانية، فمن رفع جعله خبرا بمعنى النهى، ومن فتح فهو نهى انجزمت الراء له، ففتحت لالتقاء الساكنين، كقولك: لا تعض زيدا، لأن المدغم ساكن، ومثله فى المائدة:
{(مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ} [1] وقرئ من يرتدد).
على الأصل، ولم يقرأ هنا تضارر، فقوله: وضم الراء: يعنى الراء المشددة الثانية من الراءين، المدغمة والمدغم فيها، وإنما قال الناظم: وضم الراء، ولم يقل ورفع الراء، لأن القراءة الأخرى بالفتح، لأنها حركة بناء، فلا بد من الإخلال بإحدى العبارتين، وقوله: وذو جلا: أى ذو جلاء بالمد، أى انكشاف وظهور، ويروى بفتح الجيم وكسرها، وذو جلا: ليس برمز، وكذا قوله فى آخر آل عمران، وذو ملا، لأن الواو فاصلة، ولا تجعل الواو فى ذلك كالواو فى: وحكم صحاب، على ما تقدم فى شرح الخطبة.
510 [وقصر أتيتم من ربا وأتيتمو ... هنا (د) ار وجها ليس إلّا مبجّلا]
{(آتَيْتُمْ مِنْ رِباً)}.
فى سورة الروم وهنا:
{(إِذََا سَلَّمْتُمْ مََا آتَيْتُمْ)}.
__________
(1) آية: 54.(2/361)
فالقصر بمعنى فعلتم، والمد بمعنى أعطيتم، وفى دار ضمير يعود على، وقصر أتيتم ووجها: تمييز أو حال أو مفعول، فعل مضمر كما تقدم فى قوله: وجها على الأصل أقبلا، واسم ليس: ضمير يعود إلى الوجه، والمبجل: الموقر، يثنى على قراءة القصر، خلافا لمن عابها، وقرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله: إنما قال: ليس إلا مبجلا، لأن قصره من باب المجيء، لا من باب الإعطاء، وإنما يتضح بتبجيله مع تفسير سلمتم بالإخلاص من المنة والخصام، من قوله سبحانه:
{(مُسَلَّمَةٌ لََا شِيَةَ فِيهََا)}.
أى سالمة، والله أعلم.
511 [معا قدر حرّك (م) ن (صحاب) وحيث جا
يضمّ تمسّوهنّ وامدده (ش) لشلا]
قدر مفعول حرك، ومعا: حال مقدمة أى حرك قدر» وقدر معا، أى: أنهما اثنان، وهما قوله تعالى:
{(عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)}.
ويعنى بالتحريك: فتح الدال، لأنه مطلق، وقراءة الباقين بإسكانها، وهما: لغتان، وقوله: من صحاب يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف: حال من فاعل حرك، أو مفعوله، أى آخذا له، أو مأخوذا من صحاب، أى منقولا عن جماعة ثقات، معروفة صحبة بعضهم لبعض، وتمسوهن: فاعل جاء، أى حيث جاء لفظ.
(تمسّوهنّ).
وهو فى موضعين هنا، وثالث فى الأحزاب (1) يضم حمزة والكسائى تاءه، ويمدان الميم، فيصير تماسوهن من فاعلت بمعنى فعلت، أو هو على بابه والمراد به الجماع على القراءتين، لم يختلف فى ذلك، وإن اختلف فى معنى: لامستم، ولمستم فى سورة النساء والمائدة، على ما يأتى، والشلشل: الخليف، وهو رمز، ولهذا لم يوهم أنه تقييد للقراءة، وإن كان فيها تشديد فى السين، لأنه لا يقيد إلا بالألفاظ الواضحة، لا بالألفاظ المشكلة المعنى، والله أعلم.
512 [وصيّة ارفع (ص) فو (حرميّه ر) ضى
ويبصط عنهم غير قنبل اعتلا]
وصية: مفعول ارفع، والهاء فى حرميه تعود إلى لفظ وصية، أو إلى الرفع الدال عليه ارفع، وصفو، مبتدا، ورضى خبره، أراد وصية لأزواجهم رفعها على أنها خبر مبتدا محذوف، أى أمرهم وصية أو على حذف مضاف قبلها، أى: أهل وصية، أو ذوو وصية، أو قبل المبتدا، أى وحكم الذين يتوفون وصية أو هى مبتدا خبرها محذوف قبلها، أى عليهم وصية، والنصب على المفعول المطلق، وهو المصدر، أى يوصون وصية، وقرأ هؤلاء إلا قنبلا
__________
(1) آية: 49.(2/362)
{(وَاللََّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ)}.
بالصاد، والباقون بالسين على ما ذكره فى البيت الآتى، والكلام فى وجه القراءتين، نحو ما تقدم فى الصراط وقوله: ويبصط مبتدا، واعتلا خبره، أى اعتلا عن المذكورين غير قنبل، وحسّن قوله اعتلا أن الصاد من حروف لاستعلاء، بخلاف السين، ومن خالف جمع بين اللغتين، والله أعلم.
513 [وبالسّين باقيهم وفى الخلق بصطة ... وقل فيهما الوجهان قولا موصّلا]
{(فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً)}.
مبتدا محذوف الخبر، أى يقرؤه المذكورون بالصاد أيضا، أى و:
(بصطة).
فى الأعراف (1) كذلك، ولا خلاف فى:
(بسطة).
فى البقرة أنه بالسين، وهو:
{(وَزََادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [2]).
إلا ما رواه مكى وغيره من أنه قد جاء عن نافع والكسائى فى بعض الطرق بالصاد، وروى عن خلاد وابن ذكوان فى يبصط وبصطة الوجهان، الصاد والسين، ومعنى موصلا منقولا إلينا، وذكر فى التيسير الخلاف عن خلاد فيهما، قال وروى النقاش عن الأخفش هنا بالسين، وفى الأعراف بالصاد، وقال فى غير التيسير: ورأيت ابن داود قد رواهما عن أبى سهل عن ابن السفر عن الأخفش بالسين، وقرأتهما على أبى الفتح وأبى الحسن جميعا بالصاد، ولم يذكر مكى عن خلاد غير السين، وعن ابن ذكوان غير الصاد، قال وروى عن حفص السين والصاد فيهما، وبالوجهين قرأت لحفص.
514 [يضاعفه ارفع فى الحديد وهاهنا ... (سما ش) كره والعين فى الكلّ ثقّلا]
515 [(ك) ما (د) ار واقصر مع مضعّفة وقل
عسيتم بكسر السّين حيث أتى (ا) نجلا]
يريد {(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضََاعِفَهُ)}.
هنا وفى سورة الحديد، وجه الرفع الاستئناف، أى فهو يضاعفه، أو يكون معطوفا على يقرض، ووجه النصب أنه جواب الاستفهام، فنصب بأن مضمرة بعد الفاء، وابن عامر وابن كثير: شددا للعين فى جميع هذا اللفظ كيفما دار، وذلك معنى قوله: والعين فى الكل ثقلا، كما دار نحو:
__________
(1) آية: 69.
(2) آية: 247.(2/363)
(يضعّف لهم يضعّف لها يضعّفه لكم).
وكذا مضعفة فى آل عمران، فى قوله:
{(أَضْعََافاً مُضََاعَفَةً)}.
وهما لغتان: ضاعف، وضعف واحد، وعنى بقوله: واقصر حذف الألف، والباقون بالمد وتخفيف العين:
(وعسيتم).
هنا وفى سورة القتال، قراءة نافع بالكسر، قال أبو بكر الأُدفُوّيّ: هو لغة أهل الحجاز، يكسرونها مع المضمر خاصة، والفتح هو الأصل، وقال أبو على وغيره: هما لغتان.
قلت: وباقى الأفعال الموازنة لعسى لا يختلف حاله مع المضمر، نحو أتى وأتيتم ورمى ورميتم وأثنى الناظم رحمه الله على رفع فيضاعفه بقوله سما شكره، أى شكر العلماء له، فهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.
516 [دفاع بها والحجّ فتح وساكن
وقصر (خ) صوصا غرفة ضمّ (ذ) وو لا]
أراد {(وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ)}.
هنا وفى سورة الحج، والفتح فى الدال، والسكون فى الفاء، والقصر حذف الألف، وهو مصدر دفع ودفاع كذلك، مثل كتبت كتابا، أو مصدر دافع بمعنى دفع، نحو قاتلهم الله أى قتلهم الله، قال أبو ذؤيب فجمع بين اللغتين:
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... وإذا المنية أقبلت لا تدفع
وأراد ذو فتح وقصر، ولهذا توسط بينهما، قوله وساكن، فكأنه قال مفتوح ساكن مقصور وخصوصا مصدر، ويأتى الخلاف فى:
{(إِنَّ اللََّهَ يُدََافِعُ)}.
فى سورة الحج:
(غرفة).
بالفتح المصدر، وبالضم المغروف، وذو ولاء بالمد أى: ذو نصرة للضم أى ضمه من هذه صفته، والله أعلم.
517 [ولا بيع نوّنه ولا خلّة ولا ... شفاعة وارفعهنّ (ذ) ا (إ) سوة تلا]
أى متأسيا بمن سبق، والكلام فيهن كما سبق فى
{(فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ)}.(2/364)
517 [ولا بيع نوّنه ولا خلّة ولا ... شفاعة وارفعهنّ (ذ) ا (إ) سوة تلا]
أى متأسيا بمن سبق، والكلام فيهن كما سبق فى
{(فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ)}.
غير أن الرفع هنا فى الثلاث، وثم فى اثنتين، والذين رفعوا هنا فتحوا ثم، وبالعكس، والنفى هنا خبر محض، وثم نفى بمعنى النهى والله أعلم.
518 [ولا لغو لا تأثيم لا بيع مع ولا ... خلال بإبراهيم والطّور وصّلا]
أى: وكذلك الخلاف فى:
{(لََا لَغْوٌ فِيهََا وَلََا تَأْثِيمٌ)}.
فى سورة الطور، و:
{(لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خِلََالٌ)}.
فى سورة إبراهيم عليه السّلام.
519 [ومدّ أنا فى الوصل مع ضمّ همزة ... وفتح (أ) تى والخلف فى الكسر (ب) جّلا]
يريد (أنا أحى {أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مََالًا} {إِنْ أَنَا إِلََّا نَذِيرٌ)}.
كلهم يثبت بالألف فى الوقف، وأثبتها فى الوصل نافع وحده، وحذفها فى الوصل هو الفصيح، وقال الأُدفُوّيّ: وإثباتها لغة بعض بنى قيس وربيعة، قال الأعشى: فكيف أنا وانتحالى القوافيا
وقال الآخر: أنا سيف العشيرة فاعرفونى
وخص نافع بالإثبات ما بعده همزة مضمومة أو مفتوحة، وفيما بعده همزة مكسورة خلاف عن قالون، والمشهور عنه الحذف، وهو ثلاثة مواضع فى: الأعراف، والشعراء، والأحقاف، ولا خلاف فى قصر نحو {(أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [1]) والله أعلم.
520 [وننشزها (ذ) اك وبالرّاء غيرهم ... وصل يتسنّه دون هاء (ش) مردلا]
ننشزها بالزاى، من النشز، وهو: الرفع، يعنى تركيب العظام بعضها على بعض، وذاك معناه واضح بين، من ذكت النار: أى اشتعلت، أو من: ذكا الطيب إذا فاح، وننشرها بالراء: نحييها، من أنشر الله الموتى، أى: أحياهم، فهو موافق لقوله تعالى:
{(قََالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظََامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا} [2]).
ويقال راء بالهمز كسائر الحروف من نحو: ياء، وحاء، وطاء، وفاء، وهاء، وأخواتها التى على صورتها خطا، وأما التى على صورة الزاى فآخر اسمها ياء فى اللغة الفصيحة، وهى الزاى.
فإن قلت: من أين يعلم من نظم هذا البيت أن القراءة الأولى بالزاى المنقوطة؟ قلت: من جهة أنه بين
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 12وس آية: 76.
(2) سورة يس، 78و 79و 78و 79.(2/365)
قراءة الباقين بالراء المهملة، وقد لفظ بالأولى، ولا يمكن أن يصحف الراء إلا بالزاى، إذ ليس لنا حرف على صورتها فى الخط غيرها.
فإن قلت: فلقائل أن يقول: لعله ابتدأ الكلمة بالمهملة، ثم قال: وبالزاى غيرهم، يعنى: المنقوطة؟
قلت: قد تقدم جواب هذا، وهو: أنه اعتمد فى ذلك على ما هو الأفصح فى لغة الزاى، ولهذا استغنى الأمير أبو نصر بن ماكولا فى كتاب «الإكمال» فى ضبط الأسماء بلفظ الزاى والراء، ولا يقيد بنقط ولا إهمال للمغايرة بينهما فى الخط، وغيره من المصنفين، وغيره من المصنفين يقيد ذلك زيادة فى البيان.
قوله: وصل يتسنه أى إذا وصلتها بما بعدها فاحذف الهاء لحمزة والكسائى دون غيرهما، وأما فى الوقف فثباته للجميع. لثبوتها فى رسم المصحف، ووجه حذفها فى الوصل أنها هاء السكت، وهذا حكمها، ووجه إثباتها فى الوصل أنه وصل بنية الوقف، إن قلنا: إنها للسكت، أو يقال: هى من أصل الكلمة وسكنت للجزم ومعنى لم يتسنه. لم تغيره السنهات، وأصل سنة سنهة، فمنهم من يصغرها على ذلك، فيقول: سنيهة، ويقولون سانهت، وفى الجمع سنهات، ومنهم من يقول: سانيت، وسنية وسنوات، فلا يأتى بالهاء، فقراءة الحذف من هذه اللغة وقراءة الإثبات من اللغة الأولى، والشمر دل: الخفيف، وهو حال من يتسنه، لأنه خف بحذف الهاء والشمردل: أيضا الكريم، فيكون حالا من الضمير المرفوع فى صل، والله أعلم.
521 [وبالوصل قال اعلم مع الجزم (ش) افع
فصرهنّ ضمّ الصّاد بالكسر (ف) صّلا]
قال اعلم: مبتدا، وشافع خبره، أى هو ذو شفع بالوصل مع الجزم، أى جمع بين همزة الوصل مع إسكان آخره على أنه فعل أمر، أو يكون معنى شافع من الشفع بمعنى الزيادة، لأنه زاد على ما تقدم من أفعال الأمر، نحو:
{(فَانْظُرْ إِلى ََ طَعََامِكَ} [1] {وَانْظُرْ إِلى ََ حِمََارِكَ} [1] {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظََامِ} [1]).
أى اعلم بما عاينت قدرة الله على ما لم تعاين، والآمر له هو: الله تعالى، ويجوز أن يكون هو آمرا نفسه، كما قال سحيم:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا
فيكون موافقا لقراءة الجماعة بالإخبار عن نفسه، فهو بهمزة القطع والرفع.
فإن قلت: من أين يلزم إذا كانت همزة قطع أن تكون مفتوحة لا مضمومة.
قلت: لأنه فعل أمر، من ثلاثى، فهمزة قطعه بالفتح سواء وقف على قال، أو وصلها بها، ومن قرأ بالأمر ووقف على قال: ابتدأ بهمزة مكسورة، وكان ينبغى أن يبين ذلك كما بين الضم فى لفظ:
{(اشْدُدْ)}.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 79.(2/366)
فى سورة طه (1) فقال: وضم فى ابتدأ غيره، ولو بينه لأخذ ضده، وهو الفتح لقراءة الباقين، وعنى بالوصل الإتيان بهمزة الوصل، وجعل آخرا علم مجزوما، ليؤخذ ضد الجزم عنده، وهو الرفع للقراءة الأخرى ولو لفظ موضع الجزم بالسكون للزم أن تكون القراءة الأخرى بالفتح، وقد نظمت بدل هذا البيت ضاما إليه البيت الذى فيه خلف ربوة فى بيتين يتضمنان إيضاح القراءتين فى: قال اعلم، ويتأخر بيت وجزءا بعدهما، ولا يضر ذلك، فإن ربوة مقدمة فى التلاوة على أكلها، فقلت:
وصل همز قال اعلم مع الجزم وابتد ... بكسر شفا واكسر فصرهن فيصلا
وضم لباق وافتحوا ضم ربوة ... على الرا هنا والمؤمنين ندكلا
وصرهن بالضم والكسر لغتان، ومعناه: الإمالة والتقطيع، يقال صاره يصيره ويصوره فى المعنيين، وقيل الكسر للقطع، والضم للإمالة، وقوله فصلا. أى بين معنى الضم بقراءة الكسر، لأن الكسر متمحض للتقطيع عند بعضهم، والضم يحتمل التقطيع والإمالة، والله أعلم.
522 [وجزءا وجزء ضمّ الاسكان (ص) ف وحي
ثما أكلها (ذ) كرا وفى الغير (ذ) و (ح) لا]
أى وجزء المنصوب وغير المنصوب، وإنما قدم ذكر المنصوب لأنه هو الذى فى سورة البقرة فى قوله تعالى {(ثُمَّ اجْعَلْ عَلى ََ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً} [2]).
فكان هو الأصل، وأتبعه ما ليس بمنصوب نحو:
{(جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [3]).
وإنما حافظ على لفظ المنصوب هنا دون صراط، وقران، وبيوت، كما تقدم، لأنه اكتفى فى تلك بضبطها بدخول لام التعريف فيها وخلوها منها، واجتزأ هنا بتعداد اللفظين المختلفين خطا لما لم تأت لام التعريف فى واحدة منهما، فهو مثل شيء وشيئا وقد تقدم البحث فيه فى باب نقل الحركة. وقوله: صف، أى اذكره، أى صف ضم الإسكان فيهما، وقد سبق أن مثل هذا فيه لغتان: الضم والإسكان، وقوله حيثما أكلها أى وحيثما اكلها موجود، فصف ضم إسكانه أيضا لمدلول الذال من ذكرى، نحو:
{(فَآتَتْ أُكُلَهََا ضِعْفَيْنِ} [4] {أُكُلُهََا دََائِمٌ وَظِلُّهََا} [5] و {ذِكْرى ََ} [6]).
مصدر من معنى صف، لأن الواصف ذاكر، أو يكون فى موضع الحال، أى صف ذاكرا، أو مذكرا أو لأجل الذكرى، أو هذه ذكرى. وقوله: وفى الغير، يعنى فى غير أكلها، مما هو من لفظه، إلا أنه لم يصف إلى ضمير المؤنث نحو:
__________
(1) آية: 31.
(2) سورة البقرة، آية: 260.
(3) سورة الحجر، آية: 44.
(4) سورة البقرة، آية: 265.
(5) سورة الرعد، آية: 35.
(6) سورة الشعراء، آية: 209.(2/367)
{(أُكُلٍ خَمْطٍ} {مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} [1] {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهََا عَلى ََ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [2]).
زاد معهم أبو عمرو: على الضم لخفة هذا وثقل ما فيه ضمير المؤنث، وذو حلا: خبر مبتدإ محذوف يتعلق به فى الغير: أى والضم فى غير ذلك ذو حلا، أى صاحب زينة وحلية، والله أعلم.
523 [وفى ربوة فى المؤمنين وهاهنا
على فتح ضمّ الربوة؟؟؟ (ف) بّهث (ك) فّلا]
يريد قوله:
{(كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [3] {وَآوَيْنََاهُمََا إِلى ََ رَبْوَةٍ} [4]).
والفتح والضم فى الراء لغتان، ويقال أيضا بكسر الراء، وكفلا جمع كافل، وهو الضامن والذى يعول غيره، وكنى به عن طالب العلم وخدمه.
524 [وفى الوصل للبزّيّ شدّد تيمّموا ... وتاء توفّى فى النّسا عنه مجملا]
مجملا حال من الضمير فى شدد، أو من الهاء فى عنه، وهو من أجمل: إذا أتى بالجميل. وقوله: فى الوصل لأن قراءة البزى هذه، لا تمكن فى الوقف، لأنه يشدد التاء فى أوائل هذه الكلم الآتى ذكرها، والحرف المشدد معدود حرفين، أولهما ساكن، والابتداء بساكن غير مقدور عليه، فخص التشديد بحالة الوصل لتتصل التاء بما قبلها، وهذا التشديد إنما هو إدغام تاء فى مثلها، لأن هذه المواضع التى وقع التشديد فى أوائلها هى أفعال مضارعة، أولها تاء المضارعة، ثم التاء التى من نفس الكلمة، فأدغم البزى الأولى فى الثانية، وغيره حذف إحدى التاءين تخفيفا، ثم هذه التاءات على ثلاثة أقسام، منها ما قبله متحرك، كالذى فى النساء:
{(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفََّاهُمُ الْمَلََائِكَةُ} [5]).
ومنها ما قبله حرف مد، مثل:
{(وَلََا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [6]).
فالتشديد فى هذين القسمين سائغ، إذ لم يجتمع ساكنان على غير حدهما، فإن:
{(وَلََا تَيَمَّمُوا} مثل دابّة).
فتمد الألف لذلك، والقسم الثالث ما قبله ساكن صحيح، نحو:
{(هَلْ تَرَبَّصُونَ} [7]).
فهذا فى إدغامه جمع بين الساكنين على غير حدهما، وسيأتى الكلام عليه، ومن المصنفين من يذكر هذه التاءات فى باب الإدغام، وهذا التشديد وارد فى أحد وثلاثين موضعا، بلا خلاف عن البزى، وله موضعان
__________
(1) سورة الرعد، آية: 141.
(2) سورة الرعد، آية: 8.
(3) سورة البقرة، آية: 265.
(4) سورة الرعد، آية: 50.
(5) آية: 97.
(6) سورة البقرة، آية: 267.
(7) سورة التوبة، آية: 52.(2/368)
مختلف عنه فيهما، سيذكرهما بعد الفراغ من المتفق عليه له، وقد قال مكى فى التبصرة: وقد روى عن البزى أنه شدد هذا، وما كان مثله فى جميع القرآن. قال: والمعول عليه هذه المواضع بعينها، وقد ذكر الناظم منها فى هذا البيت موضعين، ثم أخذ فى ذكر الباقى فقال:
525 [وفى آل عمران له لا تفرّقوا ... والأنعام فيها فتفرّق مثّلا]
يريد {(وَلََا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} [1] {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [2]).
ولفظ به على صفة قراءة البزى له بالتشديد، ولم يلفظ بغيره على ذلك، إلا قوله:
{(لِتَعََارَفُوا)}.
وهو ممكن قراءته على رواية البزى وعلى غيرها، وفاعل مثلا: ضمير عائد على البزى، يعنى مثله: أى أحضره لك وأظهره، ولا تفرقوا: مثل ولا تيمموا، والتاء فى فتفرق بعد متحرك، فكل هذا تشديده مستقيم 526 [وعند العقود التّاء فى لا تعاونوا ... ويروى ثلاثا فى تلقّف مثّلا]
مثلا جمع ماثل، من قولهم: مثل بين يديه، إذا قام، وهو نعت، ثلاثا: أى روى التشديد فى ثلاث متشخصات من لفظ تلقف، وذلك فى الأعراف، وطه، والشعراء، وكلها بعد متحرك، ولا تعاونوا مثل ولا تيمموا.
527 [تنزّل عنه أربع وتناصرو ... ن نارا تلظّى إذ تلقّون ثقّلا]
فى الحجر {(مََا نُنَزِّلُ الْمَلََائِكَةَ} [3]).
وفى الشعراء موضعان:
{(عَلى ََ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيََاطِينُ. تَنَزَّلُ} [4]).
وفى القدر من:
{(أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ} [5]).
وفى الصافات:
{(مََا لَكُمْ لََا تَنََاصَرُونَ} [6]).
فالذى فى الحجر:
{(مََا لَكُمْ لََا تَنََاصَرُونَ} [6]).
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 103.
(2) سورة الأنعام، آية: 153.
(3) سورة الحجر، آية: 8.
(4) آية: 221و 222.
(5) آية: 5و 6.
(6) آية: 25.(2/369)
مثل: ولا تيمموا، والثانى من تنزل فى الشعراء بعد متحرك، فتشديد هذه الثلاثة جيد، وأما الأول فى الشعراء، والذى فى القدر.
{(نََاراً تَلَظََّى} [1] و {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} [2]).
فممتنع ذلك فيها، لأنها بعد ساكن، قال مكى: وقوع الإدغام فى هذا قبيح صعب، ولا يجيزه جميع النحويين، إذ لا يجوز المد فى الساكن الذى قبل المشدد. قال: وقد قال بعض القراء فيه: إنه إخفاء، وليس بإدغام، وهذا أسهل قليلا من الإدغام، لأن الإخفاء لا تشديد فيه.
528 [تكلّم مع حرفى تولّوا بهودها ... وفى نورها والامتحان وبعد لا]
يريد {(لََا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} [3]).
فى هود وفيها: تولوا فى موضعين أحدهما فى أولها:
{(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخََافُ} [4]).
والآخر فى قصة عاد وفى النور:
{(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْهِ مََا حُمِّلَ} [5]).
وفى الممتحنة:
{(أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [6]).
فقوله: لا تكلم: مثل ولا تيمموا والبواقى فى إدغامها جمع بين ساكنين، ثم قال: وبعد لا يعنى لفظ تولوا جاء أيضا مشددا بعد حرف لا، ثم ذكر مكانه فقال:
529 [فى الأنفال أيضا ثمّ فيها تنازعوا ... تبرّجن فى الأحزاب مع أن تبدّلا]
يعنى {(وَلََا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [7]).
وفى القرآن غير ذلك من لفظ تولوا، ولم يشدد، لأنه ماض نحو ما فى سورة المائدة:
{(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمََا يُرِيدُ اللََّهُ} [8]).
والذى فى آل عمران:
{(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ الْكََافِرِينَ} [9]).
وكذا الذى فى آخر براءة:
__________
(1) سورة الليل، آية: 14.
(2) سورة النور، آية: 15.
(3) سورة هود، آية: 105.
(4) آية: 3و 26.
(5) آية: 54.
(6) آية: 9.
(7) سورة الأنفال، آية: 20.
(8) سورة المائدة، آية: 49.
(9) سورة آل عمران، آية: 32.(2/370)
{(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللََّهُ} [1]).
يحتمل الوجهين، ولكن لم يذكر فى التاءات المشددة، وفى الأنفال أيضا:
{(وَلََا تَنََازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [2] {وَلََا تَبَرَّجْنَ} [3]).
فهذه الثلاثة من قبيل ولا تيمموا وأما:
{(وَلََا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ} [4]).
فمن قبيل اجتماع الساكنين، فهذه تسعة مواضع، ثم ذكر العاشر فقال:
530 [وفى التّوبة الغرّاء هل تربّصو ... ن عنه وجمع السّاكنين هنا انجلى]
قال الشيخ: وقوله وجمع الساكنين، أراد به: وجمعنا للساكنين، فى النظم هنا انجلا، أى انكشف وذهب لأن انقضاءه فى النظم وقع هاهنا، وهى ثمانية مواضع، فذكرها، وإن تولوا فإن تولوا، فى هود، وفى النور:
{(فَإِنْ تَوَلَّوْا} [5] {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} [6] {عَلى ََ مَنْ تَنَزَّلُ} [6] {نََاراً تَلَظََّى} [6] {شَهْرٍ تَنَزَّلُ} [6]
{هَلْ تَرَبَّصُونَ} [10]).
وبقى عليه اثنان.
{(أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ} [11] {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [12].
وذكرها غيره تسعة، فأسقط أن تبدل وإنما هى عشرة، فى هذا البيت واحدة، وفى الذى قبله واحدة وفى كل واحدة من البيتين قبلهما أربعة، وقد بينا كلا فى موضعه.
قال: أو يكون قوله: هنا، أى فى هذه القراءة.
قلت: على هذا المعنى يحتمل أن يكون الناظم أشار إلى عسر هذه القراءة، وعدم تحقق النطق بالتشديد مع وجود الساكن الصحيح قبل التاء، كما أشار إلى ذلك فى آخر باب الإدغام الكبير، أى انكشف أمره، وبانى عسره، وظهر تعذره، وعلى الوجه الأول يكون المعنى: أن المواضع التى يلزم من تشديدها الجمع بين الساكنين. قد ذكرت فيما تقدم، وفرغ منها هنا، وليس يفهم من ذلك أنه ذكرها مرتبة، بل تفرق ذكرها فى أثناء المواضع، ولكلامه هذا فائدة جليلة، سيأتى ذكرها بعد شرح بيتين آخرين، ثم تمم ذكر التاءات، ولم يبق إلا ما هو بعد متحرك أو حرف مد، فقال:
531 [تميّز يروى ثمّ حرف تخيّروا ... ن عنه تلهّى قبله الهاء وصّلا]
__________
(1) سورة التوبة، آية: 129.
(2) الأنفال، آية: 46.
(3) الأحزاب، آية: 33.
(4) الأحزاب، آية: 52.
(5) آل عمران، آية: 20.
(6) سبق تخريجها.
(10) سورة التوبة، آية: 52.
(11) سبق تخريجها.
(12) سورة الممتحنة، آية: 9.(2/371)
يعنى {(تَكََادُ تَمَيَّزُ} [1] {لَمََا تَخَيَّرُونَ} [2] {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهََّى} [3]).
ولا يمنع تشديد التاء من صلة الهاء فى عنه بواو على أصله، بل يصل ويشدد، فيقع التشديد بعد حرف مد هو الواو، فيبقى مثل ولا تيمموا فهذا معنى قوله: قبله الهاء وصلا، أى وصل الهاء بواو، وتمم الناظم البيت بذلك زيادة فى البيان خوفا من ترك الفطن لذلك، كما أنه يترك الصلة فى نحو لعلمه الذين ويستظهر بقول الناظم: ولم يصلوا: ها مضمر قبل ساكن، وقد تقدم الفرق بينهما فى سورة أم القرآن، فى شرح قوله ومن دون وصل ضم: ها قبل ساكن، وفى أول باب هاء الكناية، وقد ذكر مكى عنه تلهى فى جملة ما قبله حرف مد، ولولا الصلة لعده فى جملة ما قبله متحرك، والله أعلم.
532 [وفى الحجرات التّاء فى لتعارفوا ... وبعد ولا حرفان من قبله جلا]
يريد قوله تعالى:
{(وَلََا تَجَسَّسُوا} {وَلََا تَنََابَزُوا} [4]).
فهذان موضعان كل واحد منهما بعد لفظ ولا، وهما من قبل قوله وقبائل لتعارفوا والكل فى سورة الحجرات، وقوله: جلا ليس برمز لورش، فهو موهم ذلك، فإن جميع الأبيات يقيد فيها بأنها عنه أوله، ويروى: فيفهم عود ذلك إلى البزى، وكل بيت خلا من شيء من ذلك لم يكن فيه ما يوهم رمزا، لأنه مجرد تعداد المواضع، فيكون القيد فيما بعدها شاملا للجميع، كقوله: تكلم فى الأنفال البيتين، فإن الجميع تقيد بقوله فى البيت الآخر:
{(هَلْ تَرَبَّصُونَ} [5]).
عنه فإن قلت: فهذا البيت أيضا قد تقيد فى البيت بعده من قوله عنه على وجهين؟ قلت: تكون الهاء فى عنه عائدة على مدلول جلا، فالإيهام باق بحاله، بخلاف ما تقدم فإنه لم يسبقه ما يوهم الرمز به، والضمير فى جلا لقوله:
{(لِتَعََارَفُوا} [6]).
أى كشف عن الحرفين اللذين قبله، بدلالاته عليهما، فهذا آخر الكلمات المعدودة: أحدا وثلاثين، المشددة للبزى بلا خلاف، منها سبعة بعد متحرك، وأربعة عشر بعد حرف مد، وعشرة بعد ساكن صحيح، والذى قبله حرف مد منه واحد بعد الواو، وهو عنه تلهى وثلاثة عشر بعد الألف، ثم ذكر له موضعين آخرين اختلف عنه فيهما، فقال:
533 [وكنتم تمنّون الّذى مع تفكّهو ... ن عنه على وجهين فافهم محصّلا]
__________
(1) سورة تبارك، آية: 8.
(2) سورة ن، آية: 38.
(3) سورة عبس، آية: 10.
(4) سورة الحجرات، آية: 12.
(5) سبق تخريجها.
(6) سورة الحجرات، آية: 13.(2/372)
يعنى {(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ)}.
فى آل عمران (1):
{(فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)}.
فى الواقعة (2)، ويصل الميم قبل ذلك كما تقدم فى:
{(عَنْهُ تَلَهََّى} [3]).
فيبقى من قبيل ولا تيمموا.
فإن قلت: لم ينص الناظم على صلة الميم، قلت: لا حاجة إلى ذلك، فإنه معلوم من موضعه، ولو لم ينص على صلة:
{(عَنْهُ تَلَهََّى)}.
لما احتيج إلى ذلك كما سبق، ولهذا لم يذكر فى التيسير صلة شيء من ذلك اتكالا على ما علم من مذهبه، ومن المشتغلين بهذه القصيدة من يظن أنه لا صلة فى الميمين، لعدم نص الناظم عليها، وذلك وهم منه، والناظم وإن لم يصرح بالصلة، فقد كنى عن ذلك بطريق لطيف، لمن كان له لب وفهم مستقيم، وذلك أنه لو لم تكن هنا صلة لأدى التشديد إلى جمع الساكنين على غير حدهما، وقد قال الناظم فيما قبل. وجمع الساكنين هنا انجلا.
وكان من هذه العبارة وجود الصلة فى هذه الميم، تصديقا لقوله إن اجتماع الساكنين قد انقضى عند قوله:
{(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ} [4]).
وما أدرى ما وجه الخلاف فى تشديد هاتين التاءين، وليت الخلاف كان عند وجود الساكنين، وإلى مثل هذه الدقائق والمعانى أشار بقوله: * فافهم محصلا أى فى حال تحصيل واشتغال، وبحث وسؤال، لا فى حال كلال وملال، وعدم احتفال والحمد لله على كل حال:
534 [نعمّا معا فى النّون فتح (ك) ما (ش) فا
وإخفاء كسر العين (ص) يغ (ب) هـ (ح) لا]
معا: يعنى هنا وفى النساء فالذى هنا إن تبدوا الصدقات فنعما هى والذى فى سورة النساء إن الله نعما يعظكم به وكذلك حيث ذكر الناظم معا، فإن معناه أن هذا الحرف فى موضعين: أحدهما أو كلاهما فى هذه الصورة، كما قال: معا، قد حرك، فإن كان الحرف فى أكثر من موضعين، لم يقل معا بل يقول: حيث أتى، أو جميعا، أو الكل، ونحو ذلك ولو قال: معا فى الزائد على الاثنين لكان سائغا فى اللغة، وقد سبق تقريره فى باب الهمز المفرد، ولكنه فرق بين المعنيين بذلك، وليس بحتم أن يقول معا فى موضعى الخلاف، بل قد يأتى بعبارة أخرى، نحو قوله: وفى لام لله الأخيرين حذفها:
__________
(1) آية: 143.
(2) آية: 65.
(3) سورة عبس، آية: 10.
(4) سورة التوبة، آية: 52.(2/373)
(عسيتم).
بكسر السين حيث أتى انجلا، وهو فى موضعين فقط، كما مر ذكره، فإن كان الخلاف فى موضعين لكلمة واحدة، وتلك الكلمة قد جاءت على أحد الوجهين فى موضع ثالث بلا خلاف، لم يقل فيه معا، لأنه لا يفهم من ذلك موضع الخلاف من موضع الاتفاق، بل ينص على موضعى الخلاف، كقوله وكسرك:
(سخريّا).
بها وبصادها، لأن الكلمة قد جاءت أيضا فى الزخرف، ولكنها مضمومة بلا خلاف، واعلم أن:
(نعمّا).
كلمتان كتبتا متصلتين، والتقى المثلان، فأدغمت الميم فى الميم، واتفق القراء على الإدغام موافقة لخط المصحف، فإنهما كتبتا بميم واحدة، وهذا موضع اتفق عليه من باب الإدغام الكبير، لأن الميم من نعم متحركة مفتوحة، وقد أدغمت فى الميم من ما الداخلة عليها، وكان الأصل نعم ما، كما تقول بئس ما، ولما أريد الإدغام لم يمكن مع سكون العين قبلها: فكسرت، فمن القراء من أشبع الكسر فى الموضعين معا، وهم: ابن كثير وورش وحفص، وكل من فتح النون، ومنهم من أخفى الكسر واختلسه تنبيها على أن أصل هذه العين السكون وهم وأبو عمرو، وقالون وأبو بكر. وما أحسن ما عبر عنهم الناظم بقوله صيغ به حلا وباقى القراء، وهم:
ابن عامر وحمزة والكسائى فتحوا النون وكسروا العين، وهذه هى اللغة الأصلية فى هذا الفعل، كحمد وعلم، ثم سكن عينه تخفيفا لكثرة استعماله، ونقلت كسرة العين إلى النون فصارت هذه هى أفصح اللغات فيه، كما قال تعالى فى موضع لا يتصل به ما:
{(نِعْمَ الْعَبْدُ} [1]).
فلما اتصلت به ما وجب الإدغام لأجل الخط، ولزم كسر العين لأجل الساكنين، بقيت كسرة النون على حالها، ومن فتحها عدل عن اللغة الأصلية ليأتى بالكسر الأصلى للعين، ولا يحتاج إلى كسر لالتقاء الساكنين، ويجوز أيضا فى اللغة أن يقال فى نعم المجردة عن كلمة، ما: نعم بكسر النون والعين، ونعم بفتح النون وسكون العين، نص على ذلك أبو جعفر النحاس وغيره، وقد ذكر بعض المصنفين فى القراءات إسكان العين مع الإدغام، وذلك غير مستقيم فى التحقيق، ونسبه صاحب التيسير إلى من حكى لهم الإخفاء هنا، فقال: قالون وأبو بكر وأبو عمرو بكسر النون، وإخفاء حركة العين، ويجوز إسكانها، وبذلك ورد النص عنهم، والأوّل أقيس.
قلت: ولم يعرج الناظم على هذه الرواية، وترك ذكرها كما ترك ذكر نظيرها فى:
{(لََا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} [2]).
كما يأتى، وأصاب فى ذلك، قال مكى فى التبصرة، وقد ذكر عنهم الإسكان، وليس بالجائز، وروى
__________
(1) سورة ص، آية: 30.
(2) سورة الأعراف، آية: 163.(2/374)
عنهم الاختلاس، وهو حسن قريب من الإخفاء، وقال فى الكشف: روى عن أهل الإخفاء الاختلاس، وهو حسن، وروى الإسكان للعين، وليس بشيء، ولا قرأت به، لأن فيهما جمعا بين ساكنين، ليس الأول حرف مد ولين، وذلك غير جائز عند أحد من النحويين، وقال أبو على: من قرأ (فنعمّا).
بسكون العين لم يكن قوله مستقيما عند النحويين، لأنه جمع بين ساكنين: الأوّل منهما ليس بمد ولين، وقد أنشد سيبويه شعرا قد اجتمع فيه الساكنان على حد ما اجتمعا فى نعما، وأنكره أصحابه، قال: ولعل أبا عمرو أخفا ذلك كأخذه بالإخفاء فى نحو:
(بارئكم ويأمركم).
فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك فى السمع، وخفائه، وقال أبو جعفر النحاس، فأما الذى حكى عن أبى عمرو ونافع من إسكان العين فمحال.
حكى عن محمد بن يزيد أنه قال: أما إسكان العين والميم مشددة، فلا يقدر عليه أحد أن ينطق به، وإنما يروم الجمع بين ساكنين، ويحرك، ولا يأبه: أى لا ينتبه للتحريك، ولا يفطن به.
وقد اختار قراءة الإسكان الإمام أبو عبيد: القاسم بن سلام، وهو من عجيب اختياراته، فذكر قراءة الإسكان فى كتابه أولا، ثم ذكر قراءة فتح النون وكسر العين، ثم قال: وبالقراءة الأولى قرأت، لأنها فيما يروى: لغة النبى صلّى الله عليه وسلم حين قال لعمرو بن العاص:
«نعمّا المال الصّالح للرّجل الصّالح».
قال: هكذا يروى عنه صلّى الله عليه وسلم على هذا اللفظ، قال: ثم أصل الكلمة أيضا إنما هى: نعم زيدت فيها ما، وإنما قرأ تلك القراءة الأخرى من قرأها لكراهة أن يجمعوا بين ساكنين: العين والميم فحركوا العين، قال: وهو مذهب حسن فى العربية، ولكنه على خلاف الحديث والأصل جميعا.
قال أبو إسحاق الزجاج بعد ذكره كلام أبى عبيد: ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة البتة، لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد ولا لين.
قلت: صدق أبو إسحاق، فكما قيل عمن روى قراءة الإسكان: إنه سمع الإخفاء فلم يضبط، كذلك القول فى رواة الحديث، بل أولى، لكثرة ما يقع فى الأحاديث من الروائق، على خلاف فصيح اللغة، وقد أخرج هذا الحديث الحاكم فى كتابه المستدرك، وقال فى آخره، يعنى بفتح النون وكسر العين: هذا حديث صحيح.
قلت والحديث بتمامه مذكور فى ترجمة عمرو بن العاص فى تاريخنا الشامى وغيره، والباء فى بالمال زائدة مثلها فى {(وَكَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً} [1]) والله أعلم.
__________
(1) سورة الفتح، الآية: 28.(2/375)
535 [ويا ونكفّر (ع) ن (ك) رام وجزمه
(أ) تى (ش) افيا والغير بالرّفع وكّلا]
يعنى أن حفصا وابن عامر بالياء، والباقون بالنون، وهى ظاهرة، وأما الياء فإخبار عن الله، أو عن المذكور، وهو الإخفاء ولإيتاء الذى دل عليه قوله تعالى:
{(وَإِنْ تُخْفُوهََا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرََاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [1]).
أى هذا الفعل خير لكم وهو يكفر عنكم، وجزم الراء من القراء نافع وحمزة والكسائى، لأنه معطوف على موضع:
{(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)}.
وموضعه جزم على جواب الشرط، وسيأتى مثل ذلك فى الأعراف:
{(مَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ فَلََا هََادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [2]).
قرئ بالياء والنون والجزم والرفع، والأكثر ثم على الياء والرفع، ووجه الرفع فيهما الاستئناف، واستقل الجواب بما قبل ذلك، وقوله والغير بالرفع: زيادة فى البيان لم تدع إلى ذكر ضرورة، لأن الرفع ضد الجزم كما أن النون ضد الياء، فكما لم يذكر النون كان له أن لا يذكر الرفع، والله أعلم.
536 [ويحسب كسر السّين مستقبلا (سما)
(ر) ضاه ولم يلزم قياسا مؤصّلا]
مستقبلا حال من يحسب، ولولا هو لما كان الخلاف إلا فى الذى فى سورة البقرة فقط:
{(يَحْسَبُهُمُ الْجََاهِلُ أَغْنِيََاءَ)}.
فقال: مستقبلا ليشمل كل فعل مستقبل فى القرآن، سواء كان بالياء أو بالتاء، متصلا به ضمير أو غير متصل، نحو:
{(أَيَحْسَبُ الْإِنْسََانُ} [3] {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} [4] {وَلََا تَحْسَبَنَّ} [5] {وَهُمْ يَحْسَبُونَ} [6]
{فَلََا تَحْسَبَنَّهُمْ} [7]).
ولو قال موضع مستقبلا: كيف أتى كان أصرح، لكنه خاف أن يلتحق بذلك الفعل الماضى نحو:
{(وَحَسِبُوا أَلََّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [8] {أَحَسِبَ النََّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} [9]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 271.
(2) آية: 186.
(3) سورة القيامة، آية: 3.
(4) سورة الفرقان، آية: 44.
(5) سورة آل عمران، آية: 269.
(6) سورة الكهف، آية: 104.
(7) سورة المائدة، آية: 71.
(8) سورة آل عمران، آية: 188.
(9) سورة العنكبوت، آية: 2.(2/376)
مما لا خلاف فى كسره، وكسر السين مبتدأ ثان، والعائد إلى المبتدأ الأول، وهو: يحسب محذوف تقديره كسر السين منه، وسما رضاه خبره، والكسر والفتح فى ذلك لغتان مشهورتان، والفتح هو الجارى على القياس، لأن ماضيه مكسور السين، والغالب على الأفعال التى ماضيها كذلك أن مستقبلها بالفتح، كعلم يعلم، وشرب يشرب. وأما إتيان المستقبل بالكسر كالماضى، فخارج عن القياس، ولم يأت إلّا فى أفعال يسيرة، منها:
حسب، ونعم، وبئس، فهذا معنى قوله: ولم يلزم قياسا مؤصلا: أصلته العرب وعلماء العربية، وفاعل يلزم ضمير يرجع على يحسب، أى لو لزم القياس لكانت سينه مفتوحة، واختار أبو عبيد قراءة الكسر وذكر حديثا عن لقيط بن صبرة، قال: «كنت وافد بنى المنتفق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبينا نحن عنده إذ روّح الراعى غنمه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما أولدت؟ قال: بهمة، قال: اذبح مكانها شاة، ثم قال [لا تحسبن]. ولم يقل «لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها» قال أبو عبيد بالكسر نقرؤها فى القرآن كله، اختيارا لما حفظ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم من لغته، واتباعا للفظه، والله أعلم.
537 [وقل فأذنوا بالمدّ واكسر (ف) تى (ص) فا
وميسرة بالضّمّ فى السّين (أ) صّلا)
فتى صفا: حال من الضمير فى واكسر، وأراد كسر الذال، وبالمد أراد به ألفا يزيدها بعد الهمزة، ويلزم من ذلك تحريك الهمزة، والعبارة مشكلة على من لا يعرف القراءة، إذ قد يفهم أن الكسر فى الهمزة، فيكون المد بعدها ياء، أو يريد بالمد الألف بعد الألف التى هى بدل من الهمزة الساكنة، ويكون الكسر فى الدال، فيلبسن ذلك على من لا يعرف، فيحتاج إلى موقف، ولو قال: ومد وحرك فأذنوا اكسر فتى صفاه، لظهر الأمر فقراءة حمزة وأبى بكر من الأعلام، أى فأعلموا من وراءكم بحرب من الله، لأن آذن بمعنى أعلم، وقراءة الجماعة من أذن به، أى علم به: فهو أذين أى كونوا على إذن بحرب من الله ورسوله، وأما ميسرة بالفتح والضم فلغتان، والفتح أفصح وأشهر وأقيس، وهى اختيار أبى عبيد وغيره، والله أعلم.
538 [وتصّدّقوا خفّ (ف) ما ترجعون قل
بضمّ وفتح عن سوى ولد العلا]
يريد {(وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [1]).
وأصله تتصدقوا، فحذف عاصم إحدى التاءين، وغيره أدغم الثانية فى الصاد، فمن ثم جاء التشديد، وأراد:
{(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ} [1]).
والخلاف فيه على ما سبق معناه فى ترجع الأمور.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 280.(2/377)
539 [وفى أن تضلّ الكسر (ف) از وخفّفوا
فتذكر (حقّ) اوارفع الرّا (ف) تعدلا]
إنما قال: فاز لأن وجهه ظاهر، أى إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى، ولهذا رفع فتذكر، لأنه جواب الشرط، نحو:
{(وَمَنْ عََادَ فَيَنْتَقِمُ اللََّهُ مِنْهُ} [1]).
فلما لم يستقم مع الكسر إلا الرفع، قال: فتعدلا، ومن فتح أن، فعلى التعليل، وعطف فتذكر على تضل وإن كان التعليل فى الحقيقة، إنما هو الإذكار، ولكنه تقدم ذكر سببه، وهو الإضلال، ونظيره أعددت السلاح أن يجيء عدوّ فأدفعه به، وعلة إعداد السلاح إنما هو دفع العدوّ لا مجيئه، ولكن ذكر مجىء العدوّ توطئة له، لأنه سبب الدفع، والتخفيف والتشديد فى فتذكر لغتان، يقال: اذكر، وذكر، كأنزل ونزل، والله أعلم.
540 [تجارة انصب رفعه فى النّسا (ث) وى
وحاضرة معها هنا عاصم تلا]
الذى فى النساء:
{(إِلََّا أَنْ تَكُونَ تِجََارَةً عَنْ تَرََاضٍ} [2] وهنا {إِلََّا أَنْ تَكُونَ تِجََارَةً حََاضِرَةً} [3]).
فنصب التى فى النساء الكوفيون، ونصب التى فى البقرة عاصم، مع صفتها، وهى حاضرة، فقوله:
وحاضرة معها، أى وانصب حاضرة مع تجارة هنا، ثم قال: عاصم، تلا ذلك، أو التقدير عاصم تلا حاضرة معها، أى نصبهما، وأجاز الناظم مع هاهنا، أى مع الحرف الذى هاهنا، فوجه النصب فى الموضعين، جعل كان ناقصة، واسمها مضمر: يعنى الأموال ذات تجارة، ومن رفع جعلها تامة، وقيل: إنها أيضا هنا ناقصة، والخبر تديرونها، ويجوز أن يقدر فى النساء دائرة بينكم، والله أعلم.
541 [و (حقّ) رهان ضمّ كسر وفتحة
وقصر ويغفر مع يعذّب (سما) العلا]
أى: حق جمع رهان أن يكون مضموم الراء والهاء، وأن تحذف ألفه، وهو المراد بقوله: وقصر فيقال:
رهن، يشير إلى أن رهن جمع رهان، وهو قول الأكثر، ورهان جمع رهن، وهو قياس جمعه، كفرخ وفراخ وبغل وبغال، وكبش وكباش، والرهن فى الأصل مصدر، ثم استعمل استعمال الكتاب، فكما يسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المرهون رهنا، وقيل: رهن أيضا جمع رهن كسقف وسقف، وأما قوله تعالى:
{(فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [4]).
__________
(1) سورة المائدة، آية: 95.
(2) سورة النساء، آية: 29.
(3) سورة البقرة، آية: 282.
(4) سورة البقرة، آية: 284.(2/378)
فقرئتا بالجزم عطفا على:
{(يُحََاسِبْكُمْ)}.
وبالرفع قرأ ابن عامر وعاصم على الاستئناف، أى فهو يغفر ويعذب، ثم ذكر تتمة رمز الجزم فقال:
542 [(ش) ذا الجزم والتّوحيد فى وكتابه
(ش) ريف وفى التّحريم جمع (ح) مى (ع) لا]
شذا فاعل سما فى البيت الماضي، والعلا مفعول، أى: طال شذا جزم يغفر مع يعذب العلا، والشذا حدة الطيب، وتوحيد الكتاب هنا أريد به القرآن، أو جنس الكتاب، وفى التحريم أريد به الإنجيل أو الجنس، ولم يقرأ بالجمع فى التحريم إلا أبو عمرو وحفص، لأنه ليس معه، ورسله بخلافه هنا، وروينا فى جزء المخزومى عن على بن عاصم قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ:
{(وَصَدَّقَتْ بِكَلِمََاتِ رَبِّهََا وَكُتُبِهِ} [1]).
ويقول الكتاب أكثر من الكتب، قال على بن عاصم: فسألت أهل العربية، فقالوا الكتاب جماع الجميع قلت: كأنهم أشاروا إلى أن الكتاب مصدر، فجميع الكتب كتابه: المشهورة وغير المشهورة، ووجه قراءة من جمع فى البقرة وأفرد فى التحريم، أنه نظر إلى من أسند الفعل إليه فى الموضعين، وهو فى البقرة مسند إلى المؤمنين، ومؤمنو كل زمان لهم كتاب يخصهم، وفى التحريم الفعل مسند إلى مريم وحدها، فأشير إلى الكتاب المنزل فى زمانها، ووجه الجمع أن قبلها:
{(بِكَلِمََاتِ رَبِّهََا)}.
وفى البقرة قبلها:
{(وَمَلََائِكَتِهِ} وبعدها {وَرُسُلِهِ} [2]).
543 [وبيتى وعهدى فاذكرونى مضافها
وربّى وبى منّى وإنّى معا حلا]
أى فى هذه السورة من ياءات الإضافة المختلف فى فتحها وإسكانها على ما تقرر فى بابها ثمانى ياءات، وإنما ذكر فى آخر كل سورة ما فيها من ياءات الإضافة، لأنه لم ينص عليها بأعيانها فى بابها، وإنما ذكرها على الإجمال فبين ما فى كل سورة من الياءات المختلف فيها لتنفصل من المجمع عليها، ويأخذ الحكم فيما يذكره من الياءات السابق فى أحكامها، ولم يذكر الزوائد، لأنها كلها منصوص عليها بأعيانها فى بابها، وصاحب التيسير لما لم ينص على الجميع بأعيانها فى البابين احتاج إلى ذكر الأمرين فى آخر كل سورة، وبيان حكم كل ياء منها فتحا وإسكانا، حذفا وإثباتا، وزاد بعض المصنفين فى آخر كل سورة ذكر ما فيها من كلمات الإدغام الكبير مفروشة
__________
(1) سورة التحريم، آية: 12.
(2) سورة البقرة، آية: 285.(2/379)
أما الياءات الثمانى المنصوصة، فنشرحها ونبين أحكامها استذكارا لما سبق بيانه، قوله تعالى:
{(بَيْتِيَ لِلطََّائِفِينَ} [1]).
فتحها نافع وهشام وحفص:
{(عَهْدِي الظََّالِمِينَ} [2]).
سكنها حمزة وحفص:
{(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [3]).
فتحها ابن كثير وحده:
{(رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي} [4]).
سكنها حمزة وحده:
{(بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [5]).
فتحها ورش وحده:
{(مِنِّي إِلََّا مَنِ اغْتَرَفَ} [6]).
فتحها نافع وأبو عمرو:
(إنّى أعلم ما لا تعلمون (7) إنّى أعلم غيب السّماوات (8)).
فتحها الحرميان وأبو عمرو، فهذا معنى قوله: وإنى معا، أى تكررت مرتين، وحلا: أى هى حلا.
وفى هذه السورة من ياءات الزوائد ثلاث ياءات:
{(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} [9]).
أثبتها أبو عمرو وورش فى الوصل، وقالون على رواية:
{(وَاتَّقُونِ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ} [10]).
أثبتها أبو عمرو وحده فى الوصل، وكنت قد طلب منى نظم الزوائد فى أواخر السور تبعا لياءات الإضافة، ففعلت ذلك فى نيف وعشرين بيتا سيأتى ذكرها مفرقة فى أواخر السور التى تكون فيها، وقلت فى آخر سورة البقرة بيتا ابتدأته بعد ياءات الإضافة المنظومة، وهو:
فتلك ثمان والزوائد واتقو ... ن من قبلها الداعى دعانى قد انجلا
والله أعلم.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 125.
(2) سورة البقرة، آية: 124.
(3) سورة البقرة، آية: 152.
(4) سورة البقرة، آية: 358.
(5) سورة البقرة، آية: 186.
(6) سورة البقرة، آية: 149.
(7) سورة البقرة، آية: 30.
(8) سورة البقرة، آية: 33.
(9) سورة البقرة، آية: 186.
(10) سورة البقرة، آية: 197.(2/380)
(سورة آل عمران)
مدنية: مائتا آية 544 [وإضجاعك التّوراة (م) اردّ (ح) سنه
وقلّل (ف) ى (ج) ود وبالخلف (ب) لّلا]
الإضجاع من ألفاظ الإمالة، وأميلت ألف التوراة، لأنها بعد راء، وقد وقعت رابعة فأشبهت ألف التأنيث، كتترى والنصارى فلهذا قال: ما رد حسنه، وقيل الألف منقلبة عن ياء، وأصلها تورية، من ورى الزند، وهذا تكلف ما لم تدع إليه حاجة، ولا يصح، لأن إظهار الاشتقاق إنما يكون فى الأسماء العربية، والتوراة والإنجيل من الأسماء الأعجمية. قوله: وقلل فى جود يعنى أميل إمالة قليلة، وهى التى يعبر عنها بقولهم: بين بين، وبين اللفظين، وقد سبق الكلام فى تحقيقها فى باب الإمالة، والجود: المطر الغزير، أى فى شهرة واستحسان كالجود الذى تحيا به الأرض، يشير إلى أن التقليل محبوب مشهور فى اللغة، وبالخلف بللا، يعنى قالون، لأنه لم يدم على التقليل، فهو دون الجود، إذ كان مرة يفتح ومرة يقلل، فاختلف الرواة عنه لذلك وهذا الموضع من جملة ما الحكم فيه عام، ولم ينبه عليه الناظم، لأن إمالة التوراة لا تختص بما فى هذه السورة، وكان موضع ذكرها باب الإمالة، ولو ذكرها فيه لظهر إرادة العموم، لأنه ليس بعض السور بأولى به من بعض، كما ذكر، ثم ألفاظا كثيرة، وعمت كقوله: وإضجاع أنصارى وآذانهم طغيانهم وإنما ذكر إمالة التوراة هنا موافقة لصاحب التيسير، ولكن صاحب التيسير قال: فى جميع القرآن، فزال الإشكال، وظاهر إطلاق الناظم يقتضى الاقتصار على ما فى هذه السورة، على ما سبق تقريره مرارا، ومن الدليل على أن من عادته بالإطلاق الاقتصار على ما فى السورة التى انتظم فيها، وإذا أراد العموم نص عليه بما يحتمل ذلك. قوله فى أوّل سورة المؤمنين أماناتهم وحد، وفى سال داريا، ثم قال: صلاتهم شاف، فأطلق، وفى سأل أيضا صلواتهم ولا خلاف فى إفراده، فلما لم يكن فيها خلاف أطلق، لعلمه: أن لفظه لا يتناولها إلا بزيادة قيد، ولما عم الخلاف فى أماناتهم قيد، فقال: وفى سال، وفى هذه السورة موضعان آخران عم الحكم فيهما، ولم ينبه عليهما، وهما هأنتم وكأين كما سيأتى، وكان يمكن أن يقول هنا: أمل جملة التوراة مارد حسنه، والله أعلم.
545 [وفى تغلبون الغيب مع تحشرون (ف) ى
(ر) ضا وترون الغيب (خ) صّ وخلّلا]
فى رضى: فى موضع نصب على الحال من الغيب، أو فى موضع رفع خبرا له، أى الغيب مستقر فى هذين اللفظين كائنا فى وجه مرضى به، أو الغيب فيهما كائن فى رضى، والغيب، والخطاب فى مثل واحد كما تقول:
قل لزيد يقوم، وقل لزيد قم، وقد تقدم مثله فى البقرة:
{(لََا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ} [1]).(2/381)
قل لزيد يقوم، وقل لزيد قم، وقد تقدم مثله فى البقرة:
{(لََا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ} [1]).
بالتاء وبالياء، وقد جاء فى القرآن العزيز الغيب وحده فى قوله تعالى:
{(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ} [2]).
والخطاب وحده فى قوله سبحانه:
{(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرََابِ سَتُدْعَوْنَ} [3]).
وقيل: ليقول لهم اليهود، والإخبار عن مشركى مكة، وقوله: ويرون الغيب: ويرون مبتدأ، والغيب بدل منه بدل الاشتمال، أى وغيب يرون خص، ويجوز أن يكون الغيب خص: مبتدأ وخبرا، وهما خبر يرون، والعائد محذوف، أى الغيب فيه، وخلل بمعنى خص، وإنما جمع بينهما تأكيدا لاختلاف اللفظين، كقول عنترة: ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
يريد قوله ({يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} (4)).
أى خص الذين حضروا القتال، فهم الذين رأوا الخطاب، قيل لليهود، وقيل لمن غاب عن الوقفة من المسلمين أو المشركين، فلم يختص الرائى على قراءة الخطاب بالحاضرين، فالمعنى على قراءة الغيب: يرى المشركون المسلمين مثلى المشركين، أو مثلى المسلمين، أو يرون أنفسهم مثلى المسلمين، أو يرى المسلمون المشركين مثلى المسلمين، وذلك أيضا تقليل، لأنهم كانوا أكثر من ثلاثة أمثالهم، أو يرون أنفسهم مثلى المشركين، وعلى قراءة الخطاب: يحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين، أى ترون المشركين ببدل مثلى المسلمين الحاضرين لها، أو ترون المسلمين الحاضرين مثلى المشركين. أو ترون المسلمين مثلى المسلمين تكثيرا لهم، ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين، أى: ترون المسلمين مثلى المشركين، ترغيبا لهم، أو ترون المشركين مثلى المسلمين حقيقة، ومع هذا نصر المسلمون عليهم، ويحتمل أن يكون الخطاب لليهود، أى ترون المشركين مثلى المسلمين حقيقة، أو ترون المسلمين مثلى المشركين: آية من الله تعالى، أو ترون المسلمين مثلى المسلمين، وعلى الجملة فهذه الوجوه كلها ما كان منها دالا على التقليل من الطريقين فهو على وفق ما كان فى سورة الأنفال من قوله تعالى:
{(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [5]).
وما كان منها دالا على التكثير، فوجه الجمع بين الآيتين أن التكثير وقع بعد التقليل، وكان حكمة تقليل المسلمين أولا أن لا يكترث لهم الكفار ويستهينوا أمرهم، فلا يكثروا الاستعداد لهم، وحكمة تقليل المشركين ظاهرة، وهى أن لا يهابهم المسلمون، ولا يرغبوا بسبب كثرتهم، فلما حصل الغرض من الجانبين، والتقى الجمعان، كثر الله تعالى المسلمين فى أعين الكفار ليجتنبوا عنهم، فينهزموا، وليس بقوى عندى فى معنى هذه الآية، إلا أن المراد تقليل المسلمين وتكثير المشركين، فهو موضع الآية التى ذكرها الله سبحانه بقوله:
__________
(1) سورة البقرة، آية: 83.
(2) سورة الأنفال، آية: 38.
(3) سورة الفتح، آية: 16.
(4) سورة آل عمران، آية: 13.
(5) آية: 44.(2/382)
{(قَدْ كََانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتََا} [1]).
ويدل عليه قوله بعد ذلك:
{(وَاللََّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشََاءُ)}.
أى ليس ذلك بسبب قلة ولا كثرة، فلا تغتروا بكثرتكم، فإن النصر من عند الله، والهاء فى ترونهم للكفار سواء قرئ بالغيب أو الخطاب، والهاء فى مثليهم للمسلمين. فإن قلت: إن كان المراد هذا فهلا قيل: يرونهم ثلاثة أمثالهم، وكان أبلغ فى الآية، وهى نصر القليل على هذا الكثير، والعدة كانت كذلك، أو أكثر قلت أخبر عن الواقع، وكان آية أخرى مضمومة إلى آية النصر، وهى تقليل الكفار فى أعين المسلمين، وقللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم، وهو أن الواحد من المسلمين يغلب الاثنين، فلم تكن حاجة إلى التقليل أكثر من هذا، وفيه فائدة وقوع ما ضمن لهم من النصر فى ذلك، والله أعلم.
546 [ورضوان اضمم غير ثانى العقود كس
ره (ص) حّ إنّ الدّين بالفتح رفّلا]
ضم الراء وكسرها فى رضوان: لغتان. قيل: الضم لبنى تميم، والكسر لأهل الحجاز، وأجمع على كسر الثانى فى سورة المائدة، وقوله تعالى:
{(مَنِ اتَّبَعَ رِضْوََانَهُ سُبُلَ السَّلََامِ} [2]).
والأول فيه الخلاف وهو:
{(يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوََاناً)}.
والأولى فى البيت أن يكون: ورضوانا اضمم بالنصب، فهو مثل زيدا اضرب، وليس تصح إرادة الحكاية هنا، لأن لفظ رضوان المختلف فيه جاء بالحركات الثلاث، فرفعه نحو: ما فى هذه السورة، ونصبه نحو الأول فى المائدة. وجره مثل نحو:
{(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوََانٍ} [3]).
فإذا لم تستقم إرادة لفظ واحد منها على الحكاية تعين أن يسلك وجه الصواب فى الإعراب، وهو النصب:
{(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللََّهِ الْإِسْلََامُ} [4]).
بالفتح رفل: أى عظم. يعنى فتح همزة إن ووجهه: جعله بدلا من قوله:
{(أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [5]).
قال أبو على: فيكون البدل من الضرب الذى الشيء فيه هو هو، ألا ترى أن الدين هو الإسلام: يتضمن
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 13.
(2) سورة المائدة، آية: 16.
(3) سورة التوبة، آية: 21.
(4) سورة آل عمران، آية: 190.
(5) سورة آل عمران، آية: 15.(2/383)
التوحيد، والعدل، وهو هو فى المعنى. قال: وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل. قال: وإن شئت جعلته بدلا من القسط، لأن الدين الذى هو الإسلام: قسط وعدل، فيكون من البدل الذى الشيء فيه هو هو، وقيل: إن الدين مفعول شهد الله، وقيل: إن الدين معطوف على أنه، وحرف العطف محذوف، والبدل أوجه هذه الأوجه، ووجه الكسر الاستئناف، لأن الكلام الذى قبله قد تم والله أعلم.
547 [وفى يقتلون الثّان قال يقاتلو ... ن حمزة وهو الحبر ساد مقتّلا]
يعنى {(وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ} [1]).
واحترز بقوله: اثنان عن الأول، وهو:
{(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [1]).
فلا خلاف فيه أنه من قتل، وأما الثانى فقرأه حمزة: من قاتل، ثم أثنى على حمزة بقوله، وهو الحبر: أى العالم، يقال بفتح الحاء وكسرها، والمقتل والمجرب للأمور، وهو حال من فاعل ساد العائد على حمزة، بشير إلى شيخوخته وخبرته بهذا العلم، يقال: رجل مقتل: إذا كان قد حصلت له التجارب فتعلم وتحنك بها، والله أعلم.
548 [وفى بلد ميت مع الميت خفّفوا ... (ص) فا (نفرا) والميتة الخفّ خوّلا]
أى الخلف وقع فى هذين اللفظين حيث أتيا. قال فى التيسير: الحى من الميت، والميت من الحى، وإلى بلد ميت، وشبهه إذا كان قد مات والتخفيف والتثقيل فى مثل هذا لغتان. قال الشاعر: فجمع بين اللغتين:
إنما الميت ميّت الأحياء
وقوله: صفا نفرا: نصب نفرا على التمييز، وقد استعمل هذا اللفظ بعينه فى موضعين آخرين، أحدهما فى أواخر هذه السورة فى: ومتم ومت، فقال فيه: صفا نفر، بالرفع على الفاعلية. والموضع الآخر فى سورة التوبة، ترجئ همزة صفا نفر بالجر على الإضافة، وقصر صفا الممدود. وقوله: والميتة الخف الخف: يقع فى بعض النسخ منصوبا، وفى بعضها مرفوعا. فوجه النصب أن يكون مفعولا ثانيا، لقوله: خولا، أى ملك هذا اللفظ الخف، من قولهم: خوله الله الشيء إذا ملّكه إياه، ووجه الرفع أنه مبتدأ ثان، والعائد إلى الأول محذوف، أى الخف فيه، كقوله:
«السمن منوان بدرهم»: أى: التخفيف فيه خوّل أى حفظ، من خال الراعى يخول فهو خائل، إذا حفظ، والتشديد للتكثير، ويجوز أن يكون الخف صفة الميتة، أى انفرد نافع بتثقيله، وأشار بقوله:
خولا، أى حفظ إلى أن لفظ الميتة الذى وقع فيه الخلاف معروف مشهور، بين القراء وهو الذى فى سورة يس {(وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [3]).
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 21.
(3) آية: 33.(2/384)
ولا شك أن إطلاق الناظم لفظ الميتة يلبس على المبتدئ بقوله:
{(الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [1]).
فى سورتى المائدة والنحل، أما الذى فى البقرة فلا يلبس، لأنه تعداه، ولم يذكره، فدل على أنه غير مختلف فيه، وقول من قال: لما لم يذكر الذى فى البقرة علم أنه لا خلاف فيه، ولا ما كان من نوعه غير مستقيم، فكم من ألفاظ متفقة وقع الخلاف فى بعضها على ما نظم، نحو بسطة فى البقرة (2) بالسين اتفاقا، وفى الأعراف تقرأ بالصاد والسين (3) ولو كان أخر ما فى يس إلى سورته لكان أولى، وليته ذكره فى الأنعام، كما فعل صاحب التيسير والله أعلم.
549 [وميتا لدى الأنعام والحجرات (خذ)
وما لم يمت للكلّ جاء مثقّلا]
يريد قوله تعالى {أَوَمَنْ كََانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنََاهُ} أن يأكل لحم أخيه ميتا انفرد نافع أيضا بتثقيلهما كالميتة فى يس، ثم أخذ يذكر ما أجمعوا على تثقيله، فقال: هو ما لم يمت، أى ما لم يتحقق فيه بعد صفة الموت، كقوله: وما هو بميت:
{(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [4] {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذََلِكَ لَمَيِّتُونَ} [5]).
وكذلك أجمعوا على تخفيف الميتة فى غير يس، وذلك فى البقرة والمائدة والنحل و {إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً}
فى الأنعام وفيها:
{(إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكََاءُ} [6] وفى ق {وَأَحْيَيْنََا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} [6]).
ونحوه، فقول صاحب التيسير فى ضبط ما وقع فيه الخلاف: إذا كان قد مات، يرد عليه هذا الذى أجمع على تخفيفه، والناظم أخذ مفهوم عبارة صاحب التيسير فقال: وما لم يمت للكل جاء مثقلا، ولم يتعرض لما أجمعوا على تخفيفه، وتعرض له مكى، فقال: لم يختلفوا فى تشديد ما لم يمت، ولا فى تخفيف ما هو نعت لما فيه هاء التأنيث، نحو:
{(بَلْدَةً مَيْتاً)}.
فقد بان أن ما أجمع عليه منه ما ثقل، ومنه ما خفف، وقلت بدل هذا البيت بيتا نبهت فيه على ذلك وبينت ما وقع فيه الخلاف من الميتة، وهو بعد قوله: والميتة الخف خولا:
بياسين فى الأنعام ميتا خذوا وفو ... ق ق وباقى الباب خف وثقلا
__________
(1) سورة المائدة، آية: 3والنحل آية: 115.
(2) سورة البقرة، آية: 247والأعراف، آية: 69.
(3) سورة الزمر، آية: 30.
(4) سورة المؤمنون، آية: 15.
(5) سورة الأنعام، آية: 139.
(6) سورة ق، آية: 11.(2/385)
أى هذه مواضع الخلاف قد لعن عليها، وما عدا ذلك مجمع عليه، لكن بعضه وقع الاتفاق على تحقيقه وبعضه على تشديده، والله أعلم.
ووقع فى كتاب السبعة لابن مجاهد، تخفيف سائر القرآن مما لم يمت، زاد فى نسخة كقوله: وإن يكن ميتة وبلدة ميتا، ونحوه:
550 [وكفّلها الكوفى ثقيلا وسكّوا
وضعت وضمّوا ساكنا (ص) حّ (كفّلا]
أى يقرؤه الكوفى ثقيلا، أى كفلها الله زكريا، وقرأ الجماعة على إسناد الفعل إلى زكريا، وهو موافق لقوله تعالى:
{(أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [1]).
وقراءة وضعت بإسكان العين وضم الفاء على إخبار أم مريم عليها السلام، عن نفسها، وقراءة وضعت بفتح العين، وسكون التاء إخبار من الله تعالى عنها، وليس الضمير فى سكنوا، ولا فى ضموا عائد على الكوفى، وإنما يعودان على مطلق القراءة، ولو قال:
وكفلها الكوفى ثقيلا وضعت سا ... كن العين واضمم ساكنا صح كفلا
لارتفع هذا الوهم، وكفلا: جمع كافل، وهو منصوب على التمييز، والله أعلم.
551 [وقل زكريّا دون همز جميعه ... (صحاب) ورفع غير شعبة الأوّلا]
أى دونه جماعات يقومون بنقله ودليله، والعرب تنطق بزكريا ممدودا ومقصورا، وهو اسم أعجمى، ومن عادتهم كثرة التصرف فى الألفاظ الأعجمية، ويقال أيضا: زكرى، وزكر، بالصرف فيهما لإلحاق الأول بالنسب، فهو كصرف: معافرى، ومدائنى، ولخفة الثانى بإسكان الوسط، فهو كنوح ولوط وغير شعبة من الذين همزوا زكريا، رفعوا الأول، وهو قوله تعالى:
{(وَكَفَّلَهََا زَكَرِيََّا} [2]).
على أنه فاعل وكفلها، وشعبة نصبه على أنه مفعول به، لأنه يقرؤه، وكفلها بالتشديد، وقوله غير شعبة مبتدأ، ورفع: خبره، أى ذو رفع، وقيل غير فاعل رفع، والأوّلا: مفعول رفع لأنه مصدر، والله أعلم.
552 [وذكّر فناداه وأضجعه (ش) اهدا
ومن بعد أنّ الله: بكسر (ف) ى (ك) لا]
إسناد الفعل إلى الجماعة يجوز تذكيره وتأنيثه، فلما ذكر حمزة والكسائى فناداه الملائكة، أمالا ألفه على أصلها فى إمالة ذوات الياء، ولهذا قال: شاهدا، أى شاهدا بصحته، وإن الله من بعد فناداه، يعنى:
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 44.
(2) سورة آل عمران، آية: 27.(2/386)
{(أَنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ََ} [1]).
يكسر فى كلأ، أى فى حراسة وحفظ، والكسر على تقديره، فقالت إن الله أو يكون أقام النداء مقام القول، فكسر أن بعده، ومن فتح فعلى تقدير فنادته بأن الله: أى بهذا اللفظ، ثم حذف الجار، وحذفه من نحو هذا شائع، لكن: هل تبقى:
(إنّ).
وما بعدها فى موضع نصب أو جر، فيه خلاف بين النحويين، وهذه العبارة فى قوله:
{(أَنَّ اللََّهَ)}.
يكسر فى النفس منها نفرة، وكذا قوله فى أول براءة:
{(لََا أَيْمََانَ)}.
عند ابن عامر، والأولى فتح همزة أيمان هناك، أو يقال ويفتح لا أيمان إلا لشامهم ويقال هنا ويكسر أن الله من بعد فى كلا، والله أعلم.
553 [مع الكهف والإسراء يبشر (ك) م (سما)
(ن) عم ضمّ حرّك واكسر الضّمّ أثقلا]
أى: لفظ يبشر هنا، وفى سورتى الإسراء والكهف، أما فى آل عمران فموضعان:
{(أَنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ََ} [1]).
{(إِنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [3]).
وفى أول الإسراء والكهف:
{(وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} [4]).
الخلاف فى هذا الفعل المضارع فى هذه الأربعة، هل هو مضارع فعل بتخفيف العين، كخرج أو مضارع فعل بتشديدها، كسوّل، وهما لغتان، إلا أن المشدد مجمع عليه فى القرآن فى الفعل الماضى والأمر:
{(وَبَشَّرْنََاهُ بِإِسْحََاقَ} [5] {فَبَشِّرْهُ بِعَذََابٍ} [6]).
فهذا مما يقوى التشديد فى المضارع وقال الشاعر:
بشرت عيالى إذ رأيت صحيفة وأنشد أبو على: فأعنهم وأبشر بما بشروا به
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 39.
(3) سورة آل عمران، آية: 45.
(4) سورة الكهف، آية: 2.
(5) سورة الصافات، آية: 112.
(6) سورة لقمان، آية: 7.(2/387)
وحكى لغة ثالثة: أبشر يبشر، كأكرم يكرم، فالبشر والإبشار، والتبشير: ثلاث لغات فيه، ويقال:
بشر بكسر الشين، وأبشر كأدبر، إذا سرّ وفرح، وأنشد الجوهرى بيت أبى على بفتح الشين فى الأمر وكسرها فى الماضى، وأبشر بالهمز مطاوع، وبشر، ومنه قوله تعالى:
{(وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [1]).
وكان المعنى والله أعلم: بشروا أنفسكم بها، وكم فى قوله كم سما خبرية أى سما سموا كثيرا، وتقديره:
كم مرة سما، ونعم: جواب سؤال مقدر، كأنه قيل له صف ما شأنه، فقال: نعم، فهو مثل قوله فيما سبق، نعم إذ تمشت، وأراد ضم الياء وفتح الباء، لأنه أطلق التحريك وكسر الشين، لأنها هى المضمومة فى قراءة التخفيف، وأراد بالضم المضموم، أى ذا الضم، وأثقلا: حال منه، أى فى حال كونه ثقيلا، أى يصير مكسورا مشددا، والله أعلم.
554 [(ن) عم (عمّ) فى الشّورى وفى التّوبة اعكسوا
لحمزة مع كاف مع الحجر أوّلا]
أى عم هذا الحكم فى الشورى، وهو التثقيل، وهو قوله تعالى:
{(ذََلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللََّهُ عِبََادَهُ} [2]).
وافق أبو عمرو وابن كثير فيه من خفف، ووافق ابن عامر فيه من شدد، وقرأ حمزة وحده بعكس التثقيل يعنى بالتخفيف فى التوبة:
{(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} [3]).
وفى مريم، وهى المرادة بقوله مع كاف، لأن أولها كهيعص كما تسمى سورة ص وق ون بالحرف الذى فى أولها، وصرفه ضرورة، وقد ترك صرفه فى قوله: وكم صحبة يا كاف، وفى كاف فتح اللام، وكذا استعمل ص فقال هشام بصاد حرفه متحملا، وفى ص غيطلا، وفيها موضعان:
{(يََا زَكَرِيََّا إِنََّا نُبَشِّرُكَ} [4]).
وفى آخرها:
{(لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} [5]).
والأول الذى فى الحجر:
{(إِنََّا نُبَشِّرُكَ بِغُلََامٍ} [6]).
واحترز بقوله: أولا عن الثانى، وهو:
__________
(1) سورة فصلت، آية: 30.
(2) سورة الشورى، آية: 23.
(3) سورة التوبة، آية: 21.
(4) سورة مريم، آية: 7.
(5) سورة مريم، آية: 97.
(6) سورة الحجر، آية: 53.(2/388)
{(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [1]).
ولا خلاف فى تشديده، فهذه المواضع الأربعة خففها حمزة وحده. فقد صار الخلاف فى تسعة مواضع منها فى آل عمران موضعان، وفى التوبة، والحجر، والإسراء، والكهف، والشورى، منها واحد بالتاء، وهو آخر مريم، واثنان بالنون فى الحجر، وأول مريم، والبواقى بالياء.
555 [نعلّمه بالياء (ن) صّ (أ) ئمّة
وبالكسر أنّى أخلق اعتاد أفصلا]
الخلاف فى {(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتََابَ} [2]).
بالنون والياء ظاهر، ونص أئمة: خبره، أى هو منصوص عليه للأئمة، ويجوز نصبه مثل: كتاب الله.
وصبغة الله، والكسر فى:
{(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ} [3]).
على الابتداء، فلا يبقى له تعلق بما قبله، فلهذا قال: اعتاد أفصلا أو:
{(أَنِّي أَخْلُقُ)}.
مبتدأ، وبالكسر خبره، واعتاد بمعنى تعود، والضمير فيه راجع إلى الكسر، ويجوز أن يعود إلى:
{(أَنِّي أَخْلُقُ)}.
فيكون بالكسر حالا منه، أى هو بالكسر اعتاد الفصل، وأفصلا بمعنى فاصلا، وهو حال أو فى موضع المصدر كقوله ولا خارجا من فىّ ذور كلام، أى اعتاد فصلا، أى اعتاد الكسر أو المكسور وهو أنى.
أن يفصل ما بعده مما قبله فيجوز على قراءة الكسر الوقف على:
{(بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [4]).
ثم يبتدئ بقوله أنى أخلق إما استئنافا وإما تفسيرا. فموقعها كموقع قوله:
{(خَلَقَهُ مِنْ تُرََابٍ)}.
بعد قوله:
{(كَمَثَلِ آدَمَ} [5]).
ووجه قراءة الفتح: البدل من:
{(أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ)}.
__________
(1) سورة الحجر، آية: 54.
(2) سورة آل عمران، آية: 48.
(3) سورة آل عمران، آية: 49.
(4) سورة آل عمران، آية: 49.
(5) سورة آل عمران، آية: 59.(2/389)
أو من آية فى قوله:
{(بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)}.
أو خبر مبتدأ محذوف، أى هى أنى أخلق فيكون فى موضع نصب أو جر أو رفع 558 [وفى طائرا طيرا بها وعقودها
(خص) وصا وياء فى نوفّيهم (ع) لا]
أى قرءوا طيرا فى موضع طائر، هنا وفى المائدة، دون غيرهما وأشار إلى ذلك بقوله: خصوصا، وهو مصدر، والطائر مفرد، والطير اسم جمع، ويقع على المفرد، وجمعه طيور وأطيار. وجمع طائر: أيضا أطيار كصاحب وأصحاب، وأما:
{(فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ)}.
فالياء فيه والنون ظاهران.
557 [ولا ألف فى ها هأنتم (ز) كا (ج) نا
وسهّل (أ) خا (ح) مد وكم مبدل (ج) لا]
هذا من جملة المواضع التى الحكم فيها عام، ولم يبينه، بل أطلقه فيوهم إطلاقه أنه مختص بسورته فقط، وصاحب التيسير وغيره قالوا: حيث وقع، واستعمل الناظم «لا» بمعنى: ليس، فارتفع ألف بعدها، وقوله فى ها:
(هأنتم).
أى لا ألف فى لفظ ها، من:
(هأنتم (1)).
ويشكل على هذا التأويل أنه لفظ ب «هأنتم» بغير ألف، وجوابه، أنه أراد فى لفظ هامن ها أنتم الذى صار لفظه بعد حذف الألف منه:
(هأنتم (2)).
وحذف هذا المقدر كله للعلم به، فهو قريب من قوله: وفى بلد ميت مع الميت خففوا، أى خففوا المثقل حتى صار على هذا اللفظ، وكذا قوله: قل: سارعوا، لا واو وقل قال موسى، واحذف الواو، أى:
احذفها من:
{(وَقََالَ الَّذِي} [3]).
__________
(1) سورة النساء، آية: 109.
(2) سورة النمل، آية: 4.
(3) سورة طه، آية: 71.(2/390)
صار بعد الحذف، قال: ويجوز أن يكون أراد فى ها ها أنتم وقصر الممدود، أى الألف بعدها هاء ها أنتم ووجه التجوّز فى التعبير عن ذلك بحرف «فى» أن الألف لما كانت عقيب الهاء تجوز لشدة القرب بأن جعلها فيها قريبا من قوله تعالى:
{(وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)}.
وهذا الوجه أوفق للفظة أنتم بغير ألف، ولو قال: وها أنتم اقصر حيث جا. زكا. جنا لخلص الكلام من هذا التكلف فى تأويله، وجنا فى موضع نصب على التمييز، وأخا حمد: حال أو منادى على حذف حرف الندا، ومعنى البيت من جهة القراءة أن الألف فى قراءة قنبل وورش محذوف، والباقون أثبتوا الألف، إلا أن نافعا وأبا عمرو سهلا الهمزة، أى جعلاها بين بين، فهى فى قراءة أبى عمرو وقالون واقعة مسهلة بعد الألف وفى قراءة ورش مسهلة بعد الهاء، إذ الألف فى قراءته والهمزة المفتوحة بعد الألف كالمفتوحة بعد مفتوح، قياس تسهيلهما أن تجعلا بين بين، وجماعة من أهل الأداء وشيوخ الإقراء أبدلوها له ألفا، وهذان الوجهان لورش هما كما سبق له فى باب الهمزتين من كلمة، فى قوله عن الهمزة الثانية.
وقل ألفا عن أهل مصر تبدلت ... لورش وفى بغداد يروى مسهلا
وقراءة قنبل على نحو: فعلتم، نحو: هزمتم، وهشمتم، وكذا يكون وزن قراءة ورش على وجه التسهيل لأن الهمزة المسهلة بزنة المحققة فيما يرجع إلى الوزن، ووزن قراءة الباقين فاعلتم نحو قاتلتم وضاربتم إلا أن غير قالون وأبى عمرو، وهم: الكوفيون وابن عامر والبزى حققوا الهمزة. ثم أخذ يبين هذه الكلمة ويشرحها على ما تقرر من أصولهم، وفى عبارة صاحب التيسير عن قراءة نافع وأبى عمرو إشكال، فإنه قال نافع وأبو عمرو وها أنتم حيث وقع بالمد من غير همز وكذا قال شيخه أبو الحسن بن غلبون. ومكى وكأنهم يعنون من غير همز محقق. بل هو مسهل بين بين، وكذلك شرحه أبو على الفارسى رحمه الله، وصرحه مكى فى الكشف قال: وبين بين أموى فى العربية فى ذلك كله لورش، ثم قال: الدانى وورش أقل مدا، وهذا هو الوجه الثانى له الذى أبدل فيه الهمزة ألفا، قال المهدوى: أبدلها ورش ألفا وحذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين، وقال صاحب الروضة: قرأ أهل المدينة وأبو عمرو هأنتم بتليين الهمزة، والباقون بتحقيقها، وكلهم أثبتوا ألفا قبل الهمزة إلا ابن مجاهد عن قنبل، فإنه حذفها، وكان نافع فى غير رواية ورش أقصرهم مدا وفى كتاب أبى عبيد: قرأ أهل المدينة وأبو عمرو هأنتم غير ممدودة ولا مهموزة فى جميع القرآن، وكان حمزة والكسائى يقرءانها بالمد والهمز معا، قال: وكذلك نقرؤها بالإشباع والتحقيق. قلت: وهذا خلاف ما نقله الجماعة من المد لأبى عمرو وقالون، والله أعلم.
558 [وفى هائه التّنبيه (م) ن (ث) أبت (هـ) دى
وإبداله من همزة (ز) ان (ج) مّلا]
يعنى الهاء من ها أنتم فيها معنى التنبيه فى قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزى لأن لفظ ها، من حروف التنبيه، وهو يدخل على أسماء الإشارة، وعلى الضمائر، فيكون داخلا هنا على الضمير الذى هو: أنتم، كما تقول: ها أنت فعلت كذا، ودل على أنها للتنبيه فى قراءة هؤلاء كونهم مدوا بعد الهاء، وليس من مذهبهم
المد بين الهمزتين، بخلاف غيرهم، وقوله: من ثابت: متعلق بالتنبيه، وهدى تمييز، مثل: زكا جنا، أى ثابت هداه، يعنى المتكلم ب (ها أنتم) وهو الله جل وعز، ثم قال: وإبداله: أى إبدال الهاء من همزة زان وجمل فجملا معطوف على زان، بإسقاط حرف العطف، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر، أى الهاء فى ها أنتم على قراءة قنبل وورش، تكون بدلا من همزة الاستفهام، والأصل: أأنتم، لأنهما مما مدا بعد الهاء، ولو كانت للتنبيه لأتوا بألف ها، والهاء تبدل من الهمز فى مواضع كثيرة، فيجوز أن يكون هذا منها، وإنما لم يسهل قنبل الثانية، لأنه قد أبدل الأولى هاء، فلم تجتمع همزتان، وسهل ورش اعتبارا بالأصل، أو كما سهل البزى فى {(لَأَعْنَتَكُمْ} [1]).(2/391)
558 [وفى هائه التّنبيه (م) ن (ث) أبت (هـ) دى
وإبداله من همزة (ز) ان (ج) مّلا]
يعنى الهاء من ها أنتم فيها معنى التنبيه فى قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزى لأن لفظ ها، من حروف التنبيه، وهو يدخل على أسماء الإشارة، وعلى الضمائر، فيكون داخلا هنا على الضمير الذى هو: أنتم، كما تقول: ها أنت فعلت كذا، ودل على أنها للتنبيه فى قراءة هؤلاء كونهم مدوا بعد الهاء، وليس من مذهبهم
المد بين الهمزتين، بخلاف غيرهم، وقوله: من ثابت: متعلق بالتنبيه، وهدى تمييز، مثل: زكا جنا، أى ثابت هداه، يعنى المتكلم ب (ها أنتم) وهو الله جل وعز، ثم قال: وإبداله: أى إبدال الهاء من همزة زان وجمل فجملا معطوف على زان، بإسقاط حرف العطف، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر، أى الهاء فى ها أنتم على قراءة قنبل وورش، تكون بدلا من همزة الاستفهام، والأصل: أأنتم، لأنهما مما مدا بعد الهاء، ولو كانت للتنبيه لأتوا بألف ها، والهاء تبدل من الهمز فى مواضع كثيرة، فيجوز أن يكون هذا منها، وإنما لم يسهل قنبل الثانية، لأنه قد أبدل الأولى هاء، فلم تجتمع همزتان، وسهل ورش اعتبارا بالأصل، أو كما سهل البزى فى {(لَأَعْنَتَكُمْ} [1]).
وقفا ووصلا، وهو كما يفعل حمزة فيهما فى الوقف على وجه، وكل ذلك جمع بين اللغات:
559 [ويحتمل الوجهين عن غيرهم وكم ... وجيه به الوجهين للكلّ حمّلا
أى ويحتمل الهاء فى قراءة غير من تقدّم، وهم أبو عمرو وقالون وهشام: أن تكون بدلا من همزة، لأن من مذهب هؤلاء الثلاثة المد بين الهمزتين من كلمة، كما سبق فى بابه، والألف هنا فى قراءتهم ثابتة، ومن مذهب أبى عمرو وقالون: التسهيل فى مثل هذا، وقد سهلا فكان من هذا الباب بدليل التسهيل والمد، ويحتمل أن تكون ها التى للتنبيه، والألف الثانية هى ألف ها، وإنما سهل أبو عمرو وقالون الهمز على خلاف أصلهما جمعا بين اللغتين، كما فعل البزى فى لأعنتكم ثم ذكر أن جماعة من القراء [من له وجاهة وقول مقبول] حمل الهاء على الوجهين لجميع القراء السبعة، فالهاء فى به للهاء والباء زائدة، وهذه الطريقة غير مذكورة فى التيسير ولكن قد ذكرها جماعة مثل مكى والمهدوى وأبى على الفارسى، وإن كانت هذه الطريقة ظاهرة فى بعض القراءات أكثر من بعض، وقد تقرر الوجهان فى مذهب الغير على ما ذكر، وأما احتمال التنبيه فى قراءة ورش وقنبل، فوجهه أن يقال: حذفت ألف ها تخفيفا، ولالتقاء الساكنين فى قول من أبدل لورش، وأما احتمال البدل فى قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزى فلا مانع منه إلا كونهم مدوا بين الهمزتين وهذا لا يضر جمعا بين اللغتين لأن الهمزة الأولى مقدرة منونة، وأريد بالمد الإشارة إلى ذلك، والذى استحسنه الجماعة أن تكون الهاء للتنبيه فى قراءة هؤلاء، قال المهدوى: إذ ليس أحد من القراء يدخل بين الهمزتين المفتوحتين من كلمة ألفا مع التحقيق فيقدر له هذا التقدير. قال مكى وهذا أولى بقراءة البزى، وعلى ذلك تحمل قراءة الكوفيين وابن عامر، إلا هشاما فإنه قد يدخل بين الهمزتين ألفا فى غير هذا، فيجوز أن يحمل هذا على أصله فى غيره، قلت: الأولى فى هذه الكلمة على جميع وجوه القراءات فيها أن تكون ها للتنبيه لأنا إن جعلنا الهاء بدلا من همزة، كانت تلك الهمزة همزة استفهام، وها أنتم أينما جاءت فى القرآن إنما هى للخبر لا للاستفهام ولا مانع من ذلك إلا تسهيل من سهل وحذف من حذف، أما التسهيل فقد سبق تشبيه بقوله لأعنتكم وشبهه، وأما الحذف فنقول:
ها مثل أما، كلاهما حرف تنبيه. وقد ثبت جواز حذف ألف أمّا، فكذا حذف ألف ها، وذلك قولهم:
أم والله لأفعلن، وقد حمل البصريون قولهم:
__________
(1) سورة البقرة، آية: 220.(2/392)
{(هَلُمَّ إِلَيْنََا} [1]).
على أن أصله ها لم، ثم حذفت ألفها فكذا ها أنتم.
560 [ويقصر فى التنبيه ذو القصر مذهبا
وذو البدل الوجهان عنه مسهّلا]
ذكر فى هذا البيت تفريع ما يقتضيه الخلاف فى البيت السابق على التقديرين: من أن الهاء للتنبيه، أو بدل من همزة، ونبه بقوله: ويقصر، على أن كلامه فى من فى قراءته ألف، فخرج من ذلك قنبل وورش، إذ لا ألف فى قراءتهما، والقصر والمد لا يكونان إلا فى حرف من حروف المد، فقال: إذا حكمنا بأن الهاء للتنبيه صار المد فى ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل مثل:
(وما لنا أن لا).
وذلك أن ها كلمة وأنتم كلمة أخرى فيقصر من مذهبه القصر، ويمد من مذهبه المد، فخرج من هذا أن للبزى والسوسى القصر، ولقالون والدورى خلاف تقدم، لكن على رواية المد لهما يتجه هاهنا خلاف آخر، مأخوذ من قوله: وإن حرف مد قبل همز مغير، البيت قد تقدم شرحه، والباقون على المد فقوله وذو البدل يعنى من ذكرنا أن الهاء فى مذهبه بدل من الهمزة، عنه وجهان فى حال تسهيله، فلا يكون ذلك إلا فى مذهب الدورى وقالون على رواية، أما السوسى فإنه من ذوى القصر مذهبا، وأما ورش فلا ألف فى قراءته، فلا مدّ وعلى الوجه الآخر الذى أبدل فيه الهمزة ألفا: مده بمقدار نطقه بألف، نحو: قال، وباع، لا زيادة عليه، بقى من ذوى البدل هشام، فله المد، قولا واحدا، لأنه ليس بمسهل، وكل هذا تفريع على أن ها للتنبيه لأصحاب البدل وغيرهم، أما إذا قلنا: إن الهاء بدل من الهمزة، فالكل مستوون فى المد بمقدار ألف، كما يقرءون:
{(أَأَنْذَرْتَهُمْ} [2]).
وكما يقولون: قال، وباع، لأنها ألف بين همزتين، فليس هذا من المد المنفصل ولا المتصل، وقول الناظم: وذو البدل، وإن كان يعنى به بدل الهاء من الهمز، فلم يقل ذلك ليبنى الخلاف على البدل، إذ لا مناسبة فى ذلك، وإنما ذكره تعريفا لمن عنه الوجهان، لا شرطا. فقال: من ذكرنا إن الهاء مبدلة من همزة فى مذهبه إذا فرعنا على أنها أيضا فى حقه للتنبيه، هل يكون له مد نظر، إن كان مسهلا فوجهان، لأن الألف حرف مد قبل همز مغير، وإن كان محققا مد بلا خلاف، وهو هشام، هذا قياس مذهبهم وما يقتضيه النظم والمعنى، فلا تختلف القراءة بالمد والقصر إلا على قولنا إن ها للتنبيه، فما فرع الناظم إلا على هذا القول ولم يفرع على قول البدل، لوجهين: أحدهما أن كون ها للتنبيه هو الأصح، على ما اخترناه فى شرح البيت السابق، الثانى أنه ترك التفريع على ذلك لظهوره، لأنه لا يقتضى تفاوتا فى المد للجميع، لأن التقدير تقدير أنهم أدخلوا ألفا بين همزتين، بعضهم جرى على أصله، وبعضهم خالف فى ذلك أصله، وإدخال ألف بين همزتين لا يختلف فى النطق
__________
(1) سورة الأحزاب، آية: 18.
(2) سورة يس، آية: 10.(2/393)
بها كما سبق تقريره، وذكر بعض من شرح: أن إدخال الألف بين الهمزتين يقتضى أن الأمر يصير من قبيل المتصل، كأن الألف من نفس الكلمة، فعلى هذا القول أيضا يستوون فى المد: ولا يجيء القصر إلا على قولنا إن حرف المد الذى قبل الهمز المغير لا يمد، إلّا أنّ هذا القول عندى غلط، فإن من يقول بمد الألف بعد إدخالها بين الهمزتين يكون بقدر ألفين وأكثر، والمنقول أنهم يدخلون بينهما ألفا للفصل، فلا حاجة إلى زيادة المد، بل يقتصر على مقدار النطق بألف على حدها فى نحو: قال، وباع، وذكر الشيخ فى شرحه أن قوله:
وذو البدل: يعنى ورشا الوجهان عنه، يعنى المد والقصر فى حال كونه مسهلا، ويعنى بالتسهيل مذهبيه، وهما إبدال الهمز. وبين بين، فالمد على قول البدل والقصر على بين بين، ولم يرد بمسهلا حالة بين بين فقط، فإنه لا يتجه له فيها إلا القصر، وقد تقدم فى الأصول أن التسهيل يطلق على كل تغيير للهمز، وإنما ذكر مسهلا ليفصل ورشا من قنبل، لأن كليهما ذو بدل: أى الهاء بدل من همزة عندهما، إلا أن قنبلا لا يمد لإسقاطه الألف، وورش بمد لأجل الألف المبدلة من الهمزة، فمده هو الإتيان بالألف المبدلة، لا أمر زائد على ذلك، هذا شرح ما ذكره فى الشرح، وهو معلوم مما تقدم، فلم تكن حاجة إلى ذكره، وقال لى الشيخ أبو عمرو رحمه الله: يعنى بقوله: وذو البدل أبا عمرو وقالون، لأنهما هما اللذان من مذهبهما إدخال ألف بين الهمزتين، وجاء عنهما هنا خلاف، لأجل أن الهمزة الأولى مبدلة والثانية مسهلة، فلم يستصعب الجمع بينهما، فلا حاجة إلى طول المد، واحترز بقوله: مسهلا من هشام، فإنه أيضا من ذوى البدل، ولا حاجة إلى ذكر قنبل وورش، إذ لا ألف فى قراءتهما، قلت: وهذا مشكل، فإنه يقتضى أن الألف فى قراءتهما على وجه، وليس الأمر كذلك فإنهما يثبتان الألف، وأهل علم القراءات عبروا عن هذه الألف لهما بأنها مدهما الذى ثبت لهما فى باب الهمزتين من كلمة، وقال صاحب التيسير: من جعلها للتنبيه وميز بين المنفصل والمتصل فى حروف المد لم يزد فى تمكين الألف، سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها، ومن جعلها مبدلة، وكان ممن يفصل بالألف زاد فى التمكين، سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها، وقال ابن غلبون فى التذكرة: اعلم أن أبا عمرو ورجال نافع يتفاضلون فى المد فى ها أنتم إذا جعلوا لهاء بدلا من همزة الاستفهام على ما بيناه فى تفاضلهم فى:
{(أَأَنْذَرْتَهُمْ)}.
ونحوه، يريد أن من أدخل الألف أطول مدا مثل قالون، ومن لم يدخل فلا مد، أو له مد قصير، كقراءة ورش، ثم قال: فأما إذا جعلت الهاء للتنبيه، فإنهم يستوون فى المد فى ها أنتم لأنه ليس أحد منهم يدخل بين الألف وبين الهمزة الملينة التى بعد ها ألفا كما فعل ذلك من فعله منهم فى قوله:
{(أَأَنْذَرْتَهُمْ)}.
ونحوه، وكذا الباقون ممن عدا قنبلا يتفاضلون فى المد هاهنا، على ما بيناه من تفاضلهم فى المد فى حرف اللين الواقع قبل الهمزة فى باب المد والقصر فيما كان من كلمة أو كلمتين على الوجهين من جعل الهاء بدلا من همزة الاستفهام أو للتنبيه، قلت: معنى عبارتهما أن الاختلاف فى إدخال الألف إنما يأتى على قولنا: إنها بدل من الهمزة، أما إذا كانت للتنبيه، فلم يجتمع همزتان، لا لفظا ولا تقديرا، فلا سبيل إلى القول بإدخال الألف فاستووا فى لفظ المد من هذه الجهة، لكنهم يتفاضلون فيه على ما سبق ذكره فى باب المد والقصر، ويعتبر الحلاف المستفاد من قوله: وإن حرف مد قبل همز مغير، ونظير إتيان الناظم بقوله: وذو البدل تعريفا لا شرطا
قول العلماء مثل ذلك فى معنى الحديث الصحيح «أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فقطع النبى صلّى الله عليه وسلم يدها» قالوا ذكر استعارة المتاع وجحده إنما كان تعريفا لا سببا للقطع، والسبب سرقة لم تذكر للعلم بها، وكان الغرض تعريف المرأة التى قطعت يدها فعرفت بما كانت مشهورة به، والله أعلم.(2/394)
ونحوه، وكذا الباقون ممن عدا قنبلا يتفاضلون فى المد هاهنا، على ما بيناه من تفاضلهم فى المد فى حرف اللين الواقع قبل الهمزة فى باب المد والقصر فيما كان من كلمة أو كلمتين على الوجهين من جعل الهاء بدلا من همزة الاستفهام أو للتنبيه، قلت: معنى عبارتهما أن الاختلاف فى إدخال الألف إنما يأتى على قولنا: إنها بدل من الهمزة، أما إذا كانت للتنبيه، فلم يجتمع همزتان، لا لفظا ولا تقديرا، فلا سبيل إلى القول بإدخال الألف فاستووا فى لفظ المد من هذه الجهة، لكنهم يتفاضلون فيه على ما سبق ذكره فى باب المد والقصر، ويعتبر الحلاف المستفاد من قوله: وإن حرف مد قبل همز مغير، ونظير إتيان الناظم بقوله: وذو البدل تعريفا لا شرطا
قول العلماء مثل ذلك فى معنى الحديث الصحيح «أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فقطع النبى صلّى الله عليه وسلم يدها» قالوا ذكر استعارة المتاع وجحده إنما كان تعريفا لا سببا للقطع، والسبب سرقة لم تذكر للعلم بها، وكان الغرض تعريف المرأة التى قطعت يدها فعرفت بما كانت مشهورة به، والله أعلم.
561 [وضمّ وحرّك تعلمون الكتاب مع
مشدّدة من بعد بالكسر (ذ) لّلا]
يعنى: ضم التاء وحرك العين، أى افتحها، لأنه ذكر التحريك مطلقا غير مقيد، مع لام مشدّدة مكسورة من بعد ذلك، فيصير: تعلمون، من التعليم، والقراءة الأخرى من العلم، وقد لفظ بها مع كونها معلومة من أضداد ما ذكره، والمفعول الأول على قراءة التشديد محذوف، أى:
(تعلّمون النّاس الكتاب (1)).
يعنى حفظه وفهمه، والتعليم يستلزم علم المعلم، فكان فيه دلالة على القراءة الأخرى، ويؤيد تعلمون بالتخفيف قوله بعد ذلك:
{(تَدْرُسُونَ)}.
أى أنتم جامعون لفهم الكتاب وتلاوته. وقوله ذللا، أى قرب، والله أعلم.
562 [ورفع ولا يأمركموا (ر) وحه (سما)
وبالتّاء آتينا مع الضّمّ (خ) وّلا]
ينبغى أن لا يقرأ يأمركم فى البيت إلا بتحريك الراء، إما برفع أو بنصب على القراءتين، والوزن مستقيم على ذلك، على كف الجزء السباعى، وإن قرئ بسكون الراء وضم الميم استقام الوزن بلا كف، لكن يكون التلفظ بما لم يقرأ به فى القرآن مع ضعف الإسكان فى الراء على ما سبق، وموضع ولا يأمركم: جر بإضافة، ورفع إليه ووجه نصب يأمركم العطف على ما قبله من قوله:
{(أَنْ يُؤْتِيَهُ اللََّهُ} ثم يقول {وَلََا يَأْمُرَكُمْ} [2]).
ووجه الرفع القطع مما قبله على تقدير: وهو لا يأمركم، أو ولا يأمركم الله، وأبو عمرو على أصله فى الاختلاس السابق ذكره، وهو فائدة ذكره مع أهل الرفع، وهو دليل على ترجيح الاختلاس على الإسكان فى ظنه على ما هو الحق، وقد سبق بيانه. قال صاحب التيسير: وأبو عمرو على أصله فى الاختلاس والإسكان. قوله:
وبالتاء آتينا، يعنى:
(آتيناكم من كتاب وحكمة (3)).
اجعل مكان النون تاء مضمومة، وهى تاء المتكلم موضع نون العظمة، ولم ينبه على إسقاط الألف، لأنه
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 79.
(2) سورة آل عمران، آية: 80.
(3) سورة آل عمران، آية: 81.(2/395)
لازم من ضم التاء، فإن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، ووجه القراءتين ظاهر، وخوّل معناه: ملك، والله أعلم.
563 [وكسر لما (ف) يه وبالغيب ترجعو
ن (ع) اد وفى تبغون (ح) اكيه (ع) وّلا]
أى كسر اللام من:
(لما آتيناكم من كتاب وحكمة (1)).
حمزة، فالهاء فى فيه عائدة على آتينا، لأنه معه ومتصل به، وهذا مما يقوى قوله: ولا ألف فى:
ها هأنتم أى بعدها، وهاهنا قبلها، ووجه التجوز فيها واحد، وهو الاتصال المذكور، أى: الكسر مستقر فيما هو متصل بهذا الكلام، ومتعلق به، ويجوز أن تعود الهاء على الكسر، ويكون خبر مبتدأ محذوف، أى فيه كلام وبحث كما سنذكره، أو تعود الهاء على:
(لما).
أى كسره مستقر فيه غير خارج عنه، واللام على قراءة حمزة لام التعليل، وما مصدرية أو موصولة أى لأجل إيتائى إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم، أو الذى آتيتكموه، وجاءكم رسول مصدق له، واللام فى:
{(لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ)}.
جواب القسم الذى دل عليه أخذ الميثاق، والخطاب للأنبياء، والمراد أتباعهم، والتقدير: ميثاق أمم النبيين، وعلى قراءة الجماعة: اللام فى:
(لما).
هى الموطئة للقسم، وما إما موصولة أو شرطية، والفعلان بعدها ماضيان فى اللفظ مستقبلان فى المعنى، ويظهر لك المعنى إذا قدرت موضع ما حرف إن الشرطية أى إن آتيتكم ذلك تؤمنوا، ثم أخرج مخرج الأقسام والمعاهدة، وأخذ الميثاق تأكيد للأمر وتقوية له، ولتؤمنن: جواب القسم، ومثله:
{(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [2]).
وقوله: حاكيه عولا، أى حاكى الغيب عول عليه، والغيب فى:
(يبغون).
راجع إلى ما قبله من قوله:
{(هُمُ الْفََاسِقُونَ} [3]).
__________
(1) سورة البقرة، آية: 81.
(2) سورة الأعراف، آية: 18.
(3) سورة البقرة، آية: 82.(2/396)
والخطاب على الالتفات أو الاستئناف، والغيب فى يرجعون عاد: أى عاد على يبغون، لأن حفصا قرأهما بالغيب، والله أعلم.
564 [وبالكسر حجّ البيت (ع) ن (ش) اهد وغي
ب ما تفعلوا لن تكفروه لهم تلا]
الكسر والفتح فى الحج لغتان، ولم يقرأ بالكسر إلا فى هذا الموضع، أى: وحج البيت بكسر الحاء منقول عن شاهد، أى عن ثقة شاهد له بالصحة، وأضاف: وغيب إلى جملة ما بعده من الفعلين، أى غيب هذا المجموع لهم، أى لمدلول عن شاهد، وفى تلا ضمير يعود على: وغيب، أى أنه تبع ما قبله من الغيبة، من قوله:
{(مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ أُمَّةٌ} إلى قوله {وَأُولََئِكَ مِنَ الصََّالِحِينَ} [1]).
والخطاب لهذه الأمة، أو على طريق الالتفات أو التقدير، وقلنا لهم ذلك، والله أعلم.
565 [يضركم بكسر الضّاد مع جزم رائه
(سما) ويضمّ الغير والرّاء ثقّلا]
يريد {(لََا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [2]).
ضار يضير، وضر يضر: لغتان: والفعل مجزوم فى القراءتين على جواب الشرط، والضم فى الراء على قراءة من شدّد ضمة بناء، اتباعا لضمة الضاد، كما نقول: لا يرد، ويجوز فى اللغة الفتح والكسر، وظاهر كلامه يدل على أن ضمة الراء حركة إعراب، لأنه ضد الجزم، وقد قيل به على أن يكون فى نية التقديم على الشرط، وقيل على حذف الفاء، وكلاهما ضعيف، والأصح ما تقدّم، ولكن ضاقت على الناظم العبارة، كما تقدّم فى تضارر فى سورة البقرة، وأراد بقوله: ويضم الغير ضمة الضاد، لأن الكسر ضده الفتح لا الضم فاحتاج إلى بيانه، وأما جزم الراء فيفهم من القراءة الأخرى، لأن الجزم ضده الرفع، والراء بالنصب، لأنه مفعول ثقلا، وإنما نص عليه فى القراءة الأخرى، ولم ينص على التخفيف فى الأولى، لأنه مستغن عن ذكر التخفيف فى الأولى لعدم إمكان النطق بمشدد مجزوم فى وسط كلمة، ولا يتعذر النطق بمرفوع خفيف، فذكره فى موضع الحاجة إليه، والله أعلم.
566 [وفيما هنا قل منزلين ومنزلو ... ن لليحصبى فى العنكبوت مثقّلا]
أى وفى جملة الحروف المختلف فيها هنا هذا الحرف الذى هو:
{(بِثَلََاثَةِ آلََافٍ مِنَ الْمَلََائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [3]).
أو التقدير اقرأ لليحصبى منزلين فى الحرف الذى هنا ومنزلون فى حرف العنكبوت، وهو:
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 113و 114.
(2) سورة آل عمران، آية: 120.
(3) سورة آل عمران، آية: 124.(2/397)
{(إِنََّا مُنْزِلُونَ عَلى ََ أَهْلِ هََذِهِ الْقَرْيَةِ} [1]).
واليحصبى هو ابن عامر، ومثقلا بكسر القاف حال من فاعل قل، وقل بمعنى اقرأ لأن القراءة قول ومنه:
{(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [2]).
أو التقدير منزلين هنا ومنزلون فى العنكبوت استقر لليحصبى مثقلا لهما، وإن كان مثقلا صح بفتح القاف، فالتقدير: استقر ذلك له مثقلا، والتخفيف والتثقيل فى ذلك لغتان من أنزل ونزل.
567 [و (حقّ ن) صير كسر واو مسوّمي
ن قل سارعوا لا واو قبل (ك) ما (ا) نجيلى]
السومة: العلامة وسوم أى: أعلم: فمن كسر الواو أسند الفعل إليهم، وهو من الإعلام الذى يفعله الشجاع فى الحرب من لباس مخصوص وغيره، ومن فتح الراء، فلأن الله تعالى فعل بهم ذلك، وحذف الواو من:
{(وَسََارِعُوا إِلى ََ مَغْفِرَةٍ} [3]).
تقدم مثله فى:
{(وَقََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ وَلَداً} [4]).
والواو منه ساقطة فى مصاحف المدينة والشام دون غيرها، واحترز بقوله: قبل عن الواو التى بعد العين، وانجلا: أى: انكشف، والله أعلم.
568 [وقرح بضم القاف والقرح (صحبة)
ومع مدّ كائن كسر همزته (د) لا]
أى قرأه صحبة، والضم والفتح لغتان، وجاء ذل فى ثلاثة مواضع فى هذه السورة: اثنان بلفظ التنكير:
{(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [5]).
والثالث بلفظ التعريف:
{(مِنْ بَعْدِ مََا أَصََابَهُمُ الْقَرْحُ} [6]).
ولفظ كائن جاء فى مواضع: هنا، وفى الحج، والطلاق، والخلاف فى جميعها، ولم يبين النظم أنه حيث أتى، وفاعل دلا ضمير كسر همزته، ومعنى: دلا فى اللغة: أخرج دلوه ملآى، واستعاره هنا لحصول الغرض وتمام الأمر بالمد مع الكسر، وأراد بالمد زيادة ألف بعد الكاف، والباقون بلا ألف مع فتح الهمزة، ثم ذكر باقى قيود القراءة فقال:
__________
(1) آية: 34.
(2) سورة التكوير، آية: 19.
(3) سورة آل عمران، آية: 133.
(4) سورة البقرة، آية: 116.
(5) سورة آل عمران، آية: 130.
(6) سورة آل عمران، آية: 173.(2/398)
569 [ولا ياء مكسورا وقاتل بعده ... يمدّ وفتح الضّمّ والكسر (ذ) وولا]
الياء المكسورة زيادة فى قراءة غير ابن كثير، وهى مشدّدة، ولم يتسع له مجال البيت لذكر ذلك، ولو قال فى البيت السابق: وكل كائن كسر همزته دلا، ثم قال: ومد ولا ياء لكان وافيا بالغرض، ولا حاجة إلى قوله مكسورا حينئذ، لأنه لفظ بقراءة الجماعة، أى: ولا يثبت ابن كثير الياء التى فى هذا اللفظ، وكأين وكئن لغتان، وفيها غير ذلك من اللغات، وهى كلمة: أى دخل عليها كاف التشبيه، كما دخل على ذا فى كذا ثم كثر استعمالهما كالكلمة الواحدة، بمعنى كم الخبرية، فتصرفوا فيها على وجوه وكتب تنوينها نونا.
قوله: وقاتل بعده أى بعد كأين، قوله تعالى:
{(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قََاتَلَ مَعَهُ} قتل معه (1)).
القراءتان ظاهرتان، إلا أن معنى قوله قتل معه ربيون كثير فما وهنوا أى فما وهن من لم يقتل منهم، والضم فى القاف، والكسر فى التاء إذا فتحا مع المد صارت الكلمة قاتل، فقوله ذو ولا أى فتح الضم والكسر ذو متابعة للمد مصاحبة له، والله أعلم.
570 [وحرّك عين الرّعب ضمّا كما (ر) سا
ورعبا ويغشى أنّثوا (ش) ائعا تلا]
يريد الرعب المعرف باللام، ورعبا المنكر المنصوب حيث أتى ذلك، فالضم فيه والإسكان لغتان، وقيل:
الضم الأصل، فأسكن تخفيفا، وهو فى أربعة مواضع، قيل: والأصل الإسكان اتباعا، ورسا أى: ثبت واستقر، والتأنيث فى تغشى للأمنة والتذكير للنعاس، وهما واحد، لأنه أبدل النعاس من الأمنة، وشائعا تلا: حالان من مفعول أنثوا، أى أنثوا شائعا تابعا ما قبله، وهو الأمنة، أو يكون شائعا حالا من الضمير فى تلا العائد على يغشى.
571 [وقل كلّه لله بالرّفع (ح) امدا
بما يعملون الغيب (ش) ايع (د) خللا]
كله مبتدأ، والله الخبر، والجملة خبر:
{(إِنَّ الْأَمْرَ} [2]).
وقد أجمعوا على قراءة:
{(إِنََّا كُلٌّ فِيهََا} [3]).
وهو على هذا الإعراب وكله بالنصب تأكيدا للأمر، والغيب فى:
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 146.
(2) سورة آل عمران آية: 154.
(3) سورة غافر، آية: 48.(2/399)
{(بِمََا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [1]).
شايع دخللا له وهو:
{(حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [2]).
ووجه الخطاب قوله:
{(يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَكُونُوا} [3]).
وبعده {(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ أَوْ مُتُّمْ} [4]).
والدخلل: الدخيل، وقد تقدّم:
572 [ومتّم ومتنا متّ فى ضمّ كسرها
(ص) فا (نفر) وردا وحفص هنا اجتلا]
أى حيث جاءت هذه الكلمات، وفهم ذلك من حيث أنه عددها، وفيها ما ليس فى هذه السورة فقام ذلك مقام قوله حيث أتى، ونحوه، وضم الميم وكسرها فى جميع ذلك لغتان، يقال مات يموت، فعلى هذا جاء الضم كقولك من قام: يقوم قمت، ويقال مات يمات كخاف يخاف، فعلى هذا جاء الكسر كخفت، فيكون الضم من فعل يفعل، كقتل يقتل، والثانى من فعل يفعل كعلم يعلم، ووردا: نصب على التمييز، أى صفا وردهم، ووافقهم حفص على ضم ما فى آل عمران وكسر ما فى غيرها جمعا بين اللغتين، والذى فى آل عمران موضعان:
{(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ أَوْ مُتُّمْ} و {لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى} [4]).
وهذا معنى قوله: وحفص هنا اجتلا أى اجتلا الضم، وهو من قولهم اجتليت العروس، وهذه عبارة مشكلة، فإنه لا يفهم منها سوى أن حفصا خصص هذه السورة بقراءة، وسائر المواضع بخلافها، فيحتمل أن يكون الذى له فى آل عمران ضما، وأن يكون كسرا، لأنه استأنف جملة ابتدأها لحفص ولم يخبر عنه إلا بقوله اجتلا، فاحتمل الأمرين، فإن قلت: اجعل حفصا عطفا على الرمز السابق، قلت: كان جمعا بين الرمز والمصرح به فى مسئلة واحدة، وذلك غير واقع فى هذا النظم، وأيضا فقد فصل بالواو فى قوله وردا، ثم لو سلمنا أن هذا اللفظ يفيد الضم كان مشكلا من جهة أخرى، وهى أنه يوهم أن حفصا منفردا بالضم هنا، إذ لم يعد معه الرمز الماضى، كقوله: رمى صحبة، ولو قال صفا نفر معهم هنا حفص اجتلا، حصل الغرض وبان وزال الإبهام، ولم يضر عدم الواو الفاصلة، لعدم الريبة فى اتصال ذلك، والله أعلم.
573 [وبالغيب عنه تجمعون وضمّ فى
يغلّ وفتح الضّمّ (إ) ذ (ش) ع (ك) فّلا]
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 39.
(2) سورة آل عمران، آية: 156.
(3) سورة آل عمران، آية: 156.
(4) سورة آل عمران، آية: 157.(2/400)
عنه يعنى عن حفص، والغيب والخطاب فى قوله:
{(خَيْرٌ مِمََّا يَجْمَعُونَ} [1]).
كما تقدم فى:
{(بِمََا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وأما {وَمََا كََانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [2]).
فقواه إذ شاع كفلا على البناء للمفعول، ومعنى كفل: أى حمل، يعنى أن هذه القراءة حملها السلف الخلف لما كانت شائعة، ومعناها يوجد غالّا، أو ينسب إلى الغلول، أو يغل منه، أى يخان بأن يؤخذ من الغنيمة قبل أن يقسمها، والغلول الأخذ فى خفية، ومن قرأ يغل على البناء للفاعل، فهو ظاهر: أى أنه لا يفعل ذلك، واختار ذلك أبو عبيد وأبو على، وقالا: أكثر ما يجيء الفعل بعد ما كان لكذا أن يفعل منسوبا إلى الفاعل نحو:
{(وَمََا كََانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} [3]).
{(مََا كََانَ لَنََا أَنْ نُشْرِكَ} [4] {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} [5]).
فإن قلت: كل واحدة من القراءتين مشتملة على ضم وفتح، فكيف تميز إحداهما من الأخرى، قلت:
كأنه استغنى بالترتيب عن تقييد ذلك، فضم أولا ثم فتح الضم، فيكون الضم فى الياء وفتح الضم فى الغين، والواو وإن كانت لا تقتضى الترتيب على المذهب المختار، إلا أن المذكور بها جائز أن يكون مرتبا فى نفس الأمر، ولا بدّ أن يريد بذلك إحدى القراءتين، ودلنا على هذه القراءة ظاهر لفظه إذ لو أراد الأخرى لقال: وفتح أن يغل وضم الفتح حقك نولا، أو دام ندحلا، أو نل دائما حلا، ونحو ذلك:
576 [بما قتلوا التّشديد (ل) بّى وبعده ... وفى الحجّ للشّامى والآخر (ك) مّلا]
أى التشديد بهذا اللفظ وهو قوله تعالى:
{(لَوْ أَطََاعُونََا} {مََا قُتِلُوا)}.
والذى بعده:
{(وَلََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} [6] والآخر {وَقََاتَلُوا وَقُتِلُوا} [7]).
يقرأ جميع ذلك بالتشديد والتخفيف، وفى التشديد معنى التكثير، فأما قوله قبل ذلك:
{(مََا مََاتُوا وَمََا قُتِلُوا} {لِيَجْعَلَ اللََّهُ ذََلِكَ حَسْرَةً} [8]).
فمخفف بلا خلاف، ويعلم ذلك من كونه تعداه ولم يذكره، واشتغل بذكر: متم، ويغل، ويجمعون، ويمتاز هنا أيضا من الأول المختلف فيه بكون هذا فى أوله واو، وذلك لا واو فى أوله، فقوله بما قتلوا
__________
(1) آل عمران، آية: 157.
(2) سورة آل عمران، آية: 161.
(3) سورة آل عمران، آية: 145.
(4) سورة يوسف، آية: 38.
(5) سورة العنكبوت، آية: 40.
(6) سورة آل عمران، آية: 169.
(7) سورة آل عمران، آية: 195.
(8) سورة آل عمران، آية: 156.(2/401)
لا يتناول ظاهره إلا ما ليس فى أوله واو، فالتشديد فى ما قتلوا لهشام وحده، وهو المشار إليه بقوله: لبى، أى لبى بالتشديد من دعاه، والذين قتلوا مع الذى فى الحج، وهو:
{(ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مََاتُوا)}.
شددهما ابن عامر:
{(وَقََاتَلُوا وَقُتِلُوا)}.
شدده ابن عامر وابن كثير، وهو المرموز فى هذا البيت الآتى.
577 [(د) راك وقد قالا فى الانعام قتّلوا
وبالخلف غيبا يحسبنّ (ل) هـ ولا]
معنى دراك أدرك كما تقدم فى بدار، والذى فى الأنعام:
{(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلََادَهُمْ} [1]).
شدده أيضا ابن عامر وابن كثير، وأما الغيب فى:
(ولا يحسبنّ الّذين قتلوا فى سبيل (2)).
فعن هشام فيه خلاف، ومعنى الغيب فيه ولا يحسبن الرسول، أو حاسب واحد، أو يكون الذين قتلوا فاعلا والمفعول الأول محذوف، أى أنفسهم أمواتا، قال الزمخشرى: وجاز حذف المفعول الأول، لأنه فى الأصل مبتدأ، فحذف كما حذف المبتدأ فى قوله بل أحياء أى بل هم أحياء لدلالة الكلام عليهما، وقوله غيبا: نصب على الحال من يحسبن، والعامل فيها ما يتعلق به بالخلف، أى لا يحسبن استقرار بالخلف غيبا، أى ذا غيب له، ولا أى نصر، والله أعلم.
فإن قلت: جاء يحسبن فى هذه السورة فى مواضع، فمن أين علم أنه الذى بعده الذين قتلوا قلت: لأنه أطلق ذلك فأخذ الأول من تلك المواضع، ولأنه قد ذكر بعده: أن ويحزن فتعين هذا، لأن باقى المواضع ليس بعده: أن ويحزن، والله أعلم.
وأكثر المصنفين فى القراءات السبع لا يذكرون فى هذا الموضع خلافا، حتى أن ابن مجاهد قال: لم يختلفوا فى قوله ولا تحسبن الذين قتلوا أنها بالتاء، وذكرها أبو على الأهوازى فى كتاب الإقناع فى القراءات الشواذ ونسبها إلى ابن محيصن وحده، والله أعلم.
578 [وأنّ اكسروا (ر) فقا ويحزن غير الأن
بياء بضمّ واكسر الضّمّ (أ) حفلا]
يعنى قوله تعالى:
__________
(1) آية: 140.
(2) سورة آل عمران، آية: 169.(2/402)
{(وَأَنَّ اللََّهَ لََا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [1]).
الكسر على الاستئناف، والفتح على العطف على:
{(بِنِعْمَةٍ مِنَ اللََّهِ وَفَضْلٍ} [2]).
فيكون من جملة ما بشر به الشهداء، وهو أن الله سبحانه يفعل بغيرهم من المؤمنين مثل ما فعل بهم من حسن الخاتمة، وقال أبو على: المعنى يستبشرون بتوفر ذلك عليهم ووصوله إليهم، لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم، فلم يبخسوه ولم ينقصوه، وحزن وأحزن: لغتان، وقيل حزنه بمعنى جعل فيه حزنا، مثل كحله ودهنه، أى جعل فيه كحلا ودهنا، ومثل حزنه فى هذا المعنى: فتنه، قال سيبويه: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل وأحزنته، أراد جعلته حزينا، وفاتنا، واستثنى نافع من ذلك ما فى الأنبياء وهو:
{(لََا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [3]).
فقرأه كالجماعة بفتح الياء وضم الزاي، فقوله: غير الأنبياء، أى غير حرف الأنبياء، ورفقا مصدر فى موضع الحال، أى ذوى رفق، بمعنى: رافقين، وأحفلا: حال من فاعل أكسر، أى حافلا بهذه القراءة.
579 [وخاطب حرفا يحسبنّ (ف) خذ وقل
بما يعملون الغيب (حقّ) وذوملا]
حرفا يحسبن فاعل خاطب: جعلهما مخاطبين لما كان الخطاب فيهما، وقد استعمل هذا التجوز كثيرا فى هذه القصيدة نحو: وخاطب فيها تجمعون له ملا، وأراد بالحرفين:
(ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملى لهم خير (4) ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا (5)).
فأما الأول فعلى قراءة الجماعة بالغيب يكون {أَنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ} سد مسد مفعولى حسب، نحو:
{(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} [6]).
وفى الثانى يكون المفعول الأول محذوفا، أى البخل خبرا لهم، وقراءة حمزة بالخطاب مشكلة، وقد صرح جماعة من أهل العربية بعدم جوازها، قال أبو جعفر النحاس: زعم أبو حاتم أنه لحن لا يجوز، قال: وتابعه على ذلك جماعة، وقال الزجاج: من قرأ ولا يحسبن بالتاء لم يجز عند البصريين إلا كسر إنّ المعنى لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم خير لهم، ودخلت أنّ مؤكدة، فإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا خيرا لهم، قال أبو إسحاق: وهو عندى يجوز فى هذا الموضع على البدل من الذين: المعنى ولا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم، وقد قرأ بها خلق كثير، ومثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر:
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 171.
(2) سورة آل عمران، آية: 174.
(3) سورة الأنبياء، آية: 103.
(4) سورة آل عمران، آية: 178.
(5) سورة آل عمران، آية: 180.
(6) سورة الفرقان، آية: 44.(2/403)
فما كان قيس هلكه هلك واحد * جعل هلكه بدلا من قيس، المعنى: فما كان هلك قيس هلك واحد قال أبو على فى الإصلاح لا يصح البدل إلا بنصب خير، من حيث كان المفعول الثانى لحسبت، فكما انتصب هلك واحد فى البيت لما أبدل الأول من قيس بأنه خبر كان، كذلك ينتصب خير إذا أبدل الإملاء من الذين كفروا بأنه مفعول ثان لتحسبن، قال: وسألت أحمد بن موسى: يعنى ابن مجاهد عنها، فزعم أن أحدا لم يقرأ بها، يعنى بنصب خير، وقال فى الحجة الذين كفروا فى موضع نصب بأنه المفعول الأول، والمفعول الثانى فى هذا الباب هو المفعول الأول فى المعنى، فلا يجوز إذا فتح أن فى قوله:
{(أَنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ} [1]).
لأن إملاءهم لا يكون إياهم. قال: فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح فى أن، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله:
{(وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [2]).
وكما كان أن من قوله سبحانه:
{(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللََّهُ إِحْدَى الطََّائِفَتَيْنِ أَنَّهََا لَكُمْ} [3]).
قيل لا يجوز ذلك، وإلا لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم، من حيث كان المفعول الثانى لتحسبن، وقيل: إنه لم ينصبه أحد، فإذا لم ينصب علم أن البدل فيه لا يصح، وإذ لم يصح البدل لم يجز إلا كسر إن على أن يكون إن وخبرها فى موضع المفعول الثانى من تحسبن. وقال الزمخشرى: الذين كفروا فى من قرأ بالتاء نصب وإنما نملى لهم خيرا لأنفسهم بدل منه، أى ولا تحسبن أنما نملى للكافرين خير لهم، وأن مع خبره ينوب عن المفعولين، وما مصدرية. فإن قلت: كيف صح مجىء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد. قلت: صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه فى حكم المنحّى، ألا تراك تقول: جعلت متاعك بعضه فوق بعض، مع امتناع لكونك على متاعك. قال: ويجوز أن يقدر مضاف محذوف على ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم، أو ولا تحسبن حال الذين كفروا إن الإملاء خير لأنفسهم. وقال النحاس: زعم الكسائى والفراء أنها جائزة على التكرير، أى ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملى لهم، يعنى مثل:
{(لََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ)}.
فلا تحسبنهم (2) كما سيأتى. قال النحاس: وقراءة يحيى بن وثّاب بكسر إنّ حسنة، كما تقول حسبت عمرا أخوه خارج: وقال مكى: إنما وما بعدها بدل من الذين، فسدّ مسد المفعولين، كما فى قراءة من قرأ بالياء وقال المهدوى، قال قوم: قدم الذين كفروا توكيدا ثم جاء لهم من قوله إنما نملى لهم ردا عليهم والتقدير:
ولا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خير لهم، وقال أبو الحسن الحوفى: إن وما عملت فيه فى موضع نصب على
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 178.
(2) سورة الكهف، آية: 64.
(3) سورة الأنفال، آية: 7.(2/404)
البدل من الذين كفروا، والذين: المفعول الأول، والثانى محذوف. وقال أبو القاسم الكرمانى فى تفسيره المسمى باللباب: يجوز أن تكون التاء للتأنيث، كقوله:
{(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} [1]).
ولا تحسبن القوم الذين، والذين وصف للقوم، كقوله:
{(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كََانُوا} [2]).
قلت فيتحد معنى القراءتين على هذا لأن الذين كفروا فاعل فيهما، وكذا يتحد معنى القراءتين على قول من يقول: إن الذين كفروا مفعول على قراءة الياء أيضا، والفاعل الرسول، أو أحد، كما تقدّم فى:
{(وَلََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا)}.
وقيل: إنما نملى، بدل من الذين كفروا، بدل الاشتمال، أى إملاءنا خير، بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أى هو خير لأنفسهم، والجملة هى المفعول الثانى. قلت: ومثل هذه القراءة بيت الحماسة:
منا الأناة وبعض القوم تحسبنا ... أنا بطاء وفى إبطائنا سرع
كذا جاءت الرواية بفتح أنا بعد ذكر المفعول الأول، فعلى هذا، يجوز أن تقول: حسبت وزيد أنه قائم، أى حسبته ذا قيام، فوجه الفتح أنها وقعت مفعوله، وهى وما عملت فيه فى موضع مفرد، وهو المفعول الثانى لحسبت، والله أعلم.
وأما ولا تحسبن الذين يبخلون على قراءة الخطاب، فتقديرها على حذف مضاف، أى بخل الذين يبخلون والغيب فى بما يعملون خبير رد على سيطوقون ما بخلوا به والخطاب رد على:
{(وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} [3]).
والملأ بالمد مصدر لملا، وبالقصر: الجماعة الأشراف، وكلاهما مستقيم المعنى هنا، والله أعلم.
580 [يميز مع الأنفال فاكسر سكونه
وشدّده بعد الفتح والضّمّ (ش) لشلا]
يريد {(حَتََّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ} [3]).
وفى الأنفال:
{(لِيَمِيزَ اللََّهُ الْخَبِيثَ)}.
أى يميز هنا مع حرف الأنفال اكسر الياء الساكنة وشدّدها بعد الفتح فى الميم، والضم فى الياء، وماز يميز
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 188.
(2) سورة الشعراء، آية: 105.
(3) سورة آل عمران، آية: 179.(2/405)
وميز يميز لغتان، وشلشلا: حال من فاعل شدده، أو من مفعوله، ومعناه: خفيفا، لأنه قبل التشديد خفيف ويستحب للقارئ تخفيف اللفظ بالحروف المشددة، وأن لا يتقعر فيها، ويزعج السامع، ويتكلف فى نفسه ما لا يحتاج إليه، والله أعلم.
581 [سنكتب ياء ضمّ مع فتح ضمّه
وقتل ارفعوا مع يا نقول (ف) يكملا]
أى ياء ضمت مع فتح ضم التاء، فيصير الفعل مبنيا للمفعول، وقد كان الفاعل، ورفع قتل ونصبه عطفا على محل ما قالوا، وهو رفع إن كان سنكتب مبنيا للمفعول، ونصب إن كان للفاعل، وياء يقول الله تعالى، والنون: نون العظمة. وقوله: مع يا يقول، أى مع قراءة يا يقول، ونصب فيكملا بالفاء فى جواب ارفعوا، لأنه أمر، والله أعلم: أى قرأ ذلك كله حمزة.
580 [وبالزّبر الشّامى كذا رسمهم وبال ... كتاب هشام واكشف الرّسم مجملا]
يعنى قرأ ابن عامر:
(جاءوا بالبيّنات وبالزّبر).
بزيادة الباء فى وبالزبر (1) وكذلك رسم فى مصاحف أهل الشام، وانفرد هشام بزيادة الباء فى وبالكتاب فقرأ الآية التى فى آل عمران كالتى فى فاطر بإجماع. وقد روى أبو عمرو الدانى من طرق أنه فى مصحف الشام كذلك. قال فى المقنع: هو فى الموضعين بالباء. وقال: رأيت هارون بن موسى الأخفش يقول فى كتابه:
إن الباء زيدت فى الإمام، يعنى الذى وجه به إلى الشام فى وبالزبر وحدها. قلت: وكذلك رأيته أنا فى مصحف عندنا بدمشق هو الآن بجامعها بمشهد على ابن الحسين، يغلب على الظن أنه المصحف الذى وجهه عثمان رضى الله عنه إلى الشام، ورأيته كذلك فى غيره من مصاحف الشام العتيقة. قال الشيخ فى شرح العقيلة: والذى قاله الأخفش هو الصحيح إن شاء الله، لأنى رأيته كذلك فى مصحف لأهل الشام عتيق، يعنى المصحف المقدم ذكره، فإلى هذا الاختلاف أشار بقوله: واكشف الرسم مجملا، أى آتيا بالجميل من القول والفعل، والله أعلم.
582 [(ص) فا (حقّ) غيب يكتمون يبيّنن
ن لا تحسبنّ الغيب (ك) يف (سما) اعتلا]
أى يكتمون ويبينن صفا حق غيب فيهما، يريد قوله تعالى:
(ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه (2)).
الغيب فيهما والخطاب على ما تقدّم فى لا يعبدون إلا الله ويقوى الخطاب الاتفاق عليه فى الآية المتقدّمة
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 184.
(2) سورة آل عمران، آية: 187.(2/406)
{(وَإِذْ أَخَذَ اللََّهُ مِيثََاقَ النَّبِيِّينَ لَمََا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتََابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جََاءَكُمْ} وأما {لََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} [1]).
فقرئ بالغيب والخطاب، وسيأتى توجيههما.
583 [و (ح) قّا بضمّ البا فلا يحسبنّهم
وغيب وفيه العطف أو جاء مبدلا]
نصب حقا على المصدر أى حق ذلك حقا، وهو أن فلا يحسبنهم بضم الباء والغيب، وفى بعض النسخ وحق بالرفع، فيكون خبر المبتدا الذى هو فلا يحسبنهم أى أنه بالضم والغيب حق، ووجه ضم الباء أن الأصل فلا يحسبون، فالواو ضمير الذين يفرحون لأن ابن كثير وأبا عمرو قرءا بالغيب فيهما، فانحذفت النون للنهى وانحذفت الواو لسكون نون التأكيد، فبقيت ضمة الباء على حالها دالة على الواو المحذوفة، ويكون يحسبن على قراءتهما قد حذف مفعولاه لدلالة ظهور المفعولين فى:
(فلا يحسبنّهم بمفازة من العذاب).
أى لا يحسبن الفارحون أنفسهم فائزين، وقرأ نافع وابن عامر بالغيبة فى الأول، والخطاب فى الثانى مع فتح الباء لأجل النون المؤكدة، ولولاها لكانت الباء ساكنة، والقول فى مفعولى الأول كما تقدّم، وقرأ الباقون، وهم: عاصم وحمزة والكسائى بالخطاب فيهما، ووجه ذلك أن يقال: الذين يفرحون هو المفعول الأول، والثانى محذوف، لأنه فى الأصل خبر المبتدأ، فحذف كما يحذف خبر المبتدأ، عند قيام الدلالة عليه. وقوله فلا يحسبنهم بمفازة قد استوفى مفعوليه، وهما فى المعنى مفعولا الأول، فاستغنى عنهما فى الأول بذكرهما فى الثانى على قراءة الغيبة فى الأول، وعلى قراءة الخطاب استغنى عن أحدهما دون الآخر، تقوية فى الدلالة. وقال الزمخشرى: أحد المفعولين الذين يفرحون والثانى بمفازة وقوله فلا يحسبنهم تأكيد تقديره: لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين وقوله: وفيه العطف، أى فى تحسبنهم فائدة العطف على الأول، فلهذا كرر، أو جاء مبدلا منه، فذكر وجهين لمجيء فعل النهى عن الحسبان فى هذه الآية مكررا، وما ذكرناه من تأويل هذه القراءات الثلاث لا يخرج عن الوجهين اللذين ذكرهما، لأن الجملة الثانية إن وافقت الأولى فى الغيبة والخطاب صح أن تكون بدلا منها، على أن تكون الفاء فى فلا زائدة كقوله.
وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى.
ووجه البدل أن الكلام إذا طال الفصل بينه وبين ما يتعلق به جاز إعادته ليتصل بالمتعلق به، كقوله تعالى:
(فلمّا جاءهم كتاب من عند الله).
فلما طال الفصل قبل الجواب أعاد الفصل بالفاء فقال تعالى:
{(فَلَمََّا جََاءَهُمْ مََا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)}.
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 187.(2/407)
وتجوز الإعادة بلا فاء، قال سبحانه فى موضع آخر.
{(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ} [1]).
سمى نحو هذا بدلا باعتبار أنه عوض منه، وإلا فهو بالتأكيد أشبه على اصطلاح النحويين، وبهذا عبر عنه الزمخشرى كما سبق ذكره، وأما على قراءة من غاير بين الفعلين غيبة وخطابا، فالثانية عطف على الأولى، لا بدل، كقولك: ما قام زيد فلا تظننه قائما، وذكر الشيخ أبو على فى الحجة وجه البدل، ونص على زيادة الفاء فى فلا ومنع من وجه العطف، وقال: ليس هذا موضع العطف، لأن الكلام لم يتم، ألا ترى أن المفعول الثانى لم يذكر بعد، وفيما قاله نظر، والله أعلم.
584 [هنا قاتلوا أخّر (ش) فاء وبعد فى
براءة أخّر يقتلون (ش) مردلا]
يعنى قوله تعالى:
{(وَقََاتَلُوا وَقُتِلُوا} وفى براءة {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)}.
قدم الجماعة فى الموضعين: الفعل المبنى للفاعل على الفعل المبنى للمفعول، وعكس ذلك حمزة والكسائى فى الموضعين. فأخرا المبنى للفاعل، وقدما المبنى للمفعول، ووجهه من جهة المعنى أنهم قاتلوا وقتلوا بعد ما وقع القتل فيهم، وقتل بعضهم، لا أن القتل أتى على جميعهم، وهو كالمعنى السابق فى قوله قتل معه ربيون كثير فما وهنوا وقوله شفاء: مصدر فى موضع الحال، أى أخره ذا شفاء، والشين فيه وفى شمردلا، رمز، ولو اختصر على الأخير: لحصل الغرض، ولكن كرر زيادة فى البيان، لأنه محتاج إلى كلمة يتزن بها البيت فى موضع شفاء، فلو أتى بكلمة ليس أولها شين، لكانت رمزا لمن دل عليه أول حروفها، فعدل إلى كلمة أولها رمز القارئ، خوفا من اللبس، والشمردل: الخفيف، والله أعلم.
584 [ويا آتها وجهى وإنّى كلاهما ... ومنّى واجعل لى وأنصارى الملا]
يعنى وجهى لله فتحها نافع وابن عامر وحفص، وإنى موضعان أحدهما:
{(وَإِنِّي أُعِيذُهََا} [2]).
فتحها نافع وحده والآخر:
{(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} [3]).
فتحها نافع وابن كثير وأبو عمرو غير أن:
(أنّى).
مفتوحة فى قراءة غير نافع، فلفظ بها فى البيت على قراءة نافع:
__________
(1) سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، آية: 4.
(2) سورة آل عمران، آية: 36.
(3) سورة آل عمران، آية: 49.(2/408)
{(فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ} [1]).
فتحها نافع وأبو عمرو، و {(اجْعَلْ لِي آيَةً} [2]).
فتحها أيضا أبو عمرو ونافع، {(مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [3]).
فتحها نافع وحده، والملاء: بكسر الميم والمد جمع ملىء وهو الثقة، وهو صفة لأنصارى أو صفة لقوله:
وياءاتها، أى وياءاتها الملاهى كذا وكذا، فهذه ست ياءات إضافة مختلف فى إسكانها وفتحها، وفى هذه السورة من ياءات الزوائد المختلف فى إثباتها وحذفها ياءان:
{(وَمَنِ اتَّبَعَنِي)}.
أثبتها فى الوصل نافع وأبو عمرو:
{(وَخََافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [4]).
أثبتها أبو عمرو وحده فى الوصل، وقلت فى ذلك:
مضافاتها ست وجاء زيادة ... وخافون إن كنتم من اتبعن ولا
أى وجاء وخافون ومن اتبعن زيادة، أى ذوى زيادة فيهما الياء الزائدة على الرسم، والولا المتابعة، أى ولى هذا هذا ولاء بكسر الواو، والله أعلم.
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 35.
(2) سورة آل عمران، آية: 14.
(3) سورة آل عمران، آية: 53.
(4) سورة آل عمران، آية:؟؟؟.(2/409)
سورة النساء
587 [وكوفيّهم تسّاءلون مخفّفا ... وحمزة والأرحام بالخفض جمّلا]
نصف هذا البيت هو نصف هذه القصيدة أى الكوفيون قرءوا تساءلون بالتخفيف والأصل تتساءلون فمن خفف حذف التاء الثانية ومن شدّد أدغمها فى السين وله نظائر مثل تذكرون تزكى تصدى، وأما قراءة والأرحام بالنصب فعطف على موضع الجار والمجرور أو على اسم الله تعالى، أى واتقوا الأرحام، أى اتقوا حق الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وفى الحديث «أنا الرحمن وهى الرحم، شققت لها من اسمى من قطعها قطعته» فهذا وجه الأمر بالتقوى فيها مع لله تعالى وقرأها حمزة والأرحام بالجر وعبر الناظم عنه بالخفض، واستحسنه الشيخ هنا وقال: فيه تورية مليحة لأن الخفض فى الجوارى الختان، وهو لهن جمال، والخفض الذى هو الإعراب جمال الأرحام لما فيه من تعظيم شأنها قلت: يعنى بسبب عطفها على اسم الله تعالى أو بسبب القسم بها، وبهذين الوجهين عللت هذه القراءة وفى كل تعليل منهما كلام، أما العطف فالمعروف إعادة حرف الجر فى مثل ذلك، كقوله وإنه لذكر لك ولقومك فخسفنا به وبداره الأرض ونحو ذلك. وقال الزجاج القراءة الجيدة نصب الأرحام، المعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها فأما الخفض فخطأ فى العربية لا يجوز إلا فى اضطرار شعر، وخطأ أيضا فى أمر الدين عظيم، لأن النبى صلّى الله عليه وسلم قال «لا تحلفوا بآبائكم» فكيف يكون تتساءلون بالله والأرحام على هذا قال: ورأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا، ويذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم، وأن ذلك خاص لله تعالى على ما أتت به الرواية، فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر فى حال الخفض إلا بإظهار الخافض. قال بعضهم: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين فى الاسم فقبح أن يعطف اسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. وقال المازنى، كما لا تقول مررت بزيد وبك لا تقول مررت بك وزيد قلت هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب وقد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك وأما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم وهو حلف وقد نهى عن الحلف بغير الله تعالى فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه فحضهم على صلة الرحم، ونهاهم عن قطعها ونبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها ثم لم يقرهم الشرع على ذلك بل نهاهم عنه وحرمتها باقية وصلتها مطلوبة وقطعها محرم وجاء فى الحديث أن النبى صلّى الله عليه وسلم تلا هذه الآية عند حثه على الصدقة يوم قدم عليه وفد مضر وهو إشارة إلى هذا سواء كان قرأها نصبا أو خفضا فكلاهما محتمل وخفى هذا على أبى جعفر النحاس فأورد هذا الحديث ترجيحا لقراءة النصب ولا دليل له فى ذلك فقراءة النصب على تقدير واتقوا الأرحام التى تتساءلون بها فحذف استغناء بما قبله عنه وفى قراءة الخفض حذف واتقوا الأرحام ونبه بأنهم يتساءلون بها على ذلك وحسن حذف الياء هنا أن موضعها معلوم فإنه كثر على ألسنتهم قولهم سألتك بالله والرحم وبالرحم فعومل تلك المعاملة مع الضمير فهو أقرب من قول رؤبة خير لمن قال له كيف أصبحت أى بخير لما كان ذلك معلوما قال الزمخشرى فى كتاب الأحاجى فى قولهم لا أبا لك اللام مقدرة منوية وإن حذفت من اللفظ الذى شجعهم على حذفها شهرة
مكانها وأنه صار معلوما لاستفاضة استعمالها فيه وهو نوع من دلالة الحال التى لسانها أنطق من لسان المقال ومنه حذف، لا، فى:(2/410)
587 [وكوفيّهم تسّاءلون مخفّفا ... وحمزة والأرحام بالخفض جمّلا]
نصف هذا البيت هو نصف هذه القصيدة أى الكوفيون قرءوا تساءلون بالتخفيف والأصل تتساءلون فمن خفف حذف التاء الثانية ومن شدّد أدغمها فى السين وله نظائر مثل تذكرون تزكى تصدى، وأما قراءة والأرحام بالنصب فعطف على موضع الجار والمجرور أو على اسم الله تعالى، أى واتقوا الأرحام، أى اتقوا حق الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وفى الحديث «أنا الرحمن وهى الرحم، شققت لها من اسمى من قطعها قطعته» فهذا وجه الأمر بالتقوى فيها مع لله تعالى وقرأها حمزة والأرحام بالجر وعبر الناظم عنه بالخفض، واستحسنه الشيخ هنا وقال: فيه تورية مليحة لأن الخفض فى الجوارى الختان، وهو لهن جمال، والخفض الذى هو الإعراب جمال الأرحام لما فيه من تعظيم شأنها قلت: يعنى بسبب عطفها على اسم الله تعالى أو بسبب القسم بها، وبهذين الوجهين عللت هذه القراءة وفى كل تعليل منهما كلام، أما العطف فالمعروف إعادة حرف الجر فى مثل ذلك، كقوله وإنه لذكر لك ولقومك فخسفنا به وبداره الأرض ونحو ذلك. وقال الزجاج القراءة الجيدة نصب الأرحام، المعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها فأما الخفض فخطأ فى العربية لا يجوز إلا فى اضطرار شعر، وخطأ أيضا فى أمر الدين عظيم، لأن النبى صلّى الله عليه وسلم قال «لا تحلفوا بآبائكم» فكيف يكون تتساءلون بالله والأرحام على هذا قال: ورأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا، ويذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم، وأن ذلك خاص لله تعالى على ما أتت به الرواية، فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر فى حال الخفض إلا بإظهار الخافض. قال بعضهم: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين فى الاسم فقبح أن يعطف اسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. وقال المازنى، كما لا تقول مررت بزيد وبك لا تقول مررت بك وزيد قلت هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب وقد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك وأما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم وهو حلف وقد نهى عن الحلف بغير الله تعالى فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه فحضهم على صلة الرحم، ونهاهم عن قطعها ونبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها ثم لم يقرهم الشرع على ذلك بل نهاهم عنه وحرمتها باقية وصلتها مطلوبة وقطعها محرم وجاء فى الحديث أن النبى صلّى الله عليه وسلم تلا هذه الآية عند حثه على الصدقة يوم قدم عليه وفد مضر وهو إشارة إلى هذا سواء كان قرأها نصبا أو خفضا فكلاهما محتمل وخفى هذا على أبى جعفر النحاس فأورد هذا الحديث ترجيحا لقراءة النصب ولا دليل له فى ذلك فقراءة النصب على تقدير واتقوا الأرحام التى تتساءلون بها فحذف استغناء بما قبله عنه وفى قراءة الخفض حذف واتقوا الأرحام ونبه بأنهم يتساءلون بها على ذلك وحسن حذف الياء هنا أن موضعها معلوم فإنه كثر على ألسنتهم قولهم سألتك بالله والرحم وبالرحم فعومل تلك المعاملة مع الضمير فهو أقرب من قول رؤبة خير لمن قال له كيف أصبحت أى بخير لما كان ذلك معلوما قال الزمخشرى فى كتاب الأحاجى فى قولهم لا أبا لك اللام مقدرة منوية وإن حذفت من اللفظ الذى شجعهم على حذفها شهرة
مكانها وأنه صار معلوما لاستفاضة استعمالها فيه وهو نوع من دلالة الحال التى لسانها أنطق من لسان المقال ومنه حذف، لا، فى:
{(تَاللََّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} [1]).
وحذف الجار فى قوله روبة خير إذا أصبح وحمل قراءة حمزة تساءلون به ولأرحام عليه سديد لأن هذا الكلام قد شهر بتكرير الجار فقامت الشهرة مقام الذكر. وقال فى الكشاف وينصره قراءة ابن مسعود:
{(تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ} [2]).
قال الفراء: حدثنى شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم قال: والأرحام خفض الأرحام قال هو كقولهم أسألك بالله والرحم: قال وفيه قبح، لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كنى عنه، قال: وقال الشاعر فى جوازه:
فعلق فى مثل السوارى سيوفنا ... وما بينهما واللعب غوط نفانف
قال: وإنما يجوز هذا فى الشعر لضيقه. قال الزجاج وقد جاء ذلك فى الشعر، أنشد سيبويه:
فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقال العباس بن مرداس:
اكر على الكتيبة لا أبالى ... أحتفي كان فيها أم سواها
وأنشده الحق فى إعرابه لحسان بن ثابت فانظر بنا والحق كيف نوافقه والأبيات المتقدمة وزاد:
إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم ... فقد خاب من يصلى بها وسعيرها
ثم أخذ فى الاستدلال على صحة ذلك وقوته من حيث النظر وأصاب رحمه الله، فإن الاستعمال قد وجد وكل ما يذكر من أسباب المنع فموجود فى الضمير المنصوب مثله، وقد أجازوا العطف عليه فالمجرور كذلك قياسا صحيحا، وقول أبى على فى الحجة هو ضعيف فى القياس قليل فى الاستعمال ممنوع، ولقائل أن يقول العطف على الضمير المنصوب كذلك، فقال الشيخ فى شرحه: حكى قطرب ما فيها غيره وفرسه وقال فى شرح المفصل وقد أجاز جماعة من النحويين الكوفيين أن يعطف على الضمير المجرور بغير إعادة الخافض واستدلوا بقراءة حمزة وهى قراءة مجاهد والنخعى وقتادة وابن رزين ويحيى بن و؟؟؟ ناب وطلحة والأعمش وأبى صالح وغيرهم، وإذا شاع هذا فلا بعد فى أن يقال مثل ذلك فى قوله تعالى {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} أى وبحرمة المسجد الحرام ولا حاجة أن يعطف على سبيل الله كما قاله أبو على وغيره ولا على الشهر الحرام كما قاله الفراء لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وإن كان لكل وجه صحيح والله أعلم. والوجه الثانى فى تعليل قراءة الخفض فى الأرحام أنها على القسم وجوابه إن الله كان عليكم رقيبا أقسم سبحانه بذلك كما أقسم بما شاءا من مخلوقاته من نحو: والتين والزيتون، والعصر والضحى ولليل: إما بها أنفسها أو على إضمار خالقها عز وجل وهو كإقسام بالصافات وما بعدهما على أن إلهكم لواحد وهذا الوجه وإن كان لا مطعن عليه من جهة العربية، فهو بعيد لأن قراءة النصب وقراءة ابن مسعود بالباء
__________
(1) سورة يوسف، آية: 75.
(2) سورة النساء، آية: 1.(2/411)
مصرحتان بالوصاة بالأرحام على ما قررناه، وأما رد بعض أئمة العربية ذلك فقد سبق جوابه، وحكى أبو نصر ابن القشيرى رحمه الله فى تفسيره كلام أبى إسحاق الزجاج الذى حكيناه، ثم قال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التى قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبى صلّى الله عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة وإذا ثبت شيء عن النبى صلّى الله عليه وسلم فمن رد ذلك فقد رد على النبى صلّى الله عليه وسلم واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح، وإن كان غيره أفصح منه، فإنا لا ندعى أن كل القراءات على أرفع الدرجات فى الفصاحة، قلت: وهذا كلام حسن صحيح والله أعلم.
588 [وقصر قياما (عمّ) يصلون ضمّ (ك) م
(ص) فا نافع بالرّفع واحدة جلا]
القيم والقيام واحد يوصف به الذى يقوم بالمصالح، ومعناه الثبات والدوام، وهما مصدران وصف بهما الأموال هنا والكعبة فى المائدة، ووصف الدين فى الأنعام بالقيم، والقيم، أى: هو مستقيم، قال حسان بن ثابت:
فنشهد أنك عبد الإله ... أرسلت نورا بدين قيم
فابن عامر قرأ الثلاثة فيما على وزن عنب ونافع هنا فقط وسيصلون سعيرا بضم الياء وفتحها ظاهر، وواحدة التى رفعها نافع وحده وهو وإن كانت واحدة جعل كان تامة ومن نصب طابق به قوله فإن كن نساء فإن كانتا اثنتين أى إن كان الوارث واحدة وإنما أنث الفعل وألحق علامتى الجمع والتثنية فى كن وكانتا ليطابق الاسم الخبر لفظا ولم يأت الناظم فى هذا البيت بواو فاصلة وذلك فى موضعين إذ لا ريبة فى اتصال المسائل الثلاث وجلا فى آخر البيت ليس برمز إذ قد تقدّم مرارا بيان أنه لم يرمز قط مع التصريح بالاسم ولم يصرح بالاسم مع الرمز ولولا أن ذلك اصطلاحه لكان نافع محتملا أن يكون من جملة قراء سيصلون بالضم ورفع واحدة لورش وحده، والله أعلم.
589 [ويوصى بفتح الصّاد (ص) حّ (ك) ما (دنا)
ووافق حفص فى الأخير مجمّلا]
الكسر والفتح فى هذا ظاهر أن والأخير هو الذى بعده غير مضار وصية من الله ومجملا حال من حفص، أى مجملا ذلك على أئمته وناقلا لفتحه ذلك عنهم وفى قراءته جمع بين اللغتين وحق هذا البيت أن يكون بعد البيتين اللذين بعده لأن فلأمه فى السورة في قبل قوله يوصى بها، والله أعلم.
590 [وفى أمّ مع فى أمّها فلأمّه
لدى الوصل ضمّ الهمز بالكسر (ش) مللا]
أراد {(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتََابِ لَدَيْنََا لَعَلِيٌّ} [1] أول الزخرف {فِي أُمِّهََا رَسُولًا} [1]).
فى القصص (3) فلأمه فى موضعين هنا ضم الهمزة فى هذه المواضع أسرع بالكسر والأصل الضم ووجه كسر
__________
(1) سورة الزخرف، آية: 4.
(3) الآية: 59.(2/412)
الهمزة وجود الكسرة قبلها أو الياء وهى من جنس الكسر فكسروا الهمزة استثقالا للخروج من كسر وشبهه إلى ضم وهذا كما فعلوا فى كسر هاء الضمير نحو بهم وفيهم والهمز مجترئا عليه حذفا وإبدالا وتسهيلا فغير بعيد من القياس تغيير حركته وقد غيروا حركة حروف عدة كما مضى فى بيوت وما سيأتى فى جيوب وعيون، وشيوخ وغيوب، قال أبو جعفر النحاس رحمه الله فى كسر فلأمه هذه لغة حكاها سيبويه قال هى لغة كثير من هوازن وهذيل وقوله لدى الوصل يريد به وصل حرف الجر بهمزة أم فلو فصلت بأن وقفت على حرف الجر ضمت الهمزة بلا خلاف لأنه لم يبق قبلها ما يقتضى كسرها فصارت كما لو كان قبلها غير الكسر والياء نحو ما هن أمهاتهن وأمه آية وكذا إذا فصل بين الكسر والهمزة فاصل غير الياء نحو إلى أم موسى فرددناه إلى أمه لا خلاف فى ضم كل ذلك فقول الناظم: وفى أم قيده بذكر فى احترازا من مثل ذلك، وقوله وفى أم وما بعده مبتدأ وضم الهمزة بدل اشتمال من المبتدا وشمللا خبر المبتدأ ومعناه أسرع.
591 [وفى أمّهات النّحل والنّور والزّمر
مع النّجم (ش) اف واكسر الميم (ف) يصلا]
فى هنا حرف جر وليس كقوله وفى أم فإن فى ثم من لفظ القرآن فلهذا أعربنا ذلك مبتدإ وهذا خبره مقدم والمبتدأ قوله شاف أى وفى هذه الكلمة التى هى أمهات من هذه السور الأربع كسر شاف أو يكون تقدير الكلام وأسرع ضم الهمز بالكسر فى هذه المواضع وشاف خبر مبتدإ محذوف أى هو شاف، وأسكن الراء من الرمز ضرورة نحو:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
وهذه المواضع الأربعة والله أخرجكم من بطون أمهاتكم أو بيوت أمهاتكم يخلقكم فى بطون أمهاتكم {(وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهََاتِكُمْ} [1]).
فالجميع قبله كسر فلهذا كسرت الهمزة اتباعا وكسر حمزة دون الكسائى الميم بعد الهمزة تبعا لها فى هذه المواضع الأربعة، وفيصلا حال من الضمير فى اكسر، أى فاصلا بين قراءتهما فحمزة كسر الهمزة والميم معا، والكسائى كسر الهمزة وحدها، وكل ذلك فى الوصل، فإن وقفت على حرف الجر وابتدأت الكلمات ضمت الهمزة وفتحت الميم كقراءة الجماعة، والله أعلم.
592 [وندخله نون مع طلاق وفوق مع
نكفّر نعذّب معه فى الفتح (إ) ذ (ك) لا]
أى ذو نون هاهنا فى موضعين ندخله جنات وندخله نارا مع الذى فى آخر الطلاق وندخله جنات والذى فوق الطلاق يعنى سورة التغابن فيها ندخله مع نكفر يعنى قوله تعالى نكفر عنه سيئاته وندخله ثم قال نعذب معه أى مع ندخله فى الفتح أى اجتمعا فى سورة الفتح فى قوله ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجرى من تحتها الأنهار ومن يتول نعذبه عذابا أليما فذلك سبعة مواضع قرأهن بالنون نافع وابن عامر والباقون بالياء، ووجه
__________
(1) سورة النجم الآية: 32.(2/413)
القراءتين ظاهر وضاق عليه البيت عن بيان أن فى هذه السورة موضعين كما قال فى البقرة معا قدر: حرك، ومثله قوله فى الأعراف والخف أبلغكم حلا، ولم يقل معا وهو فى قصتى نوح وهود وكلا أى كلاه أى حفظه قارئه فرواه لنا. والله أعلم.
593 [وهذان هاتين اللّذان اللّذين قل
يشدّد للمكّى فذانك (د) م (ح) لا]
التشديد فى هذه الكلمات فى نوناتها ولم يبينه لظهوره أو لأن كلامه فى النون فى قوله ندخله نون فكأنه قال تشدد نون هذه الكلمات لابن كثير، والتشديد والتخفيف فى ذلك كله لغتان، وأراه:
{(هََذََانِ خَصْمََانِ} [1] {إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ} [2] {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هََاتَيْنِ} [3] {وَالَّذََانِ يَأْتِيََانِهََا مِنْكُمْ} [4] {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلََّانََا} [5] {فَذََانِكَ بُرْهََانََانِ مِنْ رَبِّكَ} [6]).
التشديد عوض من الألف المحذوفة من هاذان وهاتين وفذانك ومن الياء المحذوفة فى اللذان واللذين حذفتا لكون ألف التثنية بعدهما، شدد الجميع ابن كثير ووافقه أبو عمرو على تشديد فذانّك، وقراءة الباقين بالتخفيف على قياس نونات التثنية مطلقا، وقوله دم حلا، أى: ذا حلا، وأراد فذالك بالتشديد. لأن الكلام فيه، ولقائل أن يقول: إنما لفظ به مخففا فيدخل فى قوله: وباللفظ استغنى عن القيد، وجوابه أنه لم يمكنه اللفظ به مشددا لامتناع اجتماع الساكنين فى الشعر، فلم يبق اللفظ جاليا للمقصود:
594 [وضمّ هنا كرها وعند براءة
(ش) هاب وفى الأحقاف (ث) بّت (م) عقلا]
الضم والفتح فى هذا لغتان، كالضّعف والضّعف، وفى الأحقاف موضعان. وقوله: عند براءة، أى فيها كما تقول عندى كذا، أى فى ملكى، يريد فيما حوته براءة من الآيات، وكما تجوز عما هو عندى بقى فى قوله ولا ألف فى ها هانتم على ما سبق، تجوز هنا بعكس ذلك، وكان له أن يقول: وما فى براءة أو وكر هاهنا وفى براءة ضمه شهاب، ومعقلا تمييز أو حال، والضمير فى ثبت للحرف لمختلف فيه، أو لشهاب، أى ثبت معتلا أو مشبها معقلا المعقل الملجأ، يقال فلان معقل لقومه، وأصله الحصن:
595 [وفى الكلّ فافتح يا مبيّنة (د) نا
(ص) حيحا وكسر الجمع (ك) م (ش) رفا (ع) لا]
أى كم علا شرفا، والمميز محذوف، أى كم مرة علا شرفا، والجمع يعنى به: مبينات، جمع مبينة فوجه الفتح فيهما ظاهر، أى بينها من يدعيها وآيات مبينات بينها الله سبحانه، وبالكسر يجوز أن يكون لازما،
__________
(1) سورة الحج، آية: 19.
(2) سورة طه، آية: 64.
(3) سورة القصص، آية: 27.
(4) سورة النساء، آية: 16.
(5) سورة فصلت، آية: 29.
(6) سورة القصص، آية: 32.(2/414)
أى هى بينة فى نفسها، ظاهرة وبينات جمعها، يقال: بينت الشيء تبين، مثل تبين، ويجوز أن يكون متعديا أى مبينة صدق مدعيها، فهو لازم ومتعد، وصحيحا حال من فاعل دنا، وكسر الجمع أى كسريا المجموع من ذلك، والله أعلم.
596 [وفى محصنات فاكسر الصّاد (ر) اويا
وفى المحصنات اكسر له غير أوّلا]
يعنى اكسر المنكر والمعرف إلا الأول، وهو:
{(وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ النِّسََاءِ} [1]).
فى رأس الجزء لأنه بمعنى المزوجات فالكسر على معنى أنهن أحصن فروجهنّ. إما بالأزواج أو بالحفظ، والفتح على أن الله تعالى أحصنهن، أو يكون بمعنى الكسر، قال الشيخ فى شرحه يقال: أحصن فهو محصن، وألفح: إذا أفلس فهو ملفح، وأشهب فهو مشهب، نذرت بالفتح هذه الثلاثة، وأولا مخفوض بغير، ولكنه غير منصرف، والتقدير غير حرف أول، والله أعلم.
597 [وضمّ وكسر فى أحلّ صحابه
وجوه وفى أحصنّ (ع) ن (نفر) العلا]
يعنى {(وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ} [1]).
ومعنى صحابه: وجوه، أى رواته رؤساء من قولهم: هم وجوه القوم، أى أشرافهم وكبارهم، وعاد الضمير مفردان صحابه وإن كان الذى عاد إليه مثنى، وهما: الضم والكسر لأنهما فى معنى المفرد، وهو اللفظ والحرف، أو صحاب هذا الفعل وجوه، وهذه القراءة على مطابقته:
{(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [3]).
ووجه الفتح إسناد الفعل إلى الله تعالى لقوله قبله:
{(كِتََابَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} [1]).
قوله وفى أحصن، أى: والضم والكسر فى الموضعين الفتح فى الحرفين أما كونه ضد الكسر، فمطرد ومنعكس، وأما كونه ضد الضم فمطرد غير منعكس، على ما سبق بيانه فى شرح الخطبة، ولم يقرأ أحد بالضم والكسر فى الكلمتين معا إلا حفص، وقرأ أبو بكر بالفتح فيهما معا، وأما باقى القراء فمن ضم وكسر فى أحل فتح فى أحصن ومن فتح فى أحل ضم وكسر فى أحصن فالفتح فى أحصن كالكسر فى محصنات أسند الفعل إليهنّ، والضم والكسر فى أحصن كفتح صاد محصنات والله أعلم.
__________
(1) سورة النساء، آية: 24.
(3) سورة النساء، آية: 23.(2/415)
598 [مع الحجّ ضمّوا مدخلا (خ) صّه وسل
فسل حرّكوا بالنّقل (ر) اشده (د) لا]
أى خص بالخلف مدخلا هنا وفى الحج:
{(وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً} [1] {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} [2]).
دون الذى فى سبحان:
{(مُدْخَلَ صِدْقٍ} [3]).
فإنه بالضم اتفاقا، وخصه فعل أمر وفتح الصاد لغة صحيحة، خلافا لمن لم يجز فيه إلا الضم عند اتصال ضمير الغائب به اتباعا، ويجوز أن يكون خصه فعل ما لم يسم فاعله. على حذف حرف الجر اتساعا، أى خص به، ومدخلا بالضم: إما مصدر، أو اسم مكان، من أدخل، وبالفتح أيضا كذلك، من دخل، فيكون على قراءة الفتح قد قرن بالفعل غير مصدره واسم مكانه، أو يقدر له فعله على معنى: فيدخلون مدخلا، وأما فعل الأمر من سأل، فإن لم يكن قبله واو ولا فاء فقد أجمع القراء على حذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى السين، نحو:
{(سَلْ بَنِي إِسْرََائِيلَ} [4]).
وإن كان قبله واو أو فاء، وكان أمرا لغير المخاطب، فأجمعوا على همزه، نحو:
{(وَلْيَسْئَلُوا مََا أَنْفَقُوا} [5]).
وإن كان أمرا للمخاطب فالقراء أيضا أجمعوا على الهمز، لا ابن كثير والكسائى، وعلته أن أمر المخاطب كثير الاستعمال فخففوه، والمستعمل بغير واو ولا فاء أكثر، فناسب التخفيف، والهمز الأصل، والراشد:
السالك طريق الرشد، ودلا: أى وافق فى حصول مقصوده، فإن معناه لغة: أخرج دلوه ملآء، وذلك مقصود من أدلى دلوه، فاستعاره الناظم لهذا المعنى وما يناسبه، والله أعلم وأحكم.
599 [وفى عاقدت قصر (ث) وى ومع الحدي
د فتح سكون البخل والضّمّ (ش) مللا]
فى المفاعلة: عاقدت ظاهرة، ومعنى عقدت أى عقدت أيمانكم عهودهم، والأيمان هنا جمع يمين التى هى اليد، وهنا وفى سورة الحديد:
{(وَيَأْمُرُونَ النََّاسَ بِالْبُخْلِ} [6]).
__________
(1) سورة النساء، آية: 31.
(2) سورة الحج، آية: 59.
(3) سورة الإسراء، آية: 80.
(4) سورة البقرة، آية: 211.
(5) سورة الممتحنة، آية: 10.
(6) سورة الحديد، آية: 24.(2/416)
فتح السكون فى الخاء، وفتح الضم فى الباء، شملل: أى أسرع، أى قراءة حمزة والكسائى بفتح الحرفين والباقون بالضم والإسكان، وهما لغتان، كالحزن والحزن، والعرب والعرب، والله أعلم.
600 [وفى حسنه (حرمىّ) رفع وضمّهم
تسوّى (ن) ما (حقّا) و (عمّ) مثقّلا]
يعنى {(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} [1]).
الرفع على أن كان تامة، والنصب على أنها ناقصة، والاسم ضمير عائد على الذرّة أو على المثقال، وأنث ضميره، لأنه مضاف إلى مؤنث كقوله:
كما نهلت صدر القناة من الدم
وأسكن الناظم الهاء من حسنة ضرورة كما سبق فى هذه السورة، وفى أمهات النحل والنور والزمر، وفى الأصول، وفى البقرة فقل:
{(يُعَذِّبُ} [2]).
وقوله سبحانه:
{(لَوْ تُسَوََّى بِهِمُ الْأَرْضُ} [3]).
بضم التاء على البناء للمفعول والتثقيل، أراد به التشديد مع فتح التاء، أصله: لو تتسوى، فأدغم التاء فى السين، وحمزة والكسائى على حذفها مع فتح التاء، مثل ما مضى فى تسألون أول السورة، ونما أى ارتفع، وحقا تمييز أو حا، ومثقلا حال، وفاعل نما ضمير الضم، وفاعل عم: ضمير تسوى، والله أعلم.
601 [ولامستم اقصر تحتها وبها (ش) فا
ورفع قليل منهم النّصب (ك) لّلا]
يعنى قوله {(أَوْ لََامَسْتُمُ النِّسََاءَ} [4]).
هنا وفى المائدة، إذا قصر صار لمستم، فيجوز أن يكون لامس بمعنى لمس، ويجوز أن يكون على بابه، واختلف الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء فى أن المراد به الجماع أو اللمس باليد، مع اتفاقهم على أن المراد باللمس الجماع فى قوله تعالى:
{(مََا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [5]).
حيث وقع، سواء قرئ بالمد أو بالقصر، والذين مدوا لامس: قصروا تمسوهن. وبالعكس، مع أن معنى اللفظين واحد من حيث أصل اللغة، وقد حققنا الكلام فى هذا، ولله الحمد فى المسائل الفقهية فى الكتاب المذهب
__________
(1) سورة النساء، آية: 40.
(2) سورة البقرة، آية: 284.
(3) سورة النساء، آية: 42.
(4) سورة المائدة، آية: 6.
(5) سورة البقرة، آية: 236.(2/417)
سهل الله إتمامه، وأما:
{(مََا فَعَلُوهُ إِلََّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [1]).
فالرفع فيه هو الوجه الأقوى عند النحويين، على البدل من فاعل فعلوه، كأنه قال ما فعله إلا قليل منهم، ولو كان بهذه العبارة لم يكن إلا بالرفع، ومعنى اللفظين واحد، والنصب جائز على أصل باب الاستثناء، كما فى الإيجاب: او قلت فعلوه إلا قليلا لم يجز إلا النصب، وقد أجمعوا على رفع:
{(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدََاءُ إِلََّا أَنْفُسُهُمْ} [2]).
واختلفوا فى:
{(وَلََا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [3]).
وفيه بحث حسن سيأتى إن شاء الله تعالى، قوله ورفع قليل: أى مرفوعه، وهو اللام الأخيرة كلل النصب، أى بالنصب، أى جعل له كالإكليل، وهو التاج أو يكون من قولهم: روضة مكللة أى محفوفة بالنّور، فيكون قوله: رفع، على ظاهره ليس بمعنى مرفوع، يعنى أن النصب فى مثل هذا تابع للرفع، كالنور التابع للروضة لأن أصل هذا الباب عند النحويين البدل كما ذكرنا، فكأن النصب طارئ على ما هو وجه الكلام وأصله.
602 [وأنّث يكن (ع) ن (د) ارم (تظلمون غي
ب شهد (د) نا إدغام بيّت (ف) ى (ح) لا]
يعنى (كأن لم يكن بينكم وبينه مودّة (4)).
التأنيث لأجل لفظ مودّة، والتذكير لأجل الفصل الواقع بين الفعل والفاعل، مع أن المودة بمعنى الود، والدارم: الذى يقارب الخطا فى مشيه، أى القراءة منقولة عن شيخ هذه صفته، ودارم أيضا: اسم قبيلة من تميم، وليس ابن كثير منهم، خلافا لما وقع فى شرح الشيخ رحمه الله، وقد بينا الوهم فى ذلك فى الشرح الكبير فى ترجمة ابن كثير، وأما:
(ولا يظلمون فتيلا (5) {أَيْنَمََا تَكُونُوا} [5]).
فقرئ بالغيب، ردا على ما قبله من قوله:
{(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ} [7]).
إلى آخر الآية، والخطاب على الالتفات، وإن كان المراد: قل لهم، فالغيب والخطاب من باب قولك قل زيد لا يضرب ولا تضرب، بالياء والتاء، ومنه ما سبق:
__________
(1) سورة النساء، آية: 66.
(2) سورة النور، آية: 6.
(3) سورة هود، آية: 81.
(4) سورة النساء، آية: 73.
(5) سورة النساء، آية: 77و 78.
(7) سورة النساء، آية: 77.(2/418)
(قل للّذين كفروا سيغلبون (1) ولا يعبدون إلّا الله (2)).
ولا خلاف فى الأول أنه بالغيبة، وهو:
{(لََا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ} [3] وأما {بَيَّتَ طََائِفَةٌ} [4]).
فأبو عمرو على أصله فى إدغامه، ووافقه حمزة فيه، كما وافقه فى مواضع أخر تأتى فى أول سورة والصافات ولولا حمزة لما احتاج إلى ذكر هذا الحرف لأبى عمرو هنا، بل كان ذلك معلوما من إدغام الحرفين المتقاربين فلما احتاج إلى ذكره لأجل حمزة رمز لأبى عمرو معه خشية أن يظن أنه لحمزة وحده، ولهذا نظائر سابقة ولا حقة وكان يلزمه مثل ذلك فى أول والصافات، فلم يفعله، وقد قيل إن إدغام:
{(بَيَّتَ طََائِفَةٌ)}.
ليس من باب الإدغام الكبير، بل من الصغير، والتاء ساكنة للتأنيث، مثل:
{(وَقََالَتْ طََائِفَةٌ} [5]).
وقد ذكرنا وجه هذا القول على بعده فى الشرح الكبير فى باب الإدغام، وفى هذا البيت ثلاث مسائل وصلها بغير واو فاصلة بينها. إذ لا ريبة فى ذلك، والله أعلم.
603 [وإشمام صاد ساكن قبل داله
كأصدق زاء (ش) اع وارتاح أشملا]
يعنى نحو {(تَصْدِيَةً} [6] و {يَصْدِفُونَ} [7] و {يُصْدِرَ} [8] و {تَصْدِيقَ} [9] و {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ} [10] و {عَلَى اللََّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [11] و {مَنْ أَصْدَقُ} [12]).
وجه هذا الإشمام ما تقدم فى الصراط لأن الدال مجهورة، وقراءة الباقين بالصاد الخالصة، وقوله:
زاء بالنصب هو ثانى مفعولى وإشمام، والأول أضيف إليه، وهو صاد، لأنك تقول اشم الصاد زاء والمصدر يتعدى تعدية فعله، وأشملا تمييز، والارتياح: النشاط، وأشملا: جمع شمال بكسر الشين، وهو: الخلق واليد يشير إلى حسنه فى العربية، والله أعلم.
604 [وفيها وتحت الفتح قل فتثبّتوا ... من الثّبت والغير البيان تبدّلا]
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 12.
(2) سورة البقرة، آية: 83.
(3) سورة النساء، آية: 49و 50.
(4) سورة النساء، آية: 81.
(5) سورة آل عمران، آية: 72.
(6) سورة الأنفال، آية: 35.
(7) سورة الأنعام، آية: 46.
(8) سورة يونس، آية: 37.
(9) سورة الحجر، آية: 94.
(10) سورة النحل، آية: 39.
(11) سورة النساء، آية: 94.
(12) سورة النساء، آية: 94.(2/419)
يعنى {(إِذََا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ فَتَبَيَّنُوا} [1] {فَمَنَّ اللََّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [1]).
وفى الحجرات:
{(إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [1]).
قرأها حمزة والكسائى من الثبات فى الأمر، والثبت هو خلاف الإقدام، والمراد: التأنى وخلاف العجلة.
ومنه قوله تعالى:
{(وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)}.
أى وأشد وفقا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه، وقرأها الباقون من بيان الأمر، وهو ثمر التثبت فيه، فيستعمل فى موضعه، قال الأعشى:
كما اشد تجدنّ أمرا تبين ثم ارعوى؟؟؟ أو قدم
قدم: أى أقدم، قال أبو على: فاستعمل التبيين فى الموضع الذى يقف فيه ناظرا فى الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه، وقال: فى موضع: الزجر النهى والتوقف:
لزيد مناة توعد يا ابن تيم ... تبين أين تاه بك الوعيد
وقال الفراء: هما متقاربان فى المعنى، يقول ذلك للرجل: لا تعجل بإقامة الحد حتى يتبين ويتثبت، وقول الناظم من الثبت أى اشتقاقه من كلمة الثبت، يقال رجل ثبت أى: ثابت القلب، واستعمله العلماء الحائزون أحوال الرواة ونقلة الأحاديث فى الحافظ الذاكر لما حدّث به، الضابط له، الذى لا تدخله شبهة فى ذلك ولا تشكك فيه، فيقولون هو: ثقة ثبت، وهو من ذلك، وعسر على الناظم أن يقول من التثبت أو التثبيت، وكان هو وجه الكلام كما قال غيره، فعدل إلى كلمة فيها الحروف الأصول التى مرجع جميع ما اشتق من ذلك إليها، وقال الشيخ: أشار إلى أن معنى القراءة طلب الثبت، وهو تفعلوا بمعنى استفعلوا من طلب ثبات الأمر والقراءة الأخرى أمر بطلب بيان الأمر. ثم قال الناظم: والغير تبدل من الثبت البيان، أى جعله مشتقا من البيان، لا من الثبت، ولم يذكر للقراءة من الثبت رمزا اعتمادا على الرمز السابق فى إشمام أصدق وبابه، لأنه أوّل رمز يليه.
فإن قلت: فلقائل أن يقول ينبغى أن يؤخذ لها ما يرمز به فى المسألة التى بعدها، كما أنه جمع بين مسألتين لرمز واحد فيما مضى فى البقرة، وهما:
{(قََالُوا اتَّخَذَ اللََّهُ وَلَداً} و {كُنْ فَيَكُونُ)}.
وجمع بين ثلاث مسائل لرمز واحد فى آل عمران فى البيت الذى أوّله: سنكتب.
قلت: اهتمامه ببيان قراءة الغير فى هذا البيت قطع ذلك الاحتمال، لأنه يعلم أنه ما شرع فى بيان قراءة الغير إلا وقد تمّ بيانه للقراءة الأخرى قيدا ورمزا، فتعين اعتبار الرمز السابق، إذ ليس غيره، فكأنه قال: اشما،
__________
(1) سورة البقرة، آية: 116و 117.(2/420)
وقرءا فتثبتوا من الثبت، وكان النظم يحتمل زيادة بيان فيقال فى الثبت السابق كأصدق زاء شاع، والتثبت شمللا إليها، وتحت الفتح فى فتثبتوا وغيرهما لفظ الثبات تبدلا، أى أسرع الثبت إلى هذه السورة وإلى الحجرات فى لفظ فتثبتوا وغير حمزة والكسائى يبدل عن ذلك لفظ البيان، والله أعلم.
605 [و (عمّ ف) تى قصر السّلام مؤخّرا
وغير أولى بالرّفع (ف) ى (حقّ ن) هشلا]
فتى مفعول عم، أى عم قصر السلام قارئا ذا فتوة، أو سخيا بعلمه، أو قويا فى العلم، لأن الفتى يكنى به عن الشاب، والشاب مظنة القوة، فهو كما سبق شرحه فى قوله: وكم من فتى كالمهدوى، وقال الشيخ: فتى حال من قصر السلام، ومؤخرا حال من السلام، يريد قوله سبحانه وتعالى:
(لمن ألقى إليكم السّلم (1)).
احترازا من اللتين قبله، ولا خلاف فى قصرهما وألقوا إليكم السلم وبعده {(وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} [2]).
وكذا لا خلاف فى قصر التى فى النحل:
{(وَأَلْقَوْا إِلَى اللََّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} [3]).
فلعله أشار بالعموم إلى هذا، إذ سخا القصر فى الجميع يقال: ألقى السلام، والسلم، إذا استسلم وانقاد، وقيل السلام هنا التسليم:
{(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)}.
بالرفع صفة للقاعدين، كقوله غير المغضوب لأن القاعدين كانوا نوعين: أولى الضرر وأصحاء، فمعناه غير أولى الضرر منهم، فحصل الحصر بين القسمين، أو يكون بدلا من القاعدين، لأنه استثناء من المنفى، فيجوز فيه البدل والنصب، وقراءة النصب على الحال من القاعدين، أو على الاستثناء، وقرئ شاذا بالجر على أنه صفة المؤمنين، ونهشل: اسم قبيلة، فلهذا لم يصرفه، وأشار باشتقاقه إلى أولى الضرر، لأنه من قولهم:
نهشل الرجل: إذا أسن واضطرب، أو بكون قوله: نهشلا فعلا ماضيا على حذف الموصوف، أى فى حق الذى نهشل: أى جاء غير أولى بالرفع فى حق هؤلاء المعذورين، لأنه وصف «القاعدون» بذلك، ليخرج منهم أولى الضرر، والله أعلم.
606 [ونؤتيه باليا (ف) ى (ح) ماه وضمّ يد
خلون وفتح الضّمّ (حقّ ص) رى حلا]
__________
(1) سورة النساء، آية: 94.
(2) سورة النساء، آية: 91.
(3) سورة النحل، آية: 87.(2/421)
يريد {(فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً} [1]).
القراءة بالنون والياء ظاهرة، والهاء فى حماه، عائدة على يؤتيه، كقولك زيد بماله فى داره، ويدخلون الجنة بضم الياء وفتح الخاء على بناء الفعل للمفعول، وبفتح الياء وضم الخاء على بنائه للفاعل، وكلاهما ظاهر المعنى، والصرى بكسر الصاد وفتحها: الماء المجتمع المستنقع. يشير إلى عذوبة القراءة وكل عذب.
607 [وفى مريم والطّول الأوّل عنهم
وفى الثّان (د) م (ص) فوا وفى فاطر (ح) لا]
وقع فى نسخ القصيدة الأول بالرفع، والأولى أن يكون مجرورا على أنه بدل من الطول، أو وفى مريم، وحرف الطول الأول، ويدل عليه قوله بعد ذلك: وفى الثان أى فى الأول عنهم، وفى الثان عن دم صفوا، وقوله: عنهم أى عن المذكورين بضم الياء وفتح الخاء، والذى فى مريم:
{(فَأُولََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلََا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [2]).
والأول فى الطول:
{(يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهََا} [3]).
والثانى فيها {(سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دََاخِرِينَ} [4]).
دم صفوا: أى ذا صفوا، أو دام صفوك، نحو طب نفسا، وقرّ عينا، فهو حال على الأول، تمييز على الثانى، وحلا فى آخر هذا البيت ليس بمعنى حلا فى آخر البيت الذى قبله، وإن اتفقا لفظا، بل هو من حلا فلان امرأته: أى جعلها ذات حلى، كأن حرف فاطر، وهو قوله تعالى:
{(جَنََّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهََا يُحَلَّوْنَ فِيهََا} [5]).
لما صحبه ذكر الحلية كأنه قد حلا، وقال الشيخ: كأن هذا الحرف على قراءة أبى عمرو قد جعل المعنى:
ذا حلية لحسن القراءة ومشاكلتها للمعنى، أو من حلوت فلانا: إذا أعطيته حلوانا، والله أعلم.
608 [ويصّالحا فاضمم وسكّن مخفّفا
مع القصر واكسر لامه (ث) ابتا تلا]
يعنى قرأ الكوفيون:
{(أَنْ يُصْلِحََا بَيْنَهُمََا صُلْحاً} [6]).
__________
(1) سورة النساء، آية: 74.
(2) سورة مريم، آية: 60.
(3) سورة غافر، آية: 40.
(4) سورة غافر، آية: 60.
(5) سورة غافر، آية: 32.
(6) سورة النساء، آية: 128.(2/422)
من أصلح يصلح، وقرأ الباقون بهذا اللفظ المنظوم، وأصله يتصالحا، فأدغمت التاء فى الصاد، وثابتا:
حال من اللام أو من الهاء فى لامه، أو من فاعل اكسر: أى فى حال ثباتك فيما تفعل، فإنك على ثقة من أمرك وبصيرة من قراءتك، أو يكون نعت مصدر محذوف: أى كسرا ثابتا تلا ما قبله من الحركات المذكورة. أو هو: مفعول تلا، أى تبع هذا المذكور أمرا ثابتا، وهو كل ما تقدم ذكره من الحروف، وقال الشيخ:
التلاء بالمد: الذمة، وهو منصوب على التمييز.
609 [وتلووا بحذف الواو الأولى ولامه
فضمّ سكونا (ل) ست (ف) يه مجهّلا]
يقال: لويت فلانا حقه إذا دفعته ومطلته، وقد جعلت القراءة الأخرى التى بحذف الواو بمعناها، على تقدير أن الواو المضمومة همزت، ثم ألقيت حركتها على اللام وحذفت، ذكر ذلك الفراء والزجاج والنحاس وأبو على، غير أن أبا على قدم قبله وجها آخر اختاره، وهو: أن جعله من الولاية، وقال: ولاية الشيء إقبال عليه، وخلاف الإعراض عنه، وتابعه الزمخشرى على هذا ولم يذكر غيره، قال: وإن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها، وقول الناظم ولامه، فضم الفاء زائدة، ولامه مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده، أى حرك لامه أو ضم لامه، ثم فسره بقوله فضم سكونا، ولا بدّ من ضمير يرجع إلى اللام، كقولك: زيدا اضرب رأسه، ولا تقول: رأسا، فقوله سكونا، أى سكونا فيه، أو سكونه وقوله: لست فيه مجهلا، جملة فى موضع الصفة لقوله سكونا، أو هى مستأنفة، ولو كان قدم لفظ فيه على لست، لكان جيدا، ورجع الضمير فى فيه إلى اللام، فيقول: فضم سكونا فيه لست مجهلا، ويكون فيه رمزا بحاله، كقوله فى آل عمران، وكسر لما فيه وإن كان موهما فى الموضعين أنه تقييد للقراءة.
فإن قلت: سكونا مصدر فى موضع الحال من اللام، أى ضم لامه فى حال كونها ساكنة، فلا حاجة إلى ضمير يرجع إلى اللام، ولا إلى تقديم فيه على لست.
قلت: ضم اللام فى حال السكون محال، والحال تقييد للفعل، بخلاف الصفة، فإذا قيل اضرب زيدا راكبا، تعين ضربه فى حال ركوبه، وإذا قيل: اضرب زيدا الراكب، كان الراكب صفة مبينة لا غير، فله ضربه، وإن ترك الركوب، فعلى هذا: يجوز أن يقال: ضم اللام الساكنة، ولا يجوز: ضم اللام ساكنة.
فاعرف ذلك.
610 [ونزّل فتح الضّمّ والكسر (حصن) هـ
وأنزل عنهم عاصم بعد نزّلا]
يريد قوله تعالى:
{(وَالْكِتََابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى ََ رَسُولِهِ وَالْكِتََابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [1]).
__________
(1) سورة النساء، آية: 136.(2/423)
{(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتََابِ} [1]).
والقراءة فى المواضع الثلاثة دائرة بين بناء الفعل للفاعل أو للمفعول، وهما ظاهرتان، والهاء فى حصنه:
تعود على نزل، وهو خبر فتح الضم والكسر، وهما خبر نزل، ثم قال: وأنزل كذلك عنهم، والله أعلم.
611 [ويا سوف تؤتيهم (ع) زيز وحمزة
سيوتيهم فى الدّرك كوف تحمّلا]
يريد {(سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكََانَ اللََّهُ} [2] {أُولََئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً} [3]).
الياء والنون فيهما ظاهرتان، وقد سبق لهما نظائر، والدرك من قوله تعالى:
{(إِنَّ الْمُنََافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النََّارِ} [4]).
تحمله الكوفيون بإسكان رائه، والباقون بفتحها، وهما لغتان كالقدر والقدر، والشمع والشمع، وتحريك الراء اختيار أبى عبيد، والله أعلم.
612 [بالإسكان تعدوا سكّنوه وخفّفوا
(خ) صوصا وأخفى العين قالون مسهلا]
قوله بالإسكان: متعلق بآخر البيت السابق، ثم ابتدأ: تعدوا، أى قرأه غير نافع بإسكان العين وتخفيف الدال، من عدا يعدو، كما قال سبحانه فى موضع آخر:
{(إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [5]).
وقرأ نافع بفتح العين وتشديد الدال، وكان الأصل يعتدوا كقوله:
{(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ} [6]).
ثم أدغمت التاء فى الدال، وألقيت حركة التاء على العين، وأخفى قالون حركة العين إيذانا بأن أصلها السكون والكلام فيه كما سبق فى إخفاء كسر العين فى نعما، وقوله: مسهلا، أى راكبا للطريق الأسهل، وكأنه أشار بذلك إلى طريق آخر وعر روى عنه، لم ير الناظم ذكره لامتناع سلوكه، قال صاحب التيسير: والنص عنه بالإسكان.
قلت: وكذا ذكر ابن مجاهد عن نافع، قال أبو على: وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثانى منهما مدغما، ولم يكن الأول حرف لين، نحو دابة وثمود الشرب وقيل لهم ويقولون:
إن المد يصير عوضا من الحركة، ثم قال: وإذا جاز نحو: أصيم، ومديق، ودويبة: مع نقصان المد الذى فيه لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين فى نحو تعدوا لأن ما بين حرف اللين وغيره يسير.
__________
(1) سورة النساء، آية: 149.
(2) سورة النساء، آية: 152.
(3) سورة النساء، آية: 162.
(4) سورة النساء، آية: 145.
(5) سورة الأعراف، آية: 163.
(6) سورة البقرة، آية: 65.(2/424)
قلت: ذلك القدر اليسير هو الفارق، لأنه هو القائم مقام الحركة وما ليس فيه ذلك اليسير فلا حركة فيه ولا ما يقوم مقامها، فلا ينبغى أن يتكلف جوازه وصحته مع عسره على اللسان أو استحالته، وقد سبق فى نعما هى تحقيق ذلك أيضا، وإنكار أبى على وغيره من أئمة العربية جواز إسكان العين، وعجبت منه: كيف سهل أمره هنا. قال ابن النحاس: لا يجوز إسكان العين، والذى يقرأ بهذا إنما يروم الخطأ. قال الحوفى: وهذا شيء لا يجوز، ولعل القارئ بذلك أراد الإخفاء، فتوهم عليه الإسكان، والله أعلم.
613 [وفى الأنبيا ضمّ الزّبور وهاهنا ... زبورا وفى الإسرا لحمزة أسجلا]
أسجلا، أى أبيح لحمزة القراءة به، والمسجل: المطلق المباح الذى لا يمتنع عن أحد، وأسجل الكلام إذا أرسله من غير تقييد، وفتح الزاى من الزبور وضمها، لغتان فى اسم الكتاب المنزل على داود عليه السلام، وإن كانت اللفظة عربية، وهما مصد ان سمى بهما الزبور، وهو المكتوب، يقال: زبر، إذا كتب، ويقال:
زبرت الكتاب، إذا أحكمت كتابته. وقال مكى: زبرت الكتاب: أى جمعته فهو مثل تسمية المكتوب كتابا، ومثل الزبور بالفتح القبول، وبالضم الشكور، وقيل: المفتوح يصلح للمفرد والجمع، كالعدو، وذكر أبو على فى المضموم وجهين: أحدهما أنه جمع زبرا وقع على الزبور اسم الزبر، كقولهم ضرب الأمير، ونسج اليمن، ثم جمع الزبر على زبور، كما جمع الكتاب على كتب، والآخر أن يكون جمع زبور، على تقدير حذف الحرف الزائد وهو الواو، ولا ضرورة إلى هذا التكلف، ووقع فى شرح الشيخ أنه جمع زبر، وهو الكتاب كقدر وقدور. وقال مكى: هو جمع زبر كدهر ودهور.
قلت: الإفراد وجهه ظاهر، لأن المتيقن كتاب واحد، أنزل على داود اسمه الزبور، كالتوراة والإنجيل والقرآن، أما وجه الجمع إن كان مرادا فله معنيان، أحدهما أن الجمع توجه إلى أنواع ما فيه، فكل نوع منها زبر، والآخر أن يكون نزل على داود صحف متعددة كما جاء:
{(صُحُفِ إِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ} [1]).
وليس فى سورة النساء شيء من ياءات الإضافة ولا ياءات زوائد المختلف فيها، والله أعلم.
__________
(1) سورة الأعلى، آية: 19.(2/425)
سورة المائدة
614 [وسكّن معا شنآن (ص) حّا (ك) لاهما
وفى كسر أن صدّوكم (حا) مد دلا]
أى وسكن كلمتى شنآن معا يعنى:
{(وَلََا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [1]).
فى موضعين فى هذه السورة، وضد الإسكان المطلق: الفتح، فقوله: صحا، كلاهما رمز قراءة الإسكان وأشار بهذا اللفظ إلى صحة الإسكان والفتح، أى صحت القراءة بهما فى هذه الكلمة، ومعناها شدة البغض، وهما لغتان، ومن الإسكان قول الأحوص:
وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
لأنه خفف الهمز بإلقاء حركته على الساكن قبله، وحذفه على ما تقرر فى باب وقف حمزة وأن تعتدوا مفعول ثان لقوله ولا يجرمنكم أى لا يلبسنكم الشنآن العدوان وأن صدوكم، بالفتح: تعليل، أى لأنهم صدوكم، وكان الصد قد وقع سنة ست، ونزلت هذه الآية سنة ثمان، فاتضح معنى التعليل، وقراءة الكسر على معنى: إن حصل صد، ويصح أن يقال مثل ذلك، وإن كان الصد قد وقع كقوله تعالى:
{(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} [2]).
أى إن يكونوا قد صدوكم، وقال أبو على معناه: إن وقع مثل هذا الفعل، وعلى ذلك قول الفرزدق:
أتغضب أن أذنا قتيبة حزنا
ودلا: معناه ساق سوقا رقيقا، ودلا: أى أخرج دلوه ملآء، وقد سبق وجه التجوّز به فى مثل هذه المواضع، وهو أنه أنجح وحصل مراده، ولم يحقق مسعاه ونحو ذلك، والله أعلم.
615 [مع القصر شدّد ياء قاسية (ش) قا
وأرجلكم بالنّصب (عمّ ر) ضا (ع) لا]
يريد {(وَجَعَلْنََا قُلُوبَهُمْ قََاسِيَةً يُحَرِّفُونَ} [3]).
فإذا قصر بحذف الألف وشددت الياء صار: قسية، على وزن العيلة، فالقراءتان بمعنى: عالمة وعليمة، وقيل: قسية ردية مغشوشة، من قولهم: درهم قسى. قال الزمخشرى وهو من القسوة، لأن الذهب والفضة
__________
(1) سورة المائدة، آية: 2.
(2) سورة يونس، آية: 41.
(3) سورة المائدة، آية: 13.(2/426)
الخالصين فيهما لين، والمغشوش فيه يبس وصلابة، قال أبو على: والقسوة خلاف اللين والرقة، وقد وصف الله تعالى قلوب المؤمنين باللين فقال:
{(ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ} [1]).
ويشهد لقراءة المد:
{(فَوَيْلٌ لِلْقََاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللََّهِ} [1] وأما {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [3]).
فقرئت بنصب اللام وجرها، أما النصب فوجهه العطف على وجوهكم وأيديكم، لأن الجميع ثابت غسله من جهة السنة، وإنما فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله وامسحوا برءوسكم للتنبيه على الترتيب المشروع، سواء قيل بوجوبه أو استحبابه، وأما الجر فوجهه ظاهر، وهو: العطف على برءوسكم، والمراد به المسح على الخفين، وعلى ذلك حمل الشافعى رحمه الله القراءتين، فقال: أراد بالنصب قوما، وبالجر آخرين:
فإن قلت: التحديد يمنع من ذلك، فإن قوله إلى الكعبين كقوله إلى المرافق.
قلت: التحديد لا دلالة فيه لى غسل ولا مسح، وإنما يذكر عند الحاجة إليه، فلما كانت اليد والرجل لو لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه فى السرقة، أو لوجب استيعابها غسلا ومسحا إلى الإبط والفخذ اعتنى بالتحديد فيهما، ولما لم يحتج إلى الحديد لم يذكره، لا مع الغسل ولا المسح، كما فى الوجه والرأس.
فإن قلت: استيعاب المحدود بالمسح على الخف غير واجب بالإجماع.
قلت: فائدة التحديد أن الاقتصار على مسح ما جاوز ذلك غير مجز، فليس المطلوب إلا المسح، فيما دون الكعبين إلى أطراف الأصابع، فهذا أرجح ما وجدت من الأقوال فى تفسير هذه الآية وإعرابها، ورضى:
فى موضع نصب على التمييز أو الحال، أشار إلى أن قراءة النصب ظاهرة الموافقة لما ثبت فى السنة، وقراءة الجر خفية الموافقة، وهى ما ذكرناه، والله أعلم.
616 [وفى رسلنا مع رسلكم ثمّ رسلهم
وفى سبلنا فى الضّمّ الاسكان (ح) صّلا]
يريد {(وَلَقَدْ جََاءَتْهُمْ رُسُلُنََا بِالْبَيِّنََاتِ} [4]).
وضم إلى ذلك ما يناسبه حيث جاء، فالإسكان لأبى عمرو فى سين هذه الكلمات، وفى باء سبلنا للتخفيف والباقون بضمها على الأصل، وهما لغتان، وأجمعوا على ضم المضاف إلى ضمير المفرد نحو رسله وعلى ضم ما لا ضمير معه نحو الرسل وسبل السلام.
617 [وفى كلمات السّحت (عمّ ن) هى (ف) تى
وكيف أتى أذن به نافع تلا]
__________
(1) سورة الزمر، آية: 22و 23.
(3) سورة المائدة، آية: 6.
(4) سورة المائدة، آية: 32.(2/427)
السحت: ما لا يحل، وإنما قال كلمات السحت، لأنه تكرر فى مواضع من هذه السورة، وفى عم ضمير يعود إلى الإسكان، والنهى جمع نهية، وهى: الغاية والنهاية، والهاء فى به للإسكان أيضا، أى كيفما أتى لفظ أذن منكرا أو معرفا، مفردا أو مثنى. نحو:
(ويقولون هو أذن (1) والأذن بالأذن (2) فى أذنيه وقرا (3)).
الضم والإسكان لغتان، والله أعلم.
618 [ورحما سوى الشّامى ونذرا (صحاب) هم
(ح) موه ونكرا (ش) رع (ح) ق (ل) هـ (ع) لا]
ألحق بالألفاظ السابقة ما يشاكلها مما وقع فيه الخلاف المذكور فى غير هذه السورة، أراد:
{(وَأَقْرَبَ رُحْماً} [4] فى الكهف {عُذْراً أَوْ نُذْراً} [5] فى المرسلات {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [6]).
فى الكهف، ولا خلاف فى إسكان عذرا.
619 [ونكر (د) نا والعين فارفع وعطفها
(ر) ضى والجروح ارفع (ر) ضى (نفر) ملا]
يريد {(إِلى ََ شَيْءٍ نُكُرٍ} [7]).
فى سورة القمر، سكنها ابن كثير وحده، قوله والعين فارفع، يريد:
{(وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)}.
قوله: وعطفها، أى ومعطوفها: يعنى ما عطف عليها، وهو الأنف، والأذن، والسن.
وللرفع ثلاثة أوجه.
أحدها: الرفع على استئناف جملة وعطفها على الجملة السابقة، كقولك: فعلت كذا، وزيد فعل كذا، وعمرو وبكر، قال أبو على: الواو عاطفة جملة على جملة، وليست للاشتراك فى العامل، كما كان كذلك فى قول من نصب، ولكنها عطفت جملة على جملة كما يعطف المفرد على المفرد.
قال والوجه الثانى: أنه حمل الكلام على المعنى، لأنه إذا قال:
{(وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [8]).
__________
(1) سورة التوبة، آية: 61.
(2) سورة المائدة، آية: 45.
(3) سورة لقمان، آية: 7.
(4) سورة الكهف، آية: 81.
(5) سورة المرسلات، آية: 6.
(6) سورة الكهف، آية: 74.
(7) سورة القمر، آية: 6.
(8) سورة المائدة، آية: 45.(2/428)
فمعنى الحديث: قلنا لهم النفس بالنفس، فحملت العين بالعين على هذا.
قلت لأنّ أنّ هاهنا لو حذفت لاستقام معنى الكلام بحذفها استقامته بثبوتها، وتكون النفس مرفوعة، فصارت أنّ هنا كإن المكسورة فى أن حذفها لا يخل بالجملة، فجاز العطف على محل اسمها، كما يجوز على محل اسم المكسورة، وقد حمل على ذلك:
{(أَنَّ اللََّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [1]).
قال الشيخ أبو عمرو: ورسوله بالرفع معطوف على اسم أنّ، وإن كانت مفتوحة، لأنها فى حكم المكسورة وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون، ثم وجّه ذلك وقرره بما سنذكره إن شاء الله تعالى فى شرح النظم فى النحو وقال الزمخشرى: والعين بالرفع عطف على محل:
{(أَنَّ النَّفْسَ)}.
لأن المعنى: وكتبنا عليهم النفس بالنفس، إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا، وإما لأن معنى الجملة التى هى النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب، كما تقع عليه القراءة. قال الزجاج: رفعه على وجهين: العطف على موضع النفس بالنفس، وعلى الاستئناف، قال: وفيها وجه آخر: أن يكون عطفا على الضمير فى بالنفس المعنى أن النفس مأخوذة هى بالنفس، والعين معطوفة على هى.
قلت: ورفع الجروح على الابتداء، وقصاص: خبره، وعلى قراءة نصب الجروح يكون قصاص خبر أن، ولا يستقيم فى رفع الجروح.
الوجه الثالث وهو: أنه عطف على الضمير الذى فى خبر النفس، وإن جاز فيما قبلها، وسببه استقامة المعنى فى قولك مأخوذة هى بالنفس، والعين مأخوذة بالعين، ولا يستقيم، والجروح مأخوذة قصاص، هذا معنى قول بعضهم لما خلا وله الجروح وقصاص، عن الباقى الخبر خالف الأسماء التى قبلها فخولف بينها فى الإعراب وقال بعضهم: إنما رفع الجروح ولم ينصب تبعا لما قبله، فرقا بين الجملة والمفسر، وقيل خولف ذلك الإعراب لاختلاف الجراحات وتفاوتها، فإذن الخلاف بذلك الاختلاف، قال أبو على: فأما والجروح قصاص فمن رفعه يقطعه عما قبله، فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التى ذكرناها فى قول من رفع، والعين بالعين، قال:
ويجوز أن يستأنف والجروح قصاص ليس على أنه مما كتب عليهم فى التوراة، ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة فى ذلك، قال: ويقوى أنه من المكتوب عليهم فى التوراة نصب من نصبه.
قلت: وفى هذا البيت رضى مرتين، فالأول: حال من الضمير فى ارفع، والثانى: حال من مفعول ارفع والملا: الأشراف، أى أنه مرضى لهم، والله أعلم.
620 [وحمزة وليحكم بكسر ونصبه ... يحرّكه يبغون خاطب (ك) مثلا]
أى: وحمزة يحرك وليحكم بكسر ونصبه، فالهاء فى نصبه لحمزة، أو للفظ وليحكم، والهاء فى يحركه
__________
(1) سورة التوبة، آية: 3.(2/429)
لقوله: وليحكم، فالكسر فى اللام، والنصب فى الميم، وإنما زاد قوله: يحركه لتأخذ ضد التحريك للقراءة الأخرى، وهو الإسكان فى الحرفين، ولو لم يذكر لكان ضد الكسر الفتح، وضد النصب الخفض، أراد قوله تعالى:
{(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمََا} [1]).
قرأه حمزة على التعليل، أى لأجل الحكم بما فيه آتيناه الإنجيل وقرأه الباقون على الأمر، وقوله:
{(أَفَحُكْمَ الْجََاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [2]).
الخطاب فيه لأهل الكتاب، والغيبة: إخبار عنهم، وجعل يبغون كأنه خطاب الكمّل مجازا لما كان الخطاب فيه، وعنى بالكمّل: أهل الكتاب، أى: إنهم أهل علم وفهم، فحسن توبيخهم ولومهم لصدهم عن حكم الله تعالى، وهم يعلمونه، والله أعلم.
621 [وقبل يقول الواو (غ) صن ورافع
سوى ابن العلا من يرتدد (عمّ) مرسلا]
يعنى {(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهََؤُلََاءِ} [3]).
يثبت الواو فى مصاحف أهل العراق دون غيرهم، وجعل الواو غصنا، لأنها تصل ما بعدها بما قبلها، لأنها عاطفة، كغصن امتد من شجرة إلى أخرى، ووجه حذف الواو أنه على تقدير سائل سأل: ماذا يقول المؤمنون حينئذ، ورفع يقول ظاهر على الاستئناف، ونصبه أبو عمرو وحده عطفا على:
{(فَيُصْبِحُوا} [4]).
لأن فيصبحوا منصوب بالفاء فى جواب الترجى بعسى، وهذا وجه جيد أفاده الشيخ أبو عمرو رحمه الله، ولم أر أحدا ذكره، وذكروا وجوها كلها بعيدة متعسفة، قيل: هو عطف على:
{(أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} [4]).
ولا يستقيم على ظاهره، إذ يبقى التقدير فعسى الله أن يقول الذين آمنوا فتحيّل أبو على لصحته وجهين، تبعه فيهما الناس، أحدهما: أنه عطف على معناه، لأن معنى: عسى الله أن يأتى، وعسى أن يأتى الله واحد، فالتقدير: عسى أن يأتى الله، وأن يقول الذين آمنوا، والثانى أن يكون قوله: أن يأتى بدلا من اسم الله تعالى، فيكون المعنى كما سبق، وقيل: التقدير: ويقول الذين آمنوا به، أى بالله. وأما الزمخشرى فلم يقدر شيئا من ذلك، بل أطلق القول بأنه عطف على أن يأتى وذكر ابن النحاس وجها آخر، وهو: أن يكون عطفا على بالفتح، لأن معناه بأن يفتح، فأضمر أن قبل يقول، ليكون عطف مصدر على مصدر، كقوله:
للبس عباءة وتقرّ عينى
__________
(1) سورة المائدة، آية: 47.
(2) سورة المائدة، آية: 50.
(3) سورة المائدة، آية: 53.
(4) سورة المائدة، آية: 52.(2/430)
وأظن أن الذى حملهم على ارتكاب هذه الأوجه البعيدة، وتركهم الوجه الواضح الذى ذكرته أولا، اعتقادهم أن فيصبحوا ليس نصبا على جواب الترجى، لأن الترجى من الله تعالى إيجاب وتحقيق، فلم يكن متى الترجى حاصلا، فيكون فيصبحوا عطفا على أن يأتى بالفتح ولا يستقيم عطف ويقول على ظاهر قوله أن يأتى فتأولوا هذه التأويلات، ونحن نقول: وإن كان الأمر كذلك فلا يمتنع النصب اعتبارا بلفظ الترجى، وهذا متعين فى تعليل قراءة عاصم:
{(فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ََ} [1]).
بالنصب فى سورة عبس، فهو فى جواب:
{(لَعَلَّهُ يَزَّكََّى} [1]).
فكذا هاهنا، والله أعلم.
وقول الناظم: ورافع سوى ابن العلا: رافع خبر مقدم، والمبتدأ قوله سوى ابن العلا، أى غير ابن العلا رافع ليقول، وفى هذه العبارة نظر، فإن أكثر النحويين يقولون إن سوى التى بمعنى غير، لازمة للنصب على الظرفية، فلا يجوز أن يليها عامل يقتضى غير ذلك، إلا أن المختار خلاف ما ذكروه، ففي أبيات الحماسة:
ولم يبق سوى العدوان
فإذا جاز وقوع سوى فاعلة جاز وقوعها مبتدأ وأما:
{(مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [3]).
فرسم بدالين فى مصاحف المدينة والشام، وبدال واحدة فى المصاحف الباقية، فكل من القراء وافق مصحفه، وهما لغتان: الإدغام لتميم، والإظهار لأهل الحجاز، وقد جاء التنزيل بالأمرين:
{(وَمَنْ يُشََاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مََا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى ََ} [4] {وَمَنْ يُشَاقِّ اللََّهَ} [5]).
والمرسل المطلق: يعنى أنه أطلق من عقال الإدغام، والضمير فى عم: لقوله من يرتد، ثم بين قراءة الباقين، فقال:
622 [وحرّك بالإدغام داله
وبالخفض والكفّار (ر) اويه (ح) صّلا]
يعنى: الدال الثانية حركت بالفتح مصاحبة لإدغام الأولى فيها، فالباء فى بالإدغام باء المصاحبة، مثل:
دخل عليه بثياب السفر، وليست باء الاستعانة بالآلة، نحو: كتبت بالقلم، فإن الإدغام لا يصلح آلة للتحريك فإن قلت: من أين علم أن مراده بالتحريك الفتح؟ قلت: لأنه ذكره غير مقيد، وذلك هو الفتح فى اصطلاحه
__________
(1) سورة عبس، آية: 3و 4.
(3) سورة المائدة، آية: 54.
(4) سورة النساء، آية: 115.
(5) سورة الحشر، آية: 4.(2/431)
كما سبق فى شرح الخطبة، وإنما فتحت الدال الثانية لسكون الأولى قبلها بسبب الإدغام، ويجوز كسرها لغة، لا قراءة:
{(وَالْكُفََّارَ أَوْلِيََاءَ} [1]).
بخفض الراء عطفا على قوله:
{(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ} [1]).
وبالنصب عطفا على:
{(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} [3]).
والواو فى والكفار من التلاوة، وهى مبتدأ، والتقدير: والكفار بالخفض راويه حصله، والله أعلم.
624 [وبا عبدا اضمم واخفض التّا بعد (ف) ز
رسالته اجمع واكسر التّا (ك) ما (ا) عتلا]
يريد {(وَعَبَدَ الطََّاغُوتَ} [4]).
اضمم باء عبد، واخفض التاء من الطاغوت، فيكون عبد اسما مضافا إلى الطاغوت، ويكون معطوفا على القردة، وهو المبالغ فى البودية المنتهى فيها، كما يقال فطن وحذر، للبليغ فى الفطنة، قال طرفة بن لبنى:
إن أمّكم أمة وإن أباكم عبد
وعبد فى قراءة الجماعة فعل، والطاغوت مفعول، والجملة عطف على صلة من، وأما:
(فما بلّغت رسالاته (5)).
بالجمع فظاهر، لأنه أريد جمع ما أرسل به من التوحيد والأحكام، وما يشتمل عليه ذلك أنواع كثيرة، والإفراد يدل على ذلك أيضا، لأن رسالته صلّى الله عليه وسلم تضمنت تلك الأشياء كلها، واستعمل الناظم لفظ الكسر فى العبارة عن حركة التاء فى الجمع، واستعمل لفظ الفتح فى العبارة عن حركة المفرد فى قوله فى سورة الأنعام رسالات فردوا فتحوا دون علة، والحركتان فى الموضعين حركتا إعراب على القراءتين فى كل حرف منها، ووجهه أن كل كلمة منهما فى القراءتين منصوبة، غاية ما فى الأمر أن علامة النصب فى إحداهما فتحة، وفى الأخرى كسرة، فلفظ فى الموضعين بعلامة النصب فى إحدى القراءتين، لتأخذ ضدها فى القراءة الأخرى ولو قال انصبوا لتحير السامع، إذ القراءة الأخرى فى الموضعين منصوبة، ومثل ذلك قوله فى الأعراف: ويقصر ذريات مع فتح تائه، والله أعلم.
__________
(1) سورة المائدة آية: 57.
(3) سورة المائدة، آية: 60.
(4) سورة المائدة، آية: 67.
(5) سورة المائدة، آية: 83.(2/432)
624 [(ص) فا وتكون الرّفع (ح) جّ (ش) هوده
وعقّدتم التّخفيف (م) ن (صحبة) ولا]
صفا من جملة رمز من قرأ رسالاته بالجمع، وهم: بن عامر، ونافع، وأبو بكر، وأما (وحسبوا أن لا تكون فتنة (1)).
فنصبه، ورفعه لوقوع حرف أن قبله من بعد فعل الحسبان، وما كان كذلك جاز فيه الوجهان، فالنصب بناء على أنّ أن هى الناصبة للأفعال المضارعة، والرفع بناء على أنّ أن هى المخففة من الثقيلة، وأما إذا جاءت أن بعد فعل علم فالرفع لا غير، نحو:
{(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ََ} [2] أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا (3)).
وفى غير ذلك النصب لا غير، نحو {(أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي} [4] {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [5]).
ولم يختلف فى نصب.
{(إِنْ ظَنََّا أَنْ يُقِيمََا حُدُودَ اللََّهِ} [6] {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهََا فََاقِرَةٌ} [7] وأما {عَقَّدْتُمُ الْأَيْمََانَ} [8]).
فالتخفيف فيه والتثقيل سيان، وفى التشديد معنى التكثير والتكرير، وقوله: عقدتم مبتدأ، والتخفيف بدل منه بدل اشتمال أو مبتدأ ثان، أى التخفيف فيه وخبره ولا: أى متابعة من صحبة النقل، ويجوز أن يكون التقدير ظهر من صحبة متابعة، فيكون: ولا: حالا ومن صحبة خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون من صحبة متعلقا بالتخفيف والخبر، ولا: ويجوز أن يكون التخفيف: خبر وعقدتم، أى هو ذو التخفيف من صحبة، وولا على هذا حال، والله أعلم.
625 [وفى العين فامدد (م) قسطا فجزاء نو
وتوا مثل ما فى خفضه الرّفع (ث) مّلا]
يعنى فى عين عقدتم أى اتبع فتحها، فيتولد منها ألف عبر عنها بالمد، وجعل المد فى العين تجوزا، وهو على المعنى الذى ذكرناه فى قوله: ولا ألف فى هاء هأنتم، يعنى أن ابن ذكوان زاد ألفا بعد العين، وهو ممن خفف القاف، فتصير قراءته عاقدتم وهو بمعنى عقدتم، أو يكون من اثنين على أصل فاعلتم، فههنا ثلاث قراءات، والذى سبق فى سورة النساء فيه قراءتان: المد والتخفيف، والثالثة هنا التشديد، والمقسط: العادل وثملا: حال من الضمير فى نوّنوا وهو جمع ثامل، وهو المصلح والمقيم أيضا، يقال ثمل يثمل بضم الميم وكسرها
__________
(1) سورة المائدة، آية: 71.
(2) سورة الأعراف، آية: 148.
(3) سورة المائدة، آية: 29.
(4) سورة القصص، آية: 27.
(5) سورة البقرة، آية: 230.
(6) سورة القيامة، آية: 25.
(7) سورة المائدة، آية: 89.
(8) سورة المائدة، آية: 89.(2/433)
فى المضارع ثملا، فهو ثامل، وقوله: مثل ما فى خفضه الرفع: جملة معترضة بين الحال وصاحبها، وانتظامها كانتظام قولك: زيد فى داره عمرو: أى قرءوا {(فَجَزََاءٌ مِثْلُ مََا قَتَلَ} [1]).
بتنوين جزاء ورفع مثل، فمثل فى هذه القراءة صفة جزاء، وكذا من النعم، أى فعليه جزاء مماثل ما قتل، وذلك الجزاء من النعم، والقراءة الأخرى بإضافة جزاء إلى مثل، وقد أشكلت على قوم حتى قالوا: الجزاء إنما هو للصيد لا لمثله من النعم، ووجهها أنها إضافة تخفيف، لأن مثل مفعول جزاء، أصله: فجزاء مثل ما، أى فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم، فمن النعم على قراءة الإضافة يجوز أن يكون متعلقا بالجزاء، ويجوز أن يكون صفة له، كما أنه متعين للصفة على قراءة التنوين، وسببه أنك إذا نوّنت جزاء فقد وصفته بمثل، ومتى وصف المصدر أو أكد أو عطف عليه امتنع تعلق شيء به، نص أبو على على ذلك كله، وعلى قراءة الإضافة لم يوصف، فجاز تعلق من النعم به، وجرى هنا بمنزلة قضى، فكما تقول: قضيت زيدا حقه، كذا تقول جزيت الصيد مثله، فظهر أن تقدير الآية فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم. ثم حذف المفعول الأول لما فى قوة الكلام من الدلالة عليه، ثم أضيف الجزاء إلى المثل تخفيفا، كما تقول: أعجبنى عزمك على إكرام زيد غدا، وقال أبو على: هو من قولهم: أنا أكرم مثلك، يريدون: أنا أكرمك، فكذا إذ قال فجزاء مثل ما قتل، فالمراد: جزاء ما قتل، فالإضافة كغير الإضافة، قال: ولو قدرت الجزاء تقدير المصدر فأضفته إلى المثل، كما تضيف المصدر إلى المفعول به لكان فى قوله: من جر: مثلا على الاتساع الذى وصفنا، أى يكون مثل زائد، والله أعلم.
626 [وكفّارة نوّن طعام برفع خف
ضه دم (غ) نى واقصر قياما (ل) هـ (م) لا]
يريد {(أَوْ كَفََّارَةٌ طَعََامُ مَسََاكِينَ} [2]).
الكلام فى القراءتين هنا بالتنوين والإضافة، كما سبق فى البقرة {(فِدْيَةٌ طَعََامُ} [3]).
ولكن مساكين فى هذه السورة لا خلاف فى جمعه، وقوله: دم غنا: أى غنيا، أو دام غناك بالعلم والقناعة إن القنوع الغناء لا كثرة المال، القناعة كنز لا ينفد، وتقدم الكلام فى سورة النساء فى قياما وقيما والملا:
بضم الميم جمع ملأة، وهى: الملحفة، كنى بها عن حجج القراء، لأنها تسترها من طعن طاعن، كما تستر الملا، والله أعلم.
627 [وضمّ استحقّ لحفص وكسره
وفى الأوليان الأوّلين (ف) طب (ص) لا]
__________
(1) سورة المائدة، آية: 95.
(2) سورة المائدة، آية: 95.
(3) سورة البقرة، آية: 184.(2/434)
يعنى افتح الياء المضمومة والحاء المكسورة، وكان يمكنه أن يقول: وتاء استحق افتح لحفص حاءه، ولكن المعنى كان يختل فى التاء دون الحاء، فإن ضد الفتح الكسر، والتاء فى قراءة غير حفص مضمومة، فاحتاج أن يقول: وضم استحق، ثم قال: وكسره فهو أولى من أن يقول وحاءه لوجهين: أحدهما المقابلة بين حركتى الضم والكسر والثانى زيادة البيان لقراءة الغير، وإذا ابتدئت هذه الكلمة كسرت همزتها فى قراءة حفص، وضمت فى قراءة غيره، وأرادوا قرأ الأولين فى موضع الأوليان أو الأولين استقر مكان الأوليان وأراد بالصلا: الذكاء، لأنهم يقولون: هو يتوقد ذكاء، أو أراد: نار الضيافة، كقوله:
متى نأتنا تلمم بنا فى ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
وهو إشارة إلى حصول العلم منه، فموضع صلا نصب على التمييز أو الحال، مثل: دم غنا، ودم يدا، والأوليان على قراءة حفص رحمه الله فاعل استحق، كأنهما استحقا على أصحابهما أن يقيموهما للشهادة، والأوليان تثنية الأولى، وهو فى غير قراءة حفص مفعول ما لم يسم فاعله، على حذف مضاف، أى استحق عليهم إقامة الأولين منهم للشهادة، وقيل بدل من آخران، أو من الضمير فى يقومان، أو على تقديرهما الأوليان، وقيل:
هو مبتدأ خبره آخران المقدم عليه، أى فالأوليان آخران، وقيل: هو صفة لآخران، وإن كان لفظه نكرة، لأنه قد اختص بالصفة فى قوله: يقومان، ومرفوع استحق على هذه الأقوال غير القول الأول محذوف. أى استحق عليهم الإثم، فاستغنى عنه بقوله: عليهم، كما تقول: جنى عليهم، وقيل معناه استحق خصومهم الحق عليهم، والأولين فى قراءة حمزة وأبى بكر: صفة الذين استحق، لأنهم أول المذكورين فى القصة، وهم أولياء الميت، أو لأنهم هم الذين دفعوا الحكومة أولا، واعلم أن الآية من أشكل آى القرآن تفسيرا وإعرابا وفقها، قال أبو محمد مكى فى كتاب الكشف: هذه الآية فى قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آية فى القرآن وأشكلها، قال: ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم فى ثلاثين ورقة أو أكثر، قال: وقد ذكرناها مشروحة فى كتاب منفرد، قلت: وسأجتهد إن شاء الله تعالى فى بيانها وكشف غامضها وتفصيل أحكامها فى الكتاب [المذهب فى علم المذهب] أو فى كتاب [إيضاح مشكلات الآيات].
628 [وضمّ الغيوب يكسران عيونا ال
عيون شيوخا (د) انه (صحبة م) لا]
يعنى أن حمزة وأبا بكر كسرا الغين من الغيوب، لما تقدم من التعليل فى بيوت، ثم أردفه ما اختلف القراء فى كسره من هذا القبيل، وهو عيون المنكر والمعرف، نحو {(فِي جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ} [1] {وَفَجَّرْنََا فِيهََا مِنَ الْعُيُونِ} [2]).
وشيوخا» فى غافر، كسر هذه الثلاثة ابن كثير وحمزة والكسائى وأبو بكر وابن ذكوان، ومعنى: دانه، أى دان به، أى تدين بقراءته، أى: دان له، أى: أطاعه، ملاء بكسر الميم والمد: جمع ملآن، وهو صفة لصحبة، يعنى أنهم ملئوا علما، ثم ذكر موضعا آخر، فقال:
__________
(1) سورة الحجر، آية: 45.
(2) سورة يس، آية: 34.(2/435)
629 [جيوب (م) نير (د) ون (ش) كّ وساحر
بسحر بها مع هود والصّفّ (ش) مللا].
أراد {(عَلى ََ جُيُوبِهِنَّ} [1]).
فى النور كسره الجماعة المتقدمون غير أبى بكر وقرأ حمزة والكسائى «ساحر» فى موضع سحر» هنا وفى أول هود {(إِنْ هََذََا إِلََّا سِحْرٌ} [2] وفى الصف {قََالُوا هََذََا سِحْرٌ} [3]).
كذلك على تقدير ذو سحر، وعبر عنه بالمصدر مبالغة أو تكون الإشارة إلى ما جاء به، وشملل: أى أسرع ساحر بسحر فى هذه السورة، أى جاء به، أشار بذلك إلى رجوع معنى سحر إلى معنى ساحر على ما ذكرناه، والله أعلم.
630 [وخاطب هل يستطيع (ر) واته
وربّك رفع الباء بالنّصب (ر) تّلا]
أى قرءوا بالخطاب للكسائى، ومعنى: قرأته ظاهر، أى هل تطلب طاعة ربك فى إنزال المائدة يريدون استجابة الله سبحانه دعاءه، وقراءة الجماعة على معنى: هل يطلب ربك الطاعة من نزول المائدة، ويجوز أن يكون عبر عن الفعل بالاستطاعة، لأنها شرطه، والمعنى: هل ينزل ربك علينا مائدة من السماء إن دعوته بها، ومثله.
{(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [4]).
أى ظن أن لن نؤاخذه، فعبر بشرط المؤاخذة، وهو القدرة على المشروط، وهو المؤاخذة، ومثله فى حديث الذى أوصى بنيه بتحريقه وتذرية رماده فى البحر قوله: لئن قدر الله على ليعذبنى عذابا ما عذبه أحدا» أى لئن حكم بتعذيبى ليكوننّ عذابا عظيما، ويقول الرجل للرجل بصورة المستفهم: تقدر تفعل كذا؟
وهو يعلم قدرته عليه وإنما معناه: افعله فإنك قادر على فعله، وهذا معنى حسن، يعم جميع هذه المواضع المشكلة، والله أعلم. ومثل ذلك فى الإشكال ما رواه الهيثم ابن جمار وهو ضعيف عن ثابت عن أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبى صلّى الله عليه وسلم فقال؟ يا ابن أخى ادع ربك الذى تعبد فيعافينى، فقال: اللهم اشف عمى فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال، فقال يا ابن أخى إن ربك الذى تعبد ليطيعك، قال: وأنت يا عماه لو أطعته [أو قال لئن أطعته، أو قال: لئن أطعت الله] ليطيعنك، أى ليجيبنك إلى مقصودك، والله أعلم.
631 [ويوم برفع (خ) ذ وإنّى ثلاثها
ولى ويدى أمّى مضافاتها العلا]
__________
(1) سورة النور، آية: 31.
(2) سورة هود، آية: 7.
(3) الآية: 6.
(4) سورة الأنبياء، آية: 87.(2/436)
يريد {(هََذََا يَوْمُ يَنْفَعُ الصََّادِقِينَ)}.
فالرفع على أن يوم خبر هذا، أى هذا اليوم يوم ينفع الصادقين، وهو يوم القيامة، والنصب على الظرف أى قال الله تعالى ما تقدم ذكره فى هذا اليوم، أو قال الله هذا الذى قصصته عليكم ينفع ذلك اليوم، وقال الفراء: يوم: خبر المبتدأ، على معنى قراءة الرفع، وإنما بنى على الفتح لإضافته إلى غير اسم، يعنى إلى غير اسم متمكن، ومنع البصريون بناء ما يضاف إلى المضارع وخصوا ذلك بالمضاف إلى الماضى، نحو. على حين عاتبت. لأن المضارع معرب والماضى مبنى، فسرى البناء إلى ما ضيف إليه، ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة، وهى ست، منها ثلاث فى لفظ إنى، فهذا معنى قوله: وإنى ثلاثها، فالضمير فى ثلاثها يعود إلى إنى الأول إنى أخاف فتحها الحرميان وأبو عمرو، والأخريان {(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ} [1] {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذََاباً} [2]).
فتحهما نافع وحده، والثلاث الأخر {(مََا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ} [3]).
فتحها الحرميان وأبو عمرو.
{(يَدِيَ إِلَيْكَ} [4]).
فتحها نافع وأبو عمرو وحفص {(وَأُمِّي إِلََهَيْنِ} [5]).
فتحها هؤلاء وابن عامر، وفيها زائدة واحدة.
{(وَاخْشَوْنِ وَلََا تَشْتَرُوا)}.
أثبتها فى الوصل أبو عمرو وحده، وقلت فى ذلك:
فياءاتها ست وفيها زيادة ... وعبر عنها قوله اخشون مع ولا
__________
(1) سورة المائدة، آية: 29.
(2) سورة المائدة، آية: 115.
(3) سورة المائدة، آية: 116.
(4) سورة المائدة، آية: 28.
(5) سورة المائدة، آية: 44.(2/437)
سورة الأنعام
632 [و (صحبة) يصرف فتح ضمّ وراؤه
بكسر وذكّر لم يكن شاع وانجلا]
أى الذى صحب يصرف فتح يائه، وكسر رائه كما تقول: صحبة زيد عمرو، وبكر: وإنما قال فتح ضم ولم يقل فتح ياء، لما ذكرناه فى فتح ضم استحق، يريد قوله تعالى:
{(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ} [1]).
قراءة صحبة على معنى من يصرف الله عنه العذاب، وقراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول، وأما:
{(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا} [2]).
فقراءة حمزة والكسائى يكن بالياء، وهذا معنى التذكير الذى أشار إليه بقوله: وذكر، فإن الباقين قرءوا بالتاء على التأنيث، فسم يكن على قراءتهما قوله: أن قالوا، وفتنتهم الخبر، وأما قراءة الباقين فمن نصب فتنتهم، فهذا وجهها، ومن رفع فتنتهم جعلها الاسم، والخبر: أن قالوا، والله أعلم.
633 [وفتنتهم بالرّفع (ع) ن (د) ين (ك) امل
وبا ربّنا بالنّصب (ش) رّف وصّلا]
من رفع الفتنة مع تأنيث يكن فقراءته ظاهرة، ومن نصبها ففي قراءته إشكال، فإن الاسم إن قالوا، وهو مذكر، فما وجه التأنيث؟ وهى قراءة أبى عمرو ونافع وأبى بكر؟ فقال أبو على: أنث أن قالوا لما كان الفتنة فى المعنى، وفى التنزيل:
{(فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا} [3]).
وقال لبيد:
فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذ هى غردت إقدامها
فأنث الإقدام لما كان العادة فى المعنى، قال: وقد جاء فى الكلام: ما جاءت حاجتك، فأنث ضمير ما حيث كان الحاجة فى المعنى، ونصب الحاجة، ومثل ذلك قولهم من كانت أمك؟ فأنث ضمير من حيث كان، الأم، ومثله:
{(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلََّهِ} [4]).
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 16.
(2) سورة الأنعام، آية: 23.
(3) سورة الأنعام، آية: 190.
(4) سورة الأحزاب، آية،: 32.(2/438)
قال الزجاج: ويجوز أن يكون تأويل أن قالوا إلا مقالتهم، أى فيؤنث الفعل على هذا التقدير، لأن المقالة مؤنثة والنصب فى:
{(وَاللََّهِ رَبِّنََا)}.
على النداء أو بإضمار أعنى، والخفض على النعت، والثناء، وقوله وصلا جمع واصل، وهو مفعول شرف والفاعل ضمير يعود على الباء، أى شرف هذا النداء الواصلين إلى الله، لا هؤلاء الكفرة.
634 [نكذّب نصب الرّفع (ف) از (ع) ليمه
وفى ونكون انصبه (ف) ى (ك) سبه (ع) لا]
أى انصب الرفع، وكان يمكنه أن يقول، وفى نكون النصب، ولكن كان يلزم من تلك العبارة أن يكون ضده الخفض، ولما قال: انصبه علم أن القراءة الأخرى الرفع، والرفع فى الفعلين على العطف على:
{(نُرَدُّ)}.
أى يا ليتنا نرد ونوفق للإيمان والتصديق، أو يكون على القطع، أى ونحن لا نكذب ونكون من المؤمنين، أى قد عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا، ومنه قولهم: دعنى ولا أعود ويجوز أن يكونا فى موضع الحال، أى يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين، والنصب فيهما على جواب التمنى بالواو، وابن عامر نصب ونكون على الجواب، ورفع ولا نكذب على ما سبق من الوجوه الثلاثة، ويشكل على قراءة النصب وعلى قراءة الرفع أن جعلنا لجميع متمنى، أو قلنا الواو للحال، قوله سبحانه بعد ذلك:
{(وَإِنَّهُمْ لَكََاذِبُونَ} [1]).
والمتمنى لا يوصف بصدق ولا كذب، فيحمل ذلك على أنه استئناف إخبار عنهم بصفة ذم من جملة صفاتهم كما لو قال وإنهم لظالمون:
635 [وللدّار حذف اللّام الأخرى ابن عامر
والآخرة المرفوع بالخفض وكلّا]
يعنى حذف ابن عامر لام التعريف، وأبقى لام الابتداء، وأضاف الدار إلى الآخرة، على تقدير ولدار الساعة الآخرة، أو لدار الحياة الآخرة، وكتبت فى مصاحف الشام بلام واحدة، وقراءة الجماعة بالتعريف، وجعل الآخرة صفة للدار.
636 [و (عمّ ع) لا لا يعقلون وتحتها
خطابا وقل فى يوسف (عمّ ن) يطلا]
__________
(1) سورة الأنعام، آية: 28.(2/439)