في كتاب الأمالي: عن الصادق عليه السّلام أنه سئل عن قول الله تعالى: {فَلِلََّهِ
الْحُجَّةُ الْبََالِغَةُ} فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: كنت عالما؟ فإن قال:
نعم قال له: أفلا عملت بما علمت، وإن كان جاهلا قال له: أفلا تعلمت حتى تعلم؟ فيخصمه فتلك الحجة البالغة.
كيفية خلق اللؤلؤ
كتاب قرب الإسناد: أبو البحتري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ} قال: من ماء السماء ومن ماء البحر، فإذا أمطرت فتحت الأصداف أفواهها في البحر ويقع فيها من ماء المطر فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة واللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة.
قال الشيخنا العلامة أبو الحسن: قدس الله سره بعد نقل هذا الخبر: هذا معنى شريف وهو مطابق لما صرح به الكامل والفيلسوف المحقق صاحب رسائل إخوان الصفا كما نقلناه في الكشكول بتمامه، وقد غفل عن ذلك المفسرون من الخاصة والعامة وارتكبوا التأويلات البعيدة كقول أكثرهم إنه من قبيل التغليب، وقول آخر:
إنه من قبيل الإضمار أي من أحدهما، وقول ثالث إنه من قبيل التجوز، وقول رابع إنه يخرج من الحلو كما هو مقتضى الآية إنتهى كلامه زيد مقامه.
الكشكول للبهائي، قال: في كتاب حياة الحيوان نقلا عن ابن الأثير في كامل التاريخ في حوادث سنة 622قال: كان لنا جار وله بنت اسمها صفية فلما صار عمرها خمس عشرة سنة نبت لها ذكر وخرج لها لحية، وذكر نظير هذا مما أورده (ره) في كتاب نزهة القلوب، وأورده بعض المؤرخين أيضا أن بنتا كانت من قميشه وهي من ولايات أصفهان تزوجت فحصل لها ليلة الزفاف حكة في عانتها ثم خرج لها في تلك الليلة ذكر وأنثيان فصارت رجلا.
عن أمير المؤمنين: ما أخذ على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل أن يعلموا.
أبو نؤاس:
قد كنت عدتي التي اسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بضد ما أملته ... والمرء يشرق بالزلال البارد
لأبي علي بن سينا:
اجعل غداءك كل يوم مرة ... واحذر طعاما قبل أكل طعام
واحفظ منيك ما استطعت فإنه ... ماء الحياة يراق في الأرحام
ابن فارس، صاحب مجمل اللغة:(3/22)
اجعل غداءك كل يوم مرة ... واحذر طعاما قبل أكل طعام
واحفظ منيك ما استطعت فإنه ... ماء الحياة يراق في الأرحام
ابن فارس، صاحب مجمل اللغة:
مرت بنا هيفاء مجذولة ... تركية تنمي لتركي
ترنو بطرف فاتن فاتر ... أضعف من حجة نحوي
تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم
فائدة: قال ثقة الإسلام في الكافي في باب تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال.
وروي أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة وحملت به أمه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى إنتهى.
وما ذكره قدس سره: من تاريخ الولادة مخالف لما عليه الشيعة سلفا وخلفا من انه كان ليلة الجمعة في السابع عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل عند طلوع الفجر، وموافق لمذهب العامة أما اعتقادا أو تقية. ويرد على كلامه قدس الله سره اشكال مشهور قد ذكره غير واحد من علمائنا وهو انه يلزم من كون الحمل به في أيام التشريق وولادته في ربيع الأول أن مدة حمله صلى الله عليه وآله وسلّم أما ثلاثة أشهر أو سنة وثلاثة أشهر مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم اتفقوا على انه لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر ولا أكثر من سنة، ولم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلّم
والجواب عن ذلك: كما ذكروه أن هذا مبني على النسىء المتعارف في زمن الجاهلية المنسوخ بالإسلام وهو المشار إليه بقوله سبحانه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ} لأنهم كانوا يحرمون الحلال ويحللون الحرام لمصالح تدعوهم إلى ذلك مثل إرادة القتل والغارة، فكانوا إذا أرادوا القتال وكان ذلك في أحد الأشهر الحرم حللوا القتل فيها وعوضوا عنها شهرا آخر من الشهور المحللة، فعلى هذا يجوز أن يكون حجهم حين حملت به أمه صلى الله عليه وآله وسلّم في أيام التشريق كان في شهر جمادى الثانية ويكون مدة حمله صلى الله عليه وآله وسلّم حينئذ تسعة أشهر كما هو المشهور المتعارف.
قال الشيخ الطبرسي: في تفسير هذه الآية نقلا عن مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة
ثم حج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذي الحجة فقال في خطبته:(3/23)
قال الشيخ الطبرسي: في تفسير هذه الآية نقلا عن مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة
ثم حج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذي الحجة فقال في خطبته:
«الا وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة إثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب مفرد بين جمادى وشعبان» أراد بذلك أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وعاد الحاج إلى ذي الحجة وبطل النسىء.
واستنبط: بعض الأفاضل من هذا الكلام أن مدة حمله صلى الله عليه وآله وسلّم على هذا الحساب تكون إحد عشر شهرا ويكون ذلك دليلا على حقيقة مذهب من قال أن أقصى مدة الحمل سنة. قال: لأن عمره صلى الله عليه وآله وسلّم كان ثلاثا وستين سنة وقد وافق حجهم في آخر عمره صلى الله عليه وآله وسلّم في ذي الحجة بناء على قوله فإذا رجعنا من آخر عمره إلى أوله مصطين لكل شهر من شهور السنة حجتين يكون وقوع وضع حمله صلى الله عليه وآله وسلّم في شهر ربيع الأول الذي اتفق حجهم في تلك السنة في شهر جمادى الأولى أول حجهم فيه بعد وضع حمله صلى الله عليه وآله وسلم فيكون حمله في العام السابق في شهر ربيع الثاني في أيام التشريق فيكون مدة الحمل أحد عشر شهرا كما لا يخفى.
ونقل: عن الفاضل الاسترابادي انه ارتضاه وصححه واعترض عليه إنه يلزم على هذا التقدير أن يكون سنه الشريف صلى الله عليه وآله وسلّم خمس وستون سنة، إذ في كل دورة كاملة يزيد عمره على عدد حجهم في تلك الدورة بسنة، فإذا كان الإبتداء من جمادى الأولى والإنتهاء إلى ذي الحجة في الدورة الثالثة يرتقي عدد حجهم في تلك الشهور إلى ثلاثة وستين سنة فيجب أن يكون عمره حينئذ خمسا وستين سنة.
وتوضيح ذلك: إنه على تقدير الإبتداء من جمادى الأولى ووصول الدورة إلى شهر ربيع الأول وإتمام حجهم فيه يكون عدد حجاتهم إثنين وعشرين حجة كما أن عمره صلى الله عليه وآله وسلّم كذلك فإذا زاد في عمره سنة وانتهى إلى هذا الشهر ولم يحضر بعد زمان حجهم يكون عمره ثلاثا وستين بلا زيادة ونقصان وعدد حجهم كما كان وكذلك الحال في الدورة الأخرى بعينها فيجب أن يكون إبتداء حجهم بعد وضع حمله صلى الله عليه وآله وسلّم في شهر جمادى الثانية حتى يكون عدد حجهم حين الانتهاء إلى حجة الوداع إحدى وستين ويوافق مع ثلاث وستين من عمره، وعلى هذا يكون حمل أمه في العام السابق في شهر جمادى الأولى، فيكون مدة حمله عشرة أشهر ويكون منطبقا على المذهب المشهور.
وأنت خبير: بأن هذا على تقدير صحة ما نقله مجاهد كما حكاه الطبرسي (ره) عنه، وهو منظور فيه من وجهين:
(احدهما) أن الذي صرح به جملة المفسرين في معنى النسىء إنما هو عبارة عن تحليل هذه الأشهر الحرم واستباحة الغارة والقتال فيها وتعويض غيرها من أشهر السنة عوضها فيحرمون فيها القتال ويحجون فيها كما قدمنا بيانه، لا أنه عبارة عما ذكره إذ لا يظهر لمعنى النسىء وجه بالكلية، لأنه متى كان الحج عندهم في كل شهر من شهور السنة مرتين وكان هذا أمرا مستمرا وعادة مطردة عندهم يكون موسم الحج عندهم معروفا لا تقديم فيه ولا تأخير، فلا يظهر للنسىء في الحج معنى، وقوله سبحانه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ} إلى قوله سبحانه: {يُحِلُّونَهُ عََاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عََاماً} إنما ينطبق على ما ذكرنا.(3/24)
وأنت خبير: بأن هذا على تقدير صحة ما نقله مجاهد كما حكاه الطبرسي (ره) عنه، وهو منظور فيه من وجهين:
(احدهما) أن الذي صرح به جملة المفسرين في معنى النسىء إنما هو عبارة عن تحليل هذه الأشهر الحرم واستباحة الغارة والقتال فيها وتعويض غيرها من أشهر السنة عوضها فيحرمون فيها القتال ويحجون فيها كما قدمنا بيانه، لا أنه عبارة عما ذكره إذ لا يظهر لمعنى النسىء وجه بالكلية، لأنه متى كان الحج عندهم في كل شهر من شهور السنة مرتين وكان هذا أمرا مستمرا وعادة مطردة عندهم يكون موسم الحج عندهم معروفا لا تقديم فيه ولا تأخير، فلا يظهر للنسىء في الحج معنى، وقوله سبحانه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ} إلى قوله سبحانه: {يُحِلُّونَهُ عََاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عََاماً} إنما ينطبق على ما ذكرنا.
وفي تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي إنه كان سبب نزولها أن رجلا من كنانة كان يقف في الموسم فيقول: قد أحللت دماء المحلين طي وخثعم في شهر المحرم وأنسأته وحرمت بدله صفر، فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللت صفر وأنسأته وحرمت بدله شهر المحرم، فأنزل الله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ} الآية.
(وثانيهما) أن ما ذكره من كون الحجة التي قبل حجة الوداع كانت في ذي القعدة ترده الأخبار الواردة بقراءة أمير المؤمنين عليه السّلام آيات براءة في موسم الحج في تلك السنة، فإنها صريحة في كون الحج كان في ذي الحجة، ففي حديث عن الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} فهذه أشهر السياحة عشرين من ذي الحجة والمحرم وربيع الأول وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلّم فلما قدم علي عليه السّلام مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر قام ثم قال: إني رسول الله إليكم فقرأ عليهم {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر إلى غير ذلك من الأخبار.
فقد اتضح بذلك أن الأظهر في وجه التناقض فيما نقله شيخنا ثقة الإسلام قدس الله سره هو ما قدمنا نقله أولا وان يكون مدة الحمل به تسعة أشهر. وعلى تقدير صحة كلام مجاهد فالذي يلزم منه أيضا أن مدة حمله صلى الله عليه وآله وسلّم عشرة أشهر كما عرفت لا ما توهمه ذلك القائل المتقدم من كونه سنة.
وبذلك يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني قدس الله سره في شرح اللمعة حيث قال بعد نقل الأقوال في أقصى مدة الحمل: واتفق الأصحاب على انه لا يزيد عن السنة مع انهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انه حملت به أمه أيام التشريق
واتفقوا على انه ولد في شهر ربيع الأول فأقل يكون لبثه في بطن أمه سنة وثلاثة أشهر، وما نقل أحد من العلماء إنه من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلّم فإنه ناش عن عدم إعطاء التأمل حقه في المقام.(3/25)
وبذلك يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني قدس الله سره في شرح اللمعة حيث قال بعد نقل الأقوال في أقصى مدة الحمل: واتفق الأصحاب على انه لا يزيد عن السنة مع انهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انه حملت به أمه أيام التشريق
واتفقوا على انه ولد في شهر ربيع الأول فأقل يكون لبثه في بطن أمه سنة وثلاثة أشهر، وما نقل أحد من العلماء إنه من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلّم فإنه ناش عن عدم إعطاء التأمل حقه في المقام.
قال شيخنا المجلسي: قدس الله سره في كتاب الأربعين الحديث بعد نقل كلام الكليني نور الله ضريحه وايراد الإشكال عليه ثم كلام مجاهد ما صورته إذا عرفت هذا فقيل إنه على هذا يلزم أن مولده صلى الله عليه وآله وسلّم في جمادى الأولى لأنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ودورة النسىء أربعة وعشرين ضعف عدد الشهور، فإذا أخذنا من الثانية والستين ورجعنا تصير السنة الخامسة عشرة إبتداء الدورة لأنه إذا نقص من إثنين وستين ثمانية وأربعون يبقى أربعة عشر الإثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة واثنتان قبلهما لشوال وهكذا، فيكون الأوليان منها لجمادى الأولى وكان الحج عام مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو عام الفيل في جمادى الأولى، فإذا فرض انه صلى الله عليه وآله وسلّم حملت به أمه في الثاني عشر منه ووضعت في الثاني عشر من ربيع الأولى يكون مدة الحمل عشرة أشهر لا مزيد ولا نقيصة.
أقول: ويرد عليه انه قد اختاره في حساب الدورة وجعلها أربعة وعشرين سنة إذ الدورة على ما ذكر إنما تتم في خمسة وعشرين سنة إذا في كل سنتين يسقط شهرا من شهور السنة باعتبار النسىء ففي كل خمس وعشرين سنة يحصل أربعة وعشرين حجة تمام الدورة. وأيضا على ما ذكره يكون مدة الحمل أربعة عشر شهرا إذ لو كان عام مولده أول حج في جمادى الأولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني، فالصواب أن يقال في عام حمله صلى الله عليه وآله وسلّم الحج في جمادى الأولى وفي عام مولده في جمادى الثانية ويكون في حجة الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدة، وقوله غير معتمد في مقابلة الخبر إن ثبت أنه رواه خبر أو تكون مدة الحمل على هذا تسعة أشهر إلا يوما، فيوافق ما هو المشهور في حمله صلى الله عليه وآله وسلّم عند المخالفين إنتهى كلامه زيد مقامه.
قصة ديك الجن مع المتوكل
نقل في غير كتاب: من كتب التواريخ والأخبار أن المتوكل عليه اللعنة سهر ذات ليلة من الليالي واقلقه السهر فطلب نديما يفرج همه وغمه فأرسل من يحضر له الحسن الكركدان المعروف بديك الجن، وكان الحسن المذكور شاعرا ماهرا أديبا وكان معروفا بحب أهل البيت عليهم السلام فلما وصلوا إلى داره طرق الشرطة
الباب فقال: من الباب؟ فقالوا: نحن رسل الخليفة إليك يدعوك إلى حضرته الشريفة، فلما سمع مقالتهم قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وقام من وقته وساعته واغتسل غسل الأموات وتحنط بالذريرة والكافور ولبس كفنه ومضى إليه، فلما وصل إلى الخليفة قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له المتوكل:(3/26)
نقل في غير كتاب: من كتب التواريخ والأخبار أن المتوكل عليه اللعنة سهر ذات ليلة من الليالي واقلقه السهر فطلب نديما يفرج همه وغمه فأرسل من يحضر له الحسن الكركدان المعروف بديك الجن، وكان الحسن المذكور شاعرا ماهرا أديبا وكان معروفا بحب أهل البيت عليهم السلام فلما وصلوا إلى داره طرق الشرطة
الباب فقال: من الباب؟ فقالوا: نحن رسل الخليفة إليك يدعوك إلى حضرته الشريفة، فلما سمع مقالتهم قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وقام من وقته وساعته واغتسل غسل الأموات وتحنط بالذريرة والكافور ولبس كفنه ومضى إليه، فلما وصل إلى الخليفة قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له المتوكل:
لا سلام عليك ولا حياك ولا رعاك. فقال: على رسلك يا أمير المؤمنين فما أمر الله عز وجل بهذا حيث يقول: {وَإِذََا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهََا أَوْ رُدُّوهََا}
قال: فاستحسن المتوكل كلامه وخجل منه فقال: أدن مني قريبا فدنى فشم منه رائحة الكافور فقال له: مالي أشم منك رائحة الموتى؟ فقال لما دعوتني في هذا الوقت خفت على نفسي القتل فاغتسلت غسل الأموات وحضرت بين يديك فافعل ما بدا لك فقال: لا تخف إن كنت صادقا فقد بلغني عنك كلام وأنا اسألك عنه فأصدق تنج. قال: اسأل أخبرك بعون الله وحسن توفيقه، قال: بلغني انك إذا خلوت بنفسك تنشد هذه الأبيات:
أصبحت جم بلابل الصدو ... وابليت مطويا على الجمر
إن بحت يوما طل فيه دمي ... وإن سكت يضيق به صدري
قال: قل لي ما يطل به دمك ويضيق صدرك؟ فقال: ولي الأمان؟ فقال: قل ولك الأمان فقال:
مما جناه على أبي حسن ... عمر وصاحبه أبو بكر
جعلوك رابعهم أبا حسن ... منعوك حق الارث والصهر
وإلى الخلافة سابقوك وما ... سبقوك في أحد ولا بدر
وقتلت في بدر مشايخهم ... فلأجل ذا طلبوك بالوتر
فعلى الذي يرضى بفعلهم ... أضعاف ما حملوا من الوزر
فقال المتوكل: قاتلك الله يا كركدان تشتمني في وجهي؟ فقال: حاشا الله بل لا أقول إلا الحق وشيمتك العدل والإنصاف. فقال له: يا كركدان يجوز في مذهبك واعتقادك أن يزيد بن معاوية كان كافرا؟ قال: نعم ورأسك العزيز، قال: بماذا؟
قال: لما قتل الحسين عليه السّلام وحمل إليه سبايا الحسين والرأس معهم حط الرأس في طشت من الذهب قدامه وبقي ينظر إلى الأوصاف الهاشمية والبهجة الفاطمية ويقرع ثناياه بقضيب كان عنده، فنعق غراب من أعلا القصر من أعلا حيطان داره فاستوحش من كان في مجلسه من بني أمية فأنشد يقول:
يا غراب البين ما شئت فقل ... إنما تندب أمرا قد فعل
ليت اشياخي ببدر شهدوا ... وقعة الخزرج مع وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا ... ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم ... وعدلناه ببدر فاعتدل
لست من خندف ان لم أنتقم ... من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا ... خبر جاء ولا وحي نزل
قال: هذا شعر يزيد؟ قال: نعم ورأسك العزيز. فقال: قاتله الله ما كان أجرأه على الكفر، لكن يا حسن من أين أخذ هذا وإلى من استند وعلى رأي من اعتمد؟ قال: على رأي معاوية. قال: يجوز في مذهبك واعتقادك أن معاوية كاتب الوحي كان كافرا؟ قال: نعم. قال: وبماذا؟ قال: لأنه لما مرض مرض الموت عادته زوجته فقالت: وحقك لا أنكح بعدك بعلا فقال شعرا:(3/27)
قال: لما قتل الحسين عليه السّلام وحمل إليه سبايا الحسين والرأس معهم حط الرأس في طشت من الذهب قدامه وبقي ينظر إلى الأوصاف الهاشمية والبهجة الفاطمية ويقرع ثناياه بقضيب كان عنده، فنعق غراب من أعلا القصر من أعلا حيطان داره فاستوحش من كان في مجلسه من بني أمية فأنشد يقول:
يا غراب البين ما شئت فقل ... إنما تندب أمرا قد فعل
ليت اشياخي ببدر شهدوا ... وقعة الخزرج مع وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا ... ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم ... وعدلناه ببدر فاعتدل
لست من خندف ان لم أنتقم ... من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا ... خبر جاء ولا وحي نزل
قال: هذا شعر يزيد؟ قال: نعم ورأسك العزيز. فقال: قاتله الله ما كان أجرأه على الكفر، لكن يا حسن من أين أخذ هذا وإلى من استند وعلى رأي من اعتمد؟ قال: على رأي معاوية. قال: يجوز في مذهبك واعتقادك أن معاوية كاتب الوحي كان كافرا؟ قال: نعم. قال: وبماذا؟ قال: لأنه لما مرض مرض الموت عادته زوجته فقالت: وحقك لا أنكح بعدك بعلا فقال شعرا:
إذا مت يا أم الحميرة فانكحي ... فليس لنا بعد الممات تلاقيا
فإن كنت قد أخبرت عن مبعث لنا ... أساطير لهو يجعل القلب ساهيا
فقال المتوكل: هذا شعر معاوية؟ قال: نعم هذا شعر معاوية ورأسك العزيز قال: يا حسن من اين أخذ هذا وإلى من استند وعلى رأي من اعتمد؟ فقال: على رأي ابن الحبشية صهاك فقال: أيجوز في مذهبك واعتقادك انه كان كافرا؟ قال:
نعم، قال: بماذا؟ قال: لأنه دخل عليه يوم من شهر رمضان وهو مخمور فقال لزوجته: انبذي لنا تمرا في ماء لنشربه، فقالت له: أما تستحي من الله تشرب النبيذ في شهر رمضان؟ فأنشد يقول:
أأوعد في المعاد بشرب خمر ... وأنهى الآن عن ماء وتمر
أبعث ثم حشر ثم نشر ... حديث خرافة يا أم عمرو
قال المتوكل: هذا شعره؟ قال: نعم ورأسك العزيز: قال: قاتله الله ما أجرأه على الكفر لكن يا حسن من أين أخذ هذا وإلى من استند وعلى رأي من اعتمد؟
فقال: اعتمد على رأي الأول، فقال المتوكل: ما بقي عند عبادان قرية لكن يا حسن يجوز في مذهبك واعتقادك أن الأول كان كافرا؟ قال: نعم، قال: بماذا؟
قال: لأنه نادى زوجته في شهر رمضان أتينا بغدائنا فقالت له: أما تستحي من الله تأكل في شهر رمضان؟ فانشأ يقول شعرا:
دعينا نصطبخ يا أم بكر ... فإن الموت نقب عن هشام
ونقب عن أبيك وكان قرما ... شديد البأس شريب المدام
يخبرنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياة أمثلاء وهام
ولكن باطل قد قال هذا ... وأفك من زخاريف الكلام
ولا يكفيه جمع المال حتى ... أمرنا بالصلاة وبالصيام
ويعجز أن يكف الموت عني ... ويحيني إذا بليت عظامي
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي
الا هل مخبر الرحمن عني ... بأني تارك شهر الصيام
وتارك كلما يوحى إليه ... حديث منه أساطير الكلام
ولكن الحكيم رأي حميرا ... فألجمها فتاهت في اللجام
فقال المتوكل: ويلك يا كركدان لقد رفعت القناع وأزلت الخداع لكن يا حسن أريد منك أن تخبرني من يكون يستحق أن يكون أمير المؤمنين ويسمي نفسه خليفة رب العالمين؟ وقال في نفسه ان قال عني سلم وإن عنى غيري قتلته. فقال:(3/28)
دعينا نصطبخ يا أم بكر ... فإن الموت نقب عن هشام
ونقب عن أبيك وكان قرما ... شديد البأس شريب المدام
يخبرنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياة أمثلاء وهام
ولكن باطل قد قال هذا ... وأفك من زخاريف الكلام
ولا يكفيه جمع المال حتى ... أمرنا بالصلاة وبالصيام
ويعجز أن يكف الموت عني ... ويحيني إذا بليت عظامي
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي
الا هل مخبر الرحمن عني ... بأني تارك شهر الصيام
وتارك كلما يوحى إليه ... حديث منه أساطير الكلام
ولكن الحكيم رأي حميرا ... فألجمها فتاهت في اللجام
فقال المتوكل: ويلك يا كركدان لقد رفعت القناع وأزلت الخداع لكن يا حسن أريد منك أن تخبرني من يكون يستحق أن يكون أمير المؤمنين ويسمي نفسه خليفة رب العالمين؟ وقال في نفسه ان قال عني سلم وإن عنى غيري قتلته. فقال:
يا أمير المؤمنين لا يستحق ذلك إلا لمن لمس العرق اليابس فأورقه ومسك الحمل والعنكبوت فأسحقه وقبض خالد بن الوليد فطوقه وتفضل على ابن أبي سفيان فأعتقه وملك نعيم الدنيا فطلقه ودفع باب الشرك وأغلبه وهزم جيش المشركين ومزقه، زين الزين وقرة العين والمصلي إلى القبلتين الضارب بالسيفين الطاعن بالرمحين فارس أحد وبدر وحنين إمام الحرمين وأبو الحسن والحسين صفر اليد من البيضاء واللجين المنزه من كل شين عالي النسبين وامام الثقلين ليث بني غالب مظهر العجائب مفرق الكتائب أعني به علي بن أبي طالب.
قال: فلما سمع المتوكل ذلك قال: والله لقد كان ابن عم أفضل ممن قلت ثم إنه ملأ فم الحسن الكركدان من الدرر والجوهر ورده إلى عياله معافا سالما.
من نهج البلاغة، قال عليه السّلام: ما كان الله ليفتح على عبد باب الشكر ويغلق عنه باب الزيادة، ولا يفتح على عبده باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة ولا ليفتح على عبده باب التوبة ويغلق عنه باب القبول.
ومنه أيضا: قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه من اتجر بغير فقه ارتطم في الربا. منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دينار.
هبة آدم عليه السّلام لداود
روى ثقة الإسلام في الكافي: عن عبد الله بن سنان قال: لما قدم أبو عبد
الله عليه السّلام إلى العباس وهو بالحيرة خرج يوما يريد موسى بن عيسى فاستقبله بين الكوفة والحيرة ومعه ابن شبرمة القاضي فقال له: إلى أين يا أبا عبد الله؟ فقال: أردتك فقال: قد قصر الله خطوك، قال: فمضى معه فقال له ابن شبرمة: يا أبا عبد الله في شيء سألني عنه الأمير فلم يكن عندي فيه شيء؟ فقال: وما هو؟ فقال: سألني عن أول كتاب في الأرض؟ قال: نعم ان الله عرض على آدم ذريته عرض العين في صور الدر نبيا فنبيا وملكا فملكا ومؤمنا فمؤمنا وكافرا فكافرا، فلما انتهى إلى داود عليه السلام قال:(3/29)
روى ثقة الإسلام في الكافي: عن عبد الله بن سنان قال: لما قدم أبو عبد
الله عليه السّلام إلى العباس وهو بالحيرة خرج يوما يريد موسى بن عيسى فاستقبله بين الكوفة والحيرة ومعه ابن شبرمة القاضي فقال له: إلى أين يا أبا عبد الله؟ فقال: أردتك فقال: قد قصر الله خطوك، قال: فمضى معه فقال له ابن شبرمة: يا أبا عبد الله في شيء سألني عنه الأمير فلم يكن عندي فيه شيء؟ فقال: وما هو؟ فقال: سألني عن أول كتاب في الأرض؟ قال: نعم ان الله عرض على آدم ذريته عرض العين في صور الدر نبيا فنبيا وملكا فملكا ومؤمنا فمؤمنا وكافرا فكافرا، فلما انتهى إلى داود عليه السلام قال:
من هذا الذي قد نبيته وكرمته وقصرت عمره؟ قال: فأوحى الله تعالى إليه هذا إبنك داود وعمره أربعون سنة وإني قد كتبت الآجال وقسمت الأرزاق وأنا أمحو ما أشاء وأثبت وعندي أم الكتاب، فإن جعلت له شيئا من عمرك ألحقته له. فقال له يا رب قد جعلت له من عمري ستين سنة تمام المئة، قال: فقال الله لجبرئيل وميكائيل أكتبوا عليه كتابا فإنه سينسى. قال: فكتبوا عليه كتابا وختموه بأجنحتهم من طينة عليين، قال: فلما حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت فقال يا ملك الموت ما الذي جاء بك؟ قال جئت لأقبض روحك. قال: بقي من عمري ستون سنة. قال: إنك جعلتها لابنك داود، قال: ونزل عليه جبرئيل وأخرج عليه الكتاب فقال أبو عبد الله: فمن أجل ذلك إذا خرج الصك على المديون دل المديون فقبض روحه.
أقول: وفي خبر آخر رواه الكليني أيضا أن الذي وهبه آدم لداود خمسين سنة، وفي الجمع اشكال نبه عليه جملة من مشايخنا وهو لزوم السهو على آدم عليه السّلام مع كون ذلك خلاف ما يقتضيه قواعد الإمامية، ولم يخالف فيه إلا الصدوق ابن بابويه وشيخه محمد بن الحسن بن وليد وحمله على التقية لذلك ليس ببعيد كما احتمله بعض أصحابنا إلا أنه يمكن حمل النسيان على معنى الترك كما ورد مثله في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنََا إِلى ََ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ}
فروى الصدوق قدس الله سره في العلل في حديث قال: وأحذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصيائه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وأن المهدي انتصر به لديني وأظهر به دولتي وانتقم به من أعدائي.
وأعبد به طوعا وكرها، قالوا: أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر فثبت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم على الإقرار به وهو قوله تعالى:
{وَلَقَدْ عَهِدْنََا إِلى ََ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} قال: إنما هو فترك الحديث وحينئذ فيكون قوله سبحانه في الحديث «فإنه سينسى» أي يترك ذلك ويرجع فيما أعطاه، ولعل ذلك على جهة الرجاء والأمل من كرم الله تعالى أن يعطيه ذلك. وأن الله سبحانه وأولياءه أعلم.(3/30)
روى الصدوق: عطر الله مرقده في الفقيه عن جعفر بن غالب الأسدي رفع الحديث قال: بينما رجلان جالسان في زمن عمر بن الخطاب إذ مر بهما رجل مقيد فقال أحد الرجلين: ان لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا فقال:
الآخر: وإن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا، فذهبا إلى مولى العبد فقالا له:
انا حلفنا على كذا وكذا فحل قيد غلامك حتى تزنه فقال مولى العبد امرأته طالق ان حللت قيد غلامي، فارتفعوا إلى عمر فقصوا عليه القصة فقال: ما أهون هذا، ثم دعى بجفنة وأمر بقيد العبد فشد فيه خيط وأدخل رجليه والقيد في الجفنة ثم صب عليه الماء حتى امتلأت، ثم قال ارفعوا القيد فرفعوا القيد حتى خرج من الماء فلما خرج نقص الماء ثم دعا بزبر الحديد فأرسله في الماء حتى تراجع الماء في موضعه والقيد في الماء ثم قال: زنوا هذه الزبر فهو وزنه.
قال في الفقيه: إنما هدى أمير المؤمنين عليه السلام إلى معرفة ذلك ليخلص به الناس من أحكام من يخبر الطلاق باليمين.
ترجمة ابن أبي الحديد المعتزلي
كتاب مجمع الآداب: في مجمع الألقاب تأليف الشيخ المؤرخ كمال الدين أبي الفضل عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الشيباني ملخص أحوال الشيخ عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسين هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني الحكيم الأصولي: كان من أعيان العلماء الأفاضل وأكابر الصدور الأماثل، حكيما فاضلا كاتبا كاملا عارفا بأصول الكلام يذهب مذهب المعتزلة وخدم في الولايات الديوانية والخدم السلطانية، وكان مولده في غرة ذي الحجة سنة 586واشتغل وحصل وصنف وألف، فمن تصانيفه (شرح نهج البلاغة) عشرون مجلدا وقد احتوى هذا الشرح على ما لم يحتو عليه كتاب من جنسه، صنفه لخزانة الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي (ره) ولما فرغ من تصنيفه نفذه إليه على يد أخيه موفق الدين بن أبي المعالي فبعث إليه بمئة ألف دينار وخلعة سنية وفرسا، فكتب إلى الوزير بهذه الأبيات:
أيا رب العباد رفعت ضبعي ... وطلت بمنكبي وبللت ريقي
فزيغ الأشعري كشفت عني ... فلم أسلك بنيات الطريق
أحب الإعتزال وناصريه ... ذووا الألباب والنظر الدقيق
فأهل العدل والتوحيد أهلي ... نعم وفريقهم أبدا فريقي
وشرح النهج لم أدركه إلا ... بعونك بعد مجهدة وضيق
تمثل إذ بدأت به لعيني ... علاء الذروة الطود السحيق
فتم بحسن عونك وهو أنا ... من العيوق أو بيض الأنوق
بآل العلقمي ورت زنادي ... وقامت بين أهل الفضل سوقي
فكم ثوب أنيق نلت منهم ... ونلت بهم وكم طرف عتيق
أدام الله دولتهم وأنحى ... على أعدائهم بالخنعقيق
من تصانيفه أيضا كتاب العبقري الحسان وهو كتاب غريب الوضع قد إختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والأشعار وأودعه شيئا من انشائه ومنظوماته، ومن تصانيفه كتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في أصول الشريعة للسيد المرتضى قدس الله سره وهو ثلاث مجلدات، ومنها الفلك الدائر على المثل السائر لابن الأثير الجوزي، ومنها كتاب شرح المحصل للإمام فخر الدين وهو يجري مجرى النقض له، ومنها كتاب نقض المحصول في علم الأصول للإمام فخر الدين أيضا، ومنها شرح مشكلات الغرر لأبي الحسين البصري في أصول الكلام، ومنها تقرير الطريقتين في أصول الكلام، ومنها شرح الياقوت لابن نوبخت في الكلام أيضا، ومنها كتاب الوشاح الذهبي في العلم الأدبي، ومنها انتقاد المستصفي للغزالي في أصول الفقه، ومنها الحواشي على كتاب المفصل في النحو سوى ما له من التعاليق ولم اتتبع معرفته.(3/31)
أيا رب العباد رفعت ضبعي ... وطلت بمنكبي وبللت ريقي
فزيغ الأشعري كشفت عني ... فلم أسلك بنيات الطريق
أحب الإعتزال وناصريه ... ذووا الألباب والنظر الدقيق
فأهل العدل والتوحيد أهلي ... نعم وفريقهم أبدا فريقي
وشرح النهج لم أدركه إلا ... بعونك بعد مجهدة وضيق
تمثل إذ بدأت به لعيني ... علاء الذروة الطود السحيق
فتم بحسن عونك وهو أنا ... من العيوق أو بيض الأنوق
بآل العلقمي ورت زنادي ... وقامت بين أهل الفضل سوقي
فكم ثوب أنيق نلت منهم ... ونلت بهم وكم طرف عتيق
أدام الله دولتهم وأنحى ... على أعدائهم بالخنعقيق
من تصانيفه أيضا كتاب العبقري الحسان وهو كتاب غريب الوضع قد إختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والأشعار وأودعه شيئا من انشائه ومنظوماته، ومن تصانيفه كتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في أصول الشريعة للسيد المرتضى قدس الله سره وهو ثلاث مجلدات، ومنها الفلك الدائر على المثل السائر لابن الأثير الجوزي، ومنها كتاب شرح المحصل للإمام فخر الدين وهو يجري مجرى النقض له، ومنها كتاب نقض المحصول في علم الأصول للإمام فخر الدين أيضا، ومنها شرح مشكلات الغرر لأبي الحسين البصري في أصول الكلام، ومنها تقرير الطريقتين في أصول الكلام، ومنها شرح الياقوت لابن نوبخت في الكلام أيضا، ومنها كتاب الوشاح الذهبي في العلم الأدبي، ومنها انتقاد المستصفي للغزالي في أصول الفقه، ومنها الحواشي على كتاب المفصل في النحو سوى ما له من التعاليق ولم اتتبع معرفته.
وأما أشعاره فكثيرة أجلها وأشرفها القصائد السبع العلويات وذلك لشرح الممدوح عليه أفضل التحية والسلام نظمها في صباه وهو في المدائن في شهور سنة 611وأما ما وليه من الولاية فلا حاجة إلى ذكره هنا.
قال الشيخ كمال الدين: ولما أخذت بغداد كان ممن خلص من القتل في دار الوزير مع أخيه موفق الدين وحضر بين يدي المولى السعيد خواجة نصير الدين الطوسي قدس الله سره وفوض إليه أمر خزائن الكتب ببغداد مع أخيه موفق الدين والشيخ تاج الدين علي بن أنجب، ولم تطل أيامه (ره) في جمادى الآخرة سنة 656، فمدة عمره والحال هذه سبعون سنة وستة أشهر إنتهى ما نقلناه من الكتاب المقدم ذكره.
ووجدت بخط بعض الأجلاء نقلا عن خط شيخنا الشهيد (ره) ما صورته الوزير السعيد العالم مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد العلق
المعتصم بالله آخر الخلفاء العباسيين، وكان قبله استاذ الدار في عهد المنتصر ثم استوزره السلطان هلاكو خان مزيل الدولة العباسية فلم تطل مدته حتى درج إلى رحمة الله تعالى عالم الواقعة سنة 656ثاني جمادى الآخرة، وكان رضي الله عند إمامي المذهب صحيح الإعتقاد رفيع الهمة محبا للعلماء والزهاد كثير المبار ولأجله صنف عز الدين عبد الحميد شرح النهج في عشرين مجلدا والسبع العلويات إنتهى(3/32)
ووجدت بخط بعض الأجلاء نقلا عن خط شيخنا الشهيد (ره) ما صورته الوزير السعيد العالم مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد العلق
المعتصم بالله آخر الخلفاء العباسيين، وكان قبله استاذ الدار في عهد المنتصر ثم استوزره السلطان هلاكو خان مزيل الدولة العباسية فلم تطل مدته حتى درج إلى رحمة الله تعالى عالم الواقعة سنة 656ثاني جمادى الآخرة، وكان رضي الله عند إمامي المذهب صحيح الإعتقاد رفيع الهمة محبا للعلماء والزهاد كثير المبار ولأجله صنف عز الدين عبد الحميد شرح النهج في عشرين مجلدا والسبع العلويات إنتهى
وفي التواريخ: أن السبب في أخذ بغداد في تلك الواقعة كان مؤيد الدين المشار إليه، فإنه كاتب التتار وحرضهم على دخول بغداد لأجل ما جرى على أخوانه الشيعة من الذل والاهانة، وكان مكاتبهم سرا وقد تقدم نقل ذلك الكتاب.
مما ينسب للإمام:
ولا تصحب أخا الجهل ... فاياك واياه
وكم من جاهل أدرى ... حكيما حين وافاه
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه
والشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه
لله در القائل، الحارث بن كعب:
احذر عدوك مرة ... واحذر وصديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق ... فكان أبصر بالمضرة
لبعضهم:
عدوك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام مع الشراب
روى الصدوق قدس الله سره: في كتاب معاني الأخبار عن سفيان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا سفيان اياك والرئاسة فما طلبها أحد إلا هلك فقلت له: جعلت فداك قد هلكنا إذ ليس أحد منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه. فقال: ليس حيث تذهب إليه إنما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال وتدعو الناس إلى قوله.
وروي: فيه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لن
يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال خردل من كبر، ولا يدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. قلت: جعلت فداك ان الرجل ليلبس الثوب أو ليركب الدابة فيكاد يعرف منه الكبر، فقال: ليس بذاك إنما الكبر انكار الحق والإيمان والإقرار بالحق.(3/33)
وروي: فيه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لن
يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال خردل من كبر، ولا يدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. قلت: جعلت فداك ان الرجل ليلبس الثوب أو ليركب الدابة فيكاد يعرف منه الكبر، فقال: ليس بذاك إنما الكبر انكار الحق والإيمان والإقرار بالحق.
قصة عجيبة غريبة
نقل: السيد المحدث العلامة السيد نعمة الله الجزائري في كتاب شرح التهذيب قال: وقع فيما قارب عصرنا أن رجلا من أهل بغداد سافر إلى الشام وبقي أعواما ولما قدم على امرأته وجد عندها أولادا فتعجب، فقالت: هلم نتحاكم إلى القاضي الحنفي، فلما تحاكما إليه ألحق الأولاد به وقال: الولد للفراش فلما ضاق على الرجل فضاء الأرض احتال على القاضي وقال: إني أعلم أن هؤلاء أولادي بحكم مولانا الحنفي لكني رجل فقير عن نفقة هؤلاء الأطفال فإن رأي مولانا القاضي من يتكفل بأحوالهم، فعمد القاضي إلى الثروة من الحاضرين فقال: كل رجل منكم يأخذ واحد من أولاد هذا الفقير يتكفل بتربيته حتى يكبر، فرفع كل رجل واحدا وكان بين الحاضرين رجل خصي فقال له: ارفع واحدا فأخذ ولدا من الصغار وخرج به واضعا له كتفه، فلقيه رجل في السوق فسألوه ما هذا الولد؟
فقال: كنا في مجلس القاضي وكان يقسم أولاد الزنا بين أهل المجلس فكان هذا سهمي والخير عنده كثير لمن أراد.
يقول جامع هذا الكشكول وناظم هذه النقول: قد قدمنا سابقا مستندا لهذه الحكاية من مذهب أبي حنيفة في كتاب يوحنا وفي موضع آخر أيضا.
لابن طباطبا، وقد أبدع:
أنظر إلى زهر الرياض كأنه ... ثوب تنشره الأكف منمنم
والنور يهوى كالعقود تبددت ... والورد يخجل والأقاحي تبسم
ويكاد يذرى الدمع نرجسه إذا ... أضحى ويقطر من شقايقه الدم
للقاضي محي الدين، في مملوكه نسيم:
إن كانت العشاق من أشواقهم ... جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو عليهم ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
الشريف المرتضى، رضي الله عنه:(3/34)
إن كانت العشاق من أشواقهم ... جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو عليهم ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
الشريف المرتضى، رضي الله عنه:
ومعتادة بالطيب ليس تغبه ... منعمة الأطراف تدمى من اللمس
إذا ما دخان الند من ثوبها علا ... على وجهها أبصرت غيما على شمس
مما ينسب، للأمير صلوات الله عليه:
إذا كنت ذا علم ولم تك موسرا ... فأنت كذي رجل وليس لها نعل
وإن تك ذا مال ولست بعالم ... فأنت كذي نعل وليس لها رجل
الا إنما الإنسان غمد لعقله ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
ولا خير في عيش إذا لم يكن غنى ... ولا خير في مال إذا لم يكن فعل
إذا إجتمع العاهات فالبخل شرها ... وشر من البخل المواعيد والمطل
ومما ينسب إليه، صلى الله عليه:
ليس الكريم الذي ان نال منزلة ... أو نال فضلا على أخوانه تاها
الحر يزداد للأخوان تكرمة ... ان نال فضلا من السلطان أو جاها
أبو الحسين أحمد بن فارس: صاحب مجمل اللغة:
مرت بنا هيفاء مقدودة ... تركية تمنى لتركي
ترنو بطرف فاتن فاتر ... أضعف من حجة نحوي
وله:
إذا كنت في حاجة مرسلا ... وأنت بها كلف مغرم
فأرسل حكيما ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدرهم
وله:
قد قال فيما مضى حكيم ... ما المرء إلا باصغريه
فقلت قول إمرء حكيم ... ما المرء إلا باصفريه
فقلت قول امرء لبيب ... ما المرء إلا بدرهميه
من لم يكن درهم لديه ... لم تلفت عرسه إليه
وكان من ذله حقيرا ... يبول سنوره عليه
مما نسبه بعض، علماء العامة إلى أبي حنيفة:
حب اليهود لآل موسى ظاهر ... وولاؤهم لبني أخيه باد
وإمامهم من نسل هارون الولا ... بهم اقتدوا ولكل قوم هاد
وكذا النصاري يكرمون محبه ... لمسيحهم نجرا من الأعواد
ومتى يوالي آل أحمد مسلم ... قتلوه أو سموه بالإلحاد
هذا هو الداء العضال لمثله ... ضلت حلوم حواضر وبواد
لم يحفظوا حق النبي محمد ... في آله والله بالمرصاد
لبعضهم:(3/35)
حب اليهود لآل موسى ظاهر ... وولاؤهم لبني أخيه باد
وإمامهم من نسل هارون الولا ... بهم اقتدوا ولكل قوم هاد
وكذا النصاري يكرمون محبه ... لمسيحهم نجرا من الأعواد
ومتى يوالي آل أحمد مسلم ... قتلوه أو سموه بالإلحاد
هذا هو الداء العضال لمثله ... ضلت حلوم حواضر وبواد
لم يحفظوا حق النبي محمد ... في آله والله بالمرصاد
لبعضهم:
لا مات أعداؤك بل خلدوا ... حتى يروا منك الذي يكمد
لا زلت محسودا على نعمة ... فإنما الكامل من يحسد
منتخب من أشعار الشيخ سليمان البحراني
لشيخنا أبي الحسن، الشيخ سليمان رحمه الله:
يا آسري بالناظر القناص ... وله هواي وخالص الاخلاص
قد همت فيك فهل ترى لي مخلصا ... أين الخلاص ولات حين مناص
رفقا برقك وأعطفن فانه ... وقف عليك ولن تراه بعاص
قل لي اسحر في جفونك حل أم ... ضرب من الاعجاز والارهاص
راقب آلهك في دمي يا ظالمي ... واحذر غداة غد عظيم قصاص
وله: قدس سره في حاكم البحرين كلب على سلطان بالجور والطغيان:
لما تعدوا طورهم ... أهل أوال في المعاصي
وغدوا يحاكون الكلاب ... بلا انتفاع واقتناص
وليّ عليهم حاكما ... كلب الهراش بلا خلاص
فرما نبال وباله ... نحو الأداني والأقاصي
وله: قدس سره في ذم البحرين لما لقيه آخر عمره من بعض أكابرها:
لقد طوفت في الآفاق طرا ... وعاشرت الأعاظم والموالي
ونلت المرتجى منها ولكن ... أبت نفسي سوي سكنى أوال
لقد حرصت على خير قليل ... وقد رغبت عن الدرر الغوالي
فما هي في الديار كما تراها ... تذاد عن المعاني بالعولي
وله: في مدح البحرين قديما:(3/36)
لقد طوفت في الآفاق طرا ... وعاشرت الأعاظم والموالي
ونلت المرتجى منها ولكن ... أبت نفسي سوي سكنى أوال
لقد حرصت على خير قليل ... وقد رغبت عن الدرر الغوالي
فما هي في الديار كما تراها ... تذاد عن المعاني بالعولي
وله: في مدح البحرين قديما:
هي البحرين قنطرة المعالي ... ومعراج المحاسن والكمال
فلا تلحق بها أرضا سواها ... فما ماء زلال مثل آل
بلغت بها الأماني باجتهاد ... وصلت بها إلى أوج المعالي
ونلت بها المحاسن والمزايا ... وغصت على الفرائد واللآلي
فنوني في الكمال مبينات ... وقفت السابقين من الرجال
وله: في مدح شرح الهياكل للدواني جلال الدين محمد بن سعد:
إذا رمت أن تحظى بحل المشاكل ... وتحريرها فالزم كتاب الشواكل
كتاب جلا الأفكار فوق منصت ... الظهور وجلا مبهمات الهياكل
ولا غرو فالنحرير ناظم دره ... جليل دوان مقدم غير ناكل
فتى أسعد أعني الجلال محمدا ... جليل الرزايا مستطاب الشواكل
وله: قدس سره تخميس:
تبتل في شؤونك للولي ... مفيض الخير ذي القدس البهي
ولا يتأمن الفرج الوحي ... فكم لله من لطف خفي
يدق جفاه عن فهم الذكي
وكم لله من فتح ونصر ... وكم جبر بدا من بعد كسر
وكم رشح أفاض بكشف ضر ... وكم يسر أتى من بعد عسر
ففرج كربة القلب الشجي
وكم دنف بلطف الله راحا ... صحيح الجسم ينشرح انشراحا
ولم أعرف من الملكوت فاحا ... وكم أمر تشاء به صباحا
فتأتيك المسرة بالعشي
فعم في بحر لطف الله عوما ... وتابع في جهاد النفس قوما
علوا هام السهي حقبا ودوما ... إذا ضاقت بك الأحوال يوما
فثق بالواحد الفرد العلي
تنصل في الدجى من كل ذنب ... وحاد زكي تحاط بلطف رب
وشمر للعلا تشمير ندب ... توسل بالنبي في كل خطب
يهون إذا توسل بالنبي
ولا تحزن إذا ما ضاق رحب ... ولا تفزع إذا وافاك كرب
ولا تفرح إذا ما ساغ عذب ... ولا تجزع إذا ما ناب خطب
فكم لله من لطف خفي
وله: قدس سره في مدح شرح الكوشجي:(3/37)
تبتل في شؤونك للولي ... مفيض الخير ذي القدس البهي
ولا يتأمن الفرج الوحي ... فكم لله من لطف خفي
يدق جفاه عن فهم الذكي
وكم لله من فتح ونصر ... وكم جبر بدا من بعد كسر
وكم رشح أفاض بكشف ضر ... وكم يسر أتى من بعد عسر
ففرج كربة القلب الشجي
وكم دنف بلطف الله راحا ... صحيح الجسم ينشرح انشراحا
ولم أعرف من الملكوت فاحا ... وكم أمر تشاء به صباحا
فتأتيك المسرة بالعشي
فعم في بحر لطف الله عوما ... وتابع في جهاد النفس قوما
علوا هام السهي حقبا ودوما ... إذا ضاقت بك الأحوال يوما
فثق بالواحد الفرد العلي
تنصل في الدجى من كل ذنب ... وحاد زكي تحاط بلطف رب
وشمر للعلا تشمير ندب ... توسل بالنبي في كل خطب
يهون إذا توسل بالنبي
ولا تحزن إذا ما ضاق رحب ... ولا تفزع إذا وافاك كرب
ولا تفرح إذا ما ساغ عذب ... ولا تجزع إذا ما ناب خطب
فكم لله من لطف خفي
وله: قدس سره في مدح شرح الكوشجي:
لله در الكوشجي فقد جلا ... تلك العرائس في مضات الجملا
قد جرد التجريد من ابهامه ... وعلا بتحقيقاته أوج العلا
قد دار حيث الفكر دار بفطنة ... قدسية الآثار لن تتحملا
لكنه في العدل خالف طبعه ... فغدا به سبل القياد مضللا
وكذا الإمامة تاه في بيدائها ... لهفي على النحرير إن تضللا
يا أيها النحرير كنت مجليا ... فغدوت في بحر الإمامة فسكلا
فإليك منى في الحواشي ما بدا ... أجلو الدجى وبه أحل المشكلا
وله: طاب ثراه في مدح كتاب التجريد:
كتب الكلام إذا تأمل منصف ... في جنب تجريد العقائد كالهبا
أبحاثه منظومة كفرائد ... غر وتلك تفرقت أيدي سبا
فهي الجواهر في الثياب وتلك ... كالأعراض شتان المهابط والربا
وكأنها لبن الرضاع محرما ... بعد العضال وإنه مثل اللبا
قد اشبهت بيض المشيب بوهنها ... وغدا يحاكي في العلا غصن الصبا
لا غرو فالطوسي طرز نظمه ... ببنان فكر في الحقائق أغربا
الفيلسوف العج أبدى لقطه ... وكساه أثواب الكمال ورتبا
فهو المنقب في الحقائق والعلا ... أكرم به من بارع قد نقبا
بلغ السهى في الحكمتين وحازه ... وحقائق الشرع المقدس هذبا
هذا المحصل أض غير محصل ... إذ نقده تلك السفاسط خربا
ذهبت شكوك ابن الخصيب بأسرها ... ولكربها الرازي صال وأعجبا
ذاك المشكك في المعارف جملة ... وهو المحقق مصعدا ومصوبا
لا زالت الألطاف تصمد نحوه ... في عالمي القدسي البهي المجتبا
وله: قدس الله سره وحشره مع الأئمة:
شمس من الدين في أفق الحجى ظهرت ... أنوارها طلعت آثارها ظهرت
إذا توارت حفافيش التعقل في ... صقع الدهور وعن عليائها انحدرت
بدت أشعتها للسالكين وما ... بعد النهار ولكن النهى حسرت
فذا الخفا لافراط الجلاء فلا ... تمار فيه فما غابت وما استترت
بالضوء تنصرح الأكوان قاطبة ... ومنه قاطبة الأفهام قد قصرت
وله: تغمده الله بغفرانه:(3/38)
شمس من الدين في أفق الحجى ظهرت ... أنوارها طلعت آثارها ظهرت
إذا توارت حفافيش التعقل في ... صقع الدهور وعن عليائها انحدرت
بدت أشعتها للسالكين وما ... بعد النهار ولكن النهى حسرت
فذا الخفا لافراط الجلاء فلا ... تمار فيه فما غابت وما استترت
بالضوء تنصرح الأكوان قاطبة ... ومنه قاطبة الأفهام قد قصرت
وله: تغمده الله بغفرانه:
من لي وقد عفت الأيام آثاري ... واستأصل الدهر خلصائي وأنصاري
طال الزمان على صبحي مجاهرة ... فاغتالهم بمخاليب وأظفار
كانوا نجوم ذآدي المشكلات ... وحفاظ الشريعة الأعلام للباري
من كل قرم همام يستجار به ... حامي الحقيقة حر وابن أحرار
زاكي النجار عزيز الجار مضطلع ... بالفضل عار عن العوراء والعار
عطاهم الدهر كاس الإصطلام على ... عمد فبانوا عن الأهلين والدار
وخلفوني في اللآواء تمسا ... خلوا عن الخل والسمار والجار
تهجمتني أذاس ليس ينضمهم ... سلك المعالي وما فازوا بمقداري
هذا العضال أأرضى بالقذى كحلا ... وبالأذى بدلا عن مجدي الهار
أسام ضيما ولي في الفضل منزلة ... قصوى وقد طبق الأفاق أخباري
يسوسني في العلا من ليس يعلم ما ... كنه المعالي وما صلى بمضمار
وما تناول ساق المكرمات علا ... وما ترقى لآثار وأسرار
وما ألم بمعنى المجد في زمن ... ولم يذق واردات الواحد الباري
تلك الخفافيش قد عالت ذكاء فلم ... يظهر سناها لمرتاد لأنوار
بعض ما يتعلق بالشافعي وأبي حنيفة
ونقل: السيد المشار إليه في الكتاب المذكور نقل بعض علمائهم أن أم محمد بن إدريس لما غاب عنها زوجها جاء إليها بعد أربع سنين فوجدها حاملا بمحمد فوضعته، فلما بلغ هذا المبلغ من العلم والرئاسة وعرف ذلك الحال ذهب إلى هذا القول. وبعض محققيهم جعل العلة فيه أن أبا حنيفة كان في الوجود ولا يجتمع إمامان ناطقان في عصر واحد، فاستتر الشافعي في بطن أمه أربع سنين ولما علم بموت أبي حنيفة خرج إلى عالم الوجود.
فانظر رحمك الله إلى هذا المولود المبارك وما جرى من أحواله، وإلى تلك المرأة العفيفة وكيف ألصقت ذلك بزوجها وإلى العلة المذكورة وتلقى أسماعهم لها بالقبول في شأن هذا الرجل الذي صار إماما في المذهب.
من جملة الأربعين: وأغلب الناس في هذه الأعصار وما قبلها ثابتين على
دينه وفتاواه «يا ناعي الإسلام قم فانعه» وهذا الرجل مع وضوح هذا النسب المبارك أوفق بمذهبنا وحب أهل البيت عليهم السلام من باقي أئمتهم لأنه كان يحب أمير المؤمنين عليه السلام وله من الأشعار والنثر في مدائحه ومناقبه كثيرة.(3/39)
من جملة الأربعين: وأغلب الناس في هذه الأعصار وما قبلها ثابتين على
دينه وفتاواه «يا ناعي الإسلام قم فانعه» وهذا الرجل مع وضوح هذا النسب المبارك أوفق بمذهبنا وحب أهل البيت عليهم السلام من باقي أئمتهم لأنه كان يحب أمير المؤمنين عليه السلام وله من الأشعار والنثر في مدائحه ومناقبه كثيرة.
وأما أبو حنيفة: فكان يقول: قال علي عليه السلام وأنا أقول خلافا لقوله.
وحكى عنه إنه كان يقول: خالفت جعفر بن محمد في جميع أقواله وفتاواه ولم يبق إلا حالة السجود فما أدري أنه يغمض عينيه أو يفتحهما حتى اذهب إلى خلافه وأفتى الناس بنقيض فعله.
عهد النبي على العرب والعجم والقبط والحبشة
روى: الحافظ البرسي في كتاب مشارق الأنوار عن أبي الحمراء قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوما: يا أبا الحمراء إنطلق وادع لي مئة رجل من العرب وخمسين من العجم وثلاثين رجلا من القبط وعشرين رجلا من الحبشة قال:
فذهبت فأتيت بهم فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فصف العرب ثم صف العجم خلف العرب ثم صف القبط خلف العجم ثم صف الحبشة خلف القبط، ثم حمد الله وأثنى عليه بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها ثم قال: معاشر العرب والعجم والقبط والحبشة أقررتم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله؟
قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد حتى قالها ثلاثا. ثم قال: يا علي آتيني بدواة وبيضاء فاتاه بها فقال أكتب: هذا ما أقرت به العرب والعجم والقبط والحبشة أقروا بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله ثم ختم الصحيفة بخاتمه ودفعها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.
وروى فيه: أيضا أنه كان يقول لابن عباس: كيف أنت إذا ظلمت العيون العين؟ فقال: يا مولاي كلمتني بهذا مرارا ولم أعلم معناه؟ فقال: عين عتيق وعمر وعبد الرحمن بن عوف وعين عبد الرحمن بن ملجم وعين عمر بن سعد لعنهم الله.
مدح حذافة بن غانم لبني هاشم
نقل: عز الدين بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن طلحة عن أبيه قال: ان ركبا من حذام خرجوا صادرين عن الحج من مكة ففدوا رجلا منهم عالية بيوت مكة فلقوا
حذافة العذاري فربطوه وانطلقوا به، فتلقاهم عبد المطلب مقبلا من الطائف معه زمعة إبنة أبي لهب تقود به فتلقاهم عبد المطلب وحينئذ قد ذهب بصره، فلما نظر إليه حذافة بن غانم هتف به فقال عبد المطلب لابنه: ويلك من هذا؟ قال: هذا حذافة بن غانم مربوطا مع ركب قال: فالحقهم وسلهم ما شأنهم وشأنه فلحقهم أبو لهب فأخبروه الخبر فرجع إلى أبيه وأخبره فقال: ويحك ما معك؟ قال: لا والله ما معي شيء قال: ألحقهم لا أم لك فأعطهم بيدك وأطلق الرجل فلحقهم أبو لهب فقال: هل عرفتم تجارتي ومالي أحلف لكم لأعطيتكم عشرين أوقية ذهب وعشرا من الابل وفرسا وهذا ردائي رهنا، فقبلوا ذلك وأطلقوا حذافة. فلما أقبل به وقربا من عبد المطلب سمع عبد المطلب صوت أبي لهب ولم يسمع صوت حذافة فصاح به: وأبي إنك لعاصم ارجع لا أم لك، فقال يا ابناه هذا الرجل معي فناداه عبد المطلب: يا حذافة ارفع صوتك وأسمعني حسك. فقال: ها أنا ذا بأبي أنت وأمي يا ساقي الحجيج أردفني، فأردفه حتى دخل مكة، فقال حذافة بن غانم يمدح أبا لهب ويوصي إبنه خارجة بالإنتماء إلى بني هاشم:(3/40)
نقل: عز الدين بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن طلحة عن أبيه قال: ان ركبا من حذام خرجوا صادرين عن الحج من مكة ففدوا رجلا منهم عالية بيوت مكة فلقوا
حذافة العذاري فربطوه وانطلقوا به، فتلقاهم عبد المطلب مقبلا من الطائف معه زمعة إبنة أبي لهب تقود به فتلقاهم عبد المطلب وحينئذ قد ذهب بصره، فلما نظر إليه حذافة بن غانم هتف به فقال عبد المطلب لابنه: ويلك من هذا؟ قال: هذا حذافة بن غانم مربوطا مع ركب قال: فالحقهم وسلهم ما شأنهم وشأنه فلحقهم أبو لهب فأخبروه الخبر فرجع إلى أبيه وأخبره فقال: ويحك ما معك؟ قال: لا والله ما معي شيء قال: ألحقهم لا أم لك فأعطهم بيدك وأطلق الرجل فلحقهم أبو لهب فقال: هل عرفتم تجارتي ومالي أحلف لكم لأعطيتكم عشرين أوقية ذهب وعشرا من الابل وفرسا وهذا ردائي رهنا، فقبلوا ذلك وأطلقوا حذافة. فلما أقبل به وقربا من عبد المطلب سمع عبد المطلب صوت أبي لهب ولم يسمع صوت حذافة فصاح به: وأبي إنك لعاصم ارجع لا أم لك، فقال يا ابناه هذا الرجل معي فناداه عبد المطلب: يا حذافة ارفع صوتك وأسمعني حسك. فقال: ها أنا ذا بأبي أنت وأمي يا ساقي الحجيج أردفني، فأردفه حتى دخل مكة، فقال حذافة بن غانم يمدح أبا لهب ويوصي إبنه خارجة بالإنتماء إلى بني هاشم:
أخارج أما أهلكن فلا تزل ... لهم شاكرا حتى تغيب في القبر
بني شيبة الحمد الكريم فعاله ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر
لساقي الحجيج ثم للشيخ هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد العمر
أبو عتبة الملقي إلى جواره ... عن هجان اللون من نفر غر
قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لا يبور ولا يجري
ملوك وأبناء الملوك وسادة ... تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر
متى تلق منهم طامحا في عنانه ... تجده على اجراء والده يجري
هم ملكوا البطحاء مجدا وسؤددا ... وهم نكلوا عنها غواة بني بكر
وهم يغفرون الذنب ينقم مثله ... وهم تركوا رأي السفاهة والهجر
أخارج أما أهلكن فلا تزل ... لهم شاكرا حتى تغيب في القبر
فيما جاء في القضاة
كتاب شرح النهج: لابن أبي الحديد خرج شريك وهو على قضاء الكوفة يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، وكان قد استقضى وهو كاره فأتى شاهي فأقام بها ثلاثا فلم تواف فخفف زاده وما كان معه فجعل يبلله بالماء ويأكل بالملح، فقال العلاء بن منهال الغنوي:(3/41)
فإن كان الذي قد قلت حقا ... بأن قد أكرهوك على القضاء
فما لك موضعا في كل يوم ... تلقي من يحج من النساء
مقيما في قرى شاهي ثلاثا ... بلا زاد سوى كسر وماء
وتقدمت: كلثم بنت سريع مولى عمر بن حريث وكانت جميلة وأخوها الوليد ابن سريع إلى عبد الملك بن عمير وهو قاض بالكوفة، فقضى لها على أخيها فقال ذهيل الأشجعى:
وجاءت إليه كلثم وكلامها ... شفاء من الداء المخامر والخبل
فأدلى يزيد عند ذاك بحقه ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل
فدكهت القبطى حتى قضى لها ... بغير قضاء الله في محكم الطول
فلو كان من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطى فينا على عمل
له حين يقضي بالنساء تخاوض ... وما كان فيه للتخاوض والجول
إذا ذات ذل كلمته لحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل
وبرك عينيه ولاك لسانه ... يرى كل شيء ما عدا وصلها خلل
وكان عبد الملك بن عمير يقول: لعن الله الاشجعي لو الله لربما جاءتني السعلة والنحنحة وأنا في المتوضي واردهما لما شاع من ذكره وشعره.
ازتفت: جميلة بنت عيسى بن جواد وكانت جميلة كاسمها مع خصم لها إلى الشعبي وهو قاضي عبد الملك فقضى لها.
فتن الشعبي لما ... رفع الطرف إليها
فتنة بثنياها ... وقوسي حاجبيها
فقضى جورا على الخصم ... ولم يقض عليها
فقضى الشعبي عليه وضربه ثلاثين سوطا، قال ابن أبي ليلا: ثم انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء وقد شاعت الأبيات وتناشدها الناس ونحن معه فمررنا بغسال الثياب وهو يقول: «فتن الشعبي لما» ولا يحفظ تمام البيت، فوقف إليه ولقنه وقال: «رفع الطرف إليها» ثم ضحك وقال: أبعده الله والله ما قضيت إلا بالحق.
في الرد على تارك الجمعة
ومن كلام: نفث به صدر جامع هذا الكتاب في التعريض بجميع من خالفوا
السنة والكتاب مع ادعاء أنهم من العلماء الأنجاب يجري مجرى الخطبة في هذا الباب حيث قد أفتوا بتحريم صلاة الجمعة ومنعوا الناس منها بدعوى انها بدعة:(3/42)
ومن كلام: نفث به صدر جامع هذا الكتاب في التعريض بجميع من خالفوا
السنة والكتاب مع ادعاء أنهم من العلماء الأنجاب يجري مجرى الخطبة في هذا الباب حيث قد أفتوا بتحريم صلاة الجمعة ومنعوا الناس منها بدعوى انها بدعة:
الحمد لله الذي نجانا بركوب سفينة أهل البيت من أمواج الضلالة والفتن، وهدانا بامتثال أوامره إلى معرفة الفضائل والسنن، ووقفنا لافتضاض أبكار عرائس نفائس أحكامه وذلك من أعظم المنن يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، جمع قلوبنا على الاجتماع في مجامع الجمعة والجماعات، وقشع عن أبصار بصائرنا غشاوة الشكوك في ذلك وسحائب الشبهات، وكشف عن قلوبنا أعطية الريب فيما هنالك بأنوار الآيات والروايات: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ وَاللََّهُ وََاسِعٌ عَلِيمٌ}.
فسبحانك اللهم ما أوضح الحق على من هديته سبيله، وما أضيق الطريق على من لم تكن دليله وما أشد المضيق على من قطعت عنه الوسيلة وهم المتمسكون بعروة: {إِنََّا وَجَدْنََا آبََاءَنََا عَلى ََ أُمَّةٍ وَإِنََّا عَلى ََ آثََارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.
والصلاة على رسوله المقرر لقواعد الدين بالدلائل الناطقة والبراهين، والموضح لطريق الحق المبين بالحجج الساطعة الأنوار باليقين لا بالتخمين، فتعس من ضل عن تلك الطريق ووقع في لجج المضيق وكان من الهالكين، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله الموضحين لتلك الشريعة الغراء فها هو طريقها مشرق واضح، والمفصحين عن تلك الملة النوار فها هو سبيلها بين لائح إلا على من أعمى الله بصر بصيرته فهو في تيه الباطل قائم طائح، وهم الذي يصدون عن سبيل الله وهم بالآخرة كافرون.
أيها الأخوان: أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله تعالى في الباطن والظاهر، وغسل ألواح النفوس عن درن المعاصي وتطهير السرائر فحسن الظاهر مع قبح الباطن من أعظم المهلكات في اليوم الآخر، {أُولََئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمََالُهُمْ فِي الدُّنْيََا، وَالْآخِرَةِ وَمََا لَهُمْ مِنْ نََاصِرِينَ}.
وعليكم بالجد وتمام الجد في تحصيل الواجبات الدينية واكتسابها من العلماء الحافظين لها بالأدلة المعصومية لا بتقليد المشهورات واتباع ظواهر العبارات من غير فكر ولا روية، فليس كل من نصب نفسه لذلك نال تلك المرتبة العالية العلية، {وَلََا تَتَّبِعُوا أَهْوََاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوََاءِ السَّبِيلِ}، ولقد كثرت الفتيا الفاسدة وأدخل نفسه في تلك الصناعة من كان على غاية البعد من تلك الموارد، وتسمى بذلك من ليس له فيها يد ولا ساعد، فتراه
يخبط خبط عشوى في هاتيك المقاصد، {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئََاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللََّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذََابُ مِنْ حَيْثُ لََا يَشْعُرُونَ}.(3/43)
وعليكم بالجد وتمام الجد في تحصيل الواجبات الدينية واكتسابها من العلماء الحافظين لها بالأدلة المعصومية لا بتقليد المشهورات واتباع ظواهر العبارات من غير فكر ولا روية، فليس كل من نصب نفسه لذلك نال تلك المرتبة العالية العلية، {وَلََا تَتَّبِعُوا أَهْوََاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوََاءِ السَّبِيلِ}، ولقد كثرت الفتيا الفاسدة وأدخل نفسه في تلك الصناعة من كان على غاية البعد من تلك الموارد، وتسمى بذلك من ليس له فيها يد ولا ساعد، فتراه
يخبط خبط عشوى في هاتيك المقاصد، {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئََاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللََّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذََابُ مِنْ حَيْثُ لََا يَشْعُرُونَ}.
ترى أحدهم إذا وردت عليه المسألة هيأ لها كتاب اللمعة أو الشرائع أو الإرشاد، واصدر الجواب منه من غير علم يكون ذلك على صحة فيه أو فساد، هذا إذا كان متورعا فاضلا بزعمه بين العباد، وإلا فهو يخبطها خبطا لا يحوم حوله سداد ورشاد، وتراه يكابر على ذلك ويعاند أشد العناد، {وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ تَعََالَوْا إِلى ََ مََا أَنْزَلَ اللََّهُ} {وَإِلَى الرَّسُولِ قََالُوا حَسْبُنََا مََا} {وَجَدْنََا عَلَيْهِ آبََاءَنََا أَوَلَوْ كََانَ آبََاؤُهُمْ} {لََا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلََا يَهْتَدُونَ}.
والحامل له على ذلك هو الشيطان العدو المبين، بتسويله له إنك إن لم تجب فيها سريعا كنت في عداد الجاهلين، ونقصت من بين جملة من العلماء الفاضلين، ونزلت من أعين الجالسين، {أُولََئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيََاةَ الدُّنْيََا بِالْآخِرَةِ فَلََا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذََابُ وَلََا هُمْ يُنْصَرُونَ}.
وترى أحدهم يجلس نفسه بين صفوة الجهال الذين لا يميزون الجواب من السؤال، ويكثر لهم من القيل والقال، ويتلو عليهم أحاديث لا يفهمها سوى روى عنه وقيل له وقال، والله لا معرفة له بصحيح منها ولا ضعيف ولا ما يدخل في ذلك المجال، ولا جمع بين مختلفاتها بل ولا فهم معانيها على حال من الأحوال، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللََّهِ بِأَفْوََاهِهِمْ} {وَيَأْبَى اللََّهُ إِلََّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكََافِرُونَ}.
قد اتخذوا ذلك لهم عادة وسجية، واستكبروا عن التحصيل للعلوم الدينية من معادنها الحقيقية، واكتفوا مما قنعت به الجهل منهم في تلك القضية وما يعلموا ما هم فيه من تلك البلية، {إِنْ تَحْرِصْ عَلى ََ هُدََاهُمْ فَإِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمََا لَهُمْ مِنْ نََاصِرِينَ}.
ألم يعلموا أن ذلك منصب لا ينال إلا بالجد والاجتهاد، ورتبة لا تنال بالأباء والأجداد، وأن الأوامر القرآنية والزواجر المعصومية قد تواترت وخرجت من حيز الآحاد، بالمنع من ذلك إلا لمن غاص بحري القرآن والحديث ونال منه غاية المقصود والمراد، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ} {. قُلْ أَرَأَيْتُمْ مََا أَنْزَلَ اللََّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرََاماً وَحَلََالًا.} {قُلْ آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللََّهِ تَفْتَرُونَ.} {قُلْ إِنَّمََا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوََاحِشَ مََا ظَهَرَ مِنْهََا وَمََا بَطَنَ}
إلى قوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ}.(3/44)
ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ} فأولئك هم الفاسقون فأولئك هم الظالمون {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب.
وفي الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له في: {اتَّخَذُوا أَحْبََارَهُمْ وَرُهْبََانَهُمْ أَرْبََاباً مِنْ دُونِ اللََّهِ} فقال: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبة له: أيها الناس إنما بدأ وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع ويخالف فيها كتاب الله يتولى فيها رجال رجالا فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف الخبر.
عن الصادق عليه السلام انهاك عن خصلتين فيها هلك من هلك: اياك أن تفتي الناس برأيك، أو تدين بما لا تعلم. وفي خبر أيضا عنه عليه السلام انهاك عن خصلتين فيها هلك الرجال: أن تدين الله بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة.
وأفظع من ذلك ما تداولته ألسن الجهال الذين ينعقون مع كل ناعق وجل بهؤلاء الرعاع الذين يصعقون مع كل صاعق من أمر صلاة الجمعة التي صار ذكرها منشورا بينهم في كل محفل وبقعة لما قد أفتاهم بعض أولئك العلماء بأنها بدعة وأي بدعة وفعلها شنيعة وأي شنيعة، فتراهم تارة يقبلون وأخرى يدبرون، وتارة يصلون وأخرى يتركون، {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً فَلَمََّا أَضََاءَتْ مََا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللََّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمََاتٍ لََا يُبْصِرُونَ}.
فيا عجبا لهؤلاء الفئة مع هؤلاء الأحوال، الذين لا يلوون بآية ولا حديث في ذلك المجال، بل غاية ما يتمسكون به أن فلانا ذهب إلى ذلك وفلانا قال: من غير علم لهم بكون ذلك على صواب أو ضلال، {أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللََّهِ تَفْتَرُونَ} {قُلْ هََاتُوا بُرْهََانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ} *.
فتبا أيها السابح في بحور الجهل ان قبلت النصيحة لتنجو غدا في المعاد من
التوبيخ والفضيحة، عليك بالتمسك بالثقلين وما اشتملا عليه من الأدلة الصريحة والرجوع إلى حملتها العارفين بأحكامها عن ملكة راسخة وقريحة، {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللََّهِ عَلى ََ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحََانَ اللََّهِ وَمََا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.(3/45)
فتبا أيها السابح في بحور الجهل ان قبلت النصيحة لتنجو غدا في المعاد من
التوبيخ والفضيحة، عليك بالتمسك بالثقلين وما اشتملا عليه من الأدلة الصريحة والرجوع إلى حملتها العارفين بأحكامها عن ملكة راسخة وقريحة، {قُلْ هََذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللََّهِ عَلى ََ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحََانَ اللََّهِ وَمََا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
ولو كنت في ذلك من المتقين لكنت فيما هنالك سالكا سبيل الاحتياط المبين، إذ لا أقل أن يكون بملاحظة هذه الأخبار الجمة في وجوب الجمعة من المشككين، فتصلي الفريضتين معا وتأخذ بالجزم واليقين، ولكن غلبت عليك الحمية في الدين، {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللََّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللََّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ}.
فيا بؤسا لزمان قد علت فيه القبائح والمناكر، حين عمدوا إلى أعظم الفرائض ينادي بتحريمها على رؤوس الاشهاد والمنابر، مع ما عليه من القبائح التي لا يعدها عاد ولا يحصرها حاصر، {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيََاةُ الدُّنْيََا فَالْيَوْمَ نَنْسََاهُمْ كَمََا نَسُوا لِقََاءَ يَوْمِهِمْ هََذََا وَمََا كََانُوا بِآيََاتِنََا يَجْحَدُونَ}.
اللهم اكشف عنا هذه المحن بظهور فجر الطلعة المهدية، وأزل عنا عنادس هذه الفتن ببزوغ تلك الشمس المضية، وبلغت الروح التراق من تفاقم البلية فاجعل رب الفرج بعنايتك الشاملة الأزلية، واجعلنا وأخواننا من الناعمين في تلك الدولة العلية، {وَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
مناظرة أبي حنيفة مع الإمام الكاظم
روى: الشيخ الطبرسي في الاحتجاج وغيره في غيره انه دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له: يا أبا حنيفة ان ها هنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد عليهم السلام فاذهب بنا نقتبس منه علما، فلما أتيا إذا هما بجماعة من الشيعة ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه، فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث السن فقام الناس هيبة له فالتفت أبو حنيفة فقال: يابن مسلم من هذا؟ قال: هذا موسى ابنه. قال: والله لأجبهنه بين يدي شيعته. قال: مه لن تقدر على ذلك.
فقال: والله لأفعلنه، ثم التفت إلى موسى فقال: يا غلام اين يضع الغريب حاجة في بلدكم هذه؟ قال: يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار وشطوط الأنهار ومسقط الثمار ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها فحينئذ يضع حيث يشاء.
ثم قال: يا غلام فممن المعصية؟ قال: يا شيخ لا تخلو من ثلاث: أما أن تكون من الله وليس من العبد شيء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله، وأما
أن يكون من العبد وليس من الله شيء فإن شاء عفا وإن شاء عاقب قال: فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنما ألقم فوه حجرا قال: فقلت ألم أقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. وفي ذلك يقول الشاعر:(3/46)
ثم قال: يا غلام فممن المعصية؟ قال: يا شيخ لا تخلو من ثلاث: أما أن تكون من الله وليس من العبد شيء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله، وأما
أن يكون من العبد وليس من الله شيء فإن شاء عفا وإن شاء عاقب قال: فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنما ألقم فوه حجرا قال: فقلت ألم أقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. وفي ذلك يقول الشاعر:
لم تخلو أفعالنا اللاتي نذم بها ... احدى ثلاث معان حين نأتيها
أما تفرد بارينا بصنعتها ... فيسقط اللوم عنا حين ننشيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه ... ما كان يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لالهي في جنايتها ... ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها
قصة ديك الجن مع الرشيد
نقل: صاحب كتاب المناقب الفاخرة وهو من الأصحاب رضوان الله عليهم قال: ذكر الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدس الله سره في كتابه كتاب المثاقب في المناقب تصنيفه (ره) قال: كان على عهد الرشيد بن المهدي رجل يقال له إسحق بن إبراهيم الملقب بديك الجن كان عالما فاضلا شاعرا أديبا فقيها عارفا بكثير من العلوم وكان مع ذلك شيعيا، فوشى به إلى الرشيد وقيل له: ان ديك الجن رجل لا يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا يقول ببعثة ولا نبوة، وهو ممن يقع في الإسلام وأهله فإن قتله أمير المؤمنين أراح الناس منه والإسلام من شره، فأحضره الرشيد فلما مثل بين يديه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال له الرشيد: لا أهلا ولا سهلا ويلك بلغني عنك انك لا تثبت صانعا ولا تقول ببعث ولا نبوة وانك ممن يقع في الإسلام وأهله وان قتلك يريح الإسلام منك والمسلمين من شرك.
فقال له ديك الجن: معاذ الله أن يكون هذا مذهبي أو تلك مقالتي وما ينطوي عليه ضميري، وكيف يا أمير المؤمنين لا أثبت صانعا مع وجوه الشواهد الدالة عليه، وعندي أن من الموت مثله كمثل النوم وان المبعث مثله كمثل اليقظة، وعندي أن الله سبحانه وتعالى لا يخلق الأرض ليخلي المكلفين من لطف أما نبي أو وصي نبي يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد ثم أوجب الله تعالى الا يخرج ذلك القطب من الدنيا حتى يجعل له خليفة كهو يكون الناس معه كحكايتهم مع الصدر الأول حتى يقوم مقامه، فو الله يا أمير المؤمنين هذا مذهبي فلا تسمع فيّ يا أمير المؤمنين قول المبدعين المنحرفين المحرفين المغيرين المبتكين. إذ أن الأنعام الهمج الرعاع الذين يطيرون مع كل ريح ويتبعون كل ناعق وناهق الذين تفرعت الزندقة عن مذهبهم وعملوا بالقياس في أديانهم وزوروا الخلافة عنك وأبيك العباس بما رووه كذبا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من قوله: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث
وما تركناه يكون صدقة» كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك وقد قال الله تعالى:(3/47)
فقال له ديك الجن: معاذ الله أن يكون هذا مذهبي أو تلك مقالتي وما ينطوي عليه ضميري، وكيف يا أمير المؤمنين لا أثبت صانعا مع وجوه الشواهد الدالة عليه، وعندي أن من الموت مثله كمثل النوم وان المبعث مثله كمثل اليقظة، وعندي أن الله سبحانه وتعالى لا يخلق الأرض ليخلي المكلفين من لطف أما نبي أو وصي نبي يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد ثم أوجب الله تعالى الا يخرج ذلك القطب من الدنيا حتى يجعل له خليفة كهو يكون الناس معه كحكايتهم مع الصدر الأول حتى يقوم مقامه، فو الله يا أمير المؤمنين هذا مذهبي فلا تسمع فيّ يا أمير المؤمنين قول المبدعين المنحرفين المحرفين المغيرين المبتكين. إذ أن الأنعام الهمج الرعاع الذين يطيرون مع كل ريح ويتبعون كل ناعق وناهق الذين تفرعت الزندقة عن مذهبهم وعملوا بالقياس في أديانهم وزوروا الخلافة عنك وأبيك العباس بما رووه كذبا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من قوله: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث
وما تركناه يكون صدقة» كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك وقد قال الله تعالى:
{وَوَرِثَ سُلَيْمََانُ دََاوُدَ} وقال تعالى لزكريا: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} فقال له الرشيد: ويلك ألست القائل في شعرك:
أصبحت جم بلابل الصدر ... وأبيت مطويا على الجمر
ان بحت طل دمي ... وإن أكتم يضيق لديكم صدري
فقال: بلى والله أنا القائل لما ذكرت فأين تمامه؟ قال له الرشيد: ويلك كان له تمام؟ قال: نعم قال قل: فأنشد:
مما أتاه إلى أبي حسن ... عمر وصاحبه أبو بكر
فعلى الذي يرضى بفعلهما ... مثل الذي احتقبا من الوزر
جعلوك رابعهم أبا حسن ... كذبوا ورب الشفع والوتر
وقتلت في بدر سراتهم ... لا غرو ان طلبوك بالوتر
قال: فقطع الرشيد عليه شعره وقال له: يا ويلك جئت بك لاستتابتك عن الزندقة خرجت إلى مذهب الرافضة لقد زدت كفرا إلى كفر. قال: يا أمير المؤمنين إن كان كل من قال بمحبتكم وولايتكم واعتقد أنك قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وممن تجب له المودة بقوله تعالى: {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ}
يكون كافرا فأنا ذلك الكافر. فقال له الرشيد: ألست القائل في شعرك:
باح لمثلي بمضمر الصدر ... ما ذاك إلا لمعظم الأمر
فليس بعد الممات مرتجع ... وإنما الموت بيضة العقر
فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين ان كان هذا قولي أو أكون ممن أتلفظ به إلا ناقلا له عن اشياخي رافعا له إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإنه كان زنديقا لا يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوة، وروي عنه انه تفأل بالمصحف يوما فخرج فاله: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخََابَ كُلُّ جَبََّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرََائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى ََ مِنْ مََاءٍ صَدِيدٍ}
الآية فجعل المصحف غرضا للنشاب ورماه بالنبل حتى خرقه وقال:
تهددني بجبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقني الوليد
فقال: وإلا ما هذان البيتان الآخران لك: فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين فقال: لعن الله الوليد بن يزيد ما كان يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوة أتدري
من أين أخذ ذلك اللعين قوله هذا؟ فقلت: نعم ان أعطاني الأمير على النفس والأهل والمال وضمن الجائزة ان قلت ممن أخذ ذلك؟ قال: لك ذلك ثم أخرج خاتمه من أصبعه ورمى به إلي فقلت: يا أمير المؤمنين عن شعر عمر بن سعد حين خرج إلى حرب الحسين عليه السلام حيث يقول:(3/48)
تهددني بجبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقني الوليد
فقال: وإلا ما هذان البيتان الآخران لك: فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين فقال: لعن الله الوليد بن يزيد ما كان يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوة أتدري
من أين أخذ ذلك اللعين قوله هذا؟ فقلت: نعم ان أعطاني الأمير على النفس والأهل والمال وضمن الجائزة ان قلت ممن أخذ ذلك؟ قال: لك ذلك ثم أخرج خاتمه من أصبعه ورمى به إلي فقلت: يا أمير المؤمنين عن شعر عمر بن سعد حين خرج إلى حرب الحسين عليه السلام حيث يقول:
فو الله ما أدري وإني لحائر ... أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي ... أم أرجع مأثوما بقتل حسين
حسين ابن عمي والحوادث جمة ... وما عاقل باع الوجود بدين
يقولون ان الله خالق جنة ... ونار وتعذيب وغل يدين
فإن صدقوا فيما يقولون إنني ... أتوب إلى الرحمن من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا هنيئة ... وملك عظيم دائم الحجلين
فقال: لعن الله عمر بن سعد كان لا يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوة أتدري ممن أخذه اللعين؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين أخذه من شعر يزيد بن معاوية؟ قال وما قال يزيد بن معاوية؟ قال:
علية هاتي ناوليني وأعلني ... حديثك إني لا أحب التناجيا
حديث أبي سفيان لما سمى به ... إلى أحد حتى أقام البواكيا
فرام به عمرو عليا ففاته ... وأدركه الشيخ اللعين معاويا
فإن مت يا أم الأحيمر فانكحي ... ولا تأملي بعد الممات تلاقيا
فإن الذي حدثت في يوم بعثنا ... أحاديث زور تترك القلب ساهيا
ولولا فضول الناس زرت محمد ... بمشمولة صرف تروي عظاميا
ولا خلف بين الناس أن محمدا ... تبوّأ قبرا بالمدينة ثاويا
فقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... له غصن من تحته السر باديا
ونفنى ولا نبقى على الأرض دمنة ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا
قال: لعن الله يزيد بن معاوية ما كان يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوة أتدري من أين أخذه اللعين؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين أخذه من شعر أبيه معاوية ابن أبي سفيان، قال: وما قال معاوية؟ قلت قال:
سائلوا الدبر من بصرى صبابات ... فلا تلمني فما تغني الملامات
قم تجلي في طور الظلماء صبح شمس ضحى ... نجومها الزهر طاسات وكاسات
لعلنا أن يدع داعي الفراق بنا ... نمضي وأنفسنا منها روايات
خذ ما تعجل واترك ما وعدت به ... فعل اللبيب فللتأخير آفات
قبل ارتجاع الليالي كل عارية ... فإنما خلع الدنيا استعارات
فقال: لعن الله معاوية بن أبي سفيان ما كان يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوة أتدري من أين أخذ الملعون؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين أخذه من شعر عمر ابن الخطاب حين ولاه الشام وقلده اياها. قال: وما قال عمر بن الخطاب؟ قلت قال:(3/49)
سائلوا الدبر من بصرى صبابات ... فلا تلمني فما تغني الملامات
قم تجلي في طور الظلماء صبح شمس ضحى ... نجومها الزهر طاسات وكاسات
لعلنا أن يدع داعي الفراق بنا ... نمضي وأنفسنا منها روايات
خذ ما تعجل واترك ما وعدت به ... فعل اللبيب فللتأخير آفات
قبل ارتجاع الليالي كل عارية ... فإنما خلع الدنيا استعارات
فقال: لعن الله معاوية بن أبي سفيان ما كان يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوة أتدري من أين أخذ الملعون؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين أخذه من شعر عمر ابن الخطاب حين ولاه الشام وقلده اياها. قال: وما قال عمر بن الخطاب؟ قلت قال:
معاوي ان القوم ضلت حلومهم ... بدعوة من عم العشيرة بالوتر
صبوت إلى دين به باد اسرتي ... فأبعد به دينا قصمت به ظهري
فإن أنسى لا أنسى الوليد وعتبة ... وشيبة والعاص الصريع لدى بدر
توصل إلى التخليص في الليلة التي ... أتينا بها الماضي المموه بالسحر
لهذا وقد قلدتك الشام راجيا ... وأنت جدير أن تعود إلى صخر
فقال: يا أبا إسحق أو كان عمر كافرا بما جاء على محمد صلى الله عليه وآله وسلّم؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. فقال: من أين أخذ الزنديق هذا؟ فقلت: أخذه من شعر أبي بكر بن أبي قحافة. قال: وما قال أبو بكر بن أبي قحافة؟ قلت قال:
أتوعد في المعاد بشرب خمر ... وتنهى الآن عن ماء وتمر
كما قال الغراب لسهم رام ... لقد جمعت من ريشي بضري
حديدة صيقل وقضيب نبع ... ومن عصب البعير وريش نسر
أتطمع في حياة بعد موت ... حديث خرافة يا أم عمرو
فقال: يا أبا إسحق أو كان الصدر الأول كافرا بما جاء على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: أتدري من أين أخذ الزنديق هذا؟ قال نعم أخذه من شعر لنفسه حيث قال:
ذرينا نصطبح يا أم بكر ... فإن الموت نقب عن هشام
ونقب عن أبيك وكان قرنا ... من الأبطال شريب المدام
يؤدبني المغيرة لو فداه ... بألف مدحج وبألف رامي
كأني بالقليب قليب بدر ... من الأقوام والشرف الكرام
كأني بالطوي طوي بدر ... من الشيزي المكلل بالسنام
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياء أصداء وهام
ويعجز أن يكف الموت عنا ... ويحيينا إذا بليت عظام
خلا أن الحكيم رأى حميرا ... فألجمها فتاهت في اللجام
ولم يكفيه جمع المال حتى ... بلانا بالصلاة وبالصيام
فهل من مبلغ الرحمن عني ... بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي
فقال: يا أبا سحق أو كان الصدر الأول كافرا بالله وبما أنزل على محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من الله ومكذبا بآيات الله وشاكا في قدرته؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: والله لقد كفر هذا الزنديق كفرا ما كفر به فرعون ذو الأوتاد أتدري من اين أخذ الزنديق؟(3/50)
ذرينا نصطبح يا أم بكر ... فإن الموت نقب عن هشام
ونقب عن أبيك وكان قرنا ... من الأبطال شريب المدام
يؤدبني المغيرة لو فداه ... بألف مدحج وبألف رامي
كأني بالقليب قليب بدر ... من الأقوام والشرف الكرام
كأني بالطوي طوي بدر ... من الشيزي المكلل بالسنام
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياء أصداء وهام
ويعجز أن يكف الموت عنا ... ويحيينا إذا بليت عظام
خلا أن الحكيم رأى حميرا ... فألجمها فتاهت في اللجام
ولم يكفيه جمع المال حتى ... بلانا بالصلاة وبالصيام
فهل من مبلغ الرحمن عني ... بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي
فقال: يا أبا سحق أو كان الصدر الأول كافرا بالله وبما أنزل على محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من الله ومكذبا بآيات الله وشاكا في قدرته؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: والله لقد كفر هذا الزنديق كفرا ما كفر به فرعون ذو الأوتاد أتدري من اين أخذ الزنديق؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: من أين أخذه لعنه الله؟ قلت: أخذه من شعر عبد اللات بن الزبعري حيث قال:
لست من خندف ان لم أنتقم ... من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا ... خبر جاء ولا وحي نزل
ولعبنا نحن في دولتنا ... هكذا الأيام والدنيا دول
فقال: والله لقد كفر هؤلاء القوم كفرا ما سبق إليه الأولون ولا الآخرون أشهد على اني أبرأ إلى الله من أولهم ثم اكتم ذلك علي، ثم خلع عليه وأسنى له الجائزة وأخرجه مكرما.
يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذه النقول: قد قدمنا نقل هذه الحكاية بوجه آخر عن ديك الجن مع المتوكل والمعتمد على ما حكيناه هنا عن الكتاب المتقدم ذكره، وفي ظني أني رأيتها كذلك سابقا.
مما قاله الأعور السلمي معرضا بتخلف علي عليه السّلام عن البيعة:
إذا اجتمع الناس في واحد ... وخالفهم في الرضا واحد
فقد دل إجماعهم كلهم ... على انه عقله فاسد
فأجابه أبو سعيد النيلي: رحمه الله.
الا قل لمن قال في كفره ... ورد على قوله شاهد
إذا اجتمع الناس في واحد ... وخالفهم في الرضا واحد
فقد دل اجماعهم كلهم ... على أنه عقله فاسد
كذبت وقولك غير الصحيح ... وزعمك ينقده الناقد
قد اجتمعت قوم موسى جميع ... على العجل يا رجس يا مارد
وداموا عكوفا على عجلهم ... وهارون منفرد فارد
فكان الكثير هم المخطئون ... وكان المصيب هو الواحد(3/51)
الا قل لمن قال في كفره ... ورد على قوله شاهد
إذا اجتمع الناس في واحد ... وخالفهم في الرضا واحد
فقد دل اجماعهم كلهم ... على أنه عقله فاسد
كذبت وقولك غير الصحيح ... وزعمك ينقده الناقد
قد اجتمعت قوم موسى جميع ... على العجل يا رجس يا مارد
وداموا عكوفا على عجلهم ... وهارون منفرد فارد
فكان الكثير هم المخطئون ... وكان المصيب هو الواحد
قصيدة غزلية للشهفيني
للشيخ علي بن الحسين: الشهفيني الحلي (ره):
نم العذار بعارضيه وسلسلا ... وتضمنت تلك المراشف سلسلا
قمر أباح دم الحرام محللا ... إذا ماس يخطر في قباه محللا
رشا تردى بالجمال فلم يدع ... لأخ الصبابة في هواه تجملا
كتب الجمال على صحيفة خده ... بيراع معناه البهي ومثلا
فبدا بنوني حاجبيه معرفا ... من فوق صادي مقلتيه فأقفلا
ثم استمد فمد أسفل صدغه ... ألفا الفت به العذاب الأطولا
وأعجب له إذ هم ينقط نقطة ... من فوق حاجبه فجاءت اسفلا
وتحققت في حاء حمرة خده ... خال تهيم هواه قلبي المبتلى
مالي أرى قمر السماء إذا بدى ... في عقرب المريخ حل مؤثلا
وإذا بدى قمري وقارن عقربي ... صدغيه أدركه السعود فأكملا
أنا بين طرته وسحر جفونه ... رهن المنية إذ علا وتوكلا
دبت لتسخر نور وجنة خده ... دبا فقابلت العيون الغزلا
جاءت لتلقف سحرها فتلقفت ... منها القلوب وسحرها لن يبطلا
ما جرى لابن يقطين في الدراعة المهداة إليه من الرشيد
كتاب أعلام الورى: للطبرسي (ره) وروى عبد الله بن إدريس عن عبد الله بن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها، وكان من جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب وتقدم علي بن يقطين بحمل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام وأضاف إليها مالا كثيرا كان أعده رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله، فلما وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السّلام قبل المال والثياب، والدراعة ردها عليه على يد غير الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه: احتفظ بها ولا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه.
فارتاب علي بن يقطين بردها عليه ولم يدر ما سبب ذلك فاحتفظ بالدراعة فلما كان بعد أيام تغير ابن يقطين على غلام له كان يختص به فصرفه عن خدمته،
فسعى به إلى الرشيد وقال إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر عليه السّلام ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا، فاستشاط الرشيد غيظا وقال: لأكشفن عن هذا الحال وأمر بإحضار علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال: ما فعلت بتلك الدراعة التي كسوتها لك؟ قال: يا أمير المؤمنين هي عندي في سفط مختوم فيه طيب وقد احتفظت بها، وكلما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليه تبركا بها وأقبلها وأردها إلى موضعها، وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك. فقال: أحضرها الساعة، فقال:(3/52)
فارتاب علي بن يقطين بردها عليه ولم يدر ما سبب ذلك فاحتفظ بالدراعة فلما كان بعد أيام تغير ابن يقطين على غلام له كان يختص به فصرفه عن خدمته،
فسعى به إلى الرشيد وقال إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر عليه السّلام ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا، فاستشاط الرشيد غيظا وقال: لأكشفن عن هذا الحال وأمر بإحضار علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال: ما فعلت بتلك الدراعة التي كسوتها لك؟ قال: يا أمير المؤمنين هي عندي في سفط مختوم فيه طيب وقد احتفظت بها، وكلما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليه تبركا بها وأقبلها وأردها إلى موضعها، وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك. فقال: أحضرها الساعة، فقال:
نعم فأنفذ بعض خدمه فقال: امض إلى البيت الفلاني وافتح الصندوق الفلاني وجيء بالسفط مختوما ووضع بين يدي الرشيد ففك ختمه ونظر إلى الدراعة مطوية مدفونة في الطيب، فسكن غيظ الرشيد، وقال: ارددها إلى مكانها وانصرف راشدا فلن أصدق بعدها عليك ساعيا، وأمر له بجائزة سنية وأمر بضرب الغلام ألف سوط فضرب نحو خمسمئة فمات في ذلك.
يقول جامع هذا الكشكول وناظم هذه النقول: إنه قد نقل أن صفي الدين بن سرايا جلس يوما مع بعض ندمائه فضرط فافتضح، فخرج من تلك البلدة وهي الحلة الفيحاء إلى البصرة وجلس فيها أعواما إلى أن ظن النسيان من أهل بلده، فرجع وكان في دخوله لها قد وافق امرأتين تسأل أحدهما الأخرى عن سنة ولادة ولدها. فقالت لها الأخرى: إنه قد ولد عام ضرطة صفي الدين، فلما سمع صفي الدين ذلك وكانا لا يعرفانه حس بالشر وقال في نفسه إنها قد صارت تاريخا فلا يمكن علاجها ورجع من حيث جاء.
أمتحان الرشيد لابن يقطين في وضوئه
وروي: فيه أيضا عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء أهو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام جعلت فداك ان اصحابنا اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب بخطك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله تعالى.
فكتب إليه: فهمت ما ذكرت من الإختلاف في الوضوء والذي عملك به أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل لحيتك وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنها وتغسل رجلك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك
إلى غيره فلما وصل ذلك إلى علي بن يقطين تعجب مما رسمه فيه مما اجمعت العصابة على خلافه ثم قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذا.(3/53)
فكتب إليه: فهمت ما ذكرت من الإختلاف في الوضوء والذي عملك به أن تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل لحيتك وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنها وتغسل رجلك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك
إلى غيره فلما وصل ذلك إلى علي بن يقطين تعجب مما رسمه فيه مما اجمعت العصابة على خلافه ثم قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذا.
قال: وسعى بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل: إنه رافضي مخالف لك.
فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر القول في علي بن يقطين وميله إلى الرفض وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه عليّ ما يعرف به، فقيل له ان الرافضة تخالف في الوضوء فتحققه ولا تغسل الرجلين فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه فتركه مدة وناطه بشيء من شغله في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي يخلو في حجرة من الدار لوضوئه وصلاته، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه، فدعى بالماء وتوضأ على ما أمره الإمام عليه السلام فلم يملك الرشيد نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه: كذب والله علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة. وصلح حاله عنده وورد كتاب الإمام عليه السّلام من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما أمر الله تعالى اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى اسباغا واغسل يدك من المرفقين كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من نداوة فضل وضوئك فقد زال ما أخاف عليك.
امتحان المنصور ابن زربي في الوضوء
وروى: الثقة الجليل محمد بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال بسنده فيه عن داود الرقي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام فقلت له: كم عدة الطهارة؟
فقال: أما ما أوجبه الله فواحدة وأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم واحدة لضعف الناس، ومن توضّأ ثلاثا فلا صلاة له، أنا معه في ذا حتى جاء داود بن زربي فسأله عن عدة الطهارة فقال: له ثلاثا ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له قال: فارتعدت فرائصي وكاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبو عبد الله عليه السّلام إلي وقد تغير لوني فقال:
اسكن يا داود هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق. قال: فخرجنا من عنده وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور وكان قد ألقى إلى أبي جعفر أمر داود وانه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد. فقال أبو جعفر المنصور اني مطلع على طهارته وإنه قد توضأ بوضوء جعفر فإني لأعرف طهارته حققت عليه القول وقتلته، فاطلع وداود يتهيأ للصلاة من حيث لا يدري فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا كما أمر أبو عبد الله عليه السّلام فما أتم الوضوء حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه.(3/54)
قال: فقال داود فلما أن دخلت عليه رحب بي وقال: يا داود قيل فيك شيء باطل وما أنت كذلك قد طلعت على طهارتك وليس طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل، فأمر له بمئة ألف درهم.
قال فقال داود الرقي: التقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد الله عليه السّلام فقال له داود: جعلت فداك حقنت دماءنا في دار الدنيا ونرجو أن ندخل بحبك وبركتك الجنة، فقال أبو عبد الله عليه السّلام: فعل الله بك وبأخوانك من جميع المؤمنين، فقال أبو عبد الله عليه السّلام لداود بن زربي: حدث داود الرقي بما مر عليك حتى تسكن روعته، فحدثته بالأمر كله فقال أبو عبد الله عليه السّلام: لذا افتيته لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو. ثم قال لداود بن زربي: توضأ مثنى مثنى ولا تزد عليه فإنك إذا زدت عليه فلا صلاة لك.
يقول ناظم هذه الدرر ومطرز هذا الخبر: هنا فوائد (الأولى) أراد بالتثنية المستحبة في هذا الخبر الأخير التي هي عبارة عن استحباب غسل الوجه مرتين وغسل كل من اليد اليمنى واليسرى مرتين هو ما صرح به في سابق هذا الخبر من استحباب الغسل الواجب بغرفتين لتحصيل سنة الاسباغ المندوب إليه في الوضوء، لا ما اشتهر بين أصحابنا (رض) من استحباب الغسلة الثانية بعد حصول الواجب للغسلة الأولى، وقد أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في كتاب المسائل الشيرازية.
(الثانية) ما تضمنه هذا الخبر من أن مذهب العامة هو التثليث في الغسل وإن من نقص عنه عرف بالرفض، مع أن المنقول من كتبهم الفروعية أن الأولى فرض والثانية سنة والثالثة كمال النية. ولعل وجهه إنهم كانوا يومئذ يلازمون على التثليث مراغما للشيعة لإنكارهم له تمام الإنكار، وورد في أخبارهم بكونه مبطلا للوضوء فلأجل ذلك شدد العامة في الملازمة عليهم عنادا.
اللهم فانهم قد هجروا جملة من السنن مع اعترافهم بها مراغم للشيعة حيث لازموا عليها: منها التختم باليمين، ومنها تسطيح القبور، ومنها الجهر بالبسملة وغيرها مما أوضحناه في رسالتنا الموسومة بالشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب.
(الثالثة) ما تضمنته رواية داود من قوله عليه السّلام وأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الثانية لضعف الناس، لعل المراد به ضعف عقولهم باعتبار مقاومة الوساوس الشيطانية بالشك في وصول الماء في الغرفة الأولى إلى جميع الأعضاء متى اقتصر عليها وقصد تأدي الواجب بها، فسن الغرفة الثانية ليحصل الجزم واطمئنان الخاطر
بوصول الغسل إلى جميع العضو. والله سبحانه وقائله أعلم.(3/55)
(الثالثة) ما تضمنته رواية داود من قوله عليه السّلام وأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الثانية لضعف الناس، لعل المراد به ضعف عقولهم باعتبار مقاومة الوساوس الشيطانية بالشك في وصول الماء في الغرفة الأولى إلى جميع الأعضاء متى اقتصر عليها وقصد تأدي الواجب بها، فسن الغرفة الثانية ليحصل الجزم واطمئنان الخاطر
بوصول الغسل إلى جميع العضو. والله سبحانه وقائله أعلم.
كتاب زهر الربيع: ذكر بهاء الملة والدين نور الله مرقده في كشكوله أن أباه حسين بن عبد الصمد وجد في مسجد الكوفة فص عقيق مكتوب عليه:
أنا در من السماء نثروني ... يوم التزويج والد السبطين
كنت اصفى من اللجين بياضا ... صبغتني دماء نحر الحسين
فوجدنا في نهر تستر صخرة صغيرة صفراء أخرجها الحفارون من تحت الأرض عليها مكتوب بخط من لونها: بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله. فلما قتل الحسين عليه السّلام بأرض كربلاء كتب دمه على أرض حصباء. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ما جاء في النبيذ والسكارى
قال: ابن أبي ليلى لأبي حنيفة: أيحل النبيذ وبيعه وشراه؟ فقال: نعم، قال:
أيسرك أن تكون أمك نباذة؟ فقال أبو حنيفة: أيحل الغناء وسماعه؟ قال: نعم.
قال: أفيسرك أن تكون أمك مغنية؟.
وضع: رجل بالكوفة على باب المسجد بين يديه نبيذا وجعل ينادي من يشتري رطلا بدرهم بتحليل أبي حنيفة. فقال له أبو حنيفة: يا رجل إنك فعلت قبيحا. فقال: ألست حللته؟ فقال: نعم صدقت ومن الحلال أن تجامع أمرأتك ولو استحضرتها الجامع وجامعتها لقبح ذلك.
لقي: أبو حنيفة سكرانا فقال له السكران: يا أبا حنيفة يابن الفاعلة إني شربت النبيذ. فقال: أحسنت حيث احللت النبيذ حتى شربه مثلك.
قال بعضهم: أباح أهل الحرمين الغناء وحرموا النبيذ وأباح أهل العراق النبيذ وحرموا الغناء فأوجدونا السبيل إلى الرخصة فيهما عند اختلافهما إلى أن يقع الاتفاق.
أقول: أشار بأهل الحرمين إلى الشافعي فإنه حجازي قائل بتحليل الغناء وتحريم الخمر وأشار بأهل العراق إلى أبي حنيفة.
لابن الرومي:
أحل العراقي النبيذ وشربه ... وقال الحرامان المدامة والسكر
وقال الحجازي الشرابان واحد ... فحلت لنا بين اختلافهما الخمر
مر عمر بن معدي كرب: بعينية بن حصين فاطعمه ثم قال: اسقيك لبنا وما كنا نتنادم عليه بالجاهلية؟ فقال: أليس قد أمرنا بتحريمها؟ فقال عينية كلا ان الله قال: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقلنا لا فسكت فسكتنا. قال عمر: هاتها فأنت أفقه مني.(3/56)
أحل العراقي النبيذ وشربه ... وقال الحرامان المدامة والسكر
وقال الحجازي الشرابان واحد ... فحلت لنا بين اختلافهما الخمر
مر عمر بن معدي كرب: بعينية بن حصين فاطعمه ثم قال: اسقيك لبنا وما كنا نتنادم عليه بالجاهلية؟ فقال: أليس قد أمرنا بتحريمها؟ فقال عينية كلا ان الله قال: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقلنا لا فسكت فسكتنا. قال عمر: هاتها فأنت أفقه مني.
قيل: لاياس بن معاوية: ما تقول في التمر والكثوت والماء هي حلال أم حرام؟ فقال: حلال. فقال: لم تحرم الخمر وإنما يتخذ من ذلك؟ فقال: ارأيت لو صب عليك ماء وتراب وتبن أيوجعك؟ قال: لا. قال: ولو جمع كله وصار لبنة وضرب بها رأسك أليس يوجعك.
قال العتابي: كان في دارنا سكران فقعد على مصلى فسلح فيه فأخذت بيده إلى المستراح فنام فيه فقالت جاريتي: يا عجبا كل شيء منه مقلوب خرىء حيث ينام الناس ونام حيث يخرى فيه.
حضر: نصيب عند عبد الملك بن مروان فدعاه إلى الشراب فقال: إني لم أصل إليك بنفسي ولا بحسن صورتي وإنما قربت منك بعقلي فان رأى الأمير أن لا يحول بيني وبينه فعل.
مرت أعرابية: بقوم يشربون فسقوها فلما شربت أقداحا رأت أريحية فقالت:
أتشرب نساؤكم هذا؟ فقالوا: نعم. فقالت: ما يدري أحدكم من أبوه إذا زنين ورب الكعبة.
حكى: بعضهم قال: كان لنا صديق يكثر التوبة عن الشرب ويعود إليه، ففارقنا يوما على أنه قد تاب فجاءنا صبيحة غده وقد انمحى من أحد عارضيه لحيته فقال: رأيت ابليس في منامي وهو يستعرض أصحابه فأتى بي إليه بعض أعوانه وقال: قد آذاني هذا المتخلف من كثرة ما يتوب حلفوه أن لا يتوب فحلفت ثم قال الحسوا لحيته من أحد جانبيه يكون ذلك تذكرة له، فأصبحت على هذه الحالة.
جلس المتوكل: مع جماعة فيهم يحيى بن أكثم فلما شرب الناس ثلاثة أرطال أمر يحيى بالانصراف فقال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنا قد خلطنا فقال أحوج ما تكونون إلى قاض إذا خلطتم، فاستظرفه المتوكل وأمر بطلي لحيته بالغالية.(3/57)
كتب أبو سعد بن بوقه: إلى أبي مسلم بن بحر وراسله برسول يكنى أبا بكر.
ان كنت تأمل ما حضر ... فاحضر فإنك منتظر
والساعة اقتربت لفرط ... الجوع وانشق القمر
ورسولنا بكتابنا هذا ... الظريف أبو بكر
وبإذنه حركت منه ... الكاف كي لا ينكسر
كتب ابن المكرم: إلى أبي العيناء: عندنا سكباخ يرعف المجنون وحديث يطرب المحرمون وأخوانك الملحدون فلا تعلو علي واتوني، فكتب إليه أبو العيناء اخسأوا فيها ولا تكلمون.
محمد بن رباح:
عندنا قدر لذيذ ... ليس للقدر شريك
ونبيذ من زبيب ... وغزال يستنيك
فاننا نأكل ونشرب ... ثم نخلو وننيك
روي: عن أبي وائل قال: خرجت أنا وأبو ذر إلى سلمان فجلسنا عنده فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نهى عن التكلف لتكلفت لكم ثم جاء بخبز وملح ساذج، فقال أبو ذر: لو كان لنا في ملحنا هذا سعتر، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على سعتر، فلما أكلنا قال أبو ذر: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة.
عن: أبي عبد الله عليه السّلام أنه كان يقول: إن الله وسع أرزاق الحمقاء ليعتبر العقلاء ويعلم أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة.
وحكي: أن الحسن عليه السّلام نظر إلى ذي زي حسن فسأل عنه فقيل هو ضارط يكسب بذلك المال. فقال: ما طلب أحد الدنيا بما تستحقه سواه.
في كتاب: حياة الحيوان أن بعض مقدم الأكراد حضر على سماط بعض الأمراء وكان على السماط حجلتان مشويتان، فنظر الكردي إليهما فضحك فسأله الأمير عن ذلك فقال: قطعت الطريق في عنفوان شبابي على تاجر فلما أردت قتله تضرع إلي فما أفاد تضرعه، فلما رآني أقتله لا محالة التفت إلى حجلتين كانتا في الجبل فقال: اشهدا عليه، فلما رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه. فقال الأمير:
قد شهدتا فأمر بضرب عنقه.(3/58)
قد شهدتا فأمر بضرب عنقه.
مكر السوء لا يحيط إلا بأهله
قال: بكر بن عبد الله: كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك ويقول: «أحسن إلى المحسن باحسانه فإن المسيء ستكفيه إساءته» فحسده رجل على ذلك المقام والكلام فسعى به إلى الملك فقال: إن الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول وتؤثره بغاية الاعظام قد فضحك وزعم انك أبخر، فقال له الملك: وكيف يصح ذلك عندي؟ قال: تدعوه إليك إذا أخذ مقامه فإنه إذا دنا منك يضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر. فقال له: إنصرف حتى أنظر فخرج من عند الملك ودعا الرجل إلى منزله فاطعمه طعاما فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه والمسيء ستكفيه مساويه، وكان قد غطى فمه لرائحة الثوم فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانا إلا صادقا.
قال: وكان الملك لا يكتب بجائزة أو صلة فكتب كتابا بخطه إلى عامل من عماله إذا أتاك صاحب كتابي هذا فاقتله واسلخه واحش جلده تبنا وابعث به إلى فأخذ الكتاب وخرج فلقيه الرجل الذي سعى به فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصلة فقال هبه لي فقال هو لك فأخذه ومضى إلى العامل فقال العامل:
في كتابك أن أذبحك واسلخك فقال: ان الكتاب ليس لي الله الله في أمري حتى أراجع الملك. قال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشى جلده تبنا وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك لعادته وقال مثل قوله فتعجب الملك وقال:
ما فعلت بالكتاب قال: لقيني: فلان فاستوهبه مني فوهبته له. فقال له الملك: ذكر لي أنك تزعم اني أبخر؟ قال ما فعلت قال: فلم وضعت يداك إلى أنفك؟ قال:
كان أطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت أن تشم رائحته فقال صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفاك المسيء مساويه.
بعث: ملك إلى عابد ما لك لا تخدمني وأنت عبدي؟ فقال: لو اعتبرت لعلمت انك عبد عبدي لانك تتبع الهوى فأنت عبده وإني أملكه فهو عبدي فأنت عبد عبدي.
حكاية بيضة الرخ
من كتاب أخبار بني إسرائيل: حكي أن رجلا كان مقيما بثغر مياط وكان
يسافر البحر وكان قد بلغ من العمر مئة وعشرين سنة، قال: سافرت أدور الدنيا فرأيت أعجوبة وهي انه ركبت البحر إلى الهند وكنا جماعة في مركبين، فدخلنا إلى جزيرة من جزائر الهند فطلعنا إليها ندور فيها إذا تراءى لنا قبة عظيمة بيضاء، فقصدناها إلى أن أتينا إليها فلم نجد لها بابا فتعجبنا منها فأتى إلينا الرايس فقال:(3/59)
من كتاب أخبار بني إسرائيل: حكي أن رجلا كان مقيما بثغر مياط وكان
يسافر البحر وكان قد بلغ من العمر مئة وعشرين سنة، قال: سافرت أدور الدنيا فرأيت أعجوبة وهي انه ركبت البحر إلى الهند وكنا جماعة في مركبين، فدخلنا إلى جزيرة من جزائر الهند فطلعنا إليها ندور فيها إذا تراءى لنا قبة عظيمة بيضاء، فقصدناها إلى أن أتينا إليها فلم نجد لها بابا فتعجبنا منها فأتى إلينا الرايس فقال:
هذه بيضة الرخ فلا تفسدوها وكنا قد هلكنا من الجوع فأخذنا الفؤوس والمعاول وضربنا بها جانب القبة فسال لنا منها شبه البيض فأخذنا منه وشويناه فأكلنا ما كفانا جميعا وفضل منه شيء كثير، فلما أكلنا وجدنا له من الجوع لذة عجيبة، وكان المركبان اللذان كنا فيهما من كبار مراكب الهند في كل مركب ما يزيد على خمسمئة رجل، وقال الرايس: الذي قد منعنا من الأكل يا تجار هذه بيضة الرخ وقد أفسدتموها فلا نأمن أن يأتي وينظر بيضته على هذه الحالة فيهلكنا عن آخرنا وقد طاب الريح فقوموا بنا نركب المراكب ونسير ما دام الريح طيبا، وركبنا المراكب وفتحنا القلوع ونشرنا الشراع وطاب الريح وسرنا مقدار فرسخين، فلم نشعر إلا وغمامة سوداء قد ظهرت علينا فقال الرايس: تنظرون هذه الغمامة؟ قلنا:
نعم. قال: هذا الرخ قد جاء إليكم ليهلككم فاستعدوا للبلاء.
فلما سمعنا من الرايس ذلك الكلام أيقنا بالهلاك وتودعنا بعضنا من بعض ولم نشك في هلاكنا لعظم ما وقع في قلوبنا من الهيبة، إلى أن وصل وهم أن يخطف المركب بمخاليبه فمن شدة الهوى الذي ضرب المركب من أجنحته سبقه المركب ولم يتمكن منه فرد راجعا فسار المركب كالريح الهبوب فاستبشرنا لرجوعه عنا فلم نشعر بعد قليل إلا وقد لحقنا مرة أخرى وفي مخاليبه صخرة قدر المركب فجاء بها إلى أن وقف فوق المركب من مخاليبه على رؤوسنا، فقدر الله سبحانه أن الريح كانت عاصفة تسوق المركب سوقا يشبه السهم فوقعت الصخرة في البحر إلى جانب المركب فكدنا نغرق من رشاش الماء الذي من الصخرة، فبقي المركب يرتفع وينحط حتى قلنا ان البحر كان فوقنا وكان وقت العصر، فرجع عنا وحالت بيننا وبينه الظلمة وغرق الليل فلم نره بعد وسافرنا في المركب أياما ثم ثارت علينا ريح شديدة عظيمة فافترقنا، أما نحن فسلمنا ودخلنا الشام.
وأما المركب الآخر فلم نعلم ما جرى عليه غير أنا لما دخلنا الشام فبينما أنا عند باب البريد إذا نظرت شخصا ممن كان في المركب الآخر فسلمت عليه وسألته عن حاله وحال رفقته فقال: اعلم يا أخي أنا لما افترقنا هاجت علينا ريح عاصفة كسرت المركب وغشينا الغرق، فسلم منا رجال وكنت أنا مع الذين سلموا فطلعنا
إلى شاطىء البحر وذلك بعد أن غرقنا بيومين ونحن نمشي في تلك الجزيرة مدة أيام حتى أهلكنا الجوع والعطش إلى أن صرنا نقتات من هوام الأرض ودود البر والبحر إلى أن أيقنا بالهلاك من عدم القوت، وكانت جزيرة ممحلة ليس فيها أشجار ولا أثمار حتى وصلنا إلى غابة على شاطىء البحر كثيرة الشجر فرأينا في الغابة فرخ فيل، فاستبشر أصحابى به وقالوا: نذبح هذا الفرخ ونقتات به فقلت لهم: لا تفعلوا ذلك ولا تأكلوه فانا نخاف أن يأتي أبوه فيقتلنا، فما التفتوا إلى قولي وذبحوه وأوقدوا نارا وشووا ذلك اللحم وشرعوا في أكله وعرضوا علي فأبيت ولم آكل منه شيئا ولم أوافقهم وأنا خائف أن يصير علينا كما صار على أصحابنا الذين كانوا معنا في المركب الآخر يوم الرخ، فلم نشعر إلا وطقطقة عظيمة في الشجر وصرخة مزعجة وإذا نحن بالفيل قد أقبل علينا وشم الرائحة فعلم أن ولده مذبوح، وأما نحن فقمنا هاربين إلى شجرة عظيمة عالية فطلعنا إلى فوقها حتى وصلنا إلى أعلاها وأنا ألوم أصحابي على ما فعلوا، فأقبل الفيل يركض ويشمر ذيله ويضرب الأشجار بخرطومه حتى جاء إلى المكان الذي ذبح ولده فيه فغيظ غيظا شديدا وصرخ صراخا عاليا وتمرغ بدم ولده وبقي يشم ذلك الجلد ويلحسه حتى رأينا دموعه جارية على خدوده، ثم إنه يصرخ تارة ويضرب برأسه الأرض تارة غير أننا لا نفهم لسانه، ثم انه دار حول النار فلم يجد أحدا فتتبع الأثر حتى أتى الشجرة ووقف، ثم شال رأسه فوجدنا جميعا فمد زلومته وجعل يتناولنا من أعلى الشجرة واحدا بعد واحد فكل من ينزله يشم رائحته ثم يقبضه بزلومته ويعلو به ويخبطه بالأرض ويدوسه برجله ويفتته حتى لم يترك منا غيري، ثم مد خرطومه فتناولني وكنت أعلاهم وحطني في الأرض وشمني فلم يجد رائحة لا في فمي ولا في يدي، فسجد لي ثم إنه ألوى خرطومه علي ورفعني وأركبني على ظهره وأنا خائف أن يفعل بي مثلما فعل بأصحابي وأنا أترقب الموت ساعة بعد ساعة، ثم سار بي سيرا عنيفا إلى قرب الظهر وكلما مر على شجرة تناول منها ثمرا يأكل بعضا ويناولني بعضا حتى وصلنا إلى بحيرة ماء أحمر وأنا لا أشك انه دم أحمر لشدة حمرته هذا والفيل قائم في ذلك البحر ثم مد خرطومه وشرب من الماء وأخذ بزلومته وهذه في الهوى فإذا هو ماء أبيض رائق صاف، فعلمت أنه ماء فصار يأخذ على زلومته ويناولني في فمي وأنا أشرب، فلما علم اني ارتويت مد خرطومه إلى قعر البحر وشرع يطلع منه حجرا أحمر يناولني وأنا على ظهره، فنظرته فإذا هو ياقوت أحمر وكانت حمرة الماء من حمرة الأحجار إلى أن ناولني شيئا منها كثيرا لا أقدر حمله، فطلع بي الساحل وسار بي يقطع البر حتى أتى بي إلى مكان فيه أثر
فوضعني من ظهره بلطف وأومأ إليّ بخرطومه أن سر من ها هنا.(3/60)
وأما المركب الآخر فلم نعلم ما جرى عليه غير أنا لما دخلنا الشام فبينما أنا عند باب البريد إذا نظرت شخصا ممن كان في المركب الآخر فسلمت عليه وسألته عن حاله وحال رفقته فقال: اعلم يا أخي أنا لما افترقنا هاجت علينا ريح عاصفة كسرت المركب وغشينا الغرق، فسلم منا رجال وكنت أنا مع الذين سلموا فطلعنا
إلى شاطىء البحر وذلك بعد أن غرقنا بيومين ونحن نمشي في تلك الجزيرة مدة أيام حتى أهلكنا الجوع والعطش إلى أن صرنا نقتات من هوام الأرض ودود البر والبحر إلى أن أيقنا بالهلاك من عدم القوت، وكانت جزيرة ممحلة ليس فيها أشجار ولا أثمار حتى وصلنا إلى غابة على شاطىء البحر كثيرة الشجر فرأينا في الغابة فرخ فيل، فاستبشر أصحابى به وقالوا: نذبح هذا الفرخ ونقتات به فقلت لهم: لا تفعلوا ذلك ولا تأكلوه فانا نخاف أن يأتي أبوه فيقتلنا، فما التفتوا إلى قولي وذبحوه وأوقدوا نارا وشووا ذلك اللحم وشرعوا في أكله وعرضوا علي فأبيت ولم آكل منه شيئا ولم أوافقهم وأنا خائف أن يصير علينا كما صار على أصحابنا الذين كانوا معنا في المركب الآخر يوم الرخ، فلم نشعر إلا وطقطقة عظيمة في الشجر وصرخة مزعجة وإذا نحن بالفيل قد أقبل علينا وشم الرائحة فعلم أن ولده مذبوح، وأما نحن فقمنا هاربين إلى شجرة عظيمة عالية فطلعنا إلى فوقها حتى وصلنا إلى أعلاها وأنا ألوم أصحابي على ما فعلوا، فأقبل الفيل يركض ويشمر ذيله ويضرب الأشجار بخرطومه حتى جاء إلى المكان الذي ذبح ولده فيه فغيظ غيظا شديدا وصرخ صراخا عاليا وتمرغ بدم ولده وبقي يشم ذلك الجلد ويلحسه حتى رأينا دموعه جارية على خدوده، ثم إنه يصرخ تارة ويضرب برأسه الأرض تارة غير أننا لا نفهم لسانه، ثم انه دار حول النار فلم يجد أحدا فتتبع الأثر حتى أتى الشجرة ووقف، ثم شال رأسه فوجدنا جميعا فمد زلومته وجعل يتناولنا من أعلى الشجرة واحدا بعد واحد فكل من ينزله يشم رائحته ثم يقبضه بزلومته ويعلو به ويخبطه بالأرض ويدوسه برجله ويفتته حتى لم يترك منا غيري، ثم مد خرطومه فتناولني وكنت أعلاهم وحطني في الأرض وشمني فلم يجد رائحة لا في فمي ولا في يدي، فسجد لي ثم إنه ألوى خرطومه علي ورفعني وأركبني على ظهره وأنا خائف أن يفعل بي مثلما فعل بأصحابي وأنا أترقب الموت ساعة بعد ساعة، ثم سار بي سيرا عنيفا إلى قرب الظهر وكلما مر على شجرة تناول منها ثمرا يأكل بعضا ويناولني بعضا حتى وصلنا إلى بحيرة ماء أحمر وأنا لا أشك انه دم أحمر لشدة حمرته هذا والفيل قائم في ذلك البحر ثم مد خرطومه وشرب من الماء وأخذ بزلومته وهذه في الهوى فإذا هو ماء أبيض رائق صاف، فعلمت أنه ماء فصار يأخذ على زلومته ويناولني في فمي وأنا أشرب، فلما علم اني ارتويت مد خرطومه إلى قعر البحر وشرع يطلع منه حجرا أحمر يناولني وأنا على ظهره، فنظرته فإذا هو ياقوت أحمر وكانت حمرة الماء من حمرة الأحجار إلى أن ناولني شيئا منها كثيرا لا أقدر حمله، فطلع بي الساحل وسار بي يقطع البر حتى أتى بي إلى مكان فيه أثر
فوضعني من ظهره بلطف وأومأ إليّ بخرطومه أن سر من ها هنا.(3/61)
وأما المركب الآخر فلم نعلم ما جرى عليه غير أنا لما دخلنا الشام فبينما أنا عند باب البريد إذا نظرت شخصا ممن كان في المركب الآخر فسلمت عليه وسألته عن حاله وحال رفقته فقال: اعلم يا أخي أنا لما افترقنا هاجت علينا ريح عاصفة كسرت المركب وغشينا الغرق، فسلم منا رجال وكنت أنا مع الذين سلموا فطلعنا
إلى شاطىء البحر وذلك بعد أن غرقنا بيومين ونحن نمشي في تلك الجزيرة مدة أيام حتى أهلكنا الجوع والعطش إلى أن صرنا نقتات من هوام الأرض ودود البر والبحر إلى أن أيقنا بالهلاك من عدم القوت، وكانت جزيرة ممحلة ليس فيها أشجار ولا أثمار حتى وصلنا إلى غابة على شاطىء البحر كثيرة الشجر فرأينا في الغابة فرخ فيل، فاستبشر أصحابى به وقالوا: نذبح هذا الفرخ ونقتات به فقلت لهم: لا تفعلوا ذلك ولا تأكلوه فانا نخاف أن يأتي أبوه فيقتلنا، فما التفتوا إلى قولي وذبحوه وأوقدوا نارا وشووا ذلك اللحم وشرعوا في أكله وعرضوا علي فأبيت ولم آكل منه شيئا ولم أوافقهم وأنا خائف أن يصير علينا كما صار على أصحابنا الذين كانوا معنا في المركب الآخر يوم الرخ، فلم نشعر إلا وطقطقة عظيمة في الشجر وصرخة مزعجة وإذا نحن بالفيل قد أقبل علينا وشم الرائحة فعلم أن ولده مذبوح، وأما نحن فقمنا هاربين إلى شجرة عظيمة عالية فطلعنا إلى فوقها حتى وصلنا إلى أعلاها وأنا ألوم أصحابي على ما فعلوا، فأقبل الفيل يركض ويشمر ذيله ويضرب الأشجار بخرطومه حتى جاء إلى المكان الذي ذبح ولده فيه فغيظ غيظا شديدا وصرخ صراخا عاليا وتمرغ بدم ولده وبقي يشم ذلك الجلد ويلحسه حتى رأينا دموعه جارية على خدوده، ثم إنه يصرخ تارة ويضرب برأسه الأرض تارة غير أننا لا نفهم لسانه، ثم انه دار حول النار فلم يجد أحدا فتتبع الأثر حتى أتى الشجرة ووقف، ثم شال رأسه فوجدنا جميعا فمد زلومته وجعل يتناولنا من أعلى الشجرة واحدا بعد واحد فكل من ينزله يشم رائحته ثم يقبضه بزلومته ويعلو به ويخبطه بالأرض ويدوسه برجله ويفتته حتى لم يترك منا غيري، ثم مد خرطومه فتناولني وكنت أعلاهم وحطني في الأرض وشمني فلم يجد رائحة لا في فمي ولا في يدي، فسجد لي ثم إنه ألوى خرطومه علي ورفعني وأركبني على ظهره وأنا خائف أن يفعل بي مثلما فعل بأصحابي وأنا أترقب الموت ساعة بعد ساعة، ثم سار بي سيرا عنيفا إلى قرب الظهر وكلما مر على شجرة تناول منها ثمرا يأكل بعضا ويناولني بعضا حتى وصلنا إلى بحيرة ماء أحمر وأنا لا أشك انه دم أحمر لشدة حمرته هذا والفيل قائم في ذلك البحر ثم مد خرطومه وشرب من الماء وأخذ بزلومته وهذه في الهوى فإذا هو ماء أبيض رائق صاف، فعلمت أنه ماء فصار يأخذ على زلومته ويناولني في فمي وأنا أشرب، فلما علم اني ارتويت مد خرطومه إلى قعر البحر وشرع يطلع منه حجرا أحمر يناولني وأنا على ظهره، فنظرته فإذا هو ياقوت أحمر وكانت حمرة الماء من حمرة الأحجار إلى أن ناولني شيئا منها كثيرا لا أقدر حمله، فطلع بي الساحل وسار بي يقطع البر حتى أتى بي إلى مكان فيه أثر
فوضعني من ظهره بلطف وأومأ إليّ بخرطومه أن سر من ها هنا.
ثم رجع عني وبقيت وحدي في تلك البرية ومعي تلك الأحجار، فسرت إلى الجهة التي أومأ إليها ثلاثة أيام، فلما كان صبيحة اليوم الرابع وإذا أنا بملك من ملوك السند في موكبه وعسكره وهو يتنزه في تلك الجزيرة، فلما رآني أصحابه تبادروا إلي وأخذوني وأحضروني بين يدي ملكهم، فسألني عن حالي وما عرفت كلامهم ولا فهمته وأنا أحدثهم وهم لا يعرفون كلامي ورأيت لغتهم كلغة الخطاطيف، فأخذوني وداروا بي إلى البلدان إلى أن وجدوا شخصا يفهم. اللسان العربي ولسانهم، فسأل عن حالي فأخبرته فقلت: أنا رجل من أهل مصر فقال أما مصر فلا نعرفها فمن أنت من غيرها؟ فقلت: هل تعرف الشام؟ قال سمعت بها قلت أنا ممن سكنها فشرعوا يتبركون بي ويمسحون أيديهم على يدي ويعظمونني وأتي بي إلى الملك في منزله وأكرمني، وسأل عن سفري فحدثته بما جرى علي فأخبرته بقصة الفيل وما عمل معي وكيف أعطاني تلك الأحجار، فصدقني وتعجب من قصتي.
ثم إني قدمت له تلك الأحجار ليأخذها فأبى أن يقبلها وقال: ان الغريب إذا دخل علينا يجب علينا اكرامه ولا يجوز لنا أن نأخذ منه شيئا وإنما هذا رزق ساقه الله اليك، فأقسمت عليه بمعبوده أن يقبله مني فامتنع فقلت: أنا رجل مجرد عرقان فكل من وجد هذه الأحجار عندي أخذها مني وقتلني ولكن أنت ملك تصلح هذه لك فخذها وأعطني عوضها من المال ما شئت فقال: هي علي حرام ولا آخذ منها مثقالا ونحن ما نستحل مال غيرنا من رعيتنا فكيف الغريب، ولكن اجلس عندي في ضيافتي فجلست عنده مدة من الزمان وهو يعزني ويكرمني ويقدم لي الأطعمة والأشربة فلما كان بعد شهر ضاق صدري وحن خاطري إلى بلدي فسألته أن يوصلني إلى بلد مصر، فقال: نحن لا نعرفها فقلت: نسير من هنا إلى الهند ومن الهند نتوصل إلى نجد ومن نجد نتوصل إلى مصر فقال: نحن لا نعرفها ولكن أرسل معك من عسكري من يوصلك إلى بلدك بعد أن أعطاني مركبا عظيما مملوءا من القماش مشحونا بالأموال، فودعته وانصرفت عنه وقال لأصحابه: لا ترجعوا عنه إلا إذا وصل إلى بلده وتأتوني بخطه، فسرنا في المركب حتى وصلنا مصر ثم أكرمت تلك الرجال غاية الاكرام وأرسلت إلى الملك من تحف مصر أشياء مثمنة، ثم ودعوني ورجعوا عائدين إلى ملكهم، وجلست في مصر أياما ثم قصدت الشام.
وهذا صورة ما جرى لي والحمد لله حق حمده.(3/62)
قصص ولطائف قصيرة
من المحاضرات: قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال بعمر بن الخطاب. فقال: كيف هذا وعمر كان أشد الناس فيها؟ قال:
لأن الخبر الصحيح قد أتى انه صعد المنبر فقال: ان الله ورسوله أحل لكم متعتين وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.
قال: السيد الجليل المحدث نعمة الله الجزائري بعد نقل ذلك في كتابه زهر الربيع المشهور بين الناس: وذكر صاحب كتاب احقاق الحق أن السبب في تحريمه متعة النساء انه أضاف أمير المؤمنين عليه السّلام ليلة وأنامه معه في داره فلما أصبح قال له: يا علي ألست قد قلت من كان في البلد فلا ينبغي له أن يبات عزبا؟
فقال عليه السّلام اسأل أختك وكان عليه السّلام قد تمتع بها في تلك الليلة.
قال الأصمعي: كان على بعض العرب دين ثقيل فتعلق به غرماؤه وكان معدما فسألوه أن يحلف لهم بالطلاق أن لا يهرب فحلف لهم بطلاق امرأتين كانتا له ثم هرب فأنشأ يقول:
لو يعلم الغرماء ما مقتي لها ... ما حلفوني بالطلاق المؤجل
قد ملتنا ومللت من وجهيهما ... عجفا مرضعة وأخرى حامل
ادعى رجل: على آخر طنبورا عند بعض القضاة فقال القاضي: إن كان عندك الطنبور فعبري في حرامك. فقال: أي يمين هذا؟ فقال: يمين الطنابير.
اختصم: أعرابيان في حق فأقبلا إلى الوالي فوجبت اليمين على المدعي كله إلي أيها الحاكم احلفه فقال: أنت وذاك فدور له دائرة في الأرض قال: اجلس فيها. فقال: قد جعل الله نومك نغصا وأكلك غصصا ومشيك رقصا وشخصك برصا وقطعك حصصا وأدخلك قفصا وأدخل في أستك هذا العصى فأبى أن يحلف وأعطاه حقه.
سأل: أعرابي عبد الملك فقال: سل الله تعالى؟ فقال: سألته فأجابني عليك فضحك وأعطاه.
قدم: بعض الأمويين على عبد الله بن علي السفاح فأمر بقتله فجرد الشاب السيف لقتله فضرط الأموي فانزعج السياف والآن ندفعه باستاهنا.
دخل: اللصوص في بيت فقير ليس له شيء فجعلوا يفتشون بيته فانتبه الرجل
فرآهم فقال: يا فتيان هذا الذي تطلبونه بالليل قد طلبناه بالنهار فلم نجده(3/63)
دخل: اللصوص في بيت فقير ليس له شيء فجعلوا يفتشون بيته فانتبه الرجل
فرآهم فقال: يا فتيان هذا الذي تطلبونه بالليل قد طلبناه بالنهار فلم نجده
قال: نحوي لصبي: في أي باب من أبواب النحو أنت؟ فقال في باب الفاعل والمفعول. فقال: أنت في باب أبويك إذا.
سافر: أعرابي فرجع خائبا فقال: ما ربحنا من سفرنا إلا ما قصرنا من صلاتنا.
ووقف: سائل على باب قوم فقال: تصدقوا علي فإني جائع فقالوا: لم نخبز بعد. قال: فكتف سويق. قالوا: ما اشترينا بعد. قال: فشربة من ماء فإني عطشان قالوا: ما أتانا السقّاء بعد. قال: فيسير من دهن أضعه على رأسي قالوا: ومن أين الدهن. قال: يا أولاد الزنا ما قعودكم هنا قوموا واسألوا معي.
نقل: أن سائلا أتى رجلا من أصفهان من الأغنياء وسأل شيئا فسمعه يقول:
يا مبارك قل لقنبر يقول لجوهر يقول لياقوت يقول لهذا السائل يفتح الله عليك، فرفع السائل يده وقال: يا رب قل لجبرائيل يقول لإسرافيل يقول لميكائيل يقول لعزرائيل يقبض روح هذا البخيل.
قال الأصمعي: دخلت البادية ومعي كيس فاودعته امرأة منهم فلما طالبتها أنكرته فقدمتها إلى شيخ من الأعراب فاقامت على إنكارها فقال: ليس عليها إلا يمين. فقلت: كأنك لم تسمع قوله تعالى:
ولا تقبل لسارقة يمينا ... ولو حلفت برب العالمينا
فقال: صدقت فهددها فأقرت وردت إلي مالي، ثم التفت إلى الشيخ وقال:
في أي سورة تلك الآية؟ فقلت: في سورة:
الا هبي بصحبك فاصحبينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
فقال: سبحان الله لقد أظنها في سورة انا فتحنا لك فتحا مبينا.
قدم: قوم غريمهم إلى القاضي وادعوا عليه بألف دينار فقال القاضي: ما تقول؟ فقال: صدقوا فيما ادعوا لكني اسألهم أن يمهلوني لأبيع عقاري وابلي وغنمي ثم أوفيهم. فقالوا للوالي: ليس عنده مما يقول شيء. قال: أيها الوالي قد سمعت شهادتهم بإفلاسي فكيف يطالبوني، فأمر بإطلاقه.
كان: في بغداد رجل قد علته ديون كثيرة وهو مفلس، فأمر القاضي ان لا
يقرضه أحد شيئا ومن اقترضه فليصبر عليه وأمر أن يركب على بغل ويطاف به في المجامع ليعرفه الناس ويحترزوا من معاملته، فطافوا به في البلد ثم جاؤوا به إلى باب داره، فلما نزل عن البغل قال له صاحب البغل: أعطني أجرة بغلي. فقال:(3/64)
كان: في بغداد رجل قد علته ديون كثيرة وهو مفلس، فأمر القاضي ان لا
يقرضه أحد شيئا ومن اقترضه فليصبر عليه وأمر أن يركب على بغل ويطاف به في المجامع ليعرفه الناس ويحترزوا من معاملته، فطافوا به في البلد ثم جاؤوا به إلى باب داره، فلما نزل عن البغل قال له صاحب البغل: أعطني أجرة بغلي. فقال:
وفي أي شيء كنا من الصباح إلى هذا الوقت يا أحمق.
في الأثر: أن ابن الأشعث كان يصلي خلف مروان بن عثمان في الصف الأول، فضرط مروان فقطع ابن الأشعث صلاته وانصرف حتى ظن الناس أن تلك الضرطة منه وبقي مروان يصلي، فلما فرغ وانصرف إلى منزله أتى إليه ابن الأشعث فقال: أعطني دية الضرطة التي جعلتها على نفسي وإلا أخبرت أهل المسجد وفضحتك بينهم، فأعطاه ما أراد.
في كتب السير: ان هلاكو لما دخل الحلة من أرض بابل انهزم الناس وبقي رجل في بقعة فقال له: من أنت؟ فقال: أنا إله الأرض أما سمعت (في السماء اله وفي الأرض اله) فقال له. أتقدر على كل شيء؟ قال: نعم، فأشار السلطان إلى صبي معه فقال: فم هذا الصبي ضيق فإن قدرت فوسعه قال: أقدر ولكني تعاهدت مع اله السماء أن كل شيء يتعلق بأعالي البدن فتوسيعه إليه وكل شيء يكون في أسافل البدن فتوسيعه إلي، فإن أردت هذا فأنا قادر في ساعتك هذه، فضحك فانصرف عنه.
شكى: رجل إلى امرأة كان يحبها كثرة شعرتها فنتفتها وكتبت إلى حبيبها تقول شعرا:
فديتك سهلت الحبيب الذي اشتكى ... جوادك فيه الجفا من خشونته
فإن كنت تهوى أن تزور جنابنا ... فلا تبط فالهلال ابن ليلته
قيل: لامرأة بصرية: أي الرجال تشتهين؟ فقالت: لا أدري غير اني أعلم أن الأول داء والثاني دواء والثالث شفاء ومن ربع فنفسي له الفداء.
في الأمثال: أن ثلاثة من الزنابير ترافقت فدخلت بلدة وقت الشتاء فقالوا:
ينبغي لنا أن نتخذ حفرا حصبا نسكن فيها حتى يطيب الهوا، فأتوا إمرأة فدخل واحد في حفر أنفها والثاني في فرجها والثالث في دبرها، فلما طاب الهواء خرجوا فسأل بعضهم بعضا من المنزل فقال الذي دخل الأنف: كان منزلي منزلا معطرا لا أشم منه إلا رائحة الطيب. وقال الذي دخل في الفرج: أنا قاسيت شدائد الأهوال لأنه كان يدخل علي في كل حين فارس معتدل القامة على رأسه تاج أحمر فأنزوي
عنه من زاوية إلى زاوية وهو يطوف بزوايا البيت ولا يدعني أنام ساعة واحدة.(3/65)
ينبغي لنا أن نتخذ حفرا حصبا نسكن فيها حتى يطيب الهوا، فأتوا إمرأة فدخل واحد في حفر أنفها والثاني في فرجها والثالث في دبرها، فلما طاب الهواء خرجوا فسأل بعضهم بعضا من المنزل فقال الذي دخل الأنف: كان منزلي منزلا معطرا لا أشم منه إلا رائحة الطيب. وقال الذي دخل في الفرج: أنا قاسيت شدائد الأهوال لأنه كان يدخل علي في كل حين فارس معتدل القامة على رأسه تاج أحمر فأنزوي
عنه من زاوية إلى زاوية وهو يطوف بزوايا البيت ولا يدعني أنام ساعة واحدة.
وقال الثالث: ان ذلك الفارس الذي كان يدخل عليك كان يعلق خرجه على باب داري كل ساعة عدلي خرجه يدكدك باب داري حتى يخرج من دارك، وكان ربما دخل منزلي.
وقف: بين يدي الحجاج رجل من أهل البادية، فلما أخذ في الكلام ضرط فضرب بيده على استه وقال: أما أن تتكلمي أنت واسكت أنا وأما أتكلم أنا وتسكتي أنت، فضحك السامعون من قوله.
قال: رجل لمجوسي لم لا تسلم؟ قال: حتى يشاء الله قال: قد شاء الله ولكن الشيطان لا يدعك، قال: فأنا مع أقراهما.
قال: رجل لمزيد المداني: إذا نبح الكلب عليك فأقرأ {يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} فقال: الوجه عندي أن تكون معك عصا فليس كل الكلاب يحفظ القرآن.
ركب: نحوي في سفينة فقال الملاح: هل تعرف شيئا من النحو؟ فقال: لا.
فقال: ذهب نصف عمرك: فلما اضطربت السفينة واشتدت الريح وكادت السفينة أن تغرق قال الملاح للنحوي: أتعرف السباحة؟ قال: لا، قال: ذهب جميع عمرك.
حج: خراساني من أهل السنة فلما حضر الموسم أخذ دليلا يدله على المناسك، فلما فرغ أعطاه شيئا قليلا لا يرضيه فأخذه من عنده ثم جاء به إلى ركن شديد ثم نطح الركن برأسه فقال الخراساني: ما هذا؟ قال: كان معاوية كلما أتى هذا الركن نطحه برأسه وكلما كانت النطحة أشد كان الأجر أعظم، ثم شد الخراساني على وسطه ونطحه نطحة عظيمة حتى سال الدم على وجهه وسقط مغشيا عليه، فتركه الرجل وراح عنه.
صلى: رجل صلاة الفجر وكان به سعال فقرأ سورة الحاقة إلى قوله تعالى: {وَلَمْ أَدْرِ مََا حِسََابِيَهْ} فاعتراه السعال فسعل طويلا حتى كادت روحه أن تخرج ثم قرأ بعد سعاله {يََا لَيْتَهََا كََانَتِ الْقََاضِيَةَ} فقال له بعض من خلفه وعلينا صدقة وصيام فضحك الجماعة وتفرقوا.
حكى: صاحب الأغاني قال: صلى الدلال يوما خلف إمام بمكة فقرأ {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} فقال: ما أدري والله فضحك الناس وقطعوا الصلاة.(3/66)
حكى: أن بعضهم تمنى في منزله قال: يكون عندنا لحم فنطبخه على مرق فما لبث أن جاء جاره بصحن فقال: أغرفوا لنا فيه قليلا من المرق فقال: جيراننا يشمون رائحة الأماني.
قال: شخص لآخر جئتك في حويجة. قال: أقصد بها رجيلا.
دخل: عالم إلى بلد فصلى وإلى جنبه رجل يقول لا سبحان الله: فقال له كيف هذا؟ قال أردت أن أسبح ثلاثا وثلاثين فسهوت فسبحت أربعين فأردت أن استرد الزائد.
قالت: دلالة لرجل: خطبت لك إمرأة كأنها طاقة نرجس فتزوجها فإذا هي عجوز قبيحة المنظر فقال للدلالة: كذبت وغششتني فيها قالت: والله ما كذبت وإنما شبهتها بطاقة نرجس لأن شعرها أبيض ووجهها أصفر وساقها أخضر.
خطب: الحجاج يوما فقال: ان الله أمرنا بطلب الآخرة، وكفانا أمر الدنيا فليتنا كفينا مؤنة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا، فسمعها الحسن البصري فقال: هذه ضالة المؤمن خرجت من قلب المنافق.
صلى: أعرابي مع قوم فقرأ الإمام سورة البقرة، فأطال الوقوف على الأعرابي فقطع الصلاة ومضى ثم سأل عن السورة فقيل له: البقرة ثم صلى مرة أخرى مع جماعة فشرع الإمام في قراءة سورة الفيل، فبادر إلى قطع الصلاة وولى هاربا فقيل له في ذلك فقال: ان ذلك الإمام قرأ سورة البقرة فأعياني الوقوف فكيف وهذه سورة الفيل.
حكي: أن أعرابيا ضحى يوم العيد بجمل، فذكر للناس انه ضحى بجمل ثم ذكره في مجمع آخر فقيل له: متى تذكر هذا الجمل؟ فقال الأعرابي: يا سبحان الله ان الله تعالى ذبح كبشا فدية عن نبيه إسماعيل وذكره في مواضع عديدة من القرآن فكيف لا أذكر أنا الجمل.
في الكشاف: عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمََا غَلَّ يَوْمَ الْقِيََامَةِ}
ان بعض خفاف الأعراب سرق نافجة مسك فتليت عليه هذه الآية فقال: إذا حملها طيبة الريح حقيقة الحمل.
دخل: ابن آوى بيتا ليأكل من دجاجة، فلم يجد شيئا سوى شمته فحملها ظنا منه أن بها شيئا يؤكل، فلما خرج فتشها فلم يجد فيها غير قرطاسة مكتوبة، فأخذ
القرطاسة فاستقبله جماعة من جنسه فقالوا: ما هذا؟ فقال: لكم البشارة إني مضيت إلى السلطان وأخذت منه حكما إلى الكلاب لا يؤذوننا إذا أخذنا من دجاج البلد، ففرحوا بذلك الحكم فقال: أحدهم أنا جوعان قال خذ الحكم وامض إلى حيث شئت واحمل معك دجاجة لنا، فأخذ الكاغد وأتى إلى بيت وأخذ دجاجة فصاحت الدجاجة فاحتوشته الكلاب تركض خلفه وتنهش لحمه فاستقبله خارج البلد ابن آوى الذي جاء بالحكم فصاح به أقرأ الحكم على الكلاب فقال: اين الفرصة وترى الكلاب مزقن جلدي وقراءة الحكم تريد منبرا يعلوه القارىء واجتماع الناس ودراهم تنثر على الحكم وغير ذلك.(3/67)
دخل: ابن آوى بيتا ليأكل من دجاجة، فلم يجد شيئا سوى شمته فحملها ظنا منه أن بها شيئا يؤكل، فلما خرج فتشها فلم يجد فيها غير قرطاسة مكتوبة، فأخذ
القرطاسة فاستقبله جماعة من جنسه فقالوا: ما هذا؟ فقال: لكم البشارة إني مضيت إلى السلطان وأخذت منه حكما إلى الكلاب لا يؤذوننا إذا أخذنا من دجاج البلد، ففرحوا بذلك الحكم فقال: أحدهم أنا جوعان قال خذ الحكم وامض إلى حيث شئت واحمل معك دجاجة لنا، فأخذ الكاغد وأتى إلى بيت وأخذ دجاجة فصاحت الدجاجة فاحتوشته الكلاب تركض خلفه وتنهش لحمه فاستقبله خارج البلد ابن آوى الذي جاء بالحكم فصاح به أقرأ الحكم على الكلاب فقال: اين الفرصة وترى الكلاب مزقن جلدي وقراءة الحكم تريد منبرا يعلوه القارىء واجتماع الناس ودراهم تنثر على الحكم وغير ذلك.
في الأثر: ان أبا نؤاس مر على باب مكتب فرأى صبيا حسنا فقال: تبارك الله أحسن الخالقين فقال الصبي: لمثل هذا فليعمل العاملون فقال أبو نؤاس:
نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. فقال الصبي: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. فقال أبو نؤاس:
اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى فقال الصبي:
موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى فصبر أبو نؤاس إلى يوم الجمعة فأتى الصبي فوجده يلعب بين الصبيان فقال: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا. فمشى الصبي قدامه وأبو نؤاس خلفه حتى أتيا إلى مخدع خفي فناوله دينارا في ورقة فظن الصبي انه درهم فقال ما قدروا الله حق قدره فقال أبو نؤاس: إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، فعلم الصبي انه دينار، فاستحيا أبو نؤاس أن يقول للصبي فقال: ان الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فحل الصبي سراويله. فقال: اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها فركب أبو نؤاس فأوجعه فقال الصبي: ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكان قريبا منهم شيخ يسمع كلامهم ولا يرونه فقال: فكلوا منها واطعموا البائس الفقير فقال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وطىء: رجل جاريته وأوصاها بأن لا تطلعي سيدتك على ما جرى بيننا فقالت: يا مولاي سيدتي مع فلان النداف منذ خمس سنين يجامعها ولم أخبرك فكيف أخبرها بما فعلت بي مرة واحدة.
صلى: رجل خلف إمام فقرأ الإمام في صلاته {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} قال: أما أنا فإلى منزلي وأما هؤلاء الديوثية فلا أدري إلى أين يذهبون.
سئل: نصراني عيسى أفضل أم موسى؟ فقال: ان عيسى يحيي الموتى
وموسى رأى رجلا فوكزه فقضى عليه، وعيسى تكلم في المهد صبيا وموسى بعد ثمانين سنة قال: أحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، فانظر أيهما أفضل.(3/68)
سئل: نصراني عيسى أفضل أم موسى؟ فقال: ان عيسى يحيي الموتى
وموسى رأى رجلا فوكزه فقضى عليه، وعيسى تكلم في المهد صبيا وموسى بعد ثمانين سنة قال: أحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، فانظر أيهما أفضل.
قيل: لبعض الصوفية: بع جبتك، فقال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصيد.
في كتاب: روضة الأحباب يضرب المثل في الأكل بالصوفية فيقال آكل الصوفية.
سئل: بعض العلماء عن التصوف فقال: أكلة ورقصة. وقيل فيها جماعة خسيسة همتها الرقص مع الهريسة. ولله در من قال:
أيا جيل التصوف شر جيل ... لقد جئتم بأمر مستحيل
أفي القرآن قال الله فيكم ... كلوا أكل البهائم وارقصوا لي
سأل: بعض الصوفية قاضي عضد: هل ذكر المشايخ الصوفية في القرآن قال في جنب العلماء حيث يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ}.
ولى: المنصور سليمان بن رابيل الموصل وضم إليه ألفا من العجم فقال: قد ضممت إليك ألف شيطان تذل بهم الخلق فأفسدوا في نواحي الموصل. فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان فكتب إليه: ما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا فضحك المنصور وأمده بغيرهم.
قال: الفرزدق ما استقبلني أحد بمثلما استقبلني به نبطي قال لي: أنت يا فرزدق تمدح الناس وتهجوهم وتأخذ أموالهم؟ قلت: نعم. قال: أنت في الكنيف من قدمك إلى أنفك قلت: لم تحاشيت العينين؟ قال: حتى ترى هوان نفسك فصرت مبهوتا.
قال: رجل لارسطاطاليس: أي وقت أجامع؟ قال: إذا شئت أن تضعف.
قيل لحكيم: كم ينبغي للإنسان أن يجامع؟ قال: في السنة مرة قال: فإن لم يقدر؟ قال في كل شهر مرة. قال: فإن لم يقدر؟ قال: في كل أسبوع مرة قيل فإن لم يقدر؟ قال: هي روحه أي وقت شاء أخرجها.
قيل: لأعرابي ما تقول في وطء الغلام؟ فقال: ابعد قبحك الله إني لأهرب من الخرء إذا مررت به فكيف ألج عليه في وكره.(3/69)
وطىء: رجل كلبة فعقدت عليه فافتضح الرجل فأشرف عليه رجل فقال:
عض جنبها واضربها، ففعل فأخرجته. فقال، لله درك أنت طبيب حاذق في هذا العلم.
قيل: لرجل أتحب أن يكون ايرك عظيما؟ قال: لا لأن منفعته لغيري وثقله علي.
نظر: رجل إلى متبختر فقال: أعلوي أنت أم قرشي؟ فقال: فوق ذلك إني صاحب أير عظيم قال: تبختر ثم تبختر.
قيل: لجارية: أتحسنين أن تضربين بالعود؟ قالت: لا ولكن أعرف أن أجلس على العمود.
صلى: مخنث في جماعة فضرط في الصلاة فرفع رأسه وقال: سبح لك علوي وسفلي، فضحك من في المسجد، فقرأ شيخ في المسجد: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلََّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} شعر:
جاء الشتاء وعندي من حوائجه ... سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا
كن وكيس وكانون وكأس وطلا ... بعد الكباب وكس ناعم وكسا
آخر:
إذا صح كاف الكيس فالكل حاصل ... لديك وكل الصيد في جانب الفرا
يقولون كافات الشتاء كثيرة ... وما هي إلا واحد غير مفترى
زهر الربيع: حكى لي من أثق به أن في جبال اليمن كثيرا من القردة السود الألوان، فاتفق أن رجلا كان عنده عيبة فيها قلانس ملونة حملها للتجارة بها من قرية فنزل في الطريق على رأس الجبل ونام، فلما انتبه لم ير العيبة فطار عقله ونظر إلى الشجر وإذا على كل شجرة قردة كثيرة وعلى رأس كل قرد قلنسوة وهم ينظرون إليه ويضحكون منه فتحير ولم يقدر على الاسترداد منها فبينا هو يبكي إذا رجل على حمار مر به فسأله عن سبب بكائه فحكى له ونظر إلى القردة فوق الأشجار على رؤوسها القلانس فقال له: هل بقي واحدة منها؟ قال: نعم وكانت على رأسه فأخذها الرجل وصاح بالقردة فنظرت إليه فكشف دبره ومسحه بالقلنسوة وألقى القلنسوة إلى الأرض يوهمها أنها وضعت لذلك الفعل الخسيس، فلما رأت القردة هذا رمت كل منها قلنسوتها فجمعها الرجل ومضى.(3/70)
ومن غريب المنقول: ما حكى اسحق النديم عن أبيه قال: استأذنت الرشيد أن يهب لي يوما أكون مع جواري، فاذن لي في يوم السبت فاقمت في منزلي وأمرت بوابي باغلاق الباب وأن لا يأذن لأحد، فبينما أنا في مجلسي والحرم قد حففن بي إذا أنا بشيخ عليه هيبة وجمال وعلى رأسه قلنسوة وبيده عكاز مقمع بفضة وروائح الطيب تفوح منه، فدخلني من دخوله أمر عظيم مع ما قدمت إلى البواب فسلم علي بأحسن سلام وجلس وأخذ في حديث الناس وأيام العرب وأشعارها حتى سكن ما بي، فظننت أن غلماني أدخلوه علي للمسرة بأدبه فعرضت عليه الطعام فأبى وقلت له في الشراب فقال ذلك إليك، فشربت رطلا وسقيته مثله فقال: يا أبا إسحق هل لك أن تغني فنسمع منك ما قد فقت به على الخاص والعام، فغاظني منه ذلك وأخذت العود وغنيت فقال: أحسنت يا أبا إبراهيم، ثم قال: زدنا فنكافيك فأخذت العود وغنيت، فقال: أحسنت يا سيدي أتأذن لعبدك في الغناء؟ فقلت: نعم، واستضعفت عقله كيف يغني بحضرتي بعد ما سمعه مني، فأخذ العود وحبسه فوالله لقد خلته ينطق بلسان واندفع يغني:
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح
أباها على الناس أن يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
قال: إبراهيم: فظننت أن الحيطان والأبواب وكل ما في البيت يجيبه وبقيت مبهوتا لا استطيع الكلام ولا الحركة ثم غنى: «ألا يا حمات اللرى» الأبيات، ثم قال: يا أبا إبراهيم خذ هذا الغناء وانح نحوه في غنائك وعلمه جواريك، ثم غاب عني فقمت وعدوت نحو البواب وقلت للجواري: أي شيء سمعتن؟ فقلن: سمعنا أحسن غناء فخرجت إلى الباب فوجدته مغلقا فسألت البواب عن الشيخ فقال:
فو الله ما دخل إليك اليوم أحد من الناس، فرجعت متأملا فإذا به قد هتف من جانب الدار: لا بأس عليك أنا إبليس وقد اخترت منادمتك في هذا اليوم فركبت إلى الرشيد واتحفته بهذه التحفة فقال: اعتبر الأصوات فأخذتها فإذا هي راسخة في صدري فطرب الرشيد فأمر لي بصلة فقال: ليته امتعنا يوما واحدا كما أمتعك.
خرج: الرشيد إلى بعض الرساتيق فتظلمت إليه إمرأة من جنده فقال: أما تقرأين كتاب الله: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذََا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهََا} فقالت: يا أمير المؤمنين إنما قرأت: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خََاوِيَةً بِمََا ظَلَمُوا} قال: صدقت فأمر بإخراج العسكر من تلك الناحية.
مس: عبد ساق مولاه فقال: ما تفعل يا غلام؟ فقال: يا مولاي أعذرني فإني زعمتك مولاتي.
ومن الكتاب المذكور: حدثني من أثق به أن تاجرا سافر إلى الهند وقال:(3/71)
مس: عبد ساق مولاه فقال: ما تفعل يا غلام؟ فقال: يا مولاي أعذرني فإني زعمتك مولاتي.
ومن الكتاب المذكور: حدثني من أثق به أن تاجرا سافر إلى الهند وقال:
كنت في بعض منازلها قريب قرية نزلت في مكان حسن وكنت أشرب الخمر، فبينما أنا في شرابي إذا بقرد مقبل فجلس أمامي فوضعت له شرابا في قدح وقربته إليه فشرب منه ثم مضى، فلم يلبث إلا قليلا حتى أتى وفي فمه دينار أحمر من دنانير الهند يطابق الواحد أربعة من الدنانير المعروفة، ثم سقيته مرة أخرى فأتاني بدينار آخر وهكذا إلى ما يقرب من السبعين مرة، فقلت في نفسي أتبع القرد وأنظر أين كنزه فتبعته وإذا هو يخرج الدنانير من بطن شجرة مجوفة فخليته حتى سكرنا ونام فمضيت إلى تلك الشجرة وأخذت الدنانير كلها وكانت مالا عظيما فجمعت أثقالي وحملتها ودخلت القرية وأخذت حجرة في بعض المنازل وحفرت حفيرة لذلك المال ووضعته فيها، فلما أصبحنا وإذا بالآلاف من القرود في فم كل واحد قبضة من الحشيش اليابس وفي فم بعضها مقباس من النار قد دخلت تلك فصعدت سطوح بيوتها لتوقد بها النيران فتحرقها، فاجتمع إليها أهل القرية وقالوا: من آذى هذه القردة فما وجدوا أحدا، وفهموا بالإشارة منها أن رجلا أخذ منها دنانير عريضة مسكوكة فأكثروا الفحص فرأوا الدنانير مدفونة فأتوا بها إليها وكوموها عندها، فتقدم ذلك القرد وعد منها ما أعطاه الرجل أولا مما يقرب من السبعين وأخذوا الباقي بأفواهها فمضوا عن القرية.
يقول جامع هذا الكشكول وناظم هذه النقول: حكى لي أيضا بعض الأجلاء الثقات ممن يتكرر سفره إلى بلاد الهند انه وقع ذات يوم بين رجل شيعي وآخر سني منازعة في أفضلية علي عليه السّلام على أبي بكر وبالعكس، وكان بالاتفاق هناك قرد مربوط بقربهما فاتفقا إلى المحاكمة إليه وكتبا رقعة فيها اسم علي بن أبي طالب عليه السّلام ورقعة أخرى فيها اسم أبي بكر بن أبي قحافة ووضعاها بين يدي القرد، فعمد القرد إلى واحدة منهما ووضعها على رأسه والثانية جعلها تحت رجله، فلما أخذوا التي على رأسه إذا هي التي فيها اسم علي عليه السّلام.
دخل: لص على بعض الفقراء ففتش البيت فلم يجد شيئا، فلما أراد أن يخرج قال صاحب البيت: إذا خرجت اربط الباب، قال اللص: من كثرة ما أخذت من بيتك تستخدمني.
قال الشيخ: صاحب تحفة الألباب دخلت على باشر قود، فرأيت قبور قوم عاد ورأيت سن أحدهم أربعة أشبار وعرضه شبران، وكان دور فك ذلك العادي سبعة عشر ذراعا وطول عظم عضد أحدهم ثمانية أذرع وعرض أضلاعهم كل ضلع
ثلاثة أشبار كاللوح الرخم، ولقد رأيت في بلغان سنة 530من نسل قوم عاد رجلا أكثر من سبعة وعشرين ذراعا كان يسمى (دنفي) وكان يأخذ الفرس تحت ابطه كما يأخذ الولد الصغير، وكان من قوته أن يكسر ساق الفرس ويقطع جلده وأعضاءه كما يقطع باقة البقل، وكان صاحب بلغان اتخذ له بيضة لرأسه كأنها جبل، وكان يأخذ في يده شجرة من البلوط كالعصى لو يضرب بها الفيل لقتله، وكان حبرا متواضعا، وكان إذا لقيني يسلم علي ويرحب بي ويكرمني، وكان رأسي لا يصل إلى ركبته ولم يكن في بلغان حمام يمكنه دخوله، وكانت له أخت على طوله ورأيتها مرات وقال لي قاضي بلغان يعقوب بن النعمان: إن هذه المرأة العادية قتلت زوجها وإنه كان اسمه (دمكان) وهو من أقوى أهل بلغان، وأنها ضمته اليها فكسرت أضلاعه.(3/72)
قال الشيخ: صاحب تحفة الألباب دخلت على باشر قود، فرأيت قبور قوم عاد ورأيت سن أحدهم أربعة أشبار وعرضه شبران، وكان دور فك ذلك العادي سبعة عشر ذراعا وطول عظم عضد أحدهم ثمانية أذرع وعرض أضلاعهم كل ضلع
ثلاثة أشبار كاللوح الرخم، ولقد رأيت في بلغان سنة 530من نسل قوم عاد رجلا أكثر من سبعة وعشرين ذراعا كان يسمى (دنفي) وكان يأخذ الفرس تحت ابطه كما يأخذ الولد الصغير، وكان من قوته أن يكسر ساق الفرس ويقطع جلده وأعضاءه كما يقطع باقة البقل، وكان صاحب بلغان اتخذ له بيضة لرأسه كأنها جبل، وكان يأخذ في يده شجرة من البلوط كالعصى لو يضرب بها الفيل لقتله، وكان حبرا متواضعا، وكان إذا لقيني يسلم علي ويرحب بي ويكرمني، وكان رأسي لا يصل إلى ركبته ولم يكن في بلغان حمام يمكنه دخوله، وكانت له أخت على طوله ورأيتها مرات وقال لي قاضي بلغان يعقوب بن النعمان: إن هذه المرأة العادية قتلت زوجها وإنه كان اسمه (دمكان) وهو من أقوى أهل بلغان، وأنها ضمته اليها فكسرت أضلاعه.
وروي: عن وهب بن منبه في عوج بن عنق انه كان من أحسن الناس وأجملهم إلا انه كان لا يوصف طوله. قيل: إنه كان يخوض في الطوفان فلم يبلغ ركبتيه مع أن الطوفان كان على رأس الجبال أربعين ذراعا، وكان يتخطى بحور المدينة كما يتخطى أحدكم الجدول الصغير، وعمره الله تعالى دهرا طويلا حتى أدرك موسى عليه السّلام وكان جبارا يسير في الأرض برا وبحرا ويفسد ما يشاء ويقال:
إنه لما حصل بنو إسرائيل في التيه ذهب وأتى بقطعة من الجبل على قدرهم واحتملها على رأسه فانتقب وسطها وانخرقت في عنقه، فأخبر الله تعالى بذلك موسى عليه السّلام فخرج إليه وضربه بعصاه فقتله. ويقال: ان موسى عليه السّلام كان طوله عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع وفر في الهوى عشرة أذرع فلم يصل عرقوبه {فَتَبََارَكَ اللََّهُ أَحْسَنُ الْخََالِقِينَ}.
وأما أمه: عنق بنت آدم كانت مفردة بغير توأم، وكانت مشوهة الخلق لها يدان في كل يد عشرة أصابع ولكل أصبع ظفران كالمنجلين.
وعن: علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: أول من بقي في الأرض وجاهر بالمعاصي واستخدم الشياطين وصرفهم في وجوه السحر عنق أم عوج، وكان قد أنزل الله على آدم أسماء عظيمة تطيعها الشياطين وأمره أن يدفعها إلى حواء لتحرس بها، فأغفلتها عنق وسرقتها واستخدمت بها الشياطين وتكلمت بشيء من الكهانة، فدعا عليها آدم عليه السّلام وأمنت على ذلك حواء فأرسل الله إليها أسدا أعظم من الفيل فتهجم عليها وقتلها وذلك بعد ولادتها عوج بسنين.
عن بعض الحكماء: قال: حججت فبينما أنا أطوف إذا أنا بأعرابي متوشح بجلد غزال وهو يقول:(3/73)
أما تستحي يا رب كيف خلقتني ... أناجيك عريانا وأنت كريم
قال: وحججت في العام القابل فرأيت الأعرابي عليه ثياب وله حشم وغلمان فقلت له: أنت الذي رأيتك في العام الماضي؟ قال: نعم خدعت كريما فانخدع.
وعن الأصمعي، قال: رأيت في الموقف أعرابيا قد رفع يده إلى السماء وهو يقول:
أما تستحي يا خالق الناس كلهم ... أناجيك عريانا وأنت كريم
أترزق أولاد اللئام كما ترى ... وتترك شيخا من سراة تميم
فقلت له: ما هذه المناجاة؟ فقال: إليك عني إني أعرف من أناجيه الكريم إذا هززته اهتز، فرأيته بعد أيام عليه ثياب حسنة فقال لي: ألست ترى الكريم كيف أعتب.
شعر:
قلت لنحوي وفي بطنه ... قرقرة ما هذه القرقرة
فقال يا جاهل في نحونا ... هذي تسمى الضرطة المضمرة
حكي: أن رجلا كان يطأ الغلمان فقالت له زوجته: عندي ما عندهم قال:
نعم ولكن له جار سوء.
ركب: الفرزدق بغلة فضرطت فضحكت منه امرأته فالتفت إليها وقال: ما يضحكك فو الله ما حملتني أنثى إلا وضرطت. فقالت له المرأة قد حملتك أمك تسعة أشهر فالويل للناس من كثرة ضراطها.
قرأ: بعض المغفلين (في بيوت أذن الله أن ترفع) بالرفع، فقال له شخص:
إنما هو بالجر، فقال: يا جاهل إذا كان الله يقول: (في بيوت أذن الله أن ترفع) تجرها أنت لماذا؟
سأل: رجل مغفل رجلا فاضلا فقال: كيف تنسب إلى اللغة؟ فقال اللغوي فقال: أخطأت في ضم اللام. إنما الصحيح ما جاء في القرآن. {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}.
دخل: بعض الفساق بأمرد إلى بيته وكان بينهما ما كان بينهما، فلما خرج الأمرد ادعى انه هو الفاعل، فقيل له في ذلك الوقت فقال: فسدت الأمانات وحرم اللواط إلا بشاهدين.(3/74)
اعترض: رجل المأمون فقال: أنا رجل من العرب. قال: ليس تعجب قال:
وإني أريد الحج. قال: الطريق أمامك نهج قال: ليس لي نفقة. قال: سقط الغرض عنك قال: إني جئتك مستعطيا لا مستفتيا فضحك وأمر له بصلة.
خرجت: إمرأة فاسقة في جوف الليل فلقيها إنسان فقال: اتخرجين في هذا الوقت؟ قالت: ولا أبالي إن لقيني شيطان فأنا في طاعته وإن لقيني رجل فأنا في طلبته.
دخل: أبو يونس فقيه مصر على بعض الخلفاء فقال له: ما تقول في رجل اشترى شاة فضرطت فوثبت من استها بعرة فقتلت رجلا؟ فقال هذا ضامن لأنه باع شاة في استها منجنيق فلم يبره من العهدة.
في خبر: ان رجلا من أهل مصر دفع إلى فرعون عنقود عنب ليصيره له جواهر كبارا، فأخذه وأغلق عليه باب الحجرة وبقي متفكرا فأتى إليه الشيطان وقرع عليه الباب فقال فرعون من بالباب؟ فقال إبليس ضرطتي بلحية رب لا يعرف من بالباب، فدخل عليه والعنقود في يده وهو متفكر فأخذ العنقود وقرأ عليه اسما من الأسماء فانقلب جواهر فقال يا فرعون عليك بالإنصاف أنا في هذا العلم والفضل طردوني وأخرجوني من سلك العبيد وأنت بهذه لحاقة والجهالة تقول أنا ربكم الأعلى ثم خرج عنه.
راود: بعض الأعراب امرأة عن نفسها، فلما قعد منها مقعد الرجل ذكر معاده فاستعصم وقام عنها وقال: من باع جنة عرضها السماوات والأرض بمقدار فتر بين رجليك لقليل المعرفة بالمساحة.
قصة الإسرائيلية وما جرى لها من المحن
كتاب أخبار بني إسرائيل: حكي انه كان رجل من الأكابر تاجرا متدينا ذا ثروة وحشمة فمرض مرضا شديدا فدعى ولده وقال: القبر بيت لا بد من دخوله وقد سمعت من الأحبار أن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا بالعيش اليسير ومن نسي الموت لم يرض بالكثير ومن نظر إلى قصر عمره زهد في الدنيا الفانية، وأنا أظن أن مماتي قد دنا وأيامي قد انقضت وما بقي إلا لقاء ربي عز وجل، وقد تركت مئتي ألف دينار من النقد وعشرة عبيد وعشر جوار عدا الآثار والعقار والبساتين وغير ذلك، وما من أحد ينازعك عليها ولا يساققك فيها غير أختك وقد علمت أنها زاهدة غير راغبة في الدنيا ولا طامعة في حطامها وأنها قد أخلصت
أعمالها لله تعالى، فلا نقطع نصيبها من ميراثها الذي فرضه الله لها وليكن نصيبها في يدك ولا تتصرف فيه فإذا طلبت منك شيئا تدفع إليها ما تطلبه، فإذا وصل إليها حقها فأنت آمن من حسابها، فقال له ولده السمع والطاعة في كل ما أوصيتني.(3/75)
كتاب أخبار بني إسرائيل: حكي انه كان رجل من الأكابر تاجرا متدينا ذا ثروة وحشمة فمرض مرضا شديدا فدعى ولده وقال: القبر بيت لا بد من دخوله وقد سمعت من الأحبار أن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا بالعيش اليسير ومن نسي الموت لم يرض بالكثير ومن نظر إلى قصر عمره زهد في الدنيا الفانية، وأنا أظن أن مماتي قد دنا وأيامي قد انقضت وما بقي إلا لقاء ربي عز وجل، وقد تركت مئتي ألف دينار من النقد وعشرة عبيد وعشر جوار عدا الآثار والعقار والبساتين وغير ذلك، وما من أحد ينازعك عليها ولا يساققك فيها غير أختك وقد علمت أنها زاهدة غير راغبة في الدنيا ولا طامعة في حطامها وأنها قد أخلصت
أعمالها لله تعالى، فلا نقطع نصيبها من ميراثها الذي فرضه الله لها وليكن نصيبها في يدك ولا تتصرف فيه فإذا طلبت منك شيئا تدفع إليها ما تطلبه، فإذا وصل إليها حقها فأنت آمن من حسابها، فقال له ولده السمع والطاعة في كل ما أوصيتني.
ثم مات التاجر إلى رحمة الله فقضى إبنه عزاء أربعين يوما على ما جرت به العادة، فلما كان بعد ذلك أشاروا عليه التجار أن يقعد مكان أبيه فجلس يبيع ويشتري وأخته الزاهدة مقبلة على العبادة لربها تصوم نهارها وتقوم الليل، فدخل عليها أخوها يوما وهي تنشد أبياتا.
ألا يا ايها المغرور مهلا ... لقد أوقفت في حفر العناء
علام تدوم في أمل وحرص ... وأنت تعوم في بحر الخطاء
وتمشي في عزي وغوى وتمشي ... بملء البطن في وشي الملاء
أما آن الرجوع إلى رشاد ... ترى ببقائه خير البقاء
أفق من رقده الغفلات وانهض ... وناج لمن يجيبك في الدعاء
فتقدم إليها أخوها وحياها تحية لطيفة وجلس عندها ساعة ثم مضى إلى دكانه فبينما هو ذات يوم جالس في الدكان إذا بعجوز قد أقبلت وهي تشق السوق وبيدها سبحة وبيدها الأخرى عصا تتوكأ عليها، ولم تزل تمشي حتى وصلت إليه ثم نظرت إليه طويلا وقالت: ألست ابن فلان التاجر؟ قال: بلى، فجلست عنده واستعرضت ما عنده من القماش وهي تقلبه وصلة وصلة وتطيل إليه النظر، ثم قالت: أنت متزوج أم أعزب؟ قال: بل أعزب. فقالت: كيف تقضي عمرك وتنام وحدك مع ما عندك من المال الجزيل فلا خير في المال بلا زوجة تسر قلبك فقال: قد آليت على نفسي ألا أتزوج إلا بمن أراها وأنظر إليها بعيني فقالت: ما تقول ان فعلت لك ذلك؟ قال: إن أعجبتني أتزوج بها وإلا فلا. فقالت له: قم حتى أريك فخير البر عاجله، فأوصى غلمانه بالدكان وذهب خلف العجوز حتى أتت إلى باب ودخلت فيه وهو خلفها حتى انتهت إلى مكان مظلم فقالت له: اعلم أن الظن إذا لم يصب يورث التهمة وإذا حصلت فضحت، فدعني أشد عينيك بهذا المنديل حتى لا ينكر أحد علينا، فإذا رأوك ظنوا أني قد أتيت بك لأداوي عينيك فإني معودة أداوي أعين الناس لوجه الله تعالى، فشدت على عينيه وجعلت تقوده كالأعمى حتى أتت به إلى باب كبير بمصراعين من خشب الآبنوس فطرقت الباب فخرج خادم وفتح الباب فدخلت العجوز قدام الشاب من دهليز حتى أدخلته إلى قصر فيه بستان وفي ذلك البستان بركة لطيفة وإلى جانب البركة سرير من العرعر
مرصع بأنواع الدرر والجواهر على أربع قوائم من عظم الفيل، فأمرته بالجلوس وفتحت عينيه فتعجب من زينة القصر ونظافته ورآها دارا من دور الملوك والأكابر فجلس متفكرا فإذا بالعجوز قد صفقت بيديها فخرج من القصر عشر جوار كأنهن الأقمار وبينهن جارية كأنها الشمس الضاحية في السماء الصاحية، فلما رآها التاجر غاب عن الوجود وافتتن بها ووقع مغشيا عليه، فلما أفاق رفع رأسه وسلم عليها فردت عليه السلام وجلست إلى جنبه وبقيت تمازحه وتلاعبه، فخرس عن الكلام مما أصابه من الدهش والهيام وعلمت ما عنده من الوجد والغرام فقالت: العجوز:(3/76)
ألا يا ايها المغرور مهلا ... لقد أوقفت في حفر العناء
علام تدوم في أمل وحرص ... وأنت تعوم في بحر الخطاء
وتمشي في عزي وغوى وتمشي ... بملء البطن في وشي الملاء
أما آن الرجوع إلى رشاد ... ترى ببقائه خير البقاء
أفق من رقده الغفلات وانهض ... وناج لمن يجيبك في الدعاء
فتقدم إليها أخوها وحياها تحية لطيفة وجلس عندها ساعة ثم مضى إلى دكانه فبينما هو ذات يوم جالس في الدكان إذا بعجوز قد أقبلت وهي تشق السوق وبيدها سبحة وبيدها الأخرى عصا تتوكأ عليها، ولم تزل تمشي حتى وصلت إليه ثم نظرت إليه طويلا وقالت: ألست ابن فلان التاجر؟ قال: بلى، فجلست عنده واستعرضت ما عنده من القماش وهي تقلبه وصلة وصلة وتطيل إليه النظر، ثم قالت: أنت متزوج أم أعزب؟ قال: بل أعزب. فقالت: كيف تقضي عمرك وتنام وحدك مع ما عندك من المال الجزيل فلا خير في المال بلا زوجة تسر قلبك فقال: قد آليت على نفسي ألا أتزوج إلا بمن أراها وأنظر إليها بعيني فقالت: ما تقول ان فعلت لك ذلك؟ قال: إن أعجبتني أتزوج بها وإلا فلا. فقالت له: قم حتى أريك فخير البر عاجله، فأوصى غلمانه بالدكان وذهب خلف العجوز حتى أتت إلى باب ودخلت فيه وهو خلفها حتى انتهت إلى مكان مظلم فقالت له: اعلم أن الظن إذا لم يصب يورث التهمة وإذا حصلت فضحت، فدعني أشد عينيك بهذا المنديل حتى لا ينكر أحد علينا، فإذا رأوك ظنوا أني قد أتيت بك لأداوي عينيك فإني معودة أداوي أعين الناس لوجه الله تعالى، فشدت على عينيه وجعلت تقوده كالأعمى حتى أتت به إلى باب كبير بمصراعين من خشب الآبنوس فطرقت الباب فخرج خادم وفتح الباب فدخلت العجوز قدام الشاب من دهليز حتى أدخلته إلى قصر فيه بستان وفي ذلك البستان بركة لطيفة وإلى جانب البركة سرير من العرعر
مرصع بأنواع الدرر والجواهر على أربع قوائم من عظم الفيل، فأمرته بالجلوس وفتحت عينيه فتعجب من زينة القصر ونظافته ورآها دارا من دور الملوك والأكابر فجلس متفكرا فإذا بالعجوز قد صفقت بيديها فخرج من القصر عشر جوار كأنهن الأقمار وبينهن جارية كأنها الشمس الضاحية في السماء الصاحية، فلما رآها التاجر غاب عن الوجود وافتتن بها ووقع مغشيا عليه، فلما أفاق رفع رأسه وسلم عليها فردت عليه السلام وجلست إلى جنبه وبقيت تمازحه وتلاعبه، فخرس عن الكلام مما أصابه من الدهش والهيام وعلمت ما عنده من الوجد والغرام فقالت: العجوز:
ما تقول يا غلام في هذه الصبية التي تخجل البدر التمام وما هي إلا فوق رضاك ومناك؟ فانهض وأحضر القاضي ليوقع لك عقد النكاح. فقال: ما أنا بحال ممن أساوره وأشرفه على حالي. فقالت: وأي وقت يكون الميعاد؟ فقال: لها غداة غد إن شاء الله أمالي، فأخرجت العجوز المنديل وعصبت عينيه وأخذت بيده تقوده حتى أخرجته إلى طريق لا يدري أين هو، ثم مضى إلى دكانه وخاطره مشغول بتلك الصبية فجلس ساعة في دكانه ثم أغلقه ومضى إلى داره ودخل على أخته وحكى لها ما جرى له مع العجوز، ثم قال يا أختاه ما عندك من الرأي؟ فقالت يا أخي تخير لنفسك ما تريد ولكن لا تزرع تبرك إلا في أرض زكية ولا يغرنك الحسن والجمال حتى تختبر الأصل والأدب والكمال فقال: يا أختاه ان هذه المرأة التي خطبتها لا يخفى عليك من بنات الملوك، فقالت: يا أخي ان رضي قلبك بذلك فبارك الله لك فيها، ولكن غرضي منك أن لا تخبرها بأن لك أختا، فإذا دخلتها في دار أبيك انقلني إلى دار أخرى وأشرج الباب ما بيننا حتى لا تعلم بي لانها ان علمت بي وجب علي أن اتراود إليها فاعتزل أنت وزوجتك عني حتى أشتغل بعبادة ربي وأدعو لك في خلواتي، فبالله عليك لا تشغلني بأشغال الدنيا وأهلها فاغتاظ أخوها من قولها ثم طردها من دار إلى دار أخرى وسد الباب بينهما وكانت له جارية كبيرة من جواري أبيه يقال لها صالحة، وكانت صالحة كاسمها فقال لها: انفردي مع أختي واقضي لها أشغالها وقد جعلت لكما من القوت ما يكفيكما مدة من الزمن، فإذا نفد فلكما غبره.
ثم بات في داره إلى الصباح وقلبه متعلق بالصبية، فلما أصبح إلى الدكان وجلس فإذا بالعجوز قد أقبلت وسلمت عليه فقام إليها وأكرمها ورحب بها فقالت له: أشاورت؟ قال: نعم وأنا في انتظارك، ثم أوصى غلمانه بالدكان ونهض لدار العجوز وتبعها وهي تمشي بين يديه حتى أتت به إلى ذلك القصر وأدخلته وأجلسته على السرير، ثم صفقت بيديها وإذا قد طلع من القصر خادمان أحدهما أكبر فقالت
للأكبر يا كافور اذهب واتنا بالقاضي والشهود، فأقبلت العجوز وقالت أيها القاضي ان هذا التاجر يخطب صاحبة هذه الدار فاكتب لهما كتاب النكاح فقال بسم الله ولكن أحضريها لأسمع اقرارها، فنهضت العجوز وتكلمت بكلام لطيف لين، فإذا قد خرج عشر جوار وتلك الصبية معهن وهي متنقبة بازارها وهي كأنها القمر فجلست مع جواريها على منصبة في ذلك القصر، فأشار القاضي إليها وقال: ما اسمك؟ فقالت: اسمي قوت القلوب. فقال القاضي: لقد تسميت باسم أنت أحق به. ثم قال: اترضين أن أزوجك بهذا الشاب؟ فقالت: نعم على خيرة الله تعالى، فخطب القاضي خطبة النكاح فلما فرغ خلعت العجوز على القاضي خلعة سنية ودفعت إليه خمسين دينارا، فخرج القاضي ومضى لسبيله والتاجر بقي يومه معها، فلما كان الليل دخل عليها فوجدها بكرا عذراء، فاستسر بها سرورا عظيما وبقي معها في القصر سبعة أيام. فلما كان اليوم الثامن قال لها: عن اذنك أن انتقل إلى داري. فقالت: كأنك ما يعجبك هذا القصر قال: بلى ولكن حب الوطن من الإيمان ولي كثير من الغلمان والجواري فلا بد من تعاهدها. فقالت: حبا وكرامة وخرج التاجر إلى داره وأمر العبيد والغلمان والخدم أن ينقلوا الأثاث من دار زوجته إلى داره وأمر الجواري بكنس الدار، فكنسوها ورشوها وعطروها بماء الورد والبخور وانتقلت قوت القلوب بمالها وجواريها وعبيدها إليه وطاب المقام.(3/77)
ثم بات في داره إلى الصباح وقلبه متعلق بالصبية، فلما أصبح إلى الدكان وجلس فإذا بالعجوز قد أقبلت وسلمت عليه فقام إليها وأكرمها ورحب بها فقالت له: أشاورت؟ قال: نعم وأنا في انتظارك، ثم أوصى غلمانه بالدكان ونهض لدار العجوز وتبعها وهي تمشي بين يديه حتى أتت به إلى ذلك القصر وأدخلته وأجلسته على السرير، ثم صفقت بيديها وإذا قد طلع من القصر خادمان أحدهما أكبر فقالت
للأكبر يا كافور اذهب واتنا بالقاضي والشهود، فأقبلت العجوز وقالت أيها القاضي ان هذا التاجر يخطب صاحبة هذه الدار فاكتب لهما كتاب النكاح فقال بسم الله ولكن أحضريها لأسمع اقرارها، فنهضت العجوز وتكلمت بكلام لطيف لين، فإذا قد خرج عشر جوار وتلك الصبية معهن وهي متنقبة بازارها وهي كأنها القمر فجلست مع جواريها على منصبة في ذلك القصر، فأشار القاضي إليها وقال: ما اسمك؟ فقالت: اسمي قوت القلوب. فقال القاضي: لقد تسميت باسم أنت أحق به. ثم قال: اترضين أن أزوجك بهذا الشاب؟ فقالت: نعم على خيرة الله تعالى، فخطب القاضي خطبة النكاح فلما فرغ خلعت العجوز على القاضي خلعة سنية ودفعت إليه خمسين دينارا، فخرج القاضي ومضى لسبيله والتاجر بقي يومه معها، فلما كان الليل دخل عليها فوجدها بكرا عذراء، فاستسر بها سرورا عظيما وبقي معها في القصر سبعة أيام. فلما كان اليوم الثامن قال لها: عن اذنك أن انتقل إلى داري. فقالت: كأنك ما يعجبك هذا القصر قال: بلى ولكن حب الوطن من الإيمان ولي كثير من الغلمان والجواري فلا بد من تعاهدها. فقالت: حبا وكرامة وخرج التاجر إلى داره وأمر العبيد والغلمان والخدم أن ينقلوا الأثاث من دار زوجته إلى داره وأمر الجواري بكنس الدار، فكنسوها ورشوها وعطروها بماء الورد والبخور وانتقلت قوت القلوب بمالها وجواريها وعبيدها إليه وطاب المقام.
ولا زالت على ذلك مدة من الزمان حتى أحست بالحمل فأخبرت بعلها ففرح فرحا شديدا وتصدق على الفقراء والمساكين وتصدقت هي أيضا وكست الفقراء والمساكين حتى انقضت لها تسعة أشهر وأحست بالوضع فوضعت غلاما كالقمر، فاستسر التاجر سرورا عظيما وعمل وليمة وأحضر فيها جميع التجار والأكابر، ثم جعل لولده ثلاث جوار إحداهن من العرب والأخرى من الفرس والأخرى من الترك وأمرهن أن يرضعن ولده وأن يربينه ويعلمنه لغاتهن هذا وزوجته لا تعلم أن له أختا حتى صار عمر الولد سنتين، فبينما هي آخذة ولدها على كتفها تدور به حول الدار إذ اجتازت على بستان هناك فوجدت في حائط البستان بابا مسدودا بالطين فقالت لجواريها: ما هذا الباب؟ فقلن: لا نعلم. فسألت جواري زوجها فسكتن ولم يردن عليها جوابا لأن سيدهن قد أوصاهن بكتمان ذلك فقالت: يا فاجرات لم لا تخبرنني بخبر هذا الباب؟ فقلن: لها: إن سيدنا قد أمرنا بكتمان ذلك، فغضبت من كلامهن وقالت: أظن أن لسيدكن زوجة غيري ولم يخبرني بها، فإن كان ذلك فسوف أقتلها شرّ قتلة، فقالت: الجواري ليس كما تزعمين لكن في هذه الدار أخت سيدنا وهي مشتغلة بعبادة ربها زاهدة في الدنيا. فقالت: وليكن
لسيدكن أخت فلم لا تعرفنني بها ولا عرفتني بنفسها ولا فرحت بي ولا بولدي لحسدها لي والبغض لي، فلا بد أن أهلكها. ثم قالت: ومن أين المصرف لها؟(3/78)
ولا زالت على ذلك مدة من الزمان حتى أحست بالحمل فأخبرت بعلها ففرح فرحا شديدا وتصدق على الفقراء والمساكين وتصدقت هي أيضا وكست الفقراء والمساكين حتى انقضت لها تسعة أشهر وأحست بالوضع فوضعت غلاما كالقمر، فاستسر التاجر سرورا عظيما وعمل وليمة وأحضر فيها جميع التجار والأكابر، ثم جعل لولده ثلاث جوار إحداهن من العرب والأخرى من الفرس والأخرى من الترك وأمرهن أن يرضعن ولده وأن يربينه ويعلمنه لغاتهن هذا وزوجته لا تعلم أن له أختا حتى صار عمر الولد سنتين، فبينما هي آخذة ولدها على كتفها تدور به حول الدار إذ اجتازت على بستان هناك فوجدت في حائط البستان بابا مسدودا بالطين فقالت لجواريها: ما هذا الباب؟ فقلن: لا نعلم. فسألت جواري زوجها فسكتن ولم يردن عليها جوابا لأن سيدهن قد أوصاهن بكتمان ذلك فقالت: يا فاجرات لم لا تخبرنني بخبر هذا الباب؟ فقلن: لها: إن سيدنا قد أمرنا بكتمان ذلك، فغضبت من كلامهن وقالت: أظن أن لسيدكن زوجة غيري ولم يخبرني بها، فإن كان ذلك فسوف أقتلها شرّ قتلة، فقالت: الجواري ليس كما تزعمين لكن في هذه الدار أخت سيدنا وهي مشتغلة بعبادة ربها زاهدة في الدنيا. فقالت: وليكن
لسيدكن أخت فلم لا تعرفنني بها ولا عرفتني بنفسها ولا فرحت بي ولا بولدي لحسدها لي والبغض لي، فلا بد أن أهلكها. ثم قالت: ومن أين المصرف لها؟
فقلن: من سطح هذه الدار، فسكتت وصبرت إلى الليل ولم يتخلف عندها إلا جارية سرها فقالت: إني أريد أن أهلك هذه المرأة، ثم جاءت إلى ابنها وقد خرج الإيمان من قلبها فذبحت ولدها وعزلت رأسه ولطخت بالدم ثوبه وقميصه ثم خرجت إلى السطح وجاريتها معها، فنزلت من الجدار على الزاهدة فوجدتها نائمة على فراشها فوضعت السكين تحت رأسها وألقت رأس ولدها وهو ملفوف بذلك القميص عند رأسها ولطخت جدران الزاهدة بالدم وعادت إلى مكانها وأمرت الجارية أن تكتم ذلك، فلما دخلت بيتها ندمت على قتل ولدها.
فلما أصبحت دخل زوجها عليها وقال: أين ولدي؟ فقالت: في مهده فجاء إليه فوجده جثة بلا رأس فصرخ صرخة عظيمة وقال: من فعل بولدي هذا الفعل؟
فلما سمعت صرخت ولطمت وصاحت وقالت: أيّتها الجواري من قتل ولدي؟
فقلن: لا نعلم، فخرج التاجر معها يقفيان أثر الدم إلى سطح فقالت: ما قتل ولدي إلا أختك لحسدها وبغضها لي، فمضيا إلى بيتها فنظر أخوها فوجد رأس ولده ملفوفا بثوب ملطخ بالدم ثم رفع جانب وسادتها فرأى السكين تحت الوسادة وهي ملطخة بالدم، فصرخت وقالت: هذه قتلت ولدي. فقال: ويلك إنها أختي لأبي وأمي وهي الزاهدة فكيف تقتل ولد أخيها وهذا لا يكون أبدا. فقالت: والله ما قتل ولدي غيرها، فغضب التاجر وتقدم إلى أخته وسألها عن ذلك فلم تتكلم، فاغتاظ عليها وجذب سيفا كان بيده وضربها فجاءت الضربة بيدها فقطعها ثم قطع رجليها وتركها مخضبة بدمها وتوهم أنها قد ماتت، فأمر أن يلفوها في عباءة ثم دفن ولده وصبر إلى الليل، فأمر بعض العبيد وألقاها في النهر.
وكان ذلك النهر ينفذ إلى بستان وكان صاحب البستان في تلك الليلة يسقي بستانه فقل عليه الماء، فمضى إلى آخر البستان فنظر إلى الماء فوجده أحمر ورأى عباءة ملفوفة في فم ذلك النهر وقد منعت الماء عن الجريان، فلمسه فإذا هو ثقيل فحمله إلى تحت شجرة ثم أضرم نارا وعلق مصباحا ونظر إلى العباءة وفتحها فوجد فيها الزاهدة مقطوعة اليدين والرجلين وهي تسطع بالنور، فحط يده على صدرها فرآها تتنفس، فأتى بماء ورد ورش على وجهها فأفاقت من غشوتها وفتحت عينها وقالت: لا إله إلا الله محي العظام وهي رميم، فتعجب صاحب البستان من حسنها وجمالها وفصاحتها فقال لها: يا هذه من أنت ومن قطع يديك ورجليك؟ فقالت
له: من أنت ومن أتى بي إلى هذا المكان؟ فقال: رب القدرة والعظمة ساقك إلى هذا البستان ورأيتك ملفوفة بهذه العباءة على النهر فاعلميني بحقيقة أمرك. فقالت:(3/79)
وكان ذلك النهر ينفذ إلى بستان وكان صاحب البستان في تلك الليلة يسقي بستانه فقل عليه الماء، فمضى إلى آخر البستان فنظر إلى الماء فوجده أحمر ورأى عباءة ملفوفة في فم ذلك النهر وقد منعت الماء عن الجريان، فلمسه فإذا هو ثقيل فحمله إلى تحت شجرة ثم أضرم نارا وعلق مصباحا ونظر إلى العباءة وفتحها فوجد فيها الزاهدة مقطوعة اليدين والرجلين وهي تسطع بالنور، فحط يده على صدرها فرآها تتنفس، فأتى بماء ورد ورش على وجهها فأفاقت من غشوتها وفتحت عينها وقالت: لا إله إلا الله محي العظام وهي رميم، فتعجب صاحب البستان من حسنها وجمالها وفصاحتها فقال لها: يا هذه من أنت ومن قطع يديك ورجليك؟ فقالت
له: من أنت ومن أتى بي إلى هذا المكان؟ فقال: رب القدرة والعظمة ساقك إلى هذا البستان ورأيتك ملفوفة بهذه العباءة على النهر فاعلميني بحقيقة أمرك. فقالت:
والله إني مظلومة وليس لي علم بسبب قطع يدي ورجلي، فإن كنت تعمل خيرا لوجه الله تعالى فافعل ولا تسألني عن حالي فإني لا أشرح قصتي إلا إلى عالم اسراري ثم أنشدت تقول شعرا:
خليلي لا والله ما ينفع الشكوى ... إلى أحد إلا إلى عالم النجوى
فلا تشرحن الحال منك إلى امرىء ... من الخلق وأشكو للذي يكشف البلوى
فلله نشكو ما نرى لا إلى الورى ... وفي الصبر أحوال بها يثبت الدعوى
فلما سمع كلامها علم أنها من الصالحات فقال: ما الذي تريدين؟ فقالت:
أريد أن تعمل لي عريشا في بستانك لا يدخله أحد غيري ويكون قريبا من الماء وتجعل فراشي شيئا من الحشيش ودعني أسكن فيه والله هو الشافي، فمضى وأتى بزيت وحماه وكوى يديها ورجليها وأقبل بشيء من الطعام والماء وعرض عليها فأكلت حسب كفايتها، ثم عمل لها عريشا قريبا من النهر وفرش تحتها شيئا من الحشيش وألقاها عليه، وبقيت على ذلك مدة حتى عوفيت فأتاها ذات يوم فقالت له: اعمل لي شريعة إلى الماء لأجل وضوئي وتطهيري، ففعل ذلك فبقيت تنزل إلى الماء وتبغي الوضوء وتنتصب في محرابها وتعبد ربها وتصلي الليل والنهار وهي تزداد حسنا وجمالا.
وكانت كلما نزلت إلى الماء يشرق من نور وجهها، وكان لصاحب البستان أربعة أولاد ذكورا ولم يشعر بها أحد منهم تلك المدة، وكان ينهى أولاده أن يسيروا إلى عريش القرطى، فبينما هي ذات يوم نازلة إلى الماء إذ مضى أحدهم فرآها وهي تتوضأ ونورها يشرق على الماء، فانطلق إلى أخوته فاعلمهم بها فأتوا إليها وهي في العريش تصلي، فجعلوا يتضاحكون عليها ويغمز بعضهم بعضا فقال أخوهم الأكبر: كفوا عن النظر والاستهزاء بهذه المرأة وانصرفوا عنها حتى نسأل أبانا عنها، ثم مضوا وهم يقولون لا بد أن نقضي وطرنا من هذه الجارية، فأتى صاحب البستان إليها فوجدها تبكي وقد شق عليها كلام أولاده فقال لها: ما بالك تبكين وما الذي أصابك؟ فأخبرته بخبر أولاده وما تكلموا به فعظم ذلك عليه وحلف أن يضربهم، فقالت: بالله عليك لا تضربهم ولكن امنعهم عن المجيء إلى هذا المكان، وكان صاحب البستان قد رزق السعادة والبركة على قدومها إليه، فمضى إلى أولاده فجمعهم وقص عليهم القصة وأمرهم أن لا يقربوا عريشها وقال
لهم: إن فعلتم ذلك مرة أخرى تركتكم وأخذت هذه الزاهدة وسافرت إلى بلد أخرى، فحلفوا أن لا يقربوا عريشها.(3/80)
وكانت كلما نزلت إلى الماء يشرق من نور وجهها، وكان لصاحب البستان أربعة أولاد ذكورا ولم يشعر بها أحد منهم تلك المدة، وكان ينهى أولاده أن يسيروا إلى عريش القرطى، فبينما هي ذات يوم نازلة إلى الماء إذ مضى أحدهم فرآها وهي تتوضأ ونورها يشرق على الماء، فانطلق إلى أخوته فاعلمهم بها فأتوا إليها وهي في العريش تصلي، فجعلوا يتضاحكون عليها ويغمز بعضهم بعضا فقال أخوهم الأكبر: كفوا عن النظر والاستهزاء بهذه المرأة وانصرفوا عنها حتى نسأل أبانا عنها، ثم مضوا وهم يقولون لا بد أن نقضي وطرنا من هذه الجارية، فأتى صاحب البستان إليها فوجدها تبكي وقد شق عليها كلام أولاده فقال لها: ما بالك تبكين وما الذي أصابك؟ فأخبرته بخبر أولاده وما تكلموا به فعظم ذلك عليه وحلف أن يضربهم، فقالت: بالله عليك لا تضربهم ولكن امنعهم عن المجيء إلى هذا المكان، وكان صاحب البستان قد رزق السعادة والبركة على قدومها إليه، فمضى إلى أولاده فجمعهم وقص عليهم القصة وأمرهم أن لا يقربوا عريشها وقال
لهم: إن فعلتم ذلك مرة أخرى تركتكم وأخذت هذه الزاهدة وسافرت إلى بلد أخرى، فحلفوا أن لا يقربوا عريشها.
وبقيت القرطى في ذلك البستان إلى أيام الربيع، فاتفق أن الملك خرج ذات يوم للتنزه ومعه أرباب دولته حتى وصل إلى ذلك البستان فقال لوزيره: إني أحب التنزه في هذا البستان فدخله وجاء صاحب البستان وقبل يدي الملك ودعا له بالدولة والسعادة، ثم جلس الملك في ذلك البستان فجاء صاحب البستان إلى الزاهدة وقال لها: اعلمي أن الملك قد أقبل إلى هذا البستان وأنا خائف عليك منه وأخاف أن يأتيك أحد من جنوده ويؤذيك ويضيق صدرك وصدري، فإن أذنت لي نقلتك إلى داري وأخفيت مكانك. فقالت: حبا وكرامة، فحملها إلى زاوية من البستان وفيها بيت مهجور كان يضع فيه السعف والتبن، وكان حوله نخل كثير قد سد باب البيت وحوله أشجار من الرمان والتين قد أظلم البيت فوضعها هناك وخرج عنها.
فأما الملك فإنه قد قعد في ايوان في ذلك البستان وقدامه روضة فجعل ينظر إلى البستان فأعجبه نضارته وطراوته وزهره فقال: أيها الوزير أما تنظر إلى هذه الحديقة وما كساها الله تعالى من الزهر والألوان؟ فقال: أيها الملك لو علمت ما تقول هذه الورود لزاد تعجبك؟ فقال الملك: أو يتكلم هذا النبات؟ قال: نعم لسان حاله يقول نظما ونثرا أما الورد فيقول نثرا: إني كنت مستترا بالأكمام فإنه برز بي الملك العلام لمجلس الكرام وكساني ثوبا قشيبا فلوني أحمر عجيب يضاهي وجنات الحبيب. وأما قوله نظما:
ورد الورود بشيرا بالذي فيه ... من لطف المعاني قد حوى
فانثنى البان له منعطفا ... يلثم النشر الذي فيه انطوى
مال يشكو أهيف القد له ... فرط ما يلقاه من جور الجوى
فرثاه الورد إذ قال له ... نحن خلان تساهمنا الهوى
فأنا أنت كما أنت أنا ... نحن في المعنى جميعا في الشوى
قسما بالله حلفا صادقا ... بالذي قدما على العرش استوى
ان في شرح غرامي عبرة ... لذوي اللب إذا القلب ارعوى
أنا بالأمس كبدر طالع ... وأنا اليوم كنجم قد هوى
وأما النرجس فقوله نثرا: أنا أنظر إلى صحيبي وأسلم عليه بعد مشيبي فخاطري للمشاورة وناظري ناظر للمناظرة قصب الزمرد اساسي وعطري طيب
أنفاسي. وأما قوله نظما فإنه يقول شعرا:(3/81)
ورد الورود بشيرا بالذي فيه ... من لطف المعاني قد حوى
فانثنى البان له منعطفا ... يلثم النشر الذي فيه انطوى
مال يشكو أهيف القد له ... فرط ما يلقاه من جور الجوى
فرثاه الورد إذ قال له ... نحن خلان تساهمنا الهوى
فأنا أنت كما أنت أنا ... نحن في المعنى جميعا في الشوى
قسما بالله حلفا صادقا ... بالذي قدما على العرش استوى
ان في شرح غرامي عبرة ... لذوي اللب إذا القلب ارعوى
أنا بالأمس كبدر طالع ... وأنا اليوم كنجم قد هوى
وأما النرجس فقوله نثرا: أنا أنظر إلى صحيبي وأسلم عليه بعد مشيبي فخاطري للمشاورة وناظري ناظر للمناظرة قصب الزمرد اساسي وعطري طيب
أنفاسي. وأما قوله نظما فإنه يقول شعرا:
أنا نرجس أكسي المحاسن بهجة ... من نشر عطري تستطيب المجلس
في حاسة الشم الشذا مني بدا ... وبدا يقول القوم هذا النرجس
وأما الرمان فقوله نثرا يقول: أنا نزهة البستان وعدالة الأعصان وردى وجلناري شقائق خدود الحسان وأنا لذة لكل إنسان فإن كنت للمعروف تفهم فافهم وإن كنت لا تدري فاسأل من يعلم. وأما قوله نظما فإنه يقول:
أنا الزهر الذي أحرقت حسنا ... قلوب العاشقين بجلناري
زذاك لأن من يهوى حبيبا ... يشبه وجنتيه بجلناري
فأعجب السلطان كلام الوزير وفرط ذكائه، وبقي الملك في البستان طورا يشرب وطورا يلعب وطورا يتنزه ويدور ويتفرج، وكان حاجب الملك يدور في ذلك البستان حتى وصل إلى البيت الذي فيه الزاهدة فظنه بيت الخلاء فدخل إليه ليقضي حاجته فوجد الزاهدة وهي تشرق نورا، فأقبل إليها يراودها عن نفسها فصرخت صرخة عظيمة وكان صاحب البستان لا يغفل عنها ويتطلع مكانها كيلا يقربها أحد من الغلمان، فلما سمع صوتها انطلق كالبرق الخاطف فرأى الحاجب وقد ألقى نفسه على الزاهدة يطلب فعل القبيح منها فضربه على رأسه بالمسحاة حتى سال دمه ثم مضى إلى الملك وقبل قدميه فقال: هل عليك ضيم من بعض جنودي؟ فقال: أيها الملك لم تصحب في مجلسك من لا ثقة له ولا إيمان، ثم حدثه بحديث الزاهدة وما رأى من بركاتها وما هي عليه من الصلاح والعبادة ثم حكى بحديث الحاجب وما جرى بينهم، فلما سمع الملك ذلك غضب على حاجبه، وقال: أيها الشيخ لم لا قتلته؟ فقال: لحرمتك. فقال الملك: ائتوني، بالحاجب فإذا الحاجب قد أقبل والدم ينزل من رأسه وهو يستغيث إلى الملك ويقول: قتلني هذا الشيخ، فقال الملك: على أي شيء فعل بك هذا؟ فقال: اعلم أيها الملك أن لي صحيبة أحبها فلما خرجت معك إلى هذا البستان طلبت مني أن أحملها معي فحملتها وتركتها في بيت في زاوية هذا البستان، فلما حصلت لي الخلوة مضيت إليها لأخلو بها وأوانسها وكان قد حصل لها مني غيظ حيث تركتها وحدها، فلما دنوت منها صاحت فسمع هذا الشيخ وضربني بالمسحاة، فقال له الملك: لقد كذبت في قولك وإني لأجد منك رائحة الشر فأخبرني ما علامتها هي مليحة ذات جمال أو ذات استقام وأعلال؟ فقال: إنها أعدل من قضيب بان وألطف من ورد شقايق النعمان وثغرها أبسم من الأقحوان سليمة من العلل والاسقام كأنها
البدر التمام. فقال الملك: لقد ظهر كذبك فإن الشيخ يزعم انها إمرأة واحدة قطعا بلا يدين ولا رجلين، ثم قال أيها الشيخ أحضرها بين يدي. فقال: أيها الملك إنها لا ترضى أن تحضر بين قوم غير محرم فإن أردت قم إليها، فنهض الملك والوزير والشيخ بين يديه حتى أتى الزاهدة فرآها وهي تعبد الله وقد أشرق ذلك النور من وجهها والمكان قد أضاء، فلما رآها الملك افتتن بها فقال: سبحان الله خالق الأنام ذى الجلال والإكرام، ثم سلم عليها وقال: هل تعرفين هذا الحاجب فقد زعم انك صاحبته؟ فقالت: أعوذ بالله منه أن يكون هو الذي ألبسني هذين السوارين في يدي والخلخالين في رجلي، فلما نظر إلى يديها ورجليها وجدها مقطوعة وعلم أن لها شأنا عظيما وان الشيخ صادق في قوله، فأمر الملك بقتل الحاجب وتشفعت فيه الزاهدة فقال لها الملك: من فعل بك هذا الفعال؟ فقالت: إني جعلت شكواي إلى الله لا إلى المخلوق فقال: ألا ترضين أن أكون لك بعلا فعسى أنال ببركتك السعادة؟ فقالت: ما تفعل بامرأة بلا يدين ولا رجلين؟ فقال: أريد بذلك التقرب إلى الله تعالى وأرجو إن يرزقني الله ولدا يرث الملك مني ويرث منك العفاف والتقوى. فقالت: إني زاهدة في الرجال مشغولة بعبادة الرب المتعال فقال: أنا لا أتركك فقالت: أتأخذني قهرا وتكون مؤاخذا يوم القيامة فقال: لا ولكن أتزوجك على سنة الأنبياء فقالت: أن خطبة النساء تكون إلى النساء فقال لها: أرسل إليك أمي وأختي، فعند ذلك أرسل إليها فأحضرهن فدخلت أم الملك وأخته على الزاهدة ولاطفتها في الكلام حتى رضيت، فعند ذلك عقد الملك عليها ونقلها إلى داره ثم دخل عليها تلك الليلة ودخل في قلبه الفرح والسرور واشتغل بها الملك عن سائر نسائه، فحملت الزاهدة من الملك وصار لها من الحمل ستة أشهر وكان قد خرج على الملك خارج من بلاد النصارى فجمع الملك عسكره وقسمه نصفين وأنفذ أخاه النصف الأول إلى البر وذهب هو مع النصف الآخر إلى البحر وأوصى الملك أمه وأخته بالزاهدة وركب مع عسكره.(3/82)
أنا الزهر الذي أحرقت حسنا ... قلوب العاشقين بجلناري
زذاك لأن من يهوى حبيبا ... يشبه وجنتيه بجلناري
فأعجب السلطان كلام الوزير وفرط ذكائه، وبقي الملك في البستان طورا يشرب وطورا يلعب وطورا يتنزه ويدور ويتفرج، وكان حاجب الملك يدور في ذلك البستان حتى وصل إلى البيت الذي فيه الزاهدة فظنه بيت الخلاء فدخل إليه ليقضي حاجته فوجد الزاهدة وهي تشرق نورا، فأقبل إليها يراودها عن نفسها فصرخت صرخة عظيمة وكان صاحب البستان لا يغفل عنها ويتطلع مكانها كيلا يقربها أحد من الغلمان، فلما سمع صوتها انطلق كالبرق الخاطف فرأى الحاجب وقد ألقى نفسه على الزاهدة يطلب فعل القبيح منها فضربه على رأسه بالمسحاة حتى سال دمه ثم مضى إلى الملك وقبل قدميه فقال: هل عليك ضيم من بعض جنودي؟ فقال: أيها الملك لم تصحب في مجلسك من لا ثقة له ولا إيمان، ثم حدثه بحديث الزاهدة وما رأى من بركاتها وما هي عليه من الصلاح والعبادة ثم حكى بحديث الحاجب وما جرى بينهم، فلما سمع الملك ذلك غضب على حاجبه، وقال: أيها الشيخ لم لا قتلته؟ فقال: لحرمتك. فقال الملك: ائتوني، بالحاجب فإذا الحاجب قد أقبل والدم ينزل من رأسه وهو يستغيث إلى الملك ويقول: قتلني هذا الشيخ، فقال الملك: على أي شيء فعل بك هذا؟ فقال: اعلم أيها الملك أن لي صحيبة أحبها فلما خرجت معك إلى هذا البستان طلبت مني أن أحملها معي فحملتها وتركتها في بيت في زاوية هذا البستان، فلما حصلت لي الخلوة مضيت إليها لأخلو بها وأوانسها وكان قد حصل لها مني غيظ حيث تركتها وحدها، فلما دنوت منها صاحت فسمع هذا الشيخ وضربني بالمسحاة، فقال له الملك: لقد كذبت في قولك وإني لأجد منك رائحة الشر فأخبرني ما علامتها هي مليحة ذات جمال أو ذات استقام وأعلال؟ فقال: إنها أعدل من قضيب بان وألطف من ورد شقايق النعمان وثغرها أبسم من الأقحوان سليمة من العلل والاسقام كأنها
البدر التمام. فقال الملك: لقد ظهر كذبك فإن الشيخ يزعم انها إمرأة واحدة قطعا بلا يدين ولا رجلين، ثم قال أيها الشيخ أحضرها بين يدي. فقال: أيها الملك إنها لا ترضى أن تحضر بين قوم غير محرم فإن أردت قم إليها، فنهض الملك والوزير والشيخ بين يديه حتى أتى الزاهدة فرآها وهي تعبد الله وقد أشرق ذلك النور من وجهها والمكان قد أضاء، فلما رآها الملك افتتن بها فقال: سبحان الله خالق الأنام ذى الجلال والإكرام، ثم سلم عليها وقال: هل تعرفين هذا الحاجب فقد زعم انك صاحبته؟ فقالت: أعوذ بالله منه أن يكون هو الذي ألبسني هذين السوارين في يدي والخلخالين في رجلي، فلما نظر إلى يديها ورجليها وجدها مقطوعة وعلم أن لها شأنا عظيما وان الشيخ صادق في قوله، فأمر الملك بقتل الحاجب وتشفعت فيه الزاهدة فقال لها الملك: من فعل بك هذا الفعال؟ فقالت: إني جعلت شكواي إلى الله لا إلى المخلوق فقال: ألا ترضين أن أكون لك بعلا فعسى أنال ببركتك السعادة؟ فقالت: ما تفعل بامرأة بلا يدين ولا رجلين؟ فقال: أريد بذلك التقرب إلى الله تعالى وأرجو إن يرزقني الله ولدا يرث الملك مني ويرث منك العفاف والتقوى. فقالت: إني زاهدة في الرجال مشغولة بعبادة الرب المتعال فقال: أنا لا أتركك فقالت: أتأخذني قهرا وتكون مؤاخذا يوم القيامة فقال: لا ولكن أتزوجك على سنة الأنبياء فقالت: أن خطبة النساء تكون إلى النساء فقال لها: أرسل إليك أمي وأختي، فعند ذلك أرسل إليها فأحضرهن فدخلت أم الملك وأخته على الزاهدة ولاطفتها في الكلام حتى رضيت، فعند ذلك عقد الملك عليها ونقلها إلى داره ثم دخل عليها تلك الليلة ودخل في قلبه الفرح والسرور واشتغل بها الملك عن سائر نسائه، فحملت الزاهدة من الملك وصار لها من الحمل ستة أشهر وكان قد خرج على الملك خارج من بلاد النصارى فجمع الملك عسكره وقسمه نصفين وأنفذ أخاه النصف الأول إلى البر وذهب هو مع النصف الآخر إلى البحر وأوصى الملك أمه وأخته بالزاهدة وركب مع عسكره.
هذا ما كان منها وأما ما كان من أخيها التاجر وزوجته فإنهما قد سمعا أن الملك قد تزوج بالزاهدة وانها قد كتمت أمر أخيها عن الملك فتعجب من عظم صبرها، وأما زوجته فاختفت بغيظتها وأظهرت مكرها ودعت بعجوز ذات مكر وقالت: أريد منك أن تترددي إلى بيت الملك وتدخلي على الزاهدة وتخبريني بأحوالها وكلما يتجدد من أمرها، ووهبت لها من المال كثيرا ومضت العجوز وجعلت تتردد إليها حتى كان يوم ولادتها فوضعت ولدين ذكرين ففرحت أم الملك فرحا شديدا وكتبت إلى الملك (بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد اعلم أيها الولد
العزيز والملك السعيد أطال الله عمرك أن زوجتك الزاهدة قد ولدت ولدين ذكرين يزيد نورهما على القمرين وهما أشبه الناس بك وسميناهما أحسن الأسماء). ثم دعت بغلام يقال له سملق ودفعت إليه الكتاب وقالت: امض إلى الملك وبشره بولادة زوجته، فلما رأت العجوز ذلك مضت إلى زوجة التاجر وأخبرتها بخبر الكتاب، فعند ذلك نهضت زوجة التاجر ولبست أفخر أثوابها وتطيبت بأحسن طيبها وأتت إلى طريق لا بد أن يمر سملق منه وجلست عنده، فإذا بسملق قد أقبل يطلب الملك فغمزته واومأت إليه بيدها وكشفت له عن وجهها وصدرها، فلما رآها سملق افتتن وتململ خاطره وقال لها هل لك حاجة؟ قالت نعم وان لي أحد القرناء في عسكر الملك وأريد أن أوصيك إليه بوصية فقال: لها سمعا وطاعة. فقالت:(3/83)
هذا ما كان منها وأما ما كان من أخيها التاجر وزوجته فإنهما قد سمعا أن الملك قد تزوج بالزاهدة وانها قد كتمت أمر أخيها عن الملك فتعجب من عظم صبرها، وأما زوجته فاختفت بغيظتها وأظهرت مكرها ودعت بعجوز ذات مكر وقالت: أريد منك أن تترددي إلى بيت الملك وتدخلي على الزاهدة وتخبريني بأحوالها وكلما يتجدد من أمرها، ووهبت لها من المال كثيرا ومضت العجوز وجعلت تتردد إليها حتى كان يوم ولادتها فوضعت ولدين ذكرين ففرحت أم الملك فرحا شديدا وكتبت إلى الملك (بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد اعلم أيها الولد
العزيز والملك السعيد أطال الله عمرك أن زوجتك الزاهدة قد ولدت ولدين ذكرين يزيد نورهما على القمرين وهما أشبه الناس بك وسميناهما أحسن الأسماء). ثم دعت بغلام يقال له سملق ودفعت إليه الكتاب وقالت: امض إلى الملك وبشره بولادة زوجته، فلما رأت العجوز ذلك مضت إلى زوجة التاجر وأخبرتها بخبر الكتاب، فعند ذلك نهضت زوجة التاجر ولبست أفخر أثوابها وتطيبت بأحسن طيبها وأتت إلى طريق لا بد أن يمر سملق منه وجلست عنده، فإذا بسملق قد أقبل يطلب الملك فغمزته واومأت إليه بيدها وكشفت له عن وجهها وصدرها، فلما رآها سملق افتتن وتململ خاطره وقال لها هل لك حاجة؟ قالت نعم وان لي أحد القرناء في عسكر الملك وأريد أن أوصيك إليه بوصية فقال: لها سمعا وطاعة. فقالت:
هذا لا يكون إلا أن تدخل داري فقال بسم الله سيري بنا على بركة الله تعالى، فنهضت قدامه حتى أتت دارها وأدخلته في بيت خلوة وأقعدته في مجلس يليق به ثم أحضرت له شيئا من الطعام فجلس ليأكل وهي تقبل عليه وتظهر له محاسنها وتتقرب إليه حتى جلست عند ركبتيه وحضنته، فجذبها إليه وجعل يلثمها ويقبل ثغرها وقد حنت جوارحه إليها ثم أحضرت له الشراب فسقته بيدها حتى سكر، فلما دق رأسه السكر أخرجت الكتاب من طي عمامته وكتبت غيره تقول فيه (اعلم أيها الملك أن زوجتك الزاهدة قد طلعت بخلاف ظنك وقد ولدت ولدين أفطسين اسودين كل منهما يشبه الغول، اشبه الناس بسياس الخيل وقد شاع الخبر في المملكة حتى كثر الكلام في عرضك فإن لم تهلك القطعاء تفتضح، وقد عرفتك الحال ورأيك أعلى والسلام) ثم طوت الكتاب وتركته في طي عمامته ومضت بسبيلها، فلما كان بعد ساعة أفاق سملق وطلبها فلم يجدها وخرج متوجها إلى الملك وقد خنق من غيظه، ولم يزل سائرا حتى وصل إلى الملك فرآه قد انتصر على عدوه وكان لسملق صاحب في العسكر فلقيه فقال ما وراءك يا سملق؟ قال:
إنني أتيت الملك ببشارة تخصه بمولودين فقال له صاحبه قد أتيت في ساعة نصر وسعد وأرجو أن ينعم عليك بنعمة سنية فأنا شريكك في نصف ما يعطيك الملك فقال: رضيت، وسار سملق حتى دخل خيمة الملك وسلم وقبل الأرض بين يديه فقال الملك: أهلا بغلامي سملق ما عندك من الخبر؟ فدفع إليه الكتاب فأخذه وفضه وقرأه فتغير لونه وتكدر خاطره وأمر أن يضربوه مائة جلدة، فقال: ان لي شريكا فاجلدوني خمسين وصاحبي خمسين فضحك الملك من قوله وأطلق سبيله ثم كتب جواب الكتاب يقول: يا أماه قد أتاني كتابك وتأملته وفهمت ما فيه ولكن بحياتي عليك لا يضيقن صدر الزاهدة فإن الله يصور في الأرحام ما يشاء، ثم ختمه
وسلمه إلى سملق فأخذه ومضى به حتى ورد المدينة ومر على دار زوجة التاجر فوجدها واقفة تنتظره، فلما رأته وثبت إليه وتظاهرت بمكرها وأظهرت له محاسنها وقالت: هكذا تتركني وتمضي عني وأنا في انتظارك فأنعم إلى الدار، ثم دخلت ودخل معها فلما أجلسته أقبلت عليه تلاطفه في الكلام وتلاعبه وتمازحه وتقبله، ثم أحضرت له شيئا من الطعام فأكل حسب كفايته وطلب منها المواصلة فأمتنعت وقالت: عليك بالشراب أولا، ثم أخذت تسقيه حتى غلب عليه السكر فأخذت الكتاب وكتبت بدله تقول فيه: (أما بعد السلام عليك يا أماه فإني قد وقفت على ما كتبت لي في حق الزاهدة فاعلمي اني قد رأيت مناما في حقها إنها زانية فاجرة وقد ظهر لي أن أولادها ليس مني فحال وقوفك على كتابي قيدي هذه الفاجرة قيدا ثقيلا وضعيها وأولادها في صندوق وسلميها إلى عبدي رشيد ليلقيها في البحر، ولا تظهري أمرها واكتمي أثرها إلى قدومي والسلام) ثم طوته وجعلته في طي عمامته وتركته وهربت عنه، فلما كان بعد ساعات انتبه سملق من سكره فلم يرها فاغتاظ لذلك وقال في نفسه: أنا لم أعرف ما غرضها مني ثم مضى إلى دار الملك وسلم الكتاب فقرأته أم الملك وفهمت ما فيه وحزنت لذلك حزنا شديدا، ثم قامت إليها وقيدتها وغلت عنقها ووضعتها مع ولديها في صندوق زجاج ودعت برشيد وقالت له: خذ هذا الصندوق وألقه بالبحر ولا تظهر هذا الأمر فأخذه رشيد ووضعه في شحتور وقصد به البحر فبينما هو سائر وإذ قد سمع ضجيج وتضرع من داخل الصندوق وقائلا يقول هذه الأبيات:(3/84)
إنني أتيت الملك ببشارة تخصه بمولودين فقال له صاحبه قد أتيت في ساعة نصر وسعد وأرجو أن ينعم عليك بنعمة سنية فأنا شريكك في نصف ما يعطيك الملك فقال: رضيت، وسار سملق حتى دخل خيمة الملك وسلم وقبل الأرض بين يديه فقال الملك: أهلا بغلامي سملق ما عندك من الخبر؟ فدفع إليه الكتاب فأخذه وفضه وقرأه فتغير لونه وتكدر خاطره وأمر أن يضربوه مائة جلدة، فقال: ان لي شريكا فاجلدوني خمسين وصاحبي خمسين فضحك الملك من قوله وأطلق سبيله ثم كتب جواب الكتاب يقول: يا أماه قد أتاني كتابك وتأملته وفهمت ما فيه ولكن بحياتي عليك لا يضيقن صدر الزاهدة فإن الله يصور في الأرحام ما يشاء، ثم ختمه
وسلمه إلى سملق فأخذه ومضى به حتى ورد المدينة ومر على دار زوجة التاجر فوجدها واقفة تنتظره، فلما رأته وثبت إليه وتظاهرت بمكرها وأظهرت له محاسنها وقالت: هكذا تتركني وتمضي عني وأنا في انتظارك فأنعم إلى الدار، ثم دخلت ودخل معها فلما أجلسته أقبلت عليه تلاطفه في الكلام وتلاعبه وتمازحه وتقبله، ثم أحضرت له شيئا من الطعام فأكل حسب كفايته وطلب منها المواصلة فأمتنعت وقالت: عليك بالشراب أولا، ثم أخذت تسقيه حتى غلب عليه السكر فأخذت الكتاب وكتبت بدله تقول فيه: (أما بعد السلام عليك يا أماه فإني قد وقفت على ما كتبت لي في حق الزاهدة فاعلمي اني قد رأيت مناما في حقها إنها زانية فاجرة وقد ظهر لي أن أولادها ليس مني فحال وقوفك على كتابي قيدي هذه الفاجرة قيدا ثقيلا وضعيها وأولادها في صندوق وسلميها إلى عبدي رشيد ليلقيها في البحر، ولا تظهري أمرها واكتمي أثرها إلى قدومي والسلام) ثم طوته وجعلته في طي عمامته وتركته وهربت عنه، فلما كان بعد ساعات انتبه سملق من سكره فلم يرها فاغتاظ لذلك وقال في نفسه: أنا لم أعرف ما غرضها مني ثم مضى إلى دار الملك وسلم الكتاب فقرأته أم الملك وفهمت ما فيه وحزنت لذلك حزنا شديدا، ثم قامت إليها وقيدتها وغلت عنقها ووضعتها مع ولديها في صندوق زجاج ودعت برشيد وقالت له: خذ هذا الصندوق وألقه بالبحر ولا تظهر هذا الأمر فأخذه رشيد ووضعه في شحتور وقصد به البحر فبينما هو سائر وإذ قد سمع ضجيج وتضرع من داخل الصندوق وقائلا يقول هذه الأبيات:
تغل يدي إلى عنقي ... ولا خانت ولا سرقت
وبين جوانحي كبد ... أحسن بها إذا احترقت
وحقك يامنى قلبي ... يمينا بالذي عشقت
فلو قطعتها قطعا عن ... الأحباب ما افترقت
فيا رباه لي نفس ... يذكرك في الجوى نطقت
فما ذنبي وما خطأي ... وطاعاتي لكم صدقت
فلما سمع رشيد كلام الزاهدة علم أن في الصندوق شخصا ففتحه فوجد فيه إمرأة مقطوعة اليدين والرجلين ومعها ولدان فقال لها: أخبريني ما كان ذنبك حتى فعلوا بك هذا الفعال؟ فقالت: لا تسأل عما لا يعنيك، فعلم انها مظلومة فقال: لا والله لا ألقيها في البحر فأكون مؤاخذا بها، ثم سار إلى ساحل البحر وتركها وولديها وملأ الصندوق حجارة ورماه في البحر ورجع.(3/85)
وكان إلى جانبها شجرة عظيمة وعين ماء فجاءت إلى العين وتوضأت وأقبلت تعبد الله تعالى تلك الليلة إلى الصباح، فلما أصبحت إذا بشيخ راكب على اتان قد أقبل من قرية على ساحل البحر فرأى الزاهدة ونورها يسطع، فتقدم وسلم عليها وقال: أيتها الصالحة ما كان ذنبك حتى قطعت يداك ورجلاك ولأي شيء منفردة في هذا المكان؟ فقالت: هذا قضاء الله السابق في حكمه وعلمه ولكن من أنت ومن أين أقبلت وهل في هذا القرب قرية؟ فقال: رجل حطاب أحطب الحطب وأبيعه في هذه القرية فقالت بكم تبيع الحمل؟ قال: بثلاثة دراهم، فأخرجت خاتما من الذهب وقالت: خذ هذا الخاتم فاحملني إلى معمورة واكسب الأجر والثواب.
فقال: بسم الله أنعمي، ثم حملها على أتانه وذهب بها إلى قرية هناك فلما وصل إلى القرية قال: هل تعرفين أحدا تمضين إليه؟ قالت: لا ولكن هل تعهد في هذه القرية مسجدا للعبادة؟ قال: نعم. قالت: إذهب بي إليه، فأتى بها إلى المسجد وكان مسجدا مهجورا فأدخلها فيه ومضى، وكان في القرية شيخ قد عمل بالحصاد ورجع إلى منزله فأتى في طريقه على ذلك المسجد فدخله للصلاة فوجد الزاهدة تعبد الله تعالى، فأعجبه حسنها وجمالها فمضى إلى بيته وأتى بطبق من الخبز وقدح من اللبن والزبد ووضعه بين يديها، فأكلت وحمدت الله تعالى ثم جاءت جارية الشيخ وأخذت الآنية، فلما كان وقت الظهر أتى صبيان جهال إلى المسجد فنظروا إلى الزاهدة وحسنها وجمالها فألقوا إليها كلاما قبيحا فزجرتهم فخرجوا عنها مغتاظين وقال بعضهم: إذا كان الليل نأتي إليها ونقهرها على نفسها فلما كان الليل أقبلوا إلى المسجد فحسّت بهم فبسطت كفها إلى الله تعالى وتضرعت فطمس الله عليهم باب المسجد، فقال كبيرهم: ندخل عليها من السطح ونغصبها على نفسها ثم أراد أن يصعد السطح فسقط على وجهه وانكسر ظهره فبقي يصيح وهرب أصحابه، فلما أصبح أتاه أهل القرية فوجدوه مطروحا وقد يئس من حياته، وكان ذلك الغلام ابن كبير القرية فسأله أبوه عن حاله فأخبره بقصته وما جرى له مع الزاهدة، فدخل أبوه إليها واعتذر منها وسألها أن تدعو الله أن يشفيه، فقالت:
قدموه بين يدي، فامرّت يدها على ظهره فشفى من ساعته فتعجب منها كل من كان حاضرا وقالوا: مثل هذه الزاهدة لا يليق أن تكون في المسجد بل ننقلها إلى دورنا ونخلي لها بيتا وتخدمها جوارينا ونساؤنا. فقالت: لا أختار بيتا على بيت الله، وكان أبو الغلام رئيس القرية وكبيرها فعمر ذلك المسجد واشترى أراضي كانت حول المسجد وغرس فيها أشجارا وزرعها وأرسل إليها جارية لخدمتها، فصار لها في تلك القرية اسم عظيم وبقيت على ذلك أياما وأهل القرية ينقلون إليها الأموال
ويلتمسون دعاءها حتى كانت أيام الشتاء فأتاها يوم بارد وكانت قد اصابتها نجاسة في قميصها فذهبت لتغسلها فأضرت بيدها وشق عليها ذلك فعادت إلى مكانها وانتصبت في محرابها ودعت الله تعالى أن يكشف عنها ما تجد من ألم يديها ورجليها ثم نامت ورأت في منامها قائلا يقول: أبشري بالعافية فإن الله قد رحم بكاءك وتضرعك وسيعود إليك ما عدم منك، فانتبهت من منامها وقامت إلى مصلاها وإذا بالخضر عليه السّلام قد أقبل إليها ومسح على يديها ورجليها فشفيت من ساعتها ورد الله عليها يديها ورجليها كما كانت أولا، فحمدت الله وشكرته على ما أعطاها وسمع بها أهل القرية فأتوا إليها فوجدوها صحيحة اليدين والرجلين فشاع ذكرها في سائر البلدان.(3/86)
قدموه بين يدي، فامرّت يدها على ظهره فشفى من ساعته فتعجب منها كل من كان حاضرا وقالوا: مثل هذه الزاهدة لا يليق أن تكون في المسجد بل ننقلها إلى دورنا ونخلي لها بيتا وتخدمها جوارينا ونساؤنا. فقالت: لا أختار بيتا على بيت الله، وكان أبو الغلام رئيس القرية وكبيرها فعمر ذلك المسجد واشترى أراضي كانت حول المسجد وغرس فيها أشجارا وزرعها وأرسل إليها جارية لخدمتها، فصار لها في تلك القرية اسم عظيم وبقيت على ذلك أياما وأهل القرية ينقلون إليها الأموال
ويلتمسون دعاءها حتى كانت أيام الشتاء فأتاها يوم بارد وكانت قد اصابتها نجاسة في قميصها فذهبت لتغسلها فأضرت بيدها وشق عليها ذلك فعادت إلى مكانها وانتصبت في محرابها ودعت الله تعالى أن يكشف عنها ما تجد من ألم يديها ورجليها ثم نامت ورأت في منامها قائلا يقول: أبشري بالعافية فإن الله قد رحم بكاءك وتضرعك وسيعود إليك ما عدم منك، فانتبهت من منامها وقامت إلى مصلاها وإذا بالخضر عليه السّلام قد أقبل إليها ومسح على يديها ورجليها فشفيت من ساعتها ورد الله عليها يديها ورجليها كما كانت أولا، فحمدت الله وشكرته على ما أعطاها وسمع بها أهل القرية فأتوا إليها فوجدوها صحيحة اليدين والرجلين فشاع ذكرها في سائر البلدان.
هذا ما جرى لها وأما ما كان من أمر الملك فإنه رجع إلى بلده مؤيدا منصورا ودخل على أمه وسألها عن الزاهدة فقالت: إنك أرسلت إلي كتابا أن أغرقها في البحر فغرقتها، فبهت الملك وقال: يا أماه مالي والله بهذا خبر بل إنك كتبت إلي تقولين ان الزاهدة قد ولدت ولدين أفطسين أسودين وهما أشبه الناس بسياس الخيل، فقالت: له أمه والله ما لي بهذا خبر ولكن كتبت إليك انها قد أتت بولدين لطيفين كأنهما قمرين وهما أشبه الناس بك وقد سميناهما بأحسن الأسماء، فلما سمع ذلك الملك غضب غضبا شديدا ومزق ثيابه وحثا التراب على رأسه وقال: يا أماه أحضري لي أولادي وإلا أهلكت نفسي، فقالت: له اصبر ولا تجزع وأحضر سملقا إليك واسأله من فعل هذا، فأمر بإحضاره فلما حضر أمر بضرب عنقه فقال:
أيها الملك اتق الله في دمي. فقال الملك له: ان أخبرتني بالصحيح عفوت عنك أخبرني هل مررت على أحد غير الكتاب؟ قال لا والله لا أدري ذلك سوى إني لمّا عزمت على المسير اعترضتني في بعض الطريق إمرأة بديعة الحسن والجمال وسقتني كأس الخمر حتى سكرت فلما انتبهت لم أرها وفعلت ذلك بي في المجيء والذهاب. فقال الملك: ويلك تعرفها؟ قال: لا والله. قال: أتعرف دارها؟ قال:
نعم. قال: امض بنا فنهض الملك من ساعته حتى وصل دار زوجة التاجر فأمر باحضارها فعرفها سملق فقال: يا مولاي هذه الذي فعلت بي ما قلت لك. فقال لها الملك: أخبريني الآن بحقيقة الأمر وإلا قتلتك شرّ قتلة. قالت: الآن حصحص الحق أنا الذي فعلت ذلك، ثم قصّت عليه القصة من أولها إلى آخرها وانها أخت زوجها وما فعلت ذلك بها إلا حسدا، فأمر الملك بها وبسملق أن يسجنا حتى يظفر بزوجته وأولاده، ثم أحضر رشيدا وقال: ما فعلت بالتي كانت في صندوق الزجاج؟ فقص عليه القصة، فركب الملك مع خواص عسكره إلى ذلك الساحل
حتى وصل إلى الشجرة والعين فقال رشيد: أيها الملك إني طرحتها هنا في هذا المكان، فإذا بصياد قد أقبل من القرية إلى الساحل فسأله الملك عنها فقال: أيها الملك أنا من أهل هذه القرية وسمعت أنه قد وردت إليها إمرأة زاهدة على هذه الصفات ولها عندنا شأن.(3/87)
نعم. قال: امض بنا فنهض الملك من ساعته حتى وصل دار زوجة التاجر فأمر باحضارها فعرفها سملق فقال: يا مولاي هذه الذي فعلت بي ما قلت لك. فقال لها الملك: أخبريني الآن بحقيقة الأمر وإلا قتلتك شرّ قتلة. قالت: الآن حصحص الحق أنا الذي فعلت ذلك، ثم قصّت عليه القصة من أولها إلى آخرها وانها أخت زوجها وما فعلت ذلك بها إلا حسدا، فأمر الملك بها وبسملق أن يسجنا حتى يظفر بزوجته وأولاده، ثم أحضر رشيدا وقال: ما فعلت بالتي كانت في صندوق الزجاج؟ فقص عليه القصة، فركب الملك مع خواص عسكره إلى ذلك الساحل
حتى وصل إلى الشجرة والعين فقال رشيد: أيها الملك إني طرحتها هنا في هذا المكان، فإذا بصياد قد أقبل من القرية إلى الساحل فسأله الملك عنها فقال: أيها الملك أنا من أهل هذه القرية وسمعت أنه قد وردت إليها إمرأة زاهدة على هذه الصفات ولها عندنا شأن.
فقال له الملك: أنعم بنا إليها، فسار الصياد والملك والجنود معه، فلما علم أهل القرية بالملك خرجت إليه المشايخ والرؤساء ودعوا له وقالوا له: لعل في خاطرك أن تمضي إلى الزاهدة وتتبرك بدعائها، فسألهم عن حالها وحكوا له قصتها فقال: والله هذه زوجتي فتراكض أهل القرية إليها وأخبروها بالملك. فقالت والله إنه ليحبب علي أن اغلق باب المسجد ولا أدعه يدخل لأنه جائر يجور على عباد الله وقد جار علي وعلى أولاده، فأخبروا الملك بذلك فقال: والله ما لي ذنب بل فعلت زوجة أخيها ذلك.
ثم إنه دخل المسجد وسلم عليها وأخذ ولديه يقبلهما ويبكي فرحا ويشكر الله تعالى بعافية يديها ورجليها وردها إليه، ثم جازى الحطاب والصياد بالجزاء الوافر وظعن بها إلى المدينة ففرحت أمه بها وقامت البشارة في المدينة، ثم أحضر الملك زوجة أخيها وأمر بقتلها فشفعت الزاهدة فيها فعفى عنها وعن سملق، وبقي الملك مع الزاهدة ورزق منها أولادا كثيرا ولزموا الطاعة حتى توفاهم الله تعالى إلى رحمته.
ما جرى لوزير اليمن مع أخيه
حكي: أن الصاحب بدر الدين وزير اليمن كان له أخ بديع الجمال وكان شديد الحرص عليه، فأتى له بشيخ ذي هيبة ووقار ودين وعفة ليعلمه واسكنه في منزل قريب منه، فأقام على ذلك مدة يأتي كل يوم إلى بيت الصاحب بدر الدين يعلم أخاه وينصرف إلى منزله، ثم إن الشيخ امتحن بمحبته ذلك الشاب وقوي غرامه به فشكى له يوما حاله. فقال له الشاب: ما حيلتي وأنا لا استطيع مفارقة أخي ليلا ولا نهارا أما النهار فكما تراه ملازما لنا وأما الليل فإن سريري مقابل سريره، فقال له الشيخ: ان منزلي ملاصق لداركم فيمكن إذا غمضت عين أخيك واخذه النوم أن تقوم لتستعمل ماء فتأتي إلى الحائط وأنا أتناولك من وراء الجدار فتجلس عندي جلسة لطيفة مقدار لحظة ثم تعود من غير أن يشعر أخوك بشيء، فقال: سمعا وطاعة، وتواعدا على ليلة فجهز له الشيخ من التحف والطرف ما يليق بمقامه.(3/88)
وأما الشاب فإنه أخذ مضجعه للنوم وأظهر أنه نائم، فلما نام الصاحب بدر الدين واستغرق وأمن من انتباهه قام الشاب وتمشى خطوات وفتح بابا وتوصل منه إلى الحائط فوجد شيخه واقفا ينتظره فتناوله وصار عنده في منزله وكانت ليلة البدر فجلسا وتنادما ودارت بينهما كاسات الشراب ممزوجة ببرد الرضاب، وانتشى الشيخ وأخذ في الغناء وقد رمى القمر جرمه عليهما وهما في مقام يجل عن الوصف إذ انتبه الصاحب بدر الدين فلم يجد أخاه فقام فزعا ووجد الباب الذي استطرق منه مفتوحا فقال: من هنا جاء الشر، فدخل منه وصعد الحائط فوجد نورا ساطعا من البيت فارتجم إلى السطح ونظر من دور القاعة فرآهما على تلك الحال والكأس في يد الشيخ وهو ينشد باحسن صورة:
سقاني خمرة من ريق فيه ... وحيا بالعذار وما يليه
وبات معانقي خدا بخد ... غزال في الأيام بلا شبيه
وبات البدر مطلع علينا ... سلوه لا ينم على أخيه
فكان من لطافة الصاحب بدر الدين أن قال: والله لا أنم عليكما وتركهما وانصرف.
ومن الاتفاقات الغريبة: ما نقل أن بعض الناس كان يهوى شخصا بديع الجمال يلقب ببدر الدين فاتفق انه توفي ليلة البدر، فلما أقبل الليل وتأمل البدر لم يتمالك محبة رؤيته من شدة الأسف والحزن وأنشد:
شقيقك غيب في لحده ... وتطلع يا بدر من بعده
فهلا كسفت وكان الكسوف ... لباس السواد على فقده
فكسف القمر من ساعته. فانظر إلى صدق هذه المحبة وتأثيرها في القمر وصدق من قال المحبة مغناطيس القلوب.
حكم الشاة الموطاة بكلب
روى شيخنا: بهاء الملة والدين أن أعرابيا سأل عليا فقال: إني رأيت كلبا وطأ شاة فأولدها ولدا فما حكم ذلك في الحل؟ فقال عليه السّلام: اعتبره في الأكل فإن أكل لحما فهو كلب وإن رأيته يأكل علفا فهو شاة. فقال الأعرابي: رأيته يأكل هذا تارة ويأكل هذه تارة. فقال: اعتبره في الشراب فإن كرع فهو شاة وإن ولغ فهو كلب، فقال الأعرابي: وجدته يلغ مرة ويكرع أخرى، فقال: اعتبره في المشي مع
الماشية فإن تأخر فهو كلب وأن تقدم أو توسط فهو شاة فقال: وجدته مرة هكذا ومرة هكذا. قال: اعتبره في الجلوس فإن برك فهو شاة وإن أقعا فهو كلب، فقال:(3/89)
روى شيخنا: بهاء الملة والدين أن أعرابيا سأل عليا فقال: إني رأيت كلبا وطأ شاة فأولدها ولدا فما حكم ذلك في الحل؟ فقال عليه السّلام: اعتبره في الأكل فإن أكل لحما فهو كلب وإن رأيته يأكل علفا فهو شاة. فقال الأعرابي: رأيته يأكل هذا تارة ويأكل هذه تارة. فقال: اعتبره في الشراب فإن كرع فهو شاة وإن ولغ فهو كلب، فقال الأعرابي: وجدته يلغ مرة ويكرع أخرى، فقال: اعتبره في المشي مع
الماشية فإن تأخر فهو كلب وأن تقدم أو توسط فهو شاة فقال: وجدته مرة هكذا ومرة هكذا. قال: اعتبره في الجلوس فإن برك فهو شاة وإن أقعا فهو كلب، فقال:
إنه يفعل هذا مرة وذاك أخرى. فقال: إذبحه فإن وجدت له كرشا فهو شاة وإن وجدت له أمعاء فهو كلب، فبهت الأعرابي عند ذلك من علم أمير المؤمنين عليه السّلام.
قصص في التعريض والتلميح
نقل: أن المنصور العباسي وعد الهذلي بجائزة سنية فحجا معا ومرا في المدينة النبوية ببيت عاتكة وكان من عادة الهذلي أن لا يكلم الخليفة إلا جوابا، فقال: يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة التي يقول فيها الأحوص:
يا بيت عاتكة التي أتغزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل
فأنكر عليه أمير المؤمنين ذلك لأنه خالف عادته وتكلم من غير أن يسأل فلما رجع الخليفة استدعى بديوان الأحوص ونظر في القصيدة إلى آخرها ليعلم ما أراد الهذلي فإذا فيها.
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فعلم انه أشار إلى هذا البيت فتذكر ما وعده فأنجزه له واعتذر له من النسيان.
أقول: وهذا نوع من أنواع البديع يسمى التلميح، وربما سماه بعضهم التلميح بتقديم الميم.
ونظير هذه الحكاية: ما نقل أيضا أن أبا العلاء المعري كان يتعصب للمتنبي وحضر يوما مجلس الشريف المرتضى فجرى ذكر أبي الطيب فتهضم المرتضى من جانبه فقال أبو العلاء: لو لم يكن له من الشعر إلا القصيدة التي أولها، «لك يا منازل في القلوب منازل» لكفاه شرفا وفضلا، فغضب المرتضى وأمر به فسحب وأخرج، فعوتب المرتضى في ذلك، فقال: أتدرون ما عنى بالبيت؟ قالوا: لا.
قال: إنما أراد أبا الطيب المتنبي في القصيدة.
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
ومن هذا القبيل: أيضا قصة السرى مع سيف الدولة بسبب المتنبي أيضا فإن
كلا منهما كان من مداح سيف الدولة وجرى يوما في مجلس سيف الدولة ذكر أبي الطيب فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه، فقال: السرى اشتهي أن الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده ويرسم لي بمعارضتها ليتحقق بذلك أنه أركب المتنبي في غير سرجه فقال له: سيف الدولة على الفور عارض لنا قصيدته التي مطلعها.(3/90)
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
ومن هذا القبيل: أيضا قصة السرى مع سيف الدولة بسبب المتنبي أيضا فإن
كلا منهما كان من مداح سيف الدولة وجرى يوما في مجلس سيف الدولة ذكر أبي الطيب فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه، فقال: السرى اشتهي أن الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده ويرسم لي بمعارضتها ليتحقق بذلك أنه أركب المتنبي في غير سرجه فقال له: سيف الدولة على الفور عارض لنا قصيدته التي مطلعها.
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحب ما لم يبق مني وما بقي
قال السري فكتبت القصيدة واعتبرتها في تلك الليلة فلم أجدها من مختارات أبي الطيب، فعلمت أن سيف الدولة، إنما قال: ذلك لنكتة ورأيت المتنبي يقول في آخرها في ممدوحه سيف الدولة.
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له الحق
فقلت: والله ما أشار سيف الدولة إلا لهذا البيت، فخجلت وأعرضت عن المعارضة. ومن هذا الباب ما يطول نقله.
بعض أحوال القمر بالنسبة إلى غروبه
فائدة: قال بعض الأعلام اعلم أن القمر يغرب على مضي نصف سبع الليل من أول ليلة من الشهر، وفي الثانية على سبع كامل، وفي الثالثة على سبع ونصف، وفي الرابعة على سبعين وقس على هذا. ويطلع ليلة خامس عشر على مضي سبع، وفي سادس عشر على سبع كامل، وفي سابع عشر على سبع ونصف، وفي ثامن عشر على سبعين وقس على هذا وإن ضربت ماضي ليالي النصف الأول من الشهر في أربعة واسقطت الخارج خمسة خمسة فلكل خمسة ساعة مضت من الليل عند غروب القمر إلى أربع عشرة ليلة من الشهر، وكذا ان ضربت الليالي الماضية من بعد أربع عشرة في أربعة واسقطت الخارج من الضرب خمسة خمسة حصل الماضي من الساعات الزمانية عند طلوع القمر وما بقي أقل من خمسة فهو أخماس ساعة، فإن بقي واحد فهو خمس ساعة وإن بقي إثنان فخمسا ساعة وهكذا.
أقول: الظاهر ان ما ذكره هذا البعض هو ما نقله جملة من أصحابنا منهم شيخنا الشهيد في الذكرى عن الجعفي من أصحابنا (رض) قال في الذكرى في بيان انتصاف الليل ومعرفته فانحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس، والجعفي اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين فإنه قال إنها مقسومة على ثلاث مئة
وأربعة وستين يوما لكل يوم منزل ثلاثة وعشرين يوما فيكون الفجر مثلا بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوما ثم ينتقل إلى ما بعده وهكذا، فإذا جعل القطب الشمالي بين الكتفين نظر ما على الرأس وبين العينين من المنازل فيعد منها إلى منزلة الفجر ثم يأخذ لكل منزلة نصف سبع قال: والقمر يغرب في ليلة الهلال على نصف سبع من الليل ثم يتزايد كذلك إلى ليلة أربع عشرة ثم يتأخر ليلة خمسة عشر نصف سبع وعلى هذا آخره، قال: وهذا تقريبي انتهى.(3/91)
أقول: الظاهر ان ما ذكره هذا البعض هو ما نقله جملة من أصحابنا منهم شيخنا الشهيد في الذكرى عن الجعفي من أصحابنا (رض) قال في الذكرى في بيان انتصاف الليل ومعرفته فانحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس، والجعفي اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين فإنه قال إنها مقسومة على ثلاث مئة
وأربعة وستين يوما لكل يوم منزل ثلاثة وعشرين يوما فيكون الفجر مثلا بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوما ثم ينتقل إلى ما بعده وهكذا، فإذا جعل القطب الشمالي بين الكتفين نظر ما على الرأس وبين العينين من المنازل فيعد منها إلى منزلة الفجر ثم يأخذ لكل منزلة نصف سبع قال: والقمر يغرب في ليلة الهلال على نصف سبع من الليل ثم يتزايد كذلك إلى ليلة أربع عشرة ثم يتأخر ليلة خمسة عشر نصف سبع وعلى هذا آخره، قال: وهذا تقريبي انتهى.
معرة النعمان: ينسب إليها أبو العلاء المعري الضرير المشهور بالذكاء ومن العجب أنه مع ذكائه اختفى عليه الموجودات التي ليست مجسمة كالجواهر الروحانية فاعتقد أن كل موجود مجسم حتى قال:
قالوا إله لنا قديم ... قلت لهم هكذا تقول
قالوا قديم بلا مكان ... قلت لهم أين هو فقولوا
هذا الكلام لنا خبا ... معناه ليس لنا عقول
وقال أيضا:
يد بخمس مئين عسجد فديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
فقال الرضوي الموسوي: رضي الله عنه.
صيانة النفس أغلتها وأرخصها ... صيانة المال فانظر حكمة الباري
وذكر: أنه في آخر عمره ثاب عن أمثال هذه المقالات واستغفر وحسن إسلامه.
للصاحب: بهاء الدين زهير في توبة الإفلاس:
قالوا فلان قد أتى تائبا ... واليوم قد صلى مع الناس
قلت متى كان وأنى له ... وكيف ينسى لذة الكأس
أمس بهذي العين شاهدته ... سكران بين الورد والآس
ورحت عن توبته سئلا ... وجدتها توبة أفلاس
الشريف ابن الهداية:
يقول أبي سعيد إذ رآني ... عفيفا منذ عام ما شربت
على يداي شيخ قل لي ... فقلت على يد الافلاس تبت(3/92)
يقول أبي سعيد إذ رآني ... عفيفا منذ عام ما شربت
على يداي شيخ قل لي ... فقلت على يد الافلاس تبت
من شعر الصفي الحلي في وصف الربيع
للصفي الحلي: في وصف الربيع.
من نفخة الصور أم من نفخة الصور ... أحييت يا ريح ميتا غير مقبور
أم من شذا نسمة الفردوس حين سرت ... على بلبل من الازهار ممطور
أم روض وسمك أعدا عطر نفحته ... طي النسيم بنشر غير منشور
والريح قد اطلعت فضل العنان به ... والغصن ما بين تقديم وتأخير
في روضة نصبت أغصانها وغدا ... دل الصبابين مرفوع ومجرور
والماء ما بين مصروف وممتنع ... والظل ما بين ممدود ومقصور
والريح تجري رخاء فوق بحرتها ... وماء مطلق في زي مأسور
قد جمعت جمع تصحيح جوانبها ... والماء يجمع فيها جمع تكسير
والريح ترقم في أمواجه شبكا ... والغيم يرسم أنواع التصاوير
والنرجس الغض لم تغضض نواظره ... فزهره بين منفض ومزرور
كأنه ذهب من فوق أعمدة ... من الزمرد في أوراق كافور
والأقحوان زها بين البهار بها ... مثل الدراهم ما بين الدنانير
وزامر القوم يطوينا وينشرنا ... بالنفح في النائي لا بالنفح في الصور
وقد ترنم شاد صوته غرد ... كأنه ناطق من حلق شحرور
شاد أنامله ترضى الأنام له ... إذا شذا وأجاب اليم بالزير
وله: عطر الله مرقده ونور ضريحه:
فيروزج الصبح أم ياقوته الشفق ... بدهت وهيجت الورقاء في الورق
أم صام الشرق لما لاح مختضبا ... لما بدا السيف محمرا من العلق
ومالت القضب إذ مر النسيم بها ... سكرى كما نبه الوسنان من أرق
والغيم قد نشرت في الجو بردته ... سترا تمد حواشيه على الأفق
والسحب تبكي وثغر البرق مبتسم ... والطير يسجع من تيه ومن شبق
فالطير في طرب والسحب في حرب ... والماء في هرب والغصن في قلق
وكلل الطل أوراق الغصون ضحى ... كما تكلل خد الخود بالعرق
وأطلق الطير فيها سجع منطقه ... ما بين مختلف فيه ومتفق
والظل يسوق بين الدوح خطوته ... وللمياه دبيب غير مسترق
وقد بدا الورد مفترا مباسمه ... والنرجس الغض فيها شاخص الحدق
من أحمر ساطع أو أخضر نضر ... أو أصفر فاقع أو أبيض يفق
وفاح من أرج الأزهار طيب شذا ... نشر تعطر منه كل منتشق
كأن ذكر رسول الله مر بها ... فأكسيت أرجا من نشره العبق(3/93)
فيروزج الصبح أم ياقوته الشفق ... بدهت وهيجت الورقاء في الورق
أم صام الشرق لما لاح مختضبا ... لما بدا السيف محمرا من العلق
ومالت القضب إذ مر النسيم بها ... سكرى كما نبه الوسنان من أرق
والغيم قد نشرت في الجو بردته ... سترا تمد حواشيه على الأفق
والسحب تبكي وثغر البرق مبتسم ... والطير يسجع من تيه ومن شبق
فالطير في طرب والسحب في حرب ... والماء في هرب والغصن في قلق
وكلل الطل أوراق الغصون ضحى ... كما تكلل خد الخود بالعرق
وأطلق الطير فيها سجع منطقه ... ما بين مختلف فيه ومتفق
والظل يسوق بين الدوح خطوته ... وللمياه دبيب غير مسترق
وقد بدا الورد مفترا مباسمه ... والنرجس الغض فيها شاخص الحدق
من أحمر ساطع أو أخضر نضر ... أو أصفر فاقع أو أبيض يفق
وفاح من أرج الأزهار طيب شذا ... نشر تعطر منه كل منتشق
كأن ذكر رسول الله مر بها ... فأكسيت أرجا من نشره العبق
فيما ورد في صوت الحمام
غناء الحمايم: قالوا إن صوت الحمام يسمى الهدير بالراء والهديل باللام واختلفوا فيه هل هو بكاء أم غناء وغير ذلك، فمنهم من جعله بكاء وزعم أنها تبكي على فرخ لها صاده جارح على عهد نوح عليه السّلام وما من جماعة إلا وهي تندبه وتبكي عليه إلى يوم القيامة، واسم هذا الطائر المذكور الهديل، وله ذكر في كلام العرب، أنشد الشيخ جمال الدين بن مالك في شواهد العربية قول الشاعر:
على إنني عند مما قد مضى ... من الهجر عشرون حولا كميلا
يذكر نيك حنين العجول ... وصوت الحمامة تدعو هديلا
وقال نصيب:
فقلت أتبكي ذات طوق تذكرت ... هديلا وقد أودى وما كان تبع
ومنهم من جعله غناء، قال أبو شيبة الجرمي:
ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... على الأيك ماذا هيجت حين غنت
تغنت غناء أعجميا فهيجت ... من الشوق ما كانت ضلوعي أجنت
ومنهم من توقف فيه فلم يدر ما هو كابن المعتز حيث يقول:
بشر بالصبح طائرا هتفا ... مسترقيا للجدار مشترفا
مذكر بالصبوح صباح لنا ... كخاطب فوق منبر وقفا
أما ارتياحه لسنا ... الصبح وأما على الدجى أسفا
وقال الشيخ صفي الدين الحلي:
تم بنشر الروض حنق الرياح ... ونبه الورق نسيم الصباح
وقام في الدوح لنعي الدجى ... حمائم تنظرنا بالصياح
مذ ولد الصبح ومات الدجى ... صحت فلم ندر غنى أم نواح
وقال بعضهم: والذي يظهر لي والله أعلم أن ذلك يختلف باختلاف السامع فتارة يسمعه الخلي فيطرب ويسميه غناء وتارة يسمعه المشوق فيحزن ويسميه بكاء وقد صرح بذلك الوزير أبو نصر أحمد بن يوسف الماري حيث قال:(3/94)
لقد عرض الحمام لنا بسجع ... إذا أصغى لنا ركب تلاحا
هفي قلب الخلي فقيل غنى ... وبرح بالشجي فقيل ناحا
هذا ما عليه مدار الشعراء وأمراء الكلام لا يخرج شيء في غالب نظمهم ونثرهم عن هذه الأقسام.
لابن المعتز:
وصوت حمامة سجعت بليل ... وقد حنت إلى إلف بعيد
فما زلنا نقول لها أعيدي ... وللساقي الأهل من مزيد
بدر الدين يوسف الذهبي:
أبدى حمام الايك شجوا فناح ... ولم يطق كتمان وجد فباح
أعرب عن اشجانه سحرة ... فصاح عن ألحان شوق فصاح
وليس من ناح على أيكة ... كمن غدا من دمعه في نياح
وهبه قد قاسمني ما ألاقيه ... من الوجد وطول النياح
اليس اني قد كتمت الذي ... ما بي من سكر هوى وهو باح
ماذا على طائر أيك الحما ... تبليغ ما بي من جوى والنياح
وما عليه من جناح إذا ... أعارني نحو جناحي جناح
لنا حديث يا حمام الحما ... توضحه الأشجان أي اتضاح
الفت غصنا وأنا في الهوى ... فقدت غصنا فوطأنا النواح
فهات طارحني فكل غدا ... منا على غصن تغنى وصاح
حكاية الأصمعي مع الملك
نقل: أن بعض الخلفاء كان يحفظ الشعر ممن سمعه مرة وعنده مملوك يحفظه من سمعه مرتين وجارية تحفظه من ثلاث مرات وكان بخيلا جدا، فكان الشاعر إذا أتاه بقصيدة قال له: ان كانت مطروقة بأن يكون أحد منا يحفظها فاعلم أنها ليست لك فلا أعطيك جائزة وإن لم يكن أحد يحفظها فلك وزن ما هي فيه مكتوبة فيقرأ الشاعر القصيدة فيحفظها الملك ويقرأها، ثم يقول الملك: وهذا المملوك يقرأها وقد سمعها مرة من الشاعر ومرة من الخليفة، ثم يقول وهذه الجارية تحفظها وقد سمعتها الجارية مرة من الشاعر ومرة من الخليفة ومرة من المملوك فتقرأها بحروفها ويترك الشاعر بغير شيء، وكان الأصمعي من ندمائه وجلسائه فنظم أبياتا مستصعبة ونقشها على اسطوانة ولفها في ملاء وجعلها على
ظهر بعير ولبس جوخة بدوية ومفرجة من قدام وضرب لثاما لم تبن غير عينيه وجاء إلى الخليفة وقال: إني مدحت أمير المؤمنين بقصيدة. فقال: يا أخا العرب إن كانت لغيرك لا نعطيك لها جائزة وإلا نعطيك زنة ما هي فيه قال: قد رضيت وأنشد يقول:(3/95)
نقل: أن بعض الخلفاء كان يحفظ الشعر ممن سمعه مرة وعنده مملوك يحفظه من سمعه مرتين وجارية تحفظه من ثلاث مرات وكان بخيلا جدا، فكان الشاعر إذا أتاه بقصيدة قال له: ان كانت مطروقة بأن يكون أحد منا يحفظها فاعلم أنها ليست لك فلا أعطيك جائزة وإن لم يكن أحد يحفظها فلك وزن ما هي فيه مكتوبة فيقرأ الشاعر القصيدة فيحفظها الملك ويقرأها، ثم يقول الملك: وهذا المملوك يقرأها وقد سمعها مرة من الشاعر ومرة من الخليفة، ثم يقول وهذه الجارية تحفظها وقد سمعتها الجارية مرة من الشاعر ومرة من الخليفة ومرة من المملوك فتقرأها بحروفها ويترك الشاعر بغير شيء، وكان الأصمعي من ندمائه وجلسائه فنظم أبياتا مستصعبة ونقشها على اسطوانة ولفها في ملاء وجعلها على
ظهر بعير ولبس جوخة بدوية ومفرجة من قدام وضرب لثاما لم تبن غير عينيه وجاء إلى الخليفة وقال: إني مدحت أمير المؤمنين بقصيدة. فقال: يا أخا العرب إن كانت لغيرك لا نعطيك لها جائزة وإلا نعطيك زنة ما هي فيه قال: قد رضيت وأنشد يقول:
صوت صفير البلبل ... هيج قلب الثمل
والماء والزهر معا ... مع زهر لحظ المقل
وأنت يا سيدي ... وسؤددي وموئلي
وكم وكم يتمنى ... غزيل عقنقلي
قطفت من وجنته ... بالوهم ورد الحجل
وقلت بس بس بسني ... فلم يجد بالقبل
وقال لا لا لللا ... وقد غدى مهرول
وفتية سقونني ... قهيوة كالعسل
شممتها في أنفف ... أذكى من القرنفل
في بستان حسن ... بالزهر والسرو للي
والعود دندن ددن ... والطبل طبطب طبل
والرقص أرطب طططب ... والشفق شقشق شقلي
شووا شوا شو شوا ... على ورق السفرجل
وغرد القمري يصيح ... من مللي من ملي
فلو تراني راكبا ... على حمار أعزل
أمنتي على ثلاثة ... كمشية العرنجل
والناس ترجمني ... بالسوق بالقلللي
والكل كعكعكع ... خلفي ومن حولي
لكن مشيت هاربا ... من خشية في عقللي
إلى لقاء ملك ... معظم مبجل
يأمرني بخلعة ... حمراء كالدململ
أجر فيها مأربا ... ينعدد كالدللي
فلم يحفظها الخليفة لصعوبتها ونظر إلى المملوك ونظر إلى الجارية فلم يحفظ أحد منهما لأنه لم يسمعها إلا مرة واحدة، فقال الخليفة: يا أخا العرب هات التي هي مكتوبة فيه حتى نعطيك زنته. فقال: يا مولانا إني لم أجد ورقا أكتب
فيه وكانت عندي قطعة عمود رخام من عهد أبي وهي ملقاة في الدار ليست لي بها حاجة فنقشتها فيها، فلم يسمع الخليفة إلا أن أعطاه زنتها ذهبا فنفذ جميع ما في خزانته من المال فأخذه وانصرف، فلما ولى قال: يغلب على ظني أن هذا الأصمعي فأحضره وكشف عن وجهه فإذا هو الأصمعي.(3/96)
صوت صفير البلبل ... هيج قلب الثمل
والماء والزهر معا ... مع زهر لحظ المقل
وأنت يا سيدي ... وسؤددي وموئلي
وكم وكم يتمنى ... غزيل عقنقلي
قطفت من وجنته ... بالوهم ورد الحجل
وقلت بس بس بسني ... فلم يجد بالقبل
وقال لا لا لللا ... وقد غدى مهرول
وفتية سقونني ... قهيوة كالعسل
شممتها في أنفف ... أذكى من القرنفل
في بستان حسن ... بالزهر والسرو للي
والعود دندن ددن ... والطبل طبطب طبل
والرقص أرطب طططب ... والشفق شقشق شقلي
شووا شوا شو شوا ... على ورق السفرجل
وغرد القمري يصيح ... من مللي من ملي
فلو تراني راكبا ... على حمار أعزل
أمنتي على ثلاثة ... كمشية العرنجل
والناس ترجمني ... بالسوق بالقلللي
والكل كعكعكع ... خلفي ومن حولي
لكن مشيت هاربا ... من خشية في عقللي
إلى لقاء ملك ... معظم مبجل
يأمرني بخلعة ... حمراء كالدململ
أجر فيها مأربا ... ينعدد كالدللي
فلم يحفظها الخليفة لصعوبتها ونظر إلى المملوك ونظر إلى الجارية فلم يحفظ أحد منهما لأنه لم يسمعها إلا مرة واحدة، فقال الخليفة: يا أخا العرب هات التي هي مكتوبة فيه حتى نعطيك زنته. فقال: يا مولانا إني لم أجد ورقا أكتب
فيه وكانت عندي قطعة عمود رخام من عهد أبي وهي ملقاة في الدار ليست لي بها حاجة فنقشتها فيها، فلم يسمع الخليفة إلا أن أعطاه زنتها ذهبا فنفذ جميع ما في خزانته من المال فأخذه وانصرف، فلما ولى قال: يغلب على ظني أن هذا الأصمعي فأحضره وكشف عن وجهه فإذا هو الأصمعي.
قصة أبي نؤاس مع الرشيد
من ظرائف أبي نؤاس: إنه بات عند الرشيد ذات ليلة ومحبوبة الرشيد عنده، فلما أرادوا النوم استأذن أبو نؤاس للإنصراف فلم يأذن له، ونام الرشيد وقال لأبي نؤاس: أدخل تحت رجلي السرير، فقال: لا أستطيع، فقال: لا بد من ذلك، ففعل وانحصر حصرا عظيما، وقال في نفسه: كيف يأخذني نوم على هذه الحالة، وربما كان بين أمير المؤمنين ومحبوبته ما كان ويدري اني غير نائم فلا يحصل لي بسبب ذلك خير، وربما كان الأمر كذلك فانها راودت أمير المؤمنين فامتنع وقال:
ليس في الليلة قابلية على ذلك، فقالت: لا بد من ذلك فإن لم يدخل أمير المؤمنين صبيحة غد الحمام وإلا ينقص مقامي من بين الجواري فقال: إن كان ولا بد من ذلك فكوني أنت من فوق فإني قد غلب علي الشراب ولا أستطيع الحركة، ففعلت ذلك وأبو نؤاس لم تغف عينيه، ولم يهجع وهو يظهر النوم خوفا من أمير المؤمنين، فلما كان من أمرهما ما كان ونزلت من فوقه فأراد الخليفة أن يعلم هل هو نائم أو يقظان، فقال: يا أبا نؤاس قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: ما الوقت وهذا الأذان قريب أم بعيد؟ فقال: سل يا أمير المؤمنين الذي نزل من أعلى المأذنة، فضحك الخليفة فقال: أنا والله علمت انه لم يكن لنا به حاجة.
امتحان الناصر وزيره أبا عامر في هداياه
حكى: أن الوزير أبا عامر أحمد بن أبي مروان عبد الملك بن عمر بن عيسى كان أهدى إليه غلاما من النصارى لا تقع العيون على أحسن منه، فلمحه الناصر فقال: انى لك هذا؟ قال: هو من عند الله فقال: تتحفوننا بالنجوم وتستأثرون بالقمر! فاستعذر واحتفل في هدية بعثها إليه مع الغلام وقال له: كن داخلا في جملة الهدية ولولا الضرورة ما سمحت بك نفسي وكتب معه:
أمولاي هذا البدر سار لأفقكم ... وللافق أولى للبدور من الأرض
وأرضيكم بالنفس وهي نفيسة ... ولم أر قبلي من بمهجته يرضى
فحسن ذلك عند الملك وتمكنت عنده مكانته، ثم أهديت بعد ذلك جارية للوزير من أجمل نساء الدنيا فخاف أن ينمي ذلك إلى الناصر فيطلبها فتكون كقضية الغلام فاحتفل في هدية أعظم من الأولى وأرسلها مع الجارية وكتب معها:(3/97)
أمولاي هذا البدر سار لأفقكم ... وللافق أولى للبدور من الأرض
وأرضيكم بالنفس وهي نفيسة ... ولم أر قبلي من بمهجته يرضى
فحسن ذلك عند الملك وتمكنت عنده مكانته، ثم أهديت بعد ذلك جارية للوزير من أجمل نساء الدنيا فخاف أن ينمي ذلك إلى الناصر فيطلبها فتكون كقضية الغلام فاحتفل في هدية أعظم من الأولى وأرسلها مع الجارية وكتب معها:
أمولاي هذي الشمس والبدر أولا ... تقدم كيما يلتقي القمران
قران لعمري بالسعادة ناطق ... فدم منهما في كوثر وجنان
فما لهما والله في الحسن ثالث ... ولا لك في كل البرية ثاني
فتضاعفت مكانته عنده ثم وشى به بعض الأعادي عند الملك وقال: إنه بقيت في نفسه من الغلام حزازة وإنه لا يزال يلمح بذكره حين تحركه الشمول ويقرع السن على تعذر الوصول إليه. فقال الملك: للواشي لا تحرك به لسانك وإلا طار رأسك، وعمل الملك حيلة فكتب على لسان الغلام رقعة فيها يا مولاي تعلم أنك كنت لي على انفراد ولم أزل معك في نعيم وأنا وإن كنت عند السلطان مشارك في المنزلة مجاور ما يبدو من سطوة الملك فتحيل في استدعائي منه، وبعثها له مع غلام صغير السن وأوصاه أن يقول له هي من عند فلان وإن الملك لم يكلمه قط، فلما وقف أبو عامر على الرسالة واستخبر الخادم أحس بالشر وكتب على ظهر الرقعة:
أمن بعد أحكام التجارب ينبغي ... لدي سقط المعير في غابة الأسد
وما أنا ممن يغلب الحب عقله ... ولا جاهل ما يدعيه أولو الحسد
فإن كنت روحي قد وهبتك طائعا ... وكيف ترد الروح ان فارق الجسد
فلما وقف الناصر على الجواب تعجب من فطنته ولم يعد إلى استماع واش به ودخل عليه بعد ذلك فقال له: كيف خلصت من الشرك؟ فقال: لأن عقلي بالهوى غير مشترك.
ما جرى لبعض الصحابة عند موتهم
من كتاب معالم الزلفى: للمحدث العلامة السيد هاشم البحراني الديلي مرفوعا إلى عبد الرحمن بن أغتم الأزدي حين مات معاذ بن جبل وكانت بنته تحت معاذ بن جبل وكان أفقه أهل الشام واشدهم اجتهادا، قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون فشهدته يوم مات والناس متشاغلون بالطاعون، قال: فسمعته حين احتضر وليس معه في البيت غيري وذلك في خلافة عمر بن الخطاب فسمعته يقول: ويل لي. فقلت: في نفسي أصحاب الطاعون يهذون ويقولون الأعاجيب فقلت له:
أتهذي؟ قال: لا. قلت تدعو بالويل والثبور؟ فقال: لممالاتي عدو الله على ولي الله، قلت له من هم؟ فقال: ممالاتي عتيقا وعمرا على خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ووصيه علي بن أبي طالب. قلت: إنك لتهجر. فقال: يابن أغتم هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وعلي بن أبي طالب يقولان أبشر بالنار أنت وأصحابك أفليس قلتم ان مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم زوينا بالخلافة عن علي بن أبي طالب فلن يصل إليك فاجتمعت أنا وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم. قال: قلت: متى يا معاذ؟ قال: في حجة الوداع. قلت: لهم أنا أكفيكم قومي الأنصار واكفوني قريشا، ثم دعوت قومي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على هذا الذي قلت فعاهدني عليه بشر بن سعد وأسيد بن الحصين فبايعاني على ذلك. فقلت: يا معاذ إنك لتهجر فألصق خده بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتى مات. قال: ابن أغتم ما حدثت بهذا الحديث غير قيس بن هلال أحدا إلا إبنتي إمرأة معاذ ورجلا آخر، فإني فرغت مما رأيت وسمعت من معاذ قال: ولقيت الذي غمض أبو عبيدة وسالما فأخبراني انه جرى لهما كذلك عند موتهما لم يزد فيه وينقص حرفا واحدا مثلما قال معاذ بن جبل.(3/98)
من كتاب معالم الزلفى: للمحدث العلامة السيد هاشم البحراني الديلي مرفوعا إلى عبد الرحمن بن أغتم الأزدي حين مات معاذ بن جبل وكانت بنته تحت معاذ بن جبل وكان أفقه أهل الشام واشدهم اجتهادا، قال: مات معاذ بن جبل بالطاعون فشهدته يوم مات والناس متشاغلون بالطاعون، قال: فسمعته حين احتضر وليس معه في البيت غيري وذلك في خلافة عمر بن الخطاب فسمعته يقول: ويل لي. فقلت: في نفسي أصحاب الطاعون يهذون ويقولون الأعاجيب فقلت له:
أتهذي؟ قال: لا. قلت تدعو بالويل والثبور؟ فقال: لممالاتي عدو الله على ولي الله، قلت له من هم؟ فقال: ممالاتي عتيقا وعمرا على خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ووصيه علي بن أبي طالب. قلت: إنك لتهجر. فقال: يابن أغتم هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وعلي بن أبي طالب يقولان أبشر بالنار أنت وأصحابك أفليس قلتم ان مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم زوينا بالخلافة عن علي بن أبي طالب فلن يصل إليك فاجتمعت أنا وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم. قال: قلت: متى يا معاذ؟ قال: في حجة الوداع. قلت: لهم أنا أكفيكم قومي الأنصار واكفوني قريشا، ثم دعوت قومي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على هذا الذي قلت فعاهدني عليه بشر بن سعد وأسيد بن الحصين فبايعاني على ذلك. فقلت: يا معاذ إنك لتهجر فألصق خده بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتى مات. قال: ابن أغتم ما حدثت بهذا الحديث غير قيس بن هلال أحدا إلا إبنتي إمرأة معاذ ورجلا آخر، فإني فرغت مما رأيت وسمعت من معاذ قال: ولقيت الذي غمض أبو عبيدة وسالما فأخبراني انه جرى لهما كذلك عند موتهما لم يزد فيه وينقص حرفا واحدا مثلما قال معاذ بن جبل.
قال سليم: حدثت بحديث ابن أغتم هذا كله محمد بن أبي بكر فقال أكتم علي واشهد أن أبي قد قال: بعد موته مثل مقالتهم. فقالت: عائشة ان أبي يهجر قال: ولقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان وحدثته بما سمعت من أبي عند موته وأخذت عليه العهد والميثاق ليكتم علي، فقال لابن عمر أكتم علي فو الله لقد قال أبي مثل مقالة أبيك ما زاد ولا نقص، ثم تداركها عمر بعد وتخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب عليه السّلام لما علم من حبي له وانقطاعي إليه. فقال: إنما كان يهجر فأتيت أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبرته بما سمعت من أبي وما حدثني ابن عمر قال علي عليه السّلام قد حدثني بذلك عن أبيك وعن أبيه وعن أبي عبيدة وسالم وعن معاذ من هو أصدق منك ومن ابن عمر فقلت: ومن ذاك يا أمير المؤمنين؟
فقال: من حدثني، فعرفت ما عنى فقلت: صدقت ما ظننت أن نسي حدثك وما شهد أبي وهو يقول ذلك غيري.
قال سليم: قلت: لابن أغتم مات بالطاعون فبما مات أو عبيدة؟ فقال:
بالدبيلة فلقيت محمد بن أبي بكر، فقلت: هل شهد موت أبيك غير أخيك عبد الرحمن وعائشة وعمر؟ قال: لا. قلت: وسمعوا منه ما سمعت. قال: سمعوا منه طرفا فبكوا، وقالوا: يهجر، فأما كلما سمعت فلا. قلت: فالذي سمعوا ما هو؟، قال: دعى إلى النار فأدخل. قال عمر: يا خليفة رسول الله لم تدعو بالويل
والثبور؟، قال: هذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم مع علي عليه السّلام يبشراني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة وهو يقول: قد وفيت بها وظاهرت على ولي الله فأبشر أنت وربعك بالنار في أسفل السافلين، فلما سمعها عمر خرج وهو يقول:(3/99)
بالدبيلة فلقيت محمد بن أبي بكر، فقلت: هل شهد موت أبيك غير أخيك عبد الرحمن وعائشة وعمر؟ قال: لا. قلت: وسمعوا منه ما سمعت. قال: سمعوا منه طرفا فبكوا، وقالوا: يهجر، فأما كلما سمعت فلا. قلت: فالذي سمعوا ما هو؟، قال: دعى إلى النار فأدخل. قال عمر: يا خليفة رسول الله لم تدعو بالويل
والثبور؟، قال: هذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم مع علي عليه السّلام يبشراني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة وهو يقول: قد وفيت بها وظاهرت على ولي الله فأبشر أنت وربعك بالنار في أسفل السافلين، فلما سمعها عمر خرج وهو يقول:
إنه ليهجر قال: لا والله ما أهجر اين تذهب؟ قال عمر: كيف لا تهجر وأنت ثاني اثنين في الغار! قال: آه وأيضا ألم أحدثك أن محمدا ولم يقل رسول الله قال لي وأنا في الغار: إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر. فقلت: أرنيها فمسح يده على وجهي فنظرت إليها فأضمرت عند ذلك أنه ساحر وذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك إنه ساحر، فقال عمر: يا هؤلاء ان أبا بكر يهذي فاخبوه واكتموا ما تسمعون منه لئلا يشمت بكم أهل البيت، ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوضأ للصلاة فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا، فقلت له لما خلوت به: قل لا إله إلا الله قال: لا أقولها ولا أقدر عليها أبدا حتى أرد النار فأدخل التابوت، فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر فقلت: أي تابوت؟ فقال:
تابوت من نار مقفل بقفل من نار فيه اثنى عشر رجلا أنا وصاحبي هذا قلت: عمر؟
قال: نعم. قل له عني إنه في جب من جهنم عليه صخرة. قلت: تهذي؟. قال:
لا والله ما أهذي لعن الله ابن صهاك هو الذي أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين، ثم ألصق خده بالأرض فألصقت خدي بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتى غمضته ثم دخل عمر علي فقال: هل حدثك بعدنا شيئا؟ فحدثته؟
فقال عمر رحم الله خليفة رسول الله أكتم هذا كله فإن هذا كله هذيان وأنت من أهل بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم. قالت عائشة: صدقت، ثم قال لي عمر:
اياك أن يخرج منك شيء مما سمعت فيشمت بي أبي طالب وأهل بيته. قال:
قلت: لمحمد من تراه حدث أمير المؤمنين عليه السّلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إنه يراه في كل ليلة في المنام ويحدثه في المنام مثلما يحدثه في اليقظة والحياة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في النوم ولا اليقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة».
فقلت لمحمد: ومن حدثك بهذا؟ فقال: علي عليه السّلام. قلت: سمعته أيضا منه وقلت: لمحمد فملك من الملائكة حدثه؟ قال: أو كذلك، قلت: فهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: أما تقرأ كتاب الله: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث قلت: فأمير المؤمنين محدث قال: نعم وفاطمة محدثة ولم تكن نبية وسارة وكانت تعاين الملائكة فبشروها بإسحق ومن وراء اسحق يعقوب.
قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر ونعي عزيت أمير المؤمنين وخلوت به فحدثته بما أخبرني به محمد بن أبي بكر وبما حدثني به ابن أغتم قال:(3/100)
فقلت لمحمد: ومن حدثك بهذا؟ فقال: علي عليه السّلام. قلت: سمعته أيضا منه وقلت: لمحمد فملك من الملائكة حدثه؟ قال: أو كذلك، قلت: فهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: أما تقرأ كتاب الله: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث قلت: فأمير المؤمنين محدث قال: نعم وفاطمة محدثة ولم تكن نبية وسارة وكانت تعاين الملائكة فبشروها بإسحق ومن وراء اسحق يعقوب.
قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر ونعي عزيت أمير المؤمنين وخلوت به فحدثته بما أخبرني به محمد بن أبي بكر وبما حدثني به ابن أغتم قال:
صدقت محمد صلى الله عليه وآله وسلّم أما إنه شهيد حي مرزوق، يا سليم إني وأوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي أئمة هدى محدثون قلت: يا أمير المؤمنين ومن هم، قال: ابني الحسن ثم الحسين ثم ابني هذا وأخذ بعضد علي بن الحسين وهو رضيع ثم ثمانية من ولده واحدا بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم {وَوََالِدٍ وَمََا وَلَدَ} يعني هؤلاء الأحد عشر وصيا صلوات الله عليهم. قلت: يا أمير المؤمنين، أيجتمع امامان قال: لا إلا واحدهما صامت لا ينطق حتى يهلك الأول.
وروي: في مقتل عمر بن الخطاب عن ابن عباس وكعب الأحبار والحديث طويل وفيه: إنه قال عبد الله بن عمر: ولما دنت وفاة أبي كان يغمى عليه تارة ويفيق أخرى، فلما أفاق، قال: يا بني أدركني بعلي بن أبي طالب قبل الموت.
فقلت: وما تصنع بعلي بن أبي طالب وقد جعلتها شورى وأشركت معه غيره قال:
يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: في النار تابوت يحشر فيه إثنى عشر رجلا من أصحابي، ثم التفت إلى أبي بكر وقال: احذر أن تكون أولهم، ثم التفت إلى معاذ ابن جبل وقال: اياك يا معاذ أن تكون الثاني، ثم قال: اياك يا عمر أن تكون الثالث، وقد أغمى علي يا بني ورأيت التابوت وليس فيه إلا أبو بكر ومعاذ بن جبل وأنا الثالث لا شك فيه.
قال عبد الله: فمضيت إلى علي بن أبي طالب، وقلت: يا بن عم رسول الله إن أبي يدعوك لأمر قد أحزنه فقام علي عليه السّلام فلما دخل عليه قال: يا بن عم رسول الله أما تعفو عني وتحللني عنك وعن زوجتك فاطمة وأسلم لك الخلافة؟
فقال له علي عليه السّلام: نعم غير انك تجمع المهاجرين والأنصار وأعطى الحق الذي خرجت عليه من ملكه وما كان بينك وبين صاحبك من معاهدتنا وأقر لنا بحقنا فأعفو عنك واحلك واضمن لك عن إبنة عمي فاطمة.
قال عبد الله: فلما سمع أبي حول وجهه إلى الحائط وقال: النار يا أمير المؤمنين ولا العار، فقام علي عليه السّلام وخرج من عنده فقال له ابنه: لقد أنصفك الرجل يا أبت فقال له: يا بني إنه أراد أن ينشر أبا بكر من قبره ويضرم له ولأبيك النار وتصبح قريش موالين لعلي بن أبي طالب، والله لا كان ذلك ابدا. ثم قال علي: لعبد الله بن عمر ناشدتك الله يا عبد الله بن عمر ما قال لك أبوك حين خرجت من عنده؟ قال: أما إذا ناشدتني الله ما قال لي بعدك، فإنه قال لي: أن
أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء ويقيمهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم.(3/101)
قال عبد الله: فلما سمع أبي حول وجهه إلى الحائط وقال: النار يا أمير المؤمنين ولا العار، فقام علي عليه السّلام وخرج من عنده فقال له ابنه: لقد أنصفك الرجل يا أبت فقال له: يا بني إنه أراد أن ينشر أبا بكر من قبره ويضرم له ولأبيك النار وتصبح قريش موالين لعلي بن أبي طالب، والله لا كان ذلك ابدا. ثم قال علي: لعبد الله بن عمر ناشدتك الله يا عبد الله بن عمر ما قال لك أبوك حين خرجت من عنده؟ قال: أما إذا ناشدتني الله ما قال لي بعدك، فإنه قال لي: أن
أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء ويقيمهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم.
قال يابن عمر: فما قلت له: عند ذلك؟ قال: قلت له فما يمنعك أن تستخلفه؟.
قال: وما رد عليك؟ قال: ما رد علي أكتمه قال علي عليه السّلام: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أخبرني في حياته ثم أخبرني ليلة وفاته فأنشدتك الله يابن عمر إن أنا أخبرتك به لتصدقني؟ قال: إذا سألت قال لك حين قلت له: فما يمنعك أن تستخلفه قال:
يمنعني الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد في الكعبة، فسكت ابن عمر فقال له علي عليه السّلام: سألتك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لما سكت عني.
قال سليم: رأيت ابن عمر في ذلك المحل قد خنقته العبرة ودمعت عيناه ثم إن عمر تأوه ساعة ومات آخر ليلة التاسع من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وقيل لأربع بقين من ذي الحجة من السنة المذكورة، والأصح الأول، وله يومئذ ثلاث وسبعون سنة.
قاعدة في النجوم
فائدة: قال شيخنا المجلسي قدس الله سره: في كتاب البحار والجعفي (ره) جعل بناء استعلام زوال الليل تارة على منازل القمر المعروفة بين العرب، ولعله حمل الخبر عليه، وتارة على غروب القمر وطلوعه أما الأول فلأن العرب قسموا مدار القمر ثمانية وعشرون قسما وضبطوا حدود تلك الأقسام بكواكب وسموها منازل القمر، وهي التي اشتملت عليها هذه الأبيات بالفارسية، ثم نقل أبياتا تتضمن عدد المنازل الثمانية والعشرين بالفارسية ونحن ننقلها كما نظمها بعضهم بالعربية وهو قوله:
شرطنا بطينا للثريا بادبار بهقعة ... هنع ذرعها فصل أزهار
نثرنا لطرف الجبهة الزبرة التي ... صرفنا لعوا سمكها صيفها النار
غفرنا زبان اكليل قلب لشولة ... لغايم بلد للخريف فكن داري
ذبحنا بلعنا سعدنا في جنائنا ... فقدم وآخر بطن حوت شتا طاري
ثم قال قدس الله سره: ومدة قطع الشمس تلك المنازل ثلاثمئة وخمسة وستون يوما وشيئا، فإذا قسمت على المنازل يقع بازاء كل منزلة ثلاثة عشر يوما وشيء فإذا حصل الاطلاع على منزل الشمس من تلك المنازل يمكن استخراج ما مضى من الليل وما بقي منه بملاحظة المطالع والمنحدر والمغارب من تلك المنازل تقريبا بادنى تأمل، إذ عند غروب الشمس يكون المنزل السابع من المنزل الذي فيه
الشمس على نصف النهار والرابع عشر على المشرق، وفي كل نصف سبع من الليل تتفاوت بقدر منزل، فيكون التفاوت في ربع الليل بقدر ثلاثة منازل ونصف وفي نصف الليل بقدر سبعة منازل، وعلى هذا القياس أيضا تقريبي لاختلاف مدار الشمس والقمر وجهات أخر، فلو حملنا الخبر عليه حملنا النجوم على نجوم المنزل يكون مقابلا للمنزل الذي فيه الشمس.(3/102)
شرطنا بطينا للثريا بادبار بهقعة ... هنع ذرعها فصل أزهار
نثرنا لطرف الجبهة الزبرة التي ... صرفنا لعوا سمكها صيفها النار
غفرنا زبان اكليل قلب لشولة ... لغايم بلد للخريف فكن داري
ذبحنا بلعنا سعدنا في جنائنا ... فقدم وآخر بطن حوت شتا طاري
ثم قال قدس الله سره: ومدة قطع الشمس تلك المنازل ثلاثمئة وخمسة وستون يوما وشيئا، فإذا قسمت على المنازل يقع بازاء كل منزلة ثلاثة عشر يوما وشيء فإذا حصل الاطلاع على منزل الشمس من تلك المنازل يمكن استخراج ما مضى من الليل وما بقي منه بملاحظة المطالع والمنحدر والمغارب من تلك المنازل تقريبا بادنى تأمل، إذ عند غروب الشمس يكون المنزل السابع من المنزل الذي فيه
الشمس على نصف النهار والرابع عشر على المشرق، وفي كل نصف سبع من الليل تتفاوت بقدر منزل، فيكون التفاوت في ربع الليل بقدر ثلاثة منازل ونصف وفي نصف الليل بقدر سبعة منازل، وعلى هذا القياس أيضا تقريبي لاختلاف مدار الشمس والقمر وجهات أخر، فلو حملنا الخبر عليه حملنا النجوم على نجوم المنزل يكون مقابلا للمنزل الذي فيه الشمس.
وأما الثاني: وهو بناء الأمر على غروب القمر في أوائل الشمس وطلوعه في أواخره فضابطه أن يضرب عدد ما مضى من الشهر إلى الرابع عشر أو من الخامس عشر إلى الثامن والعشرين في السنة وقسمة الحاصل على السبعة، فالخارج في الأول قدر الساعات المعوجة الماضية من الليل إلى غروب القمر وفي الثاني قدر الساعات المذكورة إلى طلوعه. مثاله: إذا ضربنا الأربعة في الستة حصل أربعة وعشرون، فإذا قسمناها على السبعة خرج ثلاثة وثلاثة اسباع ساعة، فيكون غروب القمر في الليلة الرابعة وطلوعه في الثامنة عشر بعد ثلاث ساعات وثلاثة أسباع ساعة، وكذلك إذا قسمنا الحاصل من ضرب الخمسة في الستة وهو الثلاثون على السبعة خرج أربعة وسبعان، فغروب القمر في الليل الخامسة وطلوعه في التاسعة عشر بعد أربع ساعات وسبعي ساعة وهكذا. وهذا أيضا تقريبي للاختلاف بسبب كثرة الزمان بين خروج الشعاع وأول ليلة الغرة وقلته وغيرهما.
قيل: اجتمع السراج الوراق مع أبي الحسين الجزار مع ابن الفقيسي فمر عليهم مليح بديع الجمال فقال السراج الوراق:
شمائله تدل على اللطافة ... وريقته تنوب عن السلافة
فقال الحسين الجزار:
وفي وجناته ورد ولكن ... عقارب صدغه منعت قطافه
فقال ابن الفقيسي:
فلو أعطى الإمارة ذو جمال ... لحق له بأن يعطى الخلافة
دخل: سعيد بن حميد على الحسن بن مخلد وبين يديه غلمان له حسان فتناول الدواة وقطع ورقة وكتب:
وزعمت انك لا تلوط فقل لنا ... هذا المقرطق واقف ما يصنع
شهدت محاسنه عليك بريبة ... وعلى المحب شواهد ما تدفع(3/103)
وزعمت انك لا تلوط فقل لنا ... هذا المقرطق واقف ما يصنع
شهدت محاسنه عليك بريبة ... وعلى المحب شواهد ما تدفع
قصة الأحنف مع الرشيد
حكى الأصمعي، قال: كان الرشيد يحب جارية اسمها (حنان) فنظم فيها ذات ليلة بيتا من الشعر ورام أن يشفعه باخر فامتنع عليه القول وأجهد في ذلك فلم يقدر فقال: علي بالعباس بن الأحنف، فبادر الغلمان وهجموا عليه وأحضروه وقد امتلأ قلبه رعبا، فلما رآه الرشيد على تلك الحالة قال له: لا تجزع يا عباس، قال:
كيف وقد طرقت في مثل هذه الليلة وذعر أهلي بسبب طلبي ولم أخرج إلا والنائحة في بيتي وهم غير شاكين في قتلي. قال: إنما أحضرتك لتجيز شعرا عملته وضاق ذرعي من الزيادة فيه. قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟، قال: قلت:
حنان قد رأيناها ... فلم نر مثلها بشرا
فقال العباس:
يزيدك وجهها حسنا ... إذا ما زدته نظرا
فقال هارون أحسنت فزدني، فقال العباس:
إذا ما الليل جار عليك ... في الظلماء معتكرا
وراح وما به قمر ... فابرزها ترى القمرا
فقال الرشيد: أحسنت وقد دعوناك في مثل هذه الساعة وأفزعنا عليك عيالك فلا أقل من أن نعطيك دينك، وأمر له باثني عشر ألف درهم.
لبعضهم:
ما مات من كان حيّا ذكره أبدا ... وفي الدفاتر قد تتلى فوائده
ولم يزل علمه في الناس منتشرا ... وينفع الخلق في الدنيا عوائده
شد حاكم: رجلا على اسطوانة ليضربه فقال: خلني من هذه وشدني على الأخرى، قيل: ولماذا؟ قال: أرجو الفرج بينهما، فحله منها وشده على الأخرى فورد عليه كتاب العزل والمطالبة بالأموال، فحلوا ذلك الرجل وشدوا العامل مكانه.
مما ينسب: لأمير المؤمنين عليه السّلام:
إذا ضاق الزمان عليك فاصبر ... ولا تيأس من الفرج القريب
وطب نفسا فإن الليل حبلى ... عسى يأتيك بالولد النجيب
كان للسنجاري صاحب انقطع عنه أياما بالكتاب، فكتب إليه صاحبه شعرا:(3/104)
إذا ضاق الزمان عليك فاصبر ... ولا تيأس من الفرج القريب
وطب نفسا فإن الليل حبلى ... عسى يأتيك بالولد النجيب
كان للسنجاري صاحب انقطع عنه أياما بالكتاب، فكتب إليه صاحبه شعرا:
لا تزر من تحب في كل شهر ... غير يوم ولا تزده غليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يوم ... ثم لا تنظر العيون إليه
فقال في جوابه:
إذا حققت من خل ودادا ... فزره ولا تخف منه ملالا
وكن كالشمس تطلع كل يوم ... ولا تك في زيارته هلالا
قال الأصمعي: العميان أكثر الناس نكاحا، والخصيان أشد الناس ابصارا لأنهما طرفان ما نقص من احدهما زاد في الآخر.
لبعضهم، وقد أجاد
ما من شفيع وإن تمت شفاعته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق
إذا يلثم بالمنديل منطلقا ... لم يخش صولة ثواب ولا غلق
قال رجل لبعض الأمراء: وعدتني كذا؟ فقال: ما أذكره. فقال الرجل: عدم ذكرك له لأن من وعدته كثير وأنا لا أنساه لأن من اسأله قليل فاستحسن ذلك منه وقضى حاجته.
قال الحكماء: وعد الكريم نقد وتعجيل، ووعد اللئيم مطل وتعليل.
لبعضهم:
وشادن في الوصال جاد لنا ... وعند نيل الوصال جاد لنا
وبرقع الحسن قد أماط لنا ... سألته قبله فما طلنا
قصيدة الخطي في مدح الأمير عليه السّلام
للشيخ علي بن حبيب الخطي في مدح أمير المؤمنين عليه السّلام:
سمعا مهفهفة الهفوف من هجر ... أنغمة الصوت ذي أم زية الوتر
وذا الذي عطر الآفاق فائحة ... ترديد أنفاسك أم نفحة العطر
وصفحة الوجد تبدو منك مسفرة ... أم قرص شمس الضحى أم غرة القمر
وذا الذي فوق متن الظهر منسدل ... ستر الدجى مرتخ أو دجنة الشعر
وذي الوجنة الحمراء خذك أم ... نار بثلج فلا بدعا من القدر
وذا هو الخال فوق الخد كون أم ... قيراط مسك مليح الكون والقدر
وذي ثغورك في فيك العقيق أم ... عقد من البرد المنظوم والدرر
وذا الذي فوق ملعوس الشفاه جرى ... رحيق ريقك أم صهباء معتصر
وذا هو الجيد مصقول الجوانب أم ... سبيكة الفضة المنزوعة الكدر
وذاك نهداك في بلور صدرك أم ... رمانتان هما من أحسن الثمر
وذا الحرير أم البطن الخميص على ... الخصر النحيل كخصر النحل مختصر
وذا الذي خلفك ضاق الازار به ... مرتج كفلك أم حقف من المدر
وذا الرطيب الذي ماس النسيم به ... أملوذ غصنك أم ذي بانة الشجر
وإن بخلت على من حل ساحتك ... برشف خمر التداني يرض بالنظر
كم ذا أخاطبك جهرا فلم تجي ... ءأنت سكرانة أم ذا من المطر
فمن أحل لك قتل الأسير ومن ... أفتاك في قتل من يهواك لا تجري
فنادمي ودري كأس المدام معي ... فنعمن طرفك الجاني إلى السهر
لا أحتسي الكاس واسقيني بقيته ... الله الله في نفسي وفي عمري
قلبي عليك يضاهي الماء رقته ... وقلبك خلته أقسى من الحجر
إذا دنوت إلى لقياك تبتعدي ... وإن سألتك وصلا منك تنتهري
منى بوصل ولو بالطيف زائرة ... ليرض بالطل من لم يخطر بالمطر
لا غرو لو سحرت عيناك مفتتنا ... فقوس حاجبك يرمي بلا وتر
وذا الطقيل رقيق الحد أنفك أم ... سيف كسيف علي سيد البشر
مروي البواتر من دم العساكر ... جزار الحناجر مولى الفتح والظفر
قروم الجروب وكشاف الكروب ... وعلام الغيوب جمال الآي والسور
وهو العبوس إذا اصطاد النفوس ... وحصاد الرؤوس من يل البؤس والحذر
وهو الرؤوف ووهاب الألوف ... وأخاذ الألوف أخذ مقتدر
بحر الفواضل ينبوع الفضائل حلال ... المشاكل أوج المجد من مضر
وهو العطوف على الملهوف والملك المعروف ... بالمفضل والمعروف بالغير
ليث الجهاد ومصدام الجياد ومقدام ... الجلاد ومهدي القوم للحفر
مبدي السرائر في روس المنابر ... مصباح المشاعر فخر الحجر والحجر
ومظهر الدين كهف المسلمين أمير ... المؤمنين وجالي ظلمة الحير
وهو المبين محك العالمين ملاذ ... الهالكين مجير الخلق من سقر
ووارث الأنبياء والمرسلين إمام ... المتقين وأعلى خيرة الخير
سل المحاريب عنه والحروب هو ... الضحاك في الحرب والبكاى في السحر
معطي الأسير وصوام الهجير على ... قرص الشعير وأب السادة الغرر
طهر بشوش عبوس لين خشن ... محي مميت ولي النفع والضرر
إن جال ساقطت الهامات راحته ... أو جاد يسقط منها الجود كالمطر
مردي القرون وساقيها المنون ... وفتاح الحصون نصير أي منتصر
فتلك سلع فسلها عن شجاعته ... واستخبرن خيبرا تخبرك بالخبر
وسل تبوك ومردي العنكبوت ... وداعي ذا الخمار بدم النحر متزر
وكم بصفين من صف فنى ولكم ... أباد حزنا لذي الأحزاب مع زجر
كم عنه من نفر خوف الردى نفروا ... وكم أسود تولت عنه كالحمر
وعمر عمرو بن ود قصه وسقى ... مر الردى مرة بالصارم الذكر
المرتضى الفارس الكرار والأسد ... المغوار سيد أهل البدو والحضر
وعيبة العلم بيت الحلم سيد أهل ... الحكم قالع أساس الظلم والبطر
صنو النبي وفاديه بمهجته ... فوق الفراش وما فيه من الحذر
الفلك والباب داحي الباب حامل ... العقاب عاب الحرب أي جرى
خليفة المصطفى الراقي لمنكبه ... فانظر لمركبه يا صاحب الفكر
قاضي القضايا وذو علم البلايا ... وطلاع الثنايا وراقي ذروة الخطر
وافى النذور الفتى الليث الصبور ... ممدوح الزبور ومولى الصبور والزبر
ولي رب السما داعيه آيته ... الكبرى وحجته العظمى على البشر
ثواب رحمته سياف نقمته ... خزان حكمته أغلوطة القدر
يا رافعا راية الإسلام ناصبها ... وجازما حركات الكفر بالشرر
لولاك لم تخلق الأفلاك ولا ... الأملاك مع سائر الأرواح والصور
أبلغ حبيب حبيب الله وارثه ... أن ابن نجل حبيب من عاداك برى
جد بالقبول عليه بالوصول إلى ... المسؤول مع غاية المأمول والوطر
إذا قلا وهجا ضد إلى ملك ... متن عليه فبالاكرام منه حرى
وأشفع لمن ذلني طفلا عليك معا ... من فيك شاركني يا خير مدخر
فانجز الوعد يابن العسكري فقد ... طال انتظاري فقم يا خير منتظر
صلى الاله عليكم ما على شجر ... طير علا أو تغنى ساحة الشجر(3/105)
سمعا مهفهفة الهفوف من هجر ... أنغمة الصوت ذي أم زية الوتر
وذا الذي عطر الآفاق فائحة ... ترديد أنفاسك أم نفحة العطر
وصفحة الوجد تبدو منك مسفرة ... أم قرص شمس الضحى أم غرة القمر
وذا الذي فوق متن الظهر منسدل ... ستر الدجى مرتخ أو دجنة الشعر
وذي الوجنة الحمراء خذك أم ... نار بثلج فلا بدعا من القدر
وذا هو الخال فوق الخد كون أم ... قيراط مسك مليح الكون والقدر
وذي ثغورك في فيك العقيق أم ... عقد من البرد المنظوم والدرر
وذا الذي فوق ملعوس الشفاه جرى ... رحيق ريقك أم صهباء معتصر
وذا هو الجيد مصقول الجوانب أم ... سبيكة الفضة المنزوعة الكدر
وذاك نهداك في بلور صدرك أم ... رمانتان هما من أحسن الثمر
وذا الحرير أم البطن الخميص على ... الخصر النحيل كخصر النحل مختصر
وذا الذي خلفك ضاق الازار به ... مرتج كفلك أم حقف من المدر
وذا الرطيب الذي ماس النسيم به ... أملوذ غصنك أم ذي بانة الشجر
وإن بخلت على من حل ساحتك ... برشف خمر التداني يرض بالنظر
كم ذا أخاطبك جهرا فلم تجي ... ءأنت سكرانة أم ذا من المطر
فمن أحل لك قتل الأسير ومن ... أفتاك في قتل من يهواك لا تجري
فنادمي ودري كأس المدام معي ... فنعمن طرفك الجاني إلى السهر
لا أحتسي الكاس واسقيني بقيته ... الله الله في نفسي وفي عمري
قلبي عليك يضاهي الماء رقته ... وقلبك خلته أقسى من الحجر
إذا دنوت إلى لقياك تبتعدي ... وإن سألتك وصلا منك تنتهري
منى بوصل ولو بالطيف زائرة ... ليرض بالطل من لم يخطر بالمطر
لا غرو لو سحرت عيناك مفتتنا ... فقوس حاجبك يرمي بلا وتر
وذا الطقيل رقيق الحد أنفك أم ... سيف كسيف علي سيد البشر
مروي البواتر من دم العساكر ... جزار الحناجر مولى الفتح والظفر
قروم الجروب وكشاف الكروب ... وعلام الغيوب جمال الآي والسور
وهو العبوس إذا اصطاد النفوس ... وحصاد الرؤوس من يل البؤس والحذر
وهو الرؤوف ووهاب الألوف ... وأخاذ الألوف أخذ مقتدر
بحر الفواضل ينبوع الفضائل حلال ... المشاكل أوج المجد من مضر
وهو العطوف على الملهوف والملك المعروف ... بالمفضل والمعروف بالغير
ليث الجهاد ومصدام الجياد ومقدام ... الجلاد ومهدي القوم للحفر
مبدي السرائر في روس المنابر ... مصباح المشاعر فخر الحجر والحجر
ومظهر الدين كهف المسلمين أمير ... المؤمنين وجالي ظلمة الحير
وهو المبين محك العالمين ملاذ ... الهالكين مجير الخلق من سقر
ووارث الأنبياء والمرسلين إمام ... المتقين وأعلى خيرة الخير
سل المحاريب عنه والحروب هو ... الضحاك في الحرب والبكاى في السحر
معطي الأسير وصوام الهجير على ... قرص الشعير وأب السادة الغرر
طهر بشوش عبوس لين خشن ... محي مميت ولي النفع والضرر
إن جال ساقطت الهامات راحته ... أو جاد يسقط منها الجود كالمطر
مردي القرون وساقيها المنون ... وفتاح الحصون نصير أي منتصر
فتلك سلع فسلها عن شجاعته ... واستخبرن خيبرا تخبرك بالخبر
وسل تبوك ومردي العنكبوت ... وداعي ذا الخمار بدم النحر متزر
وكم بصفين من صف فنى ولكم ... أباد حزنا لذي الأحزاب مع زجر
كم عنه من نفر خوف الردى نفروا ... وكم أسود تولت عنه كالحمر
وعمر عمرو بن ود قصه وسقى ... مر الردى مرة بالصارم الذكر
المرتضى الفارس الكرار والأسد ... المغوار سيد أهل البدو والحضر
وعيبة العلم بيت الحلم سيد أهل ... الحكم قالع أساس الظلم والبطر
صنو النبي وفاديه بمهجته ... فوق الفراش وما فيه من الحذر
الفلك والباب داحي الباب حامل ... العقاب عاب الحرب أي جرى
خليفة المصطفى الراقي لمنكبه ... فانظر لمركبه يا صاحب الفكر
قاضي القضايا وذو علم البلايا ... وطلاع الثنايا وراقي ذروة الخطر
وافى النذور الفتى الليث الصبور ... ممدوح الزبور ومولى الصبور والزبر
ولي رب السما داعيه آيته ... الكبرى وحجته العظمى على البشر
ثواب رحمته سياف نقمته ... خزان حكمته أغلوطة القدر
يا رافعا راية الإسلام ناصبها ... وجازما حركات الكفر بالشرر
لولاك لم تخلق الأفلاك ولا ... الأملاك مع سائر الأرواح والصور
أبلغ حبيب حبيب الله وارثه ... أن ابن نجل حبيب من عاداك برى
جد بالقبول عليه بالوصول إلى ... المسؤول مع غاية المأمول والوطر
إذا قلا وهجا ضد إلى ملك ... متن عليه فبالاكرام منه حرى
وأشفع لمن ذلني طفلا عليك معا ... من فيك شاركني يا خير مدخر
فانجز الوعد يابن العسكري فقد ... طال انتظاري فقم يا خير منتظر
صلى الاله عليكم ما على شجر ... طير علا أو تغنى ساحة الشجر(3/106)
سمعا مهفهفة الهفوف من هجر ... أنغمة الصوت ذي أم زية الوتر
وذا الذي عطر الآفاق فائحة ... ترديد أنفاسك أم نفحة العطر
وصفحة الوجد تبدو منك مسفرة ... أم قرص شمس الضحى أم غرة القمر
وذا الذي فوق متن الظهر منسدل ... ستر الدجى مرتخ أو دجنة الشعر
وذي الوجنة الحمراء خذك أم ... نار بثلج فلا بدعا من القدر
وذا هو الخال فوق الخد كون أم ... قيراط مسك مليح الكون والقدر
وذي ثغورك في فيك العقيق أم ... عقد من البرد المنظوم والدرر
وذا الذي فوق ملعوس الشفاه جرى ... رحيق ريقك أم صهباء معتصر
وذا هو الجيد مصقول الجوانب أم ... سبيكة الفضة المنزوعة الكدر
وذاك نهداك في بلور صدرك أم ... رمانتان هما من أحسن الثمر
وذا الحرير أم البطن الخميص على ... الخصر النحيل كخصر النحل مختصر
وذا الذي خلفك ضاق الازار به ... مرتج كفلك أم حقف من المدر
وذا الرطيب الذي ماس النسيم به ... أملوذ غصنك أم ذي بانة الشجر
وإن بخلت على من حل ساحتك ... برشف خمر التداني يرض بالنظر
كم ذا أخاطبك جهرا فلم تجي ... ءأنت سكرانة أم ذا من المطر
فمن أحل لك قتل الأسير ومن ... أفتاك في قتل من يهواك لا تجري
فنادمي ودري كأس المدام معي ... فنعمن طرفك الجاني إلى السهر
لا أحتسي الكاس واسقيني بقيته ... الله الله في نفسي وفي عمري
قلبي عليك يضاهي الماء رقته ... وقلبك خلته أقسى من الحجر
إذا دنوت إلى لقياك تبتعدي ... وإن سألتك وصلا منك تنتهري
منى بوصل ولو بالطيف زائرة ... ليرض بالطل من لم يخطر بالمطر
لا غرو لو سحرت عيناك مفتتنا ... فقوس حاجبك يرمي بلا وتر
وذا الطقيل رقيق الحد أنفك أم ... سيف كسيف علي سيد البشر
مروي البواتر من دم العساكر ... جزار الحناجر مولى الفتح والظفر
قروم الجروب وكشاف الكروب ... وعلام الغيوب جمال الآي والسور
وهو العبوس إذا اصطاد النفوس ... وحصاد الرؤوس من يل البؤس والحذر
وهو الرؤوف ووهاب الألوف ... وأخاذ الألوف أخذ مقتدر
بحر الفواضل ينبوع الفضائل حلال ... المشاكل أوج المجد من مضر
وهو العطوف على الملهوف والملك المعروف ... بالمفضل والمعروف بالغير
ليث الجهاد ومصدام الجياد ومقدام ... الجلاد ومهدي القوم للحفر
مبدي السرائر في روس المنابر ... مصباح المشاعر فخر الحجر والحجر
ومظهر الدين كهف المسلمين أمير ... المؤمنين وجالي ظلمة الحير
وهو المبين محك العالمين ملاذ ... الهالكين مجير الخلق من سقر
ووارث الأنبياء والمرسلين إمام ... المتقين وأعلى خيرة الخير
سل المحاريب عنه والحروب هو ... الضحاك في الحرب والبكاى في السحر
معطي الأسير وصوام الهجير على ... قرص الشعير وأب السادة الغرر
طهر بشوش عبوس لين خشن ... محي مميت ولي النفع والضرر
إن جال ساقطت الهامات راحته ... أو جاد يسقط منها الجود كالمطر
مردي القرون وساقيها المنون ... وفتاح الحصون نصير أي منتصر
فتلك سلع فسلها عن شجاعته ... واستخبرن خيبرا تخبرك بالخبر
وسل تبوك ومردي العنكبوت ... وداعي ذا الخمار بدم النحر متزر
وكم بصفين من صف فنى ولكم ... أباد حزنا لذي الأحزاب مع زجر
كم عنه من نفر خوف الردى نفروا ... وكم أسود تولت عنه كالحمر
وعمر عمرو بن ود قصه وسقى ... مر الردى مرة بالصارم الذكر
المرتضى الفارس الكرار والأسد ... المغوار سيد أهل البدو والحضر
وعيبة العلم بيت الحلم سيد أهل ... الحكم قالع أساس الظلم والبطر
صنو النبي وفاديه بمهجته ... فوق الفراش وما فيه من الحذر
الفلك والباب داحي الباب حامل ... العقاب عاب الحرب أي جرى
خليفة المصطفى الراقي لمنكبه ... فانظر لمركبه يا صاحب الفكر
قاضي القضايا وذو علم البلايا ... وطلاع الثنايا وراقي ذروة الخطر
وافى النذور الفتى الليث الصبور ... ممدوح الزبور ومولى الصبور والزبر
ولي رب السما داعيه آيته ... الكبرى وحجته العظمى على البشر
ثواب رحمته سياف نقمته ... خزان حكمته أغلوطة القدر
يا رافعا راية الإسلام ناصبها ... وجازما حركات الكفر بالشرر
لولاك لم تخلق الأفلاك ولا ... الأملاك مع سائر الأرواح والصور
أبلغ حبيب حبيب الله وارثه ... أن ابن نجل حبيب من عاداك برى
جد بالقبول عليه بالوصول إلى ... المسؤول مع غاية المأمول والوطر
إذا قلا وهجا ضد إلى ملك ... متن عليه فبالاكرام منه حرى
وأشفع لمن ذلني طفلا عليك معا ... من فيك شاركني يا خير مدخر
فانجز الوعد يابن العسكري فقد ... طال انتظاري فقم يا خير منتظر
صلى الاله عليكم ما على شجر ... طير علا أو تغنى ساحة الشجر
منتخبات من شعر أبي الحسن البحراني
لشيخنا: أبي الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قدس سره:
هاجت لبينكم تلك الصبابات ... يا جيرة في بيوتات الصبا باتوا
بتيتم حبل وصلي بته فبها ... لم يبق من عيشي إلا صبابات
فرثتم كبدا عطشا بحبكم ... والمرتجى منكم تلك الكرامات
اشمتوا بي من اقرعته زمنا ... لو أبصروا طيف شخصي في الكرامات
يا سائرين بروحي في هوادجهم ... توقفوا لي فلي في الظعن حاجات
بنتم ولم يقض زيد منكم وطرا ... ولا تقضت ليعقوب لبانات
هلا عظفتم على نظر لواعجه ... لا تنطفي وله في الركب سادات
قد هام وجد بهم جهرا وحق له ... فهم بدور لها في الحسن هالات
وله: قدس الله سره متضمنا.(3/107)
هاجت لبينكم تلك الصبابات ... يا جيرة في بيوتات الصبا باتوا
بتيتم حبل وصلي بته فبها ... لم يبق من عيشي إلا صبابات
فرثتم كبدا عطشا بحبكم ... والمرتجى منكم تلك الكرامات
اشمتوا بي من اقرعته زمنا ... لو أبصروا طيف شخصي في الكرامات
يا سائرين بروحي في هوادجهم ... توقفوا لي فلي في الظعن حاجات
بنتم ولم يقض زيد منكم وطرا ... ولا تقضت ليعقوب لبانات
هلا عظفتم على نظر لواعجه ... لا تنطفي وله في الركب سادات
قد هام وجد بهم جهرا وحق له ... فهم بدور لها في الحسن هالات
وله: قدس الله سره متضمنا.
وغادة ملكت قلبي بأجمعه ... غرا ما شأنها عيب ولا كدر
لوزية الوجه يحكي اللدن قامتها ... محمودة الذل لا طول ولا قصر
منت بطيب اللقى خدعا فهمت بها ... حتى الهيام فلا سمع ولا بصر
فظلت أوقب ما منت وما وعدت ... فخيبتني فلا عين ولا أثر
قالت وقد عانيت وجدي بها هزؤا ... ما أنت أول سار غره قمر
وله: تغمده الله برحمته في مدح شيخه البهائي (ره):
عش يا بهائي في دار السلام ورد ... عين الحياة وذق صهباؤها وطب
واشهد هناك خيام الطاعنين ونل ... ما رمت من وصل أهل الفضل واقترب
هذا هو الفضل فاصعد في مدارجه ... في عالم الأمر فوق السبعة الشهب
وله أيضا: طيب الله مضجعه مضمنا.
لقد هجر الشباب وبان عنا ... على رغم ولازمنا المشيب
فبان يبين ذاك سرور نفسي ... وزاد بوصل ذا العجب العجيب
فلي إن تسألي ليل طويل ... ويوم بعد فرقته عصيب
وقد ناديته أن عد سريعا ... رعاك الله لكن لا يجيب
أقول وقد براني الشيب بري ... القدح وكظني الدهر المريب
ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب
وله: نور الله مرقده مضمنا.
أقول وقد هام المجنون بالسرى ... وطي الفيافي بكرها وعوان
الا أيها السارون في طرق الهوى ... إلى خير قدس في أجل مكان
أما ترقبوني كي تزول عوائقي ... فأشرككم في ذلك الوحدان
أهم بأمر الحزم لا استطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان(3/108)
أقول وقد هام المجنون بالسرى ... وطي الفيافي بكرها وعوان
الا أيها السارون في طرق الهوى ... إلى خير قدس في أجل مكان
أما ترقبوني كي تزول عوائقي ... فأشرككم في ذلك الوحدان
أهم بأمر الحزم لا استطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان
ما جرى بين الإمام الصادق وهشام
روى: السيد الجليل ذو المقامات والكرامات رضي الدين بن طاوس في كتاب الأمان من أخطار الأسفار والأزمان نقلا من كتاب دلائل الإمامة تأليف أبي جعفر بن رستم بن جرير الطبري الإمامي من أخبار معجزات مولانا محمد بن علي الباقر عليه السّلام ذكر بإسناده عن الصادق عليه السّلام، قال: حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر ابن محمد الصادق فقال جعفر بن محمد عليه السّلام: الحمد لله الذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم بالحق نبيا وأكرمنا به، فنحن صفوة الله وخلفائه على عباده وخيرته من خلقه، فالسعيد من اتبعنا والشقي من عادانا وخلفنا. قال: فأخبر مسلمة أخاه بما سمع، فلم يتعرض لنا بشيء، حتى انصرفت إلى المدينة فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه فأشخصنا، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا ثم اذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا وإذا قد قعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطين متسلحين وقد نصب البرجاس حداه واشياخ قومه يرمون، فلما دخلنا وأبي امامي وأنا خلفه فنادى أبي وقال يا محمد: ارم مع أشياخ قومك الغرض، فقال: إني قد كبرت عن الرمي فإن رأيت أن تعفيني. فقال: وحق من أعزنا بدينه ونبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلّم لم أعفك، ثم أوما إلى شيخ من بني أمية أن اعطه، فتناول أبي عند ذلك القوس ثم تناول فشق فواق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك أن قال: أجدت با أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم كلا زعمت أنك كبرت عن الرمي، ثم أدركته ندامة على ما قال، وكان هشام لم يكن أحد قبل أبي ولا بعده في خلافته فهم به وأطرق إلى الأرض يتروى فيه وأنا وأبي واقف حذاءه مواجه له.
فلما طال وقوفنا غضب أبي فهم به وكان أبي عليه وعلى آبائه السلام إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يتبين الناظر الغضب في وجهه، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي قال له: اليّ محمد. فصعد أبي إلى السرير وأنا أتبعه، فلما أدنى من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثم أقبل على أبي بوجهه فقال له: يا محمد لا يزال العرب العجم تسود قريش إذ كان فيهم مثلك لله درك من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته؟ فقال: إني قد علمت أن
أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت فيه. قال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت ولا ظننت أن أحدا في الأرض يرمي مثل هذا الرمي، أيرمي جعفر مثل رميك؟ قال: نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلََامَ دِيناً} والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها.(3/109)
فلما طال وقوفنا غضب أبي فهم به وكان أبي عليه وعلى آبائه السلام إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يتبين الناظر الغضب في وجهه، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي قال له: اليّ محمد. فصعد أبي إلى السرير وأنا أتبعه، فلما أدنى من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثم أقبل على أبي بوجهه فقال له: يا محمد لا يزال العرب العجم تسود قريش إذ كان فيهم مثلك لله درك من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته؟ فقال: إني قد علمت أن
أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت فيه. قال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت ولا ظننت أن أحدا في الأرض يرمي مثل هذا الرمي، أيرمي جعفر مثل رميك؟ قال: نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلََامَ دِيناً} والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها.
قال: فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثم أطرق هنيهة ثم رفع رأسه فقال: ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك ولكن الله جل جلاله اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يختص به أحدا من غيرنا. فقال: أليس الله جل ثناؤه بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم من شجرة عبد مناف كافة أبيضها وأسودها وأحمرها، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مبعوث إلى الناس كافة وذلك قوله تعالى: {وَلِلََّهِ مِيرََاثُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} إلى آخر الآية، فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء؟ فقال: من قوله تعالى: {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ} من الله أن يخصنا به من دون غيرنا، فلذلك كان ناجى أخاه عليا من دون أصحابه فأنزل الله بذلك قرآنا في قوله: {وَتَعِيَهََا أُذُنٌ وََاعِيَةٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:
سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي، فلذلك قال علي بن أبي طالب عليه السّلام بالكوفة: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ألف باب من العلم ففتح لي من كل باب ألف باب، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من مكنون سره مما يخص أمير المؤمنين عليه السّلام أكرم الخلق عليه كما خص الله نبيه وأخاه عليا من مكنون سره وخالص علمه مما لم يخص به أحدا من قومه حتى صار إلينا فتوارثناه من دون أهلنا. فقال هشام بن عبد الملك:
ان عليا كان يدعي علم الغيب والله لم يطلع على غيبه أحد، فمن أين ادعى ذلك؟
قال أبي: ان الله جل ذكره أنزل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله: {وَنَزَّلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ تِبْيََاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى ََ لِلْمُسْلِمِينَ} وفي قوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنََاهُ فِي إِمََامٍ مُبِينٍ} وفي قوله: {مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ} وفي قوله: {وَمََا مِنْ غََائِبَةٍ فِي السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ} وأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم أن لا يبقى في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا لا يناجي به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: «حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني وأنا منه له ما لي وعليه ما عليّ، وهو قاضي ديني ومنجز
وعدي» ثم قال لأصحابه: «علي بن أبي طالب عليه السّلام يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله» ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي عليه السّلام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (أقضاكم علي) أي قاضيكم وقال عمر ابن الخطاب: «لولا علي لهلك عمر» يشهد له عمر ويجحد غيره.(3/110)
قال أبي: ان الله جل ذكره أنزل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله: {وَنَزَّلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ تِبْيََاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى ََ لِلْمُسْلِمِينَ} وفي قوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنََاهُ فِي إِمََامٍ مُبِينٍ} وفي قوله: {مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ} وفي قوله: {وَمََا مِنْ غََائِبَةٍ فِي السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ إِلََّا فِي كِتََابٍ مُبِينٍ} وأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم أن لا يبقى في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا لا يناجي به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: «حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني وأنا منه له ما لي وعليه ما عليّ، وهو قاضي ديني ومنجز
وعدي» ثم قال لأصحابه: «علي بن أبي طالب عليه السّلام يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله» ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي عليه السّلام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (أقضاكم علي) أي قاضيكم وقال عمر ابن الخطاب: «لولا علي لهلك عمر» يشهد له عمر ويجحد غيره.
فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه وقال: سل حاجتك. فقال خلفت عيالي وأهلي مستوحشين لخروجي. فقال: قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم لا تقم سر من يومك هذا، فاعتنقه أبي ودعا له وفعلت أنا كفعل أبي ثم نهض ونهضت معه وخرجنا إلى بابه إذ ميدان ببابه وفي آخر الميدان أناس قعود كثير قال أبي: من هؤلاء؟، فقال الحجاب: هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم يقعد لهم كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم، فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه وفعلت أنا مثل فعل أبي، فأقبل نحوهم حتى قعد وقعدت أنا وراء أبي، رفع ذلك الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا وأقبل عالم النصارى قد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه، فجاء إلى صدر المجلس فقعد فيه وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم فأدار نظره ثم قال لأبي: أمنا أمن هذه المرحومة؟ فقال أبي: من هذه الأمة المرحومة فقال: أنت من علمائها أم من جهالها؟. فقال أبي: لست من جهالها فاضطرب اضطرابا شديدا فقال: اسألك.
فقال له أبي: اسألك. فقال: من اين ادعيتم ان أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون، وأما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي:
دليل ما ندعيه من شاهد لا يجهل الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث.
قال: فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا ثم قال: كلا زعمت انك لست من علمائها فقال له أبي: ولا من جهالها، وأصحاب هشام يسمعون ذلك فقال لأبي:
اسألك عن مسألة أخرى، فقال له أبي: سل، فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا جدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة، وأما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي: دليل ما ندعي أن تراها أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الجنة لا ينقطع، فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال: كلا زعمت انك لست من علمائها. فقال له أبي: ولا من جهالها. فقال له: اسألك عن مسألة أخرى، فقال له: سل فقال: أخبرني عن ساعة لا هي من ساعات الليل ولا من ساعات النهار؟ فقال له أبي: هي الساعة التي بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر ويفيق المغشي عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الأخرى للعاملين لها دليلا واضحا وحجابا بالغا على الجاحدين المتكبرين التاركين لها.(3/111)
اسألك عن مسألة أخرى، فقال له أبي: سل، فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا جدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة، وأما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي: دليل ما ندعي أن تراها أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الجنة لا ينقطع، فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال: كلا زعمت انك لست من علمائها. فقال له أبي: ولا من جهالها. فقال له: اسألك عن مسألة أخرى، فقال له: سل فقال: أخبرني عن ساعة لا هي من ساعات الليل ولا من ساعات النهار؟ فقال له أبي: هي الساعة التي بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر ويفيق المغشي عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الأخرى للعاملين لها دليلا واضحا وحجابا بالغا على الجاحدين المتكبرين التاركين لها.
فصاح النصراني بأعلى صوته صيحة عظيمة ثم قال: بقيت مسألة واحدة والله لا سألتك مسألة لا تهتدي إلى الجواب عنها أبدا. فقال له أبي: سل فإنك حانث في يمينك. فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما مئة وخمسون سنة وعمر الآخر خمسون سنة؟ فقال له أبي: ذلك عزير وعزيره ولدا في يوم واحد، فلما بلغا مبالغ الرجال خمسة وعشرين عاما مر عزير على حمار راكبا على قرية بإنطاكية وهي خاوية على عروشها فقال: {أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اللََّهُ بَعْدَ مَوْتِهََا} وكان الله اصطفاه وهداه، فلما قال: ذلك القول غضب الله عليه فأماته مئة عام سخطا عليه بما قال، ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه، فعاد إلى داره وأخوه عزيره لا يعرفه فأضافه وبعث إليه ولد عزير وولد ولده قد شاخوا وعزير شاب في سن خمسة وعشرين سنة، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم ويقولون ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور؟ ويقول له عزيره: وهو شيخ كبير ابن مائة وخمسة وعشرين سنة ما رأيت شابا في عمر خمس وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟ فقال: عزير لأخيه عزيره أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفانى وهداني فأماتني مئة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا ان الله على كل شيء قدير، وها هو وهذا حماري وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله لي كما كان، فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمسا وعشرين سنة ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.
فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم: أجئتموني بأعلم مني واقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحنى، وأعلم المسلمين أن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا، والله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة ولا قعدت لكم ان عشت سنة أخرى، فتفرقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه، ورفع ذلك الخبر إلى هشام بن عبد الملك، فلما تفرق نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نحتبس لأن الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصاري، فركبنا دوابنا منصرفين وقد سبقنا يريد من عند هشام بن عبد الملك
إلى عامل مدينة مدين على طريقنا إلى المدينة، وإن ابني أبي تراب الساحرين محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين فيما يظهر أن من الاسلام ورد علي، فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وأظهرا لهما دينهما وفرقا من الإسلام إلى الكفر ودين النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس برئت الذمة من يشاربهما أو يبايعهما أو يصافهما أو يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الإسلام ورأى أمير المؤمنين أن يقتلهما ودوابهما ومن معهما شر قتلة.(3/112)
فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم: أجئتموني بأعلم مني واقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحنى، وأعلم المسلمين أن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا، والله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة ولا قعدت لكم ان عشت سنة أخرى، فتفرقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه، ورفع ذلك الخبر إلى هشام بن عبد الملك، فلما تفرق نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نحتبس لأن الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصاري، فركبنا دوابنا منصرفين وقد سبقنا يريد من عند هشام بن عبد الملك
إلى عامل مدينة مدين على طريقنا إلى المدينة، وإن ابني أبي تراب الساحرين محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين فيما يظهر أن من الاسلام ورد علي، فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وأظهرا لهما دينهما وفرقا من الإسلام إلى الكفر ودين النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس برئت الذمة من يشاربهما أو يبايعهما أو يصافهما أو يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الإسلام ورأى أمير المؤمنين أن يقتلهما ودوابهما ومن معهما شر قتلة.
قال: فورد البريد إلى مدينة مدين، فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا ويشتروا لدوابنا علفا ولنا طعاما، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا وذكروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام وقالوا: لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع يا كفار يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر الخلائق أجمعين، فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ولين لهم القول وقال لهم: اتقوا الله ولا تغلطون فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما تقولون فاسمعونا. فقال لهم: فهبنا كما تقولون افتحوا لنا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس. فقالوا:
أنتم شر من اليهود والنصارى والمجوس لأن هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدونها. فقال لهم: افتحوا لنا الباب وانزلونا وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم.
فقالوا: لا نفتح الباب ولا كرامة حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا وتموت دوابكم تحتكم، فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونفورا.
قال: فثنى أبي رجله عن سرجه وقال لي: مكانك يا جعفر لا تبرح، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة ثم وضع اصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته {وَإِلى ََ مَدْيَنَ أَخََاهُمْ شُعَيْباً} إلى قوله: {بَقِيَّتُ اللََّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
نحن والله بقية الله في أرضه، فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتلمت صوت أبي فطرحته في اسماع الرجال والنساء والصبيان، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح وأبي مشرف عليهم، فصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن فنظر إلى أبي في أعلى الجبل فنادى بأعلى صوته: اتقوا الله يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السّلام حين دعا على قومه، فان أنتم لم تفتحوا الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم وقد
أعذر من أنذر، فقرعوا وفتحوا الباب وأنزلونا وكتب العامل بجميع ذلك إلى هشام، فارتحلنا في اليوم الثاني فكتب هشام إلى عامل مدينة مدين يأمره أن يأخذ الشيخ فيظهره رحمة الله عليه وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب، فمضى هشام ولم يتهيأ له من أبي في ذلك شيء.(3/113)
قال: فثنى أبي رجله عن سرجه وقال لي: مكانك يا جعفر لا تبرح، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة ثم وضع اصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته {وَإِلى ََ مَدْيَنَ أَخََاهُمْ شُعَيْباً} إلى قوله: {بَقِيَّتُ اللََّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
نحن والله بقية الله في أرضه، فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتلمت صوت أبي فطرحته في اسماع الرجال والنساء والصبيان، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح وأبي مشرف عليهم، فصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن فنظر إلى أبي في أعلى الجبل فنادى بأعلى صوته: اتقوا الله يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه السّلام حين دعا على قومه، فان أنتم لم تفتحوا الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم وقد
أعذر من أنذر، فقرعوا وفتحوا الباب وأنزلونا وكتب العامل بجميع ذلك إلى هشام، فارتحلنا في اليوم الثاني فكتب هشام إلى عامل مدينة مدين يأمره أن يأخذ الشيخ فيظهره رحمة الله عليه وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب، فمضى هشام ولم يتهيأ له من أبي في ذلك شيء.
يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذه النقول: ما تضمنه هذا الخبر من أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من الليل ولا من النهار لا يجري على مذهب أصحابنا الإمامية (رض) إذ لا خلاف بينهم في أن صلاة الفجر نهارية وانه يجب الامساك على الصائم من طلوع الفجر وأخبارهم بذلك متظافرة، فالنهار يبتدىء من طلوع الفجر الثاني.
وذهب جمع من العامة ووافقهم سليمان الأعمش من الإمامية إلى أن مبدأ النهار من طلوع الشمس وإن ما قبله من الليل، وأجاب شيخنا البهائي قدس الله سره في كتاب مفتاح الفلاح عن هذا الخبر بأن الإمام عليه السّلام لعله أجاب السائل عما يوافق عرفه واعتقاده، لأنه سأل الباقر عليه السّلام عن مسائل عديدة لم تكن معروفة إلا بين أكابر علمائهم، وهذه المسألة من جملتها، وحينئذ فلا ينافي ذلك كون النهار حقيقة شرعية فيما بين طلوع الفجر وغروب الشمس.
وكلام شيخنا الطوسي قدس الله سره في كتابه يدل على أن طائفة ذهبت إلى القول بما دل عليه هذا الخبر، فإنه قد نقل فيه القولين المتقدمين وقال: وذهبت طائفة إلى أن ما بين طلوع الشمس ليس من النهار ولا من الليل بل هو زمان منفصل عنهما.
لله در القائل:
لا تنكحن سوى شريفة معشر ... فالعرق دساس من الطرفين
هلا نظرت إلى النتيجة شأنها ... تبع الأخس من المتقدمين
قال: بعض الفضلاء العلافيه الأمية أشد تأثيرا فإن الولد يتحقق في رحمها وينتقل من رتبة إلى أخرى ويتغذى منها بعد انفصاله من لبنها، وقد اشتهر عنه أن الرضاع بغير الطباع بل جعل (ص) الرضاع لحمة كلحمة النسب إنتهى.
أقول: ويؤيده أيضا ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلّم إنه قال: اياكم وخضراء الدمن فقيل يا رسول الله: وما خضراء الدمن؟، قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. ويؤيد ذلك ما اشتهر أيضا بل نقله جملة من العلماء منهم العلامة الداماد قدس سره: ولد الحلال اشبه الناس بالخال.(3/114)
مجيء فاطمة عليها السلام في الجنة
كتاب كشف الغمة: عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لفاطمة عليها السّلام وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كان كافرا فيؤمن بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة عليها السّلام بين عينيه محبا فتقول:
الهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول الله عزّ وجل: صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك فتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقعك مني ومكانك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمنا أو محبا فخذي بيده فأدخليه الجنة.
ومن الكتاب المذكور: حكى لي السيد تاج الدين محمد بن النصر بن الصلايا الحسيني العلوي سقى الله ثراه وعن أحسن أفعاله الكريمة جزاه: أن بعض الوعاظ ذكر فاطمة عليها السّلام ومزاياها وكون الله تعالى وهبها من كل فضيلة مزاياها وصفاياها وذكر بعلها وأباها واستخفه الطرب فأنشد:
خجلا من نور بهجتها ... تتوارى الشمس بالشفق
وحياء من شمائلها ... يتغطى الغصن بالورق
فشق كثير من الناس ثيابهم وأوجب وصفها بكاءهم وانتحابهم.
ومنه أيضا: قال بعد نقل جملة من الأخبار المشتملة على زفاف فاطمة عليها السّلام وإن أسماء بنت عميس كانت حاضرة ذلك ما صورته: قال علي بن عيسى: قد تظاهرت الروايات كما ترى أن أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة عليها السّلام وفعلت، وأسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب عليه السّلام ولم تعد هي ولا زوجها إلا يوم فتح خيبر وذلك من سنة ست من الهجرة، ولم تشهد الزفاف لأنه كان في ذي الحجة سنة اثنتين، والتي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أختها، وهي زوجة حمزة بن عبد المطلب، ولعل الأخبار عنها وكانت أسماء أشهر من أختها عند الرواة فرووا عنها أو سها راو واحد فتبعوه.
ثم ذكر جملة من الأخبار المذكورة وقال: في ذيل منها قد اشتمل على ذكر
اسماء ما هذا لفظه: قال محمد بن يوسف الكنجي: هكذا رواه ابن بطه العكبري الحافظ وهو حسن غال، وذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح لأن أسماء هذه إمرأة جعفر بن أبي طالب عليه السّلام تزوجها بعد أبي بكر فولدت له محمدا وذلك بذي الحليفة، فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له، وما أرى نسبتها في هذا الحديث إلا غلطا ووقع من بعض الرواة، لأن أسماء التي حضرت في زمن فاطمة عليها السّلام أسماء بنت يزيد السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بالحبشة هاجر بها الهجرة الثانية وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ما أدري بأيهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وكان زواج فاطمة عليها السّلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث هي أسماء بنت يزيد، ولها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، روى عنها شهر بن حوشب وغيره من التابعين، حقق ذلك محمد بن يوسف الكنجي، ونحوه قد ذكرنا فيما تقدم أنها سلمى بنت عميس أخت أسماء وأن أسماء كانت مع زوجها جعفر والله أعلم.(3/115)
ثم ذكر جملة من الأخبار المذكورة وقال: في ذيل منها قد اشتمل على ذكر
اسماء ما هذا لفظه: قال محمد بن يوسف الكنجي: هكذا رواه ابن بطه العكبري الحافظ وهو حسن غال، وذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح لأن أسماء هذه إمرأة جعفر بن أبي طالب عليه السّلام تزوجها بعد أبي بكر فولدت له محمدا وذلك بذي الحليفة، فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له، وما أرى نسبتها في هذا الحديث إلا غلطا ووقع من بعض الرواة، لأن أسماء التي حضرت في زمن فاطمة عليها السّلام أسماء بنت يزيد السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بالحبشة هاجر بها الهجرة الثانية وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ما أدري بأيهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وكان زواج فاطمة عليها السّلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث هي أسماء بنت يزيد، ولها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، روى عنها شهر بن حوشب وغيره من التابعين، حقق ذلك محمد بن يوسف الكنجي، ونحوه قد ذكرنا فيما تقدم أنها سلمى بنت عميس أخت أسماء وأن أسماء كانت مع زوجها جعفر والله أعلم.
عجائب المخلوقات ببابل
كتاب عجائب المخلوقات: بابل اسم قرية كانت على شاطىء الفرات بأرض العراق في قديم الزمان، والآن ينقل الناس آجرها، فيها جب يعرف بجب دانيال عليه السّلام يقصدها اليهود والنصارى في أوقات السنة وأعيادهم. ذكر أكثر الناس أنها بئر هاروت وماروت، ومنهم من ذهب إلى أن أرض بابل هي أرض العراق كلها.
ومن عجائبها ما ذكر عن عمر بن الخطاب انه سأل دهقان الفلاحة عن عجائب بلادهم فقال: عجائب كثيرة لكن أعجبها أمر المدن السبع، كانت في كل مدينة أعجوبة (المدينة الأولى) كان الملك ينزلها وفيها بيت وفي ذلك البيت صورة الأرض بقراها وبساتينها وأنهارها، فمتى امتنع أهل بلدة من حمل الخراج حرق أنهارهم في تلك الصورة وغرق زروعهم فحدث في تلك البلدة مثل ذلك حتى رجعوا عن الإمتناع فيسد أنهارهم في تلك الصورة فينسد في بلدهم (المدينة الثانية) كان فيها حوض عظيم، فإذا جمع الملك قومه حمل كل واحد معه شرابا ليشربه عند الملك وصبه في ذلك الحوض، فإذا جلسوا للشرب شرب كل واحد معه شرابا يشربه عند الملك من شرابه الذي حمله معه من منزله (المدينة الثالثة) كان.
على بابها طبل معلق، فإذا غاب إنسان من أهل تلك المدينة والتبس أمره ولم يعلم أحي هو أم ميت دقوا ذلك الطبل على اسمه، فإن كان حيا ارتفع صوته وإن كان ميتا لم يسمع منه صوت البتة (المدينة الرابعة)، كان فيها إمرأة من حديد، إذا غاب رجل عن أهله وأرادوا أن يعرفوا حاله التي هو فيها أتو بتلك المرأة على اسمه ونظروا فيها ورأوه على الحالة التي هو فيها (المدينة الخامسة)، كان على بابها عمود من نحاس وعلى رأسه أورة من نحاس. فإذا دخلها جاسوس صاحت صيحة سمعها كل أهل المدينة، فعلموا أن جاسوسا دخل عليهم المدينة. (المدينة السادسة) كان بها قاضيان جالسان على طرف ماء، فإذا تقدم إليهما خصمان فرأى شيئا وتفلا على رجليهما وأمراهما بالعبور على الماء فغاص المبطل في الماء دون المحق. (المدينة السابعة) كان بها شجرة كثيرة الأغصان، فإن جلس تحتها واحد أظلته إلى ألف نفس، فإن زاد على الألف واحد صاروا كلهم في الشمس.(3/116)
ومن عجائبها ما ذكر عن عمر بن الخطاب انه سأل دهقان الفلاحة عن عجائب بلادهم فقال: عجائب كثيرة لكن أعجبها أمر المدن السبع، كانت في كل مدينة أعجوبة (المدينة الأولى) كان الملك ينزلها وفيها بيت وفي ذلك البيت صورة الأرض بقراها وبساتينها وأنهارها، فمتى امتنع أهل بلدة من حمل الخراج حرق أنهارهم في تلك الصورة وغرق زروعهم فحدث في تلك البلدة مثل ذلك حتى رجعوا عن الإمتناع فيسد أنهارهم في تلك الصورة فينسد في بلدهم (المدينة الثانية) كان فيها حوض عظيم، فإذا جمع الملك قومه حمل كل واحد معه شرابا ليشربه عند الملك وصبه في ذلك الحوض، فإذا جلسوا للشرب شرب كل واحد معه شرابا يشربه عند الملك من شرابه الذي حمله معه من منزله (المدينة الثالثة) كان.
على بابها طبل معلق، فإذا غاب إنسان من أهل تلك المدينة والتبس أمره ولم يعلم أحي هو أم ميت دقوا ذلك الطبل على اسمه، فإن كان حيا ارتفع صوته وإن كان ميتا لم يسمع منه صوت البتة (المدينة الرابعة)، كان فيها إمرأة من حديد، إذا غاب رجل عن أهله وأرادوا أن يعرفوا حاله التي هو فيها أتو بتلك المرأة على اسمه ونظروا فيها ورأوه على الحالة التي هو فيها (المدينة الخامسة)، كان على بابها عمود من نحاس وعلى رأسه أورة من نحاس. فإذا دخلها جاسوس صاحت صيحة سمعها كل أهل المدينة، فعلموا أن جاسوسا دخل عليهم المدينة. (المدينة السادسة) كان بها قاضيان جالسان على طرف ماء، فإذا تقدم إليهما خصمان فرأى شيئا وتفلا على رجليهما وأمراهما بالعبور على الماء فغاص المبطل في الماء دون المحق. (المدينة السابعة) كان بها شجرة كثيرة الأغصان، فإن جلس تحتها واحد أظلته إلى ألف نفس، فإن زاد على الألف واحد صاروا كلهم في الشمس.
حكي: عن الأعمش بن مجاهد أنه كان يحب أن يسمع من الأعاجيب ولم يسمع بشيء منها إلا صار إليه وعاينه، فقدم أرض بابل فتلقاه الحجاج وسأله عن سبب قدومه فقال: حاجة إلى رأس الجالوت، فأرسل إليه وأمره بقضاء حاجته.
فقال له رأس الجالوت: ما حاجتك؟ قال: أن تريني هاروت وماروت لأنظر إليهما، فانطلق به حتى أتى موضعا ورفع صخرة فإذا شبه شرب، فقال اليهودي:
انزل وانظر إليهما ولا تذكر الله، فنزل مجاهد معه فلم يزل يمشي به اليهودي حتى نظر إليهما فرآهما مثل الجبلين العظيمين منكوسين على رأسيهما عليه الحديد من أعقابهما إلى ركبتهما مصفدين، فلما رآهما مجاهد جمد ولم يملك نفسه فذكر الله فاضطربا إضطرابا شديدا حتى كادا يقطعان ما عليهما من الحديد، فخر اليهودي ومجاهد على وجهيهما فلما سكنا رفع اليهودي رأسه وقال لمجاهد: أما قلت لا تفعل ذلك فكدنا نهلك. فتعلق مجاهد به ولم يزل يصعد به حتى خرجا.
مطالعة الحكمة وقراءة الفلسفة
وجدت: بخط شيخنا العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قدس الله سره ما صورته: وصية لأخواني المؤمنين اعلموا أيدكم الله بروح منه أن قراءة الفلسفة ومطالعة كتب الحكمة والكلام ضرره أكثر من نفعه، وفيه من تشكيك قلوب الضعفاء وزلزال اعتقادهم ما لا يدفع، وكم من عامي لم يلم بمعاهد المعقول بعين ولا أثر ولم يرض نفسه بالمطالب النظرية والقواعد المنطقية ولم يختلف إلى معلم يرشده ولا إلى أستاذ يسدد ما ثبت في اعتقاده من الجبال الراسية
ولا يكاد يخالجه وهلة الشك ولا سرعة الريب فهو في غاية الإطمئنان والجزم مستريحا إلى أحكام الفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها، وهي معرفة المصانع وتوحيده وإثبات كل كمال مطلق وتنزيهه عن النقائص على الوجه المطلق الإجمالي، فإن الحق عن بديهة العقل تشهد بذلك كما حررته في رسالة (ضوء النهار) وإليه المشار في قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه هم اللذان يهودانه ويمجسانه».(3/117)
وجدت: بخط شيخنا العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قدس الله سره ما صورته: وصية لأخواني المؤمنين اعلموا أيدكم الله بروح منه أن قراءة الفلسفة ومطالعة كتب الحكمة والكلام ضرره أكثر من نفعه، وفيه من تشكيك قلوب الضعفاء وزلزال اعتقادهم ما لا يدفع، وكم من عامي لم يلم بمعاهد المعقول بعين ولا أثر ولم يرض نفسه بالمطالب النظرية والقواعد المنطقية ولم يختلف إلى معلم يرشده ولا إلى أستاذ يسدد ما ثبت في اعتقاده من الجبال الراسية
ولا يكاد يخالجه وهلة الشك ولا سرعة الريب فهو في غاية الإطمئنان والجزم مستريحا إلى أحكام الفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها، وهي معرفة المصانع وتوحيده وإثبات كل كمال مطلق وتنزيهه عن النقائص على الوجه المطلق الإجمالي، فإن الحق عن بديهة العقل تشهد بذلك كما حررته في رسالة (ضوء النهار) وإليه المشار في قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه هم اللذان يهودانه ويمجسانه».
وكم رأينا ممن توشح لمنصب الإفادة والإستفادة في الحكمتين الطبيعية والنظرية بل تصدى لرتبة الجمع والتصنيف ودرجة التحسين والتزييف قد مضغ كتاب الشفا بين لحييه وحمل حاشية القديم بين ابطيه وهو يضطرب في اعتقاده كاضطراب المتشح بدمه، ومن ثم منع جماعة من قراءة كتب الفلاسفة ومصنفات الحكمة كما نقله في كتاب الأحياء، وكلامه فيه يدل على حسن التقليد، والمروي عن الصادق عليه السّلام من قوله: (ويل لأصحاب الكلام هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق) الخ. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ركب الناقة والفرس والحمار وركب البراق ليلة المعراج، وكل ذلك دون علي في القوة والشدة قال: فقلت له: عن هذا والله أردت أن أسألك يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فأخبرني؟ فقال: ان عليا عليه السّلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تشرف وبه ارتفع وبه وصل إلى أن طفّى نار الشرك وأبطل كل معبود من دون الله عزّ وجل، ولو علاه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لحط الأصنام لكان بعلي مرتفعا وشريفا وواصلا إلى حط الأصنام، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه، الا ترى أن عليا عليه السّلام قال: لما علوت ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله وقد قال علي عليه السّلام: أنا من أحمد كالضوء من الضوء، أما علمت أن محمدا وعليا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله عزّ وجلّ قبل الخلق بألفي عام وأن الملائكة لما رأت ذلك النور له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع فقالوا: آلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم: هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي ولو لاهما ما خلقت خلقي، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رفع يد علي بغدير خم حتى نظر الناس بياض ابطيهما فجعله مولى المسلمين وإمامهم، وقد احتمل الحسن والحسين عليهما السّلام يوم خطيرة بني النجار فلما قال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما يا رسول الله. قال: نعم الراكبان هما ونعم المطية جدهما وأبوهما خير منهما، وإنه كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته، فلما سلم
قيل له: يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: ان ابني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتى ينزل، وإنما أراد بذلك رفعهم وتشريفهم، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم إمام ونبي وعلي إمام وليس بنبي ولا رسول فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة.(3/118)
وكم رأينا ممن توشح لمنصب الإفادة والإستفادة في الحكمتين الطبيعية والنظرية بل تصدى لرتبة الجمع والتصنيف ودرجة التحسين والتزييف قد مضغ كتاب الشفا بين لحييه وحمل حاشية القديم بين ابطيه وهو يضطرب في اعتقاده كاضطراب المتشح بدمه، ومن ثم منع جماعة من قراءة كتب الفلاسفة ومصنفات الحكمة كما نقله في كتاب الأحياء، وكلامه فيه يدل على حسن التقليد، والمروي عن الصادق عليه السّلام من قوله: (ويل لأصحاب الكلام هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق) الخ. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ركب الناقة والفرس والحمار وركب البراق ليلة المعراج، وكل ذلك دون علي في القوة والشدة قال: فقلت له: عن هذا والله أردت أن أسألك يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فأخبرني؟ فقال: ان عليا عليه السّلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تشرف وبه ارتفع وبه وصل إلى أن طفّى نار الشرك وأبطل كل معبود من دون الله عزّ وجل، ولو علاه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لحط الأصنام لكان بعلي مرتفعا وشريفا وواصلا إلى حط الأصنام، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه، الا ترى أن عليا عليه السّلام قال: لما علوت ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله وقد قال علي عليه السّلام: أنا من أحمد كالضوء من الضوء، أما علمت أن محمدا وعليا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله عزّ وجلّ قبل الخلق بألفي عام وأن الملائكة لما رأت ذلك النور له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع فقالوا: آلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم: هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي ولو لاهما ما خلقت خلقي، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رفع يد علي بغدير خم حتى نظر الناس بياض ابطيهما فجعله مولى المسلمين وإمامهم، وقد احتمل الحسن والحسين عليهما السّلام يوم خطيرة بني النجار فلما قال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما يا رسول الله. قال: نعم الراكبان هما ونعم المطية جدهما وأبوهما خير منهما، وإنه كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته، فلما سلم
قيل له: يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: ان ابني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتى ينزل، وإنما أراد بذلك رفعهم وتشريفهم، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم إمام ونبي وعلي إمام وليس بنبي ولا رسول فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة.
قال محمد بن حرب الهلالي فقلت له: زدني يا بن رسول الله صلى الله عليك وعلى آبائك؟ فقال: إنك لأهل للزيادة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حمل عليا عليه السّلام على ظهره يريد بذلك انه أبو ولده وإمامة الأئمة من صلبه كما حول رداءه في صلاته يوم الإستسقاء واراد أن يعلم أصحابه قد تحول الجدب خصبا. قال: قلت له: زدني يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. فقال: احتمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عليا يريد بذلك أن يعلم قومه انه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ما عليه من الدين والعدات والاداء عنه من بعده.
قال: فقلت له: زدني يا بن رسول الله. فقال: احتمله وما حمله إلا لأنه معصوم لا يحمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصوابا، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لعلي: يا علي ان الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك، ثم غفرها لي وذلك قول الله عز وجل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ} ولما أنزل الله عز وجل عليكم أنفسكم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، وعلي نفسي وأخي اطيعوا عليا فإنه مطهر معصوم لا يضل ولا يشقى ثم تلا هذه الآية: {قُلْ أَطِيعُوا اللََّهَ وَالرَّسُولَ} {. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْهِ مََا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مََا حُمِّلْتُمْ.} {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمََا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلََاغُ الْمُبِينُ}.
قال محمد بن حرب الهلالي: ثم قال جعفر بن محمد: أيها الأمير ولو أخبرتك بما في حمل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السّلام، عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها لقلت أن جعفر بن محمد لمجنون، فحسبك من ذلك ما قد سمعت، فقمت إليه وقبلت رأسه وقلت: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
خبر قس بن ساعدة
كتاب المناقب: روى الكلبي عن الشرفي بن القطامي عن تميم بن وعلة عن الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانيا فاسلم عام الحديبية فأنشد شعرا:
يا بني الهدى أتتك رجال ... فدا فدا وآلا فآلا
جابت البيدا والمهامه حتى ... غالها من طول السرى ما غالا
انبأ الأولون باسمك فينا ... وبأسماء بعده تتلالا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ فقال الجارود: كلنا يا رسول الله نعرفه غير أني من بينهم عارف بخبره واقف على أثره.(3/119)
يا بني الهدى أتتك رجال ... فدا فدا وآلا فآلا
جابت البيدا والمهامه حتى ... غالها من طول السرى ما غالا
انبأ الأولون باسمك فينا ... وبأسماء بعده تتلالا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ فقال الجارود: كلنا يا رسول الله نعرفه غير أني من بينهم عارف بخبره واقف على أثره.
فقال سلمان: أخبرنا. فقال: يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من أندية أياد إلى ضحضح ذي قتاد وسمر وعتاد وهو مشتمل بنجاد فوقف في اضحيان ليل كالشمس رافعا إلى السماء وجهه واصبعه، فدنوت منه فسمعته يقول: (اللهم رب السماوات الأرفعة والأرضين الممرعة بحق محمد والثلاثة المحاميد معه والعليين الأربعة وفاطم البضعة والحسنان الأبرعة وموسى تبعة سمي الكليم الضرعة أولئك النقباء الشفعة والطريق المهيعة ودراسة الأجيل ومحاة الأضاليل ونفاة الأباطيل الصادق القيل عدد نقباء بني إسرائيل، فهم أول البداية وعليهم تقوم الساعة وبهم تنال الشفاعة ولهم من الله فرض الطاعة اسقنا غيثا مغيثا). ثم قال: ليتني مدركهم ولو بعد لاي من عمري ومحياي، ثم أنشأ يقول:
أقسم قسما قسما ... ليس به مكتتما
لو عاش الفي سنة ... لم يلق منها سئما
حتى يلاقي أحمد ... والنجباء الحكما
هم أوصياء أحمد ... أفضل من تحت السما
يعمى الأنام عنهم ... وهم ضياء للعمى
لست بناس ذكرهم ... حتى أحل الرجما
قال الجارود: فقلت يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخبر هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله الي أن اسأل من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا.
قلت: على ما بعثوا؟ قال: بعثتهم على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما، ثم عرفني الله تعالى بهم وبأسمائهم، ثم ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم للجارود بأسمائهم واحدا واحدا.
البيعة الخاصة والبيعة العامة للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم
كتاب المناقب: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم بيعة عامة وبيعة خاصة، فالخاصة بيعة الجن وليس للإنس فيها نصيب، وبيعة الأنصار ولم يكن للمهاجرين فيها نصيب، وبيعة العشيرة ابتداء وبيعة الغدير انتهاء، وقد تفرد علي عليه السّلام بهما واخذ بطرفيهما.
وأما البيعة العامة فهي بيعة الشجرة وهي سمرة، وأراك وهي بيعة الحديبية. ويقال:
لها بيعة «الرضوان» لقوله: «لقد رضي الله عن المؤمنين»، والموضع مجهول والشجرة مفقودة، يقال أنها بروحاء فلا يدري أروحاء مكة عند الحمام أو روحاء في طريقها، وقالوا الشجرة ذهبت بها السيول.(3/120)
وأما البيعة العامة فهي بيعة الشجرة وهي سمرة، وأراك وهي بيعة الحديبية. ويقال:
لها بيعة «الرضوان» لقوله: «لقد رضي الله عن المؤمنين»، والموضع مجهول والشجرة مفقودة، يقال أنها بروحاء فلا يدري أروحاء مكة عند الحمام أو روحاء في طريقها، وقالوا الشجرة ذهبت بها السيول.
وقد سبق أمير المؤمنين عليه السّلام الصحابة كلهم في هذه البيعة أيضا بأشياء «منها» أنه كان من السابقين فيه. ذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن أول من قام للبيعة أمير المؤمنين عليه السّلام ثم أبو سفيان عبد الله بن وهب الأسدي ثم سلمان الفارسي. وفي أخبار الليث أول من تابع عمار بن ياسر يعني بعد علي عليه السّلام. ثم انه أولى الناس بهذه الآية لأن حكم البيعة ما ذكره الله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ اشْتَرى ََ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوََالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللََّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرََاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} الآية.
ورووا جميعا عن جابر الأنصاري إنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على الموت. وفي معرفة النوى أنه سأل سلمة: على أي شيء كنتم تبايعونه تحت الشجرة؟ قال: على الموت. وفي أحاديث البصريين عن أحمد قال أحمد بن يسار: ان أهل الحديبية بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على أن يفروا وقد صح أنه لم يفر في موضع قط ولم يصح ذلك لغيره. ثم ان الله علق الرضا في الآية بالمؤمنين وكان أصحاب البيعة الفا وثمانمئة عن ابن أوفى ألفا وأربعمئة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، ألفا وخمسمئة عن ابن أبي المسيب، وألفا وستمئة عن ابن عباس، لا شك أنه كان فيهم جماعة من المنافقين مثل حمد بن قيس وعبد الله بن أبي سلول.
ثم ان الله تعالى علق الرضا في الآية بالمؤمنين الموصوفين بأوصاف قوله تعالى: {فَعَلِمَ مََا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} على أبي بكر في آية الغار في قوله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}.
وقال السدي ومجاهد: أول من رضي الله عنه ممن بايعه علي عليه السّلام فعالم ما في قلبه من الصدق والوفاء. ثم ان من حكم البيعة ما ذكره الله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللََّهِ إِذََا عََاهَدْتُمْ وَلََا تَنْقُضُوا الْأَيْمََانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهََا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللََّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبََايِعُونَكَ إِنَّمََا يُبََايِعُونَ اللََّهَ يَدُ اللََّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمََا يَنْكُثُ عَلى ََ نَفْسِهِ}.
وإنما سميت بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب إلى النصر. وقال ابن عباس: اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تحت شجرة السمرة بيعتهم على أن لا يفروا، وليس أحد من الصحابة إلا نقض عهده في الظاهر بفعل أم بقول،
وقد ذمهم الله تعالى فقال في يوم الخندق: {وَلَقَدْ كََانُوا عََاهَدُوا اللََّهَ مِنْ قَبْلُ لََا يُوَلُّونَ الْأَدْبََارَ} وفي يوم حنين: {وَضََاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمََا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} وفي يوم أحد: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلََا تَلْوُونَ عَلى ََ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرََاكُمْ} وانهزم أبو بكر وعمر يوم خيبر بالإجماع، وعلي عليه السّلام في وفائه إتفاق فإنه لم يفر قط وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حتى نزل: {رِجََالٌ صَدَقُوا مََا عََاهَدُوا اللََّهَ عَلَيْهِ} ولم يقل كل المؤمنين: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى ََ نَحْبَهُ} يعني حمزة وجعفرا وعبيده، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} يعني عليا عليه السّلام.(3/121)
وإنما سميت بيعة لأنها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب إلى النصر. وقال ابن عباس: اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تحت شجرة السمرة بيعتهم على أن لا يفروا، وليس أحد من الصحابة إلا نقض عهده في الظاهر بفعل أم بقول،
وقد ذمهم الله تعالى فقال في يوم الخندق: {وَلَقَدْ كََانُوا عََاهَدُوا اللََّهَ مِنْ قَبْلُ لََا يُوَلُّونَ الْأَدْبََارَ} وفي يوم حنين: {وَضََاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمََا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} وفي يوم أحد: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلََا تَلْوُونَ عَلى ََ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرََاكُمْ} وانهزم أبو بكر وعمر يوم خيبر بالإجماع، وعلي عليه السّلام في وفائه إتفاق فإنه لم يفر قط وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حتى نزل: {رِجََالٌ صَدَقُوا مََا عََاهَدُوا اللََّهَ عَلَيْهِ} ولم يقل كل المؤمنين: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى ََ نَحْبَهُ} يعني حمزة وجعفرا وعبيده، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} يعني عليا عليه السّلام.
ثم ان الله تعالى قال: {وَأَثََابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} يعني فتح خيبر، وكان على يد علي عليه السّلام وقد وجدنا النكث في أكثرهم خاصة في الأول والثاني ولما قصدوا في تلك السنة إلى بلاد خيبر وانهزم الشيخان ثم انهزموا كلهم في حنين، ولم يثبت منهم تحت راية علي عليه السّلام إلا ثمانية من بني هاشم ذكرهم ابن قتيبة في المعارف.
النظر بالرأي وترك السنة
روى: الكافي في باب البدع والمقاييس بطريقه إلى يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: بما أوحد الله عز وجل؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم ضل ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر الحديث.
أقول: وهذا يدل دلالة قاطعة على عدم جواز الاستقلال بالعقل والرأي في العقائد الدينية، بل يجب الرجوع فيه إلى أهل بيت النبي وكتاب الله وسنة نبيه. هذا بالنسبة إلى تفاريع العقائد التفصيلية وإلا فقد بينا أن العقائد الإجمالية تكفي فيها بديهة العقل وصحة التمييز وقوة التعقل، وان كان ولا بد من الإستيناس ببعض المعقولات فكيف فيه.
ما حرره: الشريف الجرجاني قدس الله سره في الفتوحات: اعلم أن العقل قاض بأن من كان موجودا لكل الكمالات التي توجد في جميع الموجدات على طبقاتها ينبغي أن يكون كماله فوق كل كمال ولا يدور النقص ما كان كماله فقط، وهذا مما لا يشك فيه العقل السليم والذهن المستقيم، فإذا تمكن في العقل هذه المقدمة على وصف استيقان يتمهد عليها قاعدة معرفة الله وإثبات جميع كماله ونفي النقائص منه، فإن الكمال يكون في الألوهية إذ عدمها نقص، والكمال في أن
يكون عالما بالكليات والجزئيات إذ عدم علمه بشيء منها نقص، والكمال في أن يكون قادرا على ما يشاء إذ العجز نقص، والكمال أن صدور الأفعال عنه لإرادته واختياره إذ الصدور بلا اختيار وارادة نقص، والكمال في أن يكون سميعا بصيرا متكلما موجدا إلى سائر صفاته لذاته.(3/122)
ما حرره: الشريف الجرجاني قدس الله سره في الفتوحات: اعلم أن العقل قاض بأن من كان موجودا لكل الكمالات التي توجد في جميع الموجدات على طبقاتها ينبغي أن يكون كماله فوق كل كمال ولا يدور النقص ما كان كماله فقط، وهذا مما لا يشك فيه العقل السليم والذهن المستقيم، فإذا تمكن في العقل هذه المقدمة على وصف استيقان يتمهد عليها قاعدة معرفة الله وإثبات جميع كماله ونفي النقائص منه، فإن الكمال يكون في الألوهية إذ عدمها نقص، والكمال في أن
يكون عالما بالكليات والجزئيات إذ عدم علمه بشيء منها نقص، والكمال في أن يكون قادرا على ما يشاء إذ العجز نقص، والكمال أن صدور الأفعال عنه لإرادته واختياره إذ الصدور بلا اختيار وارادة نقص، والكمال في أن يكون سميعا بصيرا متكلما موجدا إلى سائر صفاته لذاته.
والعقل يقتضي أن يكون جميع صفاته دائمة الثبوت أزلا وأبدا إذا الخلق عن واحد منها وقتا ما نقص، ويقتضي أيضا أن لا يتصور احتياجه إلى شيء ما إذ الاحتياج نقص، وقس على هذه المعاني جميع الصفات الثبوتية والسلبية، فإنك إذا تأملت في هذه المقدمة الإقناعية التي تغني عن البرهانية وتخلص من جميع الشبهات التي تشوش الذهن في المذاهب المختلفة في الإلهيات والجزئيات تم كلامه في الفتوح الأربعين ولله الحمد وحده.
يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذه النقول: قد أوضحنا هذه المقالة بأوضح دلالة في كتابنا أعلام القاصدين إلى مناهج أصول الدين، وعضدناها بجملة أخبار الأئمة الطاهرين ونبذة من كلمات علمائنا المحققين.
نحوسات الساعات وجيدها للإستخارة
ووجدت: أيضا بخطه قدس الله سره: الساعات الطيبة والنحسة للإستخارة بالقرآن عن الإمام الصادق عليه السّلام مفتاح المغالق وكاشف الحقائق (يوم السبت) أوله جيد إلى الضحى نحسه إلى الزوال جيده إلى العصر نحسه إلى النوم (يوم الأحد) أوله جيد إلى الظهر نحسه إلى العصر جيده إلى الليل نحسه إلى النوم (يوم الإثنين) أوله جيد إلى طلوع الشمس نحسه إلى الضحى وجيده إلى الظهر نحسه إلى النوم (يوم الثلاثاء) أوله نحس إلى الضحى وجيده إلى الظهر نحسه إلى العصر جيده إلى الليل (يوم الأربعاء) أوله جيد إلى الظهر نحسه إلى العصر جيده إلى النوم (يوم الخميس) أوله جيد إلى طلوع الشمس نحسه إلى الظهر جيده إلى النوم (يوم الجمعة) أوله جيد إلى طلوع الشمس نحسه إلى الضحى جيده إلى العصر نحسه إلى المغرب جيده إلى النوم.
أموات الأحياء أربعة
ووجدت أيضا بخطه: قال أفلاطون أموات الأحياء أربعة: السقيم في بدنه، والمتغرب عن وطنه، والناظر إلى مال غيره، والمقدم عليه من هو دونه.(3/123)
وأنا أقول: فيه تقصير بل هم أحياء الأحياء ان علموا بما يجب كما إذا أسر السقيم لسقمه وفوض أمره إلى ربه ورضي بقضائه وفرح ببلائه لصدوره عن محبوبه فإن المحب يعتقد اذى المحبوب نعمة كبرى، وكذا المتغرب عن وطنه المألوف لأن كمال النفس بالخروج عن عالمها ولأن السفر يسفر عن مدار الرجال ويبلغهم درجة الكمال، وأما الثالث فعلاجه ترك النظر إلى زهرة الحياة الدنيا فإنه مقدمة لفتح مغالق أبواب الملكوت والطيران في فضاء الجبروت، وأما الرابع فعلاجه العلم بأن هذه الدار نقله لا دار محله.
لغز نحوي وآخر في الفرائض
لشيخنا، المتقدم ذكره أيضا:
يا أيها الخريت في الأعراب ... وخائضا لججا من الصواب
احجية غنت تحاكي الليلا ... فهل ترى لكشفها سبيلا
واحدة من سبع فيما قالوا ... فهل إلى افتضاضها انتقال
اسم يصير علما لنفسه ... وذا غريب في بيان جنسه
ووضعه لذاته نوعي ... عم الثلاث الوضع يا نحوي
فذا مع التعميم هل يعم ... جميعها أم كل ما مر اسم
ووصفه المذكور ليس في اللغة ... ذكر له وليس فيه دغدغة
فهل ترى لفظا يكون علما ... لنفسه وذاته منفهما
وهل يجوز ذلك في العقول ... وهل يصح ذاك في المنقول
وصح عندي جعله جنسيا ... وشذ من يظنه شخصيا
وله: قدس الله سره.
ما قولكم يا فقهاء العصر ... في معضل من حادثات الدهر
في أمة وزوجها مولاها ... من مثلها عبد وقد أتاها
وبعد ذاك اعتقت في حبله ... فأرادت نقضه بحله
فأبى الشرع العلي حلها ... فاستبيحوا شرحها وحلها
جوابه، له قدس الله سره:
حثامها فضضته بالشرح ... وما على بنائنا من جرح
فخذ جوابا شافيا للغرض ... وخذ حديثا كافيا للفرض
لقد منعنا فسخ هذه الأمة ... لفقد مولانا الذي قد قدمه
لأنها ثلث لملك المولى ... ومهرها ثلث وقل طولا
وجملة المتروك ثلث ما بقي ... نص عليه جملة الحذاق
وعتقها وصية لا تمضي ... إلا من الثلث الصحيح الفرض
فلو أجزنا فسخها للعقد ... أوجب ذاك رقها بالود
فخذ هديت حاصل الجواب ... وطبقن لمفصل الصواب
أقول: وقد سبقه إلى اللغز المذكور شيخه الشيخ سلمان بن علي البحراني (ره) بقوله:(3/124)
حثامها فضضته بالشرح ... وما على بنائنا من جرح
فخذ جوابا شافيا للغرض ... وخذ حديثا كافيا للفرض
لقد منعنا فسخ هذه الأمة ... لفقد مولانا الذي قد قدمه
لأنها ثلث لملك المولى ... ومهرها ثلث وقل طولا
وجملة المتروك ثلث ما بقي ... نص عليه جملة الحذاق
وعتقها وصية لا تمضي ... إلا من الثلث الصحيح الفرض
فلو أجزنا فسخها للعقد ... أوجب ذاك رقها بالود
فخذ هديت حاصل الجواب ... وطبقن لمفصل الصواب
أقول: وقد سبقه إلى اللغز المذكور شيخه الشيخ سلمان بن علي البحراني (ره) بقوله:
فقهاء الفرقة الناجين هاتوا ... جوابا عن سؤال قد عرض
أمة زوجها السالك من ... مثلها عبد بمهر مفترض
بعد هذا اعتقت في حبلة ... فأتت تفسخ ما المولى فرض
وأبا الشرع المعلى فسخها ... بينوا لي سادتي ما قد بهص
كتاب محاسن البرقي: عنه عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من كان الرهن عنده أوثق من أخيه المسلم فأنا منه بريء.
أقول: هذا الخبر بظاهره مشكل، ولعل المراد بالمسلم فيه المسلم الخاص المؤمن الكامل، وهو من ظهرت أمانته وديانته وتقواه من الشيعة، ولعل في التعبير بأخيه نوع إيماء إلى ذلك، وإلا فوجود الفساد في الامانات والديانات سيما في أعصارنا هذه والاحتياج في التوثق والاستظهار إلى أزيد من الرهن أظهر من أن يخفى. نعوذ بالله من شرور نفوسنا وقبائح أعمالنا.
ومن الكتاب المذكور: عن مطرف عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: ثلاثة للمؤمن فيهن راحة: دار واسعة تواري عورته، وامرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة، وابنة أو أخت أخرجها من منزله اما بموت أو بتزويج.
أقول: لعل الوجه في الثالثة باعتبار حصول الخفة في العيال التي هي أحد اليسارين كما ورد في آخر الخبر، بل لصونهما من الزنا وراحته من الفضيحة.
ومن الكتاب المذكور: عن هشام بن الحكم أن أبا عبد الله عليه السّلام قال: من كسب مالا من غير حله سلط الله عليه البناء والطين والماء.(3/125)
كتمان العلم وإظهاره
كتاب بصائر الدرجات: لمحمد بن الحسن الصفار من ثقاة أصحابنا عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السّلام وليس بمشترك بين رجلين كما توهمه ابن داود في خلاصته محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن الحسن بن عثمان عن يحيى الحلبي عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال له رجل وأنا عنده: ان الحسن البصري يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: من كتم علما جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار. فقال: كذب والله فأين قول الله تعالى: {وَقََالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمََانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللََّهُ} ثم مد بها صوته فقال: ليذهبوا حيث شاؤوا، أما والله لا يجدون العلم إلا ها هنا. ثم سكت ساعة ثم قال: عند آل محمد.
حدثني السندي بن محمد عن أبان بن عثمان عن عبد الله بن سليمان قال:
سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى وهو يقول: ان الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار؟ فقال أبو جعفر عليه السّلام: فهلك إذا مؤمن من آل فرعون، وما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا فليذهب الحسن يمينا وشمالا، فو الله ما يوخذ العلم إلا ما ها هنا.
أقول: كان الحسن البصري يعرض بهم عليهم السّلام حيث أنهم يفتون بالتقية في جملة من الأحكام، بل ربما لا يجيبون في بعض الأحيان أيضا تقية، فرد عليه الإمام بما ذكره والله أعلم.
منتخبات من أشعار مختلفة
لبعضهم:
لي أير لا بارك الله فيه ... يقطع الليل والنهار قياما
وإذا ما الحبيب نام بجنبي ... اتكى فوق خصيتيه وناما
لآخر:
وقائلة ما بال أيرك لم يقم ... فقلت لها لا تكثرين كلاما
فلا أبصرت عين له ما يسره ... لبادر اجلالا إليه وقاما
ولكنه لما رأى ما يسؤه ... توسد كلتا خصيتيه وناما
لآخر:(3/126)
وقائلة ما بال أيرك لم يقم ... فقلت لها لا تكثرين كلاما
فلا أبصرت عين له ما يسره ... لبادر اجلالا إليه وقاما
ولكنه لما رأى ما يسؤه ... توسد كلتا خصيتيه وناما
لآخر:
أير كبير والصغير يقوله له ... أطعن حشاي وكن به صنديدا
فأجبت هذا لا يجوز فقال لي ... عندي يجوز فنكبته تقليدا
الآخر:
قالت وقد قصرت في نيكها ... سد فضى مبعرى الواسع
فقلت مولاتي عذرا فقد ... اتسع الخرق على الراقع
للشيخ الطوسي: قدس الله سره ونور ضريحه.
ما المثال الذي ما زال مشتهرا ... للمنطقيين في الشرطي تسديد
أما رأوا وجه من أهوى وطرته ... الشمس طالعة والليل موجود
لبعضهم: في التجنيس.
لقد راعني بدر السما بصدوده ... ووكل أجفاني برعي كواكبه
فيا كبدي دعه عساه يجود لي ... ويا مهجتي صبرا على ما كواكبه
لآخر: فيه أيضا.
قلت لبدر التم لما بدا ... محتجبا من حسن أوصافه
ان شئت أن تسرق من حسنه ... فلذ به يا بدر أوصافه
لبعضهم: في رجل اسمه عيسى
سموك عيسى ولم تأت بمكرمة ... ولم تشابهه في فضل ولا أدب
وما أتيت بشيء من فضائله ... إلا بانك من أم بغير أب
ولآخر:
وسائلة تسائل عن طريق ... فقلت لها مجيبا أنت فيه
فغطت وجهها عني حياء ... وظنت أن أقول لها انتفيه
لبعضهم: في الإقتباس.
أقول والعشاق من خلفه ... كأنهم من حدب ينسلون
وردفه يقرع يقر من خلفه ... لمثل ذا فليعمل العاملون
تقول عيناه لعشاقه ... اليوم تجزون بما تعملون
وهجره يبدو لهم قائلا ... هيهات هيهات لما توعدون
لبعضهم:(3/127)
أقول والعشاق من خلفه ... كأنهم من حدب ينسلون
وردفه يقرع يقر من خلفه ... لمثل ذا فليعمل العاملون
تقول عيناه لعشاقه ... اليوم تجزون بما تعملون
وهجره يبدو لهم قائلا ... هيهات هيهات لما توعدون
لبعضهم:
الصدق في أقوالنا أقوى منا ... والكذب في أفعالنا أفعى لنا
يا من يقول انهم أشياخنا ... عار عليهم يفعلوا شياخنا
لآخر:
لا يدرك الماجد شأو العلى ... إلا إذا فارق أوطانه
كالسيف لا يفر الطلا حده ... إلا إذا فارق أجفانه
ولا ينال العلم إلا الذي ... أرق طوال أجفانه
لآخر:
أرى الاحسان عند الحر دينا ... وعند النذل منقصة وذما
كقطر الماء في الأصداف درا ... وفي جوف الأفاعي صار سما
لآخر:
من الله فاسأل كل أمر تريده ... فما يملك الإنسان نفعا ولا ضرا
ولا تتواضع للملوك فإنهم ... من التيه في حال تميس بهم سكرا
واياك أن ترضى بتقبيل راحة ... فقد قيل انها السجدة الصغرى
لآخر:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وسخطت كان الحلم رد جوابه
وإذا ظمئت إلى الشراب رويت من ... ألفاظه وسكرت من آدابه
جذلان يحتمل الأذى عن رقدة ... واللادغات الصم تحت ثيابه
وتراه يصغي للحديث بسمعه ... وبقلبه ولعله أدرى به
لآخر:
وليس صديقا من إذا قلت لفظة ... توهم في اثناء موقعها أمرا
ولكنه من لو قطعت بنانه ... توهمها قصدا لمصلحة أخرى
عبد الله بن المعتز.
وأمطر الكاس ماء من أبارقه ... فأنبتت الدر في أرض من الذهب
وسبح القوم لما أن رأوا عجبا ... نورا من الماء في نار من الغيب
السيد الرضي: ره.(3/128)
وأمطر الكاس ماء من أبارقه ... فأنبتت الدر في أرض من الذهب
وسبح القوم لما أن رأوا عجبا ... نورا من الماء في نار من الغيب
السيد الرضي: ره.
تخطو وما خطونا إلا إلى الأجل ... وتنقضي وكان العمر لم يطل
والعيش يؤذننا بالموت أوله ... ونحن نرغب بالأيام والدول
وقال: الكميت بن زيد الأسدي.
قالوا فلم لم يقاتلهم هناك على ... حق ليدفع عنه الضيم مرهفه
أم كيف أمهل من لو سل صارمه ... في وجهه لرأيت الطير يخطفه
فقلت من ثبتت في العقل حكمته ... فلا اعتراض عليه حين تنصفه
لم عمر الله ابليسا وسلطه ... على ابن آدم في الآفاق يقذفه
لم أمهل الله فرعونا يقول لهم ... إني أنا الله محي الخلق متلفه
في مجلس لو أراد الله كان به ... وبالذي نصروه كان يخسفه
أملي لهم فتمادوا في غوايتهم ... ان الغوي كذا الدنيا تسوفه
وهل خلا حجة الله ويحك من ... جبار سوء على البأساء يعطفه
في الخبر:
ان الإمام الصادق عليه السّلام رأى السيد الحميري ذات يوم فقال له: سمتك أمك سيدا ووفقت في ذلك، فأنشأ السيد افتخارا بهذا الكلام:
ولقد عجبت بقائل لهي مرة ... علامة فهم من الفهماء
سماك قومك سيدا صدقوا به ... أنت الموفق سيد الشعراء
ما أنت حين تخص آل محمد ... بالمدح منك وشاعرا بسواء
مدح الملوك وذي الغنا لعطائهم ... والمدح منك لهم بغير عطاء
فأبشر فإنك فائز من حبهم ... لو قد غدوت عليهم بجزاء
ما تعدل الدنيا جميعا كلها ... من حوض أحمد شربة من ماء
«الصاحب بن عباد» في مدح أمير المؤمنين عليه السّلام.
كان النبي مدينة العلم التي ... حوت الكمال كنت أفضل باب
ردت على الشمس وهي فضيلة ... ظهرت فلم تستر بلف نقاب
لم أحك إلا ما روته نواصب ... عادتك وهي مباحة الأسباب
«وله أيضا» قدس الله سره.
أبا حسن إن كان حبك مدخلي ... جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من كان موقنا ... بان أمير المؤمنين قسيمها
وله أيضا: رحمه الله تعالى.(3/129)
أبا حسن إن كان حبك مدخلي ... جهنم كان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من كان موقنا ... بان أمير المؤمنين قسيمها
وله أيضا: رحمه الله تعالى.
يا أمير المؤمنين المرتضى ... ان قلبي عندكم قد وقفا
كلما جددت مدحي فيكم ... قال ذى النصب نسيت السلفا
من كمولاي علي زاهد ... طلق الدنيا ثلاثا ووفى
من دعا للطير إذ يأكله ... دلنا في بعض ما لا يكتفا
من وصي المصطفى عندكم ... ووصي المصطفى من يصطفى
قصة الفقيرة مع داود النبي عليه السّلام
كتاب الأمالي: عن أبي عن أبيه عن آبائه قيل: دخلت امرأة على داود عليه السّلام فقالت: يا نبي الله ربك ظالم أم عادل؟ فقال: ويحك هو العدل الذي لا يجوز: ثم قال لها: ما قصتك؟ قالت: إني امرأة أرملة عندي ثلاث بنات أقوم عليهن من غزل يدي، فلما كان أمس شددت غزلي في خرقة حمراء وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه وأبلغ به أطفالي فإذا أنا بطائر قد انقض علي واخذ الخرقة والغزل وذهب وبقيت محزونة ما لي شيء أبلغ به أطفالي. قال: فبينما المرأة مع داود عليه السّلام في الكلام وإذا بالباب يطرق على داود عليه السّلام فأذن بالدخول وإذا بعشرة من التجار مع كل واحد مائة دينار فقالوا: يا نبي الله أعطها لمستحقها. فقال لهم داود عليه السّلام ما كان سبب حملكم هذا المال؟، قالوا: يا نبي الله كنا في مركب فهاجت علينا الريح فعاب المركب وأشرفنا على الغرق فإذا بطائر قد ألقى علينا خرقة حمراء وفيها غزل فسددنا به عيب المركب فهانت علينا الريح وانسد العيب ونذرنا لله أن يتصدق كل واحد منا بمئة دينار، وهذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت، فالتفت داود إلى المرأة وقال لها: ربك يتجر لك في البر والبحر وتجعلينه ظالما، وأعطاها ألف دينار فقال: أنفقيها على أطفالك والله أعلم بحالك.
سأل: الصفدي عن قول قيس.
أصلي فلا أدري إذا ما ذكرتها ... إثنتين صليت الضحى أم ثمانيا
ما وجه الإثنين والثمان؟ فقال: كأنه لكثرة السهو واشتغال الفكر كان يعد الركعات بأصابعه ثم إنه يذهل فلا يدري هل الأصابع التي ثناها هي التي صلاها أم الأصابع المفتوحة.(3/130)
قال بعضهم بعد نقل ذلك: أقول ولله در الصفدي في هذا الجواب الرائق الذي صدر عن طبع أرق من السحر الحلال والطف من خمر شيب بالزلال وإن كان قيسا لم يقصد ذلك.
أخبار الفرار من الطاعون
كتاب مسكن الشجون: في حكم الفرار من الطاعون للسيد العلامة المحدث السيد نعمة الله تغمده الله برحمته (الباب الثالث) في حكم الفرار من الطاعون اعلم وفقنا الله واياك أن الله عز وجل قدم الاهتمام بالأبدان وحفظ النفوس على الاهتمام بالأديان، ألا ترى إلى من سب نبيا أو إماما من غير ضرورة داعية إليه كان مرتدا يجب قتله على من سمعه، ومع هذا فقد أباح السب محافظة على النفوس. قال مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام: أما إنه سيبليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة وأما البراءة فلا تتبرأوا فاني ولدت على الفطرة وسبقت على الإسلام.
أقول: أراد عليه السّلام بذلك الرجل معاوية بن أبي سفيان عليه لعائن الله، وأما الفرق بين السب والبراءة فهو أن السب راجع إلى اللسان والبراءة موردها القلب، وكذلك سوغ التيمم عند خوف استعمال الماء، وأما المكث في بلاد الطاعون فلما كان فيه من الخوف على النفس جوز الشارع الفرار من أرض الطاعون روى الصدوق طاب ثراه بإسناده إلى علي بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:
القوم يكونون في البلد يقع فيها الموت ألهم أن يتحولوا إلى غيرها؟ قال نعم قال:
بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عاب قوما بذلك فقال أولئك كانوا ربئة بازاء العدو فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن يبقوا في موضعهم ولا يتحولوا منه إلى غيره فلما وقع فيهم الموت تحولوا من ذلك المكان إلى غيره فكان تحويلهم من ذلك المكان إلى غيره كالفرار من الزحف.
وفي روضة الكافي بسند حسن عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الوباء يكون في ناحية مصر فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى أو يكون في مصره فيخرج عنه إلى غيره؟ قال: لا بأس إنما نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلّم عن ذلك لمكان ربية كانت بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن تخلو مراكزهم «والرئبية على وزن فعليه بالهمزة وهي العين الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم العدو».
وروى أيضا بإسناده إلى أبان الأحمر قال: سأل بعض أصحابنا أبا الحسن عليه السّلام عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم. قال:(3/131)
وفي روضة الكافي بسند حسن عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الوباء يكون في ناحية مصر فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى أو يكون في مصره فيخرج عنه إلى غيره؟ قال: لا بأس إنما نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلّم عن ذلك لمكان ربية كانت بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن تخلو مراكزهم «والرئبية على وزن فعليه بالهمزة وهي العين الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم العدو».
وروى أيضا بإسناده إلى أبان الأحمر قال: سأل بعض أصحابنا أبا الحسن عليه السّلام عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم. قال:
ففي القرية وأنا فيها؟ قال: نعم قال: ففي الدار وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم قلت فانا نتحدث ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال «الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف» قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور نحو العدو فيقع الطاعون فيخلون أماكنهم ويفرون منها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك فيهم.
روى علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب؟ قال: يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلي فيه ولا يصلح الهرب منه.
أقول: قد تضمنت هذه الأخبار بالفرار من الطاعون والأمر للوجوب عند المحققين على ان الفرار ظاهر في الدلالة عليه إن لم نقل بدلالة الأمر عليه، وأما الندب فلا كلام في الدلالة عليه والزحف الجيش والمراد هنا جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والإمام صلوات الله عليه الذي يجب الثبات فيه، وبعض العلماء اطلع على أول الحديث وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلّم «الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف» من روايات العامة لأنهم رووه عن عائشة، ومن جملة من رواه عنها الغزالي في كتاب الاحياء ولأجل عدم الإطلاع على تفسير الحديث والجزء الأخير منه ذهبوا إلى تحريم الفرار من الطاعون.
وحكي: أن بعضهم ما كان يصلي على من مات فارا من الطاعون، وهذا غريب جدا لأنه على تقدير التحريم يكون قد فعل حراما أما صغيرة أو كبيرة، والإجماع منعقد على وجوب الصلاة على كل مؤمن عادلا كان أو فاسقا، والغزالي وغيره من علماء العامة مع روايتهم لذلك الخبر ذهبوا إلى كراهية الفرار من الطاعون ولا نعلم من أين جاء التحريم، وبعضهم استند فيه إلى الآية وهي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقََالَ لَهُمُ اللََّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيََاهُمْ}.
وروى: الكافي عن الإمام أبي جعفر عليه السّلام في قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقََالَ لَهُمُ اللََّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيََاهُمْ} فقال: ان هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام وكانوا سبعين ألف بيت وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، وكانوا إذا أحسوا به خرج الأغنياء لقوتهم وبقي
فيها الفقراء لضعفهم، وكان الموت يكثر في الذين أقاموا ويقل في الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت ويقول الذين أقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت.(3/132)
وروى: الكافي عن الإمام أبي جعفر عليه السّلام في قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقََالَ لَهُمُ اللََّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيََاهُمْ} فقال: ان هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام وكانوا سبعين ألف بيت وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، وكانوا إذا أحسوا به خرج الأغنياء لقوتهم وبقي
فيها الفقراء لضعفهم، وكان الموت يكثر في الذين أقاموا ويقل في الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت ويقول الذين أقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت.
قال: فاجتمع رأيهم جميعا إذا وقع الطاعون وأحسوا به خرجوا كلهم من المدينة، فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا وتنحوا عن البلد حذرا من الموت فساروا في البلاد ما شاء الله، ثم انهم مروا بمدينة خربة قد خلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها فلما حطوا رحالهم واطمأنوا بها قال الله عز وجل: {مُوتُوا}
جميعا فماتوا من ساعتهم وصاروا فيها عظاما تلوح وكانوا على طريق المارة فكنستهم المارة ونحوهم وجمعوهم في موضع، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له (خرقيل) فلما رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال: يا رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتهم فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك، فأوحى الله إليه أفتحب ذلك؟ قال: نعم، فأوحى الله عز وجل إليه قل كذا وكذا وقال الذي أمره الله تعالى أن يقول وهو الاسم الأعظم، فلما قال خرقيل:
ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض يسبحون الله عز وجل ويكبرونه ويهللونه، فقال خرقيل عند ذلك أشهد أن الله على كل شيء قدير.
وروى: في حديث آخر عن الصادق عليه السّلام أن اليوم الذي أحيا الله فيه تلك العظام يوم النوروز وصب الماء على العظام فأحيا الله تعالى قال عليه السّلام: فلذلك صار صب الماء سنة لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، يعنى أنه يستحب صب الماء ورشه يوم النوروز في أبواب البيوت وفناء الدور والمنازل ليطرد الله الموت في ذلك العام عن أهل المنزل.
أقول: هذا الحديث حجة لنا لا علينا، وذلك أن أحياءهم صارت معجزة لنبي من أنبياء بني إسرائيل وعلل عليه السّلام حياتهم بعد الموت بعبادة الله تعالى وقارنوا حياتهم بالتكبير والتهليل، وليس هذا حال من مات مصرا على الكبائر، فذلك على أن فرارهم من الطاعون كان مقلدنا لطاعة الله تعالى ولكن لما فروا من الطاعون وافوا آجالهم وانقضاء أعمارهم فماتوا به، وفي الرواية عن مولانا الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام أنه أصاب الناس في زمن داود عليه السّلام طاعون حارق فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء فلذا قصده ليدعو فيه، فلما وقف موضع الصخرة دعا الله
تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب الله له ورفع، باعدوا ذلك الموضع مسجدا وكان الشروع في بنائه لإحدى عشر سنة مضت من ملكه، وتوفي قبل أن يستتم بناءه وأوصى إلى سليمان بإتمامه(3/133)
أقول: هذا الحديث حجة لنا لا علينا، وذلك أن أحياءهم صارت معجزة لنبي من أنبياء بني إسرائيل وعلل عليه السّلام حياتهم بعد الموت بعبادة الله تعالى وقارنوا حياتهم بالتكبير والتهليل، وليس هذا حال من مات مصرا على الكبائر، فذلك على أن فرارهم من الطاعون كان مقلدنا لطاعة الله تعالى ولكن لما فروا من الطاعون وافوا آجالهم وانقضاء أعمارهم فماتوا به، وفي الرواية عن مولانا الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام أنه أصاب الناس في زمن داود عليه السّلام طاعون حارق فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء فلذا قصده ليدعو فيه، فلما وقف موضع الصخرة دعا الله
تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب الله له ورفع، باعدوا ذلك الموضع مسجدا وكان الشروع في بنائه لإحدى عشر سنة مضت من ملكه، وتوفي قبل أن يستتم بناءه وأوصى إلى سليمان بإتمامه
أقول: في هذا الحديث دلالة على استحباب الخروج من الطاعون لقصد موضع شريف منجيا عن الطاعون ودعا الله سبحانه في رفعه إنتهى ما أردنا نقله من كلامه قدس الله سره.
يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذه النقول: ما نقله سيدنا المحدث قدس الله سره من حديث مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام وتجويزه السب له تقية، وقوله:
«وأما البراءة فلا تتبرأوا مني» إلى آخره مشكل، وظاهر سيدنا المشار إليه الجمود على ظاهره كما يشعر به كلامه في الفرق بين السب والبراءة، والذي وقفت عليه من هذا الخبر في بعض المواضع خال من لفظ فلا تتبرأوا مني، على أنه قد روى في كتاب قرب الإسناد عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليه السّلام قال: قيل له ان الناس يروون أن عليا عليه السّلام قال على منبر الكوفة: أيها الناس انكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم ستدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يقل ولا تتبرأوا مني فقال له السائل: أرأيت أن أختار القتل دون البراءة منه؟ فقال: والله ما ذلك عليه وما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهوه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان فأنزل الله تبارك وتعالى: {إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ}
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عندها: يا عمار ان عادوا فعد فقد أنزل الله عز جل عذرك في الكتاب وأمرك أن تعود ان عادوا.
وهذا الخبر صريح كما ترى في جواز البراءة بل أفضليتها محافظة على النفس، وما ذكره سيدنا من الفرق عليل فإن القلب متى كان مطمئنا بالإيمان ومصدر البراءة كالسب إنما هو اللسان، فأي ضرر في البراءة أو نقصان. ثم ما ذكره قدس الله سره في معنى ما روي عن الصادق عليه السّلام من أن احياء تلك العظام كان يوم النوروز يصب الماء عليها وأن صب الماء لذلك صار سنة من أن يستحب صب الماء ورشه يوم النوروز في أبواب البيوت، فإن كان المستند فيه مجرد هذا الحديث نفهمه منه في غاية البعد، فإن الأقرب حمله على الغسل المستحب في هذا اليوم كما ورد في أخبار أخر وهو الملائم لصب الماء على العظام والأنسب بها في هذا المقام، يكون هذا هو العلة في أصل مشروعية هذا الغسل.(3/134)
قصيدة الناشىء في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم
مما قاله: أبو العباس عبد الله بن محمد الناشىء يمدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وقد جمع فيها آباءه وهي هذه القصيدة:
مدحت رسول الله أبغي بمدحه ... وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءا فات المديح موحدا ... بأوصافه عن مبعد ومقارب
نبي تسامى في المشارق نوره ... فلاحت بواديه لأهل المغارب
أتتنا به الأنبياء قبل مجيئه ... وشاعت به الأخبار في كل جانب
وأصبحت الكهان تهتف باسمه ... وتنعي به رجم الظنون الكواذب
ونطقت الأصنام نطقا تبرأت ... إلى الله فيه من مقال الأكاذب
وقالت لأهل الكفر قولا مبينا ... أتاكم نبي من لوي بن غالب
ورام استراق السمع جن فزيلت ... مقاعدهم منها رجوم الكواكب
هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له ... لطول العمى من واضحات المذاهب
وجاءنا بآيات تبين أنها ... دلائل جبار مثيب معاقب
فمنها انشقاق البدر حين تعمت ... شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب
ومنها نبوع الماء بين بنانه ... وقدم عدم الوراد قريب المشارب
فروى به جما غفيرا وأسهلت ... بأعناقه طوعا ألف المذاهب
وبئر طغت بالماء من مس سهمه ... ومن قبل لم تسح بمذقة شارب
وضرع مرأة فاستدر ولم تكن ... به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبيتة ... لكيد عدو للعداوة ناصب
وأخباره بالأمر من قبل كونه ... وعند بواديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتى به ... قريب المأتي مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم تطع ... بليغا ولم تخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة ... وفات مرام المستمر المؤارب
أتانا به لا عن روية مرأة ... لا صحف مستمل ولا وصف كاتب
يؤاتيه طورا في إجابة سائل ... وافتاه مستفت ووعظ مخاطب
واتيان برهان وفرض شرائع ... وقص احاديث ونص مآرب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة ... وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغا ... وعند حدوث المعصلات الغرايب
فيأتي على ما شئت من طرقاته ... قويم المعاني مستدر الضرائب
يصدق منه البعض بعضا كأنما ... يلاحظ معناه بين المواقب
وعجز الورى من أن يجيئوا بمثله ... وصفناه معلوم بطول التجارب
تأبى (بعبد الله) أكرم والد ... تبلج عنه عن كريم المناسب
(وشيبة) ذي الحمد الذي فخرت به ... قريش على أهل العلا والمناصب
ومن كان يستسقى الغمام بوجهه ... ويصدر عن آرائه في النوائب
و (هاشم) الباني المشيد افتخاره ... بعز المساعي وامتحان المواهب
(وعبد مناف) وهو علم قومه ... استطاط الأماني واحتكام الرغائب
وان (قصيا) من كريم غراسه ... لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعد ما ... تقسمها نهبا أكف السوالب
وحل (كلاب) من ذرى المجد معقلا ... تقاصر عنه كل دان وغايب
و (مرة) لم يحلل مريرة عزمه ... سفاه سفيه أو مجوبة جائب
و (كعب) علا من طالب المجد كعبه ... فنال بادنى السعي أعلى المراتب
والوى (لوي) بالعداوة فطوعت ... لهم همم الشم الأنوف الأغالب
وفي (غالب) بأس أبى الباس دونهم ... يدافع عنهم كل قرن مغالب
وكانت (لفهر) في قريش خطابة ... يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم (مالك) خير مالك ... وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
و (النظر) طولى يقصر الطرف دونه ... بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
لعمري لقد أبدى (كنانه) قبله ... محاسن تأبى تطوع لغالب
ومن قبله أبقى (خزيمة) بعده ... تليد تراث عن حميد الأقارب
و (مدركة) لم يدرك الناس مثله ... أعف وأعلى عن دني المكاسب
و (الياس) كان اليأس منه مقارنا ... لاعداده قبل اعتداد الكتائب
وفي (مضر) يستجمع الفخر كله ... إذا اعتركت يوما زحوف المناقب
وحل (نزار) من رياسة قومه ... محلا تسامى عن عيون الرواقب
وكان (معد) عدة لوليه ... إذا خاف من كيد العدو المحارب
وما زال (عدنان) إذا عد فضله ... توحد فيه عن قرين وصاحب
«واد» نادى الفضل منه بغاية ... وارث حواه عن قروم اشائب
وفي «ادد» حلم يزين بالجحى ... إذا الحكم أزهاه قطوب الحواجب
وما زال يستعلي «هميسع» بالعلا ... ويبلغ آمال البعيد المراغب
و «نبت» نبته دوحة الغر فابتنى ... معاقله في مشمخر الأهاضب
وحيزت «لقيد» سماحة حاتم ... وحكمة لقمان وهمة حاطب
هم نسل «إسماعيل» صادق وعده ... فما بعده في الفخر مسعى لذاهب
وكان «خليل الله» أكرم من عنت ... له الأرض من ماش عليه وراكب
و «تارخ» ما زالت له أريحية ... تبين منه عن حميد الصوائب
و «ناخور» نحار العدى احفظت له ... مآثر لما يحصها عد حاسب
و «اشرع» في الهيجاء ضيغم غابة ... يقد الطلا بالمرهفات القواضب
و «أرغوا» فتات في الحروب محكم ... ضنين عن نفس الشحيح المغالب
وما «قالع» في فضله تلو قومه ... ولا «عابر» من دونه في المراتب
و «شارخ» و «أرفخشد» و «سام» سمت بهم ... سجايا حمتهم كل زار وعائب
وما زال «نوح» عند ذي العرش فاضل ... يعدده في المصطفين الأطائب
و «لمك» أبوه كان في الروع أريعا ... حريا على نفس الكمى المحارب
ومن قبل «لمد» لم يزل متوشلخ ... يذود العلا بالذايدات الشوارب
وكانت «لادريس» النبي منازل ... من الله لم تقرن بهمة راغب
و «بادر» بحر عند أهل سرابة ... أبي الخزايا مستدق المآرب
وكانت «لمهلائيل» فيهم فضائل ... منزهة عن فاحشات المثالب
و «قينان» من قبل اجتنى يحد قومه ... وفات بشاؤ الفضل وخذ الركائب
وكان «أنوش» ناش للمجد نفسه ... ونزهها عن مرديات المطالب
وما زال «شيث» بالفضائل فاضلا ... شريفا بريا عن ذميم المعايب
وكلهم من نور «آدم» أقبسوا ... ومن عوده أجنوا ثمار المناقب
وكان رسول الله أكرم منجب ... جوى في ظهور الطيبين المناجب
و(3/135)
مدحت رسول الله أبغي بمدحه ... وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءا فات المديح موحدا ... بأوصافه عن مبعد ومقارب
نبي تسامى في المشارق نوره ... فلاحت بواديه لأهل المغارب
أتتنا به الأنبياء قبل مجيئه ... وشاعت به الأخبار في كل جانب
وأصبحت الكهان تهتف باسمه ... وتنعي به رجم الظنون الكواذب
ونطقت الأصنام نطقا تبرأت ... إلى الله فيه من مقال الأكاذب
وقالت لأهل الكفر قولا مبينا ... أتاكم نبي من لوي بن غالب
ورام استراق السمع جن فزيلت ... مقاعدهم منها رجوم الكواكب
هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له ... لطول العمى من واضحات المذاهب
وجاءنا بآيات تبين أنها ... دلائل جبار مثيب معاقب
فمنها انشقاق البدر حين تعمت ... شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب
ومنها نبوع الماء بين بنانه ... وقدم عدم الوراد قريب المشارب
فروى به جما غفيرا وأسهلت ... بأعناقه طوعا ألف المذاهب
وبئر طغت بالماء من مس سهمه ... ومن قبل لم تسح بمذقة شارب
وضرع مرأة فاستدر ولم تكن ... به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبيتة ... لكيد عدو للعداوة ناصب
وأخباره بالأمر من قبل كونه ... وعند بواديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتى به ... قريب المأتي مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم تطع ... بليغا ولم تخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة ... وفات مرام المستمر المؤارب
أتانا به لا عن روية مرأة ... لا صحف مستمل ولا وصف كاتب
يؤاتيه طورا في إجابة سائل ... وافتاه مستفت ووعظ مخاطب
واتيان برهان وفرض شرائع ... وقص احاديث ونص مآرب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة ... وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغا ... وعند حدوث المعصلات الغرايب
فيأتي على ما شئت من طرقاته ... قويم المعاني مستدر الضرائب
يصدق منه البعض بعضا كأنما ... يلاحظ معناه بين المواقب
وعجز الورى من أن يجيئوا بمثله ... وصفناه معلوم بطول التجارب
تأبى (بعبد الله) أكرم والد ... تبلج عنه عن كريم المناسب
(وشيبة) ذي الحمد الذي فخرت به ... قريش على أهل العلا والمناصب
ومن كان يستسقى الغمام بوجهه ... ويصدر عن آرائه في النوائب
و (هاشم) الباني المشيد افتخاره ... بعز المساعي وامتحان المواهب
(وعبد مناف) وهو علم قومه ... استطاط الأماني واحتكام الرغائب
وان (قصيا) من كريم غراسه ... لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعد ما ... تقسمها نهبا أكف السوالب
وحل (كلاب) من ذرى المجد معقلا ... تقاصر عنه كل دان وغايب
و (مرة) لم يحلل مريرة عزمه ... سفاه سفيه أو مجوبة جائب
و (كعب) علا من طالب المجد كعبه ... فنال بادنى السعي أعلى المراتب
والوى (لوي) بالعداوة فطوعت ... لهم همم الشم الأنوف الأغالب
وفي (غالب) بأس أبى الباس دونهم ... يدافع عنهم كل قرن مغالب
وكانت (لفهر) في قريش خطابة ... يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم (مالك) خير مالك ... وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
و (النظر) طولى يقصر الطرف دونه ... بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
لعمري لقد أبدى (كنانه) قبله ... محاسن تأبى تطوع لغالب
ومن قبله أبقى (خزيمة) بعده ... تليد تراث عن حميد الأقارب
و (مدركة) لم يدرك الناس مثله ... أعف وأعلى عن دني المكاسب
و (الياس) كان اليأس منه مقارنا ... لاعداده قبل اعتداد الكتائب
وفي (مضر) يستجمع الفخر كله ... إذا اعتركت يوما زحوف المناقب
وحل (نزار) من رياسة قومه ... محلا تسامى عن عيون الرواقب
وكان (معد) عدة لوليه ... إذا خاف من كيد العدو المحارب
وما زال (عدنان) إذا عد فضله ... توحد فيه عن قرين وصاحب
«واد» نادى الفضل منه بغاية ... وارث حواه عن قروم اشائب
وفي «ادد» حلم يزين بالجحى ... إذا الحكم أزهاه قطوب الحواجب
وما زال يستعلي «هميسع» بالعلا ... ويبلغ آمال البعيد المراغب
و «نبت» نبته دوحة الغر فابتنى ... معاقله في مشمخر الأهاضب
وحيزت «لقيد» سماحة حاتم ... وحكمة لقمان وهمة حاطب
هم نسل «إسماعيل» صادق وعده ... فما بعده في الفخر مسعى لذاهب
وكان «خليل الله» أكرم من عنت ... له الأرض من ماش عليه وراكب
و «تارخ» ما زالت له أريحية ... تبين منه عن حميد الصوائب
و «ناخور» نحار العدى احفظت له ... مآثر لما يحصها عد حاسب
و «اشرع» في الهيجاء ضيغم غابة ... يقد الطلا بالمرهفات القواضب
و «أرغوا» فتات في الحروب محكم ... ضنين عن نفس الشحيح المغالب
وما «قالع» في فضله تلو قومه ... ولا «عابر» من دونه في المراتب
و «شارخ» و «أرفخشد» و «سام» سمت بهم ... سجايا حمتهم كل زار وعائب
وما زال «نوح» عند ذي العرش فاضل ... يعدده في المصطفين الأطائب
و «لمك» أبوه كان في الروع أريعا ... حريا على نفس الكمى المحارب
ومن قبل «لمد» لم يزل متوشلخ ... يذود العلا بالذايدات الشوارب
وكانت «لادريس» النبي منازل ... من الله لم تقرن بهمة راغب
و «بادر» بحر عند أهل سرابة ... أبي الخزايا مستدق المآرب
وكانت «لمهلائيل» فيهم فضائل ... منزهة عن فاحشات المثالب
و «قينان» من قبل اجتنى يحد قومه ... وفات بشاؤ الفضل وخذ الركائب
وكان «أنوش» ناش للمجد نفسه ... ونزهها عن مرديات المطالب
وما زال «شيث» بالفضائل فاضلا ... شريفا بريا عن ذميم المعايب
وكلهم من نور «آدم» أقبسوا ... ومن عوده أجنوا ثمار المناقب
وكان رسول الله أكرم منجب ... جوى في ظهور الطيبين المناجب
و(3/136)
مدحت رسول الله أبغي بمدحه ... وفور حظوظي من كريم المآرب
مدحت امرءا فات المديح موحدا ... بأوصافه عن مبعد ومقارب
نبي تسامى في المشارق نوره ... فلاحت بواديه لأهل المغارب
أتتنا به الأنبياء قبل مجيئه ... وشاعت به الأخبار في كل جانب
وأصبحت الكهان تهتف باسمه ... وتنعي به رجم الظنون الكواذب
ونطقت الأصنام نطقا تبرأت ... إلى الله فيه من مقال الأكاذب
وقالت لأهل الكفر قولا مبينا ... أتاكم نبي من لوي بن غالب
ورام استراق السمع جن فزيلت ... مقاعدهم منها رجوم الكواكب
هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له ... لطول العمى من واضحات المذاهب
وجاءنا بآيات تبين أنها ... دلائل جبار مثيب معاقب
فمنها انشقاق البدر حين تعمت ... شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب
ومنها نبوع الماء بين بنانه ... وقدم عدم الوراد قريب المشارب
فروى به جما غفيرا وأسهلت ... بأعناقه طوعا ألف المذاهب
وبئر طغت بالماء من مس سهمه ... ومن قبل لم تسح بمذقة شارب
وضرع مرأة فاستدر ولم تكن ... به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبيتة ... لكيد عدو للعداوة ناصب
وأخباره بالأمر من قبل كونه ... وعند بواديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتى به ... قريب المأتي مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم تطع ... بليغا ولم تخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة ... وفات مرام المستمر المؤارب
أتانا به لا عن روية مرأة ... لا صحف مستمل ولا وصف كاتب
يؤاتيه طورا في إجابة سائل ... وافتاه مستفت ووعظ مخاطب
واتيان برهان وفرض شرائع ... وقص احاديث ونص مآرب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة ... وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغا ... وعند حدوث المعصلات الغرايب
فيأتي على ما شئت من طرقاته ... قويم المعاني مستدر الضرائب
يصدق منه البعض بعضا كأنما ... يلاحظ معناه بين المواقب
وعجز الورى من أن يجيئوا بمثله ... وصفناه معلوم بطول التجارب
تأبى (بعبد الله) أكرم والد ... تبلج عنه عن كريم المناسب
(وشيبة) ذي الحمد الذي فخرت به ... قريش على أهل العلا والمناصب
ومن كان يستسقى الغمام بوجهه ... ويصدر عن آرائه في النوائب
و (هاشم) الباني المشيد افتخاره ... بعز المساعي وامتحان المواهب
(وعبد مناف) وهو علم قومه ... استطاط الأماني واحتكام الرغائب
وان (قصيا) من كريم غراسه ... لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعد ما ... تقسمها نهبا أكف السوالب
وحل (كلاب) من ذرى المجد معقلا ... تقاصر عنه كل دان وغايب
و (مرة) لم يحلل مريرة عزمه ... سفاه سفيه أو مجوبة جائب
و (كعب) علا من طالب المجد كعبه ... فنال بادنى السعي أعلى المراتب
والوى (لوي) بالعداوة فطوعت ... لهم همم الشم الأنوف الأغالب
وفي (غالب) بأس أبى الباس دونهم ... يدافع عنهم كل قرن مغالب
وكانت (لفهر) في قريش خطابة ... يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم (مالك) خير مالك ... وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
و (النظر) طولى يقصر الطرف دونه ... بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
لعمري لقد أبدى (كنانه) قبله ... محاسن تأبى تطوع لغالب
ومن قبله أبقى (خزيمة) بعده ... تليد تراث عن حميد الأقارب
و (مدركة) لم يدرك الناس مثله ... أعف وأعلى عن دني المكاسب
و (الياس) كان اليأس منه مقارنا ... لاعداده قبل اعتداد الكتائب
وفي (مضر) يستجمع الفخر كله ... إذا اعتركت يوما زحوف المناقب
وحل (نزار) من رياسة قومه ... محلا تسامى عن عيون الرواقب
وكان (معد) عدة لوليه ... إذا خاف من كيد العدو المحارب
وما زال (عدنان) إذا عد فضله ... توحد فيه عن قرين وصاحب
«واد» نادى الفضل منه بغاية ... وارث حواه عن قروم اشائب
وفي «ادد» حلم يزين بالجحى ... إذا الحكم أزهاه قطوب الحواجب
وما زال يستعلي «هميسع» بالعلا ... ويبلغ آمال البعيد المراغب
و «نبت» نبته دوحة الغر فابتنى ... معاقله في مشمخر الأهاضب
وحيزت «لقيد» سماحة حاتم ... وحكمة لقمان وهمة حاطب
هم نسل «إسماعيل» صادق وعده ... فما بعده في الفخر مسعى لذاهب
وكان «خليل الله» أكرم من عنت ... له الأرض من ماش عليه وراكب
و «تارخ» ما زالت له أريحية ... تبين منه عن حميد الصوائب
و «ناخور» نحار العدى احفظت له ... مآثر لما يحصها عد حاسب
و «اشرع» في الهيجاء ضيغم غابة ... يقد الطلا بالمرهفات القواضب
و «أرغوا» فتات في الحروب محكم ... ضنين عن نفس الشحيح المغالب
وما «قالع» في فضله تلو قومه ... ولا «عابر» من دونه في المراتب
و «شارخ» و «أرفخشد» و «سام» سمت بهم ... سجايا حمتهم كل زار وعائب
وما زال «نوح» عند ذي العرش فاضل ... يعدده في المصطفين الأطائب
و «لمك» أبوه كان في الروع أريعا ... حريا على نفس الكمى المحارب
ومن قبل «لمد» لم يزل متوشلخ ... يذود العلا بالذايدات الشوارب
وكانت «لادريس» النبي منازل ... من الله لم تقرن بهمة راغب
و «بادر» بحر عند أهل سرابة ... أبي الخزايا مستدق المآرب
وكانت «لمهلائيل» فيهم فضائل ... منزهة عن فاحشات المثالب
و «قينان» من قبل اجتنى يحد قومه ... وفات بشاؤ الفضل وخذ الركائب
وكان «أنوش» ناش للمجد نفسه ... ونزهها عن مرديات المطالب
وما زال «شيث» بالفضائل فاضلا ... شريفا بريا عن ذميم المعايب
وكلهم من نور «آدم» أقبسوا ... ومن عوده أجنوا ثمار المناقب
وكان رسول الله أكرم منجب ... جوى في ظهور الطيبين المناجب
وقال: الخليفة الناصر العباسي:
قسما بمكة والحطيم وزمزما ... والراقصات ومشيهن إلى منى
بغض الوصي علامة مكتوبة ... كتبت على جبهات أولاد الزنا
من لم يوالي في البرية حيدرا ... سيان عند الله صلى أم زنى
نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وذكر الاختلاف فيه
كتاب الحدائق: تأليف الشيخ أحمد بن صالح البحراني قدس الله سره في أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام فقد نقل كل منهم بطريق الروايات في حديقة فقال (ره): في حديقة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه عامر ويقال له شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بن ادد، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: كذب النسابون ثلاثا لم يصح لمضر نسب فيما بين معد بن عدنان إلى إسماعيل ولا لليمن نسب للعرب إلى قحطان ثم تلا هذه الآية: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذََلِكَ كَثِيراً}، وقول صاحب جواهر الأصفاط كل الطوائف تقول عدنان بن أدد إلا طائفة فإنها تقول: عدنان بن أد بن أدد.(3/137)
كتاب الحدائق: تأليف الشيخ أحمد بن صالح البحراني قدس الله سره في أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام فقد نقل كل منهم بطريق الروايات في حديقة فقال (ره): في حديقة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه عامر ويقال له شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بن ادد، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: كذب النسابون ثلاثا لم يصح لمضر نسب فيما بين معد بن عدنان إلى إسماعيل ولا لليمن نسب للعرب إلى قحطان ثم تلا هذه الآية: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذََلِكَ كَثِيراً}، وقول صاحب جواهر الأصفاط كل الطوائف تقول عدنان بن أدد إلا طائفة فإنها تقول: عدنان بن أد بن أدد.
وقد روى موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته أم سلمة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: معد بن عدنان بن ادد بن زيد بن برا بن أعراق الثرى.
قالت أم سلمة: فزيد هو الهميسع وبرا هو نبت وأعراق الثرى هو اسماعيل.
أقول: ويقال لنبت نابت أيضا وجمل وقد أجمع النسابون جميعا العدنانية والقحطانية والأعاجم على أن إبراهيم عليه السّلام من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشد ابن سام بن نوح، وأجمعوا أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم إلا انهم اختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل، وقيل بينهما سبعة آباء واختلفوا في ذلك في بعض الأسماء، وقيل بينهما سبعة آباء؟ مخالفة أيضا في بعض وقيل بينهما خمسة عشر وقيل بينهما أربعون واخذوا ذلك من كتاب بوروخ بن ميرنا كاتب أرميا النبي عليه السّلام وكان قد حملا معد بن عدنان من جزيرة العرب ليالي بخت نصر فأثبت بوروخ وفي كتبه نسبة عدنان فهي معروفة عند أخبار أهل الكتاب وعلمائهم مثبتة في اسفارهم، وعند طائفة من علماء العرب لمعد أربعون أبا بالعربية إلى اسماعيل ويحتج بأسمائهم بشعر أمية بن أبي الصلت وغيره من علماء الشعراء أيام الجاهلية إنتهى.
ونذكر الآن شيئا من الإختلافات في نسب عدنان إلى اسماعيل من الكتاب المذكور: عدنان يقال لهم المضرية وقيس أيضا وهم العرب المستعربة أولاد اسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السّلام وقيل لهم العرب المستعربة لأن لغة إسماعيل كانت عبرانية لو أقام عند أبيه فلما أنزله إبراهيم عليه السّلام مع أمه هاجر بمكة نشأ في جرهم وتكلم بلغتهم العربية وتزوج منهم فهم أخوال ولده الذين إليهم ترجع سائر أنساب بني عدنان، ويقال ان نزول إسماعيل وأمه هاجر بمكة كان قبل الهجرة بألفين وسبعمئة وثلاثة وتسعين سنة، وقيل كان بين عمران أب موسى وعمران أب مريم عليه السّلام ألف سنة وبين يوشع وصي موسى وبين داود أربعمئة سنة وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلّم خمسمئة سنة، وكان مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مئة سنة وثلاث سنين فولده من جرهم إثني عشر ولدا منهم قيدار، فلما
مات اسماعيل بقي المكد لجرهم وسدانة البيت لبني اسماعيل.(3/138)
ونذكر الآن شيئا من الإختلافات في نسب عدنان إلى اسماعيل من الكتاب المذكور: عدنان يقال لهم المضرية وقيس أيضا وهم العرب المستعربة أولاد اسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السّلام وقيل لهم العرب المستعربة لأن لغة إسماعيل كانت عبرانية لو أقام عند أبيه فلما أنزله إبراهيم عليه السّلام مع أمه هاجر بمكة نشأ في جرهم وتكلم بلغتهم العربية وتزوج منهم فهم أخوال ولده الذين إليهم ترجع سائر أنساب بني عدنان، ويقال ان نزول إسماعيل وأمه هاجر بمكة كان قبل الهجرة بألفين وسبعمئة وثلاثة وتسعين سنة، وقيل كان بين عمران أب موسى وعمران أب مريم عليه السّلام ألف سنة وبين يوشع وصي موسى وبين داود أربعمئة سنة وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلّم خمسمئة سنة، وكان مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مئة سنة وثلاث سنين فولده من جرهم إثني عشر ولدا منهم قيدار، فلما
مات اسماعيل بقي المكد لجرهم وسدانة البيت لبني اسماعيل.
وقيل بل كان بنو إسماعيل ملوكا وسدنة وإنما ملك بعد نابت بن إسماعيل ويقال ولد لقيدار بن اسماعيل ابن يقال له جمل فولد جمل بن قيدار نبت بن جمل ويقال نابت وقيل نبت بن قيدار وقيل نبت بن اسماعيل، فولد لنبت سلامان وولد لسلامان الهميسع وولد للهميسع اليسع وولد لليسع ادد وولد لأدد ابنه أد وولد للاد ابنه أد وولد لاد عدنان وقيل عدنان بن أدد بن المقوم بن ناحور بن تارخ بن يعرب ابن يشجب بن نابت بن اسماعيل بن إبراهيم.
وقيل عدنان بن أدد بن يحشون بن مقوم بن ناخور بن تارخ بن يعرب بن يشجب بن نبت بن اسماعيل وقيل عدنان بن أدد بن أيثحت بن أيوب بن قيدار بن اسماعيل وقيل عدنان بن منيع بن أدد بن كعب بن يشجب بن يعرب بن الهميسع ابن قيدار بن اسماعيل.
وروى: الشيخ الثقة النجاشي صاحب كتاب الرجال في ترجمة محمد بن شمون من كتابه المشار إليه بسنده إليه قال: ورد داود الرقي البصرة بعقب اجتياز أبي الحسن موسى عليه السّلام في سنة سبعين ومئة فسار بي إليه وسأله عنها فقال:
سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: سواء على الناصب صلى أم زنى وقد نظم شيخنا أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني فقال:
خلع النواصب ربقة الإيمان ... فصلاتهم وزناهم سيان
قد جاءنا في واضح الآثار عن ... آل النبي الصفوة الأعيان
من ترجمة الخليفة الناصر العباسي
يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذه النقول: الظاهر عن حال الناصر العباسي واسمه أحمد بن المستضيء وكنيته أبو العباس أنه كان شيعي المذهب ويذلك جزم صاحب كتاب مجالس المؤمنين بعد نقل ترجمته في الكتاب المشار إليه، وحكى فيه أنه كان ابن عبد الله نقيب الطالبين في مدينة الموصل كتب إلى الناصر كتابا مضمونه إنه قد بلغني انك قد عدلت عن مذهب التشيع إلى مذهب التسنن فإن كان صحيحا فاكتب إلي ما السبب في ذلك؟ فلما وصل الكتاب إلى الناصر كتب له في الجواب هذه الأبيات وأرسلها إليه:
يمينا بقوم أوضحوا منهج الهدى ... وصاموا وصلوا والأنام نيام
اصاب بهم نوحا ونوح بهم نجا ... وناجى بهم موسى وأعقب سام
لقد كذب الواشون فيما تخرصوا ... وحاشى الضحى أن يعتريه ظلام
وقال في كتاب المجالس: ونقله غيره في غيره أيضا إنه كتب علي بن صلاح الدين يوسف من ملوك آل أيوب إلى الخليفة الناصر كتابا يشكو عمه أبا بكر وأخاه عثمان حيث اغتصب الملك منه، وذلك لأن أباه صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب جعل أكبر ولده وهو نور الدين على المذكور ولي عهده واخذ له البيعة على أخيه أبي بكر نجم الدين وعلى ابنه عثمان بن صلاح الدين، ولما مات أبوه صلاح الدين يوسف وثب عثمان مع عمه أبي بكر نجم الدين على علي وأخرجاه وملكا دونه، فكتب هذه الأبيات إلى الناصر العباسي يستصرخه ويشكو حاله.(3/139)
يمينا بقوم أوضحوا منهج الهدى ... وصاموا وصلوا والأنام نيام
اصاب بهم نوحا ونوح بهم نجا ... وناجى بهم موسى وأعقب سام
لقد كذب الواشون فيما تخرصوا ... وحاشى الضحى أن يعتريه ظلام
وقال في كتاب المجالس: ونقله غيره في غيره أيضا إنه كتب علي بن صلاح الدين يوسف من ملوك آل أيوب إلى الخليفة الناصر كتابا يشكو عمه أبا بكر وأخاه عثمان حيث اغتصب الملك منه، وذلك لأن أباه صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب جعل أكبر ولده وهو نور الدين على المذكور ولي عهده واخذ له البيعة على أخيه أبي بكر نجم الدين وعلى ابنه عثمان بن صلاح الدين، ولما مات أبوه صلاح الدين يوسف وثب عثمان مع عمه أبي بكر نجم الدين على علي وأخرجاه وملكا دونه، فكتب هذه الأبيات إلى الناصر العباسي يستصرخه ويشكو حاله.
مولاي ان أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غصبا بالسيف حق علي
وهو الذي كان قد ولاه والده ... عليهما فاستقام الأمر حين ولى
فخالفاه وحلا عقد بيعته ... والأمر بينهما والنص فيه جلي
فانظر إلى حظ هذا الاسم حيث لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول
فكتب إليه الناصر في الجواب:
وافى كتابك يا بن يوسف ناطقا ... بالصدق يخبر أن أصلك طاهر
غصبوا عليا حقه إذ لم يكن ... بعد النبي له بيثرب ناصر
فاصبر فإن غدا عليه حسابهم ... وأبشر فناصرك الإمام الناصر
ويروى: أن الناصر عاجله الموت قبل الإنتصار له، وقد تقدم في هذا الكتاب في ذكر بني العباس ومدة خلافة كل منهم، وتاريخ وفاته ان مدة خلافة الناصر كانت خمسا وأربعين سنة ووفاته كانت السنة السابعة بعد الستمئة.
لبعض الشيعة: وهو مهيار الديلمي نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج:
يا ابنة الطاهر كم ... يقرع بالظلم عصاك
غضب الله لخطب ... ليلة الطف أراك
ورعى النار غدا ... فظّ رعى أمس حماك
مر لم يعطفه شكواك ... ولا استحيا بكاك
واقتد الناس به ... بعد فأردى ولداك
يا ابنة الراقي إلى ... السدرة في لوح الشكاك
لهف نفسي وعلى ... مثلك فلتبك البواكي
كيف لم تقطع يد ... مد إليها ابن صهاك
فرحوا يوم اهانوك ... بما ساؤوا أباك
ولقد أخبرهم أن ... رضاه في رضاك
دفعا النص على ... ارثك لما دفعاك
وتعرضت لقدر ... نافع فانتهراك
وادعيت النحلة المشهود ... فيها بالسكاك
فاستشاطا ثم ما ان ... كذبا ان كذباك
فزوى الله عن الرحمة ... زنديقا زواك
ونفى عن بابه الواسع ... شيطانا نفاك
قال ابن أبي الحديد: بعد نقل هذه الأبيات: فانظر إلى هذه البلية التي صبت من هؤلاء على سادات المسلمين وأعلام المهاجرين، وليس ذلك بقادح في علو شأنهم وجلالة قدرهم إنتهى.(3/140)
يا ابنة الطاهر كم ... يقرع بالظلم عصاك
غضب الله لخطب ... ليلة الطف أراك
ورعى النار غدا ... فظّ رعى أمس حماك
مر لم يعطفه شكواك ... ولا استحيا بكاك
واقتد الناس به ... بعد فأردى ولداك
يا ابنة الراقي إلى ... السدرة في لوح الشكاك
لهف نفسي وعلى ... مثلك فلتبك البواكي
كيف لم تقطع يد ... مد إليها ابن صهاك
فرحوا يوم اهانوك ... بما ساؤوا أباك
ولقد أخبرهم أن ... رضاه في رضاك
دفعا النص على ... ارثك لما دفعاك
وتعرضت لقدر ... نافع فانتهراك
وادعيت النحلة المشهود ... فيها بالسكاك
فاستشاطا ثم ما ان ... كذبا ان كذباك
فزوى الله عن الرحمة ... زنديقا زواك
ونفى عن بابه الواسع ... شيطانا نفاك
قال ابن أبي الحديد: بعد نقل هذه الأبيات: فانظر إلى هذه البلية التي صبت من هؤلاء على سادات المسلمين وأعلام المهاجرين، وليس ذلك بقادح في علو شأنهم وجلالة قدرهم إنتهى.
أقول: ليت شعري ما جرم الشيعة بعد تصريحه هو في قدحه المذكور وأمثاله هذه الفضائح ونقلهم لهذه الفوادح كما لا يخفى على من نظر في كتبهم وأخبارهم وتتبع آثارهم، والله يجزي كلا بعمله.
بعض ما يتعلق بالبحرين
من كتاب مجالس المؤمنين: للسيد نور الدين المعروف بالشهيد الثالث في ترجمة البحرين من الكتاب المذكور: قال صاحب معجم البلدان: ان البحرين اسم لجميع البلدان التي على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان، وقال بعضهم: ان البحرين قصبة هجر إلى أن قال: والبلاد المشهورة بالبحرين القطيف واده وهجر وينبونه وزاره وجوانا وشابور ودارين وغاية.
وفي السنة الثامنة من الهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم العلا بن عبد الله الحضرمي إلى أهل تلك الديار بالدخول في الإسلام أو قبول الجزية، وكتب بذلك إلى المنذر بن واسحت مرزبان هجر، ولما وصل كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى هذين الإثنين اللذين هما رئيسا تلك الولاية دخلا في الإسلام وكذلك جميع العرب الذين معهما، وبعض العجم وأهل القرى والزراعة من المجوس واليهود والنصارى صالحوا على نصف غلتهم من الزراعة والثمر وبقوا على مذاهبهم، والعلا في ذلك العالم أرسل للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم من مال تلك الولاية ثمانين ألف دينارا، وبعد ذلك عزل الرسول العلا وولى أبان بن العاص وسعيد بن أمية وبقيا إلى وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم
فلما ولي أبو بكر عزله وولى العلا أيضا ولما كان في زمن عمر عزله وولى أبا هريرة، ولما ولي ذلك المكان حصل منه خيانة عظيمة في الأموال التي قبضها.(3/141)
وفي السنة الثامنة من الهجرة أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم العلا بن عبد الله الحضرمي إلى أهل تلك الديار بالدخول في الإسلام أو قبول الجزية، وكتب بذلك إلى المنذر بن واسحت مرزبان هجر، ولما وصل كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى هذين الإثنين اللذين هما رئيسا تلك الولاية دخلا في الإسلام وكذلك جميع العرب الذين معهما، وبعض العجم وأهل القرى والزراعة من المجوس واليهود والنصارى صالحوا على نصف غلتهم من الزراعة والثمر وبقوا على مذاهبهم، والعلا في ذلك العالم أرسل للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم من مال تلك الولاية ثمانين ألف دينارا، وبعد ذلك عزل الرسول العلا وولى أبان بن العاص وسعيد بن أمية وبقيا إلى وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم
فلما ولي أبو بكر عزله وولى العلا أيضا ولما كان في زمن عمر عزله وولى أبا هريرة، ولما ولي ذلك المكان حصل منه خيانة عظيمة في الأموال التي قبضها.
روى محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب على البحرين فاجتمعت لي إثنا عشر ألف دينار فلما قدمت إلى عمر قال لي: يا عدو الله وعدو المسلمين أو قال عدو كتابه سرقت مال الله؟ قال: قلت: لست بعدو الله والمسلمين أو قال وكتابه ولكني عدو من عاداهما قال: فمن اين اجتمعت هذه الأموال؟ قلت: خيل لي تناتجت وسهام اجتمعت. قال: فأخذ مني إثني عشر ألفا إلى أن قال السيد المشار إليه في الكتاب المذكور: وتشيع أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف والحسا من قديم الأيام إلى هذه الأيام ظاهر شايع ومنشأ ذلك شمول اللطف الإلهي لأهل تلك الديار.
وكان في مبدأ الإسلام مدة مديدة عامل تلك الديار أبان بن سعيد من جملة محبي أهل البيت عليهم السّلام وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر مع بني هاشم، وفي زمان ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام جعل حكومة تلك الديار على ما في كتاب تحفة الأحباء المذكور مدة بمعبد بن عباس وبعض الأوقات بعمر بن أبي سلمة الذي أمه أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان ممتازا على غيره في العلم والعبادة والعقل وطيب الطينة وصفاء السريرة وفي ذلك المكان قرر حقيقة الأمير صلوات الله عليه بالخلافة وبيعة الغدير ونفى عن قلوبهم الشك والشبهة في ذلك إنتهى.
في تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (ونادى نوح ابنه) قال: إنه ليس بإبنه إنما هو ابن امرأته، وهو لغة طي يقولون لابن المرأة ابن.
معرفة النجف
علل الشرائع: بإسناده إلى علي بن أبي حمزة عن نعيم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: إن «النجف» كان جبل وهو الذي قال ابن نوح عليه السّلام: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه، وكان يسمى ذلك البحر بحرني فقيل نيجف فسمى بنجف ثم صار الناس بعد ذلك يسمونه نجف لأنه كان أخف على ألسنتهم.
معنى الأهل والآل والعترة والأمة
روى الصدوق: عطر الله مرقده في كتاب معاني الأخبار في باب معنى الآل
والأهل والعترة والأمة بسنده عن عبد الله بن ميسرة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: إنا نقول: «اللهم صل على محمد وأهل بيته»، فيقول: قوم نحن آل محمد، فقال آل محمد: من حرم الله عز وجل على محمد نكاحه.(3/142)
روى الصدوق: عطر الله مرقده في كتاب معاني الأخبار في باب معنى الآل
والأهل والعترة والأمة بسنده عن عبد الله بن ميسرة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: إنا نقول: «اللهم صل على محمد وأهل بيته»، فيقول: قوم نحن آل محمد، فقال آل محمد: من حرم الله عز وجل على محمد نكاحه.
وروى: فيه عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: جعلت فداك من الآل؟ قال: ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلّم قال: قلت: فمن الأهل؟ قال: الأئمة عليهم السّلام قلت قوله عز وجل: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذََابِ}
قال: والله ما عنى إلا ابنته.
وروى: فيه عن بصير قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السّلام من آل محمد؟
فقال: ذريته فقلت: من أهل بيته؟ فقال: الأئمة الأوصياء، فقلت: من عترته؟
فقال: أصحاب العباء، فقلت: من أمته؟ فقال: المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله المتمسكون بالثقلين اللذين أمروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهما الخليفتان على الأمة بعده.
استعمالات لفظة (أوه)
قال: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أوه على أخواني هي ساكنة الواو ومكسورة الهاء كلمة شكوى وتوجع وقال الشاعر:
فآوه لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض دونها وسماء
وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا آه من كذا واه على كذا، وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا: أوه من كذا، وربما حذفوا مع التشديد وكسروا الواو فقالوا: أو من كذا بلا مد، وقد يقولون أوه بالمد والتشديد وفتح الألف وسكون الهاء لتطويل الصوت بالشكاية، وربما أدخلوا فيه التاء تارة يمدونه وتارة لا يمدونه فيقولون أوتاء وأوتاه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال: أوه والاسم منه الأوه «قال المفتيب العبدي».
إذا ما قمت أرجلها بليل ... تاؤه أنفه الرجل الحزين
يا من يعيب وعيبه سيعيب ... كم فيك من عيب وأنت تعيب
آخره:
وآخر من رأيت يظهر غيب ... على ظهر الرجال أولو العيوب
عاب: رجل عند بعض الأشراف فقال له: استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر فيه من عيوب الناس لأن طالب العيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها.(3/143)
وآخر من رأيت يظهر غيب ... على ظهر الرجال أولو العيوب
عاب: رجل عند بعض الأشراف فقال له: استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر فيه من عيوب الناس لأن طالب العيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها.
مساجلة شعرية بين الخطي والسيد ماجد البحراني
نقل أنه: قد كان بين الشيخ جعفر الخطي (ره) وبين الشريف العلامة ماجد بن هاشم البحراني رحمه الله تعالى مطارحات ومجارات في الأدب، فمن ذلك ما حكاه في ديوانه قال: كنت عنده ليلة والسماء دكناء الجلباب كاسية السحاب فأخذ في الأدب فقلت:
توشحت السماء ببرد غيم ... فأجمل بالموشح والوشاح
فقال الشريف العلامة رحمه الله تعالى:
فقم وانهض إلى فرض التصابي ... فليس عليك فيها من جناح
فقلت:
امط قدم التواني وأجل منها ... بآفاق الكؤوس شموس راح
فقال الشريف:
كميت أن تشب بغير ماء ... يسكن ما اعتراها من جناح
فقلت:
تولد فوقها حبب إذا ما ... تغشاها فتى الماء القراح
فقال الشريف:
وتنزل من فم الميزان نبضا ... كما نبض الدماء من الجراح
فقلت:
بكف مخضب الكفين رخص ... فسادي في محبته صلاحي
وللمتقدمين: في هذا النمط كثير ومن ألطف ذلك ما ذكر أن أبا بكر بن المنخل وأبا بكر الملاح المغربيين كانا متواخيين متصافيين ولهما ابنان صغيران قد برعا في الطلب وحازا قصب السبق في حلبة الأدب فتهاجى الابنان بأقذع هجاء فركب ابن المنخل في سحر من الأسحار مع ابنه عبد الله فجعل يعتبه على هجاء ابن الملاح، وقال له: يا بني قد قطعت ما بيني وبين صديقي وصفيي أبي بكر فى
اقعادك بإبنه فقال له ابنه: إنه بدأني والبادي أظلم وإنما يلحى من بالشر تقدم فعذره أبوه فبينما هما على ذلك إذ أقبلا على واد تنق فيه ضفادع فقال أبو بكر لابنه:(3/144)
بكف مخضب الكفين رخص ... فسادي في محبته صلاحي
وللمتقدمين: في هذا النمط كثير ومن ألطف ذلك ما ذكر أن أبا بكر بن المنخل وأبا بكر الملاح المغربيين كانا متواخيين متصافيين ولهما ابنان صغيران قد برعا في الطلب وحازا قصب السبق في حلبة الأدب فتهاجى الابنان بأقذع هجاء فركب ابن المنخل في سحر من الأسحار مع ابنه عبد الله فجعل يعتبه على هجاء ابن الملاح، وقال له: يا بني قد قطعت ما بيني وبين صديقي وصفيي أبي بكر فى
اقعادك بإبنه فقال له ابنه: إنه بدأني والبادي أظلم وإنما يلحى من بالشر تقدم فعذره أبوه فبينما هما على ذلك إذ أقبلا على واد تنق فيه ضفادع فقال أبو بكر لابنه:
تنق ضفادع الوادي فقال ابنه: بصوت غير معتاد.
فقال الشيخ: كان نقيق مقولها فقال إبنه بنو الملاح في النادي.
فلما أحست الضفادع بهما سكتت فقال أبو بكر: وتصمت مثل صمتهم فقال ابنه إذا اجتمعوا على زاد.
فقال الشيخ: فلا غوث لملهوف فقال ابنه: ولا غيث لمرتادي.
ولا خفاء أن هذه الاجازة لو كانت من الكبار لحصلت منها الغرابة فكيف بمن هو في سن الصبا.
رثاء الشيخ البهائي أباه
لشيخنا البهائي: يرثي والده قدس الله سرهما وقد توفي بالمصلى من قرى البحرين لثمان خلون من ربيع الأول سنة أربع وثمانين وتسعمئة عن ستة وستين سنة وشهرين وسبعة أيام، ومولده أول يوم من محرم سنة ثمانية وتسعمئة رحمه الله تعالى وهي هذه:
قف بالطلول وسلها أين سلماها ... ورو من جرع الأجفان جرعاها
وردد الطرف في أطراف ساحتها ... وأرج الروح من أرواح جزعاها
فإن يفتك من الأطلال مخبرها ... فلا يفوتنك مراها ورياها
ربوع فضل تباهي التبر تربتها ... ودار أنس تحاكي الدر حصباها
عدا على جيرة حلوا بساحتها ... صرف الزمان فابلاهم وأبلاها
بدور تم غمام الموت جللها ... شموس فضل سحاب الترب غشاها
فالمجد يبكي جازعا أسفا ... والدين يندبها والفضل ينعاها
يا حبذا أزمن في حبهم سلفت ... ما كان أقصرها عمرا واحلاها
أوقات أنس قضيناها فما ذكرت ... إلا وقطع قلب الصب ذكراها
يا جيرة هجروا واستوطنوا هجرا ... واها لقلبي المعنى بعدكم واها
رعيا لليلات وصل بالحمى سلفت ... سقيا منا بالخيف لأيا سقياها
لفقدكم شق جيب المجد وانصدعت ... أركانه وبكم ما كان أقواها
وخر من شامخات العلم أرفعها ... وانهد من باذخات الحلم أرساها
يا ثاويا بالمصلى من قرى هجر ... كسيت من حلل الرضوان أصفاها
أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت ... ثلاثة كن أمثالا واشباها
ثلاثة أنت أنداها وأغزرها ... جودا وأعذبها طعما واصفاها
حويت من درر العلياء ما حويا ... لكن درك أعلاها وأغلاها
يا أعظما وطأت هام السهى شرفا ... سقاك من ديم الوسمي أسماها
ويا ضريحا علا فوق السماك علا ... عليك من صلوات الله أزكاها
فيك انطوى من شموس الفضل أضوءها ... ومن معالم دين الله اسناها
ومن شوامخ اطواد الفتوة أرساها ... وأرفعها قدرا وأبهاها
فاسحب على الفلك الأعلى ذيول علا ... فقد حويت من العلياء أعلاها
عليك منا سلام الله ما صدحت ... على غصون أراك الدوح ورقاها(3/145)
قف بالطلول وسلها أين سلماها ... ورو من جرع الأجفان جرعاها
وردد الطرف في أطراف ساحتها ... وأرج الروح من أرواح جزعاها
فإن يفتك من الأطلال مخبرها ... فلا يفوتنك مراها ورياها
ربوع فضل تباهي التبر تربتها ... ودار أنس تحاكي الدر حصباها
عدا على جيرة حلوا بساحتها ... صرف الزمان فابلاهم وأبلاها
بدور تم غمام الموت جللها ... شموس فضل سحاب الترب غشاها
فالمجد يبكي جازعا أسفا ... والدين يندبها والفضل ينعاها
يا حبذا أزمن في حبهم سلفت ... ما كان أقصرها عمرا واحلاها
أوقات أنس قضيناها فما ذكرت ... إلا وقطع قلب الصب ذكراها
يا جيرة هجروا واستوطنوا هجرا ... واها لقلبي المعنى بعدكم واها
رعيا لليلات وصل بالحمى سلفت ... سقيا منا بالخيف لأيا سقياها
لفقدكم شق جيب المجد وانصدعت ... أركانه وبكم ما كان أقواها
وخر من شامخات العلم أرفعها ... وانهد من باذخات الحلم أرساها
يا ثاويا بالمصلى من قرى هجر ... كسيت من حلل الرضوان أصفاها
أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت ... ثلاثة كن أمثالا واشباها
ثلاثة أنت أنداها وأغزرها ... جودا وأعذبها طعما واصفاها
حويت من درر العلياء ما حويا ... لكن درك أعلاها وأغلاها
يا أعظما وطأت هام السهى شرفا ... سقاك من ديم الوسمي أسماها
ويا ضريحا علا فوق السماك علا ... عليك من صلوات الله أزكاها
فيك انطوى من شموس الفضل أضوءها ... ومن معالم دين الله اسناها
ومن شوامخ اطواد الفتوة أرساها ... وأرفعها قدرا وأبهاها
فاسحب على الفلك الأعلى ذيول علا ... فقد حويت من العلياء أعلاها
عليك منا سلام الله ما صدحت ... على غصون أراك الدوح ورقاها
رؤيا والد البهائي
يقول جامع هذا الكشكول وحاكي هذه النقول: حكى لي والدي قدس الله سره أن السبب في مجيء الشيخ المذكور للبحرين إنه كان بمكة المشرفة وقد قصد المجاورة فيها فرأى في المنام كأن القيامة قد قامت وقد أمر بالبحرين أن ترفع بأرضها إلى الجنة، فاختار الإنتقال من مكة المعظمة وأتى البحرين وجاور فيها حتى توفي رحمه الله، ولما سمع بقدومه علماء البحرين وقد كان جملة من الفضلاء يجتمعون للدرس والتدريس في مسجد جد حفص ومنهم الشيخ داود بن أبي شافير، وكان ذلك الوقت قد خرج الشيخ داود المزبور من قرية جد حفص لبغاضة حصلت بينه وبين بعض علمائها، فلما سمعا بقدوم الشيخ حسين بن عبد الصمد (ره) عرفوا أنه بعد مجيئه ربما يحضر المسجد في يوم الدرس، وكان الشيخ داود ذايد طولى في علم المناظرة والجدال فمضوا إليه واصلحوه وحضر المسجد كما كان سابقا، فلما ورد الشيخ قدس الله سره سأل عن محل مجمع العلماء في البلد فأخبروه باليوم الذي يحضرون فيه في المسجد المزبور، فاتفق حضوره في بعض الأيام وجرى البحث بينه وبين الحاضرين فتولى ذلك الشيخ داود وأطال النزاع والجدال معه، فلما انصرف الشيخ انشأ هذين البيتين ثم لم يحضر بعد هناك حتى توفي (ره).
أناس في أوال قد تصدوا ... لمحو العلم واشتغلوا بلملم
فإن باحثتهم لم تلق منهم ... سوى حرفين لم لم لا نسلم
يعني انه متى ادعى بدعوى طلبوا عليه الدليل ومتى أقام الدليل منعوا.(3/146)
من الديوان المرتضوي:
كنا كزوج حماية في أيكة ... متمتعين بصحة وشباب
دخل الزمان بنا وفرق شملنا ... ان الزمان مفرق الأسباب
شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيني حتى تؤذنا بذهاب
لم يبلغ المعشار من حقيهما ... فقد الشباب وفرقة الأحباب
ومنه، أيضا:
ما لي وقفت على القبور مسلما ... قبر الحبيب فلم يرد جوابي
احبيب مالك لا ترد جوابنا ... أنسيت بعدي خلة الأحباب
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم ... وأنا رهين جنادل وتراب
أكل التراب محاسني فنسيتكم ... وحجبت عن أهلي وعن أتراب
فعليكم مني السلام تقطعت ... عني وعنكم خلة الأحباب
ومنه، أيضا:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن منازلها ... إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم ... أين الأسرة والتيجان والحلل
اين الوجوه التي كانت محجبة ... من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود تنتقل
قد طالما أكلوا فيها وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
وطالما أكثروا الأموال وادخروا ... فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
وطالما شيدوا دورا لتحسنهم ... ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
اضحت مساكنهم وحشى معطلة ... وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
سل الخليفة إذ وافت منيته ... اين الجنود واين الخيل والخول
اين الكنوز التي كانت مفاتحها ... تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا
اين العبيد التي أرصدتهم عددا ... اين الحديد واين البيض والأسل
اين الفوارس والغلمان ما صنعوا ... اين الصوارم والخطية الذبل
اين الكفاة لم يكفوا خليفتهم ... لما رأوه صريعا وهو مبتهل
اين الكماة التي ماجوا لما غضبوا ... اين الحماة التي تحمي بها الدول
اين الرماة الم تمنع بأسهمها ... لما اتتك سهام الموت تنتصل
هيهات ما منعوا ضيما ولا دفعوا ... عنك المنية إذ وافاك الأجل
ولا الرشا دفعتها عنك لو بذلوا ... ولا الرقا نفعت فيها ولا الجبل
ما ساعدوك ولا واساك أقربهم ... بل سلموك لها يا قبح ما فعلوا
ما بال قبرك لا يأتي به أحد ... ولا يطوف به من بينهم رجل
ما بال ذكرك منسيا ومطرحا ... وكلهم باقتسام المال قد شغلوا
ما بال قصرك وحشا لا انيس به ... يغشاك من كنفيه الروع والأهل
لا تنكرن فما دامت على ملك ... إلا أناخ عليه الموت والرحل
وكيف يرجو دوام العيش متصلا ... وروحة بحبال الموت متصل
وجسمه لبنيات الردى عرض ... وملكه زائل عنه ومنتقل
روى: عن الصادق عليه السّلام.(3/147)
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن منازلها ... إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم ... أين الأسرة والتيجان والحلل
اين الوجوه التي كانت محجبة ... من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود تنتقل
قد طالما أكلوا فيها وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
وطالما أكثروا الأموال وادخروا ... فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
وطالما شيدوا دورا لتحسنهم ... ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
اضحت مساكنهم وحشى معطلة ... وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
سل الخليفة إذ وافت منيته ... اين الجنود واين الخيل والخول
اين الكنوز التي كانت مفاتحها ... تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا
اين العبيد التي أرصدتهم عددا ... اين الحديد واين البيض والأسل
اين الفوارس والغلمان ما صنعوا ... اين الصوارم والخطية الذبل
اين الكفاة لم يكفوا خليفتهم ... لما رأوه صريعا وهو مبتهل
اين الكماة التي ماجوا لما غضبوا ... اين الحماة التي تحمي بها الدول
اين الرماة الم تمنع بأسهمها ... لما اتتك سهام الموت تنتصل
هيهات ما منعوا ضيما ولا دفعوا ... عنك المنية إذ وافاك الأجل
ولا الرشا دفعتها عنك لو بذلوا ... ولا الرقا نفعت فيها ولا الجبل
ما ساعدوك ولا واساك أقربهم ... بل سلموك لها يا قبح ما فعلوا
ما بال قبرك لا يأتي به أحد ... ولا يطوف به من بينهم رجل
ما بال ذكرك منسيا ومطرحا ... وكلهم باقتسام المال قد شغلوا
ما بال قصرك وحشا لا انيس به ... يغشاك من كنفيه الروع والأهل
لا تنكرن فما دامت على ملك ... إلا أناخ عليه الموت والرحل
وكيف يرجو دوام العيش متصلا ... وروحة بحبال الموت متصل
وجسمه لبنيات الردى عرض ... وملكه زائل عنه ومنتقل
روى: عن الصادق عليه السّلام.
أبا حسن سيدي سيدي أنت أنت ... صراط المهيمن ما أنصفوكا
وأنت جعلت قريشا عبيدا ... ولولا حسامك كانوا ملوكا
وأنت المقدم في النائبات ... وعند الخلافة لم أخروكا
ولكنهم أخروا حظهم ... ولو قدموا حظهم قدموكا
عبد المطلب: جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لنا نفوس لنيل المجد عاشقه ... ولو بسلت اسلناها على الأسل
لا ينزل المجد إلا في منازلنا ... كالنوم ليس له مأوى سوى المقل
لله در القائل:
ذهب الوفاء فلا وفاء ... ولا حياء ولا مروة
إلا التواصل باللسان ... من النفوس بلا أخوة
أخبار علي عليه السّلام عن زوال ملك بني العباس
نقل: شيخنا المجلسي قدس الله سره في كتاب تذكرة الأئمة عن العلامة في بعض كتبه إنه روى بسنده عن الأمير صلوات الله عليه حديثا في انقراض دولة بني العباس وسلطنة هلاكو خان وانتهاء دولته بالسلاطين الصفوية بما هذه صورته: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ملك بني العباس عسر لا يسر فيه لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان على أن يزيلوا ملكهم لما قدروا لأن يزيلوه، حتى يشد عنهم مواليهم وأرباب دولتهم ويسلط عليهم من حيث بدأ ملكهم
لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا ترفع له راية الا أسكنها، الويل لمن ناوأه حتى يظفر ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحق ويعمل به.(3/148)
نقل: شيخنا المجلسي قدس الله سره في كتاب تذكرة الأئمة عن العلامة في بعض كتبه إنه روى بسنده عن الأمير صلوات الله عليه حديثا في انقراض دولة بني العباس وسلطنة هلاكو خان وانتهاء دولته بالسلاطين الصفوية بما هذه صورته: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ملك بني العباس عسر لا يسر فيه لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان على أن يزيلوا ملكهم لما قدروا لأن يزيلوه، حتى يشد عنهم مواليهم وأرباب دولتهم ويسلط عليهم من حيث بدأ ملكهم
لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا ترفع له راية الا أسكنها، الويل لمن ناوأه حتى يظفر ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحق ويعمل به.
قال شيخنا المجلسي: بعد نقل ذلك عن العلامة وتفسير الحديث بما قدمنا ذكره: و چون أو در زمان سلاطين صفويه نبود اشارة كه انحضرت نموده كه سلطنة از هلاكو خان بمردي از عترت من رسد در اينجا بوقت كرده است كه فرزند انحضرت كه باشد.
ما ورد في فضل القرآن
قال: شيخنا الصدوق عطر الله مرقده في كتاب معاني الأخبار: وقال صلى الله عليه وآله وسلم «ليس منا لم يتغن بالقرآن» ومعناه ليس منا من لم يستغن به ولا يذهب إلى الصوت، وقد روى إنه من قرأ القرآن فهو غني غنى لا فقر بعده.
وروى: إنه من اعطى القرآن فظن أن أحدا أعطي أكثر مما أعطى فقد عظم صغيرا وصغر كبيرا، فلا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أن أحدا من أهل الأرض أغنى ولو ملك الدنيا برحبها، ولو كان كما يقوله قوم إنه الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقرآن فليس من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حين قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن.
ما ورد في القائم عليه السّلام وخلفائه
ومنه أيضا: عن الصادق عليه السّلام قيل له: يا بن رسول الله سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهديا. فقال: إنما قال: إثنا عشر مهديا ولم يقل اثني عشر إماما، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا.
ومنه أيضا: عنه أن منا بعد القائم اثني عشر مهديا من ولد الحسين عليه السّلام.
والطوسي: عنه عليه السّلام ان منا بعد القائم أحد عشر مهديا من ولد الحسين.
وعنه: عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنه قال: في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السّلام يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا فانت يا علي أول الاثني عشر الإمام. وساق الحديث إلى أن قال:
ويسلمها الحسن إلى ابنه (محمد) والمستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فذلك إثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده إثنا عشر مهديا، فإذا حضرته الوفاة فيسلمها إلى إبنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والإسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين.(3/149)
وعنه: عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنه قال: في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السّلام يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا فانت يا علي أول الاثني عشر الإمام. وساق الحديث إلى أن قال:
ويسلمها الحسن إلى ابنه (محمد) والمستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فذلك إثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده إثنا عشر مهديا، فإذا حضرته الوفاة فيسلمها إلى إبنه أول المهديين، له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والإسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين.
قال شيخنا المفيد: في الإرشاد ليس بعد دولة القائم عليه السّلام لأحد دولة إلا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك، ولم يرد على القطع والثبات وأكثر الروايات انه لم تمض هذه الأمة إلا قبل القيامة لأربعين يوما يكون فيها الهرج والمرج وعلامات خروج الأموات وقيام الساعات للحسنات والجزاء، والله أعلم بما يكون.
وقال المحدث الكاشاني: بعد ذكر الروايات ونقل كلامه (ره) لا منافات بين ما ذكره وبين الروايات، ولأن الأخير من الاثني عشر مهديا أيضا مع أن قيامهم بالدعوة لا يستلزم دولة والعلم عند الله إنتهى.
أقول: وكيف كان فيشكل المقام بما رواه الشيخ قدس الله سره في المصباح في الدعاء لصاحب الأمر عليه السّلام عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا عليه السّلام أنه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السّلام به «اللهم ادفع عن وليك» إلى أن قال في آخره «اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمة من بعده وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم» إلى آخره، فإنه يدل بظاهره كما ترى على كون أولئك الذين يكونون بعده أئمة، مع استفاضة الأخبار بل تواترها بانحصار الأئمة في الإثني عشر الذي هو عليه السّلام آخرهم فليتأمل.
روى الصدوق: عطر الله مرقده في كتاب المجالس بسنده عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن جده عليه السّلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قال:
«سبحان الله» غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال: «الحمد لله» غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: «لا إله إلا الله» غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: «الله أكبر» غرس الله له بها شجرة في الجنة. فقال رجل من قريش: يا رسول الله ان شجرنا في الجنة لكثير! قال: نعم ولكن اياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها، وذلك أن الله عز وجل يقول: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللََّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلََا تُبْطِلُوا أَعْمََالَكُمْ}.(3/150)
مسمط للحريري في الوعظ
للحريري: منقول من مقاماته وقد أجاد فيما أفاد من نوع التسميط.
يا من ادعى الفهم ... إلى كم يا أخا الوهم
أما بان لك العيب ... أما انذرك الشيب
وما في نصحه عيب ... ولا سمعك قد صم
أما نادى بك الموت ... أما اسمعك الصوت
أما تخشى من الفوت ... فتحتاط وتهتم
فكم تسدر في السهو ... وتختال من الزهو
وتنصب إلى اللهو ... كأن الموت ما عم
وحتام تجافيك ... وابطأ تلافيك
طباعا جمعت فيك ... عيوبا شملها أنضم
إذا اسخطت مولاك ... فما تغلق من ذاك
وإن اخفق مسعاك ... تلظيت من الهم
وإن لاح لك النقش ... من الأصفر تهتش
وإن مر بك النعش ... تغاممت ولا غم
تعاصي الناصح البر ... وتغتاظ وتزور
وتنقاد لمن غر ... ومن مان ومن نم
وتسعى في هوى النفس ... وتحتال على الفلس
وتنسى ظلمة الرمس ... ولا تذكي مأثم
ولو لاحظك الحظ ... لما صاح بك الحظ
ولا كنت إذا الوعظ ... جلا الأحزان تغتم
ستذري الدم لا الدمع ... إذا عاينت لا جمع
بقى في عرصة الجمع ... ولا خال ولا عم
كأني بك تنحط ... إلى اللحظ وتنعط
وقد اسلمك الرهط ... إلى اضيق من سم
هناك الجسم ممدود ... لتستأكله الدود
إلى أن ينخر العود ... ويمنعني العظم قد رم
ومن بعد فلا بد ... من العرض إذا اعتد
صراط جسره مد ... على النار لمن أم
فكم من مرشد ضل ... وكم ذي غرة ذل
وكم من عالم زل ... وقال الخطب قد جم
فبادر أيها الغمر ... لما يحلو به المر
فقد كاد نهى العمر ... وما اقلعت عن ذم
ولا تركن إلى الدهر ... وإن لان وان سر
فتلقى كمن اغتر ... بأفعي تنفث السم
وخفض من تراقيك ... فإن الموت لا قيك
وسار في تراقيك ... وما ينكل إن هم
وجانب صعر الخد ... إذا ساعدك الجد
وزم الفض أن ند ... فما اسعد من زم
ونفس عن أخي البث ... وصدقه إذا نث
ورم العمل الرث ... فقد أفلح من رم
ورش من ريشه انحص ... بما عم وما خص
ولا تأس على النقص ... ولا تحرص على اللم
وعاد الخلق الرذل ... وعود كفك البذل
ولا تستمع للعذل ... ونزهها عن الضم
وزود نفسك الخير ... ودع ما يعقب الضير
وهي مركب السير ... وخف من لجة اليم
بذا أوصيك يا صاح ... فقد بحت كمن باح
فطوبى لفتى راح ... بآدابي يأتم
هذه الأبيات: لديك الجن لكل بيت خمس كلمات في الآخر تصلح كل واحدة لتتمة البيت.(3/151)
يا من ادعى الفهم ... إلى كم يا أخا الوهم
أما بان لك العيب ... أما انذرك الشيب
وما في نصحه عيب ... ولا سمعك قد صم
أما نادى بك الموت ... أما اسمعك الصوت
أما تخشى من الفوت ... فتحتاط وتهتم
فكم تسدر في السهو ... وتختال من الزهو
وتنصب إلى اللهو ... كأن الموت ما عم
وحتام تجافيك ... وابطأ تلافيك
طباعا جمعت فيك ... عيوبا شملها أنضم
إذا اسخطت مولاك ... فما تغلق من ذاك
وإن اخفق مسعاك ... تلظيت من الهم
وإن لاح لك النقش ... من الأصفر تهتش
وإن مر بك النعش ... تغاممت ولا غم
تعاصي الناصح البر ... وتغتاظ وتزور
وتنقاد لمن غر ... ومن مان ومن نم
وتسعى في هوى النفس ... وتحتال على الفلس
وتنسى ظلمة الرمس ... ولا تذكي مأثم
ولو لاحظك الحظ ... لما صاح بك الحظ
ولا كنت إذا الوعظ ... جلا الأحزان تغتم
ستذري الدم لا الدمع ... إذا عاينت لا جمع
بقى في عرصة الجمع ... ولا خال ولا عم
كأني بك تنحط ... إلى اللحظ وتنعط
وقد اسلمك الرهط ... إلى اضيق من سم
هناك الجسم ممدود ... لتستأكله الدود
إلى أن ينخر العود ... ويمنعني العظم قد رم
ومن بعد فلا بد ... من العرض إذا اعتد
صراط جسره مد ... على النار لمن أم
فكم من مرشد ضل ... وكم ذي غرة ذل
وكم من عالم زل ... وقال الخطب قد جم
فبادر أيها الغمر ... لما يحلو به المر
فقد كاد نهى العمر ... وما اقلعت عن ذم
ولا تركن إلى الدهر ... وإن لان وان سر
فتلقى كمن اغتر ... بأفعي تنفث السم
وخفض من تراقيك ... فإن الموت لا قيك
وسار في تراقيك ... وما ينكل إن هم
وجانب صعر الخد ... إذا ساعدك الجد
وزم الفض أن ند ... فما اسعد من زم
ونفس عن أخي البث ... وصدقه إذا نث
ورم العمل الرث ... فقد أفلح من رم
ورش من ريشه انحص ... بما عم وما خص
ولا تأس على النقص ... ولا تحرص على اللم
وعاد الخلق الرذل ... وعود كفك البذل
ولا تستمع للعذل ... ونزهها عن الضم
وزود نفسك الخير ... ودع ما يعقب الضير
وهي مركب السير ... وخف من لجة اليم
بذا أوصيك يا صاح ... فقد بحت كمن باح
فطوبى لفتى راح ... بآدابي يأتم
هذه الأبيات: لديك الجن لكل بيت خمس كلمات في الآخر تصلح كل واحدة لتتمة البيت.
قولي لطيفك ينتهي ... عن مضجعي عن المنام ... الرقاد الهجوم عند الوسن
فعسي أموت وتنطفي ... نار تأجج في عظامي ... فؤادي ضلوعي كبودي البدن
جسده تقلبه الأكف ... على فراش من سقامي ... قتاد دموع وقود حزن
أما أنا فكما علمت ... فهل لوشلك من دوام ... معاذ رجوع وجود ثمن
من عجائب قصائد الحريري
للحريري: منقول عن مقاماته وهو مشتمل على العجائب وتفسيرها الصائب.
عندي أعاجيب أرويها بلا كذب ... عن العيان فكنوني أبا العجب
رأيت يا قوم غذائهم ... بول العجوز وما أعني ابنة العنب
بول العجوزلبن البقرة.(3/152)
للحريري: منقول عن مقاماته وهو مشتمل على العجائب وتفسيرها الصائب.
عندي أعاجيب أرويها بلا كذب ... عن العيان فكنوني أبا العجب
رأيت يا قوم غذائهم ... بول العجوز وما أعني ابنة العنب
بول العجوزلبن البقرة.
ومسنتين من الأعراب قوتهم ... أن يشتروا خرقة تغنى من السرب
مسنتين: مجد بين والخرقة: القطعة من الجراد.
وكاتبين وما خطت أناملهم ... حرفا ولا قرأوا ما خط في الكتب
الكاتبون هم الجزارون.
وتابعين عقابا في مسيرهم ... على تكميهم بالبيض واليلب
العقاب الراية وكانت راية النبي صلى الله عليه واله وسلّم تسمى العقاب.
ومنتدين ذوي نبل بدت لهم ... نبيلة فانتفوا منها إلى الهرب
النبيلة الجيفة ومنه وتنبل البعير إذا مات وأرواح.
وعصبة لم تر البيت العتيق وقد ... حجت خثيا بلا شك على الركب
حجت عليه بالحجة حال المجادلة جاثين على ركبهم.
ونسوة بين ما ادلجن من حلب ... صبحن كاظمة من غير ما تعب
الكاظمة في هذا الموضع كاظمة الغيظ.
ومد لجين سروا من أرض كاظمة ... وأصبحوا حين لاح الصبح في حلب
أي أصبحوا يحلبون لبن مواشيهم وغنمهم وقادرين إذا ما ساء صنعهم ... أو قصروا فيه قالوا الذنب للحطب
القادر الطايح في القدر والمقدور المطبوخ.
ويافعا لم يلامس قط عانية ... شاهدته وله نسل من العقب
النسل العدو والعقب مؤخر القدم.
وشايبا مستهينا بدا ... في البدر وهو فتى السن لم يشب
الشايب مازج اللبن بالماء والمشوب اللبن الممزوج.
ومرضعا بلبان لم يفه فمه ... رأيته في شحار بين السبب
شحار هي المحقة ما لم تظلل وإن ظلت فهودج السبب الحبل.(3/153)
وشايبا مستهينا بدا ... في البدر وهو فتى السن لم يشب
الشايب مازج اللبن بالماء والمشوب اللبن الممزوج.
ومرضعا بلبان لم يفه فمه ... رأيته في شحار بين السبب
شحار هي المحقة ما لم تظلل وإن ظلت فهودج السبب الحبل.
وزار عازره حتى إذا حصدت ... صارت غبيرآء يهواها أخو الطرب
الغبير هو السكر المتخذ من الذرة.
وراكضا وهو معلول على فرس ... قد غل أيضا وما ينفك من خبب
المغلول هنا هو العطشان وغل أي عطش.
وذا يد طلق يقتاد راحلة ... مستعجلا وهو مأسور أخو كرب
المأسور الذي يجد الأسر وهو احتباس القول.
وجالسا ماشيا تهوى مطيته ... به وما للذي أوردت من ريب
الجالس الآتي نجد أم الماشي الذي كثرت ماشيته.
وحايكا أجذم الكفين ذا خرس ... فإن عجبتم فكم في الخلق من عجب
الحايك الذي إذا مشى حرك منكبيه وفج بين ركبتيه.
وذا شظاظ كصدر الرمح قامته ... صادفته بمنى يشكو من الحدب
الحدب هاهنا المراد به المكان المرتفع من الأرض.
وساعيا في مسرات الأنام يرى ... أفراحهم مأثما كالظلم والكذب
الأفراح الأثقال ومنه قوله عليه السّلام لا يترك في الإسلام مفروح.
ومغرما بمناجاة الرجال له ... وما له في حديث الخلق من إرب
الخلق الكذب ومنه قوله تعالي: ({إِنْ هََذََا إِلََّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}).
وذا ذمام وفت بالعهد ذمته ... ولا ذمام له في مذهب العرب
الذمام الأول العهد والثاني جمع ذمة وهي البير القليلة الماء.
وذا قوي ما استبانت قط لينته ... ولينه مستبين غير محتجب
اللين النخل الدقل ومنه قوله تعالى: ({مََا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}).
وساجد فوق فحل غير مكترث ... بما أتى بل يراه أفضل القرب
الفحل الحصير المتخذ من فحال النخل.(3/154)
وساجد فوق فحل غير مكترث ... بما أتى بل يراه أفضل القرب
الفحل الحصير المتخذ من فحال النخل.
وغادرا مؤلما من ظل يعذره ... مع التلطف والمعذور في صخب
الغادر الخاتن والمغدور المختون.
وبلدة ما بها ماء لمغترف ... والماء يجري عليها جري منسرب
البلدة الفرجة ما بين الحاجبين.
وقرية دون أفحوص القطا شحنت ... بديلم عيشهم من خلسة السلب
القريه بيت النمل والديلم النمل الكثير.
وكوكبا يتوارى عند رؤيته ... الإنسان حتى يرى في أمنع الحجب
الكوكب النكتة البيضاء التي تحدث في العين والإنسان إنسان العين.
وصفحة من نصار خالص شربت ... بعد المكاس بقيراط من الذهب
النصار المراد به ها هنا شجر النبع
وروثة تومت مالا له خطر ... ونفس صاحبها بالمال لم تطلب
الروثة المراد به ها هنا مقدم الأنف.
ومستجيشا بخشخاش ليدفع به ... اظله من أعاديه فلم يجب
الخشخاش الجماعة عليهم دروع واسلحة.
وطالما مر بي كلب وفي فمه ... ثور ولكنه ثور بلا ذنب
الثور المراد به ها هنا القطعة من الأقط.
وكم رأى ناظري فيلا بل جمل ... وقد تورك فوق الرجل والقتب
الفيل المراد به هنا الرجل الفايل الرأي.
وكم رأيت بعرض البيد مشتكيا ... وما اشتكى قط في جد ولا لعب
المشتكي المتخذ شوكة وهي القرية الصغيرة.
وكنت أبصرت كرازا لراعبة ... بالدو ينظر من عينين كالشهب
الكراز يحمل عليه الراعي اداته.(3/155)
وعاينت مقلتي عينين ماؤهما ... يجري من الغرب والعينان في حلب
الغرب مجرى الدمع والعينان المقلتان وحلب بلدة.
وصادعا بالقنا من غير أن علقت ... كفاه يوما برمح لا ولم يثب
القنا ارتفاع الأنف وتحدب وسطه وصدع به كشفه.
وكم نزلت بأرض لا نخيل بها ... وبعد يوم رأيت البسر في القلب
البسر الماء الحديث العهد بالمطر والقلب جمع قليب.
وكم رأيت بأقطار الفلا طبقا ... يطير في الجو منصبا إلى صبب
الطبق المراد ها هنا القطعة من الجراد.
وكم مشايخ في الدنيا رايتهم ... مخلدين ومن ينجو من العطب
المراد بالمخلدين هنا هم الذين أبطأ شيبهم.
وكم بدا لي وحش يشتكي سغبا ... بمنطق ذلق امضى من القضب
المراد بالوحش ها هنا الرجل الجائع.
وكم دعاني مستنج فحادثني ... وما أخل وما أظللت بالارب
المستنجي الجالس على نجوة وهي المكان المرتفع.
وكم انخت قلوصي تحت جنبدة ... تضل ما شيت من عرب ومن عرب
الجنبدة القبة والعرب المرأة المتحببة إلى زوجها.
وكم نظرت إلى من سر ساعته ... ودمعه مستهل القطر كالسحب
أي قطع سره والعرب تسمى ما يبقى بعد القطع السره.
وكم رأيت قميصا ضر صاحبه ... حتى انثنى واهي الأعضاء والعصب
والقميص الدابة الكثيرة القماص.
وكم أزار لو أن الدهر اخلقه ... لخف لبد خثيت السر مضطرب
المراد بالازار هنا المرأة ومنه قول الشاعر:
فدى لك من أخي ثقة ازار(3/156)
هذا وكم من افانين معجبة ... عندي ومن ملح تلحى ومن تحب
فإن ظننتم للحن القول بان لكم ... صدقي ودلكم طلعى على رطبي
فإن شدهتم فإن العار فيه على ... من لا يميز بين العود والخشب
كفر أبي العلماء المعري
أبو العلاء المعري: واسمه أحمد بن سليمان نسبة إلى معرة النعمان قصبة قريبة من حلب، وله أشعار عديدة تدل على كونه زنديقا منها قوله:
إذا ما ذكرونا آدما وفعاله ... فتزويجه بنتيه لابنيه بالخنا
علمنا بأن الكل من نسل فاجر ... وأن جميع الخلق من عنصر الزنا
فأجابه سبطي الشافعي.
لعمري أما فيك فالقول صادق ... وتكذب في الباقي إذا شط أو دنا
كذلك إقرار الفتى لازم له ... وفي غيره لغو كذا صار شرعنا
وينسب إليه أيضا.
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة ... وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك
ونقل أنه كان لا يأكل اللحم ولم يتزوج وأمر أن يكتب على قبره.
هذا جناه أبي علي ... وما جنيت على أحد
ومما ينسب إليه قوله:
يد بخمس مئين عسجد فديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
فأجابه المرتضى قدس الله سره بقوله:
حراسة الدم اغلاها وأرخصها ... حراسة المال فانظر حكمة الباري
ولغيره:
هاتيك مظلومة غولي بقيمتها ... وتلك ظالمه هانت على الباري
وقال: بعضهم في جواب ذلك نثر: «لما كانت أمية كانت ثمينة فلما خانت هانت»، فنظمه شيخنا الشهيد في قواعده بقوله:
خيانتها أهانتها وكانت ... ثمينا عند ما كانت أمينا
قال قدس الله سره: وتذكير الثمين والأمين باعتبار موصوف مذكر أي شيء انتهى والتقدير وكانت شيئا ثمينا عند ما كانت شيئا أمينا، ومثله ما وقع في قول المتنبي أبي الطيب.(3/157)
خيانتها أهانتها وكانت ... ثمينا عند ما كانت أمينا
قال قدس الله سره: وتذكير الثمين والأمين باعتبار موصوف مذكر أي شيء انتهى والتقدير وكانت شيئا ثمينا عند ما كانت شيئا أمينا، ومثله ما وقع في قول المتنبي أبي الطيب.
أتت زايرا ما خامر الطيب ثوبها ... وكالمسك من أردائها يتضوع
أي أتت حال كونها شخصا زايرا.
وادعى: بعضهم أن أبا العلاء المعري رجع عما كان عليه حتى إنه صنف كتابا لدفع المطاعن عنه وسماه النخري في دفع التحري عن أبي العلاء المعري، والذي عليه جملة من العلماء إنه مات على العقيدة الخبيثة نعوذ بالله منها.
طول الظل في ساعات النهار
فائدة: أول ساعة من طلوع الشمس إلى أن يصير الظل من النهار 38قدما الساعة الثانية عن 38إلى 18قدما الساعة 3من 18قدما إلى 19قدما الساعة 4 من 29إلى 16الساعة 5من 16إلى 13قدما الساعة 6من 13قدم إلى وقوف الظل السابعة من وقوف الظل إلى أن يصير من جانب المشرق 13قدم الساعة 8 من 13قدم إلى 16قدم الساعة 9من 16قدم إلى تسعة عشر وقيل إلى 12 الساعة العاشرة من 12على القول به إلى 18قدم الساعة 11من 18قدم إلى 38 قدم الساعة 12من ثمانية وعشرين إلى غروب الشمس.
لابن الراوندي:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا
جوابه: للشيخ صالح بن عبد الكريم:
ان الكريم الذي يعطى على قدر ... يراه ذا اللب احسانا وتوفيقا
فذو الجهالة المرزوق لتكمله ... وذو النباهة من ذا صار ممحوقا
سيف الدولة: في وصف قوس قزح وقد أبدع.
وساق صبيح للصبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات الفقار كانجم ... فمن بين منقض علينا ومنفض
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ... على الجواد كنا والحواشي على الأرض
يطرزها قوس السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر تحت مبيض
كاذيال خود أقلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض
لبعض الشيعة:(3/158)
وساق صبيح للصبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات الفقار كانجم ... فمن بين منقض علينا ومنفض
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا ... على الجواد كنا والحواشي على الأرض
يطرزها قوس السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر تحت مبيض
كاذيال خود أقلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض
لبعض الشيعة:
تبّا لنصاب الأنام لقد ... تهافتوا في الضلال بل تاهوا
قاسوا عتيقا بحيدر سخنت ... عيونهم بالذي به فاهوا
كم بين من شك في هدايته ... أو بين من قال إنه الله
قال: بعض الحكماء لصاحبه أعلمك شعرا هو خير لك من عشرة آلاف درهم وهو هذان البيتان.
احفظ الصوت ان نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل المقال
ليس للقول رجعة حين يبدو ... بقبيح يكون أو بجمال
أربعة يا لهم من أربعة
حكي: أن الحجاج أمر صاحب حرسه أن يضرب عنق كل من يلفوه يمشي في بغداد بعد العشاء فطاف ليله فوجد أربعة شبان يمشون عليهم أثر الشراب فأحاطت بهم الغلمان وقال لهم صاحب الحرس: من أنتم حتى خالفتم الأمير وخرجتم في هذا الوقت؟ فقال أحدهم شعرا:
أنا ابن من دانت الرقاب له ... ما بين مخدومها وخادمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة ... يأخذ من مالها ومن دمها
قال: فسكت عنه وقال: لعله من أقارب أمير المؤمنين، فقال الثاني شعرا:
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وان نزلت يوما فسوف تعود
ترى الناس أفواجا إلى ضوء داره ... قيام لها من حولها وقعود
قال: فسكت عنه وقال: لعله من أشراف العرب ثم سأل الثالث فأنشأ يقول:
أنا ابن الذي يعلو الرقاب بسيفه ... ويضرب أعناق الرجال القشاعم
ولا ذاك من وحل ولا هو ثائر ... ولكنه حاوي العلا والمكارم
قال: فسكت عنه وقال: لعله ابن حاكم العرب ثم سأل الرابع فأنشأ يقول:
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمة ... وقومها بالسيف حتى استقامت
ركاباه لا تنفك رجلاه منهما ... إذ الخيل في يوم الكريهة ولت
قال: فسكت عنه وقال: لعله ابن اشجع العرب، فلما أصبح الصباح جاء بهم إلى الحجاج فكشف عن أمرهم فإذا الأول ابن حجام والثاني ابن طباخ والثالث ابن صيقل والرابع ابن حائك، فأعجب الحجاج لبلاغتهم فأطلقهم وقال لجلسائه:(3/159)
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمة ... وقومها بالسيف حتى استقامت
ركاباه لا تنفك رجلاه منهما ... إذ الخيل في يوم الكريهة ولت
قال: فسكت عنه وقال: لعله ابن اشجع العرب، فلما أصبح الصباح جاء بهم إلى الحجاج فكشف عن أمرهم فإذا الأول ابن حجام والثاني ابن طباخ والثالث ابن صيقل والرابع ابن حائك، فأعجب الحجاج لبلاغتهم فأطلقهم وقال لجلسائه:
علموا أولادكم الأدب فو الله لولا بلاغتهم لضربت أعناقهم وأنشأ يقول:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك محموده عن النسب
ان الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي
لبعض النواصب:
قول الروافض نحن اطيب مولدا ... قول جرى بخلاف دين محمد
نكحوا النساء تمتعا فولدن من ... ذاك النكاح فإن طيب المولد
فأجابه: الشيخ الشهيد وقيل السيد المرتضى (ره):
ان التمتع سنة مفروضة ... ورد الكتاب بها وسنة أحمد
وروى الروافض ان ذلك قد جرى ... من غير شك في زمان محمد
ثم استمر الحال في تحليلها ... قد صح ذلك من حديث المسند
عن جابر وعن ابن مسعود وعن ... نقل ابن عباس الكريم المولد
حتى نهى عمر بغير دلالة ... عنها فكدر صفو ذاك المورد
لكن مواليد النواصب جددت ... دين المجوس فأين دين محمد
لف الحرير على الأيور وغمسها ... في الأمهات دليل طيب المولد
ما يكتب بالسين والصاد
من كتاب مقامات الحريري: في ضبط ما يكتب بالسين والصاد:
إذا شئت بالسين فاكتب ما أبينه ... وإن تشأ فهو بالصادات يكتتب
مغص وفقس ومصطار ومملس ... وسالغ وصراط الحق والسقب
وسابغان وسقر والسويق ومسلاق ... وعن كل هذا تفصح الكتب
ومن الكتاب المذكور: المغص الرجع المتعرض في الجوف وهو مسكن الغين، والفقس فقس البيضة، والمسطار الخمرة المزة ويقال لها السطارة أيضا، والمملس الذي يسقط من يديك ولا تدري، والسالع آخر أسنان ذوات الصلف، والسقب القرب، والسابغان جانب الفم والمسلاق الشديد الصوت ومنه قوله:
{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدََادٍ}.(3/160)
تصدير القسم بلفظة لا
قال شيخنا البهائي في مشرق الشمسين: وقد كثر في الكلام العزيز وقوع الأقسام على هذا النمط أعني تصدير فعل القسم بكلمة لا، كقوله جل وعلا: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ} {. لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ} {. فَلََا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوََارِ الْكُنَّسِ} وهو سائغ في كلام الفصحاء كما عن امرىء القيس:
فلا وأبيك يا ابنة العامري ... لا يدع القوم إني أفر
وقد ذكر المفسرون في ذلك وجوها (منها) ان الغرض المبالغة في وضوح الأمر وظهوره لأنه لا يحتاج إلى القسم وهي زائدة (ومنها) أن لفظة لا مزيدة والمعنى فأقسم وزيادتها للتأكيد شاع في نظم أهل اللسان ونثرهم، وقد ورد في قوله تعالى: {مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ} مع قوله تعالى في آية أخرى: {مََا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ}. (ومنها) أن التقدير فلانا أقسم حذف المبتدأ ولا أسغب فتحه لام الإبتداء. (ومنها) أن المراد والله أعلم لا أقسم بهذا البلد وربما هو أعظم، وهذا الوجه لا يتمشى في قوله تعالى: {فَلََا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ}. و (منها) أن لفظة لا لكلام مطوي صدر من الكفار يدل على ما في حيز القسم، فهي في أول سورة القيامة رد لقولهم بنفي المعاد الجسماني كما دل عليه قوله جل شأنه:
{أَيَحْسَبُ الْإِنْسََانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظََامَهُ} {بَلى ََ قََادِرِينَ عَلى ََ أَنْ نُسَوِّيَ بَنََانَهُ} وفي قوله:
{فَلََا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوََارِ الْكُنَّسِ}. رد لقولهم ان القرآن سحر وافتراء كما يدل عليه جواب القسم وهو قوله تعالى: {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} وفي الآية التي نحن فيها رد لهذا القول أيضا كما ينبىء عنه قوله تعالى:
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} الآية فهذه وجوه خمسة في تصدير القسم بلفظة لا والله أعلم:
أزمت السفار ... وجيت الفقار ... وعفت النفار ... لأجني الفرح
وخضت السيول ... ورضت الخيول ... لجد ذيول ... الصبا والمرح
ومطت الوقار ... وبعت العقار ... لحمى العقار ... ورشف القدح
ولولا الطماح ... إلى شرب راح ... لما كمان باح ... فمي بالملح
ولا كان ساق ... ذمامي الرفاق ... لأرض العراق ... بحملي السبح
فلا تغضبن ... ولا تصخبن ... ولا تعتبن ... فعذري وضح
ولا تعجبن ... لشيخ ابن ... بمغنى أغن ... ودن طفح
فإن المدام ... تقوى العظام ... وتشفى السقام ... وتنفي الترح
واصفى السرور ... إذا ما الوقور ... أماط ستور ... الحيا واطرح
وأحلى الغرام ... إذا المستهام ... أزال اكتتام ... الهوى فافتصح
فبح بهواك ... وبرد حشاك ... فزند أساك ... به قد قدح
وداو الكلوم ... وسل الهموم ... بنبت الكروم ... التي تقترح
وخص الغبوق ... بساق يسوق ... بلاء المشوق ... إذا ما طمح
وشاد يشيد ... بصوت يميد ... جبال الحديد ... له أن صدح
وعاص النصيح ... الذي لا يبيح ... وصار المليح ... إذا ما سمح
وجل في المجال ... ولو بالمحال ... ودع ما يقال ... وخذ ما صلح
وفارق أباك ... إذا ما أباك ... ومد الشباك ... وصد من سنح
وصاف الخليل ... وناف البخيل ... وأول الجميل ... ووال المنح
ولذ بالمتاب ... أمام الذهاب ... فمن دق باب ... كريم فتح(3/161)
أزمت السفار ... وجيت الفقار ... وعفت النفار ... لأجني الفرح
وخضت السيول ... ورضت الخيول ... لجد ذيول ... الصبا والمرح
ومطت الوقار ... وبعت العقار ... لحمى العقار ... ورشف القدح
ولولا الطماح ... إلى شرب راح ... لما كمان باح ... فمي بالملح
ولا كان ساق ... ذمامي الرفاق ... لأرض العراق ... بحملي السبح
فلا تغضبن ... ولا تصخبن ... ولا تعتبن ... فعذري وضح
ولا تعجبن ... لشيخ ابن ... بمغنى أغن ... ودن طفح
فإن المدام ... تقوى العظام ... وتشفى السقام ... وتنفي الترح
واصفى السرور ... إذا ما الوقور ... أماط ستور ... الحيا واطرح
وأحلى الغرام ... إذا المستهام ... أزال اكتتام ... الهوى فافتصح
فبح بهواك ... وبرد حشاك ... فزند أساك ... به قد قدح
وداو الكلوم ... وسل الهموم ... بنبت الكروم ... التي تقترح
وخص الغبوق ... بساق يسوق ... بلاء المشوق ... إذا ما طمح
وشاد يشيد ... بصوت يميد ... جبال الحديد ... له أن صدح
وعاص النصيح ... الذي لا يبيح ... وصار المليح ... إذا ما سمح
وجل في المجال ... ولو بالمحال ... ودع ما يقال ... وخذ ما صلح
وفارق أباك ... إذا ما أباك ... ومد الشباك ... وصد من سنح
وصاف الخليل ... وناف البخيل ... وأول الجميل ... ووال المنح
ولذ بالمتاب ... أمام الذهاب ... فمن دق باب ... كريم فتح
لغز إلى مئة مسألة فقهية
ومن الكتاب المذكور: ملغزا في جملة المسائل وهي مئة مسألة.
ما تقول فيمن توضأ ولمس ظهر نعله، قال: انتقص وضوؤه بفعله، النعل الزوجة.
قال: فإن توضى فأنكاه البرد، قال: يجدد الوضوء من بعد، البرد النوم.
قال المسيح: المتوضي أنثييه، قال: قد ندب إليه ولم يوجب عليه، الإنثيان الأذيان.
قال: أيجوز الوضوء ممن يقذفه الثعبان، قال: وهل أنظف منه للعريان، الثعبان جمع ثعب وهو مسيل الوادي.
قال: ايستباح ماء الضرير، قال: نعم ويجتنب ماء البصير، الضرير حرف الوادي والبصير الكلب.
قال أيحل الطوف في الربيع، قال: يكره للحدث الشنيع، الطوف التغوط والربيع النهر الصغير.
قال: أيجب الغسل على من أمنى، قال: لا ولو تمنى، أمنى نزل منه المني ويقال منى وامتنى.
قال: فهل يجب على الجنب غسل فروته، قال: أجل وغسل ابرته، الفروة جلدة الرأس والابرة عظم المرفق.(3/162)
قال: فإن أخل بغسل فاسه، قال: كما لو الغي غسل رأسه، الفاس العظم المشرف على نقره القفا.
قال: فما تقول في من تيمم ثم رؤوضا، قال: بطل تيممه فليتوضأ، الروض الضبابة وهي البقية من الماء في الحوض.
قال: أيجوز للرجل أن يسجد في العذرة، قال: نعم ويجانب القذرة، العذرة هي فناء الدار.
قال: فهل يجوز له السجود على الخلاف، قال: لا ولا على أحد الأطراف، الخلاف مراد به الكم.
قال: فإن سجد على شماله، قال: لا بأس بفعاله، الشمال جمع شملة.
قال: فهل يجوز السجود على الكراع، قال: نعم دون الذراع، الكراع ما استطال من الحرة وهي الحجارة السوداء.
قال: يصلي على رأس الكلب، قال: نعم كسائر الهضب، رأس الكلب ثنية معروفة.
قال: فما تقول فيمن صلى وعانته بارزة، قال: صلاته جائزة، العانة الجماعة من حمر الوحش.
قال: فإن صلى وعليه صوم، قال: يعيد وإن صلى مائة يوم، الصوم ذرق النعام.
قال: فإن حمل جروا وصلى، قال: هو كما لو حمل باقلا، الجرو الصغار من النفشا والرمان.
قال: اتصح صلاة حامل القروة، قال: لا ولو صلى فوق المروة، القروة ميلغة الكلب.
قال: فإن قطر على ثوب المصلي نجو، قال: يصلي ولا غرو، النجو السحاب الذي قد أهرق ماءه.
قال: أيجوز أن يأم الرجل مقنع، قال: نعم ومدرع، المقنع لابس المغفر والمدرع لابس الدرع.
قال: فإن أمهم من في يده وقف، قال: يعبدون ولو أنهم ألف، الوقف السوار من العاج أو المذبل وأراد أنه لا يجوز للرجل الائتمام بالنساء.(3/163)
قال: فإن أمهم في فخذ بادية، قال: صلاته وصلاتهم ماضية، الفخذ العشيرة وبادية الذين يسكنون البدو.
قال: وان أمهم الثور الأجم، قال: صل وخلا لك الذم، الثور السيد والأجم الذي لا رمح معه.
قال: أيدخل القصر في صلاة الشاهد، قال: لا ولا الغايب، الشاهد صلاة المغرب تسمى صلاة الشاهد لإقامتها عند طلوع النجم لأن النجم يسمى الشاهد.
قال: أيجوز للمعذور أن يفطر في شهر رمضان، قال: ما رخص فيه إلا للصبيان، المعذور المختون وهو أيضا المعذور.
قال: فهل للمعرس أن يأكل فيه، قال: نعم بملء فيه، العرس المسافر ينزل آخر الليل يتريح ثم يرحل.
قال: فإن أفطر فيه العراة قال: لا تنكر عليهم الولاة، العراة الذين تأخذهم العروى وهي الخمى المرعدة.
قال: فإن أكل الصائم بعد ما أصبح، قال: هو أحوط وأصلح، أصبح أي استصبح بالمصباح.
قال: فإن عمد لأن أكل ليلا، قال: ليشمر للقضاء ذيلا، الليل الانثى من فراخ الحباري وقيل هو ولد الكروان.
قال: فإن أكل قبل أن تتوارى البيضاء، قال: يلزمه والله القضاء، البيضاء من أسماء الشمس.
قال: فإن استثار الصائم الكيد. قال: أفطر ومن أحل الصيد، الكيد القي واستثاره استدعاه.
قال: فهل يفطر بالحاح الطابخ، قال: نعم لا بطاهي الطابخ، الطابخ الحمى الصالب.
قال: فإن ضحكت المرأة في صومها، قال: بطل صوم يومها، ضحكت بمعنى حاضت ومنه الآية: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ}.
قال: فإن ظهر الجدري على ضرتها، قال: تفطر ان أذن بمضرتها، الضرة أصل الابهام وأصل الثدي أيضا.(3/164)
قال: ما يجب في مائة مصباح، قال: حقتان يا صاح، والمصباح الناقة تصبح في المبرك.
قال: فإن ملك عشر حناجر، قال: يخرج شاتين ولا يشاجر، الحناجر النوق القرا واحدها حنجر وحنجور.
قال: فإن سمح للساعي بحميمته، قال: يا بشري له يوم قيامته، الساعي جابي الصدقة والحميمة حياز المال.
قال: أتستحق حملة الأوزار من الزكاة جزءا، قال: نعم إذا كانوا غزى، الأوزار السلاح وغزي جمع غازية.
قال: أيجوز للحاج أن يعتمر، قال: لا ولا أن يختمر، الإعتمار لبس العمارة وهي العمامة والإختمار لبس الخمار.
قال: فهل يجوز له أن يقتل الشجاع، قال: نعم كما يقتل السباع: الشجاع هنا مراد به الحية.
قال: فإن قتل زمارة في الحرم، قال: عليه بدنة من النعم، الزمارة النعامة واسم صوتها المزمار.
قال: فإن رمى ساق حر فجدله، قال: يخرج شاة بدله، ساق حر ذكر القهاري.
قال: فإن قتل أم عوف بعد الإحرام، قال: يتصدق بقبضة من طعام، أم عوف الجرادة.
قال: أيجب على الحاج استصحاب القارب، قال: نعم ليسوقهم إلى المشارب، الحاج اسم للجميع والواحد والقارب طالب بالليل.
قال: ما تقول في الحرام بعد السبت، قال: قد حل في ذلك الوقت. الحرام المحرم والسبت حلق الرأس وحل من تحليل الحج.
قال: ما تقول في بيع الكميت، قال: حرام كبيع الميت، الكميت يراد به هنا الخمر.
قال: أيجوز بيع الخل بلحم الجمل، قال: لا ولا بلحم الحمل، الخل ابن المخاض ولا يحل بيع اللحم بالحيوان.
قال: أيحل بيع الهدية، قال: لا ولا بيع السبية. الهدية ما يهدى إلى الكعبة والسبية الخمر.(3/165)
قال: أيجوز بيع الخل بلحم الجمل، قال: لا ولا بلحم الحمل، الخل ابن المخاض ولا يحل بيع اللحم بالحيوان.
قال: أيحل بيع الهدية، قال: لا ولا بيع السبية. الهدية ما يهدى إلى الكعبة والسبية الخمر.
قال: ما تقول في بيع العقيقة، قال: محظور على الحقيقة. العقيقة ما يذبح عن المولود في سابع ولادته.
قال: أيجوز بيع الداعي على الراعي، قال: لا ولا على الساعي. الداعي بقية اللبن في الضرع والساعي جابي الصدقة.
قال: أيباع الصقر بالنمر، قال: لا ومالك الخلق والأمر. الصقر الدبس وهو عسل التمر.
قال: أيشتري المسلم سلب المسلمات، قال: نعم ويورث عنه إذا مات السلب لحاء الشجر وهو أيضا خرص الثمام والثمام نبت ضعيف.
قال: أيجوز أن يبيع الرجل صيفيه، قال: لا ولكن ليبع صفيه. الصيفي الولد على الكبر والصفي الناقة الغزيرة الدر.
قال: أيباع الابريق على بني الأصفر، قال: يكره كبيع المغفر. الابريق السيف الصيقل كثير الماء وبني الأصفر الروم.
قال: فإن اشترى عبدا فبان بأمه جراح، قال: ما في رده جناح. الأم هنا مراد بها مجتمع الدماغ.
قال: أثبت الشفعة للشريك في الصحراء، قال: ولا للشريك في الصفراء الصحراء الأتان التي يمازج بياضها غيره.
قال: أيحل أن يحمى ماء البئر والخلا، قال: ان كانا في الفلا فلا، يحمى يمنع والخلا الكلا.
قال: ما تقول في ميتة الكافر، قال: حل للمقيم والمسافر، الكافر البحر وميته السمك الطافي فوق مائه.
قال: أيجوز أن يضحى بالحول، قال: هو أجدر بالقبول. الحول جمع حائل.
قال: فهل يضحى بالطالق، قال: نعم ويقرىء منها الطارق. الطارق الناقة ترسل ترعى حيث شاءت.(3/166)
قال: فإن صحى قبل ظهور الغزالة، قال: شاة لحم بلا محالة. الغزالة الشمس، وقال: بعضهم يقال طلعت الغزالة ولا يقال غربت.
قال: أيحل الكسب بالطرق، قال: هو كالقمار بلا فرق، الطرق الضرب بالحصا وهو من أفعال الكهنة.
قال: أيسلم القائم على القاعد، قال: محظور فيما بين الأباعد. القاعد التي قعدت عن الحيض أو عن الأزواج.
قال: أينام العاقل تحت الرقيع، قال: أحبب به في البقيع، الرقيع السماء وعنى بالبقيع المدينة.
قال: أيمنع بقيع الذمي من قتل العجوز، قال: معارضته في العجوز لا تجوز العجوز الخمر وقتلها مزجها.
قال: ما تقول في التهود، قال: هو مفتاح التزهد. التهود التوبة ومنه قوله تعالى: {إِنََّا هَدَيْنََاهُ}.
قال: أيجوز للرجل أن ينتقل من عمارة أبيه، قال: ما جوز لخامل ولا نبيه العمارة القبيلة.
قال: ما تقول في صبر البلية، قال: أعظم بها من خطية، الصبر الحبس والبلية الناقة تحبس عند قبر صاحبها فلا تسقى ولا تعلف إلى أن تموت، وكانت الجاهلية تزعم أن صاحبها يحشر عليها.
قال: أيحل ضرب السفير، قال: نعم والحمل على المستثير، السفير ما تساقط من ورق الشجر والمستثير الحمل السمين.
قال: أيعزر الرجل أباه، قال: يفعله البر ولا يأباه. التعزير التعظيم والنصرة ومنه الآية الشريفة.
قال: ما تقول فيمن أفقر أخاه، قال: حبذا ما توخاه أفقره أعاره ناقة يركب فقارها أي ظهرها.
قال: فإن أعرى ولده، قال: يا حسن ما اعتمده، أعراه أعطاه ثمر نخله عاما.
قال: فإن أصلى مملوكه النار، قال: لا اثم عليه ولا عار. المملوك العجين الذي قد أجيد عجنه حتى قوي.
قال: أيجوز للمرأة أن تحترم بعلها، قال: ما حضر أحد فعلها. البعل الذي يشرب بعروقه من الأرض.(3/167)
قال: فإن أصلى مملوكه النار، قال: لا اثم عليه ولا عار. المملوك العجين الذي قد أجيد عجنه حتى قوي.
قال: أيجوز للمرأة أن تحترم بعلها، قال: ما حضر أحد فعلها. البعل الذي يشرب بعروقه من الأرض.
قال: فهل تؤدب المرأة على الخجل، قال: أجل، الخجل سوء احتمال الغنى.
قال: فما تقول فيمن نحت أثلة أخيه، قال: أثم ولو أذن له فيه. نحت أثلته إذا اغتابه وقدح في عرضه.
قال: أيحجر الحاكم على صاحب الثور، قال: نعم ليأمن غائلة الجور. الثور هنا مراد به الجنون.
قال: فهل له أن يضرب على يد اليتيم، قال: نعم إلى أن يستقيم. يقال ضرب على يده إذا حجر عليه.
قال: فهل يجوز أن يتخذ له ربضا، قال: لا ولو كان له رضا. الربض هنا مراد به الزوجة.
قال: فمتى يبيع بدن السفيه، قال: حين يرى الحظ فيه. البدن بمعنى الدرع القصيرة.
قال: فهل يجوز أن يبتاع له حشا، قال: نعم إذا لم يكن مغشى. الحش النخل المجتمع.
قال: أيجوز للحاكم أن يكون ظالما، قال: نعم إذا كان عالما. الظلم الذي يشرب اللبن قبل أن يروب ويخرج زبده.
قال: ايستقضى من ليست له بصيرة، قال: نعم إذا أحسنت منه السيرة.
البصيرة ها هنا بمعنى الترس.
قال: فإن تعرى من العقل، قال: ذلك عنوان الفصل، العقل ضرب من الوشي.
قال: فإن كان له زهو جبار، قال: لا انكار عليه ولا اكبار، الزهو البسر المتلون والجبار النخل الذي فات اليد.
قال: أيجوز أن يكون الشاهد مريبا، قال: نعم إذا كان أريبا. المريب الذي يكثر عنده اللبن الرايب.(3/168)
قال: فإن بان انه لاط، قال: هو كما لو خاط. لاط الحوض إذا طينه.
قال: فإن عثر على انه غربل، قال: ترد شهادته ولا تقبل. غربل أي قتل ومنه قول الزاجر: «ترى المملوك عنده بغربله».
قال: فإن وضح انه مائن، قال: هو في رصفه زاين. المائن الذي يعول ويكفي المؤنة من مان يمون.
قال: ما يجب على عابد الحق، قال: يحلف بآله الخلق. العابد عنى به الجاحد والحق الدين.
قال: فإن جرح قطاة امرأة فماتت، قال: النفس بالنفس إذا فاتت، القطاة ما بين الوركين.
قال: ما تقول فيمن فقأ عين بلبل عامدا، قال: تفقأ عيناه قولا واحدا. البلبل هنا بمعنى الرجل الخفيف.
قال: فإن القت الحامل حشيشا من ضربه، قال: ليكفر بالإعتاق عن ذنبه الحشيش الجنين الملقى ميتا.
قال: ما يجب على المختفي بالشرع، قال: القطع لإقامة الردع. المختفي نباش القبور.
قال: فإن سرق ثمينا من ذهب، قال: لا قطع كما لو غصب، الثمين الثمن كما يقال في النصف نصيف.
قال: فإن بان على المرأة السرق، قال: لا حرج عليه ولا فرق. السرق هنا هو الحرير الأبيض.
قال: أينعقد نكاح لم تشهد القواري، قال: لا والخالق الباري. القواري الشهود لأنهم يقرأون الأشياء أي يتبعونها.
ما تقول في عروس باتت بليلة حرة ردت في حافرتها بسحره، قال: يجب لها نصف الصداق، ثم يقال باتت العروس بليلة حرة إذا امتنعت على زوجها فإن افتضها يقال باتت بليلة شيبا، والرد في الحافرة بمعنى الرجوع في الطريق الأول وكنى به عن طلاقها وردها إلى أهلها.
نظر إلى نسب عمر بن الخطاب
روى: محمد بن السائب الكلبي النسابة وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي
النسابة في كتاب الصلابة في معرفة الصحابة وكتاب التنقيح في النسب الصريح بإسنادهم إلى ابن سيابة عبد الله في نسب عمر بن الخطاب قال: وكان عمر بن الخطاب متولدا من نجيبين متضادين نفيل وهو من نجباء الحبشة.(3/169)
روى: محمد بن السائب الكلبي النسابة وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي
النسابة في كتاب الصلابة في معرفة الصحابة وكتاب التنقيح في النسب الصريح بإسنادهم إلى ابن سيابة عبد الله في نسب عمر بن الخطاب قال: وكان عمر بن الخطاب متولدا من نجيبين متضادين نفيل وهو من نجباء الحبشة.
ثم قال: ذاكرا نسبته إليهما بعد أن قال: ان نكاح الشبهة من أبواب الحلال وإن المتولد منه ومن الزنا يكون أنجب من الولد للفراش، فقال: واعلم أنه قد اتفق في نسبة من الكرامات ما يناسب شأنه ويليق بحاله من ارتباط نسبه بعض ببعض، وكانت العرب تفتخر إذا اتفق لهم بعض هذه الاتفاقات في انسابهم أو في دوابهم من أهل السنة ومن الشيعة، حتى قال: يصف ناقة لهم شعرا:
علق أبوها أخوها من مهجته ... وعمها خالها قود أشمليل
ثم قال: وأما تفصيل نسبه وبيانه وهو أن نفيل كان عبدا لكلب بن لؤي بن غالب القرشي فمات عنه ثم وليه عبد المطلب، وكان صهاك قد بعثت لعبد المطلب من الحبشة، فكان نفيل يرعى جمال عبد المطلب وصهاك ترعى غنمه، وكان يفرق بينهما في المرعى فاتفق يوما اجتماعهما في مراح واحد فهواها وعشقها نفيل، وكان قد ألبسها عبد المطلب سروالا من الأديم وجعل عليه قفلا وجعل مفتاحه معه لمنزلتها منه، فلما راودها قالت: مالي إلى ما تقول سبيل وقد ألبست هذا الأديم ووضع عليه قفل. فقال: أنا أحتال عليه، فأخذ سمنا من مخيض الغنم ودهن به الأديم وما حوله من بدنها حتى استله إلى فخذيها وواقعها فحملت منه بالخطاب، فلما ولدته القته على بعض المزابل بالليل خيفة من عبد المطلب فالتقطت الخطاب امرأة يهودية جنازة وربته، فلما كبر كان يقطع الحطب فسمي الحطاب لذلك بالحاء المهملة فصحف بالمعجمة، وكانت صهاك ترتاده في الخفية فرآها ذات يوم وقد تطأطأت عجيزتها ولم يدر من هي فوقع عليها فحملت منه بحنتمة، فلما وضعتها القتها على مزابل مكة خارجها فالتقطها هشام بن مغيرة بن وليد ورباها فنسبت إليه، فلما كبرت وكان الخطاب يتردد على هشام فرأى حنتمة فأعجبته فخطبها إلى هشام فزوجه اياها فولدت عمر، وكان الخطاب والد عمر لأنه أولد حنتمة اياه حيث تزوجها وحده لأنه سافح صهاك قبل فأولدها حنتمة، وو كانت حنتمة أم عمر وبنت الخطاب فكان الخطاب جده وخاله لأن حنتمة والخطاب من أم واحدة وهي صهاك وكانت حنتمة أمه لأنها ولدته وأخته لأن عمر وحنتمة من أب واحد وهو الخطاب وعمته لأن حنتمة والخطاب من أم واحدة وهي صهاك.
هذا ملخص كلام الكلبي. وأما ما ذكره أبو مخنف فهو كلام طويل.(3/170)
قصص واحاديث وأشعار مختلفة
قيل: لبيروز عمامة من وبر السمندل طولها خمسون ذراعا إذا توسخت طرحت بالنار فتأكل النار الوسخ فتخرج نظيفة.
صفة أولاد الظباء: فإذا ولدته وبقي يوما سمي شاذنا، وإذا بقي خمسة أيام سمي وبرا، وإذا كمل له عشرة أيام سمي مها، وإذا كمل له خمسة عشر يوما سمي رشاء، فإذا كمل له عشرين يوما سمي خشفا، وإذا كمل له خمسة وعشرين يوما يسمى ريما، وإذا كمل له ثلاثين يوما سمي جؤدرا. وإذا كمل له خمس وثلاثين يوما سمي ظبيا، وإذا كمل له أربعون يوما سمي غزالا. ولا يزيد على ذلك.
فائدة: قال بعض الخلفاء لبعض الزهاد: إنك لعظيم الزهد! قال: إنك أزهد مني قال: وكيف ذلك، قال: لانك زهدت في نعيم الآخرة وهو دائم عظيم وأنا زهدت في نعيم الدنيا الحقير المنقطع.
للزمخشري: قال في كتاب الكشاف: قيل لإبراهيم بن الأدهم ما لنا ندعو ولا نجاب؟ قال: لأنه دعاكم فلم تجيبوا ثم قرأ: {وَاللََّهُ يَدْعُوا إِلى ََ دََارِ السَّلََامِ} الآية.
سئل: من عابد ما الفرق بين قوله: «الفقر فحري» وبين قوله: «الفقر سواد الوجه في الدارين». وبين قوله: «يكاد الفقر أن يصير كفرا». قال العابد في جواب السائل: اعلم أن الفقر في اللغة الاحتياج والاحتياج على ثلاثة أنواع احتياج إلى الله فقط واحتياج إلى الخلق فقط واحتياج إليهما. فالحديث الأول إشارة إلى المعنى الأول وهو الاحتياج إلى الحق، والحديث الثاني اشارة إلى المعنى الثاني وهو الاحتياج إلى الخلق، والحديث الثالث إشارة إلى المعنى الثالث وهو الاحتياج إلى الحق والخلق معا.
كتاب عيون أخبار الرضا: حدثنا أبو علي أحمد بن أبي جعفر البيهقي بعد منصرفي من حج بيت الله الحرام سنة 354قال: حدثنا علي بن جعفر المدني قال:
حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثني داود بن سليمان قال: حدثني علي بن موسى بن جعفر عن جده عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: إذا كان يوم القيامة ولينا حساب شيعتنا، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين الله عز وجل حكمنا فيها فأجابنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبنا فوهب لنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنا أحق من عفا وصفح.(3/171)
نقل: ان أول من نقل الخط الكوفي إلى الطريقة العربية ابن مقلة قال: أبو منصور الثعالبي في خطه:
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه أن حولت مقلا
فالدر من دره ذو صفرة حسدا ... والنور من نوره ذو حمرة خجلا
ثم جاء ابن البواب وزاد في تعريف الخط، ثم جاء ياقوت المستعصمي الخطاط وضم في فن الخط وأكمله وأدرج في جميع قوانينه فقال:
أصول تركيب كراس ولميه ... صعود وتشمير وانزال وارسال
كتاب: شرح المفصل الشعوبية بضم الشين قوم متعصبون على العرب يفضلون عليهم العجم، وإن كان الشعوب جميل العجم إلا انه غلبت النسبة إليه لهذا القبيل، ويقال ان منهم معمر بن المثنى وله كتاب في مثالب العرب، وقد أنشد بعض الشعوبية للصاحب بن عباد يمدحه:
غنينا بالطبول عن الطلول ... ومن عنس عذافرة ذمول
فلست تبارك ايوان كسرى ... لتوضح أو لحومل فالدخول
وضب بالفلا ساع وذيب ... بها يعوي وليث وسط غيل
إذا نحروا فذلك يوم عيد ... وإن ذبحوا ففي عرس جليل
يسلون السيوف لرأس ضب ... مراسا بالغداة وبالأصيل
بأية رتبة قدمتموها ... على ذي الأصل والشرف الأصيل
أما لو لم يكن للفرس إلا ... نجار الصاحب العدل الجليل
لكان لهم بذلك خير عز ... وجيلهم كذلك خير جيل
فقال له: الصاحب قدك، ثم قال لبديع الزمان: أجبه فأجابه مرتجلا.
أراك على شفا خطر مهول ... بما أودعت رأسك من فضول
طلبت على مكارمنا دليلا ... متى احتاج النهار إلى دليل
ألسنا الضاربين جزى عليكم ... فإن الخزي أقعد بالذليل
متى قرع المنابر فارسي ... متى عرف الأغر من الحجول
متى علقت وأنت بها زعيم ... أكف الفرس أطراف الخيول
فخرت بملء ما صغيتك فخرا ... على قحطان والبيت الأصيل
فخرت بأن مأكولا ولبسا ... وذلك فخر ربات الحجول
قفا حزن في خد اثيل ... وشعر عن مفارقة رسيل
وقال الصاحب للشعوبي: كيف ترى؟ فقال: لو سمعت ما صدقت. ثم قال له: جائزتك جوازك ان وجدتك بعدها في مملكتي ضربت عنقك.(3/172)
أراك على شفا خطر مهول ... بما أودعت رأسك من فضول
طلبت على مكارمنا دليلا ... متى احتاج النهار إلى دليل
ألسنا الضاربين جزى عليكم ... فإن الخزي أقعد بالذليل
متى قرع المنابر فارسي ... متى عرف الأغر من الحجول
متى علقت وأنت بها زعيم ... أكف الفرس أطراف الخيول
فخرت بملء ما صغيتك فخرا ... على قحطان والبيت الأصيل
فخرت بأن مأكولا ولبسا ... وذلك فخر ربات الحجول
قفا حزن في خد اثيل ... وشعر عن مفارقة رسيل
وقال الصاحب للشعوبي: كيف ترى؟ فقال: لو سمعت ما صدقت. ثم قال له: جائزتك جوازك ان وجدتك بعدها في مملكتي ضربت عنقك.
روى: عن علي عليه السّلام إذا أقبلت الدنيا فانفق منها فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فانفق منها فإنها لا تبقى، وأنشد عليه السّلام:
لا تبخلن لدنيا وهي مقبلة ... وليس ينقصها التبذير والسرف
وإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالمدح منها إذا ما أدبرت خلف
لبعضهم:
الناس موتى وأهل العلم أحياء ... والناس مرضى وهم فيها أطباء
والناس أرض وأهل العلم فوقهم ... سماء نور وما في النور ظلماء
وزمرة العلم روح الخلق كلهم ... وسائر الناس في التمثيل أعضاء
لأمير المؤمنين عليه السّلام:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... وأجسادهم قبل القبور قبور
وإن امرءا لم يحي بالعلم ميت ... وليس لهم حتى النشور نشور
للسيد عبد الرزاق: والسيد حسين الجد حفصي البحراني لما مرض وعاوده بعض الناس من أهل بلده:
عاد العدو وقد مرضت وفي الحشا ... منه غليل عداوة لا تبرد
فانصاع مسرورا يظن بجهله ... اني أموت وأنه سيخلد
أو صم عن بيت تضمن حكمة ... أهل العقول بما تضمن يشهد
كم من مريض قد تخطاه الردى ... فنجى ومات طبيبه والعود
وله أيضا: رحمه الله تعالى.
لما مرضت أتى الطبيب وفتية ... لعيادتي أنفاسهم تتصعد
يتأوّهون لما أصبت وإنني ... لا خالهم لو أن أصبت لعيدوا
من كل مبتسم بوجه أبيض ... مكرا وحشو الصدر قلب أسود
فشفيت من مرضي ودار عليهم ... كأس المنون كأنهم لم يوجدوا
صمت مسامعهم عن البيت الذي ... يروى ولو سمعوا به لم يهتدوا
كم من مريض قد تخطاه الردى ... فنجى ومات طبيبه والعود
من ديوان: السيد عبد الرؤوف رحمه الله تعالى:(3/173)
لما مرضت أتى الطبيب وفتية ... لعيادتي أنفاسهم تتصعد
يتأوّهون لما أصبت وإنني ... لا خالهم لو أن أصبت لعيدوا
من كل مبتسم بوجه أبيض ... مكرا وحشو الصدر قلب أسود
فشفيت من مرضي ودار عليهم ... كأس المنون كأنهم لم يوجدوا
صمت مسامعهم عن البيت الذي ... يروى ولو سمعوا به لم يهتدوا
كم من مريض قد تخطاه الردى ... فنجى ومات طبيبه والعود
من ديوان: السيد عبد الرؤوف رحمه الله تعالى:
أيها الحادي ترفق بفؤادي واحبس الركب ولو حل عقال فكليم الشوق قد أنس برق القرب من نحو حمى الحب فظن النور في الطور بجنح الليل نارا فغدا بقتبس النار كما ظن بنعليه فنودي اخلع النعل فهذا ربع ليلى فانثنى من شدة الدهشة كالمجنون حيران إلى أن أنعشته نفحة الأنس من القدس فردت ظلمة الليل نهارا ولكم حول الحمى حامت قلوب شقها الوجد ورامت فترامت بعد ما أن شمرت عن ساعد الاقدام والجد فما ساعدها الجد وصدت دون نيل الغرض المقصود بالذات إلى أن عذب الصب وقتلي أمن القاتل فيهم خشية الحد ومنهم من قضى قبل بلوغ الورد ظمآن ولم يقض مراما.
«في مدح الآله» خير من حثت إلى معروفه راحلة الحمد القديم الأبدي الأحد الفرد الذي جلت أياديه فما دائرة الحصر وما مرتبة العد فلا يبلغ أدنى نعته الوصف ولا يدركه عقل ولا يلحقه الحد ولو السبعة مدت يد محص لقليل من كثير عاقلها الجزر عن المد ولو رام جنان الفلك الكاتب حصرا أو بنان الكاتب الخط بيانا رجع الأول بالحصر عن الحصر وبالعجز عن الصدر رجوع القهقرى وانعكس الأمر على الثاني مع الثالث أعني قلم الكاتب حتى راح يشكو ألم القط ويشكو القلم القد وفي تصريفه الأخذ متى شاء وفي قبضته الرد له الملك تعالى وله الحمد وأما وله الشكر على العبد لزاما.
«في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلّم» وإلى أشرف نوع العالم العلوي والأرضي أهدى حبر المدح وما قدر مديحي بعد ما خص بلو لاك وناهيك بها مرتبة جاوزت الأفلاك وامخطت لها كل ملوك الأرض دعهم وقل الأملاك فهو السيد الأيد حامي الدين ماحي ظلم الاشراك طورا بسنان يقطر الأحمر موتا ودما ركبه النصر على أسمر قد حالفه الحتف على الفتح وطورا بحسام أرضعته درها أم المنايا السود من قبل بلم في عالم الذر فقيل ما شئت في أبيضه البتاك من وصف وإن خالطك الشك فسل سلعا وما أشهرها كم قدمن قد شديد الكفر أفاك عتل فهو مغناطيس أرواح الصناديد ومصداق مقالي إنها في ماروة الحرب عليه تتراما.
في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: يا رسول الله يا أشرف راق فلك الفجر ويا من بحماه نحتمي من نوب الدهر ونستعدي بجدواه على حادثة الفقر فأدنى سمع يمناه على السايل كالنهر ولا نهر وعن نائله الغمر روى القطر عن البحر وعن عامله العامل في الحرب وعن أبيضه العالم بالضرب روى القطر عن النحر وعن عزمته الماضية الأمر
ذوي الفتح عن النصر وعن طلعته الغرا يروي البدر في منتصف الشهر فيا مولاي أرجوك لذنب أثقل الظهر فمالي عمل أرجو به الفوز لدى الحشر سوى حبك مع حب فتى واساك بالنفس وأعطاك يد الطايع في حالتي الاسرار والجهر فكم جود في نصرك يا خير النبيين حساما.(3/174)
في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: يا رسول الله يا أشرف راق فلك الفجر ويا من بحماه نحتمي من نوب الدهر ونستعدي بجدواه على حادثة الفقر فأدنى سمع يمناه على السايل كالنهر ولا نهر وعن نائله الغمر روى القطر عن البحر وعن عامله العامل في الحرب وعن أبيضه العالم بالضرب روى القطر عن النحر وعن عزمته الماضية الأمر
ذوي الفتح عن النصر وعن طلعته الغرا يروي البدر في منتصف الشهر فيا مولاي أرجوك لذنب أثقل الظهر فمالي عمل أرجو به الفوز لدى الحشر سوى حبك مع حب فتى واساك بالنفس وأعطاك يد الطايع في حالتي الاسرار والجهر فكم جود في نصرك يا خير النبيين حساما.
في مدح علي عليه السّلام: ما لعيني كلما أقلقها البارق بالومض تجافي جنبها عن مضجع الغمض وقلبي كلما رب الصبا الكرخي في البان فحاكى الغصن منه العرق في النبض سعي يلتمس المخرج حتى كاد بالتزفار من صدري ينفض ولا بدع إذا اشتاق إلى أرض بها الكل وكل العالم البعض فمن لي أن يداني بي خطي النجف الأشرف كي أقضي به من قبل أن أقضي ما فات من الفرض وأقصي بمصون السر للمولى الذي أمله في موقف العرض ومالي عند أمالي ما قد وعدتنيه وبعد الوعد كالقرض فإن غرفها نشر ثنائي واشتياقي لك يا مولاي قد أودعت أنفاس الخزاما.
في مدح علي عليه السّلام: عجبا من فئة ما عدلت إذ عدلت عن قاسم الجنة والنار مبيد الجن في الغار علي الجاه والمقدار بحر الكرم الزخار صدر الجحفل الحرار مروي الأبيض البتار من فيض دم الكفار أعني حيدر الكرار مولاي ومولى كل آمن بالله كما أبرم نص بالأمن كنت مولاه فلولا سيفه في فلك التوحيد ما دار ولو لم يك إلا قتل عمرو بعد ما أن جلل الأقوام بالأقدام والأحجام عنه حلة العار وكم من موقف جلا به الكرب عن المختار حيث البيض تستغني عن الأغماد بالأعمار خذ لي يا إمامي من زمان الخائن الغدار بالثار وخلصني من النار إذا اشتدت لهيبا وضراما.
عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس:
وردنا ماء من أمية عذبة ... وكلنا لهم بالقتل بالصاع أصوعا
وما في كثير منهم بقتيلنا ... وفاء ولكن كيف بالثار أجمعا
إذا أنت لم تقدر على الثار كله ... وأعطيت بعضا فليكن لك مقنعا
رمينا نفوسا منهم بسيوفنا ... وصاح بهم داعي الفناء فأسمعا
قضيناهم دينا وزدنا عليهم ... كما زاد بعد الفرض قد تطوعا
وكان لهم من باطل الملك عارض ... ولما علته شمس حق نقشعا
فليت على الخير شاهد اسهما ... أصابتهم لم تلق في القوس منزعا
نقل: أن حب، امرأة مدينة كانت مزواجا فتزوجت على كبر سنها فتى من
بني كلاب وكان لها ابن كهل فمشى إلى مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة فشكاها إليه وقال: أمي السفيهة على كبر سنها وسني تزوجت شابا من بني كلاب فصيرتني ونفسها حديثا، فأحضرها مروان فلما حضرت قالت لابنها: يا بن بردعة الحمار رأيت في ذلك الشاب العنطنط والله ليصرعن أمك بين الباب والطاق وليشفين غليلها ولتخرجن نفسها دونه، فقال فيها أبو هرمة الشاعر:(3/175)
وردنا ماء من أمية عذبة ... وكلنا لهم بالقتل بالصاع أصوعا
وما في كثير منهم بقتيلنا ... وفاء ولكن كيف بالثار أجمعا
إذا أنت لم تقدر على الثار كله ... وأعطيت بعضا فليكن لك مقنعا
رمينا نفوسا منهم بسيوفنا ... وصاح بهم داعي الفناء فأسمعا
قضيناهم دينا وزدنا عليهم ... كما زاد بعد الفرض قد تطوعا
وكان لهم من باطل الملك عارض ... ولما علته شمس حق نقشعا
فليت على الخير شاهد اسهما ... أصابتهم لم تلق في القوس منزعا
نقل: أن حب، امرأة مدينة كانت مزواجا فتزوجت على كبر سنها فتى من
بني كلاب وكان لها ابن كهل فمشى إلى مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة فشكاها إليه وقال: أمي السفيهة على كبر سنها وسني تزوجت شابا من بني كلاب فصيرتني ونفسها حديثا، فأحضرها مروان فلما حضرت قالت لابنها: يا بن بردعة الحمار رأيت في ذلك الشاب العنطنط والله ليصرعن أمك بين الباب والطاق وليشفين غليلها ولتخرجن نفسها دونه، فقال فيها أبو هرمة الشاعر:
فما وجدت وجدى بها أم واحد ... ولا وجد حبي يابن أم كلاب
رأته طويل الساعدين عطنطنا ... وما تستحي من قوة وشباب
روي: أن عمرو بن عمر بن عدس تزوج دخنوش بنت لقيطة بن زرارة بعد ما أسن، وكان أكثر قومه مالا فكرهته فطلقها فتزوجها فتى ذو شباب وجمال من آل زرارة ثم غزتهم بكر بن وائل فنهت زوجها فقالت: الغارة فجعل يقول: الغارة الغارة فيضرط حتى مات فأغاروا عليها وأخذوها سبية، فأدركهم الحي وعمر وزوجها الأول في السرعان فقتل منهم ثلاثة واستنقذها وقال: أي حليلك وجدت خيرا العظيم فيشة وايرا أم الشديد للعداوة ضيرا أم الذي ساق العدو سيرا، فتزوجت منهم شابا ملقى فمرت بها ابل عمرو كأنها الليل فقالت لجاريتها قولي له:
ليسقنا من اللبن، فقال: قولي لها الصيف صيغت اللبن فضربت بيدها كتف زوجها. وقالت: هذا ومذقه خير.
نقل: أن امرأة يقال لها (الرباب) عاهدت زوجها على أن لا تتزوج بعده ولا يتزوج بعدها، فلما مات لم تلبث إلا قليلا حتى تزوجت فقبل أن يزف عليها أخذتها نعسة. فرأته آخذا بعضادتي الباب وهو يقول: ما أسرع ما نسيت العهد يا رباب وأنشأ يقول:
حييت ساكن هذي الدار كلّهم ... إلّا رباب فإني لا أحييها
امست عروسا وأمسى منزلي حدثا ... ان القبور تواري من ثوى فيها
فيقال: انها اتعظت وأخذت في طلاقه قبل الدخول.
في الرد على الاشاعرة
فائدة: قال الفاضل المحقق السيد نور الله الشوشتري: في كتاب احقاق الحق في الرد على الاشاعرة حيث ذهبوا إلى أن الله تعالى هو الهادي والمضل مستدلين بقول الله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشََاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشََاءُ} إن هذا مدفوع بما فصله
الأصحاب في تحقيق معنى الهداية والضلالة، وحاصله أن هدى يستعمل في اللغة بمعنى الدلالة والإرشاد نحو {إِنَّ عَلَيْنََا لَلْهُدى ََ} ومعنى التوفيق نحو {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زََادَهُمْ هُدىً} وبمعنى الثواب نحو {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمََانِهِمْ} وبمعنى الفوز والنجاة نحو {لَوْ هَدََانَا اللََّهُ لَهَدَيْنََاكُمْ} وبمعنى الحكم والتسمية نحو أو يريدون أن تهدوا من أضل الله يعني أتريدون أن تسموا مهديا من سماه الله ضالا وحكم بذلك عليه.(3/176)
فائدة: قال الفاضل المحقق السيد نور الله الشوشتري: في كتاب احقاق الحق في الرد على الاشاعرة حيث ذهبوا إلى أن الله تعالى هو الهادي والمضل مستدلين بقول الله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشََاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشََاءُ} إن هذا مدفوع بما فصله
الأصحاب في تحقيق معنى الهداية والضلالة، وحاصله أن هدى يستعمل في اللغة بمعنى الدلالة والإرشاد نحو {إِنَّ عَلَيْنََا لَلْهُدى ََ} ومعنى التوفيق نحو {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زََادَهُمْ هُدىً} وبمعنى الثواب نحو {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمََانِهِمْ} وبمعنى الفوز والنجاة نحو {لَوْ هَدََانَا اللََّهُ لَهَدَيْنََاكُمْ} وبمعنى الحكم والتسمية نحو أو يريدون أن تهدوا من أضل الله يعني أتريدون أن تسموا مهديا من سماه الله ضالا وحكم بذلك عليه.
والإضلال يأتي على وجوه (أحدها) الجهل بالشيء فيقال: «أضل بغيره» إذا جهل مكانه (وثانيها) الإضاعة والابطال يقال: «أضله» أي أضاعه وأبطله ومنه قوله تعالى: {أَضَلَّ اللََّهُ} أعمالهم «أي أبطلها»، و (ثالثها) بمعنى الحكمة والتسمية يقال:
«أضل فلانا» أي حكم عليه بذلك وسماه به (ورابعها) بمعنى الوجدان والمصادفة يقال: «اضللت فلانا» أي وجدته ضالا كما يقال «أبخلته» أي وجده بخيلا، وعليه حمل قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللََّهُ عَلى ََ عِلْمٍ} أي وجده، وحمل أيضا على معنى الحكم والتسمية وعلى معنى العذاب (وخامسها) أن يفعل ما عنده بضل ويضيفه إلى نفسه مجازا لأجل ذلك كقوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً} أي يضل عنده كثير (وسادسها) أن يكون متعديا إلى مفعولين نحو فأضلونا السبيلا. وليضل عن سبيله وهذا هو الإضلال بمعنى الاغواء وهو محل الخلاف بيننا وبينهم وليس في القرآن ولا في السنة شيء يضاف إلى الله تعالى بهذا المعنى إنتهى كلامه زيد في الخلد اكرامه.
قصة التاجر الذي كان يبذل على السادة
كتاب الروضة: لشيخنا الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه وعن إبراهيم عن ابن مهران قال: كان بالكوفة رجل تاجر يكنى بأبي جعفر وكان حسن المعاملة في الله ومن أتاه من العلويين أعطاه شيئا ويقول لغلامه: أكتب هذا ما أخذ علي عليه السّلام وبقي على هذا أياما ثم قعد به الوقت وافتقر فنظر يوما في حسابه فجعل كلما مر عليه اسم حي من غرمائه بعث إليه فطالبه ومن مات ضرب على اسمه، فبينما هو جالس على باب داره إذ مر به رجل فقال: ما فعل غريمك علي ابن أبي طالب؟ فاغتم لذلك غما شديدا ودخل داره، فلما جن عليه الليل رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان الحسن والحسين عليهما السّلام يمشيان أمامه فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ما فعل أبوكما؟ فأجابه علي من ورائه هل أتانا رسول الله؟ فقال: لم لا تدفع إلى هذا الرجل حقه؟ فقال: بلى يا رسول الله قد جئته به. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ادفعه الي،
فأعطاه كيسا من صوف أبيض وقال له: هذا حقك فخذه ولا تمنع من جاءك من ولدي شيئا فإنه لا فقر عليك بعد هذا. فقال الرجل: فانتبهت والكيس في يدي فناديت زوجتي فقلت لها: هاك فناولتها الكيس وإذا فيه ألف دينار، فقالت: يا هذا الرجل اتق الله ولا يحملك الفقر على أخذ ما لا تستحقه فإن كنت خدعت بعض التجار في ماله فاردده إليه فحدثها الحديث فقالت: ان كنت صادقا فأرني حساب علي بن أبي طالب عليه السّلام فحضر الدستور فلم ير فيه شيئا بقدرة الله تعالى.(3/177)
كتاب الروضة: لشيخنا الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه وعن إبراهيم عن ابن مهران قال: كان بالكوفة رجل تاجر يكنى بأبي جعفر وكان حسن المعاملة في الله ومن أتاه من العلويين أعطاه شيئا ويقول لغلامه: أكتب هذا ما أخذ علي عليه السّلام وبقي على هذا أياما ثم قعد به الوقت وافتقر فنظر يوما في حسابه فجعل كلما مر عليه اسم حي من غرمائه بعث إليه فطالبه ومن مات ضرب على اسمه، فبينما هو جالس على باب داره إذ مر به رجل فقال: ما فعل غريمك علي ابن أبي طالب؟ فاغتم لذلك غما شديدا ودخل داره، فلما جن عليه الليل رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان الحسن والحسين عليهما السّلام يمشيان أمامه فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ما فعل أبوكما؟ فأجابه علي من ورائه هل أتانا رسول الله؟ فقال: لم لا تدفع إلى هذا الرجل حقه؟ فقال: بلى يا رسول الله قد جئته به. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ادفعه الي،
فأعطاه كيسا من صوف أبيض وقال له: هذا حقك فخذه ولا تمنع من جاءك من ولدي شيئا فإنه لا فقر عليك بعد هذا. فقال الرجل: فانتبهت والكيس في يدي فناديت زوجتي فقلت لها: هاك فناولتها الكيس وإذا فيه ألف دينار، فقالت: يا هذا الرجل اتق الله ولا يحملك الفقر على أخذ ما لا تستحقه فإن كنت خدعت بعض التجار في ماله فاردده إليه فحدثها الحديث فقالت: ان كنت صادقا فأرني حساب علي بن أبي طالب عليه السّلام فحضر الدستور فلم ير فيه شيئا بقدرة الله تعالى.
معجزة علوية في الذي كان يسبه
«في كتاب أربعين» الحديث للفاضل فتح الله الواعظ قال: نقل في كتاب خاتمة الأربعين عن الأربعين في فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام بإسناده يرفعه إلى أبي الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي قال: وكتبته بإملائه قال: كنت بصور في سنة نيف وخمسين وثلاثمئة عند أبي علي محمد بن علي المستأمن وإنما لقب بذلك لأنه استأمن من عسكر القرامطة إلى صاحب السلطان بالشام وهو على حماية البلد فجاءه القاضي أبو القاسم بن الديان وكان شابا أديبا فاضلا جليلا واسع المال عظيم الثروة ليلا فاستأذن عليه فاذن له، فلما دخل عليه قال له: أيها الأمير قد حدث الليلة أمر ما لنا بمثله عهد، وهو أن في البلد رجلا ضرير يقوم كل ليلة في الثلث الأخير يطوف بالبلد ويقول بأعلى صوته: يا غافلين اذكروا الله يا مذنبين استغفروا الله ويا مبغضي معاوية عليكم لعنة الله، وان دايتي التي ربتني كانت لها عادة أن تنتبه على صوته فجاءتني الليلة وأيقظتني وقالت لي: كنت نائمة فرأيت في منامي كأن الناس يهرعون إلى المسجد الجامع فسألت عن السبب فقالوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هناك فتوجهت إلى المسجد الجامع ودخلته ورأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على المنبر وبين يديه رجل واقف وعن يمينه ويساره غلامان واقفان والناس يسلمون عليهم وهو يرد عليهم السلام حتى رأيت الضرير الذي يطوف بالبلد ويقول كذا وكذا وأعاده ما يقوله فدخل المسجد فسلم فأعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عنه حتى عاوده ثلاثا فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، فقال الرجل الواقف: يا رسول الله رجل من أمتك ضرير يحفظ القرآن يسلم عليك فلم حرمته الرد عليه؟ فقال: يا أبا الحسن هذا يلعنك ويلعن ولديك منذ ثلاثين سنة، فالتفت الرجل الواقف فقال: يا قنبر فإذا برجل قد بدر فقال:
اصفعه، فصفعه صفعة فخر على وجه ثم انتبهت فلم أسمع له صوتا وهذا هو الوقت الذي جرت عليه عادته في الصياح والطواف والتذكير.
قال أبو الفرج: فقلت أيها الأمير تنفذ من يعرف خبره، فأنفذنا في الحال
رسولا قاصدا ليخبرنا عن أمره، فجاءنا يعرفنا أن امرأته ذكرت أن عرض له هذه الليلة حكاك شديد في قفاه فمنعه من الطواف والتذكير، فقلت لأبي علي المستأمن: أيها الأمير هذه آية يجب أن تشاهدها، فركبنا وقد بقيت من الليل بقية يسيرة وجئنا إلى دار الضرير فوجدناه نائما على وجهه يخور، فسألنا زوجته عن حاله فقالت: إنتبه وحك هذا الموضع واشارت إلى قفاه وكان قد ظهر منه مثل العدسة وقد اتسعت الآن وانتفخت وتشققت وهو الآن على ما تشاهدونه يخور ولا يعقل فانصرفنا وتركناه، فلما أصبحنا هلك فركب أهل صور على تشييع جنازته وتعظيمه.(3/178)
قال أبو الفرج: فقلت أيها الأمير تنفذ من يعرف خبره، فأنفذنا في الحال
رسولا قاصدا ليخبرنا عن أمره، فجاءنا يعرفنا أن امرأته ذكرت أن عرض له هذه الليلة حكاك شديد في قفاه فمنعه من الطواف والتذكير، فقلت لأبي علي المستأمن: أيها الأمير هذه آية يجب أن تشاهدها، فركبنا وقد بقيت من الليل بقية يسيرة وجئنا إلى دار الضرير فوجدناه نائما على وجهه يخور، فسألنا زوجته عن حاله فقالت: إنتبه وحك هذا الموضع واشارت إلى قفاه وكان قد ظهر منه مثل العدسة وقد اتسعت الآن وانتفخت وتشققت وهو الآن على ما تشاهدونه يخور ولا يعقل فانصرفنا وتركناه، فلما أصبحنا هلك فركب أهل صور على تشييع جنازته وتعظيمه.
قال أبو الفرج الأصبهاني: واتفق اني لما وصلت إلى باب عضد الدولة بالموصل سنة ثمان وستين وثلاثمئة لزمت دار خازنه أبي نصر خورشيد بن يزديار وكان يجمع فيها كل يوم خلق كثير من طبقات الناس، فحدثت بهذه الحكاية جماعة في دار أبي نصر منهم القاضي أبو علي التنوخي وأبو القاسم الحسين بن محمد الحيائي وأبو اسحق الفهمسي وأبو طرخان وغيرهم فكلهم ردوا علي واستبعدوا ما حكيته على أشنع وجه غير القاضي التنوخي فإنه جوزه وشيده وحكى ما يضاهيه، ثم مضت على هذا مدة يسيرة فحضرت دار أبي نصر هذا على العادة فاتفق حضور أكثر الجماعة. فلما استقر بي المجلس سلم علي فتى شاب لا أعرفه فاستنسبته فقال: أنا ابن أبي القاسم بن الريان قاضي صور، فبدأت فأقسمت عليه بالله يمينا وكررته مؤكدة مغلظة محرجة إلا صدق فيما اسأله عنه، فقال: نعم هو ذاك، فبدأ وحدثهم مثلما حدثتهم فعجبوا من ذلك واستطرفوه.
قصة الهادي العباسي وجاريته غادر
حكي: أن الهادي العباسي كان مغرم بجارية له تسمى غادر، وكانت من أحسن النساء وجها وأكثرهن أدبا وألطفهن طبعا وأطيبهن غناء، فبينما هي تنادمه ذات ليلة وتغنيه إذ تغير لونه وأثر الحزن عليه فقالت: ما بال أمير المؤمنين لا أراه الله ما يكره؟ فقال: قد وقع في فكري الساعة اني أموت وأن أخي هارون يلي الخلافة بعدي وانك تكونين معه كما أنت معي الآن، فقالت: لا أبقاني الله بعدك وأخذت تلاطفه وتزيل هذا الخيال من خاطره، فقال: لا بد أن تحلفي لي ايمانا مغلظة أن لا تخلي بعدي، فحلفت على ذلك وأخذ العهود والمواثيق ثم خرج وأرسل إلى أخيه هارون وحلفه أن لا يخلو بغادر بعده وأخذ عليه من العهود والمواثيق ما أخذ عليها، فلم يمض إلا شهر حتى مات الهادي وانتقلت الخلافة
إلى هارون فطلب الجارية فحضرت فأمرها بالأخذ في المنادمة فقالت: وكيف يصنع أمير المؤمنين بتلك الايمان والعهود؟ فقال: قد كفرت عنك وعن نفسي ثم خلا بها ووقعت من قلبه موقعا عظيما بحيث لم يكن يصبر عنها ساعة، فبينما هي ذات ليلة نائمة في حجره إذ استيقظت مذعورة فقال: ما بالك فدتك نفسي؟ قالت:(3/179)
حكي: أن الهادي العباسي كان مغرم بجارية له تسمى غادر، وكانت من أحسن النساء وجها وأكثرهن أدبا وألطفهن طبعا وأطيبهن غناء، فبينما هي تنادمه ذات ليلة وتغنيه إذ تغير لونه وأثر الحزن عليه فقالت: ما بال أمير المؤمنين لا أراه الله ما يكره؟ فقال: قد وقع في فكري الساعة اني أموت وأن أخي هارون يلي الخلافة بعدي وانك تكونين معه كما أنت معي الآن، فقالت: لا أبقاني الله بعدك وأخذت تلاطفه وتزيل هذا الخيال من خاطره، فقال: لا بد أن تحلفي لي ايمانا مغلظة أن لا تخلي بعدي، فحلفت على ذلك وأخذ العهود والمواثيق ثم خرج وأرسل إلى أخيه هارون وحلفه أن لا يخلو بغادر بعده وأخذ عليه من العهود والمواثيق ما أخذ عليها، فلم يمض إلا شهر حتى مات الهادي وانتقلت الخلافة
إلى هارون فطلب الجارية فحضرت فأمرها بالأخذ في المنادمة فقالت: وكيف يصنع أمير المؤمنين بتلك الايمان والعهود؟ فقال: قد كفرت عنك وعن نفسي ثم خلا بها ووقعت من قلبه موقعا عظيما بحيث لم يكن يصبر عنها ساعة، فبينما هي ذات ليلة نائمة في حجره إذ استيقظت مذعورة فقال: ما بالك فدتك نفسي؟ قالت:
رأيت أخاك ينشدني هذه الأبيات:
اخلفت ظني بعد ما ... جاورت سكان المقابر
وحسبتني وحنثت في ... ايمانك الزور الفواجر
ونكحت غادرة أخي ... صدق الذي سماك غادر
لا يهنك الالف الجديد ... ولا يدر عنك الدوائر
وطعنتني قبل الصباح ... وصرت حيث غدوت صابر
وأظن اني لاحقة به هذه الليلة فقال: فداك نفسي إنما هي أضغاث أحلام.
فقالت: كلا ثم إنها ارتعدت واضطربت بين يديه حتى ماتت.
النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة
روى الصدوق: رضي الله عنه في كتاب الغيبة عن أحمد بن زياد بسنده عن الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر عليه السّلام عن قول الله عز وجل:
{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظََاهِرَةً وَبََاطِنَةً} فقال: النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب. فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم ويغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره وهو الثاني عشر يسهل الله له كل عسر ويذلل له كل صعب ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويفني به كل جبار عنيد ويهلك على يديه كل شيطان مريد، وذلك من ابن سيدة الاماء الذي يخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
ثم قال الصدوق قدس الله سره: قال: مصنف هذا الكتاب (رض) لم اسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد (رض) بهمدان عند منصرفي من حج بيت الله الحرام، وكان رجلا ثقة دينا فاضلا رحمة الله عليه ورضوانه.
«يقول جامع الكشكول وحاكي هذه النقول» في هذا الخبر دلالة على تحريم التسمية مدة الغيبة وهو أحد القولين، والأظهر عندي خلافا لمن خصه بوقت الغيبة زاعما انه وقت الخوف عليه ووقت الطلب وأما بعد ذلك فلا يحرم لعدم الطلب له
فيه عليه السّلام وفيه (أولا) أن ذلك اجتهاد في مقابلة هذا النص وأمثاله. (وثانيا) إنه وإن علل بذلك في بعض الأخبار أنه لا يجب الانحصار تلك العلة على أن علل الشرع إنما هي معروفات لا علل حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما.(3/180)
«يقول جامع الكشكول وحاكي هذه النقول» في هذا الخبر دلالة على تحريم التسمية مدة الغيبة وهو أحد القولين، والأظهر عندي خلافا لمن خصه بوقت الغيبة زاعما انه وقت الخوف عليه ووقت الطلب وأما بعد ذلك فلا يحرم لعدم الطلب له
فيه عليه السّلام وفيه (أولا) أن ذلك اجتهاد في مقابلة هذا النص وأمثاله. (وثانيا) إنه وإن علل بذلك في بعض الأخبار أنه لا يجب الانحصار تلك العلة على أن علل الشرع إنما هي معروفات لا علل حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما.
وأنت خبير بما في قول شيخنا الصدوق بعد نقل الخبر المذكور «لم أسمع هذا الحديث» من الدلالة على أن عداه من أحاديث هذا الكتاب وغيره كلها متواترة النقل أو مستفيضة عندهم لا مجال للطعن فيها بالشذوذ والندرة واحتمال الافتراء بوجه، وقد وقع له مثل هذا الكلام في غير محل منها بعد هذا الخبر بثلاث أوراق تقريبا بعد أن نقل حديثا عن علي بن عبد الله الوراق قال في ذيله: قال: مصنف هذا الكتاب «رض» لم أسمع بمثل هذا الحديث إلا من علي بن عبد الله الوراق وجدته بخطه مثبتا فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله عن أحمد ابن اسحق كما ذكرته إنتهى.
وبالجملة فإنه متى لم يتفق له نقل الخبر إلا من طريق واحد وكان معتمدا فإنه ينبه عليه ويصرح به، وهو قرينة واضحة على ما ذكرناه والله أعلم.
«في الحديث» عن زيد الشحام عن مولانا الصادق عليه السّلام قال: قلت له:
أيما أفضل الحسن أم الحسين؟ قال: ان فضل أولنا يلحق بفضل آخرنا وفضل آخرنا يلحق بفضل أولنا فكل له فضل. قال: قلت له: جعلت فداك وسع عليّ في الجواب فإني ما سألتك إلا مرتادا فقال: نحن من شجرة طيبة برانا الله من طينة واحدة فضلنا من الله وعلمنا من عند الله، ونحن أمناؤه على خلقه والدعاة إلى دينه والحجاب فيما بينه وبين الله أزيدك يا زيد؟ قلت: نعم. فقال: خلقنا واحد وفضلنا واحد وكلنا واحد عند الله. فقلت: أخبرني بعدتكم؟ فقال: نحن إثنا عشر هكذا حول عرش ربنا عز وجل في مبدأ خلقنا أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد.
وفي رواية أخرى: عنه عليه السّلام علمنا واحد وفضلنا واحد ونحن شيء واحد.
ما ورد في ذم الصوفية
كتاب حديقة الشيعة: تأليف مولانا العالم الزاهد المجاهد ملا أحمد الأردبيلي قدس الله سره قال: نقل الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه عن محمد بن الحسين بن الخطاب الزيات قال: كنت مع الهادي علي بن محمد عليه السّلام في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم
الجعفري وكان رجلا بليغا وكانت له منزلة عظيمة عنده عليه السّلام ثم أدخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا إلى جانبه مستديرين واخذوا في التهليل، فقال عليه السّلام لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين فإنهم خلفاء الشياطين ومخربو قواعد الدين، يتزهدون لإراحة الأجسام ويتهجدون لتصيد الأنام يتجرعون عمرا حتى يذبحوا للايكاف حمرا، لا يهللون إلا لغرور الناس ولا يقللون الغداء إلا لملاء العساس واختلاف قلوب الدفناس، يكلمون الناس بإملائهم في الحب ويطرحونه باذيالهم في الجب أورادهم الرقص والتصدية وأذكارهم الترنم والتغنية، فلا يتبعهم إلا السفهاء ولا يعتقدهم إلا الحمقاء، فمن ذهب إلى زيارة أحدهم فكأنما أعان معاوية وأبا سفيان. فقال رجل من أصحابه: وإن كان معترفا بحقكم؟ قال: فنظر إليه شبه المغضب وقال: دع ذا عنك فمن اعترف بحقوقنا لم يذهب إلى عقوقنا، أما تدري أنهم طوائف الصوفية والصوفية كلهم مخالفون وطريقتهم مغايرة لطريقتنا وإن هم إلّا نصارى أو مجوس هذه الأمة، أولئك الذين يجتهدون في اطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون.(3/181)
كتاب حديقة الشيعة: تأليف مولانا العالم الزاهد المجاهد ملا أحمد الأردبيلي قدس الله سره قال: نقل الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه عن محمد بن الحسين بن الخطاب الزيات قال: كنت مع الهادي علي بن محمد عليه السّلام في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم
الجعفري وكان رجلا بليغا وكانت له منزلة عظيمة عنده عليه السّلام ثم أدخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا إلى جانبه مستديرين واخذوا في التهليل، فقال عليه السّلام لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين فإنهم خلفاء الشياطين ومخربو قواعد الدين، يتزهدون لإراحة الأجسام ويتهجدون لتصيد الأنام يتجرعون عمرا حتى يذبحوا للايكاف حمرا، لا يهللون إلا لغرور الناس ولا يقللون الغداء إلا لملاء العساس واختلاف قلوب الدفناس، يكلمون الناس بإملائهم في الحب ويطرحونه باذيالهم في الجب أورادهم الرقص والتصدية وأذكارهم الترنم والتغنية، فلا يتبعهم إلا السفهاء ولا يعتقدهم إلا الحمقاء، فمن ذهب إلى زيارة أحدهم فكأنما أعان معاوية وأبا سفيان. فقال رجل من أصحابه: وإن كان معترفا بحقكم؟ قال: فنظر إليه شبه المغضب وقال: دع ذا عنك فمن اعترف بحقوقنا لم يذهب إلى عقوقنا، أما تدري أنهم طوائف الصوفية والصوفية كلهم مخالفون وطريقتهم مغايرة لطريقتنا وإن هم إلّا نصارى أو مجوس هذه الأمة، أولئك الذين يجتهدون في اطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ومن الكتاب المذكور: بسند صحيح عن أحمد بن محمد بن أبي النضر البزنطي ومحمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: من ذكر عنده التصوف ولم ينكره بقلبه ولسانه فليس منا، ومن أنكرهم فإنما جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
ومن الكتاب المذكور: بإسناده عن الرضا عليه السّلام إنه قال: لا يقول بالتصوف أحد إلا لخدعة أو ضلالة أو حماقة، وأما من سمى نفسه صوفيا للتقية فلا اثم عليه. ورواه أيضا في الكتاب بسند آخر وزاد عليه: وعلامته أن يكتفي بالتسمية ولا يقول بشيء من عقائدهم الباطلة.
ومن الكتاب المذكور: بإسناده قال: قال: رجل للصادق عليه السّلام قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم؟ فقال عليه السّلام: هم أعداؤنا فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم، وسيكون أقواما يدعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبهون بهم ويلقبون أنفسهم بلقبهم ويعولون على أقوالهم، ألا فمن مال اليهم فليس منا وأنا منه بريء ومن أنكر عليهم ورد عليهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
ومن الكتاب المذكور: ورد في الطعن على الصوفية أحاديث كثيرة (منها) في أبي هاشم الكوفي واضع مذهب الصوفية ورد الحديث بالطعن فيه من طرق منها ما
رواه علي بن الحسين بن بابويه في كتاب قرب الإسناد الذي صنفه سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن الإمام العسكري عليه السّلام قال: سئل أبو عبد الله الصادق عليه السّلام عن أبي هاشم الصوفي الكوفي قال: إنه فاسد العقيدة جدا وهو الذي ابتدع مذهبا يقال له التصوف وجعله مقرا لعقيدته الخبيثة. ورواه بطريق أخرى في بعضها إنه قال: وجعلها مقرا لنفسه الخبيثة قال: قدس الله سره: وهذا الكتاب قد وقع بيدي بخط مصنفه إلى أن قال مؤلف هذه الحديقة: إن الشيخ المفيد وابن بابويه وابن قولويه يقولون ان هذه الطائفة الضالة من الغلاة وأن الشيخ محيي الدين العربي والشيخ عزيز النسعي وعبد الرزاق الكاشي قائلون بوحدة الوجود، فإن كل موجود فهو الله أعوذ بالله من هذه الأقاويل.(3/182)
ومن الكتاب المذكور: ورد في الطعن على الصوفية أحاديث كثيرة (منها) في أبي هاشم الكوفي واضع مذهب الصوفية ورد الحديث بالطعن فيه من طرق منها ما
رواه علي بن الحسين بن بابويه في كتاب قرب الإسناد الذي صنفه سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن الإمام العسكري عليه السّلام قال: سئل أبو عبد الله الصادق عليه السّلام عن أبي هاشم الصوفي الكوفي قال: إنه فاسد العقيدة جدا وهو الذي ابتدع مذهبا يقال له التصوف وجعله مقرا لعقيدته الخبيثة. ورواه بطريق أخرى في بعضها إنه قال: وجعلها مقرا لنفسه الخبيثة قال: قدس الله سره: وهذا الكتاب قد وقع بيدي بخط مصنفه إلى أن قال مؤلف هذه الحديقة: إن الشيخ المفيد وابن بابويه وابن قولويه يقولون ان هذه الطائفة الضالة من الغلاة وأن الشيخ محيي الدين العربي والشيخ عزيز النسعي وعبد الرزاق الكاشي قائلون بوحدة الوجود، فإن كل موجود فهو الله أعوذ بالله من هذه الأقاويل.
ومن الكتاب المذكور: نقل السيد المرتضى بن الداعي الحسيني الرازي (ره) عن الشيخ المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن العسكري عليه السّلام إنه كلم أبا هشام الجعفري فقال: يا أبا هشام سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة وقلوبهم مظلمة متكدرة، السنة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنة، والمؤمن بينهم محتقر والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جابرون وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء وأصاغرهم يتقدمون على الكبراء، كل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير، لا يميزون بين المخلص والمرتاب ولا يعرفون الضان من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله انهم من أهل العدول والتحرف يحبون مخالفينا ويقتلون شيعتنا وموالينا، فإن نالوا منصبا لم يشبعوا من الرشا وان خذلوا عبدوا الله على الريا، الا إنهم قطاع طريق المؤمنين والدعاة إلى كلمة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم ولينصر دينه وإيمانه. ثم قال: يا أبا هشام بهذا حدثني أبي عن آبائه عن جعفر بن محمد عليه السّلام وهو من أسرارنا فاكتمه إلا من أهله.
نقل: بعض ثقاة أصحابنا عن كتاب الرد على أصحاب الحلاج للشيخ المفيد (ره) إنه روى فيه عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعد إنه قال:
سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصوفية؟ فقال: إنه لا يقل بالتصوف أحد إلا لخدعة أو ضلالة أو حماقة وربما استجمعها واحد منهم.
وروى: الشيخ الجليل الزاهد النبيل ورام بن أبي فراس في حديث طويل
تضمن وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر يقول فيها: يا أبا ذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتاهم يرون الفضل فيه على غيرهم، أولئك تلعنهم ملائكة السماء والأرض.(3/183)
وروى: الشيخ الجليل الزاهد النبيل ورام بن أبي فراس في حديث طويل
تضمن وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر يقول فيها: يا أبا ذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتاهم يرون الفضل فيه على غيرهم، أولئك تلعنهم ملائكة السماء والأرض.
وفي كشكول البهائي: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: لا تقوم الساعة على أمتي حتى يخرج قوم من أمتي اسمهم صوفية ليسوا مني وانهم يهود أمتي، يحلقون للذكر رؤوسهم ويرفعون أصواتهم بالذكر يظنون أنهم على طريقة الأبرار بل هم أضل من الكفار وهم أهل النار، لهم شهقه كشهقة الحمار وقولهم قول الأبرار وعملهم عمل الفجار، وهم منازعون العلماء ليس لهم إيمان وهم معجبون بأعمالهم ليس لهم من أعمالهم إلا التعب.
حديث عن أمير المؤمنين عليه السّلام
قال: عبد الله بن عدي: شهدت الحكمين ثم أتيت الكوفة وكان لي إلى علي عليه السّلام حاجة، فلما دخلت عليه قال لي: مرحبا بك يا بن أم قبان أزائرا جئتنا أم لحاجة؟ فقلت: كل جاء بي جئت لحاجة واحببت أن أجدد بك عهدا، وسألته عن حديث فحدثني على أن لا أحدث به أحدا، فبينما أنا يوم في المسجد في الكوفة إذا علي عليه السّلام متنكبا قرنا فجعل يقول: الصلاة جامعة، وجلس على المنبر واجتمع الناس وجاء الأشعث بن قيس فجلس إلى جانب المنبر، فلما اجتمع الناس ورضي منهم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تزعمون أن عندي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ما ليس عند الناس وإنه ليس عندي إلا ما لي قرني، ثم نكب كنانته فأخرج منها صحيفة فيها «المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم الا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده ومن حدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». فقال له الأشعث بن قيس: هذه والله عليك لا لك دعها ترحل، فخفض عليه السّلام إليه بصره فقال له: ما يدريك ما علي من مالي عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك بن حائك منافق بن زفر، والله لقد أسر الإسلام مرة والكفر أخرى فما ذاك بواحدة منها حسبك ومالك، ثم رفع بصره إلي وقال:
أصبحت فردا لراعي الضأن يلعب بي ... ماذا يريبك مني راعي الضان
قلت: بأبي أنت وأمي قد كنت والله أحب أن أسمعها منك، قال: هو والله ذلك فما قيل فيها بعدنا من مقالة ولا علقت منا جديدا ولا درسا.(3/184)
أقول: والبيت المذكور الذي تمثل به لأمية بن الأشقر، نقل أنه عمر طويلا حتى خرف، وكان ذات يوم جالسا في نادي قومه وهو يحدث نفسه إذ نظر إلى راعي ضأن لبعض قومه فقام لينهض فسقط على وجهه فضحك الراعي منه وأقبل ابناه إليه فلما رآهما أنشد يقول:
يا بني أمية إني عنكما غاني ... وما الغني غير أني مرعش فان
يا بني أمية لا يحفظكما كبرى ... فإنما أنتما الثقل بسيئان
أصبحت فردا لراعي الضان يلعب بي ... ماذا يريبك مني راعي الضان
أعجب لغيري إني تابع سلقي ... أعمام مجد وأخوان واخدان
وصف أدوية للباه
قال: بعض الحكماء لا يخفى أن الولادة وكثرة الجماع يوسعان الفرج فتذهب لذة الحليقة فينبغي أن يتدارك بأدوية من شأنها أن ترده إلى حالته الأولى فيطيب وطيه ونحن نصف هنا نبذا من هذه الأدوية، فمن ذلك صفة دواء فيه منافع شتى يضيق الفرج ويسخنه ويقوى على الرحم ويكثر انزال المني من المرأة ويجذب المواد من الثديين وقد مدحه جالينوس، وهو أن يأخذ السنبل والمرزنجوش والسعتر البري وقشور الفندر والأدخر والورد الأحمر وقشور الرمان والترمس من كل واحد مثقال يعجن بعد السحق بدهن البان وتتخمل منه المرأة بصوفة في النهار وتخرجه عند النوم فإنه نافع لما ذكرنا وإن احتملت من سنبل الطيب والعفص وقشور الرمان والجلنار تصير كالبكر ثم قال: ومن أراد وفور اللذة فليمضغ شيئا من الكبابة ويمسح به الاحليل وكذا العافر الويزج ولو دقهما وعجنهما بالعسل واطلي به العانة والاحليل قبل الفعل بساعة ثم مسح بمنديل وباشر لزاد في اللذة أكثر، وابلغ من ذلك أن يؤخذ مراير الدجاجة وسيما مال الدجاج الأسود ويخلطه بالعسل ويمسح به، ولو خلط مرارة التيس بماء الباذروج وشيء من البورق وعجن بعسل ووضع في إناء زجاج واطلي به وقت الحاجة لخيف الجنون على المرأة من فرط اللذة.
كلام الزمخشري حول الصوفية
الكشاف: للزمخشري في تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللََّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} الآية قال: فمن ادعى محبة الله وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فهو كذاب وكتاب الله يكذبه، وإذا رأيت من يذكر محبة الله ويصفق بيديه مع ذكرها
ويطرب وينعر ويصعق فلا تشك في انه لا يعرف ما الله ولا يدري ما محبة الله، وما تصفيقه وطربه ونعرته وصفقته إلا أنه تصور في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسماها الله بجهله ودعارته ثم صفق وطرب ونعق وصعق على تصوّرها، وربما قد رأيت أثر المني قد ملأ ازار ذلك المحب عند صعقته وحمقاء العامة حواليه قد ملأوا ردانهم بالدموع لما رفقهم من حاله إنتهى.(3/185)
الكشاف: للزمخشري في تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللََّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} الآية قال: فمن ادعى محبة الله وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فهو كذاب وكتاب الله يكذبه، وإذا رأيت من يذكر محبة الله ويصفق بيديه مع ذكرها
ويطرب وينعر ويصعق فلا تشك في انه لا يعرف ما الله ولا يدري ما محبة الله، وما تصفيقه وطربه ونعرته وصفقته إلا أنه تصور في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسماها الله بجهله ودعارته ثم صفق وطرب ونعق وصعق على تصوّرها، وربما قد رأيت أثر المني قد ملأ ازار ذلك المحب عند صعقته وحمقاء العامة حواليه قد ملأوا ردانهم بالدموع لما رفقهم من حاله إنتهى.
قال الإمام الرازي معترضا عليه: خاض صاحب الكشاف في هذا المقام في طعن أولياء الله فكتب هنا ما لا يليق لعاقل أن يكتب مثله في كتب التحقيق، وهب أن أجتري على الطعن في أولياء الله فكيف اجترى على كتبته ذلك الكلام الفاحش في تفسير كلام الله تعالى فنسأل الله العفو والعصمة إنتهى.
وقال صاحب الكشاف أيضا في تفسير قوله سبحانه: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللََّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} الآية. محبة العباد لربهم طاعته وابتغاء مرضاته وان لا يفعلوا ما يوجب سخطه وعقابه، ومحبة الله لعباده أن يثيبهم أحسن الثواب على طاعتهم ويعظمهم ويثني عليهم ويرضى عنهم، وأما ما يعتقد أجهل الناس وأعداهم للعلم وأهله وامقتهم للشرع واسوأهم طريقة وإن كانت طريقتهم عند أمثالهم من الجهلة والسفهاء شيئا وهم الفرقة المفتعلة المقفعلة من الصوف وما يدينون به من المحبة والعشق والتغني على كراسيهم خربها الله تعالى وفي مراقصهم عطلها الله بأبيات الغزل المقولة في المراد أن الذين يسمونهم شهداء وصفقاتهم التي اين عنها صفقة موسى عند دق الطور تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومن كلماتهم: كما أنه بذاته يحبهم كذلك يحبون ذاته فإن الهاء راجعة إلى ذاته دون النعوت والصفات، ومنها الحب شرط أن تلحقه سكرات المحبة فإذا لم يكن ذلك لم يكن فيه حقيقة إنتهى.
لجامع الكتاب: مخمسا وقد بلي لمرض ضاق به صدره وعيل له صبره.
حلت بي الأمراض في فصل الشتا ... وتطاولت حتى غدوت لما أتى
ادعو بها حتى متى وإلى متى ... ولربما نازلة يضيق بها الفضا
ذرعا وعند الله منها المخرج
سدت لشدة وقعها طرقاتها ... وترادفت وتكاثفت طبقاتها
كم كربة أعيا الفتى شداتها ... ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان الظن أن لا تفرج
وله: عفا الله عنه مخمسا أيضا:(3/186)
حلت بي الأمراض في فصل الشتا ... وتطاولت حتى غدوت لما أتى
ادعو بها حتى متى وإلى متى ... ولربما نازلة يضيق بها الفضا
ذرعا وعند الله منها المخرج
سدت لشدة وقعها طرقاتها ... وترادفت وتكاثفت طبقاتها
كم كربة أعيا الفتى شداتها ... ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان الظن أن لا تفرج
وله: عفا الله عنه مخمسا أيضا:
إذا ما النوائب كالقلل ... حللن وضاقت بها حيلي
طفقت أقول بلا ملل ... رضيت بما قسم الله لي
وفوضت أمري إلى خالقي
فصبر جميل لما قد مضى ... أعافي من السقم أو أمرضا
فسلم وقل قول من فوضا ... كما أحسن الله فيما مضى
كذلك يحسن فيما بقي
من شعر الحريري في مقاماته
من كتاب مقامات الحريري:
بني استقم فالعود تنمي عروقه ... قويما ويغشاه إذا ما التوى
فلا تطع الخرص المذل وكن فتى ... إذا التهبت أحشاؤه بالطوى انطوى
وعاص الهوى المردي فكم من محلق ... إلى النجم لما أن أطاع الهوى هوى
واسعف ذوي القربى فيقبح أن يرى ... على من إلى الحرب اللباب أنضوي انضوى
وحافظ على من لا يخون إذا بنا ... زمان ومن يرعى إذا ما النوى نوى
وان تقتدر فاصفح فلا خير في امرء ... إذا اعتلقت أظفاره بالشوى شوى
واياك والشكوى فلا نرى ذا نهى ... شكى بل أخو الجهل الذي ما ارعوى عوى
ومنه أيضا:
خل ادكار الأربع ... والمعهد المرتبع
والظاعن المودع ... وعد عنه ودع
واندب زمانا سلفا ... سودت فيه الصحفا
ولم تزل معتكفا ... على القبيح المشنع
كم ليلة أودعها ... مآثما أبدعتها
لشهوة اطبعتها ... في مرقد ومضجع
وكم خطى حثثتها ... في خزية أحدثتها
وتوبة نكثتها ... لملعب ومرتع
وكم تجرأت على ... رب السماوات العلا
ولم تراقبه ولا ... صدقت فيما تدعي
وكم ركضت في اللعب ... وفهت عمدا بالكذب(3/187)
ولم تراع ما يجب ... من عهده المتبع
فالبس شعار الندم ... واسكب شآبيب الدم
قبل زوال القدم ... وقبل سوء المصرع
واخضع خضوع المعترف ... ولذ ملاذ المقترف
واعص هواك وانحرف ... عنه انحراف المقلع
الأم تسهوتني ... ومعظم العمر فني
فيما يضر المقتني ... ولست بالمرتدع
أما ترى الشيب وخط ... وخط في الرأس خطط
ومن يلج وخط الشمط ... بفوده فقد نعي
ويحك يا نفس احرصي ... على ارتياد المخلص
وطاوعي واخلصي ... واستمعي النعي وعي
واعتبري بمن مضى ... من القرون وانقضي
واخشي مفاجات الفضا ... وحاذري أن تخدعي
وانتهي سبل الهدى ... واذكري وشد الردا
وان مثواك عدا ... في قعر لحد بلقع
آه له بيت البلا ... والمنزل القفر الخلا
ومورد السفر الأولى ... واللاحق المتبع
بيت يرى من أودعه ... قد ختمه واستودعه
بعد الفضاء والسعة ... قيد ثلاث أذرع
لا فرق أن يحله ... داهية أو ابله
أو معسر أو من له ... ملك كملك تبع
وبعده العرض الذي ... يحوي الحيي والتبدي
والمبتدي والمحتدي ... ومن رعى ومن رعي
فيا مفاد المتقي ... وريح عبد قد وقي
سوء الحساب الموبق ... وهول يوم المفزع
ويا خسار من بغى ... ومن تعدى وطغى
وشب نيران الوغا ... لمطعم ومطمع
يا من عليه المتكل ... قد زاد ما بي من وجل
لما اخترت من زلل ... في عمري المضيع
فاغفر لذنب مجترم ... وارحم بكاء المنسحم(3/188)
فأنت أولى من رحم ... وخير مدعو دعى
قصيدة لمؤلف الكتاب
لجامع الكشكول: عفا الله عنه وقد كان ساكنا في قصبة فسا من توابع شيراز فقصدها نعيم دان خان لظلم أهلها بعد أن خرب شيراز بما أوقعه فيها من الظلم والفساد فتفرق جملة أهل فسا في الصحاري والجبال والبلدان، وكان الفقير ممن فر بجملة العيال بعد ترك جميع الأسباب والأموال إلى الجبال ثم إلى قصبة الأصفهبانات وكان مريض البدن أشد المرض بعد ذلك فجرت هذه الأبيات على البال وتضمنت حكاية الحال، وكان الفرار من قصبة فسا تأريخ غرة شهر المحرم سنة 1164من الهجرة المحمدية على مهاجرها أفضل الصلاة والتحية:
ألا من مبلغ عصر الشباب ... وشبابنا به كانت صحابي
وأيام الصبا اذ كنت فيها ... أحاكي البدر من بين السحاب
أجر على المجرة ثوب عزي ... وتخضع لي أبيات الصحاب
بنظرة نعمة ونعيم عيش ... وبأس شاده ذل الرقاب
وصحبة معشر عز كرام ... قماقمه ضراغمة طياب
مصابيح مساميح إذا ما ... سطا دهري واذن بانقلابي
بما اصبحت فيه غداة اضحت ... نضارة رونقي مثل السراب
يحول السقم في جسمي مداما ... ويسقيني الردى كاسات صاب
برا عظمي وزعزع طود ركني ... وأوهى قوتي وقوى عصابي
فها أنا منه في وجد وكرب ... عليل مدنف الأحشاء كأبي
وديدني الدوا شربا نهارا ... وليلي في أنين واضطراب
وقد اصبحت في دهر كنود ... به الغارات تشعل بالتهاب
وقتل للنفوس بغير جرم ... وهتك فروج ربات الحجاب
به الأموال قد صارت هباء ... بسلب وانتهاب واغتصاب
وقد خلت المساكن من ذويها ... فرارا في الوهاد في الهضاب
مصائب قد غدت منها دواما ... دموع العين تجري بانسكاب
علتني نارها فغدوت منها ... طريدا في الصحاري والشعاب
أجوب البيد بالأهلين جمعا ... ومن قدمت بي في الإنتساب
ومالي فرقة يمنى ويسرى ... بجملته ترى حتى شباب
وأعظم حسرة أضنت فؤادي ... تفرق ما بملكي من كتاب
فكم لي من كتاب مستطاب ... عفته فليس نرجو الاياب
وكم أنعمت فكري في كتاب ... جمعت فمزقته بشر ناب
وأعفت ذا السقام فقام ناعي ... مصابي ناديا عصر الشباب
ولم أحسب بأن أبقى فألقى ... زمانا مثل ذا في الإنقلاب
لقد ضاقت على الأرض طرا ... وسد علي منها كل ناب
طوتني النائبات وكنت نارا ... على علم بها طي الكتاب
فبينا منزلي ظهر الثريا ... إذا هو بالثرى وحمى الحجاب
وبين الأسد تسجد لي خضوعا ... إذا أنا معرض لفم الذئاب
يحطمني الزمان وفل عرشي ... بأرض طال في كنها اغترابي
وفرق أسرتي وأباد قومي ... وأبدلني بهم شرور الذئاب
إلى كم يا زمان تذيب جسمي ... وترميني منك بالعجب العجاب
وكأنك بالكرام ملئت غيظا ... فنكست الرؤوس إلى الذباب
ومنا بصرتني فردا وحيدا ... غدوت تذيقني جرع المصاب
سرت عني أهيل الحي سرا ... ويمم سائرا حادي الركاب
تسير بهم إلى الأخرى قباب ... فليتنى كنت في تلك القباب
تداعوا للمقام بظل مولى ... جليل العفو عن حصر الحساب
وكم يممت للتقويض ركني ... وقطعت العلائق للذباب
إلى النجف الشريف وما حواه ... من المجد المنيف المستطاب
عسى اقضي به عمري هنيئا ... واسعد في ثراه إلى الاياب
فتحجبني العوايق عن مرادي ... وتقصير دون ما أبغي طلابي
وأرضى بالقضاء ولو دعانا ... فعاقبه الرضا حسن الثواب
إلى الرحمن اشكو ما ألاقي ... من البلوى فقد طال اكتئابي
من كتاب: كشف الغمة في مناقب الأئمة حدث الحسين بن عوف قال:(3/189)
ألا من مبلغ عصر الشباب ... وشبابنا به كانت صحابي
وأيام الصبا اذ كنت فيها ... أحاكي البدر من بين السحاب
أجر على المجرة ثوب عزي ... وتخضع لي أبيات الصحاب
بنظرة نعمة ونعيم عيش ... وبأس شاده ذل الرقاب
وصحبة معشر عز كرام ... قماقمه ضراغمة طياب
مصابيح مساميح إذا ما ... سطا دهري واذن بانقلابي
بما اصبحت فيه غداة اضحت ... نضارة رونقي مثل السراب
يحول السقم في جسمي مداما ... ويسقيني الردى كاسات صاب
برا عظمي وزعزع طود ركني ... وأوهى قوتي وقوى عصابي
فها أنا منه في وجد وكرب ... عليل مدنف الأحشاء كأبي
وديدني الدوا شربا نهارا ... وليلي في أنين واضطراب
وقد اصبحت في دهر كنود ... به الغارات تشعل بالتهاب
وقتل للنفوس بغير جرم ... وهتك فروج ربات الحجاب
به الأموال قد صارت هباء ... بسلب وانتهاب واغتصاب
وقد خلت المساكن من ذويها ... فرارا في الوهاد في الهضاب
مصائب قد غدت منها دواما ... دموع العين تجري بانسكاب
علتني نارها فغدوت منها ... طريدا في الصحاري والشعاب
أجوب البيد بالأهلين جمعا ... ومن قدمت بي في الإنتساب
ومالي فرقة يمنى ويسرى ... بجملته ترى حتى شباب
وأعظم حسرة أضنت فؤادي ... تفرق ما بملكي من كتاب
فكم لي من كتاب مستطاب ... عفته فليس نرجو الاياب
وكم أنعمت فكري في كتاب ... جمعت فمزقته بشر ناب
وأعفت ذا السقام فقام ناعي ... مصابي ناديا عصر الشباب
ولم أحسب بأن أبقى فألقى ... زمانا مثل ذا في الإنقلاب
لقد ضاقت على الأرض طرا ... وسد علي منها كل ناب
طوتني النائبات وكنت نارا ... على علم بها طي الكتاب
فبينا منزلي ظهر الثريا ... إذا هو بالثرى وحمى الحجاب
وبين الأسد تسجد لي خضوعا ... إذا أنا معرض لفم الذئاب
يحطمني الزمان وفل عرشي ... بأرض طال في كنها اغترابي
وفرق أسرتي وأباد قومي ... وأبدلني بهم شرور الذئاب
إلى كم يا زمان تذيب جسمي ... وترميني منك بالعجب العجاب
وكأنك بالكرام ملئت غيظا ... فنكست الرؤوس إلى الذباب
ومنا بصرتني فردا وحيدا ... غدوت تذيقني جرع المصاب
سرت عني أهيل الحي سرا ... ويمم سائرا حادي الركاب
تسير بهم إلى الأخرى قباب ... فليتنى كنت في تلك القباب
تداعوا للمقام بظل مولى ... جليل العفو عن حصر الحساب
وكم يممت للتقويض ركني ... وقطعت العلائق للذباب
إلى النجف الشريف وما حواه ... من المجد المنيف المستطاب
عسى اقضي به عمري هنيئا ... واسعد في ثراه إلى الاياب
فتحجبني العوايق عن مرادي ... وتقصير دون ما أبغي طلابي
وأرضى بالقضاء ولو دعانا ... فعاقبه الرضا حسن الثواب
إلى الرحمن اشكو ما ألاقي ... من البلوى فقد طال اكتئابي
من كتاب: كشف الغمة في مناقب الأئمة حدث الحسين بن عوف قال:
دخلت على السيد محمد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به فبدت في وجهه وأفتر ضاحكا وقال:
كذب الزاعمون أن عليا ... لا ينجي محبه من هنات
قد وربي دخلت جنة عدن ... وعفا لي الآله من سيئاتي
فأبشروا اليوم أولياء علي ... وتولوا علي حتى الممات
ثم من بعده تولوا بنيه ... واحدا بعد واحد بالصفات
ثم أتبع قوله: «أشهد أن لا إله إلا الله» ثم غمض عينيه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طعنت أو حصاة سقطت.(3/190)
كذب الزاعمون أن عليا ... لا ينجي محبه من هنات
قد وربي دخلت جنة عدن ... وعفا لي الآله من سيئاتي
فأبشروا اليوم أولياء علي ... وتولوا علي حتى الممات
ثم من بعده تولوا بنيه ... واحدا بعد واحد بالصفات
ثم أتبع قوله: «أشهد أن لا إله إلا الله» ثم غمض عينيه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طعنت أو حصاة سقطت.
كتاب بحار الأنوار: يوم الأحد يسمى في القديم الأول، ويوم الإثنين يسمى باهون، ويوم الثلاثاء يسمى البحار كغراب، ويوم الأربعاء مثلث الباء ممدود يسمى دبار كغراب وكتاب، ويوم الخميس يسمى عروبة بفتح العين وضم الراء المهملتين، ويوم السبت يسمى شبار ككتاب قال: بعض شعراء الجاهلية:
أو مل أن أعيش وأن يومي ... بأول أو باهون أو جبار
أم التالي دبارا أم فيومي ... بمونس أو عروبة أو شبار
وفي كتاب أبي ريحانة أن التالي دبار فأول فمونس.
نبذة بنود للسيد علي أباليل
(عدة بنود) للسيد علي أباليل: بسم الله الرحمن الرحيم الله أحمد من خلق الإنسان وعلمه البيان وأصلي وأسلم على أفضل نوع الإنسان محمد وآله كنوز العرفان ومظاهر أسرار الفرقان عليهم صلوات الرحمن ما تعاقب الملوان.
وبعد فيقول المفتقر إلى رحمة ربه العلي علي أباليل الحسيني: هذه نبذة بنود قد بندتها على بحر الرمل وعدتها مئة وعشرة بنود غزلا ومدحا، وقد وضعت كل بند منها على أربعين كلمة اسما كانت أو فعلا أو حرفا مشيرا في كل منها إلى مسألة علمية أو صناعة بديعية وإلى كل من الأمرين على المعية، فاستجل منها أيضا أيها الفطن الاطعي لآلي مغالات غالية في مقامات عالية، بواهر الفاظ لا تجارى وزواهر كلمات لا تبارى خرائد الفاظ ينفح من أذيالها مسك الصناعة وأبكار معان يتضوع في أخمرتها عنبر البضاعة، وكأنما مبانيها ملوك لبست تيجانها ومعان غوان قلدت لآلها ومرجانها، حدائق بهار ومحافل ند وعرار ومآثر درر كبار ولطائم ذوات أخمرة وأسوار، أقمار كلمات ما رامت مما نلتها نجوم طوائف الكلام إلا وقد نقصت على اعقابها لا يعرف لها خاص من عام ولا نثار من نظام، وأعلام جنود جمل ما فاخرتها أحزاب عبارات إلا وقد راحت اعتبارات فليجذع أنف المفاخر ليملأ بطن المشاجر وليكده المرامي وليضم الغرض المحامي ما أنصف القارة من راماها ولا السماء الفوق من ساماها قلت والله المستعان وعليه التكلان.
البند الأول: فتق الغيث عيون النرجس الغض فراحت شاخصات تنض الآثار
بالأحداق والأفكار مثل العالم العامل يتلو زبر الحد خشوعا وترى الطل على حافاته كالدمع في الجفن سقى الله أويسا النرجس الغض زلالا مالها عن ربه النرجس كالانسان ذكرا.(3/191)
البند الأول: فتق الغيث عيون النرجس الغض فراحت شاخصات تنض الآثار
بالأحداق والأفكار مثل العالم العامل يتلو زبر الحد خشوعا وترى الطل على حافاته كالدمع في الجفن سقى الله أويسا النرجس الغض زلالا مالها عن ربه النرجس كالانسان ذكرا.
البند الثاني: شاهد الطرف على الساق قياما يقرأ الأوراد في الورد أما ما شاهد القلب سهى عن شهوة الذكر ولم يغمض بجفنيه عن الفكر أو الشكر عدوت الحق بالتشبيه بالنرجس للعالم والعالم قد يسهو عن العالم بل من حلق العالم فكرا تارة يثني بلسن الحال حمد الآله أقدر الغيث على الانبات بالذات وربا بالهوى والنار ما ابيغ أنباتا وأجرى بلسان القول شكرا كلما مر به الريح رخاء ودوى السيل انحدارا كرما من قبل الصانع لا تدريه حد الأولاد تحصيه حصرا.
البند الثالث: خلق النامي للنامي وما فوق لما تحت من العالي والسافل ما بينهما الحيوان والجسم وما بينهما النامي من الخمسة كيما يشكر الخالق جنس الجوهر المطلق والأنواع للسافل أجناسا براها وفصولا بل فروعا وأصولا لم يحط بالبعض منها الخضر خبرا.
البند الرابع: لنسج الزهر على ديباجة الأرض فراحت في السماء كالزهر في التمثيل والفرض بطول الأرض والعرض لفيف طيبه بالنشر ينفض كنشر الرق فيه المسك يرفض بعيد القبض بالعينين والغمض أصار الزهر كلاعد بالبعض وغير الزهر مما طاب في الأرضين نشرا.
البند الخامس: شرف الورد بوصف الكيف والهيئة فيما يصدق الجنس عليه من بنى النوع فمن أحمر قان مثل خد الحب خجلان ومن أصفر صاف مثل وجه الصب وجلان ومن أبيض كالدرهم بالأنفس فدوه والصرف أعدوه فعدوه على الأيدي ضحى في سوق مصرا.
البند السادس: وترى أسود جل الله ينبي عن عيون الغين أو كالشعر مدوه بل الأنسب بالتشبيه لفوه وشدوه على أزرق يحكي منتهى البعد ومن يقرب مما عد ألوانا على أعمدة خضر علت أو قصب شدر قضاها الله قضبانا بأرض جارها الوسمي خضرا.
البند السابع: ونرأي الشوق من تحت ثغور الورد تهتز لريح خلطها العنبر والمسك أفيض المندل الرطب عليها من شدي مما عليها حمل الصانع صنعا كحبيب هزه التيه وتيه الحسن كالخمرة مسكرا أو قد ود الغيد لو ميلها الرقص
نشاوي ربطت للرقص بالزنار خصرا وكان الورد تمثيلا ذو التيجان والجودي كسرا شرف الايوان والكل قيام لامتثال الأمر ما بين يديه وعليه التاج والاكليل معقودان بالعز وبالبخت على التخت يرى بالفرس رأي العدل والإنصاف يرنو نحو ما أعلاه من سلسلة العدل على العدل مصرا.(3/192)
البند السابع: ونرأي الشوق من تحت ثغور الورد تهتز لريح خلطها العنبر والمسك أفيض المندل الرطب عليها من شدي مما عليها حمل الصانع صنعا كحبيب هزه التيه وتيه الحسن كالخمرة مسكرا أو قد ود الغيد لو ميلها الرقص
نشاوي ربطت للرقص بالزنار خصرا وكان الورد تمثيلا ذو التيجان والجودي كسرا شرف الايوان والكل قيام لامتثال الأمر ما بين يديه وعليه التاج والاكليل معقودان بالعز وبالبخت على التخت يرى بالفرس رأي العدل والإنصاف يرنو نحو ما أعلاه من سلسلة العدل على العدل مصرا.
البند الثامن: نسبة الجوري إلى الجوري لما أولاه من جور فتى الرومي إذ شبهه بالشعر مظلوما بضد الحق والنسبة إذ ذاك على حد انتساب الحدث الجاري على الفعل إلى المفعول لكن ضم جيم الجور كيلا يلحظ التشبيه بالفتح فيخط له المنسوب قدرا.
البند التاسع: ولما أنسى صبا الأرواح لو راح على الأرواح والنرجس لوفاه وكأسا ملؤها الراح بكف البدر ولو لاح فهذا ينعش الصب إذا هب بمن صب وهذا يطرب الشم إذا شم وهذا يجلب الأفراح بالحمل على الراح جلاها مشرق الخدين سرا.
البند العاشر: قد جلاها جلوة الخد جلوناه على معتدل القد جدي لو أنجد الجد كؤوسا بخطء العد فراح الراح في الراح كمشكاة بمصباح كذا منعكس الخد شعاعا في فم الكأس كبدر التم في الشمس أو الشمس بنبراس فيا كأسا حوت شمسا بدرا.
البند الحادي عشر: قد سقانا بعد ما قيل يسقي شفة الكاس فحلت شهده الظلم ابنة الكرم فحل الجام خمران إلى الفقس شهيان لذا المزج ابنة الكرم مع الريق بلى بل عاملا سكرا ضاب العقل معمولا وظن العامل الثاني سقانا منهما في الكأس خمرا إنما الساقي من الطرف فداه الدن والجان ومن في خدمة الجان يدير الراح بالراح ومن راح له عينان لو يديرهما الراح لأضحى وهو سكران وأمسى وهو نشوان على الراح ما على الراحة لو راح إلى أن تبعث الأرواح حشرا.
البند الثاني عشر: أعجبني من طرفه الممرض عقلا ما صحا قط عن المرضة طبعا ما انثنى يوما عن الفتكة والصولة من تحت لوا الدولة يسطو بضبا لم ينضها الجفن من الجفن كما ينضو الشجاع السيف للفتكه غرما حكمة أودعها الطرف وقال: القول سحرا.
البند الثالث عشر: كم سطا تقوى على الأنفس والقوة للخالق منه بضعيفين عتوا واقتدارا واكتفينا بالضعيفين عن الذكر لمعلومية الألحاظ والخصر بمعنى
الضعف والقوة فكر ورنا بهزء بالظبى وعينيه بنجلا تبعث الميت حيا لم تزل في حالة الصحوة بين المرض اللازم والصحة سكرا.(3/193)
البند الثالث عشر: كم سطا تقوى على الأنفس والقوة للخالق منه بضعيفين عتوا واقتدارا واكتفينا بالضعيفين عن الذكر لمعلومية الألحاظ والخصر بمعنى
الضعف والقوة فكر ورنا بهزء بالظبى وعينيه بنجلا تبعث الميت حيا لم تزل في حالة الصحوة بين المرض اللازم والصحة سكرا.
البند الرابع عشر: ومشى يسخر بالغصن بقد تسجد اللدن له أملد مياد أقام الظلم بالعدل وما أعجب إلا منه كالأفعى بوصفين هما في القد والأفعا مما قد قسوا فتكا ولانا بيد اللامس عطفا أن للأفعا وللقد اغتيالا وجراحا قط لا يدري ويبرأ.
البند الخامس عشر: وارتدى بالجنح بردا يحمل البدر على الغصن من الشعر ومن غرمة ذاك الوجه والقدر وأومى بينان جل من صورها تعلق نار الحب بالقلب وأمضى بلحاظ كم أرتنا يوم بدر قرنت بالنصر للبدر علينا فأرانا البدر إذ يحمل بدرا.
البند السادس عشر: واغتدى يرمي بقوس الحاجب الموتور نبل الأعين النجل لخطنا اللحظ يرمي اللحظ بالحظ فلم يخط صميم القلب إذ ذاك وذكر الثعليات لذكر النجليات هداني البدل الرابع وليعل عليها مثل النجل تمخيط الصم بالأهداب للصم وتفري القلب قبل الجلد شزارا.
البند السابع عشر: واغتدى يقبض بالألحاظ مرضى هذه الأنفس لحظا فعرفنا أن في اللحظ سقيما ملك الموت وعندي وأنا المغرم باللحظ على اللحظ سؤال وهو أن اللحظ في الخير قد استعمل لو أطلق والطرف إذا ما يلحظ الصب حباه لكان الخير شرّا.
البند الثامن عشر: وتثنى خوط بان بقميص الحسن يختال اختيال البدر في العتمة ثم اهتز رمح القد في معترك الأرواح والأحداق كيما ينظر الأحداق بالغنج مريضات على أن الجفون المرض قد تفتح ما لا يفتح السيف فأولته الفنا فتحا وولته الظبا بالفتح نصرا.
البند التاسع عشر: وتجلى شنب الصبح عن الطرة من تحت ذكاء العزة في داجية الشعر فأغلى الخد تسعيرا على السعر بذاك الوقد والسعر وأعلى للهوى قدرا على القدر شقيق البدر معنا ليلة القدر من الشهر كما أولى الظبي مجدا وأسدى للقنا الخطى فخرا.
البند العشرون: أحسن قد خيل الحسن لنا أن زوج البدر كريما من كريم فنشا عن دين خلق جل في الإنس بلامين استجارا بعذارين يجر القلب عن قسر وفي
واوين من صدغيه لا يعطف في جرار يد الكسر بالجر القلب جر قسرا.(3/194)
البند العشرون: أحسن قد خيل الحسن لنا أن زوج البدر كريما من كريم فنشا عن دين خلق جل في الإنس بلامين استجارا بعذارين يجر القلب عن قسر وفي
واوين من صدغيه لا يعطف في جرار يد الكسر بالجر القلب جر قسرا.
البند الواحد والعشرون: أصبح الحسن إلى مهجته مفتقر المعنى افتقار الحرف للضم إلى الإسم أو الفعل وتعريف كلام القوم للتقييد بالوضع وحد الذات لو تم بذاتي الجنس والفصل ومحتاجا إلى تلك الصفات اليوسفيات احتياج الصلة الموصول أو يوسف يعقوب شكا في الحزن ضرا.
البند الثاني والعشرون: ودعا القلب ليرعاه فلباه مجيب القلب للطاعة منصوبا مضافا لأخ الوجد فتى الحب على حد الندي من نصبه الاسم مضافا يارعى الله خليل القلب ما أعرفه بالنحو علما وغدا فرأى الخطية مضرا ينصب القلب على التحذير والاغراء تحذيرا أو أغرا.
البند الثالث والعشرون: ان يكن اعملت طرف الحب بالقلب كما عمالك حرف الجزم بالمقتل بالآخر من مستقبل الفعل فقد عانيت بالعين قلوبا نحوه تحذف حذف الواو بين الياء والكسرة للثقل والأولى من الحرفين بالحذف سكونا ثم شاهدت بقلبي لحظه يقطع بالاهداء فولاذا وصخرا.
البند الرابع والعشرون: أسر القلب بعينيه ولولا جدل الألحاظ ما استوسرت في الحب طريحا أرمق الحتف ولولا أسهم الأهداب ما استسلمت بالقلب جريحا واشتكى الضعف ولولا ثغرة الدري ما أصبحت في الجسم نحيلا ولولا أمسيت بالنفس عليلا آه من عمر غدا يقصف عمرا.
البند الخامس والعشرون: نكس العمرين تعذيبا كهاروت وماروت ولم يسحر سوى الطرف بلا قد عذب الأنفس عمرا فأفنا لهما بالنكس تعذيبا لقرب العمر من هاروت لخطيه عذاب بعذاب صال بالعمرة أبو العمرين منكوسا فصار الأمر معكوسا حكى الغمر ان عمرا يوم يقفو الجيش عمرا.
البند السادس والعشرون: علق القطرين كي يزداد حسنا بهما نورا على نور وقد علق ما بينهما الأنفس تصلي جماحا خده نارا تتلظى أشرقت من قبل الخد مجوس تعبد النار فحققت كلمة الخد عليها وحد الخد وقد أشركت الأنفس بالخد ونار حوله تزداد سعرا.
البند السابع والعشرون: لطف الله بنا إذ نعت الخالق بالأسرار منعوتا ولولا قوله الخلاق ربي لا تخذ لنا الظبي لاهوتا عد الناس بعيسى مزقا تبنى على اللاهوت
والناسوت بالقلب اعتقادا فيه يحيي الميت بالأذن ورب الحسن يحيي الميت بالعين لعمري ما أراك الحسن سرا.(3/195)
البند السابع والعشرون: لطف الله بنا إذ نعت الخالق بالأسرار منعوتا ولولا قوله الخلاق ربي لا تخذ لنا الظبي لاهوتا عد الناس بعيسى مزقا تبنى على اللاهوت
والناسوت بالقلب اعتقادا فيه يحيي الميت بالأذن ورب الحسن يحيي الميت بالعين لعمري ما أراك الحسن سرا.
البند الثامن والعشرون: ولنا بالحاجب المحجوب أو بالحافظ المنصوب أو بالوتر المجذوب أوصاف على الأسلوب سل اقليدسا في الخط عن تحريره بالخطا وعن ما حواه الخط إذا شكل عروس الهندسيين بوجه البدر أم ذي شكله الحاجب كالنصب على النون لواها المد سطرا.
البند التاسع والعشرون: رب من لي برقى أرقى بها من سم صل الصدغ تعويذا أعيذ القلب من ناقته باسم سليمان بن داود بالخاتم من فيه وما صار مصلي الصدر أضحى فوق خديه عم والعذر لم تخضر في الخد فلم يملك له بالعذر عذرا.
البند الثلاثون: زور العارض ما جاء به المزور فانحط ولم يصعد إلى الخدين بل دار كما تعرفه من عادة الزور وقد رام به ثبتا على قتل محبه ولم يثبت له بالدور ثبت غير أن الكاذب المرتاب قد يقهر بالحجة لا يقهر بالحجة بلا يقهر جبرا.
البند الواحد والثلاثون: قد رأى مجتهد العارض أن دار على الخدين زورا أن بالعارض لو دار على القتل دليلا وكذا علاما الصدغ وقد سلسله في الخد طولا وعن العارض أن تسأل فقد باح خضم الحسن في الوجه فالفى الوردي في الخدين عذرا.
البند الثاني والثلاثون: أعمل الأحرف أهل النحو للواو من الصدغ واللام من العارض إلا أن واو الصدغ واللام من العارض مقصوران أعمالا على القلب انخفاضا وانتصابا عاملا ما أنفذ عن معموله أثر بالقوة بالمعمول ضدين معا فالقلب ذو نصب وخفض دائم نصبا وجرا.
البند الثالث والثلاثون: قيد المطلق من حبك بالقلب وقفه وقفة العابد بالبيت على محراب ذاك الصدغ واسأل ربه العفو مع التوبة عن قصدك ما أطلق من نوح بما قيد واستفت لماذا فرع القتل على الفرع ولم يفرعه عن الأصل فولى فارعا يحمل وزرا.
البند الرابع والثلاثون: رصد الثغر فافعي الفرع وامتد على الجيد طلسم يسيم القلب ولولا فتنة اللحظ بما جاء به هاروت من قبل افتتانا ما أطعت الفي مفتونا ولولا قده الممدود لا يلحقه القصر على الجيد قصرت الحب، ممدودا وإن لم يقتض الممدود قصرا.(3/196)
البند الخامس والثلاثون: قلب القلب هوى قلبك حرف الواو للياء وحرف اللين أن يعتل كذا يقلب اسحر أم تلت آياتها الألحاظ في غاياتها فانمسح القلب نبيا قام يدعو بشبا السيف له باللحظ اعجاز نذيرا وبشيرا صدق اللحظ بما جاء به الأنفس انذارا وبشرا.
البند السادس والثلاثون: مستفز القلب لا تعجب إذ جرك عن عامل ذاك القدر بالكسر اضطرارا ساكن القلب فان العالم النحوي كالقد ولحظ الطرف لو حرك يوما ساكنا حركة من حيث لا يقصد أو يقصد بالكسر وكسر القلب أمر معنوي وهو أبقى الكسر كسرا.
البند السابع والثلاثون: وبدا زنجي ذاك الخال يفدي مثله بالعم والخال على كرسي كسرى الخد تلقى قيصر الجيد يمج المسك من فيه ذكيا في حواشيه ويختال على التيه صغيرا مثل إنسانك نفديك بإنسانك موضوعا على التصغير كبرا جل قدر نافذا في القلب أمرا.
البند الثامن والثلاثون: راح يفدي الخال بالعم جلالا ولكم ساء فتى بالخال حالا نقطة تم بها سطح البهى مستوي الخط كمالا واشتكي كلا إليها العطش الأكبر بالنفس ضلالا شكوة الظمآن في البيداء الاء خيل الماء له شطا ونهرا ودوين الماء حث السير شهرا.
البند التاسع والثلاثون: كر طفل الخال في نائرة الحرب صغيرا وغدا في فليق الحسن سويا يمتلي من خده الوضاح بالعز سرير فاغتدى قيصر ذي العزة تلقى ملك الزنج أسيرا وحسيرا وارتدى النعمان بالنعمان في العرب أسيرا وانثنى والنظر عند الله كسرا جمع كسرى.
البند الأربعون: شبهوا بالميم عدوا فمه فليخسىء الميم ومن قد كتب الميم مجيدا إنما الميم لحرف لو رأى كاتبه الخاتم في كف سليمان هو وانطمس العين وخر القلم الكاتب بالحبر له وانطمس الميم خليلي ظلم القوم فما المحبوب بالتشبيه فيما ليس يقرأ.
البند الواحد والأربعون: قده يجلي علينا ميسما لو يملك البرق اختيارا قبل البرق ثناياه اضطرارا ثم خبرني بما يحكم الحاكم ما بين لآلئه وبين اللفظ من فيه دع الحكم لباريه سما كل من الأمرين قدرا وعلا كل من الثغر وما يلفظ درا.
البند الثاني والأربعون: منع الحب علينا زورة لم نلقها إلا بضيف الطيف بعد
البعد أن طاف وضيق الطيف أن يطرقك الما ما قمين غالط الحق كآل ظنه الظمآن ماء كم غلا من ظمأ للظلم حرا قلب حر وغلا بارد ذاك الكوثري العذب والأكباد حرا.(3/197)
البند الثاني والأربعون: منع الحب علينا زورة لم نلقها إلا بضيف الطيف بعد
البعد أن طاف وضيق الطيف أن يطرقك الما ما قمين غالط الحق كآل ظنه الظمآن ماء كم غلا من ظمأ للظلم حرا قلب حر وغلا بارد ذاك الكوثري العذب والأكباد حرا.
البند الثالث والأربعون: هرق الطرف دمي لا يرحم الباكي ولا الشاكي وقد وازره الجيد بإمداد من القد ظلوما مالك الرق أزجر الطرف رجيما عن جدال القلب فالقلب ضعيف ما له بالبحث نطق الطرف بالقوة شيخ جدلى منطقي ينتج الموت قضايا شكله كبرى وصغرى.
البند الرابع والأربعون: حاذر النجلا ما استطعت فكم من طعنة نجلاء قد فرعها النجل حذار البث كرا واشكون اللحظ سقما مر منا من قبل الصانع حلقا واحذر المشكو منه حذر المغشي بالسقم على مهجته من درك الموت فما الحرام من يأمن للألحاظ بالأمراض عذرا.
البند الخامس والأربعون: وكأن الطرف في السلم حسام سل في الحرب وما الحيلة إذ ذاك بخل سلمه حرب بروحي من جفون الحب مرضى تحسم البيض صحاحا وبنفسي وأنا المغرم بالهدب من الأهدب سهاما راشها الموت بكفيه ومن معتدل القد قناة ترهب الأساد سمرا.
البند السادس والأربعون: كم دعونا بالبيانيين إذ جرد سيف اللحظ أن يتخذوا من صنعة التجريد ما يحسن منها والبديعيين أن يستخدموا الألفاظ للمعنى لثانيها إذا استخدم سمر الخط والأسياف بالمعنى لذاك القد والطرف وأرباب المعاني عند اطلاقهم قدا والحاظا وخصرا.
البند السابع والأربعون: أن تسل عن خصره الناحل فهو اسم جهلناه بمعناه وما للخصر أشباه اضعنا العلم بالخصر إلى أن قيل معدوم وموجود فلا يدركه العلم ولا يجهله الوهم كأمر بين أمرين وجودا وانعداما ومن الممكن موجود ولا وجدان في الخارج للموجود بدرا.
البند الثامن والأربعون: يا فقيه الخصر قد أودعك الطرف فؤادي ثم فرطت بما أودعك الطرف ولم تضمن وفاقا خالف الشرع فقيه الخصر عدا نظرة جر على القلب بها الطرف تيابا ولكم من نظرة أكسبت القلب عذابا تكسب الأعين يسرا والخشا بالأعين عسرا.(3/198)
البند التاسع والأربعون: قيل لي ان كنت صرفيا فصغر نقطة الخال فقلت الخال قد صغره الواضع من قبل فلا يحتمل التصغير من بعد فقالوا لي صف الخصر فقلت الخصر بالمعنى دقيق يعجز الإنسان بالفكر فقالوا ان صف الخد فقلت الخد تمثيلا لجين ما رجت بالذوب تبرا.
البند الخمسون: رب سباق بميدان إليها حاول أن يفتي له بالحق للسابق لو رام المجازات ضلالا منه بالحسن وأن يعطي بحق حكمه اعطاء أهل النحو للتابع حكم العلم المتبوع موصوفا وصب حدثته النفس بالسلوان سهو فالمعاني ضاق ذرعا والمجاري ضاق شبرا.
البند الواحد والخمسون: سيدي ارحم مهجتي من جاحم الأعراض والطف بعد بالنفس فدتك النفس والمهجة ما للقلب أيد بغدا بين عذاب الصدق الخد عليل غل في سلسلة العارض تلقى حية الفرع تلقى عقوب الصدغ وقد اعجزه حمل الهوى بالقلب مكبولا وهذي مهجتي تطلع عسرا.
البند الثاني والخمسون: من حب كلا منك مريض صارع الحب صحيح أنس الموت في وحشته العذل وماذا يصنع العاذل لا وفقه الله بحب حول العاذل للغادر عذلا ولكم يشكو إليه الصب لحظا قارن الفتق القرآن الظل للشخص فلا ينفعك قصرا.
البند الثالث والخمسون: طاول الحب زمان الهجر بالمحبوب هونا تارة أشكو من اللحظ جنايات متى تشكي عزاها مرض اللحظ إلى الخد مقرا بدم المسفوح إلا انه يسنده أصلا إلى الطرف وأخرى اشتكي بالطول قصر الطالع الظالع عن ضمي قواما اشتكي طولا وقصرا.
البند الرابع والخمسون: ان يكن ينكر بالجفن مريضا دم قتلا فخداه مقران عزيم يعبس الموت إذا ما يبسم الوجه بوجه كمن الحتف لنا في خده الوردي غولا كمنة الأيم لمن يغتاله في نهر الورد منايا بأمان رب أمن جر خوفا رب نفع جر ضرا.
البند الخامس والخمسون: طالما أعجلت بالنفس خطا عن ملك الخد إلى رضوان خط الخد ملتاحا فلم أبرح بنفسي أفسح الخطوة بين النار والجنة مرتادا جحيما ونعيما خلقا بالحد والخط عذابا وثوابا سامح الله مسيء الخد ما شاء ووفى محسن العارض ما أحسن أجرا.
البند السادس والخمسون: ودع التشبيب بالوصف لمن لم يدع الأوصاف تشبيبا وعاوده إذا ما واعدتك الخود تأديبا وباكي الغيث أثر الضاعن المجتازان يضحك له البرق لروح بعثت من قبل الشرق لمن في المغرب الروح سقى الله صبا الأرواح مهما طاب للأرواح مسرا.(3/199)
البند الخامس والخمسون: طالما أعجلت بالنفس خطا عن ملك الخد إلى رضوان خط الخد ملتاحا فلم أبرح بنفسي أفسح الخطوة بين النار والجنة مرتادا جحيما ونعيما خلقا بالحد والخط عذابا وثوابا سامح الله مسيء الخد ما شاء ووفى محسن العارض ما أحسن أجرا.
البند السادس والخمسون: ودع التشبيب بالوصف لمن لم يدع الأوصاف تشبيبا وعاوده إذا ما واعدتك الخود تأديبا وباكي الغيث أثر الضاعن المجتازان يضحك له البرق لروح بعثت من قبل الشرق لمن في المغرب الروح سقى الله صبا الأرواح مهما طاب للأرواح مسرا.
البند السابع والخمسون: يا رعى الله قبابا ضربت بالجزع أوتاد أقل القلب تصب حقا ولا تجزع بيوم البين والبين بما عندي أولى بفتى سلم يتبع الحب على الفور بفور النفس هلكا يحسب الهالك في عقباه ملكا أو بعزل العقل حتما ليرى ربحا وخسرا.
البند الثامن والخمسون: واطرح ما عشت في الأهواء للحب على الصد فما الحب سوى الصد وقد يمتد عمر الهجر أو يطرد البعد هو الحب أبو الصد أخو الهجر يقينا وهوى الغيد هو أن اسقط النون اعتباطا ثم لا تيأس لهون إن بعد العسر يسرا.
البند التاسع والخمسون: وليكن قلبك بالعدل اسم فعل لم يؤثر عامل فيه وإلا فضمير هجر الأعراب مبني على الضم والفتح دواما حالة واحدة لا تقبل التغيير بالأخرى وإلا فاقصد التوبة واصبب مطلق الماء على الوجه مع النية عن سمعك لفظ العدل ظهرا.
البند الستون: علق الحب من العاشق والمعشوق قلبين خفى من قدم الحب من الفردين والحق فؤاد واحد كان قبيل الحب اثنين سواء عدمت بثينة والله جميلا الصبر وهوت ليلى هوى قبل فتاها وثوى عروة في القبر ثلاثا قبل عفرا.
البند الواحد والستون: وعن العشاق للواجب أن تسأل فقد ماتوا غراما عام بالدعوى جنيد القوم لا يرجو ثوابا لا ولا يخشى أثاما ونأى الحلاج بالحث إلى الأقرب ما يخطو مقاما بالغوا فالعكس الأمر فرد الحث للخلف إماما قلب الحب ولم يبطن به بطنا وظهرا.
البند الثاني والستون: حمل القوم على الأنفس محمولا ثقيلا حمل ما يضعف عن موضوع لا شيء ثبيرا وسنيرا ما لإبراهيم اضحى غرقا في أبحر الحيرة والساحل أضحى من ورى الصدق المطلوب والطالب أعيا وكذا البهلول والشبلي ظلا منه في بيداء قفرا.(3/200)
البند الثالث والستون: وكأني واقف بالشعب بالحسناء تبكيه بدمع كذب القياس بالدر له تمثيل زور حاول القايس أن يمتدح الدر غلوا هو غلا من كبار الدر سعرا غير أن الوجد قد بدده يغلي لذي التوديع والحب كما تدريه عال يرخص الغالي سعرا.
البند الرابع والستون: مدح التوديع قوم كذبوا بالمدح صدقا إنما التوديع والموت على العاصي سواء سوء الأيام يوم سفر الغيد على الركب به والكل باك يومه يوم نحوس لا يدا لي وجهه صد تلاق راح عند الدوق حلوا وغد الآخر عند الطعم مرا.
البند السابع والستون: وعجيب أن من يكمل في علم الهدى ويمدح والمادح قد يأثم عنوان كتاب البعد لا عنوة الكاتب أو يخبر بالافصال عند مقيد التفريق أو يثني بلفظ الخير مختارا على عامل فعل الشر ما ألقاه قطعا سيبويه القرب أيوليه شكرا.
البند الثامن والستون: موقف أن يسلم الصيب به أسلمه البعد نواحا وبكاء وزفير شاهق يلحق بالنار فمن صافق راح آسفا ينفع الأسف ولهان ومن لاطم خد حزنا راح براح الحزن سكران ومن باك على التقبيل بعد السير ندمان كفينا بالهوى بعدا وهجرا.
البند التاسع والستون: حط رحل المدح تمدح عادلا عن مدحك التوديع واشدد رحل صند المدح وعادا إلى هجوك قوما مدحوا التوديع باكين بأثر العيس تعدو ويجيب قد علا الصوت نواحا يشغل الورق على النوح وعلى الباكي وداعا كثكول عدمت بالثكل صبرا.
البند السبعون: أخذ القوم ولم تشعر بما يلزم من مثل اجتماع الضد بالضد بتقبيل خدود لاشتداد الحزن قد خددها الدمع واجياد مهى حلت عقود الصبر تلقا كمش البعد وداعا ما تم صيره المداح عيدا معلما فطرا ونحرا قبل الباكون فيه ظله خدا ونحرا.
البند الواحد والسبعون: رب حسناء انجلت في غسق الشعراء انجلاء البدر في الظلمة والشعلة في العتمة تهتز بدل الحسن كالنبقة في النسمة قد اقضى بها التوديع للويل وشق الثوب للذيل ولطم الخد بالأيدي إلى أن فصمت منها سورا وقنى الخد احمرارا كالهوى أجج جمرا.
البند الثاني والسبعون: فرشت باللؤلؤ المنثور من أدمعها سلعا عقودا شتت
البين المدى في شملها المنظوم تحويلا لها من عنق الغادة إذ لاحظها الدهر بعين البين للعين كما حول في التصريف نقلا أصله الواحد تغيير إلى أمثلة تقصد معناه اختلافا أترى البين بعلم الصرف يقرأ وسقت غمره بالغمر وحلت من عقيق الدمع أعلاه وولت قبل ما ينحدر الركب على الاقتاب تنكت عليها سمة الذل وكم ذل لها من قبل ما تحدو رعاة العيس بالعيس عزيز قابل الدهر ولم يقرأ بعلم الجبر والكسر لها بالكسر جرا.(3/201)
البند الثاني والسبعون: فرشت باللؤلؤ المنثور من أدمعها سلعا عقودا شتت
البين المدى في شملها المنظوم تحويلا لها من عنق الغادة إذ لاحظها الدهر بعين البين للعين كما حول في التصريف نقلا أصله الواحد تغيير إلى أمثلة تقصد معناه اختلافا أترى البين بعلم الصرف يقرأ وسقت غمره بالغمر وحلت من عقيق الدمع أعلاه وولت قبل ما ينحدر الركب على الاقتاب تنكت عليها سمة الذل وكم ذل لها من قبل ما تحدو رعاة العيس بالعيس عزيز قابل الدهر ولم يقرأ بعلم الجبر والكسر لها بالكسر جرا.
البند الثالث والسبعون: ندب الأطلال غيلان ولا ينفعها الندب ولا ينفع غيلان ديار درست بالسكن لا يدري بها أهله كلا ولا يعلم قصد الورق بالسجع انتفى قدم الأزمان أعصارا مضت من قبل ما تاني قمار الدوح بالنوح أم الدار غدت من هند قفرا.
البند الرابع والسبعون: صدح الورق نواحا حول ذاك الطلل للفقر وانكب له العيس ركوعا خضعة الطايف بالبيت لركن الحجر الأسود ثم استنشد العيس فتى الغربان أبياتا فأنشا منشدا بالدار فارتاع لذاك القلب واستشعر شيئا قدم الدهر عليه ربع سلمى تاحت القمري بالألحان دهرا.
البند الخامس والسبعون: ما هدى العيس إلى الرسم سوى نفح شذا الأطلال والنوح وقد نكره الدهر علينا غير أن القلب قد يلهمه التنكير تعريفا فليت الطلل المقوى يجيب القول بالفعل لكي اسأله والدمع لا يسبقه القول عن الأعصار أن يشعر بها عصرا فعصرا.
البند السادس والسبعون: سقى الرسم شقى القلب به لم يدر بالسكن وما عهد سعاد بقريب ساءت الأيام بالدار فعالا وكأني بألقاب الحمر والعيس ترامى نحوها بالغيد والرايد لا يعدو رباها لبست من نسج نجل المزن قمصانا لباس الجبة الخضراء ما لحمها الحايك بكرا.
البند السابع والسبعون: ما لهذا الطلل الهامد لا يفقه بالسمع حديث العيس تبكيه سوى الوجد النهى من فؤادي المبتلى فانهل من أعينها الدمع انهلال الغيث بالوسعاء والابل وفيات سقاها الله كالدمع هما من أعين الأنضاء جونا يشكر القفر عز إليه هتونا سحبه بالسح تترا.
البند الثامن والسبعون: فارق الربع وقد طال عليه الأمد السرمد فاشتاق لمغنى دارس الرسم فوافى يزجر العيس بكورا يتبع اليوم بمثليه فراعته طلول غالط القلب بها العين اختبارا فاعترته نقضة كب لها من حيث لا يشعر وجه النضو مرتاعا فأدراني بها والنضو أدرى.(3/202)
البند التاسع والسبعون: صدق الريح بما عن الترب عن الشعر عن العنبر قولا والصبا أصدق من يروى حديث الصادق القيل لذي الصبوة عين مرجعهم بالنقل شيح العنبر الذاري وقيل العنبر الناقل للريح حديث الطيب والمرجع حبر الشعر وهو الحق طاب الشعر نشرا.
البند الثمانون: صاح ما هاج العيون البيض بالدمع سوى ورقاء تنعاها مدى الرسم نواحا أعجمي اللفظ لا ندريه بالمفهوم أن نوح الورق يدنينا إلى ما ظنه القلب طلول قد خلت والورق تبكيها على علم جهلناه بكى الخنساء تبكي نايحا بالشعر صخرا.
البند الواحد والثمانون: جذب الحب قلوب الركب جذب الدلو بالأرشية المتهم والمشتم للورد لعهد العالم الأول قدما فتهاوت دون ذاك الدين بالعقل حيارى شفها الوجد إلى أن راح وهو الغرض الباين كالفضل وسقايا الهوى صرفا ترد العلم للجهد وبالعكس حسوها بالهوى سرا وجهرا.
البند الثاني والثمانون: هوت القوم فراحت يتهاوى وهي تهوى للحما كالخشف البالي إذا مالت به عاصفة الريح والذر بأفق الشمس لا يدرك باللمس أو السر أبلى قيل بقي وهو بما عندي أقوى كل مقتول بحب الله حي وبهذا نطق الذكر فراح النكر كفرا.
البند الثالث والثمانون: سكر القوم ومحروم من الصحوة من لا يخلد السكرة والصحة من لم يحب المرضة بالحب مريضون صحيحون وساهون وضاهون أجابوا داعي الحب جميعا كرعوا بالدن من حانوت ذاك العالم الأول فهو النشأة الأولى هنيئا قبل ما ذاقوا وبعض النشأة الأخرى.
البند الرابع والثمانون: رب غاد للحمى، أن يبطي رجلا فالحشا منه عجول يسبق البرق وميضا بين عينيه زبور الحب يتلوه فانجيل من الأشواق يتلوه أنيطت روحه بالعالم العلوي والجسم لهذا العالم السفلي مرفوع ومخفوض بروحانية الروح وجسمانية الجسم معا كالعامل الرافع والخافض طرفا مستقرا.
البند الخامس والثمانون: ان من أظهر ما يعلم والعلم بكنه الشيء عند المبدأ الأول رفع الحب بالذات محبا نقل العارض للمعروف أمر عرضي قايم بالقوم إلى أن قوم الذات فما تغلط لو قلت هو الحب سعيد من هوى حبا إلى أن صار حبا مستمرا.(3/203)
البند السادس والثمانون: صاح ما بال بني الأهواء إن تسألهم عن نجد نجد فرق الأعين مبهوتين والألسن لا تنطق إذ ذاك بشيء ضعف القوم عن النص مشيرين إلى التعيين ضعف الحرف مسبوقا عن الاعمال بالمعمول أو ضعف عيون الخلد عن ادراكها بدرا وفجرا.
البند السابع والثمانون: ما يريد الحب من رفع مكان شامخ أو نصب شان باذخ أو خفض رأس راسخ جذما وللمختار والمختار كل منهما من ذاك وضعان محب وحبيب حبل من اقداره في الناس حتى استامهم للحتف قهرا وهو بالله تعالى أعظم الأعمال أجرا.
البند التاسع والثمانون: عرج البدر إلى فوق يسوق السوق بالشوق جواد يسبق الطرف سباق الطرف للطرف البدر شمس تملأ الأكوان ملء الماء جود السفر نور أجلل كونه الشوق لذاك القمر الساري من المسجد للمسجد بالظلمة ليلا سر سر سار بالأسرار أسرى وتسرى أنجم البدر عروجا وعليه من جلال الحب برد خط بالنور عليه في حواشيه لهذا خلق الله بني آدم حبا قبل ما يتبعث الحب ومن ثم علمنا سبقة آدم سبق العلة المعلول في الخلق وفي العكس وفاقا نظر يعظم أمرا.
البند التسعون: سارق والنحج يباريه حبيب زار بالنجوى حبيبا عمه بالشرف الأعلى خصوصا هكذا الحب والأرفع الأعلى أرتفاعا الفاعل المقصود بالفعل أو المبتدأ الاسم أو الوصف أو المفرد يدعى علما وانتصب الشان انتصاب المصدر الأصل أو الإسم بنزع الخافض العامل جرا.
البند الواحد والتسعون: قد سرى من حرم الحب لنحو الحرم الآخر بالجسم عروجا فتلقته لروح القدس هبات قبول تحمل الترحيب عن رب حريم القدس الأعلى بلفظين هما أهلا وسهلا منبئا بالضمن عن مضمون دس بالنعل تعظيما وبالليل سرى وهنا فسبحان الذي بالعبد أسرى.
البند الثاني والتسعون: أخذ الله له العهد على الأول والآخر فالأول كالآخر والآخر كالأول بالأخذ له العهد لعهد العالم الأول أعني عالم الذر وذاك الأول الآخر في الأول كونا طاول الأزمان فخرا وعلا في الفخر ذكرا وحبا للقدر قدرا واناك المجد فخرا.
البند الثالث والتسعون: أنتجت أشكال أصلاب نزار والكنانيين منها في بطون المضربات قريشا وقريش أنتجت أصلابها من هاشم خير بني عبد مناف شيبة الحمد
ومنه أنتجت من صلب عبد الله هذا المرشد الكامل أختام للنبيين كانتاجك من صغرى وكبرى ألفا البرهان حتى يقهر المبطل والباطل قهرا.(3/204)
البند الثالث والتسعون: أنتجت أشكال أصلاب نزار والكنانيين منها في بطون المضربات قريشا وقريش أنتجت أصلابها من هاشم خير بني عبد مناف شيبة الحمد
ومنه أنتجت من صلب عبد الله هذا المرشد الكامل أختام للنبيين كانتاجك من صغرى وكبرى ألفا البرهان حتى يقهر المبطل والباطل قهرا.
البند الرابع والتسعون: ان يكن من أكرم العرب نزار منه بل من درجة قبل نزار من بني عدنان من أولاد إسماعيل أباء نزار ثم لأدور فإن القوم منه حسبا وهو كما ينقل منهم نسبا ذا شرف البسه الله نزارا ليس نزرا.
البند الخامس والتسعون: فاخر يمشي وللفجر أصيلا من بني عدنان والمجد أثيلا من بني قحطان يتعين على مسراه أرقال وتبغيل وقد أفصحت بالقول على ضرب من التشبيه عن ساقي سهيل وسهيل حيث يسرى وهما من خلفه كالفارس المعلم لا يعلم من يقفوه أثرا.
البند السادس والتسعون: كنت نورا مسفرا في جبهة العرش إلى أن شرف الله به آدم من بعد ونوحا ثم إبراهيم مرفوعا بأمر الله ذي الأمر إلى عدنان ذي الفخر باصلاب ذوي الكبر ومن ذاك إلى خاتمة الآباء عالي القدر بر يقتفى بالنور برا.
البند السابع والتسعون: حط الله من الأصلاب للأرحام من ذاك إلى ذاك على نحو انحطاط الشمس في أبراجها سيرا ولما سار كالشمس إلى صلب أبي الحارث مجموعا سرى منقسما عند انقسام الجمع للقلة والكثرة شطرين إلى فاضل صلب العم شطرا وإلى صلب الاب الأفضل شطرا.
البند الثامن والتسعون: خير أعمالي بما عندي حمد الله ذي الطول ورب البطش والحول ومنشي اللفظ والقول ومدحي أعظم الناس من الخضر إلى إلياس شديد المجاش والباس وبيت العلم والرأس حليف المجد والجود ومعطي الجود والقود ومولى البيض والسود ومولى العرب فخرا مشمخرا.
البند التاسع والتسعون: مؤمن أمننا الله به من سائر الخوف ووفانا على من هو غدا أعبده منا هكذا يحرم العبد لمولاه فضلنا الكل فضل الصلوات الخمس في الدين على ما يعمل العبد أو الوسطى عليهن فقولوا الحمد لله علونا الخلق قدرا.
البند المئة: لست أنسى بيضة يحملها الله على هادية النصر سقاها فشفاها مرجع المدح ضميرا بعد ما فوه باللدن طعانا أبكم النفر وكم أصدر سمراء بشهباء التلاليب أريد الغارة الشعواء حمراء براح كم جرت يجري دماء ونداء مرج البحرين بالراحة بحرا.
البند المئة والواحد: وبما أنسى يديه مورد الاعطاء هل بالسحب تهمي يا رعاك الله هاتيك أكف ما جرا البحر لها في الأرض تمثالا أخلاق اليد البيضاء للأسداء لا تبقى بقولي فرس السبق بميدان امتداحي ذلك السابق ربي خذ يقلبي ولساني منشأ في المدح زبرا.(3/205)
البند المئة: لست أنسى بيضة يحملها الله على هادية النصر سقاها فشفاها مرجع المدح ضميرا بعد ما فوه باللدن طعانا أبكم النفر وكم أصدر سمراء بشهباء التلاليب أريد الغارة الشعواء حمراء براح كم جرت يجري دماء ونداء مرج البحرين بالراحة بحرا.
البند المئة والواحد: وبما أنسى يديه مورد الاعطاء هل بالسحب تهمي يا رعاك الله هاتيك أكف ما جرا البحر لها في الأرض تمثالا أخلاق اليد البيضاء للأسداء لا تبقى بقولي فرس السبق بميدان امتداحي ذلك السابق ربي خذ يقلبي ولساني منشأ في المدح زبرا.
البند الثاني والمئة: جايدكم سلم الجود على راحته تحذف ما تجمع حذف النون من جمع أضافوه ومقدام غدا لهذمه يعطف بالحرف لنصب الدين أعناق المضلين اصطداما وافتتالا لا كعطف صار في تمثيلهم عمروا على زيد خذ العطف بمعنى اللغويين يكن جزا ونحرا.
البند الثالث والمئة: رب نقع اسفع جلاد يا جيه بقضب دونه كم فجرت دملة الليل وردة جنحه بالفجر للفجر وضوحا وكان الزهر حلت في أعاليه رجوما للشياطين وقض مانعات علمت من قبل سمر الخط رد الصدر منكوسا على الفجر شكت في راحة للخط سمرا.
البند الرابع والمئة: أو كمي كان من عادته أن يقلب السعد إلى النحس على حكم قرآن اللدن في أفق قتام النقع أو حادثة اليوم أو الليلة ان قامت له حرب على النار فقد أحجبها بالنار كالعيوق والطالع لاقى منك وهو الكافر المطلق يوما مكفهرا.
البند الخامس والمئة: رحمة الله الذي عمت جميع الخلق أدناه وأقصاه عموم الكل أجزاء هو الكلي والكل وكل الكل تكوينا تعالى من عظيم الشأن لولاه ولم يعبد لعبد قط لولاه فخارا قد سمى للغير فخرا أرجح الميزان قدرا وعلاه وكذا ومريخا ونسرا.
البند السادس والمئة: اطلت في احد يدا من بعد ما اغتال به الحمزة وحشي وثار الدم من ثغر رسول الله مكسورا به السن وما انفك علي دونه يزعق وكالليث أو الرعد على الغيث ويحمي خاضم الأعناق بالسيف كخضم الابل غض النبت عن مولى الورى يمنى ويسرى.
البند السابع والمئة: قمع الشرك به أيلح منصور لوي الجحفل مصباح دجى المحفل عام الفتح في مكة محمولا على قادته النصر وفي بدر وعسفان وبطن النخل والخندق وفي يوم أتى الأحزاب والأتي نهى عمرو واقدام علي نحو عمروها الإسلام والكفر مكرا ومفرا.(3/206)
البند الثامن والمئة: أرسل الله على أحزاب إذ ضعفت بذاك اليوم جندين من الأملاك والريح فأمست نارهم خامدة السعير والتسعير كما سعرها يوم تبوك بشبا التبر عليها وعلى خيبر واستيموا كعاد يوم بدر من قليب الخسف قعرا.
البند التاسع والمئة: وتبدى من علا ذات رقاع النصر يفتر إلي أن كشف الشيطان عن ظلمة وجه الشرك للاعجاب بالكثرة وأرقاب له المبطل لا أعمال مسؤولا وقد يسأل أمر هو بالسائل والمسؤول أحرى.
البند العاشر والمئة: عجبا من طالب المعجز ممن بهر العقل بما فيه حليا وبالطبع جليا من خلال قدسيات بما دون سواها معجزا من سلمان به إذ ليس من أمثالها يعهد في الإنسان قد أعجز بالأخلاق والعادات كالاعجاز بالقرآن والآيات كبرى بعد كبرى بعد كبرى.
البند الحادي عشر والمئة: أعجز القرآن اسلوبا عجابا لا كما قيل بصرف الله عنه همم الناس وقد عارضه البعض بأعلى رتب اللفظ ففض القول بالحبر وضاق الذرع والشبر ومن بالجرد للحمر والذرة بالسمر وأنى للعقول العشرة المنسوب إذهابا إلى الفعل وأن تنسق كالقرآن عشرا.
البند الثاني عشر والمئة: رق الفاظا قريبات من الذكر على بعد المعاني الغر كالزهر ترأى في السماء الدنيا قريبات على أن سواريهن في العليا وما بينهما آي بعيدات لقد دقت معانيه كما رقت مبانيه فما أبعد دانيه على فهم معانيه لما يشمله العلم قمطرا.
البند الثالث عشر والمئة: مده بالسبعة الأفلاك يزداد اعتلاء كلما عورض كالسابق يزداد بميدان سباق الصافنات الجرد إن هم به الراكب جريا أو كشمس الأفك يكبو عن سناها الطرف أن يختبر القرض انجلاء بل بكل الكتب المنزلة الأسفار من ذي الذكر سفرا.
البند الرابع عشر والمئة: معرب بل مغرب لو أن يونان ومن أعقبه والفيلسوف دعوا عالين للأحكام بالحكمة من محكمة الباهر أو متقنة الفاخر بالتأويل والظاهر لارتاضوا إلى الإيمان بالإيعاد والوعد والناسخ والمنسوخ والأخبار والوعد وبالاجمال والتفصيل والنعيم والتخصيص نفسا وأضروا بالذي عددته علما مضرا.
البند الخامس عشر والمئة: حاول الأعراب والعرب معيرين جميعا أن يفوهوا مصلحين الفكر والالسن للقول بشيء صالح من مثله آي ولو عشرا سوى فضلا عن
الشعراء والصورة فانحط بليغ القوم للجبهة والخد وولى يسحب المرط ولا يفرق بين المرط والقرط على الأعقاب دبرا.(3/207)
البند الخامس عشر والمئة: حاول الأعراب والعرب معيرين جميعا أن يفوهوا مصلحين الفكر والالسن للقول بشيء صالح من مثله آي ولو عشرا سوى فضلا عن
الشعراء والصورة فانحط بليغ القوم للجبهة والخد وولى يسحب المرط ولا يفرق بين المرط والقرط على الأعقاب دبرا.
البند السادس عشر والمئة: عظم القرآن في الآيات والمعراج واذكر نقل بأذان وتسبيح الحصى في كفه شكرا ونبوع الماء من بين الأصابيع انجاسا وحنين الجذع شوقا وانعدام الظل والتأخير من نعليه في الترب وغوص النعل في الصخر وإنطاق الجمادات إلى احيائه الدارس قبرا.
البند السابع عشر والمئة: واذكر الدوحة من آياته والنصب والظبية والناقة والكلب وانزال الحيا والقمر الساري والبئر ومنها القامة الفضلى وما أدراك ما القامة والمذكور قبل البئر في البندين والتبر كرامات عظام خرقت في العالم العادة خرقاكم أتى المعجز منها ظافرا يبسم ثغرا.
البند الثامن عشر والمئة: ثم عد للقول فضلا غير مأمور وبعض الأمر بالصيغة أن يقصد به الأعلى التماس سيما أن يطلب العالي وحدثنا جزيت الخير عن أشياعه الحق كثيرا من قليل كحديث الخبز والشاة وعن تضليله دون المحازي بالغمامات تقيه من شعاع الشمس حرا.
البند التاسع عشر والمئة: واعدد الالهام والعلم اللدنيين والأبصار من خلف عيانا وابتلاع الفضلة الأرض احتراما وقبيل العلم والالهام مقرونين بالفصل بل القرآن وهو الثقل الأفضل من آياته عد علينا انه الناطق بالعلم اللدني عن الله كتابا ثانيا لله والمودع منه الأول الصامت صدرا.
البند المئة والعشرون: وله من قبل ما يولد في الناس كرامات تسمى مرضات مثل أمر والطير الأبابيل ومن بعد له في ليلة الميلاد أيضا معجزات باهرات كنضوب الماء من ساوة غوارا وخمود النار من فارس ليلا وانشقاق السقف والجدران من إيوان كسرى.
البند المئة والواحد والعشرون: إنما الخمسة أهل العزم أطواد وأسماها فخارا خامس الخمسة وأفخر بعدهم بالخمسة الأخرى التي بالفخر ختام فخار الخمسة الأولى وثانيها علي ولها الثالث والرابع قرطا العرش من صلب علي سيد الشبان والخامسة الحوراء أم الحسنين النيرين البضعة الزهراء زهرا.
البند المئة والثاني والعشرون: رحت بين الخمسة الأولى أولي العزم وبين الخمسة الثانية للأشباح قطبا وسطا والحق أن الأفضل الأوسط لينظر إلى الشمس
اكتفت بالفلك الرابع وسط السبعة الأفلاك وهو الشمس تمثيلا وطويت بلو لاك لخلق الخلق تعليلا حديثا قدسيا ما حكى بالمدح والتعظيم شعرا.(3/208)
البند المئة والثاني والعشرون: رحت بين الخمسة الأولى أولي العزم وبين الخمسة الثانية للأشباح قطبا وسطا والحق أن الأفضل الأوسط لينظر إلى الشمس
اكتفت بالفلك الرابع وسط السبعة الأفلاك وهو الشمس تمثيلا وطويت بلو لاك لخلق الخلق تعليلا حديثا قدسيا ما حكى بالمدح والتعظيم شعرا.
البند المئة والثاني والعشرون: لم يكن حكمك في الخمسة أهل العزم الا مثل حكم لعلم الأعرف في عدة ضد النكرات الخمس في النحو وفي الأشباح حكم الجوهر المطلق عالي الخمسة الأجناس في المنطق هذا مثل يسجد وجه النحو والمنطق لله له حمدا وشكرا.
البند المئة والثالث والعشرون: وإذا ما رمت أن تفرق ما بين حبيب الله فضلا وكليم الله فأفرق أولا ما بين معنى أخلع ودس تفرق ولا تفريق بين الكل وليستغفر القايس لو قاس مع الفارق فالفرق كفرق الصبح نورا ومحيا رب دس بالنعل بدرا.
البند المئة والرابع والعشرون: أن تقل ما شأنه فهو ضمير الشأن والقصة في شرحي ذاك الشأن مما تقصر الأيام عن إنهائه فاسأل ضمير الشأن عن معناه أن يخبرك واعذرني بذاك الشأن فالعلم به لله دوني وجوابي بضمير الشأن رمز بدلا من قوله الرامز إنه الراجح بالخلق عليه بل هو الخلق كما في كتب كنزا واحتمال الكل بالخلق إذا يدفع عن ذلك بلواك وإلا فالتنافي واقع بين الحديثين وقد يطلق جنس ويراد النوع أو شخصية الكامل منه مثل ما قد يورد البعض على الكل ويجرى.
البند المئة والخامس والعشرون: سمت العرب رقيب الجيش عينا وقصيد الشعر منه بالقوافي هو ومن تسمية الشيء بما فيه من الأجزاء باسم الجزء معنى يورد البعض على الكل ومعنى قصر الإنسان في الذكر على فرد من الإنسان والذكر على القرآن حتى سمي القرآن ذكرا.
البند المئة والسادس والعشرون: يا مناخ السعد والعز جمالا ومحيط المجد والفخر رحالا سرت كالشمس وما الشمس لمولاها مثالا إنها سوف تلاقي دون علياك زوالا واحتوت فيك صفات محلت قبل منا بعضها جود غياث يخجل الغيث انهمالا وكمالا علم البدر كمالا وجمال بهرا العالم بهرا.
البند المئة والسابع والعشرون: جئت بالقرآن تبيانا وبالموعظة الحسنا حتى قمت بالسيف كما قام بنفس اللافظ المعنى وقابلت صفات بصفات أعجب العقل بما بينهما من نسب المعقول في المعنى المنافات وفي حسن المواساة كمثل اللين والقسوة طبعا واحتوت فيك معال ما حواها العد حصرا.
البند المئة والثامن والعشرون: قست مبهوتا معاليك وإن المثل الأعلى لمعيك
لمعلومات باريك فلا تحصر بالعد ولا تضبط بالحد ولا تدرك بالقد ولا توجد بالجد ونطقت بشعري واصفا منك صفات باهرات كلمات كالغواني سافرات أو كتبر لامعات أو كموصوفاتها مرتفعات في سماء المدح زهرا.(3/209)
البند المئة والثامن والعشرون: قست مبهوتا معاليك وإن المثل الأعلى لمعيك
لمعلومات باريك فلا تحصر بالعد ولا تضبط بالحد ولا تدرك بالقد ولا توجد بالجد ونطقت بشعري واصفا منك صفات باهرات كلمات كالغواني سافرات أو كتبر لامعات أو كموصوفاتها مرتفعات في سماء المدح زهرا.
البند المئة والتاسع والعشرون: وكأني ان أراد الله في النشر بمنشور لوى الحمد عليه سافعا في كف من كان لذاك الوتر شفعا فالى أي مقام يرتقي الحمد وللحمد أخيه من عليه علم ينشر يوم النشر نشر النصر في بدر عقابا لعقاب المنكرين النشر نشرا.
البند المئة والثلاثون: جريت بعض فحول الشعراء نطأ مواميم فأبطت عن سموات معاليك وكم آخر إلى مشى سواك دلج المدح يعلو سماك العظيم يرقي شامخات الفجر كالبسط دعاها السغب للخلف إلى خلف ومهما حلق الممدوح سف المدح وليمتدح الذكر كفى بالذكر للممدوح ذكرا.
البند المئة وواحد وثلاثون: اسعد الخلق لقلبي وهو العارف مهما رام أن يبلغ من مدحك بالفكر نصابا نحو ما في الكتب الخمسة من مبدئها إلى خلقها المصحف كر الفكر بالقلب رجوعا كرجوع الابل عن إدراك أدنى نصبها وهو دوين الخمس بالعد على الأعقاب كرا.
البند الثاني ومئة وثلاثون: قد أكثرت المداح فيك الشعر فانحطوا بأوج المدح عن عالي معاليك انحطاط الفرش عن مرتفع العرش وعندي مدح الناس بك الشعر ولماذا يبلغ المادح عن كنه معاليك ولو عمر عمر النسر بالمدح وساماه علوا مكثرا نظما ونثرا.
البند الثالث ومئة وثلاثون: من بعين الشاعر المفلق أن ينعته بالنعت من السبت ولو جاء بما يربو على الأشجار والنبت بمدحي صاحب الأكوار والتخت فيرقى بي عن الكبوة إلى أوج سما البخت بسبكي ناحتا فيه على النحت بنود باهرات اللفظ غرا.
البند الرابع ومئة وثلاثون: قد أنارت كلماتي فيه كالشهب وزينت بها في كل بند فاعلا من ست مرات فما فوق حوالي برزت من حجل الفكر تحلى كشموس بزغت في رمل الأبحر من نظم ابن ياليل علي فأخطب الأفكار ان كنت لها كفوا واهد السمع مهرا.
البند الخامس ومئة وثلاثون: سيدي إن كنت بالنفس حقيرا فأنا مفتخر منكم
بأمرين انتسابي لذوي الفضل وكوني من أولي التوحيد والعدل وأهل البعثة والبعثة للرسل إمامي اعتقادي جعفر القول اثني عشر بأوال من جاؤوا فرادى وأتى بالمفرد الجمع وبالوتر إلى الشفع بروحي كلهم شفعا ووترا.(3/210)
البند الخامس ومئة وثلاثون: سيدي إن كنت بالنفس حقيرا فأنا مفتخر منكم
بأمرين انتسابي لذوي الفضل وكوني من أولي التوحيد والعدل وأهل البعثة والبعثة للرسل إمامي اعتقادي جعفر القول اثني عشر بأوال من جاؤوا فرادى وأتى بالمفرد الجمع وبالوتر إلى الشفع بروحي كلهم شفعا ووترا.
البند السادس ومئة وثلاثون: إنما المجد أخو العليا لم يشرف علا إلا بإثنين من الناس استقص الآدميين ومن ولاه ذاك الاستقص الآدميين بتبليغ عن الله ألا من كنت مولاه جلي بعلي يا علي بن أبي طالب يا من غالب الأحزاب والليث الهزبرا.
البند السابع ومئة وثلاثون: ردت الشمس بأمر منه للمولى على بعد ما أومت إلى الغرب انحدار وعلي لم يكن صلى العصر إذ كان رسول الله بالإغماء موعوكا وكان الرأس في حجر علي فاستفاق المصطفى حينا فقال: أدع لك الشمس فأومى الطهر فارتد إليه القرص جهرا.
البند الثامن ومئة وثلاثون: حقق الجمهور شيعي وسني وما بينهما من كل أهل النفي والإثبات أن القرص بالنفس قد ارتد إلى الأفق رجوعا وهو الحق وقال البعض لم يرتدوا لنفس ولكن خرت الأطواد بالإيماء للمومي سجودا فرأى الشمس فصلى وهي بيضاء غير صفرا.
البند المئة والتاسع والثلاثون: وهب الله له الحكمة والعلم على حد سليمان وداود وما بالفضل داود وذو الملك سليمان بن داود على حد علي بعلي عرف الخير من الشر ومنه رمى البغي بلبث قمع الشرك بعمر وقلع بكف كبس الحتف وأخرى إنه الليث واجرا.
البند المئة والأربعون: رافع الدين ومعلي علم الحكمة محيي الفرض والسنة مولى الانس والجنة مولى النار والجنة من سن لنصب السنة الغراء سيفا عود اللقطة لو سل أو القدة بالغرمة واهتز لها بالكف مما ينبت الخط قناة ناطرت بالصدر منه النظر الشزر إذا ينظر شزرا.
البند المئة والواحد والأربعون: هو مجموع أولو العزم عليهم سلم الرحمن من نوح إلى آدم فضلا بحديث ساقه الخصم ويرويه ابن عباس وفي الستة في فضل علي سطرا وما يبلغ السبعة والسبعين فضلا أن تواطيهم على تكفير من سب علينا أوله أنقص قدرا.
البند المئة والثاني والأربعون: وهو العالم والعامل لله بعلم وهو الفاتق والراتق في كل المعالي سيما الاقدام والجود به الجود تباهي وبه العلم تناهى وبه الحق
تحلّى وبه العسر عن المعسر ولى ندب أورث بالاشداء يوم والاسداء يوم الروع والجود أولى الشرك وأولى الاعسار يسرا.(3/211)
البند المئة والثاني والأربعون: وهو العالم والعامل لله بعلم وهو الفاتق والراتق في كل المعالي سيما الاقدام والجود به الجود تباهي وبه العلم تناهى وبه الحق
تحلّى وبه العسر عن المعسر ولى ندب أورث بالاشداء يوم والاسداء يوم الروع والجود أولى الشرك وأولى الاعسار يسرا.
البند المئة والثالث والأربعون: جمع الناس من الغالي إلى القالي على هلك مناويه واعدام مضاهيه وقد راح به مثل مواليه معاديه فلا البدر يساويه ولا الغيث يجاريه ولا الليث يباريه وما البدر وما الغيث وما الليث فتى غرته البدر راحته الغيث وفي صولته لليث مكرا.
البند المئة والرابع والأربعون: فنكال لفتى حارب من حاربه الخلق فقوم عبدوه وأناس جحدوه ورجال سلكوا الحق فقالوا: هو مولى كل من له أحمد مولى وهو أولى ببني بنته أم بنيه وبنوه سبل الحق إلى الحق أدلاء بني آدم والاسرار سر يقتفي في الخلق سرا.
البند المئة والخامس والأربعون: ذاك سر منح الله به أحمد فاختص به الصنو وابنيه وقد أودعه الثاني عليا وعلي أودع الباقر اياه وقد أودعه الباقر للصادق والصادق للكاظم والكاظم للثامن والثامن للتاسع والتاسع للعاشر والعاشر للحادي عشر الأطهار ثم القائم المهدي فاختص بثاني عشر الأسباط حصرا.
البند المئة والسادس والأربعون: صاحب الأمر الإمام الخالد العمر على حد خلود الخضر وعيسى والنقيب الخاتم الأسباط بالعصر على حد اختتام الخاتم الرسل ومن قرت به الأرضون والسبع السماوات ومن سوف تقوم النشأة الأخرى عليه وترى في الصف لو صلى إماما خلفه عيسى وخضرا.
البند المئة والسابع والأربعون: حجة الله ومن لو رمت أن أحصي منه الفضل أو ما جاء مخصوصا به عن أكرم الخلق وجبريل عن الله هلك العمر وإن سيق إليه عمر الخضر وعيسى دونه أو رمت أكتبها بالبحر حبرا نفد البحر وأن يعضده سبعون بحرا.
البند المئة والثامن والأربعون: إنما تاسعهم قائمهم أفضلهم كالشمس لا تستر بالأفق وقد أعلم باللازم معنا إنه في الخلق لا يلحقه في الفضل أو بفضله إلا علي ابن أبي طالب والسبطان والخاتم ملا كل بني آدم عصرا.
البند المئة والتاسع والأربعون: سيدي هل يفسح العمر ومن لي دون أن أحظى بمد العمر مقصورا بأن أنظر مسرورا بعيني ذلك العسور منصورا ومن حول إمام العصر أعلام الهدى والنصر والاملاك والجان وصف الطير والوحش على الأثر تنادي رب مولي الورى فتحا ونصرا.(3/212)
البند المئة والخمسون: رب قد طال على شيعته الأمر فعجل منعما منك بأن يظهر فينا كظهور النور في الطور على موسى بن عمران وان يملأ منه الأرض في أيامه قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا ربنا قد فنى الصبر فلا نملك صبرا.
هذه الرسالة مقامة في مفاخرة الفقر والغنى
للسيد الفاضل الأديب النجيب السيد محمد بن السيد علي العاملي المجاور بمكة المشرفة حيا وميتا وموضوعها المناظرة بين الفقر والغنى: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الحكيم القادر على الاطلاق الباسط المقدر للأرزاق، جاعل الفقر والغناء آيتين من أبدع آياته وغايتين في الحكمة هما بعد غاياته، يتفكر فيها ذوي الفطنة والاعتبار فيتلو: {رَبَّنََا مََا خَلَقْتَ هََذََا بََاطِلًا} ويجري بهما العبد إلى جادة الأقدار جاليا بزينة العقل أو باطلا فيسعد من يرشد للتسليم إيمانا وتصديقا ويشقى من يغلب عليه بليه.
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا
وأفضل الصلاة والسلام للمبعوث بدين الإسلام محمد الهادي للخلائق إلى قوام الطرائق وأكرم الخلائق صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأغنياء بالله تعالى الفقراء إليه.
يقول الفقير إلى مولاه الغني محمد بن علي بن حيدر الحسيني: وقفت على مقامة انشأها بعض المتأخرين من الأفاضل الأعاظم ووشاها بدرر فرائد هديت لكل ناثر وناظم ابتدعها على لسان الغنى والفقر كالمفاخر بينهما والمفاضل وأودعها من الحجج التي يفلح بها المناظر والمناضل، فمد بها في العلوم باعه الأطول وأيد المفهوم بمصداق كم ترك الأول، قاصدا بذلك رياضة العقول في رياض المعقول وتبريض اللسان برقايع شآبيب البيان وتعريض الإحسان للقانع بالأثر عن العيان، فأيد فيها الفقر على الغناء وغتيد له في الفخر علي البنا، وجعله سابق الحلبة مجلسا وأتاه الغناء بعد لأي مصليا حتى أقر له بالتقديم تسليما وأخلص لوداده بعد التندم على عناده قلبا سليما، هذا وإن كان الفقر عند أبناء الدنا مليا باكتساب العنا خليا من أسباب الغنا حفيا في اقتضاب المنى كفيا لسد أبواب الهنا، وبينه وبين النفوس ما بين تغلب وبكر غداة البسوس، وقد أوقع منها من المكروه والاساءة ما لم توقعه قبس بني بدر يوم الهباءة، وحطمها ولا تحطيم هيام الابل المخلبة جيوش القبط يوم الجبلة، ووسمها من العار الباقي على الزمان بما وسم به لبيد الربيع بن
زياد في مجلس النعمان، ونفورها عنه ولا نفور لغادة الفتية من مقازمة الشيب والمشنشنة الآخر معه عن مفارقة العيب، وبعدها عنه ولا بعد العقائد العينية من شبهات الريب والكثائف الجسمانية عن إدراك محجبات الغيب.(3/213)
يقول الفقير إلى مولاه الغني محمد بن علي بن حيدر الحسيني: وقفت على مقامة انشأها بعض المتأخرين من الأفاضل الأعاظم ووشاها بدرر فرائد هديت لكل ناثر وناظم ابتدعها على لسان الغنى والفقر كالمفاخر بينهما والمفاضل وأودعها من الحجج التي يفلح بها المناظر والمناضل، فمد بها في العلوم باعه الأطول وأيد المفهوم بمصداق كم ترك الأول، قاصدا بذلك رياضة العقول في رياض المعقول وتبريض اللسان برقايع شآبيب البيان وتعريض الإحسان للقانع بالأثر عن العيان، فأيد فيها الفقر على الغناء وغتيد له في الفخر علي البنا، وجعله سابق الحلبة مجلسا وأتاه الغناء بعد لأي مصليا حتى أقر له بالتقديم تسليما وأخلص لوداده بعد التندم على عناده قلبا سليما، هذا وإن كان الفقر عند أبناء الدنا مليا باكتساب العنا خليا من أسباب الغنا حفيا في اقتضاب المنى كفيا لسد أبواب الهنا، وبينه وبين النفوس ما بين تغلب وبكر غداة البسوس، وقد أوقع منها من المكروه والاساءة ما لم توقعه قبس بني بدر يوم الهباءة، وحطمها ولا تحطيم هيام الابل المخلبة جيوش القبط يوم الجبلة، ووسمها من العار الباقي على الزمان بما وسم به لبيد الربيع بن
زياد في مجلس النعمان، ونفورها عنه ولا نفور لغادة الفتية من مقازمة الشيب والمشنشنة الآخر معه عن مفارقة العيب، وبعدها عنه ولا بعد العقائد العينية من شبهات الريب والكثائف الجسمانية عن إدراك محجبات الغيب.
هذا وعقال العقول بتقييد ضعات النفوس محلول وحسام الفكر المصقول في قطع الأهواء مفلول، والناس أكيس من أن يمدحوا إنسانا ما لم يروا عنده آثار احسان، فلا جرم كان ينعقد الإجماع كما لا يخفى على ذي نظر وسماع على هجو الفقر وذمه وقصده، وتواتر الدعاء بالثكل والهبل على أمه حتى كان ما اختاره هذا الفاضل من الصنيع معدودا في فن المغائرة من البديع، وفيه تسلية لنفس البائس الفقير وتقوية لقلب الآيس الحقير، واعانة للمبتلى بهذا العضال وابانة للغرض ان نشط للنضال.
وحقيقة الحال أن منشىء تلك المقامة رفع الله في الفردوس الأعلى مقامه لما كان من كبار الأتقياء الزاهدين وخيار الصلحاء العابدين ومعلوم أن غالبهم قد اختار التعسف الموصوف وشيد بناء التزهد المرصوف وهجر أنواع زخرف الدنيا وصنوفه حتى قطع مسافتها وما بل بحرها صوفه.
كانوا جمال زمانهم فتصدعوا ... فكأنما لبس الزمان الصوفا
فبنى رحمه الله على مقتضى طريقتهم وفضل الفقر على الغناء إذ كان مقتضى طريقتهم، وهو الحق الذي لا ريب فيه ولا شيء ينافيه والمسك الذي يرتضيه الأريب ويصطفيه ولا يعارضه في مراده مفاد: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللََّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبََادِهِ} فإن من صد نفسه عن حلول هذه الساحة وخشي أن يغرق عند تلاطم الأمواج وإن كان متقنا للسباحة لا يلزمه انه قال بالتحريم وعدم الإجابة.
وأحزم الناس من لو مات من ظمأ ... لا يقرب الورد حتى يعرف الصدرا
وأما أرباب العصمة فهم الربيون من كل وصمة إلا انهم شاهدوا حظهم الأشرف الأسمى فلم ثبتوا لما دونه رسما ولا إسما وقصروا نظرهم على الخالد الباقي وانفوا أن تطأ أقدامهم الأرض وهم في أعلى المراقي ومن ورد البحر استقل السواقي.
ولما تأملت تلك المقامة بوأ الله منشئها دار المقامة رأيت مبنى الأفضلية فيها على جعل الفقر أمهر في تحصيل العلوم والمعارف وأكثر مقيلا في ظلها الموارف وأقذر على إبراز الصواب عند السؤال والجواب لا على إقامة البرهان بالأفضلية،
وجعل السابق في هذا الزمان صاحب الأولوية على أن هذا الميدان هو مجرى العوالي ومجرى السوابق وفيه تزدحم كتائب فرسان الحقائق وتلتحم مناكب النظارة من الخلائق، إذ الناس باعتبار خلوهم من أحد الوصفين ينقسمون إلى صنفين، وكل يحتج لصاحبه بالأوصاف الواقعة المرضية لا المجازية الفرضية، فأحببت أن أجول في هذا المجال ولو بالمحال وأنسج على هذا المنوال مع وهن القدرة وضعف الحال وقصور عامل الفضل عن التسلط على هذه الحال، اعترافا مني بالقصور والتقصير واسعافا بطلب المسامحة لباعي القصير.(3/214)
ولما تأملت تلك المقامة بوأ الله منشئها دار المقامة رأيت مبنى الأفضلية فيها على جعل الفقر أمهر في تحصيل العلوم والمعارف وأكثر مقيلا في ظلها الموارف وأقذر على إبراز الصواب عند السؤال والجواب لا على إقامة البرهان بالأفضلية،
وجعل السابق في هذا الزمان صاحب الأولوية على أن هذا الميدان هو مجرى العوالي ومجرى السوابق وفيه تزدحم كتائب فرسان الحقائق وتلتحم مناكب النظارة من الخلائق، إذ الناس باعتبار خلوهم من أحد الوصفين ينقسمون إلى صنفين، وكل يحتج لصاحبه بالأوصاف الواقعة المرضية لا المجازية الفرضية، فأحببت أن أجول في هذا المجال ولو بالمحال وأنسج على هذا المنوال مع وهن القدرة وضعف الحال وقصور عامل الفضل عن التسلط على هذه الحال، اعترافا مني بالقصور والتقصير واسعافا بطلب المسامحة لباعي القصير.
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم
فبنيت هذا المقصد على وضع غريب وترتيب يهش له الأديب والأريب وأسلوب يأخذه الطبع السليم من قريب، وجعلت المفاضلة بين الفقر والغنى على حقائق الأوصاف العقلية والنقلية وأوردت ما يقال من الطرفين بالإنصاف على رغم العصبية، ثم انحيت بالمخاصمة إلى التراضي بالمحاكمة فحكمت بينهما مناط التكليف ورباط الفضل الذي اختص به النوع الشريف، فحكم حكما يقضي منه الفريقان فرأى ربهم ويعلم كل أناس مشربهم: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {كُلُّ حِزْبٍ بِمََا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} والحق واضح الغرر والأحجال لقوم يعرفون: {فَمََا ذََا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلََالُ} فأنّى تصرفون وسميتها: (مذاكرة ذوي الراحة والعنا بالمفاخرة بين الفقر والغنا) ليكون الاسم مطابقا للمسمى ويعلم بادىء بدء أن المخاطب أما وأما والله يقول الحق وهو يهدي السبيل هو حسبي ونعم الوكيل:
حدث الغزل الرقيق عن المديح الأنيق عن السؤال الجميل عن النور الجزيل وعن الخاطر المطاع عن كريم الطباع قال: حضرت مجلسا من مجالس السرية التي لم تزل تعقد بحضرة النفس البشرية، وقد حضر وزيرها العقل وحاجبها الحلم وقائدها الفهم وقاضيها العلم وخازنها الحفظ ومنشيها الفكر وشاعرها الخيال ومصاحبها الوهم، ومثلت للخدمة أعوانها المتظاهرة، وهي المدارك الظاهرة وانتظمت في مراتبها باقي القوى وغاب بحمد الله عدوها الهوى، واتفق أن حضر المجلس الغنا والفقر وهما الضدان المتناقضان بل العدوان المتباغضان والجوادان المتعارضان بل القرنان المتناقضان، إلا أن النادي جمع بينهما وقرب على سبيل الإتفاق بينهما، وخاض القوم في مجانح الحديث من سوانح القديم والحديث فأراد بعض من حضر طراد جياد البحث والنظر فتلطفت بطرف لطفه ولحظ الفتى بطرف طرفه ثم قال: إني احفظ بيتين ورد الأول منهما على روايتين يبتنى عليهما حكم
وأحكام إذ تقرر مفادهما بأحكام، ولو اني رأيت أمير جيش لما جارين إلا بالسؤال لأن الناس ينهزمون منه وإن ثبتوا لاطراف العوالي، ثم قال: والرواية الأخرى يعرفها من هو باحراز شرفها أحرى.(3/215)
حدث الغزل الرقيق عن المديح الأنيق عن السؤال الجميل عن النور الجزيل وعن الخاطر المطاع عن كريم الطباع قال: حضرت مجلسا من مجالس السرية التي لم تزل تعقد بحضرة النفس البشرية، وقد حضر وزيرها العقل وحاجبها الحلم وقائدها الفهم وقاضيها العلم وخازنها الحفظ ومنشيها الفكر وشاعرها الخيال ومصاحبها الوهم، ومثلت للخدمة أعوانها المتظاهرة، وهي المدارك الظاهرة وانتظمت في مراتبها باقي القوى وغاب بحمد الله عدوها الهوى، واتفق أن حضر المجلس الغنا والفقر وهما الضدان المتناقضان بل العدوان المتباغضان والجوادان المتعارضان بل القرنان المتناقضان، إلا أن النادي جمع بينهما وقرب على سبيل الإتفاق بينهما، وخاض القوم في مجانح الحديث من سوانح القديم والحديث فأراد بعض من حضر طراد جياد البحث والنظر فتلطفت بطرف لطفه ولحظ الفتى بطرف طرفه ثم قال: إني احفظ بيتين ورد الأول منهما على روايتين يبتنى عليهما حكم
وأحكام إذ تقرر مفادهما بأحكام، ولو اني رأيت أمير جيش لما جارين إلا بالسؤال لأن الناس ينهزمون منه وإن ثبتوا لاطراف العوالي، ثم قال: والرواية الأخرى يعرفها من هو باحراز شرفها أحرى.
قال كريم الطباع الراوي لهذه الأسجاع: فبادر الغنى لجوابه وقد استخرج دقيق التعريض من جعابه أن بعض من أسعده الجد بخدمتي وأيده الجد بعزمتي وسدده المجد بهمتي أنشده هذين البيتين بعض ندمائه وجلاهما كالنيرين في سمائه، فتفطن ذلك الرئيس لمعنى نفيس وأعاد إنشادهما في الحال وقد وضع النوال موضع السؤال فأظهر شمائل همته العلية في دلائل عبارته الجلية، وسدد سهم الاصابة بساعد الكرم فكنت قوسه ووتره وأصاب مقاتل الفقر وما ظلم فأرداه والبس البيتين لباس الملوك بعد أن كانا في أسماك الصعلوك حتى أشرف معناها بالضياء المستفاد من شمسي وأغدق معناهما بالأنواء الهاطلة من صنائع يومي وأمسي.
قال: ثم تنبه على أن هذا الكلام من بليغ الكلام وإنه بغي والبغي مرتعه وخيم وأظهر دعوى الفضل: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فكف من عزبه ورجع عن شرفه إلى غربه واسترجع وسكت وأطرق إلى الأرض ونكت لمكنه.
قال: في أثناء ما أراني أضللت لسانك لك وإني فيما قلت إن فخرت وطلت لعنات الحق ما لك وليس بملوم من نطق بالحق وصدع: والحق أحق أن يتبع شعر:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... وأنّى لها فوق السماكين جاعل
قال الراوي: فاستشاط الفقر من الغيظ وتلظت أنفاسه أحر من سموم القيظ وأنف من الذل والاستكانة إذ أنزله الغني بهذه المكانة فقال: وقد أشعل نار المحبة تسعيرها شعرا:
ونفسك أكرم عن أمور كثيرة ... فما لك نفس بعدها تستعيرها
ثم انبرى للمقامة مسترسلا شعرا.
احدى لياليك مهبسي ميسي ... لا لي ملة بالتعريس
لكنه خاطب خطاب من قيد الحلم ألفاظه وسدد العلم إيقاظه فقال: أيها الفتى لقد صرحت وما كنيت وعجلت وما تأنيت فبرحت إذ تخبيت وليتك حيث صدفت عن الانصاف وأبيت لم تعمر بيتا بخراب بيت فكلامك مدخول ودقيقك
غير منخول، أخبرني عن هذا الرئيس الذي ملأت أنت له الكيس فزعمت انه المناصر لما ذكرت قائلا من حيث كان في ظلك قايلا لو كان ضامي العود من مياه الكرم التي جرت فيه جاف العنقود من حلب سلاف البلاغة التي رشفت من فيه، أتراه كان يقول ما قال: ويتحمل ما يستلزمه نطقه من الأثقال أو تراه لو كان بملازمتي محبوا بمنادمتي مربوطا بإشراكي مخروطا في إسلاكي محوطا أفلاكي، ثم كان ممن تشتق أفعال الكرم من مصدر طبعه وتشق أقسى الهمم من غروس نيعه لم يكن ينطق بما به نطق ويرشد إلى ما إليه أرشد أنشده البيتين من أنشده.(3/216)
احدى لياليك مهبسي ميسي ... لا لي ملة بالتعريس
لكنه خاطب خطاب من قيد الحلم ألفاظه وسدد العلم إيقاظه فقال: أيها الفتى لقد صرحت وما كنيت وعجلت وما تأنيت فبرحت إذ تخبيت وليتك حيث صدفت عن الانصاف وأبيت لم تعمر بيتا بخراب بيت فكلامك مدخول ودقيقك
غير منخول، أخبرني عن هذا الرئيس الذي ملأت أنت له الكيس فزعمت انه المناصر لما ذكرت قائلا من حيث كان في ظلك قايلا لو كان ضامي العود من مياه الكرم التي جرت فيه جاف العنقود من حلب سلاف البلاغة التي رشفت من فيه، أتراه كان يقول ما قال: ويتحمل ما يستلزمه نطقه من الأثقال أو تراه لو كان بملازمتي محبوا بمنادمتي مربوطا بإشراكي مخروطا في إسلاكي محوطا أفلاكي، ثم كان ممن تشتق أفعال الكرم من مصدر طبعه وتشق أقسى الهمم من غروس نيعه لم يكن ينطق بما به نطق ويرشد إلى ما إليه أرشد أنشده البيتين من أنشده.
فلا تجهل علوم الأخلاق وأنت خبيرها ... فما الجود من فقر الرجال ولا الغنى
ولكنه خيم الرجال وخيرها
وأما ازدراؤك على الصعاليك وقصدك بذلك الزيادة في معاليك فكفاهم فخرا في الدين قول علم المهتدين «ربّ أشعث أغبر ذي طمرين لايويه لو أقسم على الله لأبره»، وما أشبه هذا مما طرق سمعك غير مرة، وأما باعتبار الدين ورتبها الدنيا فإن فيهم من علا في الأوصاف قدره وغلا للاضياف قدره حتى أشرق من أفق الشعر بدره:
ولكن صعلوكا صفيحة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور
إلى آخر الأبيات المعلومة في الروايات فيها أيها الفتى هلا إذا نطقت تحملت ما أطفت ورفعت قدرك من حيث لم تخفض سواك وجلوت ثغرك بغير هذا السواك، فإن الشريف الكريم ينقص قدرا بالتعدي على الشريف الكريم وولع الخمر بالعقول رماها بتنجيسها وبالتحريم.
قال: فلحظته الفتى شزرا وأعاره لحظا فزرا وخاطبه مخاطبة متحكم ولاطفه ملاطفة متهكم فقال: عذرا أيها المسكين ورفقا أيها المستكين فما أنت بلغت عظمك السكين ولست الذي أحل شكلتك هذا البيت في التسكين، إنما قلت: في وفيك ما كلانا به حقيق ونسبت الي وإليك ما انعقد الإجماع عليه بالتحقيق، فاستمع مني بعض أوصافك واردد جماح أنفتك بلجام انصافك، وإن لم تصدق الناس ما أقول فبرئت من ذمة العقول، ألست حائك شقق الهون والإدلال وموشيها بوشي الكدية والسؤال ومفصل أوصالها بمقراض الضجر والملال وخايط تفاصيلها بخيوط الإلحاح الطوال ومقدرها على قامات الرجال وملبسهم اياها للزينة والجمال، فاستجل فيهم هذا المرأى الشنيع واستمل منهم شكر هذا الصنيع
وأغضي من معاتبتك فإني أربأ بنفسي عن مخاطبتك، فإن حمى غري المنبع المحترم ومن لا يكرم نفسه لا يكرم.(3/217)
قال: فلحظته الفتى شزرا وأعاره لحظا فزرا وخاطبه مخاطبة متحكم ولاطفه ملاطفة متهكم فقال: عذرا أيها المسكين ورفقا أيها المستكين فما أنت بلغت عظمك السكين ولست الذي أحل شكلتك هذا البيت في التسكين، إنما قلت: في وفيك ما كلانا به حقيق ونسبت الي وإليك ما انعقد الإجماع عليه بالتحقيق، فاستمع مني بعض أوصافك واردد جماح أنفتك بلجام انصافك، وإن لم تصدق الناس ما أقول فبرئت من ذمة العقول، ألست حائك شقق الهون والإدلال وموشيها بوشي الكدية والسؤال ومفصل أوصالها بمقراض الضجر والملال وخايط تفاصيلها بخيوط الإلحاح الطوال ومقدرها على قامات الرجال وملبسهم اياها للزينة والجمال، فاستجل فيهم هذا المرأى الشنيع واستمل منهم شكر هذا الصنيع
وأغضي من معاتبتك فإني أربأ بنفسي عن مخاطبتك، فإن حمى غري المنبع المحترم ومن لا يكرم نفسه لا يكرم.
ثم إنك مع ذا أردت جلاء العين فزدت قذى واحللت معاني الهدى في مغاني الهدى وتكلمت في خطرتي بطريف الآثار كلام من يظن أنه فيها ذو استيثار وأنت تعلم إني فارس نقعها المثار، واستشهدت ببعض الأشعار فأشهدت أن لمعانيها في ذهنك أشعار وكل عالم باني لا أركب في ميدانها الفرس المعار ولا أقنع في بيانها بالدثار دون الشعار، وإن كنت تستطيع معي صبرا فسأنبئك بما لم تحط به خبرا، حسبي واياك صيتا عند الخلق وذكرا أن الله تعالى سماني خيرا وسماك شرا: {إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً} {إِذََا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً} {. إِذََا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} وعدتي من نعمه التي ذكر بها عباده كثيرا: {وَأَمْدَدْنََاكُمْ بِأَمْوََالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنََاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} بل يشمل سيد البشر هذا المعنى: {وَوَجَدَكَ عََائِلًا فَأَغْنى ََ} وإن من دلائل فخري وسعدي، {وَهَبْ لِي مُلْكاً لََا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} وجعلك من المحن التي تسكب عندها العبرات وتكثر في حزونها الغبرات، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوََالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرََاتِ} وإن شئت حفظتك طبقة أخرى ورويت لك «كاد الفقر أن يكون كفرا» وما جرى هذه المجنون وأنت الحامل على عصيان الخالق بما نزل بالخلائق من الشدائد والمضايق، وأنا الذي أيسر لهم سني البضاعات المتوقف عليها كثير من الطاعات، ولولا جودي ووجود جودي لم يظفروا بثواب الزكوات والصدقات وصلة الأرحام بالنفقات، ومن أعظم هذا المرام حج بيت الله الحرام، وهل يستوي الأيسار والأفلاس؟ والله لم يدع إلى بيته سوى المياسير من الناس، وتعلم كثرة دعاء الأنبياء والمتقدمين بهم من الأولياء.
بالإستعاذة من جوارك والإستغاثة من عثارك والتضرع إلى الله في محو آثارك.
وأما الشعراء فقد هاموا يهجونك في واد وقاموا بذمك على رؤوس الاشهاد وأمروا للهرب منك بالتغرب في البلاد ومقاسات الأين في السهاد، حتى رأيت المقام على الإقتصاد قنوعا به ذلة في العباد، وكفاك بيت سار سير الأمثال في الورى:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
وقال: من أنف منهم من قدرك الحقير:
دعيني للغنى اسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير
ولو عقلت مفاخرة الأقران وقد نظموك والكفر في قرآن.(3/218)
دعيني للغنى اسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير
ولو عقلت مفاخرة الأقران وقد نظموك والكفر في قرآن.
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
وصعاليك اليهود على هذا البيت من الشهود ولولا ذم الاطراء وخوف الملام وان يقول بعض الفقراء مادح نفسه يقرئك السلام لأوردت عليك ما نظموه فيّ من المدائح ومريت لك در الفرائد من إخلاف القرايح، وكيف لا وأنا العلة الغائية في نظم مدائحهم المحبرة ونعوتهم المحورة وأغزالهم الرائقة وتخيلاتهم الفائقة، وهل الممدوح إذ مثل المادح لديه إلا المعهود الذي أقدره على إطلاق يديه، فخذ إليك غيضا من فيض ولمعة من روض، وإن شئت زيادة الحوض ملأت بهذا السجل لك الحوض حتى تقول قطني فقد ملئت بطني.
قال: فاستجاش الفقر وأربا روز مجر وزر واستوقر راثئر، وقال كلا لا وزر إلى ربك المستقر لأن حمى الوطيس والتف الخميس بالخميس وتكلمت القلوب بألسنة أحد من الصفاة بل تكلمت السنة العذباب الحمر بأفواه الجراح من صد عن نيرانها، فانا ابن قيس لابراح أيها الفتى مثلي يدلل صعابه البر أو يركب أعجاز الابل وإن طال السرى، أقسمت بمن جعلني في خلفه آية ورفع لي على الطاغين أشهر راية وخلقني لمحق الباغين أشمم من ابن دايه لاسمعنك ما يدعك تفرع أنامل الندم الثنايا وأنا ابن جلا وطلاع الثنايا.
يا أيها الناعم في لباس العجب والتيه والزاعم انه مولى الفضل وموتيه والنازع إلى أخلاق الرادة والمنازع رب الردا والكبرياء ردائه، لقد افتريت في وصفي وصفك بمينك وأبصرت القذا في عيني ولم تبصر الجذاع في عينك وصدفت عن مناهج الحق ومشارعه وحرفت الكلم عن مواضعه، ولو كنت شداد بن عاد ثم متعك الله بارم ذات العماد وفرعون ذي الأوتاد ونجوت ومن معك من الأجناد وكليب بن ربيعة ولم يقدر عليك جساس في الحمى ولم ترمك طير أبابيل من السماء وزهير بن جذيمة ولم يأخذك يد خالد من قريب وأبا جهل بن هشام ولم تستحب برجلك إلى القليب لأنفت لك من هذا العجب والإستطالة ضجرت منك إذ طلت هذه الإطالة لكن لا بدع في ذلك، فإنك منبع العتو والطغيان بنص القرآن:
{إِنَّ الْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ.} {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ََ} إن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين وإن الذي جمع مالا وعدده منك استمد مده وبك أعد في الفكر عدده وقد قال أكابر قريش حين فتحها ريحك العقيم: لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقد علم مفضلك علي أو مساويك أن لم يعمه حبك
عن مساويك، ان الخلق بك يخسرون ولا يفلحون وإنك من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فكم قد اقتضى عي أهوائك وعي أدوائك وسكر شرابك ومكر سرابك أن يقطع السارق ويقمع المارق ويردع الخائن ويصفع المائن ويدفع الغاصب والقاسط ويتبع المحاسب الغالط وأن يدنس بياض الأعراض بدنايا الأغراض ويتحكم في صحاح العقول عضال الأمراض من الأطماع الحقيقية بالاهمال والاعراض، وبعض الحريص بالحريض عند الحث على الجود والتحريض وإن يرتكب الخرم متون المأثم بغيب الظنون ويقدم السالك في المفاوز والممالك على ريب المنون، وكم أوقعت فتنتك بين المرء وأبيه وخليله وأخيه وصاحبته وبنيه ومن في الأرض جميعا ثم لا ينجيه.(3/219)
{إِنَّ الْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ.} {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ََ} إن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين وإن الذي جمع مالا وعدده منك استمد مده وبك أعد في الفكر عدده وقد قال أكابر قريش حين فتحها ريحك العقيم: لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقد علم مفضلك علي أو مساويك أن لم يعمه حبك
عن مساويك، ان الخلق بك يخسرون ولا يفلحون وإنك من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فكم قد اقتضى عي أهوائك وعي أدوائك وسكر شرابك ومكر سرابك أن يقطع السارق ويقمع المارق ويردع الخائن ويصفع المائن ويدفع الغاصب والقاسط ويتبع المحاسب الغالط وأن يدنس بياض الأعراض بدنايا الأغراض ويتحكم في صحاح العقول عضال الأمراض من الأطماع الحقيقية بالاهمال والاعراض، وبعض الحريص بالحريض عند الحث على الجود والتحريض وإن يرتكب الخرم متون المأثم بغيب الظنون ويقدم السالك في المفاوز والممالك على ريب المنون، وكم أوقعت فتنتك بين المرء وأبيه وخليله وأخيه وصاحبته وبنيه ومن في الأرض جميعا ثم لا ينجيه.
ولعلك تقول: ان من ذكرت وشنعت عليهم وأنكرت منك هربوا فلاذوا بسابغ ظلي وفي حماك أجذبوا فاستسقوا وابل طلي، فأنت الذي حملتهم على أن ارتكبوا ما ارتكبوا حتى حادوا عن القصد ونكبوا، كلا ان خرط القتاد دون هذا لا يواد، فمن المعلوم أن كثيرا ممن ظهرت غواياتهم وبعدت في الفساد غاياتهم قد يرضي لنفسه بسمة القباحة مع كوني لم أطرق له ساحة، وإنما يقصدون الزيادة من كيلك أو التقويم لأودك عند ميلك فتغشى عين بصيرة في ليلك، وأما من سواهم وقليل ما هم كافلون قصده بأفعاله الشنيعة أملاقه من حوزتي المنيعة لكنت تراه يقنع بالطفيف الذي يأخذه عني ولا يتكاد مصاعد التمني والتغني.
دليلك أن الفقر خير من الغنا ... وإن القليل المال خير من الثري
لقائك شخصا قد عصى الله للغنى ... ولست ترى شخصا عصى الله للفقر
ويؤكد هذه الأحكام الجلية ما دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية أن جميع الأموال من وجه الحلال يكاد يدخل في المحال، أما تعلم أن من قابلني بالرضا والتسليم للقضاء وكف نظره عن الطماح وعامل هواه بالزجر لا بالسماح ظفر بكنز عز القناعة وطفر عن وهاد الذل والخناعة وهجر كد الطلب ووباله وفزع لطاعة مولاه وباله وتمسك بأوثق الوسائل لتحصيل العلم والفضائل واستحق أن ينشد لسان افتخاره:
غرى يغيره فعال الجافي ... ويحول عن شيم الكرام الوافي
ويرشد من يعلم عند اختباره:
ان الغنيّ هو الغنيّ بنفسه ... ولو أنه عاري المناكب حافي
وأما من أبغضك واحبني وأبعدك وقربني ورفضك وأنت قائم في خدمته كبعض عبيده وطردك وأنت باسط ذراعيك بوصيده فهو رجل الدنيا وواحدها وطالب الأخرى وواجدها، وحسبك بإبراهيم بن ادهم بعد نزوله من أعلى القصور وعمرو بن عبيدة وجلالة قدره عند المنصور، دع أهل هذه الطبقة وما حووه من المفاخر واتل، {لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كََانَ يَرْجُوا اللََّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} اليس قد ورد عنه صادق النبأ بأنه نشر عنك ونبا وقد عرض عليه أن تكون له جبال تهامة فضة وذهبا.(3/220)
ان الغنيّ هو الغنيّ بنفسه ... ولو أنه عاري المناكب حافي
وأما من أبغضك واحبني وأبعدك وقربني ورفضك وأنت قائم في خدمته كبعض عبيده وطردك وأنت باسط ذراعيك بوصيده فهو رجل الدنيا وواحدها وطالب الأخرى وواجدها، وحسبك بإبراهيم بن ادهم بعد نزوله من أعلى القصور وعمرو بن عبيدة وجلالة قدره عند المنصور، دع أهل هذه الطبقة وما حووه من المفاخر واتل، {لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كََانَ يَرْجُوا اللََّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} اليس قد ورد عنه صادق النبأ بأنه نشر عنك ونبا وقد عرض عليه أن تكون له جبال تهامة فضة وذهبا.
هذا والعجب زعمك انك العزيز واني الذليل وتكلفك في ذلك إقامة الدليل ولو كنت تساوي عفطة عنزا وقلامة ظفر لما متع الله بك الفاسق والكافر، وإن زعمت أن لك الفضل والنعمة من حيث أن صاحبك يكون من أولي النعمة فإن معك من المتاعب والأكدار وعموم الخوف عن طوارق الأقدار وتوقي سوء السمعة في هذه الدار ما لا ينقطع ولا ينتفي ولا يستتر ولا يختفي شعر:
وأزنت بين مليحها وقبيحها ... فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
وأنّى يلذ بعيش مستطاب من يعلم أن في حلالك حساب وفي حرامك عقاب، وكيف يتحمل منك الأفضال والأنعام من سمع، (يدخل فقراء هذه الأمة الجنة قبل أغنيائها بخمسمائة عام) فدونكها غارة شعواء تخبط في عجاجها خبط العشواء وداهية دهياء تحقق عندك إني الداء العياء، أصدرتها صيانه المزة الشرعية وحياطة حقوق النفس المرعية لا بوادر القوة الغضبية ونوادر النخوة والعصبية تمنع الحدث الغران يصول والهرم الفاني أن يقول:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها واضع
وتقرر في العقول مفاد المثل المنقول: «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع» فتفيدك موعظة حسنة وتعدادك أبا مسحنة وينشد لسان حالها البيت الدائر على الألسنة:
الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد
قال راوي الحديث: فأقبل الغني على رأس المجلس وصدره وشمس المحفل وبدره فقال: أيها النفس الشريفة مد الله بك ظلال العقل الوريفة إن مقالة هذا الجاهل طريفة وأي طريفة، لقد جهل الجهل المركب وركب في عين سرجه هذا المركب وقصد إذ شوه وجه جمالي وأود غض كمالي أن ينفشد حر كريم أو ذو أدب قويم.(3/221)
كضراير الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لدميم
فيدخل في فحوى العموم في حملة أقراني ويصعد بهذا المفهوم إلى أوج قرانى وهيهات هيهات أين الثريا من يد المتناول ومتى قال السهى: يا شمس أنت خفية وقال الدجى يا صبح لونك حايل. ولو انثالت من جيوش الكلام هذه الجحافل في أحقر الأندية والمحافل الميز في الحال بين البطل الشجاع والخنع البراع واسقط سقط المتاع عن رتبة شكاب الذي لا يعار ولا يباع، فكيف بهذا المجلس الذي انتشرت فيه غمائم الأدب والفضل وسرت منه بوارق صوارم القول الفصل وارتعدت بصواعق الجد فرائص وهمرت سواقي النفع والضر في شعاب التولية والعزل، وإني سأحبس عن القول عناني ولا آخذ الا ما في عنائي حتى تنحسم مواد الأباطيل والأماني وتمحى من صحائف الخواطر وساوس ماني وأجازي بالشكر من عرف قدري فأسماني.
قال: فبادر الفقر قائلا: رب إني دعوت هذا الخصم للرشاد ليلا ونهارا ووعظته بالبيان المستفاد سرا وجهارا فلم يزده دعائي إلا فرارا واصرارا على الجور واستكبارا، ولم يكتف بذلك حتى أخذ يمكرني مكرا كبارا ويتقرب للحضرة السلطانية استظهارا علي وانتصارا ويظن أن سيناك بذلك لديها إيثارا، كلا والله تلك حضرة باع الباطل فيها قصير وهي للحق وأهله نعم النصير، ولا فرق عندها في الخصوم بين المتربع فرق السرير والجاثي على الحصير.
وقد وقف الكلام بمنتهاه وغايته وصار إلى مصير ثم التفت إلى العقل فقال:
وأنت أيها الوزير المدبر والمشير والحاكم على كل مأمور وأمير وأنت لسان الملك الناطق بلا اعتراض ويده المتصرفة في سائر الأغراض وطبيب أحكامه الشافي من الأمراض ولك الأمر فاقض ما أنت قاض، قال كريم: الطباع الراوي لهذه الأسجاع: فلما سمع العقل ما لاقاه وعلم انهما ألزماه الحكومة أن عثر وما أقالاه تثبت هنيئة ينتظر الاذن في الكلام ويحرر ما يقول ليتوقى الملام تعظيما للحضرة السلطانية وتبجيلا وعملا بقول القائل:
ان الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
حتى جعلت له الإشارة ووصلت نتائج أفكاره المستشارة، فاستعاذ من الشيطان الرجيم وقال: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإن الحكومة بين الخصوم معيار الذمم ومحك الهمم وميزان الفضل والمعرفة وميدان أفكار المنصرفة
وممر أنهار البلاغة والفصاحة ومقر أطواد الرصانة والرجاحة ومصرع جنوب المودة والصداقة، لكن في معارك ذوي الجهل والحماقة والحق بأبى الجمع بين النقيضين والعقل يحرص على الإصلاح بين البغيضين والتوفيق عزيز وخير القول الجامع الوجيز وبحر القدح والمدح لا تفنى عجائبه.(3/222)
ان الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
حتى جعلت له الإشارة ووصلت نتائج أفكاره المستشارة، فاستعاذ من الشيطان الرجيم وقال: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإن الحكومة بين الخصوم معيار الذمم ومحك الهمم وميزان الفضل والمعرفة وميدان أفكار المنصرفة
وممر أنهار البلاغة والفصاحة ومقر أطواد الرصانة والرجاحة ومصرع جنوب المودة والصداقة، لكن في معارك ذوي الجهل والحماقة والحق بأبى الجمع بين النقيضين والعقل يحرص على الإصلاح بين البغيضين والتوفيق عزيز وخير القول الجامع الوجيز وبحر القدح والمدح لا تفنى عجائبه.
ومن الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء فخرا ان تعد معايبه
ومن هنا أيها الفقر والغنى ينبغي أن تعلما أنكما أدخلتماني في أضيق من سم الخياط وكلفتماني المرور على جهنم فوق الصراط واشق المسالك الشرعية باب الإحتياط وأنا استعين بالله تعالى وأستهديه واسأله أن يوفقكما لقبول ما أبديه، وقد امتثلت الأمر وأطعت وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت.
أما أنت أيها الغني فأنت المحمود المذموم المشوم المحبوب المبغوض المطلوب المرفوض النافع الضار المقيم الفار المنبه الغار، وأما أنت أيها الفقر فإنك العدو الصديق المسعف الرفيق المشقي المسعد المهبط للصعد الممرض المعافي المعرض للوافي المخل المكافي الناقص الوافي، وأنا أفصل لكما هذين الإجمالين وأرفع التناقض بين الإحتمالين حتى تنزهاني عن الجهل والمين وتنقلبا بحقائق الأمة عالمين، اعلما أن الله لم يخلق شيئا عبثا ولا لعبا ولا يظلم ربك أحدا أولاه راحة أو تعبا، وجمع نعمة ونقمة منتظمة في اسلاك حكمة وكلما أودعه في عالم الكون والفساد ذريعة العباد إلى كسب الفوز في المعاد وملاك حجة كل قضية ما يهدي الله إليه حضرة النفس البشرية، وقد أحلكما الله بين عباده في مواقع يجوزها الشرع ولا يجوز من أوفاها حقها ظفرا بالعلم النافع ومن قصر مني بعذاب واقع ماله من دافع فيكون الغنى منحة استوجبها المطيع فحواها أو مصلحة لا يصلح العبد سواها ومحنة للاختيار والإبتلاء والإختبار والمصلحة التي يعلمها الحكيم المختار، فحق المحبوّ بالغنى أن لا يألو جهدا في أن يوالي شكرا وحمدا وان يجعله وسيلة لاكتساب الأخرى ويتصرف فيه بما هو الأولى والأخرى ويتخرج من عهدة الحقوق ويتحرج من وصمة العقوق، ويستعيذ بالله تعالى من املائه وفتنته ويحذر أن تغلب الغفلة على فطنته، واياه اياه أن يشغله عن مولاه، وبحت هذا الإجمال تفصيل طويل الويل لمن أضرب عنه والعويل، وحق الممنو بالفقر ان يأخذ بالرضا والتسليم ويقابل حكمة الحكيم بقلب سليم وينيب إلى باريه بالتوبة ويستعيذ به من شؤم الاثم والحوبة ويشكره على فضله وآلائه حيث خصه بما يرضيه لأنبيائه وأوليائه ويعتاض بعز القناعة والعفاف ويرتاض على التزهد والكفاف ويعتصم بحبل
التقى ويحذر عن التخلص بالشقا من الشقا ولا ييأس من روح الفرج وإن عرف ضيق المخرج ولا يدع التلطف في الحيلة لتكلف المظاهر الجميلة.(3/223)
أما أنت أيها الغني فأنت المحمود المذموم المشوم المحبوب المبغوض المطلوب المرفوض النافع الضار المقيم الفار المنبه الغار، وأما أنت أيها الفقر فإنك العدو الصديق المسعف الرفيق المشقي المسعد المهبط للصعد الممرض المعافي المعرض للوافي المخل المكافي الناقص الوافي، وأنا أفصل لكما هذين الإجمالين وأرفع التناقض بين الإحتمالين حتى تنزهاني عن الجهل والمين وتنقلبا بحقائق الأمة عالمين، اعلما أن الله لم يخلق شيئا عبثا ولا لعبا ولا يظلم ربك أحدا أولاه راحة أو تعبا، وجمع نعمة ونقمة منتظمة في اسلاك حكمة وكلما أودعه في عالم الكون والفساد ذريعة العباد إلى كسب الفوز في المعاد وملاك حجة كل قضية ما يهدي الله إليه حضرة النفس البشرية، وقد أحلكما الله بين عباده في مواقع يجوزها الشرع ولا يجوز من أوفاها حقها ظفرا بالعلم النافع ومن قصر مني بعذاب واقع ماله من دافع فيكون الغنى منحة استوجبها المطيع فحواها أو مصلحة لا يصلح العبد سواها ومحنة للاختيار والإبتلاء والإختبار والمصلحة التي يعلمها الحكيم المختار، فحق المحبوّ بالغنى أن لا يألو جهدا في أن يوالي شكرا وحمدا وان يجعله وسيلة لاكتساب الأخرى ويتصرف فيه بما هو الأولى والأخرى ويتخرج من عهدة الحقوق ويتحرج من وصمة العقوق، ويستعيذ بالله تعالى من املائه وفتنته ويحذر أن تغلب الغفلة على فطنته، واياه اياه أن يشغله عن مولاه، وبحت هذا الإجمال تفصيل طويل الويل لمن أضرب عنه والعويل، وحق الممنو بالفقر ان يأخذ بالرضا والتسليم ويقابل حكمة الحكيم بقلب سليم وينيب إلى باريه بالتوبة ويستعيذ به من شؤم الاثم والحوبة ويشكره على فضله وآلائه حيث خصه بما يرضيه لأنبيائه وأوليائه ويعتاض بعز القناعة والعفاف ويرتاض على التزهد والكفاف ويعتصم بحبل
التقى ويحذر عن التخلص بالشقا من الشقا ولا ييأس من روح الفرج وإن عرف ضيق المخرج ولا يدع التلطف في الحيلة لتكلف المظاهر الجميلة.
هذه السنن المتعبة كافية في القيام بحقوق المواقع الأربعة، فكل واحد منكما جاور من هذه صفاته وحاذر من لا تصدع بالجهل صفاته فهو في معرك الفاخرة فارس الصفين والحائز من القسم المحمود من الوصفين وإلا فهو المتسم بالوصف الأخير الحري وإن قدم بالتأخير.
ثم ان أبيتما إلا التمييز في الأوصاف بينكما فأنت أيها الغني كالحسام الصقيل يمضي حده في أعناق المعتدين والمهتدين والجواد الأصيل يصلح حده لقطع السبل ولاعزار الدين الفخر الذي يزاحم الكواكب بالمناكب لكن بعد النظر إلى الظارب والراكب، وأنت أيها الفقر كالبحر الأجاج تجري فيه الفلك مواخر ويستخرج منه الدر الفاخر والفقر الفجاج ينجو سالكه من طلب أعدائه ويرجو إذا انتهى سيره لقاء أودائه، فأنت الحايز للمفاخر والمناقب لكن لاعتبار العواقب.
ثم أقول ولست أخشى ذما ولا ملالة: ان الفقر أدل على منهج الإستقامة وأقرب إلى ساحل السلامة وإن كان الغنى إذا كشف عن صاحبه الرين ووقف على غرة التوفيق لأحد الإختيارين فهو عين سعادة الدارين، وبهذا التأصيل الوثيق والتفصيل الموافق للتحقيق يرتفع التناقض بين ما أوردتماه من الحجج وقلتماه عند الخوض في تلك اللجج، فتأملاه بعين البصيرة وتناولاه بيد غير قصيرة.
وعلى كل حال فأنا الممتحن المبتلى بكما والمرأة المجتلى فيها شكلكما، ولم يكفكما تكلفي المشاق منفردين حتى جئتماني مجتمعين وحملتماني ما لو عرض على الجبال لأبين، وأنا اسأل الله تعالى أن يمنح حكمي القبول ويصلح بينكما بالإتفاق وهيهات أن تتفق الدبور والقبول.
قال راوي الحديث: فلما سمع الفقر والغنى ما جلاه العقل من الدلائل وعلم انه لم يترك مقال القائل ولا مصالا لصايل فأما حامدين للحكومة راضيين وانطلقا لشأنهما كالسيفين الماضيين، وتفرق أرباب المجلس وكل يقول: هذا هو الحكم العدل والمنطق الفصل، ولواهب العقل مزيد المنة والفضل.
قصيدة لابن فارض
(هذه القصيدة) التي لابن الفارض قد أدخل بعض الشعراء بيتا منها في كل
مصراع تمم به المصراع الأول وآخر جعله مبدأ للمصراع الثاني.(3/224)
(هذه القصيدة) التي لابن الفارض قد أدخل بعض الشعراء بيتا منها في كل
مصراع تمم به المصراع الأول وآخر جعله مبدأ للمصراع الثاني.
ما بين ضال المنحنى وظلاله ... قمر يصان جماله لجلاله
بل بدر حسن في دياجر شعره ... ضل المتيم واغتدى بضلاله
وبذلك الشعب اليماني منية ... للنفس قد نزلت محط رحاله
كم في دنو مزارها من فرحة ... للصب قد بعدت على آماله
يا صاحبي هذا العقيق فقف به ... نثر عقيق الدمع بين تلاله
وأطل وقوفك في معاهد مدمعي ... مقولها ان كنت لست بواله
وانظره عني ان طرفي عاقني ... فقدانه للأنف عن إطلاله
وإنه الحيا عن سيقه فلقد كفى ... أرسال دمعي فيه عن إرساله
واسأل غزال كناسه هل عنده ... يرعى ذمامي أو أمر بباله
أم هل له بعد البعاد وخطبه ... علم بقلبي في هواه وحاله
وأظنه لم يدر ذل صبابتي ... وخضوع قلب هام أثر رحاله
وسلافتي قد غر عنه سلوة ... إذ ظل ملتهبا بعز جماله
تفديه مهجتي التي تلفت ولا ... ألفت سواه على دوام مطاله
وتقيه روحي ما يحاذره بلا ... منّ عليه لأنها من ماله
أترى ذرى إني أجن لهجره ... وأروح حلف كآبة لزياله
ويطير لبي كلما ذكر اسمه ... إذ كنت مشتاقا له كوصاله
وأبيت سهرانا أمثل طرفه ... متعللا عن قربه بمثاله
وأود لو بالعمر سامح مقلتي ... في النوم كي ألقى خيال خياله
لا ذقت يوما راحة من عاذل ... إذ كنت من يصغى إلى عذاله
وبقيت في نار الصدود معذبا ... ان كنت ملت لقيله ولقاله
فوحق طيب رضى الحبيب ووصله ... وبدر مبسمه ومسكة خاله
وبديع منظره وحسن حديثه ... ما مل قلبي حبه لملاله
واها على ماء العذيب وكيف لي ... بوروده والحتف دون مثاله
فلعل نارا في الضلوع ولوعة ... بحشاي أن تطفى ببرد زلاله
ولقد يحل عن اشتياقي ماءه ... إذ كان ورد الحب من سلساله
قسما على ماء الحياة بريقه ... شرفا فوا ظمأي للامع آله
قصيدة في رثاء الزهراء
(هذه القصيدة) للسيد في مرثية الزهراء عليها السّلام.(3/225)
ما لعبني قد غاب عنها كراها ... وعراها من عبرة ما عراها
الدار نعمت فيها زمانا ... ثم فارقتها فلم أغشاها
أم لحي باتوا بأقمار ليل ... يتجلى الدجى بضوء سناها
أم لخود عن بزة الطرف تهوا ... ني بصدق الوداد أو أهواها
أم لصافي المدام من مرة الطعم ... عفارة مشمولة اشقاها
حاش لله لست أطمع نفسي ... آخر العمر في اتباع هواها
بل بكائي بذكر من خصه الله ... تعالى بلطفه وحباها
ختم الله رسله بأبيها ... واصطفاه لوحيه واصطفاها
وحباها بالسيدين الإمامين ... الزكيين منه حين حباها
ولفكري في الصاحبين اللذين ... استحسنا ظلمها وما راعياها
نفيا بعلها من العقد والعهد ... وكان المنيب والأواها
واستبدا بأمره بادرها ... قبل دفن النبي وانتهزاها
وأتت فاطم تطلب بالإرث ... من المصطفى فما ورثاها
ليت شعري لما خولفت سنن ... القرآن فيها والله قد أبداها
رضى الناس إذ تلوها بما لم ... يرض فيها النبي حين تلاها
نسخت آية المواريث منها ... أم هما بعد فرضها بدلاها
أم ترى آية المودة لم تأت ... بود الزهراء في قرباها
ثم قالوا أبوك جاء بهذا ... حجة من عنادهم نصباها
قال للأنبياء حكم بان لا ... يورثوا في القديم وانتهراها
أفبنت النبي لم تدر من كان ... نبي الهدى بذلك فاها
بضعة من محمد لم تدر ما قال ... حاشا مولاتنا حاشاها
سمعته يقول ذاك وجاءت ... تطلب الإرث ظلة وسفاها
هي كانت لله اتقى فكانت ... تفضل الخلق عفة ونزاها
أو يقول النبي قد خالف القرآن ... ويح للأخبار ممن رواها
سل بإبطال قولهم سورة النمل ... وسل مريم التي قبل طاها
فهما ينبيان عن ارث يحيى ... وسليمان من أراد انتباها
فدعت واشتكت إلى الله من ذاك ... وفاضت بدمعها مقلتاها
ثم قالت فنحلة لي من وا ... لدي المصطفى فلم ينحلاها
فأقامت منها شهودا فقالوا ... بعلها شاهد لها وابناها
لم يجيزوا شهادة إبني رسول الله ... هادي الأنام إذ ناصباها(3/226)
لم يكن صادقا علي ولا فا ... طم عنده ولا ولداها
كان اتقى الله منهم عتيقا ... قبح القبائل المحال وشاها
جرعاها من بعد والدها الغيظ ... مرارا فبئس ما جرعاها
أهل بيت لم يعرفوا سنن الجور ... التباسا عليهم واشتباها
ليت شعري ما كان ضرهما ... الحفظ لعهد النبي لو حفظاها
كان اكرام خاتم الرسل الهادي ... البشير النذير لو أكرماها
إن فعل الجميل لم يأتياه ... وحسان الأخلاق ما اعتمداها
ولو ابتيع ذاك بالثمن الغالي ... لما ضاع في اتباع هواها
ولكان الجميل أن يقطعاها ... فدكا لا الجميل أن يقطعاها
أترى المسلمين كانوا يلومونهما ... في العطاء لو أعطياها
كان تحت الخضراء بنت نبي ... صادق ناطق أمين سواها
بنت من أم من حليلة من ... ويل من سن ظلما واذاها
ذاك ينبئك عن حقود صدور ... فاعتبرها في الفكر حين تراها
قل لنا أيها المجادل في القول ... عن الغاصبين إذ غصباها
أهما بعد ما تعمداها كما قلت ... بظلم كلا ولا اهتضماها
فلماذا إذ جهزت للقاء الله ... عند الممات لم يحضراها
شيعت نفسها ملائكة ... الرحمن رفقا بها وما شيعاها
كان هذا زهدا في أجرها أم ... عنادا لأبيها النبي لم يتبعاها
أم لأن البتول أوصت بأن لا ... يشهدا دفنها فما شهداها
أم أبوها أسر ذاك إليها ... فأطاعت بنت النبي أباها
كيف ما شئت قل كفاك فهذي ... فرية قد بلغت أقصى مداها
أغضباها وأغضبا عند ذاك ... الله رب السما إذ غصباها
وكذا أخبر النبي بأن الله ... يرضى سبحانه لرضاها
لا نبي الهدى أطيع ولا فاطمة ... كرمت ولا حسناها
وحقوق الوصي ضيع منها ... ما تسامى في فضله وتناها
تلك كانت حزازة ليس يبرى ... بين ردعانها وقد خطباها
وغدا المتقون والله يجزي ... كل نفس بغيها وهداها
فعلى ذلك الأساس بنت صا ... حبة الهودج المشوم بناها
وبذاك اقتدت أمية لما ... أظهرت حقدها على مولاها
لعنت بالشام سبعين عاما ... لعن الله كهلها وفتاها(3/227)
ذكروا مصرع المشايخ في بدر ... وقد ضمخ الوصي لحاها
وما جد من بعد بدر وقد ... أتعس فيها معاطسا وجباها
فاستجارت له الصفوف بصفين ... وجرت على الطفوف قناها
لو تمكنت بالطفوف مدى الدهر ... لقبلت ترابها وثراها
أدركت ثارها أمية في النار ... غدا في معاهدها تصلاها
أشكر الله إنني أتوالى ... عترة المصطفى واشنى عداها
ناطقا بالصواب لا أرهب الأعدا ... في جهنم ولا أخشاها
نج بها أيها الخد وعي واعلم ... إذا سئل الذي أنشداها
لك مغنى في النوح ليس يضاهي ... وهي تاج الشعر في معناها
قلتها للثواب والله يعطي الأجر ... فيها من قالها ورواها
مظهرا فضلهم بعزمة نفس ... بلغت من ودادهم منتهاها
فاستمعها من شاعر علوي ... حسني في فضلها لا تضاهى
تخميس قصيدة الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني
(القصيدة) للشيخ نجيب الدين رحمه الله تعالى مخمسا لقصيدة الشيخ حسن ابن الشيخ زين الدين قدس الله أرواحهم:
يا سادة حبهم ديني وإيماني ... جفى الكرى الأليم البعد أجفاني
وعهدكم وهو عندي عقد إيماني ... طول اغترابي بفرط الشوق اضناني
والبين في غمرات الواحد القاني
وللنوائب أدناني وقربني ... ومن أهيل الولا والود أبعدني
بالله دع كل خير ما يروعني ... يا بارقا من نواحي الحي عارضني
إليك عني فقد هيجت أشجاني
أضرمت في باطن الأحشا نار غضى ... يحكي تأججها فيها شواظ لظى
ذكرا بسالف عيش في الزمان مضى ... فما رأيتك في الآفاق معرضا
إلا وذكرني أهلي وأوطاني
ولا رأيت قفول الشام رائحة ... بل ما شممت لها في الأرض رائحة
إلا واضحت بسر العين نائحة ... ولا سمعت شجى الورقاء نائحة
في الأيك إلا وشبت منه نيراني
وجدت من سحب أجفاني تصبها ... كي ينطفي من فؤادي بعض لاهبها
يا ويح نفسي فلم تظفر بمطلبها ... كم ليلة من ليالي البين بت لها(3/228)
أرعى النجوم بطرفي وهو يرعاني
كأنهم لي من غمض العيون نهوا ... أو علقوا الجفن منها بالسماك فلو
أردت تطبقها ما استطعت ذاك ناؤا ... كان أيدي خطوب الدهر منذ نأوا
عن ناظري كحلت بالسهد أجفاني
يا حادي العيس هل حملت لي خبرا ... منهم فدمعي دما مما لقيت جرى
ووصف حالي كما تدري به وترى ... ويا نسيما سرى من حيهم سحر
في طيها نشر ذاك الزند والباني
لا بت مما عدا الأحباب يعنته ... وفيك من بعض ما تلقاه راحته
لولاك أودت به في الأرض غربته ... أحييت ميتا بأرض الشام مهجته
وفي العراق له يختل جثماني
وفي الحجاز غدا حينا وفي اليمن ... وفي ظفار وقبل الشحر في عدن
وحضرموت وأرض الفرس والدكن ... وكم جيت وكم قدمت في سجن
ما ذاك أول أحياء ولا الثاني
ضيعت عمري في الدنيا فوا لهفي ... والدين من قبل ذاننى على طرفي
كأنما الدهر مطبوع على تلفي ... شابت نواصي من وجدي فوا أسفي
على الشباب فشيبي قبل أتاني
والنفس من حر ما تلقاه حائرة ... والعين أيضا لحر الوجد ساهرة
فيا لها كرة أقسمت خاسرة ... والهف نفسي حصون البين عامرة
وربع قرب التلاقي ما له باني
إلى متى صرف هذا الدهر يقصدني ... وللمصائب والأحزان يسلمني
لا واخذ الله عمرا ليس يعذرني ... يا لائمي كم بهذا اللوم تزعجني
دعني فلومك قد والله أغراني
فهل رأيت محبا قد قلى قفلا ... أم هل سمعت بصب قد سلى فسلا
بتهتكي كلما مر الملام حلا ... لا يسكن الوجد ما دام الشباب ولا
تصفو المشارب لي ولا للبناني
هناك يسكن دمعي من تصببه ... وينطفي حر قلبي من تلهبه
ويستقر فؤادي من تكرمه ... في ربع أنسى الذي حل الشباب به
تمايمي وبه صحبي وخلاني
عن عترة ان ترم نيل السعادة من ... وأهله بوفور الإحترام فدن
واخفض لهم جانبا ترفع به وألن ... كم قد عهدت بهاتيك المعاهد من(3/229)
أخوان صدق لعمري أي أخوان
فخاننا الدهر والأيام خاينة ... وخيرها عن جميع الناس صاينة
فكم أحلت بنا للبين كامنة ... وكم نقصت لنا بالحي أزمنة
على المسرة في كرم وبستان
يا عادلي لست في عذلي بمنتبه ... لوم الملوم مصاب في مصائبه
فدع مقالك في دمعي وساكبه ... لم أدر حال النوى متى علقت به
واوقعتني بلومي قبل عرفاني
جملي بحال الهوى والعش يرفقني ... وليس لي منقذ عن ذاك يبعدني
ويلاه لو كانت ال. يام تتركني ... حتام دهري على ذا الهون تمسكني
هلا جنحت لتبريح وإحسان
يا ويح قلبي كم الآمال تكذبني ... لكنها من مهاوي اليأس تخرجني
وما التداوي بما أهوى فعللني ... أقسمت لولا رجاء القرب يسعفني
فكلما مت بالأشواق أحياني
وكلما نالني من نحره وضب ... أو حل من أذى يوذي به وصب
عللت نفسي فهذا كله وصب ... لكدت أقضي لها نجي ولا عجب
كم أهلك الوجد من شيب وشبان
أهيل ودي صلوا بالله عبدكم ... فقلبه كله والله عندكم
رقت لما بي العدى من بعد صدكم ... يا جيرة الحي قلبي بعد بعدكم
في حيرة بين أوصاب وأشجاني
مستوحش من سواكم عنه منهزم ... وساكن القلب أنتم فهو منحزم
وفي محبكم بالحرم مخترم ... يمضي الزمان عليه وهو ملتزم
بحيكم لم يذنيه بسلوان
مستمسك بعرى الود القديم كما ... عهدتم بل به زاد الهوى ونمى
لم يمض في غير ما ترضونه قدما ... باق على العهد راع في الذمام فما
ليوم عهدكم يوما بنسياني
لكن ذكراكم أوهى قوى جلدي ... وأجج النار في قلبي وفي كبدي
وزاد في حزني أيضا وفي كمدي ... فإن براني سقاني أو نأى رشدي
فلاعج الشوق ألهاني وأوهاني
والدهر ظلما على عهدي لقد حكما ... ولم أجد لي منه منصفا حكما
فإن أمت فجس الختم لي ختما ... وإن بكت مقلتي بعد الفراق دما
فمن تذكركم يا خير جيراني(3/230)
أخوان صدق لعمري أي أخوان
فخاننا الدهر والأيام خاينة ... وخيرها عن جميع الناس صاينة
فكم أحلت بنا للبين كامنة ... وكم نقصت لنا بالحي أزمنة
على المسرة في كرم وبستان
يا عادلي لست في عذلي بمنتبه ... لوم الملوم مصاب في مصائبه
فدع مقالك في دمعي وساكبه ... لم أدر حال النوى متى علقت به
واوقعتني بلومي قبل عرفاني
جملي بحال الهوى والعش يرفقني ... وليس لي منقذ عن ذاك يبعدني
ويلاه لو كانت ال. يام تتركني ... حتام دهري على ذا الهون تمسكني
هلا جنحت لتبريح وإحسان
يا ويح قلبي كم الآمال تكذبني ... لكنها من مهاوي اليأس تخرجني
وما التداوي بما أهوى فعللني ... أقسمت لولا رجاء القرب يسعفني
فكلما مت بالأشواق أحياني
وكلما نالني من نحره وضب ... أو حل من أذى يوذي به وصب
عللت نفسي فهذا كله وصب ... لكدت أقضي لها نجي ولا عجب
كم أهلك الوجد من شيب وشبان
أهيل ودي صلوا بالله عبدكم ... فقلبه كله والله عندكم
رقت لما بي العدى من بعد صدكم ... يا جيرة الحي قلبي بعد بعدكم
في حيرة بين أوصاب وأشجاني
مستوحش من سواكم عنه منهزم ... وساكن القلب أنتم فهو منحزم
وفي محبكم بالحرم مخترم ... يمضي الزمان عليه وهو ملتزم
بحيكم لم يذنيه بسلوان
مستمسك بعرى الود القديم كما ... عهدتم بل به زاد الهوى ونمى
لم يمض في غير ما ترضونه قدما ... باق على العهد راع في الذمام فما
ليوم عهدكم يوما بنسياني
لكن ذكراكم أوهى قوى جلدي ... وأجج النار في قلبي وفي كبدي
وزاد في حزني أيضا وفي كمدي ... فإن براني سقاني أو نأى رشدي
فلاعج الشوق ألهاني وأوهاني
والدهر ظلما على عهدي لقد حكما ... ولم أجد لي منه منصفا حكما
فإن أمت فجس الختم لي ختما ... وإن بكت مقلتي بعد الفراق دما
فمن تذكركم يا خير جيراني
ما قيل في الحسد من الشعر
(نقل) الشريف المرتضى (رض) عن بعضهم انه قال: أشعر أبيات قيلت في الحسدة والدعاء لهم بالكثرة أربعة (فأولها) قول الكميت من معروف الأسدي:
ان يحسدوك فإني غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرهم غيظا لما يجدوا
أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أتقي صدرا منهم ولا أردوا
لا ينقص الله حسادي فإنهم ... أشد عندي من اللايء له الورد
وقال عروة بن أذينة:
لا يبعد الله حسادي وزادهم ... حتى يموتوا بداء في مكنون
إني رأيتهم في كل منزلة ... أجل قدرا من اللائي يحبوني
وقال معن بن زائدة:
إني حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوما غير محسود
ما يحسد المرء إلا من فضائله ... بالعلم والحلم أو بالبأس والجود
(للشيخ) ماجد البحراني قدس الله سره:
جزى الله يوم التائي خبرا وإن قضى ... بتجريع نفس المرء هجر حبيبها
أبان لنا عن هجركم بفراقكم ... ويعرف قدر الشمس عند مغيبها
(للشيخ) حسن بن الشيخ زين الدين:
اختلف الأصحاب في محنتي ... وما الذي أوجب لي البلوى
فقيل طول البعد والنائي من ... نيل المنى من وصل من أهوى
وقيل لا بل صدغه لم يزل ... بالسحر يرمي القلب بالأسوا
وقيل سهما لحظه إذ رنى ... لم يخطيا من جسدي عضوا
وقيل ضعف الطرف والخصر إذ ... عليه قلب الصب لا يقوى
وقيل بل كل له مدخل ... فيها وعندي إنه الأقوى(3/231)
اختلف الأصحاب في محنتي ... وما الذي أوجب لي البلوى
فقيل طول البعد والنائي من ... نيل المنى من وصل من أهوى
وقيل لا بل صدغه لم يزل ... بالسحر يرمي القلب بالأسوا
وقيل سهما لحظه إذ رنى ... لم يخطيا من جسدي عضوا
وقيل ضعف الطرف والخصر إذ ... عليه قلب الصب لا يقوى
وقيل بل كل له مدخل ... فيها وعندي إنه الأقوى
الأحاديث الواردة في الحسد
(فائدة) قد نقل الأخبار وهي مستفيضة به أن الحسد من جملة الذنوب الموجبة لدخول النار وأنه يأكل الأعمال كما تأكل النار الحطب مع انه قد ورد في جملة من الأخبار إنه لا ينجو منه أحد بل يدل على انه من الأمور المجبلة في الطبيعة البشرية، مثل ما رواه الصدوق عطر الله مرقده في الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال:
رفع في أمتي تسعة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون به وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بالشفة.
قال شيخنا المجلسي قدس سره في كتاب السماء والعالم من البحار:
قوله صلى الله عليه وآله وسلّم «ما لم ينطق بشفة» قيد للثلاثة الأخيرة، وقد شرح الخبر بتمامه في كتاب العدل. إنتهى.
أقول: ما احتمله قدس الله سره لا يخلو من هذا كما سنشير إليه ان شاء الله تعالى. وروى الكافي بسنده عن أبي عبد الله عليه السّلام أنه قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق، والطيرة، والحسد لأن المؤمن من لا يستعمل حسده وروى الصدوق في كتاب الخصال بسنده عنه عليه السّلام ثلاث لم يفر منها نبي فمن دونه: الطيرة والحسد والتفكر في الوسوسة في الخلق.
وروى الشيخ ورام في مجموعته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: ثلاث لم ينج منها أحد الظن والطيرة والحسد، وسأحدثكم بالمخرج من ذلك إذا ظننت فلا تتحقق، فإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ.
قال شيخنا الصدوق: في كتاب الخصال بعد ذكر الخبر المتقدم نقله من الكتاب المذكور ما صورته: معنى الطيرة في هذا الموضع هو أن يتطير منهم قوم فأما هم عليهم السّلام فلا يتطيرون، وذلك كما قال الله تعالى عن قوم صالح: {قََالُوا اطَّيَّرْنََا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قََالَ طََائِرُكُمْ عِنْدَ اللََّهِ} وكما قال آخرون لأنبيائهم {إِنََّا تَطَيَّرْنََا بِكُمْ} الآية. وأما الحسد في هذا الموضع هو أن يحسد وأنهم يحسدون غيرهم وذلك كما قال الله عز وجل: {أَمْ يَحْسُدُونَ النََّاسَ عَلى ََ مََا آتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنََا آلَ إِبْرََاهِيمَ الْكِتََابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنََاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} وأما التفكر في الوسوسة في الخلق فهو بلواهم عليه السّلام بأهل الوسوسة لا غير ذلك كما حكى الله عن الوليد ابن المغيرة المخزومي: (إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر) يعني قال للقرآن: {إِنْ هََذََا إِلََّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} {إِنْ هََذََا إِلََّا قَوْلُ الْبَشَرِ} إنتهى.(3/232)
قال شيخنا المجلسي (ره): في البحار بعد نقل هذا الكلام: ما ذكره الصدوق وجيه متين في الخبر الذي رواه في الخصال، وأما سائر الأخبار المروية من طرق الخاصة والعامة المشتملة على المتممات فهذا الوجه لا يجري فيها إلا بتكليف كثير، والظاهر أن المراد بالطيرة فيها انفعال النفس مما تتشاءم به أو تأثيرها واقعا وحصول مقتضاها، والأول في المعصومين عليهم السّلام أظهر بأن يخطر ببالهم الشريف ثم يدفع أثرها بالتوكل وهذا لا ينافي العصمة، وأما الحسد فظاهره أن الحسد المذكور في الخاطر إذا لم يظهره لم يكن معصية، ولا استبعاد فيه فإنه أكثر الخلق ليس باختياري، ويمكن أن يراد به ما يعم الغبطة وتكون هذه هي الحاصلة فيهم إنتهى كلامه زيد اكرامه.
(أقول) وما يؤيد على بعد تأويل شيخنا الصدوق عطر الله مرقده في الحديث الذي ذكره في الخصال إنه لا مجال لحمل هذا المعنى الذي تحمل عليه من أن يكون مما يمكن حصوله للجميع لا بأن يحمل في حق المعصومين على معنى وفي حق غيرهم على آخر، وأما المعنى الأول الذي ذكره شيخنا المجلسي قدس سره فالظاهر بعده فإنه لا ريب أن الحسد من الصفات القلبية الذميمة وهي عبارة عن تمنيه ذهاب النعمة المحسود بها عن صاحبها وخاره منها، ولا مدخل لظهور الأثر في ذلك ويفصح عنه كلام العلماء الأعلام من أهل اللغة وغيرهم وقوله: «ولا استبعاد فيه» إلى آخره ممنوع، ودعوى أنه في أكثر الخلق ليس باختياري أظهر منعا. نعم ما ذكره من أن المعنى الثاني وهو الحمل على الغبطة التي هي عبارة عن تمني الإنسان تلك النعمة التي عليها المغبوط من غير أن يتمنى زوالها عنه هو الظاهر عندي، وعليه تحمل تلك الأخبار الدالة على أن الحسد لا يخلو منه أحد نبي فمن دونه، وذلك لمقتضى الجبلة البشرية والطبيعة الآدمية أن الإنسان متى رأى غيره في نعمة ومنزلة علية ولا سيما النعم الأخروية والمنازل العلية تاقت نفسه متى كان قاصرا عنها ومنحط الرتبة دونها أن يرزق ذلك وهو الذي يكون في أكثر الخلق بل في كل الخلق ليس باختياري لا المعنى الأول.
ويدل على ما ذكرناه بأوضح دلالة ما رواه شيخنا الصدوق قدس الله سره في كتاب عيون أخبار الرضا وغيره في حديث ذكر فيه ابتلاء آدم بالأكل من الشجرة قال فيه: إن الله سبحانه وتعالى قال له بعد أن نظر إلى ساق العرش عليه مكتوب «لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، فقال آدم: يا رب من هؤلاء؟ قال عز وجل: هؤلاء ذريتك وهم خير
منك ومن جميع خلقي، فلولا هم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء ولا الأرض فاياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك من جواري، فنظر إليهم بغير الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حوا لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة الحديث، ومثله حديث آخر في كتاب معاني الأخبار.(3/233)
ويدل على ما ذكرناه بأوضح دلالة ما رواه شيخنا الصدوق قدس الله سره في كتاب عيون أخبار الرضا وغيره في حديث ذكر فيه ابتلاء آدم بالأكل من الشجرة قال فيه: إن الله سبحانه وتعالى قال له بعد أن نظر إلى ساق العرش عليه مكتوب «لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، فقال آدم: يا رب من هؤلاء؟ قال عز وجل: هؤلاء ذريتك وهم خير
منك ومن جميع خلقي، فلولا هم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء ولا الأرض فاياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك من جواري، فنظر إليهم بغير الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حوا لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة الحديث، ومثله حديث آخر في كتاب معاني الأخبار.
وكيف كان فيجب تخصيص ذلك بما عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام فإن منزلتهم لما كانت أعلى المنازل عند الله عز وجل ولا منزلة أعلى منها فلا يحصل منهم حسد لأحد يتمنى منزلته إذ هي دون منازلهم، والإنسان لا يتمنى إلا ما فوق منزلته.
(لبعضهم):
قمر تكامل في نهاية سعده ... يحكي القضيب على رشاقة قده
البدر يطلع من بياض جبينه ... والشمس تغرب في شقائق خده
حاز الكمال بأسرها فكأنما ... حسن البرية كلها من عنده
(الآخر):
الورد في خده والدر في فيه ... والبدر عن وجهه في الحسن يحكيه
أقول قول زليخا في عواذلها ... فذلكن الذي لمتنني فيه
(عمر بن الورى):
ومليح إذا النجاة رواه ... فضلوه على بديع الزمان
برضاب عن المبرد يروي ... ونهود تروي عن الرمان
(وله أيضا) وقد كان جالسا في مجلس بعض القضاة فمر به صبي في اذنه قرط فيه لؤلؤة فقال:
مر بنا مقرط ... ووجهه يحكي القمر
قلت أبو لؤلؤة ... منه خذوا ثار عمر
(من شعر الحماسة):
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزير
ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
فما عظم الرجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير(3/234)
ضعاف الطير أطولها جسوما ... ولم تطل البزاة ولا الصقور
بغات الطير أكثرها فراشا ... وأم الصقر مفلاة نزور
لقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير
(قيل) لبعض الحكماء: ما بال القصار أدهى وأحدق؟ فقال: لقرب قلوبهم من أدمغتهم.
(أقول) ويؤيده قول أمير المؤمنين عليه السّلام في نهج البلاغة عند اختلاف الناس حيث قال: «وقريب الثغر بعيد السبر» قال الشارح ابن أبي الحديد: أي قد يكون الإنسان قصير القامة ومع ذلك داهية باقعة، والمراد بقرب ما بين طرفيه فليست بطنة عديدة ولا مستطيلة وهي ثغره، وإذا سبرته واختبرت ما عنده وجدته لبيبا فطنا لا يوقف على أسراره ولا يدرك باطنه إنتهى.
(صورة) خط الشيخ حسن من خط شيخنا الشهيد رحمة الله عليه ما صورته من خط مولانا نصير الدين مد ظله العالي:
وقف العذار على أوائل خده ... متحيرا كتحيري في صده
فقرأته فإذا عليه أسطر ... يا عاشقيه تزودوا من ورده
يا من حكى زهر الرياض بخده ... وحكى القصيب الخيزران بقده
دع عنك ذا السيف الذي قلدته ... عيناك أمضى من مضارب حده
كل السيوف بواتر مشهورة ... وحسام لحظك باتر في غمده
يا محسنا إلا إلي منعما ... إلا علي ومخالفا في وعده
لا تسمعن قول الوشاة فإنما ... نقل الحديث إلى الحبيب بضده
(نقل) عن بعض أهل الأدب انه قال: خرجت إلى بعض نواحي البصرة فإذا أنا بامرأة لم أر بأجمل منها فقلت: أيتها المرأة أذات زوج أنت؟ فقالت: وما ذاك؟
فقلت: لنا فيه رأي. فقالت: أو كأنك تخطبني؟ قال: فقلت: نعم. قالت: وما تصنع بي وفي رأسي شيء لا أراك ترضيه قلت: نعم، وما هو؟ قالت: شيب.
قال: فثنيت عنان دابتي راجعا، فقالت: قف حتى أخبرك شيئا، فوقفت وقلت: ما هو؟، قالت: والله العظيم ما بلغت العشرين بعد وهذا رأسي وكشفت عن عناقيد كالليل الأسود وما رأيت في رأسها بياضا ثم قالت: أحببت أن تعلم أنا نكره منك ما تكره منا ثم انشأت تقول:
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهن من الرجال
قال: فرجعت والله خجلا كاسف البال أردد قول الشاعر:(3/235)
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهن من الرجال
قال: فرجعت والله خجلا كاسف البال أردد قول الشاعر:
فجعلت أطلب وصلها بتملق ... والشيب يأمرها بأن لا تفعل
تفضيل علي على الخلق عند عمر بن عبد العزيز
(كتاب) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي من رواية ابن الكلبي قال: بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه إذ دخل حاجبه ومعه امرأة أدماء طويلة حسنة الجسم والقامة ورجلان متعلقان بها ومعها كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر، فدفعوا إليه الكتاب ففضه وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران سلام الله عليك ورحمة الله وبركاته. أما بعد: فإنه ورد علينا أمر ضاقت به الصدور وعجزت عنه الأوساع وهربنا بأنفسنا عنه ووكلنا إلى عالمه لقول الله عز وجل: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى ََ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وهذه المرأة والرجلان أحدهما زوجها والآخر أبوها، وإن أباها يا أمير المؤمنين زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب خير الأمة وأولاها برسول الله، وإنه يزعم أن ابنته طلقت وأنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه صهرا وهو يعلم انها حرام عليه كأمه، وأن الزوج يقول له: كذبت وأثمت لقد بر قسمي وصدقت مقالتي وأنها امرأتي على رغم أنفك وغيظ قلبك، واجتمعوا لي يختصمون لي في ذلك فسألت الرجل عن يمينه فقال:
نعم قد كان ذلك وقد حلفت بطلاقها إن عليا خير الأمة وأولاها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عرفه من عرفه وأنكره من أنكره فليغضب من غضب وليرض من رضي، وتسامع الناس بذلك فاجتمعوا له وإن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى، وقد علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله، وإنهما تعلقا بها وأقسم أبوها أن لا يدعها معه وأقسم زوجها أن لا يفارقها ولو ضربت عنقه إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والإمتناع منه، فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين أحسن الله توفيقك وأرشدك وكتب في أسفل الكتاب:
إذا ما المشكلات وردن يوما ... فحارت في تأملها العيون
وضاق القوم ذرعا عن بناها ... فأنت لها أبا حفص أمين
لأنك قد حويت العلم طرّا ... وأحكمك التجارب والسنون
وخلفك الاله على الرعايا ... فحظك فيهم الحظ الثمين
قال: فجمع عمر بني هاشم وبني أمية وأفخاذ قريش ثم قال لأب المرأة: ما تقول أيها الشيخ؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا الرجل زوجته ابنتي وجهزته إليها بأحسن ما يجهز به مثلها حتى إذا أملت خيره ورجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا ثم أراد الإقامة معها. فقال له عمر: يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف؟(3/236)
إذا ما المشكلات وردن يوما ... فحارت في تأملها العيون
وضاق القوم ذرعا عن بناها ... فأنت لها أبا حفص أمين
لأنك قد حويت العلم طرّا ... وأحكمك التجارب والسنون
وخلفك الاله على الرعايا ... فحظك فيهم الحظ الثمين
قال: فجمع عمر بني هاشم وبني أمية وأفخاذ قريش ثم قال لأب المرأة: ما تقول أيها الشيخ؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا الرجل زوجته ابنتي وجهزته إليها بأحسن ما يجهز به مثلها حتى إذا أملت خيره ورجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا ثم أراد الإقامة معها. فقال له عمر: يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف؟
فقال الشيخ: سبحان الله الذي حلف عليه لا بين خشا وان صح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك مع سني وعلمي لأنه زعم أن عليا خير الأمة وإلا فامرأته طالق ثلاثا. فقال للزوج: ما تقول هكذا حلفت؟ قال: نعم. فقيل: إنه لما قال: نعم كاد المجلس يرتج بأهله وبنو أمية ينظرون إليه شزرا إلا إنهم لم ينطقوا بشيء كل ينظر إلى وجه عمر فأكب عمر مليّا ينكت الأرض والقوم صامتون ينظرون ما يقول ثم رفع رأسه وقال:
إذا ولى الحكومة بين قوم ... أصاب الحق والتمس السدادا
وما خير الأنام إذا تعدى ... خلاف الحق واجتنب الرشادا
ثم قال للقوم: ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا فقال سبحان الله قولوا. فقال رجل من بني أمية: هذا حكم في فروج ولسنا نجترىء على القول فيه وأنت عالم بالقول مؤتمن لهم وعليهم. فقال: قل ما عندك فإن القول ما لم يكن يحق باطل أو يبطل حقّا جائز علي بمجلسي. قال: لا أقول شيئا، فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب فقال: وما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي؟ فاغتنمها فقال: يا أمير المؤمنين ان جعلت قولي حكما وحكمي جائزا قلت: وإن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي وأبقى للمودة قال: قل وقولك حكم وحكمك نافذ، فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا: ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا ونحن من لحمتك وأولي رحمك فقال عمر: اسكتوا عجزا ولو ما عرضت ذلك إليكم آنفا فما انتدبتم به. قالوا: إنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي ولا حكمنا. فقال عمر: إن كان أصاب وأخطأتم وحزم وعجزتم وأبصر وعميتم فما ذنب عمر لا أبا لكم أتدرون ما مثلكم؟ قالوا: لا ندري قال: لكن العقيلي يدري. ثم قال: ما تقول يا رجل؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، مثلهم كما قال الأول:
دعيتم إلى أمر فلما عجزتم ... تناوله من لا يداخله عجز
فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم ... نداما وهل يغني من الحذر والحوز
قال عمر: أحسنت وأصبت فقال ما سألتك عنه. قال: يا أمير المؤمنين بر
قسمه ولم تطلق امرأته. قال: وإني علمت ذلك. قال: أنشدتك الله يا أمير المؤمنين ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال لفاطمة وهو عندها في بيتها عائدا لها: يا بنية ما علتك؟ قالت: الوعك يا أبتاه. وكان علي غائبا في بعض حوائج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال لها: أتشتهين شيئا؟ قالت: نعم أشتهي عنبا وأنا أعلم إنه عزيز وليس وقت عنب، فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: إن الله قادر أن يجيئنا به، ثم قال: اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة، فطرق علي الباب ودخل ومعه مكتل قد القى عليه طرف ردائه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ما هذا يا علي؟ فقال: عنب التمسته إلى فاطمة. فقال: الله أكبر الله أكبر اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء إبنتي، ثم قال:(3/237)
دعيتم إلى أمر فلما عجزتم ... تناوله من لا يداخله عجز
فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم ... نداما وهل يغني من الحذر والحوز
قال عمر: أحسنت وأصبت فقال ما سألتك عنه. قال: يا أمير المؤمنين بر
قسمه ولم تطلق امرأته. قال: وإني علمت ذلك. قال: أنشدتك الله يا أمير المؤمنين ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال لفاطمة وهو عندها في بيتها عائدا لها: يا بنية ما علتك؟ قالت: الوعك يا أبتاه. وكان علي غائبا في بعض حوائج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال لها: أتشتهين شيئا؟ قالت: نعم أشتهي عنبا وأنا أعلم إنه عزيز وليس وقت عنب، فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: إن الله قادر أن يجيئنا به، ثم قال: اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة، فطرق علي الباب ودخل ومعه مكتل قد القى عليه طرف ردائه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ما هذا يا علي؟ فقال: عنب التمسته إلى فاطمة. فقال: الله أكبر الله أكبر اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء إبنتي، ثم قال:
كلي على بركة الله تعالي يا بنية، فأكلت وما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حتى استقلت وبرئت.
فقال له عمر: صدقت وبررت اشهد لقد سمعته ووعيته يا رجل خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه بالسيف، ثم قال: يا بني عبد مناف والله ما نجهل ما يعلم غيرنا ولا بناعمي في ديننا ولكنك كما قال الأول:
تصيدت الدنيا رجالا بفخها ... فلم يدركوا خيرا بل استحقبوا شرا
وأعماهم حب الغنا فأصمهم ... فلم يدركوا إلا الخسارة والوزرا
قيل: فكأنما ألقم بنو أمية حجرا ومضى الرجل بامرأته وكتب عمر إلى ميمون ابن مهران. «سلام الله عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإني قد فهمت كتابك وورد الرجلان والمرأة وقد صدق الله يمين الزوج وبر قسمه وأثبته على نكاحه واستيقن ذلك واعمل عليه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته».
بعض معتقدات النظامية
كتاب: الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني «النظامية» أصحاب إبراهيم بن سيار بن هانىء النظام، قد طالع كثيرا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة وانفرد عن أصحابه بمسائل «الأولى» أن قال: الحادية عشرة ميله إلى الرفض ووقيعته في كبار الصحابة. قال: أولا لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا وقد نص النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على علي عليه السّلام في مواضع وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة إلا أن عمر كتم ذلك، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة ونسبه إلى الشك يوم الحديبية في سؤاله عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم حين قال: أليسوا على الحق أليسوا على الباطل؟ قال: نعم. قال: فلم نعط الدنية في ديننا.(3/238)
وقال: هذا شك في الدين ووجدان حرج في النفس مما قضى وحكم وزاد في الفرية. فقال: ان عمر ضرب بطن فاطمة عليها السّلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها وكان يصيح أحرقوها بمن فيها وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.
وقال: تغريبه نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة وابداعه التراويح ونهيه عن متعة الحج ومصادرته العمال كل ذلك أحداث، ثم وقع في عثمان وذكر أحداثه من رده الحكم بن أمية إلى المدينة وهو طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ونفيه أبا ذر إلى الربذة وهو صديق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وتقليده الوليد الكوفة وهو من أفسد الناس ومعاوية الشام وعبد الله بن عامر البصرة وتزويجه مروان بن الحكم ابنته وهم أفسدوا الأمر عليه وضربه عبد الله بن مسعود على إحضار المصحف وعلى القول الذي شافهه به كل ذلك أحداثه، ثم زاد على خزيه ذلك أن عليّا غاب وعبد الله بن مسعود لقولهما أقول فيها برأي، وكذب ابن مسعود في روايته «السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه» وفي روايته انشقاق القمر وتشبيه الجن بالبط وقد أنكروا الجن رأسا إلى غير ذلك من الوقيعة الفاحشة في الصحابة (رض) إنتهى.
نبذة من عقائد الزيدية
(ومن) الكتاب المذكور قال: (الزيدية) اتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي «رض» ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرها إلا انهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة يكون إماما واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين «رض» ومن هذا قالت طائفة منهم بإمامة محمد وإبراهيم الإمامين إبني عبد الله بن الحسن اللذين خرجا في أيام المنصور وقتلا على ذلك، وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهم واجب الطاعة.
وزيد بن علي لما كان مذهبه هذا المذهب أراد أن يحصل الأصول والفروع حتى يتحلا بالعلم فتلمذ في الأصول لواصل بن عطا الغزال رأس المعتزلة، مع اعتقاد واصل أن جده علي بن أبي طالب في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأصحاب الشام ما كان على يقين من الصواب وإن أحد الفريقين منهم كان على الخطأ لا بعينه، فاقتبس منه الإعتزال وصار أصحابه كلهم معتزلة، وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل.(3/239)
فقيل: كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين نائرة الفتنة وتطييب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا وسيف أمير المؤمنين عليه السّلام من دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجف بعد والضغائن في صدور القوم من طلب الثار كما هي، فما كانت الملوك تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، وكانت المصلحة أن يقوم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام والقرب من رسول الله.
ألا ترى إنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر عمر بن الخطاب زعق الناس «لقد وليت علينا فظا غليظا» فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر لشدته ولصلابته وغلظه في الدين وفضاضته على الأعداء حتى سكتهم أبو بكر كذلك ان كان يجوز أن يكون المفضول إماما والأفضل قائما فيراجع في الأحكام ويحكم بحكمه في القضايا.
ولما سمعت شيعة الكوفة هذه الحال منه وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين فرفضوه حتى أتى قدره عليه فسميت رافضة، وجرى بينه وبين أخيه محمد الباقر (رض) مناظرات لا من هذا الوجه بل من حيث كان تلميذا لواصل بن عطاء وتقييس العلم فمن يجوز الخطأ على جده في قتال الناكثين والقاسطين ومن يتكلم في القدر على غير ما يذهب إليه أهل البيت ومن حيث انه كان شرط الخروج شرطا في كون الإمام إماما حتى قال له يوما على قضيته مذهبك والذي ليس بإمام فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج.
ولما قتل يزيد بن علي وصلب قام بالإمامة بعده ابن زيد ومضى إلى خراسان واجتمعت عليه جماعة كثيرة، وقد وصل إليه الخبر عن الصادق عليه السّلام جعفر بن محمد بأنه يقتل كما قتل أبوه ويصلب كما صلب فجرى عليه الأمر كما أخبر، وقد فوض الأمر بعده إلى ابنيه محمد وإبراهيم الإمامين وخرجا بالمدينة ومضى إبراهيم إلى البصرة واجتمع الناس عليهما فقتلا أيضا وأخبرهم الصادق عليه السّلام بجميع ما تم عليهم وعرفهم أن أباه أخبره بذلك وأن بني أمية يتطاولون على الناس حتى لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، وهم يستشعرون بعض أهل البيت ولا يجوز أن يخرج واحد من أهل البيت حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم، وكان يشير إلى أبي العباس وأبي جعفر ابني محمد بن علي بن عبد الله بن العباس «إنا لا نخوض في هذا الأمر حتى يتلاعب به هذان وأولادهما» فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة قتله
هشام بن عبد الملك، ويحيى بن زيد قتل بجورجان خراسان قتله أميرها، ومحمد الإمام قتله عيسى بن هامان بالمدينة، وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة أمر بقتلهما المنصور، ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الأطروش فطلب مكانه ليقتل فاختفى واعتزل إلى بلاد الديلم والجبل ولم يتحلوا بدين الإسلام بعد، فدعى الناس دعوة إلى دين الإسلام على مذهب زيد بن علي فدانوا بذلك ومشوا عليه وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين فكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلي أمرهم، وخالف بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الأصول ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول وطعنت في الصحابة طعن الإمامية، وهم أصناف ثلاثة جارودية، وسليمانية، وتبرية. والصالحية منهم والنبرية على مذهب واحد.(3/240)
ولما قتل يزيد بن علي وصلب قام بالإمامة بعده ابن زيد ومضى إلى خراسان واجتمعت عليه جماعة كثيرة، وقد وصل إليه الخبر عن الصادق عليه السّلام جعفر بن محمد بأنه يقتل كما قتل أبوه ويصلب كما صلب فجرى عليه الأمر كما أخبر، وقد فوض الأمر بعده إلى ابنيه محمد وإبراهيم الإمامين وخرجا بالمدينة ومضى إبراهيم إلى البصرة واجتمع الناس عليهما فقتلا أيضا وأخبرهم الصادق عليه السّلام بجميع ما تم عليهم وعرفهم أن أباه أخبره بذلك وأن بني أمية يتطاولون على الناس حتى لو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، وهم يستشعرون بعض أهل البيت ولا يجوز أن يخرج واحد من أهل البيت حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم، وكان يشير إلى أبي العباس وأبي جعفر ابني محمد بن علي بن عبد الله بن العباس «إنا لا نخوض في هذا الأمر حتى يتلاعب به هذان وأولادهما» فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة قتله
هشام بن عبد الملك، ويحيى بن زيد قتل بجورجان خراسان قتله أميرها، ومحمد الإمام قتله عيسى بن هامان بالمدينة، وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة أمر بقتلهما المنصور، ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان ناصر الأطروش فطلب مكانه ليقتل فاختفى واعتزل إلى بلاد الديلم والجبل ولم يتحلوا بدين الإسلام بعد، فدعى الناس دعوة إلى دين الإسلام على مذهب زيد بن علي فدانوا بذلك ومشوا عليه وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين فكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلي أمرهم، وخالف بني أعمامهم من الموسوية في مسائل الأصول ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول وطعنت في الصحابة طعن الإمامية، وهم أصناف ثلاثة جارودية، وسليمانية، وتبرية. والصالحية منهم والنبرية على مذهب واحد.
(الجارودية) أصحاب أبي الجارود، زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نص على علي عليه السّلام بالوصف دون التسمية والإمام بعده علي، والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم ففكروا بذلك. وقد خالف أبو الجارود في هذه المقالة إمامة زيد بن علي فإنه لم يعتقدها هذا الاعتقاد.
واختلف الجارودية في التوقف والسوق فساق بعضهم الإمامة من علي إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم علي بن الحسين ثم إلى زيد بن علي ثم منه إلى الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وقالوا بإمامته، وكان أبو حنيفة على بيعته ومن جملة شيعته حتى رفع الأمر إلى المنصور فحبسه حبس الأبد حتى مات في الحبس.
وقيل: إنه إنما بايع محمد بن عبد الله الإمام في أيام المنصور ولما قتل محمد بالمدينة بقي الإمام أبو حنيفة على تلك البيعة يعتقد موالات أهل البيت فرفع حاله إلى المنصور فتم عليه ما تم.
والذين قالوا بإمامة محمد الإمام اختلفوا: فمنهم من قال: إنه لم يقتل وهو بعد حي وسيخرج فيملأ الأرض عدلا، ومنهم من أقرّ بموته وساق الإمامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن الحسين بن علي صاحب الطالقان وقد أسر في أيام المعتصم وحمل إليه فحبسه في داره حتى مات، ومنهم من قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة فخرج ودعا الناس واجتمع عليه خلق كثير وقتل في أيام المستعين وحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر حتى قال فيه بعض العلوية:
قتلت أعز من ركب المطايا ... وجئتك استلينك في الكلام
وعز علي أن ألقاك إلا ... وفيما بيننا حد الحسام
وهو يحيى بن عمرو بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي.(3/241)
والذين قالوا بإمامة محمد الإمام اختلفوا: فمنهم من قال: إنه لم يقتل وهو بعد حي وسيخرج فيملأ الأرض عدلا، ومنهم من أقرّ بموته وساق الإمامة إلى محمد بن القاسم بن علي بن الحسين بن علي صاحب الطالقان وقد أسر في أيام المعتصم وحمل إليه فحبسه في داره حتى مات، ومنهم من قال بإمامة يحيى بن عمر صاحب الكوفة فخرج ودعا الناس واجتمع عليه خلق كثير وقتل في أيام المستعين وحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر حتى قال فيه بعض العلوية:
قتلت أعز من ركب المطايا ... وجئتك استلينك في الكلام
وعز علي أن ألقاك إلا ... وفيما بيننا حد الحسام
وهو يحيى بن عمرو بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي.
وأما أبو الجارود فكان يسمى (سرحوب) سماه بذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر (رض) وسرحوب شيطان أعمى يسكن البحر بليغ قاله الباقر: تفسيرا.
ومن أصحاب أبي الجارود فضيل الرسان وأبو خالد الواسطي، وهم مختلفون في الأحكام والسير فزعم بعضهم أن علم ولد الحسن والحسين كعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيحصل العلم قبل العلم فطرة وضرورة، وبعضهم يزعم أن العلم مشترك فيهم وفي غيرهم وجائز أن يؤخذ عنهم وعن غيرهم من العامة.
(السليمانية) أصحاب سليمان بن جرير، وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلق ويصح أن ينعقد بعقد رجلين من أخيار المسلمين وأنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل، وأثبت إمامة أبي بكر وعمر حقا باختيار الأمة حقا اجتهاديّا، وربما كان يقول إن الأمة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي خطأ لا يبلغ درجة الفسق وذلك الخطأ خطأ إجتهادي، غير أنه طعن في عثمان للأحداث الذي أحدثها وكفره بذلك وكفر عائشة والزبير وطلحة باقدامهم على قتال علي.
ثم انه طعن في الرافضة فقال: إن أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط عليهم (أحدهما) القول بالبداء فإذا أظهروا قولا إنه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا: بدأ لله تعالى في ذلك. (والثانية) التقية وكلما أرادوا تكلموا به فإذا قيل لهم ذلك ليس بحق وظهر لهم البطلان قالوا: إنما قلناه تقية وفعلناه تقية. وتابعه على القول بجواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل قوم من المعتزلة منهم جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وكثير النوى، وهو من أصحاب الحديث قالوا الإمامة من مصالح الدين الذي ليس يحتاج إليها لمعرفة الله تعالى وتوحده فإن ذلك حاصل بالعقول لانها تحتاج إليها لإقامة الحدود والقضاء بين المتحاكمين وولاية اليتامى والأيامى وحفظ البيضة واعلاء الكلمة ونصب القتال مع أعداء الدين، وحتى يكون المسلمين جماعة ولا يكون فوضى بين العامة، فلا يشترط فيها أن يكون الإمام أفضل الأئمة علما وأقدمهم رأيا وحكما، إذ الحاجة تنسد بقيام المفضول مع وجود الفاضل والأفضل.
ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك حتى جوزوا أن يكون الإمام غير
مجتهد ولا خبير بمواقع الإجتهاد، ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الإجتهاد فيراجعه في أحكامه ويستغني منه في الحلال والحرام، ويجب أن يكون في الجملة ذا رأي متين وبصر في الحوادث نافذ.(3/242)
ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك حتى جوزوا أن يكون الإمام غير
مجتهد ولا خبير بمواقع الإجتهاد، ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الإجتهاد فيراجعه في أحكامه ويستغني منه في الحلال والحرام، ويجب أن يكون في الجملة ذا رأي متين وبصر في الحوادث نافذ.
الصالحية: أصحاب الحسن بن صالح بن حي والبترية أصحاب كثير النوري الأبتر وهما متفقان في المذاهب، وقولهم في الإمامة كقول السليمانية إلا انهم توقفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر؟ قالوا: إذا سمعنا الأخبار الواردة في كونه من العشرة المبشرين بالجنة قلنا يجب أن نحكم بصحة إيمانه وإسلامه وإذا رأينا الأحداث الذي أحدثها من اشتهاره بتربيته بني أمية وبني مروان واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة قلنا يجب أن يحكم بكفره، فتحيرنا في أمره وتوقفنا في حاله ووكلناه إلى أحكم الحاكمين.
وأما علي فهو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأولاهم بالإمامة لكنه سلم الأمر لهم راضيا وفوض الأمر إليهم طائعا وترك حقه راغبا، فنحن راضون بما رضي مسلمون لما سلم لا يحل لنا غير ذلك ولو لم يرض علي بذلك لكان أبو بكر هالكا وهم الذين جوزوا إمامة المفضول وتأخير الفاضل والأفضل إذا كان الأفضل راضيا بذلك وقالوا: من شهر سيفين من أولاد الحسن والحسين عليهما السّلام وكان عالما زاهدا شجاعا فهو الإمام، وشرط بعضهم صاحبة الوجه، ولهم خبط عظيم في إمامين وجد فيهما هذه الشرائط وشهرا سيفيهما ينظر إلى الأفضل والأزهد وان تساويا ينظر إلى الأمتن رأيا والأحزم، وإن تساويا وتقابلا ينقلب الأمر عليهم كلا ويعود الطلب جذعا والإمام مأمورا والأمير مأموما، ولو كانا في قطرين انفرد كل واحد منهما بقطر ويكون واجب الطاعة في قومه، ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي به الآخر كان كل واحد منهما مصيبا وإن أفتي باستحلال دم الإمام الآخر.
وأكثرهم في زماننا مقلدون لا يرجعون إلى رأي واجتهاد. أما في الأصول فيرون رأي المعتزلة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ويعظمون أئمة الإعتزال أكثر من تعظيمهم أئمة أهل البيت، وأما في الفروع فهم على مذهب أبي حنيفة إلا في مسائل قليلة يوافقون فيها الشافعي إنتهى.
أقول: لا يخفى عليك أن ما نسبه إلى زيد بن علي (رض) من تلمذه على واصل بن عطا ومخالفته لمذهب آبائه عليهم السّلام فيما نقله عنه فرية بلا مرية، فإن الأخبار المروية عن الصادق عليه السّلام في حقه مما تؤذن بصحة عقيدته وإنه على مذهب آبائه، وأن خروجه (رض) ليس إلا لطلب الحق إلى الرضا من آل
محمد عليه السّلام ويدلك على بطلان كلامه بأوضح دلالة ما نقله من مناظرة الباقر عليه السّلام له في الإمامة من قوله له على قضية مذهبك ووالدك ليس بإمام فإن زيدا (رض) إنما خرج بعد موت أخيه الباقر عليه السّلام في زمان الصادق عليه السّلام بعد أن دخل على هشام بن عبد الملك وجرى له معه ما جرى كما هو مذكور في كتب السير ولم يكن يتحدث بالخروج قبل ذلك.(3/243)
أقول: لا يخفى عليك أن ما نسبه إلى زيد بن علي (رض) من تلمذه على واصل بن عطا ومخالفته لمذهب آبائه عليهم السّلام فيما نقله عنه فرية بلا مرية، فإن الأخبار المروية عن الصادق عليه السّلام في حقه مما تؤذن بصحة عقيدته وإنه على مذهب آبائه، وأن خروجه (رض) ليس إلا لطلب الحق إلى الرضا من آل
محمد عليه السّلام ويدلك على بطلان كلامه بأوضح دلالة ما نقله من مناظرة الباقر عليه السّلام له في الإمامة من قوله له على قضية مذهبك ووالدك ليس بإمام فإن زيدا (رض) إنما خرج بعد موت أخيه الباقر عليه السّلام في زمان الصادق عليه السّلام بعد أن دخل على هشام بن عبد الملك وجرى له معه ما جرى كما هو مذكور في كتب السير ولم يكن يتحدث بالخروج قبل ذلك.
وبالجملة فأهل البيت عليهم السّلام أدرى بالذي فيه وأعلم بما في باطنه وخوافيه، واخبارهم بمدح زيد والرضا عنه مستفيضة كما لا يخفى على من راجعها.
وأما الزيدية القائلون بإمامته فهم عند الأئمة عليه السّلام في عداد النصاب بلا شك ولا ارتياب كما صرحت به أخبارهم المنقولة في كتاب الكشي وغيره.
الإختلاف في المذاهب بعد علي عليه السّلام
ومن الكتاب المذكور: قال: الخلاف العاشر في زمان أمير المؤمنين عليه السّلام بعد الاتفاق عليه وعقد البيعة له فأولا خروج طلحة والزبير إلى مكة ثم حمل عائشة إلى البصرة ثم نصب القتال معه ويعرف ذلك بحرب الجمل، والحق انهما رجعا وتابا إذ ذكرهما أمرا فذكرا، فأما الزبير فقتله ابن جرموز فعرض وقت الانصراف وهو في النار لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «بشر قاتل ابن صفية بالنار»، وأما طلحة فرماه مروان ابن الحكم بسهم وقت الاعراض فخر ميتا، وأما عائشة فكانت محمولة على ما فعلت ثم تابت بعد ذلك ورجعت، والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفين ومخالفة الخوارج وحمله على التحكيم ومغادرة عمر بن العاص أبا موسى الأشعري وبقاء الخلاف إلى وقت الوفات مشهور. وكذلك الخلاف بينه وبين الشراة المارقين بالنهروان عقدا وقولا ونصب القتال معه فعلا ظاهر معروف.
وبالجملة كان علي (رض) مع الحق والحق معه وظهر في زمانه الخوارج عليه مثل الأشعث بن قيس ومسعود بن فدكي التميمي وزيد بن حسين الطائي، وكذلك ظهر في زمانه الغلاة في حقه مثل عبد الله بن سبأ وجماعة معه ومن الفريقين ابتدأت البدعة والضلالة وصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «يهلك فيك اثنان محب غال ومبغض قال» وانقسمت الإختلافات بعده إلى قسمين: احدهما الاختلاف في الإمامة، والثاني الاختلاف في الأصول. والاختلاف في الإمامة على وجهين:
أحدهما القول بأن الإمامة تثبت بالاتفاق قال: بإمامة كل من اتفقت عليه الامة أو جماعة معتبرة من الأمة اما مطلقا واما بشرط أن يكون قرشيا على مذهب قوم او
بشرط أن يكون هاشميا على مذهب قوم إلى شرائط أخرى كما سيأتي ومن قال:(3/244)
أحدهما القول بأن الإمامة تثبت بالاتفاق قال: بإمامة كل من اتفقت عليه الامة أو جماعة معتبرة من الأمة اما مطلقا واما بشرط أن يكون قرشيا على مذهب قوم او
بشرط أن يكون هاشميا على مذهب قوم إلى شرائط أخرى كما سيأتي ومن قال:
بالأول قال: بإمامة معاوية وأولاده وبعده بخلافة مروان وأولاده والخوارج اجتمعوا في كل زمان على واحد منهم بشرط أن يبقى على مقتضى اعتقادهم ويجري على سنن العدل في معاملاتهم وإلا خذلوه وخلعوه وربما قتلوه ومن قال: بأن الإمامة تثبت بالنص اختلفوا بعد علي فمنهم من قال: إنما نص على ابنه محمد بن الحنفية وهؤلاء هم الكيسانية، ثم اختلفوا بعده فمنهم من قال: إنه لم يمت فيرجع ويملأ العالم عدلا ومنهم من قال إنه مات وانتقلت الإمامة بعده إلى ابنه أبي هاشم، وافترقت هؤلاء أيضا فمنهم من قال: الإمامة بقيت في عقبه وصية بعد وصية ومنهم من قال: انتقلت إلى غيره، واختلفوا في ذلك الغير فمنهم من قال: هو بنان بن سمعان النسري ومنهم من قال: هو علي بن عبد الله بن عباس ومنهم من قال: هو عبد الله بن عمر بن حرب الكندي ومنهم من قال: هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء كلهم يقولون إن الدين طاعة رجل، ويتناولون أحكام الشرع كلها على شخص معين كما سيأتي مذاهبهم.
وأما من لم يقل بالنص على محمد بن الحنفية قال: بالنص على الحسن والحسين عليهما السّلام وقال: لا إمامة في الآخرين إلا الحسن والحسين عليهما السّلام، ثم هؤلاء اختلفوا فمنهم من أجرى الإمامة في أولاد الحسن فقال: بعده بإمامة ابنه الحسن ثم ابنه عبد الله ثم ابنه محمد ثم أخيه إبراهيم الإمامين، وقد خرجا في أيام المنصور وقتلا في أيامه ومن هؤلاء من يقول برجعة محمد الإمام، ومنهم من أجرى الوصية في أولاد الحسين عليه السّلام وقال: بعده في إمامة ابنه علي زين العابدين نصّا عليه، ثم اختلفوا بعده فقالت الزيدية بإمامة ابنه زيد ومذهبهم أن كل فاطمي خرج وهو عالم شجاع زاهد سخي كان إماما واجب الإتباع، وجوزوا رجوع الإمامة إلى أولاد الحسن، ثم منهم من وقف وقال: بالرجعة ومنهم من ساق وقال بإمامة كل من هذا حاله، وسيأتي تفصيل مذاهبهم.
وأما الإمامية فقالوا بإمامة محمد بن علي الباقر عليه السّلام نصّا عليه ثم بإمامة جعفر بن محمد وصية إليه ثم اختلفوا في أولاده من المنصوص عليهم وهم خمسة محمد وإسماعيل وعبد الله وموسى وعلي، فمنهم من قال: بإمامة محمد وهم العمارية ومنهم من قال: بإمامة إسماعيل وأنكر موته في حياة أبيه وهم المباركية، ومن هؤلاء من وقف عليه وقال: برجعته، ومنهم من ساق الإمامة في أولاده نصّا بعد نص إلى يومنا هذا وهم الإسماعيلية، ومنهم من قال: بإمامة عبد الله الأفطح
وقال: برجعته بعد موته لأنه مات ولم يعقب، ومنهم من قال: بإمامة موسى نصا عليه إذ قال والده سابعكم قائمكم إلا وهو سمي صاحب التوراة، ثم اختلفوا فمنهم من اقتصر عليه وقال: برجعته إذ قال: لم يمت ومنهم من توقف في موته وهم الممطورة ومنهم من قطع بموته وساق الإمامة إلى ابنه علي بن موسى الرضا وهم القطعية ثم اختلفوا في كل ولد بعده فالإثني عشرية ساقوا الإمامة من علي بن موسى الرضا إلى ابنه محمد ثم إلى ابنه علي ثم إلى ابنه الحسن ثم إلى ابنه محمد القائم المنتظر الثاني عشر وقالوا هو حي لم يمت ويرجع ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وغيرهم ساقوا الإمامة إلى الحسن العسكري ثم قالوا بإمامة أخيه جعفر وقالوا بالتوقف عليه وقالوا بالشك في حال محمد، ولهم خبط طويل في سوق الإمامة، وسيأتي تفصيل ذلك عند ذكر المذاهب.(3/245)
وأما الإمامية فقالوا بإمامة محمد بن علي الباقر عليه السّلام نصّا عليه ثم بإمامة جعفر بن محمد وصية إليه ثم اختلفوا في أولاده من المنصوص عليهم وهم خمسة محمد وإسماعيل وعبد الله وموسى وعلي، فمنهم من قال: بإمامة محمد وهم العمارية ومنهم من قال: بإمامة إسماعيل وأنكر موته في حياة أبيه وهم المباركية، ومن هؤلاء من وقف عليه وقال: برجعته، ومنهم من ساق الإمامة في أولاده نصّا بعد نص إلى يومنا هذا وهم الإسماعيلية، ومنهم من قال: بإمامة عبد الله الأفطح
وقال: برجعته بعد موته لأنه مات ولم يعقب، ومنهم من قال: بإمامة موسى نصا عليه إذ قال والده سابعكم قائمكم إلا وهو سمي صاحب التوراة، ثم اختلفوا فمنهم من اقتصر عليه وقال: برجعته إذ قال: لم يمت ومنهم من توقف في موته وهم الممطورة ومنهم من قطع بموته وساق الإمامة إلى ابنه علي بن موسى الرضا وهم القطعية ثم اختلفوا في كل ولد بعده فالإثني عشرية ساقوا الإمامة من علي بن موسى الرضا إلى ابنه محمد ثم إلى ابنه علي ثم إلى ابنه الحسن ثم إلى ابنه محمد القائم المنتظر الثاني عشر وقالوا هو حي لم يمت ويرجع ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وغيرهم ساقوا الإمامة إلى الحسن العسكري ثم قالوا بإمامة أخيه جعفر وقالوا بالتوقف عليه وقالوا بالشك في حال محمد، ولهم خبط طويل في سوق الإمامة، وسيأتي تفصيل ذلك عند ذكر المذاهب.
وأما الإختلافات في الأصول فحديث في آخر الصحابة بدعه معبد الجهني وغيلان الدمشقي ويونس الأسواري في القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشر إلى التقدير، ونسج على منواله واصل بن عطا الغزال وكان تلميذ الحسن البصري وتلمذ له عمرو بن عبيد وزاد عليه في مسائل القدر، وكان عمرو من دعاة يزيد ناقص أيام بني أمية ثم إلى المنصور وقال: بإمامته ومدحه المنصور يوما وقال:
نثرت الحب للناس فالتقطوا غير عمرو بن عبيد.
والوعيدية من الخوارج والمرجئة من الجبرية والقدرية أبدعوا بدعتهم في زمان الحسن واعتزل واصل عنهم وعن استاذه بالقول بالعزلة بين العزلتين فسمّي هو وأصحابه معتزلة، وقد تلمذ له زيد بن علي وأخذ الأصول منه ولذلك صارت الزيدية كلهم معتزلة ومن رفض زيد بن علي بأنه خالف أصول آبائه في المذاهب وفي التبري والتولي وهم من أهل الكوفة، وكانوا جماعة سميت رافضة ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين فسرت أيام المأمون فخلطوا منهاجها بمناهج الكلام وأفردتها فنا من فنون العلم وسمعتها باسم الكلام، وأما الآن أظهر مسألة تكلموا فيها وتقابلوا عليها هي مسألة الكلام فسمي النوع باسمها.
وأما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون العلم بالمنطق والكلام مترادفان فكان أبو الهذيل العلاف شيخهم الأكبر وافق الفلاسفة في أن الله الباري تعالى عالم بعلمه وعلمه ذاته وكذلك قادر بقدرته وقدرته ذاته وأبدع بدعا في الكلام والإرادة وأفعال العباد والقول بالقدر والآجال والأرزاق كما سيأتي في حكاية مذهبه، وجرت بينه وبين هشام بن الحكم مناظرات في أحكام التشبيه وأبو بعقوب
الشحام والادمي صاحبا أبي الهذيل وافقاه في ذلك كله، ثم إبراهيم بن سيار النظام في أيام المعتصم وكان أغلى في تقرير مذاهب الفلاسفة وانفرد عن السلف ببدع في القدر والرفض وعن أصحابه بمسائل نذكرها. ومن أصحابه محمد بن شبيب وابو شمر وموسى بن عمران والفصل الحدي وأحمد بن حائط، ووافقه الأسواري في جميع ما ذهب إليه من البدع، وكذلك الإسكافية أصحاب أبي جعفر الإسكاف والجعفرية أصحاب الجعفر بن جعفر بن مبشر وجعفر بن حرث.(3/246)
وأما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون العلم بالمنطق والكلام مترادفان فكان أبو الهذيل العلاف شيخهم الأكبر وافق الفلاسفة في أن الله الباري تعالى عالم بعلمه وعلمه ذاته وكذلك قادر بقدرته وقدرته ذاته وأبدع بدعا في الكلام والإرادة وأفعال العباد والقول بالقدر والآجال والأرزاق كما سيأتي في حكاية مذهبه، وجرت بينه وبين هشام بن الحكم مناظرات في أحكام التشبيه وأبو بعقوب
الشحام والادمي صاحبا أبي الهذيل وافقاه في ذلك كله، ثم إبراهيم بن سيار النظام في أيام المعتصم وكان أغلى في تقرير مذاهب الفلاسفة وانفرد عن السلف ببدع في القدر والرفض وعن أصحابه بمسائل نذكرها. ومن أصحابه محمد بن شبيب وابو شمر وموسى بن عمران والفصل الحدي وأحمد بن حائط، ووافقه الأسواري في جميع ما ذهب إليه من البدع، وكذلك الإسكافية أصحاب أبي جعفر الإسكاف والجعفرية أصحاب الجعفر بن جعفر بن مبشر وجعفر بن حرث.
ثم ظهرت بدع بشر بن المعتمر من القول بالتولد والافراط فيه والميل إلى الطبيعيين من الفلاسفة والقول بأن الله تعالى قادر على تعذيب الطفل وإذا فعل فهو ظالم إلى غير ذلك انفرد به عن أصحابه، وتلمذ له أبو موسى المزدار راهب المعتزلة وانفرد عنه بإبطال إعجاز القرآن من جهة الفصاحة والبلاغة، وفي أيامه جرت أكثر التشديدات على السلف لقولهم بقدم القرآن، وتلمذ له الجعفران وأبو زفر ومحمد بن سويد صاحب المزدار وأبو جعفر الإسكافي وعيسى بن الهيثم صاحبا جعفر بن الحرث الأشج.
وممن بالغ في القول بالقدر هشام بن عمر القوطي والأصم اتفقا أن الله تعالى يستحيل أن يكون عالما بالأشياء قبل كونها ومنعا كون المعدوم شيئا، وأبو الحسن الخياط وأحمد بن علي الشيوطي صحبا عيسى الصوفي ثم لزم أبا خالد وتلمذ الكعبي لأبي الحسن الخياط ومذهبه بعينه مذهبه.
وأما معمر بن عباد السلمي وثمامة بن أشرس النميري وعمرو بن بحر الجاحظ قد كانوا في زمان واحد متقارنين في الرأي والإعتقاد منفردين عن أصحابهم بمسائل نذكرها، والمتأخرون منهم أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري قد لخصوا طرق أصحابهم وانفردوا عنهم بمسائل سيأتي ذكرها.
ورونق علم الكلام ابتدأ من الخلفاء العباسية هارون والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وانتهاه من الصاحب بن عباد وجماعة من الديالمة، وظهرت جماعة من المعتزلة متوسطين مثل ضرار وعمر وحفص الفرد والحسين النجار من المتأخرين خالفوا الشيوخ في مسائل وتبع أثرهم جهم بن صفوان في أيام نصر بن سيار وأظهر بدعة بالجبر ترمد وقتله سيالم بن أحرز المازني في آخر ملك بني أمية بمرو، وكانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان اختلافات في الصفات وكانت السلف يناظرونهم عليها الأعلى قانون كلامي بل على قول اقناعي
ويسمون (الصفاتية) فمن مثبت صفات الباري بمعان قائمة بذاته ومن صفاته بصفات الخلق، وكلهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنة ويناظرون المعتزلة في قدم الكلام على قوم ظاهر وكان عبد بن سعيد الكلابي وأبو العباس القنانسي والحارث المحاسبي أشدهم اتفاقا وأمتنهم كلاما، وجرت مناظرة بين أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وبين استاذه أبي علي الجبائي في بعض مسائل التحسين والتنقيح فالزم الأشعري استاذه بأمور لم يخرج عنها بجواب فأعرض عنه وانحاز إلى طائفة السلف ونصر مذهبهم على قاعدة كلامية فصار ذلك مذهبا منفردا، وقوى طريقته جماعة من المحققين مثل القاضي أبي بكر الباقلاني والاستاذ أبي اسحاق الاسفرائيني والاستاذ أبي بكر فورك وليس بينهم كثير اختلاف، وتبع رجل متنفس بالزهد من سجستان يقال له أبو عبد الله الكرام قليل العلم ثم قد قمش من كل مذهب ضغثا وأثبته في كتابه وروجه على أغنام عرجه وعور وسواد بلاد خراسان وانتظم باموسه وصار ذلك مذهبا قد نصره محمود بن سبكتكين السلطان وصاحب البلاد على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم، وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج وهو مجسم وحاشى غير محمد بن الهيضم فإنه مقارب إنتهى.(3/247)
ورونق علم الكلام ابتدأ من الخلفاء العباسية هارون والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وانتهاه من الصاحب بن عباد وجماعة من الديالمة، وظهرت جماعة من المعتزلة متوسطين مثل ضرار وعمر وحفص الفرد والحسين النجار من المتأخرين خالفوا الشيوخ في مسائل وتبع أثرهم جهم بن صفوان في أيام نصر بن سيار وأظهر بدعة بالجبر ترمد وقتله سيالم بن أحرز المازني في آخر ملك بني أمية بمرو، وكانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان اختلافات في الصفات وكانت السلف يناظرونهم عليها الأعلى قانون كلامي بل على قول اقناعي
ويسمون (الصفاتية) فمن مثبت صفات الباري بمعان قائمة بذاته ومن صفاته بصفات الخلق، وكلهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنة ويناظرون المعتزلة في قدم الكلام على قوم ظاهر وكان عبد بن سعيد الكلابي وأبو العباس القنانسي والحارث المحاسبي أشدهم اتفاقا وأمتنهم كلاما، وجرت مناظرة بين أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وبين استاذه أبي علي الجبائي في بعض مسائل التحسين والتنقيح فالزم الأشعري استاذه بأمور لم يخرج عنها بجواب فأعرض عنه وانحاز إلى طائفة السلف ونصر مذهبهم على قاعدة كلامية فصار ذلك مذهبا منفردا، وقوى طريقته جماعة من المحققين مثل القاضي أبي بكر الباقلاني والاستاذ أبي اسحاق الاسفرائيني والاستاذ أبي بكر فورك وليس بينهم كثير اختلاف، وتبع رجل متنفس بالزهد من سجستان يقال له أبو عبد الله الكرام قليل العلم ثم قد قمش من كل مذهب ضغثا وأثبته في كتابه وروجه على أغنام عرجه وعور وسواد بلاد خراسان وانتظم باموسه وصار ذلك مذهبا قد نصره محمود بن سبكتكين السلطان وصاحب البلاد على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم، وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج وهو مجسم وحاشى غير محمد بن الهيضم فإنه مقارب إنتهى.
منتخبات شعرية وكلمات حكمية ونوادر وأخبار
كتاب نهج البلاغة: قال عليه السّلام: ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه. ومثل ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وقال آخر:
تخبرني العينان ما القلب كاتم ... ولا حن بالبغضاء والنظر الشزر
وقال آخر:
وفي عينيك ترجمة أراها ... تدل على الضغائن والحقود
وأخلاق عهدت اللين فيها ... غدت وكأنها زبر الحديد
وقد عاهدتني بخلاف هذا ... وقال الله أوفوا بالعهود
وكان يقال: العين والوجه واللسان أصحاب أخبار على القلب.
للسيد الرضي:
اعزز علي بأن نزلت بمنزل ... متشابه الأمجاد بالأوغاد
في عصبة جنبوا إلى آجالهم ... والدهر يعجلهم على الأوراد
ضربوا بمدرجة الفناء قبابهم ... من غير أطناب ولا أعماد
ركب أناخوا لا يرجى منهم ... قصد لإلهام ولا انجاد
فتهافتوا عن رحل كل مذلل ... وتطاوحوا عن سرح كل جواد
بادون في صور الجميع وإنهم ... متفردون قفر الآحاد
وله:(3/248)
اعزز علي بأن نزلت بمنزل ... متشابه الأمجاد بالأوغاد
في عصبة جنبوا إلى آجالهم ... والدهر يعجلهم على الأوراد
ضربوا بمدرجة الفناء قبابهم ... من غير أطناب ولا أعماد
ركب أناخوا لا يرجى منهم ... قصد لإلهام ولا انجاد
فتهافتوا عن رحل كل مذلل ... وتطاوحوا عن سرح كل جواد
بادون في صور الجميع وإنهم ... متفردون قفر الآحاد
وله:
ولقد حفظت له فأين حفاظه ... ولقد وفيت له فأين وفاؤه
أرعى الدعاء فلم يجبه أم ... قد ضل عنه من العباد دعاؤه
هيهات أصبح سمعه وعيانه ... في الترب قد حجمتها أقداؤه
يمسي ولين مهاده حصباؤه ... فيه مونس ليله ظلماؤه
قد قلبت أعيانه وتنكرت ... أعلامه وتكشفت أضواؤه
مغف وليس للذة اغفاؤه ... مغض وليس لفكرة اغضاؤه
وجه كلمح البرق غاض وميضه ... قلب كصدر العضب قل مضاؤه
حكم البلا فيه فلو تلقى ... به أعداؤه لرثى له أعداؤه
(قال) أبن أبي الحديد في كتابه المسمى بالفلك الدائر على المثل المسائر:
ان ما زعم صاحب كتاب المثل السائر إنه استطراد وهو قول بعض شعراء الموصل يمدح الأمير قرواش بن المقلد وقد أمره أن يبعث بهجو وزيره سليمان بن فهد وحاجبه أبي جعفر ومغنيه البرقعيدي في ليلة من ليالي الشتاء وأراد بذلك الدعابة والولع بهم وهم في مجلس الشراب:
وليل كوجه البرقعيدي ظلمة ... وبردا عالية وطول قرونه
شربت ونومي فيه نوم مشرد ... كعقل سليمان فهد ودينه
على الرق فيه التفات كأنه ... أبو جابر في خبطه وجنونه
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه ... سنى وجه قرواش وضوء جبينه
فليس من الاستطراد في شيء لأن الشاعر قصد إلى هجاء كل واحد منهم ووضع الأبيات لذلك ومضمون الأبيات كله مقصود له، فكيف يكونه استطرادا؟.
العباس بن الأحنف:
قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
لبعضهم:(3/249)
قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
لبعضهم:
لم أقل للشباب في دعة الله ... ولا خفضه غداة استقلا
زائر زارنا أقام قليلا ... سود الصحف بالذنوب وولى
الصفدي:
أنا في حالي نقيض معكم ... وهو في شرع الهوى ما لا يسوغ
بلى الصبر وأضحى هرما ... والمنى في وصلكم دون البلوغ
قال بعض العارفين: إن أكل الحرام والشبهة مطرود عن الباب بغير شبهة، ألا ترى أن الجنب ممنوع عن دخول بيته والمحدث محرم عليه مس كتابه مع أن الجنابة والحدث أمران مباحان فكيف بمن هو منغمس في قدر الحرام وخبث الشبهات لا جرم أيضا إنه مطرود عن ساحة القرب غير مأذون له في دخول الحرم.
من كلام الغزالي: الفرق بين الرجاء والأمنية أن الرجاء يكون على أصل والتمني لا يكون على أصل، مثاله من زرع واجتهد وجمع بيدرا ثم يقول: «أرجو أن يحصل منه قفيز» فذلك منه رجاء، وآخر لا يزرع زرعا ولا يعمل يوما قد ذهب ونام وأغفل سنته فإذا جاء وقت الحصاد يقول: «أرجو أن يحصل لي مئة» فيقال له: من أين لك هذه الأمنية التي لا أصل لها، فكذلك العبد إذا اجتهد في عبادة الله والإنتهاء من معاصيه يقول: «أرجو أن يتقبل الله هذا اليسير ويتم هذا التقصير ويعظم الثواب» فهذا رجاء منه، وأما إذا غفل وترك الطاعة وارتكب المعاصي ولم يبال بسخط الله ورضاه ووعده ووعيده ثم أخذ يقول: «أرجو من الله الجنة والنجاة من النار» فذلك منه أمنية لا حاصل لها سماها رجاء، وحسن ظنه خطأ منه وجهلا.
قال بعضهم: رأيت أبا ميسرة العابد وقد بدت أضلاعه من الإجتهاد فقلت:
يرحمك الله ان رحمة الله واسعة، فغضب وقال: هل رأيت ما يدل على القنوط إن رحمة الله قريب من المحسنين، فأبكاني والله كلامه. لينظر العاقل إلى حال الرسل والأبدال والأولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمر في العبادات لا يفترون عنها ليلا ولا نهارا أما كان لهم حسن ظن بالله، بلى والله وإنهم كانوا أعلم بسعة رحمة الله وأحسن ظنا بجوده من كل ظان، ولقد علموا أن ذلك بدون الجد والإجتهاد أمنية محضة وغرور بحت فاجهدوا أنفسهم في العبادة والطاعة ليتحقق لهم الرجاء الذي هو من أحسن البضاعة.(3/250)
(من) تضمين البيتين ما يحكى أن الحيص بيص الشاعر قتل جرو كلبته، فأخذ بعض الشعراء كلبة وجعل على رقبتها رقعة وأطلقها عند باب الوزير فأخذت الرقعة وإذا فيها مكتوب:
يا أهل بغداد ان الحيص بيص أتى ... بجرأة ألبسته العار في البلد
أبدى شجاعته بالليل مجتريا ... على جرو ضعيف البطش والجلد
فأنشدت أمة من بعد ما احتسبت ... دم الأبياق عند الواحد الصمد
أقول للنفس تأسا وتعزية ... احدى يدي أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من بعد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
والبيتان الأخيران لمرأة من العرب قتل أخوها وابنها.
النظام:
توهمه طرفي فآلم خده ... فصار مكان الوهم من نظره أثر
وصافحه كفي فآلم كفه ... فمن صفح في أنامله عقر
ومر بفكري خاطرا فجرحته ... ولم أر خلقا قط يجرحه الفكر
نقل: من بعض التواريخ أن كسرى سخط على بزر جمهر فحبسه في بيت مظلم وأمر أن يصفد بالحديد، فبقي أياما على تلك الحال فأرسل إليه من سأله عن حاله فإذا هو منشرح الصدر مطمئن النفس فقال له: أنت في هذه الحالة من الضيق ونراك ناعم البال؟ فقال: أضفت ستة أخلاط وعجنتها واستعملتها فهي التي أبقتني على ما ترون. قالوا: صف لنا هذه الأخلاط لعلنا ننتفع بها عند البلوى. فقال:
نعم أما الخلط الأول فالثقة بالله عز وجل، وأما الثاني فكل مقدر كائن، وأما الثالث فالصبر خير ما استعمله الممتحن، وأما الرابع فإذا لم أصبر فماذا أصنع ولا أعين على نفسي بالجوع، وأما الخامس فقد يكون أشد مما أنا فيه، وأما السادس فمن ساعة إلى ساعة فرج فبلغ ما قاله إلى كسرى فأطلقه وأعزه.
الناحوزي:
قالت وقد فتشت عنها كل من ... لاقيته من حاضر أو باد
أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ترني ... فقلت لها وأين فؤادي
ولكم تمنيت الفراق مغالطا ... واحتلت في استثمار غرس ودادي
وطمعت منها في الوصال لأنها ... تبنى الأمور على خلاف مرادي
غيره:(3/251)
قالت وقد فتشت عنها كل من ... لاقيته من حاضر أو باد
أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ترني ... فقلت لها وأين فؤادي
ولكم تمنيت الفراق مغالطا ... واحتلت في استثمار غرس ودادي
وطمعت منها في الوصال لأنها ... تبنى الأمور على خلاف مرادي
غيره:
كم من قوي قوي في تقلبه ... مهذب الرأي عنه الرزق منحرف
وكم ضعيف ضعيف في تقلبه ... كأنه من خليج البحر يغترف
هذا دليل على أن الآله له ... في الخلق سر خفي ليس ينكشف
بشار:
سلبت عظامي لحمها فتركتا ... عواري في أجلادها تتكسر
وأخليت منها مخها فتركها ... أنابيب في أجوافها الريح تصفر
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب تنظري ... ضنى جسدي لكنني اتستر
وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنها نفس تذوب فتقطر
وقد ضمن بعض المتأخرين البيت الثالث في الفانوس فقال:
يقول للفانوس حين رأيته ... وفي قلبه نار من الوجد تسعر
خذوا بيدي ثم اكشفوا الثوب وانظروا ... ضنى جسدي لكنني اتستر
لابن الجهني:
يا مطلبا ليس لي في غيره ارب ... إليك إلى التصابي وانتهى الطلب
وما طمحت لمرأى أو مستمع ... إلا لمعنى إلى علياك ينتسب
وما أراني هلالا ان تواصلني ... حسبي علوا بأني فيك مكتئب
لكن ينازع شوقي ناره أدبي ... فأطلب الوصل لما يضعف الأدب
ولست أبرح في الحالين ذا قلق ... نام وشوق له في أضلعي لهب
ومدمع كلما كفكفت أدمعه ... صونا لذكراك يعصيني وينكسب
وا لهف نفسي لو يجدي تلهفها ... غوثاه واحربا لو ينفع الحرب
يمضي الزمان واشراقي مضاعفة ... يا للرجال ولا وصل ولا سبب
يا بارقا بأعالي الرقمتين يدا ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
أما خفوق فؤادي فهو عن سبب ... ومن خفوقك قل لي ما هو السبب
غيره لغيره:
كيف نرجو الصلاح من أمر قوم ... ضيعوا الحزم فيه أي ضياع
فمطاع المقال غير سديد ... وسديد المقال غير مطاع
ومما قيل فيه أيضا:
أنظر إلى الفانوس تلق متيما ... ذرفت على فقد الحبيب دموعه
أحيا لياليه بقلب مضرم ... وتعد من تحت القميص ضلوعه
البيتان من قوله تعالى:(3/252)
كيف نرجو الصلاح من أمر قوم ... ضيعوا الحزم فيه أي ضياع
فمطاع المقال غير سديد ... وسديد المقال غير مطاع
ومما قيل فيه أيضا:
أنظر إلى الفانوس تلق متيما ... ذرفت على فقد الحبيب دموعه
أحيا لياليه بقلب مضرم ... وتعد من تحت القميص ضلوعه
البيتان من قوله تعالى:
{وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ مِنْ إِمْلََاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيََّاهُمْ} قدمهم بالوعد في الرزق على أولادهم لكون الخطاب مع الفقراء بدليل قوله تعالى من (املاق) فكان رزق أنفسهم أهم بخلاف قوله تعالى: {وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيََّاكُمْ} فإن المخاطبين أغنياء بدليل قوله تعالى {خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ}:
قال بعضهم: متاع التاجر في كيسه ومتاع العالم في كراريسه:
قال يحيى بن معاذ: إنكسار العاصين أفضل عندنا من صولة المطيعين.
البستي:
إذا صحبت الملوك فالبس ... من التوقي أعز ملبس
وادخل إذا ما دخلت أعمى ... واخرج إذا ما خرجت أخرس
لبعضهم:
ان الأمير هو الذي ... يمسي أميرا يوم عزله
ان زال سلطان الولاية ... فهو في سلطان فضله
قال بعضهم: عشيرتك من أحسن وعمك من عمك خيره وقرابتك من قرب منك نفعه.
سأل بعض العارفين إمرأة في البادية: ما الحب عندكم؟ فقالت: جل فلا يخفى ودق فلا يرى وهو كامن في الحشا كمون النار في الصفا ان قدحته أورى وإن تركته توارى.
قصيدة للوزير مؤيد الدين الطغرا
الوزير السعيد مؤبد الدين الطغرا.
أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني عن العطل
مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع ... والشمس وادي الضحى كالشمس في الطفل
فيما الإقامة بالزوراء لا سكنى ... فيها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناء من الأهل صفر الكف منفرد ... كالسيف غري متناه من الحلل
فلا صديق إليه منتهى حزن ... ولا أنيس إليه منتهى جذلي
طال اغترابي حتى حن راحلتي ... ورحلها وقرى العسالة الذبل
وضج من لغب نضوي وعج لما ... القى ركابي ولح الركب في عذلي
أريد بسطة كف استعين بها ... على قضاء حقوق للعلا قبلي
والدهر يعكس آمالي ويقنعني ... من الغنيمة بعد الكد بالقفل
وذي شظاظ كصدر الرمح معتقل ... لمثله غير هياب ولا وكل
حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت ... بقسوة الباس مندرقة الغزل
طردت سرح الكرى عن ور مقلته ... والليل يعزي سوام النوم بالمقل
والركب ميل عن الأكوار من طرب ... صاح وآخر من خمر الهوى ثمل
فقلت أدعوك للجلاء لتنصرني ... وأنت تخذلني في الحادث الجلل
تنام عيني وبين النجم ساهرة ... وتستحيل وصبغ الليل لم يحل
فهل تعين على عمي هممت به ... والغي يزجر أحيانا عن الفشل
إني أريد طروق الحي من أضم ... وقد حمته حماة من بني ثعل
يحمون بالبيض والسمر اللدان به ... سود الغداير حمر الحلي والحلل
فسر بنا في ذمام الليل مهتديا ... فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل
فالحب حب العدا والأسد رابضة ... حول الكناس لها غاب من الأسل
تؤم ناشية بالجزع قد سقيت ... نصالها لمياه الغنج والكحل
قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ... ما بالكرائم من جبن ومن بخل
تبيت نار الهوى منهن في كبد ... حرى ونار الكرى منهم على القلل
يقتلن أنضاء حب لا حراك بها ... وينحرون كرام الخيل والابل
يسير لديغ العوالي في بيوتهم ... بنهلة من غدير الخمر والعسل
لعل المامة بالجزع ثانية ... يدب منها نسيم البئر في علل
لا أكره الطعنة النجلاء قد شغفت ... برشقة من نبال الأعين النجل
ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني ... باللح من صفحات البيض في الكلل
ولا أخل بغزلاني تغازلني ... ولو دعتني أسود الغيل بالغيل
حب السلامة يثني عزم صاحبه ... عن فعالي ويعزي الدمن بالكسل
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلما في الجو فاعتزل
ودع عمار العلا للمقدمين على ... ركوبها واقتنع منهن بالبلل
رضا الدليل بحفظ العيش يحفظه ... والعز بين رميم الأنيق الذلل
فادرأ بها في نحور البيد حافلة ... معارضات مثاني اللحم بالجدل
ان العلى حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث أن العز في النقل
لو كان في شرف المأوى بلوغ منى ... لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل
أهبط بالخط لو ناديت مستمعا ... والخط عني بالجهال في شغل
لعله ان بدا فضلي ونقصهم ... لمعينه نام عنه أو تنبه لي
لم أرض بالعيش والأيام مقبلة ... فكيف أرضى وقد ولت على عجل
أعلل النفس بالأمال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
غالي بنفسي عرفاني بقيتها ... فصنتها عن رخيص القدر مبتدل
وعادة النصل أن يزهى بجوهره ... وليس يعمل إلا في يدي بطل
ما كنت أوثر أن يمتد في زمني ... حتى أرى دولة الأوغاد والسفل
تقدمتني أناس كان شوطهم ... وراء خطوي إذا أمشي على مهل
هذا جزاء امرىء إخوانه درجوا ... من قبله فتمنوا فسحة الأجل
وإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسرة بانحطاط الشمس عن رجل
فاصبر لها غير محتال ولا ضجر ... في حادث الدهر ما يعني عن الخيل
أعدى عدوك وأدنى من وثقت به ... فحاذر الناس وأصبحهم على وجل
وحسن ظنك في الأيام معجزة ... فظن شرا وكن منها على وجل
فإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل
هجر الوفاء وفاض العذر وانفرجت ... مسافة الخلف بين القول والعمل
وشأن صدقك عند الناس كذبهم ... وهل يطابق معوج بمعتدل
إن كان ينجع شيء في ثيابهم ... على العهود فسبق السيف للعذل
يا واردا سور عيش كله كدر ... انفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لج البحر تركنه ... وأنت يكفيك منها مصة الوشل
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا ... يحتاج فيه إلى الأعراف والحول
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها ... فهل سمعت بظل غير منتقل
ويا خبيرا على الأسرار مطلعا ... أصمت ففي الصمت منجاة من الزلل
قد رشحوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ما أحسن، ما قال المتنبي:(3/253)
أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني عن العطل
مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع ... والشمس وادي الضحى كالشمس في الطفل
فيما الإقامة بالزوراء لا سكنى ... فيها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناء من الأهل صفر الكف منفرد ... كالسيف غري متناه من الحلل
فلا صديق إليه منتهى حزن ... ولا أنيس إليه منتهى جذلي
طال اغترابي حتى حن راحلتي ... ورحلها وقرى العسالة الذبل
وضج من لغب نضوي وعج لما ... القى ركابي ولح الركب في عذلي
أريد بسطة كف استعين بها ... على قضاء حقوق للعلا قبلي
والدهر يعكس آمالي ويقنعني ... من الغنيمة بعد الكد بالقفل
وذي شظاظ كصدر الرمح معتقل ... لمثله غير هياب ولا وكل
حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت ... بقسوة الباس مندرقة الغزل
طردت سرح الكرى عن ور مقلته ... والليل يعزي سوام النوم بالمقل
والركب ميل عن الأكوار من طرب ... صاح وآخر من خمر الهوى ثمل
فقلت أدعوك للجلاء لتنصرني ... وأنت تخذلني في الحادث الجلل
تنام عيني وبين النجم ساهرة ... وتستحيل وصبغ الليل لم يحل
فهل تعين على عمي هممت به ... والغي يزجر أحيانا عن الفشل
إني أريد طروق الحي من أضم ... وقد حمته حماة من بني ثعل
يحمون بالبيض والسمر اللدان به ... سود الغداير حمر الحلي والحلل
فسر بنا في ذمام الليل مهتديا ... فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل
فالحب حب العدا والأسد رابضة ... حول الكناس لها غاب من الأسل
تؤم ناشية بالجزع قد سقيت ... نصالها لمياه الغنج والكحل
قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ... ما بالكرائم من جبن ومن بخل
تبيت نار الهوى منهن في كبد ... حرى ونار الكرى منهم على القلل
يقتلن أنضاء حب لا حراك بها ... وينحرون كرام الخيل والابل
يسير لديغ العوالي في بيوتهم ... بنهلة من غدير الخمر والعسل
لعل المامة بالجزع ثانية ... يدب منها نسيم البئر في علل
لا أكره الطعنة النجلاء قد شغفت ... برشقة من نبال الأعين النجل
ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني ... باللح من صفحات البيض في الكلل
ولا أخل بغزلاني تغازلني ... ولو دعتني أسود الغيل بالغيل
حب السلامة يثني عزم صاحبه ... عن فعالي ويعزي الدمن بالكسل
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلما في الجو فاعتزل
ودع عمار العلا للمقدمين على ... ركوبها واقتنع منهن بالبلل
رضا الدليل بحفظ العيش يحفظه ... والعز بين رميم الأنيق الذلل
فادرأ بها في نحور البيد حافلة ... معارضات مثاني اللحم بالجدل
ان العلى حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث أن العز في النقل
لو كان في شرف المأوى بلوغ منى ... لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل
أهبط بالخط لو ناديت مستمعا ... والخط عني بالجهال في شغل
لعله ان بدا فضلي ونقصهم ... لمعينه نام عنه أو تنبه لي
لم أرض بالعيش والأيام مقبلة ... فكيف أرضى وقد ولت على عجل
أعلل النفس بالأمال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
غالي بنفسي عرفاني بقيتها ... فصنتها عن رخيص القدر مبتدل
وعادة النصل أن يزهى بجوهره ... وليس يعمل إلا في يدي بطل
ما كنت أوثر أن يمتد في زمني ... حتى أرى دولة الأوغاد والسفل
تقدمتني أناس كان شوطهم ... وراء خطوي إذا أمشي على مهل
هذا جزاء امرىء إخوانه درجوا ... من قبله فتمنوا فسحة الأجل
وإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسرة بانحطاط الشمس عن رجل
فاصبر لها غير محتال ولا ضجر ... في حادث الدهر ما يعني عن الخيل
أعدى عدوك وأدنى من وثقت به ... فحاذر الناس وأصبحهم على وجل
وحسن ظنك في الأيام معجزة ... فظن شرا وكن منها على وجل
فإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل
هجر الوفاء وفاض العذر وانفرجت ... مسافة الخلف بين القول والعمل
وشأن صدقك عند الناس كذبهم ... وهل يطابق معوج بمعتدل
إن كان ينجع شيء في ثيابهم ... على العهود فسبق السيف للعذل
يا واردا سور عيش كله كدر ... انفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لج البحر تركنه ... وأنت يكفيك منها مصة الوشل
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا ... يحتاج فيه إلى الأعراف والحول
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها ... فهل سمعت بظل غير منتقل
ويا خبيرا على الأسرار مطلعا ... أصمت ففي الصمت منجاة من الزلل
قد رشحوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ما أحسن، ما قال المتنبي:(3/254)
أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني عن العطل
مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع ... والشمس وادي الضحى كالشمس في الطفل
فيما الإقامة بالزوراء لا سكنى ... فيها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناء من الأهل صفر الكف منفرد ... كالسيف غري متناه من الحلل
فلا صديق إليه منتهى حزن ... ولا أنيس إليه منتهى جذلي
طال اغترابي حتى حن راحلتي ... ورحلها وقرى العسالة الذبل
وضج من لغب نضوي وعج لما ... القى ركابي ولح الركب في عذلي
أريد بسطة كف استعين بها ... على قضاء حقوق للعلا قبلي
والدهر يعكس آمالي ويقنعني ... من الغنيمة بعد الكد بالقفل
وذي شظاظ كصدر الرمح معتقل ... لمثله غير هياب ولا وكل
حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت ... بقسوة الباس مندرقة الغزل
طردت سرح الكرى عن ور مقلته ... والليل يعزي سوام النوم بالمقل
والركب ميل عن الأكوار من طرب ... صاح وآخر من خمر الهوى ثمل
فقلت أدعوك للجلاء لتنصرني ... وأنت تخذلني في الحادث الجلل
تنام عيني وبين النجم ساهرة ... وتستحيل وصبغ الليل لم يحل
فهل تعين على عمي هممت به ... والغي يزجر أحيانا عن الفشل
إني أريد طروق الحي من أضم ... وقد حمته حماة من بني ثعل
يحمون بالبيض والسمر اللدان به ... سود الغداير حمر الحلي والحلل
فسر بنا في ذمام الليل مهتديا ... فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل
فالحب حب العدا والأسد رابضة ... حول الكناس لها غاب من الأسل
تؤم ناشية بالجزع قد سقيت ... نصالها لمياه الغنج والكحل
قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ... ما بالكرائم من جبن ومن بخل
تبيت نار الهوى منهن في كبد ... حرى ونار الكرى منهم على القلل
يقتلن أنضاء حب لا حراك بها ... وينحرون كرام الخيل والابل
يسير لديغ العوالي في بيوتهم ... بنهلة من غدير الخمر والعسل
لعل المامة بالجزع ثانية ... يدب منها نسيم البئر في علل
لا أكره الطعنة النجلاء قد شغفت ... برشقة من نبال الأعين النجل
ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني ... باللح من صفحات البيض في الكلل
ولا أخل بغزلاني تغازلني ... ولو دعتني أسود الغيل بالغيل
حب السلامة يثني عزم صاحبه ... عن فعالي ويعزي الدمن بالكسل
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلما في الجو فاعتزل
ودع عمار العلا للمقدمين على ... ركوبها واقتنع منهن بالبلل
رضا الدليل بحفظ العيش يحفظه ... والعز بين رميم الأنيق الذلل
فادرأ بها في نحور البيد حافلة ... معارضات مثاني اللحم بالجدل
ان العلى حدثتني وهي صادقة ... فيما تحدث أن العز في النقل
لو كان في شرف المأوى بلوغ منى ... لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل
أهبط بالخط لو ناديت مستمعا ... والخط عني بالجهال في شغل
لعله ان بدا فضلي ونقصهم ... لمعينه نام عنه أو تنبه لي
لم أرض بالعيش والأيام مقبلة ... فكيف أرضى وقد ولت على عجل
أعلل النفس بالأمال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
غالي بنفسي عرفاني بقيتها ... فصنتها عن رخيص القدر مبتدل
وعادة النصل أن يزهى بجوهره ... وليس يعمل إلا في يدي بطل
ما كنت أوثر أن يمتد في زمني ... حتى أرى دولة الأوغاد والسفل
تقدمتني أناس كان شوطهم ... وراء خطوي إذا أمشي على مهل
هذا جزاء امرىء إخوانه درجوا ... من قبله فتمنوا فسحة الأجل
وإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسرة بانحطاط الشمس عن رجل
فاصبر لها غير محتال ولا ضجر ... في حادث الدهر ما يعني عن الخيل
أعدى عدوك وأدنى من وثقت به ... فحاذر الناس وأصبحهم على وجل
وحسن ظنك في الأيام معجزة ... فظن شرا وكن منها على وجل
فإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل
هجر الوفاء وفاض العذر وانفرجت ... مسافة الخلف بين القول والعمل
وشأن صدقك عند الناس كذبهم ... وهل يطابق معوج بمعتدل
إن كان ينجع شيء في ثيابهم ... على العهود فسبق السيف للعذل
يا واردا سور عيش كله كدر ... انفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لج البحر تركنه ... وأنت يكفيك منها مصة الوشل
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا ... يحتاج فيه إلى الأعراف والحول
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها ... فهل سمعت بظل غير منتقل
ويا خبيرا على الأسرار مطلعا ... أصمت ففي الصمت منجاة من الزلل
قد رشحوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ما أحسن، ما قال المتنبي:
ان أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف في موضع الندا
كتاب أنيس العقلاء: اعلم أن النصر من الصبر والفرج مع الكرب واليسر مع العسر.(3/255)
قال بعض الحكماء:
بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور.
وقال بعضهم: عند انسداد الفرج تبدو مطالع الفرج.
ولله در من قال:
الصبر مفتاح ... وكل صعب به يهون
فاصبر وإن طالت الليالي ... فربما أمكن الحزون
وربما نيل باصطبار ... ما قيل هيهات لا يكون
كتاب: تعبير الرؤيا للكليني قدس الله سره جاء رجل إلى الصادق عليه السّلام وقال: رأيت أن في بستاني كرما يحمل بطيخا؟ فقال له: أحفظ امرأتك لا تحمل من غيرك.
وأتاه رجل فقال: كنت في سفر فرأيت كأن كبشين ينتطحان على فرج امرأتي وقد عزمت على طلاقها. فقال صلوات الله عليه: أمسك أهلك لأنها لما سمعت بقرب قدومك أرادت نتف ذلك المكان فعالجته بالمفراض.
ربيع الأبرار: ان إبليس قال: الهي ان عبادك يحبونك ويعصونك ويبغضونني ويطيعونني. فأتاه الجواب: إني عفوت عنهم ما أطاعوك بما أبغضوك وقبلت منهم إيمانهم وإن لم يطيعوني بما أحبوني.
إخبار أمير المؤمنين عن زوال ملك بني العباس
الكشكول البهائي: رأيت في بعض التواريخ ما صورته من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام في زوال دولة بني العباس ملك بني العباس عسر لا يسر فيه لو اجتمع الترك والديلم والهند والسند على أن يزيلوا ملكهم لما قدروا أن يزيلوه حتى يشتد عنهم مواليهم وأرباب دولتهم ويسلط عليهم ملك من الترك جهوري في الصوت يأتي عليهم من حيث بدا ملكهم لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا راية ترفع إلا نكسها الويل الويل لمن ناواه فلا يزال كذلك حتى يظفر ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحق ويعمل به.
قال صاحب التاريخ: أريد بذلك هلاكو خان حيث أتى من ناحية خراسان ومنها ابتدأ ملك بني العباس فإن أول ما أخذت البيعة لهم في خراسان بسعي أبي
مسلم، وحكاية قتل هلاكو خان للمستعصم العباسي مشهور، وأراد بقوله: «ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي» المهدي المنتظر خروجه كما جاء في الخبر.(3/256)
قال صاحب التاريخ: أريد بذلك هلاكو خان حيث أتى من ناحية خراسان ومنها ابتدأ ملك بني العباس فإن أول ما أخذت البيعة لهم في خراسان بسعي أبي
مسلم، وحكاية قتل هلاكو خان للمستعصم العباسي مشهور، وأراد بقوله: «ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي» المهدي المنتظر خروجه كما جاء في الخبر.
قال في نهج الحق: سلمت الحلة والكوفة والمشهد من القتل في وقعة هلاكو خان، فإنه ورد بغداد كاتبه أبي والسيد ابن طاووس والفقيه ابن الفر وسألوا الأمان قبل فتح بغداد مدينتهم فخافوا فمضى إليه والدي خاصة فقال: وكيف أقمت على المكاتبة قبل الظفر بهم فقال: لأن أمير المؤمنين قد أخبرك وتلا عليه الخبر إنتهى.
كشكول شيخنا البهائي: مر رجل على أبي بكر ومعه ثوب فقال أبو بكر:
أتبيعه؟ فقال: لا يرحمك الله. فقال أبو بكر: لو تستقيمون لقومت ألسنتكم هلا قلت لا ويرحمك الله؟ قال: كاتب الأحرف اعتراض أبي بكر غير وارد على ذلك الرجل لاحتمال أن يكون قصده من قوله: «لا يرحمك الله». ومعنى غير محتاج إلى الواو فتأمل إنتهى.
ومنه: وحكي أن المأمون سأل يحيى بن أكثم عن شيء فقال: لا وأيد الله الأمير. فقال المأمون: ما أظرف هذا الواو وما أحسن موضعها. وكان الصاحب يقول: هذه الواو حسن من واوات الأصداغ.
ومنه: سأل بعض العارفين من المتأخرين عن ظهور المؤاخذة في مظاهر الكثرة فقال: التصريف تحويل الأمل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعان مقصودة لا يحصل إلا بها.
أقول: ربما يتوهم من نقل شيخنا المشار إليه تمثل هذه المقالات الباطلة مثله إلى ذلك وهو باطل بغير شبهة كما أوضحناه في محل أليق. ومضمون هذا الكلام هو القول بوحدة الوجود الذي هو في الواقع كفر بالله سبحانه وجحود كما حققناه في رسالة الرد على بعض الصوفية.
قيل: إنه روى عبد الله بن جعفر وهو يماكس في درهم وأنت الذي تجود بما تجود فقال: نعم ذلك مالي جدت وهل عقلي بخلت به. أقول: وهذا ما أشير إليه في بعض الأخبار أن المغبون لا مثاب ولا ممدوح.
رسالة ابن العربي إلى الرازي
كشكول شيخنا البهائي: هذه كتابة كتبها العارف الواصل الصمدي الشيخ
محيي الدين بن عربي حشره الله تعالى مع أحبته إلى الإمام فخر الدين الرازي:(3/257)
كشكول شيخنا البهائي: هذه كتابة كتبها العارف الواصل الصمدي الشيخ
محيي الدين بن عربي حشره الله تعالى مع أحبته إلى الإمام فخر الدين الرازي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وسلام عباده الذين اصطفى الله وعلي ولي في الله فخر الدين محمد أعلى الله همته وأفاض عليه بركاته ورحمته.
وبعد: فإن الله تعالى يقول: {وَتَوََاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوََاصَوْا بِالصَّبْرِ} وقد وقعت على بعض تآليف وما أيدك الله من القوة النحيلة والفكر الجيد ومتى نفدت النفس كسب يديها فإنها لا تجد حلاوة الجود والوهب وتكون ممن أكل من تحته والرجل من يأكل من فوقه كما قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقََامُوا التَّوْرََاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمََا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}.
وليعلم وليي وفقه الله تعالى أن الموارثة الكاملة وهي التي تكون من أكمل الوجوه لا من بعضها والعلماء ورثة الأنبياء، فينبغي للعالم العاقل أن يجتهد لأن يكون وارثا من كل الوجوه ولا يكون ناقص الهمة، وقد علم وليي وفقه الله تعالى أن أحسن الطبيعة الإنسانية إنما تحمله من المعارف الإلهية وقبحها بضد ذلك.
فينبغي للعالي الهمة أن لا يقطع عمره في معرفة المحدثات وتفاصيلها فيفوته حظه من ربه.
وينبغي له أيضا أن يسرح نفسه في سلطان فكره، فإن الفكر يعلم مأخذه والحق المطلوب ليس ذلك، والعلم بالله خلاف العلم بوجود الله فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه من الفكر إذا أراد معرفة الله من حيث المشاهدة.
وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون تلقيه عند هذا من عالم الخيال وهي الأنوار المتحدة الدالة على معان، فإن الخيال ينزل المعاني العقلية في القوالب الحسية كالعلم في صورة اللبن والقرآن في صورة الجبل والدين في صورة القبة.
وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون معلمه موثنا كما لا ينبغي أن يأخذ من فقير أصلا، وكل ما لا كمال له إلا بغيره فهو فقير وهذا حال كلما سوى الله تعالى بأرفع الهمة في أن لا تأخذ علما إلا من الله تعالى على الكشف واليقين.
واعلم أن أهل الأفكار إذا بلغوا فيه غاية القصوى إذا هم فكرهم إلى حال المقلد المصمم فإن الأمر أجل وأعظم من أن يقف فيه الفكر فما دام الفكر موجودا فمن للحالي أن يطمئن القلب ويسكن، وللعقول حد يقف عنده من حيث قوتها في التصرف الفكري ولها صفة القبول لما يهبه الله تعالى فإذا ينبغي للعاقل أن يتعرض لنفحات الجود ولا يبقى مأسورا في قيد نظره وكسبه فإنه على شبهة في ذلك،
ولقد أخبرني من ألفت به من أخوانك من له فيك نية حسنة إنه رآك وقد بكيت يوما فسألك هو ومن حضر عن بكائك؟ فقلت: مسألة اعتقدتها منذ ثلاثين سنة تبين لي الساعة بدليل لاح لي أن الأمر على خلاف ما كان عندي فبكيت وقلت: لعل الذي لاح أيضا أن يكون مثل الأول. فهذا قولك ومن المحال على الواقف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن أو يستريح ولا سيما في معرفة الله تعالى فمالك يا أخي تبقى في ورطة ولا تدخل طريق الرياضات والمكاشفات والمجاهدات والخلوات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فتنال ما نال من قال فيه سبحانه: {عَبْداً مِنْ عِبََادِنََا آتَيْنََاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنََا وَعَلَّمْنََاهُ مِنْ لَدُنََّا عِلْماً} ومثلك من يتعرض لهذه الحطة الشريفة والمرتبة العظيمة الرفيعة.(3/258)
واعلم أن أهل الأفكار إذا بلغوا فيه غاية القصوى إذا هم فكرهم إلى حال المقلد المصمم فإن الأمر أجل وأعظم من أن يقف فيه الفكر فما دام الفكر موجودا فمن للحالي أن يطمئن القلب ويسكن، وللعقول حد يقف عنده من حيث قوتها في التصرف الفكري ولها صفة القبول لما يهبه الله تعالى فإذا ينبغي للعاقل أن يتعرض لنفحات الجود ولا يبقى مأسورا في قيد نظره وكسبه فإنه على شبهة في ذلك،
ولقد أخبرني من ألفت به من أخوانك من له فيك نية حسنة إنه رآك وقد بكيت يوما فسألك هو ومن حضر عن بكائك؟ فقلت: مسألة اعتقدتها منذ ثلاثين سنة تبين لي الساعة بدليل لاح لي أن الأمر على خلاف ما كان عندي فبكيت وقلت: لعل الذي لاح أيضا أن يكون مثل الأول. فهذا قولك ومن المحال على الواقف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن أو يستريح ولا سيما في معرفة الله تعالى فمالك يا أخي تبقى في ورطة ولا تدخل طريق الرياضات والمكاشفات والمجاهدات والخلوات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فتنال ما نال من قال فيه سبحانه: {عَبْداً مِنْ عِبََادِنََا آتَيْنََاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنََا وَعَلَّمْنََاهُ مِنْ لَدُنََّا عِلْماً} ومثلك من يتعرض لهذه الحطة الشريفة والمرتبة العظيمة الرفيعة.
وليعلم وليي وفقه الله تعالى أن كل موجود عند سبب ذلك محدث مثله فإن له وجهين وجه ينظر به إلى سببه ووجه ينظر إلى موجده وهو الله تعالى فالناس كلهم ناظرون إلى وجوه أسبابهم بآراء الحكماء والفلاسفة كلهم وغيرهم إلا المحققين من أهل الله كالأنبياء والأولياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام، فإنهم مع معرفتهم بالسبب ناظرون من الوجه الآخر إلى موجدهم، ومنهم من نظر إلى ربه من وجه سببه لا من وجهه فقال: حدثني قلبي عن ربي وقال الآخر وهو الكامل حدثني ربي، ومن كان وجوده مستفادا من غيره فإن حكمه عندنا حكم لا شيء، فليس للعارف معول إلا الله سبحانه البتة.
واعلم أن الوجه الإلهي الذي هو الله اسم لجميع الأسماء مثل الرب والقدير والشكور وجميعها كالذات الجامعة لما فيها من الذات، فاسم الله مستغرق جميع الأسماء فتحفظ عند المشاهدة وانظر أي اسم من الأسماء الإلهية ينظر إليها فذلك الاسم هو الذي خاطبك أو شاهدته فهو المعبر عنه بالتحول في الصورة كالغريق إذا قال: يا الله فمعناه يا غياثا ويا منجي أو يا منقذ، وصاحب الألم إذا قال: يا الله فمعناه يا شافي أو يا معافي أو ما أشبه ذلك، وقولي لك: «التحول في الصورة» ما رواه مسلم في صحيحه أن الباري تعالى يتجلى فينكر ويتعوذ منه فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها فيقرون بعد الإنكار، وهذا هو معنى المشاهدة هنا والمناجاة والمخاطبات الربانية.
وينبغي للعاقل أن لا يطلب من العلوم إلا ما يكمل به ذاته وينتقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا العلم بالله تعالى، وقد علمك بالطب إنما يحتاج إليه في عالم الأمراض والاسقام فإذا انتقلت إلى عالم ليس فيه السقم ولا المرض فمن يداوي
بذلك العلم، وكذلك العلم بالهندسة إنما يحتاج إليه في عالم المساحة فإذا انتقلت تركته في عالمه ومضت النفس ساذجة ليس عندها شيء منه، وكذلك الإشتغال لكل علم تركته النفس عند انتقالها إلى عالم الآخرة فينبغي أن لا يأخذ منه إلا ما مست إليه الحاجة الضرورية، وليجتهد في تحصيل ما ينقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا علمان خاصة العلم بالله والعلم بمواطن الآخرة وما يقتضيه مقاماتها حتى يمشي فيها كمشيه في منزله فلا ينكر شيئا أو أصلا ولا يكون من الطائفة التي قالت عند ما تجلى لها ربنا: نعوذ بالله منك لست ربنا نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فلما جاءهم في الصورة التي عرفوه أقروا به فما أعظمها من حسرة، فينبغي للعاقل الكشف عن هذين العالمين بطريق الرياضة والمجاهدة والخلوة على الطريقة المشروطة.(3/259)
وينبغي للعاقل أن لا يطلب من العلوم إلا ما يكمل به ذاته وينتقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا العلم بالله تعالى، وقد علمك بالطب إنما يحتاج إليه في عالم الأمراض والاسقام فإذا انتقلت إلى عالم ليس فيه السقم ولا المرض فمن يداوي
بذلك العلم، وكذلك العلم بالهندسة إنما يحتاج إليه في عالم المساحة فإذا انتقلت تركته في عالمه ومضت النفس ساذجة ليس عندها شيء منه، وكذلك الإشتغال لكل علم تركته النفس عند انتقالها إلى عالم الآخرة فينبغي أن لا يأخذ منه إلا ما مست إليه الحاجة الضرورية، وليجتهد في تحصيل ما ينقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا علمان خاصة العلم بالله والعلم بمواطن الآخرة وما يقتضيه مقاماتها حتى يمشي فيها كمشيه في منزله فلا ينكر شيئا أو أصلا ولا يكون من الطائفة التي قالت عند ما تجلى لها ربنا: نعوذ بالله منك لست ربنا نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فلما جاءهم في الصورة التي عرفوه أقروا به فما أعظمها من حسرة، فينبغي للعاقل الكشف عن هذين العالمين بطريق الرياضة والمجاهدة والخلوة على الطريقة المشروطة.
وكنت أريد أن أذكر الخلوة وشروطها وما يتجلى فيها على الترتيب شيئا بعد شيء لكن منع من ذلك الوقت.
وأعني بالعلماء السوء الذين أنكروا ما جهلوا وقيدهم التعصب وحب الظهور والرياسة عن الاذعان للحق والتسليم له ان لم يكن الإيمان به والله ولي الكفاية.
أقول: أنظر إلى كلام هذا الضال الذي اتخذه جملة من الشيعة المائلين إلى الصوفية والحاذين حذوهم في تلك المقالات الغوية نبيا لهم وإماما يجعلونه أقوى له بمنزلة القرآن العزيز في الحجية ويدعون له إنه من الشيعة الإمامية وصراحة قوله بالرؤية كما هو مذهبكم الأشعرية وادعاؤه المكاشفة بالرياضة وأخذ العلم من الله سبحانه من غيره واسطة بكلية.
ولا يخفى أنه على هذا التقدير لا حاجة لنا به ولا بأمثاله ممن تدعي دعواه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأن الغرض من بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إنما هو عدم وصول الخلق إلى ساحة قدسه سبحانه لعدم الأهلية لذلك، فجعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم واسطة بينه سبحانه وبين خلقه بتأدية أحكامه إليهم لاختياره تعالى من بين خلقه وتأهيله لهذه المرتبة دون غيره.
وهذا كما قاله الحكماء للأنبياء الذين في زمانهم وكما روي أن عيسى عليه السّلام لما دعاهم إلى الإقرار به والقول بنبوته أجابوه بإذن الله تعالى إنما بعثك وأرسلك إلى ضعفاء العقول لتكلمهم وأما مثلنا نحن فلا نحتاج إليك.
ولا يخفى على ذي روية أن مرجع كلام هذا النضال إلى ما قاله الحكماء:
وهو كفر محض كما لا يخفى ولا يخفى ما في قول شيخنا البهائي قدس الله سره في الدعاء له حشره الله مع أحبته بعد وصفه بالواصل الصمداني من التوراة كما هو المعهود من طريقته.(3/260)
ولا يخفى على ذي روية أن مرجع كلام هذا النضال إلى ما قاله الحكماء:
وهو كفر محض كما لا يخفى ولا يخفى ما في قول شيخنا البهائي قدس الله سره في الدعاء له حشره الله مع أحبته بعد وصفه بالواصل الصمداني من التوراة كما هو المعهود من طريقته.
قبلة العراق
من كتاب بحار الأنوار: ولشيخنا محمد باقر المجلسي قدس الله سره قال:
(فائدة) قال: شيخنا الفاضل الكامل السيد السند البارع التقي أمير شرف الدين علي الشولستاني الساكن في المشهد الغروي حيا المدفون فيه ميتا قدس الله سره في بعض فوائده. لا يخفى أنه إنما تعلم الكعبة وجهتها بمحراب المعصوم إذ علم أن بناءه بنصب المعصوم وأمره عليه السّلام في زمانه أو زمان غيره لكنه عليه السّلام صلى فيه من غير تياسر وتيامن، وعلى هذا أمر مسجد الكوفة مشكل إذ أبناؤه كان قبل زمان أمير المؤمنين عليه السّلام والحائط القبلي والمحراب المشهور بمحراب أمير المؤمنين عليه السّلام ليستا موافقين لجعل الجدي خلف المنكب الأيمن بل فيهما تيامن بحيث يكون الجدي قدام المنكب الأيمن وكنت في هذا متأملا ومتحيرا، وأيد بتحيري بأنهما كانا عكس ضريحه المقدس كان فيه تياسر كثير ووقت امارته بأمر السلطان الأعظم شاه صفي قدس الله سره قلت للمعمار: غيره إلى التيامن تعيره ومع هذا تياسر في الجملة ومخالفة لمحراب مسجد الكوفة، وحملته على أنه كان بناه غير المعصوم من القائلين بالتياسر وكنت في الروضة المقدسة متيامنا وفي الكوفة متياسرا، لأنه نقل أنه صلى في مسجدها ولم ينقل عنه أنه صلى من غير تيامن وتياسر، وكان في وسط الحائط المذكور محراب كبير متروك العبادة عنده غير مشهور بمحراب أمير المؤمنين عليه السّلام ولا بمحراب أحد من الأنبياء والأئمة عليهم السّلام ولما صار المسجد خرابا وانهدمت الأسطوانات الكانية فيه واختفى فرشه الأصلي بالأحجار والتراب أراد الوزير الكبير ميرزا تقي الدين محمد (ره) تنظيق المسجد من الكثافات الواقعة فيه وعمارة الجانب مع المسجد ورفع الأحجار المرمية في صحنه إلى الفراش الأصلي ونظف وسوى دكتين في جهة الشرق والغرب ظهر أن المحراب والباب المشهورين بمحرابه وبابه عليه السّلام ما كانا متصلين بالفرش الأصلي بل كانا مرتفعين عنه قريبا من ذراعين، والمحراب المتروك الذي كان في وسط الحائط القبلي كان متصلا وواصلا إليه، وظهر ايضا باب كبير قريب منه واصلا إليه وكانت عند الحائط القبلي من أوله إلى آخره اسطوانات وصفات، وبنى الوزير الأمجد عمارته عليها وعند ذلك المحراب كانت صفة كبيرة قدر صفتين
من أطرافها لم يكن بينهما أثر اسطوانة، ولما صار هذا المحراب الكبير عتيقا كثيفا أمر الوزير بقلع وجهه ليبيضوه فقلعوه فإذا تحت الكثافة المقلوعة انه بيضوه ثلاث مرات وحمروه كذلك وفي كل مرتبة بياضا وحمرة أمالوه إلى اليسار فتحير الأمير في ذلك وأحضرني وأرانيه، وكان معه جمع كثير من العلماء والعقلاء الأخيار وكانوا متحيرين متفكرين في الوجه، فخطر ببالي أن ذلك المحراب كان ذلك محراب أمير المؤمنين عليه السّلام وكان يصلي إليه لوصوله إلى الفرش الأصلي ولوقوعه في صفة كبيرة يجمع فيها العلماء والأخيار خلف الإمام، وكذلك كان ذلك الباب بابه عليه السّلام الذي يجيء من البيت إلى المسجد منه لاتصاله بالفرش، ولما كان الجدار قديما وكان ذلك المحراب فيه ولم يكن موافقا للجهة شرعيا تياسر عليه السّلام وبعده المسلمون حرفوا وأمالوا البياض والحمرة إلى التياسر ليعلم الناس انه عليه السّلام تياسر فيه وحمروه ليعلموا انه عليه السّلام قتل عنده وكان تكرار الحمرة لتكرار الإندراس والكثافة، ولما خرب المسجد واندرست الأسطوانات والصفات واختفى الفرش الأصلي وحدث فرش آخر أحدث بعض الناس ذلك المحراب الصغير وفتح باب صغير قريب منه على السطح الجديد واشتهر بمحرابه وبابه، وعرضت على الوزير والحضار وكلهم صدقوني وقبلوا مني وصلوا الصلاة المفزرة المعهودة عند محرابه عليه السّلام وقرأوا الدعاء المشهورة قراءته بعد الصلاة عنده وتياسروا في الصلاة على ما رأوا في المحراب، وأمر الوزير بزينته زائدا على سائر المحاريب وتساهل المعمار فيها فحدث ما حدث في العراق وبقي على ما كان عليه كسائر المحاريب والسلام على من اتبع الهدى إنتهى كلامه رفع الله مقامه.(3/261)
(فائدة) قال: شيخنا الفاضل الكامل السيد السند البارع التقي أمير شرف الدين علي الشولستاني الساكن في المشهد الغروي حيا المدفون فيه ميتا قدس الله سره في بعض فوائده. لا يخفى أنه إنما تعلم الكعبة وجهتها بمحراب المعصوم إذ علم أن بناءه بنصب المعصوم وأمره عليه السّلام في زمانه أو زمان غيره لكنه عليه السّلام صلى فيه من غير تياسر وتيامن، وعلى هذا أمر مسجد الكوفة مشكل إذ أبناؤه كان قبل زمان أمير المؤمنين عليه السّلام والحائط القبلي والمحراب المشهور بمحراب أمير المؤمنين عليه السّلام ليستا موافقين لجعل الجدي خلف المنكب الأيمن بل فيهما تيامن بحيث يكون الجدي قدام المنكب الأيمن وكنت في هذا متأملا ومتحيرا، وأيد بتحيري بأنهما كانا عكس ضريحه المقدس كان فيه تياسر كثير ووقت امارته بأمر السلطان الأعظم شاه صفي قدس الله سره قلت للمعمار: غيره إلى التيامن تعيره ومع هذا تياسر في الجملة ومخالفة لمحراب مسجد الكوفة، وحملته على أنه كان بناه غير المعصوم من القائلين بالتياسر وكنت في الروضة المقدسة متيامنا وفي الكوفة متياسرا، لأنه نقل أنه صلى في مسجدها ولم ينقل عنه أنه صلى من غير تيامن وتياسر، وكان في وسط الحائط المذكور محراب كبير متروك العبادة عنده غير مشهور بمحراب أمير المؤمنين عليه السّلام ولا بمحراب أحد من الأنبياء والأئمة عليهم السّلام ولما صار المسجد خرابا وانهدمت الأسطوانات الكانية فيه واختفى فرشه الأصلي بالأحجار والتراب أراد الوزير الكبير ميرزا تقي الدين محمد (ره) تنظيق المسجد من الكثافات الواقعة فيه وعمارة الجانب مع المسجد ورفع الأحجار المرمية في صحنه إلى الفراش الأصلي ونظف وسوى دكتين في جهة الشرق والغرب ظهر أن المحراب والباب المشهورين بمحرابه وبابه عليه السّلام ما كانا متصلين بالفرش الأصلي بل كانا مرتفعين عنه قريبا من ذراعين، والمحراب المتروك الذي كان في وسط الحائط القبلي كان متصلا وواصلا إليه، وظهر ايضا باب كبير قريب منه واصلا إليه وكانت عند الحائط القبلي من أوله إلى آخره اسطوانات وصفات، وبنى الوزير الأمجد عمارته عليها وعند ذلك المحراب كانت صفة كبيرة قدر صفتين
من أطرافها لم يكن بينهما أثر اسطوانة، ولما صار هذا المحراب الكبير عتيقا كثيفا أمر الوزير بقلع وجهه ليبيضوه فقلعوه فإذا تحت الكثافة المقلوعة انه بيضوه ثلاث مرات وحمروه كذلك وفي كل مرتبة بياضا وحمرة أمالوه إلى اليسار فتحير الأمير في ذلك وأحضرني وأرانيه، وكان معه جمع كثير من العلماء والعقلاء الأخيار وكانوا متحيرين متفكرين في الوجه، فخطر ببالي أن ذلك المحراب كان ذلك محراب أمير المؤمنين عليه السّلام وكان يصلي إليه لوصوله إلى الفرش الأصلي ولوقوعه في صفة كبيرة يجمع فيها العلماء والأخيار خلف الإمام، وكذلك كان ذلك الباب بابه عليه السّلام الذي يجيء من البيت إلى المسجد منه لاتصاله بالفرش، ولما كان الجدار قديما وكان ذلك المحراب فيه ولم يكن موافقا للجهة شرعيا تياسر عليه السّلام وبعده المسلمون حرفوا وأمالوا البياض والحمرة إلى التياسر ليعلم الناس انه عليه السّلام تياسر فيه وحمروه ليعلموا انه عليه السّلام قتل عنده وكان تكرار الحمرة لتكرار الإندراس والكثافة، ولما خرب المسجد واندرست الأسطوانات والصفات واختفى الفرش الأصلي وحدث فرش آخر أحدث بعض الناس ذلك المحراب الصغير وفتح باب صغير قريب منه على السطح الجديد واشتهر بمحرابه وبابه، وعرضت على الوزير والحضار وكلهم صدقوني وقبلوا مني وصلوا الصلاة المفزرة المعهودة عند محرابه عليه السّلام وقرأوا الدعاء المشهورة قراءته بعد الصلاة عنده وتياسروا في الصلاة على ما رأوا في المحراب، وأمر الوزير بزينته زائدا على سائر المحاريب وتساهل المعمار فيها فحدث ما حدث في العراق وبقي على ما كان عليه كسائر المحاريب والسلام على من اتبع الهدى إنتهى كلامه رفع الله مقامه.
أقول: وجدت محاريب العراق وأبنيتها مختلفة غاية الإختلاف، وأقربها إلى القواعد الرياضية قبلة حائر الحسين عليه السّلام ولكنها أيضا منحرفة عن نصف النهار أقل ما تقتضيه القواعد، وأما ضريح أمير المؤمنين عليه السّلام وضريح الكاظميين عليه السّلام فهما على نصف النهار من غير انحراف بين وضريح العسكريين عليه السّلام فصرف عن يسار نصف النهار قريبا من عشرين درجة ومحراب مسجد الكوفة منحرف عن يمين نصف النهار نحوا من أربعين درجة وهو قريب من قبله أصفهان، وليس على ما ذكره السيد (ره) من كون الجدي قدام المنكب وإلا لكان قريبا من القرب، وانحراف الكوفة بحسب القواعد الرياضية إثنا عشر عن يمين نصف النهار وانحراف بغداد قريب منه وإنحراف سر من رأى قريب من ثمان درجات من جهة اليمين وقبلة مسجد مسهلة قريب من القواعد.(3/262)
فظهر بما ذكرنا أن محراب روضة أمير المؤمنين عليه السّلام أقرب إلى القواعد من محراب مسجد الكوفة، ولعل هذه الإختلافات مبنية على التوسعة في أمر القبلة ولا يبعد أن يكون الأمر والتياسر لأهل العراق لتكون المحاريب المشهورة المبنية فيها في زمن خلفاء الجور لا سيما المسجد الأعظم على هذا الوجه، ولم يكن يمكنهم اظهار خطأ هؤلاء الفساق فأمروا شيعتهم بالتياسر من تلك المحاريب وعللوه بما عللوه به تقية لئلا يشتهر عنهم الحكم بخطأ من مضى من خلفاء الجور. ويؤيده ما سيأتي وصف مسجد غنا وإن قبلته لقاسطة فهو يومي إلى سائر المساجد في قبلتها شيء ومسجد غنا اليوم غير موجود، ويؤيده أيضا ما رواه محمد ابن إبراهيم النعاني في كتاب الغيبة عن أبي عقدة عن علي بن الحسن عن الحسن ومحمد بن يوسف عن سعدان بن مسلم عن صباح المزني عن الحرث بن حصيرة عن حبة العرني قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون كما أنزل، أما أن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته، على أنه لا يعلم بقاء البناء الذي كان على عهد أمير المؤمنين بل تدل بعض الأخبار على عدمه وتغييره كما قد رواه الشيخ في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان عن علي بن الحكم عن الربيع بن محمد المسلمي عن ابن طريف عن ابن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: في حديث له حتى انتهى إلى مسجد الكوفة وكان مبنيا بخزف ودنان وطين فقال: ويل لمن هدمك وويل لمن سهل هدمك وويل لبانيك بالمبلوخ المغير قبلة نوح، طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة.
وأغرب من جميع ذلك أن مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم محرابه على خط نصف النهار مع انه أظهر المحاريب إنتسابا إلى المعصوم، وهو مخالف للقواعد لانحراف قبلة المدينة عن يسار نصف النهار أي عن نقطة الجنوب إلى المشرق بسبع وثلاثين درجة، وأيضا مخالف لما هو المشهور من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: محرابي على الميزاب ومن يقف في المسجد الحرام بازاء الميزاب يقع الجدي خلف منكبه الأيسر بل قريبا من رأس المنكب، وكنت متحيرا في ذلك حتى تأملت في عمارة روضة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم التي فيها قبره الشريف فوجدتها منحرفة ذات اليسار كثيرا وإن لم يكن بهذا المقدار، وظاهر أن البيوت كانت مبنية بعد المسجد على وفقه فظهر أن محراب المسجد أيضا مما حرف في زمن سلاطين الجور. ويؤيده أن محراب مسجد قبا ومسجد الشجرة وأكثر المساجد القديمة التي رأيتها في المدينة وبين الحرمين أما موافقه للقواعد وقريبة منها مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام صلوا فيها
والله يعلم إنتهى كلام شيخنا المذكور ألحقه الله تعالى بالسرور والحبور، وهو جيد متين.(3/263)
وأغرب من جميع ذلك أن مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم محرابه على خط نصف النهار مع انه أظهر المحاريب إنتسابا إلى المعصوم، وهو مخالف للقواعد لانحراف قبلة المدينة عن يسار نصف النهار أي عن نقطة الجنوب إلى المشرق بسبع وثلاثين درجة، وأيضا مخالف لما هو المشهور من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: محرابي على الميزاب ومن يقف في المسجد الحرام بازاء الميزاب يقع الجدي خلف منكبه الأيسر بل قريبا من رأس المنكب، وكنت متحيرا في ذلك حتى تأملت في عمارة روضة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم التي فيها قبره الشريف فوجدتها منحرفة ذات اليسار كثيرا وإن لم يكن بهذا المقدار، وظاهر أن البيوت كانت مبنية بعد المسجد على وفقه فظهر أن محراب المسجد أيضا مما حرف في زمن سلاطين الجور. ويؤيده أن محراب مسجد قبا ومسجد الشجرة وأكثر المساجد القديمة التي رأيتها في المدينة وبين الحرمين أما موافقه للقواعد وقريبة منها مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام صلوا فيها
والله يعلم إنتهى كلام شيخنا المذكور ألحقه الله تعالى بالسرور والحبور، وهو جيد متين.
ومما يؤيد ما ذكره قدس سره من التوسعة في أمر القبلة وإن الأمر فيها ليس على ما ذكره أصحاب القواعد الرّياضية أن الصلاة عمود الدين وأساسه المتين كما استفاد عن السادة الميامين، وصحتها مبنية على القبلة بيقين مع أنه لم يرد عنهم عليهم السّلام في علامات معرفة القبلة للبعيد سوى حديثين مجملين وهو ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهم السّلام قال: سألته عن القبلة. قال: ضع الجدي في قفاك وصل وما رواه الصدوق قدس الله سره في كتابه مرسلا قال: قال رجل للصادق عليه السّلام: إني أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل؟ قال: أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي. قلت: نعم. قال: اجعله على يمينك فإذا كنت في طريق الحج فاجعله على كتفيك.
ولو كان الأمر ما ذكره أولئك من الضيق الشديد والتحديد الأكيد فكيف غفل عنه أصحاب الأئمة عليهم السّلام ولم يسألوهم عنه مع كونهم متفرقين في جملة الأقطار ومحتاجين إلى التردد في الأسفار، وكيف رضي الأئمة لهم بجهل ذلك ولم يبتدؤهم بالبيان وهو كما عرفت من أعظم الأركان، وقد أوعزوا لهم من أحكام الشريعة وسنها وآدابها بل جملة أحوال الإنسان في مأكله ومشربه ونومه ويقظته ونكاحه ودخوله الخلاء ولبس الثياب والسفر وأمثال ذلك مما ليس في تركته ضرر ولا خطر ما هو مدون منقول عنهم عليهم السّلام ومع هذا فيهملون أمر القبلة الذي عليه بناء صحة صلاتهم التي هي عمدة دينهم المتوقف قبول سائر أعمالهم على قبولها كما ورد عنهم عليهم السّلام ما هذا إلا عجب عجيب إذ تفكّر فيه الموفق المصيب، والله سبحانه أعلم وأحكم.
من شعر أبي فراس الحمداني
قال المحقق التفتازاني في شرح الكشاف عند قوله تعالى في سورة النساء:
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ تَعََالَوْا إِلى ََ مََا أَنْزَلَ اللََّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} ما صورته: كان بنوا حمدان ملوكا أوجههم للصباحة وألسنتهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وأبو فراس أوحدهم بلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة حتى قال الصاحب بن عباد: بدأ الشعر بملك وختم بملك يعني امرىء القيس وأبي فراس. وقد أدركه حرفة الأدب وأصابته عين الكمال فأسرته الروم في بعض وقائعها فازدادت رومياته لطافة فمنها ما قال وقد
سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية:(3/264)
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمْ تَعََالَوْا إِلى ََ مََا أَنْزَلَ اللََّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} ما صورته: كان بنوا حمدان ملوكا أوجههم للصباحة وألسنتهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وأبو فراس أوحدهم بلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة حتى قال الصاحب بن عباد: بدأ الشعر بملك وختم بملك يعني امرىء القيس وأبي فراس. وقد أدركه حرفة الأدب وأصابته عين الكمال فأسرته الروم في بعض وقائعها فازدادت رومياته لطافة فمنها ما قال وقد
سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتا هل تشعرين بحالي
فلولا الهوى ما شفّني طارق النوى ... ولا خطرت تلك الهموم ببالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا ... تعالي أقاسمك الهموم تعالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ... ولكن دمعي في الحوادث غالي
إنتهى كلامه والغرض لاستشهاد قوله تعالى بكسر اللام وكان القياس بالفتح.
كان بعض الحكماء يقول: لا تطلب من الكريم يسيرا فتكون عنده حقيرا.
نقل في بعض الأخبار عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام انه قال: مودة يوم صلة ومودة شهر قرابة ومودة سنة رحم ماسة من قطعها قطعه الله تعالى.
قصيدة للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني
(قال الشيخ): الفاضل الشيخ حسن ابن شيخنا العالم الرباني المشهور بالشهيد الثاني قدس الله سرهما ونور ضريحهما.
ما أومض البرق من داج من الطلل ... إلا وهاجت شجوني أو نمت عللي
وازداد إضرام وجدي حين ذكرني ... لذيذ عيش مضى في الأزمن الأول
إذ كنت من حادثات الدهر في دعة ... مبلغا من لدنه غاية الأمل
لله كم ليلة في العمر لي سلفت ... العيش في ظلها أصفى من العسل
الفيت فيها عيون الدهر غافلة ... عني وصوف الليالي عادم الغيل
والجد يسمو بمطلوبي فما ذهبت ... من بعدها برهة حتى تنبه لي
فصوب الغدر لي حتى يفل به ... صحيح حالي فأضحى منه في فلل
واستأصلت راحتي أيامه فعدلي ... ربع اللقا والتداني موشح الطلل
فصرت في غمزه الأشجان منهمكا ... لا حول لي أهتدي منه إلى حولي
أمسى ونار الأسى في القلب مضرمة ... لا ينطفي وقدها والقلب في شعلي
كيف احتيالي ودهري غير مقترف ... من جهله قيمة الأحرار بالزلل
حاذرت دهري فلم تنج محاذري ... لما رماني ولا تممت لي حيلي
والحازم الشهم من لم يلفا ونة ... في غره من مهنا عيشه الخطل
والعز من لم يكن في طول مدته ... من خوف صرف الليالي دائم الوجل(3/265)
فالدهر ظل على أهليه منبسط ... وما سمعنا بظل غير منتقل
كم غر قبلنا قوما فما شعروا ... إلا وداعي المنايا منه في عجل
وكم رمى دولة الأحرار من سفه ... بكل خطب مهول فادح جلل
وظل في نضرة الأشرار مجتهدا ... حتى غدوا دولة من أعظم الدول
وهذه شيمة الدنيا وسنتها ... من قبل تحنو على الأوغاد والسفل
وتلبس الحر من أبوابها حللا ... من البلايا وأثوابا من العلل
يبيت منها ويضحى وهو في كمد ... في مدة العمر لا يفضي إلى الجذل
فاصبر على مر ما تلقى وكن حذرا ... من غدرها فهي ذات الخزي والغيل
واشدد بحبل التقى فيها يديك فلا ... يجدي به المرء إلا صالح العمل
واحرص على النفس واجهد في حراسته ... ولا تدعها بها ترعى مع الهمل
وانهض بها من حضيض النقص منتضيا ... صوارم الخرم للتسويف والكسل
واركب غمار المعالي كي تبلغها ... ولا تكن قانعا منهن بالبلل
فذروة المجد عندي ليس يدركها ... من يكن سالك المستصعب السبل
وكن أبيا عن الإذلال ممتنعا ... فالذل لا ترتضيه شيمة الرجل
وان عراك العنا والضيم في بلد ... فانهض إلى غيره في الأرض وانتقل
واسعد بنيل المنا فالحال معلنة ... بان ادراك شاو العز في النقل
وحيث يغنيك نقص الحظ أطوله ... كشحا فليس ازدياد الجد في الحيل
ودارنا هذه من قبل قد حكمت ... على حظوظ أهالي الفضل بالخلل
وكن عن الناس مهما اسطعت منعزلا ... فراحة النفس تهوى كل معتزل
ولو خبرت الورى ألفيت أكثرهم ... قد استحبوا طريقا غير معتدل
إن عاهدوا لم يفوا بالعهد أو وعدوا ... فمنجز الوعد منهم غير محتمل
يحول صمغ الليالي عن مفارقهم ... ليستحيلوا وسوء الحال لم يحل
تقاعدت عن هوى الأخرى عزائمهم ... وفي اتباع الهوى حوشوا عن الفسل
وله أيضا:
أبهضني حمل النصب ... وغالني فرط التعب
أذم حالات النوى ... علي دهري قد كتب
لا تعجبوا من سقمي ... ان حياتي لعجب
عاقدني الدهر فما ... يود لي إلا العطب
وما بقاء المرء في ... بحر هموم وكرب(3/266)
لله اشكو زمنا ... في طرف الخنز نصب
فلست أعدو طالبا ... إلا ويعيني الطلب
لو كنت أدري علة ... توجب هذا أو سبب
كأنه يحسبني ... في سلك أصحاب الأدب
أخطأت يا دهر فلا ... بلغت في الدنيا ارب
كم تألف الغدر ولا ... تخاف سوء المنقلب
غادرتني مطرحا ... بين الرزايا والنوب
من بعد ما ألبسنني ... ثوب عناء ووصب
في غربة صماء ان ... دعوت فيها لم أجب
وحاكم الوجد على ... جميل صبري قد غلب
ومولم الشوق لذا ... قلب المعنى قد وجب
ففي فؤادي حرقة ... من الحشا قد التهب
وكل أحبائي قد ... أودعتهم تحت الترب
فلا يلمني لائم ... ان سال دمعي وانسكب
واليوم نائي أجلي ... من لوعتي قد اقترب
إذ بان عني وطني ... وعيل صبري وانسلب
ولم يدع لي الدهر من ... راحتي غير التعب
لم ترض يا دهر بما ... صرفك مني قد نهب
لم تبق عندي فضة ... أنفقها ولا ذهب
واسترجع الصفو الذي ... من قبل كان قد ذهب
فكم على حر بغى ... فتاب منه وانجدب
تبت يداك مثلما ... تبت يدا أبي لهب
فما يضاهيك سوى ... من نعتها حمل الحطب
ومكرك السيّء لا ... يزال مقطوع الذنب
وعنك ما يبرح ما ... كيدك فيه قد ذهب
حتام يا دهري أرى ... منك البرايا في تعب
ما آن أن تصلح ما ... صرفك فينا قد خرب
ما حان ارجاع الذي ... من قبل منا قد سلب
شقشقة مجملها ... يكشف عن حال الغضب
إذا الزمان لم يزل ... يفتك في أهل الحسب
وصرفه من جوره ... لجرهم قد انتصب
تبصره أعيننا ... فهم على حال عجب
وكل غمر جاهل ... يبلغ منه ما طلب
هذا الذي حول من ... عزمي الذي كان وجب
يا عز ويا قلب فلا ... تجزع فللأمر سبب
كل ابن أنثى هالك ... وسوف يأتي من حدب
أوقفه العرض إذا ... لم يدر من أين الهرب
وضاقت الصحف بما ... عليه مولاه حسب
قد أحصيت أعماله ... وكاتب الحق كسب
لم يغن عنه ولد ... كلا ولا جد وأب
ولم يكن ينفعه ... في الحشر إلا ما كسب(3/267)
لله اشكو زمنا ... في طرف الخنز نصب
فلست أعدو طالبا ... إلا ويعيني الطلب
لو كنت أدري علة ... توجب هذا أو سبب
كأنه يحسبني ... في سلك أصحاب الأدب
أخطأت يا دهر فلا ... بلغت في الدنيا ارب
كم تألف الغدر ولا ... تخاف سوء المنقلب
غادرتني مطرحا ... بين الرزايا والنوب
من بعد ما ألبسنني ... ثوب عناء ووصب
في غربة صماء ان ... دعوت فيها لم أجب
وحاكم الوجد على ... جميل صبري قد غلب
ومولم الشوق لذا ... قلب المعنى قد وجب
ففي فؤادي حرقة ... من الحشا قد التهب
وكل أحبائي قد ... أودعتهم تحت الترب
فلا يلمني لائم ... ان سال دمعي وانسكب
واليوم نائي أجلي ... من لوعتي قد اقترب
إذ بان عني وطني ... وعيل صبري وانسلب
ولم يدع لي الدهر من ... راحتي غير التعب
لم ترض يا دهر بما ... صرفك مني قد نهب
لم تبق عندي فضة ... أنفقها ولا ذهب
واسترجع الصفو الذي ... من قبل كان قد ذهب
فكم على حر بغى ... فتاب منه وانجدب
تبت يداك مثلما ... تبت يدا أبي لهب
فما يضاهيك سوى ... من نعتها حمل الحطب
ومكرك السيّء لا ... يزال مقطوع الذنب
وعنك ما يبرح ما ... كيدك فيه قد ذهب
حتام يا دهري أرى ... منك البرايا في تعب
ما آن أن تصلح ما ... صرفك فينا قد خرب
ما حان ارجاع الذي ... من قبل منا قد سلب
شقشقة مجملها ... يكشف عن حال الغضب
إذا الزمان لم يزل ... يفتك في أهل الحسب
وصرفه من جوره ... لجرهم قد انتصب
تبصره أعيننا ... فهم على حال عجب
وكل غمر جاهل ... يبلغ منه ما طلب
هذا الذي حول من ... عزمي الذي كان وجب
يا عز ويا قلب فلا ... تجزع فللأمر سبب
كل ابن أنثى هالك ... وسوف يأتي من حدب
أوقفه العرض إذا ... لم يدر من أين الهرب
وضاقت الصحف بما ... عليه مولاه حسب
قد أحصيت أعماله ... وكاتب الحق كسب
لم يغن عنه ولد ... كلا ولا جد وأب
ولم يكن ينفعه ... في الحشر إلا ما كسب
مسألة في القراءة
طعن الزمخشري: في قراءة ابن عامر (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) وجعلها سجية وقد شنع عليه كثير من الناس. قال الكراشي:
كلام الزمخشري يشعر بأن ابن عامر ارتكب محظورا وإنه غير ثقة لأنه يأخذ القراءة من المصحف لا من المشائخ ومع ذلك أسندها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وليس الطعن في ابن عامر طعنا فيه وإنما طعن في علماء الأمصار حيث جعلوه أحد القراء السبعة المرضية وفي الفقهاء حيث لم ينكروا عليه وإنهم يقرأونها في محاريبهم والله أكرم من أن يجمعهم على الخطأ إنتهى كلامه.
وقال: أبو حيان أعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي محض قراءة متواترة موجود نظيرها في كلام العرب، وأعجب بسوء ظن هذا الرجل بقراءة الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقا وغربا واعتمدهم المسلمون لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم إنتهى.
وقال المحقق التفتازاني: هذا أشد الجرم حيث طعن في إسناد القراء السبعة ورواياتهم وزعم أنهم إنما يقرأون من عند أنفسهم وهذه عادته يطعن في تواتر القراءات السبع وينسب الخطأ تارة إليهم كما في هذا الموضع وتارة إلى الرواة عنهم وكلاهما اخطأ لأن القراءة وكذا الرواة عنهم إنتهى كلامه.
وقال ابن المنير نبرأ إلى الله ونبرىء جملة كلامه عمار ما هم به فقد ركب
عميّا وتخيل القراءة إجتهادا واختيارا لا نقلا وإسنادا، ونحن نعلم أن هذه القراءة قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على جبرئيل عليه السّلام كما أنزلها عليه وبلغت إلينا بالتواتر عنه فالوجوه السبعة المتواترة جملة وتفصيلا فلا مبالاة لقول الزمخشري وأمثاله ولولا عذران المنكر ليس من أهل علمي القراءة والأصول لخيف عليه الخروج عن ربقة الإسلام ومع ذلك فهو في عهدة خطرة وزلة منكرة، والذي ظن أن تفاصيل الوجوه السبعة فيها ما ليس متواتر غالط ولكنه أقل غلطا من هذا هذا فإن جعلها موكولة إلى الآراء ولم يقل ذلك أحد من المسلمين، ثم إنه شرع في تقرير شواهد من كلام العرب لهذه القراءة، وقال في آخر كلامه ليس الغرض تصحيح القراءة العربية بل تصحيح العربية بالقراءة.(3/268)
وقال ابن المنير نبرأ إلى الله ونبرىء جملة كلامه عمار ما هم به فقد ركب
عميّا وتخيل القراءة إجتهادا واختيارا لا نقلا وإسنادا، ونحن نعلم أن هذه القراءة قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على جبرئيل عليه السّلام كما أنزلها عليه وبلغت إلينا بالتواتر عنه فالوجوه السبعة المتواترة جملة وتفصيلا فلا مبالاة لقول الزمخشري وأمثاله ولولا عذران المنكر ليس من أهل علمي القراءة والأصول لخيف عليه الخروج عن ربقة الإسلام ومع ذلك فهو في عهدة خطرة وزلة منكرة، والذي ظن أن تفاصيل الوجوه السبعة فيها ما ليس متواتر غالط ولكنه أقل غلطا من هذا هذا فإن جعلها موكولة إلى الآراء ولم يقل ذلك أحد من المسلمين، ثم إنه شرع في تقرير شواهد من كلام العرب لهذه القراءة، وقال في آخر كلامه ليس الغرض تصحيح القراءة العربية بل تصحيح العربية بالقراءة.
ترجمة القاضي البيضاوي
كشكول شيخنا البهائي: قدس الله سره القاضي البيضاوي صاحب التضانيف المشهورة اسمه عبد الله ولقبه ناصر الدين وكنيته أبو الخير ابن عمرو بن محمد بن علي البيضاوي، وبيضا قرية من أعمال شيراز تولى القضاء بفارس، وكان زاهدا عابدا متورعا دخل تبريز وصادف دخوله مجلس أجلاء بعض الفضلاء فجلس في أخريات القوم بصف النعال بحيث لم يعلم أحد بدخوله فاورد المدرس اعتراضا وتبجح وزعم أن أحدا من الحاضرين لا يقدر على جوابها، فلما فرغ من تقريرها ولم يقدر أحد من الحاضرين على التخلص منها شرع البضاوي في الجواب فقال له المدرس: ولا أسمع كلامك حتى أعلم انك فهمت ما قررته. فقال البيضاوي:
تريد أن أعيد كلامك بلفظه أم بمعناه؟ فبهت المدرس وقال: أعده بلفظه، فأعادها وبين أن في تركيب ألفاظه بحثا، ثم إنه أجاب عن تلك الاعتراضات بأجوبة شافية ثم أورد لنفسه اعتراضات بعددها وطلب من المدرس الجواب عنها فلم يقدر فقام الوزير من المجلس وأجلس البيضاوي في مكانه وسأله من أنت؟ فقال: البيضاوي، وطلب قضاء شيراز فأعطاه ما طلبه وأكرمه وخلع عليه، وكانت وفاة البيضاوي في سنة خمس وثمانين وستمئة وذلك بتبريز وقبره هناك من مصنفاته في زماننا هذا تفسيره الموسوم بأنوار التنزيل.
كان: ابن الجوزي يعظ في بغداد فانجر كلامه إلى التصوف حتى أنشد هذين البيتين.
أصبحت صبا إذا مر النسيم على ... زهر الرياض يكاد الوهم يولمني(3/269)
من كل معنى شريف اجتني ثمرا ... وكل ناطقة في الكون تطربني
فقال له بعض الحاضرين: فإن كان الناطق حمارا؟ فقال ابن الجوزي: أقول يا حمار أسكت.
ترجمة ابن الأثير صاحب النهاية
كشكول شيخنا البهائي: قدس الله روحه كان ابن الأثير مجيد الدين أبو السعادات صاحب جامع الأصول والنهاية في غريب الحديث من أكابر الرؤساء محظي عند الملوك وتولى لهم المناصب الجليلة، فعرض له مرض فكف يديه ورجليه فانقطع في منزله وترك المناصب والاختلاط بالناس، وكان الرؤساء يغشونه في منزلة فحضر إليه بعض الأطباء والتزم بعلاجه، فلما طببه وقارب البرء واشرف على الصحة دفع إليه شيئا من الذهب وقال: امض لسبيلك، فلامه أصحابه على ذلك وقالوا: هلا أبقيته إلى حصول الشفا؟ فقال لهم: إني متى عوفيت طلبت إلى المناصب ودخلت فيه وكلفت قبولها، وأما ما دمت على هذه الحالة فإني لا أصلح لذلك فأصرف أوقاتي في تكميل تفسير ومطالعة كتب العلم ولا أدخل معهم فيما يغضب الله ويرضيهم والرزق لا بد منه، فاختار عطلة بدنه ليحصل له بذلك الإقامة على العطلة عن المناصب. وفي تلك المدة ألف جامع الأصول والنهاية وغيرهما من الكتب المفيدة.
سئل: محمد بن سيرين عن الرجل يقرأ عليه القرآن فيصفق؟ فقال: ميعاد بيننا وبينهم أن يسجلوا على حائط ثم يقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره فإن سقط فهو كما قال.
كان: يحيى بن معاذ كثيرا ما يقول: أيها العلماء ان قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية وأخلاقكم نمرودية وموائدكم جاهلية ومذاهبكم سلطانية فأين المحمدية.
كتاب الأغاني: لأبي الفرج الأصبهاني: أعشى همدان هو عبد الرحمن بن عبد الله بينه وبين همدان ثلاثة عشر أبا، وهمدان بن مالك بن زيد بن ربيعة بن الحبار بن مالك بن زيد بن كيلان بن سنان بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان الأعشى شاعرا فصيحا وهو زوج أخت الشعبي الفقيه زوج أخته وكان قد أسره مدة في بلاد الديلم ثم إن بنتا للعلج الذي أسره أحبته وصارت إليه ليلا ومكنته من نفسها وأصبح وقد واقعها ثمان مرات فقالت له: يا معشر المسلمين أهكذا تفعلون
بنسائكم؟ فقال: نعم. فقالت: والله هذا هو العمل نصرتم، ثم قالت: أفرأيت ان خلصتك أتصطفيني لنفسك؟ فقال: نعم وعاهدها، فلما كان الليل حلت قيوده وأخذت به طريقا تعرفها وهويت معه فقال في ذلك شاعر من شعراء المسلمين:(3/270)
كتاب الأغاني: لأبي الفرج الأصبهاني: أعشى همدان هو عبد الرحمن بن عبد الله بينه وبين همدان ثلاثة عشر أبا، وهمدان بن مالك بن زيد بن ربيعة بن الحبار بن مالك بن زيد بن كيلان بن سنان بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان الأعشى شاعرا فصيحا وهو زوج أخت الشعبي الفقيه زوج أخته وكان قد أسره مدة في بلاد الديلم ثم إن بنتا للعلج الذي أسره أحبته وصارت إليه ليلا ومكنته من نفسها وأصبح وقد واقعها ثمان مرات فقالت له: يا معشر المسلمين أهكذا تفعلون
بنسائكم؟ فقال: نعم. فقالت: والله هذا هو العمل نصرتم، ثم قالت: أفرأيت ان خلصتك أتصطفيني لنفسك؟ فقال: نعم وعاهدها، فلما كان الليل حلت قيوده وأخذت به طريقا تعرفها وهويت معه فقال في ذلك شاعر من شعراء المسلمين:
فمن كان يفديه من الأسر ماله ... فهمدان تفديها العداة أيورها
أشعار حكمية
لبعضهم:
نجب الأعمار بنا تنب ... ما أسرع ما تصل النجب
والشمس تطير بأجنحة ... والليل تطارده الشهب
والدهر يجد يفعل الجد ... فليس يليق بك اللعب
ما القصد سواك فخل هواك ... وكن رجلا فلك الطلب
العرش لاجلك مرتفع ... والفرش لأجلك منتصب
والجو لاجلك منخرق ... والريح تمر بها السحب
والزهر لجهلك مبتسم ... والغيم لغمرك لغمرك ينتهب
وكان سما الدنيا البحر ... وحب كواكبها حبب
وكان الشمس سفينته ... وشراع ذوائبها ذهب
سل دهرك اين قرون الأرض ... نجبك بأنهم ذهبوا
ساروا عنا سيرا عجلا ... فكان مسيرهم الخبب
واستوحشت الأوطان لهم ... لما أنست بهم الترب
ما أنصحهم ولقد عصموا ... ما أبعدهم ولقد قربوا
يا لاعبا جد بفعل الجد ... فليس الأمر به لعبوا
واهجر دنياك وزخرفها ... فجميع مناصبها نصبوا
فكأنك والأيام فقد ... فتحت بابا فيه النوب
وبقيت غريب الدار فلا ... رسل تأتيك ولا كتب
وسلاك الأهل ومل الصحب ... كأنهم لك ما صحبوا
فإذا نقر الناقور وصاح ... وحينئذ يوم عجب
فيصح السمع ويجثو الجمع ... ويجري الدمع وينسكب
وجميع الناس قد افترقوا ... ثم افترقوا ولهم رتب
ذا مرتفع ذا منخفض ... ذا منجزم ذا منتصب
فهناك المكسب والخسران ... وثم الراحة والتعب
غيره لغيره:(3/271)
نجب الأعمار بنا تنب ... ما أسرع ما تصل النجب
والشمس تطير بأجنحة ... والليل تطارده الشهب
والدهر يجد يفعل الجد ... فليس يليق بك اللعب
ما القصد سواك فخل هواك ... وكن رجلا فلك الطلب
العرش لاجلك مرتفع ... والفرش لأجلك منتصب
والجو لاجلك منخرق ... والريح تمر بها السحب
والزهر لجهلك مبتسم ... والغيم لغمرك لغمرك ينتهب
وكان سما الدنيا البحر ... وحب كواكبها حبب
وكان الشمس سفينته ... وشراع ذوائبها ذهب
سل دهرك اين قرون الأرض ... نجبك بأنهم ذهبوا
ساروا عنا سيرا عجلا ... فكان مسيرهم الخبب
واستوحشت الأوطان لهم ... لما أنست بهم الترب
ما أنصحهم ولقد عصموا ... ما أبعدهم ولقد قربوا
يا لاعبا جد بفعل الجد ... فليس الأمر به لعبوا
واهجر دنياك وزخرفها ... فجميع مناصبها نصبوا
فكأنك والأيام فقد ... فتحت بابا فيه النوب
وبقيت غريب الدار فلا ... رسل تأتيك ولا كتب
وسلاك الأهل ومل الصحب ... كأنهم لك ما صحبوا
فإذا نقر الناقور وصاح ... وحينئذ يوم عجب
فيصح السمع ويجثو الجمع ... ويجري الدمع وينسكب
وجميع الناس قد افترقوا ... ثم افترقوا ولهم رتب
ذا مرتفع ذا منخفض ... ذا منجزم ذا منتصب
فهناك المكسب والخسران ... وثم الراحة والتعب
غيره لغيره:
نسمات هواك لها أرج ... تحيا وتعيش بها المهج
وينشر حديثك يطوي الغم ... عن الأرواح ويندرج
وبهجة وجه جلال جمال ... كمال صفاتك ابتهج
لا كان فؤادا ليس يهيم ... على ذكراك وينزعج
لا أعتب قلب الغافل عنك ... فليس على الأعمى حرج
ما الناس سوى قوم عرفوك ... وغيرهم همج همج همج
قوم فعلوا خير فعلوا ... وعلى الدرج العليا درجوا
فهو المعنى فهم المعنى ... فبذكر الله لهم لهج
دخلوا فقراء إلى الدنيا ... وكما دخلوا منها خرجوا
شربوا بكؤوس تفكرهم ... من صرف هواه وما مرجوا
يا مدعيا لطريقهم ... قوم فطريقك منعوج
تهوى ليلا وتنام الليل ... وحقك ذا طلب سمج
غيره:
عظمت آياتك يا ملك ... فالملك بحكمك والملك
ولهيبه أمرك سار الفلك ... ودار بقدرتك الفلك
وكدا رحى الأيام تدور ... لسير عجيب لا يدرك
عزر نفل تسع عشر ... بيض درع ظلم حلك
عميت أبصار ولات الشرك ... فقيد أمرهم الشرك
وأغليس ليل بلوغ الكيف ... فلم تر نحوك منسلك
واحنا نهارك للعقلاء ... فمذ وجدوا جد واسلكوا
نطق العلماء بشرح الطرق ... فمذ وصلوا لك التبكوا
أحاديث من صحيح البخاري في شأن أهل البيت
من صحيح البخاري: باب مناقب فاطمة الزهراء عليها السّلام حدثنا أبو الوليد حدثنا ابن عتيبة عن عمر بن دينار عن ابن ملكية عن المسور بن مخزمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
«باب فرض الخمس»، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعيد عن صالح عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فهجرت أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك فقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يعمل به إلا عملت به فإني أخشى ان تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كانت لحقوقه التي تعرى ونوائبه وأمرهما إلي من ولي الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم.(3/272)
«باب فرض الخمس»، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعيد عن صالح عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فهجرت أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك فقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يعمل به إلا عملت به فإني أخشى ان تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كانت لحقوقه التي تعرى ونوائبه وأمرهما إلي من ولي الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم.
يقول جامع هذا الكتاب: هداه الله تعالى إلى جادة الصواب العجب من أهل السنة من الله عليهم بالهداية ووفقهم للرعاية كيف ينقلون في أصحتهم المعتمدة مثل هذه الأخبار الظاهرة العار في حق الخليفة الأول الذي هو بزعمهم عليه المعول ثم يذمون الشيعة بل يحكمون بكفرهم وحل دمائهم وأموالهم متى أنكروا خلافته، والناظر في هذين الخبرين لا يخفى عليه لم يتج سهما، فإن الخبر الثاني ناطق بأن أبا بكر أغضب فاطمة حتى ماتت بغيظها ساخطة عليه والخبر الأول ناطق بأن من أغضبها فقد أغضب رسول الله، ولا ريب أن الأمر الذي يغضبه يوجب اذاه والقرآن العزيز ناطق بأن الذين يؤذون الله ورسوله ملعونون في الدنيا والآخرة ولهم عذاب شديد، وحينئذ فما ذنب الشيعة بعد اعترافهم بأمثال هذه المصائب ان هذا لمن اعجب العجائب؟.
باب مرض النبي: حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وجهه فقال: ائتوني بدواة وبيضاء أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما شأنه اهجر استفهموا فذهبوا يردون عليه فقال:
دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصاهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الرفد وسكت عن الثالثة أو قال نسيتها.
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن عتبة عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الوفاة وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقال بعضهم: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت
واختصموا فمنهم من يقول غير ذلك، فلما كثر اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: قوموا. قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب إلا اختلافهم ولغطهم.(3/273)
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن عتبة عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الوفاة وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقال بعضهم: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت
واختصموا فمنهم من يقول غير ذلك، فلما كثر اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: قوموا. قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب إلا اختلافهم ولغطهم.
باب قول المريض قوموا عني: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أنبأنا هشام عن معمر «ح» وحدثني عبد الله بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن عبد الله بن محمد الرزاق قال: أنبأنا محمد عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال:
لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم:
هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعده قال عمر: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول اقربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول القول ما قاله عمر:
فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: قوموا عني. قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغوهم.
أقول: لينظر ذوو المعرفة والإنصاف إلى ما تضمنته هذه الأخبار من الاعتساف. وبيان ذلك من وجوه:
الأول: شدة الجرأة على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والخلاف له وهو في حال المفارقة لهم والرحلة من بين أظهرهم، أفلا لانت له قلوبهم لتلك الحال الشديدة المجال واسعفوه بمطلوبه الذي فيه نفعهم بإزالة الخلاف عنهم والضلال، بل أكثروا اللغو عنده وأكثروا الاختلاف حتى طردهم من بيته وأبعدهم من قربه.
الثاني: انه لا خلاف بين المسلمين في أن من رد عليه قوله بعد موته فهو مرتد عن دينه فكيف من يرد في وجهه ويغضبه.
الثالث: استلزام ما فعلوه من المخالفة وكثرة اللغو عنده لآذاه صلى الله عليه وآله وسلّم بدليل طردهم من بيته وقوله لهم: «قوموا عني» ولا ريب أن من آذاه فهو ملعون بنص القرآن العزيز كما تقدم.
الرابع: أن المروي في صحيح مسلم وجملة من كتب أخبارهم أن العبارة التي قالها عمر: «ان الرجل يهذي» ولكن البخاري لشناعة هذه اللفظة قد اضطرب فكره في اصلاحها حمية على عمر فتارة غير عن كلام عمر بأنه قال: «غلب عليه الوجع» وأخرى ترك ذكر عمر بالكلية ونسب القول إلى بعضهم، وهل يصلح
العطار ما أفسد الدهر.(3/274)
الرابع: أن المروي في صحيح مسلم وجملة من كتب أخبارهم أن العبارة التي قالها عمر: «ان الرجل يهذي» ولكن البخاري لشناعة هذه اللفظة قد اضطرب فكره في اصلاحها حمية على عمر فتارة غير عن كلام عمر بأنه قال: «غلب عليه الوجع» وأخرى ترك ذكر عمر بالكلية ونسب القول إلى بعضهم، وهل يصلح
العطار ما أفسد الدهر.
الخامس: دلالة الآيات القرآنية على وجوب امتثال أمره صلى الله عليه وآله وسلّم والتسليم لما يقوله وإن المخالف لذلك خارج عن مرتبة الإيمان كائنا من كان، كقوله تعالى:
{فَلََا وَرَبِّكَ لََا يُؤْمِنُونَ حَتََّى يُحَكِّمُوكَ فِيمََا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ويسلموا تسليما.
السادس: قوله سبحانه: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَرْفَعُوا أَصْوََاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلََا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمََالُكُمْ}، وحينئذ فأي ذنب للشيعة بعد رواياتهم هذه وأمثالها الدالة بمقتضى نصوص الكتاب على مخالفة أولئك الأصحاب وخروجهم عن طاعة النبي المستطاب، ولكن القوم قد خرجوا عن جادة الانصاف فركبوا في حق خصومهم طريق الاعتساف.
باب قوله: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، حدثنا مسدد حدثنا يحيى أبو رجا عن عمران بن حصين قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنه حتى قال: رجل برأيه ما شاء. قال: أبو عبد الله إنه عمر.
أقول: ما أغنى البخاري عن نقل مثل هذه الروايات التي توجب لخصومهم الظن عليهم في جملة هذه المقامات، والعجب من علماء أهل السنة إنهم يروون هذه الروايات الصحيحة الصريحة في كون التحرير لمتعة الحج إنما هو من محدثات عمر وبدعه خلافا على الله وعلى رسوله، ويعتذرون عنه في قوله:
«متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنا محرمهما ومعاقب على من فعلهما متعة الحج ومتعة النساء» بأنه إنما أراد إني محرمهما تبعا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لأنه ليس بصاحب شريعة فيحرم ويحلل في دين الله فيحمل كلامه على ذلك، ثم ينقلون في أصحتهم هذه الرواية الظاهرة في ابطال عذرهم.
باب وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا: حدثنا علي حدثنا سفيان حدثنا يحيى بن سعيد قال: سمعت عبيد بن حنن قال: سمعت ابن عباس يقول: أردت أن أسأل عمر فقلت: من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فما أتممت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة.
(باب قوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها)، حدثنا حفص بن عمر وحدثنا ابن عبد الله بن حصين بن سالم بن أبي جعدة وعن أبي سفيان جابر بن عبد الله قال: أقيلت غير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فثار الناس إلا إثني عشر
رجلا فأنزل الله: {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهََا}.(3/275)
(باب قوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها)، حدثنا حفص بن عمر وحدثنا ابن عبد الله بن حصين بن سالم بن أبي جعدة وعن أبي سفيان جابر بن عبد الله قال: أقيلت غير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فثار الناس إلا إثني عشر
رجلا فأنزل الله: {وَإِذََا رَأَوْا تِجََارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهََا}.
باب الحوض: حدثنا يحيى بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: أنا فرطكم وأنتم واردون علي الحوض وليرفض علي رجالا منكم ثم ليختلجن دوني: فأقول يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول:
يا رب أصحابي فيقول: ما تدري بما أحدثوا بعدك.
حدثنا سعيد بن أبي قال: حدثنا محمد بن مطرف قال: حدثني ابن حازم عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: أنا فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، فيردون على أقوام أعرفهم ويعرفونني يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل فقلت: نعم. فقال: اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فيقول:
إلا أنهم أمتي فيقال: إنك ما تدري ما أحدثوا بعدك فاقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي، وقال: ابن عباس سحقا بعيد سحيق بعد سحقه واسحقه أبعده.
وقال: أحمد بن سبب بن سعيد الخيطي: حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة إنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال:
يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيختلجون دون الحوض فيقول يا أصحابي:
فيقال: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
(ح) وقال شعيب عن الزهري: كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيحلون وقال عقيل: فيجلوون.
وقال: الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني ابن شهاب عن ابن المسيب إنه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن النبي قال: يا رب أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
حدثنا ابراهيم بن المنذر الخزامي قال: حدثنا محمد بن فليح قال: حدثنا أبي قال: حدثني هلال عن عطا بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بينا أنا قائم إذا
زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت اين؟ فقال:(3/276)
حدثنا ابراهيم بن المنذر الخزامي قال: حدثنا محمد بن فليح قال: حدثنا أبي قال: حدثني هلال عن عطا بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بينا أنا قائم إذا
زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت اين؟ فقال:
إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى.
ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال هلم قال: إلى أين؟ قال إلى النار والله: قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلم أره يخلص منهم الا مثل همل النعم.
حدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر بن أبي ملكية عن اسماء بنت أبي بكر قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: إني على الحوض حتى يردوا علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي؟ فيقال: هل شعرت بما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعوا على أعقابهم. وكان ابن ملكية، يقول: اللهم انا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتتن عن ديننا. قال أبو عبد الله: على أعقابهم ينكصون يرجعون على العقب.
أقول: أنظر أيها المنصف المجانب لحمية الجاهلية والتارك للعصبية الواقف على جادة الحق المضية إلى هذه الأخبار الساطعة الأنوار في ارتداد جملة من تلك الصحابة الأبرار بعد موت النبي المختار، ومع هذا ترى أهل السنة والجماعة اتفقوا إلا الشاذ النادر منهم على عدالة جميع الصحابة وعدم جواز الظن في أحد منهم ورووا فيهم من الأخبار ما يوافق مرادهم في هذا المضمار، مثل روايتهم عنه صلى الله عليه وآله وسلّم أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم، ومثل روايتهم عنه دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مدا أحد منهم وأمثال أحد منهم، ومع هذا ينقلون في أصحتهم هذه الروايات المستفيضة في كفرهم وارتدادهم بعده صلى الله عليه وآله وسلّم.
وليت شعري لم لا كفوا عن هذه الروايات الدالة على ارتدادهم ليتم لهم ما أرادوه من مطلبهم ومرادهم، وإلا فبماذا يجمعون بين هذه الروايات المتناقضة والضرات المتباغضة، ولكنهم يمشون في دينهم كمشي العميان ولا يبالون فيه بزيادة ولا نقصان، وتراهم لو سمعوا مضمون هذه الروايات على ألسن الشيعة لقالوا نظروا إلى هؤلاء الرفضة الكفرة كيف يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وينسبونهم إلى الإرتداد والخروج عن نهج الحق والسداد، فيكفرونهم بذلك ويستبيحون دماءهم وأموالهم إلى هنالك، والشيعة إنما نقلوه عن أصحتهم وكتب أخبارهم أو عن علمائهم ونقله آثارهم، ولو عقلوا لعلموا أن مجرد الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لا تغني عن صاحبها إلا مع تقوى الله والعمل بطاعته والقيام بواجب فرضه وسنته، بل التشديد على الصحابة في ذلك أعظم والتأكيد في حقهم أهم.(3/277)
ألا ترى إلى نسائه (رض) المشرفين بأمومة المؤمنين وهم أشد صحبة له من أولئك المسلمين كيف خاطبهم الله تعالى في كتابه العزيز فقال: {يََا نِسََاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسََاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} فجعل شرفهن بالتقوى لا بمجرد الصحبة، ثم جعل حسناتهن مضاعفة وسيئاتهن مضاعفة بسبب الصحبة فقال: ومن يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها أجرا كريما.
ثم انظر إلى ما نزل في المرأتين المتظاهرتين عليهم في القرآن من التوبيخ والتقريع وهو سورة كاملة تتلى في القرآن إلى آخر الدهر، فضرب المثل لهما بامرأتي نوح ولوط الكافرتين كما كشف عنهما النقاب صاحب الكشاف في هذا الباب، وحينئذ فكيف صار هؤلاء الفضلاء العلماء قرنا بعد قرن وسلفا بعد سلف عن خلف إلى أن مجرد الصحبة موجبة للحكم بعدالة الصحابة مطلقا، والآيات القرآنية والسنن النبوية ترده، وكيف جزموا بهذا الحكم مع ما علم يقينا من أحوال الصحابة وقد قتل بعضهم بعضا ولعن بعضهم بعضا.
هذا طلحة والزبير وعائشة كانوا من أعظم الفتنة على عثمان، وقد اجتمع إليهم جملة من الصحابة وغيرهم حتى قتلوه ولم يشف غليل صدورهم قتله حتى منع طلحة من دفنه وبقي ثلاثة أيام مطروحا على مزابل المدينة، ولما حملوا نعشه ليلا جعل لهم كمينا يرمون جنازته بالأحجار كما هو مذكور في كتبهم مثل تاريخ الطبري ومغازي الواقدي وغيرهم.
وهذا طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم خرجوا على علي عليه السّلام بعد أن بايعوه وقتلوا جملة من شيعة البصرة ونهبوا بيت ماله فقاتلهم وقتل من الفريقين ما هو مذكور في كتب القوم.
وهذا معاوية مع علي عليه السّلام في حرب صفين ثم لم يكفه ذلك حتى سن سب علي عليه السّلام على رؤوس المنابر واستمر ذلك وصار سنة أموية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز، وكان مدة حياته يقنت على معاوية وعمرو بن العاص وجملة من أصحابهما ويلعنهم، وكان معاوية أيضا يقنت عليه ويلعنه ويلعن ابنيه الحسن والحسين وابن عباس إلى غير ذلك من الاختلافات التي ليس فيها التباس.
واعتذار جملة من علمائهم بأن ذلك كان عن اجتهاد والمجتهد وإن أخطأ لا يلام ولا يواخذ أوهن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت لا يقع إلا عن مبهوت
أو مسبوت، وكيف يتم العذر لطلحة وعائشة والزبير بطلب دم عثمان وكتب تواريخهم تنطق انهم الأصل في تسقيته كؤوس الهوان، وطلحة إنما قتله مروان في المعركة لما رأى له الفرصة في الأخذ منه يوم الأخذ منه يوم عثمان فرماه بسهم كانت فيه مبنية كما هو مذكور في كتبهم، ومثله عائشة التي ألّبت الناس عليه وحثت على قتله فقالت: أقتلوا نفيلا فقد غير سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.(3/278)
واعتذار جملة من علمائهم بأن ذلك كان عن اجتهاد والمجتهد وإن أخطأ لا يلام ولا يواخذ أوهن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت لا يقع إلا عن مبهوت
أو مسبوت، وكيف يتم العذر لطلحة وعائشة والزبير بطلب دم عثمان وكتب تواريخهم تنطق انهم الأصل في تسقيته كؤوس الهوان، وطلحة إنما قتله مروان في المعركة لما رأى له الفرصة في الأخذ منه يوم الأخذ منه يوم عثمان فرماه بسهم كانت فيه مبنية كما هو مذكور في كتبهم، ومثله عائشة التي ألّبت الناس عليه وحثت على قتله فقالت: أقتلوا نفيلا فقد غير سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
ثم كيف اجتاز هؤلاء العلماء الأعلام لهؤلاء الصحابة أن يجتهدوا في حرب علي وسبه على رؤوس المنابر ولعنه وعلي عليه السّلام بزعمهم امام وخليفة بالحق، وهذا أبو بكر قد سبا مانعي الزكاة وقتلهم على يد خالد بن الوليد وسماهم أهل السنة بعدهم إلى يومنا هذا بل إلى آخر الدهر، ولا يسوغ للشيعة أن يجتهدوا فيما يرونه مع أن اجتهادات الشيعة مؤيدة بالأدلة القرآنية والأحاديث النبوية واجتهادات أهل السنة إنما هي بمجرد الرأي وإن خالف الكتاب والسنة، فكيف صار إجتهاد الشيعة في لعن أعداء الدين والبراءة منهم موجبا لكفرهم وحل دمائهم وأموالهم مع كونه مقرونا بالأدلة القرآنية كما عرفت ما هذا الا قلة انصاف في الدين وهضم فهؤلاء المساكين لقلتهم بينهم وذلتهم تحت دولتهم ولهذا لا يمكنهم الوقوف معهم في مسألة من المسائل تحت الدليل ولا الإحتجاج عليهم بوجه يشفي الغليل، وإنما يقاتلونهم بالقهر والغلبة والقتل والحرق، فمتى قيل رافضي قالوا: يجب قتله وأخذ ماله.
ولا ريب أن هذه سنة الأمم السالفة مع المؤمنين الذين في أزمانهم وشيعة الأنبياء كما حكاه الله تعالى في كتابه المجيد في غير موضع، فإن الدنيا والدول فيها والملك على السلطنة من قديم الأيام إنما هي لأهل الشرك والكفر بالله والأنبياء والمؤمنون والتابعون لهم لا يزالون في الإهانة والذل تحت أيديهم. ولا ريب أن دارهم إنما هي الدار الآخرة للحديث المتفق عليه: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر». وإلى الله المشتكى وبه المستعان.
أحاديث وأشعار وقصص قصيرة
كشكول شيخنا البهائي: ذكر عند مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «النظر إلى وجه العالم عبادة» فقال: هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك الآخرة ومن كان خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة.
(وعن) النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا
السلطان، فإذا خالطوه وأدخلوه الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم.(3/279)
(وعن) النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا
السلطان، فإذا خالطوه وأدخلوه الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم قال لأصحابه: تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والحلم ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يكونوا علمكم بجهلكم.
وعن عيسى على نبينا وعليه السلام إنه قال: مثل عالم السوء مثل الصخرة وقعت في فم النهر لا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء ليخلص إلى الزرع.
ومن كلامهم: إذا رأيت العالم يلازم السلطان فاعلم أنه لص، واياك أن تخدع بما يقال إنه يرد مظلمة أو يدفع عن مظلوم فإن هذه خدعة إبليس اتخذها فجار العلماء سلما.
قال ابن خلكان: في كتاب وفيات الأعيان عند ذكر حماد عجرد ما صورته:
أن حماد كان ماجنا خليعا ظريفا متهما في دينه بالزندقة وكان صورته بينه وبين الأئمة الكتاب مودة ثم تقاطعا فبلغه أنه ينتقصه فكتب إليه هذه الأبيات:
ان كان نسكك لا يتم ... بغير شتمي وانتقاصي
فاقعد وقم بي كيف شئت ... مع الأداني والأقاصي
فلطالما شاركتني ... وأنا المقيم على المعاصي
أيام تأخذها وتعطي ... في أباريق الرصاص
ويقال إن الإمام المذكور هو أبو حنيفة إنتهى كلام ابن خلكان.
(كان) ابن الجوزي يعظ على المنبر إذ قام إليه بعض الحاضرين وقال: أيها الشيخ ما تقول في امرأة بها داء الأبنة، فأنشد على الفور في جوابه.
يقولون ليلى في العراق مريضة ... فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
وكان له إمرأة تسمى الصبا ثم طلقها وندم فحضرت يوما مجلس وعظه وحال بينه وبينها امرأتان فأنشد مخاطبا لهما:
أيا جبلى نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
وسئل ذات يوم: كيف ينسب إلى يزيد قتل الحسين عليه السّلام وهو بالشام والحسين بالعراق؟ فأنشد قول الرضي:
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت عيناك
(قيل) اختصم بعض العلماء الخليفة مع بعض في كونه شيعيا أو سنيا فاتفقوا
أن يسألوه على المنبر عن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فسألوه ذات يوم وقالوا: من الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال: من ابنته تحته، فادعت الشيعة أن مراده من إبنة النبي تحته هو علي وادعت السنة من إبنه الخليفة تحته هو أبو بكر والاشتباه حصل من ضمير إبنته هل يرجع إلى الخليفة أو إلى النبي، ثم قال مرة اخرى بسؤال آخر فقالوا له: كم الخلفاء بعد النبي؟ فصاح بأعلى صوته: أربعة أربعة أربعة، فحملت السنة هذا التكرير على التأكيد وحملت الشيعة على العطف وأثر ترك العاطف.(3/280)
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت عيناك
(قيل) اختصم بعض العلماء الخليفة مع بعض في كونه شيعيا أو سنيا فاتفقوا
أن يسألوه على المنبر عن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فسألوه ذات يوم وقالوا: من الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال: من ابنته تحته، فادعت الشيعة أن مراده من إبنة النبي تحته هو علي وادعت السنة من إبنه الخليفة تحته هو أبو بكر والاشتباه حصل من ضمير إبنته هل يرجع إلى الخليفة أو إلى النبي، ثم قال مرة اخرى بسؤال آخر فقالوا له: كم الخلفاء بعد النبي؟ فصاح بأعلى صوته: أربعة أربعة أربعة، فحملت السنة هذا التكرير على التأكيد وحملت الشيعة على العطف وأثر ترك العاطف.
(قال): الصفدي الأيدي جمع اليد التي هي الجارحة والأيادي جمع اليد وهي النعمة، هذا هو الصحيح وقد أخرجها عوام العلماء باللغة عن أصل وصفها فاستعمل الأيادي في جمع اليد الجارحة وتجد أكثر الناس يكتب إلى صاحب المملوك يقبل الأيادي الكريمة.
(قيل) لبعض الأعراب وقد أسن: كيف أنت اليوم؟ فقال: ذهب منى الأطيبان الأكل والنكاح وبقي الأرطبان السعال والضراط.
ومن أمثال العرب قولهم: «وقع رمضان في الواوات» يريدون انه جاوز العشرين فلا يذكر الا بواو العطف، ويشهد بذلك قول محمد بن علي بن منصور ابن بسام.
قد قرب الله منا كل ما سعا ... كأنني بهلال العيد قد طلعا
فخذ لنفسك في شوال أهبته ... فإن شهرك للواوات قد وقعا
وكذا قولهم: «وقع الشهر في الأنين» مرادهم إنهم يقولون فيه أحد وعشرين وثاني وعشرين فيكون الأنين فيه، وفي أمثال العوام «إذا وقع رمضان في الأنين خرج شوال من الكمين».
لأبي الطيب:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فاذا هما اجتمعا لنفس حرّة ... بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أولى إلى شرف من الإنسان
سئل: بعض المتكلمين عن الروح والنفس؟ فقال: الروح هو الريح، والنفس هو النفس. فقال ل السائل: فحينئذ إذا تنفس الإنسان خرجت نفسه وإذا ضرط
خرجت روحه، فانقلب المجلس ضحكا.(3/281)
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فاذا هما اجتمعا لنفس حرّة ... بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أولى إلى شرف من الإنسان
سئل: بعض المتكلمين عن الروح والنفس؟ فقال: الروح هو الريح، والنفس هو النفس. فقال ل السائل: فحينئذ إذا تنفس الإنسان خرجت نفسه وإذا ضرط
خرجت روحه، فانقلب المجلس ضحكا.
(قيل) لبعض الأعراب: ما أمتع لذات الدنيا؟ فقال: ممازحة الحبيب وغيبة الرقيب.
(قد جمع) السراج الورق أقسام الواوات فأحسن:
مالي أرى عمرا إني سجرت به ... قد صار عمرا بواو فيه وانصرفا
ونام عن حاجة نبهة غلطا ... لها فألفيت منه السهد والأسفا
والمستجير بعمرو قد سمعت به ... فما أزيدك تعريفا بما عرفا
وتلك واو ولا والله ما عطفت ... ولو أتت واو عطف ما أتت طرفا
ولو غدت واو حال لم تسر ولو ... أتى بها قسما ما برّ إذ حلفا
أو واو رب لما جرت سوى أسف ... وكثرته خلافا للذي الفا
أو واو لم أجد خيرا أتى معنا ... أو واو جمع غدا من فوقه نيفا
وليت صدغا بها قد شبهوه غدا ... يكوي بناري وهذا في السلوك كفى
والله يطمثها واو إذا ذكرت ... ذا را بوسطي لا قبل ذا الفا
ابن الوردي، من قصيدة:
أعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفضل وجانب من هزل
ودع اللهو لأيام الصبا ... فلأيام الصبا نجم أفل
وافتكر في منتهى حسن الذي ... أنت تهواه تجد أمرا جلل
واتق الله فتقوى الله ما ... حاورت قلب امرىء إلا وصل
واطلب العلم ولا تكسل فما ... أبعد الخير على أهل الكسل
قيمة الإنسان فيما يحسنه ... أكثر الإنسان منه أو أقل
ليس يخلو لمرء من ضد ولو ... حاول العزلة في رأس جبل
جانب السلطان واحذر بطشه ... لا يخاصم من إذا قال فعل
لا تلي الحكم وإن هم سألوا ... رغبة فيك وخالف من عذل
أن نصف الناس عداء لمن ... ذاقها فالسم في ذاك العسل
لا يوازي لذة الحكم بما ... ذاقه الشخص إذا الشخص انعزل
قصر الآمال في الدنيا تفز ... فدليل العقل تقصير الأمل
ان من يطلبه الموت على ... غفلة منه جدير بالوجل
ملك كسرى يغني عنه كسرة ... وعن البحر اجتزاء بالوشل
اعتبر نحن قسمنا بينهم ... تلقه حقا وبالحق نزل
حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل
فيمكث الماء يبقى آسنا ... وسرى البدر به البدر اكتمل
قاطع الدنيا فمن عادتها ... تخفض العالي وتعلي من غفل
واترك الحيلة فيها واقتدي ... إنما الحيلة في ترك الحيل
لا تقل أصلي وفصلي أبدا ... إنما أصل الفتى ما قد حصل
قد يسوء المرء من غير أب ... وبحسن السبك قد يخفى الزغل(3/282)
أعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفضل وجانب من هزل
ودع اللهو لأيام الصبا ... فلأيام الصبا نجم أفل
وافتكر في منتهى حسن الذي ... أنت تهواه تجد أمرا جلل
واتق الله فتقوى الله ما ... حاورت قلب امرىء إلا وصل
واطلب العلم ولا تكسل فما ... أبعد الخير على أهل الكسل
قيمة الإنسان فيما يحسنه ... أكثر الإنسان منه أو أقل
ليس يخلو لمرء من ضد ولو ... حاول العزلة في رأس جبل
جانب السلطان واحذر بطشه ... لا يخاصم من إذا قال فعل
لا تلي الحكم وإن هم سألوا ... رغبة فيك وخالف من عذل
أن نصف الناس عداء لمن ... ذاقها فالسم في ذاك العسل
لا يوازي لذة الحكم بما ... ذاقه الشخص إذا الشخص انعزل
قصر الآمال في الدنيا تفز ... فدليل العقل تقصير الأمل
ان من يطلبه الموت على ... غفلة منه جدير بالوجل
ملك كسرى يغني عنه كسرة ... وعن البحر اجتزاء بالوشل
اعتبر نحن قسمنا بينهم ... تلقه حقا وبالحق نزل
حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل
فيمكث الماء يبقى آسنا ... وسرى البدر به البدر اكتمل
قاطع الدنيا فمن عادتها ... تخفض العالي وتعلي من غفل
واترك الحيلة فيها واقتدي ... إنما الحيلة في ترك الحيل
لا تقل أصلي وفصلي أبدا ... إنما أصل الفتى ما قد حصل
قد يسوء المرء من غير أب ... وبحسن السبك قد يخفى الزغل
قصيدة لعلي بن المغربي
للفاضل الأديب جمال البلغاء علي بن المغربي، والمصراع الأول هذيان جرى على لسانه وهو محموم:
درن درن درن دبي ... أنا علي بن المغربي
سنا حتى تهيبي ... عساكري تأهبي
ها قدرى كتب للسير ... وفي البلاد فاركبي
أنا الذي اسد السرى ... في الحرب لا تجفل بي
إذا تمطيت وقرقت ... عليهم ذنبي
أنا امرؤ أنكر ما يعرف ... أهل الأدب
ولي كلام نحوه ... ليس كلام العربي
يصانع الفراء في ... النحو بجلد التغلب
ويقصد التثليث في ... نت سباك قطربي
فإن سالت مذهبي ... فداك خير مذهبي
أكل ما أحبه ... ورغبتي في الطيب
والبس القطن ولا ... أكره لبس القصب
وليس عشقي مثل عشق ... الجاهل الغر الغبي
أحب من يحبني ... لا من غدا معذبي
وكل قصد خلوة ... أكون فيها معصبي
فتجتلي بنت الكروم ... أو بني العنب
حتى إذا ما جاد لي ... برشف ذاك الشنب
حكمته في الرأس إذ ... حكمني في الذنب(3/283)
ونلت ما أرومه ... منه ببذل الذهب
هذا هو المذهب ان ... سألتني عن مذهبي
ما أنا ذا ترفض ... كلا ولا تنصب
ولا هوى نفسي ... في الجدال والتعصب
ولا جلست حاشا في ... الجمع فوق الركب
بين امرىء مصدق ... وآخر مكذب
كلا ولا فاخرت ... بالنفس ولا بالنسب
ما قلت قط ها أنا ... ولم أقل كان أبي
ولم أزاحم أحدا ... على علو منصب
ولا دخلت قط في ... عمري بيت الكتب
كلا ولا كررت درسي ... في ظلام عيهبي
ولا عرفت النحو ... غير الجر بالمنتصب
كلا ولا اجتهدت في ... حفظ لغات العرب
ولا عرفت عروض ... الشعر غير السبب
ولا بحثت منه في ... المجتث والمقتضب
كلا ولا اشتغلت ... بالنجوم والتطبب
وليس في المغطق ... والحكمة أضحى أربي
واين مني البحث في ... البسيط والمركب
والسحر ما عرفته ... معرفة المجرب
ولا ربطت ضفدع ... الماء بصرف الأرنب
ولا كتبت اسم من ... أهوى بماء الطلحب
ولا سحرت باللبان ... مع قشور المحلب
وطلبت السميا ... من فتى يسخر بي
ولست آتي قط في ... فصل الشتا بالرطب
والكيمياء لم أكن ... انفتي فيها نشبي
وليس في التقطير ... والتكليس أضحى نقبي
ولا طمعت في المحال ... قط مثل الأشعب
كلا ولا حرفت للناس ... لأجل الطلب
ولا ضربت مندلا ... لجاهل يمر بي
ولا حملت طاسة ... أقرعها بالقضب(3/284)
كلا ولا أظهر في ... المندل رأس قهرب
ولا دعوت الشيبصان ... دعوة لم يجب
كلا ولا ذكرته ... عهد سليمان النبي
ولم أقل لامرأة في ... حلتي قومي اذهبي
ولم أقل بينكم ... ابن الزنا مخيب
أريد أن أطرده ... عني إلى ذي لعب
أوهمهم كيلا يروح ... جمعهم في شغب
ولا كتبت الهذيان ... شلهب بن سلهب
في كاغد بأحمر ... وأسود مكتب
أقول هذا للسلاطين ... وأهل الرتب
يصلح للمحبوس أو لمن ... غدا في كرب
أرد يا قوم به ... مسافرا لم يؤب
كتبت فيه دعوة ... من ذي العلا لم تحجب
والشر في طلسمة ... المبغض المحبب
ولا اتخذت جبة ... لأجعلنها سبب
أقول يا قوم انظروا ... عندي فنون العجب
قد سلي لها رأسي ... كراس الأرنب
قد كان قدما صادها ... في بلد الغرب أبي
أقول أين طالب ... الباه وراجي العقب
هذا الذي يجعل ... متن أيره كالخشب
كلا ولا خاطبتكم ... بلفظ أهل المغربي
كلا ولا بعت المعاجين ... على الغر الغبي
أقول هذا مقصدي ... إليكم من يثرب
وقد صحبت حاجة ... زارت معي قبر النبي
ولم أحدثكم بما ... القضية من عجب
وانني سافرت في ... البحر لأجل المسكب
فعانقتنا حره ... تروم كسر المركب
حتى إذا ما غرق ... المركب بالتقلب
طفرت فوق ساحة ... وذو العلا يلطف بي
ولاح لي جزيرة ... تلوح مثل كوكب(3/285)
ولا وصلت أرضها ... بعد العنا والتعب
صعدت أرعى في رياض ... أرضها والعشب
أصطاد في صيد ... طيور أرضها بالقصب
أكل من ثمارها ... ما طعمه كالرطب
ومشربي من مائها ... العذب المنير الطيب
بينا أنا في صعد من ... أرضها أو صبب
لقيت شيخا جالسا ... في ظل كرم العنب
لوح لي بكفه ... يعنى به تقرب
فرحت أمشي نحوه ... أنظر ما يريد بي
فسلم الشيخ سلام ... مؤذن بالرحب
وقال لي اجلس بكلام ... غير لفظ العرب
لما هممت بالجلوس ... صار فوق منكبي
مطوقي منه بساقا ... يعني ركب
طويلة مثل السيور ... أو جبال القنب
قصة سربال ملك الهند
كتاب: اتمام الدين وإكمال النعمة لشيخنا الصدوق عطر الله مرقده حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد الفقيه الأسوارى بايلاق قال: حدثنا مكي بن أحمد البردعي قال: سمعت اسحاق بن إبراهيم الطوسي يقول وكان قد أتى عليه من العمر سبعة وسبعون سنة على باب يحيى بن منصور قال: رأيت سربال ملك الهند في بلدة تسمى فتوح فسألته كم قد اتي عليك من السنين؟ قال: تسعمئة وخمسة وعشرين سنة وهو مسلم وزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص واسامة بن زيد وأبو موسى الأشعري وصهيب الرومي وسفينة وغيرهم فدعوه إلى الإسلام فأجاب وأسلم وقبل كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقلت له: كيف تصلي بهذا الضعف؟ فقال لي: قال الله عز وجل:
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللََّهَ قِيََاماً وَقُعُوداً وَعَلى ََ جُنُوبِهِمْ} الآية. فقلت: ما طعامك؟ فقال:
آكل ماء اللحم والكراث. وسألته هل يخرج منك شيء؟ فقال لي: في كل أسبوع مرة شيء يسير. وسألته عن أسنانه فقال: ابدلتها عشرين مرة، ورأيت في اصطبله شيئا من البهائم أكبر من الفيل يقال له: (زندفيل) فقلت له: ما تصنع بهذا؟ فقال:
يحمل ثياب الخدم إلى القصار.(3/286)
ومملكته مسيرة أربع سنين في مثلها ومدينته طولها خمسون فرسخ في مثلها وعلى كل باب منها عسكر في مئة ألف وعشرين ألف إذا وقع في أحد الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا تستعين بغيرها وهو في وسط المدينة وسمعته يقول: دخلت المغرب فبلغت إلى رمل عالج وسرت إلى قوم موسى فرأيت سطوح بيوتهم مستوية ببدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك، وقبورهم في دورهم وبساتينهم في المدينة على فرسخين ليس فيهم شيخ ولا شيخة ولم أر فيهم علة ولا يعتلون إلى أن يموتوا، ولهم أسواق إذا أراد الإنسان منهم شراء شي صار إلى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر، وإذا أراد الصلاة حضر فصلوا وانصرفوا لا يكون بينهم كلام ولا خصومة ولا كلام يكره ولا كلام بينهم إلا ذكر الله والصلاة وذكر الموت.
مناظرات هشام بمحضر الرشيد
ومن الكتاب المذكور: المتقدم حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني والحسين بن إبراهيم بن نباته قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عميرة قال: أخبرني علي الأسواري قال: كان ليحيى بن خالد مجلس بداره يحضره المتكلمون من كل فرقة وبلد يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم يحتج بعضهم على بعض، فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيى بن خالد: يا عباسي ما هذا المجلس الذي لا يليق في منزلك يحضره المتكلمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ما شيء رفعني به أمير المؤمنين وبلغ من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس يحضر كل قوم مع اختلاف مذاهبهم فيحتج بعضهم على بعض ويعرف المحق من بينهم ويبيّن لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم. فقال له الرشيد: فأنا أحب أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم على أن لا يعلموا بحضوري فيحتشمون ولا يظهرون مذاهبهم فقال: ذلك إلى أمير المؤمنين إنشاء قال: فضع يدك على رأسي أن لا تخبر بحضوري، ففعل ذلك وبلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا بينهم وعزموا أن لا يتكلموا مع هشام إلا في الإمامة لعلمهم مذهب الرشيد وإنكاره على من قال بالإمامة قال: فحضر وحضر هشام وحضر عبد الله بن يزيد الأباضي وكان من أصدق الناس لابن عبد الملك وكان يشاركه في التجارة، فلما دخل هشام سلم على عبد الله بن يزيد من بينهم فقال يحيى بن خالد لعبد الله يزيد: يا عبد الله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الإمامة. فقال هشام: أيها الوزير وليس لهؤلاء علينا
جواب ولا مسألة ان هؤلاء كانوا قوما مجتمعين على إمامة رجل ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق ولا حين فارقونا علموا على ما فارقوا فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.(3/287)
ومن الكتاب المذكور: المتقدم حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني والحسين بن إبراهيم بن نباته قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عميرة قال: أخبرني علي الأسواري قال: كان ليحيى بن خالد مجلس بداره يحضره المتكلمون من كل فرقة وبلد يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم يحتج بعضهم على بعض، فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيى بن خالد: يا عباسي ما هذا المجلس الذي لا يليق في منزلك يحضره المتكلمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ما شيء رفعني به أمير المؤمنين وبلغ من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس يحضر كل قوم مع اختلاف مذاهبهم فيحتج بعضهم على بعض ويعرف المحق من بينهم ويبيّن لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم. فقال له الرشيد: فأنا أحب أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم على أن لا يعلموا بحضوري فيحتشمون ولا يظهرون مذاهبهم فقال: ذلك إلى أمير المؤمنين إنشاء قال: فضع يدك على رأسي أن لا تخبر بحضوري، ففعل ذلك وبلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا بينهم وعزموا أن لا يتكلموا مع هشام إلا في الإمامة لعلمهم مذهب الرشيد وإنكاره على من قال بالإمامة قال: فحضر وحضر هشام وحضر عبد الله بن يزيد الأباضي وكان من أصدق الناس لابن عبد الملك وكان يشاركه في التجارة، فلما دخل هشام سلم على عبد الله بن يزيد من بينهم فقال يحيى بن خالد لعبد الله يزيد: يا عبد الله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الإمامة. فقال هشام: أيها الوزير وليس لهؤلاء علينا
جواب ولا مسألة ان هؤلاء كانوا قوما مجتمعين على إمامة رجل ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق ولا حين فارقونا علموا على ما فارقوا فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.
فقال بيان وكان من الحرورية: أنا اسألك يا هشام أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كانوا كافرين؟ قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف صنف مؤمنون وصنف كافرون وصنف ضالون، فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي أن عليا عليه السّلام إمام من عند الله عز وجل ومعاوية لا يصلح لها فآمنوا بما قال الله عز وجل: في علي وأقروا به، وأما المشركون فقوم قالوا: علي إمام ومعاوية يصلح لها فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي، وأما الضالون فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر فلم يعرفوا شيئا من هذا وهم جهال.
قال: فأصحاب معاوية ما كانوا قال: كانوا ثلاثة أصناف صنف كافرون وصنف مشركون وصنف ضلال، فأما الكافرون فالذين قالوا: ان معاوية إمام وعلي عليه السّلام لا يصلح لها فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماما من الله عز وجل ونصبوا إماما ليس من الله، وأما المشركون فقوم قالوا معاوية إمام وعلي عليه السّلام يصلح لها فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي عليه السّلام، وأما الضلال فعلى سبيل أولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر. فانقطع بيان عند ذلك.
فقال ضرار: وأنا اسألك يا هشام في هذا. قال هشام: أخطأت. قال: ولم قال: لأنكم كلكم مجتمعون على رفع إمامة صاحبي وقد سألني هذا عن مسألة فليس لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتى اسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب فقال ضرار: فسل. قال: أتقولون إن الله عز وجل عدل لا يجور؟ قال: نعم هو عدل لا يجور. قال: فلو كلف الله المقعد المشي إلى المساجد والجهاد في سبيل الله وكلف الأعمى قراءة المصحف والكتب أتراه كان عادلا؟ قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك. قال هشام: علمت أن الله لا يفعل ذلك ولكن على سبيل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا إذ كان تكليفا لا يكون له السبيل إلى إقامته وإقامة أدامه؟ قال: لو فعل ذلك لكان جائرا. قال: فأخبرني عن الله عز وجل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه ولم يقبل منهم إلا أن يأتوا به كما لو كلفهم؟ فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين أو كلفهم ما لا دليل لهم على وجوده فيكون بمنزلة من كلف الأعمى قراءة المصحف والكتب والمقعد المشي إلى الجهاد والمساجد؟ قال: فسكت ضرار ساعة ثم قال: لا بد من دليل
وليس بصاحبك. قال: فتبسم هشام وقال: تشيع شطرك وصرت إلى الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلا في التسمية.(3/288)
فقال ضرار: وأنا اسألك يا هشام في هذا. قال هشام: أخطأت. قال: ولم قال: لأنكم كلكم مجتمعون على رفع إمامة صاحبي وقد سألني هذا عن مسألة فليس لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتى اسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب فقال ضرار: فسل. قال: أتقولون إن الله عز وجل عدل لا يجور؟ قال: نعم هو عدل لا يجور. قال: فلو كلف الله المقعد المشي إلى المساجد والجهاد في سبيل الله وكلف الأعمى قراءة المصحف والكتب أتراه كان عادلا؟ قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك. قال هشام: علمت أن الله لا يفعل ذلك ولكن على سبيل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا إذ كان تكليفا لا يكون له السبيل إلى إقامته وإقامة أدامه؟ قال: لو فعل ذلك لكان جائرا. قال: فأخبرني عن الله عز وجل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه ولم يقبل منهم إلا أن يأتوا به كما لو كلفهم؟ فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين أو كلفهم ما لا دليل لهم على وجوده فيكون بمنزلة من كلف الأعمى قراءة المصحف والكتب والمقعد المشي إلى الجهاد والمساجد؟ قال: فسكت ضرار ساعة ثم قال: لا بد من دليل
وليس بصاحبك. قال: فتبسم هشام وقال: تشيع شطرك وصرت إلى الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلا في التسمية.
قال: ضرار فإني أرجع عليك في هذا الجدل. قال: هات. قال: ضرار لهشام كيف تعتقد الإمامة؟ قال هشام: كما عقد الله النبوة. قال: إذا نبي؟ قال:
هشام لا لأن النبوة يعقدها أهل السماء والإمامة يعقدها أهل الأرض فعقد النبوة بالملائكة وعقد الإمامة بالنبي والعقدان جميعا بأمر الله عز وجل إلا أن النبوة تعتقد بالملائكة والإمامة تعتقد بالنبي قال: فما الدليل على ذلك؟ قال: الإضطرار في هذا. قال ضرار: وكيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: أما ان يكون الله عز وجل رفع التكليف على الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها أتقول هذا يا ضرار ان التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم قال: لا ما أقول هذا. قال هشام: والوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس استحالوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم علماء في مثل حد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في العلم حتى لا يحتاج أحد إلى أحد فيكونون كلهم قد استغنوا بأنفسهم وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه أفتقول هذا أن الناس استحالوا علماء حتى صاروا مثل حد الرسول في العلم بالدين فلا يحتاج أحد إلى أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم قال: فبقي الوجه الثالث وهو انه لا بد من عالم بقيامة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد. قال: فما الدليل عليه؟ قال: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه وأربع في نعت نفسه، فأما الأربع التي في نعت نسبه فإنه يكون معروف الجنس معروف القبيلة معروف البيت وان يكون من صاحب الملة والدعوة اشاره إليه فلم نر جنسا من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين فيهم صاحب الملة والدعوة بالذي ينادي بإسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع «أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله» تصل دعوته إلى كل بر وفاجر عالم وجاهل مقر ومنكر في شرق الأرض وغربها، ولو كان جاز أن يكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده ولجاز أن تطلبه في اجناس من هذا الخلق من غير هذا الجنس لاتصاله بصاحب الملة والدعوة، ولم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهو قريش، ولما لم يجز أن يكون من القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة والدعوة، فلما كثر على هذا البيت التشاجر في الإمامة لعلوها وشرفها ادعاها كل واحد منهم فلم يجز إلا أن يكون من
صاحب الملة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه لئلا يطمع فيها غيره. وأما الأربع التي في نعت نفسه فإن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل، وان يكون معصوما من الذنوب كلها، وان يكون أشجع الناس واسخاهم.(3/289)
هشام لا لأن النبوة يعقدها أهل السماء والإمامة يعقدها أهل الأرض فعقد النبوة بالملائكة وعقد الإمامة بالنبي والعقدان جميعا بأمر الله عز وجل إلا أن النبوة تعتقد بالملائكة والإمامة تعتقد بالنبي قال: فما الدليل على ذلك؟ قال: الإضطرار في هذا. قال ضرار: وكيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: أما ان يكون الله عز وجل رفع التكليف على الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها أتقول هذا يا ضرار ان التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم قال: لا ما أقول هذا. قال هشام: والوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس استحالوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم علماء في مثل حد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في العلم حتى لا يحتاج أحد إلى أحد فيكونون كلهم قد استغنوا بأنفسهم وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه أفتقول هذا أن الناس استحالوا علماء حتى صاروا مثل حد الرسول في العلم بالدين فلا يحتاج أحد إلى أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم قال: فبقي الوجه الثالث وهو انه لا بد من عالم بقيامة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد. قال: فما الدليل عليه؟ قال: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه وأربع في نعت نفسه، فأما الأربع التي في نعت نسبه فإنه يكون معروف الجنس معروف القبيلة معروف البيت وان يكون من صاحب الملة والدعوة اشاره إليه فلم نر جنسا من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين فيهم صاحب الملة والدعوة بالذي ينادي بإسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع «أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله» تصل دعوته إلى كل بر وفاجر عالم وجاهل مقر ومنكر في شرق الأرض وغربها، ولو كان جاز أن يكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده ولجاز أن تطلبه في اجناس من هذا الخلق من غير هذا الجنس لاتصاله بصاحب الملة والدعوة، ولم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهو قريش، ولما لم يجز أن يكون من القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة والدعوة، فلما كثر على هذا البيت التشاجر في الإمامة لعلوها وشرفها ادعاها كل واحد منهم فلم يجز إلا أن يكون من
صاحب الملة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه لئلا يطمع فيها غيره. وأما الأربع التي في نعت نفسه فإن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل، وان يكون معصوما من الذنوب كلها، وان يكون أشجع الناس واسخاهم.
فقال عبد الله بن يزيد الأباضي: من أين قلت: إنه أعلم الناس؟ قال: لأنه لو لم يكن عالما بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب بالحدود، فمن وجب عليه القطع حده ومن وجب عليه الحد قطعه فلا يقيم لله عز وجل حدا على ما أمره، فيكون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا، قال: فمن أين قلت إنه معصوم من الذنوب؟ لأنه ان لم يكن معصوما من الذنوب دخل في الخظأ فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه ولا يحتج الله عز وجل. قال: فمن قلت أنه أشجع الناس؟ قال: لأنه فئة للمسلمين الذين يرجعون إليه في الحرب وقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلََّا مُتَحَرِّفاً لِقِتََالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى ََ فِئَةٍ فَقَدْ بََاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللََّهِ} فإن لم يكن شجاعا يبوء بغضب من الله، ولا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله حجة الله على خلقه قال: فمن أين قلت إنه أسخى الناس؟ قال: لأنه حارس المسلمين وان لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها فكان خائنا ولا يجوز أن يحتج الله على خلقه بخائن.
فعند ذلك قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ قال: صاحب العصر أمير المؤمنين وكان هارون قد سمع الكلام كله. فقال: عند ذلك أعطانا والله من جراب النورة ويحك يا جعفر، وكان جعفر بن يحيى جالسا معه في الستر: من يعني بهذا؟ فقال يا أمير المؤمنين: يعني به موسى بن جعفر. فقال: ما أعني بها غير أهلها ثم عض على شفتيه. وقال: مثل هذا حي ويبقى في ملكي ساعة فو الله للسان هذا في قلوب الناس أحد من مئة ألف سيف. وعلم يحيى أن هشاما قد أتى فدخل الستر فقال: يا عباسي ويحك من هذا الرجل؟ فقال: يا أمير المؤمنين حسبك يكفي يكفي.
ثم خرج إلى هشام فغمزه فعلم هشام أنه قد أتى فقام يريهم أنه يبول ويقضي حاجة فلبس نعله وانسل ومر ببيته وأمرهم بالتواري وهرب ومر من وقته نحو الكوفة فوافى الكوفة ونزل على بشير النبال وكان من جملة الحديث من أصحاب أبي عبد الله وأخبره الخبر ثم اعتل علة شديدة فقال له بشير: آتيك بطبيب؟ قال:
لا أنا ميت فلما حضرته الوفاة قال للبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في
جوف الليل وضعني في الكناس واكتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه. وكان هارون قد بعث إلى أخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به، فلما أصبح أهل الكوفة ورواه وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل والمعدلون بالكوفة وكتب إلى الرشيد بذلك. فقال: الحمد لله الذي كفانا أمره فخلا عمن كان أخذ به.(3/290)
لا أنا ميت فلما حضرته الوفاة قال للبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في
جوف الليل وضعني في الكناس واكتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه. وكان هارون قد بعث إلى أخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به، فلما أصبح أهل الكوفة ورواه وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل والمعدلون بالكوفة وكتب إلى الرشيد بذلك. فقال: الحمد لله الذي كفانا أمره فخلا عمن كان أخذ به.
احتجاج سعد بن عبد الله القمي مع أشد النواصب
ومن الكتاب المذكور: بسنده فيه إلى سعد بن عبد الله القمي قال: كنت امرأ لهجا بجميع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها متعصبا لمذهب الإمامية راغبا عن الأمن والسلامة في انتصار التنازع والتخاصم إلى التباغض والتشاتم معيبا لفرق ذوي الخلاف كاشفا عن مثالب أئمتهم هاتكا لحجب قاعدتهم، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلا وأشقهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما فقال ذات يوم وأنا أناظره:
تبا لك يا سعد ولأصحابك معاشر الرافضة تتصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم وتجحدون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولايتهم وإمامتهم أهذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة من بعده له وإنه هو المقلد لأمر التأويل والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في شعب الصدع والخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك، فكما أشفق على نبوته اشفق على خلافته إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعده من غيره إلى مكان يستخفي فيه، ولما رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم متوجها إلى الحجاز ولم يكن الحال يوجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم بأبي بكر للغار للعلة التي شرحناها، وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكترث له ولم يحفل به والإستقالة اياه ولعلمه بأنه ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتى فما زال يعقب كل واحد بالنقض والرد ثم قال: يا سعد دونكها أخرى مثلها تحطم أنوف الروافض ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسران النفاق واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟
قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الإلزام وحذرا من اني ان
أقررت له بطوعيتهما للإسلام احتج أن بدء النفاق ونشوة في القلب لا يكون إلا عن هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على ما ليس ينقاد له قلبه نحو قوله عز وجل: {فَلَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا} وإن قلت أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم يكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.(3/291)
قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الإلزام وحذرا من اني ان
أقررت له بطوعيتهما للإسلام احتج أن بدء النفاق ونشوة في القلب لا يكون إلا عن هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على ما ليس ينقاد له قلبه نحو قوله عز وجل: {فَلَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا} وإن قلت أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم يكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.
قال سعد: فصدرت عنه من ورد قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطع كبدي من الكرب وقد كنت اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن اسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن اسحاق صاحب مولانا أبي محمد، فارتحلت خلفه وكان قد خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في بعض المنازل فلما تصافحنا قال: بخير لحاقك بي؟
قلت: الشوق ثم العادة في الأسئلة. قال: قد تكافينا على هذه اللحظة الواحدة فقد برح بي الشوق إلى لقاء مولانا أبي محمد عليه السّلام وأريد أن اسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل فدونكهما الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو امامنا، فوردنا سر من رأى فانتيهنا منها إلى باب سيدنا عليه السّلام فاستأذنا فخرج إلينا الأذن بالدخول عليه، وكان على عاتق أحمد بن اسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم على كل صرة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبهت وجه مولانا أبي محمد عليه السّلام حين غشينا نور وجهه إلا بدر قد استوفي من لياليه أربعة بعد عشرة وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والنظر على رأسه فرق وفرتين كأنه ألف بين واوين وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة وبيده قلم إذا أراد أن يكتب به على البياض قبض الغلام على أصابعه فكان مولانا عليه السّلام خرج الرمانة بين يديه ويغله بردها كيلا يصده عن كتبه ما أراد، فسلمنا عليه فألطف في الجواب فأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبه البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن أسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر العسكري عليه السّلام إلى الغلام وقال: يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك فقال: يا مولاي لا يجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموالا رجسة قد شيب أحلها بأحرمها. فقال مولاي عليه السّلام: يا بن اسحاق استخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام منها، فأول صرة بدأ أحمد باخراجها فقال الغلام: هذا لفلان بن فلان من محل كذا بقم تشتمل على إثنين
وستين دينارا من ثمن حجرة باعها صاحبها وكانت ارثا له من أبيه خمسة وأربعون دينارا ومن اثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير. فقال مولانا عليه السّلام صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها، فقال عليه السّلام: فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف أحد صفحتيه ففتشته أمليه وزنها ربع دينار والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل شيئا وربع من فايت على ذلك مدة قبض انتهائها لذلك الغزل سارق فأخبر به الحائك صاحبه وكذبه واسترد منه بدل ذلك منا ونصف من غرلا أرق مما كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه، فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال فاستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.(3/292)
قال سعد: فما شبهت وجه مولانا أبي محمد عليه السّلام حين غشينا نور وجهه إلا بدر قد استوفي من لياليه أربعة بعد عشرة وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والنظر على رأسه فرق وفرتين كأنه ألف بين واوين وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة وبيده قلم إذا أراد أن يكتب به على البياض قبض الغلام على أصابعه فكان مولانا عليه السّلام خرج الرمانة بين يديه ويغله بردها كيلا يصده عن كتبه ما أراد، فسلمنا عليه فألطف في الجواب فأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتبه البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن أسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر العسكري عليه السّلام إلى الغلام وقال: يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك فقال: يا مولاي لا يجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموالا رجسة قد شيب أحلها بأحرمها. فقال مولاي عليه السّلام: يا بن اسحاق استخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام منها، فأول صرة بدأ أحمد باخراجها فقال الغلام: هذا لفلان بن فلان من محل كذا بقم تشتمل على إثنين
وستين دينارا من ثمن حجرة باعها صاحبها وكانت ارثا له من أبيه خمسة وأربعون دينارا ومن اثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير. فقال مولانا عليه السّلام صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها، فقال عليه السّلام: فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف أحد صفحتيه ففتشته أمليه وزنها ربع دينار والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل شيئا وربع من فايت على ذلك مدة قبض انتهائها لذلك الغزل سارق فأخبر به الحائك صاحبه وكذبه واسترد منه بدل ذلك منا ونصف من غرلا أرق مما كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه، فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال فاستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.
ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام عليه السّلام: هذه لفلان بن فلان من محلة كذا وكذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا لمسها. قال: وكيف ذاك؟ قال:
لأنها من ثمن حنطة خان صاحبها على أكاره في المقاسمة وذلك إنه قبض حصته منها بكيل واف وكان ما خص الاكار بكيل بخس. فقال مولانا عليه السّلام صدقت يا بني ثم قال: يا أحمد بن اسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها واتنا بثوب العجوز.
قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقبة لي فنسيته، فلما انصرف أحمد بن اسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولانا أبو محمد عليه السّلام فقال: ما جاء بك يا سعد؟
فقلت: شوقني احمد بن اسحاق إلى لقاء مولانا قال: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي، قال: فسل قرة عيني عنها، وأومى إلى الغلام: سله عما بدا لك، فقلت: مولانا وابن مولانا انا روينا عنكم أن رسول الله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السّلام حتى قال يوم الجمل لعائشة: «إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك وأوردت نبيك حياض الهلاك فإن كففت عني غره بك وإلا طلقتك» ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد كان طلاقهن وفاته. قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل قال: فإذا كان وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد خلت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟ قلت: لأن الله تبارك وتعالى حرم عليهن الأزواج. قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يابن رسول الله عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: ان
الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فخصهن بشرف الأمهات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «يا أبا الحسن ان هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة فأيهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فاطلق لها في الأزواج واسقطها من شرف أمومة المؤمنين». قلت: فأخبرني عن الفاحشة البينة؟ قال: هي السحق دون الزنا فإن المرأة إذا زنت واقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد وإذا استحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه فقد أبعده ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه.(3/293)
فقلت: شوقني احمد بن اسحاق إلى لقاء مولانا قال: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي، قال: فسل قرة عيني عنها، وأومى إلى الغلام: سله عما بدا لك، فقلت: مولانا وابن مولانا انا روينا عنكم أن رسول الله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السّلام حتى قال يوم الجمل لعائشة: «إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك وأوردت نبيك حياض الهلاك فإن كففت عني غره بك وإلا طلقتك» ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد كان طلاقهن وفاته. قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل قال: فإذا كان وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد خلت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟ قلت: لأن الله تبارك وتعالى حرم عليهن الأزواج. قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يابن رسول الله عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: ان
الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فخصهن بشرف الأمهات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «يا أبا الحسن ان هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة فأيهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فاطلق لها في الأزواج واسقطها من شرف أمومة المؤمنين». قلت: فأخبرني عن الفاحشة البينة؟ قال: هي السحق دون الزنا فإن المرأة إذا زنت واقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد وإذا استحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه فقد أبعده ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه.
قلت: فأخبرني يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن أمر الله لنبيه موسى عليه السّلام فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من أهاب الميتة قال صلوات الله عليه: من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه السّلام واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من خصلتين: إما أن يكون صلاة موسى عليه السّلام فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت جائزة جاز له لبسها في تلك البقعة إذ لم يكن مقدسة فإذا كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس ولا أطهر من الصلاة، وإن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب على موسى عليه السّلام أنه لم يعرف الحلال من الحرام وعمل ما جاز فيه الصلاة وما لم يجز وهذا كفر. قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها. قال صلوات الله عليه: ان موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال:
يا رب اني قد أخلصت لك المحبة سني وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لأهله فقال الله تعالى: ({فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ}) أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خاصة وقلبك من الميل إلى من سواي مغسول.
قلت: فأخبرني يابن رسول الله عن تأويل {كهيعص} قال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله تعالى عبده زكريا عليها ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه الأسماء الحسنى فأهبط عليه جبرئيل عليه السّلام فعلمه اياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر الحسين عليه السّلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: الهي مالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين عليه السّلام تدمع عيني وتثور زفرتي، فأنبأه الله تعالى عن قصته فقال: {كهيعص} فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد بن معاوية وهو ظالم الحسين والعين عطشه والصاد صبره، فما سمع بذلك زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس فيها من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: إلهي
أتفجع خير خلقك بولده، إلهي اتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المعيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما، ثم كان يقول:(3/294)
قلت: فأخبرني يابن رسول الله عن تأويل {كهيعص} قال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله تعالى عبده زكريا عليها ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه الأسماء الحسنى فأهبط عليه جبرئيل عليه السّلام فعلمه اياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر الحسين عليه السّلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: الهي مالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين عليه السّلام تدمع عيني وتثور زفرتي، فأنبأه الله تعالى عن قصته فقال: {كهيعص} فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد بن معاوية وهو ظالم الحسين والعين عطشه والصاد صبره، فما سمع بذلك زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس فيها من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: إلهي
أتفجع خير خلقك بولده، إلهي اتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المعيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما، ثم كان يقول:
إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني عند الكبر واجعله وارثا وصيا واجعل محله مني محل الحسين عليه السّلام فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمد صلى الله عليه وآله وسلّم بولده، فرزقه الله تعالى يحيى عليه السّلام وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السّلام كذلك، وله قصة طويلة.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم؟ قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت:
بلى قال: فهي العلة أوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك ثم قال عليه السّلام: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله عز وجل وأنزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم واهدى إلى الإختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما السّلام هل يجوز مثل وفور عقلهما وكمال علمهما إنهما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن؟
قلت: لا. قال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم واخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين قال الله تعالى: {وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقََاتِنََا} إلى قوله: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى نَرَى اللََّهَ جَهْرَةً}
{فَأَخَذَتْهُمُ الصََّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله عز وجل للنبوة واقعا على الافسد دون الاصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن الأختيار ليس إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكن الضمائر وتنصرف إليه السرائر، وان لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا عليه السّلام: يا سعد حين ادعى خصمك ما أخرج من نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل واقامة الحدود وتسرب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما اشفق على خلافته وإنه لم يكن من حكم الإستناد والتواري أن يروم الهرب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنما أبات عليا عليه السّلام على فراشه لما كان لا يكترث له ولم يحفل
به لاستثقاله اياه وعلمه انه ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها فساد دعواه بقولك اليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» جعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدين في مذهبهم فكان لا يجد بدّا من أن يقول لك بلى وكنت تقول له حينئذ اليس كما علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن الخلافة بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعده لعثمان ومن بعده لعلي عليه السّلام فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك نعم ثم كنت تقول:(3/295)
ثم قال مولانا عليه السّلام: يا سعد حين ادعى خصمك ما أخرج من نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل واقامة الحدود وتسرب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما اشفق على خلافته وإنه لم يكن من حكم الإستناد والتواري أن يروم الهرب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنما أبات عليا عليه السّلام على فراشه لما كان لا يكترث له ولم يحفل
به لاستثقاله اياه وعلمه انه ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها فساد دعواه بقولك اليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» جعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدين في مذهبهم فكان لا يجد بدّا من أن يقول لك بلى وكنت تقول له حينئذ اليس كما علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن الخلافة بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعده لعثمان ومن بعده لعلي عليه السّلام فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك نعم ثم كنت تقول:
فكان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه اياهم وتخصيصه أبا بكر واخراجه مع نفسه دونهم.
ولما قال: أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل له أسلما طمعا وذلك انهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال عن قصة محمد وعن عواقب أمره، فكانت اليهود تذكر أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم مسلط على العرب كما كان بخت نصر مسلطا على بني اسرائيل ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصر ببني اسرائيل غير أنه كاذب في دعوته إنه نبي، فاتيا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فساعداه على شهادة ان لا إله إلا الله وتابعاه طمعا أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله، فلما ايسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من قريش من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه فدفع الله عز وجل كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتى طلحة والزبير عليا فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد فلما ايسا نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع اشباههما من الناكثين.
قال سعد: ثم قام الحسن بن علي الهادي عليه السّلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن اسحاق فاستقبلني باكيا فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي احضاره. فقلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعا وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وأهل بيته، فقلت: ما الخبر؟ قال وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا يصلي عليه.
قال سعد: فحمدنا الله جل ذكره على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا الحسن بن علي عليه السّلام فلا نرى الغلام بين يديه، فلما كان يوم
الوداع دخلت أنا وأحمد بن اسحاق وكهلان من بلدنا وانتصب أحمد بن اسحاق بين يديه قائما وقال: يا بن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدت المحنة فنحن نسأل الله عز وجل أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك وان يصلي عليك وعلى ولدك ونرغب إليه أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.(3/296)
قال سعد: فحمدنا الله جل ذكره على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا الحسن بن علي عليه السّلام فلا نرى الغلام بين يديه، فلما كان يوم
الوداع دخلت أنا وأحمد بن اسحاق وكهلان من بلدنا وانتصب أحمد بن اسحاق بين يديه قائما وقال: يا بن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدت المحنة فنحن نسأل الله عز وجل أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك وان يصلي عليك وعلى ولدك ونرغب إليه أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال: فلما قال هذه الكلمات استعبر مولانا عليه السّلام حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ثم قال: يا بن اسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله عز وجل في سفرك هذا، فخر أحمد مغشيا عليه فلما أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعله كفنا، فأدخل مولانا عليه السّلام يده تحت البساط وأخرج ثلاثة عشر درهما فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تقدم ما سألت وإن الله تبارك وتعالى لا يضيع اجر من أحسن عملا.
قال سعد: فلما انصرفنا بعد منصرفنا من عند مولانا عليه السّلام من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن اسحاق (ره) وثارت به علة صعبة آيس من حياته فيها فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن اسحاق رجلا من أهل بلده وكان قاطنا بها ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده.
قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح اصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور خادم مولانا أبي محمد عليه السّلام وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم وجبر بالمحبوب رزيتكم قد عرفنا من غسل صاحبكم وتكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره.
قال: علي بن بسام البغدادي: كنت اتعشق غلاما لخالي ابن حمدون فنمت ليلة عنده وقمت لأدب عليه فلسعتني عقرب فقلت: آه فانتبه خالي، وقال: ما أتى بك هاهنا؟ قال: قمت لأبول. فقال: صدقت ولكن في است غلامي فحضرني إذ ذاك هذه الأبيات فأنشأت أقول:
ولقد سريت مع الظلام لموعد ... حصلته من غادر كذاب
فإذا على ظهر الطريق معدة ... سوداء قد علمت أوان ذهابي
لا بارك الرحمن فيها إنها ... دبابة دبت على دباب
ابن قلانس الإسكندري:(3/297)
ولقد سريت مع الظلام لموعد ... حصلته من غادر كذاب
فإذا على ظهر الطريق معدة ... سوداء قد علمت أوان ذهابي
لا بارك الرحمن فيها إنها ... دبابة دبت على دباب
ابن قلانس الإسكندري:
قرنت بواو الصدغ صاد المقبل ... وأبيت لا ما في عذار مسلسل
فإن لم يكن وصل لديك لعاشق ... فماذا الذي أبديت للمتأمل
كما سامحوا عمرا بواو من يده ... وضويق باسم الله في أول الوصل
غيره لغيره:
عين المقبول عيوبه كالواو من ... عمرو يرى واللفظة منه قصير
كالنون من زيد يقال مديحه ... باللفظ لكن لا يراه بصير
التهامي:
لغو كحرف زيد لا معنى له ... أو واو عمرو فقدها كوجودها
قال صلاح الدين الصفدي بعد ايراد هذه الأشعار: وكان الجاحظ يزعم أن عمرا أرشق الأسماء واخفها وأظهرها وأسهلها، وكان يسميه الاسم المظلوم ويعني بذلك الزامهم به الواو التي ليست من جنسه ولا فيه دليل عليها ولا اشارة لها.
قال شيخنا البهائي: قدس الله سره في الكشكول بعد نقل ذلك ما صورته قال: نامق هذه السطور: لو يوجه كلام الجاحظ في تسمية الاسم المذكور بما سماه بأنه يقع في أكثر الأمثلة لا سيما في العلوم الأدبية مضروبا أو مقتولا كما لا يحجب على من له أدنى اطّلاع عليها لكان أظهر. ويناسب هذا المقام ما قاله سيف الدولة الاسفر كنى في بعض مدائحه:
أز زدن زيد عمر ودر عظ نحو ... لطف وبيان تو بر گرفته ايم را
ولعل نظره رحمه الله إلى شيء لا يخطر ببالنا والله أعلم إنتهى.
قصيدة دعبل الخزاعي
في الحسن عن أبي الصلت دخول دعبل على الرضا عليه السّلام وإنشاده له هذه القصيدة رواه في عيون الأخبار وهي:
تجاوبن بالأزنان والزفرات ... نوائح عجم اللفظ والنطقات
يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس ... اسارى هوى ماض وآخرات(3/298)
منازل وحي الله ينزل بينها ... على أحمد المذكور في السورات
منازل قوم يهتدي بهداهم ... وتؤمن منهم زلة العثرات
منازل كانت للصلاة وللدعا ... وللصوم والتطهير والزكوات
منازل لا تيم يحل بربعها ... ولا ابن صهاك هاتك الحرمات
ديار عفاها جور كل منابذ ... ولم تعف للأيام والسنوات
قفا نسأل الدار التي حف أهلها ... متى عهدها بالصوم والصلوات
واين الأولى شطت بهم غربة النوى ... أفانين في الأطراف مفترقات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا ... وهم خير سادات وخير حماتي
إذا لم نناجي في صلواتنا ... باسمائهم لم يقبل الصلوات
مطاعين في الأفاق في كل مشهد ... لقد شرفوا بالفضل والبركات
وما الناس إلا غاصب وكذب ... ومضطغن ذو احنة وترات
إذا ذكروا قتلا ببدر وخيبر ... ويوم حنين أسبلوا العبرات
فكيف يحبون النبي ورهطه ... وهم تركوا أحشاءهم وغرات
لقد لاينوه في المقال وأضمروا ... قلوبا على الأحقاد منطويات
فإن لم تكن إلا بقربي محمد ... فهاشم أولى من هن وهنات
سقى الله قبرا بالمدينة غيثه ... فقد حل فيه الأمن بالبركات
نبي الهدى صلى عليه مليكه ... وبلغه عنا أفضل التحفات
وصلى عليه الله ما در شارق ... ولاحت نجوم الليل مبتدرات
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا ... وقد مات عطشانا بشط فرات
إذا للطمت الخد فاطم عنده ... وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يابنة الخير واندبي ... نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان وأخرى بطيبة ... وأخرى بفخ نالها صلواتي
وقبر بأرض الخورجان محلها ... وقبر بسامراء لذات الغربات
وقبر ببغداد لنفس زكية ... تضمنها الرحمن في الغرفات
وفي رواية الصدوق ابن بابويه عطر الله مرقده إنه لما انتهى إلى هذا البيت قال له الرضا عليه السّلام: أفلا ألحق لك في هذا الموضع ببيتين لها تمام قصيدتك؟
فقال له: نعم يا بن رسول الله. فقال عليه السّلام:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة ... توقد في الأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما ... يفرج عنا الهم والكربات
فقال دعبل: يابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس من هو؟ فقال عليه السّلام:(3/299)
وقبر بطوس يا لها من مصيبة ... توقد في الأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما ... يفرج عنا الهم والكربات
فقال دعبل: يابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس من هو؟ فقال عليه السّلام:
قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، الا فمن زارني بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة إنتهى:
فأما الممضات التي لست بالغا ... مبالغا مني بكنه صفات
قبور بجنب النهر من طف كربلا ... معرسهم منها بشط فرات
توفوا عطاشا بالفرات فليتني ... توفيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم ... سقتني بكأس الذل والفضعات
أخاف بأن أزدارهم فتشوقني ... مصارعهم بالجزع فالنخلات
تقسمهم ريب المنون فما نرى ... لهم عفوة مغشية الحجرات
خلا أن منهم في المدينة عصبة ... مدينين امضاء من اللزبات
لهم كل يوم تربة بمضاجع ... ثوب بنواحي الأرض مفترقات
وتنكب لآراء السنين جوارهم ... ولا تصطليهم جمرة الجمرات
وقد كان منهم بالحجاز وأرضها ... مغاوير نحارون في الأزمات
حمى لم تزره المدينات وأوجه ... تضيء لذا الاستار في الظلمات
إذا وردوا خيلا بسمر من القنا ... مساعير حرب أقحموا الغمرات
فإن فخروا يوما أتوا بمحمد ... وجبريل والقرآن والسورات
وعدوا عليا ذا المناقب والعلا ... وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعباس ذو الجود والتقى ... وجعفرها الطيار في الحجبات
أولئك لا منتوج هند وحزبها ... سمية من نوكى ومن قذرات
ستسأل تيم عنهم وعديها ... وبيعتهم من أفجر الفجرات
هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم ... وهم تركوا الأبناء وهن شتات
وهم عدلوها عن وصي محمد ... فبيعتهم جاءت على الفلتات
وليهم صنو النبي محمد ... أبو الحسن الفراج للغمرات
علي أمير المؤمنين ورهطه ... كرام بنوا فوق العلى درجات
أئمة حق والدعاة إلى الهدى ... وسادات أعلام وأهل هدات
مامك في آل النبي فإنهم ... أحياء ما داموا وأهل ثقات
تخيرتهم رشدا لنفسي فإنهم ... على كل حال خيرة الخيرات
ودنت إليهم بالمحبة صادقا ... وسلمت نفسي طايعا لولاتي
فيا رب زدني في هواهم بصيرة ... وزد حبهم يا رب في حسناتي
سأبكيهم ما حج لله راكب ... وما ناح قمري على الشجرات
وإني لمولاهم وقال عدوهم ... وإني لمحزون بطول حياتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية ... لفك عناء أو لحمل ديات
وللخيل لما قيد الخياب خطوها ... فأطلقوا عنهن بالدربات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم ... واهجر فيكم زوجتي وبناتي
واكتم من حبي مخافة كاشح ... عدو لأهل البيت غير مواتي
فيا عين ابكيهم وجودي بعبرة ... فقد آن للتسكاب والعبرات
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها ... وإني لأرجو الأمن عند وفاتي
ألم تراني من ثلاثين حجة ... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيأهم في غيرهم متقسما ... وأيديهم من فيئهم صفرات
فكيف أداوي من جوى بي والجوى ... أمية أهل الكفر واللعنات
وآل زياد في حرير مصونة ... وآل رسول الله منهتكات
سأبكيهم ماذر في الأرض شارق ... ونادى منادي الخير للصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها ... وبالليل أبكيهم وبالغدوات
ديار رسول الله أصبحن بلقعا ... وآل زياد تسكن الحجرات
وآل رسول الله تدمي نحورهم ... وآل زياد آمنوا السربات
وآل رسول الله تسبى حريمهم ... وآل زياد ربة الحجلات
إذا وتروا مد إلى واتريهم ... أكفا عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد ... تقطع قلبي أثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج ... يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل ... ويجزي على النعماء والنقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فابشري ... فغير بعيد كلما هوات
ولا تجزعي من مدة الجور إنني ... أرى قوتي قد آدنت ببناتي
فإن قرب الرحمن من ذاك مدتي ... وأخر من عمري وقت وفاتي
شفيت ولم أترك لنفسي غصة ... ورويت منهم منصلي وقتاتي
فإني من الرحمن أرجو بحبهم ... حياة لذي الفردوس غير تبات
عسى الله أن يرتاح للخلق إنه ... إلى كل يوم دائم اللحظات
فإن قلت عرفا انكروه بمنكر ... وغطوا على التحقيق بالشبهات
تقاصر نفسي دائما عن جدالهم ... كفاني ما ألقى من العبرات
أحاول نقل الصم عن مستقرها ... واسماع أحجار من الصلبات(3/300)
فأما الممضات التي لست بالغا ... مبالغا مني بكنه صفات
قبور بجنب النهر من طف كربلا ... معرسهم منها بشط فرات
توفوا عطاشا بالفرات فليتني ... توفيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم ... سقتني بكأس الذل والفضعات
أخاف بأن أزدارهم فتشوقني ... مصارعهم بالجزع فالنخلات
تقسمهم ريب المنون فما نرى ... لهم عفوة مغشية الحجرات
خلا أن منهم في المدينة عصبة ... مدينين امضاء من اللزبات
لهم كل يوم تربة بمضاجع ... ثوب بنواحي الأرض مفترقات
وتنكب لآراء السنين جوارهم ... ولا تصطليهم جمرة الجمرات
وقد كان منهم بالحجاز وأرضها ... مغاوير نحارون في الأزمات
حمى لم تزره المدينات وأوجه ... تضيء لذا الاستار في الظلمات
إذا وردوا خيلا بسمر من القنا ... مساعير حرب أقحموا الغمرات
فإن فخروا يوما أتوا بمحمد ... وجبريل والقرآن والسورات
وعدوا عليا ذا المناقب والعلا ... وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعباس ذو الجود والتقى ... وجعفرها الطيار في الحجبات
أولئك لا منتوج هند وحزبها ... سمية من نوكى ومن قذرات
ستسأل تيم عنهم وعديها ... وبيعتهم من أفجر الفجرات
هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم ... وهم تركوا الأبناء وهن شتات
وهم عدلوها عن وصي محمد ... فبيعتهم جاءت على الفلتات
وليهم صنو النبي محمد ... أبو الحسن الفراج للغمرات
علي أمير المؤمنين ورهطه ... كرام بنوا فوق العلى درجات
أئمة حق والدعاة إلى الهدى ... وسادات أعلام وأهل هدات
مامك في آل النبي فإنهم ... أحياء ما داموا وأهل ثقات
تخيرتهم رشدا لنفسي فإنهم ... على كل حال خيرة الخيرات
ودنت إليهم بالمحبة صادقا ... وسلمت نفسي طايعا لولاتي
فيا رب زدني في هواهم بصيرة ... وزد حبهم يا رب في حسناتي
سأبكيهم ما حج لله راكب ... وما ناح قمري على الشجرات
وإني لمولاهم وقال عدوهم ... وإني لمحزون بطول حياتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية ... لفك عناء أو لحمل ديات
وللخيل لما قيد الخياب خطوها ... فأطلقوا عنهن بالدربات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم ... واهجر فيكم زوجتي وبناتي
واكتم من حبي مخافة كاشح ... عدو لأهل البيت غير مواتي
فيا عين ابكيهم وجودي بعبرة ... فقد آن للتسكاب والعبرات
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها ... وإني لأرجو الأمن عند وفاتي
ألم تراني من ثلاثين حجة ... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيأهم في غيرهم متقسما ... وأيديهم من فيئهم صفرات
فكيف أداوي من جوى بي والجوى ... أمية أهل الكفر واللعنات
وآل زياد في حرير مصونة ... وآل رسول الله منهتكات
سأبكيهم ماذر في الأرض شارق ... ونادى منادي الخير للصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها ... وبالليل أبكيهم وبالغدوات
ديار رسول الله أصبحن بلقعا ... وآل زياد تسكن الحجرات
وآل رسول الله تدمي نحورهم ... وآل زياد آمنوا السربات
وآل رسول الله تسبى حريمهم ... وآل زياد ربة الحجلات
إذا وتروا مد إلى واتريهم ... أكفا عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد ... تقطع قلبي أثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج ... يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل ... ويجزي على النعماء والنقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فابشري ... فغير بعيد كلما هوات
ولا تجزعي من مدة الجور إنني ... أرى قوتي قد آدنت ببناتي
فإن قرب الرحمن من ذاك مدتي ... وأخر من عمري وقت وفاتي
شفيت ولم أترك لنفسي غصة ... ورويت منهم منصلي وقتاتي
فإني من الرحمن أرجو بحبهم ... حياة لذي الفردوس غير تبات
عسى الله أن يرتاح للخلق إنه ... إلى كل يوم دائم اللحظات
فإن قلت عرفا انكروه بمنكر ... وغطوا على التحقيق بالشبهات
تقاصر نفسي دائما عن جدالهم ... كفاني ما ألقى من العبرات
أحاول نقل الصم عن مستقرها ... واسماع أحجار من الصلبات(3/301)
فمن عارف لم ينتفع ومعاند ... تميل به الأهواء للشبهات
نقل: شيخنا الصدوق (ره) في الخبر الحسن قال: لما بلغ إلى قوله: «لقد خفت في الدنيا»، قال الرضا عليه السّلام: آمنك الله يوم الفزع الأكبر. قال أبو الصلت: ثم نهض الرضا عليه السّلام فدخل الدار فخرج الخادم إليه بمئة دينار رضوية فقال دعبل: والله ما لهذا جئت ولا قلت القصيدة طمعا ورد الصرة وسأل ثوبا من ثيابه عليه السّلام فأنفذ إليه جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له خذ هذه الصرة فإنك محتاج إليها، فأخذها دعبل وانصرف وسار في قافلة فلما بلغ ميان فوهان وقع عليه اللصوص فأخذوا القافلة وكتفوا أهلها وجعلوا يقتسمونها بينهم، فتمثل أحدهم بقول دعبل الخزاعي: «أرى فيأهم في غيرهم متقسما» فسمعه دعبل فقال:
لمن هذا البيت؟ فقال: لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي. قال: أنا دعبل فوثب الرجل فأخبر رئيسهم فجاء فقال: أنت دعبل؟ قال: نعم. فقال: أنشد القصيدة فأنشدها فحل أكتافه واكتاف جميع القافلة وردوا إليهم جميع ما أخذوا منهم وسار دعبل إلى قم، فسأله أهلها أن ينشدهم القصيدة فأنشدهم في الجامع على المنبر فوصلوه من المال وسألوه أن يبيعهم الجبة الكريمة أو شيء منها بألف دينار فأبى عليهم، فلما خرج من رستاق البلد لحقه أجداث العرب وأخذوا الجبة منه فرجع وراجعهم فيها وعصوا للمشائخ في ردهم ثم دفعوا إليه شيئا منها وألف دينار وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما في منزله فباع المئة الدنانير الرضوية كل دينار بألف درهم فذكر قول الرضا عليه السّلام: «إنك محتاج إليها». وكان له جارية لها محل من قلبه فرمدت عيناها وذهبت عينها اليمنى وأخبره أهل الطب أن ليس فيها حيلة فمسح قطعة من الجبة الكريمة عليها من الليل فأصبحت وعيناها أصح ما كانتا إنتهى ما في العيون مختصرا، ومثله في معناه في كتاب أعلام الورى الأقضية الجارية ورمدها.
كتاب كشف الغمة: عن كمال الدين لابن طلحة ان المأمون بلغه خبر القصيدة فاستحضر دعبل فاستنشده فأنكر وقال: ما أعرفها، فتوسل بالرضا فأمره عليه السّلام باحضارها واستحسنها المأمون فأمر له بخمسين ألف درهم وأمر له الرضا عليه السّلام بقريب منه ثم تناول الرضا شيئا من ثيابه فدفع إليه قميصا ومنشفة لطيفة وقال: احفظ هذا تحرس به ثم دفع الرياستين الصلة وحمله على برذون أصفر وقمطر خز وبرنس خز.
قال دعبل: فأعطيت به ثمانين دينارا ثم كررت إلى العراق فخرج علينا الأكراد
في يوم مطير فأخذونا فبقيت في قميص خلق وضر شديد وأنا متأسف على القميص والمنشفة خاصة ومتفكر في قول سيدي الرضا عليه السّلام إذ مر بي واحد من الحرامية تحته فرس لي أصفر وعليه ذلك الممطر ووقف ينظر أصحابه وهو ينشد «مدارس آيات خلت من تلاوة» ويبكي فتعجبت ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: لمن هذه القصيدة؟ فقال: وما أنت وذاك ويلك. فقلت: فيه سبب. قال: لدعبل ابن علي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا. فقلت: والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي.(3/302)
قال دعبل: فأعطيت به ثمانين دينارا ثم كررت إلى العراق فخرج علينا الأكراد
في يوم مطير فأخذونا فبقيت في قميص خلق وضر شديد وأنا متأسف على القميص والمنشفة خاصة ومتفكر في قول سيدي الرضا عليه السّلام إذ مر بي واحد من الحرامية تحته فرس لي أصفر وعليه ذلك الممطر ووقف ينظر أصحابه وهو ينشد «مدارس آيات خلت من تلاوة» ويبكي فتعجبت ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: لمن هذه القصيدة؟ فقال: وما أنت وذاك ويلك. فقلت: فيه سبب. قال: لدعبل ابن علي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا. فقلت: والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي.
فقال: ما تقول؟ فاستخبر القافلة فشهدوا بأسرهم. فقال: قد أطلقت كل ما أخذوا من القافلة خلالة فما فوقها كرامة لك، فرجع إلينا جميع ما كان معنا ثم بدر بنا إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة. ثم ذكر الأبيات واسقط منها ما لا يجب ذكره في ايمنه وصرح بأنه يورد منها ما يناسب غرضه.
مناظرة ابن عباس مع ابن الزبير في الشرف
نقل: الشيخ عز الدين ابن أبي الحديد في كتاب شرح نهج البلاغة قال:
تزوج عبد الله بن الزبير ابنة منصور بن ريان الفزارية فلما دخل بها قال لها تلك الليلة: أتدرين من معك في حجلتك؟ قالت: نعم عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى. قال: ليس غير هذا؟ قالت: فما الذي تريد؟ قال:
معك من أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد لا بمنزلة العينين من الرأس.
قالت: أما والله لو أن بعض بني عبد مناف حضرك لقال خلاف قولك، فغضب وقال: الطعام والشراب علي حرام حتى أحضرك الهاشميين وغيرهم من بني عبد مناف فلا يستطيعون لذلك انكارا. قالت: ان اطعتني لا تفعل وأنت أعلم وشأنك.
فخرج إلى المسجد فرأى حلقة فيها قوم من قريش منهم عبد الله بن العباس وعبد الله بن الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف فقال لهم الزبير:
أحب أن تنطلقوا معي إلى منزلي، فقام القوم بأجمعهم حتى وقفوا على باب بيته فقال ابن الزبير: يا هذه اطرحي عليك سترك، فلما أخذ القوم مجالسهم دعا بالمائدة فتغدى القوم فلما فرغوا قال لهم: إنما جئتكم لحديث ردته عليّ صاحبة الستر وزعمت انه لو كان بعض بني عبد مناف لما أقر لي بما قلت وقد حضرتم جميعا وأنت يا بن عباس ما تقول: إني أخبرتها أن معها في خدرها من اصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد لا بمنزلة العينين من الرأس فردت عليّ مقالتي؟
فقال ابن عباس: أراك قصدت قصدي فإن شئت أن أقول قلت وإن شئت أن أكفف كففت؟ قال: بلى. قال: وما عسى أن تقول السبب تعلم أني ابن الزبير حواري
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وإن أمي اسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين وأن عمتي خديجة سيدة نساء العالمين وأن صفية عمة رسول الله جدتي وأن عائشة أم المؤمنين خالتي، فهل تستطيع لهذا إنكارا؟ قال ابن عباس: لقد ذكرت شرفا شريفا وفخرا فاخرا غير انك تفاخر من بفخره فخرت وبفضله سموت. قال: وكيف ذلك؟ قال:(3/303)
فقال ابن عباس: أراك قصدت قصدي فإن شئت أن أقول قلت وإن شئت أن أكفف كففت؟ قال: بلى. قال: وما عسى أن تقول السبب تعلم أني ابن الزبير حواري
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وإن أمي اسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين وأن عمتي خديجة سيدة نساء العالمين وأن صفية عمة رسول الله جدتي وأن عائشة أم المؤمنين خالتي، فهل تستطيع لهذا إنكارا؟ قال ابن عباس: لقد ذكرت شرفا شريفا وفخرا فاخرا غير انك تفاخر من بفخره فخرت وبفضله سموت. قال: وكيف ذلك؟ قال:
لأنك لم تذكر مفخرا إلا برسول الله وأنا أولى بالفخر منك. قال ابن الزبير: لو شئت لفخرت عليك بما قبل النبوة.
قال ابن عباس: لقد أنصف القارة (القارة قبيلة) من راماها، نشدتكم بالله أيها الحاضرون أعبد المطلب أشرف أم خويلد؟ قالوا: عبد المطلب. قال: أفهاشم كان أشرف أم أسد؟ قالوا: بل هاشم. قال: أفعبد مناف أشرف أم عبد العزى؟ قالوا:
عبد مناف. قال: ابن عباس؟.
تنافرني يابن الزبير وقد قضى ... عليك رسول الله لا قول هازل
ولو غيرنا ابن الزبير فخرته ... ولكنني ساميت شمس الصائل
قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بالفضل في قوله: «ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما» فقد فارقناك من بعد قصي بن كلاب افنحن في فرقة الخير أم لا؟ ان قلت: نعم خصمت وإن قلت لا كفرت، فضحك بعض القوم فقال ابن الزبير: أما والله لا نحرمك بطعامنا يابن عباس لا عرقت جبينك قبل أن تقوم من مجلسك.
قال ابن عباس: ولم أبباطل فالباطل لا يغلب الحق أم بحق فالحق لا يخشى من الباطل.
فقالت المرأة من وراء الستر: إني والله قد نهيته عن هذا المجلس فأبى إلا ما ترون فقال ابن عباس: مه أيتها المرأة إقنعي ببعلك فما أعظم الخطر وما أكرم الخير فأخذ القوم بيد ابن عباس وكان قد عمي فقالوا: إنهض أيها الرجل فقد أفحمته غير مرة، فنهض وقال:
ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا ... فلو ترك القطا لغفا وناما
فقال ابن الزبير: يا صاحب القطا أقبل علي كنت لتدعني حتى أقول لقد عرف الأقوام إني سابق غير مسبوق وابن حواري وصديق منتحيح في الشرف الأنيق من طليق وابن طليق. فقال ابن عباس: دست بجرأتك فلم تبق شيئا هذا الكلام مردود من أمر حسود، فإن كنت سابقا فإلى من سبقت وإن كنت فاخرا فبمن فخرت فإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون اسرتنا فالفخر لك علينا وإن كنت
أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك والكثكث في فمك ويدك، فأما ما ذكرت من الطليق فو الله لقد ابتلى فصبر وأنعم فشكر وإن كان والله لوفيا كريما غير ناقض بيعة بعد توكيدها ولا مسلم كتيبة بعد التآمر. فقال ابن الزبير: أتعير الزبير بالجبن والله إنك لتعلم منه خلاف ذلك. قال ابن عباس: والله إني لأعلم انه فر وما كر وحارب وما صبر وبايع وما تمم وقطع الرحم وأنكر الفضل ورام ما ليس له بأهل:(3/304)
ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا ... فلو ترك القطا لغفا وناما
فقال ابن الزبير: يا صاحب القطا أقبل علي كنت لتدعني حتى أقول لقد عرف الأقوام إني سابق غير مسبوق وابن حواري وصديق منتحيح في الشرف الأنيق من طليق وابن طليق. فقال ابن عباس: دست بجرأتك فلم تبق شيئا هذا الكلام مردود من أمر حسود، فإن كنت سابقا فإلى من سبقت وإن كنت فاخرا فبمن فخرت فإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون اسرتنا فالفخر لك علينا وإن كنت
أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك والكثكث في فمك ويدك، فأما ما ذكرت من الطليق فو الله لقد ابتلى فصبر وأنعم فشكر وإن كان والله لوفيا كريما غير ناقض بيعة بعد توكيدها ولا مسلم كتيبة بعد التآمر. فقال ابن الزبير: أتعير الزبير بالجبن والله إنك لتعلم منه خلاف ذلك. قال ابن عباس: والله إني لأعلم انه فر وما كر وحارب وما صبر وبايع وما تمم وقطع الرحم وأنكر الفضل ورام ما ليس له بأهل:
وأدرك منها بعض ما كان يرتجى ... وقصر عن جري الكلام وتلدا
وما كان إلا كالهجين امامه ... عباق فجاراه العناق فاجهدا
فقال بن الزبير: ولو لم يبق يا بني هاشم غير الشناعة والمضارعة. فقال عبد الله ابن الحصين بن الحرث: أقمنا عنك يا بن الزبير وتأبي إلا منازعته والله لو نازعته من ساعتك هذه إلى انقضاء عمرك ما كنت إلا كالسغب الظمآن يفتح فاه يستزيد من الريح فلا يشبع من سغب ولا يروى من عطش فقل إن شئت أو فدع وانصرف القوم.
نقل: عن السيد رضي الدين ابن طاووس عطر الله مرقده إنه نقل من الجزء الثاني من كتاب الزيارات لمحمد بن أحمد بن داود القمي «رض» أن أبا حمزة الثمالي قال للصادق عليه السّلام: إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين عليه السّلام يستشفون به فهل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء؟ قال:
يستشفي ما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال، وكذلك قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وكذلك قبر الحسين وعلي منها فإنها شفاء من كل سقم وجنة مما يخاف، ثم أمر بتعظيمها وأخذها باليقين بالبراءة وختمها إذا أخذت.
شراء الحسين عليه السّلام نواحي قبره
وفي الكتاب المذكور: روي أن الحسين عليه السّلام شرى النواحي التي القي قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم وتصدق بها عليهم وشرط أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام، وقال «رض»: حرم الحسين الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال فهو حلال لولده ومواليه وحرام على غيرهم ممن مخالفهم وفيه البركة.
وذكر السيد الجليل رضي الدين بن طاووس إنما صارت حلالا بعد الصدقة لأنهم لم يفوا بالشرط قال: وقد روى محمد بن داود عدم وفائهم بالشرط في باب نوادر الزيارات.(3/305)
أقول: ويعضد ما ذكر هنا من هذه الروايات ما صرح به الشيخ فخر الدين ابن طريح في كتاب مجمع البحرين في مادة حرم قال: وعن الصادق عليه السّلام حرم الحسين الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال، فهو حلال لولده ومواليه على غيرهم ممن خالفهم وفيه البركة. وما ذكره السيد المحدث السيد نعمة الله الجزائري قدس الله سره في كتاب زهر الربيع قال: ان السيد ابن طاووس روى عن أبي حمزة الثمالي: ثم ساق الخير المتقدم ثم قال: وروي أن الحسين عليه السّلام اشترى النواحي ثم ساق الخبر المتقدم إلى آخره ثم قال: وذكر السيد ابن طاووس إنها إنما صارت حلالا إلى آخر ما تقدم، وهو دليل على وقوفه على الأخبار المذكورة من الأماكن المعتمد عليها.
قال السيد نعمة الله الجزائري: في مقدمة شرحه على كتاب غوالي اللآلي بعد ذكر جملة من طرقه: ولنا طريق غريب قصير حدثني واجازني به السيد الثقة السعيد هاشم بن الحسين الأحسائي في دار العلم شيراز في المدرسة المقابلة للبقعة المباركة مير السيد محمد عابد عليه الرحمة والرضوان في حجرة من الطبقة الثانية على يمين الداخل قال: حكى لي أستاذي الثقة المعدل الشيخ محمد الحرفوشي «ره» قال: لما كنت بالشام عمدت يوما إلى مسجد مشهور بعيد من العمران فرأيت شيخا أزهر الوجه عليه ثياب بيض وهيئة جميلة، فتجارينا في الحديث وفنون العلم فرأيته فوق ما يصفه الواصفون ثم تحققت منه الاسم والنسبة ثم بعد جهد طويل قال: أنا معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين عليه السّلام وحضرت معه حروب صفين وهذه الشجة في وجهي من رمحة فرسه سلام الله عليه. ثم ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحققت معه صدقه في كلما قال: ثم استخبرته كتب الأخبار فأجازني عن أمير المؤمنين عليه السّلام وعد جميع أئمتنا حتى انتهى في الإجازة إلى صاحب الدار وكذلك أجازني كتب العربية عن مصنفيها كالشيخ عبد القاهر والسكاكي وسعد الدين التفتازاني وكتب النحو عن أهلها وكذلك العلوم المتعارفة.
مسائل متفرقة منقولة عن المفيد
وجدت بخط الفضلاء ما هذه صورته: ها هنا فائدة جليلة نقلتها من خط شيخنا الشهيد الأول.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الواحد المعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين. هذه فوائد جليلة ملتقطة من كتاب المسائل تأليف الشيخ
الإمام مقتدي الطائفة حجة الاسلام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد الحارثي لا زالت سحائب الرضوان ترادف على تربته الزكية بمحمد وآله خير البرية.(3/306)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الواحد المعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين. هذه فوائد جليلة ملتقطة من كتاب المسائل تأليف الشيخ
الإمام مقتدي الطائفة حجة الاسلام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد الحارثي لا زالت سحائب الرضوان ترادف على تربته الزكية بمحمد وآله خير البرية.
مسألة: إمرأة لها بعل شرعي وطأها رجل كامل العقل من غير حرج عليها والبعل كان كذلك طبعا والواطي آمن به شرعا (الجواب) هذه امرأة نعى إليها زوجها وحكم بموته فاعتدت وتزوجت رجلا فبلغ ذلك الأمر زوجها فكرهه بالطبع مع موافقته للشرع.
مسألة: رجل أقبل إلى زوجة رجل فقال لها: أنت طالق والحال أن زوج المرأة كان لذلك أشد الكراهة مظهرا لتلك الكراهة بمحضر جميع من المسلمين لم تنفعه كراهته وفرق الحاكم بينهما ووطأها ذلك المطلق حلالا بعد ساعة. (الجواب) هذا المطلق كان وكيلا في الطلاق وزوج المرأة غائب فعزله عن الوكالة وأشهد على ذلك جماعة، ثم إنه أرسل يعلمه بالعزل فلم يدركه حتى طلق وكانت المرأة غير مدخول بها أو آيسة.
مسألة: إمرأة اطاعت ربها طاعة واجبة ففارقت بتلك الطاعة زوجها (الجواب) هذه مشركة تحت مشرك فأسلمت.
مسألة: إمرأة عصت ربها ففارقت بتلك المعصية زوجها (الجواب) هذه مسلمة تحت مسلم فارتدت.
مسألة: رجلان يمشيان في طريق فسقط على احدهما جدار فقتله فحرمت على الآخر زوجته بذلك. (الجواب) هذا رجل زوج ابنته عبده وخرجا يمشيان فسقط الجدار على السيد فصار العبد بذلك ميراثا للبنت فحرمت عليه.
مسألة: رجل غاب عن زوجته الدائمة ثلاثة أيام فأرسلت إليه الزوجة قد تزوجت بعدك وأنا محتاجة فأرسل إليّ نفقة تنفقها على نفسي وزوجي، فوجب على الزوج ذلك ولم يكن على المرأة شيء. (الجواب) هذا رجل زوج بنته من عبده وأرسله في تجارة ثم مات السيد والزوجة المذكورة آيسة أو غير مدخول بها.
مسألة: إمرأة طلقها زوجها فاعتدت أياما وبقي عليها من العدة يوما واحدا فعمد رجل إلى طاعة ففعلها فوجب عليها عند فعل الطاعة المذكورة من العدة ما كان وجب عليها قبل فعل الطاعة المذكورة. (الجواب) هذه إمرأة طلقت فحاضت حيضتين في شهر وقبل طهرها من الحيضة الثانية بيوم اعتقت فوجب عليها عدة
الحرة ثلاثة أقرؤ ولم تستوف ذلك حتى يمضي من الزمان بمقدار ما مضى قبل العتق.(3/307)
مسألة: إمرأة طلقها زوجها فاعتدت أياما وبقي عليها من العدة يوما واحدا فعمد رجل إلى طاعة ففعلها فوجب عليها عند فعل الطاعة المذكورة من العدة ما كان وجب عليها قبل فعل الطاعة المذكورة. (الجواب) هذه إمرأة طلقت فحاضت حيضتين في شهر وقبل طهرها من الحيضة الثانية بيوم اعتقت فوجب عليها عدة
الحرة ثلاثة أقرؤ ولم تستوف ذلك حتى يمضي من الزمان بمقدار ما مضى قبل العتق.
مسألة: رجل تزوج امرأة على مهر غير مكيل ولا موزون ولا ممسوح ولا جسم ولا جوهر. (الجواب) المهر المذكور تعليم سورة من القرآن العزيز.
مسألة: إمرأة أجنبية قالت لرجل قولا فحلت له بمجرد ذلك القول.
(الجواب) هذه المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم.
مسألة: رجل تزوج امرأة على ألف درهم ثم طلقها فوجب له عليها ألف وخمسمئة درهم. (الجواب) هذه امرأة قبضت من الزوج مهرها وهو ألف درهم فتصدقت عليه به ثم طلقها قبل الدخول.
مسألة: إمرأة ظاهرها زوجها فلما ابتدأت بالكفارة وجب عليها مثلما وجب عليه. (الجواب) هذه امرأة نذرت مثل كفارة زوجها أن ابتدأ زوجها في الكفارة.
مسألة: إمرأة عدتها لحظة. (الجواب) هذه امرأة حامل ولدت بعد طلاقها.
مسألة: رجل ملك جارية منفردا ووطئها حرم عليه حتى تنكح زوجا غيره. (الجواب) هذا الرجل كان قد تزوج هذه الجارية فطلقها ثلاثا ثم اشتراها من سيدها.
مسألة: رجل فعل معصية فوجب عليه ذبح بقرة واحراقها. (الجواب) هذا الرجل وطأ هذه البقرة.
مسألة: إمرأة ولدت على فراش زوجها فلحق نسبه بأجنبي لم تشاهده هذه المرأة أصلا ولم يلمسها. (الجواب) هذه امرأة بكر وقعت عليها ثيب في حال قيامها من جماع زوجها فتحولت إلى رحم البكر فحملت ومضى على ذلك تسعة أشهر وتزوجت وولدت على فراش زوجها ولدا فأنكره الزوج وقررها على ذلك فأقرت بذلك أنها الفاعلة أيضا.
مسألة: أخوان لأب وأم وورثا ميراثا فكان لأحدهما ثلاثة أرباع المال وللآخر الربع. (الجواب) هذه المرأة تركت ابني عمها أحدهما زوجها فورث النصف بالزوجية ونصف الباقي مع أخيه.
مسألة: رجل وابنه ورثا مالا فكان بينهما نصفين. (الجواب) هذا رجل تزوج بابنة عمه فماتت وخلفته وأباه الذي هو عمها فكان لزوجها النصف بالزوجية والنصف الآخر لعمها الذي هو أبو زوجها.(3/308)
مسألة: رجل خلف زوجة وأخاه لأبيه وأمه والأخ المذكور مسلم حر غير قائل فأخذت الزوجة حصتها من الإرث وأخذ الباقي أخو الزوجة المذكور ولم يرث أخوه شيئا منها. (الجواب) هذا رجل تزوج امرأة وزوج ابنه أمها فولدت من ابنها ذكرا ثم مات ابنه فورثه الولد المذكور ثم مات الرجل المذكور وخلف أخا لأمه وأبيه فكانت تركته بين زوجته وأخيها من أمها لأنه ابن ابنه وولد الولد أولى من الأخ. ثم قال الشهيد الأول: وهذا آخر ما أوردته من كتاب المسائل للشيخ المفيد إنتهى.
في ترجمة اسكندر ذي القرنين
فائدة: قال الفاضل المتقدم ذكره: الذي ظهر لي من تتبع كتب التفاسير والتواريخ أن ذا القرنين الأكبر المسمى (اسكندر) المذكور في القرآن في سورة الكهف هو ملك وعبد صالح حميري من أولاد سبأ ين يعرب بن قحطان الحميري وان ملكه بلغ المشارق والمغارب من الأرض كلها وملك الأقاليم كلها وقهر أهلها من الملوك وغيرهم ودانت له البلاد وكان داعيا إلى الله تعالى وما كان نبيا بل عبدا صالحا سائرا في الخلق بالعدالة التامة، وكان الخضر عليه السّلام على مقدمة جيشه بمنزلة المستشار وهو الذي افتخر به الملك العظيم تبع الحميري فقال:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ... ملكا علا في الأرض غير مفند
بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد
وهذا الاسكندر المشار إليه كان معاصرا لإبراهيم الخليل عليه السّلام وقد أسلم على يديه وطاف معه ومع اسماعيل بالكعبة.
وروي أنه حج ماشيا فلما سمع إبراهيم بقدومه تلقاه فدعى له وأوصاه بوصايا وقيل عنده أنه أتى بفرس ليركب فقال: لا أركب في بلد فيه الخليل، فعند ذلك سخر الله له السحاب وطوى له الأسباب وبشره إبراهيم عليه السّلام بذلك فكانت السحابة تحمله وجميع عساكره.
وأما ذو القرنين الاسكندر الثاني فهو رومي كافر متأخر عن الأول بأكثر من ألفي سنة وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف، وهذا هو الصحيح وبعض الناس يعتقد انهما واحد وبعضهم يعتقد أن المذكور في القرآن هو الثاني لا الأول والصحيح ما حررته من الأماكن المعتمدة إنتهى.(3/309)
أقول: ويدل على ما ذكره من كون الإسكندر الأول في زمن الخليل عليه السّلام ما رواه الشيخ «ره» في الأمالي بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد ابن علي عليه السّلام قال: أول اثنين تصافحا على وجه الأرض ذو القرنين وإبراهيم الخليل عليه السّلام استقبله إبراهيم فصافحه.
وما رواه الراوندي في كتاب قصص الأنبياء عن محمد بن خالد عمن ذكره عن أبي جعفر عليه السّلام قال: حج ذو القرنين في ستمئة ألف فارس، فلما دخل الحرم شيعه بعض اصحابه إلى البيت فلما انصرف قال: رأيت رجلا ما رأيت أكثر نورا ووجها منه قالوا: ذاك إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام قال: اسرجوا، فأسرجوا ستمئة ألف دابة في مقدار ما تسرج دابة واحدة ثم قال ذو القرنين: لا بل نمشي إلى خليل الرحمن، فمشى ومشى معه أصحابه النقباء. قال إبراهيم عليه السّلام: بم قطعت الدهر؟ قال بإحدى عشرة كلمة: «سبحان من هو باق لا يفنى سبحان من هو عالم لا ينسى سبحان من هو حافظ لا يسقط سبحان من هو بصير لا يرتاب سبحان من هو قيوم لا ينام سبحان من هو ملك لا يرام سبحان من هو عزيز لا يضام سبحان من هو محتجب لا يرى سبحان من هو واسع لا يتكلف سبحان من هو قائم لا يلهو سبحان من هو دائم لا يسهو».
لله در القائل:
ترى الفتى ينكر فضل الفتى ... ما دام حيا فإذا ما ذهب
لج به الحرص على نكتة ... يكتبها عنه بماء الذهب
وجدت: بخط شيخنا العلامة أبي الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قدس سره على كتابه النهاية ما صورته بخط كاتب الأصل المعارض به هذا الكتاب المقروء على المحقق الحلي طاب ثراه، وهو الشيخ فضل بن جعفر بن فضل بن أبي قائد البحراني وتاريخ كتابة الأصل المذكور سنة 643مما وجدت بخط الشيخ الإمام كمال الدين أبي جعفر أحمد بن علي بن سعيد بن سعادة البحراني، وهو مما وجده بخط الشيخ الإمام ناصر الدين أبي إبراهيم راشد بن اسحاق بن محمد البحراني على أول كتاب النهاية الذي له تغمده الله برحمته واسكنه بحبوحة جنته ما هذه حكايته:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين جميع ما وجد من مسائل الخلاف التي أملاها السيد المرتضى (رض)
ثلاث وثلاثون سنة وهي من أول كتاب الطهارة إلى باب التيمم وهذا أثبتها على طريق الإجمال والله الموفق.(3/310)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين جميع ما وجد من مسائل الخلاف التي أملاها السيد المرتضى (رض)
ثلاث وثلاثون سنة وهي من أول كتاب الطهارة إلى باب التيمم وهذا أثبتها على طريق الإجمال والله الموفق.
(مسألة) في استقبال القبلة في البول والغائط. عندنا إنه لا يجوز أن يستقبل القبلة ببول ولا غائط ولا يستدبرها ولا فرق في ذلك بين الصحاري والبنيان.
(مسألة) في حكم الإستنجاء. عندنا واجب ولا يجوز تركه لم تجز صلاته ويستعمل الأحجار في ما لم يتعد المخرج وينتشر فإذا انتشر فلا بد من الماء.
(للبهق) رماد الثوم مع العسل يطلى به.
لوجع الضرس: قال في القاموس: الخردل مسحوقه على الضرس يوضع عليه.
انشاء لطيف
قد استفز بي داعي الأفراح للتنزه في بعض البطاح، ودعاني روحاني الطرائق للتفكه في بعض الحدائق، فاخترت المرفقة إخوانا ترقرقت أمواه آدابهم وسطعت في سماء المجد شموس أحسابهم، لهم غرائر شيم هي غرة دهم الليالي وذراري حكم لم ترضع غير ذي المعالي وطولى أيد لم تمد إلا بموائد المنثور والمنظوم ومحجبات صفات تتجل إلا العلوم فتسنمنا صهوات سبق جياد الأفراح وأجرينا في حلبات مزيد الإنشراح وسرنا بين حدائق محضرات بثمر فنون الآداب وجنات مخصبات مفتحات الأبواب وجد أول فصاحة تتدفق يمينا وشمالا وساقي كؤوس البلاغة مشتمرا أذيالا.
ولما ثنينا للصفا أعنة ... وبدر الهنا من مشرق البشر لائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطى الأباطح
فأسكر كل واحد منا صاحبه برحيق كأس أدارتها بنان البنان وعطر كل منامشا صحبه بأريج لذاذة تخجل الأزهار في الأغصان، وأزفت علينا أبكار أفكار استجلاها ودادي وودادهم وتوقد لدينا مجامر نفائس استقدحها زنادي وزنادهم حتى انخنا ركائب الآمال بمختار روضة مياسة الأغصان وجاري نهر أعذب وأطرب من رحيق سلاف الدنان.
كان النهر سيف مشرقي ... له في كف صيقله اضطراب
تجرده يمين الشمس طورا ... وطورا بالضلال له قراب
ففرش لأولئك الأفضاب بساط سندس الصلاح وفاح أقاح الفلاح من مهيب نسيم الأفراح، وأشرقت بنور ربها واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج وتأرجت الأرجاء بنشر طيب وطي نعالهم وعبقر فتيق سحيق كل أريح.(3/311)
كان النهر سيف مشرقي ... له في كف صيقله اضطراب
تجرده يمين الشمس طورا ... وطورا بالضلال له قراب
ففرش لأولئك الأفضاب بساط سندس الصلاح وفاح أقاح الفلاح من مهيب نسيم الأفراح، وأشرقت بنور ربها واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج وتأرجت الأرجاء بنشر طيب وطي نعالهم وعبقر فتيق سحيق كل أريح.
ولوردي منهل الوادي الذي وردوا ... من واردي مائه لاهتزه الطرب
فأقمنا نتعاطى من البديع فنونا ونتجاذب أذيال الحديث جدا ومجونا ونتصارع إلى براز جنابا المعالي والمعارف ونتسابق إلى التقاط جواهر اللطائف، ونسرح في رياض أنسه وميسره ونسحب أذيال رفعة على هام المجرة تهزأ بعذبات البشام مائسات قلامنا وتخفق بنسيم التفاكه شامخات أعلامنا، فلم تبق في زوايا المحاضرات محجبة إلا وأبرزناها ولا قناة إلا وهززناها ولا درة كمال إلا واحرزناها، تتلاعب أفكارنا بأبكار المعاني وصوالج البيان وتترامى قرائحنا بزواهر جواهر حلال سحر يخجل اللؤلؤ والمرجان، إلى أن دارت ضمن الأدب وخامرتنا سنة الهنا والطرب استحوذ على أولئك الأعلام استحواذا وتسالموا يمنة ويسرة لواذا وصيروا ذلك الجمع فرادا وتركوني أقاسي ألما ووجدا واشبهوا حالي بحال يوسف الصديق وتمثلت بهذا الشعر الأنيق:
وأخوان صحبتهم لأمر ... تميل له الأفئدة والطباع
وتنشرح الصدور به وتهوي ... لذاذته المحاير واليراع
فسرنا والسرور لنا رفيق ... وغيم النائبات لها انقشاع
فلما أن لوينا الزند منا ... على جيد الأماني لي أراع
وولوا شاردين وخلفوني ... وحيدا في الفلات ولم يراعوا
فصرت كيوسف الصديق أدعو ... أضاعوني وأي فتى أضاعوا
وجهته تلقاء مدين قطب دائرة أولئك الأقطاب وأوردته لجة بحر كمال قد عذب ماؤه وطاب، بليغ قد ارتقى من سماوات البلاغة سبعا طباقا واحتشى من تسنيم الفصاحة كأسا دهاقا وجلى على مخاطبيه من عرائس الأجوبة كواعب وأترابا وغرس في جنان الطروس لمكاتبيه حدائق وأعنابا، فكأن اسطره غصون حديقة ومن القوافي فوقهن حمام، فهو في حلل المرسلات طرازها المذهب وفي المكاتبات اسد لا يذكر عنده ثعلب، أما ترى عود براعته من الطرب يختال في غلائله وغصن براعته من العجب يميس في شمائله، فرع دوحة هاشمية نشت في قرار المجد
والعلا وغصن لنبة حيدرة جاوزت هام السهى الصفي الوفي البهي العلي أخي وخليلي سمي جده الحسين بن علي، وكنت فيما تهجمته من على جناب وتقحمته من رفيع أعتابه كمثير الأسود من آجامها ومعترض الفرسان عند صدامها، غير أنه أدام الله أيام وجوده وأنار في رابعة الاقبال شموس سعوده نظر إلى ما قلته بعين الإنصاف وأنزل ما إليه بعثنه منزلة الأضياف وأفرغ عليه من ألطافه حلل التعجيز والتصدير وأجلسه من التذييل على رفع سرير، فقال:(3/312)
وأخوان صحبتهم لأمر ... تميل له الأفئدة والطباع
وتنشرح الصدور به وتهوي ... لذاذته المحاير واليراع
فسرنا والسرور لنا رفيق ... وغيم النائبات لها انقشاع
فلما أن لوينا الزند منا ... على جيد الأماني لي أراع
وولوا شاردين وخلفوني ... وحيدا في الفلات ولم يراعوا
فصرت كيوسف الصديق أدعو ... أضاعوني وأي فتى أضاعوا
وجهته تلقاء مدين قطب دائرة أولئك الأقطاب وأوردته لجة بحر كمال قد عذب ماؤه وطاب، بليغ قد ارتقى من سماوات البلاغة سبعا طباقا واحتشى من تسنيم الفصاحة كأسا دهاقا وجلى على مخاطبيه من عرائس الأجوبة كواعب وأترابا وغرس في جنان الطروس لمكاتبيه حدائق وأعنابا، فكأن اسطره غصون حديقة ومن القوافي فوقهن حمام، فهو في حلل المرسلات طرازها المذهب وفي المكاتبات اسد لا يذكر عنده ثعلب، أما ترى عود براعته من الطرب يختال في غلائله وغصن براعته من العجب يميس في شمائله، فرع دوحة هاشمية نشت في قرار المجد
والعلا وغصن لنبة حيدرة جاوزت هام السهى الصفي الوفي البهي العلي أخي وخليلي سمي جده الحسين بن علي، وكنت فيما تهجمته من على جناب وتقحمته من رفيع أعتابه كمثير الأسود من آجامها ومعترض الفرسان عند صدامها، غير أنه أدام الله أيام وجوده وأنار في رابعة الاقبال شموس سعوده نظر إلى ما قلته بعين الإنصاف وأنزل ما إليه بعثنه منزلة الأضياف وأفرغ عليه من ألطافه حلل التعجيز والتصدير وأجلسه من التذييل على رفع سرير، فقال:
وأخوان صحبتهم لأمر ... يطيب به لدينا الاجتماع
لهم في كل جارحة كمال ... لطافته النوادي والبقاع
وتنشرح الصدور به وتهوى ... لطافته النوادي والبقاع
وإن أبدوا بديع القول ودت ... لذادته المحابر واليراع
فسرنا والسرور لنا رفيق ... وجند الهم جد به اندفاع
ومنا الشمل كان له انتظام ... وغيم النائبات لها انقشاع
فلما أن لوينا الزند منا ... باعناق التفاكه ما استطاعوا
ولما أن أمنت بهم وزندي ... على جيد الأماني لي أراع
وولوا شاردين وخلفوني ... وقبل سلامهم حق الوداع
وما رقبوا الذمام وفارقوني ... وحيدا في الفلات ولم يراعوا
فصرت كيوسف الصديق أدعو ... هل الأيام بعد لها ارتجاع
على القوم العفا يا ويحهم قل ... أضاعوني وأي فتى أضاعوا
لمثل هذا فليعمل العاملون وعلى هذا الطراز فليتنافس المتنافسون، لا غرو ان الرفقة التي اتفقت بعدها الفرقة ليست من فعل أهل الآداب بل من أفعال الأعراب البوالين على الأعقاب، فلا جرم نبهتمونا من سنة الغفلة وعاجلتمونا بلطيف أدبكم بلا مهلة، فلذلك لم نجد لنا في الجواب عذرا وألبسناه خلعة حمراء وأمددنا جيش عتابكم تأبيدا وزدنا معانيه تأسيسا وتأكيدا ومزجناه تشجيرا وتوريدا لعل نسيم القبول يبلغه إلى محل القبول والعذر إليكم والسلام عليكم.
وحين أن جست خلال ديار هذه العجائب وتخللت زوايا مقاصير قصور هذه الغرائب وتفيأت ظلال أرائك هذه السطور ورشقت رحيق السلاف ما بها منظوم ومنثور نظمت ما نظمه في سمط نظام قواعد التأسيس ونحت ما صدره وعجزه كرسيا عرائس التخميس واطلعت له في سماء الانسجام بدرا ساطعا وبنيت له في قرار ألانتظام قصرا واسعا ونثرت بحافاته غوالي اللآلي وصفدت بغرفاته من الدرر
الغوالي، وألبست تلك الفوائد تيجان مرصعة بجواهر الأفكار وجلوتها في منصات الكواعب نزهة للبصائر والأبصار، فأتتك فتانة بجمالها مخاطبة بلسان حالها:(3/313)
وحين أن جست خلال ديار هذه العجائب وتخللت زوايا مقاصير قصور هذه الغرائب وتفيأت ظلال أرائك هذه السطور ورشقت رحيق السلاف ما بها منظوم ومنثور نظمت ما نظمه في سمط نظام قواعد التأسيس ونحت ما صدره وعجزه كرسيا عرائس التخميس واطلعت له في سماء الانسجام بدرا ساطعا وبنيت له في قرار ألانتظام قصرا واسعا ونثرت بحافاته غوالي اللآلي وصفدت بغرفاته من الدرر
الغوالي، وألبست تلك الفوائد تيجان مرصعة بجواهر الأفكار وجلوتها في منصات الكواعب نزهة للبصائر والأبصار، فأتتك فتانة بجمالها مخاطبة بلسان حالها:
ركبت ضحى نهار ظهر مهر ... ليانع روضه وصفاء نهر
بطيب في مسراة ويسر ... وأخوان صحبتهم لأمر
يطيب به لدنيا الاجتماع
لهم في كل معراج اجلال ... وفي هالات افضال مجال
ومن حسن الصفات لهم خصال ... لهم في كل جارحة كمال
تميل له الأفئدة والطباع
لهم في كل معظلة وبلوى ... عواطف مذهبات كل شكوى
وإحسان به اللزبات تطوى ... وتنشرح الصدور به وتهوى
لطافته النوادي والبقاع
لهم همم حقوق الفضل أدت ... وراحات بهام الجود مدت
ونعماء لاخوان أعدت ... وإن أبدوا بديع القول ودت
لذاذته المحابر واليراع
شمائلهم لها طرز أنيق ... وحسناهم لها نوع رشيق
صحبتهم لكي نطوي طريق ... فسرنا والسرور لنا رفيق
وجندا لهم جد به اندفاع
فطبنا ثم طاب لنا التئام ... وتم الدست وانخصم الكلام
ويوم السوء أعقبه انصرام ... ومنا الشمل كان له انتظام
وغيم النائبات له انقشاع
وبلبل بشرنا طربا تغنى ... وطير همو منا قد غاب عنا
وكل بالهنا منا تهنى ... فلما أن لوينا الزند منا
بأعناق التفاكه ما استطاعوا
وقام محدث الأفراح بيدي ... أحاديث الفخار وطيب هند
ويخبر عن ربي سلع ونجد ... ولما أن أمنت بهم وزندي
على جيد الأماني لي أراعوا
بتفريق به قرحت جفوني ... ومن بعد التهاني قد جفوني
وللآلام بعدهم نفوني ... وولوا شاردين وخلفوني
وقبل سلامهم حق الوداع(3/314)
فهم في فيض عيني أغرقوني ... ومن حمر المدامع عبقر قوني
وفي نار الصبابة أحرقوني ... وما رقبوا الذمام وفارقوني
وحيدا في الضياع ولم يراعوا
فخامر خاطري ألم ولدغ ... ومن تفريطهم بي ضاق ذرع
ولي من بعدهم قد طاب سجع ... فصرت كيوسف الصديق أدع
هل الأيام بعد لها ارتجاع
وما علموا بأني هام فرقد ... ومن نار القرى بالليل أوقد
وفي العلياء لي ممسى ومرقد ... على القوم العفا يا ويحهم قد
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
قد نظرنا لبريد اعذاركم بعيني الرضا والقبول وتلقيناه بر حيب الارتضاء حالتي الوصول والنزول، ورفقنا له من خرائد الأفكار عرائس التخميس وأمطنا عنه وجيز التربيع وملل التسديس ونضدنا جواهر الاخلاص بتيجان معانيه ومزجنا جواهر الاختصاص بمستعذب مبانيه فاستجله فإنه ذنب طاوس النظام ودائرة قوس سحاب الإنسجام وحور مقصورات لم تطمثها قبل ذا يد فكر وخير الختام شريف السلام ورحمة الله وبركاته الكافلات ببلوغ المرام وكتب أخوه الداعي له على ممر الأزمان الشاخوري محمد بن أحمد بن سليمان.
في حديث: وصيته لأبي ذر (رض) يا أبا ذر الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو.
في جلالة شأن زرارة
روى: شيخنا الصدوق (ره) في كتاب إكمال الدين واتمام النعمة بسنده فيه إلى إبراهيم بن محمد الهمداني قال: قلت الرضا عليه السّلام يابن رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك؟ فقال: نعم. قلت: فلم بعث إليه عبيدا ليعرف الخبر إلى من أوصى الصادق عليه السّلام قال: إن زرارة كان يعرف أبي ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليه السّلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه، وإنما لما أبطأ ابنه طولب بإظهار قوله في أبي عليه السّلام فلما لم يجب أن يقدم على ذلك بدون أمره رفع المصحف فقال: اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد عليه السّلام.
وجدت: بخط شيخنا العلامة أبي الحسن قدس الله سره على ظهر كتاب
نهاية الشيخ الطوسي طاب ثراه ما مضمونه من خط المحقق الحلي للشيخ الأجل العالم الفقيه الفاضل أبي الحسين إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البحراني وإن هذا الشيخ قرأ كتاب النهاية على المحقق فأجازه.(3/315)
وجدت: بخط شيخنا العلامة أبي الحسن قدس الله سره على ظهر كتاب
نهاية الشيخ الطوسي طاب ثراه ما مضمونه من خط المحقق الحلي للشيخ الأجل العالم الفقيه الفاضل أبي الحسين إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البحراني وإن هذا الشيخ قرأ كتاب النهاية على المحقق فأجازه.
في روضة الكافي: بسنده عن يونس قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام: لعباد بن كثير البصري الصوفي: ويحك يا عباد غرك رعف بطنك وفرجك.
عدد أولاد أمير المؤمنين
أولاد أمير المؤمنين: الحسن والحسين وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى من فاطمة، ومحمد من خولة بنت أياس بن جعفر من بني حنيفة، وأبو بكر وعبد الله أمهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم، وأما عمرو ورقية فأمهما سبية من بني تغلب يقال لها (الصهباء) سبيت في خلافة أبي بكر، ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وجعفر والعباس وعبد الله وعبد الرحمن أمهم أم البنين بنت خزام ابن خالد من بني كلاب، ورملة وأم الحسن أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، وأم كلثوم وجمانة وميمونة وخديجة وفاطمة وأم الكرام ورقية وأم سلمة وأم أبيها وأمامة لبنات علي عليه السّلام فتولد عنها نساء وأولاد شتى ذكرهم ابن أبي الحديد.
مكارم الأخلاق: للشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي قدس الله سرهما وعن الصادق عليه السّلام قال: اغتم الصادق فقال: من أين أتيت فما أعلم إني جلست على عتبة بابنا ولا شققت بين غنم ولا لبست سراويلي من قيام ولا مسحت وجهي ويدي من ذيلي.
وقع الفراغ من تحرير هذا الكشكول المحتوي على أبلغ اللطائف وأحسن النقول، تأليف العلامة الفهامة من هو للاسلام والايمان أقوى دعامة شيخ الأوائل والأواخر ورب المعالي والمفاخر محرر الفروع والأصول وجامع المعقول والمنقول الشيخ الأمجد الشيخ يوسف بن الشيخ أحمد بن إبراهيم العصفوري رحمه الله تعالى.
توفي جامع هذا الكشكول وناظم هذه النقول الجامع بين المعقول والمنقول قدس الله نفسه ونور رمسه بعد الظهر من يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من سنة 1186السادسة والثمانين بعد المئة والألف من الهجرة المحمدية، ودفن عند رجلي سيدنا الحسين عليه السّلام مما يقرب من الشباك المبوب المقابل لعلي بن الحسين عليه السّلام وكان له قدس الله سره من العمر تسع وسبعون سنة لأنه رحمه الله
صرح في جملة من مسفوراته أن ميلاده سنة 1107ألف ومئة وسبع سنين فأحسب وهذا النقل من كلامه الشريف قدس الله روحه ونور ضريحه وحشره الله مع الأئمة الأبرار الطاهرين.(3/316)
توفي جامع هذا الكشكول وناظم هذه النقول الجامع بين المعقول والمنقول قدس الله نفسه ونور رمسه بعد الظهر من يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من سنة 1186السادسة والثمانين بعد المئة والألف من الهجرة المحمدية، ودفن عند رجلي سيدنا الحسين عليه السّلام مما يقرب من الشباك المبوب المقابل لعلي بن الحسين عليه السّلام وكان له قدس الله سره من العمر تسع وسبعون سنة لأنه رحمه الله
صرح في جملة من مسفوراته أن ميلاده سنة 1107ألف ومئة وسبع سنين فأحسب وهذا النقل من كلامه الشريف قدس الله روحه ونور ضريحه وحشره الله مع الأئمة الأبرار الطاهرين.
في الطفيلي
إن الطفيلي له ميزة ... على الندا ما عند أهل العقول
لأنه أحسن في ظنه ... فزار عنوا وأراح الرسول
ظيائيل شههروش سفيله
يكتب هذا الشكل للمصروع ويوضع في منخره الأيمن وأول ما يكتب الميمات الأربع ثم التاءين ثم النونات الخمس ثم الخمس الياءات.
القصيدة الأزرية
القصيدة: للشيخ محمد كاظم الأزري رحمه الله تعالى في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام: بسم الله الرحمن الرحيم. أفضل الصلاة والسلام.
لمن الشمس في قباب قباها ... شف جسم الدجى بروح ضياها
ولمن هذه المطي تهادى ... حي أحيائها وحي سراها
يعملات تقل كل عزيز ... قد حوته شمس السنا وحواها
أهل نجد راعوا ذمام محب ... حسب الحب روضة فرعاها
كم شجتني ذات الجناح سحيرا ... حين طار الهوى بها فشجاها
ذكرتني وما نسيت عهودا ... لو سلا المرء نفسه ما سلاها
نبهت عني الصبابة والوجد ... وإن كان لم ينم جفناها
فتنبهت للتي هي أشقى ... والهوى للقلوب أقضى شفاها
يا خليلي كل باكية لم ... تبك إلا لعلة مقلتاها
لا تلوموا الورقا في ذلك الوجد ... لعل الذي رماني رماها
خلياها وشأنها في التصابي ... فعساها تبل وجدا عساها(3/317)
كان عهدي بها قريرة عين ... فاسألاها بالله مم بكاها
ليت شعري هل للحمامة نوحي ... أم لديها لواعجي حاشاها
لو حوت ما حويته ما تعنت ... سل عن النار جسم من عاناها
حي أوطاننا بوادي المصلى ... فهي أوطان نشوة نلناها
حيث صحف العزام تتلى وما ... أدراك ما لفظها وما معناها
كم لأهل الهوى بها وقفات ... أوقفتها على بلوغ مناها
حبذا وقفة بتلك الثنايا ... صح حج الهوى بوادي صفاها
أين ما مر من سحائب وصل ... سار سر الهوى فمراها
أين ما اسلف الصبا من سلاف ... تصقل الدهر نسمة من شذاها
أين أيام رامة لأعداها ... مدمع العاشقين بل حياها
دهر لهو كأننا ما لبثنا ... فيه إلا عشية أو ضحاها
ما لنا والنوى كفى الله منها ... أي نكر اتت به كفاها
حيث بتنا سوى المعاني وماذا ... أنكر الدهر من يد أسداها
يا أخلاي لو رعيتم قلوبا ... جد جد النوى بها فابتلاها
أنصفوها من يوم جور عناكم ... حسب تلك الأكبار جور جواها
عمرك الله هل تنشقت عرفا ... من دمي الجي أو وردت لماها
أو لمحت القباب أو شمت منها ... تلكم الومضة التي شمناها
خبرينا يا سر الواد عنهم ... أين ألقت تلك الضعون عصاها
عودونا على الجميل كما كنتم ... فقد عاود القلوب أساها
قربونا منكم تشفى صدور ... جعل الله في الشقاء شفاها
وعدونا بالوصول فالهجر عار ... كيف تحسن الكرام جفاها
يا لقومي ما دون رامة ثاري ... فاسألوا عن دمي المراق دماها
إن حتف الورى بعين مهات ... لا تخال الحمام إلا أخاها
ما على مثلها يذم هوانا ... وعلى مثلنا يذم قلاها
يا خليلي والخلاعة ديني ... فاعذرا أهلها ولا تعذلاها
إن تلك القلوب أقلقها الوجد ... وادعى تلك العيون بكاها
لا تلومنا من سيم في الحب خسفا ... إنما آفة القلوب هواها
أي عيش للسالفين تقضى ... كان حلو المذاق لولا نواها
هي طورا هجرا وطورا وصال ... ما أمرّ الدنيا وما أحلاها
كم ليال مرت من القوم بيض ... كان يجني النعيم من مجتناها(3/318)
كان أنكى الخطوب لم يبك مني ... مقلة لكن الهوى أبكاها
لو تأملت في مجابد دمعي ... لتعجبت من أسى أجراها
أنا سيارة الكواكب في الحرب ... فأنى يعدو علي سهاها
كل يوم للحادثات عواد ... ليس يقوى رضوى على ملتقاها
كيف يرجي الخلاص منهن إلا ... بذمام من أكرم الرسل طاها
معقل الخافقين من كل خوف ... أوفر الخلق ذمة أوفاها
مصدر العلم ليس إلا لديه ... خبر الكائنات من مبتداها
ملك يحتوي ممالك فضل ... غير محدودة جهات علاها
لو أعيرت من سلسبيل نداه ... كرت النار لاستحالت مياها
ذاك ظل الإله الذي لو حوته ... أهل وادي جهنم لحماها
علم تلحظ العوالم منه ... خير من حل أرضها وسماها
ذاك ذو أمره على كل أمر ... رتبة ليس غيره يؤتاها
ذاك أسخى يدا وأشجع قلبا ... وكذا أشجع الورى أسخاها
ما تناهت عوالم اللطف إلا ... والى ذات أحمد منتهاها
أي خلق الله أعظم منه ... وهو الغاية التي استقصاها
قلب الخافقين ظهرا لبطن ... فرأى ذات أحمد فاجتباها
من ترى مثله إذا شاء يوسا ... محو مكتوبة القضا لمحاها
ذات علم بكل شيء كان اللوح ... ما أثبتته إلا يداها
لست أنسى له منازل قدس ... قد بناها التقى فاعلا بناها
ورجالا أعزة في بيوت ... أذن الله أن يعز حماها
سادة لا ترتد إلا رضاها ... الله كمال لا يريد إلا رضاها
خصها من كماله بالمعالي ... وبأعلى أسمائه سماها
لم يكونوا للعرش إلا كنوزا ... خافيات سبحان من أبداها
كم له السن عن الله تنبي ... هي أقلام حكمة قد براها
وهم الأعين الصحيحة تهدي ... كل نفس مكفوفة عيناها
علماء أئمة حكماء ... يهتدي النجم أتباع هداها
قادة علمهم وراي حجاهم ... مسمعا كل حكمة منظراها
ما أبالي وإن أهليت على الأرض ... السماوات بعد يتلى ولاها
من يباريهم وفي الشمس معنا ... مجهد متعب لمن باراها
ورثوا من محمد سبق أولاها ... وحازوا مالم تحز أخراها
آية الله حكمة الله سيف ... الله والرحمة التي أهداها
أريحي له العيون شاهدات ... أن من فعل أخمصيه علاها
نير الشكل دائر في سماء ... بالاعاجيب تستدير رحاها
فاض للخلق منه علم وحلم ... أخذت عنهما العقول نهاها
واستعارت من الرسالة شمسا ... لم يزل مشمسا بها فلكاها
حي ذاك المليح أي ثمار ... من حبيبه الآله اجتناها
كم على هذه له من أياد ... ليست الشمس غير نار قراها
وله في غد مضيق جنان ... لم يحل حسنها ولا حسناها
ما عسى أن يقال في ذي معان ... علة الكون كله احداها
كيف عنه الغنى يجود سواه ... وهو من صورة السماح يداها
أم من مكرمات معصرات ... دون أدنى نواله أنداها
ملأت كفة العوالم فضلا ... ولهذا استحال وجه خذاها
بأبي الصارم الألهي يبرى ... عنق الأزمة الشديد براها
جاورته طريدة الدين علما ... انه ليثها الذي يرعاها
نطقت يوم حمله معجرات ... قلص الوهم عن بلوغ مداها
بشرت أمة بالرسل طرا ... طربا باسمه فيا بشراها
تلتقي كل ذروة برسول ... أي فخر للرسل في ملتقاها
كيف لم يفخروا بزورة مولى ... فخر الذكر باسمه وتباها
لم يكن أكرم النبيين حتى ... علم الله أنه أفتاها
نوهت باسمه السماوات والأرض ... كما نوهت بصبح ذكاها
وغدت تنشر الفضائل عنه ... كل قوم على اختلاف لغاها
وتنادت به فلاسفة الكهان ... حتى وعى الأصم نداها
وبدا في صفائح الصحف منه ... بدر إقبالها وشمس ضحاها
وصفوا ذاته بما كان فيها ... من صفات كمن رأى مرآها
وتمنوه بكرة وأصيلا ... كل نفس مشغوفة بمناها
طربت باسمه الثريا فاستطالت ... فوق علوية السما أسفلاها
ثم انثنت عليه إنس وجن ... وعلى مثله يحق ثناها
لم يزالوا في مركز الخيل حتى ... بعث الله للورى أزكاها
فأتى كامل الطبيعة شمسا ... لتستمد الشموس منه سناها
وإلى فارس سرى منه سر ... فاستحالت نيرانها أمواها(3/319)
كان أنكى الخطوب لم يبك مني ... مقلة لكن الهوى أبكاها
لو تأملت في مجابد دمعي ... لتعجبت من أسى أجراها
أنا سيارة الكواكب في الحرب ... فأنى يعدو علي سهاها
كل يوم للحادثات عواد ... ليس يقوى رضوى على ملتقاها
كيف يرجي الخلاص منهن إلا ... بذمام من أكرم الرسل طاها
معقل الخافقين من كل خوف ... أوفر الخلق ذمة أوفاها
مصدر العلم ليس إلا لديه ... خبر الكائنات من مبتداها
ملك يحتوي ممالك فضل ... غير محدودة جهات علاها
لو أعيرت من سلسبيل نداه ... كرت النار لاستحالت مياها
ذاك ظل الإله الذي لو حوته ... أهل وادي جهنم لحماها
علم تلحظ العوالم منه ... خير من حل أرضها وسماها
ذاك ذو أمره على كل أمر ... رتبة ليس غيره يؤتاها
ذاك أسخى يدا وأشجع قلبا ... وكذا أشجع الورى أسخاها
ما تناهت عوالم اللطف إلا ... والى ذات أحمد منتهاها
أي خلق الله أعظم منه ... وهو الغاية التي استقصاها
قلب الخافقين ظهرا لبطن ... فرأى ذات أحمد فاجتباها
من ترى مثله إذا شاء يوسا ... محو مكتوبة القضا لمحاها
ذات علم بكل شيء كان اللوح ... ما أثبتته إلا يداها
لست أنسى له منازل قدس ... قد بناها التقى فاعلا بناها
ورجالا أعزة في بيوت ... أذن الله أن يعز حماها
سادة لا ترتد إلا رضاها ... الله كمال لا يريد إلا رضاها
خصها من كماله بالمعالي ... وبأعلى أسمائه سماها
لم يكونوا للعرش إلا كنوزا ... خافيات سبحان من أبداها
كم له السن عن الله تنبي ... هي أقلام حكمة قد براها
وهم الأعين الصحيحة تهدي ... كل نفس مكفوفة عيناها
علماء أئمة حكماء ... يهتدي النجم أتباع هداها
قادة علمهم وراي حجاهم ... مسمعا كل حكمة منظراها
ما أبالي وإن أهليت على الأرض ... السماوات بعد يتلى ولاها
من يباريهم وفي الشمس معنا ... مجهد متعب لمن باراها
ورثوا من محمد سبق أولاها ... وحازوا مالم تحز أخراها
آية الله حكمة الله سيف ... الله والرحمة التي أهداها
أريحي له العيون شاهدات ... أن من فعل أخمصيه علاها
نير الشكل دائر في سماء ... بالاعاجيب تستدير رحاها
فاض للخلق منه علم وحلم ... أخذت عنهما العقول نهاها
واستعارت من الرسالة شمسا ... لم يزل مشمسا بها فلكاها
حي ذاك المليح أي ثمار ... من حبيبه الآله اجتناها
كم على هذه له من أياد ... ليست الشمس غير نار قراها
وله في غد مضيق جنان ... لم يحل حسنها ولا حسناها
ما عسى أن يقال في ذي معان ... علة الكون كله احداها
كيف عنه الغنى يجود سواه ... وهو من صورة السماح يداها
أم من مكرمات معصرات ... دون أدنى نواله أنداها
ملأت كفة العوالم فضلا ... ولهذا استحال وجه خذاها
بأبي الصارم الألهي يبرى ... عنق الأزمة الشديد براها
جاورته طريدة الدين علما ... انه ليثها الذي يرعاها
نطقت يوم حمله معجرات ... قلص الوهم عن بلوغ مداها
بشرت أمة بالرسل طرا ... طربا باسمه فيا بشراها
تلتقي كل ذروة برسول ... أي فخر للرسل في ملتقاها
كيف لم يفخروا بزورة مولى ... فخر الذكر باسمه وتباها
لم يكن أكرم النبيين حتى ... علم الله أنه أفتاها
نوهت باسمه السماوات والأرض ... كما نوهت بصبح ذكاها
وغدت تنشر الفضائل عنه ... كل قوم على اختلاف لغاها
وتنادت به فلاسفة الكهان ... حتى وعى الأصم نداها
وبدا في صفائح الصحف منه ... بدر إقبالها وشمس ضحاها
وصفوا ذاته بما كان فيها ... من صفات كمن رأى مرآها
وتمنوه بكرة وأصيلا ... كل نفس مشغوفة بمناها
طربت باسمه الثريا فاستطالت ... فوق علوية السما أسفلاها
ثم انثنت عليه إنس وجن ... وعلى مثله يحق ثناها
لم يزالوا في مركز الخيل حتى ... بعث الله للورى أزكاها
فأتى كامل الطبيعة شمسا ... لتستمد الشموس منه سناها
وإلى فارس سرى منه سر ... فاستحالت نيرانها أمواها(3/320)
وأحاطت به البوائق حتى ... فاض سلسالها وقاض ظماها
وأقامت في سفح أيوان كسرى ... ثلمة ليس يلتقي طرفاها
وتهاوت زهر النجوم رجوما ... فارتدى مارد الضلال وتاها
رميت منهم القلوب برعب ... دك تلك الجبال من مرساها
فكأن الإشراك أثار رسم ... غالها حادث البلا فمحاها
وكأن الآثار أعجاز نخل ... عاصف الريح هزما فرماها
ونواصي الدنيا تميس سرورا ... كغصون مر النسيم ثناها
سيد سلم الغزال عليه ... والجمادات أفصحت بداها
وإلى نشره القلايص حنت ... راقصات ورجعت برعاها
وإلى طبه الربوي باتت ... علل الدهر تشتكي بلواها
كيف لا تشتكي الليالي إليه ... ضرها وهو منتهى شكواها
فانمحت ظلمة الضلال ببدر ... كان ميلاده قران انمحاها
وبه قرت الغزالة عينا ... بعد ما ظل في الربا خشفاها
من لشمس الضحى بلثم ثراه ... فتكون التي أصابت مناها
جاء من واجب الوجود بما ... يستصغر الممكنات لمن يخشاها
سؤدد قارع الكواكب حتى ... جاوزت نيرانه جوازها
بأسه مهلك وأدنى نداه ... ينقذ الهالكين من باساها
كم سخى منعما فأعتق قوما ... وكذا سيد الطباع سخاها
كم نوال له عقيب نوال ... كسيوت جرت إلى بطحاها
إنما الكائنات نقطة خط ... بيديه نعيمها وشقاها
كل ما دون عالم اللوح طوع ... ليسد الواهب الذي لا يضاها
همم قلدت من الله سيفا ... ما عصته الأشياء إلا براها
عزمات محيلة لو تمنت ... مستحيلا من المنى ما عصاها
لا تسل عن مكارم منه عمت ... تلك كانت يدا على من سواها
حاز من جوهر التقديس ذاتا ... تاهت الأنبياء في معناها
جوهر تعلم الفلزات من كل ... القضايا بأنه كيمياها
أي نفس لا تهتدي بهداه ... وهو من كل صورة ملتقاها
لا تجل في صفات أحمد طرفا ... فهو في الصورة التي لن تراها
تلك نفس عزت على الله قدرا ... فارتضاها لدينه واصطفاها
صيغ للذكر وحذو الآلهيون ... كانت في الذكر عنه شفاها(3/321)
سل ذوات التيم تخبرك عنه ... ان حال التوحيد منه ابتداها
حاز قدسية العلوم وإن لم ... يؤتها أحمد فمن يرتآها
عالم أقسمت جميع المعالي ... أنه ربها الذي رباها
مقدم الأمر عن عزائم قدس ... ليست السبعة السواري سواها
أنمل ماشت السماوات والأرض ... ومن فيهما على نعماها
لا تضع في سوى أياديه سولا ... ربما أفسد المدام أناها
عدالي بعض أوصافه تلف ... كليات مجد لم تنحصر أخراها
شمس أنس بدت فحق انشقاق ... البدر نصفين هيبة لبهاها
كم روى العسكر الذي ليس يحصى ... حيث حر الربا يذيب حصاها
وأظلت عليه من كلل السحب ... غمام وقته من رمضاها
واخضرار العصى بيمنى يديه ... كاخضرار الآمال من يسراها
وكلام الصخر الأصم لديه ... معجزات بالهدى الإلهي فاها
فأعاد الشمس المنيرة قسرا ... بعد ما عاد ليلها يغشاها
ذاك لو لم تلح عوالم عقل ... منه لم يعرف الوجود الآلها
من تسنى متن البراق ليطوى ... صحفا فلاكها بها خطواها
وترقى كقاب قوسين حتى ... شاهد القبلة التي يرضاها
حيث لا همس العباد كأن ... الله من بعد أفتاها
داس ذاك المناط منه برجل ... نيرا كل سؤدد نعلاها
وعلى متنه يد الله مدت ... فأفاضت عليه روح يداها
وأراح ما لا يرى من كنوز ... الصمدانية التي أخفاها
ليت شعري هل ارتقى قمم ... الأفلاك أم طأطأت له فرقاها
بل لسر مالك الملك فيه ... دون مقدار لحظة أنهاها
وسمت باسمه سفينة نوح ... فاستقامت به على مجراها
وبه نال خليل الله إبراهيم ... والنار نوره أطفاها
وبسر سرى له في ابن عمران ... اطاعت تلك اليمين عصاها
وبه سخر المقابر عيسى ... فأجابت نداءه موتاها
وهو سر الوجود في الملأ الأعلى ... ولو لاه تعفر جباها
وهو الآية المحيطة بالكون ... ففي عين كل شيء تراها
الفريد الذي مفاتيح علم الوا ... حد الفرد غيره ما حواها
وهو طاووس روض الملك ... بل هو ناموسها الذي يرعاها(3/322)
وهو الجوهر المجرد منه ... كل نفس مليكها زكاها
لم تكن هذه العناصر إلا ... من هيولاه حيث كان أباها
من يلج في جنان جدوى يديه ... يجد الحور من أقل أماها
ما حباه الشفاعة الله إلا ... لكنوز من جاهه زكاها
لا تخف من أسى القيامة هولا ... كشف الله بالنبي أساها
ثق بمعروفه تجده زعيما ... بنجاة العصاة يوم لقاها
كيف نظما حشا المحبين منه ... وهو من كوثر الوداد سقاها
شربة أعقبتهم نشوات ... رق نشوانها ورق انتشاها
ما رأت وجهه الغمامة إلا ... وأراقت منه حياء حياها
ملك شد أزره بأخيه ... فاستقامت من الأمور قناها
فارس المسلمين في كل حرب ... قطب محرابها إمام وغاها
أسد الله ما رأت مقلتاه ... نار حرب تشب إلا اصطلاها
داس رأس الموحدين وحامى ... بيضة الدين من أكف عداها
جمع الله فيه جامعة الرسل ... وأتاه فوق ما قد أتاها
وإذا ما انتمت قبائل حي ... الموت كانت أسيافه أباها
من ترى مثله إذا ضرت الحرب ... ودارت على الكماة رحاها
ذاك قمقامة الذي لا يروى ... غير صمصامه أوام صواها
وبه استفتح الهدى يوم بدر ... من طغاة أبت سوى طغواها
صب صوب الردى عليهم همام ... ليس يخشى عقبى إلى سواها
كيف يخشى الذي له ملكوت النصر ... والأمن كله عقباها
يوم جاءت وفي القلوب عليل ... فسقاها حسامه ما سقاها
وإلى الحشر رنة السيف منه ... بملء الخافقين رجع صداها
يوم غصت بجيش عمرو بن ود ... لهوات الفضا وضاق فضاها
وتخطى إلى المدينة فردا ... لا يهاب الردى ولا يخشاها
فدعاهم وهم ألوف ولكن ... ينظرون التي يشب لظاها
أين أنتم إن فارس عامري ... تتقي الأسد بأسه في شراها
أين من نفسه تتوق إلى الجنات ... أو يورد الجحيم عداها
فابتدى المصطفى يحدث ... عما توجر الصابرون في أخراها
قائلا إن للجليل جنانا ... ليس غير المجاهدين يراها
من لعمر وقد ضمنت على الله ... له من جنانه أعلاها(3/323)
فالتووا على جوابه كسوام ... لا تراها مجيبة من دعاها
فإذا هم بفارس قرشي ... ترجف الأرض خيفة إذ يطاها
قائلا ما لها سواي كفيل ... هذه ذمة علي وفاها
فانتضى مشرفيه فتلقى ... ساق عمرا بضربة فبراها
يا لها ضربة حوت مكرمات ... لم يزن ثقل أجرها ثقلاها
هذه من علاه إحدى المعالي ... وعلى هذه فقس ما سواها
وبأحدكم فل آحاد شوس ... كلما أوقدوا الوغا أطفاها
يوم دارت ولا ثوابت إلا أسد ... الله كان قطب رحاها
كيف في الأرض بالتمكن لولا ... إنه قابض على أرجاها
ثم خانت نبالة القوم عهدا ... لنبي الهدى فخاب رجاها
وجدت أنجم السعود عليه ... دائرا وما درت عقباها
فئة ما لوت من الرعب جيدا ... إذ دعاها الرسول في أخراها
كلما لاح في المهامة برق ... حسبته قنا العدى وضباها
لم تخلها إلا أضالع عجف ... قد براها السرى فحل براها
لا تلمها بحيلة وارتياب ... فقدت عزها فعز عزاها
لدغتها أفعالها أي لدغ ... ربّ نفس أفعالها أفعاها
قد رآها في ذلك اليوم ضربا ... لو رأته الشبان شاب لحاها
يوم سالت سيل الرمال ولكن ... هب فيها نسيمه فذراها
ذاك يوم جبريل أنشد فيه ... مدحا ذي العلا له أنشاها
لا فتى في الوجود إلا علي ... ذاك شخص بمثله الله باها
لا ترم وصفه ففيه معان ... لم يصفها إلا الذي سواها
من رآه رأى تماثيل ذكرا ... عن فناء الآله لا يتلاها
وسمت في ضميره حضرة القدس ... فأنى يفوته ذكراها
ملأ الأرض بالزلازل حتى ... زاد من أروس الكماة رباها
لا تخل سيفه سوى نفخة الصور ... يسل الأرواح من أشلاها
فكأن الأنفاس قد عاهدته ... في جفاء النفوس مهما جفاها
فأبان الأعناق عن مركز ... الأبدان حتى كأننا في النفاها
وأعاد الأجساد قفرا من الأجسام ... يبكي على الأنيس صداها
كم عقول أطاشها وهي لو تر ... مي نجوم الدجى لحطت سهاها
وعيون لم يفدها صرف دهر ... مذ رماها بباسه أقذاها(3/324)
وله يوم خيبر فتكات ... كبرت منظرا على من رآها
يوم قال النبي إني لأعطي ... رايتي ليثها وحامي حماها
فاستطالت أعناق كل فريق ... ليروا أي ماجد أعطاها
فدعى اين وارث الباس والحلم ... مجير الأيام من بأساها
أين ذي النجدة التي لو رأته ... في الثريا مروعة لباها
فأتاه الإمام أرمد عين ... فسقاها من ريقه فشفاها
ومضى يطلب الصفوف فولت ... عنه علما بأنه أمضاها
وبرا مرحبا بكف اقتدار ... أقوياء الأقدار من ضعفاها
ودحى بابها بقوة بأس ... لو حمته الأفلاك منه دحاها
عايد المؤمنين وهو مجيب ... سامع ما تسر من نجواها
ألفته بكر العلى فهي تهوى ... حسن أخلاقه كما يهواها
شق من ذكره العلي له اسما ... فهو ذات علياء جل ثناها
إنما المصطفى مدينة علم ... وهو الباب من أتاه أتاها
وهما مقلتا العوالم يسراها ... علي وأحمد يمناها
من غدا منجدا له في حصار الشعب ... إذ جد من قريش جفاها
يوم لم يرع للنبي ذمام ... وتواصت بقطعة قرباها
فئة أحدثت أحاديث بغي ... عجل الله في بلوغ مداها
ففدا نفس أحمد بالنفس ... ومن كل بؤس وقاها
كيف تنفك بالملمات عنه ... عصمة كان في القديم أخاها
عزمة قصرت أولو العزم عنها ... ان أولى الجياد من أخراها
عزمة عرضها السماوات والأرض ... أحاطت بصبحها ومساها
وإذ لم تحط بمعناه خبرا ... فاسأل العرب من أطل دماها
وسقاها صم الأنابيب حتى ... شرقت شوسها بكأس رداها
لم ترد موردا من الماء إلا ... ورأت ظل شخصه تلقاها
كيف لا تتقي مضارب قوم ... يصعق الموت من سماع صداها
كلما حلت العقود أصابت ... ناظما ينظم القنا في كلاها
ومن اقتاد في الجبال قريشا ... بعد ما طاول الجبال أباها
ملأت منهم الثرى ظلمات ... وبنوريه الحسام جلاها
أحكم الله صنعة الدين منه ... بفتى ألحمت يداه سداها
لا تقس بأسه ببأس سواه ... إنما أفضل الضبا أمضاها(3/325)
جس نبض الطلا فلم ير إلا ... مرهف الحد براها فبراها
كم لكفيه في صدور مدور ... طعنة يسبق القضاء فضاها
كلما ضلت المنية عنهم ... جعلته دليلها فهداها
لست أمسى للدر مدا علق ... ما جلا غير ذي الفقار قذاها
كم عتاة أذلها بعد عز ... وعفاة يد العنا أغناها
لو ترى المرهفات تشكو إليه ... حالها وهو راحم شكواها
لرأيت الجبال يسبح فيها ... من أعالي الجبال شم ذراها
فاض منها ما لم يفض من سحائب ... لو رآه السحاب لاستجلاها
كل يوم يجود الطعن منه ... همة تمسح الكماة يداها
أعلم الناس بالوغى كم معان ... من طعان على البديه ابتداها
كيف تخفى صناعة الحرب عنه ... وجميع الذرات قد أحصاها
من تلقى يد الوليد بضرب ... حيدرى برى اليراع براها
ورئيته ذو الخمار فراده من ... الذل بردة ما ارتداها
ذاك من ليس تنكر الحرب منه ... بارقات يجلو الظلام ضحاها
أعد الفكر في معاليه تنظر ... كيف يحيي الأجسام بعد فناها
ذاك يحيي الموتى وإن كان يردى ... كل نفس عليها خناها
كم نفوس تصحها علل الفقر ... ولو مسها الغنا أطغاها
لو سرت في الثرى بقية ظل ... من نداه لروضت حصباها
لم تزل عنده مفاتيح كشف ... قد أماطت عن العيوب غطاها
قائم في زكاة كل المعالي ... دائم دأبه على اتياها
كم أدارت يداه أفلاك مجد ... مستمر على الزمان بقاها
ذاك من جنة المعالي كطوبى ... كل شيء تظله أفياها
ذاك ذو الطلعة التي تتجلى ... خطرات الجمال دون اجتلاها
لذالي جوده تجده زعيما ... حلل المكرمات من صنعاها
كم له شمس حكمة تتمنى ... عزة الشمس أن تكون سماها
كم له روائح وغواد ... مدد الفيض كان من مبداها
بأبي زايد عن الله ترمي ... أي سهم لله في مرماها
هي طورا مدبرة فلك الأخرى ... وطورا مديرة أولاها
ومن المهتدي بيوم حنين ... حيث غاوي الفرار قد أغواها
حيث بعض الرجال تضرب من ... بيض المواضي والبعض من قتلاها
من سقاها في ذلك اليوم كأسا ... فايضا بالمنون حتى رواها
أعجب القوم كثرة العد منها ... ثم ولت والرعب حشو حشاها
وقفوا وقفة الهليع الجبان وفروا ... من أسود الشرى فرار مهاها
وعلي يلقى الألوف بقلب ... صور الله فيه شكل فناها
إنما تفضل النفوس بجد ... وعلى قدره مقام علاها
ملك طوعة الممالك لا أسفلها ... ناشز ولا أعلاها
لو دعت كفه بغير حراب ... أجل الناس لاستجاب دعاها
لو تراه وجوده مستباح ... قبل كشف العقاب سر عفاها
خلت من أعظم السحائب سحبا ... سقت الروض من قبل ما استسقاها
وهو للدائرات دائرة السعد ... الا ساء حظ من ناواها
همم لا ترى بها فلك الا ... فلاك إلا لجة في فلاها
لم يدع ذاك الطبيب كلوما ... قد أساءت بالدهر إلا أساها
وأياديه لم تقس بالأيادي ... أين ماء العيون من أصداها
صادق الفعل والمقالة يحوي ... غزة مثل حسنه حسناها
كم رمى بهمة بلحظة طرف ... كان ميقات حتفه مرماها
خاط للعنكبوت نسج الرديني ... وأبيات عزمه أوهاها
لم تفه ملة من الشرك إلا ... فض بالصارم اليماني فاها
وطواها طي السجل همام ... نشر الحرب علمه وطواها
لم يضع سيفه حشى قط إلا ... وبفوارة الغليل حشاها
وأقام الجهول بالسيف رغما ... هل تقوم الدنيا بغير ضباها
باسط عن ندى الآله يمينا ... يرسل الرزق للعباد عطاها
قابض عن جلاله بجلال ... لو بدت صورة الردى أرداها
رب صعب من جامحات الأعادي ... قادة من يمينه يمناها
قد أعاد الهدى وغير عجيب ... أن يعيد الأشياء من أبداها
بأبي منشأ الحوادث كم صورة ... حتف بزجره أنشاها
كانت العرب قيل قوة يمنا ... عروقا لا تلتوي فلواها
وارها طعنا يفل عرى الصبر ... وضربا يحل عقب عراها
فاستعادت من ذلك بالهرب ... الا قضى لتنجو به فما أنجاها
لا تخل مهرب الجبان ينجيه ... إذا مدت المنايا خطاها
كان ملأ الثرى ضلال وبغي ... لكن السبف منهما أخلاها(3/326)
جس نبض الطلا فلم ير إلا ... مرهف الحد براها فبراها
كم لكفيه في صدور مدور ... طعنة يسبق القضاء فضاها
كلما ضلت المنية عنهم ... جعلته دليلها فهداها
لست أمسى للدر مدا علق ... ما جلا غير ذي الفقار قذاها
كم عتاة أذلها بعد عز ... وعفاة يد العنا أغناها
لو ترى المرهفات تشكو إليه ... حالها وهو راحم شكواها
لرأيت الجبال يسبح فيها ... من أعالي الجبال شم ذراها
فاض منها ما لم يفض من سحائب ... لو رآه السحاب لاستجلاها
كل يوم يجود الطعن منه ... همة تمسح الكماة يداها
أعلم الناس بالوغى كم معان ... من طعان على البديه ابتداها
كيف تخفى صناعة الحرب عنه ... وجميع الذرات قد أحصاها
من تلقى يد الوليد بضرب ... حيدرى برى اليراع براها
ورئيته ذو الخمار فراده من ... الذل بردة ما ارتداها
ذاك من ليس تنكر الحرب منه ... بارقات يجلو الظلام ضحاها
أعد الفكر في معاليه تنظر ... كيف يحيي الأجسام بعد فناها
ذاك يحيي الموتى وإن كان يردى ... كل نفس عليها خناها
كم نفوس تصحها علل الفقر ... ولو مسها الغنا أطغاها
لو سرت في الثرى بقية ظل ... من نداه لروضت حصباها
لم تزل عنده مفاتيح كشف ... قد أماطت عن العيوب غطاها
قائم في زكاة كل المعالي ... دائم دأبه على اتياها
كم أدارت يداه أفلاك مجد ... مستمر على الزمان بقاها
ذاك من جنة المعالي كطوبى ... كل شيء تظله أفياها
ذاك ذو الطلعة التي تتجلى ... خطرات الجمال دون اجتلاها
لذالي جوده تجده زعيما ... حلل المكرمات من صنعاها
كم له شمس حكمة تتمنى ... عزة الشمس أن تكون سماها
كم له روائح وغواد ... مدد الفيض كان من مبداها
بأبي زايد عن الله ترمي ... أي سهم لله في مرماها
هي طورا مدبرة فلك الأخرى ... وطورا مديرة أولاها
ومن المهتدي بيوم حنين ... حيث غاوي الفرار قد أغواها
حيث بعض الرجال تضرب من ... بيض المواضي والبعض من قتلاها
من سقاها في ذلك اليوم كأسا ... فايضا بالمنون حتى رواها
أعجب القوم كثرة العد منها ... ثم ولت والرعب حشو حشاها
وقفوا وقفة الهليع الجبان وفروا ... من أسود الشرى فرار مهاها
وعلي يلقى الألوف بقلب ... صور الله فيه شكل فناها
إنما تفضل النفوس بجد ... وعلى قدره مقام علاها
ملك طوعة الممالك لا أسفلها ... ناشز ولا أعلاها
لو دعت كفه بغير حراب ... أجل الناس لاستجاب دعاها
لو تراه وجوده مستباح ... قبل كشف العقاب سر عفاها
خلت من أعظم السحائب سحبا ... سقت الروض من قبل ما استسقاها
وهو للدائرات دائرة السعد ... الا ساء حظ من ناواها
همم لا ترى بها فلك الا ... فلاك إلا لجة في فلاها
لم يدع ذاك الطبيب كلوما ... قد أساءت بالدهر إلا أساها
وأياديه لم تقس بالأيادي ... أين ماء العيون من أصداها
صادق الفعل والمقالة يحوي ... غزة مثل حسنه حسناها
كم رمى بهمة بلحظة طرف ... كان ميقات حتفه مرماها
خاط للعنكبوت نسج الرديني ... وأبيات عزمه أوهاها
لم تفه ملة من الشرك إلا ... فض بالصارم اليماني فاها
وطواها طي السجل همام ... نشر الحرب علمه وطواها
لم يضع سيفه حشى قط إلا ... وبفوارة الغليل حشاها
وأقام الجهول بالسيف رغما ... هل تقوم الدنيا بغير ضباها
باسط عن ندى الآله يمينا ... يرسل الرزق للعباد عطاها
قابض عن جلاله بجلال ... لو بدت صورة الردى أرداها
رب صعب من جامحات الأعادي ... قادة من يمينه يمناها
قد أعاد الهدى وغير عجيب ... أن يعيد الأشياء من أبداها
بأبي منشأ الحوادث كم صورة ... حتف بزجره أنشاها
كانت العرب قيل قوة يمنا ... عروقا لا تلتوي فلواها
وارها طعنا يفل عرى الصبر ... وضربا يحل عقب عراها
فاستعادت من ذلك بالهرب ... الا قضى لتنجو به فما أنجاها
لا تخل مهرب الجبان ينجيه ... إذا مدت المنايا خطاها
كان ملأ الثرى ضلال وبغي ... لكن السبف منهما أخلاها(3/327)
جر طغوا هم الوبال عليهم ... رب قوم أذلها طغواها
هل أتت هل أتى بمدح سواه ... لا ومولى بذكره حلاها
كم عرا مشكل فحل عراه ... ليس للمشكلات إلا فتاها
بل هو الروح لم يزل مستمدا ... كل دهر حياته من قواها
فتأمل بعم تنبيك عنه ... نبأ كل فرقة أعياها
وبمعنى أحب خلقك فانظر ... تجد الشمس قد أزاحت دجاها
واسأل الأعصر القديمة عنه ... كيف كانت يداه روح خذاها
وهو علامة الخلائق فاسأل ... روح جبريل عنه كيف هداها
وتفكر بانت مني تجدها ... حكمة تورث الرقود انتباها
أو ما كان بعد موسى أخاه ... خير أصحابه وأعظم جاها
ليس تخلو إلا النبوة منه ... ولهذا خير الورى استثناها
وهو في آية التباهل نفس ... المصطفى ليس غيره اياها
وامتطى الكاهل التي قد أمرت ... قدرة الله فوقه يمناها
ثم سل إنما وليكم الله ... ترى الإعتبار في معناها
آية خصت الولاية لله ... وللندب حيدر بعد طاها
وبسد الأبواب أي افتتاح ... بكنوز الهدى ففز بهداها
من تولى تغسيل سلمان إلا ... ذات قدس تقدست أسماها
ليلة قد طوى به الأرض طيا ... إذ نأت داره وشطت مداها
وابن عفان حوله لم يجهزه ... ولا كف عنه كف أذاها
لست أدري أكان ذلك مقتا ... من علي أم عفة ونزاها
فلك لم يزل يدور به الحق ... وهل للنجوم إلا سماها
ونجم ماذا جرى يوم خم ... تلك أكرومة أبت أن تضاها
ذات يوم من الزمان أبانت ... ظلة الحق فيه عن مقتداها
كم حوى ذلك الغدير أمورا ... ما جرت أنجم الدجى مجراها
إذ رقى منبر الحدائج حاد ... طاول السبعة العلى برقاها
خاطبا فيهم خطابة وحي ... أحرز الدين كله من وعاها
أيها الناس لا بقاء لحي ... ان مدتي وإن انقضاها
إن رب الورى دعاني لحال ... قبل أن يخلق الملأ أقضاها
أن أولّي عليكم خير مولى ... كلما اعتلت الأمور شفاها
سيدا من رجالكم علويا ... صافحته العلى فطاب شذاها(3/328)
صالح المؤمنين سر هداها ... عظم الذكر نفسه فكناها
صاحب الهمة التي لو أرادت ... وطأت عانق السهى قدماها
فتفكرت في ضمائر قومي ... وهي مطوية على شحناها
فإنني عزيمة من اللهي أو ... عدتني إن لم أبلغ سطاها
فهداني إلى التي هي أهدى ... وحباني بعصمة من أذاها
أيها الناس حدثوا اليوم عني ... وليبلغ أدنى الورى أقصاها
كل نفس كانت تراني مولى ... فلترى اليوم حيدرا مولاها
رب هذي أمانة لك عندي ... وإليك الأمين قد أداها
وآل من لا يرى الولاية إلا ... لعلي وعاد من عاداها
فأجابوا بخ بخ وقلوب القوم ... تغلي على مقالي قلاها
لم تسعهم الإجابة في القول ... وإن كان قصدهم ما عداها
ثم لما مضى القضاء بروجا ... نية الكون وانطوى رياها
وجدوا فرصة من الدهر لاحت ... فأصابت قلوبهم مشتهاها
قل لمن أول الحديث سفاها ... وهو إذ ذاك ليس يهوى السفاها
أترى أرجح الخلائق رأيا ... يمسك الناس عن مجاري سراها
راكبا ذروة الحدائج ينبي ... عن أمور كالشمس راد ضحاها
أيها الراكب المجد رويدا ... بقلوب تقلبت من جواها
أن تراءت أرض الغريين فاخضع ... واخلع النعل دون وادي طواها
وإذا شمت فيه العالم الأعلى ... وأنوار ربه تغشاها
فتواضع فثم أيمن قدس ... تتمنى الأفلاك لثم ثراها
قل له والدموع سفح عقبق ... والحشا تصطلي بنار عضاها
يابن عم النبي أنت يد الله ... التي عم كل شيء نداها
أنت قرآنه المجيد وأوصافك ... آياته التي أوحاها
حسبك الله في مآثر شتى ... هي مثل الأعداد لا تتناها
ليت عينا بغير روضك ترعى ... قذيت واستمر فيها قذاها
أنت بعد النبي خير البرايا ... والسماء خير ما بها قمراها
لك ذات كذاته حيث لولا ... أنها مثلها لما آخاها
لك نفس من معدن اللطف أصفت ... جعل الله كل نفس هداها
هي قطب المكونات وأولاها ... لما دارت الرحى لولاها
لك كيف من أبحر الله تجري ... أنهر الأنبياء من جدواها(3/329)
حزت ملكا من المعالي محيطا ... باقاليم يستحيل انتهاها
ليس يحكي ذرى فخرك فخر ... أين من كدرت المياه صفاها
كلما في الفضاء من كائنات ... أنت مولى بقائها وفناها
يا أبا النيرين أنت سماء ... قد محا كل ظلمة نيراها
لك بأس يذيب جامدة الكونين ... رعبا ويجد الأمواها
زان شكل الوغى حسامك والريح ... كما زان غادة قرطاها
كلما أخفت الوغى لك خيلا ... أنعلتها من الملوك طلاها
قدتها قود قادر لم يرعه ... أمم غير ممكن أحصاها
لك ذات من الجلالة تحوي ... عرش علم عليه كان استواها
لم يزل بانتظارك الدين حتى ... جردت كف عزمتيك ضباها
فتركت الرشاد فوق الثريا ... ومقام الضلال تحت ثراها
فاستمرت معالم الدين تدعو ... لك طول الزمان فاغنم دعاها
إنما البأس والتقى والعطايا ... حلبات بلغت أقصى مداها
لك من آدم مراعي حياة ... أمة بعد أمة ترعاها
يا أخا المصطفى لدي ذنوب ... هي عين القذى وأنت هداها
كيف تخشى العصاة بلوى المعاصي ... وبك الله منقذ مبتلاها
يا غياث الصريح دعوة عاف ... ليس إلاك سامع أتاها
لك من مرتقى العلى والعوالي ... درجات لا يرتقى أدناها
عرفت ذاتك القديمة مولاك ... فوجدت في القديم الله
أين معناك من معاني أناس ... كان معبودها اتباع هواها
يا خليلي إن لله خلقا ... حسبها النار في غد تصلاها
إن تناسيتما السقيفة والقوم ... فإني والله لا أنساها
يوم خطت صحيفة الغي يمليها ... عليها خداعها ودهاها
ما اجتماع المهاجرين مع الأنصار ... فيها وقد علت غوغاها
حيث قالوا منا ومنكم أمير ... ووزير ورام كل علاها
وأرادوا لها تدابير سعد ... فارتضاها بعض وبعض أباها
أتراها درت بأمر عتيق ... فلماذا فيّ طال مراها
إن تكن بيعة الصحابة دينا ... لم يحل عن محلها أتقاها
كيف لم يسرع الوصي إليها ... وهو باب العلوم بل معناها
كيف لم تقبل الشهادة من أحمد ... فيه بأنه أقضاها(3/330)
بيعة أورثت جميع البرايا ... فتنة طال جورها وبلاها
بل هي الفلتة التي زعموها ... كفى المسلمون شر أذاها
يا ترى هل درت لمن أخرته ... عن مقام العلا وما أدراها
أخرت أشبه الورى بأخيه ... هل رأت في أخ النبي اشتباها
كيف لم تأمن الأمين عليها ... وهو في كل ذمة أوفاها
ولو أن الأصحاب لم تعد رشدا ... كان رشدا فرارها من عداها
أنبي بلا وصي تعالى الله ... عما يقوله سفهاها
زعموا أن هذه الأرض مرعي ... ترك الناس فيه ترك سداها
كيف تخلو من حجة وإلى من ... ترجع الناس في اختلاف نهاها
وأرى السوء للمقادير يمنى ... فإذا لا فساد إلا فضاها
وقد علمتم أن النبي حكيم ... لم يدع من أموره أولاها
أو جهلتم طرف الصوب من الدين ... ففات أمثالكم مثلاها
هل ترى الأوصياء يا سعد ... إلا أقرب العالمين من ابناها
أو ترى الأنبياء قد اتخذوا للشرك ... دهرا بالله من أوصياها
أم نبي الهدى رأى الرسل ظلت ... قبله فانتقى خلاف انتقاها
أولا ينظرون ماذا دهتهم ... قصة الغار من مساوي دهياها
يوم طافت طوائف الحزن حتى ... أوهنت من جنى عتيق قواها
إن يكن مؤمنا فكيف عدته ... يوم خوف سكينة وعداها
إن للمؤمنين فيها نصيبا ... وهو يوم البلا خير وقاها
كم وكم صحبة جرت حيث لا إيمان ... والله في الكتاب حكاها
وكذا في براءة لم يبسمل ... حيث جلت بذكره بلواها
ثم ثلها من بعد ما رد عنها ... صاحب الغار خائبا من تلاها
أين هذا من راقد في فراش المصطفى ... يسمع العدى ويراها
فاستدارت به ذئاب قريش ... حيث دارت رحى بغضاها
وأرادت به مكائد سوء ... فشفى الله داءها بدواها
ورأت قسورا لو اعترضت به ... الانس والجن في وغى أفناها
مد كف الردى فلو لم تكفكف ... عنه أثار بيعها لمحاها
نظرت نظرة إليه فلاقت ... قدرة الله لا يرد قضاها
فتولت عنه وللرعب فيها ... فلك دائر على أعضاها
رتبة سل بها العظيمين جبرئيل ... وميكال كيف قد خدماها(3/331)
صاح ما هؤلاء في الناس إلا ... كعيون داء العمى أعياها
ألها منظر لإدراك مرأى ... أم لها مسمع لمن ناجاها
أهم خير أمة أخرجت للناس ... هيهات ذلك بل أشقاها
أتراها من ولد آدم حقا ... أم سوام كانت لهم أشباها
أي مرمى من الفخار قديما ... أو حديثا أصابه شيخاها
إن تكن فيهما شجاعة قرم ... فلماذا في الدين ما بذلاها
ذخراها لمنكر ونكير ... أم لأجناد مالك ذخراها
لم يجيبا نداء أحمد إلا ... لأمور من كاهن عقلاها
علما أن أحمد سيليها ... وإذا مات أحمد ولياها
فأجابا لرغبة لا لرشد ... كلمات الإسلام إذ سمعاها
أهو المختفي بظل عريش ... حيث ظل الكلمات كان قناها
أم هو القائد الملح أقيلوني ... منها فإنني أءباها
أي وحق الإسلام لولا علي ... ما قضاها فتى ولا أفتاها
لو حوى قلب بنته لم يرعه ... من صفاح اليهود وقع شباها
يوم جاءت تقود بالجمل العسكر ... لا تتقي ركوب خطاها
فألحت كلاب حوأب نبحا ... فاستدلت به على حوأباها
يا ترى أي أمة لنبي ... جاز في شرعه قتال نساها
أي أم للمؤمنين أساءت ... ببينها ففرقتهم سواها
شتتهم في كل شعب وواد ... بئس أم عتت على ابناها
نسيت آية التبرج أم لم ... تدر أن الرحمن عنه نهاها
حفظت أربعين ألف حديث ... ومن الذكر آية تنساها
ذكرتنا بفعلها زوج موسى ... إذ سعت بعد فقده مسعاها
قاطعت يوشعا كما قاتلته ... لم تخالف حمراؤها صفراها
واستمرت تجر أردية الهوى ... التي عن الهها الهاها
فبإحراق مالك سوف تجزى ... من لظى مالك أشر جزاها
صاحبوه ونافقوا في هواه ... قل ما يترك السفيه السفهاها
سبحوا في الضلال سبحا طويلا ... وعلى الرشد أكرهوا إكراها
نقضوا عهد أحمد وأخيه ... وأذاقوا البتول ما أشجاها
يوم جاءت إلى عدي وتيم ... ومن الوجد ما أطال بكاها
فدعت واشتكت إلى الله شجوا ... والرواسي تهتز من شكواها(3/332)
تعظ القوم في أتم خطاب ... حكت المصطفى به وحكاها
هذه الكتب فاسألوها تروها ... بالمواريث ناطقا فحواها
وبمعنى يوصيكم الله أمرا ... شامل للأنام في قرباها
كيف لم يوصنا بذلك مولا ... نا وتيما من دوننا وصاها
هل رآنا لا نستحق اهتداء ... واستحقت تيم الهدى فهداها
أم ترى فاضلنا في البرايا ... بعد علم لكي نصيب خطاها
أنصفونا من جائرين أضاعا ... ذمة المصطفى وما راعياها
وانظروا في عواقب الدهر كم ... أمست عتاة الرجال من صرعاها
قصيدة الحاج هاشم الدروقي
مما قاله الكامل الأديب والعالم الأريب وحيد عصره والأوان شيخنا الحاج هاشم ابن المرحوم الحاج حردان بلغه مرامه ورفع في الفردوس مقامه بمحمد وآله، وهو من أهل الدورق أصلا ومسكنا، وقد توفي سنة 1231الحادية والثلاثين بعد المئتين والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها الصلاة والتحية.
يا بارقا لاح أعلى الحما ... أأنت أم أنفاس محروق الحشا
أهدى إلى القلب الشجي نار ... هـ وان سقى قلب الخليين الحيا
لو كدت تدري بالذي في قلبه ... أغناك أن تسأل كيف أو لما
في قلبه نار جوى لو صادفت ... جمر الغضى لأحرقت نار الغضى
سل ضاعني الحيين ماذا خلفوا ... بعد النوى ليت النوى صرف النوى
أبقوا جوى لا يرتجى زواله ... ما دام حادي العيس في طي السرا
واجد فقد غائب عن نفسه ... حتى كأنه حسه عنه انتفى
فاقد معنى حسه سوى جوى ... الهاه عن ادراكه معنى السوا
هوى قضى إلا الشجى ويرعوي ... حادي المطايا بالقرين والصبا
فصل في زمان الشباب ووصف الأحباب
أيام سلطان الشباب غالب ... سلطانه على الأسود والمهى
أيام آني الحي مدعوا إلى ... نيل المنى في كلما القلب اشتهى
أيام من بيض العذارى شافعي ... عذارى الأسود والوجه النقي
أيام تأتيني وآتيها فلا ... حاجب يخشى أو رقيب يرتشى
أيام بيتي كعبة تحجبه ... جآذر الحي وآساد الشرى
يشرق إشراق دجى وجوهها ... فأخريات الليل إذ تبدو ضحى
ميس القدود كالغصون يختشى ... من لينه القصف إذا مر الصبا
سكرى حباب الخمر في أفواهها ... لكنها أسمان ثغر ولمى
أجفانها وجيدها ونشرها ... ريم غطا مسك شذا ظبي رنا
من كل بيضاء الجبين ترتدي ... بالفاحم الأسود إذ تنضي الردى
يعبق طيب المسك من أردانها ... هذا وما قاربن مسكا فدكا
يحكي صفاها كلما تستر ... والفضل للمحكي لا لمن حكى
عواطفا تنفر أمثال المهى ... معارضات بالخدود والطلا
تقسو صدودا وتلين رقة ... يأمرها الحب وينهاها الحيا
يبدو أسيل الخد في صدودها ... وما بداني قصدها ما قد بدا
مثل الدما لو ارتآها مشرك ... خر لديها ساجدا إلى الثرى
أو أقبلت لراهب في ديره ... قال لها يا منية النفس الوحى
من شافعي إلى الصبا أو نافعي ... فيرعوي يوما وإن شاء التوى
قد كان عيشي فيه عيشا جامعا ... بين سرور الإجتماع والهنا(3/333)
أيام سلطان الشباب غالب ... سلطانه على الأسود والمهى
أيام آني الحي مدعوا إلى ... نيل المنى في كلما القلب اشتهى
أيام من بيض العذارى شافعي ... عذارى الأسود والوجه النقي
أيام تأتيني وآتيها فلا ... حاجب يخشى أو رقيب يرتشى
أيام بيتي كعبة تحجبه ... جآذر الحي وآساد الشرى
يشرق إشراق دجى وجوهها ... فأخريات الليل إذ تبدو ضحى
ميس القدود كالغصون يختشى ... من لينه القصف إذا مر الصبا
سكرى حباب الخمر في أفواهها ... لكنها أسمان ثغر ولمى
أجفانها وجيدها ونشرها ... ريم غطا مسك شذا ظبي رنا
من كل بيضاء الجبين ترتدي ... بالفاحم الأسود إذ تنضي الردى
يعبق طيب المسك من أردانها ... هذا وما قاربن مسكا فدكا
يحكي صفاها كلما تستر ... والفضل للمحكي لا لمن حكى
عواطفا تنفر أمثال المهى ... معارضات بالخدود والطلا
تقسو صدودا وتلين رقة ... يأمرها الحب وينهاها الحيا
يبدو أسيل الخد في صدودها ... وما بداني قصدها ما قد بدا
مثل الدما لو ارتآها مشرك ... خر لديها ساجدا إلى الثرى
أو أقبلت لراهب في ديره ... قال لها يا منية النفس الوحى
من شافعي إلى الصبا أو نافعي ... فيرعوي يوما وإن شاء التوى
قد كان عيشي فيه عيشا جامعا ... بين سرور الإجتماع والهنا
فصل في الدعاء لأيام الصبا ومنازل اللذات
سقى الصبا كل أجش ماطر ... مثعنجر الودقين محلول العرا
وجاد أيام الوصال ديمه ... تعيد فيها كل معسول اللمى
يا دارنا بالحي من أعلا الحما ... ومستزاد الخصب من مرعى الطلا
حياك بل حياك من عميمه ... ما منه قد أحياك من بعد البلا
من لي بهاتيك الديار أن ترى ... عائدة من لي بها من لي بها
تمنيات لا أظن ربها يرجو ... لغير الطيف منها ملتقى
عالم غيب غاب بعد أن رنا ... للطرف منها طرفا ثم عمى
رهن يميني لخليل حامل ... برده للقلب سرا ما فشا
ما تم قلبي بالصبا عذاره ... لكنه استعذب طبعا فقسا
والغمر الشباب عيشه له ... مادام عيش فإذا انقضى انقضى
فصل في ذكر الشيب وانقضاء وصل الحبيب
حتى إذا احتل العرى وأدبرت ... لذاته ولين الغصن قسا
عارضه لما اكتسى عارضه ... بالشيب بالهجر المقيم والجفا
وعريت خيل الصبا وقوضت ... خيامه وركبه الحادي حدى(3/334)
ورعرعت طلائع الشيب على ... شراته وبان ما كان اختفى
وسرحة الحي التي علقتها ... قلبك قد تجردت من اللحا
واصبح الرأس ثغاما بعد ما ... قد كان كالليل البهيم إذ دجى
وأصبحت معاطف الحصن التي ... كالغصن لينا يبسا مثل العصا
وأصبح القد القويم غصنه ... منحني القامة أي منحنى
طلائع قد كنت أخفي أمرها ... عن الشباب الغض جد مجتنى
حتى لقد أربت على هامته ... وراب ما قد راب منها وربى
أعيا الحشا الكتم فلا الكتم لها ... بكاتم سرا وإلا اليرنا غطا
فصل
يا صاحب الوجناء دعها ترتعي ... نور الحما كي تستعيدها الشذا
وأنشق تراب الحي شوق أهله ... نفسي ولا من بأهليه فدا
هل منحة هل نفحة هل لمحة ... تحيا ولو بالنوم من طيف الكرى
ماذا على أهل الحمالق حملوا ... ذاك الشذا من نحوهم ريح الصبا
ما ضر لو بالروح أحيوا ميتا ... في حبهم يا سعد من أفتى بدا
دعهم فدتهم مهجتي لا يغضبوا ... فالروح لا يثني ترى دون الرضا
كم بت في الليل الطويل راعيا ... نجم السما مسترعيا طول الدجى
لو كان يرعى النجم حق صحبة ... لازم عيني المدى وما سرى
أظنهم لو يعلمون محنتي ... ما منعوا طيف الكرى عن اللقا
فصل في التأسف على ما جرى من الميل إلى عشرة الصبا
وذاك وصل للغانيات إنه ... خاطف برق كل ناشر انطوى
فلم يكن بكفه مما مضى ... يوما سوى الوجد المقيم والعنا
فمر يبكي تارة شبابه ... وتارة يبكي على دهر خلا
وشره في الموبقات قد خلت ... لذاتها واثمها الباقي المدى
أوقرت من اثقالها ظهرا فما ... انفك منها أحدب الظهر حنا
أيام لهو بالخطايا قطعت ... أسرعت يا ويلي إلى الخطا الخطا
لو كان علمي بعينابات الصبا ... علمي ما استصبى فؤادي فصبا
زلة رأي ما ترويت لها ... وهفوة منها كلا حلمي هفا
لو كان تدري بالتوالي فكرتي ... ما اعقبتني الأولات ما أرى
ما كست إلا بعد ما السهم رمى ... قد طاش سهمي فتخيلت المنى(3/335)
أزعم اني في النضال واحد ... كيف وما أعلقت في الرأي الشوى
أخطأت نهجي ومشيت ظلة ... فاللوم لي إن ذاه ركبي أوزدى
والسير إن كان على غير هدى ... فالسير عن فيما يرجى لا إلى
فصل في شكوى الزمان وما كان من البلايا والإمتحان
أعرقن لمحي النائبات عنوة ... وهضن عظمي هيبة تأبى الوعى
لله كم نفسي تقاسي ما جرى ... لله كم عيني ترى ما لا يرى
لو كنت من صلد صفا فمارست ... ما كنت مارست إذا ذاب الصفا
أوان دهري شهدت وشابها ... ما شابه من مر عيشي ما حلا
كابدت من مر الليالي حنظلا ... لو ذاقه الحنظل يوما لشكى
لو كان عيسى طب ما لاقيته ... جل نبي الله أشكل السفا
أرجو الذي لا يرتجيه ذو نهى ... أين الشفا من قائم على شفا
مالي وللدهر طلابي سلمه ... من حيث لا يلقى إلى سلمي يدا
في كل يوم منه شن غارة ... طلاعها الأرض بلاغها السما
جالدتها والصبر ردي فانجلت ... عن امرىء في الخطب ردؤه العزا
فصل في الكلام على النائبات وما أدراك ما النائبات
من مبلغن النائبات دعوتي ... لو كان سمع سامع لمن وعى
لا تحسبن النائبات إنني ... ري لكل شارب أو محتسى
ما كل عود لين لغامز ... ربة عودان غمزته عسى
والصخرة الصفواء لا تأخذها ... ضرب المعاويل اذ الباغي بغى
يلين للصديق رفقا جانبي ... رعاء حق وده وإن قسا
ما يبتغي مر الرزايا من فتى ... مر الرزايا عنده حلو الطلا
طلاب مجد لا يبالي سعيه ... نقض المقادير ولا عكس القضا
لو حملته الدائرات منة ... لعافها ولو أباحته المنى
أو تخلع المجرة الثوب على ... عانقه عن كف ذل ما ارتدى
أو أعرضت بنهرها لخيله ... لا عن علامات ولم يشرب ظما
تنبو عن المرعى الذميم خيله ... وإن بدا مرعى علا رافت كلا
ما ملك البيض الحسان رقة ... فلم يقل الأفد الأودى
لو قبلت بيض الحسان ثغره ... أو شك أن يصده عنها الحيا
وقور أيام الشباب لم يشب ... سرته بنزق ولا صبا(3/336)
لا تستبيه الغنيات بالبهى ... يوما ولا تصبه ألحاظ المهى
فصل في التهضم والإفتخار
ما خف والشم والرواسي خلفه ... تنقض أفراد وتصطك سوى
سارت عوادي عزمه في عينه ... حمّارة القيظ وقرات الشتا
بينا تراه كالخليع لابسا ... ثوب الحصى في هاجرات كاللظى
حتى تراه مفردا عن صاحب ... حلف السرى مشتملا ثوب الدجى
فما تراه غائرا في هوة ... وما تراه طالعا نجد الهبا
مغري بقطع البيد حتى خلته ... يستاف من ترب الفلا مسك الشذا
كأنما الحصباء تدمي وجهه ... در مخانيق العذار في الطلا
لا يومه يأوي إلى الظل ولا ... ليله يعرف كنا أو خبا
أبيض لا يعطي انقيادا ليد ... كبا جواد الحظ فيه أو جرى
في عينه هذي الصروف وأخال ... فالخطب قد سالم مثله عرى
كالسيف طلقا كلما جردته ... ألفيته ذاك الحسام المنتضى
أخو الصديق حين يعروه العنا ... والأجنبي حين يغشاه الغنا
حمال أثقال فلو كلفته ... شم الجبال الحمل يوما ما أبى
جار إذا الطرف الجواد قد كبا ... ما ضر ذا لعضب الحسام قد بنا
أحقر شيء عنده حوباؤه ... والخليل تردي والغبار قد علا
أرخص من فلس الكريم نفسه ... لعرضه إذا رخص العرض الردى
ما استبدلت جاراته جواره ... بغيره عن دنس ولا خنا
في أذنه عن صوتها وقر وفي ... عينيه عن تشخيص عينها قذا
يعطف طرفا عن معاني وجهها ... وعن سواني دارها منه يدا
لا كالخوان الوغدان جن الدجى ... خان الوفا واستلب الجار الردى
يهدج طول الليل حول دارها ... وكان خيرا ان هدى الصبح هدى
لا الصاحب الأدنى الذي بجنبه ... ناج ولا الجار البعيد المرتمى
فضائح لا ينتهي الفكر لها ... جل الهي وإليه المشتكى
كم قد توخيت الوداد باذلا ... صفو الهوى مستنشقا هوى الصفا
نازلت فيها معشرا من دونهم ... نازلت ما يصمي الفؤاد والقوى
أسلفت ما أسلف أسلافي بها ... عند اشتداد البأس والخطب الرهى
تلقى لساني خاصما من دونها ... مثل بناني دافعا عنها البلا(3/337)
ولو كشفت باطني كشفته ... عن باطن فيه الصفا فيه الوفا
أحفظ عيبا ساترا لعيبه ... وحق غبي بالمجازي يرتمى
سقط الردى لا حرمتي ترعى ولا ... حقي يراعي فيهم في منتدى
حفيظتي مقهورة النفس بهم ... وحرمتي ماء سقى بلاوكا
أرعى وفي من ليس يرعى لي وفا ... هذا نهي يا قاتل الله النهى
اسهل شيء يقتنيه مسخطي ... حتى كأني عندها أعدى العدى
لو أن كلبا جاءها من كابل ... رعت له حق الجوار والوفا
ان اشرفت مريضتي فلا وعا ... أو عثرت بي ناقتي فلا لعا
أنفقت كنز العمر في مرضاتهم ... وما حصلت منهم على رضى
لو شئت أن تعرف قدري بينهم ... رأيته دون العبيد والأما
ويل نصيبي كم أقوم باكيا ... ولا يقول قائل مم البكا
أرضى بأن أقرن من أوغادها ... بمن نشا فيمن نشا لما انتهى
من لا يسد ثلمتي إن زعزع ... الحي وقد عج العجيج والرغا
لم أكف ما يكفيه حين تلتقي ... في ملتقي الضلغين أطراف القنا
لا مفزعا أن أفزع الخطب ولا ... يحمي من الروع إذا ريع الحمى
يا للمعالي اين هذا ... والذي يقرى القرى
من لمعري عن أخ صاحب ... يطرق مثل الصل فردا بالعرى
مفرد لا يزوره في داره ... من شد عن جواره ومن دنا
أخو رزايا كاثرت ذنوبه ... كذا المزايا آبها جم الخطا
أقسم لو أقسم كنت صادقا ... في موقف شهادة الصدق النسا
لو تصدق البيض العذارى خبرت ... بأنه من بينها كان الفتى
في يوم لا شاهد مرءا صادقا ... فيما جرى من خوف عار ما أتى
لو كنت تدري حالتي وحالهم ... دريت ما ياليت دار ما درى
في صهوة السرج أخ فإن دنا ... نيل المنى فضدها اشقى الشقى
أولى الشريكين إذا التف القنا ... وسلسل بالكف ان جاد الرخا
ما لليالي فوق هذا مرتقى ... هل فوق هذا يا لقومي مرتقى
وهي المعالي من أراد وصلها ... طلق ما دونها حتى البقا
لم يلق إلا راقيا إلى العلا ... وبالهوينا يدرك المجد الفتى
كم بين أرباب السباق والولا ... تروم مجدا شمم الذرا
من اشترى المجد استقل دونه ... ما في يديه من وإن علا(3/338)
سيدها ان فرغ الخطب وإن ... قرت ترى المملوك بيعا وشرى
يا هل ترى كيف الثوى فإننى ... نسيت من بينهم كيف الثوى
سقم جواري ورحيلي مثله ... يا هل ترى المثل هذا من دوا
يا هل لنفس ماجد من تلكم ... البلوى مقيل أو سبيل أو نجا
واندمي لا حاصلا من طائل ... ولا ارعواء لشباب قد مضى
اسم عن سوء الحديث مسمعا ... وعن قبيح الفعل أغضى مرتئا
أقري حليم مسمعي سفاهها ... ونطقها المحشر فحشا وبذى
رجاء أن يحلم ذو سفاهة ... أو يرعوي عن الكرى من قد عفا
حتى يراني مثلها مسامري ... أرضى الضلالات وأمتار العمى
حليفة تزعم كاسي ثوبها ... اياي أعني من حجا أين الحجا
كم ليلة سامرت في ظلامها ... عنها إذ الخصيم صعب المرتقى
ساورتها بالفكر حتى حصحصت ... وحصحص الحق عليها وانجلى
وعارض للموت في أكنافها ... بوارق تكشف عن وجه الفتى
عارضته من حيث لا من ناصر ... إلا طويل الرمح أو عضب الشبا
نصرا تراني غامسا في هوة ... لو كان ذا روح إليها ما دنا
لو كان في الحرب الزبون لجة ... ألفيتني في لجها حوت الظما
أو كان مسود الغبار طحنه ... لبستها كالنجم ما بين الطخى
يعدو لها مهري أن كروان ... قدام عودا يمشيها رهى
يمشي الهوينا كاسلا إذا انثنى ... ومشية البرق اللموع ان عدا
أقدام تلقاء القنا وصاحبي ... كالسرطان مشيه إلى ورا
وا أسفا على منى ضيعتها ... لو كان يجدي قولتي وا أسفا
وموقف حيث الجمام ماطر ... فوق الثرى مثل شآبيب الحيا
تبدو لأطراف العوالي صفحتي ... وللسهام الزرق وجه يجتلى
بحيث لو نفسي عدوي لحنا ... قلبي لها مما القيها البلا
والموت من كل جهاتي يمنة ... ويسرة وتحت رجلي وعلى
أوفقتها لا يلتقي مكروهها ... غيري ولا أغنى بها عني غنى
حتى انثنينا وله محض الثنا ... دوني وعيني على رغم ترى
يجلس صدرا فاعل الفعل كأن ... لم يك حين البأس من خلف القفا
تلقاه في ناديه رأس راسخ ... أوزن من أكناف رضوى وحرى
وكان حين الخطب من عرفته ... يجذبه فكله جذب الرشا(3/339)
يصطك اضراسا وسمعي شاهد ... تقرعه رعدته خوف الثرى
عجائب لو كنت حدثت بها ... شم الذرى لنكست منها الذرا
قد طاب للشكوى لساني حيرة ... ويحيي كم أشكو ولا أعطى الشكى
إني تحملت الذي لو بعضه ... كان على غارب قوس ما رسا
لا والذي تنحو الركاب بيته ... شتى فرادى وجماعات ثنى
من كل باد الجسم عري جسمه ... طي الموامي أثر سغب وطوى
لبى ثلاثا وارتدى احرامه ... مجردا عن فضل برد وردا
واجتاز نعمان الأراك واقفا ... لله فيما قد نواه من تقى
ثم أفاض للدلوك جاعلا ... مسيره يمين كثبان النقى
وجاز بين المازمين رافعا ... لصوته سلم يا رب العلا
وجاء جمعا بعدها ملتقطا ... جمر الحصى وفاض اشراق ذكا
ثم اغتدى محسرا حتى أتى ... من بعد حج ناويا قصد منى
فريثما ألقى الركاب واتدا ... نحو الجمار حاذقا تلك الحصى
وانصاع يقري هديه بكفه ... لله لا يبغي سوى الله هدى
وزار مرفوع العماد طائفا ... سبعا وصلى بعد في السفع الأولى
واستلم الركن قبيل سعيه ... تذكر العهد القديم بالولا
ثم اقتضى السبع الثواني ساعيا ... مهر ولا ملء الفروج حيذا
يبتدىء المروة من أعلى الصفا ... ويختم الأعلى كذاك بالصفا
ثم مرا الموسى الطرير قرنه ... ينزع ما لبذه نزع الردى
وعاود البيت المسمى ثانيا ... وطاف سبعا بعد هذا للنسا
ثم أتى المشعر ضيق سيد ... من شأنه فيض العطا صفح الخطا
فأكمل الرمي الجمار فافتدى ... في مسجد الخيف بخير مقتدى
آثار من لولاه ما كان برا ... رب الورى ليهتدي هذا الورى
وثار يوم النفر فيه طاعنا ... مودعا تلك البطاح والربى
ثم توخى طيبة ينحو الذي ... فضله الباري على من قد برا
فزار ما زار اشتياقا وأتى ... قبران ترى جور الملا
يسأل طورا يمنة ويسرة ... طورا وحر قلبه يذكى لظى
فمر ينشد الصدى كأنما ... أضل في شعابها لب الحشا
ثم أنى خير قبور ضمها ... من البقيع تربة هي الشفا
وأم سلعا وأتى كاظمة ... وجاء أحدا وتوخى لقبا
وعاود البيت الذي طهره ... رب الملا من كل رجس وقذا
أهل ودادي والذي ترابهم ... شفاء دائي ولعيني جلا
ثم بكى شوقا وحزنا ذاكرا ... ما قد جرى يا ليت لا كان جرى
ما كشفت عيب الصديق مقلتي ... ولا شفت من كان شح النفس شفا
ولا استخفتني أيادي معشر ... غل أياديها كفى الله البلا
كلا ولا استحسنت عذر صاحب ... وإن جزاني وده شر الجزا
نصحي مبذول لكل من رعى ... غشي مكفوف كذا كل أذى
أرخصت نصحي أو يقول جاهل ... لا خير في تجارة لا تشترى
لم آل نصحا طالبا نصحي ولا ... غششت من لم يبغ نصحي فعوى
أغضي على الذنب على علم به ... حتى كأن مقلتي حلف القذا
الباس شأني كلما عز رجا ... فكل ضيق نفسي كالرخا
حتى يقول خلتي قد حمق الشيخ ... ولا يدري صوابا أم خطا
إني بضر اليأس يوما دافعا ... قد صير اليأس من الناس الرجا
ما طمحت للمال عيناه ولا ... آسف للمال على المال السفا
طاوي كشح كلما في عالم الأطماع ... لا يعرفه إلا فتى
لو قال ان الري في حلقومه ... مثل الظما ما قال ما قال افترى
تلقاه مثلوج الفؤاد راويا ... وقلبه أظمى من الجمر صدى
أغناه من أغنى الغناء منة ... بفضله عن برد خز وكسا
فالخز ما تقنى به صوتك لا ... في جبة فيها المخازي تقتنى(3/340)
يصطك اضراسا وسمعي شاهد ... تقرعه رعدته خوف الثرى
عجائب لو كنت حدثت بها ... شم الذرى لنكست منها الذرا
قد طاب للشكوى لساني حيرة ... ويحيي كم أشكو ولا أعطى الشكى
إني تحملت الذي لو بعضه ... كان على غارب قوس ما رسا
لا والذي تنحو الركاب بيته ... شتى فرادى وجماعات ثنى
من كل باد الجسم عري جسمه ... طي الموامي أثر سغب وطوى
لبى ثلاثا وارتدى احرامه ... مجردا عن فضل برد وردا
واجتاز نعمان الأراك واقفا ... لله فيما قد نواه من تقى
ثم أفاض للدلوك جاعلا ... مسيره يمين كثبان النقى
وجاز بين المازمين رافعا ... لصوته سلم يا رب العلا
وجاء جمعا بعدها ملتقطا ... جمر الحصى وفاض اشراق ذكا
ثم اغتدى محسرا حتى أتى ... من بعد حج ناويا قصد منى
فريثما ألقى الركاب واتدا ... نحو الجمار حاذقا تلك الحصى
وانصاع يقري هديه بكفه ... لله لا يبغي سوى الله هدى
وزار مرفوع العماد طائفا ... سبعا وصلى بعد في السفع الأولى
واستلم الركن قبيل سعيه ... تذكر العهد القديم بالولا
ثم اقتضى السبع الثواني ساعيا ... مهر ولا ملء الفروج حيذا
يبتدىء المروة من أعلى الصفا ... ويختم الأعلى كذاك بالصفا
ثم مرا الموسى الطرير قرنه ... ينزع ما لبذه نزع الردى
وعاود البيت المسمى ثانيا ... وطاف سبعا بعد هذا للنسا
ثم أتى المشعر ضيق سيد ... من شأنه فيض العطا صفح الخطا
فأكمل الرمي الجمار فافتدى ... في مسجد الخيف بخير مقتدى
آثار من لولاه ما كان برا ... رب الورى ليهتدي هذا الورى
وثار يوم النفر فيه طاعنا ... مودعا تلك البطاح والربى
ثم توخى طيبة ينحو الذي ... فضله الباري على من قد برا
فزار ما زار اشتياقا وأتى ... قبران ترى جور الملا
يسأل طورا يمنة ويسرة ... طورا وحر قلبه يذكى لظى
فمر ينشد الصدى كأنما ... أضل في شعابها لب الحشا
ثم أنى خير قبور ضمها ... من البقيع تربة هي الشفا
وأم سلعا وأتى كاظمة ... وجاء أحدا وتوخى لقبا
وعاود البيت الذي طهره ... رب الملا من كل رجس وقذا
أهل ودادي والذي ترابهم ... شفاء دائي ولعيني جلا
ثم بكى شوقا وحزنا ذاكرا ... ما قد جرى يا ليت لا كان جرى
ما كشفت عيب الصديق مقلتي ... ولا شفت من كان شح النفس شفا
ولا استخفتني أيادي معشر ... غل أياديها كفى الله البلا
كلا ولا استحسنت عذر صاحب ... وإن جزاني وده شر الجزا
نصحي مبذول لكل من رعى ... غشي مكفوف كذا كل أذى
أرخصت نصحي أو يقول جاهل ... لا خير في تجارة لا تشترى
لم آل نصحا طالبا نصحي ولا ... غششت من لم يبغ نصحي فعوى
أغضي على الذنب على علم به ... حتى كأن مقلتي حلف القذا
الباس شأني كلما عز رجا ... فكل ضيق نفسي كالرخا
حتى يقول خلتي قد حمق الشيخ ... ولا يدري صوابا أم خطا
إني بضر اليأس يوما دافعا ... قد صير اليأس من الناس الرجا
ما طمحت للمال عيناه ولا ... آسف للمال على المال السفا
طاوي كشح كلما في عالم الأطماع ... لا يعرفه إلا فتى
لو قال ان الري في حلقومه ... مثل الظما ما قال ما قال افترى
تلقاه مثلوج الفؤاد راويا ... وقلبه أظمى من الجمر صدى
أغناه من أغنى الغناء منة ... بفضله عن برد خز وكسا
فالخز ما تقنى به صوتك لا ... في جبة فيها المخازي تقتنى
فصل
حسب الفتى المفضال ستر عورة ... صونا وسد فورة عن الطوى
صفر من المال الذميم كفه ... لكنها من واسع المجد ملا
لا تقبض الدرهم يسراه كما ... تكرم أن تمسه اليمنى علا
لو بعثرت كف البخيل داره ... حتى انتهت إلى مقاطيع الثرى
ما لمست ما يقتضيه نحلها ... حاشا العدى المحض وافراط الثنا
حتى إذا أقرى العفاة خلته ... قارون في كنوزه تلك الملا
مبتسما للسائلين وجهه ... وبيته يكاد من قرص خلا
لا يعرف المن إذا من ولا ... ينفك ان أخر حقا من ولا
ما منعته البيض عذب ريقها ... لرغبة عنه ولا صدت قلا(3/341)
بل عافها إذ عافها لما رأى ... أن المعالي ليس ترقى بالرقى
ما الشيب عن نيل العلا بمانع ... ولا الشباب فيه سهل المقتضى
ان الفتى ابن يومه في نفسه ... لا أمسه الماضي ولا الآتي غدا
من طلب العلياء جافى جنبه ... لين الحشايا وأبى نشر الكبا
أنى ينال المكرمات قاصر ... سعيا وإن قد طال أما وأبا
أكسل من أكرومة الحي إذا ... جاء الشتا بالقر والقطر هما
كالطفل ان واجرته في حلفه ... كف وإن يفتقد الثدي بكى
كم ضاعت الأحساب كف عاجز ... حتى غدت من عجزهم أيدي سبا
فصل
والدهر لا يزيله عن قصده ... فرط الأراجيف ولا كثر المرا
تشبث المرء بأذيال المنى ... من دون جد جده الداء العيا
كم علة تظنها تعلة ... وكم عنى يحسبه المرء غنى
حسبي من القوت اليسير بلغة ... تصون وجهي عن حفى دهر دبا
يكفيك كسر الخبز في الجوع وعن ... سلسال ماء رشفة عند الصبا
لا تيأسن من كشف كرب آيسا ... من كاشف الكرب وإن أعيا عيا
لكل ضيق فرج لكل شدة رخا ... لكل عماء جلا لكل علة شفاء
أي نعيم لا يزول صفوه ... وأي بؤس دام ما دام المدى
كل نعيم للبلاء صائر ... وكل عيش آيل إلى البلا
وأي حي غير ذى العرش العلا ... قد حتمت له الحياة والبقا
لا تكترث من زهرة القوم التي ... أقرب ما ان جئتها جئت الغثا
لا يغترر صاحب نعما بالذي ... في كفه كم أعقب النعما الشقا
أي سراج قد أضاء في الدجى ... لم يطلع الفجر عليه فانطفى
أي ضحى ما بعده ليل دجى ... أي دجى ما بعده صبح أضا
أي ربيع ما اختلى أي رطيب ما ... التوى أي قضيب ما ذوى
أي رفيع ما هوى أي قويم ... ما انحنى أي قوي ما وهى
أي جوى أي نوى أي لقى ... أي سرور أي حزن أو شجى
رأيت لم يعقب ضد ضده ... دوائر أسرع من دور الرجا
والصبر أولى بالكريم ان غدت ... عليه من سوء العوادي ما غدا
ما كنت بالقانط مما نالني ... والله حي وإليه المشتكى(3/342)
ما لازم الصبر امرأ فشأنه ... ولا عداه ذو عداد فزكى
والحازم الرأي الذي ان غاله ... غول الرزيا لا بكى ولا شكا
بل سلم الأمر إلى حسيبه ... وذاك نعم المرتجى والملتجى
من اكتفى بالله كان حسبه ... والله حسب كل من به اكتفى
ما لا يشاء الله لم يكن وما ... يشاء فهو كائن كما يشا
لا ترج إلا الله واقنع بالذي ... أولاكه من بذل جود وعطى
ما يفعل المحبوب محبوب سوى ... وأصل فضلا أو يكن عدلا نأى
أشاء أن اشمت في حاسدي ... أو ان يشاء الله عكس ما أشا
فأي فخر لأناس بالدهى ... وأي نقص لاناس بالتقى
لولا التقى ما خلت عجزا بامرىء ... عن جهل قوم وسموه بالدهى
لا يدفع المحذور حذر من فتى ... لا والذي ما شاء من أمر قضى
ما كنت بالخائف من منيتي ... جاءت ضحى أو طرقت بأبي عشا
والموت لا يعد والفتى أما على ... فراشه أو تحت أفياء الضبا
قتلا وموتا أيما يلقى الفتى ... في الله من هذين فهو المرتضى
فقتل ذي النجدة أذلها انتمى ... أو موت ذي العزلة إذ فيها ارتوى
ولا يظن الجاهلون أنني ... لعبة طفل حين يلهيه القلا
وإنني للنازلات عرضة ... تفعل في ما تشاء لولا الرضا
والمرء ما دام سليما دينه ... وعرضه عده لوم ولحا
إن أحمل الضيم على ظهري وإن ... أنف من تحمل الضيم أبا
فلي بخير العالمين إسوة ... فإنهم أسوة من كان اتسى
سادات من تحت السما وفوقها ... وخير من عليهم الصبح أضنا
أكرم خلق الله في فضل وفي ... بذل وأعلى منتم ومحتدا
أجل من صلى وصام طائعا ... أفضل من لبى وطاف وسعى
أهل منى وارين جملة ... والمازمين والأول وكرى
والحجر والميزاب والحطيم والمقام ... والأدكن مرفوع البنا
والطائفين والطواف حوله ... والمروة البيضاء فيها والصفا
والسعي والسعاة ما بينهما ... ومن سعى منتعلا أو احتفى
والحجر الطهر ومن قبله ... ومن أدى منسكه ومن قضى
ومكة والأنصبا وما أضا ... أعلامها الغر وما لا قد أضا
وطود ثور وقبيس وحرى ... والمستقى من زمزم ومن سقى(3/343)
والوحي والروح الأمين بالهدى ... يغدو فيهدي في الصباح والمسا
ومهبط الأملاك والمعراج ... والأسراء في الليلة مع سر السرى
والصحف والتوراة والإنجيل ... والزبور والفرقان قرا
والذكر متلوا ومن يتلوه في ... مستقبل الدهر وما كان حلا
وآل طه والطواسين ويا ... سين وحم ونون والنبا
عصابة لها النبي المصطفى ... لها الوصي لها الزكي المجتبى
لها أبي الضيم فخر هاشم ... منتجع السؤدد والمجد الرقى
والساجد العابد مصباح الدجى ... لها كذاك الباقر الحبر التقى
لها ابنه البر الأمين الصادق ... القول الرزين الحلم جعفر الندا
لها العفو الكاظمي الغيظ الفتى ... موسى لها رب الكمالات الرضا
لها الجواد الطهر من رقى العلا ... طفلا لها الهادي لذي الهدي هدى
لها الهمام العسكري نجله ... الراقي ذرى العلياء من حيث نشا
لها ابنه العدل المرجى للورى ... كشاف ليل الكرب مهدي الهدى
الحجج اللذ فما تخشى عمى ... اللجج الفعم فلا تخشى ظما
ما فيهم إلا إمام قائم ... بالحق يقفوه إمام مقتفى
نبيهم خير نبي قد أتى ... وصيهم خير وصي قد وفى
أبوهم خير فتى شهيدهم ... خير شهيد أمه خير النسا
تغرى لها العصمة من رب الورى ... شهادة قد افحمت أهل المرا
أقوالهم أفعالهم لم ينصرف ... قول وما صدقه فعل زكى
أذكارهم مستنبط الوحي فلا ... تخطي ولو سهوا إذا الساهي سها
هم هم الحق المبين للهدى ... إن بالهدى يوما ترى اللاهي لها
يضيء نور الرشد من قلوبهم ... إذ راح ليل الغي غاشيه غشى
أكفها تولى الندى وسمها ... يولى الهدى ونفثها يولي الشذا
لا يسأل السائل من ورائهم ... علما بأن الحق فيهم قد ثوى
لا يبتغي العافي سوى ربوعها ... مأوى وكل الصيد في جوف الفرا
ذاك الذي قد كل من كلالة ... في ظاهر التنزيل والأب أبى
إذا قريش في المساعي فاضلت ... ألقيت مرماها من المجد الكلا
أو ساجلت لغاية في حلبة ... جاؤوا المجلى وأتى الغير التلا
تلقى لها السهم المعلى في العلا ... إذا السوى بالغير خاطبها خطا
تقفو سباق السبق أثر سعيهم ... في السبق قفو المقتدي بالمقتدى
أنّى يشق ماجد غبارهم ... ومن ترى نعالهم عينا حشا
لم يأكل الشاؤن نيل شؤهم ... لكن على آثارهم تتلو المشا
شم العرانين اذا قلت يا مستصرخا ... الفيتهم من قبل يا
كأن مستقبلها ماضيها ... فقوله أعطى معناه عطا
الحاكمين العدل لم يعد بهم ... حب ولم يملهم عنه هوى
قد أمنت جورهم خصومهم ... في الحكم فالعالي والداني سوى
أنزر ما تلقاهم أن يسخطوا ... حتى كأن السخط منهم رضا
الحكم عدل والنفوس تلتظى ... والقول فضل والبليغ قد هدى
لو ودعت أعداؤها نفوسها ... لديهم لآمنت صرف الردى
الحافظ الجار فلا يناله ... جور ولا يعروه فيهم أذى
أمنع من صفية جوارهم ... يرفل في أثواب صون قد ظفى
والمكرم الضيف ندا تخالهم ... عبيده يفعل فيهم ما يشا
ما فقدت أضيافهم يوم قرى ... ما يشتهيه الضيف من حسن القرا
رحبا وقربا وابتسام ماجد ... وبشر وجه واحتراما وحبا
كأنما الأضياف إذ حلت بهم ... حلت لذا البرين أما وأبا
كأن أصوات العفاة عندها ... حاشا معاليها أراجيع الغنى
يطربها شدو السؤال للعطا ... كأنما العافي دعا الشادي شدا
نفسي لتلك الأنجم الزهر وقى ... روحي لتلك الأبحر المفعم فدا
قوم إذا قيس بهم من غيرهم ... قيس الجبال الراسيات بالهبا
جبال حلم لا تخف من طيشها ... بحار علم لا تجف من العلى
لا تسمع الفحشاء إذ تراهم ... ولا ترى الفاحش فيهم يجتبى
معادن الحكمة إن قال الخطا ... سواهم قالوا الصواب والهدى
بني المعالي والعوالي والحبا ... وقت الحياء والحجاج والحجى
جل علاهم أن يغالا بعلا ... أين الثريا والثرى هيهات ذا
اين الوهاد والربا اين الجبال ... والهيا اين ذكاء وسهى
لم يحسب الحاسب من عليائهم ... من قبل أن يحصى العلا يحصى الحصى
كل مديح دون سامي مجدهم ... يقصر حتى تحسب المدح الهجا
حكام بيت الله أهل داره ... وحوضه الصافي الصفى العذب الروى
والقاسم الخلق على أفعالها ... صنف لرضوان وصنف للظى
المعشر الصيد الذين حبهم ... رشد من الله وبغضهم عمى(3/344)
والوحي والروح الأمين بالهدى ... يغدو فيهدي في الصباح والمسا
ومهبط الأملاك والمعراج ... والأسراء في الليلة مع سر السرى
والصحف والتوراة والإنجيل ... والزبور والفرقان قرا
والذكر متلوا ومن يتلوه في ... مستقبل الدهر وما كان حلا
وآل طه والطواسين ويا ... سين وحم ونون والنبا
عصابة لها النبي المصطفى ... لها الوصي لها الزكي المجتبى
لها أبي الضيم فخر هاشم ... منتجع السؤدد والمجد الرقى
والساجد العابد مصباح الدجى ... لها كذاك الباقر الحبر التقى
لها ابنه البر الأمين الصادق ... القول الرزين الحلم جعفر الندا
لها العفو الكاظمي الغيظ الفتى ... موسى لها رب الكمالات الرضا
لها الجواد الطهر من رقى العلا ... طفلا لها الهادي لذي الهدي هدى
لها الهمام العسكري نجله ... الراقي ذرى العلياء من حيث نشا
لها ابنه العدل المرجى للورى ... كشاف ليل الكرب مهدي الهدى
الحجج اللذ فما تخشى عمى ... اللجج الفعم فلا تخشى ظما
ما فيهم إلا إمام قائم ... بالحق يقفوه إمام مقتفى
نبيهم خير نبي قد أتى ... وصيهم خير وصي قد وفى
أبوهم خير فتى شهيدهم ... خير شهيد أمه خير النسا
تغرى لها العصمة من رب الورى ... شهادة قد افحمت أهل المرا
أقوالهم أفعالهم لم ينصرف ... قول وما صدقه فعل زكى
أذكارهم مستنبط الوحي فلا ... تخطي ولو سهوا إذا الساهي سها
هم هم الحق المبين للهدى ... إن بالهدى يوما ترى اللاهي لها
يضيء نور الرشد من قلوبهم ... إذ راح ليل الغي غاشيه غشى
أكفها تولى الندى وسمها ... يولى الهدى ونفثها يولي الشذا
لا يسأل السائل من ورائهم ... علما بأن الحق فيهم قد ثوى
لا يبتغي العافي سوى ربوعها ... مأوى وكل الصيد في جوف الفرا
ذاك الذي قد كل من كلالة ... في ظاهر التنزيل والأب أبى
إذا قريش في المساعي فاضلت ... ألقيت مرماها من المجد الكلا
أو ساجلت لغاية في حلبة ... جاؤوا المجلى وأتى الغير التلا
تلقى لها السهم المعلى في العلا ... إذا السوى بالغير خاطبها خطا
تقفو سباق السبق أثر سعيهم ... في السبق قفو المقتدي بالمقتدى
أنّى يشق ماجد غبارهم ... ومن ترى نعالهم عينا حشا
لم يأكل الشاؤن نيل شؤهم ... لكن على آثارهم تتلو المشا
شم العرانين اذا قلت يا مستصرخا ... الفيتهم من قبل يا
كأن مستقبلها ماضيها ... فقوله أعطى معناه عطا
الحاكمين العدل لم يعد بهم ... حب ولم يملهم عنه هوى
قد أمنت جورهم خصومهم ... في الحكم فالعالي والداني سوى
أنزر ما تلقاهم أن يسخطوا ... حتى كأن السخط منهم رضا
الحكم عدل والنفوس تلتظى ... والقول فضل والبليغ قد هدى
لو ودعت أعداؤها نفوسها ... لديهم لآمنت صرف الردى
الحافظ الجار فلا يناله ... جور ولا يعروه فيهم أذى
أمنع من صفية جوارهم ... يرفل في أثواب صون قد ظفى
والمكرم الضيف ندا تخالهم ... عبيده يفعل فيهم ما يشا
ما فقدت أضيافهم يوم قرى ... ما يشتهيه الضيف من حسن القرا
رحبا وقربا وابتسام ماجد ... وبشر وجه واحتراما وحبا
كأنما الأضياف إذ حلت بهم ... حلت لذا البرين أما وأبا
كأن أصوات العفاة عندها ... حاشا معاليها أراجيع الغنى
يطربها شدو السؤال للعطا ... كأنما العافي دعا الشادي شدا
نفسي لتلك الأنجم الزهر وقى ... روحي لتلك الأبحر المفعم فدا
قوم إذا قيس بهم من غيرهم ... قيس الجبال الراسيات بالهبا
جبال حلم لا تخف من طيشها ... بحار علم لا تجف من العلى
لا تسمع الفحشاء إذ تراهم ... ولا ترى الفاحش فيهم يجتبى
معادن الحكمة إن قال الخطا ... سواهم قالوا الصواب والهدى
بني المعالي والعوالي والحبا ... وقت الحياء والحجاج والحجى
جل علاهم أن يغالا بعلا ... أين الثريا والثرى هيهات ذا
اين الوهاد والربا اين الجبال ... والهيا اين ذكاء وسهى
لم يحسب الحاسب من عليائهم ... من قبل أن يحصى العلا يحصى الحصى
كل مديح دون سامي مجدهم ... يقصر حتى تحسب المدح الهجا
حكام بيت الله أهل داره ... وحوضه الصافي الصفى العذب الروى
والقاسم الخلق على أفعالها ... صنف لرضوان وصنف للظى
المعشر الصيد الذين حبهم ... رشد من الله وبغضهم عمى(3/345)
والوحي والروح الأمين بالهدى ... يغدو فيهدي في الصباح والمسا
ومهبط الأملاك والمعراج ... والأسراء في الليلة مع سر السرى
والصحف والتوراة والإنجيل ... والزبور والفرقان قرا
والذكر متلوا ومن يتلوه في ... مستقبل الدهر وما كان حلا
وآل طه والطواسين ويا ... سين وحم ونون والنبا
عصابة لها النبي المصطفى ... لها الوصي لها الزكي المجتبى
لها أبي الضيم فخر هاشم ... منتجع السؤدد والمجد الرقى
والساجد العابد مصباح الدجى ... لها كذاك الباقر الحبر التقى
لها ابنه البر الأمين الصادق ... القول الرزين الحلم جعفر الندا
لها العفو الكاظمي الغيظ الفتى ... موسى لها رب الكمالات الرضا
لها الجواد الطهر من رقى العلا ... طفلا لها الهادي لذي الهدي هدى
لها الهمام العسكري نجله ... الراقي ذرى العلياء من حيث نشا
لها ابنه العدل المرجى للورى ... كشاف ليل الكرب مهدي الهدى
الحجج اللذ فما تخشى عمى ... اللجج الفعم فلا تخشى ظما
ما فيهم إلا إمام قائم ... بالحق يقفوه إمام مقتفى
نبيهم خير نبي قد أتى ... وصيهم خير وصي قد وفى
أبوهم خير فتى شهيدهم ... خير شهيد أمه خير النسا
تغرى لها العصمة من رب الورى ... شهادة قد افحمت أهل المرا
أقوالهم أفعالهم لم ينصرف ... قول وما صدقه فعل زكى
أذكارهم مستنبط الوحي فلا ... تخطي ولو سهوا إذا الساهي سها
هم هم الحق المبين للهدى ... إن بالهدى يوما ترى اللاهي لها
يضيء نور الرشد من قلوبهم ... إذ راح ليل الغي غاشيه غشى
أكفها تولى الندى وسمها ... يولى الهدى ونفثها يولي الشذا
لا يسأل السائل من ورائهم ... علما بأن الحق فيهم قد ثوى
لا يبتغي العافي سوى ربوعها ... مأوى وكل الصيد في جوف الفرا
ذاك الذي قد كل من كلالة ... في ظاهر التنزيل والأب أبى
إذا قريش في المساعي فاضلت ... ألقيت مرماها من المجد الكلا
أو ساجلت لغاية في حلبة ... جاؤوا المجلى وأتى الغير التلا
تلقى لها السهم المعلى في العلا ... إذا السوى بالغير خاطبها خطا
تقفو سباق السبق أثر سعيهم ... في السبق قفو المقتدي بالمقتدى
أنّى يشق ماجد غبارهم ... ومن ترى نعالهم عينا حشا
لم يأكل الشاؤن نيل شؤهم ... لكن على آثارهم تتلو المشا
شم العرانين اذا قلت يا مستصرخا ... الفيتهم من قبل يا
كأن مستقبلها ماضيها ... فقوله أعطى معناه عطا
الحاكمين العدل لم يعد بهم ... حب ولم يملهم عنه هوى
قد أمنت جورهم خصومهم ... في الحكم فالعالي والداني سوى
أنزر ما تلقاهم أن يسخطوا ... حتى كأن السخط منهم رضا
الحكم عدل والنفوس تلتظى ... والقول فضل والبليغ قد هدى
لو ودعت أعداؤها نفوسها ... لديهم لآمنت صرف الردى
الحافظ الجار فلا يناله ... جور ولا يعروه فيهم أذى
أمنع من صفية جوارهم ... يرفل في أثواب صون قد ظفى
والمكرم الضيف ندا تخالهم ... عبيده يفعل فيهم ما يشا
ما فقدت أضيافهم يوم قرى ... ما يشتهيه الضيف من حسن القرا
رحبا وقربا وابتسام ماجد ... وبشر وجه واحتراما وحبا
كأنما الأضياف إذ حلت بهم ... حلت لذا البرين أما وأبا
كأن أصوات العفاة عندها ... حاشا معاليها أراجيع الغنى
يطربها شدو السؤال للعطا ... كأنما العافي دعا الشادي شدا
نفسي لتلك الأنجم الزهر وقى ... روحي لتلك الأبحر المفعم فدا
قوم إذا قيس بهم من غيرهم ... قيس الجبال الراسيات بالهبا
جبال حلم لا تخف من طيشها ... بحار علم لا تجف من العلى
لا تسمع الفحشاء إذ تراهم ... ولا ترى الفاحش فيهم يجتبى
معادن الحكمة إن قال الخطا ... سواهم قالوا الصواب والهدى
بني المعالي والعوالي والحبا ... وقت الحياء والحجاج والحجى
جل علاهم أن يغالا بعلا ... أين الثريا والثرى هيهات ذا
اين الوهاد والربا اين الجبال ... والهيا اين ذكاء وسهى
لم يحسب الحاسب من عليائهم ... من قبل أن يحصى العلا يحصى الحصى
كل مديح دون سامي مجدهم ... يقصر حتى تحسب المدح الهجا
حكام بيت الله أهل داره ... وحوضه الصافي الصفى العذب الروى
والقاسم الخلق على أفعالها ... صنف لرضوان وصنف للظى
المعشر الصيد الذين حبهم ... رشد من الله وبغضهم عمى
قصيدة الدروقي في رثاء العصفوري
وله في رثاء العلامة الشيخ حسين بن الشيخ محمد العصفوري رحمه الله.
اطيلي البكا فالرزء أضحى مجددا ... إذا غبنا في اليوم باكرنا غدا
ولا تسأمي فرط النياحة واهتفي ... بخطب عرا شمل الهدى فتبددا
وخلي التعزي للخليلين واندبي ... فما كل صبر يا بنة القوم أحمدا
ألم تعلمي الخطب الذي هد وقعه ... نظام الهدى وانهد منه ذرى الهدى
وباتت له أم المكارم ثاكلا ... تعالج طرفا يمطر الدمع أرمدا
أرى الموت يحدو بالكرام كأنما ... جنوا ترة لا عفو فيها ولا ودا
غدا حكمه الامضاء فيهم فليته ... يكون له في بعضهم نية البدا
غدا بالبحور الفعم عنا لقصده ... وهان عليه ما نلاقيه من صدى
سلوه فهل من غاية ينتهي لها ... فديتكم أم ليس يجري إلى مدى
أخا قسوة في قلبه غير عاطف ... على ضعفنا منا ولا قابل فدا
أهاب بإخوان الصفا فاصطفاهم ... وثنى بأرباب العلا متفردا
رمى شملهم صدع الزجاجة قد رمى ... بها أيد صلد الصفا متعمدا
قفوا أبي على أطلالهم نبك ساعة ... وإن لم يكن فيها مجيب سوى الصدى
نسائلها أي المنازل يمموا ... وأي مقام أعجلوا نحوه الحدا
خلا منهم الوادي فصوح نبته ... وبانوا عن النادي فأصبح أسودا
فراحوا وكم قد خلفوا من ندا هدى ... به يهتدي بين الورى أو هدى ندا
تضم الثرى منهم صدورا تضمنت ... من العلم معروف الرواية مسندا
فويح الثرى بل ويح نفسي من الثرى ... عداد الثرى لا بله ويح مؤبدا
أقاسمها الأحباب لا متوقعا ... على نظر فيهم ولا مترددا
تعجلتهم للقبر حتى كأنني ... على ودي المعلوم أعد من العدا
وددت على أنفاسهم قارع الصفا ... ووسلتهم فيها الصفيح المتصدا
أودعهم عند المقابر قاصدا ... حياطتهم يا بعد ذلك مقصدا
ففي كل يوم لم تزل تصب مقلتي ... علا ترتمي أو شمل مجد مبددا
بنفسي إن الأكرمين تتابعوا ... كأنهم قد أسلفوا البين موعدا
أهابهم داعي المنايا فأزمعوا ... له السير لا يألون مثنى وموحدا
الوامتي في الحزن ما الحزن بعدها ... تبارك قلبي ساعة أو مفندا
الوامتي بعد الحسين قضى الجوى ... لقلبي إني لا أزال مسهدا
وكيف العزا يا سعد من بعد خطة ... قضت للمعالي حزنها أن يخلدا
أخو السبق في الغايات ساعة باعدت ... مداها فأعي إلا رجي المعودا
نقى المساعي عن تدنس ريبة ... أقام حميدا ما أقام وقد غدى
... بأحمد سعي في العلا إذ غدا
تناقل أعداه أحاديث فضله ... فلم تستطع منهم جحودا فتجحدا
تؤيدها بالرغم منها ولو رأت ... سبيلا إلى انكارها لن يؤيدا
كفى مدعيها حجة كما تلى ... أقر له الخصم الألد وأكدا
بليغ وإن لم تلفه متفوها ... كذا السيف مغمدا أو مجردا
ملي بإملاء المسائل ساكتا ... فإن قال جلا في المقال وسددا
يحيى بها العذب النمير سلاسة ... إذا الغير يحكيها الهجين المقعدا
يلوك بلحييه لسانا كأنه ... أخو نجدة يبلو الحسام المهندا
إذا قر قلت الطود في الحلم راسيا ... وإن هاج قلت البحر بالعلم مزبدا
فلهفة أكباد بعد يومه ... لهيف الظوامي لا يصادفن موردا
وحيرة أهل الفضل لا سيما الذي ... يؤم الهدى أن ينتحي الرشد مسندا
لتبك المعالي شجوها بعد هذه ... بكاء العذارى حين أفقدن مفقدا
امام الهدى من ظل بعدك للهدى ... لباغ بغى أو مارد قد تمردا
تركت ربوع الدين قفرا وليلها ... عقيبك ان لم يرحم الله سرمدا
وعز المساعي ضايعات حريمها ... فراقد تبكي كافلا ومسددا
فمن لحدود الله فيه يقيمها ... وقد أكثر اللاحي علينا وفندا
ومن لشكوك الدين يكشف لبسها ... كأني ثكلا تسأل مرشدا
ومن يقحم الباغي على الحق ناطقا ... بحق فإن يأبى الهدى اتبع المدى
فديناك لو يرضى الزمان بنافدا ... وإن قل أن يفدي المسود المسودا
تقاسمني فيك المسرة والجوى ... فلم أدر نفسي والها أو معربدا
يهيجني الناعي برزؤك هاتفا ... ويطربني الشادي بفضلك منشدا
فلم أدر أن اصغي لذاك معددا ... بنوحك أو أصغي لهذا مغردا
بكتك البواكي ان هتقن بماجد ... أقام عماد الدين سعيا وسيدا
بكيتك للدين الحنيف تحوطه ... إذ غار غار في الضلال وأنجدا
ولليل تحيي جنحه متهجدا ... وللدهر تقضي عمره متزهدا
وللسائرات الغر تعقلها دجى ... فيصبحن في الآفاق كالنجم شردا
وللجج اللد الصوائب لا ترى ... لهن سوى قلب المضلين مقعدا
رميت بها جيش الضلال فانبرت ... بلابلا قد قتل بلا ردا
قضيت بها حق الوصي وحزبه ... أصولا أصيلات وفرعا ممهدا
أقول لحادي البرق يزجي بسوطه ... نعمائم يحملن الغمام المنضدا
أقم حيث تلقى البحر في ضمن تربة ... يفوح الرضا منها مراحا ومغتدا
وحل عقود المزن إن كنت ساقيا ... امام هدى أو راعيا حق مقتدى
سقاك من الرضوان ما أنت أهله ... على مرر الأزمان مجدا وسؤددا(3/346)
اطيلي البكا فالرزء أضحى مجددا ... إذا غبنا في اليوم باكرنا غدا
ولا تسأمي فرط النياحة واهتفي ... بخطب عرا شمل الهدى فتبددا
وخلي التعزي للخليلين واندبي ... فما كل صبر يا بنة القوم أحمدا
ألم تعلمي الخطب الذي هد وقعه ... نظام الهدى وانهد منه ذرى الهدى
وباتت له أم المكارم ثاكلا ... تعالج طرفا يمطر الدمع أرمدا
أرى الموت يحدو بالكرام كأنما ... جنوا ترة لا عفو فيها ولا ودا
غدا حكمه الامضاء فيهم فليته ... يكون له في بعضهم نية البدا
غدا بالبحور الفعم عنا لقصده ... وهان عليه ما نلاقيه من صدى
سلوه فهل من غاية ينتهي لها ... فديتكم أم ليس يجري إلى مدى
أخا قسوة في قلبه غير عاطف ... على ضعفنا منا ولا قابل فدا
أهاب بإخوان الصفا فاصطفاهم ... وثنى بأرباب العلا متفردا
رمى شملهم صدع الزجاجة قد رمى ... بها أيد صلد الصفا متعمدا
قفوا أبي على أطلالهم نبك ساعة ... وإن لم يكن فيها مجيب سوى الصدى
نسائلها أي المنازل يمموا ... وأي مقام أعجلوا نحوه الحدا
خلا منهم الوادي فصوح نبته ... وبانوا عن النادي فأصبح أسودا
فراحوا وكم قد خلفوا من ندا هدى ... به يهتدي بين الورى أو هدى ندا
تضم الثرى منهم صدورا تضمنت ... من العلم معروف الرواية مسندا
فويح الثرى بل ويح نفسي من الثرى ... عداد الثرى لا بله ويح مؤبدا
أقاسمها الأحباب لا متوقعا ... على نظر فيهم ولا مترددا
تعجلتهم للقبر حتى كأنني ... على ودي المعلوم أعد من العدا
وددت على أنفاسهم قارع الصفا ... ووسلتهم فيها الصفيح المتصدا
أودعهم عند المقابر قاصدا ... حياطتهم يا بعد ذلك مقصدا
ففي كل يوم لم تزل تصب مقلتي ... علا ترتمي أو شمل مجد مبددا
بنفسي إن الأكرمين تتابعوا ... كأنهم قد أسلفوا البين موعدا
أهابهم داعي المنايا فأزمعوا ... له السير لا يألون مثنى وموحدا
الوامتي في الحزن ما الحزن بعدها ... تبارك قلبي ساعة أو مفندا
الوامتي بعد الحسين قضى الجوى ... لقلبي إني لا أزال مسهدا
وكيف العزا يا سعد من بعد خطة ... قضت للمعالي حزنها أن يخلدا
أخو السبق في الغايات ساعة باعدت ... مداها فأعي إلا رجي المعودا
نقى المساعي عن تدنس ريبة ... أقام حميدا ما أقام وقد غدى
... بأحمد سعي في العلا إذ غدا
تناقل أعداه أحاديث فضله ... فلم تستطع منهم جحودا فتجحدا
تؤيدها بالرغم منها ولو رأت ... سبيلا إلى انكارها لن يؤيدا
كفى مدعيها حجة كما تلى ... أقر له الخصم الألد وأكدا
بليغ وإن لم تلفه متفوها ... كذا السيف مغمدا أو مجردا
ملي بإملاء المسائل ساكتا ... فإن قال جلا في المقال وسددا
يحيى بها العذب النمير سلاسة ... إذا الغير يحكيها الهجين المقعدا
يلوك بلحييه لسانا كأنه ... أخو نجدة يبلو الحسام المهندا
إذا قر قلت الطود في الحلم راسيا ... وإن هاج قلت البحر بالعلم مزبدا
فلهفة أكباد بعد يومه ... لهيف الظوامي لا يصادفن موردا
وحيرة أهل الفضل لا سيما الذي ... يؤم الهدى أن ينتحي الرشد مسندا
لتبك المعالي شجوها بعد هذه ... بكاء العذارى حين أفقدن مفقدا
امام الهدى من ظل بعدك للهدى ... لباغ بغى أو مارد قد تمردا
تركت ربوع الدين قفرا وليلها ... عقيبك ان لم يرحم الله سرمدا
وعز المساعي ضايعات حريمها ... فراقد تبكي كافلا ومسددا
فمن لحدود الله فيه يقيمها ... وقد أكثر اللاحي علينا وفندا
ومن لشكوك الدين يكشف لبسها ... كأني ثكلا تسأل مرشدا
ومن يقحم الباغي على الحق ناطقا ... بحق فإن يأبى الهدى اتبع المدى
فديناك لو يرضى الزمان بنافدا ... وإن قل أن يفدي المسود المسودا
تقاسمني فيك المسرة والجوى ... فلم أدر نفسي والها أو معربدا
يهيجني الناعي برزؤك هاتفا ... ويطربني الشادي بفضلك منشدا
فلم أدر أن اصغي لذاك معددا ... بنوحك أو أصغي لهذا مغردا
بكتك البواكي ان هتقن بماجد ... أقام عماد الدين سعيا وسيدا
بكيتك للدين الحنيف تحوطه ... إذ غار غار في الضلال وأنجدا
ولليل تحيي جنحه متهجدا ... وللدهر تقضي عمره متزهدا
وللسائرات الغر تعقلها دجى ... فيصبحن في الآفاق كالنجم شردا
وللجج اللد الصوائب لا ترى ... لهن سوى قلب المضلين مقعدا
رميت بها جيش الضلال فانبرت ... بلابلا قد قتل بلا ردا
قضيت بها حق الوصي وحزبه ... أصولا أصيلات وفرعا ممهدا
أقول لحادي البرق يزجي بسوطه ... نعمائم يحملن الغمام المنضدا
أقم حيث تلقى البحر في ضمن تربة ... يفوح الرضا منها مراحا ومغتدا
وحل عقود المزن إن كنت ساقيا ... امام هدى أو راعيا حق مقتدى
سقاك من الرضوان ما أنت أهله ... على مرر الأزمان مجدا وسؤددا(3/347)
اطيلي البكا فالرزء أضحى مجددا ... إذا غبنا في اليوم باكرنا غدا
ولا تسأمي فرط النياحة واهتفي ... بخطب عرا شمل الهدى فتبددا
وخلي التعزي للخليلين واندبي ... فما كل صبر يا بنة القوم أحمدا
ألم تعلمي الخطب الذي هد وقعه ... نظام الهدى وانهد منه ذرى الهدى
وباتت له أم المكارم ثاكلا ... تعالج طرفا يمطر الدمع أرمدا
أرى الموت يحدو بالكرام كأنما ... جنوا ترة لا عفو فيها ولا ودا
غدا حكمه الامضاء فيهم فليته ... يكون له في بعضهم نية البدا
غدا بالبحور الفعم عنا لقصده ... وهان عليه ما نلاقيه من صدى
سلوه فهل من غاية ينتهي لها ... فديتكم أم ليس يجري إلى مدى
أخا قسوة في قلبه غير عاطف ... على ضعفنا منا ولا قابل فدا
أهاب بإخوان الصفا فاصطفاهم ... وثنى بأرباب العلا متفردا
رمى شملهم صدع الزجاجة قد رمى ... بها أيد صلد الصفا متعمدا
قفوا أبي على أطلالهم نبك ساعة ... وإن لم يكن فيها مجيب سوى الصدى
نسائلها أي المنازل يمموا ... وأي مقام أعجلوا نحوه الحدا
خلا منهم الوادي فصوح نبته ... وبانوا عن النادي فأصبح أسودا
فراحوا وكم قد خلفوا من ندا هدى ... به يهتدي بين الورى أو هدى ندا
تضم الثرى منهم صدورا تضمنت ... من العلم معروف الرواية مسندا
فويح الثرى بل ويح نفسي من الثرى ... عداد الثرى لا بله ويح مؤبدا
أقاسمها الأحباب لا متوقعا ... على نظر فيهم ولا مترددا
تعجلتهم للقبر حتى كأنني ... على ودي المعلوم أعد من العدا
وددت على أنفاسهم قارع الصفا ... ووسلتهم فيها الصفيح المتصدا
أودعهم عند المقابر قاصدا ... حياطتهم يا بعد ذلك مقصدا
ففي كل يوم لم تزل تصب مقلتي ... علا ترتمي أو شمل مجد مبددا
بنفسي إن الأكرمين تتابعوا ... كأنهم قد أسلفوا البين موعدا
أهابهم داعي المنايا فأزمعوا ... له السير لا يألون مثنى وموحدا
الوامتي في الحزن ما الحزن بعدها ... تبارك قلبي ساعة أو مفندا
الوامتي بعد الحسين قضى الجوى ... لقلبي إني لا أزال مسهدا
وكيف العزا يا سعد من بعد خطة ... قضت للمعالي حزنها أن يخلدا
أخو السبق في الغايات ساعة باعدت ... مداها فأعي إلا رجي المعودا
نقى المساعي عن تدنس ريبة ... أقام حميدا ما أقام وقد غدى
... بأحمد سعي في العلا إذ غدا
تناقل أعداه أحاديث فضله ... فلم تستطع منهم جحودا فتجحدا
تؤيدها بالرغم منها ولو رأت ... سبيلا إلى انكارها لن يؤيدا
كفى مدعيها حجة كما تلى ... أقر له الخصم الألد وأكدا
بليغ وإن لم تلفه متفوها ... كذا السيف مغمدا أو مجردا
ملي بإملاء المسائل ساكتا ... فإن قال جلا في المقال وسددا
يحيى بها العذب النمير سلاسة ... إذا الغير يحكيها الهجين المقعدا
يلوك بلحييه لسانا كأنه ... أخو نجدة يبلو الحسام المهندا
إذا قر قلت الطود في الحلم راسيا ... وإن هاج قلت البحر بالعلم مزبدا
فلهفة أكباد بعد يومه ... لهيف الظوامي لا يصادفن موردا
وحيرة أهل الفضل لا سيما الذي ... يؤم الهدى أن ينتحي الرشد مسندا
لتبك المعالي شجوها بعد هذه ... بكاء العذارى حين أفقدن مفقدا
امام الهدى من ظل بعدك للهدى ... لباغ بغى أو مارد قد تمردا
تركت ربوع الدين قفرا وليلها ... عقيبك ان لم يرحم الله سرمدا
وعز المساعي ضايعات حريمها ... فراقد تبكي كافلا ومسددا
فمن لحدود الله فيه يقيمها ... وقد أكثر اللاحي علينا وفندا
ومن لشكوك الدين يكشف لبسها ... كأني ثكلا تسأل مرشدا
ومن يقحم الباغي على الحق ناطقا ... بحق فإن يأبى الهدى اتبع المدى
فديناك لو يرضى الزمان بنافدا ... وإن قل أن يفدي المسود المسودا
تقاسمني فيك المسرة والجوى ... فلم أدر نفسي والها أو معربدا
يهيجني الناعي برزؤك هاتفا ... ويطربني الشادي بفضلك منشدا
فلم أدر أن اصغي لذاك معددا ... بنوحك أو أصغي لهذا مغردا
بكتك البواكي ان هتقن بماجد ... أقام عماد الدين سعيا وسيدا
بكيتك للدين الحنيف تحوطه ... إذ غار غار في الضلال وأنجدا
ولليل تحيي جنحه متهجدا ... وللدهر تقضي عمره متزهدا
وللسائرات الغر تعقلها دجى ... فيصبحن في الآفاق كالنجم شردا
وللجج اللد الصوائب لا ترى ... لهن سوى قلب المضلين مقعدا
رميت بها جيش الضلال فانبرت ... بلابلا قد قتل بلا ردا
قضيت بها حق الوصي وحزبه ... أصولا أصيلات وفرعا ممهدا
أقول لحادي البرق يزجي بسوطه ... نعمائم يحملن الغمام المنضدا
أقم حيث تلقى البحر في ضمن تربة ... يفوح الرضا منها مراحا ومغتدا
وحل عقود المزن إن كنت ساقيا ... امام هدى أو راعيا حق مقتدى
سقاك من الرضوان ما أنت أهله ... على مرر الأزمان مجدا وسؤددا
وله أيضا في رثاء الشيخ (ره)
يا أهلي نياحة وولوعا ... ولستهلي مدامعا ونجيعا
واتركي التاركين شجوك فيما ... سلب الدين صبره والهجوعا
للخليلين صبرهم ولذي الرزء ... شجاه ان كنت حيا سميعا
لا يمل الولوع قلب شجي ... ان من شيمة الشجي الولوعا
كلفوا قلبي السلو وهيهات ... تراه للعاذلين مطيعا
لن تطيع الخلي مقلة صب ... غير صب الدموع لن تستطيعا
لست استشفع الصديق لحزن ... شر أمر تحتاج فيه الشفيعا
فاستعيدي بنا ربي آل ليلى ... واستهجى ديارهم والربوعا
واسأليها عسى ترق لداع ... وعسى أن تريع أن تستريعا
وأظن الديار مثلك نكلا ... هي لكن بشجوها لن تذيعا
كيف لا تندب الديار وقد كانوا ... مصابيح ليلها والشموعا
فدع الصبر رب آمر عليه ... يحسن المرء أن يكون جزوعا
أي عهد حفظته وتخافى ... في حبيب من لائم تقريعا
ليس من يحفظ الدموع حفيظا ... ليس من ضيع الدموع مضيعا
ما أنا والسلو يا بنة قومي ... ان عقلتي هذا المصاب الشنيعا
فقد غوث الإمام والعالم العامل ... غيث الندى الربيع المريعا
فادح أثكل المعالي فحبل الدين ... أضحى من وقوعه مقطوعا
شت شمل الهدى عنادا فيا ... قلبي تصدع لشمله مصدوعا
أي رزء غدا له الدين قسرا ... تأكل القلب بالمصاب مروعا
خطه أخلت الديار من المجد ... فلا شارعا ولا مشروعا
ألبست كل فاضل ثوب حزن ... لا أراها من بعدها منزوعا
يا إمام الهدى ويا نائب الحجة ... ان كان قول نائب مسموعا(3/348)
من لدين النبي بعدك يرعى ... أفما خفت سيدى أن يضيعا
لم تركت الأنام بعدك ولهى ... يتهادون في الضلال وقوعا
كنت ان جاء سائل أبصر الفضل ... مبينا بل الجلال شروعا
فلم اليوم إن ترواك فكر ... باء عن قلة وعادوا جميعا
الرأي بذاته أم لسر ... منع الحكم أمره أن يشيعا
كنت صعبا على الخطوب فلم ... أصبحت للخطب مستكينا خضوعا
إن تخطت إليك خيل المنايا ... فلما زلن ينتحين القريعا
أو رماك الزمان من فارع الطود ... فشأن الزمان يرمي الرفيعا
قدر قد رماك لو أعقل المعنى ... كفاه بأن ينال الوضيعا
غبت فالمجد بعد شخصك ولى ... وكذا حيث كان كنت تبيعا
يا ربيع العلوم هذي المعالي ... فيك ملت خليلها والربيعا
يا رفيع العماد بعدك ظل الفضل ... أمسى عن أهله مرفوعا
يا حيا المرملات عام اليتامى ... عاد قيضا وكان فيك ربيعا
يا منبع الجلال كل جلال ... فيك أمسى بصبره مفجوعا
كنت في ليلهم حديث افتخار ... يتعاطونه طويلا وسيعا
فلماذا تركتهم رأي عين ... يتعاطون حسرة ودموعا
شغلوا بالمصاب فيك عن الأصل ... وعافوا لزروك التفريعا
عطلوا الدرس والمدارس ... من حزن فلا سامعا ولا مسموعا
تلك أجفانهم تسح دموعا ... وحشاشاتهم خفقن نزوعا
فقدوا من علاك علما وحلما ... وجلالا سامي المنار الرفيعا
وجمال أقرنته بكمال ... وخشوعا برفعة مشفوعا
عز والله أن تضام عليهم ... دون أن تمطر السيوف النجيعا
وتروح الرجال قتلى وأسرى ... تتفانى عساكرا وجموعا
يا لقومي وأين مني قومي ... مطلبا شاسعا وخطبا شنيعا
غير الذل قومهم فاستمانوا ... قل ان ينعش النداء الصريعا
صاح قف بي على الأكارم لكن ... ان تكن تندب الربى والربوعا
صاح هذي ديارهم خاليات ... فقدت منهم الجمال البديعا
فقد الليل منهم إنه المأسور ... في القيد لا يطيق الهجوعا
تتجافى جنوبهم مدة الليل ... إذ لازم الضجيع الضجيعا
أسرعوا للجنان عنا وظل ... العاجز الصب سنه مقروعا(3/349)
فكأني بهم وقد عانقوا الحور ... فيأتوا مواصلين جميعا
مل قلبي من بعدهم كل قصد ... كان إلا لقاهم والرجوعا
أتمنى على الزمان لقاهم ... حيث استمنح الشحيح المنوعا
فالغواني لا تشرئب لعيني ... لا ولو كانت الرواح الشموعا
لم تضم القبور منهم شخوصا ... لا ولكن عوالما ونجوعا
ضمت الفضل والتقى والمساعي ... والمعالي وأهلهن جميعا
فعليها وأهلهن سلام ... لست أعني اللقابل التوديعا
قصيدة الدروقي في رثاء الشيخ محمد
وله: في رثاء الشيخ محمد بن الشيخ يوسف رحمه الله:
كيف تبقى لنا وأنت العماد ... وتوفى وتكمد الحساد
أو يعود الزمان مغتبط العيش ... وتقضي بغيظها الأضداد
وسجايا زمانك النقص فمن أين ... يرجى من عنده الازدياد
تبتغي في الزمان ذخرا وفخرا ... والقصارى القبور والإلحاد
لم يعط الندى ونسعى المساعي ... ويؤم العلا بها ويساد
لم تبن القصور محكمة الأركان ... يعلى لها البنا ويشاد
لم تصان الدروع والبيض في الأغما ... د لم تقتن لحرب جياد
لم تخل الرجال بالبيض عفوا ... لم تربّ من بينها الأولاد
لم تعد الألوف ولم تحشد ... منها الجيوش والأجناد
ما غناها ما نفعها وسواء ... هي عند المنون والأحساد
لم يختار للقراع حسام ... لم يعتاد للدفاع جواد
لم ينتاب ماجد لعطاء ... لم تحي برفده الوكاد
لم يستنكف الأبي من الذل ... وتأبى الدناءة الأمجاد
وهم في التراب أبناء مثل ... منطق أخرس وكف جماد
لم تستربط الخيول المذاكي ... والمهاري من خلفها تستجاد
وهي ان قابلت خيول المنايا ... نكست أهلها وكف الطراد
عزم كاف الكفاة أخزى جبان ... فترى البهم كالبهم يقاد
كل يوم يخر للأرض طود ... لا تدانى جلاله الأطواد
وجواد عطا سوا له الأرض ... وبالفضل لا يجود الجواد
ضمنته بطن القبور فمن ترب ... وطاه له وترب وساد(3/350)
طال حمل الثرى بأهل المعالي ... ليت شعري متى يكون الولاد
قد ظننت المنون من قبل هذا ... همها في البرية الأعداد
ليس تدري ما عالم وجهول ... واستوى الغور عندها والنجاد
فإذا ما لهن قصد من الآف ... إلا الآحاد والإفراد
تنتقي الأمجاد من كل حي ... وتخلي الأوباش والأوغاد
أو ما تنظر الكرام تداعوا ... رحلة السفر همها الآساد
والهمام الإمام حلق عنا ... راحلا والمعلم الاستاد
زين أهل التقى وركن المعالي ... وعماد الورى ونعم العماد
والحسام الغضب والذي نصر ... الدين شباه والكواكب الوقاد
والحيا العذب والعذاب فصاد ... يرتوي سايغا وعاد يذاد
فبدارا إذا أريد ورودا ... وحذارا إن حقق الإيراد
أيها لمن مع الترحل عنا ... عد قريبا لأناك منك البعاد
لا شجى بعدك المصاب ولا راحت ... تكوي ببينك الأكباد
أنت حي المدا ورته أحياء ... مع الجهل فيه ماتوا وبادوا
ان تكن في الثرى غربت فلم ... يغرب عن الكون نورك المستفاد
أو طواك الردى ففي كل يوم ... لك من فعلك الجميل معاد
كنت شمسا للسالكين وبدرا ... بك يجلى العمى ويهدى الرشاد
وحساما على المضلين يشقى ... بشباك الفساد والافساد
وجواد تقضي القرين إذا ما ... جد في حلبة السباق الجياد
وخضما من البحور إذا ما ... عبّ سالت به الربى والوهاد
وعهادا تروي عفات الدين ... هذا فأين منك العهاد
كم مقام أقمته حيث جد البغي ... في أهله ولج العناد
وتداعى الخصوم تمتحن الحق ... فكادوا كما عن الحق حادوا
فكشفت العمى وجليت فيه ... سائقا ردؤك الهدى والسداد
باديا صفحتيك تنصر حقا ... وسيوف الضلال فيه حداد
فملأت الهدى سرورا كما قد ... بات يطوي بحزنه الالحاد
لبكتك العلوم تغرق فيها ... شهم فكر لم يحظ منه المراد
والمعاني بعيدة العقر أعيت ... عايصيها وأضمت الوراد
والمباني تجيدها بمقال ... زانه الانتقاد والافتقاد
وعويص من المسائل تنهيها ... وقد فات أهلها الانتقاد(3/351)
وفروع شريفة وأصول ... قررتها أدلة واعتقاد
وقضايا قد أشكل الحكم فيها ... وأبى طرف ناظريها الرقاد
يا لقومي لحادث عم دين الله ... فانهد ركنه والعماد
لرزايا حلت بدار المعالي ... فالمعالي لباسهن سواد
كيف قرت شقاشق الفحل قسرا ... وهو ذاك المزمجر المرعاد
وانثنى ذلك البان المرجى ... لا يفيد الندا ولا يستفاد
والمقال الواري الشهاب بصدق ... القول من أين جاءه الاخماد
لو تفدى فدتك من غير منّ ... ولك المن فتية أمجاد
وشباب من الوقائع شيب ... فوق شهب من الدماء وراد
مختارات من شعر الدورقي
وله أيضا:
يا قاتلي من غير ذنب جنيته ... يغنيك قتلي لا قصاص ولا ودا
ماذا يضرك لو رحمت متيما ... فعطفت منا أو قبلت به فدا
أنا قد علمت بأن حبك قاتلي ... فسلكت نهج منيتي متعمدا
أفديك هل يرضيك قتلي في الهوى ... فأبوء بالقتلين سخطك والردى
وله أيضا:
سقى ريع معناك ماء المحيا ... وأنفس أهليك ماء الحياة
فعاد بأهليك بعد البلا ... وجمع شملك بعد الشتات
ورد لنا اليوم ما مضى ... قرين الصبا والزمان المؤاتي
وله أيضا:
ليت الملاح وليت الراح قد جعلا ... جبهة الليث أو في قبة الفلك
فلا يعانق محبوبا سوى أسدا ... ولا يدير بكاسات سوى ملك
وله أيضا:
فلا سلم الراوي ولا درّ درّه ... إذا لم يكن عمن هويت حديثه
حديث جلال لو تعاطى قاصر ... إذ أنت مساويه وطاب خبيثه
وله أيضا:
وليل يساقينا التذكر جنحه ... بهيماء لا أهل لديها ولا صحب(3/352)
نزلنا على حكم النوى بركابنا ... وكان ركابا بالهوى ذلك الركب
حديث كان العامرية بيننا ... نسيم كأني عنده غصن رطب
كأن الدجى صب كان صباحه ... سلوا عليه عاهد العاذل الصب
وله أيضا:
وددت بزعمي أن في الحب راحة ... ولم أدر أنّ الحب غايته الهلك
عشقت فلم أعلم فلما استرقني ... علمت ولكن حيث لا يمكن الفلك
وله أيضا:
وما الكل إلا أنت والكل قائم ... لديك وإن الكل من كله الكل
وإني بشيء ليس بشيء بعده ... ولا شيء من لا شيء في أصله الأصل
وله أيضا:
تقول علام لم يمسسك طيب ... فقلت الطب في طي اللحود
يعود بعودهم طيبي فإن لم ... يعودوا قلت للبرحاء عودى
وله أيضا رحمه الله:
أظنك لا تبالي بالذي بي ... فهان عليك أشجاني وكربي
وإنك لا تبالي بي عجيب ... وشخصك ساكن أبدا بقلبي
فديتك كم تعذبني ببعد ... فليتك كنت تخبرني بذنبي
لوجهك توبتي من كل ذنب ... عدا أن كان ذنبي فيك حبي
وقالوا ذو تقى أصباه مصبي ... لهم أحلامهم وصباي حبي
وإن سفاهة تهدي سفيها ... إليك عسى تكون الدهر حسبي
وله أيضا رحمه الله:
أحب بليلي كان عان تحسبها ... متيمها العاني ولا يذودها
وما جرمه إلا المعنى فؤاده ... يرى انه دون البرايا عميدها
ومن لي بقصد العامرية سحرة ... وإن سكتت أحراسها وعقودها
وكل الخلا من دون ليلى عوامل ... تقادم أسياف تحد حدودها
ونقعا يعيد الصبح ليلا جلاله ... بوارق مثل الصبح باد عمودها
ووقع تكاد الشم من رجفانه ... تكد ويصممن السميع رعودها
وسيل دم كالمزن تسقى به قنا ... يكاد بطول الري يخضر عودها
ودين الهوى قتل المحبين بالهوى ... ضرورية لا يستطاع جحودها
وانا وإن كنا عرانين قومنا ... فنحن بلا من عليها عبيدها
وكيف تزور العامرية أرضنا ... وما إحمر من سيل النفوس صعيدها
ولا قربت قربانها النفس نفسها ... ولا سال تحت الرجل منها وريدها
وما ذاك من بخل بليلى وإنه ... ليكرم عن قرب الدنية جودها
وأي امرىء وافى الهوى فقضى به ... بحكم الهوى لم يمس وهو شهيدها
وكيف يروم الكاشحون افتراقنا ... واصل وجود العاشقين وجودها
يلذ بعيني قربها وبعادها ... ويحلو لنفسي وعدها ووعيدها
وأهوى المنايا في هواها إذا انتمت ... لناعيها أخت الغزال وجيدها
وما فضل ذي ق يلذ إذا بدت ... من الوجنات الزهرات ورودها
فأقسم لو ليلى تبدت لصخرة ... تحلل منها بالغرام جمودها
ولو لمست يبس الكلا بعد ما دوى ... لعادت رياضا غورها ونجودها
ولم لا وسلسال الحياة بثغرها ... تصرفه أحكامها وحدودها
وما ضر لو بالطيف عادت سقيمها ... فيحيى بعطف اللطف يوما قعودها
يكلفني الواشون ما لا أطيقه ... إذا مرضت ليلى الهوى لا أعودها
فكيف ولو طوقت جيدي بغلة ... وأثقل رجلي بالحديد قيودها
وأغلق دوني كل مفتوح فرجة ... وأحكم سدا بوبها ووصيدها
وسد بأنواع العوايق دوننا ... قريب أباعيد الفضا وبعيدها
وأصبح مشغول الفراغ زماننا ... بحيث المنايا خيلها وجنودها
وطبقت الأكوان من دون قصدها ... جنود خطوب خانقات بنودها
وقد حبست عن نومها الدهر مقلتي ... مخافة أن يلقى الخيال هجودها
وله أيضا رحمه الله:(3/353)
أحب بليلي كان عان تحسبها ... متيمها العاني ولا يذودها
وما جرمه إلا المعنى فؤاده ... يرى انه دون البرايا عميدها
ومن لي بقصد العامرية سحرة ... وإن سكتت أحراسها وعقودها
وكل الخلا من دون ليلى عوامل ... تقادم أسياف تحد حدودها
ونقعا يعيد الصبح ليلا جلاله ... بوارق مثل الصبح باد عمودها
ووقع تكاد الشم من رجفانه ... تكد ويصممن السميع رعودها
وسيل دم كالمزن تسقى به قنا ... يكاد بطول الري يخضر عودها
ودين الهوى قتل المحبين بالهوى ... ضرورية لا يستطاع جحودها
وانا وإن كنا عرانين قومنا ... فنحن بلا من عليها عبيدها
وكيف تزور العامرية أرضنا ... وما إحمر من سيل النفوس صعيدها
ولا قربت قربانها النفس نفسها ... ولا سال تحت الرجل منها وريدها
وما ذاك من بخل بليلى وإنه ... ليكرم عن قرب الدنية جودها
وأي امرىء وافى الهوى فقضى به ... بحكم الهوى لم يمس وهو شهيدها
وكيف يروم الكاشحون افتراقنا ... واصل وجود العاشقين وجودها
يلذ بعيني قربها وبعادها ... ويحلو لنفسي وعدها ووعيدها
وأهوى المنايا في هواها إذا انتمت ... لناعيها أخت الغزال وجيدها
وما فضل ذي ق يلذ إذا بدت ... من الوجنات الزهرات ورودها
فأقسم لو ليلى تبدت لصخرة ... تحلل منها بالغرام جمودها
ولو لمست يبس الكلا بعد ما دوى ... لعادت رياضا غورها ونجودها
ولم لا وسلسال الحياة بثغرها ... تصرفه أحكامها وحدودها
وما ضر لو بالطيف عادت سقيمها ... فيحيى بعطف اللطف يوما قعودها
يكلفني الواشون ما لا أطيقه ... إذا مرضت ليلى الهوى لا أعودها
فكيف ولو طوقت جيدي بغلة ... وأثقل رجلي بالحديد قيودها
وأغلق دوني كل مفتوح فرجة ... وأحكم سدا بوبها ووصيدها
وسد بأنواع العوايق دوننا ... قريب أباعيد الفضا وبعيدها
وأصبح مشغول الفراغ زماننا ... بحيث المنايا خيلها وجنودها
وطبقت الأكوان من دون قصدها ... جنود خطوب خانقات بنودها
وقد حبست عن نومها الدهر مقلتي ... مخافة أن يلقى الخيال هجودها
وله أيضا رحمه الله:
يا مونس الليل البهيم بذكره ... ابعث بطيفك والكرى لجفوني
فلعل طيفك حين يدنو بالكرى ... تلقى مثالك في المنام عيوني
وأظن عينك ليس تدرك قصدها ... ليس المنام من الغرام بديني
أكرم لطيفك أن يروم لمقلة ... فيها لغير هواك فضل سكوني
قلبي لحبك سابقا تكليفه ... بل سابق التعليم والتمرين
كلف تكلفه الفؤاد بطبعه ... خلو من التلوين والتلوين
كلف تمكن غير منصرف العنا ... ويح الحشا من ذلك التمكين(3/354)
نفسي فداء معذبي هل موعد ... ومتى تشاء قضاؤه وتقضيني
ما كنت حين سألت ذاك مخادعا ... لكن وعدك باللقاء يكفيني
فالصرف أبعد من خلائق عاشق ... علق الأنين بسورة التنوين
جلب الهوى بالحسن لا بمحسن ... فالحسن فيه غنى عن التحسين
ملك الغرام بوجهه وبجوده ... فهوى القلوب لديه طوع يميني
في وجهه أسرار حسن لم تبن ... بحساب رمل أو بكشف دفين
وجبينه البادي البهاء أجل أن ... يحصى دقايقه عداد مئين
فأعجب له وهو الغزال بعينه ... وأخوه من أبويه ليث عرين
يا قلب كم تصبيك بادرة الهوى ... ببرين ساجعة وسجع برين
كل المحاسن رق أدنى حسنه ... إني لذاك الحسن نسبة دوني
غلط بلفظك أم بقلبك علة ... منعته سر جماله المكنون
هب لم تكن من عاشق خافي البهى ... فضعفت عن إدراك كل مصون
أقذى بعينك عاقها عن واضح ... كل المبين لديه غير مبين
حلو المناقب والنقاب غداته ... يبدي لناظره صفات العين
خذ عنه واسمع منه وانظره تجد ... شهد اللقا والنقل والتدوين
حلوا لوجدات الثلاث بأسرها ... والرابع المتمنع الميمون
لو كان لم يعشقه غير قرينه ... فقد الغرام ولم تفز بقرين
ان القرين وكلما قد كان أو ... سيكون منه نقطة التكوين
وضمين دعوى العاشقين ... بالفوز ان سلكوا على مضمون
قالوا محاسنه حلت احسانه ... كلا ظنين الحسن غير ظنيني
قرنت بحاجبه المزجج عينه ... وكذلك عين الحاجب المقرون
ميمي فم صادي عين صدغها ... الواوي منعطف بحاجب نون
الحسن في البادي صدقت وكيف لا ... ووراء بادي الحسن ألف كمين
فاربح بنفسك لا تعرض للهوى ... فلقد نصحت وكنت غرامين
أمعنفي في الحب تهتكي ... إذ ليس دينا لي ولا لك دين
إني عصيت تنسكي في حبه ... وأطعت فيه سفاهتي وجنوني
أنى تكون العامرية بغيتي ... أبدا ولست أكون بالمجنون
قسما بجيم جماله لا لذ لي ... إلا عليك خلاعتي وفنوني
فأخو ملامي من يريد تحلمي ... وأخو غرامي من بها يغريني
من أين يبلغ شوق شايق ... خلط الصبابة غثها بسمين(3/355)
وكرائم الأشواق أكرم أن تحم ... من حول حومتها خيال خؤون
أفدي الجمال وأهله من حاسر ... قد جاء من أسر الهوى يفديني
سل فاضح الظبي الأغن يحيده ... إذ ليس حين بكاه بالمأمون
وأظن ذنب الريم حين حكى له ... الطلل استحق به عذاب الهون
ما قدر ريم الحزن ساعة يدعي ... ما ليس يقبل من هزبر عوين
وكذا الممثل والمماثل إذ قضوا ... بخطاء أوهام ورجم ظنون
يا صب ويحك كل حسن قاتل ... لك لا خصوص جديله وجبين
ما للمتيم لا يمر بطيفه ... إلا مفيد صبابه وشجون
أو ما تحس بنو العراق بمنجد ... منع الغرام شكاه أهل الصين
لو كان ماء ما تسح دموعه ... لم يبق للثمرات ماء معين
لو كان من سكان تبرين الهوى ... لحنى له ما كان في أبرين
مسكين مفقود على المنى ... فقد المعين علامة المسكين
لو مات لم تسمع لناعي يومه ... صوتا ولم تظفر له بحنين
قلّت بواكيه وقل بكاؤه ... من حيث لا حزن ولا محزون
ما بال علمي في الصبابة داعيا ... لتحركي ومسكن لسكوني
كل العلوم عرفت جل رموزها ... إلا الغرام فإنه معييني
أبدا مباديه الهلاك فهل ترى ... منه المقاصد غير حين الحين
فأقدم على العلات ان تك قادما ... أو ما سمعت طريقة المفتون
كل الوجود بذرة من وصله ... فابتع وما المبتاع بالمغبون
أبى الدهر إلا ماجدا يزدري به ... وحرا يقاسي الضيم في الطول والعرض
أبى خلق الأيام إلا مهذبا ... يعالج مس الضر في الطول والعرض
ألم تر منصوب الهدى ومقامه ... هو الرفع قطعا كيف صار إلى الخفض
فمن بعده فليقض ما شاء إنه ... هو المقتدي في الكل لا البعض في البعض
رضيناه متبوعا على كل حالة ... أخ الخلق المرضي والكرم المحض
وما النقص جار حالة العسر بالفتى ... إذا كان فيه سالم الدين والعرض
أصبحوا في شرف الملك واضحوا في القبور ... وقريبا قبل ذا المأتم كانوا في السرور
واستعادوا لحدها المظلم من ظل القصور ... وغدا الصابح فالصبح عويلا وثبور
أقسموا ما لهم عن زهرة الدنيا براح ... فاستطالوها يبلون صدى الأحشا براح
غدوة في مجلس الصفق لهم راح براح ... ثم أمسوا فإذا هم بين قولي راح راح
تسرى بنا الحوادي ونحن لا نبالي ... كم أنزلت من رفيع عن شاهفات القلالي(3/356)
الموت لا بد منه لساق ولتالي ... فاصنع جميلا عسى أن تلقاه أخرى الليالي
أنا مملوكك لا من بل المن علي ... أنا مملوكك بالذات فما ملك يدي
كلما تفعل من فعل فمحبوب إلي ... أنت أنت الحسن والاحسان لاهي وبي
لم يلق حظي من حسن خصصت به ... الا جوى في الحشا ثاو على مضض
وجهت قصدك قلبي حيث لا جهة ... إلا وحسنك فيها قاضيا غرضي
فاعجب تصور حلماني لذي كرم ... عن الورى وقضى لي منه بالحرض
ما جوهر من أياديك الحسان خلا ... كلا ولم يخل فيها فيك من غرض
قرنت حسنا واحسانا فمن به ... فبعض ذلك ما يشفي به مرضي
إني رضيت الذي ترضاه لي أبدا ... فمن كرق بما يأتيه منك رضي
يا سعد باد ليس يخفى أمره ... قول به منطوق سري يفصح
ذنبي إلى الحي الحلال انني ... صب بحب طفلهم لا أبرح
مالي سواه جرمة وحقهم ... سلهم عسى أن يسمحوا أو يصفحوا
وله أيضا في مرثية أخيه
العيد حيث مواصل أحبابه ... لا غارم ناوي الحبيب بمقعد
أنا يكون العيد منك بموضع ... وشقيق نفسك ضمن لحد أسود
أأخي والمجد الذي شيدته ... في الأصل كالعلم الرفيع الأسود
سامي المنار كثير حساد القرا ... ربح الأصاديق منية المستنجد
وله:
يا حيرة المشتاق هجرك لم أطق ... ولقاك لا يقوى عليه جناني
ماذا تحاذر في ضعيف لم يطق ... خلد الوصال ولا لظى الهجران
لهواك الحسن البديع وذكرك المحيي ... حشاي ومقلتي ولساني
وله:
لا تقل كيف كان ليلة وصلي ... ان غير القليل فيض الحبيب
زار من حيث لا يخاف عذولا ... لا ولا يختشي عيون الرقيب
تلك أنفاسه ترى الروض فيها ... يفعم الناشقين من خير طيب
كان للعين منه خير جلاء ... ولداء الفؤاد أي طبيب
وله:
الطبيب أمرضني ليس غيره المي ... ذكره دوا مرضي وجهه شفى سمعتي
وله:(3/357)
الطبيب أمرضني ليس غيره المي ... ذكره دوا مرضي وجهه شفى سمعتي
وله:
لو تصورتني عشية حثت ... بهم العيس بين بعد وقرب
أول التابعين دمعي فمذ ... أغمض قلب الركاب أنصب قلبي
وله:
تقول شممت الطيب بعد رحيلنا ... نسيت أم استحسنت أن تخلف العهدا
فقلت معاذ الله ما كنت ناسيا ... ولا استحسنت عيناي أن تنظر الوردا
ولكن لبعد البعد من طيب قربكم ... أردتم بشم الورد أحدثه عهدا
وله:
وما كسفاهة الجهال داء ... أضر على حليم لا يطاع
يريد من الرعاع الهمج رشدا ... وأنى تهتدي الهمج الرعاع
وله:
وسلوها تقيم في الركب حينا ... على تشفى الظما عن المشتاق
أطلب البرء في الطلول ومحبوب ... فؤادي من فوق ظهر النياق
ذاك مرما على الرجاء بعيد ... فيه حرق الحشا وسكب الاماقي
وله:
قال لي عذبا سقيما ... قلت بل عذب سقاما
وله:
ما ذقت لذة ساعة من قربه ... إلا ونغصها مخافة بينه
عين الغزال بصده ونفاره ... وابن الغزال بجيده وبعينه
لم يلو غيري في معاملة له ... إذا ويلوى ذا الغرام بدينه
وله:
تمر سنين ثم تعبر أختها ... وليس لغير الله في ذي وذي أمر
فما البؤس في الدنيا مقيم ولا الهنا ... ولا الخير بالباقي لديها ولا الشر
ولا ينفع المكروب شيء سوى الرضا ... بما قدر الباري له الحمد والشكر
ولا شيء كالصبر الجميل لعاقل ... وإن كان طعم الصبر أيسره الصبر
فرب رخا من شدة خيف مكثها ... ورب شفا من علة ضرها الضر(3/358)
وحسبك مما ترتجيه من الدنا ... ولاء نبي الهادي وعترته الغر
وأي ضياء ليس يعقبه دجا ... وأي ظلام ليس يعقبه الفجر
فلا يغترر فيها المعالي من البلا ... ولا ييأس العاني الذي شفه العسر
فكم راح قوم بالمسرة غدوة ... فادلى لها ما ليس عدها الحصر
وله:
قلت عن عادي مكارمه ... هي للحق المبين جلا
ركبوا العلياء عن سلف ... ركبوها قبلهم قبلا
منهم أهل العلا خلفا ... وهم أهل العلا أو لا
وله:
ظعن الركب ولما ... يتولى غير الهيام
فولوع ودموع ... وغرام وسقام
عدد أضعفه ... أقوى على جلب حمام
أترى حيا بباق ... مع ذا يابن الكرام
فزر اليقظة أفديك ... وان ساء احتشامي
لو منامي كان عندي ... قلت زرني في منامي
وأنا عبدك ما للعبد ... حق في مقامي
كيف هذا كيف عطف ... لاعتراض بكلامي
فللقياك هيامي ... ولعلياك سلامي
وامامي هي حبي ... ليس محبوبي إمامي
وله:
عابد متنسك ... عاشق متهتك
زهده وهواه ... ساكن متحرك
خالع العذر فيه متحنك
تصدير أبيات لسيد الشهداء وتعجيزها
ألا يا عباد الله أنتم ولاته ... وأنتم له في أمره نصحاء
أما عجب يا معشر الحق فاسمعوا ... فأنتم على أديانه أمناء
يريد وكان الله بيني وبينه ... والله حكم في الورى وقضاء
يريد الذي يستشهد الصعب دونه ... يزيد وليس الأمر حيث يشاء
بأي كتاب أم بأية سنة ... بها للقلوب الممرضات شفاء
تجنبها القربي وبالرغم منهم ... تناولها عن أهلها البعداء
وهذا، تذييلها والتذييل عين التصدير:(3/359)
ألا يا عباد الله أنتم ولاته ... وأنتم له في أمره نصحاء
أما عجب يا معشر الحق فاسمعوا ... فأنتم على أديانه أمناء
يريد وكان الله بيني وبينه ... والله حكم في الورى وقضاء
يريد الذي يستشهد الصعب دونه ... يزيد وليس الأمر حيث يشاء
بأي كتاب أم بأية سنة ... بها للقلوب الممرضات شفاء
تجنبها القربي وبالرغم منهم ... تناولها عن أهلها البعداء
وهذا، تذييلها والتذييل عين التصدير:
الا يا عباد الله أنتم ولاته ... وأنتم على أديانهم أمناء
أما عجب يا معشر الحق فاسمعوا ... فأنتم له في أمركم تصحاء
يريد وكان الله بيني وبينه ... يريد وليس الأمر حيث يشاء
يريد الذي يستسهل الصعب دونه ... ولله حكم في الورى وقضاء
بأي كتاب أم بأية سنة ... تناولها عن أهلها البعداء
تجنبها القربي على الزعم منهم ... فقولوا فإن الحق فيه شفاء
وله:
باتت بجنب لئيم تكثر العذلا ... تعله خفيه سكرى لمى وطلا
تقول لو أن ما قالته قد حصلا ... ليث الملاح وليت الراح قد جعلا
في جبهة الليث أو في قبة الفلك
لو أن حكم الغواني والطلا بيدي ... لم تأو بيت جبان بيضة البلد
ولم يذق قط طعم المراح ذو فند ... فلا يعانق محبوبا سوى أسد
ولا يدور بكاسات سوى ملك
وله:
حكم الزمان عليّ مذ أحببته ... أن ليس يوفي للمشوق بعهده
فلذاك لم أر ساعة من قربة ... إلا ونغصها بواقع صده
وله:
ما كدت مذ علق الغرام بمهجتي ... في الدهر لا الفاه وهو مودع
لم ألف ساعة لذة من قربه ... إلا ونغصها النوى المتوقع
وله:
نادي المشيب بالرحيل عازما ... وأنت لم تأخذ بعد زادك
اشغلك اللهو بأحوال الضبا ... حتى نسيت عنده معادك
هب فقد جد القرين للبلا ... وكان في حياته عدادك
فاز العلا بقصدهم إذ أدركوا ... مرادهم ولم تنل مرادك
وله:(3/360)
نادي المشيب بالرحيل عازما ... وأنت لم تأخذ بعد زادك
اشغلك اللهو بأحوال الضبا ... حتى نسيت عنده معادك
هب فقد جد القرين للبلا ... وكان في حياته عدادك
فاز العلا بقصدهم إذ أدركوا ... مرادهم ولم تنل مرادك
وله:
غدر العواذل غير خاف وجهه ... والحق أن الحق لا تخفيه
لم يلج عاذله المشوق سفاهة ... لكن لحال كيلا يشارك فيه
الحق وضاح كابلج وجهه ... ما في الهدى فقر إلى التوجيه
يا وجهه المعشوق لي لا يقضني ... فضلا وإن أنا كنت غير وجيه
كم ليلة في البين قاسيت الردى ... فيها يريني خطبه واريه
لمعت غياهبه على بصري بها ... وبصيرتي في جنبها تهديه
فمرئت حنظلها ولولا جرعة ... ما حلو ذكراك لم أكن أمريه
ما في الهوى مستعذب لك فاتئد ... واقنع بما فيه وما يرضيه
وابن الهوى هو ما ترى يقضي به ... حتفا وما حقا له يقضيه
فأقدم على العلات ان تك قادما ... أولا فدعه للآله ونبيه
يتيمم التقوى تقى لكنه ... من يرمه بلحاظه يصميه
متنسك نسكا قضى بتهتكي ... فيه وهاد جاء لي بالتيه
يتجنب المكروه وهو معذبي ... من غير ما جرم سوى حبيه
فسلوه كيف أباح تعذيبي له ... والنمل من تقواه لا يؤذيه
قالوا ألا ترقيه أن عداته ... ولعوا بعذب رضاب ماء شفتيه
هب أنني أرقيه من حساده ... أفممكني من عينه أرقيه
ليس المتيم عاشق متلون ... ليس الهوى باللبس والتمويه
لا تجلبن إلى الهوى غير الصفا ... غير الصفا نقص لمن يصفيه
اياك تذكر سر من أحببته ... يوما على التشريك والتشبيه
ما في الهوى شرك لمن عرف الهوى ... ما فيه غير الصفو والتنزيه
أنى يكون حشاك دار مقدس ... وسواه بالغه وينزل فيه
أفلا يجيب بسوف هو هل مرة ... فيكون يوما ليس مه عن أيه
سوف فديتك كيف شئت ولا تقل ... لا والهوى سوف اللقا ترويه
عجب فراقك أدعيه وحيث ما ... لا حيث أنت لي الوجود تليه
لا ترمه بالياس منك وخلة ... ومديد وعدك انه يكفيه
نظرت ضنا جسدي العواذل فاغتدت ... تبدي الشماتة من ضنى أيديه
أو ما درت ذاك الجمال معذبي ... ذاك الجمال معذبي أفديه
لا تدعني لمعجل نحو الهدى ... ان الهوى مرد لمن يقنيه
فلقد مللت وملني داء النوى ... وتبرأ العواد مني فيه
حكم جرت لم يدرها وفظنة ... فلبيبها في عجزه كسفيه
أبدا بقلبي سهم بين غارز ... لم ينفه آس ولا يشفيه
البين معتقد الدوام وقوعه ... والوصل حتى الوهم لا يأتيه
من لي بهاتيك الليالي ساعة ... فلعل عودة ساعة تحييه
لو كنت تدري بالخفي من الهوى ... ما لمت مظهره ولا مخفيه
آس على ماض وكيف يعوده ... ما لا يشاء معاده مبديه
كم الق ساعة لذة من قربه ... إلا ونغصها جنوني فيه
البيض تلقاها ظلال كناسه ... والأسد بعض حماته وحميه
والظبي تلقاه هناك بعينه ... والليث واحد أمه وأبيه
إني من المشتاق مبلغ قصده ... وأقل ما عاينته يرديه
حلو الدلال محجب لا يزدهي ... عجبا ولم يخلط صباه تيه
نأي كانف الظبي من شبه الحنا ... وتظنه من لطفه يأويه
عف الازار بشوس أوذت اللقى ... خطرات ذي سفه وفعل نبيه
عمش بين النور عن مسحات من ... أدنى سواطع نوره تعميه
يحكي البروق البعض من خطراته ... وأظنها غلطت بما تحكيه
البرق أبعد عن وصال محجب ... نخشى البروق تعينه أو تعنيه
وحديثه حلو الحديث لو أنه ... يحكيه حاكيه لمن يبغيه
وحديثه السلسال فار فإنه ... كرضابه مروي لمن يرويه
قد قلت ذاك وصح لكن دونه ... خرط القتاد براحتي مجنيه
وكلامه الشافي الحياة وكيف لا ... المنى وكلامه من فيه
فافعل فديتك ما تشابى وارضني ... رقا وصل حبلي ولا تقصيه
لا تدنني ان شئت ليس فليس لي ... لجمال وجهك منه ما يدنيه
كلي قصور في هواك فليس لي ... أن أدعي أمرا وليس بذيه
الفضل منك نعم ولكن عله ... بالقانليه شرط ما يحييه
فمن المغبد لي التفضل بالمنى ... من قربه وعدا ولا تقصيه
هيهات من ملك الملاحة قاصر ... بذواته ومقصر بذويه
مسكين شوق صفر كف يابس ... كأس الحمول عرى عن التنويه
لو شئت ترتقيه بأدنى لفتة ... أو شئت لا تحييه لا تحييه
هو كيف شئت فموته ان ترضه ... يرضيه أولا فهو لا يرضيه
العبد غير مصرف في نفسه ... والرب يأمره كما ينهه
هل يستطيع يقول شوقا سيدي ... فلعل شوقا منه لا يلهيه
متباين في النعت كنه جلاله ... ينأى به وجلاله يدنيه
لا تنتهي أبدا بدائع حسنه ... ومحاسن الأوصاف لا تنهيه
قلت الهوى سننا عرفت طريقه ... وزعمت تدريه ولا تدريه
تدري الهوى زعما ودمعك جامد ... فعلام تدريه ولا تذريه
لم يقض حق الشوق من يقض به ... لا باخل بالدمع أن يجريه
لا ترج يا سوداء حبك غيره ... حتى يكون مميته محييه
الحب توحيد ومحض جلالة ... لا الاتخاذ بجاهل وسفيه
سل قومه الفقهاء فيه فإنه ... لم يدر معنى الحكم خير فقيه
أو ما حللت أو اتخذت بظاهر ... عن نقص امكان وعيب شنيه
كذب العواذل بالعواذل ما به ... فاهوا الا بعدا لذي التفويه
كنت الكتوم زعمت حتى أن بدا ... بعض الهوى أبديت ما أخفيه
وأخو الهوى البادي فدعه لأنه ... من ضعفه يبدي الذي يبديه
قد قلت قشرى الهوى بادي الهوى ... من أين قلت وأنت غير فقيه
الفضل للبادي بأسر ضمانه ... والحسن في البادي هناك بديه
ان كان ما عنه بتنبيه الهوى ... في قلبه فعنت في عينيه
وحلاه لم يك ذاك شرط في الرضا ... حتى يكون سواه لا يهنيه
كل الذي تسديه قصد متيم ... قصد المتيم كل ما تسديه
كل الغرام غرام قلبي مثلما ... كل الجمال جمال من يصبيه
و(3/361)
غدر العواذل غير خاف وجهه ... والحق أن الحق لا تخفيه
لم يلج عاذله المشوق سفاهة ... لكن لحال كيلا يشارك فيه
الحق وضاح كابلج وجهه ... ما في الهدى فقر إلى التوجيه
يا وجهه المعشوق لي لا يقضني ... فضلا وإن أنا كنت غير وجيه
كم ليلة في البين قاسيت الردى ... فيها يريني خطبه واريه
لمعت غياهبه على بصري بها ... وبصيرتي في جنبها تهديه
فمرئت حنظلها ولولا جرعة ... ما حلو ذكراك لم أكن أمريه
ما في الهوى مستعذب لك فاتئد ... واقنع بما فيه وما يرضيه
وابن الهوى هو ما ترى يقضي به ... حتفا وما حقا له يقضيه
فأقدم على العلات ان تك قادما ... أولا فدعه للآله ونبيه
يتيمم التقوى تقى لكنه ... من يرمه بلحاظه يصميه
متنسك نسكا قضى بتهتكي ... فيه وهاد جاء لي بالتيه
يتجنب المكروه وهو معذبي ... من غير ما جرم سوى حبيه
فسلوه كيف أباح تعذيبي له ... والنمل من تقواه لا يؤذيه
قالوا ألا ترقيه أن عداته ... ولعوا بعذب رضاب ماء شفتيه
هب أنني أرقيه من حساده ... أفممكني من عينه أرقيه
ليس المتيم عاشق متلون ... ليس الهوى باللبس والتمويه
لا تجلبن إلى الهوى غير الصفا ... غير الصفا نقص لمن يصفيه
اياك تذكر سر من أحببته ... يوما على التشريك والتشبيه
ما في الهوى شرك لمن عرف الهوى ... ما فيه غير الصفو والتنزيه
أنى يكون حشاك دار مقدس ... وسواه بالغه وينزل فيه
أفلا يجيب بسوف هو هل مرة ... فيكون يوما ليس مه عن أيه
سوف فديتك كيف شئت ولا تقل ... لا والهوى سوف اللقا ترويه
عجب فراقك أدعيه وحيث ما ... لا حيث أنت لي الوجود تليه
لا ترمه بالياس منك وخلة ... ومديد وعدك انه يكفيه
نظرت ضنا جسدي العواذل فاغتدت ... تبدي الشماتة من ضنى أيديه
أو ما درت ذاك الجمال معذبي ... ذاك الجمال معذبي أفديه
لا تدعني لمعجل نحو الهدى ... ان الهوى مرد لمن يقنيه
فلقد مللت وملني داء النوى ... وتبرأ العواد مني فيه
حكم جرت لم يدرها وفظنة ... فلبيبها في عجزه كسفيه
أبدا بقلبي سهم بين غارز ... لم ينفه آس ولا يشفيه
البين معتقد الدوام وقوعه ... والوصل حتى الوهم لا يأتيه
من لي بهاتيك الليالي ساعة ... فلعل عودة ساعة تحييه
لو كنت تدري بالخفي من الهوى ... ما لمت مظهره ولا مخفيه
آس على ماض وكيف يعوده ... ما لا يشاء معاده مبديه
كم الق ساعة لذة من قربه ... إلا ونغصها جنوني فيه
البيض تلقاها ظلال كناسه ... والأسد بعض حماته وحميه
والظبي تلقاه هناك بعينه ... والليث واحد أمه وأبيه
إني من المشتاق مبلغ قصده ... وأقل ما عاينته يرديه
حلو الدلال محجب لا يزدهي ... عجبا ولم يخلط صباه تيه
نأي كانف الظبي من شبه الحنا ... وتظنه من لطفه يأويه
عف الازار بشوس أوذت اللقى ... خطرات ذي سفه وفعل نبيه
عمش بين النور عن مسحات من ... أدنى سواطع نوره تعميه
يحكي البروق البعض من خطراته ... وأظنها غلطت بما تحكيه
البرق أبعد عن وصال محجب ... نخشى البروق تعينه أو تعنيه
وحديثه حلو الحديث لو أنه ... يحكيه حاكيه لمن يبغيه
وحديثه السلسال فار فإنه ... كرضابه مروي لمن يرويه
قد قلت ذاك وصح لكن دونه ... خرط القتاد براحتي مجنيه
وكلامه الشافي الحياة وكيف لا ... المنى وكلامه من فيه
فافعل فديتك ما تشابى وارضني ... رقا وصل حبلي ولا تقصيه
لا تدنني ان شئت ليس فليس لي ... لجمال وجهك منه ما يدنيه
كلي قصور في هواك فليس لي ... أن أدعي أمرا وليس بذيه
الفضل منك نعم ولكن عله ... بالقانليه شرط ما يحييه
فمن المغبد لي التفضل بالمنى ... من قربه وعدا ولا تقصيه
هيهات من ملك الملاحة قاصر ... بذواته ومقصر بذويه
مسكين شوق صفر كف يابس ... كأس الحمول عرى عن التنويه
لو شئت ترتقيه بأدنى لفتة ... أو شئت لا تحييه لا تحييه
هو كيف شئت فموته ان ترضه ... يرضيه أولا فهو لا يرضيه
العبد غير مصرف في نفسه ... والرب يأمره كما ينهه
هل يستطيع يقول شوقا سيدي ... فلعل شوقا منه لا يلهيه
متباين في النعت كنه جلاله ... ينأى به وجلاله يدنيه
لا تنتهي أبدا بدائع حسنه ... ومحاسن الأوصاف لا تنهيه
قلت الهوى سننا عرفت طريقه ... وزعمت تدريه ولا تدريه
تدري الهوى زعما ودمعك جامد ... فعلام تدريه ولا تذريه
لم يقض حق الشوق من يقض به ... لا باخل بالدمع أن يجريه
لا ترج يا سوداء حبك غيره ... حتى يكون مميته محييه
الحب توحيد ومحض جلالة ... لا الاتخاذ بجاهل وسفيه
سل قومه الفقهاء فيه فإنه ... لم يدر معنى الحكم خير فقيه
أو ما حللت أو اتخذت بظاهر ... عن نقص امكان وعيب شنيه
كذب العواذل بالعواذل ما به ... فاهوا الا بعدا لذي التفويه
كنت الكتوم زعمت حتى أن بدا ... بعض الهوى أبديت ما أخفيه
وأخو الهوى البادي فدعه لأنه ... من ضعفه يبدي الذي يبديه
قد قلت قشرى الهوى بادي الهوى ... من أين قلت وأنت غير فقيه
الفضل للبادي بأسر ضمانه ... والحسن في البادي هناك بديه
ان كان ما عنه بتنبيه الهوى ... في قلبه فعنت في عينيه
وحلاه لم يك ذاك شرط في الرضا ... حتى يكون سواه لا يهنيه
كل الذي تسديه قصد متيم ... قصد المتيم كل ما تسديه
كل الغرام غرام قلبي مثلما ... كل الجمال جمال من يصبيه
و(3/362)
غدر العواذل غير خاف وجهه ... والحق أن الحق لا تخفيه
لم يلج عاذله المشوق سفاهة ... لكن لحال كيلا يشارك فيه
الحق وضاح كابلج وجهه ... ما في الهدى فقر إلى التوجيه
يا وجهه المعشوق لي لا يقضني ... فضلا وإن أنا كنت غير وجيه
كم ليلة في البين قاسيت الردى ... فيها يريني خطبه واريه
لمعت غياهبه على بصري بها ... وبصيرتي في جنبها تهديه
فمرئت حنظلها ولولا جرعة ... ما حلو ذكراك لم أكن أمريه
ما في الهوى مستعذب لك فاتئد ... واقنع بما فيه وما يرضيه
وابن الهوى هو ما ترى يقضي به ... حتفا وما حقا له يقضيه
فأقدم على العلات ان تك قادما ... أولا فدعه للآله ونبيه
يتيمم التقوى تقى لكنه ... من يرمه بلحاظه يصميه
متنسك نسكا قضى بتهتكي ... فيه وهاد جاء لي بالتيه
يتجنب المكروه وهو معذبي ... من غير ما جرم سوى حبيه
فسلوه كيف أباح تعذيبي له ... والنمل من تقواه لا يؤذيه
قالوا ألا ترقيه أن عداته ... ولعوا بعذب رضاب ماء شفتيه
هب أنني أرقيه من حساده ... أفممكني من عينه أرقيه
ليس المتيم عاشق متلون ... ليس الهوى باللبس والتمويه
لا تجلبن إلى الهوى غير الصفا ... غير الصفا نقص لمن يصفيه
اياك تذكر سر من أحببته ... يوما على التشريك والتشبيه
ما في الهوى شرك لمن عرف الهوى ... ما فيه غير الصفو والتنزيه
أنى يكون حشاك دار مقدس ... وسواه بالغه وينزل فيه
أفلا يجيب بسوف هو هل مرة ... فيكون يوما ليس مه عن أيه
سوف فديتك كيف شئت ولا تقل ... لا والهوى سوف اللقا ترويه
عجب فراقك أدعيه وحيث ما ... لا حيث أنت لي الوجود تليه
لا ترمه بالياس منك وخلة ... ومديد وعدك انه يكفيه
نظرت ضنا جسدي العواذل فاغتدت ... تبدي الشماتة من ضنى أيديه
أو ما درت ذاك الجمال معذبي ... ذاك الجمال معذبي أفديه
لا تدعني لمعجل نحو الهدى ... ان الهوى مرد لمن يقنيه
فلقد مللت وملني داء النوى ... وتبرأ العواد مني فيه
حكم جرت لم يدرها وفظنة ... فلبيبها في عجزه كسفيه
أبدا بقلبي سهم بين غارز ... لم ينفه آس ولا يشفيه
البين معتقد الدوام وقوعه ... والوصل حتى الوهم لا يأتيه
من لي بهاتيك الليالي ساعة ... فلعل عودة ساعة تحييه
لو كنت تدري بالخفي من الهوى ... ما لمت مظهره ولا مخفيه
آس على ماض وكيف يعوده ... ما لا يشاء معاده مبديه
كم الق ساعة لذة من قربه ... إلا ونغصها جنوني فيه
البيض تلقاها ظلال كناسه ... والأسد بعض حماته وحميه
والظبي تلقاه هناك بعينه ... والليث واحد أمه وأبيه
إني من المشتاق مبلغ قصده ... وأقل ما عاينته يرديه
حلو الدلال محجب لا يزدهي ... عجبا ولم يخلط صباه تيه
نأي كانف الظبي من شبه الحنا ... وتظنه من لطفه يأويه
عف الازار بشوس أوذت اللقى ... خطرات ذي سفه وفعل نبيه
عمش بين النور عن مسحات من ... أدنى سواطع نوره تعميه
يحكي البروق البعض من خطراته ... وأظنها غلطت بما تحكيه
البرق أبعد عن وصال محجب ... نخشى البروق تعينه أو تعنيه
وحديثه حلو الحديث لو أنه ... يحكيه حاكيه لمن يبغيه
وحديثه السلسال فار فإنه ... كرضابه مروي لمن يرويه
قد قلت ذاك وصح لكن دونه ... خرط القتاد براحتي مجنيه
وكلامه الشافي الحياة وكيف لا ... المنى وكلامه من فيه
فافعل فديتك ما تشابى وارضني ... رقا وصل حبلي ولا تقصيه
لا تدنني ان شئت ليس فليس لي ... لجمال وجهك منه ما يدنيه
كلي قصور في هواك فليس لي ... أن أدعي أمرا وليس بذيه
الفضل منك نعم ولكن عله ... بالقانليه شرط ما يحييه
فمن المغبد لي التفضل بالمنى ... من قربه وعدا ولا تقصيه
هيهات من ملك الملاحة قاصر ... بذواته ومقصر بذويه
مسكين شوق صفر كف يابس ... كأس الحمول عرى عن التنويه
لو شئت ترتقيه بأدنى لفتة ... أو شئت لا تحييه لا تحييه
هو كيف شئت فموته ان ترضه ... يرضيه أولا فهو لا يرضيه
العبد غير مصرف في نفسه ... والرب يأمره كما ينهه
هل يستطيع يقول شوقا سيدي ... فلعل شوقا منه لا يلهيه
متباين في النعت كنه جلاله ... ينأى به وجلاله يدنيه
لا تنتهي أبدا بدائع حسنه ... ومحاسن الأوصاف لا تنهيه
قلت الهوى سننا عرفت طريقه ... وزعمت تدريه ولا تدريه
تدري الهوى زعما ودمعك جامد ... فعلام تدريه ولا تذريه
لم يقض حق الشوق من يقض به ... لا باخل بالدمع أن يجريه
لا ترج يا سوداء حبك غيره ... حتى يكون مميته محييه
الحب توحيد ومحض جلالة ... لا الاتخاذ بجاهل وسفيه
سل قومه الفقهاء فيه فإنه ... لم يدر معنى الحكم خير فقيه
أو ما حللت أو اتخذت بظاهر ... عن نقص امكان وعيب شنيه
كذب العواذل بالعواذل ما به ... فاهوا الا بعدا لذي التفويه
كنت الكتوم زعمت حتى أن بدا ... بعض الهوى أبديت ما أخفيه
وأخو الهوى البادي فدعه لأنه ... من ضعفه يبدي الذي يبديه
قد قلت قشرى الهوى بادي الهوى ... من أين قلت وأنت غير فقيه
الفضل للبادي بأسر ضمانه ... والحسن في البادي هناك بديه
ان كان ما عنه بتنبيه الهوى ... في قلبه فعنت في عينيه
وحلاه لم يك ذاك شرط في الرضا ... حتى يكون سواه لا يهنيه
كل الذي تسديه قصد متيم ... قصد المتيم كل ما تسديه
كل الغرام غرام قلبي مثلما ... كل الجمال جمال من يصبيه
وله:
ذكرك في قلبي حياتي ... ولم أبرح به أحيا
لو أن الذكر ذو رسم ... لصير اسمه يحيى
وله:
سلها عساها أن تحن لموثق ... في قيده لم يرج منه فكاكه
قد كان ذا فكر قبيل بعادهم ... فبدا البعاد فخانه ادراكه
وله:
أتظن تلقى بعد سرحة عامر ... مأوى به يأوي الجمال وينزل
ودع حشاك فليس بعد ركابهم ... ان حملوا الأحشاء من متحمل
أنت الشديد الحزم ان جد النوى ... ووجدت صبرا عنده يتحمل
وله:(3/363)
أتظن تلقى بعد سرحة عامر ... مأوى به يأوي الجمال وينزل
ودع حشاك فليس بعد ركابهم ... ان حملوا الأحشاء من متحمل
أنت الشديد الحزم ان جد النوى ... ووجدت صبرا عنده يتحمل
وله:
نفس أعز علي من كبدي ... وسدتها ترب الثرى بيدي
روحي التي فديت روحي لها ...
وله:
ليس يا واحد الوجود درى ... أحد غير أنك مربوب
ليس من فعلك العجيب ولا ... أنفك من فعلك الأعاجيب
أنت للكون علة ولمن فيه ... بروء منه أيوب
أنت موسى وآدم والصديق ... يوسف والكريم يعقوب
هم ولولاك لم يخط لهم ... في جبين الوجود مكتوب
كل نحو سلكته فيه ... لك طود الجلال منصوب
يشهد البر والبحار به ... لك والسهل والشخانيب
صنف الكتب في علاك فلم ... تحص ما تعرف الأعاريب
ومن لها أن تنال ذاك ومن ... عجب والطريق ملحوب
وله:
يا واحد الكون كل عالية ... بنقصها عن علاك تعترف
ما في معانيك غير مبتكر ... كل معاليك روضة أنف
فمنك كل الرشاد مقتبس ... وكل فيض الوجود مغترف
لا خلف السابقين يدركها ... وقاصر عن مثارها السلف
كل جليل لعز عزته ... أصبح لا ما قواما ما ألف
سلطان حكم عني لهيبته ... مؤتلف في الورى ومختلف
وله:
عجب مهملات دمعي نطقا ... في الثرى بين حمرة وسواد
فالتي الحمر هن ماء دمائي ... والتي السود هن ماء فؤادي
وله:
الحب ما أحسنه للفتى ... ولم يكن آخره القتل
كيف يرجى عاشق عيشة ... حيث ترامى الأعين النجل
وله:(3/364)
الحب ما أحسنه للفتى ... ولم يكن آخره القتل
كيف يرجى عاشق عيشة ... حيث ترامى الأعين النجل
وله:
إن كان نهجكم غيّا شقيت به ... فحبذا الغي عن عمد لذي سفر
إن كان نهجكم غيّا لسالكه ... فليس للرشد والرحمن من أثر
رضيت لي ربعكم في الناس متخذا ... إذا تفرقت الآراء في البشر
وله:
حيثما أنت فرطت شوقي فإن ... أيقنت فالشوق في حشاي يماني
أو حللت اللوى بأكناف نجد ... ففرامي حيث اللوى قد لواني
أو سلكت البحار فالبر عندي ... شر مأوى من كل قاص وداني
وبي الظاعنين لا أتلاقى ... غير همي تصرف الأضغان
يا لائمي عن غرامي ... ما تبتغي بملامي ... طبيعة لم يدعها
بالظاعنين هيامي ... أوشك لو وقف الركب ... حينا يبل أوامي
يا بارق الجو بلغ ... أهل الغري سلامي ... وقل تركت معنا
أعيا ضنا عن كلامي ... الفاظه زفرات ... تركبت من سقامي
وله أيضا:
بنفسي البارع الحسن ... المقيم لصبوتي الحجة ... ثوى قلبي ولكن قد
أثار الهوى عجه ... رماه بسهم ناظره ... فأشجاه كما شجه
ضرورة حسنه اغنت ... عن البرهان والحجة ... كذا للمدعى دعوى
لها وجه وما وجه ... بقيه الشهدة البيضا ... ليت مججتها مجه
جفون للحمى ترنو ... وكم لي عنده مهجه ... فهذي حرها نار
وتلك بسيلها لجه
وله أيضا:
نظري بوجه معذبي بدلاله ... لا ما سواه براعة استهلاله
قمر ولكن فوق طرة فرقه ... شمس تقوم له مقام هلاله
افتى بسفك دمي بغير جناية ... واظن ما افتاه غير حلاله
في عينه لحظ المريب ونفسه ... عف يكاد يسيل من اذياله
ابدا غرامي لا يزال معلقا ... في ورد وجنته وعنبر خاله
قبلت وجنته وقبل وجنتي ... في البين يوم زيالنا وزياله
ما كنت ارغب ان يقدر وصلنا ... قاضي النوى في اليوم من ترحاله
ألقى بعيني عينه وبعينه ... عيني وسير الدمع في ارساله
فشربت ماء دموعه من خده ... وشمعت عنبر نشره من خاله
وله:(3/365)
نظري بوجه معذبي بدلاله ... لا ما سواه براعة استهلاله
قمر ولكن فوق طرة فرقه ... شمس تقوم له مقام هلاله
افتى بسفك دمي بغير جناية ... واظن ما افتاه غير حلاله
في عينه لحظ المريب ونفسه ... عف يكاد يسيل من اذياله
ابدا غرامي لا يزال معلقا ... في ورد وجنته وعنبر خاله
قبلت وجنته وقبل وجنتي ... في البين يوم زيالنا وزياله
ما كنت ارغب ان يقدر وصلنا ... قاضي النوى في اليوم من ترحاله
ألقى بعيني عينه وبعينه ... عيني وسير الدمع في ارساله
فشربت ماء دموعه من خده ... وشمعت عنبر نشره من خاله
وله:
فيا مهجتي بل مهجتي وتعلتي ... لذا غلتي ان صد في عزمتي صد
فإن غبت عن عيني فانت لدى الحشا ... مقيم وإن قالوا تضمنه اللحد
رددت المنايا عنك لو ملكت يدي ... ولكن حكم الله ليس له رد
فحسب الرزايا بعد فقدك إنني ... أروح بأحزاني مليا كما أغد
وله:
شوقي إلى مسحات شوقك قاتلي ... يا محيي الموتى برؤية وجهه
متنزه الأفكار روض جماله ... لكنه آب على المستنزه
أنى يحل الفكر قدس منزه ... عن كل فكر عنه غير منزه
وله:
وكيف يقال زاعم صدق وده ... وما عرفت له سهد الليالي
ولا شهد النجوم له بطرف ... قد انعقدت بحاجبه الأعالي
ولا روى الترات له حنين ... غزير الدمع منهل العزالي
ولا علم الهجير له صياما ... يقيده عن الحكم الحلال
ولا ألفت ذكا منه وقوفا ... كما الحرباء في وقت الزوال
ولا أنس الوحوش به طويلا ... لما شاهدت فيه من اعتزالي
ولا أكل الثرى منه خدودا ... من التعفير في ذل السؤال
ولا قطع الظلام بصوت غان ... يقاسي القد في ألم النكال
وله:
كفا بي إنني بهواك مغرى ... أصم السمع في اللاح الحسود
ولو نطق الحشى لم تلق فيه ... رواية غير وصلك والصدود
فوصلك دونه جنات عدن ... وصدك دونه نار الخلود
وكيف وكل حسن فيك ثاو ... سما بالذات عن حسن القدود
وله أيضا:(3/366)
كفا بي إنني بهواك مغرى ... أصم السمع في اللاح الحسود
ولو نطق الحشى لم تلق فيه ... رواية غير وصلك والصدود
فوصلك دونه جنات عدن ... وصدك دونه نار الخلود
وكيف وكل حسن فيك ثاو ... سما بالذات عن حسن القدود
وله أيضا:
يا صاحب الوجناء دعاهن ترنقي ... نور الحمى كي تستعيد بها الشذا
وانشق تراب الحي شوق أهليه ... نفسي ولا من لأهليه فدا
هل منحة هل نفحة هل لمحة ... تجبى ولو بالنوم من طيب الكرا
ماذا على أهل الحمى لو حملوا ... ذاك الشذى من نحوهم ريح الصبا
ما ضر لو بالروح أحيوا ميتا ... في حبهم يا سعد من أفتى بذا
دعهم فدتهم مهجتي لا يغضبوا ... فالروح لا شيء ترى فوق الرضا
وله:
أهلال شهر العشر مالك كاسفا ... حتى كأنك قد لبست حدادا
أفهل علمت بأن سبط محمد ... فلبست من حزن عليه سوادا
فأنا الغريب ببلده أيام حزن ... أيام حزن المصطفى أعيادا
فهم نحو متيم فيهم يرى ... ترك الملامة فيهم اسعادا
فليبلغ الأعداء عني حالة ... ترضى العداة وتشمت الحسادا
الم شمل الصبر بعد عصابة ... راحوا فرحن المكرمات بدادا
أبكى مصابهم العفات وبعضها ... الأطيار في الفلوات والآسادا
لم تلتق العبرات من أجفانها ... شحا ولو كان البحور مدادا
قوم هم الثمر الجنى لدوحة ...
سبقوا الأنام فضائلا وفواضلا ... ومآثرا ومفاخرا وسدادا
ومراتبا ومناقبا ومساعيا ... ومعاليا وجلادة وجلادا
لا يبلغ الشاوون غاية مجدهم ... والكل معروف السباق جوادا
تمسى طرا أيدهم أسود كتيبة ... وترى استباقهم المجد طرادا
بيض كفتك أصولهم ووجوههم ... أن تستزيد هداية ورشادا
شرعوا بصافية الفخار وغيرهم ... أمسى يحاول عنده ميرادا
في الناس أكثر في المعالي عدة ... وتراهم فيهم أقل عدادا
من كل وتر أن يسل حسامه ... راحت جموع عداته آحادا
وأخي ندا إن سال فيض بنانه ... غمر الزمان مفاوزا ونجادا
رجب إذا شعبان بالغ في الندى ... وهو الربيع إذا الشهور جمادا
لم يطو حسنهم المدى إلا وقد ... نشرت حسان فعالهم إبرادا
لو يعقل الخطب الملم بصرفه ... فيهم لكف عن الأنام وحادا
ويد أصابت مثلهم في دهرها ... عجبا لها أن تعلق الأوغادا
أو ما هم في الكل غاية كله ... حتى تزيد النائبات مزادا
وبمهجتي الرشد الذي للقائه ... حشد الضلال وجند الأجنادا
يتكسب الغمرات حتى خلته ... يلقى بها غرب الوشاح فؤادا
يلقى القنا ثلج الفؤاد وحاله ... أو ذى القلوب وفتت الأكبادا
وله:(3/367)
أهلال شهر العشر مالك كاسفا ... حتى كأنك قد لبست حدادا
أفهل علمت بأن سبط محمد ... فلبست من حزن عليه سوادا
فأنا الغريب ببلده أيام حزن ... أيام حزن المصطفى أعيادا
فهم نحو متيم فيهم يرى ... ترك الملامة فيهم اسعادا
فليبلغ الأعداء عني حالة ... ترضى العداة وتشمت الحسادا
الم شمل الصبر بعد عصابة ... راحوا فرحن المكرمات بدادا
أبكى مصابهم العفات وبعضها ... الأطيار في الفلوات والآسادا
لم تلتق العبرات من أجفانها ... شحا ولو كان البحور مدادا
قوم هم الثمر الجنى لدوحة ...
سبقوا الأنام فضائلا وفواضلا ... ومآثرا ومفاخرا وسدادا
ومراتبا ومناقبا ومساعيا ... ومعاليا وجلادة وجلادا
لا يبلغ الشاوون غاية مجدهم ... والكل معروف السباق جوادا
تمسى طرا أيدهم أسود كتيبة ... وترى استباقهم المجد طرادا
بيض كفتك أصولهم ووجوههم ... أن تستزيد هداية ورشادا
شرعوا بصافية الفخار وغيرهم ... أمسى يحاول عنده ميرادا
في الناس أكثر في المعالي عدة ... وتراهم فيهم أقل عدادا
من كل وتر أن يسل حسامه ... راحت جموع عداته آحادا
وأخي ندا إن سال فيض بنانه ... غمر الزمان مفاوزا ونجادا
رجب إذا شعبان بالغ في الندى ... وهو الربيع إذا الشهور جمادا
لم يطو حسنهم المدى إلا وقد ... نشرت حسان فعالهم إبرادا
لو يعقل الخطب الملم بصرفه ... فيهم لكف عن الأنام وحادا
ويد أصابت مثلهم في دهرها ... عجبا لها أن تعلق الأوغادا
أو ما هم في الكل غاية كله ... حتى تزيد النائبات مزادا
وبمهجتي الرشد الذي للقائه ... حشد الضلال وجند الأجنادا
يتكسب الغمرات حتى خلته ... يلقى بها غرب الوشاح فؤادا
يلقى القنا ثلج الفؤاد وحاله ... أو ذى القلوب وفتت الأكبادا
وله:
ألم تعلم أميمة إذ رحلنا ... بأني قد وفيت لها بعهدي
فقلبي حلف اشجان ووقد ... وطرفي حلف تسكاب وسهد
وإني لا أزال كذاك وحتى ... تكف بكفها الجاري وخدي
وله:
عن قلبه تسأل أضلاعه ... تنبيك أن ليس لها قلب
واين من أضلاعه قلبه ... وقد سرى بالرفقة الركب
وله:
وحيدة حسن حل البدر زاهرا ... مهفهفة يعنو لها الغصن ناظرا
وحوت ما حواه ظبي جيدا وناظرا ... فلو أنها ذادت من العصم نافرا
للبى لها من فوق قلته العصم ... شجى مهجتي داعي الهوى عظم الشجا
شجى ماليا قطر الحشاشة والرجا ... فهل لسلوى للعواذل من رجا
تعلقها من حيث لم يبلغ الحجى ... مداه ولما يدن بالحلم الحلم
وله:
وكنت وليلى حيث لم تفقد المنى ... بجامع شمل بالمسرة والهنا
غفولين لم نعرف شفاء ولا عنا ... صغيرين لم نرع البهم يا ليت اننا
إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم
وله:
لعب الزفير بصدره فأصاده ... عيّا يلجلج عن بيان مراده
لو كنت تسأل حاله عن قلبه ... لعلمت ظلمك في اختيار بعاده
وله:
رجوتك أن تفرج بعض ما بي ... من الألم الشديد من الفراق
فصرت لمهجتي أقصى عذولا ... تجرعني به مر المذاق
وله:(3/368)
رجوتك أن تفرج بعض ما بي ... من الألم الشديد من الفراق
فصرت لمهجتي أقصى عذولا ... تجرعني به مر المذاق
وله:
من أجل وجهك لا تزال تقيتي ... خوف العواذل استعير له القمر
واعنف الليل البهيم وإنما ... أصل البلية في ضلالتي الشعر
وله:
كفى بك أنك فرد العلى ... وأنك منك العلى تستعار
ولست بأعجب من محنة ... سوى معشر منك غاروا فغاروا
وكيف تستر شمس الضحى ... ومن بعض آثارها ذا النهار
وله:
يا من إذا نزل العديم جنابه ... أولاه منهل النوال تفضلا
أنا سائل الباب الذي بسؤاله ... لم تفت تكرع منه عذبا سلسلا
أتراه يغلق دون قصدي بابه ... وسواي لم يره زمانا مقفلا
وله:
يا رب إني مذنب ... وبباب عفوك ملتجي
حاشاك تطرد سائلا ... أو أن تخيب ملتجي
متضرعا يدعوك يا ... مولاه عن قلب شجي
يا موئلي ومؤملي ... ضاق الخناق ففرج
ومما قاله: بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم:
محمد سيد الثقلين طرّا ... عليه سلام ربك والصلاة
أقول ولا اعتراض به ولكن ... بقلبي ما يحق له الشكاة
بنوك مشتتون بكل قطر ... وحوليك الأباعد والعداة
وله:
صهباء صفراء في الأقداح كالتبر المذاب ... هي للأرواح راح وسمت باسم الشراب
نزهت عن دنس اللبس ورجس الارتياب ... كل طيب كل طيب طاب منها واستطاب
يستفيد العقل عقلا من شذاها الملكي ... مثلها لم تلفه تحت عمود الفلك
حرمت قسرا على غير ذكي وزكي ... فإذا افقد شخصا أحد الوصفين خاب
علقت روحي بها من قبل أن تخلق روح ... والبكا من هجرها من بعده طوفان نوح
ان بدت مت وإن أعرضت قمت أنوح ... فلفاها وجفاها لي موت وانتحاب
لا تلم عجزي عنها ان تكن حقا قضيت ... رامها موسى العلى مع عزمه فانصاب ميت
من أماني حسنها العالي وان فيها قضيت ... كم حجاب دون ليلى ما له للوصل باب
ينظر المسكين أنوارا وضوءا لا يغيب ... فيرى أن طريق الوصل للحي قريب
ما درى أن ليس للناظر في ليلى نصيب ... كم حجاب يخشى الناظر وحجاب
فأنا يا مسكين عن عليائها فهو المحال ... وارض بالظاهر منها عل تسقيك الزلال
اين من أعجزت العقل وأزرت بالخيال ... من سفيه اتخذ الوهم أخا والجهل ذاب
فارض بالظاهر منها ان تكن ترض الحياة ... وتوقى طلب الكنه فهناك الممات
كم سفيه خاض ذا النمط عن جهل فمات ... ميتة ليس وراها أبد الدهر انتصاب
دونك الشرع المسمى للنبي العربي ... فالثنا ذاك وأما غيره فهو الوبي
لا تكن ابن أب حتى تكونن أب ... تهجر العار وتنأى رفعة عن كل عاب
كل نفس هي تأتي ربها تفعل فيه ... وعلى قولهم يبدل حتى للكلاب
ثم مع ذا يجب المرء شدان يدعى الإله ... وهو تحت العلج لا يبرح يوليه ستاه
فجزاهم عن أبي حفص من الخير جزاه ... إذ صار والرب منكوحا لشيب وشباب
عجب العالم إن كان ملاطا وإمام ... وأصاروا القوم للرب من الخلف لجام
نزهة الراكب لا يمنع يوما عن مرام ... يا لدين الله هل من ضارب هذي الرقاب
في لواط وزناء وغناء وخمور ... راكبا في صهوة الأمرد كالريم النفور
... راقصا في مجلس بين شراب وكباب
ثم قالوا ان ذا فيه صلاح العلمى ... ماذا يحلق من يفعله من خجل
سلهم أخزاهم الله أذى للرجل ... أم لكل الخلق من أنثى وخنثى ما الجواب
بعلها فاستكثرت ذاك من القلب الفحول ... وابنها من اين قد حض له هذي الحصول
. ... وله ألف شريك كيف صح الانتساب
وله أيضا رحمه الله:(3/369)
صهباء صفراء في الأقداح كالتبر المذاب ... هي للأرواح راح وسمت باسم الشراب
نزهت عن دنس اللبس ورجس الارتياب ... كل طيب كل طيب طاب منها واستطاب
يستفيد العقل عقلا من شذاها الملكي ... مثلها لم تلفه تحت عمود الفلك
حرمت قسرا على غير ذكي وزكي ... فإذا افقد شخصا أحد الوصفين خاب
علقت روحي بها من قبل أن تخلق روح ... والبكا من هجرها من بعده طوفان نوح
ان بدت مت وإن أعرضت قمت أنوح ... فلفاها وجفاها لي موت وانتحاب
لا تلم عجزي عنها ان تكن حقا قضيت ... رامها موسى العلى مع عزمه فانصاب ميت
من أماني حسنها العالي وان فيها قضيت ... كم حجاب دون ليلى ما له للوصل باب
ينظر المسكين أنوارا وضوءا لا يغيب ... فيرى أن طريق الوصل للحي قريب
ما درى أن ليس للناظر في ليلى نصيب ... كم حجاب يخشى الناظر وحجاب
فأنا يا مسكين عن عليائها فهو المحال ... وارض بالظاهر منها عل تسقيك الزلال
اين من أعجزت العقل وأزرت بالخيال ... من سفيه اتخذ الوهم أخا والجهل ذاب
فارض بالظاهر منها ان تكن ترض الحياة ... وتوقى طلب الكنه فهناك الممات
كم سفيه خاض ذا النمط عن جهل فمات ... ميتة ليس وراها أبد الدهر انتصاب
دونك الشرع المسمى للنبي العربي ... فالثنا ذاك وأما غيره فهو الوبي
لا تكن ابن أب حتى تكونن أب ... تهجر العار وتنأى رفعة عن كل عاب
كل نفس هي تأتي ربها تفعل فيه ... وعلى قولهم يبدل حتى للكلاب
ثم مع ذا يجب المرء شدان يدعى الإله ... وهو تحت العلج لا يبرح يوليه ستاه
فجزاهم عن أبي حفص من الخير جزاه ... إذ صار والرب منكوحا لشيب وشباب
عجب العالم إن كان ملاطا وإمام ... وأصاروا القوم للرب من الخلف لجام
نزهة الراكب لا يمنع يوما عن مرام ... يا لدين الله هل من ضارب هذي الرقاب
في لواط وزناء وغناء وخمور ... راكبا في صهوة الأمرد كالريم النفور
... راقصا في مجلس بين شراب وكباب
ثم قالوا ان ذا فيه صلاح العلمى ... ماذا يحلق من يفعله من خجل
سلهم أخزاهم الله أذى للرجل ... أم لكل الخلق من أنثى وخنثى ما الجواب
بعلها فاستكثرت ذاك من القلب الفحول ... وابنها من اين قد حض له هذي الحصول
. ... وله ألف شريك كيف صح الانتساب
وله أيضا رحمه الله:
سل ساكن الجزاء ماذا قد قضوا ... من بعدهم للهائم الحران
أبقوه ملقى بين أخطار النوى ... بادي الضنا حلف الصبابة عاني
يا أهل طيبة ان عيشي لم يطب ... من بعدكم يوما ولا يهناني
وبكم يمينا ان قلبي لم يمل ... منذ النوى يوما إلى السلوان
بأبي وأمي ريحكم لو أنه ... شق الفلاة وبالنسيم حباني
لو كنت طفلا نلت فيه لطفكم ... لكن ذنبي عنكم اقصاني
أنا نياك الطيف مثلي قاصر ... قضت الذنوب عليه بالحرمان
نعم الذي لي أن يحزنوا لكم ... مقري النزيل ومكرم الضيفان
عبد أخو ود نزيل سائل ... متعرض للبر والاحسان
وتكثر الأسباب داعية إلى ... عطف الكريم على المسيء الجاني
وله:(3/370)
سل ساكن الجزاء ماذا قد قضوا ... من بعدهم للهائم الحران
أبقوه ملقى بين أخطار النوى ... بادي الضنا حلف الصبابة عاني
يا أهل طيبة ان عيشي لم يطب ... من بعدكم يوما ولا يهناني
وبكم يمينا ان قلبي لم يمل ... منذ النوى يوما إلى السلوان
بأبي وأمي ريحكم لو أنه ... شق الفلاة وبالنسيم حباني
لو كنت طفلا نلت فيه لطفكم ... لكن ذنبي عنكم اقصاني
أنا نياك الطيف مثلي قاصر ... قضت الذنوب عليه بالحرمان
نعم الذي لي أن يحزنوا لكم ... مقري النزيل ومكرم الضيفان
عبد أخو ود نزيل سائل ... متعرض للبر والاحسان
وتكثر الأسباب داعية إلى ... عطف الكريم على المسيء الجاني
وله:
يوم تراك جفوني فذاك يوم حياتي ... ويوم تعرض عني فذاك يوم مماتي
ومن عجيب أموري وقد جللت جهاتي ... أن تنأ طرفة عين ملأ الزمان شكاتي
علام هاشم هذا تطوف بالحجرات ... لم تحظ يوما بوصل ولم تفز بعداتي
أنى يناك هواك الأسير للشهوات ... جم الخطايا كثير العثار والهفوات
مسكين هاشم هلا انفردت بالخلوات ... فرحت عما سواهم مجرد الأدوات
ما تعلم الحب يا شيخ مانع الشركات ... تحب وحد والا فخل ذا الدعوات
كم تاه قبلك قوم في هذه الفلوات ... فهم سكارى غرام ماض وآخرات
يا شيخ شيخي هل لفتة من اللفتات ... كرم شدم توك باشي اصبت نهج نجاتي
وله أيضا:
وسل الشموس مع البدور ... عن ذلك القلب العليل
ماذا قضوا في أمره ... يوم جدوا للرحيل
وله أيضا:
ميامين ان نودوا الدفع ملمة ... أتوا فازلوا الضر طرّا مع البلوى
لكم يا بني خير الورى لا لغيركم ... على كل حال مني البث والشكوى
وإن كنت في طهران والقرب شاسع ... فعلمي لا يخفاكم السر والنجوى
أبا الفضل يا عباس كم لك من يد ... علي وهذي بعضها فادفع البلوى
وفي مرة أعطيت عمري عشرة ... سنينا فزادت مثلها كرما يروى
عليكم سلام الله يا خير خلقه ... متى أم حاد نحوكم يكثر العدوى
وله:
سألتك بالذي أولى فضلا ... فقصر عنه فضل الفاضلينا
ألست الواحد الندب المرجى ... إذا انقطعت صلاة الواحدينا
ألستم خير منتعل وحاف ... ومن ركب المطايا والسنينا
وله:(3/371)
سألتك بالذي أولى فضلا ... فقصر عنه فضل الفاضلينا
ألست الواحد الندب المرجى ... إذا انقطعت صلاة الواحدينا
ألستم خير منتعل وحاف ... ومن ركب المطايا والسنينا
وله:
أبا الفضل يا غوث المساكين كلهم ... وإني مسكين وأنت أبو الفضل
ألم ترني في بطن طهران مفردا ... ونجلي لا قومي لدي ولا أهلي
وخذ بيدي يابن الوصي وخذ ندى ... على ضعف حالي أنني مثقل الحمل
وكم لك عندي من يد طال طولها ... وقصر عنها الشكر في القول والفعل
وله:
إني أقول وقد حف الركاب بنا ... والعيس تعتقب التقريب والرملا
يا صاحبي بأرض الري حسبكما ... وحيث وجهتما بلغتما الأملا
قولا لناصر دين المسلمين علي ... لا زلت بالفتح والإقبال متصلا
نصرت مذهب آل الله مجتهدا ... بالسيف لا ناكلا عنه ولا وكلا
حتى غدا الحق مثل الشمس متضحا ... لطالب وجمعت العلم والعملا
إني تركت فراخا بين اجنحتي ... يطالعون ورائي السهل والجبلا
فذاك موجب بعدي عن جلالكم ... وليس يبعد من في القلب قد نزلا
ودام رفدك للعارفين مبتذلا ... ودام مجدك لا تلقاه مبتذلا
وله:
يا طير ذى أجنحة بها يعانون الهوى ... هل ترين بلدة فيها القرين قد ثوى
سلمت فاقرأه سلام مدنف خلف الهوى ... وأخبره عن تفاطر الأجفان من بعد النوى
ومهجة حرانة لها البعاد قد كوى ... وحر قلب ماله إلا من الحي روى
لو كان يطوي أجوف عن الطعام لا نظوى ... كل الزمان في النوى لديه ليل لا سوى
حملتموه بينكم قصدا على ضعف القوى ... مع علمكم بعجزه عن حمل أثقال الهوى
ما كان من انصافكم حمل الهوى مع النوى ... هل عطفه منكم لصب لسواكم ما أوى
وله:
ويحي من الشوق قد براني ... صرت حديثا لمن يراني
أفحل جسمي أم أمح رسمي ... ازاد سقمي وما شفاني
وله:
اعتاد يعذلني ولا يدري بي ... ويح المعنى من خلى القلب
باد يلوم وما درى بفؤاد ... في الطاعنين يطوف حول الركب(3/372)
يا سعد تعذل ليس قلبي عندي ... قد سار عني يوم ساروا صحبي
هل يعقل الملوم صب أضحى ... معقوله تبعا لرأى السرب
أبد النوافل غاطيات جيدها ... متلفتات بالكحيل الضبي
وله:
مسكين فؤاد عقلي صبا ... قد علق بالحمى هواه الباري
قد أفقدته الشموس ما يعقله ... أو أطبق لم يكن بذي أدوار
في كل خبا شمس جمال بلغت ... أو بدر ملاحة بدا من داري
فانصاع بدور حيرة لا يدري ... نهج الساري لكثرة الأنوار
وله:
حلو الكلام وكيف لا ... وبنيه مشتار الشهاد
لو كان حظي كان من ... شفتيه مشروبي وزادي
لا أتقى في حبه أحدا ... سوى رب العباد
الشوق أقتل من ... المهندة الحداد
أزمان لو عانيت وال ... هيجاء وارية الزناد
لرأيت دون العامرية ... شكتى تعلو نجادي
ورأيت منغمسا بطمطام ... الكتائب غير بادي
فلقد درت قومي إذا ... التف أنابيب الصعاد
إني المنادي باسمه ... والخيل مشرقة الهواد
طور الكتيبة لا تغل ... يدي ولا ينزو فؤادي
والدها حيث الخصام ... يفوح من جهة العناد
وخطيبها الدرب المفجر ... قوله صم الصلاد
وله:
ولولا الله في طلب المعالي ... تركت يخوض سابقي الدماء
فلا طفلا ترى إلا يتيما ... ولا دارا ترى إلا خلاء
بحيث ترى رجال القوم خوفا ... تردد أن تكون هي النساء
وله:
يا قلب كأنك ما تدري ... أهلوك نأوا وأقبلوا الهجر
باتوا سحرا وبقيت لهم ... تبكي ندما بدم يجري
يا ليتك ما تدري تدري ... ماذا ألقاه من الهجر
أضنى جسدي أفنى جلدي ... أوهى صبري أبلى عمري
لي فيك وإن نهجوا كلف ... هو في قبري وإلى حشري
وله:(3/373)
يا قلب كأنك ما تدري ... أهلوك نأوا وأقبلوا الهجر
باتوا سحرا وبقيت لهم ... تبكي ندما بدم يجري
يا ليتك ما تدري تدري ... ماذا ألقاه من الهجر
أضنى جسدي أفنى جلدي ... أوهى صبري أبلى عمري
لي فيك وإن نهجوا كلف ... هو في قبري وإلى حشري
وله:
أشقيقا كان ما تبدى ... لعيني أم عقيقا
ورحيقا كنت تسقيه ... فؤادي أم حريقا
لن أطيق الهجر يابن المجد ... فاعطف لن أطيقا
حسب طرفي وحشاشاتي ... حريقا وغريقا
وفؤادا لازم الركب ... ولا يرجو اللحوقا
أبدا من عرضه السير ... دميلا وعنيقا
مستبدا في طريق الحي ... لا يلقى رفيقا
لا ترى إلا زفيرا ... لو تراه وشهيقا
أعط قلبي وحشاشاتي ... حريقا وغريقا
فعسى قلبي بتعذيبك ... يوما ان يفيقا
راح في عربدة السكر ... صبوحا وغبوقا
وله: في مدح الزهراء عليها السّلام.
أحب لأجلها من ينتميها ... ومن يغزي إليها في البلاد
وأهوى كل منتسب إليها ... وإن كان البغيض من الأعادي
وأبغض في هواها كل قوم ... وإن أصفوا بزعمهم ودادي
فتلك وبعلها وكذا بنوها ... فوالدها المكرم غير هاد
علقت بحبهم كفى وقلبي ... فهم قوتي وهم رنقى وزادي
وله:
أملك ما تبالي ما بقلبي ... غداة جفاك من ألم ووجد
ولا تدري الذي أجراه جفني ... من الدمع المرقرق فوق خدي
نزيد تباعدا وأزيد ودّا ... متى كان البعاد جزاء ودي
وله:
خليلي هل بعد الحمى من تعلة ... لذي علة أدنى عوارضها القتل
تولوا ودمع العين في الخد دائب ... أبي سكبة عن أن يصد به العدل
وفي القلب نار من حريق صبابة ... أبت تنطفي أو أن يقارنها الوصل
مضى ركبهم والعين تبصر سيرهم ... فلما خفاها خف في سيره العقل
فإن تر في الركب الملح ضوالعا ... فتلك عقول بينهم ما لها أهل
وما كنت أرضى أن أبين أحبتي ... وبيني تخط الكتاب أو تبعد الرسل
فكيف وقد غطت وجوه مدامعي ... لوقذف وانسد من دونها السبل
وله:(3/374)
خليلي هل بعد الحمى من تعلة ... لذي علة أدنى عوارضها القتل
تولوا ودمع العين في الخد دائب ... أبي سكبة عن أن يصد به العدل
وفي القلب نار من حريق صبابة ... أبت تنطفي أو أن يقارنها الوصل
مضى ركبهم والعين تبصر سيرهم ... فلما خفاها خف في سيره العقل
فإن تر في الركب الملح ضوالعا ... فتلك عقول بينهم ما لها أهل
وما كنت أرضى أن أبين أحبتي ... وبيني تخط الكتاب أو تبعد الرسل
فكيف وقد غطت وجوه مدامعي ... لوقذف وانسد من دونها السبل
وله:
حلفت بامثال المواضي ... تشذمر عن رجال كالأسود
تغنى بعاريتها كل صبح ... على أهل الشقاق والجحود
بان محمدا لم يقض حتى ... أقام خليفة الرب المجيد
وميزه بيوم الدوح جهرا ... على رغم المعادي والحسود
وقال هو الخليفة بعد موتي ... ومولى الكل من بيض وسود
فإن تابعتم فزتم وإلا ... كفرتم كفر عاد أو ثمود
وله:
سعد عرج ضحى بواد ... لحبيب الفؤاد نادي
وقف العيس ساعة ... إنه غاية المراد
عل تروى قلب الصبا ... كل صابي الفؤاد صابي
كل نار حتى لظى ... دون نار الهوى اتقاد
عاد عرج على الحمى ... كل من حاد عنه حادي
ثم إن تلق مدنفا ... ما له عن ضنا فادي
فهو قلبي اتبعته ... الظن في ساعة البعاد
وله:
وقلوب في الحمى قد سقيت ... جمة لكن اشقاهن قلبي
أبدا تعرفه من بينها ... بالغشى الدائم عن ضعف وكرب
قلق أزعجه عن داره ... عجل سار بأقمار وركب
صاح حادي العيس بالحسن السرى ... وهو قبل الحسن يسعى أو يلبي
وله:
ذكرت الصبا والدار والشمل جامع ... وغصن اللقا غض وطرف النوى مغضي
فما ذاق تذكاري سوى طبق راحة ... على المثل أو ادماء كفي من عضي
وله:(3/375)
ذكرت الصبا والدار والشمل جامع ... وغصن اللقا غض وطرف النوى مغضي
فما ذاق تذكاري سوى طبق راحة ... على المثل أو ادماء كفي من عضي
وله:
زمان قبضنا البسط فيه وأهله ... فمن حارق مرضا ومن حدق مرضي
ومن صاحب ان أبرم الدهر كيده ... عنادا غدت كفاه تسرع بالنقض
وفي إذا ما فوق الخطب راميا ... تعرض دوني لاقيا كل منقض
فطلق قلبي كل قصد سواهم ... كما طلقت عيني بهم سنة الغمض
فللدمع هم يتبع السير والسرى ... وللقلب عزم يلحق العدو بالركض
ولولا النوى لم يكس ذي الدهر لمتي ... زمان اسوداد الفود حلة مبيض
وكم لي من دين وجسمي من الذي ... عليه بأن ينوي وفاي ولا يقض
ومن لا يؤدي عاجل الفرض قادرا ... فاقرب شيء منعه أجل القرض
تنكر لي دهري غداة أصابني ... وحيدا وأفشى غيره معتذرا بغضي
فأما تراه مفرق السهم في فمي ... وأما تراه معرق الناب في لحظي
فلا أهل ودي نصف عيني ولا الذي ... أود نواه مبعد الشخص عن أرضي
أبى الدهر إلا أن يرى كل ماجد ... يعالج داء الضيم في الطول والعرض
وما النقص جار حالة السر بالفتى ... إذا كان فيه سالم الدين والعرض
ألم تر منصوب الهدى ومقاومه ... هو الرفع قطعا كيف صار إلى الخفض
فمن بعده فليقض ما شاء إنه ... هو المقتدي في الكل لا البعض والبعض
رضيناه متبوعا على كل حالة ... أخو الخلق المرضى والكرم المحض
فقل لكريم يعتب الدهر بعده ... حنانيك فارجع عن جماحك أو فامض
إذ الدهر أمسى مسخطا سيد الورى ... فأي الورى من بعد سيدهم رضي
وله: في علي عليه السّلام.
ألم يعلم الجاني على الليث أنه ... أتى الليث وهو في محرابه ساجد
ولو جاءه من حيث ما الليث مبصر ... لخانته عن حمل الحسام السواعد
لقد فللت سيف الحسام مهندا ... نقل بماضي شفرتيه الشدائد
وله:
حلفت بساطح سبعا طباقا ... ورافع مثلهن بلا عمادي
بأن محمدا ما مات حتى ... أقام لديه بالنص هادي
وعرفهم به نسبا ولفتا ... واعلم حاضرا منهم وباد
وجلا الشك حتى ليس تلقى ... أخا نكر وليس له عناد(3/376)
وجلا الشك حتى ليس شك ... فنور الحق باد أي باد
فلم نكر منكرا إلا جحودا ... معادي عالما بالحق عادي
وكيف وبعده لا شرع يرجى ... وغابة شرعه حتى المعادي
وليس يصح في الكليف أمر ... يقصر عنه مقدور العباد
ويقبح أن يكلفنا بشيء ... يكون طريقة ذات السداد
وشاء يكون تكليف بسمع ... قضية حكم قاض غير عادي
وكان العلم بالمسموع حتما ... لتحصيل الوصول إلى المراد
وليس الناس كلهم ثقاة ... ولا عصم الجميع من الفساد
فلم يك قاطعا للعذر إلا ... لسان مطهر حلف السداد
يؤدي ما تحمل للبرايا ... بغير نقيصة وبلا ازدياد
وهذا ليس يعرف في البرايا ... بغير النص من رب العباد
وله:
لما زوت زينتها زينب ... عني وفارت عن دياري فوار
واستسلمت للبين سلما وقد ... راحت رواح مولع بالنفار
وجرد الشيب لقتل الصبا ... سيفا صقيل المتن ماضي الغرار
فقلت للنفس ألم ترعوي ... نهى فقد نادى منادي البوار
عودا إلى الحلم وعاديه ... فإن عقبى الجهل نار وعار
وله:
بنو أحمد أشرف الخافقين ... برغم الأنوف أنوف الضلال
ولا بد يوما ترى منهم ... على الخصم يسر الموالي
فهم سادتي وبهم عصمتي ... إذا ارتبك النطق عند السؤال
وله في رثاء علي عليه السّلام:
فديت قتيلا من حسام ابن ملجم ... بنفسي وما أهوى وما ملكت يدي
عليا أمير المؤمنين وخير من ... أشارت إليه في العلا كف سؤدد
أخص النص والسبق القديم إلى الهدى ... وهادي الورى بعد النذير المؤيد
فشلت يد الجاني عليه أما درت ... غداة أصابت قلب كل موحد
أضاعت عنا العافي وكنز الهدى الباقي ... وطود العلى الراسي وكف الندى والندي
فتى سيد الإسلام في كل موقف ... وشد عرى الإيمان في كل مشهد(3/377)
فتى حل من صيصى فهر بن غالب ... علا كل محتدا يربو على كل محتد
فتى كالحيا في السلم والحتف في الوغى ... وكيوان في الهيجاء والبدر في النوى
وله:
فيا زائرا قبر غيث النوال ... وليث الكتيبة يوم الضراب
وسر الآله ومأمونه ... وراعي الاياب وفصل الخطاب
فقف تقف حيث العلى شارع ... وبحر المكارم طامي الغباب
وأنوار قدس سما الحيدري ... مجللة ببيدائها والروابي
تكاد البصائر من لمعه ... تقيم على باذرات الروابي
وركب العقول ببيدائها ... حيارى أظلت طريق الاياب
وله:
أهل المعالي حيث كانوا ... والصراط المستقيم
وبنو النبي وآله ... وهناك الشرف القديم
والبدر والدهم وأمهم ... ذكا وهم النجوم
وله:
أرى سقما مانعا من لقاك ... وحسبي بذا الدار أني ألقاك
فيا حسرتي ان تكن عن قلى ... ويا فرحتي ان يكن عن رضاك
وتحقيق ظني بذاك الكمال ... أردت اختباري به في هواك
فيا حبذا الصف إن ترضه ... ولا حبذا العيش من دون ذاك
فهب مقلتي سيدي أن تراك ... على عظم جهلي بقولي أراك
فإن لم أكن أنا أهلا له ... ففضلك مولاي أهل لذاك
وإن قصر الحظ عن نيله ... فروحي على كل حال فداك
وله ساقط:
قبل ثرى أعتابه وقل ... هذي النيابة عن ميتمك الشجي
واعرض له حال الغرام وما علا ... تلك العظام من السقام المزعجي
وله:
ما تريد النفس من خل غدت ... ما بهالي غير خل خانل
صاح بي ان قلت يوما صاحبي ... عادلي ان خلت يوما عادلي(3/378)
راعني ان قلت يوما راع لي ... قاتلي إن قلت يوما قاتلي
ذاك مضمون اخائي وكفى ... وصفهم عمن سواهم سائلي
أترى في نحوهم لي منزلا ... ساء والله صباح النازل
أترى طبّا لدائي منهم ... ما سوى الليل وظهر البازل
وكذا الدهر على تقصيره ... سلم ذي النقص وحرب الكامل
وإلى الله مشكاتي وكفى ... وله الحمد على ما شاء لي
وله:
تتعجب الضعفاء منه وحكمه ... في ذهن أرباب النهى مركوز
نفحات ذكرك للهداية في الورى ... سر باحشاء العلى مكنوز
فيها طريق هداية مستوضح ... وطريق رسم عناية مرموز
أنى يفيق العاشقون من الهوى ... وعليه منك اشارة ورموز
وله في رثاء الأوحد الشيخ موسى رحمه الله:
قالوا الكليم هوى على عفر الثرى ... قلت الجلال له انجلى فتعفرا
قالوا الكليم عنيت في دهر مضى ... قلت الكليم هوى عنيت في هدي الورى
قالوا الكليم الله موسى قلت بل ... موسى كليم الصادقين بلا امترا
قالوا المناجي الله في ظلم الدجى ... قلت المناجي لن يخاب بلن ترى
قالوا نبي قلت عالم أمة ... علماؤها كالأنبياء لمن يرى
قالوا ألا تكنيه قلت عسى ... يكنى الذي فيه يشك ويمترى
تلك العناية في جميل جبينه ... نورا يضيء به المطالع أزهرا
متحنكا تحت الظلام ووجهه ... يكسو الدجنة منه وجها مسفرا
تلقى الخشوع بوجهه متأثرا ... وترى النشيج بصدره متكسرا
تذرى المهابة منه دمعا أحمرا ... وكسته كف الخوف ثوبا أصفرا
يبكي بكاء المذنبين وإنه ... لأجل أن يختال يوما منكرا
يتنفس الصعداء في جنح الدجى ... متأوها متأسفا متحسرا
تتنعم الأكوان من بركاته ... وتراه حبس البيت اشعث أغبرا
المسك أطيب ما يكون من الشذا ... وفعاله للمسك مسكا أذفرا
وشمائل في الدين طيبه الشذا ... لو أنها انتشقت لكانت عنبرا
نفسي فدى تلك الشمائل في الهدى ... تهدي المضل وتنقذ المتحيرا
لو كان تقسم في الورى نفحاته ... أغنى الورى ففضله طيب القرى(3/379)
تبكيه آيات الكتاب تلاوة ... وجليل معناه اللطيف مفسرا
والسنة الغراء في أحكامه ... فقدت مقوم أمرها والمنذرا
والجمع بين المحكمات تباينت ... حتى كأن الليل يجلب عكرا
جمعا بقول الآل متبرعا ... ان صح طورا فهي أطوار فرى
متواضعا في الله جل جلاله ... مترفعا عمن سواه تكبرا
طلبوا دفاتر ارثه من بعده ... فإذا بها مالا تباع فتشترى
علما تضيء به القلوب وحكمة ... يحيا بها الموتى بأطباق الثرى
وهدى يفيد السالكين قصورها ... ويزيد فيه الواصلين تحيرا
وخلائق عن الوجوه كأنها ... سقيتها حاشا علاه المسكرا
ومزيد تقوى كلما جربتها ... انتثرت لطالبها الثمين الجوهرا
وله:
كنت وما أحب من قبلهم ... أن الهوى بعد النوى قاتل
حتى إذا بانت طلاع الحماه ... واتفقت المحمول والحامل
واعترض الراكب يرنو الحما ... والركب ينحو بكرة حاقل
طارت بقلبي عن جميل العزا ... هيابة متبوعها سائل
في مهجة أبراد أصحابها ... نار غضى أوقدها الشاغل
لو كنت شاهدت ريال الدما ... ساعة نادى للسرى القافل
لخلت إلا أن تكن عاشقا ... شوارقا مشرفها البازل
ويح المعنى وهي في دارها ... وفي النوى يشغلها الشاغل
وليته إذ كان محض الجفا ... من خطة لم يبكه العاذل
يا للهوى بل يا لأهل الهوى ... في خلة ظالمها العادل
ما من أخلاء سوى قاطع ... حاشا التنائي إنني واصل
لو كنت كلفت النوى خلتي ... ما زاد فيما منه لي حاصل
ما أنصف الرامي الحشا بالنوا ... حسبي حمالي طرفها النابل
العيس والسايق تحت الدجى ... ثلاثة أدناهم قاتل
لا راحما ضعفا ولا ناظرا ... جفنا لثاو جده هازل
وله:
قالوا متى الشفا ... قلت متى اللقا ... قالوا الشفا اللقا
قلت اللقا الشفا ... عضت على البرا ... فوق لذي السرى(3/380)
لو تدري ما جرى ... لكان قد كفى ... يا ساقي الصبوح
كم بالهوى تبوح ... هيهات أن تنوح ... ليس بها خفا
ما أنت والغرام ... لتحكيه في المنام ... على الهوى السلام
ان مثلك اصطفا ... رح ان تكن تروح ... ما في الغرام روح
جوادك المروح ... مشفى على شفا ... كم حمحم الركاب
وزمزم الخطاب ... ودمدم العقاب ... في زمزم الصفا
يتنشد الهوى ... كيف قضى النوى ... هل في الهوى سوى
النوى مع الجفا ... قد قرر الكلام ... ان جدد الغرام
ان الهوى الحمام ... ما فيه من خفا ... فليقدم المشوق
إذ للهوى يتوق ... الوصل والأنوق
وله في رثاء المقدس الأوحد الشيخ أحمد نجل العلامة الشيخ حسين العصفوري البحراني رحمه الله تعالى.
أفق أيها الربع المعنى بأهله ... لعلك ان تلقى سليما وداده
أفق قد أفاق العاشقون على أسى ... كثير وان قل المعاني عداده
زعمت الأسى مختص كونك وحده ... خلطت الأسى عظمى الوجود سواده
وانى يقول الرزء خص حدوده ... وهذي الرزايا قد عشاها حداده
وما اذ غزى التقوى فخر عميدها ... فخر الدين الحنيفي عماده
وهل يجهل الربع المعنى خليطه ... عشية نادى بالخليط بعاده
عشية سيل السحب منهل جفنه ... وحر جحيم لا يصالا فؤاده
ولا خد إلا والمدامع ريه ... ولا قلب إلا والصبابة زاده
عشية حسن الصبر أخطأ مريده ... وظل عن الصب المعنى مراده
عشية فقد الحلم عن فقد ماجد ... يعز على دين النبي أفتاده
قصير إذا سيم الكرام انتسابه ... طويل لنيل المكرمات نجاده
ضعيف عن المسعى الذميم اكتسابه ... قوي على كسب المعالي اجتهاده
أخو شرف كل البرايا هداية ... ونرو حسب كل البرايا عباده
يميد فقل في الطود قر قراره ... ويبدي فقل في البحر مد مداده
له نفحات منه مسكية الشذا ... يطيب لها غور الربا ونجاده
قرين هدى لم يخب يوما زناده ... وخدن لم يكب يوما جواده
كفاه الدجى اشعة نوره ... عن اليوم أن يجلو الغياث بإراده
كه سفر والليل هاد بسفره ... وسيرا وحادي العيس ملقى وساده
امض قنا في الدير أوعد ... وخير دم في إله سفكا مداده
وأطيب طيب فوه عند خلوقه ... إذا ما هجير الصوم زاد اتقاده
وأحسن وجه نظرة لون وجهه ... إذا اشتد من خوف الإله ارتداده
يلذ له الليل البهيم كأنما ... له جالب وصل الحبيب انفراده
يعاف الكرى جفناه من غير علة ... سوى أنه يحيي الدياجي اجتهاده
خلائق لو يعطى الزمان يسيرها ... لا خلفه بعض الكرام اعتياده
من القوم سباقون في كل غاية ... وقد قصرت عند السباق جياده
لهم قدم عادية الوصف في العلا ... تقاصرها عنها دهر عاد وعاده
لها ساطع البرهان فيما تقوله ... وقد لج بالخصم الإله عناده
فلا تبعدن من راحل غير راحل ... عن القلب معداه إلا استفاده
بكاك العلى والعقل والنقل والولا ... وشرح مفاتيح الهدى وسداده
وحل رموز المشكلات بثاقب ... من الفكر لا يخطي الصواب ارتداده
وأحكام دين المصطفى وحدوده ... وتوحيده البادي السنا واعتقاده
سقاك الرضا يابن الميامين فيضه ... ولا غب قوما أنتم منهم جهاده
لهم سلف التقوى مستنبط الهدى ... وفضلهم ري اللهيف وزاده(3/381)
أفق أيها الربع المعنى بأهله ... لعلك ان تلقى سليما وداده
أفق قد أفاق العاشقون على أسى ... كثير وان قل المعاني عداده
زعمت الأسى مختص كونك وحده ... خلطت الأسى عظمى الوجود سواده
وانى يقول الرزء خص حدوده ... وهذي الرزايا قد عشاها حداده
وما اذ غزى التقوى فخر عميدها ... فخر الدين الحنيفي عماده
وهل يجهل الربع المعنى خليطه ... عشية نادى بالخليط بعاده
عشية سيل السحب منهل جفنه ... وحر جحيم لا يصالا فؤاده
ولا خد إلا والمدامع ريه ... ولا قلب إلا والصبابة زاده
عشية حسن الصبر أخطأ مريده ... وظل عن الصب المعنى مراده
عشية فقد الحلم عن فقد ماجد ... يعز على دين النبي أفتاده
قصير إذا سيم الكرام انتسابه ... طويل لنيل المكرمات نجاده
ضعيف عن المسعى الذميم اكتسابه ... قوي على كسب المعالي اجتهاده
أخو شرف كل البرايا هداية ... ونرو حسب كل البرايا عباده
يميد فقل في الطود قر قراره ... ويبدي فقل في البحر مد مداده
له نفحات منه مسكية الشذا ... يطيب لها غور الربا ونجاده
قرين هدى لم يخب يوما زناده ... وخدن لم يكب يوما جواده
كفاه الدجى اشعة نوره ... عن اليوم أن يجلو الغياث بإراده
كه سفر والليل هاد بسفره ... وسيرا وحادي العيس ملقى وساده
امض قنا في الدير أوعد ... وخير دم في إله سفكا مداده
وأطيب طيب فوه عند خلوقه ... إذا ما هجير الصوم زاد اتقاده
وأحسن وجه نظرة لون وجهه ... إذا اشتد من خوف الإله ارتداده
يلذ له الليل البهيم كأنما ... له جالب وصل الحبيب انفراده
يعاف الكرى جفناه من غير علة ... سوى أنه يحيي الدياجي اجتهاده
خلائق لو يعطى الزمان يسيرها ... لا خلفه بعض الكرام اعتياده
من القوم سباقون في كل غاية ... وقد قصرت عند السباق جياده
لهم قدم عادية الوصف في العلا ... تقاصرها عنها دهر عاد وعاده
لها ساطع البرهان فيما تقوله ... وقد لج بالخصم الإله عناده
فلا تبعدن من راحل غير راحل ... عن القلب معداه إلا استفاده
بكاك العلى والعقل والنقل والولا ... وشرح مفاتيح الهدى وسداده
وحل رموز المشكلات بثاقب ... من الفكر لا يخطي الصواب ارتداده
وأحكام دين المصطفى وحدوده ... وتوحيده البادي السنا واعتقاده
سقاك الرضا يابن الميامين فيضه ... ولا غب قوما أنتم منهم جهاده
لهم سلف التقوى مستنبط الهدى ... وفضلهم ري اللهيف وزاده
وله في رثاء الحسين عليه السّلام
كم تنظر الركب المغب ... لشد ما تنظر ... كم يتبع الأضغان لحظا
جفنك المتعبر ... كم تندب الأظلال ... وهي تندبها لا تشعر
كم ينتحيك العاذلون ... وكم لهم تتعذر ... كم تكمن لظى الفؤاد
وماء دمعك يظهر ... كم لونك المصفر ... يفجع بالغرام ويخبر
كم تجمل الدعوا ... وما تجري الجفون يفسر ... كم ضعف صبرك
من أحاديث الهيام يعبر ... كم طرفك المطروف ... يرعى النايمين ويبهر
كم ليل شوقك صبحه ... بمسرة لا يسف ... كمدى الحشا تفضى
نهارك والدجى تتزفر ... كم رحت رأيك بعده ... سير الظاغين مغرر
وبفكرك الساري عهدت ... عوارقا لا تحصر ... ما بال سمعك لا يعي
نصحا ولا يتدبر ... ان كان عن كلف فها ... تي هفوة لا تجبر
هب كان موجبه ولكن ... ثم خطب أكبر ... نسيت مشهور الطفوف
وما هنالك يذكر ... يوم على الطفوف الأغر ... على أغر مشهر
حامي الحقيقة معلم ... طلق الذراع غضنفر ... ذو نجدة عن رايها
ترد المنون وتصدر ... سلطان عز قادر ... أن لا يطل مقدر
الجد أحمد حين يعزا ... والمضاهي شبر ... والأم فاطمة التقى
والفحل فيه حيدر ... ومضمخ بدم الوريد ... وبالتراب معفر
الجو من صادى دماه ... ممسك ومغبر ... والليل من أنواره
ضاهى العشية مقمر ... لبست اشعته الليالي ... فهي بيض تزهر
لله منه يفل ... السمهري الأسمر ... عجبا له انى يقل
عوالما لا تحصر ... المجد أدنى ما تحمل ... والجلال الأكبر
والمكرمات الغر طرا ... والندى الأزهر ... ومآتم فيها البطولة
والنبي الأفخر ... من أجلها دمع الوجود ... على السوالف يقطر
والعالم العلوي ... مفتقد السرور مكدر ... والبيت باك والمقام
وزمزم والمشعر ... ومنى وجمع والمعرف ... باكيا ومحسر
والرسل تبكي والملائك ... بالعزاء تبكر ... يتقاسمون الشجو غاد
بالعزاء ومهجر ... أهدى يزيد لها ملابس ... بالدماء تعصفر
وقضى لها حزنا يمر ... على الدهور ويعبر ... أبدالها الليل الطويل
فليلها لا يعجر ... وبنا على ما اسس ... المتقدم المتأخر
خلف كسالفه أعق ... على الآله وأكفر ... لله آية محنة
لقى النبي الأطهر ... من أمة عدت الهدى ... فطريقها متحير
كدرت عليه حياته ... والعيش منه مكدر ... فلساه ما قد أضمرته
وساء ما تضمر ... أعطيت يدا للسيف ... يغربها عليه ويجبر
عنفا آمال رقابها ... إذ أوشكت تتكثر ... كرهوا هدايته وقالوا
ها نبي يهجر ... تركوه ملقى في الفراش ... واسرعوا فتامروا
وعلى الحبيب مقامه ... يبكي أسى والمنبر ... ووصيه الهادي
فيه تجنبوه وأخروا ... وتراثه نهب الأجانب ... يستباح ويقهر
وكتابه عما أراد ... محرف ومغير ... وبسوط أعداء كريمته
تهان وتحقر ... وجنينها سقط ... واضلعها لعمري تكسر
ووصيه قود البعير ... يقاد وهو مزمجر ... وحبيبه كالشاة عفوا
بالمهند ينحر ... ورجاله مثل الأضاحي ... بالسيوف تجزر
وبناته فوق الركائب ... باديات وحسر ... حسرى تلاحظها
الأجانب لم تجد ما تستر ... مثل السبايا يستباح ... ازارها والمعجر(3/382)
كم تنظر الركب المغب ... لشد ما تنظر ... كم يتبع الأضغان لحظا
جفنك المتعبر ... كم تندب الأظلال ... وهي تندبها لا تشعر
كم ينتحيك العاذلون ... وكم لهم تتعذر ... كم تكمن لظى الفؤاد
وماء دمعك يظهر ... كم لونك المصفر ... يفجع بالغرام ويخبر
كم تجمل الدعوا ... وما تجري الجفون يفسر ... كم ضعف صبرك
من أحاديث الهيام يعبر ... كم طرفك المطروف ... يرعى النايمين ويبهر
كم ليل شوقك صبحه ... بمسرة لا يسف ... كمدى الحشا تفضى
نهارك والدجى تتزفر ... كم رحت رأيك بعده ... سير الظاغين مغرر
وبفكرك الساري عهدت ... عوارقا لا تحصر ... ما بال سمعك لا يعي
نصحا ولا يتدبر ... ان كان عن كلف فها ... تي هفوة لا تجبر
هب كان موجبه ولكن ... ثم خطب أكبر ... نسيت مشهور الطفوف
وما هنالك يذكر ... يوم على الطفوف الأغر ... على أغر مشهر
حامي الحقيقة معلم ... طلق الذراع غضنفر ... ذو نجدة عن رايها
ترد المنون وتصدر ... سلطان عز قادر ... أن لا يطل مقدر
الجد أحمد حين يعزا ... والمضاهي شبر ... والأم فاطمة التقى
والفحل فيه حيدر ... ومضمخ بدم الوريد ... وبالتراب معفر
الجو من صادى دماه ... ممسك ومغبر ... والليل من أنواره
ضاهى العشية مقمر ... لبست اشعته الليالي ... فهي بيض تزهر
لله منه يفل ... السمهري الأسمر ... عجبا له انى يقل
عوالما لا تحصر ... المجد أدنى ما تحمل ... والجلال الأكبر
والمكرمات الغر طرا ... والندى الأزهر ... ومآتم فيها البطولة
والنبي الأفخر ... من أجلها دمع الوجود ... على السوالف يقطر
والعالم العلوي ... مفتقد السرور مكدر ... والبيت باك والمقام
وزمزم والمشعر ... ومنى وجمع والمعرف ... باكيا ومحسر
والرسل تبكي والملائك ... بالعزاء تبكر ... يتقاسمون الشجو غاد
بالعزاء ومهجر ... أهدى يزيد لها ملابس ... بالدماء تعصفر
وقضى لها حزنا يمر ... على الدهور ويعبر ... أبدالها الليل الطويل
فليلها لا يعجر ... وبنا على ما اسس ... المتقدم المتأخر
خلف كسالفه أعق ... على الآله وأكفر ... لله آية محنة
لقى النبي الأطهر ... من أمة عدت الهدى ... فطريقها متحير
كدرت عليه حياته ... والعيش منه مكدر ... فلساه ما قد أضمرته
وساء ما تضمر ... أعطيت يدا للسيف ... يغربها عليه ويجبر
عنفا آمال رقابها ... إذ أوشكت تتكثر ... كرهوا هدايته وقالوا
ها نبي يهجر ... تركوه ملقى في الفراش ... واسرعوا فتامروا
وعلى الحبيب مقامه ... يبكي أسى والمنبر ... ووصيه الهادي
فيه تجنبوه وأخروا ... وتراثه نهب الأجانب ... يستباح ويقهر
وكتابه عما أراد ... محرف ومغير ... وبسوط أعداء كريمته
تهان وتحقر ... وجنينها سقط ... واضلعها لعمري تكسر
ووصيه قود البعير ... يقاد وهو مزمجر ... وحبيبه كالشاة عفوا
بالمهند ينحر ... ورجاله مثل الأضاحي ... بالسيوف تجزر
وبناته فوق الركائب ... باديات وحسر ... حسرى تلاحظها
الأجانب لم تجد ما تستر ... مثل السبايا يستباح ... ازارها والمعجر(3/383)
ومتونها بيد السياط ... يشق فيها أنهر ... وعليه ساقاة قيدا
بالدماء يتفجر ... ويتيمها بالعنف تقهر ... بالسياق ويزجر
وسؤال سائلها إذا ... سأل لترفق ينهر ... ورؤوس سادتها
بأطراف رماح تشهر ... وقلوبها بالكل تشعل ... والمدامع تمطر
حال يكاد له الشداد ... بشبعها تتفطر ... وبروح منها البدر
منخسف السنا لا يبدر ... واليوم مفتقد الضيا ... وشمسه تتكور
خطب تصاغر عنده ... كل الخطوب ويكبر ... لو كان أحمد حاضرا
لشجاه ذاك المحضر ... يا قومنا خلوا التعصب ... وانظروا وتفكروا
أترون لو نظر السبايا ... في السبا تتضور ... تهتدي كأمثال العبيد
إلى يزيد وتؤسر ... ورأى يتامى تستغيث ... على الجمال وتجأرا
ورأى أحبته جسوما ... في الثرى تتعفر ... ويزيد يهتف بالنشيد
وبالشماتة يهجر ... مستدعيا اشياخ بدر ... يستطيل ويثأر
ويمينه بقضيبه ... ثغر النبي يكسر ... وكؤوسه نجلى فذو
سكر لديه ومسكر ... والمطرب الشادي لديه ... يضج منه المزهر
وبرقصها طربا ... تغنيه البغاة العمر ... ويزيد لا متهودا
فيهم ولا متنصر ... يدعى أمير المؤمنين ... يطاع فيما يأمر
وآله يعذره إذا ... ما جاءه يتعذر ... بل فعله عين الشريعة
ليس فيه منكر ... أنا كافر إن كان هذا ... مذهبا يتصور
تالله يابن المصطفين ... قضية لا تنكر ... خير لهم من أخذ هذا
مذهبا أن يكفروا ... سيف أصابك حايد ... عن قصده متحير
وسنان رمح نال منك ... لرشده لا يبصر ... قد عطل الحرب العوان
فيومها لا يذكر ... وقضى الفناء على الشجاعة ... فهي ميت يقبر
وطوى بأعلام الوغى ... فلو أنه لا ينشر ... لا الأبيض الماضي يعد
ولا الأصم الأسمر ... ذهب المقوم درأها ... فلأي شيء يدخر
أهديتك النظم المفصل ... والثمين الجوهر ... عرب لها قس يهيم
وجرول يتحسر ... لكنها عن نيل كنه ... جلال مجدك أقصر
أكبرتها عمن سواك ... فأنت منها أكبر
ومما سمحت به قريحة الأجل الأمجد الحاج هاشم بن الحاج حردان طاب ثراه وجعل الجنة مأواه.(3/384)
ارأيت يوما تحملتك الفودا ... من كان منا المثقل المجهودا
حملتنا الغصن الرطيب وورده ... وحملت فيك الهم والتسهيدا
وجعلت حظي من وصالك أن أرى ... يوما القى خيالك عيدا
لو شئت أن تعطي حشاي صبابة ... فوق الذي بي وجدت مزيدا
أهوى رباك وكيف لي بمنازل ... حشدت على ضغائنا وحقودا
أمعرس الحيين مالك لم تجب ... مضنى ولم تسمع له منشودا
أأصمك الأضغان يوم تحملوا ... أم صرت بعد الظاعنين بليدا
قد كنت توضح بالأسنة والضبا ... معنى وتفصح موعدا ووعيدا
حيث الشموس على الغصون ولم يكن ... عاينت إلا أوجها وقدودا
من سام عزك فاستباح من الثرى ... اساده ومن الخدور الغيدا
انى انتفى ذاك الجلال وأصبحت ... أيامك البيض الليالي سودا
فاسمع أبثك إنني أنا ذلك ... الكمد الذي بك لا يزال عميدا
ما أبعدت منك القريب حوادث ... عرضت ولا قربن منك بعيدا
لا تحسبنه هوى يحال وإن غدا ... خطى الشقي تفرقا وصدودا
فلأنت أنت وإن عدت بك نية ... عن ناظري وتركن دونك بيدا
ولئن أبحت تجلدي فلطالما ... الفيتني عند الخطوب جليدا
أو رحت تنكر صبوة قامت على ... اثباتها فوق النحول شهودا
فلقبل ما التزم العناد معاشر ... جمدوا عليا يومه المشهودا
أخذوا بمسروب الشراب وجانبوا ... عذبا يميز الوافدين برودا
مصباح ليلتها صباح نهارها ... يمنى نداها تاجها المعقودا
مطعانها مطعامها مصداقها ... مقدامها ضرغامها المعهودا
ضلت قريش كم تقيس بسابق ... الحلبات ملطوم الجبين مذودا
يا صاحب المجد الذي لجلاله ... عنت السرايا مبغضا وعنيدا
لك عز أفعال إذا استقريتها ... أخذت على مغادرا ونجودا
وصفات فضل أشكلت معنى فلا ... اطلاق يكشفها ولا تقييدا
ومراتب قلدتها بمناقب ... كالعقد تلبسه الحسان الخودا
ما مر يومك أبيضا عند الندى ... إلا انثنى بدم العدى حنديدا
أجيته بأبيك وجه خريدة ... فكسوت أبيض خدها التوريدا
انى تشق غبار شاؤك معشر ... كنت الوجود لهم وكنت الجودا
يحيون ما عرست يداك قضية ... الفت على شهب العقول خمودا(3/385)
أنى هم والخيل ينشر وقعها ... نفعا تظن السماء كديدا
وموافق لك دون أحد جاوزت ... بمقامك التعريف والتحديدا
فعلى الفراش مبيت ليلك والعدى ... تهدى إليك بوارقا ورعودا
فرقدت مشاوج الفؤاد كأنما ... يهدي القراع لسمعك التغريدا
فكفتك ليلته وقمت معارضا ... بالنفس لا فشلا ولا رعديدا
واستصحبوا فرأوا دوين مرادهم ... جبلا أشم وقارسا صنديدا
رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى ... أو ما دروا كنز الهدى مرصودا
وغداة بدر وهوام وقائع ... كبرت وما زالت لهن ولودا
قابلتهن فلم تدع لعقودها ... نظما ولا لنظامهن عقيدا
فالناح عتبة طاويا بيمين ... من يمناه أرت شيبة ووليدا
سجدت رؤوسهم لديك وإنما ... كان الذي ضربت عليه سجودا
وتوجدت بعد ازدواج والذي ... ندبت إليه لتهتدي التوحيدا
وقضية المهراس عن كثب وقد ... عم الفرار أساودا وأسودا
ولي بها الطعن الدراك ولم تكن ... إذ ذاك مبدي كرة ومعيدا
فشددت كالليث الهزبر فلم تدع ... ركبا لجيش ضلالة مشدودا
وكشفتهم عن وجه أبيض ماجد ... لم يعرف الادبار والتغريدا
وعشية الأحزاب لما أقبلت ... كالسيل مفعمة تقود القودا
عدلت عن النهج القويم وأقبلت ... حلف الضلال كتائبا وجنودا
فأبحت حرمتها وعدت بكبشها ... في القاع تطعمه السباع حنيدا
وبني قريظة والنضير وسلعم ... والواديين وخثعما وزبيدا
مزقت جيب نفاقهم فتركتهم ... أحم لعارت السيوف عنودا
وشلك عشرا فاقتضيت رئيسهم ... وتركت تسعا للفا دائب عيدا
وعلى حنين أين يذهب جاحد ... لما ثبت به وراح شريدا
ولخيبر جزيتم حديثه ... سمع العدى ويفجر الجلودا
يوم به كنت الفتى الفتاح والكرار ... والمحبوب والصنديدا
من بعد ما ولى الجبان براية ... الإيمان تلتحف الهوان برودا
ودانك فانتشرت بعزتك بهجة ... فعلى الورود يعاين المورودا
فتصرتها ونضرتها وكأنما ... غصن يوبخه الصبا ممدودا
فغدت ترفل والقلوب خوافق ... والنصر يرمي نحوك الأقليدا
فلقيتها وعقلت فارسها ولا ... عجب إذا افترس الهزبر السيدا(3/386)
ويل أمة أيضك النكس الذي ... ولي غداة الطعن يلوى جيدا
ونبتها فحللت عقدة تاجها ... بيد سمت وزناجها الموصودا
وجعلته جسرا فقصر واعتدت ... طوبا يمينك جسرها الممدودا
وأبحت حصنهم المشيد فلم يكن ... حصن لهم من بعد ذاك مشيدا
فهوت لعزتك الملائك سجدا ... تولى الثناء وتكثر التحميدا
وحديث أهل النكث عسكر عسكرا ... بهم البهيمة جندها المشحودا
لاقاك فارسها فبغدر هاربا ... لو كان محتوم القضى مردودا
وعلى ابن هند طار منك بأشيم ... يوم عدا البين الولاء سعودا
القى جحاش الكرملين فقادهم ... جهلا تأيس قائدا ومقودا
ففدوت مقتنصا نفوس كماته ... لله مقتنص يصيد الصيدا
حتى إذا اعتقد الفتى ورأى القنا ... مذ رويت ورأى الحسام حديدا
رفع المصاحف لا ليرفعها علا ... لكن ليحتط قدرها ويكيدا
فجناباها غر الأمان وخلفه ... يوم يجرعه الشراب صديدا
وكذاك أهل النهر ساعة فارقوا ... بفراقهم لجلالك التأبيدا
فوضعت سيفك فيهم فأفادهم ... تلفا فديتك متلفا ومعيدا
ولقد روى مسروقهم عن أمه ... والحق ينطق منصفا وعنيدا
قالت هم شر الورى ومبيدهم ... خير الورى أكرم بذاك مبيدا
سبقت مكارمك المكارم مثلما ... حتمت لعمر فخرك التأييدا
ما زلت اسأل قيد كل قديمة ... عاد القديم وبعد عاد ثمودا
القاك آدم آدما لا صالح ... يدري بذاك يزيلك هودا
إني لاعذر حاسديك على العلى ... وعلاك عذري لو عذرت حسودا
فليحسد الحساد مثلك إنه ... شرف يزيد على المدى تجديدا
ما أنصفتك عصابة جهلتك إذ ... جعلت لذاتك في الوجود نديدا
ثم ارتقت حتى أتاك رضى ... بما لم يرض كعبك أن يراه صعيدا
باعتك وابتاعت بجوهر ذاتك ... العلوي سفلى المبيع رديدا
ظللت أدلتها تبدل بالعمى ... رشدا وبالعدم المحال وجودا
وبما اسرقت من قديم نفاقها ... وجرت عليه طارفا وتليدا
بلغ المرادي المراد واورد الحسن ... الردى ومضى الحسين شهيدا
تالله لا أنسى ابن فاطم والعدى غدروا ... به إذ جاءهم من بعد ما إليه مواثيق وعهودا
قتلوا به بدرا فأظلم ليلهم ... فغدو قياما في الضلال قعودا(3/387)
فحموه أن يرد الصباح وصيروا ... ظلما له ضاحي الرماح ودودا
فسمت إليه أماجد عرفوا به ... قصدوا الطريق فادركوا المقصودا
نفر حوت حملوا الثناء وتسنت ... ذلل المعاني والدا ووليدا
من خلق منهم تلق كهلا أو فتى ... علم الهدى بحر الندى المورودا
وتبادرت تلق الأسنة لا ترى ... الغمرات إلا المايسات الغيدا
وكأنما قصدوا القنا بنحورهم ... دردر يفصله القناة عقودا
واستنزلوا حلل العلا فأحلهم ... عرفاته فغدا النزول صعودا
فتظن عينك أنهم صرعى ... في خير دار فارهين رقودا
وأقام معدوم النظير فريد بيت ... المجد معدوم النظير فريدا
يلقى القفار صواهلا ومناهلا ... ويرى النهار قساطلا وبنودا
ساموه أن يرد الهوان والمنية ... والمسود لا يكون مسودا
فانصاع لا يعبا بهم عن عدة ... كثرت عليه ولا يخاف عديدا
يلقى الكلمات بوجه ابلج ساطعا ... فكأنما أموا نداه وفودا
يسطو فتلك البيض تفرس في الطلا ... فتعود قائمة الرؤوس حصيدا
اسد نظل له الأسود خوافقا ... فترى الفتى يحكي الفتاة الرودا
البرق صارمة ولكن لم يسق ... للوبل إلا هامة ووريدا
والصقر لهدمه ولكن لم يصد ... إلا قلوبا لو غرت وبنودا
بلسا يسر محمد ووصيه ... ويغيظ نسل سمية ويزيدا
حتى إذا حم الحمام وإن لا ... تلقى عمدا للعلى وعميدا
عمدت له كف العناد فسددت ... سهما عدا التوفيق والتسديدا
فثوى بمشتن النزال مقطع ... الأوصال مشكور الفعال حميدا
لله مطروح حوت منه الثرى ... نفس العلى والسود والمفقودا
ومبدد الأوصال الزم حزنه ... شمل الكمال فلازم التبديدا
ومجرح ما غيرت منه القنا ... حسنا ولا أخلقن منه جديدا
قد كان بدرا فاغتدى شمس الضحى ... مذ البسته يد الدماء لبودا
يحمي اشعته العيون فكلما ... حاولن نهجا خلنه مسدودا
وتظله شجر القنا حتى أت ... ارسال هاجرة إليه بريدا
وثواكل في النوح تسعد مثلها ... أرأيت ذا ثكل يكون سعيدا
حنت فلم تر مثلهن نوائحا ... إذ ليس مثل فقيدهن فقيدا
لا العيس تحكيها إذا حنت ... ولا الورقاء تحسن عندها الترديدا
ان تنع أعطت كل قلب حسرة ... أو تدع صدعت الجبال الميدا
عبراتها نحى الثرى لو لم تكن ... زفراتها تدع الرياض همودا
وغدت اسير خدرها ابنة فاطم ... لم تلق غير اسيرها المصفودا
تدعو بلهفة ثاكل لعب الأسى ... بفؤاده حتى لوى مفؤدا
تخفى الشجى جلدا فإن غلب الأسى ... ضعفت فأبدت شجوها المكمودا
فادت فقعلوب بصوتها ... لكنما انتظم البيان فريدا
انسان عيني يا حسين أخي أيا ... أملي وعقد جمالي المنضودا
مالي دعوت فلا تجيب ولم تكن ... عودتني من قبل ذاك صدودا
الجنة شغلتك مني أم فلا ... حاشاك أنك ما برحت ودودا
أفهل سواك مؤمل يدعو به ... فيجيب داعيه ويورق عودا
أن استعن قامت إلى ثواكل ... لم تدر إلا النوح والتعديدا
وكفيلها فوق المطى معالج ... من حزه ومن الحديد قيودا
أوحيد أهل الفضل يعجب جاهل ... أن تمس ما بين الطعام وحيدا
ويلام غيث ما سقام وإنه ... من بحر جودك يستمد الجودا
قد كان يعتب عند تركك ضاميا ... لو كان غيرك بحره المورودا
يابن النبي إلية من مدنف بعلاك ... لا كذبا ولا تفنيدا
ما زال سهدي مثل حزني ثابتا ... والغمض مثل الصبر عنك طريدا
تأبى الجمور ودمع عيني مثلما ... يأبى حريق القلب فيك خمودا
والقلب حلف الطرف فيك فكلما ... اسبلت هذا ازداد ذاك وقودا
طال الزمان على لقاك فهل مضى ... للحزن والمحزون فيك خلودا
أفلم يحن حين المسرة أن ترى ... عيناي ذاك الصارم المغمودا
وفصيحة عربية مأنوسة ... لم تألف الوحشي والتعقيدا
ما سامها الطائي الصغار ولا ... الذي قد خالد بن يزيدا
أنزلتها بجناب ابلج لم يخب ... قصد لديه ولا يذل قصيدا
كانت به جهد المقل وإنما ... عذر الفتى أن يبلغ المجهودا
لو شاء يمدح بالذي هو أهله ... حصر الأنام فما سمعت نشيدا(3/388)
فحموه أن يرد الصباح وصيروا ... ظلما له ضاحي الرماح ودودا
فسمت إليه أماجد عرفوا به ... قصدوا الطريق فادركوا المقصودا
نفر حوت حملوا الثناء وتسنت ... ذلل المعاني والدا ووليدا
من خلق منهم تلق كهلا أو فتى ... علم الهدى بحر الندى المورودا
وتبادرت تلق الأسنة لا ترى ... الغمرات إلا المايسات الغيدا
وكأنما قصدوا القنا بنحورهم ... دردر يفصله القناة عقودا
واستنزلوا حلل العلا فأحلهم ... عرفاته فغدا النزول صعودا
فتظن عينك أنهم صرعى ... في خير دار فارهين رقودا
وأقام معدوم النظير فريد بيت ... المجد معدوم النظير فريدا
يلقى القفار صواهلا ومناهلا ... ويرى النهار قساطلا وبنودا
ساموه أن يرد الهوان والمنية ... والمسود لا يكون مسودا
فانصاع لا يعبا بهم عن عدة ... كثرت عليه ولا يخاف عديدا
يلقى الكلمات بوجه ابلج ساطعا ... فكأنما أموا نداه وفودا
يسطو فتلك البيض تفرس في الطلا ... فتعود قائمة الرؤوس حصيدا
اسد نظل له الأسود خوافقا ... فترى الفتى يحكي الفتاة الرودا
البرق صارمة ولكن لم يسق ... للوبل إلا هامة ووريدا
والصقر لهدمه ولكن لم يصد ... إلا قلوبا لو غرت وبنودا
بلسا يسر محمد ووصيه ... ويغيظ نسل سمية ويزيدا
حتى إذا حم الحمام وإن لا ... تلقى عمدا للعلى وعميدا
عمدت له كف العناد فسددت ... سهما عدا التوفيق والتسديدا
فثوى بمشتن النزال مقطع ... الأوصال مشكور الفعال حميدا
لله مطروح حوت منه الثرى ... نفس العلى والسود والمفقودا
ومبدد الأوصال الزم حزنه ... شمل الكمال فلازم التبديدا
ومجرح ما غيرت منه القنا ... حسنا ولا أخلقن منه جديدا
قد كان بدرا فاغتدى شمس الضحى ... مذ البسته يد الدماء لبودا
يحمي اشعته العيون فكلما ... حاولن نهجا خلنه مسدودا
وتظله شجر القنا حتى أت ... ارسال هاجرة إليه بريدا
وثواكل في النوح تسعد مثلها ... أرأيت ذا ثكل يكون سعيدا
حنت فلم تر مثلهن نوائحا ... إذ ليس مثل فقيدهن فقيدا
لا العيس تحكيها إذا حنت ... ولا الورقاء تحسن عندها الترديدا
ان تنع أعطت كل قلب حسرة ... أو تدع صدعت الجبال الميدا
عبراتها نحى الثرى لو لم تكن ... زفراتها تدع الرياض همودا
وغدت اسير خدرها ابنة فاطم ... لم تلق غير اسيرها المصفودا
تدعو بلهفة ثاكل لعب الأسى ... بفؤاده حتى لوى مفؤدا
تخفى الشجى جلدا فإن غلب الأسى ... ضعفت فأبدت شجوها المكمودا
فادت فقعلوب بصوتها ... لكنما انتظم البيان فريدا
انسان عيني يا حسين أخي أيا ... أملي وعقد جمالي المنضودا
مالي دعوت فلا تجيب ولم تكن ... عودتني من قبل ذاك صدودا
الجنة شغلتك مني أم فلا ... حاشاك أنك ما برحت ودودا
أفهل سواك مؤمل يدعو به ... فيجيب داعيه ويورق عودا
أن استعن قامت إلى ثواكل ... لم تدر إلا النوح والتعديدا
وكفيلها فوق المطى معالج ... من حزه ومن الحديد قيودا
أوحيد أهل الفضل يعجب جاهل ... أن تمس ما بين الطعام وحيدا
ويلام غيث ما سقام وإنه ... من بحر جودك يستمد الجودا
قد كان يعتب عند تركك ضاميا ... لو كان غيرك بحره المورودا
يابن النبي إلية من مدنف بعلاك ... لا كذبا ولا تفنيدا
ما زال سهدي مثل حزني ثابتا ... والغمض مثل الصبر عنك طريدا
تأبى الجمور ودمع عيني مثلما ... يأبى حريق القلب فيك خمودا
والقلب حلف الطرف فيك فكلما ... اسبلت هذا ازداد ذاك وقودا
طال الزمان على لقاك فهل مضى ... للحزن والمحزون فيك خلودا
أفلم يحن حين المسرة أن ترى ... عيناي ذاك الصارم المغمودا
وفصيحة عربية مأنوسة ... لم تألف الوحشي والتعقيدا
ما سامها الطائي الصغار ولا ... الذي قد خالد بن يزيدا
أنزلتها بجناب ابلج لم يخب ... قصد لديه ولا يذل قصيدا
كانت به جهد المقل وإنما ... عذر الفتى أن يبلغ المجهودا
لو شاء يمدح بالذي هو أهله ... حصر الأنام فما سمعت نشيدا
وله في رثاء العباس بن علي عليهما السّلام
هل أم طوق كذلك الطوق في السلم ... تحن شوقا إلى أيامنا القدم
أم عاقها بعدنا من بعدنا فسلت ... سلوا البهايم عن أطفالها البهم
أم راعها البين فارتاعت لفرقتنا ... فالقلب في ضرم والدمع في سجم
هل سرحت الحي في أيام فرقتنا ... هل بعدنا للتصابي لذام لفم
لا والهوى ليس بعد القانطين كرى ... فيستريح أخو شوق إلى الحلم
واين من طيف من تهواه عينيك ... والأجفان منهلة بالدمع كالديم
فاعجب لمكسالة الأعراب إذ خلصت ... نحوي ومن بنينا العجم
واعجب لها إذ نجوب الموميات دجى ... تحوى وعنى خطوه القدم
وكيف بأرض الثرى منزلنا ... من منزله الروحاء من أضم
إني أهتدي مضجعي والليل منسدل ... والجسم يخفى ضاعن ملة القلم
فأعجب لمسراه والأهوال تصحبه ... حتى الوسادة لم يهجع ولم ينم
يأتي الوسادة ليلا غير ملتفت ... إلى الرقيب ولا حاش من التهم
حتى إذا الفجر وافاك منفلتا ... من حيث أقبل لم يلبث ولم يقم
يا ساكن القلب هل من رحمة لشيح ... مغض على سقم مغض إلى عدم
ما عند ناضره والقلب من أدب ... بعد الحما غير منهل ومضطرم
أسوان ليس له عند النوى جلد ... يقوى به غير قرع السن من ندم
مناه عود المطايا لو تعود له ... مما تحملن من ورد ومن علم
لا رأى للركب أن يخشى الضلال دجى ... والصبح فوق المطايا غير منكتم
وكيف يبغي الشذا والروض تحمله ... أكوارها في انتشاق الشبح والخزم
في البيت من هاشم العهد نسبتهم ... والنعت من أحمد المبعوث للأمم
القوم إن فخر الأقوام خلت لهم ... أنف الصفا وأعالي البيت والحرم
شم المواعف ولا جون من رحم الهيجاء ... بالنفس فراجون لغمم
أهل الحفيظة لا يلفوا جوارهم ... يشقى به الجار حفاظون للذمم
أبياتهم حرم للنازلين بها ... ياوي الجموف العدم
عف المآزر لا عاب يدانيهم ... ولا يخاف عليهم زلة القدم
تلقى جفونهم تغضي حيا وترى ... أسماعهم عن هجين القول في صمم
وموقف لهم تنسى مواقعها ... وقائد الحرب في أيامها القدم
أيام قادين خير الخلق معلمة ... لم تزد فرسانها إلا أخا علم
حمرا رعبا سود يوم النقع خضر ربى ... لو أيد المجد بيض الأوجه الوسم
من كل أبيض في كفيه مشبهه ... في الخرم والخرم والامضاء والقسم
قريع قوم قراع البيض مطربة ... لسمعه دون قرع الناي والنغم
ماض له بين لماع الحديد له ... مستولف من أديم الموت منقسم
يوم أبي الفضل تدعو الطاميات به ... والماء تحت الشبى الهندية الخدم
الضارب القمم بن الضارب القمم ... بن الضارب القمم بن الضارب القمم
يوم له والمنايا السود شاهدة ... بأنه بددها في ذلك الظلم
يسطو فقل في السبنتى خلفت فإنها ... الأشبال من جوعها في غاية الألم
يوم دعاه الهدى الهادي لنصرته ... والجمع والنفع والطماء مركتم
والخيل تصطك والأعف الدلاص على ... فرسانها قد غدت نارا على علم
والضرب يخلق أفواها مفوهة ... تحكي الدماء فكان الكلم للكلم
للطعن يشبه عين الظبى أنجله ... لكنه غاير الأعماق في قسم
وأقبل الليث لا يلوه خوف مرا ... باد البشاشة كالمدعو للنعم
فياض مكرمة خواض محلمة ... فضاض معظله عار من الوصم
جود الوغا ينحر الأساد ضارية ... حسامه مطعما للسيد والرخم
ثيابه نسج داود وعمته ... عاديه تغزي إلى ارم
يشتد كالصقر والأبطال فانكشفت ... عن ضيم كضباء الضال والسلم
تبدو فيغدو صميم الجمع منصدعا ... نصفين ما بين مطروح ومنهزم
فعال منتدب لله محتسب ... في الله معتصم بالله ملتزم
حتى حوى بحرها في فراتهم ... الحادي ببحر من الهندي ملتطم
واصبح الماء ملكا طوع راحته ... مصرفا منه في حكم وفي حكم
فحاذه الندب والأبطال تلحظه ... تكاد أحشاؤها تنشق من ورم
فكف كفا عن الورد المباح وفي ... احشائه ضرم ناهيك من ضرم
وحرمت أن تنال الري مهجته ... كأنما الري فيها أشهر الحرم
ولم تهم لشرب الماء همته ... وسلب ذا الهم نفسا أكبر الهمم
وهل ترى صادقا دعوى أخوته ... روى حشا وأخوه في الهجر ضم
وما كفاه الروي دون ابن والده ... حتى قضى مثله وأرى الفواد ضم
حتى ملا مطمئن الجاش قربته ... فصدا وأقبل سعيا طالب الحرم
فكاثروه فالفوا غير ما نكس ... ماض الشبا غير هياب ولا ارم
فردها والسيوف البيض تحسبها ... برق الحيا والرماح الحض كالاجم
وكلما أقبلت تنحو جموعهم ... يبدو فينقض منها كل مخنتم
أكمى كما ومن كان الوصي له ... أبا فداك كمي فوق كل كمي
يستوعب الجمع لا مستفهما بهل ... عنه ولا سائلا عن عده بكم
غير أن تأبى يسير الطعن همته ... فلا يؤم زحاما غير مزدحم
فراح ما زال بالهندي مشتملا ... بالبيض ملثما بالنقع ملثم
حتى ابتنى قلل العلياء من قلل ... ورم ساحتها الجرياء بالرجم
عموه بالنبل والسمر العواسل ... والبيض الفواضل من فرع إلى قدم
فخر للأرض مقطوع اليدين له ... من كل مجد يمين غير منجدم
يا جامع شمل انسي بعد بعدكم ... منفض شمى أمسي غير ملتئم
ما بعد عيناك للراجين ما من أمل ... ولا عقيبك للاجين من حرم
هيهات ما حرم مما قضيت ردى ... إلا وبعدك أمسى غير محترم
هكذا(3/389)
هل أم طوق كذلك الطوق في السلم ... تحن شوقا إلى أيامنا القدم
أم عاقها بعدنا من بعدنا فسلت ... سلوا البهايم عن أطفالها البهم
أم راعها البين فارتاعت لفرقتنا ... فالقلب في ضرم والدمع في سجم
هل سرحت الحي في أيام فرقتنا ... هل بعدنا للتصابي لذام لفم
لا والهوى ليس بعد القانطين كرى ... فيستريح أخو شوق إلى الحلم
واين من طيف من تهواه عينيك ... والأجفان منهلة بالدمع كالديم
فاعجب لمكسالة الأعراب إذ خلصت ... نحوي ومن بنينا العجم
واعجب لها إذ نجوب الموميات دجى ... تحوى وعنى خطوه القدم
وكيف بأرض الثرى منزلنا ... من منزله الروحاء من أضم
إني أهتدي مضجعي والليل منسدل ... والجسم يخفى ضاعن ملة القلم
فأعجب لمسراه والأهوال تصحبه ... حتى الوسادة لم يهجع ولم ينم
يأتي الوسادة ليلا غير ملتفت ... إلى الرقيب ولا حاش من التهم
حتى إذا الفجر وافاك منفلتا ... من حيث أقبل لم يلبث ولم يقم
يا ساكن القلب هل من رحمة لشيح ... مغض على سقم مغض إلى عدم
ما عند ناضره والقلب من أدب ... بعد الحما غير منهل ومضطرم
أسوان ليس له عند النوى جلد ... يقوى به غير قرع السن من ندم
مناه عود المطايا لو تعود له ... مما تحملن من ورد ومن علم
لا رأى للركب أن يخشى الضلال دجى ... والصبح فوق المطايا غير منكتم
وكيف يبغي الشذا والروض تحمله ... أكوارها في انتشاق الشبح والخزم
في البيت من هاشم العهد نسبتهم ... والنعت من أحمد المبعوث للأمم
القوم إن فخر الأقوام خلت لهم ... أنف الصفا وأعالي البيت والحرم
شم المواعف ولا جون من رحم الهيجاء ... بالنفس فراجون لغمم
أهل الحفيظة لا يلفوا جوارهم ... يشقى به الجار حفاظون للذمم
أبياتهم حرم للنازلين بها ... ياوي الجموف العدم
عف المآزر لا عاب يدانيهم ... ولا يخاف عليهم زلة القدم
تلقى جفونهم تغضي حيا وترى ... أسماعهم عن هجين القول في صمم
وموقف لهم تنسى مواقعها ... وقائد الحرب في أيامها القدم
أيام قادين خير الخلق معلمة ... لم تزد فرسانها إلا أخا علم
حمرا رعبا سود يوم النقع خضر ربى ... لو أيد المجد بيض الأوجه الوسم
من كل أبيض في كفيه مشبهه ... في الخرم والخرم والامضاء والقسم
قريع قوم قراع البيض مطربة ... لسمعه دون قرع الناي والنغم
ماض له بين لماع الحديد له ... مستولف من أديم الموت منقسم
يوم أبي الفضل تدعو الطاميات به ... والماء تحت الشبى الهندية الخدم
الضارب القمم بن الضارب القمم ... بن الضارب القمم بن الضارب القمم
يوم له والمنايا السود شاهدة ... بأنه بددها في ذلك الظلم
يسطو فقل في السبنتى خلفت فإنها ... الأشبال من جوعها في غاية الألم
يوم دعاه الهدى الهادي لنصرته ... والجمع والنفع والطماء مركتم
والخيل تصطك والأعف الدلاص على ... فرسانها قد غدت نارا على علم
والضرب يخلق أفواها مفوهة ... تحكي الدماء فكان الكلم للكلم
للطعن يشبه عين الظبى أنجله ... لكنه غاير الأعماق في قسم
وأقبل الليث لا يلوه خوف مرا ... باد البشاشة كالمدعو للنعم
فياض مكرمة خواض محلمة ... فضاض معظله عار من الوصم
جود الوغا ينحر الأساد ضارية ... حسامه مطعما للسيد والرخم
ثيابه نسج داود وعمته ... عاديه تغزي إلى ارم
يشتد كالصقر والأبطال فانكشفت ... عن ضيم كضباء الضال والسلم
تبدو فيغدو صميم الجمع منصدعا ... نصفين ما بين مطروح ومنهزم
فعال منتدب لله محتسب ... في الله معتصم بالله ملتزم
حتى حوى بحرها في فراتهم ... الحادي ببحر من الهندي ملتطم
واصبح الماء ملكا طوع راحته ... مصرفا منه في حكم وفي حكم
فحاذه الندب والأبطال تلحظه ... تكاد أحشاؤها تنشق من ورم
فكف كفا عن الورد المباح وفي ... احشائه ضرم ناهيك من ضرم
وحرمت أن تنال الري مهجته ... كأنما الري فيها أشهر الحرم
ولم تهم لشرب الماء همته ... وسلب ذا الهم نفسا أكبر الهمم
وهل ترى صادقا دعوى أخوته ... روى حشا وأخوه في الهجر ضم
وما كفاه الروي دون ابن والده ... حتى قضى مثله وأرى الفواد ضم
حتى ملا مطمئن الجاش قربته ... فصدا وأقبل سعيا طالب الحرم
فكاثروه فالفوا غير ما نكس ... ماض الشبا غير هياب ولا ارم
فردها والسيوف البيض تحسبها ... برق الحيا والرماح الحض كالاجم
وكلما أقبلت تنحو جموعهم ... يبدو فينقض منها كل مخنتم
أكمى كما ومن كان الوصي له ... أبا فداك كمي فوق كل كمي
يستوعب الجمع لا مستفهما بهل ... عنه ولا سائلا عن عده بكم
غير أن تأبى يسير الطعن همته ... فلا يؤم زحاما غير مزدحم
فراح ما زال بالهندي مشتملا ... بالبيض ملثما بالنقع ملثم
حتى ابتنى قلل العلياء من قلل ... ورم ساحتها الجرياء بالرجم
عموه بالنبل والسمر العواسل ... والبيض الفواضل من فرع إلى قدم
فخر للأرض مقطوع اليدين له ... من كل مجد يمين غير منجدم
يا جامع شمل انسي بعد بعدكم ... منفض شمى أمسي غير ملتئم
ما بعد عيناك للراجين ما من أمل ... ولا عقيبك للاجين من حرم
هيهات ما حرم مما قضيت ردى ... إلا وبعدك أمسى غير محترم
هكذا(3/390)
هل أم طوق كذلك الطوق في السلم ... تحن شوقا إلى أيامنا القدم
أم عاقها بعدنا من بعدنا فسلت ... سلوا البهايم عن أطفالها البهم
أم راعها البين فارتاعت لفرقتنا ... فالقلب في ضرم والدمع في سجم
هل سرحت الحي في أيام فرقتنا ... هل بعدنا للتصابي لذام لفم
لا والهوى ليس بعد القانطين كرى ... فيستريح أخو شوق إلى الحلم
واين من طيف من تهواه عينيك ... والأجفان منهلة بالدمع كالديم
فاعجب لمكسالة الأعراب إذ خلصت ... نحوي ومن بنينا العجم
واعجب لها إذ نجوب الموميات دجى ... تحوى وعنى خطوه القدم
وكيف بأرض الثرى منزلنا ... من منزله الروحاء من أضم
إني أهتدي مضجعي والليل منسدل ... والجسم يخفى ضاعن ملة القلم
فأعجب لمسراه والأهوال تصحبه ... حتى الوسادة لم يهجع ولم ينم
يأتي الوسادة ليلا غير ملتفت ... إلى الرقيب ولا حاش من التهم
حتى إذا الفجر وافاك منفلتا ... من حيث أقبل لم يلبث ولم يقم
يا ساكن القلب هل من رحمة لشيح ... مغض على سقم مغض إلى عدم
ما عند ناضره والقلب من أدب ... بعد الحما غير منهل ومضطرم
أسوان ليس له عند النوى جلد ... يقوى به غير قرع السن من ندم
مناه عود المطايا لو تعود له ... مما تحملن من ورد ومن علم
لا رأى للركب أن يخشى الضلال دجى ... والصبح فوق المطايا غير منكتم
وكيف يبغي الشذا والروض تحمله ... أكوارها في انتشاق الشبح والخزم
في البيت من هاشم العهد نسبتهم ... والنعت من أحمد المبعوث للأمم
القوم إن فخر الأقوام خلت لهم ... أنف الصفا وأعالي البيت والحرم
شم المواعف ولا جون من رحم الهيجاء ... بالنفس فراجون لغمم
أهل الحفيظة لا يلفوا جوارهم ... يشقى به الجار حفاظون للذمم
أبياتهم حرم للنازلين بها ... ياوي الجموف العدم
عف المآزر لا عاب يدانيهم ... ولا يخاف عليهم زلة القدم
تلقى جفونهم تغضي حيا وترى ... أسماعهم عن هجين القول في صمم
وموقف لهم تنسى مواقعها ... وقائد الحرب في أيامها القدم
أيام قادين خير الخلق معلمة ... لم تزد فرسانها إلا أخا علم
حمرا رعبا سود يوم النقع خضر ربى ... لو أيد المجد بيض الأوجه الوسم
من كل أبيض في كفيه مشبهه ... في الخرم والخرم والامضاء والقسم
قريع قوم قراع البيض مطربة ... لسمعه دون قرع الناي والنغم
ماض له بين لماع الحديد له ... مستولف من أديم الموت منقسم
يوم أبي الفضل تدعو الطاميات به ... والماء تحت الشبى الهندية الخدم
الضارب القمم بن الضارب القمم ... بن الضارب القمم بن الضارب القمم
يوم له والمنايا السود شاهدة ... بأنه بددها في ذلك الظلم
يسطو فقل في السبنتى خلفت فإنها ... الأشبال من جوعها في غاية الألم
يوم دعاه الهدى الهادي لنصرته ... والجمع والنفع والطماء مركتم
والخيل تصطك والأعف الدلاص على ... فرسانها قد غدت نارا على علم
والضرب يخلق أفواها مفوهة ... تحكي الدماء فكان الكلم للكلم
للطعن يشبه عين الظبى أنجله ... لكنه غاير الأعماق في قسم
وأقبل الليث لا يلوه خوف مرا ... باد البشاشة كالمدعو للنعم
فياض مكرمة خواض محلمة ... فضاض معظله عار من الوصم
جود الوغا ينحر الأساد ضارية ... حسامه مطعما للسيد والرخم
ثيابه نسج داود وعمته ... عاديه تغزي إلى ارم
يشتد كالصقر والأبطال فانكشفت ... عن ضيم كضباء الضال والسلم
تبدو فيغدو صميم الجمع منصدعا ... نصفين ما بين مطروح ومنهزم
فعال منتدب لله محتسب ... في الله معتصم بالله ملتزم
حتى حوى بحرها في فراتهم ... الحادي ببحر من الهندي ملتطم
واصبح الماء ملكا طوع راحته ... مصرفا منه في حكم وفي حكم
فحاذه الندب والأبطال تلحظه ... تكاد أحشاؤها تنشق من ورم
فكف كفا عن الورد المباح وفي ... احشائه ضرم ناهيك من ضرم
وحرمت أن تنال الري مهجته ... كأنما الري فيها أشهر الحرم
ولم تهم لشرب الماء همته ... وسلب ذا الهم نفسا أكبر الهمم
وهل ترى صادقا دعوى أخوته ... روى حشا وأخوه في الهجر ضم
وما كفاه الروي دون ابن والده ... حتى قضى مثله وأرى الفواد ضم
حتى ملا مطمئن الجاش قربته ... فصدا وأقبل سعيا طالب الحرم
فكاثروه فالفوا غير ما نكس ... ماض الشبا غير هياب ولا ارم
فردها والسيوف البيض تحسبها ... برق الحيا والرماح الحض كالاجم
وكلما أقبلت تنحو جموعهم ... يبدو فينقض منها كل مخنتم
أكمى كما ومن كان الوصي له ... أبا فداك كمي فوق كل كمي
يستوعب الجمع لا مستفهما بهل ... عنه ولا سائلا عن عده بكم
غير أن تأبى يسير الطعن همته ... فلا يؤم زحاما غير مزدحم
فراح ما زال بالهندي مشتملا ... بالبيض ملثما بالنقع ملثم
حتى ابتنى قلل العلياء من قلل ... ورم ساحتها الجرياء بالرجم
عموه بالنبل والسمر العواسل ... والبيض الفواضل من فرع إلى قدم
فخر للأرض مقطوع اليدين له ... من كل مجد يمين غير منجدم
يا جامع شمل انسي بعد بعدكم ... منفض شمى أمسي غير ملتئم
ما بعد عيناك للراجين ما من أمل ... ولا عقيبك للاجين من حرم
هيهات ما حرم مما قضيت ردى ... إلا وبعدك أمسى غير محترم
هكذا(3/391)
هل أم طوق كذلك الطوق في السلم ... تحن شوقا إلى أيامنا القدم
أم عاقها بعدنا من بعدنا فسلت ... سلوا البهايم عن أطفالها البهم
أم راعها البين فارتاعت لفرقتنا ... فالقلب في ضرم والدمع في سجم
هل سرحت الحي في أيام فرقتنا ... هل بعدنا للتصابي لذام لفم
لا والهوى ليس بعد القانطين كرى ... فيستريح أخو شوق إلى الحلم
واين من طيف من تهواه عينيك ... والأجفان منهلة بالدمع كالديم
فاعجب لمكسالة الأعراب إذ خلصت ... نحوي ومن بنينا العجم
واعجب لها إذ نجوب الموميات دجى ... تحوى وعنى خطوه القدم
وكيف بأرض الثرى منزلنا ... من منزله الروحاء من أضم
إني أهتدي مضجعي والليل منسدل ... والجسم يخفى ضاعن ملة القلم
فأعجب لمسراه والأهوال تصحبه ... حتى الوسادة لم يهجع ولم ينم
يأتي الوسادة ليلا غير ملتفت ... إلى الرقيب ولا حاش من التهم
حتى إذا الفجر وافاك منفلتا ... من حيث أقبل لم يلبث ولم يقم
يا ساكن القلب هل من رحمة لشيح ... مغض على سقم مغض إلى عدم
ما عند ناضره والقلب من أدب ... بعد الحما غير منهل ومضطرم
أسوان ليس له عند النوى جلد ... يقوى به غير قرع السن من ندم
مناه عود المطايا لو تعود له ... مما تحملن من ورد ومن علم
لا رأى للركب أن يخشى الضلال دجى ... والصبح فوق المطايا غير منكتم
وكيف يبغي الشذا والروض تحمله ... أكوارها في انتشاق الشبح والخزم
في البيت من هاشم العهد نسبتهم ... والنعت من أحمد المبعوث للأمم
القوم إن فخر الأقوام خلت لهم ... أنف الصفا وأعالي البيت والحرم
شم المواعف ولا جون من رحم الهيجاء ... بالنفس فراجون لغمم
أهل الحفيظة لا يلفوا جوارهم ... يشقى به الجار حفاظون للذمم
أبياتهم حرم للنازلين بها ... ياوي الجموف العدم
عف المآزر لا عاب يدانيهم ... ولا يخاف عليهم زلة القدم
تلقى جفونهم تغضي حيا وترى ... أسماعهم عن هجين القول في صمم
وموقف لهم تنسى مواقعها ... وقائد الحرب في أيامها القدم
أيام قادين خير الخلق معلمة ... لم تزد فرسانها إلا أخا علم
حمرا رعبا سود يوم النقع خضر ربى ... لو أيد المجد بيض الأوجه الوسم
من كل أبيض في كفيه مشبهه ... في الخرم والخرم والامضاء والقسم
قريع قوم قراع البيض مطربة ... لسمعه دون قرع الناي والنغم
ماض له بين لماع الحديد له ... مستولف من أديم الموت منقسم
يوم أبي الفضل تدعو الطاميات به ... والماء تحت الشبى الهندية الخدم
الضارب القمم بن الضارب القمم ... بن الضارب القمم بن الضارب القمم
يوم له والمنايا السود شاهدة ... بأنه بددها في ذلك الظلم
يسطو فقل في السبنتى خلفت فإنها ... الأشبال من جوعها في غاية الألم
يوم دعاه الهدى الهادي لنصرته ... والجمع والنفع والطماء مركتم
والخيل تصطك والأعف الدلاص على ... فرسانها قد غدت نارا على علم
والضرب يخلق أفواها مفوهة ... تحكي الدماء فكان الكلم للكلم
للطعن يشبه عين الظبى أنجله ... لكنه غاير الأعماق في قسم
وأقبل الليث لا يلوه خوف مرا ... باد البشاشة كالمدعو للنعم
فياض مكرمة خواض محلمة ... فضاض معظله عار من الوصم
جود الوغا ينحر الأساد ضارية ... حسامه مطعما للسيد والرخم
ثيابه نسج داود وعمته ... عاديه تغزي إلى ارم
يشتد كالصقر والأبطال فانكشفت ... عن ضيم كضباء الضال والسلم
تبدو فيغدو صميم الجمع منصدعا ... نصفين ما بين مطروح ومنهزم
فعال منتدب لله محتسب ... في الله معتصم بالله ملتزم
حتى حوى بحرها في فراتهم ... الحادي ببحر من الهندي ملتطم
واصبح الماء ملكا طوع راحته ... مصرفا منه في حكم وفي حكم
فحاذه الندب والأبطال تلحظه ... تكاد أحشاؤها تنشق من ورم
فكف كفا عن الورد المباح وفي ... احشائه ضرم ناهيك من ضرم
وحرمت أن تنال الري مهجته ... كأنما الري فيها أشهر الحرم
ولم تهم لشرب الماء همته ... وسلب ذا الهم نفسا أكبر الهمم
وهل ترى صادقا دعوى أخوته ... روى حشا وأخوه في الهجر ضم
وما كفاه الروي دون ابن والده ... حتى قضى مثله وأرى الفواد ضم
حتى ملا مطمئن الجاش قربته ... فصدا وأقبل سعيا طالب الحرم
فكاثروه فالفوا غير ما نكس ... ماض الشبا غير هياب ولا ارم
فردها والسيوف البيض تحسبها ... برق الحيا والرماح الحض كالاجم
وكلما أقبلت تنحو جموعهم ... يبدو فينقض منها كل مخنتم
أكمى كما ومن كان الوصي له ... أبا فداك كمي فوق كل كمي
يستوعب الجمع لا مستفهما بهل ... عنه ولا سائلا عن عده بكم
غير أن تأبى يسير الطعن همته ... فلا يؤم زحاما غير مزدحم
فراح ما زال بالهندي مشتملا ... بالبيض ملثما بالنقع ملثم
حتى ابتنى قلل العلياء من قلل ... ورم ساحتها الجرياء بالرجم
عموه بالنبل والسمر العواسل ... والبيض الفواضل من فرع إلى قدم
فخر للأرض مقطوع اليدين له ... من كل مجد يمين غير منجدم
يا جامع شمل انسي بعد بعدكم ... منفض شمى أمسي غير ملتئم
ما بعد عيناك للراجين ما من أمل ... ولا عقيبك للاجين من حرم
هيهات ما حرم مما قضيت ردى ... إلا وبعدك أمسى غير محترم
هكذا
وجدت مسودة غير مهذبة ولا كاملة بخطه قدس الله سره بعد وفاته.
وسيفي لأنت السيف ما لا اسله ... حديدا ورمى لا المثقفة السمر
وعزي لأنت العز لي لا قبيلتي ... وقومي وحرزي لا الرقى ولا السحر
وكنزي لأنت الكنز لا ما أقتنيه ... لعسري إذا ما اشتد في خطبه العسر
وذخري لأنت الذخر لي حين لم يكن ... لمدخر يوما بنافعه الذخر
وفخري لأنت الفخر لي حيث لا يرى ... لمفتخر ان لم يكن بكم فخر
وسايغ ربي لا شراب تسيغه ... لهاي وقوتي البر لا الأرز والبر
وأنت الغني لا بدرة تستفيدها ... يمينى وكفى تعدها أبدا صفر
وحالي لأنت الحال لا البرء والشقا ... ومالي لأنت المال لا البيض والصفر
وترسي لأنت الترس لا ترس جلدة ... وكيف وممن اتقيه بها الدهر
ودرعي لأنت الدرع والنثرة التي ... إذا ما التقى الجمعان غايتها السفر
وشمسي لأنت الشمس لا الكرة التي ... يغيبها ليل ويطلعها فجر
وبدري لأنت البدر لا الطالع الذي ... يعود به في بعض أوقاته الشهر
وربحي لأنت الربح لا المتجر الذي ... يخاف على راعي النجاح به لخسر
وله:
تقول الهوى أنا اقتسمناه بالسوى ... وهيهات هذا وهي لم تدر ما الجوى
سلوا حالها عنها وحالي لذا النوى ... وكنت وليلى في صعود من الهوى
وله:
أهل بدر ركب سروا أنت فيه ... ما عليهم من الضلالة حاشي
سيرهم والهدى يوما ولم لا ... والضيا حيث هم على الكون فاشي
في المها طرب الخمر والسحر ... حلالا فما هناك تحاشي
جد بالركب سكره وسراه ... فرحة البين فهو ماش وناشي
طربا ترقص المطي كأن الخمر ... من ريقها اليهن ماشي
كيف لا تطرب الركائب منها ... والهوى فوقها فهن نواشي
كالمصابيح في الدجى تتسارى ... وقلوب الورى إليها غواشي
منعوا ريقها البرود فؤادا ... قد حشاه بواقد الحت حاشي
حكم قاض يعل لو يرتشيه ... لو قضى بالوصال للروح راشي
كيف صدقتم الوشاة فهل ... دين التصابي قبول خروج الواشي
عيبوها بأننا قد سلونا ...(3/392)
أهل بدر ركب سروا أنت فيه ... ما عليهم من الضلالة حاشي
سيرهم والهدى يوما ولم لا ... والضيا حيث هم على الكون فاشي
في المها طرب الخمر والسحر ... حلالا فما هناك تحاشي
جد بالركب سكره وسراه ... فرحة البين فهو ماش وناشي
طربا ترقص المطي كأن الخمر ... من ريقها اليهن ماشي
كيف لا تطرب الركائب منها ... والهوى فوقها فهن نواشي
كالمصابيح في الدجى تتسارى ... وقلوب الورى إليها غواشي
منعوا ريقها البرود فؤادا ... قد حشاه بواقد الحت حاشي
حكم قاض يعل لو يرتشيه ... لو قضى بالوصال للروح راشي
كيف صدقتم الوشاة فهل ... دين التصابي قبول خروج الواشي
عيبوها بأننا قد سلونا ...
وله أيضا عفا الله عنه:
يا شقيقي واين مني شقيقي ... مطلب عاند على الركب صعب
على أن يبلغ الزفير إليه ... ودموع لها مع السرب سرب
وجوى في الحشا يهيجه القرب ... ادكارا وابن منك القرب
لم يطب لي من بعد بعدك طيب ... وصحيب فما يكون الصحب
كل عذب تركته لي مرا ... غير مر الجوى ففي فيّ عذب
غير ساليك قلب صب وإن ... أبعدت هجرا ففيك ذاك القلب
فطعامي لما ناءت سقامي ... ودموعي لما قضيت الشرب
صبغت أدمعي ثيابي حتى ... انها من نضارة الدمع قشب
وله أيضا في مدح أمير المؤمنين عليه السّلام
كلما في الكون من شرف ... هو من معناك مقتبس
وله أيضا في الزهد والقناعة
لا ينبعث لك هما ... فطلب الرزق جما
الرزق يبعثه الله ... وكثرة السعي مما
وله أيضا في استعطاف المحبوب
فقلت وقد سح ماء الجفون ... ونار الجوى بالحشا توقد
بما بيننا من عهود الهوى ... على أن عهد الهوى أوكد
خذوا بينكم ما بقي من دمي ... لعلي أحيا ولا تفردوا
فما ناظري بعد تلك القدود ... تروق له ناظرا أملد(3/393)
ويوسف حسن إذا ما تلت ... معانيه شمس الضحى تسجد
حكت رقة الخمر وجناته ... ويقصر عن قلبه الجلمد
يظن بريق على متلف ... وأهون ما يهذل العسجد
تولى عليه خمار الصبا ... فنام كرا والصبا مرقد
فنام ولم يدر ليلة ... خلاطها وجف المسعد
كان الظلام على مقلتي ... وأنجمه ما حل مزبد
وله ايضا سامحه الله
هذه الدار فقف يا سعد نبكي ... مربع الانس خلاء أصبحت منها
كأن لم تغن بالأمس ... وقد كن قرى الأذنى
هو النفس مع النفسي ...
بسم الله هذه القصيدة قالها قاضي بغداد في فضل الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام لما أهدى لهم فاضل حياة الرسول من السلطان سنة 1257.
وافتك يا موسى بن جعفر تحفة ... منها يلوح لنا الطراز الأول
رقمت على العنوان من ديباجها ... ديباجة الشرف الذي لا يجهل
كما جاورت قبرا لجدك فاكتست ... مجدا له انحط السماك الأعزل
وتقدست إذ جللت جدثا ثوى ... في لحده المدثر المزمل
فاشتاق ستر العرش لو بحلها ... يوما على تلك الحصيرة يسدل
نشرت ففاح من المنبوت نشرها ... ما المسك وما نفحاته ما الصندل
أعطيت ما لم يحظ يعقوب به ... إذ جاءه لشذا القميص الشمأل
طوبى لهم من وارثين لقد غدت ... أثار جدكم إليكم تنقل
شملتكم معه العباءة بحياته ... ومماته استاره لك تشمل
هذا رواق مدينة العلم التي ... من بابها قد ضل من لا يدخل
هذا كتاب من غدا بيمينه ... يعطي الذي يرجو غدا ويأمل
هذا الزبور وذلك التوراة ... والإنجيل بل هذا القرآن المنزل
هذا هو التابوت فيه سكينة ... وإذا على أيد الملائك تحمل
هذا الغشاء تغشت سدرة ... المنتهى وغدا عليها يسبل
هذا هو السر الذي كشف الغطا ... عن أعين بالغين كانت تلحل
هذا الازار يحط عن زواره ... وزرا به رضوى ينوء وتذيل
لما به ساموا وأعلام لهم ... خفقت بأثواب الجلالة ترفل(3/394)
باهى الإله بهم ملائكة السما ... فبدت على الزوار ضحى تنزل
من تحت أخمص زائريه كم لها ... من أجنح نشرت وطئتها الأرجل
وأتوا لبابك يحملون وسيلة ... المرسلون بها غدا تتوسل
نزلوا على الجرعاء من واد طوى ... وتفرسوا بقبولهم فترجل
وحياتكم من كنتم سؤلا له ... بمماته في قبره لا يسأل
فترحموا يا آل بيت المصطفى ... وتكرموا وتفضلوا وتقبل
صلى الإله عليكم ... ما دنحت غصن وغرد بلبل
والحمد لله على اكمال الدين وإتمام النعمة
سنة 1381هجري(3/395)
فهرس الكتاب
تواريخ جملة من العلماء 5
مبغض علي (ع) ابن زنا أو ابن حيضة 13
من جملة أسباب الزنا أكل الخمس 16
طول آدم وحوا 17
إحصاء من قتله الحجاج صبرا 18
في حمل الأئمة عليهم السلام 18
فائدة رجالية 19
من قصص مجنون ليلى 19
الأحاديث المروية عن أبي موضوعة 20
مراتب أهل العصمة 21
كيفية خلق اللؤلؤ 22
تاريخ مولد النبي (ص) 23
قصة ديك الجن مع المتوكل 26
هبة آدم (ع) لداود 29
ترجمة ابن أبي الحديد المعتزلي 31
قصة عجيبة غريبة 34
منتخب من أشعار الشيخ سليمان البحراني 36
بعض ما يتعلّق بالشافعي وأبي حنيفة 39
عهد النبي على العرب والعجم والقبط والحبشة 40
مدح حذافة بن غانم لبني هاشم 40
فيما جاء في القضاء 41
في الرد على تارك الجمعة 42
مناظرة أبي حنيفة مع الإمام الكاظم. 46
قصة ديك الجن مع الرشيد 47
قصيدة غزلية للشفهيني 52
ما جرى لابن يقطين في وضوئه 53
امتحان المنصور لابن زربي في الوضوء. 54
ما جاء في النبيذ والسكارى 56
مكر السوء لا يحيط إلا بأهله 59
حكاية بيضة الرخ والنبي سليمان 59
قصص ولطائف قصيرة 63
قصة الإسرائيلية وما جرى لها من المحن 75
ما جرى لوزير اليمن مع أخيه 88
حكم الشاة الموطاة بكلب 89
قصص في التعريض والتلميح 90
بعض أحوال القمر بالنسبة إلى غروبه 91
من شعر الصفي الحلي في وصف الربيع. 93
فيما ورد في صوت الحمام 94
حكاية الأصمعي مع الملك 95(3/396)
فيما ورد في صوت الحمام 94
حكاية الأصمعي مع الملك 95
قصة أبي نؤاس مع الرشيد 97
امتحان الناصر وزيره أبا عامر في هداياه 97
ما جرى لبعض الصحابة عند موتهم 98
قاعدة في النجوم 102
قصة الأحنف مع الرشيد 104
قصيدة الخطي في مدح علي (ع) 105
منتخبات من شعر أبي الحسن البحراني 107
ما جرى بين الإمام الصادق وهشام 109
مجيء فاطمة (ع) في الجنة 115
عجائب المخلوقات ببابل 116
مطالعة الحكمة وقراءة الفلسفة 117
خبر قس بن ساعدة 119
البيعة الخاصة والبيعة العامة للنبي (ص) 120
النظر بالرأي وترك السنة 122
نحوسات الساعات وجيدها للاستخارة 123
أموات الأحياء أربعة 123
لغز نحوي وآخر في الفرائض 124
كتمان العلم وإظهاره 126
منتخبات من أشعار مختلفة 126
قصة الفقيرة مع داود النبي (ع) 130
أخبار الفرار من الطاعون 131
قصيدة الناشىء في مدح الرسول (ص) 135
نسب النبي (ص) وذكر الاختلاف فيه 137
من ترجمة الخليفة الناصر العباسي 139
بعض ما يتعلق بالبحرين 141
معرفة النجف 142
معنى الأهل والآل والأمة 142
استعمالات لفظة أوه 143
مساجلة شعرية بين الخطي والسيد ماجد البحراني 144
رثاء الشيخ البهائي أباه 145
رؤيا والد البهائي 146
منتخب من الديوان المرتضوي 147
إخبار علي (ع) عن زوال ملك بني العباس 148
ما ورد في فضل القرآن 149
ما ورد في القائم وخلفائه 149
مسمط الحريري في الوعظ 151
من عجائب قصائد الحريري 152
كفر أبي العلاء المعري 157
طول الظل في ساعات النهار 158
أربعة يا لهم من أربعة 159
ما يكتب بالسين والصاد 160
تصدير القسم بلفظه لا 161
لغز إلى مئة مسألة فقهية 162
نظر إلى نسب عمر بن الخطاب 169
قصص وأحاديث وأشعار مختلفة 171
في الرد على الأشاعرة 176
قصة التاجر الذي كان يبذل على
السادة 177(3/397)
قصة التاجر الذي كان يبذل على
السادة 177
معجزة علوية في الذي كان يسبه 178
قصة الهادي العباسي وجاريته غادر 179
النعمة الظاهرة والنعمة الباطنة 180
ما ورد في ذم الصوفية 181
حديث عن أمير المؤمنين (ع) 184
وصف أدوية للباه 185
كلام الزمخشري حول الصوفية 185
من شعر الحريري في مقاماته 187
قصيدة لمؤلف الكتاب 189
أبيات للحميري 190
أبيات لبعض الشعراء 191
نبذة بنود للسيد علي أباليل 191
مقامة في المفاخرة بين الفقر والغنى. 213
قصيدة لابن الفارض 224
قصيدة في رثاء الزهراء (ع) 225
تخميس قصيدة الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني. 228
ما قيل في الحسد من الشعر 231
الأحاديث الواردة في الحسد 231
أشعار مختلفة 234
تفضيل علي على الخلق عند عمر بن عبد العزيز 236
بعض معتقدات النظامية 238
نبذة من عقائد الزيدية 239
الاختلاف في المذاهب بعد علي 244
منتخبات شعرية وكلمات حكمية ونوادر وأخبار 248
قصيدة الوزير مؤيد الدين الطغرا 253
إخبار أمير المؤمنين عن زوال ملك بني العباس 256
رسالة ابن العربي إلى الرازي 257
قبلة العراق. 261
من شعر أبي فراس الحمداني 264
قصيدة للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني 265
مسألة في القراءة 268
ترجمة القاضي البيضاوي 269
ترجمة ابن الأثير صاحب النهاية 270
أشعار حكمية 271
أحاديث من صحيح البخاري في شأن أهل البيت. 272
أحاديث وأشعار وقصص قصيرة 279
قصيدة لعلي بن المغربي 283
قصة سربال ملك الهند 286
مناظرة هشام بن الحكم بمحضر الرشيد 287
ما يتعلق بقصيدة دعبل 303
مناظرة ابن عباس مع ابن الزبير في الشرف 304
شراء الحسين (ع) نواحي قبره الشريف 306
مسائل متفرقة منقولة عن المفيد 307
في ترجمة اسكندر ذي القرنين 310
إنشاء لطيف 312
في جلاله شأن زرارة بن أعين 316
عدد أولاد أمير المؤمنين 317(3/398)
في جلاله شأن زرارة بن أعين 316
عدد أولاد أمير المؤمنين 317
القصيدة الأزرية 318
قصيدة الحاج هاشم الدورقي 334
قصيدة الدورقي في رثاء العصفوري 347
وله أيضا في رثاء الشيخ 349
قصيدة الدورقي في رثاء الشيخ محمد 351
مختارات من شعر الدورقي 353
مختارات من شعر الحاج هاشم 385
قصيدة قاضي بغداد في مدح الكاظم (ع). 395
تم الكتاب طبع هذا الكتاب
على مطابع دار ومكتبة الهلال بيروت
ص ب: 5003/ 15(3/399)