مقدمة
بسم الله الرّحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد ترونها، ونصب لعباده أمارات الهداية، وكسر عنهم طرق الغواية، وعرّف لهم أعلام الدراية، وأنكر منهم سوء النهاية، وصرف قلوب المحبّين إليه، ودلّهم عليه، ومنعهم من الصرف عن إحسانهم، والميل عن إيمانهم، وصلّ اللهم وسلّم وبارك على عبدك ونبيّك محمد صلّى الله عليه وسلم، وارض اللهم عن الآل والصّحب والتابعين.
وبعد:
فهذا كتاب «الأمالي» للإمام أبي عليّ القالي رحمه الله ينشر مطرّزّا بكتابي «الذيل» و «النوادر» للقالي، وموشّى بكتاب البكري: «التنبيه على أوهام أبي عليّ القالي في أماليه».
وقد اجتهدنا في إخراج هذه الكتب بأجمل حلّة، ولم نأل جهدا في العناية بها على حسب المنهج الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في التقديم للكتاب بعد قليل.
وقد أطنب العلماء في الثناء على كتاب «الأمالي»، وإنزاله في المكانة العالية التي تليق بمثله، وننقل هنا ما أورده ياقوت الحموي في كتابه «معجم الأدباء» بعد ذكره لرحلته في طلب العلم: «فوفد القالي إلى الغرب سنة ثلاثين وثلاثمائة فأكرمه صاحب الغرب وأفضل عليه إفضالا عمّه، وانقطع هناك بقية عمره، وهناك أملى كتبه أكثرها عن ظهر قلب: منها كتاب «الأمالي»، معروف بيد الناس، كثير الفوائد غاية في معناه قال أبو محمد بن حزم: كتاب نوادر أبو علي مبار لكتاب «الكامل» الذي جمعه المبرد، ولئن كان كتاب أبي العباس أكثر نحوا وخبرا فإن كتاب أبي علي أكثر لغة وشعرا».
ولأهمية كتاب النوادر لأبي علي نصّبه أهل العلم كديوان من أربعة دواوين للأدب كل ما سواها تبع لها وعالة عليها. فيقول ابن خلدون في مقدمته: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن (الأدب) وأركانه أربعة دواوين وهي: «أدب الكاتب» لابن قتيبة، وكتاب «الكامل» للمبرد، وكتاب «البيان والتبيين» للجاحظ وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها».
ومن هنا تظهر أهمية هذا السفر الفريد في دراسة اللغة العربية وآدابها وضرورته لكل باحث أو محب لذلك المجال.
ومن منطلق الرغبة في نشر العلوم العربية وآدابها نقدم بين يدي القراء كتاب «الأمالي» لأبي علي القالي في حلّته الجديدة ونرجو أن تحظى بالقبول والرضا من محبي الأدب العربي.
سائلين الله سبحانه أن يغفر لنا التقصير الذي قد يكون وقع منا في خدمة ذلك السفر الجليل.(1/5)
ترجمة أبي علي القالي (1)
الاسم: هو أبو علي إسماعيل بن القاسم بن هارون بن عيذون البغدادي.
المولد والنشأة: يحدثنا هو عن نشأته فيقول:
«أنا إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سليمان مولى عبد الملك بن مروان، ولدت بمنازكرد من دياربكر سنة ثمان وثمانين ومائتين ورحلت إلى بغداد سنة ثلاث وثلاثمائة، فأقمت في الموصل».
سبب تسميته بالقالي:
قال الزبيدي: وسألت أبا علي لم قيل له القالي؟ فقال: لما انحدرنا إلى بغداد كنا في رفقة فيها أهل قالي قلا فكانوا يحافظون لمكانهم من الثغر، فلما دخلت بغداد تنسبت إلى قالي قلا وهي قرية من منازكرد، ورجوت أن أنتفع بذلك عند العلماء.
ويقول في موضع آخر «فلم أنتفع بذلك وعرفت بالقالي».
وكانوا يسمونه بالبغدادي لكثرة مقامه بها ووصوله إليهم [أي: الأندلس] منها.
شيوخه:
سمع أبو علي من الكثير من أهل العلم منهم «أبو يعلى الموصلي، وأبو القاسم البغوي، وأبو بكر بن أبي داود، ويحيى بن صاعد، وعلي بن سليمان الأخفش وأخذ العربية عن «بن دريد وأبي بكر الأنباري وابن درستويه ونفطويه وطائفة».
وقرأ أيضا على ابن السراج وأبي إسحاق الزجاج وأبي عمر الزاهد وأبي داود السجستاني.
مكانته في العلم:
«كان أحفظ أهل زمانه للغة والشعر ونحو البصريين».
قال الحميدي: وكان إماما في علم العربية متقدما فيها متقنا لها فاستفاد الناس منه وعولوا عليه.
واتخذوه حجة فيما نقلوه، وكانت كتبه في غاية التقييد والضبط والإتقان، وقد ألف في علمه الذي اختص به تآليف مشهورة تدل على سعة علمه وروايته.
__________
(1) انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 4645)، و «إنباه الرواة» (1/ 244239)، «معجم الأدباء» (2/ 731729)، «وفيات الأعيان» (1/ 227226)، «مقدمة ابن خلدون» (ص 522).(1/6)
كما أن كبار العلماء كانوا يعرفون مكانته وفضله فلم يتوان إمام كبير مثل أبي بكر الزبيدي النحوي صاحب كتاب «مختصر العين» و «أخبار النحويين» وكان حينئذ إماما في الأدب من الأخذ عنه وملازمته وذلك لأنه عرف فضل أبي علي فمال إليه واختص به واستفاد منه وأقرّ له.
وعند ما تحول أبو علي إلى الأندلس، لنشر علمه، دخلها في سنة ثلاثين وثلاثمائة ففرح به صاحبها الناصر الأموي. وصنف له ولولده المستنصر تصانيف.
ويقول الحميدي: ووصل إلى الأندلس في سنة ثلاثين وثلاثمائة في أيام عبد الرحمن الناصر وكان ابنه الأمير أبو العاص الحكم بن عبد الرحمن من أحب ملوك الأندلس للعلم وأكثرهم اشتغالا به وحرصا عليه، فتلقّاه بالجميل، وحظي عنده وقرب منه وبالغ في إكرامه ويقال إنه هو الذي كتب إليه ورغّبه في الوفود عليه، واستوطن قرطبة ونشر علمه بها.
فتأمل تلك المنزلة التي تبوأها أبو علي في العلم حتى يكتب إليه أمير الأندلس يرغبه في الإقامة عنده لنشر علمه.
مؤلفاته:
ألّف أبو علي القالي الكثير من المؤلفات المتقنة والتي قال عنها الحميدي:
وكانت كتبه في غاية التقييد والضبط والإتقان، وقد ألف في علمه الذي اختص به تآليف مشهورة تدل على سعة علمه وروايته.
ومن هذه الكتب: كتاب «الأمالي» وكتاب «الممدود والمقصور» رتّبه على التفعيل ومخارج الحروف من الحلق، مستقصى في بابه لا يشذ منه شيء في معناه، لم يوضع مثله، و «كتاب الإبل ونتاجها وما تصرف معها». وكتاب «حلي الإنسان» و «الخيل وشياتها» وكتاب «فعلت وأفعلت» وكتاب «مقاتل الفرسان» وكتاب «تفسير السبع الطوا» ل، وكتاب «البارع في اللغة» على حروف المعجم، جمع فيه كتب اللغة يشتمل على ثلاثة آلاف ورقة. قال الزبيدي:
ولا نعلم أحدا من المتقدمين ألف مثله إلى كتب كثيرة ارتجلها وأملاها عن ظهر قلب كلها.
وفاته:
توفي القالي بقرطبة في شهر ربيع الآخر، وقيل جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثلاثمائة ليلة السبت لست خلون من الشهر المذكور وصلى عليه عبد الله الجبيري. ودفن بمقبرة متعة ظاهر قرطبة. رحمه الله تعالى.
كتاب «الأمالي» لأبي عليّ القالي
جرى القالي رحمه الله في كتابه «الأمالي» على طريقة السلف في مثل هذا النوع من التصنيف، حيث يسرد المصنف ما حضره، ويملي ما أراده في مجالس متفرّقة، لا ينتظمها سلك واحد، ولا يشملها باب بعينه، وهذه طريقة كتب «الأمالي» القديمة، وقد اشتهر هذا
النوع من التصنيف في العصر القديم، وشمل ذلك اللغة والحديث وغيرهما من علوم الإسلام، ووردت إلينا طائفة من المصنفات في مختلف العلوم تحمل اسم «الأمالي»، لا تلتزم منهجا بعينه في إيراد المرويّات والأخبار، وإنما تذكر الشيء مفرّقا، وتجمع بين أبواب متباينة، ومسائل متمايزة، ومع ذلك فربما ذكر المصنّف الشيء ونظيره، أو استطرد في باب بعينه، على وتيرة: «الشيء بالشيء يذكر»، وربما فعل القالي ذلك فينبغي الفطنة لهذا عند النّقل من هذا الكتاب.(1/7)
جرى القالي رحمه الله في كتابه «الأمالي» على طريقة السلف في مثل هذا النوع من التصنيف، حيث يسرد المصنف ما حضره، ويملي ما أراده في مجالس متفرّقة، لا ينتظمها سلك واحد، ولا يشملها باب بعينه، وهذه طريقة كتب «الأمالي» القديمة، وقد اشتهر هذا
النوع من التصنيف في العصر القديم، وشمل ذلك اللغة والحديث وغيرهما من علوم الإسلام، ووردت إلينا طائفة من المصنفات في مختلف العلوم تحمل اسم «الأمالي»، لا تلتزم منهجا بعينه في إيراد المرويّات والأخبار، وإنما تذكر الشيء مفرّقا، وتجمع بين أبواب متباينة، ومسائل متمايزة، ومع ذلك فربما ذكر المصنّف الشيء ونظيره، أو استطرد في باب بعينه، على وتيرة: «الشيء بالشيء يذكر»، وربما فعل القالي ذلك فينبغي الفطنة لهذا عند النّقل من هذا الكتاب.
وقد حرص القالي في كتابه هذا على سرد الأخبار والحكايات بأسانيده التي وصلت إليه عن طريقها، وميّز بين الروايات إن وجدت أكثر من رواية للخبر الواحد، وحاكم بين الألفاظ، واختار الأصح والأرجح، واستدلّ القالي لاختياراته بما عرف من لغة العرب، وأورد أدلّته في ذلك من كلام العرب وأشعارها، ومادّته في هذا الباب غزيرة جدّا.
وحرص القالي على شرح الألفاظ الغريبة فيما يورده من كلام العرب وأشعارها، والغريب يختلف باختلاف الأزمان، فربما ترك السلف شيئا لوضوحه ثم رأينا نفس الشيء مستعجما على من بعدهم، وهذا باب واسع.
وقد حرص القالي أيضا على إيراد طائفة من أمثال العرب وأقوالها، وشرح المراد من ذلك لدى العرب، واعتمد في ذلك كله على أئمة اللغة، وأعلام الدّرب كالأصمعي وغيره. وساعده على هذا المسلك الجادّ ما سبق له من تلمذة على يد الأكابر من شيوخه أمثال ابن دريد وابن الأنباري رحمهما الله.
وقد يذكر القالي شيئا سمعه من بعض مشايخه أو قرأه عليه، فيستطرد في ذكر بعض الأشياء التي سمعها من هذا الشيخ أو قرأها عليه، وإن لم تنتظم في موضوع واحد، ثم يتحوّل إلى شيخ آخر من مشايخه فيذكر بعض ما تحمّله عنه من العلم.
وربما أورد القالي جملة أشياء مترابطة في موضع واحد عن شيخ واحد من مشايخه.
وربما قرأ القالي شيئا مما أورده على جماعة من أهل العلم، فيميز القالي بين رواياتهم، ويشرح ذلك بوضوح.
وقد حرص القالي رحمه الله على تنوّع مادة كتابه، فأورد فيه ما يتعلّق بلغة العرب شرحا وبيانا، كما أورد طائفة من أمثال وأشعار وأقوال العرب، وطرّز ذلك بأخبر الخلفاء والأمراء وبعض ما رآه من نوادر الحمقي والنساء وغير ذلك مما شحن به كتابه، فجاء كتابه مستوعبا لجملة من الفنون، جامعا لأخبار الناس وحكاياتهم، إلى جانب ما ذكره من غريب لغة العرب، وما فسّره من آي الذّكر الحكيم وأحاديث النبيّ الأمين صلّى الله عليه وسلم، فضلا عمّا أورده من وجوه القراءات، وطرائف الحكمة، وففنون الموعظة وأحوال الناس وصروف الدّهر.
أضف إلى ذلك ما شحن القالي به كتابه من أخبار الهوى، وأحاديث العشق، وأشعار الغرام.(1/8)
فكأنّك في بستان للفنون، يأخذ بلبّك، ويشحذ ذهنك، ويرغمك على ملازمته حبّا في مطالعته، وازديادا من جمال أخباره، وطرائف أحواله.
وما كان لنفس تلذّذت بنعيم النظر في كتاب القالي أن تتحوّل عنه، أو تستبدل الأدنى بالذي هو خير والله الموفّق.
كتاب «التنبيه» لأبي عبيد البكري رحمه الله
عني البكري بكتاب «الأمالي» للقالي فأفرده بالتنبيه على أوهامه، والإصلاح لأخطائه، فكان كتابه: «التنبيه على أوهام أبي عليّ في أماليه».
وقد تنوّعت تنبيهات البكري على كتاب القالي، كما تنوّعت ألفاظه في تنبيهاته، فألان القول لأبي عليّ في مواضع، وشدّد له العبارة في مواضع أخرى.
وأولى البكرى الأبيات الشعرية عنايته الخاصة فانتقد القاليّ في أخطائه في عزو الأبيات إلى غير قائليها (1)، ولم يخل الأمر فيما أصاب القالي في عزوه من انتقاد للبكري فانتقد القاليّ في تسمية الشعراء وأنسابهم (2)، كما انتقده في سياقة الأبيات (3)، وفي نوعية الشّعر ودخوله تحت شعر الهجاء أو المديح (4)، وربما تطرّق البكري إلى التصاريف فنظرها، وسجّل ما انتقده على القالي منها (5)، وتعجّب من القالي في بعض المواضع، وشدّد له العبارة (6)، وذكر البكري رحمه الله أنّ القالي إذا ذكر شيئا من الشعر وجهل قائله: نسبه لأعرابي ولم يسمّه (7).
وقال البكري في بعض المواضع (8): «وهذا مما أهمله أبو عليّ ولم يفسّر معناه والمراد منه وكثيرا ما يشغله تفسير ظاهر اللغة عن تفسير غامض المعاني».
وهذا لون آخر من «الانتقاد للبكري».
ومع ذلك فقد انتقد البكريّ غير شيء معتمدا على النسخة التي وقعت له من كتاب القالي، وقد ورد بعض هذه الانتقادات على الصواب في هذه النسخة التي بين أيدينا (9) فلعلّ
__________
(1) انظر: «التنبيه» فقرات [42، 49، 53، 57، 67، 99، 110، 129122].
(2) انظر: السابق فقرة [125].
(3) انظر: السابق الفقرتان [، 10784].
(4) انظر: السابق فقرة [101].
(5) انظر: السابق فقرة [47].
(6) انظر: السابق الفقرتان [، 9947].
(7) انظر: السابق الفقرتان [، 4611].
(8) انظر: السابق فقرة [7].
(9) انظر: السابق فقرات [، 41، 93، 117112].(1/9)
القالي قد أخرج أكثر من نسخة لكتابه، وهذه عادة مشهورة للمصنّفين، ولا يلام البكري في مثل هذا، ولا يتّهم بتحامل أو نحوه على القالي رحمة الله عليهما، وإنّما جاء ذلك من اختلاف النّسخ كما ذكرنا لك وقد أشرنا إلى شيء من هذه الاختلافات، ولم نستطرد في بيانها جميعا والله الموفق.
* * *
عملنا في الكتاب(1/10)
* * *
عملنا في الكتاب
نشر الكتاب من قبل أكثر من مرة، وأعلى نشراته وأجودها: تلك النشرة التي أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد عني القائمون عليها بضبط النسخة ومقابلتها على أصولها بحيث حملوا عبء ذلك عمّن بعدهم، وأغنى جهدهم عن جهد غيرهم، فلم نجد حرجا في الاعتماد على هذه النشرة الأنيقة.
كما عني القائمون على نشرة «الهيئة المصرية» بشرح بعض الكلمات الغريبة وعزو بعض الأبيات إلى قائليها، وتخرج ذلك من «اللسانش و «الخزانة» وغيرهما، مع العناية ببيان الفروق بين نسخ الكتاب، فأثبتنا في حواشي نسختنا هذه تعليقاتهم هذه وميّزنا تعليقاتهم المذكورة بإضافة حرف «ط» في آخر ما أثبتناه من حواش، ولم نستوعب ما ذكروه من تعليقات لكنّا لم نسقط تعليقا يحتاجه الكتاب على كلّ حال.
وأضفنا إلى عملهم هذا أمورا منها:
تخريج الآيات الواردة في الكتاب.
تخريج وجوه القراءات التي ذكرها القالي في كتابه، وهي قليلة.
تخريج الأحاديث النبوية على ندرتها، مع ربطها بمصادر اللغة، ولم نستطرد في التخريج لمخالفة ذلك لموضوع الكتاب.
تخريج الأقوال والآثار التي صدّرها القالي بقوله: «وفي الحديث» حتى لا يتوهّم أنها من الأحاديث النبوية.
وقمنا بتخريج الأشعار على الأوزان والبحور الشعريّة، واجتهدنا في ذلك، ولم نأل جهدا في تحرّي الصواب، وقد سبق للقائمين على نشرة الهيئة المصرية العامة للكتاب أن سلكوا نحو هذا السبيل، ورصدوا ذلك وقيده في آخر نشرتهم مع فهرس الأشعار والقوافي، ولعلّه لذلك لم يكن تخريجهم أنيقا كما عهدناه في باقي عملهم، ومن ثمّ لا تلم إن رأيت هنا خلافا بين العملين، واستدركنا أنصاف الأبيات وغيرها من الأبيات التي لم تخرّج في النشرة السابقة للهيئة، فخرّجنا ذلك كله.
وميّزنا فقرات الكتاب، وجعلنا لكلّ فقرة رقما خاصّا بها، وأصلحنا ما تداخل في نشرة الهيئة من فقرات.
وقد وضعنا عنوانا خاصّا لكل فقرات الكتاب وإلّا نادرا حيث لا تندرج الفقرة تحت
عنوان بعينه، وحرصنا في ذلك على بيان ما في الكتاب من درر أدبية، وحكم ومواعظ، واجتهدنا في بيان موضوعات الكتاب وتفصيلها تيسيرا للباحثين للأخذ منه، والاستدلال بمرويّاته الأدبية وأخباره وحكاياته، وغير ذلك مما حواه الكتاب.(1/11)
وقد وضعنا عنوانا خاصّا لكل فقرات الكتاب وإلّا نادرا حيث لا تندرج الفقرة تحت
عنوان بعينه، وحرصنا في ذلك على بيان ما في الكتاب من درر أدبية، وحكم ومواعظ، واجتهدنا في بيان موضوعات الكتاب وتفصيلها تيسيرا للباحثين للأخذ منه، والاستدلال بمرويّاته الأدبية وأخباره وحكاياته، وغير ذلك مما حواه الكتاب.
ولعلّنا بذلك قد قرّبنا الكتاب للباحثين، ويسّرناه للآخذين، حيث لم يرتّبه مصنّفه على منهج بعينه، وإنما أملى أشياء متفرّقة، وجمعها في كتابه، ومن ثمّ لم ينهل منه إلا خبير، ولم يستخرج كنوزه إلّا عالم، وقليل ما هم، فحاولنا بذلك تيسير الكتاب للآخذين على مختلف مداركهم، وتقريبه من خلال فهرسته على الموضوعات التي يحويها، والدّرر التي ينتظمها، ونسأل الله عز وجل أن نكون قد وفّقنا في ذلك.
وقد جعلنا هذه العناوين أمام الفقرات بين مكوفين تمييزا لها عن كلام القالي رحمه الله.
وأصلحنا ما سبق في نشرة الهيئة من تصحيف أو تحريف لبعض مباني الكلمات أثناء الطبع كذلك الحال بالنسبة لما اختلّ من شكل الكلمات وعلاماتها الإعرابية.
ولم يخل الأمر من تعليقات أخرى متناثرة كالإشارة إلى شيء تقدّم أو خبر يأتي، أو شرح لبعض الكلمات الغريبة، وغير ذلك.
وألمحنا بعد ذلك كله إلى شيء من منهج القالي في كتابه.
كما ذهبنا إلى «تنبيه البكري على أوهام القالي» فربطنا بينه وبين كتاب القالي برباط وثيق يأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.
ولم ننس أن نتدّبر كتاب البكري ونذكر بعض ما رأيناه من منهجه على سبيل الإيجاز، وفي الإشارة ما يغني عن طول العبارة،.
وحرصنا على ربط كتابي «الأمالي» بالتنبيه، وقد سبق ربط الثاني بالأول في النشرة السابقة، فاستدركنا ربط الأول بالثاني، فوضعنا مواطن التنبيهات البكرية» بذيل «الأمالي»، وذكرنا أرقام فقرات «الأمالي» في مواضعها من «التنبيه»، فتمّ ربط الكتابين، والحمد لله رب العالمين.
ولم يخل الأمر من ترقيم لفقرات كتاب البكري أيضا، على وتيرة ما أسلفناه في «الأمالي».
وقد اعتمد البكري في كتابه على نسخة أخرى تخالف نسختنا التي بين أيدينا في عدة أحرف كما سبق بيانه في الكلام على منهج البكري إن شاء الله تعالى، وقد أشرنا إلى شيء من هذه الاختلافات، ولم نستطرد في بيانها جميعا.
وثمّ أشياء متناثرة تراها أمام عينيك إن شاء الله تعالى وإنما يذكر المهمّ من الأمر، ويظهر الأصل، ويشار لحواشيه دون إطالة في سردها والله الموفّق.(1/12)
ومع ذلك فيبقى الشكر والتقدير للقائمين على النشرة السابقة بالهيئة المصرية العامة للكتاب لما بذلوه في نشرتهم الأنيقة من جهد، وما استفرغوه من وسع، فلهم خالص الشكر والتقدير. والله الموفّق.
المحققون(1/13)
المحققون
كتاب الامالى
بسم الله الرّحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم قال الشيخ أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي رحمه الله:
[1]
[مقدمة القالي]:
الحمد لله الذي جلّ عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة، وتنزّه عن الجور، وتكبّر عن الظلم، وعدل في أحكامه، وأحسن إلى عباده، وتفرّد بالبقاء، وتوحّد بالكبرياء، ودبّر بلا وزير، وقهر بلا معين الأول بلا غاية، والآخر بلا نهاية، الذي عزب عن الأفهام تحديده، وتعذّر على الأوهام تكييفه، وعميت عن إدراكه الأبصار، وتحيرت في عظمته الأفكار، الشاهد لكل نجوى، السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى، الذي لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان، ولا ينتقل من حال إلى حال، القادر الذي لا يدركه العجز، والعالم الذي لا يلحقه الجهل، والجواد الذي لا ينزح، والعزيز الذي لا يخضع، والجبّار الذي قامت السموات بأمره، ورجفت الجبال من خشيته.
والحمد لله الذي بعث محمدا صلّى الله عليه وسلم بالدلائل الواضحة، والحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، بشيرا ونذيرا، وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا، فبلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة، ونهض بالحجّة، ودعا إلى الحق، وحضّ على الصدق، صلّى الله عليه وسلم.
[2]
[فضل العلم، وبذله لمستحقيه دون غيرهم، وأدب العالم، وصور من حياة القالي العلمية، وأثر السلطان في نشره]:
ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على خير البشر صلّى الله عليه وسلم، فإني لمّا رأيت العلم أنفس بضاعة، أيقنت أن طلبه أفضل تجارة، فاغتربت للرواية، ولزمت العلماء للدراية. ثم أعملت نفسي في جمعه، وشغلت ذهني بحفظه، حتى حويت خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه، وعقلت شارده، ورويت نادره، وعلمت غامضه، ووعيت واضحه. ثم صنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزّهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه، وجعلت غرضي أن أودعه من يستحقه، وأبديه لمن يعلم فضله، وأجلبه إلى من يعرف محلّه، وأنشره عند من يشرّفه، وأقصد به من يعظّمه، إذ بائع الجوهر وهو حجر يصونه بأجود
صوان (1) ويودعه أفضل مكان، ويقصد به من يجزل ثمنه، ويحمله إلى من يعرف قدره، على أنه لا يستحق بسببه أن يوصف بالفضل بائعه ولا مشتريه، ولا يستوجب أن يحمد من أجل المبالغة في ثمنه مقتنيه، والعلم يذكر بالرّجاحة طالبه، وينعت بالنباهة صاحبه، ويستحقّ الحمد عند كل العقلاء حاويه، ويستوجب الثناء من جميع الفضلاء واعيه، ويفيد (2) أسنى الشرف مشرّفه، ويكتسب أبقى الفخر معظّمه، فغبرت برهة ألتمس لنشره موضعا، ومكثت دهرا أطلب لإذاعته مكانا وبقيت مدّة أبتغي له مشرّفا، وأقمت زمنا أرتاد له مشتريا، حتى تواترت الأنباء المتّفقة، وتتابعت الصفات الملتئمة، التي لا تخالجها الشّكوك، ولا تمازجها الظنون، بأن مشرفه في عصره أفضل من ملك الورى، وأكرم من جاد باللهي، وأجود من تعمّم وارتدى، وأمجد من ركب ومشى، وأسود من أمر ونهى، سمام العدى، فيّاض الندى، ماضي العزيمة، مهذّب الخليقة، محكم الرّأي، صادق الوأي (3)، بذّال الأموال، محقّق الآمال، مفشي المواهب، معطي الرغائب، أمير المؤمنين، وحافظ المسلمين، وقامع المشركين، ودامغ المارقين، وابن عمّ خاتم النبيين، محمد صلّى الله عليه وسلم «عبد الرحمن بن محمد» محيي المكارم، ومبتني المفاخر، الذي إذا رضي أغنى، وإذا غضب أردى، وإذا دعي أجاب، وإذا استصرخ أغاث. وأنّ معظّمه ومشتريه، وجامعه ومقتنيه، ربيع العفاة، وسمّ العداة، ذو الفضل والتمام، والعقل والكمال، والمعطي قبل السؤال، والمنيل قبل أن يستنال «الحكم» ولي عهد المسلمين، وابن سيد العالمين، أمير المؤمنين «عبد الرحمن بن محمد» الإمام العادل، والخليفة الفاضل، الذي لم ير فيما مضى من الأمراء شبهه، ولا نشأ في الأزمنة من الكرماء مثله، ولا ولد النساء من الأجواد نظيره، ولا ملّك العباد من الفضلاء عديله، فخرجت جائدا بنفسي، باذلا لحشاشتي، أجوب متون القفار، وأخوض لجج البحار، وأركب الفلوات، وأتقحّم الغمرات، مؤمّلا أن أوصل العلق النفيس إلى من يعرفه، وأنشر المتاع الخطير ببلد من يعظّمه، وأشرّف الشريف باسم من يشرّفه، وأعرض الرفيع على من يشتريه، وأبذل الجليل لمن يجمعه ويقتنيه، فمنّ الله جلّ وعزّ بالسلامة، وحبا تعالى ذكره بالعافية، حتى حللت بعصرة (4) الخوّاف، وعصمة المضاف، والمحل الممرع، والربيع المخصب، فناء أمير المؤمنين «عبد الرحمن بن محمد» المبارك الطلعة، الميمون الغرّة، الجمّ الفواضل، الكثير النوافل، الغيث في المحل، الثّمال (5) في الأزل، البدر الطالع، الصبح الساطع، الضوء(1/14)
ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على خير البشر صلّى الله عليه وسلم، فإني لمّا رأيت العلم أنفس بضاعة، أيقنت أن طلبه أفضل تجارة، فاغتربت للرواية، ولزمت العلماء للدراية. ثم أعملت نفسي في جمعه، وشغلت ذهني بحفظه، حتى حويت خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه، وعقلت شارده، ورويت نادره، وعلمت غامضه، ووعيت واضحه. ثم صنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزّهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه، وجعلت غرضي أن أودعه من يستحقه، وأبديه لمن يعلم فضله، وأجلبه إلى من يعرف محلّه، وأنشره عند من يشرّفه، وأقصد به من يعظّمه، إذ بائع الجوهر وهو حجر يصونه بأجود
صوان (1) ويودعه أفضل مكان، ويقصد به من يجزل ثمنه، ويحمله إلى من يعرف قدره، على أنه لا يستحق بسببه أن يوصف بالفضل بائعه ولا مشتريه، ولا يستوجب أن يحمد من أجل المبالغة في ثمنه مقتنيه، والعلم يذكر بالرّجاحة طالبه، وينعت بالنباهة صاحبه، ويستحقّ الحمد عند كل العقلاء حاويه، ويستوجب الثناء من جميع الفضلاء واعيه، ويفيد (2) أسنى الشرف مشرّفه، ويكتسب أبقى الفخر معظّمه، فغبرت برهة ألتمس لنشره موضعا، ومكثت دهرا أطلب لإذاعته مكانا وبقيت مدّة أبتغي له مشرّفا، وأقمت زمنا أرتاد له مشتريا، حتى تواترت الأنباء المتّفقة، وتتابعت الصفات الملتئمة، التي لا تخالجها الشّكوك، ولا تمازجها الظنون، بأن مشرفه في عصره أفضل من ملك الورى، وأكرم من جاد باللهي، وأجود من تعمّم وارتدى، وأمجد من ركب ومشى، وأسود من أمر ونهى، سمام العدى، فيّاض الندى، ماضي العزيمة، مهذّب الخليقة، محكم الرّأي، صادق الوأي (3)، بذّال الأموال، محقّق الآمال، مفشي المواهب، معطي الرغائب، أمير المؤمنين، وحافظ المسلمين، وقامع المشركين، ودامغ المارقين، وابن عمّ خاتم النبيين، محمد صلّى الله عليه وسلم «عبد الرحمن بن محمد» محيي المكارم، ومبتني المفاخر، الذي إذا رضي أغنى، وإذا غضب أردى، وإذا دعي أجاب، وإذا استصرخ أغاث. وأنّ معظّمه ومشتريه، وجامعه ومقتنيه، ربيع العفاة، وسمّ العداة، ذو الفضل والتمام، والعقل والكمال، والمعطي قبل السؤال، والمنيل قبل أن يستنال «الحكم» ولي عهد المسلمين، وابن سيد العالمين، أمير المؤمنين «عبد الرحمن بن محمد» الإمام العادل، والخليفة الفاضل، الذي لم ير فيما مضى من الأمراء شبهه، ولا نشأ في الأزمنة من الكرماء مثله، ولا ولد النساء من الأجواد نظيره، ولا ملّك العباد من الفضلاء عديله، فخرجت جائدا بنفسي، باذلا لحشاشتي، أجوب متون القفار، وأخوض لجج البحار، وأركب الفلوات، وأتقحّم الغمرات، مؤمّلا أن أوصل العلق النفيس إلى من يعرفه، وأنشر المتاع الخطير ببلد من يعظّمه، وأشرّف الشريف باسم من يشرّفه، وأعرض الرفيع على من يشتريه، وأبذل الجليل لمن يجمعه ويقتنيه، فمنّ الله جلّ وعزّ بالسلامة، وحبا تعالى ذكره بالعافية، حتى حللت بعصرة (4) الخوّاف، وعصمة المضاف، والمحل الممرع، والربيع المخصب، فناء أمير المؤمنين «عبد الرحمن بن محمد» المبارك الطلعة، الميمون الغرّة، الجمّ الفواضل، الكثير النوافل، الغيث في المحل، الثّمال (5) في الأزل، البدر الطالع، الصبح الساطع، الضوء
__________
(1) الصّوان: ما يصان به أو فيه الكتب والملابس ونحوها. والجمع: أصونة. ويقال فيه صوان بضم الصاد وفتحها وكسرها.
(2) الفائدة: ما استفدته من علم أو مال. وأفدت المال أعطيته. وأفدته أيضا: استفدته.
(3) الوأي: الوعد الذي يوثّقه المرء على نفسه، ويطلق أيضا على الوهم والظنّ.
(4) العصرة: الملجأ والمنجاة.
(5) الثمال بالكسر: الملجأ والغياث.(1/15)
اللامع، السراج الزاهر، الساب الماطر، الذي نصر الدين، وأعزّ المسلمين، وأذل المشركين، وقمع الطّغاة، وأباد العصاة، وأطفأ نار النّفاق، وأهمد جمر الشقاق، وذلّل من الخلق من تجبّر، وسهّل من الأمر ما توعّر، ولمّ الشّعث، وأمّن السّبل، وحقن الدماء. أبقاه الله سالما في جسمه، معافى في بدنه، مسرورا بأيامه، مبتهجا بزمانه، وخصّه بطول المدة، وتتابع النعمة، وأبقى خلافته، وأدام عافيته، وتولّى حفظه، ولا أزال عنا ظلّه. وصحبت الحيا المحسب (1)، والجواد المفضل، الذي إذا وعد وفّى، وإذا أوعد عفا، وإذا وهب أسنع (2) وإذا أعطى أقنع (3)، «الحكم» فرأيته أيّده الله أجلّ الناس بعد أبيه خطرا، وأرفعهم قدرا، وأوسعهم كنفا، وأفضلهم سلفا، وأغزرهم علما، وأعظمهم حلما، يملك غضبه فلا يعجل، ويعطي على العلات فلا يمل، مع فهم ثاقب، ولبّ راجح، ولسان عضب، وقلب ندب، فتابعا لديّ النعمة، وواترا عليّ الإحسان، حتى أبديت ما كانت له كاتما، ونشرت ما كنت له طاويا، وبذلت ما كنت به ضنينا، ومذلت (4) بما كنت عليه شحيحا، فأمللت هذا الكتاب من حفظى في الأخمسة بقرطبة، وفي المسجد الجامع بالزهراء المباركة، وأودعته فنونا من الأخبار، وضروبا من الأشعار، وأنواعا من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أني لم أذكر فيه بابا من اللغة إلا أشبعته، ولا ضربا من الشعر إلا اخترته، ولا فنّا من الخبر إلا انتخلته، ولا نوعا من المعاني والمثل إلا استجدته. ثم لم أخله من غريب القرآن وحديث الرسول صلّى الله عليه وسلم، على أنني أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد، وفسّرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر ليكون الكتاب الذي استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذي ذكر فيه اسم الإمام كاملا.
وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديه السبيل الأرشد، والطريق الأقصد.
[3]
[تفسير {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا}]:
قال أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي: قرأ أبو عمرو بن العلاء: {مََا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهََا} [البقرة: 106] على معنى أو نؤخّرها. والعرب تقول: نسأ الله في أجلك، وأنسأ الله أجلك أي: أخّر الله أجلك.
[4]
[معنى النّساء في الأجل والرزق]:
وقال النبيّ (5) صلّى الله عليه وسلم: «من سرّه النّساء في الأجل والسّعة في الرزق فليصل رحمه»
__________
(1) الحيا: الخصب والمطر. والمراد: الغيث المجزل.
(2) يعني: أجزل وأكثر.
(3) يعني: أرضى، والمراد أنه يعطي حتى يرضى الآخذ.
(4) مذلت نفسه بالشيء: سمحت به.
(5) أخرجه البخاري (2067)، ومسلم (2557)، وأبو داود (1693)، والنسائي في «الكبرى» (11429) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه به.
وله شواهد عن أبي هريرة وغيره.(1/16)
والنّساء: التأخير، يقال: بعته بنساء وبنسيئة، أي: بتأخير، وأنسأته البيع.
[5]
[تفسير {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ}]:
وقال الله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37]، والمعنى فيه على ما حدثني أبو بكر بن الأنباري رحمه الله: أنهم كانوا إذا صدروا عن منى قام رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، فقال: أن الذي لا أعاب، ولا يردّ لي قضاء، فيقولون له: أنسئنا شهرا، أي: أخّر عنّا حرمة المحرّم فاجعلها في صفر، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها لأن معاشهم كان من الإغارة، فيحلّ لهم المحرّم ويحرّم عليهم صفرا، فإذا كان في السنة المقبلة حرّم عليهم المحرم وأحلّ لهم صفرا، فقال الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37].
[6] وقال الشاعر: [الوافر]
ألسنا النّاسئين على معدّ ... شهور الحلّ نجعلها حراما
[7] وقال الآخر: [الوافر]
وكنّا الناسئين على معدّ ... شهورهم الحرام إلى الحليل
[8] وقال الآخر: [الكامل]
نسئوا الشهور (1) بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعزّ لم يتحوّل
[9]
[تفسير: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}]:
قال أبو بكر بن الأنباري رحمه الله: معنى قوله عزّ وجلّ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}
[محمد: 30] أي: في معنى القول، وفي مذهب القول، وأنشد للقتّال الكلابي: [الكامل]
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا ... ووحيت وحيا ليس بالمرتاب
[معنى اللّحن]:
معناه: ولقد بيّنت لكم. واللّحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما أسكنوا الحاء في الفطنة، ورجل لحن. أي: فطن، قال لبيد يصف كاتبا: [الكامل]
متعوّد لحن يعيد بكفّه ... قلما على عسب (2) ذبلن وبان
[10] ومن اللّحن: الحديث الذي يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أن رجلين اختصما إليه في مواريث وأشياء قد درست، فقال عليه السلام: «لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجّته من الآخر فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار» (3) فقال كل واحد من
__________
(1) مرجع الضمير فيه «مكة»، كذا بهامش الأصل. ط
(2) العسب جمع عسيب، وهي جريدة من النخل مستقيمة، يكشط خوصها.
(3) رواه البخاري (2680/ وغير موضع)، ومسلم (1713)، وأبو داود (3583)، والترمذي (1339)، والنسائي (8/ 233)، وابن ماجه (2317) من حديث أم سلمة بنحوه دون قول المتخاصمين.(1/17)
الرجلين: يا رسول الله حقّي هذا لصاحبي فقال: «لا ولكن اذهبا فتوخّيا ثم استهما ثمّ ليحلّل كلّ واحد منكما صاحبه»، ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أي: فاطنهم.
[11] وحدثني أبي بكر عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي قال: يقال قد لحن الرجل يلحن لحنا فهو لاحن إذا أخطأ، ولحن يلحن لحنا فهو لحن إذا أصاب وفطن، وأنشد: [الخفيف]
وحديث ألذّه هو ممّا ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا
معناه: وتصيب أحيانا.
[12] وحدثني أيضا قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: أخبرنا نصر بن علي، قال: أخبرنا الأصمعي، عن عيسى بن عمر قال: قال معاوية للناس: كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال: فذاك أظرف له. ذهب معاوية إلى اللّحن الذي هو الفطنة، وذهبوا هم إلى اللّحن الذي هو الخطأ (1). واللّحن أيضا: اللّغة، ذكره الأصمعي وأبو زيد، ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: تعلّموا الفرائض والسّنن واللّحن كما تعلّمون القرآن. فاللّحن: اللغة.
[13]
[تفسير {فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ}]:
وروى شريك عن أبي إسحاق عن ميسرة أنه قال في قوله عزّ وجل: {فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16] العرم: المسنّاة (2) بلحن اليمن، أي: بلغة اليمن.
[14] وقال الشاعر: [الطويل]
وما هاج هذا الشّوق إلّا حمامة ... تغنّت على خضراء سمر قيودها
صدوح الضّحى معروفة اللّحن لم تزل ... تقود الهوى من مسعد ويقودها
__________
وهكذا رواه ابن أبي شيبة (7/ 235234)، وأحمد (2/ 332)، وابن ماجه (2318)، وابن حبان (5071) من حديث أبي هريرة بنحوه.
وانظر: «النهاية» و «اللسان» و «تاج العروس» مادة: «لحن».
(1) قال ابن الأثير في «النهاية» مادة «لحن»: «قال القتيبي: ذهب معاوية إلى اللّحن الذي هو الفطنة، محرّك الحاء. وقال غيره: إنما أراد اللّحن ضدّ الإعراب، وهو مما يستملح في الكلام إذا قلّ، ويستثقل الإعراب والتشدّق» اهـ
ونحوه في «اللسان» و «تاج العروس» مادة: «لحن».
وانظر: تعليق الخطابي على ذلك في «غريبه» (2/ 536فما بعد)، وقد تأوّل الخطابيّ ذلك على وجوه فراجعه.
(2) المسناة: حاجز يبنى للسيل ليمسك الماء: وقد سمى كذلك لأنه فيه مفاتيح تسهل خروج الماء منها بالقدر المحتاج إليه. ط(1/18)
[15] وقال الآخر (1): [الوافر]
لقد تركت فؤادك مستجنّا ... مطوّقة على فنن تغنّى
يميل بها وتركبه بلحن ... إذا ما عنّ للمحزون أنّا
فلا يحزنك أيّام تولّى ... تذكّرها ولا طير أرنّا
[16] وقال الآخر: [البسيط]
وهاتفين بشجو بعد ما سجعت ... ورق الحمام بترجيع وإرنان
باتا على غصن بان في ذرى فنن ... يردّدان لحونا ذات ألوان
[17] معناه: يردّدان لغات (2)، وصرّف أبو زيد منه فعلا فقال: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته، قال: ويقال: لحنت له لحنا إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره، ولحنه عنّي لحنا، أي: فهمه، وألحنته أنا إيّاه إلحانا، وهذا مذهب أبي بكر بن دريد في تفسير قول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيانا
[خير الحديث ما فهمه صاحبك]:
قال: يريد: تعوص في حديثها فتزيله عن جهته لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قال:
وخير الحديث ما كان لحنا
أي: خير الحديث ما فهمه صاحبك الذي تحبّ إفهامه وحده وخفي على غيره.
[18]
[أصل اللحن]:
قال (3): وأصل اللّحن: أن تريد الشيء فتورّي عنه بقول آخر، كقول رجل من بني العنبر كان أسيرا في بكر بن وائل، فسألهم رسولا إلى قومه. فقالوا له: لا ترسل إلا بحضرتنا لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجيء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إنّي لعاقل، قال: ما أراك عاقلا، ثم قال: ما هذا؟ وأشار بيده إلى الليل فقال: هذا الليل فقال: أراك عاقلا. ثم ملأ كفّيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدري، وإنّه لكثير، فقال أيّما أكثر. النجوم أو النيران؟ قال: كلّ كثير، فقال: أبلغ قومي التّحية وقل لهم: ليكرموا فلانا يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر بن وائل فإن قومه لي مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى وقد شكّت النّساء. وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيسا. واسألوا الحارث عن خبري، فلما أدّى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جنّ الأعور. والله ما نعرف له ناقة حمراء، ولا جملا أصهب، ثم سرّحوا العبد ودعو الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم. أما قوله: قد أدبى العرفج، فإنه يريد أن
__________
(1) هو يزيد بن النعمان كما في اللسان في مادة «لحن». ط
(2) انظر: «التنبيه» [2].
(3) انظر: «التنبيه» [3].(1/19)
الرجال قد استلأموا، أي: لبسوا الدروع، وقوله: شكّت النساء، أي: اتخذن الشّكاء للسفر، وقوله: ناقتي الحمراء، أي: ارتحلوا عن الدّهناء واركبوا الصّمّان وهو الجمل الأصهب، وقوله: بآية ما أكلت معكم حيسا، يريد أخلاطا من الناس قد غزوكم لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال وعرفوا فحوى كلامه.
[19] وأخذ هذا المعنى أيضا رجل من بني تميم كان أسيرا فكتب إلى قومه: [البسيط]
حلّوا عن الناقة الحمراء أرحلكم ... والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا
إن الذّئاب قد اخضرّت براثنها ... والناس كلّهم بكر إذا شبعوا
يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدوّ لكم كبكر بن وائل (1).
[20] قال أبو علي: ومعنى صائب على مذهب أبي العباس في معنى البيت:
قاصد، كما قال جميل: [الطويل]
وما صائب من نابل قذفت به ... يد وممرّ العقدتين وثيق (2)
فيكون معنى قوله: منطق صائب أي: قاصد للصواب وإن لم يصب، وتلحن أحيانا أي: تصيب وتفطن، ثم قال: وخير الحديث ما كان لحنا أي: إصابة وفطنة.
[21]
[تفسير: {وَغَدَوْا عَلى ََ حَرْدٍ قََادِرِينَ}]
قال أبو علي: ومعنى قوله جلّ وعزّ: {وَغَدَوْا عَلى ََ حَرْدٍ قََادِرِينَ} [القلم: 25] أي: على قصد، قال الجميح: [البسيط]
أمّا إذا حردت حردي فمجرية ... ضبطاء تسكن غيلا غير مقروب
أي قصدت قصدي، وقال الآخر: [الرجز]
أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنّة المغلّه
أي: يقصد قصدها، وقال أبو عبيدة: معنى قوله: {عَلى ََ حَرْدٍ} أي: على غضب وحقد.
وأجاز ما ذكرناه. قال: ويجوز أن يكون {عَلى ََ حَرْدٍ} معناه: على منع، واحتج بقول العباس بن مرداس السّلمي: [الطويل]
وحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففي السّيف مولى نصره لا يحارد
وحارد عندي في هذا البيت بمعنى قلّ، يقال: حاردت الإبل إذا قلّت ألبانها.
قال الكميت: [الطويل]
وحاردت النّكد الجلاد ولم يكن ... لعقبة قدر المستعيرين معقب
__________
(1) انظر: «التنبيه» [4].
(2) وبعده وليس في رواية أبي عمرو الشيباني
بأوشك قتلا منك يوم رميتني ... نوافذ لم تعلم لهن خروق
اهـ من هامش الأصل. ط(1/20)
ويقال: حرد الرجل حردا بفتح الراء ومن العرب من يقول: حرد الرجل حردا بتسكين الراء إذا غضب، وأنشد أبو عبيدة للأشهب بن رميلة: [الطويل]
أسود شرى لاقت أسود خفيّة ... تساقوا على حرد دماء الأساود
[22]
[حديث السحابة]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا إسماعيل بن أحمد بن حفص سمعان النحوي، قال: حدثنا أبو عمر الضرير، قال: حدثنا عباد بن حبيب بن المهلّب، عن موسى بن محمد بن إبراهيم التّيمي، عن أبيه، عن جده، قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم جالس مع أصحابه إذ نشأت سحابة، فقالوا: يا رسول الله، هذه سحابة، فقال: «كيف ترون قواعدها» قالوا: ما أحسنها وأشدّ تمكّنها! قال: «وكيف ترون رحاها» قالوا: ما أحسنها وأشدّ استدارتها! قال: «وكيف ترون بواسقها» قالوا: ما أحسنها وأشدّ استقامتها! قال: «وكيف ترون برقها أوميضا أم خفيا أم يشقّ شقّا؟» قالوا: بل يشقّ شقّا، قال: «فكيف ترون جونها» قالوا: ما أحسنه وأشدّ سواده! فقال عليه السلام: «الحيا» فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا الذي هو منك أفصح، قال: «وما يمنعني من ذلك فإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربيّ مبين» (1).
[23]
[معنى القواعد، ورحى الحرب]:
قال أبو علي: قواعدها: أسافلها، واحدتها قاعدة، فأما القواعد من النساء فواحدتها قاعد، وهي التي قعدت عن الولد وذهب حرم الصلاة عنها. ورحاها: وسطها ومعظمها، وكذلك رحى الحرب: وسطها ومعظمها حيث استدار القوم، قال الشاعر (2): [المتقارب]
فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا كأن لم يكونوا رميما
[تفسير: {وَالنَّخْلَ بََاسِقََاتٍ}]:
وبواسقها: ما علا منها وارتفع، واحدتها باسقة، وكل شيء ارتفع (3) وطال فقد بسق، يقال: قد بسقت النّخلة، قال الله عزّ وجلّ: {وَالنَّخْلَ بََاسِقََاتٍ} [ق: 10] وكذلك بسق النّبت، فكثر في كلامهم حتى قالوا: بسق فلان على قومه، أي: علاهم في الشرف والكرم.
[الوميض]: والوميض: اللّمع الخفيّ قال امرؤ القيس: [الطويل]
أعنّي على برق أراه وميض ... يضيء حبيّا في شمارخ بيض
__________
(1) أورده المتقي الهندي في «كنز العمال» (6/ 174رقم 15247)، وعزاه للعسكري والرامهرمزي في «الأمثال».
وموسى بن محمد منكر الحديث خآصّة في رواياته عن أبيه، وفي الإسناد إلى موسى نظر أيضا.
(2) الشاعر هو ربيعة بن مقروم بن قيس الضبي: شاعر جاهلي إسلامي وقبل البيت:
وساقت لنا مذحج بالكلاب ... مواليها كلها والصميما
اهـ من هامش الأصل. ط
(3) وفي «النهاية» و «اللسان» وغيرهما مادة: «بسق»: «بواسقها أي: ما استطال من فروعها».(1/21)
ويقال: أومض البرق يومض إيماضا إذا لمع لمعا خفيّا، وأومض بعينه إذا غمز بعينه:
والخفي: البرق الضعيف، قال أبو عمرو: خفى البرق يخفي خفيا إذا برق برقا ضعيفا، وقال الكسائي: خفا يخفو خفوا. وجونها: أسودها، والجون: من الأضداد، يكون الأسود ويكون الأبيض، قال الأصمعيّ: وأتي الحجّاج بدرع وكانت صافية بيضاء، فجعل لا يرى صفاءها، فقال له رجل وكان فصيحا قال أبو عمرو وهو أنيس الجرميّ: إن الشمس جونة، يعني شديدة البريق والصفاء، فقد غلب صفاؤها بياض الدرع، وأنشد: [الرجز]
يبادر الآثار أن تئوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا
وأنشد أبو عبيدة [الرجز]:
غيّر يا بنت الحليس لوني ... طول اللّيالي واختلاف الجون
وسفر كان قليل الأون
أي: الفتور، وقال الفرزدق يصف قصرا أبيض: [الطويل]
وجون عليه الجصّ فيه مريضة ... تطلّع منها النفس والموت حاضره
والحيا مقصور: الغيث والخصب، وجمعه أحياء، قال الأخطل: [الطويل]
ربيع حيا ما يستقلّ بحمله ... سئوم ولا مستنكش البحر ناضبه
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله [البسيط]:
إنّا ملوك حيا للتابعين لنا ... مثل الربيع إذا ما نبته نضرا
[24]
[حديث: «لابتي المدينة» وتحريمها ومعنى اللابة]:
وقرئ على أبي بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول الأزرق في مسجد الرّصافة وأنا أسمع قال: حدثنا حميد، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، قال: حدثنا عثمان بن حكيم، قال: أخبرنا عامر بن سعد، عن أبيه قال (1): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها»، وقال (2): «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يخرج منها أحد رغبة عنها إلّا أبدل الله فيها من هو خير منه ولا يصبر أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» هكذا سمعت بلا «له». قال أبو علي: اللابة
__________
(1) رواه مسلم (1363) من طريق عبد الله بن نمير بنحوه.
ورواه مسلم (1363) (460)، والنسائي في «الكبرى» (4279) من طريق مروان بن معاوية عن عثمان بن حكيم بنحوه.
وله شواهد منها: عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه البخاري (3172/ وغير موضع)، ومسلم (1370).
(2) رواه البخاري (6673)، ومسلم (1388) من حديث سفيان بن أبي زهير عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم.
وانظر: «اللسان وغيره مادة «لوب».(1/22)
واللّوبة: الحرّة، فمن قال: لابة قال في جمعها: لاب، ومن قال: لوبة، قال في الجمع:
لوب، قال سلامة بن جندل: [البسيط]
حتى تركنا وماتثنى طعائننا ... يأخذن بين سواد الخطّ فاللّوب
[العضاة]: والعضاة: كلّ شجر له شوك يعظم، ومن أعرف ذلك: الطّلح والسّلم والسّيال والعرفط والسّضمر والشّبهان والكنهبل، والواحدة عضة، قال الراعي: [البسيط]
وخادع المجد أقوام لهم ورق ... راح العضاه به والعرق مدخول
والّلأواء: الشّدّة، قال رؤبة: [الرجز]
لأواءها والأزل والمظاظا
الأزل: الضّيق. والمظاظ: المشارّصة، يقال: ما ظظت فلانا مماظّة ومظاظا.
[25]
[حديث: «ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار»]:
قال أبو علي: وقرئ على الأزرق وأنا أسمع، قال: حدثنا بشر بن مطر، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو قال (1): قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار» فقلت: إني أفعل ذلك، فقال: «إنك إن فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك إنّ لعينك حقّا ولأهلك حقّا ولنفسك حقا فقم ونم وصم وأفطر».
[26] قال أبو علي: قال أبو عمرو الشيباني: هجمت عينه وخوصت وقدحت ونقنقت عينه نقنقة: كل ذلك إذا غارت. وقال الأصمعي: حجّلت عينه وهجمت: كلاهما غارت (2).
وجاء حاجلة عينه، وأنشد [المتقارب]:
وأهلك مهر أبيك الدّوا ... ء ليس له من طعام نصيب
فتصبح حاجلة عينه ... لحنواسته (3) وصلاه غيوب (4)
وحاجلة: من حجلت بالتخفيف، والأكثر حجّلت بالتشديد فهي محجّلة. ونفهت:
__________
(1) رواه أحمد (2/ 199)، والبخاري (1153/ وغير موضع)، ومسلم (1159)، والبيهقي (3/ 16) من طريق أبي العباس وهو السائب بن فرّوخ عن عبد الله بن عمرو به.
وراجع: «اللسان» و «التاج» وغيرهما مادة: «هجم»، والهجوم هنا مجاز.
(2) في «اللسان»: «وانهجمت عينه: دمعت. قال شمر: لم أسمع انهجمت عينه بمعنى دمعت إلّا هاهنا، قال: وهو: بمعنى فارت، معروف» اهـ
(3) في هامش الأصل: قال أبو عبيد البكري: صوابه: لحنواسته في صلاه غيوب والحنو: ما انعطف من الشيء أي: لحنواسته في صلاه غيوب لضعفه وهزاله. وصلاه: ما عن يمين الذنب ويساره.
وقوله: مهر أبيك، بكسر الكاف لأنه يخاطب امرأة، وقبله
أأسماء لم تسألي عن أبي ... ك والقوم قد كان فيهم خطوب اهـ ط
(4) انظر: «التنبيه» [5].(1/23)
أعيت، ويقال للمعيي: نافه ومنفّه، وجمع النافه نفّه. قال رؤبة يعني قفرا (1): [الرجز]
به تمطّت غول كلّ ميله ... بنا حراجيج (2) المهاري النّفّه
والميله: الذي يولّه سالكه أي: يحيّره.
[27]
[دعوة أعرابي في اللجوء إلى الله، والاستعاذة من الهوى والباطل]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن عمه عبد الملك بن قريب، قال: سمعت أعرابيّا يدعو الله وهو يقول: هربت إليك بنفسي يا ملجأ الهاربين بأثقال الذّنوب أحملها على ظهري، لا أجد شافعّا إليك إلا معرفتي بأنك أكرم من قصد إليه المضطرّون، وأمّل فيما لديه الراغبون، يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده، وجعل ما امتنّ به من ذلك على خلقه كفاء لتأدية حقّه، لا تجعل للهوى على عقلي سبيلا، ولا للباطل على عملي دليلا.
[28]
[خطبة عبد الملك بعد قتل مصعب بن الزبير]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عبّاد، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: لما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير دخل الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي محمد صلّى الله عليه وسلم ثم قال: أيّها الناس، إن الحرب صعبة مرّة، وإن السّلم أمن ومسرّة، وقد زبنتنا الحرب وزبنّاها، فعرفناها وألفناها، فنحن بنوها وهي أمّنا. أيّها الناس، فاستقيموا على سبل الهدى، ودعوا الأهواء المردية، وتجنّبوا فراق جماعات المسلمين، ولا تكلّفونا أعمال المهاجرين الأوّلين، وأنتم لا تعملون أعمالهم، ولا أظنّكم تزدادون بعد الموعظة إلّا شرّا، ولن نزداد بعد الإعذار إليكم والحجة عليكم إلّا عقوبة، فمن شاء منكم أن يعود بعد لمثلها فليعد، فإنّما مثلي ومثلكم كما قال أبو قيس بن رفاعة (3): [البسيط]
من يصل ناري بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريم غير غدّار
أنا النذير لكم مني مجاهرة ... كي لا ألام على ترك نهي وإنذار (4)
فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار
لترجعنّ أحاديثا ملعّنة ... لهو المقيم ولهو المدلج الساري
من كان في نفسه حوجاء يطلبها ... عندي فإنّي له رهن بإصحار (5)
__________
(1) الزيادة عن بعض النسخ. ط
(2) حراجيج جمع حرجوج وهي الناقة الشديدة. ط
(3) انظر: «التنبيه» [6].
(4) هذا البيت به كلمة زائدة ولعلها «ترك» وبغيرها يستقيم الوزن والمعنى مستقيم.
(5) قوله: بإصحار أي: بروز إلى الصحراء فلا أستتر عنه ولا أمتنع في الأماكن الحصينة يقال:
أصحر القوم: برزوا إلى الصحراء مثل أسهلوا وأوعروا اهـ من هامش الأصل. ط(1/24)
أقيم عوجته إن كان ذا عوج ... كما يقوّم قدح النّبعة الباري
وصاحب الوتر ليس الدّهر مدركه ... عندي وإنّي لدرّاك بأوتار
[29]
[معنى: الزّبن والزّبانية]:
قال أبو علي: قوله: زبنتنا الحرب وزبنّاها أي: دفعتنا ودفعناها، والزّبن: الدفع، ومنه اشتقاق الزّبانية لأنهم يدفعون أهل النار إلى النار، ومنه قيل: حرب زبون، قال الشاعر [الوافر]:
عدتني عن زيارتها العوادي ... وحالت دونها حرب زبون
عدتني: صرفتني، والعوادي: الصوارف. والزّبون من النّوق: التي ترمح عند الحلب.
والخزي: الهوان، يقال: خزي يخزى خزيا، والخزاية: الاستحياء، يقال: خزي يخزى خزاية، والمدلج: الذي يسير من أوّل الليل، يقال: أدلجت: أي: سرت من أوّل الليل، فأنا مدلج، وادّلجت، أي: سرت في آخره، فأنا مدّلج، والدّلجة والدّلج بفتح الدال: سير آخر الليل، والإدلاج: من أوّل الليل، ويقال: الدلج والدّلجة: سير الليل كلّه، قال الراجز:
كأنّها وقد براها الإخماس ... ودلج الليل وهاد قيّاس
شرائج النّبع براها القوّاس
والدلجة بضم الدال: من آخره، ومن الناس من يجيز الدّلجة والدّلجة في كل واحد منهما، كما قالوا: برهة من الدهر وبرهة، قال زيد الخيل: [الرمل]
يا بني الصّيداء ردّوا فرسي ... إنّما يفعل هذا بالذليل
عوّدوه مثل ما عوّدته ... دلج الليل وإبطاء القتيل
ويروى: دلج: جمع دلجة. والساري: الذي يسير بالليل، يقال: سريت فأنا سار، أي: سرت ليلا، وأسريت أيضا، ويروى بيت النابغة على وجهين: [البسيط]
سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشّمال عليه جامد البرد
وأسرت والسّرى: سير الليل. والحوجاء: الحاجة. والعوج: في كل ما كان منتصبا مثل الإنسان والعصا وما أشبههما، والعوج: في الدين والأمر وما أشبههما. والوتر: الذّحل بكسر الواو لا غير، والوتر بفتح الواو وكسرها: الفرد، ويقرأ والشّفع والوتر والوتر، الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم وأسد وقيس، ويقولون في الوتر الذي هو الفرد: أوترت فأنا أوتر إيتارا، وفي الذّحل: وترته فأنا أتره وترا وترة.
[30]
[حرب عبد الملك مع مصعب وخروجه لقتاله]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو عثمان، قال: أخبرني العتبي، عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان رحمه الله كان يوجّه إلى مصعب جيشا بعد جيش فيهزمون، فلما طال ذلك عليه واشتدّ غمّه أمر الناس فعسكروا ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إليه أم يزيد ابنه وهي عاتكة بنت يزيد بن معاوية فقالت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إليه لكان
الرأي، فقال: ما إلى ذلك من سبيل، فلم تزل تمشي معه وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت وبكى حشمها معها، فلما علا الصوت رجع إليها عبد الملك فقال:(1/25)
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو عثمان، قال: أخبرني العتبي، عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان رحمه الله كان يوجّه إلى مصعب جيشا بعد جيش فيهزمون، فلما طال ذلك عليه واشتدّ غمّه أمر الناس فعسكروا ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إليه أم يزيد ابنه وهي عاتكة بنت يزيد بن معاوية فقالت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إليه لكان
الرأي، فقال: ما إلى ذلك من سبيل، فلم تزل تمشي معه وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت وبكى حشمها معها، فلما علا الصوت رجع إليها عبد الملك فقال:
وأنت أيضا ممن يبكي! قاتل الله كثيّرا، كأنه كان يرى يومنا هذا حيث يقول: [الطويل]
إذا ما أراد الغزو لم تثن همّه ... حصان عليها نظم درّ يزينها
نهته فلمّا لم تر النّهى عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها (1)
ثم عزم عليها بالسكوت وخرج.
قال أبو علي: وبعد هذين البيتين يقول:
ولم يثنه يوم الصّبابة بثّها ... غداة استهلّت بالدموع شئونها
ولكن مضى ذو مرّة متثبّت ... بسنّة حقّ واضح مستبينها
[31] وفي عبد الملك يقول كثيّر: [الطويل]
أحاطت يداه بالخلافة بعد ما ... أراد رجال آخرون اغتيالها
وفي هذه القصيدة يقول فيه أيضا:
فما أسلموها عنوة عن مودة ... ولكن بحدّ المشرفيّ استقالها
وكنت إذا نابتك يوما ملمّة ... نبلت (2) لها أبا الوليد نبالها
سموت فأدركت العلاء وإنّما ... يلقّى عليّات العلا من سمالها
وصلت فنالت كفّك المجد كلّه ... ولم تبلغ الأيدي السّوامي مصالها
[32] وحدثني أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن هشام قال: قال العباس بن الوليد بن عبد الملك لمسلمة بن عبد الملك (3):
ألا تقنى الحياء أبا سعيد ... وتقصر عن ملاحاتي وعذلي
فلولا أنّ أصلك حين تنمى ... وفرعك منتمى فرعي وأصلي
وأنّي إن رميتك هضت عظمي ... ونالتني إذا نالتك نبلي
لقد أنكرتني إنكار خوف ... يضمّ حشاك عن شتمي وأكلي
كقول المرء عمرو في القوافي ... لقيس حين خالف كلّ عدل
عذيري من خليلي من مراد ... أريد حياته ويريد قتلي (4)
__________
(1) القطين: الخدم. ط
(2) نبلت لها إلخ أي: أعددت. ونبالها بكسر النون جمع نبل ويروى: نبالها بفتحها على المصدر:
قال يعقوب: نبلت لذلك الأمر نبله ونباله ونباله إذا أخذت له أهبته، كذا بهامش الأصل. ط
(3) انظر: «التنبيه» [7].
(4) يقصد قول عمرو بن معد يكرب في «قصيدته»:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد(1/26)
يريد: عمرو بن معديكرب، وقيس بن مكشوح.
[33]
[ترك ما ينكره الناس، وآفات الكبر]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: حدثني من سمع أعرابيّا يقول لصديق له: دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس من حكى عنك نكرا، توسعه فيك عذرا.
[34] قال: وأخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: قال أعرابي كبير السن: أصبحت والله تقيّدني الشّعره، وأعثر بالبعره، وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره.
قال أبو علي: الصّعر: الميل.
* * * [35] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه قال: أنشدنا بعض أهل المدينة لخارجة بن فليح المللي (1): [الطويل]
ألا طرقتنا والرّفاق هجود ... فباتت بعلّات النّوال تجود
ألا طرقت ليلى لقى بين أرحل ... شجاه الهوى والنّأى فهو عميد
فليت النّوى لم تسحق الخرق بيننا ... وليت الخيال المستراث يعود
إذا لأقاد النفس من فجعة الهوى ... بليلى وروعات الفؤاء مقيد
كأن الدموع الواكفات بذكرها ... إذا أسلمتهنّ الجفون فريد
إذا أدبرت بالشّوق أعقاب ليلة ... أتاك بها يوم أغرّ جديد
[36]
[من رسائل عبد الملك إلى الحجاج]:
حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أنت عندي كسالم، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله، فكتب إليه:
إن الشاعر يقول: [الطويل]
يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين الأنف والعين سالم
[37] ثم كتب إليه مرّة أخرى: أنت عندي قدح ابن مقبل، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله وكان قتيبة قد روى الشعر فكتب إليه: إن ابن مقبل نعت قدحا له فقال: [الطويل]
غدا وهو مجدول وراح كأنّه ... من المشّ والتّقليب بالكفّ أفطح (2)
خروج من الغمّى إذا صكّ صكّة ... بدا والعيون المستكفّة تلمح
__________
(1) هكذا في الأصل المللي بلامين بعد الميم ولم نجده في كتب الأنساب. ط
(2) أفطح: عريض. ط(1/27)
قال أبو علي: المشّ: المسح، والمشوش: المنديل، قال امرؤ القيس: [الطويل]
نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب
والغمّى: الشّدّة التي تغمّ، أي: تغطّي. والمستكفّة من قولهم: استكففت الشيء إذا وضعت يدك على حاجبك تنظر هل تراه كالذي يستظلّ من الشمس.
[38]
[من أمثال العرب]:
وقال الأصمعي: من أمثال العرب: «العير أوقى لدمه» ويقال ذلك للرجل (1) أي: إنه أشد إبقاء على نفسه ويقال: «الرّباح مع السّماح» يريد أن المسامح أحرى أن يربح، ويقال:
«عبد صريخه أمة» يضرب مثلا للضعيف يستصرخ بمثله.
[39] وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر (2): [الكامل]
ولقد مررت على قطيع هالك ... من مال أشعث ذي عيال مصرم
من بعد ما اعتلّت عليّ مطيّتي ... فأزحت علّتها فظلّت ترتمي
القطيع: السّوط. والهالك: الضائع. والمصرم: المقلّ المخفّ، يقول: كانت ناقتي قد اعتلّت عليّ، فلما أصبت السوط فضربتها به ظلّت ترتمي، أي: تترامى في سيرها.
[40]
[الكلمة الطيبة]:
وحدثنا أبو عبد الله، قال: أخبرني أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي، عن أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: مكتوب في الحكمة: يا بنيّ، لتكن كلمتك طيّبة، ووجهك بسطا (3)، تكن أحبّ إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.
[41]
[كم من متّبع بالذّنب ليس له ذنب، وكذا المليم، والمحب]:
وأنشدنا أبو عبد الله: [الطويل]
وكم من مليم لم يصب بملامة ... ومتّبع بالذّنب ليس له ذنب
وكم من محبّ صدّ من غير بغضة ... وإن لم يكن في ودّ خلّته عتب
[42]
[حديث البنات الثلاث وما يحببنه في الأزواج]:
وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي قال: قالت عجوز من العرب لثلاث بنات لها: صفن ما تحببن من الأزواج، فقالت الكبرى: أريد أروع بسّاما، أحذّ مجذاما، سيّد ناديه، وثمال عافيه، ومحسب راجيه، فناؤه رحب، وقياده صعب. وقالت الوسطى: أريده عالي السّناء، مصمّم المضاء، عظيم نار، متمّم أيسار، يفيد ويبيد، ويبدئ ويعيد، هو في الأهل صبيّ، وفي الجيش كميّ، تستعبده
__________
(1) أي: الحذر كما في أمثال الميداني، ولعلها سقطت من الناسخ. ط
(2) انظر: «التنبيه» [131].
(3) يد بسط: بوزن قسط أي: مطلقة. وكذلك الوجه.(1/28)
الحليلة، وتسوّده الفضيلة. وقالت الصغرى: أريده بازل عام، كالمهنّد الصّمصام، قرانه حبور، ولقاؤه سرور، إن ضمّ قضقض، وإن دسر أغمض، وإن أخلّ أحمض، قالت أمها:
فضّ فوك! لقد فررت لي شرّة الشّباب جذعة.
[43]
[الحذذ والأحذّ]:
قال أبو علي: قال أبو زيد: الأروع والنّجيب واحد، وهما الكريم، وقال غيره:
الأروع: الذي يروعك جماله، والأحذّ هاهنا: الخفيف السريع، والأحذ أيضا: الخفيف الذّنب، ومنه قيل: قطاة حذّاء. وقال أبو بكر بن دريد: الحذذ: الخفة والسرعة، والقطاة الحذّاء: السريعة الطّيران، ويقال: القليلة ريش الذّنب، وحذّ الشيء يحذّه حذّا إذا قطعه قطعا سريعا، والحذّة: القطعة من اللحم وأنشد الأعشى: [البسيط]
تكفيه حذّة فلذ إن ألمّ بها ... من الشّواء ويروي شربه الغمر (1)
قال: ويروى حزّة فلذ
وقال أبو عبيدة في قول عتبة بن غزوان حين خطب الناس فقال: إن الدنيا قد آذنت بصرم وولّت حذّاء. فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء. قال أبو عمرو وغيره: الحذّاء:
السريعة الخفيفة التي قد انقطع آخرها، ومنه قيل للقطاة: حذّاء لقصر ذنبها مع خفّتها، وقال النابغة الذبياني: [البسيط]
حذّاء مدبرة سكّاء مقبلة ... للماء في النّحر منها نوطة (2) عجب
قال: ومن هذا قيل للحمار القصير الذّنب أحذّ
[الجذم]: قال أبو علي: أصل هذه الكلمة عندي: الخفّة ولم أسمع في بيت أعشى باهلة حذّة فلذ بالذال إلا من أبي بكر فإن صحت هذه الرواية: فلا تكون الحذّة إلا القطعة الخفيفة. والمجذام: مفعال من الجذم، والجذم: القطع، يريد أنه قطّاع للأمور. والنّادي، والنّديّ: المجلس.
[44] [الثّمل]: والثّمال: الغياث. وثمال القوم غياثهم ومن يقوم بأمرهم، يقال: فلان ثمال لبني فلان إذا كان يقوم بأمرهم ويكون أصلا لهم وغياثا، ويقال: هو يثملهم، والمرأة تثمل الصبيان أي: تكون أصلا لهم، قال الحطيئة: [الطويل]
فدى لابن حصن ما أريح فإنه ... ثمال اليتامى عصمة في المهالك
والثّمل ساكنة الميم: المقام والخفض، يقال: ليست دارنا بدار ثمل، قال أسامة بن الحارث الهذليّ: [الطويل]
كفيت النّسا نسّال حرّ وديقة (3) ... إذا سكن الثّمل الظّباء الكواسع
__________
(1) الغمر كصرد: القدح الصغير. ط
(2) النوطة: الحوصلة. ط
(3) الوديقة: شدة الحر في الهاجرة. ط(1/29)
[الكفيت]: كفيت النّسا أي: سريع العدو. وتلخيص معناه أن تقول: الكفيت:
السريع. والنّسا: عرق في الفخذ يجري إلى الساق فكأنه قال: سريع الرّجل، وإذا كان سريع الرجل كان سريع العدو. والكواسع: التي تكسع بأذنابها من الذّباب. ويقال: اختار فلان دار الثّمل، أي: دار الخفض والمقام، وثمل فلان فما يبرح. والثّميلة: البقيّة تبقى من العلف والماء في بطن البعير وغيره، والجميع: الثّمائل، قال ذو الرّمة: [البسيط]
وأذرك المتبقّى من ثميلته ... ومن ثمائلها واستنشيء الغرب (1)
والثّميلة: البقيّة تبقى من الماء في الصخرة أو الوادي، وقد قالوا: الثّميل: الماء الذي يبقى في الوادي بعد مضيّ السّيل عنه، قال الأعشى: [المتقارب]
بناجية كأتان الثّميل ... تقضّي السّرى بعد أين عسيرا
والأتان: الصّخرة تكون في الماء، وإن كانت في الماء القليل فأصابتها الشمس صلبت.
والثّمالة: رغوة اللبن، يقال: حقنت الصّريح وثملت الرغوة يريد بقّيت، قال مزرّد: [الطويل]
إذا مسّ خرشاء (2) الثّمالة أنفه ... ثنى مشفريه للصّريح فأقنعا
[الثمالة]: وقال الأصمعي: الثّمالة: ما بقي في العلبة من الرغوة خاصة، والثّمالة: ما بقي في الحوض من الماء، وهو أيضا: ما بقي في البطن من الماء والطعام. ويقال: سقاه المثمّل، يريد سقاه السّمّ، قال أبو نصر: وترى أنه أنقع فبقى وثبت، وسيف ثامل أي: باق في أيدي أصحابه زمانا. كذا قال الأصمعي، وقال أبو عمرو: قديم لا عهد له بالصّقال، وقال خالد بن كلثوم: هو الذي فيه بقيّة، قال ابن مقبل: [الكامل]
لمن الدّيار عرفتها بالساحل ... وكأنّها ألواح سيف ثامل
والثّملة: الصّوفة تجعل في الهناء، ثم يطلى بها البعير، أنشد الأصمعي: [الرجز]
ممغوثة أعراضهم ممرطله ... كما تلاث في الهناء الثّمله (3)
والثّملة ساكنة الميم: الحبّ والتمر والسّويق يكون في الوعاء إلى نصفه فما دونه، والجماع: الثّمل.
الثّملة: ما أخرجت من أسفل الرّكيّة من التراب والطين، وهذان الحرفان رويناهما، عن أبي عبيد بضم الثاء وعن أبي نصر بفتح الثاء، ويقال: ثضمل يثمل ثملا إذا أخذ الشراب فيه.
وعافه الذين يعفونه أي: يأتونه، يقال: عفاه يعفوه واعتفاه يعتفيه. وعراه يعروه واعتراه يعتريه، واعترّه يعترّه، وعرّه يعرّه. ومحسب: كاف، أنشدنا أبو بكر بن الأنباري لامرئ القيس: [الوافر]
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ
__________
(1) أدرك: فنى، واستنشئ: شم ومنه النشوة: الرائحة. والغرب: الماء يتخلف ما بين البئر والحوض. ط
(2) الخرشاء: الجلدة الرقيقة تركب اللبن. ط
(3) ممغوثة: مهتوكة. وممرطلة: ملطخة. ط(1/30)
أي: يكفيك الشّبع والرّيّ. وفناؤه رحب أي: واسع، ويقال: فناء الدار وثناؤها، والسّناء من الشّرف ممدود ومن الضّوء مقصور. والمصمّم من الرجال: الذي يمضي في الأمور لا يردّ عزمه شيء، والمصمّم من السيوف: الذي يمضي في الضّرائب لا يحبسه شيء.
وأيسار جمع يسر، وهو الذي يدخل مع القوم في القداح، وهو مدح، وقال الشاعر: [الوافر]
وراحلة نحرت لشرب صدق ... وما ناديت أيسار الجزور
[45] [البرم]: والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، وهو ذم وجمعه أبرام، قال متمّ: [الطويل]
ولا برم تهدي النّساء لعرسه ... إذا القشع من برد الشّتاء تقعقعا
ويقال: كان رجل برما فجاء إلى امرأته وهي تأكل لحما فجعل يأكل بضعتين بضعتين، فقالت له امرأته: «أبرما قرونا» فأرسلتها مثلا. وقال أبو زيد: الكميّ: الجرئ المقدم كان عليه سلاح أو لم يكن. وقال غيره: الذي يكمي شجاعته في نفسه، أي: يسترها. وقال ابن الأعرابيّ: الكميّ: الشجاع، وسمي كميا لأنه يتكمّى الأقران لا يكعّ ولا يضجبن عن قرنه أي: يقصد، وكلّ ما اعتمدته فقد تكمّيته، وأنشد: [الرجز]
بل لو شهدت الناس إذ تكمّوا ... بقدر حمّ لهم وحمّوا
وغمّة لو لم تفرّج غمّوا
[46]
[معنى حليلة الرجل، وأسماء الزوجة]:
وحليلة الرجل: امرأته، وحليلته أيضا: جارته التي تحالّه وتنزل معه، قال الشاعر:
[الوافر]
ولست بأطلس الثّوبين يصبي ... حليلته إذا هجع النّيام
وعرس الرجل: امرأته أيضا، قال امرؤ القيس: [الطويل]
كذبت لقد أصبي على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يزنّ بها الخالي
وهو أيضا عرسها وهي حنّته، قال كثيّر: [الطويل]
فقلت لها بل أنت حنّة حوقل ... جرى بالفرى بيني وبينك طابن
والفرى: جمع فرية، وقال الشاعر (1): [المنسرح]
ما أنت بالحنّة الودود ولا ... عندك خير يرجى لملتمس
وهي طلّته أيضا، قال الشاعر: [الطويل]
وإنّ امرأ في الناس كنت ابن أمّه ... تبدّل منّي طلّة لغبين
دعتك إلى هجري فطاوعت أمرها ... فنفسك لا نفسي بذاك تهين
__________
(1) انظر: «التنبيه» [8].(1/31)
وقال الآخر: [المتقارب]
ألا بكرت طلّتي تعذل ... وأسماء في قولها أعذل
تريد سليماك جمع التّلا ... د والضّيف يطلب ما يأكل
وربضه وربضه أيضا، والرّبض: كلّ ما أويت إليه، قال الشاعر: [البسيط]
جاء الشتاء ولمّا أتّخذ ربضا ... يا ويح كفّي من حفر القراميص
والقرموص: حفرة يحتفرها الصائد إلى صدره فيدخل فيها إذا اشتدّ عليها البرد، والقرموص أيضا: مبيض القطاة، وقعيدة الرجل أيضا: امرأته، قال الأسعر الجعفي: [الكامل]
لكن قعيدة بيتنا مجفوّة ... باد جناجن (1) صدرها ولها غنى
وزوجه أيضا، قال الأصمعي: ولا تكاد العرب تقول زوجته، وقال يعقوب: يقال:
زوجته، وهي قليلة، قال الفرزدق: [الطويل]
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشّرى يستبيلها
وهي بعله أيضا وبعلته، وأنشد الفراء: [الرجز]
شرّ قرين للكبير بعلته ... تولغ كلبا سؤره أو تكفته
يعني: أن امرأته قد تقذّرته حين كبر، فإذا شرب لبنا وبقى سؤره والسؤر بقية الشراب في الإناء تولغه كلبا أو تكفته أي: تقلبه على الأرض. وبيته أيضا، قال الراجز: [الرجز]
أقول إذ حوقلت أو دنوت ... وبعض حيقال الرّجال الموت
مالي إذا أنزعها صأيت (2) ... أكبر غيّرني أم بيت
[الشّهلة]: وشهلته أيضا، أنشدني أبو بكر بن الأنباري: [الطويل]
له شهلة شابت وما مسّ جيبها ... ولا راحتيها الشّثنتين عبير
والشّهلة أيضا: العجوز، قال الراجز: [الرجز]
باتت تنزّي دلوها تنزيّا ... كما تنزّي شهلة صبيّا
وجثلته ومعزّبته: امرأته. وقال غيره: وحويته أيضا. وقال أبو زيد: والحوبة: القرابة من قبل الأمّ، وكذلك كل ذي رحم محرم. قال يعقوب (3): الحوبة: الأمّ. والفصيلة: رهط الرجل الأدنون. وقال ابن الكلبيّ: الشّعب أكثر من القبيلة ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ. وأسرة الرجل: رهطه الأدنون، وكذلك فصيلته. وقولها: أريده بازل عام أي: تام الشباب كامل القوّة لأن البعير أتمّ ما يكون شبابا وأكمله قوّة إذا كان بازل عام.
__________
(1) الجناجن: العظام. ط.
(2) صأيت: صحت. ط
(3) في الأصل «أبو يعقوب» وفي اللسان مادة «حوب»: قال ابن السكيت اهـ. وابن السكيت هو يعقوب وكنيته أبو يوسف كما في «تاريخ ابن خلكان». ط(1/32)
[47]
[ترتيب أسنان الأبل وأسمائها]:
قال الأصمعى: إذا وضعت الناقة فولدها سليل قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى، فإذا علم، فإن كان ذكرا فهو سقب وأمّه مسقب، وإن كانت أنثى فهي حائل وأمها أم حائل، قال الهذليّ: [الطويل]
فتلك التي لا يبرح القلب حبّها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل (1)
وهي مؤنث، وقد آنقت أي: جاءت بأنثى، وقد أذكرت فهي مذكر إذا جاءت بذكر، فإن كان من عادتها أن تضع الإناث فهي مئناث، وكذلك مذكار: إذا كان من عادتها أن تضع الذّكور، فإذا قوي ومشى مع أمه فهو راشح والأم مرشح، فإذا حمل في سنامه شحما فهو مجذ ومكعر ثم هو ربع.
[48] قال الأصمعيّ: حدثني عيسى بن عمر، قال: سألت جبر بن حبيب أخا امرأة العجّاج عن الهبع والرّبع فقال: الرّبع ما نتج في أوّل النّتاج، والهبع ما نتج في آخر النّتاج، فإذا مشى الهبع مع الرّبع أبطره ذرعا فهبع بعنقه أي: استعان به، ثم هو حوار فإذا فصل عن أمه والفصال: والفطام فهو فصيل والجمع فصلان وفصلان، ومنه الحديث (2):
«لا رضاع بعد فصال» فإذا أتى عليه حول فهو ابن مخاض وإنما سمّي ابن مخاض لأن أمّه لحقت بالمخاض، وهي الحوامل وإن لم تكن حاملا، فإذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة فهو ابن لبون والأنثى بنت لبون، وإنما سمّي ابن لبون لأن أمه كانت من المخاض في السنة الثانية، ثم وضعت في الثالثة فصار لها لبن فهي لبون وهو ابن لبون، فلا يزال كذلك حتى يستكمل الثالثة، فإذا دخل في الرابعة فهو حينئذ حقّ والأنثى حقّة، وإنما قيل لها: حقّة لأنها قد استحقّت أن يحمل عليها وتركب، فإذا استكمل الرابعة ودخل في الخامسة فهو جذع والأنثى جذعة، فإذا دخل في السادسة فهو ثنيّ والأنثى ثنيّة، فإذا دخل في السابعة فهو رباع والأنثي رباعية، فإذا دخل في الثامنة فهو سديس وسدس والأنثى سديسة، فإذا دخل في التاسعة وبزل نابه فهو بازل، يقال: بزل نابه يبزل بزولا وشقأ نابه يشقأ شقوءا وشقئّا وشقى أيضا، وشقّ يشقّ شقوقا، وفطر يفطر فطورا، وبزغ وصبأ وعرد يعرد عرودا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، ثم ليس له اسم بعد الإخلاف. ولكن يقال: بازل عام وبازل عامين ومخلف عام ومخلف عامين. وقضقض، أي: حطم كما يقضقض الأسد الفريسة وهو أن
__________
(1) يقال: «لا أفعله ما أرزمت أم حائل» أي: لا أفعله أبدا. ط
(2) رواه الطيالسي، وابن عدي في «الكامل» (2/ 447) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعا. وفي إسناده حرام بن عثمان، وقد ذكره ابن عديّ في ترجمته، ونقل قول الشافعي فيه:
«الحديث عن حرام: حرام»، وقول مالك والنسائي وابن معين: ليس بثقة، وتركه البخاري وغيره.
وروي من حديث عليّ أيضا لكنّه معلّ أيضا وفي إسناده نظر.
انظر: «التاريخ» للخطيب (5/ 200299) (7/ 251)، و «نصب الراية» للزيلعي (3/ 219).(1/33)
يحطمها وينفضها فتسمع لعظامها صوتا. والأسد القضقاض: الحطّام، قال رؤبة: [الرجز] كم جاوزت من حيّة نضناض ... وأسد في غيله قضقاض
ليث على أقرانه ربّاض ... يلقى ذراعي كلكل عرباض
والعرباض: الثّقيل العظيم. ودسر: دفع، ومنه قول ابن عباس رضي الله عنهما في العنبر: إنما هو شيء دسره البحر، أي: لا زكاة فيه.
[49]
[سلوة المحبوب، والعلاج بالهجر، وعلم التجارب]:
قال: وقرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله قول الشاعر: [الطويل]
فأصبحت من سلمى كذى الداء لم يجد ... طبيبا يداوي ما به فتطبّبا
فلمّا اشتفى ممّا به علّ طبّه ... على نفسه من طول ما كان جرّبا
يقول: لمّا لم يجد إليها سبيلا داوى نفسه بالهجران، فلما رأى ذلك قد نفعه علّ الهجران أي: فعله ثانية.
[50]
[تعدد الزوجات، وما يقال للأولى]:
وحدثنا الأخفش، قال: أنبأني أبو الفيّاض بن أبي شراعة، عن أبي شراعة قال: حدثني عبد الله بن محمد بن بشير البصري، قال: علق أبي جارية لبعض الهاشميين فبعثت إليه أمّى تعاتبه، فكتب إليها: [البسيط]
لا تتبعن لوعة إثري ولا هلعا ... ولا تقاسنّ بعدى الهمّ والجزعا
بل ائتسي تجدي إن ائتسيت أسى ... بمثل ما قد فجعت اليوم قد فجعا
ما تصنعين بعين عنك طامحة ... إلى سواك وقلب عنك قد نزعا
قلت قد كنت في ودّ وتكرمة ... فقد صدقت ولكن ذاك قد منعا
وأيّ شيء من الدّنيا سمعت به ... إلّا إذا صار في غاياته انقطعا
لم تبق عينا حسين عند لحظهما ... لغيرها في فؤادي بعدها طمعا
ومن يطيق مذكّ (1) عند صبوته ... ومن يقوم لمستور إذا خلعا
* * * [51] وأنشدنا الأخفش، قال: قرأت على أبي العباس الأحول الأعرابيّ: [الطويل] أيا منشر الموتى أقدني من الّتي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتّى لو انّي سألتها ... قذى العين من ضاحي التّراب لضنّت
فما أمّ بوّ هالك بتنوفة (2) ... إذا ذكرته آخر اللّيل حنّت
__________
(1) ذكى: أسن وكبر. ط
(2) التنوفة: هي الأرض الواسعة القاحلة. ط(1/34)
بأكثر منّي لوعة غير أنّني ... أطامن أحشاني على ما أجنّت
* * * [52] وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله: [الكامل]
أبت الرّوادف والثّديّ لقمصها ... مسّ البطون وأن تمسّ ظهورا
وإذا الرّياح مع العشيّ تناوحت ... نبّهن حاسدة وهجن غيورا
* * * [53] وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه.
وأنشدنا الأخفش أيضا قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوي: [الوافر]
فلم أر هالكا كبني صريم ... تلفّهم التّهائم والنّجود
أجلّ جلالة وأعزّ فقدا ... وأقضى للأمور وهم قعود
وأكثر ناشئا مخراق حرب ... يعين على السّيادة أو يسود
* * * [54] وأنشدنا إبراهيم أيضا، قال أنشدنا أحمد بن يحيى: [الوافر]
وكنت مجاورا لبني سعيد ... فأفقدنيهم ريب الزّمان
فلمّا أن فقدت بني سعيد ... فقدت الودّ إلا باللّسان
* * * [55] وحدثنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرني عمّي، عن أبيه، عن ابن الكلبي قال:
وفد علبة بن مسهر الحارثي والمنتشر أحد فوارس الأرباع الذين يقول لهم الأجدع الهمداني (1): [الكامل]
وسألتني بركائبي ورحالها ... ونسيت قتل فوارس الأرباع
إلى ذي فائش الملك الحميريّ، وكان ذو فائش يحبّ اصطناع سادات العرب ويقرّب مجالسهم ويقضي حوائجهم، وكان علبة شاعرا حدثا ظريفا، فقال له الملك: يا علبة، ألا تحدّثني عن أبيك وأعمامك وتصف لى أحوالهم؟ فقال: بلى أيها الملك، وهم أربعة: زياد ومالك وعمرو ومسهر. فأما زياد، فما استلّ سيفه مذ ملكت يده قائمه إلا أغمده في جثمان بطل، أو شوامت جمل، وكان إذا حملق النّجيد، وصلصل الحديد، وبلغت النفس الوريد، اعتصمت بحقويه الأبطال، اعتصام الوعول بذرى القلال، فذاد عنهم الأبطال، ذياد القروم عن الأشوال. وأما مالك، فكان عصمة الهوالك، إذ شبّهت الأعجاز بالحوارك. يفري الرّعيل، فرى الأديم بالإزميل. ويخبط البهم، خبط الذّئب نقاد الغنم، وأما عمرو فكان إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشّفاه، وتفادت الكماه، خاض ظلام العجاج، وأطفأ نار الهياج،
__________
(1) انظر: «التنبيه» [9].(1/35)
وألوى باللأعراج، وأردف كلّ طفلة مغناج، ذات بدن رجراج، ثم قال لأصحابه: عليكم النّهاب، والأموال الرّغاب، عطاء لاضنين شكس، ولا حقلّد عكس. وأما مسهر، فكان الذّعاف الممقر، واللّيث المخدر، يحيي الحرب ويسعر، ويبيح النّهب فيكثر، ولا يحتجن ولا يستأثر، فقال له الملك: لله أبوك! مثلك فليصف أسرته.
[56]
[معنى الحدث]:
قال أبو علي: الحدث: الحسن الحديث والحدّيث: الكثير الحديث، والحدث:
الشاب، فإذا ذكروا السّنّ قالوا: حديث السّن ولم يقولوا: حدث السن، والحدث: الذي يتحدّث إلى النساء، يقال: هو حدث نساء وزير نساء إذا كان يكثر زيارتهن، قال مهلهل: [الوافر]
فلو نبش المقابر عن كليب ... فيخبر بالذّنائب أيّ زير
[أسماء من يحب محادثة النساء]:
أراد فيخبر بالذنائب أيّ زير أنا. وذلك أن كليبا كان يعيّره فيقول: إنما أنت زير نساء، وهو تبع نساء: إذا كان يتبعهن، وخلب نساء أي: يلصق بقلوبهن ويحلّ منهن محلّ الخلب، قال أبو زيد: الخلب حجاب القلب، ومنه قيل: إنه لخلب نساء أي: يحببنه، وأنشد غيره: [الرجز]
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد ... أصبحت منّي كذراع من عضد
ويقول أهل اليمن: هو خلم نساء، والخلم: الصّديق وجمعه أخلام، وزادني أبو عمرو، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابيّ: وعجب نساء أي: يعجب النساء.
[57] [الجثمان]: وقوله: في جثمان بطل، قال الأصمعيّ: الجثمان: الشخص، والجثمان: جماعة الجسم وهو التّجاليد أيضا، أنشدنا أبو بكر، عن أبي حاتم، عن الأصمعي: [السريع]
ينبي تجاليدي وأقتادها ... ناو كرأس الفدن (1) المؤيد
والأجلاد: التّجاليد، قال الأسود بن يعفر: [الكامل]
أما تريني قد بليت وشفّني ... ما غيض من بصري ومن أجلادي
[أسماء شخص الإنسان]:
يريد: ما نقص من بصري ومن جسمي، ويقال لشخص الإنسان: الطّلل والآل والسّمامة، ويقال لأعلى شخصه: السّماوة. والشّبح والشّبح جميعا: الشخص، قال الشاعر يصف ظليما: [الطويل]
هجوم عليها نفسه غير أنّه ... متّى يرم في عينيه بالشّبح ينهض
__________
(1) الفدن: القصر المشيد. وقائل البيت المثقب العبدي. ط(1/36)
[58] والشدف: الشّخص وجمعه شدوف، قال ساعدة بن جؤيّة: [البسيط]
موكّل بشدوف الصّوم ينظرها ... من المغارب مخطوف الحشا زرم (1)
يصف ثورا. قال الأصمعي: الصّوم: شجر يشبه الناس، فهو يرقبه يخشى أن يكون ناسا. ويقال: قامة الإنسان وقوميّة الإنسان، قال العجاج: [الرجز]
صلب القناة سلهب القوميّة
وقومته وقوامه، ويقال: هو قوام هذا الأمر بكسر القاف إذا كان يقوم به. والأمّة: القامة وجمعها أمم. قال الأصمعي: وصف أعرابيّ رجلا فقال: إنّه لحسن الوجه، حليف اللسان، طويل الأمّة. والحليف: الحديد من كل شيء، يقال: لسان حليف، وسنان حليف الغرب، قال الأعشى: [المتقارب]
وإنّ معاوية الأكرمين ... حسان الوجوه طوال الأمم
وقال أبو عبيدة: الطّنّ: القامة.
[59] وقوله: أو شوامت جمل فالشّوامت: القوائم يريد: أنه يعقر الإبل للضيفان.
وحملق: انقلب حملاقه، والحملاق: باطن الجفن.
[60]
[مادة: نجد]:
والنّجيد: الشجاع، يقال: نجد الرجل ينجد نجدة فهو نجيد، والنّجد: الشجاع، وكذلك النّجد، والنّجدة: الشجاعة، هذا قول أبي نصر صاحب الأصمعي وتابعه على ذلك يعقوب في بعض المواضع، ثم قال في موضع آخر: النّجد: السريع الإجابة إلى الداعي إذا دعاه إلى خير أو شر وهو النّجد، ويقال: ما كان نجدا ولقد نجد ينجد نجادة وأنجدته إنجادا، فأما النّجدة فالفزع في أيّ وجه كان، وهذا قول أبي زيد، ويقال: استنجد فلان فلانا فأنجده، أي: أعانه، وقال أبو عبيدة: نجدت الرجل أنجده غلبته، وأنجدته: أعنته، والنّجد: ما ارتفع من الأرض وبه سميت نجد، لأنها ارتفعت عن تهامة، وسميت تهامة لأنها انخفضت عن نجد، فتهم ريحها أي: تغير، يقال: تهم الدّهن وتمه إذا تغير. والنّجد: الطريق في الجبل، والتنجيد: التزيين، يقال: نجّدت البيت تنجيدا، قال ذو الرمة: [البسيط]
حتى كأنّ رياض القفّ ألبسها ... من وشي عبقر تجليل وتنجيد
والنّجود: ما ينجّد به البيت، واحدها نجد، والنّجود من الحمر: الحائل، ويقال:
الطّويلة. والنّجاد: حمائل السيف، والإنجاد: الأخذ في بلاد نجد، والنّجد: العرق، يقال:
نجد الرجل ينجد نجدا إذا عرق، قال النابغة: [البسيط]
يظلّ من خوفه الملّاح معتصما ... بالخيزرانة بعد الأين والنّجد
__________
(1) الزرم: الذليل القليل الرهط. ط(1/37)
والمنجود: المكروب، قال أبو زبيد: [الخفيف]
صاديا يستغيث غير مغاث ... ولقد كان عصرة المنجود
[61] وصلصل: صوّت. والوريدان: حبلا العنق. والأشوال: جمع شول وهي التي جفّت ألبانها، وواحد الشّول شائلة، فأما الشائل فالتي شالت بذنبها للّقاح وجمعها شوّل، والرّعيل: جماعة الخيل. والإزميل: الشّفرة، قال عبدة بن الطّبيب: [البسيط]
عيهمة ينتحي في الأرض منسمها ... كما انتحى في أديم الصّرعف إزميل
العيهمة: التامّة الخلق، ويقال: السريعة. وينتحي: يعتمد. والصّرف: صبغ أحمر، وقال الأصمعي: الصّرف: صبغ يعلّ به الأديم فيحمرّ. والبهم واحدها بهمة: وهو الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى له، ويقال: حائط مبهم إذا لم يكن فيه باب، والأبهم من كل شيء: المصمت الذي لا صدع فيه ولا خلط، والبهيم من الخيل الذي ليس به وضح.
[62]
[النقاد، الحافرة، نخرة]:
والنّقاد: جمع نقد وهي صغار الغنم، ويقال: نقد الضّرس إذا ائتكل، ونقد الحافر إذا تقشّر، وحافر نقد، ويقال: «النّقد عند الحافرة» أي: عند أوّل كلمة. وقال بعض اللغويين:
كانت الخيل أفضل ما يباع، فإذا اشترى الرجل الفرس قال له صاحبه: النّقد عند الحافر أي:
عند حافر الفرس في موضعه قبل أن يزول، وقال الله تعالى: {أَإِنََّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحََافِرَةِ}
[النازعات: 10] أي: إلى خلقنا الأوّل، وأنشدنا ابن الأنباري: [الوافر]
أحافرة على صلع وشيب ... معاذ الله من سفه وعار
أي: أأرجع إلى الصّبا بعد ما شبت وصلعت.
[63] وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي قال: قال لي أعرابيّ: ما معني قول الله تعالى: {أَإِنََّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحََافِرَةِ} [النازعات: 10] فقلت: الخلق الأوّل، قال: فما معنى قوله تعالى: {عِظََاماً نَخِرَةً} [النازعات: 11] قلت:
التي تنخر فيها الرّيح، فقال: أما سمعت قول صاحبنا يوم القادسيّة: [الرجز]
أقدم أخانهم (1) على الأساوره ... ولا تهولنّك رجل نادره
فإنّما قصرك ترب السّاهره ... حتّى تعود بعدها في الحافره
من بعد ما صرت عظاما ناخره
[64]
[عصب الريق]:
وعصب الريق: إذا غلظ ولصق بالفم ويبس، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله: [الرجز] يعصب فاه الرّيق أيّ عصب ... عصب الجباب بشفاه الوطب
__________
(1) نهم بالكسر: بطن من همدان. ط(1/38)
ويقال: تفادى القوم: إذا استتر بعضهم ببعض، قال الحطيئة: [الطويل]
تفادى كماة الخيل من وقع رمحه ... تفادي خشاش الطّير من وقع أجدل
[65] وألوى: أذهب. والأعراج: جمع عرج وهي نحو خمسمائة من الإبل.
والطّفلة: الناعمة الرّخصة، يقال: بنان طفل، والطّفلة: الحديثة السّن. والحقلّد: السّيّء الخلق، كذا قال يعقوب. والعكس والعكص بالسين والصاد: العسر الأخلاق. والذّعاف:
السّمّ السريع القتل. والممقر عند بعضهم: الشّديد المرارة، وعند بعضهم: الشديد الحموضة. والمقر: الصّبر. ويحتجن: يحتكر ويخفي، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله لأبي زبيد: [البسيط]
لها صواهل في صمّ السّلام كما ... صاح القسيّات في أيد الصّياريف
كأنّهنّ بأيدي القوم في كبد ... طير تكشّف عن جون مزاحيف
وصف مساحي. والسّلام: الحجارة. والصّياريف: الصّيارفة، ثم شبّه المساحي في أيد الحفّارين الذين يحفرون قبر عثمان رضي الله عنه بطير تطير عن إبل جون مزاحيف. والجون:
السّود. والمزاحيف: المعيبة، وإنما جعلها جونا لأنهم حفروا له في حرّة، فشبّه الحرّة بالإبل السّود.
[66]
[أرق أشعار العرب، وشعر في الحب والهوى والشوق وألم الهجر]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: سألت عبد الرحمن يوما فقلت له: إن رأيت أن تنشدني من أرقّ ما سمعته من عمك من أشعار العرب! فضحك وقال: والله لقد سألت عمي عن ذلك فقال: يا بنيّ، وما تصنع برقيق أشعارهم؟ فو الله إنّه ليقرح القلوب، ويحثّ على الصّبابة، ثم أنشدني للعلاء بن حذيفة الغنويّ: [الطويل]
يقولون من هذا الغريب بأرضنا ... أما والهدايا إنّني لغريب
غريب دعاه الشّوق واقتاده الهوى ... كما قيد عود بالزّمام أديب
وماذا عليكم إن أطاف بأرضكم ... مطالب دين أو نفته حروب
أمشّي بأعطان المياه وأبتغي ... قلائص منها صعبة وركوب
فقلت: أريد أحسن من هذا، فأنشدني: [الطويل]
لعمري لئن كنتم على النّأي والغنى ... بكم مثل ما بي إنّكم لصديق
فما ذقت طعم النّوم منذ هجرتكم ... ولا ساغ لي بين الجوانح ريق
إذا زفرات الحبّ صعّدن في الحشا ... كررن فلم يعلم لهنّ طريق
[67]
[مادة: قرح]:
قال أبو علي: يقرح: جرح، قال المتنخل الهذلي: [البسيط]
لا يسلمون قريحا حلّ وسطهم ... يوم اللّقاء ولا يشوون من قرحوا
[تفسير: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}] أي: جرحوا، وقرأ أبو عمرو: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}
[آل عمران: 140] وقال: القرح: الجراح، والقرح كأنه ألم الجراح. وأطاف: ألمّ.(1/39)
لا يسلمون قريحا حلّ وسطهم ... يوم اللّقاء ولا يشوون من قرحوا
[تفسير: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}] أي: جرحوا، وقرأ أبو عمرو: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}
[آل عمران: 140] وقال: القرح: الجراح، والقرح كأنه ألم الجراح. وأطاف: ألمّ.
[68] وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه قال: أنشدتني عشرقة المحاربيّة وهي عجوز حيزبون زولة: [الطويل]
جريت مع العشّاق في حلبة الهوى ... ففقتهم سبقا وجئت على رسلي
فما لبس العشّاق من حلل الهوى ... ولا خلعوا إلّا الثّياب الّتي أبلي
ولا شربوا كأسا من الحبّ مرّة ... ولا حلوة إلا شرابهم فضلي
[69]
[الحيزبون]:
قال أبو علي: قال أبو بكر: الحيزبون: التي فيها بقيّة من الشّباب. والزّولة:
الظّريفة، والزّول: الظّريف، وقوم أزوال، والزّول أيضا: الداهية، والزّول: العجب.
وقال لي غير أبي بكر: الحيزبون: العجوز ولم يحدّ لها وقتا، وأنشدني أبو الميّاس لقاطامي: [الطويل]
إلى حيزبون توقد النّار بعد ما ... تلفّعت الظّلماء من كلّ جانب
[70]
[عصيان الوشاة]:
وأنشدني أبو عمرو، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي: [الطويل]
لقد علمت سمراء أنّ حديثها ... نجيع كما ماء السّماء نجيع
إذا أمرتني العاذلات بصرمها ... هفت كبد عمّا يقلن صديع
وكيف أطيع العاذلات وحبّها ... يؤرّقني والعاذلات هجوع
قال أبو علي: أنشدني ابن الأعرابي البيتين الأوّلين، وأنشدنا أبو بكر بالإسناد الذي تقدّم، عن الأصمعي، عن عشرقة البيت الثاني والثالث.
[71]
[صروف الدهر، وشعر في لذة المحبوب وإن أساء الظنّ بحبيبه، وما قيل في رعاية النساء أمانة الغيّاب]:
وأنشدنا الأخفش علي بن سليمان. قال: أنشدني إبراهيم بن المدبّر لنفسه:
ما دمية من مرمر صوّرت ... أو ظبية في خمر عاطف
أحسن منها يوم قالت لنا ... والدّمع من مقلتها ذارف
لأنت أحلى من لذيد الكرى ... ومن أمان ناله خائف
فأنشدته قول الآخر: [البسيط]
الله يعلم والدّنيا مولّية ... والعيش منتقل والدّهر ذو دول
لأنت عندي وإن ساءت ظنونك بي ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل
[72] وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطوية (1)، قال:(1/40)
الله يعلم والدّنيا مولّية ... والعيش منتقل والدّهر ذو دول
لأنت عندي وإن ساءت ظنونك بي ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل
[72] وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطوية (1)، قال:
أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب: [الكامل]
أعليّ ما ماء الفرات وبرده ... منّي على ظمأ وفقد شراب
بألذّ منك وإن نأيت وقلّما ... يرعى النّساء أمانة الغيّاب
[73]
[الشكر، وبعض الذّكر أنبه من بعض]
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي لأبي نخيلة: [الطويل] أمسلم إنّي يابن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض
شكرتك إن الشّكر حبل من التّقى ... وما كلّ من أوليته نعمة يقضى
وألقيت لمّا أن أتيتك زائرا ... عليّ لحافا سابغ الطّول والعرض
ونوّهت من ذكري وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض
[74] وحدثنا علي بن سليمان الأخفش، قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي، قال: أنشدني عبد الصمد بن المعذّل لمرّة (2): [الطويل]
تمارضت كي أشجى وما بك علّة ... تريدين قتلي قد رضيت بذلك
لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرّني أنّي خطرت ببالك
[75]
[من أخبار كثير]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قيل لكثيّر: مالك لا تقول الشعر، أجبلت؟ فقال: والله ما كان ذلك، ولكن فقدت الشّباب فما أطرب، ورزئت عزّة فما أنسب، ومات ابن ليلى فما أرغب، يعني: عبد العزيز بن مروان.
[أجبل الحافر]:
قال أبو علي: قوله: أجبلت أي: انقطعت عن قول الشعر، أخذه من قولهم: أجبل الحافر إذا انتهى إلى جبل فلم يمكنه الحفر.
[76]
[ألم الهجر، والهوى]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه النحوي يوم الأحد في سوق الثّلاثاء على باب الكلواذاني صاحب ديوان السواد لكثيّر: [المتقارب]
ألا تلك عزّة قد أصبحت ... تقلّب للهجر طرفا غضيضا
__________
(1) نفطويه بكسر النون وفتحها والكسر أفصح والفاء ساكنة قال أبو منصور الثعالبي في أوائل كتاب «لطائف المعارف»: أنه لقب كذلك لدمامة وأدمة تشبيها له بالنقط وضبطه بعد ذلك كسيبويه.
انظر: ابن خلكان طبع بولاق (ج 1ص 15). ط
(2) نسب البيت في «شواهد التلخيص» لابن الدمينة عبد الله ولفظ البيت هناك:
تعاللت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي قد ظفرت بذلك ط(1/41)
تقول مرضنا فما عدتنا ... وكيف يعود مريض مريضا
[78] وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله! عن عبد الرحمن، عن عمه لأعرابي (1):
[البسيط]
إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترب
هذا بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد
[79]
[ذم البخل، وفضل الجود]
وحدثنا أبو الحسن جحظة البرمكي، عن حمّاد بن إسحاق الموصلي. وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوي، قال: حدثنا حمّاد، عن أبيه قال: دخلت يوما على الرشيد فقال لي: يا إسحاق أنشدني شيئا من شعرك، فأنشدته: [الطويل]
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فذلك شيء ما إليه سبيل
أرى الناس خلّان الجواد ولا أرى ... بخيلا له في العالمين خليل
ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئا أن يكون ينيل
فإنّي رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
عطائي عطاء المكثرين تجمّلا ... ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل
فقال: لا كيف إن شاء الله، يا فضل، أعطه مائة ألف درهم، ثم قال: لله درّ أبيات تأتينا بها يا إسحاق، ما أتقن أصولها، وأحسن فصولها! وزاد جحظة وأقل فضولها، فقلت: كلامك يا أمير المؤمنين أحسن من شعري، فقال: يا فضل، أعطه مائة ألف أخرى، فكان أوّل مال اعتقدته.
* * * [80] وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال:
نظر أعرابي إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقال: والله لئن آثرتموه لتمسكنّ منه بذنابي عيش أغبر.
* * * [81] وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس المبرّد وحدثنا الأخفش وابن السراج وغير واحد من أصحاب المبرّد قالوا كلهم: أنشدنا أبو العباس، قال: أنشدنا الزّيادي لأعرابيّ هذه الأبيات وكان يستحسنها: [المديد]
ما لعيني كحلت بالسّهاد ... ولجنبي نابيا عن وسادي
__________
(1) انظر: «التنبيه» [10].(1/42)
لا أذوق النّوم إلّا غرارا ... مثل حسو الطّير ماء الثّماد
أبتغي إصلاح سعدى بجهدي ... وهي تسعى جهدها في فسادي
فتتاركنا على غير شيء ... ربّما أفسد طول التمادي
* * * [82] وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله تعالى: [الوافر]
أقول لصاحبي والعيس تخدي ... بنا بين المنيفة فالضّمار
تمتّع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشيّة من عرار
ألا يا حبّذا نفحات نجد ... وريّا روضه بعد القطار
وأهلك إذ يحلّ الحيّ نجدا ... وأنت على زمانك غير زاري
شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصاف لهنّ ولا سرار
[83]
[رثاء العطويّ لأخيه]:
وأنشدنا الأخفش للعطويّ يرثي أخاه: [الطويل]
لقد باكرته بالملام العواذل ... فما رقأت منه الدّموع الهواطل
أيقني جميل الصّبر من هدّ ركنه ... وهيض جناحاه وجدّ الأنامل
أمن بعد ما ذاق المنيّة أحمد ... تطيب لنا الدّنيا وتصفو المناهل
كأن لم يكن لي خير خلّ وصاحب ... وخير خطيب تتّقيه المقاول
كأنّ أبا العبّاس لم يلق ضيفه ... ببشر ولم يرحل بجدواه راحل
[84]
[شعر في حرارة الحب والهوى، وما يترتب على ذلك]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النّحوي، قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب لابن أبي مرّة المكي: [المنسرح]
إن وصفوني فناحل الجسد ... أو فتّشوني فأبيض الكبد
أضعف وجدي وزاد في سقمي ... أن لست أشكو الهوى إلى أحد
آه من الحبّ آه من كمدي ... إن لم أمت في غد فبعد غد
جعلت كفّي على فؤادي من ... حرّ الهوى وانطويت فوق يدي
كأنّ قلبي إذا ذكرتكم ... فريسة بين ساعدي أسد
يدي بحبل الهوى معلّقة ... فإن قطعت الهوى قطعت يدي
[85] وأنشدني جماعة من أصحاب أبي العباس المبرّد منهم ابن السراج وابن درستويه (1) والأخفش قالوا: أنشدنا أبو العباس، قال: أنشدنا بعض البصريين وأنشدنا
__________
(1) كذا ضبطه ابن ماكولا وضبطه السمعاني «درستويه» بضم الدال والراء وسكون السين وضم التاء وفتح(1/43)
أيضا أبو بكر بن الأنباري عن المظفّر: [السريع]
هل من جوى الفرقة من واقي ... أم هل لداء الحبّ من راقي
أم من يداوي زفرات الهوى ... إذ جلن في مهجة مشتاق
يا كبدا أفنى الهوى جلّها ... من بعد تلذيع وإحراق
حتّى إذا نفّسها ساعة كرّت ... يد البين على الباقي
قال أبو علي: البيتان الأوّلان رواهما أبو بكر بن الأنباري خاصّة. وشارك أصحاب أبي العباس في رواية البيتين الآخرين.
[86] وأنشدني أبو بكر بن دريد لأعرابي (1): [الطويل]
وإنّي لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا
علاقة حبّ لجّ في زمن الصّبا ... فأبلى وما يزداد إلّا تجدّدا
[87] وأنشدنا أبو بكر بن دريد لنفسه: [المتقارب]
بنا لابك الوصب المؤلم ... ونفسك من صرفه تسلم
لئن نال جسمك نهك الضّني ... لقد ضني السّودد الأعظم
فحاشاك من سقم عارض ... ولكنّ أكبادنا تسقم
فأنت السماء التي ظلّها ... إذا زال أعقبه الصّيلم
وأنت الصّباح الذي نوره ... به ينجلي الحادث المظلم
وأنت الغمام الذي سيبه ... ينال الثّراء به المعدم
يخاطب عنك لسان العلا ... إذا ذكر المفضل المنعم
فمن نال من كرم رتبة ... فيومك من دهره أكرم
إذا ما تخطّاك صرف الرّدى ... فركن المكارم لا يهدم
فبالله أقسم ربّ الورى ... ولله غاية ما يقسم
لو انّ السماء حمت قطرها ... لكنت حيسا سيبه مثجم
[أثجمت السماء، وأصفى وأفصى]:
قال أبو علي: يقال: أثجمت السماء وأغبطت وألثّت وألظّت: إذا دام مطرها ولم ينقطع، وفي الحديث (2): «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» أي: الزموا هذه الدعوة، وأغضنت
__________
الياء وبعدها هاء ساكنة.
انظر: «ابن خلكان» (ج 1ص 356). ط
(1) انظر: «التنبيه» [11].
(2) رواه أحمد (4/ 177)، والنسائي في «الكبرى» (7716) (11563)، والطبراني في «الكبير» (4594)(1/44)
وأدجنت. فإذا أقلعت قيل: أنجمت وأفصت وأفصمت، ومنه أفصى الشاعر إذا انقطع عن قول الشعر، وأفصت الدّجاجة إذا انقطع بيضها. ويقال: أصفت الدجاجة، وأصفى في الشعر، وهو من المقلوب.
[88]
[وصف غلام يمني لعنز له]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه عن أبي عمرو بن العلاء قال: رأيت باليمن غلاما من جرم ينشد عنزا، فقلت: صفها يا غلام، قال: حسراء مقبلة، شعراء مدبرة، ما بين غثرة الدّهسة، وقنوء الدّبسة، سجحاء الخدّين، خطلاء الأذنين، فشقاء الصّورين، كأنّ زنمتيها تتوا قلنسية، يا لها أمّ عيال، وثمال مال.
[89] قوله: ينشد: يطلب، والناشد: الطالب، يقال: نشدت الضالّة، فأنا أنشدها إذا طلبتها، وأنشدتها: عرّفتها، فأنا منشد، وأنشدني أبو بكر بن دريد: [السريع]
يصيخ للنّبأة أسماعه ... إصاخة النّاشد للمنشد (1)
[90] وقوله: حسراء مقبلة يعني: أنها قليلة شعر المقدّم، قد انحسر شعرها.
وشعراء مدبرة يعني: أنها كثيرة شعر المؤخّر. والغثرة: غبرة كدرة.
[91] والدّهسة: لون كلون الدّهاس، قال الأصمعي: والدّهاس من الرّمل: كل ليّن لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين، قال ذو الرمة يذكر فراخ النّعام: [البسيط]
جاءت من البيض زعرا لا لباس لها ... إلا الدّهاس وأمّ برّة وأب
__________
ومن طريقه المزي في «تهذيب الكمال» (9/ 120ترجمة: ربيعة)، من طريق عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن حسان، عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكره.
ومن هذا الوجه ذكره البخاري في ترجمة ربيعة من «التاريخ» (3/ 280)، وصححه الحاكم في «المستدرك» (2/ 172رقم 1879، ط: دار المعرفة).
وقد أورد أحمد في «مسنده»، وغيره ثناء ابن المبارك على يحيى بن حسان قال ابن المبارك «وكان شيخا كبيرا حسن الفهم».
ووثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به.
ولم يرو ربيعة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم غير هذا الحديث كما أفاده المزيّ في ترجمته، وإلى هذا أشار البخاري بإيراده له.
وروي عن أنس نحوه، ولا يصح لكونه على الراجح من رواية أبان بن أبي عياش وهو متروك عن أنس. وله طريق أخرى عن أنس والصواب فيها الإرسال: عن الحسن مرسلا.
انظر: «العلل» لابن أبي حاتم الرازي (2/ 170، 192رقم 2003، 2069)، وهو عند الترمذيّ في «الجامع» (35353524).
وله شاهد آخر عن أبي هريرة عند الحاكم من وجهين، وفي كلاهما نظر. وراجع تعليقه على الثاني منهما.
وانظر: «غريب الحديث» للخطابي (1/ 689)، و «النهاية» وغيره ماده: «لظ».
(1) هذا البيت للمثقب العبدي كما في «الكامل» للمبرد (ص 63) طبع أوربا. ط(1/45)
[92]
[ألوان المعز، وتفسير الألوان]:
وقال أبو زيد: الصّدآء من المعز: السوداء المشربة حمرة. والدّهساء: أقلّ منها حمرة.
والقنوء: شدّة الحمرة، والعرب تقول: أحمر قانئ وقد قنأ يقنأ قنوأ وأحمر ذريحيّ، وأحمر باحريّ وبحرانيّ وقاتم أي: شديد الحمرة وناصع والناصع: الخالص من كل لون. ويانع وناكع بيّن النّكعة. وقال ابن الأعرابي: ويقال: أحمر كالنّكعة، وهو ثمر النّقاوى وهو كالنّبقة، وأنشد: [الوافر]
إليكم لا تكون لكم خلاة ... ولا نكع النّقاوى إذ أحالا
[93] وقال أبو عبيدة: قال أعرابي يقال له أبو مرهب لآخر: قبح الله نكعة أنفك كأنها نكعة الطّرثوث، يريد: حمرة أنفه. ونكعة الطّرثوث: رأسه، وهو نبت يشبه القثّاء. وقال أبو عمرو الشيباني: وأحمر نكع وهو الذي يخالط حمرته سواد. وقال غيره: وأحمر سلّغد أي: أشقر، وأحمر أسلغ، وأحمر أقشر وهو الشديد الحمرة الذي يتقشر وجهه وأنفه في الحر، وأحمر عاتك، وأحمر غضب أي: شديد الحمرة.
[94]
[خبر الرجل العامري مع امرأته]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال: حدثني أبو عثمان، قال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن هارون التّوّزي، قال: أخبرني أبو عبيدة قال: تزوّج رجل من بني عامر بن صعصعة امرأة من قومه، فخرج في بعض أسفاره ثم قدم وقد ولدت امرأته وكان خلّفها حاملا، فنظر إلى ابنه فإذا هو أحمر غضب، أزبّ الحاجبين، فدعاها وانتضى السيف وأنشأ يقول: [الرجز]
لا تمشطي رأسي ولا تفليني ... وحاذري ذا الرّيق (1) في يميني
واقتربي دونك أخبريني ... ما شأنه أحمر كالهجين
خالف ألوان بنيّ الجون
فقالت تجيبه: [الرجز]
إنّ له من قبلي أجدادا ... بيض الوجوه كرما أنجادا
ما ضرّهم إن حضروا مجادا ... أو كافحوا يوم الوغى الأندادا
ألّا يكون لونهم سوادا
وامرؤ أكلف: وهو الكدر الحمرة، وأحمر فقّاعيّ: وهو الذي يخلط حمرته بياض، وأحمر قرف وكالقرف: وهو الأديم الأحمر، وأنشدنا اللّحيانيّ: [الرجز]
أحمر كالقرف وأحوى أدعج
[95] قال: ويقال: إنه لأحمر كالصّربة، والصّربة: الصّمغة الحمراء وجمعها صرب،
__________
(1) ذو الريق: السيف يقال له ذلك لكثرة مائه. ط(1/46)
وأحمر كالمصعة، وهو ثمر العوسج، وأبيض يقق ولهق وصرح ولياح ولياح ووابص وحضّيّ وقهب: وهو الذي يخالط بياضه حمرة وقهد أيضا. وأسود حانك وحالك وحلكوك وحلكوك ومحلنكك ومحلولك وسحكوك ومسحنكك قال الراجز: [الرجز]
تضحك منّي شيخة ضحوك ... واستنوكت وللشّباب نوك
وقد يشيب الشّعر السّحكوك
وحلبوب أيضا قال الشاعر: [الرجز]
أما تريني اليوم نضوا خالصا ... أسود حلبوبا وكنت وابصا
والوابص: الذي يبص من شدّة بياضه. وأسود فاحم: للشديد السواد، وهو مشتق من الفحم، ويحموم وحندس ودجوجيّ وخداريّ وغدافيّ وغربيب ومدلهمّ وغيهم وغيهب. وأخضر ناضر وباقل ومدهامّ. وأصفر فاقع وفقّاعيّ، كما قالوا في الأحمر: فقّاعيّ ووارس وأرمك رادني وأورق خطبانيّ: إذا كان خالصا. والأورق: الرّماد، والورقة: لون الرماد، والأرمك: دون ذلك. والدبسة: حمرة يعلوها سواد، وقال أبو عبيدة: الدّبسة: شقرة يعلوها سواد.
[96] وقوله: سجحاء الخدّين أي: سهلة الخدّين حسنتهما، ومن هذا قالوا:
أسجح أي: أحسن، قال الشاعر: [الوافر]
معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديد (1)
أي: أحسن وسهّل.
[97] وخطلاء: طويلة الأذنين مضطربتهما ومنه قيل لكلاب الصّيد: خطل.
[98] وقوله: فشقاء، أي: منتشرة متباعدة.
وقرأت على أبي بكر بن دريد لرؤبة: [الرجز]
فبات والنّفس من الحرص الفشق ... في الزّرب لو يمضغ شريا ما بصق
يقول: بات هذا الصائد في القترة، وهي النّموس والزّرب أيضا، وقد أبصر وحشا فانتشرت نفسه، فلو مضغ شريا ما بصق لئلا ينفر الوحش.
[99] والشّري: الحنظل. والصّوران: القرنان، واحدهما صور. وأنشدنا أبو بكر بن الأنباريّ: [الرجز]
نحن نطحناهم غداة الغورين ... بالضّابحات في غبار النّقعين
نطحا شديدا لا كنطح الصّورين
__________
(1) رواه النحويون «ولا الحديدا» بالنصب عطفا على محل الجبال وقد رواه المبرد «ولا الحديد» وقال:
إن هذه القصيدة مشهورة وهي مخفوضة كلها وهذا البيت أولها وبعده:
فهيا أمة ذهبت ضياعا ... يزيد أميرها وأبو يزيد
أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد
انظر: «خزانة الأدب» للبغدادي (ج 1ص 343). ط(1/47)
[100] والزّنمتان: الهنيّتان المتعلّقتان ما بين لحيي العنز. والتّتوان: ذؤابتا القلنسوة، واحدهما تتو. وفي القلنسوة لغات يقال: قلنسوة وقلنسية وقلنساة وقلساة، وقال أحمد بن عبيد: وقليسية تصغير قلساة، قال: وجمع قلساة قلاسيّ، وحكى عن الزبيدي: ما أعجب هذه القلاسيّ التي أراها على رءوسكم، وروى أبو عبيدة عن الأصمعي وأبي زيد: قليسية وجمعها قلاس، وقرأت على أبي بكر بن الأنباري في «الغريب المصنّف» قال: أنشدنا أبو زيد: [الطويل] إذا ما القلاسي والعمائم أخنست ... ففيهن عن صلع الرّجال حسور
[101] وقوله: ثمال مال أي: أصل مال، والثّميلة: ما يبقى في بطن البعير من العلف. وقيل لأعرابي: اشرب، فقال: إني لا أشرب إلا على ثميلة.
[102]
[خبر بعض الشباب العاشقين]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: مررت بحمى الرّبذة فإذا صبيان يتقامسون في الماء وشابّ جميل الوجه ملوّح الجسم قاعد، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام وقال: من أين وضح الراكب؟ قلت: من الحمى، قال: ومتى عهدك به؟
قلت: رائحا، قال: وأين كان مبيتك؟ قلت: أدنى هذه المشاقر، فألقى نفسه على ظهره وتنفّس الصّعداء، فقلت: تفسّأ حجاب قلبه، وأنشأ يقول: [الطويل]
سقى بلدا أمست سليمى تحلّه ... من المزن ما تروي به وتسيم
وإن لم أكن من قاطنيه فإنّه ... يحلّ به شخض على كريم
ألا حبّذا من ليس يعدل قربه ... لديّ وإن شطّ المزار نعيم
ومن لامني فيه حميم وصاحب ... فردّ بغيظ صاحب وحميم
ثم سكت سكتة كالمغمى عليه، فصحت بالأصبية، فأتوا بماء فصببته على وجهه، فأفاق وأنشأ يقول: [الوافر]
إذا الصّبّ الغريب رأى خشوعي ... وأنفاسي تزيّن بالخشوع
ولي عين أضرّ بها التفاتي ... إلى الأجراع مطلقة الدّموع
إلى الخلوات تأنس فيك نفسي ... كما أنس الوحيد إلى الجميع
[103] قوله: يتقامسون: يتعاطّون، يقال: قمسته في الماء ومقلته وغمسته وغططته.
وقال لي أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى: المشاقر: منابت العرفج، وقال غيره:
المشاقر: الرّمال، واحدها مشقر، وأنشدني لذي الرمّة: [الطويل]
كأنّ عرى المرجان منها تعلّقت ... على أمّ خشف من ظباء المشاقر
[104]
[أسماء الشيء البالي]:
وقوله: تفسّأ حجاب قلبه يقال: تفسّأ الثّوب وتهمّأ: إذا تشقّق، وتهتّأ: إذا انشقّ من البلى، ويقال: تسلسل الثوب وأسمل وجرد وانجرد وأسحق وانسحق وأنهج ومحّ وأمحّ
وهمد: كلّه إذا أخلق. والسّمل والجرد والسّحق والنّهج: الخلق، قال ذو الرمة: [الطويل](1/48)
وقوله: تفسّأ حجاب قلبه يقال: تفسّأ الثّوب وتهمّأ: إذا تشقّق، وتهتّأ: إذا انشقّ من البلى، ويقال: تسلسل الثوب وأسمل وجرد وانجرد وأسحق وانسحق وأنهج ومحّ وأمحّ
وهمد: كلّه إذا أخلق. والسّمل والجرد والسّحق والنّهج: الخلق، قال ذو الرمة: [الطويل]
قف العنس في أطلال ميّة فاسأل ... رسوما كأخلاق الرّداء المسلسل
وقال كثيّر: [الطويل]
فأسحق برداه ومحّ قميصه ... فأثوابه ليست لهنّ مضارج
وقال العجاج: [الرجز]
ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا ... من طلل كالأتحميّ أنهجا
وقال الأعشى: [الرجز]
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا ... وأرى ثيابك باليات همّدا
والحشيف: الخلق أيضا، قال الهذلي: [الوافر]
أتيح لها أقيدر ذو حشيف ... إذا سامت على الملقات ساما
وكذلك الدّرس والدّريس قال المتنخّل: [البسيط]
قد حال دون دريسيه مؤوّبة ... نسع لها بعضاه الأرض تهزيز
مؤوّبة: ريح جاءت مع الليل. ونسع ومسع: اسم من أسماء الشّمال. والهدمل: الثوب الخلق، قال تأبّط شرّا: [الطويل]
نهضت إليها من جثوم كأنّها ... عجوز عليها هذمل ذات خيعل
والهدم: الخلق، قال الكميت: [الطويل]
فأصبح باقي عيشنا وكأنّه ... لواصفه هدم الخباء المرعبل
إذا حيص منه جانب راع (1) جانب ... بفتقين يضحى فيهما المتظلّل
والمرعبل: الممزّق. وحيص: خيط. والطّمر: الخلق.
[105]
[قصيدة في فضل الحسب وصنائع المعروف]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله! عن أبيه، عن أحمد بن عبيد لشاعر (2) قديم: [الطويل] وعاذلة هبّت بليل تلومني ... ولم يغتمرني قبل ذاك عذول
تقول اتّئد لا يدعك الناس مملقا ... وتزري بمن يا بن الكرام تعول
فقلت أبت نفس علي كريمة ... وطارق ليل غير ذاك يقول
ألم تعلمي يا عمرك الله أنّني ... كريم على حين الكرام قليل
__________
(1) في «لسان العرب»: «ريع جانب» بصورة المبني للمفعول وقال: أي انخرق. ط
(2) في نسخة أخرى من هذا الكتاب محفوظة بدار الكتب الأهلية في باريز تحت رقم (4236) مانصه:
«قال أبو الحجاج: هو هذيل بن ميسر الفزاري» اهـ من تعليقات المستشرق كرنكو بالفهرس الذي وضعه لشعراء الأمالي وطبع بليدن سنة 1913م. ط(1/49)
وإنّي لا أخزى إذا قيل مملق ... سخيّ وأخزى أن يقال بخيل
فلا تتبعي العين الغويّة وانظري ... إلى عنصر الأحساب أين يئول
ولا تذهبن عيناك في كل شرمح ... له قصب جوف العظام أسيل
عسى أن تمنّى عرسه أنّني لها ... به حين يشتدّ الزمان بديل
إذا كنت في القوم الطّوال فضلتهم ... بعارفة حتّى يقال طويل
ولا خير في حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حسن الجسوم عقول
وكائن رأينا من فروع طويلة ... تموت إذا لم يحيهنّ أصول
فإن لا يكن جسمي طويلا فإنّني ... له بالفعال الصالحات وصول
ولم أر كالمعروف أمّا مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل
[106] قال أبو علي: الشّرمح: الطويل، وكذلك الشوقب. وقال أبو بكر بن الأنباري رحمه الله تعالى: العارفة: النّفس الصابرة. وأنشدنا بعض أصحابنا لعليّ بن العباس الرومي: [الكامل]
وذخرته للدّهر أعلم أنّه ... كالحصن فيه لمن يئول مآل
ورأيته كالشّمس إن هي لم تنل ... فضياؤها والرّفق منه ينال
وأنشدني أيضا مثل هذا المعنى لسعيد بن حميد الكاتب: [الطويل]
أهاب وأستحيي وأرقب وعده ... فلا هو يبداني ولا أنا أسأل
هو الشمس مجراها بعيد وضوءها ... قريب وقلبي بالبعيد موكّل
[107]
[خبر امرأة بالبادية كانت تطوف حول قبر]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد الأزدي، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: رأيت بالبادية امرأة على راحلة لها تطوف حول قبر وهي تقول: [الكامل]
يا من بمقلته زها الدهر ... قد كان فيك تضاءل الأمر
زعموا قتلت وما لهم خبر ... كذبوا وقبرك ما لهم عذر
يا قبر سيّدنا المجنّ سماحة ... صلّى الإله عليك يا قبر
ما ضرّ قبرا فيه شلوك (1) ساكن ... ألّا يمرّ بأرضه القطر
فلينبعنّ سماح جودك في الثّرى ... وليورقنّ بقربك الصّخر
وإذا غضبت تصدّعت فرقا ... منك الجبال وخافضك الذّعر
وإذا رقدت فأنت منتبه ... وإذا انتبهت فوجهك البدر
والله لو بك لم أدع أحدا ... إلا قتلت لفاتني الوتر
__________
(1) الشلو: الجسد، والعضو.(1/50)
قال: فدنوت منها لأسألها عن أمرها فإذا هي ميتة.
[108]
[شعر في مدح ثقيف]:
وأنشد الأخفش، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى ومحمد بن الحسن: [البسيط]
لله در ثقيف أيّ منزلة ... حلّوا بها بين سهل الأرض والجبل
قوم تخيّر طيب العيش رائدهم ... فأصبحوا يلحفون الأرض بالحلّل
ليسوا كمن كانت التّرحال همّته ... أخبث بعيش على حلّ ومرتحل
[109]
[شعر في مدح إعانة الصديق]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لبعض الأعراب: [الطويل]
سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلّت
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشّكوى إذا النّعل زلّت
رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتّى تجلّت
[110]
[كلّ يمشي إلى منّيته، وترك الأسى على ما فات]:
وأنشدنا الأخفش أيضا قال: أنشدنا بعض أصحابنا: [البسيط]
فما تزوّد ممّا كان يجمعه ... إلّا حنوطا غداة البين مع خرق
وغير نفحة أعواد شببن له ... وقلّ ذلك من زاد لمنطلق
لا تأسينّ على شيء فكلّ فتى ... إلى منيّته يستنّ في عنق
بأيّما بلدة تقدر منيّته ... إلّا يسارع إليها طائعا يسق
[111]
[شعر في التواضع مع علو القدر]:
وأنشدني أبو بكر التاريخي للبحتري: [الوافر]
دنوت تواضعا وبعدت قدرا ... فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشّمس يبعد أن تسامى ... ويدنو الضّوء منها والشّعاع
[112]
[شعر في مدح بني شيبان]:
وأنشدني أبو بكر بن دريد رحمه الله لبعض الأعراب: [البسيط] إنّي حمدت بني شيبان إذ خمدت ... نيران قومي وشبّت فيهم النّار
ومن تكرّمهم في المحل أنّهم ... لا يعرف الجار فيهم أنه جار
حتى يكون عزيزا من نفوسهم ... أو أن يبين جميعا وهو مختار
كأنه صدع في رأس شاهقة ... من دونه لعتاق الطّير أوكار
[113]
[مدح آل المهلّب]:
وأنشدني أيضا: [الطويل]
نزلت على آل المهلّب شاتيا ... غريبا عن الأوطان في زمن المحل
فما زال بي إكرامهم وافتقادهم ... وإلطافهم حتى حسبتهم أهلي
قال أبو علي: ويروى: واقتفاؤهم، وهو: الإيثار.(1/51)
نزلت على آل المهلّب شاتيا ... غريبا عن الأوطان في زمن المحل
فما زال بي إكرامهم وافتقادهم ... وإلطافهم حتى حسبتهم أهلي
قال أبو علي: ويروى: واقتفاؤهم، وهو: الإيثار.
[114]
[وصف شابّ لفرس اشتراه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي قال: ابتاع شابّ من العرب فرسا، فجاء إلى أمّه وقد كفّ بصرها، فقال: يا أمي، إني قد اشتريت فرسا، فقالت:
صفه لي، قال: إذا استقبل فظبي ناصب، وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيد قارب، مؤلّل المسمعين، طامح الناظرين، مذعلق الصّبيّين، قالت: أجودت إن كنت أعربت، قال: إنه مشرف التّليل، سبط الخصيل، وهواه الصّهيل، قالت: أكرمت فارتبط.
[115] قال أبو علي: الناصب: الذي نصب عنقه وهو أحسن ما يكون. والهقل:
الذكر من النّعام، والأنثى هقلة. والخاضب: الذي أكل الرّبيع فاحمرّت ظنبوباه وأطراف ريشه. والسّيد: الذّئب. ومولّل: محدّد. والألّة: الحربة، وجمعها إلال. والإلّ: العهد، والإلّ: القرابة، قال حسّان بن ثابت رضي الله عنه: [الوافر]
لعمرك إنّ إلّك من قريش ... كإلّ السّقب (1) من رأل (2) النّعام
[116] والإلّ: الله تبارك وتعالى، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: «هذا كلام لم يخرج من إلّ» ومنه قولهم: جبرئلّ. والألّ: الأوّل، وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله: [الهزج]
لمن زحلوقة زلّ ... بها العينان تنهلّ (3)
ينادي الآخر الألّ ... ألا حلّوا ألا حلّوا
[117] الزّحلوقة: آثار تزلّج الصّبيان من فوق إلى أسفل، وأهل العالية يقولون زحلوفة بالفاء، وتميم يقولون زحلوقة بالقاف. والألّ: السّرعة، أنشدنا يعقوب (4): [الرجز]
مهر أبي الحبحاب لا تشلّي ... بارك فيك الله من ذي ألّ (5)
[118] وطامح: مشرف. وقال قطرب بن المستنير: الذّعلوق: نبت يشبه الكرّاث يلتوي، وهو طيّب للأكل. والصّبيّان: مجتمع لحييه من مقدّمهما، وقال أبو عبيدة: الصّبيّان:
__________
(1) السقب: ولد الناقة. ط
(2) الرأل: ولد النعام. ط
(3) هذان البيتان لامرئ القيس كما في «اللسان» (ج 13ص 27). ط
(4) قائله أبو الخضري اليربوعي يمدح عبد الملك بن مروان وكان قد أجرى مهرا فسبق. انظر: «اللسان» مادة: «ألل». وفي هامش «اللسان» مادة: «شلل»: قال في «التكملة»: والرواية مهر أبي الحارث».
وقد حرك: لا تشلي للقافية، والياء من صلة الكسر وهو كما قال امرؤ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ط
(5) انظر: «التنبيه» [21].(1/52)
العظمان المنحنيان من حرفي وسط اللّحيين من ظاهرهما عليهما لحم. والتّليل: العنق.
والخصيل: كل لحمة مستطيلة وجمعها خصائل، وقال أبو عبيدة: الخصيلة: كل ما انماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. والوهوهة: صوت يقطّعه.
[119]
[من أوصاف النساء]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: وصف أعرابي نساء فقال: يلتثمن على السّبائك. ويتّشحن على النّيازك، ويأتزرن على العوانك، ويرتفقن على الأرائك، ويتهادين على الدّرانك، ابتسامهنّ وميض، عن وليع كالإغريض، وهنّ إلى الصّبا صور، وعن الخنا نور.
[120] قال أبو زيد: اللّثام على الفم، واللّفام على طرف الأنف يقال: تلثّمت المرأة وتلفّمت المرأة. والسّبائك هاهنا: الأسنان شبهها لبياضها بالسّبائك. والنّيازك: واحدها نيزك وهو الرّمح القصير. والعوانك: واحدها عانك وهو رمل منعقد يشقى فيه البعير لا يقدر على السير، فيقال حينئذ: قد اعتنك. والأرائك: السّرر، واحدها أريكة، وقال قوم:
الفرش. ويتهادين: يمشين مشيا ضعيفا، قال الأعشى: [المتقارب]
تهادى كما قد رأيت البهيرا (1)
والدّرانك: الطّنافس، واحدها درنوك. والوميض: اللمعان الخفيّ. والإغريض والوليع: الطّلع. وصور: موائل، ومنه قيل للمائل العنق: أصور. ونور: نفّر من الرّيبة، واحدها نوار.
[121] وأنشدنا أبو بكر بن دريد فيما أملاه علينا من معاني الشعر: [الطويل]
إذا ما اجتلى الرّاني إليها بطرفه ... غروب ثناياها أنار وأظلما
الغروب: حدّ الأسنان، واحدها غرب. والراني: المديم النظر. وقوله: أنار وأظلم أي: أصاب ضوءا وظلما. والظّلم: ماء الأسنان.
[122]
[ألم الهجر والصدود، ومتى ينفذ الوشاة؟]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لأعرابي (2): [الطويل]
أيا عمرو كم من مهرة عربيّة ... من النّاس قد بليت بوغد يقودها
يسوس وما يدري لها من سياسة ... يريد بها أشياء ليست تريدها
مبتّلة الأعجاز زانت عقودها ... بأحسن ممّا زيّنتها عقودها
خليليّ شدّا بالعمامة واحزما ... على كبد قد بان صدعا عمودها
__________
(1) البهير: منقطع النفس من الأعياء، وصدر البيت كما في «اللسان»:
إذا ما تأتي يريد القيام ط
(2) انظر: «التنبيه» [13].(1/53)
خليليّ هل ليلى مؤدّية دمي ... إذا قتلتني أو أمير يقيدها
وكيف تقاد النفس بالنفس لم تقل ... قتلت ولم يشهد عليها شهودها
ولن يلبث الواشون أن يصدعوا العصا ... إذا لم يكن صلبا على البرى عودها
نظرت إليها نظرة ما يسرّني ... بها حمر أنعام البلاد وسودها
ولي نظرة بعد الصدود من الهوى ... كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها
فحتّى متى هذا الصدود إلى متى ... لقد شفّ نفسي هجرها وصدودها
فلو أنّ ما أبقيت منّي معلّق ... بعود ثمام ما تأوّد عودها
* * * [123] ومما اخترته ودفعته إلى أبي بكر فقرأه عليّ: [الكامل]
يلقى السّيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر
ويقول للطّرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر
وإذا تأمّل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب عيش أغبر
أو ما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
* * * [124] وأنشدنا أبو عبد الله قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل] لقد هزئت منّي بنجران أن رأت ... مقامي في الكبلين أمّ أبان
كأن لم ترى قبلي أسيرا مقيّدا ... ولا رجلا يرمى به الرّجوان (1)
خليليّ ليس الرأي في صدر واحد ... أشيرا عليّ اليوم ما تريان
أأركب صعب الأمر إنّ ذلوله ... بنجران لا يقضى لحين أوان
[125]
[خبر الراعي الذي أنذر قومه فأخذوا بقوله فنجوا]:
وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي قال: مرّ منسر من العرب بغلام يرعى غنيمة له وبينه وبين أهله شعب أو نقب، فترك غنمه وأسند في الجبل فأتي قومه فأنذرهم، فقالوا له: ما رأيت؟ قال: رأيت سبعة كالرماح، على سبعة كالقداح، غائرة العيون، لواحق البطون، ملس المتون، جريها انبتار، وتقريبها انكدار، وإرخاؤها استعار، وعهدي بهم قد لاذوا بالضّلع، وكأنّكم بغبارهم قد سطع، فلم يفرغ من كلامه حتى رأوا الغبرة فاستعدوا، وصادفهم القوم حاذرين فأدبروا عنهم.
[126] قال أبو علي: المنسر: جماعة الخيل، والمنسر بكسر الميم: منقار الطائر لأنه ينسر به أي: ينتف به، وأحسب النّسر من هذا لأنه ينسر اللحم أي: ينتفه، قال
__________
(1) يرمى به الرجوان: يستهان به ويطرح في المهالك. ط(1/54)
الأصمعي: منسر في الخيل والمنقار بكسر الميم، وتابعه على ذلك يعقوب، وقال الأصمعي:
إنما سمى منسرا لأنه ينسر به كل ما مرّ به، أي: ينتفه ويأخذه. والشّعب أكبر من اللّصب، وهو الشّقّ في الجبل. والنّقب: الطريق في الجبل، قال عمرو بن الأيهم التغلبيّ: [الخفيف]
وتراهنّ شرّبا (1) كالسّعالي (2) ... يتطلّعن من ثغور النّقاب
[127] قال أبو علي: الانبتّار: الشدة في العدو لأنه انقطع عن التقريب والإرخاء.
وانكدار: انفعال من قولهم: انكدر إذا أسرع بعض الإسراع. والتقريب تقريبان فالتقريب الأدنى: أن يجمع يديه ورجليه عند الحضر، والتقريب الأعلى: أن يجمع يديه مع رجليه ويحزئل متنه، وهذا هو الإرخاء الأدنى، فأما الإرخاء الأعلى فهو: أن يدعه وسومه من الحضر. والضّلع: الجبيل الصغير.
[128]
[شعر في ترك الفاحشة، خاصة بحليلات الجيران]
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله: [الوافر]
ولست بصادر عن بيت جاري ... صدور العير عمّره الورود
ولست بسائل جارات بيتي ... أغيّاب رجالك أم شهود
ولا ألقي لذي الودعات سوطي ... لألهيه وريبته أريد
أي: لا أصدر عن بيت جاري مثل العير الذي قد تغمّر أي: لم يرو، وفيه حاجة إلى العودة يقول: فأنا لا آتي بيت جاري هكذا أريد الريبة. وذو الودعات: الصبيّ، يقول: لا ألهي الصبى بالسوط وأخلو أنا بأمّه. ومثله قول مسكين الدارميّ: [الكامل]
لا آخذ الصبيان ألثمهم ... والأمن قد يعزى به الأمر
[129]
[ملاحاة أعمام عمارة بن عقيل مع أخواله]
قال أبو علي: وحدثني محمد بن السري وابن درستويه والأخفش قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يزيد، قال: أخبرنا عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير قال: وقع بين أعمامي وأخوالي لحاء (3) في أرض، فتراضوا عند حاكم لهم بشيخ منهم ورضوا بيمينه مع الشهادة، فكان إذا استحلف بالمشي إلى مكة حلف بالمشي إلى جدّة، وإذا استحلف بطلاق امرأة حلف بطلاق أربع، وإذا استحلف بعتاق عبد حلف بعتاق مائة، وكنت أحبّ أن يظهر أعمامي على أخوالي فظهروا عليهم، فقلت: [الكامل]
لا شيء يدفع حقّ خصم شاغب ... إلا كحلف عبيدة بن سميذع
__________
(1) خيل شزب: ضوامر. ط
(2) السعالي جمع سعلاة: الغول وكان العرب في الجاهلية يعتقدون وجوده. وقد أبطله الإسلام في الحديث الشريف «لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا غول». ط
(3) لحاء: نزاع، وفي المثل: «من لا حاك فقد عاداك»، وتلاحوا: تنازعوا.(1/55)
يمضي اليمين على اليمين لجاجة ... عضّ الجموح على اللجام المقدع (1)
وإذا يذكّر حلفة أصغى لها ... وإذا يذكّر بالتّقى لم يسمع
سهل اليمين إذا أردت يمينه ... بخدائع السّفراء غير مخدّع
يهتزّ حين تمرّ حجّة خصمه ... خوف الهضيمة كاهتزاز الأشجع
يغشى مضرّته لنفع صديقه ... ما خير ذي حسب إذا لم ينفع
* * * [130] وقريء على أبي بكر بن دريد وأنا أسمع لرجل ذكر دارا ووصف ما فيها فقال: [الكامل]
إلّا رواكد بينهنّ خصاصة ... سفع المناكب كلّهنّ قد اصطلى
ومجوّفات قد علا أجوازها ... أسآر جرد مترصات كالنّوى
[131] رواكد: ثوابت يعني: أثافيّ. والخصاصة: الفرجة. والسّفعة: سواد تعلوه حمرة. ومجوّفات يعني: نعاما، والتجويف: أن يبلغ البياض البطن. وقوله: علا أجوازها أي: علا التجويف أوساطها. وأسآر: بقايا، الواحد سؤر. وجرد: خيل قصار شعر الأبدان، واحدتها جرداء، وذلك من عتقها، يقول: قد طردت الخيل هذه النعام فقتلت بعضها وبقي بعض، فهذه البقايا بقايا هذه الخيل. ومترصات: محكمات. كالنّوى، أي: صلاب، ويجوز أن يكون في ضمرهنّ.
[132]
[شعر في ترك الفاحشة بحليلة الجار والصديق، وذم الغدر]:
وحدثنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قال:
أخبرنا الزبير، قال: أخبرنا عبد الملك، قال: قال لي أبو السائب: يا بن أخي! أنشدني للأحوص فأنشدته قوله: [الكامل]
قالت وقلت تحرّجي وصلي ... حبل امرئ بوصالكم صبّ
صاحب إذا بعلي فقلت لها ... الغدر شيء ليس من ضربي
ثنتان لا أدنو لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب
أمّا الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصاني به ربّي
عوجا كذا نذكر لغانية ... بعض الحديث مطيّكم صحبي
ونقل لها فيم الصّدود ولم ... نذنب بل انت بدأت بالذّنب
إن تقبلي نقبل وننزلكم ... منا بدار الودّ والرّحب
أو تدبري تكدر معيشتنا ... وتصدّعي متلائم الشّعب
__________
(1) المقدع: اسم فاعل من أقدع فرسه باللجام: كبحه. ط(1/56)
فقال لي: يا ابن أخي، هذا المحبّ عينا لا الذي يقول: [الوافر]
وكنت إذا حبيب رام صرمي ... وجدت وراى منفسحا عريضا
اذهب، فلا صحبك الله ولا وسّع عليك.
[133]
[شعر في وزن الرجل يعمله وكرمه وخيره لا بصورته وهيئته]:
قال أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي: وأخبرنا أبو بكر، قال: أخبرنا السكن بن سعيد، قال: أخبرنا علي بن نصر الجهضمي قال: دخل كثيّر على عبد الملك بن مروان رحمه الله! فقال عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزّة؟ قال: نعم، قال: أن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه، فقال: يا أمير المؤمنين، كلّ عند محلّه رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السّناء، ثم أنشأ يقول (1): [الوافر]
ترى الرجل النّحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطّرير إذا تراه ... فيخلف ظنّك الرجل الطرير
يغاث الطّير أطولها رقابا ... ولم تطل البزاة ولا الصّقور
خشاش الطير أكثرها فراخا ... وأمّ الصّقر مقلات (2) نزور
ضعاف الأسد أكثرها زئيرا ... وأصرمها الّلواتي لا تزير
وقد عظم البعير بغير لبّ ... فلم يستغن بالعظم البعير
ينوّخ ثم يضرب بالهراوى ... فلا عرف لديه ولا نكير
يقوّده الصبيّ بكل أرض ... وينحره على التّرب الصغير
فما عظم الرجال لهم بزين ... ولكن زينهم كرم وخير
فقال عبد الملك: لله درّه، ما أفصح لسانه، وأضبط جنانه، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه.
[134]
[قصيدة عبد الله بن سبرة الحرشي حين قطعت يده في بعض غزواته]:
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، وأبو الحسن الأخفش وأبو بكر بن دريد والألفاظ مختلطة لعبد الله بن سبرة الحرشي (3) وكانت قطعت يده في بعض غزواته الروم فقال يرثيها (4): [البسيط]
ويل أمّ جار غداة الرّوع فارقني ... أهون عليّ به إذ بان فانقطعا
__________
(1) في «ديوان الحماسة»: أن هذه الأبيات للعباس بن مرداس. ط
(2) مقلات: لا يكثر فرخها. ط
(3) الحرشى بالحاء المهملة منسوب إلى حرش موضع باليمن كما في شرح الحماسة وكتاب المعارف لابن قتيبة. ط
(4) انظر: «التنبيه» [14].(1/57)
يمنى يديّ غدت مني مفارقة ... لم أستطع يوم فلطاس لها تبعا
وما ضننت عليها أن أصاحبها ... لقد حرصت على أن نستريح معا
وقائل غاب عن شأني وقائلة ... هلا اجتنبت عدوّ الله إذ صرعا
وكيف أركبه يسعى بمنصله ... نحوي وأعجز عنه بعد ما وقعا
ما كان ذلك يوم الرّوع من خلقي ... ولو تقارب مني الموت فاكتنعا (1)
ويل أمّه فارسا أجلت عشيرته ... حامي وقد ضيّعوا الأحساب فارتجعا
يمشي إلى مستميت مثله بطل ... حتى إذا أمكنا سيفيهما امتصعا (2)
كلّ ينوء بماضي الحدّ ذي شطب (3) ... جلّي الصياقل عن ذرّيّه (4) الطّبعا (5)
حاسيته (6) الموت حتى اشتفّ آخره ... فما استكان لما لاقى ولا جزعا
كأنّ لمّته هدّاب (7) مخملة (8) ... أحمّ أزرق لم يشمط وقد صلعا
فإن يكن أطربون (9) الرّوم قطّعها ... فقد تركت بها أوصاله قطعا
وإن يكن أطربون الروم قطّعها ... فإنّ فيها بحمد الله منتفعا
بنانتين وجذمورا أقيم بها ... صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا
[135] قال أبو علي: الجذمور: الأصل ويقال: أخذت الشيء بجذاميره.
[136] وأنشدنا إبراهيم قال: أنشدنا أحمد بن يحيى قال: أنشدنا الزبير لجرير الدّيلي: [البسيط]
كأنما خلقت كفّاه من حجر ... فليس بين يديه والنّدى عمل
يرى التّيمّم في برّ وفي بحر ... مخافة أن يرى في كفّه بلل
[137]
[ما جرى في مجلس أبي عمرو بن العلاء بن شبيل بن عروة ويونس]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس قال:
كنت عند أبي عمرو بن العلاء فجاءه شبيل بن عروة الضبعيّ. فقام إليه أبو عمرو فألقى إليه لبدة بغلته، فجلس عليها ثم أقبل عليه يحدّثه فقال شبيل: يا أبا عمرو سألت رؤبتكم هذا عن
__________
(1) اكتنعا: دنا. ط
(2) امتصعا: بعدا. ط
(3) الشطب: طرائق السيف في مثنه. ط
(4) ذري السيف: تلألؤه وإشراقه. ط
(5) الطبعا: الوسخ الشديد من الصدا. ط
(6) حاسيته: ساقيته. ط
(7) الهداب: الخيوط التي تبقى في طرفي الثوب من عرضيه. ط
(8) المخملة: نسج له همل أي: وبر. ط
(9) كذا في الطبعة الأولى و «عيون الأخبار» المطبوع بدار الكتب المصرية (ج 2ص 193) المجلد الأول، وورد في «الكامل» لابن الأثير وفي «تاريخ الطبري» في الكلام على فتح بيت المقدس: «أرطبون»، وجاء في «شرح القاموس» نقلا عن «شرح الأمالي»: أطرابون: الطريق وقال ابن سيده: هو الرئيس من الروم. ط(1/58)
اشتقاق اسمه فما عرفه، قال يونس: فلما ذكر رؤبة لم أملك نفسي، فزحفت إليه فقلت:
لعلك تظن أن معدّ بن عدنان أفصح من رؤبة وأبيه، فأنا غلام رؤبة، فما الرّوبة والرّوبة والرّوبة والرّوبة والرّؤبة؟ فلم يحر جوابا وقام مغضبا، فأقبل علىّ أبو عمرو بن العلاء وقال: هذا رجل شريف يقصد مجالسنا ويقضي حقوقنا وقد أسأت فيما واجهته به، فقلت: لم أملك نفسي عند ذكر رؤبة، ثم فسّر لنا يونس فقال: الرّوبة: خميرة اللّبن، والرّوبة: قطعة من الليل. وفلان لا يقوم بروبة أهله. أي: بما أسندوا إليه من أموالهم ومن حوائجهم. والرّوبة: جمام ماء الفحل. والرّؤبة مهموزة: القطعة تدخلها في الإناء تشعب بها الإناء.
[138]
[قول الأحيمر أحد لصوص بني سعد قبل وبعد توبته]:
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله تعالى، عن أبي حاتم، عن الأصمعي وأبي عبيدة للأحيمر أحد لصوص بني سعد: [الطويل]
وقالت أرى ربع القوام وشاقها ... طويل القناة بالضّحاء نؤوم
فإن أك قصدا (1) في الرجال فإنني ... إذا حلّ أمر ساحتي لجسيم
وزادني أبو عبيدة بعد هذين البيتين:
تعيّرني الإعدام والبدو معرض ... وسيفي بأموال التّجار زعيم
قال: ثم تاب فقال: [البسيط]
أشكو إلى الله صبري عن زواملهم (2) ... وما ألاقي إذا مرّوا من الحزن
قل للّصوص بني الّلخناء يحتسبوا ... بزّ (3) العراق وينسوا طرفة اليمن
فربّ ثوب كريم كنت آخذه ... من القطار بلا نقد ولا ثمن
* * * [139] وأنشدنا أبو بكر، عن أبي حاتم، عن الأصمعي وأنشدني أيضا الأخفش قال: أنشدنا بعض أصحابنا هذه الأبيات: [الوافر]
حللنا آمنين بخير عيش ... ولم يشعر بنا واش يكيد
ولم نشعر بجدّ البين حتى ... أجدّ البين سيّار عنود
وحتّى قيل قوّض آل بشر ... وجاءهم ببينهم البريد
وأبرزت الهوادج ناعمات ... عليهنّ المجاسد (4) والعقود
__________
(1) رجل قصد: أي ليس بالجسيم ولا بالنحيف. ط
(2) قال في «اللسان»: يجوز أن يكون جمع زاملة، وفسرها بقوله: وهي البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع. ط
(3) البز: الثياب وورد في «اللسان» في مادة «طرف» بلفظ: «بر». ط
(4) المجاسد: جمع المجسد بضم الميم: وهو القميص المصبوغ المشبع بالجسد أو الجساد وهو الزعفران. ط(1/59)
فلمّا ودّعونا واستقلّت ... بهم قلص هواديهنّ قود
كتمت عواذلي ما في فؤادي ... وقلت لهنّ ليتهم بعيد
فجالت عبرة أشفقت منها ... تسيل كأنّ وابلها فريد
فقالوا قد جزعت فقلت كلّا ... وهل يبكي من الطّرب الجليد
ولكنّي أصاب سواد عيني ... عويد قذى له طرف حديد
فقالوا ما لدمعهما سواء ... أكلتا مقلتيك أصاب عود
لقبل دموع عينك خبّرتنا ... بما جمجمت (1) زفرتك الصّعود
فقم وانظر يزدك مطال شوق ... هنالك منظر منهم بعيد
[140]
[خبر الجاحظ حين فلج]:
وحدثنا أبو معاذ عبدان الخولي المتطبّب قال: دخلنا يوما بسرّ من رأى على عمرو بن بحر الجاحظ نعوده وقد فلج، فلما أخذنا مجالسنا أتى رسول المتوكل فيه فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشقّ مائل، ولعاب سائل؟ ثم أقبل علينا فقال: ما تقولون في رجل له شقّان:
أحدهما لو غرز بالمسالّ ما أحسّ، والشّق الآخر يمرّ به الذباب فيغوّث، وأكثر ما أشكوه الثمانون؟ ثم أنشدنا أبياتا من قصيدة عوف بن محلّم الخزاعي. قال أبو معاذ: وكان سبب هذه القصيدة أن عوفا دخل على عبد الله بن طاهر. فسلّم عليه عبد الله فلم يسمع، فأعلم بذلك، فزعموا أنه ارتجل هذه القصيدة ارتجالا، فأنشده: [السريع]
يا بن الذي دان له المشرقان ... طرّا وقد دان له المغربان
إنّ الثمانين وبلّغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدّلتني بالشّطاط (2) انحنا ... وكنت كالصّعدة (3) تحت السّنان
وبدّلتني من زماع (4) الفتى ... وهمّتي همّ الجبان الهدان
وقاربت منّي خطا لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان
وأنشأت بيني وبين الورى ... عنانة من غير نسج العنان (5)
ولم تدع فيّ لمستمتع ... إلّا لساني وبحسبي لسان
أدعو به الله وأثني به ... على الأمير المصعبيّ الهجان (6)
__________
(1) جمجم الكلام: لم يبينه. ط
(2) الشطاط: حسن القوام والاعتدال. ط
(3) الصعدة: القناة المستوية تنب كذلك لا تحتاج إلى تثقيف. ط
(4) الزماع: المضاد في الأمر والعزم عليه. ط
(5) العنان بفتح العين: السحاب: واحدته عنانة، يشير بهذا إلى ضعف بصره وأنه لا يرى الورى إلا من وراء سحابة. ط
(6) الهجان: الكريم، وامرأة هجان أيضا أي: كريمة.(1/60)
فقرّباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاي إلى نسوة ... أوطانها حرّان والرّقّتان
* * * [141] وقرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله لذي الرمة: [الوافر]
رمى الإدلاج أيسر مرفقيها ... بأشعث مثل أشلاء اللّجام
يقول: أدلج فأعيا، فإذا نام توسّد يسرى ذراعي ناقته، فيعني أن الإدلاج هو الذي فعل بها ذلك. وأشلاء اللّجام: بقاياه من حديده وسيوره. ويعني بالأشعث: نفسه.
[142]
[وصف أعرابيّ لخيل، وإبل]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يصف خيلا فقال: سباط الخصائل، ظماء المفاصل، شداد الأباجل، قبّ الأياطل، كرام النّواجل.
[143] قال أبو علي: الخصائل: واحدتها خصيلة وهي كل قطعة من اللحم مستطيلة أو مجتمعة، وقال أبو عبيدة: الخصائل: ما انماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. وظماء:
ضمّر. والأباجل: جمع أبجل وهو من الفرس بمنزلة الأكحل من الإنسان، يريد: أنها شداد القوائم. قبّ: ضمّر. والأياطل: جمع أيطل والأيطل والإطل والصّقل والقرب والكشح واحد. والنّواجل: جمع ناجلة وهي التي نجلته أي: ولدته.
[144] وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يصف إبلا فقال: إنها لعظام الحناجر، سباط المشافر، كوم بهازر، نكد خناجر، أجوافها رغاب، وأعطانها رحاب، تمنع من البهم، وتبذل للجمم.
[145] قال أبو علي: الحناجر: واحدها حنجور وهو الحلقوم. والكوم: جمع أكوم وكوماء وهي العظام الأسنمة. والبهازر: العظام واحدها بهزرة. والنّكد: الغزيرة اللّبن في هذا الموضع، والنّكد أيضا: التي لا يبقى لها ولد. وقال الأصمعي: الصّفيّ والخنجور واللهموم والرّهشوش كل هذه: الغزيرة اللبن. والرّغاب: الواسعة. وأعطانها: مباركها عند الماء. والبهم: جمع بهمة وهو الشّجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى: من شدة بأسه.
والجمم: واحدها جمّة وهم القوم يسألون في الدّيات، وأنشدنا أبو بكر: [الرجز]
وجمّة تسألني أعطيت ... وسائل عن خبر لويت
وقلت لا أدري وقد دريت
وأنشدني أبو بكر، قال: أنشدني الرياشي: [الكامل]
لو قد تركتك لم تنخ بك جمّة ... ترجو العطاء ولم يزرك خليل
[146]
[وصف أعرابيّ لبنيه]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قلت لأعرابي
بحمى الرّبذة: ألك بنون؟ قال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، فقلت: صفهم لي، فقال: جهم وما جهم! ينضي الوهم، ويصدّ الدّهم، ويفري الصّفوف، ويعلّ السّيوف، قلت: ثمّ من؟ قال: غشمشم وما غشمشم! ماله مقسّم، وقرنه مجرجم، جذل حكاك، ومدره لكاك، قلت: ثمّ من؟ قال: عشرّب وما عشرّب! ليث محرّب، وسمام مقشّب، ذكره باهر، وخصمه عاثر، وفناؤه رحاب، وداعيه مجاب، قلت: فصف لي نفسك، فقال: ليث أبو ريابل، ركّاب معاضل، عسّاف مجاهل، حمّال أعباء، نهّاض ببزلاء.(1/61)
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قلت لأعرابي
بحمى الرّبذة: ألك بنون؟ قال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، فقلت: صفهم لي، فقال: جهم وما جهم! ينضي الوهم، ويصدّ الدّهم، ويفري الصّفوف، ويعلّ السّيوف، قلت: ثمّ من؟ قال: غشمشم وما غشمشم! ماله مقسّم، وقرنه مجرجم، جذل حكاك، ومدره لكاك، قلت: ثمّ من؟ قال: عشرّب وما عشرّب! ليث محرّب، وسمام مقشّب، ذكره باهر، وخصمه عاثر، وفناؤه رحاب، وداعيه مجاب، قلت: فصف لي نفسك، فقال: ليث أبو ريابل، ركّاب معاضل، عسّاف مجاهل، حمّال أعباء، نهّاض ببزلاء.
[147] قوله: ينضي: يهزل، والنّضو: المهزول. والوهم: الضّخم العظيم من الإبل، قال ذو الرمة: [البسيط]
كأنّها جمل وهم وما بقيت ... إلا النّحيزة (1) والألواح (2) والعصب
ويصدّ: يكفّ. والدّهم: العدد الكثير. ويفري: يشقّ، يقال: فريت الشيء إذا شققته للإصلاح، وأفريته: إذا قطعته للإفساد. ويعلّ: يوردها الدماء ثانية، مأخوذ من العلل في الشرب. والمجرجم: المصروع. والجذل: أصل الشجرة وذلك أن الإبل الجرب تحتكّ به فتجد له لذة وإنما قال: جذل حكاك أي: إنه ممن يستشفى به في الأمور بمنزلة ذاك الجذل الذي يستشفى به الإبل. والمدره: لسان القوم والمتكلم عنهم والدافع عنهم، يقال: درهته عنّي ودرأته عني: دفعته والتّدرأ مثل المدره. واللّكاك: الزّحام: يقال: التكّ القوم على الماء إذا ازدحموا. والمحرّب: المغضب الذي قد اشتدّ غضبه واحتدّ، وحرّبت السّكّين إذا أحددته. ومقشّب: مخلوط. وباهر: غالب. وريابل، جمع ريبال وهو الأسد.
[148] قال أبو علي: روينا: الرّيابل في هذا الخبر غير مهموز، وروينا في الغريب المصنّف: الرّيابل واحدها ريبال يهمز ولا يهمز. والمعاضل: الدّواهي. والعسّاف: الذي يركب الطريق على غير هداية. والأعباء: الأثقال واحدها عبء. والبزلاء: الرّأي الجيّد الذي يبزل عن الصواب أي: الذي يشقّ عنه. قال الراعي: [البسيط]
من رأي ذي بدوات (3) لا تزال له ... بزلاء يعيا بها الجثّامة (4) الّلبد (5)
[149]
[ما قاله الأعرابيّ حين اشتاق إلى وطنه]:
وحدثنا أبو عبد الله نفطويه، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قال: قدم
__________
(1) نحيزة الرجل: طبيعته، وتجمع على النحائز.
(2) الألواح: العظام، وكل عظم عريض فهو لوح. ط
(3) يقال للرجل الحازم: ذو بدوات أي: ذو أراء تظهر له فيختار بعضها ويسقط بعضها. كذا في «اللسان». ط
(4) الجثامة: البليد، والجثوم: الأكمه.
(5) اللبد من الرجال: الذي لا يسافر ولا يبرح منزله ولا يطلب معاشا، كذا في «اللسان»، وقال:
ويروى: اللبد بالكسر وهي أجود عند أبي عبيد. ط(1/62)
علينا أعرابي فسمع غناء حمائم بستان إبراهيم بن المهدي، فاشتاق إلى وطنه فقال (1): [الوافر] أشاقتك البوارق والجنوب ... ومن علوى الرّياح لها هبوب
أتتك بنفحة من شيح نجد ... تضوّع والعرار بها مشوب
وشمت البارقات فقلت جيدت ... حبال البشر (2) أو مطر القليب
ومن بستان إبراهيم غنّت ... حمائم بينها فنن رطيب
فقلت لها وقيت سهام رام ... ورقط (3) الريش مطعمها الجنوب
كما هيّجت ذا حزن غريبا ... على أشجانه فبك الغريب
[150]
[شعر حجية بن مضرّب في مدح بعض الملوك]:
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي لحجيّة بن المضرّب يمدح يعفر بن زرعة أحد الأملوك (4)، أملوك (5) ردمان: [الطويل]
إذا كنت سائلا عن المجد والعلا ... وأين العطاء الجزل والنائل الغمر
فنقّب عن الأملوك واهتف بيعفر (6) ... وعش جار ظل لا يغالبه الدهر
أولئك قوم شيّد الله فخرهم ... فما فوقه فخر وإن عظم الفخر
أناس إذا ما الدهر أظلم وجهه ... فأيديهم بيض وأوجهم زهر
يصونون أحسابا ومجدا مؤثّلا ... ببذل أكفّ دونها المزن والبحر
سموا في المعالي رتبة فوق رتبة ... أحلّتهم حيث النعائم والنّسر
أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت ... لنورهم الشمس المنيرة والبدر
فلو لامس الصّخر الأصمّ أكفّهم ... لفاضت (7) ينابيع النّدى ذلك الصّخر
ولو كان في الأرض البسيطة منهم ... لمختبط عاف لما عرف الفقر
شكرت لكم آلاءكم وبلاءكم ... وما ضاع معروف يكافئه شكر
[151]
[شعر في الهجر والشوق، وألم الفراق]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أملى علينا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، أو
__________
(1) انظر: «التنبيه» [15].
(2) البشر: اسم جبل في أطراف نجد وفي الأصل بالنون وهو تحريف. ط
(3) رقط الريش: يشير بها إلى الأقواس. ط
(4) الأملوك: اسم جمع بمعنى الملوك وهم مقاول حمير أي: ملوكها. ط
(5) ردمان: اسم قبيلة من العرب باليمن. ط
(6) يعفر: اسم ملك من ملوك اليمن.
(7) ورد في الطبعة الأولى: «لفاضت»، وفيه مصححها بقوله: هكذا في الأصل بتاء التأنيث وحرر وقد وجدنا في بعض النسخ المخطوطة: «لفاض»، ولعله: «أفاض» ليستقيم المعنى. ط(1/63)
قرأ الشك من أبي علي على باب داره، ثم أنشدناه في المسجد الجامع يقرؤه على عبد الله بن المعتزّ، قال: أنشدني بعض أصحابنا، عن النضر بن جرير، عن الأصمعي: [الطويل]
سقى دمنتين ليس لي بهما عهد ... بحيث التقى الدارات والجرع الكبد (1)
فيا ربوة الرّبعين حيّيت ربوة ... على النّأى منّا واستهلّ بك الرعد
قضيت الغواني غير أن مودّة ... لذّلفاء ما قضّيت آخرها بعد
إذا ورد المسواك ظمآن بالضّحى ... عوارض منها ظلّ يخصره البرد
وألين من مسّ الرّخامات يلتقى ... بمارنه الجاديّ (2) والعنبر الورد
فرى نائبات الدهر بيني وبينها ... وصرف الليالي مثلّ ما فري البرد
فإن تدعي نجدا ندعه ومن به ... وإن تسكني نجدا فيا حبّذا نجد
وإن كان يوم الوعد أدنى لقائنا ... فلا تعذليني أن أقول متى الوعد
[152] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لأبي الهندي وهو من بني رياح: [البسيط]
قل للسّريّ أبي قيس أتهجرنا ... ودارنا أصبحت من داركم صددا
أبا الوليد أما والله لو عملت ... فيك الشّمول لما فارقتها أبدا
ولا نسيت حميّاها ولذّتها ... ولا عدلت بها مالا ولا ولدا
[153] وحدثني جحظة، قال: حدثني حماد بن إسحاق الموصلي، قال: حدثني أبي قال: كتبت إليّ زهراء الأعرابية وقد غابت عني كتابا فيه: [البسيط]
وجدي بجمل (3) على أنّي أجمجمه ... وجد السقيم ببرء بعد إدناف (4)
أو وجد ثكلى أصاب الموت واحدها ... أو وجد منشعب (5) من بين ألّاف
فكتبت إليها: [البسيط]
أما أويت لمن قد بات مكتئبا ... يذري مدامعه سحّا وتوكافا (6)
إقر السلام على الزّهراء إذ شحطت ... وقل لها قد أذقت القلب ما خافا
__________
(1) الدارات والجرع: أسماء مواضع. والكبد جمع كبداء وهي الرملة العظيمة الوسط. ط
(2) الجادي بالتشديد: الزعفران نسبة إلى جادية وهي قرية بالشام ينبت بها الزعفران. ط
(3) جمل: اسم امرأة. ط
(4) الأدناف: ثقل المرض. ط
(5) هذه الكلمة وردت في الأصل هكذا: «مشتعب» بالمثناة بعد الشين، ولم نجد فيما بيدنا من كتب اللغة صيغة افتعل من هذه المادة بل الموجودة صيغة انفعل، وفي «الأغاني» (ج 5ص 81) «مغترب». ط
(6) توكافا: من وكف الدمع: قطر وسال قليلا قليلا. ط(1/64)
فما وجدت على إلف أفارقه ... وجدي عليك وقد (1) فارقت ألّافا
[154] وأنشدنا الأخفش: [الوافر]
أقول لصاحبيّ بأرض نجد ... وجدّ مسيرنا ودنا الطّروق
أرى قلبي سينقطع اشتياقا ... وأحزانا وما انقطع الطريق
[155] وأنشدنا جحظة، عن حمّاد، عن أبيه: [الوافر]
طربت إلى الأصيبية الصّغار ... وهاجك منهم قرب المزار
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار
* * * [156] وقرأت على أبي بكر لطفيل الغنوي: [الطويل]
أناس إذا ما أنكر الكلب أهله ... حموا جارهم من كلّ شنعاء مضلع
[157] قال: ويروى: مفظع. قوله: أنكر الكلب أهله أي: إذا لبسوا السلاح وتقنّعوا لم يعرف الكلب أهله. وحدثني بعض شيوخنا أن ابن حبيب قال: إذا ما غزوا فصار معهم أعداؤهم في ديارهم فتواثبوا أنكرهم الكلب إذ ذاك لتغيرهم عن حالهم. والشّنعاء: الداهية المشهورة. ومضلع: شديدة، يقال: أضلعني الأمر إذا اشتدّ عليّ وغلبني.
[158] وقرأت على أبي عبد الله لذي الرمة (2) [الطويل]:
إذا نتجت منها المهارى (3) تشابهت ... على العوذ إلّا بالأنوف سلائله.
[159] العوذ: الحديثات النتاج واحدها: عائذ وإنما قيل لها: عائذ لأن ولدها عاذ بها، وكان القياس أن يكون هو عائذا بها ولكنه لما كانت متعطّفة عليه قيل لها: عائذ، يقول: تشابه عليها أولادها إلا أن تشمّها بأنوفها، وذلك أنها من نجار واحد وفحل واحد وقد تقاربت في الوضع فهي تشبه بعضها بعضا. والسلائل: الأولاد، واحدها سليل.
[160]
[لا تهن أحدا فربما وجد فرصته فهانك، وخبر هشام بن عبد الملك في ذلك]:
وحدثنا أبو الميّاس الرواية، قال: حدثني أحمد بن عبيد، عن بعض شيوخه قال: كانت وليمة في قريش تولّى أمرها مقّاس الفقعسيّ، فأجلس عمارة الكلبيّ فوق هشام بن عبد الملك، فأحفظه ذلك وآلى على نفسه أنه متى أفضت الخلافة إليه عاقبه، فلما جلس في الخلافة أمر أن يؤتى به وتقلع أضراسه وأظفار يديه ففعل ذلك به، فأنشأ يقول: [مجزوء الرمل]
عذّبوني بعذاب ... قلعوا جوهر راسي
__________
(1) في الأصل: فقد، وما أثبتناه هو رواية الأغاني. ط
(2) انظر: «التنبيه» [16].
(3) المهاري روى في ديوانه المطبوع في أوربا: «المتالي»، وفسرها باللواتي تتبعها أولادها. ط(1/65)
ثمّ زادوني عذابا ... نزعوا عنّي طساسي
بالمدى حزّز لحمى ... وبأطراف المواسي
[161] قال أبو علي: قال أبو العباس قال لي أبو المياس: الطّساس: الأظفار، ولم أر أحدا من أصحابنا يعرفه، ثم أخبرني رجل من أهل اليمن قال: يقال عندنا طسّه إذا تناوله بأطراف أصابعه.
* * * [162] وأنشدنا أبو المياس وكان من أروى الناس للرجز وهو من أهل سرّ من رأى لدكين بن رجاء الراجز: [الرجز]
لم أر بؤسا مثل هذا العام ... أرهنت فيه للشّقا خيتامي
وحقّ فخري وبني أعمامي ... ما في القروف حفنتا حتام
[163] قال أبو علي: أرهنت ورهنت جميعا يقالان. قال: ويقال: خاتم وخاتام وخيتام وخاتم. وقال أبو المياس: القروف: الجراب وأحسبه غلطا إنما هو القروف جميع قرف، وهو الجراب. والحتام: البقيّة من كل شيء.
[164]
[وصف غلام لبيت أبيه]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي قال: خرج رجل من العرب في الشهر الحرام طالبا حاجة، فدخل في الحل فطلب رجلا يستجير به، فدفع إلى أغيلمة يلعبون، فقال لهم: من سيّد هذا الحواء؟ فقال غلام منهم: أبيه، قال: ومن أبوك؟ قال:
باعث بن عويص العاملي، قال: صف لي بيت أبيك من الحواء، قال: بيت كأنه حرّة سوداء، أو غمامة حمّاء، بفنائه ثلاثة أفراس، أمّا أحدها: فمفرع الأكتاف، متماحل الأكناف، ماثل كالطّراف. وأما الآخر: فذيّال جوّال صهّال، أمين الأوصال، أشمّ القذال. وأما الثالث: فمغار مدمج، محبوك محملج، كالقهقر الأدعج. فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخباء ففقد زمام ناقته ببعض أطنابه وقال: يا باعث، جار علقت علائقه، واستحكمت وثائقه، فخرج إليه باعث فأجاره.
[165]
[مادة فرع]:
قال أبو علي: المفرع: المشرف، والفرعة والفرعة بفتح الراء وتسكينها: أعلى الجبل وجمعها فراع، يقال: ائت فرعة من فراع الجبل فانزلها، ومنه قيل: جبل فارع، ونقى فارع إذا كان أطول مما يليه، وبه سميت المرأة فارعة، ويقال: انزل بفارعة الوادي واحذر أسفله.
وتلاع فوارع، أي: مشرفات المسايل. وقال أبو نصر: يقال: فرع فلان قومه إذا علاهم بشرف أو جمال أو غيره، ولقيه ففرع رأسه بالعصا يريد: علاه. وقال أبو زيد: يقال: تفرّع فلان القوم إذا ركبهم وشتمهم. وقال غيره: تفرّعت الشيء: علوته. وقال أبو نصر: فرع إذا علا، وفرّع وأفرع إذا انحدر، قال الشّماخ: [البسيط]
فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي ... لا يدركنّك إفراعي وتصعيدي
وأصابته دبرة على فروع كتفيه يريد: على أعاليهما، ويقال: فرعت بين القوم، أي حجزت، وافرع بينهما، أي احجز، وفرعت فرسي أفرعه، أي: قدعته (1)، قال الشاعر: [الرجز] نفرعه فرعا ولسنا نعتله (2)
وأفرعت المرأة إذا حاضت ومنه قول الأعشى: [الطويل](1/66)
فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي ... لا يدركنّك إفراعي وتصعيدي
وأصابته دبرة على فروع كتفيه يريد: على أعاليهما، ويقال: فرعت بين القوم، أي حجزت، وافرع بينهما، أي احجز، وفرعت فرسي أفرعه، أي: قدعته (1)، قال الشاعر: [الرجز] نفرعه فرعا ولسنا نعتله (2)
وأفرعت المرأة إذا حاضت ومنه قول الأعشى: [الطويل]
سددت عن الأعداء يوم عباعب (3) ... صدود المذاكي (4) أفرعتها المساحل
[166]
[من عادات الجاهلية]:
والمساحل: اللّجم، واحدها مسحل يعني: أن المساحل أدمتها كما أفرع الحيض المرأة بالدّم، وافترعت المرأة: افتضضتها، والفرع: ذبح كان في الجاهلية، وهو أول النّتاج، كان إذا نتجت الناقة في أول نتاجها ذبح، يتبرّكون به. قال أوس بن حجر: [المنسرح]
وشبّه الهيدب (5) العبام (6) من ال ... أقوام سقبا مجلّلا (7) فرعا
[167]
[من مادة: فرع]:
قال أبو عمرو: الفرع: القسم أيضا. وقد أفرع القوم أيضا إذا نتجت إبلهم. وقال أبو نصر: يقال: بئس ما أفرعت به، أي: بئس ما ابتدأت به، والفرع من القسيّ: ما كان من طرف القضيب. والفرعة: القملة العظيمة، ومنه قيل: حسّان بن الفريعة. وقوله: متماحل الأكناف المتماحل: الطويل. والأكناف: النّواحي يريد: أنه طويل العنق والقوائم، وذلك مدح. والماثل: القائم المنتصب، والماثل: اللاطئ بالأرض وهو من الأضداد، ويقال:
رأيت شخصا ثمّ مثل أي: ذهب فلم أره، قال الهذليّ (8): [الطويل]
يقرّبه النّهض النّجيح (9) لما يرى ... فمنه بدوّ مرّة ومثول
بدوّ: ظهور. ومثول: ذهاب. والطّراف: بيت من أدام. والذّيّال: الطويل الذّنب، قال النابغة الذبياني: [الوافر]
وكلّ مدجّج كالّليث يسمو ... على أوصال ذيّال رفنّ
__________
(1) قدعته: كبحته.
(2) صدر هذا البيت: «بمفرع الكتفين حر عيطله»، وقائله أبو النجم كما في «اللسان» (ج 10ص 121). ط
(3) عباعب: اسم موضع. ط
(4) المذاكي: الخيل التي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان: الواحد مذك مثل المخلف من الإبل كذا في «اللسان». ط
(5) الهيدب من الرجال: الجافي الثقيل الكثير الشعر. ط
(6) العبام: العيي الثقيل. ط
(7) مجللا: أراد مجللا جلد فرع فاختصر الكلام كقوله تعالى: واسأل القرية أي: أهل القرية كذا في «اللسان». ط
(8) هو أبو خراش الهذلي كما في «اللسان» (ج 14ص 136). ط
(9) النجيح: السريع المجد. ط(1/67)
والأوصال: واحدها وصل (1)، قال ذو الرمة: [الطويل]
إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر
[168] وأشمّ: مرتفع، والشّمم: الارتفاع. والقذال: معقد العذار. والمغار: الشديد الفتل يريد: أنه شديد البدن، والعرب تقول: أغرت الحبل إذا شددت فتله، قال امرؤ القيس: [الطويل]
فيالك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل (2)
[169]
[مادة: غور]:
وغار الرجل يغور غورا: إذا أتى الغور، وزاد اللحياني: وأغار أيضا، وأنشد بيت الأعشى: [الطويل]
نبيّ يرى مالا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
فهذا على ما قال اللحياني. وكان الكسائي يقول: هو من الإغارة، وهي السرعة. وكان الأصمعي يقول: أغار، ليس هو من الغور إنما هو بمعني عدا، وقال اللحياني: يقال للفرس:
إنه لمغوار أي: شديد العدو والجمع مغاوير، والتفسير الأول الوجه لأنه قال: وأنجدا، فإنما أراد أتى الغور وأتى نجدا، والغور: تهامة. وغار الماء يغور غورا، قال الله عزّ وجلّ:
{إِنْ أَصْبَحَ مََاؤُكُمْ غَوْراً} [الملك: 30] أي: غائرا، وزاد أبو نصر: غئورا، وغارت عينه تغور غئورا، وغارت الشمس تغور غئورا أيضا، والغور: الاسم، يقول: سقطت في الغور، يعني: الشمس. وغار فلان على أهله يغار غيرة، ورجل غيور من قوم غير وامرأة غيرى من نسوة غيارى وقال الأصمعي: فلان شديد الغار على أهله أي: شديد الغيرة، وزاد اللحياني:
والغير. وقال أبو نصر: أغار فلان على بني فلان يغير إغارة، وقال اللحياني: يقال للرجل إنه لمغوار أي: شديد الإغارة والجمع مغاوير. وقال أبو نصر: يقال: غارهم يغيرهم إذا مارهم، والغيار المصدر، قال الهذلي: [البسيط]
ماذا يغير ابنتي ربع عويلهما (3) ... لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا
وقال اللحياني: غارهم الله بمطر يغيرهم ويغورهم والاسم الغيرة، ويقال: هذه أرض مغيرة ومغيورة. قال: والغير: التّغيير، يقال: مع الغير الغيار، ولا يقال منه فعلت بالتخفيف، إنما يقال: غيّرت عليه بالتثقيل، قال: وأنشدنا أبو شبل: [الرجز]
أقول بالسّبت فويق الدّير ... إذ أنا مغلوب قليل الغير
__________
(1) الوصل: كل عظمين يلتقيان. ط
(2) يذبل: اسم جبل بنجد في طريقها. ط
(3) قائله عبد مناف بن ربعي الهذلي يريد أنه لا يغني بكاؤهما على أبيهما من طلب ثأره شيئا.
انظر: «اللسان» مادة «غير». ط(1/68)
أراد: التّغيير. والغاران: الجيشان، يقال: لقي غار غارا. وقال أبو عبيدة: الغار:
الجمع الكثير من الناس، قال: ويروى عن الأحنف أنه قال في انصراف الزبير (1): وما أصنع به إن كان جمع بين غارين من الناس ثم تركهم وذهب!
[عسى الغوير أبؤسا]: قال أبو علي: فقول الأحنف: من الناس يدل على أن الغار يكون الجمع من غير الناس. وقال أبو النصر: الغاران: البطن والفرج، يقال: المرء يسعى لغاريه أي: لبطنه وفرجه، وقال أبو عبيدة: يقال لفم الإنسان وفرجه: الغاران. وقال أبو نصر: الغار كالكهف في الجبل، ويقال: «عسى الغوير أبؤسا» (2) وهو تصغير غار، يريد:
عسى أن يكون جاء البزس من الغار، وقال اللحياني: يقال: غرت في الغار والغور أغور غورا وغئورا، وأغرت أيضا فيهما جميعا.
قال أبو علي: قوله غئورا: نادر شاذ. والغار: شجرة طيبة الريح، قال عدي بن زيد:
[المديد]
ربّ نار بتّ أرمقها ... تقضم الهنديّ والغارا
وقال الأصمعي: يقال: غار النهار إذا اشتد حرّه، وغوّر القوم تغويرا إذا قالوا، من القائلة، والغائرة: القائلة، وقال اللحياني: غوّر الماء تغويرا إذا ذهب في العيون، ويقال:
غرت فلانا من أخيه أغيره غيرا، وقال أبو عبيدة: غارني الرجل يغيرني ويغورني إذا وداك، من الدّية، والاسم الغيرة وجمعها غير أي: أعطيته (3) الدّية. وقال أبو نصر: أغار الرجل إغارة الثعلب إذا أسرع ودفع في عدوه، وأنشد لبشر: [الوافر]
فعدّ (4) طلابها وتعدّ عنها ... بحرف قد تغير إذا تبوع (5)
وقال خالد بن كلثوم: غاريت وعاديت بين اثنين أي: واليت، ومنه قول كثير:
[الطويل]
إذا قلت أسلو غارت العين بالبكا ... غراء ومدّتها مدامع حفّل
قال: معنى غارت فاعلت من الولاء، وقال أبو عبيدة: هي فاعلت من غريت بالشيء أغرى به. ومحبوك: موثق مشدود، يقال: حبكت الشيء إذا شددته، فهو محبوك
__________
(1) أي: في وقعة الجمل اهـ. كما في «اللسان». ط
(2) قال الأصمعي: أصله أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم أو أتاهم فيه عدو فقتلوهم فيه فصار مثلا لكل ما يخاف منه الشر، وقيل: إن الغوير اسم ماء بناحية السماوة، قالته الزباء لما رأت قصيرا الذي جاء يأخذ بثأر جذيمة الأبرش عن طريق الغوير. اهـ ط
وانظر: «مجمع الأمثال» للميداني (2/ 341) (2435).
(3) لعل هذا التفسير مؤخر من الناسخ وحقه التقديم قبل قوله: وقال أبو عبيدة. ط
(4) ويروى: «فدع هندا وسل النفس عنها» انظر: «اللسان» مادة: «بوع». ط
(5) تبوع من باع الفرس في جريه أي: أبعد الخطو. ط(1/69)
وحبيك، ويقال: جاد ما حبك هذا الثوب أي: نسج، قال الهذلي (1): [الكامل]
فرميت فوق ملاءة محبوكة ... وأبنت للأشهاد حزّة أدّعي
يقول: أبنت لهم قولي خذها وأنا ابن فلان! وحزّة يعني: ساعة أدّعي. ومنه قولهم:
احتبك بإزاره أي: احتزم به. ومحملج: مفتول. والقهقر: الحجر الصّلب. والأدعج: الأسود، قال الأصمعي: يقال: رجل أدعج أي: أسود، وليل أدعج، والدّعج: شدّه سواد الحدقة.
[170]
[خبر سبعة آووا إلى غار فانسدّ عليهم فهلكوا، وما قاله أبوهم في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه، قال: أخبرني يونس قال: كان لرجل من بني ضبّة في الجاهلية بنون سبعة، فخرجوا بأكلب لهم يقتنصون، فأووا إلى غار فهوت عليهم صخرة فأتت عليهم جميعهم، فلما استراث أبوهم أخبارهم اقتفر آثارهم حتى انتهى إلى الغار فانقطع عنه الأثر، فأيقن بالشر، فرجع وأنشأ يقول: [الطويل]
أسبعة أطواد أسبعة أبحر ... أسبعة آساد أسبعة أنجم
رزئتهم في ساعة جرّعتهم ... كئوس المنايا تحت صخر مرضّم
فمن تك أيام الزمان حميدة ... لديه فإنّي قد تعرّقن أعظمي
بلغن نسيسي وارتشفن بلالتي ... وصلّينني جمر الأسى المتضرّم
أحين رماني بالثمانين منكب ... من الدّهر منح في فؤادي بأسهم
رزئت بأعضادي الذين بأيدهم ... أنوء وأحمي حوزتيّ وأحتمي
فإن لم تذب نفسي عليهم صبابة ... فسوف أشوب دمعها بعد بالدّم
ثم لم يلبث بعدهم إلا يسيرا حتى مات كمدا.
[171] قال أبو علي: اقتفر: اتّبع، يقال: قفرت الأثر واقتفرته إذا اتّبعته. ومرضّم:
منضّد بعضه على بعض، قال الأصمعي: يقال: بنى فلان دارا فرضم فيها الحجارة رضما وذلك إذا نضد الحجارة بعضها على بعض، ومنه قيل: رضم البعير بنفسه إذا رمى بها فلم يتحرّك. وتعرّقن: أخذن ما عليه من اللحم، يقال: عرقت العظم وتعرّقته إذا أخذت ما عليه من اللحم. والنّسيس: بقيّة النفس، قال الشاعر (2): [الوافر]
فقد أودى إذا بلغ النّسيس
__________
(1) قائله ساعدة بن العجلان الهذلي يرثى أخاه مسعودا وهو من قصيدة مطلعها:
لما سمعت دعاء ضمرة فيهم ... وذكرت مسعودا تبادر أدمعي
وقبله:
يا رمية ما قد رميت مرشة ... أرطاة ثم عبأت لابن الأجدع
انظر: (ص 76) من «أشعار الهذليين» طبع لندن سنة 1854م. ط
(2) هو أبو زبيد الطائي يصف أسدا كما في «اللسان» (ج 8ص 116). ط(1/70)
وارتشفن: امتصصن. والبلالة: الرّطوبة.
[172]
[ما قيل عند موت حصين بن الحمام، وما نعاه به أخوه]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال: حدثني أبو عثمان الأشنانداني، قال:
حدثني التوزي، عن أبي عبيدة قال: لما مات حصين بن الحمام سمعوا صارخا يصيح من جبل ويقول: [الطويل]
ألا ذهب الحلو الحلال الحلاحل (1) ... ومن عقده حزم وعزم ونائل
ومن قوله فصل إذا القوم أفحموا ... تصيب مرادي (2) قوله ما يحاول
فلما سمعه معيّة أخوه قال: هلك والله حصين وأنشأ يقول: [الطويل]
نعيت حيا الأضياف في كلّ شتوة ... ومدره حرب إذ تخاف الزّلازل
ومن لا ينادي بالهضيمة جاره ... إذا أسلم الجار الألفّ (3) المواكل
فمن وبمن نستدفع الضّيم بعده ... وقد صمّمت فينا الخطوب النوازل
[173]
[ما قالته امرأة تبكي رجلا عند قبره]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن وأبو حاتم والأشنانداني والرياشي قالوا كلهم: سمعنا الأصمعي يقول: كنت بالبادية فرأيت امرأة عند قبر وهي تبكي وتقول: [المتقارب]
فمن للسّؤال ومن للنّوال ... ومن للمقال ومن للخطب
ومن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للرّكب
إذا قيل مات أبو مالك ... فتى المكرمات قريع العرب
فقد مات عزّ بني آدم ... وقد ظهر النّكد بعد الطّرب
قال: فملت إليها فقلت لها: من هذا الذي مات هؤلاء الخلق كلهم بموته؟ فقالت:
أو ما تعرفه؟ قلت: اللهم لا، فأقبلت ودمعتها تنحدر وإذا هي مقّاء برشاء (4) ثرماء، فقالت:
فديتك! هذا أبو مالك الحجّام ختن أبي منصور الحائك! فقلت: عليك لعنة الله! والله ما ظننت إلّا أنه سيد من سادات العرب.
[174] قال أبو علي: قريع الشوال: فحلها، والقريع: الفحل من الرجال الشجاع.
والمقّاء: الطويلة، والأمقّ: الطويل، والمقق: الطّول. والثّرماء: التي قد سقطت ثنيّتاها.
__________
(1) الحلاحل بالضم: السيد في عشيرته الشجاع الرزين في مجلسه، ولا يقال للنساء وليس له فعل. ط
(2) مرادي قوله: مراميها وغايتها. ط
(3) الألف: الثقيل البطيء. ط
(4) سقط تفسير البرشاء، وهي: مؤنث الأبرش من البرش، وهو لون مختلط بياضا وحمرة أو غيرهما من الألوان، كذا في «اللسان». ط(1/71)
[175]
[من لطائف المحبّين]:
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لأعرابي: [الطويل]
يقرّ بعيني أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود (1)
وأن أرد الماء الذي شربت به ... سليمى وقد ملّ السّرى كل واخد (2)
وألصق أحشاءي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسمّ الأساود (3)
[176] قال: وأنشدني عبد الرحمن، عن عمه: [الوافر]
أمسّ العين ما مسّت يداها ... لعلّ العين تبرأ من قذاها
يقول الناس ذو رمد معنّى (4) ... وما بالعين من رمد سواها
[177] قال: وأنشدنا أبو بكر ولم يسمّ قائله ولا عزاه إلى أحد: [المديد]
أل ليلى إنّ ضيفكم ... ضائع في الحيّ مذ نزلا
أمكنوه من ثنيّتها ... لم يرد خمرا ولا عسلا
* * * [178] وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم، عن أبي زيد:
[البسيط]
إن كان غرّك إطراقي أبا حسن ... فالسّيف يطرق حينا قبل هزّته
والحيّة الصّلّ (5) لا تغررك هدأته ... فكم سليم وموقوذ (6) لنكزته (7)
[179] وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، عن أحمد بن يحيى ثعلب، عن ابن الأعرابي (8):
[مجزوء الرجز]
يامرّ يا خير أخ ... نازعت درّ الحلمه
__________
(1) يقر بعيني قال الأصمعي: قرت عينه من القر وهو البرد أي: جمدت فلم تدمع. وقائل هذه الأبيات نبهان بن عكي العبشمي كما في «الكامل» للمبرد (ص 31) طبع أوربا، وقد نقلنا عنه تفسير الكلمات التي شرحها في هذه الأبيات. الذري جمع ذروة وهي من كل شيء أعلاه. والعقدات: هي ما انقعد وصلب من الرمل: الواحدة عقدة. والأبرق: حجارة يخلطها رمل وطين. والمتقاود: المنقاد المستقيم. ط
(2) واخد من الوخد والوخدان وهو السير الشديد. وروى: كل واحد، وهو المنفرد في السير المتوحد به. وروى: كل واجد أي: عاشق. ط
(3) الأساود: الحيات. ط
(4) معنى: أسير. ط
(5) الصل: الحية التي تقتل إذا نهشت من ساعتها. ط
(6) الموقوذ: الشديد المرض المشرف على الموت. ط
(7) النكز: من نكزته الحية أي: لسعته بأنفها فإذا عضته بأنيابها قيل: نشطته، كذا في «اللسان».
(8) هذه الأبيات لامرأة ترثي أخاها كما في «لسان العرب». ط(1/72)
يا خير من أوقد لل ... أضياف نارا جحمه (1)
يا جالب الخيل إلى ال ... الخيل تعادى أضمه
يا قائد الخيل ومج ... تاب الدّلاص الدّرمه (2)
سيفك لا يشقى به ... إلّا العسير السنمه
جاد على قبرك غي ... ث من سماء رزمه
ينبت نورا أرجا ... جرجاره (3) والينمه (4)
[180] قال أبو علي: الحلمة: طرف الثّدي. والدّرمة: اللّيّنة التي لا حجم لها، وأضمة: غضابى، يقال: أضم عليه أضما أي: غضب عليه، قال الأخطل: [الكامل]
أضما وهزّ لهنّ رمحي رأسه ... أن قد أتيح لهنّ موت أحمر
وضمد عليه يضمد ضمدا إذا هاج وغضب، قال النابغة: [البسيط]
ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى الظّلوم ولا تقعد على ضمد
وحرب حربا إذا هاج وغصب، وحرّبته أنا فهو محرّب، قال الهذلي: [الوافر]
كأنّ محرّبا من أسد ترج (5) ... ينازلهم لنابيه قبيب (6)
وأضم وأتضم، قال الشاعر: [الوافر]
ومؤتضم عليّ لأنّ جدّي ... يبذّ جدوده المتقدّمينا
[181]
[أسماء الغضب]:
ويقال: أغدّ عليه إغدادا، وأصله من غدّة البعير فهو مغدّ، واسمغدّ فهو مسمغدّ إذا انتفخ من الغضب وورم، وضرم عليه ضرما وأصله من اضطرام النار، واحتدم عليه إذا تحرّق عليه، وأصله من احتدام الحرّ، وأسف عليه يأسف قال الله تعالى: {فَلَمََّا آسَفُونََا انْتَقَمْنََا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] وعبد عليه يعبد، وحشم عليه يحشم حشما، وهؤلاء حشم فلان للذين يغضب لهم، وأحشمته أنا وحشمته. وحكى الأصمعي: إنّ ذلك لممّا يحشم بني فلان أي: يغضبهم، وكتّ يكتّ وأصله من كتيت القدر، قال رؤبة (7): [الرجز]
وطامح النّخوة مستكتّ ... طأطأ من شيطانه التّعتّي (8)
__________
(1) جمحة: متقدة. ط
(2) مجتاب الدلاص الدرمة: لابس الدروع الملساء. ط
(3) الجرجار: نبت طيب الرائحة. ط
(4) الينمة: عشبة طيبة. ط
(5) الترج: موضع تنسب إليه الأسود. ط
(6) القبيب، من قب الأسد: إذا سمعت قعقعة أنيابه. ط
(7) انظر: «التنبيه» [17].
(8) التعتي: العتو. ط(1/73)
صكيّ (1) عرانين (2) العدى وصتّي
ومعض يمعض معضا، قال رؤبة: [الرجز]
وقد ترى ذا حاجة مؤتضّا (3) ... ذا معض لولا يردّ المعضا
قال أبو عمرو: وازمهرّ ازمهرارا إذا غضب، وأنشد: [الرجز]
أبصرت ثمّ جامعا قد هرّا ... ونثر الجعبة وازمهرّا
وكان مثل النار أو أحرّا
ويقال: قد قرطب إذا غضب فهو مقرطب، وأنشد: [الرجز]
إذا راني قد أتيت قرطبا ... وجال في جحاشه وطرطبا (4)
ويقال: اصطخم، قال ذو الرمة: [البسيط]
ظلّت ثقالا وظلّ (5) الجوب مصطخما ... كأنّه بتناهي الرّوض محجوم
ورزمة: مصوّتة.
قال أبو علي: ومما اخترته وقرأته على أبي بكر بن دريد: [مجزوء الكامل]
قوم إذا اشتجر القنا ... جعلوا القلوب لها مسالك
اللابسين قلوبهم ... فوق الدّروع لدفع ذلك
[182]
[قول كثيّر في السّلو عن عزّة]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا الرياشي، عن ابن سلام، عن غرير بن طلحة بن عبد الله، عن عمه هند بن عبد الله قال: بينا أنا مع أبي بسوق المدينة إذ أقبل كثيّر، فلما رأى أبي عدل إليه وتحدّث معه ساعة، فقال له أبي: هل قلت بعدي شيئا يا أبا صخر؟ قال هند: فأقبل عليّ وقال: احفظ هذه الأبيات، وأنشدني: [الطويل]
وكنّا سلكنا في صعود من الهوى ... فلما توافينا ثبتّ وزلّت
__________
(1) الصك والصت: الضرب يقال: صته صتا: إذا ضربه بيده. ط
(2) العرانين: الأنوف. ط
(3) أي: مضطرا ملجأ من أضتني إليك الحاجة تؤضني أضا: ألجأتني إليك. ط
(4) الطرطبة: دعاء الحمر.
(5) كذا في الأصل، وفي «ديوان ذي الرمة»:
ظلت تفالي فظل الجأب مكتئبا ... كأنه من سرار الروض محجوم
وفي «اللسان»:
ظلت تفالي وظل الجون مصطخما ... كأنه عن سرار الأرض محجوم
وتفالت الحمر: احتكّت كأنّ بعضها يفلي بعضا الجأب: الغليظ من حمر الوحش. سرار الروض:
أوسطه وأكرمه. محجوم: ممنوع. ط(1/74)
وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... فلما تواثقنا شددت وحلّت
فواعجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لمّا وطّئت كيف ذلّت
وللعين أسراب إذا ما ذكرتها ... وللقلب وسواس ذا العين ملّت
وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما ... تخلّيت مما بيننا وتخلّت
لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلّما ... تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت
فإن سأل الواشون: فيم هجرتها ... فقل: نفس حرّ سلّيت فتسلّت
* * * [183] وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال:
بينا أنا بحمى ضريّة إذ وقف علي غلام من بني أسد في أطمار ما ظننته يجمع بين كلمتين، فقلت: ما اسمك؟ فقال: حريقيص، فقلت، أما كفى أهلك أن يسمّوك حرقوصا (1) حتى حقّروا اسمك! فقال: إنّ السّقط ليحرق الحرجة، فعجبت من جوابه، فقلت: أتنشد شيئا من أشعار قومك؟ قال: نعم أنشدك لمرّارنا، قلت: افعل، فقال: [الكامل]
سكنوا شبيثا والأحصّ (2) وأصبحوا ... نزلت منازلهم بنو ذبيان
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ... حتّى تقيم الخيل سوق طعان
وإذا فلان مات عن أكرومة ... رقعوا معاوز فقره بفلان
قال: فكادت الأرض تسوخ بي لحسن إنشاده وجودة الشعر، فأنشدت الرشيد هذه الأبيات، فقال: وددت يا أصمعي أن لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلّغه أعلى المراتب.
[184] قال أبو علي: السّقط: ما يسقط من الزّند إذا قدح. وقال أبو عبيدة: في سقط النار وسقط الولد وسقط الرّمل ثلاث لغات: الضمّ والفتح والكسر، وزناد العرب من خشب، وأكثر ما يكون من المرخ والعفار ولذلك قال الأعشى: [المتقارب]
زنادك خير زناد الملو ... ك صادف منهنّ مرخ عفارا
وإنما يؤخذ عود قدر شبر فيثقب في وسطه ثقب لا ينفذ، ويؤخذ عود آخر قدر ذراع فيحدّد طرفه فيجعل ذلك المحدّد في ذلك الثّقب، وقد وضعه رجل بين رجليه فيديره ويفتله فيوري نارا، فالأعلى زند. والأسفل زندة. والحرجة: الشجر الكثير الملتفّ وجمعه: حراج وأحراج، قال العجّاج: [الرجز]
عاين حيّا كالحراج نعمه ... يكون أقصى شلّه محرنجمه
يقول: عاين هذا الجيش الذي أتانا حيّا، ويعني بالحيّ: قومه بني سعد. والنّعم:
الإبل. وأقصى: أبعد. وشلّه: طرده. ومحرنجمه: مبركه حيث يجتمع بعضه إلى بعض.
__________
(1) الحرقوص: اسم دويبة كالبرغوث. أو كالقراد. ط
(2) شبيث والأحص: اسما موضعين بنجد. ط(1/75)
والمعنى: أن الناس إذا فوجئوا بالغارة طردوا إبلهم وقاموا هم يقاتلون، فإن انهزموا كانوا قد نجوا بها، يقول: فهؤلاء من عزّهم ومنعتهم لا يطردونها، ولكن يكون أقصى طردهم أن ينيخوها في مبركها ثم يقاتلوا عنها. والمعاوز: الثياب الخلقان.
[185]
[أهمية الكلمة والحذر من عاقبتها، وما قيل في فضل بقاء الأخوة على مودتهم وميراثهم، وغير ذلك]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عبّاد، عن العباس بن هشام، عن أبيه قال: كان حضرميّ بن عامر عاشر عشرة من إخوته فماتوا فورثهم، فقال ابن عمّ له يقال له جزء: من مثلك، مات إخوتك فورثتهم فأصبحت ناعما جذلا! فقال حضرمي: [المنسرح]
يزعم جزء ولم يقل سددا ... أنّي تروّحت ناعما جذلا
إن كنت أزننتني بها كذبا ... جزء فلاقيت مثلها عجلا
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذودا شصائصا نبلا
كم كان في إخوتي إذا احتضن ال ... أقوام تحت العجاجة (1) الأسلا (2)
من واجد ماجد أخي ثقة ... يعطي جزيلا ويضرب البطلا
إن جئته خائفا أمنت وإن ... قال سأحبوك نائلا فعلا
فجلس جزء على شفير بئر وكان له تسعة إخوة فانخسفت بإخوته ونجا هو، فبلغ ذلك حضرميّا فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، كلمة وافقت قدرا وأبقت حقدا.
[186] قال أبو علي: الشّصائص: التي لا ألبان لها واحدتها: شصوص، قال الأصمعي: يقال: أشصّت فهي شصوص وهو على غير القياس، وقال الكسائي: شصّت.
والنّبل: الصّغار هاهنا، والنّبل: الكبار، وهو من الأضداد. والوجد: الغنيّ الذي يجد.
[187]
[شعر في ذي الوجهين]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي ليزيد بن الحكم الثقفي: [الطويل] تكاشرني كرها كأنّك ناصح ... وعينك تبدي أنّ صدرك لي دوي
لسانك ماذيّ وغيبك علقم ... وشرّك مبسوط وخيرك منطوي
فليت كفافا كان خيرك كلّه ... وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي
عدوّك (3) يخشى صولتي إن لقيته ... وأنت عدوّي ليس ذاك بمستوي
تصافح من لاقيت لي ذا عداوة ... صفاحا وغيّي بين عينيك منزوي
__________
(1) العجاجة: الغبار. ط
(2) الأسل: الرماح. ط
(3) روى هذا البيت في «حماسة البحتري» هكذا:
تود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك ليس الفعل منك بمستوي ط(1/76)
أراك إذا لم أهو أمرا هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوي
أراك اجتويت الخير منّي وأجتوي ... أذاك فكلّ يجتوي قرب مجتوي
وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلّة النّيق (1) منهوي
إذا ما ابتنى المجد ابن عمّك لم تعن ... وقلت ألا يا ليت بنيانه خوي
فإنّك إن قيل ابن عمّك غانم ... شج أو عميد أو أخو مغلة لوي
تملّأت من غيظ عليّ فلم يزل ... بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي
وما برحت نفس حسود حسبتها ... تذيبك حتّى قيل هل أنت مكتوي
وقال النّطاسيّون إنّك مشعر ... سلالا ألا بل أنت من حسد ذوي
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... خصالا ثلاثا لست عنها بمرعوي
أفحشا وجبنا واختتاء عن النّدى ... كأنّك أفعى كدية (2) فرّ محجوي
فيدحو (3) بك الدّاحي إلى كلّ سوءة ... فياشرّ من يدحو بأطيش مدحوي
بدا منك غشّ طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أمّ مدّوي
[188] قال أبو علي: الاختتاء: التقبّض. قال: وقال أبو بكر: محجوي: منطوي.
والمدّوي: الذي يأخذ الدّواية وهي جلدة رقيقة تركب اللّبن، يقال: دوّى اللّبن يدوّي فهو مدوّ، وأقبل الصبيان على اللّبن يدّوونه أي: يأخذون ما عليه من الجلدة. وجاء غلام من العرب إلى أمه وعندها أمّ خطبه فقال: يا أمّاه، أدّوي؟ فقالت: اللّجام معلّق بعمود البيت، تورّي بذلك وتري القوم أنه إنما سألها عن اللجام وأنه صاحب خيل وركوب. والمجتوي:
الكاره. والماذيّ: العسل الأبيض ومنه قيل: درع ماذيّة.
* * * [189] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه: [الكامل]
أذكر مجالس من بني أسد ... بعدوا فحنّ إليهم القلب
الشّرق منزلهم ومنزلنا ... غرب وأنّى الشّرق والغرب
من كلّ أبيض جلّ زينته ... مسك أحمّ وصارم عضب
ومدجّج يسعى بشكّته ... وعقيرة بفنائه تحبو
قال أبو علي: عقيرة: معقورة.
[190]
[شعر الأحوص في سؤال يزيد، وفطنته في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا الرياشي، عن ابن سلام قال: بلغني أن
__________
(1) القلة: أعلى الجبل. النيق: أرفع موضع في الجبل. ط
(2) الكدية: الأرض الغليظة الصلبة. ط
(3) دحا الحجر بيده أي: رمى به ودفعه. ط(1/77)
الأحوص دخل على يزيد بن عبد الملك فقال له يزيد: لو لم تمتّ إلينا بحرمة، ولا توسّلت بدالّة، ولا جدّدت لنا مدحا، غير أنك مقتصر على بيتيك لاستوجبت عندنا جزيل الصّلة، ثم أنشد يزيد: [الطويل]
وإنّي لأستحييكم أن يقودني ... إلى غيريكم من سائر الناس مطمع
وأن أجتدي للنّفع غيرك منهم ... وأنت إمام للبريّة مقنع
وقال الرياشي: وإنما قال هذين البيتين في عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه (1).
* * * [191] وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر (2): [البسيط]
إنيّ رأيتك كالورقاء يوحشها ... قرب الأليف وتغشاه إذا نحرا
الورقاء: دويبة تنفر من الذئب وهو حيّ وتغشاه إذا رأت به الدم.
* * * [192] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى وأبو العباس محمد بن يزيد لأبي حيّة النّميري يزيد بعضهم على بعض. وأنشدنا أيضا أبو بكر بن دريد واللفظ والترتيب على ما أنشدناه أبو عبد الله: [الطويل]
بدا يوم رحنا عامدين لأرضها ... سنيح (3) فقال القوم مرّ سنيح
فهاب رجال منهم وتقاعسوا ... فقلت لهم: جاري إليّ ربيع
عقاب بأعقاب من الدار بعد ما ... جرت نيّة تسلي المحبّ طروح
وقالوا حمامات فحمّ لقاؤها ... وطلح فزيرت والمطيّ طليح
وقال صحابي هدهد فوق بانة ... هدى وبيان بالنّجاح يلوح
وقالوا دم دامت مواثيق بيننا ... ودام لنا حلو الصّفاء صريح
لعيناك يوم البين أسرع واكفا ... من الفنن (4) الممطور وهو مروح (5)
ونسوة شحشاح (6) غيور يخفنه ... أخي ثقة يلهون وهو مشيح
يقلن وما يدرين عنّي (7) سمعته ... وهنّ بأبواب الخيام جنوح
أهذا الذي غنّى بسمراء موهنا ... أتاح له حسن الغناء متيح
إذا ما تغنّى أنّ من بعد زفرة ... كما أنّ من حرّ السلاح جريح
__________
(1) انظر: «التنبيه» [18].
(2) انظر: «التنبيه» [19].
(3) السنيح كالسانح: ما يتبرك به. ط
(4) الفنن: الغصن. ط
(5) مروح: أصابته الريح. ط
(6) شحشاح: يقال رجل شحشاح وشحشح: سيء الخلق. ط
(7) عني بمعنى أنى بابدال الهمزة عينا ويسمى هذا الإبدال عنعنة تميم وقيس. ط(1/78)
وقائلة يادهم ويحك إنّه ... على غنّة في صوته لمليح
وقائلة أولينه البخل إنّه ... بما شاء من زور الكلام فصيح
فلو أن قولا يكلم الجلد قد بدا ... بجلدي من قول الوشاة جروح
[193]
[نمّ العين عن صاحب الحب والهوى]:
وحدثنا الأخفش، قال: حدثني بعض أصحابنا، قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلّاد البصري المعروف بأبي العيناء قال: أنشدنا ابن أبي فنن في مجلس على بن الجهم فكتبت لي وله: [الطويل]
ولمّا أبت عيناي أن تكتما البكا ... وأن تحبسا سحّ الدّموع السّواكب
تثاءبت كي لا ينكر الدمع منكر ... ولكن قليلا ما بقاء التّثاؤب
أعرّضتماني للهوي ونممتما ... عليّ لبئس الصاحبان لصاحب
[194]
[الوفاء للمحبوب]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل]
يقولون ليلى بالمغيب أمينة ... بلى وهو راع عهدها وأمينها
فإن تك ليلى استودعتني أمانة ... فلا وأبى أعدائها لا أخونها
أأرضي بليلى الكاشحين وأبتغي ... كرامة أعدائي لها وأهينها
معاذة وجه الله أن أشمت العدا ... بليلى وإن لم تجزني ما أدينها
سأجعل عرضي جنّة دون عرضها ... وديني فيبقى عرض ليلى ودينها
[195]
[شعر في الشباب والمشيب، والفرج بعد الشدة، والمنية]:
وأنشدنا أبو الحسن جحظة البرمكي، قال: أنشدنا حماد بن إسحاق، قال: أنشدني أبي لنفسه: [المديد]
لاح بالمفرق منك القتير (1) ... وذوى غصن الشّباب النّضير
هزئت أسماء منّي وقالت ... أنت يا بن الموصليّ كبير
ورأت شيبا علاني فأنّت ... وابن ستّين بشيب جدير
إن ترى شيبا علاني فإنّي ... مع ذاك الشّيب حلو مزير
قد يفلّ السّيف وهو جراز ... ويصول اللّيث وهو عقير (2)
[196] قال أبو علي: المزير: المعظّم المكرّم، يقال: مزرت الرجل إذا عظّمته وكرّمته، كذا قال علي بن سليمان الأخفش، وقال النّضر بن شميل: المزير: الظّريف، وقال
__________
(1) القتير: المشيب. ط
(2) العقير المعقور: الجريح. ط(1/79)
لي أبو بكر بن دريد: المزارة: الزيادة في جسم أو عقل، يقال: مزر يمزر مزارة فهو مزير.
والجراز: الماضي في الضّريبة، قال الجعدي: [الوافر]
يصمّم وهو مأثور جراز ... إذا اجتمعت بقائمه اليدان
[197] وقرأت على أبي بكر الأنباري للأسود بن يعفر: [الطويل]
وكنت إذا ما قرّب الزاد مولعا ... بكلّ كميت جلدة لم توسّف
مداخلة الأقراب غير ضئيلة ... كميت كأنّها (1) مزادة مخلف
[198] كميت: يعني تمرة. وجلدة: غليظة اللّحاء. لم توسّف: لم تقشّر. وأقرابها:
نواحيها وإنما هو مثل. والقربان: الخاصرتان. والضّئيلة: الدقيقة. والمخلف: المستقي يريد: كأنها من امتلائها مزادة.
[199] وقرأت على أبي بكر بن الأنباري قال: قرأت على أبي لهدبة بن خشرم: [الوافر]
طربت وأنت أحيانا طروب ... وكيف وقد تعلّاك المشيب
يجدّ النّأي ذكرك في فؤادي ... إذا ذهلت عن النّأي القلوب
يؤرّقني اكتئاب أبي نمير ... فقلبي من كآبته كئيب
فقلت له هداك الله مهلا ... وخير القول ذو اللّبّ المصيب
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفكّ عان ... ويأتي أهله النائي الغريب
ألا ليت الرّياح مسخّرات ... بحاجتنا تباكر أو تئوب
فتخبرنا الشّمال إذا أتتنا ... وتخبر أهلنا عنا الجنوب
فإنّا قد حللنا دار بلوى ... فتخطئنا المنايا أو تصيب
فإن يك صدر هذا اليوم ولّى ... فإنّ غدا لناظره قريب
وقد علمت سليمى أنّ عودي ... على الحدثان ذو أيد صليب
وأن خليقتي كرم وأني ... إذا أبدت نواجذها الحروب
أعين على مكارمها وأغشى ... مكارهها إذا كعّ (2) الهيوب (3)
وقد أبقى الحوادث منك ركنا ... صليبا ما تؤيّسه الخطوب
على أن المنيّة قد توافي ... لوقت والنّوائب قد تنوب
[200] قال أبو علي: قوله: تؤيّسه: تؤثّر فيه، قال المتلمّس: [الطويل]
ألم تر أنّ الجون أصبح راسيا ... تطيف به الأيّام ما يتأيّس
__________
(1) دخل على هذه الكلمة «القبض» وهو حذف الخامس الساكن من «مفاعلين». ط
(2) كع: جبن وضعف. ط
(3) الهيوب: الذي يخاف الناس. ط(1/80)
وقال الطّريف العنبري: [البسيط]
إنّ قناتي لنبع ما يؤيّسها ... عضّ الثّقاف ولا دهن ولا نار
[201]
[ما وقع من المفاخرة بين طريف بن العاصي والحارث بن ذبيان]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال: أخبرني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: اجتمع طريف بن العاصي الدّوسي وهو جدّ طفيل ذي النّورين بن عمرو بن طريف والحارث بن ذبيان بن لجا بن منهب وهو أحد المعمّرين عند بعض مقاول حمير، فتفاخرا، فقال الملك للحارث: يا حارث، ألا تخبرني بالسبب الذي أخرجكم عن قومكم حتى لحقتم بالنّمر بن عثمان؟ فقال: أخبرك أيها الملك، خرج هجينان منّا يرعيان غنما لهما فتشاولا بسيفيهما فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث فيه السيف فنزف فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين وهي نصف دية الصّريح، فأبى قومي وكان لنا رباء عليهم، فأبينا إلّا دية الصّريح وأبوا إلّا دية الهجين، فكان اسم هجيننا ذهين بن زبراء. واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة وهي سوداء أيضا (1)، فتفاقم الأمر بين الحيّين، فقال رجل منا: [الطويل]
حلومكم يا قوم لا تعزبنّها (2) ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتّدابر
وأدّوا إلى الأقوام عقل ابن عمّهم ... ولا ترهقوهم سبّة في العشائر
فإنّ ابن زبراء الذي فاد لم يكن ... بدون خليف أو أسيد بن جابر
فإن لم تعاطوا الحقّ فالسّيف بيننا ... وبينكم والسّيف أجور جائر
فتظافروا علينا حسدا، فأجمع ذوو الحجا منّا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد، فلحقنا بالنّمر بن عثمان فو الله ما فتّ في أعضادنا، فأبنا عنهم ولقد اثّأرنا صاحبنا وهم راغمون.
فوثب طريف بن العاصي من مجلسه فجلس بإزاء الحارث ثم قال: تالله ما سمعت كاليوم قولا أبعد من صواب، ولا أقرب من خطل، ولا أجلب لقذع من قول هذا، والله أيها الملك! ما قتلوا بهجينهم بذجا، ولا رقوا به درجا، ولا أنطوا به عقلا، ولا اجتفئوا به خشلا، ولقد أخرجهم الخوف عن أصلهم، وأجلاهم عن محلّهم، حتى استلانوا خشونة الإزعاج، ولجئوا إلى أضعيق الولاج، قلّا وذلّا. فقال الحارث: أتسمع يا طريف؟ إنّي والله ما إخالك كافّا غرب لسانك، ولا منهنها شرّة نزوانك، حتى أسطو بك سووة تكفّ طماحك، وتردّ جماحك، وتكبت تترّعك، وتقمع تسرّعك، فقال طريف: مهلا يا حارث، لا تعرض لطحمة استناني، وذرب سناني، وغرب شبابي، وميسم سبابي، فتكون كالأظلّ الموطوء، والعجب الموجوء، فقال الحارث: إيّاي تخاطب بمثل هذا القول! فو الله لو وطئتك لأسختك، ولو
__________
(1) قوله: و «هي سوداء أيضا» كذا في الأصل ولم يتقدم الحكم على شيء بالسواد، فلعله سقط من قلم الناسخ عند قوله زبراء وهي سوداء. ط
(2) أعزب حلمه: أذهبه. ط(1/81)
وهصتك لأوهطتك، ولو نفحتك لأفدتك، فقال طريف متمثلا: [الطويل]
وإنّ كلام المرء في غير كنهه ... لكالنّبل تهوي ليس فيها نصالها.
أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب المنصوبة، لئن لم تربع على ظلعك، وتقف عند قدرك، لأدعنّ حزنك سهلا، وغمرك ضحلا، وصفاك وحلا، فقال الحارث: أما والله لو رمت ذلك لمرّغت بالحضيض، وأغصصت بالجريض، وضاقت عليك الرّحاب، وتقطّعت بك الأسباب، ولألفيت لقى تهاداه الرّوامس، بالسّهب الطامس، فقال طريف: دون ما ناجتك به نفسك مقارعة أبطال، وحياض أهوال، وحفزة إعجال، يمنع معه تطامن الإمهال، فقال الملك:
إيها عنكما! فما رأيت كاليوم مقال رجلين لم يقصبا، ولم يثلبا، ولم يلصوا، ولم يقفوا.
[202] قال أبو علي: المقاول والأقيال: هم الذين دون الملك الأعظم. تشاولا:
تضاربا. وعاث: أفسد، والعيث: الفساد. ونزف الرجل: إذا سال دمه حتى يضعف.
والهجين: الذي أبوه عربيّ وأمه ليست بعربية. والمقرف: الذي أمه عربية وأبوه ليس بعربي.
والصّريح: الخالص. والرّباء: الزيادة، يقال: أربى فلان على فلان في السّباب يربي إرباء إذا زاد عليه، وأربى يربي من الرّبا وهو مقصور، والرّباء ممدود: الرّبا أيضا. وتفاقم الأمر:
اشتدّ. والعقل: الدّية، يقال: عقلت فلانا إذا غرمت ديته، وعقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته، والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها، يريد أن موضحتها وموضحته سواء، فإذا بلغ العقل ثلث الدية صارت دية المرأة على النصف من دية الرجل.
[203]
[من مادة: عقل]:
وقال الأصمعي: سألت أبا يوسف القاضي بحضرة الرشيد عن الفرق بين عقلته وعقلت عنه فلم يفهم حتى فهّمته. ويقال للقوم الذي يغرمون دية الرجل: العاقلة، ويقال: بنو فلان على معاقلهم الأولى، يريد على حال الديات التي كانوا عليها في الجاهلية، واحدها معقلة، ويقال:
صار دم فلان معقلة على قومه أي: غرما يؤدونه من أموالهم. وعقل الظل إذا قام قائم الظهيرة.
وعقل الرجل يعقل عقلا، في العقل. وعقل الظّبي يعقل عقولا إذا صعّد في الجبل فامتنع فيه، والمكان الممتنع فيه يسمى المعقل، وبه سمّي الرجل معقلا، ويقال: وعل عاقل إذا عقل في الجبل فامتنع فيه. وعقل البعير يعقله عقلا إذا ثنى وظيفه مع ذراعه فشدّهما جميعا في وسط الذراع ونحوه. وعقل الطعام بطنه يعقله عقلا إذا شدّه، ويقال: أعطني عقولا أشربه فيعطيه دواء يمسك بطنه، وبالدّهناء خبراء يقال لها: معقلة، سمّيت بذلك لأنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن. ويقال: جاء فلان وقد اعتقل رمحه إذا وضعه بين ركابه وساقه، واعتقل شاته إذا وضع رجلها بين ساقه وفخذه إذا حلبها. ويقال: صارع فلان فلانا فاعتقله الشّغزبيّة، وهو ضرب من الصّراع، ولفلان عقلة يعقل بها الناس، وذلك إذا صارعهم عقل أرجلهم. ويقال: على بني فلان عقالان، يريد بذلك صدقة عامين، ويقال: جار عليهم العامل فأخذ منهم النّقد ولم يأخذ العقال أي: الفريضة بعينها، ويقال: يكره أن تشترى الفريضة حتى يعقلها الساعي وهو
المصدّق. والعقال أيضا: الحبل الذي يعقل به البعير. والعقّال: هو أنّ بعض الخيل إذا مشى يظلع ساعة ثم ينبسط. والعقل: التواء في الرجل، يقال: بعير أعقل وناقة عقلاء. والعقيلة:(1/82)
وعقل الرجل يعقل عقلا، في العقل. وعقل الظّبي يعقل عقولا إذا صعّد في الجبل فامتنع فيه، والمكان الممتنع فيه يسمى المعقل، وبه سمّي الرجل معقلا، ويقال: وعل عاقل إذا عقل في الجبل فامتنع فيه. وعقل البعير يعقله عقلا إذا ثنى وظيفه مع ذراعه فشدّهما جميعا في وسط الذراع ونحوه. وعقل الطعام بطنه يعقله عقلا إذا شدّه، ويقال: أعطني عقولا أشربه فيعطيه دواء يمسك بطنه، وبالدّهناء خبراء يقال لها: معقلة، سمّيت بذلك لأنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن. ويقال: جاء فلان وقد اعتقل رمحه إذا وضعه بين ركابه وساقه، واعتقل شاته إذا وضع رجلها بين ساقه وفخذه إذا حلبها. ويقال: صارع فلان فلانا فاعتقله الشّغزبيّة، وهو ضرب من الصّراع، ولفلان عقلة يعقل بها الناس، وذلك إذا صارعهم عقل أرجلهم. ويقال: على بني فلان عقالان، يريد بذلك صدقة عامين، ويقال: جار عليهم العامل فأخذ منهم النّقد ولم يأخذ العقال أي: الفريضة بعينها، ويقال: يكره أن تشترى الفريضة حتى يعقلها الساعي وهو
المصدّق. والعقال أيضا: الحبل الذي يعقل به البعير. والعقّال: هو أنّ بعض الخيل إذا مشى يظلع ساعة ثم ينبسط. والعقل: التواء في الرجل، يقال: بعير أعقل وناقة عقلاء. والعقيلة:
كريمة الحي وكريمة الإبل. والعقل: ضرب من الوشي، يقال: جلّلوا هوادجهم بالعقل والرّقم.
ويقال: ما له جول ولا معقول أي: عقل يمسكه.
[204]
[من مادة: رهق]:
وقال الأصمعي: أرهقت الرجل: أدركته، وقال أبو زيد: أرهقته عسرا أي: كلّفته ذلك، وأرهقته إثما حتى رهقه. وقال الأصمعي: رهقته أي: غشيته، وفي فلان رهق أي:
غشيان للمحارم، والمرهّق: الذي يغشاه السؤّال والأضياف، ويقال: فادي فود إذا مات، قال لبيد: [الطويل]
رعى خرزات الملك عشرين حجّة ... وعشرين حتّى فاد والشّيب شامل
[205] وفاد يفيد: إذا تبختر، وكذلك راس يريس وماس يميس وماح يميح. وفتّ: أوهن وأضعف. واثّأرنا: افتعلنا من الثّأر. والخطل: الخطأ. والقذع: الكلام القبيح، يقال: أقذع له إذا أسمعه كلاما قبيحا. والبذج: الخروف، وهو فارسي معرّب، وكذلك البرق فارسي معرّب وهو الحمل. وأنطوا لغة في أعطوا، وقرأت على أبي بكر بن دريد في شعر الأعشى: [المتقارب]
جيادك في الصّيف في نعمة ... تصان الجلال وتنطى الشّعيرا
[206] واجتفئوا: صرعوا، قال أبو زيد: جفأه: صرعه وخفأه أيضا. والخشل والخشل محرّك ومسكّن واحدتهما: خشلة وخشلة: شجر المقل. وهذه أمثال كلها يريد:
أنهم لم ينالوا ثأره. والقلّ: القلّة. والذّل: الذّلّة. والنّزوان: الوثوب. والتّترّع: التسرع إلى الشرّ، يقال: ترع ترعا فهو ترع إذا كان سريعا إلى الشر، ويقال: ترع ترعا إذا اقتحم الأمور مرحا ونشاطا، قال الشاعر: [البسيط]
الباغي الحرب يسعى نحوها ترعا ... حتّى إذا ذاق منها جاحما بردا (1)
[أسماء الكسر والغلبة]:
أي: ثبت فلم يتقدّم، كذا فسره بعضهم وهو صحيح أي: خمدت حدّته فسكن، وهذا مثل. وطحمة السّيل وطحمته بالضم والفتح: دفعته. والذرب: الحدّة. والأظلّ: أسفل خفّ البعير. والعجب: أصل الذّنب. ووهصتك: كسرتك، يقال: وهصه ووطسه ووقصه إذا كسره.
وأوهطتك: صرعتك، قال أبو زيد: يقال ضربه فقحزنه وجحد له وأوهطه إذا صرعه، قال الأموي: هو أن يصرعه صرعة لا يقوم منها، وقال غيره: أوهطه: أهلكه، وأنشد: [الرجز]
أوهطته لمّا علا إيهاطا ... بكلّ ماض يبتك النّياطا (2)
__________
(1) جاحم الحرب: شدة القتل في معتركها كذا في «اللسان». ط
(2) يبتك: يقطع النياط: عرق متصل بالقلب إذا قطع مات صاحبه. ط(1/83)
[207] وتربع: تكفّ وترفق، يقال: ربع يربع ربعا إذا كفّ ورفق. والظّلع: الغمز.
والضّحل: الماء القليل وكذلك الضّحضاح، والفراش أقل منه، والضّهل: القليل من الماء ومنه يقال: ما ضهل إليه منه شيء. والشّول: القليل من الماء يكون في أسفل القربة والسّقاء، قال الأعشى: [الكامل]
حتّى إذا لمع الرّبيء بثوبه ... سقيت وصبّ سقاتها أشوالها
[208] والنّزفة: القليل من الماء والشراب أيضا وجمعها: نزف، قال ذو الرّمّة:
[الطويل]
يقطّع موضوع الحديث ابتسامها ... تقطّع ماء المزن في نزف الخمر
والذفاف: البلل، قال أبو ذؤيب: [الطويل]
يقولون لمّا جشّت البئر أوردوا ... وليس بها أدنى ذفاف لوارد
[209] والصّفا جمع صفاة: الصخرة، وهي أيضا الصّفواء والصّفوان. والحضيض:
القرار إذا اتصل بالجبل، وفي الحديث: «إنّ العدوّ بعرعرة الجبل ونحن بحضيضه» فالعرعرة:
أعلاه، والحضيض: أسفله. ولقى: ملقى. والرّوامس: الرياح التي ترمس أي: تدفن.
والسّهب: المستوى من الأرض. والطّامس والطاسم جميعا: الدارس، يقال: طمس وطسم.
والحفز: الدّفع، يقال: حفزه يحفزه حفزا ومنه سمى الحارث بن شريك الحوفزان، وذلك أن قيس بن عاصم حفزه بالرّمح حين خاف أن يفوته وقد فخر بذلك سوّار بن حيّان (1)
المنقري، فقال (2): [الطويل]
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة ... سقته نجيعا من دم الجوف أشكلا
[210] وقال أبو زيد: إيها: نهي، وإيه: أمر. وقال غيره: ويها: إغراء، وأنشد للكميت: [المتقارب]
وجاءت حوادث في مثلها ... يقال لمثلي ويها فل
وقال أبو بكر بن الأنباري: واها: تعجّب، قال الراجز: [الرجز]
واها لريّا ثم واها واها ... يا ليت عيناها لنا وفاها
بثمن نرضى به أباها
[211] لم يقصبا: لم يشتما، يقال: قصبه يقصبه إذا وقع فيه، وأصل القصب القطع، ومنه قيل للجزّار: قصّاب. ولم يلصوا قال أبو علي: كذا رواه لم يلصوا، وقال الأصمعي:
لصاه يلصيه لصيا إذا قذفه، وأنشد الأصمعي للعجّاج: [الرجز]
عفّ فلا لاص ولا ملصيّ
__________
(1) ورد في الطبعة الأولى «حبان» بالباء الموحدة وهو تحريف. ط
(2) انظر: «التنبيه» [20].(1/84)
ويقال: قفاه يقفوه: إذا قذفه بأمر عظيم كذلك قال يعقوب بن السكيت، ويمكن أن يكون يلصوا لغة.
* * * [212] وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لرجل من بني كلاب: [الطويل]
سقى الله دهرا قد تولّت غياطله ... وفارقنا إلا الحشاشة باطله
ليالي خدني كلّ أبيض ماجد ... يطيع هوى الصابي وتعصى عواذله
وفي دهرنا والعيش إذ ذاك غرّة ... ألا ليت ذاك الدهر تثنى أوائله
بما قد غنينا والصّبا جلّ همّنا ... يمايلنا ريعانه ونمايله
وجرّ لنا أذياله الدّهر حقبة ... يطاولنا في غيّه ونطاوله
فسقيا له من صاحب خذلت بنا ... مطيّتنا عنه وولّت رواحله
أصدّ عن البيت الذي فيه قاتلي ... وأهجره حتّى كأنّي قاتله
[213] قال أبو علي: الغياطل: جمع غيطلة وهي الظّلمة، والغيطلة: اختلاط الأصوات، والغيطلة: الشجر الملتفّ، والغيطلة: البقرة، قال زهير: [البسيط]
كما استغاث بسيء فزّ غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك (1)
[214]
[التعفّف عن المعاصي والخمر خآصة لمن شاب سنّه، والأبيات التي لا مروءة لمن لم يروها]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن خلف، قال: حدثنا محمد بن أبي السري، قال: حدثنا الهيثم بن عدي قال: كنا نقول بالكوفة: إنه من لم يرو هذه الأبيات فلا مروءة له، وهي لأيمن بن خريم بن فاتك الأسدي (2).
قال: وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، عن ابن الأعرابي، والألفاظ في الروايتين مختلطة: [الطويل]
وصهباء جرجانيّة لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر (3)
ولم يحضر القسّ المهينم نارها ... طروقا ولم يشهد على طبخها حبر (4)
__________
(1) السّيئ بالفتح ويكسر: اللبن ينزل قبل الدرة يكون في أطراف الأخلاف. والفز: ولد البقرة والجمع أفزاز. والحشك: تركك الناقة لا تحلبها حتى يجتمع لبنها، والاسم منه: الحشك بالتحريك. وخاف العيون أي: خاف أن تنظر إليه العيون فلا تدعه يشرب من أمه فلم تنتظر به امتلاء درتها فسقته قبل ذلك.
(2) انظر: «التنبيه» [21].
(3) الحنيف: المسلم. ونغرت القدر: غلت. ط
(4) المهينم: الذي يقرأ بصوت خفي. والطروق: الحضور ليلا. ط(1/85)
أتاني بها يحيى وقد نمت نومة ... وقد غابت الشّعرى وقد جنح النّسر
فقلت اغتبقها أو لغيري فاسقها ... فما أنا بعد الشّيب ويبك والخمر (1)
تعفّفت عنها في العصور التي خلت ... فكيف التّصابي بعد ما كلأ العمر
إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى ... وإن جرّ أسباب الحياة له الدّهر (2)
[215] قال أبو علي: كلأ: انتهى إلى آخره وأقصاه، ويقال: بلغ الله بك أكلأ العمر أي: آخره. وارتأى: افتعل من الرأي.
[216]
[عفاف المحبّين وحيائهم]:
وأنشدنا أبو عمرو بن المطرّز غلام ثعلب، قال: أنشدنا أبو العباس، قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب لابن الدّمينة: [الطويل]
ألا حبّ بالبيت الذي أنت هاجره ... وأنت بتلماح (3) من الطّرف زائره
فإنّك من بيت لعيني معجب ... وأحسن في عيني من البيت عامره
أصدّ حياء أن يلجّ بي الهوى ... وفيك المنى لولا عدوّ أحاذره
وكم لائم لولا نفاسة حبّها ... عليك لما باليت أنّك خابره
أحبّك يا ليلى على غير ريبة ... وما خير حبّ لا تعفّ سرائره
وقد مات قبلي أول الحبّ فانقضى ... فإن متّ أضحى الحبّ قد مات آخره
فلما تناهى الحب في القلب واردا ... أقام وأعيت بعد ذاك مصادره
وقد كان قلبي في حجاب يكنّه ... وحبّك من دون الحجاب يساتره
فماذا الذي يشفي من الحب بعد ما ... تشرّبه بطن الفؤاد وظاهره
[217]
[شعر في ظهور آثار الحب على المحبّين، وإخفاء الهوى]:
وأنشدنا الأخفش قال: أنشدنا أبو الطّريف شاعر كان مع المعتمد لنفسه:
أتهجرون فتى أغري بكم تيها ... حقّا لدعوة صبّ أن تجيبوها
أهدى إليكم على نأي تحيّته ... حيّوا بأحسن منها أو فردّوها
شيّعتهم فاسترابوني فقلت لهم ... إني بعثت مع الأجمال أحدوها
قالوا فما نفس يعلوك ذا صعد ... وما لعينك لا ترقى مآقيها
قلت التّنفّس من تدآب سيركم ... والعين تذرف دمعا من قذى فيها
حتى إذا ارتحلوا والليل معتكر ... خفضت في جنحه صوتي أناديها
__________
(1) الاغتباق: شرب العشي. وويبك: ويلك. ط
(2) تنفس: تحسد. ط
(3) التلماح: اختلاس النظر. ط(1/86)
يا من بها أنا هيمان ومختبل ... هل لي إلى الوصل من عقبى أرجّيها
[218] وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قصيدة له أوّلها: [الكامل]
قلب تقطّع فاستحال نجيعا ... فجرى فصار مع الدموع دموعا
ردّت إلى أحشائه زفراته ... ففضضن منه جوانحا وضلوعا
عجبا لنار ضرّمت في صدره ... فاستنبطت من جفنه ينبوعا
لهب يكون إذا تلبّس بالحشا ... قيظا ويظهر في الجفون ربيعا
* * * [219] وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: [الطويل]
أما والذي لا خلد إلا لوجهه ... ولم يك في العزّ المنيع له كفو
لئن كان طعم الصّبر مرّا فعفته ... لقد يجتنى من غبّه الثّمر الحلو
* * * [220] وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر: [الكامل]
نسي الأمانة من مخافة لقّح ... شمس تركن بضيعه مجزولا
أي: نسي الأمانة من مخافة هذه اللّقّح يعني: السّياط شبهها إذا ارتفعت بأيدي الرجال بأذناب الإبل إذا لقحت فرفعت أذنابها. وشمس: فيها شماس لا تستقر. وبضيعه:
لحمه. ومجزول: مقطوع.
[221]
[صفة الزوج وفضائله، وفضل الزواج، واحتجاب العروس عن الناس شهرا]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عبّاد، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: كان قيل من أقيال حمير منع الولد دهرا ثم ولدت له بنت فبنى لها قصرا منيفا بعيدا من الناس، ووكّل بها نساء من بنات الأقيال يخدمنها ويؤدّبنها حتى بلغت مبلغ النساء، فنشأت أحسن منشأ وأتمّه في عقلها وكمالها، فلما مات أبوها ملّكها أهل مخلافها، فاصطنعت النّسوة اللواتي ربّينها وأحسنت إليهنّ وكانت تشاورهنّ ولا تقطع أمرا دونهنّ، فقلن لها يوما: يا بنت الكرام، لو تزوّجت لتمّ لك الملك، فقالت: وما الزّوج؟
فقالت إحداهنّ: الزوج عزّ في الشدائد، وفي الخطوب مساعد، إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف، قالت: نعم الشيء هذا! فقالت الثانية: الزوج شعاري حين أصرد، ومتّكئي حين أرقد، وأنسي حين أفرد، فقالت: إن هذا لمن كمال طيب العيش. فقالت الثالثة: الزّوج لما عناني كاف، ولما شفّني شاف، يكفيني فقد الألّاف، ريقه كالشّهد، وعناقه كالخلد، لا يملّ قرانه، ولا يخاف حرانه، فقالت: أمهلنني أنظر فيما قلتن، فاحتجبت عنهن سبعا، ثم دعتهنّ فقالت: قد نظرت فيما قلتن فوجدتني أملّكه رقّي، وأبثّه باطلي وحقّي، فإن كان
محمود الخلائق، مأمون البوائق، فقد أدركت بغيتي، وإن كان غير ذلك فقد طالت شقوتي، على أنه لا ينبغي إلّا أن يكون كفئا كريما يسود عشيرته، ويربّ فصيلته، لا أتقنّع به عارا في حياتي، ولا أرفع به شنارا لقومي بعد وفاتي، فعليكنّه فابغينه وتفرّقن في الأحياء، فأيّتكنّ أتتني بما أحب فلها أجزل الحباء، وعليّ لها الوفاء، فخرجن فيما وجّهتهنّ له، وكنّ بنات مقاول ذوات عقل ورأي، فجاءتها إحداهن وهي عمرّطة بنت زرعة بن ذي خنفر فقالت: قد أصبت البغية، فقالت: صفيه ولا تسمّيه. فقالت: غيث في المحل، ثمال في الأزل، مفيد مبيد، يصلح النائر، وينعش العاثر، ويغمر النّدي، ويقتاد الأبي، عرضه وافر، وحسبه باهر، غضّ الشباب، طاهر الأثواب. قالت: ومن هو؟(1/87)
فقالت إحداهنّ: الزوج عزّ في الشدائد، وفي الخطوب مساعد، إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف، قالت: نعم الشيء هذا! فقالت الثانية: الزوج شعاري حين أصرد، ومتّكئي حين أرقد، وأنسي حين أفرد، فقالت: إن هذا لمن كمال طيب العيش. فقالت الثالثة: الزّوج لما عناني كاف، ولما شفّني شاف، يكفيني فقد الألّاف، ريقه كالشّهد، وعناقه كالخلد، لا يملّ قرانه، ولا يخاف حرانه، فقالت: أمهلنني أنظر فيما قلتن، فاحتجبت عنهن سبعا، ثم دعتهنّ فقالت: قد نظرت فيما قلتن فوجدتني أملّكه رقّي، وأبثّه باطلي وحقّي، فإن كان
محمود الخلائق، مأمون البوائق، فقد أدركت بغيتي، وإن كان غير ذلك فقد طالت شقوتي، على أنه لا ينبغي إلّا أن يكون كفئا كريما يسود عشيرته، ويربّ فصيلته، لا أتقنّع به عارا في حياتي، ولا أرفع به شنارا لقومي بعد وفاتي، فعليكنّه فابغينه وتفرّقن في الأحياء، فأيّتكنّ أتتني بما أحب فلها أجزل الحباء، وعليّ لها الوفاء، فخرجن فيما وجّهتهنّ له، وكنّ بنات مقاول ذوات عقل ورأي، فجاءتها إحداهن وهي عمرّطة بنت زرعة بن ذي خنفر فقالت: قد أصبت البغية، فقالت: صفيه ولا تسمّيه. فقالت: غيث في المحل، ثمال في الأزل، مفيد مبيد، يصلح النائر، وينعش العاثر، ويغمر النّدي، ويقتاد الأبي، عرضه وافر، وحسبه باهر، غضّ الشباب، طاهر الأثواب. قالت: ومن هو؟
قالت: سبرة بن عوّال بن شدّاد بن الهمّال. ثم خلت بالثانية فقالت: أصبت من بغيتك شيئا؟ قالت: نعم، قالت: صفيه ولا تسمّيه. قالت: مصامص النّسب، كريم الحسب، كامل الأدب، غزير العطايا، مألوف السجايا، مقتبل الشباب، خصيب الجناب، أمره ماض، وعشيره راض. قالت: ومن هو؟ قالت: يعلى بن هزّال بن ذي جدن. ثم خلت بالثالثة فقالت: ما عندك؟ قالت: وجدته كثير الفوائد، عظيم المرافد، يعطي قبل السؤال، وينيل قبل أن يستنال، في العشيرة معظّم، وفي الندي مكرم، جم الفواضل، كثير النوافل، بذّال أموال، محقّق آمال، كريم أعمام وأخوال، قالت: ومن هو؟ قالت:
رواحة بن خمير بن مضحي بن ذي هلاهلة، فاختارت يعلى بن هزّال فتزوّجته، فاحتجبت عن نسائها شهرا ثم برزت لهن، فأجزلت لهن الحباء، وأعظمت لهن العطاء.
[222] قال أبو علي إسماعيل: المخلاف: الكورة. وأصرد: أبرد. ويربّ: يجمع ويصلح.
و [223]
[شعر رجل يصف إبلا]:
أنشدنا أبو بكر لرجل (1) يصف إبلا [الرجز]:
تربّعت في حرض وحمض ... جاءت تهضّ الأرض أيّ هضّ
يدفع عنها بعضها عن بعض ... مثل العذارى شمن عين المغضي
[224] تربّعت: أقامت في الربيع. والحرض: الأشنان. والحمض: ما ملح من النبات. وتهضّ: تدقّ. وقوله: يدفع عنها بعضها عن بعض أي: هي مستوية حسان كلها ليست فيها واحدة تبينها فتسبق إليها العين، ولكن إذا قيل: هذه أحسن، قيل: لا، هذه فيدفع بعضها عن بعض العين أن تعينها. وشمن: فتحن عين المغضي فينظر إليهن وهن مثل العذارى في الحسن.
* * * __________
(1) هو ركاض الدبيري كما في «اللسان» (ج 9ص 116). ط(1/88)
[225] وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي لسلمي (1) بن ربيعة (2): [الكامل]
حلّت تماضر غربة فاحتلّت ... فلجا وأهلك باللّوى فالحلّة
فكأنّ في العينين حبّ قرنفل ... أو سنبلا كحلت به فانهلّت
زعمت تماضر أنّني إمّا أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي
تربت يداك وهل رأيت لقومه ... مثلي على يسري وحين تعلّتي
رجلا إذا ما النائبات غشينه ... أكفى لمضلعة وإن هي جلّت
ومناخ نازلة كفيت وفارس ... نهلت قناتي من مطاه وعلّت
وإذا العذارى بالدّخان تقنّعت ... واستعجلت هزم القدور فملّت
دارت بأرزاق العفاة مغالق ... بيديّ من قمع العشار الجلّة
ولقد رأبت ثأي العشيرة بينها ... وكفيت جانبها (3) اللّتيّا والّتي
وصفحت عن ذي جهلها ورفدتها ... نصحي ولم تصب العشيرة زلّتي
وكفيت مولاي الأجمّ جريرتي ... وحبست سائمتي على ذي الخلّة
قال: وروي عن أبي زيد: مولاي الأحمّ بالحاء.
[226] قال أبو علي: لمضلعة: أمر شديد تضلع صاحبها أي: تميله للوقوع.
والهزم: الصوت يريد: صوت الغليان. والمغالق: يريد به القداح التي يغلق بها الرهن (4).
والقمع: الأسنمة واحدتها: قمعة. والعشار: جمع عشراء وهي التي أتت عليها عشرة أشهر من حملها، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعد ما تضع أياما. والثّأي: الفساد، وأصل ذلك الثّأي في الخرز، وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة، يقال: أثأيت الخرز إذا خزمته. ورأبت: أصلحت. والأجمّ: الذي لا رمح معه. وأما الأحم بالحاء: فالأقرب، والحميم: القريب. والأعزل: الذي لاسلاح معه. والأكشف: الذي لا ترس معه. والأميل:
الذي لا سيف معه، والأميل أيضا: الذي لا يثبت على الخيل، قال الأعشى: [الخفيف]
غير ميل ولا عواوير في الهي ... جا ولا عزّل ولا أكفال
__________
(1) في «الأصمعيات» (طبع مدينة ليبسج سنة 1902م) تنسب هذه الأبيات إلى علباء بن أريم بن عوف [صواب هذا الاسم: علباء بن أرقم كما في «النوادر» لأبي زيد (ص 104) و «اللسان» (ج 2ص 407)]. ط
(2) انظر: «التنبيه» [22].
(3) في الأصمعيات: «وكفيت جانيها». ط
(4) المغالق: سهام الميسر سميت بها لأن بها يغلق الخطر وهو السبق الذي يراهن عليه من قولهم:
غلق الرهن إذا لم يقدر على افتكاكه. ط(1/89)
[227] قال أبو علي: الميل: جمع أميل. والعواوير: جمع عوّار وهو الجبان.
والعزّل جمع أعزل. والأكفال: جمع كفل وهو أيضا الذي لا يثبت على الخيل مثل الأميل غير أن الأميل الذي يميل إلى جانب، والكفل الذي يزول عن متن الفرس إلى كفله.
والخلّة بالفتح: الحاجة، والخلّة بالضم: الصداقة.
[228]
[شعر في إجابة المسألة، ونصر الطالب، وإن أصابتهم لعمة لم يطروا وإن ذهبت صبروا، وغير ذلك]:
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه قال: أنشدني رجل من بني فزارة: [البسيط]
لا يبعد الله قوما إن سألتهم ... أعطوا وإن قلت يا قوم انصروا نصروا
وإن أصابتهم نعماء سابغة ... لم يبطروها وإن فاتتهم صبروا
الكاسرون عظاما لا جبور لها ... والجابرون فأعلى الناس من جبروا
فقلت: من يقول هذا؟ فقال الذي يقول: [الطويل]
إذا نشرت نفسي تذكّرت ما مضى ... وقومي إذ نحن الذّرى والكواهل
وإذ لي منهم جنّة أتّقي بها ... وجرثومة فيها حفاظ ونائل
وإذ لا ترود العين عنا لبغية ... ولا يتخطّانا المروع الموائل
ولا يجد الأضياف عنا محوّلا ... إذا هبّ أرواح الشتاء الشّمائل
إذا قيل أين المشتفى بدمائهم (1) ... وأين الرّوابي والفروع المعاقل
أشير إلينا أو رأى الناس أنّنا ... لهم جنّة إن قال بالحق قائل
فأصبحت مثل النّسر تحت جناحه ... قوادم صارتها إليه الحبائل
فلو أنّ قومي أكرموني وأتأقوا (2) ... سجالا بها أسقي الذين أساجل
كففت الأذى ما عشت عن حلمائهم ... وناضلت عن أعراضهم من يناضل
ولكنّ قومي عزّهم سفهاؤهم ... على الرأي حتّى ليس للرأي حامل
تظوهر بالعدوان واختيل بالغنى ... وشورك في الرأي الرّجال الأماثل
ثم قام مغضبا متصاعرا كأنّ المحاجم على أخدعيه.
[229]
[علامة الأخوة، وذي الوجهين]:
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم ولم يسنده: [الطويل]
__________
(1) المشتفي بدمائهم: الملوك الأشراف فإن العرب يزعمون أن دماء الملوك تشفى من الكلب والخبل، قال الفرذدق:
من الدارميين الذين دماؤهم ... شفاء من الداء المجنة والخبل ط
(2) أتأقوا: ملئوا. ط(1/90)
تودّ عدوّي ثم تزعم أنني ... صديقك إنّ الرأى عنك لعازب
وليس أخي من ودّني رأى عينه ... ولكن أخي من ودّني وهو غائب
[230]
[أحب البلاد]:
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي ثعلب: [الطويل] أحبّ بلاد الله ما بين منعج ... إليّ وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها حلّ الشباب تمائمي (1) ... وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
[231]
[ما قاله الشعراء في وصف الحديث مدحا وذمّا، ومعه أشعار في الحبّ ولهيب حديث المحبوب]:
وأنشدنا أيضا قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: [الوافر]
منعّمة يحار الطّرف فيها ... كأنّ حديثها سكر الشباب
من المتصدّيات لغير سوء ... تسيل إذا مشت سيل الحباب
[232] وأنشدني أبو بكر بن دريد رحمه الله في خبر طويل: [الطويل]
وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... متى ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
[233] وأنشدنا بعض أصحابنا في حسن الحديث:
فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... حديث كمثل المسك شيبت به الخمر
حديث لو أن الميت نوجي ببعضه ... لأصبح حيّا بعد ما ضمّه القبر
[234] قال أبو علي: وقرأت في نوادر ابن الأعرابي، عن أبي عمر المطرز قال:
أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي، عن ابن الأعرابي لأعرابي: [الكامل]
وحديثها كالقطر يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا
فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ربّا
[235] وأحسن في هذا المعنى عليّ بن العباس الرومي، أنشدناه الناجم، قال: أنشدنا علي بن العباس لنفسه: [الكامل]
وحديثها السّحر الحلال لو انّه ... لم يضجن قتل المسلم المتحرّز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ودّ المحدّث أنها لم توجز
شرك العقول ونهزة ما مثلها ... للمطمئنّ وعقلة المستوفز
__________
(1) روى في «اللسان» في مادة «نوط»: «بلاد بها نيطت على تمائمي» ونيطت أي: علقت، والتمائم:
واحدتها تميمة وهي خرزات كان الأعراب يعلقونها على أولادهم ينفون بها النفس والعين بزعمهم فأبطله الإسلام. والبيتان لرقاع بن قيس الأسدي. ط(1/91)
[236] وأنشدنا بعض أصحابنا لبشّار: [مجزوء الكامل]
وكأنّ رصف حديثها ... قطع الرّياض كسين زهرا
وكأنّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا
وتخال ما جمعت علي ... هـ ثيابها ذهبا وعطرا
وكأنّها برد الشّرا ... ب صفا ووافق منك فطرا
[237] وقرأت علي أبي بكر بن دريد من خط إسحاق بن إبراهيم لأعرابي: [الوافر] أمرّ مجنّبا عن بيت ليلى ... ولم ألمم به وبي الغليل
أمرّ مجنّبا وهواي فيه ... فطرفي عنه منكسر كليل
وقلبي فيه مقتتل فهل لي ... إلى قلبي وساكنه سبيل
أؤّمّل أن أعلّ بشرب ليلى ... ولم أنهل فكيف لي العليل
[238] وأنشدنا الأخفش لأبي علي البصير: [المتقارب]
غناؤك عندي يميت الطّرب ... وضربك بالعود يحيي الكرب
ولم أر قبلك من قينة ... تغنّي فأحسبها تنتحب
ولا شاهد الناس إنسيّة ... سواك لها بدن من خشب
ووجه رقيب على نفسه ... ينفّر عنه عيون الرّيب
فكيف تصدّين عن عاشق ... يودّك لو كان كلبا كلب
ولو مازج النار في حرّها ... حديثك أخمد منها اللهب
[239]
[مرض الحبيب لمرض محبوبه، وأحسن ما سمع في القسم]:
وأنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء: [الطويل]
فديتك ليلى مذ مرضت طويل ... ودمعي لما لاقيت فيك همول
أأشرب كأسا أم أسرّ بلذّة ... ويعجبني ظبي أغنّ كحيل
وتضحك سنّي أو تجفّ مدامعي ... وأصبوا إلى لهو وأنت عليل
ثكلت إذا نفسي وقامت قيامتي ... وغالت حياتي عند ذلك غول
[240] قال أبو علي: ومن أحسن ما سمعت في القسم قول الأشتر النّخعيّ رحمه الله:
[الكامل]
بقّيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشنّ على ابن هند غارة ... لم تخل يوما من نهاب نفوس
خيلا كأمثال السّعالي شزّبا ... تعدو ببيض في الكريهة شوس
حمي الحديد عليهم فكأنّه ... لمعان برق أو شعاع شموس
[241](1/92)
بقّيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشنّ على ابن هند غارة ... لم تخل يوما من نهاب نفوس
خيلا كأمثال السّعالي شزّبا ... تعدو ببيض في الكريهة شوس
حمي الحديد عليهم فكأنّه ... لمعان برق أو شعاع شموس
[241]
[مساعدة من رزق مالا لإخوانه الفقراء]:
وأنشدني بعض أصحابنا: [الطويل]
ولكنّ عبد الله لما حوى الغنى ... وصار له من بين إخوانه مال
رأى خلّة منهم تسدّ بماله ... فساهمهم حتى استوت فيهم الحال
[242]
[خبر ليلى الأخيلية مع الحجاج]:
وحدثني أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، عن أبي الحسن المدائني، عمن حدثّه، عن مولّى لعنبسة بن سعيد بن العاصي قال: كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد بن العاصي إذا دخل على الحجاج، فدخل يوما فدخلت إليهما وليس عند الحجاج أحد إلا عنبسة، فأقعدني فجئ الحجاج بطبق فيه رطب، فأخذ الخادم منه شيئا فجاءني به، ثم جئ بطبق آخر حتى كثرت الأطباق، وجعل لا يأتون بشيء إلا جاءني منه بشيء، حتى ظننت أن ما بين يدي أكثر مما عندهما، ثم جاء الحاجب فقال: امرأة بالباب؟
فقال له الحجاج: أدخلها. فدخلت، فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه حتى ظننت أن ذقنه قد أصاب الأرض، فجاءت حتّى قعدت بين يديه، فنظرت فإذا امرأة قد أسنّت حسنة الخلق ومعها جاريتان لها، وإذا هي ليلى الأخيلية، فسألها الحجاج عن نسبها فانتسبت له، فقال لها:
يا ليلى، ما أتى بك؟ فقالت: إخلاف النجوم. وقلّة الغيوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرّفد. فقال لها: صفي لنا الفجاج، فقالت: الفجاج مغبرّة، والأرض مقشعرّة، والمبرك معتلّ. وذو العيال مختلّ، والهالك للقلّ، والناس مسنتون، رحمة الله يرجون، وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة، لم تدع لنا هبعا، ولا ربعا، ولا عافطة ولا نافطة، أذهبت الأموال، ومزّقت الرجال، وأهلكت العيال، ثم قالت: إني قلت في الأمير قولا، قال: هاتي، فأنشأت تقول: [الطويل]
أحجّاج لا يفلل سلاحك إنّها ال ... منايا بكفّ الله حيث تراها
أحجاج لا تعطي العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها
إذا هبط الحجّاج أرضا مريضة ... تتبّع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هزّ القناة سقاها
سقاها فروّاها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها
إذا سمع الحجّاج رزّ (1) كتيبة ... أعدّ لها قبل النزول قراها
أعدّ لها مسمومة فارسيّة ... بأيدي رجال يحلبون صراها
فما وعد الأبكار والعون مثله ... بجر ولا أرض يجفّ ثراها
__________
(1) الرز بالكسر: الصوت تسمعه من بعيد. ط(1/93)
قال: فلما قالت هذا البيت قال الحجاج: قاتلها الله! والله ما أصاب صفتي شاعر مذ دخلت العراق غيرها، ثم التفت إلى عنبسة بن سعيد فقال: والله إنّي لأعدّ للأمر عسى ألّا يكون أبدا، ثم التفت إليها فقال: حسبك، قالت: إني قد قلت أكثر من هذا، قال: حسبك! ويحك حسبك! ثم قال: يا غلام: اذهب إلى فلان فقل له: اقطع لسانها، فذهب بها فقال له:
يقول لك الأمير: اقطع لسانها، قال: فأمر بإحضار الحجّام، فالتفتت إليه فقالت: ثكلتك أمّك! أما سمعت ما قال، إنما أمرك أن تقطع لساني بالصّلة، فبعث إليه يستثبته، فاستشاط الحجاج غضبا وهمّ بقطع لسانه وقال: ارددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد وأمانة الله بقطع مقولى، ثم أنشأت تقول: [البسيط]
حجّاج أنت الذي ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستغفر الصّمد
حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت ... وأنت للناس نور في الدّجى يقد
ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير، إلّا أنّا لم نر قطّ أفصح لسانا، ولا أحسن محاورة، ولا أملح وجها، ولا أرصن شعرا منها! فقال: هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجيّ من حبها! ثم التفت إليها فقالت: أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة، قالت: نعم أيها الأمير، هو الذي يقول: [الطويل]
وهل تبكين ليلى إذا متّ قبلها ... وقام على قبري النساء النوائح
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرت به العين طائح (1)
ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت ... عليّ ودوني جندل وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
فقال: زيدينا من شعره يا ليلى، قالت: هو الذي يقول: [الطويل]
حمامة بطن الواديين ترنّمي ... سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعما ... ولا زلت في خضراء غضّ نضيرها
وكنت إذا مازرت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
وقد رابني منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتي وبسورها
وأشرف بالقور (2) اليفاع لعلّني ... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها
يقول رجال لا يضيرك نأيها ... بلى كلّ ماشفّ النفوس يضيرها
بلى قد يضير العين أن تكثر البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها
وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
__________
(1) روى الشطر الأخير من هذا البيت في «ديوان الحماسة» هكذا: «ألا كل ما قرت به العين صالح». ط
(2) القور: جمع قارة وهي الجبيل الصغير. ط(1/94)
فقال الحجاج: يا ليلى، ما الذي رابه من سفورك؟ فقالت: أيها الأمير، كان يلمّ بي كثيرا، فأرسل إليّ يوما أني آتيك، وفطن الحيّ فأرصدوا له، فلما أتاني سفرت عن وجهي، فعلم أن ذلك لشرّ فلم يزد على التسليم والرجوع، فقال: لله درّك! فهل رأيت منه شيئا تكرهينه؟ فقالت: لا والله الذي أسأله أن يصلحك غير أنه قال مرة قولا ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر، فأنشأت تقول: [الطويل]
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل (1)
فلا والله الذي أسأله أن يصلحك، ما رأيت منه شيئا حتى فرّق الموت بيني وبينه، قال:
ثم مه! قالت: ثم لم يلبث أن خرج في غزاة له فأوصى ابن عم له: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة فناد بأعلى صوتك: [الطويل]
عفا الله عنها هل أبيتنّ ليلة ... من الدّهر لا يسري إليّ خيالها
وأنا أقول: [الطويل]
وعنه عفا ربّي وأحسن حاله ... فعزّت علينا حاجة لا ينالها
قال: ثم مه! قالت: ثم لم يلبث أن مات فأتانا نعيّه، فقال: أنشدينا بعض مراثيك فيه، فأنشدت: [الطويل]
لتبك عليه من خفاجة نسوة ... بماء شئون العبرة المتحدّر (2)
قال لها: فأنشدينا، فأنشدته: [الطويل]
كأنّ فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصى بالكراكر (3)
__________
(1) كذا في «الأغاني» طبع بولاق وبعض نسخ الأصل الخطية: وفي الطبعة الأولى «خليل» بالخاء المعجمة. ط
(2) في الطبعة الأولى: «لتبك العذارى» وما أثبتناه هنا من «الكامل» للمبرد (ص 732) طبع ليبسج سنة 1864م. وهذا البيت من قصيدة مطلعها:
أعيني ألا فابكي على ابن حمير ... بدمع كفيض الجدول المتفجر
وما كتبه بعضهم على هامش بعض النسخ من قوله: لعله المتحاذر بالألف قبل الدال لتستقيم القافية، ونقله مصحح الطبعة الأولى لم يتحر فيه الصواب فإن البيت الذي استند إليه في لزوم الألف وهو:
فتى لا تخطاه الرفاق ولا يرى ... لقدر عيالا دون جار مجاور
من قصيدة أخرى لليلى أيضا مطلعها:
نظرت وركن من بوانة دوننا ... وأركان جسمي أي نظرة ناظر
ومنها البيت: «كأن فتى الفتيان» إلخ. ط
(3) الكراكر جمع: كركرة، وهي زور البعير الذي إذا برك أصاب الأرض وهي ناتئة عن جسمه كالقرصة كذا في «اللسان».(1/95)
فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي وكان من جلساء الحجاج: من الذي تقول هذه هذا فيه؟ فو الله إني لأظنّها كاذبة، فنظرت إليه ثم قالت: أيها الأمير، إن هذا القائل لو رأى توبة لسرّه ألا تكون في داره عذراء إلّا هي حامل منه، فقال الحجاج: هذا وأبيك الجواب وقد كنت عنه غنيا، ثم قال لها: سلي يا ليلى تعطي، قالت: أعط فمثلك أعطى فأحسن، قال:
لك عشرون، قالت: زد فمثلك زاد فأجمل، قال: لك أربعون، قالت: زد فمثلك زاد فأكمل، قال: لك ثمانون، قالت: زد فمثلك زاد فتمم، قال: لك مائة، واعلمي أنها غنم، قالت: معاذ الله أيها الأمير! أنت أجود جودا، وأمجد مجدا، وأورى زندا، من أن تجعلها غنما، قال: فما هي ويحك يا ليلى؟ قالت: مائة من الإبل برعاتها، فأمر لها بها، ثم قال: ألك حاجة بعدها؟
قالت: تدفع إليّ النابغة الجعدي، قال: قد فعلت، وقد كانت تهجوه ويهجوها، فبلغ النابغة ذلك، فخرج هاربا عائذا بعبد الملك، فاتبعته إلى الشام، فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان، فاتبعته على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة. فماتت بقومس ويقال: بحلوان.
[243]
[من مادة: رفد]
قال أبو علي: قولها: إخلاف النجوم تريد: أخلفت النجوم التي يكون بها المطر فلم تأت بمطر. وكلب البرد: شدّته، وهذا مثل لأن الكلب السّعار الذي يصيب الكلاب والذئاب.
والرّفد: المعونة، والرّفد: العطيّة، ويقال: رفدته من الرّفد وأرفدته إذا أعنته على ذلك، وقال الأصمعي: الرّفد بكسر الراء: القدح. والرّفد بالفتح: مصدر رفدته، والرّفود من الإبل التي تملأ الرّفد، وقال أبو عبيدة: الرّفد بفتح الراء: القدح، وأنشد قول الأعشى: [الخفيف]
ربّ رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشر أقتال (1)
قال: والرّفد بالكسر: المعونة، وروى الأصمعي: ربّ رفد بكسر الراء. والفجاج:
جمع فجّ والفج: كل سعة بين نشازين، كذا قال أبو زيد. وقولها: والمبرك معتلّ أرادت:
الإبل فأقامت المبرك مكانها لعلم المخاطب إيجازا واختصارا، كما قالوا: نهاره صائم وليله قائم. وقولها: وذو العيال مختلّ أي: محتاج، والخلّة الحاجة. وقولها: والهالك للقلّ أي: من أجل القلّة. وقولها: مسنتون أي: مقحطون، والسّنة: القحط، والسّنون:
القحوط. ومجحفة: قاشرة.
[244]
[من مادة: بلط]
وقولها: مبلطة أي: ملزقة بالبلاط، والبلاط: الأرض الملساء، وقال الأصمعي:
أبلط الرجل فهو مبلط إذا لزق بالأرض، وحكى يعقوب عن غيره: أبلط فهو مبلط: وهو الهالك الذي لا يجد شيئا.
[245] وقولها: لم تدع لنا هبعا ولا ربعا فالهبع: ما نتج في الصيف، والرّبع: ما
__________
(1) جمع قتل بالكسر: وهو العدو. ط(1/96)
نتج في الربيع. وقولها: ولا عافطة ولا نافطة أي: لم تدع لنا ضائنة ولا ماعزه، والعافطة:
الضائنة، والعفط: الضّرط، يقال: عفطت تعفط عفطا إذا ضرطت، فهي عافطة. والنافطة:
الماعزة، والنّفط: العطاس، يقال: نفطت تنفط إذا عطست، فهي نافطة.
[246]
[ما يقال في وصف الرجل لا يملك شيئا]:
ومما يقال في هذا المعنى: ما له سبد ولا لبد أي: ما له ذو سبد وهو الشعر، ولا ذو لبد وهو الصوف فمعناه: ما له شاة ولا عنز، وما له سارحة ولا رائحة أي: ما له ماشية تسرح أو تروح. وما له ثاغية ولا راغية، فالثاغية: الشاة، والراغية: الناقة لأنه يقال لأصوات الشاء: الثّغاء، وقد ثغت تثغو، ولأصوات الإبل: الرّغاء، وقد رغت ترغو، والعرب تقول: ما أثغاني ولا أرغاني أي: ما أعطاني ثاغية ولا راغية، وما أجلّني ولا أحشاني أي: ما أعطاني من جلّة إبله ولا من حواشيها، والحواشي، واحدتها حاشية، وهي صغار الإبل. وما له دقيقة ولا جليلة والدقيقة: الشاة، والجليلة: الناقة. وما له حانّة ولا آنّة، فالحانة: الناقة تحنّ إلى ولدها، والآنة: الأمة تئنّ من شدّة التعب أو من علّة. وما له هارب ولا قارب، فالهارب: الصادر عن الماء، والقارب: الطالب للماء. وما له عاو ولا نابح أي: ما له غنم يعوي بها الذئب أو ينبح فيها الكلب، فإذا نفى عنه العاوي والنابح فقد نفى عنه الغنم. وما له هلّع ولا هلّعة أي: ما له جدى ولا عناق. وما له زرع ولا ضرع. وما له قدّ ولا قحف فالقدّ: إناء من جلود، والقحف: إناء من خشب. وما له أقذّ ولا مريش فالأقذّ:
السهم الذي لا قذّة له، وهي الريش، وجمعها قذذ، والمريش: الذي عليه الرّيش. وما له سعنة ولا معنة أي: ما له قليل ولا كثير، قال النمر بن تولب: [الوافر]
ولا ضيّعته فألام فيه ... فإنّ ضياع مالك غير معن
أي غير يسير ولا هيّن، قال أبو العباس: فدل هذا على أن المعن: القليل، والسّعن:
الكثير.
[247] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا محمد بن الحكم، عن قطرب قال: يقال: ما له سعن ولا معن، فالسّعن: الودك. والمعن:
المعروف، وأنشد بيت النمر، وقد مضى في الباب. وما له دار ولا عقار فالعقار: النخل.
وما له ستر ولا حجر فالسّتر: الحياء، قال زهير: [الكامل]
السّتر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
[248]
[من أسماء العقل]:
والحجر: العقل وإنما سمي حجرا لأنه يحجر صاحبه عن القبيح. وما له أثر ولا عثير فالعثير: الغبار، قال الشاعر: [الطويل]
أثرن عليهم عثيرا بالحوافر
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ومعناه: أنه لا يغزو راجلا فيتبين أثره، ولا فارسا فيثير الغبار فرسه. وما له حسّ ولا بسّ أي: ما له حركة، فالحسّ: ما يحسّ به، والبسّ من قولهم:(1/97)
أثرن عليهم عثيرا بالحوافر
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ومعناه: أنه لا يغزو راجلا فيتبين أثره، ولا فارسا فيثير الغبار فرسه. وما له حسّ ولا بسّ أي: ما له حركة، فالحسّ: ما يحسّ به، والبسّ من قولهم:
أبسست بالناقة إذا قلت لها: بس بس لتدرّ. وكسروا الباء ليكون على مثال حس. وقال أبو عبيدة: يقال: قدم فلان فما جاء بهلّة ولا بلّة فهلّة: فرح، وبلّة: أدنى بلل من الخير.
[249]
[من أخبار السبايا]:
وأنشدنا أبو بكر بن دريد، عن أبي عثمان، عن التوزي، عن أبي عبيدة لرجل من بني تميم (1): [المتقارب]
ولمّا رأين بني عاصم ... دعون الذي كنّ أنسينه
فوارين ماكن حسّرنه ... وأخفين ما كنّ يبدينه
يصف نساء سبين فأنسين الحياء، فأبدين وجوههن وحسرن رءوسهن، فلما رأين بني عاصم أيقنّ أنهن قد استنقذن، فراجعن حياءهن فسترن وجوههن وغطّين رءوسهن.
[250]
[خطبة مرثد الخير في الإصلاح بين سبيع بن الحارث وميثم بن مثوب]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا السكن بن سعيد الجرموزي، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: كان مرثد الخير بن ينكف بن نوف بن معديكرب بن مضحي قيلا، وكان حدبا على عشيرته محبّا لصلاحهم، وكان سبيع بن الحارث أخو علس وعلس هو ذو جدن وميثم بن مثوب بن ذي رعين تنازعا الشّرف حتى تشاحنا وخيف أن يقع بين حيّيهما شرّ فيتفانى جذماهما، فبعث إليهما مرثد فأحضرهما ليصلح بينهما، فقال لهما: إن التّخبّط وامتطاء الهجاج، واستحقاب اللّجاج، سيقفكما على شفا هوّة في تورّدها بوار الأصيلة، وانقطاع الوسيلة، فتلافيا أمر كما قبل انتكاث العهد، وانحلال العقد، وتشتّت الألفة، وتباين السّهمة، وأنتما في فسحة رافهة، وقدم واطدة، والمودّة مثرية، والبقيا معرضة، فقد عرفتم أنباء من كان قبلكم من العرب ممن عصى النّصيح، وخالف الرشيد، وأصغى إلى التقاطع، ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوء سعيهم، وكيف كان صيّور أمورهم، فتلافو القرحة قبل تفاقم الثّأي واستفحال الداء وإعواز الدّواء، فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشّحناء، وإذا استحكمت الشحناء تقضّبت عرى الإبقاء وشمل البلاء، فقال سبيع: أيّها الملك، إن عداوة بني العلّات لا تبرئها الأساة، ولا تشفيها الرّقاة، ولا تستقلّ بها الكفاة، والحسد الكامن، هو الداء الباطن، وقد علم بنو أبينا هؤلاء أنّا لهم ردء إذا رهبوا وغيث إذا أجدبوا، وعضد إذا حاربوا، ومفزع إذا نكبوا، وإنا وإياهم كما قال الأوّل (2): [الطويل]
إذا ما علوا قالوا أبونا وأمّنا ... وليس لهم عالين أمّ ولا أب
__________
(1) انظر: «التنبيه» [23].
(2) هو أوس بن حجر التميمي كما في «ديوانه» المطبوع في فينا سنة 1892م (ص 2). ط(1/98)
فقال ميثم: أيها الملك، إن من نفس على ابن أبيه الزّعامة، وجدبه في المقامة.
واستكثر له قليل الكرامة. كان قرفا بالملامة، ومؤنّبا على ترك الاستقامة، وإنا والله ما نعتدّ لهم بيد إلا وقد نالهم منا كفاؤها، ولا نذكر لهم حسنة إلا وقد تطلّع منا إليهم جزاؤها، ولا يتفيّأ لهم علينا ظلّ نعمة إلا وقد قوبلوا بشرواها، ونحن بنو فحل مقرم لم تقعد بنا الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السّوء ولا إياهم، فعلام مطّ الخدود وخزر العيون. والجخيف والتّصعّر، والبأو والتكبر؟ ألكثرة عدد، أم لفضل جلد، أم لطول معتقد؟ وإنّا وإياهم لكما قال الأوّل: [البسيط]
لاه (1) ابن عمّك لا أفضلت في حسب ... عنّى ولا أنت ديّاني فتخزوني
ومقاطع الأمور ثلاثة: حرب مبيرة، أو سلم قريرة. أو مداجاة وغفيرة، فقال الملك: لا تنشطوا عقل الشّوارد، ولا تلقحوا العون القواعد، ولا تؤرّثوا نيران الأحقاد ففيها المتلفة المستأصلة، والجائحة والأليلة، وعفّوا بالحلم أبلاد الكلم. وأنيبوا إلى السبيل الأرشد والمنهج الأقصد، فإن الحرب تقبل بزبرج الغرور، وتدبر بالويل والثّبور، ثم قال الملك: [الطويل]
ألا هل أتى الأقوام بذلي نصيحة ... حبوت بها منّي سبيعا وميثما
وقلت اعلما أن التّدابر غادرت ... عواقبه للذّل والقلّ جرهما
فلا تقدحا زند العقوق وأبقيا ... على العزّة القعساء أن تتهدما
ولا تجنيا حربا تجرّ عليكما ... عواقبها يوما من الشّرّ أشأما
فإن جناة الحرب للحين عرضة ... تفوّقهم منها الذّعاف المقشّما
حذار فلا تستنبثوها فإنها ... تغادر ذا الأنف الأشمّ مكشّما
فقالا: لا أيها الملك، بل نقبل نصحك، ونطيع أمرك، ونطفئ النائرة، ونحلّ الضّغائن، ونثوب إلى السّلم.
[251]
[الشحناء، الجذر، والجذم التخبط والتخمط]:
قال أبو علي: قوله: تشاحنا، من الشّحناء وهي العداوة. والجذم: الأصل، قال أوس بن حجر:
غنيّ تآوى (2) بأولادها ... لتهلك جذم تميم بن مرّ
وكذلك الجذر، وجذور الحساب منه، وقال أبو عمر الشيباني: الجذر بكسر الجيم.
وقال أبو بكر: التّخبّط: ركوب الرجل رأسه في الشر خاصّة، قال أبو علي: ولم أسمع هذه الكلمة من غيره، فأما التّخمّط بالميم: فالتّكبّر، وأنشد يعقوب: [الكامل]
__________
(1) لاه: أراد: لله ابن عمك فحذف لام الجر واللام التي بعدها.
انظر: «اللسان» مادة: «لوه» والبيت لذي الأصبع العدواني. ط
(2) تأوي: تتجمع. ط(1/99)
يي وخطيب قوم قدّموه أمامهم ثقة به متخمّط تيّاح (1)
[252]
[الحقيبة، والاستحقاب]:
وقال أبو بكر: يقال: ركب الرجل هجاجه (2): إذا لجّ ومحك. والاستحقاب: استفعال من الحقيبة أو من الحقاب، فأما الحقيبة فما يجعل فيه الرجل متاعه من خرج أو غيره، وحقيبة الجمل التي تكون وراء الرّحل تحشى تبنا أو حشيشا. وقول نصيب في سليمان بن عبد الملك رحمهما الله تعالى: [الطويل]
أقول لركب قافلين لقيتهم ... قفا (3) ذات أوشال (4) ومولاك قارب
قفوا خبّرونا (5) عن سليمان إنّنى ... لمعروفه من آل ودّان (6) طالب
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
من الحقيبة. والحقاب: بريم تشدّ به المرأة وسطها. والبريم: خيط فيه لونان، وهذا مثل، إما أن يكون أراد أنه احتزم باللّجاج أو جعله في وعائه. والهوّة: الجوبة. والبوار:
الهلاك. وقال أبو زيد: الأصيلة والأصل واحد. والانتكاث: الانتقاض، والأنكاث واحدها: نكث، وهو ما نقض من الأخبية والحبال ليعاد ثانية، ومنه: بشير بن النّكث.
والسّهمة: القرابة. ورافهة: ناعمة، من الرّفاهية. وواطدة: ثابتة.
[253]
[من مادة: ثرى]
ومثرية: متصلة مأخوذة من الثّرى، وهو التراب النّديّ، يقال: ثرّيت التراب إذا بللته، قال جرير: [الطويل]
فلا توبسوا بيني وبينكم الثّرى ... فإنّ الذي بيني وبينكم مثري
ويقال: قد ثريت بك أي: كثرت بك، وثرى بنو فلان بني فلان أي: صاروا أكثر منهم. وأثرى الرجل يثري إثراء إذا كثر ماله، وإنه لمثر. والثّراء والثّروة جميعا: كثرة المال، وقد تكون الثّروة كثرة العدد. وينشد بيت ابن ميبل: [البسيط]
وثروة من رجال لو رأيتهم ... لقلت إحدى حراج الجرّ (7) من أقر (8)
فالثّروة هاهنا كثر العدد. ويروى: وثورة من رجال، وهم الذي يثورون في الحرب.
__________
(1) يقال: تاح في مشيته إذا تمايل. ط
(2) في «اللسان»: وركب فلان هجاج غير مجرى: وهجاج مبنيا على الكسر مثل قطام: ركب رأسه اهـ.
وبه يعلم ما هنا. ط
(3) قفا: خلف. ط
(4) الأوشال: مياه تسيل من أعراض الجبال فتجتمع ثم تساق إلى المزارع. وذات أوشال: مجتمع ذلك الماء. ط
(5) رواية «الكامل» للمبرد: خبروني. ط
(6) ودان: اسم موضع. ط
(7) الجر: اسم موضع. ط
(8) أقر: اسم جبل. ط(1/100)
ومعرضة: ممكنة، قد أمكنت من عرضها أي: من جنبها وناحيتها، يقال: قد أعرض لك الظّبي فارمه أي: قد أمكنك من عرضه. قال الأصمعي: صار يصير صيرورة ومصيرا، والصّيّور: الأمر الذي يرجع إليه. واستفحال الداء: اشتداده وهو أن يصير مثل الفحل.
وتقضّبت: تقطعت.
[254] وشمل البلاء: عمّ، وشمل يشمل أفصح، وقال أبو عبيدة: شمل يشمل، وأنشدنا: [الخفيف]
كيف نومي على الفراش ولمّا ... تشمل الشّأم غارة شعواء (1)
[255] والأساة: الأطبّاء واحدهم: آس، قال البعيث: [الطويل]
إذا قاسها الآسي النّطاسيّ أدبرت ... غثيثتها وازداد وهيا هزومها
[256] الغثيثة: ما سال من الجرح من مدّة أو قيح. والإساء: الدواء. والرّدء: العون، قال الله عز وجل: {فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] والزّعامة: الرياسة، ويقال: السّلاح وهي هاهنا الرياسة، قال لبيد: [الوافر]
تطير عدائد الأشراك شفعا ... ووترا والزّعامة للغلام
[257] وجدبه: عابه، وفي حديث (2) عمر رضي الله عنه أنه جدب السّمر بعد عتمة أي: عابه، قال ذو الرّمّة: [الطويل]
فيالك من خدّ أسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلّل جادبه
[258] والمقامة: المجلس، قال الأصمعي: المجلس الناس، وأنشد بيت مهلهل:
[الكامل]
نبّئت أنّ النار بعدك أوقدت ... واستبّ بعدك يا كليب المجلس
[259]
[من مادة: قرف، و «قمن» وما يشبه معناهما]:
قرفا قال أبو علي: هكذا أملاه قرفا على فعل أي: خليقا، وكان ابن الأعرابي يقول:
يقال: أنت قرف من كذا، ولا يقال: قريف ولا قرف. ويقال: إنه لخليق لكذا وكذا، وقد خلق خلاقة، وإنه لجدير بكذا وكذا، وقد جدر جدارة، وإنه لحريّ وحرى وحر لذلك، وإنه لقمين بكذا وكذا، وقمن وقمن، وإنه لعس أن يفعل ذلك، ويثنّى ويجمع، وليس يقال فيه:
يعسو ولا يعسى، وإنه لحج به وحجيّ به، وقد حجي يحجى حجى، ولا يقال: أنت حجي بكذا ولا عسى. ويقال في هذا كله: ما أخلقه وأجدره وأحراه وأعساه وأقمنه وأحجاه وما أقرفه. ويقال في هذا كله: أفعل به: أعس به، أقرف به.
__________
(1) غارة شعواء: فاشية متفرقة. والبيت لابن قيس الرقيات كما في «اللسان» (ج 13ص 391وج 19 ص 164). ط
(2) ذكره في «اللسان» وغيره مادة: «جدب» من قول عمر رضى الله عنه.(1/101)
قال أبو علي: وقد روينا من غير طريق ابن الأعرابي: أنت قرف بكذا وحجى بكذا، وهما عندنا جائزان. وقال أبو على: ويقال: قرف عليه يقرف قرفا: إذا بغى عليه، وقرف فلان فلانا إذا وقع فيه كأنه يقشره. وقرفت القرحة إذا قشرتها، ويقال: تركتهم على مثل مقرف الصّمغة أي: مقشرها، والقرف: القشر، والقرف: القشر، والقرفة: القشرة، ولهذا سمّي هذا التابل قرفة لأنه لحاء شجر، ويقال: صبغ ثوبه بقرف السّدر. وقال الأصمعي:
أقرف الرجل وغيره إذا دانى الهجنة فهو مقرف. ويقال: أخشى عليه القرف أي: مداناة المرض. ويقال: قرف فلان بسوء فهو مقروف، ومن قرفتك من القوم أي: من تتّهم.
والمقارفة: الجماع، وفي حديث عائشة (1) رضي الله عنها: «إن كان رسول الله ليصبح جنبا عن قراف غير احتلام». ويقال: اقترف إذا اكتسب. والقروف: الأوعية، واحدها قرف.
وشرواها: مثلها. والمطّ والمدّ والمتّ بمعنى واحد.
[260] والخزر: أن ينظر الرجل إلى أحد عرضيه، يقال: إنه ليتخازر لي إذا نظر إليه بمؤخر عينه ولم يستقبله بنظره: وأنشدني أبو بكر بن دريد: [الرجز]
إذا تخازرت وما بي من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور (2)
ألفيتني ألوى بعيد المستمر ... أحمل ما حمّلت من خير وشرّ
وقال أبو عبيدة: الجخيف: التّكبّر.
قال أبو علي: حدثنا بعض مشايخنا، عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال: بلغني أنه قيل للأصمعي: قال أبو عبيدة: الجخيف: التكبر، والبأو: التكبر، قال: أما البأو فنعم، وأما الجخيف فلا.
[261] وحدثني أبو بكر بن دريد قال: حدثني أبو حاتم قال: قلت للأصمعي:
أتقول في التهدد: أبرق وأرعد؟ فقال: لا، لست أقول ذلك إلا أن أرى البرق أو أسمع الرعد، فقلت: فقد قال الكميت: [مجزوء الكامل]
أبرق وأرعد يا يزي ... د فما وعيدك لي بضائر
[من مادة: برق، ورعد]:
فقال: الكميت جرمقانيّ من أهل الموصل ليس بحجة، والحجة الذي يقول: [الطويل]
إذا جاوزت من ذات عرق ثنيّة ... فقل لأبي قابوس ما شئت فارعد
__________
(1) رواه مسلم (1109)، وأبو داود (2388)، والنسائي في «الكبرى»، والبيهقي فى «الكبرى» (4/ 214) بألفاظ.
وقد أطال النسائي فى سرد طرقه وبيان الاختلاف فيها فانظر: «الكبرى» له (2/ 195176).
وهو فى اللسان» وغيره مادة: «قرف» باللفظ المذكور عند القالي.
(2) جاء في «اللسان» (ج 7ص 19) ما نصه: «قال ابن بري: هذا الرجز يروى لعمرو بن العاص قال:
وهو المشهور، ويقال: إنه لأرطاة بن سهية تمثّل به عمرو رضي الله عنه» اهـ. ط(1/102)
فأتيت أبا زيد فقلت له: كيف تقول من الرّعد والبرق: فعلت السماء؟ فقال: رعدت وبرقت، فقلت: فمن التهدد؟ قال: رعد وبرق وأرعد وأبرق، فأجاز اللغتين جميعا، وأقبل أعرابي محرم فأردت أن أسأله فقال لي أبو زيد: دعني فأنا أعرف بسؤاله منك، فقال: يا أعرابي، كيف تقول: رعدت السماء وبرقت أو أرعدت وأبرقت؟ فقال: رعدت وبرقت، فقال أبو زيد: فكيف تقول للرجل من هذا؟ فقال: أمن الجخيف تريد؟ يعني التهدد قلت:
نعم، فقال أقول: رعد وبرق وأرعد وأبرق.
[262] وتخزوني: تقهرني وتسوسني، وقال يعقوب: خزوته: قهرته. والمداجاة:
المساترة، قال الأصمعي: دجا الليل يدجو إذا ألبس كلّ شيء، وأنشد غيره: [الطويل]
فما شبه عمرو (1) غير أغتم فاجر ... أبى مذ دجا الإسلام لا يتحنّف
يعني: ألبس كلّ شيء. وقال بعض العرب: ترى الحبارى الصّقر فينتفش ريشها، فإذا سكن روعها دجا ريشها أي: ركب بعضه بعضا. وقيل لأعرابي: بأي شيء تعرف حمل الشاة؟ فقال: بأن تستفيض خاصرتاها وتدجو شعرتها ويحشف حياؤها.
[263]
[من مادة: غفر]:
وقوله: غفيرة أي: غفران، والعرب تقول: ليست فيهم غفيرة أي: لا يغفرون، ويقال: جاءوا جمّا غفيرا والجمّاء الغفير. والغفر: زئبر الثوب، والغفر: الشّعر الذي على ساق المرأة، والغفر: منزل من منازل القمر، كلها مسكّنة الفاء مفتوحة الغين. والغفر: ولد الأرويّة، والجمع أغفار، والغفارة: السحابة تراها كأنها فوق السحابة، والغفارة: الجلدة التي تكون على رأس القوس في الحزّ يجري عليها الوتر، والغفارة: خرقة تلبسها المرأة تحت مقنعتها توقّي بها الخمار من الدّهن، ويقال: غفر الرجل يغفر غفرا إذا برأ من مرضه، وغفر إذا نكس، قال الشاعر (2): [الطويل]
خليليّ إنّ الدار غفر لذي الهوى ... كما يغفر المحموم أو صاحب الكلم
وغفر الجرح يغفر غفرا إذا فسد، وغفر الرجل المتاع في الوعاء يغفره غفرا، ويقال:
اصبغ ثوبك بالسّواد فإنه أغفر للوسخ أي: أغطى له.
[264] وقال الأصمعي: نشطت العقدة: عقدتها، وأنشطتها: حللتها.
[265] أما قوله: ولا تلقحوا العون فإنما هو مثل، وأصله في الإبل، يقال: لقحت الناقة إذا حملت وألقحها الفحل، ثم ضرب ذلك مثلا للحرب إذا ابتدأت. والعون: جمع عوان وهي الثّيّب، يقال للحرب: عوان إذا كان قد قوتل فيها مرة بعد مرة. وتؤرّثوا: تذكوا،
__________
(1) في «اللسان» (ج 18ص 273): «كعب». ط
(2) الشاعر هو المرار الفقعسي كما في «اللسان» مادة: «غفر» وبعد البيت:
قفا فاسألا من منزل الحي دمنة ... وبالأبرق البادي ألما على رسم ط(1/103)
قال أبو زيد: يقال: أرّ نارك تأرية أي: عظّمها، ونمّها تنمية مثله، وكذلك ذكّ نارك تذكية أي: ألق عليها حطبا أو بعرا لتهيج، واسم الذي يلقى عليها من الحطب أو البعر: الذّكية، وأرّث نارك تأريثا مثله، واسم ماتؤرّث به النار: الإراث. والأليلة: الثّكل. والجائحة:
الاستئصال، أنشدني أبو بكر: [الكامل]
فهي الأليلة (1) إن قتلت خؤولتي ... وهي الأليلة إن همو لم يقتلوا
والأليل: الأنين، قال ابن ميّادة: [الطويل]
وقولا لها ما تأمرين لوامق ... له بعد نومات العيون أليل
أي: أنين. ويقال: سمعت أليل الماء وخريره وقسيبه أي: صوت جريه. والأبلاد:
الآثار واحدها: بلد وكذلك: النّدوب واحدها: ندب. والحبار والحبر والعلوب:
الآثار، والدّعس: الأثر. والعاذر: الأثر، قال ابن أحمر: [الطويل]
أزاحمهم بالباب إذ يدفعونني ... وبالظّهر منّي من قرا الباب عاذر
[266] والزّبرج: السحاب الذي تسفره الريح، وهذا قول الأصمعي، وقال أبو بكر بن دريد رحمه الله: لا يقال: زبرج إلا أن تكون فيه حمرة. والقلّ: القلّة. والذّل: الذّلة. والقعساء:
الثابتة. وتفوّقهم: تسقيهم الفواق، والفواق: ما بين الحلبتين كأنه يحلب حلبة ثم يسكت ثم يحلب أخرى. والمقشّم والمقشّب واحد وهو المخلوط. ولا تستنبثوها: مثل أي: لا تخرجوا نبيثتها، وهو ما يخرج من البئر إذا حفرت يريد: لا تثيروا الحرب. ومكشّم: مقطوع.
[267] وقرئ على أبي بكر بن دريد لأبي العميثل عبد الله بن خالد وأنا أسمع:
[الطويل]
لقيت ابنة السّهميّ زينب عن عفر ... ونحن حرام مسى عاشرة العشر
وإنّا وإياها لحتم مبيتنا ... جميعا وسيرانا مغذّ وذو فتر
[268] قوله: عن عفر: عن بعد أي: بعد حين، يقال: ما ألقاه إلا عن عفر أي: بعد حين. حرام أي: محرمون. مسى عاشرة العشر يعني: أنه لقيها بعرفات عشيّة عرفة وهو مسى عاشرة العشر. وقوله: حتم مبيتنا يقول: مبيت الناس بالمزدلفة لا يجاوزها أحد. وسيرانا أي: سيري أنا مغذّ أي: مسرع، وسيرها ذو فتر أي: ذو فتور وسكون لأنها يرفق بها.
[269] [ما قيل في طول الليل]: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أبو حاتم ولم يسم قائله في طول الليل: [الطويل]
ألا هل على اللّيل الطويل معين ... إذا نزحت دار وحنّ حزين
أكابد هذا الّليل حتّى كأنما ... على نجمه ألّا يغور يمين
__________
(1) في «اللسان» مادة: «ألل»: فلى الأليلة ولى الأليلة. ط(1/104)
فو الله (1) ما فارقتكم قاليا لكم ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
[270] وقرأت على أبي بكر لحندج بن حندج: [البسيط]
في ليل صول (2) تناهى العرض والطّول ... كأنّما ليله بالليل موصول
لا فارق الصّبح كفّي إن ظفرت به ... وإن بدت غرّة منه وتحجيل
لساهر طال في صول تململه ... كأنه حيّة بالسّوط مقتول
متى أرى الصبح قد لاحت مخايله ... واللّيل قد مزّقت عنه السّرابيل
ليل تحيّر ما ينحطّ في جهة ... كأنه فوق متن الأرض مشكول
نجومه ركّد ليست بزائلة ... كأنما هنّ في الجوّ القناديل
ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممّن داره صول
الله يطوي بساط الأرض بينهما ... حتى يرى الرّبع منه وهو مأهول
[271] وأنشدنا بعض أصحابنا لبشار: [الطويل]
خليلي ما بال الدّجى لا تزحزح ... وما لعمود الصبح لا يتوضّح
أضلّ النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كلّه ليس يبرح
وطال عليّ الليل حتى كأنّه ... بليلين موصول فما يتزحزح
[272] قال أبو علي: وأحسن عديّ بن الرقاع في هذا المعنى فقال: [الكامل]
وكأنّ ليلي حين تغرب شمسه ... بسواد آخر مثله موصول
ولبعضهم في طول الليل: [السريع]
ما لنجوم اللّيل لا تغرب ... كأنّها من خلفها تجذب
رواكدا ما غار في غربها ... ولا بدا من شرقها كوكب
[273]
[العلة في طول الليل]:
وقد ذكر الفرزدق العلّة في طول الليل فقال: [الطويل]
يقولون طال الليل والليل لم يطل ... ولكنّ من يبكي من الشوق يسهر
[274] وقال بشّار في هذا المعنى: [الرمل]
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم
وإذا قلت لها جودي لنا ... خرجت بالصمت (3) عن لا ونعم
نفّسي يا عبد عنّي واعلمي ... أنّني يا عبد من لحم ودم
__________
(1) كذا في بعض النسخ المخطوطة المحفوظة بدار الكتب وفي الطبعة الأولى: «وبالله». ط
(2) صول: اسم مدينة في بلاد الخزر في نواحي باب الأبواب وهو الدربند كذا [قال] ياقوت في «معجمه» وذكر الأبيات. ط
(3) في الأصول التي بأيدينا: «خرجت بالصب» وما أثبتناه عن «الأغاني» (ج 3ص 27) طبع بولاق. ط(1/105)
إن في برديّ جسما ناحلا ... لو توكّأت عليه لانهدم
ختم الحبّ لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذّمم
[275] ولقد أحسن عليّ بن بسّام في هذا المعنى، أنشدني ابنه أبو علي، عن أبيه: [السريع]
لا أظلم الّليل ولا ادّعى ... أنّ نجوم الليل ليست تغور
ليلي كما شاءت فإن لم تجد ... طال وإن جادت فليلي قصير
[276] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا عبد الله بن خلف، قال: حدثنا أبو بكر بن الوليد البزّار، قال: كان عليّ بن الجهم يستنشدني كثيرا شعر خالد الكاتب، فأنشده، فيقول: ما صنع شيئا، ثم أنشدته يوما له: [المتقارب]
رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحبّ بلا آخر
ولم تدر بعد ذهاب الرقا ... د ما صنع الدّمع من ناظري
فقال: قاتله الله! لقد أدمن الرمية حتى أصاب الغرّة (1).
[277] وأنشدنا بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي في طول الليل: [الخفيف]
ربّ ليل كأنه الدّهر طولا ... قد تناهى فليس فيه مزيد
ذي نجوم كأنهنّ نجوم الشيب ... ليست تزول لكن تزيد
[278] ولسعيد بن حميد في طول الليل: [مجزوء الرجز]
يا ليل بل يا أبد ... أناءم عنك غد
يا ليل لو تلقى الذي ... ألقى بها أو تجد
قصّر من طولك أو ... سعّف منك الجلد
أشكو إلى ظالمة ... تشكو الذي لا تجد
وقف عليها ناظري ... وقف عليها السّهد
[279]
[من أمثال العرب]:
قال أبو زيد: تقول العرب في مثل لها: «خبأة خير من يفعة سوء» (2) أي: بنت تلزم البيت تخبأ فيها نفسها خير من غلام سوء لا خير فيه. قال: ويقال للرجل إذا ولدت له جارية: «هنيئا لك النافجة» وذلك أنه يزوّج بنته فيأخذ مهرها إبلا إلى إبله فتنفجها. قال:
ويقال: «أضبّ القوم إضبابا» إذا تكلّضموا وصاح بعضهم إلى بعض، وأضبأ على الشيء إضباء فهو مضبء إذا كتمه، وقال الأصمعي: ضبأ فهو ضابئ إذا لصق بالأرض، قال الأعشى: [البسيط]
__________
(1) بهامش بعض النسخ: لعله: الثغرة ليوافق المثل. ط
(2) كذا في الأصول وفي «مجمع الأمثال» للميداني: «خبأة صدق خير من يفعة سوء». ط(1/106)
أهوى لها ضابئ في الأرض مفتحص (1) ... للّحم قدما خفيّ طالما خشعا
[280] قال: وأنشدنا أبو علي للعباس بن الأحنف: [الخفيف]
أيها الراقدون حولي أعينو ... ني على الليل حسبة وائتجارا
حدّثوني عن النهار حديثا ... أو صفوه فقد نسيت النهارا
[281] وأملى علينا الأخفش، وقرأتها على ابن الأنباري لسويد بن أبي كاهل: [الرمل]
وإذا ما قلت ليل قد مضى ... عطف الأوّل منه فرجع
يسحب الليل نجوما طلّعا ... فيواليها بطيئات التّبع
ويزجّيها على إبطائها ... مغرب اللون إذا الليل انقشع
[282]
[ما جرى لمالك بن أوس عند موته، وموعظة في الموت وسوء الخلف والزواج]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن هشام بن محمد الكلبي، عن عبد الرحمن بن أبي عبس الأنصاري قال: عاش الأوس بن حارثة دهرا وليس له ولد إلا مالك، وكان لأخيه الخزرج خمسة: عمرو وعوف وجشم والحارث وكعب، فلما حضره الموت قال له قومه: قد كنا نأمرك بالتزوج (2) في شبابك فلم تزوّج حتى حضرك الموت، فقال الأوس: لم يهلك هالك ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد، فلعلّ الذي استخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة، أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا. يا مالك، المنيّة ولا الدّنيّة، والعتاب قبل العقاب، والتّجلّد لا التّبلّد. واعلم أن القبر خير من الفقر، وشر شارب المشتف، وأقبح طاعم المقتف، وذهاب البصر، خير من كثير من النظر، ومن كرم الكريم، الدّفاع عن الحريم، ومن قلّ ذل، ومن أمر فل، وخير الغنى القناعة، وشر الفقر الضّراعة، والدّهر يومان، فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر، فإنما تعزّ من ترى، ويعزّك من لا ترى، ولو كان الموت يشترى لسلم منه أهل الدنيا، ولكن الناس فيه مستوون: الشّريف الأبلج، واللّئيم المعلهج، والموت المفيت، خير من أن يقال لك: هبيت، وكيف بالسّلامة، لمن ليست له إقامة، وشر من المصيبة سوء الخلف، وكلّ مجموع إلى تلف، حيّاك إلهك! قال: فنشر الله من مالك بعدد بني الخزرج أو نحوهم.
[283]
[من أيمان العرب التي أقسمت بها]:
قال أبو علي: قوله: فلعل الذي استخرج العذق من الجريمة العذق: النّخلة نفسها بلغة أهل الحجاز، والعذق الكباسة. والجريمة: النّواة. والوثيمة: هي الموثومة المربوطة يريد به: قدح حوافر الخيل النار من الحجارة. والعرب تقسم بهذا الكلام فتقول: لا والذي
__________
(1) مفتحص: متخذ فيها أفحوصا، والأفحوص مجثم الطائر. ط
(2) بالأصول: «التزويج». ط(1/107)
أخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة، لا فعلت كذا وكذا. ومن أيمانهم: لا والذي شقّهنّ خمسا من واحدة يعنون: الأصابع، ويقولون: لا والذي أخرج قائبة من قوب، يعنون: فرخا من بيضة (1). ويقولون: لا والذي وجهي زمم بيته أي: قصده وحذاءه.
والبسل: الشجعان واحدهم: باسل، والبسالة: الشجاعة، قال الفراء: الباسل: الذي حرّم على قرنه الدنوّ منه لشجاعته أي: لشدته لأنه لا يمهل قرنه ولا يمكنه من الدنو منه، أخذ من البسل وهو الحرام. وقال غيره: الباسل: الكريه المنظر، وإنما قيل للأسد: باسل، لكراهة وجهه وقبحه، يقال: ما أبسل وجه فلان، قال أبو ذؤيب: [الطويل]
فكنت ذنوب البئر لمّا تبسّلت ... وسربلت أكفاني ووسّدت ساعدي
تبسّلت: فظع منظرها وكرهت، وقال شيخنا أبو بكر بن الأنباري: قال الأصمعي:
الباسل: المرّ، وقد بسل الرجل يبسل بسالة إذا صار مرّا. والمشتفّ: المستقصي، يقال:
استشفّ ما في إنائه واشتفّ إذا شرب الشّفافة، وهي البقيّة تبقى في الإناء. والمقتفّ: الآخذ بعجلة، ومنه سمى القفّاف (2). وأمر: كثر عدده، يقال: أمر الثوم يأمرون إذا كثر عددهم، قال لبيد: [البسيط]
نعلوهم كلّما ينمي لهم سلف ... بالمشرفيّ ولولا ذاك قد أمروا
* * * [284] وأنشدنا أبو زيد:
أمّ جوار ضنؤها غير أمر
ضنؤها: نسلها. وأمر المال وغيره، يأمر أمرة وأمرا: إذا كثر، قال الشاعر: [المنسرح]
والإثم من شرّ ما يصال به ... والبرّ كالغيث نبته أمر
[تفسير {وَإِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا} [الإسراء: 16]، وشيء من أمثال العرب]:
ويقال في مثل: في وجه مالك تعرف أمرته، وأمرته أي: نماءه وكثرته، وقال الله تعالى:
{وَإِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا} [الإسراء: 16] أي: كثّرنا، وقال أبو عبيدة: يقال: خير المال سكّة مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمورة: الكثيرة الولد، من آمرها الله أي: كثّرها، وكان ينبغي أن يقال: مؤمرة، ولكنه أتبع مأبورة. والسّكّة: السّطر من النخل، وقال الأصمعي: السّكّة: الحديدة التي يفلح بها الأرضون. والمأبورة: المصلحة، يقال: أبرت النخل آبره أبرا إذا لقّحته وأصلحته. وقد قرئ {أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا} على مثال فعّلنا (3).
أخبرنا القالي، عن ابن كيسان أنه قد يقال: أمره بمعنى آمره يكون فيه لغتان، فعل
__________
(1) انظر: «التنبيه» [24].
(2) قوله: ومنه سمى القفاف هو كما في «القاموس» و «اللسان»: الصيرفي يقف الدراهم أي: يسرقها بين أصابعه. ط
(3) انظر: «التنبيه» [25].(1/108)
وأفعل. وتعزّ: تغلب، ويقال: عزّ فلان فلانا عزّا وعزّ يعزّ عزّا وعزّة من العزّ. وعزّ على أهله عزازة، من العزّ. والمعلهج: المتناهي في الدّناءة واللّؤم. وكان أبو بكر يقول: هو اللئيم في نفسه وآبائه. والهبيت: الأحمق الضعيف، قال طرفة: [المديد]
الهبيب (1) لا فؤاد له ... والثّبيت ثبته فهمه
وكان أبو بكر بن الأنباري يرويه: قيمه.
[285]
[ما وقع بين رجل وزوجته من ملاحاة ومشاتمة، ووصف كلّ منهما لصاحبه]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت امرأة من العرب تخاصم زوجها وهي تقول: والله إن شربك لاشتفاف، وإن ضجعتك لانجعاف، وإن شملتك لالتفاف، وإنك لتشبع ليلة تضاف، وتنام ليلة تخاف، فقال لها: والله إنّك لكرواء السّاقين، قعواء الفخذين، مقّاء الرّفغين، مفاضة الكشحين، ضيفك جائع، وشرّك شائع.
[286] قال أبو علي: الانجعاف: الانصراع، يقال: ضربه فجأفه وجعفه وجفأه وكوّره وجوّره وجعفله، وقطّره إذا ألقاه على أحد قطريه، قال طفيل: [الطويل]
وراكضة ما تستجنّ بجنّة ... بعير حلال (2) غادرته مجعفل
وقال لبيد رضي الله عنه: [الطويل]
فلم أر يوما كان أكثر باكيا ... وحسناء قامت عن طراف مجوّر
وقال ابن قيس الرّقيّات: [الكامل]
كالشّارب النّشوان قطّره ... سمل (3) الزّقاق تفيض عبرتيه
* * * [287] واتكأه: إذا ألقاه على هيئة المتّكئ. وقال أبو زيد: ضربه فقحزنه وحجدله:
إذا صرعه. وقال الأصمعي وابن الأعرابي: بركعه: صرعه، وأنشد لرؤبة: [الرجز]
ومن (4) همزنا عزّه تبركعا ... على استه زوبعة أو زوبعا (5)
__________
(1) ورد هذا البيت في «اللسان» في مادة «ثبت» هكذا:
فالهبيت لا فؤاد له ... والثبيت قلبه قيمه
وفسر الثبيت بقوله: الثابت العقل. ط
(2) الحلال بكسر الحاء: مركب من مراكب النساء. ط
(3) سمل بالتحريك: البقية من الشراب في الإناء وورد في الطبعة الأولى «شمل» بالشين المعجمة وسكون الميم وهو خطأ، والتصويب عن إحدى النسخ المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية. ط
(4) ضمن هذا البيت صدري بيتين من أرجوزة وردت «بديوانه» المطبوع بمدينة ليبسج سنة 1903م وهما:
ومن همزنا رأسه تلعلعا ... ومن أبحنا عزة تبركعا
على استة روبعة أو روبعا ... زحفى مزاحيف وصرعى خفعا. ط
(5) زوبعة أو زوبعا، في «اللسان»: قال ابن بري: ذكره ابن دريد والجوهري بالزاي وصوابه بالراء(1/109)
وقال غيرهما: البركعة: القيام على أربع، ويقال: تبركعت الحمامة لذكرها أي:
بركت. والكرواء: الدقيقة الساقين، والكرا: دقّة الساق، والكرى: النّوم، والكرا: بمعنى الكروان، وكراء ممدودا: موضع. وقال أبو بكر: القعواء: المتباعدة ما بين الفخذين، ولم أسمع هذا من غيره، والذي ذكره اللغويون في كتبهم فيما قرأته الفجواء: المتباعدة ما بين الفخذين. وقوله: مقّاء قال أبو زيد: المقّاء: الدقيقة الفخذين، وكذلك الرّفغاء، وقال الأصمعي: المقّاء: الطويلة، والمقق: الطّول، ورجل أمقّ: طويل، قال رؤبة: [الرجز]
لواحق (1) الأقراب فيها كالمقق ... تفليل ما قارعن من سمر الطّرق
يصف أتنا. والمفاضة: المسترخية. والكشحان: الخاصرتان، وهما الأيطلان والإطلان والقربان والصّقلان، واحدهما قرب وصقل وكشح وإطل وأيطل.
* * * [288] وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال:
دخل أبو جويرية الشاعر على خالد بن عبد الله يمدحه، فقال له خالد: ألست القائل: [الخفيف]
ذهب الجود والجنيد جميعا ... فعلى الجود والجنيد السّلام
أصبحا ثاويين في بطن مرو ... ما تغنّى على الغصون الحمام
اذهب إلى الجود حيث دفنته فاستخرجه، قال أبو جويرية: أنا قائل هذا، وأنا الذي أقول بعده، فوثب إليه الحرس ليدفعوه، فقال خالد: دعوه، لا نجمع عليه الحرمان ونمنعه الكلام، فأنشأ يقول: [البسيط]
لو كان يقعد فوق الشّمس من كرم ... قوم بأوّلهم أو مجدهم قعدوا
أو خلّد الجود أقواما ذوي حسب ... فيما يحاول من آجالهم خلدوا
قوم سنان أبوهم حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
جنّ إذا فزعوا إنس إذا أمنوا ... مرزّءون بهاليل إذا احتشدوا
محسّدون على ما كان من نعم ... لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا
قال: فخرج من عنده ولم يعطه شيئا، وقرأت على أبي بكر بن دريد للشماخ: [الوافر]
أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع
وكيف يضيع صاحب مدفآت ... على أثباجهنّ من الصّقيع
__________
روبعة أو روبعا، وفسر بأنه القصير الحقير وقيل: القصير العرقوب، وقيل: الناقص الخلق، وقيل الضعيف اهـ. وفي «شرح ديوان رؤبة»: قال الأصمعي: الروبعة بالراء: داء يأخذ الفصيل. ط
(1) اللواحق: خماص البطون: وشطرا هذا البيت عجزا بيتين من هذه الأرجوزة وصدرهما:
قب من التعداء حقب في سوق ... لواحق الأقراب فيها كالمقق
سوى مساحيهن تقطيط الحقق ... تفليل ما قارعن من سمر الطرق ط(1/110)
يعني أن عائشة قالت له: لم تشدّد على نفسك في المعيشة وتلزم الإبل والتّعزّب فيها، فرد عليها: ما لأهلك أراهم يتعهّدون أموالهم ويصلحونها وأنت تأمرينني بإضاعة مالي، ثم أقبل على إبله يمدحها، فقال:
وكيف يضيع صاحب مدفآت
[من مادة: ثبج] أدفئن بكثرة الوبر على أثباجهن، والأثباج: الأوساط. قال: قال الأصمعي: ثبج كل شيء: وسطه، وغيره يقول: ظهره. وروى أبو عبيد، عن الأصمعي:
الكتد: ما بين الكاهل إلى الظهر، والثّبج نحوه. وهذه الأقوال متقاربة في المعنى. والصّقيع:
البرد والنّدى، ويقال: الجليد.
[289]
[من أمثال العرب فيمن يطلب الأمر التافه فيقع في هلكة]:
وقال الأصمعي: من أمثال العرب: «إنّه ليسرّ حسوا في ارتغاء» يضرب مثلا للرجل يريك أنه يعمل أمرا وهو يريد غيره. والإرتغاء: شرب الرّغوة، يقال: رغوة ورغوة ورغوة.
يقول: فهو يظهر ذاك وهو يحسو اللّبن ويقال: «سقط العشاء به على سرحان» يضرب مثلا للرجل يطلب الأمر التافه فيقع في هلكة. وأصل المثل، أن دابّة طلبت العشاء فهجمت على الأسد، والسّرحان: الأسد بلغة هذيل، وبلغة غيرهم من العرب: الذئب. ويقال: «سبق السّيف العذل» يضرب مثلا للأمر الذي قد تفاوت، وأصل هذا المثل، أن الحارث بن ظالم ضرب رجلا بالسيف فقتله، فأخبر بعذره فقال: «سبق السيف العذل» (1).
[من أقوال العرب]:
قال أبو زيد: العرب تقول: «إن كنت كاذبا فحلبت قاعدا» أي: ذهبت إبلك فحلبت الغنم. وتقول: «إن كنت كذوبا فشربت غبوقا باردا» أي: ذهب لبنك فشربت الماء البارد، والغبوق: ما اغتبقت حارّا بالعشيّ.
* * * [290] وقرأت على أبي بكر للشّماخ: [الوافر]
إذا ما استافهنّ ضربن منه ... مكان الرّمح من أنف القدوع
فقد جعلت ضغائنهنّ تبدو ... بما قد كان نال بلا شفيع
استافهنّ: شمّهنّ يعني: الحمار، فإذا فعل ذلك ضربن منه أعلى خيشومه، وهو مكان الرمح إذا قدعت به أنف الفرس لأنهن قد حملن منه. والقدوع: الذي يقدع ويردّ بالرمح، وهو أن يرفع رأسه من عزّة نفسه، أو من فرق، أولا يرضى للفحلة فيضرب أنفه وينحّى عن الطّروقة، وهو وإن كان يقدع فهو قدوع، كما قالوا لما يحلب ويركب: حلوبة وركوبة. وضغائنهنّ: ما في قلوبهن أي: كنّ يمكنّه ولا يحتاج إلى شفيع، فلما حملن أبدين ضغائنهن المخبوءة.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [26].(1/111)
[291] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو الحسن الأسدي قال: كتب أحمد بن المعذّل إلى أخيه عبد الصمد بن المعذّل: إني أرى المكروه من حيث يرتجى المحبوب، وقد شمل عرّك، وعمّ أذاك، وصرت فيك كأبي الابن العاقّ، إن عاش نغّصه، وإن مات نقصه، وقد خشّنت (1) بقلب جيبه لك ناصح والسلام فكتب إليه عبد الصمد: [المتقارب]
أطاع الفريضة والسّنّة ... فتاه على الإنس والجنّة
كأنّ لنا النار من دونه ... وأفرده الله بالجنّه
وينظر نحوي إذا زرته ... بعين حماة إلى كنّه
[292]
[موعظة في صروف الدهر، والرضى بالعيش، وذم ذي الوجهين]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي للأضبط بن قريع، وقال: وبلغني أن هذه الأبيات قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وهي:
[المنسرح]
لكلّ همّ من الهموم سعه ... والمسي والصّبح لا فلاح معه
ما بال من سرّه مصابك لا ... يملك شيئا من أمره وزعه
أذود عن حوضه ويدفعني ... يا قوم من عاذري من الخدعه
حتى إذا ما انجلت عمايته ... أقبل يلحى وغيّه فجعه
قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه
فاقبل من الدهر ما أتاك به ... من قرّ عينا بعيشه نفعه
وصل حبال البعيد إن وصل ال ... حبل وأقص القريب إن قطعه
ولا تعاد (2) الفقير علّك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
قال أبو العباس: وكان الأصمعي ينشد (3):
فصل حبال البعيد إن وصل الحبل
* * * [293] قال أبو علي: تقول العرب: لعلّك وعلّك ولعنّك ولغنّك، سمعه عيسى بن عمر من العرب، ورواه الأصمعي عنه.
* * * __________
(1) وقد خشنت إلخ في «اللسان»: وخشنت صدره تخشينا: أوغرت قال عنترة:
لعمري لقد أعذرت لو تعذرينني ... وخشنت صدرا جيبه لك ناصح
(2) ولا تعاد المشهور في كتب النحو واللغة إيراد هذا البيت بلفظ: «ولا تهين الفقير» إلخ شاهدا على حذف نون التوكيد الخفيفة بعد قلبها ألفا إذا لقيها ساكن. ط
(3) انظر: «التنبيه» [27].(1/112)
[294] قال أبو علي: قرأت على أبي بكر بن دريد في شعر أبي النجم قال عيسى بن عمر: سمعت أبا النجم ينشد: [الرجز]
أغد لعلنا في الرّهان نرسله
[295]
[شعر في الشيب وتغيّر الحال، والاتعاظ بذلك]:
وأنشدني أبو بكر بن دريد رحمه الله لمحمود الورّاق: [الكامل]
فاجاك من وفد المشيب نذير ... والدّهر من أخلاقه التغيير
فسواد رأسك والبياض كأنه ... ليل تدبّ نجومه وتسير
[296] وأنشدني بعض أصحابنا، قال: أنشدني أبو يعقوب بن الصفار لداود بن جهوة: [الطويل]
أقاسي البلا لا أستريح إلى غد ... فيأتي غد إلا بكيت على أمس
سأبكي بدمع أو دم أشتفي به ... فهل لي عذر إن بكيت على نفسي
سلام على الدنيا ولذّة عيشها ... سلام غدوّ أو رواح إلى رمسي
وأنكرت شمس الشّيب في ليل لمّتي ... لعمري لليلى كان أحسن من شمسي
كأنّ الصّبا والشيب يطمس نوره ... عروس أناس مات في ليلة العرس
[297] وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر النحوي، قال: أنشدنا المبرد لمحمود الوراق: [المتقارب]
أليس عجيبا بأن الفتى ... يصاب ببعض الذي في يديه
فمن بين باك له موجع ... وبين معزّ مغذّ إليه
ويسلبه الشّيب شرخ الشّباب ... فليس يعزّيه خلق عليه
[298] وأنشدنا الأخفش للعكوّك علي بن جبلة: [مجزوء المتقارب].
لال مشيب نزل ... وأنس شباب رحل
طوى صاحب صاحبا ... كذاك اختلاف الدّول
أعاذلتي أقصري ... كفاك المشيب العذل
بدا بدلا بالشّبا ... ب ليت الشباب البدل
جلال ولكنّه ... تحاماه حور المقل
[299] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه لأبي دلف العجليّ: [الكامل]
نظرت إليّ بعين من لم يعدل ... لمّا تمكّن طرفها من مقتلي
لمّا تبسّم بالمشيب مفارقي ... صدّت صدود مفارق متحمّل
فجعلت أطلب وصلها بتعطّف ... والشّيب يغمزها بأن لا تفعلي
[300] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل](1/113)
نظرت إليّ بعين من لم يعدل ... لمّا تمكّن طرفها من مقتلي
لمّا تبسّم بالمشيب مفارقي ... صدّت صدود مفارق متحمّل
فجعلت أطلب وصلها بتعطّف ... والشّيب يغمزها بأن لا تفعلي
[300] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله تعالى قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل]
أرى بصري عن كل يوم وليلة ... يكلّ وخطوي عن مدى الخطو يقصر
ومن يصحب الأيّام تسعين حجّة ... يغيّرنه والدهر لا يتغيّر
لعمري لئن أمسيت أمشي مقيّدا ... لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر
[301] وأنشدني بعض أصحابنا: [الوافر]
خنتني (1) حانيات الدّهر حتّى ... كأنّي خاتل يدنو (2) لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيّدا أنّي بقيد
وقال رجل لشيخ رآه يمشي: من قيّدك يا شيخ؟ قال: الذي خلّفته يفتل في قيدك، يعني: الدهر.
[302] وأنشدنا أبو بكر محمد بن السّري السرّاج النحوي: [مخلع البسيط]
وعائب عابني بشيب ... لم يعد لمّا ألمّ وقته
فقلت إذ عابني بشيبي ... يا عائب الشيب لا بلغته
[303] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا عبد الله بن خلف: [الوافر]
نصول الشّيب طوّقني بطوق ... يلوح عليّ من تحت السواد
إذا أبصرته فكأنّ وخزا ... بأطراف الأسنّة في فؤادي
[304] قال: وأنشدنا أبي، قال: أنشدني أبو عبد الله بن المطيخي: [الكامل]
إنّ الكبير إذا تناهت سنّه ... أعيت رياضته على الرّوّاض
وإذا دفعت إلى الصغير فإنما ... تكفيه منك إشارة الإيماض
وعليك من نسج الزمان عمامة ... خضب المشيب سوادها ببياض
فالوعظ ينبو عن صفاتك راجعا ... مثل السهام نبت عن الأغراض
[305] وممن مدح الشيب من الشعراء فأحسن دعبل حيث يقول: [الكامل]
أهلا وسهلا بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلية المتحرّج
وكأنّ شيبي نظم درّ زاهر ... في تاج ذي ملك أغرّ متوّج
[306] وممن مدح الخضاب فأحسن عبد الله بن المعتز حيث يقول: [المتقارب]
وقالوا النّصول مشيب جديد ... فقلت الخضاب شباب جديد
__________
(1) القائل لهذين البيتين أبو الطمحان القيني كما في «حماسة البحتري» (ص 294) طبع مدينة ليدن سنة 1909م وكتاب «المعمرين من العرب» للسجستاني (ص 64) طبع مدينة ليدن سنة 1899م. ط
(2) في الطبعة الأولى «أدنو» وما أثبتناه عن «حماسة البحتري» وكتاب «المعمرين»، وفي «اللسان» مادة:
«أدا»: «يأدو لصيد» من أدا السبع للغزال يأدو أدوا: ختله ليأكله. ط(1/114)
إساءة هذا بإسحان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعوذ
[307] وأنشدني أبو معاذ عبدان المتطبّب، قال: أنشدني أبو هفّان لنفسه: [البسيط]
تعجّبت درّ من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي فبياض الصبح في السّدف
وزادها عجبا أن رحت في سمل ... وما درت درّ أن الدّرّ في الصّدف
[308]
[أسماء العام (بمعنى: السنة)]:
قال أبو زيد: يقال: عام أوطف وأغلف وأقلف: إذا كان خصيبا، وقال العقيليّون: عام مجاعة ومجوعة ومجوعة. وقال أبو زيد: الأطرة: ما حول الأظفار من اللحم، وقال ابن الأعرابي: عيش أغرل وأرغل وأغضف وأغطف وأوطف وأغلف: إذا كان مخصبا وهذه كلها تقال في العام.
[309]
[شعر في الشّيب]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال أنشدني أبي لرجل (1) من خزاعة (2): [البسيط] قد كنت أفزع للبيضاء أبصرها ... من شعر رأسي وقد أيقنت بالبلق
الآن حين خضبت الرأس زايلني ... ما كنت ألتذّ من عيشي ومن خلقي
إن الشباب إذا ما الشيب حلّ به ... كالغصن يصفرّ فيه ناعم الورق
شيب تغيّبه عمّن تغرّ به ... كبيعك الثوب مطويّا على حرق
فإن سترت مشيبا أو غررت به ... فليس دهر أكلناه بمسترق
أفنى الشباب الذي أفنيت ميعته ... مرّ الجديدين من آت ومنطلق
لم يتركا منك في طول اختلافهما ... شيئا يخاف عليه لذعة الحرق
* * * [310]
[قول خالد بن عبد الله القسري حين صعد ليخطب فأرتج عليه، وابتهال ورود الأفكار وحضور الذّهن]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا السّكن بن سعيد، عن العباس بن هشام الكلبي قال: صعد خالد بن عبد الله القسري يوما المنبر بالبصرة ليخطب فأرتج عليه فقال: أيها الناس، إن الكلام ليجئ أحيانا فيتسبّب سببه، ويعزب أحيانا فيعزّ مطلبه، فربما طولب فأبى، وكوبر فعصى، فالتّأتّي لمجيّه أصوب من التعاطي لأبيّه، ثم نزل. فما رئي حصر أبلغ منه.
[311]
[شعر في الشّيب]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لنفسه: [الطويل]
أرى الشيب مذ جاوزت خمسين دائبا ... يدبّ دبيب الصبح في غسق الظّلم
__________
(1) هو ثعلبة بن موسى كما في حماسة البحتري (ص 266) طبع مدينة ليدن سنة 1909م. ط
(2) انظر: «التنبيه» [28].(1/115)
هو السّقم إلا أنه غير مؤلم ... ولم أر مثل الشيب سقما بلا ألم
[312] وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي: [الخفيف]
يا بياض المشيب سوّدت وجهي ... عند بيض الوجوه سود القرون
فلعمري لأخفينّك جهدي ... عن عياني وعن عيان العيون
ولعمري لأمنعنّك أن تظ ... هر في رأس آسف محزون
بسواد فيه ابيضاض لوجهي ... وسواد لوجهك الملعون
[313] وأنشدنا الأخفش لمنصور النّمري: [البسيط]
ما واجه الشّيب من عين وإن ومقت ... إلا لها نبوة عنه ومرتدع
[314] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبي: [الوافر]
رأيت الشيب تكرهه الغواني ... ويحببن الشباب لما هوينا
فهذا الشيب نخضبه سوادا ... فكيف لنا فنسترق السّنينا
[315] وفي الخضاب: [الخفيف]
إنّ شيئا صلاحه بالخضاب ... لعذاب موكّل بعذاب
ولعمر الإله لولا هوى البي ... ض وأن تشمئزّ نفس الكعاب
لأرحت الخدّين من وضر الخطر (1) ... وأذعنت لانقضاء الشباب
[316] ومن أحسن ما قيل في مدح الشيب: [الكامل]
والشّيب إن يحلل فإنّ وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفّس
لم ينتقص منّي المشيب قلامة ... الآن (2) حين بدا ألبّ وأكيس
[317] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبي: [الخفيف]
لا يرعك المشيب يا بنة عبد الله ... فالشّيب جلّة ووقار
إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار
[318]
[الإحسان إلى الناس، والإنفاق عليهم، وما يترتب عليه من طيب الذّكر]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبو الحسن بن البراء، قال: قال أبو الحسن الأسدي: مات رجل كان يعول اثني عشر ألف إنسان، فلما حمل على النعش صرّ على أعناق الرجال، فقال رجل في الجنازة: [الطويل]
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنّه أعناق قوم تقصّف
__________
(1) الخطر بالكسر: نبات يجعل ورقه في الخضاب الأسود يختضب به. ط
(2) ألآن لعل في الشطر سقطا من الناسخ، ولعل أصله: أنا الآن بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها وحذفها. ط(1/116)
وليس فتيق المسك ما تجدونه ... ولكنه ذاك الثناء المخلّف
[319]
[أسباب المجد وشدّة سبيله]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريدر لبعض العرب: [البسيط]
دببت للمجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا
وكابدوا المجد حتّى ملّ أكثرهم ... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلع الصّبرا
[320]
[شعر في النذالة وإنكار المعروف، وشيء من أمثال العرب]:
وأنشدنا غير واحد من أصحاب أبي العباس منهم ابن السّري والأخفش وابن درستويه قالوا: أنشدنا أبو العباس المبرّد لعبد الصمد بن المعذّل فيه: [الوافر]
سألنا عن ثمالة كل حيّ ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
فقال لي المبرّد خلّ عنّي ... فقومي معشر فيهم نذاله
* * * [321] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدني سعيد بن هارون: [الوافر]
فلو أبصرت دارك في محلّ ... يحلّ الحزن فيه والسّرور
رأيت منادحا لم يرع فيها ... ملال مذ نأيت ولا فتور
قال: يخاطب امرأة يقول: لو رأيت محلّك في قلبي، فلم يستقم له الشعر. فقال:
دارك. وقوله:
يحلّ الحزن فيه والسّرور
يعني: القلب لأن الحزن والسرور فيه يكونان. وقوله: منادحا يعني: متّسعا وقوله:
«لم يرع فيها ملال مذ نأيت ولا فتور» مثل.
* * * [322]
[خطبة أعرابيّ كان يسأل بالمسجد الحرام]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا أبو حاتم، قال: أخبرنا أبو زيد قال: بينا أنا في المسجد الحرام إذ وقف علينا أعرابي فقال: يا مسلمون، إن الحمد لله والصلاة على نبيه، إني امرؤ من أهل هذا الملطاط الشّرقي المواصي أسياف تهامة، عكفت عليّ سنون محش، فاجتبّت الذّرى، وهشمت العرى، وجمشت النّجم، وأعجت البهم، وهمّت الشّحم، والتحبت اللّحم، وأحجنت العظم، وغادرت التّراب مورا، والماء غورا، والناس أوزاعا، والنّبط قعاعا، والضّهل جزاعا، والمقام جعجاعا، يصبّحنا الهاوي، ويطرقنا العاوي، فخرجت لا أتلفّع بوصيده، ولا أتقوّت هبيده، فالبخصات وقعة، والرّكبات زلعة، والأطراف قفعة، والجسم مسلهمّ، والنّظر
مدرهم، أعشو فأغطش، وأضحى فأخفش، أسهل ظالعا، وأحزن راكعا، فهل من آمر بمير، أوداع بخير، وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر، قال:(1/117)
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا أبو حاتم، قال: أخبرنا أبو زيد قال: بينا أنا في المسجد الحرام إذ وقف علينا أعرابي فقال: يا مسلمون، إن الحمد لله والصلاة على نبيه، إني امرؤ من أهل هذا الملطاط الشّرقي المواصي أسياف تهامة، عكفت عليّ سنون محش، فاجتبّت الذّرى، وهشمت العرى، وجمشت النّجم، وأعجت البهم، وهمّت الشّحم، والتحبت اللّحم، وأحجنت العظم، وغادرت التّراب مورا، والماء غورا، والناس أوزاعا، والنّبط قعاعا، والضّهل جزاعا، والمقام جعجاعا، يصبّحنا الهاوي، ويطرقنا العاوي، فخرجت لا أتلفّع بوصيده، ولا أتقوّت هبيده، فالبخصات وقعة، والرّكبات زلعة، والأطراف قفعة، والجسم مسلهمّ، والنّظر
مدرهم، أعشو فأغطش، وأضحى فأخفش، أسهل ظالعا، وأحزن راكعا، فهل من آمر بمير، أوداع بخير، وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر، قال:
فأعطيته دينارا، وكتبت كلامه واستفسرته ما لم أعرفه.
[323] قال أبو علي: قال أبو بكر: الملطاط: أشدّ انخفاضا من الغائط وأوسع منه، وحكى اللحياني، عن الأصمعي أنه قال: الملطاط: كلّ شفير نهر أو واد. والمواصي والمواصل واحد، يقال: تواصى النّبت إذا اتصل بعضه ببعض. وأسياف جمع سيف، وهو ساحل البحر. وعكفت: أقامت. والسّنون: الجدوب. ومحش جمع محوش، وهي التي تمحش الكلا أي: تحرقه. واجتبّت: افتعلت من الجبّ، يقال: جببت السّنام إذا قطعته، وكل شيء استأصلته فقد جببته. وهشمت: كسرت. والعرى جمع عروة، والعروة: القطعة من الشجر لا يزال باقيا على الجدب ترعاه أموالهم، قال التّغلبي (1) يروى: [الكامل]
خلع الملوك وسارت تحت لوائه ... شجر العرى وعراعر الأقوام
ويروى: وعراعر، وهم السادة. وجمشت: احتلقت، قال رؤبة: [الرجز]
أو كاحتلاق النّورة الجموش
والنّجم: ما نجم ولم يستقلّ على ساق. وأعجت أي: جعلتها عجايا، والعجيّ:
السّيّيء الغذاء المهزول، قال الشاعر: [الوافر]
عداني أن أزورك أنّ بهمي ... عجايا كلها إلّا قليلا
[324]
[من أقوال العرب]:
وهمّت: أذابت، قال أبو علي: العرب تقول: همّك ما أهمّك أي أذابك ما أحزنك، قال: وقال أبو بكر: التحبت اللحم: عرقته عن العظم. وأحجنت العظم أي: عوّجته فصيرته كالمحجن. والمور: الذي يجيئ ويذهب، قال إسماعيل (2): والمور: الطريق، رواه أبو عبيدة، والمور بضم الميم: الغبار بالريح. قال أبو بكر: الغور: الغائر. وأوزاع: فرق.
[325] والنّبط: الماء الذي يستخرج من البئر أول ما تحفر، قال الشاعر (3): [الطويل]
قريب (4) ثراه لا ينال عدوّه ... له نبطا عند الهوان قطوب
[أسماء الماء]:
والقعاع: الماء الملح المرّ. والضّهل: القليل من الماء ومنه قيل: ما ضهل إليه منه
__________
(1) قال ابن بري: ويروى البيت لشرحبيل بن مالك يمدح معد يكرب بن عكب قال: وهو الصحيح، كذا في «اللسان» مادة: «عرا». ط
(2) هو القالي.
(3) انظر: «التنبيه» [29].
(4) ويروى: قريب نداه ما ينال إلخ وقائل البيت كعب بن سعد الغنوي كما في «اللسان» مادة:
«نبط». ط(1/118)
شيء. والجزاع: أشد المياه مرارة، قال إسماعيل (1): قال يعقوب: ويقال: ماء ملح، فإذا اشتدّت ملوحته قيل: زعاق وقعاع وأجاج وحراق أي: يحرق أوبار الماشية من شدّة ملوحته، قال ويقال: ماء ملح يفقأ عين الطائر: إذا بولغ في ملوحته، وماء خمجرير: إذا كان ثقيلا، وقال ابن الأعرابي يقال: ماء مخضرم وخمجرير ومخضم: إذا لم يكن عذبا.
[326] والجعجاع: المكان الذي لا يطمئنّ من قعد عليه. قال أبو علي قال الأصمعي: الجعجاع: المحبس، وأنشد (2): [الطويل]
إذا جعجعوا بين الإناخة والحبس
وقال أبو عمرو الشيباني: الجعجاع: الأرض، وكل أرض جعجاع. وقال أبو بكر:
الهاوي: الجراد. والعاوي: الذئب. والتّلفّع: الاشتمال، وقال أبو علي: هو اشتمال الصّمّاء عند العرب، وهو ألّا يرفع جانبا منه فتكون فيه فرجة. والوصيدة: كل نسيجة. والهبيد: حبّ الحنظل يعالج حتى يطيب فيختبز. والبخصات: واحدها بخصة وهي لحم باطن القدم.
ووقعة من قولهم: وقع الرجل إذا اشتكى لحم باطن قدمه، قال الراجز (3): [الرجز]
يا ليت لي نعلين من جلد الضّبع ... وشركا من استها لا تنقطع
كلّ الحذاء يحتذى الحافي الوقع
وزلعة: متشققة، وأنشد (4): [الطويل]
وغملى نصيّ بالمتان كأنّها ... ثعالب موتى جلدها قد تزلّعا
قال أبو علي: غملى، فعلى، وهو الذي قد تراكب بعضه على بعض. وقفعة ومقفّعة واحد وهي التي قد تقبّضت ويبست. وقال أبو بكر: المسلهمّ: الضامر المتغير. قال أبو علي: وقال أبو زيد: المسلهمّ: المدبر في جسمه، وتفسير أبي بكر أحسبه كلام الأصمعي.
[أسماء ضعيف البصر]:
والمدرهمّ: الضعيف البصر الذي قد ضعف بصره من جوع أو مرض. قال أبو علي:
ولم يذكر هذه الكلمة أحد ممن عمل خلق الإنسان. وأعشو: أنظر، يقال: عشوت إلى النار إذا أحددت نظرك إليها، وأنشد (5): [البسيط]
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
وقوله: فأغطش أي: أصير غطشا، والغطش: ضعف في البصر، يقال: رجل
__________
(1) هو القالي.
(2) القائل هو أوس بن حجر، كما في «اللسان» مادة «جعع» وصدر البيت: «كأن جلود النمر جيبت عليهم». ط
(3) الراجز هو أبو المقدام واسمه جساس بن قطيب كما في «اللسان» مادة: «وقع». ط
(4) القائل هو الراعي (عبيد بن الحصين) كما في «اللسان» مادة: «غمل». ط
(5) القائل هو الحطيئة: كما في «اللسان» مادة: «عشا». ط(1/119)
أغطش، وامرأة غطشى. وأسهل ظالعا، يقول: إذا مشيت في السهول: ظلعت أي:
غمزت. وأحزن راكعا أي: إذا علوت الحزن ركعت أي: كبوت لوجهي. والمير:
العطيّة، من قولهم: مارهم يميرهم ميرا.
[قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] قال أبو علي: الكاهر والقاهر واحد، وقد قرأ بعضهم (1): {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ}.
[327]
[بلاغة في المدح، وحسن الظنّ]:
وحدثنا أبو بكر، قال أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه، قال: قال أعرابي لرجل: ما اتّهمت حسن ظني بك منذ توجّه رجائي نحوك، ولا قعدت بجدّ فائل باعتمادي عليك، ولا استدعتني رغبة عنك إلى من سواك، ولا أراني الاختبار غيرك عوضا منك.
قال أبو علي: الفائل: المخطئ، يقال: رجل فال الرّأي وفائل الرأى وفيّل الرأي وفيل الرأي إذا كان مخطئ الرأى.
[328]
[صدق الأخوة، وبذل المال، والوفاء]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا ذكر رجلا فقال: كان والله للإخاء وصولا، وللمال بذولا، وكان الوفاء بهما عليه كفيلا، ومن فاضله كان مفضولا.
[329]
[من أمثال العرب]:
وقال أبو زيد: من أمثال العرب «لم يهلك من مالك ما وعظك» أي: إذا أفسدت بعض مالك فوعظك الذي أفسدت فأصلحت بعد فكأنّ الذي أفسدت لم يهلك. ويقال:
«ذليل عاذ بقرملة» وهي شجرة صغيرة، يقال ذلك لمن عاذ بمن هو أذلّ منه أو مثله. ويقال:
«قد تحلب الضّجور العلبة» أي: قد تصيب من السّيّئ الخلق اللّين. ويقال: «لا تعدم ناقة من أمّها حنّة» أي: لا تعدم شبها، يقال ذلك لمن أشبهه أباه أو أمه.
* * * __________
(1) قال القرطبيّ في «تفسيره» (67): «وقرأ النخعي والأشهب العقيليّ: تكهر بالكاف، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود. فعلى هذا يحتمل أن يكون نهيا عن قهره، بظلمه وأخذ ماله. وخصّ اليتيم لأنّه لا ناصر له غير الله تعالى. فغلّظ في أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه. والعرب تعاقب بين الكاف والقاف. النحاس: وهذا غلط إنما يقال: كهره: إذا اشتدّ عليه وغلّظ. وفي «صحيح مسلم» من حديث معاوية بن الحكم السلمي حين تكلم في الصلاة بردّ السلام قال: بأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه يعني: رسول الله صلّى الله عليه وسلم فو الله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني الحديث. وقيل: القهر: الغلبة. والكهر: الزّجر» اه
ونحوه في «تاج العروس» للزبيدي (7/ 464)، وقال: «وزعم يعقوب أنّ كافه بدل من قاف القهر، كهره وقهره بمعنى» اه(1/120)
[330] وأنشدنا أبو بكر بن دريد وقرأنا أيضا عليه: [الرجز]
أقبلن من أعلى فياف بسحر ... يحملن صلّالا كأعيان البقر
قوله: يحملن صلّالا أي: يحملن فحما يصلّ أي: يصوّت. وأعيان: جمع عين.
وقرأنا عليه أيضا لزيد الخيل: [الوافر]
نصول بكل أبيض مشرفيّ ... على الّلاتي بقى فيهنّ ماء
عشيّة نؤثر الغرباء فينا ... فلا هم هالكون ولا رواء
يعني: أنهم يفتظّون الإبل فيأخذون ما بقي في كروشها من الماء. ومثله: [الطويل]
وشربة لوح لم أجد لشفائها ... بدون ذباب السّيف أو شفره حلّا
[331]
[من أخبار امرئ القيس]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: بينما أنا سائر بناحية بلاد بني عامر، إذ مررت بحلّة في غائط يطؤهم الطريق، وإذا رجل ينشد (1) في ظلّ خيمة له وهو يقول (2): [الطويل]
أحقّا عباد الله أن لست ناظرا ... إلى قرقرى (3) يوما وأعلامها الغبر
كأنّ فؤادي كلّما مرّ راكب ... جناح غراب رام نهضا إلى وكر
إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذّكر
فيا راكب الوجناء أبت مسلّما ... ولا زلت من ريب الحوادث في ستر
إذا ما أتيت العرض فاهتف بجوّه ... سقيت على شحط النّوى سبل القطر
فإنّك من واد إليّ مرجّب ... وإن كنت لا تزدار إلّا على عفر
قال: فأذنت له وكان ندي الصوت، فلما رآني أومأ إليّ فأتيته فقال: أأعجبك ما سمعت؟ فقلت: إي والله، فقال: من أهل الحضارة أنت؟ قلت: نعم، قال: فممن تكون؟
قلت: لا حاجة لك في السؤال عن ذلك، فقال: أو ما حلّ الإسلام الضّغائن وأطفأ الأحقاد؟
قلت: بلى، قال: فما يمنعك إذا؟ قلت: أنا امرؤ من قيس، فقال: الحبيب القريب من أيّهم؟
قلت: أحد بني سعد بن قيس، ثم أحد بني أعصر بن سعد، فقال: زادك الله قربا، ثم وثب فأنزلني عن حماري، وألقى عنه إكافه وقيّده بقراب خيمته، وقام إلى زند فاقتدح وأوقد نارا، وجاء بصيدانة فألقى فيها تمرا وأفرغ عليه سمنا، ثم لفته حتى التبك، ثم ذرّ عليه دقيقا وقرّبه إليّ، فقلت: إني إلى غير هذا أحوج، قال: وما هو؟ قلت: تنشدني، فقال: أصب فإني فاعل، فلقمت لقيمات وقلت: الوعد، فقال: ونعمى عين، ثم أنشدني: [الطويل]
لقد طرقت أمّ الخشيف وإنّها ... إذا صرع القوم الكرى لطروق
__________
(1) انظر: الفقرة الآتية برقم [341].
(2) انظر: «التنبيه» [30].
(3) قرقري: اسم موضع. ط(1/121)
فيا كبدا يحمى عليها وإنّها ... مخافة هيضات النّوى لخفوق
أقام فريق من أناس يودّهم ... بذات الغضا قلبي وبان فريق
بحاجة محزون يظلّ وقلبه ... رهين ببضّات الحجال صديق
تحمّلن أن هبّت لهنّ عشيّة ... جنوب وأن لاحت لهنّ بروق
كأنّ فضول الرّقم حين جعلنها ... غديّا على أدم الجمال عذوق
وفيهنّ من بخت النساء ربحلة ... تكاد على غرّ السحاب تروق
هجان فأما الدّعص من أخرياتها ... فوعث وأما خصرها فدقيق
قال: ففارقته وأنا من أشد الناس ظمأ إلى معاودة إنشاده.
[332]
[مادة: عرض]
قال أبو علي: العرض: واد باليمامة، وكل واد يقال له: عرض، يقال: أخصب ذلك العرض، وأخصبت أعراض المدينة. والعرض أيضا: الرّيح، يقال: فلان طيّب العرض، وفلان منتن العرض أي: الريح، والعرض أيضا: ما ذمّ من الإنسان أو مدح، يقال: فلان نقيّ العرض أي: هو برئ من أن يشتم أو يعاب، واختلف فيه، فقال أبو عبيد: عرضه: آباؤه وأسلافه، وخالفه ابن قتيبة فقال: عرضه: جسده، واحتجّ بحديث النبي (1) صلّى الله عليه وسلم في صفة أهل الجنة: «لا يبولون ولا يتغوّطون إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك» يعني: من أبدانهم.
[333] ونصر شيخنا أبو بكر ابن الأنباري أبا عبيد فقال: ليس هذا الحديث حجّة له لأن الأعراض عند العرب المواضع التي تعرق من الجسد، قال (2): والدليل على غلط ابن قتيبة في هذا التأويل وصحة تأويل أبي عبيد قول مسكين الدارمي: [الرمل]
ربّ مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب
فمعناه: رب مهزول البدن والجسم كريم الآباء قال (3): وأما احتجاجه ببيت حسان بن ثابت: [الوافر]
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
في أن العرض الجسم فليس كما ذكر لأن معناه: فإن أبي ووالده وآبائي، فأتى بالعموم بعد الخصوص، ذكر الأب ثم جمع الآباء كما قال الله جلّ وعزّ.: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] فخصّ السّبع ثم أتى بالقرآن العام بعد ذكره إياها.
__________
(1) رواه مسلم (2835) من حديث جابر، وله شاهد من حديث زيد بن أرقم بنحوه عند أحمد (4/ 367، 371)، والنسائي في «التفسير» (رقم 498)، وابن حبان (7424).
ونقل ابن كثير في «البداية والنهاية» (20/ 320) عن الحافظ الضياء قوله: «وهذا عندي على شرط مسلم لأنّ ثمامة ثقة، وقد صرّح بسماعه من زيد بن أرقم» اه
(2) يعني: أبا بكر بن الأنباري.
(3) يعني: أبا بكر بن الأنباري.(1/122)
[334] والذي قاله ابن قتيبة قد قاله غيره، ويمكن من ينصر ابن قتيبة أن يقول: بيت مسكين مثل، ومعناه: رب مهزول الجسم سمين الحسب أي: عظيم الشرف، وسمين الجسم مهزول الحسب أي: ضعيف الشرف. والعرض: ما خالف الطول. والعرض من المال: ما ليس بنقد، والجمع عروض، يقال: اقبل مني عرضا أي: دابة أو متاعا.
والعرض: سفح الجبل أي: ناحيته، قال ذو الرمة: [البسيط]
أدنى تقاذفه تقريب او خبب ... كما تدهدى من العرض الجلاميد
[335] ويقال للجيش إذا كان كثيرا: ما هو إلا عرض من الأعراض، يشبّه بناحية الجبل، قال رؤبة: [الرجز]
إنا إذا قدنا لقوم عرضا ... لم نبق من بغي الأعادي عضّا
والعضّ: الداهية: والعرض: مصدر عرضته على البيع أعرضه عرضا. والعرض:
مصدر عرضت العود على الإناء أعرضه عرضا. والعرض: مصدر عرضت له من حقه ثوبا، فأنا أعرضه عرضا إذا أعطيته ثوبا مكان حقه، هذه كلها مفتوحة العين مسكنة الراء، وكذلك مصدر عرضت له حاجة وعرضت عليه الحاجة، والعرض بضم العين: الناحية، يقال:
ضربت به عرض الحائط، ويقال: خرجوا يضربون الناس عن عرض، يريدون عن شقّ وناحية، لا يبالون من ضربوا. ومنه استعراض الخوارج الناس إذا لم يبالوا من قتلوا ويقال:
قد أعرض لك الظبي أي: أمكنك من عرضه أي: من ناحيته.
[336] والعرض مفتوح الراء: حطام الدنيا وما يصيب منها الإنسان، يقال: إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر. والعرض أيضا: الأمر يعرض للإنسان من مرض أو كسر أو غيرهما مما يبتلى به، ويقال: عرض له عارض، مثل عرض، ولا تزال عارضة تعرض. والعارض: الأسنان التي بعد الثنايا، وهي الضّواحك، وجمعه عوارض، يقال: امرأة نقيّة العارض، ومصقولة العارض، قال جرير: [الوافر]
أتذكر يوم تصقل عارضيها ... بعود بشامة سقي البشام (1)
والعارض: الخدّ، كذا قال أبو نصر. وقال غيره: سئل الأصمعي عن العارضين من اللّحية، فوضع يده على ما فوق العوارض من الأسنان، ويقال للنّحل والجراد إذا كثر: مرّ منه عارض قد ملأ الأفق، ويقال للجبل: عارض، وبه سمى عارض اليمامة، والعارضة: الشاة أو البعير يصيبه الداء أو السّبع أو كسر، وجمعه عوارض، يقال: بنو فلان أكّالون للعوارض، ويقال: فلان شديد العارضة، أي الناحية. ويقال: أخذ في عروض ما تعجبني أي: في طريق وناحية، وعرفت ذلك في عروض كلامه. ويقال لمكة، والمدينة، واليمن: العروض، يقال: ولي فلان العراق وولي فلان العروض. والعروض: عروض الشعر. والعروض: البعير
__________
(1) ورد في «اللسان»: أن صدر هذا البيت في «التهذيب»: «أتذكر إذ تودعنا سليمى».
وروى فيه: «بفرع» بدلا من «بعود»، وفي «الأغاني»: أتنسى إذ تودعتا ط(1/123)
الصّعب. والعروضان: الجانبان. والعروض من الإبل والغنم: الذي يعترض الشّوك فيأكله، يقال: غنم فلان تعرض إذا اعترضت الشّوك فأكلته، وعريض عروض. والعريض من المعزى: الذي أتى عليه نحو من سنة ونبّ وأراد السّفاد، وجمعه عرضان، وقال اللحياني:
قال بعضهم: العريض من الظباء: الذي قد قارب الإثناء. والعريض عند أهل الحجاز:
الخصيّ، والجميع العرضان. قال: ويقال: أعرضت العرضان إذا خصيتها. ويقال: فلان عرضة للشّر أي: قويّ عليه، وفلانة عرضة للزّوج أي: قوّيّة عليه، وفرس عرضة للميدان، وجمل عرضة للحمل الثقيل.
[337] والعراضة: الهديّة، يقال: ما عرّضتهم أي: ما أهديت إليهم وأطعمتهم، قال الشاعر (1): [الرجز]
حمراء من معرّضات الغربان ... يقدمها كلّ علاة عليان
يقول: عليها التمر فتأتي الغربان فتأكل مما عليها. والعراضة: الشيء يطعمه الرّكب من استطعمهم من أهل المياه. والعراضة والعريضة واحد. وجاء في بعض الحديث (2): «إذا طلعت الشّعرى سفرا ولم تر فيها مطرا فلا تغذونّ إمّرة ولا إمّرا وأرسل العراضات أثرا يبغينك في الأرض معمرا» فالعراضات: الإبل العريضة الآثار. ويقال: قوس عراضة أي: عريضة. والمعراض:
السهم الذي لا ريش عليه. والمعرض: الثوب الذي تعرض فيه الجارية، وجمعه معارض.
ويقال: لقحت الناقة عراضا، والعراض: أن يعارضها الفحل فيتنوّخها فيضربها، فذلك الضّراب هو العراض، وإذا لقحت الناقة كذلك، قيل: لقحت يعارة (3) قال الراعي [الطويل]:
نجائب لا يلقحن إلّا يعارة ... عراضا ولا يشرين إلا غواليا
ويقال: جاءت فلانة بولد عن معارضة وعن عراض، وذلك إذا لم يكن له أب يعرف، ويقال: أعرضت فلانة بأولادها إذا ولدتهم عراضا طوالا من الرجال، ويقال: أعرض الشيء إذا صار ذا عرض، قال ذو الرمة: [الوافر]
عطاء فتى بنى وبنى أبوه ... فأعرض في المكارم واستطالا
أي: تمكّن من طولها وعرضها، وأعرض فلان عن فلان يعرض إعراضا إذا لم يلتفت إليه، ويقال: عرض فلان وطال إذا ذهب عرضا وطولا. ويقال: عرّضته للخير تعريضا، وزاد اللحياني وأعرضته. وعارضت الشيء بالشيء قابلته به. وخرج يعارض الرّيح إذا لم يستقبلها ولم يستدبرها.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [31].
(2) في «اللسان» مادة: «عرض: «قال الساجع:» فذكره.
(3) اليعارة: الناقة الكريمة التي يقاد إليها الفحل لتلقح فإن شاءت أطاعته وإن شاءت امتنعت منه فلا تكره على ذلك. ط(1/124)
[338] ويقال: في فلان عرضيّة أي: صعوبة. وكذلك ناقة عرضيّة أي: فيها صعوبة، والعرضنة: أن يمشي مشية في شقّ فيها بغي، ويقال: هو يتعرّض في الجبل إذا أخذ يمينا وشمالا، قال عبد الله ذو البجادين يخاطب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلم: [الرجز]
تعرّضي مدارجا وسومي ... تعرّض الجوزاء للنجوم
هذا أبو القاسم فاستقيمي
المدارج: الثّنايا الغلاظ.
[339] ومرجّب: معظّم وهو مأخوذ من ترجيب النّخلة، وذلك أنها إذا كرمت على أهلها وعظم حملها رجّبوها، والتّرجيب: أن تعمد برجبة، وهي بناء يبنى كالعمود تحتها تعمد به، قال الشاعر: [الطويل]
ليست (1) بسنهاء ولا رجّبيّة ... ولكن عرايا في السّنين الجوائح
وكان أبو بكر بن دريد ينشد «رجبيّة» بتشديد الياء فقط، وأنشدنا أبو بكر بن مجاهد المقري، عن أحمد بن يوسف التّغلبي «رجّبيّة» بتشديد الجيم والياء وكذلك أقرأني أبو بكر بن الأنباري في الغريب المصنّف بتشديد الجيم والياء. وقوله: على عفر أي: على بعد من اللّقاء، وقال أبو زيد: بعد عفر: بعد شهر، وقال غيره: بعد حين، والحين: مثل البعد في المعنى. وقوله: أذنت له معناه: استمعت له، قال قعنب ابن أمّ صاحب: [البسيط]
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
[340] وقراب وقريب واحد، مثل كبار وكبير، وجسام وجسيم، وطوال وطويل.
والصّيدانة: القدر العظيمة. وقال الأصمعي: الحضارة والبداوة، بفتح الحاء وكسر الباء:
للحضر والبدو، وقال أبو زيد: البداوة والحضارة، بفتح الباء وكسر الحاء.
قال أبو علي: وهما عندي لغتان، الحضارة والحضارة، والبداوة والبداوة، ولفته:
لواه. واللّفيتة: العصيدة وإنما سميت لفيتة لأنها تلفت أي: تلوى. والتبك: اختلط، يقال: لبكت الشيء وبكلته إذا خلطته، قال أمية بن أبي الصّلت: [الوافر]
له داع بمكّة مشمعلّ ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشّيزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد
أي: يخلط بالشّهد يعني: الفالوذ. وقال أبو زيد: الرّبحلة: اللّحيمة الجيّدة الجسم في طول، ورجل ربحل. والسّبحلة: الطويلة العظيمة، ورجل سبحل، وقال الأصمعي:
نعتت امرأة من العرب ابنتها فقالت: [منهوك الرجز]
سبحلة ربحله ... تنمي نبات النّخله
__________
(1) هذا البيت دخله الخرم وهو حذف فاء فعوان. وقائله سويد بن صامت يصف نخلة بالجودة، والسنهاء: التي أصابتها السنة وأضر بها الجدب. والعرايا جمع عرية وهي التي يوهب ثمرها. ط(1/125)
ويقال: سقاء سبحل وسبحلل وسحبل أي: عظيم. وقال: الجنوب ليّنة تؤلّف السحاب وتكثّفه، والشّمال تفرّقه، فيسمّون الشّمال: محوة لأنها تمحو السحاب. والوعث:
اللّيّن الوطئ، كذا قال الأصمعي، وقال أبو زيد نحو هذا، وقال: هو الذي تسوخ فيه أخفاف الإبل، وهو شديد عليها.
[341]
[خبر كرم يحيى بن طالب الحنفي وركوب الدّين له، واضطراره لسؤال السلطان]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبو محمد بن سعيد قال: كان يحيى بن طالب الحنفي شيخا كريما يقري الأضياف ويطعم الطعام. فركبه الدّين الفادح، فجلا عن اليمامة إلى بغداد يسأل السلطان قضاء دينه، فأراد رجل من أهل اليمامة الشّخوص من بغداد إلى اليمامة، فشيّعه يحيى بن طالب، فلما جلس الرجل في الزّورق ذرفت عينا يحيى وأنشأ يقول (1):
أحقّا عباد الله أن لست ناظرا ... إلى قرقرى يوما وأعلامها الخضر (2)
إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر
أقول لموسى والدموع كأنها ... جداول ماء في مساربها تجري
ألا هل لشيخ وابن ستين حجّة ... بكى طربا نحو اليمامة من عذر
كأن فؤادي كلما مرّ راكب ... جناح غراب رام نهضا إلى وكر
يزهّدني في كل خير صنعته ... إلى الناس ما جرّبت من قلّة الشكر
فياحزنا ماذا أجنّ من الهوى ... ومن مضمر الشوق الدّخيل إلى حجر
تعزّبت (3) عنها كارها فتركتها ... وكان فراقيها أمرّ من الصّبر
لعلّ الذي يقضي الأمور بعلمه ... سيصرفني يوما إليها على قدر
فتفتر عين ما تملّ من البكا ... ويصحو قلب ما ينهنه بالزّجر
[342] قال أبو بكر بن الأنباري: حجر: قصبة اليمامة. قال: فغنّي هارون الرشيد بشعر يحيى بن طالب: [الطويل]
أيا أثلاث القاع من بطن توضح ... حنيني إلى أطلا لكنّ طويل
ويا أثلاث القاع قد ملّ صحبتي ... مسيري فهل في ظلّكنّ مقيل
ويا أثلاث القاع قلبي موكّل ... بكنّ وجدوى خيركنّ قليل
__________
(1) انظر الفقرة الماضية برقم [331].
(2) تقدم قريبا «الغبر» بدل «الخضر»، فلعلهما روايتان. ط
(3) في بعض النسخ الخطية المحفوظة بدار الكتب «تعزيت» وفي «الأغاني» طبع بولاق (ج 20ص 150):
«تصبرت». ط(1/126)
ألا هل إلى شمّ الخزامى ونظرة ... إلى قرقرى قبل الممات سبيل
فأشرب من ماء الحجيلاء شربة ... يداوى بها قبل الممات غليل
أحدّث عنك النفس أن لست راجعا ... إليك فحزني في الفؤاد دخيل
أريد (1) هبوطا نحوكم فيردّني ... إذا رمته دين عليّ ثقيل
فقال هارون الرشيد: يقضى دينه، فطلب فإذا هو قد مات قبل ذلك بشهر.
[343]
[شعر في ألم الفراق]:
وحدثنا ابن الأنباري، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، قال: أراد الفضل بن يحيى أو جعفر بن يحيى سفرا فقال: قاتل الله جميلا، ما أشعره حيث يقول: [البسيط]
لمّا دنا البين بين الحيّ واقتسموا ... حبل النّوى فهو في أيديهم قطع
جادت بأدمعها ليلى وأعجلني ... وشك الفراق فما أبقى وما أدع
يا قلب ويحك ما عيشي بذي سلم ... ولا الزمان الذي قد مرّ مرتجع
أكلّما بان حيّ لا تلائمهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا
علّقتني بهوى منهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع
[344] وقرأت هذه الأبيات في شعر جميل على أبي بكر بن دريد: مكان «فما أبقي»:
فما أبكى، ومكان «عيشي»: عيش، ومكان «بهوى منهم»: بهوى مرد.
[345]
[من أمثال العرب]:
وقال الأصمعي: من أمثالهم: «جاء يفري الفرا ويقدّ» إذا جاء يعمل عملا محكما، ومثله «جاء يفري الفريّ» ويقال: «الحقّ أبلج والباطل لجلج» يراد أن الحق منكشف، والباطل ملتبس. ويقال: «ماء ولا كصدّاء» مثل حمراء، بئر طيّبة الماء جدّا، وكان أبو العباس محمد بن يزيد يقول: كصداء على وزن صدعاء، يقول: هذا ماء ولا بأس به، وليس كصدّاء، يضرب مثلا لمن حمد بعض الحمد ويفضّل عليه غيره. ويقال «فتى ولا كمالك» مثله.
و «مرعى ولا كالسّعدان» مثله.
[346]
[حديث النّفس، ونسيم الحب، وشيء من أقوال العرب]:
وأنشدنا ابن دريد، عن عبد الرحمن، عن عمه لرجل من بني كلاب: [الطويل]
فلما قضينا غصّة من حديثنا ... وقد فاض من بعد الحديث المدامع
جرى بيننا منّا رسيس يزيدنا ... سقاما إذا ما استيقنته المسامع
كأن لم تجاورنا أمام ولم نقم ... بفيض الحمى إذ أنت بالعيش قانع
فهل مثل أيّام تسلّفن بالحمى ... عوائد أو غيث السّتارين واقع
فإنّ نسيم الريح من مدرج الصّبا ... لأوراب قلب شفّه الحبّ نافع
__________
(1) في الأغاني: «أريد رجوعا نحوكم فيصدني». ط(1/127)
[347] قال أبو علي: الرّس: الشيء من الخبر، والرّسيس مثله، قال الأفوه الأودي:
[السريع]
بمهمه ما لأنيس به ... حسّ وما فيه له من رسيس
[348] وقال أبو زيد: رسوت عنه حديثا أرسوه رسوا: حدثت عنه، وقال غيره:
رسست الحديث في نفسي أرسّه رسّا إذا حدثت به نفسك، قال الأصمعي: رسست بين القوم: أصلحت بينهم. والأوراب: واحدها ورب، وهو فساد يكون في القلب وفي غير ذلك، والعرب تقول: إنه لذو عرق ورب أي: فاسد.
[349] وأنشدنا أبو بكر بن دريد، عن عبد الرحمن، عن عمه لرجل من بني كلاب أيضا: [الطويل]
تحنّ إلى الرّمل اليماني صبابة ... وهذا لعمري لو رضيت كثيب
فأين الأراك الدّوح والسّدر والغضا ... ومستخبر عمّن تحبّ قريب
هناك تغنّينا الحمام ونجتني ... جنى اللهو يحلولي لنا ويطيب
[350]
[جأيته]:
قال أبو زيد: قال الكلابيّون: «سمعت سرّا فما جأيته» مثال جعيته أي: لم أكتمه، وفلان لا يجأى سرّا أي: لا يكتمه، والمصدر الجأي، والسّقاء لا يجأى الماء أي: لا يحبسه، والراعي لا يجأى غنمه إذا لم يحفظها فتفرّقت. وفلان لا يحجو سرّا أي: لا يكتمه، والمصدر الحجو، والسّقاء لا يحجو الماء أي: لا يحبسه، والراعي لا يحجو غنمه أي: لا يحفظها.
[351]
[من أمثال العرب]:
قال الأصمعي: يقال: طمح في السّوم: إذا استام بسلعته أكثر مما تساوي، وتشحّى في السّوم، وأبعط في السّوم، وشحط في السّوم، وذلك أن يتباعد. قال: ويقال: مصع الظّبي ولألأ: إذا حرّك ذنبه. ومثل من أمثالهم «لا آتيك ما لألأت الفور والعفر» أي: ما حركت أذنابها أي: لا آتيك أبدا، قال: والأعفر: الأحمر من الظباء، والفور: السّود، وقال لي أبو بكر بن دريد: قال الأصمعي: الفور: الظّباء لا واحد لها.
* * * [352] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل]
رفعنا الخموش عن وجوه نسائنا ... إلى نسوة منهم فأبدين مجلدا
[353] قال أبو العباس: الخموش: الخدوش، وهذا رجل قتل من قومه قتلى، فكان نساؤهم يخمشن وجوههن عليهم، فأصابوا بعد ذلك منهم قتلى، فصار نساء الآخرين يخمشن
وجوههن عليهم. يقول: لما قتلنا منهم قتلى بعد القتلى الذين كانوا قتلوا منا، حوّلنا الخموش عن وجوه نسائنا إلى وجوه نسائهم. قال: وهذا مثل قول عمرو بن معديكرب: [الكامل](1/128)
رفعنا الخموش عن وجوه نسائنا ... إلى نسوة منهم فأبدين مجلدا
[353] قال أبو العباس: الخموش: الخدوش، وهذا رجل قتل من قومه قتلى، فكان نساؤهم يخمشن وجوههن عليهم، فأصابوا بعد ذلك منهم قتلى، فصار نساء الآخرين يخمشن
وجوههن عليهم. يقول: لما قتلنا منهم قتلى بعد القتلى الذين كانوا قتلوا منا، حوّلنا الخموش عن وجوه نسائنا إلى وجوه نسائهم. قال: وهذا مثل قول عمرو بن معديكرب: [الكامل]
عجّت نساء بني زبيد عجّة ... كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
[354] قال أبو العباس: العجّة: الصوت. والأرنب: موضع (1). والمجلد: جلدة تمسكها النائحة بيدها، وربما أشارت بها إلى وجهها كأنها تّلطمه بها، وأنشد: [الطويل]
خرجن حريرات وأبدين مجلدا ... ودارت عليهن المقرّمة الصّفر (2)
[355] قال أبو العباس: حريرات: حارّات الأجواف من الحزن. وقوله: دارت عليهن المقرّمة الصّفر يقول: سبين فأجيلت عليهنّ القداح ليؤخذن أسهما. قال ويروى:
المكتّبة الصفر، يعني: السهام التي عليها أسماء أصحابها مكتوبة، ولم يفسر أبو العباس مقرّمة ولا أبو بكر.
[356] قال أبو علي: وأنا أقول مقرّمة: معضّضة وذلك أن الرجل كان يعلم قدحه بالعضّ.
[357]
[خبر زبراء الكاهنة مع بني رئام من قضاعة]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن هشام بن محمد، عن أبي مخنف، عن أشياخ من علماء قضاعة قالوا: كان ثلاثة أبطن من قضاعة مجتورين بين الشّحر وحضرموت: بنو ناعب، وبنو داهن، وبنو رئام، وكانت بنو رئام أقلّهم عددا وأشجعهم لقاء، وكانت لبني رئام عجوز تسمّى خويلة، وكانت لها أمة من مولّدات العرب تسمى زبراء، وكان يدخل على خويلة أربعون رجلا كلهم لها محرم، بنو إخوة وبنو أخوات، وكانت خويلة عقيما، وكان بنو ناعب وبنو داهن متظاهرين على بني رئام، فاجتمع بنو رئام ذات يوم في عرس لهم وهم سبعون رجلا كلهم شجاع بئيس، فطعموا وأقبلوا على شرابهم، وكانت زبراء كاهنة، فقالت لخويلة: انطلقي بنا إلى قومك أنذرهم، فأقبلت خويلة تتوكأ على زبراء، فلما أبصرها القوم قاموا إجلالا لها، فقالت: يا ثمر الأكباد، وأنداد الأولاد، وشجا الحسّاد، هذه زبراء، تخبركم عن أنباء، قبل انحسار الظلماء، بالمؤيد الشّنعاء، فاسمعوا ما تقول. قالوا: وما تقولين يا زبراء؟ قالت: واللّوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إنّ شجر الوادي ليأدو ختلا، ويحرق أنيابا عصلا، وإن صخر الطّود لينذر ثكلا، لا تجدون عنه معلا، فوافقت قوما أشارى سكارى، فقالوا: ريح خجوج، بعيدة ما بين الفروج، أتت زبراء بالأبلق النّتوج، فقالت زبراء: مهلا يا بني الأعزة. والله إني لأشمّ ذفر الرجال تحت الحديد. فقال لها فتى منهم يقال له هذيل بن منقذ: يا خذاق، والله ما تشمّين إلا دفر إبطيك، فانصرفت عنهم وارتاب قوم من ذوي أسنانهم، فانصرف منهم أربعون رجلا وبقي ثلاثون فرقدوا في مشربهم،
__________
(1) انظر: «التنبيه» [32].
(2) البيت للفرزدق: كما في «اللسان» مادة: «حرر».(1/129)
وطرقتهم بنو داهن وبنو ناعب فقتلوهم أجمعين، وأقبلت خويلة مع الصباح فوقفت على مصارعهم. ثم عمدت إلى خناصرهم فقطعتها. وانتظمت منها قلادة وألقتها في عنقها، وخرجت حتى لحقت بمرضاوي بن سعوة المهري، وهو ابن أختها، فأناخت بفنائه، وأنشأت تقول: [الكامل]
يا خير معتمد وأمنع ملجإ ... وأعزّ منتقم وأدرك طالب
جاءتك وافدة الثّكالى تغتلي ... بسوادها فوق الفضاء النّاضب
عيرانة سرح اليدين شملّة ... عبر الهواجر كالهزفّ الخاضب
هذي خناصر أسرتي مسرودة ... في الجيد منّي مثل سمط الكاعب
عشرون مقتبلا وشطر عديدهم ... صيّابة ملقوم غير أشايب
طرقتهم أمّ اللهيم فأصبحوا ... تستنّ فوقهم ذيول حواصب
جزرا لعافية الخوامع بعد ما ... كانوا الغياث من الزّمان الّلاحب
قسمت رجال بني أبيهم بينهم ... جرع الرّدى بمخارص وقواضب
فابرد غليل خويلة الثّكلى التي ... رميت بأثقل من صخور الصاقب
وتلاف قبل الفوت ثأري إنّه ... علق بثوبي داهن أو ناعب
فقال: حجر عليّ مرضاوي الأعذبان والأحمران، أو يقتل بعدد رئام من داهن وناعب، ثم قال: [الطويل]
أخالتنا سرّ النساء محرّم ... عليّ وتشهاد النّدامى على الخمر
كذاك وأفلاذ الفئيد وما ارتمت ... به بين جاليها الوئيّة ملوذر
لئن لم أصبّح داهنا ولفيفها ... وناعبها جهرا براغية البكر
فوارى بنان القوم في غامض الثّرى ... وصوري إليك من قناع ومن ستر
ثثث فإني زعيم أن أروّي هامهم ... وأظمئ هاما ما انسرى الليل بالفجر
ثم خرج في منسر من قومه، فطرق ناعبا وداهنا فأوجع فيهم.
[358] قال أبو علي: المؤيد: الداهية والأمر العظيم. والنّفنف واللّوح والسّكاك والسّكاكة والسّحاح والكبد والسّمّهى: الهواء بين السماء والأرض، يقال: لأفعلنّ ذلك ولو نزوت في اللّوح. ولو نزوت في السّكاك، واللّوح بفتح اللام: العطش. وقال أبو زيد: أدوت له آدو أدوا إذا ختلته، قال الشاعر: [مجزوء الوافر]
أدوت له لآخذه ... فهيهات الفتى حذرا
[من أمثال العرب عند الغضب على الصاحب]:
ويقال: دأيت له أيضا ودألت له بمعنى واحد. وحرق أنيابه: إذا حكّ بعضها ببعض، والعرب تقول عند الغضب يغضبه الرجل على صاحبه: «هو يحرق عليّ الأرّم» أي:
الأسنان. والعصل: المعوجّة، واحدها أعصل. والمعل: المنجا. والخجوج: السريعة المرّ.(1/130)
ويقال: دأيت له أيضا ودألت له بمعنى واحد. وحرق أنيابه: إذا حكّ بعضها ببعض، والعرب تقول عند الغضب يغضبه الرجل على صاحبه: «هو يحرق عليّ الأرّم» أي:
الأسنان. والعصل: المعوجّة، واحدها أعصل. والمعل: المنجا. والخجوج: السريعة المرّ.
والأبلق: لا يكون نتوجا، والعرب تضرب هذا مثلا للشيء الذي لا ينال فتقول (1): [الخفيف]
طلب الأبلق (2) العقوق فلمّا ... فاته أراد بيض الأنوق
والأنوق: الذّكر من الرّخم ولا بيض له، هذا قول بعض اللغويين، وعامتهم يقولون:
الأنوق: الرّخمة وهي تبيض في مكان لا يوصل فيه إلى بيضها إلا بعد عناء، فيراد بهذا المثل: أنه طلب ما لا يقدر عليه، فلما لم ينله طلب ما يجوز أن يناله، هذا على القول الثاني، فأما على القول الأوّل، فإنه طلب ما لا يمكن، فلما لم يجد طلب أيضا ما لا يكون ولا يوجد. والعقوق: الحامل، يقال: أعقّت الفرس فهي عقوق، ولم يقولوا: معقّ، تركوا القياس فيه، وهذا هو قول الأصمعي، وقد قال بعض اللغويين: يقال عقوق ومعقّ. والذّفر يكون في النّتن والطّيب، وهو حدّة الرّيح. والدّفر بفتح الفاء لا يكون إلا في النتن (3)، ومنه قيل للدّنيا: أمّ دفر، وللأمة دفار، فأما الدّفر بتسكين الفاء: فالدّفع، يقال: دفر في عنقه.
وخذاق: كناية عما يخرج من الإنسان، يقال: خذق ومزق وزرق، وهذا قول ابن الأعرابي، والمغالاة (4): المباعدة في الرّمي. وقال الأصمعي: الناضب: البعيد، ومنه نضب الماء أي: بعد عن أن ينال. وعيرانة: تشبه العير لصلابتها. والسّرح: السّهلة رجع اليدين.
والشّملّة: السريعة الخفيفة. ويقال: ناقة عبر أسفار إذا كانت قوية على السّفر. وعبر الهواجر:
إذا كانت قوية على الحر، وأصل هذا كأنه يعبر بها الهواجر والأسفار. والهزفّ والهجفّ:
الظّليم الجافي. والخاضب: الذي قد أكل الربيع فاحمرّت ظنبوباه وأطراف ريشه.
والظّنبوب: مقدّم عظم الساق. ومسرودة: مشكوكة. ومقتبل: مستأنف الشّباب. وأشايب:
أخلاط من الناس. والصيّابة: صميم القوم وخالصهم: وأم اللهيم: الداهية. والحواصب:
الرياح التي تسفي الحصباء. والخوامع: الضّباع. واللاحب: القاشر، لحبت الشيء قشرته.
والمخارص: واحدها مخرص وهو سكّين كبير مثل المنجل يقطع به الشجر (5)، وخريص البحر: خليج منه كأنه مخروص أي: مقطوع من معظمه. والصاقب: جبل معروف.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [33].
(2) ورد هذا المثل في الطبعة الأولى والنسخ الخطية غير منظوم. وفي «مجمع الأمثال» و «اللسان»: أن رجلا سأل معاوية أن يفرض له فأجابه إلى ذلك، ثم سأل لولده فمنعه: فسأل لعشيرته فتمثل معاوية بهذا البيت:
طلب الأبلق العقوق فلما ... لم يجده أراد بيض الأنوق ط
(3) انظر: «التنبيه» [34].
(4) قوله: «والمغالاة» إلخ جاء بهذا مفسرا لقوله في الشعر المتقدم: تغتلي بسوادها واغتلاء ادابة:
ارتفاعها في السير وإسراعها كما في كتب اللغة. ط
(5) انظر: «التنبيه» [35].(1/131)
وحجر: حرام. والأعذبان: النكاح والأكل. والأحمران: اللحم والخمر. والسّرّ: النكاح، قال الأعشى: [الطويل]
فلا تنكحنّ جارة إنّ سرّها ... عليك حرام فانكحن أو تأبّدا
والأفلاذ: واحدها فلذ، ويقال: أعطيته حزّة من لحم وفلذة من لحم وحذية من لحم، كلّ هذا ما قطع طولا، فإذا أعطاه مجتمعا قيل: أعطاه بضعة وهبرة ووذرة وفدرة. والفئيد:
الشّواء. وهو فعيل بمعنى مفعول، يقال: فأدت اللحم إذا شويته، والمفأد: السّفود.
والمفتأد: المشتوى. والجالان: الناحيتان من أعلاهما إلى أسفلهما، يقال: جال البئر، وجول البئر. ويقال: رجل ماله جول ولا معقول إذا كان ضعيف الرأي أحمق. والوئيّة: القدر العظيمة. وصوري: ميلي. وزعيم: ضامن، وكذلك قبيل وحميل وكفيل وضمين واحد.
ويقال من القبيل: قبلت به أقبل قبالة.
[359]
[من أقوال العرب، وعقائدهم القديمة]:
وقوله أروّي هاما كانت العرب تقول: إذا قتل الرجل فلم يدرك بثأره خرج من هامته طائر يسمى الهامة فلا يزال يقول: اسقوني اسقوني حتى يقتل قاتله فيسكن. قال ذو الإصبع العدواني: [البسيط]
يا عمرو إلّا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث (1) تقول الهامة اسقوني
[360] وحدثنا أبو بكر: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا ذم رجلا فقال: تسهر والله زوجته جوعا إذا سهر شبعا، ثم لا يخاف مع ذلك عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة أكلت ما جمعت، ونكحت ما وجدت.
قال أبو علي: قوله: إذا سهر شبعا يعني: من شدّة الكظّة والامتلاء.
[361]
[العزّ، والصدق، واجتناب الحسد، والتخلّى عن الباطل، وغير ذلك]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبى قال:
قيل لرجل من حمير: ما العزّ فيكم؟ قال: حوط الحريم، وبذل الجسيم، ورعاية الحق، وقول الصدق، وترك التحلي بالباطل، والصبر على المثاكل، واجتناب الحسد، وتعجيل الصّفد.
[362]
[خبر عوف بن محلّم مع عبد الله بن طاهر، وفضل الغنى، وما يترتب على الغنى والفقر]:
وحدثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، قال: حدثنا ابن جوان صاحب الزيادي، قال: قال ابن محلّم: كنت آتي عبد الله بن طاهر في كل سنة وكانت صلتي عنده خمسة آلاف درهم، فأتيته آخر ما أتيته فشكوت إليه ضعفي ثم أنشدته: [الطويل]
أفي كلّ عام غربة ونزوح ... أما للنّوي من ونية فتريح
__________
(1) في «الأغاني» (ج 3ص 9): «حتى». ط(1/132)
لقد طلّح البين المشتّ (1) ركائبي ... فهل أرينّ البين وهو طليح
وأرّقني بالرّيّ نوح حمامة ... فنحت وذو الشّجو الحزين ينوح
على أنها ناحت ولم تذر دمعة ... ونحت وأسراب الدموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النّوى ... فتضحي عصا التّسيار وهي طريح
فإن الغنى مدني الفتى من صديقه ... وعدم الفتى بالمقترين نزوح
فتوجّع له عبد الله وقال: صلتك عشرة آلاف درهم في كل سنة ولا تتعبنّ إلينا فإنها توافيك في منزلك إن شاء الله، ففعل.
[363]
[شعر في ألم الفراق، وما يترتب على ذلك]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري وأبو بكر بن دريد يزيد كل واحد منهما على صاحبه من قصيدة توبة بن الحميّر: [الطويل]
يقول أناس لا يضيرك نأيها ... بلى كلّ ماشفّ النفوس يضيرها
بلى قد يضير العين أن تكثر البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها
أرى اليوم يأتى دون ليلى كأنما ... أتت حجج من دونها وشهورها
لكل لقاء نلتقيه بشاشة ... وإن كان حولا كلّ يوم أزورها
وكنت إذا مازرت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
وقد رابني منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتي وبسورها
حمامة بطن الواديين ترنّمى ... سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعما ... وبيضك في خضراء غضّ نضيرها (2)
وأشرف بالقور اليفاع لعلّني ... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
[364]
[تذكّر الماضي إذا وجدت أسباب الذّكرى، وألم الفراق]:
وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا الرياشي: [الطويل]
ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... على الأيك ماذا هيّجت حين غنّت
تغنّت غناء أعجميّا فهيجت ... جواى الذي كانت ضلوعي أكنّت
نظرت بصحراء البريقين نظرة ... حجازيّة لوجنّ طرف لجنّت
__________
(1) في بعض النسخ الخطية المحفوظة بالدار: «القذوف». ط
(2) ورد هكذا في الأصل: وفي «الأغاني» (ج 10ص 69) طبع بولاق: «ولا زلت في خضراء دان بريرها»، والبرير: ثمر الأراك. ط(1/133)
[365] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم للعوّام بن عقبة بن كعب: [الطويل]
أأن سجعت في بطن واد حمامة ... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق
كأنك لم تسمع بكاء حمامة ... بليل ولم يحزنك إلف مفارق
ولم تر مفجوعا بشيء يحبّه ... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق
بلى فأفق عن ذكر ليلى فإنما ... أخو الصّبر من كفّ الهوى وهو تائق
[366] قال: وأنشدنا أبو حاتم لرجل من بني نهشل: [الطويل]
ألام على فيض الدموع وإنني ... بفيض الدموع الجاريات جدير
أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر عنها إنّني لصبور
[367] وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا الرياشي، عن الأصمعي قال: أنشدني منتجع بن نبهان لرجل من بني الصّيداء: [الطويل]
دعت فوق أفنان من الأيك موهنا ... مطوّقة ورقاء في إثر آلف
فهاجت عقابيل الهوى إذ ترنّمت ... وشبّت ضرام الشّوق تحت الشّراسف
بكت بجفون دمعها غير ذارف ... وأغرت جفوني بالدموع الذوارف
[368]
[من أمثال العرب: أينما أذهب ألق سعدا]:
وقال الأصمعي: من أمثالهم: «أينما أذهب ألق سعدا» قال: كان غاضب الأضبط بن قريع سعدا فجاور في غيرهم فآذوه (1)، فقال: «أينما أذهب ألق سعدا» أي: قوما ألقى منهم مثل ما لقيت من سعد، قال ويقال: «محسنة فهيلي» يقال ذلك للرجل يسيء في أمر يفعله فيؤمر بذلك على سبيل الهزء به. وقال الأصمعي: ومن أمثال العرب: «لا يرحّلنّ رحلك من ليس معك» أي: لا تدخلنّ في أمرك من ليس نفعه نفعك ولا ضرره ضررك. ويقال: «المرء يعجز لا المحالة»، يقول: إن العجز أتى من قبله، فأما الحيلة فواسعة.
[369]
[هياج الأشواق إذا وجد سبب الذّكرى والهياج]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: [الطويل]
سفيرا خروج أدلجا لم يعرّسا ... ولم تكتحل بالنوم عين تراهما
فلم أر مختالين أحسن منهما ... ولا نازلا يقري غدا كقراهما
[370] قال أبو العباس: سفيرا خروج يعني: غيثين. والسّفير: المتقدم. وخروج يعني: من السحاب.
[371] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدني أبي: [الطويل]
تذكّرني أمّ العلاء حمائم ... تجاوبن إذ مالت بهنّ غصون
__________
(1) انظر: «التنبيه» [36].(1/134)
تملّأ طلّا ريشكنّ من الندى ... وتخضرّ ممّا حولكنّ فنون
ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة ... فإنّي (1) إلى أصواتكنّ حزين
فعدن فلما عدن كدن يمتنني ... وكدت بأشجاني لهنّ أبين
[372] وأنشدني جحظة: [الطويل]
وكدت بأسراري لهن أبين
وعدن بقرقار الهدير كأنّما ... شربن حميّا أو بهنّ جنون
فلم تر عيني مثلهنّ حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون
[373] وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدني أبي: [الكامل]
دع ذكرهنّ فما تزال تشبّه ... ورقاء تركب حانيا ميّادا
تدعو حمائم أيكة بهديلها ... يخضعن حين يجبنها الأجياد
يا ويحهنّ حمائما هيّجن لي ... شوقا يكاد يصدّع الأكبادا
[374] قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر بن دريد، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي لحميد بن ثور ولم يروه الأصمعي في شعر حميد: [الوافر]
إذا نادى قرينته حمام ... جرى لصبابتي دمع سفوح
يرجّع بالدعاء على غصون ... هتوف بالضّحى غرد فصيح
هفا لهديله منّي إذا ما ... تغرّد ساجعا قلب قريح
فقلت حمامة تدعو حماما ... وكلّ الحبّ نزّاع طموح
[375] وأنشدني أبو بكر: [المديد]
كاد يبكي أو بكى جزعا ... من حمامات بكين معا
ذكّرته عيشة سلّفت ... قطّعت أنفاسه قطعا
[376] وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، قال: أنشدني أبو العباس محمد بن يزيد الثمالي لعوف بن محلّم: [الطويل]
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك ميّاد ففيم تنوح
أفق لا تنح من غير شيء فإنّني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح
ولوعا فشطّت غربة دار زينب ... فها أنا أبكي والفؤاد جريح
[377] وحدثني أبو بكر بن دريد قال: خرجنا من عمان في سفر لنا فنزلنا في أصل نخلة، فنظرت فإذا فاختتان تزقوان في فرعها، فقلت: [الطويل]
أقول لورقاوين في فرع نخلة ... وقد طفّل الإمساء أو جنح العصر
__________
(1) في بعض النسخ الخطية المحفوظة بدار الكتب: «فقلبي». ط(1/135)
وقد بسطت هاتا لتلك جناحها ... ومال على هاتيك من هذه النّحر
ليهنكما أن لم تراعا بفرقة ... وما دبّ في تشتيت شملكما الدّهر
فلم أر مثلي قطّع الشوق قلبه ... على أنه يحكى قساوته الصّخر
[378]
[خبر خنافر بن التّوءم الحميري، وإسلامه]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثني عمى، عن أبيه، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: كان خنافر بن التّوءم الحميري كاهنا، وكان قد أوتي بسطة في الجسم، وسعة في المال، وكان عاتيا، فلما وفدت وفود اليمن على النبي رضي الله عنه وظهر الإسلام أغار على إبل لمراد فاكتسحها وخرج بأهله وماله ولحق بالشّحر، فحالف جودان بن يحيى الفرضمي (1) وكان سيدا منيعا، ونزل بواد من أودية الشّحر مخصبا كثير الشجر من الأيك والعرين. قال خنافر: وكان رئيّي في الجاهلية لا يكاد يتغيّب عني، فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءني ذلك، فبينا أنا ليلة بذلك الوادي نائما إذ هوى هويّ العقاب، فقال: خنافر، فقلت: شصار؟ فقال: اسمع أقل، قلت: قل أسمع، فقال: عه تغنم، لكل مدّة نهاية، وكل ذي أمد إلى غاية، قلت: أجل، فقال:
كل دولة إلى أجل، ثمّ يتاح لها حول، انتسخت النّحل، ورجعت إلى حقائقها الملل، إنّك سجير موصول، والنّصح لك مبذول، وإني آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكّاما على الحكّام، يذبرون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلّف، ولا السّجع المتكلّف، فأصغيت فزجرت، فعاودت فظلفت، فقلت: بم تهينمون، وإلام تعتزون؟ قالوا: خطاب كبّار، جاء من عند الملك الجبّار، فاسمع يا شصار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تنج من أوار النار، فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مضر، من أهل المدر، ابتعث فظهر، فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألّف بالآي الكبر، قلت: ومن هذا المبعوث من مضر؟ قال: أحمد خير البشر، فإن آمنت أعطيت الشّبر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا خنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كلّ كافر، وشايع كلّ مؤمن طاهر، وإلّا فهو الفراق، لا عن تلاق، قلت: من أين أبغي هذا الدّين؟ قال: من ذات الإحرّين، والنّفر اليمانين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قال:
الحق بيثرب ذات النخل، والحرّة ذات النّعل، فهناك أهل الطّول والفضل، والمواساة والبذل، ثم أمّلس عنّي، فبتّ مذعورا أراعي الصباح، فلما برق لي النور امتطيت راحلتي، وآذنت أعبدي، واحتملت بأهلي حتى وردت الجوف، فرددت الإبل على أربابها بحولها وسقابها، وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل أميرا لرسول الله رضي الله عنه، فبايعته على الإسلام وعلّمني سورا من القرآن، فمنّ الله علي بالهدى بعد الضّلالة، والعلم بعد الجهالة، وقلت في ذلك: [الطويل]
ألم تر أن الله عاد بفضله ... فأنقذ من لفح الزّخيخ خنافرا
__________
(1) الفرضمي منسوب إلى فرضم كزبرج، وهو كما في «القاموس» أبو بطن من مهرة بن حيدان. ط(1/136)
وكشّف لي عن حجمتيّ عماهما ... وأوضح لي نهجي وقد كان داثرا
دعاني شصار للّتي لو رفضتها ... لأصليت جمرا من لظى الهوب واهرا
فأصبحت والإسلام حشو جوانحي ... وجانبت من أمسى عن الحق نائرا
وكان مضلّي من هديت برشده ... فلله مغو عاد بالرّشد آمرا
نجوت بحمد الله من كل قحمة ... تؤرّث هلكا يوم شايعت شاصرا
وقد أمنتني بعد ذاك يحابر ... بما كنت أغشي المنديات يحابرا
فمن مبلغ فتيان قومي ألوكة ... بأنّي من أقتال من كان كافرا
عليكم سواء القصد لا فلّ حدّكم ... فقد أصبح الإسلام للكفر قاهرا
[379] قال أبو علي: اكتسحها: كنسها، يقال: كسحت البيت وقممته وخممته وسفرته، كلها بمعنى واحد. والمقمّة والمخمّة والمكسحة والمسفرة: كلها المكنسة.
والخمامة والسّباطة والكساحة والقمامة والكبا مقصور: كلّ ما كنسته من البيت فألقيته من قماش وتراب. والكباء ممدود: البخور، يقال: قد كبا ثوبه إذا بخّره. وفي رئيّ لغتان يقال:
رئيّ ورئيّ وهو ما يتراءى للإنسان من الجن. والحوال: التحوّل. والسّجير: الصّديق.
والشّجير بالشين معجمة: الغريب، وقد قال بعض اللغويين يقال: السّجير والشّجير للصّديق.
وآنست: أبصرت، قال الله عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء: 6]. والعذام:
قبيلة من الجن كذا قال أبو بكر. ويقال: ذبرت الكتاب إذا قرأته، وزبرته إذا كتبته، وقد قالوا ذبرته وزبرته بمعنى واحد إذا كتبته. وظلفت: منعت، قال الشاعر (1): [الوافر]
ألم أظلف عن الشّعراء عرضي ... كما ظلف الوسيقة بالكراع
[380] والأوار: شدة الحر. والشّبر: الخير وحرك للسجع (2) كما حركه العجاج لإقامة الشعر، قال: [الرجز]
الحمد لله الذي أعطى الشّبر ... موالي الخير إن المولى شكر
وقال الأصمعي: جمع الحرّة حرار وحرّون وإحرّون. والنّعل: المكان الغليظ من الحرّة. وآذنت: أعلمت. والحول: جمع حائل وهي الأنثى من أولاد الإبل. والسّقاب:
جمع سقب وهو الذّكر.
[381] وقال أبو بكر: الزّخيخ بلغة أهل اليمن: النار. والحجمتان: العينان بلغتهم، قال شاعرهم وأكل أمّه الذئب: [الطويل]
فيا حجمتا بكّي على أمّ واهب ... أكيلة قلّوب ببعض المذانب
__________
(1) الشاعر: هو عوف بن الأحوص كما أورده «اللسان» في مادة: «ظلف». ط
(2) قوله: وحرك للسجع كما حركه العجاج إلخ، كذا قال الجوهري في «صحاحه»: وغلطه ابن بري قال:
لأن الشبر بسكون الباء مصدر وبفتحها اسم العطية كذا في «اللسان» أي: واسم العطية هو المراد هنا. ط(1/137)
والقلّوب والقلّيب بلغتهم: الذئب. والهوب: النار بلغتهم. والواهر: الساكن مع شدة الحر، وكل هذه الأحرف من لغتهم. ونائر: نافر. والقحمة: الشّدّة. والأقتال: الأعداء، والأقتال: الأقران، واحدهم قتل.
قال أبو علي: التفسير لأبي بكر من قوله: والزّخيخ بلغة أهل اليمن النار إلى قوله نائر.
[382]
[شعر في الحب، والوشاية فيه، والشفاعة للحبيب، والسلو عن المحبوب]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء، قال: أنشدني إبراهيم بن سهل لقيس بن ذريح. قال: والناس ينحلونها غيره وبعضهم يصححها له. وأنشدنا أبي، عن أحمد بن عبيد، عن أبي عمرو الشيباني، عن قيس المجنون: [الطويل]
سأصرم لبنى حبل وصلك مجملا ... وإن كان صرم الحبل منك يروع
وسوف أسلّي النفس عنك كما سلا ... عن البلد النأني البعيد نزيع
وإن مسّني للضّر منك كآبة ... وإن نال جسمي للفراق خشوع
سقى طلل الدار التي أنتم بها ... بشرقيّ لبنى صيّف وربيع
يقولون صبّ بالنساء موكّل ... وما ذاك من فعل الرجال بديع
مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى لبنى الغداة شفيع
أيا حرجات الحيّ حيث تحملوا ... بذي سلم لا جادكنّ ربيع
وخيماتك الّلاتي بمنعرج اللّوى ... بلين بلى لم تبلهنّ ربوع
إلى الله أشكو نيّة شقّت العصا ... هي اليوم شتّى وهي أمس جميع
وما كاد قلبي بعد أيّام جاوزت ... إليّ بأجراع الثّديّ يريع (1)
فإن انهمال العين بالدمع كلّما ... ذكرتك وحدي خاليا لسريع
فلو لم يهجني الظاعنون لهاجني ... حمائم ورق في الديار وقوع
تجاوبن فاستبكين من كان ذا هوى ... نوائح ما تجرى لهنّ دموع
لعمرك إنّي يوم جرعاء مالك ... لعاص لأمر المرشدين مضيع
ندمت على ما كان منّي فقدتني ... كما يندم المغبون حين يبيع
إذا ما لحاني العاذلات بحبها ... أبت كبد ممّا أجنّ صديع
وكيف أطيع العاذلات وحبّها ... يؤرّقني والعاذلات هجوع
عدمتك من نفس شعاع فإنّني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
فقرّبت لي غير القريب وأشرقت ... هناك ثنايا ما لهنّ طلوع
__________
(1) انظر: «التنبيه» [37].(1/138)
فضعّفني (1) حبّيك حتّى كأنني ... من الأهل والمال التّلاد خليع
وحتى دعاني الناس أحمق مائقا ... وقالوا مطيع للضلال تبوع
* * * [383] قال وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا عبد الله بن خلف لقيس المجنون: [الكامل]
راحوا يصيدون الظباء وإنني ... لأرى تصيّدها عليّ حراما
أشبهن منك سوالفا ومدامعا ... فأرى عليّ لها بذاك ذماما
أعزز عليّ بأن أروع شبيهها ... أو أن يذقن على يديّ حماما
[384]
[لمج، وملج، ومحج، ملح]:
قال حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: ذكر أعرابيّ رجلا فقال: ماله لمج أمّه، فرفعوه إلى السلطان، فقال: إنما قلت ملج أمّه. قال أبو بكر قال أبو العباس: لمجها: نكحها، وملجها: رضعها.
[385] وقرأت على أبي عمرو، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي قال: اختصم شيخان غنويّ وباهليّ، فقال أحدهما لصاحبه: الكاذب محج أمّه، قال الآخر: انظروا ما قال لي: الكاذب محج أمّه أي: جامع أمّه، فقال الغنوي: كذب ما قلت له هكذا إنما قلت له:
الكاذب ملج أمّه، يقال: ملج يملج، وملج يملج، ولمج يلمج إذا رضع.
[386] قال أبو علي: يقال: محجها ومخجها ونخجها، وهو مأخوذ من قولهم:
مخجت الدلو في البئر إذا حرّكتها لتمتلئ ونخجتها أيضا بالنون.
[387] وأنشدنا أبو بكر، قال أنشدنا أبو العباس لمسكين بن عامر الحنظلي: [الرمل]
أصبحت عاذلتي معتلّة ... قرمت بل هي وحمى للصّخب
أصبحت تتفل في شحم الذّرى ... وتعدّ الّلوم درّا ينتهب
لا تلمها إنّها من نسوة ... ملحها موضوعة فوق الرّكب
قال أبو العباس: الوحم: الشّهوة على الحمل، فجعله هاهنا للصّخب.
[388] قال أبو علي: قال أبو بكر، عن أبي العباس قوله: تتفل في شحم الذري يعني: أنها تتفل على إبلي وتعوّذها من العين لتعظّمها في عيني فلا أهبها. وتعدّ اللّوم درّا ينتهب أي: من حرصها عليه.
* * * [389] وقوله:
ملحها موضوعة فوق الرّكب
__________
(1) هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها تضعفني بالتاء، والذي في «معجم ياقوت»: وما زال بي حبيك إلخ. ط(1/139)
حكي عن الأصمعي أنه قال: كانت زنجيّة حبشية. والملح: السّمن، يقال: تملّح وتحلّم إذا سمن، فيقول: سمنها فوق ركبتيها أي: في عجيزتها. وقال أبو عمرو الشيباني:
ملحها موضوعة فوق الرّكب
أي إنها بخيلة تضع ملحها فوق ركبتيها، فهي تأمرني بذلك، وقال غيرهما من اللغويين: قوله:
ملحها موضوعة فوق الرّكب
أي إنها سريعة الغضب، يقال للسريع الغضب: ملحه فوق ركبتيه، وكذلك غضبه على طرف أنفه.
[390] وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: وقف علينا أعرابي ونحن برملة اللّوى فقال: رحم الله امرأ لم تمجج أذناه كلامي، وقدّم معاذة من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مسغبة، والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصّدقتين، فرحم الله امرأ أمر بمير، أو دعا بخير، فقلت:
ممّن أنت يرحمك الله؟ فقال: اللهم غفرا، سوء الاكتساب، يمنع من الانتساب.
[391]
[وصف عمرو بن سعيد بن عمرو بن العاص لنفسه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا العكلي، عن الحرمازي، عن ابن الكلبي: أن رجلا أغلظ لعمرو بن سعيد بن عمرو بن العاص، فقال له عمرو: مهلا، عمرو ليس بحلو المذاقة، ولا رخو الملاكة، ولا الخسيس ولا المخسوس، ولا النّكس الشّكس، الهالك فهاهة، الجاهل سفاهة، والله ما أنا بكهام اللسان، ولا كليل الحدّ، ولا عييّ الخطاب، ولا خطل الجواب، أيهات! جاريت والله الأسنان، وجرّستني الأمور، ولقد علمت قريش أني ساكن الليل داهية النهار، لا أنهض لغير حاجتي ولا أتبع أفياء الظّلال، وإنّك أيّها الرجل لأبيض أملود، رقيق الشّعرة، نقيّ البشرة، صاحب ظلمات، ووثّاب جدرات، وزوّار جارات.
[392] قال أبو علي: المجرّس والمضرّس والمقتّل والمنجّد الذي قد جرّب الأمور وعرفها. والفهّ: العييّ الكليل اللسان كذا قال أبو زيد، قال ويقال: جئت لحاجة فأفهّني عنها فلان حتى فههت إذا أنساكها. والأملود: الناعم، قال ذو الرمة: [الطويل]
خراعيب أملود كأن بنانها ... بنات النّقا تخفى مرارا وتظهر
[393]
[وصف بعض الأعراب لقومه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه، قال: سمعت أعرابيّا يذكر قومه فقال: كانوا والله إذا اصطفّوا تحت القتام، خطرت بينهم السّهام. بوفود الحمام، وإذا تصافحوا بالسّيوف فغرت المنايا أفواهها، فربّ يوم عارم قد أحسنوا أدبه، وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنّتهم، وخطب شئز قد ذلّلوا مناكبه، ويوم عماس قد كشفوا ظلمته بالصبر حتى ينجلي إنما كانوا البحر الذي لا ينكش غماره، ولا ينهنه تيّاره.(1/140)
[394] قال أبو علي قوله: فغرت: فتحت، قال حميد بن ثور: [الطويل]
عجبت لها أنّى يكون غناؤها ... فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما
والشّئز: المقلق، والشّأز والشّأس: الأرض الغليظة، قال العجاج: [الرجز]
إن ينزلوا بالسّهل بعد الشّأس
ومنه سمي الرجل شأسا. والعماس: الشديد. وينكش: ينزح. ويقال: قليب عيلم لا يغضغض ولا يؤبي ولا ينكف ولا ينكش ولا يفتّح ولا يغرّض ولا ينزح ولا ينزف.
قال أبو علي: يجوز فتح الغين الثانية وكسرها من يغضغض، وفتح الراء وكسرها من يغرّض، ولا يجوز في يؤبي إلا كسر الباء فقط، كذا قال لي أبو عمرو المطرز.
[395]
[الداء العضال والهوى، والحسد، والكذب، والمنع، والغنى، وغير ذلك]:
حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا السكن بن سعيد قال: قيل لرجل من حمير: ما الداء العضال؟ قال: هوى محرض، وحسد ممرض، وقلب طروب، ولسان كذوب، وسؤال كديد، ومنع جحيد، ورشد مطّرح، وغنى ممتنح.
[396] قال أبو علي: الحرض: الساقط الذي لا يقدر على النّهوض، يقال: أحرضه الله إحراضا. والكديد: الذي يكدّ المسئول. وجحيد: يابس لا بلل فيه، قال أبو زيد: يقال:
رجل جحد وقد جحد إذا كان قليل الخير. وأرض جحدة: يابسة قليلة الخير. والممتنح:
المستعار وأصله من المنحة والمنيحة، وهو أن يعطي الرجل الرجل الشاة أو الناقة يحتلبها وينتفع بصوفها إلى مدة ثم يردها إلى صاحبها.
[397]
[من أمثال العرب]:
قال أبو زيد: من أمثال العرب: «من أجدب انتجع» يقوله الرجل عند كراهته المنزل والجوار وقلّة ماله.
[398] قال أبو علي: ومن أمثالهم: «الجحش لمّا بذّك الأعيار» يقول: عليك بالجحش إذا فاتتك الأعيار، يضرب مثلا للرجل يطلب الأمر غير الخسيس فيفوته، فيقول له:
اطلب دون ذلك. ومن أمثالهم: «يا حبّذا التّراث لولا الذّلّة» زعموا أن رجلا مات فبعث أخوه إلى امرأته أن ابعثي إليّ بعشاء أخي، فبعثت به فرآه كثيرا فقال: يا حبذا التراث لولا الذلة، يقول: التراث حلو لولا أن أهل بيته يقلّون.
ويقال: «أصلح غيث ما أفسد برده» يضرب مثلا للرجل يكون فاسدا ثم يصلح.
[399]
[ودّ الحبيب لوطار إلى محبوبه بجناحين، ومن شعر الشوق، والفراق]:
وأنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: [الطويل]
بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي ... وقلت ومثلي بالبكاء جدير
أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلّي إلى من قد هويت أطير
[400] وأنشدنا أبو بكر بن دريد، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لأبي المطرز العنبري: [الطويل](1/141)
بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي ... وقلت ومثلي بالبكاء جدير
أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلّي إلى من قد هويت أطير
[400] وأنشدنا أبو بكر بن دريد، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لأبي المطرز العنبري: [الطويل]
أيا أبرقي مغنى بثينة أسعدا ... فتى مقصدا بالشوق فهو عميد
ليالي منّا زائر متهالك ... وآخر مشهر ففيه صدود
على أنه مهدي السلام وزائر ... إذا لم يكن ممّن يخاف شهود
وقد كان في مغنى بثينة لو بدت ... عيون مها تبدو لنا وخدود
[401] وأنشدنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، قال: أنشدنا محمد بن الحسن بن الحرون: [الطويل]
ولمّا رأت أن النّوى أجنبيّة ... وأن خليلا من غد سيبين
بكت فبكى من لاعج الشّوق والأسى ... وكلّ بكلّ أن يبين ضنين
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... على الخدّ منّي فالدموع هتون
لقد كنت أبكي قبل أن تشحط النّوى ... فكيف إذا ما غبت عنك أكون
[402] قال أبو محمد: وأنشدنا أيضا: [الطويل]
ولما رأت أن قد عزمت وراعها ال ... فراق بكت والإلف يبكي من البين
لعمري لئن أبكيت بالسّير عينها ... لقد طالما أبكت بإعراضها عيني
[403] قال الأصمعي يقال: بنى سافا وسطرا وسطرا ومدماكا كلّه بمعنى واحد، وهو السّطر من الطين واللّبن.
[404]
[الإعراض عن الجاهل صيانة للنفس والعرض]:
وأنشدنا بعض أصحاب أبي العباس المبرد لأبي العباس: [الرجز]
أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصّبّ إلى الصب
لو كتب النّحو عن الرب ... ما زاده إلّا عمى قلب
[405] قال أبو علي: فحكي لنا أن أبا العباس ثعلبا أنشد هذين البيتين فقال متمثلا:
[السريع]
أسمعني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النّفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقاري له ... ومن يعضّ الكلب إن عضّا
[406] وأنشدنا أبو بكر، قال أنشدنا أبو حاتم أو عبد الرحمن.، عن الأصمعي الشك من أبي علي: [الكامل]
اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كلّ المشارب مذ هجرت ذميم
سقيا لضلّك بالعشيّ وبالضّحى ... ولبرد مائك والمياه حميم
لو كنت أملك منع مائك لم يذق ... ما في قلاتك ما حييت لئيم
قال أبو علي: القلات: جمع قلت، والقلت: النّقرة تكون في الصخرة [407] وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لهلال المازني واغترب عن قومه: [الوافر](1/142)
اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كلّ المشارب مذ هجرت ذميم
سقيا لضلّك بالعشيّ وبالضّحى ... ولبرد مائك والمياه حميم
لو كنت أملك منع مائك لم يذق ... ما في قلاتك ما حييت لئيم
قال أبو علي: القلات: جمع قلت، والقلت: النّقرة تكون في الصخرة [407] وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لهلال المازني واغترب عن قومه: [الوافر]
أقول لناقتي عجلى وحنّت ... إلى الوقبى ونحن على جراد
أتاح الله يا عجلى بلادا ... هواك بها مربّات العهاد
وأسقاها فرواها بودق ... مخارجه كأطراف المزاد
فما عن بغضة منّا وزهد ... تبدّلنا بها عليا مراد
ولكنّ الحوادث أجهضتنا ... عن الوقبى وأطراف الثّماد
[408] قال أبو علي: أجهضتنا: أخرجتنا، يقال: أجهضت الناقة إذا ألقت ولدها لغير وقته.
[409]
[من أمثال العرب، وأقوالهم]:
قال الأصمعي: ومن أمثال العرب: «هذا ولمّا تردي تهامة» يضرب مثلا للرجل يجزع قبل وقت الجزع! ويقال: «عرف حميق جمله» يضرب مثلا للرجل قد عرف الرجل فاجترأ عليه. ويقال: «من استرعى الذّئب ظلم» يراد به من ولّى غير الأمين فالظّلم جاء من عنده، ويقال: «خرقاء وجدت صوفا» يضرب مثلا للرجل المفسد يقع في يده مال فيعيث فيه. وقال يعقوب بن السكيت: العرب تقول: لأقيمنّ ميلك وجنفك ودرأك وصغاك وصدغك وقذلك وضلعك كله بمعنى واحد، يقال ضلع فلان مع فلان أي: ميله. وقال غيره: فأما الضّلع فخلقة تكون في الإنسان. وقرأت على أبي بكر بن دريد لأبي كبير الهذلي: [الكامل]
نضع السيوف على طوائف منهم ... فنقيم منهم ميل ما لم يعدل
الطوائف: النواحي الأيدي والأرجل والرءوس. وقوله: ميل ما لم يعدل، قال:
ميله: فضله وزيادته وإنما يريد أن هؤلاء القوم كانوا غزوهم فقتلوهم فكأن ذلك القتل ميل على هؤلاء القوم، ثم إن هؤلاء القوم المقتولين غزوهم بعد فقتلوهم فكأن قتلهم لهم قيام (1)
للميل، وهذا كقول ابن الزّبعرى: [الرمل]
وأقمنا ميل بدر فاعتدل
يقولها في يوم أحد، يقول: اعتدل ميل بدر إذ قتلنا مثلهم يوم أحد. ويروى: [الكامل] تقع السيوف على طوائف منهم ... فيقام منهم ميل ما لم يعدل
[410]
[خبر مصاد بن مذعور مع الجواري الأربع]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن العباس بن هشام، عن أبيه قال: كان مصاد بن مذعور القينيّ رئيسا قد أخذ مرباع قومه دهرا، وكان ذا مال فندّ ذود
__________
(1) هكذا في الأصل، ولعل المناسب: إقامة للميل. ط(1/143)
من أذواد له فخرج في بغائها، قال: فإنّي لفي طلبها إذ هبطت واديا شجيرا، كثيف الظّلال، وقد تفسّخت أينا، فأنخت راحلتي في ظل شجرة، وحططت رحلي، ورسغت بعيري، واضطجعت في بردي، فإذا أربع جوار كأنّهن اللآلئ يرعين بهما لهن، فلما خالطت عيني السّنة أقبلن حتى جلسن قريبا مني، وفي كف كل واحدة منهن حصيات تقلّبهن، فخطّت إحداهن ثم طرقت فقالت: قلن يا بنات عرّاف، في صاحب الجمل النّياف، والبرد الكثاف، والجرم الخفاف، ثم طرقت الثانية فقالت: مضلّ أذواد علاكد. كوم صلاخد، منهن ثلاث مقاحد، وأربع جدائد، شسف صمارد. ثم طرقت الثالثة فقالت: رعين الفرع، ثم هبطن الكرع، بين العقدات والجرع. فقالت الرابعة: ليهبط الغائط الأفيح، ثم ليظهر في الملا الصّحصح، بين سدير وأملح، فهناك الذّود رتاع بمنعرج الأجرع. قال: فقمت إلى جملي فشددت عليه رحله وركبت، والله ما سألتهن من هنّ ولا ممّن هنّ. فلما أدبرت قالت إحداهن: أبرح فتى إن جدّ في طلب، فما له غيرهن نشب، وسيثوب عن كثب، ففزّع قلبي والله قوله، فقلت: وكيف هذا؟ وقد خلّفت بوادي عرجا عكامسا، فركبت السّمت الذي وصف لي حتى انتهيت إلى الموضع فإذا ذودي رواتع، فضربت أعجازهن حتى أشرفت على الوادي الذي فيه إبلي، فإذا الرّعاء تدعو بالويل، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: أغارت بهراء على إبلك فأسحفتها، فأمسيت والله مالي مال غير الذّود فرمى الله في نواصيهنّ بالرّغس. وإنّي اليوم لأكثر بني القين مالا، وفي ذلك أقول: [الطويل]
[شعر في تقلّب الحال، وصروف الدهر، وترك الأمن له، والصبر]:
هو الدهر آس تارة ثم جارح ... سوانحه مبثوثة والبوارح
فبينا الفتى في ظلّ نعماء غضّة ... تباكره أفياؤه وتراوح
إلى أن رمته الحادثات بنكبة ... تضيق به منها الرّحاب الفسائح
فأصبح نضوا لا ينوء كأنما ... بأعظمه مما عراه القوادح
فما خلتني من بعد عرج عكامس ... أقسّس أذوادا وهنّ روازح
حدابير ما ينهضن إلا تحاملا ... شواسف عوج أسأرتها الجوائح
فيا واثقا بالدهر كن غير آمن ... لما تنتضيه الباهظات الفوادح
فلست على أيّامه بمحكّم ... إذا فغرت فاها الخطوب الكوالح
مجيرك منه الصّبر إن كنت صابرا ... وإلّا كما يهوى العدوّ المكاشح
* * * [411] [مادة: ربع]: قال أبو علي: المرباع: ربع الغنيمة، قال الأصمعي: يقال ربع فلان في الجاهلية وخمس في الإسلام وذلك أن أهل الجاهلية كان الرئيس منهم يأخذ ربع الغنيمة، وأنشد غير الأصمعي: [الكامل]
منّا الذي ربع الجيوش لصلبه ... عشرون وهو يعدّ في الأحياء
وأنشدنا الأصمعي: [الوافر](1/144)
منّا الذي ربع الجيوش لصلبه ... عشرون وهو يعدّ في الأحياء
وأنشدنا الأصمعي: [الوافر]
لك المرباع منها والصّفايا ... وحكمك والنّشيطة والفضول
قال ويقال: ربع الجيش يربعه رباعة: إذا أخذ ربع الغنيمة. وربع الوتر يربعه ربعا: إذا فتله على أربع قوى. وربع القوم يربعهم ربعا: إذا كانوا ثلاثة فصار رابعهم، وربع الحجر ربعا: إذا احتمله.
وقال غيره: ربعت عليه: إذا عطفت. ويقال: ربعت: رفقت. قال الحطيئة: [الطويل]
لعمري لعزّت حاجة لو طلبتها ... أمامي وأخرى لو ربعت لها خلفي
وربعت عن الأمر: كففت عنه، قال رؤبة: [الرجز]
هاجت ومثلي نوله أن يربعا
وقال أبو نصر: ربع عليه فهو يربع ربعا إذا كفّ عنه، يقال: اربع على نفسك يريد:
كفّ وارفق.
[412] والرّبع: الفصيل الذي نتج في أول الربيع، قال الأصمعي: أنشدني عيسى بن عمر قال: سمعت بعض العرب ينشد: [الرجز]
وعلبه نازعتها رباعي ... وعلبة عند مقيل الراعي
وناقة مربع: إذا كان يتبعها ربع فإذا كان من عادتها أن تنتج في ربعيّة النتاج فهي مرباع، والجمع مرابيع، ويقال: مكان مرباع: إذا كان ينبت في أول ما تنبت الأرض، قال ذو الرمة: [الطويل]
بأوّل ما هاجت لك الشّوق دمنة ... بأجرع مرباع مربّ محلّل
ومكان مربوع: أذا أصابه مطر الربيع، قال ذو الرمة: [الطويل]
إذا ذابت الشمس اتّقى صقراتها ... بأفنان مربوع الصّريمة معبل
[413] والمربع: المنزل الذي يقام فيه في الربيع، يقال: هذه مصايفنا ومرابعنا أي:
حيث نرتبع ونصيف، ويقال: ربع الرجل يربع ربعا فهو مربوع: إذا كان يحمّ ربعا وأربع أيضا، قال الهذلي (1): [المتقارب]
من المربعين ومن أزل ... إذا جنّه الليل كالناحط
[414] ويقال: ربعنا: إذا أصابنا مطر الربيع. ويقال: امتار فلان في الميرة الرّبعيّة أي: في أوّل الزمن. ويقال: تربّعنا بمكان كذا وكذا أي: كنّا فيه في الربيع، وارتبعنا نرتبع ارتباعا، وأربع فلان إبله: إذا رعاها في الرّبيع. وأربع فلان يربع إرباعا:
إذا ولد له في حداثته، وولده ربعيّون. ويقال: ارتبع البعير يرتبع ارتباعا، وما أشدّ ربعته، وهو أشدّ ما يكون من العدو.
__________
(1) هو أسامة بن حبيب الهذلي كما في «اللسان» مادة: «ربع». ط(1/145)
[415] قال وأنشدني رجل (1) من أهل العالية: [البسيط]
واعرورت العلط العرضي تركضه ... أمّ الفوارس بالدّئداء والرّبعه
والدّئداء: دون الرّبعة. وحيّ من الأسد يقال لهم: الرّبعة، متحركة الباء. والرّبعة ساكنة الباء: الجونة، يقال: ما أوسع ربع بني فلان، لمحلهم، والجمع: رباع وربوع، ويقال: ما في بني فلان من يضبط رباعته غير فلان كأنه أمره وشأنه، قال الأخطل: [البسيط]
ما في معدّ فتى تغني رباعته ... إذا يهمّ بأمر صالح فعلا
وقال غيره: رباعته: قبيلته وقومه، قال الأصمعي: يقال: رجل مربوع ومرتبع إذا كان وسطا لا بالطويل ولا بالقصير، قال العجاج: [الرجز]
رباعيا مرتبعا أو شوقبا
[416] ويقال: أربع إذا جاءت إبله روابع أي: ترد في ربع، فهو مربع، وأربع الدابة يربع إرباعا: إذا طلعت رباعيته. ويقال: أرض مربعة: إذا كانت ذات يرابيع. وقال ابن الأعرابي: الرّبيع بلغة أهل الحجاز: الساقية الصغيرة، وجمعه: ربعان. والرّبيعة: الصخرة:
والرّبيعة أيضا: بيضة الحديد. والمربعة: عصيّة يأخذ رجلان بطرفيها فيلقيان الحمل على البعير.
[417] وأنشد الأصمعي: [الرجز]
أين الشّظاظان وأين المربعه ... وأين وسق الناقة الجلنفعه
الشّظاظ: عود يدخل في عروتي الجوالق ليثبت على البعير. والجلنفعة: الجافية، ويقال: المسنّة. والوسق: الحمل. ويقال: رابعت الرجل، وهو أن تأخذ بيده ويأخذ بيدك تحت الحمل حتى ترفعاه على البعير، قال الراجز: [الرجز]
يا ليت أمّ الفيض (2) كانت صاحبي ... مكان من أنشا على الركائب
ورابعتني تحت ليل ضارب ... بساعد فعم وكفّ خاضب
[418] وندّ: شرد. والذّود: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والعرب تقول: «الذّود إلى الذّود إبل» يقول: إذا اجتمع القليل إلى القليل صار كثيرا. وبغاؤها: طلبها. والشجير: الكثير الشجر. والأين: الكلال. ورسغت: شددت رسغه. والنّياف: العالي، والكثاف: الكثيف.
والجرم: الجسد. والخفاف: الخفيف. والعلاكد: الصّلاب. والكوم: العظام الأسنمة.
يقال: ناقة كوماء وبعير أكوم. والواحد من علاكد: علكد. والصّلاخد: العظام الشداد، واحدها صلاخد، وفيه لغات، يقال: بعير صلاخد وصلّخد وصلخدى، وناقة صلخداة.
والمقاحد: جمع مقحاد. وهي الغليظة السّنام. والقحدة: السّنام، ويقال: أصل السّنام.
والجدائد: جمع جدود وهي التي انقطع لبنها. قال الأصمعي: الشّاسف: أشد ضمرا من
__________
(1) في «اللسان» مادة: «ربع» أنه أبو داود الرؤاسي. ط
(2) كذا في «الأصل، والذي في «اللسان» مادة: «ربع» يا ليت أم العمر. ط(1/146)
الشّازب. والصّمارد: جمع صمرد، والصّمرد والبكيئة والدّهين: القليلة اللبن. والفرع جمع فرعة، وهي أعلى الجبل. والكرع: ماء السماء ينزل فيستنقع، وسمي كرعا لأن الماشية تكرع فيه. والعقدات: جمع عقدة. والعقدة والضّفرة: ما تعقّد من الرمل. والغائط: المطمئن من الأرض. والملا: الفضاء. والصّحصح: الصحراء. وسدير وأملح: موضعان. والأجرع والجرعاء: دعص لا ينبت شيئا. وأبرح: أشد. والكثب: القرب. والعرج: نحو خمسمائة من الإبل. والعكابس والعكامس جميعا: الكثير. وأسحفتها: استأصلتها. والرّغس: البركة والنّماء، قال رؤبة: [الرجز]
دعوت ربّ العزّة القدّوسا ... دعاء من لا يقرع النّاقوسا
حتى أرانا وجهك المرغوسا
والقوادح: واحدتها قادحة، وهي العيب في العود والسّن. وأقسّس: أتبع. والرّوازح:
التي قد سقطت من الهزال. والحدابير: التي قد تقوّست من الهزال، واحدها حدبار.
[419]
[خطبة بعض القرشييين عند هشام بن عبد الملك، وسؤاله إيّاه، وثناؤه عليه، وشعر في السفر والهجر]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قدم وفد على أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك وفيهم رجل من قريش يقال له: إسماعيل بن أبي الجهم، وكان أكبرهم سنا، وأفضلهم رأيا وحلما، فقام متوكئا على عصا وقال: يا أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قالت فيك فأطنبت، وأثنت عليك فأحسنت، وو الله ما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى مثنيهم فضلك، أفتأذن لي في الكلام؟ قال: تكلم، قال: أفأوجز أم أطنب؟ قال: بل أوجز، قال: تولّاك الله أمير المؤمنين بالحسنى، وزيّنك بالتّقى، وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لي حوائج أفأذكرها؟ قال: نعم، قال: كبرت سني، وضعفت قواي، وأشتدّت حاجتي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسري، وينفي فقري، قال: يابن أبي الجهم، ما يجبر كسرك وينفي فقرك؟ قال: ألف دينار وألف دينار وألف دينار، قال هيهات يا ابن أبي الجهم! بيت المال لا يحتمل هذا، قال: كأنك آليت يا أمير المؤمنين أن لا تقضي لي حاجة مقامي هذا، قال: ألف دينار لماذا؟ قال: أقضي بها دينا قد فدحني حمله، وأرهقني أهله، قال: نعم المسلك أسلكتها، دينا قضيت، وأمانة أديت، قال: وألف دينار لماذا؟ قال: أزوج بها من أدرك من ولدي، فأشدّبهم عضدي، ويكثر بهم عددي، قال: ولا بأس، أغضضت طرفا، وحصّنت فرجا، وأمّرت نسلا، وألف دينار لماذا؟ قال: أشتري بها أرضا فأعود بفضلها على ولدي، وبفضل فضلها على ذوي قراباتي، قال: ولا بأس، أردت ذخرا ورجوت أجرا، ووصلت رحما، قد أمرنا لك بها، فقال: الله المحمود على ذلك، وجزاك الله يا أمير المؤمنين والرّحم خيرا، فقال هشام: تالله ما رأيت رجلا ألطف في سؤال، ولا أرفق في مقال من هذا، هكذا فليكن القرشي.(1/147)
[من مادة رهق]:
قال: أرهقني: أعجلني، ورهقني: غشيني، يقال: رهق فلانا دين يرهقه إذا غشيه، ورهقت الكلاب الصيد إذا غشيته ولحقته، ورهقني فلان أي: لحقني، ويقال: فلان عطوف على المرهق أي: على المدرك، وأرهقت الرجل إذا أدركته، ويقال: هو يعد والرّهقى، وهو أن يسرع حتى يكاد أن يرهق الذي يطلبه، وفي فلان رهق إذا كان فيه غشيان للمحارم، قال ابن أحمر: [البسيط]
كالكوكب الأزهر انشقّت دجنّته ... في الناس لا رهق فيه ولا بخل
ويقال: إنّه لمرهّق إذا غشيه الأضياف والسؤّال، قال ابن هرمة: [المنسرح]
خير الرجال المرهّقون كما ... خير تلاع البلاد أكلؤها
وفلان يرهّق في دينه: إذا أثنى عليه قلة ورع. وأرهق القوم الصلاة: إذا أخروها حتى يدنو وقت الأخرى. قال أبو زيد: أرهقته عسرا وإثما حتى رهقه رهقا: غيّره. وراهق الغلام إذا قارب الاحتلام.
[420] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قال: أنبأنا أبو سعيد: عبد الله بن شبيب قال: أنشدنا إسماعيل بن أبي أويس والزبير بن أبي بكر وعبد الملك بن عبد العزيز الماشجون ومحمد بن طالوت الوادي، قال: أنشدني أبي، وقال كل هؤلاء أنشدني لأبي صخر الهذلي يزيد بعضهم على بعض:
[421] قال أبو علي (1): وأنشدنا أبو بكر بن دريد هذه القصيدة لأبي صخر: [الطويل]
لليلى بذات الجيش (2) دار عرفتها ... وأخرى بذات البين (3) اياتها سطر
كأنّهما ملآن لم يتغيّرا ... وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر
وقفت برسميها فعيّ جوابها ... فقلت وعيني دمعها سرب همر
ألا أيها الرّكب المخبّون هل لكم ... بساكن أجزاع الحمى (4) بعدنا خبر
فقالوا طوينا ذاك ليلا فإن يكن ... به بعض من تهوى فما شعر السّفر
[422] قال أبو العباس قال عبد الله بن شبيب حدثتني أم المغوار الباهلية قالت:
كنت بفناء بيتي في السحر فمرّ بنا ركب فتمثلت بهذا البيت:
ألا أيها الركب المخبّون هل لكم ... بساكن أجزاع الحمى بعدنا خبر
__________
(1) انظر: «التنبيه» [38].
(2) موضع من العقيق بالمدينة (ياقوت ج 2ص 178). ط
(3) اسم موضع ذكره ياقوت ولم يعينه. ط
(4) والحمى: اسم لمواضع كثيرة، حمى ضربة أشهرها وأسيرها. ط(1/148)
فأجابنا غلام من صدر راحلته فقال: [الطويل]
فقالوا طوينا ذاك ليلا فإن يكن ... به بعض من تهوى فما شعر السّفر
خليلي هل يستخبر الرّمث والغضا ... وطلح الكدا من بطن مروان والسّدر
هكذا أنشدناه أبو بكر بن الأنباري، عن أبي العباس بفتح الكاف وقال: هو اسم موضع.
قال أبو علي: أحسبه أراد: كداء فقصر للضرورة، وأنشدنا أبو بكر بن دريد: كدى بضم الكاف وقال: هو جمع كدية: [الطويل]
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد كنت آتيها وفي النفس هجرها ... بتاتا لأخرى الدهر ما طلع الفجر
فما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت لا عرف لديّ ولا نكر
وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتها ... كما قد تنسّي لبّ شاربها الخمر
وما تركت لي من شدا أهتدي به ... ولا ضلع إلا وفي عظمها وقر
وقد تركتني أغبط الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذّعر
ويمنعني من بعض إنكار ظلمها ... إذا ظلمت يوما وإن كان لي عذر
مخافة أني قد علمت لئن بدا ... لي الهجر منها ما على هجرها صبر
وأنّي لا أدري إذا النفس أشرفت ... على هجرها ما يبلغنّ بي الهجر
[423] قال عبد الله بن شبيب حدثني الزبير قال: لما أنشد أبو السائب هذا البيت قال: الموت الأحمر والله يا ابن أخي ما دونه شيء: [الطويل]
أبى القلب إلا حبّها عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق النّضر
وإني لتعروني لذكراك هزّة ... كما انتفض العصفور بلّله القطر
تمنّيت من حبّي عليّة أننا ... على رمث في البحر ليس لنا وفر
على دائم لا يعبر الفلك موجه ... ومن دوننا الأهوال واللّجج الخضر
فنقضي همّ النفس في غير رقبة ... ويغرق من نخشى نميمته البحر
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر
[424] قال عبد الله: وأنشدني ابن أبي أويس: [الطويل]
فياحبّ (1) ليلى قد بلغت بي المدى ... وزدت على ما ليس يبلغه الهجر
ويا حبّها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
__________
(1) كذا في النسخ: والمشهور: فيا هجر ليلى ولعلهما روايتان. ط(1/149)
فليست عشيّات الحمى برواجع ... لنا أبدا ما أبرم السّلم النّضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى ... تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
[425] قال أبو بكر: وزادني أبي: عن أحمد بن عبيد:
هجرتك حتى قلت لا يعرف القلى (1) ... وزرتك حتى قلت ليس له صبر
صدقت أنا الصب المصاب الذي به ... تباريح حبّ خامر القلب أو سحر
فيا حبّذا الأحياء ما دمت فيهم ... ويا حبذا الأموات ما ضمّك القبر
* * * [426] وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه أو أبو حاتم الشك من أبي علي، عن الأصمعي قال: اشترى أعرابي خمرا بجزّة من صوف فغضبت عليه امرأته فأنشأ يقول: [الكامل]
غضبت عليّ لأن شربت بصوف ... ولئن غضبت لأشربن بخروف
ولئن غضبت لأشربنّ بنعجة ... دهساء مالئة الإناء سحوف
ولئن غضبت لأشربن بناقة ... كوماء ناوية العظام صفوف
ولئن غضبت لأشربنّ بسابح ... نهد أشمّ المنكبين منيف
ولئن غضبت لأشربنّ بواحدي ... ولأجعلنّ الصبر منه حليفي
ولقد شهدت الخيل تعثر بالقنا ... وأجبت صوت الصارخ الملهوف
ولقد شهدت إذا الخصوم تواكلوا ... بخصام لا نزق ولا علفوف
[427] قال أبو علي: الصّفوف: التي تصفّ بين رجليها عند الحلب، ويقال: التي تصفّ بين محلبيها. والسّحوف: التي لها سحفتان من الشحم أي: طبقتان. والسّحف:
القشر، يقال: سحفت الشيء: قشرته. والعلفوف: الجافي. وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن عرفة لذي الرمة: [البسيط]
كأنّ أعجازها والرّيط يعصبها ... بين البرين وأعناق العواهيج
أنقاء سارية حلّت عزاليها ... من آخر الليل ريح غير حرجوج
يصف نساء، يقول: كأن أعجازهن أنقاء سارية، والأنقاء جمع نقا، والنقا: قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة. والسارية: السحابة التي تمطر ليلا، فأضاف النقا إليها لأنها أمطرته. والرّيط: جمع ريطة. ويعصبها: يلتاث بها، يقول: هذه الرّياط دقاق ناعمة، فإذا هبّت لها أدنى ريح التفّت على سوقها وأعجازها. والبرين: الخلاخيل، واحدها برة.
والعواهيج: الطّوال الأعناق من الظباء، واحدها عوهج فكأنه قال: كأن بين أسؤقها وأعناقها
__________
(1) المعروف: الهوى. ط(1/150)
كثبانا جادتها سحابة ليل حلّت عزاليها سحابة ليّنة (1). والعزالي: مخارج مائها مستعارة من المزادة لأن العزلاء فم المزادة، وهذا مثل. والحرجوج: الريح الشديدة الهبوب.
[428]
[من أمثال العرب، وأقوالهم]:
قال الأصمعي: من أمثال العرب: «ربّ عجلة تهب ريثا» يراد به: ربما استعجل الرجل فألقاه استعجاله في بطء، ويقال: «جزاني جزاء سنمّار» وسنمار: إنسان كان عمل أطما لبعض الملوك، فقال له: إن نزع هذا الحجر تداعى بناؤك، فأمر به، فرمي من فوق الأطم لئلا يعلم به أحد غيره، يضرب مثلا للرجل يحسن فيجزى بإحسانه سوءا، وأنشد الأصمعي: [الطويل]
جزاء سنمّار بما كان يعمل
ويقال: «بفلان تقرن الصّعبة» يراد به أنه يذلّ المستصعب. ويقال: «حيث لا يضع الراقي أنفه» يراد به أن ذلك الأمر لا يقرب ولا يدنى منه، وكأنهم يرون أن أصل ذلك أن ملسوعا لسع في استه فلم يقدر الراقي أن يقرّب أنفه مما هناك.
[429] قال أبو زيد: يقال: هو أشخم الرأس، بالخاء المعجمة، وأشهب الرأس.
ويقال: كلأ أشخم: إذا علا البياض الخضرة، وقد اشخامّ واشهابّ النّبت والرأس. ويقال:
«ليستغن أحدكم ولو بضوز سواكه» أي: بمضغه، يقال: ضاز الشيء يضوزه ضوزا: إذا مضغه. وأنشد أبو زيد: [الطويل]
طوال الأيادي والحوادي كأنّها ... سماحيج قبّ طار عنها نسالها (2)
قال: الحوادي: الأرجل التي تحدو الأيدي وتتلوها (3). قال: ويقال: ما أعظبه عليه! أي: ما أصبره! وقد عظب يعظب عظبا وعظوبا: إذا صبر عليه، وعظّبته عليه تعظيبا ومرّنته تمرينا، وأنشد (4): [الرجز]
ولو كنت من زوفن أو بنيها ... قبيلة قد عظبت أيديها
معوّدين الحفر حفّاريها ... لقد حفرت نبثة ترويها
النّبثة: الرّكيّة التي تخرج نبيثتها. وقال: قال بعض بني عقيل وبني كلاب: هو الأكرم والأفضل والأجمل والأحسن والأرذل والأنذل والأسفل والألأم. وهي الكرمى والفضلى والحسنى والجملى والرّذلى واللّؤمى، وهن الرّذل والنّذل واللّؤم.
[430] وقال الأصمعي: يقال: كثر ولد فلان وقد أبقّ ونتق فهو ناتق، وكله سواء.
وامرأة ناتق إذا كثر ولدها، وأنشد للنابغة: [الكامل]
لم يحرموا حسن الغذاء وأمّهم ... طفحت عليك بناتق مذكار
__________
(1) كذا في الأصول التي بأيدينا ولعلها: «ريح لينة». ط
(2) سماحيج، واحدها سمحج وهو الطويل الظهر من الخيل والأتن. وقب: جمع أقب وهو من الخيل:
الدقيق الخصر الضامر البطن. والنسال: ما تساقط من الشعر. ط
(3) انظر: «التنبيه» [39].
(4) انظر: «التنبيه» [40].(1/151)
[431]
[خبر الرجل الحميري في اختبار ولديه عند موته، وأحب وأبغض الرجال والنساء والخيل والسيوف]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا الأشنانداني، عن التوزي، عن أبي عبيدة، عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان لرجل من مقاول حمير ابنان يقال لأحدهما: عمرو وللآخر:
ربيعة، وكانا قد برعا في الأدب والعلم، فلما بلغ الشيخ أقصى عمره وأشفى على الفناء، دعاهما ليبلو عقولهما، ويعرف مبلغ علمهما، فلما حضرا قال لعمرو وكان الأكبر:
أخبرني عن أحب الرجال إليك، وأكرمهم عليك، قال: السيّد الجواد، القليل الأنداد، الماجد الأجداد، الراسي الأوتاد، الرفيع العماد، العظيم الرماد، الكثير الحسّاد، الباسل الذّوّاد، الصادر الوراد. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: ما أحسن ما وصف! وغيره أحب إليّ منه. قال:
ومن يكون بعد هذا؟ قال: السيد الكريم، المانع للحريم، المفضال الحليم، القمقام الزّعيم، الذي إن همّ فعل، وإن سئل بذل. قال: أخبرني يا عمرو بأبغض الرجال إليك، قال: البرم اللئيم، المستخذي للخصيم، المبطان النّهيم، العييّ البكيم، الذي إن سئل منع، وإن هدّد حضع، وإن طلب جشع. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إليّ منه، قال: ومن هو؟
قال: النّئوم الكذوب، الفاحش الغضوب، الرّغيب عند الطعام، الجبان عند الصّدام. قال:
أخبرني يا عمرو أيّ: النساء أحب إليك؟ قال: الهركولة (1) اللّفّاء، الممكورة الجيداء، التي يشفي السقيم كلامها، ويبري الوصب إلمامها، التي إن أحسنت إليها شكرت، وإن أسأت إليها صبرت، وإن استعتبتها أعتبت، الفاترة الطّرف، الظّفلة الكف، العميمة الرّدف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعت فأحسن! وغيرها أحب إليّ منها، قال: ومن هي؟ قال الفتّانة العينين، الأسيلة الخدّين، الكاعب الثّديين، الرّداح الوركين، الشاكرة للقيل، المساعدة للحليل، الرخيمة الكلام، الجمّاء العظام، الكريمة الأخوال والأعمام، العذبة اللّثام. قال:
فأيّ النساء إليك أبغض يا عمرو؟ قال: القتّاتة الكذوب، الظاهرة العيوب، الطّوّافة الهبوب، العابسة القطوب، السّبّابة الوثوب، التي إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لان لها أهانته، وإن أرضاها أغضبته، وإن أطاعها عصته. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس والله المرأة ذكر! وغيرها أبغض إليّ منها، قال: وأيتهن التي هي أبغض إليك من هذه؟ قال: السّليطة اللسان، المؤذية للجيران، الناطقة بالبهتان، التي وجهها عابس، وزوجها من خيرها آيس، التي إن عاتبها زوجها وترته، وإن ناطقها انتهرته. قال ربيعة: وغيرها أبغض إليّ منها، قال: ومن هي؟ قال: التي شقي صاحبها، وخزي خاطبها، وافتضح أقاربها. قال: ومن صاحبها؟ قال:
مثلها في خصالها كلّها، لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها. قال: فصفه لي؟ قال: الكفور غير الشكور، اللئيم الفجور، العبوس الكالح، الحرون الجامح، الراضي بالهوان، المختال المنّان، الضعيف الجنان، الجعد البنان، القئول غير العقول، الملول غير الوصول، الذي لا يرع عن المحارم، ولا يرتدع عن المظالم. قال: أخبرني يا عمرو، أيّ الخيل أحب إليك عند
__________
(1) الهركولة: الحسنة الجسم والخلق والمشية. ط(1/152)
الشدائد، إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق، الحصان العتيق، الكفيت العريق، الشديد الوثيق، الذي يفوت إذا هرب، ويلحق إذا طلب. قال: نعم الفرس والله نعتّ! قال:
فما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أحب إليّ منه، قال: وما هو؟ قال: الحصان الجواد، السّلس القياد، الشّهم الفؤاد، الصّبور إذا سرى، السابق إذا جرى، قال: فأي الخيل أبغض إليك يا عمرو؟ قال: الجموح الطّموح، النّكول الأنوح. الصّئول الضعيف، الملول العنيف، الذي إن جاريته سبقته، وإن طلبته أدركته، قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إليّ منه، قال:
وما هو؟ قال: البطئ الثقيل، الحرون الكليل، الذي إن ضربته قمص، وإن دنوت منه شمس، يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب. قال ربيعة: وغيره أبغض إليّ منه، قال:
وما هو؟ قال: الجموح الخبوط، الرّكوض الخروط، الشّموس الضّروط، القطوف في الصعود والهبوط، الذي لا يسلّم الصاحب، ولا ينجو من الطالب. قال: أخبرني يا عمرو، أي العيش ألذّ؟ قال: عيش في كرامة، ونعيم وسلامة، واغتباق مدامة. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعم العيش والله وصف! وغيره أحب إليّ منه، قال: وما هو؟ قال: عيش في أمن ونعيم، وعزّ وغنى عميم، في ظل نجاح، وسلامة مساء وصباح، وغيره أحب إليّ منه، قال: وما هو؟ قال: غنى دائم، وعيش سالم، وظل ناعم. قال: فما أحب السيوف إليك يا عمرو؟ قال: الصّقيل الحسام، الباتر المجذام، الماضي السّطام، المرهف الصّمصام، الذي إذا هززته لم يكب، وإن ضربت به لم ينب. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعم السيف نعت! وغيره أحب إليّ، قال: وما هو؟ قال: الحسام القاطع، ذو الرّونق اللامع، الظمآن الجائع، الذي إذا هززته هتك، وإذا ضربت به بتك، قال: فما أبغض السيوف إليك يا عمرو؟ قال:
الفطار الكهام، الذي إن ضرب به لم يقطع، وإن ذبح به لم ينخع، قال: فما تقول يا ربيعة؟
قال: بئس السيف والله ذكر! وغيره أبغض إليّ منه، قال: وما هو؟ قال: الطّبع الدّدان، المعضد المهان. قال: فأخبرني يا عمرو، أي الرماح أحب إليك عند المراس، إذا اعتكر الباس، واشتجر الدّعاس؟ قال أحبها إليّ المارن المثقّف، المقوّم المخطّف، الذي إذا هززته لم ينعطف، وإذا طعنت به لم ينقصف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعم الرمح نعت! وغيره أحب إليّ منه، قال: وما هو؟ قال: الذابل العسّال، المقوّم النّسّال، الماضي إذا هززته، النافذ إذا همزته، قال: فأخبرني يا عمرو عن أبغض الرماح إليك، قال: الأعصل عند الطّعان، المثلّم السّنان، الذي إذا هززته انعطف، وإذا طعنت به انقصف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال:
بئس الرمح ذكر! وره أبغض إليّ منه، قال: وما هو؟ قال: الضعيف المهزّ، اليابس الكزّ، الذي إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقصم. قال: انصرفا الآن طاب لي الموت.
[432] قال أبو علي: قوله: وإن طلب جشع الجشع: أسوأ الحرص، وقد جشع الرجل فهو جشع. واللّفّاء: الملتفّة الجسم. والممكورة: المطويّة الخلق. والرّداح: الثقيلة العجيزة الضّخمة الوركين. والرّخيمة: اللينة الكلام، قال ذو الرمة: [الطويل]
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
والجمّاء العظام: التي لا يوجد لعظامها حجم، بمنزلة الجمّاء من البقر. فأما قوله:(1/153)
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
والجمّاء العظام: التي لا يوجد لعظامها حجم، بمنزلة الجمّاء من البقر. فأما قوله:
الغذبة اللّثام فإنه أراد موضع اللثام، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
[أسماء النميمة، ومن مادة: هبّ]:
والقتّاتة: النّمّامة، وقال اللحياني: القتّات والنّمّام والهمّاز واللّمّاز والغمّاز والقسّاس والدّرّاج والمهينم والمهتمل والمائس والمئوس، مثال معوس والممأس، مثال ممعس، وقد مأس يمأس مأسا إذا مشى بينهم بالنميمة والفساد، ويقال: مأس بين الناس، ومسأ بينهم يمسأ مسأ مثل معسا، وكله واحد، ويقال: إنه لذو نيرب ومئبرة وإبرة إذا كان نمّاما، كله عن اللحياني. والهبوب: الكثيرة الانتباه، قال الأصمعي: يقال: هبّ من نومه يهبّ هبوبا، وأهببته أي: أنبهته. وهبّت الريح تهبّ هبوبا وهبيبا، كذا روى أبو نصر عنه: هبيبا في الريح، وهبّ التيس يهبّ هبابا وهبيبا: إذا هاج وطلب السّفاد. وهبّ السيف هبّة، وهو صوته عند وقعه. وثوب هبايب وخبايب إذا كان متقطّعا. والحصان: الذّكر من الخيل. وقال الأصمعي: الكفت والكفيت: السريع. والنّكول: الذي ينكل عن قرنه. والأنوح: الكثير الزّحير. والآنح من الرجال على مثال فاعل: الذي إذا سئل تنحنح من لؤمه، وقد أنح يأنح.
والمجذام مفعال من الجذم، وهو القطع. والسّطام: حدّ السيف وغيره، وفي الحديث (1):
«العرب سطام الناس» أي: حدّهم. والفطار: الذي لا يقطع وهو مع ذلك حديث الطّبع.
وقوله: لم ينخع: لم يبلغ النّخاع. والطّبع: الصّدأ. والدّدان: الذي لا يقطع وهو نحو الكهام. والمعضد: القصير الذي يمتهن في قطع الشجر وغيرها. والدّعاس: الطّعان، يقال:
دعسه إذا طعنه، والمداعسة: المطاعنة. والعسّال: الشديد الاضطراب إذا هززته، ومنه العسلان، وهو عدو فيه اضطراب، والنّسلان قريب منه، وأنشدني أبو بكر بن دريد: [الرمل] عسلان (2) الذّئب أمسى قاربا ... برد الليل عليه فنسل
والأعصل: الملتوى المعوجّ.
[433]
[شعر في الحب وتقديم أهل المحبوب على الأهل]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد للحسن بن مطير الأسدي: [الطويل]
فيا عجبا للناس يستشرفونني ... كأن لم يروا بعدي محبّا ولا قبلي
يقولون لي اصرم يرجع العقل كلّه ... وصرم حبيب النفس أذهب للعقل
ويا عجبا من حبّ من هو قاتلي ... كأني أجازيه المودّة من قتلي
ومن بيّنات الحبّ أن كان أهلها ... أحبّ إلى قلبي وعيني من أهلي
[434] قال أبو علي: استشرفت الشيء واستكففته كلاهما: أن تضع يدك على
__________
(1) ذكره في «النهاية» و «اللسان» مادة: «سطم».
(2) في «اللسان» مادة «عسل» ينسب هذا البيت للبيد، وقيل هو للنابغة الجعدي. ط(1/154)
حاجبك كالذي يستظل من الشمس وينظر هل يراه. وأنشدنا أبو بكر ولم يسم قائلا (1):
[الكامل]
إنّ التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلبانه فأرقّها وأجلّها
حجبت تحيتها فقلت لصاحب ... ما كان أكثرها لنا وأقلّها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير لها إليّ فسلّها
[435] وقرأت عليه لعبد الله بن الدمينة الخثعمي: [الطويل]
ولما لحقنا بالحمول ودونها ... خميص الحشا توهي القميص عواتقه
قليل قذى العينين يعلم أنه ... هو الموت إن لم تلق عنّا بوائقه
عرضنا فسلّمنا فسلّم كارها ... علينا وتبريح من الغيظ خانقه
فسايرته مقدار ميل وليتني ... بكرهي له ما دام حيّا أرافقه
فلما رأت أن لا وصال وأنه ... مدى الصّرم مضروبا عليه سرادقه
رمتني بطرف لو كميّا رمت به ... لبلّ نجيعا نحره وبنائقه
ولمح بعينيها كأنّ وميضه ... وميض حيا تهدى لنجد شقائقه
[436]
[من أخبار خلف الأحمر، وقوله في مرضه الذي مات فيه]:
وحدثني أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد البصري المقدمي، قال: حدثنا الرياشي، قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب الثقفي قال: دخلنا على خلف الأحمر نعوده في مرضه الذي مات فيه فقلنا له: كيف نجدك يا أبا محرز؟ فأنشأ يقول: [الرجز]
يا أيها الليل الطويل ذنبه ... كأنّ دينا لك عندي تطلبه
أما لهذا الليل صبح يقربه
ثم أنشد يقول: [البسيط]
لا يبرح المرء يستقري مضاجعه ... حتى يبيت بأقصاهنّ مضطجعا
قال أبو علي: كان أبو محرز أعلم الناس بالشعر واللغة، وأشعر الناس على مذاهب العرب.
[437] حدثني أبو بكر بن دريد: أن القصيدة المنسوبة إلى الشّنفرى التي أولها:
[الطويل]
أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
له، وهي من المقدمات في الحسن والفصاحة والطول، فكان أقدر الناس على قافية.
__________
(1) القائل لهذه الأبيات هو ابن أذينة كما في «شرح الحماسة» للتبريزي (ص 546) طبع مدينة «ين» سنة 1828م. ط(1/155)
[438] حدثني أبو بكر بن أبي حاتم، عن الأصمعي قال: قال يوما خلف لأصحابه:
ما تقولون في بيت النابغة الجعدي: [المتقارب]
كأنّ مقطّ شراسيفه ... إلى طرف القنب فالمنقب
لو كان موضع فالمنقب فالقهبلس، كيف كان يكون قوله:
لطمنّ بترس شديد ... الصّفاق من خشب الجوز لم يثقب
فقالوا: لا نعلم، فقال: والآبنس. وقال لهم مرة أخرى: ما تقولون في بيت النمر بن تولب: [الوافر]
ألمّ بصحبتي وهم هجود ... خيال طارق من أمّ حصن
لو كان موضع من أم حصن من أمّ حفص، كيف كان يكون قوله: [الوافر]
لها ما تشتهي عسل مصفّى ... إذا شاءت وحوّارى بسمن
قالوا: لا نعلم، فقال: وحوّارى بلمص، وهو الفالوذ. قال أبو بكر: والقهبلس: ذكر الرجل، وقد يستعار لغيره. وقال محمد بن سلام في كتاب طبقات العلماء: كنا إذا سمعنا الشعر من أبي محرز لا نبالي ألّا نسمعه من قائله.
* * * [439] وقرأت على أبي بكر بن دريد لأبي كبير الهذلي: [الكامل]
وأخو الأباءة إذ رأى خلّانه ... تلّى شفاعا حوله كالإذخر
الأباءة: الأجمة، يعني: رجلا صار في أجمة. وخلانه: أصحابه الذين يودّهم. وتلّى:
صرعى. وشفاعا: اثنين اثنين. وهو جمع شفع. وقوله: كالإذخر قال الأصمعي: لا تكاد تجد من الإذخر واحدة على حدة إنما تجد الأرض مستحلسة منه، والمستحلسة: الكثيرة النبات، التي غطّاها النبات أو كاد يغطيها، فشبه كثرة القتلى بالإذخر لذلك.
[440]
[من أمثال العرب]:
قال الأصمعي: من أمثالهم: «أهون هالك عجوز في عام سنة» مثل للشيء يستخفّ بهلاكه. ويقال: «خلّه درج الضّب» أي: خله يذهب حيث شاء. ويقال: «لا يدري المكروب كيف يأتمر» يراد أن المكروب يغطى عليه الشأن فلا يدري كيف ينفذ أمره. ويقال:
«لا تعجب للعروس عام هدائها» يراد أن الرجل إذا استأنف أمره تجمّل لك. ويقال: «ناب وقد تقطع الدّوّيّة» يراد أن المسنّ تبقى منه بقيّة ينتفع بها. وقال أبو زيد: ومثل من الأمثال:
«الشّرّ ألجأه إلى مخّ العراقيب» يقال ذلك عند مسألة اللئيم أعطاك أو منعك.
[441]
[مادة: خلف]:
قال الأصمعي: خلف فلان فهو يخلف خلوفا إذا فسد ولم يفلح، وهو خالف وهي خالفة، ويقال: هو خالفة أهل بيته إذا كان أحمقهم، والخالفة: عمود في مؤخر البيت، وقال
اللحياني: عبد خالف أي: لا خير فيه. وقال ابن الأعرابي: يقال: أبيعك العبد وأبرأ إليك من خلفته. ورجل ذو خلفة، ورجل خالفة وخالف وخلفنة وخلفناة، وفيه خلفناة. وقال أبو زيد: الخالف: الفاسد الأحمق، وقد خلف يخلف خلافة. قال: ويقال: جاء فلان خلافي وخلفي وهما واحد. قال: ويقال: اختلف فلان صاحبه في أهله اختلافا، وذلك أن يباصره حتى إذا غاب عن أهله جاء فدخل عليهن، وقال الأصمعي: خلف فلان عن خلق أبيه إذا تغيّر. وخلف فوه يخلف خلوفا إذا تغيرت رائحته، وقال اللحياني: يقال: نوم الضّحى مخلفة للفم. وقال أبو زيد: خلف الشراب واللبن يخلف خلوفا إذا حمض، ثم أطيل إنقاعه ففسد.(1/156)
قال الأصمعي: خلف فلان فهو يخلف خلوفا إذا فسد ولم يفلح، وهو خالف وهي خالفة، ويقال: هو خالفة أهل بيته إذا كان أحمقهم، والخالفة: عمود في مؤخر البيت، وقال
اللحياني: عبد خالف أي: لا خير فيه. وقال ابن الأعرابي: يقال: أبيعك العبد وأبرأ إليك من خلفته. ورجل ذو خلفة، ورجل خالفة وخالف وخلفنة وخلفناة، وفيه خلفناة. وقال أبو زيد: الخالف: الفاسد الأحمق، وقد خلف يخلف خلافة. قال: ويقال: جاء فلان خلافي وخلفي وهما واحد. قال: ويقال: اختلف فلان صاحبه في أهله اختلافا، وذلك أن يباصره حتى إذا غاب عن أهله جاء فدخل عليهن، وقال الأصمعي: خلف فلان عن خلق أبيه إذا تغيّر. وخلف فوه يخلف خلوفا إذا تغيرت رائحته، وقال اللحياني: يقال: نوم الضّحى مخلفة للفم. وقال أبو زيد: خلف الشراب واللبن يخلف خلوفا إذا حمض، ثم أطيل إنقاعه ففسد.
وقال أبو زيد والأصمعي: خلفت نفسه عن الطعام تخلف خلوفا إذا أضربت عنه من مرض، وقال أبو زيد، لا يقال ذلك إلا من المرض، وقال أبو نصر عن الأصمعي: خلّف خلف صدق بإسكان اللام إذا ترك عقبا. ويقال: خذ هذا خلفا من مالك بتحريك اللام أي: بدلا منه، وهو خلف من أبيه أي: بدل منه. وقال اللحياني: الخلف: الولد الصالح. والخلف:
الردئ. يقال: بقيت في خلف سوء، أي في بقية سوء، قال الله عزّ وجلّ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف: 169] وأنشد للبيد: [الكامل]
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
والخلف: المربد يكون وراء البيت، وأنشد اللحياني: [الطويل]
وجيئا من الباب المجاف تواترا ... وإن تقعدا بالخلف فالخلف واسع
وقال الأصمعي واللحياني: الخلف: الرديء من الكلام المحال. وقال ابن الأعرابي:
جلس أعرابي مع قوم فحبق، فتشوّر فأشار بإبهامه إلى استه وقال: إنها خلف نطقت خلفا.
[442] وحدثني أبو عمرو غلام ثعلب، عن أبي العباس: أنه قال في قولهم: «سكت ألفا ونطق خلفا» أي: سكت عن ألف كلمة ونطق بواحدة رديئة، قال الأصمعي: الخلفة:
الاستقاء، يقال: من أين خلفتكم؟ أي: من أين تستقون، وأنشد لذي الرمة: [الطويل]
ومستخلفات من بلاد تنوفة ... لمصفرّة الأشداق حمر الحواصل
يعني: القطا يحملن الماء في حواصلهن. ويقال: نتاج فلان خلفة أي: عام ذكر وعام أنثى. والخلفة: الشيء من الثمر يخرج بعد الشيء، وقال غيره: الخلفة: النبت في الصيف، والخلفة: الليل والنهار لاختلافهما. والخلفة: اختلاف البهائم وغيرها. ويقال: حلب الناقة خليف لبئها، يعني: الحلبة التي بعد ذهاب اللّبا، وروي أبو عبيد، عن الأصمعي: الخليف:
الطريق في الجبل، وقال أبو نصر: الخليف: الطريق وراء الجبل أو في أصله، وقال اللحياني:
الخليف: الطريق وراء الجبل أو بين الجبلين. وقال اللحياني: المخلفة: الطريق أيضا، يقال:
عليك المخلفة الوسطى. والخوالف: النساء إذا غاب عنهن أزواجهن، قال الله عز وجل.:
{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوََالِفِ} [التوبة:، 9387]. وقال الأصمعي: حيّ خلوف أي: غيّب.
وخلوف: حضور. قال: والإخلاف: أن تعيد على الناقة فلا تلقح، والإخلاف: أن تعد
الرجل عدة فلا تنجزها، والإخلاف: أن تضرب يدك إلى قراب السيف لتأخذه. والإخلاف:(1/157)
وخلوف: حضور. قال: والإخلاف: أن تعيد على الناقة فلا تلقح، والإخلاف: أن تعد
الرجل عدة فلا تنجزها، والإخلاف: أن تضرب يدك إلى قراب السيف لتأخذه. والإخلاف:
أن تجعل الحقب وراء الثّيل. والثيل: وعاء مقلمه، وهو قضيبه، يقال: أخلف عن بعيرك.
[443]
[سؤال معاوية عن قبائل العرب]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن العباس بن هشام، قال: سأل معاوية رحمه الله بعد الاستقامة عبد الله بن عبد الحجر بن عبد المدان، وكان عبد الحجر وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم فسماه: عبد الله (1)، فقال له: كيف علمك بقومك؟
قال: كعلمي بنفسي، قال: ما تقول في مراد؟ قال: مدركو الأوتار، وحماة الذّمار، ومحرزو الخطار. قال: فما تقول في النّخع؟ قال: مانعو السّرب، ومسعرو الحرب، وكاشفو الكرب.
قال: وما تقول في بني الحارث بن كعب؟ قال: فرّاجوا اللّكاك، وفرسان العراك، ولزاز الضّكاك، تراك تراك. قال: فما تقول في سعد العشيرة؟ قال: مانعوا الضّيم، وبانوا الرّيم، وشافوا الغي. قال: ما تقول في جعفيّ؟ قال: فرسان الصّباح، ومعلموا الرّماح، ومبارزو الرياح. قال: ما تقول في بني زبيد؟ قال: كماة أنجاد، سادات أمجاد، وقر عند الذّياد، صبر عند الطّراد. قال: ما تقول في جنب؟ قال: كفاة يمنعون عن الحريم، ويفرجون عن الكظيم.
قال: فما تقول في صداء؟ قال: سمام الأعداء، ومساعير الهيجاء. قال: فما تقول في رهاء؟
قال: ينهنهون عادية الفوارس، ويردون الموت ورد الخوامس، قال: أنت أعلم بقومك.
[444] قال أبو علي: كلّ ما حميته فهو ذمار. والسّرب: الإبل وما رعى من المال.
واللّكاك: الزحام. والضّكاك: مثل اللكاك سواء. والرّيم: الدّرجة، قال أبو عمرو بن العلاء:
أتيت دار قوم باليمن أسأل عن رجل فقال لي رجل منهم: اسمك في الرّيم أي: اعل في الدرجة. والرّيم: الزيادة، يقال: لي عليك ريم على كذا وكذا، قال الشاعر: [الطويل]
فأقع كما أقعى أبوك على استه ... رأى أن ريما فوقه لا يعادله
والرّيم: القبر، قال مالك (2) بن الرّيب المازني (3): [الطويل]
إذا متّ فاعتادي القبور وسلّمي ... على الرّيم أسقيت السحاب الغواديا
والرّيم: عظم يفضل إذا اقتسم القوم الجزور، وهذا قول الشيباني، وأنشدنا غيره:
[الطويل]
فكنت كعظم الرّيم لم يدر جازر ... على أيّ بدأي مقسم اللّحم يجعل
والغيم: العطش، وقال لي أبو بكر بن الأنباري: إن النبي صلّى الله عليه وسلم قال (4): «نعوذ بالله من
__________
(1) انظر الإصابة لابن حجر (2/ 338).
(2) وقع في نسب مالك من نسخة البكري «المزني» وانتقده، وصوّب: «المازني». وهو الوارد هنا في كتاب أبي عليّ رحمه الله والله أعلم.
(3) انظر: «التنبيه» [41].
(4) ذكره فى «النهاية» وغيره فى مادة: «أيم» وغيرها.(1/158)
الأيمة والعيمة والغيمة والكزم والقرم» وقال: الأيمة: الخلوّ من النساء. والعيمة: شهوة اللبن. والغيمة: العطش. وقال: الكزم فيه قولان، يقال: فلان أكزم البنان إذا كان بخيلا، ويقال: إن الكزم الأكل الشديد. والقرم: شهوة اللحم. والأمجاد: الأشراف. وينهنهون:
يكفّون. والكظيم: المكظوم، وهو الذي قد رد نفسه إلى جوفه. وقرأنا على أبي بكر بن دريد لحكيم بن معيّة: [الرجز]
إذا علون أربعا بأربع ... في جعجع موصيّة بجعجع
أننّ تأنان النفوس الوجّع
يعني الإبل علون أربعة أوظفة بأربع أذرع، وكأنه أنّث على الكراع. وأننّ: من الأنين يعني: أنهن إذا بركن أننّ، ومثله قول كعب بن زهير (1): [الطويل]
ثنت أربعا منها على ظهر أربع ... فهن بمثنيّاتهنّ ثمان
ومثله قوله هيت (2): «تقبل بأربع وتدبر بثمان» يعني: أنها تقبل بأربع عكن فإذا رأيتها من خلف رأيت لكل عكنة طرفين فصارت ثمانية.
[445]
[خبر معاوية والخطباء عند بيعة يزيد]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبى قال: أقام معاوية رحمه الله الخطباء لبيعة يزيد، فقامت المعدّيّة فشقّقوا الكلام. ثم قام رجل من حمير فقال: لسنا إلى رعاء هذه الجمال، عليهم تشقيق المقال، وعلينا صدق الصّيال، أما والله إنا لصبر تحت البوارق، مراقيل في ظلّ الخوافق، لا نسأم الضّراس، ولا نشمئزّ من المراس، وإن واحدنا لألف، وألفنا كهف، فمن أبدى لنا صفحته، حططنا علاوته، ثم قام رجل من ذي الكلاع فأشار إلى معاوية فقال: هذا أمير المؤمنين فإن مات فهذا وأشار إلى يزيد فمن أبي فهذا وأشار إلى السيف ثم قال: [الوافر]
معاوية، الخليفة لا تمارى ... فإن تهلك فسائسنا يزيد
فمن غلب الشقاء عليه جهلا ... تحكّم في مفارقه الحديد
[446]
[شعر في الحب والوصل والهجر والفراق، وتأبّي الحب على الكتمان، والوشاة]:
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا الرياشي للعرجيّ: [الطويل]
وما أنس ملأشياء لا أنس موقفا ... لنا ولها بالسّفح دون ثبير
__________
(1) انظر: «التنبيه» [42].
(2) وهو من المخنّثين، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من دخول المخنّثين على النساء حين سمع قول هيت المذكور فقال صلّى الله عليه وسلم: «لا يدخلنّ هؤلاء عليكنّ».
والحديث رواه البخاري (4324)، ومسلم (5654)، وأبو داود (4929)، وابن ماجه (1902) (2614) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.(1/159)
ولا قولها وهنا وقد بلّ جيبها ... سوابق دمع لا يجفّ غزير
أأنت الذي خبّرت أنّك باكر ... غداة غد أو راحل بهجير
فقلت يسير بعض شهر أغيبه ... وما بعض يوم غبته بيسير
أحين عصيت العاذلين إليك ... ونازعت حبلي في هواك أميري
وباعدني فيك الأقارب كلّهم ... وباح بما يخفي اللسان ضميري
وقلت لها قول امرئ شفّه الهوى ... إليها ولو طال الزمان فقير
فما أنا إن شطّت بك الدار أو نأت ... بي الدار عنكم فاعلمي بصبور
[447] وقرأت على أبي بكر رحمه الله: [الطويل]
وما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل
تمتّع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الشهور الأطاول
[448] وقرأت على أبي بكر أيضا: [الطويل]
شيّب أيام الفراق مفارقي ... وأنشزن نفسي فوق حيث تكون
وقد لان أيام اللّوى ثمّ لم يكد ... من العيش شيء بعدهنّ يلين
يقولون ما أبلاك والمال غامر ... عليك وضاحي الجلد منك كنين
فقلت لهم لا تعذلوني وانظروا ... إلى النازع المقصور كيف يكون
[449] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا الرّياشي، عن بعض أصحابه، قال: أخبرني رجل قال: أتيت المجنون فجلست إليه في ظل شجرة فقلت: ما أشعر قيسا! حيث يقول:
[الطويل]
يبيت ويضحي كلّ يوم وليلة ... على منهج تبكي عليه القبائل
قتيل للبنى صدّع الحبّ قلبه ... وفي الحب شغل للمحبين شاغل
فقال: أنا أشعر منه حيث أقول: [الطويل]
سلبت عظامي لحمها فتركتها ... معرّقة تضحى لديك وتخصر
وأخليتها من مخّها فكأنها ... قوارير في أجوافها الريح تصفر
إذا سمعت ذكر الفراق تقطّعت ... علائقها مما تخاف وتحذر
خذي بيدي ثم انهضي بي تبيّني ... بي الضّرّ إلا أنني أتستّر
[450] قال أبو علي ويروى:
تقعقعت ... مفاصلها من هول ما تتنظّر
ثم مرّ فأجمز في الصحراء، فلما كان في اليوم الثاني أتيته فجلست في ذلك الموضع، فلما أحسست به قلت: ما أشعر قيسا! حيث يقول: [الوافر]
تباكر أم تروح غدا رواحا ... ولن يسطيع مرتهن براحا
سقيم لا يصاب له دواء ... أصاب الحبّ مقتله فباحا
وعذّبه الهوى حتى براه ... كبرى القير بالسّفن القداحا
وكاد يذيقه جرع المنايا ... ولو سقّاه ذلك لاستراحا
فقال: أنا أشعر منه حيث أقول.(1/160)
تباكر أم تروح غدا رواحا ... ولن يسطيع مرتهن براحا
سقيم لا يصاب له دواء ... أصاب الحبّ مقتله فباحا
وعذّبه الهوى حتى براه ... كبرى القير بالسّفن القداحا
وكاد يذيقه جرع المنايا ... ولو سقّاه ذلك لاستراحا
فقال: أنا أشعر منه حيث أقول.
[451] قال أبو علي: وأنشدنا ابن الأنباري، عن أبيه ولم ينسبه إلى أحد، وفي الروايتين اختلاف وأنا أذكرهما إن شاء الله: [الطويل]
فما وجد مغلوب بصنعاء موثق ... بساقيه من ثقل الحديد كبول
[452] وروى ابن الأنباري:
فما وجد مسجون بصناعاء عضّه ... بساقيه من صنع القيود كبول
يي قليل الموالي مستهام مروّع ... له بعد نومات العشاء عويل
[453] وروى ابن الأنباري:
ضعيف الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نومات العيون عويل
يقول له الحدّاد أنت معذّب ... غداة غد أو مسلم فقتيل
بأعظم منّي روعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل
[454] وروى ابن الأنباري: بأوجع مني لوعة:
غداة أسير القصد ثم يردّني ... عن القصد لوعات الهوى فأميل
[455] وروى ابن الأنباري: غداة أريد القصد، وروى: ميلات الهوى فأميل. ثم قام هاربا وتركني، فعدت بعد ذلك مرارا فلم أره، فأخبرت أنه قد مات. وأنشد الأخفش:
[الوافر]
أقول لمقلتي يوم التقينا ... وقد شرقت مآقيها بماء
خذنّ اليوم من نظر بحظّ ... فسوف توكّلين إلى البكاء
[456] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لابن أبي مرة المكي: [السريع]
ساعة ولّى شمت العاذل ... أذاك منه الفرج العاجل
لم أنس إذ ودّعته والتقى ... ذا البدن الناعم والناحل
كأنما جسمي على جسمه ... غصنان ذا غضّ وذا ذابل
يا ربّ ما أطيب ضمّي له ... إليّ لولا أنه راحل
[457] وأنشدنا أحمد بن يحيى النديم، قال: أنشدنا أبي، قال: أنشدنا الجاحظ عمرو بن بحر: [مجزوء الرمل]
أزف البين المبين ... قطع الشكّ اليقين
حنّت العيس فأبكا ... ني من العيس الحنين
لم أكن لا كنت أدري ... أن ذا البين يكون
علّموني كيف أشتا ... ق إذا خفّ القطين
[458] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: أتيت الزبير لأودّعه وأخرج من المدينة، فقال لي: بلغني أنك لما أتيت هشام بن إبراهيم لتودعه قال: لا أودّعك حتى أغنّيك: [مجزوء الكامل](1/161)
أزف البين المبين ... قطع الشكّ اليقين
حنّت العيس فأبكا ... ني من العيس الحنين
لم أكن لا كنت أدري ... أن ذا البين يكون
علّموني كيف أشتا ... ق إذا خفّ القطين
[458] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: أتيت الزبير لأودّعه وأخرج من المدينة، فقال لي: بلغني أنك لما أتيت هشام بن إبراهيم لتودعه قال: لا أودّعك حتى أغنّيك: [مجزوء الكامل]
وأنا بكيت من الفرا ... ق فهل بكيت كما بكيت
ولطمت خدّي خاليا ... ومرسته حتى اشتفيت
وعواذلي ينهينني ... عمّن هويت فما انتهيت
قال الزبير: وأنا لا أودّعك حتى أنشدك: [مجزوء الرمل]
أزف البين المبين ... وجلا الشك اليقين
لم أكن لا كنت أدري ... أن ذا البين يكون
علّموني كيف أشتا ... ق إذا خفّ القطين
[459] وأنشدنا الأخفش، قال: أنشدنا ابن المدبر للمجنون، وقال لي: ما سمعت أغزل من هذين البيتين: [الطويل]
أمزمعة ليلى ببين ولم تمت ... كأنّك عمّا قد أظلّك غافل
ستعلم إن شطّت بهم غربة النوى ... وزالوا بليلى أن قلبك زائل
[460] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه: [الخفيف]
نحن غادون من غد لافتراق ... وأراني أموت قبل يكون
فلئن متّ فاسترحت من البي ... ن لقد أحسنت إليّ المنون
[461] قال أبو بكر: وأنشدنا أبو الحسن المظفّر بن عبد الله: [الخفيف]
ما يريد الفراق لا كان منّا ... أشمت الله بالفراق التّلاقي
لو وجدنا على الفراق سبيلا ... لأذقنا الفراق طعم الفراق
[462] وأنشدنا أبو بكر بن دريد لأعرابي، وغيره يقول: إنها لحبيب: [البسيط]
لو كان في البين إذ بانوا لهم دعة ... لكان بينهم من أعظم الضرر
فكيف والبين موصول به تعب ... تكلّف البيد في الإدلاج والبكر
لو أنّ ما تبتليني الحادثات به ... يكون بالماء لم يشرب من الكدر
أو كان بالعيس ما بي يوم رحلتهم ... أعيت على السائق الحادي فلم تسر
كأنّ أيدي مطاياهم إذا وخدت ... يقعن في حرّ وجهي أو على بصري
[463] وقرأت على أبي بكر بن دريد للحسين بن مطير الأسدي، وفي نوادر ابن الأعرابي، وفي الروايتين زيادة ونقصان، وأنا آتي بهما إن شاء الله تعالى:(1/162)
لو كان في البين إذ بانوا لهم دعة ... لكان بينهم من أعظم الضرر
فكيف والبين موصول به تعب ... تكلّف البيد في الإدلاج والبكر
لو أنّ ما تبتليني الحادثات به ... يكون بالماء لم يشرب من الكدر
أو كان بالعيس ما بي يوم رحلتهم ... أعيت على السائق الحادي فلم تسر
كأنّ أيدي مطاياهم إذا وخدت ... يقعن في حرّ وجهي أو على بصري
[463] وقرأت على أبي بكر بن دريد للحسين بن مطير الأسدي، وفي نوادر ابن الأعرابي، وفي الروايتين زيادة ونقصان، وأنا آتي بهما إن شاء الله تعالى:
[الطويل]
لقد كنت جلدا قبل أن توقد النّوى ... على كبدي نارا بطيئا خمودها
ولو تركت نار الهوى لتضرّمت ... ولكنّ شوقا كلّ يوم يزيدها
وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي ... إذا قدمت أيامها وعهودها
فقد جعلت في حبّة القلب والحشا ... عهاد الهوى تولي بشوق يعيدها
لمرتجّة الأطراف هيف خصورها ... عذاب ثناياها عجاف قيودها
بسود نواصيها وحمر أكفّها ... وصفر تراقيها وبيض خدودها
[464] وروى ابن الأنباري: [الطويل]
وصفر تراقيها وحمر أكفها ... وسود نواصيها وبيض خدودها
مخصّرة الأوساط زانت عقودها ... بأحسن مما زيّنتها عقودها
يمنّيننا حتى ترفّ قلوبنا ... رفيف الخزامى بات طلّ يجودها
وفيهنّ مقلاق الوشاح كأنها ... مهاة بتربان (1) طويل عقودها
يريد: موضع العقود، وهو العنق. قال: وقوله: [الطويل]
ولو تركت نار الهوى لتضرّمت
أجود لأنها كانت تضرم وحدها، فكيف إذا زادها غيرها وأوقدها! [465] وقرأت عليه (2) لابن ميّادة: [الطويل]
كأنّ فؤادي في يد ضبثت به ... محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه
وأشفق من وشك الفراق وإنّني ... أظنّ لمحمول عليه فراكبه
فو الله ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جدّ جدّ البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه
[466] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: [مجزوء الكامل]
قد قلت والعبرات تس ... فحها على الخدّ المآقي
حين انحدرت إلى الجزي ... رة وانقطعت عن العراق
وتخبّطت أيدي الرّفا ... ق مهامة البيد الرّقاق
يا بؤس من سلّ الزما ... ن عليه سيفا للفراق
__________
(1) تربان: اسم موضع. ط
(2) يعني على ابن الأنباري.(1/163)
[467] وأنشدنا أيضا قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء، قال: أنشدني ابن غالب: [الكامل]
ذكر الحبيب حبيبه ففؤاده ... مثل الجناح من الصّبابة يخفق
عمرا زمانا يكتمان هواهما ... وكلاهما بادي الهوى متشوّق
حتّى إذا اجتمعا بأحسن ألفة ... ما منهما في ودّه متخلّق
كرّ الزمان عليهما بفراقه ... وكذاك لم يزل الزمان يفرّق
[468] وأنشدنا أبو بكر التاريخي، قال: أنشدني البحتري لنفسه: [مجزوء الكامل] الله جارك في انطلاقك ... تلقاء شامك أو عراقك
لا تعذلنّي في مسي ... رك يوم سرت ولم ألاقك
إني خشيت موافقا ... للبين تسفح غرب ماقك
وعلمت ما يلقى المت ... يّم عند ضمّك واعتناقك
وعلمت أن لقائنا ... سبب اشتياقي واشتياقك
فتركت ذاك تعمّدا ... وخرجت أهرب من فراقك
[469] وقرأ أبو غانم الكاتب على أبي عبد الله نفطويه في المسجد الجامع بالمدينة قبل الصلاة وأنا أسمع لتوبة بن الحميّر: [الكامل]
قالت مخافة بيننا وبكت له ... فالبين مبعوث على المتخوّف
لو مات شيء من مخافة فرقة ... لأماتني للبين طول تخوّفي
ملأ الهوى قلبي فضقت بحمله ... حتى نطقت به بغير تكلّف
وقرأ عليه: [الخفيف]
راعك البين والمشوق يراع ... حين قالوا تشتّت وانصداع
لست أنسى مقالها يوم ولّت ... وقصارى المشيّعين الوداع
وقرأ عليه: [الطويل]
بكيت دما حتّى القيامة والحشر ... ولا زلت مغلوب العزيمة والصبر
أتظعن طوع النفس عمّن تحبه ... وتبكي كما يبكي المفارق عن صغر
أقم لا تسر والهمّ عنك بمعزل ... ودمعك باق في جفونك ما يجري
وقرأ عليه أيضا: [الوافر]
أتظعن عن حبيبك ثم تبكي ... عليه فمن دعاك إلى الفراق
كأنّك لم تذق للبين طعما ... فتعلم أنه مرّ المذاق
أقم وانعم بطول القرب منه ... ولا تظعن فتكبت باشتياق
فما اعتاض المفارق من حبيب ... ولو يعطى الشّآم مع العراق
وقرأ عليه أيضا: [الكامل](1/164)
أتظعن عن حبيبك ثم تبكي ... عليه فمن دعاك إلى الفراق
كأنّك لم تذق للبين طعما ... فتعلم أنه مرّ المذاق
أقم وانعم بطول القرب منه ... ولا تظعن فتكبت باشتياق
فما اعتاض المفارق من حبيب ... ولو يعطى الشّآم مع العراق
وقرأ عليه أيضا: [الكامل]
تطوي المراحل عن حبيبك دائبا ... وتظلّ تبكيه بدمع ساجم
كذبتك نفسك لست من أهل الهوى ... تشكو الفراق وأنت عين الظالم
ألّا أقمت ولو على جمر الغضى ... قلّبت أو حدّ الحسام الصارم
[470] أنشدني جحظة بعض هذه الأبيات وأنشدناها بتمامها الأخفش علي بن سليمان لمسلم بن الوليد: [الطويل]
وإنّي وإسماعيل يوم وداعه ... لكالغمد يوم الرّوع فارقه النّصل
أمآ والحبالات الممرّات بيننا ... وسائل أدّتها المودّة والوصل
لما خنت عهدا من إخاء ولا نأى ... بذكرك نأي عن ضميري ولا شغل
وإنّي في مالي وأهلي كأنني ... لنأيك لا مال لديّ ولا أهل
يذكّرنيك الدّين والفضل والحجا ... وقيل الخنا والحلم والعلم والجهل
فألقاك عن مذمومها متنزّها ... وألقاك في محمودها ولك الفضل
وأحمد من أخلاقك البخل إنه ... بعرضك لا بالمال حاشا لك البخل
أمنتجعا مروا بأثقال همّة ... دع الثّقل واحمل حاجة ما لها ثقل
ثناء كعرف الطّيب يهدى لأهله ... وليس له إلا بني خالد أهل
فإن أغش قوما بعدهم أو أزورهم ... فكالوحش يستدنيه للقنص المحل
[471] وروى جحظة: يدنيه من الأنس المحل.
[472] وأنشدنا بعض أصحابنا، قال: أنشدني عمرو بن بحر الجاحظ: [الخفيف]
أنا أبكي خوف الفراق لأني ... بالذي يفعل الفراق عليم
أنا مستيقن بأن مقامي ... ومسير الحبيب لا يستقيم
[473] قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل: [الكامل]
رحل الخليط جمالهم بسواد ... وحدا على أثر البخيلة حادي
ما إن شعرت ولا سمعت ببينهم ... حتى سمعت به الغراب ينادي
لما رأيت البين قلت لصاحبي ... صدعت مصدّعة القلوب فؤادي
بانوا وغودر في الديار متيّم ... كلف بذكرك يا بثينة صادي
[474]
[من أمثال العرب]:
وقال أبو زيد: من أمثال العرب: «تفزع من صوت الغراب وتفترس الأسد المشبّم» وهو الذي قد شدّ فوه، وذلك أن امرأة افترست أسدا وسمعت صوت غراب ففزعت منه، يقال ذلك للذي يخاف اليسير من الأمور وهو جرئ على الجسيم. ويقال: «كالمشترى القاصعاء باليربوع» يقال ذلك للذي يدع العين ويتبع الأثر ويختار ما لا ينبغي له. ويقال: «روغي جعار
وانظري أين المفرّ» يضرب مثلا للذي يهرب ولا يقدر أن يفلت صاحبه. ويقال: «كلب اعتسّ خير من كلب ربض» يقال ذلك إذا طلب رجل الخير وقعد آخر فلم يطلب.(1/165)
وقال أبو زيد: من أمثال العرب: «تفزع من صوت الغراب وتفترس الأسد المشبّم» وهو الذي قد شدّ فوه، وذلك أن امرأة افترست أسدا وسمعت صوت غراب ففزعت منه، يقال ذلك للذي يخاف اليسير من الأمور وهو جرئ على الجسيم. ويقال: «كالمشترى القاصعاء باليربوع» يقال ذلك للذي يدع العين ويتبع الأثر ويختار ما لا ينبغي له. ويقال: «روغي جعار
وانظري أين المفرّ» يضرب مثلا للذي يهرب ولا يقدر أن يفلت صاحبه. ويقال: «كلب اعتسّ خير من كلب ربض» يقال ذلك إذا طلب رجل الخير وقعد آخر فلم يطلب.
[475]
[فرادفات عبس، وما يقال لمن كرهت مرآته]:
وقال يعقوب بن السكيت: يقال: قطب يقطب قطوبا وهو قاطب: إذا جمع ما بين عينيه، واسم ذلك الموضع المقطب، ومنه قيل: الناس قاطبة أي: الناس جميع، ويقال:
قطب شرابه: إذا مزجه فجمع بين الماء والشراب. ويقال: عبس يعبس عبوسا، وبسر يبسر بسورا. ويقال: رجل أبسل وباسل أي: كريه المنظر، ويقال: تبسّل في عينيه أي: كرهت مرآته، قال أبو ذؤيب: [الطويل]
فكنت ذنوب البئر لما تبسّلت ... وسربلت أكفاني ووسّدت ساعدي
[476]
[مرادفات استقبال الرجل بما يكره]:
قال أبو زيد: يقال: دهيت الرجل أدهاه دهيا أي: عبته واعتبته واغتبته ونقصته. ويقال:
نجهت الرجل أنجهه نجها، وجبهته أجبهه جبها، والاسم الجبيهة والنّجه، والمعنى واحد، وهو استقبالك الرجل بما يكره، وهو ردّك الرجل عن حاجة طلبكها، وأنشد: [الكامل]
حيّيت عنّا أيّها الوجه ... ولغيرك البغضاء والنّجه
[477] ويقال: ندهت الإبل أندهها ندها، وهو السّوق للإبل مجتمعة، والثلاث من الإبل تنده إلى ما بلغت، وإذا سيق البعير وحده فقد يقتاس له من النّده، فيقال: بعير مندوه، ويقال: عند فلان ندهة من صامت أو ماشية، وندهة وهي العشرون من الغنم ونحوها والمائدة من الإبل أو قرابتها، ومن الصامت الألف أو نحوه.
[478]
[خطبة هانئ بن قبيصة لقومه يوم ذي قار في الثبات وترك الفرار، وملاقاة المنية، والصبر وترك الحذر]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: قال هانئ بن قبيصة الشيباني لقومه يوم ذي قار وهو يحرّضهم: يا معشر بكر، هالك معذور، خير من ناج فرور، إن الحذر لا ينجي من القدر، وإن الصبر من أسباب الظّفر، المنيّة ولا الدّنيّة، استقبال الموت خير من استدباره، الطّن في ثغر النحور، أكرم منه في الأعجاز والظهور. يا آل بكر، قاتلوا فما للمنايا من بدّ.
* * * [479] وقرأت على أبي بكر بن دريد لحميد بن ثور الهلالي: [الكامل]
ولقد نظرت إلى أغرّ مشهّر ... بكر توسّن بالخميلة عونا
متسنّم سنماتها متفجّس ... بالهدر يملأ أنفسا وعيونا
لقح العجاف له لسابع سبعة ... وشربن بعد تحلّؤ فروينا
يعني بأغرّ: سحابا فيه برق أو هو أبيض. وبكر: لم يمطر قبل ذلك. وتوسّن: طرقها ليلا عند الوسن أي: وقت اختلاط النّعاس بعيون الناس، يقال: توسّنت الرجل أي: أتيته وهو وسنان، والخميلة: رملة كثيرة الشجر. وعون: جمع عوان، وهي الأرض التي قد أصابها المطر مرة، وهذا مثل وأصله في النساء، قال الكسائي: العوان: التي قد كان لها زوج، ومنه قيل: حرب عوان. وقوله: متسنّم، شبهه بالبعير الذي يتسنّم أسنمة الإبل أي:(1/166)
ولقد نظرت إلى أغرّ مشهّر ... بكر توسّن بالخميلة عونا
متسنّم سنماتها متفجّس ... بالهدر يملأ أنفسا وعيونا
لقح العجاف له لسابع سبعة ... وشربن بعد تحلّؤ فروينا
يعني بأغرّ: سحابا فيه برق أو هو أبيض. وبكر: لم يمطر قبل ذلك. وتوسّن: طرقها ليلا عند الوسن أي: وقت اختلاط النّعاس بعيون الناس، يقال: توسّنت الرجل أي: أتيته وهو وسنان، والخميلة: رملة كثيرة الشجر. وعون: جمع عوان، وهي الأرض التي قد أصابها المطر مرة، وهذا مثل وأصله في النساء، قال الكسائي: العوان: التي قد كان لها زوج، ومنه قيل: حرب عوان. وقوله: متسنّم، شبهه بالبعير الذي يتسنّم أسنمة الإبل أي:
يعلوها. والسنمات: العظام السّنام، يريد أن هذا السحاب كأنه يتسنّم التّلال والآكلام أي:
يعلوها، وهو مثل. ومتفجّس: متكبر. بالهدر: يعني رعده. وقوله: يملأ أنفسنا: تعجبا منه، وقال بعضهم: لهولها. ولقحت: نبت عشبها. والعجاف: الأرضون التي لم تمطر، وهو مثل. بعد تحلؤ: بعد منع من الماء.
[480] قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، قال: سمعت عمي يحدث سرّان أبا العباس ابن عمه وكان من أهل العلم قال: سهرت ليلة من لياليّ بالبادية، وكنت نازلا عند رجل من بني الصّيداء من أهل القصيم، وكان وا عليه السلام واسع الرّحل، كريم المحلّ، فأصبحت وقد عزمت على الرجوع إلى العراق، فأتيت أبا مثواي فقلت: إني قد هلعت من الغربة واشتقت أهلي، ولم أفد في قدمتي هذه إليكم كبير علم، وإنما كنت أغتفر وحشة الغربة وجفاء البادية للفائدة، فأظهر توجّعا، ثم أبرز غداء له فتغديت معه، وأمر بناقة له مهريّة كأنها سبيكة لجين فارتحلها واكتفلها، ثم ركب وأردفني وأقبلها مطلع الشمس، فما سرنا كبير مسير حتى لقينا شيخ على حمار له جمّة قد ثمغها كالورس فكأنها قنّبيطة، وهو يترنّم، فسلم عليه صاحبي وسأله عن نسبه، فاعتزى أسديّا من بني ثعلبة، فقال: أتنشد أم تقول؟ فقال: كلّا، فقال: أين تؤمّ؟ فأشار إلى ماء قريب من الموضع الذي نحن فيه، فأناخ الشيخ وقال لي: خذ بيد عمك فأنزله عن حماره، ففعلت، فألقى له كيسا قد كان اكتفل به، ثم قال: أنشدنا رحمك الله وتصدّق على هذا الغريب بأبيات يعيهنّ عنك ويذكرك بهن، فقال: إي ها الله إذا! ثم أنشدني: [الطويل]
[شعر في الغنى، والمال، والحلم، والعزم، والصبر، والتعزّي، وصروف الدهر، وفضل استفادة الأدب على الأهل والمال]:
لقد طال يا سوداء منك المواعد ... ودون الجد المأمول منك الفراقد
إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت مالك حامد
تمنّيننا غدا وغيمكم غدا ... ضباب فلا صحو ولا الغيم جائد
وقلّ غناء عنك مال جمعته ... إذا صار ميراثا وواراك لاحد
إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد
إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم تزل ... عليك بروق جمّة ورواعد
إذا العزم لم يفرج لك الشّكّ لم تزل ... جنيبا كما استتلى الجنيبة قائد
إذا أنت لم تترك طعاما تحبّه ... ولا مقعدا تدعى إليه الولائد
تجلّلت عارا لا يزال يشبّه ... سباب الرجال نقرهم والقصائد (1)
وأنشدني أيضا: [الطويل](1/167)
لقد طال يا سوداء منك المواعد ... ودون الجد المأمول منك الفراقد
إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت مالك حامد
تمنّيننا غدا وغيمكم غدا ... ضباب فلا صحو ولا الغيم جائد
وقلّ غناء عنك مال جمعته ... إذا صار ميراثا وواراك لاحد
إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد
إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم تزل ... عليك بروق جمّة ورواعد
إذا العزم لم يفرج لك الشّكّ لم تزل ... جنيبا كما استتلى الجنيبة قائد
إذا أنت لم تترك طعاما تحبّه ... ولا مقعدا تدعى إليه الولائد
تجلّلت عارا لا يزال يشبّه ... سباب الرجال نقرهم والقصائد (1)
وأنشدني أيضا: [الطويل]
تعزّ فإنّ الصبر بالحرّ أجمل ... وليس على ريب الزمان معوّل
فلو كان يغني أن يرى المرء جازعا ... لنازلة أو كان يغني التّذلّل
لكان التّعزّي عند كل مصيبة ... ونازلة بالحر أولى وأجمل
فكيف وكلّ ليس يعدو حمامه ... وما لامرئ عما قضى الله مزحل
فإن تكن الأيام فينا تبدّلت ... ببؤس ونعمى والحوادث تفعل
فما ليّنت منّا قناة صليبة ... ولا ذلّلتنا للذي ليس يجمل
ولكن رحلناها نفوسا كريمة ... تحمّل ما لا يستطاع فتحمل
وقينا بعزم الصبر منّا نفوسنا ... فصحّت لنا الأعراض والناس هزّل
[481] قال أبو بكر، قال عبد الرحمن: قال عمي: فقمت والله وقد أنسيت أهلي، وهان عليّ طول الغربة وشظف العيش سرورا بما سمعت، ثم قال لي: يا بني، من لم تكن استفادة الأدب أحبّ إليه من الأهل والمال لم ينجب.
* * * [482] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدني أبو عثمان: [الطويل]
إذا ما فقدتم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألائم
أسود العين: جبل، والجبل لا يغيب، يقول: فأنتم لئام أبدا.
[483] وقرأت عليه لعديّ بن زيد يصف فرسا: [الطويل]
أحال عليه بالقناة غلامنا ... فأذرع به لخلّة الشاة راقعا
أذرع به أي: ما أذرعه أي: ما أسرعه! وقوله: لخلة الشاة راقعا أي: يلحقها فيرقع ما بينه وبينها من الفرجة حتى لا يكون بينهما فرجة، وحكي عن خلف الأحمر أنه قال: يعدو الفرس وبين الشاتين خلّة أي: فرجة فيدخل بينهما فكأنه رقع الخلة بنفسه لمّا سار فيها.
[484]
[وصف أعرابي للمطر]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سئل أعرابي عن مطر فقال: استقلّ سدّ مع انتشار الطّفل، فشصا واحزأل، ثم اكفهرّت أرجاؤه، واحمومت أرحاؤه، وابذعرّت فوارقه، وتضاحكت بوارقه، واستطار وادقه، وارتتقت جوبه، وارتعن هيدبه، وحشكت أخلافه، واستقلّت أردافه، وانتشرت أكنافه، فالرّعد مرتجس، والربق
__________
(1) انظر: «التنبيه» [43].(1/168)
مختلس، والماء منبجس، فأترع الغدر، وانتبث الوجر، وخلط الأوعال بالآجال، وقرن الصّيران بالرّئال، فللأودية هدير، وللشّراج خرير، وللتّلاع زفير، وحطّ النّبع والعتم، من القلل الشّم، إلى القيعان الصّحم، فلم يبق في القلل إلا معصم مجرنثم، أو داحص مجرجم، وذلك من فضل رب العالمين على عباده المذنبين.
[485] قال أبو علي: السّدّ: السحاب الذي يسدّ الأفق، وهذا قول أبي بكر، وقال أبو نصر، عن الأصمعي: جاءنا جراد سدّ إذا سدّ الأفق. والطّفل: العشيّ إلى حد المغرب.
وشصا: ارتفع، ويقال: شصا برجله إذا رفعها عند الموت، وشصا الزّقّ إذا امتلأ وارتفعت قوائمه. ويقال: شصا بصره يشصو شصوّا إذا طمح، وطمح معناه ارتفع، ولهذا قيل للدابة:
طموح إذا كان يرفع رأسه حتى يفرط. واحزألّ: ارتفع أيضا. واكفهرّ واكرهفّ: تراكم، والمكفهرّ والمكرهفّ من السحاب: الذي يركب بعضه بعضا. وأرجاؤه: نواحيه، واحدها رجا مقصور. واحمومت: اسودّت، والحمّة: سواد تعلوه حمرة. وأرحاؤه: واحدها رحا وهو أوساطه. وابذعرّت: تفرّقت. والفوارق: واحدها فارق، وهو السحاب الذي ينقطع من معظم السحاب، وهذا مثل وأصله في الإبل، يقال: ناقة فارق، وهي التي تندّ عن الإبل عند نتاجها، قال الكسائي: فرقت تفرق فروقا. واستطار: انتشر. والوادق: الذي يكون فيه الودق، وهو المطر العظيم القطر، ويكون الداني من الأرض، يقال: ودق يدق إذا دنا، والوديقة من هذا، وهي شدة الحر لأن حرارة الشمس تدنو من الأرض. وارتتقت: التأمت.
وجوبه: فرجه. وارتعن: استرخى. والهيدب: الذي يتدلّى ويدنو من الأرض، مثل هدب القطيفة. وحشكت: امتلأت، قال زهير: [البسيط]
كما استغاث بسيّ فزّ غيطلة ... خافّ العيون فلم ينظر به الحشك
قال الأصمعي: إنما هو الحشك فحركه للضرورة، كما قال رؤبة: [الرجز]
مشتبه الأعلام لمّاع الخفق
وإنما هو الخفق. والخلف: ما يقبض عليه الحالب من ضرع الشاة والبقرة والناقة.
واستقلّت: ارتفعت. وأردافه: مآخيره. والأكناف: النّواحي. ومرتجس: مصوّت، والرّجس: الصوت. ومختلس: كأنه يختلس البصر لشدة لمعانه. ومنبجس: منفجر. وأترع:
ملأ. والغدر: جمع غدير. وانتبث: أخرج نبيثتها، وهو تراب البئر والقبر. يريد: أن هذا المطر لشدته هدم الوجر، وهي جمع وجار، وهو سرب الثّعلب والضّبع، حتى أخرج ما داخلها من التراب. والأوعال: واحدها وعل، وهو التيس الجبلي. والآجال: جمع واحدها إجل، وهو القطيع من البقر. يريد: أنه لشدته حمل الوعول وهي تسكن الجبال، والبقر وهي تسكن القيعان والرمال، فجمع بينهما. وقوله: وقرن الصّيران بالرئال فالصّيران واحدها صوار وصيار أيضا، وهو القطيع من البقر. والرّئال: فراخ النّعام، واحدها رأل مهموز، فالرئال تسكن الجلد، والصيران تسكن الرمال والقيعان، فقرن بينهما. وهدير: صوت كهدير
الإبل. والشّراج: مجاري الماء من الحرار إلى السهولة. والتّلاع: مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، فإذا اتسعت التّلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه، فهي ميثاء، فإذا عظمت فوق ذلك، فهي ميثاء جلواخ. والنّبع: شجر يتخذ منه القسيّ ينبت في الجبال. والعتم: الزيتون الجبلي، قال الشاعر (1): [المنسرح](1/169)
ملأ. والغدر: جمع غدير. وانتبث: أخرج نبيثتها، وهو تراب البئر والقبر. يريد: أن هذا المطر لشدته هدم الوجر، وهي جمع وجار، وهو سرب الثّعلب والضّبع، حتى أخرج ما داخلها من التراب. والأوعال: واحدها وعل، وهو التيس الجبلي. والآجال: جمع واحدها إجل، وهو القطيع من البقر. يريد: أنه لشدته حمل الوعول وهي تسكن الجبال، والبقر وهي تسكن القيعان والرمال، فجمع بينهما. وقوله: وقرن الصّيران بالرئال فالصّيران واحدها صوار وصيار أيضا، وهو القطيع من البقر. والرّئال: فراخ النّعام، واحدها رأل مهموز، فالرئال تسكن الجلد، والصيران تسكن الرمال والقيعان، فقرن بينهما. وهدير: صوت كهدير
الإبل. والشّراج: مجاري الماء من الحرار إلى السهولة. والتّلاع: مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، فإذا اتسعت التّلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه، فهي ميثاء، فإذا عظمت فوق ذلك، فهي ميثاء جلواخ. والنّبع: شجر يتخذ منه القسيّ ينبت في الجبال. والعتم: الزيتون الجبلي، قال الشاعر (1): [المنسرح]
تستنّ بالضّرو من براقش أو ... هيلان أو ناضر من العتم.
تستن: تستاك. والضرو: البطم، وهو الحبة الخضراء. والقلل: أعالي الجبال.
والشّمّ: المرتفعة. والقيعان: واحدها قاع، وهي الأرض الطيبة الطين الحرّة. والصّحم: التي تعلوها حمرة واحدها أصحم. والمعصم: الذي قد تمسّك بالجبال وامتنع فيها، ويقال للرجل الذي يمسك بعرف فرسه خوف السقوط: معصم، قال طفيل: [الطويل]
إذا ما غدا لم يسقط الرّوع رمحه ... ولم يشهد الهيجا بألوث معصم
وألوث: ضعيف. والمجرنثم: المتقبض. والداحض: الذي يفحص برجليه عند الموت، قال علقمة بن عبدة: [الطويل]
رغا فوقهم سقب السماء فداحص ... بشكّته لم يستلب وسليب
والمجرجم: المصروع.
[486] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: سمعت أعرابيّا من غنيّ يذكر مطرا صاب بلادهم في غبّ جدب فقال: تدارك ربّك خلقه وقد كلبت الأمحال، وتقاصرت الآمال، وعكف الياس، وكظمت الأنفاس، وأصبح الماشي مصرما، والمترب معدما، وجفيت الحلائل، وامتهنت العقائل، فأنشأ سحابا ركاما، كنهورا سجّاما، بروقه متألّقة، ورعوده متقعقعة، فسحّ ساجيا راكدا، ثلاثا غير ذي فواق، ثم أمر ربّك الشّمال فطحرت ركامه، وفرّقت جهامه، فانقشع محمودا، وقد أحيا وأغنى، وجاد فأروى، والحمد لله الذي لا تكتّ نعمه، ولا تنفد قسمه، ولا يخيب سائله، ولا ينزر نائله.
[487] قال أبو علي: قوله: صاب: جاد، والصّوب: المطر الجود. وكلبت:
اشتدّت، وكذلك كلب الشتاء. والأمحال: جمع محل، وهو القحط. وعكف: أقام، قال الراجز: [الرجز]
محلّها إن عكف الشّفيف ... الزّرب والعنّة والكنيف
الشفيف: البرد. والعنّة: الحظيرة يحبس فيها الإبل، ومنه قيل للبعير: معنّى، وهو الذي قد هاج فحبس في العنّة، ويكون معنّى من التعنية وهو الحبس، وهذا هو الوجه لأنه إذا جعل معنّى من العنّة وجب أن يكون الأصل معنّنا، ثم أبدل من النون الأخيرة ياء، كما فعل بتظنّيت، وأصله تظّنّنت. وكظمت: ردت إلى الأجواف، يقال: كظم غيظه إذا
__________
(1) الشاعر هو النابغة الجعدي، كما في «اللسان» مادة: «برقش». ط(1/170)
حبسه. والماشي: صاحب الماشية، يقال: مشى الرجل وأمشى إذا كثرت ماشيته، قال الشاعر (1): [الوافر]
وكلّ فتى وإن أمشى وأثرى ... ستخلجه عن الدّنيا منون
[488] والمصرم: المقارب المال المقلّ، كذا قال أبو زيد والأصمعي، وأنشدنا الأصمعي للمعلوط: [الطويل]
يصدّ الكرام المصرمون سواءها ... وذو الحق عن أقرانها سيحيد
[489] والمترب: الغنيّ الذي له المال مثل التراب كثيرة، يقال: أترب الرجل: إذا استغنى، وترب: إذا افتقر كأنه لصق بالتراب. وامتهنت: استخدمت واعتملت، يقال:
مهنت القوم أمهنهم مهنة ومهنة ومهنا، أتى بها اللحياني ثلاثتها. والعقائل: الكرائم واحدتها عقيلة. وأنشأ: أحدث. والنّشئ: السحاب أوّل ما يخرج. والكنهور: قطع كأنها الجبال، واحدتها كنهورة. وسجّام: صبّاب. ومتألّقة: المعة. ومتقعقعة: مصوّتة، والقعقعة: صوت السلاح وما أشبهه، ويقال: إن قعيقعان وهو جبل بمكة سمى بذلك لتقعقع السلاح لحرب كانت فيه. وسحّ: صبّ، سححته أسحّه سحّا، أنشدني أبو بكر بن دريد، قال:
أنشدني عبد الرحمن، عن عمه: [الوافر]
وربّت غارة أوضعت فيها ... كسحّ الهاجريّ (2) جريم تمر
وساج: ساكن، يقال: ليلة ساجية وساكرة وساكنة بمعنى واحد، قال الحادي (3):
[رجز]
يا حبّذا القمراء والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النّسّاج
وراكد: ثابت. والفواق: أن يصبّ صبّة ثم يسكن ثم يصب أخرى ثم يسكن، مأخوذ من فواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين كأنه يحلب حلبة ثم يسكن ثم يحلب أخرى ثم يسكن.
وطحرت: أذهبت وأبعدت، ومنه قيل: سهم مطحر إذا كان بعيد الذهاب، قال أبو كبير الهذلي: [الكامل]
لمّا رأى أن ليس عنهم مقصر ... قصر الشّمال بكل أبيض مطحر
وركامه: ما تراكم منه. والجهام: السحاب الذي قد هراق ماءه. وتكتّ: تحصى، أنشدني أبو بكر بن دريد: [الكامل]
إلّا بجيش لا يكتّ عديده ... سود الجلود من الحديد غضاب
وينزر: يقلّ، ومنه قيل: امرأة نزور إذا كانت قليلة الولد.
__________
(1) الشاعر هو النابغة الذبياني كما في «اللسان» مادة: «مشى». ط
(2) في «اللسان» مادة «سمح»: «الخزرجي» والبيت لدريد بن الصمة. ط
(3) في «اللسان» مادة «سجا»: الحارثي. ط(1/171)
[عزّة العلم حين يغزر]:
وحدثني غير واحد من أصحاب أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي أنه قال: كلّ شيء يعزّ حين ينزر إلا العلم فإنه يعزّ حين يغزر.
[490]
[من أمثال العرب]:
وقال الأصمعي: من أمثال العرب: «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا» أي: أسمع جلبة ولا أرى عملا ينفع.
قال أبو علي: الجعجعة: صوت الرحا وما أشبه ذلك الصوت. والطّحن: الدقيق.
ويقال: «كلا جانبي هرشى لهنّ طريق» يضرب مثلا للأمرين يشتبهان ويستويان أيّ مأخذ أخذتهما. ويقال: «حرّة تحت قرّة» يضرب مثلا للأمر يظهر وتحته أمر خفيّ غيره.
قال أبو علي: الحرّة: حرارة العطش. والقرّة: البرد. ويقال: «ضغث على إبّالة» يضرب مثلا للرجل تكلّفه الثّقل ثم تزيده على ذلك.
قال أبو علي: الإبّالة: الحزمة من الحطب. والضّغث: القبضة من الحشيش.
[491]
[مادة: حسس]:
وقال الأصمعي: يقال: «جئ به من حسّك وبسّك» أي: من حيث كان ولم يكن، وروى أبو نصر: من حيث شئت، والمعنى واحد، والحسّ والحسيس: الصوت، قال الله عز وجل: {لََا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهََا} [الأنبياء: 102] والحسّ: وجع يأخذ المرأة بعد الولادة. والحسّ: برد يحرق الكلأ.
ويقال: أصابتنا حاسّة، ويقال: البرد محسّة للنبت أي: يحرقه، ويقال: ضربه فما قال: حسّ مكسور، وهي كلمة تقال عند الجزع، قال الراجز (1): [الرجز]
فما أراهم جزعا بحسّ ... عطف البلايا المسّ بعد المسّ
ويقال: اشتر لي محسّة للدابة. والحساس: سمك صغار يجفف يكون بالبحرين. وقال اللحياني: الحساس: الشّؤم والنّكد، وأنشدنا أبو زيد: [الرجز]
ربّ شريب لك ذي حساس ... أقعس يمشي مشية النّفاس
ليس بريّان ولا مواسي
ويقال: انحسّت أسنانه إذا تكسرت وتحاتّت، قال العجاج: [الرجز]
في معدن الملك القديم الكرس ... ليس بمقلوع ولا منحسّ
[492] ويقال: حسستهم: إذا قتلتهم، قال الله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}
__________
(1) الراجز هو العجاج كما في «اللسان» مادة: «حسس». ط(1/172)
[آل عمران: 152]. ويقال: أحسست بالخبر وحسست به وأحست به وحسيت به، قال أبو زبيد: [الوافر]
خلا أن العتاق من المطايا ... حسين به فهنّ إليه شوس
[من أمارات الأخوة ولوازمها]:
يقال: حسست له أحسّ أي: رققت له، يقال: إني لأحسّ له أي: أرقّ له وأرحمه، قال القطامي: [الطويل]
يي أخوك الذي لا تملك الحسّ نفسه ... وترفضّ عند المحفظات الكتائف
والكتائف: جمع كتيفة، وهي هاهنا الحقد، والكتيفة أيضا: ضبّة الحديد، وقال أبو نصر: الكتيفة: بيضة الحديد، ولا أعرف هذه الكلمة عن غيره. يقول: أخوك الذي إذا رآك في شدة لم يملك أن يرقّ لك، وقال الأصمعي: يقال: إنّ البكريّ ليحسّ للسّعدي أي: يرقّ له.
* * * [493] وقرأنا على أبي بكر بن دريد: [الرجز]
إذا تجافين عن النّسائج ... تجافي البيض عن الدّمالج
يعني: إبلا، يقول: بهنّ جراح من حزمهنّ، فهنّ يتجافين عنها كما تجافى النساء عن دمالجهن إذا بردت عليهن.
[494]
[متفرّقات في وصف السحاب والمطر والرعد والبرق، ونحو ذلك]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه، وقرأته على أبي عمر المطرز في أمالي أبي العباس أحمد بن يحيى للحسين بن مطير الأسدي: [الكامل]
مستضحك بلوامع مستعبر ... بمدامع لم تمرها الأقذاء
كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ... فإذا تحلّب فاضت الأطباء
فله بلا حزن ولا بمسرّة ... ضحك يراوح بينه وبكاء
وكأنّ عارضه حريق يلتقي ... أشب عليه وعرفج وألاء
لو كان من لجج السّواحل ماؤه ... لم يبق في لجج السواحل ماء
[495] وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا الرياشي، عن أبي عبيدة لعبيد بن الأبرص: [البسيط]
يا من لبرق أبيت الليل أرقبه ... في عارض كمضيء الصّبح لمّاح
دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح
كأنّ ريّقه لما علا شطبا (1) ... أقراب أبلق ينفي الخيل رمّاح
__________
(1) شطب: جبل. ط(1/173)
ينزع جلد الحصى أجشّ بترك ... كأنه فاحص أو لاعب داحي
فمن بنجوته كمن بمحفله ... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح
كأنّ فيه عشارا جلّة شرفا ... شعثا لهاميم قد همّت بإرشاح
هدلا مشافرها بحّا حناجرها ... ترخي مرابعها في صحصح ضاحي
[496] وأنشدنا بعض أصحابنا لكثيّر: [البسيط]
فالمستكنّ ومن يمشي بمروته ... سيان فيه ومن بالسّهل والجبل
[497] وأنشدنا (1) للحماني: [مجزوء الكامل]
دمن كأنّ رياضها ... يكسين أعلام المطارف
وكأنّما غدرانها ... فيها عشور في مصاحف
وكأنّما أنوارها ... تهتزّ بالرّيح العواصف
طرر الوصائف يلتقي ... ن بها إلى طرر الوصائف
باتت سواريها تمخّ ... ض في رواعدها القواصف
ثمّ انبرت سحّا كبا ... كية بأربعة ذوارف
وكأنّ لمع بروقها ... في الجوّ أسياف المثاقف
[498] وأنشدنا أبو بكر لعبيد: [مجزوء الكامل]
سقى الرّباب مجلجل ال ... أكناف لمّاع بروقه
جون تكفكفه الصّبا ... وهنا وتمريه خريقه
مرى العسيف عشاره ... حتّى إذا درّت عروقه
ودنا يضىء ربابه ... غابا يضرّمه حريقه
حتّى إذا ما ذرعه ... بالماء ضاق فما يطيقه
هبّت له من خلفه ... ريح شآمية تسوقه
حلّت عزاليه الجنو ... ب فثجّ واهية خروقه
[499] وقرأت على أبي بكر لكثير: [الخفيف]
تسمع الرّعد في المخيلة منها ... مثل هزم القروم في الأشوال
وترى البرق عارضا مستطيرا ... مرح البلق جلن في الأجلال
أو مصابيح راهب في يفاع ... سغّم الزّيت ساطعات الذّبال
[500] وقرأت عليه لكثيّر: [الطويل]
أهاجك برق آخر اللّيل واصب ... تضمّنه فرش الجبا فالمسارب
__________
(1) يعني: بعض أصحاب المصنّف: معطوفا على ما قبله.(1/174)
يجرّ ويستأني نشاصا كأنه ... بغيقة حاد جلجل الصّوت جالب
تألّق واحمومى وخيّم بالرّبا ... أحمّ الذّرى ذو هيدب متراكب
إذا حرّكته الريح أرزم جانب ... بلا هزق منه وأومض جانب
كما أومضت بالعين ثم تبسّمت ... خريع بدا منها جبين وحاجب
يمجّ النّدى لا يذكر السير أهله ... ولا يرجع الماشي به وهو جادب
[501] وأنشدنا بعض أصحابنا لعبد الله بن المعتز: [البسيط]
ومزنة جاد من أجفانها المطر ... فالرّوض منتظم والقطر منتثر
ترى مواقعه في الأرض لائحة ... مثل الدّراهم تبدو ثم تستتر
[502] وأنشدني له أيضا: [الخفيف]
ما ترى نعمة السّماء على الأر ... ض وشكر الرّياض للأمطار
وكأنّ الرّبيع يجلو عروسا ... وكأنّا من قطره في نثار
[503] وأنشدني له أيضا: [الوافر]
وموقرة بثقل الماء جاءت ... تهادى فوق أعناق الرياح
فجادت ليلها وبلا وسحّا ... وهطلا مثل أفواه الجراح
[504] ولابن المعتز في وصف السحاب: [الطويل]
كأن الرّباب الجون والفجر ساطع ... دخان حريق لا يضئ له جمر
[505] وأنشدني بعض أصحابنا لأبي الغمر الجبلي: [الخفيف]
نسجته الجنوب وهو صناع ... فترقّى كأنّه حبشيّ
وقرى كلّ قرية كان يقرو ... ها قرى لا يجفّ منه القريّ
[506] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى في صفة سحابة: [الرجز]
كأنه لمّا وهى سقاؤه ... وانهلّ من كلّ غمام ماؤه
حمّ إذا حمّشه قلّاؤه
[507] قال أبو علي: الحمّ: ما بقي من الشّحم إذا أذيب. وحمّشه: أحرقه.
[508] وأنشدنا محمد بن السري السراج: [الطويل]
بدا البرق من أرض الحجاز فشاقني ... وكلّ حجازيّ له البرق شائق
سرى مثل نبض العرق والليل دونه ... وأعلام أبلى كلها والأسالق
[509] قال أبو علي: أخذه منه الطائي فقال: [الطويل]
إلك سرى بالمدح ركب كأنهم ... على الميس حيّات اللّصاب النّضانض
تشيم بروقا من نداك كأنّها ... وقد لاح أولاها عروق نوابض
[510] وأنشدني بعض أصحابنا: [الطويل](1/175)
إلك سرى بالمدح ركب كأنهم ... على الميس حيّات اللّصاب النّضانض
تشيم بروقا من نداك كأنّها ... وقد لاح أولاها عروق نوابض
[510] وأنشدني بعض أصحابنا: [الطويل]
أرقت لبرق آخر اللّيل يلمع ... سرى دائبا منها يهبّ ويهجع
سرى كاقتذاء الطير والليل ضارب ... بأرواقه والصبح قد كاد يسطع
[511] وأنشدني أيضا بعض أصحابنا: [المتقارب]
أرقت لبرق سرى موهنا ... خفيّ كغمزك بالحاجب
كأنّ تألّقه في السما ... يدا حاسب أو يدا كاتب
[512] ولابن المعتز: [الرجز]
رأيت فيها برقها منذ بدت ... كمثل طرف العين أو قلب يجب
ثم حدت بها الصّبا حتى بدا ... فيها لي البرق كأمثال الشّهب
تحسبه فيها إذا ما انصدعت ... أحشاؤها عنه شجاعا يضطرب
وتارة تحسبه كأنّه ... أبلق مال جلّه إذا وثب
حتى إذا ما رفع اليوم الضّحى ... حسبته سلاسلا من الذهب
[513] وينشد أصحاب المعاني: [البسيط]
نار تجدّد للعيدان تضرمها ... والنار تلفح عيدانا فتحترق
[514] وللطائي: [الرجز]
يا سهم للبرق الذي استطارا ... ثاب على رغم الدّجى نهارا
آض لنا ماء وكان نارا
[516] وأنشدني بعض أصحابنا لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر: [البسيط]
أما ترى اليوم قد رقّت حواشيه ... وقد دعاك إلى اللّذّات داعيه
وجاد بالقطر حتى خلت أن له ... إلفا نآه فما ينفكّ يبكيه
[517]
[خبر بلاد ذحج حين أجدبت فبعثوا روّادا منهم يبحثون عن موضع كلإ]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، عن أبيه، عن أشياخ من بني الحارث بن كعب قالوا: أجدبت بلاد مذحج فأرسلوا روّادا من كل بطن رجلا، فبعثت بنو زبيد رائدا، وبعثت النّخع رائدا، وبعثت جعفيّ رائدا، فلما رجع الرّوّاد قيل لرائد بني زبيد: ما وراءك؟ قال: رأيت أرضا موشمة البقاع، ناتحة النقاع، مستحلسة الغيطان، ضاحكة القريان، واعدة وأحر بوفائها، راضية أرضها عن سمائها.
وقيل لرائد جعفي: ما وراءك؟ قال: رأيت أرضا جمعت السماء أقطارها، فأمرعت أصبارها، وديّثت أوعارها، فبطنانها غمقة، وظهرانها غدقة، ورياضها مستوسقة، ورقاقها رائخ، وواطئا سائخ، وماشيها مسرور، ومصرمها محسور. وقيل للنّخعيّ: ما وراءك؟ فقال: مداحي سيل،
وزهاء ليل، وغيل يواصي غيلا، قد ارتوت أجرازها، ودمّث عزازها وقال مرة: ودمث والتبدت أقوازها، فرائدها أنق، وراعيها سنق، فلا قضض، ولا رمض، عازبها لا يفزع، وواردها لا ينكع، فاختاروا مراد النّخعي.(1/176)
وقيل لرائد جعفي: ما وراءك؟ قال: رأيت أرضا جمعت السماء أقطارها، فأمرعت أصبارها، وديّثت أوعارها، فبطنانها غمقة، وظهرانها غدقة، ورياضها مستوسقة، ورقاقها رائخ، وواطئا سائخ، وماشيها مسرور، ومصرمها محسور. وقيل للنّخعيّ: ما وراءك؟ فقال: مداحي سيل،
وزهاء ليل، وغيل يواصي غيلا، قد ارتوت أجرازها، ودمّث عزازها وقال مرة: ودمث والتبدت أقوازها، فرائدها أنق، وراعيها سنق، فلا قضض، ولا رمض، عازبها لا يفزع، وواردها لا ينكع، فاختاروا مراد النّخعي.
[518] قال أبو علي: قال الأصمعي: أوشمت السماء: إذا بدا فيها برق، وأوشمت الأرض: إذا بدا فيها نبت، وأنشد (1): [الرجز]
كم من كعاب كالمهاة الموشم
وهي التي قد نبت لها وشم من النبات ترعى فيه، هذا قوله في كتاب الصفات، وقال في كتاب النبات: أوشمت الأرض إذا بدا فيها شيء من النبات. وناتحة: راشحة، كذا قال أبو بكر. وقال: المستحلسة: التي قد جلّلت الأرض بنباتها، وقال الأصمعي: استحلس النّبت إذا غطّى الأرض أو كاد يغطّيها، والمعنى واحد. والقريان: مجاري الماء إلى الرّياض، واحدها قريّ، وقرأت على أبي بكر في كتاب الصفات للعجاج: [الرجز]
ماء قريّ مدّة قريّ
وواعدة: تعد تمام نباتها وخيرها، وأنشد الأصمعي: [الطويل]
رعى غير مذعور بهنّ وراقه ... لعاع تهاداه الدّكادك واعد (2)
وأحر: أخلق. والسماء: المطر هاهنا، يريد: أن المطر جاد بها فطال النبت فصار المطر كأنه قد جمع أكنافه، وأنشد ابن قتيبة: [الوافر]
إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا (3)
[519] وقال أبو بكر: يقال: مازلنا نطأ السماء حتى أتيناكم أي: مواقع الغيث.
وأمرعت: أعشبت وطال نباتها، يقال: أمرع المكان ومرع، فهو ممرع ومريع، قال الشاعر:
[الوافر]
يقيم أمورها ويذبّ عنها ... ويترك جدبها أبدا مريعا
والأصبار: نواحي الوادي ما علا منه. وديّثت: ليّنت. والأوعار: جمع وعر، وهو الغلظ والخشونة. والبطنان جمع بطن، وهو ما غمض من الأرض. وغمقة: نديّة، كذا قال أبو بكر، وروى أبو عبيد، عن الأصمعي في صفة الأرضين: فإن أصابها ندى وثقل ووخامة
__________
(1) ويروى: المرشم بالراء، وثائله أبو الأخزر الحماني كما في «اللسان مادة: «رشم». ط
(2) البيت لسويد بن كراع يصف ثورا وكلابا كما في «اللسان» مادة: «لعع». ط
(3) البيت لمعود الحكماء معاوية بن مالك وسمى معود الحكماء لقوله في هذه القصيدة:
أعود مثلها الحكماء بعدي ... إذا ما ألحق في الحدثان نابا
كذا في اللسان مادة: «سما». ط(1/177)
فهي غمقة، وذكر الحديث (1): «إنّ الأردنّ أرض غمقة وإن الجابية أرض نزهة» أي: بعيدة من الوباء. والظّهران: جمع ظهر، وهو ما ارتفع يسيرا. وغدقة: كثيرة البلل والماء.
ومستوسقة: منتظمة. والرّقاق: الأرض اللينة من غير رمل. ورائخ: مفرط اللّين، يقال:
ريّخت العجين إذا كثّرت ماءه، وراخ العجين يريخ. وقوله: وواطئها سائخ أي: تسوخ رجلاه في الأرض من لينها، تسوخ وتثوخ بمعنى واحد.
وحدثني أبو بكر، قال: قال الأصمعي: لم يكن لأبي ذؤيب بصر بالخيل لقوله: [الكامل]
قصر الصّبوح لها فشرّج لحمها ... بالنّيّ فهي تثوخ فيها الإصبع
قال: وهذا عيب في الفرس أن يكون رخو اللحم. والماشي: صاحب الماشية.
والمصرم: المقلّ المقارب المال. ومداحي: مفاعل من دحوته: إذا بسطته، قال الله تبارك وتعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذََلِكَ دَحََاهََا} [النازعات: 30] أي: بسطها، ودحوت الكرة إذا ضربتها حتى تسير على وجه الأرض. وقوله: وزهاء ليل فالزّهاء: الشخص وإنما جعل نباتها زهاء ليل لشدة خضرته. والغيل: الماء الجاري على وجه الأرض، وفي الحديث (2):
«ما سقي بالغيل ففيه العشر وما سقي بالدّلو فنصف العشر». ويواصي: يواصل. والأجراز:
جمع جرز، وهي التي لم يصبها المطر، ويقال: التي قد أكل نباتها. ودمّث: ليّن، ودمث:
لان. والعزاز: الصّلب السريع السيل، وكذلك النّزل والجلد.
[520] والأقواز: جمع قوز، قال الأصمعي: القوز: نقى يستدير كالهلال، وجمعه أقواز وقيزان، وأنشد الأصمعي قول الراجز: [الرجز]
لما رأى الرّمل وقيزان الغضى ... والبقر الملمّعات بالشّوى
بكى وقال هل ترون ما أرى
[521] أنق: معجب بالمرعى. وراعيها: الذي يرعاها. والسّنق: البشم. والقضض:
الحصى الصّغار، يريد: أن النبات قد غطّى الأرض فلا ترى هناك قضضا، قال أبو ذؤيب:
[الكامل]
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا ... إلا أقضّ عليك ذاك المضجع
[522] والرّمض: أن يحمى الحصى والحجارة من شدة الحر، يقول: فليس هناك رمض لأن النبات قد غطّى الأرض. والعازب: الذي يعزب بإبله أي: يبعد بها في المرعى. وينكع: يمنع، يقول: الذي يردها لا يمنع.
* * * __________
(1) في «النهاية» مادة: «غمق»: «كتب عمر إلى أبي عبيدة بالشام» فذكره. ومثله في «اللسان»، وزاد في «التاج»: «وهو بالشام حين وقع بها الطاعون».
(2) يأتي ذكره في الجزء الثاني فقرة [1664].(1/178)
[523] وقرأنا على أبي بكر بن الأنباري: [الكامل]
مسحوا لحاهم ثم قالوا سالموا ... يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللّحى
يقول: إنهم اجتمعوا للصلح عند الطمأنينة لمّا أخذوا الدية ورضوا بها فمسحوا لحاهم، ثم قال بعضهم لبعض: سالموا، وذلك أن الرجل لا يمسح لحيته إلا عند الرضا، فقال: يا ليتني كنت فيهم حتى لا أرضى بما يصنعون.
[524] وأنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، عن ابن الأعرابي: [الطويل]
سقى الله حيّا بين صارة والحمى ... حمى فيد صوب المدجنات المواطر
أمين فأدّى الله ركبا إليهم ... بخير ووقّاهم حمام المقادر
كأنّي طريف العين يوم تطالعت ... بنا الرّمل سلّاف (1) القلاص الضّوامر
حذارا على القلب الذي لا يضيره ... أحاذر وشك البين أم لم يحاذر
أقول لقمقام بن زيد أما ترى ... سنا البرق يبدو للعيون النواظر
فإن تبك للبرق الذي هيّج الهوى ... أعنك وإن تصبر فلست بصابر
[525]
[شعر في الحب والوشاية]:
وأنشدنا أيضا قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء، قال: أنشدنا إبراهيم بن سهيل لجميل بن معمر العذري قال أبو علي: وليست هذه الأبيات في شعر جميل:
[الطويل]
خليليّ هل في نظرة بعد توبة ... أداوي بها قلبي عليّ فجور
إلى رجح الأكفال هيف خصورها ... عذب الثّنايا ريقهنّ طهور
تذكّرت من أضحت قرى اللّدّ دونه ... وهضب لتيما والهضاب وعور
فظلّت لعينيك اللّجوجين عبرة ... يهيّجها برح الهوى فتمور
على أنني بالبرق من نحو أرضها ... إذا قصرت عنه العيون بصير
وإني إذا ما الرّيح يوما تنسّمت ... شآميّة عاد العظام فتور
ألا يا غراب البين لونك شاحب ... وأنت بروعات الفراق جدير
فإن كان حقّا ما تقول فأصبحت ... همومك شتّى والجناح كسير
ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور
وكيف بأعداء كأنّ عيونهم ... إذا حان إتياني بثينة عور
__________
(1) كذا هو في الأصل. وفي «معجم ياقوت» (ص 361ج 3): سلان بالنون بدل الفاء، وهذه الأبيات لمحمد بن عبد الملك الفقعسي. ط(1/179)
فإني وإن أصبحت بالحبّ عالما ... على ما بعيني من قذى لخبير
[526]
[من أمثال العرب، وأقوالهم]:
قال الأصمعي: من أمثال العرب: «إنّ البغاث بأرضنا يستنسر» يضرب مثلا للرجل يكون ضعيفا ثم يقوى.
قال أبو علي: سمعت هذا المثل في صباي من أبي العباس وفسره لي فقال: يعود الضعيف بأرضنا قويّا، ثم سألت عن أصل هذا المثل أبا بكر بن دريد رحمه الله فقال: البغاث ضعاف الطير، والنّسر أقوى منها، فيقول: إن الضعيف يصير كالنّسر في قوّته. ويقال: «لو أجد لشفرة محزّا» أي: لو أجد للكلام مساغا. ويقال: «كأنّما قدّ سيره الآن» يقال للشيخ إذا كان في خلقة الأحداث. ويقال: «يجري بليق ويذمّ» يضرب مثلا للرجل يحسن ويذمّ.
ويقال: «خذ ما قطع البطحاء» أي: خذ ما استطاع أن يمشي فيخوض الوادي. والبطحاء:
بطن الوادي. ويقال: «ما يندي رضفة» أي: لا يخرج منه من البلل ما يندي الرّضفة.
ويقال: «لا يبضّ حجره» أي: لا يخرج منه خير، يقال: بضّ الماء إذا خرج قليلا قليلا.
والبضوض من الآبار: التي يخرج ماؤها قليلا قليلا، وكذلك البروض والرّشوح والمكول، والعرب تقول: قد اجتمعت في بئرك مكلة فخذها أي: ماء قليل.
[527]
[مادة: عقب]:
قال الأصمعي: عقبت الخوق (1)، وهي حلقة القرط، وهو أن يشدّ بالعقب إذا خشوا أن يزيغ، وأنشد (2): [الرجز]
كأنّ خوق قرطها المعقوب ... على دباة أو على يعسوب
وعقبت القدح بالعقب، مثله: وقال أبو نصر، عن الأصمعي: عقّب قدحه يعقّبه تعقيبا إذا شدّ عليه عقبا. وقال اللحياني: عقب قدحه يعقبه عقبا إذا انكسر فشده بعقب، وكذلك كل ما تكسّر فشد، وقال أبو نصر، عن الأصمعي: عقب يعقب عقبا، وهو ماء يجئ بعد ماء، أو جري بعد جري، ويقال: هذا الفرس عقب.
[528] وحدثني أصحاب أبي العباس، قالوا: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير في قول سلامة [بن جندل] (3): [البسيط]
ولّى الشّباب وهذا الشّيب يطلبه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب
قال: اليعاقيب: ذوات العقب من الخيل. وقال اللحياني: فرس ذو عقب إذا كان له عدو بعد عدو. وقال أبو نصر، عن الأصمعي: عاقب يعاقب معاقبة إذا راوح، يقال: عاقب
__________
(1) انظر: «التنبيه» [44].
(2) البيت لسيار الأباني كما في «اللسان» مادتي: «عقب» و «خوق». ط
(3) الزيادة عن «اللسان» مادة: «عقب». ط(1/180)
بين رجليه، وعاقب زميله، ويقال: متى عقبتك، قال ذو الرمة: [البسيط]
ألهاه آء وتنّوم (1) وعقبته ... من لائح المرو والمرعى له عقب
وقوله: وعقبته، يقول: يرعى في هذا مرّة وفي هذا مرة، وقال اللحياني: أعقبت فلانا من الركوب إذا نزلت ركب، ويقال: عاقبته في هذا المعنى إذا ركبت عقبة وحملته عقبة.
وقال أبو عبيد رحمه الله! عن الأصمعي: أعقبت الرجل إذا ركبت عقبة وركب عقبة، وقال:
قال غير واحد: عاقبت الرجل من العقبة. قال: وقال الأصمعي: ويقال: أكل أكلة أعقبته سقما، والعقب: الولد يبقى بعد الإنسان، وعقب القدم: مؤخّرها، وفرس ذو عقب، قال:
ومن العرب من يجزم القاف في هذه الثلاث. وقال أبو زيد: جئت على عقب رمضان وفي عقبة إذا جئت وقد مضى الشهر كلّه، وجئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد بقيت أيام من آخره.
[529] وقال أبو نصر، عن الأصمعي: عقّب يعقّب تعقيبا إذا ما غزا ثم ثنّى من سنته.
قال طفيل الغنوي: [الطويل]
عناجيج من آل الوجيه ولاحق ... مغاوير فيها للأريب معقّب
وأعقب يعقب إعقابا إذا ترك عقبا، قال طفيل: [الطويل]
كريمة حرّ الوجه لم تدع هالكا ... من القوم هلكا في غد غير معقب
قال أبو بكر: وروى أبي عن أحمد بن عبيد، عن أبي نصر، وروى أبو العباس ثعلب، عن أبي نصر: غير معقب، يقول: لم تقل: وافلاناه قطّ إلا وقد بقي من يقوم مكانه، قال أبو عبيد، عن الأصمعي: عقبت الرجل في أهله إذا بغيته بشرّ وخلفته، وعقبت الرجل: ضربت عقبه وعقبه جميعا.
[530] وقال أبو نصر، عن الأصمعي: العقاب: الرّاية. قال الأصمعي: يقال للحجر النادر في طيّ البئر: العقاب أيضا. والعقبة: ما بقي في القدر من المرق، وجمعها عقب، قال دريد بن الصّمّة: [الوافر]
إذا عقب القدور عددن مالا ... يحبّ حلائل الأبرام عرسي
وقال اللحياني: يقال لما التصق في أسفل القدر من محترق التّابل وغيره: عقبة. وقال أبو نصر، عن الأصمعي العقب: العاقبة، قال الله تعالى: {وَخَيْرٌ عُقْباً} [الكهف: 44] ويقال: احذر عقوبة الله وعقابه وعقبه. وعقبة الجمال: أثره وهيئته. وقال اللحياني: عليه عقبة السّرو والكرم إذا كان عليه سيما ذلك. قال: وعقبة القمر: عودته، وأنشد: [البسيط]
لا يطعم (2) الغسل والأدهان لمّنة ... ولا الذّريرة إلا عقبة القمر
__________
(1) الآء: ثمر شجر والتنوم: شجر. ط
(2) هكذا في الأصل، وفي «اللسان» مادة: «عقب».(1/181)
[531] وحدثني أبي عمر المطرز وعبد الله الوراق، قالا: حدثنا أبو عمرو بن الطوسي أن أباه قال: سمعنا عقبة القمر بالضم. ويقال: العقبى لك في الخير، والعقبى إلى الله أي: المرجع إلى الله. وحكى الكسائي: وهو خير لك في العقبى والعقبان، أي: في العاقبة. ويقال: أعقب الرجل يعقب إعقابا إذا رجع إلى خير، وعقب الشّيب بعد السواد يعقب عقوبا إذا جاء بعده، ويقال فيه أيضا: عقّب يعقّب تعقيبا إذا جاء بعده فخلفه، وكذلك كلّ شيء خلف شيئا فقد عقبه وعقّبه، ويقال: عقبت الإبل إذا تحولت من مكان إلى مكان ترعى فيه، ويقال: أعقبته خيرا وشرا بما صنع، ويقال: عاقبته بذنبه عقابا شديدا. ويقال:
عقب فلان يعقب عقبا إذا طلب مالا أو شيئا، وأعقب هذا هذا إذا ذهب الأوّل فلم يبق منه شيء وصار الآخر مكانه. ويقال: عقب هذا هذا إذا جاء وقد بقي من الأول شيء. ويقال:
جئت على عقب ذلك بالتثقيل، وعقب ذلك بالتخفيف، وعلى عقب ذلك بالتثقيل، وعقب ذلك بالتخفيف، وعقبان ذلك. قال والعاقبة: الولد.
[532]
[شعر في الحب وألم الفراق، ومنزلة المحبوب، وحقيقة الغريب، والوشاة]:
أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدني ابن الأعرابي: [الطويل]
أيا واليي سجن اليمامة أشرفا ... بي القصر أنظر نظرة هل أرى نجدا
فقال اليماميّان لمّا تبيّنا ... سوابق دمع ما ملكت لها ردا
أمن أجل أعرابيّة ذات بردة ... تبكّي على نجد وتبلى كذا وجدا
لعمري لأعرابيّة في عباءة ... تحلّ دماثا من سويقة أو فردا
أحبّ إلى القلب الذي لجّ في الهوى ... من اللابسات الرّيط يظهرنه كيدا
[533] وقرأت على أبي بكر بن دريد لمعدان بن مضرّب الكندي (1): [الطويل]
إن كان ما بلّغت عنّي فلامني ... صديقي وشلّت من يدي الأنامل
وكفّنت وحدي منذرا في ردائه ... وصادف حوطا من أعاديّ قاتل
[534] وأنشدني الرياشي لأعرابي (2): [الطويل]
وفي الجيرة الغدين من بطن وجرة ... غزال أحمّ المقلتين ربيب
فلا تحسبي أنّ الغريب الذي نأى ... ولكنّ من تنأين عنه غريب
[535] وقرأت عليه لأعرابي: [الطويل]
هجرتك أيّاما بذي الغمر إنّني ... على هجر أيّام بذي الغمر نادم
__________
لا تطعم المسك والكافور لمته ... ولا الذريرة إلا عقبة القمر
وفسره بأن «العقبة» بالضم نجم يقارن القمر في السنة مرة. والبيت لبعض بني عامر. ط
(1) انظر: «التنبيه» [45].
(2) انظر: «التنبيه» [46].(1/182)
وإنّي وذاك الهجر لو تعلمينه ... كعازبة عن طفلها وهي رائم
الرائم: التي ترأم ولدها.
[536] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا عبد الله بن خلف لقيس بن ذريح:
[الطويل]
هبيني امرأ إن تحسني فهو شاكر ... لذاك وإن لم تحسني فهو صافح
وإن يك أقوام أساءوا وأهجروا ... فإنّ الذي بيني وبينك صالح
ومهما يكن فالقلب يالبن ناشر ... عليك الهوى والجيب ما عشت ناصح
وإنّك من لبنى العشيّة رائح ... مريض الذي تطوى عليه الجوانح
[537]
[وصف خمس جوار لخيل آبائهن]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثني عمّي، عن أبيه، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال (1): اجتمع خمس جوار من العرب فقلن: هلممن نصف خيل آبائنا فقالت الأولى: فرس أبي وردة، وماوردة! ذات كفل مزحلق، ومتن أخلق، وجوف أخوق، ونفس مروح، وعين طروح، ورجل ضروح، ويد سبوح، بداهتها إهذاب، وعقبها غلاب. وقالت الثانية: فرس أبي اللّعّاب، وما اللّعّاب! غبية سحاب، واضطرام غاب، مترص الأوصال، أشمّ القذال، ملاحك المحال، فارسه مجيد، وصيده عتيد، إن أقبل فظبي معّاج، وإن أدبر فظليم هدّاج، وإن أحضر فعلج هرّاج. وقالت الثالثة: فرس أبي حذمة، وما حذمة! إن أقبلت فقناة مقوّمة، وإن أدبرت فأثفيّة ململمة، وإن أعرضت فذئبة معجرمة، أرساغها مترصة، وفصوصها ممعّصة، جريها انثرار، وتقريبها انكدار، وقالت الرابعة: فرس أبي خيفق، وما خيفق! ذات ناهق معرق، وشدق أشدق، وأديم مملّق، لها خلق أشدف، ودسيع منفنف، وتليل مسيّف، وثّابة زلوج، خيفانة رهوج، تقريبها إهماج، وحضرها ارتعاج، وقالت الخامسة: فرس أبي هذلول، وما هذلول! طريده محبول، وطالبه مشكول، رقيق الملاغم، أمين المعاقم، عبل المحزم، مخدّ مرجم، منيف الحارك، أشمّ السّنابك، مجدول الخصائل، سبط الفلائل، غوج التّليل، صلصال الصّهيل، أديمه صاف، وسبيبه ضاف، وعفوه كاف.
[538] قال أبو علي: المزحلق: المملّس الذي كأنّه زحلوقة، وهي آثار تزلّج الصبيان من فوق إلى أسفل. والأخلق: الأملس، ومنه قيل: صخرة خلقاء. وأخوق: واسع، وقال أبو عبيدة، عن أبي عمرو، الخوقاء: الصّحراء التي لا ماء بها ويقال: الواسعة. ومروح:
كثيرة المرح. وطروح: بعيدة موقع النظر. وضروح: دفوع، يريد أنها تضرح الحجارة برجليها إذا عدت. وسبوح: كأنّها تسبح في عدوها من سرعتها. وبداهتها: فجاءتها، والبداهة والبديهة واحد. والإهداب: السرعة، يقال: أهدب الفرس إهذابا فهو مهذب.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [47].(1/183)
والعقب: جري بعد جري. وغلاب، مصدر غالبته مغالبة وغلابا، كأنها تغالب الجري.
والغبية: الدّفعة من المطر. والغاب: جمع غابة، وهي الأجمة. ومترص: محكم، أترصت الشيء: أحكمته. وأشمّ: مرتفع. والقذال: معقد العذار. وملاحك: مداخل، كأنه دوخل بعضه في بعض. والمحال: جمع محالة، وهي فقار الظّهر، وواحدة الفقار فقارة. وحدثني أبو بكر قال: ذكر الأصمعي أنه رأى فقار فرس ميّت فإذا ثلاث فقر من عظم واحد، وكذا تكون العراب فيما ذكروا. ومجيد: صاحب جواد. وعتيد: حاضر. قال أبو عبيدة: معج الفرس: إذا اعتمد على إحدى عضادتي العنان مرة في الشّق الأيمن ومرة في الشق الأيسر، وقال الأصمعي: يقال: معج في سيره وعمج إذا أسرع.
و [539] هدّاج: فعال من الهدج، وقال الأصمعي: الهدج: المشي الرّويد، ويكون السريع.
قال أبو علي: وقال لي أبو بكر: الهدج والهدجان: مشي الشيخ إذا أسرع عن غير إرادة. قال: وحدثنا أبو حاتم قال: نهض أبو العباس سرّان ابن عمّ الأصمعي من عنده يوما فأتبعه بصره فقال: هدج أبو العباس هدج، ثم أنشدنا: [الوافر]
ويأخذه الهداج إذا هداه ... وليد الحيّ في يده الرداء (1)
وأنشدني أبو بكر: [الرجز]
وهدجانا لم يكن من مشيتي ... كهدجان الرّأل خلف الهيقت (2)
[540] قال أبو نصر: هرج الفرس يهرج هرجا إذا كان كثير الجري، وإنه لمهرج وهرّاج، قال أوس: [الطويل]
فأعقب خيرا كلّ أهوج مهرج ... وكلّ مفدّاة العلالة صلدم
أهوج: يعني فرسا أي: أعقب خيرا مما أقاموا عليه وصنعوه. والأهوج: الذي يركب رأسه فيمضي. ومفدّاة العلالة والعلالة: الجري الذي بعد الجري الأوّل، فيقال لها إذا طلبت علالتها ويها فدا لك. والصّلدم: الشديدة، قال الراجز: [الرجز]
من كلّ هرّاج نبيل محزمه
[541] والعلج: الحمار الغليظ. وحذمة: فعلة من الحذم، قال أبو بكر: الحذم:
السّرعة، وقال غيره: الحذم: القطع، ومنه قول عمر رحمه الله في الأذان: فإذا أقمت فاحذم.
وقولها: فقناة مقوّمة تريد: أنها دقيقة المقدّم، وهو مدح في الإناث. والأثفيّة: واحدة الأثافي. وململمة: مجتمعة، تريد أنها مدورة المؤخّر لأن الأثافي تختار مدوّرة. وقولها:
__________
(1) البيت للحطيئة كما في «اللسان» مادة: «هدج». ط
(2) قال في «اللسان»: أراد الهيقة، فصير هاء التأنيث تاء في المرور عليها، والبيت لابن علقمة التيمي كما في «النوادر» لأبي زيد (ص 255). ط(1/184)
معجرمة قال أبو بكر: العجرمة: وثب كوثب الظّبي، ولا أعرف عن غيره في هذا الحرف تفسيرا. وممحّصة: قليلة اللحم قليلة الشّعر، ومحص الجلد: إذا سقط شعره واملاسّ.
وانثرار قال أبو بكر: انصباب، كأنه يثرّه ثرّا.
[542] وخيفق: فيعل من الخفق وهو السرعة، وقال أبو بكر: والخفق أيضا:
اضطراب السّراب في الهاجرة.
قال أبو علي: ويقال: خفق النجم: إذا غاب، وخفق الرجل إذا اضطرب رأسه من شدة النعاس. والناهقان: العظمان الشاخصان في خدّي الفرس. ومعرق: قليل اللحم. وقال أبو عبيدة: النّواهق من الحمار: مخرج نهاقه. وأشدق: واسع الشّدق. ومملّق: مملّس، وحدّثت، عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال: الملقات: الحبال الملس. والشّدف:
الشخص، والأشدف: العظيم الشّخص. والدّسيع: مركّب العنق في الحارك. ومنفنف:
واسع، وهو مفعلل من النّفنف، وهو الهواء بين السماء والأرض. والتّليل: العنق. ومسيّف:
كأنّه سيف. وزلوج: سريعة. قال الأصمعي: الزّليج والزّلجان: السرعة. والخيفانة: الجرادة التي فيها نقط سود تخالف سائر لونها وإنما قيل للفرس: خيفانة لسرعتها لأنّ الجرادة إذا ظهر فيها تلك النّقط كان أسرع لطيرانها. ورهوج: كثيرة الرّهج، والرّهج: الغبار. وإهماج:
مبالغة في العدو، وقال الأصمعي: أهمج الفرس إهماجا إذا اجتهد في عدوه. والارتعاج:
كثرة البرق وتتابعه. ومحبول: في حبالة. ومشكول: موثق في شكال. والملاغم: أرادت هاهنا الجحافل، وإنما الملاغم من الإنسان ما حول الفم، ومنه قيل: تلغّمت (1) بالطيب إذا جعلته هناك. والمعاقم: المفاصل. وعبل: غليظ. والمحزم: موضع الحزام. ومخدّ: يخدّ الأرض أي: يجعل فيها أخاديد، والأخاديد: الشّقوق، واحدها أخدود. ومرجم: يرجم الحجر بالحجر، كما قال رؤبة يصف الحمار: [الرجز]
يرمي الجلاميد بجلمود مدقّ
وقد يكون أن ترجم الأرض بحوافرها، والتفسير الأول أحب إليّ. ومنيف: مرتفع.
والحارك: منسج الفرس. والسّنابك: أطراف الحوافر، واحدها سنبك. ومجدول: مفتول.
والسّبيب: شعر الناصية. وضاف: سابغ. والفليل: الشعر المجتمع، وحدثني أبو بكر بن الأنباري قال: حدثني أبي، عن أحمد بن عبيد قال: يقال للقطعة من الشعر: الفليلة، وللقطعة من الصوف: العميتة. والغوج: اللّيّن المعطف. والصّلصلة: صوت الحديد، وكلّ صوت حادّ.
[543]
[شعر في الحب، وألم الفراق، والحنين للمحبوب، وقول رجل طلق امرأتين]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي للصّمّة بن عبد الله القشيري:
[الطويل]
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريّا وشعباكما معا
__________
(1) قوله: تلغمت أي: المرأة كما في عبارة «اللسان» وغيره. ط(1/185)
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
قفا ودّعا نجدا ومن حلّ بالحمى ... وقلّ لنجد عندنا أن يودّعا
ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... وجالت بنات الشّوق يحننّ نزّعا
بكت عيني اليسرى فلمّا زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
تلفّتّ نحو الحيّ حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدّعا
وليست عشيّات الحمى برواجع ... إليك ولكن خلّ عينيك تدمعا
[544] قال: وأنشدني الرياشي: [الطويل]
فإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى ... يقينا ونروى بالشراب فننقعا
فردّوا هبوب الريح أو غيّروا الجوى ... إذا حلّ ألواذ الحشا فتمنّعا
تلفّتّ نحو الحيّ حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
[545] وأنشد نفطويه: [الطويل]
أحنّ إلى نجد وإني ليائس ... طوال الليالي من رجوع إلى نجد (1)
فإنك لا ليل ولا نجد فاعترف ... بهجر إلى يوم القيامة والوعد
[546] وأنشدني أيضا نفطويه: [البسيط]
يا ليت شعري عن الحي الذين غدوا ... هل بعد فرقتهم للشّمل مجتمع
وكلّ ما كنت أخشى قد فجعت به ... فليس لي بعدهم من حادث جزع
[547] قال: وأنشدنا أيضا قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل]
ألا أيّها البيتان بالأجرع الذي ... بأسفل مفضاه غضا وكثيب
هجرتكما هجر البغيض وفيكما ... من الناس إنسان إليّ حبيب
[548] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا الرياشي لرجل طلّق امرأتين من أهل الحمى:
[الطويل]
ألا تسألان الله أن يسقي الحمى ... بلى فسقى الله الحمى والمطاليا
وأسأل من لاقيت هل سقي الحمى ... وهل يسألن عنّي الحمى كيف حاليا
وإني لأستسقي لثنتين بالحمى ... ولو تملكان البحر ما سقتانيا
[549] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه، عن أحمد بن عبيد: [الطويل]
لا تعذلينا (2) في الزيارة إنّنا ... وإيّاك كالظمآن والماء بارد
__________
(1) البيتان لأعرابي من بني طهية كما في «معجم البلدان» لياقوت (ج 4ص 748). ط
(2) هو من الطويل دخله الخرم. وهو حذف الحرف الأول من «فعولن». ط(1/186)
يراه قريبا دانيا غير أنه ... تحول المنايا دونه والرّواصد
[550]
[من أمثال العرب]:
وقال الأصمعي: من أمثال العرب: «ذكّرني الطّعن وكنت ناسيا» يضرب مثلا للرجل يسمع الكلمة فيتذكر بها شيئا. قال: ويقال: «الحسن أحمر» أي: من أراد الحسن صبر على أشياء يكرهها. وقال أبو زيد: يقال: «من حفّنا أو رفّنا فليتّرك» زعموا أن امرأة كان قوم يعطونها، فوجدت نعامة قد غصّت بصعرور، فعمدت إلى ثوب فغطّت به رأسها، ثم أتت القوم الذين كانوا يصلونها فقالت لهم هذا الكلام أي: إني قد استغنيت عما كنتم تصلونني به. والصّعرور: صمغ السّمر، ولا يسمّى صعرورا حتى يلتوي. وقال الأصمعي: من أمثالهم: «يداك أوكتا وفوك نفخ» يقال للرجل إذا فعل فعلة أخطأ فيها، يراد بذلك أنك من قبلك أتيت، وزعموا: أن أصل ذلك أن رجلا قطع بحرا بزقّ فانفتح، فقيل له ذلك.
[551]
[مادة: خلل]:
وقال أبو النصر، عن الأصمعي: يقال: فلان كريم الخلّة والخلّ والمخالّة أي: كريم الإخاء والمصادقة، وزاد اللحياني: والخلالة والخلال، وأنشد للنابغة: [المتقارب]
وكيف تصادق من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب
وغيره يروى: وكيف تواصل. وقال أبو عبيد: الخلّة: الصّداقة ومنه الخليل. وقال أبو نصر، عن الأصمعي واللحياني: فلان خلّتي وفلانة خلّتي، الذكر والأنثى فيها سواء.
وقال أبو بكر بن الأنباري في كتاب أبي: عن أحمد بن عبيد، عن أبي نصر: وخلّي.
و [552] أنشد أبو نصر واللحياني لأوفى بن مطر: [المتقارب]
ألا أبلغا خلّتي جابرا ... بأنّ خليلك لم يقتل
[553] وأنشد اللحياني، قال: أنشدنا أبو الدينار: [الرجز]
شبعت من نوم وزاحت علّتي ... وطرقتني في المنام خلّتي
وما علمت أنها ألمّت ... حتّى قضت حاجتها وولّت
[554] قال اللحياني: زاحت: ذهبت، قال: وقال أبو الدينار: أشدّ الزّيحان، قال:
وحكى الكسائي: أشدّ الزّيوح بضم الزاي. قال: ويقال: خاللته مخالّة وخلالا، قال أبو عبيد: ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
ولست بمقليّ الخلال ولا قالي
[555] وقال أبو نصر: المختلّ الجسم: النحيف الجسم. وقال اللحياني: يقال للمهزول القليل اللحم: إنه لخلّ الجسم وخليل الجسم ومختلّ الجسم. وقال أبو عبيد، عن الأصمعي: الخلّ: القليل اللحم، قال: وقال الكسائي مثله، وزاد: خلّ لحمه يخلّ خلّا وخلولا. وقال أبو نصر: يقال: ما أخلّك إلى هذا أي: ما أحوجك إليه. والخلّة: الحاجة،
ويقال للرجل إذا مات: اللهم اخلف على أهله بخير واسدد خلّته يريد الفرجة، قال أوس بن حجر: [المتقارب](1/187)
ولست بمقليّ الخلال ولا قالي
[555] وقال أبو نصر: المختلّ الجسم: النحيف الجسم. وقال اللحياني: يقال للمهزول القليل اللحم: إنه لخلّ الجسم وخليل الجسم ومختلّ الجسم. وقال أبو عبيد، عن الأصمعي: الخلّ: القليل اللحم، قال: وقال الكسائي مثله، وزاد: خلّ لحمه يخلّ خلّا وخلولا. وقال أبو نصر: يقال: ما أخلّك إلى هذا أي: ما أحوجك إليه. والخلّة: الحاجة،
ويقال للرجل إذا مات: اللهم اخلف على أهله بخير واسدد خلّته يريد الفرجة، قال أوس بن حجر: [المتقارب]
لهلك فضالة لا تستوي ال ... فقود ولا خلّة الذاهب
يريد الفرجة التي ترك والثّلمة، يقول: كان سيّدا فلما مت بقيت ثلمته. وقال اللحياني:
الزق بالأخلّ فالأخلّ أي: بالأفقر فالأفقر. والعرب تقول: الخلّهة تدعو إلى السّلّة. قال أبو علي: قال أبو بكر بن دريد: والسّلّة: السّرقة. ويقال: فلان مختلّ الحال.
[556] وقال أبو نصر وأبو عبيد، عن الأصمعي: الخليل: الفقير المحتاج، قال زهير: [البسيط]
وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم
وقال أبو نصر: يقال: في فلان خلّة حسنة أي: خصلة. وقال اللحياني: يقال: إن شراب بني فلان ليست بخمطة ولا خلّة أي: ليست بحامضة، قال: وجمع خلّة: خلّ.
والخمطة: التي أخذت شيئا من الريح كريح النّبق والتفّاح. ويقال: خلّل الشراب إذا صار خلّا، وكذلك كل شيء من الأشربة حمض فقد خلّل، وقال الأصمعي: الخلّة: ما حلا من النّبت. والعرب تقول: الخلّة: خبز الإبل، والحمض: لحمها أو فاكهتها. ويقال: جاءت إبل بني فلان مختلّة أي: قد أكلت الخلّة، وجاءوا مخلّين إذا جاءوا وقد أكلت إبلهم الخلّة، قال العجاج: [الرجز]
جاءوا مخلّين فلا قوا حمضا
[557] قال أبو علي: وقال أبو بكر بن دريد: هذا البيت يضرب مثلا لكل من أتى متهدّدا فصادف ما يقمع تهدّده. قال: والعرب تقول: أنت مختلّ فتحمّض. وقال اللحياني:
يقال: قد عمّ فلان وخلّ وخلّل، والمخلّل: الذي يخصّ، وأنشد: [الرجز]
قد عمّ في دعائه وخلّا ... وخطّ كاتباه واستملّا
[558] وأنشد أيضا: [الطويل]
عهدت بها الحيّ الجميع فأصبحوا ... أتوا داعيا لله عمّ وخللّا
وقال أبو نصر وأبو عبيدة واللحياني، عن الأصمعي: خلّ كساءه وثوبه يخلّه خلّا إذا شكّه بالخلال. وقال اللحياني: يقال: طعنته فاختللت فؤاده، وأنشد: [الكامل]
نبذ الجؤار وضلّ هدية روقه ... لمّا اختللت فؤاده بالمطرد
[559] وقال أبو نصر: أخلّ بموعده إذا لم يوف به. وقال اللحياني: الخلّة: جفن السيف، وجمعها خلل. قال: ويقال: وجدت في فمي خلّة فتخلّلت، وهي ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل، ويقال: أكل خلالته. وقال أبو نصر: الخلّة والخلالة واحد، وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل. وقال اللحياني: خلّل بين أصابعه
بالماء وخلّل لحيته إذا توضّأ. ويقال: خلّ الفصيل يخلّه خلّا إذا جعل في أنفه عودا لئلا يرضع. والخلّ: الطريق في الرّمل، والخلّ والخمر: الخير والشر، يقال: ما فلان بخلّ ولا خمر، أي ليس عنده خير ولا شر، قال النمر بن تولب: [الكامل](1/188)
نبذ الجؤار وضلّ هدية روقه ... لمّا اختللت فؤاده بالمطرد
[559] وقال أبو نصر: أخلّ بموعده إذا لم يوف به. وقال اللحياني: الخلّة: جفن السيف، وجمعها خلل. قال: ويقال: وجدت في فمي خلّة فتخلّلت، وهي ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل، ويقال: أكل خلالته. وقال أبو نصر: الخلّة والخلالة واحد، وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل. وقال اللحياني: خلّل بين أصابعه
بالماء وخلّل لحيته إذا توضّأ. ويقال: خلّ الفصيل يخلّه خلّا إذا جعل في أنفه عودا لئلا يرضع. والخلّ: الطريق في الرّمل، والخلّ والخمر: الخير والشر، يقال: ما فلان بخلّ ولا خمر، أي ليس عنده خير ولا شر، قال النمر بن تولب: [الكامل]
هلّا سألت بعادياء وبيته ... والخلّ والخمر التي لم تمنع
[560]
[الفرصة خلسة، والحياء، والهيبة، والحكمة ضالة المؤمن]:
حدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: قال معاوية:
الفرصة خلسة، والحياء يمنع الرّزق، والهيبة مقرون بها الخيبة، والكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن.
[561]
[موعظة أعرابيّ لابنه وقد أهدر ماله، والاتعاظ بصروف الدهر]:
وحدثنا قال: أنبأنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا من بني مرّة يعظ ابنا له وقد أفسد ماله في الشراب فقال: لا الدّهر يعظك، ولا الأيام تنذرك، والساعات تعدّ عليك، والأنفاس تعد منك، أحبّ أمريك إليك، أردّهما بالمضرّة عليك.
[562]
[أمارات الأخ، والناصح المشفق]:
قال: وأخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيا يقول لأخ له: اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء العواقب برويّته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط الوعر بالسّهل من كلامه ومشورته، ليكون خوفك كفاء رجائك، وشكرك إزاء النعمة عليك، وأن الغاشّ لك والحاطب عليك من مدّ لك في الاغترار، ووطّأ لك مهاد الظلم، تابعا لمرضاتك، منقادا لهواك.
[563] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: قال شبيب بن شبّة لخالد بن صفوان: من أحبّ إخوانك إليك؟ قال: من سدّ خللي، وغفر زللي، وقبل عللي.
[564]
[الدين والمال والعلم]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو عيسى الختّلي، قال: حدثنا أبو يعلى الساجي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: كان يقال: عليك بدينك، ففيه معادك، وعليك بمالك، ففيه معاشك، وعليك بالعلم، ففيه زينك.
[565]
[شعر في تزيّن المغيبة حين يقدم زوجها]:
وقرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله تعالى: [الطويل]
فلمّا مضى شهر وعشر لعيرها ... وقالوا تجئ الآن قد حان حينها
أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت ... جريّا إلى أخرى قريبا تعينها
هذه امرأة تنتظر عيرا تقدم وزوجها فيها، فأرادت أن تنتف بالخيط، وتتهيّأ له.
والجريّ: الرّسول، يقول: أرسلته إلى جارة لها تنتفها لتزيّن، وبعد هذا قال: [الطويل](1/189)
فلمّا مضى شهر وعشر لعيرها ... وقالوا تجئ الآن قد حان حينها
أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت ... جريّا إلى أخرى قريبا تعينها
هذه امرأة تنتظر عيرا تقدم وزوجها فيها، فأرادت أن تنتف بالخيط، وتتهيّأ له.
والجريّ: الرّسول، يقول: أرسلته إلى جارة لها تنتفها لتزيّن، وبعد هذا قال: [الطويل]
فما زال يجري السّلك في حرّ وجهها ... وجبهتها حتّى ثنته قرونها
ثنته: كفّته. وقرونها: ذوائبها.
[566]
[شعر في تذكّر المحبوب، وحبّ ما يذكّر به في شبه أو وصف، وألم الهجر، وطلب الوصل]:
وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة: [البسيط]
يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم ... حبل المعرّف أو جاوزت ذا عشر
إنّ الثّواء بأرض لا أراك بها ... فاستيقنيه ثواء حقّ ذي كذر
وما مللت ولكن زاد حبّكم ... ولا ذكرتك إلا ظلت كالسّدر
أذري الدموع كذي سقم يخامره ... وما يخامرني سقم سوى الذّكر
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم ... يا أشبه الناس كلّ الناس بالقمر
إني لأجذل أن أمسي مقابله ... حبّا لرؤية من أشبهت في الصّور
[567] وأنشدني أبو بكر بن دريد للبعيث الهاشمي (1): [الطويل]
ألا طرقت ليلى الرّفاق بغمرة ... ومن دون ليلى يذبل فالقعاقع
على حين ضمّ الليل من كل جانب ... جناحيه وانصبّ النجوم الخواضع
طمعت بليلى أن تريع وإنما ... يقطّع أعناق الرجال المطامع
وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع
وما كلّ ما منّتك نفسك مخليا ... يكون ولا كلّ الهوى أنت تابع
فما أنت من شيء إذا كنت كلّما ... تذكّرت ليلى ماء عينيك دامع
[568] وقرأت على أبي بكر بن دريد ليزيد بن الطّثريّة (2): [الطويل]
عقيليّة أمّا ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل
تقيّظ أكناف الحما ويظّلها ... بنعمان من وادي الأراك مقيل
أليس قليلا نظرة إن نظرتها ... إليك وكلّا ليس منك قليل
فياخلّة النفس التي ليس فوقها ... لنا من أخلّاء الصّفاء خليل
ويا من كتمنا حبّه لم يطع به ... عدوّ ولم يؤمن عليه دخيل
أما من مقام أشتكي غربة النّوى ... وخوف العدا فيه إليك سبيل
فديتك أعدائي كثير وشقّتي ... بعيد وأشياعي لديك قليل
وكنت إذا ما جئت جئت بعلّة ... فأفنيت علّاتي فكيف أقول
__________
(1) انظر: «التنبيه» [48].
(2) انظر: «التنبيه» [49].(1/190)
فما كلّ يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كلّ يوم لي إليك رسول
[569] قال أبو علي: أخذ من هذا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، حدثنا جحظة، قال: حدثني حماد، عن أبيه: إسحاق بن إبراهيم، قال: أنشدت الأصمعي: [الخفيف]
هل إلى نظرة إليك سبيل ... يرو منها الصّدى ويشف الغليل
إنّ ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثير ممن تحبّ القليل
قال: فقال لي: هذا والله الديباج الخسراوانيّ، فقلت: إنهما لليلتهما، فقال:
أفسدتهما.
[570] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه: [البسيط]
والله لا نظرت عيني إذا نظرت ... إلّا تحدّر منها دمعها دررا
ولا تنفّست إلا ذاكرا لكم ... ولا تبسّمت إلا كاظما عبرا
[571] وأنشدنا أبو بكر بن دريد، قال: أنشدنا الأشنانداني، عن التوزي لطهمان بن عمرو بن بني بكر بن كلاب: [الطويل]
ولو أنّ ليلى الحارثيّة سلّمت ... عليّ مسجّى في الثّياب أسوق
حنوطي وأكفاني لديّ معدّة ... وللنّفس من قرب الوفاة شهيق
إذا لحسبت الموت يتركني لها ... ويفرج عنّي غمّه فأفيق
ونبّئت ليلى بالعراق مريضة ... فماذا الذي تعني وأنت صديق
شفى الله مرضى بالعراق فإنني ... على كلّ شاك بالعراق شفيق
[572] قال: وقرأت عليه لتوبة بن الحميّر: [الطويل]
ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت ... عليّ ودوني تربة وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... ألا كلّ ما قرّت به العين صالح
[573]
[ما قيل في: الحسد، الزّهو، العجب، الجهل، البخل والشهوة، والعقل، والهوى]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت رجلا يقول: الحسد ما حق الحسنات، والزّهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين، والعجب صارف عن الازدياد من العلم داع إلى التّخمّط. والجهل، والبخل أذمّ الأخلاق وأجلبها لسوء الأحدوثة.
[574] قال: وأخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت رجلا يوصي آخر وأراد سفرا فقال: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك، وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إلى الهدى، ويعصمك من الرّدى، ألجم هواك عن الفواحش، وأطلقه في المكارم، فإنك تبرّ بذلك سلفك، وتشيد شرفك.(1/191)
[575]
[المودة، والصداقة، والعداوة، واللئام]:
وحدثنا قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه، قال: سمعت أعرابيّا يوصي ابنه فقال:
ابذل المودّة الصادقة تستفد إخوانا، وتتّخذ أعوانا، فإن العداوة موجودة عتيدة، والصّداقة مستعرزة بعيدة، جنّب كرامتك اللئام، فإنهم إن أحسنت إليهم لم يشكروا، ون نزلت شديدة لم يصبروا.
[576] قال أبو علي: مستعرزة: منقبضة شديدة، يقال: رأيت فلانا اعترز منّي أي:
انقبض. واستعرزت الجلدة في النار: إذا تقبّضت، قال الشماخ: [الطويل]
وكلّ خليل غير هاضم نفسه ... لوصل خليل صارم أو معارز
يقول: كل من لم يظلم نفسه لأخيه ويحمل عليها فإنه قاطع أو منقبض.
[577]
[حسن سؤال رجل لعبد الملك]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن العتبي قال: قال رجل لعبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: يا أمير المؤمنين، هززت ذوائب الرّحال إليك، فلم أجد معوّلا إلا عليك، أمتطي الليل بعد النهار، وأقطع المجاهل بالآثار، يقودني نحوك رجاء، وتسوقني إليك بلوى، والنفس راغبة، والاجتهاد عار، وإذا بلغتك فقدني، قال: احطط عن راحلتك فقد بلغت (1).
[578]
[جواب أعرابي حين سئل عن امرأة]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا الرياشي، عن العتبي قال: سئل أعرابي، عن أمرأة فقال:
هي أرقّ من الهواء، وأطيب من الماء، وأحسن من النّعماء، وأبعد من السماء.
[579]
[الكبر، والحسد، وسوء الأدب، والجبن، والقسوة على الضعفاء، والبخل]:
وحدثنا قال: حدثنا الرياشي، عن الأصمعي، قال: العرب تقول: لاثناء مع الكبر، ولا صديق لذي الحسد، ولا شرف لسيّء الأدب. قال: وكان يقال: شرّ خصال الملوك الجبن عن الأعداء والقسوة على الضعفاء، والبخل عند الإعطاء.
[580]
[رحم آدم، ووصل معاوية لها]:
وحدثني أبو يعقوب ورّاق أبي بكر بن دريد قال: حدثنا أحمد بن عبيد الجوهري، قال: سمعت أحمد بن عبد العزيز، يقول: سمعت أبي يقول: قام رجل إلى معاوية فقال له:
سألتك بالرحم التي بيني وبينك، فقال: أمن قريش أنت؟ قال: لا، قال: أفمن سائر العرب؟
قال: لا، قال: فأيّة رحم بيني وبينك؟ قال: رحم آدم، قال: رحم مجفوّة، والله لأكوننّ أوّل من وصلها، ثم قضى حاجته.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [50].(1/192)
[581]
[المسألة، ودعوات مستجابة]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا الرياشي، عن الأصمعي قال: قيل لأعرابي قدم الحضرة:
ما أقدمك؟ فقال: الحين الذي يغطّي العين.
[582] وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال: حدثنا محمد بن موسى السامي قال: حدثنا الأصمعي قال: مات ولد لرجل من الأعراب فصلّى عليه فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كريم الجدّين، سهل الخدّين، فاغفر له وإلا فلا.
[583] وحدثنا قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، عن ابن الأعرابي قال: ضلّت ناقة أبي السّمّال فقال: والله لئن لم يردّها الله عليّ لا أصلي أبدا، قال: فوجدها متعلقة بزمامها بشجرة، فقال: علم الله أنها منّى صرّى أي: عزيمة.
[584]
[أحدّ وألذّ شيء: الناب والقبلة]:
وحدثني أيضا قال: حدثني أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: قيل لابنة الخسّ: ما أحدّ شيء؟ قالت: ضرس جائع (1)، يقذف في معى ضائع (2). قيل. فما ألذّ شيء؟ قالت: قبلة فتاة فتى، وعيشك ما ذقتها.
[585]
[شعر في امرأة فزعة]:
وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر: [الكامل]
وخمار عانية شددت برأسها ... أصلا وكان منشّرا بشمالها
هذه امرأة فزعة، أخذت خمارها بيدها، فلما أدركها أمنت فاختمرت، ونحو منه بيت عنترة: [الوافر]
ومرقصة رددت الخيل عنها ... وقد همّت بإلقاء الزّمام
مرقصة: امرأة قد ركبت بعيرا فهي ترقصه أي: تنزّيه وتحثّه، وقد همّت أن تلقي زمامها وتستسلم.
[586]
[من أخبار المأمون، والعفو عند المقدرة، والندم توبة]:
وحدثنا الأخفش، قال: بلغني أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون قبل رضاه عنه فقال: يا أمير المؤمنين، وليّ الثّأر محكّم في القصاص، ومن تناوله الاغترار بما مدّ له من أسباب الرخاء أمن عادية الدّهر، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب، كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن تأخذ فبحقّك، وإن تعف فبفضلك، ثم قال: [المجتث]
ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه
فخذ بحقّك أو لا ... فاصفح بفضلك عنه
إن لم أكن في فعالي ... من الكرام فكنه
__________
(1) انظر: «التنبيه» [51].
(2) ضائع: جائع. ط(1/193)
فقال: القدرة تذهب الحفيظة، والندم توبة، وعفو الله بينهما، وهو أكبر ما يحاول، يا إبراهيم، لقد حبّبت إليّ العفو حتى خفت ألّا أوجر عليه، لا تثريب عليك، يغفر الله لك، وعفا عنه وأمر برد ماله وضياعه، فقال: [البسيط]
رددت مالي ولم تبخل عليّ به ... وقبل ردك مالي قد حقنت دمي
فأبت منك وما كافأتها بيد ... هما الحياتان من وفر ومن عدم
وقام علمك بي فاحتجّ عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متّهم
فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتّى أسلّ النّعل من قدمي
ما كان ذاك سوى عاريّة رجعت ... إليك لو لم تهبها كنت لم تلم
[587]
[من أمثال العرب]:
قال الأصمعي: ومن أمثال العرب: «حرّ انتصر» يضرب مثلا للرجل يظلم فينتقم.
ويقال: «أصرد من عنز جرباء» يضرب مثلا للرجل يجد البرد. ويقال: «خرقاء عيّابة» يضرب مثلا للرجل العاجز عن الشيء وهو يعيب العجز. ويقال: «أنجد من رأى حضنا» أي: من بلغ من الأمر هذا المبلغ فقد بلغ معظمه. وحضن: جبل بنجد. ويقال: «حنّ قدح ليس منها» (1) يضرب مثلا للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم. قال: وبلغني أن عمر رضي الله عنه لما قال ابن أبي معيط: أأقتل من بين قريش؟ قال: «حنّ قدح ليس منها»، فلا أدري أقاله مبتدئا أم قيل قبل. وقال أبو زيد: يقال: «ربضك منك وإن كان سمارا» يقول: منك فصيلتك، وهم بنو أبيه، وإن كانوا قوم سوء. ويقال: «منك عيصك وإن كان أشبا» يقول:
منك أصلك وإن كان غير صحيح. ويقال: «أعييتني من شبّ إلى دبّ» أي: أعييتني من لدن شببت إلى أن دببت على العصا، يقال ذلك للمرأة والرجل. ويقال: «أعييتني بأشر فكيف أرجوك بدردر» يقول: أعييتني وأنت شابة باردة الأسنان، فكيف أرجوك إذا سقطت أسنانك.
والدّردر: مكان السّنّ من اللّحي.
[588]
[مادة: ذرأ]:
وقال أبو نصر، عن الأصمعي: ذرئ رأس الرجل يذرأ ذرأ، وقد علته ذرأة أي:
بياض، وأنشد: [الرجز]
وقد علتني ذرأة بادي بدي (2)
[589] وأنشد أبو بكر بن دريد بعد هذا البيت:
ورثية تنهض في تشدّد
__________
(1) القدح: أحد قداح الميسر وإذا كان أحد القداح من غير جوهر إخوانه ثم أجاله المفيض خرج له صوت يخالف أصواتها فيعرف أنه ليس منها. ط
(2) البيت لأبي نخيلة السعدي كما في «اللسان» مادة: «ذرا» و «الأغاني» (ج 18ص 151). ط(1/194)
وقوله: بادي بدي أي: في أول الأمر، ويقال: جدي أذرأ وعناق ذرآء: إذا كان في رأسه ورأسها بياض، ومنه قيل: ملح ذرآنيّ أي: شديد البياض، وقال غيره: وذرآنيّ أيضا، وقال اللحياني: يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم، والله البارئ الذّارى، والخلق مذروءون ومبروءون. وقال أبو نصر: ذرا يذرو ذروا إذا مرّ مرّا سريعا، وذرا ناب الجمل يذرو ذروا إذا انكسر حدّه، وقال أوس بن حجر: [الطويل]
وإن مقرم (1) منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم
[590] وذرت الريح التراب تذروه ذروا، ومنه قيل: ذرّى الناس الحنطة، قال:
ويقال: ذرت الريح التراب تذريه، بمعنى ذرته تذروه، وطعنه فأذراه عن فرسه أي: رمى به وقلعه عن السّرج، وقال الأصمعي: أذرته إذا قلعته من أصله قلعا، وذرته طيّرته، قال ابن أحمر: [الطويل]
لها منخل تذري إذا عصفت به ... أهابيّ سفساف من التّرب توأم
وقال اللحياني: ذرت الريح التراب تذروه وتذريه إذا سحفته وأذهبته. قال: وقال الكسائي: ذروت وذريت وذرّيت بمعنى واحد أي: نقّيتها في الريح، قال أبو نصر: فلان يذرّي فلانا أي: يرفع من شأنه ويمدحه، قال الراجز: [الرجز]
عمدا أذرّي حسبي أن يشتما ... بهدر هدّار يمجّ البلغما
[591] وقال أبو زيد: ذرّيت الشاة إذا جززتها وتركت على ظهرها شيئا منه لتعرف به، ولا يكون ذلك إلا في الضأن، وقال أبو نصر وغيره: ذروة كلّ شيء أعلاه، ويقال: فلان في ذرى فلان أي: في دفئه وظلّه. ويقال: استذر بهذه الشجرة. أي: كن في دفئها، وهو الذّرى مقصور. ويقال: «جاء ينفض مذرويه» إذا جاء باغيّا يتهدّد، قال: والمذروان:
الناحيتان، قال بعض (2) هذيل يذكر القوم (3): [المتقارب]
على كلّ هتّافة المذروي ... ن صفراء مضجعة في الشّمال
يعني: الجانبين اللذين يقع عليهما الوتر من أسفل ومن أعلى.
[592] قال أبو علي: وهذا القول مشتمل على من سمّى ناحيتي الرأس مذروين، وعلى ما رواه أبو عبيد، عن أبي عبيدة: أن المذروين أطراف الأليتين، وأنشد لعنترة: [الوافر]
أحولي تنفض استك مذرويها ... لتقتلني فهأنذا عمارا
__________
(1) في «اللسان» مادة «قرم»: إذا مقرم إلخ.
(2) هو أمية بن أبي عائذ كما في «منتهى أشعار الهذليين» لأبي سعيد الحسن بن الحسين السكري (ص 193) طبع لندن سنة 1854م ورواية البيت فيه هكذا:
على عجس هتافة المذروي ... ن زوراء مضجعة في الشمال
والعجس: المقبض، وزوراء: معوجة. ط
(3) انظر: «التنبيه» [52].(1/195)
قال: وليس لهما واحد لأنه لو كان لهما واحد فقيل مذرى لقيل في التثنية مذريان بالياء وما كانت بالواو، وقال أبو نصر: يقال: بلغني عنه ذرء من خبر أي: طرف ولم يتكامل.
[593] وأنشدنا أبو بكر بن دريد لمعقر بن حمار البارقي: [الوافر]
إذا استرخت عماد الحيّ شدّت ... ولا يثنى لقائمة وظيف
يقول: هم سائرون وبيوتهم على ظهور إبلهم، فإذا استرخى منها شيء شدّ من غير أن ينيخوا بعيرا ويثنوا وظيفه.
[594]
[شعر في السلو عن المحبوب والبعد عنه تكرّما إن بدأ بالصّدّ]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه: [الوافر]
أما والله ثمّ الله حقا ... يمين البرّ أتبعها يمينا
لقد حلّت أميمة من فؤادي ... تلاعا ما أبحن وما رعينا
ولكنّ الخليل إذا قلانا ... وآثر بالمودّة آخرينا
صددت تكرّما عنه بنفسي ... وإن كان الفؤاد به ضنينا
[595]
[شعر في الحفاظ على المحبوب من ألسن الناس]:
وأنشدنا، قال: أنشدني عبيد الله بن إسحاق بن سلام: [الكامل]
نزلت بمكّة في قبائل نوفل ... ونزلت خلف البئر أبعد منزل
حذرا عليها من مقالة كاشح ... ذرب اللسان يقول ما لم أفعل
[596]
[شعر في هوى المحبوب وترك عتابه، والتغزّل بأوصافه، وقصر الوقت معه وإن طال، وتحمّل اللوم فيه]:
وأنشدني نفطويه لنفسه: [الكامل]
أتخالني من زلّة أتعتّب ... قلبي عليك أرقّ مما تحسب
قلبي وروحي في يديك وإنما ... أنت الحياة فأين عنك المذهب
[597] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري البيت الأول من هذين البيتين، عن أبي العباس أحمد بن يحيى، وقرأت القصيدة بأسرها على أبي بكر بن دريد لجميل بن معمر العذري:
[الوافر]
وقالوا لا يضيرك نأي شهر ... فقلت لصاحبيّ فمن يضير
يطول اليوم إن شحطت نواها ... وحول نلتقي فيه قصير
[598] وحدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس المبرد قال: أنشدنا الزبير لبثينة: [الطويل]
وإن سلوّي عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها
[599] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: أنشدني أبي: [البسيط](1/196)
وإن سلوّي عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها
[599] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: أنشدني أبي: [البسيط]
لما تبدّت من الأستار قلت لها ... سبحان سبحان ربي خالق الصور
ما كنت أحسب شمسا غير واحدة ... حتى رأيت لها أختا من البشر
كأنها هي إلا أن يفضّلها ... حسن الدلال وطرف فاتر النظر
[600] وقرأت على أبي بكر بن دريد لابن الدمينة (1): [الطويل]
ألا لا أرى وادي المياه يثيب ... ولا النّفس عن وادي المياه تطيب
أحبّ هبوط الواديين وإنني ... لمستهتر بالواديين غريب
أحقّا عباد الله أن لست واردا ... ولا صادرا إلا عليّ رقيب
ولا زائرا وحدي ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل أنت مريب
وهل ريبة في أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحنّ نجيب
وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيب
[601] وقرأت عليه أيضا: [الكامل]
صفراء من بقر الجواء كأنما ... ترك الحياء بها رداع سقيم (2)
من محذيات (3) أخي الهوى جرع الأسى ... بدلال غانية ومقلة ريم
وقصيرة الأيام ودّ جليسها ... لو دام مجلسها بفقد حميم
[602] وقرأت عليه أيضا: [الطويل]
لك الله إنّي واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب
فلا تتركي نفسي شعاعا (4) فإنها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب
وإني لأستحييك حتى كأنما ... عليّ بظهر الغيب منك رقيب
[603] وقرأت عليه لجميل بن معمر العذري، وأنشدني البيتين الأوّلين أبو معاذ عبدان المتطبب: [الطويل]
فلو أرسلت يوما بثينة تبتغي ... يميني ولو عزّت علي يميني
لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها ... وقلت لها بعد اليمين سليني
__________
(1) انظر: «التنبيه» [53].
(2) الأبيات لقيس بن معاذ مجنون بني عامر (المعروف بمجنون ليلى) كما في «اللسان» مادة «ردع»:
والرداع هنا: وجع الجسد. ط
(3) محذيات: من أحذيته إذا أعطيته. ط
(4) نفس شعاع: متفرقة، والأبيات لقيس بن معاذ مجنون بني عامر كما في «اللسان» مادة «شعع». ط(1/197)
سليني ما لي يابثين فإنما ... يبيّن عند المال كلّ ضنين
فمالك لمّا خبّر الناس أنني ... أسأت بظهر الغيب لم تسليني
فأبلي عذرا أو أجيء بشاهد ... من الناس عدل أنهم ظلموني
ولست وإن عزّت عليّ بقائل ... لها بعد صرم يا بثين صليني
ونبّئت قوما فيك قد نذروا دمي ... فليت الرّجال الموعدين لقوني
إذا ما رأوني مقبلا عن جنابة ... يقولون من هذا وقد عرفوني
[604] وأنشدنا أبو بكر بن السراج هذين البيتين الأخيرين:
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي ... وهمّوا بقتلي يا بثين لقوني
إذا ما رأوني طائعا من ثنيّة ... يقولون من هذا وقد عرفوني
[605]
[من حرم الخمر على نفسه في الجاهلية تكرما وصيانة]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد والعباس بن هشام، قالا: حرّم رجال الخمر في الجاهلية تكرّما وصيانة لأنفسهم، منهم عامر بن الظّرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان، وقال في ذلك: [البسيط]
سأّلة للفتى ما ليس في يده ... ذهّابة بعقول القوم والمال
أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتّى يفرّق ترب القبر أوصالي
مورثة القوم أضغانا بلا إحن ... مزرية بالفتى ذى النّجدة الحالى
[606] وحرّم قيس بن عاصم الخمر وقال في ذلك: [الطويل]
لعمرك إنّ الخمر ما دمت شاربا ... لسالبة مالي ومذهبة عقلي
وتاركتي من الضّعاف قواهم ... ومورثتي حرب الصّديق بلا تبل (1)
[607] قال: وحرّم صفوان بن أميّة بن محرّث الكناني الخمر في الجاهلية وقال في ذلك: [الوافر]
رأيت الخمر صالحة وفيها ... مناقب تفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي ... ولا أشفي بها أبدا سقيما
[608] قال: وحرّم عفيف بن معديكرب عم الأشعث بن قيس الخمر وقال: [الوافر] وقائله هلمّ إلى التصابي ... فقلت عففت عما تعلمينا
وودّعت القداح وقد أراني ... بها في الدّهر مشعوفا رهينا
وحرّمت الخمور عليّ حتّى ... أكون بقعر ملحود دفينا
__________
(1) كذا في الأصل المخطوط، والتبل: العداوة، وفي الطبعة الأولى: «نبل» بالنون. ط(1/198)
[609] وقال عفيف بن معديكرب أيضا: [الوافر]
فلا والله لا ألفى وشربا ... أنازعهم شرابا ما حييت
أبى لي ذاك آباء كرام ... وأخوال بعزّهم ربيت
[610] قال: وحرّم سويد بن عدي بن عمرو بن سلسلة الطائيّ ثم المعنيّ الخمر وأدرك الإسلام فقال: [الوافر]
تركت الشّعر واستبدلت منه ... إذا داعي منادي الصّبح قاما
كتاب الله ليس له شريك ... وودّعت المدامة والنّدامى
وحرّمت الخمور وقد أراني ... بها سدكا وإن كانت حراما
[611]
[مادة شعف، ومرادفات: لصق]:
قال أبو علي: الشّعف: حرقة يجدها الرجل مع لذّة في قلبه ولذلك قال امرؤ القيس: [الطويل]
أيقتلني وقد شعفت فؤادها ... كما شعف المهنوءة الرّجل الطالي
لأن المهنوءة تجد للهناء لذة مع حرقة. والشّغف: أن يبلغ الحبّ شغاف القلب، وهي جلدة دونه، والشّغاف أيضا: داء يكون في أحد شقّى البطن، ولذلك قال النابغة: [الطويل]
وقد حال همّ دون ذلك والج ... ولوج الشّغاف تبتغيه الأصابع
يعني أصابع الأطباء يلمسنه: هل وصل إلى القلب أم لا لأنه إذا اتصل بالقلب تلف صاحبه. ويقال: سدك به وعسك وعسق ولكد ولكي وحلس وعبق ولذم وغري: إذا لصق به ولزمه، وكذلك درب به وضري به ولهج به وأعصم به وأخلد به وعضّ به وأزم به وألظّ به.
[612] قال الحارث بن حلّزة: [الكامل]
طرق الخيال ولا كليلة مدلج ... سدكا بأرحلنا ولم يتعرّج
[613] وقال آخر: [الطويل]
وما كنت أخشى الدهر إحلاس مسلم ... من الناس ذنبا جاءه وهو مسلما
أراد: وما كنت أخشى الدهر إلزام مسلم مسلما ذنبا جاءه وهو أي: جاءاه معا.
[614] وقال رؤبة: [الرجز]
والملغ يلكى بالكلام الأملغ
الملغ: الماجن، والأملغ: الأمجن. وقال كعب بن زهير يمدح الأنصار: [الكامل]
دربوا كما دربت أسود خفيّة ... غلب الرّقاب من الأسود ضواري
[615] وقال العجاج (1): [الرجز]
__________
(1) انظر: «التنبيه» [54].(1/199)
يقتسر الأقران بالتّقمّم ... قسر عزيز بالأكال ملذم
والأكال: ما أكل.
[616] وقال أوس بن حجر (1): [الطويل]
فما زال حتّى نالها وهو معصم ... على موطن لو زلّ عنها تفصّلا
[617]
[أسوأ ما في الكريم وخير ما في اللئيم]:
قال أبو علي: حدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي قال:
سمعت أعرابيّا يقول: أسوأ ما في الكريم أن يكفّ عنك خيره، وخير ما في اللئيم أن يكفّ عنك شرّه.
[618]
[رسالة رجل إلى أخ له يسأله]:
وحدثنا أبو عثمان الأشنانداني، عن الأخفش سعيد بن مسعدة قال: كتب رجل من أهل البصرة إلى أخ له: أما بعد، فإنه يسهّل عليّ طلب الحاجة أمران فيك، وأمران لي، وأمر من قبل الله، وبه تمامها، فأما اللذان فيك: فاجتهادك في النّجح ومبالغتك في الاعتذار، وأما اللذان لي: فإني لا أضيّق عليك بعذري، ولا أصون عنك شكري، وأما الذي من قبل الله جل وعزّ: فإيماني بأن كلّ مقدور كائن، والسلام.
[619]
[الكرم، وبيع اللّبن]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو عثمان، عن التوّزي، عن أبي عبيدة قال: مرّ رجل من أهل الشام بامرأة من كلب فقال: هل من لبن يباع؟ فقالت: إنك للئيم أو حديث عهد بقوم لئام، هل يبيع الرّسل كريم أو يمنعه إلا لئيم! إنا لندع الكوم لأضيافنا تكوس، إذا عكف الزمان الضّروس، ونغلي اللحم غريضا، ونهينه نضيجا.
قال أبو علي: الرّسل: اللّبن.
[620] وأنشدنا أبو بكر (2): [الطويل]
فتى لا يعدّ الرّسل يقضي مذمّة ... إذا نزل الأضياف أو ينحر الجزرا
وكذلك أيضا الرّسل في المشي بكسر الراء: وهو الهيّن الرّفيق، قال صخر الغيّ:
[الرجز]
لو أنّ حولي من تميم (3) رجلا ... لمنعوني نجدة أو رسلا
يقول: لمنعوني بأمر شديد أو بأمر هين، والرّسل بفتح الراء والسين: الإبل.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [55].
(2) انظر: «التنبيه» [56].
(3) في «اللسان» مادة «رسل»: قريم. ط(1/200)
[621] قال الأعشى: [البسيط]
يبغي (1) ديارا لها قد أصبحت غرضا ... زورا تجانف عنها القود والرّسل
القود: الخيل. وتكوس: تمشي على ثلاث. ونغلي: من الغلاء.
[622]
[فضل الربيع بن زياد، وأدب الصحبة، ودلالة المكتوب على عقل كاتبه]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر، عن العكلي، عن ابن أبي خالد قال: قال زياد: ما قرأت كتاب رجل قطّ إلا عرفت عقله فيه، وما رأيت مثل الربيع بن زياد رجلا، ما كتب إليّ كتابا قط إلا في جرّ منفعة أو دفع مضرّة، ولا سألته عن شيء قط إلا وجدت منه عنده علما، ولا نظرته في شيء إلا وجدته قد سبق على الناس فيه، ولا سايرني قطّ فمسّت ركبته ركبتي.
[623]
[قول أعرابيّ أنكر عليه غسل وجهه ورجليه قبل الاستنجاء للوضوء]:
وحدثنا أبو عبد الله نفطويه قال: حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا الأصمعي قال:
توضأ أعرابي فبدأ بوجهه ورجليه ثم استنجى، فقيل له: أخطأت السّنّة، فقال: لم أكن لأبدأ بالخبيثة قبل جوارحي.
[624]
[خبر المجنون في تتبّعه آثار المحبوب، وقوله في ذلك، وتوجّعه من فراقهم، ومن أشعار الدموع]:
وحدثنا أيضا قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثني القروي، عن موسى بن جعفر بن أبي كثير، قال: كان المجنون لما أصابه ما أصابه يخرج فيأتي الشأم فيقول: أين أرض بني عامر؟ فيقال له: أين أنت عن أرض بني عامر؟ عليك بنجم كذا وكذا، فينصرف حتى يأتي أرض بني عامر فيقف عند جبل لهم يقال له: التّوباذ، وينشد: [الطويل]
وأجهشت للتّوباذ حين رأيته ... وكبّر للرحمن حين رآني
فأذريت دمع العين لمّا رأيته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له أين الذين عهدتهم ... حواليك في أمن وخفض زمان (2)
فقال مضوا واستودعوني بلادهم ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
وإني لأبكي اليوم من حذري غدا ... فراقك والحيّان مجتمعان
سجالا وتهنانا ووبلا وديمة ... وسحّا وتسكابا وتنهملان
ثم يمضي حتى يأتي العراق فيقول مثل ذلك، ثم يأتي اليمن فيقول مثل ذلك.
__________
(1) في «اللسان» مادة «رسل»: يسقى رياضا. ط
(2) رواية «معجم البلدان» لياقوت (ج 1ص 888): «بربك في مخفض وعيش ليان». ط(1/201)
[625] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه، عن أحمد بن عبيد، عن أبي عمرو الشيباني للمجنون: [الطويل]
ذد الدّمع حتى يظعن الحيّ إنما ... دموعك إن فاضت عليك دليل
كأنّ دموع العين يوم تحمّلوا ... جمان على جيب القميص يسيل
[626] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى: [الطويل]
ومستنجد بالحزن دمعا كأنه ... على الخدّ ممّا ليس يرقأ حائر
إذا ديمة منه استقلّت تهلّلت ... أوائل أخرى ما لهنّ أواخر
ملا مقلتيه الدمع حتّى كأنه ... لما انهلّ من عينيه في الماء ناظر
[627] وأنشدنا هذه الأبيات أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، عن أبي العباس محمد بن يزيد الثّمالي، وقال: قال أبو العباس: هذه الأبيات أحسن ما قيل في الدموع، وزاد في آخرها بيتا: [الطويل]
وينظر من بين الدموع بمقلة ... رمى الشّوق في إنسانها فهو ساهر
[628] وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله: [الطويل]
نظرت كأنّي من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصّبابة أنظر
فعيناي طورا تغرقان من البكا ... فأعشى وحينا تحسران فأبصر
[629] وأنشدني أبو عبد الله نفطويه، عن أحمد بن يحيى لذي الرمة: [الطويل]
وما شنّتا خرقاء واهيتا الكلى ... سقى بهما ساق ولمّا تبلّلا
بأضيع من عينيك للدمع كلّما ... تذكّرت ربعا أو توهّمت منزلا
[630] وحدثني أبو بكر التاريخي، قال: قال بشار: ما زال غلام (1) من بني حنيفة يدخل نفسه فينا ويخرجها منّا حتى قال: [الكامل]
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار
[631] وأنشدني أيضا قال: أنشدني البحتري لنفسه: [الوافر]
وقفنا والعيون مشعّلات ... يغالب دمعها نظر كليل
نهته رقبة الواشين حتّى ... تعلّق لا يغيض ولا يسيل
[632] وأنشدني بعض أصحابنا لدعبل الخزاعي: [الكامل]
يا ربع أين توجّهت سلمى ... أمضت فمهجة نفسه أمضى
__________
(1) غلام من بني حنيفة: يعني به العباس بن الأحنف، فإن العباس من بني حنيفة وهذان البيتان في «ديوانه» (ص 68طبع الجوائب). ط(1/202)
لا أبتغي سقي السحاب لها ... في مقلتي عوض من السّقيا
[633] وأنشدني جحظة لنفسه: [الطويل]
ومن طاعتي إيّاه أمطر ناظري ... له حين يبدي من ثناياه لي برقا
كأنّ دموعي تبصر الوصل هاربا ... فمن أجل ذا تجري لتدركه سبقا
[634] وكان أبو بكر بن دريد يستحسن (1) قول أبي نواس (2) في هذا المعنى:
[الخفيف]
لا جزى الله دمع عيني خيرا ... وجزى الله كلّ خير لساني
نمّ دمعي فليس يكتم شيئا ... ورأيت اللسان ذا كتمان
كنت مثل الكتاب أخفاه طيّ ... فاستدلّوا عليه بالعنوان
[635] وأنشدنا نفطويه لنفسه: [الكامل]
قلبي عليك أرقّ من خدّيكا ... وقواي أوهى من قوى جفنيكا
لم لا ترقّ لمن تعذّب نفسه ... ظلما ويعطفه هواه عليكا
[636] وأنشدنا أبو بكر لنفسه: [السريع]
إن الذي أبقيت من جسمه ... يا متلف الصّبّ ولم يشعر
صبابة لو أنها دمعة ... تجول في جفنك لم تقطر
[637]
[من أمثال العرب]:
قال الأصمعي: من أمثال العرب: «لا يعدم شقيّ مهرا» أي: لا يعدم شقي عناء.
ويقال: «لا تعدم الحسناء ذاما» يراد: لا يخلو الرجل من أن يكون ما يعاب. ويقال: «ليس عليك نسجه فاسحب وجرّ» يضرب مثلا للرجل يفسد ما لم يتعنّ فيه، ويقال: «اللّيل أخفى للويل» أي: الستر أستر من المكاشفة، ويقال: «قبل الرّماء، تملأ الكنائن» يراد به: قبل وقوع الأمر يعدّ له.
* * * [638] وأنشدني أبو الميّاس البيت الأول من هذين البيتين، فأنشدته أبا بكر بن دريد فزادني البيت الثاني: [الطويل]
ولذّ كطعم الصّرخديّ تركته ... بأرض العدا من خشية الحدثان
ومبد لي الشّحناء بيني وبينه ... دعوت وقد طال السّرى فدعاني
لذّ يعني: النوم. والصّرخديّ: العسل، كذا قال أبو المياس. والعدا: الأعداء،
__________
(1) قوله: «قول أبي نواس» إلخ كتب بهامش الأصل: هذه الأبيات للعباس بن الأحنف اه. ط
(2) انظر: «التنبيه» [57].(1/203)
ولحدثان: ما يحدث من الأمور. وقال أبو بكر: اللّذّ: اللذيذ، يعني: النوم. والصّرخديّ:
الخمر. وقوله: ومبد لي الشّحناء يعني: كلبا. وذلك أن الرجل إذا تحيّر في الليل فلم يدر أين البيوت نبح، فتسمعه الكلب فتنبح، فيقصد أصواتها، وهذا الذي تقول له العرب:
المستنبح، ثم أنشدني: [الطويل]
ومستنبح بات الصّدى يستتيهه ... فتاه وجوز الليل مضطرب الكسر (1)
رفعت له نارا ثقوبا زنادها ... تليح إلى الساري هلمّ إلى قدري
فلما أتى والبؤس رادف رحله ... تلقّيته منّي بوجه امرئ بشر
فقلت له أهل كأهل فلم يجر ... بك الليل إلا للجميل من الأمر
وكاد تطير الشّول عرفان صوته ... ولم تمس إلا وهي خائفة العقر
[638]
[مادة بشر]:
قال أبو علي: بشرا: مصدر بشرته أبشره بشرا، والبشر: الاسم، أراد بوجه امرئ ذي بشر، فحذف المضاف، وفي بشرت (2) لغات، قال الكسائي: يقال: بشّرت فلانا بخير أبشّره تبشيرا، وبشرته أبشره بشرا، وبشرته أبشره بشرا وبشورا، وأبشرته أبشره إبشارا في معنى واحد، وحكى عن بعضهم أنه قال: دخلت على الناطفي فبشرني ببشر حسن، قال: وسمعت أبا ثروان ورجلا من غنيّ يقولان: بشرني فلان بخير وبشرته بخير. قال ويقال: أبشر فلان بخير أي: استبشر، وهو قول الله عزّ وجلّ: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت: 30] أي:
استبشروا، وكذا كلام العرب إذا أخبروا عن أنفسهم قالوا: قد أبشرنا أي: فرحنا، قال:
ويقال أيضا: بشرت بهذا الأمر أبشر بشورا أي: فرحت واستبشرت، على معنى أبشرت، وهي في قضاعة، وقرأ أبو عمرو: {أَنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكَ} [آل عمران: 39] بالتخفيف.
[639]
[مادة: خفى]:
وقال اللحياني: خفيت الشيء أخفيه خفيّا وخفيّا إذا استخرجته وأظهرته، وأنشد:
[الطويل]
خفاهنّ (3) من أنفاقهنّ كأنّما ... خفاهنّ ودق من سحاب مركّب
قال أبو علي: وغيره يروي: من عشيّ مجلّب أي: مصوّت. ويقال: اختفيت الشيء أي: أظهرته. وأهل الحجاز يسمون النّبّاش: المختفي لأنه يستخرج أكفان الموتى. وأخفيت الشيء أخفيه إخفاء إذا سترته، قال الله عز وجل: {أَكََادُ أُخْفِيهََا} [طه: 15] وهي قراءة
__________
(1) الكسر: بالفتح ويكسر: الناحية. ط
(2) حاصل أبواب هذا الفعل: أن بشر بوزن فرخ لازم فقط، وبشر بوزن نصر وأبشر بوزن أكرم يتعديان ويلزمان. وبشر المضاعف متعد فقط. ط
(3) البيت لامرئ القيس يصف فرسا كما في «اللسان» مادة: «خفى».(1/204)
العامة والناس، وروى عن سعيد بن جبير: أنه كان يقرأ {أَكََادُ أُخْفِيهََا} [طه: 15] أي:
أظهرها، وقال أبو عبيدة: أخفيت الشيء كتمته وأظهرته. ويقال: دعوت الله خفية وخفية أي: في خفض، قال الله عزّ وجلّ.: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وهي قراءة الناس والمجتمع عليها، وكان عاصم يقرأ {تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] في جميع القرآن. وقال اللحياني وأبو نصر: الخافي: الجنّ. قال اللحياني يقال: أصابته ريح من الخوافي، وأصابته ريح من الخافي، وهو واحد الخوافي، وقال أبو نصر: الخوافي جمع الجمع، وسمعت أبا بكر بن دريد يقول: إنما قيل لهم خاف لخفائهم واستتارهم عن العيون.
وقال اللحياني: الخوافي من السّعف: ما دون القلبة، واحدتها خافية. والخوافي من ريش الطائر: ما دون المناكب، وهي أربع ريشات. قال: ويقال لأربع ريشات في مقدّم الجناح:
القوادم، ثم تليها أربع ريشات مناكب، ثم تليها أربع ريشات خواف، ثم يلي الخوافي أربع أباهر. وقال غيره: في جناح الطائر عشرون ريشة مما يلي الجنب، فأربع قوادم، وأربع مناكب، وأربع كلى، وأربع خواف، وأربع أباهر، ويقال: برح الخفاء أي: ظهر الأمر، وصار كأنه في براح، وهو المكان المستوي المتّسع. وقال اللحياني: قال بعضهم: برح الخفاء أي: ذهب السّر وظهر، والخفاء ههنا: السّر. وقال: الخفاء مصدر خفي يخفى خفاء، وقال بعضهم: الخفاء: المتطأطئ من الأرض، والبراح: المرتفع الظاهر، فيقول:
ارتفع المتطأطئ حتى صار كالمرتفع الظاهر، وقال أبو نصر: الخفاء: ما غاب عنك.
[640]
[مادة: خيف وخوف]:
وقال اللحياني: يقال: الناس أخياف في هذا الأمر أي: مختلفون لا يستوون.
ويقال: خيّفت المرأة أولادها إذا جاءت بهم أخيافا أي: مختلفين، ويقال: تخيّفت الإبل وتبرقطت إذا اختلفت وجوهها في الرعي. والخيف: ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل، ومنه مسجد الخيف بمنى. ويقال: أخاف الرجل فهو مخيف إذا أتى الخيف، والقوم مخيفون. والخيف: جلد ضرع الناقة، يقال: ناقة خيفاء، والجمع خيفاوات وخيف، ويقال: بعير أخيف إذا كان واسع الخيف، وهو جلد الثّيل (1)، وأنشدنا أبو نصر: [الرجز]
صوّى لها ذا كدنة جلذيّا ... أخيف كانت أمّه صفيّا (2)
وقال اللحياني يقال: خيفت الناقة تخيف خيفا إذا اتسع جلد ضرعها. ويقال: فرس أخيف، والأنثى خيفاء، والجمع خيف، إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء.
والخيفان: الجراد إذا صارت فيها ألوان مختلفة، واحدتها خيفانة، وبه سميت الفرس خيفانة لسرعتها، وقال أبو بكر: إنما قيل للفرس خيفانة لأن الجرادة إذا ظهرت فيها تلك الألوان
__________
(1) الثبل بالكسر والفتح: وعاء قضيب البعير وغيره: أو هو القضيب نفسه «قاموس». ط
(2) البيت للفقعسي يصف الراعي والإبل كما في «اللسان» مادة «صوى». ط(1/205)
كان أسرع لطيرانها. وقال اللحياني: تخوّفت الشيء تنقّصته، قال الله عزّ وجلّ: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى ََ تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] أي: على تنقّص. ويقال: تحوّفت الشيء بالحاء غير معجمة، إذا أخذت من حافته. وقال أبو نصر: وجمع مخيف إذا أخاف من ينظر إليه.
وحائط. مخوف، وثغر مخوف، وطريق مخوف، إذا كان يفرق منه. وقال اللحياني: وقد يقال ثغر مخيف إذا كان يخيف أهله. ويقال: خفت من الشيء أخاف خوفا وخيفة وخيفا، وهو جمع خيفة، قال الهذلي (1): [المتقارب]
فلا تقعدنّ على زخّة ... وتضمر في القلب وجدا وخيفا
والزّخّة: الدّفعة، يقال: زخّ في صدره يزخّ زخّا أي: دفع، ومنه قيل للمرأة مزخّة.
ويقال: فلان خائف والقوم خائفون وخوّف وخيّف، قال الله تبارك وتعالى: {أَنْ يَدْخُلُوهََا إِلََّا خََائِفِينَ} [البقرة: 114] وفي حرف أبيّ وابن مسعود (أن يدخلوها إلّا خيّفا) والخافة:
خريطة من أدم ضيّقة الرأس واسعة الأسفل، تكون مع مشتار العسل إذا صعد ليشتار.
[641]
[أدب الولاة، وبذلهم العطاء لكلّ أحد]:
وحدثنا أبو عبد الله نفطويه، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، عن حماد بن إسحاق، عن أبيه قال: حدثني عمّي صبّاح بن خاقان قال: قال خالد بن صفوان لبعض الولاة: قدمت فأعطيت كلّا بقسطه من وجهك وكرامتك، حتّى كأنك لست من أحد، أو حتى كأنك من كل أحد.
[642]
[شعر في عفّة الحب وأنواعه، وجفاء المحبوب]:
وأنشدني أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدني أبي، عن أحمد بن عبيد: [البسيط]
ما لرسولي أتاني منك بالياس ... وقال أظهرت بعدي جفوة القاسي
إني أحبّك حبّا لا لفاحشة ... والحبّ ليس به في الله من باس
[643]
[شعر فيمن تسلّى عن الأولى بثانية فذكّرته بالأولى]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد: [الطويل]
ولمّا أبى إلا جماحا فؤاده ... ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل
تسلّى بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلّى بها تغري بليلى ولا تسلي
[644]
[دوام المحبة رغم الفراق]:
وأنشدنا أبو عبد الله: [البسيط]
يا منية النفس إن أعطيت منيتها ... وسؤلتي إن دنونا أو نأيناك
هل بعتنا ببديل منذ لم نركم ... فما بشيء من الأشياء بغناك
__________
(1) هو صخر الغي كما في «منتهي أشعار الهذليين» (ص 46طبع لندن سنة 1854م). ط(1/206)
إن كنت لم تذكرينا عند فرقتنا ... فيشهد الله أنّا ما نسيناك
[645]
[صلة الرّحم]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: تذاكر قوم صلة الرّحم وأعرابي جالس فقال: منسأة في العمر، مرضاة للرب، محبّة في الأهل.
[646]
[وصف أعرابي للناقة]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الله، عن عمه قال: وصف أعرابيّ ناقة، فقال: إذا اكحالّت عينها، وأللت (1) أذنها، وسجح خدّها، وهدل مشفرها، واستدارت جمجمتها، فهي الكريمة.
قال أبو علي: سجح: سهل وحسن. وهدل: استرخى.
[647]
[دعاء أعرابية على رجل]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: سمعت عمي يقول: سمعت أعرابية تقول لرجل: رماك الله بليلة لا أخت لها أي: لا تعيش بعدها.
[648]
[آثار الفقر والحاجة]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال أكثم بن صيفيّ: سوء حمل الفاقة يحرض (2) الحسب، ويقوّي الضّرورة، ويذئر أهل الشّماتة.
قال أبو علي: يذئر: يحرّش، يقال: أذأرته بأخيه إذا حرّشته عليه وأولعته به، وقد ذئر هو ذأرا حين أذأرته، قال الشاعر: [الكامل]
ولقد (3) أتاني عن تميم أنّهم ... ذئروا لقتلى عامر وتغضّبوا
[649]
[أولى الناس بالفضل، وسيل تزكية العقل، وأمارة العاقل، وحسن التدبير]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال بعض العرب: أولى الناس بالفضل: أعودهم بفضله، وأعون الأشياء على تذكية العقل: التّعلّم، وأدلّ الأشياء على عقل العاقل: حسن التدبير.
[650]
[ما قيل في قضاء الحاجة وردّ المحتاج، وفقد الصديق]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال رجل من العرب: ما رأيت كفلان، إن طلب حاجة غضب قبل أن يردّ عنها، وإن سئل حاجة ردّ صاحبها قبل أن يفهمها.
__________
(1) أللت: انتصبت في دقة واستواء. ط
(2) يحرض: يفسد. ط
(3) البيت لعبيد بن الأبرص: كما في «اللسان» مادة: «ذار». ط(1/207)
[660] وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال بعض الأعراب: لا أعرف ضرّا أوصل إلى نياط القلب من الحاجة إلى من لم تثق بإسعافه ولا تأمن ردّه، وأكلم المصائب فقد خليل لا عوض منه.
[661] وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: ذكر رجل حاتما الطائي فقال: كان إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا أسر أطلق.
[662]
[ما قيل في ممازحة المحبّ، وغفران زلّات الإخوان ومحادثتهم]:
وحدثنا قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قيل لأعرابي: أيّ شيء أمتع؟
فقال: ممازحة المحبّ، ومحادثة الصديق، وأمانيّ تقطع بها أيّامك.
[663] وحدثنا قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يقول: من لم يرض عن صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه، ومن عاتب على كل ذنب كثر عدوّه، ومن لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قلّ صديقه.
* * * [664] وأنشدنا أبو عبد الله: [السريع]
الرّمح لا أملأ كفّي به ... واللّبد لا أتبع تزواله
يقول: لا أقاتل بالرمح وحده فأشغل كفي به دون غيره من السلاح، ولكني أقاتل به وبغيره، وإذا زال الّلبد عن متن الفرس لم أزل معه وثبتّ، يصف نفسه بالفروسيه.
[665]
[خبر المجاشعي في حبّ ابنة عمّه، وما أصاب قلبه وجسده في ذلك، وما قاله في حبّها، وتوجّعه من هجرها، وثباته على حبّها، وما قيل في هذه المعاني]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا عبد الله بن خلف، عن موسى بن صالح، عن معاوية بن صدقة الجحدري قال: كان رجل من مجاشع يقال له: سعد بن مطرّف، يهوى ابنة عمّ له يقال لها: سعاد، فكان يأتيها ويتحدّث إليها ولا يعلمها بما هو عليه من حبّها، حتى سلّ جسمه ونحل بدنه، فبينا هو ذات يوم معها جالس إذ نظر إليها وأنشأ يقول: [الطويل]
وما عرضت لي نظرة مذ عرفتها ... فأنظر إلا مثّلت حيث أنظر
أغار على طرفي لها فكأنني ... إذا رام طرفي غيرها لست أبصر
وأحذر أن تصغى إذا بحت بالهوى ... فأكتمها جهدي هواي وأستر
فلما سمعت ذلك منه ساءها وكرهت أن ينشر خبرهما، فأقصته وأظهرت هجره، فكتب إليها: [الخفيف]
متّ شوقا وكدت أهلك وجدا ... حين أبدى الحبيب هجرا وصدا
بأبي من إذا دنوت إليه ... زادني القرب منه نأيا وبعدا
لا وحبّيه لا وحقّ هواه ... ما تناسيته ولا خنت عهدا
حاش لله أن أكون خليّا ... من هواه وقد تقطّعت وجدا
كيف لا كيف عن هواه سلوّي ... وهو شمس الضحى إذا ما تبدّى
فكانت تحب مواصلته، وتشفق من الفضيحة فتظهر هجره وتبعده، فلم يزل عليل البدن والقلب.(1/208)
متّ شوقا وكدت أهلك وجدا ... حين أبدى الحبيب هجرا وصدا
بأبي من إذا دنوت إليه ... زادني القرب منه نأيا وبعدا
لا وحبّيه لا وحقّ هواه ... ما تناسيته ولا خنت عهدا
حاش لله أن أكون خليّا ... من هواه وقد تقطّعت وجدا
كيف لا كيف عن هواه سلوّي ... وهو شمس الضحى إذا ما تبدّى
فكانت تحب مواصلته، وتشفق من الفضيحة فتظهر هجره وتبعده، فلم يزل عليل البدن والقلب.
[666] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدني أبي: [الطويل]
ألمّت وهل إلمامها لك نافع ... وزارت خيالا والعيون هواجع
بنفسي من تنأى ويدنو خيالها ... ويبذل عنها طيفها ويمانع
خليلي أبلاني هوى متمنّع ... له شيمة تأبى وأخرى تطاوع
وإن شفاء النفس لو تعلمينه ... حبيب موات أو شباب مراجع
[667] وأنشدنا أبو بكر بن دريد للمجنون: [الطويل]
وإني لأستغشي وما بي نعسة ... لعلّ خيالا منك يلقى خياليا
وأخرج من بين البيوت لعلّني ... أحدّث عنك النفس في السر خاليا
أصبرا ولما تمض لي غير ليلة ... رويد الهوى حتّى يغبّ لياليا
أرى الدهر والأيام تفنى وتنقضي ... وحبّك ما يزداد إلّا تماديا
[668] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه للمجنون: [طويل]
وعلّقت ليلى وهي غرّ صغيرة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم
[669] وأنشدنا أبو عبد الله أيضا في هذا المعنى لخالد بن المهاجر: [الكامل]
أمست منازلكم بمكّة منكم ... قفرا وأصبحت المعالم خاليه
لو كنت أملك رجعكم لرجعتكم ... قد كنتم زيني بها وجماليه
علّقتها غرّا غلاما ناشئا ... غضّ الشّباب وعلّقتني جاريه
حتى استوينا لم تزل لي خلّة ... أبكي إذا ظعنت بعين باكيه
[670] وأنشدنا أيضا: [الطويل]
إذا حجبت لم يكفك البدر فقدها ... وتكفيك فقد البدر إن حجب البدر
وحسبك من خمر تفوتك ريقها ... والله ما من ريقها حسبك الخمر
[671] وأنشدنا أيضا: [البسيط]
قد قلت للبدر واستعبرت حين بدا ... يا بدر ما فيك لي من وجهها خلف
تبدو لنا كلّما شئنا محاسنها ... وأنت تنقص أحيانا وتنكسف
[672] وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل بن معمر العذري: [الوافر](1/209)
قد قلت للبدر واستعبرت حين بدا ... يا بدر ما فيك لي من وجهها خلف
تبدو لنا كلّما شئنا محاسنها ... وأنت تنقص أحيانا وتنكسف
[672] وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل بن معمر العذري: [الوافر]
تنادى آل بثنة بالرّواح ... وقد تركوا فؤادك غير صاح
فيالك منظرا ومسير ركب ... شجاني حين أمعن في الفياح
ويا لك خلّة ظفرت بعقلي ... كما ظفر المقامر بالقداح
أريد صلاحها وتريد قتلي ... فشتّى بين قتلي والصلاح
لعمر أبيك لا تجدين عهدي ... كعهدك في المودّة والسّماح
ولو أرسلت تستهدين نفسي ... أتاك بها رسولك في سراح
[673] وقرأت عليه له أيضا.: [الطويل]
فإن يك جثماني بأرض سواكم ... فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع
إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري ... على صرمها ظلّت لها النّفس تشفع
وإن رمت نفسي كيف آتي لصرمها ... ورمت صدودا ظلّت العين تدمع
[674] وكتبت من كتاب أبي بكر بن دريد رحمه الله وقرأت عليه أيضا قال:
أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه: [الوافر]
ألا يا كأس قد أفنيت قولي ... فلست بقائل إلّا رجيعا
ولست بنائم إلا بهمّ ... ولا مستيقظ إلا مروعا
أؤمل أن ألاقي آل كأس ... كما يرجو أخو السّنة الرّبيعا
وإنك لو نظرت فدتك نفسي ... إلى كبدي وجدت بها صدوعا
[675] وقرأت عليه أيضا (1): [الطويل]
ولما بدا لي منك ميل مع العدى ... سواء ولم يحدث سواك بديل
صددت كما صدّ الرّميّ تطاولت ... به مدّة الأيام وهو قتيل
[676] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا إبراهيم بن عبد الله الوراق:
[البسيط]
نزفت دمعي وأزمعت الفراق غدا ... فكيف أبكي ودمع العين منزوف
واسوأتا من عيون العاشقين غدا ... إذا رحلت ودمع العين موقوف
[677] وأنشدنا قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء لإبراهيم بن المهدي: [البسيط]
لم ينسنيك سرور لا ولا حزن ... وكيف لا كيف ينسى وجهك الحسن
ما زلت مذ كلفت نفسي بحبّكم ... كلّي بكلّك مشغول ومرتهن
نور تجسّم من شمس ومن قمر ... حتى تكامل منه الرّوح والبدن
__________
(1) انظر: «التنبيه» [58].(1/210)
قال أبو بكر: ويروى:
ولا خلا منك قلبي لا ولا بدني ... كلّي بكلّك مشغول ومرتهن
[678] قال أبو بكر: وأنشدني أبي للحسن بن وهب: [الكامل]
بأبي كرهت النار لما أوقدت ... فعرفت ما معناك في إبعادها
هي ضرّة لك بالتماع ضيآئها ... وبحسن صورتها لدى إيقادها
وأرى صنيعك بالقلوب صنيعها ... بسيالها وأراكها وعرادها
شركتك في كل الأمور بحسنها ... وضيائها وصلاحها وفسادها
[679] وقرأت على أبي بكر بن دريد لأبي الشّيص (1): [الكامل]
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبّا لذكرك فليلمني الّلوّم
أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ صار حظّي منك حظّي منهم
وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا ... ما من يهون عليك ممن أكرم
[680] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدني أبو الحسن بن البراء لإبراهيم بن المهدي: [الطويل]
إذا كلمتني بالعيون الفواتر ... رددت عليها بالدموع البوادر
فلم يعلم الواشون ما دار بيننا ... وقد قضيت حاجاتنا بالضمائر
أقاتلتي ظلما بأسهم لحظها ... أما حكم يعدي (2) على طرف جائر
فلو كان للعشّاق قاض من الهوى ... إذا لقضى بين الفؤاء وناظري
[681] قال أبو بكر: وسرق هذا المعنى خالد الكاتب فقال: [البسيط]
أعان طرفي على جسمي وأحشائي ... بنظرة وقفت جسمي على دائي
وكنت غرّا بما يجنى على بدني ... لا علم لي أن بعضي بعض أدوائي
[682] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء لبعض شواعر الأعراب (3):
[الطويل]
ولو نظروا بين الجوانح والحشا ... رأوا من كتاب الحبّ في كبدي سطرا
ولو جرّبوا ما قد لقيت من الهوى ... إذا عذروني أو جعلت لهم عذرا
صددت وما بي من صدود ولا قلى ... أزورهم يوما وأهجرهم شهرا
[683] وأنشدني أيضا قال: أنشدني علي بن محمد المدائني، قال: أنشدنا أبو
__________
(1) انظر: «التنبيه» [59].
(2) يعدي: يعين وينصر. ط
(3) انظر: «التنبيه» [60].(1/211)
الفضل الربعي الهاشمي، قال: أنشدنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [الطويل]
أخاف عليها العين من طول وصلها ... فأهجرها الشهرين خوفا من الهجر
وما كان هجراني لها عن ملالة ... ولكنني أمّلت عاقبة الصّبر
أفكّر في قلبي بأيّ عقوبة ... أعاقبه فيكم لترضوا فما أدري
سوى هجركم والهجر فيه دماره ... فعاقبته فيكم من الهجر بالهجر
فكنت كمن خاف النّدى أن يبلّه ... فعاذ من الميزاب والقطر بالبحر
[684]
[من أمثال العرب]:
وقال أبو زيد: من أمثال العرب: «برّق لمن لا يعرفك» يضرب مثلا للذي يوعد من يعرفه، يقول: اصنع هذا بمن لا يعرفك. وقال الأصمعي: ومن أمثالهم «حرّك خشاشه» إذا عمل بما يؤذيه. ويقال: «ضرب لذلك الأمر جروته» أي: وطّن عليه نفسه. ويقال: «لوى عنه عذاره» أي: عصاه فلم يطعه في أمره. ويقال: «شرّاب يأنقع» أي: معاود للأمور يأتيها مرة بعد مرة.
[685] وسألنا أبا عبد الله عن بيت أبي العميثل بعد أن قرأناه على أبي بكر بن دريد مصححين له: [الكامل]
أيّام ألحف مئزري عفر الملا ... وأغضّ كلّ مرجّل ريّان
فأخبرنا عن أحمد بن يحيى بهذا التفسير قال ألحف: ألبس. والعفر: التراب، يقول:
أجرّه عليه من الخيلاء والنشاط. والملا: الفضاء. وأغضّ: أنقصه وأشرب ما فيه.
والمرجّل: زقّ سلخ من قبل رجله. وريّان: ممتلئ، قال وقال سعدان: أنشدنيه أبو العميثل وهذا معناه، وقال ابن الأعرابي أغضّ: أكفّ. والمرجّل: الشّعر يرجّل ويهيّأ، وريّان من الدّهن، وهو كقول الأعشى: [الكامل]
ولقد أرجّل جمّتي بعشيّة ... للشّرب قبل سنابك المرتاد
ولم ينكر القول الأول، وقال: قد سمعته من قائله.
[686]
[مادة: أكل]:
وقال أبو نصر: إنه لذو أكلة في الناس أي: ذو نميمة ووقيعة، وقال أبو عبيد، عن الأصمعي: إنه لذو أكلة في الناس وأكلة أي: ذو غيبة يغتابهم، وقال اللحياني: إنه لذوا أكلة وإكلة للحوم الناس. وقالوا جميعا الأكلة: اللّقمة، يقال: ما أكلت إلا أكلة، والأكلة: الفعلة الواحدة من الأكل. والإكلة: الحال التي تأكل عليها قاعدا أو متكئا. وقال اللحياني الأكال:
ما يؤكل، يقال: ما ذقت اليوم أكالا. والأكلة غير ممدود والإكلة والأكال: الحكّة، يقال: إنه ليجد أكلة على فعلة، وإكلة وأكالا، ويقال: أكلت الناقة تأكل أكلا إذا نبت وبر جنينها في بطنها فوجدت لذلك حكّة وأذى، وناقة أكلة، على فعلة. وقال الأصمعي، بأسنانه أكل إذا
كانت متأكّلة، وقال أبو نصر: يقال: كثرت الآكلة في أرض بني فلان أي: الراعية، وقال اللحياني: الأكلة على فعلة. وقال الأصمعي: تأكّل السيف تأكّلا إذا توهّج من الحدّة، قال أوس بن حجر (1): [الطويل](1/212)
ما يؤكل، يقال: ما ذقت اليوم أكالا. والأكلة غير ممدود والإكلة والأكال: الحكّة، يقال: إنه ليجد أكلة على فعلة، وإكلة وأكالا، ويقال: أكلت الناقة تأكل أكلا إذا نبت وبر جنينها في بطنها فوجدت لذلك حكّة وأذى، وناقة أكلة، على فعلة. وقال الأصمعي، بأسنانه أكل إذا
كانت متأكّلة، وقال أبو نصر: يقال: كثرت الآكلة في أرض بني فلان أي: الراعية، وقال اللحياني: الأكلة على فعلة. وقال الأصمعي: تأكّل السيف تأكّلا إذا توهّج من الحدّة، قال أوس بن حجر (1): [الطويل]
وأبيض صوليّا كأنّ غراره ... تلألؤ برق في حبيّ تأكّلا
وزاد اللحياني، والتّأكّل: شدة بريق الكحل إذا كسر أو الفضّة أو الصّبر. وقالوا جميعا:
فلان ذو أكل إذا كان ذا حظّ ورزق في الدنيا، والجميع الآكال. وقال اللحياني: يقال: أكل بستاتك دائم أي: ثمره. وقال أبو نصر والأصمعي: ثوب ذو أكل إذا كان كثير الغزل صفيقا، وإنه لذو أكل إذا كان ذا رأي وعقل، وقال اللحياني فيهما بالتثقيل أكل، وقال اللحياني الأكيل: الطعام المأكول، والأكيل: الذي يأكل معك رجلا كان أو امرأة، يقال: هذا أكيلي وهذه أكيلي، ولغة أبي الجراح: هذه أكيلتي. ورجل أكول، وقوم أكّال وأكلة، يقال:
هم أكلة رأس أي: قليل بقدر ما يشبعهم رأس. وقال اللحياني والمئكلة: ضرب من البرام، وضرب من الأقداح، وكلّ ما أكل فيه فهو مئكلة، والجمع مآكل. ورجل وكل أي: ضعيف ليس بنافذ. ورجل أكلة أي: كثير الأكل.
[687] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه: [الطويل]
أيا زينة الدنيا التي لا ينالها ... مناى ولا يبدو لقلبي صريمها
بعيني قذاة من هواك لو انها ... تداوى بمن أهوى لصحّ سقيمها
وبرء قذاة العين إن لم يكن لها ... طبيب يداوي نظرة تستديمها
فما صبرت عن ذكرك النفس ساعة ... وإن كنت أحيانا كثيرا ألومها
عليّ نذور يوم تبرز خاليا ... لعيني وأيام كثير أصومها
[688]
[شعر في الصبر، والغنى والفقر، واختيار العلياء في أيّهما كانت]:
وحدثني أبو يعقوب ورّاق أبي بكر بن دريد قال: حدثني محمد بن الحسن، عن المفضّل بن محمد بن العلاف قال: لما قدم بغاء ببني نمير أسرى، كنت كثيرا ما أذهب إليهم فأسمع منهم وكنت لا أعدم أن ألقى الفصيح منهم، فأتيتهم يوما في عقب مطر، وإذا فتى حسن الوجه قد نهكه المرض ينشد: [الطويل]
ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنّك من برق عليّ كريم
لمعت اقتذاء الطّير والقوم هجّع ... فهيّجت أسقاما وأنت سليم
فهل من معير طرف عين خليّة ... فإنسان طرف العامريّ كليم
رمى طرفه البرق الهلالي رمية ... بذكر الحمى وهنا فبات يهيم
__________
(1) انظر: «التنبيه» [61].(1/213)
فقلت له: يا هذا، إنك لفي شغل عن هذا، فقال: صدقت، ولكن أنطقني البرق، ثم اضطجع فما كان ساعة حتى مات، فما يتوهّم عليه غير الحب. وكان أبو بكر بن دريد رحمه الله كثيرا ما ينشد آخر بيت من هذه الأبيات، ثم أنشدني يوما: [الطويل]
ثقي بجميل الصبر منّي على الدهر ... ولا تثقي بالصّبر مني على الهجر
وإني لصبّار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر
ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
[689]
[شغل المجنون بمحبوبه في صلاته!]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس للمجنون: [الطويل]
أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها ... أثنتين صلّيت الضّحى أم ثمانيا
أراني إذا صلّيت يمّمت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلّى يمانيا
وما بي إشراك ولكنّ حبّها ... كعود الشّجا أعيا الطبيب المداويا
[690]
[صفات الزوج الصالح، واختبار الناس قبل الحكم، الجرح والتعديل]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: وصفت أعرابيّة زوجها بمكارم الأخلاق عند أمها، فقالت: يا أمّه، من نشر ثوب الثناء فقد أدّى واجب الجزاء، وفي كتمان الشّكر جحود لما وجب من الحق، ودخول في كفر النّعم، فقالت لها أمها: أي بنيّة! أطبت الثناء، وقمت بالجزاء، ولم تدعي للذم موضعا، إني وجدت من عقل لم يعجل بذمّ ولا ثناء إلا بعد اختبار، فقالت: يا أمّه، ما مدحت حتى اختبرت، ولا وصفت حتى عرفت.
[691]
[من طرق شكر الناس الثناء عليهم والإخلاص لهم]:
وحدثنا أيضا.، عن العكلي، عن ابن أبي خالد، عن الهيثم قال: كتب مالك بن أسماء بن خارجة إلى الهيثم بن الأسود النخعي، يشكر له قيامه بأمر رجل من آل حذيفة بن بدر عند الحجاج حتى خلّصه منه: أما بعد، فإنه لما كلّت الألسن عن بلوغ ما استحققت من الشكر، كان أعظم الحيل عندي في مكافأتي إخلاصك صدق الضمير، وكما لم نعرف الزيادة في العلا إذ جريت غاية طولك جهلنا غاية الثناء عليك، فليس لك من الناس إلا ما ألهموا من محبتك، فأنت كما وصف الواصف إذ يقول:
فما تعرف الأوهام غاية مدحه ... يقينا كما ليست بغايته تدري
[692]
[مواضع الإيجاز والإكثار]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، عن بعض أصحابه، قال:
وقّع جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك في كتاب صديق له: ما جاوزتني نعمة خصصت بها، ولا قصرت دوني ما كان بك محلّها. قال: ووقّع إلى عمرو بن
مسعدة (1): إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيّا.(1/214)
وقّع جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك في كتاب صديق له: ما جاوزتني نعمة خصصت بها، ولا قصرت دوني ما كان بك محلّها. قال: ووقّع إلى عمرو بن
مسعدة (1): إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيّا.
[693]
[من أمثال العرب، وتفاخر رملة بنت معاوية مع زوجها]:
وحدثنا أيضا، عن أبيه، عن أحمد بن عبيد، قال: أخبرنا العتبي، عن أبيه قال:
أتت رملة بنت معاوية مراغمة لزوجها عمرو بن عثمان بن عفّان فقال: مالك يا بنيّة؟ أطلّقك زوجك؟ قالت: لا، الكلب أضنّ بشحمته، ولكنه فاخرني، فكلما ذكر رجلا من قومه ذكرت رجلا من قومي، حتى عدّ ابنيّ منه، فوددت أن بيني وبينه البحر الأخضر، فقال لها: يا بنية، آل أبي سفيان أقل حظّا (2) في الرجال من أن تكوني رجلا.
[694]
[وصف أعرابي لرجل جسيم يعمل بوابا لبعض الملوك]:
وحدثني أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: مر أعرابي برجل يكنى أبا الغمر، وكان ضخما جسيما، وكان بوابا لبعض الملوك، فقال: أعن الفقير الحسير، فقال: ما ألحف سائلكم، وأكثر جائعكم! أراحنا الله منكم، فقال له الأعرابي: لو فرّق قوت جسمك في جسوم عشرة منا لكفانا طعامك في يوم شهرا، وإنك لعظيم السّرطة، شديد الضّرطة، لو ذرّي بحبقتك بيدر (3) لكفته ريح الجربياء (4).
[695]
[هبة القرآن، والعمل بما حفظ الإنسان منه أولى من الزيادة في حفظه]:
وحدثنا أبو عبد الله نفطويه، قال: حدثنا محمد بن موسى السامي، قال: حدثنا الأصمعي، قال (5): دخل رجل من الأعراب على رجل من أهل الحضر فقال له الحضري:
هل لك إلى أن أعلّمك سورة من كتاب الله؟ فقال: إني أحسن من كتاب الله ما إن عملت به كفاني، قال: وما تحسن؟ قال: أحسن سورا، قال: اقرأ، فقرأ فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، وإنّا أعطيناك الكوثر، فقال له الرجل: اقرأ السورتين يريد المعوّذتين، فقال: قدم عليّ ابن عمّ لي فوهبتهما له، ولست براجع في هبتي حتى ألقى الله.
[696]
[حفظ العلم في الصدور أولى من حفظه في الكتب]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: سمع يونس رجلا ينشد: [البسيط]
استودع العلم قرطاسا فضيّعه ... وبئس مستودع العلم القراطيس
__________
(1) حكى ابن دريد هذا القول الآتي عمن قبله ولم يعيّن قائله. انظر: «المجتنى» لابن دريد ص (20)، ط: دار الفكر.
(2) في الطبعة الأولى «خطأ» بالمعجمة بعدها مهملة، وما أثبتناه عن نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية. ط
(3) البيدر: موضع الطعام الذي يداس فيه. ط
(4) ريح الجربياء: ريح الشمال. ط
(5) انظر: «التنبيه» [62].(1/215)
قال: قاتله الله! ما أشد صبابته بالعلم وصيانته للحفظ! إنّ علمك من روحك، ومالك من بدنك، فصن علمك صيانتك روحك، ومالك صيانتك بدنك.
[697]
[الشباب والشيب، ومن أقوال العرب]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب: [البسيط]
أودى الشباب وحبّ الخالة الخلبه ... وقد برئت فما بالصدر من قلبه
وقد تثلّم أنيابي وأدركني ... قرن عليّ شديد فاحش الغلبه
وقد رمى بسراه اليوم معتمدا ... في المنكبين وفي الساقين والرّقبه
أودى: ذهب وهلك. والخالة جمع خائل، مثل بائع وباعة. والخلبة جمع خالب، مثل كافر وكفرة، يخبر أنه شيخ قد ترك صحبة الشباب والفتيان، وهم الخالة الخلبة الذين يختالون في مشيتهم ويخلبون النساء. ثم قال: برئت أي: برئ صدري من ودّهم والعلاقة بهم، فما به قلبة من ودّهم، يقال للإنسان وغيره من الحيوان: ما به قلبة أي: ما به وجع ولا مكروه، وأصله من القلاب، قال الأصمعي: القلاب: أن تصيب الغدّة القلب، فإذا أصابته لم يلبث البعير أن تقتله، وقوله: وأدركني قرن: يعني الهرم. وقوله:
وقد رمى بسراه اليوم معتمدا
فالسّرى جمع سروة، مثل رشوة ورشى، وهي نصل السهم إذا كان مدوّرا مدملكا ولا عرض له، يريد أن الهرم قد رمى بسهامه في جميع جسده فأضعفه، كما قال:
في المنكبين وفي الساقين والرقبه
[698]
[فضل الأدب، ورفعته لمن لا نسب له]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم قال: سمعت الأصمعي كثيرا ما يقول: من قعد به نسبه، نهض به أدبه.
[699]
[شعر في الحب والهوى والحنين للمحبوب، ووحشة الفراق، وطلب النجاة من الهوى، وصروف الدهر]:
وأنشدنا أبو بكر بن دريد لخارجة بن فليح المللي: [الطويل]
أحنّ إلى ليلى وقد شطّ وليها ... كما حنّ محبوس عن الإلف نازع
إذا خوّفتني النفس بالنأي تارة ... وبالصّرم منها أكذبتها المطامع
أكلّ هواك الطّرف عن كل بهجة ... وصمّت عن الداعي سواك المسامع
[700] وقرأت عليه لجميل بن معمر العذري: [الطويل]
ألم تعلمي يا عذبة الماء انني ... أظلّ إذا لم أسق ماءك صاديا
وما زلت بي يا بثن حتى لو انني ... من الوجد أستبكي الحمام بكى ليا
وددت على حبّ الحياة لو انها ... يزاد لها في عمرها من حياتيا
[701] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:(1/216)
ألم تعلمي يا عذبة الماء انني ... أظلّ إذا لم أسق ماءك صاديا
وما زلت بي يا بثن حتى لو انني ... من الوجد أستبكي الحمام بكى ليا
وددت على حبّ الحياة لو انها ... يزاد لها في عمرها من حياتيا
[701] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
[الطويل]
ومستوحش للبين يبدي تجلّدا ... كما أوحش الكفين فقد الأصابع
وكم قد رأينا من قتيل لخلّة ... بسهم التّجنّي أو بسهم التقاطع
وكم واثق بالدهر والدهر مولع ... بتأليف شتّى أو بتفريق جامع
[702] وأنشدنا أيضا قال: أنشدنا إبراهيم بن عبد الله لعليّة بنت المهدي:
[الطويل]
تجنّب فإن الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد وهو مستوجب القرب
تفكّر فإن حدّثت أن أخا هوى ... نجا سالما فارج النّجاة من الحب
فأحسن أيام الهوى يومك الذي ... تروّع بالتحريش منه وبالعتب
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
[703]
[من أمثال العرب]:
وقال الأصمعي: من أمثال العرب: «إنّه لساكن الرّيح» يقال ذلك للرجل الوادع، ويقال: «إنّه لواقع الطائر» مثل للرجل الساكن الأمر. ويقال: «في رأسه نعرة» مثل للرجل الطامح الرأس، الذي لا يستقر. ويقال: «الخرق شؤم» يراد به أن الرجل إذا خرق في أمر دخل عليه شؤمه. ويقال: «الرّفق يمن» وهو خلافه.
[704]
[مادة: كلل]:
وقال أبو نصر يقال: كلّ بصره يكلّ كلولا، وكلّ لسانه يكلّ كلّة وكلولا، وكلّ السيف كلّة وكلّا إذا لم يقطع، وكلّ في الإعياء كلالا، وكلّل يكلّل تكليلا إذا حمل على القوم، يقال: كلّل تكليلة السّبع. والكلالة: ما دون الوالد والولد، وأنكلّت المرأة إذا ما تبسمت، وانكلّ السحاب إذا ما تبسم بالبرق، وكلّأ يكلّىء تكلئة وتكليئا، وكلّى تكلية إذا أتى مكانا فيه مستتر، والكلّاء والمكلّأ: مكان ترفأ فيه السفن، وهو ساحل كل نهر.
[705] قال أبو علي وقال أبو زيد: كلّأ القوم السفينة تكليئا إذا حبسوها. وكلّأت في الطعام تكليئا وأكلأت إكلاء إذا أسلفت فيه. وما أعطيت فهى من الدراهم نسيئة فهي الكلأة.
قال أبو علي وقال أبو نصر: الكالئ: الدّين المؤخّر، لم يهمزه الأصمعي وهمزه غيره.
وأنشدني الأصمعي:
وإذا تباشرك الهمو ... م فإنّها كال وناجز (1)
وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه نهى عن الكالىء بالكالئ كأنه نهى عن الدين بالدين، وهو النسيئة بالنسيئة، وأبو عبيدة يهمز الكالئ. ويقال: تكلّأت كلأة إذا استنسأت. ويقال:
__________
(1) قائل البيت عبيد بن الأبرص كما في «اللسان» مادة: «كلأ». ط(1/217)
بلغ الله بك أكلأ العمر، يعني آخره. ويقال: اكتلأت من الرجل اكتلاء إذا احترست منه، واكتلأت عيني اكتلاء إذا لم تنم وسهرت.
[706]
[خبر حب المأمون لجارية الرشيد وما جرى في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن الوراق، قال: حدثنا المفضل بن حازم، قال: حدثنا منصور البرمكي قال: كان لهارون الرشيد جارية غلاميّة، يعني: وصيفة على قد الغلام وكان المأمون يميل إليها وهو إذ ذاك أمرد، فوقفت يوما تصب على يد الرشيد من إبريق معها، والمأمون جالس خلف الرشيد، فأشار المأمون إليها كأنه يقبّلها. فأنكرت ذلك بعينيها، وأبطأت في الصب على مقدار نظرها إلى المأمون وإشارتها إليه، فقال الرشيد: ما هذا! ضعي الإبريق من يدك، ففعلت، فقال: والله لئن لم تصدقيني لأقتلنك، فقالت: يا سيدي، أشار إليّ عبد الله كأنه يقبلني فأنكرت ذلك، فالتفت إلى المأمون ونظر إليه كأنه ميّت لما دخله من الجزع والخجل، فرحمه وضمه إليه وقال: يا عبد الله، أتحبها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: هي لك، قم فادخل في تلك القبة، ففعل، ثم قال: هل قلت في هذا الأمر شعرا؟ قال: نعم يا سيدي، ثم أنشد: [المجتث]
ظبي كتبت بطرفي ... من الضمير إليه
قبّلته من بعيد ... فاعتلّ من شفتيه
ورد أخبث ردّ ... بالكسر من حاجبيه
فما برحت مكاني ... حتى قدرت عليه
[707]
[ما قيل في العناق، وامتزاج أرواح الحبيبين]:
ومن أحسن ما قيل في العناق ما أنشدناه أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا عبد الله بن خلف قال: أنشدني أحمد بن يحيى بن أبي فنن: [المتقارب]
خلوت فنادمتها ساعة ... على مثلها يحسد الحاسد
كأنّا وثوب الدجى مسبل ... علينا لمبصرنا واحد
[708] قال أبو بكر: وسرق هذا المعنى ابن المعتز، فقال: [السريع]
ما أقصر الليل على الراقد ... وأهون السّقم على العائد
يفديك ما أبقيت من مهجتي ... لست لما أوليت بالجاحد
كأنني عانقت ريحانة ... تنفّست في ليلها البارد
فلو ترانا في قميص الدجى ... حسبتنا من جسد واحد
[709] وأحسن في هذا المعنى علي بن العباس الرومي وأنشدناه الناجم عنه:
[الطويل]
أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تموت حرارتي ... فيشتدّ ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ... ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله ... سوى أن يرى الروحان يمتزجان
[710] ولبعضهم في هذا المعنى: [البسيط](1/218)
أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تموت حرارتي ... فيشتدّ ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ... ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله ... سوى أن يرى الروحان يمتزجان
[710] ولبعضهم في هذا المعنى: [البسيط]
رأيت شخصك في نومي يعانقني ... كما يعانق لام الكاتب الألفا
[711] ولبشّار:
فبتنا معا لا يخلص الماء بيننا ... إلى الصبح دوني حاجب وستور
[712] أخذ منه علي بن الجهم فقال:
فبتنا جميعا لو تراق زجاجة ... من الخمر فيما بيننا لم تسرّب
* * * [713] ومن أحسن ما قيل في الشّعر قول ابن الرومي أنشدناه الناجم عنه (1):
وفاحم وارد يقبّل مم ... شاه إذا اختال مرسلا غدره
أقبل كالليل من مفارقه ... منحدرا لا يذمّ منحدره
حتّى تناهى إلى مواطئه ... يلثم من كل موطئ عفره
كأنه عاشق دنا شغفا ... حتى قضى من حبيبه وطره
[714] وقرأت على أبي بكر بن دريد لبكر بن النطّاح:
بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه وهو وحف أسحم
فكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم
[715] ولمسلم: [الطويل]
أجدّك ما تدرين أن ربّ ليلة ... كأنّ دجاها من قرونك تنشز
[716] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله لعبد الله بن المعتز:
سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خدّيها بغير رقيب
فأمسيت في ليلين بالشّعر والدّجى ... وشمسين من خمر وخد حبيب
[717]
[ما قيل في فتور الطرف والعين في الهوى]:
ومن أحسن ما قيل في فتور الطّرف قول أبي نواس: [الطويل]
ضعيفة كرّ الطّرف تحسب أنها ... قريبة عهد بالإفاقة من سقم
[718] وقرأت على أبي بكر بن دريد لنفسه: [الكامل]
ليس السليم سليم أفعى حرّة ... لكن سليم المقلة النّجلاء
__________
(1) انظر: «التنبيه» [63].(1/219)
نظرت ولا وسن يخالط عينها ... نظر المريض بسورة الإغفاء
[719] ولعبد الله بن المعتزّ: [الطويل]
وتجرح أحشائي بعين مريضة ... كما لان متن السيف والحدّ قاطع
عليم بما يخفي فؤادي من الهوى ... جواد بهجراني وللوصل مانع
[720] وأنشدنا أبو بكر التاريخي قال: أنشدني البحتري لنفسه: [الهزج]
وفي القهوة أشكال ... من الساقي وألوان
حباب مثل ما يضح ... ك عنه وهو جذلان
وسكر مثل ما أسك ... ر طرف منه وسنان
وطعم الرّيق إذ جاد ... به والصّبّ هيمان
لنا من كفّه راح ... ومن ريّاه ريحان
[721] وقرأت على أبي بكر بن دريد لعدي بن الرقاع: [الكامل]
وكأنّها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر طاسم
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم
[722]
[ما قيل في ريق المحبوب وثغره]:
ومن أحسن ما قيل في الريق، ما أنشدناه أبو بكر بن الأنباري لبشّار: [البسيط]
يا أطيب الناس ريقا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك
منّيتنا زورة في النوم واحدة ... فاثني ولا تجعليها بيضة الدّيك (1)
يا رحمة الله حلّي في منازلنا ... حسبي برائحة الفردوس من فيك
[723] ولعلي بن العباس الرومي أنشدناه الناجم عنه: [الطويل]
تعلّك ريقا يطرد النوم برده ... ويشفى القلوب الحائمات الصّواديا
وهل ثغب (2) حصباؤه مثل ثغرها ... يصادف إلا طيّب الطّعم صافيا
[724] وله أيضا أنشدناه الناجم عنه: [السريع]
يا ربّ ريق بات بدر الدجى ... يمجّه بين ثناياكا
يروي ولا ينهاك عن شربه ... والماء يرويك وينهاكا
[725]
[ما قيل في طروق خيال المحبوب وتمكّنه من أحلام الحبيب]:
ومن أحسن ما قيل في طروق الخيال قول البحتري وهو أحد المحسنين فيه حتى قيل: طيف البحتري أنشدنيه التاريخي عنه: [الطويل]
__________
(1) انظر: «التنبيه» [64].
(2) الثغب بالتحريك: ذوب الجمد، والغدير في ظل الجبل. ط(1/220)
ألمّت بنا بعد الهدوء فسامحت ... بوصل متى تطلبه في الجدّ تمنع
وولّت كأن البين يخلج شخصها ... أوان تولّت من حشاي وأضلعي
[726] وأنشدنا بعض أصحابنا للمؤمل: [الطويل]
أتاني الكرى ليلا بشخص أحبّه ... أضاءت له الآفاق والليل مظلم
فكلّمني في النوم غير مغاضب ... وعهدي به يقظان لا يتكلّم
[728] وذكر العباس بن الأحنف ما العلة في طروق الخيال فقال: [الوافر]
خيالك حين أرقد نصب عيني ... إلى وقت انتباهي لا يزول
وليس يزورني صلة ولكن ... حديث النفس عنك به الوصول
[729] وتبعه الطائي فقال: [البسيط]
زار الخيال لها لا بل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم
ظبي تقنّصته لما نصبت له ... في آخر الليل أشراكا من الحلم
[730] وأنشدنا علي بن هارون المنجم لعلي بن يحيى المنجم: [المديد]
بأبي والله من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا
زارني طيف الحبيب فما ... زاد أن أغرى بي الأرقا
[731]
[ما قيل في مشي النساء]:
ومن أحسن ما قيل في مشى النساء ما أنشدناه صاحبنا أبو علي بن الأعرابي: [الكامل]
شبّهت مشيتها بمشية ظافر ... يختال بين أسنّة وسيوف
صلف تناهت نفسه في نفسه ... لمّا انثنى بسنانه المرعوف
[732] وقرئ على أبي بكر بن الأنباري في شعر ابن مقبل وأنا أسمع: [البسيط]
يهززن للمشي أوصالا منعّمة ... هزّ الجنوب معا عيدان يبرينا
أو كاهتزاز ردينيّ تناوله ... أيدي التّجار فزادوا متنه لينا
يمشين هيل النّقا مالت جوانبه ... ينهال حينا وينهاه الثّرى حينا
[733] ولعمر بن أبي ربيعة قرأته على أبي عبد الله نفطويه: [المنسرح]
أبصرتها غدوة ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر
بيضا حسانا خرائدا قطفا ... يمشين هونا كمشية البقر
قد فزن بالحسن والجمال معا ... وفزن رسلا بالدّلّ والخفر
[734] وللعباس بن الأحنف: [البسيط]
شمس مقدّرة في خلق جارية ... كأنّما كشحها طيّ الطّوامير
كأنها حين تمشي في وصائفها ... تمشي على البيض أو زرق القوارير
[735](1/221)
شمس مقدّرة في خلق جارية ... كأنّما كشحها طيّ الطّوامير
كأنها حين تمشي في وصائفها ... تمشي على البيض أو زرق القوارير
[735]
[ما قيل في الحسن، والغزل في المحبوب، وتمنّعه على غير النظر]:
ومما قيل في الحسن: [الطويل]
إذا عبتها شبّهتها البدر طالعا ... وحسبك من عيب لها شبه البدر
[736] وأنشدنا الناجم لنفسه في غير هذا المعنى: [الرجز]
طالبت من شرّد نومي وذعر ... بقبلة تحسن في القلب الأثر
فقال لي مستعجلا وما انتظر ... ليس لغير العين حظّ في القمر
[738] أخذه من علي بن الجهم حيث يقول: [الطويل]
وقلن لنا نحن الأهلّة إنما ... نضيء لمن يسري بليل ولا نقري
فلا نيل إلا ما تزوّد ناظر ... ولا وصل إلا بالخيال الذي يسري
[739]
[ما قيل في وصف اليد، وأعواد النساء]:
ومن أحسن ما قيل في قينة: [الكامل]
من كفّ جارية كأن بنانها ... من فضّة قد طرّفت عنّابا
وكأن يمناها إذا نطقت بها ... تلقي على يدها الشمال حسابا
[740] وحدثنا أبو عبد الله نفطويه، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال:
سمع بعض العرب صوت العود، فقيل له: ما تسمع؟ فقال: حسنا، ولكن أقطع هذا الأبجّ فإني أشنؤه يريد البمّ. ومن أحسن ما قيل في العود: [الكامل]
فكأنه في حجرها ولد لها ... ضمّته بين ترائب ولبان
طورا تدغدغ بطنه فإذا هفا ... عركت له أذنا من الآذان
[741] ومن أحسن ما شبّه به العود ما أنشدناه بعض أصحابنا: [البسيط]
كأن تمثاله ساق إلى قدم ... نيطت إلى فخذ بانت عن الكفل
أذانه منه قد جمّعن أربعة ... تجيب أربعة في كفّ معتمل
فذا أغنّ وهذا فيه زمزمة ... وذاك صاف وهذا فيه كالصّحل
[742] وللحمدوني: [البسيط]
وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم
يبدي ضمير سواه في الحديث كما ... يبدي ضمير سواه الخطّ بالقلم
[743] ومن أحسن ما قيل في وصف مغنّيات قول ابن الرومي، وأنشدناه الناجم عنه:
[الخفيف]
وقيان كأنّها أمهات ... عاطفات على بنيها حواني
مطفلات وما حملن جنينا ... مرضعات ولسن ذات لبان
ملقمات أطفالهنّ ثديّا ... ناهدات كأحسن الرمّان
مفعمات كأنها حافلات ... وهي صفر من درّة الألبان
كلّ طفل يدعى بأسماء شتّى ... بين عود مزهر وكران
أمّه دهرها تترجم عنه ... وهو بادي الغنى عن الترجمان
[744](1/222)
وقيان كأنّها أمهات ... عاطفات على بنيها حواني
مطفلات وما حملن جنينا ... مرضعات ولسن ذات لبان
ملقمات أطفالهنّ ثديّا ... ناهدات كأحسن الرمّان
مفعمات كأنها حافلات ... وهي صفر من درّة الألبان
كلّ طفل يدعى بأسماء شتّى ... بين عود مزهر وكران
أمّه دهرها تترجم عنه ... وهو بادي الغنى عن الترجمان
[744]
[الفرق بين الصالحين والفجار، والبطانة الصالحة، وما قيل في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال بعض الحكماء لابنه: يا بنيّ، اقبل وصيتي وعهدي، إن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار، كسرعة اختلاط قطر المطر بماء الأنهار، وبعد قلوب الفجار من الائتلاف، كبعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها على آريّ (1) واحد، كن يا بنيّ بصالح الوزراء أغنى منك بكثرة عدّتهم، فإن اللؤلؤة خفيف محملها كثير ثمنها، والحجر فادح حمله قليل غناؤه.
[745]
[الكذوب، والحسود، والبخيل، والملول، وسيّئ الخلق، وكتمان البخل]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي زيد، قال: حدثنا هشام بن حسان الفردوسي، عن الحسن، قال: قال الأحنف بن قيس: الكذوب لا حيلة له، والحسود لا راحة له، والبخيل لا مروءة له، والملول لا وفاء له، ولا يسود سيّئ الأخلاق، ومن المروءة إذا كان الرجل بخيلا أن يكتم ذلك ويتجمّل.
[746]
[التنزّه عما ينكره الناس، وأسباب السّيادة]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم قال: قيل للأحنف: بم بلغت ما بلغت؟ قال:
لو عاب الناس الماء ما شربته.
قال: وقال: من لم يسخ نفسا عن الحظّ الجسيم للعيب الصغير، لم يعدّ شفيقا على نفسه، ولا صائنا لعرضه.
[747]
[من أمثال العرب]:
وقال الأصمعي: من أمثال العرب: «دع بنيّات الطريق» أي: أقصد لمعظم الشأن.
ويقال: «لا توبس الثرى بيني وبينك» أي: لا تقطع الود الذي بيننا. ويقال: «السعيد من اتّعظ بغيره» يراد من رأى غيره فاتعظ سعد. ويقال: «طويته على بللته» يراد استبقيته قبل أن يبلغ فساده، وذلك أن السقاء إذا طويته وهو مبتلّ تثنّى، وإذا طوي وهو يابس تكسّر أي: فقد طلبت مصلحته.
[748]
[أقوال العرب في معنى «لا أفعل ذلك أبدا»]:
وقال أبو زيد: يقال: لا ترى ذلك يا فلان ما سمر ابنا سمير، وهما الليل والنهار، وأنشدنا ابن الأعرابي: [الخفيف]
وشبابي قد كان من لذّة العي ... ش فأودى وغاله ابنا سمير
__________
(1) الآرى بتشديد الياء وتخفيفها: الأخية، وهي مربط الدابة. ط(1/223)
[749] وقال أبو زيد: ولا أفعل ذلك ما أبسّ عبد بناقته، وهو تحريكه شفتيه حين يريد أن تقوم له، وقال ابن الأعرابي: وإبساسه: استدراره إياها للحلب وخدعه لها ولطفه بها، وأنشدني لأبي زبيد: [الخفيف]
فلحا الله صاحب الصّلح منّا ... ما أطاف المبسّ بالدّهماء
[750] وقال أبو زيد: ولا أفعل ذلك ما غرد الطائر تغريدا. ولا أفعل ذلك آخر الأوجس، وهو الدّهر.
[751] وأنشدني أبو بكر بن دريد لمرّار الفقعسي (1): [الكامل]
لا يشترون بهجعة هجعوا بها ... ودواء أعينهم خلود الأوجس
[752] وقال اللحياني: لا أفعل ذلك سجيس الأوجس، وسجيس عجيس، وزاد ابن الأعرابي: وما غبا غبيس، وأنشد: [الرجز]
قد ورد الماء بليل قيس ... نعم وفي أمّ البنين كيس
عن الطعام ما غبا غبيس
[753] ولا أفعله السّمر والقمر. ولا أفعله ما حدا الليل النهار. وما أرزمت أمّ حائل، والحائل: الأنثى من أولاد الإبل، قال أبو ذؤيب: [الطويل]
فتلك التي لا يبرح القلب حبّها ... ولا ذكرها ما أرزمت أمّ حائل
[754] ولا أفعله يد المسند وهو الدّهر، قال الشاعر: [المتقارب]
لقلت من القول ما لا يزا ... ل يؤثر عنّي يد المسند
[755] ولا أفعله يد الدّهر. ولا أفعله ما أنّ في السماء نجما، معناه ما كان في السماء نجم، ولا أفعله ما سجع الحمام. وما حملت عيني الماء. وما بلّ بحر صوفة. ولا أفعل ذلك ما أطّت الإبل. وأطيطها: حنينها، وقال أبو عبيد: أطيط الإبل: نقيض جلودها عند الكظّة، قال الأعشى: [البسيط]
ألست منتهيا عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطّت الإبل
[756] وقال اللحياني: ولا أفعل ذلك ما لألأت الفور (2) والعفر والظباء أي: ما حركت أذنابها. ولا أفعل ذلك ما حنّت الدّهماء، وهي ناقة. ولا أفعل ذلك ما حنّت النّيب.
قال أبو علي: وقال أبو زيد: لا أفعل ذلك ما اختلف الملوان والأجدّان، وهما الليل والنهار، وزاد اللحياني: والجديدان، وهما الليل والنهار. وقال يعقوب: والفتيان، وهما الليل والنهار أيضا، وكذلك العصران. وغيره يقول العصران: الغداة والعشيّ، وهو الأجود عندنا. وزاد ابن الأعرابي: ولا أفعله القرّتين. وأنشدنا ابن الأعرابي للصّلتان العبدي في الفتيين: [الكامل]
__________
(1) انظر: «التنبيه» [65].
(2) الفور: الظباء. ط(1/224)
ما لبّث الفتيان أن عصفا بهم ... ولكلّ حصن يسّرا مفتاحا
وأنشد أيضا في العصرين: [الطويل]
ولا يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما
[757] وأنشد يعقوب في الملوين لابن مقبل: [الطويل]
ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان
[758] وقال أبو زيد: لا أفعل ذلك ما هدهد الحمام أي: ما غرّد. وما خالفت درّة جرّة، وما اختلفت الدّرّة والجرّة، واختلافهما أن الدّرّة تسفل إلى الرّجلين والجرّة تعلو إلى الرأس. ولا آتيك حتى يبيضّ القار. ولا آتيك سجيس الليالي، وأنشد ابن الأعرابي:
[الطويل]
ذخرت أبا عمرو لقومك كلّهم ... سجيس الليالي عندنا أكرم الذّخر
[759] وقال أبو زيد: ولا أفعل ذلك حتى يحنّ الضّبّ في أثر الإبل الصادرة. ولا أفعل ذلك أبد الأبيد، وأبد الآبدين، وأبد الأبديّة، وزاد اللحياني: وأبد الآباد، وقال أبو زيد:
ويقال لا آتيك سنّ الحسل أي: حتى يسقط فوه، وهو لا يسقط أبدا، إنما أسنانه كالمنشار، وأنشد ابن الأعرابي وغيره: [الرجز]
تسألني عن السّنين كم لي ... فقلت لو عمّرت عمر الحسل (1)
أو عمر نوح زمن الفطحل ... والصّخر مبتلّ كطين الوحل
وسألت أبا بكر بن دريد رحمه الله عن زمن الفطحل فقال: تزعم العرب أنه زمان كانت فيه الحجارة رطبة.
[760]
[من مادة: وتر]:
وقال الأصمعي: الحتار: الوتر الذي يكون في القوس، وحتار كلّ شيء: وترته، وهو حرفه، ووترة كل شيء: حرفه. ووترة الأنف: حرفه، ويقال: ما زال على وتيرة واحدة أي: على طريقة واحدة، والوتيرة: حلقة يتعلّم عليها الطّعن، وأنشد: [الوافر]
تباري قرحة مثل ال ... وتيرة لم تكن مغدا
قال أبو علي: المغد النّتف. والوتيرة: شيء مستطيل من الأرض ينقاد، قال الهذلي (2): [الوافر]
فذاحت بالوتائر ثمّ بدّت ... يديها عند جانبها تهيل
وقال الأصمعي: فذاحت: أسرعت. وبدّت: فرّقت، وحدثنا أبو بكر بن الأنباري،
__________
(1) البيتان لرؤبة بن العجاج كما في «اللسان» مادة «فطحل». ط
(2) هو ساعدة بن جؤية الهذلي يصف ضبعا نبشت قبرا كما في «اللسان» مادة «ذوح». ط(1/225)
عن أبيه، عن أحمد بن عبيد قال: قال أبو عمرو الشيباني: ذاحت: حفرت والوتيرة: الفترة والتّواني، قاله أبو نصر، وأنشد لزهير: [الطويل]
نجاء مجدّ ليس فيه وتيرة ... وتذبيبها عنه بأسحم مذود
وقال أبو نصر: سمعت من غير الأصمعي: الوتائر: ما بين الأصابع، الواحدة وتيرة، وقال الأصمعي: الوتر: الفرد، وأهل الحجاز يفتحون الواو في الفرد ويكسرونها في الذّحل، ومن تحتهم من قيس وتميم يسوّونهما في الكسر، ويقولون في الفرد: أوترت أوتر إيتارا، وفي الذّحل: وترته فأنا أتره ترة ووترا. ويقال: تواترت الإبل والقطا إذا جاءت بعضها خلف بعض ولم يجئن مصطفّات، وأنشد: [الطويل]
قرينة سبع إن تواترن مرّة ... ضربن فصفّت أرؤس وجنوب (1)
ومنه واتر كتبك. والمواترة: أن يجيء الشيء بعد الشيء وبينهما هنيّة، فإن تتابعت فليست بمتواترة. ويقال: وتّر قوسه وأوترها.
[761]
[شرح بعض الألفاظ ومن أقوال العرب، ومن مادة: سنى]
وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب: [الطويل]
أشاقتك أطلال دوارس من دعد ... خلاء مغانيها كحاشية البرد
على أنها قالت عشيّة زرتها ... هبلت ألم ينبت لذا حلمه بعدي
أشاقتك: هيجتك وشوّقتك. والمغاني: المنازل التي كانوا يغنون بها أي: يقيمون بها، واحدها مغنى. وهبلت: ثكلت، والعرب تقول: لأمّك الهبل أي: الثّكل. وقوله: ألم ينبت لذا حلمه بعدي، يعني ضرس حلمه وهو أقصى الأضراس وآخرها نباتا.
وقال يعقوب: يقال: سانينه وفانيته وصاديته وداليته وراديته، وهي المساناة والمفاناة والمصاداة والمدالاة والمداداة، وهي المساهلة، وأنشد للبيد:
وسانيت من ذي بهجة ورقيته ... عليه السّموط عابس متغضّب
وفارقته والودّ بيني وبينه ... وحسن الثّناء من وراء المغيّب
وأنشد:
إذا الله سنّى عقد أمر تيسّرا
[762] وأخبرنا الغالبي، قال: قال لنا ابن كيسان أبو الحسن: أنشدني هذا البيت المبرد: [الطويل]
فلا تيأسا واستغورا الله إنّه ... إذا الله سنّى عقد أمر تيسرا
__________
(1) في «اللسان» مادة: «وتر» أن هذا البيت لحميد بن ثور. ط(1/226)
استغوراه: سلاه الغيرة، وهي الميرة أي: سلاه الرزق. وأنشد يعقوب لنصيب (1) في المفاناة: [المنسرح]
تقيمه تارة وتقعده ... كما يفاني الشّموس قائدها
[763] وأنشد في المصاداة لمزرّد: [الطويل]
ظللنا نصادي أمّنا عن حميتها ... كأهل الشّموس كلّهم يتودّد
[764] وقال العجاج في المدالاة: [الرجز]
يكاد ينسلّ من التّصدير ... على مدالاتي والتّوقير
[765] وقرأت على أبي بكع في المراداة لطفيل الغنوي: [الطويل]
يرادى على فأس اللجام كأنّما ... يرادى به مرقاة جذع مشذّب
[766] وقال غير يعقوب: راديته وداريته واحد. وقرأنا على أبي بكر بن دريد للغنوي: [الطويل]
ظللنا معا جارين نحترس الثّأى ... يسائرني من نطفة وأسائره
وصف سبعا. نحترس الثّأي أي: كلّ واحد منا يخاف صاحبه أن يغدر به. والثّأي:
الفساد، وأصله في الخرز، وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة فيتسع الثّقب فيفسد، ثم جعل مثلا لكل فساد. ويسائرني، من السؤر وهي البقيّة أي: يرد قبلي فيشرب فيبقي لي، وأرد قبله فأبقي له.
[767]
[بيت الرعية والسلاطين، وقول عتبة في ذلك، وما قيل في: اللّوّ]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو عثمان، عن العتبي، عن أبيه، عن هشام بن صالح، عن سعيد قال: حجّ عتبة سنة إحدى وأربعين والناس قريب عهدهم بفتنة فصلى بمكة الجمعة، ثم قال: أيها الناس، إنّا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف فيه للمحسن الأجر، وعلى المسيئ فيه الوزر، ونحن على طريق ما قصدنا، فلا تمدّوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع دوننا، وربّ متمنّ حتفه في أمنيّته، فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولوّا فإنها أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم، وأنا أسأل الله أن يعين كلّا على كلّ. فصاح به أعرابي: أيها الخليفة، فقال: لست به ولم تبعد، فقال: يا أخاه، فقال:
سمعت فقل، فقال: تالله أن تحسنوا وقد أسأنا، خير من أن تسيئوا وقد أحسنّا، فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقّكم باستتمامه، وإن كان منّا فما أولاكم بمكافأتنا، رجل من بني عامر بن صعصعة يلقاكم بالعمومة، ويقرب إليكم بالخئولة، قد كثره العيال، ووطئه الزمان، وبه فقر، وفيه أجر، وعنده شكر. فقال عتبة: أستغفر الله منكم، وأستعينه عليكم، قد أمرنا لك بغناك، فليت إسراعنا إليك، يقوم بإبطائنا عنك.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [66].(1/227)
[768] وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا العكلي قال: حدثنا أحمد بن محمد المزني، قال: قال أبو جهم بن حذيفة لمعاوية: نحن عندك يا أمير المؤمنين كما قال عبد المسيح لابن عبد كلال: [الوافر]
نميل على جوانبه كأنّا ... نميل إذا نميل على أبينا
نقلّبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرما ولينا
فأمر له بمائة ألف
[769]
[بخل الأغنياء، وجود الأسخياء، والتعفّف عن المسألة، وتقلّب الأحوال، وصون النفس، والشجاعة، والكرم، وما قيل في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر بن شقير النحوي في منزله في غلّة صافي ونحن يومئذ نقرأ عليه كتب الواقدي في المغازي وكان يرويها، عن أحمد بن عبيد، عن الواقدي، قال: حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح قال: كان أسيد بن عنقاء الفزاري من أكثر أهل زمانه وأشدهم عارضة ولسانا، فطال عمره، ونكبه دهره، واختلّت حالته، فخرج عشيّة يتبقّل لأهله، فمر به عميلة الفزاري فسلّم عليه وقال: يا عمّ، ما أصارك إلى ما أرى من حالك؟ فقال: بخل مثلك بماله، وصوني وجهي عن مسألة الناس، فقال: والله لئن بقيت إلى غد لأغيّرنّ ما أرى من حالك، فرجع ابن عنقاء إلى أهله فأخبرها بما قال له عميلة، فقالت له: لقد غرّك كلام غلام جنح ليل، فكأنما ألقمت فاه حجرا فبات متململا بين رجاء ويأس، فلما كان السحر سمع رغاء الإبل، وثغاء الشاء، وصهيل الخيل، ولجب الأموال فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا عميلة ساق إليك ماله، قال: فاستخرج ابن عنقاء ثم قسم ماله شطرين وساهمه عليه، فأنشأ ابن عنقاء يقول: [الطويل]
رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسرّ كما جهر
دعاني فآساني ولو ضنّ لم ألم ... على حين لا بدو يرجّى ولا حضر
فقلت له خيرا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أبليت من ذمّ أو شكر
ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى رداء سابغ الذّيل وأتزر
غلام رماه الله بالخير مقبلا ... له سيمياء لا تشقّ على البصر
كأنّ الثّريّا علّقت فوق نحره ... وفي أنفه الشّعرى وفي خده القمر
إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلا ذلّ ولو شاء لانتصر
[770] وأنشدنا أبو عبد الله، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: [الطويل]
يي كريم يغضّ الطّرف فضل حيائه ... ويدنو وأطراف الرماح دواني
وكالسيف إن لاينته لان متنه ... وحدّاه إن خاشنته خشنان
[771] وأنشدنا أبو بكر بن دريد: [البسيط](1/228)
يي كريم يغضّ الطّرف فضل حيائه ... ويدنو وأطراف الرماح دواني
وكالسيف إن لاينته لان متنه ... وحدّاه إن خاشنته خشنان
[771] وأنشدنا أبو بكر بن دريد: [البسيط]
يشبّهون ملوكا في تجلّتهم ... وطول أنضية الأعناق والأمم (1)
إذا غدا المسك يجري في مفارقهم ... راحوا كأنّهم مرضى من الكرم
[772] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى: [الطويل]
تخالهم للحلم صمّا عن الخنا ... وخرسا عن الفحشاء عند التّهاتر
ومرضى إذا لاقوا حياء وعفّة ... وعند الحروب كاللّيوث الخوادر
لهم ذلّ إنصاف ولين تواضع ... بهم ولهم ذلّت رقاب المعاشر
كأنّ بهم وصما يخافون عاره ... وما وصمهم إلا اتّقاء المعاير
[773] وأنشدنا أيضا، عن أبي العباس: [الطويل]
أحلام (2) عاد لا يخاف جليسهم ... إذا نطقوا العوراء غرب لسان
إذا حدّثوا لم تخش سوء استماعهم ... وإن حدّثوا أدّوا بحسن بيان
[774] وأنشدنا أيضا قال: أنشدني أبي: [الطويل]
يصمّ عن الفحشاء حتى كأنه ... إذا ذكرت في مجلس القوم غائب
له حاجب عن كل ما يصم الفتى ... وليس له عن طالب العرف حاجب
[775] وأنشدنا أيضا قال: أنشدني أبي لبكر بن النطاح يمدح خربان بن عيسى قال: وكان أبو عبيدة يقول: لم أسمع لهؤلاء المحدثين مثل هذا: [الكامل]
لم ينقطع أحد إليك بودّه ... إلا اتّقته نوائب الحدثان
كلّ السيوف يرى لسيفك هيبة ... وتخافك الأرواح في الأبدان
قالت معدّ والقبائل كلّها ... إن المنيّة في يدي خربان
ملك إذا أخذ القناة بكفّه ... وثقت بشدّة ساعد وبنان
[776] وقرأت على أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عن أبيه للأسدي: [الطويل]
ولائمة لامتك يا فيض في النّدى ... فقلت لها هل يقدح اللّوم في البحر
أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى ... ومن ذا الذي يثني السّحاب عن القطر
__________
(1) الأنضية: جمع نضي وهو ما بين الرأس والكاهل من العنق، والأمم جمع أمة وهي القامة. وقد اختلف في قائل هذين البيتين، ففي كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة (ص 443) طبع مدينة ليدن سنة (1902م) و «الكامل» للمبرد (ص 35) طبع ليبسج سنة 1864م و «الأغاني» (ج 12ص 121) طبع بولاق و «اللسان» في مادة «نضا»: أنهما للشمردل بن شريك اليربوعي. وفي «اللسان» أيضا نقلا عن ابن بري أنهما لليلي الأخيلية. ط
(2) أحلام عاد، هو من الطويل دخله الخرم، وهو حذف الفاء من «فعولن». ط(1/229)
مواقع جود الفيض في كلّ بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر
[777] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبيه، عن يونس، عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما توّج النعمان واطمأن به سريره، دخل عليه الناس وفيهم أعرابي فأنشأ يقول: [الطويل]
إذا سست قوما فاجعل الجود بينهم ... وبينك تأمن كلّ ما تتخوّف
فإن كشفت عند الملمّات عورة ... كفاك لباس الجود ما يتكشّف
فقال: مقبول منك نصحك، ممّن أنت؟ قال: أنا رجل من جرم، فأمر له بمائة ناقة، وهي أوّل جائزة أجازها.
[778] وقرأت على أبي بكر وأنشدناه أبو عبد الله نفطويه، عن أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي لقيس بن عاصم المنقري: [الكامل]
إني امرؤ لا يعتري حسبي ... دنس يفنّده ولا أفن
من منقر في بيت مكرمة ... والفرع ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن
لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن
[779] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة للعرندس (1) أحد بني بكر بن كلاب يمدح بني عمرو الغنويّين، قال: وكان الأصمعي يقول: هذا المحال، كلابيّ يمدح غنويا!: [البسيط]
هينون لينون أيسار ذوو كرم ... سوّاس مكرمة أبناء أيسار
إن يسألوا الخير يعطوه وإن خبروا ... في الجهد أدرك منهم طيب أخبار
فيهم ومنهم يعدّ الخير متّلدا ... ولا يعدّ نثا خزي ولا عار
لا ينطقون عن الأهواء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار
من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم ... مثل النجوم التي يسرى بها الساري
[780] وقرأت عليه للنمر بن تولب: [البسيط]
ثم استمرّت تريد الرّيح مصعدة ... نحو الجنوب فعزّتها على الريح
قوله: تريد الريح، يعني: الطّريدة تستقبل الريح أبدا، وإنما تفعل ذلك لتبرد أجوافها باستقبال الريح. وعزّتها: غلبتها، يعني: فرسة غلبت الطريدة، والدليل على ذلك قوله قبل هذا البيت: [البسيط]
لقد غدوت بصهبى وهي ملهبة ... إلهابها كضرام النار في الشّيح
__________
(1) انظر: «التنبيه» [67].(1/230)
وصهبي: اسم فرسه، ثم قال:
جاءت لتسنحني يسرا فقلت لها ... على يمينك إنّي غير مسنوح
جاءت، يعني الطريدة. لتسنحني أي: لتمضي على يساري، ثم قال: ثم استمرت تريد الريح.
[781]
[الزهد في الدنيا، وتقسيم الأرزاق، والعلم، وتأثير الزمان والبيئة في الإنسان، والكريم واللئيم، وصحبة الأخيار والفجار]
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال بعض الحكماء: إن مما سخا بنفس العاقل عن الدنيا علمه بأن الأرزاق فيها لم تقسم على قدر الأخطار.
[782] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، قال:
حدثنا عمر بن شبّة أبو زيد، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة قال: قال عروة لبنيه: يا بنيّ، لا يهدينّ أحدكم إلى ربّه ما يستحي أن يهديه إلى حريمه، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له. قال: وكان يقول: يا بنيّ، تعلّموا العلم، فإنكم إن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبراءهم، واسوءتا! ماذا أقبح من شيخ جاهل؟
وكان يقول: إذا رأيتم خلّة رائعة من شر من رجل فاحذروه وإن كان عند الناس رجل صدق، فإن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم خلة رائعة من خير من رجل فلا تقطعوا إناتكم (1) منه وإن كان عند الناس رجل سوء، فإن لها عنده أخوات. وقال: الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
[783] وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: وجد في حكمة فارس: إني وجدت الكرماء والعقلاء يبتغون إلى كل صلة ومعروف سببا، ورأيت المودّة بين الصالحين سريعا اتصالها، بطيئا انقطاعها، ككوب الذهب سريع الإعادة إن أصابه ثلم أو كسر، ورأيت المودة بين الأشرار بطيئا اتصالها، سريعا انقطاعها. ككوب الفخّار، إن أصابه ثلم أو كسر فلا إعادة له، ورأيت الكريم يحفظ الكريم على اللّقاءة الواحدة ومعرفة اليوم، ورأيت اللئيم لا يحفظ إلا رغبة أو رهبة.
[784]
[بين الرعية والسلاطين، ومعاقبة الرعية على الطعن في الولاة وتنقّص السلف والمعصية]
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو عثمان، عن العتبي، عن أبيه، عن هشام بن صالح، عن سعد قال: كنا بمصر فبلغنا أمور عن أهلها، فصعد عتبة المنبر مغضبا فقال: أيا حاملين ألأم أنوف ركّبت بين أعين، إنما قلّمت أظفاري عنكم ليلين مسّي إياكم، وسألتكم صلاحكم لكم إذ كان فسادكم راجعا عليكم، فأمّا إذ أبيتم إلا الطعن في الولاة والتنقّص للسلف، فو الله لأقطّعن على ظهوركم بطون السياط، فإن حسمت داءكم وإلا فالسيف من ورائكم، فكم من
__________
(1) أناتكم: رجاءكم، عن «اللسان» مادة «أنى». ط(1/231)
موعظة منّا لكم مجّتها قلوبكم، وزجرة صمّت عنها آذانكم، ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذ جدتم لنا بالمعصية، ولا أويسكم من مراجعة الحسنى إن صرتم إلى التي هي أبرّ وأتقى.
[785]
[بذل المعروف، والفضل على الإخوان، وشكر المولى سبحانه، وإكرام الضيف]
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال الأحنف بن قيس: إن الله جعل أسعد عباده عنده وأرشدهم لديه وأحظاهم يوم القيامة، أبذلهم للمعروف يدا، وأكثرهم على الإخوان فضلا. وأحسنهم له على ذلك شكرا.
[786] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي، عن أحمد بن عبيد، عن الزيادي، عن المطلب بن المطلب بن أبي وداعة، عن جده، قال (1): رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه عند باب بني شيبة فمر رجل وهو يقول: [الكامل]
يأيّها الرجل المحوّل رحله ... ألّا نزلت بآل عبد الدار
هبلتك أمّك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إقتار
قال: فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر فقال: «أهكذا قال الشاعر؟» قال: لا والذي بعثك بالحق، لكنه قال:
يأيها الرجل المحول رحله ... ألّا نزلت بآل عبد مناف (2)
هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إقراف
الخالطين فقيرهم بغنيّهم ... حتى يعود فقيرهم كالكافي
ويكلّلون جفانهم بسديفهم (3) ... حتى تغيب الشمس في الرّجّاف (4)
منهم عليّ والنبيّ محمد ... القائلان هلمّ للأضياف
قال: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «هكذا سمعت الرّواة ينشدونه».
[787] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم وعبد الرحمن، عن الأصمعي، عن بعض موالي بني أميّة قال: خرج داود بن سلم إلى حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية، فلما قدم عليه قام غلمانه إلى متاعه فأدخلوه وحطّوا عن راحلته، فلما دخل أنشده: [المتقارب]
ولما دفعت لأبوابهم ... ولا قيت حربا لقيت النجاحا
وجدناه يحمده المعتفون ... ويأبى على العسر إلّا سماحا
__________
(1) انظر: «التنبيه» [68].
(2) قائل هذه الأبيات هو مطرود بن كعب الخزاعي يرثي بها عبد المطلب جد سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم. انظر:
«اللسان في مادة «رجف». ط
(3) السديف: شحم السنام أو قطعه. ط
(4) الرجاف: البحر سمى بذلك لاضطرابه وتحرك أمواجه، وقيل: يوم القيامة. ط(1/232)
ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النّباحا
فأمر له بجوائز كثيرة، ثم استأذنه في الانصراف فأذن له وأعطاه ألف دينار، فلما خرج من عنده وغلمانه جلوس لم يقم إليه أحد منهم ولم يعنه، فظن أن حربا ساخط عليه فرجع إليه وقال: أواجد أنت عليّ؟ قال: لا، ولم ذلك؟ فأخبره خبر الغلمان، قال: ارجع إليهم فسلهم، فرجع إليهم فسألهم، فقالوا: إنا ننزل الضيف ولا نرحّله، فلما قدم المدينة، سمع الغاضريّ بحديثه فأتاه فقال: إني أحب أن أسمع هذا الحديث منك، فحدثه، فقال: هو يهودي أو نصراني إن لم يكن فعل الغلمان أحسن من شعرك.
[788] وقرأت على أبي بكر بن دريد للنمر بن تولب: [الطويل]
تضمّنت أدواء العشيرة بينها ... وأنت على أعواد نعش تقلّب
قوله: تضمنت أدواء العشيرة بينها أي: ضمنت ما كان في العشيرة من داء أو فساد إذ كنت فيهم حيّا، وأنت اليوم على أعواد نعش. وقال الأصمعي: تضمنت: أصلحت، والمعنى عندي: أنه كان يضمن دماء العشيرة فيصلح بينها.
[789]
[مدح أبي العتاهية لبعض الأمراء وخلعه عليه لذلك، وحسد الشعراء]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا عبد الله بن خلف، قال: حدثنا إسحاق بن محمد النخعي، قال: حدثني محمد بن سهل، قال: حدثني المدائني قال: امتدح أبو العتاهية عمر بن العلاء مولى عمرو بن حريث صاحب المهدي، فأمر له بسبعين ألف درهم، وأمر من حضره من خدمه وغلمانه أن يخلعوا عليه، فخلعوا عليه حتى لم يقدر على القيام لما عليه من الثياب، ثم إن جماعة من الشعراء كانوا بباب عمر، فقال بعضهم: يا عجبا للأمير، يعطي أبا العتاهية سبعين ألف درهم! فبلغ ذلك عمر فقال: عليّ بهم، فأدخلوا عليه، فقال:
ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراء! إن أحدكم يأتينا يريد مدحنا فيشبّب في قصيدته بصديقته بخمسين بيتا، فما يبلغنا حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره، وقد أتانا أبو العتاهية فشبّب ببيتين ثم قال: [الكامل]
إني أمنت من الزمان وريبه ... لما علقت من الأمير حبالا
لو يستطيع الناس من إجلاله ... لحذوا له حرّ الوجوه نعالا
ما كان هذا الجود حتى كنت يا ... عمرا ولو يوما تزول لزالا
إنّ المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليك سباسبا ورمالا
فإذا أتين بنا أتين مخفّة ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا
فقال له عمر حين مدحه: أقم حتى أنظر في أمرك، فأقام أياما ولم ير شيئا، وكان عمر ينتظر مالا يجئ من وجه فأبطأ عليه، فكتب إليه أبو العتاهية: [البسيط]
يا بن العلاء ويا بن القرم مرداس ... إني امتدحتك في صحبي وجلّاسي
أثني عليك ولي حال تكذّبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس
حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد ... طأطأت من سوء حال عندها راسي
فقال عمر لحاجبه: اكفنيه أياما، فقال له الحاجب كلاما دفعه به، وقال له: تنتظر، فكتب إليه أبو العتاهية: [البسيط](1/233)
يا بن العلاء ويا بن القرم مرداس ... إني امتدحتك في صحبي وجلّاسي
أثني عليك ولي حال تكذّبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس
حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد ... طأطأت من سوء حال عندها راسي
فقال عمر لحاجبه: اكفنيه أياما، فقال له الحاجب كلاما دفعه به، وقال له: تنتظر، فكتب إليه أبو العتاهية: [البسيط]
أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التّمائم والنّشر (1)
أصابتك عين في سخائك صلبة ... ويا ربّ عين صلبة تفلق الحجر
سنرقيك بالأشعار حتى تملّها ... فإن لم تفق منها رقيناك بالسّور
قال: فضحك عمر، وقال لصاحب بيت ماله: كم عندك؟ قال: سبعون ألف درهم، قال: ادفعها إليه، ويقال: إنه قال له: اعذرني عنده ولا تدخله عليّ فإني أستحي منه.
[790]
[من أمثال العرب]:
قال أبو علي: قال الأصمعي: من أمثال العرب: «العبد من لا عبد له» أي: من لم يكن له عبد ولا كاف امتهن نفسه. ويقال: «لو كويت على داء لم أكره» أي: لو عوتبت على ذنب ما امتعضت. ويقال: «كمبتغي الصّيد في عرّيسة الأسد» يضرب مثلا للرجل يطلب الغنيمة في موضع الهلكة. ويقال: «أجود من لافظة» وأراد بلافظة البحر. ويقال: «أجبن من صافر» (2) وأراد بصافر: ما يصفر من الطير وإنما يوصف بالجبن لأنه ليس من سباعها.
[791] وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الراجز: [الرجز]
قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطنّ بالخلوق طينا
يعني امرأته، يقول: قد علمت إن لم أجد معينا يعينني على سقيها، سأستعين بها وأستعملها حتى يختلط ما عليها من الخلوق بالطين والماء.
[792]
[أخذه بأجمعه وحذافيره، وما يرادف ذلك]:
وقال يعقوب بن السكيت: يقال: أخذه بأجمعه وأجمعه، وأخذه بحذافيره، وقال أبو عبيدة، عن الكسائي: أخذه بحذافيره وجذاميره وجزاميره وجراميزه، وحكى عن أبي عبيدة:
بربّانه بفتح الراء في معناها، وعن الأصمعي: بربّانه أي بجميعه، قال: وقال الفراء: أخذه بصنايته وسنايته مثله. وقال يعقوب: وأخذه بجلمته، وقال لي أبو بكر بن الأنباري: وبجلمته أيضا، وقال يعقوب: وأخذه بزغبره، وقال لي أبو بكر بن الأنباري: ويقال: بزغبره، وأظنني سمعت اللغتين جميعا من أبي بكر بن دريد، وقال يعقوب: وأخذه بزوبره، وأنشد لابن أحمر: [الطويل]
__________
(1) النشر: جمع نشرة وهي رقية يعالج بها المجنون والمريض. ط
(2) انظر: «التنبيه» [69].(1/234)
وإذ قال غاو من تنوخ (1) قصيدة ... بها جرب عدّت عليّ بزوبرا
وقال أبو عبيدة: وأخذه بزأبره، وقال يعقوب: وأخذه بصبرته، وبأصباره، وأخذه بزأبجه وبزأمجه، وأخذه بأصيلته، وأخذه بظليفته، وأخذه مكهملا، قال: وحكى أبو صاعد:
أخذه بزوبره وبأزمله: كلّه أخذه جميعا، وأخذه بربغه وبحداثته وبربّانه. قال أبو الحسن بن كيسان: هذه الثلاثة معناها: بأوّله وابتدائه، وأنشد لابن أحمر: [السريع]
وإنّما العيش بربّانه ... وأنت من أفنانه مقتفر
أخبرني بذلك الغالبي، عن ابن كيسان، وروى أبو عبيدة في بيت ابن أحمر:
وأنت من أفنانه معتصر
وقال أبو نصر وغيره، عن الأصمعي: إنه قال: بربّانه: بحداثته.
[793]
[جلاء العروس، ومادة: جلل]:
وقال الأصمعي: جلوت العروس أجلوها فهي مجلوّة، وجلوت المرآة أجلوها فهي مجلوّة، ومصدرهما جميعا جلاء، ويقال: أعط العروس جلوتها، وقد جلّاها زوجها وصيفة أي: أعطاها حين سئل الجلوة، وزوجها يجلّيها تجلية. وجلّى الطائر تجلية إذا أبصر الصيد من مكان بعيد. وجلّ القوم يجلّون جلولا، وجلا القوم يجلون جلاء إذا خرجوا من بلد إلى بلد، ومنه قيل: استعمل فلان على الجالّة والجالية، وهو أن يجعل على قوم خرجوا من بلد إلى بلد، فالجالّة من جللت، والجالية من جلوت. وجلّ البعر يجلّه جلّا إذا التقطه. والجلّة:
البعر. والإبل الجلّالة: التي تأكل الجلّة، ويقال: خرج الإماء يجتللن أي: يأخذن الجلّة، وأنشد لعمر بن لجأ يصف ناقة: [الرجز]
تحسب مجتلّ الإماء الحرّم ... من هدب الضّمران لم يحزّم (2)
تحسب أي: تكفي. والمجتلّة: التي تلقط الجلّة. وقوله: من هدب الضّمران أي:
من بعر إبل رعت هدب الضمران فبعرت، وذكر الضمران لأنه من أجود ما يرعى. وقوله: لم يحزّم أي: هو بعر منثور لم يحزم كما يحزّم الضمران إذا احتطب. وجلّ الرجل يجلّ جلّة إذا عظم وغلظ، وكذلك الصبي والعود. وإبل جلّة، أي مسنّة، وقد جلّت إذا أسنّت، ومشيخة جلّة أي مسانّ، والواحد جليل. والمجلّة: صحيفة كان يكتب فيها شيء من الحكم، وأنشد بيت النابغة الذبياني: [الطويل]
يروي جلّتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب
قال أبو حاتم: يروي مجلّتهم ومحلّتهم، فمن روى مجلتهم، أراد الصحيفة، ومن روى محلتهم، أراد بلادهم الشام. والجلل: الصغير اليسر. والجليل: العظيم. وقال أبو
__________
(1) في «اللسان» مادة «زبر»: وان قال عاو من معد إلخ. ط
(2) في «اللسان» مادة: «جلل» أنه قاله في وصف إبل: وروى «لم يحطم» بدل «لم يحزم». ط(1/235)
نصر: والجلل: العظيم أيضا. وقال أبو بكر بن الأنباري: وجدت في كتاب أبي عن أحمد بن عبيد، عن أبي نصر، كان الأصمعي يقول: الجلل: الصغير اليسير، ولا يقول:
الجلل: العظيم.
[794] قال أبو علي: قال الأصمعي: لا يقال: الجلال إلا في الله عزّ وجلّ، وقال أبو حاتم: وقد يقال، وأنشد: [الطويل]
فلا ذا جلال هبنه لجلاله ... ولا ذا ضياع هنّ يتركن للفقر
وجلّ كل شيء: العظيم منه. وقرأت على أبي بكر بن دريد في كتاب الأبواب للأصمعي: فعلت ذاك من جلل كذا وكذا أي: من عظمه في صدري. وقال أبو نصر:
فعلت ذاك لجللك وجلالك أي: لعظمتك في صدري، وأنشد الأصمعي لجميل: [الخفيف]
رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة من جلله
ورويت من غير هذا الوجه تفسير من جلله: من أجله.
[795] ويقال: فعلت ذاك من أجلك وجللك وجلالك، وأنشد الأصمعي في جلالك: [الطويل]
وغيد نشاوى من كرى فوق شزّب ... من اللّيل قد نبّهتهم من جلالكا
أي من أجلك. والجلّى: الأمر العظيم، وجمعها جلل. والجليل: الثّمام، واحدته جليلة، وأنشد الأصمعي: [الطويل]
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد (1) وحولي إذخر وجليل
وذكر شيوخنا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع بلالا ينشد هذا البيت فقال: «حننت يا بن السوداء».
ويقال: هو ابن جلا أي: المنكشف المشهور الأمر، وأنشد الأصمعي: [الوافر]
أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني (2)
قال: وابن أجلى مثله، وأنشد للعجاج: [الرجز]
لاثوا به الحجاج والإصحارا ... به ابن أجلى وافق الإسفارا
قال: ولم أسمع بابن أجلى إلا في بيت العجاج. وقوله: لا قوا به أي: بذلك المكان، وقوله: الإصحارا أي: وجدوه مصحرا ووجدوا به ابن أجلى، كما تقول: لقيت به الأسد أي: كأني لقيت بلقائي إياه الأسد. وقوله: وافق الإسفارا أي: واضحا مثل الصّبح. وقال غيره: عين جليّة أي: بصيرة، قال أبو دواد الإيادي: [الخفيف]
__________
(1) في «اللسان»: «بفج» بالفاء المفتوحة والجيم المشددة. ط
(2) القائل لهذا البيت هو سيحم بن وثيل الرياحي كما في الجزء الأول من «الأصمعيات» (ص 73) طبع ليبزج سنة 1902م. ط(1/236)
بل تأمّل وأنت أبصر منّي ... قصد دير السّوى (1) بعين جليّه
والجليّة أيضا: الأمر البيّن الواضح، قال النابغة: [الطويل]
فآب مضلّوه بعين جليّة ... وغودر بالجولان حزم ونائل
[796] وقال الأصمعي: والجلا: انحسار الشعر من مقدّم الرأس، رجل أجلى وامرأة جلواء، وقد جلى يجلى جلا مقصور.
[797] وقرأت على أبي بكر بن دريد لبكر بن النطاح (2): [الطويل]
ولو خذلت أمواله جود كفّه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته
ولو لم يجد في العمر قسما لزائر ... لجاد له بالشّطر من حسناته
[798] وأنشدني بعض أصحابنا لبكر بن النطاح: [الكامل]
وإذا بدا لك قاسم يوم الوغى ... يختال خلت أمامه قنديلا
وإذا تعرّض للعمود وليّه ... خلت العمود بكفّه منديلا
قالوا وينظم فارسين بطعنة ... يوم اللقاء ولا يراه جليلا
لا تعجبوا فلو انّ طول قناته ... ميل إذا نظم الفوارس ميلا
[799] وأنشدني بعض أصحابنا له: [الكامل]
يا عصمة العرب التي لو لم تكن ... حيّا إذا كانت بغير عماد
إن العيون إذا رأتك حدادها ... رجعت من الإجلال غير حداد
وإذا رميت الثغر منك بعزمة ... فتّحت منه مواضع الأسداد
فكأنّ رمحك منقع في عصفر ... وكأنّ سيفك سلّ من فرصاد (3)
لوصال من غضب أبو دلف على ... بيض السيوف لذبن في الأغماد
أذكى وأوقد للعداوة والقرى ... نارين نار وغى ونار رماد
* * * [800] وقرأت على أبي بكر بن دريد لليلي الأخيلية، وقال لي: كان الأصمعي يرويها لحميد بن ثور الهلالي قال أبو علي: فكذا وجدته بخط ابن زكريا وراق الجاحظ في شعر حميد (4): [الكامل]
يأيّها السّدم الملوّي رأسه ... ليقود من أهل الحجاز بريما
أتريد عمرو بن الخليع ودونه ... كعب إذا لوجدته مرحوما
__________
(1) قال ياقوت: إنه بظاهر الحيرة، ومعناه دير العدل لأنهم كانوا يتحالفون عنده فيتناصفون. وقال الكلبي: هو منسوب إلى رجل من إياد: وقيل غير ذلك. ط
(2) انظر: «التنبيه» [70].
(3) الفرصاد: الصبغ الأحمر. ط
(4) انظر: «التنبيه» [71].(1/237)
إن الخليع ورهطه في عامر ... كالقلب ألبس جؤجؤا وحزيما
لا تغزونّ الدهر آل مطرّف ... لا ظالما أبدا ولا مظلوما
قوم رباط الخيل وسط بيوتهم ... وأسنّة زرق تخال نجوما
ومخرّق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما
حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس زعيما
لن تستطيع بأن تحوّل عزّهم ... حتّى تحول ذا الهضاب يسوما (1)
إن سالموك فدعهم من هذه ... وارقد كفى لك بالرّقاد نعيما
[801]
[عادة العرب إذا اقتتلوا وبدا لأحد الفريقين الصلح]:
قال أبو علي: البريم: الخيط فيه سواد وبياض. ويقال للقطيع من الغنم إذا كان فيه معز: بريم.
[801/ م] وسألت أبا بكر بن دريد عن معنى قول المتنخّل الهذلي (2): [البسيط]
عقّوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاءوا وقالوا حبّذا الوضح
فقال: يقال: عقّى بسهم إذا رمى به نحو السماء لا يريد به أحدا، وإذا اجتمع الفريقان للقتال ثم بدا لأحد الفريقين وأرادوا الصلح رموا بسهم نحو السماء، فعلم الفريق الثاني أنهم يريدون الصلح فتراسلوا في ذلك. واستفاءوا: رجعوا عما كانوا عليه. وقالوا: حبذا الوضح أي: اللبن أي: حبذا الإبل والغنم نأخذها في الدية، كما قال الآخر: [الوافر]
ظفرت بهجمة سود وحمر ... تسرّ بما يساء به اللبيب
أي: فرحت بالدية
[802]
[صفات البطانة الصالحة، والعناية بطلبها، ومن أوصاف الرجال]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا الحسن بن خضر، عن أبيه قال: كتب الحسن بن سهل إلى محمد بن سماعة القاضي: أما بعد، فإني احتجت لبعض أموري إلى رجل جامع لخصال الخير ذي عفّة ونزاهة طعمة (3)، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التّجارب، ليس بظنين في رأيه، ولا بمطعون في حسبه، إن أؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلّد مهمّا من الأمور أجزأ فيه، له سنّ مع أدب ولسان، تقعده الرّزانة، ويسكّنه الحلم، قد فرّ عن ذكاء وفطنة، وعضّ على قارحة من الكمال، تكفيه اللّحظة، وترشده السّكتة، قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام في أمورهم فحمد فيها، له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه
__________
(1) يسوم: اسم جبل في بلاد هذيل. ط
(2) انظر: «التنبيه» [72].
(3) الطعمة بضم الطاء وكسرها: وجه الكسب الطيب أو الخبيث. ط(1/238)
وحسن بيانه، دلائل الفضل عليه لائحة، وأمارات العلم له شاهدة، مضطلعا بما استنهض، مستقلّا بما حمّل، وقد آثرتك بطلبه، وحبوتك بارتياده، ثقة بفضل اختيارك، ومعرفة بحسن تأتّيك، فكتب إليه: إني عازم أن أرغب إلى الله جل وعزّ حولا كاملا في ارتياد مثل هذه الصّفة، وأفرّق الرسل الثّقات في الآفاق لالتماسه، وأرجو أن يمنّ الله بالإجابة، فأفوز لديك بقضاء حاجتك والسلام.
[803] وأخبرنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، قال: حدثت، عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: وصف رجل رجلا فقال: كان والله سمحا سحّا، يمر سهلا، بينه وبين القلب نسب، وبين الحياة سبب إنما هو عيادة مريض، وتحفة قادم، وواسطة قلادة.
[804] قال أبو عبد الله: وحدثنا أبو العباس، قال: وصف أعرابي رجلا فقال: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ إليك الكلام على أدراجه، كأنّ في كل ركن من أركانه قلبا يقد.
قال أبو علي: يعني مستحدث (1) الحديث.
[805]
[ما يقال في معنى: ما بالدار أحد]:
وقال يعقوب بن السكيت: يقال: ما بالدار أحد، وما بها دوّيّ ودعويّ وطهويّ ودبّيّ ولاعي قرو.
قال أبو علي: وقال لي الغالبي: قال لنا ابن كيسان: دوّي، منسوب إلى الدوّية. وقال اللحياني: دعويّ من دعوت. ودبّيّ من دببت، وزاد نمّيّ من نممت. الأصمعي: يقال: ما بالدار عريب. قال أبو علي: معناه معرب أي: ما بها أحد، قال عبيد: [مخلع البسيط]
فعردة فقفا حبرّ ... ليس بها منهم عريب
[806] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس: [الطويل]
أميم أمنك الدّار غيّرها البلى ... وهيف (2) بجولان التراب لعوب
بسابس لم يصبح ولم يمس ثاويا ... بها بعد بين الحيّ منك عريب
وما بها دبّيج، ودبّيج فعّيل من الدّبج، وهو النقش والتزيين، وأصله فارسي مأخوذ من الديباج، وأنشد ابن الأعرابي: [الرجز]
هل تعرف المنزل من ذات الهوج ... ليس بها من الأنيس دبّيج
وما بها دوريّ، وقال اللحياني: دوريّ ودؤريّ، يهمز ولا يهمز.
[807] قال أبو علي: دوريّ منسوب إلى الدّور، فأما دؤري بالهمز، فهو عندنا غلط.
وما بها طوريّ، قال أبو علي: منسوب إلى الطورة، وفي بعض اللغات الطيرة. وما بها وابر،
__________
(1) يريد: مستعذب الحديث حلوه. ط
(2) الهيف: كل ريح ذات سموم تعطش المال وتيبس الرطب. ط(1/239)
وما بها نافخ ضرمة، وما بها صافر، وما بها ديّار، وأنشد غيره لجرير: [الرجز]
وبلدة ليس بها ديّار ... تنشقّ في مجهولها الأبصار
وقال اللحياني: وما بها أرم، على فعل، وقال أبو زيد: ما بها أرم ولا أريم، على فعيل، وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري: [البسيط]
تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم ... فما يحسّ عليها منهم أرم
وقال ابن الأعرابي: ما بها آرم، على فاعل، وما بها أيرميّ وإرميّ. وقال اللحياني: ما بها وابن ووابر، وأنشد ابن الأعرابي: [الطويل]
يمينا أرى من آل زبّان وابرا ... فيفلت مني دون منقطع الحبل
وقال ابن الأعرابي: وما بها أمر. وقال الأصمعي والكسائي: وما بها شفر، وأنشدني ابن الأنباري: [الطويل]
فو الله لا تنفكّ منّا عداوة ... ولا منهم ما دام من نسلنا شفر
وقال اللحياني: ما بها شفر ولا شفر. وقال غيره: ما بها طؤويّ، على مثال قولك:
طعوي، وما بها طوئيّ، على مثال طوعيّ.
[808] وأنشدني أبو بكر بن دريد وأبو بكر بن الأنباري للعجاج: [الرجز]
وبلدة ليس بها طوئيّ ... ولا خلا الجنّ بها إنسيّ
وزاد اللحياني: ما بها طاويّ غير مهموز. أبو زيد: ما بها تأمور، مهموز أي: ما بها أحد. ويقال: ما في الرّكيّة تأمور، يعني الماء، وهو قياس على الأول، الأصمعي: ما بها كرّاب ولا كتيع، أنشدني ابن الأنباري: [الوافر]
أجدّ الحيّ فاحتملوا سراعا ... فما بالدار إذ ظعنوا كتيع
ولا بها داريّ، قال الأصمعي وأبو عمرو: الداريّ: الذي لا يبرح ولا يطلب معاشا، قال الراجز: [الرجز]
لبّث قليلا يلحق الداريّون ... ذوو الجباب البدّن المكفيّون
سوف ترى إن حضروا ما يغنون
وحقيقته أنه منسوب إلى الدار للزومه لها. وحكى يعقوب عن غيرهم: ما بها عين ولا عين، وقال الأصمعي: العين: الجماعة، وأنشد: [الرجز]
إذا رآني واحدا أو في عين ... يعرفني أطرق إطراق الطّحن (1)
والطّحن: دويبة تكون في الرمل مثل العظاءة. وزاد أبو عبيد عن الفراء: ما بها عائن.
وزاد اللحياني: ما بها عائنة. وقال غيره: ما بها طارف ولا أنيس. وقال اللحياني: ما بها
__________
(1) في «اللسان» مادة «طحن»: قال ابن بري: الرجز لجندل بن المثنى الطهوي. ط(1/240)
تامور ولا تومور. وقال ابن الأعرابي: ما بها عائرة عينين. وقال غيره: يقال إن له من المال عائرة عينين أي: مال يعير فيه البصر هاهنا وهاهنا من كثرته. وقال أبو عبيدة: عليه مال عائرة عين، يقال هذا للكثير لأنه من كثيرته يملأ العينين حتى يكاد يفقؤهما من كثرته.
* * * [809] وسألت أبا بكر عن معنى قول المتنخّل: [البسيط]
لكن كبير بن هند يوم ذلكم ... فتخ الشّمائل في أيمانهم روح
فقال: فتخ الشمائل مفتوخة الشمائل لأنهم قد أمسكوا بها الدّرق، وأصل الفتخ:
الّلين والاسترخاء. وقوله: في أيمانهم روح أي: تباعد عن الجنب لأنهم قد رفعوها بالسيوف وأمالوها للضرب.
[810]
[الوفاء بالعهد]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه: [السريع]
العهد عهدان فعهد امرئ ... يأنف أن يغدر أو ينقضا
يرعى بظهر الغيب إخوانه ... حفظا ويستقبلهم بالرضا
لو قابل السيف على حده ... في بعض ما فيه أخوه مضى
وعهد ذي لونين ملّالة ... يوشك إن ودّك أن يبغضا
ليس له صبر على صاحب ... إلا قليلا ريث أن يرفضا
خلّته مثل الخضاب الذي ... بينا تراه قانيا إذ نضا
إن لم تزره قال قد ملّني ... وبالحرى إن زرت أن يعرضا
فإن أسا يوما فعاتبته ... قال عفا ربّك عما مضى
ولن تراه الدهر في حالة ... إلا عبوس الوجه قد حمّضا
[811]
[ترك الكبائر، والإحسان للجار، والتفكّر في العواقب، والنظر في الكلام لعدم المقدرة على ردّ ما خرج من لسانك، ومداراة الرجال والحذر من عداواتهم، والاستعداد للأمور قبل نزولها، والثروة، وموادة من لا يودّك، وحسن الصحبة في السفر، وبذل المال]
قال أبو علي: أنشدنا أبو بكر، عن أبي حاتم: [الطويل]
وإن سعيد الجدّ من بات ليلة ... وأصبح لم يؤشب (1) ببعض الكبائر
فمولاك لا يهضم لديك فإنما ... هضيمة مولى المرء جدع المناخر
وجارك لا يذممك إنّ مسبّة ... على المرء في الأدنين ذمّ المجاور
__________
(1) يقال أشبه بالأمر يأشبه: قذفه به وخلط عليه الكذب فيه. ط(1/241)
وإن قلت فاعلم ما تقول فإنه ... إلى سامع ممن يغادي وآثر
فإنك لا تسطيع ردّ مقالة ... شأتك وزلّت عن فكاهة فاغر
كما ليس رام بعد إرسال سهمه ... على ردّه قبل الوقوع بقادر
إذا أنت عاديت الرجال فلا نزلّ ... على حذر لا خير في غير حاذر
ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بحافر
ترى المرء مخلوقا وللعين حظّها ... وليس بأحناء (1) الأمور بخابر
فذاك كماء البحر لست مسيغه ... ويعجب منه ساجيا (2) كلّ ناظر
وتلقى الأصيل الفاضل الرأي جسمه ... إذا ما مشى في القوم ليس بقاهر
كذلك جفن رثّ عن طول مكثه ... على حدّ مفتوق الغرارين باتر
وعاش بعينيه لما لا يناله ... كساع برجليه لإدراك طائر
ومستنزل حربا على غير ثروة ... كمقتحم في البحر ليس بماهر
وملتمس ودّا لمن لا يودّه ... كمعتذر يوما إلى غير عاذر
ومتّخذ عذرا فعاد ملامة ... كوالي اليتامى مالهم غير وافر
فسارع إذا سافرت في الحمد واعلمن ... بأنّ ثناء الركب حظّ المسافر
وطاوعهم فيما أرادا وقل لهم ... فدى للذي رمتم كلال الأباعر
فإن كنت ذا حظّ من المال فالتمس ... به الأجر وارفع ذكر أهل المقابر
فإني رأيت المال يفنى وذكره ... كظلّ يقيك الظّلّ حرّ الهواجر
[812] [الجود] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري: [البسيط]
سمّيت معنا بمعن ثم قلت له ... هذا سميّ فتى في الناس محمود
أنت الجواد ومنك الجود أوّله ... فإن فقدت فما جود بموجود
من نور وجهك تضحي الأرض مشرقة ... ومن بنانك يجرى الماء في العود
أضحت يمينك من جود مصوّرة ... لا بل يمينك منها صورة الجود
[813]
[موعظة في الدنيا والآخرة]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: ولّى جعفر بن سليمان أعرابيّا بعض مياههم، فخطبهم يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار، فخذوا لمقرّكم من ممرّكم، ولا تهتكوا أستاركم، عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم، قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها
__________
(1) أحفاء الأمور: ثناياها وخفاياها. ط
(2) ساجيا: ساكنا. ط(1/242)
حييتم، ولغيرها خلقتم، إن الرجل إذا هلك، قال الناس ما ترك، وقالت الملائكة ما قدّم، فلله آباؤكم! قدّموا بعضا، يكن لكم قرضا، ولا تخلّفوا كلّا، يكن عليكم كلّا، أقول قول هذا وأستغفر الله لي ولكم.
[814]
[ذم المرء]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قلت لأعرابي ما تقول في المراء؟ قال: ما عسى أن أقول في شيء يفسد الصّداقة القديمة، ويحلّ العقدة الوثيقة، أقلّ ما فيه أن يكون دربة للمغالبة، والمغالبة من أمتن أسباب الفتنة.
[815]
[وصية رجل لبعض الملوك في ترك اتباع السّهل، والحذر من العدة بما لا يملك الوفاء به، والحذر من نقمات الله، ومراقبة العواقب]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو الحسن بن خضر، عن حماد بن إسحاق الموصلي، قال: سمعت أبي يقول: قال رجل من العجم لملك كان في دهره: أوصيك بأربع خلال ترضي بهنّ ربك، وتصلح بهن رعيّتك، لا يغرّنّك ارتقاء السهل إذا كان المنحدر وعرا، ولا تعدنّ عدة ليس في يدك وفاؤها. واعلم أن لله نقمات فكن على حذر، واعلم أن للأعمال جزاء فاتّق العواقب.
[816] وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر: [البسيط]
وعازب قد علا التّهويل جنبته ... لا تنفع النّعل في رقراقه الحافي (1)
باكرته قبل أن تلغى عصافره ... مستخفيا صاحبي وغيره الخافي
عازب: بعيد لا يأتيه أحد. والتهاويل: الألوان المختلفة من الحمرة والشقرة والصفرة.
والجنبة: ضرب من النبات. وقوله: لا تنفع النعل، يقول: لا تنفعه النعل من كثرة نداه.
ورقراقه: ما ترقرق منه. وتلغى: تصيح.
[817]
[مراعاة أسباب الودّ، وترك العتاب، ومواعظ التجارب]:
وحدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر، قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: كان هارون الرشيد كثيرا ما يستنشد أبي لعبد الله بن مصعب:
وإني وإن أقصرت عن غير بغضة ... لراع لأسباب المودّة حافظ
وما زال يدعوني إلى الصّرم ما أرى ... فآبى وتثنيني عليك الحفائظ
وأنتظر الإقبال بالود منكم ... وأصبر حتى أوجعتني المغايظ
وأنتظر العتبى وأغضي على القذى ... ألاين طورا مرّة وأغالظ
وجرّبت ما يسلي المحبّ عن الصّبا ... فأقصرت والتّجريب للمرء واعظ
__________
(1) البيتان لعبد المسيح بن عسلة كما في «اللسان» مادة: «لغا». ط(1/243)
[818] وأنشدني أبو يعقوب وراق أبي بكر بن دريد قال: أنشدني أحمد بن عبيد الجوهري قال: أنشدت لمخلد الموصلى: [الطويل]
أقول لنضو أنفد السير نيّها (1) ... فلم يبق منها غير عظم مجلّد
خذي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ... وشاقك تحنان الحمام المغرّد
فمرّت حذارا خوف دعوة عاشق ... تشقّ بي الظّلماء في كل فدفد
فلما ونت في السير ثنّيت دعوتي ... فكانت لها سوطا إلى ضحوة الغد
[819]
[قصيدة ذي الإصبع في هوى ريّا أم هارون، وصلة الرحم، والوفاء للأصدقاء، والنزوع للأصل وإن تخلّق المرء ببعض الأخلاق إلى حين، وترك الهون، ومفارقة من أبي المصاحبة، والجزاء من جنس العمل]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد قصيدة ذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بن محرّث، وأملاها علينا الأخفش وأوّلها في الروايتين:
ولي ابن عمّ على ما كان من خلق
[820] وقرأنا على أبي بكر بن الأنباري فزادنا، عن أبيه، عن أحمد بن عبيد قبل هذا البيت الأول أبياتا أولها: [البسيط]
يا من لقلب طويل البثّ محزون ... أمسى تذكّر ريّا أمّ هارون
أمسى تذكرها من بعد ما شحطت ... والدهر ذو غلظة حينا وذو لين
فإن يكن حبّها أمسى لنا شجنا ... وأصبح الوأي (2) منها لا يواتيني
فقد غنينا وشمل الدار يجمعنا ... أطيع ريّا وريّا لا تعاصيني
نرمي الوشاة فلا نخطي مقاتلهم ... بصادق من صفاء الودّ مكنون
ولي ابن عم على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه ويقليني
أزرى بنا أننا شالت (3) نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب ... عنّى ولا أنت ديّاني (4) فتخزوني
ولا تقوت عيالي يوم مسغبة ... ولا بنفسك في العزّاء (5) تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني
ولا يرى فيّ غير الصّبر منقصة ... وما سواه فإن الله يكفيني
لولا أواصر قربى لست تحفظها ... ورهبة الله في مولى يعاديني
__________
(1) نيها: شحمها الذي عليها من سمنها. ط
(2) الواي: الوعد الذي يوثقه الإنسان على نفسه، ويطلق أيضا على الوهم والظنّ.
(3) يقال: شالت نعامتهم إذا انتقلوا عن الموضع فلم يبق فيه منهم أحد ولم يبق لهم فيه شيء. ط
(4) دانه: قهره. ط
(5) العزاء: السنة الشديدة. ط(1/244)
إذا بريتك بريا لا انجبار له ... إني رأيتك لا تنفكّ تبريني
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنني
ألله يعلمني والله يعلمكم ... والله يجزيكم عني ويجزيني
ماذا عليّ وإن كنتم ذوي رحمي ... ألّا أحبّكم إذ لم تحبّوني
لو تشربون دمي لم يرو شاربكم ... ولا دماؤكم جمعا تروّيني
ولي ابن عم لو انّ الناس في كبد ... لظلّ محتجرا بالنّبل يرميني
يا عمرو إلّا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
عنّي إليك فما أمّي براعية ... ترعى المخاض ولا رأيي بمغبون
إني أبيّ أبيّ ذو محافظة ... وابن أبيّ أبيّ من أبيّين
لا يخرج القسر مني غير مأبية ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
عفّ ندود إذا ما خفت من بلد ... هونا فلست بوقّاف على الهون
كلّ امرئ صائر يوما لشيمته ... وإن تخلّق أخلاقا إلى حين
والله لو كرهت كفّي مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت قربي لها بيني
إنّي لعمرك ما بابي بذي غلق ... عن الصديق ولا خيري بممنون
وما لساني على الأدنى بمنطلق ... بالمنكرات ولا فتكي بمأمون
عندي خلائق أقوام ذوي حسب ... وآخرين (1) كثير كلّهم دوني
وأنتم معشر زيد على مائة ... فأجمعوا أمركم طرّا فكيدوني
فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا ... وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني
يا ربّ ثوب حواشيه كأوسطه ... لا عيب في الثوب من حسن ومن لين
يوما شدت على فرغاء (2) فاهقة ... طورا من الدهر تارات تماريني
قد كنت أعطيكم مالي وأمنحكم ... ودّي على مثبت في الصدر مكنون
يا ربّ حيّ شديد الشّغب ذي لجب ... دعوتهم راهن منهم ومرهون
رددت باطلهم في رأس قائلهم ... حتى يظلّوا جميعا ذا أفانين
يا عمرو لو لنت لي ألفيتني يسرا ... سمحا كريما أجازي من يجازيني
[821]
[أصناف الناس وأوصافهم]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو عثمان، عن التّوّزيّ، عن أبي عبيدة قال:
قال معاوية لصعصة بن صوحان: صف لي الناس، فقال: خلق الناس أخيافا، فطائفة للعبادة،
__________
(1) هكذا في النسخ بالجر وفي بعض المجاميع وآخرون بالرفع والمدار على الرواية. ط
(2) الفرعاء: الطعنة ذات الفرغ وهو السعة. والفاهقة هي التي تفهق بالدم أي: تتصبب. ط(1/245)
وطائفة للتجارة، وطائفة خطباء، وطائفة للبأس والنّجدة، ورجرجة فيما بين ذلك، يكدّرون الماء، ويغلون السّعر، ويضيّقون الطريق.
قال أبو علي: الرجرجة: شرار الناس ورذالهم، وأصل الرجرجة: الماء الذي قد خالطه لعاب، وجمعه رجارج، قال هميان بن قحافة: [الرجز]
فأسأرت في الحوض حضجا (1) حاضجا ... قد عاد من أنفاسها رجارجا
وقال اللحياني: الرّجرج: اللّعاب، قال ابن مقبل: [البسيط]
كاد الّعاع من الحوذان يسحطها ... ورجرج بين لحييها خناطيل
[822]
[مفاضلة قيس بن رفاعة بين النعمان اللخمي والحارث الغسّاني]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة قال: كان قيس بن رفاعة يفد سنة إلى النعمان اللخمي بالعراق وسنة إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني بالشام، فقال له يوما وهو عنده: يابن رفاعة، بلغني أنك تفضّل النعمان عليّ، قال: وكيف أفضّله عليك أبيت اللعن! فو الله لقفاك أحسن من وجهه، ولأمّك أشرف من أبيه، ولأبوك أشرف من جميع قومه، ولشمالك أجود من يمينه، ولحرمانك أنفع من نداه، ولقليلك أكثر من كثيره، ولثمادك (2) أعزر من غديره، ولكرسيّك أرفع من سريره، ولجدولك أغمر من بحوره، وليومك أفضل من شهوره، ولشهرك أمدّ من حوله، ولحولك خير من حقبه (3)، ولزندك أورى من زنده، ولجندك أعز من جنده، وإنّك لمن غسّان أرباب الملوك، وإنه لمن لخم الكثير النّوك، فكيف أفضله عليك!
[823]
[الشجاعة، وذم الانهزام، وشعر في الافتخار بالإقدام والثبات]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قال:
حدثني عبد الله بن شبيب، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، قال: قال معاوية: لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفّين غير مرة، فما يمنعني من الانهزام إلا أبيات بن الإطنابة: [الوافر]
أبت لي عفّتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الرّبيح
وإعطائي (4) على الإعدام مالي ... وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلّما جشأت وجاشت ... رويدك تحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمي بعد عن عرض صحيح
__________
(1) الحضج: بالكسر ويفتح: ما يبقى في حياض الإبل من الماء. ط
(2) الثماد: الماء القليل الذي لا يمده شيء. ط
(3) الحقب بضم وبضمتين: ثمانون سنة. ط
(4) المشهور في كتب اللغة والأدب: «واقدامي على المكروه نفسي» ولعلهما روايتان. ط(1/246)
قال أبو علي: المشيح: المبادر المنكمش، ويقال: بطل مشيح أي: حامل، وقال الأصمعي: شايحت في لغة تميم وقيس: حاذرت، وفي لغة هذيل: جددت في الأمر.
[824] وحدثنا أبو بكر، عن أبي حاتم، عن أبي زيد، عن المفضّل الضبي قال (1):
كنت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن صاحب أبي جعفر في اليوم الذي قتل فيه، فلما رأى البياض يقلّ والسواد يكثر قال لي: يا مفضّل، أنشدني شيئا يهوّن عليّ بعض ما أرى، فأنشدته: [الطويل]
ألا أيّها الناهي فزارة بعد ما ... أجدّت لغزو إنما أنت حالم
أرى كلّ ذي تبل يبيت بهمّه ... ويمنع منه النوم إذ أنت نائم
قعوا وقعة (2) من يحي لم يخز بعدها ... وإن يخترم لم تتّبعه الملاوم
قال: فرأيته يتطالل على سرجه، ثم حمل حملة كانت آخر العهد به.
[825] وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه لأبي سعيد المخزومي: [البسيط]
من لي بردّ الصّبا واللهو والغزل ... هيهات ما فات من أيامك الأول
طوى الجديدان ما قد كنت أنشره ... وأنكرتني ذوات الأعين النّجل
وقد نهاني النّهى عنها وأدّبني ... فلست أبكي على رسم ولا طلل
مالي وللدّمنة البوغاء (3) أندبها ... وللمنازل من خوف ومن ملل
متى ينال الفتى اليقظان همّته ... إذا المقام بدار اللهو والغزل
في الخيل والخافقات السّودلي شغل ... ليس الصّبابة والصّهباء من شغلي
ما كان لي أمل في غير مكرمة ... والنّفس مقرونة بالحرص والأمل
ذنبي إلى الخيل كرّي في جوانبها ... إذا مشى الليث فيها مشي مختبل
ولي من الفيلق الجأواء (4) غمرتها ... إذا تقحّمها الأبطال بالحيل
كم جأنب (5) خشن صبّحت عارضه ... بعارض للمنايا مسبل هطل
وغمرة خضت أعلاها وأسفلها ... بالضرب والطعن بين البيض والأسل
سل الجرادة (6) عني يوم تحملني ... هل فاتني بطل أو خمت (7) عن بطل
__________
(1) انظر: «التنبيه» [73].
(2) في «الأغاني» (ج 17ص 109): قفوا وقفه إلخ. ط
(3) الدمنة البوغاء: التراب الناعم المتلبد. ط
(4) يقال كتيبة جأواء: كدراء اللون في حمرة وهو لون صدأ الحديد لكثرة ما عليها من الدروع. ط
(5) الجانب: الرجل القصير الجافي الخلقة. ط
(6) الجرادة: فرسه. ط
(7) خمت: نكصت وجبنت. ط(1/247)
وهل شآني (1) إلى الغايات سابقها ... وهل فزعت إلى غير القنا الذّبل
مالي (2) أرى ذمّتي يستمطرون دمي ... ألست أولاهم بالقول والعمل
كيف السبيل إلى ورد (3) خبعثنة ... طلائع الموت في أنيابه العصل
وما يريدون لولا الحين من أسد ... بالليل مشتمل بالجمر مكتحل
لا يشرب الماء إلا من قليب دم ... ولا يبيت له جار على وجل
لولا الإمام ولولا حقّ طاعته ... لقد شربت دما أحلى من العسل
[787] وقرأت على أبي بكر بن دريد للفند الزّمّاني واسمه شهل (4) بن شيبان:
[الهزج]
صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان
عسى الأيام أن يرجع ... ن قوما كالذي كانوا
فلما صرّح الشرّ ... فأمسى وهو عريان
ولم يبق سوى العدوا ... ن دنّاهم كما دانوا
مشينا مشية اللّيث ... غدا واللّيث غضبان
قال أبو علي: يروى عدا وغدا بالعين والغين، ويروى شددنا شدّة الليث، فمن روى شددنا فالأجود عدا بالعين غير المعجمة، ومن روى مشينا، فالأجود غدا بالغين المعجمة.
بضرب فيه توهين ... وتخضيع (5) وإرنان
[826] وأنشدنا أبو بكر، عن أبيه، عن أبي رستم مستملي يعقوب هذا البيت:
بضرب فيه تأييم ... وتفجيع وإرنان
وطعن كفم الزّقّ ... غدا والزّقّ ملآن
وفي الشّرّ نجاة حي ... ن لا ينجيك إحسان
وبعض الحلم عند الجه ... ل للذّلّة إذعان
[827] وقرأت عليه لأبي الغول الطّهويّ وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه إلى آخر بيت فيه: [الوافر]
فدت نفسي وما ملكت يميني ... فوارس صدّقوا فيهم ظنوني
فوارس لا يملّون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزّبون
__________
(1) شآى فلان فلانا شأوا: سبقه. ط
(2) كذا في بعض النسخ: وفي بعض المجاميع: «ماذا أريد بقوم ينذرون دمي» إلخ. ط
(3) الورد: الأسد، والخبعثنة: العظيم الشديد من الأسود. ط
(4) في النسخة المطبوعة ببولاق: «سهل» بالسين وهو تحريف، والتصويب عن النسخة المخطوطة و «القاموس» وشرحه. ط
(5) التخضيع: تقطيع اللحم. ط(1/248)
ولا يجزون من حسن بسيئ ... ولا يجزون من غلظ بلين
ولا تبلى بسالتهم وإن هم ... صلوا بالحرب حينا بعد حين
هم منعوا حمى الوقبى (1) بضرب ... يؤلّف بين أشتات المنون
فنكّب عنهم درء (2) الأعادي ... ودووا بالجنون من الجنون
ولا يرعون أكناف الهويني ... إذا حلّوا ولا روض الهدون (3)
[828]
[خبر رجل به لوثة وهوج مع كونه أحفظ الناس للشّعر]:
وحدثني أبو بكر رحمه الله قال أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: رأيت رجلا بالجفر من بني العنبر به لوثة (4) بل هوج ظاهر أحفظ خلق الله للشّعر، وكان إذا قال له قائل:
أنشدنا، تنمّر له وشتمه، وإذا أنشد وحدّث اندفق منه ثبج بحر مع فصاحة وحسن إنشاد، فأنشدني يوما من غير أن أستنشده:
فدت نفسي وما ملكت يميني
الأبيات كلّها.
[829]
[من رثى قتيلا قتله قومه]:
وحدثنا أبو بكر، عن أبي حاتم قال: لم يرث أحد قتيلا قتله قومه إلا قيس بن زهير فإنه رثى حذيفة بن بدر وبنو عبس تولّت قتله: [الوافر]
ألم تر أنّ خير الناس أضحى ... على جفر الهباءة (5) ما يريم
ولولا بغيه ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما بدت النجوم
ولكنّ الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم
أظنّ الحلم دلّ عليّ قومي ... وقد يستجهل الرّجل الحليم
[830]
[كرم الضيف، وشعر نويرة في رثاء ابنه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: نزلت على امرأة من بني عامر بن صعصعة وقد مات ابن لها، وهي من القلق على مثل الرّضفة (6)، فقامت تعالج لي طعاما، فقلت لها: يا هذه، إنك لفي شغل عن هذا، فقالت: والله لا تجوز بيتي إلا مقريّا،
__________
(1) الوقبى: ماء لبني مالك بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم لهم به حصن وكانت لهم به وقائع مشهورة، والوقبى على طريق المدينة من البصرة. ط
(2) الدرء: الدفع. ط
(3) الهدون: الدعة والسكون. ط
(4) اللوثة: الحمق. ط
(5) الهباءة: أرض ببلاد غطفان قتل بها حذيفة وحمل ابنا بدر الفزاريان، وجفر الهباءة: مستنقع في هذه الأرض. ط
(6) الرضفة: واحدة الرضف وهي الحجارة المحماة. ط(1/249)
ولكن أنشدني أبياتا أسلو بهنّ، فإني أراك لوذعيّا، فأنشدتها أبيات نويرة بن حصين المازني يرثي ابنه: [الطويل]
إني أري للشامتين تجلّدي ... وإنّي كالطاوي الجناح على كسر
يرى واقعا لم يدر ما تحت ريشه ... وإن ناء لم يسطع نهوضا إلى وكر
فلولا سرور الشامتين بكبوتي ... لما رقأت عيناي من واكف يجري
على من كفاني والعشيرة كلّها ... نوائب ريب الدهر في عثرة الدهر
ومن كانت الجارات تأمن ليله ... إذا خفن من باتت غوائله تسري
بصير بما فيه لهنّ حصانة ... غبيّ عن المحجوب بالباب والسّتر
يكفّ أذاه بعد ما بذل عرفه ... ويحلم حلما لا يذمّ ولا يزري
ويأخذ ممن رام بالهصر هيضه (1) ... إذا ما أراد الأخذ بالهصر والقسر
ولا ينظر الأيسار إن نال يسره ... ولا ينثنى عن فعل خير لدى العسر
ولا يتأرّى (2) للعواقب إن رأى ... له فرصة يشفي بها وحر ال (3) صّدر
ولكنه ركّاب كلّ عظيمة ... يضيق بها صدر الحسود على الأمر
ولست وإن خبّرت أن قد سليته ... بناس أبا سوداء إلّا على ذكر
شمائل منه طيّبات يعدنني ... وأخلاق محمود لدى الزاد والقدر
فتى شعشع (4) يروي السّنان بكفّه ... ويجمع للمولى العطاء مع النّصر
قال: فكأني والله زبرت (5) الأبيات في صدرها، فما زالت تنشدها وتصلح طعامي حتى قرتني ورحت من عندها.
* * * [831] وقرأت على أبي بكر لقيس بن زهير: [الوافر]
شفيت النفس من حمل بن بدر ... وسيفي من حذيفة قد شفاني
فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلّا بناني
[832]
[شعر فيمن قتل أخوه أو ابنه على يد قومه أو ابنه فلو ثأر له فلو رماهم لأصابه سهمه! وترك الأمن لمن بدأتهم بالظلم]
وقال وقرأت عليه للحارث بن وعلة الجرمي (6): [الكامل]
قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
__________
(1) الهيض: الكسر. ط
(2) يتأرّى: ينتظر ويترقب. ط
(3) وحر الصدر: غيظة وفعله كفرح. ط
(4) شعشع: طويل. ط
(5) زبرت: كتبت. ط
(6) في «شرح الحماسة» طبع بولاق (ج 1ص 107) الذهلي. ط(1/250)
فلئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي
لا تأمنن قوما ظلمتهم ... وبدأتهم بالشّتم والرّغم (1)
أن يأبروا نخلا لغيرهم ... والشيء تحقره وقد ينمي
وزعمتم أن لا حلوم لنا ... إنّ العصا قرعت لذي الحلم
ووطئتنا وطئا على حنق ... وطء المقيّد نابت الهرم (2)
وتركتنا لحما على وضم ... لو كنت تستبقي من اللحم
[833] وقرأت عليه لأعرابي قتل أخوه ابنه، فقدّم إليه ليقتاد منه فألقى السيف من يده وهو يقول: [البسيط]
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يديّ أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
وأملاهما علينا نفطويه.
[834] وأنشدنا أبو بكر، عن أبي عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة لهشام أخي ذي الرمة: [الطويل]
تعزّيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين ملآن مترع
نعى الرّكب أوفى حين وافت ركابهم ... لعمرى لقد جاءوا بشرّ وأوجعوا
نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه ... تكاد الجبال الصّمّ منه تصدّع
خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم ... وأمسى بأوفى قومه قد تضعضعوا
فلم ينسني أوفى المثيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع
[835]
[مادة: غرر]:
قال أبو علي: قال أبو نصر: يقال كان ذلك في غرارتي وحداثتي أي: في غرّتي.
وعيش غرير إذا كان لا يفزّع أهله. وامرأة غريرة إذا لم تجرّب الأمور، ورجل غرّ وامرأة غرّ إذا كانا غير مجرّبين للأمور. ويقال: ما غرّك بفلان أي: كيف اجترأت عليه. قال الله عزّ وجلّ: {مََا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]. ويقال: من غرّك من فلان أي: من أوطأك عشوة (3). وفي عشوة ثلاث لغات، يقال: عشوة وعشوة وعشوة. ويقال: أنا غريرك من فلان أي: لن يأتيك منه ما تغترّ به. كأنه قال: أنا القيّم لك بذاك. ويقال: أتانا على غرار وغشاش،
__________
(1) في «اللسان»: رغما دغما شنغما: كل ذلك اتباع وروى عن ابن السكيت: «رغما له شغما» قال الأزهري: ولا أعرفه. ط
(2) الهرم: ضرب من النبات. ط
(3) يقال: أوطأه عشرة إذا حمله على أن يركب أمرا غير مستبين الرشد فربما كان فيه عطبة، يريد: من أضلك في أمر فلان حتى اغتررت به. ط(1/251)
أي على عجلة. ويقال: ما نومه إلّا غرار أي: قليل، ويقال: غارّت الناقة تغارّ غرارا إذا رفعت لبنها. والغرور. مكاسر الجلد، واحدها غرّ، قال دكين بن رجاء الفقيمي: [الرجز]
كأنّ غرّ متنه إذ تجنبه ... سير صناع في خريز تكلبه
يعني: أن تثني الشّعرة أو اللّيفة ثم تدخل السير في ثنى الشّعرة المثنيّة ثم تجذبه فتخرج السير مع الشعرة. وزعموا أن رؤبة بن العجّاج اشترى ثوبا من بزّاز فلما استوجبه قال: اطوه على غرّه أي: على كسور طيّه. ويقال: ضرب نصله على غرار واحد أي: على مثال واحد، قال الهذلي (1): [الوافر]
سديد العير لم يدحض عليه ال ... غرار فقدحه زعل درج
ويقال: ليت هذا اليوم غرار شهر في الطول أي: مثال شهر في الطول. والغراران ما عن يمين النّصل وشماله. وغرار السيف: حدّه، قال الأصمعي يقال: بنى بنو فلان بيوتهم على غرار واحد أي: على سطر واحد. ويقال: غرّ الطائر فرخه يغرّه غرّا إذا زقّه، وقرأت على أبي بكر للشّماخ: [الطويل]
ولمّا رأيت الأمر عرش هويّة ... تسلّيت حاجات الفؤاد بشمّرا
قوله: ولما رأيت الأمر عرش هوية، مثل. والعرش: الخشب الذي يطوى به أعلى البئر، قال أبو زيد: البئر المعروشة: التي طويت قدر قامة من أسفلها بالحجارة ثم طوي سائرها بالخشب وحده وذلك الخشب هو العرش. قال الأصمعي: المعروشة: المطوية بالخشب، والساقي إذا قام على العرش فهو على خطر إن زلق وقع في البئر. والهويّة: البئر، يقول: لما رأيت الأمر شديدا ركبت شمّر، وشمر اسم ناقته.
[836]
[الخوارج، وجزاء الإحسان، والعفو عند المقدرة، ومن أخبار الناس مع الأمراء]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد المهلّبي قال: قيل للمهلب: إن فلانا عين للخوارج في عسكرك، وإنه يتكفّن بالسلاح إذا دعوا للحرب ليغتالك ويلحق بالخوارج، فبعث إليه، فأتي به فقال له: قد تقرّر عندنا كيدك لنا، ولم نقدم من أمرك على ما عزمنا عليه إلا بعد ما لم يدع اليقين للشك معترضا، فاختر أيّ قتلة تحب أن أقتلك؟ فقال: سيف مجهز أو عطفة كريم محتقر لضغن ذوي الضغائن، قال: فإنها عطفة كريم محتقر للذنوب، فخلّى سبيله، فكان بعد ذلك من أوثق أصحابه عنده.
[837] وحدثنا أيضا قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد قال:
__________
(1) البيت لعمرو بن الداخل وقوله: سديد أي: مستقيم. والعير: الناتئ في وسط النصل وقوله: لم يدحض أي: لم يزلق. والغرار: المثال الذي يضرب عليه النصل. والزعل: النشيط. والدروج:
الذاهب في الأرض. ط(1/252)
أوفد المهلّب كعب بن معدان الأشقري (1) حين هزم عبد ربه الأصغر وأجلى قطريّا حتى أخرجه من كرمان نحو أرض خراسان، فقال له الحجاج: كيف كانت محاربة المهلب للقوم؟
قال: كان إذا وجد الفرصة سار (2) كما يسور الليث، وإذا دهمته الطّحمة (3) راغ كما يروغ الثعلب، وإذا ماده القوم صبر صبر الدهر، قال: وكيف كان فيكم؟ قال: كان لنا منه إشفاق الوالد الحدب، وله منا طاعة الولد البرّ، قال: فكيف أفلتكم قطريّ؟ قال: كادنا ببعض ما كدناه به، والأجل أحصن جنّة وأنفذ عدّة، قال: فكيف اتبعتم عبد ربه وتركتموه؟ قال: آثرنا الحدّ على الفلّ، وكانت سلامة الجند أحبّ إلينا من شجب (4) العدو، فقال له الحجاج:
أكنت أعددت هذا الجواب قبل لقائي؟ قال: لا يعلم الغيب إلا الله.
* * * [838] وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم قال: أتيت أبا عبيدة ومعي شعر عروة بن الورد فقال لي: ما معك؟ فقلت: شعر عروة، فقال: فارغ حمل شعر فقير ليقرأه على فقير، فقلت له: ما معي غيره، فأنشدني أنت ما شئت، فأنشدني: [البسيط]
يا ربّ ظلّ عقاب (5) قد وقيت بها ... مهري من الشمس والأبطال تجتلد
وربّ يوم حمى أرعيت عقوته ... خيلي اقتصارا وأطراف الفنا قصد (6)
ويوم لهو لأهل الخفض ظلّ به ... لهوى اصطلاء الوغى وناره تقد
مشهّرا موقفي والحرب كاشفة ... عنها القناع وبحر الموت يطّرد
وربّ هاجرة تغلي مراجلها ... مخرتها بمطايا غارة تخد
تجتاب أودية الأفزاع آمنة ... كأنّها أسد تقتادها أسد
فإن أمت حتف أنفي لا أمت كمدا ... على الطّعان وقصر العاجز الكمد
ولم أقل لم أساق الموت شاربه ... في كأسه والمنايا شرّع ورد
ثم قال: هذا الشّعر! لا ما تعلّلون به أنفسكم من أشعار المخانيث! قال أبو بكر، والشعر لقطري بن الفجاءة.
* * * [839] وحدثنا قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي زيد، عن المفضّل الضبي قال:
__________
(1) ورد في الطبعة الأولى «الأشعري» بالعين المهملة، وهو تحريف والتصويب عن إحدى النسخ المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية و «تاريخ الطبري» و «تاج العروس» مادة «شقر». ط
(2) سار: وثب وثار. ط
(3) الطحمة: جماعة الناس. يريد جند العدو. ط
(4) الشجب: الهلاك. ط
(5) العقاب: الراية. ط
(6) القصد كعنب: القطع مما يكسر: واحد قصدة. ط(1/253)
دخلت على المهدي فقال لي قبل أن أجلس: أنشدني أربعة أبيات لا تزد عليهن وعنده عبد الله بن مالك الخزاعي فأنشدته (1): [الطويل]
وأشعث قد قدّ الشّفار قميصه ... يجرّ شواء بالعصا غير منضج (2)
دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريم من الفتيان غير مزلّج (3)
فتى يملأ الشّيزى ويروي سنانه ... ويضرب في رأس الكميّ المدجّج
فتى ليس بالراضي بأدنى معيشة ... ولا في بيوت الحيّ بالمتولّج
فقال المهدي: هو هذا وأشار إلى عبد الله بن مالك فلما أنصرفت بعث إليّ بألف دينار، وبعث إليّ عبد الله بأربعة آلاف درهم.
[840] وقرأت على أبي بكر لعبد الرحمن بن زيد (4): [الوافر]
يؤسّي عن زيادة كلّ حيّ ... خليّ ما تأوّبه الهموم
فلو كنت القتيل وكان حيّا ... لطالب لا ألفّ (5) ولا سئوم
ولا هيّابة بالليل نكس (6) ... ولا ضرع (7) إذا أمسى نؤوم
وكيف تجلّد الأقوام عنه ... ولم يقتل به الثأر المنيم
غشوم حين يبصر مستقاد ... وخير الطالبي التّرة الغشوم
[841]
[رثاء أبي الهيذام لأخيه]:
وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس محمد بن يزيد قال: أنشدنا الزبير لأبي الهيذام المرّي في أخيه: [الطويل]
سأبكيك بالبيض الرّقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الماجد الوترا
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصّرها من جفن مقلته عصرا
وإنا أناس ما تفيض دموعنا ... على هالك منّا وإن قصم الظّهرا
* * *
[842] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
[الكامل]
ولقد رأيت مطيّة معكوسة ... تمشي بكلكلها وتزجيها الصّبا
__________
(1) انظر: «التنبيه» [74].
(2) هذه الأبيات من قصيدة طويلة للشماخ بن ضرار الغطفاني كما في «ديوانه» (ص 9طبع مصر). ط
(3) المزلج: الرجل الناقص أو الدون. ط
(4) انظر: «التنبيه» [75].
(5) يقال: رجل ألف وامرأة لفاء، واللفف: تداني الفخذين من السمن وهو عيب في الرجل مدح في المرأة. ط
(6) النكس: الضعيف. ط
(7) الضرع: الجبان الذليل. ط(1/254)
ولقد رأيت سبيئة من أرضها ... تسبي القلوب وما تنيب إلى هوى
ولقد رأيت الخيل أو أشباهها ... تثنى معطّفة إذا ما تجتلى
ولقد رأيت جواريا بمفازة ... تجري بغير قوائم عند الجرا
ولقد رأيت غضيضة هركولة (1) ... رود (2) الشّباب غريرة عادت فتى
ولقد رأيت مكفّرا ذا نعمة ... جهدوه بالأعمال حتى قد ونى
قال أبو العباس: المطيّة المعكوسة: سفينة. والسّبيئة من أرضها: خمر. والخيل أو أشباهها عني بها تصاوير في وسائد. وجواريا بمفازة، عنى بهن السّراب. والغضيضة الهركولة: امرأة. وعادت، من العيادة. ومكفّرا ذا نعمة، عنى به السيف.
[843] وأنشدنا أبو بكر بن السراج لعلي بن أبي العباس الرومي: [الكامل]
خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلا تورّدها عليه شاهد
لم يخجل الورد المورّد لونه ... إلا وناحله الفضيلة عاند
للنّرجس الفضل المبين وإن أبي ... آب وحاد عن الطريقة حائد
فصل القضية أن هذا قائد ... زهر الرياض وأن هذا طارد
شتّان بين اثنين هذا موعد ... بتسلّب الدنيا وهذا واعد
وإذا احتفظت به فأمتع صاحب ... بحياته لو أنّ حيّا خالد
ينهى النّديم عن القبيح بلحظه ... وعلى المدامة والسماع مساعد
اطلب بعيشك في الملاح سميّه ... أبدا فإنك لا محالة واجد
والورد إن فتّشت فرد في اسمه ... ما في الملاح له سميّ واحد
هذى النجوم هي التي ربّتهما ... بحيا السحاب كما يربّي الوالد
فتأمّل الأخوين من أدناهما ... شبها بوالده فذاك الماجد
أين الخدود من العيون نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد
[844] وأنشدني أبو الميّاس قال: أنشدني الأخيطل لنفسه بواسط: [البسيط]
سقيا لأرض إذا ما شئت نبّهني ... بعد الهدوء بها قرع النّواقيس
كأنّ سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطّواويس
[845] وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال أنشدنا الزبير: [الطويل]
نجوم وأقمار من الزّهر طلّع ... لذي اللّلهو في أكنافها متمتّع
نشاوى تثنّيها الرياح فتنثني ... ويلثم بعض بعضها ثم ترجع
__________
(1) الهركولة: الحسنة الجسم والخلق والمشية. ط
(2) الرود مسهل رؤد المهموز: الشابة الحسنة السريعة الشباب مع حسن غذاء. ط(1/255)
كأنّ عليها من مجاجة طلّها (1) ... لآلئ إلا أنها هي ألمع
ويحدرها عنها الصّبا فكأنها ... دموع مراها البين والبين يفجع
[846]
[اعتذار رجل لبعض الملوك]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو عثمان، عن سعيد بن مسعدة الأخفش قال:
اعتذر رجل من العرب إلى بعض ملوكهم فقال: إن زلّتي وإن دانت قد أحاطت بحرمتي، فإن فضلك يحيط بها، وكرمك يوفي عليها، ثم قال: [الكامل]
إنّي إليك سلمت كانت رحلتي ... أرجو الإله وصفحك المبذولا
إن كان ذنبي قد أحاط بحرمتي ... فأحط بذنبي عفوك المأمولا
[847]
[قول العتبي لأبي قلابة حين تخلّف عن الدرس، وأسباب التخلّف]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو عثمان، قال: حدثنا أبو قلابة الجرمي قال: تخلفت عن حلقة العتبي أياما، فكتب إليّ: تركتنا ترك رجل أوحده جرم، أو أغناه علم، فإن كان عن جرم فعن غير إرادة بقلب ولا تعمد بلسان، وإن كان عن علم غنيت به فتصدّق علينا إن الله يجزي المتصدقين.
[848]
[خبر عبد لله بن عليّ مع إسماعيل بن عمرو حين قتل عبد الله من قتل من بني أمية]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو عثمان، عن العتبي قال: قال عبد الله بن علي بعد قتله من قتل من بني أمية لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاصي: أسائك ما فعلت بأصحابك؟ فقال: كانوا يدا فقطعتها، وعضدا ففتتّها، ومرّة فنقضتها، وركنا فهدمته، وجناحا فهضته، فقال: إنّي لخليق أن ألحقك بهم، قال: إنّي إذا لسعيد.
[849]
[قول الأحنف في تجنّب وصف النساء والطعام في المجالس]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو عثمان، عن العتبي قال: تذاكر قوم في مجلس الأحنف الطعام والنساء، فقال الأحنف: جنّبوا مجالسكم النساء والطعام، فإني أكره للرجل السّريّ أن يكون وصّافا لبطنه وقد عرف ما يحور إليه، ولفرجه وقد علم أين مجلسه.
[850]
[كرم الأصل، واللؤم، والحرص علي الشهادة، وكثرة السادة في الأقوام، والافتخار بالشجاعة]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر للسّموءل بن عادياء اليهودي: [الطويل]
إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
إذا المرء (2) لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
__________
(1) في النسخة المطبوعة «ظلها» والتصويب عن النسخة المخطوطة. ط
(2) المشهور في رواية هذا البيت وان هو لم يحمل بدل إذا المرء لم يحمل. ط(1/256)
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
وما قلّ من كانت بقاياه مثلنا ... شباب تسامى للعلا وكهول
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
لنا جبل يحتلّه من نجيره ... منيع يردّ الطّرف وهو كليل
رسا أصله تحت الثرى وسما به ... إلى النجم فرع لا يرام طويل
وإنا لقوم ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طلّ (1) منا حيث كان قتيل
[851] قال أبو علي: وهذا مثل قول عمرو بن شأس: [الكامل]
لسنا نموت على مضاجعنا ... بالليل بل أدواؤنا القتل
تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل
صفونا فلم نكدر وأخلص سرّنا ... إناث أطابت حملنا وفحول
علونا إلى خير الظهور وحطّنا ... لوقت إلى خير البطون نزول
فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعدّ بخيل
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
إذا سيّد منا خلا قام سيد ... قئول لما قال الكرام فعول
وما أخمدت نار لنا دون طارق ... ولا ذمّنا في النازلين نزيل
وأيامنا مشهورة في عدونا ... لها غرر معلومة وحجول
وأسيافنا في كل غرب ومشرق ... بها من قراع الدّار عين فلول
معوّدة ألّا تسلّ نصولها ... فتغمد حتى يستباح قبيل
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... وليس سواء عالم وجهول
فإنّ بني الدّيّان (2) قطب لقومهم ... تدور رحاهم حولهم وتجول
[852] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى للفرزدق (3): [الطويل]
يفلّقن ها من لم تنله سيوفنا ... بأسيافنا هام الملوك القماقم
__________
(1) طل: لم يؤخذ له بثأر. ط
(2) الديان، هو يزيد بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب الحارثي أبو قطين وكان شريف قومه (راجع «تاج العروس» مادة: «دين»). ط
(3) انظر: «التنبيه» [76].(1/257)
قال أبو العباس: ها تنبيه والتقدير يفلقن بأسيافنا هام الملوك القماقم، ثم قال: ها للتنبيه، ثم قال مستفهما: من لم تنله سيوفنا؟ قال أبو بكر: وسمعت شيخا منذ حين يعيب هذا الجواب ويقول: يفلقن هاما جمع هامة، وهام الملوك مردود على هاما، كما قال جلّ ثناؤه: {إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرََاطِ اللََّهِ} [الشوري: 5352] فاحتججت عليه بقوله: لم تنله، وقلت له: لو أراد الهام لقال: لم تنلها لأن الهام مؤنثة لم يؤثر عن العرب فيها تذكير، ولم يقل أحد منهم: الهام فلقته، كما قالوا: النخل قطعته، والتذكير والتأنيث لا يعمل قياسا إنما يبنى فيه على السماع واتباع الأثر.
[853]
[شعر في المراثي، والاتعاظ بصمت الموت]:
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لمطيع بن إياس الكوفي يرثى يحيى بن زياد الحارثي: [الخفيف]
وينادونه وقد صمّ عنهم ... ثم قالوا وللنساء نحيب
ما الذي غال أن تحير جوابا ... أيّها المصقع الخطيب الأديب
فلئن كنت لا تحير جوابا ... فبما قد ترى وأنت خطيب
في مقال وما وعظت بشيء ... مثل وعظ بالصّمت إذ لا تجيب
[854] وقرأت على أبي بكر في أشعار هذيل ولم أر أحدا يقوم بأشعار هذيل غيره لأبي خراش (1) الهذلي: [الطويل]
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض
فو الله لا أنسى قتيلا رزئته ... بجانب قوسى (2) ما مشيت على الأرض
بلى إنّها تعفو الكلوم وإنما ... نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... خلا أنه قد سلّ عن ماجد محض
ولم يك مثلوج الفؤاد مهيّجا ... أضاع الشّباب في الرّبيلة والخفض
ولكنّه قد لوّحته (3) مخامص (4) ... على أنه ذو مرّة صادق النّهض
كأنهم يشّبّثون بطائر ... خفيف المشاش (5) عظمه غير ذي نحض (6)
يبادر قرب الليل فهو مهابذ ... يحثّ الجناح بالتبسّط والقبض
__________
(1) واسمه خويلد بن مرة مات زمن عمر بن الخطاب. ط
(2) قوسى: بلد بالسراة قتل بها عروة أخو أبي خراش الهذلي ونجا ولده فقال: في ذلك الأبيات المذكورة. ط
(3) لوحته: غيرته. ط
(4) مخامص: جمع مخمصة وهي خلاء البطن من الطعام جوعا. ط
(5) المشاش: العظام اللينة. ط
(6) النحض: اللحم المكتنز. ط(1/258)
قال أبو علي: المثلوج: البليد، ومثله قول الآخر: [الطويل]
ولكنّ قلبا بين جنبيك بارد
والمهبّج: المنتفخ، ويروي: مهبّلا، وهو الثقيل الجافي. والرّبيلة: الخفض والدّعة، ويروى: الرّبالة، وهو كثرة اللحم لا اللحم نفسه. والمهابذ: المجاهد في العدو والسّير، ويقال: أهذب وأهبذ إذا اجتهد في الإسراع.
[855] وقرأت عليه لأبي عطاء السندي (1) في ابن هبيرة: [الطويل]
ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود
عشيّة قام النائحات وشقّقت ... جيوب بأيدي ماتم وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربّما ... أقام به بعد الوفود وفود
فإنّك لم تبعد على متعهّد ... بلى كلّ من تحت التراب بعيد
[856]
[قصيدة جميل في هوى بثينة، وانتظاره لوصلها، وذم الوشاة، ووصف الحب]:
وأملى علنيا أبو بكر بن الأنباري هذه القصيدة لجميل قال: وقرأتها على أبي بكر بن دريد في شعر جميل، وفي الروايتين اختلاف في تقديم الأبيات وتأخيرها وفي ألفاظ بعض البيوت: [الطويل]
ألا ليت أيام الصّفاء تعود ... ودهرا تولّى يا بثين جديد
فنغنى كما كنّا نكون وأنتم ... صديق وإذا ما تبذلين زهيد
وما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... وقد قربت بصرى أمصر تريد
خليلي ما أخفي من الوجد ظاهر ... فدمعي بما أخفي الغداة شهيد
ألا قد أرى والله أن ربّ عبرة ... إذا الدار شطّت بيننا سترود
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحبّ قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردّي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبّها فيما يبيد يبيد
جزتك الجوازي يا بثين ملامة ... إذا ما خليل راح وهو حميد
وقلت لها بيني وبينك فاعلمي ... من الله ميثاق لنا وعهود
وقد كان حبّيكم طريفا وتالدا ... وما الحبّ إلّا طارف وتليد
وإن عروض (2) الوصل بيني وبينها ... وإن سهّلته بالمنى لكئود
__________
(1) كذا في «تارج العروس»، و «حماسة أبي تمام». وفي الطبعة الأولى: «السدى» بدون نون. وهو تحريف. ط
(2) العروض: الطريق في عرض الجبل في مضيق يريد الطريق إلى وصلها. ط(1/259)
فأفنيت عيشي بانتظاري نوالها ... وأبلت بذاك الدّهر وهو جديد
فليت وشاة الناس بيني وبينها ... تذوف (1) لهم سمّا طماطم سود
[857]
[فقد القرم هو الرزيّة، وليست الرزية فقد مال]:
وحدثني أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: أنشدنا أحمد بن عبيد لا مرأة من الأعراب: [الوافر]
لعمرك ما الرّزيّة فقد مال ... ولا شاة تموت ولا بعير
ولكنّ الرزية فقد قرم ... يموت بموته بشر كثير
قال أبو علي: وأنشدنيهما بعض أصحابنا وقال في البيت الأول: «هلك مال» وقال في الثاني: «هلك ميت» و «خلق كثير».
* * * [858] وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي: [الخفيف]
خير ما استعصمت به الكفّ عضب ... ذكر حدّه أنيث المهزّ
ما تأمّلته بعينيك إلّا ... أرعشت صفحتاه من غير هزّ
مثله أفزع الشّجاع إلى الدّر ... ع فغالى بها على كل بزّ
ما أبالي أصمّمت شفرتاه ... في محزّ أم جارتا عن محزّ
[859]
[موعظة بليغة للمأمون الحارثي]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة قال: قعد المأمون الحارثي في نادي قومه فنظر إلى السماء والنجوم ثم أفكر طويلا ثم قال: أرعوني أسماعكم، وأصغوا إليّ قلوبكم، يبلغ الوعظ منكم حيث أريد، طمح بالأهواء الأشر، وران على القلوب الكدر، وطخطخ الجهل النظر، إن فيما نرى لمعتبرا لمن اعتبر، أرض موضوعة، وسماء مرفوعة، وشمس تطلع وتغرب، ونجوم تسري فتعزب، وقمر تطلعه النّحور، وتمحقه أدبار الشهور، وعاجز مثر، وحوّل (2) مكد، وشابّ مختضر، ويفن (3) قد غبر، وراحلون لا يئوبون، وموقوفون لا يفرّطون، ومطر يرسل بقدر، فيحيي البشر، ويورق الشجر، ويطلع الثّمر، وينبت الزّهر، وماء يتفجّر من الصّخر الأير، فيصدع المدر عن أفنان الخضر، فيحي الأنام، ويشبع السّوام وينمي الأنعام، إنّ في ذلك لأوضح الدلائل على المدبّر المقدّر، البارئ المصوّر. يأيها العقول
__________
(1) تذوف: تخلط وهي لغة في تدوف بالدال المهملة. والطماطم: جمع طمطم بكسر الطاء وهو من في لسانه عجمة، وأراد بالطماطم هنا: الموالي. ط
(2) الحول: الشديد الحيلة المتصرف. ط
(3) اليفن: الشيخ الكبير. ط(1/260)
النافرة، والقلوب النائرة (1)، أنّى تؤفكون، وعن أيّ سبيل تعمهون، وفي أيّ حيرة تهيمون، وإلى أيّ غاية توفضون، لو كشفت الأغطية عن القلوب، وتجلّت الغشاوة عن العيون، لصرّح الشّكّ عن اليقين، وأفاق من نشوة الجهالة، من استولت عليه الضلالة.
قال أبو علي: قوله طمح: ارتفع وعلا. وران: غلب، قال عبدة بن الطبيب:
أوردته القوم قد ران النعاس بهم ... فقلت إذ نهلوا من جمّه قيلوا
ران بهم: غلب، قال الله تعالى.: {كَلََّا بَلْ رََانَ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14]. وطخطخ:
أظلم. والمختضر: الذي يموت حدثا، وهو مأخوذ من الخضرة، كأنه حصد أخضر.
[860] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: كان شاب من العرب يلقى شيخا منهم فيقول: استحصدت يا عمّاه! فيقول له الشيخ: يابن أخي وتختضرون، فمات الشاب قبل الشيخ بمدّة طويلة. ويفرّطون: يقدّمون. وقال أبو عبيدة قال الأموي: الحجر الأيرّ على مثال الأصم: الصّلب. وتوفضون: تسرعون، يقال: أوفض يوفض إيفاضا إذا أسرع، قال الله جلّ وعزّ.: {كَأَنَّهُمْ إِلى ََ نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43]. فأما يفيضون فيدفعون، قال الأصمعي: يقال أفاض من عرفة إلى منى أي: دفع.
[861]
[أسباب السيادة]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا الرياشي، عن العتبي، عن رجل من الأنصار من أهل المدينة قال: قال معاوية لعرابة بن أوس بن حارثة الأنصاري: بأيّ شيء سدت قومك يا عرابة؟ قال: أخبرك يا معاوية بأني كنت لهم كما كان حاتم لقومه، قال: وكيف كان؟
فأنشدته: [الطويل]
وأصبحت في أمر العشيرة كلّها ... كذي الحلم يرضى ما يقول ويعرف
وذاك لأني لا أعادي سراتهم ... ولا عن أخي ضرّائهم أتنكّف
وإنّي لأعطي سائلي ولربما ... أكلّف ما لا أستطيع فأكلف
وإني لمذموم إذا قيل حاتم ... نبا نبوة إنّ الكريم يعنّف
وو الله إني لأعفو عن سفيههم، وأحلم عن جاهلهم، وأسعى في حوائجهم، وأعطي سائلهم، فمن فعل فعلي مثلي، ومن فعل أحسن من فعلي فهو أفضل مني، ومن قصّر عن فعلي فأنا خير منه، فقال معاوية: لقد صدق الشماخ حيث يقول فيك: [الوافر]
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
[862] وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال أنشدنا أبو حاتم: [الوافر]
ألوم النائبات من الليالي ... وما تدري اللّيالي من ألوم
__________
(1) النائرة: الناقرة. ط(1/261)
ولكنّ المنيّة لو أصيبت ... بمصرعه هي الثّأر المنيم
وكان أخي زعيم بني حييّ ... وكلّ قبيلة لهم زعيم
وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم بها وقعد لا أقوم
[863] وأنشدنا أبو بكر، عن أبي حاتم للعجير السّلولي: [الطويل]
تركنا أبا الأضياف في ليلة الصّبا ... بمرّ (1) ومردى كلّ خصم يجادله
تركنا فتى قد أيقن الجوع أنه ... إذا ما ثوى في أرحل القوم قاتله
فتى قدّ قدّ السيف لا متضائل ... ولا رهل (2) لبّاته وبآدله
إذا القوم أمّوا بيته فهو عامد ... لأحسن ما ظنّوا به فهو فاعله
جواد بدنياه بخيل بعرضه ... عطوف على المولى قليل غوائله
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله
إذا جدّ عند الجدّ أرضاك جدّه ... وذو باطل إن شئت أرضاك باطله
يسرّك مظلوما ويرضيك ظالما ... وكلّ الذي حمّلته فهو حامله
قال أبو علي: قال الفراء: البأدلة: ما بين العنق إلى التّرقوة وجمعه بآدل، وقال أبو عمرو: واحدها بأدل بغير هاء. وقال قطرب: البآدل ويقال البهادل: أصول الثديين.
[864] وقرأت على أبي بكر رحمه الله للحسين بن مطير الأسدي: [الطويل]
ألمّا على معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعا ثمّ مربعا
فيا قبر معن أنت أوّل حفرة ... من الأرض خطّت للسماحة مضجعا
ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
بلى قد وسعت الجود والجود ميّت ... ولو كان حيّا ضقت حتى تصدّعا
فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا
ولما مضى معن مضى الجود وانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
[865] وقرأت عليه لبعض الشعراء: [الكامل]
ماذا أحال وثيرة بن سماك ... من دمع باكية عليك وباك
ذهب الذي كانت معلّقة به ... حدق العناة وأنفس الهلّاك
__________
(1) في الطبعة الأولى «بعير» وفي «شرح الحماسة» (ج 2ص 193) طبع بولاق «بمرو» وكلاهما تحريف، والتصويب عن «معجم البلدان» فقد ذكر ياقوت أن «مرا» اسم موضع على مرحلة من مكة له ذكر كثير في الحديث والمغازي ويقال له من الظهران، واستشهد بهذه الأبيات. ط
(2) هو من رهل لحمه إذا اضطرب واسترخى وانتفخ أو ورم من غير داء. ط(1/262)
قال أبو علي: أحال: صبّ، يقال: إنه ليحيل الماء من البئر في الحوض أي: يصبّ، وقال لبيد: [الوافر]
يحيلون السّجال على السّجال
[866] وقرأت عليه لمسلم بن الوليد: [الكامل]
قبر بحلوان أسرّ ضريحه ... خطرا تقاصر دونه الأخطار
نفضت (1) بك الأحلاس (2) نفض إقامة ... واستعجلت (3) نزّاعها الأمصار
فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة ... أثنى عليها السّهل والأوعار
سلكت بك العرب السبيل إلى العلا ... حتى إذا سبق الرّدى بك حاروا
[867] وأنشدني أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، قال: أنشدنا عبد الله بن جوان صاحب الزيادي، ولم يسم قائلها، وأملاها علينا أبو سعيد السكري لأبي العتاهية في بعض إخوانه: [متقارب]
وقد كنت أغدو إلى قصره ... فقد صرت أغدو إلى قبره
أخ طالما سرّني ذكره ... فقد صرت أشجى لدى ذكره
وكنت أراني غنيّا به ... عن الناس لو مدّ في عمره
وكنت إذا جئت في حاجة ... فأمري يجوز على أمره
فتى لم يملّ النّدى ساعة ... على عسره كان أو يسره
تظلّ نهارك في خيره ... وتأمن ليلك من شرّه
فصار عليّ إلى ربّه ... وكان عليّ فتى دهره
أتمّ وأكمل ما لم يزل ... وأعظم ما كان في قدره
أتته المنيّة مغتالة ... رويدا تخلّل من ستره
فلم تغن أجناده حوله ... ولا المزمعون على نصره
وخلّى القصور التي شادها ... وحلّ من القبر في قعره
وبدّل بالفرش بسط الثّرى ... وطيب ندى الأرض من عطره
وأصبح يهدى إلى منزل ... عميق تؤنّق في حفره
تغلّق بالتّرب أبوابه ... إلى يوم يؤذن في حشره
__________
(1) في الطبعة الأولى: «نقضت نقض» بالقاف فيهما وما أثبتناه عن «ديوانه» المطبوع بليون سنة 1875م. ط
(2) الأحلاس جمع حلس، وهو كساء يوضع على ظهر البعير تحت الرحل. ط
(3) رواية «الديوان»: «واسترجعت روادها». ط(1/263)
أشدّ (1) الجماعة وجدا به ... أشدّ الجماعة في طمره (2)
فلست مشيّعه غازيا ... أميرا يسير إلى ثغره
ولا متلقّيه قافلا ... بقتل عدوّ ولا أسره
وتطريه أيامنا الباقيات ... لدينا إذا نحن لم نطره
فلا يبعدنّ أخي ثاويا ... فكلّ سيمضي على إثره
[868]
[من أمثال العرب]:
قال الأصمعي: من أمثال العرب: «خلّ سبيل من وهى سقاؤه» يراد به: من لم يستقم أمره فلا تعبأ به. ويقال: «يشوب ولا يروب» مثل للرجل يخلّط. ويقال: «أذلّ من فقع بقرقر» والفقع: الكمء الأبيض. والقرقر: القاع الأملس. ويقال: «شرّ الرأي الدّبري» يراد به الذي يجيء بعد أن فات الأمر.
[869]
[مادة: جبأ]:
وقال أبو نصر يقال: قد جبأ عليه الأسود يجبأ جبئا وجبوءا إذا خرج عليه. وجبأت عن كذا وكذا إذا هبته وارتدعت عنه، ومنه قيل: رجل جبّأ، وقال رجل (3) من بني شيبان:
[الطويل]
وما أنا من ريب المنون بجبّأ ... ولا أنا من سيب الإله بآيس
ويقال للمرأة إذا كانت كريهة المنظر لا تستحلى: إنّها لتجبأ عنها العين.
وقال حميد بن ثور (4): [الكامل]
ليست إذا سمنت بجابئة ... عنها العيون كريهة المسّ
والجبأة: خشبة الحذّاء. والجبء: الكمء والجمع جبأة، وقال أبو زيد: الجبأة منها الحمر. والكمء واحد الكمأة. والجأب: الحمار الغليظ. والجأب: المغرة. والجبا مقصور مكسور: ما جمعت في الحوض من الماء. والجبا مفتوح مقصور: ما حول البئر. والجبء نقرة في الجبل تمسك الماء.
[870]
[مضرّ الحاجب علي من اتخذ له حاجبا]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: كان عبد الله بن
__________
(1) في النسخة المخطوطة: «أجد». ط
(2) الطمر: الدفن. ط
(3) هو مفروق بن عمرو الشيباني يرثي إخوته قيسا والدعاء وبشرا القتلى في غزوة «بارق» بشط الفيض كما في اللسان مادة «جبأ» وقبل هذا البيت:
أبكي على الدعاء في كل شتوة ... ولهفي على قيس زمام الفوارس
(4) انظر: «التنبيه» [77].(1/264)
عامر بن كريز من فتيان قريش جودا وحياء وكرما، فدخل أعرابي البصرة فسأل عن دار ابن عامر فأرشد إليها، فجاء حتى أناخ بفنائها فاشتغل عنه الحاجب والعبيد، فبات القفر، فلما أصبح ركب ناقته ووقف على الحاجب، وأنشأ يقول: [الطويل]
كأنّي ونضوي عند باب ابن عامر ... من الجوع ذئبا قفرة هلعان
وقفت وصنّبر الشتاء يلفّني ... وقد مسّ برد ساعدي وبناني
فما أوقدوا نارا ولا عرضوا قرى ... ولا اعتذروا من عثرة بلسان
فقال بعض شعراء البصريين: [السريع]
كم من فتى تحمد أخلاقه ... وتسكن العافون في ذمّته
قد كثّر الحاجب أعداءه ... وأحقد الناس على نعمته
فبلغ ذلك ابن عامر، فعاقب الحاجب وأمر ألّا يغلق بابه ليلا ولا نهارا.
[871]
[شعر في الهجاء]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: كان المغيرة بن شعبة أعور دميما آدم، فهجاه رجل من أهل الكوفة فقال: [الطويل]
إذا راح في قبطيّة متأزّرا ... فقل جعل يستنّ في لبن محض
فأقسم لو خرّت من استك بيضة ... لما انكسرت من قرب بعضك من بعض
قال أبو بكر: فقلت لأبي حاتم: ما أظن أحدا يسبقه إلى قوله: «جعل يستن في لبن محض» فقال: بلى، كان إبراهيم بن عربي والي اليمامة، فصعد المنبر يوما وعليه ثياب بيض فبدا وجهه وكفاه، فقال الفرزدق: [الطويل]
ترى منبر العبد اللئيم كأنّما ... ثلاثة غربان عليه وقوع
قال: فهذا يشبه ذلك وإن لم يكنه. قال أبو حاتم: وخرج نصيب من عند هشام وعليه ثياب بيض، فنظر إليه الفرزدق فقال: [الرجز]
كأنه لما بدا للناس ... أير حمار لفّ في قرطاس
[872] وأنشدنا أبو بكر رحمه الله: [الطويل]
شنئتكم حتى كأنّكم الغدر ... وعفتكم حتى كأنكم الهجر
وما زلت أرشو الدهر صبرا على التي ... تسوء إلى أن سرّني فيكم الدهر
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: [الوافر]
أما إذ قد بليت بسوء رأي ... فمالك عند ربك من خلاق
ستعلم أن حرّ الشّعر أمضى ... وأبلغ فيك من حرّ الحلاق
سمجت فكنت أقبح من شقاق ... تشاب به الدّناءة أو نفاق
وأظلم منك حرّ الوجه حتى ... كأنّ سواده ليل المحاق
ولولا وقفة للبين فيها ... متاع من وداع واعتناق
وآمال مسوّفة لقلنا ... كأنك قد خلقت من الفراق
[873] وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوي، قال: أنشدنا أبو العباس المبرد لعبد الصمد بن المعذّل يهجو ابن أخيه أحمد: [البسيط](1/265)
أما إذ قد بليت بسوء رأي ... فمالك عند ربك من خلاق
ستعلم أن حرّ الشّعر أمضى ... وأبلغ فيك من حرّ الحلاق
سمجت فكنت أقبح من شقاق ... تشاب به الدّناءة أو نفاق
وأظلم منك حرّ الوجه حتى ... كأنّ سواده ليل المحاق
ولولا وقفة للبين فيها ... متاع من وداع واعتناق
وآمال مسوّفة لقلنا ... كأنك قد خلقت من الفراق
[873] وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوي، قال: أنشدنا أبو العباس المبرد لعبد الصمد بن المعذّل يهجو ابن أخيه أحمد: [البسيط]
لو كان يعطى المنى الأعمام في ابن أخ ... أصبحت في جوف قرقور (1) إلى الصّين
قد كان همّ طويل لا ينام له ... لو أن رؤيتنا إياك في الحين
فكيف بالصبر إذ أصبحت أكثر في ... مجال أعيننا من رمل يبرين
يا أبغض الناس في فقر وميسرة ... وأقدر الناس في دنيا وفي دين
تيه الملوك إذا فلس ظفرت به ... وحين تفقده ذلّ المساكين
لو شاء ربي لأضحى واهبا لأخي ... بمضّ ثكلك أجرا غير ممنون
وكان أحظى له لو كان متّزرا (2) ... في السالفات على غرمول عنّين
وقائل لي ما يضنيك قلت له ... شخص ترى عينه عين فيضنيني
إن القلوب لتطوى منك يابن أخي ... إذا رأتك على مثل السّكاكين
[874]
[شعر رجل يصف جملا]:
وقرأنا على أبي بكر بن دريد لرجل يصف جملا: [الرجز]
تبيّن القرنين فانظر ما هما ... أحجرا أم مدرا تراهما
إنك لن تذلّ أو تغشاهما ... وتبرك الليل إلى ذراهما
القرنان: اللذان يبنيان على البئر يعرض عليهما الخشب، فالبعير ينفر منه أول ما يراه ثم يذلّ حتى يجيئ فيبرك عنده من الأنس به. وذراهما: كنفهما.
* * * [875] وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي وأهدى قدحا إلى يحيى بن المنجم: [الخفيف]
وبديع من البدائع يسبى ... كلّ عقل ويطّبي كلّ طرف
دقّ في الحسن والملاحة حتى ... ما يوفّيه واصف حقّ وصف
كفم الحبّ في الملاحة أو أش ... فى وإن كان لا يناغي بحرف
تنفذ العين فيه حتى تراها ... أخطأته من رقّة المستشفّ
__________
(1) القرقور: السفينة. ط
(2) كذا في الأصول وقد قيل: إنه خطأ، والصواب: «مؤتزره» بالهمز وذكر الصاغاني في «التكملة» أنه صحيح (انظر «تاج العروس» مادة: «أزر») وفي «المصباح» مادة «وزر»: «واتررت لبست الإزار وأصله بهمزتين». ط(1/266)
كهواء بلا هباء مشوب ... بضياء أرقق بذاك وأصف
وسط القدر لم يكبّر لجرع ... متوال ولم يصغّر لرشف
لا عجول على العقول جهول ... بل حليم عنهنّ في غير ضعف
ما رأى الناظرون قدّا وشكلا ... فارسا مثله على بطن كفّ
فيه لوز معقرب عطفته ... حكماء الغيوب (1) أحسن عطف
مثل عطف الأصداغ في وجنات ... من غزال يزهى بحسن وظرف
[876]
[الفقر والغنى والتخلّي عن الإقتار والبطر والحقد، والتحلّي بنصرة القوم وصلة الرحم وبذل المال]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد للمقنّع الكندى: [الطويل]
يعاتبني في الدّين قومي وإنّما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
ألم ير قومي كيف أوسر مرّة ... وأعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا
فما زادني الإقتار منهم تقرّبا ... ولا زادني فضل الغنى منهم بعدا
أسدّ به ما قد أخلّوا وضيّعوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدّا
وفي جفنة ما يغلق الباب دونها ... مكلّلة لحما مدفّقة ثردا
وفي فرس نهد عتيق جعلته ... حجابا لبيتي ثم أخدمته عبدا
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمى لمختلف جدّا
أراهم إلى نصري بطاء وإن هم ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدّا
فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا غيّي هويت لهم رشدا
وإن زجروا طيرا بنحس تمرّ بي ... زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنى ... وإن قلّ مالي لم أكلّفهم رفدا
وإني لعبد الضيف ما دام نازلا ... وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
قال أبو علي: كان أبو بكر بن دريد يقول: كسبت المال وكسبته غيري، ولا يجيز أكسبته. وغيره يقول: كسبت المال وأكسبته غيري. وهما عندي جائزان كسبته وأكسبته.
* * * __________
(1) كذا بالغين المعجمة في إحدى النسخ المخطوطة بدار الكتب المصرية والطبعة الأولى للأمالي. وفي «ديوان ابن الرومي»: «القيون» بالقاف والنون. ط(1/267)
[877]
[قول جحدر في سجنه حين حبسه الحجاج]:
وأنشدنا أبو بكر، عن الأشنانداني لجحدر وكان لصّا مبرّا فأخذه الحجاج فحبسه.،
فقال في الحبس: [الوافر]
تأوّبني فبتّ لها كنيعا ... هموم ما تفارقني حواني
هي العوّاد لا عوّاد قومي ... أطلن عيادتي في ذا المكان
إذا ما قلت قد أجلين عنّي ... ثنى ريعانهنّ عليّ ثاني
وكان مقرّ منزلهنّ قلبي ... فقد أنفهنه والهمّ آني
أليس الله يعلم أن قلبي ... يحبّك أيّها البرق اليماني
وأهوى أن أرد إليك طرفي ... على عدواء (1) من شغلي وشاني
نظرت وناقتاي على تعاد ... مطاوعة الأزمّة ترحلان
إلى ناريهما وهما بعيد ... تشوقان المحبّ وتوقدان
ومما هاجني فازددت شوقا ... بكاء حمامتين تجاوبان
تجاوبتا بلحن أعجميّ ... على غصنين من غرب (2) وبان
فكان البان أن يانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير داني
أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا فذاك لنا تداني
نعم وترى الهلال كما أراه ... ويعلوها النّهار كما علاني
فما بين التفرق غير سبع ... بقين من المحرّم أو ثماني
فيا أخويّ من كعب بن عمرو ... أقلّا اللّوم إن لم تنفعاني
إذا جاوزتما سعفات حجر (3) ... وأودية اليمامة فانعياني
وقولا جحدر أمسى رهينا ... يحاذر وقع مصقول يماني
حاذر صولة الحجّاج ظلما ... وما الحجاج ظلّام لجاني
إلى قوم إذا سمعوا بقتلي ... بكى شبّانهم وبكى الغواني
فإن أهلك فربّ فتى سيبكي ... عليّ مهذّب رخص البنان
ولم أك قد قضيت حقوق قومي ... ولا حقّ المهنّد والسّنان
قال أبو علي: المبرّ: الغالب. والكنيع: المنقبض. وأنفهنه: أعيينه.
[878]
[طول اللحية لا يعني شرف الفتى]:
وأنشدني بعض أصحابنا أحسبه قال لأبي العتاهية: [مجزوء الكامل]
__________
(1) العدواء كغلواء: الشغل يصرفك عن الشيء. ط
(2) الغرب: ضرب من الشجر. ط
(3) حجر: قصبة باليمامة. ط(1/268)
لا تفخرنّ بلحية ... كثرت منابتها طويله
تهوي بها هوج الرّيا ... ح كأنّها ذنب الحسيله
قد يدرك الشّرف الفتى ... يوما ولحيته قليله
قال أبو علي: الحسيلة: العجلة.
[879]
[ثناء وفد العراق على أميرهم مصعب]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة قال: قدم وفد العراق على ابن الزبير وهو في المسجد الحرام فسلموا عليه فسألهم عن مصعب، فقالوا:
أحسن الناس سيرة، وأقضاه بحق، وأعدله في حكم، فلما صلى الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: [الرجز]
قد جرّبوني ثم جرّبوني ... من غلوتين ومن المئين
حتى إذا شابوا وشيّبوني ... خلّوا عناني ثم سيّبوني
أيها الناس، إني سألت الوفد عن مصعب فأحسنوا الثناء عليه وذكروا ما أحبّه، وإن مصعبا أطّبى القلوب حتى ما تعدل به، والأهواء حتى ما تحول عنه، واستمال الألسن بثنائها، والقلوب بنصحها، والنفوس بمحبتها، فهو المحبوب في خاصته، المحمود في عامته، بما أطلق الله به لسانه من الخير، وبسط يده من البذل، ثم نزل.
[880]
[من أقوال العرب، وخبر الأعرابي الذي نزل على قوم من بني العنبر]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قدم أعرابي البصرة فنزل على قوم من بني العنبر وكان فصيحا، فكنا نصير إليه فلا نعدم منه فائدة، فجدر ثم برأ فأتيناه يوما فأنشدنا: [الطويل]
ألم يأتها أني تلبّست بعدها ... مفوّفة (1) صنّاعها غير أخرقا
وقد كنت منا عاريا قبل لبسها ... فكان لباسيها أمرّ وأعلقا
[881] قال أبو علي: أعلق: أشد مرارة، وهذه الكلمة أول كلمة سمعتها من أبي بكر بن دريد، دخلت عليه وهو يملى على الناس، العرب تقول: هذا أعلق من هذا أي:
أمرّ منه، وأنشدنا: [الطويل]
نهار شراحيل بن طود يريبني ... وليل أبي ليلى أمرّ وأعلق
أي: أشدّ مرارة.
[882]
[المغالاة في المهور، وما يترتب على ذلك]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قدم أعرابي من بني ضبّة
__________
(1) كذا في نسخة، وفي أخرى مفرقة بالراء بعد الفاء ثم قاف. ط(1/269)
البصرة فخطب امرأة من قومه فشطّوا عليه في المهر، فأنشأ يقول: [الطويل]
خطبت فقالوا هات عشرين بكرة ... ودرعا وجلبابا فهذا هو المهر
وثوبين مرويّين في كل شتوة ... فقلت الزنا خير من الجرب القشر (1)
[883]
[وصف نار]:
وأنشدنا أبو بكر بن دريد، قال: أنشدني أبو عثمان سعيد بن هارون: [الطويل]
وشعثاء غبراء الفروع منيفة ... بها توصف الحسناء أو هي أجمل
دعوت بها أبناء ليل كأنهم ... وقد أبصروها معطشون قد انهلوا
يصف نارا وجعلها شعثاء لتفرق لهبها. وغبراء الفروع لدخانها. والفروع: الأعالي.
ومنيفة: مرتفعة، يريد أنها على جبل أو في مكان عال. وقوله: بها توصف الحسناء أي: بها تشبّه الجارية، وذلك أن العرب تصف الجارية فتقول: كأنها شعلة نار أو كأنها بيضة أدحيّ.
وقوله: دعوت بها أبناء ليل، يعني النار دعا بضوئها أبناء ليل أي: قوما سروا ليلا فجاروا عن القصد. وقوله: كأنهم وقد أبصروها معطشون، يعني أنهم من فرحهم بهذه النار كأنهم قوم كانت عطشت إبلهم فأنهلوا أي: رويت إبلهم.
* * * تم الجزء الأول من كتاب الأمالي ويليه الجزء الثاني وأوله وحدثنا أبو بكر قال:
حدثنا أبو حاتم وعبد الرحمن، عن الأصمعي إلخ.
__________
(1) في هذين البيتين اقواء وهو اختلاف حركة الروى. ط(1/270)
بسم الله الرحمن الرحيم [884]
[شعر في من بكى إذا رأى ما يذكّره بمصيبته]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي قال: قدم متمّم بن نويرة العراق فأقبل لا يرى قبرا إلّا بكى عليه، فقيل له: يموت أخوك بالملا وتبكي أنت على قبر بالعراق! فقال: [الطويل]
لقد لا مني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السّوافك
أمن أجل قبر بالملا أنت نائح ... على كلّ قبر أو على كلّ هالك
ويروى هذا البيت:
فقال أتبكي كلّ قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللّوي والدّكادك
فقلت له إنّ الشّجا يبعث الشجا ... فدعني فهذا كلّه قبر مالك
ألم تره فينا يقسّم ما له ... وتأوي إليه مرملات الضّرائك (1)
[885] وقرأت على أبي بكر رحمه الله لبعض طيئ يرثي الرّبيع وعمارة ابني زياد العبسيّين وكانت بينهم مودّة:
فإن تكن الحوادث جرّبتني ... فلم أر هالكا كابني زياد
هما رمحان خطّيّان كانا ... من السّمر المثقّفة الصّعاد
تهال الأرض إن يطآ عليها ... بمثلهما تسالم أو تعادي
[886]
[شعر في تغيّر الحال]:
ومما قرأت عليه لفاطمة بنت الأجحم بن دندنة الخزاعية (2): [الكامل]
قد كنت لي جبلا ألوذ بظلّه ... فتركتني أضحى بأجرد ضاحي
قد كنت ذات حميّة ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي
فاليوم أخضع للذليل وأتّقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح
__________
(1) الفقراء والسيئو الحال. ط
(2) انظر: التنبه [78].(1/271)
وإذا دعت قمرية شجنا لها ... يوما على فنن دعوت صباح
وأغصّ من بصري وأعلم أنه ... قد بان حدّ فوارسي ورماحي
فقال لي أبو بكر رحمه الله.: هذه الأبيات تمثّلت بها عائشة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[887]
[شعر في المراثي والمدح والجود والأخوة والشجاعة]:
وقرأت على أبي عبد الله نفطويه هذه الأبيات في قصيدة للنابغة الجعديّ وقت قراءتي عليه شعر النابغة: [الطويل]
ألم تعلمي أني رزئت محاربا ... فمالك منه اليوم شيء ولاليا
ومن قبله ما قد رزئت بوحوح ... وكان ابن أمّي والخليل المصافيا
فتى كملت خيراته غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقيا
فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه ... على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا
[888] وأنشدني أبو محمد بن درستويه النحويّ، قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد: [الطويل]
أيا عمرو لم أصبر ولي فيك حيلة ... ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر
تصبّرت مغلوبا وإنّي لموجع ... كما صبر الظمآن في البلد القفر
[889] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو عبد الله بن المطيحي قال: قرئ على قبر بالمدينة: [الكامل]
يا مفردا سكن الثّرى وبقيت ... لو كنت أصدق إذ بليت بليت
الحيّ يكذب لا صديق لميّت ... لو صحّ ذاك ومتّ كنت أموت
[890] وقرأت على أبي بكر لكعب بن زهير: [الوافر]
لقد ولّى أليّته جويّ ... معاشر غير مطلول أخوها
فإن تهلك جويّ فإنّ حربا ... كظنّك كان بعدك موقدوها
ولو بلغ القتيل فعال قوم ... لسرّك من سيوفك منتضوها
كأنّك كنت تعلم يوم بزّت ... ثيابك ما سيلقى سالبوها
[891] قال أبو علي: وقرأت عليه للأحوص: [الكامل]
إني على ما قد علمت محسّد ... أني على البغضاء والشنآن
ما تعتريني من خطوب ملمّة ... إلّا تشرّفني وتعظم شاني
فإذا تزول تزول عن متخمّط (1) ... تخشى بوادره لدى الأقران
__________
(1) المتخمط: القهار الغلاب. ط(1/272)
إني إذا خفي الرجال وجدتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكان
[892] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، عن أبي العباس أحمد بن يحيى إلا البيت الأوّل من هذه الأبيات فإني قرأته على أبي بكر بن دريد: [الطويل]
رأيت رباطا حين تمّ شبابه ... وولّى شبابي ليس في برّه عتب
إذا كان أولاد الرجال حزازة ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
لنا جانب منه دميث وجانب ... إذا رامه الأعداء ممتنع صعب
[893] وروى ابن الأنباري: [الطويل]
لنا جانب منه يلين وجانب ... ثقيل على الأعداء مركبه صعب
يخبّرني عما سألت بهيّن ... من القول لا جافي الكلام ولا لغب (1)
ولا يبتغي أمنا وصاحب رحله ... بخوف إذا ما ضمّ صاحبه الجنب
سريع إلى الأضياف في ليلة الطّوى ... إذا اجتمع الشّفّان (2) والبلد الجدب
وتأخذه عند المكارم هزّة ... كما اهتزّ تحت البارح الفنن الرّطب
[894] وأنشدنا أبو بكر بن دريد، قال: أنشدني أبو حاتم، عن أبي عبيدة لأرطاة بن سهيّة يهجو شبيب بن البرصاء (3): [الطويل]
من مبلغ فتيان مرّضة أنه ... هجانا ابن برصاء العجان شبيب
فلو كنت مرّيّا عميت فأسهلت ... كداك ولكنّ المريب مريب
فسألته عن معنى هذا البيت، فقال: كان أبوه أعمى وجده أعمى وجد أبيه أعمى، يقول: فلو لم تكن مدخول النسب كنت أعمى كآبائك.
أبي كان خيرا من أبيك ولم يزل ... جنيبا لآبائي وأنت جنيب
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... برأسك عاديّ النّجاد ركوب
يقول: ما زلت خيرا منك مذ عضّ برأسك فعل أمّك أي مذ ولدت. والعاديّ: القديم.
والنّجاد جمع نجد: وهو الطريق المرتفع. والرّكوب: المركوب الموطوء وهو فعول في معنى مفعول. وإنما هذا تشبيه جعل ما عضّ برأسه من فرجها مثل الطريق القديمة المركوبة في كثرة من يسلكها، يريد أنه قد ذلّل حتى صار كتلك، فيقال: إنّ شبيبا عمى بعد ما كبر فكان يقول:
علم أنّي مرّيّ.
* * * [895] وقرأت على أبي بكر بن دريد: وقال سالم بن قحفان العنبري وكان صهره
__________
(1) اللغب: الضعيف الأحمق البين اللغابة، وهي خطل الكلام وفساده. ط
(2) الشفان: الريح الباردة. ط
(3) في هامش بعض النسخ: والبرصاء أمه سميت بذلك لبياضها اه. ط انظر: «التنبيه» [79].(1/273)
أخو امرأته أتاه فأعطاه بعيرا من إبله وقال لامرأته: هاتي حبلا يقرن به ما أعطيناه إلى بعيره، ثم أعطاه آخر وقال: هاتي حبلا آخر، ثم أعطاه ثالثا وقال: هاتي حبلا، فقالت: ما بقي عندي حبل، فقال لها: عليّ الجمال وعليك الحبال، ثم قال: [الطويل]
لا تعذليني في العطاء ويسّري ... لكل بعير جاء طالبه حبلا
وقبله:
لقد بكرت أمّ الوليد تلومني ... ولم أجترم جرما فقلت لها مهلا
فإنّي لا تبكي عليّ إفالها (1) ... إذا شبعت من روض أوطانها بقلا
فلم أر مثل الإبل مالا لمقتن ... ولا مثل أيّام الحقوق لها سبلا
[896] وزادني بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الأخفش:
إذا سمعت آذانها صوت سائل ... أصاخت فلم تأخذ سلاحا ولا نبلا
قال أبو علي: السّلاح هاهنا جمالها، يقول: سمنها يمنع صاحبها من أن يسخو بها ولكنّه يعطيها على كل حال لا يمنعه ذلك.
[897] وحدّثنا أبو المياس، قال: حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، قال: قال الأصعمي: قيل لذي الرمة: من أين عرفت الميم لولا صدق من نسبك إلى تعليم أولاد الأعراب في أكتاف الإبل؟ فقال: والله ما عرفت الميم إلا أني قدمت من البادية إلى الريف فرأيت الصبيان وهم يجوزون بالفجرم في الأوق، فوقفت حيالهم أنظر إليهم فقال غلام من الغلمة: قد أزّقتم هذه الأوقة فجعلتموها كالميم، فقال غلام من الغلمة فوضع منجمه في الأوقة فنجنجه فأفهقها، فعلمت أن الميم شيء ضيّق فشبّهت عين ناقتي به وقد اسلهمّت وأعيت. قال أبو المياس: الفجرم: الجوز.
قال أبو علي: ولم أجد هذه الكلمة في كتب اللغويين ولا سمعتها من أحد من أشياخنا غيره. والأوقة: الحفرة. وقوله: قد أزّقتم أي ضيقتم. ونجنجه: حرّكه. فأفهقها: ملأها.
والمنجم: العقب، وكل ما نتأ وزاد على ما يليه فهو منجم. والكعب: منجم أيضا.
واسلهمّت: تغيرت، والمسلهمّ: الضامر المتغير.
[898]
[شعر في الوجد والحبّ]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد لكثيّر: [الطويل]
أقول لماء العين أمعن لعلّه ... بما لا يرى من غائب الوجد يشهد
فلم أدر أن العين قبل فراقها ... غداة الشّبا من لاعج الوجد تجمد
ولم أر مثل العين ضنّت بمائها ... عليّ ولا مثلي على الدمع يحسد
وقرأت عليه أيضا: [الطويل]
__________
(1) الأفال: صغار الإبل بنات المخاض ونحوها، واحدها أفيل. ط(1/274)
سيهلك في الدنيا شفيق عليكم ... إذا غاله من حادث الدهر غائله (1)
ويخفي لكم حبّا شديدا ورهبة ... وللناس أشغال وحبّك شاغله
وحبّك ينسيني من الشيء في يدي ... ويذهلني عن كل شيء أزاوله
كريم يميت السّرّ حتى كأنه ... إذا استبحثوه عن حديثك جاهله
يودّ بأن يمسي سقيما لعلّها ... إذا سمعت عنه بشكوى تراسله
ويرتاح للمعروف في طلب العلا ... لتحمد يوما عند ليلى شمائله
فلو كنت في كبل وبحت بلوعتي ... إليه لأنّت رحمة لي سلاسله
[899]
[خبر في أنّ الأيام دول وتبدّل الحال]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله.، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: دفعت يوما في تلمّسي بالبادية إلى واد خلاء لا أنيس به إلا بيت معتنز بفنائه أعنز وقد ظمئت فيمّمته فسلّمت، فإذا عجوز قد برزت كأنها نعامة راخم، فقلت: هل من ماء؟
فقالت: أو لبن؟ فقلت: ما كانت بغيتي إلا الماء، فإذا يسّر الله اللبن فإنّي إليه فقير، فقامت إلى قعب فأفرغت فيه ماء ونظفت غسله، ثم جاءت إلى الأعنز فتغبّرتهن حتى احتلبت قراب ملء القعب، ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وطفت ثمالته كأنها غمامة بيضاء، ثم ناولتني إياه فشربت حتى تحبّبت ريّا، واطمأننت فقلت: إني أراك معتنزة في هذا الوادي الموحش والحلّة منك قريب، فلو انضممت إلى جنابهم فأنست بهم؟! فقالت: يا بن أخي، إني لآنس بالوحشة، وأستريح إلى الوحدة، ويطمئن قلبي إلى هذا الوادي الموحش، فأتذكّر من عهدت، فكأني أخاطب أعيانهم، وأتراءى أشباحهم، وتتخيّل لي أندية رجالهم، وملاعب ولدانهم، ومندّى أموالهم، والله يابن أخي! لقد رأيت هذا الوادي بشع اللّديدين، بأهل أدواح وقباب، ونعم كالهضاب، وخيل كالذّئاب، وفتيان كالرّماح، يبارون الرياح، ويحمون الصّباح، فأحال عليهم الجلاء قمّا بغرفة، فأصبحت الآثار دارسة، والمحالّ طامسة، وكذلك سيرة الدهر فيمن وثق به. ثم قالت: ارم بعينك في هذا الملا المتباطن فنظرت، فإذا قبور نحو أربعين أو خمسين، فقالت: ألا ترى تلك الأجداث؟ قلت: نعم! قالت: ما انطوت إلّا على أخ أو ابن أخ، أو عم أو ابن عم، فأصبحوا قد ألمأت عليهم الأرض، وأنا أترقّب ما غالهم انصرف راشدا رحمك الله.
[900] قال أبو علي: معتنز: منفرد. والرّاخم: التي تحضن بيضها.
و [أسماء القدح]:
القعب: قدح إلى الصّغر يشبّه به الحافر قال امرؤ القيس: [المتقارب]
لها حافر مثل قعب الوليد ... ركّب فيه وظيف عجر
__________
(1) هذه الأبيات لكثير عزة كما في زهر الآداب طبع المطبعة الرحمانية (ج 4ص 92). ط(1/275)
والغمر: القدح الصغير. والعسّ: القدح الكبير. والتّبن: أكبر منه. والصّحن: القصير الجدار العريض. والرّفد: القدح العظيم. والجنبل: القدح العظيم الجشب النحت الذي لم ينقّح ولم يسوّر. والعلبة: قدح ضخم يعمل من جلود الإبل. وقال أبو عمرو الشيباني:
الكتن: القدح. وقال غيره: الوأب: القدح المقعّر الكثير الأخذ من الشراب. وقال بندار:
الوأب: المعتدل الذي ليس بصغير ولا كبير. قال عمرو بن كلثوم في الصحن: [الوافر]
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا
[901] وأنشد يعقوب في الجنبل (1): [الطويل]
إذا انبطحت جافى عن الأرض بطنها ... وخوّأها راب كهامة جنبل
وقال الأعشى في الرّفد: [الخفيف]
ربّ رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشر أقتال
[902] وتغبّرتهن: احتلبت الغبر، وهي بقيّة اللبن في الضّرع وجمعه أغبار.
قال الحارث بن حلّزة: [السريع]
لا تكسع الشّول بأغبارها ... إنّك لا تدري من الناتج
وقراب وقريب واحد، مثل كبار وكبير وجسام وجسيم. ورغا: صارت له رغوة، وفي رغوة ثلاث لغات، يقال: رغوة ورغوة ورغوة. والثّمالة: الرّغوة. وتحبّبت: امتلأت، يقال:
تحبّب من الماء إذا امتلأ. والحلال: جماعات بيوت الناس، الواحدة حلّة. والجناب بفتح الجيم: فناء الدار، يقال: أخصب جناب القوم وهو ما حولهم، والجناب بكسر الجيم:
موضع. وفرس طوع الجناب إذا كان سهل القياد. والأشباح: الأشخاص، يقال: شبح وشبح، لغتان. والأندية جمع نديّ، والنّديّ والنادي: المجلس، ومنتدى القوم: موضع متحدّثهم.
والتندية. أن يورد الرجل إبله ثم يرعاها ثم يوردها ثم يرعاها. والمندّى: المكان الذي يندّى فيه المال. وبشع: ملآن. واللّديدان: الجانبان. والدّوحة: الشجرة العظيمة. والهضاب: الجبال الصّغار. وقمّا: كنسا، يقال: قممت البيت: أي كنسته، والقمامة: الكناسة، والمقمّة:
المكنسة. والغرفة: الواحدة من الغرف، وهي ضرب من الشجر، والملا: الفضاء، والمتباطن:
المتطامن. وألمأت عليهم: احتوت عليهم. قال أبو زيد: ألمأ عليهم يلمئ إلماء إذا احتوى عليهم، وتلمّأت عليه الأرض: استوت عليه ووارته، وأنشد: [الطويل]
وللأرض كم من صالح قد تلمّأت ... عليه فوارته بلمّاعة قفر
وغالهم: أهلكم.
[903] [صفات المنزل الصالح للإقامة فيه]: وحدثنا أبو بكر رحمه الله.، قال:
__________
(1) انظر: «التنبيه» [80].(1/276)
أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه، قال: أخبرني صخر بن قريط، قال: كان الهيثم بن جراد من أبين الناس، وإنه أتى قوما ليزهّدهم في منزلهم فقال: يا بني فلان! ما أنتم إى ريف فتأكلوه، ولا إلى فلاة فتعصمكم، ولا إلى وزر فيلجئكم، فأنتم نهزة لمن رامكم، ولعقة لمن قصدكم، وغرض لمن رماكم، كالفقعة الشرباخ، يشدخها الواطئ ويركبها السافي.
قال أبو علي. الوزر: الجبل والملجأ. والنّهزة: الفرصة التي تتناول بعجلة. والفقعة:
الكمأة البيضاء. والشّرباخ: التي لا خير فيها. ويشدخها يرضّها. والسافي: الريح التي تسفي التراب.
[904]
[من سرّه بنوه ساءته نفسه]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أحمد بن يحيى قال: رأى رجل من العرب بنيه يثبون على الخيل وقد تنادوا بالغارة، فذهب يروم ذلك مرة وثانية فلم يقدر، فقال: «من سرّه بنوه ساءته نفسه».
[905]
[ما في طول العيش]:
وأنشدنا أبو عبد الله للنابغة الجعديّ: [مجزوء الكامل]
المرء يرغب في الحيا ... ة وطول عيش قد يضرّه
تفنى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مرّه
وتسوءه الأيام حتّى ... ما يرى شيئا يسرّه
كم شامت بي إن هلك ... ت وقائل لله درّه
[906] وسمعت غير واحد من أشياخنا ينشد: [الوافر]
كأنّ مواقع الظّلفات منه ... مواقع مضرحيّات بقار
الظّلفات: الخشبات اللواتي يقعن على جنب البعير، فشبّه بياض مواضع الدّبر وهي مواقع الظّلفات بمواقع المضرحيّات على القار. والمواقع جمع موقعة وهي: المكان الذي يقع عليه الطائر. والمضرحيّات: النسور. والقار جمع قارة وهي: الجبيل الصغير، ولا يكون إلا أسود، وذلك أن البعير إذا دبر ثم برأ ابيضّ موضع الدّبر، وكذلك ذرق الطائر إذا يبس ابيضّ فشبّهه به. ومثله قول الآخر (1) يصف ساقيا يستقي ماء ملحا: [الرجز]
كأنّ متنيه من النّفيّ ... مواقع الطّير على الصّفيّ (2)
__________
(1) في «اللسان» مادة «نفى»: أن قائله الأخيل. ط
(2) في «اللسان» مادة «نفى»: كأنّ متنيه من النفي «من طول اشرافي على الطوي» مواقع الطير على الصفي. ثم قال: قال ابن سيدة: كذا أنشده أبو علي وأنشده ابن دريد في الجمهرة كأنّ متني قال:
وهو الصحيح لقوله بعده: من طول إشرافي على الطوي وفسره ثعلب فقال: شبه الماء وقد وقع على متن المستقى بذرق الطائر على الصفي. ط(1/277)
النّفيّ: ما تطاير عن الرّشاء وعن معظم القطر من الصغار، فشبّه ما قطر على ظهره من الماء الملح ويبس بذلك. ومثله: [الطويل]
فما برحت سجواء حتّى كأنّما ... بأشراف مقراها مواقع طائر
سجواء: اسم ناقة. ومقراها: محلبها وإنما قيل له مقرى لأنه يقرى فيه. قال:
وأشرافه: أعاليه فشبّه ما على جوانب الإناء من رغوة اللبن بالمواقع، وهي المواضع التي تقع عليها الطير فترى سلوحها عليه (1) مبيضّة.
[907]
[سعي عمر بن أبي ربيعة في زواج حبيبين، فقيرين، وعودة عمر إلى قول الشّعر بعد امتناعه]:
وحدثنا أبو عبد الله، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى، عن الزبير: أن عمر بن أبي ربيعة نظر إلى فتى من قريش يكلم جارية في الطواف، فعاب ذلك عليه، فذكر أنها ابنة عمه، فقال:
ذلك أشنع لأمرك، فقال: إني أخطبها إلى عمي، وإنه زعم أنه لا يزوجني حتى أصدقها أربعمائة دينار وأنا غير قادر على ذلك، وذكر من حاله وحبّه لها وعشقه، فأتى عمر عمّه فكلمه في أمره، فقال: إنه مملق وليس عندي ما أحتمل صلاح أمره، فقال عمر: وكم الذي تريد منه؟ فقال: أربعمائة دينار، قال: فهي عليّ فزوّجه منها، ففعل ذلك. وكان عمر حين أسنّ حلف ألّا يقول شعرا إلّا أعتق رقبة، فانصرف إلى منزله يحدّث نفسه، فجعلت جاريته تكلمه ولا يجيبها، فقالت: إن لك لشأنا، وأراك تريد أن تقول شعرا، فقال: [الوافر]
تقول وليدتي لمّا رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت أمرا ... وهاج لك الهوى داء دفينا
وكنت زعمت أنّك ذو عزاء ... إذا ما شئت فارقت القرينا
لعمرك هل رأيت لها سميّا ... فشاقك أم رأيت لها خدينا
[تذكّر الإنسان لماضيه وأشواقه إن رأى له مثيلا]: ويروى:
بربّك هل أتاك لها رسول ... فشاقك»
فقلت شكا إليّ أخ محبّ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا
فقصّ عليّ ما يلقى بهند ... فذكّر بعض ما كنّا نسينا
وذو الشّوق القديم وإن تعزّى ... مشوق حين يلقى العاشقينا
فكم من خلّة أعرضت عنها ... لغير قلى وكنت بها ضنينا
أردت بعادها فصددت عنها ... وإن جنّ الفؤاء بها جنونا
ثم دعا بتسعة من رقيقه فأعتقهم.
__________
(1) كذا في النسخ، ولعل الصواب عليها لما لا يخفى. ط(1/278)
[908]
[قول أم خالد الخثعميّة في جحوش العقيلي]:
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله.، عن عبد الرحمن، عن عمه لأم خالد الخثعمية في جحوش العقيلي: [الطويل]
فليت سمكيّا يطير (1) ربابه ... يقاد إلى أهل الغضا بزمام
ليشرب منه جحوش ويشيمه (2) ... بعيني قطاميّ أغرّ شآم
بنفسي عينا جحوش وقميصه ... وأنيابه اللّاتي جلا ببشام (3)
فأقسم أنّي قد وجدت بجحوش ... كما وجدت عفراء بابن حزام
وما أنا إلا مثلها غير أنّني ... مؤجّلة نفسي لوقت حمام
فإنّ ولوج البيت حلّ لجحوش ... إذا جاء والمستأذنون نيام (4)
فإن كنت من أهل الحجاز فلا تلج ... وإن كنت نجديّا فلج بسلام
رأيت لهم سيماء قوم كرهتهم ... وأهل الغضا قوم عليّ كرام
[909]
[شعر في الانصراف عمّن شغل بهوى قديم]:
وأنشدنا بهذا الإسناد أيضا لها: [الطويل]
أيّتها النفس التي قادها الهوى ... أمالك إن رمت الصّدود عزيم
فتنصرفي عنه فقد حيل دونه ... وألهاه وصل من سواك قديم
[910]
[وصف جحوش صاحب أمّ خالد]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه، قال: أخبرني رجل من بني كلاب قال: سئل رجل من بني عقيل كيف كان جحوش فإن أمّ خالد قد أكثرت فيه؟ قال:
كان أحيمر أزيرق حنكلا كأنه أبنة عود أو عقلة رشاء.
قال أبو علي: الحنكل: القصير. والأبنة العقدة في العود.
[911]
[من أقوال العقيليّن]:
وقال أبو زيد: قال العقيليّون: هو حذاءه وحذوه نصب أي: مقابلته وهو حذوه رفع:
إذا كان مثله. وقالوا: ندّ البعير يندّ ندادا ونديدا وندّا. وقالوا: «الخنق يخرج الورق» يقول:
إذا اشتدّ عليك فخنقك أعطيته (5)، الخنق اسم الفعل هنا، وقالوا: «منزلنا منزل قلعة» القاف
__________
(1) في مادة قطم من «اللسان»: «يحار». ط
(2) يشيمه بعيني ألخ. أردات بعيني رجل كأنهما عينا قطامي لأن الرجل نوع والقطامي (وهو الصقر) نوع آخر ومحال أن ينظر نوع بعين نوع آخر فالكلام على التشبيه كذا في «اللسان». ط
(3) البشام: شجر عطر الرائحة يستاك بقضبانه. ط
(4) هذا البيت والبيت التالي لما بعده فيهما الأقواء وهو اختلاف الروي في حركة الإعراب. ط
(5) عبارة الميداني في «مجمع الأمثال»: يضرب للغريم الملح يستخرج دينه بملازمته. ط(1/279)
واللام مضمومان (1) وهو المنزل الذي لا تملكه. وقالوا: يقال قلدت الماء في الحوض أقلده قلدا وقلدت في السّقاء من الماء واللبن إذا جعلت تملأ القدح من الماء ثم تصبّه في السقاء فذلك القلد، وقلدت الشراب أقلده قلدا. وقلد في جوفه شرابا كثيرا. وقالوا: قنحت تقنح قنحا، النون من المصدر ساكنة وهو التّكاره في الشراب إذا تكارهت عليه بعد الرّيّ، وأكثر كلامهم تقنّحت تقنّحا.
[912] وحدّني أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه، عن القزويني، عن يعقوب في حديث أم زرع قولها: «فأتقنّح» أي: فأقطع الشرب. وقالوا: ويسمى البياض الذي يظهر في أظفار الإنسان (2): الكدب بكسر الدال، والواحدة كدبة بإسكان الدال، وقال بعضهم: الكدب، فأسكن الدال والواحدة كدبة، وقال أبو المضاء: الكدب ففتح الدال والواحدة: كدبة بإسكان الدال.
[913] وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه، عن ابن رستم، عن ثابت بن أبي ثابت قال: يقال للبياض الذي يظهر في أظفار الأحداث الفوف والفوف والوبش.
* * * [914] [من أمثال العرب]: قال أبو زيد: ومن أمثال العرب: «لأنا أحذر (3) من ضبّ حرشته». حرشت الصّيد: إذا صدته، ويقال: إنّه لأسمع من قراد. وأبصر من عقاب. وأحذر من غراب. وإنه لأنوم من فهد. وأخفّ رأسا من الذّئب ومن الطائر. وأفحش من فاسية وهي الخنفساء إذا حرّكوها فست فأنتنت القوم بخبيث ريحها، ويقال: «إنه لأصنع من سرفة ومن تنوّط». وهي طائر نحو القاريّة سوادا، تركّب عشّها تركيبا على عودين أو عود ثم تطيل عشّها فلا يثل الرجل إلى بيضها حتى يدخل يده إلى المنكب. وأما السّرفة فهي دابة غبراء من الدود تكون في الحمض فتتّخذ بيتا من كسار عيدانه ثم تلزقه بمثل نسج العنكبوت إلا أنه أصلب ثم تلزقه بعود من أعواد الشجر وقد غطّت رأسها وجميعها فتكون فيه. وإنّه ل «أخرق من حمامة» وذلك أنها تبيض بيضا على الأعواد البالية فربّما وقع بيضها فتكسّر.
[915] وقال أبو بكر بن دريد: العرب تقول: هو «أظلم من أفعى» وذلك أنها لا تحتفر حجرا إنما تهجم على الحيّات في جحرتها وتدخل في كل شق وثقب.
[916] وأنشدني، قال: أنشدنا عبد الرحمن (4): [الرجز]
كأنّما وجهك ظلّ من حجر ... ذو خضل في يوم ريح ومطر
__________
(1) ضبطه في «القاموس» بالضم وبضمتين وكهمزة. ط
(2) قوله الإنسان: عبارة «اللسان» و «القاموس»: الأحداث. ط
(3) كذا في النسخ، والذي في «أمثال الميداني» و «اللسان»: أتعلمني بضب أنا حرشته، ولعلهما روايتان في المثل. ط
(4) انظر: «التنبيه» [81].(1/280)
فأنت كالأفعى التي لا تحتفر ... ثم تجي سادرة فتنجحر
وكذلك هو «أظلم من حيّة» وذلك أنها تدخل في كل جحر وتهجم على كل دابة. ومن أمثالهم: «لا تهرف بما لا تعرف» والهرف: الإطناب في الثناء والمدح. وقال أبو عبيدة: من أمثالهم «: «سبّني واصدق» يقول: لا أبالي أن تقول فيّ ما لا أعرفه من نفسي بعد أن تجانب الكذب. وقال أبو زيد: يقال: «أحمق يمطخ الماء» أي يلعقه، والمطخ: اللّعق، يقول: لا يشرب الماء ولكنه يلعقه. «وأحمق يسيل مرغه»، وهو اللّعاب. و «أحمق لا يجأي مرغه» أي: لا يحبس لعابه.
[917]
[ما تبذله الأم لابنها، ومخاصمة أبي الأسود وامرأته في ابن لهما]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله.، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: جرى بين أبي الأسود الدّؤليّ وبين امرأته كلام في ابن كان لها منه وأراد أخذه منها، فسار إلى زياد وهو والي البصرة، فقالت المرأة: أصلح الله الأمير، هذا ابني كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام فلم أزل بذلك سبعة أعوام حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، واستوكعت أوصاله وأمّلت نفعه ورجوت دفعه أراد أن يأخذه مني كرها، فآدني أيها الأمير، فقد رام قهري، وأراد قسري، فقال أبو الأسود: أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه. وأنا أقوم عليه في أدبه، وأنظر في أوده وأمنحه علمي، وألهمه حلمي، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله، فقالت المرأة:
صدق أصلحك الله، حمله خفّا، وحملته ثقلا ووضعه شهوة، ووضعته كرها فقال له زياد: اردد على المرأة ولدها فهي أحقّ به منك، ودعني من سجعك.
قال أبو علي: استوكعت: اشتدت، وقوله: فآدني أي: قوّني وأعنّي.
[918]
[ما تلحقه العرب في الاستفهام الاستنكاري بآخر الكلمة]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى.، قال: أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد، عن العتبيّ قال: أخبرني أعرابيّ، عن إخوة ثلاثة قال: قلت لأحدهم: أخبرني عن أخيك زيد، فقال: أزيد إنيه، والله ما رأيت أحدا أسكن فورا، ولا أبعد غورا، ولا آخذ لذنب حجّة قد تقدّم رأسها من زيد. فقلت: أخبرني عن أخيك زائد، قال: كان والله شديد العقدة، ليّن العطفة، ما يرضيه أقلّ مما يسخطه، فقلت: فأخبرني عن نفسك، فقال: والله إنّ أفضل ما فيّ لمعرفتي بفضلهما، وإنّي مع ذلك لغير منتشر الرّأي، ولا مخذول العزم.
[919] قال أبو علي: قال أبو زيد الأنصاريّ: قال الكلابيون: إذا قالوا: رأيت زيدا قلنا: زيدا إنيه بقطع الألف وتبيين النون. وقال بعضهم: زيدنّيه فألقي الهمزة وحرّكه بالفتح (1) على نون التنوين وثقّل النون. وقال أبو المضاء: أزيدا إنيه فأتى بألف الاستفهام قبل زيد، ولم يفسره أبو زيد.
__________
(1) قوله: وحركة بالفتح كذا في أصله، ولعل الناسخ حرفه من الكسر إلى الفتح بدليل ما سيأتي وما ذكره هنا من قطع الهمزة والقائها يحتاج إلى تأمل، ولم يذكره سيبويه في الكتاب. ط(1/281)
قال أبو علي: هذه الزيادة تلحق في الاستفهام في آخر الكلمة إذا أنكرت أن يكون رأي المتكلم على ما ذكر أو يكون على خلاف ما ذكر، فإن كان ما قبله مفتوحا كانت الزيادة ألفا، وإن كان مكسورا كانت الزيادة ياء، وإن كان مرفوعا كانت الزيادة واوا، وإن كان ساكنا حرك لئلا يلتقي ساكنان لأن هذه الزيادات مدّات، والمدّات سواكن، فتحركه بالكسر كما يحرّك الساكن إذا لقيه الألف واللام الساكن، فإذا قال الرجل: رأيت زيدا، قلت: أزيدنيه لأن النون هي التنوين ساكنة فحركتها بالكسر لئلا يلتقي ساكنان، ويقول: قدم زيد، فتقول أزيدنيه، فإن قال: رأيت عثمان، قلت: أعثماناه، فإن قال: أتاني عمر، قلت: أعمروه كما قلت في النّدبة: واغلامهوه، لأن هذا علم لما ذكرت لك كما أن هذا علم للنّدبة. وذكر سيبويه (1): أنه سمع رجلا من أهل البادية وقيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقال: أنا إنيه، وإنما أنكر أن يكون رأيه على خلاف الخروج، وكل ما ذكرت، إما أن تنكر على المخبر أن يثبت رأيه على ما ذكر أو أن يكون على خلاف ما ذكر، فإن قال: رأيت زيدا وعمرا قلت: أزيدا وعمرنيه تكون الزيادة في منتهى الكلام، ألا ترى أنه إذا قال: ضربت، قلت: أضربتاه، فإن قال:
ضربت عمر، قلت: أضربت عمراه، وكذلك إن قال: ضربت زيدا الطويل، قلت: أزيدا الطّويلاه. وتعرب الاسم الذي ذكره على ما أعربه، فإن كان رفعا رفعته وإن كان نصبا نصبته وإن كان جرّا جررته، ألا ترى أنه لو قال: مررت بحذام قلت: أحذاميه. وربما زادت العرب إن إيضاحا للعلم، ولذلك قالوا: إنيه لأن الهاء والياء خفيّان والهمزة والنون واضحان كما زادوا إن في قولهم: ما إن فعلت كذا وكذا.
[920] قال أبو علي: سألت أبا محمد فقلت له: لم لم يقولوا إناه؟ فقال: لأن الألف علامة لحركة النون وتبيين لها وقد سبقت فلم يجز أن يقيموا علامة محدثة ويسقطوا علامة متقدّمة وهما علامتان، فأما ما حكاه أبو زيد من قوله: أزيدنّيه بتثقيل النون فإنما هذا على لغة من يقف على الحرف بالتشديد كما قالوا: سبسب وكلكل، فكذلك هذا وقف على زيدنّ فشدّد، فلما ألحق به علامة حرّكه بالكسر لأنه توهم أن التنوين أصل فلذلك قال أزيدنّيه.
و [921]
[شعر في مقابلة المعروف بالإساءة]:
قرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله لجندل الطّهويّ: [الرجز]
قد خرّب الأنضاد نشّاد الحلق ... من كلّ بال وجهه بالي الخلق
النّضد: ما ينضّد من أمتعتهم وأزوادهم ناحية البيت، فيعني أن قوما يجيئون بعلّة أنهم ينشدون إبلا فنحتاج إلى أن نقريهم فيخرّبون أنضادنا، ويعني بالحلق إبلا سماتها الحلق.
[922]
[الإحسان للإخوان]:
حدثنا أبو بكر، عن عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا من بني كلاب يذكر
__________
(1) نص العبارة في «اللسان» مادة «أنى»: أنه قيل لأعرابي سكن البلد: أتخرج إذا أخصبت البادية فقال إلخ. ط(1/282)
رجلا فقال: كان والله الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين لم أر أحدا كان أرتق لخلل رأي منه، ولا أبعد مسافة رويّة ومراد طرف إنما يرمي بهمّته حيث أشار إليه الكرم، وما زال والله يتحسّى مرارة أخلاق الإخوان ويسقيهم عذوبة أخلاقه.
قال أبو علي: أرتق: أسدّ، يقال: رتقت الشيء إذا سددته أو شددته.
[923] حدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: ذكر رجل عند أعرابيّ فوقع فيه قوم فقال: أما والله إنه لآكلكم للمأدوم، وأعطاكم للمغروم، وأكسبكم للمعدوم، وأعطفكم على المحروم.
[924]
[المفاضلة بين شعر خالد بن الحارث وشعر ابن أبي ربيعة]:
وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال: أخبرنا الزبير، عن يوسف بن عبد العزيز الماجشون، قال:
ذكر شعر الحارث بن خالد وعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة عند ابن أبي عتيق، وفي المجلس رجل من ولد خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة، وقال صاحبنا: الحارث أشعرهما فقال ابن أبي عتيق: بعض قولك يابن أخي، فلشعر ابن أبي ربيعة لوطة بالقلب، وعلق بالنفس، ودرك للحاجة ليس لشعر، وما عصي الله بشعر أكثر مما عصي بشعر بن أبي ربيعة، فخذ عنّي ما أصف لك: أشعر قريش: من رقّ معناه ولطف مدخله وسهل مخرجه ومتن حشوه وتعطّفت حواشيه وأنارت معانيه وأعرب عن صاحبه، فقال الذي من ولد خالد بن العاص:
صاحبنا الذي يقول: [الكامل]
إنّي وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تئودها العقل
لو بدّلت أعلى مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو
فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيردّه الإقواء والمحل
لعرفت مغناها لما احتملت ... منّي الضلوع لأهلها قبل
فقال ابن أبي عتيق: يابن أخي، استر على صاحبك ولا تشاهد المحاضر بمثل هذا، أما تطيّر الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله، ما بقى إلا أن يسأل الله حجارة من سجّيل، ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للرّبع من صاحبك وأجمل مخاطبة حين يقول:
[الخفيف]
سائلا الرّبع بالبليّ وقولا ... هجت شوقا لي الغداة طويلا
أين حيّ حلّوك إذ أنت ... مسرور بهم أهل أراك جميلا
قال ساروا فأمعنوا فاستقلّوا ... وبكرهي لو استطعت سبيلا
سئمونا وما سئمنا مقاما ... واستحثّوا (1) دمائة وسهولا
__________
(1) كذا بالأصل ولعله تحريف والذي في «الأغاني»: «وأحبوا». وفي «ديوان ابن أبي ربيعة»: «وأرادوا». ط(1/283)
[925]
[ما أطلقته العرب بمعنى: الأصل]:
قال أبو زيد الأنصاري: الشّرخ والسّنخ والنّجار والنّجر: الأصل، وأنشد يعقوب (1): [الرجز]
متّئد الحشي بطيئا نقره ... كأنّ نجر الناجرات نجره
والأروم والأرومة، قال زهير: [الوافر]
له في الذاهبين أروم صدق ... وكان لكلّ ذي حسب أروم
والسّنخ: الأصل، وأنشد ابن الأعرابيّ:
وسنخنا من خير أسناخ العرب ... ونحن في الثّروة والعزّ الأشب
والبنك والعنصر جميعا، قال الفرزدق: [الطويل]
ليست هدايا القافلين أتيتم ... بها أهلكم يا شرّ جيشين عنصرا
والضّئضئّ والبؤبؤ مهموزان، وقال جرير: [الرجز]
حتى أنخناها إلى باب الحكم ... خليفة الحجّاج غير المتّهم
في ضئضئ المجد وبؤبؤ الكرم
يمدح الحكم بن أيوب بن يحيى بن الحكم الثّقفي.
والعرق والنّحاس، وأنشد يعقوب: [الرجز]
يأيها (2) السائل عن نحاسي ... قصّر مقياسك عن مقياس
والعيص والأسّ والأسّ والإسّ والأصّ وجمعه آصاص، وقال القلاخ: [الرجز]
ومثل سوّار رددناه إلى ... إدرونه ولؤم أصّه على
الرّغم موطوء الحمى مذلّلا
[926] وأنشدنا أبو بكر بن دريد: [الرجز]
قلال مجد فرّعت آصاصا ... وعزّة قعساء لا تناصى
والجذم، قال أوس بن حجر: [المتقارب]
غنيّ تآوى بأولادها ... لتهلك جذم تميم بن مرّ
والإرث والسّرّ والمركّب والمنبت والكرس والقنس، وهذان الحرفان رواهما أبو عبيد عنه. وكان الطّوسيّ يزعم أن أبا عبيد روى قبسا بالباء، قال: وهو تصحيف، وكذا قال أحمد بن عبيد وروى قنسا بالنون وهؤلاء كلهن: الأصل.
[927] قال العجاج: [الرجز]
بين ابن مروان قريع الإنس ... وابنة عبّاس قريع عبس
__________
(1) انظر: «التنبيه» [82].
(2) البيت للبيد كما في «لسان العرب» مادة: «نحس». ط(1/284)
في قنس مجد فوق كلّ قنس
وقال الأصمعي: الجنث: الأصل، قال العجاج: [الرجز]
كالجبل الأسود في جنث العلم
وقال أبو عبيدة: الحنج والبنج والعكر: الأصل، يقال: رجع إلى حنجه وبنجه وعكره.
وقال أبو عمرو الشيباني: المزر: الأصل والجذر: الأصل، كذا قال بكسر الجيم، وقال الأصمعي: الجذر. وقال أبو عبيد: قال غير واحد: الجرثومة: الأصل. والنّصاب والمنصب والمحتد والمحكد. قال زهير في المنصب: [الطويل]
من الأكرمين منصبا وضريبة ... إذا ما تشا تأوي إليه الأرامل
[928] وقال آخر في المحتد: [الكامل]
حتى انتصى من هاشم في محتد ... أكرم بذلك محتدا وصميما
[929] وقال حميد الأرقط في المحكد يعرّض بابن الزبير: [الرجز]
ليس الأمير (1) بالشّحيح الملحد ... ولا بوبر بالحجاز مقرد
إن ير يوما بالفضاء يصدد ... أو ينجحر فالجحر شرّ محكد
وقال أبو عمرو: الطّخس: الأصل، يقال: هو ألأمهم طخسا، أي أصلا، قال أبو الغريب النصريّ: [السريع]
إنّ امرأ أخّر من أصلنا ... ألأمنا طخسا إذا ينسب
والإرس: الأصل، يقال: إنه لئيم الإرس أي الأصل، قال أبو الغريب أيضا.: [الرجز]
إنّ لئيم الإرس غير نازع ... عن وذء جاريه الغريب والجنب
الوذء: الشّتم، والجنب: القريب، وقال أحمد بن يحيى: الوذء: المكروه من الكلام شتما كان أو غيره، وأنشد بيتا لم يحفظ صدره (2): [الوافر]
ولا أذأ الصديق بما أقول
ويقال: إنه للئيم القرق أي: الأصل، قال: ذكين السعديّ في فرس له:
ليست من القرق (3) البطاء دوسر ... قد سبقت قيسا وأنت تنظر
__________
(1) في «اللسان» مادة «حكد»: ليس الإمام. ط
(2) في «اللسان» مادة و «ذا» قال ساعدة بن جؤية: أند من القلى وأصون عرضى ولا أذا إلخ. ط
(3) نقل صاحب «اللسان» مادة «قرق»: عن المحكم بعد البيت ما نصه: هكذا أنشده يعقوب (أي:
بالقاف قبل الراء) ورواه كراع: ليست من الفرق (أي: بالفاء المضمومة) جمع فرس أفرق وهو الناقص أحدى الوركين، ويقوى روايته قول الآخر:
بنات أعوج حيث كانت ... كرهت تناتج الفرق البطاء
مع أنه قال من القرق البطاء فقد وصف القرق وهو واحد بالبطاء وهو جمع اه. ط(1/285)
[930] وقال الأمويّ، عن أبي المفضل من بني سلامة: الضّنئ: الأصل، والضّنء:
الولد. وقال الفراء: النّجار والنّجار والنّحاس والنّحاس بالضم والكسر. وقال يعقوب عن أبي زيد: السّنح والسّنج بالحاء والجيم. وقال ابن الأغرابيّ: المحتد والمحقد والمحكد والمحفد أربع لغات: الأصل.
[931]
[الأحسن الأقبح والأسرع والأشد من النساء والرجال والأرانب وغيرهم]:
وقال الأصمعيّ: أحسن النساء الفخمة الأسلة، وأقبحهنّ: الجهمة القفرة وهي القليلة اللحم. وأغلظ المواطئ: الحصباء على الصّفا. وأشدّ الرجال: الأغجف الضّخم، يقول:
ضخم الألواح كثير العصب، وأنشد: [الرجز]
أعجف إلّا من عظام وعصب
وأسرع الأرانب: أرنب الخلّة، وذلك أن الخلة تطويها ولا تفتقها، والحمض يفتقها. وأسرع التّيوس تيس الحلّب (1). وقال بعض الأعراب: أطيب مضغة أكلها الناس صيحانيّة مصلّبة.
[932] قال أبو علي: المصلّبة: التي قد سال صليبها، وهو ودكها وإن لم يكن هناك ودك، قال: ويقال آكل الدوابّ برذونة رغوث، وهي التي يرضعها ولدها. وأقبح هزيلين المرأة والفرس. وأطيب غثّ أكل غثّ الإبل. وأخبث الأفاعي أفعى الجدب. وأخبث الحيّات حيّات الحماط وهو شجر. ويقال أهون مظلوم سقاء مروّب، وهو الذي يسقى منه قبل أن يمخض وينزع زبده، وأنشد: [الطويل]
وصاحب صدق لم تنلني شكاته ... ظلمت وفي ظلمي له عامدا أجر
يعني: وطب لبن. وشرّ المال ما لا يزكّى ولا يذكّى يعني الحمير. وأخبث الذئاب ذئاب الغضا. وأطيب الإبل لحما ما أكل السّعدان. وأطيب الغنم لبنا ما أكل الحريث (2).
[933]
[من حيل النساء عند الخطّاب وشيء من أمثال العرب]:
وقال أبو زيد: من أمثالهم: «لا تعدم الخرقاء علّة» يريد: أن العلل كثيرة يسيرة فهي لا تعدم أن تعتلّ بعلّة عند خطّابها.
وأنشد أبو بكر بن دريد رحمه الله تعالى.: [الرجز]
جبّت نساء العالمين بالسّبب ... فهنّ بعد كلّهنّ كالمحبّ
جبّت: غلبت. والسبب: الحبل، يعني أنها قدّرت عجيزتها بحبل ثم دفعته، إلى النساء ليقدّرن كما قدّرت فغلبتهن بذلك. والمحبّ: الساقط اللاصق بالأرض، يقال: أحبّ البعير إذا سقط. فلم يبرح، ومثله قول الآخر أنشده ابن الأعرابي: [الوافر]
__________
(1) الحلب: بقلة جعدة غبراء في خضرة تنبسط على وجه الأرض يسيل منها اللبن إذا قطع منها شيء. ط
(2) الحربث: بقلة صفراء غبراء تنبت في السهل وتعجب الماشية. ط(1/286)
لقد أهدت حبابة بنت جلّ ... لأهل جلاجل (1) حبلا طويلا
[934] وقال الأصمعيّ وأبو زيد: من أمثالهم: «أعن صبوح (2) ترقّق» وكان المفضّل الضّبّيّ يخبر بأصل هذا المثل، قال: كان رجل نزل بقوم فأضافوه وغبقوه، فلما فرغ قال: إذا صبحتموني غدا كيف آخذ في حاجتي، فقيل له عند ذلك: «أعن صبوح ترقق»؟ وإنما أراد الضيف أن يوجب عليهم الصّبوح.
قال الأصمعيّ: ومن أمثالهم: «كأنّما أفرغ عليه ذنوبا» إذا كلّمه بكلمة عظيمة يسكته بها.
[935]
[شعر لابن أبي ربيعة في حب هند، ووصف قربها وبعدها عنه]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي عبد الله لعمر بن أبي ربيعة: [البسيط]
هل تعرف الدار والأطلال والدّمنا ... زدن الفؤاد على علّاته حزنا
دار لأسماء قد كانت تحلّ بها ... وأنت إذ ذاك قد كانت لكم وطنا
لم يحبب القلب شيئا مثل حبّكم ... ولم تر العين شيئا بعدكم حسنا
ما إن أبالي أدام الله قربكم ... من كان شطّ من الأحياء أو ظعنا
فإن نأيتم أصاب القلب نأيكم ... وإن دنت داركم كنتم لنا سكنا
إن تبخلى لا يسلّى القلب بخلكم ... وإن تجودي فقد عنّيتني زمنا
أمسى الفؤاد بكم يا هند مرتهنا ... وأنت كنت الهوى والهمّ والوسنا
إذ تستبيك بمصقول عوارضه ... ومقلتى جؤدر لم يعد أن شدنا
[936]
[شعر لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة في هجر المحب، وأثره في الحبيب]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو علي الغنويّ وأبو الحسن بن البراء وأبو العباس أحمد بن يحيى لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والألفاظ في الرواية مختلطة.: [الطويل]
كتمت الهوى حتّى أضرّ بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم
ونمّ عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى قد نمّ لو نفع النّمّ
وزادك إغراء بها طول بخلها ... عليك وأبلى لحم أعظمك الهمّ
فأصبحت كالنّهديّ إذ مات حسرة ... على إثر هند أو كمن سقي السّم
ألا من لنفس لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
تجنّبت إتيان الحبيب تأثّما ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم
__________
(1) كذا في النسخ والذي في مادة «حبحب وجلل» من «اللسان»: لأهل حباحب اسم رجل اه. ط
(2) في «مجمع الأمثال»: عن صبوح ترقق بغير همز. ط(1/287)
فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربّما كذب الزّعم
[937] وأنشدنا أبو بكر بن دريد، قال: أنشدنا أبو حاتم لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
فلو أكلت من نبت دمعي بهيمة ... لهيّج منها رحمة حين تأكله
ولو كنت في غلّ فبحت بلوعتي ... إليه للانت لي ورقّت سلاسله
ولمّا عصاني القلب أظهرت عولة ... وقلت ألا قلب بقلبي أبادله
[938]
[موعظة بليغة للأحنف بن قيس في الكرم، والنقمة، واللذة، والندم، والزهد، والاقتصاد، والهزل، وأمن الزمان، والكبر، والصدق، ومشورة النساء، وكفر النعمة، والغدر، وصحبة الجاهل، وإصلاح الدنيا، والصلة، وغير ذلك]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى.، قال: أخبرنا أبو عثمان، عن التّوّزيّ، قال: أخبرني رجل من أهل البصرة، عن رجل من بني تميم قال: حضرت مجلس الأحنف بن قيس وعنده قوم مجتمعون في أمر لهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الكرم، منع الحرم، ما أقرب النقمة من أهل البغي، لا خير في لذّة تعقب ندما لن يهلك من قصد، ولن يفتقر من زهد، ربّ هزل قد عاد جدّا من أمن الزمان خانه، ومن تعظّم عليه أهانه دعوا المزاح فإنه يؤرّث الضّغائن، وخير القول ما صدّقه الفعل احتملوا لمن أدلّ عليكم، وأقبلوا عذر من اعتذر إليكم أطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك وإياكم ومشاورة النساء، واعلم أن كفر النّعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، ومن الكرم الوفاء بالذّمم ما أقبح القطيعة بعد الصّلة، والجفاء بعد اللّطف، والعداوة بعد الودّ لا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك إلى البذل. واعلم أن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فأنفق في حقّ، ولا تكونن خازنا لغيرك. وإذا كان الغدر في الناس موجودا، فالثّقة بكل أحد عجز اعرف الحق لمن عرفه لك. واعلم أن قطيعة الجاهل، تعدل صلة العاقل. قال: فما رأيت كلاما أبلغ منه، فقمت وقد حفظته.
[939]
[الحكمة، والتجارب، والتسويف، والوفاء بالوعد]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: ذكر أعرابي قوما فقال:
أدّبتهم الحكمة، وأحكمتهم التّجارب، ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة، وجانبوا التّسويف الذي به قطع الناس مسافة آجالهم، فذل ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال.
[940]
[من دعاء الأعراب]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعيّ قال: رأيت أعرابيّا يصلي وهو يقول: أسألك الغفيرة، والناقة الغزيرة، والشّرف في العشيرة، فإنها عليك يسيرة.(1/288)
[941]
[خبر الجارية التي اشتراها أبو السمراء لعبد الله بن طاهر، وتحسّرها على مولاها الذي كانت عنده]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثنا محمد بن علي المديني قال: حدثنا أبو الفضل الرّبعى قال: حدثنا أبو السمراء قال: دخلت منزل نخّاس في شراء جارية فسمعت في بيت بإزاء البيت الذي كنت فيه صوت جارية وهي تقول: [الطويل]
وكنا كزوج من قطا في مفازة ... لدى خفض عيش معجب مونق رغد
أصابهما ريب الزمان فأفردا ... ولم نر شيئا قطّ أوحش من فرد
فقلت للنّخّاس: اعرض عليّ هذه الجارية المنشدة، فقال: إنها شعثة مرهاء (1) حزينة، فقلت: ولم ذلك؟ قال: اشتريتها من ميراث فهي باكية على مولاها، ثم لم ألبث أن أنشدت:
[الطويل]
وكنّا كغصني بانة وسط روضة ... نشمّ جنى الرّوضات في عيشة رغد
فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطع ... فيا فردة باتت تحنّ إلى فرد
قال أبو السمراء: فكتب إلى عبد الله بن طاهر أخبره بخبرها، فكتب إليّ: أن ألق عليها هذا البيت فإن أجابت فاشترها ولو بخراج خراسان والبيت: [مخلع البسيط]
بعيد وصل قريب صدّ ... جعلته منه لي ملاذا
قال: فألقيته عليها فقالت في سرعة:
وعاتبوه فذاب عشقا ... ومات وجدا فكان ماذا
قال أبو السمراء: فاشتريتها بألف دينار وحملتها إليه فماتت في الطريق قبل أن تصل إليه، فكانت إحدى الحسرات إليه.
[942]
[من صفات الفم، وخبر العرب مع الفضة]:
قال أبو على: وقرأنا على أبي بكر لابن ميّادة وهو الرّمّاح بن الأبرد: [الرجز]
تبادر العضاة قبل الإشراق ... بمقنعات كثعاب الأوراق
المقنع: الفم الذي يكون عطف أسنانه إلى داخل الفم، وذلك القويّ الذي يقطع به كل شيء، فإذا كان أنصبابها إلى خارج فهو أدفق وذلك ضعيف لا خير فيه. والقعاب: جمع قعب.
والأوراق جمع ورق وهو الفضّة، يريد: أنها أفتاء فأسنانها بيض لم تقلح، أي لم تصفرّ.
قال أبو علي: وقد ردّ ما ذكرناه وهو قول الأصمعيّ ابن الأعرابيّ، فقال يقول:
بادرت العضاه برءوس ضخام كأنها قعاب الورق كبرا. وقال: قد تكون قعاب الورق سودا.
قال أبو علي: ويفسد ما ذهب إليه قوله: كأنها قعاب الورق كبرا لأن القعب قدح
__________
(1) المرهاء هي التي لا تتعهد عينيها بالكحل. ط(1/289)
صغير فكيف يشبّه رءوسها بالقعاب في الكبر. فأما قوله: وقد تكون قعاب الورق سودا فليس بمبطل لما قال الأصمعيّ لأن الورق لا يكون أسود إلا بتغير لونه بالإحراق، وما كانت العرب تعرف المحرق من الفضّة، ومع هذا فلا يستعمل أحد قدحا من فضة سوداء وحدها وإنما يجرى السواد في البياض.
[943]
[الكلمات التي تعاقب فيها الصاد والضاد]:
قال أبو علي: قال يعقوب بن السكيت: يقال: عاد إلى ضئضئه (1) وصئصئه، أي إلى أصله والهمز الأصل، وأنشد: [الرمل]
أنا من ضئضيئ صدق ... بخ ومن (2) أكرم حذل (3)
من عزاني قال به به ... سنخ ذا أكرم أصل
الحذل: الحجر. وقال اللحياني: بخ بخ، وبه به يقال للإنسان إذا عظّم.
وقال أبو عمرو: ما ينوض بحاجة وما يقدر على أن ينوص أي: يتحرّك ومنه قوله عزّ وجل: {وَلََاتَ حِينَ مَنََاصٍ} [ص: 3] ومناص ومناض واحد. ويقال: انقاض وانقاص بمعنى واحد، وقال الأصمعيّ: المنقاض: المنقعر من أصله، والمنقاص: المنشقّ طولا، يقال:
انقاضت الرّكيّة وانقاصت السن انقياصا إذا انشقت طولا، والقيس: الشق طولا، وأنشد لأبي ذؤيب: [الطويل]
فراق كقيص السّنّ فالصّبر إنّه ... لكلّ أناس عثرة وجبور
وقال الأصمعيّ: مضمض لسانه ومصمصه (4) إذا حرّكه، وقال: حدثنا عيسى بن عمر قال: سألت ذا الرمة عن النّضناض فأخرج لسانه وحركه، قال الراعي: [الوافر]
يبيت الحيّة النّضناض منه ... مكان الحبّ (5) يستمع السّرارا
وقال اللحياني: يقال: تصافّوا على الماء وتضافّوا. ويقال: صلاصل الماء وضلاضله لبقاياه. وقبضت قبضة وقبصت قبصة، ويقال: إن القبصة أقل من القبضة.
قال أبو على وغيره يقول: القبض بأطراف الأصابع والقبض بالكف كلها. وقال اللحياني: سمعت أبا زيد يقول: تضوّك بخرئه، وسمعت الأصمعيّ يقول: تصوّك بالصاد غير معجمة. وقال أبو عبيدة: يقال صاف السهم يصيف وضاف يضيف إذا عدل عن الهدف.
__________
(1) كذا في الأصل وعبارة «اللسان» تفيد أن الضئضئ بالمهملة والمعجمة وبالهمز وتركه عن يعقوب. ط
(2) في «اللسان» وإحدى النسخ: «وفي أكرم». ط
(3) في «اللسان» «جذل» بالجيم المكسورة بمعنى الأصل. ط
(4) كذا في الأصل، ولعلهما محرفان عن نضنض ونصنص بالنون إذ لم نجد في كتب اللغة أن مضمض ومصمص بالميم بمعنى يحرك لسانه. ط
(5) في «القاموس» الحب بالكسر: القرط من حبة واحدة. اه ط(1/290)
وتضيّفت الشمس للغروب وتصيّفت إذا مالت ودنت من الغروب، ومنه اشتق الضّيف، يقال:
ضافني الرجل إذا دنا منك ونزل بك، قال أبو زبيد:
كلّ يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوضاف غير بعيد
وقال الأصمعيّ: جاص وجاض أي عدل. وقال اللحياني: يقال إنه لصلّ أصلال وضلّ أضلال. قال: ويقال ضلّ أضلال.
وقال أبو علي: قال أبو بكر بن دريد: يقال للرجل إذا كان داهية إنّه لصل أصلال.
وقال أبو علي: والصّلّ الحيّة التي تقتل إذا نهشت من ساعتها. وقال الأصمعي: يقال مصمص إناءه ومضمضه إذا غسله.
[944]
[شعر ابن أبي ربيعة في حب سكينة ووصلها]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لعمر بن أبي ربيعة: [الكامل]
قالت سكينة والدّموع ذوارف ... تجري على الخدّين والجلباب
ليت المغيريّ الذي لم أجزه ... فيما أراد تصيّدي وطلابي
كانت تردّ لنا المنى أيامنا ... إذا لا نلام على هوى وتصابي
خبّرت ما قالت فبتّ كأنّما ... يرمى الحشى بنوافذ النّشّاب
أسكين ما ماء الفرات وبرده ... منّي على ظمإ وفقد شراب
بألذّ منك وإن نأيت وقلّما ... يرعى النّساء أمانة الغيّاب
إن تبذلي لي نائلا أشفي (1) به ... سقم الفؤاء فقد أطلت عذابي
وعصيت فيك أقاربي فتقطّعت ... بيني وبينهم عرى الأسباب
فتركتني لا بالوصال ممسّكا (2) ... منهم ولا أسعفتني بثواب
فقعدت كالمهريق فضلة مائه ... في حرّ هاجرة للمع سراب
[945]
[شعر في حذر المرأة من الاختلاط بالرجال]:
قال أبو علي: وحدثني أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي وعبد الله بن خلف قالا: حدثنا ابن أبي سعيد، قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الشافعي، قال: سمع سعيد بن المسيّب منشدا ينشد: [الطويل]
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات
__________
(1) في ديوانه طبع لييزج: يشفى به سقم الفؤاد. ط
(2) في الديوان: ممتعا. ط(1/291)
ولما رأت ركب النّميريّ أعرضت ... وكنّ من أن يلقينه حذرات
قال فقال سعيد: هذا والله مما يلذّ استماعه، ثم قال:
وليست كأخرى وسّعت جيب درعها ... وأيدت بنان الكفّ للجمرات
وعالت فتات المسك وحفا (1) مرجّلا ... على مثل بدر لاح في الظّلمات
وقامت تراءى يوم جمع فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات
قال: فكانوا يرون أن الشّعر الثاني لسعيد بن المسيب.
[946]
[شعر في التوجّع لفقد المحبوب، وشيء من أقوال وأمثال العرب]:
قال: وأنشدنا أبو الحسن بن البراء، قال: أنشدنا محمد بن غالب لأبي فنجويه الرّفّاء وكان أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب.: [الخفيف]
كيف لي بالسّلوّ عنك وقلبي ... حشوه الهمّ يا بعيدا (2) قريب
يا سقامي ويا دوائي جميعا ... وشفائي من الضنا والطبيب
حيثما كنت في البلاد وكنّا ... فعلينا لكل عين رقيب
ما يريد الوشاة منك ومني ... دون هذا له تشقّ الجيوب
[947] قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لامرأة من العرب تسمى شقراء: [الطويل]
خليليّ إن أصعدتما أو هبطتما ... بلادا هوى نفسي بها فاذكرانيا
ولا تدعا إن لامني ثمّ لائم ... على سخط الواشين أن تعذرانيا
فقد شفّ جسمي بعد طول تجلّدي ... أحاديث من عيسى تشيب النّواصيا
سأرعى لعيسى الودّ ما هبّت الصّبا ... وإن قطعوا في ذاك عمدا لسانيا
[948] وقرأت عليه لامرأة من بني نصر بن دهمان: [الطويل]
ألا ليتني صاحبت ركب ابن مصعب ... إذا ما مطاياه اتلأبّت صدورها
إذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعب ... فإن قيل عبد الله أجلى فتورها
[949] وقرأت عليه لامرأة من بني أسد: [الطويل]
بنفسي من أهوى وأرعى وصاله ... وتنقض منّي بالمغيب وثائقه
حبيب أبى إلّا اطّراحي وبغضتي ... وفضّله عندي على الناس خالقه
__________
(1) الوحف: الشعر الكثير الأسود الحسن. ط
(2) هكذا في النسخ بنصب بعيدا وضبطه منونا، وكتب عليه بالهامش نصبه ضرورة اه. وليس بوجيه إذ لا ضرورة من جهة الشعر توجب نصبه وتنوينه وهو نكرة مقصودة لو ضم لم يختل الوزن كما لا يخفى. ط(1/292)
[950] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدني أبي لابن الدّمينة (1): [الطويل]
ألا يا حمى وادي المياه قتلتني ... أباحك (2) لي قبل الممات مبيح
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح
أبى الناس ويب (3) الناس لا يشترونها ... ومن ذا الذي يشري دوى بصحيح
قال أبو بكر: الدّوى: المرض الشديد. والدّوى: الرجل الشديد المرضى. والدّوى:
الرجل الأحمق.
[951] قال أبو علي: وأنشدني أبو بكر بن دريد: [الرجز]
وقد أقود بالدّوى المزمّل ... أخرس في السّفر بقاق (4) المنزل
وقال أبو بكر بن الأنباري: الدّوا جمع دواة. والدّواء بالمدّ: ما يتداوى به. والدّواء:
اللبن أيضا بالمدّ.
[952] وحدثنا قال: حدثنا أبو العباس، قال: العرب تقول: إنك ستساق إلى ما أنت لاق.
[953] وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر: [الطويل]
ستبكي المخاض الحرب إن مات هيثم ... وكلّ البواكي غيرهنّ جمود
يقول: كان يحسن إليها ولا ينحرها وهذا هجاء وضدّه مدح وهو قوله: [الطويل]
قتيلان لا تبكي المخاض عليهما ... إذا شبعت من قرمل وأفاني
يعني: أنه يعقرها ويهبها فلا تحزن عليه. والقرمل: واحدها قرملة وهي شجرة ضعيفة كثيرة الماء تنفضخ إذا وطئت، ومن أمثالهم: «ذليل عاذ بقرملة». والأفاني: نبت واحدتها أفانية ينبت في السّهل.
[954] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدني أبي لمحرز العكلى: [الطويل]
يظلّ فؤادي شاخصا من مكانه ... لذكر الغواني مستهاما متيّما
إذا قلت مات الشوق منّي تنسّمت ... به أريحيّات الهوى فتنسّما
[955] وأنشدنا، قال: أنشدني أبي لرجل من بني رياح: [الطويل]
كفى حزنا أن لا يزال يعودني ... على النّأي طيف من خيالك يا نعم
وأنت مكان النّجم منا وهل لنا ... من النّجم إلا أن يقابلنا النجم
__________
(1) أي يعرض بابنة عم له كما في معجم ياقوت: وفي ديوانه طبع مصر بعد البيت الأول:
رأيتك وسمى الثرى طاهر الربا ... يحوطك إنسان على شحيح
وفي روي هذا الشعر الأقواء كما لا يخفى. ط
(2) في الديوان طبع مصر: أتاحك لي قبل الممات متيح بالتاء المثناة. ط
(3) يقال: ويب فلان: أي ويل له. ط
(4) البقاق: كثير الكلام. ط(1/293)
[956]
[دقّ وكسر وحطم وما في معناهم]:
وقال أبو زيد: يقال: رتمت أرتم رتما، وحطمت أحطم حطما، وكسرت أكسر كسرا، ودققت أدقّ دقّا. هؤلاء الأربع جماع الكسر في كل وجه من الكسر، وأنشدنا غيره:
[المتقارب]
لأصبح (1) رتما دقاق الحصى ... مكان النّبيّ من الكاتب
ويقال: رضضت أرضّ رضّا. وفضضت أفضّ فضّا. ورفضت أرفض رفضا. هؤلاء الثلاث في الكسر سواء. وهرست أهرس هرسا: إذا دققت الشيء في المهراس. والهرس والوهس: دقّك الشيء وبينه وبين الأرض وقاية، ومثله: نحزت أنحز نحزا.
[957] قال أبو علي: ومنه المنحاز وهو الهاون. وقال أبو زيد: نحزت النّسيج إذا جذبت إليك الصّيصيّة (2) غير مهموزة لتحكم اللّحمة. وسحق يسحق سحقا وهو أشدّ الدق تدقيقا، وسحقت الأرض الرّيح إذا عفت الآثار وأسفت التراب. وانسحق الثوب انسحاقا إذا سقط زئبره وهو جديد. وسهكت تسهك سهكا، والريح تسهك التراب كما تسحق.
ورهك يرهك رهكا. وجشّ يجشّ جشّا. فالرّهك ما جشّ بين حجرين، والجشّ ما طحن بالرّحيين، والشيء جشيش ومجشوش. وطحنت أطحن طحنا، والطّحن بالكسر: الدقيق.
ورضخت أرضخ رضخا بإعجام الخاء. وشدخت أشدخ شدخا. وفدغت أفدغ فدغا، وثلغت أثلغ ثلغا. وثمغت أثمغ ثمغا، وهؤلاء الخمس في الرّطب. وقال غير أبي زيد: يقال:
رضخت النّوى بالخاء رضخا: رضضته، ويقال للحجر الذي يرضّ به: المرضاخ.
والرّضخة: النواة التي تطير من تحت الحجر، قال الشاعر:
جلذيّة كأتان الضّحل (3) صلّبها ... جرم السّواديّ رضّوه بمرضاخ
يصف ناقة.
[958] وقال أبو زيد: وغضف يغضف غضفا. وخضد يخضد خضدا. وغرض يغرض غرضا، وهؤلاء الثلاث: الكسر في الرطب واليابس، وهو الكسر الذي لم يبن.
وقصمت أقصم قصما بالقاف. وفصمت أفصم فصما بالفاء. وعفتّ أعفت عفتا، وهو الكسر الذي ليس فيه ارفضاض في رطب أو يابس. ويقال: هشمت أهشم هشما، وهو كسر اليابس مثل العظم أو الرأس من بين الجسد أو في بيض. وقالوا: تمّمت الكسر تتميما: إذا عنت فأبنته. ووقرت العظم أقره وقرا: إذا صدعته، والوقر: الصّدع في العظم. وروى أبو عبيدة عن أبي زيد: هضضته أهضّه هضّا ودهسته، والشيء دهيس.
__________
(1) البيت لأوس بن حجر كما في «اللسان» مادة «رتم»: وفسره في مادة كتب فقال: يريد بالنبي مانبا من الحصى إذا دق فنذر، وبالكاثب: الجامع لما ندر منه ويقال: هما موضعان. ط
(2) الصيصية: شوكة الحائك التي يسوي بها السداة واللحمة والجمع صياصي. ط
(3) هي الصخرة تكون على فم الركية يركبها الطحلب فتصير ملساء. ط(1/294)
[959] وقال الأصمعي: قرضمته قرضمة: كسرته، وقال: وهسته أهوسه هوسا:
كسرته، وأنشد: [الرجز]
إنّ لنا هوّاسة عربضا (1)
وقال: المعثلب: المكسور. والدّوك: الدّقّ، والمدوك: الحجر الذي يدقّ به.
وقال الكسائي: وقصت عنقه أقصها وقصا، ولا يقال: وقصت العنق نفسها. وقال الأموي: أصرته آصره أصرا: كسرته.
[960] قال أبو علي: الأصر: العطف. والصّور مصدر صرته أصوره إذا أملته، ومن هذا قيل للمائل العنق: أصور، وقد قرئ: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] أي: أملهنّ، ومن قرأ: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي: قطّعهنّ، من قولهم: صاره يصيره إذا قطّعه، ومن هذا قيل: صار فلان إلى موضع كذا وكذا لأنه ميل وذهاب إلى ذلك الوجه. وقال غيره:
وهصت ووطست ووقصت أي كسرت، وقد روى بيت عنترة: [الكامل]
تطس الإكام بذات خفّ ميثم
وروى: تقس وتهص، والوهص: بالكسر، وقال الأصمعي: وهصه يهصه وهصا وهزعه إذا كسره.
[961] قال أبو علي: وفي كتاب الغريب المصنّف هصت، وهكذا قرأته وأنا أشك فيه وأظنه وهصت فسقطت الواو عن الناقل إلينا. وقصدته أقصده قصدا: كسرته، ومنه قيل: القنا قصد. والقصم والفصم: الكسر وبعضهم يفرق بينهما، فيقول: القصم: الكسر الذي فيه بينونة، والفصم: الكسر الذي لم يبن. وقال أبو عمرو: الوهط: الكسر، يقال: وهطه.
وحكي: انغرف عظمه: أي انكسر.
[962]
[من أمثال العرب]:
قال أبو زيد: ومن أمثال العرب: «لا يعدم عائس وصلات» يقال ذلك للرجل الذي قد أرمل من الزاد والمال فيلقى الرجل فينال منه ثم الآخر حتى يصل إلى أهله.
قال: ومن أمثالهم: «ما أنت إلّا كابنة الجبل مهما يقل تقل» وذلك إذا تكلمت فردّ عليك إنسان مثل كلامك. يريد الصّدى الذي يجيبك بما تتكلم به. ومن أمثال العرب:
«عود (2) يعوّد العنج» والعنج: الرّياضة. قال: ومن أمثال العرب: «نعيم كلب في بؤس أهله» ويقال: بئيس أهله، ويقال: بئس أهله، لغتان (3) يضرب مثلا للرجل يأكل مال
__________
(1) كذا في ديوان رؤبة ضمن مجموعة أشعار العرب طبع أوربا و «اللسان» مادة «عربض» والعربض:
البعير القوى الغليظ الشديد الضخم. وفي النسخة المطبوعة و «اللسان» مادة هوس: «عريضا» وهو تحريف لأن القافية تؤيد الرواية الأولى. ط
(2) كذا في الأصل، والذي في «اللسان» و «أمثال الميداني»: «يعلم». ط
(3) عبارة الميداني: نعم كلب في بؤس أهله ويروى نعيم الكلب في بؤسي أهله. ط(1/295)
غيره فيسمن وينعم، وأصله أن كلبا سمن وأهزل الناس لأكل الجيف فأهله بائسون.
[963]
[خبر الحسن البصري ورده على من هنّأه بغلام ولد له]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله.، قال: حدثنا أبو عثمان، عن التوزيّ، عن أبي عبيدة قال: بلغني أنه ولد للحسن البصري غلام فهنّأه بعض أصحابه، فقال الحسن: نحمد الله على هبته، ونستزيده من نعمته، ولا مرحبا بمن إن كنت غنيّا أدهلني، وإن كنت فقيرا أتعبني، لا أرضى له بسعي سعيا، ولا بكدّي له في الحياة كدّا، أشفق عليه من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حال لا يصل إليّ من همّه حزن ولا من فرحه سرور.
[964]
[موعظة القرظي لعمر بن عبد العزيز في أوصاف بطانته]:
وبهذا الإسناد قال: بلغني أن محمد بن كعب القرظي قال لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.: لا تتّخذنّ وزيرا إلا عالما، ولا أمينا إلا بالجميل معروفا، وبالمعروف موصوفا فإنهم شركاؤك في أمانتك، وأعوانك على أمورك فإن صلحوا أصلحوا، وإن فسدوا أفسدوا.
[965]
[نصيحة بليغة لعبد الملك بن مروان لبني أمية، وقبح البخل، وفضل الجود]:
وبهذا الإسناد قال: قال عبد الملك بن مروان رحمه الله.: يا بني أميّة، ابذلوا نداكم، وكفّوا أذاكم واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم فإن خير المال ما أفاد حمدا أو نفى ذمّا، ولا يقولنّ أحدكم ابدأ بمن تعول فإنما الناس عيال الله قد تكفّل الله بأرزاقهم، فمن وسّع أخلف الله عليه، ومن ضيّق ضيّق الله عليه.
[966]
[وصف العجول، والغضوب، والملوك، والحرّ، والشّره]:
قال أبو علي: وحدثينا أبو بكر رحمه الله.، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعربيّا يقول: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحرّ حريصا، ولا الشّره غنيّا.
[967]
[صيانة العقل والمروءة والنّجدة والخلّة]:
وحدثنا، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يقول: صن عقلك بالحلم، ومروءتك بالعفاف ونجدتك بمجانبة الخيلاء، وخلّتك بالإجمال في الطلب.
[968]
[الانتقام، والمشاورة، والمواساة، والكبر]:
وحدثنا، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يقول: أقبح أعمال المقتدرين الانتقام، وما استنبط الصواب بمثل المشاورة، ولا حصّنت النّعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر.
[969]
[شعر في تأبّي الحبيب على الوصل]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد للشماخ: [الوافر]
كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون آن مطّرح الظّنون
طوالة: اسم بئر كان لقيها عليها مرّتين فلم ير ما يحبّ، والمعنى في كلا يومي طوالة وصل أروى ظنون، والظّنون: الذي لا يوثق به كالبئر الظّنون وهي القليلة الماء التي لا تثق بمائها، ثم أقبل على نفسه فقال: قد حان أن أترك الوصل الظّنون وأطّرحه، ثم قال:(1/296)
كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون آن مطّرح الظّنون
طوالة: اسم بئر كان لقيها عليها مرّتين فلم ير ما يحبّ، والمعنى في كلا يومي طوالة وصل أروى ظنون، والظّنون: الذي لا يوثق به كالبئر الظّنون وهي القليلة الماء التي لا تثق بمائها، ثم أقبل على نفسه فقال: قد حان أن أترك الوصل الظّنون وأطّرحه، ثم قال:
وما أروى وإن كرمت علينا ... بأدنى من موقّفة حرون
الموقّفة: الأرويّة التي في قوائمها خطوط كأنها الخلاخل، والوقف: الخلخال من الذّبل (1)، والتّوقيف البياض مع السواد، فأراد. أنّ في قوائمها خطوطا تخالف لونها.
والحرون: التي تحرن في أعلى الجبل فلا تبرح. يقول: فهذه المرأة ليست بأقرب من هذه الأروية التي لا يقدر عليها، ثم قال:
تطيف بها الرّماة وتتّقيهم ... بأوعان معطّفة القرون
يقول: تطيف بهذه الأرويّة الرّماة فلا تبرح لأنها في أعلى الجبل، ودونها أوعال فلا تصل إليها نبل الرماة لأنهم يرمون تلك لأنها أقرب إليهم، فكأنها تقي نفسها بها، وإنما يؤكّد بهذا بعدها وأنها لا يقدر عليها.
[970]
[وصف المحب، وتجشّمه للصعاب من أجل محبوبه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، قال: كان بشر بن مروان شديدا على العصاة فكان إذا ظفر بالعاصي أقامه على كرسيّ وسمر كفّيه في الحائط بمسمار ونزع الكرسيّ من تحته فيضطرب معلقا حتى يموت، وكان فتى من بني عجل مع المهلّب وهو يحارب الأزارقة وكان عاشقا لابنة عم له، فكتبت إليه تستزيره، فكتب إليها: [البسيط]
لولا مخافة بشر أو عقوبته ... أو أن يشدّ على كفّيّ مسمار
إذا لعطّلت ثغري ثم زرتكم ... إن المحبّ إذا ما اشتاق زوّار
فكتبت إليه:
ليس المحبّ الذي يخشى العقاب ولو ... كانت عقوبته في إلفه النار
بل المحب الذي لا شيء يمنعه ... أو تستقرّ ومن يهوى به الدار
قال: فلما قرأ كتابها عطّل ثغره وانصرف إليها وهو يقول:
أستغفر الله إذ خفت الأمير ولم ... أخش الذي أنا منه غير منتصر
فشأن بشر بلحمي فليعذّبه ... أو يعف عفو أمير خير مقتدر
فما أبالي إذا أمسيت راضية ... يا هند ما نيل من شعري ومن بشري
ثم قدم البصرة فما أقام إلا يومين حتى وشى به واش إلى بشر، فقال: عليّ به، فأتي به فقال: يا فاسق، عطّلت ثغرك! هلمّوا الكرسيّ، فقال: أعز الله الأمير، إن لي عذرا، فقال:
وما عذرك؟ فأنشده الأبيات، فرقّ له وكتب إلى المهلّب فأثبته في أصحابه.
__________
(1) الذبل: عظام ظهر دابة بحرية تتخذ منها الأساور والأمشاط. ط(1/297)
[971]
[شعر في الشوق إلى الأوطان]:
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي لتماضر بنت مسعود بن عقبة أخي ذي الرمة وكان خرج بها زوجها إلى القفّين: [الطويل]
نظرت ودوني القفّ (1) ذو النّخل هل أرى ... أجارع في آل الضّحى من ذرى الأمل (2)
فيالك من شوق وجيع ونظرة ... ثناها عليّ القفّ خبلا من الخبل
ألا حبّذا ما بين حزوي (3) وشارع (4) ... وأنقاء سلمى من حزون ومن سهل
لعمري لأصوات المكاكيّ بالضّحى ... وصوت صبا في حائط الرّمث بالدّحل
وصوت شمال زعزعت بعد هدأة ... ألاء وأسباطا وأرطى من الحبل
أحبّ إلنيا من صياح دجاجة ... وديك وصوت الرّيح في سعف النخل
فياليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بجمهور حزوى حيث ربّبني أهلي
[972] قال أبو علي: قال الأصمعي: الأجارع: جمع أجرع وجرعاء، وهي الرابية السهلة. والأمل: جمع أميل، والأميل: الرمل المستطيل يكون ميلا وأكثر من ذلك.
والخبل: الفساد في البدن. والأنقاء: جمع نقا، وهي الرملة المستطيلة ليست بعظيمة.
والمكاكيّ: جمع مكّاء وهو طائر، قال الشاعر: [الطويل]
إذا غرّد المكّاء في غير روضة ... فويل لأهل الشّاء والحمرات
[973] قال أبو علي: قال الأصمعي: يقال للرّمث أوّل ما يبدو ورقه قبل أن يخرج:
قد أقمل، فإذا زاد على ذلك قيل: قد أدبى، فإذا ظهرت خضرته قيل: قد بقل، فإذا ابيضّ وأدرك قيل: قد أحنط، فإذا جاوز ذلك قيل: قد أورس، فهو وارس ولا يقال مورس.
والألاء: شجر حسن المنظر مرّ المطعم قال بشر: [الوافر]
فإنّكم ومدحكم بجيرا ... أبا لجأ كما امتدح الألاء
يراه الناس أخضر من بعيد ... وتمنعه المرارة والإباء
والأسباط جمع سبط. وهو ضرب من الشجر أيضا. والحبل: المستطيل من الرمل.
[974]
[شعر في محو الحبّ الثاني للحبّ الأول]:
قال أبو علي: وقرأت عليه لابنة الحباب: [الطويل]
محا حبّ يحيى حبّ يعلى فأصبحت ... ليحيى توالي حبّنا وأوائله
ألا بأبي يحيى ومثنى ردائه ... وحيث التقت من متن يحيى حمائله
__________
(1) القف: واد بالمدينة، وقد يثنى كما في «القاموس» و «معجم البلدان». ط
(2) في «معجم ياقوت»: من ذرى الرمل. ط
(3) حزوى بالقصر: من رمال الدهناء كما في «معجم البلدان». ط
(4) شارع: جبل بالدهناء. ط(1/298)
وقالت فيه أيضا: [الطويل]
أأضرب في يحيى وبيني وبينه ... تنائف لو تسري بها الريح كلّت
ألا ليت يحيى يوم عيهم (1) زارنا ... وإن نهلت منّي السّياط وعلّت
[975]
[تهييج القديم في النّفس إذا وجد ما يذكّر به]:
قال أبو علي: وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه، قال:
أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: [الطويل]
أمن أجل دار بين لوذان فالنّقا ... غداة اللّوى عيناك تبتدران
فقلت ألا لا بل قذيت وإنّما ... قذى العين لي ما هيّج الطّلان
فيا طلحتي لو ذان لا زال فيكما ... لمن يبتغي ظلّيكما فننان
وإن كنتما هيّجتما لاعج الهوى ... ودانيتما ما ليس بالمتداني
[976] وأنشدنا أيضا: [الطويل]
ألا يا سيالات (2) الدّاحائل باللّوى ... عليكنّ من بين السّيال سلام
وإنّي لمجلوب لي الشّوق كلّما ... تغرّد في أفنانكنّ حمام
[977]
[شعر في تجشّم الحبيب للصعاب من أجل محبوبه]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لابن الدّمينة: [الطويل]
قفي يا أميم القلب نشكو الذي بنا ... وفرط الهوى ثم فعلي ما بدا لك
سلي البانة الغنّاء بالأجرع الذي ... به البان هل حيّيت أطلال دارك
وهل قمت في أطلالهنّ عشيّة ... مقام أخي البأساء واخترت ذلك
ليهنئك إمساكي بكفّي على الحشى ... ورقراق عيني رهبة من زيالك
ولو قلت طأ في النار أعلم أنه ... هوى لك أو مدن لنا من نوالك
لقدّمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدى منك لي أو ضلّة من ضلالك
[978]
[شعر في كتم الهوى، وعدم العلم بالمقدور]:
قال أبو علي: وأنشدنا أبو عمر المطرّز غلام ثعلب قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل]
فلو كنت أدري أنّ ما كان كائن ... حذرتك أيام الفؤاد سليم
ولكن حسبت الصّرم شيئا أطيقه ... إذا رمت أو حاولت فيك (3) عزيما
__________
(1) عيهم: اسم موضع بالغور من تهامة كما في «معجم البلدان». ط
(2) السيال: شجر سبط الأغصان له شوك أبيض، أو هو ما طال من السمر. ط
(3) كذا في الأصل وفي نسخة أخرى: «أو حاولت أمر عزيم» وعلى كل حال ففي البيت أقواء كما لا يخفى. ط(1/299)
أخا الجنّ بلغها السلام فإنّني ... من الإنس مزورّ الجناب كتوم
[979] قال أبو علي: هكذا أنشدنا: جناب، وهو عندي: جناب من قولهم: لجّ فلان في جناب قبيح إذا لجّ في مجانبة أهله.
أخا الجنّ ما ندري إذا لم يدم لنا ... خليل صفاء الودّ كيف نديم
ولا كيف بالهجران والقلب آلف ... ولا كيف يرضى بالهوان كريم
[980]
[الكلمات التي تتعاقب فيها الفاء والثاء]:
قال الأصمعي: الدّفينة والدثينة: منزل لبني سليم. ويقال: اغتفّت الخيل واغتثّت: إذا أصابت شيئا من الربيع وهي الغفّة والغثّة، قال طفيل الغنويّ: [الطويل]
وكنّا إذا ما اغتفّت الخيل غفّة ... تجرّد طلّاب التّراب مطلّب
ويقال: فلغ رأسه وثلغ رأسه إذا شدخه، ويقال: جدف وجدث للقبر. والدّفئيّ والدّثئيّ مثاله الدّفعيّ من المطر، ووقته إذا قاءت الأرض الكمأة فلم يبق فيها شيء. والحثالة والحفالة: الرّدئ من كل شيء. قال أبو عبيدة: الحفالة والحثالة واحد وهي من التمر والشعير وما أشبههما القشارة منه. وقال أبو عمرو: الفناء والثّناء في فناء الدار. وحكي: غلام ثوهد وفوهد وهو الناعم. وحكي: الأرفة والأرثة للحدّ بين الأرضين. وقال اللحياني: الأثافيّ والأثاثيّ، ولغة بني تميم الأثاثي. وتوفر وتحمد وتوثر وتحمد. وقال الفراء: المغافير والمغاثير: شيء ينضجه الثّمام والرّمث والعشر كالعسل. قال: وسمعت العرب تقول: خرجنا نتمغفر ونتمغثر أي نأخذ المغفور. قال: وسمعت الكسائي يحكى عن العرب: مغفر لواحد المغافير. والفوم والثّوم: الحنطة، وفي قراءة ابن مسعود: {وَفُومِهََا وَعَدَسِهََا} [البقرة: 61] وثوب فرقبيّ (1) وثرقبيّ. ووقعوا في عافور شرّ وعاثور شر، قال العجاج: [الرجز]
وبلدة مرهوبة العاثور
قال يعقوب بن السكيت: نرى أنه من قولهم: عثر يعثر إذا وقع في الشر. والنّفيّ والنّثيّ، ما نفاه الرّشاء من الماء، قال الراجز: [الرجز]
كأنّ متنيه من النّفي ... مواقع الطّير على الصّفيّ
ويروى: الصّفيّ بالكسر والضم. وثمّ وفمّ في النّسق. والنّكاف والنّكاث: داء يأخذ الإبل. وفروغ الدّلو وثروغها: مصبّ مائها. ويقال للشيخ: مرّ يدلف ويدلث: إذا مشى مشيا ضعيفا. وعفنت في الجبل أعفن وعثنت أعثن: إذا صعّدت في الجبل. ويقال: هو الضّلال بن فهلل (2) وثهلل وفهلل أيضا عن اللحياني. واللّفام واللّثام، قال الفراء: اللّثام على الفم واللّفام على الأرنبة. وفلان ذو فروة وثروة أي: ذو كثرة من المال. وقال ابن
__________
(1) فرقبي: نسبة إلى موضع يقال له فرقب أو هو الثوب الأبيض من كتان كما في «القاموس». ط
(2) فهلل كجعفر: من أسماء الباطل كما في «القاموس». ط(1/300)
الأعرابي: يقال: انفجر الجرح وانثجر. وطلّف على الثمانين وطلّث: إذا زاد عليها.
[981] وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لطفيل: [الطويل]
كأنّ على أعطافه ثوب مائح ... وإن يلق كلب بين لحييه يذهب
أعطافه: جوانبه وإنما له عطفان. والمائح: الذي ينزل في البئر فيملأ الدلو فكلما جذبت دلو انصبّ عليه من مائها فابتلّ، فشبه الفرس وقد ابتلّ من العرق بثوب المائح، ومثله: [الطويل]
أبيت كأنّي كلّ آخر ليلة ... من الرّحضاء (1) آخر الليل مائح
وقوله: وإن يلق كلب بين لحييه: أراد أنه واسع الشّدقين، ثم قال:
كأنّ على أعرافه ولجامه ... سنا ضرم من عرفج متلهّب
السنا: الضوء، فيقول: كأن على أعرافه ولجامه ضوء ضرم، وإذا كان له ضوء كان له حفيف، فيقول: يحفّ من شدّة العدو حتى كأن عرفجا يتضرّم على أعرافه وعنانه، ومثله قول العجاج: [الرجز]
كأنما يستضرمان العرفجا
يستضرمان: يوقدان، يعني حمارين كأنما حفيفهما حفيف العرفج. وكان ابن الأعرابي يقول: سألت غنيّا كلّها أو سمعت غنيّا تقول: إنما وصفه بالشّقرة، شبه شقرته على عنانه في حر الشمس بتوقّد النار في يبيس العرفج. وكان عمارة بن عقيل يقول أيضا: وصفه بالشّقرة.
[982] قال أبو علي: وبيت طفيل هذا أحد الأبيات التي غلّب فيها أبو نصر على ابن الأعرابي، وذلك أن أبا نصر ذهب فيه إلى قول الأصمعي وهو التفسير الأوّل، ومثله في الخفيف (2):
جموحا مروحا وإحضارها ... كمعمعة (3) السّعف المحرق
[983]
[الزواج من اثنتين]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق حلاوة العيش، فتزوّج امرأتين ثم ندم فأنشأ يقول:
[الوافر]
تزوّجت اثنتين لفرط جهلي ... بما يشقى به زوج اثنتين
فقلت أصير بينهما خروفا ... أنعّم بين أكرم نعجتين
فصرت كنعجة تضحي وتمسي ... تداول بين أخبث ذئبتين
__________
(1) الرحضاء: عرق يغسل الجلد كثرة أو هو العرق أثر الحمى. ط
(2) انظر: «التنبيه» [84].
(3) المعمعة: صوت الحريق. ط(1/301)
رضا هذي يهيّج سخط هذي ... فما أعرى من إحدى السّخطتين
وألقى في المعيشة كلّ ضرّ ... كذاك الضّرّ بين الضّرّتين
لهذى ليلة ولتلك أخرى ... عتاب دائم في اللّيلتين
فإن أحببت أن تبقى كريما ... من الخيرات مملوء اليدين
وتدرك ملك ذي يزن وعمرو ... وذي جدن وملك الحارثين
وملك المنذرين وذي نواس ... وتبّع القديم وذي رعين
فعش عزبا فإن لم تستطعه ... فضربا في عراض الجحفلين
* * * [984]
[خبر الأصمعي مع بعض أهل حمى ضريّة، وشعر في الندم، وعاقبة الفمّ]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله! قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال:
كنت مؤاخيا لرجل من أهل حمى ضريّة، وكان جوادا رثّ الحال، فمررت به يوما في بعض تردّدي على الأحياء فإذا هو كثيب، فسألته عن شأنه فقال: [الطويل]
ثمانين حولا لا أرى منك راحة ... لهنّك في الدنيا لباقية العمر
فإن أنقلب من عمر صعبة سالما ... تكن من نساء الناس لي بيضة (1) العقر
والبيتان لعروة (2) الرّحّال فأقبلت عليه أعظه وأصبّره، فأنشأ يقول: [الطويل]
فلو أنّ نفسي في يديّ مطيعتي ... لأرسلتها ممّا ألاقي من الهمّ
ولو كان قتليها حلالا قتلتها ... وكان ورود الموت خيرا من الغمّ
تعرّضت للأفعى أحاول وطأها ... لعلّي أنجو من صعيبة بالسّمّ
فياربّ إكفنها وإلّا فنجّني ... وإن كان يومي قبلها فاقضين حتمي
[985]
[شعر في الندم]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله أن أبا عثمان أنشدهم عن التّوّزيّ، عن أبي عبيدة لأعرابيّ طلق امرأته ثم ندم فقال: [الطويل]
ندمت وما تغني النّدامة بعد ما ... خرجن ثلاث ما لهنّ رجوع
ثلاث يحرّمن الحلال على الفتى ... ويصدعن شعب الدّار وهو جميع
[986]
[من أخبار عمر بن عبد العزيز، وعدله]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: بلغني أن وافدا وفد على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال له: كيف تركت الناس؟
__________
(1) مثل يضرب للمرة الأخيرة يقال: «كانت بيضة العقر» أي: لا أعود إليها. ط
(2) هو عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب. والرحال: لقبه كما في «شرح القاموس». ط(1/302)
قال: تركت غنيهم موفورا، وفقيرهم محبورا، وظالمهم مقهورا، ومظلومهم منصورا، فقال:
الحمد لله، لو لم تتم واحدة من هذه الخصال إلا بعضو من أعضائي لكان يسيرا.
[987]
[الجود، والوفاء، والصدق، والشكر، ورعاية الحقوق، والإنصاف، والتواضع]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال بعض الحكماء: من كانت فيه سبع خصال لم يعدم سبعا: من كان جوادا لم يعدم الشرف، ومن كان ذا وفاء لم يعدم المقة (1)، ومن كان صدوقا لم يعدم القبول، ومن كان شكورا لم يعدم الزيادة، ومن كان ذا رعاية للحقوق لم يعدم السّؤدد، ومن كان منصفا لم يعدم العافية، ومن كان متواضعا لم يعدم الكرامة.
[988]
[أفضل العقل والعلم والمروءة والمال]:
وحدثنا أبو بقكر قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن العباس بن هشام، عن أبيه قال:
كان قسّ بن ساعدة يفد على قيصر ويزوره فقال له قيصر يوما: ما أفضل العقل؟ قال: معرفة المرء بنفسه، قال: فما أفضل العلم؟ قال: وقوف المرء عند علمه، قال: فما أفضل المروءة؟
قال: استبقاء الرجل ماء وجهه، قال: فما أفضل المال؟ قال: ما قضي به الحقوق.
[989]
[ملاحاة الوليد بن عقبة وعمرو بن سعيد بن العاص في مجلس معاوية]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم رحمه الله، عن العتبي، قال: حدثني أبي قال:
حدّثني رجل من أهل الشام، عن الأبرش الكلبي أنه سمع الوليد بن عقبة وعمرو بن سعيد بن العاص يتلاحيان في مجلس معاوية رحمه الله فتكلم الوليد، فقال له عمرو: كذبت أو كذبت، فقال له الوليد: اسكت يا طليق اللسان منزوع الحياء، ويا ألأم أهل بيته، فلعمري لقد بلغ بك البخل الغاية الشائنة المذلّة لأهلها، فساءت خلائقك لبخلك، فمنعت الحقوق، ولزمت العقوق، فأنت غير مشيد البنيان، ولا رفيع المكان، فقال له عمرو: والله إنّ قريشا لتعلم أني غير حلو المذاقة، ولا لذيذ الملاكة، وإنّي لكالشّجا في الحلق ولقد علمت أني ساكن الليل داهية النهار، لا أتبع الأفياء، ولا أنتمي إلى غير أبى، ولا يجهل حسبى، حام لحقائق الذّمار غير هيوب عند الوعيد، ولا خائف رعديد، فلم تعيّر بالبخل وقد جبلت عليه، فلعمري لقد أورثتك الضرورة لؤما، والبخل فحشا فقطعت رحمك، وجرت في قضيّتك، وأضعت حقّ من وليت أمره فلست ترجى للعظائم، ولا تعرف بالمكارم، ولا تستعفّ عن المحارم، لم تقدر على التوقير، ولم يحكم منك التدبير، فأفحم الوليد. فقال معاوية وساءه ذلك: كفّا لا أبا لكما، لا يرتفع بكما القول إلى ما لا نريد، ثم أنشأ عمرو يقول: [الطويل]
[شعر في أدب المجالس]:
وليد إذا ما كنت في القوم جالسا ... فكن ساكنا منك الوقار على بال
__________
(1) المقة: الحب. ط(1/303)
ولا يبدرنّ الدهر من فيك منطق ... بلا نظر قد كان منك وإغفال
[990]
[شعر لطفيل الغنوي في وصف حال بعض الظعائن]:
وقرأت على أبي بكر لطفيل الغنوي: [الطويل]
ظعائن أبرقن الخريف وشمنه ... وخفن الهمام أن تقاد قنابله
على إثر حيّ لا يرى النّجم طالعا ... من الليل إلا وهو قفر منازله
أبرقن الخريف: رأين برق الخريف، وقال بعضهم: دخلن في برق الخريف. وشمنه:
أبصرنه. والشّيم: النظر إلى البرق خاصة. وقوله: وخفن الهمام يعني: دخلت شهور الحلّ فخفن أن يغير عليهنّ فتنكّبن ناحيته وتباعدن عنه. والقنابل: جمع قنبلة، وهي الجماعة من الخيل. وقوله: لا يرى النجم طالعا من الليل يقول: هذا الحي لا يرى النجم طالعا بسدفة إلّا رحل إلى مكان آخر يبتغي النّجعة، وذلك في وقت من الأوقات فكأنه أبدا قفر.
[991]
[حقّ على العاقل أن يزهد في الدنيا، ولا يتبعها نفسه]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه: سمعت أعرابيّا يقول: العاقل حقيق أن يسخّي بنفسه عن الدنيا لعلمه ألّا ينال أحد فيها شيئا إلا قلّ إمتاعه به أو كثر عناؤه فيه، واشتدت مرزئته عليه عند فراقه، وعظمت التّبعة فيه بعده.
[992]
[خير الإخوان، وإخوان الصّدق]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه، وأبو حاتم عن العتبي قالا:
قال أعرابي: خير الإخوان من ينيل عرفا أو يدفع ضرّا.
[993] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال شبيب بن شبّة: إخوان الصّدق خير مكاسب الدنيا هم زينة في الرخاء، وعدّة في البلاء، ومعونة على حسن المعاش والمعاد.
[994]
[شعر في الأخوة]:
وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة من خط ابن سعدان: [الطويل]
أعبدة ما ينسى مودّتك القلب ... ولا هو يسليه رخاه ولا كرب
ولا قول واش كاشح ذي عداوة ... ولا بعد دار إن نأيت ولا قرب
وما ذاك من نعمى لديك أصابها ... ولكنّ حبّا ما يقاربه حبّ
فإن تقبلي يا عبد توبة تائب ... يتب ثمّ لا يوجد له أبدا ذنب
أذلّ لكم يا عبد فيما هويتم ... وإني إذا ما رامني غيركم صعب
وأعذل نفسي في الهوى فتعوقني ... ويأصرني قلب بكم كلف صبّ
وفي الصبر عمن لا يؤاتيك راحة ... ولكنّه لا صبر عندي ولا لبّ
وعبدة بيضاء المحاجر طفلة ... منعّمة تصبي الحليم وما تصبو
قطوف من الحور الأوانس بالضحى ... متى تمش قيس الباع من بهرها تربو
فلست بناس يوم قالت لأربع ... نواعم غرّ كلّهن لها ترب
ألا ليت شعري فيم كان صدوده ... أعلّق أخرى أم عليّ به عتب
[995](1/304)
أعبدة ما ينسى مودّتك القلب ... ولا هو يسليه رخاه ولا كرب
ولا قول واش كاشح ذي عداوة ... ولا بعد دار إن نأيت ولا قرب
وما ذاك من نعمى لديك أصابها ... ولكنّ حبّا ما يقاربه حبّ
فإن تقبلي يا عبد توبة تائب ... يتب ثمّ لا يوجد له أبدا ذنب
أذلّ لكم يا عبد فيما هويتم ... وإني إذا ما رامني غيركم صعب
وأعذل نفسي في الهوى فتعوقني ... ويأصرني قلب بكم كلف صبّ
وفي الصبر عمن لا يؤاتيك راحة ... ولكنّه لا صبر عندي ولا لبّ
وعبدة بيضاء المحاجر طفلة ... منعّمة تصبي الحليم وما تصبو
قطوف من الحور الأوانس بالضحى ... متى تمش قيس الباع من بهرها تربو
فلست بناس يوم قالت لأربع ... نواعم غرّ كلّهن لها ترب
ألا ليت شعري فيم كان صدوده ... أعلّق أخرى أم عليّ به عتب
[995]
[شعر في تفضيل المحبوب على النفس، والعفو عن ظلمه]:
وقرأت عليه له أيضا: [الوافر]
ألا يا من أحبّ بكل نفسي ... ومن هو من جميع الناس حسبي
ومن يظلم فأغفره جميعا ... ومن هو لا يهمّ بغفر ذنبي
[996] وقرأت عليه أيضا: [المتقارب]
بنفسي من أشتكى حبّه ... ومن إن شكا الحبّ لم يكذب
ومن إن تسخّط أعتبته ... وإن يرني ساخطا يعتب
ومن لا أبالي رضا غيره ... إذا هو سرّ ولم يغضب
ومن لا يطيع بنا أهله ... ومن قد عصيت له أقربي
ومن لو نهاني من حبّه ... عن الماء عطشان لم أشرب
ومن لا سلاح له يتّقى ... وإن هو نوزل لم يغلب
[997] قال أبو علي: وقرئ على أبي عمر المطرز وأنا أسمع قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: [الطويل]
هل الريح أو برق الغمامة مخبر ... ضمائر حاج لا أطيق لها ذكرا
سليمى سقاها الله حيث تصرّفت ... بها غربات الدار عن دارنا القطرا
إذا درجت ريح الصّبا وتنسّمت ... تعرّفت من نجد وساكنه نشرا
فقرّف (1) قرح القلب بعد أندماله ... وهيّج دمعا لا جمودا ولا نزرا
[998]
[الطرب لسماع أخبار المحبوب]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله أن أبا عثمان أنشدهم، عن التوّزي، عن أبي عبيدة لرجل من بني عبس: [الطويل]
إذا راح ركب مصعدين فقلبه ... مع الرائحين المصعدين جنيب
وإن هبّ علويّ الرياح رأيتني ... كأني لعلويّاتهنّ نسيب
وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيب
فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيبا ولم يطرب إليك حبيب
__________
(1) قرف القرح: قشره. ط(1/305)
وأنشدنا قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه للأقرع بن معاذ القشيري: [الطويل]
يقرّ بعيني أن أرى ضوء مزنة ... يمانية أو أن تهبّ جنوب
لقد شغفتني أمّ بكر وبغّضت ... إليّ نساء ما لهنّ ذنوب
أراك من الضّرب الذي يجمع الهوى ... ودونك نسوان لهن ضروب
وقد كنت قبل اليوم أحسب أنني ... ذلول بأيام الفراق أديب
ويروى: أريب.
[999] وأنشدنا قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لمرّار بن هبّاش الطائي:
[الطويل]
سقى الله أطلالا بأحبلة (1) الحمى ... وإن كنّ قد أبدين للناس مابيا
منازل لو مرّت بهن جنازتي ... لقال صداي: حامليّ انزلانيا
[1000]
[غلبة الحب، وتمرّده على الكتمان]:
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
من كان يزعم أن سيكتم حبّه ... حتّى يشكّك فيه فهو كذوب
الحبّ أغلب للفؤاد بقهره ... من أن يرى للسّتر فيه نصيب
وإذا بدا سرّ اللبيب فإنه ... لم يبد إلا والفتى مغلوب
إني لأبغض عاشقا متستّرا ... لم تتّهمه أعين وقلوب
[1001]
[خبر الأحنف مع معاوية في مدح الولد]:
وحدثنا أبو يعقوب ورّاق أبي بكر بن دريد قال: أخبرنا أحمد بن عمرو، قال:
حدثني أبي عمرو بن محمد، عن أبي عبيدة قال: دخل الأحنف بن قيس على معاوية ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجابا به، فقال: يا أبا بحر، ما تقول وفي الولد؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين! هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرّة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منّا لمن بعدنا، فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك. فقال: لله درك يا أبا بحر! هم كما وصفت.
[1002]
[شعر في الشجاعة وقوة النّفس وأثره]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لطفيل الغنوي: [الطويل]
فلو كنت سيفا كان أقرك جعرة ... وكنت ددانا لا يغيّرك الصّقل
الجعرة: أثر الجعار، والجعار: حبل يوثق به في حقو الساقي إلى عمود القامة، فإن
__________
(1) الأحبلة: جمع حبل وهو الرمل المستطيل. ط(1/306)
انقطع الرّشاء لم يهو الماتح في البئر، فيقول: كنت سيفا كليلا لا يؤثّر إلا كأثر الجعار.
والدّدان والكهام والكهيم: الكليل.
* * * [1003]
[ما تتعاقب فيه اللام والنون]:
قال أبو علي: قال الأصمعي: يقال رأيت في أرض بني فلان نعاعة حسنة. ويقال:
لعاعة. وهو نبت ناعم في أوّل ما يبدو، رقيق لم يغلظ، ويقال: إنما الدنيا لعاعة، قال ابن مقبل: [البسيط]
كاد اللّعاع من الحوذان (1) يسحطها ... ورجرج بين لحييها خناطيل
يسحطها: يذبحها. والرّجرج: اللّعاب يترجرج. وخناطيل: قطع متفرّقة. ويقال: بعير رفلّ ورفنّ: إذا كان سابع الذّنب، قال ابن ميّادة يصف فحلا: [الرجز]
يتبعن سدو (2) سبط جعد رفلّ ... كأنّ حيث تلتقي منه المحل (3)
من قطريه (4) وعلان ووعل
[1004] وقال النابغة: [الوافر]
بكلّ مجرّب كالّليث يسمو ... إلى أوصال ذيّال (5) رفنّ
ويقال: هتنت السماء وهتلت تهتن تهتانا وتهتل تهتالا، وهي سحائب هتن وهتل، وهو فوق الهطل قال:
فسحّت (6) دموعي في الرّداء كأنها ... كلا (7) من شعيب ذات سحّ وتهتان
[1005] وقال العجاج: [الرجز]
عزّز منه وهو معطي الإسهال ... ضرب السّواري متنه بالتّهتال
قال أبو علي: هكذا يرويه البصريون عزز، يريدون: صلّب. والسّدول والسّدون: ما جلّل به الهودج، قال الزّفيان: [الرجز]
__________
(1) الحوذان بالفتح: نبات سهلي حلو طيب الطعم يرتفع قدر الذراع له زهرة حمراء في أصلها صفرة وورقته مدورة، الواحدة حوذانة. ط
(2) السدو: أن يمد البعير بيديه في السير. ط
(3) المحل بضمتين: جمع محال وهو جمع محالة بفتح الميم وهي الفقارة من فقار الظهر كما في «اللسان». ط
(4) القطران: الجانبان وفي «اللسان» مادة «رفل»: من جانبيه. والوعل: تيس الجبل. ط
(5) الذيال: الطويل الذيل أو القد. ط
(6) البيت لامرئ القيس كما في ديوانه المسمى نزهة ذوي الكيس و «تحفة الأدباء» في قصائد امرئ القيس طبع أوربا (ص 31). ط
(7) الكلى جمع كلية وهو من المزادة: رقعة مستديرة تخرز تحت العروة: والشعيب: لمزادة أو السقاء البالي. ط(1/307)
كأنّما علّقن بالأسدان ... يانع حمّاض (1) وأقحوان
[1006] وقال حميد بن ثور: [الطويل]
فرحن وقد زايلن كلّ ظعينة (2) ... لهنّ وباشرن السّديل المرقّما
يصف نساء. والكتن والكتل: التلزّج ولزوق الوسخ بالشيء، وأنشد لابن ميادة: [الرجز]
تشرب منه نهلات وتعل ... وفي مراغ (3) جلدها منه كتل
وقال ابن مقبل: [المتقارب]
ذعرت به العير مستوزيا ... شكير جحافله (4) قد كتن
مستوزيا: منتصبا مرتفعا. والشّكير: الشعر الضعيف هاهنا. وكتن أي: لزق به أثر خضرة العشب. ويقال: طبرزن وطبرزل للسّكّر. والرّهدنة والرّهدلة وهي الرّهادن والرهادل وهو طوير يشبه القبّرة إلا أنه ليست له قنزعة، وقال الطوسي: الرّهدن والرّهدل: الضعيف، والرهدن والرهدل: طوير أيضا. ويقال: لقيته أصيلانا وأصيلالا أي: عشيّا. قال الفراء:
جمعوا أصيلا أصلانا كما يقال: بعير وبعران ثم صغّروا الجمع وأبدلوا النون لامّا. وقال أبو عمرو الشيباني: الغرين والغريل ما يبقى من الماء في الحوض والغدير الذي تبقى فيه الدّعاميص لا يقدر على شربه. وقال الأصمعي الغرين إذا جاء السّيل فثبت في الأرض فجفّ فترى الطين قد جفّ ورقّ، فهو الغرين. وقال أبو عمرو: الدّمال: السّرجين، ويقال: الدّمان بالنون. وقال الفراء: يقال: هو شئن الأصابع وشثلها. وهو كبن الدّلو وكبل الدّلو.
[1007] وقال الأصمعي: الكبن ماثني من الجلد عند شفة الدلو.
قال: وكلّ كفّ كبن، يقال: قد كبنت عنك بعض لساني أي: كففت وقد كبنت ثوبي في معنى غبنته ولم يعرفها باللام.
[1008] قال أبو علي: غبنت ثوبي وكففته واحد. قال ويقال: رجل كبنّة: إذا كان منقبضا عن الناس. وقال الفراء: يقال: أتن يأتن وأتل يأتل وهو الأتلان والأتلال، وهو أن يقارب خطوه في غضب، قال: وأنشدني أبو ثروان: [الطويل]
أأن (5) حنّ أجمال وفارق جيرة ... عنيت بنا ما كان نولك (6) تفعل
__________
(1) الحماض كرمان: عشبة لها ورق يشبه الهندباء منه حامض طيب ومنه مر. ط
(2) كذا في «اللسان» مادة «سدل»: وقد ذكره صاحب «اللسان» و «باشرن السدول» وقال لما كان السدول على لفظ الواحد كالسدوس لضرب من الثياب وصفه بالواحد ثم قال: ورواه غيره: السديل المرقما، وذكر أنه الصحيح: وفي الأصل و «اللسان» مادة «رقم»: «كل صنيعة» والمرقم: المخطط. ط
(3) المراغ: متمرغ الداية. ط
(4) الجحافل واحده جحفلة وهي من الخيل والحمير والبغال بمنزلة الشفة من الإنسان. ط
(5) قائل هذه الأبيات ثروان العكلي كما في «اللسان» مادة «أتل». ط
(6) يقال: ما كان نولك تفعل كذا، أي: ما كان ينبغي لك فعله. ط(1/308)
ومن يسأل الأيّام نأي صديقه ... وصرف الليالي يعط ما كان يسأل
أراني لا أتيك إلا كأنما ... أسأت وإلا أنت غضبان تأتل
أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل
وقال الفراء: العرب تجمع ذألان الذئب ذآليل.
[1009] قال أبو علي: الذّألان من المشي: الخفيف، ومنه سمى الذئب ذؤالة.
والدّألان بالدال: مشي الذي كأنه يبغي في مشيته. وقال اللحياني عن الكسائي: يقال: أتاني هذا الأمر وما مأنت مأنه، وما مألت مأله أي: ما تهيّأت له. وهو حنك الغراب وحلكه لسواده. قال: وقلت لأعرابي أتقول: مثل حنك الغراب أو حلكه؟ فقال: لا أقول مثل حلكه. قال أبو زيد: الحلك: اللون والحنك: المنسر.
[1010] قال أبو علي: المنسر: المنقار وإنما سمّي منسرا لأنه ينسر به أي: ينتف به. وقال الكسائي: هو العبد زلمة وزلمة وزلمة، وزنمة وزنمة أي: قدّه قدّ العبد.
وقال الفراء: عنوان الكتاب وعلوانه وعنيانه وقد عنونته عنونة وعنوانا وعلونته علونة وعلوانا.
وقال اللحياني: أبّنته وأبّلته: إذا أثنيت عليه بعد موته. ويقال: هو على آسان من أبيه وعلى آسال من أبيه، وقد تأسّن أباه وتأسّله إذا نزع إليه في الشّبه. وعتلته إلى السّجن وعتنته أعتله وأعتله وأعتنه وأعتنه. ويقال: ارمعلّ الدمع وارمعنّ، إذا تتابع.
[1011] ويقال: لابل ولابن، وإسماعيل وإسماعين، وميكائيل وميكائين، وإسرافيل وإسرافين، وإسرائين وإسرائيل، وأنشد: [الرجز]
قد جرت الطّير أيامنينا ... قالت وكنت رجلا فطينا
هذا وربّ البيت إسرائينا
قال أبو بكر في كتاب المتناهي في اللغة: هذا أعرابي أدخل قردا إلى سوق الحيرة ليبيعه، فنظرت إليه امرأة فقالت: مسخ، فقال هذه الأبيات. وشراحيل وشراحين، وجبرائيل وجبرئين. ويقال: ألصت الشيء أليصه إلاصة وأنصته أنيصه إناصة: إذا أدرته. قال أبو علي:
يعني مثل إدارتك الوتد لتخرجه. والدّحل والدّحن: الخبّ الخبيث، والدّحن أيضا: الكثير اللحم، وبعير دحنّة، إذا كان عريضا كثير اللحم، وأنشد: [الرجز]
ألا ارحلو دعكنة (1) دحنّه ... بما ارتعى مزهية مغنّه
وقنّة الجبل وقلّته. وشلّت العين الدّمع وشنّت، وذلاذل القميص وذناذنه لأسافله، واحدها ذلذل وذنذن.
قال أبو علي: وأبو زيد يقول: واحدها ذلذل. وقال اللحياني يقال: هو خامل الذّكر وخامن الذكر.
__________
(1) الدعكنة: السمينة الصلبة من النوق. ط(1/309)
[1012]
[نصيحة الحسن لعمر بن عبد العزيز في الصبر على التداوي والطاعة]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، عن المدائني قال: كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليهما: كن كالمداوي جرحه، صبر على شدّة الدواء مخافة طول البلاء.
[1013]
[موعظة عمر بن عبد العزيز في ذم الدنيا]:
وحدثنا قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، عن المدائني، عن علي بن حماد قال: كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى رجل: اتّق الدنيا فإن مسّها ليّن، وارفض نعيمها لقلّة ما يتبعك منه، واترك ما يعجبك منها لسرعة مفارقتها.
[1014]
[شعر لعمر بن عبد العزيز في موعظة من تقدّم به العمر]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثني أبي قال: حدثني أحمد بن عبيد قال: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله قبل خلافته: [الكامل]
إنه الفؤاد عن الصبا ... وعن انقياد للهوى
فلعمر ربّك إنّ في ... شيب المفارق والجلى
لك واعظا لو كنت تتّ ... عظ اتّعاظ ذوي النّهى
حتّى متى لا ترعوي ... وإلى متى وإلى متى
ما بعد أن سمّيت كه ... لا واستلبت اسم الفتى
بلي الشّباب وأنت إن ... عمّرت رهن للبلى
وكفى بذلك زاجرا ... للمرء عن غيّ كفى
[1015] قال أبو علي: الأنزع الذي قد انحسر الشعر عن جانبي جبهته، فإذا زاد قليلا فهو أجلح، فإذا بلغ النّصف فهو أجلى، ثم هو أجله، قال رؤبة:
لمّا رأتني خلق المموّه ... برّاق أصلاد الجبين الأجله
بعد غدانيّ (1) الشباب الأبله
[1016]
[ما جرى بين إسحاق العدوي وذي الرّمة في ذم النبيذ]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني صالح بن صالح، قال: حدثنا محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال بن وكيع بن بشر بن عمرو، قال: حدثنا زيد بن أسلم مولى بني عديّ وكان إمامهم قال:
اجتمع إسحاق بن سويد العدوي وذو الرمة في مجلس فأتوا بالطعام فطعموا، وأتوا بالنبيذ فشرب ذو الرمة وأبى إسحاق بن سويد العدوي، فقال ذو الرّمة: [البسيط]
أمّا النّبيذ فلا يذعرك شاربه ... واحفظ ثيابك ممّن يشرب الماءا
__________
(1) الغداني: الغض الناعم. ط(1/310)
قوم يوارون عمّا في صدورهم ... حتّى إذا استمكنوا كانوا هم الداءا
مشمّرين إلى أنصاف سوقهم ... هم اللّصوص وهم يدعون قرّاءا
فقال إسحاق بن سويد: [البسيط]
أما النبيذ فقد يزري بشاربه ... ولن ترى شاربا أزرى به الماء
الماء فيه حياة الناس كلّهم ... وفي النّبيذ إذا عاقرته الداء
يقال هذا نبيذيّ يعاقره ... فيه عن البرّ والخيرات إبطاء
وفيه إن قيل مهلا عن مصمّمه ... وفيه عند ركوب الإثم إغضاء
[1017]
[خبر في الوشاة، وحفظ السرّ]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: وشى واش بعبد الله بن همّام السّلولي إلى زياد، فقال له: إنه هجاك، فقال: أأجمع بينك وبينه؟ قال: نعم، فبعث زياد إلى ابن همام فأتي به، وأدخل الرجل بيتا، فقال زياد: يابن همام، بلغني أنك هجوتني، فقال: كلّا، أصلحك الله! ما فعلت ولا أنت لذلك بأهل، فقال: إن هذا الرجل أخبرني وأخرج الرجل، فأطرق ابن همام هنيهة ثم أقبل على الرجل فقال: [الطويل]
أنت امرؤ إمّا ائتمنتك خاليا ... فخنت وإمّا قلت قولا بلا علم
فأبت (1) من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
فأعجب زياد بجوابه، وأقصى الواشي ولم يقبل منه.
[1018]
[خبر الأعرابي الذي سأل خالد بن عبد الله القسري]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: دخل أعرابي على خالد بن عبد الله القسري فقال: أصلح الله الأمير، شيخ كبير حدته إليك بارية العظام، ومؤرّثة الأسقام، ومطوّلة الأعوام، فذهبت أمواله، وذعذعت آباله، وتغيرت أحواله، فإن رأى الأمير أن يجبره بفضله، وينعشه بسجله، ويردّه إلى أهله! فقال: كلّ ذلك، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
قال أبو علي: بارية العظام: التي تبري العظام. وذعذعت: فرّقت. والسّجل: الدلو الذي فيه ماء، وهو هاهنا مثل.
[1019]
[خبر العجاج مع عبد الملك بن مروان، وترك العجاج للهجاء]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي زيد، عن المفضل قال: دخل العجاج على عبد الملك بن مروان، فقال: يا عجاج، بلغني أنك لا تقدر على الهجاء، فقال: يا أمير المؤمنين، من قدر على تشييد الأبنية أمكنه إخراب الأخبية، قال: فما يمنعك من ذلك؟ قال:
إنّ لنا عزّا يمنعنا من أن نظلم، وإن لنا حلما يمنعنا من أن نظلم، فعلام الهجاء؟ فقال:
__________
(1) كذا في نسخة بالباء الموحدة من الأوب وهو الرجوع وفي نسخة فأنت بالنون، والمعنى على كل صحيح. ط(1/311)
لكلماتك أشعر من شعرك فأنّى لك عزّ يمنعك من أن تظلم؟ قال: الأب البارع، والفهم الناصع، قال: فما الحلم الذي يمنعك من أن تظلم؟ قال: الأدب المستطرف والطّبع التالد.
قال: يا عجاج، لقد أصبحت حكيما، قال: وما يمنعني وأنا نجيّ أمير المؤمنين.
[1020]
[شعر في اللئام]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس: [الطويل]
إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألأثم
تحدّث ركبان الحجيج بلؤمكم ... وتقري به الضيف اللّقاح العواتم
أسود العين: جبل، يقول: لا تكونون كراما حتى يغيب هذا الجبل، وهو لا يغيب أبدا. وقوله: وتقري به الضيف اللقاح العواتم، يعني: أن أهل الأندية يتشاغلون بذكر لؤمكم عن حلب لقاحهم حتى يمسوا، فإذا طرقهم الضيف صادف الألبان بحالها لم تحلب فنال حاجته، فكأن لؤمكم قرى الأضياف والاشتغال بوصفه.
[1021]
[قضاء الحوائج، وقول الناس عند ذلك]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: أعطى رجل أعرابيّا فأكثر له، فقال له الأعرابي: إن كنت جاوزت قدري عند نفسي فقد بلغت أملي فيك.
[1022] وحدثنا قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سأل رجل رجلا حاجة فقضاها، فقال: وضعتني من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك.
[1023] وحدثنا أبو بكر قال: حدثني الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: سمعت أعرابيّا يمدح رجلا فقال: كان والله ساعيا في طلب المكارم، غير ضالّ في معارج طرقها، ولا متشاغل بغيرها عنها.
[1024] وحدثنا أبو بكر قال: حدثني الرياشي، عن الأصمعي قال: سمعت أعرابيّا يقول: شيّعنا الحيّ وفيهم أدوية السّقام فقرأن بالحدق السلام، وخرست الألسن عن الكلام.
[1025]
[خبر عثمان بن إبراهيم الخاطبي مع عمر بن أبي ربيعة]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي عبد الله نفطويه، قال عثمان بن إبراهيم الخاطبي: فقال لي بعد أن قرأت قطعة من الخبر فتبينه: حدثنا بهذا الخبر أحمد بن يحيى، عن الزبير بن بكار، قال: حدثني مصعب بن عبد الله، عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي، قال: أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنتين، فانتظرته فإذا هو في مجلس قومه بني مخزوم حتى إذا تفرق الناس عنه دنوت منه ومعي صاحب لي، فقال لي: هل لك أن تنظر هل بقي من الغزل شيء في نفسه؟ فقلت: دونك، فقال: يا أبا الخطاب أحسن والله رسيان العذري، قال:
وفيما ذا؟ قال حين يقول: [البسيط]
لو جذّ بالسيف رأسي في مودّتها ... لمال لا شكّ يهوي نحوها راسي
فقال عمر: أحسن والله! فقال: يا أبا الخطاب، وأحسن والله نجبة بن جنادة العذري، قال: فيما ذا؟ قال حين يقول: [البسيط](1/312)
لو جذّ بالسيف رأسي في مودّتها ... لمال لا شكّ يهوي نحوها راسي
فقال عمر: أحسن والله! فقال: يا أبا الخطاب، وأحسن والله نجبة بن جنادة العذري، قال: فيما ذا؟ قال حين يقول: [البسيط]
سرت لعينك سلمى عند مغناها ... فبتّ مستلهيا من بعد مسراها
فقلت أهلا وسهلا من هداك لنا ... إن كنت تمثالها أو كنت إيّاها
تأتي الرياح التي من نحو بلدتكم ... حتى أقول دنت منّا بريّاها
وقد تراخت بنا عنها نوى قذف ... هيهات مصبحها من بعد ممساها
من حبّها أتمنّى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناع فينعاها
كيما أقول فراق لا لقاء له ... وتضمر النفس يأسا ثم تسلاها
ولو تموت لراعتني وقلت لها ... يا بؤس للموت ليت الدّهر أبقاها
فضحك عمر وقال: أحسن ويحه والله! لقد هيّجتم عليّ ما كان مني ساكنا، لأحدثنكم حديثا حلوا: بينا أنا منذ أعوام جالس إذ أتاني خالد الخرّيت، فقال: يا أبا الخطاب، مرّ قبيلا أربع يردن كذا وكذا من مكة ولم أر مثلهنّ قط، فهل لك أن تأتي متنكّرا فتسمع من حديثهن ولا يعلمن؟ قلت: ويحك! وكيف لي بأن يخفى ذلك؟ قال: تلبس لبسة أعرابي ثم تجلس على قعود حتى تهجم عليهنّ قال: فجلست على قعود ثم أتيتهن وسلّمت عليهنّ، فسألنني أن أحدّثن وأنشدهنّ فأنشدتهنّ لكثيّر وجميل وغيرهما، فقلن: يا أعرابي ما أملحك! لو نزلت فتحدّثت معنا يومنا هذا! فإذا أمسيت انصرفت. قال: فأنخت قعودي فجلست معهن فتحدثت وأنشدتهن، فدنت هند وهي التي كنت أشبّب بها، فمدّت يدها فألقت عمامتي عن رأسي، ثم قالت: بالله أتراك خدعتنا منذ اليوم، نحن والله خدعناك، ثم أرسلنا إليك خالدا ليأتينا بك على أقبح هيئاتك، ونحن على ما ترى. ثم أخذنا في الحديث فقالت: يا سيدي لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي في جيبي فلمّا نظرت إلى كعثبي فرأيته ملء العين وأمنيّة المتمنّي ناديت: يا عمراه يا عمراه! فصاح عمر: يا لبّيكاه يا لبّيكاه! ثم أنشأ يقول: [الطويل]
ألم تسأل الأطلال والمتربّعا ... ببطن (1) حليّات دوارس بلقعا
قال أبو علي: وأملى علينا أبو عبد الله:
عرفت مصيف الحيّ والمتربّعا
وهو غلط لأن عرفت مصيف الحي أوّل قصيدة جميل:
فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعد ما ... نكأن فؤادا كان قدما مفجّعا
بهند وأتراب لهند إذ الهوى ... جميع وإذ لم نخش أن يتصدّعا
__________
(1) بطن حليات: موضع ذكره ياقوت ولم يبينه ولعله قريب من مكة بدليل قوله في البيت الثاني من القصيدة:
إلى السرح من وادي المغمس بدلت ... معالمها وبلا ونكباء زعزعا ط(1/313)
وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه ... كما صفّق الساقي الرّحيق المشعشعا (1)
وإذا لا نطيع العاذلين ولا نرى ... لواش لدينا يطلب الصّرم مطمعا
تنوعتن حتى عاود القلب سقمه ... وحتى تذكّرت الحديث المودّعا
فقلت لمطريهنّ بالحسن إنما ... ضررت فهل تسطيع نفعا فتنفعا
وأشريت (2) فاستشرى وقد كان قد صحا ... فؤاد بأمثال المها كان موزعا
وروى أبو عبد الله: بأمثال الدّمى كان مولعا، ومعنى مولع وموزع واحد.
وهيّجت قلبا كان قد ودّع الصّبا ... وأشياعه فاشفع عسى أن تشفّعا
لئن كان ما قد قلت حقّا لما أرى ... كمثل الألى أطريت في الناس أربعا
فقال تعالى انظر فقلت وكيف لي ... أخاف مقاما أن يشيع فيشنعا
قال أبو علي: هذا البيت لم يمله علي أبو عبد الله، وقرأته عليه من خط ابن سعدان:
فقال اكتفل (3) ثم التثم وأت باغيا ... فسلّم ولا تكثر بأن تتورّعا
فإنّي سأخفي العين عنك فلا ترى ... مخافة أن يفشو الحديث فيسمعا
فأقبلت أهوى مثل ما قال صاحبي ... لموعده أزجي قعودا موقّعا (4)
وروى أبو عبد الله: فلما تلاقينا.
تبالهن بالعرفان لما عرفتني ... وقلن امرؤ باغ أكلّ وأوضعا
وروى أبو عبد الله: لما رأينني، وروى أيضا: أضلّ فأوضعا، قال أبو علي: وهو أحب إليّ.
وقرّبن أسباب الهوى لمتيّم ... يقيس ذراعا كلّما قسن إصبعا
فلما تنازعن الأحاديث قلن لي ... أخفت علينا أن نغرّ ونخدعا
وروى أبو عبد الله:
لكنت خليقا أن تغرّ وتخدعا
فبالأمس أرسلنا بذلك خالدا ... إليك وبيّنّا له الشّأن أجمعا
وروى أبو عبد الله: لبالأمس أرسلنا.
فما جئتنا إلا على وفق موعد ... على ملأ منّا خرجنا له معا
رأينا خلاء من عيون ومجلسا ... دميث الرّبى سهل المحلّة ممرعا
__________
(1) المشعشع: الممزوج. ط
(2) أشريت فاستشرى: أغويت فاستغوى ولج في غيه. ط
(3) يقال: اكتفل البعير: جعل عليه الكفل، والكفل: مركب للرجال وهو كساء يؤخذ فيعقد طرفاه ثم يلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره مما يلي العجز أو هو شيء مستدير يتخذ من خرق أو غيرها ويجعل على سنام البعير. ط
(4) الموقع كمعظم: البعير تكثر آثار الدبر عليه لكثرة ما حمل عليه وركب. ط(1/314)
وقلنا كريم نال وصل كرائم ... فحقّ له في اليوم أن يتمتعا
وبخط ابن سعدان:
فحقّ لنا في اليوم أن نتمتعا
[1026] قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لمرّار بن هبّاش الطائي: [الطويل]
فما ماء مزن في ذرى متمنّع ... حمى ورده وعر به ولصوب (1)
بأطيب من فيها وما ذقت طعمه ... سوى أن أرى بيضا لهنّ غروب
أأهجر من قد خالط القلب حبّه ... ومن هو موموق إليّ حبيب
[1027] [من أمثال العرب]: قال الأصمعي: من أمثال العرب: «زاحم بعود (2) أو دع» يقول: لا تستعن على أمرك إلا بأهل السّنّ والمعرفة. قال: ومن أمثالهم: «الفحل يحمي شوله (3) معقولا» يعني: أن الحرّ قد يحتمل الأمر الجليل ويحمي حريمه وإن كانت به علة.
قال: ومن أمثالهم «مخرنبق لينباع» والمخرنبق: المطرق الساكت، وقوله: لينباع أي:
ليثب وروى أبو عبيدة وأبو زيد: لينباق أيضا ولم يفسّراه.
قال أبو علي: وأنا أقول لينباق: ليندفع. وقال الأصمعي: من أمثالهم: «كان حمارا فاستأتن» يضرب مثلا للرجل يهون بعد العز. قال: ومن أمثالهم «الحمّى أضرعتني (4) إليك» أي: ذلّ للحاجة.
قال أبو علي: إنما قيل هذا لأن صاحب الحاجة تأخذه رعشة عند التماس حاجته حرصا عليها، يقول: فهذا الذي بي من القلّ هو الذي أضرعني، والقلّ: الرّعدة. قال: ومن أمثالهم: «عود يقلّح» يعني: أن تحسّن أسنانه وتنقّى. والقلح: صفرة في الأسنان. وقال أبو عبيدة: وفي هذا المعنى من أمثالهم: و «من العناء رياضة الهرم».
[1028] وقرأنا على أبي بكر بن دريد لأفنون التغلبي: [البسيط]
أنّى جزوا عامرا سوءا بحسنهم ... أم كيف يجزونني السّوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رئمان (5) أنف إذا ماضنّ بالّلبن
__________
(1) اللصوب: جمع لصب بالكسر وهو الشعب الصغير في الجبل. ط
(2) العود: المسن من الإبل. ط
(3) الشول: جمع شائلة على غير قياس والشائلة: الناقة التي أتى على حملها أو وضعها سبعة أشهر. ط
(4) كذا بالأصل، وفي «مجمع الأمثال» (ج 1ص 118) طبع بولاق للميداني: أضرعتني لك. ط
(5) يؤخذ من عبارة ابن هشام في المغنى أن في قوله رئمان ثلاثة أوجه: الرفع على أنه بدل من ما، والنصب على أنه مفعول ثان بتعطي والخفض على أنه بدل من الهاء في به. ط(1/315)
العلوق: التي ترأم بأنفها وتمنع درّها، يقول: فأنتم تحسنون القول ولا تعطون شيئا، فكيف ينفعني ذلك
[1029]
[ما تتعاقب فيه الميم والباء]:
وقال أبو عبيدة: السّاسم والسّاسب: شجر.
وقال اللحياني: أتانا وما عليه طحربة ولا طحرمة أي: خرقة. وكذلك يقال: «ما في السماء طحربة ولا طحرمة» أي: لطخ من غيم. ويقال: «ما في نحي بني فلان عمقة ولا عبقة» أي: لطخ ولا وضر.
[1030] وقال أبو عمرو الشيباني: ما زلت راتما على هذا الأمر وراتبا أي مقيما.
وقال الأصمعي: بنات مخر وبنات بخر: سحائب يأتين قبل الصّيف بيض منتصبات، قال طرفة: [الرمل]
كبنات المخر يمأدن (1) كما ... أنبت الصّيف عساليج الخضر
[1031] وقال أبو علي: ويروى الخضر. قال: وكان أبو سرّار الغنويّ يقول:
باسمك، يريد: ما اسمك. وقال: ظليم أربد وأرمد، وهو لون إلى الغبرة. وقال يعقوب ابن السكيت: قال بعضهم: ليس هذا من الإبدال، ومعنى: أرمد يشبه لون الرّماد. وسمعت ظأب تيس بني فلان وظأم تيسهم بالهمز فيهما، وهو صياحه عند هياجه، وأنشد (2): [الوافر]
يصوع (3) عنوقها أحوى زنيم ... له ظأب كما صخب الغريم
[1032] قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ظاب التّيس وظامه لا يهمزان. قال أبو علي: ورويناه في الغريب المصنّف غير مهموز، وظأم الرجل وظأبه بالهمز: سلفه، ويقال:
قد تظاءما وتظاءبا إذا تزوّجا أختين. ويقال للرجل إذا يبس من الهزال: ما هو إلا عشبة وعشمة. قال أبو علي: وكذلك يقال للكبير الذي قد ذهب لحمه. ويقال للعجوز: قحمة وقحبة، وكذلك لكل مسنّة. ويقال: سابّ فلان فلانا فأرمى عليه وأربى أي: زاد. وقال الفراء يقال: رميت وأرميت. قال: وكذلك يقال: أرميت وأربيت على السبعين، ورميت أي: زدت. قال: وأنشدني أعرابي: [الطويل]
وأسمر (4) خطّيّا كأن كعوبه ... نوى القسب (5) قد أرمى ذراعا على العشر
ويروى: قد أربى.
__________
(1) يمأدن: يهترزن وهو من مأد الغصن إذا اهتز وتروى وجرى فيه الماء. والعساليج جمع عسلوج وهو الغصن الناعم أو الغصن لسنته. ط
(2) انظر: «التنبيه» [85].
(3) البيت لأوس بن حجر، ويصوع: يفرق. ط
(4) البيت لحاتم طيئ كما في «اللسان» مادة «رمى». ط
(5) القسب: التمر اليابس. ط(1/316)
[1033] وقال أبو عبيدة: الرّجمة والرّجبة: إذا طالت النخلة فخافوا أن تقع أو أن تميل رجّبوها، وهو أن يبنى لها بناء من حجارة يرفدها، ويكونا أيضا أن يجعل حول النخلة شوك، وذلك إذا كانت غريبة طريفة لئلا يصعده أحد. قال الأصمعي: ومنه قول الأنصاري (1): «أنا عذيقها المرجّب وجذيلها المحكّك». والعذيق تصغير عذق وهي النخلة نفسها بلغة أهل الحجاز، والعذق: الكباسة، والكباسة تسمّى القنو وجمعه قنوان. والترجيب: أن يبنى للنخلة دكّان يرفدها من شقّ الميل. وذلك إذا كرمت على أهلها وخافوا أن تقع، فيقول: إن لي عشيرة ترفدني وتمنعني وتعضّدني.
[1034] وقال أبو عبيدة: يقال: سمّد رأسه وسبّد رأسه، والتسبيد: أن يحلق رأسه حتى يلصقه بالجلد، ويكون التسبيد أيضا: أن يحلق الرأس ثم ينبت الشيء اليسير من الشعر.
وقال الأصمعي: ويقال للرجل إذا نبت شعره واسودّ واستوى: قد سبّد رأسه، وفي الحديث (2): «إن التّسبيد في الحروريّة فاش».
ويقال للفرخ إذا نبت ريشه فغطّى جلده ولم يطل: قد سبّد وسمّد، قال الراعي:
[الطويل]
لظلّ قطاميّ وتحت لبانه (3) ... نواهض ربد ذات ريش مسبّد
[1035] وقال اللحياني: هو يرمي من كثب ومن كثم أي: من قرب وتمكّن.
وضربة لازم ولازب. وثوب شمارق وشبارق ومشمرق ومشبرق: إذا كان ممزّقا. ويقال:
وقع في بنات طمار وطبار أي: داهية. والعبريّ والعمريّ: السّدر الذي ينبت على الأنهار والمياه وما ينبت منه في الفلاة والبرّ فهو الضّال. والعجم والعجب: أصل الذّنب. ويقال:
أدهقت الكأس إلى أصبارها وأصمارها: إذا ملأتها إلى رأسها والواحد صمر وصبر. ويقال:
رجل دنّبة ودنّمة للقصير. وقال الأصمعي: أخذت الأمر بأصباره أي بكلّه، ويقال: أخذتها بأصبارها أي: تامّة بجميعها، وأنشد: [الرجز]
تربي على ما قدّ يفريه الفار ... مسك شبوبين لها بأصبار (4)
__________
(1) ورد ذلك في حديث بيعة السقيفة الشهير في بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو عند البخاري ومسلم. وانظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (4/ 411ط: مكتبة المنار بالأردن). وهو في مادة:
«رجب» من «اللسان».
(2) ذكره في «النهاية» و «اللسان» و «التاج» مادة: «سبد»، بهذا اللفظ، وقد وردت هذه العلامة في حديث أبي سعيد الخدري بنحو معناه. أخرجه أحمد (3/ 64)، والبخاري (7562)، وأبو داود (4765)، والبغوي في «شرح السنة» (2558).
وروى أبو داود (4766) نحوه من حديث أنس بن مالك. وقال أبو داود: «التسبيد: استئصال الشّعر».
(3) اللبان: الصدر. ط
(4) لم نجد هذا البيت في غير هذا الموضع ولسنا على ثقة من صحة ألفاظه كلها. ط(1/317)
[1036] ويقال: أسود غيهم وغيهب. ويقال: أصابتنا أزمة وأزبة، وآزمة وآزبة، وهو الضّيق والشدة. ويقال: صئب من الماء وصئم، إذا امتلأ وروي منه. وقال أبو عبيدة: عقمة وعقبة لضرب من الوشي. ويقال: اضبأكّت الأرض واضمأكّت إذا اخضرّت. ويقال: كبحته وكمحته وأكبحته وأكمحته، وقال الأصمعي: أكمحته إذا جذبت عنانه حتى ينتصب رأسه، ومنه قوله: والرأس مكمح (1). وأكفحتها إذا تلقّيت فاها باللجام تضربها به (2)، ومنه قيل: لقيته كفاحا أي: كفّة كفّة (3). وكبحتها بغير ألف وهو أن تجذبها إليك وتضرب فاها باللجام لكي لا تجري. وقال يعقوب: يقال ذأبته وذأمته إذا طردته وحقّرته. ويقال: رأمت القدح ورأبته: إذا شعبته. ويقال: زكب بنطفته وزكم بها إذا حذف بها. ويقال: هو ألأم زكبة وزكمة.
[1038] ويقال: عبد عليه وأبد وأمد أي: غضب. ويقال: المال يربي على كذا وكذا ويرمي ويردي أي يزيد. ويقال: وقعنا في بعكوكاء ومعكوكاء أي: في غبار وجلبة وشرّ، وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: في بعكوكاء أي: في اختلاط، قال أبو علي:
المعنى واحد. وقال الفراء: يقال: جردبت في الطعام وجردمت، وهو أن يستر بيده على ما بين يديه من الطعام كيلا يتناوله أحد، وأنشد: [الوافر]
إذا ما كنت في قوم شهاوى ... فلا تجعل شمالك جردبانا
1 - قال أبو العباس: ويروى جردبانا بضم الجيم. وقال غيره يقال: مهلا وبهلا في معنى واحد.
وقال أبو عمرو الشيباني: مهلا وبهلا: إتباع. قال: والقرهم والقرهب: السّيّد، قال أبو علي: والقرهب أيضا: الثّور المسنّ.
[1039]
[كلام لعليّ بن أبي طالب عن الدنيا]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال:
بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: إنّما المرء في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا، ونهب للمصائب ومع كل جرعة شرق، وفي كلّ أكلة غصص ولا ينال العبد فيها نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله فنحن أعوان الحتوف، وأنفسنا تسوقنا إلى الفناء، فمن أين نرجو البقاء وهذا الليل والنهار لم يرفعا من شيء شرفا إلا أسراعا الكرّة في هدم ما بنيا، وتفريق ما جمعا، فاطلبوا الخير وأهله، واعلموا أنّ خيرا من الخير معطيه، وشرّا من الشر فاعله.
__________
(1) تتمة بيت من كلام ذي الرمة أو ابن مقبل وهو كما في «اللسان» مادة «كمح»:
تمور بضبعيها وترمى بحوزها ... حذارا من الأيعاد والرأس مكمح
ويروى: تموج ذراعاها. وفي ديوان ذي الرمة طبع أوربا (ص 90): «تموج ذراعاها» إلخ. ط
(2) تضربها به أي: لتلتقمه كما في «اللسان». ط
(3) قال في «اللسان»: لقيته كفة كفة بفتح الكاف أي: كفاحا وذلك إذا استقبلته مواجهة وهما اسمان جعلا واحدا وبنيا على الفتح مثل خمسة عشر. ط(1/318)
[1040]
[كتاب عمر بن الخطاب إلى ولده عبد الله في الحث على التوكل والتقوى والنية]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي، قال: حدثنا رجل من أهل الكوفة قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله في غيبة غابها: أما بعد، فإنه من اتّقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره زاده، ومن أقرضه جزاه، فاجعل التقوى جلاء بصرك، وعماد ظهرك، فإنه لا عمل لمن لا نيّة له، ولا أجر لمن لا حسنة له، ولا جديد لمن لا خلق له.
[1041]
[موعظة بعض الحكماء حول محاسبة النفس، والصبر، والإخوان، والدنيا]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: بلغني أن بعض الحكماء كان يقول: إني لأعظكم وإنّي لكثير الذنوب مسرف على نفسي، غير حامد لها ولا حاملها على المكروه في طاعة الله عز وجلّ، قد بلوتها فلم أجد لها شكرا في الرخاء، ولا صبرا على البلاء ولو أنّ المرء لا يعظ أخاه حتّى يحكم أمر نفسه لترك الأمر بالخير والنهي عن المنكر، ولكن محادثة الإخوان حياة للقلوب وجلاء للنفوس وتذكير من النسيان واعلموا أن الدنيا سرورها أحزان، وإقبالها إدبار، وآخر حياتها الموت فكم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه، ولو تنظرون إلى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره.
[1042]
[من دعاء بعض الأعراب عند الكعبة]:
وحدثنا أبو عبد الله قال: أخبرنا محمد بن موسى السامي قال: حدثنا الأصمعي قال:
رأيت أعرابيّا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا حسن الصّحبة، أتيتك من بعد فأسألك سترك الذي لا ترفعه الرّياح، ولا تخرّقه الرّماح.
* * * [1043] وأنشدني أبو بكر بن دريد للحطيئة: [البسيط]
مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعريّ طرفه سامي
الرّوايا: الإبل التي تحمل الماء والزاد، فالخيل تجنب إليها فإذا طال عليها القياد وضعت جحافلها على أعجازها فصارت كأنها قد استحقبت جحافلها أي جعلتها حقائب لها، وواحد الحقائب حقيبة.
[1044]
[شعر في فناء الأشياء وتغيّر الحال]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قال:
أنشدنا محمد بن سلّام لعمارة بن صفوان الضبّيّ (1): [الطويل]
أجارتنا من يجتمع يتفرّق ... ومن يك رهنا للحوادث يغلق (2)
__________
(1) انظر «التنبيه» [86].
(2) يقال: غلق الرهن: استحقه المرتهن، وذلك إذا لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط. ط(1/319)
ومن لا يزل يوفي على الموت نفسه ... صباح مساء يابنة الخير يعلق
أجارتنا كلّ امرئ ستصيبه ... حوادث إلّا تكسر العظم تعرق (1)
وتفرق بين الناس بعد اجتماعهم ... وكلّ جميع صالح للتّفرّق
فلا السالم الباقي على الدهر خالد ... ولا الدّهر يستبقي جنينا (2) لمشفق
قال: وأنشدنيه أبي، حبيبا بحاء غير معجمة.
[1045]
[شعر كثيّر في هجر عزة له]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله: قال كثيّر وهجرته عزّة وحلفت ألّا تكلّمه، فلما نفر الناس من منّى ولقيته فحيّت الجمل ولم تحيّه، فأنشأ يقول.:
[البسيط]
حيّتك عزّة بعد النّفر وانصرفت ... فحيّ ويحك من حيّاك يا جمل
لو كنت حيّيتها مازلت ذا مقة ... عندي ولا مسّك الإدلاج والعمل
ليت التّحية كانت لي فأشكرها ... مكان يا جملا حيّيت يا رجل
[1046]
[شعر في سقم المحبين على الدوام]:
قال: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو الحسن بن البراء، قال: أنشدني منصور لأبي تمام الطائي: [الوافر]
سقيم لا يموت ولا يفيق ... قد أقرح جفنه الدمع الطّليق
شديد الحزن يحزن من رآه ... أسير الصّبر ناظره أريق
ضجيع صبابة وحليف شوق ... تحمّل قلبه ما لا يطيق
يظلّ كأنّه مما احتواه ... يسعّر في جوانبه الحريق
[1047]
[من كلام العرب]:
قال أبو علي: وأملي علينا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي: من كلام العرب: خفّة الظّهر أحد اليسارين، والعزبة (3) أحد السّبابين، واللّبن أحد اللحمين، وتعجيل اليأس أحد اليسرين، والشّعر أحد الوجهين، والرّاوية أحد الهاجيين، والحمية إحدى الميتتين (4). وأنشد أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا عبد الله بن خلف لبشّار بن برد الأعمى: [الطويل]
يزهّدني في وصل عزّة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي
__________
(1) عرق العظم إذا أكل ما عليه من اللحم. ط
(2) في نسخة: «دفينا» بمهملة ففاء. ط
(3) في بعض النسخ: «السباءين» بهمزة بعد الألف. ط
(4) في بعض النسخ: «إحدى الموتتين». ط(1/320)
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللّبّ
وما تبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلّا من القلب
وما الحسن إلّا كلّ حسن دعا الصّبا ... وألّف بين العشق والعاشق الصّب
[1048]
[قول عبد الملك حين حضرته الوفاة في ذم الدنيا]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي عن يونس قال: لما حضرت عبد الملك الوفاة قال وهو يعني الدّنيا.: إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لقليل، وإن كنا منك لفي غرور.
[1049]
[كلام بعض الحكماء عن الدهر والعمل الصالح والنّفس والهوى]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثني عمي، عن أبيه قال: قيل لبعض الحكماء، كيف ترى الدهر؟ قال: يخلق الأبدان، ويجدّد الآمال، ويقرّب الآجال، قيل له: فما حال أهله؟
قال: من ظفر به نصب، ومن فاته حزن، قيل: فأي الأصحاب أبرّ؟ قال: العمل الصالح، قيل:
فأيهم أضرّ؟ قال: النفس والهوى، قيل: ففيم المخرج؟ قال: في قطع الراحة وبذل المجهود.
[1050]
[قول بعض الحكماء في النظر لسوء المنقلب، وترك الاغترار بطيب العيش]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يقول لابنه:
لا يغرّنّك ما ترى من خفض العيش ولين الرّياش، ولكن فانظر إلى سرعة الظّعن وسوء المنقلب.
[1051]
[وصية عمير بن حبيب لينيه حول مخالطة السفهاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال:
حدثنا مسلم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا أبو جعفر الخطمي أن جدّه عمير بن حبيب وكان بايع النبي صلّى الله عليه وسلّم أوصى بنيه فقال: يا بنيّ، إياكم ومخالطة السّفهاء، فإن مجالستهم داء، وإنه من يحلم عن السفيه يسرّ بحلمه ومن يجبه يندم، ومن لا يقرّ بقليل ما يأتي به السفيه يقرّ بالكثير، وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر فليوطّن (1)
قبل ذلك على الأذى وليوقن بالثواب من الله عزّ وجلّ.، إنه من يوقن بالثواب من الله عز وجل لا يجد مسّ الأذي.
[1051م]
[خبر أبي حثمة مع عمر بن الخطاب حول العنب والرطب]:
وحدثنا أبو عبد الله رحمه الله قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي الأزدي، قال:
حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الرّبيع بن لوط بن البراء قال:
ذكروا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.: أيّهما أطيب، العنب أم الرّطب؟ فقال عمر:
__________
(1) أي نفسه فإن المعنى عليها ولعلها سقطت من الناسخ. ط(1/321)
أرسلوا إلى أبي حثمة (1)، فقال: يا أبا حثمة، أيّهما أطيب، الرّطب أم العنب؟ فقال: ليس كالصّقر في ردوس الرّقل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، تحفة الصائم وتعلّة الصّبيّ، ونزل مريم بنة عمران، وينضج ولا يعنّى طابخه: ويحترش به الضّبّ من الصّلعاء، ليس كالزبيب الذي إن أكلته ضرست، وإن تركته غرثت.
[1052] قال أبو علي: الصّقر: الدّبس بلغة أهل الحجاز. والرّقل: الطّوال من النخل، واحدتها رقلة. ويحترش: يصاد. والصّلعاء: الأرض التي لا نبات بها. والنّزل: ما ينساغ من الطعام، ويقال هذا طعام قليل النّزل والنّزل إذا كان لا ينساغ، ولا يقال: النّزول والنّزول. والنّزل أيضا: الرّيع وهو الزيادة، ذكره اللحياني. فأما قولهم: أخذ القوم نزلهم فمعناه: ما تجري عادتهم بأخذه مما ينزلون عليه ويصلح عيشهم به، وهو مأخوذ من النزول، يدل عليه حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم في بعض أحاديث الاستسقاء (2): «اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها» أي: أنزل علينا من المطر ما يكون سببا للنبات الذي تسكن الأرض به، فالسّكن من سكن بمنزلة النّزل من نزل، وفيه لغتان نزل ونزل.
[1053]
[الزّنا]:
وحدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا محمد بن موسى السامي، عن الأصمعي قال: قال رجل من أهل الحاضرة لرجل من أهل البادية: أتعرفون الزّنا عندكم بالبادية؟ قال: نعم، أو أحد لا يعرف الزنا وقد نهى الله عنه (3)! فما الأمر عندكم؟ قال: الضّمّة والشّمّة والقبلة قال:
ليس الأمر عندنا هكذا، هو أن يباضع الرجل المرأة، فقال الأعرابي: هذا طالب ولد ونسل.
[1054] وحدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا محمد بن يزيد الأزدي، قال: أردف ذو الرمة أخاه فعرضت لهما ظبية، فقال ذو الرمة: [الطويل]
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم
__________
(1) انظر: «التنبيه» [87].
(2) رواه أبو عوانة في «مسنده» (2/ 122رقم 2523)، والبزار (1/ 317رقم 661كشف) من طريق سويد أبي حاتم بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة به مرفوعا.
ورواه الطبراني في «الكبير» (7/ 217رقم 6904) من طريق الحجاج عن قتادة به.
ورواه الطبراني (6928) والبزار (661) من طريق سعيد بن بشير عن مطر الوراق، والطبراني (6952) من طريق إسماعيل المكي، كلاهما عن الحسن عن سمرة به.
قال البزار: «حديث قتادة لا نعلم حدّث به إلّا سويد، وحديث مطر لا نعلم حدّث به إلا سعيد بن بشير».
ثم ساقه البزار (662) من طريق خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة به.
وخبيب مجهّل، والكلام في سماع الحسن من سمرة مشهور.
(3) لعله سقط هنا من قلم الناسخ لفظ «قال» ليكون قوله: فما الأمر عندكم سؤالا من الحضري، وقوله بعده: الضمة، جوابا من البدوي فتأمل. ط(1/322)
فقال أخوه: [الطويل]
فلو تحسن التّشبيه والوصف لم تقل ... لشاة النّقا آأنت أم أمّ سالم
جعلت لها قرنين فوق جبينها ... وظلفين مشقوقين تحت القوائم
فقال ذو الرمة: [الطويل]
هي الشّبه إلّا مدرييها وأدنها ... سواء وإلّا مشقة بالقوائم
[1055] وأنشدنا غير واحد من أصحابنا قول الشمّاخ: [الطويل]
وتشكو بعين ما أكلّ ركابها ... وقيل المنادي أصبح القوم أدلجي
يريد: وتشكو هذه المرأة السّرى الذي قد أكلّ ركابها، وذلك أنه استبان ذلك في عينها لغؤورها وانكسار طرفها ونعاسها، وتشكو أيضا قول المنادي أي تشنيع (1) ذلك عليها، ويروى: ما أكلّت ركابها. ثم قال: [الطويل]
فظلت كأني أتّقي رأس حيّة ... بحاجتها إن تخطيء النفس تعرج
يقول: أتّقى أن أبوح بما أجد كما أتقي رأس حية إن لم تقتل أعرجت أي: لا أقدر أن أكلمها من الرقباء، ومعنى: بحاجتها أي: بحاجتي إليها.
[1056]
[شعر في الخمر]:
وحدثني أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو عثمان، عن التوّزيّ، عن أبي عبيدة: أن أعرابيّا دخل على بعض الأمراء وهو يشرب، فجعل يحدّثه وينشده ثم سقاه، فلما شربها قال:
هي والله أيها الأمير أي: هي الخمر فقال: كلا إنّها زبيب وعسل، فلما طرب قال له:
قل فيها، فقال: [الطويل]
أتانا بها صفراء يزعم أنها ... زبيب فصدّقناه وهو كذوب
وما هي إلا ليلة غاب نجمها ... أواقع فيها الذّنب ثم أتوب
[1057]
[شعر عمارة بن عقيل في حمّادة، وفخر بما مضى من حبّ]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو عثمان، قال: حدثني عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير قال: كانت مولاة لبني الحجاج تحفظ شعرا وترويه وتنشده فتيات بني الحجاج، فأنشدتهنّ ذات ليلة كلمتي في حمّادة وفيهن واحدة وهي عقيلتهن فلما انتهى قولي:
[الطويل]
فإن تصبح الأيام شيّبن مفرقي ... وأذهبن أشجاني وفلّلن من غربي
فيا ربّ يوم قد شربت بمشرب ... شفيت به غيم الصّدى بارد عذب
__________
(1) في الأصل تستعين، والتصويب عن «اللسان»، وعبارته بعد أن أورد البيت: إنما أراد الشماخ تشنيع المنادي على النوام كما يقول القائل: أصبحتم كم تنامون. وقال الجوهري: إنما أراد أن المنادي كان ينادي مرة أصبح القوم كما يقال أصبحتم كم تنامون، ومرة ينادي أدلجي أي: سيرى ليلا. ط(1/323)
ومن ليلة قد بتّها غير آثم ... بساجية الحجلين ريّانة القلب (1)
ضحكت، ثم أعرضت وضربت بكمّها على وجهها وقالت: فهلّا أثم! حرمه الله.
[1058]
[شعر في تأبّى الحبّ على الكتمان]:
وأنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس المبرد، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب للضحاك: [الطويل]
يقولون مجنون بسمراء مولع ... ألا حبّذا جنّ بنا وولوع
وإني لأخفي حبّ سمراء منهم ... ويعلم قلبي أنه سيشيع
ولا خير في حبّ يكنّ كأنه ... شغاف أجنّته حشا وضلوع
[1059]
[شعر في مكانة المحبوب]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله من خط إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [الوافر]
بنفسي من هواه على التّنائي ... وطول الدهر مؤتنف جديد
ومن هو في الصلاة حديث نفسي ... وعدل النفس عندي بل يزيد
[1060]
[شعر في تأبّي الحب على النسيان وإن نأت الدار، والطرب لأخبار المحبوب]:
وقرأت عليه من خطه أيضا: [الطويل]
ألا بأبي من ليس والله نافعي ... بنيل ومن قلبي على النّأي ذاكره
ومن كبدي تهفو إذا ذكر اسمه ... كهفو جناح ينفض الطّلّ طائره
له خفقان يرفع الجيب كالشّجا ... يقطّع أزرار الجربّان ثائره
قال أبو علي: هكذا وجدته بخط إسحاق بكسر الجيم ولم ينكره أبو بكر وقال الفراء:
جربّان القميص بالضم، وكذلك جربّان السّيف حدّه، وأما الذي في خبر أبي زبيد فجربان بتسكين الراء والتخفيف وهو الغمد وقرأ على أبي بكر في شعر الراعي: [الكامل]
وعلى الشّمائل أن يهاج بنا ... جربان كلّ مهنّد عضب
[1061]
[ما قيل في خفقان الفؤاد]:
ومن حسن ما رويناه في خفقان الفؤاد: ما أنشدني أبو عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، قال: أنشدنا أبو العاس محمد بن يزيد الثمالي لبشار بن برد: [الوافر]
كأنّ فؤاده كرة تنزّي ... حذار البين إن نفع الحذار
نبت عيني عن التّغميض حتى ... كأنّ جفونها عنها قصار
أقول وليلتي تزداد طولا ... أما للّيل بعدهم نهار
__________
(1) القلب بالضم: سوار المرأة. ط(1/324)
[1062] وقد أحسن عديّ بن الرّقاع حين يقول: [الطويل]
ألا من لقلب لا يزال كأنّه ... يدا لامع أو طائر يتصرّف
[1063]
[شعر في أخبار القلب إذا نأى المحبوب]:
وأنشدنا غير واحد في هذا المعنى لقيس المجنون: [الوافر]
كأنّ القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامريّة أو يراح
قطاة عزّها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
[1064]
[شعر في طرب القلب إذا سمع اسم محبوبه]:
والمجنون أحد المحسنين في هذا المعنى، وله: [الطويل]
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيّج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أثار بليلى طائرا كان في صدري
ويروى: أطار
[1065]
[قصيدة الوقّاف ورد بن ورد الجعدي]:
وقرئ على أبي عمر المطرّز. غلام ثعلب. في هذا المعنى وأنا أسمع، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني للوقّاف وهو ورد بن ورد الجعدي: [الطويل]
إذا تركت ورديّة النّجد لم يكن ... لعينيك ممّا يشكوان طبيب
وإني لأخشى أن يعود عليهما ... قذى كان في جفنيهما وغروب
وكانت رياح الشام تبغض مرّة ... فقد جعلت تلك الرياح تطيب
وقد كان علويّ الرياح أحبّها ... إلينا فقد دارت هناك جنوب
كأنّ فؤادي كلما خفت روعة ... من البين باز ما يزال ضروب
سما بالخوافي واستمرّ بساقه ... على الصّيد سير بالأكف نشوب
ولم أنس منها منظرا يوم شبّها ... لعيني في الصّرم (1) الحلول شبوب (2)
تأوّد بين المطرفين كأنما ... تأوّد بين المطرفين عسيب
أثيبي صدى لو تعلمين سقيته ... سقاك غمامات لهنّ دبيب
هوامل ماء تمتريهنّ ربدة ... لما فرّغت من مائهنّ سكوب
هنيئا لعود من بشام تزفّه ... على برد شهد بهنّ مشوب
بما قد تروّى من رضاب ومسّه ... بنان كهدّاب الدّمقس خضيب
فلا وأبيها إنّها لبخيلة ... وفي قول واش إنّها لغضوب
رمتني عن قوس العدوّ وإنّها ... إذا ما رأتني عازفا لخلوب
__________
(1) الصرم بالكسر: الجماعة. ط
(2) الشبوب: ما توقد به النار. ط(1/325)
[1066] وقرأت على أبي بكر بن دريد للشماخ:
رعى بارض الوسميّ حتّى كأنّما ... يرى بسفا البهمى أخلّة ملهج
يقول: رعى هذا الحمار بارض الوسمى. والبارض: أوّل ما يخرج من النبات، فلعادته وأكله ذلك كأنما يرى بسفا البهمى أخلّة ملهج. والسّفا: شوك البهمى. وأخلّة: جمع خلال.
والملهج: الذي قد لهجت فصائله بالرضاع، فإذا لهجت خلّ أنفها بخلال محدّد الرأس ولأسفله حجنة لئلا يخرج، فيقول: رعى بارض البهمى حتى ظهر شوكه وجفّ، فإذا تناوله الحمار أوجعه، فكأنما يرى برؤيته السفا أخله ملهج.
[1067]
[شعر لكثيّر في تأبّي المحبوب على النسيان، وصفات المحبوب، وذم الوشاة]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لكثيّر: [الطويل] (1)
ألا حيّيا ليلى أجدّ رحيلي ... وآذن أصحابي غدا بقفول
تبدّت له ليلى لتذهب عقله ... وشاقتك أمّ الصّلت بعد ذهول
[1068] وروى أبو عمرو الشيباني:
تبدّت له ليلى لتغلب صبره
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلى بكل سبيل
إذا ذكرت ليلى تغشّتك عبرة ... تعلّ بها العينان بعد نهول
وكم من خليل قال لي هل سألتها ... فقلت له ليلى أضنّ خليل
وأبعده نيلا وأوشكه قلى ... وإن سئلت عرفا فشرّ مسول
حلفت برب الرّاقصات إلى منى ... خلال الملا يمددن كلّ جديل
تراها رفاقا بينهنّ تفاوت ... ويمددن بالإهلال كلّ أصيل
تواهقن بالحجّاج من بطن نخلة ... ومن عزور والخبت خبت طفيل
بكل حرام خاشع متوجّه ... إلى الله يدعوه بكلّ نقيل
على كلّ مذعان الرّواح معيدة ... ومخشيّة ألّا تعيد هزيل
شوامذ قد أرتجن دون أجنّة ... وهوج تبارى في الأزمّة حول
يمين امرئ مستغلظ من أليّة ... ليكذب قيلا قد ألحّ بقيل
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بليلى ولا أرسلتهم برسيل
ويروى: برسول، والرسول والرسيل: الرسالة هاهنا.
فإن جاءك الواشون عني بكذبة ... فروها ولم يأتوا لها بحويل
__________
(1) انظر: «التنبيه» [88].(1/326)
فلا تعجلى يا ليل أن تتفهّمي ... بنصح أتى الواشون أم بحبول
فإن طبت نفسا بالعطاء فأجزلي ... وخير العطا يا ليل كلّ جزيل
وإلّا فإجمال إليّ فإنّني ... أحبّ من الأخلاق كلّ جميل
وإن تبذلي لي منك يوما مودّة ... فقدما تخذت القرض عند بذول
وإن تبخلي يا ليل عنّي فإنني ... توكّلني نفسي بكلّ بخيل
ولست براض من خليل بنائل ... قليل ولا راض له بقليل
وليس خليلي بالملول ولا الذي ... إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يديم وصاله ... ويحفظ سرّي عند كل دخيل
ولم أر من ليلى نوالا أعدّه ... ألا ربّما طالبت غير منيل
يلومك في ليلى وعقلك عندها ... رجال ولم تذهب لهم بعقول
يقولون ودّع عنك ليلى ولا تهم ... بقاطعة الأقران ذات حليل
فما نقعت نفسى بما أمروا به ... ولا عجب من أقوالهم بفتيل
تذكّرت أترابا لعزّة كالمها ... حبين بليط ناعم وقبول
وكنت إذا لاقيتهنّ كأنني ... مخالطة عقلى سلاف شمول
تأطّرن حتّى قلت لسن بوارحا ... رجاء الأماني أن يقلن مقيلي
فأبدين لي من بينهنّ تجهّما ... وأخلفن ظنّي إذا ظننت وقيلي
فلأيا بلأي ما قضين لبانة ... من الدار واستقللن بعد طويل
فلما رأى واستيقن البين صاحبي ... دعا دعوة يا حبتر بن سلول
فقلت وأسررت النّدامة ليتني ... وكنت امرأ أغتشّ كلّ عذول
سلكت سبيل الرائحات عشيّة ... مخارم نصع أو سلكن سبيلي
فأسعدت نفسا بالهوى قبل أن أرى ... عوادي نأي بيننا وشغول
ندمت على ما فاتني يوم بنتم ... فيا حسرتا ألا يرين عويلي
وروى أبو بكر: يوم بينة، وقال: هو موضع.
كأنّ دموع العين واهية الكلى ... وعت ماء غرب يوم ذاك سجيل
تكنّفها خرق تراكلن خرزها ... فأبجلنه والسّير غير بجيل
أقيمي فإنّ الغور يا عزّ بعدكم ... إليّ إذا ما بنت غير جميل
كفى حزنا للعين أن ردّ طرفها ... لعزّة عير آذنت برحيل
ويروى: أن راء طرفها لعزّة عيرا
قال أبو بكر: رأى وراء مثل رعى وراع:
وقالوا نأت فاختر من الصّبر والبكا ... فقلت بالبكا أشفى إذا لغليلي
تولّيت محزونا وقلت لصاحبي ... أقاتلتي ليلى بغير قتيل
قال أبو علي وروى أبو بكر: فوليت محزونا:(1/327)
وقالوا نأت فاختر من الصّبر والبكا ... فقلت بالبكا أشفى إذا لغليلي
تولّيت محزونا وقلت لصاحبي ... أقاتلتي ليلى بغير قتيل
قال أبو علي وروى أبو بكر: فوليت محزونا:
لعزّة إذ يحتلّ بالخيف أهلها ... فأوحش منها الخيف بعد حلول
وبدّل منها بعد طول إقامة ... تبعّث نكباء العشيّ جفول
لقد أكثر الواشون فينا وفيكم ... ومال بنا الواشون كل مميل
وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي ... إلى اليوم كالمقصى بكل سبيل
[1069] قال أبو علي: بقفول: برجوع. والقافلة: الراجعة من سفر، ولا يقال للذين خرجوا من بيوتهم إلى مكة: قافلة. وأوشكه: أسرعه. والقلى: البغض. والراقصات:
الإبل. والملا: الفضاء. والجديل: زمام مجدول أي: مضفور. والأصيل: العشيّ.
[1070]
[أسماء المباراة والمناظرة]:
وتواهقن: تبارين في سيرهن، والمواهقة: المباراة في السير، قال طفيل (1):
قبائل من فرعي غنيّ تواهقت ... بها الخيل لا عزل ولا متأشّب
والمواضخة: المباراة في كل شيء، قال الشاعر: [الطويل]
إذا واضخوه المجد أربى عليهم ... بمستفرغ ماء الذّناب سجيل
وقال العجاج: [الرجز]
تواضخ التّقريب قلوا مغلجا
قال: وكذلك المساجلة والمواغدة والمماناة والمماءرة والمواءمة، يقال: واضخت الرجل وواغدته وساجلته ومانيته وماءرته وواءمته إذا ساويته في فعله، قال أوس بن حجر:
[الطويل]
تواغد (2) رجلاها يديه ورأسه ... له نشز فوق الحقيبة رادف
وقال الآخر (3): [الرمل]
من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدّلو إلى عقد الكرب
__________
(1) قال في «اللسان» بعد أن أنشده في مادة «وهق» بلفظ:
تواهق رجلاها يداه ورأسه ... لها قتب خلف الحقيبة رادف
أراد تواهق رجلاها يديه فحذف المفعول وقد علم أن المواهقة لا تكون من الرجلين دون اليدين، وأن اليدين مواهقتان بالكسر كما أنهما مواهقتان بالفتح، فأضمر لليدين فعلا دل عليه الأول فكأنه قال: وتواهق يده رجليها ثم حذف المفعول في هذا كما حذفه في الأول فصار على ما ترى تواهق رجلاها يداه فعلى هذه الصنعة تقول: ضارب زيد عمرو على أن يرفع عمرو بفعل غير هذا الظاهر، ولا يجوز أن يرتفعا جميعا بهذا الظاهر اهـ. ط
(2) هو الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب كما في «اللسان» مادة «سجل». ط
(3) الغار: الغيرة. ط(1/328)
وقال لبيد: [الطويل]
أماني بها الأكفاء في كلّ موطن ... وأجزي فروض الصالحين وأفتري
وقال خداش بن زهير: [الطويل]
تماءرتم في الفخر حتى هلكتم ... كما أهلك الغار (1) النساء الضرائرا
وبطن نخلة: بستان بني عامر، وهو المجمعة. وعزور: ثنيّة الجحفة. والخبت: جمعه خبوت، وهي المطمئنّات من الأرض. وطفيل: موضع. والنّقيل: الطريق. والمذعان:
المذلّلة، يقال: أذعن له إذا ذلّ له وخضع. ومعيدة: التي قد عاودت السّفر. والشّوامذ:
الشائلات الأذناب، والناقة إذا استبان لقحها شمذت بذنبها. وأرتجن: أغلقن أرحامهنّ على أولادهنّ فهنّ مرتجات، ومنه قيل: أرتج على القارئ إذا وقف فلم يدر ما يتلو، كأنه أغلق عليه. والحول جمع حائل، وهي التي لا تلقح. والأليّة: اليمين، وفيها أربع لغات، يقال:
أليّة وتجمع أليّات وألايا، وألوة وتجمع ألوات، وألوة وتجمع ألى، وإلوة وتجمع إلى.
وفروها من الفرية، يقال: فرى يفري. والحويل: المحاولة. والحبول: الدواهي، واحدتها حبل بكسر الحاء. والخبول: جمع خبل، وهو الفساد.
[1071] والدّخيل: العالم بداخل أمرك، يقال: هو عالم بدخلك ودخلك ودخلك ودخيلائك ودخيلتك ودخّلك ودخيلك.
وقال اللحياني: قال بعضهم: قد عرفت دخلل أمره ودخلل أمره ودخلة أمره ودخلة أمره ودخلة أمره ودخيل أمره وداخلة أمره. وقال بعضهم: دخلل الحبّ: صفاؤه (2) وداخله.
وأنشدني عبد الله بن جعفر النحوي، قال: أنشدنا أبو العباس المبرد: [الكامل]
فوددت إذ سكنوا هنالك دارهم ... وعدتهم عنّا أمور تشغل
أنّا نطاع إذا فتنقل أرضنا ... أو أنّ أرضهم إلينا تنقل
لتردّ من كثب إليك رسالتي ... بجوابها ويعود ذاك الدّخلل
ويقال: الدّخيل والدّخلل: الخاصة.
[1072]
[من أمثال العرب]:
وما نقعت أي: ما رويت، يقال: شرب حتّى نقع وبضع أي: روي. ومن أمثال العرب: «حتّام تكرع ولا تنقع». وعجت: انتفعت. والأتراب: الأقران، وكذلك اللّدات.
واللّيط: اللون وهو الجلد أيضا. وتأطّرن هاهنا: تلبّثن، وأصل التأطّر: التعطّف.
والّلأي: البطء. واللّبانة: الحاجة. والمخارم جمع مخرم: وهو منقطع أنف الجبل.
ونصع: جبل أسود بين الصّفراء وينبع. والعوادي: الصّوارف. والكلى: جمع كلية، وهي
__________
(1) كذا في النسخ بالعطف. والذي في «القاموس»: صفاء داخله بالإضافة. ط
(2) ذكره في «النهاية» و «اللسان» مادة: «بجل».(1/329)
الرّقعة تكون في أصل عروة المزادة. والغرب: الدّلو العظيمة. والسّجيل: الغرب الضّخم. والخرق: جمع خرقاء، والخرقاء: التي لا تحسن العمل، فإذا أحسنت العمل فهي صناع، والرجل صنع. وأبجلنه: أوسعنه، والبجيل: الغليظ، يريد: أنهن أغلظن الإشفى وأدققن السّير.
وقال أبو علي وقال لي أبو بكر: البجيل: الكبير في غير هذا الموضع، قال رسول الله (1) صلّى الله عليه وسلّم حين وقف على بقيع الغرقد (2): «لقد أصبتم خيرا بجيلا وسبقتم (3) شرّا طويلا» قال أبو علي: وهما عندي في المعنى واحد لأن الغليظ لا يكون إلّا عن كثرة أجزاء. والنّكباء:
الرّيح التي تهبّ بين مهبّي ريحين وإنما قيل لها نكباء لأنها تنكّبت مهبّ هذه ومهبّ هذه.
والجفول: التي تذهب التراب. وطرور الشارب: نباته، قال الشاعر: [البسيط]
منّا الذي هو ما إن طرّ شاربه ... والعانسون ومنّا المرد والشّيب
[1073] قال أبو علي: قال الأصمعي: من أمثال العرب: «حبل فلان يفتل» إذا كان مقبلا. قال ويقال: «لو كان ذا حيلة تحوّل» يراد أنه إنما أتي من قبل ضعفه. قال ويقال:
«لأعصبنّكم عصب السّلمة» والسلمة يأتيها الرجل فيشدّها بنسعة إذا أراد أن يخبطها، لئلا يشذّ شوكها فيصيبه، ويقال: «أحس وذق» مثل للرجل يتعرّض لما يكره فيقع فيه.
[1074]
[ما تتعاقب فيه العين والحاء]:
وقال أبو عبيدة يقال: ضبعت الخيل وضبحت سواء. قال: وقال بعضهم: ضبحت بمنزلة نحمت، كذا حكي عنه يعقوب. وقال الأصمعي: إنّه لعفضاج وحفضاج: إذا تفتّق وكثر لحمه. ويقال: رجل عفاضج. قال: وسمعت أبا مهدي يقول: «إن فلانا لمعصوب ما حفضج» (4). ويقال: «بحثروا متاعهم وبعثروه» أي: فرّقوه. ويقال للمرأة إذا كانت تبذو
__________
(1) بقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ط
(2) الذي في «اللسان» مادة «بجل» أنه عليه الصلاة والسلام قال لقتلى أحد: «لقيتم خيرا طويلا ووقيتم شرا بجيلا وسبقتم سبقا طويلا». ط
(3) عبارة «اللسان»: والعرب تقول أن فلانا لمعصوب ما عفضج وما حفضج إذا كان شديد الأسر غير رخو ولا مفاض البطن.
(4) في «اللسان» مادة «عنظ»: قال جندل بن المثنى الطهوى يخاطب امرأته:
لقد خشيت أن يقوم قابرى ... ولم تمارسك من الضرائر
كل شذاة جمة الصرائر ... شنظيرة سائلة الجمائر
حتى إذا أجرس كل طائر ... قامت تعنظي بك سمع الحاضر
توفي لك الغيظ بمد وافر ... ثم تناديك بصفر ساغر
حتي تعودي أخسر الخواسر
تعظي بك أي: وتفسد وتسمع بك وتفضحك بشنيع الكلام بمسمع من الحاضر وتذكرك بسوء عند الحاضرين وتندد بك وتسمعك كلاما قبيحا اهـ. ط(1/330)
وتجئ بالكلام القبيح والفحش: هي تعنظي وتحنظي وتحنذي، وقد عنظى الرجل وحنظى وحنذى، وأنشد لجندل: [الرجز]
قامت تعنظي بك سمع الحاضر (1)
ويروى: تحنظي بك وتحنذي. ويقال: نزل حراه وعراه أي: قريبا منه. والوعا والوحا: الصوت، يقال سمعت وعاهم ووحاهم.
[1075]
[ما تتعاقب فيه الهمزة والهاء]:
قال الأصمعي يقال: للصبّا أير وأير وهير وهيّر على مثال فيعل. ويقال للقشور التي في أصول الشّعر: إبرية وهبرية، ويقال: أيا فلان وهيا فلان، وأنشد: [الرجز]
فانصرفت وهي حصان مغضبه ... ورفّعت من صوتها هيا أبه
كلّ فتاة بأبيها معجبه
ويقال: أرقت الماء وهرقته، ويقال: إيّاك أن تفعل وهيّاك. ويقال: اتمألّ السّنام واتمهلّ: إذا انتصب. ويقال للرجل إذا كان حسن القامة: إنه لمتمئلّ ومتمهلّ. ويقال:
أرحت دابّتي وهرحتها. ويقال: أنرت له وهنرت له.
[1076]
[ما تتعاقب فيه السين والتاء]:
قال الأصمعي يقال: الكرم من سوسه ومن توسه أي: من خليقته، ويقال: رجل حفيسأ وحفيتأ: إذا كان ضخم البطن إلى القصر ما هو، وأنشد الفراء: [الرجز]
يا قبّح الله بني السّعلات ... عمرو بن يربوع شرار النّات
ليسوا أعفّاء (2) ولا أكيات
أراد شرار الناس وأكياس. وقرأنا على أبي بكر بن دريد للبيد: [الطويل]
نشين صحاح البيد كلّ عشيّة ... بعود السّراء عند باب محجّب
__________
(1) المعروف الموجود في كتب اللغة: غير أعفاء. ط
(2) رواه الطيالسي (171) ومن طريقه البيهقي في «الدلائل» (1/ 244) عن المسعودي، عن عثمان بن هرمز عن نافع بن جبير عن عليّ به. لم يذكر فيه: «عن أبيه» كما قال يزيد بن هارون هنا.
وهكذا رواه أحمد (1/ 97)، والترمذي (3677) وقال: «حسن صحيح»، من طريق المسعودي به.
ورواه الإمام أحمد (1/ 118117) من غير هذا الوجه عن نافع بن جبير عن عليّ به.
ورواه البخاري في «الأدب المفرد» (1315)، والبزار في «البحر الزخار» (، 660645)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (1/، 217210) من طريق محمد بن عليّ وهو ابن الحنفية عن أبيه عليّ به.
وقال البزار في الموضع الأول: «وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحجاج عن سالم عن محمد بن الحنفية عن عليّ إلّا عباد بن العوام». وقال في الموضع الثاني: «وهذا الحديث قد روي نحو كلامه عن عليّ بغير هذا الإسناد، ولا نعلم روي عن ابن عقيل عن ابن الحنفية عن عليّ إلّا من هذا الوجه» اهـ.(1/331)
أراد أنهم يخطّطون بقسيّهم ويفخرون فيقولون: فعلنا وفعلنا. والسّراء: خشب يتّخذ منه القسيّ، ومثله قول الحطيئة: [الكامل]
أم من لخصم مضجعين قسيّهم ... ميل خدودهم عظام المفخر
وذلك أن القوم إذا جلسوا يتفاخرون خطّوا بأطراف قسيهم في الأرض: لنا يوم كذا وكذا، ولنا يوم كذا وكذا، يعدّدون أيامهم ومآثرهم.
[1077]
[خبر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم]:
وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي رحمه الله! حدثنا محمد بن عبد الملك، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه هكذا قال يزيد بن هارون عن علي رضي الله تعالى عنه قال (1): نعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه ضخم الهامة، كثير شعر الرأس، رجلا أبيض مشربا حمرة، طويل المسربة، شثن الكفّين والقدمين، طويل أصابعها. هكذا الحديث. ضخم الكراديس، يتكفّأ في مشيته كأنّما يمشي في صبب، لا طويلا ولا قصيرا، لم أر مثله قبله ولا بعده صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو علي: الرّجل: استرسال الشّعر كأنه مسرّح، وهو ضدّ الجعودة، يقال رجل رجل الشّعر. والمسربة: الشعر المستدقّ من الصدر إلى السرة، وأنشدني أبو بكر بن دريد للحارث بن وعلة: [الكامل]
ألآن لمّا ابيضّ مسربتي ... وعضضت من نابي على جذم (2)
قال أبو عبيدة: والشّثن: الخشن الغليظ. وهذا من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم التّمام وأنه ليس هناك استرخاء. وضخم الكراديس: يريد غليظ العظام، والكردوس: كلّ عظم عليه لحمه. قال أبو علي: ويتكفأ: يتمايل في مشيته، وهذا مدح في المشي لأنه لا يكون إلا عن تؤدة وحسن مشي. وقوله: في صبب، الصّبب: الحدور. والماشي يترفّق في الحدور.
[1078]
[الفرق بين أهل العلم وأهل الجهل]:
وأملى علينا أبو عبد الله قال: من كلام العرب ووصاياها: جالس أهل العلم، فإن جهلت علّموك، وإن زللت قوّموك، وإن أخطأت لم يفنّدوك، وإن صحبت زانوك، وإن غبت تفقّدوك، ولا تجالس أهل الجهل، فإنك إن جهلت عنّفوك، وإن زللت لم يقوّموك، وإن أخطأت لم يثبّتوك.
__________
(1) يريد: كبرت حتى أكلت على جذم نابي: قال في «اللسان» بعد أن ذكر البيت الأول وذكر بعده هذين البيتين:
وحلبت هذا الدهر أشطره ... وأتيت ما أتى على علم
ترجو الأعادي أن ألين لها ... هذا تخيل صاحب الحلم
(2) قال ابن برى: هذا الشعر ظنه قوم للحارث بن وعلة الجرمى وهو غلط وإنما هو للذهلي. ط(1/332)
[1079]
[خبر بعض الأعراب في سؤال بعض الملوك، ومطالبته للملك بحسم أمره]:
وحدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: أتى أعرابي باب بعض الملوك فأقام به حولا ثم كتب إليه: الأمل والعدم أقدماني عليك. وفي السطر الثاني: الإقلال لا صبر معه. وفي الثالث: الانصراف بلا فائدة شماتة الأعداء. وفي السطر الرابع: إما نعم سريح (1)، وإما يأس مريح.
[1080]
[دعاء أعرابي في الفقر والمعافاة والبطن والفرج]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يدعو لرجل فقال: جنّبك الله الأمرّين، وكفاك شرّ الأجوفين، وأذقك البردين. قال أبو علي: الأمرّان: الفقر والعري. والأجوفان: البطن والفرج. والبردان: برد العين (2) وبرد العافية.
[1081]
[الإنصاف والمواساة]:
وحدثنا قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يقول: خصلتان من الكرم: إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الإخوان.
[1082]
[خبر طريح بن إسماعيل في الجمع بين عطائه وعطاء غيره، شعر في الشركة]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: رفع طريح بن إسماعيل الثّقفي حاجة إلى كاتب داود بن علي ليرفعها إلى داود وجاءه مجازيا له، فقال له: هذه حاجتك مع حاجة فلان. لرجل من الأشراف. فقال طريح: [الوافر]
تخلّ بحاجتي واشدد قواها ... فقد أمست بمنزلة الضّياع
إذا راضعتها بلبان أخرى ... أضرّ بها مشاركة الرضاع
[1083]
[خطبة عمرو بن سعيد في تولية يزيد بن معاوية]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثني أبو حاتم، عن العتبي قال: لما عقد البيعة معاوية رحمه الله لابنه يزيد قام الناس يخطبون، فقال معاوية لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أميّة، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن يزيد بن معاوية أمل تأملونه، وأجل تأمنونه، إن استضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن احتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذع قارح سوبق فسبق، وموجد فمجد، وقورع ففاز سهمه، فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه. فقال معاوية: أوسعت يا أبا أميّة فاجلس.
__________
(1) سريح: سريع غير بطئ. ط
(2) كذا في الأصل يقال: بردت عينه: فرت: ولعله يريد أذاقك الله السرور الذي تقر به عينك وبرد العافية في جسمك. والظاهر أنه محرف عن العيش، يقال: عيش بارد: هنئ طيب، قال الشاعر:
قليلة لحم الناظرين يزينها ... شباب ومخفوض من العيش بارد ط(1/333)
[1084]
[خبر أعرابي دخل على بعض الملوك يمدحه]:
وحدثنا أبو بكر قال رحمه الله: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: دخل أعرابي على بعض الملوك فقال: رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفى على الناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصّر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك.
[1085]
[شعر في الوفاء وعدمه]:
وقرأنا على أبي بكر بن دريد قول الشاعر: [الطويل]
لعلّك والموعود حقّ وفاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء
فإن الذي ألقى إذا قال قائل ... من الناس هل أحسستها لعناء
أقول التي تنبي الشّمات وإنّها ... عليّ وإشمات العدوّ سواء
قال: هذا رجل وعد رجلا قلوصا فأخلفه، فقال له الموعود: إذا سئلت أقول التي تنبي الشّمات عنّي أي أقول: نعم قد أخذتها أي: أكذب، ثم قال: وكذبي وإشمات العدو سواء.
[1086] قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم للطّرمّاح:
[الطويل]
ولو أن غير الموت لاقى عدبّسا ... وجدّك لم يسطع له أبدا هظما
فتى لو يصاغ الموت صيغ كمثله ... وإذا الخيل جالت في تساجلها قدما
ولو أن موتا كان سالم رهبة ... من الناس إنسانا لكان له سلما
[1087] قال أبو علي: هذا مثل قول عنترة: [الكامل]
إن المنيّة لو تمثّل مثّلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
[1088]
[مرثية ربيعة الأسدي لابنه ذؤاب]:
قال أبو علي: وأملى علينا رحمه الله قال: أخبرنا أبو حاتم أن أبا عبيدة أنشدهم لربيّعة (1) الأسدي يرثي ابنه ذؤابا: [الكامل]
أبلغ قبائل جعفر مخصوصة ... ما إن أحاول جعفر بن كلاب
أن المودّة والهوادة بيننا ... خلق كسحق الرّيطة المنجاب (2)
__________
(1) هو ربيعة بن عبيد بن سعد بن جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين. قال أبو محمد الأعرابي: ليس في العرب ربيعة غيره وهو أبو ذؤاب الأسدي اهـ. من حماسة التبريزي طبع أوربا (ص 387). ط
(2) الريطة: الملاءة: والسحق وصف بالمصدر كأن البلى سحقه. والمنجاب: المنشق. وأنشده صاحب الحماسة: كسحق اليمنة قال: واليمنة: ضرب من برود اليمن يريد: أبلغهم أن لا هوادة بيننا ولا صلح. ط(1/334)
قال ويروى:
أن البقيّة والهوادة بيننا ... سمل كسحق الرّيطة المنجاب
إلّا بجيش لا يكتّ عديده ... سود الجلود من الحديد غضاب
قال أبو علي: قوله لا يكتّ عديده: لا يحصى.
قال أبو علي: وقال لي أبو بكر: من كلام العرب: لا تكتّه أو تكت النجوم أي: لا تعدّه.
ولقد علمت على التّجلّد والأسى ... أن الرّزيّة كان يوم ذؤاب
أذؤاب (1) إنّي لم أهبك ولم أقم ... للبيع عند تحضّر الأجلاب
إن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب
بأحبّهم فقدا إلى أعدائهم ... وأشدّهم فقدا على الأصحاب
ويروى:
بأشدّهم أوقا (2) على أعدائهم ... وأجلّهم رزءا على الأصحاب
وعمادهم في كلّ يوم كريهة ... وثمال كل معصّب قرضاب
قال أبو علي: القرضاب والقرضوب: الفقير، والقرضاب في غير هذا الموضع:
اللّص.
أهوى له تحت العجاج بطعنة ... والخيل تردي في الغبار الكابي
الكابي: المنتفخ. يقال: فلان كابي الرماد إذا كان سخيّا، ومن هذا قيل: كبا الفرس يكبو إذا ربا وانتفخ.
أذؤاب صاب على صداك فجاده ... صوب الرّبيع بوابل سكّاب
ما أنس لا أنساه آخر عيشنا ... ما لاح بالمعزاء (3) ريع سراب
قال أبو علي: الرّيع: الرجوع، وريعان الشّباب: أوله، والرّيع أيضا: الزّيّادة، ومنه حديث عمر رضي الله عنه: «املكوا العجين فإنه أحد الرّيعين» (4).
[1089]
[مرثية سلمة بن يزيد في أخيه لأمه قيس بن سلمة]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله: أن أباه أنشده، أحمد بن عبيد، عن
__________
(1) في الأصل هكذا: أن ما أعاني لم أعاني لم ولم يظهر له معنى، والأجلاب جمع جلب وهي النعم تجلب من موضع إلى موضع، يريد: لم أتغافل عن طلب دمك استهانة بك وما وهبتك للقوم، ولا قمت للشراء والبيع بعدك. ط
(2) أوقا: ثقلا. ط
(3) المعزاء: الأرض الحزنة الغليظة ذات الحجارة. ط
(4) الملك والأملاك: أحكام العجن وإجادته. يريد بالريعين زيادة الدقيق عند الطحن على كيل الحنطة وعند الخبز على الدقيق. ط(1/335)
ابن الكلبي لسلمة بن يزيد يرثى أخاه لأمه قيس بن سلمة (1): [الطويل]
أقول لنفسي الخلاء ألومها ... لك الويل ما هذا التّجلّد والصّبر
ألا تفهمين الخبر أن لست لاقيا ... أخي إذ أتى من دون أكفانه القبر
وكنت إذا ينأى به بين ليلة ... يظلّ على الأحشاء من بينه الجمر
فهذا لبين قد علمنا إيابه ... فكيف لبين كان موعده الحشر
وهوّن وجدي أنني سوف أغتدي ... على إثره حقّا وإن نفّس العمر
فلا يبعدنك الله إمّا تركتنا ... حميدا وأودى بعدك المجد والفخر
فتى كان يعطى السيف في الرّوع حقّه ... إذا ثوّب (2) الداعي وتشقى به الجزر
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
فتى لا يعدّ المال ربّا ولا يرى ... له جفوة إن نال مالا ولا كبر
فنعم مناخ الضّيف كان إذا سرت ... شمال وأمست لا يعرّجها ستر
ومأوى اليتامى الممحلين إذا انتهوا ... إلى بابه سغبا وقد قحط القطر
يقال: قحط: الناس بكسر الحاء وأقحطوا وقحط القطر بفتح الحاء.
[1090]
[المفاضلة بين ابن أبي ربيعة وجميل بن معمر العذري]:
وحدثنا حرميّ قال: حدثنا الزبير قال: كان عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر يتنازعان الشعر فيقال: إن عمر في الرائية والعينية أشعر، وإن جميلا في اللامية أشعر، وكلاهما قد قال فأحسن، قال جميل: [الطويل]
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلا يا جميل وإنني ... لأقسم ما بي عن بثينة من مهل
أحلما فقبل اليوم كان أوانه ... أم اخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل
وفيها يقول:
إذا ما تناثينا (3) الذي كان بيننا ... جرى الدّمع من عيني بثينة بالكحل
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة ... إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي
فياويح نفسي حسب نفسي الذي بها ... ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
وقال عمر: [الطويل]
جرى ناصح بالودّ بيني وبينها ... فقرّبني يوم الحصاب إلى قتلي
__________
(1) انظر: «التنبيه» [89].
(2) ثوب الداعي: ردد صوته. ط
(3) ثناثينا: تباثثنا ونثو الحديث ونثه وبثه: إفشاؤه. ط(1/336)
وطارت بحدّ من فؤادي ونازعت ... قرينتها حبل الصفاء إلى حبلي
فما أنس ملأشياء لا أنس موقفي ... وموقفها يوما بقارعة النخل
فلما تواقفنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النّعل بالنعل
وفيها يقول:
فسلّمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدوّ بكاني أو يرى كاشح فعلي
فقالت وأرخت جانب السّجف إنما ... معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّي ليس يحمله مثلي
وقال الزبير: ليس من شعراء الحجاز يتقدّم جميلا وعمر في النّسيب والناس لهما تبع.
[1091]
[شعر في الوفاء للمحبوب]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لكثيّر: [الوافر]
لا تغدرنّ بوصل عزّة بعد ما ... أخذت عليك مواثقا وعهودا
إن المحبّ إذا أحبّ حبيبه ... صدق الصّفاء وأنجز الموعودا
الله يعلم لو أردت زيادة ... في حبّ عزّة ما وجدت مزيدا
ويروى:
الله يعلم لو أردت زيادة ... في الحب عندي ما وجدت مزيدا
رهبان مدين والذين رأيتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خرّوا لعزّة خاشعين سجودا
والميت ينشر أن تمسّ عظامه ... مسّا ويخلد أن يراك خلودا
[1092]
[خبر قيس بن ذريح في طلاق لبني نزولا على رغبة أبيه، وتوجّعه لفراقها، وتقبيله التراب الذي مشت عليه، وغير ذلك]:
حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثني عبد الله بن خلف الدلال قال: قال محمد بن زياد الأعرابي: لما ألحّ ذريح على ابنه قيس في طلاق لبنى فأبى ذلك قيس، طرح ذريح نفسه في الرّمضاء وقال: لا والله لا أريم هذا الموضع حتى أموت أو يخلّيها، فجاءه قومه من كل ناحية فعظّموا عليه الأمر وذكّروه بالله وقالوا: أتفعل هذا بأبيك وأمك! إن مات شيخك على هذه الحال كنت معينا عليه وشريكا في قتله، ففارق لبنى على رغم أنفه وقلة صبره وبكاء منه حتى بكى لهما من حضرهما، وأنشأ يقول: [الوافر]
أقول لخلّتي في غير جرم ... ألا بيني بنفسي أنت بيني
فو الله العظيم لنزع نفسي ... وقطع الرّجل منّي واليمين
أحبّ إليّ يا لبنى فراقا ... فبكّي للفراق وأسعديني
ظلمتك بالطلاق بغير جرم ... فقد أذهبت آخرتي وديني
قال: فلما سمعت بذلك لبنى بكت بكاء شديدا، وأنشأت تقول:(1/337)
أقول لخلّتي في غير جرم ... ألا بيني بنفسي أنت بيني
فو الله العظيم لنزع نفسي ... وقطع الرّجل منّي واليمين
أحبّ إليّ يا لبنى فراقا ... فبكّي للفراق وأسعديني
ظلمتك بالطلاق بغير جرم ... فقد أذهبت آخرتي وديني
قال: فلما سمعت بذلك لبنى بكت بكاء شديدا، وأنشأت تقول:
رحلت إليه من بلدي وأهلي ... فجازاني جزاء الخائنينا
فمن راني فلا يغترّ بعدي ... بحلو القول أو يبلو الدّفينا
فلما انقضت عدّتها وأرادت الشخوص إلى أهلها أتيت براحلة لتحمل عليها، فلما رأى ذلك قيس داخله منه أمر عظيم واشتد لهفه، وأنشأ يقول: [البسيط]
بانت لبينى فأنت اليوم متبول ... وإنك اليوم بعد الحزم مخبول
فأصبحت عنك لبنى اليوم نازحة ... ودلّ لبنى لها الخيرات معسول
هل ترجعنّ نوى لبنى بعاقبة ... كما عهدت ليالي العشق مقبول
وقد أراني بلبنى حقّ مقتنع ... والشّمل مجتمع والحبل موصول
فصرت من حبّ لبنى حين أذكرها ... القلب مرتهن والعقل مدخول
أصبحت من حبّ لبنى بل تذكّرها ... في كربة ففؤادي اليوم مشغول
والجسم منّي منهوك لفرقتها ... يبريه طول سقام فهو منحول
كأنني يوم ولّت ما تكلّمني ... أخو هيام مصاب القلب مسلول
أستودع الله لبنى إذ تفارقني ... عن غير طوع وأمر الشّيخ مفعول
ثم ارتحلت لبنى، فجعل قيس يقبّل موضع رجليها من الأرض وحول خبائها، فلما رأى ذلك قومه أقبلوا على أبيه بالعذل واللوم، فقال ذريح لما رأى حاله تلك: قد جنيت عليك يا بنيّ، فقال له قيس: قد كنت أخبرك أني مجنون بها فلم ترض إلا بقتلي، فالله حسبك وحسب أمّي! وأقبل قومه يعذلونه في تقبيله التراب، فأنشأ يقول: [الوافر]
فما حبّي لطيب تراب أرض ... ولكن حبّ من وطئ الترابا
فهذا فعل شيخينا جميعا ... أرادا لى البليّة والعذابا
* * * [1093] وقرأت على أبي بكر بن دريد: [الوافر]
كسوناها من الرّيط اليماني ... مسوحا في بنائقها فضول
وهدّمنا صوامع شيّدتها ... لها حبب مخالطها نجيل
يقول: كانت هذه الإبل بيضا كأن عليها الريط، ثم اسودّت من العرق من شدة ما أتعبناها، فكأننا كسوناها المسوح يعني: أنها صارت سودا بعد أن كانت بيضا، وقوله:
وهدمنا صوامع شيدتها
يعني أسنمتها رفعتها. لها حبب، وهي جمع حبّة وهي بزور البقل والنبات. مخالطها نجيل، والنجيل من الحمض، ومنه قول الشماخ: [الطويل]
ولا عيب في مكروهها غير أنّها ... تبدّل جونا لونها غير أزهرا
[1094](1/338)
ولا عيب في مكروهها غير أنّها ... تبدّل جونا لونها غير أزهرا
[1094]
[من أمثال العرب]:
قال أبو علي: قال أبو عبيدة: من أمثال العرب: «العقوق ثكل من لم يثكل» يقول: إذا عقّه ولده فقد ثكلهم وإن كانوا أحياء. قال ومن أمثالهم: «تجنّب روضة وأحال يعدو» يقول:
ترك الخصب واختار الضّيق، يضرب مثلا للرجل تعرض عليه الكرامة فيختار الهوان. قال الأصمعي: ومن أمثالهم: «إذا نزابك الشّرّ فاقعد» أي: فاحلم ولا تسارع إليه.
[1095]
[إبدال الياء جيما في لغة فقيم]:
وقال الأصمعي: حدثني خلف الأحمر، قال: أنشدني رجل من أهل البادية: [الرجز]
عمّي (1) عويف وأبو علجّ ... المطعمان الشّحم بالعشجّ
والبغداة كسر البرنجّ ... ينزع بالودّ وبالصّيصجّ
أراد بالعشيّ. والصّيصجّ: أراد الصّيصيّة وهي قرن البقرة. وقال أبو عمرو بن العلاء:
قلت لرجل من بني حنظلة: ممن أنت؟ قال: فقيمجّ، فقلت: من أيهم؟ قال: مرّجّ، أراد فقيميّ ومرّيّ.
وأنشد لهميان بن قحافة السّعدي: [الرجز]
يطير عنها الوبر الصّهابجا
قال: أراد الصّهابيّ من الصّهبة. وقال يعقوب بن السكيت: بعض العرب إذا شدد الياء جعلها جيما، وأنشد عن ابن الأعرابي:
كأنّ في أذنابهنّ الشّوّل ... من عبس الصّيف قرون الإجّل
أراد الإيّل، وأنشد الفراء: [الرجز]
لا همّ إن كنت قبلت حجّتج ... فلا يزال شاحج يأتيك بج
أقمر نهّات ينزّي وفرتج
أراد وفرتي
[1096]
[ما تعاقب فيه الحاء الجيم]:
قال الأصمعي يقال: تركت فلانا يجوس بني فلان ويحوسهم: إذا كان يدوسهم ويطلب فيهم.
وحدثني أبيو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن الحسين، قال حدثنا المازني، قال: سمعت أبا سرار الغنويّ يقرأ: (فحاسوا خلال الدّيار) فقلت: إنما هو {فَجََاسُوا} [الإسراء: 5]، فقال: حاسوا وجاسوا واحد. قال وسمعته يقرأ: (وإذ قتلتم نسمة)
__________
(1) في «اللسان» خالي لقيط وفي «شرح الأشموني على ألفية ابن مالك»: خالي عويف. ولعلها روآيات. ط(1/339)
(فادّار أتم فيها) [البقرة:] فقلت له: إنما هو نفس، قال: النّسمة والنفس واحد. قال الكسائي:
يقال أحمّ الأمر وأجمّ: إذا حان وقته. ويقال: رجل محارف ومجارف. قال: وهم يحلبون عليك ويجلبون أي: يعينون. قال الأصمعي: إذا حان وقوع الأمر قيل: أجمّ، يقال: أجمّ ذلك الأمر أي: حان وقته، وأنشد: [الخفيف]
حيّيا ذلك الغزال الأحمّا ... إن يكن ذاكم الفراق أجمّا
قال: وإذا قلت: حمّ الأمر فهو قدر، ولم يعرف أحمّ بالألف.
[1097]
[ما تعاقب فيه الهمزة العين]:
قال الأصمعي: يقال: آديته على كذا، وأعديته أي: قوّيته وأعنته. ويقال: أستأديت الأمير على فلان في معنى استعديت، وأنشد ليزيد بن خذّاق العبدي: [الكامل]
ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت ... سبل المكارم والهدى يعدي
يقول: إبصارك الهدى يقوّيك على الطريق، ومعنى يعدي يقوّي، ومنه أعداني السلطان، قال: ولقد أضاء لك الطريق أي: أبصرت أمرك وتبيّنته. وأنهجت: صارت نهجا واضحة بيّنة. قال: وسمعت أبا تغلب ينشد بيت طفيل الغنوي: [الطويل]
فنحن منعنا يوم حرس نساءكم ... غداة دعانا عامر غير معتلي
يريد موتلي. ويقال: كثّأ اللّبن وكثّع، وهي الكثأة والكثعة إذا علا دسمه وخثورته رأسه وأنشد: [الطويل]
وأنت امرؤ قد كثّأت لك لحية ... كأنّك منها قاعد في جولق
ويقال: موت زؤاف وزعاف وذعاف وذواف إذا كان يعجّل القتل. ويقال: أردت أن تفعل كذا وكذا، وبعض العرب يقول: أردت عن تفعل. وقال يعقوب بن السكيت: أنشد أبو الصقر: [الطويل]
أريني (1) جوادا مات هزلا لألّني ... ارى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
يريد لعلّني. وقال الأصمعي: يقال: التمئ لونه والتمع لونه. وهو السّأف والسّعف.
وقال يعقوب: سمعت أبا عمرو يقول: الأسن: قديم الشّحم، وبعضهم يقول: العسن.
[1098]
[وصية أم لابنها عن النميمة، وحفظ الدين، والجود، والحلم، والغدر]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن رستم، قال: حدثني محمد بن قادم النحوي، قال: قال أبان بن تغلب. وكان عابدا من عبّاد أهل البصرة.: شهدت أعرابية وهي توصي ولدا لها يريد سفرا وهي تقول له: أي بنيّ! اجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك. قال أبان: فوقفت
__________
(1) قائل هذا البيت حطائط بن يعفر ويقال هو لدريد، كذا في «اللسان» وفي حماسة التبريزي طبع مدينة بن (755) أنه لحطائط. ط(1/340)
مستمعا لكلامها مستحسنا لوصيتها، فإذا هي تقول: أي بنيّ! إياك والنّميمة، فإنها تزرع الضّغينة وتفرّق بين المحبين، وإياك والتعرض للعيوب، فتتّخذ غرضا وخليق ألّا يثبت الغرض على كثرة السّهام، وقلّما اعتورت السهام غرضا إلا كلمته حتى يهي ما اشتدّ من قوّته، وإياك والجود بدينك والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريما يلن لهزّتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها، ومثّل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه، ومن كانت مودّته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الرّيح في تصرفها، ثم أمسكت فدنوت منها فقلت: بالله يا أعرابية، إلّا زدته في الوصيّة، فقالت: أوقد أعجبك كلام العرب يا عراقي؟ قلت: نعم، قالت: والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلّة ريطتها وسربالها.
[1099]
[وصف أعرابي للدنيا]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، قال: وجد بخط العتبي بعد موته في كتبه أن رجلا سأل بعض الزّهّاد فقال: أخبرني عن الدنيا، فقال: جمّة المصائب، رنقة المشارب، لا تمتع صاحبا بصاحب.
[1100]
[قول عبد الملك في السياسة]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي زيد قال: سأل الوليد بن عبد الملك أباه عن السياسة، فقال: هيبة الخاصّة مع صدق مودّتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات الصنائع (1)، فإن (2) شكرها أقرب الأيادي إليها.
[1101]
[الحسد]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قيل لبعض الحكماء: ما الداء العياء؟ فقال: حسد ما لا تناله بقول ولا تدركه بفعل.
[1102]
[الصبر، السخاء، الجود بالحق]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يقول: من لم يضن بالحق عن أهله فهو الجواد. وسمعت آخر يقول: الصّبر عند الجود أخو الصبر عند اليأس، وسمعت آخر يقول: سخاء النفس عما في أيدي الناس أكثر من سخاء البذل.
[1103]
[المشاورة، صدق النصيحة، وإخلاص المودة]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: شاور أعرابي ابن
__________
(1) كذا في «عيون الأخبار» طبع دار الكتب المصرية. (مجلد 1ص 10) وفي الأصل: «الضغائن» وهو تحريف. ط
(2) هكذا في النسخ وروى كلام الوليد هذا في «العقد الفريد» و «عيون الأخبار» ولم ترد فيه هذه العبارة. ط(1/341)
عمّ له فأشار عليه برأي، فقال: قد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه وحزنه بسهله ويحرّك الإشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح منه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا شك في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد الله إلى الخير منهجا واضحا وطريقا مهيعا.
قال أبو علي: المهيع: الواضح.
* * * [1104]
[وصية زياد لعمّاله]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس قال: كان زياد إذا ولّى رجلا عملا قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك وسلّمتك من معرّتنا أمانتك. وإن وجدناك قويّا خائنا استهنّا بقوّتك، وأحسنّا على خيانتك أدبك، وأوجعنا ظهرك وثقّلنا غرمك. وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرّتين، وإن وجدناك أمينا قويّا زدنا في عملك ورفعنا ذكرك، وكثّرنا مالك وأوطأنا عقبك.
[1105]
[قول أعرابي في تمدّحه بنسبه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن عبد الله بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل بن الربيع والآذن يأذن لذوي الهيئات والشارات، وأعرابي يدنو فكلّما دنا صرخ به، فقام ناحية وأنشأ يقول: [البسيط]
رأيت آذننا يعتام بزّتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام
ولو دعينا على الأحساب قدمني ... مجد تليد وجدّ راجح نامي
متى رأيت الصّقور الجدل يقدمها ... خلطان من رخم قزع ومن هام
[1106] وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لطفيل الغنوي: [الطويل]
وأصفر مشهوم الفؤاد كأنه ... غداة النّدى بالزّعفران مطيّب
تفلت عليه تفلة ومسحته ... بثوبي حتّى جلده متقوّب
يراقب إيحاء الرّقيب كأنه ... لما وتروني أوّل اليوم مغضب
أصفر يعني: قدحا. مشهوم الفؤاد أي: كأن فؤاده مذعور من سرعة خروجه.
والشّهم: الحديد الفؤاد الذّكي. وقوله: بالزعفران أراد: قد أصابه الندى فاصفرّ كأنه مطيّب بالزعفران. وروى الأصمعي: وأصفر مسموم الفؤاد يعني: قدحا محزوز الصدر، وكلّ ثقب فهو سمّ وسمّ، فجعل الحزّ ثقبا وجعل صدر القدح فؤاده. وقوله: تفلت عليه، يقول: كان ضرب به فتترّب، فتفلت عليه ومسحته بثوبي ليتملّس فيكون أسرع لخروجه. ومتقوّب:
متقشر، وقوابته قشره. وقوله: يراقب إيحاء الرقيب، يقول: كأن هذا القدح بصير بما يراد
منه، فهو بلامح الرقيب، فإذا قيل للمفيض أفض فكأنه يوحي إليه إيحاء. وقوله: لما وتروني، يقول: كأنه مغضب لقهرهم إياي في أول النهار فهو يثأر لي.(1/342)
متقشر، وقوابته قشره. وقوله: يراقب إيحاء الرقيب، يقول: كأن هذا القدح بصير بما يراد
منه، فهو بلامح الرقيب، فإذا قيل للمفيض أفض فكأنه يوحي إليه إيحاء. وقوله: لما وتروني، يقول: كأنه مغضب لقهرهم إياي في أول النهار فهو يثأر لي.
[1107]
[هجاء بعض الأعراب لأخيه شقيقه]:
قال أبو علي: أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: قال رجل لأخيه: لأهجونّك، قال: وكيف تجوني وأبونا واحد وأمنا واحدة! فقال: [الطويل]
غلام أتاه اللّؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من نحو أمّ ولا أب
قال وقال آخر يهجو أخاه: [الوافر]
أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تفاضلت الطبائع والظّروف
وأمّك حين تنسب أمّ صدق ... ولكنّ ابنها طبع سخيف
وقومك يعلمون إذا التقينا ... من المرجوّ منّا والمخوف
[1108]
[قصيدة جميل في خصومة جرت بينه وبين بثينة]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد لجميل: [الوافر]
وقلت لها اعتللت بغير ذنب ... وشرّ الناس ذو العلل البخيل
ففاتيني إلى حكم من اهلي ... وأهلك لا يحيف ولا يميل
فقالت أبتغى حكما من اهلي ... ولا يدري بنا الواشي المحول
فولّينا الحكومة ذا سجوف ... أخا دنيا له طرف كليل
فقلنا ما قضيت به رضينا ... وأنت بما قضيت به كفيل
قضاؤك نافذ فاحكم علينا ... بما تهوى ورأيك لا يفيل
فقلت له قتلت بغير جرم ... وغبّ الظلم مرتعه وبيل
فسل هذي متى تقضي ديوني ... وهل يقضيك ذو العلل المطول
فقالت إن ذا كذب وبطل ... وشرّ من خصومته طويل
أأقتله ومالي من سلاح ... وما بي لو أقاتله حويل
ولم آخذ له مالا فيلفى ... له دين عليّ كما يقول
وعند أميرنا حكم وعدل ... ورأي بعد ذلكم أصيل
فقال أميرنا هاتوا شهدوا ... فقلت شهيدنا الملك الجليل
فقال يمينها وبذاك أقضي ... وكلّ قضائه حسن جميل
فبتّت حلفة مالي لديها ... نقير أدّعيه ولا فتيل
فقلت لها وقد غلب التّعزّي ... أما يقضى لنا يابثن سول
فقالت ثم زجّت حاجبيها ... أطلت ولست في شيء تطيل
فلا يجدنّك الأعداء عندي ... فتثكلني وإيّاك الثّكول
[1109](1/343)
وقلت لها اعتللت بغير ذنب ... وشرّ الناس ذو العلل البخيل
ففاتيني إلى حكم من اهلي ... وأهلك لا يحيف ولا يميل
فقالت أبتغى حكما من اهلي ... ولا يدري بنا الواشي المحول
فولّينا الحكومة ذا سجوف ... أخا دنيا له طرف كليل
فقلنا ما قضيت به رضينا ... وأنت بما قضيت به كفيل
قضاؤك نافذ فاحكم علينا ... بما تهوى ورأيك لا يفيل
فقلت له قتلت بغير جرم ... وغبّ الظلم مرتعه وبيل
فسل هذي متى تقضي ديوني ... وهل يقضيك ذو العلل المطول
فقالت إن ذا كذب وبطل ... وشرّ من خصومته طويل
أأقتله ومالي من سلاح ... وما بي لو أقاتله حويل
ولم آخذ له مالا فيلفى ... له دين عليّ كما يقول
وعند أميرنا حكم وعدل ... ورأي بعد ذلكم أصيل
فقال أميرنا هاتوا شهدوا ... فقلت شهيدنا الملك الجليل
فقال يمينها وبذاك أقضي ... وكلّ قضائه حسن جميل
فبتّت حلفة مالي لديها ... نقير أدّعيه ولا فتيل
فقلت لها وقد غلب التّعزّي ... أما يقضى لنا يابثن سول
فقالت ثم زجّت حاجبيها ... أطلت ولست في شيء تطيل
فلا يجدنّك الأعداء عندي ... فتثكلني وإيّاك الثّكول
[1109]
[شعر في ثبات الحب رغم الهجر]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: كانت خليبة الخضرية تهوى ابن عم لها، فعلم بذلك قومها فحجبوها، فقالت: [الطويل]
هجرتك لما أن هجرتك أصبحت ... بنا شمّتا تلك العيون الكواشح
فلا يفرح الواشون بالهجر ربّما ... أطال المحبّ الهجر والجيب ناصح
وتغدو النوى بين المحبين والهوى ... مع القلب مطويّ عليه الجوانح
قال عبد الرحمن قال عمي: فحدثت بهذا الحديث رجلا من ولد جعفر بن أبي طالب، فقال: كانت خيرة بنت أبي ضيغم البلويّة تهوى ابن عم لها، وذكر مثل الحديث، فقالت:.
قال أبو علي: وأملى علينا هذه الأبيات أبو عبد الله وقال: أنشدناها أحمد بن يحيى لأم ضيغم البلوية.: [الطويل]
وبتنا خارف الحيّ لا نحن منه ... ولا نحن بالأعداء مختلطان
وبنا يقينا ساقط الطّلّ والنّدى ... من الليل بردا يمنة عطران
نذود بذكر الله عنّا من الشّذى ... إذا كان قلبانا بنا يجفان
قال أبو علي: الشذى: الأذى.
[1110] وروى أبو عبد الله:
نذود بذكر الله عنها من الصّبا ... إذا كان قلبانا بنا بردان
ونصدر عن أمر العفاف وربّما ... نقعنا غليل النّفس بالرّشفان
وروى أبو عبد الله: ونصدر عن ريّ العفاف وربما نقعنا إلخ
[1111]
[شعر لطفيل يصف إبلا]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لطفيل الغنوي يصف إبلا: [الطويل]
عوازب لم تسمع نبوح مقامة ... ولم تر نارا تمّ حول مجرّم
سوى نار بيض أو غزال صريمة ... أغنّ من الخنس المناخر توأم
إذا راعياها أنضجاه تراميا ... به خلسة أو شهوة المتقرّم
عوازب: بعيدات من البيوت. والنّبوح: أصوات الناس. والمقامة: حيث يقيم الناس.
وتمّ: تمام. والمجرّم: المكمّل، يقول: هذه الإبل عوازب لعزّ أربابها ترعى حيث شاءت لا تمنع ولا تخاف، فلم تسمع أصوات أهل مقامة، ولم تر نارا سنة تامة سوى نار بيض نعام يصيبه راعيها فيشويه أو غزال يصيده. والصّريمة: القطعة من الرمل. وأغن: فيه غنّة. والأخنس:
القصير الأنف، وكلّ ضبي أخنس. والتّوأم: الذي ولد مع غيره، وذلك أشد لضئولته وصغر جسمه. وقيل للشعبي: مالك ضئيلا؟ قال: لأني زوحمت في الرّحم. وقيل لبعضهم: مالك ضئيلا؟ قال: صاف بي أبي أي: ولدت وهو كبير السّن. وإذا صغر ما يشوى صغرت النار.
وقوله: تراميا به أي: بالغزال، رمى هذا إلى هذا وهذا إلى هذا خلسة أي: اختلاسا شبه العاشين، أو يفعلان ذلك قرما إلى اللحم، وذلك لاستغنائهما عنه باللّبن.(1/344)
القصير الأنف، وكلّ ضبي أخنس. والتّوأم: الذي ولد مع غيره، وذلك أشد لضئولته وصغر جسمه. وقيل للشعبي: مالك ضئيلا؟ قال: لأني زوحمت في الرّحم. وقيل لبعضهم: مالك ضئيلا؟ قال: صاف بي أبي أي: ولدت وهو كبير السّن. وإذا صغر ما يشوى صغرت النار.
وقوله: تراميا به أي: بالغزال، رمى هذا إلى هذا وهذا إلى هذا خلسة أي: اختلاسا شبه العاشين، أو يفعلان ذلك قرما إلى اللحم، وذلك لاستغنائهما عنه باللّبن.
[1112]
[مرثية مسلم بن الوليد ليزيد بن مزيد]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا أبو الحسن بن البراء، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الجعفي، قال: كان شاعر يفد إلى يزيد بن مزيد في كل سنة، فقال له يزيد: كم يكفيك في كل سنة؟ فقال: كذا وكذا، فقال: أقم في بيتك يأتك ذلك، ولا تتعبنّ إلينا، فلما مات رثاه بهذه الأبيات: والشاعر مسلم بن الوليد، قال: وقال أبو الحسن بن البراء قال لي ابن أبي طاهر: الشاعر هو التيمي: [الوافر]
أحقّ أنه أودى يزيد ... تأمّل أيّها الناعي المشيد
أتدري من نعيت فكيف فاهت ... به شفتاك كان به الصّعيد
أحامي المجد والإسلام أودى ... فما للأرض ويحك لا تميد
تأمّل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل شاب الوليد
وهل شيمت سيوف بني نزار ... وهل وضعت عن (1) الخيل اللّبود
وهل تسقى البلاد عشار مزن ... بدرّتها وهل يخضرّ عود
أما هدّت لمصرعه نزار ... بلى وتقوّض المجد المشيد
وحلّ ضريحه إذ حلّ فيه ... طريف المجد والحسب التّليد
أما والله ما تنفكّ عيني ... عليك بدمعها أبدا تجود
فإن تجمد دموع لئيم قوم ... فليس لدمع ذي حسب جمود
أبعد يزيد تختزن البواكي ... دموعا أو تصان لها خدود
لتبكك قبّة الإسلام لمّا ... وهت أطنابها ووهى العمود
ويبكك شاعر لم يبق دهر ... له نشبا وقد كسد القصيد
فمن يدعو الأنام لكل خطب ... ينوب وكلّ معضلة تئود
ومن يحمي الخميس إذا تعايا ... بحيلة نفسه البطل النّجيد
فإن تهلك يزيد فكلّ حيّ ... فريس للمنيّة أو طريد
ألم تعجب له أنّ المنايا ... فتكن به وهنّ له جنود
لقد عزّى ربيعة أنّ يوما ... عليها مثل يومك لا يعود
[1113]
[مرثية زينب بنت الطّثرية في أخيها يزيد]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد أبيات زينب بنت الطّثريّة ترثي أخاها
__________
(1) في الأصل المطبوع «على». وهو تحريف والتصويب عن «وفيات الأعيان». ط(1/345)
يزيد (1)، وأملاها علينا أيضا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله! عن أحمد بن يحيى. وفي الروايتين زيادة ونقصان. وأنا آتي على جميعها، وفيها أبيات تروى للعجير السّلولي ولها، وقد أملينا أبيات العجير: [الطويل]
أرى الأثل من وادي العقيق مجاوري ... مقيما وقد غالت يزيد غوائله
فتى قدّ قد السّيف لا متضائل ... ولا رهل لبّاته وبآدله
فتى لا ترى قدّ القميص بخصره ... ولكنّما توهي القميص كواهله
فتى ليس لابن العمّ كالذّئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله
يسرّك مظلوما ويرضيك ظالما ... وكلّ الذي حمّلته فهو حامله
إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ... على الحيّ حتى تستقلّ مراجله
إذا ماطها للقوم كان كأنّه ... حميّ وكانت شيمة لا تزايله
إذا القوم أمّوا بيته فهو عامد ... لأحسن ما ظنّوا به فهو فاعله
إذا جدّ عند الجدّ أرضاك جدّه ... وذو باطل إن شئت أرضاك باطله
مضى وورثناه دريس مفاضة ... وأبيض هنديّا طويلا حمائله
فتى كان يروي المشرفيّ بكفّه ... ويبلغ أقصى حجرة الحيّ نائله
كريم إذا لاقيته متبسّما ... وإمّا تولّى أشعث الرأس جافله
ترى جازريه يرعدان وناره ... عليها عدا ميل الهشيم وصامله
يجرّان ثنيا خيرها عظم جاره ... بصيرا بها لم تعد عنها مشاغله
ولو كنت في غلّ فبحت بلوعتي ... إليه للانت لي ورقّت سلاسله
ولما عصاني القلب أظهرت عولة ... وقلت ألا قلب بقلبي أبادله
[1114] الرّهل: المسترخي. والبآدل: واحدها بأدلة وهي اللّحمة التي بين المنكب والعنق. والعذوّر: السّيّئ الخلق. والدّريس والدّرس: الثوب الخلق، وجمعه درسان.
والهدم والطّمر والسّمل والنّهج: الخلق أيضا. والمفاضة: الواسعة. والحجرة: الناحية، يقال: جلس فلان على حجرة أي: ناحية. والعداميل: القديمة. والصامل: اليابس.
والثّني: الولد الذي بعد الولد الأول، فالأول بكر والثاني ثني.
[1115]
[شعر أم الضحاك في حبّ زوجها]:
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله تعالى قال: كانت أم الضحاك المحاربيّة تحت رجل من بني الضّباب، وكانت تحبه حبا شديدا فطلقها فقالت:
هل القلب إن لاقى الضّبابي خاليا ... لدى الرّكن أو عند الصّفا متحرّج
__________
(1) انظر: «التنبيه» [90].(1/346)
وأعجلنا قرب المحلّ وبيننا ... حديث كتنشيج (1) المريضين مزعج
وروى أبو عبد الله: كتنشاج
حديث لو أن اللحم يصلى بحرّه ... طريّا أتى أصحابه وهو منضج
[1116]
[دواء الحب]:
قال أبو علي: وقرأت أيضا لها عليه: [الطويل]
سألت المحبّين الذين تحملوا ... تباريح هذا الحبّ من سالف الدهر
فقلت لهم ما يذهب الحبّ بعد ما ... تبوّأ ما بين الجوانح والصدر
فقالوا شفاء الحبّ حبّ يزيله ... من آخر أو نأي طويل على هجر
أو الياس حتى تذهل النفس بعد ما ... رجت طمعا واليأس عون على الصبر
[1117] قال: وقالت فيه أيضا حين سلت عنه:
تعزّيت عن حبّ الضّبابيّ حقبة ... وكلّ عمايا جاهل ستثوب
يقول خليل النفس أنت مريبة ... كلانا لعمري قد صدقت مريب
وأريبنا من لا يؤدّي أمانة ... ولا يحفظ الأسرار حين يغيب
ألهّفا بما ضيّعت ودّي وما هفا ... فؤادي بمن لم يدر كيف يثيب
[1118]
[قول زينب المرية في هوى ابن عم لها]:
قال وقرأت عليه لزينب بنت فروة المرّية في ابن عم لها يقال له المغيرة: [البسيط]
يأيّها الراكب الغادي لطيّته ... عرّج أنبّيك عن بعض الذي أجد
ما عالج الناس من وجد تضمّنهم ... إلا ووجدى به فوق الذي وجدوا
حسبي رضاه وأني في مسرّته ... وودّه آخر الأيام أجتهد
[1120] وقالت أيضا (2): [الطويل]
وذي حاجة ما باح قلنا وقد بدت ... شواكل منها ما إليك سبيل
لنا صاحب لا نشتهى أن نخونه ... وأنت لأخرى فارع ذاك خليل
تخالك تهوى غيرها فكأنّما ... لها تظنّيها عليك دليل
[1121] قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري البيتين الأولين في خبر طويل قد تقدم لليلى الأخيلية، وروايته:
وأنت لأخرى فارغ وخليل
[1122] [تأبّي الحب على العلاج]: وقال أيضا: [الطويل]
ألم تر أهلي يا مغير كأنّما ... يفيئون باللّوماء فيك الغنائما
__________
(1) تنشيج المريض: أنينه. ط
(2) انظر: «التنبيه» [83].(1/347)
ولو أنّ أهلي يعلمون تميمة ... من الحبّ تشفي قلّدوني التمائما
* * * [1123] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لرؤبة بن العجاج: [الرجز]
وقد أرى وساع جيب الكمّ ... أسفر عن عمامة المعتمّ ... عن قصب أسحم مدلهمّ
قال أبو العباس قوله: أرى واسع جيب الكم معناه: أرى شابّا رخيّ البال، يقال:
فلان واسع الجيب: إذا كان رخيّ البال قليل الاكتراث. وأسفر: أكشف أي: أبدي شعري لسواده وحسنه. والقصب هاهنا: الشّعر عن الأصمعي. والأسحم: الأسود.
[1124]
[مرثية عكرشة لابنه]:
قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد لعكرشة أبي شغب يرثى ابنه شغبا: [البسيط]
قد كان شغب لو أن الله عمّره ... عزّا تزاد به في عزّها مضر
فارقت شغبا وقد قوّست من كبر ... لبئست الخلّتان الثّكل والكبر
[1125]
[شعر في بذل الود بين الإخوان]:
قال وأنشدنا أبو عبد الله، عن أحمد بن يحيى، عن الزبير، عن أيوب بن عباية لنصيب: [الطويل]
كسيت ولم أملك سوادا وتحته ... قميص من القوهيّ بيض بنائقه
وما ضرّ أثوابي سوادي وإنني ... لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقه
ولا خير في ودّ امرىء متكاره ... عليك ولا في صاحب لا توافقه
إذا المرء لم يبذل من الودّ مثله ... بعاقبة فاعلم بأنّي مفارقه
[1126] وأنشدنا لعبد بني الحسحاس: [البسيط]
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... عند الفخار مقام الأصل والورق
إن كنت عبدا فنفسي حرّة كرما ... أو أسود اللّون إنّي أبيض الخلق
[الورق عند العرب]: قال أبو علي: الورق عند العرب: المال من الإبل والغنم، والورق: الفضّة.
[1127]
[وصف النار]:
وحدثني أبو بكر بن دريد، أن أبا حاتم أنشدهم، عن أبي زيد:
وزهراء إن كفّنتها فهو عيشها ... وإن لم أكفّنها فموت معجّل
يعني النار، هي زهراء أي: بيضاء تزهر، يقول: إن قدحتها فخرجت لم أدركها بخرقة أو غير ذلك ماتت.(1/348)
[1128]
[من أمثال العرب]:
قال أبو علي: قال الأصمعي: من أمثال العرب: «كلّ نجار إبل نجارها» يضرب مثلا للمخلّط، يريد أن فيه ألوانا من الخلق وليس يثبت على رأي. قال: ومن أمثالهم: «اسق رقاش إنّها سقّاية» يضرب مثا للمحسن، يقول: أحسنوا إليه لإحسانه. قال: ومن أمثالهم:
«خرقاء عيّابة» يضرب مثلا للأحمق أي: أنه أحمق وهو مع ذلك يعيب غيره. قال: ومن أمثالهم: «كلّ مجر بالخلاء يسرّ» وأصله أن الرجل يجري فرسه بالمكان الخالي لا مسابق له فيه، فهو مسرور بما يرى من فرسه ولا يرى ما عند غيره، يضرب مثلا للرجل تكون فيه الخلة يحمدها من نفسه ولا يشعر بما في الناس من الفضائل.
[1129]
[ما تعاقب فيه النون الميم]:
قال أبو عمرو الشيباني: يقال: أسود قاتم وقاتن. وقال الأحمر: يقال: طانه الله على الخير وطامه: إذا جبله، وهو يطينه: يجبله. وقال الأصمعي: يقال للحية: أيم وأين، والأصل أيّم فخفف، كما يقال: لين وليّن، وهين وهيّن. وأنشدنا لأبي كبير الهذلي (1): [الكامل]
ولقد وردت الماء لم يشرب به ... بين الرّبيع إلى شهور الصّيّف
إلّا عواسر كالمراط معيدة ... بالليل مورد أيّم متغضّف
والصّيّف: مطر الصّيف. وقوله: إلّا عواسر يعني: ذئابا عاقدة أذانبها. والمراط:
السّهام التي قد تمرّط ريشها. ومعيدة: معاودة للورد مرة بعد مرة، يقول: هذا المكان لخلائه من موارد الحيّات. ومتغضّف: متثنّ. قال ويقال: الغيم والغين، وأنشد لرجل من بني تغلب: [الوافر]
فداء خالتي وفدى صديقي ... وأهلي كلّهم لأبي قعين
فأنت حبوتني بعنان طرف ... شديد الشّدّ ذي بذل وصون
كأنّي بين خافيتي عقاب ... أصاب حمامة في يوم غين
قال يعقوب: وقال بعضهم: الغين: إلباس الغيم، ومنه: «إنّه ليغان عليه» أي: يغطّى ويلبس، يقال: قد غين على قلبه ورين على قلبه أي: غطّي، قال رؤبة:
أمطر في أكناف غين مغين
أي: ملبس
[1130] وأنشد الأصمعي لعوف بن الخرع: [الطويل]
وتشرب أسآر الحياض تسوفها ... ولو وردت ماء المريرة آجما
قال: أظنه أراد آجنا. قال ويقال: للشّمال: نسع ومسع.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [91].(1/349)
[1131] وأنشد للهذلي: [البسيط]
قد حال دون دريسيه مؤوّبة ... نسع لها بعضاه الأرض تهزيز
دريسيه: خلقيه. ومؤوّبة: تأتي مع الليل. والعضاه: كل شجر له شوك، الواحدة عضة. والحلّان والحلّام: فويق الجدي.
[1132] وأنشد لابن أحمر (1):
تهدى إليه ذراع الجدى تكرمة ... إمّا ذبيحا وإما كان حلّانا
فالذبيح: الذي يصلح للنّسك. والحلّان: الصغير الذي لا يصلح للنسك. ويقال في الضّبّ: حلّلان، وفي اليربوع: جفرة، والجفرة، التي قد انتفخ جنباها وأكلت وشربت حتى سمنت، ويقال: غلام جفر إذا سمن وتحرّك، وأنشدنا أبو عبيدة قول مهلهل:
كلّ قتيل في كليب حلّام ... حتّى ينال القتل آل همّام
قال أبو علي: يقول: كل قتيل صغير ليس هو بوفاء من كليب بمنزلة الحلّام الذي ليس بوفاء أن يذبح للنسك، حتى ينال القتل آل همام فإنهم وفاء به.
[1133] وقال الأصمعي يقال: انتقع لونه، وامتقع لونه، وهو ممتقع اللون، ويقال: نجر من الماء ينجر نجرا، ومجر يمجر مجرا، إذا أكثر من شرب الماء فلم يكد يروى، وأنشد: [الرجز]
حتى إذا ما اشتدّ لوبان النّجر
وقال غيره يقال: مخجت بالدّلو ونخجت بها، إذا جذبت بها لتمتلئ، وأنشد الفراء:
[الرجز]
فصبّحت قليذما هموما ... يزيدها مخج الدّلا جموما
القليذم: البئر الغزيرة. والدّلا جمع دلاة. والمدى والنّدى: الغاية، قال الأصمعي:
الندى: بعد ذهاب الصوت، يقال: مر فلانا أن ينادي فإنه أندى منك صوتا، وأنشد للفرزدق (2): [الوافر]
فقلت (3) ادعي وأدع فإنّ أندى ... لصوت أن ينادي داعيان
أي أشد لذهابه، وأنشد: [الطويل]
ومن (4) لم يزل يستسمع العام حوله ... ندى صوت مقروع عن العذف عاذب
المقروع: الذي اختير للفحلة. والعذف: الأكل، يقال: ماذقت عذوفا. والعاذب:
__________
(1) انظر: «التنبيه» [95].
(2) انظر: «التنبيه» [92].
(3) انظر: «التنبيه» [93].
(4) في «اللسان» مادة «ندى»: أن البيت لمدثار بن شيبان النمري، وفي كتاب المفصل في النحو لجار الله الزمخشري طبع لندن (ص 111) أنه لربيعة بن جشم. ط(1/350)
القائم (1) الذي لا يأكل شيئا، يقال: ما زال عاذبا عن المرعى. وقال يعقوب بن السكيت سمعت (2) أبا عمرو يقول: ما ذقت عدوفا ولا عذوفا، قال: وأنشدت يزيد بن مزيد عدوفا، فقال لي: صحّفت يا أبا عمرو، فقلت: لم أصحّف، لغتكم عذوف ولغة غيركم عدوف.
وقال غيره: رطب محلقن ومحلقم، وقال الأصمعي: إذا بلغ الترطيب ثلثي البسرة فهي حلقانة والجمع حلقان، وهي محلقنة ومحلقمة. والحزم والحزن: ما غلظ من الأرض، وهي الحزوم والحزون. قال: ويقال للبعير إذا قارب الخطو وأسرع: دهامج ودهانج، وقد دهمج يدهمج دهمجة، ودهنج يدهنج دهنجة، وأنشد (3): [المتقارب]
وعير (4) لها من بنات الكداد ... يدهمج بالقعب والمزود
يدهمج: يسرع في تقارب خطوه، وقال العجاج: [الرجز]
كأنّ رعن الآل منه في الآل ... بين الضّحى وبين قيل القيّال
إذا بدا دهانج ذو أعدال
شبّه الرّعن حين يقمص في ذلك الوقت وهو توهّج السّراب ببعير عليه أعدال يسرع بها.
[1134] وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد الأزدي لذي الرمة: [الطويل]
ودوّ ككفّ المشتري غير أنّه ... بساط لأخماس المراسيل واسع
الدّوّ: المستوي من الأرض. وقوله: ككف المشتري يعني: إذا بسط كفه فصفّق براحته على راحلة بائعه إذا اشترى منه علقا. والبساط: الأرض الواسعة. لأخماس: لسير الأخماس وهو جمع خمس، والخمس: ورود الماء في اليوم الخامس.
[1135]
[فعل الدهر بالإنسان]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا العكلي، عن أبي خالد، عن الهيثم بن عدي قال: دخل الخيار بن أوفى النّهدي على معاوية فقال له: يا خيار، كيف تجدك وما صنع بك
__________
(1) عبارة «اللسان» مادة «عذب»: العذوب من الدواب وغيرها: القائم الذي يرفع رأسه فلا يأكل ولا يشرب: وكذلك العاذب. ط
(2) في «اللسان» قال أبو حسان سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: ماذقت عدوفا ولا عدوفة قال: وكنت عند يزيد بن مزيد الشيباني فأنشدته بيت قيس بن زهير:
ومجنبات ما يذقن عدوفة ... يقذفن بالمهرات والأمهار
فقال لي يزيد: صحفت أبا عمرو، إنما هي عذوفة بالذال، قال فقلت له: لم أصحف أنا ولا أنت:
تقول ربيعة هذا الحرف بالذال وسائر العرب بالدال. ط
(3) انظر: «التنبيه» [94].
(4) البيت من قصيدة للفرزدق، مطلعها:
عرفت المنازل من مهدد كوحي ... الزبور لدى الغرقد
راجع: كتاب «النقائض» طبع مدينة ليدن (ص 787). ط(1/351)
الدهر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، صدع الدهر قناتي، وأثكلني لداتي، وأوهى عمادي، وشيّب سوادي، وأسرع في تلادى، ولقد عشت زمنا أصبي الكعاب، وأسرّ الأصحاب، وأجيد الضّراب، فبان ذلك عنّي، ودنا الموت منّي، وأنشأ يقول: [الطويل]
غبرت زمانا يرهب القرن جانبي ... كأنّي شتيم (1) باسل القلب خادر (2)
يخاف عدوّي صولتي ويهابني ... ويكرمني قرني وجاري المجاور
وتصبي الكعاب لمّتي (3) وشمائلي ... كأنّي غصن ناعم النّبت ناضر
فبان شبابي واعترتني رثية (4) ... كأنّي قناة أطّرتها المآطر
أدبّ إذا رمت القيام كأنني ... لدى المشي قرم قيده متقاصر
وقصر الفتى شيب وموت كلاهما ... له سائق يسعى بذاك وناظر
وكيف يلذّ العيش من ليس زائلا ... رهين أمور ليس فيها مصادر
فقال معاوية: أحسنت القول! واعلم أن لها مصادر فنسأل الله أن يجعلها من الصادرين بخير، فقد أوردنا أنفسنا موارد نرغب إلى الله أن يصدرنا عنها وهو راض.
[1136] وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قدم علينا البصرة رجل من أهل البادية شيخ كبير فقصدته فوجدته يخضب لحيته، فقال: ما حاجتك؟ فقلت: بلغني ما خصّك الله به فجئتك أقتبس من علمك، فقال: أتيتني وأنا أخضب وإن الخضاب لمن علامات الكبر، وطال والله ما غدوت على صيد الوحوش، ومشيت أمام الجيوش، واختلت بالرّداء، وهؤت بالنساء، وقريت الضيف، وأرويت السّيف، وشربت الراح، ونادمت الجحجاح (5)، فاليوم قد حناني الكبر، وضعف مني البصر، وجاء بعد الصّفو الكدر، ثم قبض على لحيته وأنشأ يقول: [البسيط]
شيب تغيّبه كيما تغرّبه ... كبيعك الثّوب مطويّا على حرق
قد كنت كالغصن ترتاح الرّياح له ... فصرت عودا بلا ماء ولا ورق
صبرا على الدهر إن الدهر ذو غير ... وأهله منه بين الصّفو والرّنق
قال أبو علي قال أبو زيد يقال: هؤت بالرجل خيرا أهوء به هوءا إذا أزننته (6) به، وإنه لذو هوءة إذا كان ذا رأي ماضيا، قال العجاج:
لا عاجز الهوء ولا جعد القدم
__________
(1) الشتيم: الأسد العابس. ط
(2) الخادر: الأسد المقيم في خدره. ط
(3) اللمة: الشعر المجاوز شحمة الأذن. ط
(4) رثية: ضعف. ط
(5) الجحجاح: السيد الكريم. ط
(6) أزننته: ظننته. ط(1/352)
وقال أبو عمرو: الهوء: الهمّة، وقد هاء يهوء، وفلان بعيد الهوء أي: بعيد الهمّة.
[1137] قال أبو علي وأنشدني أبو يعقوب إسحاق بن الجنيد ورّاق أبي بكر بن دريد، قال: أنشدنا أحمد بن عبيد، قال: أنشدني أبو العيناء: [مجزوء الكامل]
ما في يديّ من الصّبا ... إلا الصّبابة والأسف
جاء الشباب فما أقا ... م ولا ألمّ ولا وقف
كان الشباب كزائر ... ملّ الزيارة فانصرف
[1138] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدني أبي: [الخفيف]
لا يرعك المشيب يابنة عبد اللّ ... هـ فالشيب حلّة ووقار
إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار
[1139] وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوي، قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد، قال: أنشدني مسعود بن بشر المازني: [الوافر]
رأيت أبا الوليد غداة جمع ... به شيب وما فقد الشبابا
ولكن تحت ذاك الشّيب حزم ... إذا ما قال أمرض أو أصابا
قال أبو العباس: معنى قوله: أمرض أي: قارب الصواب، ومنه إنه ليمرّض في القول إذا لم يصرّح.
[1140]
[قول عليّ في الهيبة والحياء والفرصة والحكمة]:
وحدثنا أبو محمد النحوي، قال: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول: بلغني، عن علي رضوان الله عليه: قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان، والفرصة تمرّ مرّ السحاب، والحكمة ضالّة المؤمن، فخذ ضالّتك حيثما وجدتها.
[1141]
[موعظة عليّ لابن عباس]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا العكلي، عن أبيه قال: بلغني عن ابن عباس أنه قال: كتب إليّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بموعظة ما سررت بموعظة سروري بها! أما بعد، فإن المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فما نالك من دنياك فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تتبعه أسفا، فليكن سرورك بما قدّمت، وأسفك على ما خلّفت، وهمّك فيما بعد الموت.
[1142]
[شعر في اطلاع الله على عباده على الدوام]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى الشيباني: [الطويل]
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
[1143](1/353)
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
[1143]
[شعر في البلاء الأكبر، وهو النار]:
وأنشدنا، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى: [البسيط]
في كل بلوى تصيب المرء عافية ... إلا البلاء الذي يدني من النار
ذاك البلاء الذي ما فيه عافية ... من العذاب ولا ستر من العار
[1144]
[العالم والجاهل]:
وأنشدنا أبو محمد النحوي، قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد، قال: أنشدني عمرو بن بحر الجاحظ قال أبو محمد: والشعر لصالح بن عبد القدوس: [الطويل]
وإنّ عناء أن تفهّم جاهلا ... فيحسب جهلا أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
متى ينتهى عن سيّئ من أتى به ... إذا لم يكن منه عليه تندّم
[1145] وأنشدنا أبو عبد الله، قال: أنشدنا محمد بن يزيد، قال: أنشدني عبد الله بن القاسم، قال: أنشدني العتبي:
تأنّقت في الإحسان حين أتيته ... إلى ابن أبي ليلى فأنزله ذمّا
فو الله ما آسى على فوت شكره ... ولكن خطاء الرأي يحدث لي غمّا
[1146]
[حكمة من أحمق]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، قال: كان بالمدينة غلام يحمّق فقال لأمه: يوشك أن تريني عظيم الشأن، فقالت: فكيف؟ والله ما بين لابتيها أحمق منك! فقال: والله ما رجوت هذا الأمر إلا من حيث يئست منه، أما علمت أن هذا زمان الحمقى وأنا أحدهم.
قال أبو علي: اللابة الحرّة، وجمعها لاب، ويقال: اللّوبة أيضا، وجمعها لوب، وإنما قيل: للأسود لوبيّ لأن حجارة الحرة سود كأنها محترقة، ومنه قيل: للحرّة فتين لأن معنى فتنوا أحرقوا (1).
[1147]
[كل ما هو آت: آت]:
وأنشد أبو عبد الله نفطويه: [البسيط]
لا تنظرن إلى عقل ولا أدب ... إن الجدود قرينات الحماقات
واسترزق الله مما في خزائنه ... فكلّ ما هو آت مرّة آتي
* * *
__________
(1) من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} أي: أحرقوهم بالنار الموقدة في الأخدود كذا في «اللسان». ط(1/354)
[1148] وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي:
[الطويل]
يعزّي المعزّي ثم يمضي لشأنه ... ويترك في القلب الدّخيل المجمجما
حريقا ثوى في القلب لو أنّ بعضه ... أناخ على سلمى إذا لتضرّما
[1149]
[شعر في السلو]:
قال: وأنشدنا قال: أنشدنا أبو عيسى الرّبضي، قال: أنشدنا الطّوسي أبو الحسن على بن عبد الله: [مخلع البسيط]
أتت على عهده الليالي ... وحدثت بعده أمور
واعتضت باليأس منه صبرا ... واعتدل الحزن والسرور
فلست أرجو ولست أخشى ... ما أحدثت بعده الدهور
فليجهد الدّهر في مساتي ... فما عسى جهده يضير
[1150]
[مرثية لأم معدان الأنصارية ترثي فتيانا رزئتهم]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد لرحمن، عن عمه قال: أنشدني المذحجيّ لأم معدان الأنصارية: [البسيط]
لا يبعد الله فتيانا رزئتهم ... بانوا لوقت مناياهم فقد بعدو
أضحت قبورهم شتّى ويجمعهم ... زوّ المنون (1) ولم يجمعهم بلد
ميت بمصر وميت بالعراق ومي ... ت بالحجاز منايا بينهم بدد
رعوا من المجد أكنافا إلى أجل ... حتى إذا بلغت أظماؤهم وردوا
كانت لهم همم فرّقن بينهم ... إذا القعاديد (2) عن أمثالها قعدوا
فعل الجميل وتفريج الجليل وإع ... طاء الجزيل إذا لم يعطه أحد
[1151]
[من أمّل رجلا هابه، ومن قصّر عن شيء عابه]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: من أمل رجلا هابه، ومن قصّر عن شيء عابه، وإنما يعيب الشيء الذي يقصّر عنه حسدا، وقال أبو زيد يقال: لقيت فلانا غزالة الضّحى، ورأد الضّحى، وكهر الضّحى، كل ذلك عند ما تنبسط الشمس وتضحى، قال الراجز: [الرجز]
دعت سليمى دعوة هل من فتى ... يسوق بالقوم غزالات الضّحى
فقام لا وان ولا رثّ القوى
__________
(1) زو المنون: أحداثها. ط
(2) القعاديد جمع قعدد: وهو الجبان اللئيم القاعد عن المكارم. ط(1/355)
[1152]
[شعر في حفظ الحب مع الهجر]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة:
إذا غبت يا أسماء فارعي مودّتي ... بحفظ كما أرعاك حين أغيب
بنفسي من يجني الذنوب تجرّما ... عليّ وما حلّت عليّ ذنوب
تصدّ إذا ما جئت حتى كأنني ... عدوّ مريض الصدر وهو حبيب
[1153]
[مكانة المحبوب]:
وأنشدنا أبو عبد الله: [الوافر]
حلفت برب مكّة والمصلّى ... وربّ الواقفين غداة جمع
لأنت على التّنائي فاعلميه ... أحبّ إليّ من بصري وسمعي
[1154] وقرأت على أبي عبد الله لذي الرمة: [الطويل]
أطاع الهوى حتى رمته بحبله ... على ظهره بعد العتاب عواذله
أطاع الهوى يعني: هذا المشتاق، أي: اتّبع هواه حتى خلّته العواذل وقلن له: حبلك على غاربك، وإنما هذا مثل أي: قلن له: اذهب حيث شئت. ومثله قول الأخنس بن شهاب التغلبي:
رفيقا (1) لمن أعيا وقلّد حبله ... وحاذر جرّاه (2) الصّديق الأقارب
[1155]
[ما تعاقب فيه الهاء والحاء، وشيء من أمثال العرب، وموعظة مطرف في أدب السّير]:
قال أبو علي: قال الأصمعي: مدح ومده، وما أحسن مدحه ومدهه، ومدحته ومدهته.
قال وقال الحارث بن مصرف: سابّ جحل بن نضلة معاوية بن شكل عند المنذر أو النعمان. شكّ فيه الأصمعي. فقال جحل: إنه قتّال ظباء، تبّاع إماء، مشّاء بأقراء، قعوّ الأليتين، أفحج الفخذين، مفجّ الساقين. فقال: أردت أن تذمه فمدهته. ورواية أبي بكر بن دريد: كيما تذيمه.
قال أبو علي: الأقراء: واحدها قريّ وهو مسيل الماء إلى الرياض. وقعوّ الأليتين:
ممتلئ الأليتين ناتئهما ليس بمنبسطهما. والفحج: التباعد. ومفجّة الساقين: متباعدة هذه عن هذه. ويقال: قوس فجواء (3) إذا بان وترها عن كبدها، وأنشد لرؤبة: [الرجز]
لله درّ الغانيات المدّه
__________
(1) أي أرافق من أعيا عذاله وقلد حيله. وقد ورد صدر هذا البيت محرفا في الطبعة الأولى هكذا: قرينة من أعيا إلخ والتصويب عن المفضليات للضبي (راجع ص 413طبع بيروت سنة 1920). ط
(2) جراه: جريرته وهي جنايته: يقال: جر فلان على قومه جريرة سوء. ط
(3) الذي في «اللسان»: قوس فجاء ومنفجة. ط(1/356)
أي: المدّح. ويقال: كدحه وكدهه. ووقع من السطح فتكدّح وتكدّه، وأنشد لرؤبة: [الرجز]
يخاف صقع القارعات الكدّه
الصّقع: كل ضرب على يابس. كدّه: كسّر. والقارعة: كل هنة شديدة القرع.
ويقال: هبش له وحبش أي: جمع له، وهو يهتبش ويحتبش، والأحبوش: الجماعات، قال رؤبة: [الرجز]
لولا حباشات من التّحبيش ... لصبيه كأفرخ العشوش
وقال العجاج: [الرجز]
كأنّ صيران المها الأخلاط ... برملها من عاطف وعاط
بالرمل أحبوش من الأنباط
أي: جماعة من الأنباط. ويقال: قهل جلده وقحل، والمتقهّل: اليابس الجلد. ويقال للرجل إذا كان يتيبّس في القراءة: متقهّل ومتقحّل (1). ويقال: جله وجلح، وهو الجله والجلح: وهو انحسار الشعر من مقدّم الرأس فوق الصّدغين، قال رؤبة:
برّاق أصلاد الجبين الأجله
الأصلاد: جمع صلد، وكل حجر صلب فهو صلد. ويقال: نحم ينحم، ونهم ينهم، ونأم ينئم، وأنح يأنح، وأنه يأنه وهو صوت مثل الزّحير، قال رؤبة: [الرجز]
رعّابة يخشي نفوس الأنّه
يصف فحلا، يقول: يرعب نفوس الذين يأنهون. وقال غير الأصمعي: في صوته صحل وصهل أي: بحوحة. وقال: هو يتفيهق في كلامه ويتفيحق: إذا توسّع في الكلام وتنطّع، وأصله الفهق وهو الامتلاء.
وقال الأصمعي يقال: الحقحقة والهقهقة: السّير المتعب، قال وقال رؤبة: [الرجز]
يصبحن بعد القرب المقهقه
إنما أصله من الحقحقة، قلبوا الحاء هاء لأنها أختها، وقلبوا الهقهقة إلى القهقهة. ومن أمثالهم: «شرّ السّير الحقحقة». قال وقال مطرّف بن الشّخّير لابنه: يا عبد الله، عليك بالقصد وإيّاك وسير الحقحقة يريد: الاتعاب. قال أبو علي: الحقحقة مشتق من الحقّ أي: يعطي الناقة الحقّ في سيرها فتجهد نفسها.
[1156]
[عزاء أهل اليمن لبعض الناس في موت أخيه، والتسليم للقدر]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة. وحدثنا قال: حدثني أيضا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي. ولفظاهما
__________
(1) عبارة «اللسان»: وتقحل الرجل وتقهل على البدل: يبس من العبادة خاصة. ط(1/357)
متفقان غير أن أبا عبيدة قال: لبعض ملوك اليمن. وقال ابن الكلبي: لذي رعين. قال: مات أخ لذي رعين فعزّاه بعض أهل اليمن فقال: إن الخلق للخالق، والشّكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بدّ مما هو كائن، وقد حلّ ما لا يدفع، ولا سبيل إلى رجوع ما قد فات، وقد أقام معك ما سيذهب عنك وستتركه، فما الجزع ممّا لا بدّ منه، وما الطّمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سينقل عنك أو تنقل عنه، وقد مضت لنا أصول نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد الأصل! فأفضل الأشياء عند المصائب الصبر، وإنما أهل الدنيا سفر لا يحلّون عن الرّكاب إلا في غيرها، فما أحسن الشّكر عند النّعم والتسليم عند الغير! فاعتبر بمن قد رأيت من أهل الجزع، هل ردّ أحدا منهم إلى ثقة من درك؟ واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف، فأفق والمرجع قريب، واعلم أنّما ابتلاك المنعم وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر، فإن نسيت الصبر فلا تغفل عن الشكر.
[1157]
[عزاء بعض الأعراب لآخر في أخيه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا سعيد بن هارون الأشنانداني، عن التوزي، عن أبي عبيدة قال: عزّى رجل من العرب رجلا على أخيه فقال: محبوب فائت، وغنم عارض، إن ضيّعته فات أيضا وبقيت حسيرا، أمّا أخوك فلا أخوك، فلا يذهب بك جزعك فتحطّ سوددك، وتقلّ ثقة عشيرتك باضطلاعك بالأمور، وفي كثرة الأسى عزاء عن المصائب.
[1158]
[التهنئة على الثواب أولى من التعزية على المصيبة]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت عمي يقول: التّهنئة على آجل الثواب أولى من التّعزية على عاجل المصيبة.
[1159]
[عزاء الوفود لسلامة ذي فائش في ابنه]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: نشأ لسلامة ذي فائش ابن كأكمل أبناء المقاول، وكان به مسرورا يرشّحه لموضعه، فركب ذات يوم فرسا صعبا فكبا به فوقصه، فجزع عليه أبوه جزعا شديدا وامتنع من الطعام واحتجب عن الناس، واجتمعت وفود العرب ببابه ليعزّوه، فلامه نصحاؤه في إفراط جزعه، فخرج إلى الناس فقام خطباؤهم يؤسّونه، وكان في القوم الملبّب بن عوف بن سلمة بن عمرو بن سلمة الجعفي، وجعادة بن أفلح بن الحارث. وهو جدّ الجراح بن عبد الله الحكمي صاحب خراسان. فقام الملبّب فقال: أيها الملك، إنّ الدنيا تجود لتسلب، وتعطي لتأخذ، وتجمع لتشتّت، وتحلي لتمر، وتزرع الأحزان في القلوب، بما تفجأ به من استرداد الموهوب، وكلّ مصيبة تخطّأتك جلل، مالم تدن الأجل، وتقطع الأمل، وإن حادثا ألمّ بك، فاستبدّ بأقلّك وصفح عن أكثرك لمن أجلّ النّعم عليك! وقد تناهت إليك أنباء من رزئ فصبر، وأصيب فاغتفر، إذ كان شوى فيما يرتقب ويحذر، فاستشعر اليأس مما فات إذ كان ارتجاعه ممتنعا، ومرامه مستصعبا، فلشيء ما ضربت الأسى، وفزع أول الألباب إلى حسن العزاء.
وقام جعادة فقال: أيها الملك، لا تشعر قلبك الجزع على ما فات، فيغفل ذهنك عن الاستعداد لما يأتي، وناضل عوارض الحزن بالأنفة عن مضاهاة أفعال أهل وهي العقول، فإن العزاء لحزماء الرجال، والجزع لربّات الحجال، ولو كان الجزع يردّ فائتا، أو يحيي تالفا، لكان فعلا دنيئا، فكيف به وهو مجانب لأخلاق ذوي الألباب! فارغب بنفسك أيها الملك عمّا يتهافت فيه الأرذلون، وصن قدرك عما يركبه المخسوسون، وكن على ثقة أنّ طمعك فيما استبدت به الأيام، ضلة كأحلام النيام.(1/358)
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: نشأ لسلامة ذي فائش ابن كأكمل أبناء المقاول، وكان به مسرورا يرشّحه لموضعه، فركب ذات يوم فرسا صعبا فكبا به فوقصه، فجزع عليه أبوه جزعا شديدا وامتنع من الطعام واحتجب عن الناس، واجتمعت وفود العرب ببابه ليعزّوه، فلامه نصحاؤه في إفراط جزعه، فخرج إلى الناس فقام خطباؤهم يؤسّونه، وكان في القوم الملبّب بن عوف بن سلمة بن عمرو بن سلمة الجعفي، وجعادة بن أفلح بن الحارث. وهو جدّ الجراح بن عبد الله الحكمي صاحب خراسان. فقام الملبّب فقال: أيها الملك، إنّ الدنيا تجود لتسلب، وتعطي لتأخذ، وتجمع لتشتّت، وتحلي لتمر، وتزرع الأحزان في القلوب، بما تفجأ به من استرداد الموهوب، وكلّ مصيبة تخطّأتك جلل، مالم تدن الأجل، وتقطع الأمل، وإن حادثا ألمّ بك، فاستبدّ بأقلّك وصفح عن أكثرك لمن أجلّ النّعم عليك! وقد تناهت إليك أنباء من رزئ فصبر، وأصيب فاغتفر، إذ كان شوى فيما يرتقب ويحذر، فاستشعر اليأس مما فات إذ كان ارتجاعه ممتنعا، ومرامه مستصعبا، فلشيء ما ضربت الأسى، وفزع أول الألباب إلى حسن العزاء.
وقام جعادة فقال: أيها الملك، لا تشعر قلبك الجزع على ما فات، فيغفل ذهنك عن الاستعداد لما يأتي، وناضل عوارض الحزن بالأنفة عن مضاهاة أفعال أهل وهي العقول، فإن العزاء لحزماء الرجال، والجزع لربّات الحجال، ولو كان الجزع يردّ فائتا، أو يحيي تالفا، لكان فعلا دنيئا، فكيف به وهو مجانب لأخلاق ذوي الألباب! فارغب بنفسك أيها الملك عمّا يتهافت فيه الأرذلون، وصن قدرك عما يركبه المخسوسون، وكن على ثقة أنّ طمعك فيما استبدت به الأيام، ضلة كأحلام النيام.
[1160] قال أبو علي: المقاول والأقيال: دون الملوك العظماء. ووقصه: كسره.
ويؤسّونه: يعزّونه، وأصله أن يقال: لك أسوة بفلان وفلان. والجلل: الصغير، والجلل:
الكبير، وهو من الأضداد. والبدّة: النصيب. واستبدّ به أي: جعله نصيبه. والشّوى: الهيّن اليسير، والشوى أيضا: رذال المال. والمناضلة: المراماة. والمضاهاة: المشاكلة.
والتّهافت: التتابع.
* * * [1161] وقرأنا على أبي بكر بن دريد: [الرجز]
حبسن بين رملة وقفّ (1) ... وبين نخل هجر الملتفّ
ثمّت أصدرن بغير كفّ
هذه إبل خرجت للميرة فرجعت بغير كفّ من طعام.
[1162]
[خطبة عمر بن عبد العزيز في الجزع، والدنيا]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثني أبي قال: حدثنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا الزنادي قال: يقال: إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تكلم بهذا الكلام في خطبته: ما الجزع مما لا بدّ منه، وما الطّمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سيزول! وإنّما الشيء من أصله، فقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله! إنّما الناس في الدنيا أغراض تنتضل فيهم المنايا، وهم فيها نهب للمصائب، مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمّر معمّر يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، فأين المهرب مما هو كائن! وإنما نتقلّب في قدرة الطالب، فما أصغر المصيبة اليوم مع عظيم الفائدة غدا، وأكبر خيبة الخائب فيه! والسلام.
[1163]
[لا رأي لحاقن]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا محمد بن علي المديني، قال: حدثنا أبو الفضل الرّبعي الهاشمي، قال: حدثني نهشل بن دارم، عن أبيه، عن جده، عن الحارث الأعور قال: سئل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه عن مسألة فدخل مبادرا، ثم خرج
__________
(1) القف: ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا. ط(1/359)
في حذاء ورداء وهو متبسم، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنك كنت إذا سئلت عن المسئلة تكون فيها كالسّكّة المحماة. قال: إني كنت حاقنا (1) ولا رأى لحاقن، ثم أنشأ يقول: [المتقارب]
إذا المشكلات تصدّين لي ... كشفت حقائقها بالنّظر
وإن برقت في مخيل الصّوا ... ب عمياء لا يجتليها البصر
مقنّعة بغيوب الأمور ... وضعت عليها صحيح الفكر
لسانا كشقشقة الأرح ... بي (2) أو كالحسام اليماني الذّكر
وقلبا إذا استنطقته الفنون ... أبرّ عليها بواه درر
ولست بإمّعة في الرجال ... يسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنّني مذرب الأصغرين ... أبيّن ممّا مضى ما غبر
[1164] قال أبو علي: المخيل: السحاب الذي يخال فيه المطر. والشّقشقة: ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه، ومنه قيل لخطباء الرجال: شقاشق، أنشدني أبو الميّاس لتميم بن مقبل: [البسيط]
عاد الأذلّة في دار وكان بها ... هرت الشّقاشق (3) ظلّامون للجزر
وأبرّ: زاد على ما تستنطقه. والإمّعة: الأحمق الذي لا يثبت على رأي. والمذرب:
الحادّ. وأصغراه: قلبه ولسانه.
[1165]
[خبر عبد الملك بن مروان وبطانته في أحسن ما قيل في الشّعر]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: كان عبد الملك بن مروان ذات ليلة في سمره مع ولده وأهل بيته وخاصته، فقال لهم: ليقل كلّ واحد منكم أحسن ما قيل في الشعر وليفضّل من رأى تفضيله، فأنشدوا وفضّلوا، فقال بعضهم: امرؤ القيس، وقال بعضهم: النابغة، وقال بعضهم: الأعشى، فلما فرغوا قال: أشعر والله من هؤلاء جميعا عندي الذي يقول: قال أبو علي: أنشد عبد الملك بعض هذه الأبيات التي أنا ذاكرها وضممت إليها ما اخترت من القصيدة وقت قراءتي شعر معن بن أوس على أبي بكر بن دريد وما رواه ابن الأعرابي في نوادره: [الطويل]
وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحلّ به الرّغم
فإن أعف عنه أغض عينا على قذى ... وليس له بالصّفح عن ذنبه علم
وإن أنتصر منه أكن مثل رائش ... سهام عدوّ يستهاض بها العظم
__________
(1) الحاقن: المجتمع بوله كثيرا. ط
(2) الأرحبي نسبة إلى أرحب وهي بطن من همدان تنسب إليهم النجائب الأرحبية. ط
(3) هرت الشقاشق: الخطباء اللسن الفصحاء، والهرت: سعة الشدق يكنى به عن الفصاحة. ط(1/360)
صبرت على ما كان بيني وبينه ... وما تستوي حرب الأقارب والسّلم
وبادرت منه النّأي والمرء قادر ... على سهمه ما دام في كفّه السّهم
ويشتم عرضي في المغيّب جاهدا ... وليس له عندي هوان ولا شتم
إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السّفاهة والإثم
وإن أدعه للنّصف يأب ويعصني ... ويدعو لحكم جائر غيره الحكم
فلولا اتّقاء الله والرّحم التي ... رعايتها حقّ وتعطيلها ظلم
إذا لعلاه بارقي وخطمته ... بوسم شنار لا يشاكهه (1) وسم
ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
يودّ لو أني معدم ذو خصاصة ... وأكره جهدي أن يخالطه العدم
ويعتدّ غنما في الحوادث نكبتي ... وما إن له فيها سناء ولا غنم
فما زلت في ليني له وتعطّفي ... عليه كما تحنو على الولد الأم
وروى:
فما زلت في رفق به وتعطف ... عليه
وزاد ابن الأعرابي:
وخفض له منّي الجناح تألّفا ... لتدنيه مني القرابة والرّحم
وقولي إذا أخشى عليه مصيبة ... ألا اسلم فداك الخال ذو العقد والعمّ
وروى:
وقولي إذا أخشى عليه ملمّة ... ألا اسلم
وصبري على أشياء منه تريبني ... وكظمي على غيظي وقد ينفع الكظم
لأستلّ منه الضّغن حتى استللته ... وقد كان ذا ضغن يضيق به الجزم
رأيت انثلاما بيننا فرقعته ... برفقي وإحيائي وقد يرقع الثّلم
وأبرأت غلّ الصّدر منه توسّعا ... بحلمي كما يشفى بالأدوية الكلم
وزاد ابن الأعرابي:
فداويته حتّى ارفأنّ (2) نفاره ... فعدنا كأنّا لم يكن بيننا صرم
وأطفأ نار الحرب بيني وبينه ... فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم
وروى: فأطفأت نار الحرب. فقيل له: يا أمير المؤمنين، من قائل هذه الأبيات؟ قال:
معن بن أوس المزني.
__________
(1) لا يشاكهه: لا يشابهه ولا يشاكله. ط
(2) أرفأن: سكن، مأخوذ من رفأ الثوب: لام خرقه وضم بعضه إلى بعض. ط(1/361)
[1166]
[شعر في مدح بعض الفتيان، والصبر عند مصيبة الموت]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله: [الطويل]
لنعم الفتى أضحى بأكناف حائل ... غداة الوغى أكل الرّدينيّة السّمر
لعمري لقد أرديت غير مزلّج (1) ... ولا مغلق باب السّماحة بالعذر
سأبكيك لا مستبقيا فيض عبرة ... ولا طالبا بالصّبر عاقبة الصبر
[1167] وقرأت عليه لرجل مات له أخ بعد أخ: [الطويل]
كأني وصيفيّا خليلي لم نقل ... لموقد نار آخر الليل أوقد
فلو أنّها إحدى يديّ رزئتها ... ولكن يدي بانت على إثرها يدي
فأقسمت لا آسى على إثر هالك ... قدي الآن من وجد على هالك قدي
[1168] وأنشدني محمد بن السّري السراج لأبي عبد الرحمن العطوي: [الكامل]
حنّطته يا نصر بالكافور ... وزفقته للمنزل المهجور
هلّا ببعض خلاله حنّطته ... فيضوع أفق منازل وقبور
تالله لو بنسيم أخلاق له ... تعزى إلى التقديس والتطهير
طيّبت من سكن الثّرى وعلا الرّبى ... لتزوّدوه عدّة لنشور
فاذهب كما ذهب الوفاء فإنه ... عصفت به ريحا صبا ودبور
واذهب كما ذهب الشّباب فإنه ... قد كان خير مجاور وعشير
والله ما أبّنته لأزيده ... شرفا ولكن نفثة المصدور
[1169] وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله قول الشاعر: [الطويل]
وقد كتب الشّيخان لي في صحيفتي ... شهادة عدل أدحضت كلّ باطل
يعني والديه، يقول: بيّنا شبهي في صحيفة وجهي.
[1170]
[شروط هند بنت عتبة على أبيها في أمر زواجها]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا سعيد بن هارون قال: حدثني شيخ من أهل الكوفة، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق أخي بني عامر بن لؤي قال: قالت هند لأبيها عتبة بن ربيعة: إني امرأة قد ملكت أمري فلا تزوّجني رجلا حتى تعرضه عليّ، قال:
لك ذاك، فقال لها ذات يوم: إنه قد خطبك رجلان من قومك ولست مسمّيا لك واحدا منهما حتى أصفه لك، أما الأول: ففي الشّرف الصّميم، والحسب الكريم، تخالين به هوجا من غفلته، وذلك إسجاع من شيمته، حسن الصّحابه، سريع الإجابة، إن تابعته تبعك، وإن ملت كان معك، تقضين عليه في ماله، وتكتفين برأيك عن مشورته. وأما الآخر: ففي الحسب
__________
(1) المزلج: البخيل الناقص المروءة. ط(1/362)
الحسيب، والرأي الأريب، بدر أرومته، وعزّ عشيرته، يؤدّب أهله ولا يؤدّبونه، إن اتّبعوه أسهل بهم، وإن جانبوه توعّر عليهم، شديد الغيرة، سريع الطّيرة، صعب حجاب القبّة، إن حاجّ فغير منزور، إن نوزع فغير مقهور، وقد بيّنت لك كليهما. فقالت: أما الأول، فسيّد مضياع لكريمته موات لها فيما عسى إن تعتص (1) أن تلين بعد إبائها، وتضيع تحت خبائها، إن جاءته بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت، اطو ذكر هذا عنّي ولا تسمّه لي، وأما الآخر فبعل الحرّة الكريمة، إنّى لأخلاق هذا لوامقة، وإني له لموافقة، وإني لآخذه بأدب البعل مع لزومي قبّتي، وقلّة تلفّتي، وإن السّليل بيني وبينه لحرى أن يكون المدافع عن حريم عشيرته، الذائد عن كتيبتها، المحامي عن حقيقتها، المثبّت لأرومتها، غير مواكل ولا زمّيل عند صعصعة الحروب. قال: ذاك أبو سفيان بن حرب، قالت: فزوّجه ولا تلق إلقاء السّلس، ولا تسمه سوم الضّرس، ثم استخر الله في السماء، يخر لك في القضاء.
قال أبو علي: الإسجاح: السّهولة. والزّمل والزّمّال والزّمّيل والزّمّيلة: الجبان الضعيف. والصّعصعة: الاضطراب، يقال: قد تصعصع القوم في الحرب إذا اضطربوا، كذا قال أبو بكر، وغيره يقول: تصعصعوا: تفرّقوا. والضّرس: السيء الخلق.
[1171]
[خبر البنات الثلاثة اللّاتي منعهن أبوهن من الزواج، وقولهنّ في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، عن بعض أصحابه، عن المدائني قال: كان رجل من العرب له ثلاث بنات قد عضلهنّ ومنعهنّ الأكفاء، فقالت إحداهن: إن أقام أبونا على هذا الرأي فارقنا وقد ذهب حظّ الرجال منا، فينبغي لنا أن نعرض له ما في نفوسنا. وكان يدخل على كلّ واحدة منهن يوما. فلما دخل على الكبرى تحادثا ساعة، فحين أراد الانصراف أنشدت: [الطويل]
أيزجر لاهينا ونلحى على الصّبا ... وما نحن والفتيان إلّا شقائق
يؤبن حبيبات مرارا كثيرة ... وتنباق أحيانا بهنّ البوائق
فلما سمع الشعر ساءه، ثم دخل على الوسطى فتحادثا، فلما أراد الانصراف أنشدت:
[الطويل]
ألا أيّها الفتيان إنّ فتاتكم ... دهاها سماع العاشقين فحنّت
فدونكم ابغوها فتى غير زمّل ... وإلّا صبت تلك الفتاة وجنّت
فلما سمع شعرها ساءه، ثم دخل على الصغرى في يومها فتحادثا، فلما أراد الانصراف أنشدت: [الطويل]
أما كان في ثنتين ما يزع الفتى ... ويعقل هذا الشيخ إن كان يعقل
__________
(1) كذا في بعض النسخ وفي أخرى أن تقنص. ط(1/363)
فما هو إلّا الحلّ أو طلب الصّبا ... ولا بدّ منه فأتمر كيف تفعل
فلما رأى تواطؤهن على ذلك زوّجهنّ.
* * * [1172] وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: كان لهمّام بن مرّة ثلاث بنات فعنّسهنّ، فقالت الكبرى: أنا أكفيكموه اليوم، فقالت: [الوافر]
أهمّام بن مرّة إنّ همّي ... إلى قنفاء مشرفة القذال
فقال همام: قنفاء مشرفة القذال! تصف فرسا. فقالت الوسطى: ما صنعت شيئا، فقالت:
أهمام بن مرة إن همي ... إلى اللائي يكنّ مع الرجال
فقال همام: يكون مع الرجال الذهب والفضة! فقالت الصغرى: ما صنعتما شيئا، فقالت:
أهمام بن مرة إن همي ... إلى عرد أسدّ به مبالي
فقال همام: قاتلكنّ الله! والله لا أمسيت أو أزوّجكن! فزوّجهن.
[1173]
[ما قاله بعض الأدباء في وصف بعض الثقلاء، وبعض الشّعر في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس النحوي، قال: قال العباس بن الحسن العلوي (1): ما الحمام على الإصرار، وحلول الدّين مع الإقتار، وطول السّقم في الأسفار، بآلم من لقائه!
[1174] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو العباس وأبي واللفظ مختلط:
[المتقارب]
ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سرّه رغم أنفي ألم
أقول له إذ أتي لا أتى ... ولا حملته إلينا قدم
عدمت خيالك لا من عمى ... وسمع كلامك لا من صمم
تغطّ بما شئت عن ناظري ... ولو بالرّداء به فالتثم
لنظرته وخزة في القلوب ... كوخز المحاجم في الملتزم
[1175] قال: وأنشدنا عبد الله بن خلف: [الخفيف]
وثقيل أشد من ثقل المو ... ت ومن شدة العذاب الأليم
لو عصت ربّها الجحيم لما كا ... ن سواه عقوبة للجحيم
__________
(1) أي في وصف بعض الثقلاء كما يؤخذ من الأوصاف الآتية، ولعله هذه العبارة سقطت من قلم الناسخ. ط(1/364)
[1176] قال: وأنشدنا عبد الله بن خلف وغيره لمحمد بن نصر بن بسّام:
[الخفيف]
خخخ يا ثقيلا على القلوب إذا عن لها أيقنت بطول الجهاد
خخخ يا قذى في العيون يا غلّة بين التّراقي حزازة في الفؤاد
يا طلوع العذول يا بين إلف ... يا غريما أتى على ميعاد
يا ركودا في يوم غيم وصيف ... يا وجوه التّجار يوم الكساد
خلّ عنّا فإنما أنت فينا ... واو عمرو وكالحديث المعاد
خخخ وأمض في غير صحبة الله ما عشت ملقّى من كلّ فجّ وواد
خخخ يتخطّى بك المهامه والبيد دليل أعمى كثير الرّقاد
خخخ خلفك الثائر المصمّم بالسيف ورجلاك فوق شوك القتاد
[1177] قال وأنشدنا أبي: [الخفيف]
ربّما يثقل الجليس وإن كا ... ن خفيفا في كفّة الميزان
ولقد قلت حين وتّد في البي ... ت ثقيل أربى على ثهلان
كيف لم تحمل الأمانة أرض ... حملت فوقها أبا سفيان
[1178]
[خبر عزة كثيّر مع عبد الملك بن مروان]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي عكرمة الضّبّي، قال: قال العتبي:
دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان فقال لها: يا عزّة، أنت عزّة كثيّر؟ فقالت: أنا أمّ بكر الضّمريّة، فقال لها: أتروين قول كثيّر: [الطويل]
وقد زعمت أني تغيّرت بعدها ... ومن ذا الذي يا عزّ لا يتغيّر
تغيّر جسمي والخليفة كالتي ... عهدت ولم يخبر بسرّك مخبر
فقالت: لا أروى هذا، ولكن أروى قوله: [الطويل]
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشي بها العصم زلّت
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت
[1179]
[قصيدة لكثيّر في عزة]:
قال أبو علي: وقرأت هذه القصيدة على أبي بكر بن دريد رحمه الله في شعر كثيّر وهي من منتخبات شعر كثير، وأوّلها: [الطويل]
خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلّت
ويروى:
خليلي هذا رسم عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم انظرا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزّة ما الهوى ... ولا موجعات (1) الحزن حتّى تولّت
فقد حلفت جهدا بما نحرت له ... قريش غداة المأزمين وصلّت
أناديك ما حجّ الحجيج وكبّرت ... بفيفا غزال رفقة وأهلّت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذرا فأوفت وحلّت
ويروى: وفت فأحلّت.(1/365)
خليلي هذا رسم عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم انظرا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزّة ما الهوى ... ولا موجعات (1) الحزن حتّى تولّت
فقد حلفت جهدا بما نحرت له ... قريش غداة المأزمين وصلّت
أناديك ما حجّ الحجيج وكبّرت ... بفيفا غزال رفقة وأهلّت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذرا فأوفت وحلّت
ويروى: وفت فأحلّت.
فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت
ولم يلق إنسان من الحبّ ميعة ... تعمّ ولا غمّاء إلا تحلّت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت
ويروى: صفوح، والصّفوح: المعرض. ويروى: ذلك البخل.
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها ... وحلّت تلاعا لم تكن قبل حلّت
فليت قلوصي عند عزة قيّدت ... بحبل ضعيف غرّ منها فضلّت
وغودر في الحي المقيمين رحلها ... وكان لها باغ سواى فبلّت
وكنت كذى رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلّت
وكنت كذات الظّلع لمّا تحاملت ... على ظلعها بعد العثار استقلّت
أريد الثّواء عندها وأظنّها ... إذا ما أطلنا عندها المكث ملّت
فما أنصفت أمّا النساء فبغّضت ... إليّ وأمّا بالنوال فضنّت
يكلّفها الغيران شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلّت
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت
[1180] قال أبو علي: قيل لكثير: أنت أشعر أم جميل؟ فقال: بل أنا، فقيل له:
أتقول هذا وأنت راويته؟ فقال: جميل الذي يقول: [الطويل]
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح
وأنا أقول:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلّت
فو الله ما قاربت إلّا تباعدت ... بصرم ولا أكثرت إلا أقلّت
ويروى: ولا استكثرت.
فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا ... وحقّت لها العتبى لدينا وقلّت
وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... منادح لو سارت بها العيس كلّت
__________
(1) المشهور في هذا البيت: ولا موجعات القلب: فإن صح ما هنا فلعله رواية أخرى. ط(1/366)
خليليّ إن الحاجبيّة طلّحت ... قلوصيكما وناقتي قد أكلّت
فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت ... بعاقبة أسبابه قد تولّت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
ولكن أنيلي واذكري من مودّة ... لنا خلّة كانت لديكم فطلّت
فإني وإن صدّت لمثن وصادق ... عليها بما كانت إلينا أزلّت
فما أنا بالداعي لعزّة بالجوى ... ولا شامت إن نعل عزّة زلّت
فلا يحسب الواشون أنّ صبابتي ... بعزّة كانت غمرة فتجلّت
فأصبحت قد أبللت من دنف بها ... كما أدنفت هيماء ثم استبلّت
فو الله ثم الله ما حلّ قبلها ... ولا بعدها من خلّة حيث حلّت
وما مرّ من يوم عليّ كيومها ... وإن عظمت أيام أخرى وجلّت
وأضحت بأعلى شاهق من فؤاده ... فلا القلب يسلاها ولا العين ملّت
فيا عجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطّنت كيف ذلّت
وإني وتهيامي بعزّة بعد ما ... تخلّيت مما بيننا وتخلّت
لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلّما ... تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت
كأنّي وإياها سحابة ممحل ... رجاها فلما جاوزته استهلّت
فإن سأل الواشون فيم هجرتها ... فقل نفس حرّ سلّيت فتسلّت
[1181] قال أبو علي: المأزمان: بين عرفة والمزدلفة. وأناديك: أجالسك، وهو مأخوذ من النّديّ والنادي جميعا، وهما المجلس. وميعة كل شيء: أوله. والصّفوح:
المعرضة. بلّت: ذهبت.
[1182] قال أبو علي: وما أعرف بلّت ذهبت إلا في تفسير هذا البيت. والعتبى:
الإعتاب، يقال: عاتبني فلان فأعتبته إذا نزعت عما عاتبك عليه، والعتبى: الاسم والإعتاب المصدر. وقوله: طلّحت الطّليح: المعيي الذي قد سقط من الإعياء. وطلّت: هدرت.
وأزلّت: اصطنعت. ويقال: بلّ من مرضه وأبلّ واستبلّ إذا برأ. واعترافه: اصطباره، يقال:
نزلت به مصيبة فوجد عروفا أي: صبورا، والعارف: الصابر.
[1183]
[شعر في التوجع من الهجر، وتزبّي الحب على الكتمان]:
وأنشدا أبو عبد الله رحمه الله لنفسه: [البسيط]
وقائل لا تبح باسمي فقلت له ... هبني أكاتم جهدي ما أعانيه
قال أبو علي: أنشدنيه جهدي، وأنا أختار جهدي:
فكيف لي بارتياعي حين تبصرني ... حتى أقول بدا ما كنت أخفيه
أم كيف يسعدني صبر ولي كبد ... حرّى تذوب وقلب فيه ما فيه
يا ساحر اللّحظ قد والله برّح بي ... شوقي إليك وأعيا ما ألاقيه
[1184] قال أبو علي: وأنشدني لابن أذينة: [البسيط](1/367)
فكيف لي بارتياعي حين تبصرني ... حتى أقول بدا ما كنت أخفيه
أم كيف يسعدني صبر ولي كبد ... حرّى تذوب وقلب فيه ما فيه
يا ساحر اللّحظ قد والله برّح بي ... شوقي إليك وأعيا ما ألاقيه
[1184] قال أبو علي: وأنشدني لابن أذينة: [البسيط]
قالت وأبثثتها شجوي فبحت به ... قد كنت عندي تحبّ السّتر فاستتر
ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطّى هواك وما ألقى على بصري
[1185] وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي:
إلى الله أشكو ثم أثني فأشتكي ... غريما لواني الدّين منذ زمان
لطيف الحشا عبل الشّوى (1) طيّب اللّمى ... له علل لا تنقضي وأماني (2)
[1186]
[وصف الحجاج لنفسه]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا العكلي، عن أبيه قال: سأل عبد الملك الحجّاج عن عيبه فتلكّأ عليه، فأبى إلّا أن يخبره، فقال: أنا حديد حسود حقود لجوج ذو قسوة، فبلغ هذا الكلام خالد بن صفوان فقال: لقد انتحل الشّرّ بحذافره، والمروق من جميع الخير بزوبره (3)، ولقد تأنّق في ذمّ نفسه، وتجوّد في الدلالة على لؤم طبعه، وفي إقامة البرهان على إفراط كفره، والخروج من كنف ربّه، وشدّة المشاكلة لشيطانه الذي أغواه.
[1187]
[ما يكون بالخاء المعجمة والمهملة من الكلمات]:
قال الأصمعي: الخشيّ والحشيّ: اليابس، وأنشد للعجاج: [الرجز]
والهدب (4) الناعم والخشيّ
الناعم: الرّطب اللين، وأنشد (5): [الرجز]
وإنّ عندي لو ركبت مسحلي ... سمّ ذراريح رطاب وخشي
قال ويقال: حبج وخبج: إذا خرجت منه ريح، قال: وسمعت أعرابيّا يقول: خبج بها وربّ الكعبة، قال ويقال: فاحت منه ريح طيّبة وفاخت. وقال أبو زيد يقال: خمص الجرح يخمص خموصا، وحمص يحمص حموصا، وانحمص انحماصا، وانخمص انخماصا إذا
__________
(1) عبل الشوى أي: ممتلئة الأطراف بضنها. ط
(2) قال أبو علي: اللمي: سمرة الشفتين. كذا بهامش بعض النسخ. ط
(3) بزوبره أي: بأجمعه. ط
(4) تمامه كما في «شرح ديوان العجاج»، فهو إذا ما اجتافه جوفى، وقد روى قوله خشى فيما أنشده صاحب الأمالي بالخاء المعجمة والمهملة كما في «اللسان» وغيره من كتب اللغة. ط
(5) رواه في «اللسان»:
إن بني الأسود أخوال أبي ... فإن عندي لو ركبت مسحلي
سم ذراريج رطاب وخشى
والمسحل: العزم الصارم يقال: قد ركب فلان مسحله إذا عزم على الأمر وجد فيه. ط(1/368)
ذهب ورمه. وقال أبو عبيدة: المخسول والمحسول: المرذول، وقد حسلته وخسلته. قال أبو عمرو الشيباني: الجحادي والجخادي: الضّخم. قال: ويقال: طخرور وطحرور للسحابة، وقال الأصمعي: الطّخارير: قطع من السحاب مستدقّة رقاق، والواحدة طخرورة، والرّجل طخرور إذا لم يكن جلدا ولا كثيفا، ولم يعرفه بالحاء. قال اللحياني يقال: شرب حتّى اطمحرّ واطمخرّ أي: حتى امتلأ وروي. ويقال: دربح ودربخ إذا حنى ظهره. ويقال: هو يتحوّف مالي ويتخوّفه أي: ينقصه ويأخذ من أطرافه، قال الله عز وجل: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى ََ تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] أي: تنقّص، وقال الشاعر: [البسيط]
تخوّف السّير منها تامكا قردا ... كما تخوّف عود النّبعة السّفن
قال أبو علي: التامك: المرتفع من السّنام. والقرد: المتلبّد بعضه على بعض.
والسّفن: المبرد. وأخبرني أبو بكر بن الأنباري، عن أبيه قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس فقال: [الطويل]
تخوّفني مالي أخ لي ظالم ... فلا تخذلنّي اليوم يا خير من بقي
فقال: تخوّفك أي: تنقّصك؟ قال: نعم، قال: الله أكبر! {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى ََ تَخَوُّفٍ} [النحل:
47] أي: تنقّص من خيارهم. وقد قرئ {إِنَّ لَكَ فِي النَّهََارِ سَبْحاً طَوِيلًا} [المزمل: 7] وسبخا (1)، قرأها يحيى بن يعمر، قال الفراء: معناهما واحد أي: فراغا، وقال غيره: سبحا: فراغا، وسبخا: نوما. ويقال: قد سبخ الحرّ إذا خار وانكسر. ويقال: اللهم سبّخ عنه الحمّى أي:
خفّفها، وقال النبي (2) صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رحمها الله حين دعت على سارق سرقها: «لا تسبّخي عنه بدعائك» أي: لا تخفّفي عنه إثمه. ويقال لما سقط من ريش الطائر: سبيخ.
* * * [1188]
[ما تعاقب فيه الدال التاء]:
قال الأصمعي: هو السّدى والسّتى، والأسديّ والأستيّ لسدى الثوب، قال الحطيئة:
مستهلك الورد كالأسديّ قد جعلت ... أيدي المطيّ به عاديّة ركبا
ويروى: رغبا. ركب: جمع ركوب وهو الطريق الذي فيه آثار، والرّغب: الواسعة.
__________
(1) انظر: «تفسير القرطبي» (19/ 29).
(2) رواه أحمد (6/ 136)، وأبو داود (، 49092598)، والنسائي في «الكبرى» (7359) والبغوي في «شرح السنة» (1354) من طريق الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن عائشة.
ورواه أحمد (6/ 45) عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب به.
وحبيب مدلس ولم يذكر في ذلك سماعا، وقد روي الحديث عنه موصولا من طريق الثوري، وتابعه الأعمش به.
وقال الثوري مرة عن حبيب عن عطاء مرسل. أخرجه النسائي في «الكبرى» (7360)، فلعلّ عطاء لم يكن ينشط لإسناده على الدوام والله أعلم.(1/369)
قال: وأما السّدى من النّدى فبالدال لا غير، يقال سديت الأرض إذا نديت، من السماء كان الندى أو من الأرض. قال أبو علي: حكى بعض شيوخنا عن أبي عبيدة قال السّدى: ما كان في أول الليل، والنّدى: ما كان في آخره. ويقال للبلح إذا وقع وقد استرخت ثفاريقه وندي:
بلح سد. وقد أسدى النّخل. ويقال: أعتده وأعدّه، قال الشاعر: [الرجز]
إثما وغرما وعذابا معتدا
ويقال: الدّولج والتّولج: للكناس. ويقال: مدّ في السّير ومتّ. ويقال: السّبنداة والسّبنتاة للجريئة. ويقال للنّمر: سبنتى وسبندى. ويقال: هرت القصّار الثوب وهرده: إذا خرقه. وكذلك هرد عرضه وهرته.
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر بن دريد لحميد بن ثور: [الطويل]
قرينة سبع إن تواترن مرّة ... ضربن فصفّت أرؤس وجنوب
تواترن: اتّبع بعضهن بعضا، يريد: أنهن غير مصطفّات، فإذا أردن الطيران ضربن بأجنحتهن حتى يستوين، ثم يصرن إلى طيرانهنّ وهنّ مصطفّات الأرؤس والجنوب.
[1189]
[شعر في الحب وجمال العين]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لنفسه في قصيدة له أولها هذه الأبيات: [الكامل]
ليس المقصّر وانيا كالمقصر ... حكم المعذّر غير حكم المعذر
لو كنت أعلم أن لحظك موبقي ... لحذرت من عينيك مالم أحذر
لا تحسبي دمعي تحدّر إنما ... نفسي جرت في دمعي المتحدّر
خبري خذيه عن الضّنا وعن البكا ... ليس اللسان وإن تلفت بمخبر
ولقد نظرت فردّ طرفي خاسئا ... حذر العدا وبهاء ذاك المنظر
يأسي يحسّن لي التستّر فاعلمي ... لو كنت أطمع فيك لم أتستّر
[1190] قال أبو علي: المعذر في طلب الحاجة: المبالغ فيها، والمعذّر: المتواني.
والمقصر عن الشيء: الذي ينزع عنه وهو يقدر عليه، والمقصّر: العاجز عنه.
[1191]
[ما جاء من الكلمات بالصاد والزاي]:
قال الأصمعي: جاءتنا زمزمة من بني فلان وصمصمة أي: جماعة. وأنشد:
إذا تدانى زمزم لزمزم
[1192] وأنشدنا أيضا: [البسيط]
وحال دونى من الأبناء زمزمة ... كانوا الأنوف وكانوا الأكرمين أبا
قال ويروى: صمصمة، ويقال: نشصت المرأة على زوجها ونشزت، وهو النّشوص والنّشوز، ومنه يقال: نشصت ثنيّته إذا خرجت من موضعها، قال الأعشى: [الطويل]
تقمّرها شيخ عشاء فأصبحت ... قضاعيّة تأني الكواهن ناشصا
أي: ناشزا. قال أبو علي: قال لي أبو العباس: معنى تقمّرها: عقلها وأخرجها من قومها فأصبحت في قضاعة غريبة تأتي الكواهن تسأل عن حالها هل يرين لها الرجوع إلى أهلها أم لا. والنّشاص: الغيم المرتفع.(1/370)
تقمّرها شيخ عشاء فأصبحت ... قضاعيّة تأني الكواهن ناشصا
أي: ناشزا. قال أبو علي: قال لي أبو العباس: معنى تقمّرها: عقلها وأخرجها من قومها فأصبحت في قضاعة غريبة تأتي الكواهن تسأل عن حالها هل يرين لها الرجوع إلى أهلها أم لا. والنّشاص: الغيم المرتفع.
قال أبو علي: إنما سمّي نشاصا لأنه ارتفع على غيره بمنزلة الثّنيّة ارتفعت على غيرها. والشّرز والشّرص واحد وهو الغلظ.
[1225] قال الأصمعي: وسمعت خلفا يقول سمعت أعرابيّا يقول: «لم يحرم من فزد له» أي: من فصد فخفّف، وأبدل من الصاد زايا، يقول: لم يحرم من أصاب بعض حاجته وإن لم ينلها كلّها. ويقال: فصّ الجرح يفصّ فصيصا وفزّ يفزّ فزيزا أي: سال.
[1193]
[ما تتعاقب فيه السين والثاء المثلثة]:
وقال الأصمعي: أتانا ملس الظّلام وملث الظلام أي: اختلاطه، ويقال: ساخت رجله في الأرض وثاخت: إذا دخلت، قال أبو ذؤيب: [الكامل]
قصر الصّبوح لها فشرّج لحمها ... بالنّيّ فهي تثوخ فيها الإصبع
شرّج: خلط، وشريجان: خليطان. والنّيّ: الشحم. والوطس والوطث: الضرب الشديد بالخفّ. ويقال: فوه يجرى سعابيب وثعابيب وهو أن يجرى منه ماء صاف. ويقال:
ناقة فاسج وفاثج، وهي الفتيّة الحامل، وأنشد الأصمعي: [الرجز]
والبكرات اللّقّح الفواثجا (1)
[1194]
[ما قاله عمرو بن معد يكرب في مدح مجاشع بن مسعود حين وصله]:
وقال أبو علي: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة أن عمرو بن معديكرب أتى مجاشع بن مسعود بالبصرة يسأله الصّلة، فقال له: اذكر حاجتك، فقال:
حاجتي صلة مثلي، فأعطاه عشرة آلاف درهم وفرسا من بنات الغبراء وسيفا قلعيّا (2) وغلاما خبّازا، فلما خرج من عنده، قال له أهل المجلس: كيف وجدت صاحبك؟ فقال: لله درّ بني سليم: ما أشدّ في الهيجاء لقاءها، وأكرم في اللّزبات (3) عطاءها، وأثبت في المكرمات بناءها! والله لقد قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها! ثم قال: [الطويل]
ولله مسئولا نوالا ونائلا ... وصاحب هيجا يوم هيجا مجاشع
__________
(1) البيت لهميان بن قحافة: وصدره: يظل يدعونيها الضماعجا، والضماعج جمع ضمعج وهي الضخمة من النوق، والفوائج جمع فائج وهي الناقة التي لقحت فسمنت وهي فتية انظر «اللسان» مادة «فثج». ط
(2) السيف القلعي: نسبة إلى القلعة وهو موضع بالبادية تنسب إليه السيوف. ط
(3) اللزبات: الشدائد: واحدها لزبة. ط(1/371)
[1195]
[وصف رجل بالصبر والشجاعة]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي قال: ذكر أعرابي رجلا فقال: نعم حشو الدّرع ومقبض السّيف ومدره الرّمح! هو كان أحلى من العسل إذا لوين، وأمرّ من الصّبر إذا خوشن.
[1196]
[خبر خالد القسري مع المنصور]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا عبد الأول بن مريد، عن أبيه قال: حدثني بعض موالي بني هاشم قال: قال المنصور لخالد بن عبد الله القسري (1): إني لأعدّك لأمر كبير، قال: يا أمير المؤمنين، قد أعدّ الله لك منّي قلبا معقودا بنصيحتك، ويدا مبسوطة بطاعتك، وسيفا مشحوذا على أعدائك، فإذا شئت (2).
[1197]
[وصف الزبير بن عبد المطلب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وجماعة آخرين]:
قال: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن هشام بن محمد، قال:
حدثني رافع بن بكّار ونوح بن درّاج قالا: دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم على عمه الزبير بن عبد المطلب وهو صبي فأقعده في حجره، وقال: [منهوك الرجز]
محمّد بن عبدم ... عشت بعيش أنعم ... ودولة ومغنم
في فرع عزّ أسنم ... مكرّم معظّم ... دام سجيس الأزلم
أي: أبد الدهر. ثم دخل عليه العباس بن عبد المطلب وهو غلام فأقعده في حجره، وقال: [الرجز]
إن أخي عبّاس عفّ ذو كرم ... فيه عن العوراء إن قيلت صمم
يرتاح للمجد ويوفي بالذّمم ... وينحر الكوماء (3) في اليوم الشّبم
أكرم بأعراقك من خال وعمّ
ثم دخل عليه ضرار بن عبد المطلب وهو أصغر من العباس، فقال: [الرجز]
ظنّي بميّاس ضرار خير ظنّ ... أن يشتري الحمد ويغلي بالثّمن
ينحر للأضياف ربّات السّمن ... ويضرب الكبش إذا البأس أرجحن (4)
ثم دخلت عليه ابنته أم الحكم، فقال: [منهوك الرجز]
يا حبّذا أمّ الحكم ... كأنّها ريم أحم
يا بعلها ماذا يشمّ ... ساهم فيها فسهم
__________
(1) انظر: «التنبيه» [96].
(2) كذا وقع في النسخ، وهكذا ذكره أبو عليّ في «التنبيه».
(3) الكوماء: الناقة العظيمة السنام. ط
(4) ارجحن: ثقل، وأصله من قولهم: رحى مرجحنة أي: ثقيلة. ط(1/372)
ثم دخلت عليه جارية له يقال لها أم مغيث، فقالت: مدحت ولدك وبني أخيك، ولم تمدح ابني مغيثا، فقال: عليّ به عجّليه، فجاءت به، فقال: [الرجز]
وإنّ ظنّي بمغيث إن كبر ... أن يسرق الحجّ إذا الحجّ كثر
ويوقر الأعيار من قرف الشجر ... ويأمر العبد بليل يعتذر
ميراث شيخ عاش دهرا غير حر
قال أبو علي: سألت أبا بكر عن يعتذر فقال: يصنع عذيرة، وهي طعام من أطعمة الأعراب.
قال أبو علي: وقد جمع يعقوب هذا الباب في كتاب المنطق فأكثر ولم يأت بهذه الكلمة. فأمّا يعتذر من العذر فكثير في أشعار العرب في أمثال هذا الموضع.
[1198]
[ما وصفت به هند بنت عتبة ابنها معاوية]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن هشام قال: قالت هند بنت عتبة، وهي ترقص ابنها معاوية رحمه الله: [الرجز]
إن بنيّ معرق كريم ... محبّب في أهله حليم
ليس بفحّاش ولا لئيم ... ولا بطخرور (1) ولا سئوم
صخر بني فهر به زعيم ... لا يخلف الظّنّ ولا يخيم
قال أبو علي: يخيم: يجبن، يقال: خام عن قرنه، ويمكن أن يكون يخيم في هذا الموضع يخيب أبدلت من الباء ميما، كما قالوا: طين لازب ولازم.
[1199]
[ما وصفت به ضباعة بنت عامر ابنها المغيرة بن سلمة]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن هشام قال: قالت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير وهي ترقص ابنها المغيرة بن سلمة: [الرجز]
نمى به إلى الذّرى هشام ... قرم وآباء له كرام
جحاجح (2) خضارم (3) عظام ... من آل مخزوم هم الأعلام
الهامة العلياء والسّنام
[1200]
[ما وصفت به أم الفضل ابنها عبد الله بن عباس]:
قال: وأخبرني عمي، عن أبيه، عن هشام قال: قالت أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي ترقص ابنها عبد الله بن العباس: [الرجز]
ثكلت نفسي وثكلت بكري ... إن لم يسد فهرا وغير فهر
__________
(1) يقال للرجل إذا لم يكن جلدا ولا كثيفا: أنه لطخرور وتخرور بمعنى واحد. ط
(2) جحاجح جمع جحجح: وهو السيد المسارع إلى المكارم. ط
(3) خضارم جمع خضرم: وهو السيد الكريم الجواد الكثير العطية الشبيه بالبحر. ط(1/373)
بالحسب العدّ وبذل الوفر ... حتّى يوارى في ضريح القبر
[1201]
[العقل، واللحد، والضريح]:
قال أبو علي: سمعت ابن خير الورّاق وقد سأل أبا بكر بن دريد فقال له: ممّ اشتقّ العقل؟ فقال: من عقال الناقة لأنه يعقل صاحبه عن الجهل أي: يحبسه، ولهذا قيل: عقل الدواء بطنه أي: أمسكه ولذلك سمّيت خبراء بالدّهناء معقلة، لأنها تمسك الماء، قال: فممّ اشتقّ اللّحد؟ قال: من قولهم لحد إذا عدل لأنه عدل إلى أحد شقّي القبر، قال: فمم اشتقّ الضّريح؟ قال: هو بمعنى مضروح كأنه ضرحه جانباه أي: دفعاه فوقع في وسطه.
[1203] وقرأت على أبي بكر بن دريد من شعر الحطيئة: [الطويل]
وإنّ التي نكّبتها عن معاشر ... عليّ غضاب أن صددت كما صدّوا
أتت آل شمّاس بن لأي وإنما ... أتاهم بها الأحلام والحسب العدّ
فإنّ الشّقيّ من تعادي صدورهم ... وذو الجدّ من لانوا إليه ومن ودّوا
قال أبو علي: الحسب: الشّرف. والعدّ: القديم، ويقال: بئر عدّ إذا كانت لها مادّة من الأرض.
يسوسون أحلاما بعيدا أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدّ
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللّوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
قال أبو علي: البنى واحدها بنية، مثل رشوة ورشى.
فإن كانت النّعمى عليهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
وإن قال مولاهم على جلّ حادث ... من الدهر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا
مطاعين في الهيجا مكاشيف للدّجى ... بنى لهم آباؤهم وبنى الجدّ
فمن مبلغ أبناء سعد فقد سعى ... إلى السّورة (1) العليا لهم حازم جلد
رأى مجد أقوام أضيع فحثّهم ... على مجدهم لما رأى أنّه الجهد
وروى الأصمعي: لما رأى أنه المجد. ويروى: لما رأى أنه الجدّ، فمن روى أنه الجهد أراد به أنه الجهد منه لأن تضييعهم أحسابهم قد جهده، ومن روى أنه الجدّ أراد أنه الجد من هؤلاء المضيعين في تضييعهم أحسابهم.
وتعذلني أفناء سعد عليهم ... وما قلت إلا بالذي علمت سعد
[1204]
[إذا المرء لم يترك طعاما يحبه]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأبناري، قال: أنشدني أبي: [الطويل]
إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمّما
__________
(1) السورة: المنزلة الرفيعة. ط(1/374)
فلا بد أن تلفى له الدهر سبّة ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
[1205]
[شعر في المراثي]:
وقرأت على أبي بكر بن دريد لأشجع (1): [الطويل]
مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلّا له فيه مادح
وما كنت أدري ما فواضل كفّه ... على الناس حتّى غيّبته الصّفائح
فأصبح في لحد من الأرض ميّتا ... وكانت له حيّا تضيق الصّحاصح (2)
وما أنا من رزء وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح
كأن لم يمت حيّ سواك ولم تقم ... على أحد إلّا عليك النوائح
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح
[1206] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم: [الطويل]
ألا في سبيل الله ماذا تضمّنت ... بطون الثّرى واستودع البلد القفر
بدور إذا الدنيا دجت أشرقت بهم ... وإن أجدبت يوما فأيديهم القطر
فيا شامتا بالموت لا تشمتن بهم ... حياتهم فخر وموتهم ذكر
حياتهم كانت لأعدائهم عمى ... وموتهم للفاخرين بهم فخر
أقاموا بظهر الأرض فاخضرّ عودها ... وصاروا ببطن الأرض فاستوحش الظّهر
[1207]
[شعر في كلاب الناس وأخلاقهم]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت عمي يقول سمعت أعرابيّا ينشد: [الوافر]
كلاب الناس إن فكّرت فيهم ... أضرّ عليك من كلب الكلاب
لأن الكلب لا يؤذي صديقا ... وإن صديق هذا في عذاب
ويأتي حين يأتي في ثياب ... وقد حزمت على رجل مصاب
فأخزى الله أثوابا عليه ... وأخزى الله ما تحت الثياب
[1208]
[شعر في المعاتبة، وطول التنائي]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: خرج أعرابي إلى الشأم، فكتب إلى بني عمه كتبا فلم يجيبوه عنها، فكتب إليهم: [الوافر]
ألا أبلغ معاتبتي وقولي ... بني عمّي فقد حسن العتاب
__________
(1) في «شرح ديوان الحماسة» للتبريزي طبع مدينة بن (ص 362) تنسب هذه الأبيات لمطيع بن إياس يرثي بها يحيى بن زياد. ط
(2) جمع صحصح: وهو ما استوى من الأرض. ط(1/375)
وسل هل كان لي ذنب إليهم ... هم منه فأعتبهم غضاب
كتبت إليهم كتبا مرارا ... فلم يرجع إليّ لهم جواب
فلا أدري أغيّرهم تنائي ... وطول العهد أم مال أصابوا
فمن يك لا يدوم له وفاء ... وفيه حين يغترب انقلاب
فعهدي دائم لهم وودّي ... على حال إذا شهدوا وغابوا
* * * [1209]
[ما يجيئ من الكلمات بالثاء المثلثة والذال المعجمة]:
قال أبو علي: قال الأصمعي يقال لتراب البئر: النّبيثة والنّبيذة. وقال يقال: قرب حثحاث وحذحاذ: إذا كان سريعا. ويقال: قثم له من ماله وقذم، وغذم له من ماله وغثم: إذا دفع إليه دفعة فأكثر.
ويقال: قرأ فما تلعثم وما تلعذم. ويقال: جثا يجثوا وجذا يجذو: إذا قام على أطراف أصابعه، وأنشد للنّعمان بن نضلة: [الطويل]
إذا شئت غنّتني دهاقين قرية ... وصنّاجة تجذو على كل منسم
قال أبو علي: جعل للإنسان منسما على الاتساع، وإنما المنسم للجمل كما قال الآخر:
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها ... إلى ملك أظلافه لم تشقّق (1)
فجعل للإنسان ظلفا، وإنما الظّلف للشاء والبقر. وقال غير الأصمعي: يقال: جثوة وجثوة وجثوة، وجذوة وجذوة وجذوة. وقال أبو عمرو الشيباني: يلوث ويلوذ سواء. وقال غيره يقال: خرجت غثيثة الجرح وغذيذته، وهي مدّته وما فيه، وقد غثّ يغثّ وغذّ يغذّ.
[1210] وأنشدنا (2) أبو بكر بن دريد رحمه الله [المتقارب]
فما كان ذنب بني عامر ... بأن سبّ منهم غلام فسب (3)
بأبيض ذي شطب باتر ... يقطّ العظام ويبري العصب
قال: يريد معاقرة غالب أبي الفرزدق وسحيم بن وثيل الرّياحي لمّا تعاقرا بصوأر (4)،
__________
(1) البيت لعقفان بن قيس بن عاصم وبعده:
سواء عليكم شؤمها وهجانها ... وإن كان فيها واضح اللون يبرق
راجع: «اللسان» مادة «ظلف». ط
(2) انظر: «التنبيه» [97].
(3) في «اللسان» بعد هذا البيت:
عراقيب كوم طوال الذري ... تخر بوائكها للركب ط
(4) صوار: ماء لكلب فوق الكوفة مما يلي الشام وهو من أيامهم المشهورة كما في «معجم ياقوت» طبع أوربا (ج 3ص 430). ط(1/376)
فعقر سحيم خمسا ثم بدا له، وعقر غالب مائة. وقوله: سبّ أي: شتم. وقوله: سبّ أي: قطع، قال: وأصل السّبّ القطع.
[1211]
[وصف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه للدنيا]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: سأل رجل عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: صف لنا الدنيا، فقال: وما أصف لك من دار أوّلها عناء، وآخرها فناء، من صحّ فيها أمن، ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فتن، حلالها حساب، وحرامها عذاب.
[1212]
[وصف بعض الأمراء حين عزل عن عمله]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبى قال: عزل بعض الأمراء عن عمله، فقال له رجل: أصبحت والله فاضحا متعبا: أمّا فاضحا فلكلّ وال قبلك بحسن سيرتك، وأمّا متعبا فلكل وال بعدك أن يلحقك.
[1213]
[مناقب عمر بن الخطاب ومعاوية رضي الله عنهما]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا الرياشي، عن أبي زيد، قال: قال المغيرة بن شعبة: كان عمر رضي الله عنه أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع.
قال: وكان عمر إذا نظر إلى معاوية يقول: هذا كسرى العرب، قال: فكان معاوية يقول: ما رأيت عمر مستخليا رجلا قطّ إلا رحمته.
[1214]
[وصف صحبة السلطان]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم قال: قال بعض علماء الهند:
صحبة السلطان على ما فيها من العزّ والثّروة عظيمة الخطار، وإنما تشبّه بالجبل الوعر، فيه السّباع العادية، والثمار الطيّبة، فالارتقاء إليه شديد، والمقام فيه أشد، وليس يتكأفأ خير السلطان وشرّه لأن خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشرّ السلطان يزيل الحال ويتلف النفس التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي سلامته مال وجاه، وفي نكبته الجائحة والتلف.
* * * [1215] وأنشدني أبو بكر بن دريد (1): [الطويل]
وخلّقته حتى إذا تمّ واستوى ... كمخّة ساق أو كمتن إمام
خلّقته: ملّسته، عني سهما. والإمام: الخيط الذي يمدّ على البناء فيبنى عليه، وهو بالفارسية التّرّ.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [98].(1/377)
[1216]
[ما وقع بين عمرو بن براقة وحريم المرادي من القتال، وما قاله عمرو في تمدّحه بالظفر من حريم]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عبّاد، عن ابن الكلبي قال: أغار رجل من مراد يقال له حريم على إبل عمرو بن برّاقة الهمداني وخيل له فذهب بها، فأتى عمرو سلمى. وكانت بنت سيدهم وعن رأيها كانوا يصدرون. فأخبرها أن حريما المرادى أغار على إبله وخيله، فقالت: والخفو والوميض، والشّفق كالإحريض، والقلّة والحضيض، إنّ حريما لمنيع الحيز، سيّد مزيز، ذو معقل حريز، غير أنّي أرى الحمّة ستظفر منه بعثرة، بطئة الجبرة، فأغر ولا تنكع. فأغار عمرو فاستاق كلّ شيء له، فأتى حريم بعد ذلك يطلب إلى عمرو أن يردّ عليه بعض ما أخذ منه فامتنع ورجع حريم، وقال عمرو: [الطويل]
تقول سليمى لا تعرّض لتلفة ... وليلك عن ليل الصّعاليك نائم
وكيف ينام اللّيل من جلّ ماله ... حسام كلون الملح أبيض صارم
غموض إذا عضّ الكريهة لم يدع ... له طمعا طوع اليمين ملازم
ألم تعلمي أن الصّعاليك نومهم ... قليل إذا نام الخليّ المسالم
إذا الليل أدجى واكفهرّ ظلامه ... وصاح من الأفراط بوم جواثم
ويروى:
إذا الليل أدجى واسجهرّت نجومه
والمسجهرّ: الأبيض.
ومال بأصحاب الكرى غالباته ... فإنّي على أمر الغواية حازم
كذبتم وبيت الله لا تأخذونها ... مراغمة ما دام للسّيف قائم
تحالف أقوام عليّ ليسلموا ... وجرّوا عليّ الحرب إذ أنا سالم
أفاليوم أدعى للهوادة بعد ما ... أجيل على الحيّ المذاكي الصّلادم
فإنّ حريما إن رجا أن أردّها ... ويذهب مالي يابنة القيل حالم
متى تجمع القلب الذّكيّ وصارما ... وأنفا حميّا تجتنبك المظالم
متى تطلب المال الممنّع بالقنا ... تعش ماجدا أو تخترمك المخارم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يال همدان ظالم
فلا صلح حتّى تقدع الخيل بالقنا ... وتضرب بالبيض الخفاف الجماجم
ولا أمن حتى تغشم الحرب جهرة ... عبيدة يوما والحروب غواشم
أمستبطئ عمرو بن نعمان غارتي ... وما يشبه اليقظان من هو نائم
إذا جرّ مولانا علينا جريرة ... صبرنا لها إنا كرام دعائم
وتنصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم
[1217] قال أبو علي: الخفو: اللّمعان الضعيف، يقال: خفا البرق يخفو خفوا وخفوّا إذا برق برقا ضعيفا. والوميض أشدّ من الخفو. والإحريض: حجارة النّورة.(1/378)
ومال بأصحاب الكرى غالباته ... فإنّي على أمر الغواية حازم
كذبتم وبيت الله لا تأخذونها ... مراغمة ما دام للسّيف قائم
تحالف أقوام عليّ ليسلموا ... وجرّوا عليّ الحرب إذ أنا سالم
أفاليوم أدعى للهوادة بعد ما ... أجيل على الحيّ المذاكي الصّلادم
فإنّ حريما إن رجا أن أردّها ... ويذهب مالي يابنة القيل حالم
متى تجمع القلب الذّكيّ وصارما ... وأنفا حميّا تجتنبك المظالم
متى تطلب المال الممنّع بالقنا ... تعش ماجدا أو تخترمك المخارم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يال همدان ظالم
فلا صلح حتّى تقدع الخيل بالقنا ... وتضرب بالبيض الخفاف الجماجم
ولا أمن حتى تغشم الحرب جهرة ... عبيدة يوما والحروب غواشم
أمستبطئ عمرو بن نعمان غارتي ... وما يشبه اليقظان من هو نائم
إذا جرّ مولانا علينا جريرة ... صبرنا لها إنا كرام دعائم
وتنصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم
[1217] قال أبو علي: الخفو: اللّمعان الضعيف، يقال: خفا البرق يخفو خفوا وخفوّا إذا برق برقا ضعيفا. والوميض أشدّ من الخفو. والإحريض: حجارة النّورة.
والحيز: الناحية. ومزيز: فاضل، من قولهم هذا أمزّ من هذا أي أفضل منه. والحمّة:
القدر، وقال بعض اللغويين: هي واحد الحمام. وتنكع: تردع، يقال: نكعته إذا ردعته.
والمكفهر: المتراكب الظّلمة. والأفراط: الآكام، وهي الجبال الصغار واحدها فرط، قال الشاعر: [البسيط]
أم هل (1) سموت بجرّار له لجب ... يغشى المخارم بين السّهل والفرط
والهوادة: الصّلح والسكون، والصّلادم واحدها صلدم: وهو الشديد الصّلب. وتقدع:
تكفّ. والغشم: أشد الظلم.
* * * [1218]
[مقتل سماك بن حريم، وثأر مالك بن حريم لأخيه سماك، وما قاله مالك في ذلك]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا السّكن بن سعيد، عن أبيه وعن ابن الكلبي قال: قتل سماك بن حريم أخو مالك بن حريم، قتلته مراد غيلة فلم يدر مالك من قتله حتى أخبر بعد ذلك أن بني قمير قتلوا أخاه، فأغار عليهم وقتل قاتل أخيه وأنشأ يقول: [المنسرح]
يا راكبا بلّغن ولا تدعن ... بنى قمير وإن هم جزعوا
كي يجدوا مثل ما وجدت فقد ... أصبحت نضوا ومسّنى الوجع
لا أسمع اللهو في الحديث ولا ... ينفعني في الفراش مضطجع
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا ... وجد عجول أضلّها ربع
أو وجد شيخ أضلّ ناقته ... يوم رواح الحجيج إذ دفعوا
ينظر في أوجه الرجال فلا ... يعرف شيئا فالوجه ملتمع
بني قمير قتلت سيّدكم ... فاليوم لا فدية ولا جزع
جلّلته صارم الحديدة كال ... ملح وفيه سفاسق لمع
تركته باديا مضاحكه ... يدعو صداه والرّأس منصدع
بني قمير تركت سيّدكم ... أثوابه من دمائه ردع
فاليوم صرنا على السّواء فإن ... أبق فدهرى ودهركم جذع
لم أك فيها لمّا بليت بها ... نثوم ليل يغرّني الطّمع
__________
(1) البيت لوعلة الجرمى. راجع كتاب «الأغاني» طبع بولاق (ج 19ص 140). ط(1/379)
[1219] قال أبو علي قال: أبو عبيدة، عن بعض أصحابه: سفاسق السيف: طرائقه التي يقال لها الفرند. وردع: متلطّخة، ولهذا قيل يدي من الزّعفران ردعة.
وحدثني أبو عمر أن أبا العباس أنشدهم، عن ابن الأعرابي لعمرو بن شأس: [الرجز]
إنّ بني سلمى شيوخ جلّه ... بيض الوجوه خرق الأخلّه
أخبر أن سيوفهم تأكل أغمادها من حدّتها.
[1220]
[شعر الشعبي في صبا ابن الأربعين]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا العكلي، عن الحرمازي، قال: أنشدنا الهيثم بن عدي، قال: أنشدني مجالد بن سعيد شعرا أعجبني فقلت له: من أنشدك؟ قال:
كنا يوم عند الشّعبي فتناشدنا الشعر، فلما فرغنا قال الشعبي: أيكم يحسن أن يقول مثل هذا؟ وأنشدنا (1): [الطويل]
أعينيّ مهلا طالما لم أقل مهلا ... وما سرفا ملآن قلت ولا جهلا
وإنّ صبا ابن الأربعين سفاهة ... فكيف مع اللائي مثلت بها مثلا
يقول لي المفتي وهنّ عشيّة ... بمكّة يسحبن المهدّبة السّحلا
تق الله لا تنظر إليهنّ يا فتى ... وما خلتني في الحجّ ملتمسا وصلا
وو الله لا أنسى وإن شطّت النّوى ... عرانينهنّ الشّمّ والأعين النّجلا
ولا المسك من أعرافهنّ ولا البرا ... جواعل في أوساطها قصبا خدلا
خليليّ لولا الله ما قلت مرحبا ... لأوّل شيبات طلعن ولا أهلا
خليلي إن الشّيب داء كرهته ... فما أحسن المرعى وما أقبح المحلا
قال الهيثم قال مجالد: فكتبنا الشعر ثم قلنا للشعبي: من يقول هذا؟ فسكت، فخيّل إلينا أنه قائله.
قال أبو علي: أراد السّحل فسكّن الحاء، وهي ثياب بيض واحدها سحيل، ويقال:
السّحل: الثوب من القطن، قال الهذلي: [السريع]
كالسّحل البيض جلا لونها ... سحّ نجاء الحمل الأسول
والأسول: المسترخي الأسفل، يقال: سول يسول سولا. ويقال: اتّقاه يتّقيه، وتقاه يتقيه، أنشدني أبو بكر بن دريد: [الوافر]
جلاها الصّيقلون فأخلصوها ... خفافا كلّها يتقي بأثر
الأثر: فرند السيف. والأثر: خلاصة اللّبن. وجاء فلان على إثر فلان وعلى أثره.
والأثر: أثر الجرح.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [99].(1/380)
[1221]
[ما تتعاقب فيه السين والشين]:
وقال الأصمعي يقال: جاحشته وجاحسته وجاحفته: إذا زاحمته، وقال: بعض العرب يقول للجحاش في القتال: الجحاس، وأنشد لرجل من بني فزارة: [الرجز]
والضّرب في يوم الوغى الجحاس
وقال أبو زيد يقال: مضى جرس من الليل وجرش. وقال أبو عمرو: سئفت يده وشئفت وهو تشقّق يكون في أصول الأظفار. قال ويقال: الشّوذق والسّوذق للسّوار. وقال اللحياني: حمس الشّرّ إذا اشتدّ وحمش. واحتمس الديكان واحتمشا إذا اقتتلا. ويقال:
تنسّمت منه علما وتنشّمت. ويقال: الغبس والغبش: السّواد، يقال: غبس الليل وأغبس.
وغبش وأغبش، ويقال: عطس فلان فشمّتّه وسمّتّه. وقال الفراء: أتانا بسدفة وسدفة، وشدفة وشدفة، وهو السّدف والشّدف، وقال أبو زيد: السّدفة في لغة قيس: الضّوء، وفي لغة تميم:
الظّلمة. وأنشد بعض اللغويين: [الرجز]
وأقطع (1) الّليل إذا ما أسدفا
أي: أظلم، وبعض اللغويين يجعل السّدفة اختلاط الضوء بالظلام (2) مثل ما بين صلاة الصبح إلى الفجر. وقال يعقوب قال الأصمعي يقال: جعسوس وجعشوش، وكلّ ذلك إلى قمأة وصغر وقلّة، ويقال: هو من جعاسيس الناس، ولا يقال في هذا بالشين، وقال أبو عبيدة، عن الأصمعي: الجعشوش: الطويل الدقيق، والجعسوس: اللئيم. قال أبو علي:
وحدثنا أبو محمد، قال: قرأت على عليّ بن المهدي، عن الزاجي، عن الليث قال قال الخليل: الجعسوس: القبيح اللئيم الخلق. وقرأت على أبي عمر، قال: أنشدنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي: [الوافر]
لنا عزّ ومرمانا قريب ... ومولى لا يدبّ مع القراد
قوله: مرمانا قريب، قال: هؤلاء عنزة، يقول: إن رأينا منكم ما نكره أو رابنا ريب انتمينا إلى بني أسد بن خزيمة. وقوله: لا يدب مع القراد، قال: هذا رجل كان يأتى بشنّة فيها قردان فيشدها في ذنب البعير، فإذا عضّه منها قراد نفر فنفرت الإبل فإذا نفرت استلّ منها بعيرا فذهب به.
[1222]
[خبر بعض العشاق كانت له ابنة عمّ يحبها، وما قاله في الحب والهوى]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن خلف الدلال، قال: حدثني أبو علي الحسن بن صالح قال: قال مساور الورّاق لمجنون:. كان
__________
(1) البيت من قصيدة للعجاج، وصدره: «ادفعها بالراح كي تزحلفا» راجع: الجزء الثاني (ص 82) من كتاب «مجموع أشعار العرب» طبع برلين. ط
(2) عبارة «اللسان»: كوقت ما بين صلاة الفجر إلى أول الأسفار. اهـ ط(1/381)
عندنا وكان شاعرا، وكان له بنت عم يحبها فذهب عقله عليها. أجز هذا البيت:
وما الحبّ إلا شعلة قدحت بها ... عيون المها باللّحظ بين الجوانح
فقال على المكان ولم يفكّر: [الطويل]
ونار الهوى تخفى وفي القلب فعلها ... كفعل الذي جادت به كفّ قادح
قال: وحدثنا عبد الله بن خلف الدلال، قال: حدثني محمد بن الفضل: قال: حدثني بعض أهل الأدب، عن محمد بن أبي نصر، قال: رأيت بالبصرة مجنونا قاعدا على ظهر الطريق بالمربد فكلّما مرّ به ركب قال: [الطويل]
ألا أيّها الرّكب اليمانون عرّجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
نسائلكم هل سال نعمان بعدكم ... وحبّ إلينا بطن نعمان واديا
فسألت عنه، فقيل: هذا رجل من البصرة، كانت له ابنة عم يحبها فتزوجها رجل من أهل الطائف فنقلها، فاستوله عليها.
[1223]
[خبر مجنون ليلى حين طالبه أبوه أن يدعو بالراحة من ليلى فدعا الله أن يمنّ عليه بوصلها، وما قاله في ذلك]:
قال: وأخبرني عبد الله بن خلف، قال: أخبرني أحمد بن زهير، قال: أخبرني مصعب بن عبد الله الزبيري، عن بعض أهله، عن أبي بكر الوالبي قال: أخبرت أن أبا المجنون قال له حين سار به إلى بيت الله الحرام. وكان أخرجه ليستشفي له. تعلّق بأستار الكعبة، وقل: اللهم أرحني من ليلى ومن حبّها، وتب إلى الله مما أنت عليه، فتعلّق بأستار الكعبة وقال: اللهم منّ عليّ بليلى وقربها، فزجره أبوه وجعل يعنّفه، فأنشأ يقول: [الطويل]
يقرّ بعيني قربها ويزيدني ... بها عجبا من كان عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته ... وتلك لعمرى توبة لا أتوبها
قال أبو بكر: وزادنا غيره:
فيا نفس صبرا لست والله فاعلمي ... بأوّل نفس غاب عنها حبيبها
[1224]
[شعر في الرزق وإجمال الطلب، وخبر الكتنجي مع المتوكل]:
حدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا عبد الأول، قال: سمعت الكتنجي يقول: أملقت حتى لم يبق في منزلي إلا بارية، فدخلت إلى دار المتوكل فلم أزل مفكّرا فحضرني بيتان، فأخذت قصبة وكتبت على الحائط الذي كنت إلى جنبه: [الرجز]
الرزق مقسوم فأجمل في الطّلب ... يأتي بأسباب ومن غير سبب
فاسترزق الله ففي الله غنى ... الله خير لك من أب حدب
قال: فركب المتوكل في ذلك اليوم حمارا وجعل يطوف في الحجر، ومعه الفتح بن خاقان، فوقف على البيتين وقال: من كتب هذين البيتين؟ وقال للفتح: اقرأ هذين البيتين،
فاستحسنهما وقال: من كان في هذه الحجرة؟ فقيل: الكتنجي، فقال: أغفلناه وأسأنا إليه، وأمر لي ببدرتين.(1/382)
الرزق مقسوم فأجمل في الطّلب ... يأتي بأسباب ومن غير سبب
فاسترزق الله ففي الله غنى ... الله خير لك من أب حدب
قال: فركب المتوكل في ذلك اليوم حمارا وجعل يطوف في الحجر، ومعه الفتح بن خاقان، فوقف على البيتين وقال: من كتب هذين البيتين؟ وقال للفتح: اقرأ هذين البيتين،
فاستحسنهما وقال: من كان في هذه الحجرة؟ فقيل: الكتنجي، فقال: أغفلناه وأسأنا إليه، وأمر لي ببدرتين.
قال أبو علي: العوام تقول: بارية وهو خطأ، والصواب باري وبورى، قال الراجز:
[الرجز]
كالخصّ إذا جلّله الباريّ
وهو بالفارسية «بوريك» فأعرب على ما أنبأتك به.
* * * [1225] وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الأول، قال: أنشدني حماد، قال:
أنشدني أبي لنفسه: [الطويل]
لما رأيت الدهر أنحت صروفه ... عليّ وأودت بالذّخائر والعقد
حذفت فضول العيش حتّى رددتها ... إلى القوت خوفا أن أجاء إلى أحد
وقلت لنفسي أبشري وتوكّلي ... على قاسم الأرزاق والواحد الصّمد
فإن لا تكن عندي دراهم جمّة ... فعندي بحمد الله ما شئت من جلد
[1226]
[شعر في رأي العبد]:
وقرأت على أبي عمر قال: أنشدنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي: [الطويل]
هممت بأمر همّ عبدي بمثله ... وخالف زفّاف هواى فأبعدا
يقول: رأيت رأي عبد لأن العبد لا رأى له، وخالف زفاف هواى أي كان رأيه صوابا ولم يرد عبدا له بعينه.
[1227]
[قول الحسن بن سهل في الشفاعة]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الأول، عن أبيه قال: حضرت مجلس الحسن ابن سهل وقد كتب لرجل كتاب شفاعة، فجعل الرجل يشكر ويدعو له، فقال الحسن: يا هذا، علام تشكرنا! إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا. قال: وحضرته وهو يملّ كتاب شفاعة فكتب في آخره: إنه بلغني أن الرجل يسأل عن فضل جاهه يوم القيامة كما يسأل عن فضل ماله.
[1228]
[شعر في ترك العتاب لعدم نفعه، والشفاعة، والصمت]:
وأنشدنا أبو عبد الله قال: أنشدنا أحمد بن يحيى: [الطويل]
فأقسم ما تركي عتابك عن قلى ... ولكن لعلمي أنه غير نافع
وأنى إذا لم ألزم الصّمت طائعا ... فلا بدّ منه مكرها غير طائع
ولو أنّ ما يرضيك عندي ممثّل ... لكنت لما يرضيك أوّل تابع
إذا أنت لم تنفعك إلا شفاعة ... فلا خير في ودّ يكون بشافع
[1229](1/383)
فأقسم ما تركي عتابك عن قلى ... ولكن لعلمي أنه غير نافع
وأنى إذا لم ألزم الصّمت طائعا ... فلا بدّ منه مكرها غير طائع
ولو أنّ ما يرضيك عندي ممثّل ... لكنت لما يرضيك أوّل تابع
إذا أنت لم تنفعك إلا شفاعة ... فلا خير في ودّ يكون بشافع
[1229]
[شعر في الجود والبخل]:
وأنشدنا أيضا، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: [الخفيف]
قال لي القائلون زرت حسينا ... لا يزار الكريم في جرجان
خالد باللها يجود ويعطي ... وحسين يجود بالحرمان
ضاع مفتاح جوده جوف بحر ... حيث ظلّ البحران يلتقيان
فسألنا الغوّاص عنه فقالوا ... صيغ منه قلائد الحيتان
* * * [1230] وأنشدنا محمد بن القاسم، قال: أنشدني أبي قال: أنشدني عبد الله الرستمي لعبد الله بن كعب العميري: [الطويل]
أيا نخلتي مرّان هل لي إليكما ... على غفلات الكاشحين سبيل
أمنّيكما نفسي إذا كانت خاليا ... ونفعكما إلّا (1) العناء قليل
ومالي شيء منكما غير أنني ... أمنّي الصّدى ظلّيكما فأطيل
[1231] [شعر في الوشاية]: قال: وأنشدني أبي: [الطويل]
تبدّل هذا السّدر أهلا وليتني ... أرى السّدر بعدي كيف كان بدائله
وعهدي به عذب الجنى ناعم الذّرى ... تطيب وتندى بالعشيّ أصائله
فما لك من سدر ونحن نحبّه ... إذا ما وشى واش بنا لا تجادله
كما لو وشى بالسدر واش رددته ... كئيبا ولم تملح لدينا شمائله
[1232] قال أبو علي: قال لنا أبو بكر: هذا مثل قول كثيّر: [الطويل]
فيا عزّ إن واش وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له أهلا
كما لو وشى واش بعزّة عندنا ... لقلنا تزحزح لا قريبا ولا سهلا
[1233]
[من أخبار مهلهل بن ربيعة، وسبب تلقيبه بمهلهل، وثأره لأخيه، وقوله في ذلك]:
قال أبو علي وقرأت على: أبي بكر بن دريد وأملى علينا أبو الحسن الأخفش قال:
مهلهل بن ربيعة. ومهلهل لقب. وإنما سمى مهلهلا بقوله: [الكامل]
لمّا توعّر في الغبار هجينهم ... هلهلت أثأر جابرا أو صنبلا
هذا قول أبي الحسن وأبي بكر إلا أن أبا بكر روى:
لما توقّل في الكراع هجينهم
[1234] قال أبو علي: الكراع: أنف الحرّة. وقرأت على أحمد، عن أبيه: إنما سمى
__________
(1) في «معجم البلدان» (ج 4ص 478): «ونفعكما لولا العناء». ط(1/384)
مهلهلا لأنه أول من أرقّ المراثي، واسمه عديّ (1)، وفي ذلك يقول: [الخفيف]
رفعت (2) رأسها إليّ وقالت ... يا عديّا لقد وقتك الأواقي
وقال (3):
أليلتنا بذي حسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
[1235]
[من أمثال العرب، وأقوالهم، ومعنى: الحور بعد الكور]:
قال أبو علي: ذي حسم: موضع. وتحوري: ترجعي، يقال: ماله لا حار إلى أهله أي: لا رجع إليهم، ويقال: نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي: من النقصان بعد الزيادة، قال أبو علي: الكور مأخوذ من كور العمامة كأنه رجع عمّا كان أحكمه من الخير وشدّه.
ومثل من أمثالهم: «حور في محارة» يضرب مثلا للرجل ينقص بعد الزيادة. قال أبو علي:
وقال أبو عبيدة: الحور: الهلكة: [الوافر]
فإن يك بالذّنائب طال ليلي ... فقد أبكي من الليل القصير (4)
يقول: إن كان طال ليلي بهذا الموضع لقتل أخي فقد كنت أستقصر الليل وهو حيّ.
وأنقذني بياض الصّبح منها ... لقد أنقذت من شرّ كبير
كأنّ كواكب الجوزاء عوذ ... معطّفة على ربع كسير
[1236] العوذ: الحديثات النّتاج واحدتها عائذ وإنما قيل لها عوذ لأن أولادها تعوذ بها. والرّبع: ما نتج في الربيع، يقول: كأن كواكب الجوزاء نوق حديثات النّتاج عطّفت على ربع مكسور فهي لا تتركه وهو لا يقدر على النهوض.
كأنّ الجدي في مثناة ربق ... أسير أو بمنزلة الأسير
[1237] المثناة: الحبل. قال أبو علي: والمثناة هاهنا عندي: المثنيّ. والرّبق: الحبل، والرّبق: الشّدّ بالرّبق، فيقول: كأن الجدى قد شدّ بحبل مثنيّ فهو أحكم لشدّه، وكان أبو الحسن يقول: المثناة هاهنا: الحبل، والرّبق: الشّدّ. قال أبو علي: ولا أعرف الرّبق الشّدّ إلا عنه.
كأنّ النّجم إذ ولّى سحيرا ... فصال جلن في يوم مطير
[1238] النجم: الثّريّا إنما شبّهها بالفصال في يوم مطير لبطئها، وذلك أن الفصيل يخاف الزّلق فلا يسرع.
__________
(1) نسب الجوهري وابن سيده البيت إلى مهلهل وقال الصاغاني في «التكملة»: وليس البيت لمهلهل وإنما هو لأخيه عدى. ط
(2) الموجود في كتب اللغة والنحو: ضربت صدرها إلخ. ط
(3) انظر: «التنبيه» [100].
(4) في «اللسان»: مادة «ذنب» «فقد أبكى على الليل القصير» يريد فقد أبكى على ليالي السرور لأنها قصيرة اهـ ولعل رواية الأمالي أجود وأبلغ. ط(1/385)
كواكبها زواحف لاغبات ... كأنّ سماءها بيدي مدير
[1239] الزّواحف: المعييات التي لا تقدر على النّهوض. واللّواغب: مثلها، كرّره توكيدا لمّا اختلف اللفظ. وكان أبو الحسن يقول: كان يجب أن يقول مزاحف لأنه جمع مزحف لأنه يقال: أزحف، فإمّا حذف الزائد وإما جعله كالمنسوب كقولهم: ليل غاض وما أشبهه، أرادوا مغض أو أرادوا ذو غضوّ، وأنكر زحف. قال أبو علي: زحف صحيح، يقال:
زحف المعيي وأزحف أي: لم يقدر على النهوض مهزولا كان أو سمينا. وقوله: كأنّ سماءها بيدي مدير، يريد أن سماءها أثقل من أن يديرها مدير، فهو إذا تكلف إدارتها لم يقدر عليها.
كواكب ليلة طالت وغمّت ... فهذا الصّبح راغمة فغوري
وتسألني بديلة عن أبيها ... ولم تعلم بديلة ما ضميري
فلو نبش المقابر عن كليب ... فيخبر بالذنائب أيّ زير
[1240] يقال: هو زير نساء، وتبع نساء، وطلب نساء، وخلم نساء، وخلب نساء:
إذا كان يتحدّث إليهنّ ويطلبهنّ ويتبعهن ويهواهن ويخالبهن، والخبر محذوف كأنه قال: أيّ زير أنا.
بيوم الشّعثمين لقرّ عينا ... وكيف لقاء من تحت القبور
وإنّي قد تركت بواردات ... بجيرا في دم مثل العبير
[1241] الشعثمان: موضع معروف. وبجير بن الحارث بن عباد قتله مهلهل، فلما بلغ خبره أباه قال: نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب! فقيل له: إن مهلهلا حين قتله قال: بؤبشسع نعل كليب. قال أبو علي قوله: بؤ بشسع نعل كليب أمر من قولهم باء الرجل بصاحبه بوءا إذا قتل به وكان كفئا له أي: مت بشسع نعل كليب، فأنت في القود كفء له أيّ كفء، ويقال: القوم بواء أي: أمثال في القود مستوون، قالت ليلى الأخيلية: [الطويل]
فإن تكن القتلى بواء فإنكم ... فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
فحينئذ قال الحارث: [الخفيف]
قرّبا مربط النعامة منّي ... لقحت حرب وائل عن حيال
ينوء بصدره والرّمح فيه ... ويخلجه خدبّ كالبعير
[1242] ينوء: ينهض، يقال: نؤت بالحمل أنوء به نوءا إذا نهضت به، وناء بي الحمل ينوء بي نوءا إذا جعلني أنهض به، وكذلك قول الله عز وجل: {مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص: 76] أي: تجعلهم ينوءون بها أي: ينهضون بها. وليس القلب (1)
__________
(1) لم يتقدم لهذا القلب ذكر في كلامه هنا ولعله رحمه الله يشير إلى ما حكاه الفراء عن بعض أهل العربية في تفسير قوله تعالى: ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة. انظر: «لسان العرب» في مادة «نوأ». ط(1/386)
الذي ذكره أبو عبيدة بشيء وإنما يجوز ما ذكر في الشعر إذا اضطرّ الشاعر في الموضع الذي يقع فيه لبس ولا يحتمل إلا القلب، فأمّا في القرآن فلا يجوز. ويخلجه: يجذبه، ومن هذا قيل للحبل: خليج، وقيل للماء الذي انجذب إلى ناحية خليج، ويروى: ويأطره أي: يثنيه ويعطفه، والخذبّ: الضّخم.
هتكت به بيوت بني عباد ... وبعض القتل أشفى للصدور
وهمّام بن مرّة قد تركنا ... عليه القشعمين من النسور
ويروى:
عليه القشعمان من النسور
فمن رفع جعله حالا كأنه قال: وعليه القشعمان من النسور، وجاز حذف الواو لأن الهاء التي في عليه تربط الكلام بأوله. والقشعم: الهرم من النسور.
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا رجف العضاه من الدّبور
رجف: تحرّك حركة شديدة. والعضاه: كلّ شجر له شوك واحدها عضة.
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا خيف المخوف من الثّغور
على أن ليس عدلا من كليب ... غداة بلابل الأمر الكبير
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا برزت مخبّأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب ... إذا علنت نجيّات الأمور
فدا لبنى الشقيقة يوم جاءوا ... كأسد الغاب لجّت في زئير
[1243] البلابل: الاضطراب. وروى بعضهم: التّلاتل، وهو الانزعاج والحركة.
والنّجيّات: السرائر. يقال: زأر يزئر، والزّئير الاسم، ويجئ مثل هذا في الأصوات، قالوا:
الفحيح والكشيش والهدير والقليخ، يقال: فحّت الأفعى وهو صوتها من فيها وكشّت، وكشيشها: صوت جلدها. وقلخ البعير إذا هدر، وبهذا سمّي الشاعر قلاخا.
كأنّ رماحهم أشطان بئر ... بعيد بين جاليها جرور
[1244] الأشطان: الحبال، واحدها شطن. والبئر هاهنا: الهواء الذي من الجال إلى الجال. والبين: الوصل، وقرأ بعضهم: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] وقال أبو عبيدة:
البين: الوصل، والبين: الفتراق وهو من الأضداد. وجال البئر وجولها: ناحيتها وما يحبس الماء منها، ولهذا قيل للرجل الأحمق: ماله جول أي: شيء يمسكه. وكذلك يقال: ماله زبر، وزبر البئر: طيّها، وماله صيّور أي: رأي يصير إليه، وماله معقول، كل هذا في معنى واحد أي: ماله عقل: واللغويون يقولون: معقول أي ك عقل، وأبو علي يقول: إنما أراد
بمعقول أي: ماله شيء عقل أي: شدّ أي: ليس له هناك عقل أمسك عليه.(1/387)
البين: الوصل، والبين: الفتراق وهو من الأضداد. وجال البئر وجولها: ناحيتها وما يحبس الماء منها، ولهذا قيل للرجل الأحمق: ماله جول أي: شيء يمسكه. وكذلك يقال: ماله زبر، وزبر البئر: طيّها، وماله صيّور أي: رأي يصير إليه، وماله معقول، كل هذا في معنى واحد أي: ماله عقل: واللغويون يقولون: معقول أي ك عقل، وأبو علي يقول: إنما أراد
بمعقول أي: ماله شيء عقل أي: شدّ أي: ليس له هناك عقل أمسك عليه.
فار وأبي جليلة ما أفأنا ... من النّعم المؤبّل من بعير
[1245] جليلة: أخت كليب (1) وكانت تحت جساس قاتل كليب. وأفأنا:
رجعنا. والنّعم: الإبل خاصة، فإن اختلط بها غنم جاز أن يقال نعم، ولا يجوز أن يقال للغنم وحدها نعم، وجمع نعم أنعام. والمؤبّل: كان أبو الحسن يقول: المكمّل.
يقال: إبل مؤبّلة كما يقال: مائة ممآة. وقال الأصمعي: المؤبّلة: التي للقنية. وقال غيره: المؤبّلة: الجماعة من الإبل.
ولكنّا نهكنا القوم ضربا ... على الأثباج منهم والنّحور
[1246] نهكنا القوم: أجهدناهم. والأثباج: الأوساط، واحدها ثبج. وقال أبو عمرو الشيباني: الكتد: ما بين الكاهل إلى الظهر، والثّبج نحوه.
قتيل ما قتيل المرء عمرو ... وجسّاس بن مرّة ذو ضرير
تركنا الخيل عاكفة عليهم ... كأنّ الخيل تدحض في غدير
[1247] يقال: إنّه لذو ضرير أي: ذو مشقّة (2) على العدو. وعاكفة: مقيمة.
تدحض: تزلق، يقال: مكان دحض ومزلّة ومدحضة، فأما قول علقمة: [الطويل]
رغا فوقهم سقب السماء فداحص ... بشكّته لم يستلب وسليب
[1248] فبالصاد غير معجمة، يقال: دحص برجله وفحص، وكان بعض العلماء يرويه فداحض، وهذا الحرف أحد ما نسب فيه إلى التصحيف.
كأنّا غدوة وبني أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير
فلولا الرّيح أسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذّكور
[1249] حجر: قصبة اليمامة، وحريمهم إنما كانت بالجزيرة. قال أبو الحسن:
حدثني أبو العباس الأحول قال: أوّل كذب سمع في الشّعر هذا. والصّليل: الصوت. قال الراعي: [الكامل]
فسقوا صوادي يسمعون عشيّة ... للماء في أجوافهن صليلا
[1250] أي: تصلّ أجوافها من العطش كما يصلّ الخزف إذا أصابه الماء. والذّكور:
السّيوف التي عملت من حديد غير أنيث، ويروى: نقاف البيض يقرع بالذكور. قال الأصمعي: قد غلث طعامه وعلثه، وقد اغتلث طعامه واعتلث، والعلاثة: أقط وسمن يخلط أو ربّ وأقط، ويقال: فلان يأكل الغليث إذا أكل خبزا من شعير وحنطة.
__________
(1) كذا في النسخ وهو مخالف لما في «أمثال الميداني» من أنها جليلة بنت مرة أخت جساس وكانت تحت كليب. ط
(2) في «اللسان» أي: ذو صبر على الشر ومقاساة له. ط(1/388)
[1251]
[ما سمع من العرب من لغات في: لعلّ]:
قال: وفي لعلّ لغات، بعض العرب يقول: لعلّي، وبعضهم لعلّني، وبعضهم علّي، وبعضهم علّني (1)، وبعضهم لعنّي، وبعضهم لغنّي، وأنشدنا للفرزدق: [الوافر]
هل أنتم عائجون بنا لعنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام
قال وقال عيسى بن عمر: سمعت أبا النجم يقول: [الرجز]
أغد لعلنا في الرّهان نرسله
يريد: لعلّنا. وبعض العرب يقول: لأنّني، وبعضهم يقول لأنّي، وبعضهم لونّي. قال وقال رجل بمنّى: من يدعو إلى المرأة الضالّة، فقال أعرابي: لونّ عليها خمارا أسود، يريد لعلّ عليها خمارا أسود، فقال: سوّد الله وجهك.
[1252]
[ما تعاقب فيه العين المهملة والغين المعجمة]:
وقال الفراء: سمعت وعاهم ووغاهم، وهي الضّجّة. ويقال: ماله عن ذلك وعل وما له عن ذلك وغل في معنى لجأ. وقال اللحياني يقال: ماله ارمعلّ دمعه وارمغلّ: إذا قطر وتتابع. وقال أبو عمرو الشيباني: نشعت به ونشغت أي: أولعت به، وإنه لمنشوع (2) بأكل اللحم، ونشعته ونشغته إذات سعّطته، والنّشوع والنّشوغ: السّعوط.
* * * [1253] وحدثنا أبو عمر، عن أبي العباس أن ابن الأعرابي قال في بيت الكميت:
[الطويل]
وما استنزلت في غيرنا قدر جارنا ... ولا ثفّيت إلّا بنا حين تنصب
يقول: إذا جاورنا أحد لم نكلّفه أن يطبخ من عنده بل يكون ما يطبخه من عندنا بما نعطيه من اللحم حين ينصب قدره.
[1285] قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو معمر عبد الأول، قال: حدثنا رجل من موالي بني هاشم قال: أذنب رجل من بني هاشم ذنبا فعنّفه المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، من كانت له مثل دالّتي، ولبس ثوب حرمتي، ومتّ بمثل قرابتي، غفر له فوق زلّتي، فأعجب المأمون كلامه وصفح عنه.
* * * [1253]
[كتاب كلثوم بن عمرو إلى صديق له يستجديه، وقوله في الجود والبخل]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا موسى بن علي الختّلي، قال: حدثنا
__________
(1) في «اللسان» مادة رغن: اللحياني تقول العرب: لعلك ولعنك ورعنك ورغنك بمعنى واحد، وقال الكسائي: لعن ولغن ورعن ورغن بمعنى لعل. ط
(2) أي: بالمهملة والمعجمة كما هو معلوم مما قبله. ط(1/389)
زكريا بن يحيى الساجي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثني بعض العتّابيين قال (1): كتب كلثوم بن عمرو إلى صديق له: أما بعد أطال الله بقاءك وجعله يمتد بك إلى رضوانه والجنة، فإنك كنت عندنا روضة من رياض الكرم، تبتهج النفوس بها، وتستريح القلوب إليها، وكنّا نعفيها من النّجعة، استتماما لزهرتها، وشفقة على خضرتها، وادخارا لثمرتها، حتى أصابتنا سنة كانت عندي قطعة من سني يوسف، واشتدّ علينا كلبها، وغابت قطّتها، وكذبتنا غيومها، وأخلفتنا بروقها، وفقدنا صالح الإخوان فيها، فانتجعتك وأنا بانتجاعي إياك شديد الشفقة عليك، مع علمي بأنك موضع الرائد، وأنك تغطّي عين الحاسد، والله يعلم أني ما أعدك إلا في حومة الأهل. واعلم أن الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل، ولم يمكنه الكثير لم يعرف جوده، ولم تظهر همّته وأنا أقول في ذلك: [البسيط]
ظلّ اليسار على العبّاس ممدود ... وقلبه أبدا بالبخل معقود
إنّ الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيّا وهو مجهود
وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
إذا تكرّمت عن بذل القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
بثّ النوال ولا يمنعك قلّته ... فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود
قال: فشاطره ماله حتى أعطاه إحدى نعليه ونصف قيمة خاتمه.
[1254]
[شعر في الدّيك]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال:
سمعت أعرابية رجلا ينشد: [الطويل]
وكأس سلاف يحلف الدّيك أنها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأحسن
فقالت: بلغني أن الديك من صالح طيركم وما كان ليحلف كاذبا.
[1255]
[شعر في السعي على المعيشة، والسفر، والمال، وفائدة ذلك كله]:
وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لرجل من العرب كان أبوه يمنعه من الاضطراب في المعيشة شفقة عليه، فكتب إليه: [الطويل]
ألا خلّني أذهب لشأني ولا أكن ... على الناس كلّا إنّ ذاك شديد
أرى الضّرب في البلدان يغني معاشرا ... ولم أر من يجدي عليه قعود
أتمنعني خوف المنايا ولم أكن ... لأهرب مما ليس منه محيد
فدعني أجوّل في البلاد لعلّني ... أسرّ صديقا أو يساء حسود
فلو كنت ذا مال لقرّب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت أنت سديد
__________
(1) انظر: «التنبيه» [101].(1/390)
[1256]
[كتاب امرأة لزوجها وقد بخل عليها وتركها دون خبز وذهب يحضر مع الحجاج طعامه]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو عثمان الأشنانداني قال: كان رجل من أهل الشام مع الحجاج يحضر طعامه، فكتب إلى امرأته يعلمها بذلك، فكتبت إليه: [الطويل]
أيهدى لي القرطاس والخبز حاجتي ... وأنت على باب الأمير بطين
إذا غبت لم تذكر صديقا ولم تقم ... فأنت على ما في يديك ضنين
فأنت ككلب السّوء جوع أهله ... فيهزل أهل البيت وهو سمين
[1258]
[شعر في النميمة، وإيقاع العداوة، وترك الفجور بالجارة]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد قال: كان البختريّ بن أبي صفرة من أكمل فتيان العرب جمالا وبيانا ونجدة وشعرا، وكان بنو المهلب يحسدونه لفضله، فدسّت إليه أمّ ولد عمارة بن قيس اليحمدي فراودته عن نفسه فأبى، فحملت عليه عمارة حتى شكاه إلى المهلّب، وأكثر في ذلك بنوه القول فعرف ذلك في وجه المهلّب فكتب إليه: [الطويل]
جفوت امرأ لم ينب عمّا تريده ... وكان إلى ما تشتهيه يسارع
تموت حفاظا دون ضيمك نفسه ... وأنت إلى ما ساءه متطالع
كأني أخو ذنب وما كنت مذنبا ... ولكن دهتني الساريات الشّبادع
قال أبو علي: الشّبادع: النّمائم. والشّبادع: العقارب، واحدها شبدعة.
دبين وقد نام الغفول بعيبنا ... إليك إماء مومسات جوالع
المومسة: الفاجرة. والجالعة: التي قد ألقت عنها الحياء.
فأوقدن نيران العداوة بيننا ... جهارا ولم تسدد عليّ المطالع
بغين أمورا لست ممن أشاؤها ... ولو جعلت في ساعديّ الجوامع
أأصبو بعرس الجار أن كان غائبا ... وتلك الّتي تستكّ فيها المسامع
فلست وربّ البيت أصبو بمثلها ... وربّي راء ما صنعت وسامع
فإن تك عرس اليحمديّ وأخته ... سرين فلاقاهنّ أليس خالع
الأليس: الجرئ من كل شيء. وخالع: قد خلع الحياء.
يبيت يراعي المومسات إذا دجا الظ ... لام وجار البيت وسنان هاجع
فما أنا ممّن تطّبيه خريدة ... ولو أنّها بدر من الأفق طالع
تطّبيه: تدعوه، يقال: اطّباه يطّبيه وطباه يطبوه.
وإنّي لتنهاني خلائق أربع ... عن الفحش فيها للكريم روادع
حياء وإسلام وشيب وعفّة ... وما المرء إلا ما حبته الطبائع
وقد كنت في عصر الشباب مجانبا ... صباي فأنّى الآن والشّيب شائع
فلا تقطعن منّي وشائج سهمة ... فلا يصل الأبناء ما أنت قاطع
وكافح بأجرامي الهياج إذا التظى ... شهاب من الموت المحرّق لامع
تنبّه وعهد الله منّي مشيّعا ... صبورا على اللّأواء والموت كانع
الوشائج: الأرحام المشتبكة المتّصلة، قال أبو محمد: وهي مأخوذة من وشائج الرّماح، وهي عروقها. والسّهمة: القرابة.(1/391)
وإنّي لتنهاني خلائق أربع ... عن الفحش فيها للكريم روادع
حياء وإسلام وشيب وعفّة ... وما المرء إلا ما حبته الطبائع
وقد كنت في عصر الشباب مجانبا ... صباي فأنّى الآن والشّيب شائع
فلا تقطعن منّي وشائج سهمة ... فلا يصل الأبناء ما أنت قاطع
وكافح بأجرامي الهياج إذا التظى ... شهاب من الموت المحرّق لامع
تنبّه وعهد الله منّي مشيّعا ... صبورا على اللّأواء والموت كانع
الوشائج: الأرحام المشتبكة المتّصلة، قال أبو محمد: وهي مأخوذة من وشائج الرّماح، وهي عروقها. والسّهمة: القرابة.
[1259]
[قول تأبّط شرّا في مدح شمس بن مالك]:
وقرأت على أبي بكر لتأبّط شرّا (1): [الطويل]
وإنّي لمهد من ثنائي فقاصد ... به لابن عمّ الصّدق شمس بن مالك
أهزّ به ندوة الحيّ عطفه ... كما هزّ عطفي بالهجان الأوارك
النّدوة: المجلس. والأوارك: التي ترعى الأراك.
قليل التّشكّي للمهمّ يصيبه ... كثير الهوى شتّى النّوى والمسالك
يظلّ بموماة ويمسي بغيرها ... جحيشا ويعروري (2) ظهور المهالك
الجحيش: المنفرد.
ويسبق وفد الرّيح من حيث ينتحي ... بمنخرق من شدّه المتدارك
إذا خاط عينيه كرى النّوم لم يزل ... له كالئ من قلب شيحان فاتك
بمنخرق: يريد السريع الواسع. والشّيحان: الحادّ في كل أمر.
إذا طلعت أولى العديّ فنفره ... إلى سلّة من صارم الغرب باتك
العديّ: الجماعة الذين يعدون في الحرب.
إذا هزّه في عظم قرن تهلّلت ... نواجذ أفواه المنايا الضّواحك
يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أمّ النجوم (3) الشوابك
[1260]
[التغاضي عن عيوب الإخوان]:
وأنشدنا أبو الحسن التّرمذي الورّاق، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
[الكامل]
البس أخاك على تصنّعه ... فلربّ مفتضح على النّص
ما كدت أفحص عن أخي ثقة ... إلّا ذممت عواقب الفحص
__________
(1) انظر: «التنبيه» [102].
(2) يعرورى: يركب. ط
(3) أم النجوم تطلق على الشمس والمجرة، والشوابك المشتبكة راجع «شرح ديوان الحماسة» للتبريزي طبع مدينة بن. ط(1/392)
[1261]
[شعر في قبح النبيذ خاصة للشيخ الهرم]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: أنشدني أبي: [المتقارب]
تركت النّبيذ لأهل النبيذ ... وأصبحت أشرب ماء نقاخا (1)
شراب النبيين والمرسلين ... ومن لا يحاول منه اطّباخا
رأيت النبيذ يذلّ العزيز ... ويكسو التّقيّ النّقيّ اتّساخا
فهبني عذرت الفتى جاهلا ... فما العذر فيه إذ المرء شاخا
[1262]
[ما تتعاقب فيه القاف والكاف من الألفاظ]:
قال أبو علي: قال الأصمعي يقال: إناء قربان وكربان: إذا دنا أن يمتلئ. ويقال: عسق به وعسك به: إذا لزمه. والأقهب والأكهب: لون إلى الغبرة. قال ويقال: دقمه ودكمه: إذا دفع في صدره. ويقال للصّبيّ والسّخلة: قد امتكّ ما في ضرع أمّه، وقد امتقّ ما في ضرع أمه: إذا شربه كلّه. ويقال: كاتعه الله وقاتعه الله في معنى قاتله الله. وقال أبو عمرو الشيباني: عربيّ كحّ وعربيّة كحّة، وقال أبو زيد: أعرابي قحّ وأعراب أقحاح أي: محض خالص، وكذلك عبد قحّ أي: خالص، وقال الأصمعي: القحّ: الخالص من كل شيء.
وقال الفراء يقال للذي يتبخر به: قسط وكسط. ويقال: كشطت عنه جلده وقشطت. قال:
وقريش تقول: كشطت، وقيس وتميم وأسد تقول: قشطت. وفي مصحف ابن مسعود: (قشطت) (2). قال ويقال: قحط القطار وكحط. ويقال: قهرت الرجل أقهره وكهرته أكهره. قال: وسمعت بعض غنم بن دودان تقول: فلا تكهر.
* * * [1263] وقرأت على أبي عمر، عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم: [الوافر]
قتلنا سبعة بأبي لبيني ... وألحقنا الموالي بالصّميم
أي: قتلنا سادتهم فصار الموالي سادة.
* * * [1264] قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم قال: كان فتى من أهل البصرة يختلف معنا إلى الأصمعي فافتقدته فلقيت أباه فسألته عنه، فقال: سألني عن بيتين كان الأصمعي يرددهما: [الطويل]
سقى الله أيّاما لنا لسن رجّعا ... وسقيا لعصر العامريّة من عصر
ليالي أعطيت البطالة مقودي ... تمرّ الليالي والشهور وما أدري
__________
(1) النقاخ: البارد العذب. ط
(2) يعني قوله تعالى: {وَإِذَا السَّمََاءُ كُشِطَتْ} [التكوير: 11].(1/393)
فقلت له: يا بني، إنك لست بعاشق، ولولا ذلك لعرفت ما يفعله الذّكر بصاحبه، قال:
فبعثته على أن عشق لجاجا.
[1265]
[شعر في ذم الفحش والقرب من المحبوب الذي لا يحلّ الاقتراب منه]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي لبعض بني عمرو بن كلدة:
[البسيط]
إنّي أعيذك بالرحمن يا سكني ... أن تدخلي ببعادي حسبك النارا
قالت بعادك من ربّي يقرّبني ... وفي دنوّك أخشى النار والعارا
قلت اسمعي ودعينا من تفقّهكم ... فلست أفقه منّا أمّ عمّارا
إذا بذلت لنا ما منك نطلبه ... فاستغفري منه ربّا كان غفّارا
[1266]
[شعر في تعلّل المحبوب ببعض العلل]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة: [الطويل]
تعاللت لمّا لم تكن بك علّة ... وقلت شهيدي ما بعيني من السّقم
فلا تجعلي سقما بعينيك علّة ... فقد كان هذا السّقم في صحّة الجسم
[1267]
[طرفة في وصف مكفوف لحمار يطلبه]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا العكلي، عن ابن أبي خالد، عن الهيثم قال: بينا أنا بالكناسة بالكوفة إذ أتى رجل مكفوف نخّاسا، فقال له: اطلب لي حمارا ليس بالصغير المحتقر، ولا بالكبير المشتهر، إن خلا الطريق تدفّق، وإن كثر الزحام ترفّق، لا يصادم السّواري، ولا يدخلني تحت البواري، إن أقللت علفه صبر، وإن أكثرته شكر، وإن ركبته هام، وإن ركبه غيري قام، فقال له: اصبر، فإن مسخ الله القاضي حمارا قضيت حاجتك.
[1268]
[من ترجمة: الراعي]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، قال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء قال: سمعت جندل بن الراعي ينشد بلال بن أبي بردة قصيدة أبيه:
[الطويل]
نعوس إذا درّت جروز إذا غدت ... بويزل عام أو سديس كبازل
قال: فكاد صدري ينفرج لحسن إنشاده وجودة الشعر. قال أبو علي: إنما سمى راعيا لقوله: [الطويل]
لها أمرها حتّى إذا ما تبوّأت ... لأخفافها مرعى تبوّأ مضجعا
فقيل: رعى الرجل.
[1269]
[خبر جرير مع ذي الرمّة، وقول ذي الرمّة في المرئي]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا أحمد بن عبيد،
عن الحرمازي قال: مرّ جرير بذي الرمة فقال: يا غيلان، أنشدني ما قلت في المرئيّ، فأنشده: [الوافر](1/394)
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا أحمد بن عبيد،
عن الحرمازي قال: مرّ جرير بذي الرمة فقال: يا غيلان، أنشدني ما قلت في المرئيّ، فأنشده: [الوافر]
نبت عيناك عن طلل بحزوى ... عفته الرّيح وامتنح القطارا
فقال: ألا أعينك! قال: بلى، بأبي وأمي، فقال:
يعدّ الناسبون إلى تميم ... بيوت المجد أربعة كبارا
يعدون الرّباب وآل سعد ... وعمرا ثمّ حنظلة الخيارا
ويهلك وسطها المرثيّ لغوا ... كما ألغيت في الدّية الحوارا
قال: فمر ذو الرمة بالفرزدق فقال: أنشدني ما قلت في المرئي، فأنشده القصيدة، فلما انتهى إلى هذه الأبيات، قال الفرزدق: حسّ! أعد علىّ! فأعاد، فقال: تالله لقد علكهنّ أشدّ لحيين منك.
[1270]
[قصيدة الصلتان العبدي وقد جعلوا إليه الحكم بين الفرزدق وجرير أيهما أشعر]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله للصّلتان العبدي: [الطويل]
أنا الصّلتانيّ الذي قد علمتم ... متى ما يحكّم فهو بالحقّ صادع
أتتني تميم حين هابت قضاتها ... فإني لبالفصل المبيّن قاطع
كما أنفذ الأعشى قضيّة عامر ... وما لتميم في قضائي رواجع
ولم يرجع الأعشى قضية جعفر ... وليس لحكمي آخر الدهر راجع
سأقضي قضاء بينهم غير جائر ... فهل أنت للحكم المبيّن سامع
قضاء امرئ لا يتّقي الشّتم منهم ... وليس له في المدح منهم منافع
قضائ امرء لا يرتشي في حكومة ... إذا مال بالقاضي الرّشا والمطالع
فإن كنتما حكّمتماني فأنصتا ... ولا تجزعا وليرض بالحكم قانع
فإن تجزعا أو ترضيا لا أقلكما ... وللحقّ بين الناس راض وجازع
فأقسم لا آلو عن الحقّ بينهم ... فإن أنا لم أعدل فقل أنت ظالع
فإن يك بحر الحنظليّين واحدا ... فما يستوي حيتانه والضّفادع
وما يستوى صدر القناة وزجّها ... وما يستوي شمّ الذّرى والأجارع
وليس الذّنابي كالقدامى وريشه ... وما تستوي في الكفّ منك الأصابع
ألا إنّما تحظى كليب بشعرها ... وبالمجد تحظى دارم والأقارع
ومنهم رءوس يهتدى بصدورها ... والأذناب قدما للرءوس توابع
أرى الخطفى بذّ الفرزدق شعره ... ولكنّ خيرا من كليب مجاشع
فيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله ... جرير ولكن في كليب تواضع
جرير أشدّ الشاعرين شكيمة ... ولكن علته الباذخات الفوارع
ويرفع من شعر الفرزدق أنه ... له باذخ لذي الخسيسة رافع
وقد يحمد السّيف الدّدان بجفنه ... وتلقاه رصّا غمده وهو قاطع
يناشدني النّصر الفرزدق بعد ما ... ألحّت عليه من جرير صواقع
فقلت له إنّي ونصرك كالذي ... يثبّت أنفا كشّمته الجوادع
وقالت كليب قد شرفنا عليهم ... فقلت لها سدّت عليك المطالع
قال أبو علي: كشم أنفه: إذا قطعه، والأكشم أيضا: الناقص الخلق، قال حسان:(1/395)
أنا الصّلتانيّ الذي قد علمتم ... متى ما يحكّم فهو بالحقّ صادع
أتتني تميم حين هابت قضاتها ... فإني لبالفصل المبيّن قاطع
كما أنفذ الأعشى قضيّة عامر ... وما لتميم في قضائي رواجع
ولم يرجع الأعشى قضية جعفر ... وليس لحكمي آخر الدهر راجع
سأقضي قضاء بينهم غير جائر ... فهل أنت للحكم المبيّن سامع
قضاء امرئ لا يتّقي الشّتم منهم ... وليس له في المدح منهم منافع
قضائ امرء لا يرتشي في حكومة ... إذا مال بالقاضي الرّشا والمطالع
فإن كنتما حكّمتماني فأنصتا ... ولا تجزعا وليرض بالحكم قانع
فإن تجزعا أو ترضيا لا أقلكما ... وللحقّ بين الناس راض وجازع
فأقسم لا آلو عن الحقّ بينهم ... فإن أنا لم أعدل فقل أنت ظالع
فإن يك بحر الحنظليّين واحدا ... فما يستوي حيتانه والضّفادع
وما يستوى صدر القناة وزجّها ... وما يستوي شمّ الذّرى والأجارع
وليس الذّنابي كالقدامى وريشه ... وما تستوي في الكفّ منك الأصابع
ألا إنّما تحظى كليب بشعرها ... وبالمجد تحظى دارم والأقارع
ومنهم رءوس يهتدى بصدورها ... والأذناب قدما للرءوس توابع
أرى الخطفى بذّ الفرزدق شعره ... ولكنّ خيرا من كليب مجاشع
فيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله ... جرير ولكن في كليب تواضع
جرير أشدّ الشاعرين شكيمة ... ولكن علته الباذخات الفوارع
ويرفع من شعر الفرزدق أنه ... له باذخ لذي الخسيسة رافع
وقد يحمد السّيف الدّدان بجفنه ... وتلقاه رصّا غمده وهو قاطع
يناشدني النّصر الفرزدق بعد ما ... ألحّت عليه من جرير صواقع
فقلت له إنّي ونصرك كالذي ... يثبّت أنفا كشّمته الجوادع
وقالت كليب قد شرفنا عليهم ... فقلت لها سدّت عليك المطالع
قال أبو علي: كشم أنفه: إذا قطعه، والأكشم أيضا: الناقص الخلق، قال حسان:
له جانب واف وآخر أكشم
[1271]
[أهجى بيت قالته العرب]:
وقرأت على أبي عمر، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي قال: أهجى بيت قالته العرب: [الطويل]
وقد علمت عرساك أنّك آئب ... تخبّرهم عن جيشهم كل مربع
أخبر أنّ من عادته أن ينهزم فيتحدث بخبر جيشه.
[1272]
[شعر في تحريم الكلام في الصلاة]:
قال أبو علي: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الصمد بن المعذّل بن غيلان قال: ركب أبي إلى عيسى بن جعفر ليسلّم عليه، فأخبر أنه متأهّب للركوب فانتظره، فلما أبطأ خروجه دخل إلى المسجد ليصلي. وكان المعذّل إذا دخل في الصلاة لم يقطعها. فخرج عيسى وصاح يا معذّل، يا أبا عمرو فلم يجبه فغضب ومضى، فأتم المعذّل صلاته ثم لحقه فأنشده: [الكامل]
قد قلت إذا هتف الأمير ... يأيها القمر المنير
حرم الكلام فلم أجب ... وأجاب دعوتك الضمير
لو أنّ نفسي طاوعتني ... إذ دعوت ولا أحير
لبّاك كلّ جوارحي ... بأناملي ولها السرور
شوقا إليك وحقّ لي ... ولكدت من فرح أطير
[1273]
[شعر في إسناد الأمر إلى غير أهله]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: جلس كامل الموصليّ في المسجد الجامع يقرئ الشعر، فصعد مخلد الموصلي المنارة وصاح: [السريع]
تأهّبوا للحدث النازل ... قد قرئ الشّعر على كامل
وكامل الناقص في عقله ... لا يعرف العام من القابل
يهيهة يخلط ألفاظه ... كأنه بعض بني وائل
وإنما المرء ابن عم لنا ... ونحن من كوثى ومن بابل
أذنابنا ترفع قمصاننا ... من خلفنا كالخشب الشائل
[1274](1/396)
تأهّبوا للحدث النازل ... قد قرئ الشّعر على كامل
وكامل الناقص في عقله ... لا يعرف العام من القابل
يهيهة يخلط ألفاظه ... كأنه بعض بني وائل
وإنما المرء ابن عم لنا ... ونحن من كوثى ومن بابل
أذنابنا ترفع قمصاننا ... من خلفنا كالخشب الشائل
[1274]
[قول بعض الأعراب حين مات ابنه وهو غائب]:
قال أبو علي: وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد النحوي لأعرابي مات ابنه وهو غائب: [البسيط]
يا ليتني كنت فيمن كان حاضره ... إذ ألبسوه ثياب الفرقة الجددا
قالوا وهم عصب يستغفرون له ... نرجو لك الله والوعد الذي وعدا
قلّ الغناء إذا لاقى الفتى تلفا ... قول الأحبّة لا يبعد وقد بعدا
قال أبو علي: بعد: هلك، وبعد: نأى.
[1275]
[ما قيل في عمرو بن حممة الدوسي من مراثي، وما قيل في المنية]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن ابن الكلبي، عن أبي مسكين وعن الشّرقيّ بن قطاميّ، قالا: لما مات عمرو بن حممة الدّوسي، وكان أحد من تتحاكم إليه العرب، مرّ بقبره ثلاثة نفر من أهل يثرب قادمين من الشام: الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد أبو كلثوم بن الهدم الذي نزل عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعتيك بن قيس بن هيشة بن أمية بن معاوية، وحاطب بن قيس بن هيشة الذي كانت بسببه حرب حاطب، فعقروا رواحلهم على قبره، وقام الهدم فقال: [الطويل]
لقد ضمّت الأثراء منك مرزّأ ... عظيم رماد النار مشترك القدر
حليما إذا ما الحلم كان حزامة ... وقورا إذا كان الوقوف على الجمر
إذا قلت لم تترك مقالا لقائل ... وإن صلت كنت اللّيث يحمي حمى الأجر
ليبكك من كانت حياتك عزّه ... فأصبح لمّا بنت يغضي على الصّغر
سقى الأرض ذات الطّول والعرض مثجم ... أحمّ الرّحا واهي العرى دائم القطر
وما بي سقيا الأرض لكنّ تربة ... أضلّك في أحشائها ملحد القبر
قال أبو علي: الرّحى: وسط الغيم ومعظمه، ووسط الحرب ومعظمها. وقام عتيك بن قيس فقال: [الطويل]
برغم العلى والجود والمجد والنّدى ... طواك الرّدى يا خير حاف وناعل
لقد غال صرف الدهر منك مرزّء ... نهوضا بأعباء الأمور الأثاقل
يضمّ العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضمّ أمّ الرأس شعب القبائل
ويسرو دجى الهيجا مضاء عزيمة ... كما كشف الصبح اطّراق الغياطل
ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جرّارا كثير الصّواهل
وينقاد ذو البأو الأبيّ لحكمه ... فيرتدّ قسرا وهو جمّ الدّغاول
ويمضي إذا ما الحرب مدّ رواقه ... على الرّوع وارفضّت صدور العوامل
فإمّا تصبنا الحادثات بنكبة ... رمتك بها إحدى الدواهي الضّآبل
فلا تبعدن إن الحتوف موارد ... وكلّ فتى من صرفها غير وائل
قال أبو علي: الضآبل: الدواهي، واحدها ضئبل. وقام حاطب بن قيس فقال:(1/397)
برغم العلى والجود والمجد والنّدى ... طواك الرّدى يا خير حاف وناعل
لقد غال صرف الدهر منك مرزّء ... نهوضا بأعباء الأمور الأثاقل
يضمّ العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضمّ أمّ الرأس شعب القبائل
ويسرو دجى الهيجا مضاء عزيمة ... كما كشف الصبح اطّراق الغياطل
ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جرّارا كثير الصّواهل
وينقاد ذو البأو الأبيّ لحكمه ... فيرتدّ قسرا وهو جمّ الدّغاول
ويمضي إذا ما الحرب مدّ رواقه ... على الرّوع وارفضّت صدور العوامل
فإمّا تصبنا الحادثات بنكبة ... رمتك بها إحدى الدواهي الضّآبل
فلا تبعدن إن الحتوف موارد ... وكلّ فتى من صرفها غير وائل
قال أبو علي: الضآبل: الدواهي، واحدها ضئبل. وقام حاطب بن قيس فقال:
[الطويل]
سلام على القبر الذي ضمّ أعظما ... تحوم المعالي حوله فتسلّم
سلام عليه كلما ذرّ شارق ... وما امتدّ قطع من دجى الليل مظلم
فيا قبر عمرو جاد أرضا تعطّفت ... عليك ملثّ دائم القطر مرزم
تضمّنت جسما طاب حيّا وميّتا ... فأنت بما ضمّنت في الأرض معلم
فلو نطقت أرض لقال ترابها ... إلى قبر عمرو الأزد حلّ التّكرّم
إلى مرمس قد حلّ بين ترابه ... وأحجاره بدر وأضبط ضيغم
فلو وألت من سطوة الموت مهجة ... لكنت ولكنّ الرّدى لا يقمثم
فلا يبعدنك الله حيا وميتا ... فقد كنت نور الخطب والخطب مظلم
وقد كنت تمضي الحكم غير مهلّل ... إذا غال في القول الأبلّ الغشمشم
لعمر الذي حطّت إليه على الونا ... حدابير عوج نيّها متهمّم
لقد هدّم العلياء موتك جانبا ... وكان قديما ركنها لا يهدّم
قال أبو علي: وألت: نجت. ويثمثم: يبطئ، ويثمثم: يحرّك ويدفع. والمهلّل:
المتوقّف، يقال: حمل عليه فما هلّل. والغيطلة: الظّلمة، والغيطلة: اختلاط الأصوات، قال أبو النجم:
مستأسدا ذبّانه في غيطل
وهو جمع غيطلة. والغيطلة: البقرة الوحشية، قال زهير: [البسيط]
كما استغاث بسيّ فزّ غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك
والغيطلة: الشجر الملتفّ، وقال ابن الأعرابي: الغيطلة: التفاف الناس واجتماعهم، والعيطلة: غلبة النعاس. والدّغاول: الدواهي، قال أبو علي: ولم أسمع له بواحد، قال الهذلي: [الطويل]
فقلصي (1) لكم ما عشتم ذو دغاول (2)
__________
(1) أنشده صاحب «اللسان» في مادة «قلص» بلفظ:
فقلصي ونزلي قد وجدتم حفيله ... وشرى لكم ما عشتم ذو دغاول
ثم قال: قلصي: انقباضي ونزلي استرسالي: وحفيله كثرة لبنه.
(2) انظر: «التنبيه» [103].(1/398)
والأبلّ: الظّلوم. والغشمشم: الذي يركب رأسه لا يثنيه شيء عما يحب ويهوى.
والحدابير: جمع حدبار: وهي المنحنية الظهر. والنّيّ: الشحم. والمتهمّم: الذائب.
[1276]
[شعر ابن الأعرابي في صفة قدر]:
وقرأت على أبي عمر، عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم في صفة قدر:
[الكامل]
ألقت قوائمها خسا وترنّمت ... طربا كما يترنّم السّكران
قوائمها: الأثافي. وخسا: فرد.
[1277]
[ما تعاقب فيه اللام والراء، ومعنى لفظ: الكافر]:
قال أبو علي: قال الأصمعي يقال: لثدت القصعة بالثريد إذا جمع بعضه إلى بعض وسوّي، وقد رثدت. وقد رثد المتاع إذا نضّد وسوّي، والرّثيد: المنضود ومنه سمى مرثد، ويقال: تركت فلانا مرتثدا أي: قد ضمّ متاعه بعضه إلى بعض ونضّده، قال الشاعر:
[الكامل]
فتذكّرا (1) ثقلا رثيدا بعد ما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر
تذكّر الظّليم والنعامة رثيدا يعني بيضهما منضودا بعضه فوق بعض. قال أبو علي:
وذكاء: الشمس. وابن ذكاء: الصّبح. والكافر: الليل وإنما سمى كافرا لأنه يغطّي بظلمته كلّ شيء، ولهذا قيل: تكفّر الرجل بالسلاح إذا لبسه، وكفر الغمام النّجوم أي: غطّاها، وو منه سمى الكافر كافرا لأنه يغطّي نعمة الله، وسمى أيضا الزراع كافرا لأنه يغطي الحبّة، وعنى بقوله:
بعد ما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر
أي: ابتدأت في المغيب. ويقال: هدم ملدّم ومردّم أي: مرقّع، وقد ردّم ثوبه أي:
رقعه، قال عنترة: [الكامل]
هل غادر الشّعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدار بعد توهّم
يقول: هل ترك الشعراء شيئا يرقع، وهذا مثل وإنما يريد: هل تركوا مقالا لقائل.
ويقال اعلنكس واعرنكس الشيء: إذا تراكم وكثر أصله، قال العجاج: [الرجز]
بفاحم دووي حتّى اعلنكسا
بفاحم يعني: شعرا أسود. دووي: عولج وأصلح، وقال أيضا: [الرجز]
واعرنكست أهواله واعرنكسا
أي: ركب بعضه بعضا. وهدل الحمام يهدل هديلا، وهدر الحمام يهدر هديرا.
__________
(1) البيت لثعلبة بن صعير بن خزاعي، راجع: كتاب «المفضليات» طبع ببيروت (ص 257). ط(1/399)
وطلمساء وطرمساء: للظّلمة. ويقال للدرع: نثلة ونثرة: إذا كانت واسعة. ويقال: امرأة جلبّانة وجربّانة: وهي الصّخّابة السّيّئة الخلق، قال حميد بن ثور: [الطويل]
جربّانة (1) ورهاء تخصي حمارها ... بغى من بغى خيرا إليها الجلامد
ويروى: جلبّانة. ويقال: عود متقطّل ومتقطّر ومنقطل ومنقطر أي: مقطوع. وقال أبو عبيدة: يقال: سهم أملط وأمرط: إذا لم يكن عليه ريش، وقد تملط ريشه وتمرّط. ويقال:
جلمه وجرمه: إذا قطعه. قال أبو علي: ومنه سمّي الجلم الذي يؤخذ به الشّعر. قال أبو علي: يقال لكل واحد من الحديدتين: جلم، فإذا اجتمعا فهما جلمان وكذلك مقراضان، الواحد منهما مقراض. والتلاتل والتراتر: الهزاهز. قال الأصمعي يقال: مرّ يرتكّ ويرتجّ: إذا ترجرج: ويقال: أصابه سكّ وسجّ: إذا لان عليه بطنه. ويقال: الزّمكّى والزّمجّى لزمكّى الطائر. ويقال: ريح سيهك وسيهج وسيهوك وسيهوج: وهي الشديدة، قال رجل من بني سعد (2): [الرجز]
يا دار سلمى بين دارات العوج ... جرّت عليها كلّ ريح سيهوج (3)
والسّهج والسّهك والسّحق. يقال: سحقه وسهكه وسهجه، وقال أبو عمرو الشيباني:
السّهك والسّهج: ممرّ الريح.
[1278]
[وصف ضرار الصدائي علي بن أبي طالب، وبعض ما خاطب به عليّ الدنيا]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثني العكلي، عن الحرمازي، عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصّدائي: يا ضرار. صف لي عليّا رضي الله عنه، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنّه. قال: أمّا إذ لا بدّ من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا. ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه وينبّئنا إذا استنبئناه، ونحن مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلّمه لهيبته. ولا نبتدئه لعظمته، يعظّم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله. وغارت نجومه. وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السّليم. ويبكي
__________
(1) قال الفارسي: هذا البيت يقع فيه تصحيف من الناس يقول قوم: مكان تخصي حمارها تخطى خمارها يظنونه من قولهم: «العوان لا تعلم الخمرة»، وإنما يصفها بقلة الحياء قال ابن الأعرابي يقال: جاء كخامي العير إذا وصف بقلة الحياء فعلى هذا لا يجوز في البيت غير تخصى حمارها كذا في «اللسان» مادة «رب». ط
(2) انظر: «التنبيه» [104].
(3) أراد: جرت عليها ذيلها فحذف، كذا في «اللسان» مادة «سهح». ط(1/400)
بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا، غرّي غيري ألي تعرّضت. أم إليّ تشوّقت. هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق! فبكى معاوية رحمه الله وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح واحدها في حجرها.
[1279]
[قصيدة كعب بن سعد الغنوي التي رثى بها أبا المغوار]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد هذه القصيدة في شعر كعب الغنوي، وأملاها علينا أبو الحسن على بن سليمان الأخفش وقال: قرئ لنا على أبي العباس محمد بن الحسن الأحول ومحمد بن يزيد وأحمد بن يحيى قال: وبعض الناس يروى هذه القصيدة لكعب بن سعد الغنوي، وبعضهم يرويها بأسرها لسهم الغنوي وهو من قومه وليس بأخيه، وبعضهم يروي شيئا منها لسهم، والمرثيّ بهذه القصيدة يكنى أبا المغوار واسمه هرم، وبعضهم يقول: اسمه شبيب، ويحتج ببيت روى في هذه القصيدة: [الطويل]
أقام فخلّى الظاعنين شبيب
وهذا البيت مصنوع، والأول كأنه أصح لأنه رواه ثقة. قال: وزادنا أحمد بن يحيى عن أبي العالية في أوّلها بيتين. قال: وهؤلاء كانوا يختلفون في تقديم الأبيات وتأخيرها وزيادة الأبيات ونقصانها وفي تغيير الحروف في متن البيت وعجزه وصدره.
[1280] قال أبو علي: وأنا ذاكر ما يحضرني من ذلك، والبيتان اللذان رواهما أبو العالية: [الطويل]
ألا من لقبر لا يزال تهجّه ... شمال ومسياف العشيّ جنوب
تهجّه: تهدمه، يقال، هجّ البيت وهجمه إذا هدمه. قال أبو عبيدة. ولما قتل بسطام بن قيس لم يبق في بكر بن وائل بيت إلا هجم أي: هدم إكبارا لقتله. ومسياف: مفعال من سافه يسيفه سيفا إذا ضربه بالسيف، يريد أنها في حدّتها في الصيف والشتاء كالسيف: [الطويل]
به هرم يا ويح نفسي من لنا ... إذا طرقت للنائبات خطوب
وأولها في رواية الجميع:
تقول سليمى ما لجسمك شاحبا ... كأنّك يحميك الطعام طبيب (1)
فقلت ولم أعي الجواب لقولها ... وللدّهر في صمّ السّلام نصيب
ويروى:
فقلت ولم أعي الجواب ولم ألح
__________
(1) في كتاب «الأصمعيات من مجموع أشعار العرب» طبع مدينة ليبرج (ص 15): إن هذه الأبيات مطلع قصيدة لعريقة بن مسافع العبسي. ط(1/401)
تتابع أحداث تخرّمن إخوتي ... وشيّبن رأسي والخطوب تشيب
لعمري لئن كانت أصابت منيّة ... أخي، والمنايا للرجال شعوب
لقد عجمت منّي الحوادث ماجدا ... عروفا لريب الدهر حين يريب
وقد كان أمّا حلمه فمروّح ... علينا، وأمّا جهله فعزيب
فتى الحرب إن حاربت كان سمامها ... وفي السّلم مفضال اليدين وهوب
هوت أمّه ماذا تضمّن قبره ... من الجود والمعروف حين ينوب
ويروى: حين يئوب.
جموع خلال الخير من كل جانب ... إذا جاء جيّائّ بهنّ ذهوب
مفيد مفيت الفائدات معوّد ... لفعل النّدى والمكرمات كسوب
فتى لا يبالي أن يكون بجسمه ... إذا نال خلّات الكرام شحوب
[1281] قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر:
فتى لا يبالي أن يكون بوجهه
غنينا بخير حقبة ثم جلّحت ... علينا التي كلّ الأنام تصيب
فأبقت قليلا ذاهبا وتجهّزت ... لآخر والراجي الخلود كذوب
وأكثرهم ينشدون: والراجي الخلود لأنه أغرب وأظرف، والخلود أجود في العربية (1).
وأعلم أنّ الباقي الحيّ منهما ... إلى أجل أقصى مداه قريب
فلو كان حيّ يفتدى لفديته ... بما لم تكن عنه النفوس تطيب
الفداء يمد ويقصر. قال أبو علي: كذا حدثني محمد بن الأنباري. وقال الأخفش:
الفداء لا يقصر إلا عند ضرورة الشعر. فإذا فتحت الفاء قصر.
بعينيّ أو يمنى يديّ وإنّني ... ببذل فداه جاهدا لمصيب
فإن تكن الأيام أحسنّ مرة ... إليّ فقد عادت لهن ذنوب
عظيم رماد النار رحب فناؤه ... إلى سند لم تحتجنه غيوب
قريب ثراه ما ينال عدوّه ... له نبطا آبى الهوان قطوب
لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى ... على يومه علق إليّ حبيب
حليم إذا ما الحلم زيّن أهله ... مع الحلم في عين العدوّ مهيب
إذا ما تراآه الرجال تحفّظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب
__________
(1) أي بالنصب: قال الأشموني: وهو ظاهر كلام سيبويه لأنه الأصل، وقيل: الإضافة أولى للخفة. ط(1/402)
[1282] قال أبو علي: قرأت على أبي بكر: فلم ينطقوا العوراء.
أخي ما أخى لا فاحش عند بيته ... ولا ورع عند اللّقاء هيوب
على خير ما كان الرجال نباته ... وما الحظّ إلا طعمة ونصيب
[1283] قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر:
على خير ما كان الرجال خلاله ... وما الخير إلا قسمة ونصيب
حليف النّدى يدعو النّدى فيجيبه ... قريبا ويدعوه النّدى فيجيب
هو العسل الماذيّ لينا وشيمة ... وليث إذا يلقى العدوّ غضوب
حليم إذا ما سورة الجهل أطلقت ... حبى الشّيب للنفس اللّجوج غلوب
هوت أمّه ما يبعث الصّبح غاديا ... وماذا يردّ الليل حين يؤوب
كعالية الرّمح الرّدينيّ لم يكن ... إذا ابتدر الخير الرجال يخيب
وروي أبو بكر: لم يكن إذا ابتدر القوم النّهاب
أخو شتوات يعلم الحيّ أنه ... سيكثر ما في قدره ويطيب
ويروى:
أخو شتوات يعلم الضيف أنه
ليبكك عان لم يجد من يعينه ... وطاوي الحشا نائي المزار غريب
يروّح تزهاه صبا مستطيفة ... بكلّ ذرى والمستراد جديب
كأنّ أبا المغوار لم يوف مرقبا ... إذا ربأ القوم الغزاة رقيب
ولم يدع فتيانا كراما لميسر ... إذا هبّ من ريح الشتاء هبوب
حبيب إلى الزّوّار غشيان بيته ... جميل المحيّا شبّ وهو أريب
إذا حلّ لم يقصر مقامة بيته ... ولكنّه الأدنى بحيث يجيب
يبيت النّدى يا أمّ عمرو ضجيعه ... إذا لم يكن في المنقيات حلوب
وحدثنا أبو الحسن قال: حدثنا أحمد بن يحيى قال: أخبرنا سلمة، عن الفراء أنه روى:
يبيت الندى يا أم عمر ضجيعه
[1284] قال أبو علي: وزادني أبو بكر بن دريد رحمه الله من حفظه هاهنا بيتا وهو:
كأنّ بيوت الحيّ ما لم يكن بها ... بسابس لا يلقى بهنّ عريب
إذا شهد الأيسار أو غاب بعضهم ... كفى ذاك وضّاح الجبين نجيب
[1285] قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر:
وإن شهدوا أو غاب بعض حماتهم ... كفى القوم وضاح الجبين أريب
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة (1) ... لعلّ أبا المغوار (2) منك قريب
يجبك كما قد كان يفعل إنه ... مجيب لأبواب العلاء طلوب
فإنّي لباكيه وإني لصادق ... عليه، وبعض القائلين كذوب
فتى أريحيّ كان يهتزّ للنّدى ... كما اهتزّ ماضي الشّفرتين قضيب
وخبّرتماني أنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا روضة وكثيب
[1286] قال أبو علي يقال: حميت المريض حمية، وأحميت الحديد في النار إحماء، وحميت الشيء إذا منعت عنه، وأحميت المكان إذا جعلته حمى لا يقرب. ويقال:(1/403)
وإن شهدوا أو غاب بعض حماتهم ... كفى القوم وضاح الجبين أريب
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة (1) ... لعلّ أبا المغوار (2) منك قريب
يجبك كما قد كان يفعل إنه ... مجيب لأبواب العلاء طلوب
فإنّي لباكيه وإني لصادق ... عليه، وبعض القائلين كذوب
فتى أريحيّ كان يهتزّ للنّدى ... كما اهتزّ ماضي الشّفرتين قضيب
وخبّرتماني أنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا روضة وكثيب
[1286] قال أبو علي يقال: حميت المريض حمية، وأحميت الحديد في النار إحماء، وحميت الشيء إذا منعت عنه، وأحميت المكان إذا جعلته حمى لا يقرب. ويقال:
عييت بالكلام فأنا أعيا عيّا. ولا يقال: أعييت، ويقال: أعييت من المشي فأنا أعيي إعياء.
وألح: أشفق، يقال: ألاح من الشيء أي: أشفق، قال جبيهاء الأشجعي: [الكامل]
تنجو إذا نجدت وعارض أوبها ... سلق ألحن من السّياط خضوع
والسّلام: الصّخور، واحدتها سلمة. والسّلم: شجر، واحدتها سلمة. والسّلام أيضا: شجر، واحدتها سلامة. ويقال: خرمته المنيّة وتخرّمته إذا ذهبت به. وشعوب معرفة لا تنصرف: اسم من أسماء المنية، وإنما سميت شعوب لأنها تشعب أي: تفرّق، وشعوب صفة في الأصل ثم سمّي به. ويقال: عجمت العود أعجمه عجما: إذا عضضته لتسبر صلابته من رخاوته بضم الجيم في المضارع، والعجم: النّوى، ومنه قول الأعشى: «كلقيط العجم»، وكان أبو بكر بن دريد يروى عن أصحابه: كلفيظ العجم، وهو أجود لأن ما لفظ من النوي أصلب من غيره. وعروفا: صبورا. ويقال: رابني يريبني وأرابني يريبني بمعنى واحد، وبعضهم يقول: رابني: تبيّنت منه الرّبة، وأرابني: إذا ظننت به الرّيبة. ومروّح ومراح واحد.
وعزب وعزيب: بعيد، ومنه سمى العزب لأنه بعد عن النساء. والسّمام جمع سمّ، وهذا مما اتفق في جمعه فعول وفعال لأنهم يقولون: سمام وسموم. والسّلم والسّلم: الصّلح، والسّلم: الاستسلام. وهوت أمّه أي: هلكت، كأنها انحدرت إلى الهاوية. وجيّاء: فعّال من جاء يجئ، وفعول وفعّال يكونان للمبالغة.
[1287] قال أبو علي: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا محمد بن يزيد، عن أبي المحكّم، قال: أنشدت يونس أبياتا من رجز فكتبها على ذراعه ثم قال لي: إنك لجيّاء بالخير. وفي قوله مفيد مفيت قولان: أحدهما يريد أنه يحرب قوما ويجبر آخرين، والآخر أنه يستفيد ويتلف. والشّحوب: التغيّر، يقال: شحب لونه يشحب شحوبا.
وغنينا: أقمنا، ولهذا قيل للمنزل: مغنى، ومنه قول الله عز وجل: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا}
__________
(1) في كتب النحو: جهرة، وفي «اللسان»: ثانيا. ط
(2) هكذا في النسخ بالألف منصوبا وهو خلاف ما في كتب اللغة والنحو من أنه مجرور بلعل في لغة عقيل. ويستشهدون لذلك بالبيت فإن صح ما هنا كان فيه روايتان. ط(1/404)
{فِيهَا} [الأعراف: 92هود:، 9518]. وحقبة: دهرا. وجلّحت: ذهبت بنا وأكلتنا فأفرطت، وأصل الجلح الكشف، والمجالحة: المكاشفة، ويقال: جلحت الأرض إذا أكل ما فيها من النبات، ويقال: جلّح الشجر فهو مجلّح إذا ذهب الشتاء بغصونه وورقه كالرأس الأجلح، قال ابن مقبل: [الطويل]
ألم تعلمي ألا يذمّ فجاءتي ... دخيلي إذا اغبرّ العضاه المجلّح
ويقال: ناقة مجلاح ومجلح ومجالح إذا أكلت أغصان الشجر، وهي أصلب الإبل وأبقاها لبنا. وقال الأصمعي المجالح بغير هاء: التي تذرّ على الجوع والقرّ، يقال: جالحت الناقة تجالح مجالحة شديدة، قال الشاعر (1): [الطويل]
لها شعر داج وجيد مقلّص ... وجسم خداري وضرع مجالح
وقال الفرزدق: [الوافر]
مجاليح الشّتاء خبعثنات ... إذا النّكباء ناوحت الشّمالا
[1288] والخبعثن والخبعثنة: الغليظ الجسم من الإبل وغيرها. وقوله: عظيم رماد النار أي: جواد بذول للقري. قال أبو علي: إنما تصف العرب الرجل بعظم الرماد لأنه لا يعظم إلا رماد من كان مطعاما للأضياف. والفناء ممدود: فناء الدار، والفناء بالفتح ممدود:
من فني الشيء، والفنا: عنب الثّعلب مقصور، والفنا جمع فناة أيضا مقصور: وهي البقرة الوحشية. وتحتجنه: تغيّبه، ومنه احتجن فلان المال: إذا غيّبه، وتحتجبه: من الحجاب.
والثّرى: التراب النّديّ وهذا مثل وإنما يريد أنه قريب المعروف والخير إذا طلب ما عنده.
وقوله: لا ينال عدوّه له نبطا أي: لا يدرك غوره ولا يستخرج ما في بيته لدهائه، ويقال: إنه أراد: لا ينال لينه لأن ناحيته خشنة على عدوّه وإن كانت ليّنة لوليّه. والنّبط: أوّل ما يخرج من البئر إذا حفرت. وقطوب: معبّس، يقال: قطب يقطب فهو قاطب، وقطّب فهو مقطّب وقطوب للمبالغة. والعلق: النفيس من كل شيء.
[1289] والعوراء: الكلمة القبيحة من الفحش، قال الشاعر: [الطويل]
وما الكلم العوران لي بقتول (2)
والورع: الجبان الضعيف. والماذيّ: العسل الأبيض، وهو أجود العسل، وقال بعض اللغويين: ومنه قيل للدترع ماذيّة لصفاء لونها. وقوله: كعالية الرّمح أراد كالرمح في طوله وتمامه، والعالية من الرمح: النصف الذي يلي السّنان. فأما الذي يلي الزّجّ فسافلته. وطاوي
__________
(1) انظر: «التنبيه» [105].
(2) عجز بيت صدره:
وعوراء قد قيلت فلم أستمع لها ... وما الكلم إلخ
والعوران جمع عوراء: وهي الكلمة القبيحة، كذا في «اللسان» مادة «عور». ط(1/405)
البطن: يريد ضامر البطن من الجوع. وتزهاه: تستخفه، وقال بعض اللغويين: ذرى الحائط وذرى الشجر: أصلهما، والجيّد أن يكون الذّرى الناحية. قال أبو علي: هكذا سمعت من أبي بكر ومن أثق بعلمه، ولهذا قيل: أنا في ذرى فلان، وفلان في ذري فلان. ويوفي:
يشرف. وربأ صار لهم ربيئة، والرّبيئة: الطّليعة، وهو الرّقيب أيضا. والميسر: الجزور التي تنحر. والأيسار: الذين يقسمون الجزور، واحدهم يسر. والمحيّا: الوجه.
[1290] وحدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يزيد، أن نفرا من بني هاشم دخلوا على المنصور يتظلّم بعضهم من بعض، فقال له قائل منهم: أعلمك يا أمير المؤمنين أن هذا شدّ عليّ بخز الوفة فضرب بها وجهي، فأقبل المنصور على الربيع فقال له:
ويلك! ما خزالوفة؟ فقال: يريد خزفة يا أمير المؤمنين، فقال المنصور: قاتلكم الله صغارا وكبارا! لستم كما قال كعب بن سعد الغنوي: [الطويل]
حبيب إلى الفتيان غشيان رحله ... جميل المحيّا شبّ وهو أديب
والمنقيات: ذوات النّقي، والنقي: المخّ. وقال: البسابس والسّباسب: الصّحاري.
ويقال: ما بالدار عريب أي: ما بها أحد. والأيسار: واحدهم يسر هو الذي يدخل مع القوم في الميسر وهو مدح، والبرم: الذي لا يدخل وهو ذمّ.
[1291]
[شعر في بكاء المحبين عند الفراق، وبطلان الوشاية]:
وقرأت على أبي عمر، عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم: [الطويل]
فلما رأت جدّ النّوى ضافت النّوى ... بنظرة ثكلى أكذبت كلّ كاشح
أي: لما علمت بالفراق بكت، فعلم أن الكاشح الساعي لم ينجع قوله، يعني عندها.
[1292]
[وصف ديباجة المدنية لبعض النساء]:
قال أبو علي: وحدثنا الرياشي، قال: حدثني ابن سلّام قال: دخلت ديباجة المدنيّة على امرأة، فقيل لها: كيف رأيتها؟ فقالت: لعنها الله! كأنّ بطنها قربة وكأن ثديها دبّة، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ديك قد نفش عفريته يقاتل ديكا.
[1293]
[خبر المجشّر، وشعره في مدح زياد، وشعر في حب من أحسن للنفس]:
وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: كان المجشّر في الشّرف من العطاء، وكان دميما، فقال له عبيد الله ذات يوم: كم عيالك؟ فقال: ثمان بنات، فقال: وأين هنّ منك؟ فقال: أنا أحسن منهن، وهنّ أكمل منّي، فضحك عبيد الله وقال: جاد ما سألت لهن! وأمر له بأربعة آلاف، فقال: [الطويل]
إذا كنت مرتاد الرّجال لنفعهم ... فناد زيادا أو أخا لزياد
يجبك امرؤ يعطي على الحمد ماله ... إذا ضنّ بالمعروف كلّ جواد
ومالي لا أثني عليه وإنما ... طريفي من أمواله وتلادي
هم أدركوا أمر البريّة بعد ما ... تفانوا وكادوا يصبحون كعاد
[1294](1/406)
إذا كنت مرتاد الرّجال لنفعهم ... فناد زيادا أو أخا لزياد
يجبك امرؤ يعطي على الحمد ماله ... إذا ضنّ بالمعروف كلّ جواد
ومالي لا أثني عليه وإنما ... طريفي من أمواله وتلادي
هم أدركوا أمر البريّة بعد ما ... تفانوا وكادوا يصبحون كعاد
[1294]
[وصف امرأة من أهل الحجاز لرجلها]:
وأنشدنا رحمه الله قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن الزبير لامرأة من أهل الحجاز:
[المديد]
يا خليلي ابني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد
كيف تلحوني على رجل ... آنس تلتذّه كبدي
مثل ضوء البدر طلعته ... ليس بالزّمّيلة (1) النّكد
[1295]
[شعر في الهوى ببيت المحبوب]:
قال وأنشدنا أيضا:
للناس بيت يديمون الطّواف به ... ولي بمكّة لو يدرون بيتان
فواحد لجلال الله أعظمه ... وآخر لي به شغل بإنسان
[1296]
[ما يكون بالصاد والطاء]:
قال أبو علي: قال الأصمعي: يقال للناقة إذا ألقت ولدها ولم يشعر أي: لم ينبت شعره: قد أملصت وأملطت، وهي ناقة مملص ومملط، وإبل مماليص ومماليط، فإذا كان ذلك من عادتها قيل: مملاص ومملاط، وقد ألقته مليصا. ويقال: اعتطت رحمها واعتاصت وهما واحد، وذلك إذا لم تكن تحمل أعواما.
[1297]
[ما يكون بالهاء والخاء]:
قال الأصمعي يقال: اطرهمّ واطرخمّ: إذا كان مشرفا طويلا، وأنشد لابن أحمر:
[الطويل]
أرجّي شبابا مطرهمّا وصحّة ... وكيف رجاء الشيخ ما ليس لاقيا
وروى أبو عبيد، عن أبي زياد الكلابي: المطرهمّ: الشباب المعتدل التام. وروى في البيت:
وكيف رجاء المرء ما ليس لاقيا
[1298] ويقال: بخ بخ، وبه به: إذا تعجّب من الشيء. ويقال: صخدته الشمس وصهدته: إذا اشتد وقعها عليه. ويقال: هاجرة (2) صيخود أي: صلبة، وصخرة صيهود، قال الراجز: [الرجز]
__________
(1) الزميلة: الجبان الضعيف. ط
(2) كذا في الأصل والذي في «اللسان» مادة «صخد»: وهاجرة صيخود متقدة، وصخرة صيخود وهي التي يشتد حرها إذا حميت عليها الشمس. ط(1/407)
كأنّهنّ الصّخر الصّيخود ... يرفتّ عقر الحوض والعضود (1)
[1299]
[ما يكون بالدال والطاء]:
وقال الأصمعي: يقال مطّ الحرف ومدّه بمعنى واحد. ويقال: قد بطغ الرّجل وبدغ:
إذا تلطّخ بعذرته. وقال رؤبة: [الرجز]
لولا دبوقاء أسته لم يبطغ (2)
ويروى: لم يبدغ. والدّبوقاء: العذرة.
ويقال: ماله عليّ إلّا هذا فقد، وإلا هذا فقط. والإبعاد والإبعاط واحد.
[1300]
[ما يكون بالتاء والطاء]:
قال الأصمعي: الأقطار والأقتار: النّواحي، يقال: وقع على أحد قطريه وعلى أحد قتريه أي: إحدى ناحيتيه. ويقال: طعنه فقطّره وقتّره: إذا ألقاه على أحد قطريه. ويقال:
رجل طبن وتبن أي: فطن حاذق. ويقال: ما أستطيع وما أستتيع.
[1301]
[ما يأتي بالدال واللام]:
وقال يعقوب بن السّكيت: المعكول والمعكود: المحبوس. ويقال: معله ومعده: إذا اختلسه، وأنشد: [الرجز]
إنّي إذا ما الأمر كان معلا ... وأوخفت أيدي الرجال الغسلا
قوله: معلا أي: اختلاسا. وقوله: وأوخفت أيدي الرجال، يريد: قلبوا أيديهم في الخصومة، وقال الآخر: [الرجز]
أخشى عليها طيّئا وأسدا ... وخاربين خربا ومعدا
أي: اختلسا. والخارب: سارق الإبل خاصّة، ثم يستعار فيقال لكل من سرق بعيرا كان أو غيره.
[1302]
[أصناف الرجال والنساء]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه، قال:
أخبرنا شيخ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث: فهيّنة ليّنة عفيفة مسلمة، تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غلّ قمل يضعه الله في عنق من ينشاء. والرجال ثلاثة: فهيّن ليّن عفيف مسلم، يصدر الأمور مصادرها ويوردها
__________
(1) في «اللسان» مادة «عضد»:
فآرفت غقر الحوض والعضود ... من عكرات وطؤها ونيد
عقر الحوض بالضم: موضع الشاربة منه. وعضوده: جوانبه. والعكرات: الإبل الكثيرة. ط
(2) في «اللسان» مادة «بدخ» أن صدر هذا البيت:
والملغ يلكي بالكلام الأملغ
والملغ: النذل الأحمق يتكلم بالفحش: ولكي بالشيء. ط(1/408)
مواردها، وآخر ينتهى إلى رأي ذي اللّبّ والمقدرة فيأخذ بقوله وينتهي إلى أمره، وآخر حائر بأئر لا يأتمر لرشد ولا يطيع المرشد.
[1303]
[ما يحبّه الرجل في نفسه]:
وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال رجل (1): أحبّ أن أرزق ضرسا طحونا ومعدة هضوما، وسر ما منباقا (2).
[1304]
[أسباب السّيادة]:
قال: وأخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قيل لعرابة الأوسي: بم سدت قومك؟
قال: بأربع، أنخذع لهم عن مالي، وأذلّ لهم في عرضي، ولا أحقر صغيرهم، ولا أحسد رفيعهم.
[1305] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا الأشنانداني، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة قال: قيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال: ببذل القرى، وترك المرا، ونصر المولى.
[1306]
[الخير، ومصاحبة الحكماء، السّيادة]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: قال عامر بن الظّرب العدواني: يا معشر عدوان، الخير ألوف عروف، وإنه لن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حكيما حتى صاحبت الحكماء، ولم أكن سيدكم حتّى تعبّدت لكم.
[1307]
[قول الحطيئة في ابن عباس]:
قال أبو علي: قرأت على أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عن أبيه قال: نظر الحطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر رضي الله عنه فقال: من هذا الذي نزل عن الناس في سنّه وعلاهم في قوله!
[1308]
[قول هند في سيادة ابنها معاوية]:
وقرأت عليه أيضا، عن أبيه قال: نظر رجل إلى معاوية وهو غلام صغير فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه، فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلّا قومه.
[1309]
[بين عبد الملك بن مروان وأمية بن عبد الله بن خالد]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي قال: قال عبد الملك بن مروان لأميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد: مالك ولحرثان بن عمرو حيث يقول فيك: [الطويل]
إذا هتف العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثّرائد
__________
(1) راجع ما يأتي (برقم 1366).
(2) أي: مندفعا، وفي «اللسان»: وسرما نثورا وكل صحيح. ط(1/409)
[درء الحدود، وبقاء ما سار به الشعر]:
فقال: يا أمير المؤمنين، وجب عليه حدّ فأقمته، فقال: هلّا درأت عنه بالشّبهات؟
فقال: كان الحدّ أبين، وكان رغمه عليّ أهون، فقال عبد الملك: يا بني أمية، أحسابكم أنسابكم لا تعرّضوها للهجاء، وإياكم وما سار به الشعر، فإنّه باق ما بقي الدهر، والله ما يسرّني أني هجيب بهذا البيت وأن لي ما طلعت عليه الشمس: [الطويل]
[شعر في مدح الشبع والجيران جوعى]
يبيتون في المشتى ملاء بطونهم ... وجاراتهم غرثي يبيتن خمائصا
وما يبالي من مدح بهذين البيتين ألّا يمدح بغيرهما: [الطويل]
هنالك إن يستخبلوا (1) المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
[الكرم، وعند المثلّين السّماحة والبذل]:
على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلّين السّماحة والبذل
[1310]
[رثاء خرنق بنت هفان لزوجها وأولادها]:
وأملي علينا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة لخرنق بنت هفّان ترثي زوجها عمرو بن مرثد وابنها علقمة بن عمرو وأخويه حسّان وشرحبيل: [الكامل]
لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلون بكل معترك ... والطيّبون معاقد الأزر
ويروى: النازلين والطيبين معاقد الأزر، ويروى: النازلون والطيبين.
إن يشربوا يهبوا وإن يذروا ... يتواعظوا عن منطق الهجر
قوم إذا ركبوا سمعت لهم ... لغطا من التّأييه والزّجر
والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوي الغنى منهم بذي الفقر
هذا ثنائي ما بقيت عليهم ... فإذا هلكت أجنّني قبري
قال أبو علي: الهجر: الفحش. واللّغط: الجلبة. والتأييه: الصّوت، يقال: أيّهت به تأييها إذا صحت به. والنّحيت: المنحوت. والنّضار: الذّهب.
* * * [1311] وحدثني أبو عمرو، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي أن غليّما من بني دبير أنشده: [الرجز]
يابن الكرام حسبا ونائلا ... حقّا ولا أقول ذاك باطلا
__________
(1) يقال: استخبل الرجل إبلا وغنما فأخبله: استعار منه ناقة لينتفع بألبانها وأوبارها أو فرسا يغزو عليه فأعاره، وهو مثل الأكفاء إلا أن الأكفاء أن يعطيه الناقة لينتفع بلبنها ووبرها وما تلده في عامها والأخبال مثله في اللبن والوبر دون الولد. ط(1/410)
إليك أشكو الدّهر والزّلازلا ... وكلّ عام نقّح الحمائلا
التنقيح: القشر، قال: قشروا حمائل السّيوف فباعوها لشدة زمانهم.
[1314]
[شعر في الجود والسخاء]:
وأملى أبو العهد صاحب الزّجّاج قال: أنشدنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، قال: أنشدنا أبو عثمان المازني للفرزدق:
لا خير في حبّ من ترجى (1) نوافله ... فاستمطروا من قريش كلّ منخدع
تخال فيه إذا ما جئته بلها ... في ماله وهو وافي العقل والورع
[1315] وقرأت هذين البيتين في عيون الأخبار على أحمد بن عبد الله بن مسلم مكان نوافله: فضائله، وفي البيت الثاني مكان:
تخال فيه إذا ما جئته بلها ... في ماله
كأنّ فيه إذا حاولته بلها ... عن ماله
[1316]
[شعر في الشكر لأهل الخير وذم اللئيم]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا الرياشي قال: أنشدنا أبو العالية الرّياحي: [الطويل]
إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذمم الجبس اللئيم المذمّما
ففيم عرفت الخير والشّرّ باسمه ... وشقّ لي الله المسامع والفما
[1317]
[قول أعرابي سأل رجلا حاجة فتشاغل عنه]:
وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لأعرابي سأل رجلا حاجة فتشاغل عنه: [الطويل]
كدحت بأظفاري وأعملت معولي ... فصادفت جلمودا من الصّخر أملسا
تشاغل لمّا جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى
وأقبلت أن أنعاه حتى رأيته ... يفوق فواق الموت ثم تنفّسا
فقلت له لا بأس لست بعائد ... فأفرخ تعلوه السّمادير مبلسا
السّمادير: ما يتراءى للإنسان عند السّكر.
[1318]
[شعر في ألم الفراق، والحذر من الوشاة والحسود]:
قال أبو علي: أنشدنا أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس محمد بن يزيد قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي، قال: أنشدنا الزبير لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: [الطويل]
غراب وظبي أعضب القرن ناديا ... بصرم وصردان العشيّ تصيح
__________
(1) أي: تؤخر من قولك: أرجيت الأمر أي: أخرته لغة في أرجأته وبهما قرئ (ترجى من تشاء) كما في كتب اللغة. ط(1/411)
لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ... لقد كنت من وشك الفراق أليح
أروح بهمّ ثم أغدو بمثله ... ويحسب أنّي في الثياب صحيح
فإن كنت أغدو في الثياب تجمّلا ... فقلبي من تحت الثياب جريح
[1318] قال: وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لنفسه: [الخفيف]
أتراني صبرت عنك اختيارا ... أم تطلّبت إذ ظلمت انتصارا
لا وغنج بمقلتيك وورد ... فوق خدّيك يخجل الأنوارا
ما تجافيت عن مرادك إلا ... خوف واش أشعرت منه الحذارا
ورقيب موكّل بي طرفا ... وحسود ينمّق الأخبارا
[1319]
[ما يقال بالياء والهمزة]:
قال أبو علي يقال: رمح يزنيّ وأزنيّ ويزأنيّ وأزأنيّ منسوب إلى ذي يزن. ويقال:
رجل يلمعيّ وألمعيّ: إذا كان ظريفا. ويلملم ولملم: اسم موضع أو جبل. وقال غيره: يقال لآفة تصيب الزّرع: اليرقان والأرقان وهذا زرع ميروق وقد يرق، وزرع مأروق وقد أرق.
ويقال للرجل الشديد الخصومة والجدل: رجل ألدّ ويلندد وألندد. ويقال: طير يناديد وأناديد أي: متفرقة. ويقال للجلود السود: يرندج وأرندج. ويقال للعود الذي يتبخّر به:
يلنجوج وألنجوج. ويبرين وأبرين: موضع. وسهم يثربيّ وأثربيّ بفتح الراء وكسرها فيهما، منسوب إلى يثرب. وهذه يذرعات وأذرعات. ويقال: في أسنانه يلل وألل: إذا كان فيها إقبال على باطن الفم. ويقال: قطع الله يديه، وحكى اللحياني عن الكسائي أنه سمع بعضهم يقول: قطع الله أديه. ويقال للرفيق اليدين: إنه ليديّ وأديّ. ويقال: ولدته أمّه يتنا وأتنا ووتنا، وهو أن تخرج رجلاه قبل رأسه. ويقال: ما في سيره يتم ولا أتم أي: إبطاء.
ويقال: أعصر ويعصر. ويقال لدودة تنسلخ فتصير فراشة: يسروع وأسروع، ويقال: هي الدودة التي تكون في البقل، ويقال: هي بنات النّقى، وبنات النقى: دود أبيض يكون في الرمل تشبّه به الأصابع، وقال ذو الرمة: [الطويل]
خراعيب أملود كأن بنانها ... بنات النّقي تخفى مرارا وتظهر
[1320]
[ما جرى بين دريد بن الصمة والخنساء]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: خرجت تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشّريد فهنأت ذودا لها جربى، ثم نضت عنها ثيابها واغتسلت، ودريد يراها ولا تراه، فقال دريد: [الكامل]
حيّوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإنّ وقوفكم حسبي
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أينق جرب
متبذّلا تبدو محاسنه ... يضع الهنآء مواضع النّقب
متحصّرا نضخ الهناء به ... نضخ العبير بربطة العصب
أخناس قد هام الفؤاد بكم ... واعتاده داء من الحب
فسليهم عنّي خناس إذا ... غضّ الجميع هناك ما خطبي
[1321] قال أبو علي: النّقب: القطع المتفرقة من الجرب في جلد البعير. ويقال:(1/412)
حيّوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإنّ وقوفكم حسبي
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أينق جرب
متبذّلا تبدو محاسنه ... يضع الهنآء مواضع النّقب
متحصّرا نضخ الهناء به ... نضخ العبير بربطة العصب
أخناس قد هام الفؤاد بكم ... واعتاده داء من الحب
فسليهم عنّي خناس إذا ... غضّ الجميع هناك ما خطبي
[1321] قال أبو علي: النّقب: القطع المتفرقة من الجرب في جلد البعير. ويقال:
النّقب أيضا بفتح القاف، والواحدة نقبة، وغضّ: من الغضاضة واللين.
[1322] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: خطب دريد بن الصّمّة خنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، فأراد أخوها معاوية أن يزوجها منه، وكان أخوها صخر غائبا في غزاة له، فأبت وقالت: لا حاجة لي به، فأراد معاوية أن يكرهها، فقالت: [الوافر]
تباكرني حمدة كلّ يوم ... بما يولى معاوية بن عمرو
فإلّا أعط من نفسي نصيبا ... فقد أودى الزمان إذا بصخر
ويروى:
لئن لم أوف من نفسي نصيبا ... لقد أودى
أتكرهني هبلت على دريد ... وقد أحرمت سيّد آل بدر
معاذ الله يرضعني حبركى ... قصير الشّبر من جشم بن بكر
ويروى: ينكحني. ومعناهما واحد.
يرى مجدا ومكرمة أتاها ... إذا عشّى الصّديق جريم تمر
ويروى: إذا غدّى الجليس.
قال أبو علي: الحبركى: القصير الرجلين الطويل الظهر. والشّبر: الخير والعطاء.
[1323] وقال دريد: [الوافر]
لمن طلل بذات الخمس أمسى ... عفا بين العقيق فبطن ضرس
أشبّهها غمامة يوم دجن ... تلألأ برقها أو ضوء شمس
فأقسم ما سمعت كوجد عمرو ... بذات الخال من جنّ وإنس
وقاك الله يا بنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
وقالت إنه شيخ كبير ... وهل خبّرتها أنّي ابن أمس
تريد أفيحج الرّجلين شثنا ... يقلّع بالجديرة كلّ كرس
[1324] ويروى:
تريد شرنبث الكفّين شثنا ... يقلع بالجدائر
والشّرنبث: الغليظ.(1/413)
إذا عقب القدور عددن مالا ... تحبّ حلائل الأبرام عرسي
وقد علم المراضع في جمادى ... إذا استعجلن عن حزّ بنهس
بأنّي لا أبيت بغير لحم ... وأبدأ بالأرامل حين أمسي
وأني لا يهرّ الضّيف كلبي ... ولا جاري يبيت خبيث نفس
وأصفر من قداح النّبع فرع ... به علمان من عقب وضرس
دفعت إلى المفيض إذا استقلّوا ... على الرّكبات مطلع كلّ شمس
ويروى:
دفعت إلى النّجيّ وقد تجاثوا ... على الرّكبات
[1325] قال أبو علي: الجديرة: الحظيرة. والكرس: ما تكرّس أي: صار بعضه فوق بعض، ومنه أخذت الكرّاسة. والأبرام: جمع برم وهو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر.
[1326] قال أبو علي: قال لنا أبو بكر قال أبو حاتم، عن الأصمعي: هذا غلط، إنما هو مغرب كلّ شمس لأن الأيسار إنما يتياسرون بالعشيّات، ألم تسمع إلى قول النمر بن تولب: [الكامل]
ولقد شهدت إذ القداح توجّدت ... وشهدت عند اللّيل موقد نارها
فلما مات صخر قالت الخنساء تعارض دريدا في كلمته: [الوافر]
يؤرّقني التّذكّر حين أمسي ... ويردعني مع الأحزان نكسي
على صخر وأيّ فتى كصخر ... ليوم كريهة وطعان خلس
وعان طارق أو مستضيف ... يروّع قلبه من كلّ جرس
ولم أر مثله رزءا لجنّ ... ولم أر مثله رزءا لإنس
أشدّ على صروف الدهر منه ... وأفصل في الخصوب لكل لبس
[1327] ويروى:
أشدّ على صروف الدهر إدّا
ألا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشقّ رمسي
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولا ... يساعد نائحا في يوم نحس
تفجّع والها تبكي أخاها ... صبيحة رزئه أو غبّ أمس
يذكّرني طلوع الشمس صخرا ... وأبكيه لكل غروب شمس
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزّي النفس عنه بالتّأسّي
قال أبو علي: قال أبو بكر: طلوع الشمس للغارة، وغروب الشمس للضيفان.
* * *
[1328](1/414)
* * *
[1328]
[علّ، ذب الرياد، ومعاني الأحمق]:
وقرأت على أبي عمر قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال:
يقال: علّ في المرض يعلّ أي: اعتلّ، وعلّ في الشراب يعلّ ويعلّ علّا، قال يقال: رجل هزر وقنذعل وطبخة وضاجع إذا كان أحمق، وأنشد: [البسيط]
ما للكواعب يا عيساء قد جعلت ... تزورّ عنّي وتطوى دوني الحجر
قد كنت فتّاح أبواب مغلّقة ... ذبّ الرّياد إذا ما خولس النّظر
فقد جعلت أرى الشخصين أربعة ... والواحد اثنين مما بورك البصر
وكنت أمشي على رجلين معتدلا ... فصرت أمشي على أخرى من الشّجر
قال: هو لعبد من عبيد بجيلة أسود.
[1329] قال أبو علي يقال: فلان ذبّ الرّياد إذا كان لا يستقر في موضع، ومنه قيل للثور الوحشي: ذبّ الرياد، قال ابن مقبل: [الطويل]
أتى دونها ذبّ الرّياد كأنّه ... فتى فارسّ في سراويل رامح
[1330]
[أدب المجالس، والشجاعة]:
وحدثني أبو عمر، عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشدهم: [الطويل]
فتى مثل ضوء الماء ليس بباخل ... بخير ولا مهد ملاما لباخل
ولا قائل عوراء تؤذ جليسه ... ولا رافع رأسا بعوراء قائل
قال أبو علي: هذا عندي من المقلوب، أراد بقائل عوراء.
ولا مظهر أحدوثة السوء معجبا ... باعلانها في المجلس المتقابل
وليس إذا الحرب المهمّة شمّرت ... عن الساق بالواني ولا المتضائل
ترى أهله في نعمة وهو شاحب ... طوي البطن مخماص الضّحى والأصائل
[1331]
[العقل، الجهل، المشاورة، الأدب]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال بعض الحكماء: لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ظهير كالمشاورة، ولا ميراث كالأدب.
[1332]
[أشعر الناس، وشعر في الحب]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال جعفر بن سليمان: ما سمعت بأشعر من الذي يقول: [الطويل]
إذا رمت عنها سلوة قال شافع ... من الحبّ ميعاد السّلوّ المقابر
فقال له رجل: أشعر منه الذي يقول: [الطويل]
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة ودّ يوم تبلى السرائر
[1333](1/415)
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة ودّ يوم تبلى السرائر
[1333]
[الزور، الفجور، الغرور]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيا يقول:
اللهم إني أعوذ بك أن أقول زورا، أو أغشى فجورا، أو أكون بك مغرورا.
[جمال الخطّ] قال: وسمعت عمي يقول: كان يقال: الخطّ يعرب عن اللفظ.
[البلاغة] قال: وسمعته يقول: البلاغة أن تظهر المعنى صحيحا، واللفظ فصيحا.
* * * [1334] وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: بلغني أنه قيل لمعن بن زائدة: ما أحسن ما مدحت به؟ قال: قول سلم الخاسر: [المديد]
أبلغ الفتيان مألكة ... أن خير الودّ ما نفعا
إنّ قرما من بني مطر ... أتلفت كفّاه ما جمعا
كلّما عدنا لنائله ... عاد في معروفه جذعا
قال أبو علي: المألكة والمألكة والألوك: الرّسالة، ومنه اشتقاق الملائكة.
[1335]
[علو الهمة]:
قال: وحدثنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم للمثقّب قال: ويروى لعنترة: [الطويل]
وللموت خير للفتى من حياته ... إذا لم يثب للأمر إلا بقائد
ويروى:
إذا لم يطق علياء إلا بقائد
فعالج جسيمات الأمور ولا تكن ... هبيت الفؤاد همّه للوسائد
ويروى:
ولا تكن ... نكبث القوى ذا نهمة بالوسائد
إذا الريح جاءت بالجهام تشلّه ... هذا ليله شلّ القلاص الطّرائد
وأعقب نوء المرزمين (1) بغبرة ... وقطر قليل الماء بالليل بارد
كفى حاجة الأضياف حتى يريحها ... عن الحي منّا كلّ أروع ماجد
تراه بتفريج الأمور ولفّها ... لما نال من معروفها غير زاهد
وليس أخونا عند شرّ يخافه ... ولا عند خير إن رجاه بواحد
إذا قيل من للمعضلات أجابه ... عظام اللهى منّا طوال السّواعد
قال أبو علي: الهبيت الفؤاد: الضعيف، يقال: فيه هبته أي: ضعف. والهذاليل واحدها هذلون: وهو ما طال من الرمل وامتدّ. وهذاليل الريح: ما امتد منها.
__________
(1) المرزمان: نجمان مع الشعريين. ط(1/416)
[1336] قال أبو علي: وقرأت على أبي الحسن على بن سليمان الأخفش للعطوي:
[الطويل]
إذا أنت لم ترسل وجئت فلم أصل ... ملأت بعذر منك سمع لبيب
أتيتك مشتاقا فلم أر حابسا ... ولا ناظرا إلا بعين غضوب
كأنّي غريم مقتض أو كأنّني ... طلوع رقيب أو نهوض حبيب
فعدت وما فلّ الحجاب عزيمتي ... إلى شكر سبط الراحتين أريب
عليّ له الإخلاص ما ردع الهوى ... أصالة رأي أو وقار مشيب
قال أبو علي يقال: إنه لأصيل الرأي بيّن الأصالة بفتح الهمزة.
[1337]
[وصف أبي المخشّ الغطفاني لولده، وأسماء الصّدر]:
قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان عن العباس بن محمد قال: قلنا لأبي المخشّ الغطفاني: أما كان لك ولد؟
فقال: بلى والله مخشّ، وما كان مخش؟ كان خرطمانيّا أشدق، إذا تكلّم سال لعابه كأنما ينظر بمثل الفلسين. يعني أن عينيه كانتا خضراوين. كأنّ مشاشة منكبيه كركرة جمل، وكأن ترقوته بوان أو خالفة، فقأ الله عينيّ هاتين إن كنت رأيت مثله قبله ولا بعده.
قال أبو علي: الكركرة والكلكل والبرك والبركة والجوش والجوشن والجؤشوش والحيزم والحيزوم والحزيم: الصّدر. قال رؤبة: [الرجز]
حتى تركن أعظم الجؤشوش ... حدبا على أحدب كالعريش
والجؤجؤ: ما نتأ من الصدر. والبوان: عمود من أعمدة البيت دون الصّقوب.
والصّقوب: عمد البيت، وجمعه بون. مثل خوان وخون، ويقال: بوان وخوان أيضا بضم أوليهما. والخالفة: عمود يكون في مؤخّر البيت
* * * [1338]
[ما يقال بالهمز والواو]:
قال أبو علي: قال الأصمعي يقال: أرخت الكتاب وورخته. وآكفت الدابة وأوكفتها، وإكاف ووكاف، وكان رؤبة بن العجاج ينشد: [الرجز]
كالكودن المشدود بالوكاف
بالواو: وأكّدت العهد ووكّدته. ووسادة وإسادة. ووشاح وإشاح. وولدة وإلدة. وآخيته وواخيته.
وقال الأصمعي: ذأى البقل يذأى ذأوا بلغة أهل الحجاز. وأهل نجد يقولون: ذوى يذوي ذويّا، وذوي خطأ.
قال أبو علي: وقد حكى أهل الكوفة ذوي أيضا وليست بالفصيحة. وقال أبو عبيدة:
آصدت الباب وأوصدته: إذا أطبقته، وقال غيره: ما أبهت له وما وبهت له. والتّخمة: أصلها من الوخامة. وتجاه: أصله من الوجه. وتترى: أصله من المواترة. وتقوى: أصله من وقيت. وتكلان: أصله من وكلت. والمال التّليد والتالد أيضا: أصله من الواو، وهو ما ولد عندهم. والتّراث: أصله من الواو.(1/417)
قال أبو علي: وقد حكى أهل الكوفة ذوي أيضا وليست بالفصيحة. وقال أبو عبيدة:
آصدت الباب وأوصدته: إذا أطبقته، وقال غيره: ما أبهت له وما وبهت له. والتّخمة: أصلها من الوخامة. وتجاه: أصله من الوجه. وتترى: أصله من المواترة. وتقوى: أصله من وقيت. وتكلان: أصله من وكلت. والمال التّليد والتالد أيضا: أصله من الواو، وهو ما ولد عندهم. والتّراث: أصله من الواو.
[1339]
[العقل، المروءة، الشرف، الأدب، التوفيق]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: مروءة الرجل عقله. وشرفه حاله.
[1340] وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال الأحنف بن قيس: العقل خير قرين، والأدب خير ميراث، والتوفيق خير قائد.
[1341]
[العقل عقلان]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي، عن أبيه قال: العقل عقلان، فعقل تفرّد الله بصنعه، وعقل يستفيده المرء بأدبه وتجربته، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركّب، فإذا اجتمعا في الجسد قوّى كلّ واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظّلمة نور البصر.
[1342]
[طلب الحاجة من أهلها، العزّ، حمل المنن]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت أعرابيّا يقول: فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها. قال وسمعت آخر يقول: عزّ النّزاهة أشرف من سرور الفائدة.
قال وسمعت آخر يقول: حمل المنن أثقل من الصبر على العدم.
[1343] وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو حاتم، عن العتبي أنه قال: إن الطالب والمطلوب إليه في الحاجة إذا قضيت اجتمعا في العزّ، وإذا لم تقض اجتمعا في الذّلّ، فارغب في قضاء الحاجة لعزّك بها وخروجك من الذل فيها.
[1344]
[أدب العالم والمتعلّم]:
وقرأت على أبي عمر المطرز، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال:
كان رجل من بني أبي بكر بن كلاب يعلّم بني أخيه العلم فيقول: افعلوا كذا وافعلوا كذا، فثقل عليهم، فقال له بعضهم: جزاك الله خيرا يا عمّ فقد علّمتنا كلّ شيء، ما بقي علينا إلا الخراءة، فقال: والله يا بني أخي، ما تركت ذلك من هوان بكم علي، اعلوا الضّراء، وابتغوا الخلاء، واستدبروا الريح، وخوّوا تخوية الظّليم، وامتشّوا بأشملكم.
قال أبو علي قال ابن الأعرابي: الضّراء: ما انخفض من الأرض، وسائر اللغويين
يقول: الضراء: ما واراك من الشجر خاصة، والخمر: ما واراك من الشجر وغيره. ويقال:(1/418)
قال أبو علي قال ابن الأعرابي: الضّراء: ما انخفض من الأرض، وسائر اللغويين
يقول: الضراء: ما واراك من الشجر خاصة، والخمر: ما واراك من الشجر وغيره. ويقال:
خوّى الظّليم: إذا جافى بين رجليه، قال الراجز (1): [الرجز]
خوّى على مستويات خمس ... كركرة وثفنات ملس
والثّفنات: ما أصاب الأرض من البعير من صدره وركبتيه ورجليه إذا برك. وامتشوا:
امسحوا، يقال: مششت يدي بالمنديل أمشّها مشّا، قال امرؤ القيس: [الطويل]
نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب (2)
والمنديل يسمّى المشوش.
[1345]
[شعر في الغزل بالمحبوب، وتشبيهه بالقمر]:
وقرأت على أبي عمر المطرز، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: [الوافر]
علقت بمن يشبّه قرن شمس ... وعيناه استعارهما غزالا
وهنّ أحبّ من حضن اللّواتي ... حواضنهنّ يفتنّ الرجالا
أي: هن أحب من حضن العيدان وضر بها إليّ.
[1346] وقرأت عليه قال: أنشدني أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: [الطويل]
ولم أر شيئا بعد ليلى ألدّه ... ولا مشربا أروى به فأعيج
كوسطى ليالي الشهر لا مقسئنّة ... ولا وثبى عجلى القيام خروج
أعيج: أنتفع، يقال: شربت دواء فما عجت به أي: ما انتفعت به. والمقسئنّة: الكبيرة العاسية يقال: قد اقسأنّ العود إذا صلب.
[1347]
[شعر في المبادرة للبذل والعطاء عند السؤال]:
وقرأت عليه أيضا، قال: حدثنا أحمد بن يحيى أن ابن الأعرابي أنشدهم: [الطويل]
ولو كنت تعطي حين تسأل سامحت ... لك النفس واحلولاك كلّ خليلي
أجل لا ولكن أنت ألأم من مشى ... وأسأل من صمّاء ذات صليل
يعني: الأرض. وصليلها: صوت دخول الماء فيها.
[1348] وقرأت عليه قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لابن الأعرابي: [الوافر]
ترى فصلانهم في الورد هزلا (3) ... وتسمن في المقاري والجبال
قال: لأنهم يسقون ألبان أمهاتها على الماء. فإذا لم يفعلوا ذلك كان عليهم عارا، فإذا ذبحوا لم يذبحوا إلا سمينا، وإذا وهبوا فكذلك.
__________
(1) هو العجاج كما في «اللسان» مادة «ثفن». ط
(2) يقال: لحم مضهب أي: مقطع. ط
(3) وأنشده في «اللسان» مادة «قرأ»: عزلي أي كجريح وجرحى. ط(1/419)
[1349]
[الجهول سيئ الخلق]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم والرياشي، عن أبي زيد قال: المرامق: الجهول العاجز الذي يتّقى سوء خلقه وصحبته في السفر والحضر. قال الراجز (1): [الرجز]
وصاحب مرامق داجيته ... زجّيته بالقول وازدهيته
إذا أخاف عجزه فدّيته ... على بلال نفسه طويته
حتى أتى الحيّ وما بلوته
[1350]
[مدح حاتم الطائي لبني بدر]:
قال وقرأت على أبي بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم، قال: أنشدنا أبو زيد، عن المفضل لحاتم طيئ: [الكامل]
إن كنت كارهة لعيشتنا ... هاتا فحلّي في بني بدر
جاورتهم زمن الفساد ... فنعم الحيّ في العوصاء واليسر
فسقيت بالماء النّمير ولم ... أترك ألاطم حمأة الجفر
وروى أبو حاتم: ألاطس ومعناه كمعنى ألاطم.
ودعيت في أولى النّديّ ولم ... ينظر إليّ بأعين خزر
الضاربين لدى أعنّتهم ... والطاعنين وخيلهم تجرى
والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوي الغنى منهم بذي الفقر
[1351] قال أبو علي: أنشدنا أبو عبيدة هذا البيت الأخير لخرنق، وقد أمليناه فيما مضى من الكتاب، وزمن الفساد: حرب كانت لهم. والعوصاء: الشدة. والماء النمير:
الناجع في الأبدان. والجفر: البئر ليست بمطويّة. والنّحيت: الخامل الذكر. والنّضار:
الرّفيع، كذا قال أبو زيد.
[النّحيت]: قال أبو علي: إن الاشتقاق يوجب أن يكون النّحيت الذي ينال ماله وعرضه كلّ أحد لأنه لا دفاع عنده فكأنه منحوت.
[1352]
[شعر في الشراب]:
قال: وأنشدنا أبو الحسن (2) بن جحظة للحسن بن الضحاك:
ما زلت أشربها والليل معتكر ... حتى تضاحك في أعجازه القمر
ثم أنثنيت على كفّي وقد أخذت ... غمنّي مآخذ ما في دونها وطر
__________
(1) هذا الرجز روى بعدة روايات فراجعها في «اللسان». ط
(2) جاء في غير موضع من كتاب «الأغاني» أنه حسين بن الضحاك، راجع: الجزء السادس من كتاب «الأغاني» طبع بولاق (ص 175). ط(1/420)
[1353]
[شعر في الانتقال من الشباب إلى المشيب]:
قال أبو علي: وقرأت على أبي عمر، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى أن ابن الأعرابي أنشدهم لسلمى بن غويّة بن سلمى (1): [الكامل]
لا يبعدن عصر الشباب ولا ... لذّاته ونباته النّضر
والمرشقات من الخدود ... كإيماض الغمام صواحب القطر
وطراد خيل مثلها التقتا ... لحفيظة ومقاعد الخمر
لولا أولئك ما حفلت متى ... غولبت في حرج إلى قبر
هزئت زنيبة أن رأت ثرمي (2) ... وأن انحنى لتقادم ظهري
من بعد ما عهدت فأدلفني ... يوم يجيء وليلة تسري
حتى كأنّي خاتل قنصا ... والمرء بعد تمامه يحري
لا تهزئي منّي زنيب فما ... في ذاك من عجب ولا سخر
أو لم تري لقمان أهلكه ... ما آقتات من سنة ومن شهر
وبقاء نسر كلما انقرضت ... أيامه عادت إلى نسر
ما طال من أمد على لبد ... رجعت محورته إلى قصر
ولقد حلبت الدهر أشطره ... وعلمت ما آتي من الأمر
قال أبو علي: يحري: ينقص، ومنه يقال رماه الله بأفعى حارية، وهي التي قد نقص جسمها من الكبر.
* * * [1354]
[الكلام على قلب آخر المضاعف إلى الياء]:
وقال أبو علي: قال أبو عبيدة: العرب تقلب حروف المضاعف إلى الياء فيقولون:
تظنّيت، وإنما هو تظنّنت. قال العجاج: [الرجز]
تقضّي البازي إذا البازي كسر
وإنما هو تقضّض من الانقضاض، وقال الأصمعي: هو تفعّل من الانقضاض فقلب إلى الياء كما قالوا سريّة من تسرّرت. وقال أبو عبيدة: رجل ملبّ وإنما هو من ألببت، قال المضرّب بن كعب: [الطويل]
فقلت لها فيئي إليك فإنّني ... حرام وإنّي بعد ذاك لبيب
بعد ذاك أي: مع ذلك. ولبيب: مقيم. وقوله عز وجل: {وَقَدْ خََابَ مَنْ دَسََّاهََا}
__________
(1) انظر: «التنبيه» [111].
(2) الثرم بالتحريك: انكسار السن من أصلها أو انكسار سن من الأسنان المقدمة مثل الثنايا والرباعيات. ط(1/421)
[الشمس: 10] إنما هو من دسّست. وقال يعقوب: سمعت أبا عمرو يقول: لم يتسنّ: لم يتغيّر. وهو من قوله: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26، 33] فقلت لم يتسنّ من ذوات الياء.
ومسنون من ذوات التضعيف، فقال: هو مثل تظنّيت. وقال أبو عبيدة: التّصدية: التصفيق.
وفعلت منه: صددت، قال الله عز وجل: {إِذََا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] أي:
يعجّون. وقال أيضا: {إِلََّا مُكََاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] وقال العتّابي: قصّيت أظفاري بمعنى قصّصتها. وقال ابن الأعرابي: تلعّيت من اللّعاعة. وقال أبو علي: واللّعاعة: نبت.
وقال الشاعر (1):
رعى غير مذعور بهنّ وراقه ... لعاع تهاداه الدّكادك واعد
الدّكادك: ما علا من الأرض، وأنشد ابن الأعرابي: [الطويل]
نزور امرأ أمّا الإله فيتّقي ... وأمّا بفعل الصالحين فيأتمي
أراد: يأتمّ فقلب إلى الياء.
[1355]
[ما يقال بالدال والذال والكاف والفاء وغير ذلك]:
وقال الفراء: ادرعفّت الإبل واذرعفّت: إذا أسرعت. وقال أبو عمرو: ما ذقت عدوفا ولا عذوفا. والدّحداح والذّحذاح بالدال والذال، وهو القصير، وقال الأصمعي: في قلبه عليه حسيفة وحسيكة أي: غدر وعداوة. وقال ابن الأعرابي: الحساكد (2) والحسافد: الصّغار.
وقال الأصمعي: ذرق الطائر وزرق. وقال أبو عبيدة: زبرت الكتاب وذبرته: إذا كتبته، وقال الأصمعي: زبرته: كتبته، وذبرته: قرأته قراءة خفيفة.
وقال: قال أعرابي حميريّ: أنا أعرف تزبرتي أي كتابتي. وقال الأصمعي: تريّع السراب وتريّه: إذا جاء وذهب.
[1356]
[أدب من سأل حاجة ومن سئلها]:
قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله تعالى قال: أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال:
بلغني أن ابن السّمّاك قال للمفضل بن يحيى: وقد سأله رجل حاجة إنّ هذا لم يصن وجهه عن مسألته إياك، فأكرم وجهك عن ردّك إياه، فقضى حاجته.
[1357] قال: وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن العتبي قال: سأل أعرابي عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فقال: رجل من أهل البادية ساقته الحاجة، وانتهت به الفاقة، والله سائلك عن مقامي هذا. فقال: والله ما سمعت كلمة أبلغ من قائل ولا أوعظ لمقول منها.
__________
(1) هو سويد بن كراع كما في «اللسان» مادة «لعع»، وراقه أي: أعجبه، وواعد: يرجى منه خبر وتمام نبات. ط
(2) هكذا في الأصل وليس في كتب اللغة التي بيدنا شيء من اللفظين بهذا المعنى والذي في مادة حسك من «اللسان» و «القاموس»: والحساكك: الصغار من كل شيء حكاه يعقوب عن ابن الأعرابي. ط(1/422)
[1358] [البيان]: قال وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعي، عن العلاء بن الفضل بن عبد الملك قال: قال خالد بن صفوان لفتى بين يديه: رحم الله أباك إن كان ليملأ العين جمالا، والأذن بيانا.
[1359]
[السخاء، العفو، الصبر، معرفة الإنسان لقدره]:
وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قال أكثم بن صيفي:
خير السّخاء ما وافق الحاجة، ومن عرف قدره لم يهلك، ومن صبر ظفر، وأكرم أخلاق الرجال العفو.
[1360]
[شعر في مقابلة الإساءة بالإحسان والعكس]:
قال: وقرأت على أبي عمر المطرز، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: زعم الثقفي عثمان بن حفص أن خلفا الأحمر أخبره عن مروان بن أبي حفصة أن هذا الشّعر لابن أذينة الثقفي (1): [الطويل]
ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظا وينوي من سفاهته كسري
أعود على ذي الذنب والجهل منهم ... بحلمي ولو عاقبت غرّقهم بحري
أناة وحلما وانتظارا بهم غدا ... وما أنا بالواني ولا الضّرع الغمر
أظنّ صروف الدهر والجهل منهم ... ستحملهم منّي على مركب وعر
ألم تعلموا أني تخاف عرامتي ... وأن قناتي لا تلين على الكسر
وإنّي وإيّاهم كمن نبّه القطا ... ولم لم ينبّه باتت الطير لا تسر
قال أبو علي ويروى: وأنّي وهو جيد.
[1361]
[شعر في التغاضي عن الهفوات]:
قال: وقرأت عليه أيضا، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: [الطويل]
ومولى على ما رابني قد طويته ... حفاظا وحاربت الذين يحارب
إذا أنت لم تغفر لمولاك أن ترى ... به الجهل أو صارمته وهو عاتب
ولم توله المعروف أوشك أن ترى ... موالي أقوام ومولاك غائب
[1362]
[الغلّة، الطرثوث أثقل الطعام وأخبثه]:
قال: وقرأت على أبي عمر قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: الغلّة:
خرقة تشدّ على رأس الإبريق وجمعها غلل. والغلّة: ما تواريت فيه. والغلّة: حرارة الجوف من العطش وغيره.
__________
(1) كذا في النسخ ووقع في مادة عرم من «اللسان»: أنه لوعلة الجرمي وقيل هو لابنه الدنب مضبوطا بكسر الدال المهملة والنون المشددة المفتوحة وبعدها موحدة. وفي «شواهد المغني» (ص 264) أنه لابن الذئبة الثقفي. ولعله محرف عن الدنبة. ط(1/423)
قال: وقيل لابنة الخسّ: أيّ الطعام أثقل؟ قالت: بيض نعام، وصرى عام (1) إلى عام.
قيل: فأيّ الطعام أخبث؟ قالت: طريثيت مرّ، أبدى عن رأسه القر.
قال: والطّرثوث: نبت لا بقل ولا شجر ولا جنبة كأنه من جنس الكمأة ينبت مع العضاه. والذّآنين مع الرّمث. وقالت جارية راعية: طرثوث ولا عضاه له، وذؤنون ولا رمثة له، وذكر ولا رجل له، ثم قعدت عليه. وقال أبو العباس: كان الضّبّ قد دفن نفسه في التراب وأخرج ذكره فقالت: هذا القول ثم قعدت عليه.
[1363]
[خبر الأعرابي والأعرابية التي مات زوجها فلم يحسن عزاءها فلم تحسن تهنأته على زواجه]:
وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو حاتم وعبد الرحمن، عن الأصمعي قال: مر أعرابي بأعرابيّة تبكي زوجها فقال: وما يبكيك! لا جمع الله بينك وبينه في الجنة، ثم مرّ بها بعد ذلك فقال: يا فلانة، رفّئيني فإنّي قد تزوجت، فقالت: نعم، بالبيت المهدوم، والطائر المشئوم، والرّحم المعقوم.
[1364]
[ملاحة أم كثير الضبية مع زوجها]:
قال: وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: كانت أم كثير الضّبّية بذيّة، وكان زوجها كذلك، فاختصما عند بعض ولاة المياه، فقالت له: اسكت يا منتن الخصيتين، فقال: يحقّ لهما أن يكونا كذلك، وهما طبّقا عجانك منذ ثلاثين عاما.
[1365] وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قيل لأم كثير:
كم تزوّجت؟ قالت: ثلاثة، وكان أبو ابني هذا آخرهم، وكان والله مسترخيا ضعيفا، فنظر إليها الغلام فقال: أبي تذكرين! أما والله فلربّما رزّ (2) عجانك رزّ البيصار جحفلة الحمار.
[1366]
[دعاء الطفيليّ لرجل]:
قال: وحدثنا أبو بكر قال: دعا بنان الطّفيلي لرجل فقال: منّ الله عليك بصحة الجسم، وكثرة الأكل، ودوام الشهوة، ونقاء المعدة، ورزقك ضرسا طحونا، ومعدة هضوما، وسرما نثورا (3).
[1367]
[شعر في الشدّة واللّين]:
قال: وقرأت على أبي بكر لسعد بن ناشب: [الطويل]
تفنّدني فيما ترى من شراستي ... وشدّة نفسي أمّ سعد وما تدري
فقلت لها إن الكريم وإن حلا ... ليلفى على حال أمرّ من الصّبر
__________
(1) الذي في «اللسان»: بعد عام، وإنما أرادت لبن عام استقبلته بعد انقضاء عام نتجت فيه. ط
(2) كذا في نسخة براء فزاي، وفي أخرى بالعكس: وكلاهما صحيح بمعنى طعن. ط
(3) راجع ما مضى (برقم 1303).(1/424)
وفي اللّين ضعف والشّراسة هيبة ... ومن لا يهب يحمل على مركب وعر
وما بي على من لآن لي من فظاظة ... ولكنّني فظّ أبيّ على القسر
أقيم صغا (1) ذي الميل حتى أردّه ... وأخطمه حتّى يعود إلى القدر
فإن تعذليني تعذلي بي مرزّأ ... كريم نثا الإعسار مشترك اليسر
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... وصمّم تصميم السّريجيّ ذي الأثر
[1368] قال أبو علي: الأثر: فرند السّيف وهو رونقه بفتح الهمزة وسكون الثاء، ومثله في البناء خلاصة السّمن، وهو اختيار ابن الأنباري، قال أبو علي: والذي أختاره كسر الهمزة، كذا قاله الأصمعي وأبو نصر واللحياني، وقد اختلف عن أبي عبيد فيه، فروى بعضهم الأثر، وروى بعضهم الإثر، وأنشدوا عنه:
والأثر والصّرب معا كالآصية
بالكسر والفتح. والآصية على مثال فاعلة: طعام يصنع مثل الحساء بالتمر. والصّرب:
اللبن الحامض. ويقال: جئت على إثره بكسر الهمزة وسكون الثاء، وأثره بفتح الهمزة والثاء.
* * * [1369] قال: وقرأت على أبي بكر قال: قرأت على أبي حاتم والرياشي، عن أبي زيد قال راجز من قيس: [الرجز]
بئس الغذاء للغلام الشاحب ... كبداء حطّت من صفا الكواكب
أدارها النّقّاش كلّ جانب ... حتّى استوت مشرقة المناكب
يعني: رحى. والكواكب: جبال طوال يقطع منها الأرحاء، واحدها كوكب. وكبداء:
عظيمة الوسط. وشاحب: متغيّر اللون.
[1370]
[شعر في قوة العزيمة على نفاذ الأمور بعد اختيارها]:
قال: وقرأت على أبي بكر سعد بن ناشب: [الطويل]
أخي عزمات لا يزيد على الذي ... يهمّ به من مقعطع الأمر صاحبا
إذا همّ لم تردع عزيمة همّه ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا
فيالرزام وشّحوا بي مقدّما ... إلى الموت خوّاضا إليه الكتائبا
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكّب عن ذكر الحوادث جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
[1371]
[شعر في معرفة خصال المرء من خصال أخواله]:
قال: وقرأت على أبي عمر، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي، قال: السّنّة
__________
(1) صغا: مال وبابه عدا وسماورمى.(1/425)
واللّؤمة: الحديدة التي تشقّ بها الأرض. والسّخّين: المرّ. وقال: خلط يخلط خلطا وأخلط إذا غضب، وأنشد: [الطويل]
لكلّ امرئ شكل يقرّ بعينه ... وقرّة عين الفسل أن يصحب الفسلا
وتعرف في جود امريء جود خاله ... وينذل أن تلقى أخا أمّه نذلا
[1372] قال: وأنشدني أبو عمر، قال: أنشدنا أبو العباس: [الوافر]
عليك الخال إنّ الخال يسري ... إلى ابن الأخت بالشّبه المبين
قال: وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله في خبر طويل وصله لنا به: [الطويل]
جزى الله جوّابا وعمرا ونائلا ... جزاء الوصول المنعم المتفضّل
هم خلطوني بالنفوس وأكرموا ... الثّواء وجادوا بالسّوام المؤبّل
ولم يسأموا مثواي سبعا كواملا ... كأنّي فيهم بين أهلي ومحفلي
سأوليهم شكرا يكون كفاء ما ... بلوني به ما بلّ ريقي مقولي
رأيت بني الهصّار سادت جدودهم ... لهم شرف يرنو إلى النجم من عل
هم خير من يمشى على الأرض معشرا ... لجار جنيب أو لضيف محوّل
إذا طانبت أبياتهم بيت جارهم ... فقد حلّ حيث العصم من فرع يذبل
معاقلهم في يوم كلّ كريهة ... قواضب تقضي بالحمام المعجّل
مغابير دون المحصنات إذا بدت ... كواكب صبح تحت ظلماء قسطل
إذا البطل المرهوب سطوة بأسه ... تقى الرّوع يوما بالنّجاء الهمرجل
ألاذت بأحقيهم بنو الحرب في الوغى ... فكانوا لهم ملموت أمنع معقل
بمجدكم آليت إنّ أكفّكم ... على الناس أجرى من رواجس هطّل
وإن لكم في ذروة المجد سورة ... تقاصر عنها كلّ بدء مرفّل
قال أبو علي: القسطل: الغبار. والهمرجل: السريع. وأحقيهم: جمع حقو. والبدء:
السّيّد، قال أوس بن مغراء: [البسيط]
ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا
قال أبو علي: الثّنى والثّنيان: دون السّيّد، وقد ذكرنا الاختلاف فيه واشتقاقه في كتابنا المقصور والممدود. والمرفّل: المعظّم، قال الشاعر: [الطويل]
إذا نحن رفّلنا امرأ ساد قومه ... وإن كان فيهم سوقة ليس يعرف
[1373]
[ما قيل في كتمان السرّ والهوى، والأمانة، وحفظ الجارة]:
قال: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدني أبي رحمه الله لقيس بن ذريح:
لو أنّ امرأ أخفى الهوى من ضميره ... لمتّ ولم يعلم بذاك ضمير
ولكن سألقى الله والنّفس لم تبح ... بسرّك والمستخبرون كثير
قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد:(1/426)
لو أنّ امرأ أخفى الهوى من ضميره ... لمتّ ولم يعلم بذاك ضمير
ولكن سألقى الله والنّفس لم تبح ... بسرّك والمستخبرون كثير
قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد:
ومستخبر عن سرّ ريّا رددته ... بعمياء من ريّا بغير يقين
فقال ائتمنّي إنني ذو أمانة ... وما أنا إن خبّرته بأمين
[1374] قال: وقرأت عليه لمسكين: [الطويل]
وفتيان صدق لست مطلع بعضهم ... على سرّ بعض كان عندي جماعها
لكلّ امرئ شعب من القلب فارغ ... وموضع نجوى لا يرام اطّلاعها
يظلّون شتّى في البلاد وسرّهم ... إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها
[1374] قال: وقرأت على أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عن أبيه قال: قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
[1375] قال: وقرأت على أبي بكر في شعر قيس بن الخطيم: [الطويل]
أجود بمضنون التّلاد وإنّني ... بسرّك عمن سالني لضنين
إذا جاوز الإثنين سرّ فإنه ... بنثّ وتكثير الحديث قمين (1)
وإن ضيّع الإخوان سرّا فإنني ... كتوم لأسرار العشير أمين
يكون له عندي إذا ما ضمنته ... مكان بسوداء الفؤاد كنين
ويروى:
إذا ما ائتمنته ... مقرّ بسوداء الفؤاد كنين
سلي من جليسي في النّديّ وما لقي ... ومن هو لي عند الصفاء خدين
وأي أخي حرب إذا هي شمّرت ... ومدره خصم يا نوار أكون
ويروى: عند ذاك أكون.
وهل يحذر الجار الغريب فجيعتي ... وخوني وبعض المقرفين خئون
وما لمعت عيني لغرّة جارة ... ولا ودّعت بالذّمّ حين تبين
أبى الذّمّ آباء نمتني جدودهم ... وفعلي بفعل الصالحين معين
فهذا كما قد تعلمين وإنّني ... لجلد على ريب الخطوب متين
وإنّي لأعتام الرّجال بخلّتي ... أولي الرأي في الأحداث حين تحين
فأبري بهم صدري وأصفي مودّتي ... وسرّك عندي بعد ذاك مصون
أمرّ على الباغي ويغلظ جانبي ... وذو الود أحلولي له وألين
__________
(1) الذي في كتب النحو واللغة «بنت وتكثير الوشاة قمين». ط(1/427)
[1376]
[فصل في ألفاظ معناها واحد وبعض حروفها مختلفة]:
قال أبو علي: قال الأصمعي يقال: طاروا عباديد وأباديد أي: تفرّقين. ويقال: هاث فيه وعاث إذا أفسد وأخذ الشيء بغير رفق. ويقال: بصّ فلان جرحه وبجّه، وأنشد (1):
[الطويل]
لجاءت (2) كانّ القسور الجون بجّها ... عساليجه والثّامر المتناوح
القسور: نبت. والجون: الذي يضرب إلى السواد من شدة خضرته. والعساليج: جمع عسلوج وهي هنات تنبسط على الأرض مثل العروق. قال أبو علي: والعساليج أيضا: أغصان الشجر، واحدها عسلوج. والثّامر: الذي نضج ثمره. والمثمر: أوّل ما يطلع قبل أن ينضج.
والمتناوح: المتقابل. ويقال: نبض العرق ينبض، ونبد ينبد: إذا ضرب. ويقال: مرث خبزه في الماء ومرده، ومرثت الشيء ومردته: إذا ليّنته بيدك، وكل شيء مرث فقد مرد، قال النابغة الجعدي:
فلما أبى أن ينقص القود لحمه ... رفعت (3) المريذ والمريد ليضمرا
ويقال: ارمدّ وارقدّ إذا: مضى على وجهه. قال أبو علي: يريد أنه أسرع، قال ذو الرمة يصف ظليما: [البسيط]
يرقدّ في ظلّ عرّاص ويتبعه (4) ... حفيف نافجة عثنونها حصب
العرّاص والعرّات: المضطرب. والنافجة: أوّل كلّ ريح تبدو بشدّة. والفودج والهودج.
والزّحاليف والزّحاليق: أثر تزلّج الصبيان من فوق إلى أسفل، فأهل العالية يقولون: زحلوفة وزحاليف، وتميم ومن يليهم من هوازن يقولون: زحلوقة وزحاليق. والمحتد والمحفد: أصل كل شيء. وعكرة اللسان وعكدته: أصله ومعظمه. والهزفّ والهجفّ: الجافي. ويقال:
استوثق من المال واستوثج: إذا استكثر. والمأص والمعص من الإبل: البيض التي قد قارفت الكرم، واحدتها مأصة ومعصة، هذا قول أبي بكر بن دريد رحمه الله! فأما يعقوب واللحياني فقالا: المغص بالغين المعجمة. ويقال: شاكله وشاكهه. وتفكّه وتفكّن: إذا تندّم. ويقال: عليه أمشاج من غزل، وأوشاج من غزل أي: داخلة بعضها في بعض. ويقال: ملقه بالسّوط وولقه:
إذا ضربه. قال أبو عبيدة يقال: هو قاد رمح وقاب رمح أي: قدر رمح.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [112].
(2) أورد الجوهري البيت بلفظ فجاءت. قال ابن برى: وصوابه لجاءت واللام فيه جواب لو في بيت قبله، ثم ساق البيت وشرحه فانظر «اللسان» مادة «بجج». والذي في ديوان المفضليات طبع بيروت (ص 331) أن البيت من قصيدة لجبيهاء الأشجعي ومطلع القصيدة:
أمولى بني تيم ألست مؤديا ... منيحتنا فيما تؤدي المنائح
(3) في موضعين من «اللسان»: نزعنا. ط
(4) في موضعين من «اللسان»: ويطرده، ولعلهما روايتان. ط(1/428)
[1377]
[العلم والحلم، والعفو مع المقدرة، والشجاعة، والأخوة]:
قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي قال: قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ما أقرن شيء إلى شيء أفضل من علم إلى حلم، ومن عفو إلى مقدرة.
[1378] قال: وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي قال: بلغني أن لقمان الحكيم كان يقول: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: الحليم عند الغضب، والشجاع عند الحرب، وأخوك عند حاجتك إليه.
[1379]
[أحزم الملوك، والجد والهزل]:
قال: وحدثنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال بعض الحكماء: أحزم الملوك من ملك جدّه هزله، ورأيه هواه، وأعرب عن ضميره فعله، ولم يخدعه رضاه عن حظّه، ولا غضبه عن كيده.
[1380]
[الناس ثلاثة، وحسن الطلب للحاجات]:
قال: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا العكلي، عن أبي خالد، عن الهيثم قال: قدم حكيم من حكماء أهل فارس على المهلّب فقال: أصلح الله الأمير، ما أشخصتني الحاجة، وما قنعت بالمقام، ولا أرضى منك بالنّصف إذ قمت هذا المقام، قال: ولم ذلك؟ قال: لأن الناس ثلاثة: غنيّ وفقير ومستزيد، فالغنيّ من أعطي ما يستحقّه، والفقير من منع حقّه، والمستزيد الذي يطلب الفضل بعد الغنى. وإنّي نظرت في أمرك فرأيت أنك قد أدّيت إليّ حقّى فتاقت نفسي إلى استزادتك، فإن منعتني فقد أنصفتني، وإن زدتني زادت نعمتك عليّ، فأعجب المهلّب كلامه وقضى حوائجه.
[1381]
[سؤال بعض خلفاء بني أمية لجرير عن أشعر الناس، وقول جرير في الفرزدق وغيره]:
قال: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، قال: حدثني عمارة بن عقيل، قال:
حدثني أبي يعني عقيل بن بلال، قال: سمعت أبي يعني بلال بن جرير، يقول: سمعت جريرا، يقول: دخلت على بعض خلفاء بني أميّة فقال: ألا تحدّثني عن الشعراء؟ فقلت:
بلى، قال: فمن أشعر الناس؟ قلت: ابن العشرين. يعني طرفة. قال: فما تقول في ابن أبي سلمى والنابغة؟ قلت: كانا ينيران الشّعر ويسديانه، قال: فما تقول في امرئ القيس بن حجر؟
قلت: اتّخذ الخبيث الشّعر نعلين يطؤهما كيف شاء، قال: فما تقول في ذي الرّمّة؟ قلت:
قدر من الشعر على ما لم يقدر عليه أحد، قال: فما تقول في الأخطل؟ قلت: ما باح بما في صدره من الشّعر حتّى مات، قال: فما تقول في الفرزدق؟ قلت: بيده نبعة الشعر قابضا عليها، قال: فما أبقيت لنفسك شيئا! قلت: بلى، والله يا أمير المؤمنين، أنا مدينة الشعر التي
يخرج منها ويعود إليها، ولأنا سبّحت الشّعر تسبيحا ما سبّحه أحد قبلي، قال: وما التسبيح؟(1/429)
قدر من الشعر على ما لم يقدر عليه أحد، قال: فما تقول في الأخطل؟ قلت: ما باح بما في صدره من الشّعر حتّى مات، قال: فما تقول في الفرزدق؟ قلت: بيده نبعة الشعر قابضا عليها، قال: فما أبقيت لنفسك شيئا! قلت: بلى، والله يا أمير المؤمنين، أنا مدينة الشعر التي
يخرج منها ويعود إليها، ولأنا سبّحت الشّعر تسبيحا ما سبّحه أحد قبلي، قال: وما التسبيح؟
قلت: نسبت فأطرفت، وهجوت فأرذيت، ومدحت فأسنيت، ورملت فأغزرت، ورجزت فأبحرت، فأنا قلت ضروبا من الشعر لم يقلها أحد قبلي.
[1382] قال أبو علي: كذا أملى علينا: أرذيت وهو صحيح ومعناه أسقطت لأنه هاجى في زمانه عدّة من الشعراء فأسقطهم غير الفرزدق. والرّذيّة: الساقطة من الإبل من الهزال أو من الإعياء.
[1383]
[هوان الحرّ، وكسب مودة ذي الوفاء]:
وقال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله! قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي قال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: أنشدنا إبراهيم بن المنذر الحزامي: [الوافر]
فإنّك لن ترى طردا لحرّ ... كإلصاق به طرف الهوان
ولم تجلب مودّة ذي وفاء ... بمثل البرّ أو لطف اللّسان
* * * [1384] قال: وأنشدنا أيضا أبو العباس: [الوافر]
وجاءت للقتال بنو هليك ... فسحّي يا سماء بغير قطر
قال أبو العباس: هؤلاء قوم استعظم الشاعر مجيئهم للقتال وصغر شأنهم عنده فقال:
فسحّي يا سماء بغير قطر، يعني: بدم لا بقطر.
* * * [1385]
[معاني بعض الألفاظ]:
قال: وقرأت على أبي عمر، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: يقال:
وشع في الجبل يشع وشفوعا. ووقل يقل وقولا، وسند يسند سنودا، وتوقّل وتوشّع إذا صعّد في الجبل، وأنشد لشيخ من بني منقذ: [الرجز]
ويلمّها لقحة شيخ قد نحل ... أبي جوار دردق مثل الحجل
حوساء في السّهل وشوع في الجبل ... في الصّيف حسي وهي في المشى وشل
[1386] قال أبو علي: الدّردق: الصّغار. والحوساء: الشديدة الأكل. وقوله: في الصيف حسي أي: هي غزيرة لا ينقطع لبنها. وفي المشى وشل أي: إذا انقطعت ألبان الإبل فلبنها يسيل كما يسيل الماء من أعلى الجبل. والوشل: ما يخرج بين الحجارة قليلا قليلا فشبّه لبنها به.
[1387] قال: وقرأت عليه، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: يقال:
دبّح ودبّخ، ودربح ودربخ: إذا ذلّ. قال والجدّ والجدّة والجدّ: شاطئ النهر. وقال: سيف باتر وبتور، وباضك وبضوك: أي: قاطع. وقال: لا يبضك الله يده.(1/430)
[1388]
[شعر في ريح نجد]:
قال: وحدثني أبو يعقوب ورّاق أبو بكر بن دريد، وكان من أهل العلم قال:
أخبرني مسبّح بن حاتم، قال: أخبرنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي قال: تزوج رجل من أهل تهامة امرأة من أهل نجد فأخرجها إلى تهامة، فلما أصابها حرّها قالت: ما فعلت ريح كانت تأتينا ونحن بنجد يقال لها الصّبا؟ قال: يحبسها عنك هذان الجبلان، فأنشدت: [الطويل]
أيا جبلي نعمان بالله خلّيا ... نسيم الصّبا يخلص إليّ نسيمها
أجد بردها أو تشف منّي حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصّبا ريح إذا ما تنسّمت ... على نفس مهموم تجلّت همومها
[1389]
[مدح الغنوي لقومه]:
قال: وقرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لعلى بن الغديّر الغنوي: [الطويل]
فذو الرّأي منّا مستقاد لأمره ... وشاهدنا قاض على من تغّيّبا
إذا غضب المولى لهم غضب الحصى ... لم تر أثرى من حصاهم وأصلبا
أبى لي أنّي لن أعيّر والدا ... دنيّا ولم يذمم فعالي فأقصبا
ولم أنتسب يوما سوى الأصل أبتغي ... به ماكلا يدني لذلّ ومشربا
ولم تضرب الأرض العريضة فرجها ... عليّ بأسباب إذا رمت مذهبا
وهلك الفتى أن لا يراح إلى النّدى ... وأن لا يرى شيئا عجيبا فيعجبا
قال أبو علي: أقصب: أشتم. وأصل القصب: القطع. ومنه قيل للجزّار: قصّاب.
[1390]
[شعر الأصمعي في الاتعاظ، وتبّدّل الحال، والموت، والرضى بالقدر]:
قال: وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي:
[البسيط]
يا قلب إنّك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير
تأتي أمور فما تدري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيرا وارضينّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذا صار في الرّمس تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور
حتى كأن لم يكن إلا تذكّره ... والدّهر أيّتما حال دهارير
قال أبو علي: الأعاصير: جمع إعصار، والإعصار: الريح تثير الغبرة.
* * *
[1391](1/431)
* * *
[1391]
[صاحب السّوء]:
قال: وقرأت على أبي عمر، قال: أملى علينا أبو العباس أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي لرافع بن هريم اليربوعي: [البسيط]
وصاحب السّوء كالداء الغميض إذا ... يرفضّ في الجوف يجري هاهنا وهنا
يبدي ويظهر عن عورات صاحبه ... وما رأى من فعال صالح دفنا
كمهر سوء إذا سكّنت سيرته ... رام الجماح وإن رفّعته سكنا
إن عاش ذاك فابعد عنك منزله ... أو مات ذاك فلا تقرب له جنبا
قال أبو علي: يقال: غمض وغمض، فمن قال: غمض قال في الفاعل: غميض، ومن قال: غمض، قال في الفاعل: غامض، والجنن والرّيم والرّمس والجدث والجدف: القبر.
[1392]
[قواعد اختيار الصديق]:
قال: وقرأت عليه، قال: أنشدنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي: [الرمل]
وإذا صاحبت فاصحب ماجدا ... ذا عفاف وحياء وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم
[1393]
[إنّ الذّئب لا يدع غيطا شبع فيه، والمفاضلة بين التمر والخبز]:
قال: وقرأت عليه، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: قيل لأعرابي:
أيّما أحبّ إليك. الخبز أو التّمر؟ فقال: التّمر حلو، وما عن الخبز مصّبر. قال: ومضى هذا الأعرابي الذي قال: التمر حلو، ثم عاد فقيل له: مالك عدت؟ فقال: إنّ الذئب لا يدع غيطا شبع فيه.
[1394]
[الإساءة للأضياف]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: نزل رجل من العرب في قوم عدى فأساءوا عشرته، فقيل له: كيف وجدت جيرتك؟ فقال: يغتابنا أقصاهم، ويكذب علينا أدناهم، ويكثرون لدينا نجواهم، ويكشفون علينا خصاهم.
[1395]
[شؤم المعصية، ونسيان الإمام بعض القراءة في الصلاة]:
قال: وحدثني أبو بكر قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: قرأ إمام {وَالَّذِينَ لََا يَدْعُونَ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ وَلََا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللََّهُ إِلََّا بِالْحَقِّ وَلََا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] ثم أرتج عليه، فقال أعرابي من خلفه: إنك يا إمام ما علمت لفعول لما تحيّرت فيه.
[1396]
[صفات الصاحب، والصداقة في الشدّة]:
قال: وأنشدنا أبو بكر: [الطويل]
وكنا كغصني بانة ليس واحد ... يزول على الحالات عن رأي واحد
تبدّل بي خلّا فخاللت غيره ... وخلّيته لمّا أراد تباعدي
ولو أنّ كفّي لم تردني أبنتها ... ولم يصطحبها بعد ذلك ساعدي
ألا قبّح الرّحمن كلّ مماذق ... يكون أخا في الخفض لا في الشدائد
[1397] قال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب: [الكامل](1/432)
وكنا كغصني بانة ليس واحد ... يزول على الحالات عن رأي واحد
تبدّل بي خلّا فخاللت غيره ... وخلّيته لمّا أراد تباعدي
ولو أنّ كفّي لم تردني أبنتها ... ولم يصطحبها بعد ذلك ساعدي
ألا قبّح الرّحمن كلّ مماذق ... يكون أخا في الخفض لا في الشدائد
[1397] قال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب: [الكامل]
طرقتك بين مسبّح ومكبّر ... بحطيم مكّة حيث كان الأبطح
فحسبت مكّة والمشاعر كلّها ... ورحالنا باتت بمسك تنفح
[1398]
[قول امرأة حين علمت بزواج صاحبها]:
قال: وقرأت على أبي عمر قال: أنشدنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي: [الخفيف]
خبّروها بأنّني قد تزوّج ... ت فظلّت تكاتم الغيظ سرّا
ثم قالت لأختها ولأخرى ... جزعا ليته تزوّج عشرا
وأشارت إلى نساء لديها ... لا ترى دونهنّ للسّرّ سترا
ما لقلبي كأنّه ليس منّي ... وعظامي إخال فيهنّ فترا
من حديث نمي إليّ فظيع ... خلت في القلب من تلظّيه جمرا
* * * [1399] قال: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو عثمان الأشنانداني:
[السريع]
بئس قرينا يفن هالك ... أمّ عبيد وأبو مالك
قال: أم عبيد: المفازة. وأبو مالك: الكبر، وأنشد: [الطويل]
أبا مالك إنّ الغواني هجرنني ... أبا مالك إنّي أظنّك دائبا
[1400]
[معاني بعض الألفاظ]:
قال أبو علي: قال الأصمعي يقال: قرطاط ومقرطان. وحجر أصرّ وحجر أيرّ: إذا كان صلّادا صلبا. ويقال: اغبن من ثوبك واخبن واكبن. ويقال للناس والدواب إذا مرّوا يمشون مشيا ضعيفا: مرّوا يدبّون دبيبا ويدجّون دجيجا. ويقال: أقبل الحاجّ والدّاجّ فالحاجّ: الذين يحجّون، والداجّ: الذين يدجّون في أثر الحاج. ويقال للرجل والدابة إذا تعوّد الأمر: قد جرن عليه يجرن جرونا، ومرن عليه يمرون مرونا ومرانة.
[1401] وقال أبو عبيدة، ريح ساكرة وساكنة، والزّور والزّون: كلّ شيء يتّخذ ربّا ويعبد، وأنشد: [الرجز]
جاءوا بزوريهم وجئنا بالأصم
وكانوا جاءوا ببعيرين فعقلوهما وقالوا: لا نفرّ حتى يفرّ هذان فعابهم بذلك، وجعلهما ربّين لهم.(1/433)
[1402] قال أبو علي: قال أبو عمرو الشيباني: المغطغطة والمغطمطة: القدر الشديدة الغليان. وحكى الفراء عن امرأة من بني أسد أنها قالت: جاءنا سكران ملتكّا في معنى جاء ملتخّا وهو اليابس من السكر. وقال ابن الأعرابي: شيخ تاكّ وفاكّ، وقحر وقحم.
[1403]
[من أمثال العرب]:
قال أبو علي: قال الأصمعي: من أمثال العرب: «أشبه شرج شرجا لو أنّ أسيمرا» يضرب مثلا للأمرين يشتبهان ويفترقان في شيء. وذكر أهل البادية أن لقمان بن عاد قال للقيم بن لقمان: أقم هاهنا حتى أنطلق إلى الإبل، فنحر لقيم جزورا فأكلها ولم يخبأ للقمان، فخاف لائمته فحرّق ما حوله من السّمر الذي بشرج. وشرج: واد. ليخفى المكان، فلما جاء لقمان جعلت الإبل تثير بأخفافها الجمر، فعرف لقمان المكان وأنكر ذهاب السّمر، فقال:
«أشبه شرج شرجا لو أن أسيمرا».
[1404]
[موعظة عمر بن عبد العزيز الوراق في الاستعداد للموت قبل فوات الأوان، وترك التسويف]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي قال: كتب عمر بن عبد العزيز الورّاق رحمه الله إلى أبي بكر بن حزم: إن الطالبين الذين أنجحوا، والتّجار الذين ربحوا، هم الذين اشتروا الباقي الذي يدوم، بالفاني المذموم، فاغتبطوا ببيعهم، وأحمدوا عاقبة أمرهم، فالله الله، وبدنك صحيح، وقلبك مريح، قبل أن تنقضي أيامك، وينزل بك حمامك، فإن العيش الذي أنت فيه يتقلّص ظلّه، ويفارقه أهله، فالسعيد الموفّق من أكل في عاجله قصدا، وقدّم ليوم فقره ذخرا، وخرج من الدنيا محمودا، قد انقطع عنه علاج أمورها، وصار إلى الجنة وسرورها.
[1405] قال: وأنشدنا أبو عبد الله، عن أحمد بن يحيى النحوي لأبي حيّة النّميري قال أبو علي: وقرأت البيتين الأولين على أبي محمد عبد الله بن جعفر، عن أبي العباس محمد بن يزيد النحوي: [الطويل]
ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى لمّا لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يملّ التّقاضيا
حنتك الليالي بعد ما كنت مرّة ... سويّ العصا لو كنّ يبقين باقيا
[1406] قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد، قال: قرأت على أبي حاتم والرياشي، عن أبي زيد، عن المفضّل الضّبّي للربيع بن ضبع الفزاري: [المنسرح]
أقفر من ميّة الجريب إلى الزّ ... جّين إلّا الظّباء والبقرا
كأنّها درّة منعّمة ... من نسوة كنّ قبلها دررا
أصبح منّي الشّباب مبتكرا ... إن ينأ عنّي فقد ثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه ... لمّا قضى من جماعنا وطرا
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
والذّئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرّياح والمطرا
من بعد ما قوّة أسرّ بها ... أصبحت شيخا أعالج الكبرا
هأنذا آمل الخلود وقد ... أدرك عمري ومولدي حجرا
أبا امرئ القيس قد سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
* * * [1407](1/434)
أقفر من ميّة الجريب إلى الزّ ... جّين إلّا الظّباء والبقرا
كأنّها درّة منعّمة ... من نسوة كنّ قبلها دررا
أصبح منّي الشّباب مبتكرا ... إن ينأ عنّي فقد ثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه ... لمّا قضى من جماعنا وطرا
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
والذّئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرّياح والمطرا
من بعد ما قوّة أسرّ بها ... أصبحت شيخا أعالج الكبرا
هأنذا آمل الخلود وقد ... أدرك عمري ومولدي حجرا
أبا امرئ القيس قد سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
* * * [1407]
[ما يقال بالسين والزاي]:
وقال الأصمعي: تسلّع جلده وتزلّع: إذا تشقّق، قال الراعي: [الطويل]
وغملى نصيّ بالمتان كأنّها ... ثعالب موتى جلدها قد تسلّعا
ويروى: قد تزلّعا. ويقال: ضربه فسلع رأسه أي: شقّه. ويقال: خسق السّهم وخزق: إذا قرطس (1). وسهم خازق وخاسق. ويقال: مكان شأز وشأس وهو الغليظ.
ويقال: نزغه ونسغه وندغه: إذا طعنه بيد أو رمح. وقال غيره: الشّازب والشّاسب: الضّامر، وقال الأصمعي: الشازب: الضامر وإن لم يكن مهزولا. والشّاسب والشاسف: الذي يبس.
قال: وسمعت أعرابيّا يقول: ما قال الحطيئة أينقا شزّبا، إنما قال: أعنزا شسّبا. قال: ويروى بيت أبي ذؤيب: [الكامل]
أكل الجميم وطاوعته سمحج ... مثل القناة وأزعلته الأمرع
ويروى: وأسعلته أي: أنشطته. والزّعل: النشاط. وقال أبو عبيدة يقال: معجس القوس وعجس وعجس، ومعجز وعجز وعجز: للمقبض.
[1408]
[أحرف الإبدال]:
قال أبو علي: اللغويون يذهبون إلى أن جميع ما أمليناه إبدال، وليس هو كذلك عند علماء أهل النحو وإنما حروف الإبدال عندهم اثنا عشر حرفا، تسعة من حروف الزوائد، وثلاثة من غيرها، فأما حروف الزوائد فيجمعها قولنا: «اليوم تنساه» وهذا عمله أبو عثمان المازني.
[1409] وأما حروف البدل فيجمعها قولنا: «طال يوم أنجدته» وهذا أنا عملته. فالطاء تبدل من التاء في افتعل إذا كانت بعد الضاد، نحو قولك: اضطهد. وكذلك إذا كانت بعد الصاد في مثل اصطبر وبعد الظاء أيضا (2) في افتعل. والألف تبدل من الياء والواو إذا كانتا لامين في مثل رمى وغزا. وإذا كانتا عينين في مثل نام وقام، والعاب والماء. وإذا كانت الواو فاء في ياجل
__________
(1) قرطس السهم: أصاب القرطاس أي: الغرض. ط
(2) كما في اظطلم واطرح: فالتاء تبدل طاء في باب الافتعال بعد حرف من أحرف الأطباق الأربعة كما لا يخفى. ط(1/435)
وأشباهه. وتكون بدلا من التنوين في الوقف في حال النصب، مثل رأيت زيدا. وبدلا من النون الخفيفة في الوقف إذا كان ما قبلها مفتوحا، نحو قولك: اضربا، وقد أبدلوا اللام من النون، فقالوا: أصيلال، وإنما هو أصيلان. والياء تبدل من الواو فاء وعينا. نحو ميزان، وقيل: وتبدل من الألف والواو في النصب والجر في مسلمين ومسلمين. ومن الواو والألف في بهاليل (1)
وقراطيس وما أشبههما إذا حقّرت أو جمعت. وتبدل من الواو إذا كانت عينا نحو ليّة، وتبدل من الألف في الوقف في لغة من يقول: أفعي وحبلى. وقد أبدلوا من الهمزة فقالوا في قرأت:
قريت. وتبدل من الحرف المدغم نحو قيراط، ألا تراهم قالوا: قريريط، ودينار ألا تراهم قالوا: دنينير. وتبدل من الواو إذا كانت لاما في مثل قصيا ودنيا. وتبدل من الواو في مثل غاز ونحوه. وتبدل من الواو في شقيت وعنيت وأشباههما. والواو تبدل من الياء في موقن وموسر ونحوهما. وتبدل من الياء في عموي ورحويّ إذا نسبت إلى عمى ورحى. وتبدل من الياء إذا كانت عينا في كوسى وطوبى ونحوهما. وتبدل من الياء إذا كانت لاما في شروى وتقوى ونحوهما. وتبدل مكان الألف في الوقف في لغة من يقول: أفعو وحبلو، كما أبدل مكانها الياء من كانت لغته أفعى وحبلى. وبعض العرب يجعل الواو والياء ثابتتين في الوقف والوصل.
وتبدل من الألف في ضورب وتضورب ونحوهما، وضويرب ودوينق في ضارب ودانق وضوارب ودوانق إذا جمعت ضاربا ودانقا. وتبدل من ألف التأنيث الممدودة إذا أضفت أو ثنّيت فقلت: حمراوان وحمراوي. وتبدل من الياء في فتوّ وفتوة يريد جمع الفتيان وذلك قليل، كما أبدلوا الياء مكان الواو في عتيّ وعصيّ. وتكون بدلا من الهمزة المبدلة من الياء والواو في التثنية والإضافة نحو كساوان وغطاوي. والميم تبدل من النون في العنبر وشنباء ونحوهما إذا سكنت وبعدها باء، وقد أبدلت من الواو في فم وذلك قليل، كما أن إبدال الهمزة من الهاء بعد الألف في ماء ونحوه قليل. والهمزة تبدل من الواو والياء إذا كانتا لامين في قضاء وشقاء ونحوهما. وإذا كانت الواو عينا في أدؤر وأنؤر والسّئور (2) ونحو ذلك. وإذا كانت فاء نحو أجوه وإسادة وأوعد. والنون تكون بدلا من الهمزة في فعلان فعلى كما أن الهمزة بدل من ألف حمراء. والجيم تكون بدلا من الياء المشددة في الوقف نحو علج وعوفج يراد على وعوفي.
والدال تكون بدلا من التاء في افتعل إذا كانت بعد الزاي في مثل ازدجر ونحوها. والتاء تكون بدلا من الواو إذا كانت فاء نحو اتّعد واتّهم واتّلج وتراث وتجاه ونحو ذلك. ومن الياء في افتعلت من يئست ونحوها. وقد أبدلت من الدال والسين في ستّ، وهذا قليل. وأبدلت من الياء إذا كانت لاما في أسنتو، وهو قليل أيضا. والهاء تبدل من التاء التي يؤنّث بها الاسم في الوقف نحو طلحة وما أشبهها. وتبدل من الهمزة في هرقت وهمرت، وقد أبدلت من الياء في هذه، وذلك في كلامهم قليل، كما أن تبيين الحركة بالألف قليل إنما جاء في أنا وحيّهلا.
__________
(1) أي: في مفرديهما كما لا يخفى. ط
(2) جمعا لدار ونار وسوار. ط(1/436)
[1410]
[من نقل لك نقل عنك، والتزويج في بيوتات السوء، والصديق والعدو]:
قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا العكلى، عن ابن أبي خالد عن الهيثم قال:
أخبرنا ابن عيّاش قال: قال مروان بن زنباع العبسي. وهو مروان القرط.: يا بني عبس، احفظوا عنّي ثلاثا: اعلموا أنه لم ينقل أحد إليكم حديثا إلا نقل عنكم مثله، وإياكم والتزويج في بيوتات السّوء، فإن له يوما ناجثا، واستكثروا من الصديق ما قدرتم، واستقلّوا من العدو، فإن استكثاره ممكن.
قال أبو علي: الناجث: الحافر، والنّجيثة: ما يخرج من تراب البئر.
[1411]
[لا تطلبنّ حاجتك من كذاب ولا أحمق ولا من له عند قوم مأكلة، وعلة ذلك]:
قال: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي وعن العتبي أيضا قالا: قال مسلم بن قتيبة: لا تطلبنّ حاجتك إلى واحد من ثلاثة: لا تطلبها إلى الكذاب، فإنه يقرّبها وهي بعيدة ويبعدها وهي قريبة، ولا تطلبها إلى الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك وهو يضرك، ولا تطلبها إلى رجل له عند قوم مأكلة، فإنه يجعل حاجتك وقاء لحاجته.
[1412]
[أدب المتعلّم، وحسن الاستماع]:
قال: وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: سمعت رجلا في حلقة أبي عمرو بن العلاء يقول: قال الحسن لابنه: يا بني، إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول. وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصّمت، ولا تقطع على أحد حديثا وإن طال حتى يمسك.
[1413]
[من لا يلاحى، ولا يحاور، ولا يعاشر، ولا يؤاخى]:
قال: وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: قال رجل لابنه:
يا بني، لا تلاحينّ حكيما، ولا تحاورنّ لجوجا، ولا تعاشرنّ ظلوما، ولا تؤاخين متّهما.
[1414]
[قول رجل لامرأته وقد نحّت عنه ابنه، وزلّات النساء]:
قال: وقرأت على أبي عمر قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي لرجل كانت تنحّي امرأته ابنه عنه: [الطويل]
أزحنة عنّي تطردين تبدّدت ... بلحمك طير طرن كلّ مطير
قفي لا تزلّي زلّة ليس بعدها ... جبور وزلّات النساء كثير
فإنّي وإياه كرجلي نعامة ... على كلّ حالق من غني وفقير
قال: كرجلي نعامة في اتفاقنا وأنّا لا نختلف، قال: وليس شيء من البهائم إلا وهو إن انكسرت إحدى رجليه انتفع بالأخرى إلا النعامة، وقال غير ابن الأعرابي: لأنه لا مخّ لها.(1/437)
[1415]
[قول عمرو بن شأس في ابنه عرار]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، عن الطّوسي، قال: كانت لعمرو بن شأس امرأة من رهطه يقال لها أم حسان بنت الحارث، وكان له ابن يقال له عرار من أمة له سوداء، فكانت تعيّره به وتؤذي عرارا ويؤذيها وتشتمه ويشتمها، فلما أعيت عمرا بالأذى والمكروه في ابنه قال: الكلمة التي فيها هذه الأبيات: قال: وقال ابن الأعرابي قالها في الإسلام وهو شيخ كبير: [الطويل]
ألم يأتها أنّي صحوت وأنّني ... تحلّمت حتى ما أعارم من عرم
وأطرقت إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغما لنابيه الشجاع لقد أزم
فإن عرارا إن يكن غير واضح ... فإني أحبّ الجون ذا المنكب العمم
وإن عرارا إن يكن ذا شكيمة ... تقاسينها منه فما أملك الشيم
أردت عرارا بالهوان ومن يرد ... عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم
فإن كنت مني أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسّمن ربّ له الأدم
وإلا فسيري مثل ما سار راكب ... تيمّم خمسا ليس في سيره يتم
ويروى: خمسا، يريد خمسة أيام وإنما أسقط الهاء من خمسة لأنه لم يذكر الأيام، كما تقول صمنا من الشهر خمسا، تريد خمسة أيام.
[1416] قال أبو علي: يقال: عرم الغلام يعرم عرما، وغلام عارم، وغلمان عرّام وعرمة. وقال ابن الأعرابي: العرم: وضر القدر ووسخها. وقال غيره: العرام: العراق من اللحم. والعمم: الطّول، والعميم: الطويل، فوصفه بالعمم وهو المصدر، كما قالوا: رجل عدل أي: عادل. واليتم والأتم: الإبطاء، وقال الطوسي: اليتم: الغفلة، ومنه أخذ اليتيم.
قال أبو علي: كأنّه يذهب إلى أنه أغفل فضاع. وأما غيره فيقول: اليتيم: الفرد، ويتم إذا انفرد، ومنه الدرّة اليتيمة.
[1417]
[شعر في الأولاد]:
قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد: [السريع]
أنزلني الدهر على حكمه ... من شاهق عال إلى خفض
وغالني الدهر بوفر الغنى ... فليس لي مال سوى عرضي
لولا بنيّات كزغب القطا ... أجمعن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطّول والعرض
وإنّما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشى على الأرض
[1418] قال: وقرأت عليه لمعن بن أوس: [الطويل]
رأيت رجالا يكرهون بناتهم ... وفيهنّ لا نكذب نساء صوالح
وفيهنّ والأيام يعثرن بالفتى ... عوائد لا يمللنه ونوائح
[1419](1/438)
رأيت رجالا يكرهون بناتهم ... وفيهنّ لا نكذب نساء صوالح
وفيهنّ والأيام يعثرن بالفتى ... عوائد لا يمللنه ونوائح
[1419]
[ضبط بعض أسماء متشابهة]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثني أبي، عن أشياخه قال: كل ما في العرب عدس بفتح الدال، إلا عدس بن زيد فإنه بضمها. وكل ما في العرب سدوس بفتح السين إلا سدوس بن أصمع في طي. وكل ما في العرب فرافصة بضم الفاء إلا فرافصة أبا نائلة امرأة عثمان بن عفان رضي الله عنه. وكل ما في العرب ملكان بكسر الميم إلا (1)
ملكان بن حزم بن زبّان فإنه بفتحها (2)، وكل ما في العرب أسلم بفتح الهمزة واللام إلا أسلم بن الحكم من قضاعة.
[1420]
[شعر في تداول الأيام، وقصر الأمل]:
قال: وأنشدنا أبو الحسن الأخفش قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى: [الطويل]
بكلّ بلاد أم بكلّ مظنّة ... أخو أمل منّا يحاول مطمعا
كأنّا خلقنا للنّوى وكأنّما ... حرام على الأيام أن تتجمّعا
[1421]
[شعر في الإقدام يوم الحرب]:
قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لقطريّ بن الفجاءة: [الكامل]
لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوّفا لحمام
فلقد أراني للرّماح دريئة ... من عن يميني مرة (3) وأمامي
حتى خضبت بما تحدّر من دمي ... أكناف سرجي أو عنان لجامي
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام
[1422] قال أبو علي: الدريئة مهموزة: الحلقة التي يتعلم عليها الطعن وهي فعلية بمعنى مفعولة من درأت أي: دفعت. والدّريّة غير مهموزة: دابة أو جمل يستتر به الصائد فيرمى الصيد، وهو من دريت أي: ختلت، وقال الشاعر: [الطويل]
فإن كنت لا أدري الظّباء فإنّني ... أدسّ لها تحت التّراب الدّواهيا
وبنوه على مثال خديعة إذ كان في معناها، وقوله:
أكناف سرجى أو عنان لجامي
أراد: وعنان لجامي، وقوله: جذع البصيرة أي: فتيّ الاستبصار أي: وأنا علي بصيرتي الأولى، وقوله: قارح الإقدام أي: متناه في الإقدام.
__________
(1) كذا في «اللسان» وعبارة «القاموس»: وملكان محركة ابن جرم وابن عباد في قضاعة ومن سواهما في العرب فبالكسر. ط
(2) انظر: «التنبيه» [113].
(3) في نسخة تارة اهـ. ط(1/439)
[1423]
[بقاء الشوق وترك اليأس على الوصل وإن انقطعت السّبل]:
قال وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة: [الطويل]
لئن درست أسباب ما كان بيننا ... من الودّ ما شوقي إليك بدارس
وما أنا من أن يجمع الله بيننا ... على خير ما كنّا عليه بيائس
[1424]
[شعر في سؤال الخليفة المأمون، والتسليم للأقدار]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا عبد الله بن خلف، قال: حدثنا أبو جابر محرز بن جابر قال: حدثنا أبي قال: أرسلت أمّ جعفر زبيدة إلى أبي العتاهية أن يقول على لسانها أبياتا يستعطف بها المأمون فتأبّى، ثم أرسل إليها هذه الأبيات:
[الطويل]
ألا إن صرف الدهر يدني ويبعد ... ويمتع بالألّاف طورا ويفقد
أصابت بريب الدهر مني يدي يدي ... فسلّمت للأقدار والله أحمد
وقلت لريب الدهر إن هلكت يد ... فقد بقيت والحمد لله لي يد
إذا بقى المأمون لي فالرشيد لي ... ولي جعفر لم يفقدا ومحمد
فلما قرأها المأمون استحسنها وسأل عن قائلها، فقيل: أبو العتاهية، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وعطف على زبيدة وزاد في تكرمتها وأثرتها.
* * * [1425] قال: وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة قال: قال موسى شهوات يهجو عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر ويمدح عمر بن موسى بن طلحة بن عبيد الله (1): [الطويل]
تباري ابن موسى يا بن موسى ولم تكن ... يداك جميعا تعدلان له يدا
تباري امرأ يسرى يديه مفيدة ... ويمناهما تبنى بناء مشيّدا
فإنك لم تشبه يداك ابن معمر ... ولكنّما أشبهت عمّك معبدا
وفيك وإن قيل ابن موسى بن معمر ... عروق يدعن المرء ذا المجد قعددا
ثلاثة أعراق فعرق مهذّب ... وعرقان شانا ما أصابا فأفسدا
قال أبو بكر: وكان معبد مولى. وكان أخا أبيه لأمه. وله حديث قد ذكره أبو عبيدة في المثالب.
قال أبو علي: القعدد والقعدد لغتان: اللئيم الأصل، والإقعاد: قلة الأجداد.
والأطراف: كثرة الأجداد كلاهما مدح.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [114].(1/440)
[1426]
[شعر في الصّدّ والهجران]:
قال: وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه: [الطويل]
لعمرك ما حقّ امرئ لا يعدّ لي ... على نفسه حقّا عليّ بواجب
وما أنا للنائي عليّ بودّه ... بودّي وصافي خلّتي بمقارب
ولكنّه إن مال يوما بجانب ... من الصّدّ والهجران ملت بجانب
[1427]
[كفران المعروف]:
قال: وأملي علينا أبو الحسن الأخفش قال: كتب محمد بن مكرم إلى أبي العيناء: أما بعد، فإني لا أعرف للمعروف طريقا أوعر ولا أحزن من طريقه إليك، ولا مستودعا أقلّ زكاة وأبعد غنما من خير يحلّ عندك لأنه يصير منك إلى دين ردي، ولسان بذي، وجهل قد ملك عليك طباعك، فالمعروف لديك ضائع، والصّنيعة عندك غير مشكورة، وإنما غرضك من المعروف أن تحرزه وفي مواليه أن تكفره.
[1428]
[من أمثال العرب]:
قال: وقرأت على أبي بكر، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال من أمثال العرب: «لا أخاف إلا من سيل تلعتي» أي: إلا من بني عمي وقرابتي، قال: والتّلعة: مسيل الماء إلى الوادي لأن من نزل التعلة فهو على خطر، إن جاء سيل جرف بهم، وقال هذا وهو نازل بالتلّعة أي: لا أخاف إلا من مأمني.
[1429] قال أبو علي: وسألت أبا بكر بن دريد، عن المثل الذي تضربه العرب لمن جازي صاحبه بمثل فعله وهو قولهم: «يوم بيوم الحفض المجوّر» فقال: أصل هذا المثل أن أخوين كان لأحدهما بنون ولم يكن للآخر ولد. فوثبوا على عمهم فجوروا بيته أي: ألقوه بالأرض. ثم نشأ للآخر بنون فوثبوا على عمهم فجوروا بيته فشكا ذلك إلى أخيه، فقال:
«يوم بيوم الحفض المجور».
[1430] قال أبو علي: والحفض: متاع البيت، والحفض أيضا: البعير الذي يحمل عليه متاع البيت وإنما سمى حفضا لأنه منه بسبب، والعرب تسمى الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب، ولذلك قيل للجلد الذي يحمل فيه الماء: راوية. وإنما الراوية: البعير الذي يستقى عليه. وينشد بيت عمرو بن كلثوم على وجهين: [الوافر]
ونحن إذا عماد البيت خرّت ... على الأحفاض نمنع من يلينا
ويروى: عن الأخفاض، فمن روى على أراد متاع البيت، ومن روى عن أراد الجمل الذي يحمل عليه متاع البيت.
* * *
[1431](1/441)
* * *
[1431]
[مادة: هجر]
قال أبو علي: قال أبو نصر: هجرت فلانا أهجره هجرانا وهجرا: إذا تركت كلامه.
وهجر الرجل في منامه يهجر هجرا إذا هذى وتكلّم في منامه. وأهجر يهجر إهجارا وهجرا إذا قال: هجرا أي: فحشا وكلاما قبيحا، وهجرت البعير أهجره هجورا وهو أن تشدّ حبلا من حقوه إلى خفّ يده. قال أبو علي: وذلك الحبل يسمّى الهجار. وروى أبو عبيد عن الأصمعي: هجرت البعير أهجره هجرا وهو أن تشدّ حبلا في رسغ رجله ثم تشده إلى حقوه إن كان عريا، وإن كان مرحولا شددته إلى حقيبته. وذكر الأصمعي في كتاب الصفات نحو قول أبي عبيد. قال: وهو أن تشدّ حبلا من وظيف رجله إلى حقوه، وأنشد:
فكعكعوهنّ في ضيق وفي دهش ... ينزون من بين مأبوض ومهجور
وقال أبو نصر: وهاجر الرجل يهاجر مهاجرة إذا خرج من البدو إلى المدن. قال أبو علي ويقال: هاجر أيضا إذا خرج من بلد إلى بلد، وقال أبو نصر: ويقال لكل ما أفرط في طول أو غيره: مهجر والأنثى مهجرة، ونخلة مهجرة إذا أفرطت في الطول، قال الراجز: [الرمل]
تعلو بأعلى السّحق المهاجر ... منها عشاش الهدهد القراقر
وقال غيره: الهاجريّ: الحاذق بالاستقاء. ويقال: هذا أهجر من هذا أي أفضل منه، ويقال لكل شيء فضل شيئا: هو أهجر منه، ولهذا قيل للّبن الجيد: هجير. ويقال: إن معاوية رحمه الله خرج متنزها فمر بحواء ضخم فقصد قصد بيت منه، فإذا بفنائه امرأة برزة، فقال لها: هل من غداء؟ قالت: نعم حاضر، قال: وما غداؤك؟ قالت: خبز خمير، وماء نمير، وحيس فطير، ولبن هجير، فثنى وركه ونزل، فلما تغدّى قال: هل لك من حاجة؟ فذكرت حاجة أهل الحواء، قال هاتي حاجتك في خاصّة نفسك، قالت: يا أمير المؤمنين، إني أكره أن تنزل واديا فيرفّ أوّله، ويقفّ آخره. وقال أبو عبيدة: هذا أهجر من هذا أي: أعظم منه.
[1432] قال أبو علي: وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: أخبرنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: يقال: هذا الطريق أهجر من هذا أي أبعد منه، والهجرة: البعد، وأصل هذه العبارات كلّها واحد. وقال غيره: والهاجريّ: البنّاء، وقال بعضهم: والهاجريّ منسوب إلى هجر، فأدخل فيه الألف واللام، قال أبو علي: وليس هذا القول بمرضيّ، وقال أبو نصر: والهاجرة والهجير والهجر: وقت زوال الشمس، قال الشاعر (1): [الوافر]
كأنّ العيس حين أنخن هجرا ... معفّاة نواظرها سوامي
ويقال: ما زال ذلك هجيراه أي: دأبه الذي يهجر به، ويقال: إهجيراه أيضا لغتان.
ويقال: أتانا على هجر أي: بعد سنة فصاعدا.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [115].(1/442)
[1433]
[سؤال أعرابيّ في المسجد]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس، قال: وقف أعرابي في المسجد الجامع في البصرة فقال: قلّ النّيل، ونقص الكيل، وعجفت الخيل، والله ما أصبحنا ننفخ في وضح، وما لنا في الدّيوان من وشمة، وإنا لعيال جربّة، فهل من معين أعانه الله يعين ابن سبيل، ونضو طريق. وفلّ سنة؟ فلا قليل من الأجر ولا غنى عن الله، ولا عمل بعد الموت. قال أبو علي: الوضح: اللّبن وإنما سمّى وضحا لبياضه، وقال الهذلي: [البسيط]
عقّوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاءوا وقالوا حبّذا الوضح
عقّوا: رموه إلى السماء. واستفاءوا: رجعوا. والوشمة مثل الوشم في الذراع، يريد الخطّ. والجربّة: الجماعة. ويقال: الجربّة: المتساوون، ويقال: عيال جربّة أي: كبار كلّهم لا صغير فيهم، قال الراجز: [الرجز]
جربّة كحمر الأبكّ ... لا ضرع فيهم ولا مذكّي
والفلّ: القوم المنهزمون، يعني: أنه انهزم من الجدب، والفلّ: الأرض التي لم يصبها مطر، وجمعها أفلال.
[1434]
[وصف أعرابي للسويق]:
قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا أبو حاتم، قال: قال الأصمعي: عاب رجل السّويق بحضرة أعرابي، فقال: لا تعبه، فإنه عدّة المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكّر، وبلغة المريض، ويسرو فؤاد الحزين، ويردّ من نفس المحدود، وجيّد في التسمين، ومنعوت في الطب، وقفاره يجلو البلغم، وملتوته يصفّي الدّم، وإن شئت كان شرابا، وإن شئت طعاما، وإن شئت فثريدا، وإن شئت فخبيصا. قال أبو علي: يسرو: يكشف ما عليه، يقال: سرا عنه ثوبه إذا نزعه. والمحدود: الذي قد حدّ أي: قد ضرب الحدّ. والقفار: الذي لم يلتّ بشيء من أدم لا زيت ولا سمن ولا لبن، يقال: طعام قفار وعفار وعفير وسختيت وحثّ.
[1435] حدثني أبو عمرو، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: العرب تقول: ماء قراح، وخبز قفار: لا أدم معه. وسويق حثّ وهو الذي لم يلتّ بسمن ولا زيت.
وحنظل مبسّل وهو أن يؤكل وحده، قال الراجز: [الرجز]
بئس الطعام الحنظل المبسّل ... ييجع منه كبدي وأكسل
ويروى: ياجع
[1436]
[الاعتذار أولى من المطل]:
قال: وحدثنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه، قال: قال أعرابي: اعتذار من منع أجمل من وعد ممطول.(1/443)
[1437]
[فزع مالك بن أسماء لحبس أخيه رغم ما بينهما من خصومة]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: كان مالك بن أسماء بن خارجة واجدا على أخيه عيينة بن أسماء، وطال ذلك حتى تفاقم الأمر بينهما، فأخذ الحجاج عيينة فحبسه لجبايات كانت له، وكتب إلى مالك يعلمه بذلك وهو يظن أنه يسرّه، فلما قرأ الكتاب أنشأ يقول (1): [الكامل]
ذهب الرّقاد فما يحسّ رقاد ... مما شجاك وملّت العواد
خبر أتاني عن عيينة مفظع ... كادت تقطّع عنده الأكباد
ويروى: عن عيينة موجع.
بلغ النّفوس بلاؤه فكأننا ... موتى وفينا الرّوح والأجساد
يرجون غرّة (2) جدّنا ولو أنهم ... لا يدفعون بنا المكاره بادوا
لما أتاني عن عيينة أنه ... أمسى عليه تظاهر الأقياد (3)
نخلت له نفسي النّصيحة إنه ... عند الشدائد تذهب الأحقاد
وعلمت أنّي إن فقدت مكانه ... ذهب البعاد فكان فيه بعاد
ورأيت في وجه العدوّ شكاسة ... وتغيّرت لي أوجه وبلاد
وذكرت أيّ فتى يسدّ مكانه ... بالرّفد حين تقاصر الإرفاد
أمّن يهين لنا كرائم ماله ... ولنا إذا عدنا إليه معاد
قال أبو علي: الشّكاسة: سوء الخلق، والشّكس: السّيّئ الخلق.
[1438]
[شعر في ثبات المودة والذّكر رغم غياب المحبوب عن النظر]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو بكر السمسار قال: أنشدنا أبو بكر الأموى، عن الحسين بن عبد الرحمن للخليل بن أحمد: [البسيط]
إن كنت لست معي فالذّكر منك هنا ... يرعاك قلبي وإن غيّبت عن بصري
العين تفقد من تهوى وتبصره ... وناظر القلب لا يخلو من النّظر
[1439] قال: وأنشدنا أبو بكر أيضا قال: أنشدنا أبو علي العمريّ قال: أنشدنا مسعود بن بشر: [الطويل]
أما والذي لو شاء لم يخلق النّوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
يوهّمنيك الشّوق حتّى كأنما ... أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي
__________
(1) انظر: «التنبيه» [106].
(2) غرة جدنا أي خداعه وفي نسخة: عثرة جدنا. ط
(3) الأقياد: جمع قيد، يريد أنه أمسى تتعاون عليه القيود. ط(1/444)
[1440]
[شعر نصيب في حب زينب]:
قال: وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه، قال: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: قال جرير: وددت أني سبقت ابن السّوداء يعني: نصيبا إلى هذه الأبيات: [الطويل]
بزينب ألمم قبل أن يرحل الرّكب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب
وقل إن ننل بالودّ منك محبّة ... فلا مثل ما لا قيت من حبّكم حبّ
وقل في تجنّيها لك الذّنب إنما ... عتابك من عاتبت فيما له عتب
فمن شاء رام الصّرم أو قال ظالما ... لذي ودّه ذنب وليس له ذنب
خليليّ من كعب ألمّا هديتما ... بزينب لا تفقدكما أبدا كعب
من اليوم زوراها فإنّ ركبنا ... غادة غد عنها وعن أهلها نكب
قال أبو علي: النّكب: الموائل
وقولا لها يا أمّ عثمان خلّتي ... أسلم لنا في حبّنا أنت أم حرب
وقال رجال حسبه من طلابها ... فقلت كذبتم ليس لي دونها حسب
* * * [1441] قال: وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لأسماء المرّيّة صاحبة عامر بن الطّفيل: [الطويل]
أيا جبلي وادي عريعرة التي ... نأت عن ثوى قومي وحقّ قدومها (1)
ألا لّيا مجرى الجنوب لعلّه ... يداوي فؤادي من جواه نسيمها
وكيف تداوي الريح شوقا مماطلا ... وعينا طويلا بالدّموع سجومها
وقولا لركبان تميميّة غدت ... إلى البيت ترجو أن تحطّ جرومها
بأنّ بأكناف الرّغام غريبة ... مولّهة ثكلى طويلا نئيمها
مقطّعة أحشاؤها من جوى الهوى ... وتبريح شوق عاكف ما يريمها
قال أبو علي: النّئيم: الصوت.
[1442]
[شرح بعض الألفاظ]:
قال: وقرأت على أبي عمر قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: الطّاية والتّاية والغاية والراية والآية، فالطاية: السّطح الذي ينام عليه، والتاية: أن تجمع بين رءوس ثلاث شجرات أو شجرتين فتلقي عليها ثوبا فتستظلّ به، والغاية: أقصى الشيء وتكون من الطير التي تغيّي على رأسك أي: ترفرف، والآية: العلامة.
__________
(1) الذي في ياقوت: وحم قدومها أي: قدر وقضى.(1/445)
[1443]
[ما قيل في إيثار الدنيا، وإدبارها]:
وبهذا الإسناد قال: قال خالد بن صفوان: والله ما يأتي علينا يوم إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، وما تزداد لنا إلا تخلّيا، وعنّا إلا تولّيا.
[1444]
[عقوق الوالدين]:
قال: وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا الرياشي لأعرابي يهجو بنيه: [الرجز]
إنّ بنيّ كلّهم كالكلب ... أبرّهم أولاهم بسبّي
لم يغن عنهم أدبي وضربي ... ولا اتّساعي لهم ورحبي
فليتني متّ بغير عقب ... أوليتني كنت عقيم الصّلب
[1445] قال: وقرأت على أبي عمر قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي لحضين ابن المنذر يهجو ابنه غيّاظا: [الطويل]
نسيّ لما أوليت من صالح مضى ... وأنت لتأنيب على حفيظ
تلين لأهل الغلّ والغمر منهم ... وأنت على أهل الصّفاء غليظ
عدوّك مسرور وذو الودّ بالذي ... أتى منك من غيظ عليّ كظيظ
وسمّيت غيّاظا ولست بغائظ ... عدوّا ولكنّ الصديق تغيظ
فلا حفظ الرحمن روحك حيّة ... ولا هي في الأرواح حين تفيظ
[1446]
[الحسد، وأدب المحسود]:
قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله: [البسيط]
إن يحسدوني فإنّي غير لائمهم ... قبلى من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد
أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقى صدرا منها ولا أرد
[1447]
[الأخوّة، وإن كره من أخيه خلقا رضي آخر، وغدر الصديق]:
قال: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله: [الطويل]
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألوانا عليّ خطوبها
إذا عبت منه خلّة فهجرته ... دعتني إليه خلّة لا أعيبها
[1448] قال: وأنشدني أبو بكر بن أبي الأزهر مستملي أبي العباس قال: أنشدنا الزبير بن بكّار لسويد بن الصامت: [الطويل]
ألا ربما تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري
لسان له كالشّهد مادمت حاضرا ... وبالغيب مطرور على ثغرة النّحر
قال أبو علي: مطرور: محدّد، من طررت السكين: حددتها.(1/446)
[1449]
[رثاء نهار بن توسعة للمهلّب وما ترتب على ذلك]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: مات المهلّب بمرو الرّوذ بخراسان، وكانت ولايته أربع سنين، فقال نهار بن توسعة: [الطويل]
ألا ذهب الغزو المقرّب للغنى ... ومات النّدى والحزم بعد المهلّب
أقاما بمرو الرّوذ رهن ضريحه ... وقد غيّبا عن كل شرق ومغرب
ثم ولى بعده قتيبة بن مسلم، فدخل عليه نهار فيمن دخل وهو يعطي الناس العطاء، فقال: من أنت؟ قال: نهار بن توسعة، قال: أنت القائل في المهلّب ما قلت؟ قال: نعم، وأنا القائل: [الطويل]
وما كان مذ كنّا ولا كان قبلنا ... ولا كائن من بعد مثل ابن مسلم
أعمّ لأهل الشّرك قتلا بسيفه ... وأكثر فينا مغنما بعد مغنم
قال: إن شئت فأقلل، وإن شئت فأكثر، وإن شئت فاحمد، وإن شئت قذمّ، لا تصيب منّي خيرا أبدا، يا غلام، أقرض اسمه من الدفتر، فلزم منزله حتى قتل قتيبة وولي يزيد، فأتاه فدخل عليه وهو يقول: [الطويل]
إن كان ذنبي يا قتيبة أنني ... مدحت أمرأ قد كان في المجد أوحد
أبا كلّ مظلوم ومن لا أبا له ... وغيث مغيثات أطلن التّلدّدا
فشأنك إنّ الله إن سؤت محسن ... إليّ إذا أبقى يزيد ومخلد
قال: احتكم، قال: مائة ألف درهم، فأعطاه إياها. وقال أبو عبيدة مرة أخرى: بل كان الممدوح مخلد بن يزيد، وكان خليفة أبيه على خراسان، فكان نهار يقول بعد موته: رحم الله مخلدا فما ترك لي بعده من قولي.
[1450]
[ألفاظ وردت بمعنى الثبات والإقامة]:
قال أبو علي: قال اللحياني: دجن بالمكان يدجن دجونا فهو داجن إذا ثبت وأقام، ومثله رجن يرجن رجونا فهو راجن. وقال غيره ومنه قيل: شاة راجنة إذا أقامت في البيوت على علفها. وقال اللحياني: وتن يتن وتونا، وقال الأصمعي: الواتن: الثابت الدائم، وقال اللحياني: تنأ يتنأ تنوءا فهو تانئ، وتنخ يتنخ تنوخا فهو تانخ، قال أبو بكر بن دريد:
ومنه سمّيت تنوخ لأنها أقامت في موضعها. وقال اللحياني: وركد يركد ركودا فهو راكد، وألحم يلحم إلحاما. وقال يعقوب بن السكيت: وقطن يقطن قطونا فهو قاطن، قال العجاج: [الرجز]
قواطنا مكة من ورق الحمى
ومكد يمكد مكودا فهو ماكد، ومنه قيل: ناقة ماكد ومكود إذا ثبت غزرها فلم يذهب.
[1451] قال أبو علي: وأخبرنا الغالبي، عن أبي الحسين بن كيسان، عن أبي العباس
أحمد بن يحيى قال: زعم الأصمعي أن الغزر لغة أهل البحرين، وأن الغزر بالفتح اللغة العالية. وقال يعقوب: ورمك يرمك رموكا فهو رامك. وثكم يثكم ثكوما فهو ثاكم، وأرك يأرك أروكا فهو آرك، وإبل آركة في الحمض أي: مقيمة، فأما الأوارك فالتي تأكل الأراك، وعدن يعدن عدنا، وزاد اللحياني: وعدونا، ومنه قيل: جنة عدن أي: جنة إقامة، وإبل عوادن إذا أقامت في موضع، قال يعقوب: ومنه المعدن لأن الناس يقيمون فيه في الشتاء والصيف، قال أبو علي: إنما قيل له معدن لثبات ذلك الجوهر فيه، قال العجاج:(1/447)
[1451] قال أبو علي: وأخبرنا الغالبي، عن أبي الحسين بن كيسان، عن أبي العباس
أحمد بن يحيى قال: زعم الأصمعي أن الغزر لغة أهل البحرين، وأن الغزر بالفتح اللغة العالية. وقال يعقوب: ورمك يرمك رموكا فهو رامك. وثكم يثكم ثكوما فهو ثاكم، وأرك يأرك أروكا فهو آرك، وإبل آركة في الحمض أي: مقيمة، فأما الأوارك فالتي تأكل الأراك، وعدن يعدن عدنا، وزاد اللحياني: وعدونا، ومنه قيل: جنة عدن أي: جنة إقامة، وإبل عوادن إذا أقامت في موضع، قال يعقوب: ومنه المعدن لأن الناس يقيمون فيه في الشتاء والصيف، قال أبو علي: إنما قيل له معدن لثبات ذلك الجوهر فيه، قال العجاج:
من معدن الصّيران عدمليّ
يعني: كناسا فيه وثبات البقر. وقال يعقوب: وتلد يتلد تلودا وبلد يبلد بلودا. قال أبو علي: ومنه اشتقاق البليد كأنه ثبت فلم يتخطّ لجواب ولا تصرّف. قال يعقوب: وأبد يأبد أبودا، وألبد يلبد إلبادا فهو ملبد، واللّبد من الرجال: الذي لا يبرح منزله، قال الراعي:
[البسيط]
من أمر ذي بدوات لا تزال له ... بزلاء يعيا بها الجثّامة اللّبد
وألثّ يلثّ فهو ملثّ، وألثّت السماء إذا دام مطرها، وأربّ يربّ إربابا فهو مربّ، وألبّ يلبّ إلبابا فهو ملبّ، ولبّ أيضا وهي بالألف أكثر، قال ابن أحمر: [الرجز]
لبّ بأرض ما تخطّاها النّعم
قال الخليل: ومنه قولهم لبّيك وسعديك، كأنه قال: إجابة لك بعد إجابة، ولزوما لك بعد لزوم أي: كلّما دعوتني أجبتك ولزمت طاعتك. ورمأ يرمأ رمأ ورموءا. وخيّم يخيّم تخيما، وريّم يريّم تريما. وفنك يفنك فنوكا، وفنك في الشيء إذا لجّ فيه، وأنشد الفراء: [الرجز]
لمّا رأيت أمرها في حطيّ ... وفنكت في كذب ولطّ
أخذت منها بقرون شمط ... حتّى علا الرأس دم يغطّي
وأبنّ يبنّ إبنانا فهو مبنّ، قال النابغة: [الوافر]
غشيت منازلا بعريتنات ... فأعلى الجزع للحيّ المبنّ
وبجد بالمكان يبجد بجودا فهو باجد، ومنه قيل: أنا ابن بجدتها أي: أنا عالم بها.
وحكى يعقوب عن الفراء: هو عالم ببجدة أمرك وبجدة أمرك كقولك بداخلة أمرك.
[1452] وقال ابن الأعرابي: أوصب الشيء ووصب إذا ثبت ودام، وأنشد العجاج:
[الرجز]
تعلو أعاصيم وتعلو أحدبا ... إذا رجت منه الذّهاب أوصبا
قال أبو علي: ومن وصب قوله عز وجل: ب {عَذََابٌ وََاصِبٌ} [الصافات: 9] أي: دائم، وقال الأصمعي: ثبّيت على الشيء: دمت عليه، وأنشد: [الطويل]
يثبّي ثناء من كريم وقوله ... ألا انعم على حسن التّحيّة واشرب
وقال أبو عمرو الشيباني: التّثبية: مدح الرجل حيّا، وأنشد البيت الذي ذكرناه عن الأصمعي، وقال غيره: الطّادي: الثابت، قال القطامي: [البسيط](1/448)
يثبّي ثناء من كريم وقوله ... ألا انعم على حسن التّحيّة واشرب
وقال أبو عمرو الشيباني: التّثبية: مدح الرجل حيّا، وأنشد البيت الذي ذكرناه عن الأصمعي، وقال غيره: الطّادي: الثابت، قال القطامي: [البسيط]
وما تقضّى بواقي دينها الطّادي
والموطود: المثبت، وموطود من وطد يطد، واللغويون يقولون: إن هذا من المقلوب. وقال أبو عبيد: والأقعس: الثابت، وأنشد للحارث: وعزّة (1) قعساء. وقال اللحياني: أتم يأتم أتوما، ووتم يوتم وتوما إذا ثبت في المكان، قال أبو علي: وهذان الحرفان على غير قياس لأنه قد كان يجب أن يكون مصدرهما أتما ووتما. ويقال: أرّى بالمكان وتأرّى إذا احتبس، قال: [البسيط]
لا يتأرّى (2) لما في القدر يرقبه ... ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر
وقال آخر: [المنسرح]
لا يتأرّون في المضيق وإن ... نادى مناد كي ينزلوا نزلوا
وقال ابن الأعرابي: وزحك بالمكان إذا أقام فيه.
[1453]
[وصية عبد الله بن شداد عند موته، والتقوى، والموت، والجود، وأدب المحسود، وغير ذلك]:
قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: أخبرنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، عن أبيه قال: لما حضرت عبد الله بن شدّاد بن الهاد الوفاة دعا ابنا له يقال له محمد فقال: يا بنيّ، إنّي أرى داعي الموت لا يقلع. وأرى من مضى لا يرجع، ومن بقى فإليه ينزع، وإنّي موصيك بوصية فاحفظها، عليك بتقوى الله العظيم، وليكن أولى الأمور بك شكر الله وحسن النية في السر والعلانية، فإن الشّكور يزداد، والتقوى خير زاد، وكن كما قال الحطيئة: [الوافر]
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكنّ التّقيّ هو السّعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقى مزيد
__________
(1) تتمة بيت للحارث بن حلزة وصدره:
فبقينا على الشناءة تنم ... ينا حصون وعزة قعساء ط
(2) البيت لأعشى باهلة واسمه عامر بن الحارث أحد بني وائل من قصيدة مطلعها:
وجاشت النفس لما جاء جمعهم ... وراكب جاء من تثليث معتمر
والشطر الأول من البيت صدر لبيت آخر عجزه:
ولا يزال إمام القوم يقتفر
وصدر الشطر الثاني فيه:
لا يغمز الساق من أين ومن وصب
راجع: «الأصمعيات» طبع برلين (ص 33). ط(1/449)
وما لا بدّ أن يأتي قريب ... ولكنّ الذي يمضي بعيد
[صروف الدهر ونوائبه، وتغيّر الحال]:
ثم قال: أي بنيّ، لا تزهدنّ في معروف فإن الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب، على الشاهد والغائب، فكم من راغب قد كان مرغوبا إليه، وطالب أصبح مطلوبا ما لديه، واعلم أن الزمان ذو ألوان، ومن يصحب الزمان يرى الهوان، وكن أي بنيّ كما قال أبو الأسود الدؤلي (1): [الطويل]
وعدّ من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك إذا ما جاء للعرف طالب
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده ... يكن هيّنا ثقلا على من يصاحب
فلا تمنعن ذا حاجة جاء طالبا ... فإنك لا تدري متى أنت راغب
رأيت التوا هذا الزمان بأهله ... وبينهم فيه تكون النوائب
[الجود، وكتمان السرّ]:
ثم قال: أي بني، كن جوادا بالمال في موضع الحق، بخيلا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء: الإنفاق في وجه البرّ، وإن أحمد بخل الحر: الضّنّ بمكتوم السّر، وكن كما قال قيس بن الخطيم الأنصاري:
أجود بمكنون التّلاد وإنني ... بسرّك عمّن سالني لضنين
إذا جاوز الإثنين سرّ فإنه ... بنت وتكثير الحديث قمين
وعندي له يوما إذا ائتمنتني ... مكان بسوداء الفؤاد مكين
[من شيم الكرام]:
ثم قال: أي: بنيّ، وإن غلبت يوما على المال، فلا تدع الحيلة على حال فإن الكريم يحتال، والدّنيّ عيال، وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالا، أقلّ ما تكون في الباطن مالا فإن الكريم من كرمت طبيعته، وظهرت عند الإنفاد نعمته، وكن كما قال ابن خذّاق العبدي:
[الوافر]
وجدت أبي قد اورثه أبوه ... خلالا قد تعدّ من المعالي
فأكرم ما تكون عليّ نفسي ... إذا ما قل في الأزمات مالي
فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... ويجمل عند أهل الرأي حالي
وإن نلت الغنى لم أغل فيه ... ولم أخصص بجفوتي الموالي
[أدب المحسود]:
ثم قال: أي: بني، وإن سمعت كلمة من حاسد، فكن كأنك لست بالشاهد، فإنك إن
__________
(1) انظر: «التنبيه» [107].(1/450)
أمضيتها حيالها رجع العيب على من قالها، وكان يقال: الأريب العاقل هو الفطن المتغافل، وكن كما قال حاتم الطائي: [الوافر]
وما من شيمتي شتم ابن عمّي ... وما أنا مخلف من يرتجيني
وكلمة حاسد في غير جرم ... سمعت فقلت مرّي فانفذيني
فعابوها عليّ ولم تسؤني ... ولم يعرق لها يوما جبيني
وذو اللّونين يلقاني طليقا ... وليس إذا تغيّب يأتليني
قال أبو علي: ما ألوت: ما قصّرت، وما ألوت: ما استطعت.
سمعت بعيبه فصفحت عنه ... محافظة على حسبي وديني
[أسس المؤاخاة]:
قال أبو علي ويروى: سمعت بغيبة. ثم قال: أي بنيّ، لا تواخ امرأ حتى تعاشره، وتتفقّد موارده ومصادره، فإذا استطعت العشرة، ورضيت الخبرة، فواخه على إقالة العثرة، والمواساة في العسرة، وكن كما قال المقنّع الكندي: [الكامل]
أبل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسّمنّ فعالهم وتفقّد
فإذا ظفرت بذي اللّبابة والتّقى ... فيه اليدين قرير عين فاشدد
وإذا رأيت ولا محالة زلّة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فأردد
[من أدب الحب والغضب]:
ثم قال: أي: بني، إذا أحببت فلا تفرط، وإذا أبغضت فلا تشطط، فإنه قد كان يقال:
أحبب حبيبك هونا مّا، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما. عسى أن يكون حبيبك يوما ما، وكن كما قال هدبة بن الخشرم العذري: [الطويل]
وكن معقلا للحلم واصفح عن الخنا ... فإنك راء ما حييت وسامع
وأحبب إذا أحببت حبّا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت راجع
[صحبة الأخيار، وصدق الحديث]:
وعليك بصحبة الأخيار وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار فإنه عار، وكن كما قال الشاعر: [الرمل]
اصحب الأخيار وارغب فيهم ... ربّ من صاحبته مثل الجرب
ودع الناس فلا تشتمهم ... وإذا شاتمت فاشتم ذا حسب
إنّ من شاتم وغدا كالّذي ... يشترى الصّفر بأعيان الذّهب
واصدق الناس إذا حدّثتهم ... ودع الناس فمن شاء كذب
[1454](1/451)
اصحب الأخيار وارغب فيهم ... ربّ من صاحبته مثل الجرب
ودع الناس فلا تشتمهم ... وإذا شاتمت فاشتم ذا حسب
إنّ من شاتم وغدا كالّذي ... يشترى الصّفر بأعيان الذّهب
واصدق الناس إذا حدّثتهم ... ودع الناس فمن شاء كذب
[1454]
[الإيثار، ورعاية حقوق الأصدقاء]:
قال: وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه لكعب: [الطويل]
وذى ندب دامي الأظلّ قسمته ... محافظة بيني وبين زميلي
وزاد رفعت الكفّ عنه تجمّلا ... لأوثر في زادي عليّ أكيلي
وما أنا للشّيء الّذي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقئول
قال أبو علي: النّدب: الأثر، وجمعه ندوب وأنداب، والأظلّ: باطن خفّ البعير.
[1455] قال أبو علي وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو عثمان، عن التّوزي، عن أبي عبيدة لعروة بن الورد (1): [الطويل]
لا تشتمنّي يابن ورد فانّني ... تعود على مالي الحقوق العوائد
ومن يؤثر الحقّ النّدوب تكن به ... خصاصة جسم وهو طيّان ماجد (2)
وإنّي امرؤ عافي إنأئى شركة ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
أقسّم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو فراح الماء والماء بارد
[1456]
[سباق الدّهر، وما يترتب عليه]:
قال وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة: [السريع]
أخط مع الدّهر إذا ما خطا ... واجر مع الدّهر كما يجري
من سابق الدهر كبا كبوة ... لم يستقلها من خطا الدّهر
[1457]
[وصف أعرابيّ لنار]:
وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة وأبو بكر بن دريد وأبو الحسين لأعرابي في وصف نار: [الوافر]
رأيت بحزن عزّة ضوء نار ... تلألأ وهي واضحة المكان
فشبّه صاحباي بها سهيلا ... فقلت تبيّنا ما تبصران
أنار أوقدت لتنوّراها ... بدت لكما أم البرق اليماني
كأنّ النار يقطع من سناها ... دنائق جبّة من أرجوان
[1458] وقرأت على أبي بكر لكثير: [الطويل]
رأيت وأصحابي بأيلة موهنا ... وقد غاب نجم الفرقد المتصوّب
لغزّة نارا ما تبوخ كأنها ... إذا ما رمقناها من البعد كوكب
قال أبو علي: تبوخ: تخمد.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [108].
(2) في نسخة: مائد بالهمز بدل الجيم. ط(1/452)
[1459] قال: وقرأت على أبي بكر للشّمّاخ ويقال إنها لرجل من بني فزارة:
[الوافر]
رأيت وقد أتى نجران دوني ... ليالي دون أرحلنا السّدير
لليلى بالعنيزة ضوء نار ... تلوح كأنّها الشّعرى العبور
إذا ما قلت أخمدها زهاها ... سواد الليل والريح الدّبور
وما كادت ولو رفعت سناها ... ليبصر ضوءها إلا البصير
فبتّ كأنّني باكرت صرفا ... معتّقة حميّاها تدور
أقول لصاحبي هل يبلغنّي ... إلى ليلى التّهجّر والبكور
[1460] وقرأت عليه لجميل: [الطويل]
أكذّبت طرفي أم رأيت بذي الغضا ... لبثنة نارا فاحبسوا أيّها الرّكب
إلى ضوء نار في القتام كأنّها ... من البعد والأهوال جيب بها نقب
وما خفيت منّي لدن شبّ ضوءها ... وما همّ متى أصبحت ضوءها يخبو
وقال صحابي ما ترى ضوء نارها ... ولكن عجلت واستناع بك الخطب
فكيف (1) مع المحراج ابصرت نارها ... وكيف مع الرّمل المنطّقة الهضب
قال أبو علي: الاستناعة: التقدم. والمحراج: موضع.
[1461] وأنشد بعض أصحابنا: [البسيط]
كأنّ نيراننا في رأس قلعتهم ... مصقّلات على أرسان قصّار
[1462] وأنشدنا أبو بكر، عن بعض أشياخه، عن الأصمعي: [الطويل]
وإني بنار أوقدت عند ذي الحمى ... على ما بعيني من قذى لبصير
[1463]
[ثبات الحب مع غياب المحبوب وهجره]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، عن الزبير، عن شيخ، قال: حدثني رجل من الخضر بالسّغد. وهو موضع. قال:
جاءنا نصيب إلى مسجدنا فاستنشدته فأنشدنا: [الطويل]
ألا يا عقاب الوكر وكر ضريّة ... سقتك الغوادي من عقاب ومن وكر
تمرّ الليالي والشهور ولا أرى ... مرور الليالي منسياتي ابنة العمر
تقول صلينا واهجرينا وقد ترى ... إذا هجرت أن لا وصال مع الهجر
فلم أرض ما قالت ولم أبد سخطة ... وضاق بما جمجمت من حبّها صدري
__________
(1) الذي في ياقوت «من» بدل «مع» في الموضعين وفيه أيضا: المنطق بالهضب وعليه ففيه الأقواء وهو كثير في أشعار العرب. والمدار على صحة الرواية. ط(1/453)
ظللت بذي دوران أنشد بكرتي ... ومالي عليها من قلوص ولا بكر
وما أنشد الرّعيان إلّا تعلّة ... بواضحة الأنياب طيّبة النّشر
فقال لي الرّعيان لم تلتبس بنا ... فقلت بلى قد كنت منها على ذكر
وقد ذكرت لي بالكثيب موالفا ... قلاص سليم أو قلاص بني وبر
فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريق قال ويلك ما ندري
[1464] قال أبو على: أنشدنا أبو بكر بن دريد بعض هذه الأبيات:
فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريق أيمن الله ما ندري
أما والّذي حجّ الملبّون بيته ... وعظّم أيام الذبائح والنّحر
لقد زادني للجفر حبّا وأهله ... ليال أقامتهنّ ليلى على الجفر
فهل يأثمنّي الله في أن ذكرتها ... وعلّلت أصحابي بها ليلة النّفر
وسكّنت ما بي من سآم ومن كرى ... وما بالمطايا من جنوح (1) ولا فتر
[1465]
[احتباس المطر، والفرسخ]:
قال: وقرأت على أبي عمر المطرّز، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي، قال:
قال أبو زياد الكلابي: إذا احتبس المطر اشتد البرد، فإذا مطر الناس كان للبرد بعد ذلك فرسخ أي: سكون، وسمّي الفرسخ فرسخا لأن صاحبه إذا مشى فيه استراح عنه وسكن.
[1466]
[من أمثال العرب، ومعنى مرقة، وتمرق]:
قال: وقرأت عليه قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: العرب تقول: هذا أنتن من مرقات الغنم، والواحدة مرقة، والمرقة: صوف العجاف، والمرضى تمرق أي: تنتف.
* * * [1467] قال: وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا أبو حاتم، عن أبي زيد للنّظّار الفقعسي:
[المتقارب]
فإن تر في بدني خفّة ... فسوف تصادف حلمي رزينا
وتعجم منّي عند الحفاظ ... حصاة تفلّ شبا العاجمينا
فإيّاك والبغي لا تستثر ... حديد النّيوب أطال الكمونا
ثوى تحمل السّمّ أنيابه ... وحالف لصبا منيعا كنينا
رأته الحواة الألى جرّبوا ... فلا يبسطون إليه اليمينا
* * *
__________
(1) روى في «اللسان مادة «نفر»: من كلال. ط(1/454)
[1468] قال: وقرأت على أبي بكر رحمه الله من كتابه قال: قرأت على الرياشي للأعور الشّنّي قال أبو علي: ويقال إنها لابن خذّاق: [الوافر]
لقد علمت عميرة أن جاري ... إذا ضنّ المنمّي من عيالي
[1469]
[شعر في نصر ابن العم، والعفاف، والغنى، وتأديب النفس، ومؤزرة الفعل للقول]:
قال أبو علي: قال أبو بكر: أنكر الرّياشي المنمّي، وقال: لعلّه حرف آخر، ويروى:
المثمّر من عيالي. قال أبو علي: المثمّر والمنمّي واحد في المعنى لأنه يقال: نمى المال ينمي، ونمّيته أنا وأنميته.
فإنّي لا أضنّ على ابن عمّي ... بنصري في الخطوب ولا نوالي
ولست بقائل قولا لأحظى ... بقول لا يصدّقه فعالي
وما التّقصير قد علمت معدّ ... وأخلاق الدّنيّة من خلالي
وجدت أي قد أورثه أبوه ... خلالا قد تعدّ من المعالي
فأكرم ما تكون عليّ نفسي ... إذا ما قلّ في الأزمات مالي
فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... وتجمل عند أهل الرّأي حالي
وإن نلت الغنى لم أغل فيه ... ولم أخصص بجفوتي الموالي
ولم أقطع أخا لأخ طريف ... ولم يذمم لطرفته وصالي
وقد أصبحت لا أحتاج فيما ... بلوت من الأمور إلى سؤال
وذلك أنّني أدّبت نفسي ... وما حلت الرجال ذوي المحال
إذا ما المرء قصّر ثم مرّت ... عليه الأربعون من الرّجال
[1470] قال أبو علي: قال أبو بكر قال الرياشي: الخوالي أشبه.
فلم يلحق بصالحهم فدعه ... فليس بلاحق أخرى اللّيالي
وليس بزائل ما عاش يوما ... من الدنيا يحول على سفال
[1471]
[الكلام على الإتباع]:
قال أبو علي: الإتباع على ضربين: فضرب يكون فيه الثاني بمعنى الأول فيؤتى به تأكيدا لأن لفظه مخالف للفظ الأول، وضرب فيه معنى الثاني غير معنى الأول، فمن الإتباع قولهم: «أسوان أتوان» في الحزن، فأسوان من قولهم: أسي الرجل يأسى أسى إذا حزن، ورجل أسيان وأسوان أي: حزين. وأتوان من قولهم: أتوته آتوه بمعنى أتيته آتيه وهي لغة لهذيل، قال قال خالد بن زهير: [الرجز]
يا قوم ما بال أبي ذؤيب ... كنت إذا أتوته من غيب
يشمّ عطفي ويمسّ ثوبي ... كأنّني أربته بريب
[1472] ويقولون: ما أحسن أتو يدي الناقة وأتي يديها، يعنون رجع يديها، فمعنى قولهم: «أسوان أتوان» حزين متردد يذهب ويجيئ من شدة الحزن. ويقولون: «عطشان نطشان»، فنشطان مأخوذ من قولهم ما به نطيش أي: ما به حركة، فمعناه: عطشان قلق، ويقولون: «خزيان سوآن»، فسوآن مأخوذ من قولهم: سوأة سوآء أي: أمر قبيح، ورجل أسوأ وامرأة سوآء إذا كانا قبيحين، وفي الحديث (1): «سوآء ولود خير من حسناء عقيم».(1/455)
يا قوم ما بال أبي ذؤيب ... كنت إذا أتوته من غيب
يشمّ عطفي ويمسّ ثوبي ... كأنّني أربته بريب
[1472] ويقولون: ما أحسن أتو يدي الناقة وأتي يديها، يعنون رجع يديها، فمعنى قولهم: «أسوان أتوان» حزين متردد يذهب ويجيئ من شدة الحزن. ويقولون: «عطشان نطشان»، فنشطان مأخوذ من قولهم ما به نطيش أي: ما به حركة، فمعناه: عطشان قلق، ويقولون: «خزيان سوآن»، فسوآن مأخوذ من قولهم: سوأة سوآء أي: أمر قبيح، ورجل أسوأ وامرأة سوآء إذا كانا قبيحين، وفي الحديث (1): «سوآء ولود خير من حسناء عقيم».
[1473] ويقولون: «شيطان ليطان»، فليطان مأخوذ من قولهم لاط حبّه بقلبي يلوط ويليط أي: لصق. ويقال: الولد في القلب لوطة أي: حبّ لازق. ويقولون: هو ألوط بقلبي منك وأليط أي: ألزق، ويقال: ما يليط هذا بقلبي، وما يلتاط أي: ما يلصق، ويقال:
ألاط القاضي فلانا بفلان أي: ألحقه به، فمعنى قولهم: شيطان ليطان شيطان لصوق.
ويقولون: «هنيء مريء» وهو من قولهم هنأني الطعام ومرأني، فإذا أفردوا لم يقولوا إلا أمرأني، ولم يقولوا مرأني.
[1474] ويقولون: «عييّ شويّ» فالشّويّ مأخوذ من الشّوى: وهو رذال المال ورديئه، وقال الشاعر: [الطويل]
أكلنا الشّوى حتّى إذا لم ندع شوى ... أشرنا إلى خيراتها بالأصابع
فمعناه عييّ رذل، ويمكن أن يكون مأخوذا من الشّويّة وهي بقيّة قوم هلكوا، وجمعها شوايا، حدثني بهذا أبو بكر بن دريد وأنشدني: [الوافر]
فهم شرّ الشّوايا من ثمود ... وعوف شرّ منتعل وحافي
[1475] ويقولون: «عييّ شييّ»، وشييّ أصله شوي ولكنه أجري على لفظ الأول ليكون مثله في البناء. ويقولون: «عريض أريض» فالأريض: الخليق للخير الجيّد النبات، ويقال: أرض أريضة، قال الشاعر (2): [الطويل]
بلاد عريضة وأرض أريضة ... مدافع غيث في فضاء عريض
[1476] ويقولون: «غنيّ مليّ» وهو بمعنى غنيّ. ويقولون: «خبيث نبيث» فالنبيث
__________
(1) ورد الحديث بلفظ: «سوداء ولود» الحديث.
أخرجه الطبراني في «الكبير» (19/ 416رقم 1004) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده به مرفوعا.
وقال الهيثمي في «المجمع» (4/ 258): «وفيه علي بن الربيع، وهو ضعيف».
وانطر: «كشف الخفاء» للعجلوني (2/ 458457رقم 1499).
والحديث بلفظ: «سواء مذكور في «النهاية» و «اللسان» مادة: «سوأ».
وقال في «النهاية»: «أخرجه الأزهريّ حديثا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وأخرجه غيره حديثا عن عمر» اهـ.
(2) هو امرؤ القيس كما في «اللسان» مادة «أرض». ط(1/456)
يمكن أن يكون الذي ينبث شرّه أي: يظهره، أو يكون الذي ينبث أمور الناس أي:
يستخرجها، وهو مأخوذ من قولهم: نبثت البئر أنبثها إذا أخرجت نبيثتها وهو ترابها، وكان قياسه أن يقول: خبيث نابث، فقيل: نبيث لمجاورته لخبيث. ويقولون: «خبيث مجيث» كذا حكاه ابن الأعرابي بالميم، وأحسبه لغة في نجيث أبدل من النون ميما وفعل به ما فعل بنبيث لما كان في معناها.
[1477] ويقولون: «خفيف ذفيف» والذّفيف: السريع، ومنه سمّي الرجل ذفافة، ويقال: ذفّف على الجريح إذا أجهز عليه. ويقولون: «قسيم وسيم» فالقسيم: الجميل الحسن، يقال: رجل قسيم وامرأة قسيمة، والقسام: الحسن والجمال، وأنشد يعقوب:
[الوافر]
يسنّ على مراغمها القسام
قال العجّاج: [الرجز]
وربّ هذا البلد المقسّم
أي: المحسّن، وقال الشاعر (1): [الطويل]
ويوما توافينا بوجه مقسّم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم
أي: محسّن، والوسيم: الحسن الجميل، يقال: رجل وسيم وامرأة وسيمة والميسم:
الحسن والجمال، قال الشاعر: [الرجز]
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم
[1478] ويقولون: «قبيح شقيح» فالشّقيح مأخوذ من قولهم شقّح البسر إذا تغيّرت خضرته بحمرة أو صفرة، وهو حينئذ أقبح ما يكون، وتلك البسرة تسمّى شقحة، وحينئذ يقال:
أشقح النخل، فمعنى قولهم: قبيح شقيح متناهي القبح، ويمكن أن يكون بمعنى مشقوح من قول العرب: لأشقحنّك شقح الجوز بالجندل أي: لأكسرنّك، فيكون معناه قبيحا مكسورا، وقال اللحياني: «شقيح لقيح»، فالشّقيح هاهنا المكسور على ما ذكرنا، واللّقيح مأخوذ من قولهم لقحت الناقة، ولقح الشجر، ولقحت الحرب، فمعناه مسكور حامل للشر، قال وحكي عن يونس: «شقيح نبيح» فالنبيح مأخوذ من النّباح ومعناه مكسور كثير الكلام.
[1479] ويقولون: «كثير بثير» فالبثير هو الكثير مأخوذ من قولهم: ماء بثر أي:
كثير، فقالوا بثير لموضع كثير، كما قالوا: مهرة مأمورة، وسكّة مأبورة، وإني لآتيه بالغدايا والعشايا.
__________
(1) قائل هذا البيت هو باعث بن صريم اليشكري، وقيل هو كعب بن أرقم اليشكري قاله في امرأته وهو الصحيح، انظر: «اللسان» مادة «قسم». وفي «خزانة الأدب» (جزء 4ص 365) ينسب هذا البيت لباغت بن صريم بالغين «المعجمة» والتاء المثناة ولآخرين. ط(1/457)
[1480] ويقولون: «كثير بذير»، فالبذير: المبذور وهو المفرّق. ويقولون: «كثير بجير»، فالبجير لغة في البجيل، وهو العظيم، كما قالوا: وجلت منه ووجرت منه، ويقولون: «بذير عفير» والبذير: المبذور، والعفير: المفرّق في العفر وهو التراب، أو المجعول في العفر. ويقولون: «ضئيل بئيل» فالبئيل هو الضّئيل، قال أبو زيد: بؤل الرجل يبؤل بآلة إذا ضؤل.
[1481] ويقولون: «جديد قشيب» فالقشيب: الجديد. ويقولون: «شحيح نحيح»، فالنحيح: الذي إذا سئل عن الشيء تنجنح من لؤمه. ويقولون: «سليخ مليخ» للذي لا طعم له، قال الشاعر (1): [المتقارب]
سليخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر
فالسّليخ: المسلوخ الطعم، والمليخ المملوخ وهو المنزوع الطعم، مأخوذ من قولهم:
ملخت اللّحم من فم الدابة، وملخت اليربوع من الجحر، وملخت قضيبا من الشجرة إذا نزعته نزعا سهلا، والملخ في السّير: السّهل منه.
[1482] ويقولون: «فقير وقير» فالوقير: الموقور، من قولهم: وقرت العظم أقره، والوقرة: الهزمة في العظم، أنشدنا أبو بكر بن دريد: [الطويل]
رأوا وقرة في العظم منّي فبادروا ... بها وعيها لما رأونى أخيمها
الوعي: أن ينجبر العظم على غير استواء، والوعى: أيضا القيح والمدّة، يقال: وعى الجرح يعي وعيا إذا سال منه القيح والمدّة، والقول الثاني لأبي زيد، وأنشد: [المنسرح]
كأنّما كسّرت سواعده ... ثم وعى جبرها فما التأما
وأخيمها: أجبن عنها، يقال: خام إذا جبن.
[1483] ويقولون: «مليح قزيح» وأصل هذين الحرفين في الطعام، فالقزيح:
المقزوح، والمقزوح: الذي فيه الأقزاح، والأقزاح: الأبزار، واحدها قزح، ومليح بمعنى مملوح من قولهم: ملحت القدر أملحها إذا جعلت فيها الملح بقدر، فمعنى قولهم مليح قزيح: كامل الحسن لأن كمال طيب القدر أن تكون مقزوحة مملوحة.
[1484] ويقولون: «مضيع مسيع» والإساعة: الإضاعة، وناقة مسياع إذا كانت تصبر على الإضاعة والجفاء، ومعنى أساع ألقى في السّياع وهو الطين، قال القطامي: [الوافر]
كما (2) بطنت بالفدن السّياعا
__________
(1) هو أشعر الرقبان الأسدي وهو جاهلي: راجع نوادر أبي زيد في اللغة (ص 73) وقد رواه: وأنت مسيخ إلخ. ط
(2) في نسخة: «كما طينت» وهي الرواية المشهورة وهذا عجز بيت صدره. «فلما أن جرى سمن عليها» كما في «اللسان» مادة «سيع». ط(1/458)
والأصل فيه ما أنبأتك، ثم كثر حتى قيل لكلّ مضياع: مسياع، ولكل مضيع: مسيع.
[1485] ويقولون: «وحيد قحيد، وواحد قاحد» وهو من قولهم: قحدت الناقة إذا عظم سنامها، والقحدة: السّنام، ويقال: أقحدت أيضا، فمعناه أنه واحد عظيم القدر والشأن في شيء واحد خاصّة.
[1486] ويقولون: «أشر أفر» فالأشر: البطر المرح، وكذلك الأفر عند ابن الأعرابي، فأما الأفر والأفور فالعدو، يقال: أفر يأفر أفرا.
[1487] ويقولون: «هذر مذر» فالهذر: الكثير الكلام، والمذر: الفاسد، مأخوذ من قولهم: مذرت البيضة تمذر مذرا إذا فسدت، ومذرت معدته أيضا.
[1488] ويقولون: «لحز لصب» فاللّحز: البخيل، واللّصب: الذي لزم ما عنده، مأخوذ من قولهم: لصب الجلد باللحم يلصب لصبا إذا لصق به من الهزال، وقال أبو بكر بن دريد: لصب السّيف يلصب لصبا إذا نشب في جفنه فلم يخرج، ويقولون: «حقر نقر، وحقير نقير، وحقر نقر» وأصل هذا في الغنم والبقر، فالنّقر: الذي به النّقرة، وهو داء يأخذ الشاة في شاكلتها ومؤخّر فخذيها، فبثقب عرقوبها ويدخل فيه خيط من عهن ويترك معلّقا، وإذا كانت الشاة كذلك كانت هيّنة على أهلها، قال المرّار العدوي: [الرمل]
وحشوت الغيظ في أضلاعه ... فهو يمشي حظلانا كالنّقر
الحظلان: أن يمشى رويدا ويظلع، يقال: قد حظلت تحظل حظلا إذا ظلعت، وقال ابن الأعرابي: شاة حظول إذا ورم ضرعها من علّة فمشت رويدا وظلعت، وأصل الحظل المنع، وأنشد يعقوب: [الطويل]
تعيّرني الحظلان أمّ محلّم ... فقلت لها لم تقذفيني بدائيا (1)
فإنّي رأيت الصّامرين (2) متاعهم ... يذمّ ويفنى فارضخي من وعائيا
فلن تجديني في المعيشة عاجزا ... ولا حصرما خبأ شديدا وكائيا
الصامرين: المانعين الباخلين، يقال: صمر يصمر صمورا إذا بخل. والحصرم: البخيل أيضا، وأصل الحصرمة شدّة الفتل، يقال: حصرم حبله وحصرم قوسه إذا شد وترها. ويقال:
حظلت عليه، وحجرت عليه، وحصرت عليه، وقال يعقوب: الحظلان: مشي الغضبان.
وقال يعقوب: قال الغنويّ: عنز نقرة، وقيس نقر، ولم أر: كبشا نقرا، وهو ظلع يأخذ الغنم، ثم قيل لكل حقير متهاون به: حقر نقر، وحقير نقير، وحقر نقر، ويجوز أن يراد به النّقير الذي في النّواة، فيكون معناه حقيرا متناهيا في الحقارة، والمذهب الأول أجود.
[1489] ويقولون: «ذهب دمه خضرا مضرا، وخضرا مضرا» أي: باطلا، فالخضر:
__________
(1) هذه الأبيات لمنظور الدبيري كما في «اللسان» مادة «حظل». ط
(2) رواية «اللسان»: «الباخلين». ط(1/459)
الأخضر، ويقال: مكان خضر، ويمكن أن يكون مضر لغة في نضر، ويكون معنى الكلام أن دمه بطل كما يبطل الكلأ الذي يحصده كل من قدر عليه، ويمكن أن يكون خضر من قولهم:
عشب أخضر إذا كان رطبا، ومضر: أبيض لأن المضر، إنما سمّي مضرا لبياضه، ومنه مضيرة الطبيخ، فيكون معناه أن دمه يظل طريّا، فكأنه لما لم يثأر به فيراق لأجله الدم بقي أبيض، وقال بعض اللغويين: الخضرة بقيلة، وجمعها خضر، وأنشد فيه بيتا لابن مقبل: [البسيط]
تقتادها فرج ملبونة خنف ... ينفخن في برعم الحوذان والخضر
[1490] ويقولون: «شكس لكس» فالشكس: السّيّئ الخلق، واللّكس: العسير.
[1491] ويقولون: «رطب صقر مقر» فالصّقر: الكثير الصّقر، وصقره: عسله، والمقر: المنقوع في العسل ليبقى، وكل شيء أنقعته في شيء فقد مقرته وهو ممقور ومقير، ومنه السمك الممقور وهو الذي قد أنقع في الخل.
[1492] ويقولون: «سغل وغل» قال السّغل: المضطرب الأعضاء السيئ الخلق، كذا قال الأصمعي، وقال غيره: السّغل: السيئ الغذاء، فأما الوغل: فالسيئ الغذاء لا أعرف فيه اختلافا، والوغل في قول أبي زيد: المقصّر، وفي قول الأصمعي: الداخل في قوم ليس منهم.
[1493] ويقولون: «سمج لمج» فاللّمج: الكثير الأكل الذي يلمج كلّ ما وجده أي: يأكله، قال لبيد: [الرمل]
يلمج البارض لمجا في النّدى ... من مرابيع رياض ورجل
[1494] ويقولون: «ثقف لقف، وثقف لقف»، واللّقف: الجيّد اللالتقاف.
[1495] ويقولون: «وتح شقن، ووتح شقن، ووتيح شقين» فالوتح: القليل والشّقن مثله، ويقال: وتحت عطيّته، وشقنت وأشقنتها أنا.
[1496] ويقولون: «عابس كابس» فالعابس من عبوس الوجه، وكابس يكبس.
[1497] ويقولون: «حائر بائر» فالحائر: المتحيّر، والبائر: الهالك، والبوار: الهلاك، وقال أبو عبيدة: رجل بائر وبور بضم الباء أي:
هالك، قال ابن الزّبعري: [الخفيف]
يا رسول المليك إنّ لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
ويكون البائر الكاسد، من قولهم: بارت السّوق إذا كسدت.
[1498] ويقولون: «حاذق باذق» فباذق يمكن أن يكون لغة في باثق، كما قالوا:
قرب حثحاث وحذحاذ، ونبيثة ونبيذة لتراب البئر فكأنّ الأصل والله أعلم أن رجلا سقى فأجاد وأكثر، فقيل: حاذق باذق أي: حاذق بالسقي، باثق للماء.
[1499] ويقولون: «حارّ يارّ، وحرّان يرّان، وحار جار» فالجار: الذي يجر الشيء الذي يصيبه من شدّة حرارته، كأنه ينزعه ويسلخه مثل اللحم إذا أصابه أو ما أشبهه، ويمكن
أن يكون جار لغة في يار، كما قالوا: الصّهاريج والصّهاريّ، وصهريج وصهري، وصهري لغة تميم. وكما قالوا: شيرة للشجرة وحقّروه فقالوا: شييرة، قال الرياشي: قال أبو زيد: كنا يوما عند المفضّل وعنده الأعراب فقلت: أيّهم يقول شيرة؟ فقالوها: فقلت له قل لهم يحقّرونها، فقالوا: شييرة.(1/460)
[1499] ويقولون: «حارّ يارّ، وحرّان يرّان، وحار جار» فالجار: الذي يجر الشيء الذي يصيبه من شدّة حرارته، كأنه ينزعه ويسلخه مثل اللحم إذا أصابه أو ما أشبهه، ويمكن
أن يكون جار لغة في يار، كما قالوا: الصّهاريج والصّهاريّ، وصهريج وصهري، وصهري لغة تميم. وكما قالوا: شيرة للشجرة وحقّروه فقالوا: شييرة، قال الرياشي: قال أبو زيد: كنا يوما عند المفضّل وعنده الأعراب فقلت: أيّهم يقول شيرة؟ فقالوها: فقلت له قل لهم يحقّرونها، فقالوا: شييرة.
[1500] وحدثني أبو بكر بن دريد، قال: حدثني أبو حاتم قال: سمعت أم الهيثم تقول: شيرة، وأنشدت: [الطويل]
إذا لم يكن فيكنّ ظلّ ولا جنى ... فأبعدكنّ الله من شيرات
فقلت: يا أمّ الهيثم صغّريها، فقالت: شييرة، ويمكن أن يكونوا أبدلوا من الحاء هاء، كما قالوا: مدحته ومدهته، والمدح والمده، ثم أبدلوا من الهاء ياء، كما أبدلوا في هذه وهذى، وهذا الإبدال قليل في كلامهم، فقد حكى الرّؤاسيّ عن العرب أنهم يقولون: باقلاء هارّ.
[1501] ويقولون: «خاسر دابر، وخاسر دامر، وخسر دمر، وخسر دبر» فالدابر يمكن أن يكون لغة في الدامر وهو الهالك، ويمكن أن يكون الدابر الذي يدبر الأمر أي: يتبعه ويطلبه بعد ما فات وأدبر، ومنه قيل لهذا الكوكب الذي بعد الثّريا: الدّبران لأنه يدبر الثريا، ومنه الرأي الدّبري، وهو الذي لا يأتي إلا عن دبر، يقال: فلان لا يأتي الصلاة إلا دبريّا أي:
في أخرها، ويمكن أن يكون الدابر الماضي الذاهب، كما قال الشاعر: [الكامل]
وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدة كأمس الدابر
أي: الذاهب الماضي.
[1502] ويقولون: «ضالّ تالّ» فالتالّ: الذي يتلّ صاحبه أي: يصرعه، كأنه يغويه فيلقيه في هلكة لا ينجو منها، ومنه قوله عز وجل: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] وقال أبو بكر بن دريد: كل شيء ألقيته على الأرض مما له جثّة فقد تللته، ومنه سمّي التّلّ من التراب، وقال بعض أهل العلم: رمح متلّ إنما هو مفعل من التّلّ، وأنشد: [مجزوء الكامل]
فرّ ابن قهوس الشّجا ... ع بكفّه رمح متلّ
يعدو به خاظى البض ... يع كأنّه سمع أزلّ
الخاظي: الكثير اللحم، والبضيع: اللحم.
[1503] ويقولون: «جائع نائع» فالنائع فيه وجهان: يكون المتمايل، أنشد أبو بكر بن دريد: [الرجز]
مثاله مثل القضيب النائع
ويكون العطشان. وقرأت على أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عن أبيه: [الوافر]
لعمر بني شهاب ما أقاموا ... صدور الخيل والأسل النّياعا
يعني: الرّماح العطاش.(1/461)
[1504] ويقولون: «سادم نادم» فالسادم: المهموم، ويقال: الحزين، ويقال:
السّدم: الغضب مع همّ، ويقال: غيظ مع حزن.
[1505] ويقولون: «تافه نافه» فالتّافه: القليل، والنافه: الذي يعيي صاحبه، أنشد أبو زيد: [الرجز]
ولن أعود بعدها كريّا ... أمارس الكهلة والصّبيّا
والعزب المنفّه الأمّيّا
وقال: الأمّيّ: العييّ القليل الكلام، والمنفّه: الذي قد نفّهه السّير أي: أعياه، ويكون النافه المعيي في نفسه.
[1506] ويقولون: «أحمق تاكّ وفاكّ» فتاكّ من قولهم: تكّ الشيء يتكّه تكّا إذا وطئه حتى يشدخه، ولا يكون ذلك الشيء إلا ليّنا مثل الرّطب والبطّيخ وما أشبههما، والأحمق مولع بوطء أمثالهما، وفاكّ: من الفكّة وهو الضّعف، قال الشاعر: [السريع]
الحزم والقوّة خير من ... الإدهان والفكّة والهاع
وقال ابن الأعرابي: شيخ تاكّ وفاكّ، فمعناه أن الشيخ لضعفه إذا وطئ لم يقدر أن يشدخ غير الشيء اللّين، وفاكّ: هرم، وقد فكّ يفكّ فكّا وفكوكا فهو فاك، ويقال: عنز فاكّة، ونعجة فاكّة.
[1507] ويقولون: «سائغ لائغ، وسيغ ليغ» فاللّائغ: الذي لا يتبيّن نزوله في الحلق من سهولته، وقال أبو عمرو: الأليغ: الذي لا يبيّن الكلام، وامرأة ليغاء، فأصلها من لاغ يليغ، وإن كان لم يصل إلى الآخر لاغ ويليغ (1).
[1508] ويقولون: «مائق دائق»، فالدّائق: الهالك حمقا، كذا قال أبو زيد، فأما الدانق بالنون فالساقط المهزول من الرجال، كذا قال أبو عمرو، وأنشد: [الرجز]
إنّ ذوات الدّلّ والبخانق ... قتلن كلّ وامق وعاشق
ح تّى تراه كالسّليم الدّانق
قال أبو علي: البخانق: البراقع الصّغار، واحدها بخنق.
[1509] ويقولون: «عكّ أكّ» فالعكّ والعكّة والعكيك: شدّة الحرّ، والأكّ والأكّة:
الحرّ المحتدم، يقال: يوم ذو أكّ، والأكّ أيضا: الضّيق.
قال رؤبة: [الرجز]
تفرّجت أكّاته وغممه ... عن مستثير لا يردّ قسمه
ويقال: أكّه يوكّه أكّا إذا زحمه، والزّحام: تضييق.
__________
(1) هكذا في النسخ وليست في «اللسان». ط(1/462)
[1510] ويقولون: «كزّلزّ»، فاللّز: اللاصق بالشيء من قولهم: لززت الشّيء بالشيء إذا ألصقته به وقرنته إليه، والعرب تقول: هو لزاز شرّ، ولزيز شرّ، ولزّ شرّ.
[1511] ويقولون: «فدم لدم» فالفدم: العيي البليد، ويقال: الجبان، واللّدم:
الملدوم وهو الملطوم، كما قالوا: ماء سكب أي: مسكوب، ودرهم ضرب أي:
مضروب، أبدلت الطاء دالا لتشاكل الكلام.
[1512] ويقولون: «رغما دغما شنّغما»، فالدّغم والدّغمة: أن يكون وجه الدابة وجحافلها تضرب إلى السواد ويكون وجهها مما يلي جحافلها أشدّ سوادا من سائر جسدها، فكأنه قال: أرغمه الله وسوّد وجهه، ويمكن أن يكون الدّغم: الدّخول في الأرض، فيكون من قولهم: أدغمت الحرف في الحرف، وأدغمت اللجام في فم الفرس، فأما شنّغم فلا أعرف له اشتقاقا، وسألت عنه جميع شيوخنا فلم أجد أحدا يعرفه، وقد ذكره سيبويه في الأبنية، وكان مشايخنا يزعمون أن كثيرا من أهل النحو صحّف في هذا الحرف في كتاب سيبويه، فقال: شنّعم بالعين غير المعجمة، والذي روى ذلك له وجه من الاشتقاق وهو أن تجعل الميم زائدة، كما أنها في زرقم وستهم وجلهمة، ويكون اشتقاقه من الشّناعة كأنه قال:
أرغمه الله وأدغمه الله وشنّع به.
ويقولون: فعلت ذلك على رغمه وشنعه.
[1513] ويقولون: «رطب ثعد معد» فالثّعد: اللّيّن، والمعد: الكثير اللحم الغليظ، وكان أبو بكر بن دريد يقول: اشتقاق المعدة من هذا، ويمكن أن يكون المعد الممعود وهو المنزوع المأخوذ، فأقيم المصدر مقام المفعول، كما قالوا: هذا درهم ضرب الأمير أي:
مضروب الأمير، ويكون من قولهم: معدت الشيء إذا نزعته واقتلعته.
ويقولون: «مررت بالرمح وهو مركوز فامتعدته» فيكون معناه على هذا رطب ليّن منزوع من الشجرة لوقته.
[1514] ويقولون: «أحمق بلغ ملغ» قال أبو زيد: البلغ: الذي يسقط في كلامه كثيرا، وقال ابن الأعرابي: يقال: بلغ وبلغ، وقال أبو عبيدة: البلغ: البليغ بفتح الباء، وقال غيره: البلغ والبلغ: الذي يبلغ ما يريد من قول أو فعل، والملغ: الذي لا يبالي ما قال وما قيل له، هكذا قال أبو زيد، وقال أبو عبيدة: الملغ: الشاطر، وأبو مهدي الأعرابي هو الذي سمّى عطاء ملغا.
[1515] ويقولون (1): «حسن بسن» قال أبو علي: يجوز أن تكون النون في بسن زائدة، كما زادوا في قولهم: امرأة خلبن وهي الخلّابة، وناقة علجن من التعلّج وهو الغلظ.
وامرأة سمعنّة نظرنّة وسمعنّة نظرنّة: إذا كانت كثيرة النظر والاستماع، فكأنّ الأصل في بسن:
__________
(1) انظر: «التنبيه» [109].(1/463)
بسّا، وبسّ مصدر بسست السّويق أبسّه بسّا فهو مبسوس إذا لتتّه بسمن أو زيت ليكمل صيبه، فوضع البسّ موضع المبسوس وهو المصدر، كما قلت: هذا درهم ضرب الأمير تريد مضروبه، ثم حذفت إحدى السّينين وزيد فيه النون وبني على مثال حسن، فمعناه حسن كامل الحسن، وأحسن من هذا المذهب الذي ذكرناه أن تكون النون بدلا من حرف التضعيف لأن حروف التضعيف، تبدل منها الياء مثل تظنّيت وتقضّيت وأشباههما مما قد مضى، فلما كانت النون من حروف الزيادة كما أن الياء من حروف الزيادة، وكانت من حروف البدل كما أنها من حروف البدل، أبدلت من السين إذ مذهبهم في الإتباع أن تكون أواخر الكلم على لفظ، مثل القوافي والسّجع ولتكون مثل حسن، ويقولون: حسن قسن، فعمل بقسن ما عمل ببسن على ما ذكرنا، والقسّ: تتبّع الشيء وصلبه، فكأنه حسن مقسوس أي: متبوع مطلوب.
[1516] ومن الإتباع قولهم: «لحمه خظا بظا» وبظا بمعنى: خظا وهو كثرة اللحم، ويقولون: «بظا يبظو» إذا كثر لحمه، فأما قول الرجل لأبي الأسود: خظيت وبظيت فيمكن أن يكون من هذا أي زادت عنده.
[1517] وسئل ابن الأعرابي عن قول النبي (1) صلّى الله عليه وسلّم: «الصّدوق يعطى ثلاث خصال الهيبة والملحة والمحبة» فقال: يمكن أن تكون الملحة من قولهم: تملّحت الإبل إذا سمنت، فكأنه يعطى الزيادة والفضل.
[1518] ويقولون: «أجمعون أكتعون» فأكتعون بمعنى أجمعين، وقال أبو بكر بن دريد: كتع الرجل إذا تقبّض وانضمّ، قال: ويقال: كتع كتعا إذا شمّر في أمره، فيجوز أن يكون جاءوا أجمعين منضمّين بعضهم إلى بعض.
[1519] ويقولون: «أجمعون أبصعون» فأبصعون من قولهم: تبصّع العرق إذا سال ورشح، وقد روى بيت أبي ذؤيب: [الكامل]
إلّا الحميم فإنه يتبصّع
أي: يسيل سيلانا لا ينقطع، فكأنه قال: أجمعون متتابعون لا ينقطع بعضهم عن بعض كالشيء السائل.
[1520] ويقولون: «ضيّق ليّق» فالضّيّق: اللّاصق لما تضمّنه من ضيق، واللّيّق مأخوذ من قولهم: لاقت الدّواة إذا التصقت، ولاقت المرأة عند زوجها أي: لصقت بقلبه، قال الأصمعي: ولا أعرف: ضيّق عيّق. قال أبو علي: فإن قيل: ضيّق عيّق فهو صواب لأنهم يقولون: ما لاقت المرأة عند زوجها ولا عاقت أي: لم تلصق بقلبه.
__________
(1) روي من حديث ابن عباس مرفوعا. وقد ذكره في «النهاية» و «اللسان» و «التاج» مادة: «ملح». ولم يسمّ: «ابن عباس» في «النهاية». ولم أره في أمهات كتب الحديث، ولا رأيته في الكتب الجامعة للصحيح والضعيف والموضوع كالإحياء للغزالي وما يشبهه والله أعلم. ط(1/464)
[1521] ويقال «عفريت نفريت، وعفرية نفرية» فعفريت فعليت من العفر، يريدون به شدّة العفارة، ويمكن أن يكون عفريت فعليتا من العفر وهو التراب كأنه شديد التعفير لغيره أي: التّمريغ له، ونفريت فعليت من النّفور، يمكن أن يكونوا أرادوا شديد النفور، ويمكن أن يكونوا أرادوا شدة التنفير لغيره.
[1522] ويقال: «إنه لمعفت ملفت» فالمعفت: الذي يعفت الشيء أي: يدقّه ويكسره، يقال: عفت عظمه إذا كسره، والملفت مثله في المعنى، يقال: ألفت عظمه إذا كسره، ويجوز أن يكون الملفت الذي يلفت الشيء أي: يلويه، يقال: لفتّ ردائي على عنقي، وأنشد أبو بكر بن دريد: [الرجز]
أسرع من لفت رداء المرتدي
يقال: لفتّ الشيء إذا عصدته، وكلّ معصود ملفوت، ومنه اللّفيته وهي العصيدة، والعصد: الّليّ.
[1523] ويقولون: «سبحل ربحل» فالسّبحل: الضخم، يقال: سقاء سبحل وسحبل وسبحلل.
قال الأصمعي: ونعتت امرأة من العرب ابنتها فقالت: [الرجز]
سبحلة ربحله ... تنمي نبات النّخله
وقال أبو زيد: الرّبحلة: العظيمة الجيدة الخلق في طول. وقيل لابنة الخسّ: أيّ:
الإبل خير، فقالت: السّبحل الرّبحل، الراحلة الفحل. والرّبحل مثل السّبحل في المعنى، ومنه قول عبد المطلب لسيف (1):
وملكا ربحلا ... يعطي عطاء جزلا
يريد: ملكا عظيما.
[1524] ويقولون: في صفة الذئب: «سملّع هملّع» والهملّع: السريع، وكذلك السّملّع، أنشدني أبو بكر بن دريد لبعض الرّجاز: [الرجز]
مثلي لا يحسن قول فع فع ... والشّاة لا تمشي على الهملّع
تمشي: تنمى، قال: والفعفعة: زجر من زجر الغنم.
[1525] ويقولون: «هو لك أبدا سمدا سرمدا» ومعناها كلّها واحد.
* * * [1526] قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن العتبي قال:
__________
(1) انظر: «التنبيه» [110].(1/465)
سمعت أعرابيّا يذمّ مدينة دخلها وهو يقول: نزلت بذلك الوادي، فإذا ثياب أحرار على أجساد عبيد، إقبال حظّهم، إدبار حظ الكرام.
[1527]
[وصف بعض النساء لآبائهن]:
قال: وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: حدثنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: أغار قوم على قوم من العرب فقتل منهم عدّة نفر وأفلت منهم رجل، فتعجّل إلى الحي فلقيه ثلاث نسوة يسألن عن آبائهن فقال: لتصف كلّ واحدة منكن أباها على ما كان، فقالت إحداهن: كان أبي على شقّاء مقّاء، طويلة الأنقاء، تمطّق أنثياها بالعرق، تمطّق الشّيخ بالمرق، فقال: نجا أبوك. فقالت الأخرى: كان أبي على طويل طهرها، شديد أسرها، هاديها شطرها، فقال: نجا أبوك. فقالت الأخرى: كان أبي على كزّة أنوح، يرويها لبن اللّقوح، قال: قتل أبوك. فلما انصرف الفلّ أصابوا الأمر كما ذكر.
[1528] قال أبو علي: الشّقّاء: الطويلة، وكذلك المقّاء، والمقق: الطّول، ورجل أشقّ وأمقّ إذا كان طويلا. والنّقي: كلّ عظم فيه مخ، وجمعه أنقاء، والتّمطّق: التّذوّق وهو أن يطبق إحدى الشّفتين على الأخرى مع صوت يكون بينهما، والأسر: الخلق قال الله عزّ وجلّ: {وَشَدَدْنََا أَسْرَهُمْ} [الإنسان: 28] والهادي: العنق. والأنوح: الكثير الزّحير في جريه، يقال منه: أنح يأنح أنوحا، وهو ذمّ في الخيل، أنشد يعقوب: [الرجز]
جرى (1) ابن ليلى جرية السّبوح ... جرية لا وان ولا أنوح
[1529]
[حقيقة الحب]:
قال: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس لقيس بن ذريح: [الطويل]
وفي عروة العذريّ إن متّ أسوة ... وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند
وبي مثل ما ماتا به غير أنني ... إلى أجل لم يأتني وقته بعد
هل الحبّ إلّا عبرة بعد عبرة ... وحرّ على الأحشاء ليس له برد
وفيض دموع العين يا ليل كلّما ... بدا علم من أرضكم لم يكن يبدو
[1530]
[ثبات المودة مع الغياب، وزوال الملل مع الحضور]:
قال: وأنشدنا أبو بكر بن محمد بن السّريّ السّرّاج، قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي ليزيد المهلّبيّ: [الخفيف]
لا تخافي إن غبت أن نتناسا ... ك ولا إن وصلتنا أن نملّا
__________
(1) البيت للعجاج كما في «مجموع أشعار العرب» (جزء 2ص 13) طبع برلين والبيت مركب من بيتين ونصهما:
هنا وهنا وعلى المسجوح ... جرى ابن ليلى جرية السبوح
حرية لا كاب ولا أزوح ... عافى العزاز منهب ميوح ط(1/466)
إن تغيبي عنّا فسقيا ورعيا ... أو تحلّي فينا فأهلا وسهلا
[1531]
[من أمثال العرب]:
قال أبو علي: قال أبو زيد: من أمثال العرب: «لأفشّنّك فشّ الوطب» يقوله الرجل للآخر إذا رآه منتفخا من الغضب أي: لأذهبنّ انتفاخك، يقال: فششت الوطب أفشّه فشّا إذا حللت وكاءه وهو منفوخ فيخرج منه ما فيه من الريح، وقال الأصمعي من أمثالهم: «هما كعكمي عير» يقال للشيئين المستويين، ويقال: «هما كركبتي البعير» وهو مثله، ويقال:
«سواسية كأسنان الحمار» مثله، وسواسية: مستوون، ولم يعرف الأصمعي لسواسية واحدا، ويقال: «هم كأسنان المشط» قال اللحياني: يقال: انتقع لونه، واستفع لونه من السّفعة وهي السّواد، واهتقع لونه، والتمع لونه، والتمي لونه، واستقع لونه، والتقع، واستنقع، وابتسر، والتهم، وانتسف، وانتشف.
[1532]
[ما قالته العرب في الدعاء على الإنسان أو للإنسان]:
وقال اللحياني: ويقال في الدعاء على الإنسان: ما له عبر وسهر، وحرب وجرب ورجل، قال: ورجل من الرّجلة، قال أبو علي: وعبر من العبرة، وحرب من الحرب، والحرب: السّلب، وكان أبو بكر بن دريد يقول: اشتقاق الحرب، من الحرب، وقال اللحياني يقال: آم وعام، فآم: ماتت امرأته، قال أبو علي: وعام: اشتهى اللّبن، يراد بذلك ذهبت إبله وغنمه فعام إلى اللبن، قال: ويقال: ماله مال وعال، فمال: جار، وعال: افتقر.
ويقال: ماله شرب بلزن ضاح أي: في ضيق مع حرّ الشمس. قال أبو علي: اللّزن: الضّيق.
والضاحي: البارز للشمس الذي لا يستره شيء. قال ويقال: ماله أحرّ الله صداه أي:
أعطش الله هامته، قال أبو علي: ومعنى هذا الكلام أي: قتل فلم يثأر به لأن العرب تزعم أن القتيل يخرج من هامته طائر يسمّى الهامة فلا يزال يصيح على قبره: اسقوني اسقوني حتى يقتل قاتله، ومنه قول ذي الإصبع العدواني: [البسيط]
يا عمرو إلّا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
يعني: رأسه. ويقولون: ماله أبلاه الله بالحرّة تحت القرّة أي: العطش والبرد.
قال أبو علي: الحرّة: حرارة الجوف من العطش، قال الشاعر (1): [البسيط]
ما كان من سوقة أسقى على ظماء ... ماء بخمر إذا ناجودها بردا
من ابن مامة كعب ثم عيّ به ... زوّ المنيّة إلّا حرّة وقدى
[1533] قال أبو علي: يريد عيي به. والزّوّ: الهلاك. قال: ويقولون: ماله وراه الله، والورى: سعال يقيء منه دما وقيحا. والعرب تقول للبغيض إذا سعل وريا، وقحابا،
__________
(1) هو مامة الأيادي أبو كعب: ووقدى مثل جمزى أي: تتوقد، والناجود: دن الخمر. (انظر:
«اللسان»). ط(1/467)
فالقّحاب: السعال. وللحبيب إذا عطس: عمرا وشبابا. قال أبو علي: الورى مصدر، والورى الاسم، قال اللحياني: وحكى عن أبي جعفر قال: العرب تقول: بفيه البرى. وهو التراب وحمّى خيبرا أي: خيبر. فإنه خيسرا أي: ذو خسر.
[1534]
[أكرم الإبل]:
قال: وحدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: قيل لامرأة من العرب: أيّ الإبل أكرم؟ قالت: السريعة الدّرّة، الصّبور تحت القرّة، التي يكرمها أهلها إكرام الفتاة الحرّة، قالت الأخرى: نعمت الناقة هذه، وغيرها أكرم منها، قيل: وما هي؟ قالت: الهموم الرّموم، القطوع للدّيموم، التي ترعى وتسوم أي: لا يمنعها مرّها وسرعتها أن تأخذ (1)، والرّموم: التي لا تبقي شيئا، والهموم: الغزرة.
[1535]
[الشتم، والمزاحمة، وحفظ ماء الوجه]:
قال: وحدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: قال سعيد بن العاص:
ما شتمت رجلا مذ كنت رجلا، ولا زاحمته بركبتي، ولا كلّفت ذا مسئلتي أن يبذل ماء وجهه فيرشح جبينه رشح السّقاء.
[1536]
[من سئل عن حاجة فتباطأ في قضائها]:
قال: وحدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا محمد بن عيسى الأنصاري، عن ابن عائشة قال: سأل عبد الرحمن بن حسان رجلا حاجة فقصّر فيها فسألها غيره فقضاها، فكتب عبد الرحمن إلى الأوّل: [الطويل]
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم شكرها واصطناعها
أبى لك فعل الخير رأي مقصّر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثّته على الخير مرّة ... عصاها وإن همّت بسوء أطاعها
[1537]
[خبر الأعرابيّ مع ابنه وقد أسرته طيئ]:
وقرأت على أبي عمر المطرّز، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال:
أسرت طيء رجلا شابّا من العرب فقدم أبوه وعمّه ليفدياه فاشتطّوا عليهما في الفداء فأعطيا لهم عطية لم يرضوها، فقال أبوه: لا، والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبلي طيّئ لا أزيدكم على ما أعطيتكم، ثم انصرفا، فقال الأب للعم: لقد ألقيت إلى ابني كلّيمة، لئن كان فيه خير لينجونّ، فما لبث أن نجا وأطرد قطعة من إبلهم، فكأنّ أباه قال له: الزم الفرقدين على جبلي طيئ، فإنهما طالعان عليهما وهما لا يغيبان عنه.
__________
(1) هنا بياض بالأصل: ولعله أن تأخذ الرعي. ط(1/468)
[1538]
[الورث، والإرث، ونوم أول الليل، ورجل معمّ ملمّ]:
وبهذا الإسناد قال ابن الأعرابي: الورث في الميراث، والإرث في الحسب. وقال:
إذا نمت من أول الليل نومة ثم قمت فتلك النّاشئة، قال ويقال: رجل معمّ ملمّ أي: يعمّ القوم ويجمعهم.
[1539]
[هوى بيت المحبوب]:
قال: وأنشدنا أبو عبد الله قال: أنشدنا أحمد بن يحيى: [الطويل]
ثلاثة أبيات فبيت أحبّه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي
فيأيّها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيت وأهلك من أهل
بنا أنت من بيت دخولك لذّة ... وظلّك لو يسطاع بالبارد السّهل
[1540]
[فضل المال والغني]:
قال: وأنشدنا أبو عبد الله، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى:
أتيت بني عمّي ورهطي فلم أجد ... عليهم إذا اشتدّ الزمان معوّلا
ومن يفتقر في قومه يحمد الغنى ... وإن كان فيهم ماجد العمّ مخولا
يمنّون إن أعطوا ويبخل بعضهم ... ويحسب عجزا سمته إن تجمّل
ويزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجال وأحولا (1)
فإنّ الفتى ذا الحزم رام بنفسه ... حواشي هذا الليل كي يتموّلا
[1541]
[تقسيم الأرزاق بيد الله عز وجل]:
قال: وأنشدنا أبو بكر رحمه الله! قال: أنشدنا عبد الرحمن، عن عمه: [البسيط]
الحمد لله حمدا دائما أبدا ... في كل حال هو المسترزق الوزر
فليس ما يجمع المثري بحيلته ... وليس بالعجز من لم يثر يفتقر
إنّ المقاسم أرزاق مقدّرة ... بين العباد فمحروم ومدّخر
فما رزقت فإن الله جالبه ... وما حرمت فما يجري به القدر
فاصبر على حدثان الدّهر منقبضا ... عن الدناءة إن الحرّ يصطبر
ولا تبيتنّ ذا همّ تعالجه ... كأنه النار في الأحشاء تستعر
على الفراش لنور الصّبح مرتقبا ... كأنّ جنبك مغروز به الإبر
فالهمّ فضل وطول العيش منقطع ... والرّزق آت وروح الله منتظر
قال أبو علي: الرّوح: السّرور والفرح، قال الله عز وجل: {فَرَوْحٌ وَرَيْحََانٌ}
[الواقعة: 89] والرّيحان: الرزق.
__________
(1) أحول: من الحول وهو الحذق ودقة النظر والقدرة على التصرف. ط(1/469)
[1542]
[أحسن ما سمع في المدح والهجاء]:
قال وحدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا محمد بن يزيد الأزدي يعني: المبرد قال:
قال سعيد بن سلم: مدحني أعرابي ببيتين لم أسمع أحسن منهما: [الطويل]
أيا ساريا بالليل لا تخش ضلّة ... سعيد بن سلم ضوء كلّ بلاد
لنا مقرم أربى على كلّ مقرم ... جواد حثا في وجه كلّ جواد
فأغفلت صلته فهجاني ببيتين لم أسمع أهجى منهما، وهما قوله: [الطويل]
لكلّ أخي مدح ثواب علمته ... وليس لمدح الباهلي ثواب
مدحت ابن سلم والمديح مهزّة ... فكان كصفوان عليه تراب
[1543] قال: وأنشدنا أحمد بن يحيى: [الخفيف]
قد مررنا بمالك فوجدنا ... هـ سخيّا إلى المكارم ينمي
ورحلنا إلى سعيد بن سلم ... فإذا ضيفه من الجوع يرمي
يرمى بنفسه أي: يموت.
خخخ وإذا خبزه عليه سيكفيكهم الله ما بدا ضوء نجم
وإذا خاتم النبيّ سليما ... ن بن داود قد علاه بختم
فارتحلنا من عند هذا بحمد ... وارتحلنا من عند هذا بذمّ
[1544]
[عذر الأصدقاء، وسلامة الصدر، واجتناب الفواحش، وغني النفس]:
قال: وأنشدنا أبو عبد الله، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى قال أبو علي: وقرأت هذه الأبيات على أبي بكر بن دريد والألفاظ في الروايتين مختلفة ولم يسمّ قائلها أبو عبد الله وقال أبو بكر هي لسالم بن وابصة: [الطويل]
أحبّ الفتي ينفي الفواحش سمعه ... كأنّ به عن كلّ فاحشة وقرا
سليم دواعي الصّدر لا باسطا أذى ... ولا مانعا خيرا ولا ناطقا هجرا
إذا ما أتت من صاحب لك زلّة ... فكن أنت محتالا لزلّته عذرا
غنى النّفس ما يكفيه من سدّ خلّة ... وإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
[1545]
[ضرر الفوضى، وفائدة السلطان، وذم رئاسة الجهّال]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: أنشدنا أبو علي العنزي للأفوه الأودي:
قال أبو علي: وقرأتها على أبي بكر بن دريد في شعر الأفوه، واسمه صلاءة بن عمرو:
[البسيط]
فينا معاشر لم يبنوا لقومهم ... وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا
وروى أبو بكر بن الأنباري: «منا معاشر لن يبنوا».(1/470)
لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم ... فالجهل منهم معا والغيّ ميعاد
أضحوا كقيل بن عمرو في عشيرته ... إذا أهلكت بالذي سدّى لها عاد
[1546] وروى أبو بكر بن الأنباري:
كانوا كمثل لقيم في عشيرته ... إذا أهلكت بالذي قد قدّمت عاد
أو بعده كقدار حين تابعه ... على الغواية أقوام فقد بادوا
وروى أبو بكر بن الأنباري: حين طاوعه.
والبيت لا يبتنى إلّا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
وروى أبو بكر: ولا عمود.
فإن تجمّع أوتاد وأعمدة ... وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
[1547] قال أبو علي: وزادنا أبو بكر بن الأنباري بعد هذا بيتا وهو:
وإن تجمّع أقوام ذوو حسب ... اصطاد أمرهم بالرّشد مصطاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
تبقى الأمور بأهل الرّأي ما صلحت ... فإن تولّت فبالأشرار تنقاد
وروى أبو بكر بن الأنباري: تهدى الأمور:
إذا تولّى سراة القوم أمرهم ... نما على ذاك أمر القوم فازدادوا
خخخ أمارة الغيّ أن يلقي الجميع لذي الابرام للأمر والأذناب أكتاد
حان الرحيل إلى قوم وإن بعدوا ... فيهم صلاح لمرتاد وإشاد
وروى أبو بكر بن الأنباري: آن الرحيل. قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دريد:
حان الرحيل، ويروى: لأرحلنّ إلى قوم:
فسوف أجعل بعد الأرض دونكم ... وإن دنت رحم منكم وميلاد
إنّ النّجاء إذا ما كنت ذا نفر ... من أجّة (1) الغيّ إبعاد فإبعاد
[1548] قال أبو علي: وزادنا أبو بكر بن الأنباري بعد هذا بيتا وهو:
فالخير تزداد منه ما لقيت به ... والشّرّ يكفيك منه قلّما زاد
* * * [1549]
[نصرة الأقارب، وشعر القتال الكلابي في الافتخار بقومه]:
وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: حدثنا أبو عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة قال: نازع القتّال الكلابي. وهو عبيد بن المضرحيّ. رجلا من قومه، فقال له الرجل: أنت كلّ
__________
(1) أجة الغي: أجيجه واستعاره كما تتأجج النار. ط(1/471)
على قومك. والله إنك لخامل الذّكر والحسب، ذليل للنّفر، خفيف على كاهل خصمك كلّ على ابن عمّك، فقال القتّال: [البسيط]
أنا ابن أسماء أعمامي لها وأبي ... إذا ترامى بنو الأموان بالعار
لا أرضع الدهر إلّا ثدي واضحة ... لواضح الجدّ يحمي حوزة الجار
من آل سفيان أو ورقاء يمنعها ... تحت العجاجة ضرب غير عوّار
يا ليتني والمنى ليست بنافعة ... لمالك أو لحصن أو لسيّار
طوال أنضية الأعناق لم يجدوا ... ريح الإماء إذا راحت بأزفار
لا يتركون أخاهم في مودّأة ... يسفي عليه دليل الذّلّ والعار
ولا يفرّون والمخزاة تقرعهم ... حتى يصيبوا بأيد ذات أظفار
قال أبو علي: النّضيّ: عظم العنق. والأزفار: الأحمال، واحدها زفر. والمودّأة:
المضيّقة، من قولهم: تودّأت عليه الأرض إذا استوت عليه فوارته.
[1550]
[السرور والبلايا، وصروف الزمان]:
قال: وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدني أبي: [الخفيف]
أيّ شيء يكون أعجب أمرا ... إن تفكّرت من صروف الزّمان
عارضات السّرور توزن فيه ... والبلايا تكال بالقفزان
* * * [1551] قال: وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه الله لكبشة أخت عمرو بن معديكرب: [الطويل]
وأرسل عبد الله إذ حان حينه ... إلى قومه لا تعقلوا لهم دمي
ولا تأخذوا منهم إفلا وابكرا ... وأترك في بيت بصعدة مظلم
ودع عنك عمرا إن عمرا مسالم ... وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم
فإن أنتم لم تقبلوا (1) واتّديتم ... فمشّوا (2) بآذان النّعام المصلّم (3)
ولا تردوا إلّا فضول نسائكم ... إذا ارتملت أعقابهنّ من الدّم
قال أبو علي: الإفال جمع أفيل وهي صغار أولاد الإبل. وارتملت: التطخت يعني:
إذا حضن.
__________
(1) الذي في «اللسان»: مادة «صلم»: «فإن أنتم لم تتأروا بأخيكم» ولعلهما روايتان. ط
(2) مش أذنه يمشها مشا: مسحها. ط
(3) المصلم: المستأصل الأذنين. ط(1/472)
[1552]
[انتساب صعصعة بن صوحان لما سأله معاوية عن نسبه]:
قال: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا العكلي، عن الحرمازي، قال: حدثنا الهيثم، عن مجالد، عن الشّعبي قال: دخل صعصعة بن صوحان على معاوية رضي الله عنه أول ما دخل عليه، وقد كان يبلغ معاوية عنه، فقال معاوية رحمه الله! ممّن الرجل؟ فقال:
رجل من نزار، قال: وما نزار؟ قال: كان إذا غزا انحوش، وإذا انصرف انكمش، وإذا لقي افترش، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من ربيعة، قال: وما ربيعة؟ قال: كان يغزو بالخيل، ويغير بالليل، ويجود بالنّيل، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من أمهر (1)، قال: وما أمهر؟
قال: كان إذا طلب أفضى، وإذا أدرك أرضى، وإذا آب أنضى، قال: فمن أيّ ولده أنت؟
قال: من جديلة، قال: وما جديلة؟ قال: كان يطيل النّجاد، ويعدّ الجياد، ويجيد الجلاد، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من دعميّ، قال: وما دعمي؟ قال: كان نارا ساطعا، وشرّا قاطعا، وخيرا نافعا، قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من أقصى، قال: وما أقصى؟ قال: كان ينزل القارات، ويكثر الغارات، ويحمى الجارات، قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من عبد القيس، قال: وما عبد القيس؟ قال أبطال ذادة، جحاجحة سادة، صناديد قادة، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من أفصى، قال: وما أفصى؟ قال: كانت رماحهم مشرعة، وقدورهم مترعة، وجفانهم مفرغة، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من لكيز، قال: وما لكيز؟ قال:
كان يباشر القتال، ويعانق الأبطال، ويبدّد الأموال، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من عجل، قال: وما عجل؟ قال: الليوث الضّراغمة، الملوك القماقمة، القروم القشاعمة قال:
فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من كعب، قال: وما كعب؟ قال: كان يسعّر الحرب، ويجيد الضّرب، ويكشف الكرب، قال: فمن أيّ ولده أنت؟ قال: من مالك، قال: وما مالك؟ قال:
هو الهمام للهمام، والقمقام للمقمقام، فقال معاوية رحمه الله: ما تركت لهذا الحيّ من قريش شيئا، قال: بل تركت أكثره وأحبّه، قال: وما هو؟ قال: تركت لهم الوبر والمدر، والأبيض والأصفر، والصّفاء والمشعر، والقبّة والمفخر، والسّرير والمنبر، والملك إلى المحشر، قال:
أما والله لقد كان يسؤني أن أراك أسيرا! قال: وأنا والله لقد كان يسؤني أن أراك أميرا! ثم خرج فبعث إليه فردّ ووصله وأكرمه. قال أبو علي: القارات جمع قارة وهي الجبيل الصغير.
[1554]
[أسباب السّيادة، وغلبة النفس، وإكرام الجليس]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال:
قال معاوية رحمه الله لعقال: بم سادكم الأحنف وهو خارجي؟ فقال: إن شئت حدّثتك عنه بخصلة، وإن شئت باثنتين، وإن شئت بثلاث، وإن شئت حدّثتك إلى الليل، فقال: حدّثني عنه بثلاث خصال، قال: لم أر أحدا من خلق الله كان أغلب لنفسه من الأحنف، فقال: نعم
__________
(1) في نسخة: من أسد قال: وما أسد إلخ. ط(1/473)
والله الخصلة! قال: ولم أر أحدا من خلق الله أكرم لجليس من الأحنف، قال: نعم والله الخصلة! قال: ولم أر أحدا من خلق الله كان أحظى من الأحنف، قال: كان يفعل الرجل الشيء فتصير حظوته للأحنف.
* * * [1555] قال: وأنشدني أبو بكر رحمه الله: [الوافر]
بطون الضّأن رمحك حين تغدو ... تشدّ به وليس له سنان
سلاح لم يكن إلا لغدر ... به قتل الأشدّاء الجبان
قال: هذا خنّاق معه وتر.
[1556]
[ظهور سوء الشخص يغني عن اختباره لمعرفته]:
قال: وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي: [الرجز]
هو الخبيث عينه فراره ... ممشاه مشي الكلب وازدجاره
قال: نظرك إليه يغنيك عن فرّه أن تختبره.
[1557]
[الهجر، وما يترتب عليه من لوعة]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، عن راوية كثيّر قال: كنت مع جرير وهو يريد الشأم فطرب فقال أنشدني لأخي بني مليح. يعني كثيرا. فأنشدته حتى انتهيت إلى قوله (1): [الطويل]
وأذنيتني حتى إذا ما استبيتني ... بقول يحلّ العصم سهل الأباطح
تولّيت عني حين لا لي مذهب ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح
فقال: لولا أنه لا يحسن بشيخ مثلي النّخير لنخرت حتى يسمع هشام على سريره.
[1558]
[الكلام على مادة عدا]:
قال الأصمعي: يقال: عذا الفرس يعدو عدوا إذا أحضر، وأعديته أنا أعديه إعداء إذا استحضرته قال النابغة الجعدي: [البسيط]
حتى لحقناهم تعدي فوارسنا ... كأننا رعن قفّ يرفع الآلا
يريد: يرفعه الآل، وفرس عدوان: إذا كان شديد العدو، وكذلك الحمار، ويقال:
رأيت عديّ القوم مقبلا وهم الذين يحملون في الحرب رجّالة، قال مالك بن دينار:
[البسيط]
لما رأيت عديّ القوم يسلبهم ... طلح الشّواجن والطّرفاء والسّلم
قال أبو علي: الشّواجن: مسايل الماء. ويقال: عدا عليه عدوا وعداء وعدوّا إذا جار.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [116].(1/474)
وعادى بين عشرة من الصيد عداء أي: والى موالاة، قال امرؤ القيس: [الطويل]
فعادى عداء بين ثور ونعجة ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
ويقال: قد تعادى عليّ القوم بالظّلم وتعادوا إليّ بالنصر أي: والوا. وقال أبو نصر:
وتعادوا من العدو أيضا. وتعادى المكان تعاديا فهو متعاد إذا كان متفاوتا وليس بمستو، يقال:
لمت في مكان متعاد. ويقال: جئت في مركب ذي عداواء إذا لم يكن مطمئنا ولا سهلا، وأتيتك على عدواء الشّغل أي: على اختلاف الأمر بالشّغل وصرف الشّغل. وروى أبو عبيد، عن الأصمعي: العدواء: الشّغل.
ويقال: عداه عن كذا وكذا يعدوه إذا صرفه، وعدّه عن ذلك أي: اصرفه، والعوادي:
الصوارف، واحدتها عادية، قال ساعدة:
هجرت غضوب وحبّ (1) من يتجنّب ... وعدت عواد دون وليك تشعب
[1559] قال أبو علي: وحدثنا أبو عبد الله، عن أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: يقال: أعداه المرض وأنشدنا هو ولم يعزه إلى ابن الأعرابي: [الطويل]
فو الله ما أدري أطائف جنّة ... تأوّبني أم لم يجد أحد وجدي
عشيّة لا أعدي بدائي صاحبي ... ولم أر داء مثل دائي لا يعدي
وكان الصّبا خدن الشّباب فأصبحا ... وقد تركاني في مغانيهما وحدي
قال الأصمعي يقال: ما عدا ذاك بني فلان أي: ما جاوزهم.
[1560] قال: وأنشدني أبو عمرو لبشر بن أبي خازم: [الطويل]
فأصبحت (2) كالشّقراء لم يعد شرّها ... سنابك رجليها وعرضك أوفر
ويقال: الزم أعداء الوادي أي: نواحيه. وقال أبو نصر: العدوة والعدوة: السّاحة والفناء.
وقال غيره: العدوة والعدوة: جانب الوادي. وقال الأصمعي: يقال: نزلت في قوم عدى وعدى أي أعداء. والعدى أيضا: الغرباء. وقال أبو حاتم: العدى: الأعداء، والعدي:
الغرباء، فأما عدى فليس من كلام العرب إلا أن تدخل الهاء فتقول: عداة. والعادي: العدوّ.
قال الأصمعي: خاصمت بنت حلوى امرأة فقالت: ألا تقومين؟ أقام الله ناعيك، وأشمت الله ربّ العرش عاديك.
__________
(1) في الصحاح ضبط هذا البيت بضم الحاء وقال: أراد حبب فأدغم ونقل الضمة إلى الحاء. وضبطه غيره بفتحها وانظر: «اللسان مادة «حبب». ط
(2) يهجو عتبة بن جعفر بن كلاب وكان عتبة قد أجار رجلا من بني أسد فقتله رجل من بني كلاب فلم يمنعه. والشقراء: اسم فرس رمحت ابنها لا عن قصد فقتلته: كذا في «اللسان» مادة شقر. ط(1/475)
[1561]
[العفو عن الصديق، وترك معاتبته، والفرق بينه وبين وذي الوجهين، ولا أحد ينجو من العيب]:
قال أبو علي: وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة للمغيرة بن حبناء:
خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه ... ولاتك في كل الأمور تعاتبه
فإنّك لن تلقى أخاك مهذّبا ... وأيّ امرئ ينجو من العيب صاحبه
أخوك الذي لا ينقض النأي عهده ... ولا عند صرف الدّهر يزورّ جانبه
وليس الذي يلقاك بالبشر والرّضا ... وإن غبت عنه لسّعتك عقاربه
[1562] قال: وقرأت على أبي بكر رحمه الله للمغيرة (1): [الطويل]
إذا أنت عاديت امرءا فاظّفر له ... على عثرة إن أمكنتك عواثره
قال أبو علي: اظّفر: افتعل من الظّفر وهو الوثب (2).
وقارب إذا ما لم تجد لك حيلة ... وصمّم إذا أيقنت أنّك عاقره
فإن أنت لم تقدر على أن تهينه ... فذره إلى اليوم الذي أنت قادره
وفي هذه القصيدة يقول:
وقد ألبس المولى على ضغن صدره ... وأدرك بالوغم الذي لا أحاضره
وقد يعلم المولى على ذاك أنّني ... إذا ما دعا عند الشّدائد ناصره
وإني لأجزي بالمودّة أهلها ... وبالشّرّ حتّى يسأم الشّرّ حافره
وأغضب للمولى فأمنع ضيمه ... وإن كان غشّا ما تجنّ ضمائره
وأحلم ما لم ألق في الحلم ذلّة ... وللجاهل العرّيض عندي زاجره
قال أبو علي ويروى: عندي مزاجره:
وإنّي لخرّاج من الكرب بعد ما ... تضيق على بعض الرجال حظائره
حمول لبعض الأمر حتّى أناله ... صموت عن الشيء الذي أنا ذاخره
[1563]
[سبب تسمية الأخطل بهذا اللقلب]:
قال: وحدثني أبو عبد الله رحمه الله، قال حدثني محمد بن عبد الله القحطبي، قال: إنما سمّي الأخطل لأن ابني جعيل (3) تحاكما أيّهما أشعر فقال: [الوفر]
لعمرك إنني وابني جعيل ... وأمّهما لإستار لئيم
__________
(1) انظر: «التنبيه» [118].
(2) الذي في كتب اللغة أن الوثب من معاني الطفر بالطاء المهملة لا المعجمة. ط
(3) انظر: «التنبيه» [117].(1/476)
فقيل له: إن هذا لخطل من قولك: فسمّي الأخطل. قال أبو عبيدة: يقال: منطق خطل إذا كان فيه اضطراب، ورمح خطل وأذن خطلاء، قال: والإستار أربعة من كل عدد قال جرير: [الكامل]
إنّ الفرزدق والبعيث وأمّه ... وأبا البعيث لشرّ ما إستار
قال: والنّواة: خمسة. والأوقيّة: أربعون. والنّشّ: عشرون. والفرق: ستة عشر.
[1564]
[اليقين في رزق الله، وستر الحاجة، والتعفّف، والاجتهاد في الطاعة، والموت]:
قال: وأنشدنا أبو بكر محمد بن السّري السّراج قال: أنشدني أو أنشدنا وكيع. الشك من أبي علي. قال: أنشدنا أحمد بن سليمان الراوية: [مجزوء الرجز]
أستر بصبر خللك ... والبس عليه سملك
وكل هزيليك على ال ... راحة واشرب وشلك
إذا اعترتك فاقة ... فارحل برفق جملك
وارغب إلى الله ونط ... بما لديه أملك
وآخ في الله وصل ... في دينه من وصلك
رزقك يأتيك إلى ... حين تلاقي أجلك
مالك ما قدّمته ... وليس ما بعدك لك
وللزّمان أكلة ... إذا اشتهاها أكلك
وللرّدى قوس فإن ... رماك عنها قتلك
يا ربّ إنّي راغب ... أدعو وأرجو نفلك
أنت حفيّ لم تخب ... دعوة راج أملك
فأعطني من سعة ... يا من تعالى فملك
سبحانك اللهمّ ما ... أجلّ عندي مثلك
قال أبو علي: المثل هاهنا: المقدار.
[1565]
[تنزيه المولى سبحانه عن صفات الأعراض والأجسام]:
قال: وأنشدنا علي بن سليمان بن الفضل الكاتب للعطوي: [الخفيف]
جلّ ربّ الأعراض والأجسام ... عن صفات الأعراض والأجسام
جلّ ربّى عن كلّ ما اكتنقته ... لحظات الأبصار والأوهام
برئ الله من هشام وممّن ... قال في الله مثل قول هشام
أيّ زاد تزوّدته يداه ... عامدا من كبائر الآثام
سوف تلقاه حين يلقاه نار ... تتلظّى لأهلها بضرام
كم شديد العناد للإسلام ... بين أبناء ملّة الإسلام
كهشام فإنه خلع الرّب ... قة من كلّ حرمة وذمام
قم لمن قال قوله ورآه ... خير مسترشد وخير إمام
لم أنكرت أن يكون مصيبا ... في مساعيه عابد الأصنام
لم أنكرت قول من عبد الشّم ... س وصلّى للأنجم الأعلام
إن ترم بينها انفصالا فهيها ... ت لقد رمت منه صعب المرام
ما الدّليل المبين عن حدث العا ... لم أفصح به لدى الأقوام
لا دليل فلا ترمه وقد قل ... ت كبعث الأنام ربّ الأنام
لم ترد غير قدمة الخلق فاقصد ... قصده دع مناقضات الكلام
[1566](1/477)
جلّ ربّ الأعراض والأجسام ... عن صفات الأعراض والأجسام
جلّ ربّى عن كلّ ما اكتنقته ... لحظات الأبصار والأوهام
برئ الله من هشام وممّن ... قال في الله مثل قول هشام
أيّ زاد تزوّدته يداه ... عامدا من كبائر الآثام
سوف تلقاه حين يلقاه نار ... تتلظّى لأهلها بضرام
كم شديد العناد للإسلام ... بين أبناء ملّة الإسلام
كهشام فإنه خلع الرّب ... قة من كلّ حرمة وذمام
قم لمن قال قوله ورآه ... خير مسترشد وخير إمام
لم أنكرت أن يكون مصيبا ... في مساعيه عابد الأصنام
لم أنكرت قول من عبد الشّم ... س وصلّى للأنجم الأعلام
إن ترم بينها انفصالا فهيها ... ت لقد رمت منه صعب المرام
ما الدّليل المبين عن حدث العا ... لم أفصح به لدى الأقوام
لا دليل فلا ترمه وقد قل ... ت كبعث الأنام ربّ الأنام
لم ترد غير قدمة الخلق فاقصد ... قصده دع مناقضات الكلام
[1566]
[الإحسان إلى الأقارب وإن بغوا]:
قال: وقرأت على أبي بكر رحمه الله: [الطويل]
لا أدفع ابن العمّ يمشي على شفا ... وإن بلغتني من أذاه الجنادع
ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوما إليّ الرّواجع
وحسبك من ذلّ وسوء صنيعة ... مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع
قال أبو علي: جنادع الشر: أوائله، واحدها جندعة، وأصل الجنادع: دوابّ تكون في جحرة الضّباب فإذا جاء المضبّب فرآها قال: هذه جنادعه.
* * * [1567] قال: وحدثني أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، عن يونس قال: لما أنشد أبو النجم: [الرجز]
بين رماحي مالك ونهشل
قال رؤبة: أو ليس نهشل من مالك! فقال له: يا بن أخي إن الكمر أشباه، يريد مالك ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة.
[1568]
[معاداة الرجال، وربما وقع الجهل من ذوي النّهى]:
قال: وأنشدنا أبو بكر قال: أنشدنا أبو حاتم، عن الأصمعي للمخيّل السّعدي:
[الطويل]
إذا أنت عاديت الرجال فلاقهم ... وعرضك عن غبّ الأمور سليم
وإنّ مقادير الحمام إلى الفتى ... لسوّاقة مالا يخاف هموم
وقد يسبق الجهل النّهى ثمّ إنها ... تريع لأصحاب العقول حلوم
وقد تزدري النفس الفتى وهو عاقل ... ويؤفن بعد القوم وهو حزيم
أي: حازم. قال أبو علي: وقرأت هذا البيت على أبي عمر في نوادر ابن الأعرابي قال: وأنشدنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي:(1/478)
إذا أنت عاديت الرجال فلاقهم ... وعرضك عن غبّ الأمور سليم
وإنّ مقادير الحمام إلى الفتى ... لسوّاقة مالا يخاف هموم
وقد يسبق الجهل النّهى ثمّ إنها ... تريع لأصحاب العقول حلوم
وقد تزدري النفس الفتى وهو عاقل ... ويؤفن بعد القوم وهو حزيم
أي: حازم. قال أبو علي: وقرأت هذا البيت على أبي عمر في نوادر ابن الأعرابي قال: وأنشدنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي:
ويؤفن بعض القوم وهو جريم
أي: عظيم الجرم، قال أبو علي: الجرم: الجسد.
* * * [1569] قال: وأنشدنا أبو بكر للمغيرة بن حبناء: [البسيط]
إني امرؤ حنظليّ حين تنسبني ... لا ملعتيك ولا أخوالي العوق
لا تحسبنّ بياضا فيّ منقصة ... إنّ اللهاميم في أقرابها البلق
قال أبو علي: اللهاميم واحدها لهموم وهو الكثير الجري. والعرب تقول: أضعف الخيل البلق وأشدّها البهم.
[1570]
[فضل الغنى، وآثار الفقر]
وأنشدنا أبو بكر لعروة بن الورد: [الطويل]
قلت لركب في الكنيف تروّحوا ... عشيّة بتنا عند ماوان رزّح
تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم ... إلى مستراح من عناء مبرّح
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... يغرّر ويطرح نفسه كلّ مطرح
ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
قال أبو علي: ماوان: ماء لبني فزارة. والرازح: الذي قد سقط من الهزال والإعياء، والجميع رزّح.
[1571]
[التنزّه عن الفواحش، والعزاء بمصاب الآخرين، وإيثار الأقارب والأضياف]:
قال: وأنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا أبو عثمان، عن التّوّزي، عن أبي عبيدة لمعن ابن أوس: [الطويل]
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلا قد أصابت فتى قبلي
ولست بماش ما حييت بمنكر ... من الأمر ما يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثرا نفسي على ذي قرابتي ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
[1572]
[أوصاف قريش]:
قال: حدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو معاذ، قال: حدثنا محمد بن شبيب أبو جعفر النحوي، عن ابن أبي خالد، عن سفيان بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان قال: وقع
ميراث بين بني هاشم وبين بني أمية تشاحّوا فيه وتضايقوا، فلما تفرّقوا أقبل علينا أبونا عمرو فقال: يا بنيّ، إن لقريش درجا تزلّ عنها أقدام الرجال، وأفعال تخشع لها رقاب الأموال، وغايات تقصر عنها الجياد المسوّمة، وألسنا تكلّ عنها الشّفار المشحوذة، ثم إنه ليخيّل إليّ أن منهم ناسا تخلّقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق في اللّؤم، وتخرّق في الحرص، إن خافوا مكروها تعجّلوا له الفقر، وإن عجّلت لهم نعمة أخّروا عليها الشّكر، أولئك أنضاء الفكر، وعجزة حملة الشّكر.(1/479)
قال: حدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو معاذ، قال: حدثنا محمد بن شبيب أبو جعفر النحوي، عن ابن أبي خالد، عن سفيان بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان قال: وقع
ميراث بين بني هاشم وبين بني أمية تشاحّوا فيه وتضايقوا، فلما تفرّقوا أقبل علينا أبونا عمرو فقال: يا بنيّ، إن لقريش درجا تزلّ عنها أقدام الرجال، وأفعال تخشع لها رقاب الأموال، وغايات تقصر عنها الجياد المسوّمة، وألسنا تكلّ عنها الشّفار المشحوذة، ثم إنه ليخيّل إليّ أن منهم ناسا تخلّقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق في اللّؤم، وتخرّق في الحرص، إن خافوا مكروها تعجّلوا له الفقر، وإن عجّلت لهم نعمة أخّروا عليها الشّكر، أولئك أنضاء الفكر، وعجزة حملة الشّكر.
* * * [1573] قال: وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو معاذ، عن محمد بن شبيب النحوي قال: وفد عبيد الله بن زياد بن ظبيان على عتّاب بن ورقاء فأعطاه عشرين ألفا، فلما ودّعه قال: يا هذا، ما أحسنت فأمدحك، ولا أسأت فأذمّك: وإنك لأقرب البعداء وأحبّ البغضاء.
* * * [1574] قال يعقوب: يقال: وقع ذلك الأمر في روعي وفي خلدي وفي ضميري وفي نفسي. وحكى التّوّزيّ: وقع في صفرى في جخيفي، ومنه قيل: لا يلتاط بصفري أي: لا يلزق بقلبي، وكذلك يقال: لا يلبق بصفري.
قال أبو علي: وأخبرنا بعض أصحابنا، عن أحمد بن يحيى أنه قال: حكى لنا عن الأصمعي أنه قيل له: إن أبا عبيدة يحكى: وقع في روعي وفي جخيفي، قال: أما الرّوع فنعم وأما الجخيف فلا.
[1575]
[أساءة الوضوء]:
قال: وحدثنا أبو عبد الله، قال: أخبرني محمد بن يونس، عن الأصمعي قال: أتي أبو مهديّة بإناء فيه ماء، فتوضأ فأساء الوضوء، فقيل له: يا أبا مهدية، أسأت الوضوء. وكان الإناء يسع أقل من رطل. فقال: القرّ شديد، والرّبّ كريم، والجواد يعفو.
* * * [1576] قال: وقرأت على أبي عمر المطرز، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي قال: قيل لابنة الخسّ: ما أحسن شيء رأيت؟ قالت: غادية، في إثر سارية، في نبخاء قاوية. قال: النّبخاء: الأرض المرتفعة المشرفة لأن النبات في الموضع المرتفع أحسن.
* * * [1577] قال: وحدثنا أبو بكر، قال: أخبرنا أبو عثمان، عن التوزي، عن أبي عبيدة قال: خرج جرير والفرزدق مرتدفين على ناقة إلى هشام بن عبد الملك، فنزل جرير يبول فجعلت الناقة تتلفّت فضربها الفرزدق وقال: [الوافر]
إلام تلفّتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلّهم أمامي
متى تردي الرّصافة تستريحي ... من التّهجير والدّبر الدّوامي
ثم قال: الآن يجيئ جرير فأنشده هذين البيتين فيرد عليّ:(1/480)
إلام تلفّتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلّهم أمامي
متى تردي الرّصافة تستريحي ... من التّهجير والدّبر الدّوامي
ثم قال: الآن يجيئ جرير فأنشده هذين البيتين فيرد عليّ:
تلفّت إنها تحت ابن قين ... إلى الكيرين والفأس الكهام
متى ترد الرّصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كلّ عام
فجاء جرير والفرزدق يضحك فقال: ما يضحكك يا أبا فراس؟ فأنشده البيتين، فقال جرير:
تلفت إنها تحت ابن قين
كما قال الفرزدق سواء، فقال الفرزدق: والله لقد قلت هذين البيتين، فقال جرير: أما علمت أن شيطاننا واحد.
* * * [1578] قال: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء قال: قيل للفرزدق إن هاهنا أعرابيّا قريبا منك ينشد شعرا، فقال: إن هذا لقائف أو لخائن، فأتاه فقال: ممّن الرجل؟ فقال: رجل من فقعس، قال: كيف تركت القنان؟
قال: تركته يساير لصاف، فقلت: ما أراد الفقعسيّ والفرزدق؟ قال أراد الفرزدق قول الشاعر (1): [الكامل]
ضمن القنان لفقعس سوآتها ... إنّ القنان بفقعس لمعمّر
قلت: فما أراد الفقعسي بقوله يساير لصاف، قال: أراد قول الشاعر: [الكامل]
وإذا يسرّك من تميم خصلة ... فلما يسوءك من تميم أكثر
قد كنت أحسبهم أسود خفيّة ... فإذا لصاف تبيض فيه الحمّر
أكلت أسيد والهجيم ودارم ... أير الحمار وخصيتيه العنبر
ذهبت فشيشه بالأباعر حولنا ... سرقا فصبّ على فشيشة أبجر
قال: ويروى هربا.
* * * [1579] قال: وأملى علينا أبو بكر محمد بن السّريّ السّرّاج: [الطويل]
إذا شئت آداني صروم مشيّع ... معي وعقام تتّقي الفحل مقلت
يطوف بها من جانبيها ويتّقي ... بها الشمس حيّ في الأكارع ميّت
آداني: أعانني وقوّاني. وصروم: صارم يعني: قلبه. ومشيّع: شجاع كأنّ معه شيئا يشيّعه. وعقام: عقيم مثل صحاح وصحيح وشحاح وشحيح. والمقلت: التي لا يبقى لها ولد
__________
(1) انظر «التنبيه» [119].(1/481)
كأنها تقلتهم أي: تهلكهم، والقلت: الهلاك. وحكى الأصمعي: إن المسافر وماله لعلى قلت إلّا ما وقى الله وقوله: حيّ في الأكارع ميت يعني: الظّلّ كأنه مات مما سواه من الأكارع وذلك حين يقوم قائم النهار، ومثله: [الرجز]
وانتعل الظلّ فصار جوربا
[1580]
[من أمثال العرب]:
ومن أمثال العرب: «إذا اشتريت فاذكر السّوق» يعنون إذا اشتريت فاطلب الصحّة وتجنّب العيوب فإنك ستحتاج إلى أن تقيم السّلعة التي اشتريتها في السّوق يوما لا بد منه.
ومن أمثالهم: «ربّ شدّ في الكرز» يضرب مثلا للرجل يحتقر عندك وله خبر قد علمت به أنت، وأصل هذا المثل أن رجلا خرج يركض فرسا فرمت بمهرها فألقاه في كرز بين يديه.
والكرز: الجوالق، فقال له رجل: لم تحمله؟ ما تصنع به؟ فقال: ربّ شدّ في الكرز، يقول:
هو شديد الشّدّ كأمّه.
[1581]
[قصيدة أبي صفوان الأسدي وشرحها]:
قال: وقرأت على أبي عمر في نوادر ابن الأعرابي قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي لأبي صفوان الأسديّ [المتقارب]:
نأت دار ليلي وشطّ المزار ... فعيناك ما تطعمان الكرى
ومرّ بفرقتها بارح ... فصدّق ذاك غراب النّوى
فأضحت ببغدان في منزل ... له شرفات دوين السّما
وجيش ورابطة حوله ... غلاظ الرّقاب كأسد الشّرى
بأيديهم محدثات الصّقال ... سريجيّة يختلين الطّلى
ومن دونها بلد نازح ... يجيب به البوم رجع الصّدى
ومن منهل آجن ماؤه ... سدى لا يعاذ به قد طمى
ومن حنش لا يجيب الرّقا ... ة أسمر ذي حمة كالرّشا
أصمّ صموت طويل السّبا ... ت منهرت الشّدق حاري القرا
له في اليبيس نفاث يطير ... على جانبيه كجمر الغضى
وعينان حمر مآقيهما ... تبصّان في هامة كالرّحا
إذا ما تثاءب أبدى له ... مذرّبة عصلا كالمدى
كأنّ حفيف الرّحا جرسه ... إذا اصطكّ أثناؤه وانطوى
ولو عضّ حرفي صفاة إذا ... لأنشب أنيابه في الصّفا
كأنّ مزاحفه أنسع ... حززن فرادى ومنها ثنى
وقد شاقني نوح قمريّة ... طروب العشاء هتوف الضّحى
من الورق نوّاحة باكرت ... عسيب أشاء بذات الغضى
فغنّت عليه بلحن لها ... يهيّج للصّبّ ما قد مضى
مطوّقة كسيّت زينة ... بدعوة نوح لها إذا دعا
فلم أر باكية مثلها ... تبكّي ودمعتها لا ترى
أضلّت فريخا فطافت له ... وقد علقته حبال الرّدى
فلمّا بدا اليأس منه بكت ... عليه وماذا يردّ البكا
وقد صاده ضرم ملحم ... خفوق الجناح حثيث النّجا
حديد المخالب عاري الوظي ... ف ضار من الورق فيه قنا
ترى الطّير والوحش من خوفه ... جواحر منه إذا ما اغتدى
فبات عذوبا على مرقب ... بشاهقة صعبة المرتقى
فلما أضاء له صبحه ... ونكّب عن منكبيه النّدى
وحتّ بمخلبه قارتا ... على خطمه من دماء القطا
فصعّد في الجوّ ثم استدا ... ر طار حثيثا إذا ما انصمى
فآنس سرب قطا قارب ... جبى منهل لم تمحه الدّلى
غدون بأسقية يرتوين ... لزغب مطرّحة بالفلا
يبادرن وردا ولم يرعوين ... على ما تخلّف أو ما ونى
تذكّرن ذا عرمض طاميا ... يجول على حافتيه الغثا
به رفقة من قطا وارد ... وأخرى صوادر عنه روا
فملّأن أسقية لم تشدّ ... بخرز وقد شدّ منها العرا
فأقعص منهنّ كدرية ... ومزّق حيزومها والحشى
فطار وغادر أشلاءها ... تطير الجنوب بها والصّبا
يخلن حفيف جناحيه إذ ... تدلّى من الجوّ برقا بدا
فولّين مجتهدات النّجا ... جوافل في طامسات الصّوى
فأبن عطاشا فسقّينهنّ ... مجاجاتهنّ كماء السّلى
وبتن يراطنّ رقش الظّهور ... حمر الحواصل حمر اللها
فذاك وقد أغتدي في الصّباح ... بأجرد كالسّيد عبل الشّوى
له كفل أيّد مشرف ... وأعمدة لا تشكّى الوجى
وأذن مؤلّلة حشرة ... وشدق رحاب وجوف هوا
ولحيان مدّا إلى منخر ... رحيب وعوج (1) وطوال الخطا
له تسعة طلن من بعد أن ... قصرن له تسعة في الشّوى
وسبع عرين وسبع كسين ... وخمس رواء وخمس ظما
وسبع قربن وسبع بعد ... ن منه فما فيه عيب يرى
وتسع غلاظ وسبع رقاق ... وصهوة عير ومتن خظا
حديد الثّمان عريض الثّمان ... شديد الصّفاق شديد المطا
وفيه من الطّير خمس فمن ... رأى فرسا مثله يقتنى
غرابان فوق قطاة له ... ونسر ويعسوبه قد بدا
جعلنا له من خيار الّلقا ... ح خمسا مجاليح ثمّ الذّرى
يغادى بعضّ له دائبا ... ونقفيه من حلب ما اشتهى
فقاظ صنيعا فلما شتا ... أخذناه بالقود حتّى انطوى
فهجنا به عانة في الغطاط ... خماص البطون صحاح العجى
فولّين كالبرق في نفرهنّ ... جوافل يكسرن صمّ الصّفا
فصوّبه العبد في إثرها ... فطورا يغيب وطورا يرى
كأنّ بمنكبه إذ جرى ... جناحا يقلّبه في الهوا
فجدّل خمسا فمن مقعص ... وشاص كراعاه دامي الكلى
وثنتان خضخض قصبيهما ... وثالثة رويت بالدّما
فرحنا بصيد إلى أهلنا ... وقد جلّل الأرض ثوب الدّجى
ورحنا به مثل وقف العرو ... س أهيف لا يتشكّى الحفا
وبات النّساء يعوّذنه ... ويأكلن من صيده المشتوى
وقد قيّدوه وغلّوا له ... تمائم ينفث فيها الرّقى
[1582] قال أبو علي: نأت: بعدت، يقال: نأى ينأى نأيا، والنّأى: البعد، والنّائي:(1/482)
نأت دار ليلي وشطّ المزار ... فعيناك ما تطعمان الكرى
ومرّ بفرقتها بارح ... فصدّق ذاك غراب النّوى
فأضحت ببغدان في منزل ... له شرفات دوين السّما
وجيش ورابطة حوله ... غلاظ الرّقاب كأسد الشّرى
بأيديهم محدثات الصّقال ... سريجيّة يختلين الطّلى
ومن دونها بلد نازح ... يجيب به البوم رجع الصّدى
ومن منهل آجن ماؤه ... سدى لا يعاذ به قد طمى
ومن حنش لا يجيب الرّقا ... ة أسمر ذي حمة كالرّشا
أصمّ صموت طويل السّبا ... ت منهرت الشّدق حاري القرا
له في اليبيس نفاث يطير ... على جانبيه كجمر الغضى
وعينان حمر مآقيهما ... تبصّان في هامة كالرّحا
إذا ما تثاءب أبدى له ... مذرّبة عصلا كالمدى
كأنّ حفيف الرّحا جرسه ... إذا اصطكّ أثناؤه وانطوى
ولو عضّ حرفي صفاة إذا ... لأنشب أنيابه في الصّفا
كأنّ مزاحفه أنسع ... حززن فرادى ومنها ثنى
وقد شاقني نوح قمريّة ... طروب العشاء هتوف الضّحى
من الورق نوّاحة باكرت ... عسيب أشاء بذات الغضى
فغنّت عليه بلحن لها ... يهيّج للصّبّ ما قد مضى
مطوّقة كسيّت زينة ... بدعوة نوح لها إذا دعا
فلم أر باكية مثلها ... تبكّي ودمعتها لا ترى
أضلّت فريخا فطافت له ... وقد علقته حبال الرّدى
فلمّا بدا اليأس منه بكت ... عليه وماذا يردّ البكا
وقد صاده ضرم ملحم ... خفوق الجناح حثيث النّجا
حديد المخالب عاري الوظي ... ف ضار من الورق فيه قنا
ترى الطّير والوحش من خوفه ... جواحر منه إذا ما اغتدى
فبات عذوبا على مرقب ... بشاهقة صعبة المرتقى
فلما أضاء له صبحه ... ونكّب عن منكبيه النّدى
وحتّ بمخلبه قارتا ... على خطمه من دماء القطا
فصعّد في الجوّ ثم استدا ... ر طار حثيثا إذا ما انصمى
فآنس سرب قطا قارب ... جبى منهل لم تمحه الدّلى
غدون بأسقية يرتوين ... لزغب مطرّحة بالفلا
يبادرن وردا ولم يرعوين ... على ما تخلّف أو ما ونى
تذكّرن ذا عرمض طاميا ... يجول على حافتيه الغثا
به رفقة من قطا وارد ... وأخرى صوادر عنه روا
فملّأن أسقية لم تشدّ ... بخرز وقد شدّ منها العرا
فأقعص منهنّ كدرية ... ومزّق حيزومها والحشى
فطار وغادر أشلاءها ... تطير الجنوب بها والصّبا
يخلن حفيف جناحيه إذ ... تدلّى من الجوّ برقا بدا
فولّين مجتهدات النّجا ... جوافل في طامسات الصّوى
فأبن عطاشا فسقّينهنّ ... مجاجاتهنّ كماء السّلى
وبتن يراطنّ رقش الظّهور ... حمر الحواصل حمر اللها
فذاك وقد أغتدي في الصّباح ... بأجرد كالسّيد عبل الشّوى
له كفل أيّد مشرف ... وأعمدة لا تشكّى الوجى
وأذن مؤلّلة حشرة ... وشدق رحاب وجوف هوا
ولحيان مدّا إلى منخر ... رحيب وعوج (1) وطوال الخطا
له تسعة طلن من بعد أن ... قصرن له تسعة في الشّوى
وسبع عرين وسبع كسين ... وخمس رواء وخمس ظما
وسبع قربن وسبع بعد ... ن منه فما فيه عيب يرى
وتسع غلاظ وسبع رقاق ... وصهوة عير ومتن خظا
حديد الثّمان عريض الثّمان ... شديد الصّفاق شديد المطا
وفيه من الطّير خمس فمن ... رأى فرسا مثله يقتنى
غرابان فوق قطاة له ... ونسر ويعسوبه قد بدا
جعلنا له من خيار الّلقا ... ح خمسا مجاليح ثمّ الذّرى
يغادى بعضّ له دائبا ... ونقفيه من حلب ما اشتهى
فقاظ صنيعا فلما شتا ... أخذناه بالقود حتّى انطوى
فهجنا به عانة في الغطاط ... خماص البطون صحاح العجى
فولّين كالبرق في نفرهنّ ... جوافل يكسرن صمّ الصّفا
فصوّبه العبد في إثرها ... فطورا يغيب وطورا يرى
كأنّ بمنكبه إذ جرى ... جناحا يقلّبه في الهوا
فجدّل خمسا فمن مقعص ... وشاص كراعاه دامي الكلى
وثنتان خضخض قصبيهما ... وثالثة رويت بالدّما
فرحنا بصيد إلى أهلنا ... وقد جلّل الأرض ثوب الدّجى
ورحنا به مثل وقف العرو ... س أهيف لا يتشكّى الحفا
وبات النّساء يعوّذنه ... ويأكلن من صيده المشتوى
وقد قيّدوه وغلّوا له ... تمائم ينفث فيها الرّقى
[1582] قال أبو علي: نأت: بعدت، يقال: نأى ينأى نأيا، والنّأى: البعد، والنّائي:(1/483)
نأت دار ليلي وشطّ المزار ... فعيناك ما تطعمان الكرى
ومرّ بفرقتها بارح ... فصدّق ذاك غراب النّوى
فأضحت ببغدان في منزل ... له شرفات دوين السّما
وجيش ورابطة حوله ... غلاظ الرّقاب كأسد الشّرى
بأيديهم محدثات الصّقال ... سريجيّة يختلين الطّلى
ومن دونها بلد نازح ... يجيب به البوم رجع الصّدى
ومن منهل آجن ماؤه ... سدى لا يعاذ به قد طمى
ومن حنش لا يجيب الرّقا ... ة أسمر ذي حمة كالرّشا
أصمّ صموت طويل السّبا ... ت منهرت الشّدق حاري القرا
له في اليبيس نفاث يطير ... على جانبيه كجمر الغضى
وعينان حمر مآقيهما ... تبصّان في هامة كالرّحا
إذا ما تثاءب أبدى له ... مذرّبة عصلا كالمدى
كأنّ حفيف الرّحا جرسه ... إذا اصطكّ أثناؤه وانطوى
ولو عضّ حرفي صفاة إذا ... لأنشب أنيابه في الصّفا
كأنّ مزاحفه أنسع ... حززن فرادى ومنها ثنى
وقد شاقني نوح قمريّة ... طروب العشاء هتوف الضّحى
من الورق نوّاحة باكرت ... عسيب أشاء بذات الغضى
فغنّت عليه بلحن لها ... يهيّج للصّبّ ما قد مضى
مطوّقة كسيّت زينة ... بدعوة نوح لها إذا دعا
فلم أر باكية مثلها ... تبكّي ودمعتها لا ترى
أضلّت فريخا فطافت له ... وقد علقته حبال الرّدى
فلمّا بدا اليأس منه بكت ... عليه وماذا يردّ البكا
وقد صاده ضرم ملحم ... خفوق الجناح حثيث النّجا
حديد المخالب عاري الوظي ... ف ضار من الورق فيه قنا
ترى الطّير والوحش من خوفه ... جواحر منه إذا ما اغتدى
فبات عذوبا على مرقب ... بشاهقة صعبة المرتقى
فلما أضاء له صبحه ... ونكّب عن منكبيه النّدى
وحتّ بمخلبه قارتا ... على خطمه من دماء القطا
فصعّد في الجوّ ثم استدا ... ر طار حثيثا إذا ما انصمى
فآنس سرب قطا قارب ... جبى منهل لم تمحه الدّلى
غدون بأسقية يرتوين ... لزغب مطرّحة بالفلا
يبادرن وردا ولم يرعوين ... على ما تخلّف أو ما ونى
تذكّرن ذا عرمض طاميا ... يجول على حافتيه الغثا
به رفقة من قطا وارد ... وأخرى صوادر عنه روا
فملّأن أسقية لم تشدّ ... بخرز وقد شدّ منها العرا
فأقعص منهنّ كدرية ... ومزّق حيزومها والحشى
فطار وغادر أشلاءها ... تطير الجنوب بها والصّبا
يخلن حفيف جناحيه إذ ... تدلّى من الجوّ برقا بدا
فولّين مجتهدات النّجا ... جوافل في طامسات الصّوى
فأبن عطاشا فسقّينهنّ ... مجاجاتهنّ كماء السّلى
وبتن يراطنّ رقش الظّهور ... حمر الحواصل حمر اللها
فذاك وقد أغتدي في الصّباح ... بأجرد كالسّيد عبل الشّوى
له كفل أيّد مشرف ... وأعمدة لا تشكّى الوجى
وأذن مؤلّلة حشرة ... وشدق رحاب وجوف هوا
ولحيان مدّا إلى منخر ... رحيب وعوج (1) وطوال الخطا
له تسعة طلن من بعد أن ... قصرن له تسعة في الشّوى
وسبع عرين وسبع كسين ... وخمس رواء وخمس ظما
وسبع قربن وسبع بعد ... ن منه فما فيه عيب يرى
وتسع غلاظ وسبع رقاق ... وصهوة عير ومتن خظا
حديد الثّمان عريض الثّمان ... شديد الصّفاق شديد المطا
وفيه من الطّير خمس فمن ... رأى فرسا مثله يقتنى
غرابان فوق قطاة له ... ونسر ويعسوبه قد بدا
جعلنا له من خيار الّلقا ... ح خمسا مجاليح ثمّ الذّرى
يغادى بعضّ له دائبا ... ونقفيه من حلب ما اشتهى
فقاظ صنيعا فلما شتا ... أخذناه بالقود حتّى انطوى
فهجنا به عانة في الغطاط ... خماص البطون صحاح العجى
فولّين كالبرق في نفرهنّ ... جوافل يكسرن صمّ الصّفا
فصوّبه العبد في إثرها ... فطورا يغيب وطورا يرى
كأنّ بمنكبه إذ جرى ... جناحا يقلّبه في الهوا
فجدّل خمسا فمن مقعص ... وشاص كراعاه دامي الكلى
وثنتان خضخض قصبيهما ... وثالثة رويت بالدّما
فرحنا بصيد إلى أهلنا ... وقد جلّل الأرض ثوب الدّجى
ورحنا به مثل وقف العرو ... س أهيف لا يتشكّى الحفا
وبات النّساء يعوّذنه ... ويأكلن من صيده المشتوى
وقد قيّدوه وغلّوا له ... تمائم ينفث فيها الرّقى
[1582] قال أبو علي: نأت: بعدت، يقال: نأى ينأى نأيا، والنّأى: البعد، والنّائي:
البعيد، وأما ناء فنهض. وشطّ: بعد، يقال: شطّ وشطن ونزح ونضب وشسع إذا بعد.
والكرى: النّوم، يقال: كري يكرى كرى إذا نام. وأما كرا يكروا فلعب بالكرة. ومرّ بفرقتها بارح قال أبو عبيدة: سأل يونس رؤبة وأنا شاهد عن السّانح والبارح، فقال: السانح: ما ولّاك ميامنه. والبارح: ماولّاك مياسره. وقال غيره: السانح: ما مرّ على يمينك، والبارح: ما هو على يسارك. وأكثر العرب تتبرك بالسانح وتتشاءم بالبارح، وفيهم قوم يتبركون بالبارح ويتشاءمون بالسانح. والنّوى: البعد، والنّوى: النّيّة للمكان الذي ينوونه. وبغدان: فيها أربع
__________
(1) يقال لقوائم الدابة: عوج بالضم، صفة غالبة: ويستحب فيها ذلك كذا في «اللسان» مادة «عوج». ط(1/484)
لغات، يقال: بغداد وبغدان ومغدان وبغداذ وهي أقلّها وأردؤها، وشرفات: جمع شرفة.
وهي معروفة. والرّابطة: القوم الذين قد ربطوا خيولهم. والشّرى: موضع كثير الأسد.
وسريجيّة: منسوبة إلى سريج، يعني: السيوف. وكان أبو بكر بن دريد رحمه الله يفسر بيت العجّاج: [الرجز]
وفاحما ومرسنا مسرّجا
قال: يعني أن أنفه كالسيف السّريجي في استوائه ودقّته وشممه. ويختلين: يقطعن، وأصله من الخلى وهو الرّطب يقال: خليت الخلى واختليته، ومنه سميّت المخلاة. والطّلى:
جمع طلية. كذا قال الأصمعي. وهي صفحة العنق، وأنشد لذي الرمة: [البسيط]
أضلّه راعيا كلبيّة صدرا ... عن مطلب وطلى الأعناق تضطرب
والمطلب: البعيد الذي يحوجك إلى طلبه. وقال أبو عمرو الشّيباني: واحد الطّلى طلاة، وأنشد: [الطويل]
متى تسق من أنيابها بعد هجعة ... من اللّيل شربا حين مالت طلاتها (1)
والصّدى هاهنا: الصّوت الذي يجيبك من الجبل، والصّدى أيضا: ذكر البوم، وقد استقصينا هذا في كتابنا المقصور والممدود. والآجن: المتغيّر، يقال: أجن الماء يأجن ويأجن أجونا، وأسن يأسن ويوسن أسونا. وقد أجن وأسن، وليسا بالفصيحين. فأما أسن الرجل إذا دير به من خبث رائحة البئر فعلى فعل لا غير. وسدى: مهمل لا يرده أنيس. ويعاذ ويلاذ واحد، يقال: عذت بالشيء ولذت به. وطما: ارتفع، يقال: طما الماء يطمو.
والحنش: الحيّة. والحمة: سمّه وضرّه. والرّشاء: الحبل ممدود فقصره للضرورة.
ومنهرت: واسع مشقّ الشّدق، ويقال: هرت ثوبه وهرده وهرطه، ثلاث لغات. والقرا:
الظّهر وإنما جعله حاري القرا لأنه قد حرى جسمه أي: نقص وإذا كان كذلك كان أخبث له، ومنه قولهم: رماه الله بأفعى حارية، والنّفاث جمع نفاثة: وهو ما نفثه من فيه، وإنما شبهه بجمر الغضى لأن جمرها أشدّ حرارة وأكثر بقاء وأحسن منظرا، ولذلك أكثرت الشعراء ذكرها في أشعارهم. والمآقي: جمع مأق، وفي مأق العين لغات، يقال: مأق مهموز وماق غير مهموز، فمن همز جمع آماقا مثل أمعاق، ومن لم يهمز قال أمواق. ومؤق مهموز وموق غير مهموز، وجمعهما مثل جمع الأول: ومأق وماق فمن همز جمع مآقيا، ومن لم يهمز قال: مواق ومؤق وموق، وجمعهما كجمع اللذين يليانهما من قبلهما. وموقيء مثل موقع وجمعه مواقي مثل مواقع. وأمق وجمعه آماق مثل أعناق. وموق العين: الجانب الذي يلي
__________
(1) قال سيبويه: ولا نظير له إلا حرفان حكاة وحكى وهو ضرب من العظاء، ومهاة ومهى بضم أولها وهو ماء الفحل في رحم الناقة. انظر: «اللسان» مادة «طلى». ط(1/485)
الأنف من العين. واللّحاظ: الذي يلي الصّدغ. وتبصّان: تبرقان، يقال: بصّ يبصّ بصيصا، ووبص يبص وبيصا، ورفّ يرفّ، ولصف يلصف لصيفا، وألّ يؤلّ ألّا إذا برق.
والهفّاف: البرّاق، وكذلك المؤتلق والدّليص. وتثأب: تفعّل من الثّوباء. ومذرّبة:
محدّده: وعصل: معوجّة، يقال: ناب أعصل. والمدى: السكاكين، واحدتها مدية، قالت الخنساء: [مجزوء الكامل]
فكأنّما أمّ الزما ... ن نحورنا بمدى الذّبائح
والحفيف: الصّوت، وكذلك الهفيف والعجيج. والجرس: الصّوت وفيه ثلاث لغات، يقال: جرس وجرس وجرس، وكان أبو بكر رحمه الله يختار جرسا بفتح الجيم إذا لم يتقدمه حسّ فإن تقدمه حسّ اختار الكسر، وقال: هذا كلام فصحاء العرب. والصّكّ: الضّرب.
واصطكّ افتعل من الصّكّ. وأثناؤه: جمع ثنى يريد أعطافه، وأثناء الوادي: ما انعرج منه، وكذلك محانيه وأصواحه. والصّفاة: الصّخرة وجمعها صفا، وكذلك الصّفواء والصّفوانة.
والأنسع: جمع نسع وهو حبل مضفور من أدم. وفرادى: أفراد. وثناء ممدود: اثنان اثنان، وقصره للقافية ضرورة. وشاقني: شوّقني، لا فرق بينهما على المبالغة والتكثير. والورق:
جمع أورق، والورقة: لون الرّماد. والعسيب: السّعف وجمعه عسب. والأشاء: الصّغار من النخل، واحدتها أشاءة. والضّرم: الجائع. والملحم: الذي يرزق اللّحم كثيرا. والملحم:
الذي يطعم أفراخه اللحم. والنّجاء: الذهاب والسرعة ممدود فقصره للضرورة. والمخالب جمع مخلب وهي أظفار السباع وما صاد من الطير، فأما الفأر واليربوع والغراب وما أشبهها فيقال لظفره برثن، كذلك قال الأصمعي. قال أبو زيد: البرثن مثل الإصبع. والمخلب: ظفر البرثن، قال النابغة: [البسيط]
فقلت يا قوم إنّ الّليث منقبض ... على براثنه للوثبة الضّاري
وقال ابن الأعرابي: البرثن: الكفّ بكمالها مع الأصابع. والوظيف: في كل ذي أربع في رجليه فوق الرّسغ ودون العرقوب، وفي يديه فوق الرسغ ودون الركبة، ففي الرّجل الرّسغ ثم الوظيف ثم العرقوب ثم الساق ثم الفخذ ثم الورك، وفي اليد الرّسغ ثم الوظيف ثم الركبة ثم الذراع ثم العضد ثم الكتف. والقنا: احديداب في المنقار، وكل صائد من الطير فيه قنا، والعرب تستحبّ القنا في أنف الناس. وجواحر: جمع جاحرة وهي التي قد لجأت إلى جحرتها. والعذوب: القائم الساكت الذي لا يطعم. والمرقب: المكان المرتفع، وإنما سمّي مرقبا لأنه يرقب منه أي: يحفظ منه ويحرس. والمرتقى: المصعد. ونكّب: أصله ميّل، يريد: ألقى. وحتّ وحكّ واحد. والقارت: الدم اليابس، يقال: قرت الدم يقرت قروتا.
وانصمى: اندرأ، واندرأ: اندفع، يقال: اندرأ علينا واندره: اندفع ودرأته ودرهته. وآنس:
أبصر، قال الله عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء: 6] والسّرب: القطيع من الطير
والظباء والنّساء والبقر، ويقال: فلان واسع السّرب أي: رخيّ البال. وعلى لفظه هو آمن في سربه بكسر السين أي: في نفسه، وهو آمن في سربه بفتح السين أي: في جماعته، والسّرب بفتح السين أيضا: الوجه، قال ذو الرمة: [البسيط](1/486)
أبصر، قال الله عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء: 6] والسّرب: القطيع من الطير
والظباء والنّساء والبقر، ويقال: فلان واسع السّرب أي: رخيّ البال. وعلى لفظه هو آمن في سربه بكسر السين أي: في نفسه، وهو آمن في سربه بفتح السين أي: في جماعته، والسّرب بفتح السين أيضا: الوجه، قال ذو الرمة: [البسيط]
خلّى لها سرب أولاها وهيّجها ... من خلفها لاحق الصّقلين همهيم
وعلى لفظه: السّرب: الإبل وما رعى من المال، يقال: جاء سرب بني فلان أي:
إبلهم، ومنه قولهم: «اذهب فلا أنده سربك» أي: لا أردّ إبلك لتذهب حيث شاءت.
[من ألفاظ العرب في الطلاق] وكانت العرب تطلّق بقولهم (1): «اذهبي فلا أنده سربك» وبقولهم: «حبلك على غاربك» ويقال: سرب الفحل يسرب سروبا إذا ذهب في الأرض، قال أخنس بن شهاب: [الطويل]
وكلّ أناس قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب
والسّرب: سرب الثعلب بفتح الراء، يقال: انسرب الثعلب إذا دخل في سربه، وعلى لفظه السّرب: الماء الذي يخرج من عيون خرز القربة الجديدة، قال جرير: [الوافر]
بلى فانهلّ دمعك غير نزر ... كما عيّنت بالسّرب الطّبابا
والطّباب: واحدها طبّة، وهي رقعة تكون في أسفل المزادة، ويقال: سرّب قربنك أي: اجعل فيها الماء حتى تنسد عيون الخرز، وقال ذو الرمة: [البسيط]
ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفريّة سرب
يريد: كأنه سرب من كلى مفريّة. وروى أبو عمرو الشّيباني: سرب بكسر الراء أي:
سائل، والأول رواية الأصمعي وهو أجود. وقال الأموي: السّرب: الخرز وهو شاذّ لم يقله أحد غيره. والسّربة: الجماعة من الخيل والحمير والإبل. ويقال: سرّب على الإبل أي:
أرسلها قطعة قطعة. والمسربة: الشعر المستدقّ من الصّدر إلى السّرّة، قال الشاعر: [الكامل]
الآن لمّا ابيضّ مسربتي ... وعضضت من نابي على جذم
والقارب: الطالب للماء، يقال: قربت الإبل تقرب، وأقربها أهلها، قال الأصمعي:
فهم قاربون، ولا يقال: مقربون، وهذا الحرف شاذّ. قال أبو علي: إنما قالوا: قاربون لأنهم أرادوا ذوو قرب ولم يبنوه على أقرب، وليلة القرب: ليلة طلب الماء، أنشدني أبو بكر بن دريد: [الطويل]
يقاسون جيش الهرمزان كأنّهم ... قوارب أحواض الكلب تلوب
وتلوب: تحوم حول الماء من العطش، يقال: لابت تلوب لوبا. واللّواب: العطش الذي يحوم صاحبه حول الماء من شدّته. والجبا بفتح الجيم مقصور: ما حول الماء. والجبا
__________
(1) سيرد في هذا الكتاب تقييد ذلك بالجاهلية. انظر الفقرة الآتية برقم (1664).(1/487)
بكسر الجيم مقصور: ما جمعت في الحوض من الماء، ويقال له: جبوة وجباوة، وقال الكسائي: جبيت الماء في الحوض جبا مقصور، كذا روى أبو عبيدة عنه، وحكى اللحياني:
جبيت وجبوت. والمنهل: الفرضة. والمنهل: الماء أيضا، وإنما سمّي منهلا لأنه ينهل منه العطشان أي: يروى. وقرأت على أبي عمر قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: [الرجز]
ومنهل فيه الغراب ميت ... كأنه من الأجون زيت
سقيت منه القوم واستقيت ... وليلة ذات ندى سريت
ولم يلتني عن سراها ليت ... ولم تصرني كنّة وبيت
وجمّة تسألني أعطيت ... وسائل عن خبري لويت
فقلت لا أدري وقد دريت
قال أبو علي: تصرني: تعطفني وتميلني. والبيت هاهنا: المرأة، يقال: هي بيته أي:
امرأته. والجمّة: القوم يسألون في الدية.
وسائل عن خبري لويت
هكذا أنشده ابن الأعرابي، عن خبري، وأنشدنيه أبو بكر بن دريد، عن خبر وهو أجود. وتمحه: تعترفه. والمائح: الذي ينزل في البئر إذا قلّ الماء فيملأ الدلو، وأنشدني أبو بكر: [الرجز]
يأيّها المائح دلوي دونكا ... إنّي رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجدونكا
ومن هذا قولهم: فلان يستميح فلانا، وفلان يميح فلانا، فأما الماتح فالذي يقوم على رأس البئر فيجذب الدّلو، قال ذو الرمة:
كأنها دلو بئر جدّ ماتحها ... حتى إذا ما رآها خانه الكرب
والدّلا: جمع دلاة وهي الدّلو، قال الراجز: [الرجز]
إنّ دلاتي أيما دلاتي ... قاتلتي وملوها حياتي
ويرتوين: يستقين، قال الأصمعي: يقال: رويت على أهلي أروي ريّا فأنا راو إذا أتيتهم بالماء، وقوم رواء. والزّغب: جمع أزغب وزغباء، وهي ذوات الزّغب، والزّغب: الريش الضعيف أوّل ما يبدو، ويقال للطائر أوّل ما يظهر ريشه: قد بثّر، ثم حمّم، ثم وتّد: ثم زغّب. والفلا: جمع فلاة، قال الشاعر: [الطويل]
إليك أبا حفص تعسّفت الفلا ... برحلي فتلاء الذّراعين جلعد
وجمع الفلا فليّ. والورد: الورود، والورد: الإبل التي ترد الماء، كذا حكى الطّوسيّ، عن ابن الأعرابي. ويرعوين: يعطفن ويرجعن. وونى: فتر. والعرمض والطّحلب والغلفق:
الخضرة التي تعلو الماء، وقال الأصمعي: إذا قدم الماء علته ثلاثة أشياء: الطّحلب والعرمض والغلفق، فالعرمض: خضرة رقيقة، والطّحلب: مثل الرّجرجة تغطّي الماء، والغلفق: مثل صغار الورق ينبت نباتا من أسفل الماء إلى أعلاه، وقال يعقوب بن السّكّيت: العرمض أغلظ من الطّحلب، وأنشد الطّوسيّ لعمرو (1): [الطويل](1/488)
إليك أبا حفص تعسّفت الفلا ... برحلي فتلاء الذّراعين جلعد
وجمع الفلا فليّ. والورد: الورود، والورد: الإبل التي ترد الماء، كذا حكى الطّوسيّ، عن ابن الأعرابي. ويرعوين: يعطفن ويرجعن. وونى: فتر. والعرمض والطّحلب والغلفق:
الخضرة التي تعلو الماء، وقال الأصمعي: إذا قدم الماء علته ثلاثة أشياء: الطّحلب والعرمض والغلفق، فالعرمض: خضرة رقيقة، والطّحلب: مثل الرّجرجة تغطّي الماء، والغلفق: مثل صغار الورق ينبت نباتا من أسفل الماء إلى أعلاه، وقال يعقوب بن السّكّيت: العرمض أغلظ من الطّحلب، وأنشد الطّوسيّ لعمرو (1): [الطويل]
وماء بموماة قليل أنيسه ... كأنّ به من لون عرمضه غسلا
والغسل: كل ما غسل به الرأس. والغسل هاهنا: الخطميّ. وطاميا: مرتفعا، يقال:
طمى الماء يطمي طميا وطما يطمو طموّا. والغثاء ممدود احتاج إليه فقصره، وهو ما على الماء من كسار العيدان وحطام النّبت. وأقعص: قتل. والإقعاص: أن تضرب الشيء أو ترميه فيموت مكانه، يقال منه: أقعصته إقعاصا، ومثله أصميته إصماء، وزعفته وأزعفت وهو مأخوذ من الموت الزّعاف. والكدريّة: العظيمة من القطا، نسبها إلى الكدر وهي معظم القطا وهي كدر الألوان. والحيزوم: الصّدر. وغادر: ترك، قال عنترة: [الكامل]
هل غادر الشعراء من متردّم
والأشلاء: جمع شلو وهو بقيّة الجسد، والجوافل: المنكشفة الذاهبة، واحدتها جافلة، ومنه قيل: جفلت الريح التّراب إذا كشفته وأذهبته، والطامسات: الدراسات، يقال: طمس وطسم إذا درس، وطامسات وطاسمات. والصّوى: الأعلام المنصوبة في الطريق ليهتدى بها واحدتها صوّة، ومنه الحديث (2): «إن للإسلام صوى ومنارا كمنار
__________
(1) في النسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (61) أدب ش: عمرو بن شماس. ط
(2) رواه ابن السّني في «عمل اليوم والليلة» (رقم 60) من طريق عيسى بن يونس، والحاكم في «المستدرك» (1/ 174173رقم 60) من طريق الوليد بن مسلم، وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 217 218) من طريق روح بن عبادة، ثلاثتهم عدا عيسى ثنا ثور بن يزيد وقال عيسى: عن ثور عن خالد بن معدان، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به.
وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط البخاري، فقد روى عن محمد بن خلف العسقلاني، واحتجّ بثور بن يزيد الشامي. فأمّا سماع خالد بن معدان عن أبي هريرة فغير مستبدع، فقد حكى الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عنه أنه قال: لقيت سبعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ولعلّ متوهّما يتوهّم أنّ هذا متن شاذّ فلينظر في الكتابين ليجد من المتون الشاذة التي ليس لها إلا إسناد واحد ما يتعجب منه ثم ليقس هذا عليها» اهـ
وقال أبو نعيم: «غريب من حديث خالد، تفرد به ثور، حدّث به أحمد بن حنبل والكبار عن روح» اهـ
وقال أبو حاتم الرازي: «خالد قد أدرك أبا هريرة، ولا يذكر له سماع» اهـ
انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 53رقم 187)، و «جامع التحصيل» للعلائي، مع «تحفة التحصيل» لولي الدين العراقي.
وقع في كتاب ابن السني والحاكم: «ضوءا» مكان: «صوى»، ووقع في «كنز العمال» (رقم 34):
«صنوا» كذا، وهكذا ورد في «الكنز» أيضا (رقم 20) معزوا للطبراني عن أبي الدرداء.
والحديث في «اللسان» وغيره مادة: «صوى».(1/489)
الطريق» (1) ويقال: قد أصوى القوم إذا وقعوا في الصّوى، وقد استقصينا هذا الحرف في كتابنا المقصور والممدود. وأبن: رجعن، والآئب: الراجع، والإياب: الرّجوع.
والمجاجات: جمع مجاجة وهي ما مجّته بأفواهها. والسّلى: الجلد الرقيق الذي يخرج على الولد. ويراطنّ: يعجمن، والتّراطن: ما لا يفهم من كلام العجم، قال علقمة بن عبدة: [البسيط]
يوحى إليها بإنقاض (2) ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الرّوم
حدثني أبو بكر بن دريد رحمه الله قال: قال أعرابي (3): والله ما أحسن الرّطانة، وإني لأرسب من رصاصة، وما قرقمني إلا الكرم. والمقرقم: البطئ الشّباب، أنشد أبو عبيد (4):
[الرجز]
أشكو إلى الله عيالا دردقا ... مقرقمين وعجوزا شملقا
بالشين معجمة وهو أحد ما أخذ عليه. وروى ابن الأعرابي سملقا بالسين غير المعجمة وهو الصحيح. والدّردق: الصّغار. والرّقش: جمع أرقش ورقشاء وهي المنقّطة، ويقال:
رقشت الكتاب رقشا ورقّشته إذا كتبته ونقطته، قال طرفة: [المديد]
كسطور الرّقّ رقّشه ... بالضّحى مرقّش يشمه
قال مرقّش الأكبر. واسمه ربيعة: [السريع]
الدّار قفر والرّسوم كما ... رقّش في ظهر الأديم قلم
وبهذا البيت سمّي مرقشا. واللها: جمع لهاة، مثل قطاة وقطا، وقد مده الشاعر للضرورة وهو ردىء جدّا ليس كقصر الممدود، أنشدنا الفراء [الرجز]:
يا لك من تمر ومن شيشاء ... ينشب في المسعل واللهاء
والشّيشاء: الشّيص. والأجرد: القصير الشعر، وهو مدح في الخيل، قال الشاعر:
وأجرد من فحول الخيل طرف ... كأنّ على شواكله دهانا
والسّيد: الذئب، والعرب تشبّه به الفرس، قال امرؤ القيس: [الطويل]
عليه كسيد الرّدهة المتأوّب
والرّدهة: النّقرة في الجبل يستنقع فيها الماء، وجمعها رداه، والوقيعة: مثله، وكذلك الوقط والوجذ والقلت. والعبل: الغليظ، يقال: فرس عبل القوائم وعبل المحزم أي: غليظ المحزم، وهو مدح في الخيل، قال امرؤ القيس: [الطويل]
سليم الشّظى عبل الشّوى شنج النّسا ... له حجبات مشرفات على الفال
__________
(1) في «اللسان»: «أراد: أنّ للإسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها» اهـ
(2) الانقاض: التصويت. ط
(3) انظر: «التنبيه» [120].
(4) انظر: «التنبيه» [121].(1/490)
أراد الفائل، والفائل: عرق في الخربة يستبطن الفخذ ويجرى إلى الرّجلين. والخربة:
النّقرة التي في الورك ليس بينها وبين الجوف عظم إنما هو جلد ولحم، قال الأعشى:
[البسيط]
قد نطعن العير في مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل
وذلك أن الفارس الحاذق بالطعن إذا طعن الطّريدة تعمّد الخربة لأنه ليس دون الجوف عظم، ولذلك فخر به الأعشى أي: إنا بصراء بمواضع الطعن. ومكنون الفائل: دمه.
والشّوى: الأطراف: اليدان والرجلان، ومنه قيل: رماه فأشواه إذا أخطأه كأنّ السهم مرّ بين شواه، ويكون أشواه أيضا: أصاب شواه وهو غير مقتل. وأيد: قويّ، والأيد والآد: القوّة، قال الله عز وجل: {وَالسَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47]. ويستحب من الفرس إشراف القطاة والحارك، قال النابغة الجعدي: [المتقارب]
على أنّ حاركه مشرف ... وظهر القطاة ولم يحدب
والأعمدة هاهنا: القوائم، واحدها عمود. والوجى: أن يجد الفرس وجعا في باطن حافره من غير أن يكون فيه وهي ولا خرق، يقال: وجي الفرس يوجى وجى شديدا.
والمؤلّلة: المحدّدة، والعرب تستحبّ التّأليل في أذن الفرس وتمدح به، قال الشاعر:
[البسيط]
يخرجن من مستطير النّقع دامية ... كأنّ آذانها أطراف أقلام
وحشرة: لطيفة رقيقة، قال الشاعر: [المتقارب]
لها أذن حشرة مشرة ... كإعليط مرخ إذا ما صفر
المشرة (1): الورقة، يقال: قد تمشّر الشحر إذا أورق، وتمشّر الرجل إذا اكتسى.
والإعليط: وعاء المرخ، والعرب تشبّه به آذان الخيل. وصفر: خلا، وكلّ لطيف دقيق رقيق حشر، يقال: حربة حشرة، قال رؤبة: [الرجز]
ووافقت للرّمي حشرات الرّشق
قال ابن الأعرابي: حشرت العود إذا بريته، وأنشد: [الطويل]
وتلقى لئيم القوم للناس محشرا
أي: يقشر أموالهم. والرّحاب والرّحيب: الواسع، مثل طوال وطويل وجسام وجسيم.
والهواء ممدود قصره للضرورة وهو الفرجة بين الشيئين، يريد أنه واسع الجوف، كما قال امرؤ القيس: [الطويل]
وجوف هواء تحت صلب كأنّه ... من الهضبة الخلقاء زحلوق ملعب
__________
(1) عبارة «اللسان» مادة: «مشر»: إنما عنى أنها دقيقة كالورقة قبل أن تتشعب. وحشرة: محددة الطرف ومشرة اتباع قال ابن بري والبيت للنمر بن تولب يصف أذن ناقته ورقتها ولطفها. ط(1/491)
والّلحيان: تثنية لحي وهما عظما اللهزمتين وإذا طالا طال خدّ الفرس، وطول الخدّ مدح في الخيل. والعرب تستحبّ سعة المنخر في الفرس لأنه إذا اتسع منخره لم يحبس الرّبو في جوفه قال امرؤ القيس: [المتقارب]
لها منخر كوجار الضّباع ... فمنه تريح إذا تنبهر
[1583]
[ما يستحب من الفرس، وما فيه من أسماء الطير، وغير ذلك]
وفسر ابن الأعرابي في هذه القصيدة ما نحن ذاكروه، قال ابن الأعرابي: التّسعة الطّوال: عنقه وخداه ووظيفا رجليه وبطنه وذراعاه وفخذاه، وتفسيره غير موافق لقول الشاعر لأنه ذكر عشرة أشياء وقد ذكر الشاعر تسعة، ونازعت فيه أبا عمرو في وقت قراءتي عليه، فقال: قال لنا أبو العباس: هذا غلط من الشاعر، قال أبو علي: ونظرت فإذا لا تصحّ تسعة ولا سبعة فيقع الظنّ أن الراوي أخطأ في النقل، وذلك أنه أراد كل شيء يستحب طوله في القوائم فهي ثمانية: وظيفا الرجلين والذراعان، والثّنن وهي الشعر الذي في مؤخّر الرّسغ واحدتها ثنّة، ويستحبّ طولها وسوادها، ولذلك قال الشاعر: [المتقارب]
لها ثنن كخوافي العقا ... ب سود يفين إذا تزبئر
ويفين: يطلن، يقال: وفى شعره يفي إذا طال. وتزبئرّ: تنتفش، فإن كان الشاعر ذهب إلى هذا وأراد معها العنق جاز وصح قوله لأنه قال: تسعة في الشّوى، والشّوى:
القوائم. وقال ابن الأعرابي: والتسعة القصار: أربعة: أرساغه ووظيفا يديه وعسيبه وساقاه، وهذا صحيح على ما ذكرنا لأنه ذكر العسيب مع القوائم فحمل كلامه على الأكثر كما ذكرنا في الأول. وقال ابن الأعرابي: والسبعة العارية: خدّاه وجبهته والوجه كلّه، وأن يكون عاري القوائم من اللحم، هذه كلها تستحب. وسبع مكسوة: الفخذان وحاميتاه ووركاه وحصيرا جنبيه ونهدتاه وهما في الصدر، قال أبو العباس: كذا قال ابن الأعرابي: نهدتاه، وغيره يقول: فهدتاه، قال أبو علي: الصحيح فهدتاه وهما اللحمتان اللتان في الزّور كالفهدين، وإن كان كلام ابن الأعرابي يحتمل في الاشتقاق أن يسمّيا النّهدتين. وقال ابن الأعرابي: السبع التي قربت، يريد سبع خصال صالحة قربن منه، وسبع خصال رديئة بعدن منه فلسن فيه. وقال ابن الأعرابي: وتسع غلاظ: أوظفته الأربعة وأرساغه الأربعة غلاظ وعكوته غليظة. والسبع الرّقاق: منخراه وأذناه وجحفلتاه وشفرته.
وحديد الثمان: عرقوباه وأذناه وقلبه ومنكباه. وعريض الثمان: عريض الفخذين والوركين والأوظفة. وفيه من الطير خمس: النّسر في باطن الحافر، والغرابان: ما أشرف من وركيه، والصّرد: عرق تحت لسانه، وعصفوره: عظم في وسط هامته، هذا جميع ما فسره ابن الأعرابي في هذه القصيدة.
* * *
[1584] قال أبو علي: يستحب من الفرس طول العنق، ولذلك قال امرؤ القيس:(1/492)
* * *
[1584] قال أبو علي: يستحب من الفرس طول العنق، ولذلك قال امرؤ القيس:
[المتقارب]
وسالفة كسحوق اللّيا ... ن أضرم فيها الغويّ السّعر
واللّيان: النخل. وقد روى (1) في هذا البيت اللّبان، وكان أبو بكر بن دريد رحمه الله يرد هذه الرواية ويقول: كيف يشبّه طول عنقه بشجرة اللّبان وهي مقدار قعدة الرجل في الارتفاع! ويستحبّ هرت الشّدقين وطول الخدين، ولذلك قال الشاعر: [المتقارب]
هريت قصير عذار اللّجام ... أسيل طويل عذار الرّسن
يريد: أن مشقّ شدقيه من الجانبين مستطيل فقد قصر عذار لجامه لأنه يدخل في فيه، وأنه أسيل الخدّ، والأسالة: الطّول، فعذار رسنه طويل لطول خده لأن الرسن لا يدخل في فيه منه شيء. ويستحب طول وظيفي الرّجلين، ولذلك شبّهت بالنّعام في طول الوظيف لأن ما يشبّه من خلق الفرس بخلق النعام طول الوظيفين وقصر الساقين، ولذلك قال أبو داود:
[الهزج]
لها ساقا ظليم خا ... ضب فوجئ بالرّعب
ويستحبّ قصر الظهر مع طول البطن، ويستحبّ طول الذراعين، ولذلك شبّهته العرب بالظبي.
ومما يشبّه من خلق الفرس بخلق الظبي طول وظيفي رجليه وتأنيف عرقوبيه، والتأنيف: التحديد، ولذلك قال أبو داود (2): [الهزج]
طويل طامح الطّرف ... إلى مفزعة الكلب
حديد الطّرف والمنك ... ب والعرقوب والقلب
لأن حدّة العرقوب تستحبّ من الفرس وهو من الظبي كذلك، وتستحب حدّة القلب والطّرف والمنكب. ويستحب سموّ الطّرف. ومما يشبّه أيضا من خلق الفرس بخلق الظبي عظم فخذيه وكثرة لحمهما، وعرض وركيه وشدّة متنيه وإجفار جنبيه أي: انتفاخهما، ولذلك قال أبو النجم: [الرجز]
منتفخ الجوف عريض كلكله
وقصر عضديه ونجل مقلتيه ولحوق أياطله، ولذلك قال امرؤ القيس: [الطويل]
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تنفل
__________
(1) قال في «اللسان» مادة «لون» بعد أن ذكر البيت: ورواه قوم من أهل الكوفة كسحوق اللبان، قال ابن بري: وهو غلط لأن شجر اللبان الكندر لا يطول فيصير سحوقا. والسحوق: النخلة الطويلة. ط
(2) انظر: «التنبيه» [122].(1/493)
والسّرحان: الذئب، ويقال: إنه أحسن الدوابّ تقريبا، والتقريب: أن يرفع يديه معا ويضعهما معا.
وممما يشبّه من خلق الفرس بخلق حمار الوحش غلظ اللحم وتعييره، والتعيير: أن يجتمع اللحم على رءوس العظام فيصير كالعير الذي في وسط نصل السّهم وهو الناشز في وسطه، وكذلك غير الكتف الناشز في وسطه، وظماء فصوصه وسراته وهو أعلى ظهره، ولذلك قال الشاعر: [المتقارب]
له متن عير وساقا ظليم
وتمكّن أرساغه وتمحيصها، والتمحيص ألا يكون على قوائمه لحم، ولذلك قال الشاعر: [الطويل]
وأحمر كالدّيباج أمّا سماؤه ... فريّا وأما أرضه فمحول
سماؤه: أعاليه. وأرضه: قوائمه. وعرض صهوته، والصّهوة: موضع اللّبد من الفرس حيث الراكب، وصهوة كل شيء: أعلاه، ولذلك قال امرؤ القيس: [الطويل]
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وصهوة عير قائم فوق مرقب
ويستحبّ من الفرس طول الذّنب في كثرة شعر، ولذلك قال طفيل الغنوي: [الطويل]
وأذنابها وحف كأنّ ذيولها ... مجرّ أشاء من سميحة (1) مرطب
ويستحب غلظ الأرساغ، ولذلك قال الجعدي: [المتقارب]
كأنّ تماثيل أرساغه ... رقاب وعول على مشرب
ويستحبّ عرض الصدر مع دقة الزّور وهو الجوجؤ، ولذلك قال امرؤ القيس:
[الطويل]
له جوجؤ حشر كأنّ لجامه ... يعالي به في رأس جذع مشذّب
فوصفه بدقّة الزّور وطول العنق. ويستحبّ من الفرس أن يكون إذا استدبرته كالمنكبّ وإذا استقبلته كالمقعي وإذا استعرضته مستويا. [1585] قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، قال: أخبرني عصام بن خليف السّلمي قال: قال ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استدبرته جنأ، وإذا استقبلته أقعى، وإذا استعرضته استوى، وإذا مشى ردى، وإذا عدا دحا.
فالرّديان: أن يرجم الأرض رجما بين المشى الشديد والعدو، وإذا رمى بيديه رميا لا يرفع سنبكه عن الأرض. قيل: مرّ يدحو دحوا.
[1586] وبهذا الإسناد قال: حدثني بعض أهل العلم أن عبد الرحمن الثقفي ابن أم
__________
(1) سميحة كجهينة: بئر بالمدينة أو بقديد أو اسم موضع: كذا في ياقوت. ط(1/494)
الحكم ابنة أبي سفيان. وكان علي الكوفة. أرسل ألف فرس في حلبة فعرضها على ابن أقيصر أحد بني أسد بن خزيمة فقال: تجيء هذه سابقة، فسألوه، ما الذي رأيت فيها؟ قال: رأيتها مشت فكتفت، وخبّت فوجفت، وعدت فنسفت، قال: فجاءت سابقة.
قال أبو علي: قوله: مشت فكتفت أي: حرّكت كتفيها، والكتف: المشي الرّويد، قال الشاعر (1): [الطويل]
قريح سلاح يكتف المشي فاتر
والوجيف: ضرب من السير فيه بعض السّرعة وهو دون الشّدّ، يقال: وجف يجف وجيفا، ومثله الوضع، يقال: وضع يضع وضعا، قال الأصمعي: قيل لرجل أسرع: كيف كنت في سيرك؟ قال: كنت آكل الوجبة، وأنجو الوقعة، وأعرّس إذا أفجرت، وأرتحل إذا أسفرت، وأسير الوضع، وأجتنب الملع، فجئتكم لمسي سبع أي: لمساء سبع ليال. فالملع: أرفع من الوضع. ونسفت: أدنت سنبكها من الأرض في عدوها، يقال للفرس: إنه لنسوف السّنبك.
[1587] وحدثني أبو بكر بالإسناد الذي تقدم قال: حدثني رجل من أهل الشام قال: سئل بعض بصراء أهل الشام: متى يبلغ ضمر الفرس؟ فقال: إذا ذبل فريره، وتفلّقت غروره، وبدا حصيره، واسترخت شاكلته. قال الأصمعي: الفرير: موضع المجسّة من عرف الفرس. والغرور: الغضون التي في جلده، واحدها غرّ. والحصير: العصبة التي في الجنب في أعلى الأضلاع مما يلي الصّلب. والشاكلة: الطفطفة.
[1588] قال أبو علي: وذكر هذا الشاعر خمسة من الطير في الفرس، وفي كل فرس من أسماء الطير عدة أكثر من هذه: فمنها الهامة وهو العظم الذي في أعلى رأسه، وفيه الدماغ، ويقال لها: أمّ الدماغ أيضا، والفرخ أيضا: وهو الدماغ وجمعه فروخ، والنّعامة: الجلدة التي تغطّي الدماغ، والعصفور (2): العظم الذي تنبت عليه الناصية، قال حميد: [البسيط]
ونكّل الناس عنا في مواطننا ... ضرب الرءوس التي فيها العصافير
والذّبابة: النّكيتة الصغيرة التي في إنسان العين فيها البصر. والصّردان: عرقان تحت لسانه. والسّمامة: الذائرة التي في صفحة العنق. والقطاة: مقعد الرّديف. والغرابان: رأسا الوركين فوق الذّنب حيث يلتقي رأس الورك الأيمن والأيسر. وقال الأصمعي: وفي الورك ثلاثة أسماء: فحرفاها المشرفان على الفخذين: الجاعرتان وهما موضع الرقمتين من أست الحمار، وحرفاها المشرفان على الذّنب حيث يلتقي رأس الورك الأيمن والأيسر: الغرابان.
وحرفاها اللّذان يشرفان على الخاصرتين: الحجبتان. والخرب: الهزمة التي بين الحجبة
__________
(1) هو لبيد وصدره كما في «اللسان»: وسقت ربيعا بالقناة كأنه قريح إلخ. ط
(2) انظر: «التنبيه» [123].(1/495)
والقصرى. والنّاهض: العظم الذي على أعلى العضد، والجمع نواهض وأنهض، وأنشد أبو عبيد (1): [الرجز]
وقرّبوا كلّ جماليّ عضه ... أبقى السّناف أثرا بأنهضه
والحمامة: القصّ، والنّسر: كالنّوى، والحصى: الصّغار يكون في الحافر مما يلي الأرض، قال الشاعر: [الطويل]
مفيجّ الحوامي عن نسور كأنها ... نوى القسب ترّت عن جريم ملجلج
قال أبو علي: مفجّ: واسع. والحوامي: نواحي الحافر، واحدتها حامية وإنما سمّيت حامية لأنها تحمي النّسور، وترّت: ندرت ونزت، والجريم: التّمر المجروم وهو المصروم. وملجلج من قولهم لجلج اللقمة في فيه إذا حرّكها، فالملجلج: المحرّك المدار في الفم، والفراش: العظام الرّقاق في أعلى الخياشيم وهي تسمّى الخشارم. والسّحاة: كلّ ما رقّ وهشّ من العظام التي تكون في الخياشيم وفي رءوس الكتفين. والصّقران: الدائرتان اللتان في مؤخر اللّبد دون الحجبتين. وخظا: ممتلئ. والصّفاق: الجلدة التي تحت الجلدة التي عليها الشعر من السّرّة إلى القنب، والقنب: وعاء قضيبه. واليعسوب: الغرة تكون على قصبة الأنف فوق الرّثم، ويقال: اليعسوب: كل بياض على قصبة الأنف عرض أو اعتدل لا يبلغ الخليقاء، والخليقاء: حيث التقى عظم أعلى الأنف وعظم الحاجب. والمجاليح: التي تدرّ في الشتاء، واحدها مجالح، وقال الأصمعي: إذا كانت الناقة تدرّ على الجوع والبرد فهي مجالح وقد جالحت مجالحة، وأنشد: [الطويل]
لها شعر داج وجيد مقلّص ... وجسم خداريّ وضرع مجالح
وقال الفرزدق: [الوافر]
مجاليح (2) الشتاء خبعثنات ... إذا النّكباء ناوحت الشّمالا
والخبعثنات: الغلاظ الشّداد، واحدها خبعثنة، ومنه قيل للأسد: خبعثنة. وشمّ:
مرتفعة. والذّرى: الأسنمة، واحدها ذروة. وأعلى كل شيء ذروته. ويقال للسّنام: الذّروة والشّرف والقمعة والقحدة والهودة والعريكة والكتر، قال علقمة بن عبدة: [البسيط]
كتر كحافة كير القين ملموم
قال الأصمعي: ولم أسمع بالكتر إلا في هذا البيت. والعضّ: علف أهل الأمصار مثل القتّ والنّوى، قال الأعشى: [الخفيف]
من سراة الهجان صلّبها العضّ ... ورعي الحمى وطول الحيال
__________
(1) البيت لهميان بن قحافة السعدي كما في «اللسان» مادة «نهض». ط
(2) الذي في «اللسان» مادة «خبعثن»: حواسات العشاء بدل مجاليح الشتاء أي: هي أكولات لعشائهن.
ولعلهما روايتان. ط(1/496)
الرّعي مصدر رعى يرعى رعيا. والرّعي: الكلأ. ونقفيه: نؤثره، والقفية: الأقرة.
والقفاوة: ما يخصّ به الرجل من الطعام، وقال الشاعر: [الطويل]
ونقفي وليد الحيّ إن كان جائعا ... ونحسبه (1) إن كان ليس بجائع
وقاظ من القيظ. وصنيع: مصنوع. والعانة: جماعة الحمر وجمعها عانات وعون، قال أبو النجم يذكر امرأة: [الرجز]
تعدّ عانات اللّوى من مالها
وقال حميد الأرقط: [الرجز]
أحقب شحّاج مشلّ عون
والغطاط: الصّبح بضم الغين، قال الراجز: [الراجز]
وردت قبل سدفة الغطاط
فأما الغطاط بالفتح: فضرب من القطا، قال الهذلي (2): [الوافر]
وماء قد وردت أميم طام ... على أرجائه زجل الغطاط
وخماص: ضوامر. والعجى: جمع عجاية، ويقال: عجاوة أيضا، كذا قال الأصمعي وهي قدر مضغة ملصقة بعصبة تنحدر من ركبة البعير إلى فرسنه، قال امرؤ القيس: [الطويل]
تطابير ظرّان الحصى عن مناسم ... صلاب العجى ملثومها غير أمعرا
وقال أبو عمر والشيباني: العجاية: عصبة في باطن يد الناقة وهي من الفرس مضيغة.
وجدّل: ألقاها على الجدالة، والجدالة الأرض: أنشد أبو زيد: [الرجز]
قد أركب الآلة بعد الآله ... وأترك العاجز بالجداله
وشاص: مرتفع، يقال: شصا يشصو إذا ارتفع، قال الأخطل يصف زقاق الخمر: [الطويل]
أناخوا فجرّوا شاصيات كأنّها ... رجال من السّودان لم يتسربلوا
والقصب: المعى، وجمعه أقصاب. والوقف: الخلخال ما كان من شيء من فضة أو غيرها وأكثر ما يكون من القرون والعاج. والأهيف: الضّامر. وغلّوا له: أغلوا في الثمن أي: ارتفعوا فيها، والغلو: مجاوزة القدر في الشيء والارتفاع فيه، ومنه سمت الغالية من الروافض. والتّمائم: جمع تميمة وهي العوذة، قال أبو ذؤيب: [الكامل]
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
__________
(1) تحسبه أي: نعطيه حتى يقول حسبي كذا في «اللسان» مادة «حسب» والبيت لامرأة من بني قشير. ط
(2) البيت للمتنخل الهذلي: وهو مالك بن عويمر. وفي «جمهرة أشعار العرب» (ص 120):
على أرجائه زجل القطاط
وهو محرف عن الغطاط بالغين. ط(1/497)
[1589]
[محاسبة معاوية لعمّاله على البلاد]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا العتبي، عن أبيه، عن جده قال:
ولّى معاوية روح بن زنباع فعتب عليه في جناية فكتب إليه بالقدوم، فلما قدم أمر بضربه بالسّياط فلما أقيم ليضرب، قال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين، أن تهدم منّي ركنا أنت بنيته، أو أن تضع منّي خسيسة أنت رفعتها، أو تشمت بي عدوّا أنت وقمته (1) وأسألك بالله إلّا أتى حلمك وعفوك دون إفساد صنائعك، فقال معاوية: إذا الله سنّى عقد أمر تيسّر، خلّوا سبيله.
[1590]
[وصف خطيب الأزد لقومه]:
وحدثنا أبو بكر، قال أخبرنا العكليّ، قال: حدثني حاتم بن قبيصة، عن شبيب بن شيبة قال: بعث الحجاج خطباء من الأحماس إلى عبد الملك فتكلّموا، فلما انتهى الكلام إلى خطيب الأزد قام فقال: قد علمت العرب أنّا حي فعال، ولسنا بحيّ مقال، وأنا نجزي بفعلنا عند أحسن قولهم، إنّ السيوف لتعرف أكفّنا، وإن الموت ليستعذب أرواحنا، وقد علمت الحرب الزّبون أنا نقرع جماحها، ونحلب صراها، ثم جلس.
[1591]
[من أدب الوعد والوعيد، والجرأة، والحدّة]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: مر رجل على قبر عامر بن الطّفيل فقال: عم صباحا أبا عليّ، فلقد كنت سريعا في وعدك إذا وعدت المولى، بطيئا في إيعادك إذا أوعدته، ولقد كانت هدايتك كهداية النّجم، وجرأتك كجرأة السيل، وحدّك كحدّ السيف.
* * * [1592]
[قول ابن ملجم حين ضرب عليّا]:
وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: بلغني أن ابن ملجم لعنه الله حين ضرب عليّا رضوان الله عليه، قال: أما أنا فقد أرهفت السيف، وطردت الخوف، وحثثت الأمل، وبقيت الرجل، وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ قتلتهم، وفي ذلك يقول النّجاشي: [الطويل]
إذا حيّة أعيا الرّقاة دواؤها ... بعثنا لها تحت الظّلام ابن ملجم
* * * [1593]
[من صفات الزوجة، وأسس اختيارها]:
وقال يعقوب: قال الفراء سمعت الكلابيّ يقول: قال بعضهم لولده: يا بنيّ، لا تتّخذها حنّانة ولا أنّانة، ولا منّانة، ولا عشبة الدّار، ولا كبّة القفا. الحنّانة: التي لها ولد من سواه
__________
(1) وقمه كوعده: قهره. ط(1/498)
فهي تحنّ عليهم. والأنّانة: التي مات عنها زوجها فهي إذا رأت الزوج الثاني: أنّت، وقالت:
رحم الله فلانا، لزوجها الأول، والمنّانة: التي لها مال، فهي تمنّ على زوجها كلما أهوى إلى شيء من الدار وحولها عشب في بياض الأرض فهي أفخم منه وأضخم لأنها غذتها الدّمنة، وذلك أطيب للأكل رطبا ويبسا لأنه نبت في أرض طيّبة وهذه نبتت في دمنة فهي منتنة رطبة، وإذا يبست صارت حتاتا وذهب قفّها في الدّمنة فلم يمكن جمعه، وذلك يجمع قفّه لأنه في أرض طيبة، قال أبو العباس أحمد بن يحيى: القفّ: ما يبس من البقل، وسقط على الأرض في موضع نباته. وقوله: كبّة القفا هي التي يأتي زوجها أو ابنها القوم، فإذا انصرف من عندهم قال رجل من جبناء القوم: قد والله كان بيني وبين امرأة هذا المولى أو أمّه أمر.
وقال بهدل الزبيري: أتى رجل ابنة الخسّ يستشيرها في امرأة يتزوّجها فقالت: انظر رمكاء جسيمة، أو بيضاء وسيمة، في بيت جدّ، أو بيت حدّ، أو بيت عز. قال: ما تركت من النساء شيئا، قالت: بلى! شر النساء تركت، السّويداء الممراض، والحميراء المحياض، الكثيرة المظاظ. قال أبو علي: الرّمكاء: السّمراء، والرّمكة: لون الرماد. ومنه قيل: بعير أرمك وناقة رمكاء. والمظاظ: المشارّة والمشاقّة، قال رؤبة: [الرجز]
لأواءها والأزل والمظاظا
اللّأواء: الشدّة، والأزل: الضّيق.
[1594]
[أسوأ النساء]:
قال: وحدثني الكلابي قال: قيل لابنة الخسّ: أيّ النساء أسوأ؟ قالت: التي تقعد بالفناء، وتملأ الإناء، وتمذق ما في السّقاء، قيل: فأيّ النساء أفضل؟ قالت: التي إذا مشت أغبرت، وإذا نطقت صرصرت، متورّكة جارية، في بطنها جارية، يتبعها جارية أي: هي مئناث. قال أبو علي: أغبرت: أثارت الغبار في مشيتها. وصرصرت: أحدّت صوتها.
[1595] أنشدني أبو بكر بن دريد رحمه الله لجرير: [البسيط]
لكن (1) سوادة يجلو مقلتي ضرم ... باز يصرصر فوق المرقب العالي
ويروى: ذاكم سوادة قيل: فأيّ الغلمان أفضل؟ قالت: الأسوق الأعنق، الذي إن شبّ كأنه أحمق. قيل: فأيّ الغلمان أفسل؟ قالت: الأويقص القصير العضد، العظيم الحاوية، الأغيبر الغشاء، الذي يطيع أمّه، ويعصي عمّه. قال أبو علي: الأسوق: الطويل الساق. والأعنق: الطويل العنق. والأويقص تصغير أوقص، والأوقص (2): الذي يدنو رأسه من صدره، قال رؤبة:
__________
(1) أي: يرثي ابنه سوادة. وصرم: جائع،: ويروى: لحم بوزنه أي: يشتهي اللحم. انظر: «اللسان» مادة «صرر». ط
(2) انظر: «التنبيه» [124].(1/499)
أدمّه صياغة وأرذله ... أوقص يخزى الأقربين عيطله (1)
العيطل: الطويل العنق. وجمعه وقص، وقد وقص يوقص وقصا، ومنه الأوقص قاضي المدينة. والحاوية: ما تحوّى من البطن أي استدار مثل الحوايا، والحوايا: جمع حويّة وهو كساء يدار حول سنام البعير يركب عليه الراكب.
[1596]
[قصيدة مضرس المزني في هوى سعدى]:
وأنشدنا أبو بكر رحمه الله قال: أنشدنا أبو حاتم لمضرّس بن قرط بن الحارث المزني:
[الطويل]
أهاجتك آيات عفون خلوق ... وطيف خيال للمحبّ يشوق
وما هاجه من رسم دار ودمنة ... بها من مطافيل الظّباء فروق
تلوح مغانيها بحجر كأنها ... رداء يمان قد أمحّ عتيق
تعذّبني بالودّ سعدى فليتها ... تحمّل منا مثله فتذوق
ولو تعلمين العلم أيقنت أنّني ... وربّ الهدايا المشعرات صدوق
أذود سوام الطّرف عنك وماله ... إلى أحد إلّا عليك طريق
أهمّ بصرم الحبل ثم يردّني ... عليك من النّفس الشّعاع فريق
تهيّجني للوصل أيامنا الألى ... مررن علينا والزمان وريق
ليالي لا تهوين أن تشحط النّوى ... وأنت خليل لا يلام صديق
ووعدك إيّانا وقد قلت عاجل ... بعيد كما قد تعلمين سحيق
فأصبحت لا تجزينني بمودّتي ... ولا أنا للهجران منك مطيق
وأصبحت عاقتك العوائق إنها ... كذاك ووصل الغانيات يعوق
وكادت بلاد الله يا أمّ معمر ... بما رحبت يوما عليّ تضيق
تتوق إليك النفس ثم أردّها ... حياء ومثلي بالحياء حقيق
وإنّي وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من أحداث الرّدى لشفيق
وإن كنت لمّا تخبريني فسائلي ... فبعض الرجال للرجال رموق
سلي هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ذمّ رحلي في الرّحال رفيق
وهل يجتوي القوم الكرام صحابتي ... إذا اغبرّ مخشيّ الفجاج عميق
وأكتم أسرار الهوى فأميتها ... إذا باح مزّاح بهنّ بروق
ويروى:
وأميتها ... إذا باح مزاح بهن نزوق
__________
(1) الذي في «اللسان» مادة «عطل»: «أوقص يخزي الأقربين عطله» بفتحتين أي عنقه. ط(1/500)
شهدت بربّ البيت أنك عذبة الث ... نايا وأنّ الوجه منك عتيق
وأنك قسّمت الفؤاد فبعضه ... رهين وبعض في الحبال وثيق
سقاك وإن اصبحت وانية القوى ... شقائق مزن ماؤهن فتيق
بأسحم من نوء الثّريّا كأنما ... سفاه إذا جنّ الظّلام حريق
صبوحي إذا ما ذرّت الشمس ذكركم ... وذكركم عند المساء غبوق
وتزعم لي يا قلب أنك صابر ... على الهجر من سعدى فسوف تذوق
فمت كمدا أو عش سقيما فإنما ... تكلّفني ما لا أراك تطيق
قال أبو علي: الشّعاع: المتفرّق المنتشر، قال قيس بن الخطيم: [الطويل]
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشّعاع أضاءها (1)
* * * [1597]
[مادة: جنب]:
قال الأصمعي: يقال: جنّب بنو فلان فهم مجنّبون: إذا لم يكن في إبلهم لبن. وأهدوا إلى بني فلان من لبنكم فإنهم مجنّبون، قال الجميح بن منقذ (2): [البسيط]
لمّا رأت إبلي قلّت حلوبتها ... وكلّ عام عليها عام تجنيب
ويقال: إن عنده لخيرا مجنبا وشرّا مجنبا أي: كثيرا. والمجنب: التّرس، قال الهذلي (3): [الكامل]
صبّ الّلهيف لها السّبوب بطغية ... تنبي العقاب كما يلطّ المجنب
اللهيف: الملهوف وهو (4) المكروب. والسّبوب: الحبال، واحدها سبّ، قال أبو ذؤيب: [الطويل]
تدلّى عليها بين سبّ وخيطة ... شديد الوصاة نابل وابن نابل
والنابل: الحاذق. والطّغية: ناحية من الجبل يزلق منها، وقال غيره: الطّغية:
الشّمراخ من شماريخ الجبل. ويلطّ: يكبّ. ويقال: جنبت الريح تجنب جنوبا إذا هبّت جنوبا، وجنبنا منذ أيام أي: أصابتنا الجنوب، وأجنبنا منذ أيام دخلنا في الجنوب، وسحابة مجنوبة: جاءت بها الجنوب. وجنب فلان في بني فلان إذا نزل فيهم غريبا، ومنه قيل: جانب للغريب وجمعه جنّاب.
__________
(1) فسر الأزهري هذا البيت فقال لولا انتشار سنن الدم لأضاءها النفذ حتى تستبين. وروى عن الأصمعي لولا الشعاع بضم الشين. وقال: هو ضوء الدم وحمرته وتفرقه. ط
(2) انظر: «التنبيه» [125].
(3) هو ساعدة بن جؤية كما في «اللسان» مادة «جنب». ط
(4) المكروب: المشتاز للعسل. وتنبي: تدفع: انظر «اللسان» مادة «جنب». ط(1/501)
[1598] أنشدني أبو إلياس للقطامي (1): [الطويل]
فسلّمت والتسليم ليس يضرّها ... ولكنه حتم على كلّ جانب
أي: على كل غريب. ورجل جنب: غريب وجمعه أجناب، قال الله عز وجل: {وَالْجََارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36]، أي: الجار الغريب، وقال: نعم القوم هم لجار الجنابة أي: الغربة، ويقال: جنبت فلانا الخير أي: نحّيته عنه وجنّبته أيضا بالتثقيل، قال أبو نصر: والتخفيف أجود، قال الله عز وجل: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنََامَ}
[إبراهيم: 35]. وجلس فلان جنبة أي: ناحية قال الراعي: [الكامل]
أخليد إنّ أباك ضاف وساده ... همّان باتا جنبة ودخيلا
وأصابنا مطر تنبت عنه الجنبة وهو نبت، يقال: أعطني جنبة فيعطيه جلد جنب بعير فيتخذ منه علبة، والعلبة: قدح من جلود يحلب فيه، ويقال: فلان من أهل الجناب بكسر الجيم لموضع بنجد. وفرس طوع الجناب إذا كان سهل القياد. ولجّ فلان في جناب قبيح إذا لج في مجانبة أهله، فأما الجناب بفتح الجيم فما حول الرّجل وناحيته وفناء داره، وجلس فلان بجنب فلان وجانبه، ويقال: مرّوا يسيرون جنابيه وجنابتيه وجنبتيه إذا مرّوا يسيرون إلى جانبه. وجنبت الدابة أجنبها إذا قدتها. والجنيبة: الدابة تقاد فتسير إلى جنبك، وقال يعقوب:
الجنيبة: الناقة يعطيها الرجل القوم إذا خرجوا ممتارون، ويعطيهم دراهم يمتارون له عليها، وأنشد: [الرجز]
رخو الحبال مائل الحقائب ... ركابه في القوم كالجنائب (2)
أي: هي ضائعة، وقال أبو عبيدة: الجنيب: التّابع، وأنشد لأرطاة بن سهيّة يهجو شبيب بن البرصاء: [الطويل]
أبي كان خيرا من أبيك ولم تزل ... جنيبا لآبائي وأنت جنيب
والجنب مفتوحة النون: أن تجنب الدابة، قال امرؤ القيس: [المتقارب]
لها جنب خلفها مسبطر
أراد ذنبها، كأنها تجنبه. ومسبطرّ: ممتد. ويقال: جنب البعير يجنب جنبا إذا ظلع من جنبه. ويقال: الجنب: لصوق الرّئة بالجنب من شدة العطش، قال ذو الرمة: [البسيط]
وثب المسحّج من عانات معقلة ... كأنه مستبان الشّكّ أو جنب
والشّكّ: الظّلع الخفيف، ويقال: ضربه فجنبه إذا كسر جنبه.
__________
(1) انظر: «التنبيه» [126].
(2) البيت للحسن بن مزرد كما في «اللسان» مادة جنب وقبله.
قالت له مائلة الذوائب ... كيف أخي في العقب النوائب
أخوك ذو شق على الركائب(1/502)
[1599]
[التعفّف عن المسألة، وترك البطر مع الغنى، وبذل المعروف، والإنصاف، والجود، وذم ذي الوجهين]:
وحدثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أحمد بن عبيد، عن سهل بن محمد قال: اجتمع الشعراء بباب الحجّاج وفيهم الحكم بن عبدل الأسدي فقالوا: أصلح الله الأمير، إنما شعر هذا في الفأر وما أشبهه، قال: ما يقول هؤلاء يا بن عبدل؟ قال: اسمع أيها الأمير، قال: هات، فأنشده: [الطويل]
وإنّي (1) لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي عرضي
وأعسر أحيانا فتشتدّ عسرتي ... فأدرك ميسور الغنى ومعى عرضي
وما نالني حتّى تجلّت فأسفرت ... أخو ثقة فيها بقرض ولا فرض
ولكنّه سيب الإله وحرفتي ... وشدّي حيازيم المطيّة بالغرض
لأكرم نفسي أن أرى متخشّعا ... لذ منّة يعطي القليل على النّحض
قد أمضيت هذا في وصيّة عبدل ... ومثل الذي أوصى به والدي أمضي
أكلفّ الأذى عن أسرتي وأذوده ... على أنّني أجزي المقارض بالقرض
وأبذل معروفي وتصفو خليقتي ... إذا كدّرت أخلاق كلّ فتى محض
وأقضي على نفسي إذا الحقّ نابني ... وفي الناس من يقضى عليه ولا يقضي
وأمضي همومي بالزّماع لوجهها ... إذا ما الهموم لم يكد بعضها يمضي
وأستنقذ المولى من الأمر بعد ما ... يزلّ كما زلّ البعير عن الدّحض
وأمنحه مالي وودّي ونصرتي ... وإن كان محنيّ الضّلوع على بغضي
ويغمره سيبي ولو شئت ناله ... فوارع تبري العظم من كلم مضّ
ولست بذي وجهين فيمن عرفته ... ولا البخل فاعلم من سمائي ولا أرضي
قال: فلما سمع الحجاج هذا البيت:
ولست بذي وجهين فيمن عرفته
فضّله على الشعراء بجائزة ألف درهم في كل مرة يعطيهم.
قال أبو علي: الغرض والغرضة والسّفيف والبطان والوضين: حزام الرّحل. والنّحض:
اللحم، ونحضت اللحم عن العظم نحضا إذا عرقته. والدّحض: الزّلق. والمضّ: مصدر مضّه يمضّه مضّا فأقام المصدر مقام الفاعل، كما قالوا: رجل عدل أي: عادل.
[1600]
[تفسير قوله تعالى: {كََانَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً}، ومادة: حسب]:
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: في قوله عز وجل: {كََانَ}
__________
(1) في «ديوان الحماسة شرح التبريزي» (ص 517) طبع مدينة بن أن القصيدة لبعض بني أسد. ط(1/503)
{عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً}: أربعة أقوال، يقال: عالما، ويقال: مقتدرا، ويقال كافيا، ويقال: محاسبا، فالذي يقول: كافيا، يحتجّ بقوله جل وعز: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللََّهُ}
[الأنفال: 64] أي: كافيك الله، وبقوله عز وجل: {عَطََاءً حِسََاباً} [النبأ: 36] أي:
كافيا، وبقول الشاعر: [الطويل]
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد
أي: يكفيك ويكفي الضحاك، وبقول امرئ القيس: [الوافر]
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ
أي: يكفيك الشّبع والرّيّ، وتقول العرب: أحسبني الشيء يحسبني إحسابا وهو محسب، قال الشاعر: [الطويل]
وإذا ما أرى في الناس حسنا يفوقها ... وفيهنّ حسن لو تأمّلت محسب
ويقول الآخر: [الطويل]
ونقفي وليد الحيّ إن كان جائعا ... ونحسبه إن كان ليس بجائع
أي: نعطيه حتى يقول: حسبي أي: كفاني، وقالت الخنساء: [الوافر]
يكبّون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تحسب المائة الوليدا
والذي يجعله بمعنى: محاسب يحتجّ بقول قيس المجنون: [الطويل]
دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يوما أن تمحّى ذنوبها
وناديت يا ربّاه أوّل سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فمعناه أنت محاسبها على ظلهما. والذي يقول: عالما، يحتج بقول المخبّل السّعدي:
[الطويل]
فلا تدخلنّ الدّهر قبرك حوبة ... يقوم بها يوما عليك حسيب
أي: محاسبك عليها عالم بظلمك. والذي قال مقتدرا، لم يحتجّ بشيء.
قال أبو علي: والقولان الأولان صحيحان في الاشتقاق مع الرواية، والقولان الآخران لا يصحّان في الاشتقاق، ألا تراه قال في تفسير بيت المخبل السعدي: محاسبك عليها عالم بظلمك، فالحسيب في بيته المحاسب وهو بمنزلة قول العرب: الشريب للمشارب، وأنشد الفراء: [الوافر]
فلا أسقى ولا يسقى شريبي ... ويرويه إذا أوردت مائي
أي: مشاربي، وأنشد أبو بكر بن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي زيد والأصمعي:
[الرجز]
ربّ شريب لك ذي حساس ... شرابه كالحزّ بالمواسي
ليس بمحمود ولا مواسي ... عجلان يمشي مشية النّفاس
ويروى: النّفاس، فمعناه ربّ مشارب لك. والحساس: الشّرّ.(1/504)
ربّ شريب لك ذي حساس ... شرابه كالحزّ بالمواسي
ليس بمحمود ولا مواسي ... عجلان يمشي مشية النّفاس
ويروى: النّفاس، فمعناه ربّ مشارب لك. والحساس: الشّرّ.
[1601]
[شرح حديث: ربّ تقبل توبتي، والحوبة، والسخيمة]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن خالد البزّاز، قال:
حدثنا عبيد الله بن عمرو قال: حدثنا يحجيى عن سفيان، قال: سمعت عمرو بن مرة يقول: حدثنا عبد الله بن الحارث، عن طليق بن قيس، عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعاء له (1): «ربّ تقبّل توبتي وأجب دعوتي واغسل حوبتي وثبّت حجّتي واهد قلبي وسدّد لساني واسلل سخيمة قلبي».
[1602] قال أبو بكر: الحوبة: الفعلة من الحوب وهو الإثم، يقال: حاب الرجل إذا أثم، قال الله عزّ وجل: {إِنَّهُ كََانَ حُوباً كَبِيراً} [النساء: 2] وقرأ الحسن (2): {إِنَّهُ كََانَ حُوباً كَبِيراً}، فقال الفراء: الحوب المصدر، والحوب الاسم، وقال نابغة بني شيبان: [البسيط]
نماك أربعة كانوا أئمتنا ... فكان ملكك حقّا ليس بالحوب
[1604] والسّخيمة: الحقد، وفيه لغات، يقال: في قلبي على فلان ضغن، وحقد، وضبّ، ووتر، ودعث، وطائرة، وترة، وذحل، وتبل، ووغم ووغر، وغمر، ومئرة، وإحنة، ودمنة، وسخيمة، وحسيكة، وحسيفة، وكتيفة، وحشنة، وحزازة، وحزاز، ويقال:
حزّاز، قال الشاعر: [المتقارب]
فتى لا ينام على دمنة ... ولا يشرب الماء إلا بدم
__________
(1) رواه أحمد (1/ 227)، وأبو داود (1511)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (607)، وابن حبان (948)، من طريق يحيى وهو القطان به.
ورواه أبو عبيد في «غريبه» (2/ 270رقم 211)، وأبو داود (1510)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3830)، والحاكم (1/ 520519)، وابن حبان (947)، والمزي في «تهذيب الكمال» (13/ 463ترجمة: طليق) من غير هذا الوجه عن سفيان به.
ورواه محمد بن جحادة عن عمرو بن مرة عن ابن عباس بنحوه لم يذكر «طليق بن قيس» في إسناده.
أخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (608) من طريق محمد بن جحادة، عن عمرو بن مرة، عن ابن عباس كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «رب أعني» وساق الحديث مرسلا.
قال النسائي: «حديث سفيان محفوظ، وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحفظ من سفيان، وحكي عن الثوري أنّه قال: ما أودعت قلبي شيئا فخانني» اهـ.
وقول النسائي: «وساق الحديث مرسلا» يعني منقطعا لم يذكر «طليق بن قيس» في إسناده.
وراجع الحديث عند أبي عبيد في «الغريب» (2/ 274270).
(2) قال القرطبي في «تفسيره» (5/ 9): «وقرأ الحسن حوبا بفتح الحاء. وقال الأخفش: وهي لغة تميم.
مقاتل: لغة الحبش» اهـ(1/505)
وقال لبيد: [البسيط]
بيني وبينهم الأحقاد والدّمن
وقال الأعشى: [المتقارب]
يقوم على الوغم في قومه ... فيعفو إذا شاء أو ينتقم
وقال أيضا: [المتقارب]
ومن كاشح ظاهر غمره ... إذا ما انتسبت له أنكرن
وقال ذو الرّمة: [الطويل]
إذا ما امرؤ حاولن أن يقتتلنه ... بلا إحنة بين النّفوس ولا ذحل
وقال نصيب: [الطويل]
أمن ذكر ليلى قد يعاودني التّبل ... على حين شاب الرأس واستوسق العقل
وقال القطامي: [الطويل]
أخوك الذي لا تملك الحسّ نفسه ... وترفضّ عند المحفظات الكتائف (1)
أي: الأحقاد، واحدها كتيفة، والكتيفة أيضا: الضّبّة من الحديد، وأنشد أبو محمد الأموي في الحشنة (2): [الطويل]
ألا لا أرى ذا حشنة في فؤاده ... يجمجمها إلا سيبدو دفينها
[1605] وأنشدنا محمد بن القاسم قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي:
[الطويل]
إذا كان أولاد الرّجال حزازة ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب
[1606]
[شعر في وصف قطاة]:
قال: وحدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم وعبد الرحمن، عن الأصمعي قال: نزلت بقوم من غنيّ مجتورين هم وقبائل من بني عامر بن صعصعة، فحضرت ناديا لهم وفيهم شيخ لهم طويل الصمت عالم بالشّعر وأيام الناس يجتمع إليه فتيانهم ينشدونه
__________
(1) البيت ينسب إلى بشار بن برد كما جاء في النسخة المخطوطة من كتاب «الأمالي المحفوظة» بدار الكتب الأهلية بباريس تحت رقم (4236) وقد نبه على هذا المستر «كرنكو» في تعليقاته على كتاب «الأمالي» بالفهرس الذي وضعه بأسماء الشعراء. وطبع بمدينة ليدن سنة (1913م).
قال الأزهري هكذا روى أبو عبيد الحسن بكسر الحاء. ومعنى هذا البيت معنى المثل السائر «الحفائظ تحلل الأحقاد» يقول: إذا رأيت قريبي يضام وأنا عليه واجد أخرجت ما في قلبي من السخيمة له ولم أدع نصرته ومعونته: والمحفظات: الأمور التي تحفظ الرجل أي تغضبه: كذا في «اللسان» مادة «كتف». ط
(2) انظر: «التنبيه» [127].(1/506)
أشعارهم، فإذا سمع الشعر الجيّد قرع الأرض قرعة بمحجن في يده فينفذ حكمه على من حضر ببكر للمنشد، وإذا سمع مالا يعجبه قرع رأسه بمحجنه فينفذ حكمه عليه بشاة إن كان ذا غنم وابن مخاض إن كان ذا إبل، فإذا أخذ ذلك ذبح لأهل النادي، فحضرتهم يوما والشيخ جالس بينهم، فأنشده بعضهم يصف قطاة: [الطويل]
غدت في رعيل ذي أداوى منوطة ... بلبّاتها مربوعة (1) لم تمرّخ
قال أبو علي: تمرّخ: تليّن.
إذا سربخ عطّت مجال سراته ... تمطّت فحطّت بين أرجاء سربخ
السّربخ: الأرض الواسعة. وعطّت: شقّت، فقرع الأرض بمحجنه وهو لا يتكلم، ثم أنشده آخر يصف ليلة: [الطويل]
كأنّ شميط الصّبح في أخرياتها ... ملاء ينقّى من طيالسة خضر
تخال بقاياها التي أسأر الدّجى ... تمدّ وشيعا فوق أردية الفجر
فقام كالمجنون مصلتا سيفه حتى خالط البرك، فجعل يضرب يمينا وشمالا وهو يقول:
[الرجز]
لا تفرغن في أذنيّ بعدها ... ما يستفزّ فأريك فقدها
إنّي إذا السّيف تولّى ندّها
لا أستطيع بعد ذاك ردّها. قال أبو علي: قال الأصمعي: البرك: إبل أهل الحواء بالغة ما بلغت، وقال أبو عبيدة: البرك: الإبل البروك، وقال أبو عمرو: البرك: ألف بعير.
* * * [1607] قال: وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو عثمان الأشنانداني قال: كنا يوما في حلقة الأصمعي إذ أقبل أعرابي يرفل في الخزوز، فقال: أين عميدكم؟ فأشرنا إلى الأصمعي، فقال: ما معنى قول الشاعر: [المنسرح]
لا مال إلّا العطاف توزره ... أمّ ثلاثين وابنة الجبل
لا يرتقي النّزّ في ذلاذله ... ولا يعدّي نعليه عن بلل؟
قال: فضحك الأصمعي وقال:
عصرته نطفة تضمّنها ... لصب تلقّى مواقع السّبل
أو وجبة من جناة أشكلة ... إن لم يرغها بالقوس لم تنل
__________
(1) كذا بالأصل، والذي في كتاب المزهر طبع بولاق (ج 2ص 194) أن البيت للطرماح وأنشده:
سرت في رعيل ذي أداوي منوطه ... بلباتها مدبوغة لم تمرح
بالحاء وهو محرف عن تمرخ بالخاء المعجمة. ط(1/507)
قال: فأدبر الأعرابي وهو يقول: تالله ما رأيت كاليوم عضلة! ثم أنشدنا الأصمعي القصيدة لرجل من بني عمرو بن كلاب أو قال من بني كلاب. قال أبو بكر: هذا يصف رجلا خائفا لجأ إلى جبل وليس معه إلا قوسه وسيفه، والسيف هو العطاف، وأنشدنا: [الطويل]
لا مال لي إلّا عطاف ومدرع ... لكم طرف منه حديد ولي طرف
وقوله:
أمّ ثلاثين وابنة الجبل
يعني كنانة فيها ثلاثون سهما، وابنة الجبل: القوس لأنها من نبع، والنبع لا ينبت إلا في الجبال، وقوله: لا يرتقي النّزّ أي: ليس هناك نز، والنز: النّدى لأنه في جبل.
والذّلاذل: ما أحاط بالقميص من أسفله، واحدها ذلذل وذلذل، وقال أبو زيد: وذلذل.
وقوله: لا يعدّي نعليه عن بلل أي: لا يصرفهما عن بلل أي: ليس هناك بلل. والعصرة والعصر والمعتصر: الملجأ. والنطفة: الماء، يقع على القليل منه والكثير وليس بضدّ.
واللّصب كالشّق يكون في الجبل. وقوله: تلقّى مواقع السّبل أي: قبل وتضمّن. والسّبل:
المطر. والوجبة: الأكلة في اليوم. وقال الأصمعي سمعت أعرابيّا يقول: فلان يأكل الوجبة، ويذهب الوقعة أي: يأكل في اليوم مرة ويتبرّز مرة. والجناة والجنى واحد: وهو ما اجتني من الثمر. والأشكلة: سدر جبليّ لا يطول، أنشدنا أبو بكر: [الرجز]
عوجا كما اعوجّت قسيّ الأشكل (1)
وأنشدنا مرة: قياس الأشكل، والأشكل: جمع أشكلة.
[1608]
[شعر في أدب الخصومة، والوفاء، والقول عن علم]:
وحدثنا أبو بكر، قال: حدثنا السّكن بن سعيد، عن محمد بن عبّاد قال: دخل أعشى بني ربيعة على عبد الملك بن مروان وعنده ابناه الوليد وسليمان، فقال له: يا أبا المغيرة، ما بقي من شعرك؟ فقال: والله لقد ذهب أكثره، وأنا الذي أقول: [الطويل]
ما أنا في أمري ولا في خصومتي ... بمهتضم حقّي ولا سالم قرني
ولا مسلم مولاي عند جناية ... ولا مظهر عيني وما سمعت أذني
وفضّلني في الشّعر والعلم أنّني ... أقول على علم وأعلم ما أعني
فأصبحت إذ فضّلت مروان وابنه ... على الناس قد فضّلت خير أب وابن
__________
(1) في «اللسان» مادة «شكل» أن البيت للعجاج وصدره: «يغلو بها ركبانها وتغتلي»
والذي في «مجموع أشعار العرب» (ج 2ص 51) أن البيت مركب من بيتين.
ميس عمان ورجال الأسحل ... يغلو بها ركبانها وتغتلي
معج المرامي عن قباس الأشكل ... من قلقلات وطوال قلقل(1/508)
فقال عبد الملك: من يلومني على حبّ هذا! وأمر له بجائزة وقطيعة بالعراق، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الحجّاج عليّ واجد، فكتب إليه بالصفح عنه، وبحسن صلته، فأمر له الحجاج بذلك.
[1609]
[إنما يحسن العيب للناس من كثرت عيوبه]:
وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري، قال: أنشدنا ثعلب، قال: أنشدنا ابن الأعرابي:
[الطويل]
ويأخذ عيب المرء من عيب نفسه ... مراد لعمري ما أراد قريب (1)
قال وقال: لنا بعض المشايخ: هذا البيت مبني على كلام الأحنف بن قيس وقاله له رجل: ادللني على رجل كثير العيوب، فقال: اطلبه عيّابا فإنما يعيب الناس بفضل ما فيه.
[1610]
[الصبر على الهوى عند الهجر والرحيل]:
وحدثنا ابن دريد، قال: أخبرنا عبد الرحمن، عن عمه قال: نزلت في واد من أودية بني العنبر وإذا هو معان بأهله وإذا فتية يريدون البصرة، فأحببت صحبتهم فأقمت ليلتي تلك عليهم، وإني لوصب محموم أخاف لا أستمسك على راحلتي، فلما قاموا ليرحلوا أيقظوني، فلما رأوا حالي رحلوا بي وحملوني وركب أحدهم ورائي يمسكني، فلما أمعنوا في السير: تنادوا: ألا فتى يحدو بنا أو ينشدنا؟ فإذا منشد في جوف الليل بصوت ند حزين يقول: [الطويل]
لعمرك إني يوم بانوا فلم أمت ... خفاتا على آثارهم لصبور
غداة المنقّى (2) إذ رميت بنظرة ... ونحن على متن الطريق نسير
ففاضت دموع العين حتى كأنها ... لناظرها غصن يراح مطير
فقلت لقلبي حين خفّ به الهوى ... وكاد من الوجد المبرّ يطير
فهذا ولمّا تمض للبين ليلة ... فكيف إذا مرّت عليك شهور
وأصبح أعلام الأحبّة دونها ... من الأرض غول نازح ومسير
وأصبحت نجديّ الهوى متهم النّوى ... أزيد اشتياقا إذ يحنّ بعير
عسى الله بعد النأي أن يصقب النّوى ... ويجمع شمل بعدها وسرور
قال: فسكنت عنّي الحمّى حتى ما أحسّ بها، وقلت: لرديفي، انزل إلى راحلتك فإنّي مفيق متماسك، جزاك الله وحسن الصّحبة خيرا!
__________
(1) البيت ينسب إلى المستورد الخارجي كما جاء في النسخة المخطوطة المحفوظة بدار الكتب الأهلية بباريس تحت رقم (4236) وقد نبه على هذا المستر كرنكو في تعليقاته على كتاب «الأمالي». ط
(2) المنقى: موضع بين أحد والمدينة. ط(1/509)