الجزء الاول
بسم الله الرّحمن الرّحيم هذه اختيارات لبعض من أبلغ قصائد الشعر الجاهلي، اختارها العلّامة الشنتمري من شعر فحول الشعراء الجاهليين الستّة: امرىء القيس، وعلقمة بن عبدة، والنابغة الذبياني، وزهير بن أبي سلمى، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شداد وقد ارتأينا في دار الكتب العلمية أن نعيد نشر هذه المختارات في حلّة جديدة، معتمدين في ذلك على طبعة دار الآفاق الجديدة بيروت وقد أضفنا إليها عزو جميع القصائد إلى مظانّها في دواوين الشعر المنشورة للشعراء الستّة. وقد ميّزنا هذه التخريجات عن الهوامش الأصلية للكتاب بوضعها في أسفل الصفحة تحت الهوامش الأصلية مباشرة مفصولا بينهما بخط، ومميزة عن الهوامش الأصلية ذات الأرقام الهندية (1، 2، 3) بالأرقام العربية (1، 2، 3). آملين أن تلقى هذه الطبعة رضا القرّاء الكرام، وما توفيقنا إلا بالله تعالى.
ونقدّم فيما يلي ترجمة موجزة للمصنّف مستقاة من كتاب «الأعلام» لخير الدين الزركلي (ج 8ص 233):
الأعلم الشنتمري
(476410 هـ 10841019م) هو يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري الأندلسي، أبو الحجاج المعروف بالأعلم: عالم بالأدب واللغة. ولد في شنتمرية الغرب () ورحل إلى قرطبة. وكفّ بصره في آخر عمره. ومات في إشبيلية. كان مشقوق الشفة العليا، فاشتهر بالأعلم.
من كتبه «شرح أشعار الشعراء الستة» وهو الكتاب الذي بين أيدينا، و «شرح ديوان زهير بن أبي سلمى» و «شرح ديوان طرفة بن العبد» و «شرح ديوان علقمة
الفحل» و «تحصيل عين الذهب» في شرح شواهد سيبويه، و «شرح ديوان الحماسة» في مجلدين كتبا سنة 514513من مخطوطات الخزانة الأحمدية بتونس، و «النكت على كتاب سيبويه» متقن، في الرباط (142أوقاف) لعلّه غير كتابه «تحصيل عين الذهب» في شرح شواهد سيبويه.(1/3)
من كتبه «شرح أشعار الشعراء الستة» وهو الكتاب الذي بين أيدينا، و «شرح ديوان زهير بن أبي سلمى» و «شرح ديوان طرفة بن العبد» و «شرح ديوان علقمة
الفحل» و «تحصيل عين الذهب» في شرح شواهد سيبويه، و «شرح ديوان الحماسة» في مجلدين كتبا سنة 514513من مخطوطات الخزانة الأحمدية بتونس، و «النكت على كتاب سيبويه» متقن، في الرباط (142أوقاف) لعلّه غير كتابه «تحصيل عين الذهب» في شرح شواهد سيبويه.(1/4)
الشعراء الستة
بسم الله الرّحمن الرّحيم والصلاة على نبيّه الكريم، الذي نزّل عليه القرآن، وأوتي الفصاحة والبيان، وعلّم الناس الحكمة، وفصّل الخطاب
امرؤ القيس الشاعر الجاهلي (1)
المتوفّى عام 560م 80ق. هـ
ترجمة الشاعر
1
هو امرؤ القيس
هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر. وهو من قبيلة كندة. وكندة قبيلة يمنية، كانت تسكن قبل الإسلام غربي حضرموت وكانت على اتصال بالحميريين. وفي عهد حسان بن تبع ملك حمير كان حجر بن عمرو سيد كندة في حاشية حسان. وقد فتح حسان فتوحا كثيرة في جزيرة العرب، فولّى حجرّا بعض قبائلها ودانت كلها لحجر الكندي كما دان حجر بالولاء لحمير، ونزل حجر نجدا وكان اللخميون ملوك الحيرة قد بسطوا نفوذهم على تلك البلاد وخاصة بلاد بكر بن وائل فحارب حجر اللخميين وأزال نفوذهم.
وفي عهد الحارث بن عمرو بن حجر اتّسع سلطان كندة واتصل الحارث بقباذ ملك الفرس فولّاه الحيرة مكان اللخميين ونشر نفوذه وسط الجزيرة على كثير من قبائل العرب وفرّق الملك في أبنائه الأربعة: فولّى ابنه حجرّا (أبا امرىء القيس) بني أسد وابنه شرحبيل بكر بن وائل وابنه معديكرب قبيلة قيس وكنانة وابنه سلمة قبيلتي تغلب والنمر بن قاسط.
راجع ص 62ج 8من الأغاني وما بعدها هذا وأم امرىء القيس هي فاطمة بنت ربيعة بن الحارث، أخت كليب والمهلهل.(1/5)
ولكن هذا النفوذ لم يدم طويلا فقد عاد اللخميون إلى نفوذهم في الحيرة وقربهم من ملك فارس ودسّوا الدسائس لأولاد الحارث فقتل سلمة وشرحبيل وتنكّر بنو أسد لحجر ونبذوا طاعته وأمسكوا عن دفع الأتاوة له. واستعان حجر بجند من ربيعة وأعمل في بني أسد السيف واستباح أموالهم وحبس أشرافهم ومنهم عبيد بن الأبرص الشاعر ثم رقّ لهم وأطلق سراحهم فحقدوا عليه واغتالوه.
وفي أخبار الرومان أن حجرّا وأخاه معديكرب قاما ببعض غزوات على حدود المملكة البيزنطية من أواخر القرن الخامس الميلادي.
وبموت حجر تضعضعت سلطة كندة.
2
نشأ امرؤ القيس في بيت ملك واسع الجاه
نشأ امرؤ القيس في بيت ملك واسع الجاه، وكان من صباه ذكيّا متوقّد الذّهن فلما ترعرع أخذ يقول الشعر ويصوّر به عواطفه وأحلامه. نشأ نشأة ترف يحب اللهو ويشبّب بالنساء ويقول في ذلك الشعر الماجن، فطرده أبوه وآلى ألّا يقيم معه فكان يسير في أحياء العرب، ومعه طائفة من شباب القبائل الأخرى كطيىء وكلب، وبكر بن وائل، يجتمعون على الشراب والغناء عند روضة أو غدير، ويخرج هو للصيد فيصيد ويطعمهم من صيده. وظل كذلك حتى جاءه نعي أبيه وهو بدمون (قرية بالشام وقيل في اليمن)، فرووا أنه قال: «ضيّعني أبي صغيرا، وحملني دمه كبيرا، لا صحو اليوم، ولا سكر غدا، اليوم خمر، وغدا أمر».
رحل امرؤ القيس يستنصر القبائل للأخذ بثأر أبيه من بني أسد فاستنجد بقبيلتي بكر وتغلب فأعانوه وأوقعوا ببني أسد وقتلوا منهم، واكتفت بكر وتغلب بذلك وقالوا له قد أصبت ثأرك وتركوه. ولكن امرأ القيس كان يريد التنكيل ببني أسد ويحاول أن يعيد لنفسه ملك أبيه، فلم يقنعه ما فعلت بكر وتغلب، فذهب إلى أهله باليمن يستنصرهم، فأعانوه بجنود ذهب بهم إلى بني أسد، ولكن ملك الحيرة أخذ يؤلّب عليه ويدسّ الدسائس له حتى فشل وظلّ شريدا يتنقل بين أمراء العرب حتى نزل أخيرا على السموأل بتيماء فأجاره. وطلب إليه امرؤ القيس أن يكتب إلى الحارث أمير الغساسنة بالشام ليوصله إلى قيصر ملك الرومان ويمهّد لامرىء القيس السبيل للسفر إلى القسطنطينية يطلب المعونة منه ليعيد إليه ملكه فأجاب السموأل طلبه فأودعه امرؤ القيس امرأته ودروعا له كان يتوارثها ملوك كندة، ورحل إلى قيصر.
وكان ذلك في عهد القيصر (يوستنيانوس).(1/6)
ويروى أن القيصر أحسن وفادته، وكان السبب في ذلك على ما يظهر أن امرأ القيس كان طريد اللخميين في الحيرة، وأمراء الحيرة في كنف الفرس. والفرس أعداء الروم. فلعلّ (يوستنيانوس) أراد أن يعينه ويجعل منه ومن أعوانه جيشا ينتقم بهم من أمراء الحيرة، ويصطنعه كما اصطنع غساسنة الشام.
وقد ذكر بعض مؤرّخي الرومان خبر رحلته إلى القسطنطينية، وسمّوه «قيسا» لا امرأ القيس، وذكروا أن القيصر وعده بإعادة ملكه ثم ولّاه فلسطين، ولكن هذا لم يرض امرأ القيس فقفل راجعا.
ولكن مؤرّخي العرب يروون أن القيصر قبل وفادته وضمّ إليه جيشا وفيهم جماعة من أبناء الملك وأن قوما من أصحاب قيصر قالوا له: «إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه».
وآخرون يروون أن بعض العرب ممّن كان مع امرىء القيس ذكروا للقيصر أن امرأ القيس قال لقومه إنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، فأرسل قيصر إليه حلّة مسمومة فلما لبسها أسرع فيه السّمّ وسقط جلده ومن أجل هذا سمّي «ذا القروح» ومات بأنقرة وهو عائد من القسطنطينية. والظاهر أن امرأ القيس أصيب أثناء عودته بمرض جلدي سبّب له قروحا.
كان دين امرىء القيس الوثنية وكان غير مخلص لها. فقد روي أنه لما خرج للأخذ بثأر أبيه مرّ بصنم للعرب تعظّمه يقال له ذو خلصة. فاستقسم بقداحه وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربّص. فأجالها فخرج الناهي. فعل ذلك ثلاثا فجمعها وكسرها. وضرب بها وجه الصنم. وقال: «لو كان أبوك قتل ما عقتني».
وكان امرؤ القيس يلقّب بالملك الضليل وبذي القروح لمّا أصيب به في مرضه على ما ذكرناه.
3
ألوان من حياة امرىء القيس:
كان (1) حجر في بني أسد، وكانت له عليهم إتاوة في كل سنة مؤقتة فغبر (2) ذلك دهرا، ثم بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم فمنعوه ذلك وحجر يومئذ بتهامة وضربوا رسله وضرجوهم (3) ضرجا شديدا قبيحا.
الأغاني ص 87ج 9.
(2) غبر: لبث وبقي.
(3) ضرجه: أدماه.(1/7)
فبلغ ذلك حجرا، فسار إليهم بجند من ربيعة وقيس وكنانة. فأتاهم وأخذ سراتهم. فجعل يقتلهم (1) بالعصا. وأباح الأموال وصيّرهم إلى تهامة وآلى بالله ألّا يساكنوهم في بلد أبدا وحبس منهم عمرو بن مسعود الأسدي، وكان سيّدا وعبيد بن الأبرص الشاعر فسارت بنو أسد ثلاثا.
ثم إن عبيد بن الأبرص قام فقال: أيّها الملك اسمع مقالتي: [مجزوء الكامل]
يا عين فابكي من بني ... أسد فهم أهل الندامه
أهل القباب الحمر والن ... عم المؤبّل (2) والمدامه
وذوي الجياد الجرد والأ ... سل المثقّفة المقامه
حلا (3) أبيت اللعن حلا ... إن فيما قلت آمه (4)
في كلّ واد بين يث ... رب فالقصور إلى اليمامه
تطريب عان أو صيا ... ح محرق أو صوت هامه
ومنعتهم نجدا فقد ... حلّوا على وجل تهامه
برمت بنو أسد كما ... برمت ببيضتها الحمامه
جعلت لها عودين من ... نشم (5) وآخر من ثمامه
إما تركت عف ... وا أو قتلت فلا ملامه
أنت المليك عليهم ... وهم العبيد إلى القيامه
ذلّوا لسوطك مثل ما ... ذلّ الأشيقر (6) ذو الخزامه
فرقّ لهم حجر حين سمع قوله، فبعث في أثرهم فأقبلوا، حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهّن كاهنهم (7) فقال لبني أسد: من الملك الأصهب، الغلاب غير المغلب، في الإبل كأنها الربرب (8)، لا يعلق رأسه الصخب؟ هذا دمه ينثعب (9) وهذا غدا أول من يسلب.
سمّوا لذلك عبيد العصا.
(2) المؤبل: المتقني.
(3) حلا: أي تحلل من يمينك.
(4) الآمة: العيب.
(5) النشم: شجر جبلي تتّخذ منه القسيّ واليمامة، نبت بالبادية.
(6) الأشيقر: تصغير الأشقر الأحمر من الدواب. والخزامة: حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير يشدّ بها الزّمام.
(7) هو عوف بن ربيعة.
(8) الربرب: القطيع من بقر الوحش.
(9) ينثعب: يجري.(1/8)
قالوا: من هو؟ قال: لولا أن تجيش نفس جاشية لأخبرتكم أنه حجر ضاحية.
فركبوا كل صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبّته، وهزموا أصحابه وأسروه فحبسوه، وتشاور القوم على قتله، فقال لهم كاهن من كهنتهم بعد أن حبسوه ليروا رأيهم فيه: أي قوم! لا تعجلوا بقتل الرجل حتى أزجر لكم.
فانصرف عن القوم لينظر لهم في قتله، فلما رأى ذلك علباء بن الحارث الكاهلي خشي أن يتواكلوا في قتله، فدعا غلاما من بني كاهل وكان ابن أخته (1) فقال: يا بني، أعندك خير فتثأر بأبيك، وتنال شرف الدهر، وإن قومك لن يقتلوك؟.
فلم يزل بالغلام حتى حربه (2)، ودفع إليه حديدة وقد شحذها وقال: ادخل عليه مع قومك، ثم اطعنه في مقتله.
فعمد الغلام إلى الحديدة فخبأها، ثم دخل على حجر في قبّته التي حبس فيها.
فلما رأى الغلام غفلة وثب عليه فقتله فوثب القوم على الغلام فقالت بنو كاهل: ثأرنا وفي أيدينا!.
فقال الغلام: إنما ثأرت بأبي، فخلّوا عنه.
وأقبل كاهنهم المزدجر فقال: أي قوم! قتلتموه! ملك شهر، وذلّ دهر، أما والله لا تحظون عند الملوك بعده أبدا.
ولمّا طعن الغلام حجرّا ولم يجهز عليه، أوصى ودفع كتابه إلى رجل وقال له:
انطلق إلى ابني نافع وكان أكبر ولده فإن بكى وجزع فأله عنه واستقرهم واحدا واحدا حتى تأتي امرأ القيس وكان أصغرهم فأيّهم لم يجزع فادفع إليه سلاحي وخيلي وقدوري ووصيّتي، وبيّن في وصيّته من قتله وكيف كان خبره.
فانطلق الرجل بوصيته إلى نافع ابنه، فأخذ التراب فوضعه على رأسه ثم استقراهم واحدا واحدا، فكلهم فعل ذلك حتى أتى امرأ القيس فوجده مع نديم له يشرب الخمر ويلاعبه بالنّرد فقال له: قتل حجر، فلم يلتفت إلى قوله، وأمسك كان حجر قتل أبا زوج أخت علباء، وقيل: بل كان حجر قتل أبا علباء نفسه.
(2) حربه: حرشه.(1/9)
نديمه. فقال له امرؤ القيس: اضرب فضرب، حتى إذا فرغ قال: ما كنت لأشدّ عليك دستك.
ثم سأل الرسول عن أمر أبيه كله، فأخبره فقال الخمر عليّ والنساء حرام، حتى أقتل من بني أسد مائة وأجزّ (1) نواصي مائة.
وكان امرؤ القيس قد طرده أبوه حجرّا، وآلى ألّا يقيم معه أنفة من قوله الشعر وكانت الملوك تأنف من ذلك فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذّاذ (2) العرب: من طيىء وكلب وبكر بن وائل، فإذا صادف غديرا أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم وخرج للصيد فتصيّد فأكل وأكلوا معه.
وشرب الخمر وسقاهم وغنّته قيانه.
ولا يزال كذلك حتى ينفذ ماء ذلك الغدير. ثم ينتقل عنه إلى غيره. فأتاه خبر أبيه ومقتله وهو بدمون من أرض اليمن. فقال: [رجز]
تطاول الليل على دمّون ... دمون إنّا معشر يمانون
وإننا لأهلنا محبّون (1)
ثم قال: ضيّعني صغيرا، وحمّلني دمه كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا، «اليوم خمر، وغدا (3) أمر» ثم قال: [الطويل]
خليلي لا في اليوم مصحى لشارب ... ولا في غد إذ ذاك ما كان يشرب (2)
وقدم (4) على امرىء القيس بن حجر الكندي بعد مقتل أبيه رجالات من بني أسد، فيهم المهاجر بن خداش وعبيد بن الأبرص. وقبيصة بن نعيم وكان رجلا مقيما في بني أسد ذا بصيرة بمواقع الأمور وردا وإصدارا، يعرف ذلك له من كان محيطا بأكناف بلده من العرب.
يريد حتى أقتل منهم مائة وآسر مائة.
(2) شذاذ العرب: الذين لم يكونوا في حيّهم ومنازلهم.
(3) ذهبت مثلا.
(4) الأغاني ص 103ج 9، وصبح الأعشى ص 216ج 2.
__________
(1) الرجز ليس في ديوان امرىء القيس، طبعة دار الكتب العلمية، وهو في ديوانه ص 341، كما في المعجم المفصّل في شواهد اللغة العربية 12/ 210.
(2) البيت في ديوان امرىء القيس ص 48 (طبعة دار الكتب العلمية)، وفي الديوان «ما كان مشرب» بدل «ما كان يشرب».(1/10)
فلما علم امرؤ القيس بمكانهم أمر بإنزالهم. وتقدّم (1) في إكرامهم والإفضال عليهم. واحتجب عنهم ثلاثا.
فقالوا لمن ببابه من رجال كندة. ما بال الرجل لا يخرج إلينا؟ فقيل لهم: هو في شغل بإخراج ما في خزائن حجر من العدّة والسلاح! فقالوا: اللهمّ غفرا! إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف، ونستدرك به ما فرط، فليبلغ ذلك عنّا.
فخرج إليهم بعد ثلاث في قباء (2) وخف عمامة سوداء وكانت العرب لا تعتمّ بالسواد إلا في الترات (3) فلما رأواه نهضوا له، وبدر إليه قبيصة فقال:
إنك في المحل والقدر والمعرفة بتصرّف الدهر، وما تحدث أيامه وتنتقل به أحواله، بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ، ولا تذكرة مجرّب. ولك من سؤدد منصبك، وشرف أعراقك (4)، وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة، والرجوع عن الهفوة ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصّفح ما يطول رغباتها ويستغرق طلباتها.
وقد كان الذي كان من الخطب الجليل، الذي عمّت رزيته نزارا واليمن، ولم تخصص به كندة دوننا للشرف البارع الذي كان لحجر، ولولا كان يفدي هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا (5) على مثله ببذل ذلك، ولفديناه منه. ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه.
فأحمد الحالات في ذلك: أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا وأعلاها في بناء المكرمات صوتا فقدناه إليك بنسعة (6) تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته (7)، فيقال: رجل امتحن بهلك عزيز عليه. فلم تستلّ سخيمته إلا بتمكينه من الانتقام أو فداء بما يروح (8) على بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة وكان ذلك فداء ترجع به القضب (9) إلى أجفانها تقدّم في كذا: أمر به.
(2) القباء: الثوب المجتمع الأطراف.
(3) الترات: جمع ترة وهي في الأصل مصدر وتر أي نقص واستعمل في الثأر.
(4) الأعراق: جمع عرق، وهو أصل كل شيء.
(5) الكرائم: خيار الأموال، وقد يراد بها النفوس أو النساء.
(6) النسعة: السير من الجلد يجعل زماما للبعير فيقاد به.
(7) القصرة: العنق.
(8) يروح: يرجع.
(9) القضب: السيوف.(1/11)
لم يردده تسليط الإحن على البرآء. وإما أن توادعنا حتى تضع الحوامل فتسدل الأزر وتعقد الخمر فوق الرايات.
فبكى امرؤ القيس ساعة ثم رفع طرفه إليهم فقال قد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم وأني لن أعتاض به ناقة أو جملا فأكتسب بذلك سبّة الأبد وفتّ العضد، وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنّة في بطون أمهاتها وإني لن أكون لعطبها سببا وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل في القلوب حنقا وفوق الأسنّة علقا (1). [المتقارب]
إذا جالت الخيل في مأزق (2) ... تصافح فيه المنايا النّفوسا (1)
أتقيمون أم تنصرفون؟ قالوا: بل ننصرف بأسوأ الاختيار لحرب وبلية، ومكروه وأذية. ثم نهضوا عنه وقبيصة يقول متمثّلا: [الطويل]
لعلك أن تستوخم الموت إن غدت ... كتائبنا في مأزق الموت تمطر
فقال امرؤ القيس لا والله لا أستوخمه ولكن أستعذبه فرويدا ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير. ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي، إذ كنت نازلا بربعي، ومتحرّما بذمامي، ولكنك قلت فأجبت.
قال قبيصة: إن ما نتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب (3) قال امرؤ القيس: هو ذاك!.
ثم شرب امرؤ القيس سبعا، فلما صحا آلى ألّا يأكل لحما، ولا يشرب خمرا، ولا يدّهن بدهن، ولا يصب امرأة حتى يدرك بثأره، فلما جنه الليل رأى برقا فقال:
[المتقارب]
أرقت لبرق بليل أهلّ ... يضيء سناه بأعلى الجبل (2)
أتاني حديث فكذبته ... بأمر تزعزع (4) منه القلل
العلق: الدم.
(2) المأزق: الضيق.
(3) الإعتاب والعتبى: رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب.
(4) أصله: تتزعزع.
__________
(1) البيت ليس في ديوان امرىء القيس.
(2) الأبيات في ديوان امرىء القيس ص 140 (طبعة دار الكتب العلمية)، ولفظ عجز البيت الخامس في الديوان:
كما يحضرون إذا ما استهل(1/12)
بقتل بني أسد ربهم ... ألا كل شيء سواه جلل (1)
فأين ربيعة عن ربها ... وأين تميم وأين الخول (2)
ألا يحضرون لدى بابه ... كما يحضرون إذا ما أكل
وارتحل امرؤ القيس حتى نزل بكرا وتغلب، فسألهم النصر، وبعث العيون على بني أسد، فلما كان الليل قال لهم علباء: يا معشر بني أسد، تعلمون والله أن عيون امرىء القيس قد أتتكم، ورجعت إليه بخبركم، فارحلوا بليل، ولا تعلموا بني كنانة، ففعلوا.
وأقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب، حتى انتهى إلى بني كنانة، وهو يحسبهم بني أسد، فوضع السلاح فيهم، وقال: يا لثارات الملك! يا لثارات الهمام فخرجت إليه عجوز من بني كنانة فقالت: أبيت اللعن! لسنا لك بثأر، ونحن من كنانة فدونك ثأرك فاطلبهم فإن القوم ساروا بالأمس.
فتبع بني أسد ففاتوه ليلتهم تلك فقال: [الوافر]
ألا يا لهف هند إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا (1)
وقاهم جدّهم (3) ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
وأفلتهن علباء جريضا (4) ... ولو أدركنه صفر الوطاب (5)
وأدركهم ظهرا، وقد تقطعت خيله، وقطع أعناقهم العطش، وبنو أسد جامون (6) على الماء فنهد إليهم فقاتلهم «حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم، وحجز الليل بينهم» وهربت بنو أسد.
فلما أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتبعوهم وقالوا له: قد أصبت ثأرك. قال:
والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحدا. قالوا:
جلل: هين.
(2) الخول: جمع خولي، وهو الراعي الحسن القيام على المال.
(3) الجد: الحظ. والأشقين: جمع أشقى، ويقصد بهم بني كنانة.
(4) أي بعد جهد ومشقّة، والضمير في أفلتهن وأدركنه للخيل التي كرّوا بها عليهم.
(5) صفر الوطاب: أي لو أدركوه، قتلوه وساقوا إبله، فصفرت وطابه من اللبن.
(6) مجتمعون: مستريحون.
__________
(1) الأبيات في ديوان امرىء القيس ص 45 (طبعة دار الكتب العلمية).(1/13)
بلى، ولكنك رجل مشؤوم، وكرهوا قتالهم، وانصرفوا عنه، فمضى هاربا لوجهه حتى لحق بحمير.
فاستأجر من قبائل العرب رجالا، فسار بهم إلى بني أسد، ومر بتبالة (1) وبها صنم للعرب تعظّمه، فاستقسم (2) عنده بقداحة، وهي ثلاثة: الآمر، والناهي، والمتربص. فأجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، فجمعها فكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: لو أبوك قتل ما عقني، ثم خرج فظفر ببني أسد.
وألحّ المنذر (3) في طلب امرىء القيس، ووجّه الجيوش في طلبه من إياد وبهراء وتنوخ، وأمدّه أنو شروان بجيش من الأساورة فسرّحهم في طلبه، فلم يكن لامرىء القيس بهم طاقة وتفرّقت حمير ومن كان معه عنه، فنجا في عصبة من بني آكل المرار ونزل ببعض رؤساء القبائل يستجير بهم وصار يتحوّل عنهم إلى غيرهم حتى نزل برجل من بني فزارة يقال له عمرو بن جابر بن مازن، فطلب منه الجوار، حتى يرى ذات عيبه (4).
فقال له الفزاري: يا ابن حجر إني أراك في خلل من قومك وأنا أنفس (5) بمثلك من أهل الشرف وقد كدت بالأمس تؤكل في دار طيىء وأهل البادية أهل وبر لا أهل حصون تمنعهم، وبينك وبين أهل اليمن ذؤبان من قيس، أفلا أدلّك على بلد! فقد جئت قيصر، وجئت النعمان، فلم أر لضيف نازل ولا لمجتد مثله ولا مثل صاحبه.
قال: من هو؟ وأين منزله؟ قال: السموأل بتيماء، هو يمنع ضعفك حتى ترى عيبك، وهو في حصن حصين وحسب كبير.
فقال له امرؤ القيس: وكيف لي به؟ قال أوصلك إلى من يوصلك إليه.
فصحبه إلى رجل من بني فزارة يقال له الربيع بن ضبع الفزاري ممّن يأتي السموأل فيحمله ويعطيه.
موضع بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة.
(2) الاستقسام: طلب معرفة ما قسم للمرء مما لم يقسم.
(3) كانت في نفس المنذر موجدة على آل امرىء القيس، لأن الحارث جدّ امرىء القيس زاحم المناذرة ملوك الحيرة عند كسرى في النيابة عنه على ملك الحيرة.
(4) أي ينظر في أمره، ويصلح من شأنه.
(5) أنفس به: أضنّ به.(1/14)
فلما صار إليه قال له الفزاري: إن السموأل يعجبه الشعر فتعال نتناشد له أشعارا فقال امرؤ القيس: قل حتى أقول. فقال الربيع: [الكامل]
قل للمنيّة أيّ حين نلتقي ... بفناء بيتك في الحضيض المزلق (1)
ولقد أتيت بني المصاص مفاخرا ... وإلى السموأل زرته بالأبلق (2)
فأتيت أفضل من تحمّل حاجة ... إن جئته في غارم أو مرهق
عرفت له الأقوام كلّ فضيلة ... وحوى المكارم سابقا لم يسبق
فقال امرؤ القيس:
طرقتك هند بعد طول تجنّب ... وهنّا ولم تك قبل ذلك تطرق (3) (1)
ثم مضى القوم حتى قدموا على السموأل فأنشدوه الشعر وعرف لهم حقهم ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ليوصله إلى قيصر.
ومضى حتى انتهى إلى قيصر فقبله وأكرمه وكانت له عنده منزلة.
ثم إن قيصر ضمّ إليه جيشا كثيفا فيه جماعة من أبناء الملوك فلما فصل قال لقيصر قوم من أصحابه: إن العرب قوم غدر، ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه.
فبعث إليه حينئذ بحلّة وشي مسمومة منسوجة بالذهب، وقال له إني أرسلت إليك بحلّتي كنت ألبسها تكرمة لك فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إليّ بخبرك من منزل إلى منزل.
فلما وصلت إليه لبسها، واشتدّ سروره بها، فأسرع فيه السّمّ وسقط جلده، فقال: [الطويل]
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني مما يلبس أبؤسا (2)
فلو أنها نفس تموت سويّة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا
المزلق: الوضع الذي لا تثبت عليه قدم.
(2) الأبلق: حصن السموأل.
(3) يقول صاحب الأغاني: أظن أن هذه القصيدة منحولة.
__________
(1) البيت في ديوان امرىء القيس ص 108.
(2) البيتان في ديوان امرىء القيس ص 87، ورواية عجز البيت الأول في الديوان:
ليلبسني من دائه ما تلبسا(1/15)
ويروى (1) أن امرأ القيس آلى (2) بألية ألّا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين فجعل يخطب النساء فإذا سألهنّ عن هذا قلن: أربعة عشر.
فبينا هو يسير في جوف الليل إذ هو برجل يحمل ابنة له صغيرة كأنها البدر ليلة تمامه، فأعجبته فقال لها: يا جارية! ما ثمانية وأربعة واثنتان؟ فقالت: أما ثمانية فأطباء (3) الكلبة وأما أربعة فأخلاف (4) الناقة، وأما اثنتان فثديا المرأة.
فخطبها إلى أبيها، فزوّجه إيّاها، وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك، وأن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاثة أفراس ففعل ذلك.
ثم إنه بعث عبدا له إلى المرأة وأهدى إليها نحيا (5) من سمن ونحيّا من عسل وحلّة من عصب (6)، فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلّة ولبسها فتعلقت بعشرة (7) فانشقّت وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا.
ثم قدم على حيّ المرأة وهم خلوف (8) فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها، فقالت له: أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا وأن أمي ذهبت تشقّ النفس نفسين، وأن أخي يرعى الشمس، وأن سماءكم انشقت، وأن وعاءيكم نضبا (9).
فقدم الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أما قولها: إن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا، فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه. وأما قولها: ذهبت أمي تشقّ النفس نفسين، فإن أمها ذهبت تقبل (10) امرأة نفساء. وأما قولها: إن أخي يرعى الشمس، فإن أخاها في سرح (11) له يرعاه فهو ينتظر وجوب (12) الشمس ليروح (13) الأغاني ص 101ج 9، نهاية الأرب ص 155ج 3، وبلوغ الأرب ص 27ج 1.
(2) آلى: أقسم.
(3) الأطباء: حلمات الضرع لذي خفّ وظلف وحافر وسبع.
(4) الأخلاف: حلمات ضرع الناقة.
(5) النحي: السقاء أو ما كان للسمن خاصة.
(6) العصب: نوع من البرود.
(7) العشرة: واحدة العشر، وهو من كبار الشجر، وله صبغ حلو.
(8) خلوف: غيب.
(9) المراد نقصا.
(10) يقال: قبلت القابلة المرأة إذا تلقّت ولدها عند ولادته.
(11) السرح: الإبل السائمة.
(12) وجوب الشمس: غروبها.
(13) ليرجع.(1/16)
به. وأما قولها: إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق. وأما قولها: إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين الذين بعثت بهما نقصا فاصدقني!.
فقال: يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني من نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك، ونشرت الحلّة فانشقّت، وفتحت النحيين فأطعمت منها أهل الماء فقال: أولى (1) لك!.
ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام، فنزلا منزلا، فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز فأعانه امرؤ القيس، فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى أهل المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها، فقيل لها: قد جاء زوجك، فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزورا (2) وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا فأكل ما أطعموه، فقالت: اسقوه لبنّا حازرا (3)، فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له عند الفرث (4) والدم، ففرشوا له فنام.
فلما أصبحت أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك، فقال: سلي عمّا شئت، فسألته فلم يعجبها جوابه، فقالت: عليكم العبد فشدّوا أيديكم به ففعلوا.
قال: ومرّ قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيّه، فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته، فقال لها: قد جاء زوجك! فقالت: والله ما أدري أهو زوجي أم لا، ولكن انحروا له جزورا فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا، فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسنام والملحاء (5)! وأبى أن يأكل. فقالت: اسقوه لبنّا حازرا فأبى أن يشربه وقال: فأين الصريف (6) والرثيئة (7)؟ فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التلعة (8) الحمراء. واضربوا عليها خباء ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاثة فأرسل إليها أن سلي عمّا شئت، فسألته فأعجبها جوابه فقالت: هذا زوجي لعمركم عليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه ودخل امرؤ القيس بالجارية.
أولى لك: كلمة يقصد بها التوعّد والتهديد، أي الشرّ أقرب إليك.
(2) الجزور: البعير يقع على الذكر والأنثى.
(3) وهو الحامض.
(4) السرجين.
(5) لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز في البعير.
(6) الصريف: الحليب الحارّ ساعة يحلب.
(7) الرثيئة: اللبن الحليب يصبّ عليه اللبن الحامض فيروب من ساعته.
(8) التلعة: أرض مرتفعة غليظة يتردّد فيها السيل، ثم يندفع إلى تلعة أسفل منها.(1/17)
4
شعر امرىء القيس:
امرؤ القيس أسبق شعراء العربية إلى ابتداع المعاني والتعبير عنها، افتتح أبوابا من الشعر ووفّق إلى تشبيهات وطرق موضوعات لم يسبق إليها. ففتح باب الغزل وأطال الوصف، وأمعن فيه، وأبدع تصويره هذا إلى لفظ جزل موجز، وسبك محكم يتخلّله مثل مرسل، وحكمة بالغة.
وكان شعره مرآة لحياته، وتاريخ قومه. فقد ذكرنا أنه كان لاهيا مولعا بالشراب.
فكذلك كان شعره في شبابه صورة لحياته.
يمثّل شعره حياته وترفه في بدء شبابه، فقد كان يخرج إلى الصيد بالطّهاة يطهون له ولصحبه ما يصيد: [الطويل]
وظلّ طهاة اللحم ما بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل (1)
حتى إذا انتهت حياة اللهو والتّرف وحمل عبء أبيه كان شعره صورة لآماله:
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال (2)
ولكنما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي
وهو يصف حزنه على أبيه، وتهديده لقتلته بني أسد: [المتقارب]
تطاول ليلك بالأثمد (1) ... ونام الخليّ ولم ترقد (3)
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد (2)
وذلك من نبأ جاءني ... وخبّرته عن أبي الأسود
ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللسان كجرح اليد (3)
الأثمد: اسم موضع.
(2) العائر: الذي يجد وجطّا في عينه، وهو في هذا البيت الوجير نفسه.
(3) النثا: الحديث.
__________
(1) البيت في ديوان امرىء القيس ص 120، ورواية صدر البيت في الديوان:
فظل طهاة الحي من بين منضج
(2) البيتان في ديوان امرىء القيس ص 129.
(3) الأبيات في ديوان امرىء القيس ص 5553، وفي البيت الثالث «وأنبتته» بدل «وخبّرته».(1/18)
لقلت من القول ما لا يزا ... ل يؤثر عني يد المسند (1)
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
وإن تقتلونا نقتلكمو ... وإن تقصدوا لدم نقصد
وأعددت للحرب وثّابة ... جواد المحثّة والمرود
وهو يتردد في القبائل يستصرخها، يمدح من نصره، ويذمّ من خذله، فيمدح سعد بن ضباب الإيادي، وكان قد نزل به فأنجده: [الوافر]
سأشكرك الذي دافعت عني ... وما يجزيك منّي غير شكري (1)
فما جار بأوثق منك جارّا ... ونصرك للفريد أعزّ نصر
ويهجو سبيع بن عوف: [الكامل]
أبلغ سبيعا إن عرضت رسالة ... أنّي كظنّك إن عشوت أمامي (2)
أقصر إليك من الوعيد فإنني ... مما ألاقي لا أشدّ حزامي
ثم هو يذهب إلى قيصر فيصف ذلك في شعره: [الطويل]
بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا (3)
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وهكذا كان شعره صورة لما روي من حياته.
وأشهر شعره معلقته، ومطلعها: [الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل (4)
وتقع في واحد وثمانين بيتا (5). وقد نظمها في أيام شبابه ولهوه وموضوعها الغزل في بنت عمه عنيزة (2).
المسند: الدهر، يريد أبدا.
(2) وقد نقدها الباقلاني نقدا طويلا (148130) إعجاز القرآن طبع السلفية.
__________
(1) البيتان في الديوان ص 80.
(2) البيتان في الديوان ص 158، وفي الديوان «إني كهمّك» بدل «إني كظنّك».
(3) البيتان في الديوان ص 64.
(4) البيت في الديوان ص 110.
(5) في الديوان 92بيتا.(1/19)
وله مطوّلات أخرى ذكرت في ديوانه وهو على كل حال قد امتاز بجودة الوصف. ولا سيما النساء والفرس والصيد. كما امتاز بكثرة تشبيهه المبتكر فشبّه النساء بالظباء والبيض وشبّه الخيل بالعقبان والعصي إلى كثير من أمثال ذلك وقلّ أن ترى له أبياتا خلت من التشبيه. وكان لرحلاته الكثيرة إلى الشام واليمن وغيرهما أثر في سعة خياله وحسن تصويره واستعماله ألفاظا جديدة فشبّه في معلّقته إشراق محبوبته بسراج الراهب، وحسن تصويره، وشبّه ترائبها (وهي موضع القلادة منها) بالسجنجل (وهي كلمة رومية معناها المرآة)، وهكذا.
وأورث امرؤ القيس الأدب العربي أبياتا كثيرة يتمثّل بها كقوله: (وحسبك من غنى شبع وري)، وقوله: [الوافر]
وقد طوّفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب (1)
وقوله: [المتقارب]
بنو أسد قتلوا ربّهم ... ألا كلّ شيء سواه جلل (2)
وقوله: [الطويل]
وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب (3)
وقوله: [الطويل]
كذلك جدّي لا أصاحب صاحبا ... من الناس إلا خانني وتغيّرا (4)
وديوان امرىء القيس مشروح عدة شروح وطبع في باريس ومصر.
وجمع أشعار امرىء القيس عدّة من العلماء. وطبع ديوانه العلّامة دي ستان في باريس سنة 1828مع ترجمة لاتينية. وجمع الأب لويس شيخو اليسوعي أهم أخبار وأشعار امرىء القيس من كتب عديدة وسردها في كتابه المعروف بشعراء النصرانية المطبوع في بيروت سنة 1890.
__________
(1) البيت في الديوان ص 43.
(2) البيت في الديوان ص 140، ورواية البيت في الديوان:
بقتل بني أسد ربّهم ... ألا كلّ شيء وسواه جلل
(3) البيت في الديوان ص 31.
(4) البيت في الديوان ص 66، ورواية صدر البيت في الديوان:
كذلك جدّي ما أصاحب صاحبا(1/20)
ويعدّ امرؤ القيس أفحل شعراء الجاهلية وإمامهم ويقولون إنه كان أول من ابتدأ في شعره بذكر طلول محبوبته وباليقين في الأوصاف حتى أنه بلغ في ذلك مبلغا عظيما وإنه طبع في كل قصيدة من قصائده صورا كثيرة من حياة البدو أنشدها على نسق واحد بديع مقبول فإن تشبيهاته واستعاراته حسنة جدّا ولم يصل أحد إلى ما وصل إليه امرؤ القيس في المديح والهجو وأحسن صنعة في شعره هو وصفه جواده فليس له في ذلك مثيل، ولذلك ضرب المثل بامرىء القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب وهو أحد الأربعة الذين وقع الاتفاق على أنهم أشعر شعراء العرب: امرؤ القيس والنابغة وزهير والأعشى واختلفوا في أيّهم أشعر وأحسن ديباجة شعر والأكثرون على أنه امرؤ القيس.
قال لبيد: أشعر الناس ذو القروح. وقال الفرزدق: كان الشعر جملا فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه. وقال جرير: اتخذ الخبيث الشعر نعلين.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في امرىء القيس: «إنه يقدم بلواء الشعر إلى النار». وقال عليّ بن أبي طالب: «رأيت امرأ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة».
وقد أجاد امرؤ القيس في الغزل والوصف ووصف الخيل والصيد وتشبيه النساء بالظّباء والمها إلى غير ذلك مما ابتكره من معان واهتدي إليه من أغراض.
وله أبيات وقصائد غير صحيحة النسبة إليه وينكر بعض الرواة أبياته في معلّقته:
[الطويل]
وقربة قوم قد جعلت عصامها ... على كاهل مني ذلول مرحل (1)
إلى آخر هذه الأبيات.
آراء النقّاد في شعره:
أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي صلّى الله عليه وسلم فضلّوا الطريق ووقعوا على غيرهما ومكثوا ثلاثا لا يجدون الماء ثم أقبل راكب فسمع بعضهم ينشد: [الطويل]
ولمّا رأت أن الشريعة همّها ... وأنّ البياض من فرائصها دامي (2)
__________
(1) البيت في الديوان ص 118، ورواية صدر البيت في الديوان:
وقربة أقوام جعلت عصامها
(2) البيتان في الديوان ص 162161.(1/21)
تيمّمت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظلّ عرمضها (1) طامي
فقال: من يقول هذا؟ قيل: امرؤ القيس، قال: والله ما كذب هذا عارض عندكم وأشار لهم إليه فوصلوه فإذا ماء عذب وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا منه وحملوا، ولمّا أتوا النبي قالوا: يا رسول الله أحيانا الله عزّ وجل ببيتين من شعر امرىء القيس وأنشدوهما فقال صلّى الله عليه وسلم: «ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسى في الآخرة خامل فيها يجيء يوم القيامة معه لواء الشعر إلى النار».
وقال العباس بن عبد المطلب عمر بن الخطاب عن الشعراء فقال: «امرؤ القيس سابقهم خسف لهم عين الشعر فافتقر من معان عور أصح بصر» (2).
وقال عليّ بن أبي طالب: «رأيت امرأ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرغبة ولا رهبة».
ومرّ لبيد بالكوفة على مجلس وهو يتوكأ على محجن له فسألوه عن أشعر العرب فقال: الملك الضليل ذو القروح.
وسئل جرير رأيه في امرىء القيس فقال: «اتخذ الخبيث الشعر نعلين»، وهذا رأي يمثّل اقتدار امرىء القيس على الشعر وشدّة تمكّنه منه.
وقيل للفرزدق: من أشعر الناس يا أبا فراس؟ فقال: ذو القروح قيل: حين يقول ماذا؟ قال: حين يقول: [الوافر]
وقاهم جدّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب (1)
وقال ابن يحيى: سمعت من لا أحصي من الرّواة يقولون: «أحسن الناس ابتداء في الجاهليّة امرؤ القيس» حيث يقول:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي (2)
هو الطحلب. ضارج: مكان. الشريعة: مورد الماء.
(2) افتقر: أي بدأ الحفر، فالفقيرة الحفيرة ابتدىء بها فكان الشعر في نظر عمر كان أعور لم يصحّ بصره إلا على يد امرىء القيس وشعره.
__________
(1) البيت في الديوان ص 45.
(2) عجز البيت: وهل يعمن من كان في العصر الخالي
والبيت في الديوان ص 122.(1/22)
وحيث يقول:
قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل (1)
وفي الإسلام القطامي حيث يقول:
إنّا محيّوك فاسلم أيها الطلل
ومن المحدثين بشّار حيث يقول: [الطويل]
أبى طلل بالجزع أن يتكلّما ... وماذا عليه لو أجاب متيّما
وقال بشّار: لم أزل منذ سمعت قول امرىء القيس في تشبيهه بشيئين في بيت واحد حيث يقول: [الطويل]
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي (2)
أعمل نفسي في تشبيه شيئين بشيئين في بيت واحد حتى قلت: [الطويل]
كأنّ مثار النّقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وكان أبو عبيدالله بن محمد بن صفوان الجمحي يقول: أنسب بيت قالته العرب قول امرىء القيس: [الطويل]
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتّل (3)
وقال حمّاد بن إسحق: قال لي أبو ربيعة: لو لم تكن هذه القصيدة «بزينب ألمم» لنصيب شعر من كانت تشبه؟ قلت: شعر امرىء القيس «لأنها جزلة الكلام جيدة، فقال: سبحان الله! قلت: ما شأنك؟ قال: سألت أباك عن هذا فقال لي مثل ما قلت» فعجبت من اتفاقكما.
وفي أسطورة أدبية رواها صاحب الجمهرة سئل جنيّ، من أشعر العرب؟ فقال:
[الكامل]
ذهب ابن حجر بالقريض وقوله ... ولقد أجاب فما يعاب زياد
(23الجمهرة).
__________
(1) عجز البيت:
بسقط اللوى بين الدّخول فحومل
والبيت في الديوان ص 110.
(2) البيت في الديوان ص 129.
(3) البيت في الديوان ص 114.(1/23)
ويقول الآمدي: «وفضل امرؤ القيس لأن الذي في شعره من دقيق المعاني وبديع الوصف ولطيف التشبيه وبديع الحكمة فوق ما استعار سائر الشعراء منه في الجاهلية والإسلام. ولولا لطيف المعاني واجتهاد امرىء القيس فيها وإقباله عليها لما تقدّم على غيره ولكان كسائر شعراء أهل زمانه. ألا ترى أن العلماء بالشعر إنما احتجّوا في تقديمه بأن قالوا هو أول من شبّه الخيل بالعصا وذكر الوحش والطير وأول من قال قيد الأوابد الخ فهل هذا التقديم إلا لأجل معانيه (1).
ومن آثار شعر الطبيعة عند امرىء القيس وصفه الجميل الرائع لليل وطوله:
[الطويل]
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي (1)
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأنّ نجومه ... بكل مغار الفتل شدّت بيذبل
والقارىء يقف أمام هذه القطعة الفنية الجميلة متأمّلا معجبا مشدوها من روعة البيان وجمال التصوير ودقّة التعبير وقوّة التأثير ومن هذه الشخصية الفنيّة الكاملة التي تبرز من هذه الأبيات في وضوح وقوة وجمال.
الليل رهيب، ظلماته كالموج، اللجي وقد أقبل على الشاعر فأثار في نفسه الذكريات وهاج كوامن الأحزان وبعث الهموم من مرقدها وترك النفس موزّعة حيرى مفزعة.
واستمرت صور الماضي وأحداث الحاضر تتراءى أمام عينيه يتذكّرها ويذكرها يتذكر حياته اللاهية العابثة في صباه وهذه الآمال والآلام التي تعتلج في صدره وذكريات الحب والأحباب المؤثّرة الباقية.
وطال الليل على الشاعر وطال، وامتد وامتد فرسم لطوله هذه الصورة البارعة التي تجدها في البيت الثاني، فكأنه يتمطّى بصلبة، وكأن أعجازه وأواخره يردف بعضها بعضا وكأنه يقع بصدره على المهمومين والمحزونين ليوسعهم ألما وشقاء.
180 - الموازنة للآمدي.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 117.(1/24)
ويتمنى الشاعر أن يذهب الليل بظلمته ورهبته وأن يشرق الصبح بضوئه وجماله ولكنه يعود فيتذكّر أن أحزانه كامنة في نفسه فلن يسري عنها إشراق الصباح ولا ضجيج الحياة في أول النهار.
وتستمر الصور والذكريات تطوف بخيال الشاعر وأمام عينيه اليقظتين والليل كما هو لم يذهب ولم يطلع الصباح الجميل، وكأنه لا يريد أن يذهب بل كأنه مشدود بحبال قوية شدّت بصخرة من صخور هذا الجبل الغليظ.
صور جميلة لا يعدل جمالها جمال، وخيال يقظ مشبوب لا يماثله في استنباط دقائق التصوير خيال.
وهكذا كان امرؤ القيس وبحق ما كان زعيم الشعراء في الجاهلية.
ويرى الأصمعي (1) أن أحسن الناس تشبيها امرؤ القيس في قوله: [الطويل]
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي (1)
وفي قوله: [الطويل]
كأنّ عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقّب (2)
وفي قوله: [المتقارب]
ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللسان كجرح اليد (3)
وفي قوله: [الطويل]
سموت إليها بعدما نام أهلها ... سموّ حباب الماء حالا على حال (4)
وإن أبدع تشبيهاته قوله يصف فرسا: [المتقارب]
كأنّ تشوّفه بالضّحى ... تشوّف أزرق ذي مخلب (5)
إذا قرعته جلال له ... تقول سلبت ولم تسلب
ص 55فحولة الشعراء، للأصمعي نشر محمد خفاجي وطه الزيني.
__________
(1) البيت في الديوان ص 129.
(2) البيت في الديوان ص 42.
(3) البيت في الديوان ص 53.
(4) البيت في الديوان ص 124.
(5) البيتان ليسا في ديوان امرىء القيس (طبعة دار الكتب العلمية).(1/25)
فقال الرشيد للأصمعي: هذا حسن وأحسن منه قوله: [الطويل]
فرحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ... تصوّب فيه العين طورا وترتقي (1)
واجتمع عبيد الأبرص وامرؤ القيس يوما فقال عبيد: كيف معرفتك بالأوابد؟
فقال: قل ما شئت تجدني كما أحببت، فقال عبيد: [البسيط]
ما حيّة ميتة قامت بميتتها ... درداء ما أنبتت نابا وأضراسا (2)
فقال امرؤ القيس: [البسيط]
تلك الشعير تسقى في سنابلها ... قد أخرجت بعد طول المكث أكداسا
فقال عبيد:
ما السّرد (3) والبيض والأسماء واحدة ... لا يستطيع لهنّ الناس تمساسا
فقال امرؤ القيس:
تلك السحائب والرحمن أنشأها (4) ... روى بها من محول الأرض أيباسا
فقال عبيد:
ما مرتجات على هول مراكبها ... يقطعن بعد المدى سيرا وأمراسا
فقال امرؤ القيس:
تلك النجوم إذا حانت مطالعها ... شبّهتها في سواد الليل أقباسا
فقال عبيد:
ما القاطعات لأرض لا أنيس بها ... تأتي سراعا وما يرجعن أنكاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الرياح إذا هبّت عواصفها ... كفى بأذيالها للترب كنّاسا
فقال عبيد:
ما الفاجعات جهارا في علانية ... أشدّ من فيلق ملمومة باسا
__________
(1) البيت في الديوان ص 107، وفي الديوان «ورحنا» بدل «فرحنا».
(2) الأبيات في الديوان ص 8583.
(3) في الديوان: ما السّود.
(4) في الديوان: أرسلها.(1/26)
فقال امرؤ القيس:
تلك المنايا فما يبقين من أحد ... يأخذن حمقا (1) وما يبقين أكياسا
فقال عبيد:
ما السابقات سراع الطير في مهل ... لا يشتكين (2) ولو طال المدى باسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الجياد عليها القوم مذ نتجت ... كانوا لهنّ غداة الرّوع أحلاسا (3)
فقال عبيد:
ما القاطعات لأرض الجوّ في طلق ... قبل الصباح وما يسوين قرطاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الأماني يتركن الفتى ملكا ... دون السماء ولم ترفع له راسا
فقال عبيد:
ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر ... ولا لسان فصيح يعجب الناسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الموازين والرّحمن أرسلها (4) ... ربّ البريّة بين الناس مقياسا
ومما يتصل بشعر امرىء القيس ما يروى (1) من أنه وصل إلى حضرة سيف الدولة رجل من أهل بغداد وكان ينقر (2) العلماء والشعراء بما لم يدفعه الخصم ولا ينكره الوهم فتلقاه سيف الدولة باليمن وأعجب به إعجابا شديدا فقال يوما: أخطأ ذيل زهر الآداب ص 259.
(2) نقر الرجل: عابه.
__________
(1) في الديوان: يكفتن حمقى.
(2) عجز البيت في الديوان:
لا تستكين ولو ألجمتها فأسا
(3) رواية صدر البيت في الديوان:
تلك الجياد عليها القوم قد سبحوا
(4) في الديوان: أنزلها.(1/27)
امرؤ القيس في قوله: [الطويل]
كأنّي لم أركب جوادا للذّة ... ولم أتبطّن كاعبا (1) ذات خلخال (1)
ولم اسبأ (2) الزقّ (3) الرّويّ (4) ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال (5)
وهذا معدول عن وجهه ولا شك فيه.
فقيل: وكيف ذلك؟ قال: إنما سبيله أن يقول: [الطويل]
كأنّي لم أركب جوادّا ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال
ولم أسبأ الزقّ الرويّ للذة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
فيقترن ذكر الخيل بما يشاكلها في البيت كله، ويقترن ذكر الشراب واللهو بالنساء ويكون قوله: «للذة» في الشرب أطبع منه في الركوب!.
فبهت الحاضرون، واهتزّ سيف الدولة، وقال: هذا التهدي وحق أبي!.
فقال له بعض الحاضرين من العلماء: أنت أخطأت وطعنت في القرآن إن كنت تعمّدت!.
فقال سيف الدولة: وكيف ذلك؟ فقال: قال الله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلََّا تَجُوعَ فِيهََا وَلََا تَعْرى ََ (118) وَأَنَّكَ لََا تَظْمَؤُا فِيهََا وَلََا تَضْحى ََ} [طه: 118، 119]، وعلى قياسه يجب أن يكون: إن لك أن تجوع فيها ولا تظمأ ولا تعرى فيها ولا تضحى! وإنما عطفه امرؤ القيس بالواو التي لا توجب تعقيبا، ولا ترتّب (6) فخجل وانقطع!
الكاعب: من نهد ثدياها.
(2) سبأ الخمر: شراها.
(3) الزق: السقاء.
(4) الرّويّ: المروي.
(5) أجفل: أسرع وذهب.
(6) مثل هذا عن المتنبي مع سيف الدولة إذ أنشده قصيدته التي مطلعها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
إلى أن قال: [الطويل]
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم
فأنكر عليه سيف الدولة تطبيق عجزيهما، وقال ينبغي أن تطبّق عجز الثاني على الأول، وعجز الأول على الثاني على صدريهما، وأنت في ذلك مثل امرىء القيس في قوله: كأنّي لم أرتكب.
__________
(1) البيتان في الديوان ص 127.(1/28)
فقال له أبو الطيب. أدام الله عزّ مولانا، إن صحّ أن الذي استدرك هذا على شعر امرىء القيس أعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، ومولانا يعرف أن البزاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك وإنما قرن امرؤ القيس لذّة النساء بلذّة الركوب للصيد وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى ليجانسه، ولمّا كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا، وعينه من أن تكون باكية، قلت: ووجهك وضّاح، لأجمع بين الأضداد في المعنى، فأعجب سيف الدولة ووصله بخمسمائة دينار ويظهر أن القصتين لحادثة واحدة، اختلفت رواتها.(1/29)
شرح المختار من شعر امرىء القيس
1
قال امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من معلّقته المشهورة (1):
[الطويل]
1 - قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
2 - فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل
3 - ترى بعر الآرام في عرصاتها ... وقيعانها كأنه حبّ فلفل
4 - كأني غداة البين يوم تحمّلوا ... لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل
السّقط مثلثة السين: منقطع الرمل أو شرارة النار أو الموارد لغير تمام. اللّوى: رمل ملتو.
الدخول وحومل: موضعان. المعنى: أسعداني بالبكاء على حبيبي وآثاره بمنقطع اللّوى المعوج بين هذين الموضعين.
(2) توضح والمقراة: موضعان. عفا: زال. الرسم: ما لصق بالأرض من آثار الدار كالرماد. نسيج الريحين: اختلافهما على المكان، فأحدهما تستر الرسوم بالتراب والأخرى تزيله. المعنى: آثار الديار لم تزل لتعاقب الرياح عليها.
(3) آرام: جمع رثم، الظباء الخالصة البياض. عرصة الدار: ساحتها. قيعان: جمع قاع ما استوى من الأرض. الفلفل: معروف. المعنى: أوحشت الدار بعد أهلها فسكنتها الظباء ونثرت في ساحتها بعرها.
(4) الغداة: الضحوة. البين: الفرقة. تحمّل: ارتحل. لدى: عند. سمرات: جمع سمرة وهي شجرة الطلح (الموز). الحيّ: القبيلة. نقف الحنظل: شقّه عن الحبّ. المعنى: وقفت بعد فراق الأحباب في حيرة وقفة جاني الحنظل ينقفها بظفره ليخرج منها الحبّ فتكثر دموعه وتتساقط من عينه.
__________
(1) المعلّقة في الديوان ص 122110، وهي في الديوان من 92بيتا.(1/30)
5 - وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل
6 - وإنّ شفائي عبرة مهراقة (1) ... فهل عند رسم دارس من معوّل
7 - كدأبك من أمّ الحويرث قبلها ... وجارتها أمّ الرّباب بمأسل
8 - ففاضت دموع العين مني صبابة ... على النّحر حتى بلّ دمعي مخملي
9 - ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح ... ولا سيّما يوم بدارة جلجل
10 - ويوم عقرت للعذارى مطيّتي ... فيا عجبا من كورها المتحمّل
11 - فظلّ العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهدّاب الدّمقس المفتّل
12 - ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فقالت لك الويلات إنّك مرجلي
13 - تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
وقوفا: جمع واقف، حال من فاعل قفا. الصحب: جمع صاحب. المطي: الركب. المعنى:
وقف أصحابه رواحهم عليه أي لأجله يأمرونه بالصبر وعدم الجزع.
(6) المهراق: المراق المصبوب. العبرة: الدمع. المعوّل: المبكي أو المعتمد عليه. المعنى: البكاء يخلّصني مما بي ولكن لا ينفع البكاء عند رسم دارس، أو ولا معتمد عليه عنده.
(7) الدأب: العادة. مأسل: اسم جبل. المعنى: عادتك في حبّ هذه كعادتك في حبّ تلك، من قلّة الوصل، ومعاناة الوجد.
(8) الصبابة: رقة الشوق. والمحمل والحمالة: علاقة السيف وجمع المحمل: المحامل وجمع الحمالة: الحمائل. يريد أنه بكى بكاء شديدا، حتى بلّ دمعه محمل سيفه.
(9) ربّ: للتقليل وربما أريد بها التكثير حملا على كم والعكس. السي: المثل. دارة جلجل: اسم غدير. المعنى: ربّ يوم فزت فيه بوصل النساء ولا يوم من تلك الأيام مثل يوم دارة جلجل.
(10) العذراء: البكر. الكور: الرحل. يوم: معطوف على يوم في البيت السابق. المعنى: يفضل يوم دارة جلجل ويوم عقر مطيّته للبكارى على سائر الأيام ثم يتعجب من حملهن رحل مطيته بعد عقرها.
(11) الهداب والهدب: ما استرسل من الشيء. الدّمقس: الحرير. المعنى: جعلن يلقين على بعضهن لحم ناقته طول النهار ثم شبّه شحمها بالحرير الذي أجيد فتله.
(12) الخدر: الهودج ويستعار للستر. عنيزة: اسم عشيقته. الويلات: جمع ويلة. مرجلي: مصيري راجلة من أرجلته وراجل من رجل أي صار راجلا. المعنى: ويوم دخلت عنيزة فدعت عليّ دلالا بالويلات لما تقدر من عقري ظهر بعيرها.
(13) الغبيط: نوع من الهوادج. عقرت بعيري: أدبرت ظهره. المعنى داعبتني عند ميل الهودج بقولها: انزل فقد أدبرت ظهر البعير.
__________
(1) في الديوان: «إن سفحتها» بدل «مهراقة».(1/31)
14 - فقلت لها سيري وأرخي زمامه ... ولا تبعديني من جناك المعلّل
15 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم محول
16 - إذا ما بكى من خلفها انصرفت له ... بشقّ وشقي تحتها (1) لم يحوّل
17 - ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت ... عليّ وآلت حلفة لم تحلّل
18 - أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
19 - وإن تك (2) قد ساءتك مني خليقة ... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
20 - أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي ... وأنّك مهما تأمري القلب يفعل
21 - وما ذرفت عيناك إلّا لتضربي ... بسهميك (3) في أعشار قلب مقتّل
22 - وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتّعت من لهو بها غير معجل
14 - العلل: من علّ المكرر. الجنا: ما يؤخذ من الشجر الماء. المعنى: قلت لها لما أمرتني بالنزول سيري ولا تحرميني مما أنال من عناقك المكرر.
15 - الطروق: الإتيان ليلا ونهارا. المرضع: التي لها ولد رضيع. ألهى: أشغل. التميمة: الحجاب.
محول: من أحول الصبي إذا تم له حول. المعنى: ربّ امرأة حبلى أتيتها ليلا وربّ امرأة ذات رضيع أتيتها ليلا فشغلتها عن ولدها الذي علقت عليه العودة فكيف تتخلصين مني.
16 - شق الشيء: نصفه. المعنى من شدة ميل النساء إليّ لو بكى رضيعهنّ لا نصرفت عني المرأة بنصفها الأعلى ترضع ابنها وتبقي نصفها الأسفل أتمتع به.
17 - الكثيب: رمل كثير. التعذر: التشدد والالتواء. الإيلاء: الحلف. التحلل في اليمين: الاستثناء.
المعنى: أن الحبيبة ساءت عشرتها يوما على ظهر الكثيب وحلفت أن تهجره من غير أن تستثني في حلفها.
18 - مهلا: رفقا. الدلال: إيذاء المحبوب لمن يحبّه ثقة بشدة إخلاصه. الصرم: الهجر. أزمعت الأمر: وطّنت النفس عليه. المعنى: دعي يا فاطمة بعض دلالك وإن كنت عزمت على فراقي فأجملي في هجرك، فاطمة اسم الموضع أو اسم عنيزة.
19 - الثياب: المراد به القلب. النسول: سقوط الريش. المعنى: إن أزمعت هجري لسوء في خلقي فاستخرجي قلبي من قلبك يفارقه.
20 - المعنى: غرّك مني قتل حبك إياي وانقياد قلبي لك فأردت أن تهجريني.
21 - ذرف الدمع يذرف: سال. أعشار: قطع. المقتل: المذلل. المعنى: ما بكيت إلا بسهمي دمع عينيك وتجر حين قطع قلبي الذي ذللته بعشقك.
22 - يرام: يطلب الخباء، البيت. المعنى: ربّ امرأة كالبيض في الصون وفي صفاء اللون ملاومة لخدرها لهوت بها بلا عجلة ولا اشتغال بغيرها.
__________
(1) في الديوان: «وتحتي شقها» بدل «وشقي تحتها».
(2) في الديوان: «وإن كنت» بدل «وإن تك».
(3) في الديوان: «بسهمك» بدل «بسهميك».(1/32)
23 - تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا ... عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي
24 - إذا ما الثريّا في السّماء تعرّضت ... تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
25 - فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ... لدى السّتر إلا لبسة المتفضّل
26 - فقالت يمين الله ما لك حيلة ... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي
27 - خرجت بها نمشي تجرّ وراءنا ... على أثرينا ذيل مرط مرحّل
28 - فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى ... بنا بطن خبت ذي حقاف (1) عقنقل
29 - هصرت بفودي رأسها فتمايلت ... عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل
30 - إذا التفتت نحوي تضوّع ريحها ... نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل
23 - أحراس: جمع حارس أو حرس. المعشر: القوم. حراص: جمع حريص الإسرار، يستعمل في الإظهار والإخفاء. المعنى: لاقيت في ذهابي إليها وزيارتي إياها أهوالا كثيرة وقوما يحرسونها وقوما حراصا على قتلي لو قدروا عليه خفية لأنهم لا يجرأون على قتلي جهارا.
24 - التعرّض: الاستقبال وإبداء العرض، أي الناحية والأخذ في الذهاب عرضا. الاثناء: النواحي أو الأوساط. المفصل: الذي حشي بين خرزه بالذهب غيره. المعنى: أتيتها عند رؤية نواحي كوكب الثريا، ثم شبه نواحي كواكبها بجواهر الوشاح.
25 - نضا الثياب: خلعها. المتفضل: اللابس ثوبا واحدا. المعنى: أتيتها وقد خلعت ثيابها عند النوم غير ثوب واحد تنام فيه وقد وقفت عند الستر ترتقبني وتنتظرني.
26 - اليمين: الحلف. الغواية: الضلالة. الانجلاء: الانكشاف، إن زائدة. المعنى: حضر للحبيبة فقالت: أقسم بالله ما لي لدفعك عني حيلة أو ما لك عذر في فضيحتي بطروقك إياي وما أرى ضلال العشق منكشفا عنك.
27 - المرط: كساء من خزّ أو صوف وقد يطلق على الملاءة. المرحل: المنقش. المعنى: أخرجتها من صدرها وهي تمشي مغطية بمرطها أثر أقدامنا.
28 - أجاز المكان وجازه: قطعه. الساحة: الفناء. الحي: القبيلة. الانتحاء: التنحّي. البطن: سهل بجواره جبال. والخبت: السهل. والحقف: رمل معوج مرتفع. العقنقل: الرمل المنعقد.
المعنى: فلما خرجنا من مجمع بيوت القبيلة وصرنا إلى هذا الموضع طاب حالنا وراق لهونا.
29 - الهصر: الجذب. الفودان: جانبا الرأس. هضيم الكشح: ضامره. الوسط: البطن. المخلخل:
موضع الخلخال من الساق. هصرت: جواب لما في البيت السابق. المعنى: لمّا خرجنا من الحيّ جذبت ذؤابيتها إليّ فطاوعتني ومالت على حال ضمور الكشح وامتلاء الساقين وهضيم حال من فاعل تمايلت ولم يؤنث لأنه فعيل بمعنى مفعول.
30 - تضوعت الريح: انتشرت وتحرّكت. والنسيم: تحرّك الريح بلين وضعف. والريا: الرائحة.
القرنفل: شجر هندي له زهر عبق الرائحة.
__________
(1) في الديوان: «ذي قفاف» بدل «ذي حقاف».
31 - مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسّجنجل
32 - كبكر مقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير المحلّل
33 - تصدّ وتبدي عن أسيل وتتّقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل
34 - وجيد كجيد الرّئم ليس بفاحش ... إذا هي نصّته ولا بمعطّل
35 - وفرع يغشّى المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النّخلة المتعثكل
36 - غدائره مستشزرات إلى العلى ... تضلّ المدارى في مثنّى ومرسل
37 - وكشح لطيف كالجديل مخصّر ... وساق كأنبوب السّقيّ المذلّل
38 - وتعطو برخص غير شئن كأنّه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل
31 - مهفهفة: ضامرة البطن لطيفة الخصر. مفاضة: كبيرة البطن. الترائب: موضع القلادة من الصدر. الصقل: إزالة الدنس واللمعان. السجنجل: المرآة. المعنى: هي امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن ليست كبيرة البطن صدرها كالمرآة.(1/33)
31 - مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسّجنجل
32 - كبكر مقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير المحلّل
33 - تصدّ وتبدي عن أسيل وتتّقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل
34 - وجيد كجيد الرّئم ليس بفاحش ... إذا هي نصّته ولا بمعطّل
35 - وفرع يغشّى المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النّخلة المتعثكل
36 - غدائره مستشزرات إلى العلى ... تضلّ المدارى في مثنّى ومرسل
37 - وكشح لطيف كالجديل مخصّر ... وساق كأنبوب السّقيّ المذلّل
38 - وتعطو برخص غير شئن كأنّه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل
31 - مهفهفة: ضامرة البطن لطيفة الخصر. مفاضة: كبيرة البطن. الترائب: موضع القلادة من الصدر. الصقل: إزالة الدنس واللمعان. السجنجل: المرآة. المعنى: هي امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن ليست كبيرة البطن صدرها كالمرآة.
32 - البكر: ما لم يسبق مثله. المقاناة: الخلط. النمير: الماء الصافي في المحلل من الحلول.
المعنى: أنها بيضاء كبكر البيض التي قوني بياضها بصفرة يعني بيض النعام البياض الذي شابته صفرة أحسن ألوان النساء عند العرب ثم قال قد غذّاها ماء نمير عذب لم يكثر حلول الناس عليه حتى يكدر.
33 - الصدود: الإعراض. الإبداء: الإظهار. الإسالة: امتداد وطول في الخد. الاتقاء: الحجز بين الشيئين. وجرة: موضع. المطفل: التي لها طفل. المعنى: تعرض عني وتظهر خدّا أسيلا وتجعل بيني وبينها عينا ناظرة من نواظر وحش وجرة هذا الموضع المعروف.
34 - الجيد: العنق. والرئم: الأبيض من الظباء. ليس بفاحش: ليس بكر المنظر، فاحش الطول.
نصّته: رفعته. المعطل: الذي ليس فيه حليّ.
35 - الفرع: الشعر التام. والفاحم: الشديد السواد كالفحم. والأثيث: الكثيف. والقنو: العذق، وهو كباسة النخلة. والمتعثكل: المتداخل لكثرته.
36 - الغدائر: جمع غديرة، وهي ذؤابة الشعر. مستشزرات: مرتفعات بكسر الزاي وفتحها، يقال استشزر الحبل واستشزره: فتله. المدرى: هي الإمشاط جمع مدرى ويروى «العقاص» جمع عقيصة هي المدرى. يصفها بكثرة الشعر والتفافه.
37 - الكشح: الخصر. والجديل: زمام يتّخذ من سيور، وهو لبن يشبه كشحها في لينه ولطافته بهذا الزمام. والأنبوب ههنا: قصب البردى ينبت بين النخيل. والسقي: النخل المسقي مرة بعد أخرى، ليجود ثمره وينعم. والمذلل: الذي جمعت أعذاقه وعطفت لتجيء.
38 - تعطو: تتناول. والرخص: اللين. والشثن: الغليظ الجافي. والأساريع: دود أحمر، وقيل:
أبيض يكون في طبي، وهو اسم واد بتهامة. والإسحل: شجر من شجر المساويك.(1/34)
39 - تضيء الظّلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسى راهب متبتّل
40 - وتضحى فتيت المسك فوق فراشها ... نئوم الضّحى لم تنطق عن تفضّل
41 - إلى مثلها يرنو الحليم صبابة ... إذا ما اسبكرّت بين درع ومجول
42 - تسلّت عمايات الرّجال عن الصّبا ... وليس صباي عن هواها بمنسل
43 - ألا ربّ خصم فيك ألوى رددته ... نصيح على تعذاله غير مؤتل
44 - وليل كموج البحر أرخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
45 - فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
46 - ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
47 - فيا لك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار القتل شدّت بيذبل
48 - كأنّ الثريّا علّقت في مصامها ... بأمراس كتّان إلى صمّ جندل
49 - وقد أغتدي والطّير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
39 - المنارة: ههنا المسرجة، جمعها مناور ومناير، أو هي صومعة الراهب، لأنه يوقد النار في أعلاها للطارق. الممسى: وقت الإمساء. المتبتل: المنقطع عن الناس للعبادة.
40 - تضحى: تنام إلى الضحى. فتيت المسك: مدقوقه. انتطقت: شدّت النطاق في وسطها استعدادا للعمل. التفضل: أن تلبس المرأة ثوبا واحدا للخفّة في العمل عن تفضل بعد تفضل.
41 - اسبكرت ويروى اسبطرت: امتدت وتمّ طولها. والدرع: قميص المرأة، مذكر. والمجول: ثوب تلبسه الجمارية الصغيرة تجول فيه.
42 - تسلت عمايات: ذهبت جهالات الرجال. الصبا: اللهو واللعب. ومنسل: منكشف، يقال انسلى عني الهمّ وتسلى أي انكشف.
43 - الألوى: الشديد الخصومة. رددته: أي عن نصيحتي. المؤتلي: المقصر.
44 - سدوله: ستوره. شبّه الليل بموج البحر في تراكمه وشدّة ظلمته.
45 - تمطّى: امتد صلبه متنه وظهره ويروى «بجوزه» أي وسطه. الأعجاز: جمع عجز. وهو مؤخر الحيوان. ناء بكلكله: نهض بصدره.
46 - انجل: انكشف، والياء فيه من صلة الكسر. أمثل: أحسن ويروى، «وما الإصباح ما لك بأمثل» أي أنا أبدا مغموم في الليل وفي الصبح.
47 - المغار: الشديد الفتل. يذبل: اسم جبل.
48 - المصام: المكان الذي يقام فيه ولا يبرح منه كمصام الفرس وهو مربطه، ومصام النجم: معلقه.
والأمراس: جمع مرس وهو الحبل.
49 - الوكنات: جمع وكنة، الموضع الذي يأوي إليه الطائر. المنجرد: الفرس القصير الشعر وهو من وصف عتاق الخيل، أو هو الماضي المنسلخ من الخيل عند السباق. الأوابد: جمع آبد، وهي الوحوش النافرة. الهيكل: العظيم الخلقة.(1/35)
50 - مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
51 - كميت يزلّ اللبد عن حال متنه ... كما زلّت الصّفواء بالمتنزل
52 - مسحّ إذا ما السّابحات على الونى ... أثرن غبارا بالكديد المركّل
53 - على العقب جيّاش كأن اهتزامه ... إذا جاش فيه حميه غلي مرجل
54 - يطير الغلام (1) الخفّ عن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المثبل (2)
55 - درير كخذروف الوليد أغرّه (3) ... تقلّب كفّيه بخيط موصّل
56 - له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
57 - كأنّ على الكتفين منه إذا انتحى ... مداك عروس أو صلاية حنظل (4)
50 - مكر: يحسن الكر. مفر: يحسن الفرّ. والجلمد والجلمود: الحجر الصلب. من عل: من مكان عال.
51 - كميت: أحمر اللون، وقيل: أملس المتن سهله. والحال: موضع اللبد من ظهره. والصفواء:
الصخرة الملساء. والمتنزل: الموضع المنحدر.
52 - المسح: الكثير الجري. والسابحات: الخيل تبسط أيديها إذا عدت. والونى: الفتور. والكديد:
الأرض الصلبة، أو الغليظة المرتفعة. والمركل: الذي أثّرت فيه الحوافر، وأثارت غباره.
53 - العقب: هو عقب الإنسان، أي إذا غمزته بالعقب جاش، وقيل: العقب: جري يجيء بعد جري، ويروى «على الذبل جياش» والذبل الضمور. والاهتزام: صوت جوفه عند الجري.
والحمي: الغلي. والمرجل: القدر.
54 - الخف: الخفيف. والصهوات: جمع صهوة وهي موضع اللبد من ظهر الفرس، جمع ما حولها. ويلوي بأثواب العنيف: يذهب بها من شدة عدوه. والعنيف: الأخرق الذي ليس برفق المثقل الثقيل الذي لا يحسن الركوب.
55 - الدرير: من الخيل ومن كل الدواب السريع الخفيف. والخذروف: الدوارة يلعب بها الصبي، يشدّها بخيط في يديه، وهي سريعة المر. والموصل: الذي أخلق وتقطع من كثرة اللعب به، فوصل.
56 - أيطلا الظبي: خاصرتاه. وإرخاء السرحان: جري الذئب. والتتفل: ولد الثعلب. والتقريب:
وضع الرجلين موضع اليدين.
57 - المداك: حجر يسحق به الطيب. ومداك العروس: يكون برّاقا لكثرة استعمالها إياه، والصلاية:
الحجر الأملس الذي يستحق عليه الحنظل، وفي رواية أخرى:
__________
(1) في الديوان: «يزلّ الغلام» بدل «يطير الغلام».
(2) في الديوان: «المثقل» بدل «المثبل».
(3) في الديوان: «أمرّه» بدل «أغرّه».
(4) يروى البيت في الديوان:
كأن سراته لدى البيت قائما ... مداك عروس أو صلاية حنظل(1/36)
58 - وبات عليه سرجه ولجامه ... وبات بعيني قائما غير مرسل
59 - فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه ... عذارى دوار في الملاء المذيّل
60 - فأدبرن كالجزع المفصّل بينه ... بجيد معمّ في العشيرة مخول
61 - فألحقنا بالهاديات ودونه ... جواحرها في صرّة لم تزيّل
62 - فعادى عداء بين ثور ونعجة ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
63 - وظلّ طهاة اللّحم ما بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل
64 - ورحنا وراح الطّرف ينفض رأسه ... متى ما ترقّ العين فيه تسفّل (1)
65 - كأنّ دماء الهاديات بنحره ... عصارة جنّاء بشيب مرجّل
66 - وأنت إذا استدبرته سدّ فرجه ... بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
كأن سراته لدى البيت قائما ... مداك عروس أو صراية حنظل
والصراية: الحنظلة إذا اصفرّت، وجمعها صراء وصرايا.
58 - يعني أنه كان مرتقبا الصباح ليصيد، فلم يحط عن فرسه سرجه ولجامه. بات بعيني: أي حيث أراه. لكرامته علي. غير مرسل، أي لم أهمله.
59 - عن: ظهور عرض. السرب: القطيع من البقر والظباء وغيرها وأراد به هنا البقر. ونعاجه:
والدوار: صنم لأهل الجاهلية، يدورون حوله إذا نأوا عن الكعبة. والملاء: جمع ملاءة، وهي الملفّة. والمذيل: ذو الهدب.
60 - الجزع: الخرز فيه دوائر بيض وسود. المفصل: الذي فصل بينه باللؤلؤ. الجيد: العنق. المعمّ المخول: كريم الأعمام والأخوال. شبّه بقر الوحش وما فيهنّ من جمال اللون ومن البياض والسواد بالجزع.
61 - الهاديات: المقدمات من البقر. والجواحر: المتخلّفات من الوحش وغيرها، صرة: صيحة وضجة أو الشدة من الكرب. ولم نزيل: لم تتفرق.
62 - العداء: الموالاة. دراكا: تباعا. لم ينضح: لم يعرق.
63 - الطهاة: الطباخون، جمع الطاهي. والصفيف: اللحم المشرّح المرقّق، أو الذي يغلى إغلاءة ثم يرفع. القدير: المطبوخ في القدر.
64 - الطرف: الفرس السريع، أو هو الكريم الأبوين.
65 - مرجل: مشرح. يشبّه دم الوحوش أصاب صدر الفرس بعصارة الحناء على الشيب وإنما أراد بشيب غسل الحناء عنه.
66 - الفرج: ما بين رجليه الضافي: الذنب الطويل. فويق الأرض: لا يمس الأرض. الأعزل: الذي يميل ذنبه في جانب عادة لا خلقة وهو مكروه.
__________
(1) يروى البيت في الديوان:
ورحنا وراح الطرف يقصر دونه ... متى ما ترقّ العين فيه تسهل(1/37)
67 - أحار (1) ترى برقا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبى مكلّل
68 - يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أهان السّليط في الذّبال المفتّل
69 - قعدت له وصحبتي بين حامر ... وبين إكام بعد ما متأمل (2)
70 - وأضحى يسجّ الماء عن كل فيقة ... يكبّ على الأذقان دوح الكنهبل
71 - وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ... ولا أطما إلّا مشيدا بجندل
72 - كأنّ ذرى رأس المجيمر غدوة ... من السّيل والغثاء فلكة مغزل
73 - كأنّ أبانا في أفانين ودقه ... كبير أناس في بجاد مزمّل
74 - وألقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليماني ذي العياب المخوّل
67 - الوميض: لمع البرق. الحبى: السحاب المتراكم أو المتداني أو ما عرض لك وارتفع.
والمكلل: الذي تراكم بعضه على بعض كأن له إكليلا. شبّه انتشار البرق وتشعّبه بحركة اليدين وتقليبهما.
68 - السنا: الضوء. السليط: عند عامّة العرب الزيت وعند اليمنيين زيت السمسم. والذبال: جمع ذبالة وهي الفتيلة، ويروى أمال.
69 - حامر وإكام: موضعان، وقيل: إكام بلد بالشام، ويروى «ضارج» في مكان حامر وهو حبل.
70 - الفيقة: اللبن يجتمع في الضرع بين الحلبتين. يريد أن السحاب يسح الماء ثم يسكن شيئا ثم يسح وذلك أغزر له، فجعل ما بين السحين بمنزلة الفيقة. يكبه: يلقيه على وجهه. الدوح:
الشجر العظام. والكنهبل: شجر ضخم من الفضاه.
71 - تيماء: مدينة. الأطم: البيت المسطح. ويروى «ولا أجما» وهو بمعنى الأطم.
72 - ذرى: جمع ذروة وهي أعلى الشيء. المجيمر: أرض لبني فزارة. ويروى «طمية المجيمر».
وطمية: جبل. الغثاء: كل ما يحمله السيل من الحشيش ونحوه. وفلكة المغزل: رأسه المستدير.
73 - أبان، وفي رواية: «ثبيرا» جبل الأفانين: الأنواع والضروب. الودق: المطر. البجاد: كساء مخطط. شبّه الجبل حين غشيه المطر وعمّه الخصب بشيخ ملفف في بجاد، وخصّ الشيخ لأنه متدثّر أبدا متزمّل في ثيابه.
74 - الغبيط: موضع. البعاع: الثقل، واستعاره لكثرة المطر. اليماني: التاجر اليماني. العياب: جمع عيبة. المخول: ذو الخول وهم الأتباع والخدم.
__________
(1) في الديوان: «أصاح» بدل «أحار».
(2) يروى البيت في الديوان:
قعدت وأصحابي له بين ضارج ... وبين العذيب بعد ما متأمّلي(1/38)
75 - كأنّ سباعا فيه غرقى غديّة ... بأرجائه القصوى أنابيش عنضل
76 - على قطن بالشّيم أيمن صوته ... وأيسره على السّتار فيذبل (1)
77 - وألقى ببسيان مع اللّيل بركه ... فأنزل منه العصم من كلّ منزل
75 - غدية: أي حين أصبح الناس فنظروا إلى ما أحدث السيل. الأنابيش: أصول النبت جمع أنبوش، وهو ما نبشه المطر. والعنضل: البصل البرّي.
76 - قطن: اسم جبل في بني أسد. والشيم: النظر إلى البرق والسحاب ليعلم أين هما. والستار ويذبل: جبلان مما يلي البحرين.
77 - بسيان: جبل في ديار بني سعد. والبرك: الصدر استعاره للمطر لحلوله بهذا الموضع ولزومه إيّاه. ويروى بدل الشطر الأول:
ومر على القنان من نفيانه
والقنان: جبل في ديار بني فقعس، وقنان آخر في ديار هذيل. ونفيان السحاب: ما نفاه من مائه فأساله، أو هو الرش والرد في أول المطر. والعصم: جمع أعصم، وهو الوعل، والعصمة:
بياض في وظيفي يديه.
__________
(1) البيتان الأخيران غير موجودين في الديوان.(1/39)
تحليل للقصيدة
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدّخول فحومل
مطلع معلقة امرىء القيس (1) الرائعة الشّهرة، والتي تدلّ على شخصية صاحبها المرحة وروحه الموهوبة، ومجونه المأثور، وأسلوب القصيدة أسلوب جزل فيه أسر وقوة في عذوبة حينّا مع الجمال والصدق والتنقّل في الخيال ومع سحر المطلع وفخامته.
ومعانيها قريبة «لا تعقيد فيها» تنكىء على الحسن والمشاهدات، فهو حين يتحدث عن الحب يصف جمال المرأة ومحاسنها، وحين يصف الفرس يتحدث عن ساقه ومتنه وشعره وحين يتحدث عن المطر يصف كثرته وأنه ألقى مياهه على جبل كذا وكذا ففزعت العصم وهدمت البيوت وسقطت جذوع النخل، دون أن يتحدث الشاعر عمّا وراء هذه الأوصاف الحسيّة في الخيل والمطر أو عن عواطفه الإنسانية في حبه وغزله.
وتمتاز المعلقة بأنها مظهر للبلاغة العربية وبما فيها من أساليب البيان ومناهج الأداء وصور التعبير وألوان الرسم والخيال والتفكير فيها تشبيهات بليغة عذبة كثيرة واستعارات جميلة بالغة وكنايات أنيقة ساحرة وسوى ذلك من أدوات التعبير والبيان. ولتفصيل ذلك كله نقول:
للمعلّقة مطلعها الساحر القوي وأسلوبها الجزل وخيالها البدوي الموهوب وتشبيهاتها الحسيّة الساذجة المكرورة أحيانا وفيها فوق ذلك وبرغم الكثير من ألفاظها البدوية الجافّة رقّة النسيب ودقّة الوصف وتنوّع الأغراض وبراعة التصوير والبيان
__________
(1) درس الباقلاني في كتابه، إعجاز القرآن، المعلقة دراسة نقد وموازنة هي دراسة رائعة جديدة فارجع إليها إن شئت.(1/40)
وفيها جلّ ما ابتكره امرؤ القيس من المعاني الشعرية التي فضل بها على غيره من الشعراء وعدّ بها أميرهم وقائدهم، ففيها بكاء للديار واستيقاف للصحب وتجويد في النسيب وتصوير لاستهتاره ومجونه، وقصّ لذكرياته وأيامه، وإبداع في وصف الليل وطوله، والفرس ومحاسنه، والبرق، والمطر وآثاره.
وفي المعلقة الكثير من التشبيهات الجميلة. كتشبيه موقفه حين رحيل أحبابه بموقف الحنظل وفي غزارة ما ينهمر منهما من دموع وكتشبيه عبق الرائحة من حبيبه بعبق رائحة النسيم قد جاء بريا القرنفل وتشبيه شحم ناقته بهداب الدمقس المفتل والثغر بالأقحوان المنوّر وتعرّض الثريا في السماء بتعرّض أثناء الوشاح المفصل، وتشبيه ترائب المرأة بالمرآة المجلوّة، وجيدها بجيد الظّباء، وبنانها بأساريع الظبي، وجمالها المشرق بمنارة الراهب المتبتل، وتشبيه الليل بموج البحر واهتزام الفرس بغلي المرجل، فقد أخذ الحسن من جميع الحيوانات، أخذ من الظبي خاصرته ومن النعامة ساقها ومن الذئب والثعلب مشيهما، فهو جواد ويا له من جواد ضافي الذيل مستقيم العسيب (1) لمّاع الظهر كما تلمع صلاية الحنظل مما يعلق بها من الدهن اللامع، أو صلاية عروس تدق فيها العطر والطيب وكأن دماء هوادي فرائسه في نحره المخضوب عصارة حناء في شيب مسرح.
وتمتاز المعلقة بكناياتها الساحرة كنؤوم الضحى في وصف المرأة بالترف والنعمة وقوله: «لم تنتطق عن تفضل» في وصفها بأنها عزيزة منعّمة لم تعزّ بعد ذلّ ولم تنعم بعد شقاء، وقوله: «إذا ما اسبكرّت بين درع ومجول» يريد إذا بلغت سن الشباب لأنه الدرع هو قميص المرأة والمجول ثوب تلبسه الفتاة وتجول فيه قبل أن تخدر، وقوله: «قيد الأوابد» في وصف الفرس بسرعة العدو، وقوله: «ولم ينضح بماء فيغسل» في وصفه بالنشاط. وفيها كثير من المجازات الجميلة والاستعارات المبدعة كقوله: «فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي» يريد بالثياب القلب أو الصداقة، وقوله: «وبيضة خدر» يريد امرأة كريمة مخدرة، وقوله في وصف الليل بالطول:
«فقلت له لما تمطى بصلبه»، وقوله: «وتتقي بناظرة من وحش وجرة»، وكذلك قوله:
«له أيطلا ظبي وساقا نعامة» من أساليب التجريد أو التشبيه الجميلة.
وقد تجد في المعلقة تنقلا في الخيال وفي رسم الصور الشعرية، ولكن لا ضير في ذلك، لأن الشعر فن، والفنون تأبى أن تخضع لقيود المنطق والفلسفة وحريتها في
__________
(1) عظم الذنب.(1/41)
التعبير والتصوير هو سر جمالها وخلودها وفق ذلك فإن الشعر صورة للحياة العربية في سذاجتها وبساطتها فضلا عن أثر الارتجال والبديهة في نظم الشعر وإنشاده وخاصة في العصر الجاهلي.
وفي المعلقة وصف لما يحبه العربي من مظاهر الجمال في المرأة وفي الفرس وفيها بيان مفصّل لزينة المرأة وترفها وفيها نواه للقصص الشعري وخاصة في الغزل مما نهج نهجه عمر بن أبي ربيعة ثم بشّار وأبو نواس. وليس فيها أثر للمدح لأن شخصية امرىء القيس العظيمة أرفع من المدح ولأن المعلقة لم تنظم إلا لوصف ذكرياته ولهوه وترفه ومجونه، مما يرجح أنها نظمت في أيام صبواته وشبابه قبل أن يحمل عبء الأخذ بثأر والده، حيث تجدها خالية من ذكر الأحداث التي طافت به بعد ذلك. وتعدّد الأعراض والفنون في القصيدة يتفق ونهج العرب والشعراء الجاهليين في صياغة قصائدهم حيث كانوا يروحون عن أنفسهم وسامعيهم بهذا الاستطراد الجميل وبتعدّد نواحي القصيدة ومراميها حتى تكون أشدّ أثرا وسحرا.
وروح الشاعرية في المعلقة متّحدة متناسقة إلا في أبيات يضيفها بعض الرواة إليها وهي: [الطويل]
وقربة أقوام جعلت عصامها ... على كاهل مني ذلول مرحل (1)
وما بعده من أبيات مما تخالف روحها روح المعلقة والصحيح أن هذه الأبيات لتأبط شر وأنكرها الكثير من الرواة، وقيل هي لامرىء القيس في عصر مشيبه وكهولته وأضيفت إلى المعلقة إضافة فهي لا تمثل روحه في فترة شبابه اللاهية الماجنة التي نراها في معلقته.
وتمثّل هذه المعلقة الحياة العربية في كثير من نواحيها المختلفة كما تصوّر حياة امرىء القيس وترفه وروحه اللاهي المسرف في العبث والمجون أتمّ التصوير، فهي صورة جميلة واضحة لحياة الشاعر وقومه وأثر أدبي كبير نستطيع أن نفهم منه الكثير من عادات العرب وأخلاقهم.
نشأ امرؤ القيس في بيت سؤدد ومجد ونعمة فخب في سبل اللهو وذاق أفاويق الجمال والحب وقضى أيام شبابه في مغازلة الغيد الحسان فكانت له معهنّ أيام وذكريات قصّ الكثير منها في هذه المعلقة، وما برح في لهوه ومجونه حتى ضاق به
__________
(1) البيت في الديوان ص 118.(1/42)
والده ذرعا فأبعده عنه، فأقام مع أمثاله من أهل البطالة واللهو حتى قتل أبوه فذهبت سكرته وطالت حسرته، وهبّ للأخذ بثأره حتى قضى عليه أخيرا إسرافه في الانتقام.
ذلك هو امرؤ القيس قائد الشعراء في الجاهلية، وحامل لواء الشعر في ذلك العصر البعيد، والمفتن في أبواب الشعر وأغراضه والمجلى في بيان أسرار الجمال واللهو وفي رقّة الأسلوب وسحره، وفي جزالة اللفظ وأسره، وفي روائع التشبيه وبدائع الخيال وفي ابتداع الكثير من المعاني الشعرية الطريفة التي قلّده فيها سواه من الشعراء وتتناول المعلقة كثيرا من فنون الشعر وتحوي الكثير من الأفكار المنوّعة، ففيها بكاء لديار أحبابه في ثلاثة أبيات وتصوير لحيرته وذهوله يوم رحيلهنّ واستيقاف لأصحابه ليحملوا معه عبء الحزن والشجى في بيتين وفيها شرح للهوه وعبثه وقصّ لذكرياته وأشجانه مع محبوباته ووصف للجمال العربي وزينة المرأة في الجاهلية ولأثر الجمال وسحره في النفوس وذلك في عشرين بيتا وفيها مناجاة الليل وذكر لطوله وآلامه فيه في خمسة أبيات ووصف دقيق لفرسه في ثمانية عشر بيتا وللبرق والمطر ونشوة الطبيعة في عشرة أبيات فأبياتها تبلغ الستين أو تزيد وهي كلها في درجة عالية من الإحسان.
ويقول الزوزني في سبب إنشاد هذه القصة: «السبب في إنشادها هو قصة غدير دارة جلجل حيث كان امرؤ القيس يحب ابنة عمّه عنيزة فتركها تستحم في هذا الغدير مع أتراب لها وجمع ملابسهنّ ثم لم يعطها لهنّ إلا بعد مرورهن أمامه عاريات، ثم ذبح لهنّ ناقته وقسم متاعه عليهنّ يحملنه وركب مع عنيزة في هودجها».
وقد بدأها ببكاء الديار بمطلع جميل ساحر ثم يستمر في وصف الديار وآثارها حتى يقول: [الطويل]
وقوفا بها صحبي على مطيهم
ثم يصف ذكريات لهوه وعبثه وغزله.
ثم يصف الليل وطوله ويصف الفرس وقوته ويذكر الصيد الذي صاده وطهي الطهاة له وسط الصحراء ويصف البرق والمطر في عذوبة وسحر وجمال.(1/43)
2
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
2 - وهل يعمن إلا سعيد مخلد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال
3 - وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
4 - ديار لسلمى عافيات بذي خال ... ألحّ عليها كلّ أسحم هطّال
5 - وتحسب سلمى لا تزال ترى طلا ... من الوحش أو بيضا بميثاء محلال
شرح القصيدة الثانية 1 «عم صباحا»: تحية للعرب في الغداة و «عم مساء» في المساء و «عم ظلاما» في الليل، عم:
أمر من وعم يعم بمعنى نعم ينعم، ويروى «ألا أنعم صباحا».
2 - الأوجال: جمع وجل، وهو الخوف المخلد، الطويل العمر، الرخي البال.
3 - الأحوال: جمع حول، وفي: بمعنى من، أو بمعنى مع، ورواه بعضهم: «أو ثلاثة أحوال» وقال البغدادي في خزانة الأدب: الأحوال هنا جمع حال لا جمع حول. وإنما أراد كيف ينعم من كان أقرب عهده بالنعيم ثلاثين شهرا وقد تعاقبت عليه ثلاثة أحوال وهي اختلاف الرياح عليه وملازمة الأمطار له والقدم المغيّر لرسومه فتكون (في) هنا هي التي تقع بمعنى واو الحال.
4 - عفا المنزل يعفو عفوا مثل ضرب درس. وذو خال: موضع أو جبل بنخلة مما يلي نجد، ويرويه غير الأصمعي «بذي الخال». ألخ: دام عليها. والأسحم: السحاب الأسود لكثرة مائه.
والهطال: المطر الدائم وليس بالشديد.
5 - فاعل تحسب ضمير تقديره أنت وسلمى مفعوله الأول، ومفعوله الثاني محذوف تقديره «ظبية» أو «بقرة». والطلا: ولد الظبية أو البقرة الوحشية. والبيض: بيض النعام. والميثاء: طريق عظيم للماء مرتفع من الوادي. والمحلال: هي الأرض التي يكثر الناس الحلول فيها.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 129122، وهي في الديوان من 59بيتا.(1/44)
6 - وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا ... بواد الخزامى أو على رسّ (1) أو عال
7 - ليالي سلمى إذ تريك منصبا ... وجيدا كجيد الرّئم ليس بمعطال
8 - ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني ... كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي
9 - كذبت لقد أصبى على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يزنّ بها الخالي
10 - ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنها خطّ تمثال
11 - يضيء الفراش وجهها لضجيعها ... كمصباح زيت في قناديل ذبّال
12 - كأن على لبّاتها جمر مصطل ... أصاب غضى جزلا وكفّ بأجذال
13 - وهبّت له ريح بمختلف الصّوا ... صبا وشمال في منازل قفّال
14 - ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي
6 - العهد: الحال والعلم، يقال: هو قريب العهد بكذا أي قريب العلم والحال. والخزامى:
خيري البر. وذات أوعال: هضبة فيها بئر، وقيل: جبل في نجد. ويروى: «رس أوعال».
7 - المنصب: الثغر المنسق المستوي النبتة ليس متراكب الأسنان، ويروى «مقصبا» أي مجعولا ذا قصائب، والقصيبة والقصابة: الخصلة من الشعر. والجيد: العنق. والرئم: الظبي الخالص البياض. والمعطال: الذي ليس عليه حليّ.
8 - بسباسة: امرأة من بني أسد عيّرته بالكبر وأنه لا يحسن اللهو فنفى ذلك عن نفسه.
9 - أصبى المرأة: أذهب بفؤادها. عرسي: زوجي. يزن: يتهم. الخالي: العزب الذي لا زوج له.
10 - يا: حرف تنبيه أو حرف نداء والمنادى محذوف، أي يا هذه، وربّ: حرف معناه هنا التكثير مثل كم. والآنسة: المرأة التي يؤنسك حديثها. والتمثال: الصورة المجسّمة. وخطّ التمثال:
النفش الذي يحلّى به التمثال.
11 - الذبال: جمع ذبالة، وهي الفتيلة.
12 - اللبة: موضع القلادة من الصدر. والمصطلي: المستدفىء بالنار. والغضى: شجر خشبه صلب، يكون في فحمه صلابة. والجزل: الغليظ. وكف: جعل له كفاف. والأجذال: جمع جذل (بكسر الجيم) وهو أصل الشجرة الضخمة.
13 - مختلف: مكان الاختلاف. والصّوا: جمع صوة، والمراد بها هنا الأماكن التي يختلف فيها هبوب الرياح. والقفال: جمع قافل، وهو الراجع من سفر أو غزو.
14 - الواو في البيت: واو ربّ والخطاب لبسباسة. والعارض والعارضة: صفحة الخدّ، وصفحة العنق، وجانب الوجه. والطفلة: الناعمة البدن. واللعوب: الحسنة الدال. والسربال:
القميص.
__________
(1) في الديوان: «على رأس» بدل «على رسّ».(1/45)
15 - إذا ما الضّجيع ابتزّها من ثيابها ... تميل عليه هونة غير مجبال
16 - كحقف النقا يمشي الوليدان فوقه ... بما احتسبا من لين مسّ وتسهال
17 - لطيفة طيّ الكشح غير مفاضة ... إذا انفتلت مرتجة غير متفال
18 - تنوّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال
19 - نظرت إليها والنّجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشبّ لفقّال (1)
20 - سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سموّ حباب الماء حالا على حال
21 - فقالت سباك الله إنّك فاضحي ... ألست ترى السّمار والنّاس أحوالي
22 - فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي
23 - حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال
24 - فلما تنازعنا الحديث وأسمحت ... هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال
15 - ابتزّها: جرّدها من ثيابها. هونة: لينة متئدة. المجبال: الغليظة الخلق، ويروى «غير معطال»، والمعطال: التي ليس عليها حليّ.
16 - الحقف: ما استدار من الرمل ويروى كدعص، وهو بمعناه. والنقا: الكثيب الأبيض من الرمل. الوليدان: الصبيان الصغيران. احتسبا: اكتفيا. التسهال: السهولة.
17 - لطيفة: رقيقة. الكشح: الخصر. المفاضة: المسترخية البطن. انفتلت: تحركت أو انصرفت.
مرتجّة: مهتزّة. متفال: منتنة الريح لطول تركها الطيب.
18 - تنوّرتها: نظرت إلى نارها أو إلى ناحية نارها. أذرعات: بلد بالشام، وهو أذرعة بجمعه مع ما حوله. ويثرب: اسم مدينة الرسول في الجاهلية.
19 - إليها: أي النار المفهومة من تنوّرتها. تشب: توقد.
20 - سموت: علوت ونهضت. حباب الماء: فقاقيعه التي تطفو عليه. حالا على حال: شيئا بعد شيء. أراد أنه كان خفيف الوطء والحركة في سيره، ليخفي مكانه، وقيل: حباب الماء طوائفه.
21 - سباك الله: أبعدك وجعلك سبيا أي غريبا، وقيل معناه: لعنك. والسمار: جمع سامر، وهو الذي يجلس للحديث ليلا. أحوالي: أي حولي في كل مكان، جعلت كل جزء من المحيط بها حولا، ذهبت إلى المبالغة في تعذّرها عليه.
22 - أبرح: لا أزال. والأوصال: جمع وصال، وهو كل عضو ينفصل من آخر.
23 - الفاجر هنا: الكاذب. والصالي: الذي يصطلي بالنار.
24 - تنازعنا الحديث: تعاطينا، يريد حدّثتني وحدّثتها. أسمحت: انقادت وسهلت بعد امتناعها.
هصرت: جدبت. والشماريخ: جمع شمراخ أو شمروخ، وهو عثكول النخلة.
__________
(1) في الديوان: «لقفّال» بدل «لفقّال».(1/46)
25 - وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا ... ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال
26 - فأصبحت معشوقا وأصبح بعلها ... عليه القتام سيّىء الظّنّ والبال
27 - يغط غطيط البكر شدّ خناقه ... ليقتلني والمرء ليس بقتّال
28 - أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال
29 - وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبّال
30 - أيقتلني وقد شغفت فؤادها (1) ... كما شغف المهنوءة الرّجل الطّالي
31 - وقد علمت سلمى وإن كان بعلها ... بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال
32 - وماذا عليه أن ذكرت أوانسا ... كغزلان رمل في محاريب أقيال
33 - وبيت عذارى يوم دجن ولجته ... يطفن بجبّاء المرافق مكسال
34 - سباط البنان والعرانين والقنا ... لطاف الخصور في تمام وإكمال
25 - راض الدابة: وطأها وذلّلها وساسها.
26 - البعل: الزوج. والقتام: الغبار. والبال: الحال، ويروى «كاسف الحال والبال»، والكاسف:
المتغيّر اللون.
27 - الغطيط: صوت يردّده الإنسان في صدره. والبكر: الفتي من الإبل.
28 - المشرفيّ: سيف منسوب إلى المشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الشام تطبع فيها السيوف. والزرق المسنونة: هي السهام المحدودة جعلها زرقا لصفائها وشبّهها بأنياب الأغوال تشنيعا لها ومبالغة في وصفها. والأغوال: للشياطين، قال أبو حاتم يريد أن يكبر بذلك ويعظم بالغوا في تمثل ما يستقبح من المذكر بالشيطان وفيما يستقبح من المؤنث بالتشبيه له بالغول.
29 - النابل: من يرمي بالنبل، والنبال: من يصنع النّبال، وقد يستعمل أحدهما في موضع الآخر.
30 - شغفت فؤادها: بلغ حبّي شغاف قلبها وهو حجابه. والمهنوءة: الناقة التي تهنأ أي تطلى بالقطران.
31 - الهذيان: كلام غير معقول.
32 - الأوانس: جمع آنسة وهي التي تؤنس بحديثها. والمحارب: جمع محراب وهو صدر البيت وأكرم موضع فيه أو هو الغرفة. والأقيال: الملوك واحدهم قيل، ويروى أقوال وهم الملوك واحدهم قول، قيل: ومن عادتهم اتخاذ الغزلان وتربيتها.
33 - الدجن: ظلم الغيم. والجباء: التي غاب عظم مرافقها لكثرة لحمها. والمكسال: صفة من الكسل بمعنى الهدوء الذي يلازم أهل الترف.
34 - البنان: الأصابع. والعرانين: جمع عرنين، وهو قصبة الأنف. والقنا: جمع قناة، وهي القامة
__________
(1) يروى صدر البيت في الديوان:
ليقتلني إني شغفت فؤادها(1/47)
35 - نواعم يتبعن الهوى سبل الرّدى ... يقلن لأهل الحلم: ضلّ بتضلال
36 - صرفت الهوى عنهنّ من خشية الرّدى ... ولست بمقلي الخلال ولا قال
37 - كأني لم أركب جوادا للذّة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
38 - ولم أسبإ الزّقّ الرّويّ ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال
39 - ولم أشهد الخيل المغيرة بالضّحى ... على هيكل عبل الجزارة جوّال
40 - سليم الشّظى عبل الشّوى شنج النّسا ... له حجبات مشرفات على الفال
41 - وصم صلاب ما يقين من الوجى ... كأنّ مكان الرّدف منه على رال
42 - وقد أغتدي والطّير في وكناتها ... لغيث من الوسميّ رائده خال
43 - تحاماه أطراف الرّماح تحاميا ... وجاد عليه كلّ أسحم هطّال
على التشبيه بالرمح. والسبط: الطويل الأملس.
35 - يروى «المنى» في موضع «الردى» أي يتبعن هواهنّ ما يشتهين ويتمنّين. ضلّ بتضلال: هذا دعاء عليهم أن يضلوا في حياتهم ولا يرشدوا كفاء ضلالهم بالكف عن الصبا واللهو معهنّ.
36 - الردى: هنا الفضيحة.
37 - لم أتبطن: لم أجعلها بطانة لي، أي لم أضع بطني فوق بطنها. الكاعب: التي نهد ثديها وبرز.
38 - سبأ الخمر يسبؤها سبأ وسباء: اشتراها. والزق: وعاء الخمر. والروي: المملوء. والكر:
الرجع على الأعداء. والإجفال: الانهزام.
39 - الهيكل وعلى الأعداء شرف. والعبل: الضخم. والجزارة: القوائم.
40 - الشظى: عظم لا صق في يد الفرس فإذا تحرك قيل شظيت الدابة. والشوى: اليدان والرّجلان.
والنسا: عرق في الفخذ. وشنج النسا: متقبضه وهو مدح له لأنه إذا تقبض نساه وشنج، لم تسترخ رجلاه وشنج النسا يستحب في العتاق خاصة والحجبات رؤوس عظام الوركين. والفال:
عرق في الفخذين يكون في خربة الورك يكون عن يمين عجب الذئب ويساره وينحدر في الرجل.
41 - صم صلاب: حوافره. ما يقين: ما يتقين. والوجى: أن يجد الفرس في حوافره وجعا يشتكيه، من غير أن يكون فيه وهي من صدع ولا غيره والحقي أن ينحك وتأكله الأرض والوقع أن يجد مسّ الحجارة في حوافره إذا مشى. والردف: الذي تردفه وراءك على الدابة. والرأل: فرخ الغمام.
42 - الوكنات: جمع وكنة، وهي مأوى الطير في الجبال. والغيث هنا: البقل والمرعى والكلأ والنبت، سمّاها غيثا لأنها من الغيث تكون. والوسمي: أول مطر الخريف لأنه يسم الأرض بما ينشأ عنه من النبت. والرائد: الذي يطلب الكلأ. والخالي: من الخلوة، أي ليس فيه غيره.
قال الأعلم: أي هو بين حيّين متعاديين، هذا يحميه، وهذا يحميه، فهو خال لا يقربه أحد، وذلك أخصب لمن حلّ به.
43 - تحاماه: تمنع منه. والأسحم: الأسود.(1/48)
44 - بعجلزة قد أترز الجري لحمها ... كميت كأنّها هراوة منوال
45 - ذعرت بها سربا نقيّا جلوده ... وأكرعه وشي البرود من الخال
46 - كأنّ الصّوار إذ تجهّد عدوه ... على جمزى خيل تجول بأجلال
47 - فجال الصّوار واتّقين بقرهب ... طويل القرا والرّوق أخنس ذيّال
48 - فعادى عداء بين ثور ونعجة ... وكان عداء الوحش مني على بال (1)
49 - كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... صيود من العقبان طأطأت شملالي
50 - تخطّف خزّان الشّربّة بالضّحى ... وقد حجرت منها ثعالب أورال
51 - كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي
52 - فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال
53 - ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي
44 - العجلزة: الفرس الشديد الخلق، الصلب اللحم. أترز: أيبس. المنوال: خشبة السدي ولا يسمى منوالا إلا ما كان لخمسة أثواب فما زاد. الهراوة: العصا.
45 - ذعرت: أفزعت. السرب: القطيع من بقر الوحش. والأكرع: جمع كراع وهو من الدواب، ما دون الكعب. الخال: ضرب من برود اليمن يريد أن لونها أبيض.
46 - الصوار: قطيع بقر الوحش. تجهد: اجتهد في العدو. جمزى: اسم موضع. الاجلال: جمع جل، وهو ما يغطى به الفرس اتّقاء البرد، ويروى: «يجاهدن غدوة على جمد». والجمد: ما غلظ من الأرض أو هم اسم موضع معروف.
47 - القرهب: الكبير الضخم من الثيران. والقرا: الظهر. والروق: القرن. والأخنس: القصير الأنف. والذيال: الطويل الذيل، أي جعلته مما يلي الصائد ليذب عنهن.
48 - عادى: والى. على بال: على حال اهتمام مني.
49 - الفتخاء: اللينة الجناحين الطويلتان. واللقوة: السريعة التي تخطف كل شيء. والشملال: هي الناقة السريعة الخفيفة.
50 - الخزان: جمع خزن، بوزن صرد وصردان، وهو الذكر من الأرانب. والشربة: موضع في نجد.
وحجرت: تخلفت فلا تخرج سارحة. وأورال: موضع.
51 - العناب: ثمر أحمر. والحشف: ما يبس من التمر.
52 - يقول: لو كان سعيي لأدنى العيش لكفاني قليل من المال ولم أطلب الملك.
53 - المؤثل: الذي له أصل، وهو الكثير أيضا.
__________
(1) يروى البيت في الديوان:
فعاديت منه بين ثور ونعجة ... وكان عدائي إذ ركبت على بالي
54 - وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي(1/49)
54 - وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي
3
وقال امرؤ القيس أيضا (1): [الطويل]
1 - خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... نقضّ (2) لبانات الفؤاد المعذّب
2 - فإنّكما إن تنظراني ساعة ... من الدّهر تنفعني لدى أمّ جندب
3 - ألم ترياني كلّما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب
4 - عقيلة أتراب لها لا دميمة ... ولا ذات خلق إن تأمّلت جأنب
5 - ألا ليت شعري كيف حادث وصلها ... وكيف تراعي وصلة المتغيّب
6 - أقامت على ما بيننا من مودّة ... أميمة أم صارت لقول المخبّب
7 - فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها ... فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب
54 - حشاشة النفس: بقيتها وحياتها. والخطوب: الأمور. والآلي: المقصر، من ألا يألو: إذا قصر.
شرح القصيدة الثالثة 1اللبانات: جمع لبانة وهي الحاجة. أم جندب: زوجته الطائية. ولعلقمة في معارضة هذه القصيدة قصيدته:
ذهبت من الهجران في كل مذهب ... ولم يك حقّا كل هذا التجنب
وبين هاتين القصيدتين موازنة أدبية طويلة في كتاب: «موقف النقّاد من الشعر الجاهلي» تأليف محمد خفاجي.
2 - تنظراني: تمهلاني. ويروى: تنفعني «وينفعني» بالياء والتاء.
3 - الطارق: الذي يأتي ليلا.
4 - العقيلة: الكريمة من النساء المخدرة. والأتراب: جمع ترب، وتربك: مساويك في عمرك.
الدميمة: القصيرة، ويروى لا ذميمة «بالذال». والجأنب: الغليظ القبيح، أو الذي يجتنب ويحتقر.
5 - ليت شعري: أي ليت علمي حاضر. والحادث والحديث: الجديد من الأشياء. تراعي:
تحافظ. المتغيّب: الذي تغيب عنها.
6 - المخبب: الساعي بالفساد.
7 - تنأ: تبعد. والحقبة: مدة من الدهر غير مؤقتة. والمجرب: التجربة والباء بمعنى على.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 3829، وهي في الديوان من 66بيتا.
(2) في الديوان: «لتقضي» بدل «نقض».(1/50)
8 - وقالت متى يبخل عليك ويعتلل ... يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب
9 - تبصّر خليلي هل ترى من ظعائن ... سوالك نقبا بين حزمي شعبعب
10 - علون بأنطاكيّة فوق عقمة ... كجرمة نخل أو كجنّة يثرب
11 - ولله عينا من رأى من تفرّق ... أشتّ وأنأى من فراق المحصّب
12 - فريقان منهم جازع بطن نخلة ... وآخر منهم قاطع نجد كبكب
13 - فعيناك غربا جدول في مفاضة ... كمرّ الخليج في صفيح مصوّب
14 - وإنّك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب
15 - وإنّك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل غدوّ أو رواح مؤوّب
16 - بأدماء حرجوج كأنّ قتودها ... على أبلق الكشحين ليس بمغرب
8 - يكشف غرامك: تعط ما تطلب. تدرب: يصر ذلك دربة لك وعادة فتمل، يريد أنها لا تصله كل الوصل ولا تقطعه كل القطع.
9 - النقب: الطريق في الجبل. والحزم والحزن: المكان الغليظ. وشعبعب: ماء أو موضع، وقيل:
شغبغب بالغين وهو أرض بني تميم.
10 - علون: رفعن وغطين الخدور. بأنطاكية: بثياب صنعت بأنطاكية من بلاد الشام. والعقم: ضرب من الوشي أو هو ثوب أحمر. والجرمة: ما صرم من النخل وصار في الأرض، ويروى «كجربة نخل» والجربة كل أرض أصلحت لزرع أو غرس واستعارها امرؤ القيس للنخل.
11 - شت القوم شتا وشتاتا: تفرقوا. المحصب: موضع رمي الجمار عند منى.
12 - فريقان: أي هما فريقان. جازع: من جزع الطريق إذا قطعه عرضا. وبطن نخلة هو بستان ابن معمر والنجد الطريق في الجبل. وكبكب: هو الجبل الأحمر الذي تجعله في ظهرك إذا وقفت بعرفة.
13 - الغرب: الدلو العظيم من الماء. الجدول: النهير. المفاضة: الأرض الواسعة. شبّه ما يسيل من عينيه من الدموع بما يسيل من الدلوين الممتلئين بالماء. الخليج: الماء المتخلج، وهو الذي تعترضه العقبات في سيره فيتياسر مرة ويتيامن أخرى. الصفيح: العريض من الحجارة.
المصوب: المنحدر.
14 - يعني أنه إذا فخر عليك ضعيف عاجز قدره، وكذلك إذا قدر عليك أهلكك، ضربه مثلا لمن شبّب بها في شعره والمغلب الذي غلب مرارا.
15 - اللبانة: الحاجة. والرواح: الرجوع إلى المنزل وهو من زوال الشمس إلى الليل. والمؤوب: من التأويب وهو سير النهار كله حتى يؤوب مع الليل فينزل ويستريح.
16 - الأدماء: الناقة التي أشرب بياضها سوادا. والحرجوج: الطويلة، ويروى «بمجفرة الحرف»، والمجفرة: المنتفخة، والحرف الضامرة، شبّهت في صلابتها بحرف الجبل. والقتود: خشب الرّحل. والكشح: الخاصرة. والمغرب: الحمار الوحشي الذي ابيضّت منه المحاجن والأشفار والأرفاغ والأغراب أن ينسلخ جلد الحمار الوحشي بياضا حتى تحمر أرفاغه وحماليقه وهو عيب
17 - يغرّد بالأسحار في كلّ سدفة ... تغرّد ميّاح النّدامى المطرّب
18 - أقبّ رباع من حمير عماية ... يمجّ لعاع البقل في كل مشرب
19 - بمحنية قد آزر الضّال نبتها ... مجرّ جيوش الغانمين وخيّب
20 - وقد أغتدي والطّير في وكناتها ... وماء النّدى يجري على كلّ مذنب
21 - بمنجرد قيد الأوابد لاحه ... طراد الهوادي كلّ شأو مغرّب
22 - على الأين جيّاش كأنّ سراته ... على الضّمر والتّعداء سرحة مرقب
23 - يباري الخنوف المستقل زماعه ... ترى شخصه كأنّه عود مشحب
24 - له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وصهوة عير قائم فوق مرقب
25 - ويخطو على صمّ صلاب كأنّها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
26 - له كفل كالدّعص لبّده النّدى ... إلى حارك مثل الغبيط المذأب
والمستحسن أن يقتصر بياضه على الخاصرتين ولا يبلغ الأنثيين.(1/51)
16 - الأدماء: الناقة التي أشرب بياضها سوادا. والحرجوج: الطويلة، ويروى «بمجفرة الحرف»، والمجفرة: المنتفخة، والحرف الضامرة، شبّهت في صلابتها بحرف الجبل. والقتود: خشب الرّحل. والكشح: الخاصرة. والمغرب: الحمار الوحشي الذي ابيضّت منه المحاجن والأشفار والأرفاغ والأغراب أن ينسلخ جلد الحمار الوحشي بياضا حتى تحمر أرفاغه وحماليقه وهو عيب
17 - يغرّد بالأسحار في كلّ سدفة ... تغرّد ميّاح النّدامى المطرّب
18 - أقبّ رباع من حمير عماية ... يمجّ لعاع البقل في كل مشرب
19 - بمحنية قد آزر الضّال نبتها ... مجرّ جيوش الغانمين وخيّب
20 - وقد أغتدي والطّير في وكناتها ... وماء النّدى يجري على كلّ مذنب
21 - بمنجرد قيد الأوابد لاحه ... طراد الهوادي كلّ شأو مغرّب
22 - على الأين جيّاش كأنّ سراته ... على الضّمر والتّعداء سرحة مرقب
23 - يباري الخنوف المستقل زماعه ... ترى شخصه كأنّه عود مشحب
24 - له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وصهوة عير قائم فوق مرقب
25 - ويخطو على صمّ صلاب كأنّها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
26 - له كفل كالدّعص لبّده النّدى ... إلى حارك مثل الغبيط المذأب
والمستحسن أن يقتصر بياضه على الخاصرتين ولا يبلغ الأنثيين.
17 - يغرد: يطرب بصوته. السدفة: قطعة من الليل، المياح: المياس. الندامى: الفتيان المتنادمون على الشراب.
18 - الأقب: الضامر البطن. رباع: فتي السن. عماية: جبل في نجد. يمج: يرمي لعاع البقل الأخضر منه.
19 - بمحنية: يعني بمنحنى الوادي حيث الخصوبة. آزر: عاون. والضال: شجرة يعني أن الوادي قد كثر خصبه حتى ساوى نبته شجره.
20 - المذنب: مسيل الماء إلى الروضة كالجدول ليس بواسع. والندى: المطر.
21 - المنجرد: قصير الشعر. والأوابد: الوحوش النافرة. لاحه: هزله وأضمره. الطراد: الأتباع الهوادي المتقدمة السابقة من قطيع البقر ونحوها. والشأو: الطلق، وهو جري مرة إلى الغاية.
مغرب: بعيد.
22 - الأين: الإعياء. والفترة. جياش: سريع العدو يجيش كالقدر. سراته: ظهره. الضمر: الهزال.
التعداء: كثرة العدو. السرحة: الشجرة العظيمة العالية. المرقب: الموضع العالي يرقب منه العدو.
23 - يباري: يعارض. الخنوف: الذي يميل بيديه في السير نشاطا أو هو الذي يرمي بيديه في السير من سرعته وهذا من صفة حمار الوحش. المستقل: المرتفع. الزماع: جمع زمعة وهي الشعرة المدلاة في مؤخر رجل الشاة والظبي والأرنب وذوات الظلف.
24 - الأيطل: الخاصرة. الصهوة: الظهر. العير: حمار الوحش. قائم: منتصب.
25 - الغيل: الماء الجاري على وجه الأرض. الوارسات: التي ركبها الطحلب فاصفرّت واملاست.
والطحلب: الخضرة التي تعلو الماء لطول مكثه.
26 - الكفل: العجز. والدعص: الكثيب الصغير المستدير. لبده: صلبه. إلى حارك: مع حارك،
27 - وعين كمرآة الصّناع تديرها ... لمحجرها من النّصيف المنقّب
28 - له أذنان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورة وسط ربرب
29 - ومستفلك الذّفرى كأن عنانه ... ومثناته في رأس جذع مشذّب
30 - وأسحم ريّان العسيب كأنّه ... عثاكيل قنو من سميحة مرطب
31 - إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه ... تقول هزيز الرّيح مرّت بأثأب
32 - يدير قطاة كالمحالة أشرفت ... إلى سند مثل الغبيط المذّأب
33 - ويخضد في الآريّ حتى كأنّما ... به غرّة من ظائف غير معقب
34 - فيوما على سرب نقيّ جلوده ... ويوما على بيدانة أمّ تولب
35 - فبينا نعاج يرتعين خميلة ... كمشي العذارى في الملاء المهدّب
والحارك أعلى الكاهل أو منبت أدنى العرف إلى الظهر، أو عظم مشرف من جانبي الكاهل. الغبيط: قنب الهودج وهو مرتفع مشرف. المذأب: الموسع الذي جعل له ذنبة أي فرجة.(1/52)
26 - الكفل: العجز. والدعص: الكثيب الصغير المستدير. لبده: صلبه. إلى حارك: مع حارك،
27 - وعين كمرآة الصّناع تديرها ... لمحجرها من النّصيف المنقّب
28 - له أذنان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورة وسط ربرب
29 - ومستفلك الذّفرى كأن عنانه ... ومثناته في رأس جذع مشذّب
30 - وأسحم ريّان العسيب كأنّه ... عثاكيل قنو من سميحة مرطب
31 - إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه ... تقول هزيز الرّيح مرّت بأثأب
32 - يدير قطاة كالمحالة أشرفت ... إلى سند مثل الغبيط المذّأب
33 - ويخضد في الآريّ حتى كأنّما ... به غرّة من ظائف غير معقب
34 - فيوما على سرب نقيّ جلوده ... ويوما على بيدانة أمّ تولب
35 - فبينا نعاج يرتعين خميلة ... كمشي العذارى في الملاء المهدّب
والحارك أعلى الكاهل أو منبت أدنى العرف إلى الظهر، أو عظم مشرف من جانبي الكاهل. الغبيط: قنب الهودج وهو مرتفع مشرف. المذأب: الموسع الذي جعل له ذنبة أي فرجة.
27 - الصناع: الحاذقة بالعمل الصانعة بيديها التي لا تتّكل على غيرها. والمحجر: ما دار بالعين وبدا من البرقع من جميع جوانب العين. النصيف: الخمار. والمنقب: الذي ينتقب به وأراد موضع عينيها من الخمار.
28 - العتق: الكرم. مذعورة: بقرة ذعرت فنصبت أذنيها وحددتهما وخصّ المذعورة لأنها أشد توجسا وتسمّعا. الربرب: القطيع من البقر.
29 - المستفلك: المستدير وهو صفة للرأس. والذفريان: عظمان ناتئان خلف الأذن، ونتوءهما من أمارات العتق. والمثناة: الحبل المشدود في رأسه لأن الفرس يثنى به أي يعطف.
30 - أسحم: ذنب أسود. والعسيب: عظيم الذنب ويحمد في الفرس يبسه لا ريه وفي الناقة امتلاؤه ونعمته. والعثاكيل: الشماريخ وهي الأغصان الدقيقة في الكباسة والقنو. عذق النخلة وهو العنقود. وسميحة: اسم بئر عندها نخل عليه الرطب.
31 - شأوين: شوطين. ابتلّ عطفه: سال عرقه على جانبيه. هزيز الريح: صوتها. الأثأب: اسم شجر.
32 - القطاة: مقعد الردف. كالمحالة: مستديرة كالبكرة. إلى سند: إلى حارك مشرف كالسند، لأنه يستند إليه بعنقه.
33 - يخضد: يشدّ المضغ. وأصل الخضد: القطع. والآري: موضع علفه. والغرة: الجنون.
والظائف: المسّ من الشيطان. غير معقب: أي ملازم له، وليس يأخذه مرة ويدعه أخرى.
34 - أي يطارد يوما سربا من البقر بيض الجلود. ويوما: أتانا وحشية. التولب: ولدها.
35 - النعاج: إناث بقر الوحش. الخميلة: رملة فيها شجر جعل لها كالخمل. الملاء: الملاحف البيض. المهدب الذي له هدب.(1/53)
36 - فكان تنادينا وعقد عذاره ... وقال صحابي قد شأونك فاطلب
37 - فلأيا بلأي ما حملنا غلامنا ... على ظهر محبوك السّراة محنّب
38 - وولّى كشؤبوب العشيّ بوابل ... ويخرجن من جعد ثراه منصّب
39 - فللسّاق ألهوب وللسّوط درّة ... وللزّجر منه وقع أهوج منعب
40 - فأدرك لم تجهد ولم يثن شأوه ... يمرّ كخذروف الوليد المثقّب
41 - ترى الفأر في مستنقع القاع لا حبا ... على جدد الصّحراء من شدّ ملهب
42 - خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنّما ... خفاهنّ ودق من عشيّ مجلّب
43 - فعادى عداء بين ثور ونعجة ... وبين شبوب كالقضيمة قرهب
44 - وظلّ لثيران الصّريم غماغم ... يداعسها بالسّمهريّ المعلّب
36 - تنادينا: أي نداء بعضنا بعضا. وعقد عذاره: إلباسه اللجام. شأونك: سبقنك.
37 - اللأي: البطء. محبوك السراة: مجدول الظهر. المحنب: المقوس.
38 - الوابل: المطر الشديد. الجعد: يريد الغبار المتراكب بعضه على بعض. ثراه: ترابه منصب:
وهو الذي غطى كل شيء كأنه دخان.
39 - بهذا البيت حكمت أم جندب لعلقمة على زوجها فطلّقها وتزوّجت بعلقمة. الألهوب:
الجري الشديد الدرة. الدفعة: الزجر. والانتهار: الأهوج. الأحمق: المنعب، المصاح عليه.
40 - فأدرك، لحق الفرس الوحش. لم تجهد: دون مشقّة وتعب. والشأو: الطلق. والخذروف:
الدوارة يلعب بها الصبي، يشدّها بخيط في يديه.
41 - القاع بطن الأرض والمستنقع، حيث يجتمع ماء السيل في القاع. واللاحب: الظاهر. والجدد:
الأرض المستوية الصلبة. الملهب: من الإلهاب وهو شدّة الجري، ويروى «مستعكد الماء» وهو المجتمع، في مكان «مستنقع القاع».
42 - خفاهن: أظهرهنّ أي الفئران. أنفاقهن: أحجارهن. الودق: المطر، يعني أن شدة وقع حوافر هذا الجواد على الأرض أخرجت الفئران من أجحارها كما لو وقع مطر شديد أخافها فتركت أجحارها وخرجت ناجية بأرواحها.
43 - العداء: الموالاة بين الشيئين. والشبوب: الثور المسنّ الضخم، وهو القرهب، وإنما خصّه بعد قوله: «ثور ونعجة» لفضيلته على الثيران والنعاج، لسنّه وقوته وأنه فحلها الذّابّ عنها.
والقضيمة: الصحيفة البيضاء شبّه الثور بها لبياضه.
44 - الصريم: الرمل المنقطع من معظم الرمال. والغماغم: الأصوات تتردد في الحلق. يداعسها:
يطاعنها. والسمهري: الرمح الشديد. والمعلب: المشدود بالعلباء وهي عصبة تشدّ على الرمح وهي طرية رطبة، ثم تيبس عليه، فيؤمن تعطفه عند المطاعنة.(1/54)
45 - فكاب (1) على حرّ الجبين ومتّق ... بمدرية كأنّها ذلق مشعب
46 - وقلنا لفتيان كرام ألا انزلوا ... فعالوا علينا فضل ثوب مطنّب
47 - وأوتاده ماذية وعماده ... ردينيّة فيها أسنّة قعضب
48 - وأطنابه أشطان خوص نجائب ... وصهوته من أتحمّى مشرعب
49 - فلمّا دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كلّ حاريّ جديد مشطّب
50 - كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقّب
51 - نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب
52 - ورحنا كأنّا من جؤاثى عشيّة ... نعالي النّعاج بين عدل ومحقب
53 - وراح كتيس الرّبل ينفض رأسه ... أذاة به من صائك متحلّب
45 - الكابي: العاثر الساقط. وحر الجبين: ما بدا منه. والمدرية: القرن. والذلق: الحديد.
والمشعب: المخرز وهو الأشفى تشعب به النعال.
46 - عالوا: رفعوا. والمطنب: المشدود بالاطناب وهي حبال الخباء.
47 - الماذية: الدروع البيض. العماد: الخشب التي ترفع عليها الخيام الردينية الرماح المنسوبة إلى ردينة امرأة تقوّم الرماح بهجر. أسنة قعضب: أي الأسنة التي كان يصنعها ذلك الرجل المسمّى قعضب.
48 - الأطناب والأشطان: الحبال التي تشدّ إلى الأوتاد. خوص نجائب: أي نوق غوائر العيون.
الصهوة: الظهر.
49 - أضفنا: أسندنا. الحاري: الرحال الحيرية المصنوعة بالحيرة. المشطب: المخطط.
50 - الجزع: خرز فيه دوائر سود وبيض متوازية.
51 - نمش: نمسح. الأعراف: النواصي. الجياد: الخيل. مضهب: لم ينضج تماما، أي أنهم اتخذوا أعراف خيولهم مناديل يمسحون بها أيديهم من وضر اللحم.
52 - جؤاثى، بالهمز، أو بالواو على وزن فعالى: بلد بالبحرين لعبد القيس تشترى منها صنوف الأمتعة. بين عدل، أو معدول في أعدال ومحقب: أي موضوع في الحقائب.
53 - الربل: نبت ينبت في آخر الصيف واستقبال الشتاء في أصول اليبس، وهو يخضرّ من برد الليل لا من المطر. والتيس هنا: الذكر من الظباء وهو كما يقال للظبية ماعزة، وخصّ تيس الربل لأنه قد أكل الربيع واليبس ثم صار إلى رعي الربل، فهو مخصب أبدا، نشط قوي. وهو ينفض رأسه من ريح عرقه الذي تحلب منه، لأنه يتأذّى به، والعرق إذا يبس كانت له رائحة كريهة. ويروى «أضاة» وهي الغدير في مكان «أذاة»، ويروى «ينغض» أي يميل.
__________
(1) في الديوان: «فكلب» بدل «فكاب».(1/55)
54 - كأنّ دماء الهاديات بنحره ... عصارة حنّاء بشيب مخضّب
55 - وأنت إذا استدبرته سدّ فرجه ... بضاف فويق الأرض ليس بأصهب
4
وقال أيضا حين توجه إلى قيصر (1): [الطويل]
1 - سما لك (2) شوق بعدما كان أقصرا ... وحلّت سليمى بطن قوّ فعرعرا
2 - كنانيّة بانت وفي الصّدر ودّها ... مجاورة غسّان والحيّ يعمرا
3 - بعينيّ ظعن الحيّ لما تحمّلوا ... لدى جانب الأفلاج من جنب تيمرى (3)
4 - فشبّهتهم في الآل لمّا تكمّشوا ... حدائق دوم أو سفينا مقيّرا
5 - أو المكرعات من نخيل ابن يا من ... دوين الصّفا الّلائي يلين المشقّرا
54 - الهاديات: المتقدمات من الوحش.
55 - استدبرته: وقفت خلفه. بضاف: بذيل طويل. الأصهب: الأحمر المشوب بياضه بسواد.
شرح القصيدة الرابعة 1سما: ارتفع، أو جاءك بعدما تركك. وأقصر عن الشيء: تركه وهو يقدر عليه، وقصر عنه:
عجز، وربما جاءا بمعنى واحد. وحلت: نزلت. وقوّ ويروى «ظبي». وعرعر: كلها مواضع.
2 - كنانية: منسوبة إلى بني كنانة وإلى بلادهم، والمسلمون بكنانة عدة قبائل أشهرها كنانة مضر.
بانت: ذهبت وانقطعت وجاورت حيّا غير حيّك. ويعمر قبيلة أيضا. وغسان: اسم ماء، وبه سمّيت القبيلة، وفي شرح المفصل: «نعمان» في مكان غسان، وهو جبل يشرف على عرفات.
3 - بعيني: اتبعتهم، أو كان ظعنهم بمرأى عيني حين ارتحلوا. والظعن: جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج. والأفلاج: جمع فلج بفتح اللام، وهي الأنهار الصغار، أو الأفلاج. وتيمرى:
مواضع بالشام.
4 - الآل: السراب. وتكمشوا: تجمعوا أو أسرعوا. والحدائق: جمع حديقة وهي الأرض ذات الشجر. والدوم: شجر المقل، ويروى «حدائق غلبا» في مكان «حدائق دوم» جمع غلباء، وهي الشجرة الغليظة. وسفين: جمع سفينة. والمقير المطلى بالقار وهو الزفت.
5 - المكرعات: النخل المغروسات على الماء، وهي أنعم النخل وأطولها. وآل يامن: قوم من هجر لهم نخل وسفن. والصفا والمشقر: قطران بناحية اليمامة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6759، وهي في الديوان من 61بيتا.
(2) في الديوان «سما بك» بدل «سما لك».
(3) في الديوان: «قيمرا» بدل «تيمرا».(1/56)
6 - سوامق جبّار أثيث فروعه ... وعالين قنوانا من البسر أحمرا
7 - حمته بنو الرّبداء من آل يامن ... بأسيافهم حتى أقوّ وأوقرا
8 - وأرضى بني الرّبداء واعتمّ زهوه ... وأكمامه حتى إذا ما تهصّرا
9 - أطافت به جيلان عند قطاعه ... تردّد فيه العين حتى تحيّرا
10 - كأنّ دمى شغف على ظهر مرمر ... كسا مزبد السّاجوم وشيا مصوّرا
11 - غرائر في كنّ وصون ونعمة ... يحلّين يا قوتا وشذرا مفقّرا
12 - وريح سنا في حقّة حميرية ... تخصّ بمفروك من المسك أذفرا
13 - وبانا وألويا من الهند ذاكيا ... ورندا ولبنى والكباء المقترا
6 - سوامق: مرتفعات. والجبار: الفتي من النخل، أو الذي قد فات اليد لطوله. والأثيث: الغزير.
وعالين: رفعن. والقنوان: العذق. والبسر: ما احمرّ من التمر.
7 - حمته: منعته. بنو الربداء: قوم في ناحية البحرين. أقو: استقو على حاله. أوقر: كمل حمله.
8 - اعتمّ: كمل وتم. والزهو هنا: البسر الأحمر والأصفر. والمراد بالأكمام: أقماع البسر، وأصل الأكمام أغلفة الطلع عند خروجه من قلب النخلة. وتهصر: تثنى وتدل.
9 - أطاف بالشيء وطاف به: استدار حوله. وجيلان: قوم من الديلم كان كسرى يتخذهم عمّالا في البحرين، ليتعهّدوا نخله ويصرموه. وقطاعه: صرامه. والعين هنا: عين الماء، ويجوز أن يكون المراد بالعين عين النظر، أي لحسن هذا النخل والإعجاب به تتردد فيه العين، حتى يكلّ نظرها وتتحيّر.
10 - الدمى: جمع دمية، وهي التمثال المصوّر في الرخام أو الحجر. شغف وفي العقد الثمين «سقف»: وهو موضع أو دير بالشام، وقيل: صنم. والمرمر: الرخام. والمزبد: الذي علاه الزبد. والساجوم: واد بعينه. والوشي: النقش. والمصور: البارز الظاهر الحسن. والساجوم:
صبغ أصفر زينت به الدمى والصور.
11 - غرائر: جمع غريرة، وهنّ الغوافل اللائي لم يتمرّسن بالحياة، لصيانتهن وتنعّمهنّ. والكن:
البيت ونحوه يحفظن من البرد والحر. والنعمة: بفتح النون النعيم والرفه. والشذر: قطع الذهب. والمفقر: المصوغ على هيئة فقار الجراذة.
12 - السنا: نبت يتداوى به، وهو هنا ضرب من الطيب. والحقة والحق: وعاء للطيب من خشب.
والحميرية: المنسوبة إلى حمير، لكثرة الطيب المجلوب من الهند عندهم. والمفروك: المكسر الذي فتقت نافجته فانتشرت رائحته. والاذفر: القوي الرائحة.
13 - الألوي: أجود العود وأطيبه. والرند: شجر طيب الرائحة من شجر البادية. ولبنى: ضرب من الطيب وهي الميعة أو شجرة لها لبن كالعسل، يقال له عسل لبنى، قال الجوهري: وربما يتبخر به. والكباء: ضرب من العود والدخنة. والمقتر: من القتار، وهو الدخان.(1/57)
14 - غلقن برهن من حبيب به ادّعت ... سليمى فأمسى حبلها قد تبترا
15 - وكان لها في سالف الدّهر خلّة ... يسارق بالطّرف الخباء المسترا
16 - إذا نال منها نظرة ريع قلبه ... كما ذعرت كأس الصّبوح المخمّرا
17 - نزيف إذا قامت لوجه تمايلت ... تراشي الفؤاد الرّخص ألا تخترا
18 - أأسماء أمسى ودّها قد تغيّرا ... سنبدل إن أبدلت بالودّ آخرا
19 - تذكّرت أهلي الصّالحين وقد أتت ... على خملى خوص الرّكاب وأوجرا
20 - فلما بدا حوران والآل دونه ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا
21 - تقطع أسباب اللّبانة والهوى ... عشيّة جاوزنا حماة وشيزرا
22 - بسير يضجّ العود منه يمنّه ... أخو الجهد لا يلوى على من تعذّرا
23 - ولم ينسني ما قد لقيت ظعائنا ... وخملا لها كالقرّ يوما مخدّرا
14 - غلق برهن: يقال علق الرهن، إذا لم يوجد له فكاك أي ذهبن بقلبه واستولين عليه. وبه أدعت: أي استجوبته واستأثرت به. وتبتر: تقطع.
15 - الخلة: الخليل. ويسارق: يختلس النظر إلى الخباء حذف مفعوله ثم حرف الجر. والطرف:
العين.
16 - الروع: الفزع. والصبوح: الخمر تشرب في الصباح. المخمر: الثمل.
17 - النزيف: النشوان الذي نزف السكر عقله. لوجه: لحاجة أو أمر أرادته. وتراشي: تعطي الرشوة. والفؤاد: القلب. وتختر: تضعف وتفتر.
18 - أي إذا كنت يا أسماء قد تبدلت بحبنا حبّا آخر، فلي العذر أن أستبدل بحبك حبّا غيره وأميل إلى سواك.
19 - خملى: جبل بأرض بلقين بالشام وقيل خملى وأوجر: موضعان، وخملى كجمزى.
والخوص: جمع أخوص، أو خوصاء من الإبل وهي التي غارت عيونها من طول السفر.
20 - حوران: كورة واسعة من أعمال دمشق، من جهة القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار وما زالت منازل العرب وذكرها في أشعارهم كثير وقصبتها بصرى.
21 - الأسباب: الحبال. واللبانة: الحاجة. وحماة وشيزر: بلدان بالشام.
22 - العود: المسنّ من الإبل. ويضج: يبكي ويصيح. ويمنه: يضعفه. وأخو الجهد: المجتهد والشديد. ولا يلوى: لا يحتبس ولا يتربص. ومن تعذّر: أي من نابه عذر ويروى من تغدّر بغين ودال أي تخلّف وبقي.
23 - الظعائن: جمع الظعينة وهي المرأة في الهودج. والخمل: الطنفسة ونحوها مما له خمل.
والقر: مركب للنساء على الإبل كالهودج. والمخدر: المستور أو المجعول كالخدر.(1/58)
24 - كأثل من الأعراض من دون بيشة ... ودون الغمير عامدات لغضورا
25 - فدع ذا وسل اللهمّ (1) عنك بجسرة ... ذمول إذا صام النّهار وهجّرا
26 - تقطّع غيطانا كأنّ متونها ... إذا أظهرت تكسى ملاء منشّرا
27 - بعيدة بين المنكبين كأنّما ... ترى عند مجرى الضّفر هرّا مشجّرا
28 - تّطاير ظرّان الحصى بمناسم ... صلّاب العجى ملثومها غير أمعرا
29 - كأنّ الحصى من خلفها وأمامها ... إذا نجلته رجلها حذف أعسرا
30 - كأنّ صليل المرو حين تشذّه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا
24 - الاثل: شجر. والأعراض: الأودية واحدها عرض بوزن سبب. وبيشة والغمير وغضور: أسماء مواضع فيها مياه يقام عليها وعامدات قاصدات.
25 - فدع ذا: من أساليب العرب في الانتقال من غرض إلى غرض في القصيدة وقد يجيء ابتداء.
والجسرة: الناقة القوية النشيطة، وقيل التي تجسر على الليل والسير. والذمول: التي تسير، الذميل: وهو سريع. وصام النهار: قام واعتدل قائم الظهيرة. ويقال هجر القوم وأهجروا وتهجروا: ساروا في الهاجرة، وهي اشتداد الحر، ومنه هجر النهار والهجيرة نصف النهار.
26 - الغيطان: جمع غائط وهو المطمئن من الأرض. والمتون: جمع متن وهو الظهر. وأظهرت:
دخلت في الظهيرة وهي ساعة الزوال. والملاء: جمع ملاءة، وهي الثوب. والمنشر: المبسوط يريد أن سبرها يقطع ما انخفض من الأرض واطمأن وكذلك يقطع ما ارتفع من الأرض وصلب، لأنها إذا قطعت الغيطان، قطعت متونها المتصلة بها وشبه لون المتون الصلبة وقت الظهيرة وتوهج الحر بالملاحف البيض المنشورة.
27 - بعيدة المنكبين: كناية عن سعة صدرها وتباعد ما بين عضديها، والمنكب: رأس الصدر.
والضفر: حبل من حبال الهودج ينسج من شعر يشدّ به البطان. والهر: القط. والمشجر:
المربوط.
28 - الظران: بالكسر جمع ظرر بالضم، وهو حجر مستطيل عريض بقدر الكف ذو حد، ويروى شذان الحصى، بضم الشين جمع شاذ، وهو ما تفرق منه، أو بفتحها، وهو المتفرق.
والمناسم: جمع منسم وهو طرف خفّ البعير. والعجى: جمع عجاية أو عجاوة، وهي عصبة مستطيلة في وظيف الدابة، تنتهي عند الرسغين. وملثومها خفّها الذي يلثمه الحصى. والأمعر:
الذي ذهب شعره.
29 - النجل: الرمي بالشيء. والخذف: بالخاء المعجمة، الرمي بالحصى والنوى وشبههما، والأعسر الذي يرمي بيده اليسرى، ورميه لا يذهب مستقيما.
30 - الصليل: الصوت. والمرو: الحجارة واحدته مرة، وكل حجر فيه نار فهو مروة. تشذه: تطيره.
والزيوف: الدراهم الرديئة المغشوشة واحدها زيف، وصوت الزيوف أشد من صوت غيرها لكثرة نحاسها. وينتقدن: ينقرن بالإصبع لتعرف جودتها من صوتها. وعبقر: مدينة باليمن وقرية
__________
(1) في الديوان: «الهمّ» بدل «اللهم».(1/59)
31 - عليها فتى لم تحمل الأرض مثله ... أبرّ بميثاق وأوفى وأصبرا
32 - هو المنزل الآلاف من جوّ ناعط ... بني أسد حزنا من الأرض أوعرا
33 - ولو شاء كان الغزو من أرض حمير ... ولكنّه عمدا إلى الرّوم أنفرا
34 - بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
35 - فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
36 - وإني زعيم إن رجعت مملّكا ... بسير ترى منه الفرانق أزورا
37 - على لاحب لا يهتدي بمناره ... إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا
38 - على كلّ مقصوص الذّنابي معاود ... بريد السّرى باللّيل من خيل بربرا
39 - أقبّ كسرحان الغضى متمطّر ... ترى الماء من أعطافه قد تحدّرا
تسكنها الجن فيما زعموا، فكلما رأوا شيئا فائقا غريبا مما يصعب عمله ويدق أو شيئا عظيما في نفسه نسبوه إليها، فقالوا: عبقري.
31 - فتى: يعني نفسه. والميثاق: العهد.
32 - الجو هنا: المنخفض من الأرض. وناعط: حيّ من همدان من اليمن. والحزن: الغليظ الوعر من الأرض.
33 - العمد: القصد. أنفر: أي أغزى أصحابه.
34 - صاحبه: هو عمرو بن قميئة اليشكري الشاعر. والدرب: المدخل بين جبلين، والمراد الطريق بين بلاد العرب وبلاد الروم.
35 - أي لا ينبغي أن تبكي، فإنما نطلب أمرا جليلا وهو الملك، فإما أن نصل إلى ما نبغي فتقرّ أعيننا وإما أن نموت دون ذلك فنعذر، إذا لم تقصر في الطلب.
36 - زعيم: كفيل ضامن. ويروى: أذين. والفرانق: حيوان يصيح بين يدي الأسد، كأنه ينذر الناس به. والأزور: المائل الذي يسير معتمدا على أحد جانبيه من شدة السير.
37 - اللاحب الطريق الواضح الذي لحبته الحوافر، أي أثّرت فيه فصارت فيه طرائق بينة، وهو فاعل بمعنى مفعول، أي ملحوب، أو على النسب أي ذو لحب. والمنار: ما يجعل على الطريق من علامة والمراد: ليس فيه علم ولا منار فيهتدى به. وسافه: شمه. والعود: الجمل المسنّ.
والنباطي: المنسوب إلى النبط أو هو الضخم. وجرجر: رغا وضج، وعرف أنه غير مسلوك، إذ لا يجد في ترابه أثرا لأبوال الدواب.
38 - مقصوص الذنابي: محذوف الذنب. وهذه علامة خيل البريد. ومعاود: أي معاود سير البريد أي قد اعتاده وألفه. والبريد: كلمة فارسية والسكة: موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون، من بيت أو قبة أو رباط وكان يرتب في كل سكة بغال، وبعد ما بين السكّتين فرسخان، وقيل:
أربعة وخصّ خيل بربر لأنها كانت أصلب الخيل عندهم وأجودها.
39 - الأقب: الضامر البطن. والسرحان: الذئب، جمعه سراح وسراحين. والغضى: شجر، وذئابها أخبث الذئاب وأنكرها. والمتمطر: السابق الماضي على وجهه. وأعطافه: جوانبه.(1/60)
40 - إذا زعته من جانبيه كليهما ... مشى الهيدبى في دفّه ثمّ فرفرا
41 - إذا قلت روّحنا أرنّ فرانق ... على جلعد واهي الأباجل أبترا
42 - لقد أنكرتني بعلبكّ وأهلها ... ولابن جريج في قرى حمص أنكرا
43 - نشيم يروق المزن أين مصابه ... ولا شيء يشفى منك يا ابنة عفزرا
44 - من القاصرات الطّرف لو دبّ محول ... من الذّرّ فوق الإتب منها لأثرا
45 - له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم ... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
46 - أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا ... بكاء على عمرو وما كان أصبرا
47 - إذا نحن سرنا خمس عشرة ليلة ... وراء الحساء من مدافع قيصرا
48 - إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ... وقرّت به العينان بدّلت آخرا
49 - كذلك جدّي ما أصاحب صاحبا ... من النّاس إلّا خانني وتغيّرا
40 - الزوع: الجذب باللجام والهيدبى (بالدال) مشى فيه تبختر، وبالذال المعجمة: سير سريع من أهذب الفرس في سيره: إذا أسرع. والدف: الجنب. وفرفر: نفض رأسه، وضرب بفأس لجامه أسنانه.
41 - روحنا: أرحنا من تعب السير. وأرن: صاح. والفرانق: الأسد أو حيوان يصيح أمامه منذرا به.
والفرانق والجلعد: الغليظ القوي. والأبجل: غرق في الرجل. والأبتر: المقطوع الذنب.
42 - بعلبك: مدينة بالشام بين دمشق وحمص.
43 - الشيم: النظر، يقال: شمت السحاب: نظرت أين يقصد. والمزن: السحاب. والمصاب: حيث يقع المطر. وابنة عفزر: محبوبته، وقيل: هي قينة كانت في الدهر الأول.
44 - القاصرات الطرف: المحببات إلى أزواجهنّ، قصرن أعينهن عن الرجال إلا الأزواج.
والمحول: الصغير من الذر والإتب: ثوب رقيق غير مخيط الجانبين له جيب وليس له كمّان، وهو البقيرة.
45 - له الويل: يعني لنفسه الويل. قريب: قال الفراء: إن العرب تفرّق بين القريب من النسب والقريب من المكان فيقولون: هذه قريبتي (من النسب)، وهذه قريبي (من المكان)، ويشهد بصحة قوله بيت امرىء القيس.
46 - أم عمرو: هي أم عمرو بن قميئة صاحبة الشاعر. تحدر: انصبّ وسال.
47 - الحساء: جمع حسي، وهو ماء يغور في الرمل، ويوافق تحته صلابة فإذا كشف عنه الرمل وجد قريبا. ومدافع: جمع مدفع، وهو الموضع الذي يحميه ويدفع عنه من يريد استباحته، وفي العقد الثمين: مواقع في مكان: مدافع، يريد إذا توغلنا في بلاد قيصر.
48 - يقال: قرّت عينه، من القرّ، أي بردت، وهو خلاف سخنت عينه، وقرّت هدأت، من قررت بالمكان.
49 - الجد: البخت والحظ، والبيت مؤكد لمعنى ما قبله.(1/61)
50 - وكنّا أناسا قبل غزوة قرمل ... ورثنا الغنى والمجد أكبر أكبرا
51 - وما جبنت خيلي ولكن تذكّرت ... مرابطها في بربعيص وميسرا
52 - ألا ربّ يوم صالح قد شهدته ... بتاذف ذات التّلّ من فوق طرطرا
53 - ولا مثل يوم في قداران ظلته ... كأني وأصحابي على قرن أعفرا
54 - ونشرب حتى نحسب الخيل حولنا ... نقادا وحتى نحسب الجون أشقرا
5
قال أيضا (1): [الطويل]
1 - أعنّي على برق أراه وميض ... يضيء حبيّا في شماريخ بيض
2 - ويهدأ تارات سناه وتارة ... ينوء كتعتاب الكسير المهيض
3 - وتخرج منه لا معات كأنّها ... أكفّ تلقى الفوز عند المفيض
50 - قرمل: ملك من ملوك اليمن، كان غزا كندة قبل امرىء القيس أو غزته كندة، فأصاب منهم.
51 - بربعيص وميسر: موضعان يعتذر عن انصراف قومه عن لقاء قرمل عدوهم.
52 - تاذف: قرية بينها وبين حلب أربعة فراسخ، من وادي بطنان، من ناحية بزاعة، وهي تجاه طرطر، قرية هناك أيضا.
53 - قداران: وقال البكري: قدار، درب من دروب الروم. والأعفر: الظبي الأبيض يخالط بياضه حمرة ويقال للرجل إذا بات ليلته في شدة تقلقه كنت على قرن أعفر.
54 - النقاد: صغار الغنم. والجون: الأسود والأشقر، الأحمر.
شرح القصيدة الخامسة 1الوميض: اللمع الخفي. والحبي: المشرف الداني من السحاب، أو هو سحاب فوق سحاب، وقيل: هو الذي يعترض الجبل قبل أن يطبق السماء. والشماريخ: رؤوس الجبال، أو هي هنا، ما ارتفع من أعالي السحاب والبيض، وصف الشماريخ، وروي شماريخ بيض بالإضافة، أي شماريخ جبال بيض، وهي التي لا نبات فيها.
2 - يهدأ: أي يسكن سناه ويخفى. وتارات: جمع تارة، وهي الحين. والسنا: الضوء، مقصور.
وينوء: يتحرك في ثقل. والتعتاب: مشي البعير ونحوه على ثلاث قوائم، وهو وثب الإنسان على رجل واحدة. والمهيض: اسم مفعول من الهيض وهو كسر العظم بعد جبره، وذلك أشدّ عليه، فلا يطيق المشي إلا على عناء ومشقّة.
3 - لا معات: بروق. والفوز: والظفر والمفيض: الذي يجيل قداح الميسر بيده.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 9895، وهي في الديوان من 24بيتا.(1/62)
4 - قعدت له وصحبتي بين ضارج ... وبين تلاع يثلث فالعريض
5 - أصاب قطاتين (1) فسال لواهما ... فوادي البديّ فانتحى للأريض
6 - بلاد عريضة وأرض أريضة ... مدافع غيث في فضاء عريض
7 - فأضحى يسحّ الماء عن كلّ فيقة ... يحوز الضّباب في صفاصف بيض
8 - فأسقي به أختي ضعيفة إذ نأت ... وإذ بعد المزار غير القريض
9 - ومرقبة كالزجّ أشرفت فوقها ... أقلّب طرفي في فضاء عريض
10 - فظلت وظلّ الجون عندي بلبده ... كأني أعدّي عن جناح مهيض
11 - فلمّا أجنّ الشمس عني غيارها ... نزلت إليه قائما بالحضيض
12 - يباري شباة الرّمح خدّ مذلّق ... كصفح السّنان الصلّيّ النّحيض
4 - قعدت له: راقبته. وضارج: اسم موضع في بلاد بني عبس، أو ببلاد طيىء، وقيل: هو موضع باليمن. والتلاع: مجاري الماء من أعلى الوادي. ويثلث: يوزن يضرب ويمنع موضع.
والعريض: جبل أو موضع بنجد.
5 - قطاتين: موضع، وهو تثنية قطاة، ويروى «قطيات»، وهو جمع لمصغر قطاة، وهو اسم بلدة فاقتصر على قطاتين. واللوى: ما التوى من الرمل، أو المستدق منه. والأريض: موضع، ويروى، اليريض، قيل: هو موضع بالشام.
6 - العريضة: الواسعة. والأريضة: الكريم الخليقة للخير. مدافع: جمع مدفع، بفتح الميم أي أن الغيث يندفع عليها. والفضاء: اتساع الأرض.
7 - الفيقة: اللبن يجتمع في الضرع بين الحلبتين والمراد هنا الدفعة من المطر على التشبيه بالفيقة.
والصفاصف: جمع صفصفة، وهي الأرض المستوية غير المنخفضة. وبيض: عارية من النبات.
والضباب: جمع ضب.
8 - فأسقي به: أدعو بسقيا هذا المطر لأختي ضعيفة، لنأيها وانقطاع خبر عنها.
9 - مرقبة: موضع عال في رأس الجبل يرقب منه الربيئة العدو كالزج، طويلة صعبة.
10 - الجون: الأدهم من الخيل، وهو المراد هنا، وقد يكون معناه الأبيض. واللبد: السرج.
وأعدي: أصرف وأمنع. والمهيض: المكسور بعد الجبر.
11 - أجن: ستر، والغيار: مغيب الشمس، يقال: غارت الشمس غيارا. والحضيض: أسفل الجبل حيث تستوي الأرض.
12 - يباري: يعارض. وشباة الرمح: حدّه والمذلق: الطويل المرفق. وصفح السنان: أحد جانبيه.
والصلي: الذي صقل بحجارة الصلب، وهي حجارة شديدة تتخذ منه المسانّ. والنحيض:
الرقيق الذي ذهب نحضه أي لحمه.
__________
(1) في الديوان: «قطيّات» بدل «قطاتين».(1/63)
13 - أخفّضه بالنّقر لمّا علوته ... ويرفع عرفا غير جاف غضيض
14 - وقد أغتدي والطّير في وكناتها ... بمنجرد عبل اليدين قبيض
15 - له قصريا عير وساقا نعامة ... كفحل الهجان ينتحي للعضيض (1)
16 - يجمّ على السّاقين بعد كلاله ... جموم عيون الحسي بعد المخيض
17 - ذعرت بها سربا نقيّا جلودها ... كما ذعر السّرحان جنب الرّبيض
18 - ووالى ثلاثا واثنتين وأربعا ... وغادر أخرى في قناة الرّفيض
19 - فآب إيابا غير نكد مواكل ... وأخلف ماء بعد ماء فضيض
20 - وسنّ كسنّيق سناء وسنّما ... ذعرت بمدلاج الهجير نهوض
21 - أرى المرء ذا الأذواد يصبح محرضا ... كإحراض بكر في الدّيار مريض
13 - أخفضه: أسكنه. والنقر: صوت يسكن به الفرس. والطرف: العين الجافي الذي يجفو عن النظر إلى الأشياء. والغضيض: من غض إذا قارب بين جفنيه.
14 - أغتدي: أخرج في الغدوة مبكرا للصيد. والوكنات أعشاش الطير. والمنجرد: القصير الشعر.
والعبل: الغليظ. والقبيض: الشديد، وقيل السريع.
15 - القصريان: مثنى قصرى، وهي الضلع التي في آخر الضلوع. والهجان: الإبل البض الكرام.
وينتحي: يعتمد ويعترض. وللعضيض: للعض نشاطا وغيرة وقوة.
16 - جم الشيء: كثر والكلال الإعياء. والحسي: أرض غليظة فوقها رمل، يجتمع فيها ماء السماء، فكلما نزحت دلو أجمعت أخرى. والمخيض: الماء الذي مخض واستخرج.
17 - ذعرت: أزعجت. والسرب: القطيع من البقر. والسرحان: الذئب. والربيض: الغنم في مرابضها معها رعاتها.
18 - والى: تابع. والقناة: الرمح. والرفيض: المكسور.
19 - آب: رجع. والنكد: القليل الخير. والمواكل: الذي لا يجد في أمره بل يتّكل على غيره.
وأخلف ماء: أي نضح عرقا بعد عرق والفضيض المصبوب.
20 - السن: الثور الوحشي: والسنيق: الجبل، أو أكمة معروفة، أو الصخرة الصلبة. والسناء:
الارتفاع. والسنم مثله. والمدلاج: الذي يكثر السير في الليل، أو في آخر الليل: بمدلاج الهجير أي بفرس يسير في الهجير، وينهض فيه لنشاطه مع أنه وقت تسكن فيه الدواب وتستقر.
21 - الأذواد: جمع ذود، وهو من الثلاثة إلى العشرة من الإبل. والمحرض: الذي قارب الهلاك.
والبكر: الفتي من الإبل.
__________
(1) يروى عجز البيت في الديوان:
كفحل الهجان القيسري الغضيض(1/64)
22 - كأنّ الفتى لم يغن في النّاس ساعة ... إذا اختلف اللّحيان عند الجريض
6
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - غشيت ديار الحيّ بالبكرات ... فعارمة فبرقة العيرات
2 - فغول فحلّيت منفي فمنعج ... إلى عاقل فالجبّ ذي الأمرات
3 - ظللت ردائي فوق رأسي قاعدا ... أعدّ الحصى ما تنقضي عبراتي
4 - أعنّي على التّهمام والذّكرات ... يبتن على ذي الهمّ معتكرات
5 - بليل التّمام أو وصلن بمثله ... مقايسة أيّامها نكرات
6 - كأني وردفي والقراب ونمرقي ... على ظهر عير وارد الخبرات
22 - لم يغن: لم يقم. واللحيان: العظمان اللذان ينبت عليهما شعر اللحية. والجريض: الغصص بالريق.
شرح القصيدة السادسة 1غشيت: أتيت ديار الحي ديار أهلي. والبكرات: قارات سود برحرحان وهو من جبال حمى ضريه. وعارمة وبرقة العيرات: موضعان.
2 - غول: بفتح الغين. وحليت: بكسر الحاء وباللام مشددة. فالجب: يروى فالخبت والأمرات:
العلامات تنصب في الطريق واحدتها أمارة.
هذه المواضع التي ذكرها امرؤ القيس في هذا الشعر في نجد أو على مقربة منها مما يلي المدينة لحمى ضرية.
وعلى ذلك ينبغي ألا يلتفت إلى مثل قول الأصمعي: إن بين عاقل وهذه الأماكن التي ذكرها امرؤ القيس مسيرة سبع ليال.
3 - ظللت: بقيت طول نهاري. وردائي فوق رأسي: أي من حر الشمس. والحصى: جمع حصاة، وهي الحجارة الصغار. والعبرات: بفتح العين، الدموع.
4 - التهمام: مقاساة الهموم. والذكرات: جمع ذكرة. وهي ما يتذكره من أحوال أهله وأحبته، فيهيج حزنه وهمّه. معتكرات: منصرفات راجعات.
5 - ليل التمام: أطول ليلة في العام. مقايسة: أي جعل النهار قياس الليل. ونكرات: شديدات منكرات.
6 - الردف: من يركب على مؤخر الدابّة خلف الراكب. والقراب: غمد السيف، والنمرقة: الوسادة أو الطنفسة. والعير: الحمار الأهلي والوحشي، وقد غلب على الوحشي. والخبرات جمع خبرة، وهي المواضع المخصبة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 5250.
7 - أرنّ على حقب حيال طروقة ... كذود الأجير الأربع الأشرات
8 - عنيف بتجميع الضّرائر فاحش ... شتيم كذلق الزّجّ ذي ذمرات
9 - ويأكلن بهمى جعدة حبشيّة ... ويشربن برد الماء في السّبرات
10 - فأوردها ماء قليلا أنيسه ... يحاذرن عمرا صاحب القترات
11 - تلتّ الحصى لتّا بسمر رزينة ... موازن لا كزم ولا معرات
12 - ويرخين أذنابا كأنّ فروعها ... عرا خلل مشهورة ضفرات
13 - وعنس كألواح الإران فسأتها (1) ... على لا حب كالبرد ذي الحبرات
14 - فغادرتها من بعد بدن رذيّة ... تغالى على عوج لها عوج لها كدنات
7 - أرن: صاح وحقب جمع حقباء، وهي الأتان البيضاء العجز. والحيال: جمع حائل، وهي التي لم تحمل في سنتها. والطروقة: التي يضربها الفحل. والذود: ما بين الثلاثة إلى العشرة.(1/65)
7 - أرنّ على حقب حيال طروقة ... كذود الأجير الأربع الأشرات
8 - عنيف بتجميع الضّرائر فاحش ... شتيم كذلق الزّجّ ذي ذمرات
9 - ويأكلن بهمى جعدة حبشيّة ... ويشربن برد الماء في السّبرات
10 - فأوردها ماء قليلا أنيسه ... يحاذرن عمرا صاحب القترات
11 - تلتّ الحصى لتّا بسمر رزينة ... موازن لا كزم ولا معرات
12 - ويرخين أذنابا كأنّ فروعها ... عرا خلل مشهورة ضفرات
13 - وعنس كألواح الإران فسأتها (1) ... على لا حب كالبرد ذي الحبرات
14 - فغادرتها من بعد بدن رذيّة ... تغالى على عوج لها عوج لها كدنات
7 - أرن: صاح وحقب جمع حقباء، وهي الأتان البيضاء العجز. والحيال: جمع حائل، وهي التي لم تحمل في سنتها. والطروقة: التي يضربها الفحل. والذود: ما بين الثلاثة إلى العشرة.
والأجير: الراعي المستأجر. والأشرات: النشيطات. ويروى النعرات.
8 - العنيف: الأخرق. والضرائر: جمع ضرائر جمع ضرة، يريد بها الأتن. والفاحش: المتجاوز القدر. والشتيم: القبيح المنظر وأراد قبح فعله بهنّ. وذلق الزّج: حده. ذو ذمرات: أي يزجر أتنه مرة بعد مرة.
9 - البهمى: نبت له شوك تكلف به الحمير وتصلح عليه. والجعدة: اللندية، ويروى غضة، وهي الناعمة والحبشية الشديدة الخضرة، تضرب إلى السواد لريها ونعمتها، وقيل: هي الكثيرة الملتفّة، والسبرات: الغدوات الباردة، جمع سبرة.
10 - عمرو: هو عمرو ابن المسيح الطائي، من أرمى العرب للصيد، والقترات: جمع قترة، وهي بيت الصائد الذي يختبي فيه ليختل الصيد.
11 - تلت: تسحق الحصى بحوافرها لصلابتها وشدتها ووصفها بالسمرة، لأن ذلك أصلب لها.
ورزينة: ثقال لا عيب فيها. وموازن: صلاب لا تؤثر فيها الحجارة. والكزم: جمع أكزم، وهو القصير المتقبض. والمعرات: التي ذهب ما حولهن من الشعر، والمعر مكروه في الدواب.
12 - يرخين: يسلبن أذنابا جمع ذنب، وهو مغرز شعر الذيل. العرا: جمع عروة والخلل: جمع خلة بالكسر وهي بطانة يغشى بها جفن السيف، تنقش بالذهب وغيره ومشهورة منقوشة. وضفرات:
مضفورات كالشعر.
13 - العنس: الناقة الصلبة. والإران: سرير موتى النصارى. ونسأتها: زجرتها، وضربتها بالمنسأة وهي العصا. واللاحب: الطريق البيّن. والحبرات: جمع حبرة وهي ثوب موشّى، والمراد هنا الوشي.
14 - غادرتها: تركتها. والبدن: السمن وعظم البدن. والرذية: المهزولة من الإبل. تغالى: تنكمش
__________
(1) في الديوان: «نساتها» بدل «فساتها».(1/66)
15 - وأبيض كالمخراق بلّيت حدّه ... وهبته في السّاق والقصرات
7
وقال أيضا يمدح عوير بن شجنة بن عطارد من بني تميم، وبني عوف رهطه (1): [الطويل]
1 - ألا إن قوما كنتم أمس دونهم ... هم منعوا جاراتكم آل غدران
2 - عوير ومن مثل العوير ورهطه ... وأسعد في ليل البلايل صفوان
3 - ثياب بني عوف طهارى نقيّة ... وأوجههم عند المشاهد غرّان
4 - هم أبلغوا الحيّ المضلّل أهلهم ... وساروا بهم بين العراق ونجوان (2)
5 - فقد أصبحوا والله أصفاهم به ... أبرّ بميثاق وأوفى بجيران
في سيرها وتسرع، ويروى تعالى، أي ترفع. والعوج: قوائمها المعوجّة، وذلك أقوى لسيرها.
كدنات: شديدة صلبة.
15 - أبيض: سيف صقيل. والمخراق: حربة قصيرة ذات سن طويل، وقيل: هي منديل أبيض، يلوى فيضرب به، وهو من لعب الصبيان. وبليت: اختبرت. والقصرات: جمع قصرة وهي أصل العنق.
شرح القصيدة السابعة 1جاراتكم: في رواية الوزير «جارا لكم». آل غدران: بطن من العرب وهم قوم نزل عليهم امرؤ القيس مستجيرا بهم، فلم يرعوا جواره، فانتقل إلى عوير بن شجنة فأجاره وأحسن عشرته.
2 - أسعد: ساعد ووافق. والبلايل: الأحزان والأفكار.
3 - الثياب: هنا كناية عن القلوب. وطهارى: جمع طاهر، وهو شاذ، وكأنهم جمعوا طهران.
والمشاهد: جمع مشهد، أي الاجتماع لعزم في حمالة، أو لا دار حرب، ويروى المسافر في مكان المشاهد. وغران: جمع أغر، وهو الأبيض مثل سودان جمع أسود.
4 - هم أبلغوا: يعني بني عوف رهط عوير الحي يعني أخته هندا ومن معها من أهله. المضلل:
المحير الذي لا يعرف أين يتوجه، لأن قبائل العرب كانت تتحاماه ولا تجيره، خوفا من الملك الذي كان يطلبه.
5 - أصفاهم به: اختاره لهم، وآثرهم به. أبرّ بميثاق: أوفى بذمة وعهد.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 168167، وهي في الديوان من ستة أبيات، مطلعها:
أحنظل لو حاميتم وصبرتم ... لأثنيت خيرا صالحا ولأرضان
(2) في الديوان: «ونجران» بدل «ونجوان».(1/67)
8
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخطّ زبور في عسيب يمان
2 - ديار لهند والرّباب وفرتنى ... ليالينا بالنّعف من بدلان
3 - ليالي يدعوني الهوى فأجيبه ... وأعين من أهوى إليّ رواني
4 - فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة ... كشفت إذا ما اسودّ وجه الجبان
5 - وإن أمس مكروبا فيا ربّ قينة ... منعّمة أعملتها بكران
6 - لها مزهر يعلو الخميس بصوته ... أجشّ إذا ما حرّكته اليدان
7 - وإن أمس مكروبا فيا ربّ غارة ... شهدت على أقبّ رخو اللّبان
8 - على ربذ يزداد عفوا إذا جرى ... مسحّ حثيث الرّكض والذّألان
9 - ويخدي (2) على صمّ صلاب ملاطس ... شديدات عقد (3) ليّنات المثاني
شرح القصيدة الثامنة 1الطل: ما شخص من آثار الديار. وشجاني: حزنني. والزبور: الكتاب. والعسيب: جريدة النخل التي جرّد عنها الخوص.
2 - النعف: ما انحدر من الجبل، وارتفع عن الوادي. وبدلان: موضع باليمن.
3 - الهوى: الحب والعشق، والمراد دواعي الهوى وأسبابه. رواني: جمع رانية، أي ناظرة.
4 - البهمة: الأمر المصمت الذي يعيا الناس به ولا يدرون كيف يحتالون له، والبهمة أيضا الرجل الشجاع ينبهم أمره على من ينازله للحرب فلا ينال منه.
5 - القينة والكرينة: الأمة المغنية، والكران: العود الذي يضرب به.
6 - المزهر: العود. والخميس: الجيش. والأجش: الخشن الذي فيه بحة.
7 - الأقب: الضامر البطن من الخيل. والرخو: الليّن. واللبان: الصدر أو موضع اللبب من الفرس والمراد هنا جلد اللبان، وهو كناية عن اتّساع الصدر وهو أسبل لانعطاف الفرس.
8 - الربذ: الخفيف السريع وضع القوائم ورفعها. والعفو: الجمام والنشاط. ومسح: سريع العدو.
والذّألان: المرّ الخفيف.
9 - يخدي، وفي رواية الوزير يردي: وكلاهما يسرع. والملاطس: جمع ملطس، وهو المعول الذي تكسر به الصخور. شديدات عقد: قويات عقد الأرساغ. ومثاني الدابة: ركبتاه ومرفقاه، وفي رواية «متان» جمع متين وهو القوي.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 167165.
(2) في الديوان: «ويردي» بدل «ويخدي».
(3) في الديوان: «عفر» بدل «عقد».(1/68)
10 - وغيث من الوسميّ حوّ تلاعه ... تبطّنته بشيظم صلتان
11 - مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا (1) ... كتيس ظباء الحلّب الغذوان
12 - إذا ما جنبناه تأوّد متنه ... كعرق الرّخامى اهتزّ في الهطلان
13 - تمتّع من الدّنيا فإنّك فاني ... من النّشوات والنّساء الحسان
14 - من البيض كالآرام والأدم كالدّمى ... حواصنها والمبرقات الرّواني
15 - أمن ذكر نبهانيّة حلّ أهلها ... بجزع الملا عيناك تبتدران
16 - فدمعهما سكب وسحّ وديمة ... ورشّ وتوكاف وتنهملان
17 - كأنهما مزادتا المتعجّل ... فريّان لمّا تسلقا بدهان
10 - الوسمي: أول مطر يقع في الأرض، فتخضرّ منه، لأنه يسم الأرض بالنبات، والثاني هو الولي، لأنه ولي الوسمي. والحوة: الخضرة إلى السواد. والتلاع: جمع تلعة، وهي ما انهبط من الأرض. وتبطنته: سلكت بطنه، وسرت فيه. والشيظم: الطويل. والصلتان: القصير الشعر، وقيل: هو من الانصلات، وهو شدة الذهاب.
11 - مكرّ مفرّ: يحسن الكرّ والفرّ في الحروب. ومقبل مدبر: أي يحسن الإقبال والإدبار جميعا.
والتيس: الذكر من الظباء. والحلب: نبات تعتاده الظباء يخرج منه شبيه باللبن إذا قطع الغذوان بالغين والذال المعجمتين وهو المسرع، ويروى العدوان السريع الجري، ويروى العذوان بالذال، وهو النشيط الخفيف.
12 - جنب الفرس: قاده بجانب فرس آخر. وتأود: تثنى. ومتنه: ظهره. والرخامى: نبت له عروق ناعمة تنبت على وجه الأرض. اهتزّ: تحرك وتثنى. والهطلان: تتابع قطرات المطر.
13 - النشوات: جمع نشوة وهي السكر يحض على شرب الخمر والتمتّع بالنساء الحسان.
14 - الأدم: جمع أدماء وهي السمراء. والدمى: جمع دمية، وهي الصورة الممثلة في الرخام والخشب ونحوه. والحواصن: جمع حاصن، وهي العفيفة. والمبرقات: اللائي يبرزن للرجال.
والرواني: جمع رانية، وهي التي تديم النظر إلى الرجال.
15 - نبهان: قبيلة من طيىء، كان امرؤ القيس نازلا فيهم، ثم ارتحل عنهم. والجزع: منعطف الوادي. والملا: ما استوى من الأرض، وهو هنا موضع لبني أسد. وتبتدران: تستبقان بالدمع.
16 - السكب والسح: الصب. والديمة: مطر يدوم أياما لا يقلع. والتوكاف: القليل من المطر.
وتنهملان: تسيلان.
17 - المزادة: القربة. والمتعجل: من يتعجل إلى أهله بالماء أو اللبن. فريان: مفريتان، وهما اللتان فرغ من خرزهما وعملهما. وتسلقا: تدهنا. والدهان: جمع دهن.
__________
(1) يروى صدر البيت في الديوان:
مخش مجش مقبل مدبر معا(1/69)
9
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ... ورسم عفت آياته منذ أزمان
2 - أتت حجج بعدي عليها فأصبحت ... كخطّ زبور في مصاحف رهبان
3 - ذكرت بها الحيّ الجميع فهيّجت ... عقابيل سقم من ضمير وأشجان
4 - فسحّت دموعي في الرّداء كأنها ... كلى من شعيب ذات سح وتهتان
5 - إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس على شيء سواه بخزّان
6 - فإمّا تريني في رحالة جابر ... على حرج كالقرّ تخفق أكفاني
7 - فيا ربّ مكروب كررت وراءه ... وعان فككت الغلّ عنه ففدّاني
شرح القصيدة التاسعة 1عرفان: ما عرفته من معالم الدار. والرسم: الأثر اللاصق بالأرض غير البارز. عفت: تغيرت ودرست، آياته: أعلامه.
2 - الحجج: جمع حجة، وهي السنة. والزبور: الكتاب. والمصاحف: جمع مصحف، وهو صحائف مكتوبة مجموعة بين دفّتين.
3 - الحي: الجماعة. والجميع: المجتمع. والعقابيل: جمع عقبول، وهو بقية العلة والضمير المضمر المطوى في النفس. والأشجان: جمع شجن وهو الحزن.
4 - سحت: صبت وتدفقت، الكلى: جمع كلية، وهي رفعة من جلد تخرز في أصول عر المزادة.
والشعيب: المزادة البالية. والتهتان: سيلان الماء.
5 - يخزن: بضم الزاي وكسرها يحفظ.
6 - الرحالة: خشبات كان يحمل عليها امرؤ القيس وهو مريض صنعها له جابر بن حني التغلبي صاحبه، وكان يحمله هو وعمرو بن قميئة. والحرج: سرير يحمل عليه الميت. والقر: مركب كالهودج. وأكفاني: المراد بها ثيابه، إذ لا أكفان له غيرها، وجواب الشرط في البيت الذي بعده.
7 - فيا ربّ: هذا وما بعده جواب الشرط المتقدم، ويا: حرف تنبيه أو حرف نداء والمنادى محذوف والتقدير فيا هذه، وربّ: حرف يدل هنا على التكثير مثل كم الخبرية. والمكروب:
الواقع في كرب وحرب. وكررت وراءه: رجعت إليه وقد أحاط به العدو، وقاتلت دونه حتى استنقذته. والعاني: الأسير. وفككت الغل عنه: فديته بمالي، فحلّ وثاقه وسرح. ففداني: قال لي فدتك نفسي، وأمي، وأبي، وطارفي، وتلادي.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 165163.(1/70)
8 - وفتيان صدق قد بعثت بسحرة ... فقاموا جميعا بين عاث ونشوان
9 - وخرق بعيد قد قطعت نياطه ... على ذات لوث سهوة المشي مذعان
10 - وغيث كألوان الفنا قد هبطته ... تعاون فيه كلّ أوطف حنّان
11 - على هيكل يعطيك قبل سؤاله ... أفانين جري غير كزّ ولا وان
12 - كتيس الظّباء الأعفر انضرجت له ... عقاب تدلّت من شماريخ ثهلان
13 - وخرق كجوف العير قفر مضلة ... قطعت بسام ساهم الوجه حسّان
14 - يدافع أعطاف المطايا بركنه ... كما مال غصن ناعم فوق أغصان
15 - ومجر كغلّان الأنيعم بالغ ... ديار العدوّ ذي زهاء وأركان
8 - فتيان صدق: شبان كرام أو شجعان. بعثت بسحرة: أثرتهم من نومهم. والعاثي: بالعين والغين الذي يطلب الشيء في الظلام بيده من غير أن يبصره، كما يفعل الأعمى وأصله عائث.
والنشوان: السكران، ولعله من سكر النعاس.
9 - الخرق: الفضاء الواسع تنخرق فيه الرياح ويشتد هبوبها. والنياط: البعد. واللوث: القوة.
والسهوة: السهلة المشي. والمذعان: المذللة المطاوعة.
10 - غيث: كلأ. والفنا: شجر عنب الثعلب، وله خضرة نعمة. وهبطته: نزلت إليه وأرعيت إبلي فيه. وتعاون: تداول وتعاقب. والأوطف: من السحاب الداني من الأرض كأن له خملا لكثافته، وأصل الوطف في العين وهو كثرة هدب شفرها وطوله. والحنان: الرعد الشديد الصوت، يسمع له حنين كحنين الإبل.
11 - هيكل: حصان ضخم يشبه هيكل النصارى وهو بيت عبادتهم. والأفانين: الضروب من الجري البطيء والسريع جمع أفنان والأفنان: جمع فن. والكز: المنقبض أو الضيق. والواني: الفاتر المبطىء.
12 - الأعفر: من الظباء الذي تعلوه حمرة. وانضرجت له: انقضت عليه من الجو كاسرة، أو انبرت له. والعقاب: النسر الكبير. والشماريخ: الأعالي وهي القمم. وثهلان: جبل عند المدينة.
13 - وخرق: مهمه. ويروى وواد كجوف العير: قيل: العير هو الحمار وجوفه، وإن كان زكيّا لا يؤكل منه شيء، فلا ينتفع بجوفه، وقيل: جوف العير: اسم واد خصيب، غير الدهر فأقفر فكانت العرب تستوحشه، وقيل: الجوف: الوادي بلغة اليمن، والعير: رجل من بقايا عاد.
ومضلة: لا يهتدى للسير فيه. والسامي: المشرف المرتفع. والساهم: قليل لحم الوجه.
والحسان: الحسن.
14 - الأعطاف: الجوانب. وركنه: منكبه.
15 - المجر: الجيش الكبير الثقيل السير في كثرته. والغيلان: الأودية الكثيرة الشجر، واحدها غال.
والأنيعم: اسم مكان. وزهاؤه: كثرة عدده. وأركان الشيء: نواحيه التي تطيف به.(1/71)
16 - مطوت بهم حتى تكلّ مطيهم ... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
17 - وحتى ترى الجون الّذي كان بادنا ... عليه عواف من نسور وعقبان
10
وقال أيضا يمدح جارية بن مر أبا حنبل، ويذم خالد بن سدوس بن أصمع النبهاني (1): [الطويل]
1 - دع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديثا ما حديث الرّواحل
2 - كأنّ دثارا حلّقت بلبونه ... عقاب تنوفي لا عقاب القواعل
3 - تلعّب باعث بذمّة خالد ... وأودى عصام في الخطوب الأوائل
4 - وأعجبني مشي الحزقّة خالد ... كمشي أتان حلئت بالمناهل
5 - أبت أجأ أن تسلم العام جارها ... فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
16 - مطوت بهم: مددت بهم في السير على المطايا، حتى بلغت بهم ديار العدو ودوختها.
والأرسان: جمع رسن، وهو مقود الدابة.
17 - الجون: الأسود أو الأبيض من الحيوان، وقيل: أراد فرسه. والبادن: الضخم البدن. العوافي:
جمع عاف، وهي سباع الطير. العقبان: جمع عقاب، وهي أنثى النسور المسنّة.
شرح القصيدة العاشرة 1النهب: الغنيمة. والحجرات: النواحي.
2 - دثار: هو دثار بن فقعس بن طريف من بني أسد، كان راعي إبل امرىء القيس. حلقت: علت في الجو. واللبون: الإبل ذوات اللبن. وتنوفي، بالتاء في أوله وبالياء، وبالألف في آخره، وبدونها: جبل عال في بلاد طيىء. والقواعل: أجبل من سلمى في بلاد طيىء. وقد روى ابن دريد في الشطر الثاني: «عقاب ملاع» بالإضافة، وبالاتباع لما قبله، في مكان: «عقاب تنوفي» والملاع: السرعة وهي خفيفة الضرب والاختطاف. وقال ابن دريد في تفسيرهما: معناه أن العقاب كلما علت في الجبل كان أسرع لانقضاضها.
3 - باعث: رجل من طيىء، وهو ممّن أغار على إبل امرىء القيس. وأودى: هلك. والخطوب الأوائل: الأمور العظام القديمة. بذمة خالد: أي بجاره. ويروى يحيران. وعصام: لا يدرى من هو، وفي رواية: دثار.
4 - أعجبني: جعلني أستعجب. والحزقة والحزق: الرجل الصغير أو القصير الضيق الباع، المجتمع الخلق، وقيل: القصير الضخم البطن. وحلئت: منعت أن ترد الماء مرة بعد مرة، وإذا فعل ذلك بالأتان تلكأت في مشيها، واستدارت حول الماء، لعدم استطاعتها الوصول إليه.
5 - أجأ: أحد جبلي طيىء نزل به على جارية بن مر الثعلي. جارها: يعني نفسه.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 136135.(1/72)
6 - تبيت لبوني بالقريّة أمّنا ... وأسرحها غبّا بأكناف حائل
7 - بنو ثعل جيرانها وحماتها ... وتمنع من رماة سعد ونائل
8 - تلاعب أولاد الوعول رباعها ... دوين السّماء في رؤوس المجادل
9 - مكلّلة حمراء ذات أسرّة ... لها حبك كأنها من وصائل
11
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - أرانا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطّعام وبالشّراب
2 - عصافير وذبّان ودود ... وأجرأ من مجلّحة الذّئاب
3 - فبعض اللّوّم عاذلني فإني ... ستكفيني التّجارب وانتسابي
4 - إلى عرق الثرى وشجت عروقي ... وهذا الموت يسلبني شبابي
6 - لبوني: إبلي ذوات الألبان ويصح أن يراد به الناقة الواحدة. والقرية: موضع بجبلي طيىء.
وحائل: بطن واد بالقرب من أجأ. وأمنا: آمنات. وأسرحها: أرسلها إلى المرعى. وغبا: يوما بعد يوم.
7 - بنو ثعل: رهط جارية بن مر. وسعد ونائل: من نبهان، وهم قوم خالد. وجيرانها: مجيروها.
وحماتها: مانعوها، يقول بنو ثعل هم حماة إبلي ومجيروها ممّن يعتدي عليها من بني سعد ونائل.
8 - الوعول: التيوس البرية، وهي ذكور الظباء. والرباع: الفصلان المتوّجة في الربيع. والمجادل:
جمع مجدل والمراد به الجبال المرتفعة، وأصل المجدل: القصر العالي.
9 - مكللة، بصيغة اسم المفعول، وبالنصب على الحال من المجادل: أي جاعلة للمجادل أكاليل من السحاب الأحمر. والأسرة والحبك: الطرائق العريضة المختلفة الألوان في السحابة.
والوصائل: ضرب من الثياب الحمر المخططة.
شرح القصيدة الحادية عشرة 1موضعين: مسرعين. لأمر غريب: يريد الموت أو المستقبل المجهول، ويروى لحتم غيب.
ونسحر: نلهى، أو نغذي.
2 - العصافير: ضعاف الطير. والمجلح: الجريء، والأنثى مجلحة.
3 - فبعض اللوم: كفى بعض لومك. وانتسابي: كوني ذا نسب عريق في الهالكين.
4 - عرق الثرى: قيل هو آدم. ووشجت: اتصلت واشتبكت.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 4443.(1/73)
5 - ونفسي سوف يسلبها (1) وجرمي ... فيلحقني وشيكا بالتراب
6 - ألم أنض المطيّ بكلّ خرق ... أمقّ الطّول لمّاع السّراب
7 - وأركب في اللهام المجر حتى ... أنال مآكل القحم الرّغاب
8 - وكلّ مكارم الأخلاق صارت ... إليه همّتي وبه اكتسابي
9 - وقد طوّفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
10 - أبعد الحارث الملك ابن عمرو ... وبعد الخير حجر ذي القباب
11 - أرجّي من صروف الدّهر لينا ... ولم تغفل عن الصّمّ الهضاب
12 - وأعلم أنّني عمّا قريب ... سأنشب في شبا ظفر وناب
13 - كما لاقى أبي حجر وجدّي ... ولا أنسى قتيلا بالكلاب
12
وقال (2): [الطويل]
1 - أماويّ هل لي عندكم من معرّس ... أم الصّرم تختارين بالوصل نيأس
5 - الجرم: الجسد. والوشيك: السريع.
6 - أنضيت الدابة: هزلتها. والخرق: المفازة الواسعة تنخرق فيها الرياح وتشتد. وأمق الطول:
شديده.
7 - اللهام: الجيش الكثير يلتهم كل ما يمر به. والمجر: الثقيل. والقحم: جمع قحمة، وهي الدفعة. والرغاب: الواسعة. والمآكل: الغنائم وغيرها مما يظفر به.
8 - أي كل محاسن الأخلاق توجهت إليه همّتي وتعلقت به إرادتي.
9 - طوفت: أكثرت من الطواف في نواحي الأرض.
10 - الحارث بن عمرو جده، وحجر بن الحارث بن عمرو أبوه، وهما من ملوك كندة. والقباب:
أبنية من أدم لا تكون إلا للملوك.
11 - الصم: المصمتة. والهضبة: الصخرة الراسية الضخمة.
12 - أنشب: أعلق. وشبا كل شيء: حده.
13 - الكلاب: واد لبني عامر يصب في الزكاء. وقتيل الكلاب: عمّه شرحبيل بن الحارث.
شرح القصيدة الثانية عشرة 1المعرس: منزل المسافر في وجه السحر ساعة يستريح فيها ثم يرتحل. الصرم: القطع والهجر.
__________
(1) في الديوان: «يسلبني» بدل «يسلبها».
(2) القصيدة في الديوان ص 8987.(1/74)
2 - أبيني لنا إنّ الصّريمة راحة ... من الشّك ذي المخلوجة المتلبّس
3 - كأني ورحلي فوق أحقب قارح ... بشربة أو طاف (1) بعرنان موجس
4 - تعشّى قليلا ثمّ أنحى ظلوفه ... يشير التراب عن مبيت ومكنس
5 - يهيل ويذري تربها ويثيره ... إثارة نبّات الهواجر مخمس
6 - فبات على خدّ أحمّ ومنكب ... وضجعته الأسير المكردس
7 - وبات إلى أرطاة حقف كأنها ... إذا ألثقتها غبية بيت معرّس
8 - فصبّحه عند الشّروق غديّة ... كلاب ابن مرّ أو كلاب ابن سنبس
9 - مغرّثة زرقا كأن عيونها ... من الذّمر والإيحاء نوّار عضرس
10 - فأدبر يكسوها الرّغام كأنها ... على الصّمد والآكام جذوة مقبس
2 - الصريمة: القطيعة. المخلوجة: الأمر يتخالج في حقيقته، ولا يجتمع فيه على شيء.
3 - الرحل: ما يوضع على الناقة كالسرج للفرس. والأحقب: حمار الوحش الأبيض. الحقوين والقارح: المسن. والطاوي: الضامر البطن يريد ثورا وحشيّا. والموجس: المتسمع الحذر.
وشربة وعرنان: موضعان.
4 - تعشى: دخل في العشاء، وهو أول الليل. أنحى ظلوفه: أي اعتمد بأظلافه يحفر مريضا يبيت فيه. والمكنس والكناس: الموضع الذي يكتن فيه من الحر والبرد.
5 - يهيل التراب ويذريه ويذروه: يثيره ويفرّقه عن وجه الأرض، ويروى «يثير ويبدي تربها ويهيله».
النباث: الذي يزيل التراب الظاهر في الهاجرة لتباشر إبله برد الثرى فيسكن عطشها. والمخمس الذي ترد إبله المخمس «بالكسر»، وهو أن ترد الماء يوما! ثم ترعى ثلاثة أيام وثم ترد الماء في المخمس وهذا أحسن ما وصف به الثور الوحشي «كذا قال رؤبة عن أبيه العجاج».
6 - الأحم: الأسود. والمكردس: الموثق المقيد المطروح على جنبه.
7 - الأرطاة: شجرة يدبغ بها الأديم. والحقف: الرمل المعوج. وألثقتها: ندتها وبلتها، واللثق:
الندى. والغبية: الدفعة من المطر. والمعرس: الباني بأهله.
8 - ابن مر وابن سنبس: صائدان معروفان من طيىء.
9 - مغرثة: مجوعة لتحرص على الصيد وتضري عليه. وزرقا: لعله يصف جلودها للزرقة، ويروى «حصا» أي أنحس شعرها. والذمر: الإغراء والتسليط. والإيحاء: الإشارة لها إلى الشيء.
والعضرس: بقلة حمراء الزهرة.
10 - أدبر: رجع الثور عن وجهه. والرغام: التراب. والصمد: ما غلظ من الأرض وصلب.
والآكام: الكدى جمع كدية، وهي الأرض الغليظة. والمقبس: الذي عنده من النار ما يقتبس منه.
__________
(1) في الديوان: «أو طاو» بدل «أو طاف».(1/75)
11 - وأيقن إن لاقينه أنّ يومه ... بذي الرّمث إن ماوتنه يوم أنفس
12 - فأدركنه يأخذن بالسّاق والنّسا ... كما شبرق الولدان ثوب المقدّس
13 - وغوّرن في ظل الغضى وتركنه ... كقرم الهجان الفادر المتشمّس
13
وقال (1): [الطويل]
1 - ألمّا على الرّبع القديم بعسعسا ... كأني أنادي أو أكلّم أخرسا
2 - فلو أن أهل الدّار فيها كعهدنا ... وجدت مقيلا عندهم ومعرّسا
3 - فلا تنكروني إنّني أنا ذاكم ... ليالي حلّ الحيّ غولا فألعسا
4 - فإمّا تريني لا أغمّض ساعة ... من اللّيل إلّا أن أكبّ فأنعسا
5 - تأوّبني دائي القديم فغلّسا ... أحاذر أن يرتدّ دائي فأنكسا
11 - أي تيقن الثور أن يومه بذلك الموضع إن طلبت الكلاب موته وطلب موتها يوم هلاك أنفس كثيرة.
12 - النسا: عرق في الساق. وشبرق: مزق. والولدان: الصبيان. والمقدس: الذي يجيء بيت المقدس ليحج.
13 - غورن: استرحن وقت القائلة في الأماكن الظليلة. والغضى: شجر. والقرم: الفحل. والفادر:
الذي انقطع عن الضراب وعجز، ويروى: الفارد، أي المنفرد في المرعى، فهو لا يخالط النوق في المرعى، ولا يبيت ملاصقا لهن. والمتشمس: البارز للشمس.
شرح القصيدة الثالثة عشرة 1ألمّا: انزلا. وعسعس: قال البكري في معجم ما استعجم، عسعس: جبل مجتمع عال في السماء، لا يشبهه شيء من جبال الحمى هيئته كهيئة الرجل.
2 - عهدنا: علمنا. والمعهد: المكان تعهد فيه شيئا. والمقيل: موضع النزول نصف النهار.
والمعرس: موضع النزول آخر الليل.
3 - فلا تنكروني: خطاب لأهل الدار. أنا ذاكم: أنا الذي عرفتم وصحبتم زمن المرتبع. وغول وألعس: موضعان في شق العراق.
4 - أكب: من الإكباب على الشيء، أي ملازمته مع الانحناء.
5 - تأوّبني: عاودني مع الليل. دائي القديم: هو الحب وتذكر الأحبة بعدما قد سلا. وغلس: أتى في الظلام. فأنكسا: يعود إلى المرض بعد البرء.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 8785، وهي في الديوان من 15بيتا.(1/76)
6 - فيا ربّ مكروب كررت وراءه ... وطاعنت عنه الخيل حتى تنفّسا
7 - ويا ربّ يوم قد أروح مرجّلا ... حبيبا إلى البيض الكواعب أملسا
8 - يرعن إلى صوتي إذا ما سمعته ... كما ترعوي عيط إلى صوت أعيسا
9 - أراهنّ لا يحببن من قلّ ماله ... ولا من رأين الشّيب فيه وقوّسا
10 - وما خفت (1) تبريح الحياة كما أرى ... تضيق ذراعي أن أقوم فألبسا
11 - فلو أنّها نفس تموت جميعة ... ولكنّها نفس تساقط أنفسا (2)
12 - وبدّلت قرحا داميا بعد صحّة ... فيا لك من نعمى تحوّلن أبؤسا
13 - لقد طمح الطّمّاح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبّسا
6 - فيا ربّ: هذا جواب الشرط «فإما تريني». مكروب: أصابه غمّ الحرب.
7 - المرجل: المسرّح الشعر المدهونة. والكواعب: جمع كاعب وهي الفتاة التي تكعّب ثدياها وبرزا. أملس: ناعم الجسم من الترف والنعمة.
8 - يرعن: يرجعن. وترعوي: أيضا ترجع. والعيط: جمع عيطاء، وهي الناقة التي لم تحمل ساتها، وقيل: هي الطويلة العنق. والأعيس: البعير الأبيض يضرب بياضه إلى الحمرة، وهو أكرم ألوان الإبل.
9 - قوّس: انحنى ظهره كالقوس.
10 - التبريح: شدة البلاء.
11 - جميعة: قال في اللسان: إنما أراد جميعا، فبالغ بإلحاق الهاء، وحذف الجواب للعلم به، كأنه قال: لفنيت واستراحت، ويجوز أن تكون لو هنا للتمني فلا تحتاج إلى جواب.
12 - القرح: الجرح الذي نال جسمه من لبس الحلّة المسمومة. فيا لك: نداء يقصد به التعجب.
نعمى: هي الصحة والشباب وآثارهما في الحياة. أبؤس: جمع بؤس، وهو البلاء والشدة.
ورواية ابن قتيبة في الشعر والشعراء «فيا لك نعمى قد تحولن أبؤسا».
13 - طمح: ذهب. الطماح: رجل من بني أسد كان امرؤ القيس قتل أخا له، فدسّه بنو أسد عند قيصر ليفسد على امرىء القيس أغراضه، فوشى به عند قيصر فتغيّر قيصر على امرىء القيس.
ومن دائه: معناه من حقد نفسه، ويحتمل أن يكون من سوء أخلاقه. وتلبس: بمعنى لبس، أو تلبس الشيء: التبس. والمعنى: فألبسني من كيده وحقده هذه الحلّة المسمومة التي التبس أمرها عليّ، ولم أعرف حقيقته.
__________
(1) في الديوان: «وما خلت» بدل «وما خفت».
(2) في الديوان بيت يلي هذا البيت وهو غير موجود هنا وهو:
ولو أن نوما يشترى لا شتريته ... قليلا كتغميض القطا حيث عرّسا(1/77)
14 - ألا إنّ بعد العدم للمرء قنوة ... وبعد المشيب طول عمر وملبسا
14
وقال (1): [الطويل]
1 - لعمرك ما قلبي إلى أهله بحرّ ... ولا مقصر يوما فيأتيني بقر
2 - ألا إنّما الدّهر ليال وأعصر ... وليس على شيء قويم بمستمر
3 - ليال بذات الطّلح عند محجّر ... أحبّ إلينا من ليال على أقر
4 - أغادي الصّبوح عند هرّ وفرتنى ... وليدا وهل أفنى شبابي غير هر
5 - إذا ذقت فاه قلت طعم مدامة ... معتقة ممّا تجيء به التّجر
6 - هما نعجتان من نعاج تبّالة ... لذي جؤذرين أو كبعض دمى هكر
14 - العدم: الفقر. والقنوة والقنية: ما اقتنيت من شيء تستغني به. ملبس: مستمتع.
شرح القصيدة الرابعة عشرة 1لعمرك: حياتك قسمي، كأنه قال: أقسم بحياتك، وقوله: «ما قلبي إلى أهله بحر»، أي لم يكن في الجزع حرّا، أي لم يصبر الأحرار، ولكنه جزع. بقر: أي استقرار أو هو برد الجوف واطمئنان النفس مقصر نازع عما هو عليه من الجزع وامرؤ القيس يمدح سعد بن الضباب الإيادي، ويهجو هانىء بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة، وكان أفوه شاخص الأسنان وكان امرؤ القيس استجاره فلم يجره، وقال: أنا في دين الملك فأتى سعد بن الضباب فأجاره، وسعد هذا أخو امرىء القيس.
3 - ألا إنما الدهر ليال: تختلف. وأعصر: تتعاقب، ومن طبيعة الأيام والليالي أنها دائمة التقلب والتحوّل، ويروى الشطر الأول من البيت:
ألا إنما ذا الدهر يوم وليلة
3 - ذات الطلح: أرض فيها شجر الطلح. ومحجر: ببلاد طيىء. وأقر: جبل لبني هرة عند وادي أقر، ويروى «لليل بذات الطلح» بدل «ليال».
4 - أغادي: أذهب في الغداة مبكرا لأجل. الصبوح: وهو ما يشرب صبحا. وهر وفرتنى: جاريتان كانتا له.
5 - المدامة: الخمر. والمعتقة: القديمة. والتجر: ككتب جمع تجار كصحاب، وتجار جمع تجر كصحب.
6 - نعجتان: بقرتان من بقر الوحش، ويروى ظبيتان. وتبالة: بلدة باليمن مخصبة تألفها بقر الوحوش. والجؤذر: ولد البقرة. والدمى: التماثيل. وهكر: مدينة باليمن.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 7573.(1/78)
7 - إذا قامتا تضوّع المسك منهما ... نسيم الصّبا جاءت بريح من القطر (1)
8 - كأنّ التّجار أصعدوا بسبيئة ... من الخصّ حتى أنزلوها على يسر
9 - فلمّا استطابا (2) صبّ في الصّحن نصفه ... وشجّت بماء غير طرق ولا كدر
10 - بماء سحاب زلّ عن متن صخرة ... إلى بطن أخرى طيّب ماؤها خصر
11 - لعمرك ما إن ضرّني وسط حمير ... وأقوالها إلّا المخيلة والشّكر
12 - وغير الشّقاء المستبين فليتني ... أجرّ لساني يوم ذلكم مجر
13 - لعمرك ما سعد بخلة آثم ... ولا نأنإ يوم الحفاظ ولا حصر
14 - لعمري لقوم قد نرى أمس فيهم ... مرابط للأمهار والعكر الدّثر
15 - أحبّ إلينا من أناس بقنّة ... يروح على آثار شاتهم النّمر
16 - يفاكهنا سعد ويغدو لجمعنا ... بمثنى الزّقاق المترعات وبالجزر
7 - تضوّع: فاح وانتشر والريا الرائحة. والقطر: عود البخور. ويروى الشطر الثاني:
برائحة من اللطيمة والقطر
واللطيمة: العير تحمل المسك خاصة وصفهما بطيب الرائحة والرفاهية.
8 - أصعدوا: ذهبوا. والسبيئة: الخمر تحمل من بلد إلى بلد. والخص: موضع بالشام. ويسر:
موضع بالحزن كان امرؤ القيس نزل به.
9 - استطابوا: أخذوا أطيب الماء وأعذبه. والصحن: القدح الواسع. وشجت: مزجت. والطرق:
الماء الذي بالت فيه الإبل وبعرت.
10 - زل: انحدر. ومتن: ظهر. وخصر: بارد.
11 - حمير: أحد شعبي اليمن العظيمين، ومن أعظم قبائله كندة قبيلة امرىء القيس. والأقوال والأقيال: الملوك. والمخيلة: التكبر والخيلاء. والشكر: غرّة الشباب وقلة التجربة.
12 - المستبين: المستحكم. أجر لسانه: منعه الكلام. ومجر: اسم فاعل منه.
13 - الخلة: الصداقة والمودّة. والحفاظ: الغضب والأنفة من الانهزام في الحرب. والنأنأ: الضعيف المقصر في الأمر والحصر الضيق الصدر عن تجشم شدائد الأمور.
14 - العكر: ما فوق خمسمائة من الإبل، والدثر: الكثير وأصله الدثر بسكون الثاء.
15 - القنة: رأس الجبل. والشاة: الغنم.
16 - يفاكهنا: يمازحنا بملح الكلام ويبسطنا. ويغدو: يبكر إلينا. بمثنى الزقاق: بالزقاق مثنى، أي اثنين اثنين. ومترعه: ملأى. والجزر: جمع جزور وهي الناقة المذبوحة.
__________
(1) يروى عجز البيت في الديوان:
برائحة من اللطيمة والقطر
(2) في الديوان: «فلما استطابوا» بدل «فلما استطابا».(1/79)
17 - لعمري لسعد حيث حلّت دياره (1) ... أحبّ إلينا منك فافرس حمر
18 - وتعرف فيه من أبيه شمائلا ... ومن خاله ومن يزيد ومن حجر
19 - سماحة ذا وبرّ ذا ووفاء ذا ... ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر
15
وقال يجيب سبيع بن عوف بن مالك (2): [الكامل]
1 - لمن الدّيار غشيتها بسحام ... فعمايتين فهضب ذي أقدام
2 - فصفا الأطيط فصاحتين فغاضر ... تمشي النّعاج بها مع الآرام!
3 - دار لهند والرّباب وفرتنى ... وبليس (3) قبل حوادث الأيّام
4 - عوجا على الطّلل المحيل لأننا (4) ... نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام (5)
17 - سعد بن الضباب أخو امرىء القيس لأبيه، وإنما نسب إلى الضباب لأنه ولد على فراشه، كما تقدم، ويروى هذا الشطر:
لعمري لسعد بن الضباب إذا غدا
حمر الفرس: فهو حمر سنق من أكل الشعير، فتنن فوه.
18 - الشمائل: الخلائق، واحدها شمأل.
19 - أي تعرف في سعد شمائل أبيه وخاله وآله جميعا، من السماحة والبرّ والوفاء والكرم، لا فرق في ذلك بين حالي سكره وصحوه.
شرح القصيدة الخامسة عشرة 1سحام وما بعده: مواضع كان ينزلها امرؤ القيس متنقلا فيها. وغشيتها: قصدتها.
2 - فغاضر: يروى في مكانه فعاسم، وهو موضع بالشام. النعاج: بقر الوحش. والآرام:
الظباء.
3 - دار لهند، ويروى في مكانها دار لهر.
4 - عوجا: ميلا واعطفا. المحيل: المتغير. ولأننا: في رواية لعلنا. وابن خذام: ويروى ابن حذام وابن حزام وابن حمام، وهو شاعر جاهلي قديم بكى الديار قبل امرىء القيس.
__________
(1) يروى صدر البيت في الديوان:
لعمري لسعد بن الضباب إذا غدا
(2) القصيدة في الديوان ص 158155، وهي في الديوان من 23بيتا.
(3) في الديوان: «ولميس» بدل «وبليس».
(4) في الديوان: «لعلّنا» بدل «لأننا».
(5) بعد هذا البيت هناك بيتان في الديوان لم يردا هنا:
دار لهم إذ هم لأهلك جيرة ... إذ تستبيك بواضح بسّام
أزمان فوها كلّما نبّهتها ... كالمسك بات وظل فيه الفدام(1/80)
5 - أو ما ترى أظعانهنّ بواكرا ... كالنّخل من شوكان حين صرام
6 - حور تعلّل بالعبير جلودها ... بيض الوجوه نواعم الأجسام
7 - فظلت في دمن الدّيار كأنّني ... نشوان باكره صبوح مدام
8 - أنف كلون دم الغزال معتّق ... من خمر عانة أو كروم شبام
9 - وكأنّ شاربها أصاب لسانه ... موم يخالط جسمه بسقام
10 - ومجدّة نسّأتها فتكمشت ... رتك النّعامة في طريق حام
11 - تخدّى على العلّات سام رأسها ... روعاء منسمها رثيم دام
12 - جالت لتصرعني فقلت لها اقصري ... إني امرء صرعي عليك حرام
13 - فجزيت خير جزاء ناقة واحد ... ورجعت سالمة القرا بسلام
5 - أو ما ترى: رواه البكري «أفلا ترى». الأظعان: الإبل عليها الهوادج. وشوكان: موضع باليمن كثير النخل. وصرام: النخل قطع ثمره.
6 - حور: جمع حوراء والحور شدة سواد العين في شدة بياضها. وتعلل: تطيب مرة بعد أخرى، ويروى تغللن العبير، ومعناه تطيبن، كما يقال تغللت بالغالية. والعبير: الزعفران أو أخلاط من الطيب فيها الزعفران ويروى البيت:
حور يفلّلن العبير روادعا ... كمهى الشقائق أو ظباء سلام
والسلام: شجر.
7 - ظللت: بقيت نهاري. ودمن الديار: آثارها. ونشوان: سكران. باكره: عجل إليه. والصبوح:
الخمر تشرب عند الصباح.
8 - أنف لم يخرج من دنّها شيء قبل ذلك. ودم الغزال: أشد الدماء حمرة فلذلك شبّهها. وعانة:
بلدة من أعمال الأنبار. وشبام: بلد في أرض همدان باليمن وكانت تنسب إليها الخمرة الجديدة في الجاهلية.
9 - الموم: البرسام.
10 - المجدة: الناقة السريعة. ونسأتها: زجرتها، أو ضربتها بالعصا، وهي المنسأة ويروى أعملتها.
وتكمشت: جدّت في السير وأسرعت. ورتك: مشي فيه اهتزاز. وحام: أحمته حرارة الشمس.
11 - تخدى: تسرع. والعلات: جمع علة. والسامي: المرتفع. وروعاء: ذكية الفؤاد نشيطة. ورثيم:
رثمته الحجارة، أي جرحته.
12 - جالت: مالت إلى كل جهة في سيرها. وتصرعني: تسقطني. واقصري: كفّي من حدّتك.
13 - القرا: الظهر، دعا لها بخير الجزاء شكرا لها على سرعة سيرها به.
14 - وكأنّما بدر وصيل كتيفة (1) ... وكأنما من عاقل أرمام
15 - أبلغ سبيعا إن عرضت رسالة ... إني كهمّك إن عشوت أمامي
16 - أقصر إليك من الوعيد فإنني ... ممّا ألاقي لا أشدّ حزامي
17 - وأنا المنبّه بعد ما قد نوّموا ... وأنا المعالن صفحة النّوّام
18 - وأنا الّذي عرفت معدّ فضله ... ونشدت عن حجر ابن أمّ قطام
19 - وأنازل البطل الكريه نزاله ... وإذا أناضل لا تطيش سهامي
20 - خالي ابن كبشة قد علمت مكانه ... وأبو يزيد ورهطه أعمامي
21 - وإذا أذيت ببلدة ودعتها ... ولا أقيم بغير دار مقام(1/81)
14 - وكأنّما بدر وصيل كتيفة (1) ... وكأنما من عاقل أرمام
15 - أبلغ سبيعا إن عرضت رسالة ... إني كهمّك إن عشوت أمامي
16 - أقصر إليك من الوعيد فإنني ... ممّا ألاقي لا أشدّ حزامي
17 - وأنا المنبّه بعد ما قد نوّموا ... وأنا المعالن صفحة النّوّام
18 - وأنا الّذي عرفت معدّ فضله ... ونشدت عن حجر ابن أمّ قطام
19 - وأنازل البطل الكريه نزاله ... وإذا أناضل لا تطيش سهامي
20 - خالي ابن كبشة قد علمت مكانه ... وأبو يزيد ورهطه أعمامي
21 - وإذا أذيت ببلدة ودعتها ... ولا أقيم بغير دار مقام
16
وقال (2): [السريع]
1 - يا دار ماويّة بالحائل ... فالسّهب فالخبتين من عاقل
14 - بدر وكتيفة: موضعان بعيد ما بينهما وكذا عاقل وأرمام. وقوله وصيل كتيفة: أي موصول بها.
15 - سبيع: هو سبيع بن عوف. وعرضت: أتيت العروض وهو اليمامة. كهمك: كما هممت.
وعشوت: نظرت.
16 - أقصر: أمسك واحبس من توعدك.
17 - المعالن: الذي يواجه القوم بالقتال وهم مستيقظون، ولا يطلب غرّتهم لاقتداره عليهم.
18 - نشدت عن حجر: رفعت ذكره.
19 - أنازل: أقاتل. والكريه: المكره. لا تطيش: لا تجاوز الغرض.
20 - ابن كبشة وأبو يزيد من أشراف كندة.
21 - أذيت: تأذيت.
شرح القصيدة السادسة عشرة 1حائل: قيل هو جبل بنجد بينه وبين اليمامة أربع، وقيل: بطن واد بالقرب من أجأ. والسهب والخبتان: موضعان من عاقل. وعاقل: جبل كان ينزله حجر أبو امرىء القيس، وقيل: هو ماء لبني أبان، أو ماء بطريق البصرة إلى مكة.
__________
(1) يروى صدر البيت في الديوان:
فكأنما بدر ووصل كتيفة
(2) القصيدة في الديوان ص 134133.(1/82)
2 - صمّ صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السّائل
3 - قولا لدودان عبيد العصا ... ما غرّكم بالأسد الباسل
4 - قد قرّت العينان من مالك ... ومن بني عمرو ومن كاهل
5 - ومن بني غنم بن دودان إذ ... نقذف أعلاهم على السّافل
6 - نطعنهم سلكى ومخلوجة ... لفتك (1) لأمين على نابل
7 - إذ هنّ أقساط كرجل الدّبى ... أو كقطا كاظمة النّاهل
8 - حتى تركناهم لدى معرك ... أرجلهم كالخشب الشّائل
2 - صمّ صداها: ثقل سمعها، وقيل: الصدى: الصوت الذي يرجع عليك من الجبل بمثل نطقك إذا رفعت صوتك. وعفا: درس. والرسم: ما بقي من آثار الديار غير بارز. واستعجمت:
خرست لما وقف على الدار وخاطبها فلم تجبه قال ذلك.
3 - دودان: قبيلة من بني أسد: أبوها دودان بن أسد بن خزيمة وكان أبو امرىء القيس إذا غضب على أحد منهم أمر بضربه بالعصا، فسمّوا عبيد العصا، أي لا ينقادون إلا على الضرب والهوان. وأراد بالأسد الباسل: أباه، وقيل: أراد نفسه.
4 - مالك وعمرو وكاهل: أحياء من بني أسد.
5 - بنو غنم: هم بنو غنم بن دودان بن أسد.
6 - سلكى: طعنة مستقيمة أمام الوجه. ومخلوجة: مائلة إلى يمين أو شمال. ولفتك: عطفك ودرك، ويروى كرك، وهو بمعناه. وسهم لأم: عليه ريش لؤام، وهو الملتئم الذي تكون فيه بطن الريشة إلى ظهر الأخرى، وهو أجود السهام، والظهار: يكون ظهر الريشة فيه إلى ظهر الأخرى. والنابل: الذي يرمي بالنبل يقول: نطعنهم بسرعة، فتجيء الطعنة مستقيمة حيال الوجه تارة وتذهب يمينا أو يسارا تارة أخرى، وهي المخلوجة. والشطر الثاني يجوز أن يكون مبيّنا لهيئة الطعن أي كردّك سهمين على من يرمي بهما، فإذا ألقيتهما له لم يقعا مستويين، وربما استوى أحدهما وتعوج الآخر، يجوز أن يكون مبيّنا لسرعة الطعن إذ شبّهه بمن يدفع الريش إلى صاحب النبل في السرعة والخفّة لأن الغراء الذي يلزق به الريش إذا برد لم يلزق الريش، وهذا يقتضي السرعة.
7 - هن: الخيل، وهي مفهومة من مقام الحرب. أقساط: جمع قسط، أي فرق وقطع. والرجل:
بكسر الراء القطعة من الجراد المجتمعة. والدبى: صغار الجراد. وكاظمة: بلد على الخليج الفارسي، قرب مصبّ شط العرب. والناهل: الطالب للمنهل لعطشه.
8 - المعرك والمعترك: موضع القتال. والخشب الشائل: الذي ألقى بعضه على بعض في غير نظام.
__________
(1) في الديوان: «كرك» بدل «لفتك».(1/83)
9 - حلّت لي الخمر وكنت امرءا ... عن شربها في شغل شاغل
10 - فاليوم أسقى غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
17
وقال (1): [المديد]
1 - ربّ رام من بني ثعل ... متلج كفّيه في قتره
2 - عارض زوراء من نشم ... غير باناة على وتره
3 - قد أتته الوحش واردة ... فتنحى النزع في يسره
4 - فرماها في فرائصها ... بإزاء الحوض أو عقره
9 - أي الآن طاب لي شرب الخمر، وحلّ لي ما كنت حرّمته على نفسي منها، أدركت ثأري، وشفيت نفسي، وكنت عنها قبل ذلك في شغل شاغل.
10 - أسقى: ورواية سيبويه: «أشرب»: بالجزم، مع أنه مرفوع حذفت الضمة منه للضرورة عند سيبويه. والمستحقب: الذي يحمل الشيء في الحقيبة خلفه إذا ركب الإبل استعارة لمكتسب الإثم. والوغل: الذي يدخل على القوم يشربون الخمر ليشرب معهم دون أن يدعوه.
شرح القصيدة السابعة عشرة 1بنو ثعل قوم من طيىء مشهورون بحسن الرمي منهم عمرو بن المسبح بن طريف بن عصر الطائي أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان من أرمى العرب. متلج: مدخل وهو من أتلج، وأصله أولج.
والقتر: جمع قترة، وهي بيت الصائد الذي يكمن فيه ليختل الوحش لئلا تفطن له، فتنفر منه ويروى: «مخرج كفّيه من ستره» ومن قتره: والسترة يريد الكم.
2 - العارض: الذي يرمي عن القوس بالعرض كما يفعل العرب. وزوراء: فيها اعوجاج. والنشم:
شجر تتّخذ منه القسي. وغير باناة: إذا قرىء، بكسر الراء فهو صفة للرامي يقال: رجل باناة، وهو الذي ينحي صلبه إذا رمى، فيذهب سهمه على وجه الأرض، وذلك عيب يريد أنه غير منحن على الوتر عند الرمي.
3 - واردة: عطاشا ترد الماء. وتنحى: تحرف، ويروى: تمتى وهو بمعنى تمطي وتمدد، وأصله تمتت. والنزع: مدّ اليد في الرمي. واليسر: الرمي قبالة الوجه، والشزر: ما كان عن يمين أو شمال.
4 - الفرائص: جمع فريصة وهي مضغة في مرجع الكتف، وراء العضد، وإذا هتك هذا الموضع هجم على القلب. وإزاء الحوض: مصب الماء فيه. العقر: مقام الشاربة، وهو موضع أخفاف الإبل عند الورود.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 7675، وهي في الديوان من 12بيتا.(1/84)
5 - برهيش من كنانته ... كتلظّي الجمر في شرره
6 - راشه من ريش ناهضة ... ثمّ أمهاه على حجره
7 - فهو لا تنمي رميّته ... ما له لا عدّ من نفره
8 - مطعم للصّيد ليس له ... غيرها كسب على كبره
9 - وخليل قد أفارقه ... ثمّ لا أبكي على أثره
10 - وابن عمّ قد تركت له ... صفو ماء الحوض عن كدره (1)
11 - وحديث الرّكب يوم هنا ... وحديث ما على قصره
5 - الرهيش: الحديد، وقيل الخفيف. والكنانة: جعبة السهام. والتلظي: التوقد والتوهج.
6 - الناهض: فرخ العقاب الذي وفّر جناحه ونهض للطيران، والتاء للمبالغة أو لأنه أراد الأنثى، وخصّ ريش الناهض، لأنه ألين وأطول وأرقّ، وريش المسان لا خير فيه وأمهى النصل على السنان: أرقه كرقة الماء وأحدّه أو سقاه الماء وأصله أموهه فقدم وأخّر.
7 - لا تنمي: يقال: أضحى الرامي: إذا أصاب رمية فماتت مكانها، وأنمى إذا رماها فجرت بالسهم وغابت عنه، وفي الحديث: «كل ما أصميت ودع ما أنميت»، والشطر الثاني دعا له يوهم الدعاء عليه.
8 - المطعم: اسم مفعول، المجدود الذي لا يكاد يخطىء إذ رمى، أو هو الذي يكون مرزوقا منه، والضمير في (غيرها) للرماية أو للحرقة أو نحوها على كبره مع كبر سنّه، وقد كان عمرو بن المسبح الطائي من المعمّرين.
9 - الخليل: الصديق.
10 - أي وربّ ابن عمّ أساء إليّ، فلم أجزه بإساءته، بل صفحت عنه، وتركت له ماء الحوض صافيا غير كدر.
11 - الركب: الجماعة الراكبون. وهنا: غير منوّن، وزنه كعمر. وقد اختلف في يوم فقيل هو يوم الكلاب الأول وقيل هو يوم معروف، وقيل يوم لهو. وقوله: «وحديث ما»: ما زائدة، ويجوز أن تكون نكرة صفة لحديث، أو استفهامية، وذكر صاحب العقد الثمين بيتا أخيرا في هذه القصيدة وهو: [المديد]
وابن عمّ قد فجعت به ... مثل ضوء البدر في غرره
__________
(1) بعد هذا البيت هناك بيت في الديوان لم يرد هنا:
وابن عم قد فجعت به ... مثل ضوء البدر في غرره(1/85)
18
وقال (1): [المتقارب]
1 - أيا هند لا تنكحي بوهة ... عليه عقيقته أحسبا
2 - مرسّعة بين أرساغه ... به عسم يبتغي أرنبا
3 - ليجعل في رجله كعبها ... حذار المنيّة أن يعطبا
4 - ولست بخزرافة في القعود ... ولست بطيّاخة أخدبا
5 - ولست بذي رئية إمّر ... إذا قيد مستكرها أصحبا
6 - وقالت بنفسي شباب له ... ولمّته قبل أن يشجبا
شرح القصيدة الثامنة عشرة 1البوهة: الأحمق، وقيل هو البومة العظيمة أو الصغيرة شبّه بها الرجل الضعيف، الذي لا خير فيه، ولا عقل له. والعقيقة: الشعر الذي يولد له الطفل. والأحسب: الذي ابيضّ جلده من داء كالبرص ونحوه، فسد شعره، وصار أحمر وأبيض.
2 - مرسعة: أي ثميمة مرسعة بين أرساغه، فيكون على هذا رفعها على الابتداء. وبين أرساغة:
الخبر، يقال: رسع الصبي ترسيعا شدّ في يده أو رجله خرزا ليدفع عنه العين وقيل اشتقاقها من الترسيع وهو أن يخرق سبر ويضفر ثم يشدّه على يد الصبي أو رجله وقد يكون اشتقاقها من رسع الرجل إذا أقام فلم يبرح من منزله، ورجل مرسعة اسم فاعل لا يبرح من منزله زادوا الهاء للمبالغة وقد يكون من الترسيع، وهو فساد العين وتغيّرها والتصاق أجفانها يقال رسع الرجل فهو مرسع ومرسعة (اسم فاعل) إذا فسد موق عينه وانسلق والتاء فيه للمبالغة، أو للتأنيث إذا أتبع للفظ يوهة والأرساغ جمع رسغ وهو موصل الكف بالساعد. به عسم: هو يبس في مفصل الرسغ تعوج منه اليد. وقوله: ينبغي أرنبا: أي يطلبها.
3 - أبان في هذا البيت عن علّة طلبه الأرنب في البيت السابق فقال إنه يطلبها ليتخذ كعبها تميمة يطرد بها الميتة وأسبابها من الآفات والأمراض عن نفسه.
4 - الخزرافة: الكثير الكلام الخفيف، أو الذي لا يحسن الجلوس في المجلس. والطياخة: قيل هو الرخو وقيل هو الذي لا يزال يقع في بليّة وسوء. والأخدب: هو الذي لا يتمالك عن الحمق والجهل والاستطالة.
5 - الرئية: وجع يأخذ في المفاصل ويروى ريئة بتقديم الياء وهي ضعف الإرادة والبطء والتردد وهذه الرواية أليق بالمقام. والأمر والأمرة: الذي يأتمر لكل أحد، لضعفه، فلا رأي في شيء.
وأصحب: ذلّ وانقاد.
6 - اللمة: الشعر الذي يلم بالمنكبين. ويشجب: يهلك.
__________
(1) القصيدة غير موجودة في ديوان امرىء القيس طبعة دار الكتب العلمية، وهي في ديوانه ص 128كما في المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية 1/ 121.(1/86)
7 - وإذ هي سوداء مثل الفحيم ... تغشّى المطانب والمنكبا
19
وقال في قتل شرحبيل بن عمرو بن حجر عمّه ويهجو البراجم من بني تميم ويربوعا ودارما (1): [الطويل]
1 - ألا قبّح الله البراجم كلّها ... وجدّع يربوعا وعفّر دارما
2 - وآثر بالملحاة آل مجاشع ... رقاب إماء يقتنين المفارما
3 - فما قاتلوا عن ربّهم وربيبهم ... ولا آذنوا جارا فيظعن سالما
4 - وما فعلوا فعل العوير بجاره ... لدى باب هند إذ تجرّد قائما
7 - الفحيم: هو الفحم، ويروى: الجناح. والمطانب: جمع طنب، وأصله الحبل الذي تشدّ به الخيمة، والمراد هنا حبل العاتق الذي يمتد إلى المنكب فيكون مثل طنب الفسطاط.
شرح القصيدة التاسعة عشرة 1البراجم: جمع برجمة وهي رؤوس السلاميات من ظهر الكف إذا قبضت كفّك نشرت وارتفعت، سمي بها خمسة إخوة من بني حنظلة بن عالك بن زيد مناة من تميم، وهم: عمرو، وقيس، وغالب، وكلفة، وظليم: تحالفوا أن يكونوا كبراجم الأصابع في الاجتماع. وجدع يربوعا: قطع أنوفها، يريد أذلّها بإرغام أنوفها. وعفر دارما: أي ألصقها بالعفر، وأرغم أنوفها في التراب.
2 - آثر: خص: الملحاة: الملامة واللعنة، ويروى: بالمخزاة، أي ألبسها ثوب الخزي والعار.
ومجاشع: من أشهر بيوت تميم شرقا وغربا. ورقاب: منصوب على الذم بفعل محذوف، أي أذم رقاب إماء، والمعنى أذم قوما ما لهم رقاب إماء. ويقتنين: يتخذن والمفارم: جمع مفرمة وهي خرقة تحشى دواء وتوضع في الفرج ليضيق، خصّ بالذم آل مجاشع، وشبّه رقابهم برقام الإماء، لما يظهرن من الخضوع وحني الرقاب.
3 - ربهم: سيدهم وملكهم: ربيبهم: المربون في حجورهم، وكان شرحبيل مسترضعا فيهم فلما ملك عليهم خانوه وخذلوه. وآذنوا: أعلموا. وجارا: يريد عمه شرحبيل، لأنه كان في بلادهم.
ويظعن: يرتحل.
4 - العوير بن شجنة الطائي: أحد من وفى لامرىء القيس، وأجار نساء حجر وقطينة. وجاره: هو امرىء القيس. ولدى باب هند: يروى لدى باب حجر، كما في الأغاني. وتجرد قائما: يريد جدّ في نصرته والدفع عنه.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 160.(1/87)
20
وقال يمدح العوير بن شجنة وقومه بني عوف (1): [المنسرح]
1 - إنّ بني عوف ابتنوا حسبا ... ضيّعه الدّخللون إذ غدروا
2 - أدّوا إلى جارهم خفارته ... ولم يضع بالمغيب من نصروا
3 - لم يفعلوا فعل آل حنظلة ... إنهم جير بئس ما ائتمروا
4 - لا حميريّ وفي ولا عدس ... ولا أست عير يحكّها الثّفر
5 - لكن عوير وفى بذمّته ... لا عور شانه ولا قصر
21
وقال حين بلغه أن بني أسد قتلت أباه (2): [الرجز]
1 - تالله لا يذهب شيخي باطلا
2 - حتى أبير مالكا وكاهلا
3 - القاتلين الملك الحلاحلا
شرح القصيدة العشرين 1ابتنوا: يروى: اثبتوا، بتليين الهمزة. والدخلل والدخيل: الذي يداخل الرحل في أموره، يريد خاصة الرجل، وموضع ثقته وسره.
2 - جارهم: الذي استجار بهم، يريد نفسه. والخفارة: الذمّة والعهد من خفرته، وأخفرته: إذا نقضت عهده.
3 - جير: بمعنى أجل، أو بمعنى حقا. وائتمروا: بيّتوا ونووا.
4 - حميري وعدس: رجلان من بني حنظلة. وأست العير منهم أيضا ويحكها الثفر: يريد أنه غير ممتهن في الخدمة، فالثفر يحك أسته دائما.
5 - يقول: أما عوير فقد وفى بذمته، ولم يعبه عور ولا قصر يشير إلى أن عويرا كان قد أجار هندا أخته، فوفى لها، حتى أتى بها نجران، فمدحه بوفاء الذمة.
شرح القصيدة الحادية والعشرين 1لا يذهب شيخي: لا يهدر دم أبي.
2 - أبير: أستأصل. ومالك وكاهل: فخدان من بني أسد.
3 - الحلاحل: السيد الشريف، أو الزكي الرضي.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 8079.
(2) الرجز في الديوان ص 137136.(1/88)
4 - خير معدّ حسبا ونائلا
5 - يا لهف هند إذ خطئن كاهلا
6 - نحن جلبنا القرّح القوافلا
7 - يحملننا والأسل النّواهلا
8 - مستفرمات (1) بالحصى جوافلا
9 - تستنفر (2) الأواخر الأوائلا
22
وقال لما ذهبت إبله (3): [الوافر]
1 - ألا إلّا تكن إبل فمعزى ... كأن قرون جلّتها العصيّ
4 - خير معد: صفة لمالك وكاهل أو بدل منهما أي لا أقع من ثأر أبي حتى أبيد هذين الحيّين من بني أسد. وهما من خير قبائل معدّ شرفا وكرما.
5 - يا لهف: يا أسف أو يا حسرة. وهند: أخته. وخطئن: أخطأن، يعني الخيل وكان طلب بني كاهل من بني أسد ليلا، فأوقع ببني كنانة خطأ، وهرب بنو كاهل.
6 - القرح: جمع قارح، وهو المسنّ من الخيل. والقوافل: جمع قافل وهو الضامر، يقال قفل الفرس إذا ضمر.
7 - الأسل: الرماح. والنواهل: العطاش إلى الدماء.
8 - مستثفرات: ويروى مستفرمات يريد أنها أثارت الحصى بحوافرها لشدة جريها حتى ارتفع إلى أثفارها، فكأنها استثفرت به، والمستفرمات: التي تتخذ المفارم، وتحتشي بها في فروجها.
والجوافل: المسرعات.
9 - تستنفر: تلحق أواخر الخيل أوائلها وتتقدمها، فتجعلها رؤوس الخيل التي كانت متقدمة عند أثفارها، والأثفار: جمع ثفر بالتحريك وهو السير في مؤخرة السرج، تحت ذنب الدابة ويروى تستشرف تنظر.
شرح القصيدة الثانية والعشرين 1إلا تكن إبل: في الأغاني، إلا تجد إبلا، ويروى الشطر الأول:
لنا غنم نسوقها غزار
والجلة: جمع جليل، وهو المسنّ. يقول: إن ذهبت إبلك ولم تستطع ردّها، فهذه المعزى بدل منها، وإن لم تبلغ مبلغها.
__________
(1) في الديوان: «مستثفرات» بدل «مستفرمات».
(2) في الديوان: «يستشرف» بدل «تستنفر».
(3) الأبيات في الديوان ص 171.(1/89)
2 - وجاد لها الرّبيع بواقصات ... فآرام وجاد لها الوليّ
3 - إذا مشّت حوالبها أرنّت ... كأنّ الحيّ صبّحهم نعيّ
4 - تروح كأنها ممّا أصابت ... معلّقة بأحقيها الدّليّ
5 - فتوسع أهلها أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ
23
وقال حين غزا بني أسد فأخطأهم وأوقع ببني كنانة وهو لا يدري (1): [الوافر]
1 - ألا يا لهف هند إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا
2 - وقاهم جدّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
3 - وأفلتهنّ علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب
2 - جاد لها: أصابها بمطر جود غزير. وواقصات وآرام: موضعان. الولي: المطر الثاني بعد الوسمي.
3 - أرنت: صاحب. الحي: القبيلة. صبحهم: أتاهم صبحا. وفي العقد: بيتهم. مشّت:
مسحت. حوالبها بالكف ليدرّ اللبن، والحوالب: جمع حالب، وهي مجاري اللبن. والنعي:
خبر الهالك. والإربان هنا يحتمل أن يكون صوت شخب اللبن، ويحتمل أن يكون صوت المعزى.
4 - أحقيها: جمع حقو، وهو الخصر. والدلي: جمع دلو.
5 - فتملأ بيتنا، ورواية الأعلم والوزير: فتوسع أهلها. والأقط: شيء مثل الجبن يتّخذ من اللبن المخيض.
شرح القصيدة الثالثة والعشرين 1يا لهف: يا أسف أو يا حسرة، وهند: أخت امرىء القيس. وإثر قوم: أي وراء قوم، وهم بنو أسد قتلة أبيه حجر. الشفاء: كان في قتلهم شفاء أنفسنا من ثأر أبينا.
2 - جدهم: حظهم. وبنو أبيهم: هم بنو كنانة، لأن أسدا وكنانة ابني خزيمة أخوان. والأشقين:
جمع الأشقى، وهو الشقي السيىء الحظ، أي لم يقع العقاب ببني أسد وهم المقصودون به بل وقع بسيىء الحظ من أبناء عمهم، وهم بنو كنانة.
3 - وأفلتهن: أفلت منهن والضمير للخيل المفهومة من سباق الكلام. وعلباء: هو ابن الحارث الكاهلي، وهو الذي قتل الملك حجرا أبا امرىء القيس على ما تقوله بعض الروايات.
وجريضا: مغصوصا بريقه، أي كاد يقضي ومنه المثل «حال الجريض دون القريض». وصفر الوطاب: قيل معناه، لو أدركته الخيل لقتل وسيقت إبله، فصفرت وطابه من اللبن.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 45.(1/90)
24
وقال يمدح المعلى أحد بني تميم بن ثعلبة من جديلة طيىء وكان أجاره والمنذر ابن ماء السماء يطلبه فمنعه ووفى له (1): [الوافر]
1 - كأني إذ نزلت على المعلّى ... نزلت على البواذخ من شمام
2 - فما ملك العراق على المعلّى ... بمقتدر ولا ملك الشّآم
3 - أشدّ نشاص ذي القرنين حتى ... تولّى عارض الملك الهمام
4 - أقرّ حشا امرىء القيس بن حجر ... بنو تيم مصابيح الظّلام (2)
25
وقال يمدح طريف بن مالك (3): [الطويل]
1 - لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... طريف ابن مال ليلة الجوع والخصر
2 - إذا البازل الكوماء راحت عشية ... تلاوذ من صوت المبسّين بالشّجر
شرح القصيدة الرابعة والعشرين 1البواذخ: الشوامخ، ولعله يريد القمم الشامخة. وشمام: بالفتح جبل لباهلة.
2 - أي ليس يقتدر على المعلّى ملك العراق ولا ملك الشآم لأنه في عزّة ومنعة من قومه.
3 - صد وأصد: لغتان بمعنى رد ويروى أشذ أي فرق ونحى. والنشاص: ما ارتفع من السحاب.
وذو القرنين: المنذر الأكبر ابن ماء السماء ملك العراق سمّي بضفيرتين كانتا له. والعارض:
السحاب المعترض في السماء.
4 - أقرّ حشاه: يعني أنه أمن واطمأنت نفسه، نزوله في بني ذو الحسب الكريم.
شرح القصيدة الخامسة والعشرين 1تعشو: تنظر. ابن مال: أصله ابن مالك فرخّمه في غير النداء ضرورة. والخصر: البرد الشديد.
2 - البازل: الناقة المسنّة التي بلغت التاسعة وهو وصف يستوي فيه المذكر والمؤنث. والكوماء:
العظيمة السنام لسمنها. وتلاوذ: تلوذ بالشجر وتروغ. والمبسون: الذين يدعونها للحلب، يقال أبست للناقة إذا قلت لها بس بس، لتدرّ. وبالشجر: أي حظائر الشجر، ويروى بالسحر، لأن من النوق نوقا لا تحلب إلا إذا طلعت الشمس عليها ودفئت.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 159، وهي في الديوان ستة أبيات.
(2) في الديوان بيتان لم يردا هنا وهم:
ألم تريا وريب الدهر رهن ... بتفريق المعاشر والسوام
صبرنا عن عشيرتنا فبانوا ... كما صبرت خزيمة عن جذام
(3) البيتان في الديوان ص 81.(1/91)
26
وقال يصف تقلّب الزمان ودورانه (1): [الوافر]
1 - أبعد الحارث الملك بن عمرو ... له ملك العراق إلى عمان
2 - مجاورة بني شمجى بن جرم ... هوانا ما أتيح من الهوان
3 - ويمنعها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان
27
وقال يصف الغيث (2): [الرمل]
1 - ديمة هطلاء فيها وطف ... طبق الأرض تحرّى وتدرّ
2 - تخرج الودّ إذا ما أشحذت ... وتواريه إذا ما تشتكر
3 - وترى الضّبّ خفيفا ماهرا ... ثانيا برثنه ما ينعفر
شرح القصيدة السادسة والعشرين 1الحارث: هو ابن عمرو المقصور بن حجر الأكبر جدّ امرىء القيس.
2 - مجاورة: بفتح الواو، مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره تجاور مجاورة، ويروى بكسر الواو، وهو منصوب على أنه خبر لكان محذوف والتقدير تكون مجاورة، وإنما أتته لأنه يريد نفسه.
3 - ويمنعها: هذه رواية الأصمعي، أي يعطيها، والمنيحة والمنحة: تكون عطاء كاملا لا يرتجع وتكون إعارة الناقة أو الشاة أو الأرض الزراعية لبعض من يحتاج إليها ينتفع بها حينا ثم يردّها إليك إذا استغنى عنها. حنانك ذا الحنان: فسّره ابن الأعرابي: رحمتك يا رحمن فأغنى عنهم.
شرح القصيدة السابعة والعشرين 1الديمة: المطرة الضعيفة تدوم زمنّا. والهطلاء: الدائمة الهطلان. والوطف: مثل الهدب يتدلّى منها وهو من علامات قوة المطر. وطبق الأرض: تعمّها حتى تصير لها كالطبق. وتحرّى:
تعتمد المكان، وتثبت فيه يقال تحرّى فلان بالمكان أي تمكث وتدرّ: ترسل درّتها، أي ماءها الغزير.
2 - الود: بالفتح الوتد. أشحذت: سكن مطرها وضعف، والشحذة: المطرة الضعيفة وهي فوق البغشة، وقال الأصمعي: أشحذ المطر منذ حين: أي نأى وبعد وأقلع بعد إثجامه، ويقال:
أشحذت الحمى إذا أقلعت. وتواريه: تغطيه. وتشكر: تحتفل ويشتد مطرها.
3 - ماهرا: يريد حاذقا بالعدو أو بالعوم. والبرثن: له الإصبع للناس. وما ينعفر: ما يصيب براثنه العفر وهو التراب، لعظم السيل.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 169.
(2) الأبيات في الديوان ص 7978.(1/92)
4 - وترى الشّجراء في ريّقه ... كروس قطعت فيها الخمر
5 - ساعة ثمّ انتحاها وابل ... ساقط الأكناف واه منهمر
6 - راح تمريه الصّبا ثمّ انتحى ... فيه شؤبوب جنوب منفجر
7 - ثجّ حتى ضاق عن آذيّه ... عرض خيم فخفاف فيسر
8 - قد غدا يحملني في أنفه ... لاحق الإطلين (1) محبوك ممرّ
28
وقال ينازع الحارث بن التوأم اليشكري (2):
قال امرؤ القيس: [الوافر]
1 - أحار ترى بريقا هبّ وهنا
فقال الحارث بن التّوأم: [الوافر]
كنار مجوس تستعر استعارا
4 - الشجراء: جمع شجرة، كقصبة وقصباء وطرفة وطرفاء. وريقه: أي ريق المطر، ويروى ريقها أي ريق الديمة وهو أولها. والخمر: جمع خمار وهو العمامة.
5 - انتحاها: اعتمدها. والوابل: أشد المطر وعنه يكون السيل. وساقط الأكناف: ثابت النواحي، وكنف كل شيء: ناحيته، وقيل معنى ساقط الأكناف: مسترخ ضعيف كأنه يسقط ولا يحبسه شيء. وواه: منخرق متشقق بالماء يعني السحاب. والمنهمر: الشديد السكب السريع السيل.
6 - راح: عاد السحاب بالمطر آخر النهار. وتمريه: تستدرّه وأصله من مري الضرع وهو مسحه ليدرّ.
7 - ثج: صب. وآذيه: موجه، يريد المطر. وعرض: ناحية، أو لبساع وخيم وخفاف ويسر مواضع.
8 - أنفه: أوله أو أشده. ولا حق: ضامر. والأيطل: الكشح. والمحبوك: الشديد المدمج. والممر:
المحكم الفتل.
شرح القصيدة الثامنة والعشرين 1أحار: الهمزة للنداء، وحار: مرخم حارث، تضم راؤه أو تكسر. وبريقا: تصغير برق، على جهة التعظيم لأنه شبّهه بنار المجوس المستعرّة. وهبّ: لمع. والوهن والموهن: بعد هدء من الليل أي بعدما مضى منه حين. والمجوس: جيل من الناس يعبدون النار واحدهم مجوسي تركت العرب صرفه تشبيها لهم بالقنبلة فكأنه اجتمع فيه العجمة والتأنيث وكذلك يمنعون «يهود» إذا ذهبوا لمعنى القبيلة أو الأمة ويروى «أصاح أريك بريقا».
__________
(1) في الديوان: «لاحق الأيطل» بدل «لا حق الإطلين».
(2) الأبيات في الديوان ص 7877.(1/93)
ثم قال امرؤ القيس: [الوافر]
2 - أرقت له ونام أبو شريح
فقال الحارث: [الوافر]
إذا ما قلت قد هدأ استطارا
فقال امرؤ القيس: [الوافر]
3 - كأنّ هزيزه بوراء غيب
فقال الحارث: [الوافر]
عشار وله لاقت عشارا
فقال امرؤ القيس: [الوافر]
4 - فلمّا أن دنا لقفا أضاخ (1)
فقال الحارث: [الوافر]
وهت أعجاز ريّقه فحارا
فقال امرؤ القيس: [الوافر]
5 - فلم يترك بذات السّرّ ظبيا
فقال الحارث: [الوافر]
ولم يترك بجلهتها حمارا
2 - أرقت له: سهرت من أجله مرتقبا له لأعلم أين مصاب مائه، فأسرّ بنزوله في ديار الأحبة.
واستطار: انتشر وقوي.
3 - هزيزه: صوته والضمير عائد على الرعد المفهوم من المقام. بوراء غيب: أي بحيث أسمعه ولا أراه. والعشار: الإبل التي أتى عليها عشرة أشهر منذ حملت. والوله: التي فقدت أولادها.
4 - قفا: خلف، ويروى «كنفا أضاخ» أي جانباه. وأضاخ: جبل عند حمى ضرية من ناحية المدينة كما في معجم ما استعجم للبكري وهي استرخى وأعجازه مآخيره كما تسيل القربة الخلق إذا استرخت وانشقّت. وريق: المطر أوله.
5 - ذات السر: موضع في ديار بني تميم كما في البكري وهو كثير الظباء والحمر. والجلهة: ناحية الوادي التي تستقبلك.
__________
(1) يروى صدر البيت في الديوان:
فلما أن علا كنفي أضاخ(1/94)
29
وقال (1): [المتقارب]
1 - أحار ابن عمرو كأني خمر ... ويعدوا على المر ما يأتمر
2 - لا وأبيك ابنة العامر ... يّ لا يدّعي القوم أني أفر
3 - تميم بن مرّ وأشياعها ... وكندة حولي جميعا صبر
4 - إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرّقت الأرض واليوم قرّ
5 - تروح من الحيّ أم تبتكر ... وماذا عليك بأن تنتظر
6 - أمرخ خيامهم أم عشر ... أم القلب في إثرهم منحدر
7 - وفيمن أقام عن الحيّ هرّ ... أم الظّاعنون بها في الشّطر
شرح القصيدة التاسعة والعشرين 1حار: مرخم حارث ويجوز ضمه وكسره ويجوز فتحه للاتباعه لفتح ابن. والخمر: الذي خالطه داء أو وجع أو سكر يقال رجل خمر: أي مخامر أو هو الذي يكون في عقب خمار «بضم الخاء وتخفيف الميم» وكأن هنا للتحقيق لا للتشبيه لأنه يريد إني خمر ويؤيده رواية «أحار بن عمرو فؤادي خمر». ويعدو على المرء: يصيبه. وما يأتمر: ما تأمره به نفسه فيرى أنه رشد فربما كان هلاكه في ذلك. ويقال: بل أراد أن المرء يأتمر لغيره بسوء، فيرجع وبال ذلك عليه، والائتمار والاستئمار المشاورة وكذلك التآمر وقيل معناه أن الرجل يعمل الشيء بغير رويّة ولا تثبّت ولا نظر في العاقبة فيندم عليه أي يصيبه مكروه ما يأتمر به ويحمل على نفسه.
2 - العامري: من بني عمرو بن عامر بن الأزد.
3 - الأشياع: جمع شيع كبيت صبر جمع صبور، وهم الذين يصدّون الصبر عند لقاء الأعداء.
4 - استلأموا: لبسوا اللأمات، جمع لأمة، وهي الدرع. وتحرّقت: حميت. وقرّ: بارد، ويروى «واليوم صر» أي شديد البرد يريد إذا كان اليوم باردا، فإن الأرض تحرق، لشدّتهم وضغطهم لها بالركض.
5 - تروح: أتروح؟ وتبتكر: تخرج مبكرا، ويروى الشطر الثاني:
وماذا يضيرك أن تنتظر
6 - المرخ: شجر قصار خوار ضعيف يتخذ منه الزناد وربما هبت له ريح، فحك بعض عيدانه بعضا فاحترق، والمرخ ينبت بالنجد والعشر شجر طوال لين له ورق عراض ينبت بالغور، والأعراب يعملون بيوتهم من نبات الأرض التي ينزلونها فإذا رحلوا تركوه واستأنفوا غيره ويفضلون تظليل بيوتهم بالثمام، لأنه أبرد من ظل الأبنية.
7 - الشطر: جمع شطير وهو العريب.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 7268.(1/95)
8 - وهرّ تصيد قلوب الرّجال ... وأفلت منها ابن عمرو حجر
9 - رمتني بسهم أصاب الفؤاد ... غداة الرّحيل فلم أنتصر
10 - فأسبل دمعي كفضّ الجمان ... أو الدّرّ رقراقه المنحدر
11 - وإذ هي تمشي كمشي النزي ... ف يصرعه بالكثيب البهر
12 - برهرهة رؤدة رخصة ... كخرعوبة البانة المنفطر
13 - فتور القيام قطيع الكلا ... م تفترّ عن ذي غروب خصر
14 - كأنّ المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر
15 - يعلّ به برد أنيابها ... إذا طرّب الطّائر المستحر
16 - فبتّ أكابد ليلى التّما ... م والقلب من خشية مقشعر
8 - هر: امرأة من كلب، وكذلك فاطمة، وكان امرؤ القيس يشبّب بهر أيام نفاه أبوه، وكان نازلا في كلب وطيىء وقيل هي جارية كانت لأبيه حجر، وقد قال فيها امرؤ القيس: وهل أفنى شبابي غير هر.
9 - أنتصر: أنتصف وآخذ بحقي.
10 - أسبل: سال. وفضّ الجمان: تفرقه، والجمان: اللؤلؤ الصغار يعمل من فضة ويروى «كفيض الجمان» من فاض إذا سال ويروى «كفيض الغروب»، والغروب: الدلاء العظام ورقراقه بكسر القاف، بدل من الدر، أو برفعها مبتدأ خبره كفض الجمان. والرقراق: الذي انحدر، وقيل:
الذي ترقرق، أي تردد.
11 - النزيف: الكران الذي نزف عقله فلا يقدر أن يسرع في المشي وخاصة المشي في الكثيب وهو الرمل المجتمع لأنه أوعر. والبهر: انقطاع النفس من الإعياء والتعب.
12 - البرهرهة: التارة، تكاد ترعد من الرطوبة، وقيل: هي البيضاء، وقيل: هي التي لها بريق من صفائها. وقيل: هي الرقيقة الجلد وكأن الماء يجري فيها من النعمة. والرؤدة: الرخصة الناعمة الشابة. والخرعوبة: القضيب الغض، شبّهت به المرأة الرقيقة العظم، الكثيرة اللحم، الناعمة.
والبان: ضرب من الشجر، واحدته بانة. والمنفطر: الذي ينفطر بالورق، وهو حينئذ ألين ما يكون، حين يجري فيه الماء ويورق بعضه.
13 - فتور القيام: أي متراخية ليست بوثابة لثقل أردافها. وقطيع الكلام: قليلته لشدة حيائها. وتفتر:
تبتسم ولا تضحك ضحكا شديدا. والغروب: بياض الأسنان. والخصر: البارد.
14 - المدام: الخمر. والغمام: السحاب. وصوبه: وقعه. والخزامى: خيري البر، وهي عشبة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة، طيبة الريح لها نور كنور البنفسج. والقطر: العود الذي يتبخر به. والنشر: الرائحة.
15 - يعلّ: يسقى مرة بعد مرة. وطرب: تغنى ورجع في صوته، وحسّنه ومدّه. والمستحر: المغرّد بالسحر.
16 - أكابد: أقاسي. ليل التمام: بكسر التاء أطول ما يكون من ليالي الشتاء. ومقشعر: واجل.(1/96)
17 - فلمّا دنوت تسدّيتها ... فثوبا نسيت وثوبا أجر
18 - ولم يرنا كالىء كاشح ... ولم يفش منّا لدى البيت سر
19 - وقد رابني قولها يا هنا ... هـ ويحك ألحقت شرّا بشر
20 - وقد اغتدي معي القانصان ... وكلّ بمربأة مقتفر
21 - فيدركنا فغم داجن ... سميع بصير طلوب نكر
22 - ألصّ الضّروس حنيّ الضلوع ... تبوع طلوب نشيط أشر
23 - فأنشب أظفاره في النسا ... فقلت هبلت ألا تنتصر!
24 - فكرّ إليه بمبراته ... كما خلّ ظهر اللّسان المجر
25 - فظلّ يرنح في غيطل ... كما يستدير الحمار النّعر
26 - وأركب في الرّوع خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر
17 - تسديتها: ضممتها إليّ.
18 - الكالىء: الرقيب المراقب. والكاشح: المبغض المتولي عنك بودّه.
19 - يا هناه: اسم مما يختص بالنداء، ومعناه يا هذا، أو يا رجل، وأكثر ما يستعمل عند الجفاء والغلظة. ويحك: رحمة لك.
20 - اغتدي: أخرج للصيد في الغدوة وهي البكرة. والقانصان: الصائدان يتتبعان معه الوحش النافر.
والمربأة: المكان المرتفع يربأ منه أي ينظر ليرى الوحش. ومقتفر: متتبّع آثارها.
21 - الفغم: المولع بالشيء الحريص على الصيد يريد الكلب. وداجن: عاود الصيد وألفه. طلوب:
شديد الطلب. نكر: أي عالم بأخذ الصيد، أو هو الكريه الصورة.
22 - الألص: الذي التصقت أسنانه بعضها إلى بعض. والحني: المنحني، وذلك أوسع لجوفه.
والأشر: المرح النشيط.
23 - النسا: عرق في الفخذ إلى القوائم، أي أنشب الكلب أظفاره في نسا الثور، فحبسه على الفارس الذي يطلبه فقال امرؤ القيس للفارس الذي معه: هبلت: أي ثكلت ألا تنتصر معناه انتصر أي اقصد إلى الثور فاطعنه.
24 - المبرة: قرن الثور. والخل: بأن يغرز في منخر الفصيل خلال حتى يخرج من أرنبته قدر الأصبع فإن كفّه ذلك وإلا أجروا لسانه، والإجرار أن يشقّوا لسان البعير إذا استغنى عن لبان أمه فلا يقدر أن يرضع خلفها أي كرّ الثور على الكلب بقرنه الذي يشبه المبراة فشقّ بطن الكلب كما شقّ المجر لسان الفصيل لئلا يرتضع أمه.
25 - يرنح: أي يتمايل من سكر أو غيره. والغيطل: الشجر الكثير الملتفّ. والنعر: الذي أصابته في أنفه النعرة وهي ذبابة زرقاء ضخمة تدخل في أنف الحمار، فيتزوى لذلك ويترنح والضمير عائد إلى الكلب أو إلى الثور.
26 - الروع: الخوف والفزع يريد وقت الحرب. والخيفانة: الجرادة يريد بها الفرس الطويلة القوائم
27 - لها حافر مثل قعب الولي ... د ركّب فيه وظيف عجر
28 - لها ثنن كخوافي العقا ... ب سود يفئن إذا تزبئر
29 - وساقان كعباهما أصمعا ... ن لحم حماتيهما منبتر
30 - لها عجز كصفاة المسي ... ل أبرز عنها جحاف مضر (1)
31 - لها ذنب مثل ذيل العروس ... تسدّ بها فرجها من دبر
32 - لها متنتان خظاتا كما ... أكبّ على ساعديه النّمر
33 - لها عذر كقرون النسا ... ركّبن في يوم ريح وصر
34 - وسالفة كسحوق اللّيا ... ن أضرم فيها الغويّ السّعر
المخطفة البطن والسعف يريد به شعر الناحية والمنتشر المتفرق.(1/97)
26 - الروع: الخوف والفزع يريد وقت الحرب. والخيفانة: الجرادة يريد بها الفرس الطويلة القوائم
27 - لها حافر مثل قعب الولي ... د ركّب فيه وظيف عجر
28 - لها ثنن كخوافي العقا ... ب سود يفئن إذا تزبئر
29 - وساقان كعباهما أصمعا ... ن لحم حماتيهما منبتر
30 - لها عجز كصفاة المسي ... ل أبرز عنها جحاف مضر (1)
31 - لها ذنب مثل ذيل العروس ... تسدّ بها فرجها من دبر
32 - لها متنتان خظاتا كما ... أكبّ على ساعديه النّمر
33 - لها عذر كقرون النسا ... ركّبن في يوم ريح وصر
34 - وسالفة كسحوق اللّيا ... ن أضرم فيها الغويّ السّعر
المخطفة البطن والسعف يريد به شعر الناحية والمنتشر المتفرق.
27 - القعب: القدح الصغير. والوظيف: ما بين الرسغ إلى الركبة. وعجز: غليظ، كأن فيه عقدا لصلابته وشدته.
28 - الثنن: الشعرات التي خلف الرسغ فإن لم يكن ثم شعر فهو أمرد وأمرط. والخوافي: من ريش الجناح، ما بعد القوادم، يلين أصل الجناح. ويفئن: بالهمز أي يرجعن بعد التفاتهن إلى خالهن، ويفين: بالياء، يكثرن يقال قد وفي شعره أي كثر وازبأر الشعر والوبر والنبات طلع ونبت. وازبأر: نفش شبة الثنن بالخوافي لدقّتها أو سوادها.
29 - أصمعان: صغيران ضامران في صلابة والتصاق. والحماة: عضلة الساق الغليظة التي فوق الكعب. ومنبتر: بائن من الساق لصلابته أراد ليست مفاصله رهلة.
30 - عجز: كفل، وفي اللسان لها كفل. والصفاة: الصخرة الملساء. وصفاة المسيل: أكثر املاسا ونقاء. وجحاف: أي سيل كثير الماء شديد يذهب بكل شيء. والمضر: الذي يضرّ بكل شيء يمر به أي يقلعه.
31 - أي لها ذيل ضاف كذيل العروس. والفرج: ما بين فخذي الفرس. والدبر: المؤخر.
32 - المتنتان: جانبا الصلب. وخظاتا: كثيرتا اللحم مكتنزتان صلبتان وأصله خظانان فحذف نون التثنية أو أصله خظتا أي ارتفعنا فاضطر فزاد ألفا كأن أصله خظيتا فقلبت الياء ألفا يريد أنهما كساعدي النمر البارك في كثرة لحمهما والوصف بكثرة لحم المتن خطأ إنما يستحب فيه وفي الوجه التعريق.
33 - العذر: شعرات قدام القربوس وهي آخر العرف أو هي شعر النواصي. وقرون النساء: ذوائبها.
والصر: شدة البرد.
34 - السالفة: صفحة العنق وأراد بها العنق، ويروى «لها عنق». والسحوق: النخلة الطويلة. والليان:
النخل جمع لينة، ويروى الليان بضم اللام وبالياء المنقوطة بواحدة من أسفل. والسحوق:
النخلة الطويلة. والغوي: الغاوي المفسد. والسعر: جمع سعير وهو شدة الوقود.
__________
(1) هذا البيت والبيت الذي يليه غير موجودين في الديوان.(1/98)
35 - لها جبهة كسراة المج ... ن حذّفه الصّانع المقتدر
36 - لها منخر كوجار الضباع ... فمنه تريح إذا تنبهر
37 - وعين لها حدرة بدرة ... وشقّت مآقيها من أخر
38 - إذا أقبلت قلت دباءة ... من الخضر مغموسة في الغدر
39 - وإن أدبرت قلت أثفيّة ... ململمة ليس فيها أثر
40 - وإن أعرضت قلت سرعوفة ... لها ذنب خلفها مسبطر
41 - وللسّوط فيها مجال كما ... تنزّل ذو برد منهمر
42 - لها وثبات كصوب السّحاب ... فواد خطاء وواد مطر
43 - وتعدو كعدو نجاة الظّباء ... أخطأها الحاذف المقتدر
35 - السراة: الظهر. والمجن: الترس حذفه سواه وأتقنه يعني أن جبهتها واسعة كظهر الترس.
36 - الوجار: الحجر ويروى كوجار السّباع. وتريح: تتنفس.
37 - حدرة: مكتنزة ضخمة. وبدرة: تبدر بالنظر أي يبدر نظرها نظر الجميل. ومعنى «شقت من أخر» أنها مفتوحة واسعة كأنها شقت من مؤخرها. والمآقي: جمع مآقي العين وهو طرفها المؤخر، والمآق والموق: طرفها مما يلي العين.
38 - إذا أقبلت: يروى «إذا أدبرت». والدباءة: القرعة شبّه الفرس بها للطافة مقدمها ورقته وآخرها غليظ. ومن الحضر: بالحاء أي من الجري ويروى الخضر بالخاء أي من الثمار الخصر. والغدر: هنا جمع غدير والمراد غدير من النبات.
39 - الأثفية: الصخرة المدوّرة. والململمة: المجتمعة الصلبة. والأثر: ما يبقى من أثر الجرح بعد البرء.
40 - السرعوفة: الجرادة. والمسبطر: الطويل الممتد.
41 - تنزّل: نزل. ذو برد: مطر فيه برد. ومنهمر: شديد الانصباب.
42 - خطاء: أي لم يصبه المطر، أي تخطو مرة، وتعدو مرة. ويروى «لها وثبات كوثب الظباء».
ويروى الشطر الثاني:
فواد خطيط وواد مطر
والخطيطة: أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين.
43 - نجاة الظباء: هي السريعة العدو. والحاذف: الرامي.(1/99)
30
وقال (1): [الطويل]
1 - ألا انعم صباحا (2) أيّها الرّبع وانطق ... وحدّث حديث الرّكب إن شئت واصدق
2 - وحدّث بأن زالت بليل حمولهم ... كنخل من الأعراض غير منبّق
3 - جعلن حوايا واقتعدن قعائدا ... وخفّفن من حوك العراق المنمّق
4 - وفوق الحوايا غزلة وجآذر ... تضمّخن من مسك ذكيّ وزنبق
5 - فأتبعتهم طرفي وقد حال دونهم ... غوارب رمل ذي ألاء وشبرق
6 - على إثر حيّ عامدين لنيّة ... فحلّوا العقيق أو ثنيّة مطرق
7 - فعزّيت نفسي حين بانوا بجسرة ... أمون كبنيان اليهوديّ خيفق
شرح القصيدة الثلاثين 1الربع: المنزل. والركب: الجماعة المسافرون دعا للربع بالنعيم، والدعاء في الحقيقة لأهله.
2 - الحمول: جمع حمل، وهو الهودج «كان فيها نساء أو لم تكن». والأعراض: جمع عرض بالكسر وهو كل واد فيه شجر. والمنبق: المزهي وقيل هو النخل الذي فسد ثمره وصار كالنبق في صغره.
3 - جعلن: يروى في مكانه «رفعن». والحوايا: جمع حوية وهي كساء يحشى بهشيم النبات ويجعل حول سنام العبير لا تكون إلا للجمال. والقعائد: جمع قعيدة وهي شيء تنسجه النساء يشبه العيبة يجلس عليه. وخففن من حوك العراق: جعلنه حول الهودج. والمنمق: المزين الموشّى.
4 - غزلة: جمع غزال. وجآذر: جمع جؤذر وهو ولد البقرة الوحشية.
5 - الغوارب: الأعالي من كل شيء. والألاء والشبرق: نوعان من الشجر أكثر ما يكونان في الرمل.
6 - على إثر حيّ: في إثر حيّ يريد القوم المرتحلين وفيهم من يحب. عامدين لنية: قاصدين لجهة. والعقيق: واد بالحجاز قرب المدينة. ومطرق: واد.
7 - بانوا: نأوا. والجسرة: الناقة القوية. أمون: يؤمن عثارها في الطريق، أي تشبه بنيان اليهودي في وثاقته وقوته وهذا كما قال طرفة في هذا المعنى: «كقنطرة الرومي» وقد كان لليهود في بلاد العرب أبنية وحصون مشهورة، وقد رأى امرؤ القيس حصن السموأل، ورأى طرفة أبنية الروم. والخيفق: المضطربة في سيرها من شدة نشاطها، أو هي السريعة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 107103.
(2) في الديوان: «ألا عم صباحا» بدل «ألا انعم صباحا».(1/100)
8 - إذا زجرت ألفيتها مشمعلة ... تنيف بعذق من غرس ابن معنق
9 - تروح إذا راحت رواح جهامة ... بإثر جهام رائح متفرّق
10 - كأنّ بها هرّا جنيبا تجرّه ... بكلّ طريق صادفته ومأزق
11 - كأني ورحلي والقراب ونمرقي ... يرفئيّ ذي زوائد نقنق
12 - تروّح من أرض لأرض نطيّة ... لذكرة قيض حول بيض مفلّق
13 - يجول بآفاق البلاد مغرّبا ... وتسحقه ريح الصّبا كلّ مسحق
14 - وبيت يفوح المسك في حجراته ... بعيد من الآفات غير مروّق
15 - دخلت على بيضاء جمّ عظامها ... تعفّي بذيل الدّرع إذ جئت مودقي
16 - وقد ركدت وسط السّماء نجومها ... ركود نوادي الرّبرب المتورّق
17 - وقد أغتدي قبل العطاس بهيكل ... شديد مشكّ الجنب فعم المنطّق
18 - بعثا ربيئا قبل ذاك مخمّلا ... كذئب الغضى يمشي الضّراء ويتّقي
8 - المشمعلة: المسرعة الخفيفة. وتنيف: تشرف. والعذق: بالكسر، كباسة النخلة وبالفتح، النخلة.
9 - تروح: ترجع عشية إلى مأواها. والجهامة: السحابة لا مطر فيها.
10 - جنيب: مربوط إلى الجنب. ومأزق: مكان ضيق.
11 - اليرفئي: الذكر من النعام القزع النافر. الزوائد: هنوات في رجليه، أو الزوائد: زيادته في عدوه. والنقنق: من أسمائه، مأخوذ من النقنقة، وهي صوته.
12 - تروح: رجع. والنطية: البعيدة. والقيض: القشرة العليا الصلبة في البيضة.
13 - مغربا: مبعدا ذاهبا في الأرض طلبا للمرعى. وتسحقه: تبعده في طلب المرعى، وتذهب به.
14 - حجراته: نواحيه. والمروق: ذو الأروقة، أو هو المظلم.
15 - جم عظامها: يعني أنها ناعمة لا نتوء لعظامها. تعفّي: تزيل. الدرع: قميص المرأة. والمودق:
المسك والمأتي إلى المكان.
16 - ركدت: سكنت كأنها لا تسير. والنوادي: هي المجتمعة الواقفة. والربرب: القطيع من بقر الوحش. والمتورق: الآكل لورق الشجر.
17 - قبل العطاس: أي قبل أن يسمع صوت عطاس أو نحوه عند انبلاج الصبح أو قبل أن يسمع عطاس، فيتشاءم به. والمشك: مغرز الجنب في الصلب. والفعم: الممتلىء. والمنطق: مكان المنطقة، وهي الحزام.
18 - الربيء: الذي يربأ للقوم، أي ينظر الصيد من مكان مرتفع. والمخمل: الذي يستر نفسه ويخفيها، لئلا يشعر به الصيد. والغضى: شجر، وذئب الغضى: أخبث الذئاب. ويمشي الضراء: يختفي بالشجر، استتارا من الصيد، واتقاء أن يراه.(1/101)
19 - فظلّ كمثل الخشف يرفع رأسه ... وسائره مثل التّراب المدقّق
20 - وجاء خفيّا يسفن الأرض بطنه ... ترى الترب منه لا صقا كلّ ملصق
21 - وقال ألا هذا صوار وعانة ... وخيط نعام يرتعي متفرّق
22 - فقمنا بأشلاء اللّجام ولم نقد ... إلى غصن بان ناضر لم يحرّق
23 - نزاوله حتى حملنا غلامنا ... على ظهر ساط كالصّليف المعرّق
24 - كأنّ غلامي إذ علا حال متنه ... على ظهر باز في السّماء محلّق
25 - رأى أرنبا فانقضّ يهوي أمامه ... إليها وجلّاها بطرف ملقلق
26 - فقلت له صوّب ولا تجهدنّه ... فيدرك من أعلى القطاة فتزلق
27 - فأدبرن كالجزع المفصّل بينه ... بجيد الغلام ذي القميص المطوّق
28 - وأدركهنّ (1) ثانيا من عنانه ... كغيث العشيّ الأقهب المتودّق
29 - فصاد لنا عيرا وثورا وخاضبا ... عداء ولم ينضح بماء فيعرق
19 - الخشف: ولد الظبية أول ما يولد كالخشفة والمدقق الناعم.
20 - يسفن الأرض: يمسحها ويقشرها.
21 - الصوار: قطيع من البقر. والعانة: قطيع من حمر الوحش. والخيط: جماعة النعام.
22 - أشلاء اللجام: سيوره، أو التي تقادمت فوق حديدها. ولم نقد: أي لم نسحب خيلنا. وقوله غصن بان: يعني الفرس.
23 - نزاوله: نحاول أن يركبه الغلام، حتى ركبه بعد جهد، لفرط نشاطه. والساطي: القوي السطو، لا يبالي ما ضرب بحافره. والصليف: عود من أعواد الرحل، وهما صليفان فيه من جانبيه.
والمعرق: الذي بري ورفق. شبّه ضمور الفرس بعود الرحل، وبذلك توصف العتاق.
24 - حال متنه: وسط ظهره. والباز: من طيور الصيد.
25 - انقض على الشيء: سقط عليه. ويهوي: ينزل بسرعة من مكان عال. وجلاها: نظر إليها من بعيد. والطرف الملقلق: الحديد الذي لا يفتر.
26 - فيدرك: يصرعك ويلقيك يقال: أذريت الشيء عن الشيء: ألقيته. والقطاة: القعد الرديف.
27 - الجزع: نوع من الخرز اليماني فيه دوائر سود وبيض متوازية. والمطوق ذو الطوق وهو قلادة يلبسها أبناء الملوك.
28 - الأقهب: الأبيض الأكدر، ويقال: هو الذي فيه حمرة إلى غبرة أو الذي يخلط بياضه حمرة.
والمتودق: الذي فيه برق.
29 - العير: حمار الوحش. والخاضب: الظليم، وهو ذكر النعام. عداء: أي موالاة، في طلق واحد.
__________
(1) في الديوان: «فأدركهنّ» بدل «وأدركهنّ».(1/102)
30 - وظلّ غلامي يضجع الرّمح حوله ... لكلّ مهاة أو لأحقب سهوق
31 - وقام طوال الشّخص إذ يخضبونه ... قيام العزيز الفارسيّ المنطّق
32 - فقلنا ألا قد كان صيد لقانص ... فخبّوا علينا كلّ ثوب مزوّق
33 - وظلّ صحابي يشتوون بنعمة ... يصفّون غارا باللّكيك الموشّق
34 - ورحنا كأنّا من جؤاثى عشيّة ... نعالي النّعاج بين عدل ومشنق
35 - ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ... تصوّب فيه العين طورا وترتقي
36 - وأصبح زهلولا يزلّ غلامنا ... كقدح النّضيّ باليدين المفوّق
37 - كأنّ دماء الهاديات بنحره ... عصارة حنّاء بشيب مفرّق
30 - يضجع الرمح: أي يميله ويسدده نحو الغرض. والمهاة: بقرة الوحش. والأحقب: الحمار، سمّي بذلك في مآخيره. والسهوق: طويل الساقين.
31 - طوال الشخص: طويل الجسم. يخضبونه: يلطخون شعر ناصيته أو عنقه بدم الصيد كعادتهم ليعلم أنهم قد صادوا عليه. والعزيز الفارسي: هو الدليل المعظّم فيهم. والمنطق: ذو المنطقة.
32 - خبوا علينا: أي اجعلوا علينا خباء من أفضل أثوابنا. ومزوق: مزخرف.
33 - يشتوون: يتخذون من لحم الصيد شواء. والغار: شجر ذو دهن. واللكيك: اللحم المكتنز والموشق الذي يطبخ بماء وملح ثم يجفّف، ثم يحمله القوم معهم في السفر. والصفيف والمصفوف: المشرّح المرقّق.
34 - ورحنا: رجعنا إلى أهلنا عشية. وجؤاثى: بالهمز وبالواو بلد بالبحرين مشهور بالتجارة وبالسلع التي تأتي إليه من الهند والشرق. نعالي النعاج: نرفع البقر التي صدناها في الأعدال تارة، وفي الحقائب المعلقة في أواخر الرحال تارة أخرى.
35 - ابن الماء: طائر طويل العنق شبّه به الفرس في خفته وطول عنقه. يجنب: يقاد بجنبنا ولا يركب إكراما له. تصوب: تذهب العين في استقراء محاسنه بين أعلاه وأسفله من شدة تعجبنا من نشاطه، وما أتاح لنا من متعة ومسرّة.
36 - الزهلول: الخفيف. ويزل الغلام: يرميه عن ظهره، لنشاطه ومرحه وملاسة ظهره.
والنضي: السهم لا نصل له ولا ريش. والمفوق: الذي جعل له فوق وباليدين أي قد صرف هذا السهم باليدين حتى املاس وخف، فشبّه به الفرس لذلك.
37 - الهاديات: المتقدمات من الوحش.(1/103)
31
وقال (1): [الطويل]
1 - أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص ... فتقصر عنها خطوة وتبوص
2 - وكم دونها من مهمه ومفازة ... وكم أرض جدب دونها ولصوص (2)
3 - تراءت لنا يوما بجنب عنيزة ... وقد حان منها رحلة فقلوص
4 - بأسود ملتفّ الغدائر وارد ... وذي أشر تشوفه وتشوص
5 - منابته مثل السّدوس ولونه ... كشوك السّيال فهو عذب يفيص
6 - فهل تسلينّ الهمّ عنك شملّة (3) ... مداخلة صمّ العظام أصوص
7 - تظاهر فيها النّيّ (4) لا هي بكرة ... ولا ذات ضغن في الزّمام قموص
شرح القصيدة الحادية والثلاثين 1نأتك: بعدت عنك. وتنوص: تتأخر. فتقصر عنها: يقال: أقصر عنه خطوة إذا كفّه عنه.
2 - المهمه: الأرض المقفرة. والمفازة: الفلاة التي يصعب اجتيازها.
3 - عنيزة: اسم موضع. والقلوص: الذهاب والبعد، يقال: قلص قلوصا: إذا تباعد.
4 - بأسود: بشعر أسود. والغدائر: جمع غديرة، وهي الذوابة. وذي أشر: فم ذي أشر، وهو التحريز في أطواف الأسنان، من رقتها. وتشوفه: تجلوه وتصقله. وتشوص: تجلوه بالسّواك أي ظهر لنا منها يوم رحيلها جمال شعرها الأسود، وأسنانها البيض النقية.
5 - منابته: اللثّة، حيث مغرز الأسنان. والسدوس: الطيلسان، يريد سواد اللثة لأنهم كانوا يذرون عليها الإثمد، ليظهر بريق الأسنان. والسيال: شجر له شوك أبيض طويل، أشبه شيء بالأسنان، وإذا نزع خرج منه مثل اللبن. يفيص: يبرق، أو يقطر، يعني ماء الثغر. وقيل: الفيص إبانة الكلام، فاص يفيص إذا كان فصيحا بيّنا.
6 - تسلين: تذهبن. وشملة: سريعة خفيفة. والمداخلة: التي دوخل بعضها في بعض وأدمج خلقها. والأصوص: الناقة التي لم تحمل، أو هي المقاربة الخلق الشديدة أو هي الكثيرة اللحم. وصمّ العظام: مصمتة العظام قوية.
7 - تظاهر الني علا بعضه بعضا وتكاثر عليه الشحم. والبكرة: الفتية من الإبل. ولا ذات ضغن:
أي هي مذللة سهلة المشي. والقموص: من القمص وهو أسوأ الجري.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 9491.
(2) يروى البيت في الديوان:
تبوص وكم من دونها من مفازة ... ومن أرض جدب دونها لصوص
(3) يروى صدر البيت في الديوان:
فدعها وسل الهمّ عنك بحسرة
(4) في الديوان: «التي» بدل «النيّ».(1/104)
8 - أؤوب نعوب لا يواكل نهزها ... إذا قيل سير المدلجين نصيص
9 - كأني ورحلي والقراب ونمرقي ... إذا شبّ للمرو والصّغار وبيص
10 - على نقنق هيق له ولعرسه ... بمنعرج الوعساء بيض رصيص
11 - إذا راح للأدحيّ أوبا يفنّها ... تحاذر من إدراكه وتحيص
12 - أذلك أم جون يطارد آتنا ... حملن فأربى حملهنّ دروص
13 - طواه اضطمار الشّدّ فالبطن شازب ... معالى إلى المتنين فهو خميص
14 - بحاجبه كدح من الضّرب جالب ... وحاركه من الكدام حصيص
15 - كأنّ سرته (1) وجدّة ظهره ... كنائن يجري بينهنّ دليص
16 - ويأكلن من قوّ لعاعا وربّة ... تجبّر بعد الأكل فهو نميص
8 - أؤوب: حسنة الأوب، وهو الرجوع بعد سير النهار كله. والنعوب: التي تمدّ عنقها في السير من النشاط. والمؤاكلة: التي لا تعطي ما عندها من السير إلا بعد عسر. والنهز: الجذب، أو تحريك الأيدي والأرجل. والنص والنصيص: أرفع السير.
9 - إذا شب: في وقت الهاجرة حين تستحرّ الشمس. والمرو: حجارة صلبة تقدح منها النار.
والوبيص: البريق أو النار.
10 - النقنق: الظليم. والهيق: الطويل. وعرسه: أنثاه. والوعساء: الرملة السهلة. والرصيص:
المرصوص بعضه فوق بعض.
11 - الأدحيّ: موضع بيض النعام. ويفنها: يطردها. وتحيص: تحيد وتعدل في سيرها حذارا من الظليم. والأوب: الرجوع.
12 - الجون: الأبيض أو الأسود، والمراد هنا حمار الوحش. ويروى: جأب، وهو الغليظ. والأتن:
جمع أتان. وهو أنثى الحمير. وأربى: أكبر. والدروس: جمع درس وأصله ولد الفأر. يعني أن أجنتها على قدر الدروس. وعنى بالحمل: المحمول به.
13 - طواه: شدّ لحمه. والاضطمار: الضمر. والشد: العدو. والشازب: الضامر. ومعالى: مرفوع أي هو مرتفع البطن إلى المتن لضمره. والخميص: الضامر البطن. ويروى «يعالى إلى المتنين»:
أي جعل العلو في متنيه.
14 - كدح: خدش من ضرب الأتن. والجالب: الذي عليه جلبة، وهي قشرة تعلو الجرح عند البرء.
والكدام: المعاضة. والحصيص: الذي ذهب شعره.
15 - سراته: ظهره. والجدة: الخط الذي في وسط ظهره. والكنائن: جعاب السهام من جلد أو خشب. والدليص: ماء الذهب.
16 - قو: اسم موضع. واللعاع: الرقيق من البقل أول ما يبدو. والربة: نبت. وتجبر: نبت بعدما أكل، أو نبت في يابسة الرطب. والنميص: النبات حين طلع ورقه.
__________
(1) في الديوان: «سراته» بدل «سرته».(1/105)
17 - تطير عفاء من نسيل كأنّه ... سدس أطارته الرّياح وخوص
18 - تصيّفها حتى إذا لم يسغ لها ... حليّ بأعلى حائل وقصيص
19 - تغالبن (1) فيه الجزء لولا هواجر ... جنادبها صرعى لهنّ فصيص
20 - أرنّ عليها قاربا وانتحت له ... طوالة أرساغ اليدين نحوص
21 - فأوردها من آخر اللّيل مشربا ... بلائق خضرا ماؤهنّ قليص
22 - فيشربن أنفاسا وهنّ خوائف ... وترعد منهنّ الكلى والفريص
23 - فأصدرها تعلو النّجاد عشيّة ... أقبّ كمقلاء الوليد خميص
24 - فجحش على أدبارهنّ مخلّف ... وجحش لدى مكرهنّ وقيص
17 - تطير: أي الأتن، ويروى: يطير بالياء، أي الحمار. والعفاء: ما تساقط من شعرها. والنسيل:
مثله. والسدوس: الطيلسان الأخضر. شبه العفاء بالخوص لأنه يضرب إلى الخضرة والغبرة مع تطايره.
18 - تصيفها: أكلها في الصيف في ذلك الموضع. ولم يسغ لها: لم يهنئها من قولهم ساغ له الطعام والشراب. والحلي: نبت. وحائل: موضع. والقصيصة: نبت أو شجرة تنبت في أصلها الكمأة.
19 - تغالبن: يروى بالياء من المغالبة. والجزء أن تأكل الرطب بضم الراء وسكون الطاء وهو الكلأ في أيام الربيع فتجزأ به عن شرب الماء أي تستغني بالرطب عن الماء. الفصيص: الصوت الضعيف لشدة الحر. والجنادب: ذكور الجراد وجعلهن صرعى لرميهنّ بأنفسهنّ من شدة الحر.
20 - أرنّ عليها: صوّت بها ودعاها إلى الماء. والقارب: الطالب للماء. انتحت: أجابته وقصدت له أتان طويلة الأرساغ وبذلك توصف، والنحوص: الأتن التي لم تحمل.
21 - البلائق: مواضع المياه المستنقعة. والخضر: التي علاها الطحلب لبعدها عن الواردة وقيل:
البلائق المياه الكثيرة، ووصفها بالخضرة لصفائها ويقال للماء الصافي: أخضر وأسود وأزرق.
والقليص: القليل المتقلص، وقيل: الكثير المرتفع في البئر، يقال قلص الماء، إذا كثر وارتفع وجم.
22 - فيشربن أنفاسا: أي نفسا بعد نفس. والفريص: جمع فريصة، وهي اللحمة بين الجنب والكتف، وهي أول ما يرعد من الدابة عند الفزع، وهي من مقاتلها.
23 - الأقب: الدقيق الخصر. والمقلاء: القلة وهي عود يلعب به الصبي. الخميص: الضامر.
24 - مكرهن: رجوعهن وكرهن بعد ما شربن. مخلف: تخلف وراءهن عدوهن. والوقيص: الذي سقط واندقت عنقه.
__________
(1) في الديوان: «يغالين» بدل «تغالبن».(1/106)
25 - وأصدرها بادي النّواجذ قارح ... أقب ككرّ الأندريّ محيص
32
وقال (1): [المتقارب]
1 - تطاول ليلك بالأثمد ... ونام الخليّ ولم ترقد
2 - وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد
3 - وذلك من نبإ جاءني ... وحبّرته عن أبي الأسود
4 - ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللّسان كجرح اليد
5 - لقلت من القول ما لا يزا ... ل يؤثر عني يد المسند
6 - بأيّ علاقتنا ترغبون ... أعن دم عمرو على مرثد
25 - وأصدرها: أرجعها من الماء. وبادي النواجذ: الحمار. والنواجذ: الأضراس الأواخر، وصفه بظهور نواجذه لنشاطه. والقارح: من ذي الحافر، الذي شق نابه وطلع، القارح أيضا: الأسد.
والأقب: الضامر. والكر: الحبل. والأندري: المنسوب إلى الأندرين، بلدة بالشام.
والمحيص: الشديد الفتل.
شرح القصيدة الثانية والثلاثين 1الأثمد: بفتح الهمزة وضم الميم جمع ثمد، وهو اسم، كالإثمد بكسر الهمزة والميم.
والخلي: الخالي عن الهموم والأحزان، والخالي عن العشق أيضا، ومنه المثل: «ويل للشجي من الخلي»! أي ويل للعاشق المجرب من الخالي الذي لم يجرب الحب. والمعنى: ما أطول ليلتك بالأثمد حيث نام الخليون وبقيت أرقا طول ليلتك من هول ما نابك.
2 - هذا البيت يستشهد به النحاة على استعمال الفعل «بات» تامّا. والعائر: القذى تدمع له العين، وقيل: هو الرمد نفسه. والأرق والرمد: الذي هاجت عينه من الرمد.
3 - النبأ: الخبر ذو الفائدة العظيمة. وأبو الأسود: قيل هو ابن عم الشاعر.
4 - النثا: بتقديم النون وبالقصر ما يحدث به من خير أو شر. أما الثناء بتقديم الثاء وبالمد، فلا يكون إلا في الخير «وجرح اللسان كجرح اليد»: أي يبلغ أثر اللسان في المدح والذم ما يبلغ السيف من الأثر في المضروب به. ويروى «ذرو اللسان».
5 - يؤثر: يحفظ، ويروى يد المسند. أبد الدهر والمسند: الدهر، يقول: لو أتاني هذا النبأ عن خبر غيره لقلت فيه قولا يشيع في الناس ويؤثر. والذي يضمره الشاعر في هذا البيت ولا يصرّح به، هو أنه كان يريد هجاء القوم بكلام يحفظ ويتناقله الناس إلى آخر الزمان بدليل قوله:
«وجرح اللسان الخ».
6 - العلاقة: الظلامة والتباعة تتمسك بها في الخصومة، وتطالب بها، والمراد هنا: ما تعلق به القوم الذين يخاطبهم الشاعر من مبررات لطلب الثأر بالحرب، وعدم الرضا بالصلح.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 5553.(1/107)
7 - فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
8 - فإن تقتلونا نقتّلكم ... وإن تقصدوا لدم نقصد
9 - متى عهدنا بطعان الكما ... ة والحمد والمجد والسّؤدد
10 - وبني القباب وملء الجفا ... ن والنّار والحطب المفأد
11 - وأعددت للحرب وثّابة ... جواد المحثة والمرود
12 - سبوحا جموحا وإحضارها ... كمعمعة السّعف الموقد
13 - ومشدودة السّكّ موضونة ... تضاءل في الطّيّ كالمبرد
14 - تفيض على المرء أردانها ... كفيض الأتيّ على الجدجد
15 - ومطّردا كرشاء الجرو ... ر من خلب النّخلة الأحرد
7 - فإن تدفنوا الداء: أي إن تتركوا ما بيننا وبينكم من عداوة. لا نخفه: أي لا نظهره، يقال:
خفاه: إذا أظهره. وأخفاه: إذا ستره.
8 - نقتلكم: أي إن تقتلونا مرة فإنا نقتلكم مرات، وإن تقصدوا لدمائنا نقصد لدمائكم.
9 - متى عهدنا، أي هو قريب. والكماة: جمع كمي، وهو البطل الذي يستتر في سلاحه.
10 - البني: مصدر بنيته. وأراد بالقباب: الشرف والسيادة والرياسة، لأن من لوازمها اتخاذ القباب. والجفان: القصاع التي يؤكل فيها الثريد ونحوه. والنار: أي التي تشعل للقرى.
والمفأد: بضم الميم، الذي يحرك بالمفأد بكسر الميم، وهو عود تحرك به النار، لتبقى قوية أبدا.
11 - الجواد: التي تجود بما عندها من الجري، يعني الفرس. والمحثة: الحث. والمرود: مصدر ميمي من أورد، وهو المهل.
12 - السبوح: التي تمد يديها كأنها تعوم في الماء. والجموح: له معنيان أحدهما ذم وهو الذي يركب رأسه لا يثنيه شيء، والثاني أن يكون نشيطا سريعا، وليس بعيب. والإحضار: نوع من الجري، فوق التقريب، والمعمعة: صوت النار في السعف الموقد. شبّه حفيف جري الفرس بها.
13 - مشدودة السك: هي الدرع. وسكها: شمرها ونظمها، ويروى بالشين المعجمة وهو مداخلة بعضها في بعض والموضونة: المنسوجة كالوضين وهو حزام الرحل المنسوج. وتضاءل في الطي: أي تلطف وتصغر إذا طويت، وتقصر فتصير كالمبرد.
14 - تفيض على المرء: أي هي سابغة تامة. وأردانها: كمامها. والأتيّ: السيل يأتي من بعيد أو من كل وجه. والجدجد من الأرض: الأملس.
15 - ومطّردا: رمحا إذا هزّ اضطرب وتبع بعضه بعضا. والرشاء: الحبل. والجرور: البئر البعيدة القعر، ولا ينزع حبلها إلا جمل. والأجرد: المنجرد الأملس. والخلب: ليف النخلة.(1/108)
16 - وذا شطب غامضا كلمه ... إذا صاب بالعظم لم ينأد
33
وقال (1): [الكامل أحذّ مضمر]
1 - حيّ الحمول بجانب العزل ... إذ لا يلائم شكلها شكلي
2 - ماذا يشقّ عليك من ظعن ... إلّا صباك وقلة العقل
3 - منيتنا بغد وبعد غد ... حتى بخلت كأسوإ البخل
4 - يا ربّ غانيه لهوت بها ... ومشيت متّئدا على رسلي
5 - لا أستقيد لمن دعا لصبا ... قسرا ولا أصطاد بالختل
6 - وتنوفة جرداء مهلكة ... جاوزتها بنجائب فتل
7 - فيبتن ينهسن الجبوب بها ... وأبيت مرتفقا على رحلي
8 - متوسّدا عضبا مضاربه ... في متنه كمدبّة النّمل
16 - ذا شطب: سيفا ذا طرائق. والغامض: الذي يذهب في الضريبة، والضريبة: ما ضرب.
والكلم: الجرح. وصاب: وقع فيها. ولم ينأد: لم ينثن ولم يعوج ولكنه يذهب في العظام ويجاوزها.
شرح القصيدة الثالثة والثلاثين 1الحمول: جمع حمل، وهو الهودج بما فيه من ظعائن. والعزل: موضع. والمعنى: سلم على حمول الحبائب، وتزوّد منها نظرة، فقد صرن ظعائن وأنت مقيم فحالاكما مختلفتان.
2 - الظعن: جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج. الصبا: الميل مع الشباب.
3 - منيتنا: وعدتنا بالزيارة أو اللقاء في غد وبعد غد، ولم تكن هذه المواعيد إلا أماني أعلل بها، ثم تركتني ولم تف لي بوعد، باخلة أشد البخل.
4 - الغانية: التي غنت في دارها فأقامت ولم تبتذل نفسها في مهنة أهلها، أو هي التي بجمالها عن زينتها.
5 - لا أستقيد: لا أنقاد. والصبا: الهوى. والقسر: القهر. والختل: المخادعة.
6 - التنوفة: الأرض الخالية الواسعة. والجرداء: التي لا شجر بها ولا نبت. والنجائب: جمع نجيبة، وهي النوق القوية السريعة. والفتل: جمع فتلاء وهي الناقة التي في مرافقها بعد وانفتال عن كراكرها، وذلك أقوى لها.
7 - ينهسن: يأكلن. والجبوب: وجه الأرض.
8 - متوسدا: واضعا السيف موضع الوسادة تحت مرفقه أو تحت رأسه. والعضب: القاطع.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 131129.(1/109)
9 - يدعى صقيلا وهو ليس له ... عهد بتمويه ولا صقل
10 - عفت الدّيار فما بها أهلي ... ولوت شموس بشاشة البذل
11 - نظرت إليك بعين جازئة ... حوراء حانية على طفل
12 - فلها مقلّدها ومقلتها ... ولها عليه سراوة الفضل
13 - أقبلت مقتصدا وراجعني ... حلمي وسدّد للتّقى (1) فعلي
14 - ألله أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل
15 - ومن الطّريقة جائر وهدى ... قصد السّبيل ومنه ذو دخل
16 - إني لأصرم من يصارمني ... وأجدّ وصل من ابتغى وصلي
17 - وأخي إخاء ذي محافظة ... سهل الخليقة ماجد الأصل
والمضارب: جمع مضرب، وهو حدّ السيف جعل كل جزء منه مضربا فجمع. ومدبة النمل:
مواضع دبه وسيره.
9 - أي من رآه حسبه صقيلا مجلوّا لكرر أصله وجودته، ومع أنه لا عهد له بالصقل والتمويه:
الجلاء والتحديد.
10 - عفت: درست وتغيرت معالمها. لوت: عطلت وجحدت. وشموس: حبيبته، وسماها شموسا، لأنها نفور عند طلبها. والبشاشة: حسن اللقاء والتقريب. والبذل: ما تبذل له من تحية وحديث.
11 - جازئة: هي الظبية التي جزأت بأكل الرطب عن شرب الماء. والحانية: العاطفة على طفلها.
12 - مقلدها: موضع القلادة، وهو العتق. والمقلة: العين. سراوة الفضل: رواه صاحب اللسان بالراء «سرارة»، وبالواو «سراوة» قال: وصف جاريته، شبهها بظبية جيدا ومقلة، ثم جعل لها الفضل على الظبية في سائر محاسنها. والسرارة: كنه الفضل، وسرارة كل شيء: محضه ووسطه، والأصل فيها سرارة الروضة، وهي خير منابتها، وكذلك سرة الروضة، وقال الفراء:
سرارة الفضل وسراوة الفضل أي زيادة الفضل وسراة العيش خيره وأفضله.
13 - أقبلت مقتصدا: أي رجعت عن الغي إلى السداد. وسدد: وفق ويسر. والحلم: العقل.
14 - النجح: إدراك ما تطلب. والبر: العمل الصالح. وخير حقيبة الرحل: أي خير ما يدّخره الإنسان في حقيبته، والحقيبة ما يعلق في آخر الرجل.
15 - الطريقة: الطريق، والمراد المسالك التي يسلكها الإنسان في الحياة، من عمل أو خلق ودين.
والقصد: المعتدل. والدخل: الفساد.
16 - أصرم: أقطع. يصارمني: يقاطعني. وأجد: أجدد.
17 - سهل الخليقة: ليّن دمث.
__________
(1) في الديوان: «للندى» بدل «للتّقى».(1/110)
18 - حلو إذا ما جئت قال ألا ... في الرّحب أنت ومنزل السّهل
19 - نازعته كأس الصّبوح ولن ... أجهل مجدّة عذرة الرّجل
20 - إني بحبلك واصل حبلي ... وبريش نبلك رائش نبلي
21 - ما لم أجدك على هدى أثر ... يقرو مقصّك قائف قبلي
22 - وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقا مثلي
34
وقال (1): [الطويل]
1 - جزعت ولم أجزع من البين مجزعا ... وعزيت قلبا بالكواعب مولعا
2 - وأصبحت ودّعت الصّبا غير أنّني ... أراقب خلّات من العيش أربعا
3 - فمنهنّ قولي للنّدامى ترفّقوا ... يداجون نشاجا من الخمر مترعا
4 - ومنهنّ ركض الخيل ترجم بالفنا ... يبادرن سربا آمنا أن يفزّعا
18 - الرحب: السعة.
19 - نازعته: شاربته، وأصل المنازعة في الدلو، أي باريته في النزع بها من البئر. والصبوح: شراب الصباح. والعذرة: العذر. والرجل: أصله بضم الجيم، وسكّنت للضرورة.
20 - أي إني بحبل مودتك، وأصل حبل مودتي أسالم من سالمت، وأعادي من عاديت.
21 - هدى أثر: طريق. يقرو: يتبع. مقصك: اتّباع مواضع آثارك. والقائف: الذي يتتبّع الأثر.
22 - شمائلي: طبائعي، جمع شمال. والطارق: يأتي ليلا.
شرح القصيدة الرابعة والثلاثين 1الكواعب: الفتيات اللاتي برزت نهودهنّ.
2 - الصبا: الشباب. والخلة: بفتح الخاء الخصلة.
3 - يداجون: يداورون ويعالجون. والنشاج: زقّ الخمر يسمع له نشيج، أي صوت، ويروى نشاحا وهو الممتلىء. والمترع: الملآن.
4 - ركض الخيل: جريها. ترجم بالقنا: ترجم الأرض بقوائمها التي تشبه القنا، وهي الرماح في ضميرها وصلابتها. يبادرن: يسرعن. والسرب: الجماعة من النساء أو قطيع من الوحش.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 10099.(1/111)
5 - ومنهنّ نصّ العيش واللّيل شامل ... تيمّم مجهولا من الأرض بلقعا
6 - خوارج من برّيّة نحو قرية ... يجدّدن وصلا أو يقرّبن مطمعا
7 - ومنهنّ سوفى الخود قد بلّها النّدى ... تراقب منظوم التّمائم مرضعا
8 - تعزّ عليها ريبتي ويسوءها ... بكاه فتثني الجيد أن يتضوعا
9 - بعثت إليها والنّجوم طوالع ... حذارا عليها أن تقوما فتسمعا
10 - فجاءت قطوف المشي هيابة السّرى ... يدافع ركناها كواعب أربعا
11 - يزجّينها مشي النزيف وقد جرى ... صباب الكرى في مخّها فتقطعا
12 - تقول وقد جرّدتها من ثيابها ... كما رعت مكحول المدامع أتلعا
13 - وجدك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
14 - فبتنا تصدّ الوحش عنّا كأنّنا ... قتيلان لم يعلم لنا النّاس مصرعا
5 - النص: السير السريع. والعيش: الإبل البيض. والبلقع: القفر الخالي.
6 - المعنى: هذه العيس تخرج بنا من برية، وتقصد إلى قرية نجد فيها حبيبا نواصله، أو مطعما نحقّققه.
7 - السوف: الشم. والخود: المرأة الشابة الحسنة الخلق الناعمة. وقد بلّها الندى: أي أنها ادّهنت بالطيب. وتراقب منظوم التمائم: تحرس طفلها وتنظر إليه والتمائم: معاوذ تعلّق على الصغار مخافة العين.
8 - ريبتي: ما يريبني ويشقّ عليّ من إعراضها، فتعطف جيدها على ولدها مخافة أن يتضوّع من البكاء أي يتحرك ويرفع صوته.
9 - أي أرسلت إليها رسولا والنجوم لا تزال طالعة ولم أشأ أن أبعث إليها وهي نائمة خوفا عليها أن تهبّ من نومها مذعورة فيسمعها أهلها.
10 - قطوف المشي: مقاربة الخطو حذرة. ويدافع ركناها: أي يدفع جانباها.
11 - يزجينها: يسوقها سوقا رفيقا. والنزيف: السكران الذي نزف عقله فلا يعي أو الذي نزف دمه فلا يقدر على المشي. وصباب الكرى: بقية النعاس. في مخها: في دماغها.
12 - أي حين جرّدتها من ثيابها بدت محاسن عينيها وجيدها فكأنها غزال مروع ينظر بعينيه ويمدّ جيده الطويل.
13 - أي وحقك لو جاءني رسول أحد غيرك والجواب محذوف، والتقدير: لم أبال به، أو لدفعته، ولكنني لم أستطع دفع رسولك، لأنك عزيز عليّ.
14 - تصدّ الوحش عنّا: تصرف نفسها عنّا، إنكارا لنا، ونفارا منّا.(1/112)
15 - تجافى (1) عن المأثور بيني وبينها ... وتدني على السّابريّ المضلّعا
16 - إذا أخذتها هزّة الرّوع أمسكت ... بمنكب مقدام على الهول أروعا
15 - تجافى: نتجافى ونرتفع. والمأثور: ما يؤثر بينه وبينها ويتحدث به من أمرهما، أي تعدل عن ذلك ولا تذكره ولئلا تكدر عليه ما هو فيه من صفاء العيش والتمتع بها. والسابري: ضرب من الثياب فيه وشي. والمضلع: الذي فيه طرائق من وشي.
16 - أخذتها هزّة الرّوع: ارتعدت فزعا وهيبة. والمقدام: كثير الإقدام على الأهوال. والأروع: الذي يعجبك منظره جمالا وجرأة.
(تمّ المختار من شعر امرىء القيس وشرحه)
__________
(1) في الديوان: «تصدّ» بدل «تجافى».
علقمة الفحل الشاعر الجاهلي(1/113)
علقمة الفحل الشاعر الجاهلي
ترجمة الشاعر
هو علقمة بن عبدة بن النعمان، التميمي من نجد وسادات تميم وشعرائهم المشهورين المتوفّى عام 561م.
شبّ وترعرع في بادية نجد وكان للبيئة أثرها في الشاعر فأرهفت حسّه وصقلت خياله وجلت قريحته، وألهمته الشعر الرصين الرائع الديباجة، الفخم الأسلوب الذي يمتلك المشاعر ويستلب الحواس الحقيق بأن يلقّب صاحبه بالفحل.
وسبب تلقيبه بهذا اللقب كما يقال إنه ابن امرأ القيس وخلفه على زوجته بعد تحاكمهما إليها. وتفصيل الخبر أن علقمة ضاف امرأ القيس وصديقا له فتذاكرا القريض، وادّعاه كلّ منهما على صاحبه، ولجّ في ذلك فقالت لهما «أم جندب» وكانت سليمة الذوق: قولا شعرا تصفان فيه الخيل وتذكران الصيد على قافية واحدة وروي واحد، لأنظر أيّكما أشعر فرضيا بحكمها وأنشداها على البديهة قصيدتين كبيرتين وأول قصيدة امرىء القيس: [الطويل]
خليليّ مرّا بي على أم جندب ... لنقضي لبانات الفؤاد المعذب
وأول قصيدة علقمة (1): [الطويل]
ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقّا كلّ هذا التجنب
ولما فرغا من إنشادهما قالت أم جندب لبعلها علقمة أشعر منك فقال وهو يكاد يتميز من الغيظ: وكيف ذاك؟ قالت لأنك قلت: [الطويل]
فللسّوط ألهوب وللساق درّة ... وللزجر منه وقع أهوج منعب (2)
__________
(1) البيت في ديوان علقمة ص 52 (طبعة دار الكتاب العربي).
(2) البيت في ديوان علقمة ص 62، وفي رواية أخرى للبيت في الديوان:
فاتبع آثار الشياه بصادق ... حثيث كغيث الرائح المتحلب(1/114)
فزجرت فرسك وجهدته بسوطك ومريته بساقك، وقال علقمة: [الطويل]
فأدركهنّ ثانيا من عنانه ... يمرّ كمرّ الرائح المتحلب
فأدرك الطريدة وهو ثان من عنان فرسه. لم يضربه بسوط ولا مراه بساق ولا زجره فتزبد وجهه وقال لها ما هو بأشعر مني ولكنك له وامق وطلقها فخلفه عليها علقمة وسمي لذلك الفحل (1)، ويروى أن علقمة لقّب بالفحل تمييزا له عن سمي من قومه هو علقمة بن سهل أحد بني ربيعة بن مالك التميمي (2) وكان شاعرا مثله ومن شعره: [الطويل]
يقول رجال من صديق وصاحب ... أراك أبا الوضّاح أصبحت ثاويا
فلن يعدم الباقون قبرا لجثتي ... ولن يعدم الميراث من المواليا
وخفت عيون الباكيات وأقبلوا ... إلى مالهم قد بنت عنه بماليا
حراصا على ما كنت أجمع قبلهم ... هنيئا لهم جمعي وما كنت واليا
وقد وفد علقمة على الحارث (3) الوهاب سيد بني غسان ملك الشام ومدحه بقصيدته (1): [الطويل]
طحا بك قلب في الحسان طروب ... يعيد الشباب عصر حان مشيب
وكان أخو علقمة شاس أسيرا عند الحارث مع عدة رجال من بني تميم فطلب علقمة إطلاقهم وكان سبب أسرهم على ما يروى أن الحارث الغساني خطب إلى المنذر ابنته هندا فوعده بها وكانت هند لا تريد الرجال فصنعت بجلدها شبه البرص فندم المنذر على تزويجها وأمسكها عن ملك غسان فنشبت الحرب بسبب ذلك وأسر خلق كثير من أصحاب المنذر منهم شاس بن عبدة أخو علقمة فلما مدح علقمة الحارث بقصيدته المذكورة وطلب منه فكّ أسر أخيه لبّى الملك دعاءه وأطلق له أخاه وكل الأسرى من قبيلته ومن شعر علقمة الجيد قصيدة راجع تفصيل هذه الحكومة في الموشح للمرزباني ص 3028، وقد وقف النقّاد حيالها فريقين: فريق يعارض أم جندب في حكومتها وآخرون يؤيدونها.
(2) له ذكر في ص 563وما بعدها ج 1من الخزانة للبغدادي.
(3) ويروى أن وفادته كانت على عمرو بن الحارث الأعرج الغساني ويروى أيضا أنه جبلة بن الأيهم الغساني وأنه أنشدها بحضور حسان والنابغة.
__________
(1) البيت في ديوان علقمة ص 23 (طبعة دار الكتاب العربي).(1/115)
مطلعها (1): [البسيط]
هل ما علمت وما استودعت مكتوب ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبّة يوم البين مشكوم
والنقّاد يعجبون بشعر علقمة إعجابا شديدا.
اجتمع الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم والمخبل السعدي وعلقمة الفحل قبل أن يسلموا وبعد مبعث النبي صلّى الله عليه وسلم، فنحروا جزورا واشتروا خمرا ببعير وجلسوا يشوون ويأكلون فقال أحدهم وقد لعبت برأسه سورة الحميا لو أن قوما طاروا من جودة أشعارهم لطرنا وقال كلّ منهم لصاحبه أنا أشعر منك ثم تحاكموا إلى أول من يطلع عليهم ومن غرائب المصادفات أن يكون أول طالع حكيم العرب وقاضيها الحصيف الرأي ربيعة بن حذار الأسدي ولما طلع رحبوا به وقالوا له: أخبرنا أيّنا أشعر؟ قال: أخاف أن تغضبوا. فأمنوه من ذلك فقال أما أنت يا زبرقان فإن شعرك كلحم لا أنضج فيؤكل ولا ترك نيئا فينتفع به وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبرد حبرة يتلألأ فيه البصر فكلما أعدته نقص وأما أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار الله يلقيها على من يشاء وأما أنت يا علقمة فإن شعرك كمزادة قد أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء. وقال ابن الأعرابي (240150هـ) لم يصف أحد قطّ الخيل إلا احتاج إلى أبي دؤاد، ولا وصف الخمر إلا احتاج إلى أوس بن حجر ولا وصف أحد النعامة إلا احتاج إلى علقمة بن عبدة ولا اعتذر أحد في شعره إلا احتاج إلى النابغة الذبياني.
وقال أبو عبد الله بن سلام الجمحي المتوفّى عام 231هـ في كتابه طبقات الشعراء لابن عبدة ثلاث روائع جياد لا يفوقهن شعر الأولى:
طحا بك قلب في الحسان طروب
والثانية:
ذهبت من الهجران غير مذهب
والثالثة:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم
وقد شارك ابن سلام في رأيه هذا ابن رشيق القيرواني في كتابه «العمدة» وقد ذكره ابن سلام في الطبقة الرابعة من شعراء الجاهلية.
__________
(1) البيتان في ديوان علقمة ص 33.(1/116)
وقال ابن سعيد المغربي (693610هـ) في كتابه «عنوان المرقصات والمطربات»: معاني الغوص في شعر علقمة معدومة، وأقرب ما وقع له قوله (1):
[البسيط]
أوردتها وصدور العيس مسنفة ... والصبح بالكوكب الدّريّ منحور
يشير إلى أن كوكب الصبح مثل سنان الحربة طعن به فسال منه دم الشفق وإذا تبيّن هذا المعنى كان من المرقصات وقوله (2): [البسيط]
يحملن أترجّة نضح العبير بها ... كأن تطيابها في الأنف مشموم
يشير إلى أن ما نال هذه المرأة من مضض السير واصفرار لونها كالأترجة وأنها كلما تحركت تزيد طيبا! ومنه أخذ ابن الرومي وغيره تشبيه المرأة بالروضة لطيب ثغرها، وقال أبو عمرو بن العلاء (15468هـ) أعلم الناس بالنساء علقمة بن عبدة حيث يقول (3): [الطويل]
فإن تسألوني بالنساء فإنّني ... بصير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له من ودّهنّ نصيب
يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهنّ عجيب
وكانت العرب كما يقول حماد الراوية تعرض أشعارها على قريش، فما قبلوا منها كان مقبولا، وما ردّوا منها كان مردودا، فقدم علقمة بن عبدة فأنشدهم قصيدته التي أولها (4): [البسيط]
هل ما علمت وما استودعت مكتوم؟ ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
فقالوا: هذا سمط الدهر ثم عاد إليهم في العام المقبل فأنشدهم درّته التي مطلعها «طحا بك» فقالوا: هاتان سمطا الدهر (1).
السمط: العقد.
__________
(1) البيت في ديوان علقمة ص 79، وقال الأعلم الشنتمري في شرحه للديوان إن البيت لعبد الرحمن بن علي بن علقمة.
(2) البيت في ديوان علقمة ص 34.
(3) الأبيات في ديوان علقمة ص 2524.
(4) البيت في ديوان علقمة ص 33.(1/117)
وقد عمّر علقمة طويلا، وتوفي عام 561، ويروي بعض الباحثين أنه عمّر بعد ذلك طويلا وتوفي 265 (1) وله أبناء شعراء منهم خالد، وعلي، ولعلي ابن شاعر اسمه عبد الرحمن.
هذا خطأ واضح ولعله التبس تاريخ وفاته بتاريخ وفاة أحد أبنائه.(1/118)
شرح المختار من شعر علقمة
1
قال علقمة بن عبدة يمدح الحارث بن أبي شمر الغسّاني (1): [الطويل]
1 - طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب
2 - يكلفني (2) ليلى وقد شطّ وليها ... وعادت عواد بيننا وخطوب
3 - منعّمة لا يستطاع كلامها ... على بابها من أن تزار رقيب
4 - إذا غاب عنها البعل لم تفش سرّه ... وترضى إياب البعل حين يئوب
5 - فلا تعدلي بيني وبين مغمّر ... سقتك روايا المزن حيث تصوب
شرح القصيدة الأولى 1طحا بك: اتسع، وذهب في كل مذهب. والطرب: خفة تصيب الرجل لشدة الفرح، أو لشدة الحزن.
2 - يكلفني ليلى: التفات من الخطاب إلى التكلم، ويروى تكلفني، بالتاء بدل الياء، على أنه مسند إلى ليلى والمفعول محذوف أي تكلفني شدائد فراقها، وقد يكون خطابا للقلب، أي تدعوني إلى الدنو منها. وشط وليها: بعد عهد قربها. والعوادي: الشواغل والموانع. والخطوب: جمع خطب، وهو الأمر الشديد.
3 - منعمة: من النعيم، وهي محجبة يعني بحراستها أهلها.
4 - لم تفش سره: كناية عن أنها لم تخنه ولذلك هي ترضى إيابه فلا يعجبها غيره وإذا قرىء وترضى (بالضم) كان المعنى وتجعل إيابه رضيّا حميدا بألّا يشكّ في صونها.
5 - فلا تعدلي: أي فلا تسوّي. والمغمر من الرجال: المحمق الذي يستجهله الناس. سقتك الخ: يدعو لها بأن تسقيها المزن الروية أي التي تروي حين تمطر يريد أنه رجل عاقل
__________
(1) القصيدة في ديوان علقمة ص 3223، وهي في الديوان من 39بيتا.
(2) في الديوان: «تكلّفني» بدل «يكلفني».(1/119)
6 - سقاك يمان ذو حبيّ وعارض ... تروح به جنح العشيّ جنوب
7 - وما أنت أم ما ذكرها ربعيّة ... يخطّ لها من ثرمداء قليب
8 - فإن تسألوني بالنّساء فإنّني ... بصير بأدواء النساء طبيب
9 - إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له من ودّهنّ نصيب
10 - يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشّباب عندهنّ عجيب
11 - فدعها وسلّ الهمّ عنك بجسرة ... كهمّك فيها بالرّداف خبيب
12 - وناجية أفنى ركيب ضلوعها ... وحاركها تهجّر مذؤوب
13 - وتصبح عن غبّ السّرى وكأنها ... مولّعة تخشى القنيص شبوب
نبيل ينبغي لها أن تحرص عليه. ثم عاد إلى الدعاء لها فقال: سقتك الخ
6 - أي سقاك سحاب يمان: أي يأتي من ناحية جنوبي نجد، أصله يمنى خففوا ياء النسب، وزادوا الألف عوضا عنها، فعومل المنقوص. الحبي: السحاب المتراكم بعضه على بعض فيكون سيره بطيئا، كأنه يحبو، ويكون لذلك مطره غزيرا. والعارض: السحاب المعترض في الأفق.
والجنوب: الريح الجنوبية. والمعنى: سقاك سحاب يمان مركوم، وسقاك سحاب عارض تسوقه في الليل ريح جنوبية. ثم عدل عن هذا، وقال: وما أنت الخ
7 - وما أنت: ما استفهامية للتعجب، وأم للإضراب، بمعنى بل أي ما شأنك؟ بل ما الداعي لذكرك ليلى وهي ربعية وأنت تميمي، وقد رحلت إلى بلادها حيث خط لها في ثرمداء قليب.
القليب: البئر. وثرمداء: موضع. ثم أخذ يصف أخلاق النساء وطباعهنّ فقال: فإن تسألوني الخ
8 - الأدواء: جمع داء أي بطباعهنّ المعيبة التي بمنزلة الأمراض فيهنّ.
9 - هو كقول امرىء القيس:
أراهنّ لا يحببن من قلّ ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا
وبيت امرىء القيس أحسن، لأنه جمع في بيت واحد ما فصّله علقمة في ثلاثة أبيات.
10 - الثراء: الكثرة، أي يحببن من يعلمن عنده مالا. وشرخ الشباب: أوله. وعجيب: معجب.
11 - الجسرة: الناقة القوية الماضية، وكهمك أي مثل همتك في المضاء والقوة. والرداف:
جمع رديف والرديف والردف: كل شيء يكون خلف الراكب ولو حقائب. والخبيب:
السير السريع. المعنى: أي فدع ليلى هذه، وسل الهمّ عنها برحلة على ناقة قوية سريعة مثل همّتك في المضاء والنفاذ وفي سيرها سرعة ولو حملت خلف الراكب لها عدة أثقال.
12 - ناجية: سريعة. وركيب: لحم وشحم وركب ضلوعها. وحاركها: مقدّم سنامها. وتهجر: سير في الهاجرة. ودؤوب: إلحاح في السير.
13 - غب السرى: بعد سري الليل. ومولعة: فيها خطوط سود. وشبوب: مسنّة، وهي أحذر لتجربتها خدع الصائد.(1/120)
14 - تعفّق بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذّت نبلهم وكليب
15 - إلى الحارث الوهّاب أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب
16 - لتبلغني دار امرىء كان نائيا ... فقد قرّبتني من نداك قروب
17 - إليك «أبيت اللّعن» كان وجيفها ... بمشتبهات هولهنّ مهيب
18 - تتبّع أفياء الظّلال عشيّة ... على طرق كأنهنّ سبوب
19 - هداني إليك الفرقدان ولا حب ... له فوق أصواء المتان علوب
20 - بها جيف الحسرى فأمّا عظامها ... فبيض، وأمّا جلدها فصليب
21 - فأوردتها ماء كأنّ جمامه ... من الأجن حنّاء معا وصبيب
22 - تراد على دمن الحياض فإن تعف ... فإنّ المندّى رحلة فركوب
23 - وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي ... وقبلك ربّيتني فضعت ربوب
14 - تعفق بالأرطى: تستر بذلك الشجر ليرميها. وبذت نبلهم: فاقته في السرعة. وكليب: جمع كلب، كعبد وعبيد، أو الكليب جماعة الكلاب معها الصيادون.
15 - والحارث الوهاب: يريد به الحارث بن جبلة بن أبي شمر الغساني، وكان أسر أخاه شاسا، فرحل إليه يطلب خلاصه وفكّه. وأعمل الناقة: وجّهها وأجهدها. والكلكل: الصدر وما بين الترقوتين، وهو المناسب هنا. والقصريان: ضلعان تليان الترقوتين. والوجيب: خفقان القلب.
أي إنه لشدة إجهادها في السير اشتد نبض قلبها، وبان ذلك في كلكلها وقصرييها لقرب القلب منهما.
16 - نداك: عطائك. وقروب: اسم فاعل للمبالغة، أي ناقة مسرعة السير.
17 - أبيت اللعن: تقدم أنها من تحية الجاهلية. ووجيفها: إسراعها. بمشتبهات: بطرق مشتبهات أي يشبه بعضها بعضا، فهي تشكل على من سار فيها ويخاف هولها.
18 - سبوب: جمع سب بالكسر، وهو شقة كتان رقيقة، أي طرق واضحة.
19 - الفرقدان: نجمان لا يزالان أبدا مقترنين. ولا حب: طريق واضح. المتنان: جمع متن وهو الأرض الصلب المستوية. والأصواء: جمع صوى، والصوى جمع صوة، وهي المكان المرتفع. والعلوب: جمع علب، وهو الأثر.
20 - الحسرى: الدواب التي كلّت من السير فماتت إعياء. وصليب: يابس لم يدبغ.
21 - جمامه: ما اجتمع منه وكثر. والأجن: التغير. وصبيب: هو الدم، أو شجر يخضب به.
22 - تراد: يجاء بها. دمن الحياض: ما قرب منها من السرقين والبعر. والمندى: زمن التندية، والتندية أن تخرج الإبل من الخمض إلى الخلة، أو هي أن توردها فتشرب قليلا، ثم ترعى قليلا، ثم تردها إلى الماء. وعاف الشيء: كرهه. والرحلة: الارتحال. والركوب: السفر عليها، ويروى: ركوب، بفتح الراء ورحلة وركوب ثنيتان.
23 - أفضت: انتهت. ورب: بمعنى ربى، وربوب، مربون.(1/121)
24 - فأدّت بنو كعب بن عوف ربيبها ... وغودر في بعض الجنود ربيب
25 - فوالله لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب
26 - تقدّمه حتى تغيب حجوله ... وأنت لبيض الذراعين ضروب
27 - مظاهر سربالي حديد عليهما ... عقيلا سيوف مخذم ورسوب
28 - فجالدتهم حتّى اتّقوك بكبشهم ... وقد حان من شمس النّهار غروب
29 - تجود بنفس لا يجاد بمثلها ... وأنت بها يوم اللّقاء تطيب
30 - قاتل من غسان أهل حفاظها ... وهنب وقاس جالدت وشبيب
31 - تخشخش أبدان الحديد عليهم ... كما خشخشت يبس الحصاد جنوب
32 - كأنّ رحال الأوس تحت لبانه ... وما جمعت جلّ معا وعتيب
33 - رغا فويهم (1) سقب السّماء فداحض ... بشكّته لم يستلب وسليب
34 - كأنهم صابت عليهم سحابة ... صواعقها لطيرهنّ دبيب
24 - بنو كعب بن عوف: بطن من مذحج، كان علقمة نشأ عندهم. ربيبا: يعني نفسه. وغودر ربيب: يعني أخاه شأسا المأسور، وقيل الربيب الأول هو الحارث بن أبي شمر، والربيب الثاني هو المنذر وكان قد قتل في المعركة.
25 - فارس الجون: قال الأعلم: هو الحارث الممدوح وقال الوزير: هو الحارث بن النعمان.
والجون: الحصان الأسود. وحبيب محبوب مع الحزن.
26 - حجوله: الضمير للفرس، وهو الجون. والبيض: ما يلبس على الرأس من الخوذات.
27 - مظاهر: لا بس درعي حديد. وعقيلا سيوف: خير سيوف. ومخذم: قاطع. ورسوب: يغوص في الضريبة لمضائه.
28 - جالدتهم: ضاربتهم بالسيوف. وكبشهم: سيدهم.
29 - تجود بنفس: يعني أنك تسمح بنفسك في الحرب لشجاعتك. ويوم اللقاء: أي إذا لقيت عدوّا ظفرت به وطابت نفسك وسررت بما نلت.
30 - غسان، وهنب، وقاس، وشبيب: من قبائل اليمن.
31 - تخشخش: تصوت. أبدان الحديد: الدروع القصيرة. وجنوب: ريح الجنوب.
32 - لبانه: صدر الفرس. والأوس وجل وعتيب: قبائل.
33 - رغا: صوت وضج. وسقب السماء: بعير السماء والمقصود به بعير صالح الذي هلكت بقتله ثمود، وهو مضاف إلى السماء لأدنى ملابسة. داحض: ساقط. وشكته: سلاحه.
34 - صابت: أمطرت. وصواعقها: جمع صاعقة وهي نار تنزل من السحاب.
__________
(1) في الديوان: «فوقهم» بدل «فويهم».(1/122)
35 - فلم تنج إلّا شطبة بلجامها ... وإلّا طمر كالقناة نجيب
36 - وإلا كميّ ذو حفاظ كأنّه ... بما ابتلّ من حدّ الظبات خضيب
37 - وفي كلّ حيّ قد خبطت بنعمة ... فحقّ لشأس من نداك ذنوب
38 - وما مثله في الناس إلّا قبيله ... مساو ولا دان لذاك قريب
39 - فلا تحرمنّي نائلا عن جنابه ... فإني امرؤ وسط القباب غريب
40 - فلست لإنسيّ ولكن لملاك ... تنزّل من جوّ السّماء يصوب (1)
2
وقال علقمة أيضا (2): [الكامل]
1 - هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
2 - أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبّة يوم البين مشكوم
35 - شطبة: فرس طويلة. وطمر: فرس سريعة خفيفة.
36 - كمي: بطل. وحفاظ: محافظة على الشرف. والظبات: السيوف. وخضيب: أي مخضوب بما علق بالسيوف من الدم.
37 - خبطت بنعمة: أي أنعمت وتفضلت. وذنوب: دلو، والمراد نصيب وحظ. شبّه إصابته الناس بالنعم بخبط الراعي ورق الشجر ليطعم ماشيته.
38 - أي ليس له مساو في الشرف ولا يدانيه أحد إلا قبيله وقومه، يريد الحارث الوهاب.
39 - نائلا: يريد إطلاق أخيه. وعن جنابة: أي بعد بعد وغربة عن دياري. وسط القباب: ضيف أو ضعيف.
40 - أي: كأنك لكمال خلالك لا تنسب للإنس وإنما تنسب لملك نزل من السماء.
شرح القصيدة الثانية 1استودعت: استكتمت. مكتوم: مصون ومحفوظ. الحبل: هنا العهد الوصل. نأتك: بعدت منك. مصروم: مقطوع. يقول هل ما علمت مما كان بينك وبين حبيبتك من الحب والوداد محفوظ فهي به وافية أم قد أثّر البين فيها فجعلها تقطع حبل المودّة؟.
2 - كبير: واحد الكبار يعني نفسه. لم يقض عبرته: لم يشتف من البكاء. والعبرة: الدمعة. إثر الأحبة: أي عند فراقهم. البين: الفراق. مشكوم: مثاب ومكافأ. والمعنى: هل تثاب وتجازى على بكائك إثر فراق الأحباب وأنت شيخ كبير؟.
__________
(1) هذا البيت غير موجود في الديوان. شرح الأعلم الشنتمري.
(2) القصيدة في ديوان علقمة (شرح الأعلم الشنتمري) ص 5133.(1/123)
3 - لم أدر بالبين حتى أزمعوا ظعنا ... كلّ الجمال قبيل الصّبح مزموم
4 - ردّ الإماء جمال الحيّ فاحتملوا ... فكلّها بالتزيديّات معكوم
5 - عقلا ورقما تظلّ الطير تتبعه ... كأنّه من دم الأجواف مدموم
6 - يحملن أترجة نضح العبير بها ... كأنّ تطيابها في الأنف مشموم
7 - كأنّ فأرة مسك في مفارقها ... للباسط المتعاطي وهو مزكوم
8 - فالعين مني كأن غرب تحطّ به ... دهماء حاركها بالقتب محزوم
9 - قد عرّيت حقبة حتى استطفّ لها ... كتر كحافة كير القين ملموم
10 - كأنّ غسلة خطميّ بمشفرها ... في الخدّ منها وفي اللّحيين تلغيم
3 - لم أدر: لم أشعر ولم أعرف. البين: الفراق. أزمعوا: أجمعوا أمرهم على ذلك. الظعن:
الارتحال. قبيل: تصغير قبل. مذموم: مأخوذ بزمامه أهبة للرحيل.
4 - القيان الإماء: الخدم. الحي: القبيل. احتملوا: ارتحلوا. التزيدات: ثياب منسوبة إلى تزيد بن حيدان القضاعي تجلل بها الهوادج. معكوم: مشدود.
5 - العقل والرقم: ضربان من البرود أحمران تخطفه: تضربه لحسبانها أنه لحم لحمرته. مدموم:
مطلى بالدم.
6 - يحملن أترجة: أي امرأة جميلة تشبه الأترجة وهي الترنج في طيب رائحتها. النضح: البلل، العبير: أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران. مشموم: إما أن يكون اسما للمسك وإما أن يكون بمعنى شامل كأن تطيابها في الأنف، أي كأن ريحها في الأنف، أي أنه باق أبدا وليس مما إذا شمّ ثم ترك ذهبت رائحته ولكنه يعبق دائما.
7 - فأرة المسك: وعاؤه. في مفارقها: أي في رأسها وشعرها. الباسط: المتناول. المتعاطي:
المتطاول لينال شيئا. مزكوم: أي به زكام. يعني أن من بسط يده إلى هذه المرأة ناله من طيب ريحها مثل ريح المسك ولو كان مزكوما لم يمنعه زكامه من شمّ عبيرها لطيبه وذكائه.
8 - كأن: مخففة من كأن. الغرب: الدلو الكبير المتّخذ من جلد الثور. تحطّ: تسرع. الدهماء:
الناقة السوداء. الحارك: ملتقى الكتفين وهو مقدّم السّنا. القتب: أداة الناقة التي يستسقى عليها.
محزوم: مشدود.
9 - عريت: تركت لم تركب. الحقبة: الدهر والحين. استطف: ارتفع وكبر. الكتر: السنام.
الحافة: الجانب. الكير: الزقّ الذي ينفخ به القين ناره. والقين: الحداد. الملموم: المجتمع.
يعني أن هذه الناقة قد عريت من رحلها حقبة من الدهر ولم تركب وتركت ترعى فقط حتى صارت قوية نشيطة سمينة ذات سنام عظيم.
10 - الغسلة والغسل: كل ما غسلت به. الخطمي: نبات ذو ساق طويلة وورق مستدير وزهر يشبه الورد. المشفر: من البعير كالشفة للإنسان. اللحى: عظم الحنك وهو الذي عليه الأسنان.
التلغيم: أثر اللغام وهو زبد فمها المخطوط بالخضرة مما رعت. شبّه ما يخرج من الزبد من فمها ويتطاير على خدها ولحييها بغسل الخطمي.(1/124)
11 - قد أدبر العرّ عنها وهي شاملها ... من ناصع القطران الصّرف ترسيم
12 - تسقي مذانب قد زالت عصيفتها ... حدورها من أنيّ الماء مطموم
13 - من ذكر سلمى وما ذكرى الأوان لها ... إلّا السّفاه وظنّ الغيب ترجيم
14 - صفر الوشاحين ملء الدّرع خرعبة ... كأنها رشأ في البيت ملزوم
15 - هل تلحقني بأولى القوم إذ شحطوا ... جلذيّة كأتان الضّحل علكوم
16 - تلاحظ السّوط شزرا وهي ضامرة ... كما توجّس طاوي الكشح موشوم
17 - كأنها خاضب زعر قوائمه ... أجنى له باللّوى شري وتنّوم
11 - العر: الجرب. شاملها: محيط بها. الناصع: الخالص من كل شيء. الصرف: الخالص أيضا.
الترسيم: أثر طلاء الناقة من الجرب، يقول طليت تلك الناقة لما أصابها الجرب فذهب عنها وبقي أثر الطّلاء عليها.
12 - تسقي: أي الناقة. المذانب: مسايل الماء إلى الرياض. العصيفة: الورق المجتمع الذي يكون فيه السنبل. الحدور: ما انحدر من الأرض واطمأن. الأنيّ: الجدول. وأراد به هنا ما يسيل فيه من الماء. المطموم: المملوء بالماء.
13 - من ذكر سلمى: متعلق بقوله فالعين من كان غرب الخ والأوان: هنا الزمان. السفاه:
الجهل. وظن الغيب ترجيم: أي من ظن بالغيب رجم بالظن يقول ذكري لسلمى الآن وقد شحط مزارها جهل مطبق وأنا مع ذلك أرجم بظن فيها وفي وصلها ولا أدري أتدوم على العهد أم تتغير وتتبدل؟.
14 - صفر الوشاحين: ضامرة البطن. الدرع: القميص. الخرعبة: الناعمة. الرشأ: الظبي الصغير. ملزوم: أي تربية الجواري في البيوت يلزمنه ولا يفارقنه إعجابا به يقول كما قال ابن الأنباري هي خالية الوشاحين لضمر ببطنها وهي تملأ إزارها لعظم عجيزتها وضخم أوراكها.
15 - أولى القوم: أولهم. شحطوا: بعدوا. الجلذية: الناقة الشديدة واشتقاقها، كما قال الأصمعي من الجذاءة وهي الأرض الصلبة، الأتان هنا الصخرة التي يجرفها السيل فتبقى في الماء.
الضحل: الماء القليل. العلكوم: الغليظة الكثيرة اللحم وخصّ أتان الضحل لصلابتها.
16 - تلاحظ السوط شزرا: أي تنظر إليه. الضامرة: التي تضم لحييها ولا تجترّ. كما توجس: أراد كثور طاوي الكشح. توجس: أي تسمع. الكشح: الخاصرة وما انضمت عليه الأضلاع.
الطاوي: الضامر. الموشوم: المنقطة قوائمه بسواد. شبّه ناقته بالثور الوحشي في إصغائها إلى السوط، وتسمعها لحسّه، وخصّ الثور لأنه أكثر تسمعا من سائر الوحوش.
17 - الخاضب: الظليم الذي أكل الربيع واحمرّت قوائمه وأطراف ريشه. زعر قوائمه: قليلة الريش. أجنى: أي أدرك أن يجتني. اللوى: اسم موضع. الشري: شجر الحنظل. التنوم:
نبات القنب.(1/125)
18 - يظلّ في الحنظل الخطبان ينقفه ... وما استطفّ من التّنّوم مخذوم
19 - فوه كشقّ العصا لأيا تبيّنه ... أسكّ ما يسمع الأصوات مصلوم
20 - حتى تذكّر بيضات وهيّجه ... يوم رذاذ عليه الرّيح مغيوم
21 - فلا تزيّده في مشيه نفق ... ولا الزّفيف دوين الشّدّ مسؤوم
22 - يكاد منسمه يختلّ مقلته ... كأنّه حاذر للنّخس مشهوم
23 - يأوي إلى خرق زعر قوادمها ... كأنهنّ إذا برّكن جرثوم
24 - وضّاعة كعصيّ الشّرع جؤجؤه ... كأنّه بتناهي الرّوض علجوم
25 - حتى تلافى وقرن الشّمس مرتفع ... أدحيّ عرسين فيه البيض مركوم
18 - يظل: أي ذكر النعام. الخطبان: الذي فيه خطوط صفراء وحمراء وهو أشد ما يكون مرارة.
ينقفه: يكسره ويستخرج حبّه فيأكله. استطف: ارتفع. التنوم: نبات القنب. مخذوم: مقطوع.
أي أن الظليم أقام في هذا المكان الخصب يأكل حب حنظله ويقطع أغصانه ويرعاها.
19 - كشقّ العصا: أي ما تكاد تتبين ما بين منقاريه لشدة التصاقهما. لأيا: أي لا تتبينه إلا بعد مشقة.
أسك: صغير الأذنين لا يكاد يسمع. مصلوم: مقطوع الأذن.
20 - أي وظل الظليم ينقف في الحنظل حتى تذكر بيضات له. هيجه: أي الرذاذ فراح إلى بيضه قبل أوان الرواح. الرذاذ: المطر الخفيف. علته الريح: غلبت عليه بشدتها فزاد ذلك الظليم سرعة في عدوه. مغيوم: فيه غيم. ويروى عليه الريح.
21 - التزيّد: فوق المشي. النفق: الذاهب. الزفيف: سير دون العدو الشديد. دوين: تصغير دون وهو نقيض فوق. الشد: العدو. المسؤوم: المملول.
22 - منسم: الظليم ظفره. المقلة: شحمة العين بياضها وسوادها. والنخس: غرز جنب الدابة بشيء مدبب تسميه جماعة المكاريه (المنخاس). يعني أن هذا الظليم يخفض عنقه ويمدّها ويزجّ برجليه زجّا شديدا فيكاد ظفره يشق مقلته ويطيرها.
23 - يأوي: يصير. الخرق: هنا الفراخ الصغيرة اللاحقة بالأرض لضعفها. زعر قوادمها: لا ريش عليها. بركن: بمعنى بركن بفتح الراء. الجرثومة: أصل الشجرة، شبّه الأفراخ الباركة بالجراثيم المجترمة.
24 - وضاعة: مسرع والهاء للمبالغة. كعصي الشرع كأوتار العود. الجؤجؤ: الصدر يريد أن صدره وعنقه كالعود. تناهي: جمع تنهية بفتح الهاء وهي حيث ينتهي الماء ويستقر الروض، جمع روضة. قال الأصمعي لا يكون روضة إلا وفيها شجر العلجوم الليل، شبه سواد الظليم بسواده أو أن يكون العلجوم هنا الجمل الضخم ويكون المقصود تشبيه الظليم به في عظم خلقه.
25 - تلافى: تدارك قرن الشمس جانب من جوانبها. مرتفع: أي وعليه نهار. الأدحي: مبيض النعام سمّي كذلك لأنها تدحوه بأرجلها ليتّسع لها ويلين، أي هو والنعامة هو عرس لها وهي عرس له. مركوم: ركب بعضه بعضا لكثرته.(1/126)
26 - يوحي إليها بانقاض ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الرّوم
27 - صعل كأنّ جناحيه وجؤجؤه ... بيت أطافت به خرقاء مهجوم
28 - تحفّة هقلة سطعاء خاضعة ... تجيبه بزمار فيه ترنيم
29 - بل كلّ قوم وإن عزّوا وإن كثروا ... عريفهم بأثافي الشّرّ مرجوم
30 - والجود نافية للمال مهلكة ... والبخل مبق لأهليه ومذموم
31 - والمال صوف قرار يلعبون به ... على نقادته واف ومجلوم
32 - والحمد لا يشترى إلّا له ثمن ... ممّا تضنّ به النفوس معلوم
26 - يوحي إليها: أي يوحي الظليم إلى النعامة بصوت تفهمه عنه. الإنقاض والنقنقة: صوته، ويقال لصوت الظليم القرار ولصوت النعامة الزمار. التراطن: كل كلام تسمعه ولا تفهم معناه.
الأفدان: جمع فدن وهو القصر.
27 - يقال ظليم صعل، رقيق العنق صغير الرأس. الجؤجؤ: الصدر المراد بالبيت. البيت من الشعر وبيوت العرب أربعة بيت من شعر، وخباء من وبر، وخيمة من شجر، وأفنة من حجر.
الخرقاء: المرأة التي لا تحسن العمل وهي ضد الصناع. المهجوم: الساقط المهدوم. شبّه الظليم في نشره جناحيه ببيت من شعر أطافت به خرقاء لتصلحه فلم تحسن إقامته فاسترخت عيدانه وأطنابه وكلما رفعت جانبا سقط آخر.
28 - تحفة: تحيط به. الهقلة: النعامة والذكر هقل. والسطعاء: الطويلة العنق كأن عنقها سطاع وهو عمود وسط البيت. خاضعة: مميلة رأسها للرعي. الزمار: صوت الأنثى كما تقدم. الترنيم:
التطريب في الصوت والترجيع وإلى هنا فرغ الشاعر من هذا الوصف الرائع الذي قال فيه ابن الأعرابي: لم يصف أحد قطّ النعامة إلا احتاج إلى علقمة بن عبدة
29 - بل للإضراب عن وصف الظليم إلى وصف حالات الدنيا وأحوال الناس فيها عريف القوم:
سيدهم المعروف منهم. الأثافي: هنا الدواهي. مرجوم: مقذوف يقول: لا بدّ أن تصيب حوادث الدهر كل قوم ولو كانوا ذوي عزّة ومنعة.
30 - نافية للمال: أي مبيد له. ومهلك: والتاء للمبالغة مثل علّامة ونسّابة. ومعنى مبق لأهليه: أن يوفر عليهم أموالهم ولكنه مذموم.
31 - القرار: صغار الغنم. يلعبون به: أي يتداولونه ويعبثون فيه. على نقادته: أي على صغر أجسامه. واف: كثير عند البخلاء لمنعهم إياه. مجلوم: مجزوز بالجلم وهو المقص، ومعنى كونه مجلوما أنه قليل عند الأسخياء لبذلهم له والبيت مثل جميل ابتكره الشاعر، يعني أن من الناس من يعطي القليل ومنهم من يعطي الكثير كما أن الصوف على النقد قليل وكثير فاللفظ على الصوف والمعنى على المال.
32 - الحمد: الثناء والمدح. تضن: تبخل، يعني أن الحمد لا يشترى إلا بأثمان تبخل بها النفوس.(1/127)
33 - والجهل ذو عرض لا يستراد له ... والحلم آونة في النّاس معدوم
34 - ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه ... أنّى توجّه والمحروم محروم
35 - ومن تعرّض للغربان يزجرها ... على سلامته لا بدّ مشؤوم
36 - وكلّ بيت وإن طالت إقامته ... على دعائمه لا بدّ مهدوم
37 - قد أشهد الشّرب فيهم مزهر رنم ... والقوم تصرعهم صهباء خرطوم
38 - كاس عزيز من الأعناب عتقها ... للعض (1) أربابها حانيّة حوم
39 - تشفي الصّداع ولا يؤذيك صالبها ... ولا يخالطها في الرّأس تدويم
40 - عانيّة قرقف لم تطّلع سنة ... يجنبها مدمج بالطّين مختوم
41 - ظلت ترقرق في النّاجود يصفقها ... وليد أعجم بالكتّان مفدوم
33 - ذو عرض: أي يعرض لك قبل أن تطلبه. لا يستراد له: لا يراد ولا يطلب أي يعرض لك وأنت لا تريده ولا تطلبه. آونة: أحيانا يعني أن الجهل أغلب على الناس وأكثر من الحلم ولكثرة الجهل يعرض وإن لم يطلب ولقلّة الحلم يعدم وإن احتيج إليه.
34 - مطعم الغنم: مرزوقه. والغنم: الفوز. يعني أن من قدّر له الفوز وكتب له كائن لا محالة.
35 - أي أن الغربان يتشاءم بها ومن تعرّض لها يطردها خوفا من أن يصيبه الشؤم فلا بدّ أن يقع ما يخاف ويحذر.
36 - الدعائم: الأركان، يقول: كل بيت دامت سلامة أهله فلا بد أن يهلكوا ويخرب، ويروى: وكل حصن.
37 - الشرب: القوم الشاربون. المزهر: البربط (العود). رنم: لذيذ الصوت. الصهباء: اسم من أسماء الخمر. الخرطوم: الخمر أول خروجها من الدّنّ وذلك أصفى لها وأروق.
38 - لا يقال كأس إلا إذا كان فيه شراب وإلا فهو زجاجة. عزيز: يريد به ملكا من ملوك فارس أو الروم. عتقها: تركها في دنّها حتى قدمت ورقّت الحانية الخمارون نسبهم إلى الحوانيت. حوم:
سود من حام يحوم إذا طاف حولها.
39 - صالبها: صداعها. التدويم: الدوار. قال الأصمعي: دوّمت الخمر شاربها إذا سكر فدار.
40 - عانية: نسبة إلى عانة وهي قرية مشرفة على نهر الفرات قرب مدينة الأنبار نسبت العرب إليها الخمر الطيبة. القرقف: التي ترعد شاربها. يجنبها: يسترها. المدمج: الدن. مختوم: معلّم بالختم.
41 - ظلت ترقرق: تذهب وتجيء. الناجود: الباطية العظيمة. يصفقها: يمزجها. وليد أعجم: أي غلام رجل. أعجم. مقذوم: على فمه الفدام وهو خرقة تجعل على فم الساقي لئلا يسقط من ريقه في الكأس وتلك عادة فارسية.
__________
(1) في الديوان «لبعض أربابها» بدل «للعض».(1/128)
42 - كأنّ إبريقهم ظبي على شرف ... مقدّم بسبا الكتّان ملثوم
43 - أبيض أبرزه للضّحّ راقبه ... مقلّد قضب الرّيحان مفغوم
44 - وقد غدوت على قرني يشيّعني ... ماض أخو ثقة بالخير موسوم
45 - وقد علوت قتود الرّحل يسفعني ... يوم تجيء به الجوزاء مسموم
46 - حام كأنّ أوار النّار شامله ... دون الثّياب ورأس المرء معموم
47 - وقد أقود أمام الحيّ سلهبة ... يهدي بها نسب في الحيّ مغلوم
48 - لا في شظاها ولا أرساغها عتب ... ولا السّنابك أفناهنّ تقليم
42 - تشبيه جميل شبّه الإبريق في طول عنقه بظبي على مكان مرتفع وإذا كان كذلك كان أبين لحسنه وأشد لانتصابه. سبا الكتان: سبائه أي شققه البيضاء. ملثوم: جعل له لثام وقد أخذ هذا المعين أبو العباس بن المعتز فقال:
كأن أباريق اللجين لديهم ... ظباء بأعلى الرقمتين قيام
وقد شربوا حتى كأن رؤوسهم ... من اللين لم يخلق لهن عظام
43 - أبيض: يعني الإبريق لأنه كان من فضة. أبرزه: أخرجه. الضح: اسم من أسماء الشمس.
راقبه: الذي يريد صلاحه وإدراكه يعني الخمار. مفغوم: طيب الرائحة يقال فاغم الرجل المرأة إذا وضع أنفه على أنفها وفمه على فمها، وفاقمها إذا وضع شفتيه على شفتيها وشفتيها بين شفتيه ويصحّ كما روى لسان العرب والمفضل الضبي أن تكون مفعوم بمعنى ممتلىء.
44 - القرن: الممائل. يشيعني: يجرئني، المراد بالماضي هنا قلبه أو سيفه. أخو ثقة: أي يوثق بثباته وجرأته أو بمضائه في ضريبته. موسوم: معروف. ويروى:
وقد غدوت إلى الحانوت يصحبني ... برز أخو ثقة
والحانوت بيت الخمار. والبرز: العفيف الكامل في كل شيء من دين وأصل وحسب.
45 - القتود: الأعواد. والرحل: مركب البعير. يسفعني: يغير لوني. مسموم: ذو سموم وهي الريح الحارة. الجوزاء: اسم نجم شهير.
46 - حام: مستحر كالنار الحامية. أوار النار: لهبها وشدة حرارتها. شاملة: مخالطة بدنه دون الثياب أي أن يصل الحر من شدته دون الثياب والعمامة: أي يتجاوز ذلك في البدن.
47 - السلهبة: الفرس الطويلة. يهدي بها: ألحّ أي يتبين فيها الناظر أن نسبها كريم عريق معروف بالنجابة.
48 - الشظى: عظم دقيق مثل المخرز لاصق بالذراع فإذا تحرك قيل شظى الفرس. الأرساغ: جمع رسغ وهو الموضع المستدقّ الذي بين الحافر وموصل الوظيف من اليد والرجل. العتب:
العيب. السنابك: جمع سنبك وهو مقدّم طرف الحافر يعني أن سنابكها صلبة لم تأكلها الأرض مع كثرة السير.
49 - سلّاءة كعصا النّهديّ غلّ بها ... ذو فيئة من نوى قرّان معجوم
50 - تتبع جونا إذا ما هيّجت زجلت ... كأنّ دفّا على علياء مهزوم
51 - يهدي بها أكلف الخدّين مختبر ... من الجمال كثير اللّحم عيثوم
52 - إذا تزغّم من حافاتها ربع ... حنت شغاميم في حافاتها كوم
53 - وقد أصاحب فتيانا طعامهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم
54 - وقد يسرت إذا ما الجوع كلّفه ... معقب من قداح النّيغ مقروم
55 - لو ييسرون بخيل قد يسرت بها ... وكل ما يسر الأقوام مغروم
49 - السلاءة: شوكة النخلة، شبّه الفرس في دقّة صدرها وتمام عجزها ويستحب هذا في إناث الخيل. النهدي: الشيخ المسنّ الذي استعمل عصاه حتى أملست أو أراد به رجلا من نهد كان راعيا له رأى معه عصاه فوصفه ونهد قبيلة من أهل نجد وعيدان نجد أصلب العيدان فشبّه به الفرس في الصلابة والمتانة غلّ بها: أي ألصق بها. الفيئة: الرجعة وبذلك سمّي التمر الصلب لأن الدابة تعلف فيخرج كما هو. قران: قرية باليمامة مشهورة بالنخيل. المعجوم: الممضوغ المعلوك، ومعنى البيت أن هذه الفرس ضامرة صلبة مرهفة الصدر كعود النبع خلق لها في بطن حوافرها نسور صلاب كأنها نوى ذي قران.(1/129)
49 - سلّاءة كعصا النّهديّ غلّ بها ... ذو فيئة من نوى قرّان معجوم
50 - تتبع جونا إذا ما هيّجت زجلت ... كأنّ دفّا على علياء مهزوم
51 - يهدي بها أكلف الخدّين مختبر ... من الجمال كثير اللّحم عيثوم
52 - إذا تزغّم من حافاتها ربع ... حنت شغاميم في حافاتها كوم
53 - وقد أصاحب فتيانا طعامهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم
54 - وقد يسرت إذا ما الجوع كلّفه ... معقب من قداح النّيغ مقروم
55 - لو ييسرون بخيل قد يسرت بها ... وكل ما يسر الأقوام مغروم
49 - السلاءة: شوكة النخلة، شبّه الفرس في دقّة صدرها وتمام عجزها ويستحب هذا في إناث الخيل. النهدي: الشيخ المسنّ الذي استعمل عصاه حتى أملست أو أراد به رجلا من نهد كان راعيا له رأى معه عصاه فوصفه ونهد قبيلة من أهل نجد وعيدان نجد أصلب العيدان فشبّه به الفرس في الصلابة والمتانة غلّ بها: أي ألصق بها. الفيئة: الرجعة وبذلك سمّي التمر الصلب لأن الدابة تعلف فيخرج كما هو. قران: قرية باليمامة مشهورة بالنخيل. المعجوم: الممضوغ المعلوك، ومعنى البيت أن هذه الفرس ضامرة صلبة مرهفة الصدر كعود النبع خلق لها في بطن حوافرها نسور صلاب كأنها نوى ذي قران.
50 - تتبع: أي هذه الفرس. جونا: أي إبلا سودا. هيجت: أي للحلب. زجلت: رفعت صوتها. كأن دفّا: أي كأن صوتها كصوت الدف. العلياء: المكان العالي. المهزوم:
المخروق.
51 - يهدي بها: أي يتقدم هذه الإبل ويهديها سواء السبيل. أكلف الخدين: يعني فحلها.
والكلفة: حمرة فيها سواد وذلك مستحب. مختبر: أي مجرب في الأسفار. العيثوم: العظيم الخلق.
52 - تزغم: حن حنينا خفيّا لترضعه أمه. الحافة: الناحية. الربع: الفصيل المولود في الربيع وهو أحسن النتاج. حنت: صوتت وجاوبت. الشغاميم: جمع شغموم، وهو الطويل الجميل.
الكوم: العظام الأسنمة.
53 - خضر المزاد: أي القرب، وذلك إذا طال عليها الأمد اخضرّت من أثر الماء فيها. التنشيم: بدء تغيّر الرائحة.
54 - يسرت: ضربت بالقداح وقامرت. إذا ما الجوع كلفه: أي اشتدت الحال حتى صار لا يأخذ في الميسر إلا للقوت فمن شدة الحال كلف الجوع القدح هكذا زعم الضبي. المعقب:
المشدود بالعقب علامة. والنيغ: شجر تتخذ من أغصانه السهام. مقروم: معلم بغصن أو بغيرهما.
55 - أي إنما يكون الميسر بالإبل ولو يسروا بالخيل ليسرت بها. وكل ما يسر الأقوام مغروم. يقول إذا خرج على شيء غرمه لأنه يستحي أن يدفع حقّا وجب عليه.(1/130)
3
وقال علقمة أيضا يعارض امرأ القيس (1): [الطويل]
1 - ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقّا كلّ هذا التّجنّب
2 - ليالي لا تبلى النصيحة بيننا ... ليالي حلّوا بالسّتار فغرّب
3 - مبتلة كأنّ أنضاء حليها ... على شادن من صاحة متربّب
4 - محال كأحواز الجراد ولؤلؤ ... من القلقيّ والكبيس الملوّب
5 - إذا ألحم الواشون للشّرّ بيننا ... تبلّغ رسّ الحبّ غير المكذّب
6 - وما أنت أم ما ذكرها ربعيّة ... تحلّ بأير أو بأكناف شربب
7 - أطعت الوشاة والمشاة بصرمها ... فقد أنهجت حبالها للتّقضب
شرح القصيدة الثالثة 1يقول لنفسه: ذهبت كل مذهب تتبين سبب هجران هذه المرأة لك، ولم تهجرك لريبة، ولم يكن تجنبها حقّا ولكنها تجنبك إدلالا إذا لم تأت إليها ما يوجب هذا التجنب.
2 - الستار: جبل بعالية الحجاز. غرب: موضع تلقاءه.
3 - المبتلة: الضامرة الكشح. الأنضاء: جمع نضو وهو القطعة من الحلي. الحلي: ما تتحلى به المرأة. الشادن: ولد الغزال الذي قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه. صاحة: علم على هضبتين عظيمتين بالحجاز. متربب: أي مربى ومتخذ في البيوت، شبّه جيدها وما عليه من الحليّ بجيد هذا الشادن الذي تربيه الجواري وتزينه بالحليّ.
4 - المحال: ضرب من الحلي يصاغ من الذهب. مفقرا: أي مخززا كتحزيز أجواز الجراد، وجوز كل شيء: وسطه. القلقي: صنف من القلائد المنظومة باللؤلؤ وهو منسوب إلى القلق والاضطراب. الكبيس: حليّ يصاغ مجوّفا ثم يحشى بالطيب ثم يكبس، أي يغطى. الملوب:
العطر المائع.
5 - ألحم: أدخل. للشر: اللام زائدة. الرس: الثابت الراسخ. المكذب: الزائل المنقطع.
يقول: إذا مشى النمّامون بيني وبينها وعذلوني على حبها، كان ذلك مهيجا لما أجد ومقويا له.
6 - ربعيّة: منسوبة إلى بني ربيعة بن مالك. أير: جبل لبني غطفان. الأكناف: النواحي. شريب:
واد في ديار بني ربيعة في شمال اليمامة.
7 - الوشاة: جمع واش، وهو الساعي بالشر. المشاة: جمع ماش وهو الساعي بالفرقة. الصرم:
الهجر. أنهجت حبالها للتقضب: أي ضعفت العلاقة بيني وبينها وكادت أن تنقطع. التقضب:
التقطع.
__________
(1) القصيدة في ديوان علقمة ص 6652.(1/131)
8 - وقد وعدتك موعدا لو وفت به ... كموعود عرقوب أخاه بيثرب
9 - وقالت متى تبخل (1) عليك ويعتلل ... تشكّ وإن يكشف غرامك تدرب
10 - فقلت لها فيئي فما تستفزّني ... ذوات العيون والبنان المخضّب
11 - ففاءت كما فاءت من الآدم مغزل ... بيشة ترعى في أراك وحلّب
12 - فعشنا بها من الشّباب ملاوة ... فأنجح آيات الرّسول المخبّب
13 - فإنك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل بكور أو رواح مؤوّب
14 - بمجفرة الجنبين حرف شملة ... كهمّك مرقال على الأين ذعلب
15 - إذا ما ضربت الدّفّ أو صلت صولة ... ترقّب مني غير أدنى ترقب
8 - يثرب: موضع بناحية اليمامة. وعرقوب هذا رجل من العمالقة استعاره أخ له نخلة فوعده إياها فقال حتى تزهى فلما أزهت قال حتى ترطب فلما أرطبت قال حتى تجف ويمكن صرامها فلما دنا صرامها أتاها ليلا فصرمها وأخلف أخاه فضرب به المثل فقيل: أخلف من عرقوب ومواعيد عرقوب.
9 - يعلل: يعتذر. يسؤوك: يحزنك. الغرام: شدة العشق. تدرب: تعتاد. ومعنى البيت: قالت الحبيبة:
إن هجرتك حزنت وشكيت ... وإن وصلتك اعتدت ذلك ومللته
10 - فيئي: ارجعي إلى نفسك. تستفزني: تستخلفني وتحملني على الطرب. ذوات العيون:
أصحابها. البنان: أطراف الأصابع. المخضب: المدهون بالحناء.
11 - فاءت: رجعت. الأدم: جمع أدماء وهي الظبية. مغزل: أي لها غزال. بيشة: واد بالحجاز كثير الخمائل والنخيل يشتهر بالسباع الكاسرة. الأراك: شجر السواك. الحلب:
شجر أيضا.
12 - عشنا بها: أي نعمنا بوصلها. ملاوة: من زمن الشباب، الملاوة: الدهر الطويل. الآيات:
العلامات التي كان يعرف بها الرسول. المخبب: معلم الخب وهو الخداع.
13 - اللبانة: حاجة النفس. البكور: الخروج في بكرة النهار وهي أوله. الرواح: الرجوع آخر النهار.
المؤوب: العائد مع الليل بعد سير النهار كله وسيأخذ الشاعر في وصف الناقة ابتداء من البيت التالي.
14 - بمجفرة: الباء بمعنى على المجفرة الناقة المنتفخة العظيمة الجنبين. الحرف: الضامرة. الشملة:
السريعة. كهمك: أي كما تشتهي وتريد. المرقال: كثيرة الرقلان وهو المشي السريع. الأين:
التعب. ذعلب: خفيفة في سيرها.
15 - الدف: الجنب. صلت: صحت. ترقب: تخاف. غير أدنى ترقب: أي تترقب ترقبا شديدا لحدة نفسها وذكاء قلبها.
__________
(1) في الديوان: «وإن يبخل» بدل «متى تبخل».(1/132)
16 - بعين كمرآة الصّناع تديرها ... لمحجرها من النّصيف المثقّب
17 - كأنّ بحاذيها إذ ما تشذّرت ... عثاكيل عذق من سميحة مرطب
18 - تذبّ به طورا وطورا تمره ... كذبّ البشير بالرّداء المهذّب
19 - وقد أغتدي والطير في وكناتها ... وماء النّدى يجري على كلّ مذنب
20 - بمنجرد قيد الأوابد لاحه ... طراد الهوادي كلّ شأن معرّب
21 - بغوج لبانيه (1) يتم بريمه ... على نفث راق خشية العين مجلب
22 - كميت كلون الأرجوان نشأته ... لمع الرّداء في الصوان المكعّب
23 - ممرّ كعقد الأندريّ يزينه ... مع العتق خلق مفعم غير جأنب
24 - له حرّتان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي مذعورة وسط ربرب
16 - بعين كمرآة الصناع: أي بعين المرأة الحاذقة بالعمل. المحجر: ما حول العين. النصيف:
الخمار. المثقب: ذو الثقوب.
17 - الحاذان: ما وقع عليه الذنب من الفخذين. تشذرت الناقة: ضربت بذنبها. العثاكيل: العراجين القنو، عرجون البسر. سميحة: بئر قديمة بالمدينة غزيرة المياه عليها نخيل كثير، شبّه ذنب الناقة في كثرة فروعه وغزارة شعره بعناقيد النخل المرطبة.
18 - تذبّ: تدفع الذباب المهدب: ذو الأهداب، شبّه تحريك الناقة ذنبها بتحريك البشير لردائه إذا أتى مبشرا، وهو تشبيه ساذج بديع.
19 - أغتدي: أخرج بالغدو. وكناتها: أعشاشها. المذنب: مسيل الماء إلى الرياض.
20 - فرس منجرد: قصير الشعر. الأوابد: بقر الوحش، ومعنى كونه قيدا لها أنها لا تفوته إذا طلبها فكأنه قيد لها. لاحه: أهزله. الطراد: بمعنى المطاردة. الهوادي: أوائل الوحش. الشأو:
الشوط. المغرب: البعيد.
21 - فرس غوج اللبان: واسع الصدر. يتم: يطال. البريم: خيط تنظم فيه التمائم. النفث: النفخ.
الراقي: هو الذي يعوذ على التميمة وينفث فيها، المجلب: الكثير النفث في الرقي.
22 - فرس كميت: لونه بين الحمرة والسواد. الأرجوان: هنا الثوب الأحمر. الصوان: ما صنت به الشيء. المكعب: الموشى.
23 - الممر: الشديد الفتل والمراد به الفرس الضامر الشديد عقد المفاصل. الأندري: الحبل المضفور مر الجلد نسبة إلى الأندرين وهي قرية بالشام جنوب حلب وقد بادت. العقد: الضفر وشدة الفتل. العتق: الكرم. مفعم: ممتلىء. الجانب: القصير.
24 - الحرتان هنا: الأذنين جعلهما حرّتين للطافتهما، وانتصابهما. السامعتان: الأذنان.
المذعورة: المفزعة، يعني بقرة الوحش ذعرت فنصبت أذنيها وحدّدتهما. الربرب: جماعة بقر الوحش.
__________
(1) في الديوان: «لبانه» بدل «لبانيه».(1/133)
25 - وجوف هواء تحت متن كأنّه ... من الهضبة الخلقاء زحلوق ملعب
26 - قطاة تكردس المحالة شرفت ... إلى سند مثل الغبيط المذأب
27 - وغلب كأعناق الضّباع مصيغها ... سلام الشظى يغشى بها كل مركب
28 - وسمر يفلّقن الظّراب كأنها ... حجارة غيل وارسات بطحلب
29 - إذا ما اقتصنا لم نخاتل بجنه ... ولكن ننادي من بعيد ألا اركب
30 - أخا ثقة لا يلعن الحي شخصه ... صبورا على العلّات غير مسبب
31 - إذا أنفدوا زادا فإن عنانه ... وأكرعه مستعملا خير مكسب
32 - رأينا شياها ترتعين خميلة ... كمشي العذارى في الملاء المهدّب
33 - فبينا تمارينا وعقد عذاره ... خرجن علينا كالجمار المثقب
25 - هواء: واسع. المتن: الظهر. الهضبة: الصخرة. الخلقاء: الملساء. الزحلوق: موضع أملس يتزحلقون عليه. يقول: متن هذا الفرس أملس كزحلوق في صخرة ملساء.
26 - القطاة: هنا رأس الفخذ، كردوس المحالة: مجتمع البكرة. أشرفت: أي القطاة وذلك مستحب، الغبيط: الرحل الذي يشد عليه الهودج. المذأب: الموسع. والذئبة: حنو في مقدم الرحل ومؤخره يفرج به ويوسع.
27 - الغلب: الغلاظ الأعناق الشداد كأعناق الضباع: في الغلظ والشدة. مضيغها: عصبا ولحم الساقين منها. سلام: بمعنى سليم من الاعتدال. الشظى: عظم لازق بالذراع كأنه شظية عود.
المركب: الطريق.
28 - وسمر: يعني حوافره. الظراب: الحجارة الناتئة المحددة الأطراف. الغيل: النهر وخص حجارة الغيل لصلابتها. وارسات: مصفرات. بطحلب: وهو خضرة تعلو الماء المزمن.
29 - اقنص الصيد: أمسكه وظفر به. المخاتلة: المخادعة. بجنة: بستر ووقاية.
30 - أخا ثقة: أي يوثق بجريه. لا يلعن الحي شخصه: أي لا يدعون عليه ولكن يفدونه. على العلات: على مختلف الحالات أو على ما به من علة وتعب. مسبب: ملعن.
31 - معنى البيت: أن القوم إذا نفد زادهم فاستعملوا هذا الفرس في الصيد كان ذلك من حسن حظهم لكثرة ما يصيد لهم، والنعال اللجام. والكراع: مستدق الساق.
32 - الشياه: النعاج الوحشية. الخميلة: الأرض الكثيرة النبات والشجر. شبه النعاج الوحشية بالعذارى. في الملاء: ذي الهدب: لحسن مشيتهن وسبوغ أذيالهن.
33 - تمارينا: تشككنا. أي بينما كنا نفاوض فيما نحن بصدده وبينما كنا نلجم الخيل إذ خرجت علينا نعاج الوحش متتابعة منتظمة كالجمان المنظوم. والجمان: حبّ يصنع من فضة على هيئة الدرّ.(1/134)
34 - فأتبع أدبار (1) الشّياه بصادق ... حثيث كغيث الرّائح المتحلّب
35 - ترى الفأر عن مسترغب القدر لائحا ... على جدد الصّحراء من شدّ ملهب
36 - خفى الفأر من أنفاقه فكأنما ... تجلّله شؤوب غيث منقّب
37 - فظلّ لثيران الصّريم غماغم ... يداعسهنّ بالنّضيّ المعلّب
38 - فهاو على حرّ الجبين ومتّق ... بمدراته كأنها ذلق مشعب
39 - وعادى عداء بين ثور ونعجة ... وتيس شبوب كالهشيمة قرهب
40 - فقلنا ألا قد كان صيد لقانص ... فخبّوا علينا فضل برد مطنّب
41 - فظلّ الأكفّ يختلفن بحانذ ... إلى جؤجؤ مثل المداك المخضّب
34 - أتبع أدبار الشياه: جرى وراءهها. بصادق: أي بجري صادق، أي شديد لا يفتر فيه. والحثيث:
السريع. والرائح: سحاب أو عارض يروح، أي يأتي عشيّا. والمتحلب: المتساقط المتابع.
ويروى:
فأدركهن ثانيا من عنانه ... يمرّ كمرّ الرائح المتحلب
ويروى:
فأقبل يهوي تانيا من عنانه ...
35 - عن: بمعنى من. مسترغب القدر: واسع الخطو. لائحا: ظاهرا. الجدد: الطريق. شد ملهب:
أي من جري فرس ملهب. وهو الشديد الجري المثير للغبار.
36 - خفى الفأر: أخرجه من أنفاقه. الأنفاق: جمع نفق وهو الحجر. تجلله: غشيه وأحاط به.
الغيث: المطر. المنقب: الذي ينقب في الأرض ويستخرج ما فيها لشدته. الشؤبوب: الدفعة من المطر.
37 - ثيران الصريم: بقر الرمل. الغماغم: خوار الثيران عند الطعن. يداعسهن: يطاعنهن.
النضي: الرمح. المعلب: المشدود بالعلباء، وهي عصبة كانوا يشدون بها الرماح والسهام لئلا تتكسر.
38 - فهاو: أي ساقط. على حرّ الجبين: وهو ما أقبل عليك منه. المدراة: القرن. الذلق: الحد والظرف المشعب: المخرز التي تخرز به الجلود.
39 - عادى عداء: جرى أشواطا متوالية. التيس: الذكر من الظباء. الشبوب: القوي. الهشيمة:
الشجرة البالية. شبهه بها لقدمه وصلابته. القرهب: المسنّ الضخم.
40 - فخبّوا: أي أضربوا علينا خياما لئلا يفسد صيدنا. البرد: كل ثوب موشّى. المطنب: المشدود بالأطناب وهي حبال الخيمة.
41 - الحانذ: المشوي النضيج. الجؤجؤ: الصدر. المداك: الحجر الذي يسحق فيه الطيب، شبّه الصدر وما عليه من دسم اللحم بالمداك. المخضب: المطيب. وحقّا إنه تشبيه جاهلي
__________
(1) في الديوان: «آثار» بدل «أدبار».(1/135)
42 - كأنّ عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الّذي لم يثقّب
43 - ورحنا كأنّا من جؤاثى عشيّة ... نعالي النّعاج بين عدل ومحقب
44 - وراح كشاة الرّبل ينغض (1) رأسه ... أذاة به من صائك متحلب
45 - وراح يباري في الجناب قلوصنا ... عزيزا علينا كالجباب المسيّب
قال الأعلم: كمل جميع ما رواه الأصمعي من شعر علقمة، ونذكر قطعا من شعره مما رواه أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي (القالي) عن الطوسي وابن الأعرابي وغيرهما.
4
وقال في فكّه أخاه شأسا (2): [السريع]
1 - دافعته عنه بشعري إذ ... كان لقومي في الفداء جحد
2 - فكان فيه ما أتاك وفي ... تسعين أسرى مقرنين صفد
42 - شبّه عيون الوحش بالجزع وهو الخرز لما فيه من البياض والسواد وجعله غير مثقب لأن ذلك أتم لحسنه وأوقع في تشبيه العيون به.
43 - ورحنا لكثرة ما معنا كأنّا تجار قافلون من جؤاثى: وهي قرية بالبحرين كثيرة التمر. نعالي النعاج: أي نرفعها ونحملها. والأعدال: جمع عدل وهو ما يماثل في الوزن وهو هنا نصف الحمل. والمحقب: ما جعل وراء الراكب في الحقيبة.
44 - كشاة الربل: يعني ثورا وحشيّا، شبّه به الفرس في نشاطه وحدّته. ينغض رأسه: يحرّكه.
الصائك: العرق. المتحلب: السائل المتقاطر، يقول: إن هذا الفرس راح يحرّك رأسه ليزيل العرق الكريه الرائحة.
45 - يباري: يسابق. الجناب: مصدر جانبه مجانبة إذا سار إلى جنبه. القلوص: الناقة الشابة الفتية.
الجباب: الحية. المسيب: المنسابة شبه الفرس بها في ضمره ولين معاطفه، يعني أنه ركب ناقته وقاد فرسه فجعل الفرس يسابقها على أنه قد جهد نهاره بمطاردة الصيد.
شرح القصيدة الرابعة 1الجحد: قلة الشيء وعزّته، يقال فلان جحد نكد: إذا قلّ خيره. يقول فككت أخي بشعري حين عزّ فداؤه على قومي وقد وقع البيت في رواية الأعلم. «دافعت عنه الخ» ولذلك قال إنه مكسور في جميع الروايات وقد أصلحه المستشرق (وليم الورد) في العقد الثمين بزيادة ضمير الغائب. دافعته: وكأنه عائد على مفهوم من السياق أي دافعت عنه الأسر.
2 - ما أتاك: ما بلغك، يفخر بسعيه لدى الحارث بن أبي شمر في فك أخيه. والمقرن: المغلول.
__________
(1) في الديوان: «ينفض» بدل «ينغض».
(2) الأبيات في الديوان ص 7069.(1/136)
3 - دافع قومي في الكتيبة إذ ... طار لأطراف الظّبات وقد
4 - فأصبحوا عند ابن جفنة في ال ... أغلال منهم والحديد عقد
5 - إذ مخنب في المخنبين وفي النّ ... هكة غنيّ بادىء ورشد
5
وقال علقمة أيضا (1): [الطويل]
1 - تراءت وأستار من البيت دونها ... إلينا وحانت غيلة المتفقّد
2 - بعيني مهاة يحدر الدّمع منهما ... بريمين شتى من دموع وإثمد
3 - وجيد غزال شارد فردت له ... من الحلي سمطي لؤلؤ وزبرجد
والصفد: العطاء. يقول: في إطلاقه تسعين من بني تميم عطاء وتفضل. وأسرى عطف بيان للتسعين وليس بتمييز لأن العقود لا تميز بالجمع.
3 - الكتيبة: الجماعة المتضامنة من الجيش. والظبات: جمع ظبي وهي طرف السيف والسنان والنصل. الوقد: التلهب من وقدت النار تقده، تقول: رأيت لوقع السيف كشرر النار وتوقدها.
4 - ابن جفنة: يعني الحارث بن أبي شمر الغساني وهو من بني جفنة والعقد والجماعات من الناس.
5 - المخنب: الصريع المهلك. والبادىء ههنا مهموزا السابق والمتقدم. وبدون همز ما يظهر قبل إنعام النظر. والنهكة: القتل والإيقاع الشديد. يقول في النهكة غي لمن قتل. ورشد لمن ظفر في عاجل الرأي وسابقه أو في ظاهره.
شرح القصيدة الخامسة 1تراءت: أي برزت لما غفل الرقيب المتفقد.
2 - المهاة: بقر الوحش استعار عينيها لحبيبته ولم تكن تلك الاستعارة لأن عين البقرة أحسن من عين حبيبته إذ جمال الأناسي لا يفوقه جمال ولا يعلوه حسن ولكنه فعله ليظهر براعته ويبدي بلاغته شأن العرب في ذلك. يحدر: يسقط. بريمين شتى: لونين مختلفين. الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل.
3 - الجيد: العنق. الشارد: ما استطاع المشي من أولاد الظباء. فردت: نظمت. السمط: العقد.
اللؤلؤ والزبرجد: جوهران نفيسان معروفان.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 71.(1/137)
6
وقال علقمة أيضا أو عليّ بن علقمة في يوم الكلاب الثاني (1) (*): [الطويل]
1 - ودّ نفير للمكاور أنهم ... بنجران في شاء الحجار الموقر
2 - أسعيا إلى نجران في شهر ناجر ... حفاة وأعيا كلّ أعيس مسفر
3 - وقرّت لهم عيني بيوم حذنة ... كأنّهم تذبيح شاء معتر
4 - عمدتم إلى شلو تنوذر قبلكم ... كثير عظام الرّأس ضخم المذمّر
7
وقال علقمة أيضا (2): [الكامل]
1 - وأخى محافظة طليق وجهه ... هشّ جررت له الشّواء بمسعر
2 - من بازل ضربت بأبيض باتر ... بيديّ أغرّ يجر فضل المئزر
شرح القصيدة السادسة (*) يوم من أيام العرب المشهورة وقع في سنة 612م وفيه أسر عبد يغوث الحارثي رئيس مذحج وقتل بعد أن قال قصيدته المعروفة التي أولها:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بي ... فما لكما في اللوم خير ولا ليا
1 - نفير: تصغير نفر. المكاور: حيّ من قبيلة مذحج كانوا مقيمين في شمال نجران وهي مدينة كانت شمال صنعاء الحجاز الجبل الممتد من بوادي الشام إلى قعرة اليمن موازيا للبحر الأحمر.
الموقر: الكثير المهمل.
2 - شهر ناجر: يونيه أو يوليه وهما شهرا ناجر. الأعيس: الأبيض من الإبل الكريم. المسفر:
القوي على السفر.
3 - قرت: بردت. حذنة: موضع قرب اليمامة كانت فيه واقعة. المعتر: ما ذبح قربانا للعتر وهو صنم كانوا يعبدونه ويذبحون له في رجب.
4 - الشلو: جسد للشيء دون أطرافه. تنوذر قبلكم: أي حذر الناس بعضهم بعضا منه. المذمر:
القفا. شبه قومه بهامة ضخمة كثيرة العظام، ويقال هم هامة مضر.
شرح القصيدة السابعة 1طليق وجهه: ضاحك مشرق. الهش: الجواد الذي يهش إلى المعروف. الشواء: اللحم المشوي. المسعر: العود الذي تفرج به النار ليشتد لهيبها.
2 - البازل: الناقة المسنّة. الأبيض: السيف الصقيل. الباتر: القاطع. الأغر: الكريم الفعال. يجر فضل المئزر: أي أعجله حرصه على عقرها عن شدّ إزاره ويكون أيضا من الخيلاء كقول
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 7372.
(2) الأبيات في الديوان ص 74.(1/138)
3 - ورفعت راحلة كأنّ ضلوعها ... من نصّ راكبها سفائف عرعر
4 - حرجا إذا هاج السّراب على الصّوى ... واستنّ في أفق السّماء الأغبر
8
وقال في مولى له، وينسب هذا الشعر لابنه خالد (1): [الطويل]
1 - ومولى كمولى الزّبرقان دملته ... كما دملت ساق تهاض بها وقر
2 - إذا ما أحالت والجبائر فوقها ... أتى الحول لا برء جبير ولا كسر
3 - تراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وعينيه إنّ مولاه ثاب له وفر
طرفة بن العبد:
ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الأزر
3 - رفعت راحلة: سيرتها. النص: التحريك حتى يستخرج من الناقة أقصى سيرها. العرعر: شجر السرو يقول: قد ركبت هذه الناقة ونصصتها حتى عريت عظامها وضلوعها فصارت كأنها سفائف تشد على كسر البيت.
4 - الحرج هنا: مركب النساء. وفي غير هذا، اسم لسرير الأموات إذا هاج السرى رفعتها في السير نصف النهار حين اشتد الحرّ وهاج السراب. والصوى: جمع صوة وهي حجر يكون علامة في الطريق. استنّ جرى واضطرب. الأغير: الشديد الغبار.
شرح القصيدة الثامنة 1المولى هنا: ابن العم. الزبرقان: اسم من أسماء القمر لقب به قمر نجد الحصين بن بدر التميمي لأنه كان جميلا. وكان من سادات قومه وأكابرهم شاعرا خطيبا امتد به الأجل حتى ظهر الإسلام فوفد على النبي صلّى الله عليه وسلم هو وعمرو بن الأهتم فقال الزبرقان: يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب منهم، آخذ لهم بحقهم وأمنعهم من الظلم وهذا يعلم يريد عمرا فقال عمرو أجل يا رسول الله: إنه مانع لحوزته مطاع في عشيرته شديد العارضة فيهم، فقال الزبرقان أما إنه والله قد علم أكثر مما قال ولكنه حسدني شرفي، فقال عمرو: أما لئن قال فوالله ما علمته إلا ضيق العطن زمن المروءة أحمق الأب لئيم الخال حديث الغنى ولما رأى الكراهة في وجه الرسول لاختلاف قوله قال: يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أقبح ما علمت وما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الثانية فقال الرسول: «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة». ومعنى دملته: ترفقت معه وتلطفت. تهاض: تكسر بعد جبر. الوقر: الكسر.
2 - إذا ما أحالت: أي الساق، وأحالت: أي أتى عليها الحول وهي تحت العلاج. الجبائر: العيدان التي تشد على العظم المكسور لتجبّره. البرء: الشفاء. جبير: بمعنى جابر.
3 - تراه: أي ترى المولى. يجدع: يقطع. ومعنى جدع العينين: فقؤهما. ثاب: رجع. الوفر:
الغنى.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 76.(1/139)
4 - ترى الشّرّ قد أفنى دوائر وجهه ... كضبّ الكدى أفنى أنامله الجفر
9
وقال علقمة وينسب هذا الشعر لحفيده عبد الرحمن بن علي بن علقمة (1):
[البسيط]
1 - وشامت بي لا تخفى عداوته ... إذا حمامي ساقته المقادير
2 - إذا تضمّنني بيت برابية ... آبوا سراعا وأمسى وهو مهجور
3 - فلا يغرّنّك جرّي الثّوب معتجرا ... إني امرؤ فيّ عند الجدّ تشمير
4 - كأنّني لم أقل يوما لعادية ... شدّوا ولا فتية في موكب سيروا
5 - ساروا جميعا وقد طال الوجيف بهم ... حتّى بدا واضح الأقراب مشهور
6 - ولم أصبّح جمام الماء طاوية ... بالقوم وزدهم للخمس تبكير
7 - أوردتها وصدور العيس مسنفة ... والصّبح بالكوكب الدّرّيّ منحور
4 - أفنى دوائر وجهه: أي ملأه أجمع. الكدى: جمع كدية وهي الأرض. المرتفعة: الصلبة.
الأنامل: أطراف الأصابع والمراد بها هنا البراثن. وخصّ الضب: لأنه لا يحتفر أبدا إلا في الأمكنة الصلبة لئلا يهدم عليه جحره.
شرح القصيدة التاسعة 1الشامت: الفرح بمصيبة عدوه. والحمام: الموت. ساقته: جاءت به، المقادير: جمع مقدار:
وهو ما يريد الله بالعبد.
2 - تضمنني: شملني. الرابية: ما ارتفع من الأرض والمراد بالبيت هنا القبر.
3 - فلا يغرنّك: يخدعنك. وجرّ الثوب كناية عن الخيلاء والتبختر. المعتجر: من لوى ثوبه على رأسه. يقول لا يخدعنك ترفي فتجترىء علي فإني في الجد آخذ بالحزم واستعد.
4 - العادية: الرجالة (المشاة). وشدوا: احملوا. والموكب: القوم الركوب على الإبل للزينة، ويصح أن يراد بالموكب هنا الجيش.
5 - الوجيف: سير سريع. وواضح الأقراب: هو الصبح. وأقرابه: نواحيه.
6 - جمام الماء: ما اجتمع منه وكثر. طاوية: إبل قد ضمرت وهزلت من العطش. الخمس: ورد الماء لخمس. والمعنى أنهم قد يردون بأكثر من خمس، لأنهم حالون.
7 - مسنفة: مشدودة بالسناف، وهو حبل يشد من التصدير، وهو الحزام، إلى خلف الكركرة، وذلك إذا ضمرت الناقة لطول السفر، فخشي تأخّر رحلها إذا اضطربت حبالها فيشدّ السناف
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 7978، وفي الديوان (شرح الأعلم الشنتمري) قال الأعلم الأبيات لعبد الرحمن بن علي بن علقمة.(1/140)
8 - تباشروا بعدما طال الوجيف بهم ... بالصبح لمّا بدت منه تباشير
9 - بدت سوابق من أولاه نعرفها ... وكبره في سواد اللّيل مستور
كمل المختار من شعر علقمة بن عبدة التّميميّ فيحبس الرحل. والكوكب الدري: هو الزهرة تطلع الفجر. ومنحور: يعني أنها تطلع قبل الصبح فهو يليها إذا طلعت، كما تقول: دار فلان تنحر دار فلان: إذا حاذتها ووالتها وقال ابن سعيد المغربي يشير إلى أن كوكب الصبح مثل سنان الحربة طعن به فسال منه دم الشفق.
8 - تباشير: أي شواهد تدل عليه وتبشر به.
9 - كبر الشيء: معظمه ومنتهاه.(1/141)
النابغة الذبياني
604535 - م
ترجمة الشاعر
1
هو زيادة بن معاوية
هو زيادة بن معاوية من غيظ بن مرة بن ذبيان من قيس من مضر وكنيته أبو أمامة ولقّب بالنابغة لنبوغه في الشعر وهو كبير (1) دفعة واحدة بعد أن أحكمته التجارب ومشى به السّنّ وهو أحد الأشراف الذين غضّ الشعر منهم، ويعدّ من شعراء الطبقة الأولى مع امرىء القيس وكانت تضرب له قبّة بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها فيفاضل بينهم.
وكان النابغة من أشراف قومه، ومع تكسّبه بالشعر فإنه كان يعتزّ بنفسه، لا كما صنع الأعشى. وكان يقصد الملوك ويمدحهم في غير صنعة فيجزلون له العطاء.
اتصل بالنعمان بن المنذر أبي قابوس ملك الحيرة الذي تولّى الملك من عام 580 602م ومدحه بقصائد رائع كثيرة: فقرّبه النعمان إليه. وصار أثيرا عنده ومن ندمائه وغمره بعطائه الجزل، حتى صار النابغة يأكل في صحاف الذهب والفضة، ثم غضب عليه وتختلف الروايات في سبب ذلك.
قيل إن النابغة رأى زوجة النعمان «المتجرّدة» يوما في حين غفلة فسقط نصيفها عن وجهها فاستترت بيدها وذراعها فقال فيها قصيدته: [الكامل]
أمن آل ميّة رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد (1)
فامتلأ النعمان غضبا وأوعد النابغة فهرب وقيل إن غضب النعمان عليه لأن أحد خصوم النابغة وهو عبد القيس التميمي ومرّة بن سعد السعدي نظما هجاء في راجع 36الجمهرة.
__________
(1) البيت في ديوان النابغة ص 105 (طبعة دار الكتب العلمية).(1/142)
النعمان على لسان النابغة وأنشد النعمان أبياتا منه: [الخفيف]
قبّح الله ثم ثنّى بلعن ... وارث الصائغ الجبان الجهولا (1)
من يضرّ الأدنى ويعجز عن ض ... رّ الأقاصي ومن يخون الخليلا
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ... ثم لا يرزأ العدوّ فتيلا
وكانت أم النعمان بنت صائغ من فدك بلدة قريبة من المدينة فتبرّأ النابغة من ذلك الشعر ولكنه خاف على نفسه فهرب إلى الشام.
وقيل إن سبب وعد النعمان للنابغة أنه كان هو والمنخل اليشكري جالسين في مجلس النعمان ومعهم زوجته المتجرّدة فقال النعمان للنابغة: صفها في شعرك فقال قصيدته: [الكامل]
أمن آل ميّة رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد
فلحقت المنخل غيرة، فقال للنعمان: ما يستطيع أن يقول هذا الشعر إلا من عرف فحقد النعمان على النابغة وعلم بذلك فخافه وهرب. وقيل إن النابغة وصف امرأة بقصيدته:
يا دار مية بالعلياء فالسند
فوشى للنعمان أنه يعني زوجته المتجرّدة وأيّا ما كان فقد كان لوشايات خصوم النابغة أثرها في تغيّر قلب النعمان وسخطه عليه فهرب وأتى قومه، ثم شخص إلى ملوك غسان بالشام وكانوا أعداء لملوك الحيرة فاتصل النابغة بعمرو بن الحارث الأصغر ملك غسان ومدحه ومدح أخاه النعمان وظل لديه حتى مات وملك أخوه النعمان فأقام عنده أثيرا لديه. ولكنه كان يحنّ إلى بلاط النعمان بن المنذر ملك الحيرة ويرسل إلى الملك قصائد من اعتذارياته الرائعة يتبرّأ فيها مما رمى به ويعتذر مما كان. وتوالت اعتذارياته على النعمان فعفا عنه فعاد إليه وعاشره في الحيرة
ويقال إن النابغة استجار ببعض المقرّبين لدى النعمان فكلّموه في شأنه حتى أمّنه وأمر له بمائة بعير. ويقال إن النابغة علم بمرضه فلم يملك صبره وسار إليه فألفاه في مرضه فمدحه. ثم عوفي النعمان فأمّنه وأقام عنده، وظلّ النابغة عظيما شريفا مكرّما عند الملوك والأمراء وتوفي عام 604م.
__________
(1) الأبيات في ديوان النابغة ص 98.(1/143)
2
في الأغاني ترجمة طويلة له
وفي الأغاني ترجمة طويلة له (1)، وكذلك في الشعر والشعراء لابن قتيبة (2) كما عرض له ابن سلام في طبقات الشعراء (3) وكذلك شعراء النصرانية (4)، وكذلك صاحب كتاب تاريخ الأدب في العصر الجاهلي (5) وأخرج الأستاذ عمر الدسوقي كتابا عنه، كما نشر عدد عنه في سلسلة «الروائع» وعرض له صاحب الجمهرة (6)، والمرزباني في الموشح (7)، وكثير من العلماء كما كتب عنه الزيّات وجرجي زيدان وأصحاب الوسيط والمفصل، وسواهم.
وشعر النابغة لطيف رقيق إذا تملكته عاطفة قوية من إشفاق أو حماسة أو رهبة كما ترى في أهاجيه ومدائحه واعتذارياته، وقيل عنه أشعر الناس إذا رهب وهو في اعتذارياته حزين عميق الحزن قلق مضطرب يداخله التشاؤم واليأس الشديد ذلك كله لأن خيال الشاعر دقيق واسع، يسمو إلى درجة عالية في إكمال الصورة وإيضاح المشابهات، يتوسّع بالتشبيه، ويفسح له خياله المجال في التصوير، كما في وصفه للفرات أو لغيره.
وتمتاز معانيه بالدقّة والانسجام والتآلف والصدق والقرب من العقل والبعد عن التعقيد والغموض، مع مراعاة المخاطبين، ومع البصر بمواقع الكلام.
وقد أجاد النابغة في المدح والاعتذار والعزل والفخر إجادة بالغة كما أجاد في الوصف والرثاء والحكمة إجادة دون ذلك.
وأسباب إجادته في المدح معروفة منها حب المال، وخصب الخيال، وقوة الذكاء، وميله إلى التجويد والتنقيح، والتهذيب إلى غير ذلك من الأسباب.
وإجادته في الاعتذار كذلك كان الباعث عليها الرهبة والخوف مع الرغبة والأمل أما الوصف فقد أجاد في بعض دون البعض الآخر، فأجاد في وصف الثور والوحش والفرات وما إلى ذلك.
وقال الأصمعي: لم يكن النابغة وزهير وأوس يحسنون صفة الخيل، ولكن طفيل الغنوي أحسن في صفة الخيل غاية الإحسان.
413 - ج 11الأغاني طبع دار الكتب.
(2) 38المرجع.
(3) 24ومما بعدها المرجع.
(4) 732640القسم الرابع من شعراء النصرانية.
(5) ص 187وما بعدها.
(6) 26وما بعدها.
(7) 443المرجع.(1/144)
3
يمتاز شعر النابغة ببلوغه غاية الحسن
وويمتاز شعر النابغة ببلوغه غاية الحسن والجودة ونقاوته من العيوب وجودة مطالع قصائده وأواخرها. وكان البدو من أهل الحجاز يحفظون شعره ويفاخرون به لحسن ديباجته وجمال رونقه وجزالة لفظه وقلّة تكلّفه وليس له نظير في وصف الإحساسات النفسية كالخوف وما شابه ذلك.
أجاد في المدح كما بلغ الغاية في الاعتذار واعتذارياته إلى النعمان من عيون الشعر العربي وهي فنّ جديد من فنون الشعر الجاهلي. وتبلغ غاية الجودة والإحسان ومنها قوله (1): [البسيط]
نبّئت (2) أنّ أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار علي على زأر من الأسد
مهلا فداء لك الأقوام كلهم ... وما أثمر من مال ومن ولد
وقوله (3): [الطويل]
أتاني أبيت اللّعن أنك لمتني ... وتلك التي تستكّ منها المسامع
مقالة أن قد قلت سوف أناله ... وذلك من تلقاء مثلك رائع
فإنّك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع (4)
وأنت ربيع ينعش الناس سيبه ... وسيف أعيرته المنية قاطع (5)
أبى الله إلا عدله ووفاءه ... فلا النكر معروف ولا العرف ضائع
وقوله (6): [الطويل]
أتاني أبيت اللّعن أنك لمتني ... وتلك التي أهتمّ منها وأنصب (1)
فبتّ كأن العائدات فرشنني ... هراسا به يعلى فراشي ويقشب (2)
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
النصب: الإعياء والتعب.
(2) الهراس: نبت كثير الشوك. ويقشب: يجدد ويخلط.
__________
(1) البيتان في ديوان النابغة ص 1615.
(2) في الديوان: «أنبئت» بدل «نبئت».
(3) البيتان الأول والثاني في الديوان ص 54.
(4) البيت في الديوان ص 56.
(5) هذا البيت والذي يليه في الديوان ص 57.
(6) الأبيات في الديوان ص 2827.
وقد عدّه بعض العلماء من شعراء المعلقات ومطلع معلقته (1): [البسيط](1/145)
وقد عدّه بعض العلماء من شعراء المعلقات ومطلع معلقته (1): [البسيط]
يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد (2)
وتقع في واحد وخمسين بيتا. وهي من قصائده الاعتذاريات، بدأها ببكاء الأطلال كالمألوف من أشعار الجاهلية، ثم انتقل من ذلك إلى وصف ناقته:
فقد عمّا ترى إذ لا ارتجاع له ... وأنم القتود على عيرانة أجد (1)
وشبّهها بوحش وجرة، ثم أفاض كعادته في وصف وحش وجرة، والكلاب الصائدة، ودخل من ذلك إلى النعمان: [البسيط]
فتلك تبلغني النعمان إنّ له ... فضلا على الناس في الأدنى وفي البعد
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... وما أحاشي من الأقوام من أحد
ثم طلب إليه أن يكون حكيما في أمره، لا يقبل سعاية الساعين، ونفى عن نفسه ما اتهم به: [البسيط]
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ... إذا فلا رفعت سوطي إليّ يدي
هذا لأبرأ من قول قذفت به ... كانت نوافذه حرّا على الكبد
ثم مدحه بالكرم، وأنه يشبه نهر الفرات، واسترسل في وصف الفرات كعادته أيضا وختمها بقوله: [البسيط]
ها إنّ ذي عذرة إلا تكن نفعت ... فإنّ صاحبها قد تاه في البلد (2)
ويظهر من شعره التديّن والتزام مكارم الأخلاق فهو يقول (3): [البسيط]
قالت أراك أخا رحل وراحلة ... تغشى متالف لن ينظرنك الهرما
حيّاك ربي فإنّا لا يحلّ لنا ... لهو النساء وإنّ الدين قد عزما
مشمّرين على خوص مزممة ... نرجو الإله ونرجو البرّ والطعما (3)
القتود: خشب الرحل. والعيرانة: الناقة المشبهة بالعير في السرعة والنشاط. والأجد: الموثقة.
(2) العذر: الاعتذار.
(3) الخوص: الإبل الغائرة العيون. والمزممة: المشدودة برحالها. والطعم: الرزق.
__________
(1) البيت في الديوان ص 9.
(2) في الديوان: «الأبد» بدل «الأمد».
(3) الأبيات في الديوان ص 112111.(1/146)
وقوله (1): [البسيط]
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي حومة المستأسد الحامي
وقوله (2): [الرجز]
نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلّمته الكرّ والإقداما
وصيّرته ملكا هماما ... من علا وجاوز الأقواما
وقدّم عمر بن الخطاب النابغة على جميع الشعراء في غير موضع، وفضّله على جميع شعراء غطفان في موضع آخر (1)، ويروى عن حسّان قصة تدلّ على مكان النابغة عند النعمان وفضّله لديه على جميع الشعراء، وحسّان منهم (2) وحضر النابغة سوق عكاظ مرة فأنشده الأعشى ثم حسّان ثم شعراء آخرون ثم الخنساء فقال لها لولا أن أبا بصير أنشدني لقلت إنك أشعر الجنّ والإنس، فقال له حسّان: أنا أشعر منك ومن أبيك، فقال له النابغة: يا ابن أخي إنك لا تحسن أن تقول: [الطويل]
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك أواسع
ومن روائع شعره قصيدته (3): [الطويل]
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ومن معانيه المبتدعة قوله (4): [البسيط]
نبّئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
وقوله (5): [الوافر]
فلو كفى اليمين بغتك خونا ... لأفردت اليمين عن الشمال
وأخذه عنه المثقب العبدي فقال: [الوافر]
ولو أني تخالفني شمالي ... بنصر لم تصاحبها يميني
34 - الجمهرة.
(2) 35و 36المرجع نفسه.
__________
(1) البيت في الديوان ص 162.
(2) الرجز في الديوان ص 69.
(3) البيت في الديوان ص 29.
(4) البيت في الديوان ص 15.
(5) البيت في الديوان ص 61.(1/147)
وقوله (1): [الطويل]
فحملتني ذنب امرىء وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع
وقد أخذه الكميت فقال: [الوافر]
ولا أكوي الصحاح براتعات ... بهنّ العر قبلي ما كوينا
وقوله وهو أحسن ما قيل في العفّة (2): [الطويل]
رقاق النّعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
ومما يتمثل به من شعره (3): [البسيط]
ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهي الظلوم ولا تقعد على ضمد (1)
وقوله (4): [الكامل]
واستبق ودّك للصديق ولا تكن ... قتبا يعضّ بغارب ملحاحا
أخذه ابن ميادة فقال: [البسيط]
ما إن ألحّ على الإخوان أسألهم ... كما يلحّ بعض الغارب القتب
ومما يتمثّل به من شعره قوله (5): [الكامل]
لو أنها عرضت لأشمط راهب ... عبد الإله ضرورة متعبد
لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشدا وإن لم يرشد
أخذه ربيعة بن مقروم فقال: [الكامل]
لو أنها عرضت لأشمط راهب ... في رأس مشرفة الذرى يتبتل
لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهم من ناموسه يتنزّل
هو الذل والهوان.
__________
(1) البيت ليس في ديوان النابغة طبعة دار الكتب العلمية، وهو في الديوان ص 37، طبعة دار المعارف بمصر.
(2) البيت في الديوان ص 32 (طبعة دار الكتب العلمية).
(3) البيت في الديوان ص 12.
(4) البيت في الديوان ص 77.
(5) البيتان في الديوان ص 109.(1/148)
ومن أمثالها ثم أصدق من قطاة قال النابغة (1): [البسيط]
تدعو القطا وبها تدعي إذا نسبت ... يا حسنها حين تدعوها فتنسب
أخذه أبو نواس فقال أصدق من قول قطاة قطا.
ومن حكمه (2): [الطويل]
ولست بمستبق أخا لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذّب؟
ومما سبق إليه قوله (3): [الكامل]
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العوّد
وقد أخذه أبو نواس فقال: [الطويل]
ضعيفة كر الطرف تحسب أنها ... قريبة عهد بالإفاقة من سقم
ومما يستحسن من قوله (4): [البسيط]
حسب الخليلين نأى الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بالي
وقوله (5): [مجزوء الكامل]
المرء يأمل أن يعي ... ش وطول عيش قد يضرّه
تفنى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام ح ... تى لا يرى شيئا يسرّه
كم شامت بي إن هلك ... ت وقائل: لله درّه (1)
وكتب الأستاذ عبد القادر رشيد الناصري في مجلة الرسالة المصرية، عدد 195186يقول هذه الأبيات.
جاء في الصفحة (24) من كتاب «الشعر العربي في بلاطات الملوك» في صدد البحث عن شعر النابغة أن الأستاذ نسيم نصر مؤلف الكتاب نسب هذه الأبيات إلى النابغة. وكذلك نسبها للذبياني صاحب كتاب «الشعراء الجاهليون» الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي اعتمادا على بعض كتب الأدب والأصوب نسبتها إلى لبيد بن ربيعة العامري حيث نشرها جامع ديوانه مع شعره، وقد طبع هذا الديوان سنة 1905في أوروبا.
وهي بشعر لبيد أنسب من شعر النابغة لأن لبيدا من المعمّرين الذين سئموا طول الحياة كما
__________
(1) البيت في الديوان ص 145، وفي الديوان: «فتنتسب» بدل «فتنسب».
(2) البيت في الديوان ص 28.
(3) البيت في الديوان ص 108.
(4) البيت في الديوان ص 151.
(5) الأبيات في الديوان ص 122.(1/149)
ومما سبق إليه ولم يحسن تشبيهه قوله (1): [البسيط]
من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
فشبّه الثور في بياضه والتماعه بالسيف المجرّد من الغمد، ولم تسمع كلمة «الفرد» إلا في هذا الشعر وللطرماح في المعنى نفسه: [الكامل]
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد
وهذا أكمل في التشبيه لدلالته على الاختفاء، والظهور المأخوذ من حركة هذا الثور الوحشي.
وفضل (1) ناقد أمام الأصمعي قول النابغة (2): [الكامل]
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العوّد
يقول: [الكامل]
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟
وقد ردّ عليه كاتب في الرسالة عدد 1951827فقال اطّلعت مؤخرا على العدد «944» من الرسالة الأغر فإذا الأستاذ الشاعر عبد القادر الناصري يستنكر في صفحة البريد الأدبي على الأستاذ صاحب كتاب «الشعر العربي في بلاطات الملوك» نسبة الأبيات إلى النابغة الذبياني.
ويقول إن الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي نسبها هو الآخر كذلك إلى النابغة الذبياني في مؤلفه «الشعراء الجاهليون» اعتماد على بعض كتب الأدب «والأصوب نسبتها إلى لبيد ابن ربيعة العامري حيث نشرها جامع ديوانه مع شعره»!! وهذا غريب! أليس من المحتمل أن يكون هذا الذي جمع ديوان لبيد وطبعه في مطابع أوروبا قد دسّ في تضاعيفه هذه الأبيات دسّا دون تحقيق أو تمحيص وأخطأه في نسبتها إليه؟! وهل يصلح عقلا أن نخطىء النصوص والمراجع الأدبية قديمها وحديثها ونضرب بها عرض الحائط، لنصدق زعم زاعم من المحدثين مهما كان مركزه الأدبي ومهما كانت درجة ثقافته إنك لو رجعت إلى الجزء الأول من «الشعر والشعراء» لابن قتيبة مثلا 3هو كما نعلم مرجع من المراجع الأدبية الموثوق بها لوجدت فيه هذا النص «قال أبو عبيدة عن الوليد بن روح قال مكث النابغة زمانا لا يقول الشعر فأمر يوما بغسل ثيابه، وعصب حاجبيه على عينيه، فلما نظر إلى الناس قال: [مجزوء الكامل]
المرء يأمل أن يعيش ... وطول عيش ما يضره
تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مرة الخ
(1) ص 56فحول الشعراء للأصمعي، طبع القاهرة 1953، نشر محمد خفاجي وطه الزيني.
__________
(1) البيت في الديوان ص 11.
(2) البيت في الديوان ص 108.(1/150)
وقوله (1): [الطويل]
فإنك كالليل الذي هو مدّكي ... وإن خلت أن المنتأى عنك أوسع (1)
وقوله (2): [البسيط]
من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد (2)
فقال الأصمعي: أما تشبيهه مرض الطرف فحسن، إلا أنه هجنه بذكره العلّة وتشبيهه المرأة بالعليل، وأحسن منه قول عدي بن الرقاع العاملي:
[الكامل]
وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم (3)
وأما تشبيه الإدراك بالليل فقد تساوى الليل والنهار فيما يدركانه وإنما كان سبيله أن يأتي بما ليس له سيم حتى يأتي بمعنى ينفرد به ولو قال قائل: إن قول «النمري» (4) في هذا أحسن لوجد مساغا إلى ذلك حيث يقول:
[الطويل]
لو كنت بالعنقاء (5) أو بسنامها ... لخلتك إلا أن تصد تراني
وأما قوله:
طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
عاب الأصمعي هذا البيت لأن الليل والنهار قد تساويا فيما يدركانه، وإنما كان سبيله أن يأبى بما لا قسيم له المنتأى. الموضع: البعيد.
(2) المصير: جمعه مصران. وجرة: موضع. موشى أكارعه: أي بقوائمه نقط سود الصيقل الحداد.
طاوي المصير: ضامره. الفرد: المنقطع القرين الذي لا مثيل له في جودته.
(3) جاسم: موضع. الجآذر: جمع جؤذر وهو ولد الظبي. السنة: النعاس. الحور: أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر كما يقول أبو عمرو والجمهور على أنه شدة بياض العين في شدة سوادها. وامرأة حوراء: بيّنة الحور.
(4) شاعر عباسي مجيد كان منقطعا إلى البرامكة، واسمه منصور.
(5) العنقاء: طائر عظيم معروف الاسم مجهول الجسم، وتطلق العنقاء على الداهية.
__________
(1) البيت في الديوان ص 56، وفي الديوان: «مدركي» بدل «مدكي».
(2) البيت في الديوان ص 11.(1/151)
فالطرماح (1) أحقّ بهذا المعنى لأنه أخذه فجرّده وزاد عليه، وإن كان النابغة اخترعه، وقول الطرماح هو: [الكامل]
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسلّ ويغمد (2)
فقد جمع في هذا البيت استعارة لطيفة بقوله: «وتضمره البلاد» وتشبيهه اثنين بقوله: «يبدو وتضمر، ويسلّ ويغمد» وجمع حسن التقسيم وصحّة المقابلة.
وقال جعفر (3) أمام الأصمعي في مجلس الرشيد: لست أقص على شاعر واحد أنه أحسن الناس في بيت تشبيها، ولكن قول امرىء القيس: [الطويل]
كأن غلامي إذ علا حال متنه ... على ظهر باز في السماء محلق (4)
وقول عدي بن الرقاع: [الكامل]
يتعاوران من الغبار ملاءة ... غبراء محكمة هما نسجاها
تطوى إذا وردا مكانا خاسئا ... وإذا السنابك أسهلت نشراها (5)
وقول النابغة (1): [الطويل]
بأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلت لم يبد منهنّ كوكب
قال الأصمعي: قلت هذا حسن كله بارع، وغيره أحسن منه وإنما يجب أن يقع التعيين على ما اخترعه قائله ولم يتعرّض له أحد أو تعرّض له شاعر فوقع دونه فأما قول امرىء القيس: [الطويل]
على ظهر باز في السماء محلق
شاعر مشهور من شعراء الخوارج في عصر بني أمية.
(2) تضمره: تعيبه. الشرف: المكان المرتفع. يسل: يخرج من الغمد. يغمد: يوضع فيه.
(3) ص 61وما بعدها، فحولة الشعراء للأصمعي، وهو جعفر البرمكي الوزير.
(4) الغلام: الخادم. علا: ارتفع. المتن: الظهر. وحال متنه: وسط ظهره. البازي: طائر معروف من طيور الصيد. حلق الطائر: ارتفع في طيرانه. المعنى: كأن غلامي إذا ركب هذا الفرس للصيد فانطلق يعدو به راكب على ظهر باز محلق في وسط السماء.
(5) يتعاوران: يتبادلان الشيء فيما بينهما. خاسئا: صلبا. السنابك: أطراف مقدّم الحوافر. أسهلت:
سارت في السهل.
__________
(1) البيت في الديوان ص 28.(1/152)
فمن قول أبي دواد (1): [المتقارب]
إذا شاء راكبه ضمّه ... كما ضمّ بازي السماء الجناحا
وأما قول عدي:
يتعاوران من الغبار ملاءة
فمن قول الخنساء (2): [الكامل أحذّ]
جارى أباه فأقبلا وهما ... يتعاوران ملاءة الحضر
وأول من نطق به جاهلي من بني عقيل، قال: [الطويل]
ألا يا ديار الحيّ بالبردان ... عفت حجج بعدي لهنّ ثماني (3)
فلم يبق منها غير نؤدي مهدم ... وغيره أثاف كالركي دفان
وآثار هاب أورق اللون سافرت ... به الريح والأمطار كل مكان
قفار مريرات يحاز بها القطار ... ويضحى بها الجنان يعتركان
يثيران من نسج الغبار عليهما ... قميص أسمالا ويرتديان (4)
وشارك عديّا أبو النجم (5)، وأورده في أحسن لفظ، قال يصف عيرا وأتانا، وما أثاراه من الغبار بعدوهما: [الرجز]
ألقى بجنب القاع من حبالها ... سرباله وانشام في سربالها
وأما قول النابغة:
بأنك شمس والملوك كواكب
فقد تقدمه فيه شاعر قديم من شعراء كندة يمدح عمرو بن هند، وهو أحق به من النابغة إذ كان أبا عذرته، فقال: [الطويل]
وكادت تميد الأرض بالناس إذ رأوا ... لعمرو بن هند غضبة وهو عاتب
هو الشمس وافت يوم سعد فأفضلت ... عل كل ضوء والملوك كواكب
شاعر جاهلي قديم حكيم في شعره.
(2) من أشعر النساء وأرثاهن، وهي شاعرة مخضرمة مجيدة، توفيت عام 24هـ.
(3) البردان: اسم موضع. عفت: درست. حجج: أعوام.
(4) النؤى: ما يحفر حول الخيمة. الأثافي: ما يوضع عليه القدر. الجنان: مثنى جن. القطا: طائر معروف. أسمالا: باليات.
(5) راجز أموي مشهور.(1/153)
قال الأصمعي: فكأني والله ألقمت جعفرا حجرا فاهتزّ الرشيد فوق سريره وكاد يطير عجبا وطربا وقال: والله لله درّك يا أصمعي اسمع الآن ما كان عليه اختياري ليقل أمير المؤمنين فقال عيّنت على ثلاثة أشعار أقسم بالله أني أملك السبق بأحدها ثم قال الرشيد أتعرف يا أصمعي تشبيها أفخر أو أعظم في أحقر مشبه وأصغره في أحسن معرض من قول عنترة الذي لم يسبقه إليه سابق ولا نازعه منازع ولا طمع في مجاراته طامع حين شبّه ذباب الروض العازب في قوله: [الكامل]
وخلا الذباب بها فليس نبارح ... غردا كفعل الشارب المترنم
هزجا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم
ثم قال: يا أصمعي هذا من التشبيهات العقم (1) التي لا تنتج، فقلت كذلك هو يا أمير المؤمنين وبمجدك آليت ما سمعت قطّ أحدا يصف شعره بأحسن من هذه الصفة ولا استطاع بلوغ هذه الغاية فقال مهلا لا تعجل أتعرف أحسن من قول الحطيئة يصف لغام ناقته أو تعلم أحدا قبله أو بعده شبّه تشبيهه، حيث يقول:
[الطويل]
ترى بين لحييها (2) إذا ما ترغمت ... لغاما كنسج العنكبوت الممدد
فقلت والله ما علمت أحدا تقدّمه إلى هذا التشبيه، أو أشار إليه بعده ولا قبله قال أتعرف بيتا أبدع وأوقع من تشبيه الشماخ لنعامة سقط ريشها وبقي أثره في قوله:
[البسيط]
كأنما منثنى أقماع ما مرطت ... من العفاء بليّتيها الثآليل
فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين، فالتفت إلى يحيى، فقال: أوجب؟ فقال:
وجب، ويؤخذ على النابغة بعض مبالغات في معانيه كقوله (1): [الطويل]
إذا ارتعشت (3) خاف الجبان رعاثها (4) ... ومن يتعلق حيث علّق يفرق
شبهت بالريح العقيم التي لا تنتج ثمرة ولا تلقّح شجرة، والذباب: النحل الغرد الطرب.
الترنم: الذي يرجع صوته بينه وبين نفسه. الهزج: المتغني. والأجذم: مقطوع اليد أو الأنامل.
(2) الضمير في لحييه للناقة. ترغمت: سارت في الرغام. اللغام ما يخرج من فم الناقة.
(3) أي تقرطت.
(4) الرعاث: القرط.
__________
(1) البيت ليس في ديوان النابغة، طبعة دار الكتب العلمية، وهو في ديوانه ص 181، طبعة دار المعارف بمصر.(1/154)
وكقوله (1): [الطويل]
تقد السلوقي المضاعف نسجه ... وتوقد بالصفّاح نار الحباحب
فقد ذهب إلى أن سيفه يقطع الدرع المضاعف والفارس والفرس ثم يذهب في الحجارة فيقدح فيها الشّرر.
ويؤخذ عليه قوله (2): [الطويل]
وكنت امرءا لا أمدح الدهر سوقه ... فلست على خير أتاك بجاحد
فتراه يمتنّ على ممدوحه بمدحه إيّاه، وجعله خيرا أتاه ولا يحسد عليه، وإنما يحسن الثناء إذا كان خالصا من كل وجه.
وأخذوا عليه الخنوثة في بعض معانيه كقوله (3): [الكامل]
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد (1)
43 - الموشح.
__________
(1) البيت في ديوان النابغة (طبعة دار الكتب العلمية) ص 32.
(2) البيت في الديوان ص 41، وفي الديوان: «بحاسد» بدل «بجاحد».
(3) البيت في الديوان ص 107.(1/155)
شعر النابغة الذبياني
1
قال النابغة الذبياني يمدح النعمان ويعتذر إليه (1): [البسيط]
1 - يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد
2 - وقفت فيها أصيلانا أسائلها ... عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد
3 - إلّا الأواري لأيّا ما أبيّنها ... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
4 - ردّت عليه أقاصيه ولبّده ... ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد
1 - مية: اسم امرأة. والعلياء: مكان مرتفع من الأرض. والسند: ما قابلك من الوادي، وعلا من السفح. وأقوت: خلت من أهلها. والسالف: الماضي. والأبد: الدهر.
2 - الأصيل: وقت ما بعد العصر إلى المغرب، جمعه أصلان، وأصيلان: تصغير أصلان، وهو اسم صاغه على فعلان من الأصيل، وروي أصيلال باللام، وهي بدل من النون. وعيت:
عجزت. والربع: المنزل.
3 - الأواري: واحدها آري، وهو محبس الدابة ومعلفها. واللأي: البطء أو الجهد. والنؤى:
حفير يجعل حول البيت أو الخيمة، لئلا يصل إليها المطر. والمظلومة: الأرض التي حفر فيها حوض، وليست موضع تحويض. والجلد: الأرض الغليظة الصلبة. شبّه داخل الحاجز بالحوض في المظلومة يعني أرضا مروا بها في البرية، فتحوّضوا حوضا سقوا فيه إبلهم، وليست بموضع تحويض، ويقال ظلمت الحوض: إذا عملته في موضع لا تعمل فيه الحياض.
4 - أقاصيه: جمع أقصى، وهو ما شذّ منه وبعد. ولبده: ألصق التراب بعضه ببعض. والوليدة:
الخادمة الشابة. وضربها بالمسحاة لإصلاحه. والثأد: المكان الندي.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 179.(1/156)
5 - خلّت سبيل أتيّ كان يحبسه ... ورفّعته إلى السّجفين فالنّضد
6 - أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد
7 - فعدّ عمّا ترى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانة أجد
8 - مقذوفة بدخيس النّحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد
9 - كأنّ رحلي وقد زال النّهار بنا ... يوم الجليل على مستأنس وحد
10 - من وحش وجرة موشي أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصّيقل الفرد
11 - أسرت (1) عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشّمال عليه جامد البرد
12 - فارتاع من صوت كلّاب فبات له ... طوع الشّوامت من خوف ومن صرد
5 - الأتيّ: السيل يأتي من بلد إلى بلد، أو يأتي من كل ناحية. والسجفان: مصرعا الستر يكونان في مقدم البيت. والنضد: ما نضد ونسق من متاع البيت.
6 - أخنى عليها: غيرها وأفسد آياتها. ولبد: زعموا أنه نسر كان للقمان بن عاد عمّر طويلا.
7 - انم: ارتفع. والقتود: عيدان الرحل. والعيرانة: الناقة المشبهة بالعير، لصلابة خفّها. والأجد:
الموثقة الخلق. يقال: بنيان: مؤجد إذا كان مرصوصا بعضه إلى بعض.
8 - المقذوفة: التي كأنها رميت باللحم. والدخيس: الكثير المتداخل. والنحض: اللحم. والبازل:
نابها حين بزل اللحم يقال بزل البعير بزولا: إذا فطر نابه وانشق بدخوله في السنة التاسعة، فهو بازل، ويستوي فيه الذكر والأنثى. والصريف: الصياح من النشاط والفرح، ويقال صرف الباب صريفا: صوت عند إغلاقه أو فتحه. والقعو: البكرة من خشب أو غيره، وقيل المحور من الحديد. والمس: الحبل المفتول.
9 - زال النهار: انتصف. ويوم الجليل: ويروى (بذوي الجليل)، وهو واد قرب مكة ينبت الثمام وهو نبت ضعيف. والمستأنس: الذي ينظر بعينه لأنه أحسّ إنسيّا، ووحد منفرد.
10 - وجرة: مكان بين مكة والبصرة، فيه وحوش كثيرة. وموشي الأكارع: هو الأبيض في قوائمه نقط سود. وطاوي المصير: ضامره. والمصير: واحد المصران وكنّى به عن البطن.
كسيف الصيقل: أي يلمع. والصيقل: جلاء السيوف. والفرد: الذي لا مثيل له في الجودة.
11 - أسرت: جاءت ليلا. والجوزاء: برج في السماء. والشمال: ريح تأتي من جهة الشام، معها السحاب ذو البرد.
12 - ارتاع: فزع. والكلاب: صاحب الكلاب. والشوامت: القوائم أو الأعداء أي بات كما يتمنى له الشامت. والصرد: شدة البرد يريد أن هذا الثور لما أصابه مطر هذا النوء وبرده، كان مبيته مبيت سوء، فتضاعف خوفه وبات قائما لا يطمئن فينام.
__________
(1) في الديوان: «سرت عليه» بدل «أسرت عليه».(1/157)
13 - فبثّهنّ عليه واستمرّ به ... صمع الكعوب بريّات من الحرد
14 - وكان ضمران منه حيث يوزعه ... طعن المعارك عند المحجر النّجد
15 - شكّ الفريصة بالمدرى فأنفذها ... طعن المبيطر إذ يشفى من العضد
16 - كأنّه خارجا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد
17 - فظلّ يعجم أعلى الرّوق منقبضا ... في حالك اللّون صدق غير ذي أود
18 - لمّا رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود
19 - قالت له النّفس إني لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
20 - فتلك تبلغني النّعمان إنّ له ... فضلا على النّاس في الأدنى وفي البعد
13 - بثهنّ: فرّقهن. واستمر به: استمرت قوائمه به. والصمع: الضوامر، جمع صمعاء. والكعوب:
جمع كعب وهو المفصل من العظام. والحرد: استرخاء عصب يد البعير من شدة العقال واستعاره للثور لأنه لا يشد بعقال.
14 - ضمران: اسم كلب للصياد. ويوزعه: يغريه. والمعارك: المقاتل. والمحجر: الملجأ. والنجد:
الشجاع.
15 - شك: أنفذ. والفريصة: بضعة لحم في مرجع الكتف أو من مرجع الكتف إلى الخاصرة.
والمدرى: القرن. والمدرية: رماح كانت تركب فيها القرون المحددة مكان الأسنة. والمبيطر:
البيطار. والعضد: داء يأخذ في العضد.
16 - الصفحة: الجانب. السفود: حديدة يشوى عليها اللحم، قيل: هي رومية. والشرب: جماعة يشربون. ونسوه: تركوه. والمفتأد: موضع النار الذي يشوى فيه.
17 - يعجم: يمضغ الروق القرن. ومنقبضا: قد تقبض من شدة الوجع. والحالك: الشديد السواد.
والصدق: الصلب المستوي من الرماح. والأود: الاعوجاج.
18 - واشق اسم كلب آخر للصيد. والإقعاص: القتل السريع. والعقل: الدية. والقود: القصاص والمولى الناصر.
19 - يقول حدثت الكلب نفسه أن لا طمع في الأكل من لحم الثور وأن صاحبه لم يسلم إذا قتلت كلابه، ولم يصدّ الثور الذي قتلها.
20 - تلك إشارة إلى ناقته والبعد بفتح العين جمع باعد وهو ضد القريب. ومعنى هذه الأبيات على ترتيبها:
1 - أن الشاعر وقف على دار عشيقته فوجدها خالية من السكان فتذكر من كان فيها وجعل يخاطبها استراحة منه إليها وتوجعا على من ذهب عنها.
2 - وكان الوقت قصيرا ولكن شغفه بالدار لم يمنعه من الوقوف فيها ومخاطبتها إلا أنها لم ترد عليه جوابا ولم ير بها أثرا.
3 - إلا الأماكن التي كانت تشدّ فيها الدواب والحفر التي حول الخيام لئلا يصل إليها الماء وهي كالحوض في الأرض الغليظة الصلبة المظلومة أي التي يحفر فيها حوض وهي لا تستحق ذلك.
21 - ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
4 - وهذا الحوض مستدير حول الخيمة وقد مسحته الخادمة بالمسحاة ولبدته تلبيدا حين كانت الأرض ندية.(1/158)
3 - إلا الأماكن التي كانت تشدّ فيها الدواب والحفر التي حول الخيام لئلا يصل إليها الماء وهي كالحوض في الأرض الغليظة الصلبة المظلومة أي التي يحفر فيها حوض وهي لا تستحق ذلك.
21 - ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
4 - وهذا الحوض مستدير حول الخيمة وقد مسحته الخادمة بالمسحاة ولبدته تلبيدا حين كانت الأرض ندية.
5 - وأزالت منه التراب ليجري فيه الماء إذا جاء السيل بغتة ورفعت جانبه إلى الخيمة ونضدت للثياب التي فيها لكي لا يصل الماء إليها.
6 - وقد أضحت هذه الدار خالية بعد أن ابتعد أهلها عنها وغيّرها الدهر وأخنى عليها كما أخنى على لبد نسر لقمان المشهور الذي عاش مائتي عام ولكنه لم يجد عن الموت مردّا.
7 - ثم قال فاترك هذه الدار ووصفها إذ لا مردّ لما حلّ بها وضع الرحل على ناقة شبيهة بالبعير لصلابة خفّها وعظم فقرها.
8 - وهي سمينة ممتلئة البدن لأسنانها صريف الحبل في البكرة.
9 - وقد فعل الشاعر ذلك وركب هذه الناقة وسار عليها حتى إذا زال النهار أي انتصف رآها تحته كالثور الوحشي المنفرد الذي توجس من الإنس فزاد نشاطا ثم استطرد إلى وصف هذا الثور الوحشي ففاق «لفنستون» و «سبيك» وغيرهما من رواد إفريقية وقال:
10 - إن هذا الثور من وحوش وجرة وهي فلاة اتساعها ستون ميلا وماؤها قليل ولذلك فبطنه طاو ثم وصف شكله فقال إنه أبيض كسيف الصيقل المسلول وفي قوائمه نقط سود.
11 - وقد أمطرت عليه السماء ليلا في الفصل الذي فيه الجوزاء أي فصل الحر وكان مع المطر برد فاحتدّت نفسه فيه وتضاعف حذره.
12 - ثم سمع صوت صائد معه كلاب فارتاع من ذلك وبات خائفا قائما على قوائمه.
13 - وفي البيت الثالث عشر يؤكد النابغة استمرار هذا الخوف الذي ألقي على وحش وجرة حين رأى كلاب الصيد والصياد.
14 - فأرسل الصائد عليه كلبا من كلابه واسمه هزان وأغراه بصيده وطعنه طعن المحارب الشجاع فوثب الكلب على الثور ووقع على رأسه حيث أراد الصائد أن يمسكه بعنقه حتى لا يعود له مناص.
15 - فشكّه الثور بقرنه في فريصته أي بين كتفه وخاصرته فنفذ القرن من الجهة الأخرى لحدّته كأنه مبضع البيطار الذي ينزل به الحيوان إذا اعتراه داء العضد.
16 - وخرج القرن من جنب الكلب الآخر كأنه السفود (أي «السيخ» الذي يشكّ به اللحم ليشوى) الذي استعملته الندماء ثم نسوه بجانب المفتأد أي موضع النار التي يشوى عليها اللحم.
17 - ولكن الكلب ظل ينهش أعلى القرن وقد انقبض من شدة الألم وبقي متصلبا غير متعوج.
18 - ولما رأى الكلب الثاني واسمه واشق ما حلّ برفيقه وأن لا سبيل إلى الدية أو القصاص.
19 - قالت له النفس إني لا أرى طمعا بالثور بل إن مولاك نفسه قد لا يصيد هذا الثور ولا يسلم منه.
20 - ولما انتهى النابغة من وصف هذه الناقة على ما تقدم من البيان قال إن هذه الناقة هي التي تبلغني الملك النعمان الذي له فضل على الناس أقاربهم وأباعدهم، وشبّهه بالملك سليمان الحكيم واستطرد إلى طلب العفو.
21 - أي لا أرى أحدا يفعل فعلا كريما يشبهه في فعله. وأحاشي: أستثني.(1/159)
22 - إلّا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البريّة فاحددها عن الفند
23 - وخيّس الجنّ إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصّفّاح والعمد
24 - فمن أطاعك فانفعه بطاعته ... كما أطاعك وادلله على الرّشد
25 - ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى الظّلوم ولا تقعد على ضمد
26 - إلّا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد
27 - أعطى لفارهة حلو توابعها ... من المواهب لا تعطى على نكد
28 - الواهب المئة المعكاء زيّنها ... سعدان توضح في أوبارها اللبد
29 - والأدم قد خيست فتلا مرافقها ... مشدودة برحال الحيرة الجدد
30 - والرّاكضات ذيول الريط فانقها ... برد الهواجر كالغزلان بالجرد
31 - والخيل تمزع غربا في أعنّتها ... كالطّير تنجو من الشّؤبوب ذي البرد
32 - احكم كحكم فتاة الحيّ إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثّمد
22 - أحددها: أمنعها. والفند: الخطأ في القول والفعل وغيره، مما يفند صاحبه عليه.
23 - خيس: ذلل. وتدمر: مدينة بالشام. والصفاح: حجارة عراض. والعمد: أساطين من الرخام.
24 - يقال: رشد، بضم أوله وسكون ثانيه، ورشد بفتحتين.
25 - الظلوم: كثير الظلم. والضمد: الذل والغيظ أو شدة الغضب والحقد.
26 - الأمد: الغاية التي تجري إليها. قال الأعلم: وأكثر أهل اللغة لا يعرف معنى البيت.
27 - أعطى: أكثر إعطاء. والفارهة: الفاقة الكريمة، والمطية الحسنة. وتوابعها: ما يتبعها من هبات.
والنكد: الضيق والعسكر.
28 - المعكاء: الغلاظ الشداد. والسعدان: نبت تسمن عليه الإبل ويغذوها غذاء حسنا. وتوضح:
اسم موضع. واللبد: ما تلبد من الوبر.
29 - الأدم: البيض من النوق. وخيست: ذللت. والفتلاء: التي بانت مرافقها من آباطها فلا يصيبها ضاغط ولا حاز وهو جرح يصيب كراكرها إذا صكتها مرافقها فيمنعها بذلك عن السير.
والرحال: جمع رحل وهو كالسرج. والحيرة: مدينة معروفة بالعراق، تنسب إليها الرحال.
والجدد: جمع جدد.
30 - الذيول: جمع ذيل، وهو ما أسبل من الثوب. والريط: جمع ريطة وهي كل ملاءة لم تكن لفقين. وفانقها: نعم عيشها. والهواجر: جمع هاجرة وهي الحرّ الشديد. والجرد: الموضع الذي لا ينبت شيئا.
31 - تمزع: تمر مرّا سريعا. وغربا: حدّة ونشاطا. والشؤبوب: السحاب العظيم. يقول: ويهب الخيل التي هي في سرعتها كالطير التي تخاف أذى البرد فهي شديدة الطيران.
32 - فتاة الحي: قيل هي زرقاء اليمامة. وشراع: مجتمعة ويروى، سراع. والثمد: الماء القليل الذي يكون في الشتاء، ويجف في الصيف.(1/160)
33 - يحفه جانبا نيق وتتبعه ... مثل الزّجاجة لم تكحل من الرّمد
34 - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد
35 - فحسّبوه فألفوه كما حسبت ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
36 - فكملت مئة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد
37 - فلا لعمر الّذي مسّحت كعبته ... وما هريق على الأنصاب من جسد
38 - والمؤمن العائذات الطّير تمسحها ... ركبان مكة بين الغيل (1) والسّعد
39 - ما قلت من سيّء ممّا أتيت به ... إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي
40 - إلّا مقالة أقوام شقيت بها ... كانت مقالتهم قرعا على الكبد
41 - إذن فعاقبني ربي معاقبة ... قرت بها عين من يأتيك بالفند
42 - أنبئت أنّ أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
33 - يحفه: يحيط به. وجانبا: ناحيتا. والنيق: الجبل. مثل الزجاجة: أي عينا صافية، لم يصبها رمد فتحتاج إلى كحل.
34 - قد: أي حسب.
35 - يقول: حسبوا القطا، وضموا إليه نصفه فألفوه تسعا وتسعين كما حسبت لا تزيد ولا تنقص.
36 - الحسبة: الحساب، يقول في هذه الأبيات الخمسة: أصب في أمري ولا تخطىء فيه كما أصابت الزرقاء في عدد الحمام ولم تخطىء فيه زعموا أن الزرقاء امرأة من طسم وجديس.
37 - هريق: صب على الأنصاب وهي حجارة كانت في الجاهلية يذبح عندها العتائر. والجسد والجساد: الزعفران وهو هنا الدم أقسم بالله أولا ثم بالدماء التي كانت تصب على الأنصاب.
38 - المؤمن: الذي آمنها من الخوف وهو الله. والعائذات: اللاجئات إلى الحرم. وتمسحها: أي تمسح الركبان عليها ولا تهيجها بأخذ. والغيل: بفتح الغين، قيل: هو الماء الجاري على وجه الأرض، وقيل: الغيل والسعد أجمتان كانتا بين مكة ومنى.
39 - يقول: إذا كنت قلت هذا الذي بلغك فشلّت يدي، حتى لا أطيق رفع السوط على خفّته، وروي في تاج العروس: «ما أن نديت بشيء أنت تكرهه»، يقال: ما نديني من فلان شيء يكرهه أي ما بلني ولا أصابني وما نديت له كفى بشر وما نديت بشيء تكرهه وأنشد البيت.
40 - القرع: الصدر والضرب، يقول: اشتدت على مقالتهم وهبتك من أجلها فكأنها قرعت كبدي بذلك.
41 - الفند: الكذب، يقول: إن كان الأمر على ما يصف فعاقبني ربي معاقبة تقرّ بها عين حاسدي والكاذب عليّ.
42 - أبو قابوس: كنية النعمان، يقول: لقد توعدني النعمان وأهدر دمي: وإذا زأر الأسد فلا قرار
__________
(1) في الديوان: «الفيل» بدل «الغيل».
43 - مهلا فداء لك الأقوام كلّهم ... وما أثمّر من مال ومن ولد
44 - لا تقذفني بركن لا كفاء له ... وإن تأنّفك (1) الأعداء بالرّفد
45 - فما الفرات إذا هبّ الرياح له ... ترمي غواربه العبرين بالزّبد
46 - يمدّه كلّ واد مترع لجب ... فيه ركام من الينبوت والخضد
47 - يظلّ من خوفه الملّاح معتصما ... بالخيزرانة بعد الأين والنّجد
48 - يوما بأجود منه سيب نافلة ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد
49 - هذا الثّناء فإن تسمع به حسنا ... فلم أعرّض أبيت اللّعن بالصّفد
50 - ها إنّ ذي عذرة إلّا تكن نفعت ... فإنّ صاحبها مشارك النّكد
لأحد بجواره.(1/161)
43 - مهلا فداء لك الأقوام كلّهم ... وما أثمّر من مال ومن ولد
44 - لا تقذفني بركن لا كفاء له ... وإن تأنّفك (1) الأعداء بالرّفد
45 - فما الفرات إذا هبّ الرياح له ... ترمي غواربه العبرين بالزّبد
46 - يمدّه كلّ واد مترع لجب ... فيه ركام من الينبوت والخضد
47 - يظلّ من خوفه الملّاح معتصما ... بالخيزرانة بعد الأين والنّجد
48 - يوما بأجود منه سيب نافلة ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد
49 - هذا الثّناء فإن تسمع به حسنا ... فلم أعرّض أبيت اللّعن بالصّفد
50 - ها إنّ ذي عذرة إلّا تكن نفعت ... فإنّ صاحبها مشارك النّكد
لأحد بجواره.
43 - مهلا: أي تثبت في أمري ولا تعجل عليّ. وأثمر: أجمع وأكثر.
44 - الكفاء: النظير والمثل. وتأنفك الأعداء: صاروا حولك كالأثافي. والرفد: العصب من الناس.
45 - الفرات: نهر معروف. والعبرين: الناحيتين. والغوارب: الأمواج. الزبد: ما يطرحه الوادي إذا جاش ماؤه اضطربت أمواجه.
46 - مترع: مملوء. واللجب: ذو صوت. والركام: الحطام المتكاثف. والينبوت: شجر الخشخاش.
والخضد: ما خضد وتكسر.
47 - الملاح: صاحب السفينة. والخيزرانة: السكان، وهو ذنب السفينة. والأين: الفترة والإعياء.
والنجد: العرق والكرب.
48 - السيب: العطاء. والناقة: الزيادة ولا يحول أي لا يمنع. وصف النعمان في هذه الأبيات بأحسن ما يمكن من الكرم ومعنى هذه الأبيات الأربعة السابقة:
1 - أن الفرات إذا ثارت به العواصف وماجت مياهه وألقت الزبد على ضفتيه.
2 - وجرّت إليه المياه من الأنهر الصغيرة والغدران التي تصبّ فيه حاملة ركاما من نبات الخشخاش ونحوه.
3 - حتى اضطر الملاح أن يتمسك بدفّة السفينة بعد أن أعياه العرق والكرب من شدة جريان الماء.
4 - لا يكون الفرات أجود من النعمان، وجوده اليوم لا يمنع جوده غدا لغزارته وكونه سجيّة فيه.
49 - الصفد: العطاء.
50 - عذرة: اعتذار، يريد إن لم ينفع هذا الاعتذار عندك، فصاحبه حليف الهم، قليل الخير.
__________
(1) في الديوان: «وإن تأثّفك» بدل «وإن تأنّفك».(1/162)
2
وقال يعتذر إلى النعمان بن المنذر (1): [الطويل]
1 - عفا ذو حسا من فرتني فالفوارع ... فجنبا أريك فالتّلاع الدّوافع
2 - فتجمع الأشراج غيّر رسمها ... مصايف مرّت بعدنا ومرابع
3 - توهّمت آيات لها فعرفتها ... لستّة أعوام وذا العام سابع
4 - رماد ككحل العين لأيا أبينه ... ونؤي كجذم الحوض أثأم (2) خاشع
5 - كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها ... عليه حصير نمّقته الصّوانع
6 - على ظهر مبناة جديد سيورها ... يطوف بها وسط اللطيمة بائع
7 - فكفكفت مني عبرة فرددتها ... على النّحر منها مستهلّ ودامع
8 - على حين عاتبت المشيب على الصّبا ... وقلت ألمّا أصح والشيب وازع
9 - وقد حال همّ دون ذلك شاغل ... مكان الشغاف تبتغيه الأصابع
شرح القصيدة الثانية 1عفا: درس. وذو حسا: مكان في بلاد بني مرة. وفرتني: اسم امرأة. والفوارع: أعلى الجبل، أو مكان بعينه. وأريك: موضع. التلاع: جمع تلعة وهي مجاري الماء أعلى الأودية، أو ما انهبط من الوادي. والدوافع: التي تدفع إلى الوادي.
2 - الأشراج: مسايل الماء من الحرّة إلى السهل. والمصايف: جمع مصيف من الصيف. والمرابع:
جمع مربع، من الربيع.
3 - أي: غبت عنها سبعة أعوام، فلما رأيتها لم أتبينها إلا بعد طول تفرّس وتأمّل لدروسها وتغيّر معالمها.
4 - لأيا: جهدا ومشقّة. والنؤي: حفير حول الخيمة كالطوق يصرف عنها ماء المطر. والجذم:
الأصل. وأثأم: متثلم. وخاشع: لاصق بالأرض.
5 - الرامسات: الرياح الشديدات الهبوب، التي ترمس الأثر، أي تعفيه وتدفنه. وذيول الريح:
أواخرها أو أوائلها. ونمّقته: زيّنته.
6 - المبناة: هي التي يبسط عليها التاجر ما يبيعه، حصيرا كان أو نطعا. والسيور: الأشراك.
واللطيمة: سوق العطّارين، أو عير يحمل عليها الطيب، أو الطيب نفسه.
7 - كفكف الدمع: مسحه. والعبرة: الدمعة. والمستهل: السائل المنصب. والدامع: الذي يترقرق في العين قبل أن ينصب.
8 - صحا: أفاق. والوازع: الكافّ الزاجر عن اللهو.
9 - الشغاف: حجاب القلب.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 5752.
(2) في الديوان: «أثلم» بدل «أثأم».(1/163)
10 - وعيد أبو قابوس في غير كنهه ... أتاني ودوني راكس فالضّواجع
11 - فبتّ كأني ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع
12 - يسهّد من ليل التّمام سليمها ... لحلي النّساء في يديه قعاقع
13 - تناذرها الرّاقون من سوء سمّها ... تطلّقه طورا وطورا تراجع
14 - أتاني أبيت اللّعن أنّك لمتني ... وتلك الّتي تستك منها المسامع
15 - مقالة أنّ قد قلت سوف أناله ... وذلك من تلقاء مثلك رائع
16 - لعمري وما عمري عليّ بهيّن ... لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع
17 - أقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تجادع
18 - أتاك امرؤ مستبطن لي بغضة ... له من عدوّ مثل ذلك شافع
19 - أتاك بقول هلهل النّسج كاذب ... ولم يأت بالحقّ الذي هو ناصع
20 - أتاك بقول لم أكن لأقوله ... ولو كبلت في ساعديّ الجوامع
21 - حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع
10 - كنهه: حقيقته، أي على غير ذنب مني. وراكس: واد. الضواجع: منحنى الوادي.
11 - ضئيلة: أفعى دقيقة الجسم. وساورتني: لدغتني. والرقش: جمع رقشاء وهي التي فيها نقط بيض وسود. والناقع: القاتل.
12 - يسهد: يمنع من النوم. وليل التمام: أطول ليالي الشتاء. والسليم: الملدوغ تفاؤلا له بالسلامة.
وقعاقع: أصوات، كانوا يجعلون الحليّ والخلاخل في يد الملدوغ، ويحكمونها لئلا ينام، فيدب السم فيه.
13 - يقول: من خبثها لا تجيب الراقي، فمرة تجيب ومرة لا تجيب. وتناذرها: خوّف بعضهم بعضا إياها.
14 - أبيت اللعن: كلمة يدعى بها للملوك أي حفظت مما تلعن به. وتستك: تضيق المعنى:
أتتني منك ملامة يضيق عنها السمع ويأباها.
15 - مقالة: مرفوع على أنه بدل من فاعل أتاني في البيت السابق. سوف أناله: أي بأذى، أي ذلك خبر مفزع منك ومن مثلك من القدرة والسلطان.
16 - أراد بالأقارع: بني قريع بن عوف، وكانوا وشوا به إلى النعمان.
17 - تجادع: تشاتم.
18 - أي أتاك امرؤ منهم مستبطن لي بغضا له يشفعه آخر مثله من الأعداء بالوشاية.
19 - هلهل كجعفر: صفة لقول، أي أتاك بقول سخيف النسج كاذب ولم يأتك بالحق الواضح.
20 - الجوامع: جمع جامعة، وهي الغل والقيد في اليد أو العنق. وكبلت: أي ضيقت.
21 - الأمة: الدين والاستقامة أي وهل آثم في يميني، وأنا أدين لك وفي طاعتك.(1/164)
22 - بمصطحبات من لصاف وثبرة ... يزرن إلالا سيرهنّ التّدافع
23 - سماما تباري الرّيح خوصا عيونها ... رذايا بالطّريق ودائع
24 - عليهنّ شعث عامدون لحجّهم ... فهنّ بأطراف الحنيّ خواضع
25 - لكلّفتني ذنب امرىء وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع
26 - فإن كنت لا ذو الضّغن عني مكذب ... ولا حلفي على البراءة نافع
27 - ولا أنا مأمون بشيء أقوله ... وأنت بأمر لا محالة واقع
28 - فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
29 - خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع
22 - لصاف وثبرة: ماءان يستقي منهما الركبان عن طريق مكة. وإلال: جبل عن يمين إمام الحج حيث يقف بعرفة. المعنى: حلفت بنوق مصطحبات للحجاج يمتطونها من لصاف وثبرة إلى عرفة حيث ينتهين إلى إلال يزرنه، ثم يقصدن مكة متدافعات في السير أي يدفع بعضهن بعضا من الازدحام وحلف بهذه النوق التي تزور عرفة ومكة تعظيما لها.
23 - السما: طائر أكبر من الخطاف سريع الطيران. وتباري الريح: تعارضها. وخوصا: عيونها أي ضيقات عيونها. والرذايا: جمع رذية وهو المتروك المطروح من الإبل الهالك في أثناء الطريق. والمعنى: تزور هذه الإبل إلالا حال كونهنّ سريعات السير كالسمام ضيقات العيون من الجهد واتقاء الغبار وقد سقط منها هوالك في الطريق مودعة به.
24 - شعث: جمع أشعث وهو المغبر الشعر من طول السفر المتفرقة، والحني: جمع حنية، وهي القوس المعنى: على هذه النوق رجال شعث قاصدون للحج، وقد أصبحت هذه النوق من عناء السفر ضامرة كالقوس المبرية خاضعة الأعناق إعياء وتعبا.
25 - لكلفتني: جواب القسم. والعر: قرح مثل القوباء تخرج من الإبل متفرقة في مشافرها وقوائمها، فتكوى الصحاح في هذه المواضع لئلا تعديها المراض. المعنى: لقد آخذتني بذنب الجاني وتركته فأنا وهو كمثل الفصيل المعرور، يترك راتعا يأكل ما شاء في مرعاه، ويكوي غيره وهو سليم.
26 - الضغن: الحقد والعداوة، ويروى «فإن كنت لا ذا الضغن عني مكذبا» بفتح التاء من أكنت، وكسر الذال من مكذب.
27 - وأنت بأمر لا محالة واقع: أي وأنت في أمر إذاء واقع لا محالة.
28 - فإنك كالليل الخ: أي فإن عقابك ومؤاخذتك كالليل، أي لا أنجو من عقلتك مهما اتسعت أمامي مذاهب البعد منك والهرب عنك، وخص الليل دون النهار لأن الليل موحش يخشى شره كما يخشى عقاب الملك. المنتأى: المكان الذي ينأى فيه عنك أي يبعد.
29 - خطاطيف: خبر لمبتدأ محذوف أي لك خطاطيف جمع خطاف، أو مبتدأ سوّغ الابتداء به الوصف وتمدّ خبره. وحجن: جمع أحجن أي معوج. والمعنى: أن لك خطاطيف تمتد إليّ بها أيد تنزع بي إليك وتجذبني.(1/165)
30 - أتوعد عبدا لم يخنك أمانة ... وتترك عبدا ظالما وهو ضالع
31 - وأنت ربيع ينعش النّاس سيبه ... وسيف أعيرته المنيّة قاطع
32 - أبى الله إلّا عدله ووفاءه ... فلا النكر معروف ولا العرف ضائع
33 - وتسقى إذا ما شبت غير مصرّد ... بزوراء في حافاتها المسك كانع
3
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
2 - تطاول حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الّذي يرعى النّجوم بآئب
3 - وصدر أراح اللّيل عازب همّه ... تضاعف فيه الحزن من كلّ جانب
30 - توعد: تهدد. ضالع: مائل عن الحق جائر. ويروى: ظالع، بالظاء وهو الجائر المذنب.
31 - الربيع: الغيث. وينعش: يجير ويرفع. والسيب: العطاء.
32 - النكر: المنكر. والعرف: المعروف. وضاع الشيء يضيع: بطل والهاء في قوله «عدله»: يجوز أن تكون راجعة إلى الله. والمعنى أبى الله إلا العدل والوفاء، أي فلتكن أنت كذلك عادلا ويجوز أن تعود على «النعمان»، أي خلقه الله للعدل والوفاء.
33 - مصرد: من التصريد وهو شرب دون الريّ، أو هو قطع الشراب. وزوراء: قيل دار بالحيرة كانت للنعمان هدمها أبو جعفر، وقيل: كأس طويلة من فضة. وحافتها: جوانبها. وكانع:
حاضر. وقيل: دان بعضه من بعض.
شرح القصيدة الثالثة 1قال الأعلم: قال النابغة يمدح عمرو بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر ابن أبي شمر (ككتف) ويقال شمر (كملح) حين هرب إلى الشام، لمّا بلغه سعي مرّة بن ربيعة بن قريع به إلى النعمان وجافاه، هذا عن أبي عبيدة. وقال غيره: هو عمرو بن الحارث الأصغر ابن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر ابن أبي شمر كليني: دعيني. وأميمة: بالفتح، والأحسن بالضم.
قال الخليل: من عادة العرب أن تنادي المؤنث بالترخيم، فلما لم يرخّم هنا بسبب الوزن أجراها على لفظها مرخمة وأتى بها بالفتح. وناصب: متعب. وبطيء الكواكب: أي لا تغور كواكبه.
2 - أراد براعي النجوم: نفسه، وقيل: أراد به الصبح، ويروى «يهدى» بدل «يرعى» أي الذي يتقدم النجوم في الظهور.
3 - وصدر: أي وكليني أيضا لصدر. وأراح الليل: من الرواح. وعازب: غائب. المعنى: ودعيني أيضا وصدري المتضاعف فيه الحزن الذي أرجع هذا الليل ما كان غائبا من همّه ثم اقتضب الكلام اقتضابا وشرع في مدح عمرو بن الحارث فقال: (علي لعمرو).
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 3329.(1/166)
4 - عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
5 - حلفت يمينا غير ذي مثنويّة ... ولا علم إلا حسن ظنّ بصاحب
6 - لئن كان للقبرين قبر بجلّق ... وقبر بصيداء الذي عند حارب
7 - وللحارث الجفنيّ سيّد قومه ... ليلتمسن بالجيش دار المحارب
8 - وثقت له بالنّصر إذ قيل قد غزت ... كتائب من غسّان غير أشائب
9 - بنو عمّه دنيا وعمرو بن عامر ... أولئك قوم بأسهم غير كاذب
10 - إذا ما غزوا في الجيش حلّق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب
11 - يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضّاريات بالدّماء الدّوارب
12 - تراهنّ خلف القوم خزرا عيونها ... جلوس الشّيوخ في ثياب المرانب
4 - عقارب النعمة: تكديرها بالمنّ والأذى. المعنى: عليّ لعمرو نعمة حديثة بعد نعمة قديمة لوالده لم يكدرهما منّ ولا أذى.
5 - أي حلفت يمينا لم أستثن فيها ولا علم لي بصحة هذه اليمين إلا ثقتي وحسن ظني بصاحبي الذي أمدحه.
6 - أي لئن كان الممدوح عمرو منسوبا لصاحبي هذين القبرين وهو الواقع. وجلق: اسم لدمشق.
وصيداء: من مدن ساحل الشام موضع قريب منها. وحارب: اسم رجل أو بلد. وصاحبا القبرين: هما الأب، والجدّ الأول. والحارث الجفني: هو الجد الثالث لأن الممدوح هو عمرو بن يزيد بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر ابن أبي شمر الجفني لأنه سيد آل جفنة.
المعنى: لئن كان هذا الممدوح ابن هؤلاء الملوك العظام وهو يعلم أنه ابنهم وإنما بالغ في المدح ليبلغن مبلغهم وليطلبن بجيشه أعداءه فيغزوهم في عقر دارهم كما كان آباؤه وأجداده يفعلون.
7 - الحارث الجفني: هو ابن أبي شمر الغساني. وقوله ليلتمسن هو جواب القسم.
8 - أشائب: جمع أشابة وهم الأخلاط أي أن هذه الكتائب كلها من صلب غسان.
9 - أي أن هذه القبائل هم بنو عمه الأدنون وبنو عمه الأبعدون في القرابة وهم بنو عمرو بن عامر.
10 - أي إذا غزوا حلقّت عليهم جماعات النشور والعقبان والرخم لتأكل ممّن يقتلونهم.
11 - أي تسير جماعات الطير معهم كأنها تغير بإغارتهم على الأعداء ضاريات متدربات على دماء القتلى.
12 - خزرا: جمع أخزر وخزراء أي ضيقة العيون خلقة أو أنها تتخازر أي تقبض أجفانها لتحدد النظر. جلوس الشيوخ الخ أي أنها عند اشتداد القتال تقع على أعالي الأرض والهضاب كأنها في ريشها ووقوفها وتحديد النظر تترقب القتلى جالسة جلوس الشيوخ إذا التفّوا. بأكسية المرانب: يحددون النظر إلى شيء بعيد، والمرانب: جمع مرنباني وهو الثوب المبطن بفراء الأرانب.(1/167)
13 - جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب
14 - لهنّ عليهم عادة قد عرفتها ... إذا عرض الخطيّ فوق الكواثب
15 - على عارفات للطّعان عوابس ... بهنّ كلوم بين دام وجالب
16 - إذا استنزلوا عنهنّ للطّعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
17 - فهم يتساقون المنيّة بينهم ... بأيديهم بيض رقاق المضارب
18 - يطير فضاضا بينها كلّ قونس ... ويتبعها منهم فراش الحواجب
19 - ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب
20 - تورّثن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب
13 - جوانح: أي مائلات للوقوع.
14 - أي القنا الخطي المنسوب إلى الخط: بلد بالبحرين. الكواثب: جمع كاثبة وهي جسم الفرس مما تحت الكاهل إلى الظهر بحيث إذا نصب عليه السرج كانت أمام القربوس يضع الفارس عليها رمحه مستعرضا: أي اعتادت الطير أن الرماح إذا عرضت على الكواثب كان ذلك لرزق يساق إليها.
15 - على عارفات: أي على خيول صابرات لطعان الأعداء. عابسات الوجوه والكلوم: الجراح.
والدامي: الذي يسيل دما. والجالب: الجرح الذي يبس أعلاه.
16 - أرقلوا: أشرعوا. والجمل المصعب: الفحل الصعب. والمعنى: إذا أنزل هؤلاء الأقوام عن هذه الخيول لضيق في المكان ووقع الالتحام أسرعوا إلى الموت على أرجلهم كأنهم الجمال المصاعب.
17 - يتساقون: أي يسقي بعضهم بعضا.
18 - الفضاض: ما انفضّ وتفرق. والقونس: أعلى البيضة التي توضع على الرأس من الفولاذ. وفراش الحواجب: أي فراش الجمعة وهي العظام الرقاق التي تكون أسفل الجمجمة فوق الحنك والحلق، والضمير في يتبعها يعود على (كل قونس) لأنه في معنى الجمع كقوله تعالى: {وَعَلى ََ كُلِّ ضََامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].
المعنى: يطير بين السيوف قوانس الفرسان قصاصا، ويتبع هذه القوانس في الطيران فراش جماجم الفرسان.
19 - الفلول: جمع فل وهو الثلمة في السيف. والقراع: المضاربة بالسيوف وهذا الاستثناء سمّاه ابن المعتز تأكيد المدح بما يشبه الذم إذ إن انفلالها من قراع الكتائب فخر وفضل، لأنه دليل على صبرهم وشجاعتهم وكثرة ضربهم للأعداء.
20 - أي أن هذه السيوف ورثت عن الآباء الذين حضروا يوم حليمة، وهو يوم انتصرت فيه الغساسنة على المناذرة وحليمة هذه ابنة الحارث بن أبي شمر جد الممدوح الثالث وكانت ضمخت عسكر أبيها عند رجوعهم منصورين بالطيب فقيل في المثل: «ما يوم حليمة بسر».(1/168)
21 - تقدّ السّلوقيّ المضاعف نسجه ... وتوقد بالصّفّاح نار الحباحب
22 - بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كإبزاغ المخاض الضّوارب
23 - لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ... من الجود والأحلام غير عوازب
24 - مجلّتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب
25 - رقاق النّعال طيّب حجزاتهم ... يحيّون بالرّيحان يوم السّباسب
26 - تحيّيهم بيض الولائد بينهم ... وأكسية الإضريج فوق المشاحب
27 - يصونون أجسادا قديما نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب
28 - ولا يحسبون الخير لا شرّ بعده ... ولا يحسبون الشّرّ ضربة لازب
21 - السلوقي: أي الدرع السلوقي، والدرع مؤنثة، وقد تذكر كما هنا وهو منسوب إلى بلد سلوقية من ساحل أنطاكية بالشام. والصفاح: الحجارة العراض ونار الحباحب: شعاع يضيء بالليل من ذباب يسمى الحباحب. المعنى: أن هذه السيوف تقطع الدرع المضاعفة النسج وإذا ضرب بها الحجارة قدحت شررا يتطاير كأنه نار الحباحب.
22 - الهام: جمع هامة وهي الرأس. وسكناته: حيث يسكن ويستقر. والإبزاع: دفع الناقة ببولها.
والمخاض: النوق الحوامل. والضوارب: التي تضرب بأرجلها. والمعنى: إذا ضرب بها أزالت الهام عن الأعناق وإذا طعن بها خرج الدم في إثرها خروجا كاندفاع بول النوق الحوامل.
23 - الأحلام: العقول. والعوازب: البعيدة أو الغائبة، أي أنهم أجواد حاضروا العقول.
24 - يروى محلتهم ذات الإله ومجلتهم فمعنى الأولى مسكنهم دار نفس الإله يريد بيت المقدس والأرض المقدسة. ومعنى الثانية: كتاب حكمتهم ومقروءهم ذات الإله، أي عبادة الإله.
والعواقب: جمع عاقبة أي عاقبة أعمالهم جزاء الإله لهم عليها، يصفهم بأنهم متديّنون.
25 - رقاق النعال: أي أن نعالهم رقيقة لا يخصفونها طباقا، وذلك كناية عن قلّة مشيهم لأنهم ملوك لا يمشون بل يركبون الخيل غالبا. وحجزة الإزار والسراويل: جمع شدهما على الوسط من الجسم كناية عن عفّتهم. والريحان: الزهر الطيب الرائحة. والسباسب: يوم الشعانين، وهو يوم عيد عند النصارى وكان الممدوح نصرانيّا، وذلك كناية عن رقّة أمزجتهم وحسن أذواقهم أو محافظتهم على التقاليد المرعبة.
26 - الولائد: الإماء. والإضريج: الخزّ الأحمر اللون، والخز: ثياب تنسج من الصوف المخلوط بالحرير، والمشاجب: جمع مشجب، وهو الأعواد تنشر عليها الثياب وتعلق، أي أنهم ملوك أهل نعمة خدمهم الولائد البيض، وثيابهم ثمينة مصونة تعلق على المشاجب.
27 - الأردان: جمع ردن، وهو مقدّم كمّ القميص. المعنى: يصونون أجسادهم العريقة في التنعّم بثياب بيض الأردان خضر المناكب. وكان هذا الزيّ من لبس الملوك.
28 - اللازب: الثابت اللازم. المعنى: أنهم قد عرفوا تصرّف الزمان وتقبله، فإذا أصابهم خير لم يثقوا بدوامه يوم، وإذا أصابهم شر لم يرهقهم، وأيقنوا أنه لا يدوم فلم يقنطوا، فوصفهم بالاعتدال.(1/169)
29 - حبوت بها غسّان إذ كنت لا حقا ... بقومي، وإذ أعيت عليّ مذاهبي
4
وقال أيضا (1): [البسيط]
1 - إني كأني لدى النّعمان خبره ... بعض الأودّ حديثا غير مكذوب
2 - بأنّ حصنا وحيّا من بني أسد ... قاموا فقالوا حمانا غير مقروب
3 - ضلّت حلومهم عنهم وغرّهم ... سنّ المعيديّ في رعي وتعزيب
4 - قاد الجياد من الجولان قائظة ... من بين منعلة تزجى ومجنوب
5 - حتى استغاثت بأهل الملح ما طمعت ... في منزل طعم نوم غير تأويب
29 - أي حبوت بقصائدي غسان عندي ما كنت لا حقا بقومي غير خائف من أحد وعندما كنت خائفا هاربا من النعمان، وضاقت عليّ مذاهبي أي أنهم خير من يمدحهم في حالي الأمن والخوف.
شرح القصيدة الرابعة 1النعمان: هو ابن الحارث، وليس النعمان بن المنذر. قال الوزير أبو بكر: كان النابغة منقطعا بودّه إلى بني أسد، فلما أسرهم الحارث بن أبي شمر الغساني في وقعة عين أباغ، ركب النابغة إلى الحارث يكلمه في أسرى بني أسد وبني فزارة، فأعطاه إياهم وأكرمه، وكان حصن بن حذيفة الفزاري أصاب في غسان قبل ذلك بعام. فقال الحارث للنابغة: ما دسّ بني أسد إلا حصن، وقد بلغني أنه لا يزال يجمع علينا الجموع، ليغير على أرضنا.
وكان النعمان بن الحارث شديدا غليظا، فدخل عليه النابغة، فقال له النعمان: إن حصنا عظيم الذنب إلينا وإلى الملك. فقال النابغة: أبيت اللعن! إن الذي بلغك باطل. ففي ذلك يقول هذه القصيدة. والأود: جمع ود، ويروى: الأودا مقصورا، جمع وديد، وهو المحبّ.
2 - قاموا: أي عزموا، كما في لسان العرب في قام والحمى: كل ما حميته ومنعت منه.
3 - ضلّت: عزبت. الحلوم: العقول. والسن: حسن القيام على المال والمواشي. والمعيدي:
تصغير المعدي، نسبة إلى معد، وخففت أسال لأن الياء مشددة بعدها. التعذيب: أن يبيت الرجل بماشيته في المرعى، لا يريحها إلى أهلها.
4 - قاد الجياد: يريد النعمان بن الحارث. والجولان: موضع بالشام. وقائظة: في وقت القيظ، إذ يتعذر الماء والكلأ. والمنعلة: الناقة التي ألبست نعلا من الجلد. وتزجى: تساق. والمجنوب:
الحسان الموقود بجانب آخر.
5 - الملح: ماء لبني فزارة ملح. والتأويب: سير النهار.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 3735.(1/170)
6 - ينضحن نضح المزاد الوفر أتأقها ... شدّ الرّواة بماء غير مشروب
7 - قبّ الأياطل تردي في أعنّتها ... كالخاضبات من الزّعر الظنابيب
8 - شعث عليها مساعير لحربهم ... شمّ العرانين من مرد ومن شيب
9 - وما بحصن نعاس إذ تؤرّقه ... أصوات حيّ الأمرار محروب
10 - ظلّت أقاطيع أنعام مؤبلة ... لدى صليب على الزّوراء منصوب
11 - فإذ وقيت بحمد الله شرّتها ... فانجي فزار إلى الأطواد فاللّوب
12 - ولا تلاقي كما لاقت بنو أسد ... فقد أصابتهم منها بشؤبوب
13 - لم يبق غير طريد غير منفلت ... وموثق في حبال القدّ مسلوب
14 - أو حرّة كمهاة الرّمل قد كبلت ... فوق المعاصم منها والعراقيب
15 - تدعوا قعينا وقد عضّ الحديد بها ... عضّ الثقاف على صمّ الأنابيب
6 - ينضحن: يعرقن. والمزاد: جمع مزادة، وهي ما يحمل فيها الماء. والوفر: الضخام. وأتأقها:
ملأها. والرواية: المستقون.
7 - قب: جمع أقب، وهو الضامر البطن. والأبطل: الكشح. وتردي: تشرع. والخاضب من النعام: الذي احمرّ ساقاه وأطراف ريشه. والزعر: جمع أزعر، وهو القليل الريش. والظنابيب:
جمع ظنبوب، وهو حدّ عظم الساق، قال الأصمعي: إذا أخصب الظليم في الشتاء، فاحمرّ جلده وساقاه، اشتد ولا تطلبه الخيل لأنه في ذلك الوقت أسرع منها.
8 - الشعث: جمع الأشعث، وهو المتغيّر الشعر من سفر ونحوه. والمساعير: جمع مسعار، وهو الذي يسعر الحرب ويهيجها. وشم العرانين: مرتفعو الأنوف. والمرد: جمع أمرد. والشيب:
جمع أشيب.
9 - حصن: من بني فزارة. والأمرار: مياه. والمحروب: الذي أخذ ماله وسلب.
10 - الأقاطيع: جمع قطيع، مثل حديث وأحاديث، وهو الطائفة من الغنم أو النعم. والمؤبلة: التي تتخذ للقنية، فلا تركب، ولا تستعمل. والصليب: هدف ينصب علامة. والزوراء: مسكن بني حنيفة.
11 - الشرة: بكسر الشين، الشر. وانجي: أسرعي. والأطواد: الجبال. واللوب: الحرار.
12 - الشؤبوب: الدفعة من المطر بشدة، شبّه ما أصابهم من غارة النعمان بالشؤبوب. ولا تلاقي: أي لا تقيمي حيث تلقاك الخيل المغيرة.
13 - الطريد: الذي طرده الخوف، وأبعده عن محله. والقد: الشراك، وكانوا يشدون فيه الأسير.
يقول: الطريد من بني أسد غير منفلت من الخوف والفزع فهو بمنزلة الأسير الموثق.
14 - المهاة: البقرة الوحشية. شبّه بها المرأة الحلوة العينين. والمعصم: موضع السّوار من اليد.
15 - قعين: بطن من بني أسد. والثقاف: خشبة تقوم بها الرماح. والأنابيب كعوب العصيّ، يقول:
عض الحديد معاصم هذه المرأة فجعلت تستغيث بقومها.(1/171)
16 - مستشعرين قد الفوا في ديارهم ... دعاء سوع ودعميّ وأيّوب
5
وقال يهجو زرعة بن عمرو (1): [الكامل]
1 - نبّئت زرعة والسّفاهة كاسمها ... يهدي إلى غرائب الأشعار
2 - فحلفت يا زرع بن عمرو أنّني ... ممّا يشقّ على العدوّ ضراري
3 - أرأيت يوم عكاظ حين لقيتني ... تحت العجاج فما شققت غباري
4 - إذا اقتسمنا خطّتينا بيننا ... فحملت برّة واحتملت فجار
5 - فلتأتينك قصائد وليدفعن ... جيش إليك قوادم الأكوار
6 - رهط ابن كوز محقبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار
7 - ولرهط حرّاب وقدّ سورة ... في المجد ليس غرابهم بمطار
16 - مستشعرين: يدعون بشعارهم. والشعار: العلامة التي يتعارفون بها في الحرب مثل أن يذكر الرجل أشرف من في قومه، ويدعوه باسمه. وسوع ودعمي وأيوب: أحياء من اليمن من غسان.
يقول: إن بني قعين لما سمعوا في ديارهم شعار قوم النعمان، وانتسابهم إلى سوع ودعمي وأيوب، جعلوا يستشعرون.
شرح القصيدة الخامسة 1روي عن أبي عبيدة: كان زرعة بن عمرو بن خويلد، قد لقي النابغة بعكاظ فأشار عليه أن يشير على قومه بترك حلف بني أسد، فأبى النابغة الغدر، وبلغه أن زرعة يتوعده، فقال هذه القصيدة في هجائه. ويروى: أوابد في مكان غرائب، فغرائب الأشعار يروى مكانها أوابد الأشعار، والأوابد: جمع آبدة وهي القصيدة تسير في كل مكان، أو هي التي لا تشاكل جودة.
2 - يا زرع: مرخم زرعة، وضراري: أي مسّي بأذى.
3 - العجاج: الغبار. وعكاظ: سوق للعرب بقرب مكة.
4 - برة: اسم للبر. وفجار: اسم للفجور، وهما معرفتان من أعلام الأجناس.
5 - قوادم الأكوار: جمع قادمة، وهي مقدمة الرحل.
6 - ابن كوز: من بني مالك بن ثعلبة. وربيعة بن حذار: من بني سعد. ومحقبي أدراعهم: أي جاعلوها كالحقائب لوقت الحاجة إليها.
7 - حرّاب وقدّ: رجلان من بني أسد. السورة: المنزلة الرفيعة. وليس غرابهم بمطار: كناية عن خصب عيشهم، وكثرة خيرهم، لأن الغراب إذا وقع في مكان يجد فيه ما يشبعه، لا يحتاج أن يتحوّل عنه.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 9086.(1/172)
8 - وبنو قعين لا محالة أنّهم ... آتوك غير مقلّمي الأظفار
9 - سهكين من صدإ الحديد كأنّهم ... تحت السّنّور جنّة البقّار
10 - وبنو سواءة زائرك بوفدهم ... جيشا يقودهم أبو المظفار
11 - وبنو جذيمة حيّ صدق سادة ... غلبوا على خبت إلى تعشار
12 - متكنّفي جنبي عكاظ كليهما ... يدعو بها ولدانهم عرعار
13 - قوم إذا كثر الصّياح رأيتهم ... وقرا غداة الرّوع والإنفار
14 - والغاضريّون الّذين تحمّلوا ... بلوائهم سيرا لدار قرار
15 - تمشي بهم أدم كأنّ رحالها ... علق هريق على متون صوار
16 - شعب العلافيّات بين فروجهم ... والمحصنات عوازب الأطهار
17 - برز الأكفّ من الخدام خوارج ... من فرج كلّ وصيلة وإزار
18 - شمس موانع كلّ ليلة حرّة ... يخلفن ظن الفاحش المغيار
19 - جمعا يظلّ به الفضاء معضلا ... يدع الإكام كأنّهنّ صحارى
8 - غير مقلّمي الأظفار: أي يأتونك محاربين معهم سلاحهم.
9 - النهكة: رائحة كريهة من العرق. والسنور: السلاح التام. والبقار: موضع تكثر فيه الجن.
شبّههم بالجن لنفوذهم في الحرب.
10 - بنو سواءة وأبو المظفار: من بني أسد. وأبو المظفار: مالك بن عوف بن كثير بن ناشرة، وكان سيد قومه.
11 - بنو جذيمة: من كلب. وتعشار: من أرض كلب، وقيل: موضع في بلاد بني تميم، وقيل:
جبل في بلاد بني ضبة، وقال الخليل: ماء لبني ضبة بنجد.
12 - متكنفي جنبي عكاظ: أي محيطين بجنبي عكاظ. وعرعار: كلمة لصبيان العرب يتداعون بها، ليجتمعوا للعب، يقول: هم آمنون، وصبيانهم يلعبون.
13 - وقرا: جمع وقور، أي ثابتين. والروع: الفزع. والإنفار: الخوف.
14 - الغاضريون: نسبة إلى غاضرة، من بني أسد، يريد أنهم لم يتحمّلوا للهرب بل للإقامة والثبات.
15 - الأدم: الإبل العتاق. والعلق: الدم. وهريق: صب. والصوار: قطيع بقر الوحش. شبّه حمرة الرّحال على الإبل البيض، بالدم المهراق على ظهور البقر.
16 - الشّعب: جمع شعبة، وهي فرج بين أعواد الرّحل. والعلافيات: رحال منسوبة إلى علاف: حيّ من اليمن. وعوازب: بعيدات.
17 - برز وخوارج: ظاهرة. والخدام: جمع خدمة وهو الخلخال. والوصائل: ثياب حمر يؤتى بها من اليمن. والفرج هنا: باب الكمّ.
18 - شمس: نوافر من الفاحشة إذا طلبت عندهنّ. والمغيار: الشديدة الغيرة.
19 - معضل: ضيق بهذا الجيش. والإكام: ما ارتفع من الأرض.(1/173)
20 - لم يحرموا حسن الغذاء وأمّهم ... طفحت عليك بناتق مذكار
21 - حولي بنو دودان لا يعصونني ... وبنو بغيض كلّهم أنصاري
22 - زيد بن زيد حاضر بعراعر ... وعلى كنيب مالك بن حمار
23 - وعلى الرّميثة من سكين حاضر ... وعلى الدّثينة من بني سيّار
24 - فيهم بنات المسجديّ (1) ولا حق ... ورقا مراكلها من المضمار
25 - يتجلب اليعضيد من أشداقها ... صفرا مناخرها من الجرجار
26 - تشلى توابعها إلى الأفها ... خبّب السّباع الوله الأبكار
27 - إنّ الرّميثة مانع أرماحنا ... ما كان من سخم بها وصفار
28 - فأصبن أبكارا وهنّ بإمّة ... أعجلنهنّ مظنّة الإعذار
20 - طفحت: اتسعت وغلبت. والناتق: التي أخرجت ما عندها من الولد. ومذكار: تلد الذكور، والأم هي الناتق لا غيرها.
21 - بنو دودان: من بني أسد. وبنو بغيض: من بني عبس.
22 - زيد بن زيد ومالك بن حمار: من بني فزارة. وعراعر: ماء. وكنيب: ماء لبني فزارة وهو أحد الأمرار.
23 - الرميثة: ماء لبني فزارة. وسكين: رهط بني هبيرة الفزاري. والدثينة: ماء لهم أيضا.
24 - الورق: جمع أورق، وهو الذي لونه لون الرماد. والعسجدي ولا حق: فرسان كانا في الجاهلية من الفحول المنجبة. المراكل: جمع مركل، وهو موضع عقب الفارس من الفرس.
والمضمار: أن يركبها الولدان، فتقع أعقابهم موقع المراكل فيتحاتّ الشعر، وإذا نبت غيره خرج أورق.
25 - اليعضيد: نبت ناعم، رطب، كثير الماء. والجرجار: نبت له نوار أصفر تصفرّ مناخر الخيل من نواره.
26 - تشلى: تدعى. وتوابعها: أولادها. والوله: جمع واله، وهي الفاقدة لأولادها. والأبكار:
أشد ولها على أولادها. يقول: تدعى الصغار من الخيل إلى أمهاتها، فتحنّ حنين السّباع الوله.
27 - الرميثة: ماء لبني فزارة. والسخم والصفار: نبتان.
28 - الإمة: النعمة. ومظنّة الأعذار: وقت الختان.
__________
(1) في الديوان: «العسجدىّ» بدل «المسجديّ».(1/174)
6
وقال أيضا (1): [البسيط]
1 - بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما ... واحتلّت الشّرع فالأجزاع من إضما
2 - إحدى بليّ وما هام الفؤاد بها ... إلّا السّفاه وإلّا ذكرة حلما
3 - ليست من السّود أعقابا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما
4 - غرّاء أكمل من يمشي على قدم ... حسنا وأملح من حاورته الكلما
5 - قالت أراك أخا رحل وراحلة ... تغشى متالف لن ينظرنك الهرما
6 - حيّاك ربّي فإنّا لا يحلّ لنا ... لهو النّساء وإنّ الدّين قد عزما
7 - مشمّرين على خوص مزممة ... نرجو الإله ونرجو البرّ والطّعما
8 - هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدّخّان تغشى الأشمط اليرما
9 - وهبّت الرّيح من تلقاء ذي أرل ... تزجي مع اللّيل من صرّادها صرما
شرح القصيدة السادسة 1بانت: نأت. وانجذم: انقطع. والشرع: بالفتح، موضع. والأجزاع: جمع جزع، وهو منتهى الوادي حيث يعظم الخصب. وإضم: واد دون اليمامة، أو جبل، وأراد به البقعة، فلم يصرفه.
2 - بليّ: قبيلة من قضاعة.
3 - نخلة: موضع سوق فيه بستان ابن عامر. والبرم: جمع برمة، وهي القدر من النحاس.
4 - غراء: بيضاء. حاورته: راجعته. وصفها في البيت بحسن الصورة والمنطق.
5 - الرحل: السرج. والراحلة: الناقة تتخذ للسفر. تغشى: تحمل نفسك. والمتالف: المخاطر.
ولن ينظرنك: لن يبقينك حتى تبلغ الهرم.
6 - الدين: ههنا الحج. وعزم: أي عزمنا عليه، وهو من باب القلب.
7 - مشمرين: جادين. والخوص: الإبل الغائرة العيون. واحدها: خوصاء. ومزممة: مشدودة بأزمتها ورحالها. والطعم: جمع طعمة، وهي الرزق في الدنيا.
8 - الأشمط: الذي خالطه الشيب. والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر شحّا منه ولؤما.
9 - ذو أرل: جبل بأرض غطفان في مهب الشمال. تلقاءه: قبالته. وتزجي: تسوق. والصراد:
سحاب بارد لا ماء فيه. والصرم: جمع صرمة وهي قطع السحاب، وأصلها: القطعة من الإبل.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 114111.(1/175)
10 - صهب الظّلال أتين التّين عن عرض ... يزجين غيما قليلا ماؤه شبما
11 - ينبئك ذو عرضهم عني وعالمهم ... وليس جاهل شيء مثل من علما
12 - إني أتمّم أيساري، وأمنحهم ... مثنى الأيادي، وأكسوا الجفنة الأدما
13 - وأقطع الخرق بالخرقاء قد جعلت ... بعد الكلال تشكّى الأين والسأما
14 - كادت تساقطني رحلي وميثرتي ... بذي المجاز ولم تحسن به نعما
15 - من قول حرميّة قالت وقد ظعنوا ... هل في مخفّيكم من يشتري أدما
16 - قلت لها وهي تسعى تحت لبّتها ... لا تحطمنّك إنّ البيع قد زرما
17 - باتت ثلاث ليال ثمّ واحدة ... بذي المجاز تراعي منزلا زيما
18 - فانشقّ عنها عمود الصّبح جافلة ... عدو النّحوص تخاف القانص اللّحما
19 - تحيد عن أستن سود أسافله ... مشي الإماء الغوادي يحمل الجزما
10 - صهب: جمع صهباء والصهبة: الحمرة وهي في السحاب من علامات الجدب. والتين:
جبل مستطيل، في مهب الشمال من ديار غطفان، وإذا كانت الريح شمالا أتته من عرضهم.
وعرض: اعتراض. ويزجين: يسقن. والشيم: البارد.
11 - ذو عرضهم: من له عرض منهم يشحّ به، ويتقي الشتم، وهو الكريم.
12 - أتمم أيساري: هو أن يعجز القوم عن ثمن جزور، فيتممه لهم، وقيل بل معناه: إذا نقص أيسار الجزور، وكانوا ثلاثة أو أربعة، وأرادوا أن يتمموا سبعة، أخذت ثلاثة أنصباء تمام سبعة. والأيسار: جمع يسر، وهم المتقامرون. وأمنحهم: أعطيهم. ومثنى الأيادي:
أضاعف لهم حظوظهم، أي أعطيهم نصيبين. والأدم، ككثب: جمع إدام، وهو ما يؤتدم به.
13 - الخرق: الأرض الواسعة. والخرقاء: الناقة التي بها هوج من نشاطها. والأين: الإعياء.
والسأم: الفتور والملل.
14 - الميثرة: وطاء محشو يترك على رحل البعير تحت الراكب. وذو المجاز: سوق للعرب.
15 - حرمية: منسوبة إلى الحرم. والأدم: بالتحريك، الجلد المدبوغ. والمخف: من لم يثقل بعيره، وهو أحرى أن يشتري.
16 - اللبّة: الصدر. تحطمنك: تكسرنك. وزرم: اشترى الناس، انقطع البيع.
17 - باتت: أي الناقة، وإنما يعني نفسه. وثلاث ليال: يعني ليالي التشريق ثم نفرت فباتت ليلة واحدة بذي المجاز. وزيما: فرقا.
18 - جافلة: مسرعة. والنحوص: الأتان الخائل، التي ليس لها لبن. واللحم: القرم إلى اللحم فهو أحرص على طلب الصيد.
19 - الأستن: شجر منكر الصورة. أسود الأسافل: يقال لثمره: رؤوس الشياطين، شبه سواد أسفل هذا الشجر وما فوق ذلك من فروعه اليابسة، بإماء سود، على رؤوسهن الحطب.(1/176)
20 - أو ذي وشوم بحوضي بات منكرسا ... في ليلة من جمادى أخضلت ديما
21 - بات بحقف من البقّار يحفزه ... إذا استكفّ قليلا تربه انهدما
22 - مولّي الرّيح روقيه وجبهته ... كالهبرقيّ تنحّى ينفخ الفحما
23 - حتى غدا مثل نصل السّيف منصلتا ... يقرو الأماعز من لبنان والأكما
7
وقال يعتذر إلى النّعمان ويمدحه (1): [الطويل]
1 - كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا ... وهمّين همّا مستكنا وظاهرا
2 - أحاديث نفس تشتكي ما يريبها ... وورد هموم لن يجدن مصادرا
3 - تكلّفني أن يفعل الدهر همّها ... وهل وجدت قبلي على الدّهر قادرا
4 - ألم تر خير النّاس أصبح نعشه ... على فتية قد جاوز الحيّ سائرا
20 - ذو الوشوم: ثور وحشي بقوائمه سواد وهو معطوف على موضع النحوض. وحوضي: مكان.
قال البكري: في ديار بني قشير أو بني جعدة وأورد البيت والمنكرس: المتداخل المتقبض. وأخضلت ديما: بلّت الأرض بالمطر الدائم.
21 - الحقف: المنعطف من الرمل. والبقار: موضع قال البكري نقلا عن أبي عبيدة: البقار: رمل بعالج في أدنى بلاد طيىء إلى بني فزارة. يحفزه: يرقيه. واستكف: كف يقول: بات الثور برمل منعطف، فهو يرقبه لئلا ينهال عليه.
22 - مولي الريح: يستقل الريح إذا حفر، حتى إذا فرغ ودخل كناسه، كانت الريح من خلفه.
والهبرقي: الحداد أو الصانع. وتنخّى: تحرف. وقد شبّه النور بالحداد، لأنه مكب يبحث بقرنيه الرمل ليجعله كناسا، كما يكب الحداد ينفخ في الفحم.
23 - يقرو: يتبع. والأماعز: الأماكن الصلبة الكثيرة الحصى. ومثل نصل السيف: أي يبرق كما يبرق نصل السيف. والمنصلت: الحد الماضي.
شرح القصيدة السابعة 1في رواية أخرى أنه ذكر له أن النعمان عليل. فقالها الجمومين: بفتح الجيم وضمها موضع.
وقال البكري في المعجم: الجموم ماء في ديار غطفان، وقال الذبياني فثناه (وأنشد البيت).
2 - يقول: نفسي تشتكي هموما ترد عليّ، ولا تصدر عنّي.
3 - المعنى تكلفني ألا يصيبها مكروه وهذا مما لا يكون ولا أقدر عليه.
4 - النعش: شبه المحفّة. وخير الناس: قيل هو النعمان وكان قد مرض واشتد مرضه، فكان يحمل على أعناق الرجال من مكان إلى مكان، ليستريح أو ليعلم الناس بمرضه، فيدعو له.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 4845.
5 - ونحن لديه نسأل الله خلده ... يردّ لنا ملكا وللأرض عامرا
6 - ونحن نرجّي الخلد إن فاز قدحنا ... ونرهب قدح الموت إن جاء قامرا
7 - لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا ... وأصبح جدّ النّاس يظلع عاثرا
8 - وردت مطايا الرّاغبين وعرّيت ... جيادك لا يخفي لها الدّهر حافرا
9 - رأيتك ترعاني بعين بصيرة ... وتبعث حرّاسا عليّ وناظرا
10 - وذلك من قول أتاك أقوله ... ومن دسّ أعدائي إليك المآبرا
11 - فآليت لا آتيك إن جئت مجرما ... ولا أبتغي جارا سواك مجاورا
12 - فأهلي فداء لامرىء إن أتيته ... تقبّل معروفي وسدّ المفاقرا
13 - سأكعم كلبي أن يريبك نبحه ... وإن كنت أرعى مسحلان فحامرا
14 - وحلّت بيوتي في يفاع ممنّع ... يخال به راعي الحمولة طائرا
15 - تزلّ الوعول العصم عن قذفاته ... وتضحى ذراه بالسّحاب كوافرا
16 - حذارا على ألّا تنال مقادتي ... ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا
5 - أي نحن ندعو الله أن يبقيه فينا ففي خلده ردّ الملك، وعمارة الأرض.(1/177)
5 - ونحن لديه نسأل الله خلده ... يردّ لنا ملكا وللأرض عامرا
6 - ونحن نرجّي الخلد إن فاز قدحنا ... ونرهب قدح الموت إن جاء قامرا
7 - لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا ... وأصبح جدّ النّاس يظلع عاثرا
8 - وردت مطايا الرّاغبين وعرّيت ... جيادك لا يخفي لها الدّهر حافرا
9 - رأيتك ترعاني بعين بصيرة ... وتبعث حرّاسا عليّ وناظرا
10 - وذلك من قول أتاك أقوله ... ومن دسّ أعدائي إليك المآبرا
11 - فآليت لا آتيك إن جئت مجرما ... ولا أبتغي جارا سواك مجاورا
12 - فأهلي فداء لامرىء إن أتيته ... تقبّل معروفي وسدّ المفاقرا
13 - سأكعم كلبي أن يريبك نبحه ... وإن كنت أرعى مسحلان فحامرا
14 - وحلّت بيوتي في يفاع ممنّع ... يخال به راعي الحمولة طائرا
15 - تزلّ الوعول العصم عن قذفاته ... وتضحى ذراه بالسّحاب كوافرا
16 - حذارا على ألّا تنال مقادتي ... ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا
5 - أي نحن ندعو الله أن يبقيه فينا ففي خلده ردّ الملك، وعمارة الأرض.
6 - أي نحن بين رجاء وخوف نرجو أن يفوز قدحنا ببقائه، وألّا يفوز قدح المنيّة بموته.
7 - لك الخير: دعاء للنعمان. ووارت: غيّبت. والجد: الحظ. ويظلع: يعرج.
8 - المعنى: إن متّ وعلم الناس بذلك لم يفد إليك وافد، ولم تستعمل جيادك من بعدك في غزو ولا غيره.
9 - ترعاني: تحفظني وتحوطني، لا هتمامك بأمري. وعين بصيرة: أي جديدة النظر إليّ.
والحراس: جمع حارس، وهو الرقيب.
10 - المآبر: النمام، يقول: رأيتك ترقبني، وتدسّ العيون عليّ، وذلك مما نسبه إلى أعدائي من قول، وما دسّوه عليّ من كذب وباطل.
11 - مجرما: يروى محرما، والمعنى على الأول: حلفت لا آتيك حتى تظهر براءتي لديك من الجرم. وعلى الثاني: حلفت لا آتيك في الشهر الحرام من خوفك ولكني آتيك في شهور الحلّ وأنا آمن بأمانك.
12 - معروفي: ثنائي. والمفاقر: قيل: لا واحد له، وقيل: واحده فقر. ومثله: محاسن: جمع حسن، أو لا واحد له.
13 - سأكعم كلبي: سأمسك لساني. ومسحلان وحامر: موضعان.
14 - اليفاع: المشرف من الأرض. والحمولة: الإبل التي قد أطاقت الحمل.
15 - الوعول: التيوس البرية. والعصم: جمع أعصم، وهو الذي في إحدى يديه بياض. والقذفات:
بالضم، جمع قذفة وهي الشرفات. وكوافر: مغطاة ملبسة.
16 - مقادتي: مكان سوقي.(1/178)
17 - أقول وإن شطّت بي الدّار عنكم ... إذا ما لقينا من معدّ مسافرا
18 - ألكني إلى النّعمان حيث لقيته ... فأهدى له الله الغياث البواكرا
19 - وصبّحه فلج ولا زال كعبه ... على كلّ من عادى من النّاس ظاهرا
20 - وربّ عليه الله أحسن صنعه ... وكان له على البريّة ناصرا
21 - فألفيته يوما يمير عدوّه ... وبحر عطاء يستخفّ المعابرا
8
وقال يعتذر إلى النعمان بن المنذر، ويمدحه (1): [الطويل]
1 - أتاني أبيت اللّعن أنّك لمتني ... وتلك الّتي أهتمّ منها وأنصب
2 - فبتّ كأن العائدات فرشنني ... هراسا به يعلي فراشي ويقشب
3 - حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
4 - لئن كنت قد بلغت عني خيانة ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب
5 - ولكنّني كنت امرءا لي جانب ... من الأرض فيه مستراد ومذهب
17 - شطت: بعدت.
18 - ألكني: كن رسولي بألوكة، أي رسالة. وخصّ الغيوث البواكر، لأن الغيث إذا تأخر عن وقته بطل كثير من المنافع.
19 - الفلج: النضر والظفر. والكعب: كعب الرجل والمراد به ذكره وشرفه، يقال: علا كعب فلان إذا علا قدره، وسما ذكره.
20 - رب عليه: أتمّ وأصلح، يقال: فلان يرب الصنيعة عند فلان، إذا كان ينمّيها ويوفّرها.
21 - المعابر: جمع معبر، وهو السفينة. يقول: ألفيته يهلك العدو، وبحر جوده يحيي الأولياء.
شرح القصيدة الثامنة 1أبيت اللعن: مني تحية الجاهلية، أي أبيت أن تأتي ما تلعن عليه أو أبيت أن تلعن أحدا لكرمك. وأنصب: أكون في جهد وعناء.
2 - الهراس: كسحاب، شجر كثير الشوك. والعائدات: الزائرات في المرض. وفرشنني: بسطن لي. يقشب: يخلط أو يجدد.
3 - الريبة: الشك.
4 - الواشي: النمّام الذي يزيّن الكذب.
5 - لي جانب: متسع من الأرض وتمكن. ومستراد: إقبال وإدبار، يعني سعة المكان وأمنه فيه وتصرفه. يصف سعة حاله عند الغسانيين وتمكّنه منهم.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 2827.(1/179)
6 - ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم ... أحكّم في أموالهم وأقرّب
7 - كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم ... فلم ترهم في شكر ذلك أذنبوا
8 - فإنّك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
9 - فلا تتركني بالوعيد كأنّني ... إلى النّاس مطليّ به القار أجرب
10 - ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب
11 - ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذب؟
12 - فإن أك مظلوما فعبد ظلمته ... وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب
9
وقال أيضا (1): [البسيط]
1 - لقد نهيت بني ذبيان عن أقر ... وعن تربّعهم في كلّ أصفار
6 - ملوك: هم الغسانيون الذين أكرموا وفادته لما حلّ بهم، وهرب إليهم من النعمان.
7 - يقول: إذا اصطنعت قوما فشكروك، فهل تراهم مذنبين، فهذا حال مع هؤلاء الملوك الذين مدحتهم، وهذا من جيد الاعتذار.
8 - المعنى: أنت بين الملوك كالشمس بين النجوم، فإذا ظهرت غمرتهم بضوئك ومجدك.
9 - الوعيد: التهديد. القار: القطران.
10 - السورة: تروى بفتح السين وضمها، ومعناها على الأول السطوة وعلى الثاني المنزلة والرّفعة والشرف. ويتذبذب: يضطرب ويتعلق.
11 - مستبق: عفا عن زلله فبقيت مودّته. والشعث: الفساد والتفرّق. وتلمه: تجمعه وتضمه.
12 - العتبى: الرضا، أعتبه: أعطاه العتبى وترك ما كان يغضب عليه من أجله وحقيقته أزال عتبه والهمزة فيه للسلب وكما في أشكاه، أي أزال شكايته.
شرح القصيدة التاسعة 1كان النعمان بن الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني أحمى ذا أقر وهو واد مملوء حمضا ومياها فاحتماه للناس، وتربعته بنو ذبيان فنهاهم النابغة وحذرهم وخوّفهم إغارة الملك فتربعوه وعيّروه خوفه النعمان وكان منقطعا إليه فلما مات النعمان رثاه النابغة وانقطع إلى أخيه عمرو فوجّه إليهم خيلا فأصابوهم، فقال هذه القصيدة. والتربع: الإقامة وقت الربيع. وأصفار: قيل جمع صفر، وهو الشهر المعلوم، وقال أبو عبيدة حين يصفر الماء ويتربل الشجر ويبرد الهواء وذلك آخر الصيف.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 125123.(1/180)
2 - وقلت يا قوم إنّ اللّيث منقبض ... على براثنه لوثبة الضّاري
3 - لا أعرفن ربربا حورا مدامعها ... كأنّ أبكارها نعاج دوّار
4 - ينظرن شزرا إلى من جاء عن عرض ... بأرجه منكرات الرّقّ أحرار
5 - خلف العضاريط لا يرقين فاحشة ... مستمسكات بأقتاب وأكوار
6 - يذرين دمعا على الأشفار منحدرا ... يأملن رحلة حصن وابن سيّار
7 - أمّا عصيت فإني غير منفلت ... مني اللّصاب فجنبا حرّة النّار
8 - أو أضع البيت في سوداء مظلمة ... تقيّد العير لا يسري بها السّاري
9 - تدافع النّاس عنّا حين تركبها ... من المظالم تدعى أمّ صبّار
10 - ساق الرّفيدات من جوش ومن عظم ... وماش من رهط ربعيّ وحجار
11 - قرمي قضاعة حلّا حول حجرته ... مدّا عليه بسلّاف وأنفار
2 - الليث: الأسد. والبراثن: الأظفار. والضاري: المتعود الافتراس.
3 - الربرب: القطيع من البقر، شبّه النساء به. حورا: واضحات البياض والسواد. والنعاج: إناث البقر. ودوّار: بالضم ويفتح، وقد تخفف الواو، صنم كانت العرب تنصبه، يجعلون موضعا حوله يدورون به واسم ذلك الصنم والموضع الدّوار. قال امرؤ القيس:
فعنّ لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار في ملاء مذيل
والأشهر في اسم الصنم: دوار بالفتح. أي لا تكونوا بمكان تسبى فيه نساؤكم فأعرف ذلك فيكم.
4 - الشزر: النظر بمؤخر العين. والعرض: الجانب والناحية.
5 - العضاريط: الأتباع والأجراء. والأقتاب: عيدان الرّحل. والأكوار: الرحال يقول هن يصبن دموعهن، حزنا واحتراقا على ما يلقين من قسرهن، والتمتع بهن، ولا يطقن دفع ذلك عن أنفسهنّ مأسورات.
6 - الأشفار: جمع شفر، وهو هدب العين.
7 - اللصاب: جمع لصب، وهو الثقب الضيق من الجبل. وحرّة النار: حرّة لبني مرّة.
8 - سوداء: أي في حرّة سوداء مظلمة. تقيد العير: أي تمنعه من المشي فيها لخشونتها وصلابتها.
9 - قال الأصمعي: معناه تدافع الناس عنّا، لأنه لا يمكنهم أن يغزونا فيها، لأن الخيل لا تقدر أن تطأها. المظالم هنا: جمع مظلمة، وهي سوداء.
10 - الرفيدات: هو بنو رفيدة من بني كلب. وجوش وعظم: موضعان في أرض كلب. وماش:
خلط. وربعي وحجار: رجلان من بني عذرة. يعني ساق الملك هذه القبائل، من تلك المواضع ليغزو بهم بني ذبيان.
11 - القوم: هنا السيد. العظيم: تشبيه له بالفحل. والسلاف: جمع سالف، وهم المتقدمون.(1/181)
12 - حتى استقلّ بجمع لا كفاء له ... ينفي الوحوش عن الصّحراء جرّار
13 - لا يخفض الرّزّ عن أرض ألمّ بها ... ولا يضلّ عن مصباحه السّاري
14 - وعيّرتني بنو ذبيان خشيته ... وهل عليّ بأن أخشاك من عار
10
وقال النّابغة (1) يرد على بدر بن حذار ويذكر خزيما وزبّان ابني سيّار بن عمرو ابن جابر لأنه بلّغه أنهما أعانا بدرا ورويا شعره فيه (*): [الوافر]
1 - ألا من مبلغ عني خزيما ... وزبّان الّذي لم يرع صهري
2 - فإيّاكم وعورا داميات ... كأنّ صلاءهنّ صلاء جمر
12 - استقل: نهض. ولا كفاء له: لا مثل له. والجرار: الذي يجرّ بعضه بعضا، أو يجر الحصى وراءه.
13 - الرّزّ: الصوت. المصباح: هنا النيران التي توقد ليلا. والساري: السائر بالليل، وصف الجيش بالكثرة وأنهم لا يخفضون أصواتهم إذا حلّوا بمكان، ولا يخفضون نارهم بل يشهرون أنفسهم عزّة وثقة بمنعتهم.
14 - المعنى عيّرتني بنو ذبيان خوفي النعمان، وما عليّ في أن أخافه من عار لقوته وشدة بأسه.
(*) قال أبو عبيدة: لمّا بلغ بدر بن حذار قول النابغة: «ينظرن شزرا» الخ القصيدة المتقدمة، وقوله: «يأملن رحلة نصر الخ» غضب عند ذلك وقال يردّ على النابغة، ويذكر أن عمرو بن الحارث أخا النعمان أسر في تلك الواقعة ناسا من بني مرّة، فيهم بنو عمّهم النابغة، وكان النابغة قد قال: «أو أضع البيت الخ» يعني الحرّة ولم يفعل ما قال، بل نزل بردا، وهي أرض سهلة، فأغار عليه جيش لابن جفنة، وقيل لرجل من قضاعة، فأصاب ناسا من قومه، فشمت به بنو فزارة، فقال بدر:
أبلغ زيادا وحين المرء مدركه ... وإن تكبّس أو كان ابن أحذار
أضطرّك الحرز من ليلي إلى برد ... تختاره معقلا عن جشّ أعيار
حتى لقيت ابن كفّ اللّؤم في لجب ... يلقى العصافير والغربان جرّار
فالآن فاسع بأقوام غررتهم ... بنى ضباب ودع عنك ابن سيّار
قد كان وافد أقوام فجاء بهم ... وانتاش عانيه من أهل ذي قار
شرح القصيدة العاشرة 1صهره: هو ابن بنت هاشم بن حرملة، أم زبان، وهي إحدى نساء بني مرة.
2 - العور: جمع عوراء، وهي الكلمة القبيحة، يريد قصائد الهجو. وداميات: أي هجاء يقطر منه الدم. وكأن صلاءهن الخ: أي من هجى بها ناله من حرّها ما ينال من اصطلى بجمر.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 126.(1/182)
3 - فإني قد أتاني ما صنعتم ... وما وشّحتم من شعر بدر
4 - فلم يك نولكم أن تشقذوني ... ودوني عازب وبلاد حجر
5 - فإنّ جوابها في كلّ يوم ... ألمّ بأنفس منكم ووفر
6 - ومن يتربّص الحدثان تنزل ... بمولاه عوان غير بكر
11
وقال أيضا (1): [البسيط]
1 - قالت بنو عامر خالوا بنو أسد ... يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام
2 - يأبى البلاء فلا نبغي بهم بدلا ... ولا نريد خلاء بعد إحكام
3 - فصالحونا جميعا إن بدا لكم ... ولا تقولوا لنا أمثالها عام
4 - إني لأخشى عليكم أن يكون لكم ... من أجل بغضائهم يوم كأيّام
5 - تبدو كواكبه والشمس طالعة ... لا النّور نور ولا الإظلام إظلام
3 - وشّحتم: أي زيّنتم.
4 - لم يك نولكم: أي لم يسكن ينبغي لكم. وتشقذوني: تؤذوني بالهجاء، وأصله الإبعاد ومطرد.
وحجر: مدينة اليمامة أي لم يكن ينبغي لكم إشقاذي وإن كنت بعيدا عنكم.
5 - جوابها: يريد القصيدة التي هجى بها. وألم: نزل. والوافر: المال.
6 - العوان: الدهية القديمة.
شرح القصيدة الحادية عشرة 1كانت بنو عامر قد بعثت إلى حصن بن حذيفة وعيينة بن حصن، أن اقطعوا حلف ما بينكم وبين بني أسد، وألحقوهم ببني كنانة، ونحالفكم، فنحن بنو أبيكم. فلما همّ عيينة بذلك، قالت لهم بنو ذبيان: أخرجوا من فيكم من الحلفاء ونخرج من فينا. فأبوا، فقال النابغة لزرعة بن عمرو العامري هذه القصيدة خالوا يقال: خاليته مخالاة وخلاء: إذا تركته. ويا بؤس للجهل:
اللام زائدة، وهذه اللفظة تأتي بها العرب على جهة التعنيف.
2 - البلاء: التجربة والمعرفة. والخلاء: بكسر الخاء، المتاركة.
3 - عام: هو مرخّم عامر بن صعصعة.
4 - يوم كأيام: أي في شدته وطوله عليكم يكون يوم الشر يعدل أياما.
5 - تبدو كواكب ذلك اليوم من شدته وظلامه، وهو يوم الحرب، وفي البيت إقواء وهو كثير في شعره مع أنه من الفحول. قالوا: وقد توقّاه بعد أن سمع الغناء بشعره في يثرب.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 135133.(1/183)
6 - أو تزجروا مكفهرّا لا كفاء له ... كالليل يخلط أصراما بأصرام
7 - مستحقبي خلق الماذيّ يقدّمهم ... شمّ العرانين ضرّابون للهام
8 - لهم لواء بكفيّ ماجد بطل ... لا يقطع الخرق إلّا طرفه سام
9 - يهدي كتائب خضرا ليس يعصمها ... إلا ابتدار إلى موت بإلجام
10 - كم غادرت خيلنا منكم بمعترك ... للخامعات أكفّا بعد أقدام
11 - يا ربّ ذات خليل قد فجعن به ... وموتمين وكانوا غير أيتام
12 - والخيل تعلم أنا في تجاولها ... عند الطّعان أولو بؤسى وإنعام
13 - ولّوا وكبشهم يكبو لجبهته ... عند الكماة صريعا جوفه دام
12
وقال في أمر بني عامر (1): [الطويل]
1 - ليهنىء بني ذبيان أنّ بلادهم ... خلت لهم من كلّ مولى وتابع
6 - المكفهر: السحاب المتراكم، استعاره للجيش الكثير العدد. ولا كفاء له: لا مثل له.
والأصرام: جمع صرمة، وهي الأبيات القليلة ويقصد بها جماعات الناس.
7 - مستحقبي الخ: أي يحملون الدروع في حقائبهم. والماذي: جمع ماذية، وهي الدرع البيضاء المصقولة. وشم: جمع أشم. والشمم: ارتفاع قصبة الأنف، وهو كناية عن العزّة.
8 - الخرق: الأرض الواسعة. والطرف: العين. والسامي: المرتفع غير الغضيض، وقيل غير الكليل.
9 - الكتائب: فرق الجيش، والكتيبة توصف بالخضرة والسواد لكثرتها.
10 - الخامعات: الضباع، يريد أنه أوقع بهم وقائع كثيرة مرة بعد مرة. وهذا آخر القصيدة عند أبي حاتم والأصمعي.
11 - الخليل: الزوج. والموتم: اليتيم الذي فقد أباه.
12 - الخيل: يريد أهل الخيل. والتجاول: المجيء والذهاب في ميادين الحرب. والبؤسى: الابتلاء.
والإنعام: الإطلاق من الأسر.
13 - الكبش: سيد القوم ومقدمهم. ويكبو: يسقط. ولجبهته: أي على جبهته. والكماة: الشجعان، جمع كمي. وجوفه دام: أي مدمّى بالطعان.
شرح القصيدة الثانية عشرة 1ليهنىء: أمر فيه معنى الدعاء. والمولى: ابن العم. والتابع: المتبع لهم.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 9392.(1/184)
2 - سوى أسد يحمونها كلّ شارق ... بألفي كميّ ذي سلاح ودارع
3 - قعودا على آل الوجيه ولا حق ... يقيمون حوليّاتها بالمقارع
4 - يهزّون أرحاما طوالا متونها ... بأيد طوال عاريات الأشاجع
5 - فدع عنك قوما لا عتاب عليهم ... هم ألحقوا عبسا بأرض القعاقع
6 - وقد عسرت من دونهم بأكفّهم ... بنو عامر عسر المخاض الموانع
7 - فما أنا في سهم ولا نصر مالك ... ومولاهم عبد بن سعد بطامع
8 - إذا نزلوا ذا ضرغد وعتائدا ... يغنّيهم فيها نقيق الضّفادع
9 - قعودا لدى أبياتهم يثمدونها ... رمى الله في تلك الأنوف الكوانع
13
وقال يصف المتجرّدة زوج النّعمان بن المنذر (1): [الكامل]
1 - أمن آل ميّة رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزود
2 - أفد الترحّل غير أنّ ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد
2 - المعنى: خلت بلادهم إلا من بني أسد الذين يحمونها كل صباح تشرق فيه الشمس، وخصّ الصباح لأنه وقت الغارة.
3 - الوجيه ولا حق: فرسان منجبان. وحولياتها: جذعاتها. والمقارع: جمع مقرعة، وهي العصا.
4 - المتون: الظهور. والأشاجع: عروق ظاهر الكف.
5 - القعاقع: من بلاد باهلة، مما يلي اليمن.
6 - عسرت: دفعت، يريد أن بني عامر منعت بني أسد من عبس، على أنها لم تقدر على ذلك.
7 - سهم ومالك: حيّان من غطفان. وعبد بن سعد: من ذبيان. ومولاهم: بنو عمهم.
8 - ضرغد وعتائد: موضعان. والنقيق: صوت الضفدع.
9 - يثمدونها: يسألونها. والكوانع: المتطامنة الذليلة. ورمى الله فيها: أي جدعها.
شرح القصيدة الثالثة عشرة 1كان النابغة في بعض دخلاته على النعمان قد فاجأته المتجردة، فسقط نصيفها عنها، فغطت وجهها بمعصمها، فوارت به وجهها، فقال النابغة هذه القصيدة، وكنّى عنها. والمعنى: أتروح اليوم أم تغتدي غدا؟ أي أتمضي في حال عجلتك زوّدت أم لم تزوّد. وأراد بالزاد نظرة إلى محبوبته ميّة، وقيل: هو التسليم وردّ التحية والتوقيع.
2 - أفد: دنا. والركاب: الإبل، واحدها: راحلة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 110105، وهي في الديوان من 36بيتا.(1/185)
3 - زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا ... وبذاك خبّرنا الغداف الأسود
4 - لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان تفريق الأحبّة في غد
5 - حان الرّحيل ولم تودّع مهددا ... والصّبح والإمساء منها موعدي
6 - في إثر غانية رمتك بسهمها ... فأصاب قلبك غير أن لم تقصد
7 - غنيت بذلك إذ هم لك جبرة ... منها بعطف رسالة وتردّد
8 - ولقد أصابت قلبه من حبّها ... عن ظهر مرنان بسهم مصرد (1)
10 - والنظم في سلك يزين نحرها ... ذهب توقّد كالشّهاب الموقد
11 - صفراء كالسّيراء أكمل خلقها ... كالغصن في غلوائه المتأوّد
12 - والبطن ذو عكن لطيف طيّه ... والإتب تنفجه بثدي مقعد
3 - البوارح: الطيور التي تجيء عن يمينك، فتوليك مياسرها، والعرب تتطيّر بالبارح، وتتفاءل بالسانح. والغداف الأسود: هو الغراب الأسود. ويروى في الشطر الأول الغداف بدل البوارح.
وفي البيت إقواء عيب على الشاعر لمّا دخل يثرب، فتجنبه بعد ذلك.
4 - نصب مرحبا على المصدر أي لا قرب الله الغد إذا ان فيه فراق الأحبة.
5 - حان: قرب. ومهدد: اسم جارية.
6 - الغانية: التي غنيت بجمالها عن حليّها. وسهمها: لحظها. وتقصد: تقتل، أي لم تقتلك حين رمتك فتستريح.
7 - غنيت بذلك: أقامت وعاشت.
8 - المرنان: قوس في صوتها رنين. ومصرد: منفذ.
9 - المقلة: كرة العين. والشادن: من أولاد الظباء الذي شدن وترعرع. والمتربب: المحبوس في البيت. وأحوى: من الحوة وهي حمرة إلى سواد الأحم شديد سواد المقلة. والمقلد: الذي قد قلّد الحليّ، وزيّن به.
10 - النظم: ما نظم من الحليّ في سلك. والذهب: يذكّر ويؤنّث.
11 - السيراء: ثوب من حرير فيه خطوط. وغلواء الغصن: طوله وارتفاعه. والمتأود: المتثنّي من النعمة واللين.
12 - العكن: جمع عكنة، وهي ما انطوى وتثنى من لحم البطن. والإتب: ثوب. وتنفجه: ترفعه.
والمقعد: القائم المنتصب، ويروى «النحر» في مكان «الإتب».
__________
(1) في الديوان بيت لم يرد هنا وهو يلي هذا البيت:
نظرت بمقلة شادن متربّب ... أحوى أحمّ المقلتين مقلّد(1/186)
13 - محطوطة المتنين غير مفاضة ... ريّا الرّوادف بضّة المتجرّد
14 - قامت تراءى بين سجفي كلّة ... كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
15 - أو درّة صدفيّة غوّاصها ... بهج متى يرها يهلّ ويسجد
16 - أو دمية من مرمر مرفوعة ... بنيت بآجرّ تشاد بقرمد
17 - سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد
18 - بمخضّب رخص كأنّ بنانه ... عدم يكاد من اللّطافة يعقد
19 - نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السّقيم إلى وجوه العوّد
20 - تجلو بقادمتي حمامة أيكة ... بردا أسفّ لثاته بالإثمد
21 - كالأقحوان غداة غبّ سمائه ... جفت أعاليه وأسفله ندي
22 - زعم الهمام بأنّ فاها بارد ... عذب مقبّله شهيّ المورد
23 - زعم الهمام «ولم أذقه» أنّه ... عذب إذا ما ذقته قلت ازدد
13 - محطوطة المتنين: أي متناها أملسان مكتنزان. والمفاضة: الواسعة البطن الممتلئة باللحم والشحم. والريا: الممتلئة. والبضة: الرخصة الرطبة.
14 - السجف: الستر الرقيق المشقوق الوسط. وتراءى: نظر نفسها. والأسد: برج الحمل.
15 - يهلّ: يرفع صوته بالتكبير والحمد لله.
16 - الدمية: التمثال والصورة. والمرمر: الرخام الأبيض والأحمر. وتشاد: تطلى بالشيد، وهو الجصّ. والقرمد: خزف مطبوخ.
17 - النصيف: الخمار، وقيل: هو نصف الخمار، أو ثوب.
18 - البنان: الأصابع. والعنم: شجر ليّن الأغصان لطيفها، واحده عنمة. وقال أبو عبيدة العنم أساريع حمر تكون في الربيع في البقل، ثم تنسلخ فتكون فراشا، أي اتقتنا بكفّ أحمر يكاد بنانه الأحمر يعقد.
19 - يقول: لم تقدر على الكلام بحاجتها، مخافة أهلها، كالسقيم الذي ينظر إلى من يعود ولا يستطيع الكلام.
20 - تجلو: تكشف. والقوادم: الريش المقدّم في جناح الطائر، ويكون شديد السواد. شبّه سواد شفتيها بالقوادم، وشبّه بياض ثغرها ببياض البرد. واللثات: مغارز الأسنان، ومن عادتهم أن يذروا عليها الإثمد ليبين بياض الأسنان.
21 - الأقحوان: نور أبيض، وأشد ما يكون صفاؤه غب المطر، إذ يزول ما عليه من الغبار بالماء.
22 - الهمام: السيد، يريد النعمان.
23 - ولم أذقه: جملة معترضة.(1/187)
24 - زعم الهمام «ولم أذقه» أنّه ... يشفى بريّا ريقها العطش الصّدي
25 - أخذ العذارى عقده فنظمنه ... من لؤلؤ متتابع متسرّد
26 - لو أنها عرضت لأشمط راهب ... عبد الإله صرورة متعبّد
27 - لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشدا وإن لم يرشد
28 - بتكلّم لو تستطيع سماعه ... لدنت له أروى الهضاب الصّخّد
29 - وبفاحم رجل أثيث نيته ... كالكرم مال على الدّعام المسند
30 - فإذا لمست لمست أخثم جاثما ... متحيزا بمكانه ملء اليد
31 - وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسّة بالعبير مقرمد
32 - وإذا نزعت نزعت عن مستحصف ... نزع الحزوّر بالرّشاء المحصد
33 - لا وارد منها يحور لمصدر ... عنها، ولا صدر يحور لمورد
34 - وإذا يعضّ تشدّه أعضاؤه ... عضّ الكبير من الرّجال الأدرد
24 - الريا: الريح. والصدي: الشديد العطش.
25 - أخذ العذارى عقده: يريد أن الفتيات اللاتي لم يتزوجن إذا اشتهين اتخاذ العقود فيتمنين اتخاذها من ثغرها.
26 - الراهب: العابد. والأشمط: الذي خالطه الشيب. والصرورة: الذي لم يذنب مطلقا، أو الذي لم يتزوج.
27 - لرنا: أدام النظر، ويروى: لصبا لرؤيتها، ويروى لرنا للهجتها.
28 - أروى: جمع أروية، وهي الأنثى من الوعول. والهضاب: جمع هضبة. والصخد: الملس، جمع صخود، أي ملساء، والأصل: صيخود، والياء زائدة.
29 - الفاحم: الشعر الأسود. والرجل: الذي بين السبوطة والجعودة. والأثيث: الكثير. والدعام:
جمع دعامة. والمسند: الذي أسند بعضه إلى بعض.
30 - الأخثم: العريض في غلظ وارتفاع. والجاثم: الذي اتسع موضعه. والمتحيّز: الذي قد حاز ما حوله وارتفع.
31 - المستهدف والرابي: المرتفع. والعبير: الزعفران. والمقرمد: المطلي. والمجسة: مكان الجس.
32 - النزع: جذب الشيء وإخراجه. والمستحصف: الضيق، أو قليل البلل. والحزور هنا: القوي.
والرشاء: الحبل. والمحصد: الشديد الفتل.
33 - أي: من ورده لم يجد صدرا عنه ومن صدر عنه لم يرد موردا خيرا منه.
34 - الأدرد: الذي سقط مقدّم أسنانه.(1/188)
35 - ويكاد ينزع جلد من يصلى به ... بلوافح مثل السّعير الموقد
14
وقال يمدح بني عذرة (1): [الطويل]
1 - لقد قلت للنعمان يوم لقيته ... يريد بني حنّ ببرقة صادر
2 - تجنّب بني حنّ فإنّ لقاءهم ... كريه وإن لم تلق إلّا بصابر
3 - عظام اللهى أولاد عذرة إنّهم ... لهاميم يستلهونها بالحناجر
4 - وهم منعوا وادي القرى من عدوّهم ... بجمع مبير للعدوّ المكاثر
5 - من الوردات الماء بالقاع تستقي ... بأعجازها قبل استقاء الحناجر
35 - البيتان الأخيران في رواية الوزير أبي بكر، وليسا في رواية الطوسي، ولا صاحب العقد الثمين.
قال أبو عمرو: لمّا سمع المنخل هذا الشعر قال: لا يستطيع أن يقول مثل هذا إلا من جرب، فوقر ذلك في نفس النعمان. ويكاد الرواة يجمعون على أن هذه القصيدة سبب تغيّر النعمان على النابغة ولكن النقّاد ينكرون هذا البيت أو ينكرون القصيدة كلها، أو مواضع الفحش فيها.
شرح القصيدة الرابعة عشرة 1قال الوزير أبو بكر قال أبو الخمس: أراد النعمان بن الحارث غزو بني حن بن حزام وهم من بني عذرة وقد كان بنو عذرة قبل ذلك قتلوا رجلا من طيىء يقال له أبو جابر وأخذوا امرأته وغلبوا على وادي القرى وكان في وادي القرى كثير من النخل. قال أبو عبيدة: فلما أراد النعمان غزوهم، كان النابغة عنده فنهاه عن غزوهم وأخبره أنهم في حرّة، وبلاد شديدة، فأبى عليه فبعث النابغة إلى قومه يخبرهم بغزو النعمان ويأمرهم أن يمدّوا بني حن، ففعلوا، فهزموا غسان، فقال النابغة في ذلك: «لقد قلت» الخ والبرقة: الأرض ذات الرمل والحصى. وبنو حن: بالحاء المضمومة، ويروى بالجيم المكسورة: من بني عذرة.
2 - يقول: لا تعرض لحرب بني حن، فإن لقاءهم شديد مكروه، لقوتهم وبأسهم، وإن لم تلقهم إلا برجل صابر على شدائد القتال.
3 - اللها: جمع لهوة وأصلها: الحفنة من الطعام تجعل في فم الرجل والمراد هنا المال.
واللهاميم: جمع لهموم وهو العظيم الضخم. ويستلهونها: يبتلعونها. والجراجر أو الحناجر:
الحلوق، وصفهم بعظم الحلوق وكثرة الأكل، وطول الأجسام، تخويفا له منهم.
4 - وادي القرى: هو الوادي الذي غلبوا عليه. والمبير: المهلك.
5 - الواردات: ويروى الطالبات. والكارعات: أي التي تشرب الماء، والمراد النخل الذي يشرب الماء بعروقه من الأرض، فجعل العروق أعجازا على الاستعارة أي منعوا أهل الوادي من النخل الكارعات الماء.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 8079.(1/189)
6 - بزاخيّة ألوت بليف كأنه ... عفاء قلاص طار عنها تواجر
7 - صغار النّوى مكنوزة ليس قشرها ... إذا طار قشر التّمر عنها بطائر
8 - هم طردوا عنها بليّا فأصبحت ... بليّ بواد من تهامة غائر
9 - وهم منعوها من قضاعة كلّها ... ومن مضر الحمراء عند التّغاور
10 - وهم قتلوا الطّائيّ بالحجر عنوة ... أبا جابر واستنكحوا أمّ جابر
15
وقال يمدح غسان حين ارتحل من عندهم راجعا (1): [البسيط]
1 - لا يبعد الله جيرانا تركتهم ... مثل المصابيح تجلو ليلة الظّلم
2 - لا يبرمون إذا ما الأفق جلّله ... برد الشتاء من الأمحال كالأدم
3 - هم الملوك وأبناء الملوك لهم ... فضل على النّاس في اللّأواء والنّعم
6 - بزاخية: منسوبة إلى بزاخ بلد بوادي القرى. أو إلى بزاخة: بلد بالبحرين أو البزاخية: التي تتقاعس بحملها لكثرته فهي بزاخية أو معوجة. وألوت بليف: أي رفعته، كما يلوي الرجل بثوبه من مكان مرتفع ويشير به، أي لأنها طوال. والعفاء: الوبر، وأصله الريش. والقلاص:
النوق الفتية، ووبرها أكثر وأغزر. والتواجر: الحسان، صفة للقلاص.
7 - مكنوزة: مكتنزة باللحم وإذا كثر لحم التمر غلظ جلده، وصغر نواه وذلك أجود التمر وأطيبه.
8 - بلي: حيّ من قضاعة من اليمن. والغائر: المطمئن من الأرض.
9 - مضر الحمراء: سمّيت بذلك لأن قبّة أبيه نزار كانت من أدم أحمر فصارت إليه، أو لأنه ورث عنه الذهب الأحمر، والذهب قد يؤنّث. والتغاور: مصدر مأخوذ من المغارة.
10 - الحجر: بالكسر، حجر ثمود في وادي القرى، بين الحجاز والشام. وعنوة: أي قهرا.
واستنكحوا: أي نكحوا.
شرح القصيدة الخامسة عشرة 1مثل المصابيح: يشبّههم بها في حسن الوجوه، أو لأنهم يستضاء بآرائهم ويكشفون بها ما التبس من الأمور.
2 - لا يبرمون: أي لبسوا بأبرام إذا اشتد الشتاء، والبرم: بالتحريك الذي لا يدخل في أقداح الشتاء بخلا ولؤما. والأمحال: الجدب. والأدب. الجلد الأحمر يريد السحاب الأحمر، وهو علامة الجدب.
3 - في اللأواء والنعم: يريد أنهم يفضلون على الناس في الشدة والرخاء.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 75.(1/190)
4 - أحلام عاد وأجساد مطهرة ... من المعقّة والآفات والإثم
16
وقال أيضا (1): [الكامل]
1 - جمّع محاشك يا يزيد فإنّني ... أعددت يربوعا لكم وتميما
2 - ولحقت بالنّسب الّذي عيرتني ... وتركت أصلك يا يزيد ذميما
3 - عيرتني نسب الكرام وإنّما ... فخر المفاخر أن يعدّ كريما
4 - حدبت على بطون ضنّة كلّها ... إن ظالما فيهم وإن مظلوما
5 - لولا بنو عوف بن بهثة أصبحت ... بالنّعف أمّ بني أبيك عقيما
4 - عاد: أمة قديمة كانت تسكن الأحقاف. والمعقة: العقوق. والإثم: جمع إثمة، الآثام أو إرادتها.
شرح القصيدة السادسة عشرة 1كان يزيد بن سنان بن أبي حارثة أخو هرم بن سنان الذي مدحه زهير يمحش المحاش وهم خصيلة بن مرة وبنو نشبة بن غليظ بن مرة على بني يربوع بن غيظ بن مرة رهط النابغة ثم أخرجهم يزيد إلى بني عذرة بن سعد، وكان يقول: إن النابغة وأهل بيته من قضاعة وكانت قضاعة تحوّلت إلى اليمن ثم من عذرة ثم من ضنة. فقال يزيد يعيّر النابغة، ويعرض به:
[الكامل]
إني امرؤ من صلب قيس ماجد ... لا مدّع حسبا ولا مستنكر
فقال النابغة هذه القصيدة رادّا عليه. والمحاش: قبائل شتّى تحالفوا عند النار على بني يربوع بن غيظ بن مرّة رهط النابغة.
2 - كان يزيد طلق بنت النابغة فقيل له: لم طلّقتها؟ فقال: لأن النابغة رجل من عذرة وكان يزيد قال للنابغة: ما أنت من قيس وما أنت إلا من قضاعة.
3 - ويروى: و «إنما ظفر المفاخر» الخ.
4 - حدبت: عطفت وأشفقت. وضنة: من عذرة ثم من قضاعة.
5 - النعف: أسفل الجبل. يقول: لولا بنو بهثة لقتلت أنت وإخوتك فكأن أمك لم تلد قطّ عيّره بيوم قراقر. وكان عمرو بن كلثوم أغار فأصاب نشبة بن غيظ بن مرة فأغاثهم زيد بن عوف في قومه بني عوف بن بهثة من بني عبد الله بن غطفان، فاستنقذوا ما في يد عمرو بن كلثوم واستردّوه.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 9594.(1/191)
17
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - أبلغ بني ذبيان أن لا أخا لهم ... بعنبس إذا حلّوا الدّماخ فأظلما
2 - بجمع كلون الأعبل الجون لونه ... ترى في نواحيه زهيرا وحذيما
3 - هم يردون الموت عند لقائه ... إذا كان ورد الموت لا بدّ أكرما
18
وقال لعصام بن شهبرة الجرميّ حاجب النّعمان بن المنذر (2): [الوافر]
1 - ألم أقسم عليك لتخبرنّي ... أمحمول على النّعش الهمام
2 - فإنّي لا ألام على دخول ... ولكن ما وراءك يا عصام
3 - فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع النّاس والشهر الحرام
4 - ونمسك بعده بذناب عيش ... أجبّ الظهر ليس له سنام
شرح القصيدة السابعة عشرة 1يبكي على بني عبس حين فارقوا بني ذبيان، وانطلقوا على بني عامر. وذبيان وعبس: أخوان، حدثت بينهما حروب وتباين، فحالفت ذبيان بني أسد، وحالفت عبس بني عامر. والدماخ:
جبال عظام، ضخام واحدها دمخ، وهي منازل بني عامر بن كلاب. وأظلم: موضع.
2 - الأعبل: الجبل. الأبيض: الحجارة. والجون: الأبيض ههنا. وزهير وحذيم ابنا جذيمة: سيد بني عبس.
3 - وصف بني عبس بالصبر في القتال، والجرأة والإقدام، أي هم يردّون الموت إذا كان عندهم أكرم من الانهزام.
شرح القصيدة الثامنة عشرة 1كان الملك إذا مرض حملته الرجال على أكتافها يتعاقبونه، ويقولون إنه أوطأ له من الأرض، ولما مرض النعمان حمل على سرير ما بين الغمر وقصوره.
2 - لا ألام على ترك الدخول إليه: لأنه محجوب منه لغضبه عليّ وخوفي إياه على نفسي: لأنه هدر دمي. ولكن ما وراءك: أي أخبرني بكنه أمره وحقيقته.
3 - ربيع الناس: جعله بمنزلة الربيع في الخصب، لكثرة عطائه، وهو موضع أمن من كل مخافة لمستجير وغيره، مثل الشهر الحرام.
4 - أجب الظهر: لا سنام له. ذئاب الشيء: طرفه.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 158.
(2) الأبيات في الديوان ص 157.(1/192)
19
وقال أيضا يمدح النعمان بن الحارث الأصغر وكان قد خرج إلى بعض منتزهاته (1): [الطويل]
1 - إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدّا ملكها وربيعها
2 - ويرجع إلى غسّان ملك وسؤدد ... وتلك المنى لو أنّنا نستطيعها
3 - وإن يهلك النّعمان تعر مطيّه ... ويلق إلى جنب الفناء قطوعها
4 - وتنحطّ حصان آخر الليل نحطة ... تقضقض منها أو تكاد ضلوعها
5 - على إثر خير النّاس إن كان هالكا ... وإن كان في جنب الفراش ضجيعها
20
وقال أيضا (2): [الوافر]
1 - فإن يك عامر قد قال جهلا ... فإنّ مظنّة الجهل الشّباب
2 - فكن كأبيك أو كأبي براء ... توافقك الحكومة والصّواب
شرح القصيدة التاسعة عشرة 1الابتهاج: المسرّة. والربيع: الخصب.
2 - غسان: قبيلة الممدوح. والسؤدد: الشرف. وتلك المنى: أي رجعة النعمان.
3 - تعر: أي ينزع عنها الرحل. والفناء: ساحة الدار. والقطوع: جمع قطع وهي أدوات الرحل، من الطنافس ونحوها.
4 - تنحط: تزفر من الحزن. والحصان: المرأة العفيفة. والمقصود بآخر الليل وقت غارة العدو، أو هو وقت هبوبها من النوم.
5 - الفراش: ويروى الفتاة.
شرح القصيدة العشرين 1قال عامر بن الطفيل للنابغة في قصة: [الوافر]
ألا من مبلغ عني زيادا ... غداة القاع إذا أزف الضراب
وهي أبيات، فلما بلغ هذا الشعر شعراء ذبيان أرادوا هجاءه وائتمروا له فقال لهم النابغة: إن عامرا له نجدة وشعر، ولسنا بقادرين على الانتصاف منه، ولكن دعوني أجبه وأصغر إليه نفسه، وأفضل أباه وعمه عليه، فإنه يرى أنه أفضل منهما وأعيّره بالجهل والصباء. فقال هذه القصيدة.
ومظنة الجهل: الموضع الذي لا يكاد يطلب فيه إلا وجد به، أي حيث يظن أنه لا يفارقه.
2 - أبو براء: هو عامر بن مالك بن كلاب ملاعب الأسنة، وهو عمّ عامر بن الطفيل.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 58.
(2) الأبيات في الديوان ص 8483.
3 - ولا تذهب بحلمك طاميات ... من الخيلاء ليس لهنّ باب
4 - فإنّك سوف تحلم أو تناهى ... إذا ما شبت أو شاب الغراب
5 - فإن تكن الفوارس يوم حسي ... أصابوا من لقائك ما أصابوا
6 - فما إن كان من نسب بعيد ... ولكن أدركوك وهم غضاب
7 - فوارس من منولة غير ميل ... ومرة، فوق جمعهم العقاب(1/193)
3 - ولا تذهب بحلمك طاميات ... من الخيلاء ليس لهنّ باب
4 - فإنّك سوف تحلم أو تناهى ... إذا ما شبت أو شاب الغراب
5 - فإن تكن الفوارس يوم حسي ... أصابوا من لقائك ما أصابوا
6 - فما إن كان من نسب بعيد ... ولكن أدركوك وهم غضاب
7 - فوارس من منولة غير ميل ... ومرة، فوق جمعهم العقاب
21
وقال يهجو يزيد بن عمرو بن الصّعق الكلابي (1): [الوافر]
1 - لعمرك ما خشيت على يزيد ... من الفخر المضلّل ما أتاني
3 - الطاميات: المرتفعات. والخيلاء: التكبّر والاختيال. وليس لهنّ باب أي لا مخرج له منهن.
4 - أي أنه لا يفلح ولا ينتهي عمّا هو عليه من الجهل حتى يشيب الغراب أي لا يفلح أبدا.
5 - يوم حسي: كان لبني بغيض بن ذبيان، على عامر بن الطفيل قتل فيه أخوه حنظلة بن الطفيل.
6 - يقول: لم يكن ما لقيت منهم عن تباعد نسب ولكن لأنك أغضبتهم بما فعلت فجازوك على إغضابك إياهم.
7 - منولة: قال في تاج العروس: منولة كمقولة: اسم أم حيّ من العرب وهي بنت جشم بن بكر من بني تغلب، أم شمخ وظالم، ومرة بني فزارة بن ذبيان ومرة هو ابن عوف بن سعد بن ذبيان. وميل: جمع أميل وهو الذي لا يستوي على السرج أو الجبان أو الذي لا رمح له، أو الذي لا ترس له. والعقاب: الراية.
شرح القصيدة الحادية والعشرين 1كان سبب ذلك هو ما حكاه أبو عبيدة. قال: كانت بلاد بني غطفان مخصبة فرعت بنو عامر بن صعصعة ناحية منها، فأغار الربيع بن زياد العبسي على يزيد بن الصعق وكان في جماعة كثيرة فلم يستطعه الربيع، فاستفاء سروح بني جعفر والوحيد ابني كلاب: أي استاق إبلهم السارحة. فحرم يزيد بن عمر بن الصعق على نفسه النساء والطيب، حتى يغير على الربيع، فجمع قبائل شتى، ثم أغار فاستاق نعما لهم، وأصاب عصافير للنعمان بن المنذر كانت ترعى بذي أبان. فقال يزيد في ذلك هذه الأبيات:
ألا أبلغ لديك أبا حريث ... وعاقبة الملامة للمليم
فكيف ترى معاقبتي وسعيي ... بأذواد القصيمة والقصيم
وما برحت قلوصي كل يوم ... تكر على المخالف والمقيم
فنمت الليل إذا أوقعت فيكم ... قبائل عامر وبني تميم
وساغ لي الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغصّ بالماء الحميم
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 10099.(1/194)
2 - كأنّ التّاج معصوبا عليه ... لأذواد أصبن بذي أبان
3 - فحسبك أن تهاض بمحكمات ... تمرّ بها الرّويّ على لساني
4 - فقبلك ما شتمت وقاذعوني ... فما نزر الكلام ولا شجاني
5 - يصدّ الشاعر الثّنيان عني ... صدود البكر عن قرم هجان
6 - أثرت الغي ثمّ نزعت عنه ... كما حاد الأزبّ عن الطّعان
7 - فإن يقدر عليك أبو قبيس ... تمطّ بك المعيشة في هوان
8 - وتخضب لحية غدرت وخانت ... بأخمر من نجيع الجوف آني
9 - وكنت أمينه لو لم تخنه ... ولكن لا أمانة لليمان
22
وقال يرثي النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغسّاني (1): [الطويل]
1 - دعاك الهوى واستجهلتك المنازل ... وكيف تصابي المرء والشّيب شامل
فقال النابغة هذه الأبيات يهجوه.
المضلل: (اسم فاعل) الذي يضلل صاحبه، و (اسم مفعول) وهو الذي ينسب إلى الضلال.
2 - اعتصب: بالتاج، وعصب: إذا جعله على رأسه. والأذواد: جمع ذود، وهي النوق من ثلاث إلى عشر. وذي أبان: موضع كان أصاب فيه يزيد العصافير التي للنعمان.
3 - الهيض: كسر العظيم بعد الجبر. وقد هضته فانهاض. والروي: القافية.
4 - المقاذعة: المشاتمة. ونزر: قلّ. وشجاني: أحزنني.
5 - الثنيان: الذي دون السيد، أو هو الذي يستثنى، فلا يلحق بفحول الشعراء وقيل: هو الذي يفوق غيره. والبكر: الفتى، القوي، الفحل الكريم من الإبل. الهجان: الأبيض، جعل نفسه كالفحل الكريم، وجعل يزيد كالبكر الصغير.
6 - أثرت الغي: هيجته. والأزب: البعير الذي على رأسه شعر يبلغ حاجبيه وعينيه، فهو نفور أبدا، ويقولون: كل أزب نفور. والظعان: حبل الهودج تشدّ به مراكب النساء.
7 - تمط: تمد.
8 - نجيع الجوف: الدم الخالص. والآتي: الشديد الحرارة، وهو الذي قد بلغ إناه.
9 - قوله (لليمان): قال أبو الحسن: إنما قال ذلك لأن منازل بعض بني عامر مما يلي اليمن، وكل ما كان يلي اليمن فهو يمان.
شرح القصيدة الثانية والعشرين 1المعنى: لمّا رأيت منازل من كنت تهوى وعرفتها، حملتك على الجهل والصبا، ثم عذل نفسه
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 156152.(1/195)
2 - وقفت بربع الدار قد غيّر البلى ... معارفها والسّاريات الهواطل
3 - أسائل عن سعدى وقد مرّ بعدنا ... على عرصات الدّار سبع كوامل
4 - فسلّيت ما عندي بروحة عرمس ... تخبّ برحلي تارة وتناقل
5 - موثّقة الأنساء مضبورة القرا ... نعوب إذا كلّ العتاق المراسل
6 - كأني شددت الرّحل حين تشذّرت ... على قارح ممّا تضمّن عاقل
7 - أقبّ كعقد الأندريّ مسحّج ... حزابية قد كدّمته المساحل
8 - أضرّ بجرداء النسالة سمحج ... يقلّبها إذ أعوزته الحلائل
9 - إذا جاهدته الشّدّ جدّ وإن ونت ... تساقط لا وان ولا متخاذل
10 - وإن هبطا سهلا أثار عجاجة ... وإن علوا حزنا تشظت جنادل
11 - وربّ بني البرشاء ذهل وقيسها ... وشيبان حيث استبهلتها المنازل
على التصابي بعد المشيب.
2 - الساريات: السحب تأتي ليلا. والهواطل: الغزيرة المطر.
3 - العرصات: جمع عرصة، وهي وسط الدار. وسبع كومل: أي سبع سنين.
4 - العرمس: الناقة الشديدة الصلبة، وهي في الأصل الصخرة. والمناقلة أن تناقل يديها ورجليها في السير، وهي وضع الرجل مكان اليد. يريد أنها إذا دخلت في الأرض الوعرة الكثيرة الحجارة، أحسنت نقل يديها ورجليها.
5 - النساء: عرق يستبطن الفخذ. ومضبورة: موثقة. والقرا: الظن. والنعوب: التي تنعب في سيرها، أي تسرع. والعتاق: الكريمات. والمراسل: جمع مرسال، وهي السريعة، وصف الناقة التي استعملها في تسلية نفسه بهذه الصفات.
6 - الرحل: ويروى الكور. وتشذرت: نشطت وأسرعت. وعاقل: جبل كان يسكنه حجر بن الحارث أبو امرىء القيس إذا صاد الوحش.
7 - الأندري: المنسوب إلى قرية بالشام، وهو كقول طرفة: «كقنطرة الرومي». والمسحج:
المعضض. وحزابية: غليظ شديد. وكدمته: عضضته. والمساحل: جمع مسحل، وهو الحمار. يريد دفعته الحمر هن الأتن، ودفعها حتى غلبها.
8 - النسالة: ما تناسل من الشعر وتساقط. والسمحج والسمحاج: الطويلة الظهر. والحلائل: جمع حليلة. وإضراره بها: عضّه لها، وغيرته عليها.
9 - الشد: العدو. والمتخاذل: الذي يخذل بعضه بعضا، أي لا يخذلها في الجد ولا في الفتور.
10 - أثار: حرك. وعجاجة: غبرة. والحزن: ما غلظ في الأرض. وتشظت: تكسرت. والجنادل:
الحجارة.
11 - البرشاء: امرأة وهي أم شيبان وذهل وقيس بنو ثعلبة. واستبهلتها: أخرجتها.(1/196)
12 - لقد عالني ما سرّها وتقطّعت ... لروعاتها منّي القوى والوسائل
13 - فلا يهنىء الأعداء يصرع ملكهم ... وما عتقت منه تميم ووائل
14 - وكانت لهم ربعيّة يحذرونها ... إذا خضخضت ماء السّماء القبائل
15 - يسير بها النّعمان تغلي قدوره ... تجيش بأسباب المنايا المراحل
16 - تحثّ الحداة جالزا بردائه ... بقي حاجبيه ما يثير القنابل
17 - يقول رجال ينكرون خليقتي ... لعلّ زيادا «لا أبا لك» غافل
18 - أبى غفلتي أني إذا ما ذكرته ... تحرّك داء في فؤادي داخل
19 - وإن تلادي إن ذكرت وشكّتي ... ومهري وما ضمّت لديّ الأنامل
20 - حباؤك والعيس العتاق كأنّها ... هجان المها تحدى عليها الرّحائل
21 - فإن تك قد ودعت غير مذمّم ... أواسي ملك ثبتتها الأوائل
22 - فلا تبعدن إنّ المنيّة موعد ... وكلّ امرىء يوما به الحال زائل
23 - فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلّا ليال قلائل
12 - عالني: أحزنني وشقّ عليّ. والوسائل: الأسباب، أي ساءني ما سرّ قيسا من موت النعمان وانقطعت لروعات منيته قوتي، وذهبت بذهابه أسباب المودّة التي كانت مبرمة.
13 - ما عتقت: ما مصدرية. وعتقت: نجت. أي لا يهنىء الأعداء موت النعمان ونجاتهم منه.
14 - ربيعة: غزوة في الربيع، أو كتيبة. خصخصت: حرّكت الماء باستقائها منه بالدّلاء وغيرها من آلات الماء.
15 - تجيش: تغلي. والمراجل: القدور. جعل غليان القدر مثلا لاستعار الحرب وشدّة ما ينال العدو منها.
16 - الجالز: ويروى الغاصب، الذي تعصّب بعمامته. والقنابل: القطع من الناس والخيل.
17 - زيادة: اسم النابغة. وغافل: متغافل عن الشيء تارك له. ويروى: عاقل.
18 - يقول: كيف أغفل من موته وفي فؤادي من تذكر أياديه ما يبعثني على ألّا أغفل.
19 - التلاد: المال القديم. والشكة: السلاح.
20 - حباؤك: هبتك. والعيس: الإبل البيض. وهجان المها: بيضها. وتحدّى: تساق.
21 - الأواسي: جمع آسية، وهي السارية والدعامة.
22 - لا تبعدن: لا تهلك. والحال: الموت.
23 - أبو حجر: كنية النعمان بن الحارث، أي لو سلم من الموت لكان الخير كله يقرب ويجيء إليها بمجيئه.(1/197)
24 - فإن تحي لا أملل حياتي وإن تمت ... فما في حياتي بعد موتك طائل
25 - فآب مصلّوه بعين جليّة ... وغودر بالجولان حزم ونائل
26 - سقى الغيث قبرا بين بصرى وجاسم ... بغيث من الوسميّ قطر ووابل
27 - ولا زال ريحان ومسك عنبر ... على منتهاه ديمة ثمّ هاطل
28 - وينبت حوذانا وعوفا منوّرا ... سأتبعه من خير ما قال قائل
29 - بكى حارث الجولان من فقد ربّه ... وحوران منه موحش متضائل
30 - قعودا له غسّان يرجون أوبه ... وترك ورهط الأعجمين وكابل
قال الأعلم الشنتمريّ في شرحه للدّيوان: كمل جميع ما رواه الأصمعيّ من شعر النّابغة ونصل به قصائد متخيرة ممّا رواه غير الأصمعيّ إن شاء الله تعالى.
23
وقال (1): [الوافر]
1 - غشيت منازلا بعريتنات ... فأعلى الجزع للحيّ المبنّ
24 - أي إذا حييت لم أملل حياتي، لما أدركه بك من الخير والنعمة، وإن تمت فما في الحياة من خير بعدك.
25 - قال الأصمعي: «آب مصلوه». أراد: قدم أول قادم بخبر موته ولم يحقّقوه، ثم جاء المصلّون، وهم الذين جاؤوا بعد الخبر الأول، وأخبروا بما أخبر به. وبعين جليّة: أي خبر متواتر صادق يؤكد موته. وقال أبو عبيدة: مصلوه أصحاب الصلاة وهم الرهبان وأهل الدين منهم. ويروى:
مضلوه، أي دافنوه، وهذه أفضل.
26 - بصرى وجاسم: موضعان بالشام. والوسمي: أول المطر لأنه يسم الأرض بالنبات.
27 - منتهاه: أي قبره، ويروى: منتواه، أي موضع تباعده عن الأحياء والأحبة.
28 - الحوذان والعوف: نباتان طيبا الرائحة. وسأتبعه: أي سأثني عليه بخير القول.
29 - الجولان وحوران: مكانان معروفان بالشام. وموحش: أي ذو وحشة. ومتضائل: متصاغر.
30 - غسان: مكان بالشام نزل به ماء السماء بن حارثة الغطريف جدّ الغساسنة وهم من اليمن.
شرح القصيدة الثالثة والعشرين 1قال الأعلم: وقال النابغة حين قتلت بنو عبس نضلة الأسدي، وقتلت بنو أسد منهم رجلين فأراد عيينة عون بني عبس، وأن يخرج بني أسد من حلف بني ذبيان عريتنات. وأعلى الجزع:
موضعان. والمبن: المقيم بهذه المنازل المرتفعة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 139136.(1/198)
2 - تعاورهنّ صرف الدّهر حتى ... عفون وكلّ منهمر مرنّ
3 - وقفت بها القلوص على اكتئاب ... وذاك تفارط الشّوق المعنيّ
4 - أسائلها وقد سفحت دموعي ... كأنّ مفيضهنّ غروب شنّ
5 - بكاء حمامة تدعو عديلا ... مفجعة على فنن تغنيّ
6 - ألكني يا عيين إليك قولا ... سأهديه إليك: إليك عني
7 - قوافي كالسّلام إذا استمرّت ... فليس يردّ مذهبها التّظنّي
8 - بهنّ أدين من يبغي أذاتي ... مداينة المداين فليدنّي
9 - أتخذل ناصري وتعزّ عبسا ... أيربوع بن غيظ للمعنّ
10 - كأنّك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنّ
11 - تكون نعامة طورا وطورا ... هويّ الرّيح تنسج كلّ فنّ
12 - تمنّ بعادهم واستبق منهم ... فإنّك سوف تترك والتّمنّي
2 - تعاورهنّ: تداولهن، وتعاقب عليهن. وصروف الدهر: أحداثه. وعفون: درسن. والمرن:
المصوت، وهو المطر ذو الرعد.
3 - القلوص: الناقة الشابة. والتفارط: التقادم. والمعنى: ذو العناء والمشقّة.
4 - سفحت: انصبت. ومفيضهنّ: مصبهنّ. والشن: القربة الخلقة الصغيرة.
5 - الهديل: زعموا أنه ذكر للحمام كان على عهد نوح فقدته الحمام فبكته وكل نائحة من الحمام تنوح عليه. والفنن: الغصن.
6 - ألكني: ألكه ألكا من باب ضرب، بلغ عنه الألوك، وهي الرسائل وعيين هذا كان يريد أن يعين بني عبس على بني أسد، وهؤلاء حلفاء ذبيان. وإليك عني: كفّ عني.
7 - السلام، بكسر السين: جمع سلمة: الحجارة. والتظني: التظنن. شبّه القوافي في قوتها بالحجارة.
8 - أدين: أجزي. والأذاة: الضرر.
9 - المعن: الذي يدخل في كل شيء، ويتعرض لما لا يعنيه. ويربوع بن غيظ: رهط النابغة، ودعاهم للتعجب منه.
10 - قعقع الشيء: صوّت، ويقولون: فلان يقعقع له بالشنان، وهو مثل يضرب لمن يروعه ما لا حقيقة له. وبنو قيس: فخذ من شجع، أو يقال هم من عكل وإبلهم غير عتاق، يضرب بنفارها المثل، فجعل عيينة كالجمل النافر، لجبنه وخفّته عند الفزع. والشن: الجلد البالي. والقعقعة:
صوته.
11 - أي تكون نعامة في الجبن وتهوي هوي الريح في سرعة هبوبها.
12 - بعادهم: هلاكهم. واستبق: أي نفسك، وسوف تجد نفسك وحيدا.(1/199)
13 - لدى جرعاء ليس بها أنيس ... وليس بها الدّليل بمطمئنّ
14 - إذا حاولت في أسد فجورا ... فإني لست منك ولست مني
15 - فهم درعي الّتي استلأمت فيها ... إلى يوم النّسار، وهم مجنّي
16 - وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إني
17 - شهدت لهم مواطن صادقات ... أتيتهم بودّ الصّدر مني
18 - وهم ساروا لحجر في خميس ... وكانوا يوم ذلك عند ظنّي
19 - وهم زحفوا لغسّان بزحف ... رحيب السّرب أرعن مرجحنّ
20 - بكلّ مجرّب كالليث يسمو ... على أوصال ذيال رفنّ
21 - وضمر كالقداح مسوّمات ... عليها معشر أشباه جنّ
22 - غداة تعاورته ثمّ بيض ... دفعن إليه في الرّهج المكنّ
23 - ولو أني أطعتك في أمور ... قرعت ندامة من ذاك سنّي
13 - الجرعاء: الفلاة. والمطمئن: الثابت.
14 - الفجور: الفساد.
15 - استلأم: لبس اللأمة، وهي الدرع. والنسار: موضع كانت فيه وقعة. والمجن: الترس.
16 - الجفار: بكسر الجيم، ماء لبني تميم. ويوم عكاظ: حرب كانوا فيها مع قريش.
17 - المعنى هذه المواطن التي شاهدتهم صدقوا القتال فيها وذهبت بودّي إليهم وعطفت محبتي عليهم.
18 - حجر: هو أبو امرىء القيس الشاعر. والخميس: الجيش.
19 - زحفوا لغسان: برزوا لقتالهم. السرب: الطريق. والمرجحن: الثقيل والجيش الأرعن الذي له فضول يشبه رعن الجبل.
20 - يسمو: يعلو. والأوصال العظام: جمع وصل. والذيال: ذو الذيل. والرفن الطويل: الذيل من الخيل. قيل: والأصل رفل.
21 - وضمر شبّه الخيل الضامرة بالسهام. ومسومات: معلمات يعرفن في الحرب.
22 - تعاورته: تداولته وتعاقبته. والبيض: السيوف. والرهج: الغبار الثائر. المكن: الساتر.
23 - أي لو أطعتك في بني أسد لندمت في فعل ذلك، فلم يكن عندي من النكير إلا قرع أسناني، وهو من فعل النادم.(1/200)
24
وقال أيضا (1): [الوافر]
1 - أتاركة تدلّلها قطام ... وضنّا بالتّحيّة والكلام
2 - فإن كان الدّلال فلا تلجّي ... وإن كان الوداع فبالسلام
3 - فلو كانت غداة البين منّت ... وقد رفعوا الخدور على الخيام
4 - صفحت بنظرة فرأيت منها ... تحيت الخدر واضعة القرام
5 - ترائب يستضيء الحلي فيها ... كجمر النّار بدّر بالظّلام
6 - كأن الشذر والياقوت منها ... على جيداء فاترة البغام
7 - خلت بغزالها ودنا عليها ... أراك الجزع أسفل من سنام
8 - تسفّ بريره وترود فيه ... إلى دبر النّهار من البشام
9 - كأنّ مشعشعا من خمر بصرى ... نمته البخت مشدود الختام
شرح القصيدة الرابعة والعشرين 1قال الأعلم وقال النابغة يمدح عمرو بن هند، وكان غزا الشام بعد قتل المنذر أبيه وقال أبو عبيدة قال هذه القصيدة لعمرو بن الحارث الغساني في غزوة العراق. وقطام: اسم امرأة مبني على الكسر والضنّ بكسر الضاد البخل.
2 - المعنى: إن كان فعلك هذا تدلّلا وتجنيا فكفّي منه ولا تلجي فيه وإن كان سببا للفراق والتوديع فودعينا بسلام أي تسليم منك علينا وتحية.
3 - منّت: أي بالوداع ساعة رحيلها.
4 - صفحت بنظرة: أي رميت بنظرة. والقرام: الستر الرقيق أو الستر الأحمر، أو ثوب ملوّن.
والخدور: كل ما تخدرن فيه والخيام هنا الهوادج.
5 - الترائب: جمع تريبة، وهي موضع العقد من الصدر نصب على الندل. وبذر: فرق.
6 - الشذر: اللؤلؤ الصغير. والجيداء: الحسنة الجيد الطويلة، كالغزال الطويل العنق. والبغام:
صوت الظبية.
7 - شبّهها بظبية مع ولدها يرعيان ثمر الأراك. والجزع: جانب الوادي. وسنام: جبل.
8 - البرير: أول ما يظهر من ثمر الأراك. وترود فيه: تذهب وتجيء. ودبر النهار: آخره. والبشام:
التخمة.
9 - المشعشع: الشراب الممزوج بالماء ليرقّ. وبصرى: بلد بالشام. ونمته: أوصلته. والبخت:
الإبل.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6863.(1/201)
10 - نمين قلاله من بيت راس ... إلى لقمان في سوق مقام
11 - إذا فضت خواتمه علاه ... يبيس القمّحان من المدام
12 - على أنيابها بغريض مزن ... تقبّله الجباة من الغمام
13 - فأضحت في مداهن باردات ... بمنطلق الجنوب على الجهام
14 - تلذّ لطعمه وتخال فيه ... إذا نبّهتها بعد المنام
15 - فدعها عنك إذا شطّت نواها ... ولجّت من بعادك في غرام
16 - ولكن ما أتاك عن ابن هند ... من الجزم المبيّن والتّمام؟
17 - فداء ما تقلّ النعل مني ... إلى أعلى الذّؤابة للهمام
18 - ومغزاه قبائل غائظات ... على الذّهيوط في لجب لهام
19 - يقدن مع امرىء يدع الهوينى ... ويعمد للمهمّات العظام
20 - أعين على العدوّ بكلّ طرف ... وسلهبة تجلّل في السّمام
10 - نمين: حملن. وقلاله: جمع قلة، وهي جرّة كبيرة يحفظ فيها الخمر. وبيت رأس: موضع بالشام. ولقمان: رجل خمار.
11 - القمحان: بتشديد الميم وضمها أو فتحها، الورس أو الزعفران، أو شيء كالذريرة يعلو الخمر، أو هو زبدها.
12 - غريض مزن: أي ماء السحاب، وهو يكون باردا والجباة مع الجابي، وهو الذي يجمع ماء المطر في الحوض.
13 - أضحت: أي السحب. والمداهن: النقر في الحجارة يكون فيها ماء قليل. ومنطلق الجنوب:
ريح تضرب السحاب. والجهام: السحاب القليل الماء.
14 - تخال فيه: أي تخال فيه عسلا أو خمرا أو ما شئت مما تحب حذف المفعول للعلم به.
15 - شطت: أتت وبعدت. ونواها: سفرها وارتحالها. ولجت: أي رغبت في مفارقتك.
16 - الجزم: يروى بالجيم والحاء. والأول: قوة الإرادة الشجاعة. والثاني: هو وضع الشيء في موضعه.
17 - تقل: تحمل. والذؤابة: ضفيرة الشعر. والهمام: العالي الهمة.
18 - ومغزاه: أي ما أتاك عن مغزاه. والذهيوط: اسم أرض. واللجب: الجيش العظيم، ذو الجلبة والصوت. واللهام: الذي يلتهم كل ما يمرّ به أي يتلفه ويذهبه.
19 - الهوينى: تصغير الهونى، بوزن الصغرى، من هان يهون أي الدّعة والراحة.
20 - الطرف: بكسر الطاء، الكريم من البخل. والسلهبة: الفرس الطويلة. وتجلل: أي يوضع عليها الجل، وهو يشبه الثوب للإنسان، لتصان به. والسمام: الحر.(1/202)
21 - وأسمر مارن يلتاح فيه ... سنان مثل نبراس النهام
22 - وأنباه المنبّىء أن حيّا ... حلولا من حزام أو جذام
23 - وأنّ القوم نصرهم جميع ... فئام مجلبون إلى فئام
24 - فأوردهنّ بطن الأتم شعثا ... يصنّ المشي كالحدإ التؤام
25 - على إثر الأدلة والبغايا ... وخفق النّاجيات من الشّآم
26 - فباتوا ساكنين وبات يسري ... يقرّبهم له ليل التّمام
27 - فصبّحهم بها صهباء صرفا ... كأنّ رؤوسهم بيض النّعام
28 - فذاق الموت من بركت عليه ... وبالنّاجين أظفار دوامي
29 - وهنّ كأنهنّ نعاج رمل ... يسوّين الذّيول على الخدام
30 - يوصّين الرّواة إذا ألموا ... شعث مكرهين على الفطام
31 - وأضحى ساطعا بجبال حسمي ... دقاق الترب محتزم القتام
32 - فهمّ الصالبون ليدركوه ... وما راموا بذلك من مرام
21 - وأسمر: هو الرمح. والمارن: المرن اللين. ويلتاح: يظهر ويلوح. والنبراس: المصباح.
والتهام: الحداد، أو الراهب.
22 - حزام: يروى حرام. وجذام: قبيلة.
23 - فئام أي طوائف ومجلبون متجمعون من كل مكان للحرب.
24 - بطن الأتم: موضع. والحدأ: بكسر الحاء، جمع حدأة. والتؤام: جمع توأم، أي التي تطير اثنتين اثنتين.
25 - البغايا: الطلائع التي تكون قبل ورود الجيش. خفق الناجيات: سير الإبل المسرعات.
26 - باتوا: أي الأعداء. وليل التمام: أطول ليالي الشتاء.
27 - صبحهم: سقاهم في الصباح خمرا. شبّه ما أصابهم من قتله لهم بما يصيب السكران من الغشية والصرع.
28 - الناجين: الذين فرّوا. والأظفار: السلاح. والدوامي: الملطخة بالدم.
29 - وهن أي نساؤهن. والخدام: جمع خدمة، وهي الخلخال.
30 - الرواة: جمع راو، وهو حامل الماء. وألموا: نزلوا الشعث، وصف لأولاد النساء، أي متغيرون مجهودون من السفر وقد حيل بينهم وبين الرضاع من أمهاتهم.
31 - ساطعا: مرتفعا. دقاق التراب: ناعم التراب. والقتام: الغبار الأسود، أي أضحى الغبار قد سطع وارتفع بجبال حسمي، لكثرة ما تثير الخيل من الغبار. ومحتزم القتام: أراد أن حسمي قد أحاط به القتام، فصار له كالحزام، وحسمي وراء وادي القرى، وإليها كانت سرية زيد بن حارثة.
32 - وما راموا أي طلبوا مطلبا لم يدركوه.(1/203)
33 - إلى صعب المقادة ذي شريس ... نماه في فروع المجد نامي
34 - أبوه قبله وأبو أبيه ... بنوا مجد الحياة على إمام
35 - فدوّخت العراق فكل قصر ... يجلّل خندق منه وحام
36 - وما تنفكّ محلولا عراها ... على متناذر الأكلاء طام
25
وقال يمدح النعمان بن وائل بن الجلاح الكلبي (1): [الطويل]
1 - أهاجك من سعداك مغنى المعاهد ... بروضة نعميّ فذات الأساود
2 - تعاورها الأرواح ينسفن تربها ... وكلّ ملثّ ذي أهاضيب راعد
3 - بها كلّ ذيّال وخنساء ترعوي ... إلى كلّ رجّاف من الرّمل فارد
33 - المقادة: الانقياد. وذي شريس: أي لا ينقاد ولا يذل لشيء، فهو شديد المراس.
34 - بنوا مجد الحياة أي لهم ذكر جميل بحسن فعالهم ما دامت الحياة. وعلى إمام: ائتموا بفعل من مضى من آبائهم، واتخذوه إماما احتذوه.
35 - يجلل: أي يغطي. تقول: جلل السحاب الأرض إذا عمّها.
36 - الأكلاء: جمع كلأ، وهو العشب. والمتناذر: الذي يخوّف الناس بعضهم بعضا إياه. يقول:
هذه الجبال لا تزال مقيمة قد حلّت عراها على موضع قد تناذره الناس لا يقربونه من عزّة أهله ومنعتهم، فحمل هذا بهم لقوته وكثرة جيشه.
شرح القصيدة الخامسة والعشرين 1حين أغار النعمان على بني ذبيان أخذ منهم وسبى سبيا من غطفان، وأخذ عقرب بنت النابغة، فسألها: من أنت؟ فقالت: أنا بنت النابغة. فقال لها: والله ما أحد أكرم علينا من أبيك، ولا أنفع لنا عند الملك، ثم جهّزها وخلاها. ثم قال: والله ما أرى النابغة يرضى بهذا منّا، فأطلق له سبي غطفان وأسراهم وكان ابن الجلاح قائدا للحارث بن أبي شمر ملك غسان، فقال النابغة يمدحه. المغنى: الموضع الذي أقاموا به. والمعاهد: حيث عهدوا وكانوا. روضة نعمى وذات الأساود: موضعان.
2 - تعاورها: تعاقب عليها. والأرواح: الرياح. والملث: المطر يدوم أياما ولا يقطع. والأهاضيب:
واحدها هضاب وهي حلبات القطر بعد القطر.
3 - الذيال: الثور الطويل الذنب. والخنساء: البقرة القصيرة الأنف. وترعوي: تصير إليه، وتأوي نحوه. ورجاف: متحرك لا يتماسك. وفارد: أي منفرد، أو منقطع من غيره. والمعنى: أن الدار خلت من الأنيس، وصارت مألفا للوحش.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 4139.(1/204)
4 - عهدت بها سعدى وسعدى غريرة ... عروب تهادى في جوار خرائد
5 - لعمري النّعم الحيّ صبّح سربنا ... وأبياتنا يوما بذات المراود
6 - يقودهم النّعمان منه بمحصف ... وكيد يغمّ الخارجيّ مناجد
7 - وشيمة لا وان ولا واهن القوى ... وجدّ إذا خاب المفيدون صاعد
8 - فآب بأبكار وعون عقائل ... أوانس يحميها امرؤ غير زاهد
9 - يخططن بالعيدان في كلّ مقعد ... ويخبأن رمّان الثديّ النّواهد
10 - ويضربن بالأيدي وراء براغز ... حسان الوجوه كالظّباء العواقد
11 - غرائر لم يلقين بأساء قبلها ... لدى ابن الجلاح ما يثقن بوافد
12 - أصاب بني غيظ فأضحوا عباده ... وجلّلها نعمى على غير واحد
4 - غريرة: أي غافلة، وهو وصف حسن. وعروب: متحببة إلى زوجها. تهادى: تمشي مشيا ليّنا. والخرائد: جمع خريدة، وهي النساء الحيّيّات.
5 - صبح القوم نزل بهم في الصباح. والسرب: المال الراعي. وذات المراود: موضع.
6 - المحصف: الحبل الشديد الفتل، شبّه رأيه بالحبل القوي. والخارجي: الشجاع، وأصله كل من خرج، أي ساد بنفسه، من غير أن يكون له سابقة في السيادة. وناجده، فهو مناجد: عارضه وبارزه للقتال.
7 - الشيمة: الطبيعة. والواني: الضعيف، وكذلك الواهن. والقوى: حزمه وجلده. وأصل القوى:
طاقات الحبل، فضربها مثلا لقوة حزمه. والجلد: البخت والحظ. والمفيدون: المستفيدون.
والصاعد: النامي الزائد.
8 - العون: جمع عوان، وهي النصف من النساء، ويقال: هي الثيب. وأوانس: يؤنس بحديثهن وحسنهن. ويحميها: يمنعها مما تكره ممّن يريدها بسوء. وهو غير زاهدا في حفظهنّ.
9 - يخططن بالعيدان: أي هنّ مأسورات قد بلغ منهنّ الحزن فإذا قعدن خطّطن بالعيدان في الأرض، وذلك من فعل المحزون يعبث بالحصى والتخطيط يتلهّى بذلك عمّا هو فيه. ورومان الثدي: أي هنّ شواب لم تكسر ثديهنّ. والنّواهد: التي تنأت ولم تسترسل.
10 - البراغز: جمع برغز كجعفر وقنفد: بقر الوحش أو أولادها. والعواقد: جمع عاقد، وهو الذي ثنى رأسه نحو ذيله أي يلزمن أولادهن، ويضممنهم إليهنّ تأنّسا بهم.
11 - البأساء: الشدة. وما يثقن بوافد: أي انقطع أملهنّ من الخلاص من الأسر، لكونهنّ في حوزة هذا الرجل الشجاع فلا يفد إليهنّ أحد من قومهن ليفديهن.
12 - أصاب بني غيظ: أصابهم بالغارة، وبنو غيظ: من بني ذبيان. وهو غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان. وجللها نعمى: أي مرّ على الأسرى فأطلقهم، وأنعم عليهم.(1/205)
13 - فلا بدّ من عوجاء تهوي براكب ... إلى ابن الجلاح سيرها اللّيل قاصد
14 - تخبّ إلى النّعمان حتى تناله ... فذي لك من ربّ طريفي وتالدي
15 - فسكّنت نفسي بعدما طار روحها ... وألبستني نعمى ولست بشاهد
16 - وكنت امرءا لا أمدح الدّهر سوقة ... فلست على خير أتاك بحاسد
17 - سبقت الرّجال الباهشين إلى العلا ... كسبق الجواد اصطاد قبل الطّوارد
18 - علوت معدّا نائلا ونكاية ... فأنت لغيث الحمد أوّل رائد
26
وقال في وقعة عمرو بن الحارث الأصغر الغسّاني ببني مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان (1): [الطويل]
1 - أهاجك من أسماء رسم المنازل ... بروضة نعميّ فذات الأجاول
2 - أربّت بها الأرواح حتى كأنّما ... تهادين أعلى تربها بالمناخل
13 - العوجاء: ناقة قد اعوجّت لطول السفر، وانحرفت عن حالها إلى الهزال. وسيرها الليل قاصد:
أي قاصد سيرها الليل فقدم، وهو مثل «ما للجمال مشيها وئيدا» أي مشيها ومعنى قاصد: لا تعب فيه ولا بطء.
14 - تخب: تسير الخبب، وهو سير فيه سرعة. وفذي لك من رب: جلّ ربّا لأنه في ملكه وطاعته.
وطريفي: ما استحدث من المال واكتسب. والتالد: ما ورث عن الآباء.
15 - وألبستني نعمى: يريد ما أنعم به عليه من إطلاق الأسرى له وهو غائب عنه.
16 - لا أمدح الدهر سوقة: أي إنما أمدح الملوك مثلك. والسوقة: من دون الملك الرئيس. وعلى خير أتاك: يريد ما مدحه به أي إني أراك أهلا للمدح فلا أحسدك عليه، فأمنعك منه، قيل: وقد امتنّ عليه بمدحه إياه لأنه ليس بملك، لأنه سيد قومه، وأحد عمّال الملك، فهو أحد السوقة، وعيب ذلك عليه.
17 - الباهش: المسرع إلى الشيء سرورا به، كما يبهش الغلام إلى أمه. والطوارد: جمع طارد، وهو الفرس الذي يطرد الصيد ويتبعه.
18 - النائل: العطاء. والنكاية: المبالغة في القتل والتعذيب.
شرح القصيدة السادسة والعشرين 1الروضة: الموضع الذي فيه ماء ونبت، فإن كان فيه نبت وشجر فهو حديقة. ونعمى وذات الأجاول: الوضعان.
2 - أربت: دامت ولم تبرح، يقول: كأن بعض الرياح أهدى بعضها إلى بعض ترابا منخولا دقيقا.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 131127.(1/206)
3 - وكلّ ملثّ مكفهرّ سحابه ... كميش التّوالي مرثعنّ الأسافل
4 - إذا رجفت فيه رحى مرجحنة ... تبعق ثجّاج غزير الحوامل
5 - عهدت بها حيّا كراما فبدّلت ... خناطيل آجال النّعام الجوافل
6 - ترى كلّ ذيّال يعارض ربربا ... على كلّ رجّاف من الرّمل هائل
7 - يثرن الحصى حتى يباشرن برده ... إذا الشّمس مجّت ريقها بالكلاكل
8 - وناجية عدّيت في متن لا حب ... كسحل اليماني قاصد للمناهل
9 - له خلج تهوي فرادى وترعوي ... إلى كلّ ذي نيرين بادي الشواكل
10 - وإني عداني عن لقائك حادث ... وهمّ أتى من دون همّك شاغلي
11 - نصحت بني عوف فلم يتقبّلوا ... وصاتي ولم تنجح لديهم وسائلي
12 - فقلت لهم لا أعرفنّ عقائلا ... رعابيب من جنبي أريك وعاقل
13 - ضوارب بالأيدي وراء براغز ... حسان كآرام الصّريم الخواذل
3 - الملث: السحاب الدائم. والمكفهر: الشديد. والكميش: السريع.
4 - يقال للسحابة المستديرة الثقيلة: هذه رحى مرجحنة. وتبعق: انفرج من الودق وانشق.
والثجاج: الذي يصبّ الماء. والحوافل: جمع حافلة، وهي السحب الممتلئة بالماء.
5 - الخناطيل: جمع خنطلة، وهي الجماعة. والآجال: جمع إجل، وهو الجماعات أيضا.
والجوافل: المنزعجة النافرة.
6 - الذيال: الثور الطويل الذيل. والربرب: قطيع بقر الوحش. والرجاف: من الرمل الذي يتحرك ما تحته إذا وطئته. والهائل: الذي لا يتماسك.
7 - الكلاكل هنا: صدور الخيل.
8 - ناجية: ناقة سريعة. والمتن: الظهر. واللاحب: الطريق البيّن الواضح. والسحلي: الثوب الأبيض. والمناهل: المشارب.
9 - خلج: جمع خلوج، أي طرق صغار. ذو الجانبين: أي تتشعب منه طرق صغار تختلج الناس عن الطريق الأعظم.
10 - عداني: منعني.
11 - بنو عوف: قومه.
12 - العقائل: الكرائم. والرعابيب: جمع رعبوبة، وهي الناعمة البيضاء. وأريك وعاقل: موضعان، أو جبلان.
13 - البراغز: أولاد بقر الوحش. والصويم: المنقطع من الرمل. والآرام: جمع رئم وهو الظبي.
والخواذل: التي خذلت صواحبها، أي تخلّفت عنهنّ، وأقامت على القطيع.(1/207)
14 - خلال المطايا يتّصلن وقد أتت ... قنان أبير دونها والكوائل
15 - وخلّوا له بين الجناب وعالج ... فراق الخليط ذي الأذاة المزايل
16 - ولا أعرفنّي بعد ما قد نهيتكم ... أجادل يوما في شويّ وجامل
17 - وبيض غريرات تفيض دموعها ... بمستكره يذرينه بالأنامل
18 - وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي ... على وعل في ذي المطارة عاقل
19 - مخافة عمرو أن تكون جياده ... يقدن إلينا بين حاف وناعل
20 - إذا استعجلوها عن سجيّة مشيها ... تتلّع في أعناقها بالجحافل
21 - شوازب كالأجلام قد آل رمّها ... سماحيق صفرا في تليل وفائل
22 - ويقذفن بالأولاد في كلّ منزل ... تشحّط في أسلائها كالوصائل
23 - ترى عافيات الطّير قد وثقت لها ... بشبع من السّخل العتاق الأكائل
24 - برى وقع الصّوّان حدّ نسورها ... فهنّ لطاف كالصّعاد الذّوابل
14 - خلال المطايا: يريد أنهن سبين، فهنّ يمشين بين المطايا. يتصلن: أي ينتمين إلى قومهن، يقلن يا لبني فلان ومستغيثات بهم. والقنان: أعالي الجبال. وأبير والكوائل: جبال.
15 - الجناب وعالج: موضعان. والخليط: العشير. وذي الأذاة: الذي أصابه المكروه. والمزايل:
المفارق.
16 - الشوي: اسم جمع للشاة. والجامل: اسم لجماعة الجمال.
17 - بيض: أي نساء. وغريرات: غوافل. بمستكره: أي بدم مستكره. ويذرينه: أي يسقطنه.
18 - أي خوفي شديد كخوف الوعل النافر في قلل الجبال. وذو المطارة: جبل. وعاقل: ممتنع بالجبل، يقال عقل الوعل يعقل عقولا: إذا امتنع في الجبل العالي وكذا الظبي.
19 - بين حاف وناهل: أي بين إبل وخيل.
20 - تتلع: أي تمد أعناقها وجحافلها نشاطا. والجحفلة للدابة: كالشفة للإنسان.
21 - الشوازب: الضامرة اليابسة. والأجلام: جمع جلم وهو المقرض. أو هي غنم طوال الأرجل لا شعر على قوائمها، تكون بالطائف. والروم: المخ. والسماحيق: الرقيق من الشحم، جمع سمحوق. والتليل: العنق. والفائل: اللحم الذي على خرب الفخذ أو عرق في الفخذ.
22 - تشحط: أصله تتشحط، أي الأولاد، بمعنى تضطرب. والسلي: الجلدة التي يكون فيها الولد من الإنسان أو الحيوان إذا ولد. والوصائل: الثياب الحمر المخططة.
23 - عافيات الطير: النسور التي تطلب الصيد. والسخل: اسم جمع سخلة، وهي في الأصل ولد الشاة، شبّه بها أولاد الخيل. والأكائل: جمع أكيلة بمعنى مأكولة.
24 - الوقع، كسبب: الحجارة الصلبة. والنسور: جمع نسر، وهو لحمة في باطن حافر الفرس من أعلاه. والصعاد: الرماح المستوية، جمع صعدة. والذوابل: الدقيقة الصلبة.(1/208)
25 - مقرّنة بالعيس والأدم كالقنا ... عليها الخبور محقبات المراجل
26 - وكل صموت نثلة تبّعيّة ... ونسج سليم كلّ قضّاء ذائل
27 - علين بكديون وأبطنّ كرّة ... فهنّ وضاء صافيات العلائل
28 - عتاد امرىء لا ينقض البعد همّه ... طلوب الأعادي واضح غير خامل
29 - تحين بكفّيه المنايا وتارة ... تسحّان سحّا من عطاء ونائل
30 - إذا حلّ بالأرض البريّة أصبحت ... كئيبة وجه غبّها غير طائل
31 - يؤمّ بربعيّ كأنّ زهاءه ... إذا هبط الصّحراء حرّة راجل
27
وقال يمدح النعمان بن المنذر (1): [الوافر]
1 - أمن ظلامة الدّمن البوالي ... بمرفضّ الحبيّ إلى وعال
2 - فأمواه الدّنا فعويرضات ... دوارس بعد أحياء حلال
25 - العيس: الإبل البيض. والأدم: التي شاب بياضها صفرة. والخبور: جمع خبر وهي المزادة العظيمة. والقنا: الرماح. ومحقبات: محمولات على حقيبة الرحل. والمراجل: قدور الطبخ من نحاس أو غيره.
26 - كل صموت: كل درع. ونثلة: سابغة. وسليم: قيل أراد به سليمان بن داود، والمراد داود.
وقضاء: درع متينة العمل، خشنة الملمس. وذائل: طويلة الذيل.
27 - الكديون: كفرعون، دقاق التراب عليه دردي الزيت تجلى به الدروع أو يجعل على ظواهرها لئلا تصدأ. والكرة: بفتح الكاف، البعر العفن تجلى به الدروع. الوضاء: جمع وضيئة، وهي اللامعة. والغلائل: جمع غلالة، وهي ما يلبس تحت الدرع.
28 - عتاد امرىء: هو النعمان. وهمه: ما يهم به ويعزم عليه. واضح: بيّن الشرف، مشهور الكرم.
29 - يريد أنه كالموت. والغيث لأوليائيه.
30 - البرية: الخالية التي لم يطأها جيش. كئيبة وجه: سوداء الوجه.
31 - يؤم: يقصد. والربعي: الجيش المنسوب إلى الربع، وهو الذي يغزو في الربيع. وزهاؤه:
كثرته. وحرّة راجل: حرّة بعينها يقصد أن هذا الجيش لكثرته كأنه جبل.
شرح القصيدة السابعة والعشرين 1ظلامة: اسم امرأة. والدمن: آثار الديار. ومرفض: هو الرمل. والحبي ووعال: موضعان.
2 - أمواه الدنا وعويرضات: موضعان. ودوارس: متغيرات. أحياء: جمع حي، وهم القوم.
وحلال: أي حالّون.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6259.
3 - تأبّد لا ترى إلّا صوارا ... بمرقوم عليه العهد خال
4 - تعاورها السّواري والغوادي ... وما تذرى الرّياح من الرّمال
5 - أثيث نبته جعد ثراه ... به عوذ المطافل والمتالي
6 - يكشفن الألاء مزيّنات ... بغاب ردينة السّحم الطّوال
7 - كأنّ كشوحهنّ مبطّنات ... إلى فوق الكعوب برود خال
8 - فلمّا أن رأيت الدّار قفرا ... وخالف بال أهل الدّار بالي
9 - نهضت إلى عذافرة صموت ... مذكّرة تجلّ عن الكلال
10 - فداء لامرىء سارت إليه ... بعذرة ربّها عمّي وخالي
11 - ومن يغرف من النّعمان سجلا ... فليس كمن يتيّه في الضّلال
12 - فإن كنت امرءا قد سؤت ظنّا ... بعبدك والخطوب إلى تبال
13 - فأرسل إلى بني ذبيان فاسأل ... ولا تعجل إليّ عن السّؤال
14 - فلا عمر الّذي أثني عليه ... وما رفع الحجيج إلى إلال
3 - تأبّد: سكنته أوابد الوحش. والصوار: بكسر الصاد وضمها، قطيع البقر. بمرقوم: أي برسم مرقوم. والعهد: المطر، أي على هذا الرسم المرقوم أثر العهد وتغيره. وخال: لا أنيس به.(1/209)
3 - تأبّد لا ترى إلّا صوارا ... بمرقوم عليه العهد خال
4 - تعاورها السّواري والغوادي ... وما تذرى الرّياح من الرّمال
5 - أثيث نبته جعد ثراه ... به عوذ المطافل والمتالي
6 - يكشفن الألاء مزيّنات ... بغاب ردينة السّحم الطّوال
7 - كأنّ كشوحهنّ مبطّنات ... إلى فوق الكعوب برود خال
8 - فلمّا أن رأيت الدّار قفرا ... وخالف بال أهل الدّار بالي
9 - نهضت إلى عذافرة صموت ... مذكّرة تجلّ عن الكلال
10 - فداء لامرىء سارت إليه ... بعذرة ربّها عمّي وخالي
11 - ومن يغرف من النّعمان سجلا ... فليس كمن يتيّه في الضّلال
12 - فإن كنت امرءا قد سؤت ظنّا ... بعبدك والخطوب إلى تبال
13 - فأرسل إلى بني ذبيان فاسأل ... ولا تعجل إليّ عن السّؤال
14 - فلا عمر الّذي أثني عليه ... وما رفع الحجيج إلى إلال
3 - تأبّد: سكنته أوابد الوحش. والصوار: بكسر الصاد وضمها، قطيع البقر. بمرقوم: أي برسم مرقوم. والعهد: المطر، أي على هذا الرسم المرقوم أثر العهد وتغيره. وخال: لا أنيس به.
4 - تعاورها: تعاقب عليها. والسواري: جمع سارية. والغوادي: جمع غادية وهي السحب.
وتذرى: تثير، أي تعاقبت عليها أمطار الليل والنهار فمحت آثارها وغيّرت معالمها.
5 - أثيث: غزير. وجعد: متلبّد من الماء. والعوذ: جمع عائذ، وهي الحديثة النّتاج. والمطافل:
جمع مطفل، التي لها طفل. والمتالي: التي تلاها أولادها.
6 - يكشفن: يأكلن. ولألاء: شجر، واحدته ألاءة. وغاب ردينة: هي الرماح، شبّه قرونها بالرماح في طولها وسوادها.
7 - البرود: الثياب اليمنية المخططة، شبّه ألوان الصوار بتخطيط البرود. وخال: موضع.
8 - قفرا: لا أحد بها. وبالهم: حالهم.
9 - العذافرة: الناقة العظيمة الشديدة. وصموت: أي لا تشكو تعبا. ومذكرة: أي تشبه خلقتها خلقة الجمل.
10 - عذرة ربها: أي معذرة صاحبها.
11 - السجل: الدلو.
12 - الخطوب: جمع خطب، وهو الأمر العظيم. والتبالي: الابتلاء والاختبار.
13 - أي إن سؤت ظنّا بي، فاسأل بني ذبيان عن ذلك، لتبلو الأمر، وتقف على حقيقته، ولا تعجل عليّ بالموجدة والسخط.
14 - فلا عمر: أي فلا لعمر. وإلال: بوزن كتاب، جبل بمكة من عن يمين الإمام بعرفة.(1/210)
15 - لمّا أغفلت شكرك فانتصحني ... وكيف ومن عطائك جلّ مالي
16 - ولو كفّي اليمين بغتك خونا ... لأفردت اليمين من الشّمال
17 - ولكن لا تخان الدّهر عندي ... وعند الله تجزية الرّجال
18 - له بحر يقمص بالعدولي ... وبالخلج المحمّلة الثّقال
19 - مضرّ بالقصور تذود عنها ... قراقير النّبيط إلى التّلال
20 - وهوب للمخيّسة النّواجي ... عليها القانئات من الرّحال
28
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - ألا أبلغا ذبيان عني رسالة ... فقد أصبحت عن منهج الحقّ جائره
2 - أحدّكم لن تزجروا عن ظلامة ... سفيها ولن ترعوا لذي الودّ آصره
15 - أغفلت: تركت، يقول ما أغفلت شكرك ولا نسيته وكيف أغفله ومعظم أموالي من هباتك.
16 - أي أنا صادق في محبتك والإخلاص لك، ولو رامت كفي اليمنى خيانة لك لقطعتها، وأفردتها عن شمالي.
17 - المعنى: لا يمكن أن أخونك أو أن يخونك أحد عندي والله هو الذي يجزي الناس على ما يعلم من حالهم ونيّاتهم.
18 - يقمص: يحرّك كبار السفن بأمواجه حتى كأنها بعير. والعدولي: السفن الكبيرة المنسوبة إلى عدولي، وهي بلد بالبحرين. والخلج: جمع خليج، وهي دون العدو لي.
19 - القراقير: السفن الطويلة، جمع قرقور. والنبيط: جيل من الناس. ومضر بالقصور: أي دان إليها لا صق بها هو البحر.
20 - المخيسة: المذلّلة المروضة. والنواجي: المسرعة في سيرها. والقانئات: التي لونها أحمر قانىء، وهي أنفس الرحال.
شرح القصيدة الثامنة والعشرين 1قال الأعلم: وقال أيضا فيما كان بينه وبين يزيد بن سنان المري بسبب المحاش ويعاتب بني مرة على استئثارهم وتحالفهم عليه وعلى قومه، واجتماع قومه عليه مع طلبه حوائجهم عند الملوك، وكان النابغة يحسد كثيرا وكان رجلا عفيفا شريفا. والمنهج: الطريق الواضح. والجائرة:
العادلة عن الحق.
2 - أحدكم: يريد أحدا منكم؟ أي أتجدون في فعلكم هذا. والظلامة: الظلم. والآصرة: الرحم والقرابة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 121119.(1/211)
3 - فلو شهدت سهم وأبناء مالك ... فتعذرني من مرّة المتناصره
4 - لجاؤوا بجمع لم ير النّاس مثله ... تضاءل منه بالعشيّ قصائره
5 - ليهنىء لكم أن قد نفيتم بيوتنا ... مندّى عبيدان المحلّىء باقره
6 - وإني لألقى من ذوي الضّغن منهم ... وما أصبحت تشكو من الوجد ساهره
7 - كما لقيت ذات الصّفا من حليفها ... وما انفكّت الأمثال في النّاس سائره
8 - فقالت له أدعوك للعقل وافيا ... ولا تغشينّي منك بالظلم بادره
9 - فوثّقها بالله حين تراضيا ... فكانت تديه المال غبّا وظاهره
10 - فلمّا توفّى العقل إلّا أقلّه ... وجارت به نفس عن الحقّ جائره
11 - تذكّر أنى يجعل الله جنّة ... فبصبح ذا مال ويقتل واتره
12 - فلمّا رأى أن ثمّر الله ماله ... وأثل موجودا وسدّ مفاقره
13 - أكبّ على فأس يحدّ غرابها ... مذكّرة من المعاول باتره
3 - سهم ومالك: هم أبناء مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان. فتعذرني: أي تأتيني بعذر في فعلها، يعاتب بني مرة، وكانوا مخالفين على النابغة وقومه.
4 - تضاءل: تدقّ وتصغر. وقصائره: بضم أوله، أرض أو جبل وهذا مثل ضربه.
5 - المندى والتندية: أن تصدر الإبل عن الماء، ثم ترعى في الكلأ، ثم تعاد إلى الماء. وعبيدان:
عبد كان لرجل من عاد وكان مولاه ذا عز ومنعة وكان يورد أول الناس فكبر فغلب عليه رجل من عاد (ويقال إن ذلك الرجل لقمان بن عاد) حتى قهره فكان لا يورد عبيدان إبله إلا بعدما يورد غيره. والمحلّىء باقره: الذي يمنعها أن ترد الماء. والباقر: جماعة البقر. ضرب بعبيدان المثل بكل من طرد وأبعد.
6 - الضغن: الحقد والعداوة. وساهرة: امرأة سهرت لما بها من الوجل.
7 - الصفا: الحجارة. والحليف: المعاقد ذات الصفا، هي الحية التي ضربت بها العرب الأمثال.
8 - العقل: غرم الدية. والبادرة: ما يسبق من الإنسان من فعل الشر بلا رويّة.
9 - فوثقها: حالفها بالله على الوفاء وحالفته. وتديه: تعطيه الدية. والغب: أن تفعل الشيء يوما وتتركه يوما. وظاهره: أي في كل يوم.
10 - توفى العقل: استوفى الدية. وجارت: مالت.
11 - أنى يجعل الله جنة: أي كيف يجعل حلفه بالله سترة، حتى تمكنه الحية فيقتلها بقتلها أخاه.
والواتر: الذي عنده الوتر، وهو الذحل، وطلب الدم.
12 - ثمّر ماله: كثّره، ويروى تمم. وأثل: موجودا: كثر إبله. والمفاقر: جمع لا واحد له من لفظه، وقيل واحده فقر.
13 - أكبّ على فأس: مال عليها بوجهه يجد غرابها يشحد طرفها. والمذكرة: الذكيرة القوية والباترة القاطعة.(1/212)
14 - فقام لها من فوق جحر مشيّد ... ليقتلها أو تخطىء الكفّ بادره
15 - فلمّا وقاها الله ضربة فأسه ... وللبرّ عين لا تغمّض ناظره
16 - فقال تعالى نجعل الله بيننا ... على مالنا أو تنجزي لي آخره
17 - فقالت يمين الله أفعل أنّني ... رأيتك مسحورا يمينك فاجره
18 - أبى لي قبر لا يزال مقابلي ... وضربة فأس فوق رأسي فاقره
29
وقال أيضا (1): [البسيط]
1 - ودّع أمامة والتّوديع تعذير ... وما وداعك من قفّت به العير
2 - وما رأيتك إلّا نظرة عرضت ... يوم النّمارة والمأمور مأمور
3 - إنّ إلى القفول حيّ وإن بعدوا ... أمسوا ودونهم ثهلان فالنّير
4 - هل تبلّغنّيهم حرف مصرّمة ... أجد القفار وإدلاج وتهجير
14 - بادرة: أي ضربة تبدر منه، يريد: قام من فوق جحرها المشيد. وهو لا يدري أيستطيع أن يقتلها أم تخطىء كفّه الضربة فلا يصيبها.
15 - جواب فلما: محذوف، تقديره ندم على فعله واسترضاها.
16 - نجعل الله بيننا: أي نخاف بالله ونتواثق به على ما بيننا أو تنجزي لي آخر المال الذي كنت تدفعينه دية لأخي.
17 - يمين الله أفعل: يمين الله لا أفعل ولذلك لم يؤكد الفعل للنفي المقدّر. والمسحور: الذاهب العقل المخدوع. ويمينك فاجرة: أي غير برّة.
18 - فاقرة: مؤثرة، أي يمنعك ويمنعني من الوفاء باليمين، قبر أخيك الذي لا يغيب عن ناظرك، وضربة فأس برأسي: لا تزال تؤلمني.
شرح القصيدة التاسعة والعشرين 1تروى لأوس بن حجر التميمي. وتعذير: تقصير، أي منتهى ما يفعله المحب ساعة رحيله توديعه. قفّت: سارت وذهبت أي كيف تودعها وقد مضت العير وذهبت.
2 - النمارة: بلد.
3 - ثهلان فالنير: جبلان بينهما مسيرة يوم.
4 - حرف: ناقة ضامرة. مصرمة: هي التي يصاب ضرعها بشيء فيكوى فينقطع لبنها. وأجد الفقار: قوية الفقار. والإدلاج: سير الدلجة آخر الليل. والتهجير: سير الهاجرة وسط النهار.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 5149.(1/213)
5 - قد عرّيت نصف حول أشهر جددا ... يسفي على رحلها بالحيرة المور
6 - وفارقت وهي لم تجرب وباع لها ... من الفصافص بالنّمّيّ سفسير
7 - ليست ترى حولها إلفا وراكبها ... نشوان في جوّة الباغوث مخمور
8 - تلقي الإوزّين في أكناف دارتها ... بيضا وبين يديها التّين منشور
9 - لولا الهمام الذي ترجى نوافله ... لقال راكبها في عصبة سيروا
10 - كأنّها خاضب أظلافه لهق ... قهد الإهاب ترّبته الزّنانير
11 - أصاخ من نبأة أصغى لها أذنا ... صماخها بدخيس الرّوق مستور
12 - من حسّ أطلس تسعى تحته شرع ... كأنّ أحناكها السّفلى مآشير
13 - يقول راكبها الجنّيّ مرتفقا ... هذا لكنّ ولحم الشّاة محجور
تمّت القصائد المختارة من شعر النابغة 5الحيرة: اسم بلد. والمور: التراب تمور به. وعرّيت نصف حول: تركت وعرّيت من رحلها وقيم عليها بالعلف. وجدد: متتابعة.
6 - قارفت: قاربت الجرب. وتجرب: يصيبها الجرب. والفصافص: بفتح الفاء، جمع فصفصة بكسرهما، وهي نبات تعلفه الدواب بالأمصار. والنمّيّ: الدرهم الذي فيه رصاص. والسفسير:
القائم بخدمة الناقة، وهو السمسار.
7 - في جوة: أي في داخل. والباغوث: المكان الذي يشرب فيه الخمر.
8 - الإوزين: جمع إوز، ملحق بالمذكر السالم، والإعراب على النون. والأكناف الجوانب.
9 - النوافل: العطايا. والعصبة: الجماعة.
10 - الخاضب: الظليم، وهو هنا الثور. ولهق: أبيض تعلوه كدرة. وقهد الإهاب: أبيض أكدر أو نقي اللون، تربته: تكفلته. والزنانير: رملة، وقيل اسم أرض.
11 - أصاخ: استمع. والنبأة: الصوت الخفي. والصماخ: خرق الأذن الباطن. والدخيس: اللحم المكتنز الكثير. والروق: القرن.
12 - الأطلس: الصائد. والشرع: جمع شرعة، وهي في الأصل حبالة الصائد، والمراد هنا كلابه التي يصيد بها. والمآشير: المناشير.
13 - هذا لكنّ: أي هذا الجري لكنّ، أو هذا الثور لكنّ. ولحم الشاة محجور: أي ممنوع، لأنه لا يلحق.(1/214)
زهير بن أبي سلمى
ترجمة الشاعر
1
هو زهير بن ربيعة
هو زهير بن ربيعة الملقّب بأبي سلمى، من قبيلة مزينة من مضر.
كان يقيم هو وقومه في بلاد غطفان وأسرته أسرة شاعرة فكان أبوه شاعر أو خال أبيه واسمه بشامة بن الغدير شاعرا جمع إلى الشعر الحكمة وجودة الرأي وكانت غطفان إذا أرادوا الغزو أتوه فاستشاروه وصدروا عن رأيه، فإذا رجعوا من الحرب قسموا له مثل ما يقسمون لأفضلهم، وقد لازمه زهير وأخذ عنه الشعر وجودة الرأي. وكان زوج أمه أوس بن حجر شاعرا. وكان أبوه شاعرا وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين. وابن ابنه المضرب بن كعب بن زهير كان كذلك شاعرا.
وكانت بلاد غطفان ساحة للعداء الشديد والحرب المستعرة بين قبيلتين من قبائلهما وهما: عبس وذبيان، وكانت هذه الحروب وهذا العداء سببا في ثروة أدبية كبيرة من شعر مليء بالفخر والهجاء والتحريض على القتال والأخذ بالثأر ومن قصص تدور وقائعها على ما كان بين الفريقين. فكثير من شعر عنترة العبسي مثلا يصف الأطوار الأخيرة لحرب داحس والغبراء الطاحنة وكان كثير من شعر زهير يدور حول السلم بين القبيلتين والدعوة إليه وإظهار نتائجه والإعجاب برجلين من رؤساء ذبيان، وهما هرم بن سنان والحارث بن عوف، سعيا في الصلح بين عبس وذبيان واحتملا ديات القتلى ونشرا السلام في غطفان، فكان هذا داعيا لزهير ليصوّر حبّه للسلام واستفظاعه للحرب وأهوالها، وليمدح هذين العظيمين على ما قاما به من جهود لتوطيد دعائم السلم في هذه الجزيرة العربية المتنافرة المتخاصمة.(1/215)
وقد مدح هرم بن سنان بمدائح كثيرة. وأجزل هرم له العطاء وله نحو العشرين قصيدة، يمدحه هو والحارث بن عوف بها لسعيه في الصلح بين عبس وذبيان.
ومات قبل البعثة بقليل.
وكان سنان أبو هرم سيد غطفان وماتت أمه وهي حامل به. وقالت: إذا أنا متّ فشقّوا بطني، فإن سيد غطفان فيه، فلما ماتت شقّوا بطنها فاستخرجوا منه سنانا. وفي بني سنان يقول زهير: [البسيط]
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا (1)
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قدم بأولهم أو مجدهم قعدوا (2)
جنّ إذا فزعوا أنس إذا أمنوا ... مرزؤون بهاليل إذا قصدوا (3)
محسدون على ما كان من نعم ... لا ينزع الله منهم ماله حسدوا (4)
وقال زهير في هرم بن سنان: [الطويل]
وأبيض فياض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغب فواضله (5)
تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله (6)
أخو ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يتلف المال نائله (7)
وقال زهير أيضا في هرم بن سنان وأهل بيته (8): [البسيط]
من أهل بيت يرى ذو العرش فضلهم ... يبني لهم في جنان الخلد مرتفق
المطعمين إذا ما أزمة أزمت ... والطيبين ثيابا كلما عرقوا
كأن آخرهم في الجود أولهم ... إن الشمائل والأخلاق تتفق
إن قامروا قمروا أو فاخروا فخروا ... أو ناضلوا نضلوا أو سابقوا سبقوا
تنافس الأرض موتاهم إذا دفنوا ... كما تنافس عند الباعة الورق
__________
(1) البيت في ديوان زهير (طبعة دار الكتب العلمية) ص 44.
(2) رواية البيت في الديوان ص 44:
أو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
(3) البيت ليس في ديوان زهير (طبعة دار الكتب العلمية).
(4) البيت في الديوان ص 44.
(5) البيت في ديوان زهير ص 91.
(6) البيت في الديوان ص 92.
(7) البيت في الديوان ص 91، وروايته في الديوان:
أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
(8) الأبيات ليست في ديوان زهير (طبعة دار الكتب العلمية).
قال الميداني في مجمع أمثاله عند قولهم أجود من هرم: هو هرم بن سنان بن أبي حارثة المري، وقد سار بذكر جوده المثل، وقال زهير بن أبي سلمى فيه (1):(1/216)
قال الميداني في مجمع أمثاله عند قولهم أجود من هرم: هو هرم بن سنان بن أبي حارثة المري، وقد سار بذكر جوده المثل، وقال زهير بن أبي سلمى فيه (1):
[البسيط]
إن البخيل ملوم حيث كان ... ولكن الجواد على علاته هرم
هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا فيظلم
ووفدت ابنة هرم على عمر، فقال لها: ما كان الذي أعطى أبوك زهيرا حتى قابله من المديح بما قد سار فيه؟ فقالت: أعطاه خيلا تنضى، وإبلا تتوى، وثيابا تبلى، ومالا يفنى. فقال عمر: لكن ما أعطاكم زهير لا يبليه الدهر، ولا يفنيه العصر ويروى أنها قالت: ما أعطى هرم زهيرا قد نسي. قال: لكن ما أعطاكم زهير لا ينسى.
2
زهير من شعراء الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية
وزهير من شعراء الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية، وفضّله كثير ممّن لهم معرفة بنقد الشعر على امرىء القيس والنابغة وأضرابهما، وقال أناس: هو أشعر العرب وعدّه عمر أشعر الشعراء لأنه لا يعاظل بين الكلام ولا يتتبّع حواشيه ولا يمدح أحد بغير ما فيه. وذكره الأصمعي، قال: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا طرب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا غضب، وعنترة إذا كلب (1).
وكان زهير يتألّه ويتعفّف في شعره. ويدلّ شعره على إيمانه بالبعث كقوله:
[الطويل]
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينتقم (2)
وكان عمر بن الخطاب يعجب بقوله (3): [الوافر]
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
يعني يمينا أو مناقرة إلى الحاكم أو برهان. ومما جرى من شعره مجرى المثل قوله (4): [الطويل]
وهل ينبت الخطّي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل
33 - الجمهرة.
__________
(1) البيتان في الديوان ص 115.
(2) البيت في الديوان ص 107، وفي الديوان: «فينقم» بدل «فينتقم».
(3) البيت في الديوان ص 18.
(4) البيت في الديوان ص 87.(1/217)
أسباب شاعرية زهير:
كان زهير شاعرا مجيدا معدودا من فحول الشعراء في الجاهلية، وكان النقاد يضعونه مع امرىء القيس والنابغة والأعشى في طبقة واحدة، هي الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية. وكان الذي بلغ به إلى هذه المنزلة الكبيرة في الشعر ووثّق أسباب شاعريته عدة أسباب كثيرة منها:
أولا: هذه البيئة العربية البدوية الشاعرة.
ثانيا: تلك النهضة الأدبية في الشعر التي كانت تموج بها نجد والقرى العربية في عصر زهير.
ثالثا: وراثته الشعر عن أسرته. فقد كان خاله بشامة بن الغدير شاعر أو كانت أسرة زهير من ذريته من المجيدين في الشعر قالوا: «لم يتصل الشعر في أهل بيت من العرب كما اتصل في بيت زهير» فأبوه وأبناؤه وأحفاده وأخته الخنساء كلهم من الشعراء المجيدين.
رابعا: اشترك زهير في الملاحم الحربية في الجزيرة العربية. وفي حرب داحس والغبراء. والحروب تثير الشاعرية، وتهيج الخيال، وتحرّك الشعور، وتبعث على الكلام.
خامسا: المنافسات الأدبية بين زهير والشعراء المعاصرين له، كانت سببا أيضا من أسباب نضوج شعره وشاعريته.
سادسا: قصد زهير بشعره إلى المدح كان يدفعه إلى الإجادة والتهذيب في شعره، مما رفع من مكانته، وقوّى أسباب الرغبة في نفسه وشاعريته.
أثر حياة زهير في شعره:
أولا: نشأته في أسرة شاعرة جعلته يجود من شعره ويهذب من شاعريته.
ثانيا: اتصاله بهرم وتوالي أيادي هرم عليه جعله يجود في المدح.
ثالثا: مشاهدته حرب داحس والغبراء الطاحنة ومآسيها الدامية، دفعه إلى نظم الشعر في التنفير من الحرب والدعوة إلى السلام.
رابعا: تجارب زهير وخبرته بالحياة أنضجت شعر الحكمة عنده.
خامسا: التنافس الأدبي بينه وبين الشعراء، وتلمذته على أوس بن حجر، دفعاه إلى تجويد شعره والعناية بتهذيبه.(1/218)
3
خصائص شعره:
أولا من حيث الألفاظ:
كان زهير يختار ألفاظه اختيارا، ويبالغ في اختيارها بذوقه وفطرته الأدبية وقد يسرف في الغرابة حينا. ولكن لا يخلو أغلب شعره من سهولة في اللفظ حينا، وجزالة وقوة غالبتين عليه أحيانا.
ثانيا من حيث الأسلوب:
وأسلوب زهير من أساليب الشعراء المجددين المصنعين في شعرهم، وأنتم تعلمون مذهب زهير في الرّويّة وتهذيب الشعر وتنقيحه للوصول به إلى منزلة الكمال الفني في النظم وإدراكا للمنزلة السامية بين الشعراء. ومذهب الرّويّة في شعر زهير واضح كل الوضوح في جميع قصائده، ويتجلّى في عدة مظاهر في أسلوب زهير: من إمعان في تنقيح الأسلوب ونفي كل ما يعاب به، وإسقاط كل ما يؤخذ عليه، ومن إدخال الرونق والبهاء والجمال على كل بيت من أبيات قصيدته ومن قصد للسهولة والوضوح والإمتاع واللذة الفنية التي تبعث على الإعجاب والروعة والتأثّر.
ويغلب على شعر زهير ألوان كثيرة من الصنعة يدخلها فيه من استعارة وتشبيه وكناية وطباق، ولكن هذه الألوان الفنية تجيء في شعره عفو القريحة، من غير قصد إليها وتعمل لها وتكلف فيها وغلو في طلبها، وإنما تنبعث من ذوق الشاعر وموهبته وروحه الصناع الموهوب وهذه الخصائص التي امتاز بها أسلوب زهير كانت هي السبب الأهم في تقديم كثير من النقاد له ويجمع أغلبهم على وصف أسلوبه بالخلو من التعقيد والتكلف وبالمساوقة للطبع وبالسهولة والوضوح في قوة وجزالة.
وعلى أيّ حال فأسلوب زهير ذوّب شاعريته وملكاته في الشعور، ومذهبه في الصنعة الذي شهر به، والذي أخذه عنه تلاميذه من أمثال الحطيئة، وكعب ابن شاعرنا زهير.
ثالثا من حيث المعاني:
ومعاني زهير كما قلت تنبع من نفسه وتصدر عن حسّه، وتتصل بمظاهر البيئة في حياته لا يمعن فيها في طلب المحال ولكنه يعمد إلى الصدق فإذا بالغ في
أداء المعنى اختار طريق المبالغة المقبولة فقال مثلا (1): [الطويل](1/219)
ومعاني زهير كما قلت تنبع من نفسه وتصدر عن حسّه، وتتصل بمظاهر البيئة في حياته لا يمعن فيها في طلب المحال ولكنه يعمد إلى الصدق فإذا بالغ في
أداء المعنى اختار طريق المبالغة المقبولة فقال مثلا (1): [الطويل]
فلو كان حمد يخلد الناس أخلدوا ... ولكن حمد الناس ليس بمخلد
وإذا أراد أن يجود في المدح اختار ما هو أليق به وأقرب إلى ذوق الناس في عصره من وصف ممدوحه بالبطولة والشجاعة والعفّة والنائل الكثير، والتهلّل عند ورود العفاة ولكنه لا يزعم أبدا أن ممدوحه فعل المعجزات وصنع المستحيلات ونالت قدرته السموات، كما يزعم المحدثون من الشعراء وتشيع في معاني زهير الحكمة الصادقة والتجربة الصحيحة، والخبرة الواعية بالحياة وأحداثها ومشكلاتها. ومن ثم عدّ من شعراء الحكمة في الشعر الجاهلي.
رابعا من حيث الخيال:
ومعاني زهير لا يسوقها سوق الحسّ والمشاهدة فحسب، ولكنه يتكىء فيها على خياله ليبرزها في ألوان مجنحة من صنعة الخيال المتصرّف في ملكات النفس والشعور وهذا الخيال عند زهير من صنعته أن يقرب البعيد ويسهل الصعب من المعاني ويوضح الغامض، وأجنحة هذا الخيال في مبالغة مقبولة أو استعارة صادقة، أو كناية قريبة أو تشبيه مستطرف في ثنايا شعره.
خامسا من حيث الأغراض:
أجاد زهير إجادة عالية في الحكمة والمدح والغزل، وقارب من الإجادة في الوصف والفخر والعتاب وكان متوسطا في الهجاء والرثاء والاعتذار وقد مضت نماذج لهذه الفنون من شعره ولكن الذي نريد أن نتحدث عنه هو أسباب تجويده في المدح وهذه الأسباب من أهمها:
أولا: حرص زهير على تسجيل بعض مآثر سادات العرب الذين كان لهم مكان مرموق في الحياة الجاهلية وأثر واضح في فضّ مشكلات الحرب بين قبائلها.
ثانيا: الوفاء الذي طبعت عليه نفس زهير وشدة تأثّر بأيدي ممدوحيه عليه.
ثالثا: اعتزازه بمفاخر القبيلة ومجدها ومآثرها مما كان يدفعه إلى مدح قومه.
__________
(1) البيت في الديوان ص 41، ورواية صدر البيت في الديوان:
فلو كان حمد يخلد الناس لم تمت(1/220)
رابعا: اتصاله بهرم وتوالي أيادي هرم عليه كل هذه الأسباب جعلته جيد المدح. ولذلك قالوا: «كان أشعر الناس امرىء القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب». ويقصدون من ذلك أن أجود شعر امرىء القيس كان في وصف الخيل والصيد وأجود شعر زهير كان في المدح وأجود شعر النابغة كان في الاعتذار وأجود شعر الأعشى كان في وصف الخمر.
4
وكان زهير ينقح شعره مدة طويلة فتسمى كبار قصائده «الحوليات»، وعدّ من عبيد الشعر ولذلك كان زهير «أبعد الشعراء عن السخف، وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من اللفظ، وأكثرهم أمثالا في شعره» وكان لا يتتبع حوشي الكلام ولا يمدح الرجل إلا بما يكون فيه.
والظاهر أن طول تهذيبه لشعره إنما كان في طوال قصائده وهي أربع:
إحداها، مطلعها (1): [البسيط]
قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم
والثانية (2): [البسيط]
إن الخليط أجدّ البين فانفرقا ... وعلق القلب من أسماء ما علقا
والثالثة (3): [البسيط]
بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا ... وزوّدوك اشتياقا أية سلكوا
والرابعة (4): [الوافر]
لمن طلل برامة لا يريم ... عفا وخلا له حقب قديم
تظهر هذه الرّويّة في شعره كل الظهور، فهو هادىء رزين في تفكيره، يتخيّر المعاني التي تناسب موضوعه، ويتخيّر لهذه المعاني خير الألفاظ، يرفق مواضع الرفق، ويشتدّ في مواضع الشدة.
كذلك عرف بالميل إلى الحكمة جرّب الدهر وحلب أشطره وخبر الناس وعرف نفوسهم فعمد إلى صياغة ذلك كله في شعره وكان ملهما فأتى بما لم يسبق
__________
(1) البيت في الديوان ص 113.
(2) البيت في الديوان ص 72.
(3) البيت في الديوان ص 78.
(4) البيت في الديوان ص 118.(1/221)
إليه وقد أعجب المسلمون في الصدر الأول بحكمه وفضله بعضهم من أجلها على سائر الشعراء لما فيها من صدق القول، وحسن النظر ولما فيها من نظرات تتفق ومبادىء الإسلام كقوله (1): [الطويل]
فلا تكتمنّ الله ما في نفوسكم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخّر فوضع في كتاب فيدحر ... ليوم حساب أو يعجل فينقم
وخير شعره هو في مدح هرم بن سنان كقوله (2): [البسيط]
قد جعل المبتغون الخير في هرم ... والسائلون إلى أبوابه طرقا
من يلق يوما على علاقة هرما ... يلق السماحة منه والندى خلقا
ليث بعثر يصطاد الليوث إذا ... ما الليث كذب عن أقرانه صدقا
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا طعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
لو نال حيّ من الدنيا بمكرمة ... أفق السماء لنالت كفّه الأفقا
وقوله (3): [الكامل أحذّ]
دع ذا وعد القول في هرم ... خير البداة وسيد الحضر
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنور ليلة البدر
ولأنت أوصل من سمعت به ... لشوابك الأرحام والصهر
ولنعم حشو الدرع أنت إذا ... دعيت نزال ولج في الذعر
وأراك تفري ما خلقت وب ... عض القوم يخلق ثم لا يفري
أثني عليك بما علمت وما ... سلفت في النجدات من ذكر
والستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
ولما مات هرم رثاه زهير بقصيدته (4): [الكامل]
إن الرزية لا رزية مثلها ... ما تبتغي غطفان يوم أضلّت
إن الركاب لتبتغي ذا مرة ... بجنوب نخل إذا الشهور أحلّت
ينعين خير الناس عند شديدة ... عظمت مصيبته هناك وجلّت
ولنعم حشو الدرع كان إذا سطا ... نهلت من العلق الرماح وعلّت
__________
(1) البيتان في الديوان ص 107.
(2) الأبيات في الديوان ص 77.
(3) الأبيات في الديوان ص 5654.
(4) الأبيات في الديوان ص 3130.(1/222)
وأولى قصائده معلقته التي مطلعها (1): [الطويل]
أمن أم أوفى دمنة لم تكلّم ... بحومانة الدراج فالمتثلّم
وهي في تسعة وخمسين بيتا وموضوعها إطراء الصلح بين عبس وذبيان ومدح هرم والحارث بن عوف لقيامهما بهذا العمل الجليل.
5
وقد ظهر منذ حين شرح لديوان زهير بن أبي سلمى وهو يقع في نحو 460صفحة من القطع الكبير، وطبع بمطبعة دار الكتب المصرية وللديوان قصة فإنه منذ سنوات أتيح للمستشرق المعروف الأستاذ أوجست فيشر الاطّلاع على مخطوط قديم بمكتبة الجمعية الألمانية الشرقية بمدينة هلة، شرح فيه مصنّفه ديوان الشاعر الجاهلي الكبير زهير بن أبي سلمى المزني وديوان ولده كعب. ويمتاز هذا المخطوط بأن نسخة ديوان زهير فيه أقدم نسخه المعروفة جميعا، إذ يرجع تاريخها إلى سنة 533هجرية، كما أن ديوان كعب فريد لا يعرف له نسخة ثانية. ويقول الأستاذ فيشر في وصفه إنه مخطوط بقلم لغوي يدير، يندر أن تفوته غلطة، كتبه بخط واضح كامل الشكل: ومما يذكر أن هذا المخطوط كان قد عثر عليه الأستاذ ألبرت سوتسن في زيارة له لدمشق 1783، وآلت ملكيته إلى الجمعية الألمانية بعد وفاته.
وليس زهير في حاجة إلى تعريف، فهو أحد ثلاثة كانوا أقطاب الشعر في الجاهلية والمقدّمين على سائر الشعراء. وكان يسمي قصائده المطوّلة «الحوليّات» لكثرة ما يعود إليها بالنظر والتروية والتنقيح، حتى كان الأصمعي يقول: «زهير والحطيئة وأشباههما من الشعراء عبيد الشعر لأنهم نقحوه ولم يذهب فيه مذهب المطبوعين».
ورغم مكانة زهير هذه، فإن ديوانه لم يطبع، غير مرة واحدة منذ قرابة نصف قرن، وكانت الحاجة ماسّة لذلك إلى إعادة نشره من جديد على طريقة التحقيق العلمي الحديث وهذلت ما تكفلت به الطبعة التي بين أيدينا:
وراوية زهير وشارحه في هذه الطبعة هو الإمام أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني المعروف بثعلب اللغوي الكوفي الحجّة. وقد كان كما يقول عنه القطربلي: «من الحفظ والعلم وصدق اللهجة والمعرفة بالغيب ورواية الشعر القديم
__________
(1) البيت في الديوان ص 102.(1/223)
ومعرفة النحو على مذهب الكوفيين على ما ليس عليه أحد». ووصفه المبرد بأنه «أعلم الكوفيين» على رغم ما كان بينهما من تنافس ونزاع. وذكر له ابن النديم اثنين وعشرين كتابا في النحو والأدب واللغة من أشهرها كتاب الفصيح المعروف باسمه. وله شرح على ديوان الأعشى نشره المستشرق رودلف جيد، وشرح ديوان زهير الذي نحن بصدده، وقد تواتر الإجماع بروايته له في سائر نسخ الديوان المعروفة بغير شك أو خلاف. أما شرح ديوان كعب فالمحقّق الأوجه لنسبته لثعلب. ويقطع الأستاذ فيشر بأنه للسكري اللغوي البصري (المتوفّى سنة 275هـ) ويرجح ذلك عنده ما ورد في نهاية المخطوط حيث ذكر ناسخه بعد الفراغ من شعر كعب: «تم شعر كعب في رواية السكري» ثم ما ورد في رواية بعض القصائد مما يغلب أن يكون رواية من غير أهل الكوفة.(1/224)
المختار من شعر زهير
1
قال زهير بن أبي سلمى (1): [الطويل]
1 - أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلّم ... بحومانة الدّراج فالمتثلّم
1 - روي أن ورد بن حابس العبسي قتل هرم بن ضمضم المري، فتشاجرت عبس وذبيان قبل الصلح، وحلف حصين بن ضمضم ألّا يغسل رأسه، حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب ولم يطلع على ذلك أحدا، وقد حمل الحمالة (الدية) الحارث بن عوف بن أبي الحارثة، وهرم بن سنان بن أبي حارثة. وقيل: بل إخوة حارثة بن سنان. فأقبل رجل من بني عبس، ثم أحد بني مخزوم، حتى نزل بحصين بن ضمضم، فقال له حصين: من أنت أيها الرجل؟ قال: عبسي، قال: من أيّ عبس؟ فلم يزل ينتسب حتى انتسب إلى بني غالب فقتله حصين، وبلغ ذلك الحارث بن عوف وهرم بن سنان فاشتد عليهما وبلغ بني عبس، فركبوا نحو الحارث فلما بلغه ركوبهم إليه، وما قد اشتد عليهم من قتل صاحبهم، وأنهم يريدون قتل الحارث، بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه، وقال للرسول: قل لهم:
الإبل أحبّ إليكم أم أنفسكم؟ فأقبل الرسول حتى قال لهم ذلك فقال لهم الربيع بن زياد: يا قوم إن أخاكم قد أرسل إليكم، الإبل أحب إليكم أم ابني تقتلونه مكان قتيلكم؟ فقالوا: نأخذ الإبل، ونصالح قومنا، ونتمّ الصلح، وكان الصلح قد تمّ قبل ذلك على أن يحتسبوا القتلى، فيؤخذ الفضل ممّن هو عليه، وحمل الحارث وهرم الدّيات، فكانت ثلاثة آلاف بعير، في ثلاث سنين، فذلك حين يقول زهير يمدح الحارث وهرما: «أمن أم أوفى دمنة لم تكلم»؟ وهي أول قصيدة مدح بها هرما، ثم تابع ذلك بعد أم أوفى: امرأة زهير. والدمنة: ما اسودّ من آثار الدار من الرماد ونحوه. وحومانة: القطعة من الرمل. الدراج والمتثلم: موضعان بنجد.
والمعنى: أمن من أم أوفى دمنة لم تتكلم عند وقوفنا عليها وسؤالنا لها: أين أصحابك؟ أو قولنا لها: ما كان أطيب أيامنا فيك!.
__________
(1) القصيدة في الديوان 112102، وهي في الديوان من 65بيتا.
2 - ودار لها بالرّقمتين كأنّها ... مراجيع وشم في نواشر معصم
3 - بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجتم
4 - وقفت بها من بعد عشرين حجّة ... فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم
5 - أثافيّ سفعا في معرّس مرجل ... ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلّم
6 - فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها ... ألا انعم صباحا أيّها الرّبع واسلم
7 - تبصّر خليليّ هل ترى من ظعائن ... تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم
8 - علون بأنماط عتاق وكلّة ... وراد حواشيها مشاكهة الدّم
9 - وورّكن في السّوبان يعلون متنه ... عليهنّ دلّ الناعم المتنعّم
2 - الرقمة: الروضة. والرقمتان: إحداهما قرب البصرة، والأخرى قرب المدينة، وبينهما بون، يريد أنها تحلّ الموضعين عند الانتجاع، ولم يرد أنها تسكنهما جميعا. والمعنى: وداران لها بالرقمتين، فاجتزأ بالواحد عن المثنى لزوال اللبس. وقال الأعلم: بالرقمتين: أي بينهما، فهي دار واحدة. والمراجيع: جمع مرجوع وهو ما حدد وأعيد من الوشم. والوشم: نقش بالإبر يحشى نثورا يتزين به نساء البدو. والنواشر: عروق باطن الذراع، جمع ناشرة. والمعصم:(1/225)
2 - ودار لها بالرّقمتين كأنّها ... مراجيع وشم في نواشر معصم
3 - بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجتم
4 - وقفت بها من بعد عشرين حجّة ... فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم
5 - أثافيّ سفعا في معرّس مرجل ... ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلّم
6 - فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها ... ألا انعم صباحا أيّها الرّبع واسلم
7 - تبصّر خليليّ هل ترى من ظعائن ... تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم
8 - علون بأنماط عتاق وكلّة ... وراد حواشيها مشاكهة الدّم
9 - وورّكن في السّوبان يعلون متنه ... عليهنّ دلّ الناعم المتنعّم
2 - الرقمة: الروضة. والرقمتان: إحداهما قرب البصرة، والأخرى قرب المدينة، وبينهما بون، يريد أنها تحلّ الموضعين عند الانتجاع، ولم يرد أنها تسكنهما جميعا. والمعنى: وداران لها بالرقمتين، فاجتزأ بالواحد عن المثنى لزوال اللبس. وقال الأعلم: بالرقمتين: أي بينهما، فهي دار واحدة. والمراجيع: جمع مرجوع وهو ما حدد وأعيد من الوشم. والوشم: نقش بالإبر يحشى نثورا يتزين به نساء البدو. والنواشر: عروق باطن الذراع، جمع ناشرة. والمعصم:
موضع السّوار من اليد. شبّه رسوم الدار عند تجديد السيول إياها بكشف التراب عنها، بالوشم المجدد في المعصم.
3 - العين: جمع عيناء، بقر الوحش. والآرام: جمع ريم، وهو الظبي الخالص البياض. وخلفة:
يخلف بعضها بعضا. والأطلاء: جمع الطلا، وهو الولد من ذوات الظلف. والمجتم:
المريض.
4 - الحجة: بكسر الحاء، السنة. واللأي: الجهد والبطء، ونصبه على الحال من ضمير عرفت.
والتوهم: التفرّس وطول التأمل.
5 - الأثافي: جمع الأثفية، وهي حجارة توضع القدر عليها. والسفع: جمع الأسفع، وهو الأسود.
والمعرس: هنا موضع الرحل، والأصل منزل التعريس وهو النزول في وجه السحر. والنؤي:
حاجز من تراب يرفع حول البيت، لئلا يدخله الماء. والجذم: الأصل. والمتثلم: المتهدم، ونصب أثافي بالتوهّم.
6 - المعنى: لما عرفت الدار دعوت لها بطيب العيش في الصباح، لأن الغارات تقع صباحا.
7 - الظعائن: النساء المرتحلات في الهوادج. والعلياء: الأرض المرتفعة، أو هو اسم موضع.
وجرثم: ماء لبني أسد.
8 - الأنماط: جمع النمط، وهو ضرب من الثياب فرشنه على الهودج وجلسن عليه. والكلة: الستر الرقيق. والمشاكهة: المشابهة. الوراد: جمع الورد وهو الأحمر.
9 - ورك على الدابة: ثنى رجله، يريد أنهن ملن على ركائبهنّ عند علوهنّ أعلى ذلك الوادي، وعليهن آثار النعمة وطيب العيش. والسويان: بالواو، وأصله بالهمزة، واد في ديار بني تميم، قال البكري.(1/226)
10 - وفيهنّ ملهى للصّديق ومنظر ... أنيق لعين النّاظر المتوسّم
11 - بكرن بكورا واستحرن بسحرة ... فهنّ لوادي الرّسّ كاليد للفم
12 - جعلن القنان عن يمين وحزنه ... ومن بالقنان من محلّ ومحرم
13 - ظهرن من السّوبان ثمّ جزعنه ... على كلّ قينيّ قشيب ومفأم
14 - كأنّ فتات العهن في كلّ منزل ... نزلن به حبّ الفنا لم يحطم
15 - فلمّا وردن الماء زرقا جمامه ... وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم (1)
16 - سعى ساعيا غيظ بن مرّة بعدما ... تبزّل ما بين العشيرة بالدّم
17 - فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم (2)
10 - الملهى: اللهو، أو موضعه. والصديق: العشيق. والأنيق: المعجب. والمتوسّم: الناظر المفترس في نظره.
11 - بكر: خرج بكرة. واستحرّ: خرج سحرا. والرسّ: اسم واد، يقول خرجن في السحر قاصدات لوادي الرس، كاليد القاصدة للفم.
12 - القنان: جبل لبني أسد. والحزن: الأرض الغليظة. والمحل: من لا عهد له ولا ذمّة.
والمحرم: من له حرمة الذمّة والعهد.
13 - السوبان: واد. وظهرن من: خرجن، ثم عرض لهنّ مرة أخرى، لا يتثنى. فجزعنه: أي قطعنه. والقيني: الرحل المنسوب إلى القين، وهو صانع الرحال. والقشيب: الجديد. والمفأم:
الموسع.
14 - الفتات: ما تفتت من الشيء. والعهن: الصوف. والفنا: شجر يسمى عنب الثعلب وحبّه شديد الحمرة، ومنه أسود شديد السواد.
15 - وردن الماء: أتينه وحللن عليه. وجمامه: جمع جم، وهو ما تجمع وكثر، وزرقة الماء من شدة صفاء لونه لم يورد قبلهن ولم يحرك. ووضع العصيّ كناية عن الإقامة.
16 - غيظ بن مرة: حيّ من غطفان، منه هذان الرجلان الساعيان في الصلح بين العشيرة، يريد بهما هرم بن سنان والحارث بن عوف الممدوحين. وتبزل بالدم: تشقق به. والمعنى: سعى هذان السيدان في الصلح بعدما تشقق ما بين العشيرة من الألفة والمودّة بالدم.
17 - جرهم: قبيلة يمانية كانت تملك سدانة الكعبة قبل قريش. والبيت: الكعبة.
__________
(1) في الديوان بيت لم يرد هنا وهو بعد هذا البيت:
تذكّرني الأحلام ليلى ومن تطف ... عليه خيالات الأحبة يحلم
(2) في الديوان بيت لم يرد هنا، وهو بعد هذا البيت:
وباللّات والعزّى التي يعبدونها ... بمكة والبيت العتيق المكرّم(1/227)
18 - يمينا لنعم السّيّدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرم
19 - تداركتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم
20 - وقد قلتما إن ندرك السّلم واسعا ... بمال ومعروف من الأمر نسلم
21 - فأصبحتما منها على خير موطن ... بعيدين فيها من عقوق ومأثم
22 - عظيمين في عليا معدّ وغيرها ... ومن يستبح كنزا من المجد تعظم
23 - فأصبح يجري فيهم (1) من تلادكم ... مغانم شتّى من إفال المزنّم
24 - تعفّى الكلوم بالمئين فأصبحت ... ينجّمها من ليس فيها بمجرم
25 - ينجّمها قوم لقوم غرامة ... ولم يهريقوا بينهم ملء محجم
26 - فمن مبلغ (2) الأحلاف عنّي رسالة ... وذبيان هل أقسمتم كلّ مقسم
18 - السحيل: الخيط أو الحبل يفتل فتلا واحدا. والمبرم: ما يفتل خيطين ثم يفتلان ثانية ويجعلان خيطا واحدا. والمعنى: أقسم يمينا لنعم السيدان أنتما في حال الرخاء وحال الشدة.
19 - دقّوا بينهم عطر منشم: مثل يضرب في شدة التشاؤم وانتشار الشرّ بين القوم، وأصله أن امرأة عطارة تعطر أقوام بعطرها وخرجوا للحرب فهلكوا.
20 - المعنى: إن حصل لنا إتمام الصلح بين القبيلتين، ببذل المال وإسداء المعروف من القول، سلمنا من تفاني العشائر.
21 - العقوق: قطيعة الرحم. والمأثم: الإثم.
22 - معد بن عدنان أبو القبائل النزارية ومنها الممدوحان.
23 - التلاد من الإبل: ما ولد عنك. والإفال: جمع أفيل وهو الفصيل الصغير. والمزنم: اسم فحل معروف.
24 - التعفية: المحو وإزالة الأثر. والكلوم: الجراح. وينجمها: يدفعها نجوما أي أقساطا. والمعنى:
إن الجراح يمحى أثرها ببذل المئين من الإبل يغرمها على أقساط من لم يجن فيها جريمة، وهما الممدوحان.
25 - الغرامة: ما يلزم أداؤه من دية وغيرها. والمحجم: كأس الحجام.
26 - يريد بالأحلاف القبائل التي حالفت ذبيان على حرب عبس، و «هل» هنا بمعنى «قد» مثل {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}. والمعنى: أبلغ ذبيان وأحلافها بأنكم قد أقسمتم كل قسم عظيم على الصلح، فلا تضمروا الغدر ولا تكتموه فإن الله يعلمه، ويعاقبكم عليه في يوم الحساب، أو يعجل عقابكم، ومن هذا يعرف أنه كان مؤمنا بالبعث.
__________
(1) في الديوان: «وأصبح يحدى فيهم» بدل «فأصبح يجري فيهم».
(2) في الديوان: «ألا أبلغ» بدل «فمن مبلغ».(1/228)
27 - فلا تكتمنّ الله ما في نفوسكم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
28 - يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينقم
29 - وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم
30 - متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا أضربتموها فتضرم
31 - فنعرككم عرك الرّحى بثفالها ... وتلقح كشافا ثمّ تحمل فتتئم
32 - فتنتج لكم غلمان أشأم كلّهم ... كأحمر عاد ثمّ ترضع فتفطم
33 - فتغلل لكم ما لا تغلّ لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم
34 - لعمري لنعم الحيّ حرّ عليهم ... بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم
27 - فلا تكتمن الله: لا تضمروا خلاف ما تظهرون، فإن الله يعلم السر.
28 - المعنى: إن لم تكشفوا ما في أنفسكم وبطنتم به، عجل الله لكم العقوبة فانتقم منكم، أو أخّركم إلى يوم تحاسبون فيه وتعاقبون.
29 - المرجم من الحديث المقول بطريق الظن لا عن تحقيق. أي: وما حديثي عن الحرب وتخويفكم ويلاتها بالحديث المفترى، بل أنتم قد علمتم ويل الحرب وذقتموه، فلا تقربوها.
30 - الضرى والضراوة: شدة الحرص، والتضرية: الحمل على الضراوة وضرمت النار تضرم، التهبت. والمعنى: من تهيجوا الحرب تهيجوا مذمومة ويشتد حرّها، وتضرم نارها.
31 - العرك: الدلك. والثفال: الجلد أو الخرقة توضع تحت الرحا ليقع عليها الطحين والباء في «بثفالها» بمعنى «مع» أي الرحا في حال طحنها. وتلقح كشافا: أي وتلقح لقاحا كشافا بأن تحمل في عامين متواليين. وتتئم: أي تأتي في كل مرة من المرتين بتوأمين. والمعنى: إذا هيجتم الحرب طحنتكم إرحا، وتدوم زمنا طويلا في شدة، فتكون كالناقة التي تحمل حملين في عامين متتابعين، ثم هي لا تلد إلا توأمين.
32 - أشأم: مصدر من الشؤم على وزن أفعل أو صفة لمحذوف. وأحمر عاد: لقب لعاقر ناقة صالح نبي ثمود عليه السلام، وسمّوه قدارا وكان عقره لهذه الناقة شؤما على قومه، يريد بعاد هنا ثمود، إما توهّما وخطأ وإما أن ثمودا من عاد. المعنى: أن هذه الحرب يطول أمرها وتنتج لكم غلمان شؤم أو غلمان أب أشأم شؤم قدار عاقر الناقة، ثم تعيش هذه الغلمان فترضع وتفطم. وكل ذلك كناية عن طول الحرب وشرورها.
33 - أي فتغل لكم علة ليست كغلة قرى العراق من الحب الذي يكال بالقفيز أو من ثمن الغلّة وهي الدراهم، وإنما تغلّ لكم غل هي الموت والهلاك.
34 - يواتيهم: يوافقهم. المعنى: نعم الحيّ الذين رضوا بالصلح بعدما جرّ عليهم الحصين بن ضمضم من تلك الجزيرة والجناية التي لا تجعلهم يوافقون على الصلح، ثم أخذ يقصّ قصة الحصين بقوله: «وكان طوى كشحا الخ». وملخص هذه القصة أن رجلا من عبس قتل أخا للحصين بن ضمضم قبل الصلح فلما اصطلحت عبس وذبيان أضمر الحصين بن ضمضم الأخذ بالثأر بقتل قاتل أخيه أو بقتل رجل من أهله إلى أن لقي رجلا من عبس فشدّ عليه وقتله،
35 - وكان طوى كشحا على مستكنّة ... فلا هو أبداها ولم يتجمجم
36 - وقال سأقضي حاجتي ثمّ أتقي ... عدوّي بألف من ورائي ملجم
37 - فشدّ ولم تفزع بيوت كثيرة ... لدى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم
38 - لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم
39 - جريء متى يظلم يعاقب بظلمه ... سريعا، وإلّا يبد بالظلم يظلم
40 - رعوا ما رعوا من ظمئهم ثمّ أوردوا ... غمارا تسيل بالرّماح وبالدّم
41 - فقضوا منايا بينهم ثمّ أصدروا ... إلى كلإ مستوبل متوخّم
42 - لعمرك ما جرّت عليهم رماحهم ... دم ابن نهيك أو قتيل المثلم
واعتمد على أن يناصره ألف فارس من قومه إذا غضبت عبس لقتيلها، فثارت عبس وتدارك الحارث بن عوف الشرّ، فدفع لعبس مائة من الإبل دية القتيل، وتم الصلح بين عبس وذبيان.(1/229)
34 - يواتيهم: يوافقهم. المعنى: نعم الحيّ الذين رضوا بالصلح بعدما جرّ عليهم الحصين بن ضمضم من تلك الجزيرة والجناية التي لا تجعلهم يوافقون على الصلح، ثم أخذ يقصّ قصة الحصين بقوله: «وكان طوى كشحا الخ». وملخص هذه القصة أن رجلا من عبس قتل أخا للحصين بن ضمضم قبل الصلح فلما اصطلحت عبس وذبيان أضمر الحصين بن ضمضم الأخذ بالثأر بقتل قاتل أخيه أو بقتل رجل من أهله إلى أن لقي رجلا من عبس فشدّ عليه وقتله،
35 - وكان طوى كشحا على مستكنّة ... فلا هو أبداها ولم يتجمجم
36 - وقال سأقضي حاجتي ثمّ أتقي ... عدوّي بألف من ورائي ملجم
37 - فشدّ ولم تفزع بيوت كثيرة ... لدى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم
38 - لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم
39 - جريء متى يظلم يعاقب بظلمه ... سريعا، وإلّا يبد بالظلم يظلم
40 - رعوا ما رعوا من ظمئهم ثمّ أوردوا ... غمارا تسيل بالرّماح وبالدّم
41 - فقضوا منايا بينهم ثمّ أصدروا ... إلى كلإ مستوبل متوخّم
42 - لعمرك ما جرّت عليهم رماحهم ... دم ابن نهيك أو قتيل المثلم
واعتمد على أن يناصره ألف فارس من قومه إذا غضبت عبس لقتيلها، فثارت عبس وتدارك الحارث بن عوف الشرّ، فدفع لعبس مائة من الإبل دية القتيل، وتم الصلح بين عبس وذبيان.
35 - مستكنة: مستترة في نفسه، فلا هو أظهرها حتى يؤخذ الحذر منه، ولا هو تردد في الإقدام عليها. يتجمجم: يتردد.
36 - أي وقال في نفسه: سأقضي حاجتي بقتل قاتل أخي، وأدفع عن نفسي بألف فرس ملجم أي بألف فارس من قومي.
37 - أم قشعم: كنية للمنية ومعنى إلقاء رحلها في مكان تحقّق الموت فيه. والمعنى: فشدّ الحصين على العبسي غدرا من غير أن تعلم بذلك بيوت كثيرة من عبس فكانت تفزع لصاحبها وتدفع عنه وإنما شدّ عليه عنه موضع تزلّ فيه الموت المحقّق الذي لا يدفع.
38 - يصف جيش عبس الذي لم يعلم بالجريمة ولو علم بها لدافع عنها. ويقول: كان هذا عند رجل كالأسد الذي له لبد على عنقه، ولم تقلّم أظافره وأنه شاكي السلاح يقذف به في الحروب.
39 - يصف هذا الجيش بأنه جريء، إذا ظلم عاقب ظالمه سريعا بظلمه، وإن لم يبدأه الناس باللقاء بدأهم هو بظلمه لثقته بنفسه.
40 - يقال رعت الماشية الكلأ ورعاها صاحبها الكلأ أيضا. والظمء: ما بين الشربتين وحبس الإبل عن الماء إلى غاية النوبة. والغمار: جمع غمر وهو الماء الكثير ويريد بالظمء هنا وبورود الغمار الرجوع إلى الحرب. المعنى: تركوا الحرب وبقوا يتمتعون بنعيم السلم مدة، ثم عادوا وأوردوا أنفسهم غمارا منها لا تسيل إلا بالرماح والدم.
41 - قضوا: أنفذوا. وأصدروا: أرجعوا. والكلأ المستوبل: هو ما تجده وبيلا من العشب أي يجلب الوبال، والمتوخم بمعناه. والمعنى أنهم بمنزل رعي الكلأ الوبيل، ثم أضرب عن هذا الكلام وعاد إلى مدح الذين أعطوا ديات القتلى فقال لعمرك الخ.
42 - ابن نهيك والقتيل الذي قتل في المكان المثلم، ونوفل ووهب وابن المخزم، كل هؤلاء عقلهم هرم بن سنان والحارث بن عوف، أي غرموا دياتهم لأولياء دمائهم مع أنهم لم يقتلوهم برماحهم، وإنما غرموا تبرعا وإيثارا للصلح بين القبيلتين.(1/230)
43 - ولا شاركوا في القوم في دم نوفل (1) ... ولا وهب منهم ولا ابن المحزّم
44 - فكلّا أراهم أصبحوا يعقلونهم ... علالة ألف بعد ألف مصتم
45 - تساق إلى قوم لقوم غرامة ... صحيحات مال طالعات بمخرم
46 - لحيّ حلال يعصم النّاس أمرهم ... إذا طلعت إحدى اللّيالي بمعظم
47 - كرام فلاذوا لوتر يدرك وتره ... لديهم ولا الجاني عليهم بمسلم
48 - سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا «لا أبالك» يسأم
49 - رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطىء يعمّر فيهرم
50 - وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنّني عن علم ما في غد عم
51 - ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم
43 - نوفل ووهب بن المحرم: كلهم من عبس.
44 - العلالة: الشيء بعد الشيء. والمصتم: التام. والمخرم: الطريق في أعلى الجبل. المعنى: أرى هؤلاء الكرام يعقلون القتلى بألف تام العدد بعدها ألف أخرى من الإبل الصحيحات التي تساق إلى أولياء القتلى طالعات الجبل لأجل الرعاية للقوم القاتلين.
45 - تساق إلى قوم: أي يدفعها إلى قوم ليبلغوها الآخرين وصحيحات مال: أي ليست بعدة ولا مطل. المخرم: الثنية في الجبل، والطريق أي لم يشعروا بالإبل حتى طلعت عليهم فجأة.
46 - لحيّ الحلال: الكثيرو العدد، أو المتقاربون في المنازل. المعظم: الخطب العظيم. والمعنى:
تساق هذه الإبل لأجل المحافظة على ولاء حيّ يحفظون جيرانهم إذا نزلت بهم الخطوب العظيمة.
47 - الوتر: الثأر، أي إنهم كرام، فلا يدرك صاحب الحقد ثأره منهم ولا يخذلون من جنى عليهم من جيرانهم وحلفائهم بل يمنعونه ممّن رامه بسوء.
48 - التكاليف: المشاقّ والشدائد.
49 - المنايا: جمع منية، وهي الموت. وخبط عشواء: أي تخبط خبط العشواء وهي الناقة لا تبصر ما أمامها ليلا، فمن أصابته المنايا أهلكته، ومن أخطأته يطل عمره فيبلغ الهرم.
50 - المعنى: أعلم ما في يومي لأني مشاهده وأعلم ما كان بالأمس لأني عهدته، وأما علم ما في غد فلا يعلمه إلا الله، لأنه من الغيب.
51 - المصانعة: الترفّق والمداراة. والمنسم: خفّ البعير، أي من لا يترفّق بالناس، ولم يدارهم في كثير من الأمور. يعض بأضراس ويوطأ بمنسم: أي يقهرونه ويقتلونه.
__________
(1) يروى صدر البيت في الديوان:
ولا شاركت في الحرب في دم نوفل(1/231)
52 - ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشّتم يشتم
53 - ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم
54 - ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدّم ومن لا يظلم النّاس يظلم
55 - ومن هاب أسباب المنيّة يلقها ... ولو رام أسباب السّماء بسلم
56 - ومن يعص أطراف الزّجاج فإنّه ... يطيع العوالي ركّبت كلّ لهذم
57 - ومن يوف لا يذمم ومن يفض قلبه ... إلى مطمئنّ البرّ لا يتجمجم
58 - ومن يغترب يحسب عدوّا صديقه ... ومن لا يكرّم نفسه لا يكرّم
59 - ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... ولو خالها تخفى على النّاس تعلم
60 - ومن لا يزل يستحمل النّاس نفسه ... ولا يغنها يوما من الدّهر يسأم (1)
52 - وفرت الشيء أفره وفرا: كثرته، والضمير للمعروف أو للعرض، أي من بذل المعروف صان عرضه.
53 - أي من يكن ذا فضل ومال فيبخل به، استغنى عنه وذم.
54 - الذّود: الدفع. وأراد بالحوض: الحرم.
55 - أي من خاف أسباب المنية نالته لا محالة ولو صعد السماء بمرقاة.
56 - الزجاج: جمع زج، وهو الحديدة التي في أسفل الرمح. والعوالي: جمع عالية، وهي التي يكون فيها السنان، ضد سافلته. واللهذم: السنان القاطع الطويل.
57 - يقضي إليه: يتصل به. ومطمئن البر: لخالصه. والتجمجم: التردّد.
58 - أي من يصر غريبا بدار العدو، وصار فيمن لا يعرف، أشكل عليه تمييز العدو من الصديق، ولم يستبن هذا من ذاك.
59 - المعنى: من كتم خليقته عن الناس، وظن أنها تخفى عليهم، فلا بد أن يظهر عندهم بما يجربون منه. والخليقة: الطبيعة.
60 - يستحمل الناس: أي يثقل عليهم ويحمّلهم أموره. يسأم: يملّ ويكره.
__________
(1) في الديوان زيادة عمّا هنا هذه الأبيات:
وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلّم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده ... وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم ... ومن يكثر التسآل يوما سيحرم(1/232)
تحليل لمعلّقة زهير
هذه المعلّقة هي أثر آخر من آثار البلاغة العربية القديمة، يقع في تسعة وخمسين بيتا، وصاحبها هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني. نشأ في أقاربه بني غطفان وتخرّج في الشعر على خال أبيه بشامة بن الغدير، وكان يروي لأوس بن حجر أيضا وكان أوس زوج أمه، فكان شاعرا فحلا، كما كان صائب الرأي عاقلا حازما حكيما.
وكان يتألّه ويتعفّف في شعره ويدلّ شعره على إيمان بالبعث:
يؤخر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم حساب أو يعجل فينقم (1)
وفضّله عمر بن الخطاب على الشعراء، لأنه كان لا يعاظل بين القول ولا يتّبع حوشيّ الكلام ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه (2).
وكان زهير أحكمهم شعرا، وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق وأشدهم مبالغة في المدح (3).
كانت حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان تؤرّق زهيرا وتضنيه، وتثير شاعريته. ولمّا سعى هرم بن سنان والحارث بن عوف المريان في الصلح وحقن الدماء وتحمّلا ديات القتلى أنطقت تلك المأثرة زهيرا، فنظم معلقته هذه يمدح هذين السيدين، وينوّه بعملهما الجليل ويدعوا إلى السلم وينفر من الحرب ويصف مآسيها وآلامها، وهي قصيدة رائعة، تمتاز بحكمها الكثيرة، وكان زهير ذا حكمة في شعره وقد بدأ زهير معلقته بذكر الديار وزيارته لهما ووقوفه فيها عشرين عاما 45الشعر والشعراء.
(2) 44المرجع، 29طبقات الشعراء 2305المزهر، وراجع 32الجمهرة
(3) طبقات الشعراء لابن سلام.(1/233)
طوالا يتذكر ذكريات حبه ووفائه، قال: [الطويل]
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم
وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهم
فلما عرفت الدار قلت لربعها ... ألا أنعم صباحا أيها الربع واسلم
ثم أخذ يصف النساء اللاتي ارتحلن عنها، فيتبعن ببصره كئيبا حزينا، ويصف الطريق التي سلكنها، والهوادج التي كنّ فيها. والمياه التي نزلنها، في عذوبة وسهولة وجمال، إلى أن يقول: [الطويل]
فلما وردن الماء زرقا جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم
تذكرني الأحلام ليلى ومن تطف ... عليه خيالات الأحبة يحلم
ثم ينتقل إلى مدح هرم الحارث والإشادة بمنقبتهما الكريمة في إنقاذ السلام وإطفاء الحرب بين عبس وذبيان وتحمّلهما ديات القتلى من مالهما، وقد بلغت ثلاثة آلاف بعير. قال: [الطويل]
سعى ساعيا «غيظ بن مرّة» بعدما ... تبزل ما بين العشيرة بالدم
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم
يمينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا ... بمال ومعروف من الأمر نسلم
فأصبحتما منها على خير موطن ... بعيدين فيها من عقوق ومأثم
ثم ندّد بالحرب ووصف فظائعها ودعا إلى السلم وأكده وأوجبه على المتحاربين قال: [الطويل]
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضرّ إذا ضربتموها فتضرم
ثم ينصح قومه بأن يبقوا على السلم، ويندّد بالحصين بن ضمضم، وبآثار عمله في تهييج الشرّ وإعادة نار الحرب، وكان الحصين حين اجتمع القوم للصلح قد حمل على رجل له عنده ثأر في الحرب فقتله ويعيد التنويه بالرجلين اللذين احتملا ديات القتلى واحدا واحدا على غير جريرة كانت منهما.
ثم ينتقل من هذا المجال الرهيب مجال النصح والتوجيه وتأكيد السلام، إلى مجال الحكمة الإنسانية العامّة، حكمة الرجل المجرب للحياة الذي ذاقها
وخبرها، وعاش في خضمها، ثم امتد به العمر فزهدها وانصرف عنها قال:(1/234)
ثم ينتقل من هذا المجال الرهيب مجال النصح والتوجيه وتأكيد السلام، إلى مجال الحكمة الإنسانية العامّة، حكمة الرجل المجرب للحياة الذي ذاقها
وخبرها، وعاش في خضمها، ثم امتد به العمر فزهدها وانصرف عنها قال:
[الطويل]
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عند ويذمهم
إلى أن قال: [الطويل]
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطىء يعمر فيهرم
ويختمها بتأكيد معروف السيدين الممدوحين عليه فيقول:
سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم ... ومن يكثر التسآل يوما سيحرم
[القصيدة الثانية](1/235)
سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم ... ومن يكثر التسآل يوما سيحرم
[القصيدة الثانية]
2
وقال أيضا يمدح سنان بن أبي حارثة المرّي (1): [الطويل]
1 - صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأقفر من سلمى التّعانيق فالثقل
2 - وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا ... على صبر أمر ما يمرّ وما يحلو
3 - وكنت إذا ما جئت يوما لحاجة ... مضت وأجمّت، حاجة الغد ما تخلو
4 - وكلّ محبّ أحدث النأي عنده ... سلوّ فؤاد غير حبّك ما يسلو
5 - تأوّبني ذكر الأحبّة بعده ما ... هجعت ودوني قلّة الحزن فالرّمل
6 - فأقسمت جهدا بالمنازل من منى ... وما سحقت فيها المقادم والقمل
شرح القصيدة الثانية 1التعانيق والثقل: موضعان أي أفاق القلب عن حبّ سلمى، لبعدها منه، وقد كاد لا يفيق لشدة التباس حبها به.
2 - على صبر أمر: أي على طرف أمر ومنتهاه، وما يصير إليه. وما يمر وما يحلو: أي لم يكن الذي بيني وبينها مرّا فأيأس منه، ولا حلوا فأرجوه أي لم تصله كل الوصل، ولم تقطعه كل القطيعة.
3 - مضت وأجمت: أي مضت حاجة، ودنت حاجة الغد. وما تخلو: أي لا يخلو المرء من حاجة: «وحاجة من عاش لا تنقضي».
4 - أي كل محبّ إذا نأى عن حبيبه سلا، أما أنا فلست كذلك.
5 - تأوّبني: أتاني مع الليل. والقلة: بالضم، أعلى الجبل. والحزن: الأرض الغليظة.
6 - سحقت: حلقت. ويروى: سحفت بالفاء، ومعناه كالأول. والمقادم: جمع مقدم الرأس، وأراد بالقمل الشعر الذي فيه القمل.
__________
(1) القصيدة في ديوان زهير ص 8783.(1/236)
7 - لأرتحلن بالفجر ثمّ لأدأبن ... إلى اللّيل إلّا أن يعرجني طفل
8 - إلى معشر لم يورث اللّؤم جدّهم ... أصاغرهم وكلّ فحل له نجل
9 - تربّص فإن تقو المروراة منهم ... وداراتها لا تقو منهم إذن نخل
10 - فإن تقويا منهم فإن محجّرا ... وجزع الحسا منهم إذن قلّما يخلو
11 - بلاد بها ندمتم وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنّهما بسل
12 - إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم ... طوال الرّماح لا ضعاف ولا عزل
13 - بخيل عليها جنّة عبقريّة ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
14 - وإن يقتلوا فيشتفي بدمائهم ... وكانوا قديما من مناياهم القتل
15 - عليها أسود ضاريات لبوسهم ... سوابغ بيض لا تخرّقها النّبل
16 - إذا لقحت حرب عوان مضرّة ... ضروس تهرّ النّاس أنيابها عصل
17 - قضاعيّة أو أختها مضريّة ... يحرّق في حافاتها الحطب الجزل
7 - يعرجني طفل: إلا أن تلقى ناقتي ولدها فتحبسني وأقيم عليها. ويقال: الطفل: الليل، والطفل مغيب الشمس. وقال أبو عبيدة: الطفل: الحزن وإيقاده نار التحيير وهي النار التي توقد لهداية الحائر. كذا فسّره أبو الفرج في الأغاني.
8 - لم يورث الخ أي كان جدّهم كريما، فأورثهم الكرم. وكل فحل: أي إذا كان الفحل جوادا، كان نسله كذلك.
9 - تربص: تلبث ولا تعجل بالذهاب. وتقو: تقفر. والمروراة: أرض. وقال البكري: جبل لأشجع. والدارات: جمع دارة، وهي كل قرية بين جبال ونخل على أرض أو بستان ويقال:
هو بستان ابن معمر.
10 - تقوى: تخلو وتقفر. والحسا: موضع في ديار بني مرة من غطفان.
11 - أي إن خلت هذه المواضع منهم فإنها حرام عليّ، لا أقربها ولا أحلّ بها.
12 - فزعوا: أغاثوا مستصرخا مستغيثا بهم. والعزل: جمع أعزل، وهو الذي لا سلاح معه.
13 - عبقر: أرض تنسب العرب إليها كل شيء عجيب للمبالغة في وصفه.
14 - يشتفي بدمائهم: أي هم أشراف، فإذا قتلوا رضي القاتل بهم، وشفى غيظ نفسه بدمائهم. ومن مناياهم القتل: أي هم أهل حروب فلا يموتون على فرشهم.
15 - اللبوس: ما يلبسه الإنسان. والسوابغ: الكاملة. والبيض: التي تصدأ.
16 - لقحت: حملت، والمراد اشتدت. والعوان: الحرب التي ليست بأولى، أي التي قوتل فيها بعد مرة. والضروس: العضوض السيئة الخلق. وتهرّ الناس: تصيّرهم يكرهونها. والعصل: الكالحة المعوجّة ضربها مثلا لقوة الحرب وقدّمها لأن ناب البعير إنما يعصل إذا أسنّ.
17 - قضاعية: نسب الحرب إلى قضاعة، ويقال قضاعة من معد. ومضر: بن نزار بن معد، فلذلك قال: أو أختها مضرية وبعض النسّابين يقول: هو قضاعة بن مالك بن حمير. الجزل: الغليظ.(1/237)
18 - تجدهم على ما خيّلت هم إزاءها ... وإن أفسد المال الجماعات والأزل
19 - يحشونها بالمشرفيّات والقنا ... وفتيان صدق لا ضعاف ولا نكل
20 - تهامون نجديّون كيدا ونجعة ... لكلّ أناس من وقائعهم سجل
21 - هم ضربوا عن فرجها بكتيبة ... كبيضاء حرس في طوائفها الرّجل
22 - متى يشتجر قوم تفل سراوتهم ... هم بيننا فهم رضا وهم عدل
23 - هم جدّدوا أحكام كلّ مضلة ... من العقم لا لا يلفى لأمثالها فصل
24 - بعزمة مأمور مطيع وآمر ... مطاع، فلا يلقى لحزمهم مثل
25 - ولست بلاق بالحجاز مجاورا ... ولا سفرا إلّا له منهم حبل
26 - بلاد بها عزّوا معدّا وغيرها ... مشاربها عذب وأعلامها ثمل
27 - هم خير حيّ من معدّ علمتهم ... لهم نائل في قومهم ولهم فضل
28 - فرحت بما خبرت عن سيّديكم ... وكانا امرأين كلّ أمرهما يعلو
18 - ما خيلت: ما شبهت، أي على كل حال. وإزاءها: أي تجدهم القادرين عليها والسائسين لها، يقال: فلان إزاء مال إذا كان يديره ويحسن القيام عليه، وهو إزاء خير وإزاء شر: إذا كان صاحبه. والمال: الإبل. والجماعات: أي الجموع التي تتجمع للحرب. والأزل: أن يحبس المال ولا يرسل للرعي.
19 - يحشونها: يوقدونها. والمشرفية: السيوف. والقنا: الرماح. والنكل: جمع ناكل، وهم الجبناء، يريد: هم يقوّون الجرب ويهيجونها، كما تحش النار وتقوى.
20 - تهامون نجديون: أي يأتون تهامة ونجدا غازين أو منتجعين، ولا يمنعهم بعد المكان من ذلك.
والنجعة: طلب المرعي. والسجل: النصيب والحظ وأصله الدلو مملوءة ماء.
21 - الفرج والثغر: هو الموضع الذي يتّقي منه العدو. وحرس: جبل. وبيضاؤه: شمراخ منه طويل.
وفي طوائفها: أي في نواحي الكتيبة الرجالة.
22 - يشتجر قوم: أي إذا اختلف قوم في أمر رضوا بحكم هؤلاء لما عرف من عدلهم.
23 - المضلة: حرب تضلّ الناس أو لا يوجد فيها من يفصل أمرها. والعقم: الحروب الشديدة، واحدتها عقيم، وهي المستأصلة.
24 - يصفهم بالحزم، واجتماع الكلمة، وصحة السياسة.
25 - يقول: كل من جاور بالحجاز، أو سافر إليها، فله من هؤلاء القوم عهد وذمّة.
26 - عزوا معدّا: غلبوها في العزّ، وظهروا عليها. والأعلام: الجبال والثمل التي يقام فيها. يقال ما هذا بدار عمل، أي إقامة.
27 - لهم نائل: أي أنهم يصلون الرحم ويتعطفون على القرابة. ولهم فضل: أي لهم على غير قومهم نوافل لا تجب عليهم.
28 - فرحت الخ: فرحت بالحمالة التي حملها الحارث بن عوف وهو ابن سنان.(1/238)
29 - رأى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... فأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو
30 - تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشهم ... وذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل
31 - فأصبحتما منها على خير موطن ... سبيلكما فيه وإن أحرثوا سهل
32 - إذا السّنة الشهباء بالنّاس أجحفت ... ونال كرام المال في الحجرة الأكل
33 - رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا بها حتّى إذا نبت البقّل
34 - هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
35 - وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل
36 - على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السّماحة والبذل
37 - وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ... مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل
38 - وإن قام فيهم حامل قال قاعد ... رشدت، فلا غرم عليك ولا خذل
39 - سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يفعلوا، ولم يليموا، ولم يألوا
29 - فأبلاهما خير البلاء: أي صنع لهما خير الصنيع الذي يبتلي به عباده.
30 - ثل عرشها: أصابها ما كسرها وهدمها. وزلّت النعل: كناية عن الحيرة والضلال.
31 - يريد: لمّا سعيتما بالصلح، وحملتما الحمالة أصبحتما في الحرب على خير موطن، بما نلتما من الحمد وشرف المنزلة. ثم قال: أنتما في رخاء لما سعيتما فيه من الصلح، وتجنبتما من تهييج الحرب وإن كانوا هم قد وقعوا في أمر شديد.
32 - الشهباء: البيضاء من الجدب وعدم النبات. والحجرة: السنة الشديدة البرد التي تحجر الناس في البيوت.
33 - قطينا: ساكنين حول بيوتهم، يعيشون من أموالهم.
34 - يستخبلوا: الاستخبال أن يستعير الرجل من الرجل إبلا، ليشرب ألبانها وينتفع بأوبارها.
وييسروا: يقامروا. ويغلوا: يختاروا سمان الإبل فيقامروا عليها.
35 - مقامات: مجالس، يريد أهلها. والأندية: جمع ندى، وهو المجلس.
36 - مكثريهم: ذوي اليسار منهم رزق، بفتح الراء ويروى: حق أي ما يفي بحاجتهم. ويعتريهم:
يقصدهم. والمقل: القليل المال. والبذل: العطاء.
38 - المعنى: هم أهل أهل حلوم وآراء، فمن حضر مجالسهم تحلّم مثلهم أو أنهم يبينون بحلومهم وآرائهم ما أشكل من الأمور وجهل وجه الرأي فيه.
38 - حامل: هو من حمل الديات وهو ضدّ القاعد أي إن تجمل أحدهم الحمالة قال له الآخرون:
أصبت الرأي وسنحاشيك أن تغرم شيئا من الحمالة ولن نخذلك.
39 - لم يليموا: أي لم يفعلوا ما يلامون عليه. ولم يألوا: لم يقصروا، أي أنهم لا يلحقهم أحد مهما جهد.(1/239)
40 - فما يك من خير أتوه فإنّما ... توارثه آباء آبائهم قبل
41 - وهل ينبت الخطّيّ إلا وشيجه ... وتغرس إلّا في منابتها النّخل
3
وقال يمدح حصن بن حذيفة بن بدر (1): [الطويل]
1 - صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرّي أفراس الصّبا ورواحله
2 - وأقصرت عمّا تعلمين وسدّدت ... عليّ سوى قصد السّبيل معادله
3 - وقال العذارى إنّما أنت عمّنا ... وكان الشّباب كالخليط مزايله
4 - فأصبحت ما يعرفن إلّا خليفتي ... وإلّا سواد الرّأس والشيب شامله
5 - لمن طلل كالوحي عاف منازله ... عفا الرّسّ منه فالرّسيس فعاقله
40 - المعنى: مجدهم قديم موروث، ورثوه كابرا عن كابر.
41 - الخطي: الرمح المنسوب إلى الخطي وهي جزيرة بالبحرين ترفأ إليها السفن ووشيجه القنا الملتف في منبته واحدته وشيجة.
شرح القصيدة الثالثة 1كان عمرو بن هند حين قتل حذيفة وكانت الحرب بين غطفان طمع في حصن وفي غطفان أن يصيب بهما حاجته، وكان حصن والحليفان لم يدينوا الملك قطّ فأرسل إلى حصن: «إني ممدّك بخيل فادخل في مملكتي، وأجعل لك ناحية من الأرض»، فأرسل إليه حصن: «ما كنت قطّ أفرغ لحربك مني الآن ولا أكثر عدة، فإن كنت لا يكفيك ما جرب أنوك، فدونك لا تعتلل، فإنه ليس لي حصن إلا السيوف والرماح، وأنا لك بالفضاء». وأقبل حصن الحليفين:
أسد وغطفان حتى نزل زبالة، فصدّ عنه عمرو بن هند، وكره قتاله. عرّي أفراس الصبا: شبّه أسباب اللهو في الشباب بالأفراس وتعريتها كناية عن عدم اشتغالها.
2 - أقصرت: كففت. والمعادل: جمع معدل، وهو كل ما عدل فيه عن القصد وسوى بمعنى عن، أي إنه كان يعدل عن طريق الصواب إلى طريق الصبا واللهو ثم كفّ عن ذلك لما ذهب شبابه.
3 - أنت عمنا: أي لأنه كبر وقد كنّ يدعونه أخاء. الخليط: الصاحب المخالط. والمزايلة:
المفارقة يصف أنه كبر فدعته العذارى عمّهن، وجعل الشباب حين ولي وفارق بمنزل الخليط.
4 - المعنى: ذهب شبابي وتغيّر منظري، فلا يعرفن مني إلا خلقي وسواد رأسي وقد شمله الشيب، أي صار فيه أجمع.
5 - الطل: ما بدا شخصه من آثار الديار. والرسم: أثر لا شخص له. والوحي: آثار الكتاب.
والرس والرسيس: ماءان لبني أسد. وعاقل: أرض أو جبل.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 9388، وهي في الديوان من 50بيتا.(1/240)
6 - فرقد فصارات فأكناف منعج ... فشرقيّ سلمى: حوضه فأجاوله
7 - فوادي البديّ فالطّويّ فنادق ... فوادي القنان: جزعه فأفاكله
8 - وغيث من الوسميّ حوّ تلاعه ... أجابت روابيه النّجا وهواطله
9 - هبطت بممسود النواشر سابح ... ممرّ أسيل الخدّ نهد مراكله
10 - تميم فلوناه فأكمل صنعه ... فتمّ وعزّته يداه وكاهله
11 - أمين شظاه لم يخرّق صفاقه ... بمنقبة ولم تقطّع أباجله
12 - إذا ما غدونا نبتغي الصّيد مرّة ... متى نره فإنّنا لا نخاتله
13 - فبينا نبغّي الصّيد جاء غلامنا ... يدبّ ويخفي شخصه ويضائله
14 - فقال شياه راتعات بقفرة ... بمستأسد القريان حوّ مسائله
6 - رقد: اسم واد أو جبل. وصارات: جبال. ومنعج: موضع. وأكنافه: نواحيه. وسلمى: جبل.
وأجاوله: جوانب منه يجال فيها، أو هي موضع معروف.
7 - البديّ، والطوي، ونادق: مواضع. والقنان: جبل لبني أسد. وجزع الوادي: منعطفه. وأفكله:
نواحيه.
8 - غيث من الوسمي: أي نبات من غيث الوسمي. والوسمي: أول المطر. والحو: الشديد الخضرة. والتلاع: مجاري الماء من أعلى الأرض إلى الوادي. والنجا: جمع نجوة، وهي المرتفع من الأرض وهو بدل من الروابي، وقصر للشعر.
9 - ممسود النواشر: شديد ليس برهل، والنواشر: عصب الذرع. والممر: الشديد الفتل الموثق الخلق. وأسيل الخد: سهله. والنهد: الضخم. والمراكل: مواضع الركن، حيث يغمزه الفارس بعقبة. وصف حصانه بعظم الجوف لعتقه.
10 - تميم: تام الخلق. وفلوناه: فطمناه، فهو فلو. وأكمل صنعه: أحسن القيام عليه حتى تمّ خلقه.
وعزّته يداه: أي غلبت يداه. وكاهله: سائر أعضائه، وكانت أعظم شيء فيه وأشد، بذلك توصف الجياد.
11 - الأمين: القوي. والشظى: عظم لاصق بالذراع. والصفاق: الجلدة السفلى من بطنه التي تحت ظاهر الجلد. ولم يخرق: أي لم يكن به داء. والمنقبة: حديدة البيطار التي ينقب بها.
والأباجل: عروق في اليد.
12 - لا نخاتله: لا نسارق الصيد ولا نكيده.
13 - نبغي: نبتغي، وهو تضعيف بغى يبغي بمعنى طلب. ويدبّ: يمشي راجلا ويخفي شخصه، لئلا يشعر به فيفزع. ويضائله: يصغره.
14 - فقال: أي الغلام والشّياه هنا، حمير الوحش. والمستأسد: ما طال من النبت وقوي. والقريان:
مجاري الماء إلى الرياض، واحدها قري. والحو: ذات النبات الشديد الخضرة. والمسائل:
جمع مسيل الماء، همز شذوذا، كأنهم توهموا ياءه زائدة.
15 - ثلاث كأقواس السّراء مسحل ... قد اخضرّ من لسّ الغمير جحافله
16 - وقد خرّم الطّرّاد عنه جحاشه ... فلم تبق إلا نفسه وحلائله
17 - فقال: أميري ما ترى رأي ما نرى ... أنختله عن نفسه أم نصاوله
18 - فبتنا عراة عند رأس جوادنا ... يزاولنا عن نفسه ونزاوله
19 - ونضربه حتّى اطمأنّ قذاله ... ولم يطمئنّ قلبه وخصائله
20 - وملجمنا ما إن ينال قذاله ... ولا قدماه الأرض إلّا أنامله
21 - فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله
22 - فقلت له سدّد وأبصر طريقه ... وما هو فيه عن وصاتي شاغله
23 - وقلت: تعلّم أنّ للصّيد غرّة ... وإلّا تضيّعها فإنّك قاتله
15 - السرّاء: شجر تتخذ منه القسيّ، شبّه الأتن بالأقواس لأنهنّ اجترأن برعي الرّطب عن شرب الماء فطواهنّ وأضمرهنّ. والمسحل: الحمار. أخذ من السحيل: وهو صوته. واللس: الأخذ بمقدّم الفم. والغمير: نبت أخضر قد غمره نبت آخر.(1/241)
15 - ثلاث كأقواس السّراء مسحل ... قد اخضرّ من لسّ الغمير جحافله
16 - وقد خرّم الطّرّاد عنه جحاشه ... فلم تبق إلا نفسه وحلائله
17 - فقال: أميري ما ترى رأي ما نرى ... أنختله عن نفسه أم نصاوله
18 - فبتنا عراة عند رأس جوادنا ... يزاولنا عن نفسه ونزاوله
19 - ونضربه حتّى اطمأنّ قذاله ... ولم يطمئنّ قلبه وخصائله
20 - وملجمنا ما إن ينال قذاله ... ولا قدماه الأرض إلّا أنامله
21 - فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله
22 - فقلت له سدّد وأبصر طريقه ... وما هو فيه عن وصاتي شاغله
23 - وقلت: تعلّم أنّ للصّيد غرّة ... وإلّا تضيّعها فإنّك قاتله
15 - السرّاء: شجر تتخذ منه القسيّ، شبّه الأتن بالأقواس لأنهنّ اجترأن برعي الرّطب عن شرب الماء فطواهنّ وأضمرهنّ. والمسحل: الحمار. أخذ من السحيل: وهو صوته. واللس: الأخذ بمقدّم الفم. والغمير: نبت أخضر قد غمره نبت آخر.
16 - خرّم الطّرّاد: أخذوا جحاشه واحدا واحدا. والحلائل: جمع حليلة، والمراد الأتن. والطراد:
الصيادون.
17 - الأمير: الذي يؤامره ويستشيره. ونختله: نخادعه. ونصاوله: نجاهره أي قد رأينا في أمر الصيد كذا وكذا، فما ترى فيه؟ أنختله: أي نخادعه ونكيده. أم نصاوله: أي نجاهده ونصول به.
18 - عراة: في الأرض العارية من الشجر، لا يسترنا شيء. ويزاولنا: يدافعنا وندافعه. وقيل في معنى العراة: إنهم تجرّدوا للفرس في أزرهم، لشدته ونشاطه أو هو من العرواء، وهي الرعدة عند الحرص الصيد.
19 - يقول: كان الفرس رافعا رأسه صعوبة ونشاطا، فضربناه حتى خفض رأسه، وأمكننا من رأسه فألجمناه. وقذاله: مؤخر رأسه. والخصائل: جمع خصيلة، وهي كل لحمة في عصبة. يقول: أمكننا من رأسه فألجمناه، وهو مع ذلك حديد القلب، مضطرب اللحم، لنشاطه.
20 - المعنى: هو وإن خفض رأسه فملجمنا لا يكاد يناله لطوله، ولا تنال قدماه الأرض وقد قام على أطراف أصابعه.
21 - المحبوك: الشديد الخلق المذمج. وظماء مفاصله: يابسة قليلة اللحم ليست برهلة.
22 - سدد: قوم صدر الفرس، وسر به على القصد. وأبصر طريقة: أي لا تمرّ به على جرف وجحر ونحوه. يقول: يشغله ما هو فيه من علاج الفرس ونشاطه أو الحرص على الصيد يشغله عن وصيتي.
23 - تعلم: اعلم. والغرّة: الغفلة، وأن يؤتى الصيد من حيث لا يشعر.(1/242)
24 - فتبّع آثار الشياه وليدنا ... كشؤبوب غيث يحفش الأكم وابله
25 - نظرت إليه نظرة فرأيته ... على كلّ حال مرّة هو حامله
26 - يثرن الحصى في وجهه وهو لاحق ... سراع تواليه صياب أواثله
27 - فردّ علينا العير من دون إلفه ... على رغمه يدمى نساه وفائله
28 - ورحنا به ينضو الجياد عشيّة ... مخضبة أرساغه عوامله
29 - بذي ميعة لا موضع الرّمح مسلم ... لبطء ولا ما خلف ذلك خاذله
30 - وأبيض فيّاض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغبّ فواضله
31 - بكرت عليه غدوة فرأيته ... قعودا لديه بالصّريم عواذله
32 - يفدّينه طورا وطورا يلمنه ... وأعيا فما يدرين أين مخاتله
33 - فأقصرن منه عن كريم مرزّا ... عزم على الأمر الذي هو فاعله
34 - أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنّه قد يهلك المال نائله
24 - تتبّع آثار الشّياه: أي اتّبع آثار الحمير، شبّهها ببقر الوحش. والشؤبوب: الدفعة من المطر.
ويحفش: يكثر سيل الأكم. الأكم: جمع إكام، وهو جمع أكمة. شبّه انصباب الفرس وحفيف جريه بالشؤبوب وصوته.
25 - يقول: نظرت إلى الفرس يحمل الغلام مرة على الطمع، ومرة على اليأس، ومرة على الهلاك لنشاطه وحدّته.
26 - تواليه: يعني رجليه وعجزه. وأوائله: يداه وصدره أي مقدمه قاصد يصوب، ومؤخره مؤيد له.
27 - إلفه: أتانه التي تألفه ويألفها. والنسا والفائل: عرقان وإنما خصّهما ليخبر بحذق الوليد بالطعن.
28 - رحنا به: رجعنا عشيّا بالفرس. وينضو الجياد: ينسلخ منها ويتقدمها أي لم يكسر طرادة الوحش من حدّته. ومخضبة أرساغه: أي ملطخة قوائمه بدم الصيد. وعوامله: هي قوائمه.
29 - الميعة: الدفعة من السير، وميعة كل شيء: دفعته. والمعنى: أن مقدمه لا يسلم على مؤخره أي لا يخذله وكذلك مؤخره موضع الرمح كاثبة الفرس وهو موضع الرمح قدم القربوس.
30 - وأبيض: أي رجل نقي من العيوب. والفياض: الكثير العطاء. ويداه غمامة: أي كريم. ما تغب: ما تنقطع. وفواضله: عطاياه لأنها تفضل كل عطاء.
31 - الصريم: ههنا الصبح أي هو يسكر بالعشي فإذا أصبح وقد صحا من سكره لمنه.
32 - المعنى: قد أعياهنّ فما يدرين كيف يخدعنه ويختلنه.
33 - أقصرن كففن عن العذل والمرزأ المصاب بماله كثيرا وعزوم على الأمر ماض فيه لا يردعنه.
34 - أخي ثقة: أي يوثق بما عنده من الخير لما علم من جوده. والنائل: العطاء العطاء، أي هو لا يتلف ماله في شرب الخمر ولكنه يتلفه بالعطاء.(1/243)
35 - تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنّك تعطيه الّذي أنت سائله (1)
36 - وذي نسب ناء بعيد وصلته ... بمال وما يدري بأنّك واصله
37 - وذي نعمة تمّمتها وشكرتها ... وخصم يكاد يغلب الحقّ باطله
38 - دفعت بمعروف من القول صائب ... إذا ما أضلّ النّاطقين مفاصله
39 - وذي خطل في القول يحسب أنّه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله
40 - عبّأت له حلما وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
41 - حذيفة ينميه وبدر كلاهما ... إلى باذخ يعلو على من يطاوله
42 - ومن مثل حصن في الحروب، ومثله ... لإنكار ضيم، أو لأمر يحاوله؟
43 - أبى الضّيم والنّعمان يحرق نابه ... عليه فأفضى والسّيوف معاقله
44 - عزيز إذا حلّ الحليفان حوله ... بذي لجب لجّاته وصواهله
35 - المتهلّل: الطّلق الوجه المستبشر.
36 - يريد أنه وصل قوما فوصلوا غيرهم من صلته، فكان هو سبب الوصل وهم لا يعرفون ذلك.
37 - المعنى: ربّ ذي نعمة أنعمت بها، فتممتها، ونعمة أسديت إليك فشكرتها.
38 - يقول: وربّ خصم دفعت بقول معروف. والصائب: القاصد المصيب، أي أنه يصيب مفاصل الكلام، أي إذا لم يهتد الناطقون لمفاصل الكلام ومقاطعه فأنت مهتد لها.
39 - الخطل: كثرة الكلام والخطأ، أي ما يحضره من الكلام يقوله من غير تثبّت فهو كسيفه.
40 - عبأت له: جمعت وهيأت، وصفحت عنه، وقد بدت لك مقاتله.
41 - حذيفة: أبو الممدوح. وبدر: جده، وينمّيه: يرفعه ويعليه. والباذخ: العالي.
42 - الضيم: الظلم والذل.
43 - يحرق نابه: يصرف من الغيظ. وأفضى: صار في الفضاء لعزّته، وامتنع بالسيوف. والنعمان:
هو ابن الحارث الغساني.
44 - الحليفان: أسد وغطفان، وكانوا حلفاء على بني عبس وغيرهم. وفزارة بن ذبيان رهط الممدوح من غطفان. وذي لجب: ذي صوت وجلبة. واللجّات: اختلاط أصوات الناس. والصواهل:
الخيل.
__________
(1) في الديوان ثلاثة أبيات لم ترد هنا، وهي بعد هذا البيت:
ترى الجند والأعراب يغشون بابه ... كما وردت ماء الكلاب هوامله
إذا ما أتوا أبوابه قالوا: مرحبا ... لجّوا الباب حتى يأتي الجوع قاتله
فلو لم يكن في كفّه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله(1/244)
45 - يهدّ له ما دون رملة عالج ... ومن أهله بالغور زالت زلازله
46 - وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد اختربوا في عاجل أنا آجله
47 - فأقبلت في السّاعين أسأل عنهم ... سؤالك بالشيء الّذي أنت جاهله
4
وقال يمدح هرم بن سنان وأباه وإخوته (1): [البسيط]
1 - إن الخليط أجدّ البين فانفرقا ... وعلق القلب من أسماء ما علقا
2 - وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع وأمسى الرّهن قد غلقا
3 - وأخلفتك ابنة البكريّ ما وعدت ... فأصبح الحبل منها واهنا خلقا
4 - قامت تراءى بذي ضال لتحزنني ... ولا محالة أن يشتاق من عشقا
5 - بجيد مغزلة أدماء خاذلة ... من الظباء تراعي شادنا خرقا
45 - يهدّ له: يكسر ويزلزل من أجل هذا الجيش وكثرته، ما دون رملة عالج من الأرضين. والغور:
ما سفل من أرض العرب ومكة وتهامة من الغور.
46 - وهذا البيت آخر القصيدة في رواية الأصمعي، ويلحق بالقصيدة البيتان اللذان بعده، وينسبان لخوات بن جبير الأنصاري، صاحب ذات النحيين، وكان من فتّاك العرب في الجاهلية، ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد بدرا.
47 - يصف تأريشه بين قوم مصطلحين، وسعيه بينهم بالفساد، حتى أوقعهم في حرب وعاجل شر، أجله عليهم: أي جناه، وبعد ذلك أخذ يسأل عمّن هاج الشرّ بين القوم. كما يسأل المرء عمّا جهل.
شرح القصيدة الرابعة 1الخليط: المخالط في الدار. وأجدّ البين: من الجد، خلاف اللعب، أي اجتهد في البين وحققه. وانفرق: انفعل الفرقة.
2 - الرهن: قلبه الذي أخذته. وغلق: لم يكن له فكاك أي ذهبت بقلبه، واستولت عليه.
3 - الواهن والواهي: واحد وهن، الضعيف. والحبل: السبب في المودّة. والخلق: البالي.
4 - تراءى: تظهر، لتهيج شوقك. والضال: السدر الصغار، واحدتها ضالّة.
5 - مغزلة: طبيعة ذات غزال. والأدماء: البيضاء. والخاذلة: التي خذلت القطيع، وأقامت على ولدها. والشادن: الذي قد شدن: أي تحرك ولم يقو بعد. والخرق: الدهش.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 7772. وهي في الديوان من 49بيتا.(1/245)
6 - كأنّ ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من طيّب الرّاح لمّا يعد أن عتقا
7 - شجّ السّقاة على ناجودها شبما ... من ماء لينة لا طرقا ولا رنقا
8 - ما زلت أرمقهم حتى إذا أهبطت ... أيدي الرّكاب بهم من راكس فلقا
9 - دانية لشرورى أو قفا أدم ... يسعى الحداة على آثارهم حزقا
10 - كأنّ عينيّ في غربي مقتّلة ... من النّواضح تسقي جنّة سحقا
11 - تمطو الرّشاء فتجري في ثنايتها ... من المحالة ثقبا رائدا قلقا
12 - لها متاع وأعوان غدون به ... قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا
13 - وخلفها سائق يخدو إذا خشيت ... منه اللّحاق تمدّ الصّلب والعنقا
14 - وقابل يتغنى كلّما قدرت ... على العراقي يداه قائما دفقا
6 - اغتبقت: شربت. لمّا يعد أن عتقا: أي لم يجاوز ذلك الشراب أن صار عتيقا إلى أن يفسد ويتغيّر.
7 - الناجود: أول ما يخرج من الخمر، أو هو إناء الخمر. والشبم: الماء البارد. ولينة: اسم بئر بطريق مكة عذبة. والطرق: ماء بالت فيه الإبل وبعرت. والرنق: الكدر. وشج السقاة: صبّوا الماء البارد على الخمر، أي مزجوا بالماء صرفا لشدّتها.
8 - ما زلت: رجع إلى وصف الخليط الذين فارقوه. وراكس: اسم واد. والفلق والفالق: المطمئن من الأرض بين جبلين. والركاب: الإبل التي يرحل عليها، واحدتها راحلة.
9 - شرورى وأدم: موضعان، أو جبلان. والحزق: الجماعات، ونصب دانية على الحال.
10 - المقتلة: التي ذللت بكثرة العمل، وهي ضد الصعبة، التي تضطرب في سيرها، فتهريق الدلو فلا يبقى منها إلا صبابة. والجنة: البستان، وأراد بها النخل. والسحق: جمع سحوق، وهي النخلة الطويلة. والنواضح: جمع ناضحة وهي الإبل يستقى عليها.
11 - تمطو الرشاء: تمد الحبل. والثناية: حبل يشدّ طرفاه في قتب السانية ويشدّ طرف الرشاء في مثناته (اللسان). والمحالة: البكرة. والرائد: الذي يجيء ويذهب. والقلق: الذي لا يثبت.
12 - لها متاع: أي لهذه الناقة التي يستقى عليها. وقتب وغرب: تفسير لمتاعها، والقتب: أداة السانية. والغرب: الدلو العظيمة. وانسحق: مضى وبعد سيلانه. وغدون: أراد جماعات الأعوان.
13 - المعنى: خلفها سائق يسوقها، وكلما خافت أن يلحقها مدّت عنقها وصلبها واجتهدت في سيرها.
14 - قابل: شخص يقبل الدلو ويتلقاها، فيصب ما فيها. والعراقي: جمع عرقوة، وهي خشبتان تجعلان في فم الدلو، يشدّ فيها الحبل. وقدرت: وصلت وقبضت. ودفق: صب الدلو في الجدول.(1/246)
15 - يحيل في جدول تحبو ضفادعه ... حبو الجواري ترى في مائه نطقا
16 - يخرجن من شربات ماؤها طحل ... على الجذوع يخفن الغمّ والغرقا (1)
17 - بل اذكرن خير قيس كلّها حسبا ... وخيرها نائلا وخيرها خلقا
18 - القائد الخيل منكوبا دوابرها ... قد أحكمت حكمات القدّ والأبقا
15 - يحيل: يصب. وحبو الجواري: وثوب الجواري والصبيان إذا لعبوا. والنطق: الطرائق التي تعلو بالماء. شبّهها بجمع النطاق، لأنها درجات يعلو بعضا بعضها يكون ذلك مع كثرة الماء وهبوب الريح.
16 - الشربة: حويض، كهيئة المطف يتخذ في أصل للنخلة فيملأ ماء لشرب النخلة. وطحل: أخضر إلى غبرة، جعل الشربات ذات ضفادع، إشارة إلى أن ماءها لا ينقطع.
17 - أضرب عمّا كان فيه، وأمر نفسه بالأخذ في صفة الممدوح، وهو من أساليبهم في الانتقال من غرض في القصيدة.
18 - منكوبا دوابرها: الدوابر: الحوافر، أي تأكلها الأرض وتؤثر فيها. وأحكمت: جعل لها حكمات. والحكمة: التي تكون على الأنف من الرسن. والقدّ: ما قطع من الجلد. والأبق:
شبه الكتان، وقيل: هو القنب.
__________
(1) في الديوان 16بيتا لم ترد هنا، وهي بعد هذا البيت:
فعدّ عمّا ترى إذ فات مطلبه ... أمسى بذاك غراب البين قد نعقا
وانم القتود على وجناء دوسرة ... يشري الجديل إذا ما دأيها عرقا
كأن كوري وأنساعي وميثرتي ... كسوتهنّ مشبّا ناشطا لهقا
رعى بغيث لا وراك فناصفة ... من الشتاء فلما شاءه نفقا
وقد يكون بها حينا تعزّبه ... وقد تطرّف من حافاتها أنقا
عشرا وخمسا قد طابت مراتعه ... من الربيع ولم يبدن وقد زهقا
فار منها على شيم يؤمّ بها ... جنبي عماية فالرّحاء فالعمقا
فأدركته سماء بينها خلل ... تروي الثرى وتسيل الصفصف القرقا
فبات معتصما من قرّها لثقا ... رش السحاب عليه الماء فاطّرقا
يمري بأظلافه حتى إذا بلغت ... يبس الكثيب تداعى الترب فانخرقا
مولّي الريح روقيه وجبهته ... حتى دنا مرزم الجوزاء أو خفقا
ليلته كلّها حتى إذا حسرت ... عنه النجوم أضاء الصبح فانطلقا
فصبحته كلاب شدّها خطف ... وقابض لا ترى في فعله خرقا
زرق العيون طواها حسن صنعته ... مجوّعات كما تطوي بها الخرقا
حتى إذا ظنّ قرن الشمس غالبه ... وخاف من جانبيه النهز والرهقا
كرّ ففرّج أولاها بنافذة ... نجلاء تتبع روقيه دما دفقا(1/247)
19 - غزت سمانا فآبت ضمّرا خدجا ... من بعد ما جنبوها بدّنا عققا
20 - حتى يؤوب بها عوجا معطلة ... تشكو الدّوابر والأنساء والصّفقا
21 - يطلب شأو امرأين قدّما حسنا ... نالا الملوك وبذّا هذه السّوقا
22 - هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا
23 - أو يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدّما من صالح سبقا
24 - أغرّ أبيض فيّاض يفكّك عن ... أيدي العناة وعن أعناقها الرّبقا
25 - وذاك أحزمهم رأيا إذا نب ... أمن الحوادث عادى النّاس أو طرقا
26 - فضل الجياد على الخيل البطاء فلا ... يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا
27 - قد جعل المبتغون الخير في هرم ... والسّائلون إلى أبوابه طرقا
19 - الخدج: التي تلقي أولادها الغير تمام. والبدن: جمع بادن، وهي الضخمة السمينة. والعقق:
جمع عقوق، وهي التي استبان حملها. جنبوها: قادوها، وكانوا يركبون الإبل ويقودون الخيل. والمعنى: غرّت الخيل سمانا عققا، فرجعت ضمرا مهازيل خدجا من طول الغزو وبعد المشقّة.
20 - المعطلة: التي لا أرسان لها لشدة إعيائها. والعوج: التي هزلت فاعوجّت. والصفق: جمع صفاق، وهو جلد دون الجلد الأعلى مما يلي البطن. والأنساء: جمع نسا وهو عرق في الفخذ. والدوابر: مآخير الحوافر.
21 - الشأو: الغاية والسبق. امرأين: أباه وجده. والسوق: الناس دون الملوك. وبذه: فاقة.
22 - على تكاليفه: على ما يكلف من الشدة والمشقّة، جمع تكلفة، أي يطلب ما صنع أبواه، وهو جدير أن يناله على ما يتكلف من جهد ومشقة.
23 - المهل: التقدم، يقال: أخذ فلان المهلة، والمهمل على فلان: إذا تقدمه، يريد أنهما تقدماه في الشرف، فإن سبقاه فمثل فعلهما سبق.
24 - العناة: جمع عان، وهو الأسير. والربق: جمع ربقة وهو حبل طويل فيه خلق تجعل رؤوس البهم لئلا ترضع أمهاتها والمقصود به هنا الأغلال.
25 - المعنى: هذا الممدوح أصحّ الناس رأيا عند أمر ينوب مما يغادي الناس في صباحهم، أو يطرقهم في ليلهم.
26 - فضل الجياد: أي فضل الناس فضل الجياد على البطاء. والممنون: المقطوع. والنزق: الذي يبطىء بعد الجري والذي يعطي ثم يكفّ.
27 - المبتغون: الطالبون. وفي هرم أو عند هرم يقول: جعل طلاب المعروف عند هرم طرقا إلى أبوابه، لكثرة تردّدهم عليه وقصدهم إليه. قال الأصمعي: هذا بيت القصيدة.(1/248)
28 - وليس مانع ذي قربى وذي رحم ... يوما ولا معدما من خابط ورقا
29 - إن تلق يوما على علّاته هرما ... تلق السّماحة منه والنّدى خلقا
30 - ليث بعثّر يصطاد الرّجال إذا ... ما كذّب اللّيث عن أقرانه صدقا
31 - يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
32 - هذا وليس كمن يعيا بخطّته ... وسط النّديّ إذا ما ناطق نطقا
33 - لو نال حيّ من الدّنيا بمنزلة ... أفق السّماء لنالت كفه الأفقا
5
وقال أيضا (1): [البسيط]
1 - بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا ... وزوّدك اشتياقا أيّة سلكوا
2 - ردّ القيان جمال الحيّ فاحتملوا ... إلى الظّهيرة أمر بينهم لبك
3 - ما إن يكاد يخلّيهم لوجهتهم ... تخالج الأمر إنّ الأمر مشترك
28 - ولا معدما من خابط: أي ولا معدما خابطا، ومن ملغاة، والخابط: طالب المعروف وأصله الذي يضرب أوراق الشجر ليسقط فيعلفه الدواب. والورق: هنا المعروف وصفه بإعطاء القريب والبعيد.
29 - على علاته: أي على قلة ومال وعدم.
30 - عثر: اسم موضع قبل تبالة من اليمن أي هو كليث بهذا الموضع. وكذب: لم يصدق الحملة أي إن كذب الليث ورجع عن قرنه لم يرجع هو.
31 - يقول: إذا ترامى الناس في الحرب بالنّبل، دخل هو تحت الرمي فإذا تطاعنوا بالرماح ضرب هو بالسيف فإذا تضاربوا بالسيوف اعتنق هو قرنه، أي إنه يزيد عليهم في كل حال من أحوال العرب.
32 - المعنى: هو موصوف بالبلاغة أيضا. والندى: مجلس القوم ولم يرو الأصمعي هذا البيت.
33 - المعنى: لو بلغ أحد من الناس أفق السماء بجوده لبلغها وهذا البيت كسابقه لم يروه الأصمعي.
شرح القصيدة الخامسة 1قال ابن الأعرابي: وكان الحارث بن ورقاء الصيداوي من بني أسد أغار على بني عبد الله بن غطفان فغنم واستاق إبل زهير وراعيه يسارا وزعم الأصمعي أنه ليس للعرب قصيدة كافية أجود من هذه. لم يأووا: لم يرحموا أي بانوا عنك بمن تحب ولم يرقوا لك.
2 - ردّ القيان: أي ردّوا الجمال من المرعى لما أرادوا الرحيل. واللبك: المختلط.
3 - تخالج الأمر: أي اختلافهم في الرأي وهو الذي حبسهم إلى الظهيرة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 8278.(1/249)
4 - ضحّوا قليلا قفا كثبان أسنمة ... ومنهم بالقسوميّات معترك
5 - ثمّ استمرّوا وقالوا إنّ مشربكم ... ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك
6 - يغشى الحداة بهم وعث الكثيب كما ... يغشي السّفائن موج اللّجّة العرك
7 - هل تبلغنّي أدنى دراهم قلص ... يزجي أوائلها التّبغيل والرّتك
8 - مقورّة تتبارى لا شوار لها ... إلّا القطوع على الأنساع والورك
9 - مثل النّعام إذا هيّجتها ارتفعت ... على لواحب بيض بينها الشرك
10 - وقد أروح أمام الحيّ مقتنصا ... قمرا مراتعها القيعان والنّبك
11 - وصاحبي وردة نهد مراكلها ... جرداء لا فحج فيها ولا صكك
12 - مرّا كفاتا إذا ما الماء أسهلها ... حتّى إذا ضربت بالسّوط تبترك
4 - ضحّوا قليلا: أي رعوا الضحاء، وهو للإبل كالغداء للناس. وقفا كثبان: أي خلفها. وأسنمة:
جبل قريب من فلج. والكثبان: أكداس الرمل. والقسوميات: مواضع عالية عن طريق ذات اليمين. والمعترك: موضع نزولهم وإناختهم، وأصله مكان المعركة.
5 - استمروا: استقام أمرهم واتفقوا. وسلمى: أحد جبل طيىء. وفيد وركك: موضعان، وركك أصله رك بالإدغام، ثم فكّه للضرورة.
6 - المعنى: اختصروا الطريق وركبوا وعث الرمل، وهو اللين. واللجة: معظم الماء. والعرك:
جمع عركى، وهو النوتى. شبّه حمل الحداة الإبل على الرمل باقتحام النواتية لجّة البحر بالسفن.
7 - قلص: جمع قلوص، وهي الفتية من الإبل. والإزجاء: السوق الرفيق. والتبغيل: ضرب من السير كمشي البغال. والرتك: مقاربة الخطو في سرعة وهو ألأم مشي الدواب.
8 - مقوّرة: ضامرة. وتتبارى: يعارض بعضها بعضا في السير. والشوار: المتاع. والقطوع:
الطنافس يوطأ بها الرحل. والورك: جمع وراك، وهو قطع أو ثوب يشدّ على مورك الرحل.
9 - أي هي ضامرة خفيّة كالنعام. واللاحب: الطريق الواضح. والشرك: بنيات الطريق التي تتفرع منه، الواحدة شركة. وارتفعت: زادت في السير.
10 - القمر: حمر الوحش البيض البطون، جمع أقمر. والقيعان: بطون الأرض. والنبك: الروابي من طين وإنما جعل الحمر ترعاها لأنها تصيب فيها من الكلأ ما لا تصيب في غيرها.
11 - وصاحبي: الذي استعمله في الصيد فرس وردة اللون. والنهد: الغليظ الضخم. والجرداء:
القصيرة الشعر. والفحج: تباعد ما بين العرقوبين والفخذين. والصكك: اصطكاك العرقوبين في الدواب.
12 - مرّا كفاتا: أي تمر الفرس مرّا سريعا. وإذا ما الماء أسهلها: أي تسرع في عدوها إذا عرفت فكيف بها قبل ذلك. وتبترك: تجتهد في العدو.(1/250)
13 - كأنّها من قطا الأجباب حلأها ... ورد وأفرد عنها أختها الشّرك
14 - جونيّة كحصاة القسم مرتعها ... بالسّيّ ما تنبت القفعاء والحسك
15 - أهوى لها أسفع الخدّين مطّرق ... ريش القوادم لم ينصب له السبك
16 - لا شيء أسرع منها وهي طيّبة ... نفسا بما سوف ينجيها وتترك
17 - دون السّماء وفوق الأرض قدرهما ... عند الذنابي، فلا فوت ولا درك
18 - عند الذّنابي لها صوت وأزملة ... يكاد يخطفها طورا وتهتلك
19 - حتى إذا هوت كفّ الغلام لها ... طارت وفي كفّه من ريشها بتك
20 - ثمّ استمرّت إلى الوادي فألجأها ... وقد طمع الأظفار والحنك
21 - حتى استغاثت بماء لا رشاء له ... من الأباطح في حافاته البرك
13 - الأجباب: جمع جب، وهو كل بئر لم تطو. والورد: قوم يردون الماء. وحلأها: طردها عن الماء.
14 - القطا نوعان: جوني وهو ما كان في لونه سواد وهو أسرع القطا، وكدري ويكون أكدر الظهر، أسود باطن الجناح، مصفر الحلق. وحصاة القسم: حصاة إذا قلّ الماء مع المسافرين وضعوها في القدح وصبّوا عليها الماء حتى يغمرها ليقسم بينهم بالسّويّة ولا تكون تلك الحصاة إلا مجتمعة ملساء ولذلك شبه بها القطاة في شدّتها واجتماع خلقها. والقفعاء: بقلة من أحرار البقل. والحسك: ثمر النفل يستخرج منه حبّ فيؤكل. والسي: موضع.
15 - السفعة: سواد يضرب إلى الحمرة. ومطرق: ريشه بعضه على بعض وليس بمنتشر. والقوادم:
ريش مقدّم الجناح. ولم ينصب له الشبك: يعني أنه وحشي لم يؤخذ ولم يذلل.
16 - المعنى: لا يكون شيء أسرع من هذه القطا وهي طيبة النفس واثقة بما عندها من الطيران الذي ينجيها من الصقر. وهي تترك: أي لا تخرج أقصى طيرانها لثقتها بنفسها في أن الصقر لا يدركها.
17 - الذنابي: الذئب. فلا فوت ولا درك: أي لم تفته فوتا بعيدا، ولم يدركها فيصطادها. يريد أنها لم يحلّقا في السماء، فيعيبا عن العين، ولم يصيرا على الأرض، وهما بين هذين، وهو قريب منها، وذلك أشد لطيرانها.
18 - المعنى: كان لها صوت من خوفه وهو عند ذنبها. والأزملة: اختلاط الصوت. يقول: قد دنا الصقر منها، حتى كاد يأخذها. فهي تهتلك في طيرانها وتجتهد، وتستخرج أقصاه.
19 - البتك: القطع.
20 - المعنى: عاودها الصقر، فنهضت إلى الوادي، فأنجاها من الصقر، لأن فيه شجرا، فلجأت إليه، وقد كان الصقر طمع في صيدها. والحنك: المنقار. والأظفار: مخالب الصقر.
21 - الأبطح: المنبطح من الأرض. ولا رشاء له: أي هو ظاهر على وجه الأرض، لا يحتاج إلى رشاء للسقي منه. والرشاء: الحبل. والبرك: طير بيض صغار.(1/251)
22 - مكلّل بأصول النّبت تنسجه ... ريح خريق لضاحي مائه حبك
23 - كما استغاث بسيء فزّ غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك
24 - فزلّ عنها وأوفى رأس مرقبة ... كمنصب العتر دمّى رأسه النّسك
25 - هلّا سألت بني الصّيداء كلّهم ... بأيّ حبل جوار كنت أمتسك
26 - فلن يقولوا بحبل واهن خلق ... لو كان قومك في أسبابه هلكوا
27 - يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
28 - فاردد يسارا ولا تعف عليّ ولا ... تمعك بعرضك إنّ الغادر المعك
29 - ولا تكونن كأقوام علمتهم ... يلوون ما عندهم حتى إذا نهكوا
30 - طابت نفوسهم عن حق خصمهم ... مخافة الشّرّ فارتدوا لما تركوا
31 - تعلّمن ها «لعمر الله» ذا قسما ... فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك
32 - لئن حللت بجوّ في بني أسد ... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
22 - مكلل: أحاط به النبت كالإكليل. وتنسجه: تمرّ عليه. والخريق: الشديدة. والضاحي: ما برز للشمس وظهر. والحبك: طرائق الماء. واحدها: حبيك.
23 - الفز: ولد البقرة. والسيء: ما يكون في الضرع من اللبن قبل نزول الدرة. والغيطلة: شجر ملتف أو البقرة. وخاف العيون: أي تجعل ما في الضرع من السيء، ولم ينتظر اجتماع الدرة، مخافة أن يراه الراعي، فلا يدعه يشرب. والحشك: دفع الدرة وحفلها حرّكت الشين للضرورة، أي استغاثت القطاة بهذا الماء كما استغاث الفز بالسيء.
24 - المرقبة: المكان المرتفع. والعتر والعتيرة: الذبيحة. ومنصبه: الحجر الذي يعتر عليه. والنسك:
جمع نسيكة، وهي ما ذبح عليه تعبّدا ونسكا.
25 - بنو الصيداء: قوم من بني أسد، وهم رهط الحارث بن ورقاء. والحبل: العهد والميثاق.
26 - المعنى: هو حبل شديد محكم، فمن تمسك به نجا وليس بحبل ضعيف من تعلق بأسبابه هلك.
27 - يا حار: يريد الحارث بن ورقاء. والداهية: الأمر الشديد. والسوقة: من دون الملك.
28 - يسار: هو غلام زهير، وكان الحارث قد أسره. والمعك: بسكون العين، المطل وبكسر العين، الشديد المطل.
29 - يلوون: يمطلون بما عندهم من الدين. ونهكوا: اشتمّوا وبولغ في هجائهم وأصله من نهكة المرض.
30 - ارتدوا: لما تركوا، أي لما أوذوا بالهجاء دفعوا الحق إلى صاحبه.
31 - تعلم: اعلم. وها: تنبيه. فاقدر بذرعك: أي قدر بخطوك. وتنسلك: تدخل في الأمر.
32 - جو: واد بعينه. ودين عمرو: طاعته وسلطانه. وأراد عمرو بن هند. وفدك: قرية. والقذع:
أقبح الشتم.(1/252)
33 - ليأتينّك مني منطق قذع ... باق كما دنّس القبطيّة الودك
6
وقال أيضا (1): [الوافر]
1 - تعلم أنّ شرّ النّاس حيّ ... ينادي في شعارهم يسار
2 - ولولا عسبه لرددتموه ... وشرّ منيحة عسب معار
3 - إذا جمحت نساؤكم إليه ... أشظّ كأنّه مسد مغار
4 - يبربر حين يعدو من بعيد ... إليها وهو قبقاب قطار
5 - كطفل ظلّ يهدج من بعيد ... ضئيل الجسم يعلوه انبهار
6 - إذا أبزت به يوما أهلّت ... كما تبزي الصّعائد والعشار (2)
33 - المعنى: لئن حللت بحيث لا أدركك، ليردنّ عليك هجوي، ولأدنّسنّ به عرضك كما يدنس الودك القبطية.
شرح القصيدة السادسة 1قال أبو حاتم: فلما أتت القصيدة الكافية الحارث بن ورقاء، لم يلتفت إليها فقال زهير يهجوه:
تعلم الخ. تعلم: اعلم. والشعار: العلامة التي ينادونه بها. ويسار: عبد لزهير أو راع.
2 - العسب: النكاح. والمنيحة: العارية، أي لولا حاجة نسائكم إليكم لرددتموه عليّ.
3 - جمحت: نظرت نظرا دائما أو مالت. وأشظ: أنعظ واشتد. والمسد: الحبل. والمغار: الشديد الفتل.
4 - يبربر: يصوّت. والقبقاب: من القبقبة، وهي مثل هدير الفحل. والقطار: القائم المنتصب.
5 - الهدجان: مقاربة الخطو في سرعة. والانبهار: علو النفس عند التعب من الإعياد.
6 - أبزت: الإبزاء أن يتأخر العجز فيخرج يقال: رجل أبزى، وامرأة بزواء. وأهلت: رفعت صوتها. والصعائد: جمع صعود، وهي التي تخرج في سبعة أشهر أو ثمانية فتعطف على ولدها الذي ولدت في العام الماضي فتدرّ عليه. والعشار: جمع عشراء، وهي التي أتى عليها مذ حملت عشرة أشهر، وربما بقي عليها الاسم بعد ذلك. وعليه تخريج البيت. شبّه النساء في حاجتهنّ إلى النكاح، وإبزائهنّ أعجازهنّ وإهلالهنّ عند ذلك، باحتياج الصعائد والعشائر إلى الفحل، ولذلك وصفه بالبربرة وهي صوت الفحل وهديره عند الضراب.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 5251، وهي في الديوان من 13بيتا.
(2) في الديوان خمسة أبيات لم ترد هنا، وهي بعد هذا البيت:
فلو كنتم بني الأحرار قيسا ... لأنعمتم كما فعل الخيار
على من لو أصابكم بخيل ... تغادر في منازلها المهار
لأنعم فيكم نعمى نجيب ... كريم الخال والده نزار(1/253)
7 - فأبلغ إن عرضت لهم رسولا ... بني الصّيداء إن نفع الجوار
8 - فإنّ الشّعر ليس له مردّ ... إذا ورد المياه به التّجار
7
وقال أيضا (1): [البسيط]
1 - أبلغ بني نوفل عنّي وقد بلغوا ... منّي الحفيظة لما جاءني الخبر
2 - القائلين يسارا لا تناظره ... غشّا لسيّدهم في الأمر إذا أمروا
3 - إنّ ابن ورقاء لا تخشى غوائله ... لكن وقائعه في الحرب تنتظر
4 - لولا ابن ورقاء والمجد التّليد له ... كانوا قليلا فما عزّوا ولا كثروا
5 - المجد في غيرهم لولا مآثره ... وصبره نفسه والحرب تستعر
6 - أولى لهم ثمّ أولى أن تصيبهم ... منّي بواقر لا تبقي ولا تذر
7 - وأن يعلّل ركبان المطيّ بهم ... بكلّ قافية شنعاء تشتهر
7 - الجوار: المجاورة. ويروى الحوار بالحاء، وهو المجاذبة.
8 - يريد أنه إذا هجاهم بشعر، وتناقله التجّار في مسيرهم ونزولهم على المياه لم يستطع ردّه بعد ذلك فليحذروه.
شرح القصيدة السابعة 1قال الأعلم: قال أبو حاتم: فلما بلغتهم الأبيات قال للحارث بن ورقاء اقتل يسارا، فأبى عليهم، وكساه وردّه، فقال زهير: يمدح الحارث ويذمّهم ولم يعرفها الأصمعي، وعرفها أبو عبيدة. وبنو نوفل: من أسد وهم رهط الحارث بن ورقاء. والحفيظة: الغضب.
2 - لا تناظره: لا تؤخره وهو نفي معناه النهي.
3 - المعنى: ليس ابن ورقاء ممّن يغتال ويغدر ولكنه ممّن يجاهر بالحرب، وتتوقع فيها وقائعه.
4 - التليد: القديم.
5 - المآثر: ما يؤثر ويتحدث به من الأفعال الكريمة. وتستعر: تشتد وتتقد.
6 - أولى لهم: كلمة تهديد ووعيد. ثم أولى أن تصيبهم: كادت تصيبهم. ومعناه: وليهم الشر.
والبواقر: المصائب والدواهي، ويروى نواقر، أي مقرطسات: مصيبات.
7 - وأن يعلل: يقول: تروى قصائد الهجوم فيهم، وتحدّى بها الإبل. والشنعاء: القبيحة المشهورة بالشر.
__________
وقد قلنا: خزيمة لن ينالوا ... حراما والحرام لهم شنار
أتعذل مالكا أن ينصرونا ... ونصرهم إذا هتك الستار
(1) القصيدة في الديوان ص 53.(1/254)
8
وقال أيضا يمدح الحارث (1): [البسيط]
1 - أبلغ لديك بني الصّيداء كلّهم ... أنّ يسارا أتانا غير مغلول
2 - ولا مهان ولكن عند ذي كرم ... وفي حبال وفيّ غير مجهول
3 - يعطي الجزيل ويسمو وهو متّئد ... بالخيل والقوم في الرّجراجة الجول
4 - وبالفوارس من ورقاء قد علموا ... فرسان صدق على جرد أبابيل
5 - في حومة الموت إذ ثابت حلائبهم ... لا مقرفين ولا عزل ولا ميل
6 - في ساطع من غيابات ومن رهج ... وعثير من دقاق التّرب منخول
7 - أصحاب زبد وأيّام لهم سلفت ... من حاربوا أعذبوا عنه بتنكيل
شرح القصيدة الثامنة 1قال أبو حاتم: لم يعرفها الأصمعي، وعرفها أبو عبيدة. مغلول: مقيد بالغل
2 - الحبال: العهود والذمم. ووفي: أي يفي بعهده وهو مشهور بذلك. وفي رواية ثعلب: «وفيّ العهد مأمول»، وروي بعد هذا البيت:
يأبى الحارث أن تخشى غوائله ... أب كريم وخال غير مجهول
3 - يسمو وهو متئد: أي يتثبت في أمره ولا يعجل. والرجراجة: الخيل الكثيرة التي يسمع لها رجّة وزعزعة. والجول: الكثيرة الجائلة في كل ناحية.
4 - فرسان صدق: يثبتون في الحرب. والجرد: الخيل القصير الشعر. والأبابيل المتفرقة تأتي من كل وجه، ليست لها واحد من لفظها وقيل مفردها إبول، قبل إبالة، «بكسر الهمزة وتشديد الياء فيهما».
5 - حومة الموت: معظمها وأصلها من حام يحوم. وثابت: رجعت. والحلائب: الجماعات من الخيل تجمع للسباق من كل أواب، والواحدة حلبة، وهي بمعنى حليبة. والمقرفون: اللثام الآباء. والعزل: الذين لا سلاح معهم. والميل: جمع أميل، وهو الذي لا سيف معه، أو الذي لا يثبت على الدابة. وفي ثعلب «ليسوا بكشف ولا عزل ولا ميل».
6 - الساطع: المرتفع المنتشر من الغبار. والغيابات: الغبرات. ويروى من ضبابات. والعثير والرهج: الغبار.
7 - أصحاب زبد: أي هم أهل عطاء وتفضل، من زبدته إذا أعطيته. وأعذبوا عنه: كفّوا عنه ورجعوا. وفي رواية أبي عمرو: أصحاب زيد، يريد زيد الخيل، وهو شاعر فارس مشهور، أسلم ووفد على النبي، فسمّاه زيد الخير.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 9493.(1/255)
8 - أو صالحوا فله أمن ومنتفذ ... وعقد أهل وفاء غير مخذول
9
وقال يمدح هرم بن سنان المرّيّ (1): [البسيط]
1 - قف بالدّيار الّتي لم يعفها القدم ... بلى وغيّرها الأرواح والدّيم
2 - لا الدّار غيرها بعدي الأنيس ولا ... بالدّار لو كلّمت ذا حاجة صمم
3 - دار لأسماء بالغمرين مائلة ... كالوحي ليس بها من أهلها أرم
4 - وقد أراها حديثا غير مقوية ... السّرّ منها فوادي الجفر فالهدم
5 - فلا لكان إلى وادي الغمار، ولا ... شرقيّ سلمى، ولا فيد، ولا رهم
6 - شطّت بهم قرقرى: برك بأيمنهم ... والعاليات، وعن أيسارهم خيم
8 - فله أمن ومنتفذ: أي متّسع يذهب حيث يشاء وينفذ. وغير مخذول: أي أنهم لا يتركون الوفاء ولا يخذلونه.
شرح القصيدة التاسعة 1لم يعفها: لم يدرسها ويمح آثارها تقادم عهدها. وبلى وغيّرها: المعنى: أن بعضها عفا، وبعضها لم يعف رسمه. وقال أبو عبيدة: أكذب نفسه؟ قال: لم يعتفها، ثم رجع فقال: بلى.
وقال العكبري: وقال أصحاب المعاني: قد يفعل الشاعر مثل هذا في التشبيب خاصة، ليدلّ به على ولهه وشغله عن تقويم خطابه وعلى هذا يحمل قول زهير. والأرواح: الرياح. والديم:
جمع ديمة. وهي المطر الضعيف الذي يدوم يوما أو يومين مع سكون.
2 - المعنى: لم ينزلها بعدي أنيس فيعيّروا ما يعرف منها، ولا بها صمم عن تحيتي ولكنها لم ترد جوابي
3 - مائلة: لاطئة بالأرض، وقد يكون معناها في غير هذا منتصبة. وكالوحي لم يبق منها إلا رسوم كالكتاب المسطور. وأرم: بمعنى واحد.
4 - غير مقوية: أي قد كنت أعهدها، وهذه المواضع لم تخل منها. والسر والجفر والهدم:
مواضع، ورفعها بمقوية.
5 - لكان وفيد ورهم: مواضع. وسلمى: جبل طيىء. يريد أن هذه المواضع كانت بها دار أسماء، ثم خلت. قيل: وهذا البيت من رواية أبي عمرو وحده.
6 - شطت بهم قرقرى: أي رحلوا إليها فبعدت بهم. وبرك بأيمنهم: أي جعلوه عن أيمانهم عند ظعنهم. والمعنى: على أيمنهم برك والعاليات، وعلى أيسارهم خيم، وهو موضع، وقيل:
جبل.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 118113.(1/256)
7 - عوم السّفين، فلمّا حال دونهم ... فند الفريّات فالعتكان فالكرم
8 - كأنّ عيني وقد سال السّليل بهم ... وعبرة ما هم لو أنّهم أمم!
9 - غرب على بكرة أو لؤلؤ قلق ... في السّلك خان به ربّاته النّظم
10 - عهدي بهم يوم باب القريتين ... زال الهماليج بالفرسان واللّجم
11 - فاستبدلت بعدنا دارا يمانيّة ... ترعى الخريف فأدنى دارها ظلم
12 - إنّ البخيل ملوم حيث كان ول ... كن الجواد على علّاته هرم
13 - هو الجواد الّذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا فيظلم
14 - وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم
7 - شبّه الإبل وما عليها من الهوادج والمتاع بالسفن المحمّلة. والفند: رأس الجبل. والقريات والعتكان والكرم: مواضع. يقول: أتبعتهم طرفي حزنا لفراقهم فلما اعترضت هذه المواضع دونهم غابوا عن عيني. أو هي بمعنى التمنّي.
8 - السليل: واد بعينه، وقد ساروا فيه سيرا سريعا. وعبرة ما هم: أي هم سبب بكائي، وما زائدة.
ولو أنهم أمم: أي لو كانوا قصدا لزرتهم، ولكن بعدوا والأمم بين القريب والبعيد، وجواب لو محذوف، أو هي للتمنّي.
9 - الغرب: دلو عظيمة يستقى بها على بكرة، دموعه بما يسيل من الغرب. وقوله: أو لؤلؤ قلق:
هو الذي لا يستقر إذا انقطع خيطه. والسلك: خيط النظام. والنظم: جمع نظام. وهو الخيط.
شبّه دموعه في تناثرها وانحدارها بعقد وهي خيطه فتبدد. وفلقت حبّاته وانحدرت وبماء سال من الغرب في كثرته.
10 - الهماليج: هنا الخيل. وزال: مال وعدل. وباب القريتين: هو موضع في طريق مكة، وفيه ذات أبواب، وهي قرية كانت لطسم وجديس.
11 - دار يمانية: في ناحية اليمن، وكل ما ولي اليمن فهو يمان. وظلم موضع. وترعى الخريف:
أي ينبت عن مطر الخريف.
12 - على علاته: أي على ما ينوبه من قلة ذات يد وعوز. وهرم: هو ابن سنان المري.
13 - عفوا: سهلا بلا مطل ولا تعب. ويظلم أحيانا: أي يطلب منه في غير وقت الطلب وموضعه، فيحتمله لكرمه وجوده، وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ويظلم يحتمل الظلم، ويروى: يطلم، بالطاء مدغمة وهو جائز في مثله يبدل أحد الحرفين مثل الآخر ثم يدغمان.
14 - الخليل: الفقير ذو الخلّة من اختل الرجل إذا افتقر أي لا يعتذر بغيبة المال ولا يحرم سائله والحرم بكسر الراء وفتحها: الأول صفة والثاني مصدر وقيل هو الحرام أي ليس بحرام أن يعطى منه.
15 - القائد الخيل منكوبا دوابرها ... منها الشّنون ومنها الزّاهق الزّهم
16 - قد عوليت فهي مرفوع جواشنها ... على قوائم عوج لحمها زيم
17 - تنبذ أفلاءها في كلّ منزلة ... تنتخ أعينها العقبان والرّخم
18 - فهي تتلّع (1) بالأعناق يتبعها ... خلج الأجرّة في أشداقها ضجم
19 - تخطو على ربذات غير فائرة ... تحذى وتعقد في أرساغها الخدم
20 - قد أبدأت قطفا في المشي منشزة ال ... أكتاف تنكبها الحزّان والأكم
21 - يهوي بها ماجد سمح خلائقه ... حتّى إذا ما أناخ القوم فاحتزموا
15 - منكوبا دوابرها: أي أكلت حوافرها في السير ودوابر الحوافر: مآخيرها. والشنون: من الخيل بين السمين والمهزول. والزاهق: السمين، وقيل: الزاهق: اليابس المخ مثل القصيد. وإذا سمنت الدابة اشتدّ مخّها وإذا هزلت رقّ وخفّ. والزهم: الكثير الشحم، وهو أسمن من الزاهق.(1/257)
15 - القائد الخيل منكوبا دوابرها ... منها الشّنون ومنها الزّاهق الزّهم
16 - قد عوليت فهي مرفوع جواشنها ... على قوائم عوج لحمها زيم
17 - تنبذ أفلاءها في كلّ منزلة ... تنتخ أعينها العقبان والرّخم
18 - فهي تتلّع (1) بالأعناق يتبعها ... خلج الأجرّة في أشداقها ضجم
19 - تخطو على ربذات غير فائرة ... تحذى وتعقد في أرساغها الخدم
20 - قد أبدأت قطفا في المشي منشزة ال ... أكتاف تنكبها الحزّان والأكم
21 - يهوي بها ماجد سمح خلائقه ... حتّى إذا ما أناخ القوم فاحتزموا
15 - منكوبا دوابرها: أي أكلت حوافرها في السير ودوابر الحوافر: مآخيرها. والشنون: من الخيل بين السمين والمهزول. والزاهق: السمين، وقيل: الزاهق: اليابس المخ مثل القصيد. وإذا سمنت الدابة اشتدّ مخّها وإذا هزلت رقّ وخفّ. والزهم: الكثير الشحم، وهو أسمن من الزاهق.
16 - عوليت: خلقت مرتفعة طوالا. والجواشن: الصدور على قوائم عوج ذلك أسرع لها وهو من خلقة الجياد. وزيم: متفرق عن رؤوس العظام ويستحب أن تكون المفاصل من القوائم ظماء قليلة اللحم.
17 - المعنى: تلقى أولادها من الجهد، ودؤوب السير، فتقع عليها العقبان والرخم فتنتخ أعينها، أي تنزعها.
18 - تتلع بالأعناق: تمدّ أعناقها لأنها مجنوبة خلف الإبل، فإذا استعجلتها الإبل مدّت أعناقها ويتبعها خلج الأجرة أي إذا أبطأت خلف الإبل جذبتها الأرسان وحملتها على السير الشديد فاتبعتها، ومدت أعناقها، وأمالت أشداقها. والخلج: الجذب، والأجرة: حبال من جلد، واحدها جرير. والضجم: الميل.
19 - ربذات: أي قوائم سريعة الرفع والوضع. والفائرة: المنتشرة، من فار العرق إذا انتفخ وورم.
والخذم: السيور التي تشدّ بها نعال الإبل. وتحذى: تنعل، أي أنها تدأب في السير حتى تحفى فتنعل.
20 - أبدأت: سارت في أول ما خرجت. وقطفا جمع قطوف وهو الذي ينفض يديه في سيره، ويقارب خطوه. والمنشزة: المرتفعة الشاخصة. والحزان: جمع حزين: وهو المرتفع من الأرض والأكم المرتفع.
21 - المعنى: يسير بها هذا الرجل السمح سيرا شديدا حتى يبلغ أرض العدو، فينيخ القوم إبلهم، ثم يحتزمون للقتال ويستعدون.
__________
(1) في الديوان: «فهي تبلّغ» بدل «فهي تتلع».(1/258)
22 - صدّت صدودا عن الأشوال واشترفت ... قبلا تقلقل في أعناقها الجذم
23 - كانوا فريقين يصغون الزّجاج على ... قعس الكواهل في أكتافها شمم
24 - وآخرين ترى الماذيّ عدّتهم ... من نسج داود أو ما أورثت إرم
25 - هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا ... لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا
26 - ينظر فرسانهم أمر الرّئيس وقد ... شدّ السّروج على أثباجها الحزم
27 - يمرونها ساعة مريا بأسوقهم ... حتّى إذا ما بدا للغارة النّعم
28 - شدّوا جميعا وكانت كلّها نهزا ... تحشك درّتها الأرسان والجذم
29 - ينزعن إمّة أقوام لذي كرم ... بحر يفيض على العافين إذ عدموا
30 - حتّى تآوى إلى لا فاحش برم ... ولا شحيح إذا أصحابه غنموا
31 - يقسم ثمّ يسوّي القسم بينهم ... معتدل الحكم لا هار ولا هشم
32 - فضّله فرق أقوام ومجّده ... ما لم ينالوا وإن جادوا وإن كرموا
22 - المعنى: لما أناخوا عرضوها على الماء فصدت. والأشوال: بقايا الماء في القرب والأسقية.
والجذم: قطع من جلود كالسياط. يريد أن في أعناقها قلائد من سيور، فإذا حركت أعناقها تقلقلت القلائد فيها. ويروى: الحكم وهي الأرسان وأحدها حكمة.
23 - يصغون: يميلون. والزجاج هنا: الأسنّة. وقعس الكواهل: أي أن كواهلها مشرقة كأن بها حدبا.
24 - الماذي: الدروع السهلة اللينة الصافية. والنسج ههنا: العمل والسرد. وإرم: أمة قديمة كانت تسكن مدينة من أعظم مدن اليمن.
25 - حبيك البيض: طرائقه، الواحدة حبيكة. واستلحموا: أدركوا. وحموا: اشتد غضبهم.
26 - ينظر: ينتظر. والأثباج: الأوساط. والحزم: جمع حزام، أي أنهم تأهّبوا وأسرجوا خيلهم.
27 - يمرونها: يحرّكونها ويستخرجون جريها، وأصل المري، المسح على الضرع لتدرّ الناقة.
والنعم: الإبل.
28 - النهز: جمع نهزة، أي الشيء الذي يؤخذ. وتحشك دراتها: تستخرجها وتستوفيها. والدرات:
دفعات الجري. والأرسان: هنا قطع من جلود يضرب بها. والجذم: السياط.
29 - الأمة: النعمة والحالة الحسنة. والعافي: الذي يأتيك يطلب ما عندك.
30 - تآوى: ترجع النّعم والغنائم، وتأوي إلى الممدوح. والبرم: الذي لا يدخل في الميسر لبخله.
31 - الهاري: الهائر الضعيف. والهشيم: السريع الانكسار، أي ليس هو بضعيف البنية والرأي.
32 - يروى ما لن ينالوا، أي ما لن ينالوا من فضله وفعله وإن كانوا جيادا كراما.(1/259)
33 - قود الجياد وإصهار الملوك وصبر ... في مواطن لو كانوا بها سئموا
34 - ينزع إمّة أقوام ذوي حسب ... ممّا ييسّر أحيانا له الطّعم
35 - ومن ضريبته التّقوى ويعصمه ... من سيّىء العثرات الله والرّحم
36 - مورّث المجد لا يغتال همّته ... عن الرّياسة لا عجز ولا سأم
37 - كالهندوانيّ لا يخزيك مشهده ... وسط السّيوف إذا ما تضرب البهم
10
وقال زهير أيضا يمدح هرما (1): [الكامل أحذّ مضمر]
1 - لمن الدّيار بقنّة الحجر ... أقوين من حجج ومن شهر؟
2 - لعب الزّمان بها وغيّرها ... بعدي سوافي المور والقطر
3 - قفرا بمندفع النّحائت من ... ضفوى أولات الضّال والسّدر
4 - دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير البداة وسيّد الحضر
33 - المعنى: على وصفه بقود الخيل والرياسة ومصاهرة الملوك والصبر في مواطن الحرب وغيرها مما يسأم فيه غيره.
34 - إمّة أقوام: أي نعمتهم. والطعم: الغنائم.
35 - ضريبته: خلقته.
36 - يغتال: يقطع ويهلك. والسأم: الملل.
37 - الهندواني: السيف الماضي القاطع، نسبة إلى الهند. والبهم: جمع بهمة، وهو البطل الشجاع الذي لا يدري من أين يؤتى.
شرح القصيدة العاشرة 1القنة: أعلى الجبل، أو هي الجبل الذي ليس بمنتشر، كذا فسّره في الأغاني. والحجر: موضع بعينه، وهو حجر اليمامة. وأقوين: خلون. ومن شهر: يروى من دهر، ومن بمعنى منذ، سأل عنها لتغيّرها بعده عن الحال التي عهدها عليها.
2 - السوافي: الرياح الشديدة تسفي التراب وتطيّره. والمور: التراب، ويروى الريح كما في الأغاني. والقطر: المطر، وجرّ عطفا على ما يجاوره قال أبو الفرج في الأغاني: والقطر لا سوافي له، وهذا تفعله العرب في المجاورة وهو مثل قولهم: «جحر ضب خرب».
3 - النحائت: آبار معروفة. وضفوى: موضع. والنحائت وضفوى: من بلاد غطفان.
4 - دع ذا: أي دع ما أنت فيه من وصف الديار وعد إلى القول في مدح هرم خير أهل البدو وأهل الحضر.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 5654، وهي في الديوان من 25بيتا.(1/260)
5 - تالله قد علمت سراة بني ... ذبيان عام الحبس والأصر
6 - أن نعم معترك الجياع إذا ... خبّ السّفير وسابيّ الخمر
7 - ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ في الذّعر (1)
8 - حامي الذّمار على محافظة ال ... جلى أمين مغيّب الصّدر
9 - حدبّ على المولى الضّريك إذا ... نابت عليه نوائب الدّهر (2)
10 - ومرهّق النّيران يحمد في ال ... لأواء غير معلن القدر
11 - ويقيك ما وفّى الأكارم من ... حوب تسبّ به ومن غدر
12 - وإذا برزت به برزت إلى ... صافي الخليقة طيّب الخبر
13 - متصرّف للمجد معترف ... للنّائبات يراح للذّكر
5 - السراة: جمع سرى. والحبس والأصر والأزل واحد، وهو أن يحدق العدو بالقوم فيحبسوا أموالهم ولا يخرجوها، خشية الإغارة عليها. والأصر: الضيق وسوء الحال.
6 - معترك الجياع: موضع اجتماعهم ومزدحمهم. والسفير: ورق الشجر تسفره الريح وتطيره.
وسابيء الخمر: مشتريها، أي هو نعم الكريم عند اشتداد الزمان.
7 - المعنى: نعم لابس الدرع أنت إذا اشتدت الحرب وتزاحمت الأقران، فتداعوا بالنزول عن الخيل، والتقارع بالسيوف. ولجّ في الذعر: أي تتابع الناس في الفزع، وتمادوا فيه.
8 - حامي الذمار: أي يحمي ما يجب عليه أن يحميه من حرمه. والجلى: النائبة الشديدة.
9 - الحدب: المتعطف المشفق. والمولى: ابن العم. والضريك: الضرير من فقر وغيره.
10 - مرهق النيران: تغشى ناره. واللأواء: الجهد وشدة الزمان. وغيره ملعن القدر: أي لا يؤكل ما فيها دون الضيف والجار واليتيم والمسكين، فهو محمود القدر لا مذمومها.
11 - المعنى: ليس بفاحش ولا غادر فهو يقيك السب والغدر وكل ما لا يليق بالأكارم. والحوب:
الإثم.
12 - برزت به: أي برزت إليه، وصرت إليه أي تصير إلى رجل واسع الخلق حسن المخبر.
13 - متصرف أي يتصرف في كل باب من الخير لاكتساب المجد. والمعترف للصابر. ويراح:
يهش ويطرب.
__________
(1) في الديوان بيتان لم يردا هنا، وهما بعد هذا البيت:
ولنعم مأوى القوم قد علموا ... إن عضّهم جلّ من الأمر
ولنعم كافي من كفيت ومن ... تحمل له يحمل على ظهر
(2) في الديوان بيتان لم يردا هنا، وهما بعد هذا البيت:
عظمت دسيعته وفضّله ... جزّ النواصي من بني بدر
أيام ذبيان مراغمة ... في حربها ودماؤها تجري(1/261)
14 - جلد يحثّ على الجميع إذا ... كره الظنون جوامع الأمر
15 - فلأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثمّ لا يفري
16 - ولأنت أشجع حين تتّجه ال ... أبطال من ليث أبي أجر
17 - ورد عراض السّاعدين حدي ... د النّاب بين ضراغم غثر
18 - يصطاد أحدان الرّجال فما ... تنفكّ أجريه على ذحر
19 - والسّتر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر
20 - أثني عليك بما علمت وما ... سلفت في النّجدات والذّكر
21 - لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنوّر ليلة البدر
11
وقال أيضا (1): [الوافر]
1 - عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء
2 - فذو هاش فميث عريينات ... عفتها الرّيح بعدك والسماء
14 - جلد يحثّ على الجميع: أي قوي العزم، مجتهد فيما يلم شمل العشيرة. والظنون الذي لا يوثق بما عنده، لما علم من قلّة خيره. وجوامع الأمر: ما يجمع الناس من شأنهم.
15 - الخالق هنا: الذي يقدر الجلد، ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه. والفري: القطع.
16 - تتجه الأبطال: يواجه بعضهم بعضا في الحرب. والأجري: جمع جرو وهو ولد الأسد.
17 - ورد: تعلو لونه حمرة. والعراض: العريض الواسع. والضراغم: جمع ضرغامة وضرغام.
والغثر: العبر.
18 - أحدان: جمع واحد. والذخر: ما يذخر لبعد اليوم.
19 - أي بينه وبين الفاحشات ستر من الحياء وتقى الله، ولا ستر بينه وبين الخير.
20 - ما سلفت: ما قدمت. والنجدات: جمع نجدة، وهي الشدة والبأس.
21 - قال الأعلم: روى غير الأصمعي آخر القصيدة: لو كنت البيت.
شرح القصيدة الحادية عشرة 1عفا: درس. والجواء ويمن والقوادم والحساء: مواضع ببلاد غطفان.
2 - ذو هاش وعريينات: موضعان. والميث: جمع ميثاء وهي مسيل واسع يحمل الماء إلى الوادي يكون في سعة نصف الوادي أو ثلثيه. وعفتها: غيرتها ودرستها.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 2113. وهي في الديوان من 66بيتا.(1/262)
3 - فذروة فالجناب كأنّ خنس النّ ... عاج الطّاويات بها الملاء
4 - يشمن بروقه ويرشّ أري ال ... جنوب على حواجبها العماء
5 - فلمّا أن تحمّل آل ليلى ... جرت بيني وبينهم ظباء
6 - جرت سنحا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى البقاء؟
7 - تحمّل أهلها منها فبانوا ... على آثر من ذهب العفاء
8 - كأنّ أوابد الثيران فيها ... هجائن في مغابنها الطّلاء
9 - لقد طالبتها ولكلّ شيء ... وإن طالت لجاجته انتهاء
10 - تنازعها المها شبها ودرّ النّ ... حور وشاكهت فيها الظّباء
11 - فأمّا ما فويق العقد منها ... فمن أدماء مرتعها الخلاء
12 - وأمّا المقلتان فمن مهاة ... وللدّرّ الملاحة والصّفاء
13 - فصرّم حبلها إذ صرّمته ... وعادى أن تلاقيها العداء
3 - ذروة والجناب: موضعان. والنعاج: إناث البقر. والخنس: جمع خنساء وهي قصيرة الأنف، وبذلك توصف البقر. الطاويات: الضامرات البطون. والملاء: أردية الحرير، شبّه البقر بها لبياضها.
4 - يشمن: ينظرون بروق هذا الموضع. يريد أنهن في خصب، وأري الجنوب: عسلها، يعني:
المطر الذي هيّجته الجنوب. والعماء: السحاب. وأرش: جاء بالرش.
5 - المعنى: لما ارتحل آل ليلى سنحت لي ظباء فتشاءمت بها.
6 - السنح: جمع سانح، وهو ما ولى الرامي ميامنه، فلم يمكنه رميه. وأجيزي: جاوزي واقطعي.
والمشمولة: السريعة الانكشاف.
7 - المعنى: من ذهب لم آس عليه، ولم أشفق لذهابه. دعا عليها ضجرا بما يقاسي من الشوق.
8 - الأوابد: جمع آبد وهو النافر المتوحش. والهجائن: جمع هجان وهو الناقة البيضاء.
والمغابن: جمع مغبن وهو باطن أصل الفخذ والمرفق. والطلاء: القطران. شبّه بقر الوحش في بياضها واسوداد مغابنها، بهجان الإبل المطلية المغابن بالقطران.
9 - أي لكل شيء غاية ينتهي إليها، وإن طالت لجاجة الإنسان في ذلك الشيء ضرب هذا مثلا لطول مطالبته وتتبعه هذه المرأة، ورجوع نفسه عنها.
10 - المها: بقر الوحش. وشاكهت: شابهت أي لها حسن عيون البقر وصفاء الدر وعنق الظبي.
11 - الأدماء: الظبية البيضاء. والخلاء: الموضع الخالي.
12 - المعنى: هي تشبه المهاة في جمال عينيها وتشبه الدر في الملاحة وصفاء البشرة.
13 - صرّم حبلها: اقطع سبب العشق، لأنها صرمته بمفارقتها لك. وعادى: أي منع وصرف من لقائها أمر شاغل. والعداء: هنا المنع، وفي غير هذا الموضع الظلم والجور.(1/263)
14 - بآرزة الفقارة لم يخنها ... قطاف في الرّكاب ولا خلاء
15 - كأن الرّحل منها فوق صعل ... من الظّلمان جؤجؤه هواء
16 - أصك مصلم الأذنين أجني ... له بالسّيّ تنّوم وآء
17 - أذلكّ أم شتيم الوجه جأب ... عليه من عقيقته عفاء (1)
18 - تربّع صارة حتى إذا ما ... فنى الدّحلان عنه والإضاء
19 - ترفّع للقنان وكلّ فجّ ... طباه الرّعي منه والخلاء
20 - فأوردها حياض صنيبعات ... فألفاهنّ ليس بهنّ ماء
21 - فشجّ بها الأماعز فهي تهوي ... هويّ الدّلو أسلمها الرّشاء
14 - آرزة الفقارة: التي دنت فقارها بعضها من بعض. والقطاف: مقاربة الخطو وضيقه. والخلاء للناقة: مثل الحران للفرس، وهو وقوفها عن السير عند استدرار السير ولا يكون إلا في الإناث خاصة. والركاب: الإبل. والواحدة: راحلة، من غير لفظها. ولم يخنها: أي لم ينقصها، ولم يقصر بها.
15 - الصعل: الصغير الرأس. والظلمان: جميع ظليم، وهو ذكر النعام. وجؤجؤ: صدر. وهواء:
فارغ شبّه الناقة في سرعتها بالظليم فكأن رحلها فوقه، والظليم أبدا كأنه مجنون أي كأن بناقته هوجا لشدة نشاطها.
16 - الأصك: المتقارب العرقوبين، وكذلك الظليم إذا مشى، وإذا عدا فليس كذلك. والمصلم:
المقطوع الأذنين من أصولهما. والتنوم والآء: نبتان. والسيء: اسم أرض. وأجنى: أدرك وحان أن يجنى.
17 - الشتيم: الكريه الوجه. والجأب: الغليظ. والعقيقة: شعر الحمار الذي ولد به. والعفاء: الشعر والوبر المعنى: أذلك الظليم تشبه ناقتي أم عير شتيم الوجه؟
18 - تربع: أقام في الربيع. وصارة: موضع. وفنى: لغة طيىء في فنى. والدحلان: جمع دحل، وهي البئر الجيدة الموضع من الكلأ. والإضاء: الغدران. الواحدة: أضاة.
19 - ترفع للقنان: أي لما جاء القيظ فجفّت الغدران ارتفع إلى القنان، وهو جبل لبني أسد. والفج:
الطريق. وطباه: استماله. والرعي: من الكلأ. والخلاء: خلو المكان من الناس.
20 - فأوردها: أي أورد الحمار الأتان. وصنيبعات: اسم الأرض. والحياض: مناقع الماء.
21 - شجّ الأرض: ركبها وعلاها. وتهوي: تسرع. والأماعز: حزون الأرض الكثيرة الحصى.
والرشاء: الحبل. شبّه الأتان في سرعة انقضاضها في عدوها بالدلو إذا انتزعت ملأى فانقطع حبلها.
__________
(1) في الديوان بيت لم يرد هنا، وهو بعد هذا البيت:
أقبّ كصدر أسمر ذي لعوب ... له من كل ملمعة إباء(1/264)
22 - فليس لحاقه كلحاق إلف ... ولا كنجائها منه نجاء
23 - وإن مالا لوعث خازمته ... بألواح مفاصلها ظماء
24 - يخرّ نبيذها عن حاجبيه ... فليس لوجهه منه غطاء
25 - يغرّد بين خرم مفضيات ... صواف لم يكدّرها الدّلاء
26 - يفضّله إذا اجتهدا عليه ... تمام السّنّ منه والذّكاء
27 - كأنّ سحيله في كلّ فجر ... على أحساء يمئود دعاء
28 - فآض كأنّه رجل سليب ... على علياء ليس له رداء
29 - كأنّ بريقه برقان سحل ... جلا عن متنه حرض وماء
30 - فليس بغافل عنها مضيع ... رعيّته إذا غفل الرّعاء
31 - وقد أغدو على ثبة كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء
22 - الألف: الصاحب. والنجاء: السرعة، أي ليس شيء يلحق بغيره في السرعة، كما يلحق هذا الحمار بأتانه.
23 - الوعث من الرمل: ما غابت فيه الأرساغ. وخازمته: عارضته بعدوها. والألواح: عظامها.
وظماء: صلاب قليلة اللحم لا رهل فيها.
24 - يخرّ: يسقط. ونبيذها: ما تنبذ بحوافرها من الغبار، يريد أنه لاصق بالأتان، فهي تثير الغبار في وجهه، فيلصق بحاجبيه ثم يتساقط عنهما.
25 - الخرم: غدران قد انخرم بعضها إلى بعض فسال هذا في هذا. والمفضيات: التي أفضى بعضها إلى بعض. صواف: جمع صاف، وهو الذي لم يكدر.
26 - يفضله: أي الحمار على الأتان، إذا اجتهدا في سيرهما على الوعث، أنه أتمّ سنا منها.
والذكاء: حدة القلب.
27 - السحيل: صوت الحمار وبه سمي مسحلا. ويمئود: موضع. والإحساء: حسي وهو موضع يكون فيه الماء تحت الرمل.
28 - آض: رجع. المعنى: أنه صار كأنه رجل عريان، واقف على شرف من الأرض لا رداء عليه.
29 - السحل: ثوب يماني أبيض. والحرض: الأشنان.
30 - المعنى: ليس الحمار بغافل عن أتنه مضيّع لها. ورعيته: أتنه لأنه يرعاها ويصرفها على حكمه.
31 - الثبة: الجماعة من الناس. والنشاوى: السكارى. واجدين: قادرين على ما نشاء من طعام وشراب وعناء وطيب.(1/265)
32 - لهم راح وراووق ومسك ... تعلّ به جلودهم وماء (1)
33 - يجرّون البرود قد تمشّت ... حميّا الكأس فيهم والغناء
34 - تمشّى بين قتلى قد أصيبت ... نفوسهم ولم تغرق دماء
35 - وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
36 - فإن قالوا: النّساء مخبّئات ... فحقّ لكلّ محصنة هداء
37 - وإمّا أن يقول بنو مصاد ... إليكم إنّنا قوم براء
38 - وإمّا أن يقولوا قد وفينا ... بذمّتنا فعادتنا الوفاء
39 - وإمّا أن يقولوا قد أبينا ... فشرّ مواطن الحسب الإباء
40 - وإنّ الحقّ مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو حلاء
41 - فذلكم مقاطع كلّ حقّ ... ثلاث كلّهنّ شفاء
32 - الراح: الخمر. والراووق: مصفاة الخمر أو الكأس. وتعل وتطيب مرة بعد أخرى.
33 - البرود: ثياب موشية. وحميا الكأس: سورتها.
34 - تمشى: تدار الخمر، يريد أن الخمر صرعتهم ولم ترق دماؤهم.
35 - القوم: الرجال دون النساء، أي ما أدري أرجال آل حصن أم نساء؟ وسوف أبحث عن حقيقتهم.
36 - فإن قالوا: نحن النساء المخبآت، فينبغي أن يزوّجن إذن، ويهدين إلى أزواجهن. الهداء: زفاف العروس، ونصب مخبآت على الحال.
37 - بنو مصاد: من بني حصن. وإليكم: تنحوا. وبراء: جمع برىء، أي نحن براء مما وسمتمونا به من الغدر.
38 - المعنى: إما أن يكونوا نساء وإما أن يقولوا: نحن براء مما قرفتمونا به وإما أن يقولوا: نفي مما عندنا، لأن شيمتنا الوفاء بالعهد.
39 - أبينا: أي أن نخلي الأسرى الذين في أيدينا، أي شرّ الحسب أن يسأل الرجل صاحبه خيرا أو حقّا فيأبى أن يفعله.
40 - يزيد ثلاث خصال ينفد بكل منها الحق: فمنها نفار، تنافر إلى رجل يتبين حجج الخصوم، ويحكم بينهم، ومنها أيمين ومنها جلاء، وهو أن ينكشف الأمر وينجلي وتعلم حقيقته ببيّنة ودليل فيقضي به لصاحبه، دون خصام ولا يمين.
41 - المعنى: تلك الأمور الثلاثة هي التي تفصل في المشكلات، ويتبين بها الحق وينقطع اللجاج.
__________
(1) في الديوان بيت لم يرد هنا، وهو بعد هذا البيت:
وأفراس تجاوب ملجمات ... يصبّ على جحافلها الطّلاء(1/266)
42 - فلا مستكرهون لما منعتم ... ولا تعطون إلّا أن تشاؤوا
43 - جوار شاهد عدل عليكم ... وسيّان الكفالة والتّلاء
44 - بأيّ الجيرتين أجرتموه ... فلم يصلح لكم إلّا الأداء (1)
45 - وجار شار معتمدا إليكم ... أجاءته المخافة والرّجاء
46 - فجاور مكرما حتى إذا ما ... دعاه الصّيف وانقطع الشتاء
47 - ضمنتم ماله وغدا جميعا ... عليكم نقصه وله النّماء
48 - ولولا أن ينال أنا طريف ... إسار من مليك أو لحاء
49 - لقد زارت بيوت بني عليم ... من الكلمات آنية ملاء
50 - فتجمع أيمن منّا ومنكم ... بقسمة تمور بها الدّماء
42 - يريد: لا أنتم مستكرهون على ما منعتم من الوفاء بالجوار، وتأدية مال هذا الرجل، إنما تعطون عن طيب نفس.
43 - أي كان هذا الرجل جاركم وذلك مشهور، وهو شاهد عليكم أنكم أصحابه والكفالة: أي يتكفل بالحق. والتلاء: الحوالة. أي من كفل لك كفالة ومن جعل لك حوالة من ذمة، فقد أوجب لك حقّا بهذين.
44 - المعنى: الكفالة جوار. والتلاء جوار، فأيّ هذين كان فلا يصلح لكم إلا الأداء بذمته، والوفاء به.
45 - أجاءته: صيّره إليكم خوفه من غيركم، ورجاؤه لكم.
46 - المعنى: جاور فيكم مكرما مدة إقامته زمن الشتاء، ورحل عنكم. وكانوا يتحوّلون في الشتاء لشدة الزمان، وعدم الخصب، وكثرة إغارة بعضهم على بعض فإذا أقبل السيف رجع كل جار إلى أهله ومحضره.
47 - أي ضمنتم مال جاركم، فغدا وافرا مجتمعا له زيادته، وعليكم تمام ما نقص منه.
48 - أبو طريف: هو المأسور. واللحاء: الملاحاة واللوم. والإسار: سوء الأسر وشدته.
49 - بنو عليم: من كلب، وهم عليم بن جناب. المعنى: لولا خوفي على ذلك الرجل أن تهينوه، لملأت بيوتكم هجوا.
50 - أيمن: جمع يمين. والمقسمة: موضع القسم، وأراد بها مكة، حيث تنحر البدن. فتمور بها الدماء: أي تسيل.
__________
(1) في الديوان بيت لم يرد هنا، وهو بعد هذا البيت:
فإنكم وقوما أخفروكم ... لكالديباج مال به العباء(1/267)
51 - سيأتي آل حصن حيث كانوا ... من المثلات باقية ثناء
52 - فلم أر معشرا أسروا هديّا ... ولم أر جار بيت يستباء
53 - وجار البيت والرّجل المنادي ... أمام الحيّ عقدهما سواء
54 - أبى الشّهداء عندك من معدّ ... فليس لما تدبّ له خفاء
55 - تلجلج مضغة فيها أنيض ... أصلّت فهي تحت الكشح داء
56 - غصصت بنيئها فبشمت منها ... وعندك لو أردت لها دواء
57 - وإني لو لقيتك فاجتمعنا ... لكان لكلّ مندية لقاء
58 - فأبرىء موضحات الرّأس منه ... وقد يشفى من الجرب الهناء
59 - فمهلا آل عبد الله عدّوا ... مخازي لا يدبّ لها الضّراء
60 - أرونا سنّة لا عيب فيها ... يسوّي بيننا فيها السّواء
51 - المثلات: جمع مثلة، وهي أن يمثّل بالإنسان أي يسبّ وينكّل به. وباقية: تبقى على الدهر.
وثناء: تثني وتردد.
52 - الهدي: الرجل ذو الحرمة، وهو المستجير بالقوم ما لم يأخذ عهدا، فإذا أخذه فهو جار.
ويستباء: تؤخذ امرأته.
53 - المنادي: المجالس في الندي يقول من جاور قوما ومن جالسهم فحقهما سواء.
54 - المعنى: أبى الذين حولك من معدّ ممّن شهد الأمر أن يشهدوا بالحق، فليس لما تريد إخفاءه خفاء.
55 - تلجلج: تردد. والمضغة: البضعة من اللحم بقدر ما يمضغ والأنيض الذي لم ينضج. وأصلت:
أنبتت. والكشح: الجنب، أي أخذت هذا المال، فلا أنت تذهبه ولا تردّه كما يلجلج الرجل المضغة فإن حبسته فقد انطويت على داء كما انطوى آكل المضغة المصلة التي لم تنضج على داء.
56 - المعنى: إن رددت هذا المال حميت عرضك ووقيت شرّ الهجاء والذم.
57 - المندية: الداهية التي تندّي صاحبها عرقا لشدتها. ولقاء: أي شيء تتلقى به حتى يصلح الله أمرها. ويروى لكان لكل منكرة كفاء: ومعناه لكان لكل أمر منكر مكافأة شرّ بشرّ.
58 - أبرىء: أشفي. والموضحات: الشجاج التي تكشف عن وضح العظم وبياضه. والهناء:
القطران، أي أبرىء ما في نفسك من منع الحق والالتواء كما يبرىء الهناء الجرب.
59 - عدّوا مخازي: اصرفوا عن أنفسكم هذه المخازي التي تنالكم بغدركم ولا يدبّ لها الضراء: أي لا تخفى. والضراء: ما تواريت به من شجر خاصة يقال لمن يخفي أمره: دبّ الضراء أي استتر بأمره كما يستتر بالضراء من دبّ فيه.
60 - المعنى: جيئونا بسنّه ليس فيها عيب حتى نبرأ أو تبرأوا. والسواء: العدل.(1/268)
61 - فإن تدعوا السّواء فليس بيني ... وبينكم بني حصن بقاء
62 - ويبقى بيننا قذع وتلفوا ... إذن قوما بأنفسهم أساؤوا
63 - وتوقد ناركم شررا ويرفع ... لكم في كلّ مجمعة لواء
12
وقال زهير أيضا يمدح هرما (1): [الوافر]
1 - لمن طلل برامة لا يريم ... عفا وخلا له حقب قديم
2 - تحمّل أهله منه فبانوا ... وفي عرصاته منهم رسوم
3 - يلحن كأنهنّ يدا فتاة ... ترجّع في معاصمها الوشوم
4 - عفا من آل ليلى بطن ساق ... فأكثبة العجالز فالقصيم
5 - تطالعنا خيالات لسلمى ... كما يتطلّع الدّين الغريم
6 - لعمر أبيك ما هرم بن سلمى ... بملحيّ إذا اللّؤماء ليموا
61 - المعنى: أن تتركوا العدل فلا بقاء بيني وبينكم، أي لا يبقى بعضها على بعض.
62 - القذع: القبيح من القول، أي تسوؤوا أنفسكم بتعريضها للهجاء والشتم.
63 - توقد ناركم شررا: أي يظهر أمركم في الناس. ضرب الشرّ مثلا لما ينشر عنهم، ويشهر من أمرهم.
شرح القصيدة الثانية عشرة 1رامة: موضع. ولا يريم: لا يبرح، أي هو ثابت على قدم الدهر. والحقب: بضمتين، الدهر، وجمعه أحقاب، ويروى: حقب، بكسر الحاء وفتح القاف جمع حقبة.
2 - تحمّلوا: ارتحلوا. وباتوا: بعدوا. والعرصة: ما ليس فيه بناء من الدار وهي وسط الدار.
والرسوم: الآثار.
3 - يلحن: يظهرن. والوشوم: نقوش في ظاهر الكف أو المعصم تحشى نثورا. وترجّع: تردد مرة بعد مرة.
4 - بطن ساق: موضع. والأكثبة: جمع كثيب، وهو رمل يجتمع كأنه الدكان. والعجالز: مكان بعينه، وقيل: رمال عظام، والواحد عجلز. والقضيم: بالضاد، موضع وبالصاد، جمع قصيمة، وهي رمال تنبت الغضى.
5 - خيالات: جمع خيال وهو ما يرى في النوم في صورة الإنسان وغيره. والغريم: طالب الدين.
ويتطلع: يتعهد.
6 - ملحيّ: ملوم.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 120118.(1/269)
7 - ولا ساهي الفؤاد ولا عيي ال ... لسان إذا تشاجرت الخصوم
8 - وهو غيث لنا في كلّ عام ... يلوذ به المخوّل والعديم
9 - وعوّد قومه هرم عليه ... ومن عاداته الخلق الكريم
10 - كما قد كان عوّدهم أبوه ... إذا أزمتهم يوما أزوم
11 - كبيرة مغرم أن يحملوها ... تهمّ النّاس أو أمر عظيم
12 - لينجو من سلامتها وكانوا ... إذا شهدوا العظائم لم يليموا
13 - كذلك خيمهم ولكلّ قوم ... إذا مسّتهم الضّرّاء خيم
14 - وإن سدّت به لهوات ثغر ... يشار إليه جانبه سقيم
15 - مخوف بأسه يكلأك منه ... عتيق لا ألف ولا سؤوم
16 - له في الذّاهبين أروم صدق ... وكان لكلّ ذي حسب أروم
7 - ساهي الفؤاد: ذاهل العقل. والتشاجر: اختلاف الخصوم وتنازعهم.
8 - وهو: سكّن الواو للضرورة. والمخول: ذو المال والخول. والعديم: الفقير، أي لا يستغني عنه أحد ويروى: ولكن عصمة في كل يوم * يطيف به الخ. ويروى المحول بالحاء، وهو الضيف يحوله قوم فيلجأ إليه.
9 - يريد عود هرم على نفسه عادة أن يعطيهم، ويحمل عنهم، أي عوّد نفسه أو عوّد قومه على نفسه عادة الخ.
10 - أزمتهم أزوم: عضّتهم داهية شديدة، أزم يأزم. كضرب وفرح وعض. ويروى: «إذا أزمت مطوحة أزوم». والمطوحة: السنة تشدّ عليهم، فتطوحهم في البلاد. ويقال: كان ذلك الطيحة التي كانت في ستة كذا.
11 - كبيرة مغرم: فسر ما كان عودهم أي كل خصلة كبيرة المغرم. ويروى عظيمة.
12 - لينجو: أي هرم وآباؤه من أن يلاموا على تقصير في دفع النائبة. ولم يليموا: لم يأتوا ما يلامون عليه.
13 - الخيم: الخلق والطبيعة والسليقة.
14 - الثغر: موضع يتّقى منه العدو. واللهوات: جمع لهاة، وهي مدخل الطعام في الحلق، واستعارها لمدخل الثغر. ويشار إليه: يهتم به، وهو من صفة الثغر. جانبه أي الثغر.
15 - مخوف بأسه: صفة للثغر. يكلأك: جواب إن سدت به، أي يحفظك. والعتيق: الكريم، أي الحسن الوجه. يريد به هرما. والألف: الضعيف الرأي الثقيل. والسؤوم: الملول.
16 - الأروم: جمع أرومة، وهي الأصل. والحسب: كثرة الشرف والمآثر.(1/270)
13
وقال أيضا (1): [الوافر]
1 - ألا أبلغ لديك بني تميم ... وقد تأتيك بالخبر الظنون
2 - بأنّ بيوتنا بمحلّ حجر ... بكلّ قرارة منها تكون
3 - إلى قلهى تكون الدار منّا ... إلى أكتاف دومة فالحجون
4 - بأودية أسافلهنّ روض ... وأعلاها إذا خفنا حصون
5 - تحلّ بسهلها فإذا فزعنا ... جرى منهنّ بالأصلاء عون
6 - وكلّ طوالة وأقبّ نهد ... مراكلها من التعداء جون
7 - تضمر بالأصائل كلّ يوم ... تسنّ على سنابكها القرون
8 - وكانت تشتكي الأضغان منها ال ... لجون الخبّ واللّحج الحرون
شرح القصيدة الثالثة عشرة 1الظنون: الذي لا يوافق بما عنده من خبر، مع أنه قد يصدق أحيانا، ويروى: «وقد يأتيك بالنصح».
2 - حجر: موضع في ناحية الحجاز. والقرارة: ما اطمأن من الوادي، أي هي ديارنا، فنحلّ منها حيث شئنا.
3 - قلهى، ودومة، والحجون: مواضع.
4 - المعنى: أسافل أرضنا روضة مخصبة. وعلاها: حصون منيعة. والروضة: ما كان فيها نبت.
والحديقة ما كان فيها شجر.
5 - عون: هي جماعة الحمير، استعارها للخيل، الواحدة عانة، أو العون: جمع عوان، وهي المتوسط السن. والأصلاء: مواضع في أرض بني سليم. ويروى بالآصال: جمع أصيل وهي العشايا.
6 - طوالة: فرس طويلة. والأقب: الضامر البطن. والنهد: العظيم الخلق. والمراكل: مواضع أعقاب الفرسان. والتعداء: العدو الشديد. والجون: جمع جون، وهو هنا الأسود. وسواد المراكل: لأن شعرها قد طيّرته أعقاب الفرسان فظهر ما تحته أسود، أو أسود من العرق.
7 - تضمر: تهيأ للجري. والسنابك: جمع سنبك وهو مقدّم الحافر. والقرون: جمع قرن، وهو الدفعة من المطر. وتسن: تصب، من سننت الماء: إذا صببته.
8 - الأضغان: أي كانت تلتوي على أصحابها لنشاطها، فكأنها ذات ضغن. واللجون: الثقيل البطيء. والخب: شبه اللجون. واللحج: الضيق النفس، السيىء الخلق. يريد كانت الخيل مهملة في مراعيها، فلما ضمروها وأرادوا تدريبها على الجري، وجدوا فيها صعوبة لنشاطها، ثم لانت بعد واستقامت.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 128126.(1/271)
9 - وخرّجها صوارخ كلّ يوم ... فقد جعلت عرائكها تلين
10 - وعزّتها كواهلها وكلّت ... سنابكها وقدّحت العيون
11 - إذا رفع السّياط لها تمطّت ... وذلك من علالتها متين
12 - ومرجعها إذا نحن انقلبنا ... نسيف البقل واللّبن الحقين
13 - فقرّي في بلادك إنّ قوما ... متى يدعوا بلادهم يهونوا
14 - أو انتجعي سنانا حيث أمسى ... فإنّ الغيث منتجع معين
15 - متى تأتيه تأتي لجّ بحر ... تقاذف في غواربه السّفين
16 - له لقب لباغي الخير سهل ... وكيد حين تبلوه متين
14
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - رأيت بني آل امرىء القيس أصفقوا ... علينا وقالوا: إنّنا نحن أكثر
9 - خرّجها: جمعها خرجاء، منها ما فيه طرق، وهو الشحم، ومنها ما ليس فيه طرق، وكل ما فيه ضربان فهو أخرج. وقيل خرجها، درّبها وعوّدها. والمعنى: أنها كانت ممتنعة نشاطها لا تواني، فما زالت تجيب الصارخ المستغيث حتى لانت عرائكها. والعريكة: الطبيعة الشديدة.
10 - عزّتها: صارت كواهلها أرفعها من الهزال، وإذا هزل الفرس أشرف كاهله وارتفع. وكلّت:
حفيت. وقدحت: غارت من الجهد. يصف الخيل هنا بالهزال لكثرة دؤوبها في السير، وتصرفها.
11 - تمطّت: تمددت. والعلالة: ما تعطي الخيل من الجري بعدما بذلت جهدها. والمتين: القوي.
12 - إذا انقلبنا: إذا رجعنا من الغزو، رددناها إلى يسمنها ويصلحها من البقل واللبن. والنسيف من البقل: الذي لم يتم، فهي تنسفه بأسنانها لصغره. والحقين من اللبن: الذي حقن في السقاء.
13 - يقول لتميم بعد أن فخر عليهم، وبين فضل قومه وحلفائه، وقوتهم عليهم أقيمي في بلادك ولا تتعرضي لغزونا، فلا طاقة لكم بنا، ثم ذلك يكسبكم الهوان، لترككم بلادكم، والتعرّض لما ليس في وسعكم.
14 - انتجعي سنانا: اطلبي خيره، وتعرّضي لمعرفه، فهو كالغيث المعين.
15 - لج البحر: معظمه. ضربه مثلا لكثرة عطاء سنان، فهو يجيش لعظمه، فتقاذف السفن فيه.
16 - أي من بغى عنده الخير ناله بسهولة فلقيه سهلا، وإذا ابتلى واختبر ما عنده كان له كيد قوي، فلقيه مختبره متينا.
شرح القصيدة الرابعة عشرة 1بنو آل امرىء القيس: هوازن وسليم. وأصفقوا علينا: اجتمعوا.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 57.(1/272)
2 - سليم بن منصور وأفناء عامر ... وسعد بن بكر والنّصور وأعصر
3 - خذوا حظّكم يا آل عكرم واذكروا ... أواصرنا والرّحم بالغيب تذكر
4 - خذوا حظّكم من ودّنا إنّ قربنا ... إذا ضرّستنا الحرب نار تسعّر
5 - وإنّا وإيّاكم إلى ما نسومكم ... لمثلان أو أنتم إلى الصّلح أفقر
6 - إذا ما سمعنا صارخا معجت بنا ... إلى صوته ورق المراكل ضمّر
7 - وإن شلّ ريعان الجميع مخافة ... نقول جهارا ويلكم لا تنفروا
8 - على رسلكم إنّا سنعدي وراءكم ... فتمنعكم أرماحنا أو سنعذر
9 - وإلّا فإنّا بالشربة فاللّوى ... نعقّر أمّات الرّباع ونيسر
15
وقال أيضا (1): [الوافر]
1 - لعمرك والخطوب مغيّرات ... وفي طول المعاشرة التّقالي
2 - النصور: جمع نصر، وهم من هوازن أيضا. وأعصر: أبو غني وباهلة، وكل هؤلاء من ولد عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر.
3 - خذوا: أصيبوا حظكم من صلة القرابة، ولا تفسدوا ما بيننا وبينكم. والأواصر: القرابات.
والرحم: التي بين زهير وبينهم، أن مزينة من ولد أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، وهؤلاء من ولد قيس عيلان من مضر.
4 - ضرستنا الحرب: عضّتنا بأضراسها وهذا مثل للشدّة.
5 - نحن وأنتم مثلان في الاحتياج إلى الصلح وترك الغزو، وأنتم أحوج إلى ذلك. نسومكم:
نعرضه عليكم، وندعوكم إليه.
6 - معجت بنا: مرّت سريعا في سهولة. والصارخ: المستغيث. وورق المراكل: أي تحاتّ الشعر عن مراكلها، فاسودّ موضعه، لكثرة الركوب في الحرب. والأورق: الأسود في غبرة. والضمر:
الخفيفة.
7 - شل: طرد. وريعان كل شيء: أوله.
8 - على رسلكم: على مهلكم ورفقكم. وسنعدي: أي الخيل وراءكم. وسنعذر: أي تأتي بالعذر في الذبّ عنكم.
9 - الرباع: جمع ربع وهو ما نتج في الرباع. والأمّات: جمع أم لما لا يعقل، والأمهات: لمن يعقل، وربما استعمال كلّ مكان الآخر.
شرح القصيدة الخامسة عشرة 1أي عندما طلّق امرأته أم أوفى. والمعنى: خطوب الدهر قد تغيّر المودّة، وطول التعاشر يدعوا
__________
(1) البيتان في الديوان ص 95.
2 - لقد باليت مظعن أمّ أوفى ... ولكن أمّ أوفى لا تبالي(1/273)
2 - لقد باليت مظعن أمّ أوفى ... ولكن أمّ أوفى لا تبالي
16
وقال أيضا (1): [الكامل]
1 - إنّ الرّزيّة لا رزيّة مثلها ... ما تبتغي غطفان يوم أضلّت
2 - إنّ الرّكاب لتبتغي ذا مرّة ... بجنوب نخل إذا الشّهور أحلّت
3 - ينعون (2) خير النّاس عند كريهة ... عظمت رزّيتهم هناك وجلّت
4 - ولنعم حشو الدّرع كان إذا سطا ... نهلت من العلق الرّماح وعلّت
17
وقال زهير أيضا (3): [الطويل]
1 - ألا ليت شعري هل ترى النّاس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
2 - بدا لي أنّ الله حقّ فزادني ... إلى الحقّ تقوى الله ما كان باديا
إلى التدابر.
2 - ولكن الخطوب وطول المعاشرة لم تغيّر مودّتي وحبّي لأم أوفى، فأنا لها محبّ، وهي لا تعطف عليّ، ولا تبالي ببعدي عنها.
شرح القصيدة السادسة عشرة 1الرزية: المصيبة، ومثلها يروى في مكانها بعدها. وأضلت: يقال ضلّ فلان الطريق، وأضلّ البعير الأول للشيء الثابت، والثاني لغيره.
2 - الركاب: الإبل، والمراد راكبوها. وذا مرة: ذا عقل ورأي مبرم. ونخل: موضع بعينه، ويروى: نجد. وجنوبها: نواحيها. وأحلّت الشهور: جاءت الشهور التي يحلّ فيها الغزو.
3 - ينعونه: يذيعون خبر موته. والكريهة: الحرب. والرزية: المصيبة. وجلت: عظمت.
4 - نهلت: شربت أول مرة. وعلت: شربت الشرب الثاني. والعلق: الدم.
شرح القصيدة السابعة عشرة 1ليت شعري: أي ليست عقلي حاضر، والخبر محذوف في هذا التركيب سماعا.
2 - المعنى: تأملت، فعلمت أن الله حق، وزادتني تقوى الله إيمانا به.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 3130.
(2) في الديوان: «ينعين» بدل «ينعون».
(3) القصيدة في الديوان ص 142139.(1/274)
3 - بدا لي أنّ النّاس تفنى نفوسهم ... وأموالهم ولا أرى الدّهر فانيا
4 - وإني متى أهبط من الأرض تلعة ... أجد أثرا قبلي جديدا وعافيا
5 - أراني إذا ما بتّ بتّ على هوى ... وإني إذا أصبحت أصبحت غاديا
6 - إلى حفرة أهدى إليها مقيمة ... يحثّ إليها سائق من ورائيا
7 - كأني وقد خلّفت تسعين حجّة ... خلعت بها عن منكبيّ ردائيا
8 - بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقي شيء إذا كان جائيا
9 - أراني إذا ما شئت لاقيت آية ... تذكّرني بعض الذي كنت ناسيا
10 - وما إن أرى نفسي تقيها كريهتي ... وما إن تقي نفسي كرائم ماليا
11 - ألا لا أرى على الحوادث باقيا ... ولا خالدا إلّا الجبال الرّواسيا
12 - وإلّا السماء والبلاد وربّنا ... وأيّامنا معدودة واللّياليا
3 - المعنى: علمت أن مصير الناس وأموالهم إلى الفناء، وأن الدهر باق لا يفنى، ولا يدلّ هذا الكلام على فلسفة ولا معرفة بمذاهب المتفلسفين القدماء وإنما هي خطرات لعقل ذكي قوي الملاحظة.
4 - التلعة: مجرى الماء إلى الروضة وتكون فيما علا عن السيل وفيما سفل عنه. والعافي:
الدارس. والمعنى: حيثما سرت وجدت أثرا قبل أثري جديدا وقديما.
5 - بتّ على هوى: أي لي حاجة لا تنقضي أبدا لأن الإنسان ما دام حيّا فلا بدّ أن يهوى شيئا ويحتاج إليه فإذا ما أصبحت جاء أمر غير ما بتّ عليه من موت وغير ذلك.
6 - أهدى: أساق. ويروى: أهوى. ويروى: سائقي. والسائق: الأجل.
7 - خلعت بها عن منكبي ردائيا: أي لا أجد مسّ شيء مضى فكأنما خلعت بها ردائي عن منكبي.
8 - المعنى: لا أستطيع أن أدرك ما فاتني، والذي هو من نصيبي سوف يأتيني لا محالة.
9 - لاقيت آية: إذا أغفلت عن حوادث الزمان من موت وغيره، رأيت آية مما ينوب غيري، فذكّرتني ما نسيت.
10 - المعنى: لا يقي نفسي من الموت كريهتي: أي شدّتي وشجاعتي، ولا تقيها كرائم مالي.
11 - الحوادث: ما يأتي به الليل والنهار من أمور لم تكن. والرواسي من الجبال: الثوابت الرواسخ.
المعنى: لا يبقى مع الدهر إلا الجبال وإن كانت تصير بعد إلى الزوال.
12 - عطف السماء والبلاد على الجبال الباقية في زعمه. ولا بدّ من فناء هذا العالم المادي الذي خيّل إلى الشاعر أنه باق وإنما هو بقاء نسبي وكل شيء في هذا الوجود يفنى إلا وجه الله عزّ وجل.(1/275)
13 - ألم تر أنّ الله أهلك تبّعا ... وأهلك لقمان بن عاد وعاديا
14 - وأهلك ذا القرنين من قبل ما ترى ... وفرعون جبّارا طغى والنّجاشيا
15 - ألا لا أرى ذا إمّة أصبحت به ... فتتركه الأيّام وهي كما هيا
16 - ألم تر للنّعمان كان بنجوة ... من الشّرّ لو أنّ امرءا كان ناجيا
17 - فغيّر منه ملك عشرين حجّة ... من الدّهر يوم واحد كان غاويا
18 - فلم أر مسلوبا له مثل ملكه ... أقلّ صديقا باذلا أو مؤاسيا
19 - فأين الذين كان يعطي جياده ... بأرسانهنّ والحسان الغواليا
20 - وأين الذين كان يعطيهم القرى ... بغلّاتهنّ والمئين الغواديا
21 - وأين الذين يحضرون جفانه ... إذا قدّمت ألقوا عليها المراسيا
22 - رأيتهم لم يشركوا بنفوسهم ... منيته لما رأوا أنّها هيا
13 - التبابعة: ملوك اليمن، واحدهم تبع. ولقمان بن عاد: مشهور. وعاديا: هو أبو السموأل وكان له حصن بتيماء يقال له الأبلق هلك ولم يدفع عنه حصنه الموت.
14 - ذكر بعض من أهلكهم الله من الملوك، الذين ملكوا الأرض وقهروا أهلها ولم يغن عنهم ملكهم شيئا.
15 - الإمة: بكسر الهمزة، النعمة والحالة الحسنة أي من كان ذا نعمة فالأيام لا تتركه ونعمته كما عهدت بل تغيّرها.
16 - بنجوة: بمعزل منه. ويقال: فلان بنجوة من السيل إذا كان بموضع مرتفع لا يدركه السيل.
ويروى من العيش. والمعنى: أنه كان في ارتفاع من الشرف والمتعة.
17 - الغاوي: الواقع في الهلكة. كان النعمان رشيدا في أمره عشرين حجة، وكان يوما واحدا، وذلك أن كسرى بعث إليه في تزويج ابنته منه، فقال النعمان أما في مها السودان ما يكتفي به الملك؟ فغيّر ابن عدي الترجمة بقوله: أما في بقر السودان ما يكتفي به الملك من ابنتي؟
فأغضبه وكان سبب قتله.
18 - المعنى: لم أر إنسانا سلب النعيم والملك وله عند الناس أياد ونعم كثيرة، فلم يف له أحد، ولم يواسه، كالنعمان حين لم يجره من استجار به.
19 - الجياد: الخيل. والحسان: الغوالي، ويروى الحوالي. واحدتهن غالبة أو حالية.
20 - المئون: من الإبل، والغوادي ويروى الغوالي أي الغالية الأثمان المثمنة.
21 - يقال: ألقوا عليها مراسيهم إذا ثبتوا عليها.
22 - المعنى: لم يواسوه في الموت، ولم يجيروه ويخلّصوه بأنفسهم حين استجار بهم من كسرى.(1/276)
23 - خلا أنّ حيّا من رواحة حافظوا ... وكانوا أناسا يتّقون المخازيا
24 - فساروا له حتّى أناخوا ببابه ... كرام المطايا والهجان المتاليا
25 - فقال لهم خيرا وأثنى عليهم ... وودّعهم وداع أن لا تلاقيا
26 - وأجمع أمرا كان ما بعده له ... وكان إذا ما اخلولج الأمر ماضيا
18
وقال زهير أيضا لأمّ ولده كعب (1): [الوافر]
1 - قالت أمّ كعب لا تزرني ... فلا والله ما لك من مزار
2 - رأيتك عبتني وصددت عني ... فكيف عليك صبري واصطباري
3 - فلم أفسد بنيك ولم أقرّب ... إليك من الملمّات الكبار
4 - أقيمي أم كعب واطمئني ... فإنّك ما أقمت بخير دار
23 - رواحة: حيّ من عبس كانوا دعوا النعمان إلى أن يكون فيهم ويمنعوه من كسرى، ليد كانت للنعمان قبلهم. ويروى، «أقبلوا * وكانوا قديما».
24 - الهجان: البيض من الإبل وهي أكرمها. والمتالي: التي تتلوها أولادها واحدها متلية.
ويروى، «يسيرون حتى حبسوا عند بابه ثقال الروايا والهجا والمتاليا». الروايا: الإبل التي يحمل عليها الماء، الواحد راوية، والروايا أيضا سادة القوم الذين يحملون الدّيات، الواحد راوية أيضا.
25 - المعنى: قال لهم النعمان خيرا لما دعوه إلى مجاورتهم وودعهم وداع من يخبرهم أنه لا يلاقيهم أبدا لتيقّنه بالموت.
26 - أجمع أمرا: أراد أمرا يتحدث بعده بما كان فيه. واخلولج: التوى ولم يستقم. والماضي: النافذ في الأمر.
شرح القصيدة الثامنة عشرة 1لا تزرني: أي لأنك تزورني لتعيبني وتهجوني بعد ذلك.
2 - الاصطبار: تكلّف الصبر أي كيف أصبر على هذه الحال. وأنت لا تزورني زيارة مودّة.
3 - وصفت نفسها بالعفاف والإنجاب، أي لم أخنك وأوطىء فراشك غيرك ولم ألد بنيك ذوي نقص وإنما هم أشراف وفرسان ولم أقرب إليك ملمة من الملمات الكبار.
4 - المعنى: أنت مكرمة عندي بخير دار ما أقمت.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 58.(1/277)
19
وقال زهير يمدح هرم بن سنان أيضا عن أبي عمرو المفضل (1): [الطويل]
1 - خشيت (2) ديارا بالبقيع فثهمد ... دوارس قد أقوين من أمّ معبد
2 - أربّت بها الأرواح كلّ عشيّة ... فلم يبق إلّا آل خيم منضّد
3 - وغير ثلاث كالحمام خوالد ... وهّاب محيل هامد متلبّد
4 - فلما رأيت أنها لا تجيئني ... نهضت إلى وجناء كالفحل جلعد
5 - جماليّة لم يبق سيري ورحلتي ... على ظهرها من نيّها غير محفد
6 - متى ما تكلّفها مآبة منهل ... فتستعف أو تنهك إليه فتجهد
7 - ترده ولمّا يخرج السّوط شأوها ... مروحا جنوح اللّيل ناجية الغد
8 - كهمّك إن تجهد تجدها نجيحة ... صبورا وإن تسترخ عنها تزيّد
شرح القصيدة التاسعة عشرة 1البقيع وثهمد: موضعان. وأقوين: أقفرن وذهب منهنّ أهلهنّ.
2 - أربت: أقامت ولزمت. والأرواح: الرياح والآل، جمع آله وهو عود له شعبتان يعرض عليه عود آخر ثم يلقي عليه ثمام يستظل به. والمنضد: المجعول بعضه فوق بعض.
3 - ثلاث: هي الأثافي السود. والخوالد: الباقية. والهابي: رماد عليه غبرة. والمحيل: الذي أتى عليه الحول. والهامد: المتغير من همدت النار، إذا طفئت. ومتلبد: لصق بعضه ببعض من تردّد الأمطار عليه.
4 - الوجناء: عظيمة الوجنات أو الغليظة الضخمة. والجلعد: الشديدة، والبيت صفة للناقة.
5 - جمالية: أي تشبه الجمل في اكتمال خلقها. والنيّ الشحم. والمحفد: أصل السنام وبقيته.
6 - المآبة: أن تسير نهارها ثم تثوب إلى المنهل عشيّا. والمنهل: الماء. وتستعف: يؤخذ عفوها في السير. وتنهك: يبلغ منها بالضرب والإجهاد. وتجهد: أي تتعب وتجهد نفسك.
7 - ترده: أي المنهل. ولما يخرج: أي لم يستخرج كل عفوها وما تسمح به نفسها. والجنوح:
التي تجنح في سيرها. والناجية: السريعة أي تجنح إذا سارت ليلها ثم تنجو من الغد في سيرها، ولم يكسرها سراها.
8 - كهمك: كما تريد. والنجيحة: السريعة. وتزيّد: تسير التزيّد، وهو ضرب من السير فوق العنق يقول إن جهدت في السير وجدت نجيحة صابرة، وإن تركت ولم تضرب تزيدت في مشيها.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 4136، وهي في الديوان من 46بيتا.
(2) في الديوان: «غشيت» بدل «خشيت».(1/278)
9 - وتنضح ذفراها بجون كأنّه ... عصيم كحيل في المراجل معقد
10 - وتلوي بريّان العسيب تمرّه ... على فرج محروم الشّراب مجدّد
11 - تبادر أغوال العشيّ وتتّقي ... علالة ملويّ من القد محصد
12 - كخنساء سفعاء الملاطم حرّة ... مسافرة مزءودة أمّ فرقد
13 - غدت بسلاح مثله يتقّى به ... ويؤمن جأش الخائف المتوحّد
14 - وسامعتين تعرف العتق فيهما ... إلى جذر مدلوك الكعوب محدّد
15 - وناظرتين تطحران قذاهما ... كأنّهما مكحولتان بإثمد
16 - طباها ضحاء أو خلاء فخالفت ... إليه السّباع في كناس ومرقد
17 - أضاعت فلم تغفر لها خلونها ... فلاقت بيانا عند آخر معهد
18 - دما عند شلو تحجل الطّير حوله ... وبضع لحام في إهاب مقدّد
9 - الذفرى: عظم ناتىء خلف الأذن. والجون: يريد به العرق الأسود، وعرق الإبل يضرب إلى السواد أول ما يبدو ثم يصفر. وكحيل: ضرب من القطران. والعصيم: الخاثر. والمعقد:
المطبوخ.
10 - تلوي: تضرب بذنبها يمنة ويسرة. والعسيب: عظم الذنب. والريان: الغليظ الممتلىء وهو محمود في الإبل مذموم في الخيل ومحروم الشراب خلفها لأنها لم تحمل فلا لبن لخلفها.
والمجدد: المقطوع اللبن يصفها بالشدة.
11 - الأغوال: جمع غول، وهو ما اغتال الإنسان وأهلكه. والملوي: السوط المفتول. والقد: ما قدّ من الجلد. والمحصد: الشديد الفتل أي تبادر هذه الناقة براكبها ما يخاف أن يغوله حتى تلحقه بالمنزل الذي يبيت فيه.
12 - كخنساء: أي كبقرة قصيرة الأنف في نشاطها وحدّتها. والسعفاء: السوداء في حمرة.
والملاطم: الخدّان، والمزءودة: المذعورة. والفرقد: ولد البقرة.
13 - بسلاح: بقرنيها. والجأش الصدر.
14 - وسامعتين: أذنين. والجذر: الأصل. والمدلوك: الأملس. والكعوب: عقد العصا.
15 - الناظرتان: العينان. وتطحران قداهما: ترميان به. والإثمد: كحل أسود.
16 - طباها: أي دعاها للرعي. الضحاء: الرعي عند الضحى، والخلاء: خلو المكان، والضحاء للإبل مثل الغداء للناس. فخالفت إليه: أي خالفت إلى ولد البقرة لما نهضت إلى الرعي.
والكناس: حيث تكنس وتستتر من حرّ أو برد.
17 - أضاعت: تركت ولدها وغفلت عنه. والبيان: ما استبانت بعد عقر ولدها من جلد وبقية لحم ودم. وعند آخر معهد: عند آخر موضع عهدته فيه.
18 - الشلو: بقية الجسد. والبضع: جمع بضعة. واللحام: جمع لحم، والإهاب: الجلد. والمقدد:
المخرق المشقق.
19 - وتنفض عنها غيب كلّ خميلة ... ونخشى رماة الغوث من كلّ مرصد
20 - فجالت على وحشيها وكأنها ... مسربلة في رازقي معضّد
21 - ولم تدر وشك البين حتى رأتهم ... وقد قعدوا أنفاقها كلّ مقعد
22 - وثاروا بها من جانبيها كليهما ... ومالت وإن تجشمنّها الشّدّ تجهد
23 - تبذّ الألى يأتينها من ورائها ... وإن تتقدّمها السّوابق تصطد
24 - فأنفذها من غمرة الموت أنها ... رأت أنها إن تنظر النبل تقصد
25 - نجاء مجدّ ليس فيه وتيرة ... وتذبيبها عنها بأسحم مذود
26 - وجدّت فألقت بينهنّ وبينها ... غبارا كما فارت دواخن غرقد
27 - بملتئمات كالخذاريف قوبلت ... إلى جوشن خاظي الطّويقة مسند (1)
28 - إلى هرم تهجيرها ووسيجها ... تروح من اللّيل التمام وتغتدي
19 - تنفض: تنظر هل ترى فيه ما تكره. والخميلة: رملة ذات شجر. والغيب كل ما استتر عنك.(1/279)
19 - وتنفض عنها غيب كلّ خميلة ... ونخشى رماة الغوث من كلّ مرصد
20 - فجالت على وحشيها وكأنها ... مسربلة في رازقي معضّد
21 - ولم تدر وشك البين حتى رأتهم ... وقد قعدوا أنفاقها كلّ مقعد
22 - وثاروا بها من جانبيها كليهما ... ومالت وإن تجشمنّها الشّدّ تجهد
23 - تبذّ الألى يأتينها من ورائها ... وإن تتقدّمها السّوابق تصطد
24 - فأنفذها من غمرة الموت أنها ... رأت أنها إن تنظر النبل تقصد
25 - نجاء مجدّ ليس فيه وتيرة ... وتذبيبها عنها بأسحم مذود
26 - وجدّت فألقت بينهنّ وبينها ... غبارا كما فارت دواخن غرقد
27 - بملتئمات كالخذاريف قوبلت ... إلى جوشن خاظي الطّويقة مسند (1)
28 - إلى هرم تهجيرها ووسيجها ... تروح من اللّيل التمام وتغتدي
19 - تنفض: تنظر هل ترى فيه ما تكره. والخميلة: رملة ذات شجر. والغيب كل ما استتر عنك.
والغوث: قبيلة من طيىء وخصهم لأنهم أهل رماية وصيد.
20 - جالت: جاءت وذهبت. والوحش: الجانب الذي لا يركب منه، وهو الأيمن. والرازقي: ثوب أبيض. والمعضد: المخطط. شبّه البقرة بالثوب في بياضها وتخطيط قوائمها.
21 - وشك البين: سرعته. والبين: مفارقة ولدها. وأنفاقها: مخارجها وطرقها. وحتى رأتهم: أي رأت الرماة قد قعدوا لها ليختلوها فيرموها.
22 - يجشمنها: يكلفنها الجري ويحملنها عليه. وتجهد: تسرع وتجتهد.
23 - تبذّ: أي تسبق البقرة الكلاب اللاتي يأتينها من ورائها. وتصطد: تضرب بقرنيها ما تقدمها من الكلاب.
24 - تنظر النبل: أي تنظر أصحاب النبل أن يجيئوا وتقصد القتل.
25 - النجاء: سرعة السير. والوتيرة: التلبّث والفترة. والتذبيب أن تذبّ الكلاب عن نفسها.
والأسحم: هنا القرن الأسود. والمذود: (من البقر) قرنها تدافع به وتذود.
26 - الدواخن: جمع دخان على غير قياس، وقيل: واحدته داخنة. والغرقد: شجر.
27 - بملتئمات: بقوائم يشبه بعضها بعضا. والخذاريف: التي يلعب بها الصبيان. شبّه القوائم بها في خفتها وسرعتها. وجوشن: صدر. والخاظي: كثير اللحم المتراكب. والطويقة: اللحمة على الصدر. ومسند: مرتفع.
28 - تروح من الليل: تخرج بالعشي. والتمام: أطول ما يكون من الليل في الشتاء. والتهجير: سير الهاجرة. والوسيج: سير سريع.
__________
(1) في الديوان بيت لم يرد هنا، وهو بعد هذا البيت:
كأن دماء المؤسدات بنحرها ... أطبة صرف في قضيم مصرد(1/280)
29 - إلى هرم سارت ثلاثا من اللّوى ... فنعم مسير الواثق المتعمّد
30 - سواء عليه أيّ حين أتيته ... أساعة نحس يتّقى أم بأسعد
31 - أليس بضرّاب الكماة بسيفه ... وفكّاك أغلال الأسير المقيّد
32 - كليث أبي شبلين يحمي عرينه ... إذا هو لاقى نجدة لم يعرّد
33 - ومدره حرب حميها يتّقى به ... شديد الرّجام باللّسان واليد
34 - وثقل على الأعداء لا يضغونه ... وحمّال أثقال ومأوى المطرّد
35 - أليس بفيّاض يداه غمامة ... ثمال اليتامى في السّنين محمّد
36 - إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية ... من المجد من يسبق إليها يسوّد
37 - سبقت إليها كلّ طلق مبرّز ... سبوق إلى الغايات غير مجلّد
38 - كفضل جواد الخيل يسبق عفوه السّ ... راع وإن يجهدن يجهد ويبعد
39 - تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة ... بنهكة ذي القربى ولا بحقلّد
29 - اللّوى: حيث يلتوي الرمل وينتهي إلى الجدد.
30 - المعنى: هو يعطى على الإقلال كما يعطى مع الإكثار (إن الكريم على علاته هرم).
31 - المعنى: إنه جمع بين خصلتي الشجاعة والكرم اللتين يحرص عليهما رؤساء الناس.
32 - الليث: الأسد. والشبلان: جرواه. وعرينه: أجمته. والنجدة: الشدة. ولم يعرّد: لم يفر.
33 - المدره: الذي يدفع عن قومه. وحمى الحرب: شدّتها. والرجام: المراجمة والمراماة بالخصومة والقتال.
34 - ثقل: أي هو ثقيل عليهم. ولا يضغونه: أي شدّته عليهم ثابتة. والمطّرد: المطرود.
35 - فياض: كثير العطاء. والغمامة: السحابة. وثمال اليتامى: معتمدهم، يطعمهم ويقوم عليهم.
والسنين: الشدائد والجذب. ومحمد: الذي يحمد كثيرا.
36 - المعنى: إذا تسابقت الناس لإدراك غاية من المجد يسود من سبق إليها، فأنت السابق إليها.
وقيس بن عيلان: قبيلة كبيرة من مضر.
37 - الطلق: البيّن الفضل. والمبرز: الذي سبق الناس إلى الكرم والخير. وغير مجلد: أي ينتهي إلى الغايات من غير أن يجلد ويضرب. استعار ذلك من وصف الجواد الذي يسبق إلى الغاية عفوا، من غير أن يجهد ويضرب.
38 - العفو: ما جاء عفوا من غير إجهاد، أي فضل هرم على الكرام، كفضل الجواد من الخيل على السراع منها فكيف على غيرها، وعفوه: ما جاء منه عفوا من غير أن يجهد.
39 - النهكة: النقص والأضرار. والحقلد: البخيل السيىء، يقول: لم يكثر ماله بظلم ذي قرابة ولا هو بخيل لئيم سيىء الخلق.(1/281)
40 - سوى ربع لم يأت فيه مخونة ... ولا رهقا من عائذ متهوّد
41 - يطيب له أو افتراص بسيفه ... على دهش في عارض متوقّد
42 - فلو كان حمد يخلد النّاس لم تمت ... ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد
43 - ولكنّ منه باقيات وراثة ... فأورث بنيك بعضها وتزوّد
44 - تزوّد إلى يوم الممات فإنّه ... ولو كرهته النّفس آخر موعد
20
وقال يمدح سنان بن أبي حارثة (1): [المتقارب]
1 - أمن آل ليلى عرفت الطّلولا ... بذي حرض ماثلات مثولا
2 - بلين وتحسب آياته ... نّ عن فرط حولين رقّا محيلا
3 - إليك سنان الغداة الرّحي ... ل أعصى النّهاة وأمضي الفؤولا
4 - فلا تأمني غزو أفراسه ... بني وائل وارهبيه جديلا
40 - سوى ربع: أي لا يأخذ سوى الربع من الغنيمة دون أن يخون فيه أو يظلم من عاذ به واطمأن إليه. الرهق: الظلم. والعائذ: من يعوذ به. والمتهود: المطمأن الساكن إليه.
41 - يطيب: أي سوى ربع يطيب له. والافتراص: الضرب والقطع، أو هو من الفرصة. والدهش:
العجلة. جيش شبه بالعارض من السحاب، وجعله متوقدا لكثرة سلاح الحديد.
42 - المعنى: لو أن الفعل المحمود يخلد صاحبه، لخلدت ولم تمت، ولكنه لا يخلد.
43 - المعنى: إن الفعل المحمود لا يخلد صاحبه في الدنيا، ولكن منه ما يبقى ويتوارث فيقوم مقام الحياة لصاحبه فأورث بعض مكارمك بنيك، وتزوّد بعضها لما بعد موتك.
44 - المعنى: تزوّد من المكارم ليوم موتك، فإنه آت لا بدّ منه وإن كرهته النفس.
شرح القصيدة العشرين 1المعنى: أعرفت الطلول من النازل آل ليلى. والماثلات: المنتصبات. والمثول: الانتصاب.
وفي الأغاني: الماثل هنا اللاطىء بالأرض، وفي موضع آخر: المنتصب القائم.
2 - بلين: درسن وتغيّرن. وآياتهن عن فرط حولين: تقدم حولين. شبّه رسوم الدار برق مكتوب أتى عليه حول فتغيّر.
3 - المعنى: أعصى من نهاني عن الرحيل، وأمضي الفأل، ولا أتطير فأمتنع من الرحيل.
4 - المعنى: يا بني وائل ويا بني جديلة: لا تأمنوا غزوه وسطوته. وكان سنان يجاور جديلة، فحذّرهم زهير سطوته.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 9795.(1/282)
5 - وكيف اتّقاء امرىء لا يؤو ... ب بالقوم في الغزو حتى يطيلا
6 - بشعث معطّلة كالقسيّ ... غزون مخاضا وأدين حولا
7 - نواشز أطباق أعناقها ... وضمّرها قافلات قفولا
8 - وإذا أدلجوا لحوال الغوا ... ر لم تلف في القوم نكسا ضئيلا
9 - ولكنّ جلدا جميع السّلا ... ح ليلة ذلك عضّا بسيلا
10 - فلمّا تبلّج ما فوقه ... أناخ فشنّ عليه الشّليلا
11 - وضاعف من فوقها نثرة ... يردّ القواضب عنها فلولا
12 - مضاعفة كأضاة المسي ... ل تغشّي على قدميه فضولا
13 - فنهنهها ساعة ثمّ قا ... ل للوازعيهنّ خلّوا السّبيلا
14 - فأتبعهم فيلقا كالسّراب ... جأواء تتبع شخبا ثعولا
5 - المعنى: هو يطيل الغزو، لأنه يتتبع أعداءه، فلا يؤوب بالقوم إلا بعد مدة طويلة.
6 - بشعث: خيل قد شعثها السفر وغيرها. والمعطلة: التي لا أرسان عليها من الكلال والتعب.
شبّهها بالقسي في ضمورها. والمخاض: الحوامل. والحول: جمع حائل، وهي التي لم تحمل، وإنما يريد أنها ألقت ما في بطنها من التعب بعد أن غزت حوامل. وأدين: رددن إلى أهلهنّ.
7 - نواشز: مفرعة الأكتاف وقد ارتفعت عظام حواركها لهزالها. والقافلات: اليابسات، أي يبست جلوها على عظامها من الهزال.
8 - أدلجوا: ساروا الليل كله. والحوال: مصدر حاول الشيء، إذا رامه وعالجه. والغوار: الغارة.
ونكس: الضعيف الذي لا خير فيه. والضئيل: المهزول النحيل.
9 - ليلة ذلك: ليلة الغارة. والعض: بكسر العين، الداهية. والبسيل: الشجاع.
10 - لما تبلج: لما أضاء الصبح. شن عليه الشليل: صبّ عليه الدرع.
11 - النثرة والنثلة: الدرع السابغة. وضاعف: لبسها فوق أخرى. والقواضب: السيوف القواطع.
والفلول: المثلمة الحدود المكسرة.
12 - مضاعفة: نسجت حلقتين، حلقتين. والأضاة: الغدير. شبّه الدرع به في صفائه. وتغشي على قدميه: أي هي سابغة، فلها فضول على قدمي لابسها.
13 - المعنى: كفّ الكتيبة ساعة ليعبي للحرب، ثم يرسل الخيل بعد والوازعون الذين يكفون الخيل ويحبسون أولها على آخرها.
14 - فيلقا: كتيبة، وأصله الداهية، وشبّه الكتيبة بالسراب للون الحديد. والجأواء: التي عليها الصدأ والشخب: خروج اللبن من الخلف. والثعول: التي يركب خلفها خلف صغير. أي إذا أرسل هذه الجأواء جاءت ولها أمداد تزيد وتقوّيها. وضرب الثعول مثلا، ونصبه على الحال.(1/283)
15 - عناجيج في كلّ رهو ترى ... رعالا سراعا تباري رعيلا
16 - جوانح يخلجن الظّبا ... ء يركضن ميلا وينزعن ميلا
17 - فظلّ قصيرا على صحبه ... وظلّ على القوم يوما طويلا
15 - العناجيج: جمع عنجوج، وهو الطويل العنق. والرهو: ما تطامن الأرض وانحدر. الرعيل والرعلة: القطعة من الخيل.
16 - جوانح: مائلة في العدو لنشاطها. ويخلجن: يسرعن. ويركضن: يجرين لازم ومتعد. والميل:
مسافة. وينزعن: يكففن عن الركض.
17 - فظل قصيرا: أي على من ظفر به، لأن الظافر مسرور، ويوم السرور قصير والمظفور به محزون، ويوم الحزن طويل.(1/284)
فهرس محتويات الجزء الأول
تقديم 3
امرؤ القيس: ترجمته 5
شرح القصيدة الأولى من شعره وهي معلّقته اللامية 30
تحليل للقصيدة 40
شرح القصيدة الثانية اللامية 44
شرح القصيدة الثالثة البائية 50
شرح القصيدة الرابعة الرائية 56
شرح القصيدة الخامسة الضادية 62
شرح القصيدة السادسة التائية 65
شرح القصيدة السابعة النونية 67
شرح القصيدة الثامنة النونية 68
شرح القصيدة التاسعة النونية 70
شرح القصيدة العاشرة اللامية 72
شرح القصيدة الحادية عشر البائية 73
شرح القصيدة الثانية عشر السينية 74
شرح القصيدة الثالثة عشر السينية 76
شرح القصيدة الرابعة عشر الرائية 78
شرح القصيدة الخامسة عشر الميمية 80
شرح القصيدة السادسة عشر اللامية 82
شرح القصيدة السابعة عشر الرائية 84
شرح القصيدة الثامنة عشر البائية 86
شرح القصيدة التاسعة عشر الميمية 87(1/285)
شرح القصيدة العشرين الرائية 88
شرح القصيدة الحادية والعشرين اللامية 88
شرح القصيدة الثانية والعشرين البائية 89
شرح القصيدة الثالثة والعشرين البائية 90
شرح القصيدة الرابعة والعشرين الميمية 91
شرح القصيدة الخامسة والعشرين الرائية 91
شرح القصيدة السادسة والعشرين النونية 92
شرح القصيدة السابعة والعشرين الرائية 92
شرح القصيدة الثامنة والعشرين الرائية 93
شرح القصيدة التاسعة والعشرين الرائية 95
شرح القصيدة الثلاثين القافية 100
شرح القصيدة الحادية والثلاثين الصادية 104
شرح القصيدة الثانية والثلاثين الدالية 107
شرح القصيدة الثالثة والثلاثين اللامية 109
شرح القصيدة الرابعة والثلاثين العينية 111
علقمة الفحل: ترجمته 114
شرح القصيدة الأولى البائية من شعره 119
شرح القصيدة الثانية الميمية 123
شرح القصيدة الثالثة البائية 131
شرح القصيدة الرابعة الدالية 136
شرح القصيدة الخامسة الدالية 137
شرح القصيدة السادسة الرائية 138
شرح القصيدة السابعة الرائية 138
شرح القصيدة الثامنة الرائية 139
شرح القصيدة التاسعة الرائية 140
النابغة الذبياني: ترجمته 142
شرح القصيدة الأولى الدالية من شعره 156
شرح القصيدة الثانية العينية 163
شرح القصيدة الثالثة البائية 166
شرح القصيدة الرابعة البائية 170(1/286)
شرح القصيدة الخامسة الرائية 172
شرح القصيدة السادسة الميمية 175
شرح القصيدة السابعة الرائية 177
شرح القصيدة الثامنة البائية 179
شرح القصيدة التاسعة الرائية 180
شرح القصيدة العاشرة الرائية 182
شرح القصيدة الحادية عشرة الميمية 183
شرح القصيدة الثانية عشرة العينية 184
شرح القصيدة الثالثة عشرة الدالية 185
شرح القصيدة الرابعة عشرة الرائية 189
شرح القصيدة الخامسة عشرة الميمية 190
شرح القصيدة السادسة عشرة الميمية 191
شرح القصيدة السابعة عشرة الميمية 192
شرح القصيدة الثامنة عشرة الميمية 192
شرح القصيدة التاسعة عشرة العينية 193
شرح القصيدة العشرين البائية 193
شرح القصيدة الحادية والعشرين النونية 194
شرح القصيدة الثانية والعشرين اللامية 195
شرح القصيدة الثالثة والعشرين النونية 198
شرح القصيدة الرابعة والعشرين الميمية 201
شرح القصيدة الخامسة والعشرين الدالية 204
شرح القصيدة السادسة والعشرين اللامية 206
شرح القصيدة السابعة والعشرين اللامية 209
شرح القصيدة الثامنة والعشرين الرائية 211
شرح القصيدة التاسعة والعشرين الرائية 213
زهير بن أبي سلمى: ترجمته 215
شرح القصيدة الأولى الميمية 225
تحليل لمعلّقة زهير 233
شرح القصيدة الثانية اللامية 236
شرح القصيدة الثالثة اللامية 240(1/287)
شرح القصيدة الرابعة القافية 245
شرح القصيدة الخامسة الكافية 249
شرح القصيدة السادسة الرائية 253
شرح القصيدة السابعة الرائية 254
شرح القصيدة الثامنة الرائية 255
شرح القصيدة التاسعة الميمية 256
شرح القصيدة العاشرة الرائية 260
شرح القصيدة الحادية عشرة الهمزية 262
شرح القصيدة الثانية عشرة الميمية 269
شرح القصيدة الثالثة عشرة النونية 270
شرح القصيدة الرابعة عشرة الرائية 272
شرح القصيدة الخامسة عشرة اللامية 273
شرح القصيدة السادسة عشرة التائية 274
شرح القصيدة السابعة عشرة اليائية 274
شرح القصيدة الثامنة عشرة الرائية 277
شرح القصيدة التاسعة عشرة الدالية 278
شرح القصيدة العشرين اللامية 282(1/288)
الجزء الثانى
تتمة الشعراء الستة
بسم الله الرّحمن الرّحيم والصلاة على نبيّه الكريم، الذي نزّل عليه القرآن، وأوتي الفصاحة والبيان، وعلّم الناس الحكمة، وفصل الخطاب
طرفة بن العبد
ترجمته والمختار من شعره
ترجمة الشاعر
565540 - م
تمهيد:
طرفة شاعر صاحب شخصية واضحة في شعره وصاحب مذهب واضح في حياته، وداعية من دعاة اللهو واللذّة والعبث، وشاب جمع إلى فتوّة الشّاب وطيشه حكمة الشيوخ وتفكيرهم ويعجب النقّاد والمستشرقون به وبشخصيته وشعره إعجابا شديدا وشعره صورة واضحة لحياته كل الوضوح بما كان فيها من مطامح وآمال وآلام وأحداث.
أسرة الشاعر وبيئته:
1 - وطرفة شاعر فحل من أعلام الشعر الجاهلي، وهو من ربيعة من بكر بن وائل إحدى قبيلتيها العظيمتين المشهورتين وهما بكر وتغلب فهو بكري ربعي.
وربيعة أخت مضر في الشرف والسيادة وضخامة الحسب والقوة والعدد. وبكر أخت تغلب في المجد والجاه والعزّة والأنفة، وهما جميعا من ربيعة. ومن شعراء بكر: الحارث بن حلزة الشاعر الجاهلي المشهور والمعدود من أصحاب المعلّقات، وتوفي أواخر القرن السادس الميلادي ومنهم المرقش الأكبر والمرقش الأصغر.
ذلك هو نسب الشاعر بين العرب وحسبه أما أسرته القريبة فهي سعد بن مالك من بني قيس. إذ هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن
قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل من ربيعة بن نزار من عدنان الجدّ الأعلى للعرب الحجازيين العدنانيين كما علمت واسم طرفة عمرو، وكنيته أبو عمرو (1).(2/3)
ذلك هو نسب الشاعر بين العرب وحسبه أما أسرته القريبة فهي سعد بن مالك من بني قيس. إذ هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن
قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل من ربيعة بن نزار من عدنان الجدّ الأعلى للعرب الحجازيين العدنانيين كما علمت واسم طرفة عمرو، وكنيته أبو عمرو (1).
2 - كان قومه في عزّة ومنعة بعددهم وحسبهم وشرفهم ومكانتهم بين العرب وكان جده سفيان موصوفا بالشرف والرئاسة، وكان أبوه شابّا قويّا ظاهر الفتوّة والجرأة والإقدام، مات وطرفة طفل صغير. وترك غير طرفة ابنا آخر اسمه معبد ورد ذكره في معلّقة طرفة: [الطويل]
إذا متّ فانعيني بما أنا أهله ... وشقّي على الحبيب يا ابنة معبد (1)
وأم طرفة اسمها وردة، وورد ذكرها في شعره، قال: [الوافر]
ما تنظرون بحق وردة فيكمو ... صغر البنون ورهط وردة غيب (2)
ولا نعلم من أمر وردة هذه شيئا آخر غير هذا البيت، ولكننا نعرف أن المتلمس الشاعر خال طرفة، فهو غالبا أخو وردة لأمه وأبيه، وتكون هي بنت عبد المسيح من بني ضبيعة من بكر من ربيعة من عدنان، فصلة القرابة واضحة بين أسرتيّ والدته وأبيه (2).
وسمّي طرفة باسم شجرة. وللعرب مذاهب في تسمية أبنائها: فمنها ما سمّوه تفاؤلا على أعدائهم نحو غالب وغلاب وظالم ومنازل. ومنها ما تفاءلوا به للأبناء نحو نابل ووائل وناج وسالم وسليم ومالك. ومنها ما سمّي بالسباع ترهيبا لأعدائهم نحو أسد وذئب. ومنها ما سمّي بما غلظ وخشن من الشجر تفاؤلا أيضا نحو طلحة وسلمة وقتادة الخ. (راجع ذلك كله في صفحة 3من كتاب الاشتقاق الكبير لابن دريد من مجموعة فصيح ثعلب والشروح التي عليه نشر وتعليق محمد عبد المنعم خفاجي طبعة 1949).
هذا ويقول ابن دريد في (الاشتقاق الكبير): قيل للعتبي ما بال العرب سمّت أبناءها بالأسماء المستبشعة وسمّت عبيدها بالأسماء المستحسنة؟ فقال: لأنها سمّت أبناءها لأعدائها وسمّت عبيدها لأنفسها (3و 4من المرجع).
هذا وطرفة بتحريك الراء واحدتها طرفاء وهي ضرب من الشجر.
(2) ولطرفة أخت من أمه هي الخرنق بنت بدر بن هفان توفيت نحو عام 570م وكانت شاعرة بليغة، ولها أشعار في أخيها وزوجها لم يصلنا منها إلا بضعة وخمسون بيتا جمعت في ديوان منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية. وقد طبعت أخبارها وأشعارها في شعراء النصرانية (ص 321ج 1) وأفردت في ديوان على حدة طبع بيروت ولها أخبار في خزانة الأدب (ص 306ج 2)، ولها ترجمة في (ص 149ج 1تاريخ أدب اللغة لجورجي زيدان).
__________
(1) البيت في ديوان طرفة ص 39 (طبعة دار صادر بيروت).
(2) البيت في ديوان طرفة ص 12 (طبعة دار الكتب العلمية).(2/4)
3 - كان طرفة وقومه يعيشون في البحرين (1)، وهي واقعة في شرق الجزيرة العربية وتمتد من عمان إلى حدود العراق، ومن أشهر مدنها هجر التي ضرب المثل بكثرة تمرها فقالوا: «كناقل التمر إلى هجر»، ومن مدنها كذلك «قطر» كان يسكن البحرين قبائل كثيرة من العرب وجوها جميل معتدل نوعا لقربها من البحر، وهي قريبة من الحيرة وكانت تخضع لنفوذها والقبائل التي تعيش فيها والشعراء الذين نشأوا في أرضها لهم صلات واضحة بملوك الحيرة الذين يخضعون لنفوذ أكاسرة الفرس وسلطانهم (2).
وهذه البقعة من أرض الجزيرة العربية قريبة من العراق وإيران يمر بها الكثير من المسافرين بين هذه البلاد، وهي خاضعة للحيرة، والحيرة ملتقى الأفكار والديانات والمذاهب المختلفة، وتعيش في ظلال قسط من الحضارة والنصرانية منتشرة فيها فلا بد أن يكون لكل هذه العوامل الظاهرة أثرها في عقلية أبنائها وتفكيرهم في الحياة، وفي عقلية وتفكير شاعرنا «طرفة» بوجه خاص.
4 - ولا يفوتنا أن نذكر أن المرقش الأصغر والمرقش الأكبر من أسرة «طرفة» الشاعر:
فالمرقش الأصغر (3) م 560عمّ طرفة، والمرقش (4) الأكبر م 552م عمّ المرقش الأصغر.
ومن أقارب «طرفة» خاله المتلمس م 580م. ويعدّ من الطبقة الثانية عند بعض النقّاد، وله قصيدة سينية في الجمهرة (5) وقد نظمها بعد قتل ابن أخته طرفة يوقظ فيها بكرا ويدعوها إلى الانتقام من عمرو ابن هند ملك الحيرة، ويقول فيها: [البسيط]
يا آل بكر ألا لله أمكمو ... طال الثواء وثوب العجز ملبوس
أغنيت شاتي فأغنوا اليوم تيسكمو ... واستحمقوا في مراس الحرب أو كيسوا
تقع على شاطىء الخليج الفارسي المعروف.
(2) ويقول طرفة في حديثه عن قومه من قصيدته الرائية:
حيث ما قاظوا بنجد وشتوا ... حول ذات الحاذ من ثني وقر
وهو يصوّر لنا الأماكن التي كان يرتادها قومه وينتجعونها طلبا للكلأ والماء.
(3) تجد له ترجمة في الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 56و 57نشر الأستاذ السقّا.
(4) ص 54و 55الشعر والشعراء، وهو كما يقول ابن قتيبة. أول من أطال المدح وراجع ص 210من الجمهرة ط 1926.
(5) ص 206الجمهرة.(2/5)
وتتصل حياة المتلمس بحياة طرفة اتصالا وثيقا، كما سترى فيما نقصّه عليك في القريب. وترجم له ابن قتيبة (1).
ويقول صاحب الأغاني عنه: «وهو من شعراء الجاهلية المغلين المفلسين (2) ويرى صاحب «الأدب الجاهلي» على مذهبه من إنكار الشعر الجاهلي أن شعر المتلمس «مخترع منحول»، وأنه قد يكون المتلمس نفسه أيضا شخصا روائيا مخترعا (3) وهو رأي غريب.
نشأة الشاعر وحياته:
1 - لا ندري متى ولد طرفة على وجه التحديد. وإن كان قد أدرك عهد عمرو بن هند ملك الحيرة وأمر عمرو بقتله في أوائل حكمه وقد حقّق بعض المؤرخين والمستشرقين أن عمرو بن المنذر الثالث المشهور بابن هند تولى ملك الحيرة عام 562م، فإذا كان طرفة قد قتل في مطلع حكمه فيكون تاريخ موته نحو عام 565م، وإن كان جورجي زيدان يذكر أن وفاته سنة 550م.
وقد قتل طرفة وهو شاب صغير (4) في العشرين أو الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين من عمره على اختلاف الروايات (5)، إذ تقول أخته الخرنق تبكيه:
[الطويل]
عددنا له ستّا وعشرين حجة ... فلما توفّاها استوى سيدا ضخما
فجعنا به لمّا رجونا إيابه ... على خير حال لا وليدا ولا قحما
ص 52الشعر والشعراء. ويقول أبو الفرج: وكان المتلمس شاعر ربيعة في زمانه (ص 132ج 21)، وترجم له في الأغاني (ص 121ج 21وما بعدها).
(2) ص 122ج 21الأغاني. قال أبو الفرج: وجعله ابن سلام في الطبقة السابعة من شعراء الجاهلية مع سلامة بن جندل وحصين بن الحمام المري المسيب بن علس.
(3) راجع ص 44و 250من الأدب الجاهلي لطه حسين.
(4) ويرى المؤرّخ الفرنسي دبرسفال أن طرفة قتل عام 563، وفي شعراء النصرانية أن وفاته عام 564م.
(5) هذه رواية المزهر (ص 302ج 4) قال: والقحم: المتناهي في السن وكذلك ورد البيتان في ديوانه ص 20طبعة بيروت سنة 1866م. ورواهما صاحب الجمهرة نعمنا به خمسا وعشرين حجة (ص 43الجمهرة).
ويذكر السيوطي في المزهر أنه قتل وهو صغير حول العشرين فيما يروى (ص 302ج 2 المزهر).(2/6)
فيكون ميلاد طرفة نحو عام 540ميلادية وتكون حياته على الراجح من سنة 540إلى 565م. ويجعل باحث آخر ميلاده عام 538م (1)، والرأيان متقاربان.
2 - نشأ طرفة في هذه البيئة العامة من بلاده وتلك البيئة الخاصة من أسرته وحسنها، يجول ببصره في هذه الفيافي المترامية القبح ومشاهدها، ويصعد بفكره في هذه الحياة البدوية وما خالطها من أفكار وأديان ومبادىء ليفهمها ويتمثّلها، وأخذ يعيش بين حسب كريم وعدد كثير وحمية ظاهرة.
ولكنه فوجىء وهو طفل صغير بوفاة والده، فكان لذلك أثره البليغ في نفسه وحياته، فكفله أعمامه وقاموا بواجب تربيته.
وبعثت بيئته وحياته ووراثته مواهب الشاعرية في نفسه، فنظم الشعر وهو صغير، يصف فيه مناظر الصحراء وألوان حياته فيها، ولذّاته منها، وما يجده من قومه من تقصير في حق رعايته، ويشيد فيه بمجد قومه وأحسابهم، ويذود عن شرفهم وحياضهم ويهجو خصومه وخصومهم.
وكان ليتمه أثره الواضح فيه منذ حداثته فشبّ متوقّد الذهن مضطرم الشعور حادّ العاطفة سريع التأثّر والغضب قوي الفطرة صادق النظر يفزع إلى هجاء من يشعر منه بتقصير نحوه كما كان لحسبه ومجد قومه أثره في اعتزازه بنفسه، وتمجيده لشخصيته، وحبّه الظهور بمظهر البطل الشجاع والشاب المقدام.
وأول شعر قاله هو هذه الأبيات التي أنشدها حين وجد أعمامه يظلمونه ويغتصبون حقّا لوردة أمه إذ أبوا أن يقسموا مال أبيه، ومنعوا حق أمه منه فثارت نفسه واشتعلت شاعريته، وقال (2): [الكامل]
ما تنظرون بحقّ وردة فيكم ... صغر البنون ورهط وردة غيّب (1)
قد يبعث الأمر العظيم صغيره ... حتى تظل له الدماء تصبّب
والظلم فرّق بين حي وائل ... «بكر» تساقيها المنايا «تغلب»
ص 266الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي.
(2) راجع ص 51الشعر والشعراء.
__________
(1) الأبيات في ديوان طرفة ص 12 (طبعة دار الكتب العلمية).(2/7)
إلى أن قال: [الكامل]
أدّوا الحقوق تفرّ لكم أعراضكم ... إن الكريم إذا يحرب يغضب (1)
4 - وأخذ الشاعر يميل إلى اللهو ويسرف فيه ويعتنق البطالة والدّعة والعبث ويهجو قومه وسواهم، ويسير وفق رغبات نفسه ونوازعها. ويذهب إلى حوانيت الخمر ويشربها مع نداماه وأصدقاء لهوه. فأخذ أهله يلومونه وينصحونه ويعاتبونه، حتى ضاق بعتابهم. فاقتاد راحلته يسير متنقلا بين القبائل والأحياء.
سار إلى اليمامة وأناخ راحلته بفناء قتادة بن سلمة الحنفي فمدحه بقصيدة، ذكر فيها طرفة إسراف ابن عمه عبد عمرو في تنقّصه وشتمه، ثم افتخر بنفسه، وخلص إلى مدح قتادة، وذكر ما كان من صنيعه مع قومه حين أتوه في قحط أصابهم فأكرم وفادتهم وبذل لهم من ماله وأكرم مثواهم ورفدهم قال (1): [الكامل]
إن امرءا سرف الفؤاد يرى ... عسلا بماء سحابة شتمي
وأنا امرؤ ألوي من القصر ... البادي وأغشى الدهم بالدهم (2)
وأصيب شاكلة الرمية إذ ... صدت بصفحتها عن السهم (3)
إلى أن قال: [الكامل]
أبلغ قتادة غير سائله ... منه الثواب وعاجل الشكم
إني حمدتك للعشيرة إذ ... جاءت إليك مرقّتة العظم
ففتحت بابك للمكارم حين ... تواصت الأبواب بالأزم (4)
ويقول ابن قتيبة: ويقال إن أول شعر قاله طرفة أنه خرج مع عمّه في سفر فنصب فخّا فلما أراد الرحيل قال: [الرجز]
يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقّري ما شئت أن تنقري ... قد رفع الفخ فماذا تحذري
لا بدّ يوما أن تصادي فاصبري
(ص 51الشعر والشعراء). وقوله: «تحذري» خطأ واضح، والشعر متكلّف ضعيف.
(2) القصر: داء يأخذ في قصرة العنق، يمنع صاحبه من الالتفات يريد به الكبر والخيلاء، الدهم الجيش الكثير.
(3) الشاكلة: ما بين عظم الورك والقصيري، وهي من أنفذ المقاتل.
(4) الأزم: إغلاق الباب.
__________
(1) الأبيات في ديوان طرفة ص 78.(2/8)
فسقى بلادك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي
وتعيّره حبيبته لسيره في البلاد وتنقّله فيها بعيدا عن أهله وبلاده فيقول (1):
[الطويل]
تعيّر سيري في البلاد ورحلتي ... ألا ربّ دار لي سوى حرّ دارك
وليس امرؤ أفنى الشباب مجاورا ... سوى حيّه إلا كآخر هالك
ألا ربّ يوم لو سقمت لعادني ... نساء كرام من حييّ ومالك
وطال تنقله في البلاد فذهب إلى اليمن، ثم رحل منها إلى النجاشي في الحبشة، وقال في اطّراده إلى النجاشي قصيدته. لخولة بالأجزاع من إضم طلل.
ولما فزعته الغربة وحرق قلبه الحنين إلى أهله وبلده، عاد إلى الموطن الذي هجره، فأمدّه أخوه «معبد» بمال من ماله، ولكنه أتلفه في لذّاته ولهوه وعبثه (1).
4 - ثم قصد أملا في إصلاح حاله ملك الحيرة عمرو بن المنذر الثالث الذي يلقّب باسم أمه حتى اشتهر بعمرو ابن هند، وتولّى ملك الحيرة عام 554م كما يقول البعض، أو عام 562، أو 563كما يرجّح آخرون. وكان الشعراء يرحلون إليه وينشدونه قصائدهم في مدحه فيجزل لهم العطاء. فوفد عليه طرفة مع خاله المتلمس فأحسن وفادتهما وجعلهما في حاشية أخيه قابوس بن المنذر وكان مرشحا للملك بعده، وكان شابا يميل إلى اللهو والترف، ويخرج إلى الصيد، فكان يخرج معه طرفة إذا خرج وينادمه على الشراب، وهكذا اطمأن به الحال، واستقرّت حياته بعض الاستقرار. ولكن طرفة الشاعر لم يرضه أن يكون تابعا لأحد، أو أن يشعر بأنه أقلّ شرفا ومجدا من إنسان.
5 - طرفة وابن عمه عبد عمرو كان عبد عمرو بن بشر بن مرثد بن سعد بن مالك زوجا للخرنق أخت طرفة، وكان عبد عمرو سيّدا كريما شجاعا مطاعا في قومه، ظاهر الثّراء والقوة والفتوّة، وكان من أجمل العرب، كما كان وفي تفرّده عن قبيلته، وخصومة أهله له بسبب لهوه، بطالته، يقول طرفة في معلقته:
[الطويل]
وما زال تشرابي الخمور ولذاتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد
__________
(1) الأبيات في ديوان طرفة ص 59.(2/9)
أثيرا رفيع المنزلة عند عمرو بن هند يداعيه وينادمه (1)، وسيد أهل زمانه كما يقولون (2).
فجاءت أخت طرفة تشكو إليه شيئا من أمر زوجها، فغضب الشاعر وهجاه بعد ذلك بقصيدته (1): [الطويل]
يا عجبا من عبد عمرو وبغيه ... لقد رام ظلمي عبد عمرو فأنعما
ولا خير فيه غير أن له غنى ... وأن له كشحا إذا قام أهضما (3)
يظل نساء الحي يعكفن حوله ... يقلن: عسيب من سرارة ملهما (4)
وبدأت الخصومة والشحناء بين الشاعر وابن عمّه.
وفيه أيضا يقول من قصيدة له (2): [الطويل]
ألا أبلغا عبد الضلال رسالة ... وقد يبلغ الأنباء عنك رسول
دببت بسرّي بعد ما قد علمته ... وأنت بأسرار الكرام نسول
وكيف تضلّ القصد والحق واضح ... وللحق بين الصالحين سبيل
ومنها: [الطويلل]
وأعلم علما ليس بالظن أنه ... إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليل
وإن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل
قتل طرفة:
1 - كان ملك الحيرة عمرو ابن هند (5) جبّارا عنيدا متكبّرا، لا يرى في الناس من يدانيه شرفا ومجدا، وكان له يوم بؤس ويوم نعيم كل سنة، يركب يوم بؤسه فيقتل أول من يلقاه، وفي يوم نعيمه يقف الناس ببابه فإن اشتهى حديث رجل أذن له راجع ص 42من الجمهرة.
(2) ص 50الشعر والشعراء.
(3) الكشح: الخصر. أهضما: أي لطيفا.
(4) العسيب: جريدة النخل. السرارة: الحيار. ملهم: موضع كثير النخل، هذا والقصيدة طويلة وتجدها كاملة في «كتاب نهاية الأرب» من شرح معلقات العرب للنعساني الحلبي طبعة الجمالية بمصر ص 38و 39.
(5) آل إليه الملك بعد قتل أبيه عام 571563م، كما يذهب إليه بعض الباحثين.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 70.
(2) الأبيات في الديوان ص 6766.(2/10)
فأصاب مجدا ومالا «وملك ثلاثا وخمسين سنة وكانت العرب تهابه هيبة شديدة» (1) وكان أخوه قابوس ولي عهده جبارا متكبّرا مستبدا كذلك.
ولم يرض طرفة الشاعر عن طغيانهما واستبدادهما وكبريائهما، فنظم قصيدة يهجوهما بها، وهي طويلة (2) ومنها (1): [الوافر]
فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا (3) حول قبّتنا تخور
لعمرك إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير
ومنها: [الوافر]
ولمّا أن أنخت إلى مليك ... مساكنة الخورنق والسدير
لينجزني مواعد كاذبات ... بطيّ صحيفة فيها غرور
فأوعدني فأخلف ثم ظني ... وبئس خليقة الملك الفجور
وتمادى طرفة في هجاء عمرو ابن هند وأسرته. ومما هجاه به قوله (2):
[الطويل]
ولا خير فيه غير أن له غنى ... وأن له كشحا إذا قام أهضما
تظل نساء الحيّ يعكفن حوله ... يقلن عسيب من سرارة ملهما (4)
2 - وبلغ ذلك عمرو ابن هند فامتلأ حقدا وغضبا على طرفة وأضمر له الشرّ.
قالوا: إن الذي نقل إليه أهاجي طرفة فيه هو عبد عمرو ابن عمّ الشاعر، فثارت حفيظة الملك عليه (5)، ولكنه كره العجلة عليه لمكان قومه فتظاهر بالرضا عن طرفة ص 126ج 21الأغاني.
(2) تجدها كاملة في ص 39و 40من كتاب «نهاية الأرب للنعساني».
(3) الرغوث: البقرة الحلوب، وكل مرضعة. وتخور تصيح.
(4) الكشح: الخصر. والأهضم: الدقيق. العسيب: جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها. وسرارة الروضة: خير منابتها. وملهم: موضع كثير النخل. شبّه كشحه الأهضم بجريدة نخل من خيار نخل هذا المكان.
(5) ولمّا علم طرفة بذلك اعتذر إلى عمرو ابن هند بأبيات منها: [الكامل]
إني وجدك ما هجوتك وال ... أنصاب يسفح بينهن دم
أخشى عقابك إن قدرت، ولم ... أغدر فيؤثر بيننا الكلم
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 38.
(2) البيتان في الديوان ص 70.(2/11)
والتنويه به وبشعره، حتى أمن الشاعر ولم يخفه على نفسه وظنّ أنه قد رضي، فقدم طرفة والمتلمس على عمرو ابن هند يتعرّضان لفضله ومعروفه وكان المتلمس أيضا قد هجا عمرو ابن هند الملك في قصيدة من شعره، وكان في نفس الملك موجدة عليه يكتمها عنه كذلك.
أظهر عمرو ابن هند الاحتفاء بالشاعرين، وتلطّف معهما تلطفا جميلا وكتب لكلّ منهما كتابا إلى عامله بالبحرين (1) وأوهمهما أنه أمر لهما بعطاء كثير سيدفعه إليهما هذا العامل عندما يتوجهان إليه بهجر وقال لهما: انطلقا إليه فخذا جوائزكما منه، وكان قد أعطاهما هدية من عنده وحملهما.
ولعلّ إيثاره لهذا الأسلوب في الانتقام من الشاعرين لخوفه من قبيلتهما بكر حتى لا يرمى الملك بقتلهما، أو بمثابة الرّدّ على قول طرفة في هجائه: [الوافر]
لينجزني مواعد كاذبات ... بطيّ صحيفة فيها غرور (2)
كان مكتوبا في صحيفة المتلمس: «باسمك اللهمّ، من عمرو ابن هند إلى المكعبر: إذا جاءك كتابي هذا مع المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيّا»، وكذلك كانت صحيفة طرفة.
وخرج الشاعران من بلاط الملك، فلما وصلا النجف قال المتلمس: يا طرفة إنك غلام حديث السن، والملك من عرفت حقده وغدره، وكلانا قد هجاه فلست منا أن يكون قد أمر بشر، فهلمّ فلننظر في كتبنا هذه، فإن يكن قد أمر لنا بخير مضينا فيه، وإن تكن الأخرى لم نهلك أنفسنا، فأبى طرفة أن يفكّ خاتم الملك، وعدل المتلمس إلى غلام من غلمان الحيرة عبادي (3)، فأعطاه الصحيفة ليقرأها، والغلام لا يعرف المتلمس ولا من كتب الصحيفة، فقرأها فقال: ثكلت المتلمس أمه، فانتزع المتلمس الصحيفة من يده، واتّبع طرفة فلم يلحقه (4).
هو ربيعة بن الحارث العبدي (ص 125ج 21الأغاني). أو المكعبر كما في الأغاني في موضع آخر (ص 126ج 21)، وكان عامله على البحرين وعمان أو هو المعلى بن حنش العبدي كما في شرح المعلقات للزوزني ص 44ط 1925.
(2) ينكر الأستاذ الجارم في كلمة له نشرها في مجلة الكتاب عام 1947هذه الرواية الواردة في قتل طرفة، ويروى أن الملك بعث إلى كلّ منهما برسالة يدعوه فيها ويمنّيه الأماني، أما المتلمس فحذر فنجا وأما طرفة فصدق فهلك.
(3) نسبة إلى عباد وهي قبيلة كانت تسكن الحيرة وتعتنق النصرانية.
(4) هذه هي الرواية المشهورة، وذكرها صاحب الأغاني (ص 125ج 21)، والجمهرة (ص 42)،
3 - ألقى المتلمس الصحيفة في نهر الحيرة وسار هاربا إلى الشام وهو يقول:(2/12)
(4) هذه هي الرواية المشهورة، وذكرها صاحب الأغاني (ص 125ج 21)، والجمهرة (ص 42)،
3 - ألقى المتلمس الصحيفة في نهر الحيرة وسار هاربا إلى الشام وهو يقول:
[الطويل]
وألقيتها بالثني من جنب كافر ... كذلك أقنو كل قط مضلل (1)
رضيت لها بالماء لما رأيتها ... يجول بها التيار في كل جدول
وأخيرا استقرّ به المقام عند بني غسان فأكرموا وفادته، وأخذ الشاعر يهجو ملوك الحيرة وبني المنذر، فشقّ ذلك على عمرو ابن هند، وكان بنو غسان قد قتلوا أباه يوم «أباغ» فحلف ألا يدخل المتلمس العراق ولا يطعم بها حتى يموت وكتب إلى عمّاله بنواحي الريف يأمرهم أن يأخذوا المتلمس إن قدروا عليه وهو يمتار طعاما أو يدخل الريف، وفي ذلك يقول المتلمس يحرّض قومه بعد قتل طرفة: [البسيط]
يا آل بكر ألا لله درّكمو ... طال الثواء وثوب العجز ملبوس
ومنها آليت حبّ العراق الدهر أطعمه ... والحب يأكله في القرية السوس
وقال:
أيها السائلي فإني غريب ... نازح عن محلتي وصميمي
وقال:
إن العراق وأهله كانوا الهوى ... فإذا نآنا ودّهم فليبعدوا
ومات ببصرى بأرض الشام (2) نحو عام 580م.
4 - وأما طرفة فقد سار حتى قدم على عامل البحرين ربيعة بن الحارث العبدي على الأرجح بهجر، فدفع إليه كتاب عمرو بن هند فقرأه، قال: هل تعلم يا طرفة ما أمرت به؟ قال: نعم، أمرت أن تجيرني وتحسن إليّ، فقال: يا طرفة بيني وبينك خؤولة أنا لها راع حافظ فاهرب في ليلتك هذه فإني قد أمرت بقتلك فاخرج قبل أن ونهاية الأرب ص 41، والوسيط ص 78ط 1925. وفي الأغاني رواية أخرى وهي أن طرفة كان مع المتلمس عند قراءة الصحيفة وأن المتلمس قال له: معك مثلها؟ فقال: كلا، ما كان ليفعل ذلك في عقر داري (ص 126و 137ج 21الأغاني) وعليها سار الزيّات (ص 60)، وابن قتيبة في الشعر والشعراء (ص 52)، والزوزني في شرح المعلقات ص 44. كما ذكرها أيضا صاحب «نهاية الأرب» (ص 41).
(1) كافر: نهر بالحيرة، أو هو نهر قد ألبس الأرض وغطاها أقنو أحفظ وأجزى القط: الصحيفة.
(2) ص 41127الأغاني.(2/13)
تصبح ويعلم بك الناس، فقال طرفة: اشتدت عليك جائزتي فأردت أن أهرب؟
فسكت ربيعة وأصبح الصباح فأمر بحبسه ولم يقتله، وكتب إلى عمرو ابن هند ابعث إلى عملك من تريد فإني غير قاتله فبعث عمرو ابن هند رجلا من تغلب فاستعمله على البحرين وأمره بقتل طرفة وربيعة بن الحارث العبدي، فاجتمعت بكر تريد الفتك بالعامل الجديد، ولكنها لم تستطع وجيء بطرفة إليه فقال له: إني قاتلك لا محالة فاختر لنفسك ميتة تهواها، فقال: إن كان ولا بد فاسقني الخمر وافصدني ففعل به ذلك فما زال ينزف دمه حتى مات (1).
5 - قال صاحب الجمهرة م 215هـ: وقبر طرفة اليوم معروف بهجر بأرض لبني قيس بن ثعلبة، ويروى أنه قال قبل صلبه: [الطويل]
فمن مبلغ أحياء بكر بن وائل ... بأن ابن عبد راكب غير راجل
على ناقة لم يركب الفحل ظهرها ... مدببة أطرافها بالمناجل
وقال أيضا: [الطويل]
لعمرك ما تدري الطوارق بالحا ... ولا زاجرات الطير ما الله فاعل (2)
وهكذا انتهت حياة هذا الشاعر الشاب «طرفة»، وودّع الدنيا وداع النّاقم عليها، الساخط من ظلمها وآلامها. وكان قتله نحو عام 565م.
6 - ورثت الخرنق أخاها طرفة وبكته بكاء شديدا، وهجت عبد عمرو الذي وشى به إلى الملك عمرو بن هند فقالت:
ألا ثكلتك أمك عبد عمرو ... أبا الخزيات (3) وآخيت الملوكا
فيومك عند زانية هلوك ... تظل لرجع مزهرها ضحوكا
ويقال إن الذي قتل طرفة هو معضد بن عمرو من بني عبد القيس (ص 43الجمهرة) أو المعلى بن حنش العبدي (ص 50الشعر والشعراء) ويقول ابن قتيبة والذي تولى قتله بيده، معاوية بن مرة (ص 50المرجع)، وفي الأغاني أن المكعبر هو الذي قتل طرفة بأن قطع يديه ورجليه ودفنه حيّا (ص 21127الأغاني).
(2) راجع ص 43من الجمهرة: ومن آخر ما قاله قبل قتله:
أسلمني قومي ولم يغضبوا ... لسوءة حلّت بهم فادحة
كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحة
كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة
(3) أي الفضائح.(2/14)
وقال المتلمس يحرّض قوم طرفة: [الكامل] أبني «قلابة» (1) لم تكن عاداتكم ... خذ لدنية قبل خطة معضد
وقال: [الكامل]
من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... خبرا فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهم ... ونجا حذار حبائه (2) المتلمس
ألق الصحيفة لا أبا لك إنه ... يخشى عليك من الحباء النقرس (3)
شعر طرفة
أهم الدراسات عن طرفة وشعره:
والدراسات عن طرفة كثيرة ولكنها لا تزال غامضة.
1 - ذكره ابن سلام م 231هـ في كتابه «طبقات الشعراء» (4).
2 - وترجم له ابن قتيبة م 276هـ في «الشعر والشعراء» (5) ترجمة صغيرة جدا.
3 - وذكر بعض أخباره أبو زيد الأنصاري م 215هـ في كتابه «جمهرة أشعار العرب» (6).
4 - وذكر أبو الفرج بعض أخباره في الأغاني في ترجمته للمتلمس (7) وفي مواضع أخرى (8).
5 - وشرح الزوزني معلقته في كتابه «شرح المعلّقات السبع» (9) كما شرحها النعساني في كتابه «نهاية الإرب في شرح معلّقات العرب» (10)، وقد ذكر كلّ منهما هي امرأة من بني يشكر تزوجها سعد بن مالك وهي أم المرقش الأكبر (ص 21131 الأغاني).
(2) الحباء: العطاء.
(3) النقرس: الهلاك.
(4) ص 49طبقات الشعراء.
(5) ص 49الشعر والشعراء.
(6) ص 4541الجمهرة.
(7) ص 21121وما بعدها.
(8) ذكر شعرا له في الأغاني ص 247وص 4413وص 20143وص 24و 876 وص 10158وذكر شعره في كعب بن مامة الأيادي في ص 1591و 1984، وذكر ما تحلّ له من شعر هو ليزيد بن الحكم في ص 11100.
(9) ص 7243الزوزني ط 1925بمصر.
(10) ص 7538نهاية الأرب طبع المطبعة الجمالية بمصر سنة 1329.(2/15)
تصديرا للمعلّقة ضمّنه بعض أخباره، ورواها صاحب الجمهرة (1). وقد طبعها العلّامة «وليرس» في مدينة بونا 1829م.
6 - وطبع شعره مع شعر خمسة من شعراء الجاهلية هم امرؤ القيس والنابغة وزهير وعلقمة وعنترة في مجموعة تسمى «العقد الثمين» والذي جمعها هو المستشرق الألماني «وليم بن الورد البروسي»، وطبع شعره أيضا مع شعر امرؤ القيس وزهير في مجموعة أخرى مختصرة من الأولى سميت: العقد الثمين أيضا، وهي منقولة عن النسخة المطبوعة في لندرة عام 1870، وطبعت هذه المجموعة في المطبعة اللبنانية ببيروت سنة 1886.
وشرح ديوان يعقوب بن السكيت م 244هـ، وشرحه أيضا الأعلم الشنتمري، وقد نشر شرحه مع ترجمة فرنسية للمستشرق «مكس سلغسون» الذي كتب رسالة عن حياة طرفة ونال بها درجة علمية في التاريخ واللغات من جامعة باريس عام 1892م، وطبع هذا المستشرق أشعار طرفة بشالون بفرنسا سنة 1900.
7 - وعدّه صاحب كتاب «شعراء النصرانية» من شعراء النصارى وأرّخ له (298 320ج 1).
8 - وترجم له البغدادي في خزانة الأدب ترجمة موجزة (1414) وكذلك ترجم جورجي زيدان (1116).
9 - كما ترجم له الزيّات (2) وأصحابه الوسيط (3) والمفصل والأستاذ هاشم في كتاب «الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي» (4). والدكتور طه حسين في الأدب الجاهلي (5) وسواهم من الباحثين والمؤلّفين.
وذكره إسكندر أبكاريوس السوري في كتابه «روضة الأدب في طبقات شعراء العرب»، وله ترجمة في حياة الحيوان للدميري (6) وفي المجلة الآسيوية الفرنسية عام 1841مقال عنه وعن المتلمس.
طبقته وآراء النقاد فيه:
1 - جعله ابن سلام الجمحي م 231هـ في الطبقة الرابعة من طبقات شعراء الجاهلية، وعدّ معه: عبيد بن الأبرص وعلقمة بن عبدة وعدي بن زيد.
ص 148130الجمهرة ط 1926.
(2) ص 59و 60تاريخ الأدب العربي للزيّات.
(3) ص 87ط 1925.
(4) ص 296263المرجع.
(5) ص 250244المرجع.
(6) ص 2209حياة الحيوان.(2/16)
وقال عنه: وهو أشعر الناس واحدة (1).
وجعله أبو عبيدة 209هـ في الطبقة الثانية مع الأعشى ولبيد، أما الطبقة الأولى عنده فهو: امرؤ القيس والنابغة وزهير. ووافقه على ذلك أبو زيد م 215في الجمهرة (2).
2 - ويقول ابن مقبل في طرفة: هو أشعر الناس (3)، وكذلك يروى عن النضر بن شميل (4). أما أبو عمرو بن العلاء م 154هـ فكان يقول: أشعر الناس أربعة: امرؤ القيس والنابغة وطرفة ومهلهل (5). ويقول قتيبة بن مسلم: أشعر الجاهلية امرؤ القيس وأضربهم مثلا طرفة (6). ويقول لبيد بن ربيعة الشاعر الجاهلي المشهور:
أشعر الناس الملك الضليل (7)، ثم الشاب القتيل (8)، ثم الشيخ (9) أبو عقيل (10).
وأشاد به وبشاعريته جرير (11) والأخطل (12). كما ذكره المرزباني في كتابه الموشح (13) والثعالبي في كتابه خاص الخاص (14).
3 - ويقول ابن قتيبة فيه ما قاله ابن سلام: فهو أجودهم طويلة وهو صاحب المعلّقة «لخولة أطلال» وليس عند الرواة من شعره وشعر عبيد بن الأبرص إلا القليل (15).
ويقول فيه صاحب الجمهرة: هو أشعرهم إذا بلغ بحداثة سنه ما بلغ القوم في طوال أعمارهم فخب وركض معهم (16).
وسئل حسان من أشعر الناس فقال: قبيلة أم قصيدة؟ قيل: كلاهما قال: أما أشعرهم قبيلة فهذيل، وأما أشعرهم قصيدة فطرفة.
وسئل جرير: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول: [الطويل]
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
البيت
ص 2209حياة الحيوان.
(2) ص 49طبقات الشعراء لابن سلام.
(3) ص 45الجمهرة.
(4) ص 2299المزهر.
(5) ص 2299المزهر.
(6) 2298المرجع.
(7) هو امرؤ القيس.
(8) هو طرفة.
(9) يعني لبيد نفسه.
(10) ص 20الجمهرة ص 2297المزهر. ص 93و 1494الأغاني.
(11) ص 7124الأغاني.
(12) ص 716المرجع.
(13) ص 57و 58الموشح.
(14) ص 76.
(15) ص 49الشعر والشعراء وص 49طبقات الشعراء.
(16) ص 41الجمهرة.
وقال القالي في أماليه (1): حدّثنا أبو بكر بن الأنباري، نبأنا أبو حاتم، نبأنا عمارة بن عقيل، نبأنا أبي: يعني عقيل بن بلال، سمعت أبي يعني بلال بن جرير يقول عن أبيه جرير: دخلت على بعض خلفاء بني أمية، فقال: ألا تحدّثني عن الشعراء؟ فقلت: بلى، قال: فمن أشعر الناس؟ قلت: ابن العشرين، يعني طرفة، قال: فما تقول فى ابن أبى سلمى والنابغة؟ قلت: كانا ينيران الشعر ويسديانه (2)، قال: فما تقول في امرىء القيس بن حجر؟ قلت: اتخذ الخبيث الشعر نعلين يطؤهما كيف يشاء. قال: فما تقول في ذي الرمة؟ قلت: قدر من الشعر على ما لم يقدر عليه أحد (3). قال: فما تقول في الأخطل؟ قلت: ما باح بما في صدره من الشعر حتى مات. قال: فما تقول في الفرزدق؟ قلت: بيده نبعة الشعر قابضا عليها قال: فما أبقيت لنفسك شيئا. قلت: بلى والله يا أمير المؤمنين، أنا مدينة الشعر، التي يخرج منها ويعود إليها.(2/17)
وقال القالي في أماليه (1): حدّثنا أبو بكر بن الأنباري، نبأنا أبو حاتم، نبأنا عمارة بن عقيل، نبأنا أبي: يعني عقيل بن بلال، سمعت أبي يعني بلال بن جرير يقول عن أبيه جرير: دخلت على بعض خلفاء بني أمية، فقال: ألا تحدّثني عن الشعراء؟ فقلت: بلى، قال: فمن أشعر الناس؟ قلت: ابن العشرين، يعني طرفة، قال: فما تقول فى ابن أبى سلمى والنابغة؟ قلت: كانا ينيران الشعر ويسديانه (2)، قال: فما تقول في امرىء القيس بن حجر؟ قلت: اتخذ الخبيث الشعر نعلين يطؤهما كيف يشاء. قال: فما تقول في ذي الرمة؟ قلت: قدر من الشعر على ما لم يقدر عليه أحد (3). قال: فما تقول في الأخطل؟ قلت: ما باح بما في صدره من الشعر حتى مات. قال: فما تقول في الفرزدق؟ قلت: بيده نبعة الشعر قابضا عليها قال: فما أبقيت لنفسك شيئا. قلت: بلى والله يا أمير المؤمنين، أنا مدينة الشعر، التي يخرج منها ويعود إليها.
ويقول السيوطي م 911في المزهر: طرفة من المقلين وفضل الناس بواحدة وهي معلّقته «لخولة أطلال»، وله سواها يسير لأنه قتل صغيرا حول العشرين فيما روي (4).
ويقول فيه صاحب الأدب الجاهلي على مذهبه في إنكار الشعر الجاهلي وانتحاله: «معلّقة طرفة تبدو فيها شخصية قوية ومذهب في الحياة واضح هو مذهب اللهو واللذة، وهذه الشخصية ظاهرة البداوة والإلحاد، وهذا الشعر واضح لا تكلّف فيه ولا انتحال، وفي المعلّقة شعر وصفي صنعه علماء اللغة وشعر صدر عن الشاعر حقا وهو الذي سجل عواطف الشاعر وآراءه في الحياة» (5).
طرفة والشعراء الجاهليون:
والشعراء الجاهليون باعتبار أزمنتهم ثلاث طبقات:
1 - الطبقة الأولى ومن شعرائها: المهلهل م 530م والشنفرى م 510، وتأبط شرّا 530م، وسواهم من الشعراء.
ص 179و 180ج 2طبع دار الكتب المصرية.
(2) ينيران الشعر: يجعلان له نيرا، أي علما. ويسديانه: يجعلان له سدى.
(3) لعله يريد أنه بلغ في الوصف مبلغا لم يساوه فيه شاعر قديم ولا معاصر له.
(4) ص 2302المزهر.
(5) راجع ص 248244الأدب الجاهلي، وذلك خلاصة رأيه وكلامه.(2/18)
2 - الثانية ومن شعرائها: امرؤ القيس م 560م، والسموأل م 560م، وعلقمة الفحل م 561م والمرقش الأصغر م نحو عام 560م، والمرقش الأكبر 552م، وعبيد م 555م، والمتلمس م 580م، والحارث بن حلزة م 580م، والمثقب العبدي م 587م، والأفوه الأودي م 570م، ومنها طرفة م 565م، ولقد عاش طرفة إبان هذه النهضة الشعرية التي حمل لواءها امرؤ القيس ومن عاصره أو جاء بعده من الشعراء.
3 - الطبقة الثالثة ومن شعرائها: النابغة م 604م، وعمرو بن كلثوم م 600م، وحاتم م 605م، وعروة بن الورد 596م، وعنترة م 651م، والأعشى م 629م، وزهير م 630م، ولبيد م 662م، وسواهم.
أسباب شاعريته:
كانت كل الظروف تعمل عملها في خلق شاعرية طرفة وتكوينها:
1 - فالصحراء تغذي الخيال وتثير العاطفة والشعور وتلهم الناس بآيات الشاعرية وموهبتها. فضلا عن مشاهدها المنوّعة التي تستثير المشاعر والملكات.
2 - وأسرة الشاعر بما كان فيها من أعلام في الشعر جعلته يرث هذه المواهب ومن أسرته المرقش الأكبر، وخاله هو المتلمس، وكانت أخته الخرنق شاعرة. كما كان من شعراء بكر قومه: الحارث بن حلزة، وسواه.
3 - ومجد طرفة وحسبه أنطقاه وألهماه القول والبيان وكما يقول الشاعر:
[الطويل]
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت
4 - ويتمه أليس هو الذي أثار فيه بواعث الشعر وأسبابه الأولى وأمدّه بهذه العاطفة المتأجّجة المشتعلة وتلك الملكة القوية الحادّة.
5 - ورحلة الشاعر في البلاد ما بين اليمامة واليمن والحبشة إلى الحيرة وبعض أرجاء البلاد العربية أمدته بمدد لا ينفذ وبثروة فنية وفكرية واسعة مما ظهر في شعر الشاعر وأفكاره وآرائه وحكمته.
6 - والخصومات العنيفة بين قومه وخصومهم من تغلب وسواها، وبين الشاعر والعاصرية، كابن عمه عبد عمرو، وكعمرو ابن هند ملك الحيرة وسواهما هذه الخصومات هي التي أجّجت شاعريته وأحكمت فنّه.(2/19)
7 - يضاف إلى ذلك فطرة الشاعر وخلقه وصفاته من حدّة الذّهن واضطرام الشعور وثوران العواطف والتهاب المشاعر. إلى ما سوى ذلك من أسباب الشعر وبواعثه في نفس الشاعر.
ولا عجب في ذلك، فقد كانت ملكات البلاغة والشعر قوية في نفس طرفة حتى في طفولته، ولقد روي (1) أن المتلمس شاعر ربيعة في زمانه وخال طرفة وقف على مجلس لقومه من بني قيس بن ثعلبة فاستنشدوه، فأنشدهم شعرا جاء فيه: [الطويل]
وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم (2)
والصيعرية: سمة تكون للإناث خاصة «فقال له طرفة وهو غلام وطرفة لا يعرفه: استنوق الجمل، أي وصفت الجمل بوصف الناقة وخلطت، فذهبت كلمته مثلا، وضحك القوم» وغضب المتلمس، ونظر إلى لسان طرفة وقال: ويل لهذا مني هذا يعني رأسه من لسانه. ويروى أن تلك القصة كانت مع عمرو بن كلثوم لا مع المتلمس (ص 40و 41جمهرة أشعار العرب).
خصائص شاعريته:
أولا من حيث الألفاظ:
يجمع طرفة بين العذوبة الجميلة السلسة والحوشية الغريبة المعقدة في ألفاظه.
فإذا وصف رأيت ألفاظا بعيدة غريبة قوية ضخمة مسرفة في حوشيتها وغرابتها، وإذا فخر أو هجا رأيته يقرب من السهولة والوضوح في لفظه، وإذا أرسل الحكمة رأيت جمالا وسلاسة وسهولة.
والظاهر أن مرجع ذلك هو حياة الشاعر الشعرية، فقد بدأ في صغره ينظم الشعر يصف به مشاهد الطبيعة، وروائعها الماثلة أمام بصره وكانت شاعريته في بدء أمرها قوية خشنة قوة البداوة وخشونة الصحراء، فقوي في ألفاظه وأغرب ثم أخذت شاعريته تنضج وبدأ يكثر من قصائده في الفخر بأحسابه وهجاء خصومه فأخذت ألفاظه تلين وتسهل، ثم خبر الحياة وطاف في الأرجاء وشاهد ألوانا من التفكير والمذاهب والآراء، فكانت شاعريته قد كمل نضجها. فبدأت ألفاظه تسلس وتسهل وتقرب من ذوق البدوي المتحضّر الذي يبعد عن حياة الخشونة ومظاهر الإغراب في البداوة.
ص 21133الأغاني.
(2) الصيعرية: سمة توسم بها النّوق باليمن دون الجمال. مكدم: غليظ. ناج: سريع.(2/20)
ثانيا من حيث الأسلوب:
وأسلوب طرفة قوي جزل رصين. يمتاز بالمتانة وأسر اللفظ وفخامة الأسلوب وقوة القافية مع سهولتها.
تجد فيه جزالة وقوة في كثير من شعره. ورقة وسهولة في بعض غزله وفي حكمته وفي عتابه وفي وصف مطامحه وآماله وآلامه.
والجزالة والرقة تختلف موضعها باختلاف المقام ومواطن الكلام وفنونه والمناسبات التي تسنح للشاعر فتجعل نفسه مرحة فرحة أو تجعلها مكتئبة كزّة نافرة.
وفي أسلوبه معاظلة في التركيب وتعقيد في الكلام حينا. وفي غالب الأحايين نجد وضوحا ودقة تصوير وجمال تعبير وقرب مأخذ وسهولة عرض ورشاقة بيان.
ثالثا من حيث المعاني والأخيلة:
معاني طرفة تتصل بنفسه وحياته وقبيلته وبالصحراء والبادية التي عاش فيها وبتاريخ قومه وأحسابهم وبالحياة العربية عامة اتصالا وثيقا.
وطرفة في معانيه قريب. واضح أحيانا. وخفي معقد حينا، يقتصر على بيان الحقيقة. قليلة الغلو والمبالغة. يصور الحقائق والواقع تصويرا قويّا.
وخياله خيال يقظ مشبوب حادّ. يحلّق قريبا من الحياة والواقع. يظهر في أسلوب الاستعارة والتشبيه أحيانا. ويجنح إلى القصد والاعتدال والصدق.
وفي معانيه معان مكررة، متقاربة الخيال. وطرفة على أيّ حال من المقلّين في الشعر. ومعلّقته سبب شهرته وتمتاز بوفرة معانيها وتنوّع أغراضها وقوة قافيتها وصدق تصويرها.
رابعا من حيث أغراض الشعر وفنونه:
ولقد نظم طرفة الشعر في أغراض كثيرة وأجاد فيها إجادة بليغة. ومن أهم هذه الأغراض:
1 - الهجاء:
فقد كان طرفة هجّاء (1). هجا عمرو ابن هند الملك، كما هجا ابن عمه عبد عمرو، وهجا قومه كما هجا أعداءهم. وتنبأ له المتلمس منذ طفولته بالقتل بسبب نشأته وفطرته على الهجاء.
ص 21121الأغاني.(2/21)
ترجع أسباب ميله إلى الهجاء إلى توقّد عاطفته وحدّة شعوره واضطرام حسّه وإلى قوة اعتزازه بنفسه وشدّة تأثرّه مما يشعر به من تقصير في حقه من قومه وسواهم وإلى يتمه الذي جعله يتوهّم العداوة من الصديق والضّرّ حتى من القريب.
يقول في قومه: [الكامل]
أدّوا الحقوق تفرّ (1) لكم أعراضكم ... إن الكريم إذا يحرب يغضب (1)
ويقول في ابن عمه (2): [الطويل]
ولا خير فيه غير أن له غنى ... وأن له كشحا إذا قام أهضما
ويقول في عمرو ابن هند (3): [الوافر]
فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبتنا تخور
2 - الفخر:
ولقد كان طرفة يشعر بحسب قومه ومجدهم بين العرب وكثرة عددهم وقوتهم وشوكتهم، ويعتزّ بذلك اعتزازا كبيرا وينظم شرف قومه في قصائده، فيمدحهم بحماية الجار وقري الضيف والغناء في الحرب وجلال المجلس ووقاره، وبسوى ذلك من مظاهر الفخر وألوانه.
(أ) قال في قومه من قصيدة في الفخر (4): [الرمل]
يزعون الجهل من مجلسهم ... وهم أنصار ذي الحلم الصمد
سمحاء الفقر أجواد الغنى ... سادة الشيب، مخاريق المرد
(ب) وقصيدته (5): [الرمل]
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر
وقف على الفخر بقومه وأحسابهم ومجدهم وهي إحدى قصائده الجياد وأشاد بها ابن سلام وسواه من النقاد، بدأها بالنسيب والتغزّل في محبوبته «هر» في تفر: تصان.
__________
(1) البيت في الديوان ص 12.
(2) البيت في الديوان ص 70.
(3) البيت في الديوان ص 38.
(4) البيتان في الديوان ص 31.
(5) البيت في الديوان ص 39.(2/22)
أبيات طويلة، ثم ذكر الناقة في بيتين، ثم التفت إلى نفسه وقومه فافتخر ببأسهم وكرمهم وبطولتهم ومكانتهم بين العرب واعتزازهم بالخيل للحرب والنضال فخرا قويا كثيرا، جاء فيه قوله (1): [الرمل]
وهم ما هم إذا ما لبسوا ... نسج داود لبأس محتضر
ولقد تعلم بكر أننا ... آفة الجزر مساميح يسر
ولقد تعلم بكر أننا ... فاضلو الرأي وفي الروع وقر
ثم ختمها بالرضاء على قومه وذكر ما آل إليه من رشد (2): [الرمل]
ولقد كنت عليكم عاتبا ... فعقبتم بذنوب غير مر
كنت فيكم كالمغطي رأسه ... فانجلى اليوم قناعي وخمر
سادرا أحسب غيي رشدا ... فتناهيت وقد صابت (1) بقر
ويبدو من هذه الأبيات أنه نظمها بعد عودته إثر تنقله بين الأحياء والبلاد وأن قومه أعانوه بمالهم وعطفهم وأنه رضي بعد سخط واطمأن فيهم بعد قلق ورشد بعد غي.
(ج) ويقول طرفة من قصيدة في الفخر ختمها بحكمته (3): [الكامل]
إنّا لنكسوهم وإن كرهوا ... ضربا يطير خلاله شرره
والمجد ننمّيه ونتلده ... والحمد في الأكفاح ندّخره
(د) ويقول يفتخر بقومه وأبيه من قصيدة طويلة بدأها بالحديث عن نفسه وغربته وتنقله بين القبائل (4): [الطويل]
وأنمى إلى مجد تليد وسورة ... تكون تراثا عند حي لهالك
أبي أنزل الجبار عامل رمحه ... عن السرج حتى خرّ بين السنابك
(هـ) ويفتخر بقومه وبطولتهم وما سجّلوه في أمسهم البعيد من مجد تليد وبطولة نادرة في حروبهم يوم التحاليق وهو يوم من أيام حرب البسوس وكان لبكر على قوله: صابت بقر: مثل يضرب للشيء إذا بلغ موضعان يحسن أن يستقرّ فيه.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 43.
(2) الأبيات في الديوان ص 46.
(3) البيتان في الديوان ص 36.
(4) البيتان في الديوان ص 60.(2/23)
تغلب وذلك في قصيدة مطلعها (1): [الرمل]
سائلوا عنّا الذي يعرفنا ... بقوانا يوم تحلاق اللّمم (1)
وهي وقف على الفخر ويقول فيها (2): [الرمل]
نزع الجاهل في مجلسنا ... فترى المجلس فينا كالحرم
وتفرّعنا من ابني وائل ... هامة المجد وخرطوم الكرم
نمسك الخيل على مكروهها ... حين لا يمسك إلا ذو كرم
(و) ويفتخر بنفسه في قصيدته في مدح قتادة الحنفي وقد مضت الإشارة إليها.
وكذلك قصيدته (3): [المديد]
أشجاك الربع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه
قد ذكر فيها شيئا من تاريخ قومه إبان حرب البسوس. وسعى «الغلاق» أحد قواد ملك الحيرة بين تغلب وقومه بكر من أجل الصلح، وكان الغلاق يميل إلى تغلب: وهدد طرفة فيها تغلبا بالعودة إلى الحرب باللسان وبالسيوف جميعا. وعلى الجملة فقد كان طرفة مجيدا في فخره، كما كان لا ذعا في هجائه.
3 - الغزل:
ويتغزّل طرفة في شعره بخولة (4): [الطويل]
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وينسبها إلى قومها الحنظليين فيقول من قصيدة بدأها بذكر خولة (5): [الطويل]
فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل
كان الحارث بن عبّاد أمر قومه بحلق رؤوسهم في هذا اليوم ليعرف بعضهم بعضا فجعل طرفة هذا علما على ذلك اليوم.
هذا ويشكّ بعض الباحثين في نسبة هذه القصيدة لطرفة لأن موضوعها حرب البسوس وكانت قبل زمان طرفة بكثير وكأنهم يحرّمون على الشعراء أن يفتخروا بماضي أممهم وقبائلهم وبطولتهم في حروبهم ونضالهم الخصوم والأعداء وأكاد أشك فيما روي من إنكار الأصمعي لها، وليس أيضا صحيحا ما ينسب إلى المفضل وسواه من أن طرفة حضر هذا اليوم.
__________
(1) البيت في الديوان ص 75.
(2) البيتان في الديوان ص 76.
(3) البيت في الديوان ص 71.
(4) البيت في الديوان ص 19.
(5) البيت في الديوان ص 62.(2/24)
ويذكرها في معلّقته بالمالكية ولعل ذلك نسبة إلى مالك بن ضبيعة من عمومة الشاعر. ويتغزل بهر:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر (1)
كما يتغزّل بهند:
لهند بحزان الشديف طلول (2)
وبسلمى (3): [الطويل]
ديار سليمى إذ تصيدك بالمنى ... وإذ حبل سلمى منك دان تواصله
وهو في غزله يذكر الديار ويقف عليها ويبكيها كما في معلقته ويذكر خيال الحبيب وسراه إليه، ويصف جمال حبيبته وتقاطيع جسمها كما في قصيدته «أصحوت اليوم»، ويدعو لدارها بالمطر كما في قصيدته:
لخولة بالأجزاع من إضم طلل
وله قصيدة مفردة في الغزل قصرها عليه ومطلعها (4): [الطويل]
أتعرف رسم الدار قفرا منازله ... كجفن اليماني زخرف الوشى ماثله
وهي في محبوبته سليمى أو سلمى، بدأها بذكر ديارها، ثم قال:
ديار لسلمى إذ تصيدك بالمنى ... وإذ حبل سلمى منك دان تواصله
وإذ هي مثل الرئم صيد غزالها ... لها نظر ساج إليك تواغله
غنينا وما نخشى التفرق حقبة ... كلانا غرير ناعم العيش باجله
ليالي أقتاد الصبا ويقودني ... يجول بنا ريعانه ونجاوله
ثم يصف خيالها الذي سرى إليه من مكان بعيد ويتعجب لاهتدائه إليه، ثم يقول: [الطويل]
وقد ذهبت سلمى بعقلك كله ... فهل غير صيد أحرزته حبائله
كما أحرزت أسماء مرقش ... بحب كلمع البرق لاحت مخايله
__________
(1) عجزه:
ومن الحب جنون مستعر
والبيت في الديوان ص 39.
(2) عجزه:
تلوح وأدنى عهدهنّ محيل
والبيت في الديوان ص 66.
(3) البيت في الديوان ص 63.
(4) الأبيات في الديوان ص 63.(2/25)
ثم يذكر قصة المرقش مع محبوبته أسماء، ويختمها بقوله:
وقد ذهبت سلمى بعقلك كله ... فهل غير صيد أحرزته حبائله
كما أحرزت أسماء قلب مرقش ... بحب كلمع البرق لاحت مخايله
ثم ذكر قصة المرقش مع محبوبته أسماء ويختمها بقوله:
فوجدي بسلمى مثل وجد مرقش ... بأسماء إذ لا تستفيق عواذله
قضى نحبه وجدا عليها مرقش ... وعلقت من سلمى خبالا أماطله
وبعد فمعاني طرفة في غزله قليلة بدائية وشتان بينه وبين امرىء القيس في هذا الباب والنقاد يقولون: إن طرفة لا يحسن العشق، أليس هو الذي يقول (1): [الرمل]
وإذا تلسنني ألسنها ... إنني لست بموهون فقر
أي إذا افتخرت عليه افتخر عليها لأنه ليس بضعيف ولا دنيء. وهو الذي يقول (2): [الطويل]
فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل
وأين هذا من قول امرؤ القيس: [الطويل]
أغرّك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
4 - الوصف:
وهو كثير في شعر طرفة، ويمتاز بغرابة اللفظ وقوة الأسلوب وصدق الوصف وصحة التصوير والرسم، ويبدو فيه أثر بيئته واضحا، فوصفه للسفينة في معلقته يرجع إلى كثرة ما شاهد من سفن تسير في البحر في البحرين وسواها. ووصف الصحراء كما وصف الناقة والفرس ومجالس الشراب، والغيث والرعد، وسوى ذلك من مشاهد الصحراء ومناظرها، ولا شك أن شعره يتصل بالصحراء اتصالا وثيقا لأنه صورة منها ورسم لمناظرها وألوان الحياة والطبيعة فيها، ونماذج وصفه في معلقته فارجع إليها.
5 - الحكمة:
وهي كثيرة في شعر طرفة، عميقة رائعة تدل على صدق النظر وقوة الفراسة وعلى ثقوب الذّهن وحدّة الفكر: وهي مبكرة في طرفة الشباب، ولعل أسفاره
__________
(1) البيت في الديوان ص 42.
(2) البيت في الديوان ص 62.(2/26)
ورحلاته وبيئته وقربه من ألوان الحياة والتفكير في الحيرة قد نمّتها فيه رغم صغر سنّه، ومعلّقته فيها الكثير من الحكم ومن حكمه قوله (1): [الكامل]
والإثم داء ليس يرجى برؤه ... والبر برء ليس فيه معطب
والصدق يألفه اللبيب المرتجي ... والكذب يألفه الدنيّ الأخيب
ويقول (2): [الطويل]
وليس امرؤ أفنى الشباب مجاورا ... سوى حيه إلا كآخر هالك
ويقول (3): [المديد]
للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه
وسوى ذلك من صادق حكمه وبعيد فراسته وتفكيره للأمور وحكمه عليها.
شعر طرفة في ميزان النقد:
1 - قال الأصمعي (1):
لم يكن طرفة يحسن أن يتعشق، قال في قصيدته (4): [الرمل]
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر
أرق العين خيال لم يقر ... طاف والركب بصحراء يسر
أي زار في مكان لا يزار فيه. فتراه يقول هذا القول، أنه لم ينم ولم يهج من حبها، ثم يقول: [الرمل]
وإذا تلسنني ألسنها ... إنني لست بموهون غمر
2 - وقال المبرد (2):
عاب الناس قول طرفة (5): [الرمل]
أسد غيل فإذا ما شربوا ... وهبوا أمون وطمر (3)
راجع ص 57الموشح للمرزباني.
(2) ص 58المرجع.
(3) أي وهبوا النّوق والأفراس.
__________
(1) البيتان في الديوان ص 12.
(2) البيت في الديوان ص 59.
(3) البيت في الديوان ص 73.
(4) البيتان في الديوان ص 39.
(5) البيت في الديوان ص 43، وروايته في الديوان:(2/27)
فقيل: إنما يهبون عند هذه الآفة التي تدخل على عقولهم، وفضلوا قول عنترة:
[الكامل]
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فأنا أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي
فخبر عنترة أن جوده باق لأنه لا يبلغ من الشراب ما يثلم عرضه.
قالوا: وقول عنترة حسن جميل إلا أنه أتى به في بيتين، هلّا قال كما قال امرؤ القيس: [الطويل]
سماحة ذا، وبرّ ذا، ووفاء ذا ... ونائل ذا، إذا صحا وإذا سكر
قال الصولي: وقد تبع حسان طرفة، فقال: وهو أعيب من الأول (1)
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
فقول طرفة خير من هذا، لأنه قال:
أسد غيل فإذا ما شربوا
فجعل الشجاعة لهم قبل الشرب. وحسان قال:
نشرب فنشجع ونهب ... كأنا ملوك إذا شربنا
فلهذا كان قول طرفة أجود وقول عنترة أحسن، لأنه احترس من عيب الإعطاء على السكر وأن السكر زائد في سخائه، فقال:
وإذا شربت فإنني مستهلك
البيتين
وقال زهير: [الطويل]
أخي ثقة لا تهلك الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
فهذا من أحسن الكلام، يريد أنه لا يشرب بماله الخمر ولكنه يبذله للحمد وقال البحتري: [الطويل]
تكرمت من قبل الكؤوس عليهم ... فما أسطعن أن يحدثن فيك تكرما
أي من قوله طرفة.
__________
فإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كل أمون وطمر(2/28)
3 - وكان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يتمثل بقول طرفة ولا يقيم وزنه (1): [الطويل]
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وكان ابن عباس يقول إنه كلام نبيّ يجمع الحكمة والمثل.
4 - ويقال إن أمير شعره قوله (2): [الكامل]
قد يبعث الأمر الكبير صغيره ... حتى تظل له الدماء تصيب (1)
5 - ويمتثل من شعره قوله (3): [الكامل]
بحسام سيفك أو لسانك وال ... كلم الأصيل كأرغب الكلم (2)
6 - وقال ناقد أمام الأصمعي إن طرفة أحسن الناس تشبيها في قوله (4):
[الطويل]
ووجه كأن الشمس ألقت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدد (3)
وفي قوله: [الطويل]
يشقّ حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد (4)
قال الأصمعي: فقلت: هذا حسن، وغيره حسن منه، وقد شركه في هذا المعنى جماعة من الشعراء، وبعد فطرفة (5) صاحب واحد (6) لا يقطع بقوله مع التجوّز، وإنما يعدّ أصحاب الواحدة.
قال: ومن أصحاب الواحدة؟ قلت: الحارث بن حلزة (7) في قوله (8): [الخفيف]
آذنتنا ببينها أسماء ... ربّ ثاو يملّ منه الثواء (9)
ص 76خاصّ الخاصّ للثعالبي.
(2) ص 51الشعر والشعراء.
(3) يتخدد: يتغضن. رداءها: يريد ضياءها. يصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة.
(4) حباب الماء: أمواجه. الحيزوم: الصدر. الفيال: ضرب من اللعب وهو أن يجمع التراب فيدفن فيه شيء ثم يقسم التراب نصفين. شبّه شقّ السفن الماء بشقّ المفايل التراب المجموع بيده.
(5) شاعر جاهلي مجيد من أصحاب المعلقات.
(6) هي معلقته الدالية: «لخولة أطلال».
(7) شاعر جاهلي من أصحاب المعلقات مشهور بالجودة والأسر ومتانة الكلام.
(8) راجع ص 66ج 1العمدة في «أصحاب الواحدة».
(9) الإيذان: الإعلام. البين: الفراق. الثواء: الإقامة.
__________
(1) البيت في الديوان ص 29.
(2) البيت في الديوان ص 12.
(3) البيت في الديوان ص 78.
(4) البيت في الديوان ص 20.(2/29)
والأسعر الجعفي في قوله (1): [الكامل]
هل دان قلبك من سليمى فاشتفى ... ولقد عنيت بحبها فيما مضى (2)
والأفوه والأودي (3) في قوله: [الرمل]
إن ترى رأسي فيها نزع ... وشواتي خلة فيها دوار (4)
وعلقمة (5) في قوله: [الطويل]
طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشبب (6)
وسويد بن أبي كاهل (7) في قوله: [الرمل]
بسطت رابعة (8) الحبل لنا ... فوصلنا الحبل منها فاتسع
وعمرو بن كلثوم (9) في قوله: [الوافر]
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا (10)
وعمرو بن معد يكرب في قوله: [الوافر]
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
7 - وقال طرفة: [الطويل]
يشقّ حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد
أخذه لبيد فقال يصف ثورا: [الرمل]
تشقّ خمائل الدهنا يداه ... كما لعب المقامر بالفيال
شاعر جاهلي متوسط الشعر.
(2) اشتفى: من الشفاء. عنى كفرح عناء: تعب ونصب. دانه بدينه دينا: بالكسر، أذله واستعبده.
وفي العمدة (ص 67ج 1ط 1925). بان وبدل: دان.
(3) شاعر جاهلي قديم.
(4) النزع: انحسار شعر الرأس من جانبي الجبهة. الشواة: جلد الرأس. الدوار: بضم الدال وفتحها، دوران الرأس.
(5) شاعر جاهلي فحل عاصر امرأ القيس وعارضه.
(6) طحا: ذهب به. بعيد: تصغير بعد. حان: قرب.
(7) شاعر جاهلي متوسط الشعر، جيد الكلام.
(8) رابعة: اسم محبوبته.
(9) من أصحاب المعلقات ومن فرسان العرب المعدودين.
(10) هبي: استيقظي. الصحن: القدح العظيم. الصبوح: هو الشرب في أول النهار. الأندرون: قرى بالشام.(2/30)
8 - وقال طرفة (1): [الرمل]
وبلاد زعل ظلمانها ... كرجال الحبش تمشي بالعمد
قد تبطنت وتحتي جسرة ... غير أسفار كمخراق وحد (1)
أخذه لبيد فقال: [الرمل]
وبلاد زعل ظلمانها ... كحزيق الحبشيين الزجل
قد تبطنت وتحتي جسرة ... حرج في مرفقيها كالقتل
9 - ولطرفة أبيات مشهورة منها (2): [السريع]
كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحه
وقوله (3): [الكامل]
قد يبعث الأمر العظيم صغره ... حتى تظل له الدماء تصبّب
وقوله (4): [الطويل]
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهنّد
وقوله (5): [الطويل]
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقوله (6): [الرمل]
ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الأزر
وقوله (6): [الرمل]
نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر
وكرر طرفة هذا المعنى في قوله: [الرمل]
وبلاد زعل ظلمانها ... كالمخاض الجرب في اليوم الحذر
قد تبطنت وتحتي جسرة ... تتقي الأرض بملثوم معر
__________
(1) البيتان غير موجودين بهذا اللفظ في الديوان وانظر الحاشية التالية.
(2) البيت في الديوان ص 17.
(3) البيت في الديوان ص 12.
(4) البيت في الديوان ص 27.
(5) البيت في الديوان ص 29.
(6) البيت في الديوان ص 43.(2/31)
وقوله (1): [المديد]
تذكرون زعل نقاتلكم ... إذا لا يضير معدما عدمه
وقوله (2): [المديد]
للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه
10 - وينسب إليه شعر منحول ومنه قصيدته (3): [الطويل]
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك، بعض الشر أهون من بعض
11 - ويقول امرؤ القيس في ديار محبوبته: [الطويل]
وقوفا بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل
أخذه طرفة بنفسه فقال (4): [الطويل]
وقوفا بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد
12 - ويقول طرفة في الفخر بنفسه (5): [الطويل]
إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
أخذه النهشلي فقال في الفخر بقومه: [البسيط]
لو كان في الألف منا واحد فدعوا ... من فارس؟ خالهم إيّاه يعنونا
فالمعنى واحد. ولكن طرفة:
أأسلوبه بدوي مطبوع جزل عن أسلوب النهشلي.
ب ومعناه أتم فقد قال: «القوم» وهو يشمل القليل والكثير مهما تجاوز العدد، وقال النهشلي: «الألف» فقصر بهذا التسديد. وقال طرفة: «من فتى» وقال النهشلي: «من فارس»، فشمل كلام طرفة تميزه عليهم بالشجاعة والجود وكرم الخلق وسمو النفس وجلال المحتد وسواها، من حيث قصر النهشلي فخره على الشجاعة.
وقال طرفة: «فلم أكسل ولم أتبلد» وهي زيادة لا نظير لها في بيت النهشلي.
__________
(1) البيت في الديوان ص 72، وروايته في الديوان:
تذكرون إذا نقاتلكم ... لا يضرّ معدما عدمه
(2) البيت في الديوان ص 73.
(3) البيت في الديوان ص 53.
(4) البيت في الديوان ص 19.
(5) البيت في الديوان ص 24.(2/32)
شرح المختار من شعر طرفة
1
قال طرفة بن العبد البكري (1): [الطويل]
1 - لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
2 - وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلّد
3 - كأنّ حدوج المالكيّة غدوة ... خلايا سفين بالنّواصف من دد
شرح القصيدة الأولى 1قال ابن الأعرابي: كان لطرفة أخ اسمه معبد وكان لهما إبل يرعيانها، هذا يوما وهذا يوما فلما أغبها طرفة، قال له أخوه: لم لا تسرح في إبلك؟ ترى أنها إن أخذت تردها بشعرك هذا؟
قال: فإني لا أخرج فيها أبدا حتى تعلم أن شعري سيردها إن أخذت، فتركها، وأخذها ناس من مضر. فقال طرفة معلقته هذه. وقال غيره كانت هذه الإبل ضلّت لمعبد أخيه. فسأل طرفة ابن عمه مالكا أن يعينه في طلبها فلامه وقال: فرطت فيها، ثم أقبلت تتعب في طلبها؟ فقال معلقته هذه المشهورة. خولة: اسم امرأة. والأطلال: الآثار الشاخصة من الديار بعد دروسها.
والبرقة: في الأصل المكان الذي اختلط ترابه بحجارة أو حصى. براق وبرقة ثهمد: اسم ديار محبوبته. الوشم: النقش على اليد بغرز الإبر في الجلد.
2 - وقوفا: منصوب على أنه حال وهو جمع واقف وصحبي فاعل للفظ (وقوفا) لأنه اسم فاعل يعمل عمل فعله، ومطيهم مفعول لأنه بمعنى حبس المتعدي المعنى: لاحت لي هذه الأطلال، وأصحابي حابسون مطيّهم من أجلي في هذه البقعة ناصحين لي بالتجلّد والصبر.
يقولون: لا تهلك حزنا وتجلّد.
3 - الحدوج: جمع حدج وهو مركب يوضع على الجمال للنساء خاصة. والمالكية: أي المنسوبة إلى بني مالك بن سعد. والخلايا: جمع خلية، وهي السفينة العظيمة. والنواصف: جمع ناصفة، وهي الرحبة الواسعة في الوادي. ودد: اسم مكان. المعنى: كأن هوادج المالكية وهي
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 2919، وهي في الديوان من 104أبيات.
4 - عدوليّة أو من سفين ابن يامن ... يجور بها الملاح طورا ويهتدي
5 - يشقّ حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد
6 - وفي الحيّ أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
7 - خذول تراعي ربربا بخميلة ... تناول أطراف البرير وترتدي
8 - وتبسم عن ألمى كأنّ منوّرا ... تخلّل حرّ الرّمل دعص له ندي
تسير بالرحاب الواسعة من المكان المسمّى ددا سفن عظيمة لكبرها وتمايلها ثم أخذ في وصف هذه السفن فقال عدولية الخ(2/33)
4 - عدوليّة أو من سفين ابن يامن ... يجور بها الملاح طورا ويهتدي
5 - يشقّ حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد
6 - وفي الحيّ أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
7 - خذول تراعي ربربا بخميلة ... تناول أطراف البرير وترتدي
8 - وتبسم عن ألمى كأنّ منوّرا ... تخلّل حرّ الرّمل دعص له ندي
تسير بالرحاب الواسعة من المكان المسمّى ددا سفن عظيمة لكبرها وتمايلها ثم أخذ في وصف هذه السفن فقال عدولية الخ
4 - عدولى: قرية بالبحرين كان أهلها يصنعون السفن العظيمة. وابن يامن: ملّاح أو تاجر من أهل هجر ويميل بها الملاح أي يجور بها عن طرق السفن المسلوكة طورا ويهدي طورا على حسب تصاريف الرياح.
5 - الحباب: موج البحر، المزبد. والحيزوم: الصدر. والمفايل: الذي يلعب لعبة الفيال أو المفايلة وهي لعبة الصبيان الأعراب وهي تراب يكوّمونه، ثم يخبّئونه فيه خبيئا ثم يشقّ المفايل تلك الكومة بيده فيقسمها قسمين ثم يقول في أيّ الجانبين خبأت؟ فإن أجاب المسؤول بالصوب ظفر وإلا قهر وغلب.
6 - وفي الحيّ: أي في منازق القبيلة. ظبي أحوى: أي أسود العين، يريد محبوبته. ثم ذكر بعض أوصاف الظبي وبعض أوصاف المحبوبة فقال هذا الظبي: ينفض المرد: أي يأكل ثمر الأراك نفضا. بفمة شادن: أي صغير السن وهذه المحبوبة تتقلّد سمطين أحدهما فوق الآخر سمطا من اللؤلؤ وسمطا من الزبرجد واللؤلؤ خرز كريم يكون في جوف نوع من الأصداف والزبرجد جوهر كريم من جواهر البرّ أخضر اللون.
7 - الخذول: البقرة الوحشية أو الظبية إذا خذلت صواحبها وأقامت على ولدها، وهي خاذل أيضا وصفها على التشبيه هنا بوصف المؤنث وفي السابق بوصف المذكر بقوله (أحوى) من أجل أن هذه المرأة تشبه الغزال مرة وتشبه مرة البقرة الخذول وإن رعت مع صواحبها لا تزال تتلفّت إلى ولدها والهة عليه ترنو إلى ناحيته بحنوّ وذلك ما يريده في وصف محبوبته عند تلفّتها ونظرها بتدلّل لمن يراعيها. وتراعي: بمعنى ترعى مع غيرها. والربرب: القطيع من البقر والظباء.
والخميلة: الأرض اللينة ذات الأشجار الكثيفة الغضّة المتهدلة. والبرير: ثمر الأراك. المعنى:
أن هذه الفتاة حسنة التلفّت والنظرات كأنها مهاة مذعورة على ولدها، فهي إن رعت مع صواحب لها خذلتهنّ واجتنبتهنّ ولا تزال ملتفتة إلى ناحية ولدها، وهي متنعّمة كالمهاة التي ترعى البرير وتدخل في خلال أغصان الشجر فتكون كأنها مرتدية بها.
8 - الثغر الألمى: الأسمر اللثّة وهم يمدحون سمرتها لدلالتها على اكتناز الدم فيها وهو أمارة الصحّة. والمنوّر: صفة لموصوف محذوف أي كان أقحوانا منوّرا وخبر كان محذوف تقديره (هو) وتخلّل الشيء في حلّ من خلله، وحرّ الرمل: خالصة. والدّعص: الكثيب من الرمل.
المعنى: أن الحبيبة تبسم عن ثغر كأن فيه أقحوانا منوّرا تخلل دعصه الندي الذي نبت فيه رملا خالصا نقيّا والأقحوان الذي نبت في الرمل الندي النقي تكون أنقى بياضا.(2/34)
9 - سقته إياة الشّمس إلّا لثاته ... أسفّ، ولم تكدم عليه، بإثمد
10 - ووجه كأنّ الشّمس ألقت رداءها ... عليه نقيّ اللّون لم يتخدّد
11 - وإني لأمضي الهمّ عند احتضاره ... بعوجاء مرقال تروح وتغتدي
12 - أمون كألواح الإران نصأتها ... على لاحب كأنّه ظهر برجد
13 - جماليّة وجناء تردي كأنها ... سفنّجة تبري لأزعر أربد
14 - تباري عتاقا ناجيات وأتبعت ... وظيفا وظيفا فوق مور معبّد
15 - تربّعت القفّين في الشول ترتعي ... حدائق موليّ الأسرة أغيد
9 - وصف الثغر باعتبار بياض أسنانه بأنه سقته إياة الشمس أي ضوؤها بياضا وحسنا أي أشربته حسنها واستثنى اللثّة لأن بياضها عيب ودليل على ضعف الدم بل هي سمراء كأنما ثغرها أسفّ بإثمد أي ذرّ عليه الإثمد وهو الكحل فاسودّت لثّته وبقيت مرسلة على الأسنان لم تتقلص إلى أعلى لأنها مترفة في المآكل لا تكدّم على ثغرها بأكل الأشياء اليابسة الغليظة التي تكشف اللثّة عن أصول الأسنان بل تأكل الناعم الليّن.
10 - ووجه: لها وجه أبيض كأن الشمس خلعت رداءها عليه فهو نقيّ اللون لم يتخدد أي ينكسر جلده ويتغضن فيطفىء ذلك رونقه.
11 - أمضي: أنفذ. والهمّ: ما يهمّ من الأمور. واحتضاره: حضوره. والعوجاء: الضامرة الملتصقة البطن، فتكون معوجّة الأسفل. والمرقال: السريعة السير. وتروح وتغتدي: أي تصل سير الرّواح بسير الغدوّ، أي إذا همّني أمر يستدعي السفر أمضيته من ساعة حضوره بركوب ناقة ضامرة سريعة تصل الرّواح بالغدوّ.
12 - أمون: يؤمن عثارها. والإران: التابوت، كانوا يحملون فيه سادتهم وكبراءهم خصيصا.
ونصأتها: زجرتها، ويروى: نسأتها، أي ضربتها بالمنسأة. واللاحب: الطريق الواضح.
والبرجد: كساء مخطط.
13 - هذا البيت ليس في نسخة ابن السكّيت، ولا الأعلم، ولا الوزير أبي بكر، ولا في شرح التبريزي على القصائد العشر، وإنما انفرد بروايته الزوزني في شرحه على المعلقات. جمالية:
تشبه الجمل في وثاقة الخلق. والوجناء: المكتنزة اللحم أو العظيمة الوجنات. وتردي: تعدو.
والسفنجة: النعامة. وتبري: تعرض. والأزعر: المعقود الذنب أو القليل الشعر. والأربد:
الذي لونه كالرماد.
14 - تباري: تجاري وتنافس. والعتاق: الكرام. والمناجيات: المسرعات في السير. والوظيف: ما بين الرسغ إلى الركبة. والمور: الطريق. والمعبد: المذلل.
15 - تربعت: رعت الربيع. أو اتخذت المكان ربعا. والقف: ما غلظ من الأرض دون الجبل، والمراد به هنا موضع بعينه وخصّه لأنه موضع خصب، ونبته أحسن نبت وثنّاه لأنه ضمّ إليه موضعان آخران يجاوره، فسمّاه باسمه. والشوال: النوق التي جفّت ضروعها وقلّت ألبانها.
والحدائق: كل روضة ارتفعت أطرافها، وانخفض وسطها. والمولي: الذي أصابه الولي، وهو المطر الثاني من أمطار السنة. وسر الوادي وسرارته: خيره وأفضله. والأغيد: الناعم الخلق.(2/35)
16 - تريع إلى صوت المهيب وتتّقي ... بذي خصل روعات أكلف ملبد
17 - كأن جناحي مضرحيّ تكنّفا ... حفافيه شكا في العسيب بمسرد
18 - فطورا به خلف الزّميل وتارة ... على حشف كالشّنّ ذاو مجدّد
19 - لها فخذان أكمل النّحض فيهما ... كأنهما بابا منيف ممرّد
20 - وطيّ محال كالحنيّ خلوفه ... وأجرنة لزّت بدأي منضّد
21 - كأنّ كناسي ضالة يكنفانها ... وأطر قسيّ تحت صلب مؤيّد
22 - لها مرفقان أفتلان كأنّما ... تمرّ بسلمى دالج متشدّد
23 - كقنطرة الرّوميّ أقسم ربّها ... لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
16 - تريع: ترجع. والمهيب: الداعي الذي يدعوها أو هو العجل الذي يصيح بها، وذي خصل:
أي ذنب ذي قطع من الشعر. والروعات: الفزعات. والأكلف: الأحمر يضرب إلى السواد.
والملبد: ذو الوبر المتلبّد.
17 - المضرحيّ: الأبيض، أو هو الأحمر يضرب إلى البياض، أو العتيق من النسور. وحفافيه:
جانبيه. والعسيب: عظم الذنب. والمسرد: المخراز وهو الأشفى.
18 - الزميل: الرديف. والحشف: بكسر الشين، الضرع المتقبّض الذي انقطع لبنه وبفتحها مستعار من حشف التمر، وهو الجافّ منه. والشن: القربة الخلق. وذاو: ذابل. والمجدد: الذي جدّ لبنه أي قطع.
19 - النحض: العضل واللحم. والمنيف: العالي، أي قصر مشرف. والممرد: المملس ويروى ممدد وهو المطول شبّه فخذيها في كمالهما ببابي قصر عال.
20 - طي محال: أي لها محال مطوية متراصّة، كالحجارة تطوي بها البئر وتعوش، والمحال: جمع محالة فقار الظهر. والحني: القسي جمع حنية. والخلوف: مآخير الأضلاع، الواحد خلف.
والأجرنة: جمع جران، وهو باطن العنق. ولزت: شدت. والدأي: خرز الظهر والعنق، الواحدة دأية.
21 - الكناس: بيت يتخذه الوحشي في أصل شجرة، والثور يتخذ كناسين لظل الغداة، وفيء العشي.
والضال: هو السدر البرّي. ويكنفانها: يكونان في ناحيتيها. والأطر: العطف. والمؤيد:
القوي.
22 - الأفتل: القوي الشديد. والسلم: الدلو. والدالج: الذي يأخذ الدلو من البئر، فيفرغها في الحوض. شبّه بعد مرفقيها عن جنبيها ببعد دلوين عن جنبي حاملهما القوي الشديد.
23 - يشبّه الناقة في تراصف عظامها، وتداخل أعضائها بقنطرة تبنى لرومي أقسم لا يتفرّق البنّاؤون حتى يحكموا بناءها ويقوّوه. القرمد: الآجر أو الصاروج. وتشاد: ترفع، أو تطلى بالشيد، وهو الجصّ.(2/36)
24 - صهابيّة العثنون مؤجدة القرا ... بعيدة وخد الرّجل موارة اليد
25 - أمرّت يداها فتل شزر وأجنحت ... لها عضداها في سقيف مسنّد
26 - جنوح دفاق عندل ثمّ أفرعت ... لها كتفاها في معالى مصعّد
27 - كأن علوب النّسع في دأياتها ... موارد من خلقاء في ظهر قردد
28 - تلاقى وأحيانا تبين كأنها ... بنائق غرّ في قميص مقدّد
29 - وأتلع نهّاض إذا صعّدت به ... كسكّان بوصيّ بدجلة مصعد
30 - وجمجمة مثل العلاة كأنّما ... وعى الملتقى منها إلى حرف مبرد
31 - وخدّ كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قدّه لم يجرّد
32 - وعينان كالماويّتين استكنّتا ... بكهفي حجاجي صخرة قلت مورد
33 - طحوران عوّار القذى فتراهما ... كمكحولتي مذعورة أم فرقد
24 - صهابية العثنون: أي في شعرات لحيها حمرة. والمؤجدة: المقواة، ومنه بعير أجد: قوي.
والوخد: الذميل. والمور: الذهاب والمجيء.
25 - أمرت: فتلت فتلا محكما، وفتل شزر: من الإنسي للوحشي. وأجنحت: أميلت. ولها: حشو لتكميل البيت.
26 - جنوح: نشيطة تنثني. ودفاق: مسرعة متدفقة في سيرها. وعندل: عظيمة الرأس. وأفرعت:
أشرفت.
27 - العلب: الأثر. والنسع: سير كهيئة العنان تشدّ به الأحمال. والموارد: جمع المورد، وهو طريق الوراد. والخلقاء: الملساء، صفة للصخرة. والقردد: الأرض الغليظة المستوية الصلبة.
28 - تلاقى: يتصل بعضها ببعض. وتبين: تتباين. والبنائق: دخاريص القميص وهي ما يوصل بها البدن ليوسع بها. والغر: البيض، جمع غراء. والمقدد: المفصل المشقق.
29 - أتلع: طويل، صفة للعنق. ونهاض: كثير الارتفاع. والبوصي: ضرب من السفن. والسكان:
ذنب السفينة. ومصعد: ضدّ التيار.
30 - العلاة: الصخرة العظيمة، أو السندان وهو الحديدة التي يضرب عليها الحداد. ووعى:
اجتمع.
31 - المشفر: للبعير، كالشفة للإنسان. والسبت: جلود البقر المدبوغة بالقرظ. والقد: بالفتح، مصدر قده أي قطعة، وبالكسر، الجلد نفسه. والتحريد: بالحاء، اضطراب القطع وتفاوته.
ويروى: لم يجرد: أي لم يزل ما عليه من الشعر.
32 - الماوية: المرآة. والكهف: الغار. والحجاج: العظم المشرف على العين الذي هو منبت شعر الحاجب. والقلت: النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء. والمورد: الماء.
33 - طحوران: تطرحان. والعوار والقذى: واحد أو أضيف المسبب للسبب. والفرقد: ولد البقر الوحشية.(2/37)
34 - وصادقتا سمع التّوجس للسّرى ... لهجس خفيّ أو لصوت مندّد
35 - مؤلّلتان تعرف العتق فيهما ... كسامعتي شاة بحومل مفرد
36 - وأروع نبّاض أحذ ململم ... كمرداة صخر من صفيح مصمّد
37 - وإن شئت سامى واسط الكور رأسها ... وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد
38 - وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملويّ من القدّ محصد
39 - وأعلم مخروت من الأنف مارن ... عتيق متى ترجم به الأرض تزدد
40 - على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
41 - وجاشت إليه النّفس خوفا وخاله ... مصابا لو أمسى على غير مرصد
42 - إذا القوم قالوا من فتى خلت أنّني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلّد
34 - التوجّس: التسمّع. والسرى: سير الليل. والهجس: الحركة. والتنديد: رفع الصوت.
35 - مؤللتان: محددتان، من الألة، وهي الحربة. والشاة: الثور الوحشي.
36 - الأروع: الذي يرتاع لكل شيء لفرط ذكائه. والنباض: الكثير الحركة. والأحذ: الخفيف السريع. والململم: المجتمع الخلق، الشديد الصلب. والمرداة: الصخرة تكسر بها الصخور.
والصفيحة: الحجر العريض والجمع الصفائح والصفيح. والمصمد: الصلب المصمت.
37 - المساماة: المباراة في السمو. والكور: الرحل بأداته. والواسط للرحل: كالقربوس للسزج.
وبضبعيها: بعضديهما. والخفيدد: ذكر النعام.
38 - أرقلت: سارت دون العدو وفوق السير. ومحصد: محكم موثق. يقول: هي مذللة مروّضة فإن شئت أسرعت في سيرها، وإن شئت لم تسرع، مخافة سوط ملوي من القد موثق.
39 - الأعلم: المشقوق الشفة العليا، وهو صفة لخطمها. والمخروت: المشقوق. والمارن: ما لان من الأنف.
40 - على مثلها الخ، أي على مثل هذه الناقة أسير في الفلاة الموحشة التي يقول صاحبي من خوفها: إنا هالكون، فيا ليتني أقدر على أن أفتديك منها، وأفتدي نفسي وضمير فيها يعود على الفلاة المفهومة من المقام كقوله تعالى: {حَتََّى تَوََارَتْ بِالْحِجََابِ} [ص: 32] أي الشمس.
41 - وجاشت إليه النفس خوفا: أي ارتفعت فلم تستقر، كما تجيش القدر إذا ارتفع غليانها.
والمرصد: المكان الذي يترصد فيه اللصوص والأعداء من يمرّ بهم. المعنى: ذعرت نفسه، وظن نفسه مصابا هالكا ولو لم يكن هناك من يرصده ثم أخذ يفخر بخصاله فقال: «إذا القوم الخ».
42 - أي إذا قال القوم من فتى لسلوك هذه الفلاة وإمضاء هذه المهمة العظيمة يعنونني بها فقمت بها غير كسل ولا متبلد.(2/38)
43 - أحلّت عليها بالقطيع فأجذمت ... وقد خب آل الأمعز المتوقّد
44 - فذالت كما ذالت وليدة مجلس ... ترى ربها أذيال سحل ممدّد
45 - ولست بحلّال التّلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد
46 - وإن تبغني في حلقة القوم تلقني ... وإن تلتمسني في الحوانيت تصطد
47 - متى تأتني أصبحك كأسا رويّة ... وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد
48 - وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الشّريف المصمّد
49 - نداماي بيض كالنّجوم وقينة ... تروح علينا بين برد ومجسد
43 - القطيع: السوط وأحلت على الناقة بالقطيع: ضربتها به ضربا في إثر ضرب. وأجذمت:
أسرعت. وخب: ارتفع. والآل: السرب أو هو سراب أول النهار خاصة. والأمعز والمعزاء:
المكان الغليظ الكثير الحصى. والمتوقد: الملتهب بالحر. المعنى: قم بسلوك هذه المفازة فركبت ناقتي وضربتها بالقطيع فأسرعت وقد اشتد الحرّ وارتفع السراب في الأماعز الملتهبة من الحر.
44 - فذالت: أي ماست وتبخترت. والوليدة: الجارية المولدة في بلاد العرب. والسحل: الثوب الأبيض. المعنى: فتبخترت هذه الناقة كما تتبختر جارية تعرض في مجلس سيدها تجرّ أذيال ثوبها الأبيض الضافي.
45 - التلاع: جمع تلعة وهي مجاري المياه من رؤوس الجبال إلى الأودية حيث تشقّ فيها شقّا.
واسترفد: طلب الرفد وهو المعونة والعطاء. المعنى: لست ممّن يستتر في التّلاع وشقوق الجبال مخافة الضيفان والمسترفدين ولكن متى يطلب القوم إعانتي أعنهم.
46 - الحانوت: حانة الخمّار. يعني إذا طلبت معونتي تجدني إما في حلقة القوم عند المشورة وإجالة الرأي، وإما في حانات الخمّارين، أي إني رجل جدّ إذا جدّ الأمر ورجل لهو إذا فرغت.
47 - يقول إذا جئتني أصبحك بشرب كأس ترويك، وإن كنت غانيا عنها بما عندك فاغن به وازدد بما عندنا.
48 - ذروة كل شيء: أعلاه. والمصمد: الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد. المعنى: إن يجتمع الحيّ للمفاخرة بالأنساب تجدني أنتمي إلى بيت شريف يقصد في الحوائج.
49 - الندامى: جمع نديم. والقينة: الأمة المغنية وقد تطلق على الأمة أيّا كانت. تروح علينا: أي تأتينا عشية. والمجسد: الثوب المصوغ بالجساد، وهو الزعفران أو الثوب الذي يلي الجسد وهو الشعار. المعنى: نداماي أحرار بيض ليسوا مولدين من إماء سود فهم مثل النجوم الوضّاءة ومن نداماي مغنية تجيء إلينا عشية عليها برد تحته قميص أحمر اللون أو تحته قميص واحد على جسدها.(2/39)
50 - رحيب قطاب الجيب منها رفيقة ... بجسّ الندامى بضّة المتجرّد
51 - إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا ... على رسلها مطروفة لم تشدّد
52 - إذا رجّعت في صوتها خلت صوتها ... تجاوب أظآر على ربع ردي
53 - وما زال تشرابي الخمور ولذّتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
54 - إلى أن تحامتني العشيرة كلّها ... وأفردت إفراد البعير المعبّد
55 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدّد
56 - ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي
57 - فإن كنت لا تسطيع منع منيّتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي
50 - رحيب: خبر مقدّم. وقطاب الجيب: مخرج الرأس من الثوب. وبضّة المتجرد: ناعم ما يعرى من لحمها وبدنها. يقول: هذه القينة واسعة الجيب لإدخال الندامى أيديهم في جيبها للمسها وهي رقيقة على جس الندامى إياها، وجسدها ناعم اللحم، رقيق الجلد.
51 - أي إذا قلنا لهذه المغنية، أسمعينا غناءك اعترضت لنا وظهرت تغني على رسلها هينة في رفق وتؤدة مطروفة العين (أي ساكنة الطرف) لم تبالغ في صياحها.
52 - رجعت في صوتها: كرّرت النغم. الأظآر: جمع ظئر وهي هنا الناقة المرضع. والربع: الفصيل الذي ولد في الربيع. والردي: الهالك. المعنى: إذا رجّعت هذه المغنية في صوتها أشبه حنين صوتها حنين النباق التي فقدت فصلاتها.
53 - تشرابي: أي شربي. والطريف: المال الذي يكتسبه المرء بنفسه. والتليد والمتلد: الذي يرثه عن آبائه. والمعبد: البعير الأجرب المطلي بالقطران المعبد عن الإبل. المعنى: ما زال شربي للخمر ولذّتي بها وبيعي وإنفاقي لأجلها كل ثروتي الحديثة والقديمة حتى تحامتني عشيرتي لإفراطي في اللذّات. وأصبحت منفردا بلذّتي عنهم كالبعير الأجرب.
54 - تحامتني: تجنبتني. والمعبد: المذلل المطلي بالقطران، حتى ذهب وبره، أو الذي عبّده الجرب أي ذلّله. المعنى: تحامتني العشيرة لمّا رأت أني لا أكفّ عن إتلاف المال والاشتغال باللذّات.
55 - الغبراء: اسم للأرض، وبنو غبراء: الفقراء أو الأضياف. والطراف: القبة من الجلد يتخذها المياسير والأغنياء. والممد: الذي مدّ بالأطناب. المعنى: إن اعتزلوني لا أكن مجهولا فإن الفقراء يعرفونني بعطائي لهم وكذلك الأغنياء لجلالتي وشرف نسبي.
56 - أحضر: رواة البصريون بضم الراء، والكوفيون بفتحها على تقدير أن. والوغى: الحرب، وأصله أصوات المحاربين. المعنى: يا من يزجرني من أجل حضوري الحروب وانهماكي في الملذّات بأن كلّا منهما يجرّ إلى الموت هل أنت ضامن لي الخلود في الدنيا؟ فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أستبق إليها بإنفاق ما ملكت يدي في لذّاتي.
57 - اسطاع: لغة في استطاع.(2/40)
58 - فلولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى ... وجدّك لم أحفل متى قام عوّدي
59 - فمنهنّ سبق العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد
60 - وكرّي إذا نادى المضاف محنّبا ... كسيد الغضى نبهته المتورّد
61 - وتقصير يوم الدّجن والدّجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعمّد
62 - كأنّ البرين والدماليج علّقت ... على عشر أو خروع لم يخضّد
63 - فذرني أروّي هامتي في حياتها ... مخافة شرب في الممات مصرّد (1)
64 - كريم يروّي نفسه في حياته ... ستعلم إن متنا غدا أيّنا الصّدي
65 - أرى قبر نحّام بخيل بماله ... كقبر غوي في البطالة مفسد
66 - ترى جثوتين من تراب عليهما ... صفائح صمّ من صفيح منضّد
58 - وجدك: حظّك وبختك. وأحفل: أبال. والعود هنا: جمع عائد أو عائدة، من العيادة وهي الزيارة.
59 - سبق، يروى سبقي.
60 - كرّي: عطفي. والمضاف: الخائف المذعور. والمحنب: الذي في قوائمه أو ضلوعه انحناء قليل، ويروى بالجيم. وسيد الغضى: ذئب خبيث.
61 - الدجن: إلباس الغيم ودوامه. وبهكنة: المرأة الحسنة الخلق، السمينة الناعمة. والمعمد:
المرفوع بالعماد.
62 - البرين: جمع برة، وهي حلقة من صفر أو شبه، تجعل في أنف الناقة، واستعارها هنا للأساور والخلاخيل. والدماليج: جمع دملوج، وهو المعضد. والعشر والخروع: ضربان من الشجر الأملس الليّن العود. لم يخضد: لم يثن ليكسر.
63 - ذرني: خلني. أروّي: أشبع من الماء. هامتي: رأسي. والممات. هذه رواية العقد الثمين وفي شرحي الأعلم والوزير. الحياة ومصرد: مقطوع قبل تمام الرأي.
64 - المعنى: أنا كريم أروي نفسي في حياتي بالخمر. وعاذلي: يموت عطشان.
65 - النحام: الكثير النحيم، وهو التنحنح بخلا. والمراد بالغويّ هنا المسرف في ماله المبدّد له بإنفاقه.
66 - الجثوة: الكومة من التراب أو الحجارة. والصفائح: جمع صفيحة، وهي الحجر العريض كالبلاط. المنضد: المضف المسوّى بعضه إلى بعض أي أن البخيل والمسرف يتساريان بعد موتهما، فلكلّ منها قبر عليه كومة من التراب وبعض حجارة مصفّفة.
__________
(1) هذا البيت غير موجود في الديوان.(2/41)
67 - أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدّد
68 - أرى العيش كنزا ناقصا كلّ ليلة ... وما تنقص الأيّام والدّهر ينفد
69 - لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطّول المرخى وثنيّاه باليد
70 - متى يشأ يوما يقده لحتفه ... ومن يك في حبل المنيّة ينقد (1)
71 - فما لي أراني وابن عمّي مالكا ... متى أدن منه ينأعني ويبعد
72 - يلوم وما أدري علام يلومني ... كما لا مني في الحي قرط بن أعبد
73 - وأيأسني من كلّ خير طلبته ... كأنّا وضعناه إلى رمس ملحد
74 - على غير شيء قلته غير أنّني ... نشدت ولم أغفل حمولة معبد
75 - وقرّبت بالقربى وجدّك إنّه ... متى يك عهد للنّكيثة أشهد
76 - وإن أدع للجلّى أكن من حماتها ... وإن يأتك الأعداء بالجهد أجهد
77 - وإن يقذفوا بالقذع عرضك أسقهم ... بشرب حياض الموت قبل التّهدّد
67 - يعتام: يصطفي ويختار. وعقيلة كل شيء: خيرته وأنفسه عند أهله فهم يعقلونه أي يمنعونه الناس لذلك. والفاحش: المتشدّد، الشديد البخل.
68 - العيش: هنا، العمر والحياة.
69 - ما أخطأ الفتى: أي مدة إخطائه له بإبقائه حيّا دهرا طويلا. والطول: الحبل. وثنياه: طرفاه المثنيان منه. المعنى: إن الموت إذا أغفل بعض الناس فطال عمرهم لا يخرجون عن قدرته وسلطانه، فمثله كمثل من بيده طرفا حبل مربوط برأس فرس إذا شاء جذبه إليه فانقاد له. كذلك الإنسان لا محالة ميت وإن طال عمره.
70 - الحتف: الموت. المعنى: إن زمان الإنسان بيد الموت متى أراد جرّه إلى هلاكه. ولا مناص للمرء من الموت.
71 - النأي: هو البعد، جمع بينهما للتأكيد وإثبات القافية.
72 - قرط بن أعبد: رجل من حيّ طرفة.
73 - المعنى: أيأسني مالك من كل خير رجوته منه، فكأنه ميت ملحد لا يرجى خيره.
74 - نشدت: طلبت المفقود من الإبل. والحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها.
75 - قربت: تقرّبت. والنكيثة: أقصى الطاقة والمبالغة في الجهد.
76 - الجلى: الخطة العظيمة.
77 - القذع: الفحش. والعرض: الحسب والشرف.
__________
(1) هذا البيت غير موجود في الديوان.(2/42)
78 - بلا حدث أحدثته وكمحدث ... هجائي وقذفي بالشكاة ومطردي
79 - فلو كان مولاي امرأ هو غيره ... لفرّج كربي أو لأنظرني غدي
80 - ولكن مولاي امرؤ هو خانقي ... على الشّكر والتّسآل أو أنا مفتد
81 - وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهنّد
82 - فذرني وخلقي إنّني لك شاكر ... ولو حلّ بيني نائيا عند ضرغد
83 - فلو شاء ربّي كنت قيس بن خالد ... ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
84 - فأصبحت ذا مال كثير وزارني ... بنون كرام سادة لمسوّد
85 - أنا الرّجل الضّرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحيّة المتوقّد
86 - فآليت لا ينفكّ كشحي بطانة ... لعضب رقيق الشّفرتين مهنّد
87 - حسام إذا ما قمت منتصرا به ... كفى العود منه البدء ليس بمعضد
88 - أخي ثقة لا ينثني عن ضريبة ... إذا قيل مهلا قال حاجزه قدي
89 - إذا ابتدر القوم السّلاح وجدتني ... منيعا إذا بلّت بقائمه يدي
78 - هجائي: مبتدأ. وبلا حدث: خبر. كمحدث: بصيغة اسم المفعول، واسم الفاعل خبر لمبتدأ تقديره هو.
79 - أنظرني غدي: أمهلني إلى غدي. ومولاي هنا: ابن عمي يقصد مالكا.
80 - المعنى: ولكن ابن عمي رجل يضيق الأمر عليّ حتى كأنه يخنقني سواء شكرته على آلائه وسألته عطفه، أم طلبت تخليص نفسي منه.
81 - أشدّ مضاضة، أي أشدّ حرقة وألما وأشدّ تأثيرا فيها وهيجا لأحزانها من الضرب.
82 - ضرغد: جبل وحرة ببلاد غطفان.
83 - عمرو بن مرثد: هو ابن عمّ طرفة.
85 - الضرب: الخفيف اللحم. المتوقد: الذكي الخفيف الروح. وقيل: هو الصلب الخشن الثابت في الأمور. وخشاش: خفيف غير بليد، وليس بطائش.
86 - آليت: حلفت. وكشحي: جانبي. وبطانة الشيء: نقيض الظهارة. وعضب: سيف قاطع.
والشفرتين: الحدّين. ومهند: مطبوع بالهند.
87 - المعنى: هو سيف قاطع إذا ضربت به عدوّي ضربة لم أحتج إلى إعادتها لمضائه. والمعضد:
الرديء الذي يمتهن في قطع الشجر.
88 - أخي ثقة: يثق صاحبه بغنائه. والضريبة: المضروبة. وقدي: حسبي. وحاجزه: مقبضه أو حامله.
89 - ابتدر الشيء: أسرع إليه. والمنيع: الذي لا يقهر. وبلت: ظفرت.(2/43)
90 - وبرك هجود قد أثارت مخافتي ... بواديها أمشي بعضب مجرّد
91 - فمرّت كهاة ذات خيف جلالة ... عقيلة شيخ كالوبيل يلندد
92 - يقول وقد ترّ الوظيف وساقها ... ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد
93 - وقال ألا ماذا ترون بشارب ... شديدا علينا بغيه متعمّد
94 - وقال ذروه إنّما نفعها له ... وإلا تكفّوا قاصي البرك يزدد
95 - فظلّ الإماء يمتللن حوارها ... ويسعى علينا بالسّديف المسرهد
96 - فإن متّ فأنعيني بما أنا أهله ... وشقّي عليّ الجيب يا ابنة معبد
97 - ولا تجعليني كامرىء ليس همّه ... كهمّي ولا يغني غنائي ومشهدي
98 - بطيء عن الجلّى سريع إلى الخنا ... ذليل بأجماع الرّجال ملهّد
99 - فلو كنت وغلا في الرّجال لضرّني ... عداوة ذي الأصحاب والمتوحّد
100 - ولكن نفى عني الرّجال جراءتي ... عليهم وإقدامي وصدقي ومحتدي
90 - برك: إبل كثيرة باركة. وهجود: جمع هاجد، أي نائم. وبواديها: ويروى نواديها أوائلها وسوابقها.
91 - كهاة وجلالة: ناقة ضخمة سمينة. والخيف: جلد الضرع. وعقيلة: كريمة المال. والوبيل:
العصا الضخمة. واليلندد: السيىء الخلق، الصخاب.
92 - تر: سقط. وقد ترّ والوظيف: مقدم الساق. والمؤيد: الداهية العظيمة الشديدة.
93 - المعنى: قال الشيخ للحاضرين: ماذا أفعل بشارب خمر اشتد بغيه علينا عن تعمّد وقصد.
94 - ذروه: اتركوا عناده.
95 - يمتللن: يضعن في الملة، وهي الجمر والرماد الحار. وحوارها: ولدها الذي خرج من بطنها.
والسديف: شطائب السنام. والمسرهد: المنتهي في السمن.
96 - لما فرغ من تعداد مفاخره أوصى ابنة معبد أن تذيع خبر وفاته، وأن تثني عليه، وأن تشقّ جيبها. وابنة معبد: قيل هي زوجه، وقيل بنت أخيه.
97 - المعنى: ولا تسوّي بين هلكي وهلك امرىء ولا يطلب المعالي مثلي ولا يكفي المهم والملم كفايتي، ولا يشهد الوقائع مشهدي.
98 - الجلّى: الأمر العظيم. والخنا: الفحش. وذلول: ذليل. والأجماع: جمع كقفل، وهو اليد مجموعة أصابعها. والملهد: المدفع بجمع الكفّ.
99 - الوغل: الضعيف. يقول: لو كنت ضعيفا لضرّتني عداوة ذي الأتباع والمنفرد، ولكني منيع بنفسي وشجاعتي.
100 - المعنى: نفى عني مباراة الرجال شجاعتي وإقدامي في الحروب وكرم أصلي.(2/44)
101 - لعمرك ما الأيّام إلّا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد (1)
102 - عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإنّ القرين بالمقارن مقتدي
103 - لعمرك ما أمري عليّ بغمّة ... نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد
104 - ويوم حبست النّفس عند عراكه ... حفاظا على عوراته والتهدّد
105 - على موطن يخشى الفتى عنده الرّدى ... متى تعترك فيه الفرائص ترعد
106 - وأصفر مضبوح نظرت حواره ... على النّار واستودعته كفّ مجمد
107 - أرى الموت أعداد النّفوس ولا أرى ... بعيدا غدا ما أقرب اليوم من غد (2)
108 - ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
109 - ويأتيك بالأخبار من لم تبع له ... بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
110 - وما لام نفسي مثلها لي لائم ... ولا سدّ فقري مثل ما ملكت يدي (2)
101 - هذا البيت والذي بعده في رواية التبريزي. وقيل إنهما لعديّ بن زيد.
102 - المعنى: إذا أردت أن تعرف أخلاق المرء فانظر من يصاحبه فإنه له إمام وقدوة.
103 - المعنى: لا تغمّني النوائب، فيطول ليلي، ويظلم نهاري.
104 - المعنى: وربّ يوم حبست نفسي على القتال والفزعات، وتهدد الأقران محافظة وأنفة من قبح الأحدوثة.
105 - الفريصة: عضلة من الجنب إلى الكتف ترعد عند الفزع.
106 - أصفر: يعني قدحا أصفر. ومضبوح: قرب من النار حتى أثّرت فيه ليصلب ويصفر. وحواره:
رجوعه أي فوزه. ومجمد: قليل الفوز يفتخر بالميسر وأنه أودع قدحه كف مجمد قليل الفوز، لأنه لا يريد الكسب لنفسه، وإنما يريد الخسارة ليطعم الفقراء. قال ابن السكيت: لم يروه الأصمعي ولا ابن حبيب ولا ابن الأعرابي، وهو في روايتهم لعدي بن زيد.
107 - الأعداد: هنا، جمع عدّ بكسر العين وهو الماء الدائم الذي لا تنقطع مادته مثل ماء العيون والآبار لا ماء الغدران. المعنى: أرى الموت موردا للأحياء دائما لا يفنى، فهم دائما واردوه.
108 - أي ستظهر لك الأيام ما كان خافيا عليك ويأتيك بالأخبار من لم تسأله عنها وتتكلف مؤونة زاده ليسافر ويجلبها لك.
109 - تبع: هنا، بمعنى تشتري وهو من كلمات الأضداد في اللغة. والبتات: كساء المسافر وأداته.
110 - هذا البيت الأخير لا يوجد في أكثر النسخ.
__________
(1) هذا البيت والبيت الذي يليه غير موجودين في الديوان.
(2) هذا البيت غير موجود في الديوان.(2/45)
تحليل القصيدة
1 - طرفة بن العبد البكري شاعر جاهلي مشهور، نشأ يتيما في كفالة أعمامه، يؤثر اللهو والدّعة والبطالة ويدمن الخمر ويهجو الناس، حتى الملك عمرو ابن هند الذي أضمر له الشر وأرسله لعامله بالبحرين فقتله ولم يتجاوز السادسة والعشرين، وتقول أخته الخرنق في رثائه: [الطويل]
عددنا له ستّا وعشرين حجة ... فلما توفّاها استوى سيدا فخما
وكان طرفة ملتهب المشاعر والعوطف حادّ التفكير واللسان متأجّج الشاعرية نظم الشعر يصوّر فيه حياته وآماله وبطالته يصف فيجيد الوصف ويأتي بالحكمة العالية والفكرة والرائعة. وهو أجود الجاهليين طويلة كما يقول ابن قتيبة (1) وشعره قليل بأيدي الرواة (2).
2 - ومطلع هذه المعلقة الرائعة: [الطويل]
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد (3)
وقد عدّ بها الشاعر من فحول الشعراء الجاهليين ومشهوريهم واستحق من أجلها أن يضعه أبو عبيدة في الطبقة الثانية منهم وابن سلام في الطبقة الرابعة وأن يذهب بعض الشعراء والنقّاد إلى أنه أشعر الجاهليين. وهي أطول المعلّقات أبياتها خمسة أو عشرة ومائة بيت وتمتاز بكثرة معانيها وجزالة أسلوبها نظمها طرفة بعد عودته إلى أرض قومه إثر تنقّله في الأحياء حين كان مغاضبا لقومه وعشيرته وقبل أن يتصل بملوك الحيرة وينادمهم.
ص 49الشعر والشعراء.
(2) ص 49الشعر والشعراء، وص 49طبقات الشعراء.
(3) خولة: اسم محبوبته. ثهمد: أكمة في بلاد خثعم. تلوح: تظهر.(2/46)
ويبدو من روح المعلّقة ولهجتها أن الشاعر نظمها عتابا لابن عمّه، ويبدو أيضا أن السبب في عتابه له أن أخاه «معبدا» كان له إبل يرعاها هو وأخوه طرفة فأغبّها طرفة في المرعى حتى دخلت مرعى ابن عمّه فحجزها فلام معبد أخاه وألقى عليه عبء طلبها واستردادها من ابن عمّه فذهب طرفة إليه فلم يجد كلامه معه، فعاد ثائرا غاضبا. ونظم قصيدته يعاتب فيها عبد عمرو عتابا شديدا قاسيا مما نقرؤه في المعلّقة في قوله: [الطويل]
فما لي أراني وابن عمي مالكا ... متى أدن منه ينأ عني ويبعد
وأيأسني من كل خير طلبته ... كأنّا وضعناه على رمس ملحد
على غير شيء قلته غير أنني ... نشدت فلم أغفل حمولة معبد
وإن أدع للجلّى أكن من حماتها ... وإن تأتك الأعداء بالجهد أجهد
فلو كان مولاي امرأ هو غيره ... لفرّج كربي أو لأنظرني غدي
ولكن مولاي امرؤ هو خانقي ... على الشكر والتّسآل أو أنا مفتدي
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد ... ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد (1)
فأصبحت ذا مال كثير وعادني ... بنون كرام سادة لمسوّد
ولمّا سمع عبد عمرو بن مرثد معلّقة طرفة أرسل إليه، فقال له: أما الولد فالله يعطيكه وأما المال فلا تبرح حتى تكون من أوسطنا فيه وأمر سبعة من أبنائه وثلاثة من بني أبنائه أن يعطوه عشرا عشرا من الإبل ففعلوا.
3 - ويذكر بعض الباحثين من المستشرقين أن المعلقة لم توضع مرة واحدة، كقوله: [الطويل]
إذا متّ فانعيني بما أنا أهله ... وشقّي عليّ الجيب يا ابنة معبد
وما يليه من أبيات قالها وهو في سجن البحرين قبيل موته وهذا خطأ في البحث فلم يقل طرفة هذه الأبيات وهو في سجن البحرين بل نظمها ونظم القصيدة كلها مرة واحدة وهو صحيح مقيم في أرض قومه والقصيدة قطعة واحدة من الشعر الحيّ والتصوير الرائع والديباجة الساحرة والوصف الصادق.
قيس بن خالد ذو الجدين من عظماء سادة الشيبانيين وعمرو بن مرثد هو ابن عمّ الشاعر.(2/47)
4 - وتمتاز المعلّقة بوفرة معانيها وتنوّع أغراضها وجمعها بين السهولة والغرابة في اللفظ وبين الرّقّة والمتانة في الأسلوب وبين الحكمة واللهو والجدّ والهزل في النهج والحياة.
وتصوّر الشاعر وحياته وأمانيه ومطامحه ولذّاته ولهو وبيئته والحياة فيها تصويرا جميلا رائعا حدّ الدّقّة والإحكام والجمال.
5 - وحدة القصيدة وفنونها ونحن نقف أمامها معجبين بجمالها وانسجامها وقوة شاعريتها وتأجّج عواطف الشاعر فيها وهذه الوحدة التامّة الظاهرة على أغراضها وفنون القول فيها.
أبدأها الشاعر بالغزل، فذكر أطلال خولة محبوبته ووقف عليها وبكاها:
[الطويل]
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفا بها صحبي على مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلّد
ثم يذكر قباب خولة وهي ظاعنة ويشبّهها بالسفينة تشبيها جميلا قويّا، فيقول:
[الطويل]
كأن حدوج المالكية غدوة ... خلايا سفين بالنواصف من دد
عدوليّة أو من سفين ابن يامن ... يجور بها الملاح طورا ويهتدي
يشقّ حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد
وهو في هذا الوصف يرسم صورة جميلة للسفن الكبيرة التي كان يراها ويشاهدها تسير في الماء على شواطىء البحرين وسواها.
ثم يصف جمال محبوبته وينعتها نعتا جميلا قويّا مؤثّرا عذبا يدلّ على امتلاء نفسه بالحب وعلى خضوعه لأسر الجمال: [الطويل]
وفي الحيّ أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
وتبسم عن ألمي كأنّ منوّرا ... تخلّل حرّ الرمل دعص له ندي
ووجه كأن الشمس حلّت رداءها ... عليه، نقي اللون لم يتخدّد
ب ثم يأخذ الشاعر في وصف ناقته التي يسير عليها ليسلي عن نفسه الهموم والأحزان، ووصفه لها طويل في خمسة وثلاثين بيتا، ويجيء به في لفظ غامض غريب، لا تكاد تفهمه إلا بصعوبة وعسر ومشقّة ومراجعة وطول عناء.(2/48)
قال طرفة فيما قال في وصف ناقته: [الطويل]
وإني لأمضي الهمّ عند احتضاره ... بهوجاء مرقال تروح وتغتدي
أمون كألواح الإران نسأتها ... على لا حب كأنه ظهر برجد
إلى أن يقول:
وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملويّ من القدّ محصد
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
وجاشت إليه النفس خوفا وخاله ... مصابا ولو أمسى على غير مرصد
ج ثم يفتخر الشاعر بنفسه ويفرغ لها ويصف فتوّته وكرمه ولذّاته ومجده، ولهوه بشرب الرّاح، في وضوح وسهولة فيقول: [الطويل]
إذا القوم قالوا: من فتى خلت أنني ... عنيت، فلم أكسل ولم أتبلّد
ولست بحلّال التّلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد
وإن تأتني في حلقة القوم تلقني ... وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد
وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الرفيع المصمّد
نداماي بيض كالنجوم وقينة ... تروح علينا بين برد ومجسد
ثم يذكر أثر لهوه وشربه الخمر في حياته وبين قبيلته ويتحدّث عن لذّاته في الحياة ويصفها ويلوم من يعذله في اللهو والإسراف ويفنّد رأيهم ويقول: إن الكريم المسرف والبخيل المقتّر مآلهما واحد إلى القبر: [الطويل]
وما زال تشرابي الخمور ولذّتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلّها ... وأفردت إفراد البعير المعبّد
رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد
ألا أيّهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تستطيع دفع منيّتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي
ويعتدّ بلذّاته اعتدادا كبيرا وبذكرها: [الطويل]
فلولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى ... وجدّك لم أحفل متى قام عوّدي
فمنهنّ سبقي العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزيد
وكرّي إذا نادى المضاف مجنّبا ... كسيد الغضا نبهته المتورّد
وتقصير يوم الدّجن والدّجن معجب ... ببهكنة تحت الطّراف الممدّد
أي شرب الرّاح وركوب الخيل واللهو مع امرأة جميلة: [الطويل](2/49)
فلولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى ... وجدّك لم أحفل متى قام عوّدي
فمنهنّ سبقي العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزيد
وكرّي إذا نادى المضاف مجنّبا ... كسيد الغضا نبهته المتورّد
وتقصير يوم الدّجن والدّجن معجب ... ببهكنة تحت الطّراف الممدّد
أي شرب الرّاح وركوب الخيل واللهو مع امرأة جميلة: [الطويل]
أرى قبر نحّام بخيل بماله ... كقبر غويّ في البطالة مفسد
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدّد
أرى الدهر كنزا ناقصا كل ليلة ... وما تنقص الأيام والدّهر ينفد
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطّول المرخى وثنيّاه باليد
د ثم ينتقل إلى عتاب ابن عمّه مالك وقد سبق أن ذكرناه في أول المعلّقة.
هـ ثم يعود إلى التحدّث عن نفسه ووصفها بالذكاء والشجاعة ويتنبأ بموته ويطلب من ابنة أخيه معبد أن تبكيه إذا مات: [الطويل]
إذا متّ فانعيني بما أنا أهله ... وشقّي عليّ الجيب يا ابنة معبد
ولا تجعليني كامرىء ليس همّه ... كهمّي ولا يغني غنائي ومشهدي
وهو في هذا البيت يعرّض بابن عمّه.
وثم ينتقل إلى الحكمة فيأتي منها بحكم رائعة وأمثال بليغة رويت على مرّ الزمان: [الطويل]
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
لعمرك ما الأيام إلا معارّة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكلّ قرين بالمقارن يقتدي
لعمرك ما أدري وإني لواجل ... أفي اليوم إقدام المنيّة أو غد
إذا أنت لم تنفع بودّك أهله ... ولم تنك (1) بالبؤسي عدوّك فابعد
نكى عدوّه: ألحق به العطب والضرر.(2/50)
2
وقال يصف أحواله وتنقّله في البلاد ولهوه (1): [الرّمل]
1 - أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستمر (2)
2 - لا يكن حبّك داء قاتلا ... ليس هذا منك ماويّ بحر
3 - كيف أرجو حبّها من بعد ما ... علق القلب بنصب مستسر
4 - أرّق العين خيال لم يقر ... طاف والرّكب بصحراء يسر
5 - جازت البيد إلى أرحلنا ... آخر اللّيل بيعفور خدر
شرح القصيدة الثانية 1أصحوت: تركت الصبا والباطل. وشاقتك: هاجت شوقك. وهر: اسم امرأة. ومستعر:
ملتهب. المعنى: أتركت الصبا، أم لا تزال هر تشوقك، ولا يزال شوقك إليها شديدا. وقوله:
جنون: أي من الحب حب مفرط مجاوز القدر، فهو شبيه بالجنون.
2 - قاتلا: ويروى داخلا، أي مستترا في القلب. وماوي: مرخّم ماوية، اسم امرأة. وبحر: بفعل حر كريم.
3 - أرجو حبها: أي زوال حبها. وعلق: تعلق. ونصب: تعب وعناء. ومستسرّ: مكتتم في القلب.
4 - أرق: أسهر. ولم يقر: من القرار، أي الثبات، أو من الوقار. ويسر: موضع بالحزن، قاله الأعلم. وقال ابن السكيت: موضع قريب من اليمامة.
5 - جازت: يريد خيالها، وأنّثه على معنى المرأة. والبيد: جمع بيداء، وهي الفلاة الصلبة المستوية. بيعفور: هو الظبي تعلوه حمرة، واستعاره للمرأة. وخدر: فاتر العظام، بطيء عن القيام.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 4639.
(2) في الديوان: «مستعر» بدل «مستمر».(2/51)
6 - ثمّ زارتني وصحبي هجّع ... في خليط بين برد ونمر
7 - تخلس الطّرف بعيني برغز ... وبخدّي رشأ آدم غر
8 - ولها كشحا مهاة مطفل ... تقتري بالرّمل أفنان الزّهر
9 - وعلى المتنين منها وارد ... حسن النّبت أثيث مسبكر
10 - جأبة المدرى لها ذو جدّة ... تنفض الضّال وأفنان السّمر
11 - بين أكناف خفاف فاللّوى ... مخرف تحنو لرخص الظلف حر
12 - تحسب الطّرف عليها نجدة ... يا لقومي للشباب المسبكر
13 - حيثما قاظوا بنجد وشتوا ... حول ذات الحاذ من ثنيي وقر
14 - فله منها على أحيانها ... صفوة الرّاح بملذوذ خصر
15 - إن تنوّله فقد تمنعه ... وتريه النّجم يجري بالظّهر
6 - هجع: نيام. وخليط: قوم مختلطون. وبرد ونمر: قيل هما قبيلتان برد من إياد، والنمر: هو ابن قاسط، وهي قبيلة من ربيعة، وهم عمر وبكر وتغلب بنو وائل بن قاسط. وقال أبو عبيدة:
هي في ثوبين برد، وهو ثوب وشي ونمر، وهو ضرب من الثياب.
7 - تخلس: تسرق. وبرغز: بفتح الباء، والغبز: بضمهما: هو ولد البقرة. والرشأ: الظبي إذا قوي ومشى مع أمه. وآدم: أبيض البطن أسود الظهر. وغر: فيه غفلة لحداثته.
8 - الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع. والمهاة: بقر الوحش. ومطفل: ذات طفل، أي ولد.
وتقتري: تتبع. وأفنان: أنواع. والزهر: بالتحريك، نور النبات كله.
9 - المتنان: هما مكتنفا الصلب، تثنية متن، وهو ما صلب من اللحم، وترادف على الصلب في طوله. ووارد ومسبكر: شعر طويل مسترسل. وأثيث: كثير أصول النبات.
10 - جأبة المدرى: غليظة القرن ملساؤه وذلك أول ما ينبت، أراد حداثتها وصغرها. وذو جدة: ولد فيه خطة في ظهره يخالف لونه. وتنقض الضّال: تحرّكه بقرنيها ليسقط ثمره. والضال: السدر البري. والأفنان: الأغصان، جمع فنن. والسمر: جمع سمرة، وهي نوع من الشجر.
11 - أكناف: جوانب. وخفاف: موضع. واللوى: ما انعطف من الرمل. ومخرف: أي دخلت في وقت الخريف، وهي أيام صرام النخل. وتحنو: تعطف. والرخص الظلف: أي لولد ليّن الظلف لأنه صغير عتيق. وحر: كريم.
12 - النجدة: الشدة. والمسبكر: التام المنتصب.
13 - قاظوا: أقاموا زمن القيظ والحر. وشتوا: أقاموا زمن الشتاء. وذات الحاذ: أرض تنبت الحاذ.
والحاذ: شجر. وثنيي: تثنية ثني، وهو منعطف الوادي. ووقر: موضع.
14 - على أحيانها: في كل حين. وخصر: بارد.
15 - تنوله: تعطيه قبلة.(2/52)
16 - ظلّ في عسكرة من حبّها ... ونأت شحط مزار المدّكر
17 - فلئن شطت نواها مرّة ... لعلى عهد حبيب معتكر
18 - بادن تجلو إذا ما ابتسمت ... عن شتيت كأقاح الرّمل غر
19 - بدّلته الشّمس من منبته ... بردا أبيض مصقول الأشر
20 - وإذا تضحك تبدي حببا ... كرضاب المسك بالماء الخصر
21 - صادفته حرجف في تلعة ... فسجا وسط بلاط مسبطر
22 - وإذا قامت تداعى قاصف ... مال من أعلى كثيب منقعر
23 - تطرد القرّ بحرّ صادق ... وعكيك القيظ، إن جاء، بقر
24 - لا تلمني إنّها من نسوة ... رقّد الصّيف مقاليت نزر
25 - كبنات المخر يمأدن كما ... أنبت الصّيف عساليج الخضر
26 - فجعوني يوم زمّوا عيرهم ... برخيم الصّوت ملثوم عطر
16 - عسكرة: شدة وحيرة. شحط مزار: أراد: يا شحط مزار.
17 - شطت: بعدت. ونواها: جهتها التي تنوي. ومعتكر: عاكف على حبها.
18 - بادن: سمينة. وتجلو: تكشف عند الضحك. وشتيت: مفلج. والأقاح: جمع أقحوان، وهو زهر البابونج، أضافه للرمل، لأنه فيه يكون غضّا نظيفا. وغر: جمع أغر، وهو الأبيض.
19 - بردا: أسنانا بيضا كحبّ الغمام. والأشر: التحزيز يكون في الأسنان، خلقة أو مصنوعا، وكانت العرب تعتقد أن الصبي إذا ثغر، ولم يرم سنّه في الشمس ولم يقل لها أبدليني سنّا خيرا منها، لم تستو أسنانه، ولم تحسن، وهذا من أوابدهم.
20 - تبدي: تظهر. والحبب: ماء الأسنان. رضاب المسك: فتاته. والخصر: البارد.
21 - صادفته: أصابته. وحرجف: ريح باردة شديدة. والتلعة: مسيل الماء من الجبل إلى الوادي.
وسجا: سكن. وبلاط: أرض مستوية في صفاة. ومسبطر: ممتد.
22 - تداعى: إنهار وسقط. والقاصف: المرتفع من الرمل. وكثيب: رمل مجتمع. ومنقعر: منقطع من أصله.
23 - المعنى: هي لا يؤذيها برد ولا حرّ، لأنها تطرد البرد بحرّ أنفاسها، وشدة الحرّ ببارد ريقها.
24 - رقد الصيف: لا يهتمن بخدمة كناية عن الثراء والنعمة. ومقاليت: جمع مقالات، وهي التي لا يعيش لها ولد. ونزر: جمع نزر، قليلات الأولاد.
25 - بنات المخر: سحائب بيض يأتين قبل الصيف. ويمأدن: يتحرّكن ويتثنين. والعساليج: ما لان واخضرّ من القضبان. الخضرة والخضيرة والخضرة: كل نبت أخضر. شبّه المرأة في تثنّيها ومشيها بالسّحب الرفيقة، التي تتثنّى كما يتثنّى عساليج النبات الأخضر.
26 - فجعوني: أفزعوني. وزموا عيرهم: جعلوا فيها الأزمة للرحيل، والعير: بالكسر، القافلة.
وملثوم: عليه لثام. وعطر: مطلي بالعطر.(2/53)
27 - وإذا تلسنني ألسنها ... إنّني لست بموهون فقر
28 - لا كبير دالف من هرم ... أرهب اللّيل ولا كلّ الظفر
29 - وبلاد زعل ظلمانها ... كالمخاض الجرب واليوم الخدر
30 - قد تبطّنت وتحتي جسرة ... تتقي الأرض بملثوم معر
31 - فترى المرو إذا ما هجّرت ... عن يديها كالفراش المشفتر
32 - ذاك عصر وعداني أنّني ... نابني العام خطوب غير سر
33 - من أمور حدثت أمثالها ... تبتري عود القويّ المستمر
34 - وتشكي النّفس ما صاب بها ... فاصبري إنّك من قوم صبر
35 - إن تصادف منفسا لا تلفنا ... فرح الخير ولا نكبو لضر
36 - أسد غاب فإذا ما فزعوا ... غير أنكاس ولا هوج هذر
27 - تلسنني: تأخذني بلسانها. وألسنها: أغلبها في الكلام. وموهون: ضعيف لا بطش عنده.
وفقر: كسير فقار الظهار.
28 - دالف: يمشي مشي المقيد. المعنى: لست شيخا يدبّ، ولا أخاف سير الليل، وليس سلاحي كليلا ولا ضعيفا.
29 - وبلاد: أي رب بلاد. وزعل: نشيط. وظلمانها: جمع ظليم وهو ذكر النعام. والمخاض:
الحوامل من النوق. والخدر: الشديد البرد يخدر فيه، أي يلزم الخدر لشدة برده أو لمطر أو ريح تكون فيه، وخصّ اليوم الخدر لأن المخاض تنضم فيه وتجتمع.
30 - تبطنت: صرت في بطنها. وجسرة: ناقة عظيمة شديدة. وملثوم: خف لثمته الحجارة فأدمته.
ومعر: ذهب ما حوله من الشعر.
31 - المرو: الحجارة. وهجرت: سارت وقت الهاجرة. والفراش: ذباب يتهافت في النار.
والمشفتر: المتفرّق.
32 - عداني: شغلني وصرفني. ونابني: نزل بي وحضرني. وغير سر: واضحة لا تخفى.
33 - تبتري: تنحت، أراد بالعود جسمه. والمستمر: القوي على حوادث الدهر.
34 - تشكي: الأصل تتشكّى بتاءين. وصاب بها: أي نزل بها والباء زائدة. وصبر: جمع صبور، وهو مما يستوي فيه المذكر والمؤنث.
35 - منفسا: نفيسا. ونكبو: نتألم ونحزن، أي لا نفرح بالخير، ولا تبتئس بضرّ يصيبنا، لعلمنا أن الأحوال تتعاقب من خير وشر.
36 - أسد غاب: أي مسكنها الغاب، وهي جمع غابة، وهي مأوى الأسد ومختفاه، وأسد ما يكون الأسد عندها، لأنه يحميها ويحمي أشباله، ويروى أسد غيل، وهو الشجر الملتفّ. أنكاس:
جمع نكس، وهو الضعيف الدني. وهوج: جمع أهوج، وهو الأحمق الطائش المتسرّع.
وهذر: جمع هذور، وهو كثير الكلام، أي نحن شجعان كالأسود، وعند الفزع لا نطيش، ولا
37 - ولي الأصل الّذي في مثله ... يصلح الآبر زرع المؤتبر
38 - طيّبوا الباءة، سهل ولهم ... سبل إن شئت في وحش وعر
39 - وهم ما هم إذا ما لبسوا ... نسج داود لبأس محتضر
40 - وتساقى القوم كأسا مرّة ... وعلا الخيل دماء كالشقر
41 - ثمّ زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر
42 - لا تعزّ الخمر إن طافوا بها ... بسباء الشّول والكوم البكر
43 - فإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كلّ أمون وطمر
44 - ثمّ راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هدّاب الأزر
45 - ورثوا السّؤدد عن آبائهم ... ثمّ سادوا سؤددا غير زمر
تضلّ أحلامنا ولا يكثر لغطنا، إذ هو علامة الفشل والجبن.(2/54)
وهذر: جمع هذور، وهو كثير الكلام، أي نحن شجعان كالأسود، وعند الفزع لا نطيش، ولا
37 - ولي الأصل الّذي في مثله ... يصلح الآبر زرع المؤتبر
38 - طيّبوا الباءة، سهل ولهم ... سبل إن شئت في وحش وعر
39 - وهم ما هم إذا ما لبسوا ... نسج داود لبأس محتضر
40 - وتساقى القوم كأسا مرّة ... وعلا الخيل دماء كالشقر
41 - ثمّ زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر
42 - لا تعزّ الخمر إن طافوا بها ... بسباء الشّول والكوم البكر
43 - فإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كلّ أمون وطمر
44 - ثمّ راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هدّاب الأزر
45 - ورثوا السّؤدد عن آبائهم ... ثمّ سادوا سؤددا غير زمر
تضلّ أحلامنا ولا يكثر لغطنا، إذ هو علامة الفشل والجبن.
37 - الآبر: المصلح للشيء، وأصله من أبر النخل، أي لقحه. والمؤتبر: المستدعي إلى الصلاح.
38 - الباءة: الساحة والفناء.
39 - وهم ما هم: هذا الإبهام للتفخيم والتهويل، كأنه قال: هم شيء هائل. ونسج داود: الدروع، والنسج عملها وسردها. والبأس: الحرب والشدة. والمحتضر: المحضور المجتمع إليه، ويروى: المحتضر بالكسر، أي الحاضر.
40 - تساقى القوم: سقى بعضهم بعضا، أي قال بعضهم بعضا. والكأس: الإناء فيه الشراب.
والشقر: شقائق النعمان، أو هو شجر له ثمر أحمر.
41 - المعنى: إن لهم مزيدا على الشجاعة، وهو أخذهم بالعفو عن المذنب، وترك الفخر بذلك لأنه إعجاب وخفّة.
42 - لا تعزّ الخمر: لا يحول بينهم وبين شرائها كثرة ثمنها. وطافوا: أي تأمّلوها وساوموها. وسباء الشول: شراؤها والشول: جمع شائلة، وهي التي مرّ عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فارتفع ضرعها وجفّ لبنها. والكوم: جمع كوماء، وهي عظيمة السنام. والبكر: الحديثات السّنّ.
43 - انتشوا: سكروا. وأمون: الناقة الموثقة الخلق، التي يؤمن من عثارها. وطمر: فرس طويل مشرف.
44 - عبق المسك: رائحته. ويلحفون الأرض: يجرون أذيالهم عليها ويغطونها بها والهداب: جمع الهدب، وهو طرة الإزار.
45 - غير زمر: غير قليل. المعنى: هم ورثوا السؤدد والمجد عن آبائهم وبنوا مجدا بأنفسهم غير قليل.(2/55)
46 - نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الأدب فينا ينتقر
47 - حين قال النّاس في مجلسهم ... أقتار ذاك أم ريح قطر
48 - بجفان تعتري نادينا ... من سديف حين هاج الصّنّبر
49 - كالجوابي لا تني مترعة ... لقرى الأضياف أو للمحتضر
50 - ثمّ لا يخزن فينا لحمها ... إنّما يخزن لحم المدّخر
51 - ولقد تعلم بكر أنّنا ... آفة الجزر مساميح يسر
52 - ولقد تعلم بكر أنّنا ... واضحو الأوجه في الأزمة غر
53 - ولقد تعلم بكر أنّنا ... فاضلو الرّأي وفي الرّوع وقر
54 - ولقد تعلم بكر أنّنا ... صادقو البأس وفي المحفل غر
46 - المشتاة: الشتاء، وذلك أشد الزمان. والجفلى: أن يعمّ بدعوته إلى الطعام ولا يخصّ أحدا.
والآدب: الذي يدعو إلى المأدبة. والانتقار: أن يدعو، النقرى: وهي أن يخصّهم ولا يعمّهم.
المعنى: لا يخصّون الأغنياء ومن يطمعون في مكافأته، ولكنهم يعمّون طلبا للحمد، ولاكتساب المجد.
47 - القتار: رائحة اللحم إذا شوي. والقطر: بضمتين، العود الذي يتبخر به. المعنى: نحن نطعم في شدة الزمان إذا كان ريح القتار عند القوم بمنزلة رائحة العود، لما هم في الجهد والحاجة إلى الطعام.
48 - جفان: قصاع، أي ندعوهم إلى قصاع. وتعتري: تأتي. والنادي: مجلس القوم ومتحدّثهم.
والسديف: قطع السنام. والصنبر: أشد ما يكون من البرد، وأصله بتشديد النون وسكون الباء، ثم حرّكت الباء بالكسرة للضرورة، قال ابن جني: وكان حقها أن تحرّك بالضم، لأن الراء مرفوعة، لكنه قدّر إضافة المصدر إليه.
49 - الجوابي: جمع جابية، وهي الحوض العظيم يجبى فيه الماء ويجمع. ولا تني: لا تفتر.
ومترعة: مملوءة. والقرى: القيام بحق الضيف. والمحتضر: النازل على الماء.
50 - لا يخزن: روي بالبناء للفاعل والمفعول الأول بمعنى يتغير، والثاني بمعنى يحفظ. ويدّخر والمدّخر: الذي يدّخر اللحم، وروي: يخنز في الموضعين، أي تتغير رائحته.
51 - الجزر: جمع جزور وهو الناقة. والمساميح: الأسخياء، جمع مسماح. واليسر: الداخلون في الميسر.
52 - الأزمة: الشدة والضيق. يريد أنهم كرام في الأزمات والبيت ساقط من نسخة الأعلم.
53 - المعنى: تفضل آراؤنا وسياستنا رأي غيرنا، ولا نخاف عند الرّوع بل نثبت ونتوقر.
54 - المحفل: مجتمع الناس. وغر: جمع أغر أي بيض الوجوه يريد أن وجوهنا مشرفة ترتاح للكرم. والبيت ساقط من نسخة الأعلم.(2/56)
55 - يكشفون الضّرّ عن ذي ضرّهم ... ويبرّون على الآبي المبر
56 - فضل أحلامهم عن جارهم ... رحب الأذرع بالخير أمر
57 - ذلق في غارة مسفوحة ... ولدى البأس حماة ما نفر
58 - تمسك الخيل على مكروهها ... حين لا يمسكها إلّا الصّبر
59 - حين نادى الحيّ لمّا فزعوا ... ودعا الدّاعي وقد لجّ الذعر
60 - أيّها الفتيان في مجلسنا ... جرّدوا منها ورادا وشقر
61 - أعوجيّات طوالا شزّبا ... دوخل الصّنعة فيها والضمر
62 - من يعابيب ذكور وقح ... وهضبّات إذا ابتلّ العذر
63 - جافلات فوق عوج عجل ... ركّبت فيها ملاطيس سمر
55 - يبرون: يغلبون ويظهرون. والآبي: الممتنع. والمبر: طالب الغلب.
56 - رحب الأذرع: واسعو الصدر وأمر جمع أمور وهو الكثير الأمر. يقول إن جهل جارهم حلموا عنه حلما فاضلا، ولم يكافئوه على جهله لأنهم واسعو الصدر أمّارون بالخير.
57 - ذلق: مسرعون متقدمون. والمسفوحة: المصبوبة أو الكثيرة. وحماة: جمع حام أي يحمون العشيرة والحريم.
58 - على مكروهها: على ما تلقاه من شدّة الحرب وجهدها، ولا تهزم ذكر مكروه الخيل، لأنها إذا أصابها مكروه في الحرب وهو أجدر أن يصيبهم.
59 - لج الذعر: دام الذعر في القلب، واشتد الفزع.
60 - جرّدوا: ألقوا عنها جلالها وأسرجوها للقاء أو الجريدة من الخيل التي تختار وتجرد، أي تكمش في مهم الأمور. والوراد: جمع الورد، وهو بين الكميت والأشقر من الخيل. وشقر: بضمتين جمع أشقر حرّكت الغين للضرورة والأشقر الأحمر حمرة صافية، يحمر منها العرف والذنب فإن اسودّ فهو الكميت.
61 - أعوجيات: منسوبة إلى أعوج، وهو فرس مشهور تنسب إليه الخيل العتاق. وشزبا: جمع شازب وهو الضامر.
62 - يعابيب: جمع يعبوب، وهو الفرس السريع الطويل، أو الجواد السهل في عدوه. ووقح: جمع وقاح، وهو صلب الحافر. وهضبات: جمع هضب، وهو الفرس الكثير العرق أو الصلب أو السريع. والعذر: جمع عذار، وهو من اللجام ما سال خد الفرس يعني أنها في وقت التعب حسنة الهيئة أو عظيمة الجري.
63 - جافلات: مسرعات. وعوج: قوائمها عوج وذلك أسرع لها. وعجل: جمع عجول، أي سريعة الحركة. والملاطيس: جمع ملطاس، وهو المعول الغليظ لكسر الحجارة. وسمر: جمع أسمر، وحرّكت العين للضرورة.(2/57)
64 - وأنافت بهواد تلع ... كجذوع شذّبت عنها القشر
65 - علت الأيدي بأجواز لها ... رحب الأجواف ما إن تنبهر
66 - فهي تردي فإذا ما ألهبت ... طار من إحمائها شدّ الأزر
67 - كائرات وتراها تنتحي ... مسلحبّات إذا جدّ الحضر
68 - ذلق الغارة في إفزاعهم ... كرعال الطّير أسرابا تمر
69 - تذر الأبطال صرعى بينها ... ما يني منهم كميّ منعفر
70 - ففداء لبني قيس على ... ما أصاب النّاس من سرّ وضر
71 - خالتي والنّفس قدما إنهم ... نعم السّاعون في القوم الشّطر
72 - وهم أيسار لقمان إذا ... أغلت الشتوة أبداء الجزر
64 - أنافت: أشرفت وهو جمع هاد: صفة للعنق. وتلع: طوال، جمع تليع. وجذوع: جمع جذع.
شذبت: قشرت. والقشر: جمع قشرة.
65 - علت: ارتفعت. والأجواز: الأوساط. ورحب الأجواف: متسعتها وذلك مدح للخيل. ما إن تنبهر: ما ينقطع نفسها من الإعياء.
66 - تردي الرديان: سير سريع كعدو الحمار بين آريه ومتمعكه. وألهبت: اجتهدت في عدوها وحميت، حتى تثير الغبار. وطار: جال من ضمرها. وإحمائها: إحماء الفوارس لها. الأزر:
جمع إزار وهو ما يؤتزر به.
67 - كائرات: رافعات أذنابها لشدة عدوها. وتنتحي: تميل ناحية ولا تستقيم لفرط نشاطها، وقيل معنى تنتحي: تعضّ على فؤوس لجمها في حربها. ومسلحبات: ممتدّات، منبسطات في العدو. وجد: اشتد. والحضر: ارتفاع الفرس في عدوه. ضمّ الثاني إتباعا للأول: والأصل السكون.
68 - ذلق الغارة: مسرعون إلى الغارة، متقدمون فيها. وفي إفزاعهم: في إغاثتهم للمستغيث بهم.
ورعال: جماعات. والأسراب: جمع سرب وهو القطيع من الطير والظباء والنساء.
69 - تذر: تترك بينها بين الخيل. وما يني: ما يزال. والكمي: الشجاع. والمنعفر: الملتصق بالعفر وهو التراب.
70 - المعنى: نفسي فداء لبني قيس على ما أصاب الناس من أمر يسرّهم أو يضرّهم، وقيس أبو القبيلة الشاعر.
71 - خالتي والنفس: يروى حالتي بالحاء. والشطر: جمع شطير، أي الغريب من الناس.
72 - أيسار: أصحاب قداح الميسر، واحدهم يسر، وهم قوم كرام، ضربهم مثلا لقومه. قال الأعلم:
وأيساره: بيض، وحممة، وطفيل، وذفافة، ومالك، وثميل، وفروعة، وعمار، وهم من العمالقة. لقمان: هو ابن عاد، صاحب النسور السبعة التي آخرها لبد. وأغلت الشتوة: جعلتها صعبة المشترى. وأبداء: واحدها بدء أي أشرف أعضائها، وهي العجز، ثم الفخذان ثم العضدان.(2/58)
73 - لا يلحّون على غارمهم ... وعلى الأيسار تيسير العسر
74 - كنت فيكم كالمغطّي رأسه ... فانجلى اليوم قناعي وخمر
75 - ولقد كنت عليكم عاتبا ... فعقبتم بذنوب غير مر
76 - سادرا أحسب غيي رشدا ... فتناهيت وقد صابت بقر
3
وقال طرفة أيضا (1): [المديد]
1 - أشجاك الرّبع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه
2 - كسطور الرّقّ رقشه ... بالضّحى مرقّش يشمه
3 - لعبت بعدي السّيول به ... وجرى في ريّق رهمه
4 - فالكثيب معشب أنف ... فتناهيه فمرتكمه
73 - لا يلحون: لا يطلبون بإلحاف. وغارمهم: الذي لهم عليه دين. والأيسار: جمع يسر، وهم أصحاب القداح، سمّوا بذلك لأنهم موسرون أغنياء. وتيسر العسر: إدخاله في الميسر، أي يغرمون منه.
74 - خمر: جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها وعنقها.
75 - عاتبا: واجدا. وعقبتم: جدتم عقب ذلك. وبذنوب: بنصيب من العطاء.
76 - سادرا: لا أهتم ولا أبالي ما أصنع. وأصل السادر: الذي كان على بصره غشاوة. وتناهيت:
تناهى سفهي. وصابت بقر: أي نزل الأمر في قراره، فلا يستطاع له تحويل. وهذا مثل عندهم لتناهي الأمر في الشدة.
شرح القصيدة الثالثة 1شجاك: أحزنك. والربع: المنزل زمن الربيع. وقدمه: قدم عهده بأهله. وحممة: فحمه.
2 - الرق: الصحيفة من الجلد. ورقشه: زيّنه وكتبه. ويشمه: يكتبه ويزينه. يشبّه رسوم الدار العافية بسطور الكتاب في القرطاس.
3 - الريق: أول النبات، مأخوذ من ريق الشباب. ورهمه: جمع رهمة بالكسر، وهي المطر الضعيف الدائم. ويروى: في رونق، وهو حسن النبات، والهاء في همّه تعود على الربع وعلى الريق.
4 - الكثيب: الرمل المجتمع. ومعشب: منبت للعشب، أي الكلأ. وأنف: جديد لم يرعه أحد بعد. وتناهيه: جمع تنهية، وهي بطن ينتهي إليه ماء السيل فيحتبس في وسطه. ومرتكمه:
متراكبه ومجتمعه.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 7371.(2/59)
5 - جعلته حمّ كلكلها ... لربيع ديمة تثمه
6 - حابسي رسم وقفت به ... لو أطيع النّفس لم أرمه
7 - لا أرى إلّا النّعام به ... كالإماء أشرفت حزمه
8 - تذكرون إذ نقاتلكم ... لا يضرّ معدما عدمه
9 - أنتم نخل نطيف به ... فإذا جزّ نصطرمه
10 - وعذاريكم مقلّصة ... في دعاع النّخل تجترمه
11 - عجز شمط معا لكم ... تصطلي نيرانه خدمه
12 - خير ما ترعون من شجر ... يابس الطّحماء أو سحمه
13 - فسعى الغلّاق بينهم ... سعي خبّ كاذب شيمه
5 - حم: قصد. وكلكلها: صدرها. وديمة: مطر دائم. وتثمه: تكسره وتدقه، والهاء عائد على الربع.
6 - حابسي: ممسكي. ورسم: طلل. ولم أرمه: لم أزايله، نقل حركة الهاء إلى الميم، وسكّن الهاء للوقف، ولا يجوز ذلك في الوصل، وأكثر ما يجيء ذلك في الشعر.
7 - المعنى: تأيد هذا الرسم وسكنته الوحوش فلا أرى به إلا النعام رافعا أجنحته فهو كالإماء حملت حزم الحطب على رأسها، واستندتها بيديها. حزمه: أي الحطب، ولم يذكره، والقياس أن يقول حزمها أي الإماء أو أن في الكلام حذفا، والتقدير: أشرفت حرمه على رؤوسهن.
8 - المعنى: يقاتلكم الغني منّا دفاعا عن ماله، والفقير طلبا للغنيمة، والخطاب لبني تغلب.
9 - المعنى: أنتم كنخل حان جزازه، فنحن نطوف حوله لنقطعه. يعني أنهم ضعفاء.
10 - عذاريكم: أبكاركم. ومقلصة: مشمرة. ودعاع النخل: رديئه. ويروى ذعاع، بذال مفتوحة، وهو النخل المتفرّق. وتجترمه: تقطعه، وقيل: تلقط جرامته وهي ما انتثر من تمر بين كربه وسعفه. وصفهم بالضعة وسوء الحال.
11 - عجز: جمع عجوز، وهي الشيخة، ويروى: «وعجائز معا لكم». وشمط: جمع شمطاء، المرأة التي خالط سواد شعرها الشيب. ونيرانه: أي النخل الذي أحرقه الغلاق بحجر. وخدمه: جمع خدمة بالتحريك، وهي الساق أو هي الخلخال والضمير فيه يعود على العجز، أي خدم ما ذكرت من العجائز، والهاء في نيرانه كذلك.
12 - الطحماء: شجر ينبت في دكداك الرمل ينفخ الغنم إذا رعته. والسحم: رطبه.
13 - الغلاق: هو ابن شهاب التميمي، كان النعمان بن المنذر أو عمرو ابن هند بعثه ليصلح بين بكر وتغلب فاصطلحوا زمينا على دخن، فأغارت تغلب على بكر. والخب: بفتح الخاء وكسرها المخادع، وبالكسر الخديعة.(2/60)
14 - أخذ الأزلام مقتسما ... فأتى أغواهما زلمه
15 - والقرار بطنه غدق ... زيّنت جلهاته أكمه
16 - ففعلنا ذلكم زمنا ... ثمّ دانى بيننا حكمه
17 - إن تعيدوها نعد لكم ... من هجاء سائر كلمه
18 - وقتال لا يغبّكم ... في جميع جحفل لهمه
19 - رزّه قدّم وهب وهلا ... ذي زهاء جمّة بهمه
20 - يتركون القاع تحتهم ... كمراغ ساطع قتمه
21 - لا ترى إلّا أخا رجل ... آخذا قرنا كملتزمه (1)
22 - فالهبيت لا فؤاد له ... والثبيت ثبته فهمه
14 - الأزلام: سهام كانوا يستقسمون بها في الجاهلية مكتوب على أحدها أمرني وعلى الثاني نهاني، والثالث لا شيء عليه.
15 - القرار: جمع قرارة، وهي مستقر الماء في وسط الوادي. وغدق: كثير الماء. والجلهة: ما استقبلك من حرف الوادي. والأكم: جمع أكمة وهي ما أشرف من الأرض.
16 - المعنى: قاتلناكم زمنا، ثم قرب بيننا الحكم، وهو الغلاق الذي أصلح بينهم، وحكم بما رآه صوابا في أمرهم.
17 - المعنى: إن تعيدوا الحرب نعد لكم هجاء يسير في القبائل. وكلمه: مرفوع بسائر.
18 - يغبكم: يتأخر عنكم. وجميع: جيش. وجحفل: كثير. ولهم: يلتهم كل شيء، ويبتلعه ابتلاعا لكثرته.
19 - رزه: صوته. وقدم: أقدم. وهب وهلا: زجران للخيل. وزهاء: كثرة عدد. وجمة:
كثيرة. وبهمه: جمع بهقه، وهو الشجاع الذي لا يدري قرنه من أين يطعنه، لقوته وحذره.
20 - القاع: أرض سهلة مطمئنة قد انفجرت عنها الجبال والآكام. والمراغ: متمرغ الدابة. وساطع:
مرتفع. وقتمه: غباره، يريد إذا مرّ هذا الجيش بالقاع قلع مدره، فصيّره ترابا ساطعا في الجو.
21 - المعنى: عند ذاك لا ترى إلا رجلا ملازما لا لقرنه الذي ينازله في القتال.
22 - الهبيت: هو الجبان المخلوع الفؤاد. والثبيت: القوي القلب. وثبته فهمه: أي عقله ثابت، أي من كان ثابت القلب، ففهمه يثبت عقله، ويروى: ثبته قيّمه.
__________
(1) في الديوان: «فملتزمه» بدل «كملتزمه».(2/61)
23 - للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه
4
وقال في عبد عمرو بن بشر بن مرثد (1): [الطويل]
1 - لهند بحزّان الشّريف طلول ... تلوح وأدنى عهدهنّ محيل
2 - وبالسّفح آيات كأنّ رسومها ... يمان وشته ريدة وسحول
3 - أربّت بها نتّاجة تزدهي الحصى ... وأسحم وكّاف العشيّ هطول
4 - فغيّرن آيات الدّيار مع البلى ... وليس على ريب الزّمان كفيل
5 - بما قد أرى الحيّ الجميع بغبطة ... إذا الحيّ حيّ والحلول حلول
6 - ألا أبلغا عبد الضّلال رسالة ... وقد يبلغ الأنباء عنك رسول
7 - دببت بسرّي بعد ما قد علمته ... وأنت بأسرار الكرام نسول
23 - المعنى: من كان عاقلا، وفتى منصرفا، عاش حيثما مشت قدمه وذهبت به في أرض غربة أو غيرها.
شرح القصيدة الرابعة 1بحزان: جمع حزيز، وهو ما غلظ من الأرض. والشريف: واد بنجد، يقال: لمّا ولي المغرب منه الشرف، ولما ولي المشرق الشريف. ومحيل: أتى عليه الحول. يقول: أدنى ما عهدت من هذه الطلول ما أتى عليه الحول.
2 - السفح: أسفل الجبل، أو اسم موضع. وآيات: علامات تعرف بها الديار. ويمان: أي ثوب يمان. ووشته: زيّنته. وريدة وسحول: قيل قريتان باليمن، وقيل: قبيلتان.
3 - أربت: أقامت. ونئاجة: ريح شديدة. وتزدهي: تستخف. وأسحم: سحاب أسود. ووكاف:
سحاح. وهطول: درار.
4 - آيات الديار: علاماتها. وريب الزمان: صرفه. وكفيل: ضامن.
5 - بما: الباء متعلقة بليس، وما مصدرية. والغبطة: حسن الحال والمسرّة. والحلول: القوم النازلون.
6 - عبد الضلال: قيل أراد به عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، وكان قد وشي به إلى عمرو ابن هند، فنسبه إلى الضلال لذلك. والأنباء: جمع نبأ. وهو الخبر.
7 - دببت: مشيت به إلى الملك لما أعلمتك به. ونسول: تمشي مسرعا. يعني أنه سارّه بهجاء عمرو ابن هند، فيبلغه إياه.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6766.(2/62)
8 - وكيف تضلّ القصد والحق واضح ... وللحقّ بين الصّالحين سبيل
9 - وفرّق عن بيتيك سعد بن مالك ... وعوفا وعمرا ما تشي وتقول
10 - فأنت على الأدنى شمال عرّية ... شآميّة تزوي الوجوه بليل
11 - وأنت على الأقصى صبا غير قرّة ... تذاءب، منها مرزغ ومسيل (1)
12 - فأصبحت فقعا نابتا بقرارة ... تصوّح عنه والذّليل ذليل
13 - وأعلم علما ليس بالظّنّ أنّه ... إذ ذلّ مولى المرء فهو ذليل
14 - وإنّ لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل
15 - وإنّ امرءا لم يعف يوما فكاهة ... لمن لم يرد سوءا بها لجهول
16 - تعارف أرواح الرّجال إذا التقوا ... فمنهم عدوّ يتّقى وخليل
8 - المعنى: كيف تضلّ عن القصد والصواب، والحق بيّن واضح لمن أراده. وللحق سبيل مسلوكة من الصالحين، أي فهلّا سلكتها، ولم تعدل عن قصدها.
9 - عن بيتيك: المراد به أهله من جهتي أبيه وأمه. يريد أبعد عنك كرام آلك وشايتك وسعيك بالنمائم. وسعد بن مالك وعوف بن مالك من بني قيس بن ثعلبة ومنهم عبد عمرو وطرفة.
10 - الأدنى: الأقرب. والشمال: ريح معروفة. وتزوي: تقبض. وعرية: شديدة البرد بلا شمس.
وبليل: باردة أو ذات ندى وبرد.
11 - الأقصى: الأبعد. والصبا: ريح محمودة عندهم. وقرة: بادرة. وتذاءب: تجيء مرة من هنا، ومرة من هنا. ومرزغ: مطر قليل. ومسيل: يجيء بالسيل.
12 - الفقع، بالفتح ويكسر: البيضاء الرخوة من الكمأة ويقال للذليل: هو أذل من فقع بقرقرة، لأنه ينبت على وجه الأرض، أو لأنه يوطأ بالأرجل. وقرارة: موضع منهبط يمسك الماء. وتصوح:
تتشقق القرارة عن الفقع عند طلوعه منها. وقوله «الذليل ذليل»: أي الذليل على أخلاقه المعهودة فيه. وفيه مبالغة في الذم.
13 - المعنى: من ذلّ ابن عمّه فهو ذليل لا محالة، لأن الرجل يعزّ بابن عمّه ويقوى به.
14 - الحصاة: العقل والرأي يردّه عن القبيح. وعوراته: مساوئه.
15 - الفكاهة: المزاح.
16 - البيت ساقط من نسخة الأعلم والوزير. وهو في رواية ابن السكيت.
__________
(1) في الديوان بيت لم يرد هنا، وهو بعد هذا البيت:
وأنت امرؤ منّا ولست بخيرنا ... جوادا على الأقصى وأنت بخيل(2/63)
5
وقال حين أطرد فصار في غير قومه (1): [الطويل]
1 - قفي ودّعينا اليوم يا ابنة مالك ... وعوجي علينا من صدور جمالك
2 - قفي لا يكن هذا تعلّة وصلنا ... لبين، ولا ذا حظّنا من نوالك
3 - أخبّرك أنّ الحيّ فرّق بينهم ... نوى غربة ضرّارة لي كذلك
4 - ولم ينسني قد لقيت وشفّني ... من الوجد أني غير ناس لقاءك
5 - وما دونها إلا ثلاث مآوب ... قدرن لعيس مسنفات الحوارك
6 - ولا غرو إلا جارتي وسؤالها ... ألا هل لنا أهل؟ سئلت كذلك
7 - تعيّر سيري البلاد ورحلتي ... ألا ربّ دار سوى حرّ دارك
8 - وليس امرؤ أفنى الشّباب مجاورا ... سوى حيّه إلا كآخر هالك
9 - ألا ربّ يوم لو سقمت لعادني ... نساء كرام من حييّ ومالك
10 - ظللت بذي الأرطى فويق مثقّب ... ببيئة سوء هالكا أو كهالك (2)
شرح القصيدة الخامسة 1عوجي: اعطفي. ومن صدور: أي صدور، ومن زائدة، أو للتبعيض أي قفي لنودعك ونشتفي منك. ويروى: «قفي قبل وشك البين».
2 - التعلة: ما يلتهى به. ونوالك: عطائك.
3 - النوى: الجهة التي تنوي إليها. والغربة: البعيدة.
5 - العيس: الإبل البيض يخالط بياضها شقرة. والحوارك: جمع حارك، وهو أعلى الكاهل.
ومآوب: جمع مآبة. ومسنفات: مشرفات.
6 - لا غرو: لا عجب.
7 - تعير: تعيب. وحر دارك: وسطها وأكرمها ومنه لطم حرّ وجهه. أي أكرمه وأعزّه.
8 - المعنى: إن من أفنى شبابه في غير قومه ليس إلا كآخر ميت، بسبب ما يلقى من الذل.
9 - حيي: قال ابن الكلبي: بطن من قيس بن ثعلبة. ومالك: يعني مالك بن سعد بن مالك، وهو من رهط طرفة.
10 - ظللت: أقمت. وذي الأرطى: موضع فيه الأرطى، وهو شجر يدبغ به. ومثقب: موضع. وببيئة سوء: بمنزل سوء، من بوأته المنزل إذا أنزلته فيه.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6059.
(2) في الديوان بيت لم يرد هنا، وهو بعد هذا البيت:
ومن عامر بيض كأن وجوهها ... مصابيح لاحت في دجى متحالك(2/64)
11 - تردّ عليها الرّيح ثوبي قاعدا ... إلى صدفيّ كالحنيّة بارك
12 - رأيت سعودا من شعوب كثيرة ... فلم تر عيني مثل سعد بن مالك
13 - أبرّ وأوفى ذمّة يعقدونها ... وخيرا إذا ساوى الذرا بالحوارك
14 - وأنمى إلى مجد تليد وسورة ... تكون تراثا عند حيّ لهالك
15 - أبي أنزل الجبّار عامل رمحه ... على السّرج حتى قرّ بين السّنابك
16 - وسيفي حسام أختلي بذبابه ... قوانس بيض الدّارعين الدّوارك
6
وقال أيضا في اطّراده إلى النّجاشيّ (1): [الطويل]
1 - لخلوة بالأجزاع من إضم طلل ... وبالسّفح من قوّ مقام ومحتمل
2 - تربّعه مرباعها ومصيفها ... مياه من الأشراف يرمى بها الحجل
11 - ترده: أي تلقيه على وجهي ورأسي، وأنا قاعد إلى بعيري قد أسندت إليه. وصدفي: بعير منسوب إلى الصدف، حيّ من همدان. والحنية: القوس، يشبّه بعيره بها في صلابته وضمره.
12 - سعودا: جمع سعد، وسعد في العرب كثير منهم سعد بن زيد مناة وسعد بن الحارث بن بني أسد، وسعد بن بكر بن هوازن، وهم الذين أرضعوا النبي وكان بنو سعد بن مالك لا يرى مثلهم في برّهم ووفائهم.
13 - أبر: أكثر وفاء في يمين. والذمة: العهد والحرمة. ويعقدونها: يوثقونها.
14 - أنمى: أشد ارتفاعا وسموا إليه. والسورة: المنزلة من الشرف.
15 - أنزل الجبار: حطّه عن فرسه. والجبار: يعني الملك الجبار، أراد بعض ملوك غسان. وعامل الرمح: السنان لأنه يعمل به. والسنابك: مقاديم الحوافر.
16 - حسام: قاطع. وأختلي: أجز. وذبابه: حدّه. وقوانس: جمع قونس وهو الناتىء في أعلى بيضة الحديد. والدّارعين: الذين يلبسون الدروع. والدّوارك: قيل معناه: الآخذون بكلب الترس.
ويروى، الدمالك: أي الدملكة المدوّرة وهو صفة للبيض.
شرح القصيدة السادسة 1الأجزاع: جمع جزع، وهو منعطف الوادي. وإضم: واد لأشجع وجهينة. والسفح: أسفل الجبل. وقو: واد. ومقام: إقامة. ومحتمل: ارتحال.
2 - تربعه: تقيم في خولة وقت الربيع. ومرباعها: ويروى مربوعها: أي مكان ارتباعها وهو مبتدأ خبره مياه. والأشراف: المرتفعات، وأراد بها هنا شرفا وشريفا وهما جبلان أحدهما لبني نمير.
والحجل: طائر مائي، أي يتصيّد بها الحجل أو معناه أو الحجل يقع على الماء فيرمى، أي هذه المياه من موارد هذا الطير.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6261.
3 - فلا زال غيث ربيع وصيف ... على دارها حيث استقرّت له زجل
4 - مرته الجنوب ثمّ هبّت له الصّبا ... إذا مسّ منها مسكنا عدملا نزل
5 - كأنّ الخلايا فيه ضلّت رباعها ... وعوذا إذا ما هزّه رعده احتفل
6 - لها كبد ملساء ذات أسرّة ... وكشحان لم ينقض طواءهما الحبل
7 - إذا قلت هل يسلو اللّبانة عاشق ... تمرّ شؤون الحبّ من خولة الأول
8 - وما زادك الشّكوى إلى متنكر ... تظلّ به تبكي وليس به مظل
9 - متى تر يوما عرصة من ديارها ... ولو فرط خول تسجم العين أو تهل
10 - فقل لخيال الحنظليّة ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل
11 - ألا إنّما أبكي ليوم لقيته ... بجرثم قاس كلّ ما بعده جلل
12 - إذا جاء ما لا بدّ منه فمرحبا ... به حين يأتي لا كذاب ولا علل
13 - ألا إنّني شربت أسود حالكا ... ألا بجلي من الشّراب ألا بجل
3 - له زجل: أي مطر ذو رعد مصوّت.(2/65)
3 - فلا زال غيث ربيع وصيف ... على دارها حيث استقرّت له زجل
4 - مرته الجنوب ثمّ هبّت له الصّبا ... إذا مسّ منها مسكنا عدملا نزل
5 - كأنّ الخلايا فيه ضلّت رباعها ... وعوذا إذا ما هزّه رعده احتفل
6 - لها كبد ملساء ذات أسرّة ... وكشحان لم ينقض طواءهما الحبل
7 - إذا قلت هل يسلو اللّبانة عاشق ... تمرّ شؤون الحبّ من خولة الأول
8 - وما زادك الشّكوى إلى متنكر ... تظلّ به تبكي وليس به مظل
9 - متى تر يوما عرصة من ديارها ... ولو فرط خول تسجم العين أو تهل
10 - فقل لخيال الحنظليّة ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل
11 - ألا إنّما أبكي ليوم لقيته ... بجرثم قاس كلّ ما بعده جلل
12 - إذا جاء ما لا بدّ منه فمرحبا ... به حين يأتي لا كذاب ولا علل
13 - ألا إنّني شربت أسود حالكا ... ألا بجلي من الشّراب ألا بجل
3 - له زجل: أي مطر ذو رعد مصوّت.
4 - مرته: أدرته. تقول: مرى الناقة إذا مسح ضرعها ليدرّ. وعدمل: سحاب عظيم كثيف متراكم.
ونزل: تشقّق بالمطر.
5 - الخلايا: جمع خلية وهي هنا الناقة. ورباعها: جمع ربع وهو الذي ينتج أول الربيع. وعوذا:
هي حديثات النتاج. وهززه: حرّكه وزلزله. واحتفل: اشتد مطره.
6 - لها كبد: أراد بها بطنها ووسطها. وأسرة: عكر وطرائق. ولم ينقض: يروى لم ينقص، أي لم يغيّر. وطواءهما: أي ضمرهما يريد أنها خميصة البطن لم تحمل، وذلك أحسن لها ومدّ الطواء، والمعروف فيه القصر فهو إما لغة، وإما ضرورة.
7 - اللبانة: الحاجة. وتمر: تشتد وتقوى. والشؤون: الأمور، واحدها شأن.
8 - متنكر: طلل متغير. ومظل: مكان ظل.
9 - عرصة: هي كل فضاء بين الدور واسع ليس فيه بناء لأن الأولاد يعرصون فيه أي يلعبون ويمرحون. وفرط: حول بعد حول. وتسجم العين: تسيل دموعها. وتهل: يقطر دمعها.
10 - الحنظلية: امرأة من بني حنظلة بن مالك قبيلة من بني تميم. وينقلب: يرجع إليها. فإني أصل حبل من يصلني بنفسه فأما بخياله فلا.
11 - جرثم: موضع أو أرض. وجلل: هنا أي صغير، والجلل أيضا الكبير العظيم فهو من الأضداد.
12 - ما لا بدّ منه: هو الموت. ولا كذاب: أنا صابر له معترف به. ولا علل: لا أعذار أعتلّ بها.
13 - أسود حالكا: يعني كأس المنيّة، وهذا مثل ضربه لفساد ما بينه وبينها، والحالك: الشديد السواد. وبجلي: بمعنى حسبي، يقول كأني سقيت سمّا فقتلني.(2/66)
14 - فلا أعرفني إن نشدتك ذمتي ... كداعي هديل لا يجاب ولا يمل
7
وقال يهدّد المسيّب بن علس، ويمدح قتادة بن مسلمة الحنفيّ وأصاب قومه سنة، فبذل لهم (1): [الكامل]
1 - إنّ امرءا سرف الفؤاد يرى ... عسلا بماء سحابة شتمي
2 - وأنا امرؤ أكوى من القصر ال ... بادي وأغشى الدّهم بالدّهم
3 - وأصيب شاكلة الرّميّة إذ ... صدّت بصفحتها عن السّهم
4 - وأجرّ ذا الكفل القداة على ... أنسائه فيظلّ يستدمي
5 - وتصدّ عنك مخيلة الرّجل ال ... عرّيض موضحة عن العظم
6 - بحسام سيفك أو لسانك وال ... كلم الأصيل كأرغب الكلم
14 - نشدتك: سألتك. وذمتي: عهدي. والهديل: فرخ حمام تزعم العرب أنه كان على عهد نوح فمات عطشا أو صاده جارح فما من حمامة إلا وهي تبكي عليه فكأنها تدعوه ولا تملّ نداءه وهو لا يجيبها.
شرح القصيدة السابعة 1سرف الفؤاد: مخطئة غافلة أي أنه يرى شتمه سائغا كالعسل ممزوجا بماء السحاب.
2 - القصر: داء يأخذ في قصرة العنق فلا يستطيع صاحبها أن يلتفت إلا جميعا. والبادي: الظاهر.
والدهم: بفتح الدال الجماعة الكثيرة من الناس، يريد أغشى الجيش الكثير بمثله في كثرته، ويروى الدهم: بضمّ الدال، وهي الخيل السود.
3 - الشاكلة: ما بين عظم الورك والقصيرى والحجبة رأس الورك المشرف على الخاصرة وخصّ الشاكلة لأنها من أنفذ المقاتل والصفحة عرض الجنب يريد أنه بصير بمواضع الرمي.
4 - وأجر ذا الكفل: أطعنه وأترك القناة فيه يجوها، والكفل: العجيزة. والأنساء: جمع نسا، وهو عرق في الورك إلى الساق. ويستدمي: يسيل دمه، وهذا تعريض بعبد عمرو بن بشر بن مرثد، وكان مترفا ناعم الجسد.
5 - تصدّ: ترد. والمخيلة: الكبر والخيلاء. والعريض: بوزن سكيت، الذي يتعرّض للناس بالشر.
وموضحة: شجة تبدي عن وضح العظم، يعني أن المتكبر العريض لا يردّه غير الشر.
6 - بحسام سيفك: بسيفك الحسام، أي القاطع. والكلم: الأصيل، الكلام البليغ النافذ، يريد الهجو. والكلم: الجرح، يريد أن من الكلام ما هو أنكى من جرح السيف.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 7978.(2/67)
7 - أبلغ قتادة غير سائله ... منه الثّواب وعاجل الشّكم
8 - أني حمدتك للعشيرة إذ ... جاءت إليك مرقّة العظم
9 - ألقوا إليك بكلّ أرملة ... شعثاء تحمل منقع البرم
10 - ففتحت بابك للمكارم ح ... ين تواصت الأبواب بالأزم
11 - وأهنت إذ قدموا التّلاد لهم ... وكذاك يفعل مبتني النّعم
12 - فسقى بلادك غير مفسدها ... صوب الغمام وديمة تهمي
8
وقال طرفة يهجو عبد عمرو بن بشر وكان وقع بينهما شرّ (1): [الطويل]
1 - يا عجبا من عبد عمرو وبغيه ... لقد رام ظلمي عبد عمر فأنعما
2 - ولا خير فيه غير أنّ له غنى ... وأنّ له كشحا إذا قام أهضما
3 - يظلّ نساء الحيّ يعكفن حوله ... يقلن عسيب من سرارة ملهما
7 - قتادة: هو ابن سلمة الحنفي أتاه قوم طرفة، وقد أسنتوا، فأحسن عطيتهم وكان قتادة من الكرام، ويسمى غيث الضريك أي الفقير، وبه ضرب المثل «أقرى من غيث الضريك».
والشكم: العوض. ويروى، عقب الثواب وناجز الشكم.
8 - عشيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون أو قبيلته. ومرقة العظم: مجهودة رقيقة العظم وإذا هزل الحيوان دقّ عظمه ورقّ مخّه وكثر، وإذا سمن غلظ عظمه وقلّ مخّه واشتد.
9 - ألقوا إليك: رموا إليك. والأرملة: المحتالة أو المسكينة. وشعثاء: متغيّرة بالهزال وسوء الحال.
ومنقع البرم: بزمة صغيرة، تقع فيها أنكاث الأخبية، لتغزلها ولتجتمع، فإذا نزلوا واستقروا حكن ذلك الغزل، واتخذن الأخبية. والبرم: جمع برمة، سكنت الراء للضرورة.
10 - الأزم: الإغلاق.
11 - أهنت: بذلت، والتلاد: المال القديم. والنّعم: بتسكين العين للضرورة، جمع نعمة.
12 - صوب الغمام: انصبابه. والديمة: المطر الدائم. وتهمي: تسيل وغير مفسدها احتراس للديار من الفساد بكثرة المطر.
شرح القصيدة الثامنة 1أنعم: بلغ في ظلمي وزاد.
2 - والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع. وأهضم: لطيف ضامر.
3 - يعكفن: يستدرن حوله. والعسيب: جريدة من النحل مستقيمة، أو قضيب. ومن سرارة: سراة كل شيء وسطه وأفضله، ويروى من سراوة. وملهم: موضع كثير النخل.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 70.(2/68)
4 - له شربتان بالنّهار وأربع ... من اللّيل حتى آض سخدا مورّما
5 - ويشرب حتى يغمر المحض قلبه ... وإن أعطه أترك لقلبي مجثما
6 - كانّ السّلاح فوق شعبة بانة ... ترى نفخا ورد الأسرّة أسحما
9
وقال طرفة أيضا يهجو عمرو ابن هند وأخاه قابوس ابن هند (1): [الوافر]
1 - فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبّتنا تخور
2 - من الزّمرات أسبل قادماها ... وضرّتها مركّنة درور
3 - يشاركنا لها رخلان فيها ... وتعلوها الكباش فما تنور
4 - لعمرك إنّ قابوس ابن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير
4 - آض: صار. وسخدا: ريان منتفخا.
5 - مجثم: موضع راحة، أي أعط اللبن لا أستكثر منه.
6 - شعبة بانة: غصن بانة، وهي شجرة معروفة عندهم، أي كأن سلاحه على غصن بانة، من تثنّيه ونعمته. وتروى نفخا: لكثرة شحمه ورهله. ورد الأسرّة: الأسرّة الطرائق في جسده، وجعله أحمر اللون من أثر الطيب، وهو الزعفران. وأسحما: بالسين، أسود، وبالصاد: أي أسود في صفرة من أثر الطيب.
شرح القصيدة التاسعة 1قال الأعلم: كان عمرو شرّيرا، وكان يقال له مفرط الحجارة، وكان له يوم بؤسى ويوم نعمى، فيوم يركب في صيده يقتل أول من لقي، ويوم يقف الناس ببابه فإن اشتهى حديث رجل أذن له فكان هذا دهره فهجاه طرفة بقوله: «فليت لنا الخ». ورغوثا: هي النعجة المرضع. تخور: تصوّت، وأصل الخوار للبقرة ثم استعار للنعجة، وقد اقتصر الشنتمري على هذه الأبيات الثمانية من القصيدة.
2 - الزمرات: قليلات الصوت، وتكون أغزر ألبانا. وأسبل: طال وكمل. والقادمان: الخلفاء، وأصلهما للناقة، لأن لها أربعة أخلاف، قادمين وآخرين فاستعار القادمين للشاة والضرّة: لحم الضرع والمركنة التي لها أركان، أي جوانب وأصل، أو المجتمعة. والدرور: الكثيرة الدر.
3 - رخلان: تثنية رخل بفتح الراء وكسر الخاء وهي الأنثى من أولاد الضأن وفيها: أي في لبنها وتعلوها الكباش تلحقها. وتنوّرت: تنفر، والنوار: النفور.
4 - قابوس: أخو عمرو ابن هند. ونوك: حماقة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 38.(2/69)
5 - قسمت الدّهر في زمن رخيّ ... كذاك الحكم يقصد أو يجور
6 - لنا يوم وللكروان يوم ... تطاردهن البائسات ولا نطير
7 - فأمّا يومهنّ فيوم نحس ... تطاردهن البائسات ولا نطير
7 - فأمّا يومهنّ فيوم نحس ... تطاردهنّ بالحدب الصّقور
8 - وأما يومنا فنظلّ ركبا ... وقوفا ما نحلّ وما نسير
10
وقال يعتذر إلى عمرو ابن هند حين بلغه أنه هجاه فتوعّده (1): [الكامل]
1 - إنّي وجدّك ما هجوتك وال ... أنصاب يسفح بينهن دم
2 - ولقد هممت بذاك إذ حبست ... وأمرّ دون عبيدة الوذم
3 - أخشى عقابك إن قدرت ولم ... أغدر فيؤثر بيننا الكلم
5 - قسمت الدهر: يخاطب عمرو ابن هند أو أخاه قابوس، ويذكر ما كان عليه من يوم صيده، ويوم وقوف الناس ببابه، وقد بيّنه في الأبيات التي بعد هذا. والرخي: اللين السهل.
وكذاك الحكم: هو حذف مضاف، أي ذو الحكم. ويقصد: يتوسط ويعدل. ويجور: يميل عن الحق.
6 - يوم: روي بالرفع والنصب. والكروان: بكسر الكاف وسكون الراء، جمع كروان بفتحهما وهو طائر معروف، أو جمع كرا كفتى وفتيان. وتطير: الفاعل يعود على الكروان. والبائسات: قال الأعلم: الرفع على القطع، أو على البدل من المضمر في تطير، وهي جمع بائسة، والنصب على الترحّم، بفعل محذوف.
7 - يومهن: الكروان. وتطاردهن: تطردهن. والحدب: بالتريك ما ارتفع من الأرض وغلظ.
والصقور: جمع صقر، وهو كل شيء يصيد من البزاة والشواهين.
8 - ما نحل وما نسير: أي نحن قيام ببابه ننتظر الإذن، فلا هو يأذن، فنحلّ عنده، ولا هو يأمر بالرجوع، فنسير عنه.
شرح القصيدة العاشرة 1والأنصاب: أقسم بالأوثان التي تقرّب إليها القرابين. ويسفح: يصب.
2 - أمر: فتل فتلا شديدا. وحبست: أي الإبل. وعبيدة: هو معبد أخو طرفة مصغر تصغير ترخيم. والوذم: سيور تشدّ بها عرا الدلاء إلى العراقي، ويقال أمر دون فلان الوذن إذا استبدّ بالأمر دونه.
3 - ويؤثر: يروي. يقال أثرت الحديث: إذا رويته عن غيرك. والكلم: الهجاء. يقول: كان بنوها صغارا ورهطها غيبا، فجرّأهم ذلك على ظلمها.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 74.(2/70)
11
قال طرفة في حقّ لأمّه ظلمته (1): [الكامل]
1 - ما تنظرون بحقّ وردة فيكم ... صغر البنون ورهط وردة غيّب
2 - قد يبعث الأمر العظيم صغيرة ... حتى تظلّ له الدّماء تصبّب
3 - والظلم فرّق حيي وائل ... بكر تساقيها المنايا تغلب
4 - قد يورد الظلم المبيّن آجنا ... ملحا يخالط بالذعاف ويقشب
5 - وقراف من لا يستفيق دعارة ... يعدي كما يعدي الصّحيح الأجرب
6 - والإثم داء ليس يرجى برؤه ... والبرّ برء ليس فيه معطب
7 - والصّدق يألفه الكريم المرتجى ... والكذب يألفه الدّنيء الأخيب
8 - ولقد بدا لي أنّه سيغولني ... ما غال عادا والقرون فأشعبوا
9 - أدّوا الحقوق تفر لكم أعراضكم ... إنّ الكريم إذا يحرّب يغضب
12
وقال يذكر يوم قضة (2): [الرمل]
1 - سائلوا عنّا الذي يعرفنا ... بقوانا يوم تحلاق اللمم
شرح القصيدة الحادية عشرة 1وردة: هي أم طرفة، وهي من بني مالك بن ضبيعة.
2 - تصبب: تسيل، وهذا كقولهم: «ومعظم النار من مستصغر الشرر».
3 - حيي وائل: هما بكر وتغلب.
4 - المبين: الواضح. وآجنا: متغيّر الطعم واللون. وملحا: صفة لآجن وهو ضدّ العذب.
والذعاف: بالذال والزاي، سم ساعة. ويقشب: يخلط، أي يجرّ الظلم إلى المعاداة.
5 - قراف: مخالطة ومداناة. والدعارة: الخبث والإثم.
8 - يغولني: يهلكني. وعاد: أمة قديمة من العرب البائدة. وأشعبوا: صاروا إلى شعوب، أي هلكوا.
9 - تفر: تكمل. والأعراض: جمع عرض، وهو الحسب. ويحرب: يهيج ويغضب.
شرح القصيدة الثانية عشرة 1قال الأعلم: وهو يوم التحالق. وقضة جبل اقتتلوا قريبا منه وكان الحارث بن عبّاد أمرهم
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 12.
(2) القصيدة في الديوان ص 7775.(2/71)
2 - يوم تبدي البيض عن أسؤقها ... وتلفّ الخيل أعراج النّعم
3 - أجدر النّاس برأس صلدم ... حازم الأمر شجاع في الوغم
4 - كامل يحمل آلاء الفتى ... نبه سيّد سادات خضم
5 - خير حيّ من معدّ علموا ... لكفيء ولجار وابن عم
6 - يجبر المحروب فينا ماله ... ببناء وسوام وخدم
7 - نقل للشّحم في مشتاتنا ... عقر للنّيب طرّاد القرم
8 - نزع الجاهل في مجلسنا ... فترى المجلس فينا كالحرم
بحلق رؤوسهم، وكان هذا اليوم لبكر على تغلب وإنما أمرهم بذلك ليكون علما يعرف بعضهم بعضا، فقال طرفة في ذلك هذه القصيدة وزعم الأصمعي أنها مصنوعة وأنه أدرك قائلها. وأثبتها أبو عبيدة والمفضل وغيرهما. ويوم تحلاق اللمم، هو أول يوم انتصفت فيه بكر من تغلب في حرب البسوس وكانت بنو بكر حلقت رؤوسها ليعرف بعضهم بعضا، واللمم: جمع لمة، وهي الشعر المجاوز شحمة الأذنين وكان يقول بكرا الحارث بن عباد البكري وقد أمر بحلق شعورهم ليتميّزوا.
2 - أي النساء البيض أي يوم يكشفن عن سوقهن كناية عن هول ذلك اليوم. والأعراج: جمع عرج بفتحتين، القطيع من الإبل من الثمانين فما فوق. والنعم: الإبل. واللف: الجمع والضم ضد النشر أي وتحوز خيلنا أي فرسانها قطائع إبل تغلب.
3 - الرأس الصلدم: القوي الصلب، ويريد به هنا رأس القوم في الحرب أي رئيسهم. والوغم:
الحرب. والمعنى: ونحن أجدر الناس بأن يقودنا رئيس قوي حازم شجاع في الحرب.
4 - آلاء: جمع ألا (كعصا) أو ألو (كدلو). ومن معاني الألو والألا: العطية والنعمة والجهد وكلها مناسبة هنا. والخضم: السيد الحمول المعطاء خاص بالرجال أي إن هذا الرئيس كامل يحمل نعم الفتى الكامل أي يتّصف بمحاسنه أو يتحمّل عطاء الفتى القاصد له أو يتحمّل ضعفه وجهده بإعانته وحمايته.
5 - نحن خير حيّ من قبائل معد. وعلموا: بالبناء للمعلوم أي عرفونا بذلك. والكفيء: الكاسف اللون المتغيرة بؤسا، أي نحن خير حي في معدّ عرفه الناس مرجوّا للكفىء وللجار ولابن العم.
6 - المحروب: المسلوب المال. والبناء: المسكن. والسوام: كسحاب الإبل السائمة، أي أن المسلوب المال إذا أقام فينا جبر بآماله وأسكناه وأعطيناه إبلا سائمة وخدما.
7 - نقل: جمع نقول. ومشتاتنا: زمن إقامتنا في الشتاء أي نكثر نقل الشحم بيننا في الشتاء.
وعقر: جمع عقرة كهمزة، وهو الذي يكثر عقر الإبل. والنيب: جمع ناب، وهي المسنّة من الإبل وهي أكثر شحما وطراد جمع طارد. والقرم: شهوة اللحم. المعنى: إذا كان الشتاء واشتد الزمان نقلنا الشحم إلى الضيف والجار وننحر النيب ونطعم فيذهب القرم.
8 - نزع: مضارع وزع، بمعنى كفّ وزجر. والحرم: ما يحارب عنه الإنسان ويحميه أو أنه يريد حرم مكة. بمعنى أننا نكفّ الجاهل فلا يأتي في مجلسنا بسفاهة فكان مجلسنا حرم نحميه أو حرم يتحرّم دينا.(2/72)
9 - وتفرّعنا من ابني وائل ... هامة العزّ وخرطوم الكرم
10 - من بني بكر إذا ما نسبوا ... وبني تغلب ضرّابي البهم
11 - حين يحمي النّاس نحمي سربنا ... واضحي الأوجه معروفي الكرم
12 - بحسامات تراها رسّبا ... في الضّريبات مترّات العصم
13 - وفحول هيكلات وقح ... أعوجيّات على الشّأو أزم
14 - وقنا جرد وخيل ضمّر ... شزّب من طول تعلاك اللّجم
15 - أدّت الصّنعة في أمتنها ... فهي من تحت مشيحات الحزم
16 - تتّقي الأرض برحّ وقح ... ورق يقعرن أنباك الأكم
9 - على صيغة الماضي بسكون العين. والخرطوم: الأنف. أي وقد تفرعنا ونسلنا من ابني وائل بكر وتغلب الذين هما بمنزلة هامة للمجد ويكونون بالأنف عن الأنفة والعزّ والشمم.
10 - ثم فسّر معنى ابني وائل بأنها بكر وتغلب مبهم جمع بهمة وهو الشجاع لا يعلم من أين يضرب.
11 - والسرب: بالكسر، النسء أو النفس.
12 - جمع الحسام على حسامات: نادر. ورسب: جمع راسب، وهو السيف يغيب في الضريبة.
وإذا قرأت رسبا ككتب كان جمع رسوب بمعنى الراسب أيضا والوزن لا يمنع من ذلك.
والمتر: القاطع. والعصم: جمع عصام كل ما يعصم الشيء ويشدّه ويربطه من الحبال ونحوها.
وقيل: أراد بها المعتصم على المعنى لأنها تعصم البدن بالدفع عنه.
13 - الفحل: الذكر من كل حيوان ويريد بالفحول هنا الخيل الذكور. والهيكل: العظيم الجسم، وجمعه على هيكلات نادر. ووقح: جمع ووقاح، يريد الفرس الصلب الحافر. وأعوجيات:
جمع أعوجي، وهو الفرس ينسب إلى أعواج، اسم فرس كريم عتيق. وأزم: جمع أزوم، وهو الفرس يعضّ على فأس اللجام من شدة نشاطه. والشأو: السبق، أي ونحمي سربنا بخيول فحول صلبة الحوافر أعوجيات شديدة في السبق.
14 - وقنا جرد: أرماح مجرّدة من الكعوب الغليظة. وخيل ضمر: أي ضامرات. وشزب: ضامرات صلاب. وتعلاك: اللجم، وعلكها تحريكها والعض عليها بالفم. واللجم: جمع لجام.
15 - أدت: قوي. وصنعة الفرس: حسن القيام عليه والعناية بعلفه وتسمينه. والأمتن: جمع متن، وهو الظهر. ومشيحات الحزم: أي أن أحزمتها متقدمة إلى الأمام أو أنها مرتفعات الحزم لعظم صدرها ومتنها. يعني أن هذه الخيل قد قوي متونها وأعظمها حسن القيام على علفها حتى أنك لترى حزمها من تحتها مرتفعات جدّا لعظم متنها وصدّها.
16 - الأرح: الحافر العريض، والجمع رح. ووقح: جمع وقاح، وهو الحافر الصلب. وورق: جمع أورق، وهو الذي لونه الورقة، وهي سواد في بياض قليل كاون الرماد. ويقعرن: يقتلعن.
والأنباك: جمع نبك، وهي الأرض المرتفعة أو الأكمة المحددة الرأس. أي تتقي تأثير مشيها على الأرض بحوافر صلبة ورقاء تقتلع الآكام.(2/73)
17 - وتفرّى اللحم من تعدائها ... والتّغالي فهي قبّ كالعجم
18 - خلج الشّدّ ملحّات إذا ... شالت الأيدي عليها بالجذم
19 - قدما تنضو إلى الدّاعي إذا ... خلّل الدّاعي بدعوى ثمّ عم
20 - بشباب وكهول نهد ... كليوث بين عرّيس الأجم
21 - نمسك الخيل على مكروهها ... حين لا يمسك إلّا ذو كرم
22 - نذر الأبطال صرعى بينها ... تعكف العقبان فيها والرّخم
13
وقال طرفة أيضا يهجو بني المنذر بن عمرو (1): [الطويل]
1 - من الشّرّ والتبريح أولاد معشر ... كثير ولا يعطون في حادث بكرا
17 - تفرى: تشق، وتفرت العين: انبجست بالماء، وكلا المعنيين مناسب. والتعداء: العدو.
والتغالي: سدّة الارتفاع، يريد صعود المرتفعات. والقب: جمع أقب، والقيب: دقّة الخصر وضمور البطن، وهو من محاسن الخيل. والعجم: نوى كل شيء. المعنى: أن هذه الفرس يتشقق لحمها وينبجس بالعرق من شدّة عدوها وصعودها الآكام فأصبحت لذلك ضامرة البطن دقيقة الخصر يابسة العضل، كأنها النوى في اليبوسة.
18 - الخلج: جمع خلوج، وهي السريعة الجري. والشدّ: العدو. والملحات: المنصبّات في الجري من ألحّ السحاب: دام مطره. وشالت الأيدي: ارتفعت. والجذم: جمع جذمة، وهو السوط.
19 - قدما تنضو: أي تسبق وتسرع قدما، أي تجري أمام أمام بدون انحراف. وخلل: خصص.
والداعي: المستغيث، أي تسرع إلى نجدة المستغيث قدما إذا خصص بادىء بدء. فصاح: يا لفلان! ثم اضطر بعد إلى التعميم لاشتداد الكرب عليه فعمم الدعوى.
20 - والنهد: جمع ناهد، وهو الشجاع الذي يمضي على كل حال وهو أيضا الأسد. والعريس:
مأوى الأسد. والأجم: الأجمات.
21 - على مكروهها: أي نربط الخيل، ونحسن إليها على ما تكره من ارتباطها لشدة الزمان وصعوبته حين لا يقدر على إمساكها إلا الكريم.
22 - تعكف العقبان: يقمن حول الصرعى يأكلن لحومهم. والرخم: جمع رخمة وهي طائر معروف.
شرح القصيدة الثالثة عشرة 1التبريح: الجهد والمشقّة أي مما يبرح ويشقّ. والبكر: الفتى من الإبل، ويروى بدل «كثير»:
«مثار» بفتح الميم بوزن مفاعل أي ذوو ثراء، أي إذا حدث أمر من حمالة أو غيرها، فاستعينوا لم يكن منهم عون ولا أعطوا فيه بكرا على قلته وخساسته.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 4847.(2/74)
2 - هم حرمل أعيا على كلّ آكل ... مبير ولو أمسى سوامهم دثرا
3 - جماد بها البسباس ترهص معزها ... بنات اللبون والسّلاقمة الحمرا
4 - فما ذنبنا في أن أداءت خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشرا أدرا
5 - إذا جلسوا خيّلت تحت ثيابهم ... خرانق توفي بالضّغيب لها نذرا
6 - أبا كرب أبلغ لديك رسالتي ... أبا جابر عنى ولا تدعن عمرا
7 - هم سوّدوا رهوا تزوّد في استه ... من الماء خال الطّير واردة عشرا
14
وقال طرفة أيضا لعمرو ابن هند يلوم أصحابه في خذلانهم (1): [السريع]
1 - أسلمني قومي ولم يغضبوا ... لسوءة حلّت بهم فادحه
2 - كلّ خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه
3 - كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه اللّيلة بالبارحه
2 - الحرمل نبت مرّ. وأعيا: تعذر معروفهم. ودثر: كثير. وسوامهم: إبلهم. ومبير: مهلك.
ودثرا: كثيرا، أي هم كالحرمل المرّ الوبيل، الذي لا يستمرىء أكله أحد، وإن كانت إبلهم كثيرة.
3 - جماد: أي هم جماد والجماد الأرض لا نبات فيها، والسنة لا مطر فيها. والبسباس: شجر أو نبت أكثر ما يكون في وعر الأرض، واحده بسباسة. وترهص: تصاب حوافرها بشيء يوهنها.
ومعزها: جمع أمعز، ومعزاء: وهي أرض غليظة فيها حصى. وبنات اللبون: صغار الإبل.
والسلاقمة والصلاقمة: العظام منها.
4 - أداءت: صارت ذات داء. وأدر: جمع أدر وهو منتفخ الخصية.
5 - خيلت: ظننت. وخرانق: جمع خرانق وهو ولد الأرنب. وتوفى: تكمل. والضغيب: صوت الأرنب.
7 - سوّدوا رهوا: أي رجلا في الجهل والدناءة كالرهو، ولعله أراد وائل بن شرحبيل، ورهوا: هو طائر أصغر من الكركي. يتزود الماء: إذا خاف العطش. في استه وعشرا: أي بعد عشرة أيام.
شبّه الذي سوّدوه بهذا الطائر في حمقه.
شرح القصيدة الرابعة عشرة 1أسلمني: تركني. والسوءة: الخلّة القبيحة. وفادحة: ثقيلة المحمل عظيمة.
2 - واضحة سنّا: واضحة البياض، أو هي التي تبدو عند الضحك.
3 - أروغ: أفعل تفضيل من الروغان، وهو الميل. ويروى: أروع، أي أشدّ فزعا.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 17.(2/75)
15
وقال طرفة أيضا (1): [الطويل]
1 - أتعرف رسم الدّار قفرا منازله ... كجفن اليماني زخرف الوشي ماثله
2 - بتثليث أو نجران أو حيث تلتقي ... من النّجد في قيعان جاش مسايله
3 - ديار لسلمى إذ تصيدك بالمنى ... وإذ حبل سلمى منك دان تواصله
4 - وإذ هي مثل الرّئم صيد غزالها ... لها نظر ساج إليك تواغله
5 - غنينا وما نخشى التّفرّق حقبة ... كلانا غرير ناعم العيش باجله
6 - ليالي أقتاد الصّبا ويقودني ... يجول بنا ريعانه ونجاوله
7 - سما لك من سلمى خيال ودونها ... سواد كثيب عرضه فأمايله
8 - فذو النّير فالأعلام من جانب الحمى ... وقفّ كظهر التّرس تجري أساجله
شرح القصيدة الخامسة عشرة 1مما رواه ابن السكّيت عن غير الأصمعي وهي من رواية أبي عمرو الشيعاني. والرسم: الأثر أو ما لا شخص له. والجفن: غمد السيف. والوشي: النقش. وماثله: صانعه الذي يمثل التماثيل عليه، ويقال لكل من عمل شيئا على مثال شيء ماثل.
2 - تثليث ونجران: موضعان باليمن والنجد ما أشرف من الأرض والقيعان: جمع قاع، وهو أرض سهلة مطمئنة، قد انفرجت عندها الجبال. وجاش: موضع. ومسايله: جمع مسيل.
3 - المعنى: تلك ديار سلمى زمن المرتبع، إذ كنت تجاورها فتمنّيك، وتصيدك بمناها. والحبل:
العهد الذي بينه وبينها.
4 - الرئم: الظبي الخالص البياض. وساج: ساكن. وتواغله: تسارقه وتتبع بعضه بعضا، وأصله من الواغل في القوم، وهو الداخل عليهم في مجلس الشراب ولم يدع له.
5 - غنينا: أقمنا. وحقبة: سنة. وغرير: شاب لم يجرب الأمور. وباجله: حسن الحال مخصب.
6 - أقتاد: أقود. والصبا: جهل الشباب. وريعان الشباب: أوله. ويجول: يدور بنا وندور معه حيثما دار.
7 - سما: ارتفع. والخيال: ما تشبه للشخص في اليقظة والحلم من صورة وسواد. كثيب: شخصه.
والكثيب: التلّ من الرمل وعرضه حيث عظم. وأمايله: جمع أميل، وهو جبل مستطيل من رمل، عرض ميل في طول أميال.
8 - ذو النير: موضع. والأعلام: جمع علم وهو الجبل الطويل. والحمى: موضع. والقف: ما غلظ من الأرض. وقوله «كظهر الفرس»: أي مستو لا شيء فيه. وتجري: تضطرب.
وأساجله: مجاري الماء، الواحد سجل على غير قيس، وقيل: أراد بالأساجل السراب.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6563.(2/76)
9 - وأنّى اهتدت سلمى وسائل بيننا ... بشاشة حبّ باشر القلب داخله
10 - وكم دون سلمى من عدوّ وبلدة ... يجار بها الهادي الخفيف ذلاذله
11 - يظل بها عير الفلاة كأنّه ... رقيب يخافي شخصه ويضائله
12 - وما خلت سلمى قبلها ذات رجلة ... إذا قسوريّ اللّيل جيبت سرابله
13 - وقد ذهبت سلمى بعقلك كلّه ... فهل غير صيد أحرزته حبائله
14 - كما أحرزت أسماء قلب مرقّش ... بحبّ كلمع البرق لاحت مخايله
15 - وأنكح أسماء المراديّ يبتغي ... بذلك عوف أن تصاب مقاتله
16 - فلمّا رأى أن لا قرار يقرّه ... وأنّ هوى أسماء لا بدّ قاتله
17 - ترحّل من أرض العراق مرقّش ... على طرب تهوي سراعا رواحله
18 - إلى السّرو أرض ساقه نحوها الهوى ... ولم يدر أنّ الموت بالسّرو غائله
9 - أنى: كيف. واهتدت: استدلت. ووسائل: جمع وسيلة، وهي القربة والمنزلة، وبشاشة: حب فرحة.
10 - الهادي: العارف بالأرض. والذلاذل: أسافل القميص الطويل أي الذي شمر وأسرع.
11 - العير: حمار الوحش، أو كل ما امتطي من مطية. والرقيب: الحارس. ويضائله: يضمره، يعني أنها فلاة ذات ظهور وبطون، فالعير يبدو فيها مرة ويخفى مرة فكأنه رقيب يشرف تارة ينظر من يجيء ويستخفي تارة لئلا يشعر به.
12 - قبلها: الضمير عائد على زورة الخيال المفهومة من السياق. والرجلة: القوة على المشي.
وقسوري الليل: معظمه وأشده ظلمة. وجيبت: لبست. وأسربله: جمع سربال وهو القميص.
13 - شبّه نفسه وقد وقع في حبائل حبّها بصيد أحرزته حبالة الصائد، والتشبيه ضمني.
14 - مرقش: هو عمرو بن سعد بن مالك عمّ المرقش الأصغر، والأصغر هذا عمّ طرفة. ولمع البرق: إضاءته. ومخايله: جمع مخيلة وهي دلائل المطر في السحابة.
15 - أسماء: هي بنت عوف بن مالك بن ضبيعة المذكور وهو عمّ المرقش. والمرادي: رجل من مراد اسمه عمرو بن الغزيل زوجه عوف من ابنته أسماء. والمقاتل: جمع مقتل، الموضع الذي إذا أصيب قتل صاحبه. روي أن المرقش تعشق أسماء، فخطبها إلى عمّه عوف فوعده بتزويجه إيّاها. ثم سافر المرقش إلى اليمن وفي أثناء ذلك أصابت عوفا حاجة، فقدم إليه رجل من مراد فزوّجه أسماء وذهب بها، فلما قدم المرقش أخبروه أنها ماتت ثم علم جليّة الأمر، فخرج يطلبها في البلاد إلى أن مرض، ومرّ به راع لزوج أسماء فأخبروه بقصته فذهب الراعي إليها بخاتمه فجاءت مع زوجها واحتملاه ومرّضاه حتى مات عندهما.
17 - على طرب: على حزن. وتهوي: تمشي. ورواحله: مطاياه.
18 - السرو: أعلى أرض حمير. وغائله: مدركه وقاتله.(2/77)
19 - فغودر بالفردين: أرض نطيّة ... مسيرة شهر دائب لا يواكله
20 - فيا لك من ذي حاجة حيل دونها ... وما كلّ ما يهوى امرؤ هو نائله
21 - لعمري لموت لا عقوبة بعده ... لذي البثّ أشقى من هوى لا يزايله
22 - فوجدي بسلمى مثل وجد مرقّش ... بأسماء إذ لا تستفيق عواذله
23 - قضى نحبه وجدا عليها مرقّش ... وعلّقت من سلمى خيالا أماطله
16
وقال طرفة أيضا (1): [الكامل]
1 - إني من القوم الذين إذا ... أزم الشّتاء ودوخلت حجره
2 - يوما ودونيت البيوت له ... فثنى قبيل ربيعهم قرره
3 - رفعوا المنيح وكان رزقهم ... في المنقيات يقيمه يسره
4 - شرطا قويما ليس يحبسه ... لمّا تتابع وجهة عسره
19 - غودر، ترك. وبالفردين: اسم أرض من نجران. ونطية: بعيدة. ولا يواكله: السير، أي لا يحتبس، وليس فيه تراخ.
20 - فيا لك: ما أشد عجبي لك من محب لم يظفر بمن أحب. وليس كل ما أحبّه الفتى يدركه.
21 - البث: أشد الحزن. ولا يزايله: لا يفارقه.
22 - لا تستفيق: لا تقصر. وعواذله: جمع عاذلة، وهي اللائمة.
23 - قضى نحبه: مات، والنحب في الأصل: النذر ثم استعير للموت فكأنه نذر في عنق كل إنسان. وعلقت: اعترضني حبها من غير قصد. وخبالا: هو ذهاب العقل من الحب. وأماطله:
من المماطلة، وهي التسويف.
شرح القصيدة السادسة عشرة 1أزم: عضّ واشتد. ودوخلت حجره: دخل الناس البيوت ليستكنّوا فيها من البرد، أو جعل بعض الحجر في داخل بعض.
2 - دونيت: قرب بعضها من بعض. وثنى: عطف. وقرره: جمع قرة، وهي البرد.
3 - المنيح: قدح يؤثر بفوزه، فيستعار ويتيمن بفوزه. والمنقيات: النوق السّمان، وذات النقى، وهو المخ. ويقيمه: الضمير للرزق. واليسر: القوم المجتمعون على الميسر.
4 - شرطا قويما: جعلوا ذلك الشرط قويما. ويحبسه: يحجبه. وعسره: هو فاعل يحبس، وهو الضيق والفقر، أي ليس هنالك عسر يحبسه، والعسر بفتحتين وبضم فسكون. وتتابع وجهة:
أخذ طريقة واحدة.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 3635.(2/78)
5 - تلقى الجفان بكلّ صادقة ... ثمّت تردّد بينهم حيره
6 - وترى الجفان لدى مجالسنا ... متحيّرات بينهم سؤره
7 - فكأنّها عقرى لدى قلب ... يصفرّ من أغرابها صقره
8 - إنّا لنعلم أن سيدركنا ... غيث يصيب سوامنا مطره
9 - وإذا المغيرة للهياج غدت ... بسعار موت ظاهر ذعره
10 - ولّوا وأعطونا الّذي سئلوا ... من بعد موت ساقط أزره
11 - إنّا لنكسوهم وإن كرهوا ... ضربا يطير خلاله شرره
12 - والمجد ننميه ونتلده ... والحمد في الأكفاء ندّخره
13 - نعفو كما تعفو الجياد على ال ... علّات والمخذول لا نذره
14 - إن غاب عنه الأقربون ولم ... يصبح بريّق مائه شجره
15 - إنّ التّبالي في الحياة ولا ... يغني نوائب ماجد عذره
5 - الجفان: القصاع، وبكل صادقة: مملوءة بلحم كل ناقة صادقة أي جيدة اللحم والشحم.
وثمت: لغة في ثم، حرف عطف. وتردد حيره، يهدي بعضهم إلى بعض. وحيره: جمع حيرة وهي قطع الودك والشحم.
6 - متحيرات: ممتلئات. وبينهم: الأضياف. وسؤره: جمع سؤرة وهي البقية.
7 - عقرى: معقورة جمع عقير وقلب جمع قليب وهو بئر قريبة الماء. وأغرابها: ما ينصب حول الحوض من الماء. والصقر: جمع صقرة، بقية الماء في الحوض.
8 - السوام: المال الراعي.
9 - المغيرة: الخيل تغير على الناس. والهياج: الحرب. وسعار الموت: اشتداده. والذعر:
الفزع.
10 - ولوا: رجعوا، أي الأعداء. وأزره: جمع إزر، وهي الملحفة.
11 - المعنى: نضربهم ضربا له توقّد وشرر لشدته، ومعنى خلاله بيّنه وجعل الضرب لهم كسوة لأنهم علوهم به فحلّ منهم محل الكسوة.
12 - ننميه: نكثّره. ونتلده: نجعله تالدا ونورّثه أبناءنا. والأكفاء: جمع كفء، وهو المماثل في الشرف.
13 - نعفو: نعطي من غير مسألة. وعفو الجياد: سرعتها من غير ركض ولا زجر. والعلات: جمع علة، أي وإن كنّا في ضيق وعدم، وقيل: العلة أن تطلب علالتها وهي الجري بعد الجري.
والمخذول: خذله قومه ولم ينصروه. ولا نذره: لا نتركه.
14 - بريق مائه: ريق كل شيء أوله. والمعنى: أنه صار إلى فقر وذل لأنه لم يوصل ولم ينعش.
15 - التبالي: المبالاة وهي الاختبار. وعذرة: جمع عذرة وهي ما يعتذر به.(2/79)
16 - كلّ امرىء فيما ألمّ به ... يوما يبين من الغنى فقره
17
وقال طرفة أيضا (1): [الطويل]
1 - وإنّا إذا ما الغيم أمسى كأنّه ... سماحيق ثرب وهي حمراء حرجف
2 - وجاءت بصرّاد كأنّ صقيعه ... خلال البيوت والمنازل كرسف
3 - وجاء قريع الشّول يرقص قبلها ... من الدّفء والرّاعي لها متحرّف
4 - تردّ العشار المنقيات شظيّها ... إلى الحيّ حتى يمرح المتصيّف
5 - تبيت إماء الحيّ تطهى قدورنا ... ويأوي إلينا الأشعث المتجرّف
6 - ونحن إذا الخيل زايل بينها ... من الطّعن نشّاج مخلّ ومزعف
16 - ألمّ به: نزل به. ويبين: تظهر. وفقره: بضمتين، ضدّ الغنى، وأصله بضم الفاء، وتسكين القاف، ثم اتبعت العين للفاء لأجل الشعر.
شرح القصيدة السابعة عشرة 1سماحيق: جمع سمحيق، وهو شحم رقيق يكون على بطن الشاة، وقيل: هي طرائق حمر تكون في الثرب. والثرب: شحم الشاة، شبّه السماء به لقلّة المطر وهبوب الشمال وهي حمراء، يعني الريح، لما يطير من القتام، أو يعني السماء بدا فيها سحاب أحمر. وحرجف:
شديدة باردة.
2 - وصراد: سحاب لا ماء فيه. وصقيعه: ما يسقط بالليل كأنه الثلج. والكرسف: القطن.
3 - القريع: فحل الإبل. والشول: جمع شائلة على غير قياس، وهي التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها. ويرقص: يخب، أي جاء يبادر الدفء، من شدة البرد، وقد كان قبل ذلك خلفها. ومتحرف: مائل من شدة البرد أي ليس معها راع، وإنما مال ناحية من شدة ما أصابه من البرد.
4 - العشار: جمع عشراء، وهي التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر. والمنقيات: السّمان العظام.
وشظيها: جمع شظية، وهي عظم الساق. ويمرح: يخصب. والمتصيف: مكان الإقامة بالصيف.
5 - تطهى: تطبخ ما فيها. والأشعث: الذي قد شعث للجدب والهزال. والمتجرف: الذي جرفت السنون ماله.
6 - زايل: فرق. ونشاج: طعن ينشج بالدم، أي يسمع له صوت. ومخل: ينزف الدم، أي مخل بصاحبه. ومزعف: بصيغة اسم الفاعل، قاتل.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 5655.(2/80)
7 - وجالت عذارى الحيّ شتّى كأنها ... توالي صوار والأسنّة ترعف
8 - ولم يحم فرج الحيّ إلّا ابن حرّة ... وعمّ الدّعاء المرهق المتلهّف
9 - ففئنا غداة الغبّ كلّ نقيذة ... ومنّا الكميّ الصّابر المتعرّف
10 - وكارهة قد طلّقتها رماحنا ... وأنقذنها والعين بالماء تذرف
11 - نردّ النّحيب في حيازيم غصّة ... على بطل غادرنه وهو مزعف
18
وقال أيضا (1): [الرمل]
1 - وركوب تعزف الجنّ به ... قبل هذا الجيل من عهد أبد
2 - وضباب سفر الماء بها ... غرقت أولاجها غير السّدد
7 - عذارى: جمع عذراء، وهي البكر. وجالت: كثرت حركتها من الخوف. وشتى: متفرقة.
والتوالي: الأواخر. والصوار: قطيع بقر الوحش. والأسنة: الرماح. وترعف: يسيل منها الدم.
8 - فرج الحي: موضع الخوف. وابن حرة: يعني الكريمة من النساء، وإنما يريد الماضي من الرجال الحمي الأبي. والمرهق: الذي أدركه العدو. والمتلهف: المحزون المحتاج إلى قومه لينصروه.
9 - ففئنا: رددنا. وغداة الغب: غداة اليوم الذي بعد يوم الحرب. والنقيذة: ما أنقذه من العدو، من امرأة أو فرس أو درع. والكمي: الشجاع، أو لا بس السلاح. والمتعرف: الصابر في الحرب.
10 - وكارهة: أي ربّ امرأة كارهة قتلنا زوجها برماحنا، فصارت كالمطلقة فأنقذتها الرماح وهي باكية تذرف عينها. وتذرف: يسيل دمعها.
11 - النحيب: البكاء. والحيازيم: جمع حيزوم، وهو ما اكتنف الحلقوم من جانب الصدر.
ومزعف: مقتول، أي نز النحيب في صدري ذي غصة.
شرح القصيدة الثامنة عشرة 1وزعم ابن الكلبي أنها لعثمان بن لبيد العذري. وركوب: طريق مركوب مذلل. وتعزف:
تصوّت. والجيل: الأمة من الناس أو الزمان. والأبد: الدهر، أراد ربّ ركوب من عهد أبد تعزف الجن به قبل هذا الجيل.
2 - ضباب: جمع ضب، وهو حيوان. وسفر الماء بها: أخرجها من جحرتها. وأولاجها: مدخلها وجحرتها والسدد: أفواه جحرتها. أو ما كان من الجحرة مرتفعا.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 3130.
3 - فهي موتى لعب الماء بها ... في غثاء ساقه السّيل عدد
4 - قد تبطّنت بطرف هيكل ... غير مرباء ولا جأب مكد
5 - قائدا قدّام حيّ سلفوا ... غير أنكاس ولا وغل رفد
6 - نبلاء السّعي من جرثومة ... تترك الدّنيا وتنمي للبعد
7 - يزعون الجهل في مجلسهم ... وهم أنصار ذي الحلم الصّمد
8 - حبس في المحل حتى يفسحوا ... لابتغاء المجد أو ترك الفند
9 - سمحاء القفر، أجواد الغنى ... سادة الشيب، مخاريق المرد
3 - موتى: جمع ميت، أي ماتت وحملها الماء على وجهه. والغثاء: ما يبس من النبت، فحملته المياه. وعدد: كثير متراكب، وهو صفة للغثاء.(2/81)
3 - فهي موتى لعب الماء بها ... في غثاء ساقه السّيل عدد
4 - قد تبطّنت بطرف هيكل ... غير مرباء ولا جأب مكد
5 - قائدا قدّام حيّ سلفوا ... غير أنكاس ولا وغل رفد
6 - نبلاء السّعي من جرثومة ... تترك الدّنيا وتنمي للبعد
7 - يزعون الجهل في مجلسهم ... وهم أنصار ذي الحلم الصّمد
8 - حبس في المحل حتى يفسحوا ... لابتغاء المجد أو ترك الفند
9 - سمحاء القفر، أجواد الغنى ... سادة الشيب، مخاريق المرد
3 - موتى: جمع ميت، أي ماتت وحملها الماء على وجهه. والغثاء: ما يبس من النبت، فحملته المياه. وعدد: كثير متراكب، وهو صفة للغثاء.
4 - تبطنت: صرّت في بطنه ووسطه، وهو جواب رب، والطرف: بالكسر، الجواد الكريم.
والهيكل: الطويل الضخم. ومرباء: متثاقل في مشيه. والجأب: مهموزا، الغليظ. ومكد: يكد بالساق والسوط.
5 - قائدا: حال من التاء في تبطنت، وهو من القود. وأنكاس: ضعاف. ووغل: جمع وغيل، وهو الضعيف. ورفد: جمع رفود، وهو كثير العطاء.
6 - نبلاء: جمع نبيل، وهو العظيم. والجرثومة: الأصل. والدنيا: الأمور الصغيرة. وتنمي:
تنهض. والبعد: البعيدة الشريفة.
7 - يزعون: يكفّون وينهون. والصمد: الذي يصمد إليه في الحوائج، أي يقصد.
8 - حبس: جمع حبوس. والفند: بالتحريك، الخطأ في الرأي.
9 - سمحاء: جمع سموح، وهو الكريم السهل. والشيب: جمع أشيب. ومخاريق: جمع مخراق، وهو المتوسع في الكرم. والمرد: جمع أمرد، وهو الذي لم يقبل عذاره وهو بسكون الراء في الأصل، وحرّكه للشعر.(2/82)
عنترة العبسي
ترجمة الشاعر
1
عنترة بن شداد
عنترة بن شداد العبسي أحد شعراء العرب وفرسانهم وأبطالهم ومن أصحاب المعلّقات.
أمه كانت أمة حبشية يقال لها زبيبة، وكان لعنترة إخوة من أمه عبيد وكان هو عبدا أيضا لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلا إذا امتازوا على أكفائهم ببطولة أو شاعرية أو سوى ذلك.
ولكن عنترة سرعان ما اعترف أبوه به لبسالته وشجاعته، وكان السبب في ذلك أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيّون فلحقوهم فقاتلوهم وفيهم عنترة، فقال له أبوه:
كرّ يا عنترة، فقال له: العبد لا يحسن الكرّ إنما يحسن الحلاب والصر، فقال:
كر وأنت حرّ، فكرّ وقاتل يومئذ فأبلى واستنقذ ما في أيدي القوم من الغنيمة، فادّعاه أبوه بعد ذلك.
وعنترة أحد أغربة العرب، وهم ثلاثة: عنترة وأمه سوداء، وخفاف ابن ندبة السلمي، وأبوه عمير وأمه سوداء وإليها نسب والسليك بن السلكة السعدي.
وكان عنترة من أشجع الفرسان وأجود العرب بما ملكت يداه وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة حتى سابه رجل فذكر سواده وسواد أمه وأنه لا يقول الشعر فقال عنترة: والله إن الناس ليترافدون الطعمة فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدّك مرفد الناس وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قطّ وإن اللّبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا
جدّك خطة فصل، وإني لأحضر البأس وأوفي المغنم، وأعف عند المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفصل الخطة الصماء وأما الشعر فستعلم، فكان أول ما قاله معلقته المشهورة: [الكامل](2/83)
وكان عنترة من أشجع الفرسان وأجود العرب بما ملكت يداه وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة حتى سابه رجل فذكر سواده وسواد أمه وأنه لا يقول الشعر فقال عنترة: والله إن الناس ليترافدون الطعمة فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدّك مرفد الناس وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قطّ وإن اللّبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا
جدّك خطة فصل، وإني لأحضر البأس وأوفي المغنم، وأعف عند المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفصل الخطة الصماء وأما الشعر فستعلم، فكان أول ما قاله معلقته المشهورة: [الكامل]
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهّم؟
وحضر عنترة حرب داحس والغبراء وحسن فيها بلاؤه وحمدت مشاهده وعاش طويلا حتى كبر ومات نحو سنة 615م.
وقد عشق عنترة في شبابه بنت عمّه «عبلة» وكان ذلك قبل أن يحرّره أبوه ويدّعيه فأبى عمّه أن يزوّجه ابنته وهو عبد فحفزه ذلك للمعال وعظائم الأمور وهاج ذلك من شاعريته فاجتمع له الشعر السلس القوي والشجاعة النادرة والمروءة المأثورة.
وكان عنترة ينوّه عن نسبه في شعره، من ذلك قوله (1): [الكامل]
إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معمّ مخول
وقضى عنترة كل عمره في الحروب والقتال وقول الشعر فصارت العرب تعدّه من فحول أبطالها وأخذت تروي عند النوادر والأحاديث وما زالت الرواية بذلك تنتقل من جيل إلى آخر ويزاد فيها حتى صارت مع الزمان رواية كبيرة كتبت أخيرا (1) وتعرف الآن بقصة عنترة بن شداد العبسي ويلتذّ بقراءتها إلى الآن كثيرون من أهالي الشام ومصر.
2
يمتاز شعر عنترة بعذوبة الأسلوب
وويمتاز شعر عنترة بعذوبة الأسلوب وسهولة اللفظ ورقّة المعنى ومعلّقته من أجمل المعلّقات وأكثرها انسجاما وأبدعها وصفا وأشدّها حماسة وفخرا.
وله حلاوة الغزل ومتانة الفخر وديوانه مطبوع ولكن أكثره منحول عليه
قيل: أول من كتبها هو الشيخ يوسف بن إسماعيل وكان متصلا بالعزيز الفاطمي بالقاهرة ودونها في اثنين وسبعين كتابا.
__________
(1) البيتان في ديوان عنترة ص 98 (طبعة دار الكتب العلمية).(2/84)
ومما سبق إليه ولم ينازع فيه قوله: [الكامل]
إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتبية أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معمم مخول
ومن إفراطه قوله (1): [الكامل]
وأنا المنيّة في المواطن كلها ... والطعن مني سابق الآجال
وكثيرا ما يتغنى في شعره بمكارم الأخلاق كقوله (2): [الكامل]
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل
وقوله (3): [الكامل]
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي ... حتى تواري جارتي مأواها
ومن محاسن شعره قوله: [الكامل]
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل
وأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذا البيت فقال: «ما وصف في أعرابي قطّ فأحببت أن أراه إلا عنترة».
وعدّه صاحب الجمهرة ثاني أصحاب المجمهرات. قال: «وقد أدركنا أكثر أهل العلم يقولون إن بعدهنّ (السموط وهي المعلّقات) سبعا ما هنّ بدونهن ولقد تلا أصحابهم أصحاب الأوائل فما قصروا وهنّ المجمهرات لعبيد بن الأبرص وعنترة بن عمرو وعديّ بن زيد وبشر بن أبي خازم وأميّة بن أبي الصلت وخداش بن زهير والنمر بن تولب».
وذكره أبو عبيدة في الطبقة الثالثة من الشعراء.
ويقول ابن قتيبة وكان لا يقول من الشعراء إلا البيت والبيتين والثلاثة حتى سابه رجل من قومه فذكر سواده وسواد أمه وغيره ذلك، وأنه لا يقول الشعر فقال عنترة:
والله إن الناس ليترافدون الطعمة فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدّك مرفد الناس قطّ وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل
__________
(1) البيت في ديوان عنترة ص 106.
(2) البيت في الديوان ص 98.
(3) البيت في الديوان ص 153.(2/85)
الناس قطّ وإن اللّبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدّك خطة فصل وإنما أنت فقع بقرقر وإني لأحضر البأس وأوفي المغنم وأعفّ عن المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفضل الخطة الصمّاء وأما الشعر فستعلم.
فكان أول ما قال: هل غادر الشعراء من متردم وكانت العرب تسمّيها المذهّبة.(2/86)
المختار من شعر عنترة العبسي
1
قال عنترة العبسيّ (1): [الكامل]
1 - هل غادر الشعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدّار بعد توهّم
2 - أعياك رسم الدّار لم يتكلّم ... حتى تكلّم الأصمّ الأعجم
3 - ولقد حبست بها طويلا ناقتي ... أشكو إلى سفع رواكد جثم
4 - يا دار عبلة بالجواء تكلّمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
5 - دار لآنسة غضيض طرفها ... طوع العناق لذيذة المتبسّم
1 - غادر: بمعنى ترك. ومن: زائدة. والمتردم: اسم مفعول من تردم ثوبه بمعنى أصلحه ورقعه.
وأم: بمعنى ويل للإضراب. والتوهم: التفرّس. المعنى: هل ترك الشعراء شيئا من الشعر لم يصلحوه ويهذّبوه أو معنى لم يسبقوا إليه حتى يتهيأ لمثلي أن يأتي به. ثم خاطب نفسه وقال:
بل هل عرفت دار محبوبتك بعد تفرّسك في آثارها.
2 - المعنى: لقد أطلت توهمك للدار وسؤالك إياها، وهي لا تفصح إلا كما يفصح الأصم الأعجم. يريد: أنه وقف طويلا يستنطق الدار عن أخبار أهلها حتى عيت ولم تجبه.
3 - سفع: جمع سفعاء، أي سوداء تضرب إلى الحمرة. ورواكد: جمع راكدة وهي المقيمة الساكنة. وجثم: جمع جاثمة، وهي اللاطئة بالأرض الثابتة فيها، وأصله جثم الطائر إذا لصق بالأرض يريد بها الأثافي.
4 - الجواء: موضع بعينه أو هو جمع جو وهو المطمئن من الأرض المتّسع وعمي: انعمي، أي اسلمي. وعبلة: هي ابنة عمّه وحبيبته.
5 - آنسة: شابة يؤنس بحديثها. وغضيض طرفها: أي هي حييّة تغضّ بصرها من شدة خفرها.
وطوع العناق: أي سهلة هينة، لذيذة المتبسم، حسنة الفم، لذيذة الريق.
__________
(1) القصيدة في ديوان عنترة ص 127117 (طبعة دار الكتب العلمية)، وهي في الديوان من 91 بيتا.(2/87)
6 - فوقفت فيها ناقتي وكأنّها ... فدن، لأقضي حاجة المتلوّم
7 - وتحلّ عبلة بالجواء وأهلنا ... بالحزن فالصّمّان فالمتثلم
8 - حيّيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
9 - حلّت بأرض الزّائرين فأصبحت ... عسرا عليّ طلابك ابنة مخرم
10 - علّقتها عرضا وأقتل قومها ... زعما لعمر أبيك ليس بمزعم
11 - ولقد نزلت، فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحبّ المكرم
12 - كيف المزار وقد تربّع أهلها ... بعنيزتين وأهلنا بالغيلم
13 - إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمّت ركابكم بليل مظلم
14 - ما راعني إلّا حمولة أهلها ... وسط الدّيار تسفّ حبّ الخمخم
15 - فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم
16 - إذ تستبيك بأصلتيّ ناعم ... عذب مقبّله لذيذ المطعم
17 - وكأنّما نظرت بعيني شادن ... رشإ من الغزلان ليس بتوأم
6 - وقفت: حبست. والفدن: القصر، جمع أفدان. والمتلوم: المتمكث المتنظر.
7 - المعنى: هي نازلة بالجواء، ونحن نازلون بتلك المواضع فما أبعد مزارها.
8 - أقوى وأقفر: خلا ممّن كان يسكنه. وأم الهيثم: هي عبلة عشيقته.
9 - الزائرين: الأعداء، جعلهم يزأرون زئير الأسد. شبّه وعيدهم بالزئير، ويروى: «شطت مزار العاشقين» أي بعدت بموضع زيارتهم.
10 - علقتها: أحببتها. وعرضا: فجأة من غير قصد له. والزعم: الطمع. والمزعم: المطمع.
11 - المعنى: قد نزلت من قلبي منزلة من يحب ويكرم، فتيقني هذا واعلميه، ولا تظني غيره.
12 - المعنى: كيف يمكنني زيارتها، وقد نزل أهلها في الربيع بذلك المكان، وأهلنا بهذ الموضع، وبينهما مسافة بعيدة ومشقّة.
13 - أزمعت: عزمت ونويت. وزمت: شدّت وخطمت بالأزمة. والركاب: الإبل.
14 - راعني: أفزعني. والحمولة: الإبل تطيق الحمل عليها. والخمخم: بكسر الخاءين، نبت تعلفه الإبل.
15 - حلوبة: الناقة التي تحلب. والأسحم: الأسود. والخوافي: من ريش الجناح أربع. ذكر الإبل السود خاصّة لأنها أنفس المال عندهم، وهذا كناية عن غناهم.
16 - تستبيك: تذهب بعقلك. وأصلتي: ثغر براق. ويروى: بذي غروب جمع غرب، وهو ماء الفم وحدّة الأسنان. والناعم: الشديد البياض، الكثير البريق. ومقبله: موضع تقبيله.
17 - شادن: وهو ولد الغزال الذي قد شدن أي قوي على المشي مع أمه. ورشأ: حسن قوي. ليس بتوأم: لم يولد مع غيره.(2/88)
18 - وكأنّ فارة تاجر بقسيمة ... سبقت عوارضها إليك من الفم
19 - أو روضة أنفا تضمّن نبتها ... غيث قليل الدّمن ليس بمعلم
20 - جادت عليها كلّ عين ثرّة ... فتركن كلّ حديقة كالدّرهم
21 - سحّا وتسكابا فكلّ عشيّة ... يجري عليها الماء لم يتصرّم
22 - فترى (1) الذّباب بها يغني وحده ... هزجا كفعل الشّارب المترنّم
23 - غردا يسنّ ذراعه بذراعه (2) ... فعل المكبّ على الزّناد الأجذم
24 - تمسي ويصبح فوق ظهر حشيّة ... وأبيت فوق سراة أدهم ملجم
25 - وحشيّتي سرج على عبل الشّوى ... نهد مراكله نبيل المحزم
26 - هل تبلغنّي دارها شدنيّة ... لعنت بمحروم الشّراب مصرّم
18 - الفارة: غير مهموز، وعاء من جلد يودع فيه الطيب. والتاجر: العطّار. وقسيمة: جونة أو امرأة حسناء، من القسامة، وهي الحسن والصباحة. والعوارض: ما بعد الناب من الأسنان.
19 - روضة أنف: جديدة لم يرعها أحد. والدمن: جمع دمنة، وهي السرجين. ومعلم: مباحة للناس والدواب.
20 - جادت: نزلت بالجود وهو الكثير. عليها: على الروضة. عين: مطر أيام لا يقلع. والثرة والثرثارة: الكثيرة الماء وحديقة: حفرة. وكالدرهم: في استدارتها وصفاء مائها.
21 - السح: الصب بشدة. والتسكاب: السكب والصب الشديد. وكل عشية: خصها لأن مطر العشي أكثر ما يكون صيفا. ويتصرم: يتقطع.
22 - هزجا: مصونا. والمترنم: المردد للصوت كما يفعل الشارب إذا سكر وغنى، ويروى الشطر الأول:
وخلا بها فليس ببارح
23 - غردا: مصوتا. ويسنّ: يحدّ، ومنه سنّ السكين إذا أحدّها، وسنّ السيف إذا صقله.
والمكب: المقبل على الشيء. والأجذم: المقطوع الكفّ.
24 - حشية: فراش وطيء. والسراة: الظهر. وأدهم: فرس أسود.
25 - عبل: ضخم غليظ. والشوى: الأطراف. والقوائم والنهد: الضخم المشرف. والمراكل: موضع الركل، أي الضرب بالرجل. والنبيل: السمين. والمحزم: موضع الحزام.
26 - شدنية: ناقة منسوبة إلى شدن وهو فحل أو أرض باليمن. والتصريم: القطع.
__________
(1) في الديوان: «وخلا» بدل «فترى».
(2) يروى صدر البيت في الديوان:
هزجا يحكّ ذراعه بذراعه(2/89)
27 - خطّارة غبّ السّرى زيّافة ... تطس الإكام بكلّ خفّ ميثم
28 - وكأنّما أقصّ الإكام عشيّة ... بقريب بين المنسمين مصلم
29 - يأوي إلى حزق النّعام كما أوت ... حزق يمانيّة لأعجم طمطم
30 - يتبعن قلة رأسه وكأنّه ... زوج على حرج لهنّ مخيم
31 - صعل يعود بذي العشيرة بيضه ... كالعبد ذي الفرو الطّويل الأصلم
32 - شربت بماء الدّحرضين فأصبحت ... زوراء تنفر عن حياض الدّيلم
33 - وكأنّما تنأى بجانب دفّها ال ... وحشيّ من هزج العشيّ مؤوّم
34 - هرّ جنيب كلّما عطفت له ... غضبى اتّقاها باليدين وبالفم
35 - أبقى لها طول السفار مقرمدا ... سندا ومثل دعائم المتخيم
36 - بركت على ماء الرّداع كأنما ... بركت على قصب أجشّ مهضم
37 - وكأنّ ربّا أو كحيلا معقدا ... حشّ القيان به جوانب قمقم
27 - خطارة: تشول بذنبها وتحرّكه يمنة ويسرة. وغب السرى: عقب السير بالليل. وزيافة: تتبختر في سيرها كما تزيف الحمامة. وتطس: تكسر والإكام: جمع أكمة، والمراد النتوء في الأرض تدقّه الناقة أو الفرس لشدّة وطئها. وميثم: كثير الدقّ والكسر.
28 - المنسمان: الظفران. والظليم: يوصف بالصكك ما لم يعد، وهو تداني العرقوبين. المصلم:
من أوصاف الظليم، لأنه لا أذن له، والصلم الاستئصال، كأن أذنه استؤصلت.
29 - يأوي: يرجع ويئوب. وحزق: جماعات. والأعجم: أراد به هنا الحبشي. وطمطم: لا يفصح.
30 - قلة رأسه: أعلى رأسه. وزوج: نمط يلقى على الهودج. وحرج: عيدان الهودج.
31 - صعل: طويل العنق صغير الرأس. ويعود: يتعهد. وذي العشيرة: موضع.
32 - الدحرضين: ماء أو بلد، وقيل: هما ماءان يقال لأحدهما وشيع، وللآخر الدحرض، فلما ثناهما غلب لفظ أحدهما على الآخر. وزراء: مائلة من النشاط. والديلم: الأعداء، أي أنها تجافت عن الحياض لخوفها منها.
33 - تنأى: تبعد. والدف: الجنب. والوحشي: الجانب الأيمن من البهائم. وهزج العشي: مصوّت بالعشي، أي سور يصوّت ليلا. ومؤوم: عظيم الرأس.
34 - جنيب: مربوط في جنبها.
35 - مقرمدا: سناما لزم بعضه بعضا، فكأنه بني بالآجر، وقوائم مثل أعمدة الخيام.
36 - الرداع: موضع. وأجش: له صوت خشن أو صوت جهوري. ومهضم: مكسر.
37 - الرب: الدبس، وهو عسل المربى. والكحيل: القطران. ومعقدا: أوقد تحته حتى انعقد.
وحش: أوقد. والقيان: الخدم. والقمقم: القدر الصغير لتسخين الماء.(2/90)
38 - ينباع من ذفرى غضوب جسرة ... زيّافة مثل الفنيق المقرم
39 - إن تغدفي دوني القناع فإنّني ... طبّ بأخذ الفارس المستلئم
40 - أثنى عليّ بما علمت فإنّني ... سمح مخالقتي إذا لم أظلم
41 - فإذا ظلمت فإنّ ظلمي باسل ... مرّ مذاقته كطعم العلقم
42 - ولقد شربت من المدامة بعدما ... ركد الهواجر بالمشوف المعلم
43 - بزجاجة صفراء ذات أسرّة ... قرنت بأزهر في الشّمال مفدّم
44 - فإذا شربت فإنّني مستهلك ... مالي، وعرضي وافر لم يكلم
45 - وإذا صحوت فما أقصّر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرّمي
46 - وحليل غانية تركت مجدّلا ... تمكو فريصته بشدق الأعلم
38 - ينباع: يسيل، وينبع: قيل: أصله ينبع فأشبعت الفتحة، وقيل: هو ينفعل من البوع وهو السيلان ببطء. والذفرى: العظم الناتىء خلف الأذن، وأول ما يعرق البعير منه. وجسرة: ناقة موثقة الخلق. وزيافة: تتبختر في مشيها. والفنيق: الفحل من الإبل. والمقرم: الذي لا يستعمل للركوب.
39 - تغدفي: ترخي. وطب: حاذق رفيق. والمستلئم: الذي لبس اللأمة وهي الدرع.
40 - يروى: سمح مخالطتي: أي معاشرتي. ومخالقتي: بالقاف، أي معاملتي صاحبي بمثل ما يظهر لي من الأخلاق الحسنة وبالفاء من الخلاف.
41 - باسل: كريه مرّ. والعلقم: الحنظل الأصفر.
42 - الهواجر: جمع هاجرة، وهي نصف النهار عند زوال الشمس أو من زوالها إلى العصر. ومعنى ركود الهواجر: سكونها، أي سكون الناس فيها في بيوتهم. والمشوف: المجلو. والمعلم:
المنقوش، وأراد به القدح الذي شرب به الخمر، أو الدينار، أو الدرهم الذي اشتراها به، والأقرب الأول، لأن البيت الآتي يوضحه.
43 - الزجاجة الصفراء: يريد بها القدح، وصفرة آتية من صفرة الخمرة. والأسرة: جمع سرار بالكسر، وهو الخط في بطن الكف أو الوجه والجبهة، والمراد بها الخروز والخطوط في الكأس. والأزهر: الأبيض الحسن يريد به الإبريق. والمفدم: الذي عليه الفدام، وهي المصفاة تكون على فم الإبريق. المعنى: ولقد شربت المدامة بزجاجة صفراء مقرونة بإبريق أبيض ركبت على فمه مصفاة كان في جهة الشمال من الكأس أو في شمال الساقي.
44 - وافر: أي تام سليم لم يخرج بسبب أو طعن فيه.
45 - المعنى: وإذا صحوت من سكري لم أقصر عن جودي كما يفعل الأشقياء، وأخلاقي كما علمت أيتها الحبيبة.
46 - الحليل: الزوج. ومجدلا: صريعا على الجدالة وهي الأرض. تمكو: تصفر وتصوّت.
الفريصة: العضلة التي ترعد من جسم الدابّة أو الإنسان إذا خاف. والأعلم: المشقوق الشفة العليا. المعنى: وربّ زوج غانية حسناء قتلته، وتركته صريعا على الأرض تصوّت فريصته من
47 - عجلت (1) يداي له بمارق طعنة ... ورشاش نافذة كلون العندم
48 - هلّا سألت القوم يا ابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
49 - إذ لا أزال على رحالة سابح ... نهد تعاوره الكماة مكلّم
50 - طورا يعرّض للطّعان وتارة ... يأوي إلى حصد القسيّ عرمرم
51 - يخبرك من شهد الوقائع أنّني ... أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم (2)
52 - فأرى مغانم لو أشاء حويتها ... ويصدّني عنها الحيا وتكرّمي (3)
53 - ومدجّج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستسلم
54 - جادت يداي له بعاجل طعنة ... بمثقّف صدق الكعوب مقوّم
شدة انفجار الدم منها بعد طعنه فيها كشدق الرجل الأعلم.(2/91)
الفريصة: العضلة التي ترعد من جسم الدابّة أو الإنسان إذا خاف. والأعلم: المشقوق الشفة العليا. المعنى: وربّ زوج غانية حسناء قتلته، وتركته صريعا على الأرض تصوّت فريصته من
47 - عجلت (1) يداي له بمارق طعنة ... ورشاش نافذة كلون العندم
48 - هلّا سألت القوم يا ابنة مالك ... إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
49 - إذ لا أزال على رحالة سابح ... نهد تعاوره الكماة مكلّم
50 - طورا يعرّض للطّعان وتارة ... يأوي إلى حصد القسيّ عرمرم
51 - يخبرك من شهد الوقائع أنّني ... أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم (2)
52 - فأرى مغانم لو أشاء حويتها ... ويصدّني عنها الحيا وتكرّمي (3)
53 - ومدجّج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستسلم
54 - جادت يداي له بعاجل طعنة ... بمثقّف صدق الكعوب مقوّم
شدة انفجار الدم منها بعد طعنه فيها كشدق الرجل الأعلم.
47 - مارق: طعنة أي بطعنة عاجلة. ورشاش: نافذة: أي وبرشاش طعنة نافذة إلى الجوف. ولون هذا الرشاش كلون الصبغ الأحمر المسمى العندم.
48 - المعنى: هلّا سألت الفرسان عن حالي في قتالي إن كنت جاهلة بها.
49 - الرحالة: سرج كان يعمل من جلود الغنم بأصوافها، يتّخذ للجري الشديد ليس له قربوس ولا مؤخرة. والسابح: الفرس الذي يبسط يديه معا عند العدو. والنهد: الغليظ الصدر. وتعاوره الكماة: أي تتعاوره وتتناوبه الفرسان التامّو السلاح بالطعن. والكماة: جمع كمي. والمكلم:
المجرح.
50 - الحصد من القسي: المحكم فتل أوتاره وربطها. والشيء العرمرم: الكثير. المعنى: هذا الفرس يهيأ مرة لمقابلة الطعان، وتارة للقسي المتينة الكثيرة فهو مدرّب على الحرب.
51 - يخبرك مجزوم في جواب (هلا سألت) لأنه بمنزلة الأمر.
53 - المدجج بالسلاح: الذي ستر به أي أنه تامّ السلاح مثل الكمي. وهربا: منصوب على أنه مفعول مطلق لأن أمعن يتعدى بفي فكان حقه في غير الشعر أن يكون لا ممعن في الهرب. ولكن لمّا كان لفظ ممعن يراد به معنى الهارب كان بمنزلة لا أدعه تركا. المعنى: وربّ فارس تامّ السلاح تكره الأبطال النامو السلاح مثله نزاله، وهو لا يهرب من الأعداء لفرط بأسه. ولا يستسلم لهم فيأسروه قتلته بطعنة عاجلة برمح مثقف مقوّم صدق القناة صلبها مستويها.
54 - المثقف: المقوم. والكعوب: عقد الرمح. وصدق: صلب.
__________
(1) في الديوان: «سبقت يداي» بدل «عجلت يداي».
(2) بيتان في الديوان لم يردا هنا، وهما بعد هذا البيت:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقصر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسّم
(3) هذا البيت لم يرد في الديوان.(2/92)
55 - برحيبة الفرغين يهدي جرسها ... باللّيل معتسّ السّباع الضّرّم
56 - كمشت (1) بالرّمح الطّويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم
57 - وتركته جزر السّباع ينشنه ... ما بين قلة رأسه والمعصم
58 - ومشكّ سابغة هتكت فروجها ... بالسّيف عن حامي الحقيقة معلّم
59 - ربذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتّاك غايات التّجار ملوّم
60 - بطل كأنّ ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السّبت ليس بتوأم
61 - لمّا رآني قد قصدت أريده ... أبدى نواجذه لغير تبسم
55 - برحيبة الفرغين: بيان لقوله: (بعاجلي طعنة). ورحيبة: واسعة. والفرغ: مصبّ الماء من الدلو.
وللدلو فرغان. والجرس: الصوت. والمعتس من السباع: الطالب الشيء ليلا. والضرم:
الجياع. المعنى: جادت يداي له بطعنة شقّت من جسمه كالدلو الواسعة، يهدي خرير الدماء منها جياع السباع إلى قتلها فتأتي لتأكله.
56 - كمشت: قلصت وشمرت، ويروى: فشككت. وثيابه: على القول الأول درعه وما عليه، وعلى الثاني قلبه أو بدنه.
57 - الجزر: جمع جزرة وهي الشاة تذبح أو الناقة. وينشنه: يعني يتناولنه بالأكل من رأسه إلى يده.
58 - المشك: الدرع التي أحكم اتصال حلقها ومساميرها صفة جاءت على وزن مفعل كمسعر مشتقة من الشك بمعنى اللزوم واللصوق وشدة الاتصال. والسابغة: الدرع الطويلة. بمعنى (هتكت فروجها) شققت منافذها بالسيف. والحقيقة: ما يحقّ على الرجل أن يمنعه من الأهل والمال.
والمعلم: الذي أعلم نفسه في الحرب بعلامة فلا يتنكر لجنسه. المعنى: وربّ درع سابغة ملتصقة الحلقات ضيقة المنافذ شققتها بضربة من سيفي فانكشف عن جسم فارس حام لأهله وقومه، لا يتنكر في الحرب بل يعلّم نفسه بعلامة يعرف بها من فرط شجاعته.
59 - الربذ: السريع الغضب بالقدح. والغايات: الرايات، والمراد بالتجار هنا تجار الخمر. المعنى:
يصف هذا الفارس الذي هتك درعه بأنه كان كريما حاذقا يلعب القمار والميسر وخاصة في الشتاء لأنه زمن الجدب في بلاد معرب فإذا نزل تجار الخمور بحيه ونصبوا راياتهم وعلاماتهم جاء فاشترى الخمر كلها لأصحابه فيقلعون راياتهم ويذهبون فيأكل الناس من الجزور التي كسبها أو خسرها ويشربون من الخمر فيكثر لوم أهله ونصائحه له على إتلافه ماله وهي صفات يفتخر بها أهل الفتوّة من الأعراب.
60 - السرحة: الشجرة الطويلة العظيمة غير الشائكة. والسبت: بالكسر، جلود البقر أو كل نعال مدبوغة بالقرظ. والتوأم: المولود مع غيره في بطن واحد، يصف قتيله بالطول والضخامة والغنى وبأنه ليس من صعاليك الأعراب الذين يحتذون النّعال غير المدبوغة وأنه ليس بتوأم إذ التوأم يكون ضعيفا غالبا.
61 - النواجذ: جمع ناجذ، وهو آخر الأضراس، أي فتح فمه من الفزع فبدت نواجذه.
__________
(1) في الديوان: «فشككت» بدل «كمشت».(2/93)
62 - فطعنته بالرمح ثمّ علوته ... بمهنّد صافي الحديدة مخذم
63 - عهدي به شدّ النّهار كأنما ... خضب اللّبان ورأسه بالعظلم
64 - يا شاة ما قنص لمن حلّت له ... حرمت عليّ وليتها لم تحرم
65 - فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي ... فتحسّسي أخبارها لي واعلمي
66 - قالت رأيت من الأعادي غرّة ... والشّاة ممكنة لمن هو مرتم
67 - وكأنما التفتت بجيد جداية ... رشاء من الغزلان حرّ أرثم
68 - نبّئت عمرا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم
69 - ولقد حفظت وصاة عمّي بالضّحا ... إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
70 - في حومة الموت الّتي لا تشتكي ... غمراتها الأبطال غير تغمغم
71 - إذ يتقون بي الأسنّة لم أخم ... عنها ولو أني تضايق مقدمي (1)
62 - أي علوته بسيف من صنع الهند قاطع.
63 - شد النهار: أي عند شد النهار، أي عند ارتفاعه وهو وقت الضحى. والعظلم: نبات النيلج تصبغ الثياب بعصارته فيكون لونها أسود إلى زرقة أي أن دم هذا القتيل جفّ على رأسه وأصابعه فصار كصبغ النيلج (النّيلة).
64 - الشاة: في الأصل النعجة، والمهاة، وبقر الوحش، واستعارها هنا للمرأة وعنى بها جارته. وما:
زائدة.
65 - تحسّسي: تسمعي الأخبار، ونقّبي عنها، واعلمي حقيقتها. ويروى: فتجسّسي بالجيم.
66 - غرة: غفلة. والشاة: كناية عن المرأة. والمرتمي: مفتعل من الرمي.
67 - الجداية: الظبية أتى عليها خمسة أشهر أو ستة. ورشا: هو الذي قومن الظباء ومشى بجانب أمه. وحر حسن. وأرثم: في شفته وأنفه بياض.
68 - كفر النعمة: جحودها. ومخبئة: مصدر ميمي من حيث ضد طاب، أي إن كفران النعمة تنفّر نفس المنعم عن الأنعام.
69 - تقلص: تقصر وترتفع، أي حفظ وصية عمّه بثباته وصبره عندما حاربوا أعداءهم وقت الضحى، وقد انكشفت الشفتان من كل محارب عن بياض فمه، أي عن أسنانه، خوفا من القتل.
70 - حومة كل شيء: معظمه، أي في ساحة الموت العظيمة. وفي حومة: تتعلق بحفظت في البيت السابق. والغمرات: الشدائد. والتغمغم: الصوت يسمع ولا يفهم.
71 - لم أخم: أي لم أجبن، بل أقدم عليها ولو كان الموضع الذي أقدم عليه أمامي متضايقا من تزاحم الأعداء بهجومهم علي.
__________
(1) في الديوان أربعة أبيات لم ترد هنا، وهي بعد هذا البيت:
ولقد هممت بغارة في ليلة ... سوداء حالكة كلون الأدلم(2/94)
72 - لمّا رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمّم
73 - يدعون عنتر والرّماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
74 - ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه، حتى تسربل بالدّم
75 - فازورّ من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
76 - لو كان يدري ما المحاورة أشتكي ... أو كان يدري ما جواب تكلمي
77 - والخيل تقتحم الخيار عوابسا ... ما بين شيظمة وأجرد شيظم
78 - ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
79 - ذلل جمالي حيث شئت مشايعي ... قلبي، وأحفزه برأي مبرم
80 - إني عداني أن أزورك فاعلمي ... ما قد علمت وبعض ما لم تعلمي
72 - يتذامرون: أي يحضّ بعضهم بعضا على القتال، فعندئذ عطفت عليهم غير مذموم على عملي بل ممدوحا عليه.
73 - عنتر: أي يا عنترة حذفت التاء للترخيم، وروى المبرد أنه كان يسمّى عنترا أيضا. والأشطان:
جمع شطن، وهي الحبال الطويلة الشديدة الفتل. واللبان: الصدر. والأدهم: فرسه.
74 - أي بنقرة نحوه.
75 - العبرة تردّد البكاء في الصدر قبل أن تفيض الدمعة. والتحمم: الصوت المتقطّع دون الصهيل، فعله إذا طلب العطف عليه والرقّة لحاله.
76 - المحاورة: الخطاب. ويروى: ولكان لو علم الكلام مكلمي.
77 - الخيار: الأرض اللينة. والشيظم: الطويل. والأجرد: القصير الشعر، وهما صفتا حسن للفرس الكريم.
78 - ويك: مركبة من (وي) وكاف الخطاب، ووي: تعجب. كأنهم قالوا: عجبا لك! أقدم: أو هي مخفّفة من ويلك، أو ويحك.
79 - الذلل: جمع ذلول، وهو من الإبل وغيرها ضد الصعب الحرون. ومشايعي: قلبي أي متابعي ومشجعي. وأحفزه: أدفعه. والمبرم: المحكم. المعنى: يصف نفسه بأنه رجل أسفار، وأن جماله مذللة، لتعودها السير، لا يصعب أن يوجّهها إلى أيّ أرض. ويصف نفسه أيضا بأنه حاضر العقل لا يعزب عقله في أيّ حال من الأحوال، بل هو أيضا يدفعه ويقوّيه برأي محكم.
80 - المعنى: صرفني عن زيارتك ما قد علمته من الأسباب، وما لم تعلميه.
__________
ولمّا سمعت نداء مرّة قد علا ... وابني ربيعة في الغبار الأقتم
ومحلم يسعون تحت لوائهم ... والموت تحت لواء آل محلم
أيقنت أن سيكون عند لقائهم ... ضرب يطير عن الفراخ الجثّم(2/95)
81 - حالت رماح ابني بغيض دونكم ... وزوت جواني الحرب من لم يجرم
82 - ولقد كررت المهر يدمى نحره ... حتى اتّقتني الخيل بابني حذيم
83 - ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
84 - الشّاتمي عرضي ولم أشتمها ... والناذرين إذا لم ألقهما دمي
85 - إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزرا لخامعة ونسر قشعم
81 - بغيض بن ريث بن غطفان: أبو الحي الذي يجمع بين عبس وذبيان فكلاهما ابنا بغيض. وزواه زيا وزويا: نجاه، وأبعده. والجواني: جمع جانية من الجناية. المعنى: صرّح ببعض الأسباب التي حالت دون زيارة محبوبته، فقال: صرفني عنك الحرب الناشبة بين عبس وذبيان. وصرفني عشائر القبيلتين بجناية بعض على بعض فاضطررت لمظاهرة قومي في حروبهم مع أني لست من جناتها. ولم يكن لي دخل في الأسباب التي جرتها.
82 - ابني حذيم: قيل هما هرم وحصين ابنا ضمضم المري. قتلهما ورد بن حابس العبسي، وكان عنترة قتل أباهما ضمضما، فكانا يتواعدانه.
83 - أبناء ضمضم: هما هرم وحصين، وكان عنترة قتل أباهما ضمضما فكانا يتواعدانه.
84 - يقال نذرت دم فلان: إذا أبحته لكل من يقدر على قتله.
85 - الخامعة: الضبع، كأن في مشيها خمعا أي عرجا. والقشعم: من النسور الكبير. المعنى: إن ينذرا دمي فقد قتلت أباهما ضمضما وتركته جزور الضباع والنسور والقشاعم.(2/96)
تحليل للقصيدة
أعنترة بن عمرو بن شداد العبسي م 615م أحد فرسان العرب وأبطالها وشعرائها، كان عبدا أسود. وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين أو الثلاثة فخاصمه رجل وعيّره بسواده وسواد أمه وسوى ذلك وأنه لا يقول الشعر، فقال عنترة: والله إن الناس ليترافدون الطعام فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدّك مرفد الناس قطّ، وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قطّ، وإن اللّبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدّك خطة فصل.
وإني لأحضر البأس وأوفي المغنم وأعف عن المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفصل الخطة الصمّاء وأما الشعر فستعلم، فغاب حينا وعاد إليه فأنشده معلّقته:
[الكامل]
هل غادر الشعر من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
وهي أجود شعره. وكان العرب تسمّيها الذهبية.
وشجاعة عنترة وبسالته دفعت أباه إلى أن يستلحقه بنسبه. وإلى أن يزوّجه عمّه ابنته عبلة، وكان فارس داحس والغبراء، كما كان فارس عبس. وأحد أغربة العرب المشهورين.
ب تحليل ونقد للمعلّقة:
1 - هي إحدى المعلّقات السبع. ومن روائع الشعر العربي القديم مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
2 - وتمتاز بالسهولة واللّين الباديين فيها، والذين قلّما يوجدان في الشعر النجدي القديم، والذين لا يخلوان من فخامة وجزالة واضحة جليّة سهلة اللفظ، قريبة
المعنى، ليس بينها وبين النفس حجاب من هذه الجزالة التي تكاد تبلغ الغرابة. وإنما تسير في سهولة ويسر، وترتفع عن الإسفاف والابتداء دون تورّط في الغلظة والإغراب.(2/97)
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
2 - وتمتاز بالسهولة واللّين الباديين فيها، والذين قلّما يوجدان في الشعر النجدي القديم، والذين لا يخلوان من فخامة وجزالة واضحة جليّة سهلة اللفظ، قريبة
المعنى، ليس بينها وبين النفس حجاب من هذه الجزالة التي تكاد تبلغ الغرابة. وإنما تسير في سهولة ويسر، وترتفع عن الإسفاف والابتداء دون تورّط في الغلظة والإغراب.
وعنترة فيها رقيق في غزله والإشادة ببطولته، بل هو رقيق في حديثه عن أعدائه. أليس هو الذي يقول: [الكامل]
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم
بل هو رقيق على فرسه، يألم لألمه، ويشقى لشقائه، ويرى بكاءه، ويسمع توجّعه حين تعبث به رماح الأعطاء: [الكامل]
فازورّ من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
وعنترة لا تنتهي به الرقّة إلى الضعف كما لا تنتهي به الشدّة إلى الضعف، وكما لا ينتهي به السكر إلى ما يفسد الأخلاق والمروءة، أو الصحو إلى التقصير والعيب والبخل. وهو مقدّم إذا كانت الحرب، عفيف إذا قسمت الغنائم، يحاول أن يصف من أخلاقه ما يشرف به الرجل العربي الكريم، مما يستغني عن الإبانة عنه، فيقول هذه الكلمة الرائعة، «وكما علمت شمائلي وتكرّمي».
المعلّقة تصوير واضح لنفسية الشاعر ومشاعره وحياته وعواطفه وبطولته وقوّته وبأسه ونضاله للأعداء، ولا عجب فهي تنبع من نفسه وحياته وتصوّرهما تمام التصوير.
ولو لم نعرف عنترة أو نسمع بأخباره وحياته، لعرفناه من معلّقته بطلا مقداما، وشجاعا فارسا، وعربيّا كريم الخلق، رقيق العاطفة، حارّ الشعور، يضع روحه في كفّه، ويبذلها مضحيا في سبيل كرامته وشرفه وبطولته.
3 - وقد سار فيها على نهج غيره من الشعراء، فذكر الديار كما ذكروها، ووصف الناقة كما وصفوها، وافتخر بالكرم والنجدة والبطولة.
وفيها معان قلّما انتهى إلى مثلها غير عنترة من الشعراء ولم يخطىء ابن سلام حين قال إن هذه القصيدة نادرة فهي نادرة حقّا. وكأنها طائفة من الأنغام الموسيقية الكثيرة المختلفة فيما بينها أشدّ الاختلاف، وفيها نغمة واحدة متصلة منذ بدء القصيدة إلى نهايتها تظهر واضحة حينا، وتحسّها النفس وإن لم تسمعها الأذن حينا آخر. وهذه
النغمة التي تكون وحدة هذه القصيدة كما كانت الوحدة في معلّقة لبيد هي حديث الشاعر إلى صاحبته واستحضار صورتها في نفسه منذ بدء القصيدة. ولكن بين هذه النغمة في قصيدة عنترة وقصيدة لبيد فرقا واضحا جدّا، فهي في قصيدة عنترة حلوة رقيقة تمازج النفس فتمتزج بها لأن عنترة فيما يظهر كان حلو النفس رقيق القلب، قوي العاطفة، جاءه ذلك من أنه عزّ بعد ذلّة، وتحرّر بعد رقّ، فهو قد شقي في صباه وطفولته، واحتمل الأذى في شبابه والذلّ الذي يمتزج بالنفس فيصفي عواطفها ويلطف حدّتها، على حين نجد هذه النغمة عند لبيد غليظة خشنة. لبيد يتحدث عن صاحبته في أول القصيدة ويذكرها أثناءها ولكنه ليس متهالكا عليها ولا متحرجا من الصّدّ عنها، فهو يبادل القطيعة بالقطيعة والهجر بالهجر. أما عنترة فيقول: [الكامل](2/98)
وفيها معان قلّما انتهى إلى مثلها غير عنترة من الشعراء ولم يخطىء ابن سلام حين قال إن هذه القصيدة نادرة فهي نادرة حقّا. وكأنها طائفة من الأنغام الموسيقية الكثيرة المختلفة فيما بينها أشدّ الاختلاف، وفيها نغمة واحدة متصلة منذ بدء القصيدة إلى نهايتها تظهر واضحة حينا، وتحسّها النفس وإن لم تسمعها الأذن حينا آخر. وهذه
النغمة التي تكون وحدة هذه القصيدة كما كانت الوحدة في معلّقة لبيد هي حديث الشاعر إلى صاحبته واستحضار صورتها في نفسه منذ بدء القصيدة. ولكن بين هذه النغمة في قصيدة عنترة وقصيدة لبيد فرقا واضحا جدّا، فهي في قصيدة عنترة حلوة رقيقة تمازج النفس فتمتزج بها لأن عنترة فيما يظهر كان حلو النفس رقيق القلب، قوي العاطفة، جاءه ذلك من أنه عزّ بعد ذلّة، وتحرّر بعد رقّ، فهو قد شقي في صباه وطفولته، واحتمل الأذى في شبابه والذلّ الذي يمتزج بالنفس فيصفي عواطفها ويلطف حدّتها، على حين نجد هذه النغمة عند لبيد غليظة خشنة. لبيد يتحدث عن صاحبته في أول القصيدة ويذكرها أثناءها ولكنه ليس متهالكا عليها ولا متحرجا من الصّدّ عنها، فهو يبادل القطيعة بالقطيعة والهجر بالهجر. أما عنترة فيقول: [الكامل]
ولقد نزلت فلا تظنّي غيره ... مني بمنزلة المحبّ المكرم
4 - وفيها عدّة تشبيهات رائقة: كتشبيه الظليم وقد تبعته النعام بالعبد الأسود وقد ثابت إليه الإبل: [الكامل]
تأوي له قلص النعام كما أوت ... حزق بجانبه لأعجم طمطم
ومثل هذا التشبيه الرائع الذي يعجب به النقّاد من القدماء ويحبونه في الأبيات التي وصف فيها ثغر صاحبته بالجمال وطيب النشر فذكر فأرة المسك وذكر الروضة الأنف التي ألحّ عليها الغيث حتى زكا نبتها وكثر فيها الذباب مبتهجا نشوان مترنما:
وكأن فأرة تاجر بقسيمة ... سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفا تضمن نبتها ... غيث قليل الدمن ليس بمعلم
جادت عليه كل بكر حرّة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
سحا وتسكابا فكل عشية ... يجري عليها الماء لم يتصرّم
وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنم
هزجا يحكّ ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
5 - وكثير جدّا من أبيات هذه المعلّقة قد ظفر بحظ كبير من الإيجاز والامتلاء والبراءة من اللغو والفضول، حتى جرى مجرى الأمثال فأيّ الناس لا يتمثّل قوله:
[الكامل]
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرّمي
أو قوله: [الكامل](2/99)
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرّمي
أو قوله: [الكامل]
ينبئك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم
أو قوله: [الكامل]
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لقيتهما دمي
مما احتذاه جميل فقال: [الطويل]
وليت رجالا فيك قد نذروا دمي ... وهمّوا بقتلي يا بثين لقوني
أو قوله: [الكامل]
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم
وجلّ هذه القصيدة يجري مجرى المثل وينشد على اختلاف العصور والبيئات والظروف. فلا يملّ إنشاده ولا تحسّ النفس نبوّا عنه، أو نفورا منه، وإنما تحسّ كأنها تجري فيه أو كأن هذا الشعور مرآة صافية صادقة لكل نفس كريمة ولكل قلب ذكي، ولكل خلق نقي.
ذلك لأن عنترة بحياته وشخصيته ومشاعره وعواطفه وآماله وآلامه كان كأنما يتحدّث عن النفوس ويصف حياة الناس ويأخذ من تجاربه وخبرته ومن فراسته وذكائه أساليبه وصوره ويستمد من إلمامه بالحياة ومعرفته ببيئته مادة بيانه وشعوره وشعره.
فعنترة في معلّقته شاعر يتحدّث عن البطولة في البادية وعن المجتمع الذي كان يعيش فيه وعن الحياة التي كان يتأثّر بها وعن عواطف الشاعر وعن دخائل نفسه حديث المصوّر الماهر والشاعر العبقري.
وبعد فكلّ ما في المعلّقة جيد وكلّ أبياتها خليق أن نطيل الوقوف عنده ونفكر فيه والإعجاب به، كما يقول الدكتور طه حسين.
ج وفنون المعلّقة كثيرة:
1 - بدأها عنترة بالغزل في ابنة عمّه عبلة ومخاطبة دارها ذات الذكريات الجميلة قال: [الكامل]
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمّي صباحا دار عبلة واسلمي
وتحلّ عبلة بالجواء وأهلنا ... بالحزن فالصمان فالمتثلم
حبيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيم
2 - واستطرد إلى وصف الروضة: [الكامل](2/100)
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمّي صباحا دار عبلة واسلمي
وتحلّ عبلة بالجواء وأهلنا ... بالحزن فالصمان فالمتثلم
حبيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيم
2 - واستطرد إلى وصف الروضة: [الكامل]
أو روضة أنقا تضمن نبتها ... غيث قليل الدمن ليس بمعلم
جادت عليه كل بكر حرّة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنم
هزجا يحكّ ذراعه بذراعه ... قدح لمكب على الزناد الأجذم
3 - ثم يصف ناقته في أبيات كأبيات طرفة تمتاز بالغرابة:
هل تبلغني دارها شدنية ... لعنت بمحروم الشراب مصرم
4 - ثم يفتخر بنفسه وشجاعته: [الكامل]
أثني عليّ بما علمت فإنني ... سهل مخالطتي إذا لم أظلم
فإذا ظلمت فإن ظلمي بأسل ... مرّ مذاقته كطعم العلقم
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي، وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرّمي
ويستمر في التنويه بشجاعته إلى أن يقول: [الكامل]
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بثغرة نحرة ... ولبانه حتى تسربل بالدم
فازورّ من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم
5 - ثم يختمها بتهديد ابني ضمضم، وكانا قد نذرا دمه وتربّصا له لأنه قتل أباهما في الحرب. قال: [الكامل](2/101)
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بثغرة نحرة ... ولبانه حتى تسربل بالدم
فازورّ من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم
5 - ثم يختمها بتهديد ابني ضمضم، وكانا قد نذرا دمه وتربّصا له لأنه قتل أباهما في الحرب. قال: [الكامل]
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم ألقهما دمي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السّباع وكل نسر قشعم(2/102)
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم ألقهما دمي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السّباع وكل نسر قشعم
2
وقال عنترة يذكر يوم الفروق (1): [الطويل]
1 - ألا قاتل الله الطّلول البواليا ... وقاتل ذكراك السّنين الخواليا
2 - وقولك للشّيء الذي لا تناله ... إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا
3 - ونحن منعنا بالفروق نساءنا ... نطرّف عنها مشعلات غواشيا
4 - حلفنا لهم والخيل تردي بنا معا ... نزايلكم حتى تهرّوا العواليا
شرح القصيدة الثانية 1كانت بنو عبس خرجوا من بني ذبيان، فانطلقوا إلى بني سعد بن زيد مناة بن تميم، فحالفوهم، فكانوا فيهم. وكانت لهم خيل عتاق وإبل كرام فرغبت بنو سعد فيها فهمّوا أن يغدروا بهم فظنّ ذلك قيس بن زهير ظنّا وكان رجلا منكر الظن وأتاه به خبر، فأنظرهم حتى إذا كان الليل أسرج في الشجر نيرانا وعلّق عليها الأداوي وفيها الماء يسمع خريرها وأمر الناس فاحتملوا فانسلّوا من تحت ليلتهم، وباتت بنو سعد وهم يسمعون صوتا، ويرون نارا فلما أصبحوا نظروا فإذا هم قد ساروا، فأتبعوهم على الخيل، فأدركوهم بالفروق، وهو واد بين اليمامة والبحرين فقاتلوهم حتى انهزمت بنو سعد. وكان قتالهم يوما مطّردا إلى الليل وقتل عنترة ذلك اليوم معاوية بن نزال جدّ الأحنف. ثم رجعوا إلى بني ذبيان فاصطلحوا، فقال عنترة يذكر يوم الفروق: ألا قاتل الله الخ. قاتل الله: تعجب. وذكراك: تذكرك.
2 - احلولى: أي حلى في عينك وسررت به.
3 - نطرف: ندفع. ومشعلات: كتائب متفرّقة. وغواشيا: غشيت البيوت أو أحاطت بالقوم.
4 - تردي: تسرع. ونزايلكم: أي لا نفارقكم. وتهروا: تجعلوا الرماح تصوّت. والعوالي: الرماح.
المعنى: حلفنا لا نترككم حتى تصوّت الرماح، أي مواضعا. كما قال: تمسكوا فريصته كشدق الأعلم.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 160158.(2/103)
5 - عوالي زرقا من رماح ردينة ... هرير الكلاب يتّقين الأفاعيا
6 - تفاديتم أستاه نيب تجمّعت ... على رمّة من العظام تفاديا
7 - ألم تعلموا أن الأسنّة أحرزت ... بقيّتنا لو أنّ للدّهر باقيا
8 - أبينا أبينا أن تضبّ لثاتكم ... على مرشقات كالظّباء عواطيا
9 - وقلت لمن أحضر الموت نفسه ... ألا من لأمر حازم قد بداليا
10 - وقلت لهم ردّوا المغيرة عن هوى ... سوابقها وأقبلوها النّواصيا
11 - فما وجدونا بالفروق أشابة ... ولا كشفا ولا دعينا مواليا
12 - وإنّا نقود الخيل حتى رؤوسها ... رؤوس نساء لا يجدن فواليا
13 - تعالوا إلى ما تعلمون فإنّني ... أرى الدّهر لا ينجي من الموت ناجيا
3
وقال عنترة أيضا في يوم عراعر (1): [الطويل]
1 - ألا هل أتاها أن يوم عراعر ... شفى سقما لو كانت النّفس تشتفي
5 - يصف رماحه بأنها رماح زرق من صنع ردينة وهي قبيلة أو امرأة مشهورة بصنعها وأنها تصوّت كصوت الكلاب رأت الحيّات فنبحتها.
6 - تفاديتم: فديتموها بأنفسكم. وأستاه: أدبار. ونيب: إبل مسنة. ورمة: جسم بال.
7 - المعنى: ألم تعلموا أننا لا نموت إلا في الحرب، ولا عمل لنا غير الحرب فلا طاقة لكم بنا.
8 - يقال: فلان تضب لثاته على الشيء إذا اشتد حرصه عليه كقولهم فلان يتحلب فوه أي يشتهي الحموضة فيتحلب لها فوه ومرشقات هي الخيل والإبل الطويلات الأعناق. والعواطي: جمع عاطية، وهي التي مدّت عنقها، ورفعت يديها تأكل أوراق الشجر.
9 - المعنى: قلت للشجعان الذين لا يبالون الموت أي وقت نزل من مسعدي في خطة حزم أريد تحقيقها.
10 - المغيرة: الخيل المغيرة. وسوابقها: هواديها. وأقبلوها النواصيا: اجعلوا خيلنا تستقبل الهوادي بنواصيها، وتردّها على أعقابها.
11 - أشابة: أخلاط الناس. ولا كشفا: هم الذين لا يصدقون القتال، ولا يعرف له واحد.
12 - فواليا: جمع فالية، من فليت الشعر إذا مشطته ونقيته.
13 - إلى ما تعلمون: أي ما تعلمونه منّا من شدة الحرب ناجيا هاربا.
شرح القصيدة الثالثة 1كانت بنو عبس لمّا أخرجتهم بنو حنيفة من اليمامة، أرادوا أن يأتوا بني تغلب، فمرّوا بحيّ من
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 8786.(2/104)
2 - فجئنا على عمياء ما جمعوا لنا ... بأرعن لا خلّ ولا متكشف
3 - تماروا بنا إذ يمدرون حياضهم ... على ظهر مقضيّ من الأمر محصف
4 - وما نذروا حتى غشينا بيوتهم ... بغبية موت مسبل الودق مزعف
5 - فظلنا نكرّ المشرفية فيهم ... وخرصان لدن السّمهريّ المثقّف
6 - علالتنا في كلّ يوم كريهة ... بأسيافنا والقرح لم يتقرّف
7 - أبينا فلا نعطي السّواء عدوّنا ... قياما بأعضاد السراء المعطّف
8 - بكلّ هتوف عجسها رضويّة ... وسهم كسير الحميريّ المؤنّف
9 - فإن يك عزّ في قضاعة ثابت ... فإنّ لنا برحرحان وأسقف
10 - كتائب شهبا فوق كلّ كتيبة ... لواء كظلّ الطّائر المتصرف
11 - وغادرن مسعودا كأنّ بنحره ... شقيقة برد من يمان مفوّف
كلب على ماء يقال له عراعر فطلبوا أن يسقوهم من الماء، وأن يوردوه إبلهم، وسيدهم يومئذ رجل من كلب، يقال له مسعود بن مصاد، فأبوا، وأرادوا سلبهم، فقاتلوهم فقتل مسعود، وصالحوهم على أن يشربوا من الماء ويعطوهم شيئا فانكشفوا عنهم، فقال عنترة هذه القصيدة يخاطب بني حنيفة.
2 - العمياء: الأمر المبهم. والأرعن: الجيش الكثير العدد. وخل: ضعيف منهزم، وأصله المتفرق، من الخلة، وهي الفرجة في الشيء ومتكشف لا سلاح معه.
3 - تماروا: تخاصموا وتجادلوا. ويمدرون حياضهم: يصلحونها بالمدر والطين.
4 - نذروا: أعلموا. والغبية: الدفعة الشديدة من المطر. ومزعف: قاتل.
5 - المشرفية: سيوف منسوبة إلى المشارف. وخرصان: رماح. ولدن: لين.
6 - علالتنا: بقية ما عندنا من القتال. والقرح: الجرح. ويتقرف: يبرأ.
7 - السواء: الصلح. وأعضاد: جمع عضد، وهو القوس. والسراء: شجر يتّخذ منه القسي.
والمعطف: اسم مفعول المعوج.
8 - هتوف: قوس مصوّتة عند الرمي من شدة وترها. وعجسها: مقبضها. ورضوية: منسوبة إلى رضوى وهي أرض. والمؤنف: المحدد الطرف.
9 - رحرحان وأسقف: موضعان. وقضاعة: قبيلة.
10 - كتائب: جمع كتيبة وهي الفرقة من الجيش. وشهبا: تلمع سيوفها وأسنتها جمع شهباء.
والمتصرف: المتقلب أي فوق كل منها علم يخفق كظل للطائر المتنقل.
11 - شقيقة: برد أو أي وشي أسرة. ومفوف: أي برد يمني مزين مخطط بنقوش.(2/105)
4
وقال عنترة أيضا يهجو عمارة بن زياد (1): [الوافر]
1 - أحولي تنفض استك مذرويها ... لتقتلني، فهأنذا عمارا
2 - ومتى ما تلقني فردين ترجف ... روانف إليتيك وتستطارا
3 - وسيفي صارم قبضت عليه ... أشاجع لا ترى فيها انتشارا
4 - وسيفي كالعقيقة وهو كمعي ... سلاحي لا أفلّ ولا فطارا
5 - وكالورق الخفاف وذات غرب ... ترى فيها عن الشّرع ازورارا
6 - ومطّرد الكعوب أحضّ صدق ... تخال سنانه باللّيل نارا
7 - ستعلم أيّنا للموت أدنى ... إذا دانيت بي الأسل الحرارا
8 - ومنجوب له منهنّ صرع ... يميل إذا عدلت به الشّوارا
9 - أقلّ عليك ضرّا من قريح ... إذا أصحابه ذمروه سارا
شرح القصيدة الرابعة 1المذروان: طرفا الأليتين تقول جاء ينفض مذرويه أي باغيا مهددا كان عمارة بن زياد يحسد عنترة ويقول لقومه إنكم أكثرتم ذكره والله لوددت إن لقيته خاليا حتى أعلمكم أنه عبد وكان عمارة جوادا كثير الإبل منيعا لماله مع جوده وكان عنترة لا يكاد يمسك إبلا يعطيها إخوته ويقسمها فبلغه قول عمارة فقال هذه القصيدة.
2 - الروانف: ما استرخى من الأليتين، جمع رانف وهو يقصد الرانفين. وتستطارا: تكاد تطير والألف ضمير الروانف أو ضمير الأليتين.
3 - الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكفّ، وقيل: هي عروق ظاهر الكفّ.
4 - العقيقة: القرطاس. وكمعي: مضاجعي. ولا أفل: لم يتثلم. والفطار: سيف فيه تشقق ولا يقطع.
5 - كالورق الخفاف: أي ومن سلاحي سهام خفيفة كالورق. وذات غرب: أي قوس ذات حدّ.
والشرع: بالتشديد والتحريك، الأوتار. والأزوار: الميل.
6 - مطّرد الكعوب: أي من سلاحي رمح مستقيم الأنابيب أو حص أملس. وصدق: صلب مستو.
7 - الأسل: الرماح. والحرار: العطاش.
8 - منجوب: هو الإناء الواسع الجوف. والشوار: مثلث الشين المتاع.
9 - قريح: مقروح وهو الذي به جروح في فمه فيتهدّل لذلك مشفره. وذمروه: زجروه.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6361.(2/106)
10 - وخيل قد زحفت لها بخيل ... عليها الأسد تهتصر اهتصارا
5
وقال عنترة أيضا (1): [الوافر]
1 - نأتك رقاش إلّا عن لمام ... وأمسى حبلها خلق الرّمام
2 - وما ذكري رقاش إذا استقرّت ... لدى الطّرفاء عند ابني شمام
3 - ومسكن أهلها من بطن جزع ... تبيض به مصاييف الحمام
4 - ووقفت وصحبتي بأرينبات ... على أقتاد عوج كالسّمام
5 - فقلت تبيّنوا ظعنا أراها ... تحلّ شواحطا جنح الظّلام
6 - وقد كذبتك نفسك فاكذبنها ... لما منّتك تغريرا قطام
10 - تهتصر: تجذب وتكسر ما تجده من فرائسها.
شرح القصيدة الخامسة 1وكانت بينه وبين زياد ملاحاة، فقال يذكر أيامه التي كانت له في حرب داحس والغبراء ويذكر يوما انهزمت فيه بنو عبس، فثبت من بين الناس، فمنع الناس حتى تراجعوا، وكانت عبس أرادت النزول ببني سليم في حرثهم، فبلغ ذلك حذيفة بن بدر الفزاري فتبع بني عبس فهزمهم واستنقذ ما كان في أيديهم فلم يزل عنترة دون النساء واقفا حتى رجعت خيل بني عبس وانصرف حذيفة وانتهى إلى ماء يقال له الهباء فنزل يغتسل هو وأخ له يقال له حمل بن بدر فلما اجتمعت فرسان عبس طلبوا بني بدر فأصابوا حذيفة وأخاه في الماء يغتسلان فقتلوهما فقال لعنترة في ذلك: «نأتك رقاش: الخ» ونأتك بعدت عنك ورقاش اسم امرأة مبني على الكسر. ولمام: جمع لمة، أي في الأحايين تقول هو ما يزورنا إلا لماما أي غبّا. وحبلها:
عهدها. وخلق: بال. والرمام: جمع رمة بالضمة، وهي بقية الحبل.
2 - الطرفاء: موضع فيه الرفاء وهي نبت أو الطرفاء وابنا شمام جبلان.
3 - مسكن بفتح الكاف وكسرها. ومصاييف الحمام: التي تولد في الصيف.
4 - أرينبات: موضع. وأقتاد: جمع قتد، وهو خشب الرحل وأدواته. وعوج: إبل معوجة من الضمر. وكالسمام: كجماعة الطير في سرعتها.
5 - شواحط: اسم موضع. وجنح الظلام: بضم الجيم وكسرها، طائفة منه.
6 - منتك: وعدتك وعدا كاذبا. وتغريرا: خداعا. وقطام: اسم امرأة وهي فاعل منتك، مبني على الكسر.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 131129.(2/107)
7 - ومرقصة رددت الخيل عنها ... وقد همّت بإلقاء الزّمام
8 - فقلت لها اقصري منه وسيري ... وقد قرع الرّجائز بالخدام
9 - أكرّ عليهم مهري كليما ... قلائده سبائب كالقرام
10 - كأنّ دفوف مرجع مرفقيه ... توارثها منازيع السّهام
11 - تقعّس (1) وهو مضطمر مضرّ ... بقارحه على فأس اللّجام
12 - يقدّمه فتى من خير عبس ... أبوه وأمّه من آل حام
6
وقال عنترة (2): [الكامل]
1 - طال الثّواء على رسوم المنزل ... بين اللّكيك وبين ذات الحرمل
2 - فوقفت في عرصاتها متحيّرا ... أسل الدّيار كفعل من لم يذهل
7 - مرقصة: مسرعة، وهي المرأة المرتحلة، لقيها في أثناء الحرب، وكانت الخيل أحاطت بها فردّها عنها بعد أن كادت تلقي زمام بعيرها، وتستسلم للرجال.
8 - الخدام: جمع خدمة محرّكة، وهي السير الغليفي المحكم مثل الحلقة تشدّ في رسغ البعير.
والرجائز: جمع رجازة، وهي كساء يجعل فيه حجارة ويعلّق بأحد جانبي الهودج ليعدله.
9 - أكر: أرجع. وكليما: مكلوما مجروحا. وسبائب: طرائق حمر. والقرام: ستر رقيق أحمر.
10 - دفوف: جمع دف، وهو الجنب. منازيع السهام: جمع منزع وهو السهم يرمى بشدة ليذهب أبعد ما يكون، لتقدّر به المسافة.
11 - تقعس: تقهقر. ومضطمر: ويروى مضطرم، أي متحفّز للوثوب. ومضر: عاض على فأس اللجام. والقارح: سنّ الفرس.
12 - فتى من خير عبس أبوه: يعني نفسه. وأمه من آل حام: أي من السودان.
شرح القصيدة السادسة 1قال أبو عمرو الشيباني: غزت بنو عبس بني تميم وعليهن قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس، وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة، ولحقهم كبكبة من الخيل فحامى عنترة عن الناس، فلم يصب مدبر، وكان قيس بن زهير سيدهم، فساءه ما صنع عنترة يومئذ، فقال:
والله ما حمى الناس إلا ابن السوداء. وكان قيس أكولا فبلغ عنترة ما قال فقال يعرض به قصيدته التي يقول فيها: «بكرت تخوفني الخ». والثواء: الإقامة. واللكيك وذات الحرمل: موضعان.
2 - عرصاتها: ساحاتها. وأسل: أسأل، حذف الهمزة منه.
__________
(1) في الديوان: «تقدّم» بدل «تقعّس».
(2) القصيدة في الديوان ص 10197.(2/108)
3 - لعبت بها الأنواء بعد أنيسها ... والرّامسات وكلّ جون مسبل
4 - أفمن بكاء حمامة في أيكة ... ذرفت دموعك فوق ظهر المحمل
5 - كالدّرّ أو فضض الجمان تقطّعت ... منه عقائد سلكه لم توصل
6 - لما سمعت دعاء مرّة إذ دعا ... ودعاء عبس في الوغى ومحلّل
7 - ناديت عبسا فاستجابوا بالقنا ... وبكلّ أبيض صارم لم ينحل
8 - حتى استباحوا آل عوف عنوة ... بالمشرفيّ وبالوشيج الذّبّل
9 - إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري، وأحمي سائري بالمنصل
10 - إن يلحقوا أكرر، وإن يستلحموا ... أشدد، وإن يلفوا بضنك أنزل
11 - حين النّزول يكون غاية مثلنا ... ويفرّ كلّ مضلّل مستوهل
12 - ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتى أنال به كريم المأكل
13 - وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معمّ مخول
3 - الأنواء: الأمطار. والرامسات: الرياح. وجون: سحاب أسود.
4 - الأيكة: الشجرة. وذرفت دموعك: سالت. والمحمل: علّاقة السيف.
5 - الجمان: حبّ من الفضة كاللآلىء. وفضض: متفرّق.
6 - الوغى: الصوت في الحرب. ومحلّل: بكسر اللام وفتحها.
7 - القنا: الرماح. والصارم: السيف الأبيض المصقول. ولم ينحل: لم يشحذ حتى يذهب تحديد وهو من نحول الجسم.
8 - عنوة: قهرا. والمشرفي: السيف. والوشيج: الرماح، وأصل الوشيج منبت الرماح. والذبل:
الدقيقة.
9 - المنصب: الأصل. والمنصل: السيف، ويقال: منصل أيضا بفتح الصاد، المعنى: إني من خير عبس بشطري (يريد بابي) والشطر الآخر ينوب عن كرم أمي فيه ضربي بالسيف «فأنا خير في قومي ممّن عمّه وخاله منهم» وهو لا يغني غنائي.
10 - يلحقوا: يدركوا ويحاط بهم. ويستلحموا: يدركوا، والمستلحم المدرك، وأنشد الأصمعي:
نجى علاجا وبشرا كل سلهبة ... واستلحم الموت أصحاب البراذين
11 - مضلل: حيران جبان. ومستوهل: شديد الفزع.
12 - الطوى: خمص البطن، يقال: رجل طيان وطاوي البطن، قال الأصمعي: بيت بالليل على الطوى وأظل بالنهار كذلك حتى أنال به كريم المأكل أي ما لا عيب فيه عليّ. ومثله: إنه ليأتي عليّ اليومان لا أذوقهما طعاما ولا شرابا أي لا أذوق فيهما.
13 - الكتيبة: الجماعة إذا اجتمعت ولم تنتشر. وأحجمت: جبنت وضعفت. وتلاحظت: نظر الأبطال بلحاظ عيونهم إلى البطل الحامي الذمار. ومعمّ: مخول بصيغتي اسم الفاعل والمفعول كريم الأعمال والأخوال.(2/109)
14 - والخيل تعلم والفوارس أنّني ... فرّقت جمعهم بطعنة فيصل
15 - إذ لا أبادر في المضيق فوارسي ... ولا أوكّل بالرّعيل الأوّل
16 - ولقد غدوت أمام راية غالب ... يوم الهياج وما غدوت بأعزل
17 - بكرت تخوّفني الحتوف كأنّني ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل
18 - فأجبتها إنّ المنيّة منهل ... لا بدّ أن أسقى بكاس المنهل
19 - فاقني حياءك لا أبالك واعلمي ... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
20 - إنّ المنيّة لو تمثّل مثّلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
21 - والخيل ساهمة الوجوه كأنّما ... تسقى فوارسها نقيع الحنظل
22 - وإذا حملت على الكريهة لم أقل ... بعد الكريهة ليتني لم أفعل
23 - عجبت عبيلة من فتى متبذّل ... عاري الأشاجع شاحب كالمنصل
24 - شعث المفارق منهج سرباله ... لم يدّهن حولا ولم يترجّل
25 - لا يكتسي إلّا الحديد إذا اكتسى ... وكذاك كلّ مغاور مستبسل
14 - الفيصل: الفاصل بين القوم المفرّق لجموعهم.
15 - لا أبادر فوارسي: أي لا أكون أول منهزم: فلا أسبق الفرسان، ولكن أكون وراءهم أحمي عورتهم. والرعيل: الجماعة من الخيل والناس وغيرهم.
16 - غالب: حامل رايته. وأعزل: هو الذي لا سلاح معه.
17 - بكرت: جعلت. والحتوف: جمع حتف، وهو ما عرض للإنسان من المكاره والمتالف. وعن عرض: يروى عن عرض الحتوف، وهو ما يعرض منها. وبمعزل: أي ناحية معتزلة عن ذلك.
18 - منهل: مورد.
19 - اقني حياءك: الزمي الحياء، وارجعي عن لومي.
20 - الضنك: الضيق.
21 - ساهمة: متغيّرة الوجوه لما تلقى من الجهد. وقيل: ضامرة قد كلح فوارسها لشدة الحرب وهولها.
22 - المعنى: إذا حملت نفسي على مكروه الحرب لم أندم على ذلك، يريد أنه ذو بصيرة، لا يقدم على مجهول ولا غامض، فيندم بعد حملته.
23 - متبذل: باذل نفسه في الحرب والأسفار. وعاري الأشاجع: قليل اللحم. والمنصل:
السيف.
24 - شعث المفارق: متغيّر الشعر. ومنهج سرباله: بال قميصه. ويترجّل: يمشط شعره.
25 - مغاور: ذو غارات. ومستبسل: رام بنفسه في المهالك.(2/110)
26 - قد طال ما لبس الحديد فإنما ... صدأ الحديد بجلده لم يغسل
27 - فتضاحكت عجبا وقالت قولة ... لا خير فيك كأنها لم تحفل
28 - فعجبت منها كيف زلت عينها ... عن ماجد طلق اليدين شمردل
29 - لا تصرميني يا عبيل وراجعي ... في البصيرة نظرة المتأمّل
30 - فلربّ أملح منك دلّا فاعلمي ... وأقرّ في الدّنيا لعين المجتلي
31 - وصلت حبالي بالذي أنا أهله ... من ودّها وأنا رخيّ المطول
32 - يا عبل كم من غمرة باشرتها ... بالنّفس ما كادت لعمرك تنجلي
33 - فيها لوامع لو رأيت زهاءها ... لسلوت بعد تخضّب وتكحّل
34 - إما تريني قد نحلت ومن يكن ... غرضا لأطراف الأسنّة ينحل
35 - فلربّ أبلج مثل بعلك بادن ... ضخم على ظهر الجواد مهبّل
36 - غادرته متعفّرا أوصاله ... والقوم بين مجرّح ومجدّل
37 - فيهم أخو ثقة يضارب نازلا ... بالمشرفيّ وفارس لم ينزل
38 - ورماحنا تكفّ النّجيع صدورها ... وسيوفنا تخلي الرّقاب فتختلي
39 - والهام تندر بالصّعيد كأنّها ... تلقى السّيوف بها رؤوس الحنظل
26 - طال ما لبس الحديد: أي طالت مباشرته للحرب، وعليه سلاح الحديد، فكثر صدؤها، وسهكت رائحته.
27 - المعنى: لمّا رأتني متغيّر الحال عجبت فتضاحكت، ولم تبال بقولها وصحبها.
28 - زلّت عينها: مالت. وشمردل: طويل، والعرب تتمدّح بالطول.
30 - دلا: شكلا. والمجتلي: الناظر، وأصله من جلوته إذا كشفته.
31 - رخيّ المطول: أي حبلي مرخي، وفي الكلام استعارة.
32 - غمرة: حرب شديدة. وتنجلي: تنكشف.
33 - لوامع: أي سيوف ورماح تلمع. وزهاءها: كثرتها.
34 - المعنى: إن كنت قد رأيتني نحلت ورقّ جسمي فلي العذر بمباشرة الحروب وتعرّضي لأطراف الرماح.
35 - أبلج: أبيض. وبادن: ضخم. ومهبل: قيل هو الثقيل.
36 - متعفّرا: واقعا على العفر وهو التراب. والمجدل: الملقى على الجدالة وهي الأرض.
37 - أخو ثقة: يوثق بشجاعته وشدّته، أو وثق بنفسه في ذلك. والمشرفي: السيف.
38 - تكفّ: تمطر. والنجيع: الدم. تخلي: تقطع. وتختلي: مطاوع أي تنقطع.
39 - تندر: تسقط. والصعيد: الأرض.(2/111)
40 - ولقد لقيت الموت يوم لقيته ... متسربلا والسّيف لم يتسربل
41 - فرأيتنا ما بيننا من حاجز ... إلّا المجنّ ونصل أبيض مفصل
42 - ذكر أشقّ به الجماجم في الوغى ... وأقول لا تقطع يمين الصّيقل
43 - ولربّ مشعلة وزعت رعالها ... بمقلّص نهد المراكل هيكل
44 - سلس المعذّر لاحق أقرابه ... متقلّب عبثا بفأس المسحل
45 - نهد القطاة كأنها من صخرة ... ملساء يغشاها المسيل بمحفل
46 - وكأنّ هاديه إذا استقبلته ... جذع أذلّ وكان غير مذلّل
47 - وكأنّ مخرج روحه في وجهه ... سربان كانا مولجين لجيئل
48 - وكأنّ متنيه إذا جرّدته ... ونزعت عنه الجلّ متنا إيل
49 - وله حوافر موثق تركيبها ... صمّ النّسور كأنّها من جندل
50 - وله عسيب ذو سبيب سابغ ... مثل الرّداء على الغنيّ المفضل
51 - سلس العنان إلى القتال فعينه ... قبلاء شاخصة كعين الأحول
40 - متسربلا: لابس درعا. والسيف لم يتسربل: أي لم يكن في غمده.
41 - المجنّ: الترس. ومفصل: سيف فاصل قاطع.
42 - المعنى: حين أضرب بسيفي فيمضي في الضرائب، أدعو لصانعه بألّا تقطع يمينه.
43 - مشعلة: حرب ملهبة. وزعت: فرقت. ورعالها: جمع رعيل، أي جموعها. بمقلص: بفرس مشمر طويل القوائم. نهد المراكل: واسع الجنبين. هيكل: ضخم يشبه البناء العالي الذي يتعبّد فيه.
44 - المعذر: العنان الذي يمسّ عذاره. ولا حق أقرابه: ضامرة خواصره. ومتقلب: متصرف. وفأس المسحل: حديدة اللجام تقع في فم الحصان.
45 - نهد: ضخم. والقطاة: معقد الرديف من الدابة. ومحفل: حيث يحتفل الماء ويكثر.
46 - هاديه: عنقه جذع أصل شجرة. وأذل: قطع.
47 - مخرج روحه: مكان نفسه وهو الأنف. وسربان: طريقان. ومولجان: مدخلان. وجيئل: اسم من أسماء الضبع.
48 - متنيه: ظهريه، أي جانبا ظهره. والإيل: ذكر الأوعال مثلث الهمزة.
49 - النسور لحم كالنوى في بطن الحافر. والجندل: الحجارة.
50 - عسيب: ذيل. وسبيب: شعر. وسابغ: ضاف.
51 - قبلاء: مقبلة السواد على الأنف.(2/112)
52 - وكأنّ مشيته إذا نهنهته ... بالنّكل مشية شارب مستعجل
53 - فعليه أقتحم الهياج تقحّما ... فيها وأنقضّ انقضاض الأجدل
7
وقال عنترة (1): [الكامل]
1 - ظعن الذين فراقهم أتوقّع ... وجرى ببينهم الغراب الأبقع
2 - خرق الجناح كأنّ لحيي رأسه ... جلمان، بالأحبار هشّ مولع
3 - فزجرته ألّا يفرّخ عشّه ... أبدا، ويصبح واحدا يتفجّع
4 - إنّ الّذين نعيت لي بفراقهم ... قد أسهروا ليلي التمام فأوجعوا
5 - ومغيرة شعواء ذات أشلّة ... فيها الفوارس حاسر ومقنّع
6 - فزجرتها عن نسوة من عامر ... أفخاذهنّ كأنهنّ الخروع
52 - نهنهته زجرته والنكل: الزمام. يقول: مشيته إذا زجرته ولففته. بالنكل مشية: رجل سكران يضطرب يمينا وشمالا وإنما أراد أنه نشيط يتبختر في مشيته.
53 - أقتحم: أخوض غمرات الحرب. والأجدل: الصقر.
شرح القصيدة السابعة 1سبب هذه القصيدة أن طيئا أغارت على بني عبس والناس خلوف، وعنترة في ناحية من إبله على فرس له، فأخبر، فكر وحده، واستنقذ الغنيمة من أيديهم وأصاب رهطا ثلاثة أو أربعة، وكان عنترة في بني عامر حينئذ، فجلس يوما مع شاب منهم، فأسمعوه شيئا كرهه. وكان في قبيلة يقال لهم بنو شكل، فقال هذه القصيدة. والمعنى: نعب ببينهم الغراب الأبقع، الذي فيه سواد وبياض وكانوا يتطيّرون به ويسمّونه حاتما، لأنه كان يحتم بالفراق عندهم.
2 - خرق الجناح: بالخاء، أي شديد الصوت وبالحاء، أي يتناثر ريشه ويتساقط. وجلمان: مثنى جلم، وهو المقراص بلفظ المثنى والمفرد. وهش: مولع فرح.
3 - فدعوت عليه أن ينقطع نسله ولا يفرخ عشه، ويبقى وحيدا يندب الأهل والأقارب كما فرّق شملنا.
4 - النعيب: صوت الغراب. وليل التمام: أطول ما يكون من ليالي الشتاء. وأسهروا ليل التمام: أي أسهروني ليل التمام فتجوز في الإسناد.
5 - مغيرة: خيل تغير بالضحا. وشعواء: متفرقة. وأشلة: جمع شليل، وهو الدرع. وحاسر: ليس على رأسه مغفر ولا بيضة. ومقنع، مستتر بمغفره ودرعه.
6 - فزجرتها: يريد المغيرة، والمراد أصحابها. والزجر: الدفع. والخروع: شجر ليّن فشبّه أفخاذ النساء به في لينه ونعومته.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 8584.
7 - وعرفت أنّ منيتي إن تأتني ... لا ينجني منها الفرار الأسرع
8 - فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطّلع(2/113)
7 - وعرفت أنّ منيتي إن تأتني ... لا ينجني منها الفرار الأسرع
8 - فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطّلع
8
وقال عنترة أيضا (1): [الوافر]
1 - ألا يا دار عبلة بالطّويّ ... كرجع الوشم في رسغ الهديّ
2 - كوحي صحائف من عهد كسرى ... فأهداها لأعجم طمطميّ
3 - أمن زوّ الحوادث يوم تسمو ... بنو جرم لحرب بني عديّ
4 - إذا اضطربوا سمعت الصّوت فيهم ... خفيّا غير صوت المشرفيّ
5 - وغير نوافذ يخرجن منهم ... بطعن مثل أشطان الرّكيّ
6 - وقد خذلتهم ثعل بن عمرو ... سلاميّوهم والجروليّ
7 - المعنى: زجرت تلك الخيل وحدي، ولم أجبن عنها، لأني علمت أن منيتي إن تأتني لم ينج منها الانهزام والفرار السريع.
8 - فصبرت عارفة: حبست نفسا عارفة، أي صابرة، تصبر للشدائد ولا تنكرها. ترسو: تثبت وتستقر ولا تطلع إلى الخلق جبنا وفزعا، كما تطلع نفس الجبان.
شرح القصيدة الثامنة 1وقعت ملاحاة بينه وبين بني عبس في إبل أخذها من حليف لهم، اقتتلوا عليها، فأرادوا أن يردّها فأبى، فخرج بإبله وماله، فنزل في طيىء، فكان بين جديلة وثعل قتال شديد، وكان عنترة في بني جديلة فقاتل معهم ذلك اليوم، فظفرت جديلة ولم يكن لهم ظفر إلا في ذلك اليوم فأرسلت بنو ثعل إلى غطفان: إن جوارنا كان أقرب، والحق أعظم من أن يجيء رجل منكم يعين علينا، فارتحلت غطفان إلى عنترة، فأرضوه، وتركوا إبله، فقال عنترة في ذلك: «ألا يا دار عبلة الخ». الطوي: موضع. والهدي: الزوجة تهدي إلى زوجها.
2 - كوحي صحائف: كخط كتاب. وأعجم طمطمي: أي لا يبين ولا يفصح.
3 - زو الحوادث: ما قدر منها. أي أتعلم من حوادث أيام يوم ارتفعت بنو جرم لحرب بني عدي.
4 - المعنى: لا تسمع لهم في الحرب صوتا غير صوت السيوف، لما هم فيه من الكرب والشدة.
5 - نوافذ: يقصد بها الرماح التي تنفذ طعناتها. والأشطان: الحبال. والركي: البئر البعيدة.
6 - ثعل: بنو ثعل ولذلك عطف عليه الجرولي بالجر على توهم المضاف إليه.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 158157.(2/114)
9
وقال عنترة أيضا (1): [البسيط]
1 - أمن سهيّة دمع العين مذروف ... لو أنّ ذا منك قبل اليوم معروف
2 - كأنّها يوم صدّت ما تكلّمني ... ظبي بعسفان ساجي الطّرف مطروف
3 - تجلّلتني إذ أهوى العصا قبلي ... كأنها صنم يعتاد معكوف
4 - المال مالكم والعبد عبدكم ... فهل عذابك عني اليوم مصروف
5 - تنسى بلائي إذا ما غارة لقحت ... تخرج منها الطوالات السّراعيف
6 - يخرجن منها وقد بلّت رحائلها ... بالماء تركضها المرد الغطاريف
شرح القصيدة التاسعة 1سهية: وقيل سمية، امرأة أبيه. روى صاحب الأغاني بسنده عن علي بن سليمان الأخفش، قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني، قالا: كان عنترة قبل أن يدّعيه أبوه حرشت عليه امرأة أبيه، وقالت:
إنه يراودني عن نفسي، فغضب من ذلك شداد غضبا شديدا، وضربه ضربا مبرحا وضربه بالسيف، فوقفت امرأة أبيه وكفته عنه، فلما رأت ما به من الجراح بكت. قوله: «مذروف»: من ذرفت عينه، يقال: ذرفت تذرف ذريفا وذرفا، وهو قطر يكاد يتصل. وقوله: «لو أن ذا منك قبل اليوم معروف»: أي قد أنكرت هذا الحنو والإشفاق منك، لأنه لو كان معروفا قبل ذلك لم ينكره.
2 - عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة. وقيل فيه غير ذلك. ساجي الطرف:
ويروى ساجي العين: ساكنها غضيض الطرف. ومطروف: أصابت عينه طرفة بثوب ونحوه.
3 - تجللتني: ألقت نفسها عليّ. وأهوى: أعتمد. والعصا: كناية عن السيف. ويعتاد: يزار مرة بعد أخرى. ومعكوف: يعكف عليه.
4 - يخاطب أباه ويستلينه، وكان ذلك قبل أن يدّعيه أبوه.
5 - لقحت: اشتدت وعظمت. والسراعيف: جمع سرعوفة، وهي السريعة. والطوالات: جمع طوالة، وهي الفرس الطويلة كالجرادة.
6 - يخرجن: أي الخيل ورحائلها: سروجها. والمرد: الذي لم ينبت عذارهم. ويروى: الشم.
والشمم: ارتفاع قصبة الأنف. والغطاريف: جمع غطروف أو غطريف أو غطراف، وهو السخي السري الشاب.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 8988.(2/115)
7 - قد أطعن الطّعنة النّجلاء عن عروض ... تصفرّ كفّ أخيها وهو منزوف
8 - لا شكّ للمرء أنّ الدهر ذو خلف ... فيه تفرّق ذو إلف ومألوف (1)
10 - وقال عنترة أيضا (2): [الكامل]
1 - لا تذكري مهري وما أطعمته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
2 - إنّ الغبوق له وأنت مسوءة ... فتأوّهي ما شئت ثمّ تحوّبي
3 - كذب العتيق وماء شنّ بارد ... إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي
4 - إنّ الرّجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك، تكحّلي، وتخضبي
5 - ويكون مركبك القعود وزحله ... وابن النّعامة عند ذلك مركبي
6 - وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى شرّ الرّكاب وأجنب
7 - إني أحاذر أن تقول ظعينتي ... هذا غبار ساطع فتلبّب
7 - النجلاء: الواسعة. يقال سنان منجل: أي واسع الطعنة. وعن عروض: اعتراض، أو عن شق.
ومنزوف: أي أريق دمه كله.
8 - ذو خلف: ذو مخالفة، لا يجيء بما يوافق الناس.
شرح القصيدة العاشرة 1كانت له امرأة من بجيلة لا تزال تذكر خيله، وتلومه في فرس كان يؤثره على خيله ويطعمه ألبان إبله، فقال يخاطبها لا تذكري الخ. لا تلوميني بذكر مهري وطعامه وإلا نفرت منك كما ينفر الصحيح من الأجرب.
2 - الغبوق: ما يشرب بالعشي.
3 - كذب: هنا بمعنى وجب. والعتيق: المراد به هنا التمر القديم. والشن: القربة البالية.
4 - الوسيلة: التوسّل، يعني هم يحتاجون إليها، ويتوسلون بالوسائل.
5 - القعود: البعير حين يركب، وأقله سنتان. وابن النعامة: هو صدر القدم.
6 - عنوة: قهرا.
7 - الظعينة: المرأة في الهودج. وغبار ساطع: مرتفع قاتم. مرتفع قاتم. وتلبب: تحزم وتشمر.
__________
(1) هذا البيت غير موجود في الديوان.
(2) القصيدة في الديوان ص 18.(2/116)
11 - وقال عنترة أيضا (1): [الكامل]
1 - وفوارس لي قد علمتهم ... صبر على التّكرار والكلم
2 - يمشون والماذيّ فوقهم ... يتوقّدون توقّد الفحم
3 - كم من فتى فيهم أخي ثقة ... حرّ أغرّ كفوّة الرئم
4 - ليسوا كأقوام علمتهم ... سود الوجوه كمعدن البرم
5 - عجلت بنو شيبان مدّتهم ... والبقع أستاها بنو لأم
6 - كنّا إذا نفر المطيّ بنا ... وبدا لنا أحواض ذي الرّضم
7 - نعدي فنطعن في أنوفهم ... نختار بين القتل والغنم
8 - إنّا كذلك يا سهيّ إذا ... غدر الحليف نمور بالخطم
9 - وبكلّ مرهفة لها نفذ ... بين الضلوع كطرّة الفدم
12 - وقال عنترة أيضا (2): [الطويل]
1 - كأن السّرايا بين قوّ وقارة ... عصائب طير ينتحين لمشرب
شرح القصيدة الحادية عشرة 1التكرار: كثرة الكر، والكر: الرجوع. والكلم: الجرح.
2 - الماذي: السلاح من الحديد كالدرع والمغفر. وتوقد الفحم، ويروى: النجم.
3 - أخي ثقة: يثق بشجاعته في القتال. والرئم: الظبي الأبيض.
4 - البرم: جمع برمة، سكنت الراء ضرورة.
5 - عجلت: أي بالتعرّض لقتالنا. والبقع: البيض كما قال الآخر: إن استه من برص ملمعة.
6 - نفر المطي بنا: سار بنا نحو بلاد العدو. والمطي: الإبل. والرضم: أرض ذات حجارة مجموعة. وذو الرضم مكان بعينه.
7 - نعدي: تجري خيلنا فنطعنهم، فإما قتلناهم وإما سلبناهم.
8 - نمور بالخطم: نذهب بالأنوف.
9 - المرهفة: الرماح المحددة. والطرة: الوشي. والفدم: ثوب أحمر.
شرح القصيدة الثانية عشرة 1كانت حنظلة من بني تميم غزت بني عبس وعليهم عمرو بن عمرو بن عدس الدارمي. فقتله بنو
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 128127.
(2) الأبيات في الديوان ص 1817.(2/117)
2 - وقد كنت أخشى أن أموت ولم تقم ... قرائب عمرو وسط نوح مسلّب
3 - شفى النفس منّي أو دنا من شفائها ... تردّيهم من حالق متصوّب
4 - تصيح الرّدينيّات في حجباتهم ... صياح العوالي في الثقاف المثقّب
5 - كتائب تزجى فوق كلّ كتيبة ... لواء كظلّ الطّائر المتقلّب
13 - وقال عنترة أيضا (1): [الطويل]
1 - هديّكم خير أبا من أبيكم ... أعفّ وأوفى بالجوار وأحمد
2 - وأطعن في الهيجا إذا الخيل صدّها ... غداة الصّياح السّمهريّ المقصّد
3 - فهلّا وفى الغوغاء عمرو بن جابر ... بذمّته وابن اللّقيطة عصيد
4 - سيأتيكم عني وإن كنت نائيا ... دخان العلندى دون بيتي مذود
عبس، وتزعم بنو تميم أنه تردى من ثنية، وهزمت تميم وذلك اليوم يوم أقرن. والسرايا:
جمع سرية وهو الجيش الصغير. وعصائب: جماعات. وينتحين: يقصدن.
2 - قرائب: جمع قريبة، وهي المرأة التي تنتسب إليه. ونوح: جماعة النائحات. ومسلب: عليهنّ ثياب الحداد، وهي السلاب.
3 - ترديهم: سقوطهم. وحالق: جبل مرتفع. ومتصوب: مائل إلى أسفل.
4 - تصيح: تصوّت. والردينيات: الرماح من صنع ردينة. والحجبتان: حرفا الورك المشرفان على الخاصرة. والعوالي: رؤوس الرماح. والثقاف: ما تسوّى به الرماح.
5 - تزجى: تساق.
شرح القصيدة الثالثة عشرة 1يردّ في القصيدة على بدر بن حزار، وينكر حزيما وزبان ابني سيار بن عمرو بن جابر وذلك أنه بلغه أنهما أعانا بدرا. ورويا شعره فيه. هديكم: أسيركم، وهو قرواش بن هني العبسي، وكان قرواش قتل حذيفة بن بدر الفزاري، فلما أسرته بنو مازن قتله بحذيفة.
2 - الهيجا: الحرب. والسمهري المقصد: الرمح الصلب المستقيم الذي لا ينثني.
3 - الغوغاء: الطويلة الأسنان والثنايا، وكذلك الفعواء والرجل أفعى. وعمرو بن جابر: من بني مازن بن فزارة، ثم من بني العشراء، وابن اللقيطة عيينة بن حصن، وكان يعرف بذلك.
والعصيد: المأتي، يقال عصد المرأة إذا نكحها.
4 - العلندى: جبل لم ير قطّ إلا والدخان يخرج من رأسه أو هو شجر كثير الدخان إذا حرق، ومذود: يدفع. يريد قصائد مشهورة كهذا الدخان.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 39.(2/118)
5 - قصائد من قبل امرىء يحتديكم ... بني العشراء فارتدوا وتقلّدوا
14
وقال أيضا (1): [الوافر]
1 - تركت جريّة العمري فيه ... شديد العير معتدل سديد
2 - جعلت بني الهجيم له دوارا ... إذا تمضي جماعتهم تعود
3 - إذا تقع الرّماح بجانبيه ... تولّى قابعا فيه صدود
4 - فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحقّ له الفقود
5 - وهل يدري جريّة أن نبلي ... يكون جفيرها البطل النّجيد
6 - كأن رماحهم أشطان بئر ... لها في كلّ مدلجة خدود
15
وقال عنترة أيضا (2): [الوافر]
1 - خذوا ما أسأرت منها قداحي ... ورفد الضّيف والأنس الجميع
5 - يحتديكم: يتبعكم بقوله. ويروى: يجتديكم.
شرح القصيدة الرابعة عشرة 1كانت بنو عبس غزت بني عمرو بن الهجيم، فقاتلوهم قتالا شديدا، فرمى عنترة رجلا منهم يقال له جرية وكان شديد البأس رئيسا، فظن أنه قتله ولم يفعل فقال في ذلك والعير هنا:
ارتفاع في وسط النصل. وسديد: قويم.
2 - يقول إنه جعل بني الهجيم يدورون حول فرسه جماعات جماعات، كما يدور زوّار الصنم حوله.
3 - إذا وقعت الرماح حول فرسه أدبر معرضا.
4 - أنفث عليه: بصق، أو نفخ بفيه، أو رقاه. والفقود: الموت.
5 - الجفير: الكنانة التي تجعل فيها السيوف. والنجيد: الشجاع، أي النبل به فتغيب فيه.
6 - أشطان البئر: الحبال. والمدلجة: ما بين الحوض والبئر.
شرح القصيدة الخامسة عشرة 1كان عنترة في إبل له يرعاها، ومعه عبد له وفرس فأغارت عليه بنو سليم فقاتلهم حتى كسر رمحه، وسار إلى الفرس فرمى رجلا منهم من بجيلة، وطردوا إبله، فذهبوا بها وكان الذي أصابها من بني سليم وكان عنترة حاسرا. أسأرت: أبقت. وقداحي: التي لعبت بها الميسر.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 40.
(2) الأبيات في الديوان ص 85.(2/119)
2 - فلو لاقيتني وعليّ درعي ... علمت علام تحتمل الدّروع
3 - تركت جبيلة بن أبي عديّ ... ببلّ ثيابه علق نجيع
4 - وآخر منهم أجررت رمحي ... وفي البجليّ معبلة وقيع
16
وقال عنترة أيضا (1): [البسيط]
1 - قد أوعدوني بأرماح معلّبة ... سود لقطن من الحومان أخلاق
2 - لم يسلبوها ولم يعطوا بها ثمنا ... أيدي النّعام فلا أسقاهم السّاقي
3 - عمرو بن أسود فازبّاء قاربة ... ماء الكلاب عليها الظّبي معناق
17
وقال أيضا في قتل قرواش وقتل عبد الله بن الصمة أخي دريد (2): [الطويل]
1 - نحا فارس الشهباء والخيل جنح ... على فارس بين الأسنّة مقصد
2 - المعنى: لو لاقيتني وقد لبست درعي لمنعتك من الغارة على إبلي، ولعلمت أن لا بس الدرع لا يهضم ولا يدرك منه مطلوب وإنما يقيم لنفسه العذر في غلبتهم عليه إذ كان حاسرا لا درع له.
3 - العلق: الدم الأحمر. والنجيع: الدم ما كان إلى السواد.
4 - أجررت: طعنته برمحي فكان يجرّه. ومعبلة: نصل عريض طويل.
شرح القصيدة السادسة عشرة 1قال الأبيات لعمرو بن أسود أخي بني سعد بن عوف بن مالك بن زيد مناة بن تميم. ومعلبة:
مشدودة بالعلباء لأنها أخلقت وتكسرت. والحومان: موضع. وأخلاق: بالية.
2 - المعنى: لم يغنموها ولم يشتروها لأنهم ليسوا أهل حرب ولا أهل غنى ثم دعا عليهم بالجدب. وأيدي النعام: ذم، أي هم في الجبن مثل الغمام.
3 - فازباء: نصب فا على الذم. والزباء: الناقة كثيرة شعر الأذنين والحاجبين يريد أنها بخراء منتنة الريح، لقّب عمرا بذلك. والقاربة: التي تسرع، لقربها من الماء. والكلاب: واد معروف.
والظبي: سمة لبعض الإبل، ومعناق: من العنق. وهو ضرب من السير. وعمرو بن أسود:
يرفع على البدل من الواو في أوعدوني أو ينصب على النداء.
شرح القصيدة السابعة عشرة 1يروى نجا: بالجيم، أي دريد بن الصمة، وهو فارس الشهباء. ويروى نحا: بالحاء، أي مال
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 90.
(2) الأبيات في الديوان ص 38.(2/120)
2 - ولولا يد نالته منّا لأصبحت ... سباع تهادى شلوه غير مسند
3 - فلا تكفر النعمى وأثن بفضلها ... ولا تأمنن ما يحدث الله في غد
4 - فإن يك عبد الله لاقى فوارسا ... يردّون خال العارض المتوقّد
5 - فقد أمكنت منك الأسنّة عانية ... فلم نجز إذ تسعى فتيلا بمعبد
18
وقال عنترة وتروى للربيع بن زيّاد العبسيّ (1): [الوافر]
1 - إن تك حربكم أمست عوانا ... فإني لم أكن ممّن جناها
2 - ولكن ولد سودة أرّثوها ... وشبّوا نارها لمن اصطلاها
3 - فإني لست خاذلكم ولكن ... سأسعى الآن إذ بلغت إناها (2)
واعتمد على ناحية، والمراد بفارس الشهباء على هذه الرواية عنترة، والأولى أحسن. جنح:
مائلات. ومقصد: مقتول.
2 - شلوه: بقية جسده. وغير مسند: أي لا يموت في أهله، فيسند ويوسد له ويهيأ أمره.
3 - النعمى: ما أنعم به على الإنسان.
4 - الخال: هنا لواء الجيش. والعارض المتوقد: الجيش اللامع، لكثرة السلاح.
5 - أي لم تكن بواد له ولا كفؤا والمراد بمعبد هنا عبد الله أخو دريد بن الصمة. والفتيل:
ما يكون في شق النواة كالخيط، يضرب مثلا في القلّة، ويروى قتيلا بالقاف: بمعنى الأسير.
شرح القصيدة الثامنة عشرة 1العوان: الحرب التي قوتل فيها مرة بعد مرة، وهي أشد الحرب ممّن جناها أي ممّن أثارها وهيّجها.
2 - سودة: أم حذيفة بن بدر وعوف وحمل والولد: جمع ولد مثل أسد وأسد وقد يكون الولد واحدا وأرثوها أوقدوها، يقال أرثت النار. وشببتها: إذا أوقدتها.
3 - لست خاذلكم: لا أترك نصركم وعونكم إن كنت لم أجن الحرب عليكم. إناها: أي منتهاها، وأنى كل شيء وقته.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 154.
(2) في الديوان: «مداها» بدل «إناها».(2/121)
19
وقال عنترة أيضا (1): [الوافر]
1 - إذا لاقيت جمع بني أبان ... فإني لائم للجعد لاحي
2 - كأنّ مؤشّر العضدين جحلا ... هدوجا بين أقلبة ملاح
3 - تضمّن نعمتي فعدا عليها ... بكورا أو تعجّل في الرّواح
4 - ألم تعلم لحاك الله أني ... أجمّ إذا لقيت ذوي الرّماح
5 - كسوت الجعد جعد بني أبان ... سلاحي بعد عري وافتضاح
20
وقال أيضا (2): [الكامل]
1 - سائل عميرة حيث حلّت جمعها ... عند الحروب بأيّ حيّ تلحق
2 - أبحقّ قيس أم بعذرة بعدما ... رفع اللّواء لها وبئس الملحق
شرح القصيدة التاسعة عشرة 1قالها في هجاء الجعد بن أبان بن عبد الله بن دارم، وكان استعار من عنترة رمحا، فأعاره إياه فأمسكه عنه ولم يصرفه إليه، والمعنى: إذا لاقيت هؤلاء القوم فأبلغهم لومي للجعد، وملاحاتي إياه.
2 - مؤشر العضدين: محددهما وهو الذئب، وقيل هو الجعل العظيم. والجحل: قيل هو الضخم، وقيل: هو الجعل لأنه مؤشر لحم العضد أي معرفه. وهدوجا: مقارب الخطو. والأقلبة: جمع قليب وهو البئر. وملاح: جمع ملح.
3 - تضمن نعمتي: أي كأن مؤشر العضدين تضمن نعمتي فعدا عليها أي جحدنيها، ولم يعبأ بها.
4 - لحاك الله: أهلكك. وأجم: هو الذي لا رمح معه بمنزلة الأجم من الشياه.
5 - كسوت الجعد: أي أعرته سلاحي لينتفع بها بعد عريه من السلاح وافتضاحه.
شرح القصيدة العشرين 1عميرة: حي من فزارة. وحلّت جمعها: أي حلّت في جمعها فلما أسقط الخافض تعدى الفعل فنصب، ويجوز نصبه على البدل من عميرة.
2 - أبحيّ قيس: أي أتلحق بحيّ قيس أم بعذرة، وبئس اللحاق لحاقها بعذرة وقد رفع اللواء لها، وقصد نحوها للحرب.
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 3433.
(2) الأبيات في الديوان ص 91.(2/122)
3 - واسأل حذيفة حين أرّث بيننا ... حربا ذوائبها بموت تخفق
4 - فلتعلمنّ إذا التقت فرساننا ... بلوى النّجيرة أنّ غنّك أحمق
21
وقال في قتل ورد بن حابس نضلة الأسدي (1): [المتقارب]
1 - غادرن نضلة في معرك ... يجرّ الأسنّة كالمحتطب
2 - فمن يك عن شأنه سائلا (2) ... فإنّ أبا نوفل قد شجب
3 - تذاءب (3) ورد على أثره ... وأدركه وقع مرد خشب
4 - تدارك لا يتّقي نفسه (4) ... بأبيض كالقبس الملتهب
22
وقال أيضا (5): [الوافر]
1 - ومكروب كشفت الكرب عنه ... بضربة فيصل لما دعاني
3 - التأريث والتحريش: تهييج الشر. والذوائب: هنا الرايات. وتخفق: تتحرك بالموت.
4 - لوى النجيرة: أرض معروفة. واللوى: ما التوى من الرمل.
شرح القصيدة الحادية والعشرين 1غادرن: أي الخيل. ونضلة: رجل من بني أسد. ويجر الأسنة: أي التي علقت بجسمه.
2 - شجب: قال شرّا فهلك. وأبو نوفل: هو نضلة.
3 - تذاءب: أتى من كل جهة كما يفعل الذئب. ووقع مرد خشب: أي سيف مهلك صقيل.
4 - تدارك: أي ورد بن حابس نضلة الأسدي بسيف أبيض كالقبس المشتعل.
شرح القصيدة الثانية والعشرين 1في غير رواية الأصمعي، وكان الأصمعي يقول هي لكثير النهشلي، قال الآمدي: هو كثير بن عبد الله بن مالك بن هبيرة بن صخر بن نهشل، وهو مخضرم وذكر البيت الثاني من هذه
__________
(1) الأبيات في الديوان ص 1716.
(2) يروى صدر البيت في الديوان:
فمن يك عن قتله يمتري
(3) في الديوان: «يذبّب» بدل «تذاءب».
(4) يروى صدر البيت في الديوان:
تتابع لا يبتغي غيره
(5) القصيدة في الديوان ص 148146، وهي في الديوان من 20بيتا.(2/123)
2 - دعاني دعوة والخيل تردي ... فما أدري أباسمي أم كناني
3 - فلم أمسك بسمعي إذ دعاني ... ولكن قد أبان له لساني
4 - فكان إجابتي إيّاه أني ... عطفت عليه خوّار العنان
5 - بأسمر من رماح الخط لدن ... وأبيض صارم ذكر يمان
6 - وقرن قد تركت لدى مكرّ ... عليه سبائب كالأرجوان
7 - تركت الطّير عاكفة عليه ... كما تردي إلى العرس البواني
8 - ويمنعهنّ أن يأكلن منه ... حياة يد ورجل تركضان
9 - فما أوهى مراس الحرب ركني ... ولكن ما تقادم من زماني
10 - وقد علمت بنو عبس بأني ... أهشّ إذا دعيت إلى الطّعان
11 - وأنّ الموت طوع يدي إذا ما ... وصلت بنانها بالهندواني
12 - ونعم فوارس الهيجاء إذا ما ... علقوا الأعنّة بالبنان
13 - هم قتلوا لقيطا وابن حجر ... وأردوا حاجبا وابني أبان
القصيدة، في أبيات مختلفة عن هذه الأبيات. ومكروب: محزون. وفيصل: سيف قاطع يفرق أجزاء الضريبة.
2 - المعنى: استغاث بي والخيل مسرعة تكرّ عليه، فلم أدر أباسمي دعاني أم بكنيتي.
3 - المعنى: لمّا دعاني لم أتلبث حتى أتبين دعاءه، ولكني أجبته مسرعا، وقلت: لبيك لبيك.
4 - المعنى: كانت إجابتي إياه بالعمل لا بالقول فإني عطفت عليه فرسا سهل المقادة.
5 - المعنى: كان معي سلاحي، وهو رمحي الأسمر الخطي، وسيفي القاطع اليمني.
6 - قرن: منازل في الحرب. ومكر: مكان الكر. وسبائب: طرائق من الدم شبّهها بالأرجوان في شدة حمرتها.
7 - المعنى: جعلته جزرا للطير تسرع إليه كما تسرع النساء اللاتي يزففن العروس إليها ويرقصن حولها.
8 - المعنى: كان يمنع الطير أن تقرب ذلك الصريع أنه لا تزال يده ورجله تتحركان.
9 - المعنى: إن ممارسة الحرب لم تهدّ من قوتي ولكن الذي أضعفني طول السنين.
10 - المعنى: علم قومي جميعا أنني لا أكره الحرب، وإنما أسرّ لخوض غمارها.
11 - المعنى: وعلموا أنني إذا تسلّمت سيفي المهند كانت المنيّة في يدي أرمي بها من شئت.
12 - المعنى: إن قومي نعم الأبطال والكماة إذا امتطوا الخيل وأمسكوا بأعنّتها.
13 - لقيط وحاجب وابنا أبان من بني تميم.(2/124)
23
وقال أيضا (1): [الطويل]
1 - طربت وهاجتك الظّباء السّوانح (2) ... غداة غدت منها سنيح وبارح
2 - فمالت بي الأهواء (3) حتى كأنّما ... بزندين في جوفي من الوجد قادح
3 - تعزّيت عن ذكرى سهيّة حقبة (4) ... قبح عنك منها بالذي أنت بائح
4 - لعمري لقد أعذرت لو تعذرينني ... وخشنت صدرا غيبه لك ناصح
5 - أعاذل كم من يوم حرب شهدته ... له منظر بادي النّواجذ كالح
6 - فلم أر حيّا صابروا مثل صبرنا ... ولا كافحوا مثل الذين نكافح
7 - إذا شئت لاقاني كميّ مدجج ... على أعوجيّ بالطّعان مسامح
8 - نزاحف زحفا أو نلاقي كتيبة ... تطاعننا أو يذعر السّرح صائح
شرح القصيدة الثالثة والعشرين 1يقال إن القصيدة من المنحول الذي نسب إليه. طربت: فرحت. والسوانح: من الطير ما أتى عن يمينك إلى يسارك. والبوارح عكسها.
2 - المعنى: هاجت لواعج الحب في نفسي، حتى كأن في قلبي قادحا يقدح النار بزندين لا بزند واحد.
3 - المعنى: تصبرت عن ذكرى سهية زمانا، فبح الآن وقد برح بك هواها بما تبوح به من حبها.
4 - أعذرت: أتيت بعذري. وتعذرينني: تقبلين عذري. وخشنت صدرا: أفسدت صدرا لا يحمل لك في مغيبك غير الحب.
5 - المعنى: أيتها العاذلة اللائمة، كفّي لومك عن بطل طالما خاض غمار الحروب إذا كشّرت عن أنيابها.
6 - صابروا: يريد صابروا العدو في الحرب، ولم يبد منهم جبن. والمكافحة: هي المواجهة والمقابلة في الحرب. والكالح: العابس الذي تقلصت شفتاه حتى بدت أضراسه.
7 - الكمي: البطل. والمدجج: الذي عليه سلاحه. والأعوجي: فرس كريم منسوب إلى أعوج.
8 - نزاحف: نقاتل، أو ننهض إلى العدو. والسرح: الماشية.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 3734.
(2) في الديوان: «السوارح» بدل «السوانح».
(3) في الديوان: «تغالت بي الأشواق» بدل «فمالت بي الأهواء».
(4) يروى صدر البيت في الديوان:
وقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة(2/125)
9 - فلمّا التقينا بالجفار تضعضعوا ... وردّت على أعقابهنّ المسالح
10 - وسارت رجال نحو أخرى عليهم ال ... حديد كما تمشي الجمال الدّوالح
11 - إذا ما مشوا في السّابغات حسبتهم ... سيولا وقد جاشت بهنّ الأباطح
12 - فأشرع رايات (1) وتحت ظلالها ... من القوم أبناء الحروب المراجح
13 - ودرنا كما دارت على قطبها الرّحى ... ودارت على هام الرّجال الصّفائح
14 - بهاجرة حتى تغيّب نورها ... وأقبل ليل يقبض الطّرف سائح
15 - تداعى بنو عبس بكلّ مهنّد ... حسام يزيل الهام والصّفّ جانح
16 - وكلّ ردينيّ كأنّ سنانه ... شهاب بدا في ظلمة اللّيل واضح
17 - فخلّوا لنا عوذ النّساء وخبّبوا ... عباديد منها مستقيم وجامح
18 - وكلّ كعاب خدلة السّاق فخمة ... لها منبت في آل ضبّة طامح
19 - تركنا ضرارا بين عان مكبل ... وبين قتيل غاب عنه النّوائح
20 - وعمرا وحيّانا تركنا بقفرة ... تعودهما فيها الضّباع الكوالح
9 - تضعضعوا: تفرقوا. والمسالح: أماكن يقيم بها مسلحون، والمراد الخيل.
10 - الدوالح: المتثاقلة في مشيتها لثقل ما تحمل.
11 - السابغات: الدروع الواسعة. حسبتهم سيولا: للمعانها وتموّجها. وتجيش: تضطرب.
والأباطح: الفلوات.
12 - أشرع: رقع ونشر. والمراجح: الذين رجحت عقولهم، ولم تطش أحلامهم فزعا.
13 - الهام: جمع هامة وهي الرأس. والصفائح: السيوف. وقطب الرحى: العود الذي في وسطها.
14 - بهاجرة: كانت الحرب وقت الظهر. وليل سائح: منبسط منتشر.
15 - تداعى: دعا بعضهم بعضا إلى القتال. وجانح: مائل بعضه على بعض.
16 - الرديني: الرمح ينسب إلى ردينة، وهي امرأة كانت تبيع القنا أو قبيلة. وشبه السنان بالشهاب في توقّده ولمعانه. والواضح: المضيء البين.
17 - خلّوا: تركوا. وخببوا: هربوا. وعباديد: فرق.
18 - كعاب: جارية قد تكعب ثديها. وخدلة الساق: عبلتها.
19 - تركنا ضرارا: يعني ضرار بن عمرو الضبي. والعاني: الأسير.
20 - أرض مقفرة موحشة. والكوالح: التي كشّرت عن أنيابها.
__________
(1) في الديوان: «فأشرعت رايات» بدل «فأشرع رايات».(2/126)
21 - يجرّون هاما فلّقتها سيوفنا ... تزيّل منهنّ اللّحى والمسائح
24
وقال أيضا (1): [الكامل]
1 - وكتيبة لبّستها بكتيبة ... شهباء باسلة يخاف رداها
2 - خرساء ظاهرة الأداة كأنها ... نار يشبّ وقودها بلظاها
3 - فيها الكماة بنو الكماة كأنهم ... والخيل تعشر في الوغى بقناها
4 - شهب بأيدي القابسين إذا بدت ... بأكفهم بهر الظّلام سناها
5 - صبر أعدّوا كلّ أجرد سابح ... ونجيبة ذبلت وخفّ حشاها
6 - يغدون بالمستلثمين عوابسا ... قودا تشكّى أينها ووجاها
7 - يحملن فتيانا مداعس بالقنا ... وقرا إذا ما الحرب خفّ لواها
8 - من كلّ أروع ماجد ذي صولة ... مرس إذا لحقت خصي بكلاها
21 - هاما: جمع هامة، وهي الرأس. وتزيل: تفرق. والمسائح: واحدها مسيحة، وهي ما بين الصدغين إلى الجبهة.
شرح القصيدة الرابعة والعشرين 1لبستها: غشيتها. وشهباء: بيضاء، للمعان الأسنّة والدروع. والباسلة: الكريهة المنظر.
2 - خرساء: لا يسمع فيها صوت لكثرة جلبتها. والأداة: السلاح.
3 - الكماة: جمع كمي، وهو الذي يخفي شجاعته عن قرنه، حتى يمكّنه من نفسه. والوغى:
الحرب، وأصلها الصوت والجلبة، وجعل الخيل تعثر في القنا لكثرة ما تكسر منه وسقط في الأرض، لشدة الحرب.
4 - المعنى: يشبّه الأبطال وعليهم الدروع في وغى الحرب، وقد ثار الغبار بشعل في أيدي قابسيها، أضاءت الظلام وبدّدته.
5 - صبر: جمع صبور. وكل أجرد سابح: كل فرس قليل الشعر يسبح في الهواء لسرعته. ونجيبة:
فرس نجيبة ضامر لحم أحشائها.
6 - يعدون: أي الخيل. والمستلئمين: لا بسي اللأمات، وهي الدروع. وقودا: جمع أقود، وهو الذليل المنقاد، وينها: كلالها. والوجا: الحفا.
7 - مداعس: جمع مدعس، وهو الطاعن. ووقرا: ثابتين، جمع وقو.
8 - أروع: المعجب المنظر يروعك جماله. ومرس: ثابت.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 154151، ومطلعها في الديوان:
يا عبل أين من المنية مهربي ... إن كان ربّي في السماء قضاها(2/127)
9 - وصحابة شمّ الأنوف بعثتهم ... ليلا وقد مال الكرى بطلاها
10 - وسريت في وعث الظّلام أقودهم ... حتى رأيت الشّمس زال ضحاها
11 - ولقيت في قبل الهجير كتيبة ... طعنت أوّل فارس أولاها
12 - وضربت قرني كبشها فتجدّلا ... وحملت مهري وسطها فمضاها
13 - حتى رأيت الخيل بعد سوادها ... حمر الوجوه خضبن من جرحاها
14 - يعثرن في نقع النجيع جوافلا ... ويطأن من حمي الوغى صرعاها
15 - فرجعت محمودا برأس عظيمها ... وتركتها جزرا لمن ناراها
16 - ما استمت أنثى نفسها في موطن ... حتى أوفّي مهرها مولاها
17 - ولما رزأت أخا حفاظ سلعا ... إلّا له عندي بها مثلاها
18 - أغشى فتاة الحيّ عند خليلها ... وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
19 - وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها
20 - إني امرؤ سمح الخليقة ماجد ... لا أتبع النّفس اللجوج هواها
9 - المعنى: ربّ صحابة لي أعزة لا يحتملون الضيم حملتهم على السرى، وقد استولى عليهم الكرى، وأمال أعناقهم.
10 - وعث الظلام: شدّته. وزال: ارتفع.
11 - قبل الهجير: أوله. وفارس: راكب الفرس.
12 - كبشها: سيد الكتيبة. وقرناه: ذؤابتاه.
13 - المعنى: ما كان من الخيل أسود تخضب بدماء الجرحى حتى عاد أحمر.
14 - النجيع: الدم. وحمي الوغى: شدّتها. وصرعها: قتلاها.
15 - الجزر: اللحم. والمناوأة: المعادات، وخفّف الهمزة من ناوأها للضرورة.
16 - ما استمت أنثى: أي لم أرادوها عن نفسها طالبا للحرام. ومولاها: وليها.
17 - المعنى: لم أرزأ وليّا ذا محافظة على حسبه، واصلا لرحمه، شيئا من ماله، إلا جزيته ضعف ما أصبت منه. والسلعة: ما كان من المال غير عين.
18 - أغشى فتاة الحيّ: أزور جارتي واصلا لرحمها ما دام حليها معها، فإن خرج غازيا لم أغشها محافظة عليها، وصيانة لعرضي وعرضها.
19 - المعنى: أغضّ بصري إذا بدت لي جارتي، حتى تدخل منزلها فيواريها ولا أتبعها نظري.
20 - المعنى: إذا هويت نفسي ما يكون فيه غضاضة عليّ، ولجت في إرادته، منعتها منه، ولم أتبعها إياه.(2/128)
21 - ولئن سألت بذاك عبلة أخبرت ... لا أريد من النّساء سواها
22 - وأجيبها إمّا دعت لعظيمة ... وأعينها وأكفّ عمّا ساها
25
وقال عنترة أيضا في قتل قراوش العبسيّ (1): [الوافر]
1 - ومن يك سائلا عني فإني ... وجروة لا ترود ولا تعار
2 - مقرّبة الشّتاء ولا تراها ... وراء الحيّ يتبعها المهار
3 - لها بالصّيف أصبرة وجل ... ونيب من كرائمها غزار
4 - ألا أبلغ بني العشراء عني ... علانية فقد ذهب السّرار
5 - قتلت سراتكم وخسلت منكم ... خسيلا مثلما خسل الوبار
6 - ولم نقتلكم سرّا ولكن ... علانية وقد سطع الغبار
7 - فلم يك حقّكم أن تشتمونا ... بني العشراء إذ جدّ الفخار
21 - المعنى: أن سألت عبلة بما وصف من خصالي، حقّقت ما وصفت، فأخبرت أني مستمسك بحبل الخيل، واصل له، وأني لا أريد من النساء سواها، ولا أخصّ أحدا بهواي غيرها.
22 - المعنى: وأني أجيئها إذا دعت لعظيمة تنزل بها وأعينها على دفعها، وأني لا آتي من الأمور ما يسوؤها وقوله عمّا ساءها، أراد عمّا ساءها فخفّف الهمزة ثم حذفها ضرورة.
شرح القصيدة الخامسة والعشرين 1قال الأعلم والوزير: ويقال هي لشداد بن معاوية، وهو أبو عنترة، وقيل هو عمه. جروة: اسم فرسه. وترود: ترسل أي هي مرتبطة لكرمها غير مهملة ولا معارة.
2 - مقربة الشتاء: أي مرتبطة عند الفناء، تصان ولا ترسل بعيدا للرعي زمن الشتاء.
3 - الأصبرة: من الإبل والغنم التي تروح وتغدو على أهلها لا تغرب عنهم، ولا واحد لها. وجل:
معز. ونيب: جمع ناب، إبل مسنّة. وغزار: كثيرات اللبن.
4 - بنو الشعراء: قوم من فزارة.
5 - السراة: جمع سرى، وهو السيد الشريف. وخسلت: أدخلت، ويقال معناه هنا نفيت. والوبار:
جمع وبر. وهي دويبة لا تكاد تفارق جحرها فرقا، فضرب بها المثل لبني العشراء، لجبنهم وتواريهم عن الحرب.
6 - أي لم نقتل من قتلنا منكم غدرا واغترارا، ولكن علانية في الحرب. والغبار قد سطع: لكثرة جولان الخيل.
7 - أي لم يكن ينبغي لكم أن تفخروا علينا وتشتمونا، وقد علمتم.
__________
(1) القصيدة في الديوان ص 6463.
26(2/129)
26
وقال يرثي مالك بن زهير العبسيّ وتولى قتله بنو بدر (1): [الطويل]
1 - لله (2) عينا من رأى مثل مالك ... عقيرة قوم أن جرى فرسان
2 - فليتهما لم يجريا نصف غلوة ... وليتهما لم يرسلا لرهان
3 - وليتهما ماتا جميعا ببلدة ... وأخطأهما قيس فلا يريان
4 - لقد جلبا حينا وحربا عظيمة ... تبيد سراة القوم من غطفان
5 - وكان فتى الهيجاء (3) يحمي ذمارها ... ويضرب عند الكرب كلّ بنان (4)
انتهى المختار من شعر الشعراء الستة الجاهليين شرح القصيدة السادسة والعشرين 1وتروى لغيره. وأن جرى فرسان: يعني داحسا والغبراء، وكان ذلك سبب حرب غطفان.
2 - الغلوة: الطلق. والغلوة أيضا: المراهنة في السباق مقدار مضي السهم عند الرمي.
3 - قيس: هو أخو مالك بن زهير العبسي.
4 - غطفان: قبيلة تجمع عبسا وذبيان وفزارة، وكانت حرب داحس والغبراء بينهم.
5 - وكان فتى الهيجاء: يعني مالك بن زهير. والهيجاء: الحرب، أي كان يقوم بها ويدبرها.
والذمار: ما يجب أن يغضب له ويحميه، وأصله من ذمرت الرجل إذا أغريته وأغضبته. وقوله:
«عند الكرب الخ»: يعني إذا اشتدت الحرب واستولى على الناس الجزع والكرب. والبنان:
الأصابع.
__________
(1) الأبيات جزء من قصيدة في الديوان ص 146145، وهي من 16بيتا.
(2) في الديوان: «فلله» بدل «لله».
(3) في الديوان: «وكان لدى الهيجاء» بدل «وكان فتى الهيجاء».
(4) يروى عجز في الديوان:
ويطعن عند الكرّ كلّ طعان(2/130)
دراسات لبعض الشعراء الجاهليين مع نماذج من المختار من أشعارهم مشروحة(2/131)
دراسات لبعض الشعراء الجاهليين
عمرو بن كلثوم
600500 - م
1
حياته
تمهيد:
هو عمرو بن كلثوم، أحد شعراء الجاهلية وفرسانهم وأشرافهم، ومن أصحاب المعلّقات ومكانته في الشعر الجاهلي تضارع مكانة كثير من الشعراء وإن كان ليس له ديوان شعر معروف.
نسبه:
هو أبو الأسد عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن ربيعة بن زهير التغلبي، من تغلب بن وائل، وتغلب هم من هم في الشرف والسيادة والمجد وضخامة العدد وجلال المحتد والأرومة. وأسراته سادات تغلب ورؤساؤها وفرسانها حتى قيل: لو أبطأ الإسلام لأكلت تغلب الناس كان أبوه كلثوم سيّد قومه وأمه ليلى بنت المهلهل أخي كليب المشهور، واشتهرت أمه ليلى بالأنفة وعظم النفس، كما كانت الجلالة محتدها من فضليات السيدات العربيات قبل الإسلام.
بيئته وموطنه:
ولد ونشأ عمرو بن كلثوم في أرض قومه التغلبيين، وكانوا يسكنون الجزيرة الفراتية وما حولها، وتخضع قبيلته لنفوذ ملوك الحيرة مع استقلالهم التام في شؤونهم
الخاصّة والعامّة، والحيرة كما نعلم إمارة عربية أقامها الفرس على حدود الجزيرة العربية، وحموها بالسلاح والجنود.(2/133)
ولد ونشأ عمرو بن كلثوم في أرض قومه التغلبيين، وكانوا يسكنون الجزيرة الفراتية وما حولها، وتخضع قبيلته لنفوذ ملوك الحيرة مع استقلالهم التام في شؤونهم
الخاصّة والعامّة، والحيرة كما نعلم إمارة عربية أقامها الفرس على حدود الجزيرة العربية، وحموها بالسلاح والجنود.
نشأته وحياته:
ولد عمرو بين مجد وحسب وجاه وسلطان، فنشأ شجاعا هماما خطيبا جامعا لخصال الخير والسؤدد والشرف، وبعد قليل ساد قومه وأخذ مكان أبيه وله من العمر خمس عشرة سنة، وقال الشعر وأجاد فيه وإن كان من المقلّين.
قاد عمر الجيوش وحارب أعداء قومه وكان مظفرا في كثير من أيامهم وحروبهم، وأكثر ما كانت فتن تغلب وحروبها مع أختها بكر بن وائل بسبب الحرب المشهورة «البسوس»، وفي آخر الأمر أصلح بينهما المنذر ملك الحيرة وأخذ من كلّ منهما رهينة من الغلمان مائة غلام من أشرافهم حتى لا يعودوا إلى القتال، ولمّا تولّى الحيرة عمرو ابن هند عام 562م حذا حذو أبيه، فحدث أن عمرو ابن هند وجّه قوما من بكر وتغلب إلى جبل طيىء في أمر من أموره، فنزلوا على ماء لبني شيبان وهم من بكر، فأبعدوا التغلبيين عن الماء حتى ماتوا عطشا، وقيل بل أصابتهم شموم في بعض مسيرهم فهلكوا وسلم البكريون، فطلب التغلبيون دينهم من بكر واختصما وتحاكما إلى عمرو ابن هند، وكان سيد تغلب هو عمرو بن كلثوم، وشاعر بكر هو الحارث بن حلزة، فتفاخرت القبيلتان بين يديه، وفي هذا الموقف قال الحارث بن حلزة معلّقته يفتخر فيها ببكر وقال عمرو بن كلثوم بعض معلقته يفتخر فيها بتغلب، وأثّرت قصيدة الحارث بن حلزة على عمرو ابن هند، فقضى لبكر حقدا على تغلب وحسدا لعمرو، لإدلاله بشرفه وحسبه ومجده.
ويقال إن عمرو ابن هند الملك وكان جبّارا متكبّرا مستبدّا كان يريد إذلال عمرو وإهانته ويضمر ذلك في نفسه، وأنه كان جالسا يوما مع ندمائه فقال لهم:
«هل تعلمون أحدا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي هند؟ فقالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم، قال: ولم؟ قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمّها كليب بن وائل أعزّ العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه، وكانت هند عمّة امرىء القيس بن حجر الشاعر المشهور، وكانت أم ليلى بنت مهلهل هي بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرىء القيس وبينهما هذا النسب، فأرسل عمرو ابن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه، فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت ليلى بنت مهلهل في ظعن من بني تغلب، وأمر عمرو ابن هند برواقه فضرب فيها بين الحيرة والفرات
وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب، فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو ابن هند في رواقه. ودخلت ليلى وهند في قبّة من جانب الرواق، وكان عمرو ابن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى، فدعا عمرو بمائدة ثم دعا بطرف، فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق، فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها فأعادت عليها فصاحت ليلى: «واذلّاه، يا لتغلب!! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه ونظر إليه عمرو ابن هند فعرف الشرّ في وجهه فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو ابن هند معلّق بالرّواق ليس هناك سيف غيره فضرب به رأس ابن هند وقتله وكان ذلك نحو سنة 569م ونادى عمرو في بني تغلب فانتبهوا ما في الرّواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة وجاشت نفس ابن كلثوم وحمي غضبه وأخذته الأنفة والنخوة فنظم بعض معلّقته في هذه الحادثة، يصف فيها حديثه مع ابن هند ويفتخر بأيام قومه وغاراتهم المشهورة.(2/134)
«هل تعلمون أحدا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي هند؟ فقالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم، قال: ولم؟ قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمّها كليب بن وائل أعزّ العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه، وكانت هند عمّة امرىء القيس بن حجر الشاعر المشهور، وكانت أم ليلى بنت مهلهل هي بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرىء القيس وبينهما هذا النسب، فأرسل عمرو ابن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه، فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت ليلى بنت مهلهل في ظعن من بني تغلب، وأمر عمرو ابن هند برواقه فضرب فيها بين الحيرة والفرات
وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب، فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو ابن هند في رواقه. ودخلت ليلى وهند في قبّة من جانب الرواق، وكان عمرو ابن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى، فدعا عمرو بمائدة ثم دعا بطرف، فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق، فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها فأعادت عليها فصاحت ليلى: «واذلّاه، يا لتغلب!! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه ونظر إليه عمرو ابن هند فعرف الشرّ في وجهه فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو ابن هند معلّق بالرّواق ليس هناك سيف غيره فضرب به رأس ابن هند وقتله وكان ذلك نحو سنة 569م ونادى عمرو في بني تغلب فانتبهوا ما في الرّواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة وجاشت نفس ابن كلثوم وحمي غضبه وأخذته الأنفة والنخوة فنظم بعض معلّقته في هذه الحادثة، يصف فيها حديثه مع ابن هند ويفتخر بأيام قومه وغاراتهم المشهورة.
وهكذا عاش عمرو عظيما من عظماء الجاهلية وأشرافهم وفرسانهم، عزيز النفس مرهوب الجانب، شاعرا مطبوعا على الشعر وعمّر طويلا حتى مات نحو سنة 600م.
ولعمرو ابن اسمه عتاب بن عمرو بن كلثوم، كان كأبيه شجاعا فارسا وهو الذي قتل بشر بن عمرو بن عدس كما أن مرّة بن كلثوم أخا عمرو بن كلثوم هو الذي قتل المنذر بن النعمان بن المنذر ملك الحيرة: ولذلك يقول الأخطل التغلبي مفتخرا:
[الكامل]
أبني كليب إن عمّي (1) اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا
ما ضرّ تغلب وائل: أهجوتها ... أم بلت حيث تناطح البحران؟
قومي همو قتلوا ابن هند عنوة ... عمرا، وهم قسطوا على النعمان
2
شعر عمرو بن كلثوم
أهم الدراسات عنه:
كتب عن عمرو بن كلثوم من الأدباء والباحثين:
أمنهم من المحدثين: جورجي زيدان (2)، وأصحاب الوسيط (3)، والمفصل، والزيات (4)، وصاحب شعراء النصرانية (ص 197).
يعني بعينيه عمرا ومرة ابني كلثوم.
(2) ص 114ج 1آداب اللغة العربية ط 1911.
(3) ص 76ط 1925.
(4) ص 62وما بعدها تاريخ الأدب العربي للزيات ط 1935.(2/135)
ب ومن القدماء: أبو زيد الأنصاري في الجمهرة (1)، وابن سلام في طبقات الشعراء (2)، وأبو الفرج في الأغاني (3)، وابن قتيبة في الشعر والشعراء (4).
ج وشرح معلّقته ورواها: الزوزني في كتابه «شرح المعلّقات السبع» (5)، والنعساني الحلبي في كتابه نهاية الأرب في شرح معلّقات العرب (6)، ورواها صاحب الجمهرة (7) وهي سبعة ومائة بيت وقد طبعت المعلّقة في مدينة بونا سنة 1819مع ترجمتها اللاتينية بقلم كوزغارتن.
معلّقة الشاعر:
1 - عمرو بن كلثوم جاهلي قديم، قتل عمرو ابن هند الملك، وأمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة وعمّها كليب أعزّ العرب. ووالده كلثوم بن عتاب فارس العرب، وكان عمرو سيدا في قومه من بني تغلب، وتوفي في أواخر القرن السادس الميلادي.
وعمرو شاعر قوي الشاعرية مجيد، ومعلّقته:
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا
مشهورة، «وهي من جيد شعر العرب وإحدى السبع المعلّقات»، وكان قام بها خطيبا فيما كان بينه وبين عمرو ابن هند (8).
يمتاز عمرو في شعره بالبديهة والارتجال، وبأسلوبه الرائق، وأغراضه العالية.
وهو مقلّ لم ينظم في فنون الشعر جميعها، وكل ما روي عنه معلّقته وبعض مقطوعات لا تخرج من موضوعها. أجاد في الفخر إجادة منقطعة النظير.
2 - والمعلّقة مشهورة بالرقّة والسّلاسة والسهولة، وفيها تكرير في بعض معانيها وألفاظها، ومبالغة واضحة شديدة في الفخر مما لم يؤلّف نظيرها في الشعر الجاهلي، مثل: [الوافر]
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما ... تخرّ له الجبابر ساجدينا
ومثل: [الوافر]
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
ص 40و 41الجمهرة.
(2) ص 56طبع المطبعة المحمودية التجارية.
(3) راجع ص 181ج 9الأغاني وسواء.
(4) ص 66و 67.
(5) ص 137119ط 1925بمطبعة السعادة.
(6) ص 131وما بعدها ط 1329بمصر.
(7) ص 129117الجمهرة.
(8) ص 67الشعر والشعراء.(2/136)
أبدأها عمرو بن كلثوم بوصف الخمر، وهذه المعلّقة فريدة في هذه الناحية، فلم تبدأ معلّقة أو قصيدة بوصف الخمر في الجاهلية إلا هذه القصيدة، ولعلّ سرّ ذلك أن تغلب كانت النصرانية موجودة في بعض ربوعها، وأن الخمر كانت شائعة في هذه الربوع، قال:
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا (1)
مشعشعة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا (2)
صددت الكأس عنّا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا (3)
وما شرّ الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا (4)
وكأس قد شربت ببعلبك ... وأخرى في دمشق وقاصرينا (5)
إذا صمدت حمياها أريبا ... من الفتيان خلت به جنونا (6)
ب ثم يأخذ في الغزل ووصف محبوبته وجمالها: [الوافر]
قفي قبل التفرّق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا
قفي نسألك هل أحدثت صرما ... لو شك البين أم خنت الأمينا (7)
أفي ليلى يعاتبني أبوها ... وإخوتها وهم لي ظالمونا
ج ثم ينتقل إلى الفخر بقومه ومجدهم وعزّتهم، ويهدّد الملك عمرو ابن هند وينذره ويتوعّده في أسلوب قوي جزل مع عذوبة وجمال، والظاهر أن ذلك كان أيام التحاكم أمام عمرو ابن هند والمفاخرة بين تغلب وبكر: [الوافر]
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
بأنّا نورد الرايات بيضا ... ونصدرهنّ حمرا قد روينا
وأيام لنا غر طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا
ورثنا المجد قد علمت معدّ ... نطاعن دونه حتى يبينا
هبّي: استيقظي. الصحن: القدح العريض. أصبحينا: اسقينا. الصبوح: وهو الشرب في الغداة.
الأندرينا: جمع الأندر وهي قرية بالشام جمعها بما حواليها.
(2) مشعشعة: ممزوجة. الحص: الورس. سخينا: جدنا وتكرّمنا من السخاء.
(3) صددت: أي صرفت. أم عمرو: هي والدته.
(4) أي لست أنا شرّ الثلاثة فتعدلي عني الكأس.
(5) بلاد معروفة.
(6) صمدت: قصدت. الحميا: سورة الراح. الأريب: العاقل.
(7) الصرم: الهجر. الوشك: السرعة. البين: الفراق. الأمين: الوفي بعهده.(2/137)
والجزء التالي من المعلّقة يبدو أنه نظم بعد قتل عمرو ابن هند، وهو:
بأيّ مشيئة عمر بن هند ... تطيع بنا الوشاة وتزدرينا
تهددنا وتوعدنا رويدا ... متى كنّا لأمك مقتوينا
وأن قناتنا يا عمر أعيت ... على الأعداء قبلك أن تلينا
ثم ينتقل إلى ذكر وقائع قومه مفتخرا بها على بكر، ومنها يوم خزاز، ثم يختمها بفخر قوي، منه: [الوافر]
وأنا الحاكمون بما أردنا ... وأنا النازلون بحيث شينا
وأنا النازلون بكل ثغر ... يخاف النازلون به المنونا
إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن نقرّ الخسف فينا
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ملأنا البر حتى ضاق عنّا ... وموج البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا رضيع ... تخرّ له الجبابرة ساجدينا
لنا الدنيا ومن أمسى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
وبعد فالمعلقة من روائع الفخر، ويقال إنها كانت تزيد على الألف بيت، وإنما وصل إلينا بعضها مما حفظه الناس منها.
والغالب كما ذكرنا أن الشاعر نظمها على مرتين: في مفاخرته ليكون عند عمرو ابن هند، وفي حادثة أمه، ولذلك رأينا فيها إشارة إلى كلتيهما وقد وقف عمرو بن كلثوم بهذه المعلّقة في سوق عكاظ فأنشدها في موسم الحج وكان بنو تغلب يعظّمونها ويرويها صغارهم وكبارهم، لما حوته من الفخر والحماسة مع جزالتها وسهولة حفظها.
وقد أثّرت هذه القصيدة في نفوس قبيلة تغلب وفخروا بها، واتخذوها أنشودتهم، حتى قال فيها بعض البكريين: [البسيط]
إلهي بني تغلب عن جلّ أمرهم ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها منذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسؤوم
والميزة الواضحة فيها السهولة والقوة، والإعداد بالنفس والقبيلة المبالغة في الفخر. وأنها شعر صدر عن سيد قومه يعترف فيه بسيادته وسيادة قبيلته ومجدها وأيامها وبطولة أبطالها وانتصاراتهم.(2/138)
وبدؤها بالخمر يرجع إلى انتشار النصرانية في تغلب وانتشار الخمر بينهم.
وتكاد تكون هي القصيدة الوحيدة في بدئها بالخمر على غير عادة الشعراء الجاهليين.
ويعجب النقّاد بمعلقة عمرو إعجابا شديدا، قال ابن قتيبة: وهي من جيد شعر العرب وإحدى السبع المعلّقات (1). وقدّمه بها النقّاد (2)، وقال مطرف عن عيسى بن عمرو: لو وضعت أشعار العرب في كفّة وقصيدة عمرو بن كلثوم في كفّة لمالت بأكثرها (3).
آثار من شعر عمرو:
1 - روى صاحب ديوان الحماسة لعمرو بن كلثوم أبياتا له من خير الأبيات يمتدح فيها بقومه هي: [الطويل]
معاذ الإله أن تنوح نساؤنا ... على هالك، أو أن نضج من القتل
قراع (4) السيوف بالسيوف حلنا ... بأرض براح (5) ذي أراك وذي أثل (6)
فما أبقت الأيام ملمال عندنا ... سوى جذم (7) أذواد (8) محذفة (9) النسل
ثلاثة أثلاث، فأثمان خيلتنا ... وأقواتنا وما نسوق إلى القتل
2 - وله يتوعّد عمرو بن أبي حجر الغساني: [الوافر]
ألا فاعلم أبيت اللعن أنا ... على عمد سنأتي ما نريد
تعلم أن محملنا ثقيل ... وأن زياد كبتنا شديد
وأنا ليس حيّ من معدّ ... يوزننا إذا لبس الحديد
3 - ومعلقته مشهورة ومطلعها: [الوافر]
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
ص 68الشعر والشعراء.
(2) ص 40جمهرة أشعار العرب.
(3) ص 41المرجع.
(4) القارعة: مضاربة القوم في الحرب.
(5) البراح: الأرض لا بناء فيها ولا عمران.
(6) الأراك والأثل: ينبتان في السهل أكثر فذكر بذلك أنهم غير متمنعين بهضاب وجبال.
(7) الأصل.
(8) جمع ذود والذود جمع يقع على ما دون العشرة.
(9) مقطوعة.(2/139)
يبدؤها بوصف الخمر، وينتقل منها إلى الغزل إذ يقول:
قفي قبل التفرّق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا
ثم ينتقل إلى موضوع المعلّقة، ويظهر أن هذا الموضوع مقسّم إلى قسمين عملا في زمنين مختلفين، أولهما عمل أيام التحاكم أمام عمرو ابن هند والمفاخر بين تغلب وبكر ويبتدىء من قوله: [الوافر]
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
بأنّا نورد الرّايات بيضا ... ونصدرهنّ حمرا قد روينا
ويفخر فيه بنفسه وقومه: [الوافر]
ورثنا المجد قد علمت معدّ ... نطاعن دونه حتى يبينا
والثاني عمل بعد قتله عمرو ابن هند. وأوله: [الوافر]
بأيّ مشيئة عمرو بن هند ... نطيع بنا الوشاة وتزدرينا؟
بأيّ مشيئة عمرو بن هند ... نكون لقيلكم فيها قطينا؟
تهددنا وتوعدنا!! رويدا ... متى كنّا لأمك مقتوينا
فإن قناتنا يا عمرو أعيت ... على الأعداء قبلك أن تلينا
آراء النقّاد في شعره:
1 - قال الكميت: عمرو بن كلثوم أشعر الناس (1)، وذكره في المزهر مع أصحاب الواحدة وأولهم طرفة، ومنهم عنترة والحارث بن حلزة، وشاعرنا عمرو بن كلثوم (2).
2 - وجعله ابن سلام في الطبقة السادسة من شعراء الجاهلية، وهم أربعة رهط لكل واحد منهم واحدة، وأولهم عمرو بن كلثوم، ثم الحارث بن حلزة وعنترة، وسويد بن أبي كاهل اليشكري (3).
3 - وقد قدّمه بعض النقّاد وقالوا: هو من قدماء الشعراء وأعزّهم نفسا وأكبرهم امتناعا وأجودهم واحدة، وقال عيسى بن عمر: لله درّ عمرو أي حلس شعر ووعاء علم، لو أنه رغب فيما رغب فيه أصحابه، من الشعراء وإن واحدته لأجود ص 229ج 2المزهر، ص 45الجمهرة.
(2) ص 203ج 2المزهر.
(3) ص 56طبقات الشعراء لابن سلام.(2/140)
سبعهم يعني السبع المعلّقات. وذكر أبو عمرو بن العلاء أن عمرو بن كلثوم لم يقل غير واحدته معلّقته واحدته ولولا أنه افتخر فيها وذكر مآثر قومه ما قالها (1).
وجعله صاحب شعراء النصرانية من شعراء الطبقة الأولى.
4 - وقيل إنه كان ينشد عمرو ابن هند وهو المحرق الثاني من ملوك الحيرة، فبينما هو ينشده في صفة جمل إذ حالت الصفة إلى صفة ناقة، فقال طرفة: «استنوق الجمل»، والبيت الذي قاله عمرو: [الطويل]
وإني لأمضي الهمّ عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم (2)
فقال عمرو: وما يدريك يا صبي؟ فتشاتما، فقال عمرو بن المنذر: سبّه يا طرفة، فقال قصيدته: [المديد]
أشجاك الربع أم قدمه ... أم سواد دارس حممه
حتى بلغ قوله:
فإذا أنتم وجمعكمو ... حطب للنار نضطرمه
فقال عمرو بن كلثوم يتوعّد عمرو ابن هند:
ألا لا يجهلنّ أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
بأيّ مشيئة عمرو بن هند ... تطيع بنا الوشاة وتزدرينا؟
ويروى أن هذه القصة كانت بين طرفة والمتلمس، وأنه ما كان ليجترىء على عمرو بن كلثوم بمثل هذا لشدّته في قومه (3).
ويروى لعمرو ذي الطوق: [الوافر]
صددت الكأس عنّا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
وما شرّ الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
فاستلحقهما عمرو بن كلثوم في معلّقته. والاستلحاق أخذ الشاعر بيتا ممّن سبقه على جهة المثل (2216العمدة).
ص 40جمهرة أشعار العرب ط 1926.
(2) ناج: سريع. مكدم: صلب شديد وهو العنيف الصلب القوي الشديد. الصيعرية: سمة من سمات الإناث خاصة، لا الذكور، وتكون كيا في العنق ينشأ عنها ميل أو صعر في العنق، ولذلك قال طرفة: «استنوق الجمل».
(3) ص 40و 41الجمهرة.(2/141)
ويرى الدكتور طه حسين في كتابه الأدب الجاهلي أن عمرو بن كلثوم قد أحيط بطائفة من الأساطير، وأن معلّقته لا يمكن أن تكون هي أو أكثرها جاهلية، وأن الرواة شكّوا في بعضها، وأن معلّقة الحارث أمتن وأرصن من معلّقة ابن كلثوم وذكر أخيرا أنه يرجّح أن المعلّقتان منتحلتان (1).
خصائص شعر عمرو:
أوعمرو بن كلثوم شاعر غمر البديهة رائق الأسلوب، نبيه الغرض وإن كان مقلّا، لم يتقلّب في فنون الشعر ولم يرخ العنان لسليقته، شغلته الرياسة وخوض الحروب وتكسب الشعراء بالشعر عن أن يفيض في الشعر ويطرق أكثر أبوابه، ولذلك لم يشتهر إلا بمعلّقته التي قامت له مقام الشعر الوفير، لحسن لفظها وانسجام عبارتها ووضوح معناها ورشاقة أسلوبها وعلوّ فخرها ونباهة مقصدها، ورويت له مقطعات، لم يخرج فيها عن أغراض معلّقته ولعلّ شهرته بالخطابة لا تقلّ عن شهرته بالشعر.
ب وأسباب شاعريته ترجع إلى:
1 - أسرة الشاعر وكثرة الشعراء منها ومن قبيلته.
2 - بيئته في الجزيرة الفراتية واتصالها بثقافات كثيرة منها ثقافة النصرانية التي انتشرت فيها، ومنها الثقافة الفارسية التي لا بدّ أن تكون قد أحدثت آثارها في هذه النواحي الخاضعة لنفوذ الحيرة وملوكها.
3 - مجد الشاعر وحسبه فقد أنطقاه بهذا الشعر الرائع والفخر القوي البليغ.
4 - كثرة الخصومات والحروب بين تغلب وبكر، وقد شاهدها الشاعر وأجّجت ثورة الشاعرية في نفسه.
5 - الخصومات الأدبية بينه وبين خصمه شاعر بكر الحارث بن حلزة. إلى غير ذلك من بواعث شاعريته.
ج وأهم أغراض الشعر عند عمرو هو الفخر، ومن أولى من عمرو بن كلثوم بأن يفتخر بمجده ومجد قومه وحسبهم وشرفهم ومحتدهم الرفيع؟ وفخره في معلقته صفحة من تاريخ قومه الحربي والسياسي.
راجع ص 242236الأدب الجاهلي.(2/142)
د ومهما كان فأسلوب عمرو يمتاز بقوّته وسلاسته وحلاوته. وتمتاز معانيه بالوضوح وكثرة المبالغة وبالصراحة وروح الصحراء البادية فيه.
نثر الشاعر:
1 - قال عمرو من خطبة له:
أما بعد فإنه لا يخبر عن فضل المرء أصدق من تركه تزكية نفسه، ولا يعبّر عنه في تزكية أصحابه أصدق من اعتماده إياهم برغبته وائتمانه إياهم على حرمته.
2 - وأوصى «عمرو بن كلثوم التغلبي» بنيه، فقال: من وصية له
«زوّجوا بنات العمّ بني العم، فإن تعديتم بهنّ إلى الغرباء، فلا تألو (1) بهنّ الأكفّاء، وأبعدوا بيوت النساء من بيوت الرجال، فإنه أغضّ للبصر، وأعفّ للبشر، ومتى كانت المعاينة واللقاء، ففي ذلك داء من الأدواء، ولا خير فيمن لا يغار لغيره، كما يغار لنفسه. وقلّ من انتهك حرمة لغيره، إلا انتهكت حرمته. وإذا حدّثتم فعو، وإذا حدّثتم فأوجزوا وموت عاجل خير من ضنى (2) آجل، وما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان وربما شجاني (3) من لم يكن أمره عناني وما عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة. واعلموا أن أشجع القوم العطوف (4)، وخير الموت تحت ظلال السيوف الخ» (والوصية بتمامها في بلوغ الأرب ج 3).
الحارث بن حلزة
حياته:
من يشكر بن وائل، فارس مقدام وشاعر مجيد، وسيّد من سادات بكر، كما كان عمرو بن كلثوم سيد تغلب وشاعرها.
وهو أحد شعراء المعلّقات، ومطلع معلّقته:
آذنتنا ببينها أسماء ... ربّ ثاو يملّ منه الثواء
وكان سبب إنشاده هذه القصيدة أن عمرو ابن هند ملك الحيرة وكان جبّارا عظيم السلطان جمع بين بكر وتغلب وأصلح بينهم، وأخذ من الحيّين رهنّا من كل حيّ مائة غلام. فكفّ بعضهم عن بعض، وكان أولئك الرهن يكونون معه في سيره تتركوا.
(2) مرض ملازم.
(3) أحزنني.
(4) الكرار على عدوه.(2/143)
يغزون معه، فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامّة التغلبيين وسلم البكريون، فقالت تغلب لبكر بن وائل: أعطونا دية غلماننا فأبت بكر ذلك فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم واجتمعت بكر إلى النعمان بن هرم اليشكري واجتمع الجمع عند الملك عمرو ابن هند وتلاحى عمرو بن كلثوم والنعمان بن هرم أمام الملك فغضب عمرو ابن هند وكان يؤثر بني تغلب على بكر واشتدّ غضبه على بكر والنعمان صاحبهم فقام الحارث بن حلزة وارتجل قصيدته ارتجالا وهو متوكىء على قوسه وكان الملك يسمع قصيدة الحارث من وراء حجاب لأنه كان لا يحب رؤية أحد فيه سواه وكان الحارث به وضح فلما أنشد القصيدة أدناه حتى خلص إليه ويقال إن الحارث عندئذ كان طاعنا في السّنّ وكان فوق المائة وترى أثر السّنّ ونضوجها وحكمتها وحلمها ووقارها في القصيدة واضحا جليّا حيث ردّ على تغلب في أناة وهدوء وحمّلها تبعة الحرب واستدرج عمرو ابن هند إلى أن يكون في جانب قومه فمدحه ومدح قومه وبها قضى عمرو لبكر على تغلب وأطلق رهنهم وكانوا عدّة فتيان من أشراف بكر.
وقد بدأها بالغزل ووصف الناقة، ثم وصل إلى غرضه من الخصومة بين بكر وتغلب: [الخفيف]
وأتانا عن الأراقم أنبا ... ء، وخطب نعني به ونساء
ويردّ على عمرو بن كلثوم بقوله:
أيها الناطق المرقش عنّا ... عند عمرو، وهل لذاك بقاء؟
ثم يأخذ في مدح عمرو ابن هند:
فملكنا بذلك الناس حتى ... ملك المنذر ابن ماء السماء
ملك أضلع البرية لا يو ... جد فيها لما لديه كفاء؟
وفي المعلّقة بعد ذلك أبيات لها قيمة كبيرة في شرح أحداث تاريخية وسياسية من صلح كان بين تغلب:
واذكروا حلف ذي المجاز وما قد ... م فيه العهود والكنفلآء
وأيام كانت بين تغلب أخرى غلبت فيها تغلب:
أعلينا جناح كندة: أن يغنم غازيهم، ومنّا الجزاء؟(2/144)
وعداء قديم كان بين المنذر ملك الحيرة والتغلبيين لما امتنّوا به من نصرته وعلى العكس من ذلك ولاء البكريين لملوك الحيرة. وينتقل من ذلك إلى مدح عمرو ابن هند وآبائه: [الخفيف]
أيها الناطق المبلغ عنّا ... عند عمرو، وهل لذاك انتهاء؟
ملك مقسط وأفضل من يم ... شي، ومن دون ما لديه الثناء؟
وطبعت المعلّقة في أوروبا لأول مرة عام 1827م.
وعلى الجملة فقد كان عمرو بن كلثوم في قوله أعزّ نفسا وأعلى قدرا وضع نفسه وقومه موضع الندّ لعمرو ابن هند وقومه وكان الحارث أحكم وأعقل.
وضع الحارث أمام نفسه غرضا تحايل على الوصول إليه في دهاء وإيماء وملق حتى وصل إليه فحكم له ولقومه.
شعره:
يمتاز الحارث بالبديهة والارتجال وقوّة الشاعرية، وبتعدّد فنون الشعر في معلقته وكثرة غريبها وإحكام نظمها على طولها، واشتمالها على كثير من أيام العرب ووقائعها، حتى قال أبو عمرو الشيباني: «لو قالها في حول لم يلم».
ومن شعره في غير المعلّقة: [مجزوء الكامل]
من حاكم بيني وبين ... الدهر مال عليّ عمدا
أودى بسادتنا وقد ... تركوا لنا حلقا (1) وجردا (2)
خيلي وفارسها وربّ ... أبيك كان أعزّ فقدا
فلو أن ما يأوي إلي ... أصاب من ثهلان هدا
فضعي قناعك إن ريب ... الدهر قد أفنى معدا
فلكم رأيت معاشرا ... قد جمعوا مالا وولدا
فعش بجدّ لا يضرّ ... ك النوك ما لاقيت جدّا
والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممّن عاش كدا
السلاح.
(2) الخيل.
معلّقة الحارث بن حلزة:(2/145)
معلّقة الحارث بن حلزة:
1 - الحارث بن حلزة اليشكري من بكر، كان سيّدا في قومه، وشاعرا مجيدا، ارتجل معلقته ارتجالا في مجلس عمرو ابن هند، يستدني بها عطفه، ويستجلب رضاءه ويذود بها عن قومه، وكان هوى عمرو ابن هند مع تغلب، فتحول إلى العطف على البكريين بسبب هذه القصيدة الرائعة. وليس للحارث إلا آثار قليلة من الشعر مع معلقته هذه.
2 - وتمتاز هذه المعلقة بإحكام نسجها وتنوّع أغراضها وبأنها أثر من آثار البديهة والارتحال:
أبدأها بالغزل في محبوبته أسماء: [الخفيف]
آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يملّ منه الثواء (1)
بعد عهد لنا ببرقة شما ... ء فأدنى ديارها الخلصاء (2)
لا أرى من عهدت فيها فأبكي ... اليوم دلها وما يحير البكاء (3)
ب ثم انتقل إلى وصف ناقته، وكما يقول: [الخفيف]
أتلهي بها الهواجر إذ كل ... ابن همّ بلية عمياء (4)
ج ثم يعاتب إخوانه من بني تغلب لصلفهم على قومه: [الخفيف]
إن إخواننا الأراقم يغلو ... ن علينا في قيلهم إحفاء (5)
يخلطون البريء منّا بذي الذن ... ب ولا ينفع الخلي الخلاء (6)
أجمعوا أمرهم عشاء، فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
من مناد، ومن مجيب، ومن تصهال خيل خلال ذاك رغاء
أيها الناطق المرقش عنّا ... عند «عمرو» وهل لذاك بقاء (7)؟
الإيذان: الإعلام. البين: الفراق. الثواء: الإقامة.
(2) العهد: اللقاء. وبرقة شماء والخلصاء: موضعان قريبان من دياره.
(3) يحير: يرد. الدله: الحزن والتحيّر وذهاب العقل.
(4) الهواجر: جمع هاجرة وهي لفح الحرّ وقت الظهيرة. عمياء: شديدة.
(5) الأراقم: بطون من تغلب. الغلو: مجاوزة الحد. الإحفاء: الإلحاح. القيل: القول.
(6) الخلي: البريء الخالي من الذنب.
(7) الناطق المرقش: أي الواشي المنمّق أكاذيبه ووشاياته وأباطيله.(2/146)
فبقينا على غراتك إنما ... قبل ما قد وشى بنا الأعداء (1)
فبقينا على الشناءة تنمي ... نا حصون وعزّة قعساء (2)
ثم يمدح الملك عمرو ابن هند حينا، ويستمر في عتاب إخوانه من تغلب حينا آخر: [الخفيف]
ملك مقسط، وأفضل من يمش ... ي ومن دون ما لديه الثناء (3)
أيما خطة أردتم فأدو ... ها إلينا تمشي بها الأملاء (4)
ويسير على هذا النهج من مدح والعتاب.
ج ثم يفتخر بقومه ومجدهم وأيامهم في صدق وجمال وقوّة عاطفة:
[الخفيف]
هل علمتم أيّام ينتهب النا ... س غوارا لكل حيّ عواء (5)
إلى آخر هذه القصيدة الرائعة، التي يصحّ لنا أن نعدّها ملحمة شعرية مصغّرة، تنطق بمجد بكر ومفاخرها في الحرب والسلم في الجاهلية.
مختارات من المعلقة: [الخفيف]
وأتانا من الحوادث والأن ... باء خطب نعني به ونساء (6)
أن إخواننا الأراقم يغلو ... ن علينا في قيلهم إحفاء
يخلطون البريء منّا بذي الذن ... ب، ولا ينفع الخلي الخلاء (7)
زعموا أن كل من ضرب العي ... ر موال لنا، وأنا الولاء (8)
الغراة: اسم بمعنى الإغراء.
(2) الشناءة: البغضاء. تنمينا: ترفعنا.
(3) مقسط: عادل.
(4) الخطة: الأمر العظيم الذي يحتاج إلى المخلص منه. أدّوها: أي فوّضوها. الإملاء: الجماعات من الأشراف.
(5) الغوار المغاورة العواء: صوت الذئب وهو مستعار للضجيج والصياح.
(6) نعني به: نقصد به نحن دون غيرنا. ونساء به: يصيبنا منه سوء. والأراقم: أحياء من تغلب معادية لبني بكر قبيلة الشاعر. ويغلون علينا: يتجاوزن الحد في التقوّل علينا. والقيل: القول.
والإحفاء: شدة الإلحاح. والاستقصاء: المعنى بلغنا من الأخبار خبر يقصد به إساءتنا، وهو أن الأراقم من تغلب يغالون ويتشددون في نسبة ما لم تفعل إلينا.
(7) الخلي هنا: الخالي من الذنب. والخلاء: الخلو من الذنب كذلك، أي لا تنفع البريء عندهم براءته من الذنب فهم يأخذونه بذنب المجرم.
(8) أي فهم يلزموننا ذنوب الناس ولو لم تكن ذنوبهم مما يؤاخذ عليه، فعندهم أن كل من ضرب
أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
من مناد، ومن مجيب، ومن تص ... هال خيل خلال ذاك رغاء (1)
أيها الناطق المرقش عنّا ... عند عمرو وهل لذاك بقاء (2)
لا تخلنا على غراتك، إنّا ... قبل ما قد وشى بنا الأعداء (3)
فبقينا على الشناءة تنمي ... نا حصون وعزّة قعساء (4)
قبل ما اليوم بيضت بعيون ... الناس فيها تعيط وإباء (5)
وكأن المنون تردّى بنا أر ... عن جونا ينجاب عنه العماء (6)
مكفهرّا على الحوادث لا تر ... توه للدهر مؤيد صماء (7)
أيما خطة أردتم فأدّو ... ها إلينا تمشي بها الأملاء (8)
حمارا مثلا مذنب، وأنه من موالينا وأنصارنا، ونحن دون غيرنا ولاته وأنصاره.(2/147)
(8) أي فهم يلزموننا ذنوب الناس ولو لم تكن ذنوبهم مما يؤاخذ عليه، فعندهم أن كل من ضرب
أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
من مناد، ومن مجيب، ومن تص ... هال خيل خلال ذاك رغاء (1)
أيها الناطق المرقش عنّا ... عند عمرو وهل لذاك بقاء (2)
لا تخلنا على غراتك، إنّا ... قبل ما قد وشى بنا الأعداء (3)
فبقينا على الشناءة تنمي ... نا حصون وعزّة قعساء (4)
قبل ما اليوم بيضت بعيون ... الناس فيها تعيط وإباء (5)
وكأن المنون تردّى بنا أر ... عن جونا ينجاب عنه العماء (6)
مكفهرّا على الحوادث لا تر ... توه للدهر مؤيد صماء (7)
أيما خطة أردتم فأدّو ... ها إلينا تمشي بها الأملاء (8)
حمارا مثلا مذنب، وأنه من موالينا وأنصارنا، ونحن دون غيرنا ولاته وأنصاره.
(1) يتلمسون أي ذنب، ويتشاورون في الليل في أمر حربنا، والتعبئة له فلا يصبح الصباح حتى تكون لهم جلبة وضوضاء من مناد الخ قيل: إن هذين البيتين أوجز ما قيل في وصف التأهّب للارتحال أو صدقه وأوضحه تصويرا للحقيقة.
(2) المرقش: المزين القول بالباطل. وهو لذلك الخ أي لتزيينك الباطل دوام.
(3) لا تخلنا: أي لا تحسبنا. والغرة: اسم مصدر من الإغراء، وما زائدة والمفعول الثاني محذوف. والمعنى: لا تحسبنا جازعين لإغراء الملك بنا، فمن قبلك وشى بنا الأعداء فلم يفلحوا.
(4) الشناءة: البغض. وتنمينا: ترفعنا. والقعساء: الثابتة، أي فبقينا على بغضك لنا، في عزّة ثابتة، وحصون منيعة من أن يصيبنا منكم مكروه.
(5) قبل ما اليوم: أي قبل اليوم وما زائدة. وبيضت بعيون الناس: بيضتها أي أعمتها، والباء زائدة.
والتعيط: الترفّع والإباء. والمعنى: قبل اليوم أعمت عزّتنا العقساء أبصار الناس فلا يتطلعون إلى إذلالنا، وكان في عزّتنا ترفّع وإباء عن أن تنال بسوء.
(6) تردى: ترمي وترجم، والباء في (بنا) للتجريد نظير قولهم: لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد، أي لتلقين الأسد، أي هو كالأسد. والأرعن هنا: الجبل الذي له حيود وأطراف تخرج على معظمه. والجون: الأسود. وينجاب عنه: ينشق عنه. والعماء: السحاب الأبيض. والمعنى:
كأن المنون إذا رمتنا إنما ترمي جبلا عاليا يشقّ السحاب، من منعتنا وقوتنا.
(7) وصف هذا الجبل بأنه مكفهر، والمكفهر من الجبال: الصلب المنيع. ولا ترتوه: لا تنقصه وتنال منه. والمؤبد: الداهية. صماء: لا تسمع اعتذارات، أي أن هذا الجبل منيع من حوادث الدهر لا تنال منه الدواهي الصمّاء.
(8) الخطة: الأمر يقع بين القوم، أو الإقدام على الأمر. والأملاء: جمع ملأ، وهم الأشراف والرؤساء. المعنى: أي أمر أو طريقة تجرون عليها في معاملتنا فابعثوها إلينا من سادتكم وسفرائكم.(2/148)
إن نبشتم ما بين ملحة فالصا ... قب فيه الأموات والأحياء (1)
أو نقشتم، فالنقش يحشمه النا ... س وفيه الصلاح والإبراء (2)
أو سكتم عنّا، فكنّا كمن أغ ... مض عينا في جفنها أقداء (3)
أمية بن أبي الصلت (4)
624550 - م (4)
1
حياة الشاعر
نسبه وأسرته:
هو أمية بن عبد الله أبي الصّلت بن أبي ربيعة بن عوف بن أمية الثقفي شاعر ثقيف، وأحد الملتمسين للدين في الجاهلية، ومن أشراف قبيلته ورؤسائها.
أبوه أبو الصلت من سادات ثقيف، وأمه رقيّة بنت عبد شمس بن مناف.
وكان والده شاعرا (5)، وله قصائد يمدح فيها سيف بن ذي يزن م 579م ويشيد بالفرس الذين ساعدوه على تحرير اليمن من نير الحبشة واحتلالها؟ ومنها هذه القصيدة التي نظمت عام 573م، والرسول ابن عامين: [البسيط]
لا يطلب الوتر إلا كابن ذي يزن ... في البحر لجج للأعذام أحوالا (6)
ملحة والصاقب: موضعان، أي إن كانت الخطة التي ترضونها أن تثيروا القتال الذي وقع بيننا في هذين المكانين ففيه أموات وأحياء، أي فكانت عاقبة قتلي وأسري منكم لم تدركوا منّا ثأرهم، وحذفت الفاء الواقعة في جواب الشرط (وهو فيه الأموات الخ) للضرورة، أو أن جواب الشرط محذوف، تقديره: فلنا الفخار بذلك، أو أن جواب الشرط الآتي جواب له ولهذا.
(2) أو نقشتم: أي دقّقتم في الاستقصاء. ويجشمه: يتكلّفه على مشقة. المعنى: إن دقّقتم الحساب فيما وقع بيننا وبينكم فإن ذلك مع ما فيه من المشقّة والكلفة يفضي بنا إلى صلاح أمورنا وإبرائنا من العار.
(3) وإن سكتم عنّا فإنّا نسكت، ونغضي أعيننا عن القذى لأن الحق في جانبنا.
(4) في مكتبة كلية اللغة العربية رسالة مخطوطة للأستاذ سليمان حسن ربيع نال بها العالمية من درجة أستاذ في الأدب وموضوع الرسالة: أمية بن أبي الصلت في نظر المستشرقين.
(5) راجع ص 109107طبقات الشعراء لابن سلام، ص 177و 178الشعر والشعراء.
(6) أي أزمانا.(2/149)
ويروى: خيّم أي أقام.
ومنها في الفرس: [البسيط]
لله درّهم من عصبة خرجوا ... ما إن ترى لهم في الناس أمثالا
بيضا مرازبه (1) غرّا جحاجحه ... أسدا تربب في الغيضات (2) أشبالا
لا يرمضون إذا حرت مغافرهم ... ولا ترى منهم في الطعن ميالا
من مثل كسرى وسابور الجنود له ... أو مثل وهرز يوم الحبش إذ صالا
فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان (3) دارا منك محلالا
تلك المكارم لا قعبان (4) من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وتنسب القصيدة لأمية نفسه لا لأبيه في بعض المصادر.
بيئته ومولده:
ولد أمية في أواسط القرن السادس الميلادي، ونشأ بالطائف، وهي مصيف أهل مكة ومتنزههم، وروضة خصبة وسط الصحراء القاحلة، وأطيب البلاد العربية هواء وأجملها مناخا وأكثرها بساتين وكروما وزرعا وفاكهة وعيونا وهي في الجنوب الشرقي لمكة وبينهما خمسة وسبعون ميلا. ويقول الشاعر: [مجزوء الكامل]
تشتو بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف
وكانت الفترة التي عاش فيها أمية فترة عجيبة في تاريخ العرب، فالاحتلال الحبشي لليمن قد انتهى وصحبه امتداد نفوذ الفرس على هذه البلاد واختلاط العقليات العربية والفارسية وتجاورها وتبادل التفكير والثقافات الطارئة وقد وعى العرب لهذه الألوان الطريفة من القصص والأساطير والأخبار والعقائد والمحاورات التي هي جزء من ثقافة الفارسي الأصيلة أو المستمدّة من ثقافات الهند وعلومها.
أما بيئة الطائف الأدبية فإنها على أيّ حال لم تصل نهضة الشعر فيها إلى ما وصلت إليه في نجد، كان فيها شعراء وليس شعرهم بالكثير، والسبب في ذلك كما يرى ابن سلّام هو قلّة الحروب والخصومات بين أهل الطائف، وأنه إنما يكثر الشعر بالحروب التي تكون بين الأحياء، وهذا هو السبب أيضا في قلّة شعر قريش وأهل جمع مرزبان: وزير الفرس.
(2) جمع غيضة: المتلفّ وهي مأوى السّباع عادة.
(3) قصر عظيم بصنعاء.
(4) تثنية قعب وهو القدح. شيبا: خلطا.(2/150)
عمان، ولم ينبع في الطائف سوى أبي الصلت، وابنه أميّة وهو أشعرهم، وغيلان بن سلمة وكنانة بن عبد ياليل (1).
نشأته وحياته:
نشأ أمية في هذه البيئة، وشبّ شاعرا يرث من أبيه مواهب الشعر وملكاته. وأخذ يمارس التجارة وظل يمارسها طول عمره، فتارة إلى الشام وتارة إلى اليمن.
واتصل بالفرس في اليمن وسمع محاوراتهم وقصصهم، كما اتصل بالكهّان والأحبار والقسس في الشام وسمع عظاتهم وشاهد مظاهر القلق الروحي البادية في تفكير بعض العرب المتعبّدين أمثال: زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ويبدو أنه كان عالما بغير العربية على ما يظهر فاطّلع على كتب القدماء وخصوصا التوراة والإنجيل (2).
وهكذا نشأ أمية مفطورا على التديّن موهوبا ملكات الشاعرية القوية الجيّاشة.
وسافر إلى الشام في رحلات تجارية كما سافر إلى اليمن فلقي في رحلته بعض المتديّنين هناك وسمع أخبارهم وعظاتهم، فرغب عن عبادة الأوثان وزهد في الدنيا، واستزاد النظر في الأديان وطلبها من أهل الكتاب، وروى الكثير من أخبار اليهود والنصارى وأقاصيص الشيوخ في الجاهلية من الذين يعبدون الله على دين إبراهيم وإسماعيل وخاض في التوحيد وأمر الآخرة وتعبّد ولبس المسوح وحرّم الخمر والزنا والقمار على نفسه، ورأى في الكتب الدينية ما يبشّر ببعثة نبي من العرب فطمع في أن يكون هو النبي المنتظر، وأخذ يدعو الناس إلى الحنيفية دين إبراهيم وإسماعيل ويظهر التألّه طمعا في نزول الوحي عليه، ومع ميله إلى الحنيفية ملّة إبراهيم السمحاء فقد كان لا يقلع عن التردّد على الأديار، يجالس الرهبان ويختلف إلى الكنائس، يحاور القسس ويخبر الناس أن نبيّا يخرج قد أظلّ زمانه (3).
راجع ص 107طبقات الشعراء.
(2) ص 136ج 1آداب اللغة العربية لجورجي زيدان ط 1911، ويقول ابن قتيبة فيه: «وكان قد قرأ الكتب المقدمة» ص 176الشعر والشعراء.
(3) مرّ أمية بيزيد بن عمرو بن نفيل أخي عدي بن كعب، وكان قد طلب الدين في الجاهلية هو ورقة. فقال له أمية: يا باغي الخير هل وجدت؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: أبى علماء الكتاب إلا أنه منّا أو منكم أو من أهل فلسطين (ص 109طبقات الشعراء لابن سلام).(2/151)
ولمّا بعث محمد رسول الله صلوات الله عليه وقام بالدعوة أدرك أمية الحسد وكفر به، وقال: «إنما كنت أرجو أن أكونه»، فنزل قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنََاهُ آيََاتِنََا فَانْسَلَخَ مِنْهََا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطََانُ فَكََانَ مِنَ الْغََاوِينَ} [الأعراف: 175]، ثم أخذ يحرّض على الرسول ويرثي قتل أعدائه في موقعة بدر (1) فنهى عن رواية شعره في ذلك وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سمع شعره في التوحيد يقول: «آمن لسانه وكفر قلبه»، ويقول: «كاد ليسلم» كما روى الإمام مسلم في صحيحه. ولم يطق أمية بعد أن شاهد ذيوع الدعوة وانتشار الإسلام أن يقيم على مقربة منه فذهب بابنيه إلى أقصى اليمن ولكنه عاد إلى الطائف ثانيا بعد هجرة رسول الله إلى المدينة. وبقي بها إلى أن توفي في السنة التاسعة من الهجرة عام 624م، ويروون أنه لمّا مرض مرضته التي مات فيها جعل يقول: «قد دنا أجلي وهذه المرضة منيّتي وأنا أعلم أن الحنيفية حق ولكن الشك يداخلني»، وأنه لمّا دنت وفاته أغمي عليه قليلا ثم أفاق وهو يقول:
[الرجز مجزوء]
لبّيكما لبّيكما ... هأنذا لديكما
لا مال يفديني ولا عشيرة تنجيني، وأغمي عليه ثم أفاق وهو يقول ذلك البيت ويصله بقوله:
لا بريء فأعتذر ... ولا قويّ فأنتصر
وأغمي عليه ثالثة ثم أفاق وهو ينشد البيت المذكور ويصله ببيت آخر بعده هو:
[الرجز]
إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك لا ألمّا (2)
وأقبل على القوم فقال، قد جاءني وقتي فكونوا في أهبتي، واستمر يحدّثهم حتى كان آخر قوله هذه الأبيات: [الخفيف]
كل عيش وإن تطاول دهرا ... منتهى أمره إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
ومن ذلك قوله:
ما ببدر فالعقن ... قل من مرازبة جحاجح
المرازبة: الرؤساء. جحاجح: جمع جحجاح وهو السيد الكريم.
هلّا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولى الممادح
(2) ألم: أرتكب اللمم وهو صغار الذنوب.(2/152)
فاجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر، إن للدهر غولا (1)
وقد تكون هذه القصة من أساطير الرواة.
وبذلك انتهت حياة أمية، ومات ولم يؤمن بدين الإسلام والتوحيد بعد أن كان داعية الطهر والتوحيد وتوفي عام 9هـ وفي كتاب شعراء النصرانية أن وفاته كانت في السنة الثانية من الهجرة.
ألوان من حياته:
1 - كان لأمية ابن عاقّ (2) فأنشد فيه قصيدته: [الطويل]
غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعل بما أحني عليك وتنهل
إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت ... لشكواك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السنّ والغاية التي ... إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي منك هجرا وغلظة ... كأنك أنت المنعم المتفضّل
وسمّيتني باسم المفند رأيه ... وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقل
فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل
وهي نمط جميل من الشعر العالي، وتصوير لما لقي أمية من ابن من أبنائه من جفاء وعقوق.
2 - واتصل أمية أكثر ما اتصل بعبد الله بن جدعان التيمي وهو سيد من سادات قريش، وكان جوادا مضيافا، وكان أمية كثير المدح له، وكان ابن جدعان يعطيه عطاء جزلا، كما كان يفعل هرم مع زهير.
ومن شعره فيه: [الوافر]
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب المهذب والسناء
كل ما اغتال الإنسان فأهلكه، راجع الأغاني ص 127ج 4.
(2) كان لأمية عدّة بنين منهم: ربيعة ووهب والقاسم، وكان القاسم شاعرا.(2/153)
كريم لا يغيّره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء
تباري الريح مكرمة ومجدا ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء
فأرضك كل مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لها سماء
فهل تخفى السماء على بصير ... وهل بالشمس طالعة خفاء؟
ويقول فيه أيضا:
عطاؤك زين لامرىء إن حبوته ... يبذل وما كل العطاء يزين
وليس بشين لامرىء بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
ويقول فيه أيضا حين صنع ابن جدعان الفالوذ ووضع موائده بالأبطح إلى باب المسجد، ونادى الناس فحضروا وكان هذا أول أكلهم له وحضر أمية فقال:
[الوافر]
وما لي لا أحيّيه وعندي ... مواهب يطلعن من النجاد (1)
له داع بمكة مشمعل (2) ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح (3) من الشيزي (4) ملاء ... لباب البرّ يلبّك بالشهاد (5)
إلى آخر هذه الأبيات الطريفة التي تنسب أيضا إلى أبي الصّلت.
هذا وابن جدعان هو عبد الله بن جدعان التيمي. وقد كان من مشاهير الأجواد. وممّن سارت بجوده الأمثال في الأقطار والبلاد. وكان يسمى بحاسي الذهب لأنه كان يشرب في إناء من الذهب. وقالوا في المثل أقرى من حاسي الذهب. وكان من قريش. وفيه قال أبو الصلت الثقفي أو ابنه أمية: [الوافر]
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزي ملاء ... لباب البرّ يلبّك بالشهاد
وكان في ابتداء أمره على ما يروى صعلوكا ترب اليدين. وكان مع ذلك شرّيرا فاتكا لا يزال يجني الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضه عشيرته ونفاه أبوه جمع نجد: ما ارتفع من الأرض.
(2) اشمعل القول في الطلب: إذ بادروا فيه وتفرّقوا.
(3) جمع ردحة: الجفنة العظيمة.
(4) جمع الشيزي: خشب تتّخذ منه القصاع.
(5) جمع شهد وهو العسل.(2/154)
وحلف لا يؤويه أبدا. فخرج في شعاب مكة حائرا ثائرا يتمنى الموت أن ينزل به فرأى شقّا في جبل فظن أن فيه حيّة فتعرّض للشقّ يريد أن يكون فيه ما يقتله فيستريح فلم ير شيئا فدخل فيه، فإذا فيه ثعبان عظيم له عينان تقدّان كالسّراجين، وإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت، فإذا جثث طوال على سرر لم ير مثلهم طولا وعظما، وعند رؤوسهم لوح من فضة تاريخهم وإذا هم رجال من ملوك جرهم وآخرهم موتا الحارث بن مضاض. وإذا عليهم ثياب من وشي لا يمسّ منها شيء إلا انتثر كالهباء من طول الزمان مكتوب في اللوح عظات. وإذا في وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة والزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علّم على الشقّ بعلامة، وأغلق بابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي خرج منه يسترضيه ويستعطفه ووصل عشيرته كلهم فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز، ويطعم الناس ويفعل المعروف وفي القاموس:
وربما كان يحضر النبي صلى الله عليه وسلم طعامه. وكانت له جفنة يأكل منها القائم والراكب لعظمها. بل كانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير، وسقط فيها صبي فغرق ومات. وعبد الله بن جدعان تيمي يكنّى أبا زهير، وهو ابن عمّ عائشة رضي الله تعالى عنها. ولذلك قالت يا رسول الله إن ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف ويفعل المعروف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم لا إنه لم يقل يوما ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين وكان ابن جدعان ممّن حرّم الخمر في الجاهلية بعد أن كان بها مغرى وذلك أنه سكر ليلة فصار يمدّ يديه ويقبض على ضوء القمر ليأخذه، فضحك منه جلساؤه فأخبر بذلك حين صحا فحلف أن لا يشربها أبدا فلما كبر وهرم أراد بنو تميم أن يمنعوه من تبذير ماله ولاموه في العطاء فكان يدعو الرجل فإذا دنى منه لطمه لطمة خفيفة ثم يقول له: قم فانشد لطمتك واطلب ديتك فإذا فعل ذلك أعطته بنو تميم من مال ابن جدعان.
2
شعر أميّة
أهم الدراسات عن أمية وشعره:
1 - كتب عن أمية ابن سلام في طبقات الشعراء (1)، وابن قتيبة الشعر ص 107وما بعدها من طبقات الشعراء طبع صبيح.(2/155)
والشعراء (1)، وذكره الأغاني (2)، والمرزباني (3)، والدميري (4)، وصاحب خزانة الأدب (5)، وابن رشيق في العمدة.
وترجم له صاحب شعراء النصرانية (6)، وجورجي زيدان (7)، وصاحب كتاب الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي (8). وترجم له السباعي بيومي (9)، والزيات (10)، وأصحاب الوسيط (11).
وعدّه صاحب الجمهرة من أصحاب المجمهرات وهي سبع قصائد تلي المعلقات في المنزلة الأدبية وروى مجمهرته: [الوافر]
عرفت الدار قد أقوت سنينا ... لزينب إذ تحلّ بها قطينا
وألّف أحد أساتذة كلية اللغة العربية رسالة فيه وفي حياته وشعره وهي مخطوطة بمكتبة الكلية.
وطبع ديوانه المستشرق الألماني «فريدرك شولتهيس» عام 1911معتمدا على عدة مصادر، منها شرح محمد بن حبيب العالم الراوية م 245هـ.
وطبع لأميّة ديوان في بيروت عام 1934.
إلى غير ذلك من شتى الدراسات عن أميّة. ويلاحظ أن بعض الباحثين يعدّون أمية جاهليّا، لأنه قد توفي بعد ظهور الإسلام بقليل ولأن أكثر آثاره الشعرية نظم قبل الإسلام، ولبيد جاهلي مع أنه توفي عام 41هـ لأنه لم ينظم في الإسلام شيئا.
وبعضهم يجعله من المخضرمين، لأنه توفي بعد الهجرة ورثى من قتل في بدر من المشركين.
ص 176و 177الشعر والشعراء نشر السقا.
(2) ص 186ج 3، ص 3ج 8، وص 71ج 16.
(3) ص 78الموشح ط 1343.
(4) ص 104ج 2.
(5) ص 119ج 1.
(6) ص 219من القسم الثاني ط 1922بيروت.
(7) ص 136و 137ج 1آداب اللغة العربية.
(8) ص 367349ط 1936.
(9) ص 8681تراجم شعراء جاهليين للسباعي بيومي ط 1936.
(10) ص 73من الأدب العربي للزيّات ط 1935.
(11) ص 89وما بعدها من الوسيط ط 1925.(2/156)
3
مكانته في الشعر وآراء النقّاد فيه:
1 - قال أبو عبيدة: اتفقت العرب على أن أشعر أهل المدن أهل يثرب، ثم عبد القيس (سكان البحرين)، ثم ثقيف والطائف وإن أشعر ثقيف أمية.
2 - وذكره ابن سلام في شعراء الطائف حين تكلم على شعراء القرى وقال:
وأمية أشعر أهل الطائف.
3 - وكان الكميت يقول: أمية أشعر الناس قال كما قلنا ولم نقل كما قال.
4 - وقال الأصمعي كما في الأغاني: ذهب أمية بعامّة ذكر الآخرة وذهب عنترة بعامّة ذكر الحروب وذهب عمر بعامّة ذكر الشباب وكان أبو عبيدة والأصمعي يقولان: عديّ في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها وكذلك أمية (1).
5 - وجعله صاحب كتاب شعراء النصرانية من شعراء الطبقة الثانية وذكر ما نصه: وقيل إنه من الطبقة الأولى، وهذا مبالغة شديدة منه.
4
أسباب شاعريته:
هناك أسباب كثيرة كوّنت شاعريّة أمية وأثرت فيها منها:
1 - عصره وبيئته: فقد كان العصر الجاهلي وكانت البيئة العربية عامّة والطائف خاصّة من بيئات الشعر والأدب والبلاغة والبيان، وجوّ الطائف وجمالها وكثرة خيراتها ومزارعها واستقرار الحياة فيها، كل ذلك كان له أثره في شاعريّة الشاعر ولا ريب.
2 - وراثته الشعر عن أسرته: فقد كان أمية من أسرة شاعرة، واشتهر أبوه بالشعر وامتدت تلك المواهب الفنيّة فتوارثها أبناء أمية، وكان ابنه القاسم شاعرا وينسب إليه وإلى أبيه: [الكامل]
قوم إذا نزل الغريب بدارهم ... ردّوه ربّ صواهل وقيان
وإذا دعوتهم لكل ملمّة ... سدّوا شعاع الشمس بالفرسان
ص 17ج 2الأغاني.(2/157)
إلى آخر هذه الأبيات.
3 - ثقافته ورحلاته: فقد ألمّ أميّة بثقافات واسعة واختلط بالحياة والناس والعناصر في رحلاته التجارية إلى اليمن والشام، مما كان له أثره في شعره وشاعريته.
4 - فطرته على حبّ التديّن فقد دفعه ذلك إلى مخالطة رجال الأديان والتحدّث إليهم والتأثّر بعظاتهم، مما جعل قلبه رقيق العاطفة والشعور، وهما أساس الأدب والشعر ومما جعله يلوّن شعره بهذا الروح الديني القوي الغلّاب.
5 - اختلاطه بالحياة الأدبية وبالشعراء في الطائف ومكة وسائر بلاد الجزيرة العربية شابّا ورجلا وكهلا، مما جعل الشعر أقرب إلى قلبه وروحه من أيّ شيء سواه.
إلى غير ذلك من بواعث الشعر وأسبابه في نفس أمية.
إن شعر أمية جدير بأوفر عناية وأدقّ درس، لأنه وقد ذكر ما ذكر من أنباء الرسل وأمور الآخرة لا يعدو واحدة من اثنتين إما أن يكون قد قيل قبل نزول القرآن أو بعد بدء نزوله وفي أثنائه، فإن كانت الأولى فهو وثيقة فريدة في الدلالة على ما عرف بعض العرب لذلك العهد من تلك الشؤون وإن كانت الثانية فقد أراد به صاحبه لا محالة معارضة القرآن فانقطع وتخلّف ولم يستطع الكفّار أن يشغبوا به.
وهذه أبيات من شعره تدلّ على طريقته، والأرجح أن نسبتها إليه صحيحة فإنها من قصيدة استشهد سيبويه ببيت منها وعني بروايتها شرّاح كتابه، وقلّ أن يجوز عليهم غير صحيح.
قال أميّة يذكر إرسال موسى وهارون إلى فرعون وفي الأبيات روح التأثّر بالقرآن: [الطويل]
وأنت الذي فضل من سيب ونعمة ... بعثت إلى موسى رسولا مناديا
فقال أعنّي بابن أمي فإنني ... كثير به، يا رب صل لي جناحيا
وقلت لهارون اذهبا فتظاهرا ... على المرء فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له هل أنت سوّيت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له هل أنت رفعت هذه ... بلا عمد أرفق إذن بك بانيا
وقولا له هل أنت سوّيت وسطها ... منيرا إذا ما جنّه الليل ساريا
وقولا له من أخرج الشمس بكرة ... فأصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا
وقولا له من أنبت الحبّ في الثّرى ... فأصبح منه البقل يهتزّ رابيا
فأصبح منه حبه في رؤوسه ... ففي ذاك آيات لمن كان واعيا(2/158)
وأنت الذي فضل من سيب ونعمة ... بعثت إلى موسى رسولا مناديا
فقال أعنّي بابن أمي فإنني ... كثير به، يا رب صل لي جناحيا
وقلت لهارون اذهبا فتظاهرا ... على المرء فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له هل أنت سوّيت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له هل أنت رفعت هذه ... بلا عمد أرفق إذن بك بانيا
وقولا له هل أنت سوّيت وسطها ... منيرا إذا ما جنّه الليل ساريا
وقولا له من أخرج الشمس بكرة ... فأصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا
وقولا له من أنبت الحبّ في الثّرى ... فأصبح منه البقل يهتزّ رابيا
فأصبح منه حبه في رؤوسه ... ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
5
خصائص شعره:
أولا: من حيث الأسلوب والألفاظ:
يعدّ أمية من أكبر شعراء القرى العربية على قلّة الشعر فيهم، غير أن الذي أزرى بشعره في نظر بعض النقّاد حتى أسقطوا الاحتجاج به كثرة استعماله للتدخيل من العبرية والسريانية في شعره، كما أنكروا عليه حق التعريب لشدّة مخالطته للأعاجم وإن كان عربيّا صريحا كما أنكروه على عديّ لإدخاله الكثير من ألفاظ الفرس في شعره.
قال ابن قتيبة: «وأتى بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب وكان يأخذها من الكتب: منها قوله: «وخان أمانة الديك الغراب»، ومنها قوله: «قمر وساهور يسيل ويغمد» وزعم أهل الكتاب أن الساهور غلاف القمر يدخل فيه إذا انكسف. وعلماؤنا لا يرون شعره حجة» (1) وكان أمية يسمّي الله في بعض أشعاره «السلطيط» وفي بعضها «التغرور»، وربما اقتبسهما من الحبشية (2) أو صاغهما على صيغ تلك اللغة، فالأحباش يسمّون الله في اللغة الأمحرية «أغزابهم» فلعلها كانت قبلا أقرب إلى «التغرور».
ومهما كان فإن في أساليب أمية بل وفي معانيه أشياء لم تكن العرب تعرفها، ولا شك أنه قرأها في بعض الكتب فأدخلها في شعره، وكان أمية يسمّي السماء صاقورة وحاقورة. وكان قلق اللفظ سخيف النسج نابي القافية.
كلّ هذا إنما كان في شعر أمية الديني. أما شعره الغير الديني فأرى عليه طلاقة الأسلوب وسهولة اللفظ وعذوبة العبارة وحلاوتها ورقّتها وطلاوة البيان. كما في مدائحه لابن جدعان وقصيدته في ابنه وسواهما.
ثانيا: من حيث المعاني والأخيلة:
انصرفت قريحة أمية إلى المعاني الدينية فاشتهر بها أمره، واصطبغ بها شعره.
فوصف الله عزّ وجل وذكر الحشر والحساب والجنة والنار والملائكة كما ذكر خلق ص 176و 177الشعر والشعراء.
(2) ص 136جورجي زيدان آداب اللغة العربية ط 1911.(2/159)
الأرض والسموات. قال ابن سلام: «وكان أمية كثير العجائب في شعره، يذكر فيه خلق السموات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء» (1).
ونظم حوادث التوراة كخراب سدوم وقصة إسحق وإبراهيم وأدخل في الشعر معاني لم يألفها الشعراء، ولم يعرفها العرب، فكان مذهب أمية في شعره غير معهود في عصره وكان سببا في أن ينحله العلماء ما جاء على شاكلة تلك المعاني من الشعر ولم يعرفوا قائله مما كان له أثره في عدم عناية الأدباء والرّواة والنقّاد بشعره وإهمالهم له. ويقول الحجاج: «ذهب قوم يعرفون شعر أمية وكذلك اندراس الكلام».
وذكر كثيرا من العجائب والقصص الخيالية والأساطير الخرافية وخلق العالم وفنائه وأحوال الآخرة وصفات الخالق والخشوع له، مما يتخلله شيء من الحكم والأمثال (2).
ولا شك أن شعر أمية الذي لم يصطبغ بصبغته الدينية يخلو من هذه السّمات ويسير الشاعر فيه على نهج الشعراء الجاهليين: من صدق المعنى وبساطته وسذاجته، مع تلوّن الثقافة فيه إلى حدّ ما، لثقافة أميّة الواسعة، ومع البعد عن الخيال الكاذب والمبالغة المفرطة فيه.
ويأخذ في شعره الكوني والديني من أساليب ومعاني وروح القرآن الكريم كما في قوله من قصيدة: [الخفيف]
عند ذي العرش يعرضون عليه ... يعلم الجهل والكلام الخفيّا
يوم نأتيه وهو ربّ رحيم ... إنه كان وعده مأتيا
ص 108طبقات الشعراء لابن سلام.
(2) قال أمية من حكمة: [الخفيف]
ربما تكره النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقاد
[المنسرح]
يوشك من فرّ من منيته ... في بعض غراته يوافقها
[الوافر]
فكل معمّر لا بدّ يوما ... وذي دنيا يصير إلى زوال
ومن معانيه المخترعة قوله: [الوافر]
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء
يوم نأتيه مثل ما قال فردا ... لم يذر فيه راشدا وغويا
أسعيد سعادة أنا أرجو ... أم مهان بما كسبت شقيا
ربّ كلا حتمته وارد النا ... ر كتابا حتمته مقضيّا
إذ لا يتأتّى أن يحمل ذلك على المصادفة والاتفاق، ولا على أنه أخذه مما قرأ من الكتب.(2/160)
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء
يوم نأتيه مثل ما قال فردا ... لم يذر فيه راشدا وغويا
أسعيد سعادة أنا أرجو ... أم مهان بما كسبت شقيا
ربّ كلا حتمته وارد النا ... ر كتابا حتمته مقضيّا
إذ لا يتأتّى أن يحمل ذلك على المصادفة والاتفاق، ولا على أنه أخذه مما قرأ من الكتب.
ولا شك أن ثقافة أميّة الواسعة جعلته يستمد معانيه وأفكاره وأخيلته من كثير من الثقافات والمصادر.
ثالثا: من حيث أغراض الشعر وفنونه:
ويمكننا أن نقسم شعر أمية إلى قسمين:
أشعره في غير الدين:
وقد نحا أمية فيه منحى الشعراء في الأغراض والمعاني والأسلوب:
1 - فنظمه في المديح، كما في مدائحه السابقة لابن جدعان التي يظهر عليها روح الشاعرية ومواهبها العالية القوية الأخّاذة المندفقة.
2 - ونظمه في الرثاء، ومن ذلك قصائد له كثيرة، منها قوله يرثي زمعة بن الأسود وأخاه عقيلا من بني أسد: [الخفيف]
عين بكي بالمسبلات (1) أبا الحا ... رث لا تذخري (2) على زمعه
وعقيل بن أسود أسد البأ ... س ليوم الهياج (3) والدقعة (4)
فعلى مثل هلكهم خوت الجو ... زاء (5) لا خانة ولا خدعه
وهم الأسرة (6) الوسيطة (7) من كع ... ب وفيهم كذروة (8) القمعه (9)
أنبتوا من معاسر سعر الرأ ... س وهم ألحقوهم المنعه
فبنو عمهم إذا حضر البأ ... س عليهم أكبادهم وجعه
وهم المطمعون إذا أقحط القط ... ر، وحالت فلا ترى قزعه (10)
الدموع السائلة.
(2) أي لا تبقي.
(3) الحرب.
(4) الحرب حيث يثور التراب من الدقعاء وهو التراب.
(5) نجم معروف.
(6) أسرة الرجل: رهطه.
(7) الشريفة.
(8) الذروة: أعلى السنام.
(9) السنام.
(10) السحاب المتفرق.
وقال يرثي قتلى بدر وفيهم عتبة وشيبة ابنا خاله: [مجزوء الكامل](2/161)
وقال يرثي قتلى بدر وفيهم عتبة وشيبة ابنا خاله: [مجزوء الكامل]
ألا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولى الممادح
كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك (1) في الغصن الجوانح (2)
يبكين حرى (3) مستكي ... نات (4) يرحن مع الروائح
مثالهن الباكيا ... ت المعولات (5) من النوائح
من يبكهم يبكي على ... حزن ويصدق كل مادح
أو لا ترون لما أرى ... ولقد أبان لكل لامح
أن قد تغيّر بطن مك ... ة فهي موحشة الأباطح
من كل بطريق (6) لبط ... ريق نفي اللون واضح
ومن السراطمة (7) الخلا ... جمة (8) الملاوثة (9) المناجح (10)
القائلين الفاعل ... ين الآمرين بكل صالح
المطعمين الشحم فو ... ق الخبز شحما كالأنافح (11)
لكرامهم فوق الكرا ... م مزية وزن الرواجح
كتثاقل الأرطال بال ... قسطاس في الأيدي النوافح (12)
خذلتهم فئة وهم ... يحمون عورات الفضائح
ولقد عناني صوتهم ... من بين مستسق وصائح
لله درّ بني على ... أيم (13) منهم وناكح
إن لم تغيروا غارة (م) شعواء تجحر (14) كل نابح
بالمقربات المبعدا ... ت (15) الطامحات (16) مع الطوامح
الشجر الملتفّ.
(2) جمع جانحة وهي المائلة.
(3) يريد أنهنّ يجدن في أجوافهنّ حرارة من الحزن.
(4) ذليلات.
(5) الرافعات أصواتهنّ بالبكاء.
(6) رئيس الروم.
(7) جمع سرطم: الكامل الخلقة القوي البالغ الواسع الحلق.
(8) جمع خلجم: الضخم الطويل.
(9) جمع ملواث: السيد.
(10) الذين ينحون في سعيهم.
(11) جمع إنفحة وهي شيء يخرج من بطن ذي الكرش داخله أصفر، شبّه به الشحم.
(12) يروى الموائح وهي التي تتهادى بينها لثقل ما تحمله، جمع مائحة.
(13) الأيم: الذي لم يتزوج.
(14) تجحره: تدخله الجحر.
(15) الخيل التي تبعد في جريها.
(16) التي ترفع رأسها.(2/162)
3 - الفخر: كانت مادة الفخر أمام أمية كثيرة لمجد بيت أبيه من ثقيف وبيت أمه من عبد شمس، وكان قوله فيه فائقا بالغا وإن كان مقلّا ولعل إقلاله في هذا الباب ناشىء كما يقول السباعي بيومي من ميله إلى الناحية الدينية التي تزهد الإنسان في مفاخر هذه الحياة، ولذا يغلب أن تكون مجمهرته في الفخر قد قيلت قبل أن يتوغل في الورع والتديّن، وهي حافلة بما له ولقومه من مكانة. وعلاء وقد جاءت متفقة مع معلقة ابن أم كلثوم وزنا ورويّا ومتّحدة معها في كثير من المعاني والأساليب لما في طبع أمية من ميل إلى السهل النازع إليه عمرو دون غيره من رجال المعلقات، ومنها:
[الوافر]
فإما تسألي عني لبيني ... وعن نسبي أخبرك اليقينا
ثقي أني النبيه أبا وأمّا ... وأجداد سموا في الأقدمينا
ورثنا المجد عن كبرى نزار ... فأورثنا مآثرنا البنينا
وأرصدنا لريب الدهر جردا ... تكون متونها حصنا حصينا
وسيأتي تحليل لها.
4 - ونظم الشعر في الوصف المعنوي لا الحسّي كما في قصيدته في عقوق ابنه وهو بذلك يخالف جميع شعراء الجاهلية الذين عنوا بمظاهر الصحراء الحسيّة ووصفها، أما الوصف الحسّي فليس له وجود في شعر أمية الذي نظمه في غير الكونيات وشؤون الدين ولكنه كثير جدّا في شعره الديني وإن كان هذا الوصف الحسّي لا يتناول الصحراء ومشاهدها وإنما يتناول الكون والسماء والأرض ووصف الحياة نفسها.
ب شعره الديني:
وهو كثير ويغلب على شعر أمية وقد نظمه في أغراض كثيرة منها:
1 - القصص كما في وصفه لسفينة نوح وأسطورة تطويق الحمامة التي دلّت أصحاب السفينة على الأرض اليابسة فأعطوها هذا الطوق وكما في قصيدته في ذكر إبراهيم ونذره ولده لله وما كان من حديث الذبح وكما في ذكره لقصة مريم وذكره لخراب سدوم وهي مدينة لوط وما وقع له مع قومه. وكما في قصيدته في غارة الأحباش على الكعبة وإشارته إلى قصة الفيل، وكما في كلامه عن قنزعة الهدهد وخرافة الديك والغراب وصداقتهما القديمة وقصة ثمود ورسالة موسى وهارون، إلى غير ذلك من قصصه وأساطيره.(2/163)
2 - شعره في الكونيات وهو كثير كوصفه للكون وخلقه، وللجنّة والنار والملائكة، وسوى ذلك من نواحي هذا الفن.
3 - شعره في توحيد الله وهو كثير جدّا في شعره.
ويظهر في شعر أمية الديني الضعف الفنّي لصعوبة الكلام في أمور الدين ولأنه كان يعارض القرآن في بعض معانيه فعجز وضعف وخذي.
6
نماذج من شعر أمية
1 - قال في سفينة نوح وخرافة تطويق الحمامة إذ دلّت من فيها على اليابسة:
[الوافر]
وأرسلت الحمامة بعد سبع ... نزل (1) على المهالك لا تهاب
فجاءت بعدما ركضت (2) بقطف (3) ... عليه الثأط والطين الكثاب (4)
فلما فتشوا الآيات صاغوا ... لها طوقا كما عقد السخاب (5)
إذا ماتت تورثه بنيها ... وإن تقتل فليس له استلاب
جزى الله الأجل المرء نوحا ... جزاء البرّ ليس له كذاب
بما حملت سفينته وأنجت ... غداة أتاهم الموت الغلاب (6)
وفيها من أرومته عيال ... لديه لا الظماء ولا السغاب
2 - وقال في نذر إبراهيم ولده وإرسال الله بالفداء حين همّ بالذبح واستسلم الذبيح: [الخفيف]
وإبراهيم الموفّي بالنذر ... احتسابا (7) وحامل الأجزال (8)
بكره لم يكن ليصبر عنه ... أو يراه في معشر أقتال
يروى تدل وهو غير مناسب.
(2) طارت.
(3) القطف بالكسر: العنقود والثمار المقطوفة.
(4) الثأط: الحمأة وهي الطين الأسود. الكثاب كغراب: الكثير.
(5) السخاب ككتاب: عقد من قرنفل ونحوه ليس فيه جوهر.
(6) الغلاب كغراب: داء للقلب.
(7) احتسب بكذا أجرا عند الله، اعتدّه ينوي به وجه الله.
(8) جمع جزل: الحطب اليابس.(2/164)
أبني إني نذرتك لله ... شحيطا (1) فاصبر فدى لك خالي (2)
فأجاب الغلام أن قال فيه ... كل شيء لله غير انتحال
أبتي إنني جزيتك بالله ... تقيّا به على كل حال
فاقض ما قد نذرته لك واكفف ... عن دمي أن يمسّه سربالي
واشدد الصفد (3) أن أحيد عن ال ... سكين حيد الأسير ذي الأغلال
بينما يخلع السرابيل عنه ... فكّه ربّه بكبش جلال
قال خذه وأرسل ابنك إني ... للذي فعلتم غير قالي
ربما تجرع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال
3 - وقال في خراب سدوم مدينة قوم لوط: [الخفيف]
ثم لوط أخو سدوم أتاها ... إذ أتاها برشدها وهداها
راودوه عن ضيفه ثم قالوا ... قد نهيناك أن تقيم قراها (4)
عرض الشيخ عن ذاك بنات ... كظاء بأجرع مرعاها
غضب القوم عند ذاك وقالوا: ... أيها الشيخ خطبة تأباها
أجمع القوم أمرهم وعجوز ... خيّب الله سعيها ورجاها
أرسل الله عند ذاك عذابا ... جعل الأرض سفلها أعلاها
ورماها بحاصب (5) ثم طين ... ذي حروف مسمّم إذ رماها
ويروى مسوّم أي معلّم.
4 - وقال في قصة مريم: [الطويل]
وفي دينكم من رب مريم آية ... منبئة بالعبد عيسى ابن مريم
تدلّ عليها بعدما نام أهلها ... رسول فلم يحصر (6) ولم يترمرم (7)
فقال ألا لا تجزعي وتكذبي ... ملائكة من ربّ عاد وجرهم
أنيبي وأعطي ما سئلت فإنني ... رسول من الرحمن يأتيك بابنم
فقالت له أنّى يكون ولم أكن ... بغيا ولا حبلى ولا ذات قيم
ذبيحا.
(2) ويروى حال وهو غير مناسب.
(3) القيد والوثاق.
(4) القرى: إكرام الضيف.
(5) ريح تحمل التراب.
(6) من الحصر وهو العيّ في المنطق.
(7) ترمرم فلان: تحرّك للكلام ولم يتكلم.(2/165)
فسبح ثم اغترّها (1) فالتقت به ... غلاما سوى الخلق ليس بتوأم (2)
فقال لها إني من الله آية ... وعلّمني والله خير معلّم
وأرسلت لم أرسل غويّا (3) ولم أكن ... شقيّا ولم أبعث بفحش ومأثم
5 - وقال في حادثة الفيل وأن الدين الحق هو حنيفية إبراهيم بعد ذكر شيء من آيات الله: [الخفيف]
إن آيات ربنا باقيات (4) ... ما يماري فيهن إلا الكفور
خلق الليل والنهار فكل ... مستبين حسابه مقدور
ثم يجلو النهار ربّ كريم ... بمهاة (5) شعاعها منشور
حبس الفيل بالمغمس (6) حتى ... ظل يحبو كأنه معقور
لازما حلقة الجران كما قطر ... ر من صخر كبكب محدور
حوله من ملوك كندة أبطا ... ل ملاويث في الحروب صقور
خلفوه ثم انذعروا جميعا ... كلهم عظم ساقه مكسور
كل دين يوم القيامة عن ... د الله إلا دين الحنيفة زور
6 - وقال في إرسال الله إلى فرعون موسى وهارون: [الطويل]
وأنت الذي من فضل من ورحمة ... بعثت إلى موسى رسولا مناديا
فقلت له فاذهب وهارون فادعوا ... إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له هل أنت سوّيت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له هل أنت رفعت هذه ... بلا عمد؟ أرفق إذن بك بانيا
وقولا له هل أنت سوّيت وسطها ... منيرا إذا ما جنّه الليل هاديا؟
وقولا له من يرسل الشمس غدوة ... فيصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا
وقولا له من ينبت الحبّ في الثّرى ... فيصبح منه البقل يهتزّ رابيا؟
وقد مضت برواية أخرى.
اغترّها: تغفلها. وبالعين: أيتغرب عنها ولم يمسّها.
(2) أي ليس مولودا مع غيره في بطن.
(3) من الغواية: الضلال.
(4) ويروى ثاقبات.
(5) الشمس.
(6) موضع بطريق الطائف.(2/166)
7 - وقال في قنزعة الهدهد وأنها مكان حمله أمه في قفاه: [الكامل]
غيم وظلماء وغيث سحابة ... أيام كفن واستراد (1) الهدهد
يبغي الفرار بأمه ليجنها (2) ... فبنى عليها في قفاه بمهد (3)
مهدا وطبا فاستقل بحمله ... في الطير يحملها ولا يتأوّد (4)
فتراه يدلج (5) ماشيا بجنازة ... منها وما اختلف الجديد (6) المسند
إلى غير ذلك من قصصه وأساطيره.
8 - وقال في التوحيد: [البسيط]
الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربي ومسانا
ربّ الحنيفة لم تنفد خزائنه ... مملوءة، طبق الآفاق سلطانا
ألا نبي لنا منّا فيخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس محيانا؟
بينا يرببنا آباؤنا هلكوا ... وبينا نقتني الأولاد أفنانا
وقد علمنا لو أن العلم ينفعنا ... أن سوف يلحق أخرانا بأولانا
9 - وقال في خلق الكون وفناء الخلق وعاقبة الناس مجرمين ومتقين:
[الوافر]
إله العالمين وكل أرض ... وربّ الراسيات مني الجبال
بناها وابنتى سبعا شدادا ... بلا عمد يرين ولا حبال (7)
وسواها وزيّنها بنور ... من الشمس المضيئة والهلال
ومن شهب تلألأ في دجاها ... مراميها (8) أشدّ من النصال (9)
وشقّ الأرض فانبجست (10) عيونا ... وأنهارا من العذب الزلال
وبارك في نواحيها وزكى (11) ... بها ما كان من حرث ومال
فكل معمّر لا بدّ يوما ... وذي دنيا يصبر إلى زوال
ويفنى بعد جدّته ويبلى ... سوى الباقي المقدّس ذي الجلال
من الرود: الطلب.
(2) يجنها: يضعها في الجنن وهو القبر.
(3) يجعل قفاه مهدا لها.
(4) يتلوّى ويتعطّف.
(5) يمشي بحمله مثقلا.
(6) الدائم الجدّة لا يبلى.
(7) في الديوان: رجال.
(8) هي قطع النيران الني تنفصل من الشّهب.
(9) جمع نصل وهو حديدة السهم والرمح والسيف ما لم يكن له مقبض.
(10) تفجرت.
(11) نمى.(2/167)
وسبق المجرمون وهم عراة ... إلى ذات المقامع (1) والنكال (2)
فنادوا ويلنا ويلا طويلا ... وعجّوا (3) في سلاسلها الطّوال
فليسوا ميتين فيستريحوا ... وكلهم بحر النار صالي (4)
وحلّ المتّقون بدار صدق ... وعيش ناعم تحت الظلال
لهم ما يشتهون وما تمنّوا ... من الأفراح فيها والكمال
7
بعض المنحول من شعره:
هذا وقد نحل لأميّة شعر كثير، وينفي الأصمعي عنه القصيدة المنسوبة إليه التي منها:
من لم يمت غبطة يمت هرما ... الموت كأس فالمرء ذائقها
وينسبها لرجل من الخوارج، ونقد قوله: «الموت كأس».
وينسب هذه القصيدة لأمية: الزبير بن بكّار عن شيوخه وعن الحسن البصري أيضا (5).
8
كلمة أخيرة:
وبعد فهذا هو تحليلنا لشعر أمية؟ ومنه يبدو أنه عبقري في بابه، ونسيج وحده في أغراضه الدينية والكونية على الرغم مما فيها من ضعف في الأسلوب والتركيب لغرابة المعاني التي نظمها:
أما أمية في شعره البعيد عن الدين فيكاد يكون قريبا من زهير، وشبيها بالحطيئة وسواه من الشعراء المجيدين.
9
مجمهرة أمية وتحليلها:
1 - وهي قصيدة غير طويلة نظمها أمية في الفخر بقومه وأحسابهم. وتشبه في شاعريتها وموضوعها وروحها ووزنها وقافيتها وخيالها وكثير من معانيها وأساليبها جمع مقمعة وهي خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه.
(2) التعذيب.
(3) صاحوا بصوت عال.
(4) صلي اللحم: شواء.
(5) ص 78الموشح للمرزباني.(2/168)
قصيدة عمرو بن كلثوم أو معلقته: [الوافر]
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
2 - ومطلع المجمهرة:
عرفت الدار قد أقوت (1) سنينا ... لزينب إذ تحلّ بها قطينا (2)
3 - وبعد أبيات في الغزل وذكر الطلول يقول مفتخرا:
فإما تسألي عن لبينى ... وعن نسبي أخبرك اليقينا
ثقي أني النبيه (3) أبا وأمّا ... وأجدادا سمّوا في الأقدمينا
ورثنا المجد عن كبرى نزار ... فأورثنا مآثرنا البنينا
وكنّا حيثما علمت (4) معد ... أقمنا حيث ساروا هاربينا
وتخبرك القبائل من معد ... إذا عدّوا سعاية (5) أولينا
بأنا النازلون بكل ثغر ... وأنا الضاربون إذا لقينا
وإنّا المانعون إذ أردنا ... وإنا المقبلون إذا دعينا
وإنّا الرافعون على معد ... أكفّا في المكارم ما بقينا
نشرّد (6) بالمخافة من أتانا ... ويعطينا المقادة من يلينا
4 - والقصيدة خلو من الروح الديني وقد يكون نظمها في بدء حياته الشعرية وقبل أن يقف نفسه وحياته وشعره على شؤون الدين وذلك يوضّح لنا أسباب احتذائه لعمرو بن كلثوم، فالشاعر في أول حياته في الشعر كثيرا ما يقلّد النابغين من الشعراء ويحتذيهم، وبين القصيدتين موازنة أدبية طويلة في كتابي موقف النقّاد من الشعر الجاهلي.
وأصحاب المجمهرات هم عبيد وعنترة وأمية وعديّ وبشر بن أبي خازم وخداش بن زهير والنمر بن تولب.
أقفرت.
(2) من قطن بالمكان أقام به.
(3) من نبيه ظهر وارتفع.
(4) لبست العلماء وهو الدرع.
(5) المساعي والمفاخر.
(6) من التشريد وهو الطّرد والتفريق.(2/169)
بعض ما أخذ عليه:
1 - أخذ عليه قوله: [الكامل]
والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء مطلع لونها متورّد
تأبى فلا تبدو لنا في رسلها ... إلا ممذبة وإلا تجلد
فما شأن الشمس تجلد.
2 - وأخذ عليه قوله: [الطويل]
له ما رأت عين البصير وفوقه ... سماء الإله فوق سبع سمائيا
فقد خرج عن الاستعمال الفصيح لجمعه سماء على فعائل والقياس جمعها على فعول ولأنه أقرّ الهمزة العارضة في الجمع، مع أن اللام معتلّة وهذا غير معروف، ألا ترى أنهم يقولون خطيئة وخطايا لا خطائي، ولأنه أجرى ياء «سمائي» مجرى الباء في ضوارب ففتحها في موضع الجر والمعروف أن تقول هؤلاء جوار ومررت بجوار فتحذف الياء وتنوّن. وهذه الأوجه ذكرها صاحب الخزانة.
دين أميّة:
لم يكن أميّة وثنيّا وجعله البعض نصرانيّا ومنهم المسعودي، وروى صاحب «الإصابة» أنه مات مسلما ونسبوا إليه شعرا في مدح الرسول. والذي يراه أنه كان متحنفا ويقول: [الخفيف]
كل دين يوم القيامة عند ... الله إلا دين الحنيفة زور
مصادر ثقافته الدينية:
1 - حنيفية وما كانت تمدّه به من آراء في الحياة والإله والكون.
2 - كتب أهل الكتب الدينية التي اطّلع عليها أميّة كما يبدو ذلك بوضوح شعره:
ومنها التوراة والإنجيل.
3 - الأساطير والقصص والذي كان ذائعا في العصر الجاهلي وما تلقفه من أفواه الأحبار والكهّان، وما سمعه من أساطير فارسية.
4 - آراؤه الخاصّة في الدين والوجود.
5 - القرآن الكريم، وهو أهم مصادر ثقافته الدينية.(2/170)
آراء المستشرقين في أمية
وقد أعمى التعصب الديني بعض المستشرقين:
أفذهب المستشرق الفرنسي كليمان هيوار (19271854) إلى أن شعر أمية كان من مصادر القرآن، وأن الرسول ألّف القرآن متأثّرا فيما تأثّر به بثقافات أميّة الدينية في شعره. وهو رأي باعثه التعصّب الممقوت.
ب وذهب المستشرق الألماني (شولتهيس) إلى أن لأميّة منهجا مستقلا. ومن ثم أخذ يوازن بين القرآن وشعر أمية وذهب في خطأ جسيم إلى أن أمية كان أدقّ في كثير من الأحيان في النقل عن الكتب القديمة وأنه كان أعلم وأبعد مدى في الثقافة من محمد وأن المصدر الذي نقل عنه كلّ منهما واحد، وينكر رأي هيوار في أي شعر أمية كان من مصادر القرآن، ويرى أن القرآن كتاب محمد.
وجاء في دائرة المعارف الإسلامية: «أن القصائد والمقطوعات التي وصلت إلينا منسوبة إلى أمية، يمكن قسمتها بحسب موضوعها قسمين كبيرين: أصغرهما يتكوّن من قصائد وأبيات قيلت في مدح أشخاص وبخاصة في مدح رجل من أغنياء مكة هو عبد الله بن جدعان، وهي لا تختلف في جوهرها عن نظائرها عند غيره من شعراء العرب القدماء: أما القسم الأكبر الذي يبدأ بالقصيدة الثالثة والعشرين، فيدلّ دلالة كاملة على النزعة التي يمكن تسميتها بالحنيفية، وأساسها القول بإله واحد هو ربّ العباد، ونرى فيها صورا شبيهة بالوحي عن مقام الله وملائكته، وحكايات عن الخلق وآراء تتعلق بيوم القيامة والجنة والنار، وفيها دعوة إلى عمل الخير، وإشارات إلى عبر أخذ بعضها من أخبار العرب عن عاد وثمود، وبعضها من قصص التوراة عن الطوفان وإبراهيم ولوط وفرعون وابن أبي الصلت مولع إلى جانب هذا بقصّ الحكايات على ألسنة الحيوان. ونلاحظ في شعره أيضا ذكرا للأعمال السحرية» ومن قصته عن إبراهيم: [الخفيف]
ولإبراهيم الموفّي بالنّذر ... احتسابا وحامل الأجزال
بكره لم يكن ليصبر عنه ... أو يراه في معشر أقتال
ومن يقرأ هذه القصة وما شابهها في القرآن الكريم يعلم صحة ما نقول من أن أمية في هذا الباب متكلّف متصنّع، محاك لم يحكم المحاكاة، بل إنه نظام وليس بشاعر، وهذا لا يخليه من بعض أبيات كان له فيها بعض الإجادة في هذا الباب.(2/171)
وقال ابن سلّام فيه: «وكان أميّة كثير العجائب، يذكر في شعره خلق السموات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء». وقال أبو عبيدة: «اتفقت العرب على أن أشعر أهل المدن أهل يثرب، ثم عبد القيس، ثم ثقيف، وأن أشعر ثقيف أمية بن أبي الصلت» وقال الكميت:
«أمية أشعر الناس، قال كما قلنا ولم نقل كما قال». وقال الأصمعي: «ذهب أمية بعامّة ذكر الآخرة، وذهب عنترة بعامّة ذكر الحرب، وذهب عمر بن أبي ربيعة بعامّة ذكر الشباب».
ونقول: تلك آراء العلماء في شعر أمية، ولكن ما بين أيدينا من شعره لا ينزله هذه المنزلة، فلعل كثيرا من شعره الجيد قد ذهب مع الزمان.
وقال أبو الفرج في أغانيه: «كان أمية بن أبي الصلت قد نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبّدا، وكان ممّن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية وحرّم الخمر، وشك في الأوثان، وكان محققا. والتمس الدين، وطمع في النبوّة، لأنه قرأ في الكتب أن نبيّا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: هذا الذي كنت تستريث (1) وتقول فيه فحسده عدو الله وقال إنما كنت أرجو أن أكونه فأنزل الله عزّ وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنََاهُ آيََاتِنََا فَانْسَلَخَ مِنْهََا}
[الأعراف: 175].
وهو الذي يقول: [الخفيف]
كل دين يوم القيامة عند اللّ ... هـ إلا دين الحنيفة زور
فأنت ترى من هذا أنه كان متألها يعبد الله على دين إبراهيم، ويتوقع أن يكون هو صاحب الرسالة الذي بشّرت به الكتب التي عكف عليها بالدرس. فلما لم يكن ما خطّ في سجل القدر موافقا لما وقر في نفسه، غلب جهله على حلمه، وسيطر حسده على فكره، فلم يؤمن بالنبي عليه السلام، ولم ينهل من حياض شريعته، قال ابن قتيبة في طبقات الشعراء: «وكان أمية يخبر أن نبيّا يخرج قد أظلّ زمانه، وكان يؤمّل أن يكون ذلك النبي، فلما بلغه خروج النبي صلى الله عليه وسلم كفر به حسدا». ولمّا بلغه خبر وقعة بدر والذين قتلوا بها من ذوي قرابته قال قصيدته التي يرثي فيها من قتل من قريش تستبطىء.(2/172)
ويحرّضهم على أخذ الثأر: [مجزوء الكامل]
ألا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولى الممادح
كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك في الغصن الجوانح
ثم أخذ يفيض في وصف قتلى بدر حتى لم يدع مكرمة إلا ألصقها بهم إلى أن قال: [مجزوء الكامل]
خذلتهم فئة وهم ... يحمون عورات الفضائح
الضاربين التقدمية ... بالمهندة الصفائح
قال ابن هشام بعد رواية هذه القصيدة: «تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب الرسول». وجاء في دائرة المعارف الإسلامية: «والأخبار مختلفة في موقفه بالنسبة للنبي وللإسلام، ولعلّ الأرجح أنه لم يلق النبي وأبى أن يصدّق بدعوته، يؤيّد هذا ما يتجلّى في قصيدته المذكورة من عطف على قريش». وأيّا ما كان من شأن هذه الروايات فقد اتفقت جميعا على أنه مات كافرا ولم يؤمن بالنبي عليه السلام، روى صاحب الأغاني بسنده قال: لما أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قول أمية: [البسيط]
الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربي ومسانا
ربّ الحنيفة لم تنفد خزائنه ... مملوءة طبق الآفاق سلطانا
ألا نبي لنا منا فيخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا؟
إلى أن قال: [البسيط]
يا رب لا تجعلني كافرا أبدا ... واجعل سريرة قلبي الدهر إيمانا
واخلط به بنيتي واخلط به بشري ... واللحم والدم ما عمرت إنسانا
فقال صلى الله عليه وسلم: «آمن شعره وكفر قلبه». ولولا ما نعرف من غلبة الكذب على كثير من الشعراء لقلنا إن هذه الأبيات منحولة على أمية كما نحل الكثير غيرها ولكنّا قد تعوّدنا من الشعراء غير ذلك، فلا بعد في أن تكون من شعره. ولقائل أن يقول إن هذه القصيدة قيلت قبل مبعث النبي عليه السلام وقد اتفق الرواة كما قدّمنا على أنه كان موحّدا حنيفيّا، فلم نشكّ في نسبتها إليه.
الشنفرى الأزدي
من شعراء العرب وفرسانهم وفتّاكهم، ومن أشهر العدّائين فيهم هو والسليك وعمرو بن بن براق وتأبّط شرّا.(2/173)
ويروى أنه حلف مرة ليقتلنّ من بني سلامان مائة رجل فقتل منهم تسعة وتسعين، فاحتالوا عليه فأمسكوه وكان الذي أمسكه أسير بن جابر أحد العدّائين المشهورين، رصده حتى نزل في مضيق ليشرب الماء فوقف له فأمسكه ليلا ثم قتله، فمرّ رجل منهم بجمجمته فضربها برجله، فدخلت شظية من الجمجمة في عينيه فمات منها، فتمّت القتلى مائة.
ومن أحسن شعر قصيدته «لاميّة العرب»: [الطويل]
أقيموا بني أمي صدور مطيعكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
وعليها شروح كثيرة، وقد طبعها العلّامة سلفستر دي ساسي في كتابه «الأنيس المفيد» ترجمت للفرنسية بقلم العلّامة فرستال، كما ترجمت إلى اللغة النمساوية مرارا.
نماذج من شعر الشنفرى: [الطويل]
أقيموا ابن أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل (1)
فقد حمت الحاجات والليل مقمر ... وشدّ لطيّات مطايا وأرحل (2)
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متعزّل (3)
ولي دونكم أهلون: سيد عملس ... وأرقط ذهلول وعرفاء حيأل (4)
هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جرّ يخذل
وكل أبي باسل غير أنني ... إذا عارضت أولي الطرائد أبسل (5)
وإن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
وما ذاك إلا بسطة عن تفضّل ... عليهم وكان الأفضل المتفضل (6)
وأني كفاني فقد من ليس جازيا ... بحسني ولا في قربه متعلّل
يقال أقام صدر مطيته: إذا جدّ في السير.
(2) حم الشيء: قدر وهيىء. أقمر الليل: أضاء. الطيات: جمع طية بكسر الطاء وهي منيّة، يقال:
مضى لطيته أي لنيّته، ويقال: بعدت عنّا طيّته أي منزله.
(3) المنأى: اسم مكان من نأى أي بعد. القلى: البغض. متعزل: اسم مكان من تغزّل بمعنى اعتزل.
(4) السيد: الذئب. العملس: القوي السريع. الأرقط: أراد به هنا النمر. عرفاء وحبأل: أسماء للضبع، ويقال: لها عرفاء لكثرة شعر رقبتها.
(5) أبيّ: صعب ممتنع. الباسل: الشجاع. الطرائد: جمع طريدة وهي ما طوردت من صيد ونحوه.
(6) البسطة: السّعة. التفضّل: الإنعام.(2/174)
ثلاثة (1) أصحاب: فؤاد مشيع ... وأبيض إصليت وصفراء عيطل
هتوف (2) من الملس المتون يزينها ... رصائع قد نيطت إليها ومحمل
إذا (3) زلّ عنها السهم حنّت كأنها ... مرزأة عجلى ترنّ وتعول
ويصف الشنفرى الذئاب الجائعة في لاميته فيقول: [الطويل]
1 - وأغدو على القوت الزهيد كما غدا ... أزل تهاداه التنائف (4) أطحل
2 - غدا طاويا يعارض الريح هافيا ... نجوت بأذناب الشّعاب وبعسل
3 - فلما لواه القوت من حبت أمه ... دعا فأجابته نظائر نحل
4 - مهللة شيب الوجوه كأنها ... قداح بكفيّ ياسر تتقلقل
5 - أو الخشرم المبعوث حثحثت دبره ... محا بيض أرداهن سام معسل
6 - مهرته فوه كأن شدوقها ... شقوق العصي كالحالات وبسل
7 - فضجّ وضجّت بالبراج كأنها ... وإياه نوح فوق علياء ثكل
8 - وأغضى وأغضت وأقسى وأقست به ... مراميل عزاها وعزته مرمل
9 - شكا وشكت ثم ارعوى بعد وارعوت ... وللصبر إن لم ينفع الشكو أجمل
ومعنى هذه الأبيات:
1 - أن الشاعر قنوع من العيش يغدو على القوت الزهيد كما يغدو الذهب في المفاوز المقفرة. واستطرد إلى وصف هذا الذئب فقال:
2 - إنه غدا طاويا من الجوع يعارض الريح ويجوب أطراف الشّعاب وهو يضرب عده ويهز رأسه.
3 - فلما أخفق سعيه ولم يجد القوت حيث طلبه عوى فأجابته ذئاب أخرى جائعة مثله.
المشيع: الشجاع المقدام كأنه في شيعة من أهله. الأبيض: السيف. الإصليت: المجرد من غمده. الصفراء: القوس. عيطل: قوي.
(2) هتوف: ذات صوت. الملس: جمع ملساء. المتون: جمع متن وهو الصلب. الرصائع: ما يرصّع به من جوهر ونحوه. المحمل: علّاقة السيف.
(3) زل: خرج. حنّت: صوّتت. مرزأة: التي تعتادها الرزايا. عجلى: مسرعة. ترن: تصوّت.
تعول: ترفع صوتها بالبكاء.
(4) التنائف: القفار الواسعة.(2/175)
4 - وهي ضامرة مقوّسة الظهور من الجوع شيب الوجوه كأنها السهام الصغيرة التي يقلبها بكفّيه من يقسم لحم الجذور على ذوي الأنصبة في الميسر.
5 - أو كأنها النحل وقد طار من قفيره، لأن مشتار العسل حرّكه بالعيدان التي يطرد بها النحل ويشتار العسل.
6 - وهذه الذئاب واسعة الشدوق كالحة الوجوه شقوقها كشقوق العصي.
7 - فلما رأى الذهب أنها أجابت عواءه ضجّ وضجّت كأنها وإياه نساء نائحات لفقدهنّ أولادهنّ.
8 - ثم رأى أن لا فائدة في العواء والضجيج فأغضى وأغضت وتصبر وتصبرت وعزّى بعضها بعضا لأنها متساوية في الفاقة.
9 - وشكا بعضها إلى بعض ولمّا رأت أن لا نفع للشكوى نكصت على أعقابها ولسان حالها يقول: الصبر أولى إذا لم تنفع الشكوى.
وقد وصف كثير من الكتّاب ذئاب سيبريا وتجمّعها وتفرّقها إذا تراكمت الثلوج وعضّها الجوع، ولكننا لم نر وصفا أبلغ من هذا الوصف مع ضيق مجال الشعر واتّساع مجال النثر.
لقيط بن يعمر
هو شاعر جاهلي قديم مقلّ، ذكر ابن الشجري أنه كان كاتبا في ديوان كسرى، ولم يكن بيد الناس من شعره في زمن صاحب الأغاني إلا قصيدة كتب بها إلى قومه يحذّرهم ما اعتزمه كسرى من غزوهم وقتالهم، وقطع أخرى لطاف متفرّقة، فإذا صحت رواية ابن الشجري وفي ما قاله أبو الفرج ما يقوّيها وإن لم يصرّح وكان لقيط قد خدم الأكاسرة وكتب لهم فهو أقدم من بلغنا خبره ممّن أتقن الفارسية من العرب وأجدرهم بأن يتأثّر بها شعره.
وليس من المستطاع اليوم وقد ضاع شعر لقيط تعيين ما كان لعلمه بالفارسية واتصاله بخدمة الملوك من أثر فيه، ولكن القصيدة التي بقيت له وانتهت إلينا تتميز من شعر ذلك العهد بأنها نسق واحد لا خلّة فيه ولا وثبة، وأنها لا تبدأ معنى حتى تتمّه وتستوفيه، ولا تنتقل عنه إلى آخر حتى يكون هو الذي أدّى إليه واقتضاه. ولعلّ خير ما يدلّ على مذهب الشاعر ويكشف عن طريقته إثبات أبيات منها تجمع إلى وضوح الدلالة كثيرا من الفائدة.(2/176)
قال لقيط يحذّر قومه عاقبة أمرهم إذا قهرهم الفرس، ويذكرهم بما يحلّ بهم إذا دارت عليهم الدائرة وغلبهم الأجنبي على سلطانهم، ويوصيهم باجتماع الكلمة والتشمير للحرب وتقليد زمامهم من توفّرت فيه خلالها وتمّت له أداتها: [البسيط]
هيهات لا مال من زرع ولا إبل ... يرجى لغابركم إن أنفكم جدعا
لا تلهكم إبل ليست لكم إبلا ... إن العدو بعظم منكم قرعا
لا تثمروا المال للأعداء إنهم ... إن يظفروا يحتووكم والتلاد معا
يا قوم إن لكم من إرث أولكم ... إن ضاع آخره أو ذلّ واتضعا
ماذا يرد عليكم عز أولكم ... مجدا قد أشفقت أن يفنى وينقطعا
فلا تغرّنّكم دنيا ولا طمع ... أن تنعشوا بزماع ذلك الطمعا
يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا ... على نسائكم كسرى وما جمعا
يا قوم بيضتكم لا تفجعن بها ... إني أخاف عليها الأزلم الجذعا
هو العناء الذي تبقى مذلّته ... إن طار طائركم يوما وإن وقعا
هو القتاد الذي يجتثّ أصلكم ... فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا
قوموا قياما على أمشاط أرجلكم ... ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا
وقلّدوا أمركم لله درّكم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عضّ مكروه به خشعا
لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه ... همّ تكاد حشاه تحطّم الضّلعا
مسهد النوم تعنيه أموركم ... تروم منها إلى الأعداء مطّلعا
ما انفكّ يحلب درّ الدهر أشطره ... يكون متّبعا طورا ومتّبعا
وليس يشغله مال يثمره ... عنكم ولا ولد يبغي له الرفعا
قد استمر على شرر مريرته ... مستحكم السّنّ لا قحما ولا ضرعا
أبو دؤاد الأيادي
شاعر قديم كان على خيل المنذر بن النعمان من ملوك الحيرة، أكثر من وصف الخيل في شعره، وأجاد وبرع حتى قال أبو عبيدة إنه أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام وقال ابن الأعرابي: لم يصف أحد قطّ الخيل إلا احتاج إلى أبي دؤاد وقدّمه: الحطيئة وأبو الأسود الدؤلي على جميع الشعراء ومع ذلك كانت الرواة على ما قال الأصمعي لا تروي شعره ولا شعر عديّ بن زيد، لمخالفتهما مذهب الشعراء.
عديّ بن زيد(2/177)
عديّ بن زيد
587480 - م
بيت عديّ:
هو عديّ بن زيد بن حمّاد، ينتهي نسبه إلى مضر، وكان من بيت مشهور بالكتابة والأدب.
هاجر أجداده من اليمامة إلى الحيرة، ونزلوا على أبناء خؤولتهم فيها ثم استقروا بها واتصلوا بملوك الحيرة ونالوا جوائزهم.
وتعلّم جدّه حمّاد الكتابة ونبغ فيها وكان أول من تعلّمها من أسرته، وصار كاتب النعمان الأكبر.
ونشأ والده زيد في رعاية أمه الطائية وأبيه حمّاد ولمّا توفي حمّاد كفله صديق له من كبار تجّار الفرس وقوّادهم فتعلّم زيد العربية وأجاد الكتابة وحذق الفارسية وتولّى وظيفة في دولة كسرى حيث كان يحمله على البريد في حوائجه وصار من المقرّبين في دولته كما كان أثيرا لدى المنذر بن ماء السماء الذي ولّي عرش الحيرة بعد موت النعمان (554505م).
مولده ونشأته:
وولد عديّ ونشأ في هذا المجد والجاه وفي ظلال والده ونفوذه. وتعلّم العربية والكتابة بها في الكتاب بالحيرة كما تعلّم الفارسية والكتابة بها في ديوان كسرى حتى خرج من أفهم الناس وأفصحهم بالعربية ونظم الشعر وتعلّم الفروسية ووصف لكسرى بأنه أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية مع الجمال الفائق والذكاء العجيب والبديهة الحاضرة، فأثبته كسرى في ديوانه وكان أول من كتب بالعربية فيه
بيئته:
في هذه البيئة العامّة وفي الحيرة عاصمة إمارة المناذرة ولد ونشأ عديّ.
وكانت الحيرة إمارة عربية على حدود الجزيرة العربية ومملكة كسرى، وكان أمراؤها خاضعين للنفوذ الفارسي.(2/178)
وكانت الحيرة كذلك ملتقى للثقافة الفارسية والعربية ومنتدى واسعا للأدب والشعر يظلّلها ألوان من الحضارة والتقاليد الفارسية وكانت النصرانية سائدة فيها كما كان أئمة الشعراء يفدون إليها لينعموا بجوائز المناذرة وصلاتهم السّنيّة وكان ممّن قصد إليها النابغة والأعشى وعلقمة وحسّان وسواهم.
كما كان تنقّل عديّ بين البلاد الفارسية سببا في تنوّع ثقافته، وسعة معارفه وتعدّد مشاهده، وكثرة تجاربه، وتباين البيئات التي عاش فيها.
حياته:
انتقل عديّ من الحيرة إلى المدائن حيث كان يعمل كما ذكرنا في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصّة، وهو معجب به، قريب منه، كما أصبح له نفوذه عند أمراء الحيرة، فعلا له بذاك صيت عظيم، وذكر كريم.
وكانت إقامته الغالبة في المدائن عاصمة كسرى فإذا أراد المقام بالحيرة في منزله مع أهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين وكثيرا ما كان ينزل البادية قريبا من الحيرة.
وأرسله كسرى رسولا له إلى امبراطور الدولة الرومانية الشرقية بالقسطنطينية وأكرمه القيصر وطاف به في أرجاء مملكته الواسعة وكان من البلاد التي زارها في هذه الرحلة دمشق ويؤثر له فيها قصيدة قالها وكانت فيما يروى أول شعر نظمه، ومن هذه القصيدة: [الخفيف]
ربّ دار بأسفل الجزع من دو ... مة أشهى إليّ من جيرون (1)
وندامى لا يفرحون بما نا ... لوا ولا يرهبون صرف المنون
وقدم عديّ المدائن على كسرى بهدية قيصر، وبلغه خبر موت والده أثناء رحلته فاستأذن كسرى في زيارة أهله بالحيرة فتلقّاه ملكها في وجوه الناس يعزونه.
وتزوّج عديّ هندا بنت النعمان بن المنذر، وكانت من أجمل نساء أهلها وزمانها، وكان لعديّ فضل في تولّي النعمان عرش الحيرة بعد المنذر، فعظمت منزلة عديّ في دولة المناذرة، وخاصّة أن النعمان ربّي على يد أستاذه عديّ. ثم وشى الوشاة به إلى النعمان فحبسه حتى مات في حبسه.
دومة: قرية من قرى غوطة دمشق، واسم لموضع قريب من الكوفة والحيرة.(2/179)
شخصيته وأخلاقه:
كان عديّ من أجمل الناس، وأشدّهم ظرفا، وأكثرهم أدبا وكان واسع الحيلة كثير الدهاء والذكاء كبير المعرفة والتجربة والخبرة بالحياة والناس، وكان لطيف المعاشرة، قويّ الألفة والوفاء لأصدقائه.
وكان حسن الكلام رائع البيان، ساحر الحديث بادي الفصاحة واللسن.
أما ديانته فيقول مؤلف كتاب «شعراء النصرانية»: إنه كان نصرانيّا وكذلك كان أبوه وأمه وأهله (1)، ويروى أن النعمان ملك الحيرة كان يعبد الأوثان، وأنه خرج يتنزّه بظهر الحيرة ومعه عديّ بن زيد فمرّا على مقابرها فقال له عديّ: أبيت اللعن، أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال: لا قال: إنها تقول: [الهزج]
أيها الركب المخبون ... على الأرض المجدون
فكما أنتم كنّا ... وكما نحن تكونون (2)
فدخلت قلب النعمان الرّقّة وحبّ التديّن، فرجع وتنصّر.
ولست أجد مظهرا لنصرانية عديّ في شعره، فليس فيه ما يوجد في شعر أمية بن أبي الصلت مثلا من أساطير دينية وقصص الأنبياء وما إلى ذلك، وأما الحكمة في شعره فلا تدلّ على نصرانيته، بل قد تدلّ على أنه كان متحنّفا.
ويروى أنه كان له كتاب في تاريخ الروم، أخذ عنه المسعودي (3). وهذا بعيد.
1
شاعريته
كان لوراثات عديّ العربية الأصيلة المطبوعة على البلاغة والبلاغة والبيان والشعر أثر في تنشئته الشعرية، كما كان لفطرته واستعداده الشخصي وثقافته وميله إلى ص 439ج 4شعراء النصرانية.
(2) هذا البيت محرّف الوزن ورواه صاحب الأغاني «كما أنتم» (ص 134ج 2الأغاني طبع دار الكتب) ورواه صاحب شعراء النصرانية: [الهزج]:
كما أنتم كذا كنا ... كما نحن تكونونا
(ص 442ج 4شعراء النصرانية).
(3) ص 195ج 2جورجي زيدان أدب اللغة العربية.(2/180)
التديّن آثار في تنمية ملكاته وإرهاف مشاعره وذوقه وعاطفته ووجدانه، مما يساعد على تكوين ملكات الشعر ومواهبه.
وكانت بيئة الحيرة المتحضّرة ومشاهدها وكثرة رحلاته في البلاد، واتصاله بالملوك وخبرته الواسعة، وذكاؤه العجيب، باعثا على تقوية خياله وكثرة معانيه، وسهولة أساليبه في الشعر.
ولقد سمع عديّ وهو صغير الشعراء في الحيرة ينشدون ملوكها الشعر الجيد والمدائح العالية والقصائد المحبّرة كالنابغة، وحسّان، وعلقمة، والأعشى، والمتلمس وطرفة وسواهم. فغذّى ذلك الجوّ الأدبي شاعريته وأيقظ فطرته الأدبية ونشأه على الشعر ونظمه:
وكانت المنافسات الأدبية، ورغبته الحافزة في التفوق على أقرانه وفي استدامة نفوذه وجاهه الذين كانا له مما يدفعه إلى قوله الشعر والإجادة فيه إلى غير ذلك من بواعث شاعريته وأسبابها.
2
يمتاز شعر عديّ بكثرة المعاني
وويمتاز شعر عديّ بكثرة المعاني وتنوّعها ودقّتها مع الوضوح والصدق ولعلّ هذه الكثرة راجعة إلى أثر حياته وبيئته وثقافته في شعره والحكمة والتجربة الصادقة تشيعان في معانيه.
وخياله خيال غذّي بالحضارة فقلّت صور البادية وأثرها فيه وفي شعره وتكثر فيه الصور العقلية وتقلّ الصور المادية في شعره، ومن ثم اتكأ خياله على العقل والفطنة لا على المحسّات والمشاهدات المادية. وهو مقتصد في تشبيهاته ومجازاته.
ويمتاز أسلوبه بشيوع الرقّة والسهولة، وعدم ظهور الجزالة ووضوحها فيه.
ويرجع ذلك إلى بيئته الحضرية التي عاش فيها وهي بيئة الحيرة، وإلى كثرة إقامته بالمدائن، ورحلاته إلى بلاد الشام وسواها، مما أشاع في شعره السهولة، ولذلك كثر الغناء به، وقد كانت هذه السهولة مدعاة إلى اللين، مما عابه النقّاد عليه، حتى قال ابن سلّام فيه:
«وعديّ كان يسكن الحيرة ويراكز الريف، فلان لسانه، وسهل منطقه، فحمل عليه شيء كثير، وتخليصه شديد، واضطرب فيه خلف، وخلط فيه المفضل
فأكثر» (1). وقال ابن قتيبة: «كان عديّ يسكن بالحيرة ويدخل الأرياف، فثقل لسانه، واحتمل عنه شيء كثير جدّا، وعلماؤنا لا يرون شعره حجّة» (2).(2/181)
«وعديّ كان يسكن الحيرة ويراكز الريف، فلان لسانه، وسهل منطقه، فحمل عليه شيء كثير، وتخليصه شديد، واضطرب فيه خلف، وخلط فيه المفضل
فأكثر» (1). وقال ابن قتيبة: «كان عديّ يسكن بالحيرة ويدخل الأرياف، فثقل لسانه، واحتمل عنه شيء كثير جدّا، وعلماؤنا لا يرون شعره حجّة» (2).
وقد عدّد صاحب الأغاني بعض الألحان التي صنعت في شعره (3).
ونحن لا نوافق النقّاد على مؤاخذة عديّ بهذه الرقّة، وبتلك السهولة، ما دام الشعر غير متكلّف ولا مصنوع ولقد انقضى عصر البداوة في الأسلوب، وأصبحنا الآن نعيش في حياة جديدة لا تخالف حياة أجدادنا الأولين، وهذه الحياة وتلك الحضارة لا ترى في السهولة ما يستحق النقد والعيب.
التاريخ الأدبي لعديّ:
سجّل أبو الفرج صاحب الأغاني حياة عديّ وشعره في الجزء الثاني من كتابه (4): كما جمع الكثير من أخباره وشعره مؤلف كتاب «شعراء النصرانية» في القسم الرابع من الكتاب (5).
وذكره ابن سلام في طبقات الشعراء (6)، وابن قتيبة في الشعر والشعراء (7)، والمرزباني في الموشح (8).
وأخرج بعض المعاصرين بحثا عنوانه «زعامة الشعر الجاهلي بين امرىء القيس وعدي بن زيد» (9).
وقد جمع أبو سعيد السكري وجماعة أخرى شعر عديّ في القرن الثالث الهجري كما ذكره ابن النديم في الفهرست وذلك رواية عن هشام الكلبي وابن الأعرابي والضبي وسواهم.
ألوان من حياة عديّ بن زيد وشعره:
كان نصرانيّا وكذلك أبوه وأمه وأهله، وكان أبوه ممّن حذق الفارسية وأجادها وتوصّل إلى كسرى، فجعله على البريد ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا ص 50طبقات الشعراء لابن سلام.
(2) ص 63الشعر والشعراء.
(3) ص 155146ج 3الأغاني.
(4) ص 15697ج 2الأغاني، طبع دار الكتب.
(5) ص 474439شعراء النصرانية.
(6) ص 50و 51طبقات الشعراء.
(7) ص 6663الشعر والشعراء.
(8) ص 72و 73الموشح.
(9) طبع هذا البحث عام 1934للشيخ الصعيدي.(2/182)
بأولاد المرازبة، ولمّا ولد له عديّ وتحرّك وأيفع طرحه في الكتاب حتى حذق العربية. ثم أسلمه أبوه إلى صديق له من مرازبة الفرس فجعله مع ابنه في كتاب الفارسية فاختلف إليه زمنّا، حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر وتعلّم الرمي بالنشاب ولعب لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها، ووفد المرزبان على كسرى فذكره له وقال إن عندي غلاما من العرب وهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية والملك محتاج إلى مثله، فرغب فيه وجعله في كتاب الديوان وأوفده إلى قيصر فأكرمه وحمله إلى عمّاله على البريد ليريه بسطة سلطانه وعظيم شأنه وأقام عديّ بالمدائن يؤذن له على كسرى في الخاصّة وهو معجب به قريب منه فإذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أهله استأذنه فأقام فيهم الشهر والشهرين وأكثر وأقل. وقد أثّر كلّ هذا في شعر عديّ فلان لسانه وسهل منطقه كما قال ابن سلام، وذهب مذهبا خالف فيه الشعراء كما قال الأصمعي، وكان لمكان الدين منه يتلطف في دعوة النعمان إلى النصرانية حتى نقله من الوثنية إليها، ويتوسّل لذلك بالشعر فيضع من الأبيات ما يجعله حديثا عن المقابر أو غيرها، فإذا خرج للنزهة أو الصيد ومرا بها قال أتدري ما تقول هذه المقابر؟ قال:
لا، قال: فإنها تقول: [الرّمل]
من رآنا فليحدّث نفسه ... أنه موف على قرن زوال
وصروف الدهر لا يبقى لها ... ولمّا تأتي به صمم الجبال
ربّ ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزّلال
والأباريق عليها فدم ... وجياد الخيل تردى في الجلال
عمروا دهرا بعيش حسن ... آمني دهرهم غير عجال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرجال
وكذاك الدهر يودي بالفتى ... في طلاب العيش حالا بعد حال
وقد ظلّت هذه المعاني وأشباهها مما يتصل بالدين تعتلج في صدره وتهجس في نفسه وتصطبغ بها خواطره حتى نفثها في غرر شعره وعيون قصائده التي كتب بها من حبسه إلى النعمان: [المنسرح]
لم أر مثل الفتيان في غ ... ين الأيام ينسون ما عواقبها
ينسون إخوانهم ومصرعهم ... وكيف تعناقهم مخالبها
ماذا ترجى النفوس من طلب ... الخير وحبّ الحياة كاربها
تظن أن ليس يصيبها عنت الد ... هر، وريب المنون صائبها
ويقول عديّ: [الخفيف](2/183)
لم أر مثل الفتيان في غ ... ين الأيام ينسون ما عواقبها
ينسون إخوانهم ومصرعهم ... وكيف تعناقهم مخالبها
ماذا ترجى النفوس من طلب ... الخير وحبّ الحياة كاربها
تظن أن ليس يصيبها عنت الد ... هر، وريب المنون صائبها
ويقول عديّ: [الخفيف]
ليس شيء على المنون بباق ... غير وجه المسبّح الخلّاق
فبرىء صدري من الظلم للرب ... وحنث بمعقد الميثاق
وشاهد ذلك حاضر في مصارع من غبر من الأمم وسلف من الملوك: [الخفيف]
أيها الشامت المعيّر بالد ... هر: أأنت المبرّأ الموفور؟
أم لديك العهد الوثيق من الأ ... يام، بل أنت جاهل مغرور؟
من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير؟
أين كسرى كسرى الملوك أنو شر ... وان أم أين قبله سابور؟
وبنو الأصفر الكرام ملوك ... الروم لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذا بناء وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلّله كلسا ... فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
وتذكر ربّ الخورنق إذا أق ... بل يوما وللهدي تفكير
سرّه ما له وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه فقال: وما غب ... طة حيّ إلى الممات يصير
شعراء النسيب في العصر الجاهلي
وهم كثيرون ومنهم: المرقش الأكبر م 552م، وعبد الله بن العجلان م 566م، ومالك، وعنترة، ومسعود بن خراشة التميمي وقد أدرك الإسلام، ومنظور بن زبان الفزاري.
ولهم شعر رائع وقصائد كثيرة قصروها على الغزل وحده كما في قصيدة المرقش الأكبر: [الوافر]
سرى ليلا خيال من سليمى
وقد يبدو أن النسيب فنّ إسلامي بدأه عمر بن أبي ربيعة وجميل وكثيّر وطبقتهم، والحقيقة أن هؤلاء كانوا يحتذون مثالا لمن تقدّمهم. وما أظن أحدا بلغ من صفة النساء ما بلغ النابغة حين سأله النعمان أن يصف امرأته المتجرّدة، أو ما بلغ المنخل اليشكري والمرار العدوي وسويد بن أبي كاهل وشعر المرقشين الأكبر
والأصغر وعبد الله بن العجلان النهدي وقيس بن الحدادية، ممّن صدقوا الحبّ ونسبوا في لفظ عفيف ومعنى نزيه مشهور معروف، قال المرقش الأكبر:(2/184)
سرى ليلا خيال من سليمى
وقد يبدو أن النسيب فنّ إسلامي بدأه عمر بن أبي ربيعة وجميل وكثيّر وطبقتهم، والحقيقة أن هؤلاء كانوا يحتذون مثالا لمن تقدّمهم. وما أظن أحدا بلغ من صفة النساء ما بلغ النابغة حين سأله النعمان أن يصف امرأته المتجرّدة، أو ما بلغ المنخل اليشكري والمرار العدوي وسويد بن أبي كاهل وشعر المرقشين الأكبر
والأصغر وعبد الله بن العجلان النهدي وقيس بن الحدادية، ممّن صدقوا الحبّ ونسبوا في لفظ عفيف ومعنى نزيه مشهور معروف، قال المرقش الأكبر:
[الوافر]
سرى ليلا خيال من سليمى ... فأرّقني أصحاب هجود
فبتّ أدير أمري كل حال ... وأرقب أهلها وهم بعيد
على أن قد سما طرفي لنار ... يشبّ لها بذي الأرطى وقود
حواليها مهاجم التراقي ... وآرام وغزلان رقود
نواعم لا تعالج بؤس العيش ... أو انس لا تروح ولا ترود
يرحن معا بطاء المشي بدا ... عليهنّ المجاسد والبرود
سكن ببلدة وسكنت أخرى ... وقطعت المواثق والعهود
فما بالي أفي ويخان عهدي ... وما بالي أصاد ولا أصيد
وربّ أسيلة الخدّين بكر ... منعّمة لها فرع وجيد
وذو أشر شتيت النبت عذب ... نقيّ اللون برّاق برود
لهوت بها زمانا من شبابي ... وزارتها النجائب والقصيد
أناس كلما أخلقت وصلا ... عناني منهم وصل جديد
وقال: [الطويل]
نواعم أبكار سرائر بدن ... حسان الوجوه ليّنات السوالف
يهدلن في الآذان كل مذهب ... له زبد يعيان به كل واصف
قصرن شقيّا لا يبالين غيّه ... يعوجن من أعناقها بالمواقف
نشرن حديثا آنسا فوضعنه ... خفيضا فلا يلغى به كل طائف
ولعبد الله بن العجلان: [الطويل]
ألا أبلغا هندا سلامي فإن نأت ... فقلبي مذ شطت بها الدار مدنف
ولم أر هندا بعد موقف ساعة ... بأنعم في أهل الديار تطوف
أنت بين أتراب تمايس إذ مشت ... دبيب القطا أو هن منهن أقطف
أشارت إلينا في خفاء وراعها ... سراة الضحى منّي على الحيّ موقف
وقالت تباعد يا ابن عمّي فإنني ... منّيت بذي صول يغار ويعتف
وقال: [الطويل]
خليليّ زورا قبل شحط النوى هندا ... ولا تأمنا من دار ذي لطف بعدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجة ... أغيّا يلاقي في التعجّل أم رشدا
ومرّا عليها بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجارنا ... ولكننا جرنا لنلقاكم عمدا
وقال قيس بن الحدادية من قصيدة طويلة: [الطويل](2/185)
خليليّ زورا قبل شحط النوى هندا ... ولا تأمنا من دار ذي لطف بعدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجة ... أغيّا يلاقي في التعجّل أم رشدا
ومرّا عليها بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجارنا ... ولكننا جرنا لنلقاكم عمدا
وقال قيس بن الحدادية من قصيدة طويلة: [الطويل]
أجدك إن نعم نأت أنت جازع ... قد اقتربت لو أن ذلك نافع
قد اقتربت لو أن في قرب دارها ... نوالا ولكن كل من ضنّ مانع
وقد جاورتنا في شهور كثيرة ... فما تولت والله راء وسامع
وظني بها حفظ لغيبي ورعية ... لما استرعيت والظن بالغيب واسع
فقالت لقاء بعد حول وحجة ... وشحط النوى إلا لذي العهد قاطع
وقد يلتقي بعد الشتاء أولو النوى ... ويسترجع الحيّ السحاب اللوامع
ومنها:
كأن فؤادي بين شقّين من عصا ... حذار وقوع البين والبين واقع
يحثّ بهم حاد سريع نجاؤه ... ومعرّى عن الساقين واللوب واسع
فقلت لها يا نعم حلّي محلنا ... فإن الهوى يا نعم والعيش جامع
فقالت وعيناها تفيضان عبرة ... بأهلي بيّن لي متى أنت راجع
فقلت لها تالله يدري مسافر ... إذا أضمرته الأرض ما الله صانع؟
فشدّت على فيها اللّثام وأعرضت ... وأمعن بالكحل السحيق المدامع
وإني لعهد الودّ راع وإنني ... بوصلك ما لم يطوني الموت طامع
فنصيب هذا العصر من النسيب كما رأيت أوفر وأجود مما توهّم الأدباء، وهو أصل ينتمي إليه بارع النسيب الإسلامي من قريب (1).
لبيد بن ربيعة
حياته وشعره:
لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة، وهي قبيلة مضرية، وأمه من بني عبس. كان في الجاهلية شريفا جوادا شجاعا شاعرا وقد أدرك الإسلام وأسلم، وعمّر راجع الشعراء العشاق في كتاب تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان ص 144140 ج 1.(2/186)
طويلا حتى مات في خلافة معاوية عام 41هـ. وأكثر شعره قاله قبل الإسلام، فلما أسلم لم يقل إلا قليلا.
وهو شاعر بدوي يصف في شعره حياة بدوية صحراوية ولا سيما في معلقته التي مطلعها: [الكامل]
عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها فرجامها
ويظهر أنه قالها في شبابه وهي تمثّل الشعر البدوي في متانته وقوّته.
وفي شعره بعد ذلك وهو الذي عمله في الكهولة والشيخوخة على ما يظهر أثر الحكمة وقوة الشعور الديني كزهير: مثل قوله: [الطويل]
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعدما هو ساطع
وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بدّ يوما أن ترد الودائع
وما الناس إلا عاملان: فعامل ... يتبر ما يبني، وآخر رافع
وقصيدته التي مطلعها: [الطويل]
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل
وقصيدته: [الرّمل]
إن تقوى ربنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي والعجل
أحمد الله ولا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل
وكان لبيد أحدث أصحاب المعلّقات عصرا وآخرهم موتا.
وشعر لبيد مثال للفخامة والقوة والمتانة والبداوة فتراه فخم العبارة قوي اللفظ قليل الحشو مزدانا بالحكمة العالية والموعظة الحسنة.
ولبيد من أحسن الجاهليين تصرّفا في الرثاء وفخره قوي ينمّ عن شرفه وعزّته ومجده وحسبه العريق. وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد»:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وقد نظم لبيد الشعر في جاهليته وجرى به على سنن الأشراف والفرسان كعنترة وعمرو بن كلثوم فلم يتكسّب بشعره ولذلك ترى فيه ولا سيما معلّقته قوّة الفخر والتحدّث بالفتوّة والنجدة والكرم وإيواء الجار وعزّة القبيلة، ولم ينظم شعرا بعد أن أسلم.(2/187)
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وقد نظم لبيد الشعر في جاهليته وجرى به على سنن الأشراف والفرسان كعنترة وعمرو بن كلثوم فلم يتكسّب بشعره ولذلك ترى فيه ولا سيما معلّقته قوّة الفخر والتحدّث بالفتوّة والنجدة والكرم وإيواء الجار وعزّة القبيلة، ولم ينظم شعرا بعد أن أسلم.
هذا ويقدّم لبيد بعض النقّاد محتجّين بأنه أفضلهم في الجاهلية والإسلام وأقلهم لغوا في شعره، وقالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله لبيدا ما أشعره في قوله: [الكامل]
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
لا ينفعون ولا يرجى خيرهم ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
وكان لبيد جوادا شريفا في الجاهلية والإسلام وقصص جوده كثيرة (1).
ديوان لبيد:
شرحه السكري والشيباني والأصمعي وابن السكيت والطوسي. ولم يصل إلينا من ذلك كله إلا نصف شرح الطوسي في مخطوطة طبعها في فينّا يوسف ضياء الدين الخالدي المقدسي المتوفّى سنة 1880وفيها عشرون قصيدة هي الجزء الثاني من الديوان وقد صدّت بمقدمة عن الديوان والشاعر.
وكذلك عني بالديوان المستشرق هوبر الذي طبعه في ليدن سنة 1981ووضع مقدمة له في حياة لبيد، وأخرجه بإشراف بروكلمان.
ولمعلقة لبيد شروح وقد نشرها دي ساسي وقد ترجمها إلى الفرنسية أيضا.
مصادر حياة لبيد:
ترجم له صاحب الأغاني في الجزء الرابع عشر (2)، وابن قتيبة في الشعر والشعراء (3)، وذكره ابن سلام في طبقات الشعراء (4)، والمرزباني في الموشح (5).
وترجم له صاحب كتاب «تاريخ الأدب العربي في العصر الجاهلي» (6)، والزيّات في كتابه «تاريخ الأدب العربي» (7)، وأصحاب الوسيط والمفصل وسواهم.
راجع ص 38و 39الجمهرة.
(2) ص 39.
(3) ص 88.
(4) ص 42وما بعدها.
(5) ص 71الموشح.
(6) ص 241وما بعدها.
(7) ص 67.(2/188)
وترجم له أيضا في سلسلة الروائع.
معلقة لبيد:
لبيد بن ربيعة العامري من سادة العامريين القيسيين وأشرافهم وكان يقال لأبيه ربيعة المعترين وعمه ملاعب الأسنة عامر بن مالك أخذ أربعين مرباعا في الجاهلية.
كان لبيد من شعراء الجاهلية وفرسانهم وقال الشعر في الجاهلية في كل غرض، وأدرك الإسلام وأسلم وهجر الشعر وأقام بالكوفة إلى أن مات عام 41هـ عن مائة وسبع وخمسين سنة.
«وسئل لبيد من أشعر الناس؟ فقال: الملك الضليل، ثم الشاب القتيل، ثم الشيخ أبو عقيل يعني نفسه» (1). وهو من أصحاب المعلقات، وكان نظم لبيد الجاهلية فخم العبارة منضّد اللفظ قليل الحشو مزدانا بالحكمة العالية، وهو أحسن الجاهليين تصرّفا في الرثاء، وأكثرهم قدرة على تصوير عواطف المفجوع الحزين بلفظ رائق وأسلوب مؤثّر، وقدّمه بعض النقّاد «لأنه أفضل الشعراء في الجاهلية والإسلام، وأقلّهم لغوا في شعره» (2).
ومعلقة لبيد تمتاز بقوة اللفظ ومتانة الأسلوب، وبما فيها من تصوير للبادية والحياة والأخلاق فيها:
أبدأها لبيد بذكر الديار وخلوّها من أصحابها وتعرّضها للرياح والأمطار تعبث بها ويمحوا معالمها. قال: [الكامل]
عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها فرجامها (3)
وجلا السيول عن الطول كأنها ... زبر تجد متونها أقلامها (4)
فوقفت أسألها، وكيف سؤالنا ... صمّا خوالد ما يبين كلامها (5)
ص 297ج 2المزهر. وراجع ص 88الشعر والشعراء.
(2) ص 38الجمهرة وراجع ص 39من الجمهرة أيضا.
(3) عفت: درست. المحال والمقام: موضع الحلول والإقامة. منى: موضع قريب من طخفة.
تأبد: توحش. الغول: ماء معروف لضباب بجوف طخفة به نخل. الرجام: جهال بقارعة الحمى حمى ضرية.
(4) يريد أن السيول كشفت عن الطلول فظهرت كالكتب تجدد ظهورها، والزبر جمع زبور وهو الكتاب.
(5) صم: جمع صماء. خوالد: بواق جمع خالدة. والصم: البواقي هي الأثافي. يبين: يظهر.(2/189)
ثم يصف رحيل أحبابه عنها حتى يقول: [الكامل]
بل ما نذكر من «نوار» وقد نأت ... وتقطعت أسبابها ورمامها (1)
مرية، حلّت بفيد، وجاورت ... أهل الحجاز، فأين منك مرامها (2)
وأخيرا يرى أن لا يتسلّى ويتعزّى حتى يصل إلى رجائه وأمله، ولكن أن يقطع أمله منها ويترك رجاءه فيها ويقطع صلته بها ما دامت نوار قد تغيّر وصلها: [الكامل]
فاقطع لبانة من تعرض وصله ... ولشرّ واصل خلّة صرامها (3)
ب ثم يأخذ في وصف ناقته في لفظ غريب وتعبير بدوي متين، ويطيل في هذا الوصف ويشبّهها بالأتان الوحشية وبالظبية الرؤوم المفجوعة إلى أن يقول:
[الكامل]
فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى ... واجتاب أردية السراب كامها (4)
أقضي اللبانة لا أفرط ربية ... أو أن يلوم بحاجة لوامها (5)
أولم تكن تدري نوار بأنني ... وصاف عقد حبائل جذامها (6)
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها
ج ثم يتحدّث عن نفسه وعزّتها، ولذات الرّاح التي شارك فيها، وشجاعته وبطولته في مواقف النّزال والنضال، وكرمه وسخائه، ونواله للجار الفقير والضيف النازل والجار الغريب وللبائسين والمساكين: [الكامل]
وجزور أيسار دعوت لحتفها ... بمغالق متشابه أعلامها (7)
فالضيف والجار الغريب كأنما ... هبطا تبالة مخصبا أهضامها (8)
نوار: اسم حبيبته. الرمام: جمع رمة وهي القطعة من الحبل البالي يريد أن الوصل تقطعت به الأسباب.
(2) مرية: تنسب إلى مرّة بن عوف. فيد: موضع في طريق مكة. مرامها: منالها.
(3) اللبانة: الحاجة. تعرض: تعير. الخلة: الصداقة.
(4) رقص: ارتفع. اللوامع بالضحى: يعني الآل. اجتاب: لبس أردية، جمع رداء. السراب: ما يتراءى للسائر في الصحراء من شبه الماء مما يكون لازقا بالقيعان. أكامها: جمع أكمة.
(5) اللبانة: الحاجة. لا أفرط: أي لا أترك الريبة الشك والمخافة. أن يلوم: أي أن يلوم.
(6) أي أصل وأقطع وهذا مذهب لا يرتضيه المتيّمون في الحب.
(7) الأبار: الذين يحضرون القسمة ويضربون بالقداح. المغالق: جمع مغلاق، وهو السابع من سهام الميسر. متشابه: أي يشبه بعضه بعضا.
(8) تبالة: قرية في نجد مشهورة بالخصب. أهضام: جمع هضيم، وهي بطون الأرض المطمئنة.(2/190)
تأوي إلى الأطناب كل رزية ... مثل البليّة قالص أهدامها (1)
د ثم يفتخر بقومه ومآثرهم وشرفهم ومجدهم فيقول:
من معشر سنّت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنّة وإمامها
فبنوا لنا بيتا رفيعا سمكه ... فسما إليه كهلها وغلامها
فاقنع بما قسم المليك فإنما ... قسم الخلائق بيننا علّامها
وإذا الأمانة قسمت في معشر ... أوفى بأعظم حظّنا قسامها
فهم السّعاة إذا العشيرة أفظعت ... وهم فوارسها وهم حكّامها
وهم ربيع للمجاور فيهم ... والمرملات إذا تطاول عامها
أعشى قيس
629535 - م
حياته:
1 - صناجة العرب أعشى قيس المعروف بالأعشى الأكبر، وهو أبو بصير ميمون بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد من قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل من ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان.
وقيس بن ثعلبة من أشهر القبائل شاعرية وأكثرهم شعراء، والأعشى هو أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم وكانت العرب تغنّي بشعره وتسمّيه صنّاجة العرب.
ولقّب بالأعشى لضعف في بصره.
2 - والده قيس بن جندل يسمى قتيل الجوع، قال جهنام البكري: [الطويل]
أبوك قتيل الجوع قيس بن جندل ... وخالك عبد من خماعة راضع
يروى أنه دخل غارا يستظلّ به من لفح الحرّ فوقعت صخرة فسدّت الغار فمات جوعا.
الرزية: المرأة التي قد أرزها أهلها أي أهزلها. البلية: ناقة الرجل تعقل عند قبره حتى تموت.
الأطناب: حبال الفساطيط. الأهدام: الخلقان. قالص: قصير مرتفع.(2/191)
وأمه أخت المسيب بن علس الشاعر م 580م من بني خماعة من بني ضبيعة وتزوج امرأة من بني عنزة من هزان ثم طلّقها.
3 - ولد الأعشى بقرية من قرى اليمامة يقال لها منفوحة ونشأ راوية لخاله المسيّب وتتلمذ عليه في الشعر وبدأ حياته شابّا فقيرا ماجنا يلعب القمار ويشرب الخمر ثم سكن الحيرة وتردّد على النصارى فيها يأتيهم ويشرب الخمر معهم، ثم جاب الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها يمدح ملوكها وأمراءها: [البسيط]
قد جبت ما بين بانقيا إلى عدن ... وطال في العجم تردادي وتسياري
ويقول: [المتقارب]
وطوّفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأوريشلم
أتيت النجاشي في داره ... وأرض النبيط وأرض العجم
وكان تطوافه سببا في كثرة معارفه وسعة ثقافته.
اتصل بنصارى نجران وبأهل الحيرة وبشريح بن السموأل اليهودي صاحب تيماء بحصنه «الأبلق» وعدّه بعض الباحثين من النصارى، والظاهر أنه لم يؤمن بدين وأن مسحة العقيدة النصرانية التي قد تبدو على شعره إنما كان منشؤها كثرة تردّده على الحيرة ومعاشرته لأهلها.
وكان يوافي سوق عكاظ وينشد فيه شعره فيحفظ عنه ويغنّي به. ولذلك كانت العرب تضيفه وتهاديه ليمدحها ويطير ذكرها.
قيل إن عبد العزّى المحلق الكلابي كان أبوه من أشراف العرب فمات، وقد أتلف ماله وبقي المحلق وثلاث أخوات له لم يترك لهم إلا ناقة واحدة وحلّتي برود جيدة فأقبل الأعشى في بعض أسفاره يريد منزله باليمامة، فنزل الماء الذي به المحلق فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه فأقبلت عمّة المحلق فقالت يا ابن أخي هذا الأعشى نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلا رفعهم ولم يهج قوما إلا وضعهم، فاحتلّ في زقّ خمر من عند بعض التجّار فأرسل إليه بهذه الناقة والزقّ وبرديّ أبيك، فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البرد ليقولنّ فيك شعرا يرفعك به، قال: ما أملك غير هذه الناقة وأنا أتوقع رسلها، فأخذت عمّته تحضّه، ثم دخل عليها وقال: قد ارتحل الرجل، قالت: الآن والله أحسن ما كان القرى تتبعه ذلك مع غلام أبيك فحيثما أدركه أخبره عنك أنك كنت
غائبا عند نزوله الماء وأنك لمّا وردت فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه، فإن هذا أحسن لموقعه عنده؟ فما زالت به حتى فعل ذلك، فخرج مولاه يتبع الأعشى، فكلما مرّ بماء قيل له: قد ارتحل أمس عنه، حتى صار إلى منزله بمنفوحة، فوجد عنده جماعة من الفتيان قد غداهم بغير لحم وسقاهم، فقرع الباب فقال لهم: انظروا من هذا فدخلوا إليه وقالوا: رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت، وما زالوا به حتى أذن له فدخل وأدّى الرسالة فقال له: أقره السلام وقل: وصلتك رحم سيأتيك ثناؤها، وقام الفتيان فنحروا الجزور وأخذوا يشوون ويأكلون ويشربون من الخمر، فلما شبع الأعشى قال: [الطويل](2/192)
قيل إن عبد العزّى المحلق الكلابي كان أبوه من أشراف العرب فمات، وقد أتلف ماله وبقي المحلق وثلاث أخوات له لم يترك لهم إلا ناقة واحدة وحلّتي برود جيدة فأقبل الأعشى في بعض أسفاره يريد منزله باليمامة، فنزل الماء الذي به المحلق فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه فأقبلت عمّة المحلق فقالت يا ابن أخي هذا الأعشى نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلا رفعهم ولم يهج قوما إلا وضعهم، فاحتلّ في زقّ خمر من عند بعض التجّار فأرسل إليه بهذه الناقة والزقّ وبرديّ أبيك، فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البرد ليقولنّ فيك شعرا يرفعك به، قال: ما أملك غير هذه الناقة وأنا أتوقع رسلها، فأخذت عمّته تحضّه، ثم دخل عليها وقال: قد ارتحل الرجل، قالت: الآن والله أحسن ما كان القرى تتبعه ذلك مع غلام أبيك فحيثما أدركه أخبره عنك أنك كنت
غائبا عند نزوله الماء وأنك لمّا وردت فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه، فإن هذا أحسن لموقعه عنده؟ فما زالت به حتى فعل ذلك، فخرج مولاه يتبع الأعشى، فكلما مرّ بماء قيل له: قد ارتحل أمس عنه، حتى صار إلى منزله بمنفوحة، فوجد عنده جماعة من الفتيان قد غداهم بغير لحم وسقاهم، فقرع الباب فقال لهم: انظروا من هذا فدخلوا إليه وقالوا: رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت، وما زالوا به حتى أذن له فدخل وأدّى الرسالة فقال له: أقره السلام وقل: وصلتك رحم سيأتيك ثناؤها، وقام الفتيان فنحروا الجزور وأخذوا يشوون ويأكلون ويشربون من الخمر، فلما شبع الأعشى قال: [الطويل]
أرقت وما هذا السهاد المؤرّق ... وما بي من سقم وما بي تعشق
فسارت القصيدة وشاعت في العرب، فما أتى على المحلق سنة حتى زوّج إخوته (1) الثلاث كل واحدة على مائة ناقة، فأيسر وشرف.
ويروى أن امرأة كسدت عليها بناتها فأتت الأعشى وسألته أن يشبّب بواحدة فواحدة منهنّ وبعثت له هدايا فما زال يشبّب بواحدة منهنّ واحدة حتى زوّجهنّ جميعا.
4 - وفد الأعشى على كسرى وقصد النعمان بن المنذر وأنشده: [الطويل]
إليك أبيت اللعن كأن كلالها ... تروح مع الليل الطويل وتغتدي
ثم أنشده قصيدته: [المتقارب]
أأزمعت من آل ليلى ابتكارا ... وشطّت على ذي هو أن تزارا
ويقال: إن الأعشى أول من سأل بشعره وانتجع به أقاصي البلاد ورحل به إلى الملوك والأمراء وكان يغنّي بشعره، فكانت العرب تسمّيه صنّاجة العرب وكان بين علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل مفاخرة، وكان الأعشى يمدح عامر بن الطفيل ويهجو علقمة، ومما قال فيه: [السريع]
علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر
فلما بلغ ذلك علقمة نذر دمه وجعل له على كل طريق رصدا، فخرج الأعشى يوما يريد وجها فأخطأ به الدليل فألقاه في ديار عامر، فأخذه رهط علقمة ويروى أنه كان له ثمان بنات عوانس تزوّجن جميعا.
فأتوه به فقال: [المتقارب](2/193)
فأتوه به فقال: [المتقارب]
علقم قد صيّرتني الأمور ... إليك وما أنت لي منقص
فهب لي نفسي فدتك النفوس ... ولا زلت تنمو ولا تنقص
فهمّ علقمة بقتله، ثم دخل إلى أمه، فقال لها: قد أمكنني الله من هذا الأعمى الخبيث، قالت: فما تراك فاعلا به؟ قال: سأقتله شرّ قتلة، فقالت: يا بني قد كنت أرجوك لقومك عامّة وإني اليوم لأرجوك لنفسك خاصة وإنما الرأي أن تكسوه وتحمله وتسيّره إلى بلاده، فإنه لا يمحو عنك ما قاله إلا هو، ففعل ما أمرته به وأحسن صلته فقال الأعشى: [السريع]
علقم يا خير بني عامر ... للضيف والصاحب والزائر
والضاحك السّنّ على همّه ... والغافر العثرة للعاثر
ومدح شريح بن السموأل، والأسود بن المنذر أخا النعمان لأمه وكان من تيم الرباب وهي قبائل من إلياس بن مضر وكان أخوه ولّاه عليهم وقد كان عنده أسرى من بني سعد بن ضبيعة، فأتاه الأعشى ومدحه بقصيدته: [الخفيف]
ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي وما تردّ سؤالي
وسأله أن يطلّقهم ففعل. وهذه القصيدة عند بعض العلماء معدودة من المعلقات وبعضهم يذكر أن معلقته هي قصيدته: [البسيط]
ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل (1)
وبعضهم يجعل معلقته هي مدحته للرسول: [الطويل]
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السليم مسهّدا
وهي قصيدة رائعة (2).
ومدح قيس بن معديكرب الكندي، وسواه.
وقد هجا بها يزيد بن مسهر الشيباني وشبّب فيها بهريرة محبوبته مولاة ابن مرثد وقد طبعت عدة مرات في كتاب الدّرّ المختار الذي جمعه العلّامة سلفستر دي ساسي في باربز.
(2) أوردها ابن هشام في كتاب السيرة وطبعها العلّامة ووستنفيلد المستشرق الألماني سنة 1858 1860في عوتنجن.(2/194)
وقال الأعشى يمدح السموأل، ويستجير بابنه شريح بن السموأل من رجل كلبي كان الأعشى هجاه ثم أغار على قوم كان الأعشى نازلا فيهم، فأسره وهو لا يعرفه، ثم سار حتى نزل بشريح بن السموأل فأحسن ضيافته، ومرّ بالأسرى فناداه الأعشى:
[البسيط]
شريح، لا تسلمني بعد ما علقت ... حبالك اليوم بعد القدّ أظفاري
قد سرت ما بين بلقاء إلى عدن ... وطال في العجم تكراري وتسياري
فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم ... عقدا أبوك بعرف غير إنكار
كالغيث: ما استمطروه جاد وابله ... وفي الشدائد كالمستأسد الضاري
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كسواد الليل جرّار
إذ سامه خطتي خسف فقال له ... قل ما تشاء فإني سامع حار
فقال: غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر. وما فيهما حظّ لمختار
فشك غير طويل ثم قال له: ... اقتل أسيرك، إني مانع جاري
هذا له خلف إن كنت قاتله ... وإن قتلت كريما غير خوّار
وسوف يعقبنيه إن ظفرت به ... ربّ كريم وقوم أهل أطهار
فاختار أدراعه كي لا يسبّ به ... ولم يكن وعده فيها يختار
فجاء شريح الكلبي فقال: «هذا الأسير المنصور» فقال: «هو لك» فأطلقه وقال له الأعشى: «إن تمام إحسانك إلى أن تعطيني ناقة ناجية وتخليني الساعة» فأعطاه ناقة ناجية، فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكلبي أن الذي وهب لشريح هو الأعشى، فأرسل إلى شريح: «ابعث إليّ الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه» فقال: «قد مضى» فأرسل الكلبي في أثره فلم يلحقه.
ولمّا وفد الأعشى (1) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مدحه بقصيدته التي أولها: [الطويل]
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا (2) ... وعاك ما عاد السليم (3) المسهد
وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلّة مهددا (4)
الأغاني ص 125ج 9، سيرة ابن هشام ص 236ج 1.
(2) رجل أرمد: به رمد في عينيه، والكلام على تقدير مضمر محذوف، والتقدير: اغتماض ليلة أرمد، فحذف المضاف وأقيمت ليلة بدله.
(3) السليم: اللديغ.
(4) مهدد: اسم امرأة.(2/195)
وفيها يقول لناقته: [الطويل]
فآليت لا أرثي لها من كلالة (1) ... ولا من حفا (2) حتى تزور محمدا
نبيّ يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا (3)
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم ... تراحي (4) وتلقي من فواضله يدا
فبلغ خبره قريشا قطّ، فرصدوه على طريقه وقالوا: هذا صنّاجة (5) العرب ما مدح أحدا قطّ إلا رفع قدره.
فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت يا أبا بصير؟ قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم. قالوا: إنه ينهاك عن خلال ويحرّمها عليك. قال: وما هي؟ فقال أبو سفيان بن حرب: الزنا. قال: لقد تركني الزنا وتركته. ثم ماذا؟ قالوا: القمار. قال:
لعلّي إن لقيته أن أصيب منه عوضا من القمار. ثم ماذا؟ قالوا: الرّبا. قال: ما دنت ولا أدنت. ثم ماذا؟ قالوا: الخمر. قال: أوه! أرجع إلى صبابة قد بقيت في المهراس (6) فأشربها.
قال له أبو سفيان: هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال: نحن وهو الآن في هدنة، فتأخذ مائة من الإبل، وترجع إلى بلدك سنتك هذه، وتنظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا وإن ظهر علينا أتيته، فقال:
ما أكره ذلك. قال أبو سفيان: يا معشر قريش، هذا الأعشى! والله لئن أتى محمدا وأتبعه ليضرمنّ عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مائة من الإبل ففعلوا، فأخذها وانطلق إلى بلده، فلما كان بقاع منفوحة (7) رمى به بعيره فقتله.
شعر الأعشى:
1 - للأعشى ديوان شعر كبير طبع مرارا، وقد قدّمه كثير من النقّاد محتجّين بكثرة طواله الجياد وتصرّفه في المديح والهجاء وسائر فنون الشعر وقيل: إنه أمدحهم للملوك وأوصفهم للخمر وأغزرهم شعرا وأحسنهم قريضا. وقال عبد الملك بن مروان لمؤدّب أولاده: أدّبهم برواية شعر الأعشى فإن لكلامه عذوبة، الكلالة: التعب.
(2) الحفا: رقد القدم.
(3) أغار: دخل الغور وهو كل ما انحدر مغربا عن تهامة. وأنجد: دخل النجد، وهو سور الغور.
(4) تراحي: تستريحي.
(5) كان الأعشى يسمى صنّاجة العرب، لجودة شعره، وأصل الصنّاجة: اللاعب بالصّنج.
(6) المهراس: حجر منقور يسع كثيرا من الماء.
(7) منفوحة: قرية مشهورة من نواحي اليمامة.(2/196)
قاتله الله ما كان أعذب بحره وأصلب صخره فمن زعم أن أحدا من الشعراء أشعر من الأعشى فليس يعرف الشعر (1).
ومهما كان فهو أحد الأربعة الذين وقع الاتفاق على تقديمهم على من عداهم وهم: امرؤ القيس والنابغة وزهير والأعشى فهو من الطبقة الأولى عند كثير من النقّاد ويروى أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب.
2 - ويمتاز شعره بمعارفه الواسعة وقد أدخل فيه ألفاظا فارسية لإقامته بالحيرة، ووصف سيل العرم والقصر الأبلق.
وأكثر الأعشى من وصف الخمر وما إليها من نديم وساقي وقنية وعود وأطال في ذلك حتى عدّ إمام الأخطل وأبي نواس.
3 - وعلى أيّ حال فعلى شعره رونق الحسن وطلاوة الأسلوب والبراعة في وصف الخمر والإجادة مع الطول.
ولقوّة طبعه وجلبة شعره سمّي صناجة العرب حتى ليخيّل إليك إذا أنشدت شعره أن آخر ينشده معك. ولجلالة شعر الأعشى وأثره بين العرب كان يرفع الوضيع الخامل وتضع الخامل الشريف.
ومن شعره قصيدته التي مدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم ويعدّها بعضهم من المعلقات ومطلعها: [الطويل]
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السليم مسهدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم حلّة مهددا
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن ... إذا أصلحت كفّاي عاد فأفسدا
شباب وشيب وافتقار وثروة ... فلله هذا الدهر كيف تردّدا
فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفي حتى تلاقي محمّدا
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقي من فواضله ندى
نبي يرى ما لا يرون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغبّ ونائل ... وليس عطاء اليوم يمنعه غدا
جمهرة أشعار العرب ص 38.(2/197)
ومن شعر الأعشى قصيدته اللاميّة المعروفة التي يقول منها: [البسيط]
صدّت هريرة عنّا ما تكلمنا ... جهلا بأم خليد حبل من تصل (1)؟
أئن رأت رجلا أعشى أضرّ به ... ريب المنون ودهر مفند خبل (2)
قالت هريرة لمّا جئت زائرها: ... ويلي عليك؟ وويلي منك يا رجل (3)
إما ترينّا حفاة، لا نعال لنا ... إنّا كذلك ما نحفي وننتعل (4)
وقد أقود الصّبا يوما، فيتبعني ... وقد يصاحبني ذو الشّرة الغزل (5)
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول (6)
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفي وينتعل (7)
نازعتهم قضب الريحان متّكئا ... وقهوة مزّة رواوقها خضل (8)
لا يستفيقون منها، وهي راهنة ... إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا (9)
أم خليد: كنية هريرة وقوله: (حبل من تصل؟) استفهام تعجّبي يعني: إذا هجرتنا ولم تكلمنا فمن تكلّم إذن.
(2) الأعشى: الذي لا يبصر بالليل. والمفند: الآتي بالفند وهو السّفه في الرأي ومثله الخبال.
(3) ويلي عليك وويل منك: أي أتفجّع عليك لأنك تسعى بزيارتك لي في هلاك نفسك، وأتفجع منك لأن زيارتك لي تجرّ إلى هلاكي.
(4) ثم أخذ يعاتبها ويدفع عن نفسه بأن الصفات التي صدّت عنه من أجلها طارئة عليه بفعل الموت والزمان، وأنه كان شابّا غنيّا طروبا غزلا لا يشرب الخمر مع فتيان مثله ويستمع للقيان وينعم بهنّ فقال:
إما ترينا حفاة لا نعال لنا ... الخ
(5) أقود الصبا الخ: أي أتصابى، وآتي بأفعال الفتيان، ويصحبني منهم الغزل ذو الشره، وهي نشاط الشباب.
(6) الحانوت: بيت الخمار. والشاوي: الذي يشوي اللحم. والمشل: السواق الخفيف. والشلول والشلشل: الغلام الحادّ الرأس الخفيف الروح النشيط في عمله، والشول: من يشول بالشيء الذي يشتريه المشتري فيحمله له ويرفعه.
(7) أي كالسيوف في المضاء والصرامة، وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف وجملة خبرها «هالك كل من الخ» فهالك خبر مقدم وكل مبتدأ مؤخر.
(8) الريحان: كل زهر طيب الرائحة. ونازعتهم قضب الريحان: أتناولها مرة ويتناولونها أخرى.
والقهوة: الخمرة. والراووق: الوعاء الذي تروق فيه الخمر. وخضل: دائم الندى لا يجفّ لكثرة شربهم.
(9) راهنة: دائمة أمامهم أي لا ينتهون إلا إذا أبطأ عليهم الساقي فصاحوا به «هات» ولو شربوا عللا بعد نهل أي مرة بعد أخرى.(2/198)
يسعى بها ذو زجاجات له نطف ... مقلص أسفل السربال معتمل (1)
ومستجيب تخال الصّنج يسمعه ... إذا ترجع فيه القينة الفضل (2)
والساحبات ذيول الربط آونة ... والرافلات على أعجازها العجل (3)
من كل ذلك يوم قد لهوت به ... وفي التجارب طول اللهو والغزل (4)
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة: ... أبا ثبيت أما تنفك تأتكل (5)
ألست منتهيا عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطّت الإبل (6)
كناطع صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرّها وأوهى قرنه الوعل
تغري بنا رهط مسعود وإخوته ... يوم اللقاء، فتردّى، ثم تعتزل (7)
لا أعرفنّك إن جدت عداوتنا ... والتمس النصر منكم عوض تحتمل (8)
نلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا ... أرماحنا، ثم تلقاهم، وتعتزل (9)
لا تقعدن وقد أكلتها حطبا ... تعوذ من شرّها يوما وتبتهل (10)
النطف: القرطة من اللؤلؤ. ومقلص: مشمر. والسربال: القميص. والمعتمل: النشيط.
المعنى: يسعى بالخمرة ساق يحمل زجاجاتها مقرط الأذن بلؤلؤ مشمر ذيله معتمل نشيط.
(2) ومستجيب: أي وربّ عود طرب مستجيب لصوت الصنج كأنه يسمعه النغم فيجيبه بمحاكاته أي أن العود والصنج متفقان في النغم لا يشذّ أحدهما عن الآخر. والصنج: دوائر رقاق من صفر يصفق بإحداهما على الأخرى وهي التي نسمّيها في زماننا «الكاسات» وهو أيضا نوع من الآلات الوترية. وترجع: تردّ النغم. والقينة: الأمة. وقيل: إذا كانت مغنية. والمرأة الفضل:
التي يلبس ثوبا واحدا كأنها مبتذلة.
(3) والساحبات: بالنصب على أنه مفعول لفعل مقدّر: أي وترى الساحبات أو على معطوف على الصنج أي وتخال الصنج يسمعه وتخال الساحبات كذلك أي يوافقن في غنائهنّ نغم العود، وبالرفع على تقدير وعندنا الساحبات. والربط: الملاءات. وآونة: جمع أوان. والرافلات:
الجارّات لثيابهنّ خلفهنّ. والعجل: القرب الصغيرة شبّه بها أعجازهنّ.
(4) أي لهوت وتغزلت طويلا في تجاربي.
(5) المألكة: الرسالة. وتأتكل: يأكل بعضك بعضا من الغيظ.
(6) أصل الأثلة الشجر من الأثل، والمراد بها هنا أصلنا ومجدنا المؤثل. وأطّت الإبل: أتت تعبا وحنينا.
(7) تغري بنا رهط مسعود: أي تلصق العداوة بيننا وبينهم فتهلك الناس بإغرائك ثم تعتزل القتال.
(8) عوض: ظرف لمستقبل الزمان ضد قط التي للماضي، تقول عوض لا أفارقك، أي لا أفارقك أبدا، وتحتمل بالبناء للمجهول. أي يحتمل لونك أي يمتقع من الغضب والغيظ.
(9) أي يجعلهم لحمة وطعاما لرماحنا. وذو الجدين: قيس بن مسعود من أشراف العرب.
(10) أكلتها: أجّجتها ثم نعوذ بالله من شرّها وتبتهل إليه في اجتنابها.(2/199)
سائل بني أسد عنّا، فقد علموا ... أن سوف يأتيك من أنبائنا شكل (1)
واسأل قشيرا وعبد الله كلهم ... واسأل ربيعة عنّا كيف نفتعل (2)
إنّا نقاتلهم حتى نقتلهم ... عند اللقاء وإن جاروا وإن جهلوا
قد كان في آل كهف إن هم احتربوا ... والجاشرية من يسعى وينتضل (3)
إني لعمر الذي خطت مناسمها ... تخدي، وسيق إليه الباقر الغيل (4)
لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا ... لنقتلنّ مثله منكم، فنمتثل (5)
لئن منّيت بنا عن غبّ معركة ... لأتلفنا عن دماء القوم ننفتل (6)
لا تنتهون، ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل (7)
السموأل بن عاديا
كان السموأل يهوديّا مشهورا بالوفاء وهو صاحب الحصن المعروف بالأبلق كانت العرب تنزل فيه فيضيفها، وبالسموأل يضرب المثل في الوفاء يقال أوفى من السموأل لأنه فضّل قتل ابنه على التفريط في أمانة أودعها عنده امرؤ القيس لمّا سار إلى الشام يريد قيصر، وكانت الأمانة أدرعا وفي ذلك يقول السموأل:
[الوافر]
وفيت بأدرع الكندي إني ... إذا ما خان أقوام وفيت
وأوصى عاديا يوما بأن لا ... تهدم يا سموأل ما بنيت
بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلما شئت استقيت
شكل: أزواج، أي خبر ثم خبر.
(2) نأتي بالأمر العظيم المبتدع.
(3) آل كهف والجاشرية: حيّان من العرب، أي لقد كان في هذين الحيّين من يسعى لأخذ ثأره ويناضل فما دخولك أنت بينهم ولست منهم.
(4) خطت: سفّت التراب بمناسمها. والمناسم: جمع منسم كمجلس، طرف الخفّ من البعير.
وتخدي: تسرع في السير مع اضطراب. والباقر: البقر. والغيل: ككتب، جمع غيول، الكثير من الإبل والبقر ونحوهما.
(5) العميد: السيد. وصدد الشيء: المقابل له أو القريب منه. فنمتثل: أي نتخيّر الأمثل فالأمثل.
(6) منّيت: أصيبت وابتليت بنا بعد معركة. وننفتل: نلوي وننصرف. المعنى: لئن ابتليت بحربنا لا تجدنا نجحد دماء قومك ونتبرّأ منها بل نعترف بها ونستعد لملاقاتكم عندما تريدون أخذ الثأر منّا.
(7) ينهى: ينتهي.(2/200)
ومن أشعاره المعروفة قصيدة يمدح بها قومه أوردها أبو تمام في كتاب الحماسة مطلعها: [الطويل]
إذا المرء لم يدنّس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
وكان للسموأل أخ شاعر أيضا وابن يدعى شريحا مدحه الأعشى في شعره
وعلى ما يقول المحقّقون: إن السموأل عاش في أواخر الجيل السادس ومات في أوائل الجيل السابع وكان معاصرا للأعشى، ويقال إنه توفي سنة 560م.
حاتم الطائي
1
اشتهر بالجود والكرم حتى جرى ذكره مجرى الأمثال فيقال: «أجود من حاتم طي»، وقد وصل إلينا من شعره شيء قليل جاء في ديوان الحماسة وكتاب الأغاني وغيرهما من كتب الأدب، وله ديوان معروف باسمه. وتوفي حاتم سنة 605م، وقبره بعوارض، وهو جبل لبني طي. ويحكى عن جوده الحكايات الكثيرة. ومن غريبها أن نفرا من بني أسد مرّوا بقبر حاتم فقالوا: نزلنا بحاتم فلم يقرنا، وجعلوا ينادون: يا حاتم ألا تقري أضيافك ثم ناموا جميعا وكان رئيس القوم رجلا يقال له أبو الخيبري فنام أيضا. حتى إذا كان السّحر وثب وجعل يصيح: وارحلتاه، فقال له أصحابه ما لك؟! قال: خرج والله حاتم بالسيف وأنا أنظر إليه حتى عقر ناقتي، قالوا:
كذبت فنظروا إلى راحلته فإذا هي منخزلة لا تنبعث فقالوا والله قراك، فظلّوا يأكلون من لحمها ثم أردفوه فانطلقوا فساروا «وإذا راكب يلحقهم فنظروا فإذا هو عديّ بن حاتم راكبا قارنا جملا أسود فلحقهم وقال أيّكم أبو الخيبري فدلّوه عليه فقال: جاءني أبي في النوم فذكر لي شتمك له وأنه قرى راحلتك لأصحابك وقد قال في ذلك أبياتا وردّدها حتى حفظتها وهي: [المتقارب]
أبا الخيبري وأنت امرؤ ... حسود العشيرة شتّامها
فماذا أردت إلى رمة ... بداوية صخب هامها
تبغي أذاها وإعسارها ... وحولك غوث وأنعامها
وإنّا لنطعم أضيافنا من ال ... كرم (1) بالسيف نعتامها (2)
قطعة من الإبل.
(2) نختارها.(2/201)
وقد أمرني أن أحملك على جمل فدونكه فأخذوه وركبه وذهبوا (1).
ولم يبلغ أحد في الجود ما بلغ حاتم وهو من بني الحشرج من طي وأحد شعراء الجاهلية ويكنّى أبا عديّ وأبا سفانة وأدرك ابنه الإسلام وأسلم.
قال عديّ: قلت يا رسول الله: إن أبي كان يصل الرحم ويفعل كذا وكذا، قال: إن أباك أراد أمرا فأدركه يعني الذكر. وكانت سفانة بنته أتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا محمد هلك الولد، وغاب الرافد فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمّت بي أحياء العرب فإن أبي سيد قومه، وكان يفكّ العاني ويحمي الذّمار ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام ولم يطلب إليه طالب قطّ حاجة فردّه أنا ابنة حاتم طي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان أبوك إسلاميّا لترحّمنا عليه، خلّوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق».
قال ابن الأعرابي: كان حاتم من شعراء الجاهلية. وكان جوادا يشبه جوده شعره، ويصدق قوله فعله، وكان حيثما نزل عرف منزله. وكان مظفرا إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا ضرب بالقداح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق. وكان إذا أهلّ رجب نحر في كل يوم عشرة من الإبل وأطعم الناس واجتمعوا عليه. وكان أول ما ظهر من جوده أن أباه خلفه في إبله وهو غلام فمرّ به جماعة من الشعراء، فيهم عبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبياني، يريدون النعمان بن المنذر فقالوا: هل من قرى؟ ولم يعرفهم، فقال أتسألوني القرى وقد رأيتم الإبل والغنم، انزلوا فنزلوا فنحر لكل واحد منهم وسألهم عن أسمائهم فأخبروه ففرّق فيهم الإبل والغنم، وجاء أبوه فقال: ما فعلت؟ قال: طوّقتك مجد الدهر طوق الحمامة وعرّفه القضية، فقال أبوه: إذا لا أساكنك بعدها أبدا ولا آويك. فقال حاتم: إذا لا أبالي.
ومن حديثه، أنه خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة، فلما كان بأرض عنزة ناداه أسير لهم: يا أبا سفانة أكلني الأسار والقمّل، فقال: ويحك ما أنا في بلاد قومي وما معي شيء وقد أسأت بي إذ نوّهت باسمي ومالك مترك ثم ساوم به العنزيين واشتراه منهم فخلّاه وأقام مكانه في قيده حتى أتى بفدائه فأدّاه إليهم.
وحدّثت ماوية امرأة حاتم أن الناس أصابتهم سنة فأذهبت الخفّ والظّلف فبتنا ذات ليلة بأشد الجوع فأخذ حاتم عديّا وأخذت سفانة فعللناهما حتى ناما ثم أخذ راجع شعراء النصرانية، وطبع ديوان الطائي في لندن سنة 1872، وطبع أيضا في بيروت ومصر.(2/202)
يعللني بالحديث لأنام فرققت لما به من الجهد فأمسكت عن كلامه لينام ويظن أني نائمة فقال لي أنمت مرارا فلم أجبه، فسكت ونظر من وراء الخباء فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه، فإذا امرأة تقول: يا أبا سفانة قد أتيتك من عند صبية جياع. فقال أحضريني صبيانك فوالله لأشبعنّهم. قالت: فقمت سريعا فقلت: بماذا يا حاتم فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل، فقام إلى فرسه فذبحه، ثم أجّج نارا وقال اشتوي وكلي وأطعمي ولدك. وقال لي أيقظي صبيتك فأيقظتهم، ثم قال: والله إن هذا للؤم أن تأكلوا وأهل الصرم حالهم كحالكم فجعل يأتي الصرم بيتا بيتا ويقول:
عيكم النار فاجتمعوا وأكلوا وتقنّع بكسائه وقعد ناحية حتى لم يوجد من الفرس على الأرض قليل ولا كثير ولم يذق منه شيئا.
2
ولحاتم الطائي شعر كثير وهو من البلاغة بمكان، والمذكور في ديوانه بعض منه، ومن شعره يخاطب امرأته ماوية بنت عبد الله: [الطويل]
أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ... ويا ابنة ذي البردين والفرس والورد
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا طارقا أو جار بيت فإنني ... أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا ... وما في إلا تلك من شيمة العبد
عنى بذي البردين عامر بن أحيمر بن بهدلة. وكان من حديث البردين حين لقّب به أن الوفود اجتمعت عند المنذر ابن ماء السماء وهو المنذر بن امرىء القيس، وماء السماء قيل أمه، نسب إليها لشرفها وقيل: لقّبت بماء السماء لصفاء نسبها ويقال لنقاء لونها، ويراد أنها كماء السماء لم يحتمل كدورة. وأخرج المنذر بردين يوما يبلو الوفود، وقال: ليقم أعزّ العرب قبيلة فليأخذهما، فقام عامر بن أحيمر فأخذهما وائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر. فقال له المنذر: أأنت أعزّ العرب قبيلة؟ قال: العزّ والعدد في معدّ، ثم في نزار، ثم في مضر، ثم في خندف، ثم في تميم، ثم في سعد، ثم في كعب، ثم في عوف، ثم في بهدلة فمن أنكر هذا فلينافرني. فسكت الناس فقال المنذر: هذه عشيرتك كما تزعم فكيف أنت في أهل بيتك وفي نفسك؟ فقال: أنا أبو عشرة وأخو عشرة وخال عشرة وعمّ عشرة، وأما أنا في نفسي فشاهد العزّ شاهدي ثم وضع قدمه على الأرض فقال:
من أزالها عن مكانها فله مائة من الإبل؟ فلم يقم إليه أحد من الحاضرين ففاز بالبردين.(2/203)
ومن شعر حاتم أيضا قوله: [الطويل]
وعاذلة قامت عليّ تلومني ... كأني إذا أعطيت مالي أضيمها
أعاذل أن الجود ليس بمهلكي ... ولا مخلد النفس الشحيحة لومها
وتذكر أخلاق الفتى وعظامه ... مغيبة في اللحد بال رميمها
ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها
ومن ذلك قوله أيضا: [الطويل]
أكفّ يدي عن أن ينال التماسها ... أكفّ أصحابي حين حاجتنا معا
أبيت هضيم الكشح مضطمر الحشا ... من الجوع أخشى الذمّ أن أتضلّعا
وإني لأستحيي رفيقي أن يرى ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا
وقال أيضا: [الطويل]
أما والذي لا يعلم السر غيره ... ويحيي العظام البيض وهي رميم
لقد كنت أختار القرى طاوي الحشا ... محافظة من أن يقال لئيم
وإني لأستحيي يميني وبينها ... وبين فمي داجي الظلام بهيم
وقال أيضا: [الطويل]
ولمّا رأيت الناس هرّت كلابهم ... ضربت بسيفي ساق أفعى فخرّت
وقلت لأصباء صغار ونسوة ... بشهباء من ليل الثمانين قرت
عليكم من الشطين كل ورية ... إذا النار مسّت جانبيها ارمعلّت
وقال أيضا: [الطويل]
لا تشتري قدري إذا ما طبختها ... على إذا ما تطبخين حرام
ولكن بهذاك اليفاع فأوقدي ... بجزل إذا أوقدت لا بضرام
وقال أيضا: [الطويل]
وقائلة أهلكت بالجود مالنا ... ونفسك حتى ضربت نفسك جودها
فقلت دعيني إنما تلك عادتي ... لكل كريم عادة يستعيدها
وهو القائل لغلامه يسار، وكان إذا اشتد البرد وكلب الشتاء أمر غلامه فأوقد نارا في يفاع من الأرض، لينظر إليها من أضلّ الطريق ليلا فيصمد نحوه: [الرجز](2/204)
وقائلة أهلكت بالجود مالنا ... ونفسك حتى ضربت نفسك جودها
فقلت دعيني إنما تلك عادتي ... لكل كريم عادة يستعيدها
وهو القائل لغلامه يسار، وكان إذا اشتد البرد وكلب الشتاء أمر غلامه فأوقد نارا في يفاع من الأرض، لينظر إليها من أضلّ الطريق ليلا فيصمد نحوه: [الرجز]
أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح يا واقد ريح صر
علّ يرى نارك من يمر ... إن جلبت ضيفا فأنت حر
وقال أيضا: [الطويل]
أماوي قد طال التجنب والهجر ... وقد عذرتنا في طلابكم العذر
أماوي إن المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي إما مانع فمبين ... وإما عطاء لا ينهنهه الزجر
أماوي إني لا أقول لسائل ... إذا جاء يوما حلّ في مالي النذر
أماوي لا يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
أماوي إن يصبح صداي بقفرة ... من الأرض لا ماء لديّ ولا خمر
ترى إن ما أنفقت لم يك ضرّتي ... وأن يدي مما بخلت به صفر
إذا أنا دلاني الذين يلونني ... بمظلمة لجّ جوانبها غبر
وراحوا سراعا ينفضون أكفّهم ... يقولون قد أدمى أظافرنا الحفر
أماوي إن المال مال بذلته ... فأوله شكر وآخره ذكر
وقد يعلم الأقوام لو أن حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر
ولا أظلم ابن العمّ إن كان إخوتي ... شهودا وقد أودى بإخوته الدهر
فما زادنا مأوى على ذي قرابة ... غنّانا ولا أزرى بأحلامنا الفقر
وله قصيدة طويلة تتعلق بالكرم ومكارم الأخلاق، وهي مسطورة في الحماسة البصرية وغيرها وهي هذه: [الطويل]
وعاذلتين هبّتا بعد هجعة ... تلومان متلافا مفيدا ملوما
تلومان لما غور النجم ضلة ... فتى لا يرى الإنفاق في الحمد مغرما
فقلت وقد طال العتاب عليهما ... وأوعدني تماني أن تبينا وتصرما
ألا لا تلوماني على ما تقدّما ... كفى بصروف الدهر للمرء محكما
فإنكما لا ما مضى تدركانه ... ولست على ما فاتني متندما
فنفسك أكرمها فإنك إن تهن ... عليك فلن تلقى مدى الدهر مكرما
أهنّ للذي تهوى التلاد فإنه ... إذا متّ كان المال نهبا مقسما
ولا تشقين فيه فيسدّ وارث ... به حين تغشى أغبر الجوف مظلما
يقسمه غنما ويشري كرامة ... وقد صرت في خطّ من الأرض أعظما
قليلا به ما يحمدنك وارث ... إذا نال مما كنت تجمع مغنما
تحلم عن الأدنين واستبق ودّهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضرّ ... وذمّي أود قومته فتقوما
وأغفر عوراء الكريم ادّخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما
ولا أخذل المولى وإن كان خاذلا ... ولا أشتم ابن العمّ إن كان مفحما
ولا زادني عنه منأى تباعدا ... وإن كان ذا نقص من المال مصرما
وليل بهيم قد تسربلت هوله ... إذا الليل بالنكس الدنيء تجهما
ولن يكسب الصعلوك حمدا ولا غنى ... إذا هو لم يركب من الأمر معظّما
لحا الله صعلوكا منّاه وهمه ... من العيش أن يلقى لبوسا ومغنما
ينام الضحى حتى إذا نومه استوى ... تنبّه مثلوج الفؤاد مورما
مقيم مع المثرين ليس ببارح ... إذا نال وجدي من طعام ومجثما
ولله صعلوك يساور همّه ... وتمضي على الأحداث والدهر مقدّما
فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة ... ولا شبعة إن نالها عدّ مغنما
إذ ما رأى يوما مكارم أعرضت ... تيمّم كبراهن ثمّت صمما
ويغشى إذا ما كان يوم كريهة ... صدور العوالي فهو مختضب دما
يرى رمحه ونبله ومجنه ... وذا شطب عضب الضريبة مخذما
وأحناء سرج قاتر ولجامه ... عتاد فتى هيجا وطرفا مسموما
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه ... وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما
وعلى الجملة فشعر حاتم صورة لنفسه وأخلاقه وجوده، ولذلك قال ابن الأعرابي: «جوده يشبه شعره».(2/205)
وعاذلتين هبّتا بعد هجعة ... تلومان متلافا مفيدا ملوما
تلومان لما غور النجم ضلة ... فتى لا يرى الإنفاق في الحمد مغرما
فقلت وقد طال العتاب عليهما ... وأوعدني تماني أن تبينا وتصرما
ألا لا تلوماني على ما تقدّما ... كفى بصروف الدهر للمرء محكما
فإنكما لا ما مضى تدركانه ... ولست على ما فاتني متندما
فنفسك أكرمها فإنك إن تهن ... عليك فلن تلقى مدى الدهر مكرما
أهنّ للذي تهوى التلاد فإنه ... إذا متّ كان المال نهبا مقسما
ولا تشقين فيه فيسدّ وارث ... به حين تغشى أغبر الجوف مظلما
يقسمه غنما ويشري كرامة ... وقد صرت في خطّ من الأرض أعظما
قليلا به ما يحمدنك وارث ... إذا نال مما كنت تجمع مغنما
تحلم عن الأدنين واستبق ودّهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضرّ ... وذمّي أود قومته فتقوما
وأغفر عوراء الكريم ادّخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما
ولا أخذل المولى وإن كان خاذلا ... ولا أشتم ابن العمّ إن كان مفحما
ولا زادني عنه منأى تباعدا ... وإن كان ذا نقص من المال مصرما
وليل بهيم قد تسربلت هوله ... إذا الليل بالنكس الدنيء تجهما
ولن يكسب الصعلوك حمدا ولا غنى ... إذا هو لم يركب من الأمر معظّما
لحا الله صعلوكا منّاه وهمه ... من العيش أن يلقى لبوسا ومغنما
ينام الضحى حتى إذا نومه استوى ... تنبّه مثلوج الفؤاد مورما
مقيم مع المثرين ليس ببارح ... إذا نال وجدي من طعام ومجثما
ولله صعلوك يساور همّه ... وتمضي على الأحداث والدهر مقدّما
فتى طلبات لا يرى الخمص ترحة ... ولا شبعة إن نالها عدّ مغنما
إذ ما رأى يوما مكارم أعرضت ... تيمّم كبراهن ثمّت صمما
ويغشى إذا ما كان يوم كريهة ... صدور العوالي فهو مختضب دما
يرى رمحه ونبله ومجنه ... وذا شطب عضب الضريبة مخذما
وأحناء سرج قاتر ولجامه ... عتاد فتى هيجا وطرفا مسموما
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه ... وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما
وعلى الجملة فشعر حاتم صورة لنفسه وأخلاقه وجوده، ولذلك قال ابن الأعرابي: «جوده يشبه شعره».
وهو غزير البحر، فيّاض بالأمثال والحكم والمعاني المتصلة بالجود واللوم عليه وما يتصل به من جمال الذكر وحسن الأحدوثة.
وقد ترى بعض التفاوت في شعره، وذلك إنما يرجع إلى كثرة المدسوس عليه، وجمع شعره في ديوان طبع بلندن وبيروت وتوفي حاتم نحو سنة 45ق. هـ.(2/206)
3
ويقول فيه الشريشي في شرح المقامات (1):
أبو عديّ فارس شاعر جاهلي أحد الأجواد الذين يضرب بهم المثل بل هو أشهر منهم، وهم كعب بن أمامة وهرم بن سنان وحاتم، وكان إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا قامر سبق وإذا أسر أطلق وإذا أثر أنفق ويقال إنه لا يعرف ميت قرى أضيافه إلا هو وذلك أن ركبا من العرب نزلوا بموضع قبره وقد نفذ زادهم وفيهم رجل يكنّى أبا خيبري فجعل يقول: أبا سفانة أما تقري أضيافك أبا سفانة إن أضيافك جياع يعيدها، فلما نام ثار من نومه وهو يقول: وارحلتاه عقرت والله ناقتي، فقال له أصحابه: وكيف؟ قال: رأيت أبا سفانة قد انشقّ عنه قبره فاستوى قائما ينشدني: [المتقارب]
أبا خيبري لأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة لوّامها
وماذا تريد إلى رمة ... بداوية صخب هامها
أتبغي أذاها وأسعارها ... ودونك طي وأنعامها
ثم عمد إلى سيفي فانتضاه من غمده وعقر ناقتي وقال: دونكم فما أيقظني إلا رغاؤها، وإذا الناقة ترغو ما تنبعث، فقالوا قد والله قراك حاتم فنحروها وأكلوا وتزوّدوا واقتسموا متاع أبي خيبري واستمروا لوجهتهم فلما صاروا في الظهيرة وضح لهم راكب يجنب بعيرا يؤم سمتهم حتى التقوا فقال لهم: أفيكم أبو خيبري؟ قالوا:
نعم، فقال: فإن عديّ بن حاتم رأى أباه البارحة وهو يقول إن أبا خيبري وأصحابه استقروني فقريتهم ناقته فعوّضه منها وزده بكرا يحمل عليه متاعه وهذه الناقة وهذا البكر فارتحل أبو خيبري الناقة وتخفّف هو وأصحابه من أزوادهم على البكر ومضوا بأتمّ قرى وأدرك عديّ ابنه النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وكان يحدّث أصحابه بهذا الحديث بعد إسلامه وقال الشاعر في عديّ: [الطويل]
أبوك أبو سفانة الخير لم يزل ... لدن شاب حتى مات في الخير راغبا
قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ... ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا
وكانت سفانة بنته من أجود نساء العرب وكان أبوها يعطيها الصرمة من إبله فتهبها وتعطيها للناس، فقال لها أبوها: يا بنية إن الغويين إذا اجتمعا في المال أتلفاه ص 244ج 2شرح الشريشي.(2/207)
فإما أن أعطي وتمسكي وإما أن أمسك وتعطي أنت فإنه لا يبقى على هذا شيء، فقالت: والله لا أمسك أبدا، قال: وأنا لا أمسك أبدا، قالت: فلا نتجاور، فقاسمها ماله وتباينا وحكي أن أمه كانت من أسخى الناس وأقراهم للضيف وكانت لا تحبس شيئا تملكه، وهي عتبة بنت عفيف بن عمرو بن عبد القيس فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها فجاءتها امرأة من هوازن تسألها، فقالت: دونك الصرمة فخذيها فوالله لقد عضّني من الجوع ما لا أمنع بعده سائلا أبدا ثم أنشأت تقول: [الطويل]
لعمري لقدما عضّني الجوع عضّة ... فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائم اليوم اعفني ... فإن أنت لم تفعل فعضّ الأصابعا
فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا؟
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعة ... وكيف بتركي يا ابن ام الطبائعا؟
فقد اكتنفه التجود من أمه وأبيه وقالت امرأته النوار: أصابتنا سنة اقشعرّت لها الأرض واغبرّ أفق السماء وضنّت المراضع عن أولادها فما تبضّ بقطرة فأيقنا بالهلاك، فو الله إني لفي ليلة صبيرة بعيدة الطرفين إذ تضاعى صبيتنا جوعا: عبد الله وعديّ وسفانة، فقام إلى الصبيّين وقمت الى الصّبية فوالله ما سكتوا إلا بعد هدأة من الليل وأقبل يعلّلني بالحديث فعرفت ما يريد فتناومت، فلما تغوّرت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت فقال: من هذا؟ فقالت: جاريتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوون من الجوع عواء الذئب فما وجدت معوّلا إلا عليك أبا عديّ فقال:
اعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم فأقبلت تحمل اثنين ويمشي إلى جانبها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها فقام إلى فرسه فعالجها بمدية فخرّت ثم كشط الجلد ودفع المدية إلى المرأة وقال: شأنك فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل، ثم جعل يأتيهم بيتا بيتا ويقول هبّوا أيها القوم عليكم بالنار فاجتمعوا، والتفّ في ثوبه ناحية ينظر إلينا والله إن ذاق منها مزعة، وإنه لأحوج إليها منّا فأصبحنا وما على الأرض منها إلا عظم وحافر فأنشأ يقول: [البسيط]
مهلا نوار أقلّي اللوم والعذلا ... ولا تقول لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لشيء كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت معطي العنس والجملا
يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا
ولم يكن يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فإنه كان لا يجود بهما وذكر الحريري أن عقيلا (1) تمثّل بقول حاتم: [الرجز](2/208)
مهلا نوار أقلّي اللوم والعذلا ... ولا تقول لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لشيء كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت معطي العنس والجملا
يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا
ولم يكن يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فإنه كان لا يجود بهما وذكر الحريري أن عقيلا (1) تمثّل بقول حاتم: [الرجز]
شنشنة أعرفها من أخزم
4
ويروى (2) أن الحكم بن أبي العاصي خرج ومعه عطر يريد الحيرة، وكان بالحيرة سوق يجتمع إليها الناس كل سنة، فمرّ في طريقه بحاتم بن عبد الله الطائي، فسأله الجوار في أرض طيىء حتى يصير إلى الحيرة، فأجاره، ثم أمر حاتم بجزور فنحرت وطبخت، ثم دعاهم إلى الطعام فأكلوا ولما فرغوا من الطعام طيّبهم الحكم من طيبه.
وكان النعمان بن المنذر قد جعل لبني لام ربع الطريق طعمة لهم، لأن بنت سعد بن حارثة بن لأم كانت عنده.
ومرّ سعد بن حارثة بحاتم ومعه قومه من بني لام، فوضع حاتم سفرته وقال: اطعموا حيّاكم الله! فقالوا: من هؤلاء الذين معك يا حاتم؟ قال: هؤلاء جيراني قال له سعد: فأنت تجير علينا في بلادنا! قال له: أنا ابن عمّكم وأحقّ من لم تخفروا ذمّته، فقالوا: لست هناك! وأرادوا أن يفضحوه، ووثبوا إليه وتناول سعد حاتما، فأهوى له حاتم بالسيف، فأطار أرنبة أنفه، ووقع الشر حتى تحاجزوا ثم قالت بنو لام لحاتم: بيننا وبينك سوق الحيرة فنماجدك (3) ثم وضعوا تسعة كان عقيل بن علفة المري غيورا فخورا وكانت الخلافاء تصاهره، فخطب إليه عبد الملك ابنته لبعض ولده فقال: أما إن كان ولا بدّ فجنّبني هجناء ولدك وخرج يمتار ومعه ابنه وابنته الجرباء فنزلوا بالشام بدير سعد، فلما ارتحلوا قال عقيل: [الطويل]
قضت وطرا من دير سعد وربما ... على غرض ناطحنه بالجماجم
ثم قال لابنه: أجز يا عملس فقال: [الطويل]
فأصبحن بالموماة يحملن فتية ... نشاوى من الإدلاج مبل العمائم
ثم قال لابنته الجرباء: أجيزي فقالت: [الطويل]
كأن الكرى أسقاهم صرخدية ... عقارا تمشّت في المطا والقوائم
فقال لها وما يدريك ما نعت الخمر؟ ثم سلّ السيف فاستغاثت بأخيها فاختبل فخذيه بسهم فبرك ومضوا وتركوه حتى بلغوا المياه الدانية إليهم فقالوا لأهل المياه: إنّا أسقطنا جزورا فأدركوها فوجدوا عقيلا باركا.
(2) الأغاني ص 95ج 16.
(3) يقال: ماجده مجادا عارضه فمجده أي غلبه.
أفراس رهنا ووضع حاتم فرسه رهنا عند رجل من كلب وخرجوا حتى انتهوا إلى الحيرة.(2/209)
أفراس رهنا ووضع حاتم فرسه رهنا عند رجل من كلب وخرجوا حتى انتهوا إلى الحيرة.
وسمع بذلك إياس بن قبيصة الطائي فخاف أن يعينهم النعمان بن المنذر ويقوّيهم بماله وسلطانه للصهر الذي بينهم وبينه فجمع رهطه من بني حيّة وقال: يا بني حيّة إن هؤلاء القوم قد أرادوا أن يفضحوا ابن عمّكم في مماجدته فقال رجل منهم: عندي ناقة سوداء ومائة ناقة حمراء أدماء (1)، وقام آخر فقال: عندي عشرة حصن على كل حصان منها فارس مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وقال حسّان بن جبلة الخير: قد علمتم أن أبي قد مات وترك خيرا كثيرا، فعلى كل خمر ولحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة، ثم قام إياس فقال: على مثل جميع ما أعطيتم كلكم وحاتم لا يعلم بشيء مما فعلوا.
وذهب حاتم إلى ابن عمّه وهم ابن عمرو وكان مصارما له لا يكلمه فقالت له امرأته: أيّ وهم؟ هذا والله أبو سفانة حاتم قد طلع، فقال: ما لنا ولحاتم! أثبتي النظر، فقالت: ها هو، قال: ويحك! هو لا يكلمني فما جاء به إليّ؟ ثم نزل حتى سلّم عليه فردّ سلامه وحيّاه ثم قال له: ما جاء بك يا حاتم؟ قال: خاطرت على حسبك وحسبي قال في الرحب والسّعة هذا مالي وعدّته تسعمائة بعير فخذها مائة مائة حتى تذهب الإبل أو تصيب ما تريد.
ثم إن إياس بن قبيصة قال لقومه: احملوني إلى الملك وكان به نقرس (2) فحمل حتى أدخل عليه فقال: أنعم صباحا أبيت اللعن! فقال النعمان: وحيّاك إلهك فقال إياس: أنمدّ أختانك (3) بالمال والخيل وجعلت بني ثعل في قعر الكنانة! أظن أختانك أن يصنعوا بحاتم كما صنعوا بعامر بن جوين (4) لم يشعروا أن بني حيّة بالبلد؟
فإن شئت والله ناجزناك حتى يسفح الوادي دما فليحضروا مجادهم غدا بمجمع للعرب.
فعرف النعمان الغضب في وجهه وكلامه فقال له: يا أحلمنا لا تغضب فإني سأكفيك وأرسل النعمان إلى سعد بن حارثة وإلى أصحابه فقال:
الأدمة في الإبل: لون مشرّب سوادا أو بياضا والأنثى: أدماء.
(2) النقرس: ورم ووجع في مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين.
(3) أختان: جمع ختن وهو الصهر.
(4) كانت بنو لام فضحت عامر بن جوين في مماجد.(2/210)
انظروا ابن عمّكم حاتما فأرضوه، فوالله ما أنا بالذي أعطيكم مالي تبذّرونه وما أطيق بني حيّة!.
فخرج بنو لام إلى حاتم وقالوا له: أعرض عن هذا المجاد ندع أرش (1) أنف ابن عمّنا، قال: لا والله لا أفعل حتى تتركوا أفراسكم ويغلب مجادكم.
فتركوا أرش أنف صاحبكم وأفراسهم وقالوا: قبّحها الله وأبعدها! فعمد إليها حاتم فعقرها وأطعمها الناس.
5
ولمّا وجّه (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طيىء فريقا من جنده، يقدمهم عليّ عليه السلام، فزع عديّ (3) بن حاتم الطائي وكان من أشد الناس عداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام فصبح على القوم، واستاق خيلهم ونعمهم ورجالهم ونساءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما عرض عليه الأسرى نهضت من بين القوم سفانة بنت حاتم، فقالت: يا محمد، هلك الوالد، وغاب المرافد، فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمّت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومه، يفكّ العاني (4)، ويقتل الجاني، ويحفظ الجار، ويحمى الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ويحمل الكلّ (5)، ويعين على نوائب الدهر، وما أتاه أحد في حاجة فردّه خائبا، أنا بنت حاتم الطائي!.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقّا، لو كان أبوك مسلما لترحّمنا عليه، خلّوا عنها، فإن أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق».
ثم قال: «ارحموا عزيزا ذلّ، وغنيّا افتقر، وعالما ضاع بين جهّال». وامتنّ عليها بقومها فأطلقهم تكريما لها.
الأرش: الدية.
(2) الأغاني ص 93ج 16، إنسان العيون ص 285ج 2، غرر الخصائص ص 12.
(3) عدي بن حاتم: صحابي من الأجواد العقلاء كان رئيس قومه في الجاهلية والإسلام، وكان إسلامه سنة 9هـ، وشهد فتح العراق، والجمل، وصفّين، والنهروان مع عليّ.
(4) العاني: الأسير.
(5) الكلّ: العائل واليتيم.(2/211)
فاستأذنته في الدعاء له فأذن لها. وقال لأصحابه: اسمعوا وعوا. فقالت:
أصاب الله ببرّك مواقعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سببا في ردّها إليه.
فلما أطلقها رجعت إلى أخيها عديّ وهو بدومة الجندل، فقالت له: يا أخي إيت هذا الرجل قبل أن تعلقك حبائله، فإني قد رأيت هديا ورأيا سيغلب أهل الغلبة، ورأيت خصالا تعجبني رأيته يحب الفقير، ويفكّ الأسير، ويرحم الصغير، ويعرف قدر الكبير، وما رأيت أجود ولا أكرم منه، فإن يكن نبيّا فللسابق فضله، وإن يكن ملكا فلن تزال في عزّ ملكه، فقدم عديّ إلى رسول الله فأسلم، وأسلمت سفانة!.
6
ويروى (1) أن عبد قيس بن خفاف البرجمي أتى حاتم طيىء في دماء حملها عن قومه، فأسلموه فيها، وعجز عنها فقال: والله لآتينّ من يحملها عني. وكان شريفا شاعرا شجاعا.
فلما قدم عليه قال: إنه وقعت بيني وبين قومي دماء فتواكلوها (2)، وإني حملتها في مالي وأهلي. فقدمت مالي وأخّرت أهلي، وكنت أملي، فإن تحملتها فربّ حق قد قضيته، وهمّ قد كفيته، وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك ولم أيأس من غدك ثم أنشأ يقول: [الطويل]
حملت دماء للبراجم جمة ... فجئتك لمّا أسلمني (3) البراجم
وقالوا سفاها: لم حملت دماءنا ... فعلت لهم: يكفي الحمالة حاتم
متى آته فيها يقل لي مرحبا ... وأهلا وسهلا أخطأتك الأشائم (4)
فيحملها عنّي، وإن شئت زادني ... زيادة من جلّت عليه المكارم
يعيش الندي ما عاش حاتم طيىء ... فإن مات قامت للسخاء مآتم
ينادين: مات الجود معك فلا ترى ... مجيبا له ما حام في الجو حاتم
وقال رجال: أنهب العام ماله ... فقلت لهم: إني بذلك عالم
ولكنه يعطي من أموال طيىء ... إذا جلف (5) المال الحقوق اللوازم
الأغاني ص 246ج 8، ذيل الأمالي ص 22، السمط ص 12.
(2) تواكلوا: اتّكل بعضهم على بعض.
(3) أسلمه: خذله. والبراجم: قوم من أولاد حنظلة بن مالك.
(4) الأشائم: ضدّ الميامن.
(5) جلف: ذهب به واستأصله.(2/212)
فيعطي التي فيها الغني وكأنه ... لتصغيره تلك المطية جارم (1)
بذلك أوصاه عديّ وحشرج ... وسعد وعبد الله تلك القماقم (2)
فقال له حاتم: إني كنت لأحب من مثلك من قومك هذا مرباعي (3) من مغارة على بني تميخذة وافرا، فإن وفى بالحمالة وإلا كملتها لك، وهو مائتا بعير سوى نيبها وفصالها، مع أني لا أحب أن تؤبس (4) قومك بأموالهم.
فضحك أبو جبيل وقال: أي بعير دفعته إليّ، وليس ذنبه في يد صاحبه فأنت منه بريء، فدفعها إليه وزاده مائة بعير فأخذها وانصرف راجعا إلى قومه، فقال حاتم في ذلك: [الوافر]
أتاني البرجمي أبو جبيل ... لهم في حمالته طويل
فقلت له: خذ المرباع منها ... فإني لست أرضى بالقليل
على حال ولا عوّدت نفسي ... على علاتها علل البخيل
فخذها إنها مائتا بعير ... سوى الناب الرذية (5) والفصيل (6)
فلا منّ عليك بها، فإني ... رأيت المنّ يزري بالجميل
فآب البرجمي وما عليه ... من أعباء الحمالة من فنيل
يجرّ الذيل ينفض (7) مذرويه ... خفيف الظهر من حمل ثقيل!
7
وقالت ماوية امرأة حاتم (8):
أصابتنا سنة اقشعرّت لها الأرض، واغبرّ أفق السماء وراحت الإبل حدبا (9) جارم: مذنب.
(2) القماقم: جمع قمقام وهو السيد العظيم، وهؤلاء الذين وردوا في البيت هم أجداد حاتم.
(3) المرباع: ما يأخذه الرئيس من الغنيمة دون أصحابه وهو ربع الغنيمة.
(4) تؤبس: تروع.
(5) الرذية: الهزيلة الضعيفة.
(6) الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
(7) قال في القاموس: جاء ينفض مذرويه: باغيا متهدّدا. والمذروان: ناحيتا الرأس مثل الفودين، ثم استعير للمنكبين والأليتين والطرفين.
(8) العقد الفريد ص 107ج 1، أمثال الميداني ص 123ج 1.
(9) الحدب: جمع أحدب وهو صفة للجمل عند الجوع. والحدابير: جمع حدبار وهي الناقة الضامرة.(2/213)
حدابير، وضنّت المراضع على أولادها، فما تبض (1) بقطرة، وحلقت (2) ألسنة المال، وأبقنا بالهلاك. فوالله أنا لفي ليلة صنبر (3)، بعيدة ما بين الطرفين، إذ تضاغى (4) صبيتنا جوعا: عبد الله وعديّ وسفانة، فقام حاتم إلى الصبيين، وقمت أنا إلى الصبية، وأقبل يعلّلني بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت.
فلما تهوّرت (5) النجوم، إذا شيء قد رفع كسر البيت (6) ثم عاد. فقال حاتم:
من هذا؟ قالت: جاريتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب، فما وجدت معولا إلا عليك يا أبا عدي. فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله!.
فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي بجانبها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها (7).
فقام حاتم إلى فرسه فوجأ (8) لبّته بمدية فخرّ، ثم كشطه ودفع المدية إلى المرأة، فقال لها: شأنك! فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل. ثم جعل يمشي الحيّ يأتيهم بيتا بيتا فيقول: هبّوا أيها القوم عليكم بالنار فاجتمعوا والتفع وجلس في ناحية ينظر إلينا. فوالله إن ذاق منه مزعة (9) وإنه لأحوج إليه منّا! فأصبحنا وما على ظهر الأرض من الفرس إلا عظم وحافر، فأنشأ حاتم يقول: [البسيط]
مهلا نوار أقلّي اللوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات: ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه ... مهلا وإن كنت أعطي السهل والجبلا
يرى البخيل المال واحدة ... إن الجواد يرى في ماله سبلا
8
ولما تزوج حاتم ماوية (10)، وكانت من أحسن النساء، لبثت عنده زمنا، ثم إن ابن عمّ له يقال له مالك قال لماوية:
ما تصنعين بحاتم؟ فوالله لئن وجد شيئا ليتلفنّه، ولئن لم يجد ليتكلّفن، ولئن مات ليتركن ولده عيالا على قومه، طلّقي حاتما وأنا أتزوج بك، فأنا خير لك منه تبض: تسيل قليلا قليلا.
(2) التلحيق: وجع يصيب الحلق وهو كناية عن الفقن والمسغبة.
(3) صنبر: باردة.
(4) تضاغوا: تصايحوا.
(5) تهوّرت: انحدرت إلى المغرب.
(6) الكسر: الشقّة السفلى من الخباء.
(7) الرئال: أولاد النعام.
(8) وجأ: طعن.
(9) مزعة: القطعة من اللحم. وإن نافية بمعنى ما.
(10) ذيل الأمالي ص 153.(2/214)
وأكثر مالا، وأنا أمسك عليك وعلى ولدك، فقالت ماوية: صدقت إنه لكذلك فلم يزل بها حتى طلّقت حاتما.
وكانت النساء أو بعضهنّ يطلّقن الرجال في الجاهلية. وكان طلاقهنّ أنهنّ يحوّلن أبواب بيوتهنّ إن كان الباب إلى المشرق جعلنه إلى المغرب، وإن كان الباب قبل اليمن جعلنه قبل الشام، فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلّقته فلم يأتها.
فأتى حاتم فوجدها قد حوّلت باب الخباء فقال لابنه: يا عديّ ما ترى أمك؟ ما عدا عليها! قال: لا أدري غير أنها غيّرت باب الخباء وكأنه لم يلحن (1) لما قال.
فدعاه فهبط به بطن واد.
وجاء قوم فنزلوا على باب الخباء، كما كانوا ينزلون فتوافى خمسون رجلا فضاقت بهم ماوية ذرعا. فقالت لجاريتها: اذهبي إلى مالك فقولي له إن أضيافا لحاتم قد نزلوا بنا وهم خمسون رجلا فأرسل إلينا بناب نقرهم ولبن نغبقهم (2).
وقالت لجاريتها: انظري إلى جبينه وفمه فإن شافهك بالمعروف فاقبلي منه وإن ضرب بلحييه على زوره فارجعي ودعيه.
فلما أتت مالكا وجدته متوسّدا وطبا من لبن، فأيقظته وأبلغته الرسالة وقالت:
إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكانه، فأدخل يده في رأسه، وضرب بلحييه على زوره، فقال لها: اقرئي عليها السلام، وقولها لها: هذا الذي أمرتك أن تطلقي حاتما من أجله. فما عندي من كبيرة، قد تركت العمل، وما كنت لأنحر صفية (3) غزيرة بشحم كلاها، وما عندي لبن يكفي أضياف حاتم!.
فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت به، وأعلمتها بمقالته، فقالت لها: ويلك ائتي حاتما فقولي له: إن أضيافك قد نزلوا الليلة بنا، ولم يعلموا بمكانك. فأرسل إلينا بناب ننحرها ونقرهم، وبلبن نسقهم، فإنما هي الليلة حتى يعرفوا مكانك.
فأتت الجارية حاتما فصرخت به، فقال حاتم: لبّيك؟ قريبا دعوت! فقالت: إن ماوية تقرأ عليك السلام، وتقول لك: إن أضيافك قد نزلوا بنا الليلة، فأرسل إليهم بناب ننحرها لهم ولبن نسقهم. فقال: نعم وأبي! ثم قام إلى الإبل فأطلق ثنيتين (4) من لم يلحن: لم يفطن.
(2) الغبوق: الشرب بالعشي. وغبقة: سقاه إياه في هذا الوقت.
(3) الصفية: الناقة الغزيرة.
(4) الثنية: الناقة الطاعنة في السادسة.(2/215)
عقاليهما، ثم صاح بهما حتى أتى الخباء، فضرب عراقيبهما فطفقت ماوية تصيح، وتقول هذا الذي طلقتك فيه! تترك ولدك وليس لهم شيء.
9
وكانت امرأة من العرب (1) من بنات ملوك اليمن ذات جمال وكمال، وحسب ومال، فآلت ألّا تزوّج نفسها إلا من كريم، ولئن خطبها لئيم لتجدعنّ أنفه، فتحاماها الناس حتى انتدب (2) إليها زيد الخيل، وحاتم بن عبد الله، وأوس بن حارثة الطائيون، فارتحلوا إليها.
فلما دخلوا عليها قالت مرحبا بكم، ما كنتم زوّارا فما الذي جاء بكم؟ قالوا:
جئنا زوّارا خطّابا، قالت: أكفاء كرام، ثم أنزلتهم وفرّقت بينهم وأسبغت لهم القرى وزادت فيه.
فلما كان اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكّرة في زيّ سائلة تتعرّض لهم، فرفع إليها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما، فلما صارت إلى رحل حاتم دفع إليها جميع ما كان من نفقته، وحمل إليها جميع ما حمل إليه.
فلما كان اليوم الثالث دخلوا عليها، فقالت ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره، فابتدر زيد وأنشأ يقول: [البسيط]
هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي ... عند الطعان إذا ما احمرّت الحدق (3)
وجاءت الخيل محمرّا بوادرها (4) ... بالماء يسفح من لباتها العلق (5)
والجار يعلم أني لست خاذلة ... إن ناب دهر لعظم الجار معترق (6)
هذا الثناء، فإن ترضي فراضية ... أو تسخطي فإلى من تعطف العنق؟
وقال أوس بن حارثة: إنك لتعلمين أنا أكرم أحسابا، وأشهر أفعالا من أن نصف أنفسنا لك، أنا الذي يقول فيه الشاعر: [الوافر]
إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي ولقد قضاها
فما وطىء الحصا مثل ابن سعدى ... ولا لبس النّعال ولا احتذاها
الخزانة ص 160ج 4طبعة السلفية، ذيل الأمالي ص 154، شرح العيون ص 75.
(2) انتدب إليها: أسرع.
(3) أي إذا ما اشتدت الحرب.
(4) البادرة: اللحمة التي بين المنكب والعنق، وهي تحمرّ من الدم الذي يسيل عليها من فرسانها.
(5) العلق: الدم.
(6) اعترقه: أكل ما عليه من اللحم.(2/216)
وأنا الذي عقّت عقيقته (1)، وأعتقت عن كل شعرة فيها عنه نسمة ثم أنشأ يقول:
[الطويل]
فإن تنكحي ماوية الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم
فتى لا يزال الدهر أكبر همّه ... فكاك أسير أو معونة غارم
وإن تنكحي زيدا ففارس قومه ... إذا الحرب يوما أقعدت كل قائم
وإن تنكحيني تنكحي غير فاجر ... ولا جارف جرف العشيرة هادم
ولا متّق يوما إذا الحرب شمرت ... بأنفسها نفسي كفعل الأشائم (2)
وإن طارق الأضياف لاذ برحله ... وجدت ابن سعدى للقرى غير عائم (3)
فأيّ فتى أهدى لك الله فاقبلي ... فإنّا كرام من رؤوس أكارم
وأنشأ حاتم يقول: [الطويل]
أماوي قد طال التجنّب والهجر ... وقد عذرتني (4) في طلابكم عذر (5)
أماوي إن المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي إني لا أقول لسائل ... إذا جاء يوما: حلّ في مالنا النّزر (6)
أماوي إما مانع فمبين ... وإما عطاء لا ينهنهه (7) الزجر
أماوي ما يغني الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت (8) يوما وضاق بها الصدر
أماوي إن يصبح صداي (9) بقفرة ... من الأرض لا ماء لديّ ولا خمر
ترى إن ما أنفقت لم يك ضائري ... وإن يدي مما بخلت به صفر
أماوي إني ربّ واحد أمه ... أخذت فلا قتل عليه ولا أسر
وقد علم الأقوام لو أن حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر
أماوي إن المال مال بذلته ... فأوله شكر وآخره ذكر
وإني لا آلو (10) بمالي صنيعة ... فأوله زاد وآخره ذخر
العقيقة: شعر كل مولود من الناس.
(2) الأشائم: جمع أشأم وهو ضدّ الأيامن.
(3) عتم الرجل عن الشيء: كفّ عنه بعد المضيّ فيه.
(4) عذرتني: أي رفعت عنّي اللوم، ومحت الإساءة وطمستها.
(5) العذر: جمع عذير، والعذير هو الحال، وأصله العذر، ويخفّف فيقال عذر.
(6) النزر: القلّة.
(7) نهنهه: منعه.
(8) الحشرجة: الغرغرة عند الموت.
(9) الصدي: ما يبقى من الميت في قبره.
(10) لا آلو: لا أقصر.(2/217)
يفكّ به العاني (1) ويؤكل طيبا ... وما إن يعريه القداح (2) ولا القمر (3)
ولا أظلم ابن العمّ إن كان إخوتي ... شهودا وقد أودى بإخوته الدهر
غنينا (4) زمانا بالتصعلك والغنى ... وكلّا سقاناه بكأسيهما الدهر
فما زادنا بأوا (5) على ذي قرابة ... غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقر
وما ضرّ جارا يا ابنة القوم فاعلمي ... يجاورني ألّا يكون له ستر
بعيني عن جارات قومي غفلة ... وفي السمع مني عن أحاديثها وقر
فقالت أما أنت يا زيد فقد وترت العرب، وبقاؤك مع الحرّة قليل، وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر والدخول عليهنّ شديد، وأما أنت يا حاتم فمرضيّ الأخلاق، محمود الشيم، كريم النفس وقد زوّجتك نفسي.
العاني: الأسير.
(2) القداح: قداح الميسر.
(3) القمر: المقامرة.
(4) غنينا: غني بالمكان، أقام به.
(5) البأو: الكبر والفخر.(2/218)
دراسات عامّة في الشعر الجاهلي
دواوين الشعراء الجاهليين
1 - لم تدوّن أشعار الجاهليين في عصر الجاهلية لأن الأمة كانت أميّة، ويروى أنه كان عند آل المنذر ديوان فيه أشعار الفحول وما مدح به هو وأهل بيته فصار ذلك إلى بني مروان، ولا نعلم شيئا عن هذه المجموعة هذا وإنما كان بعض الأشعار يحفظ بتواتر روايته، وفي صدر الإسلام اهتم الأدباء برواية الشعر الجاهلي وجمعه وتدوينه وتفسيره مثل الأصمعي وأبي زيد وأبي عبيدة وحمّاد الراوية وخلف الأحمر وقد حذا حذوهم من خلفهم ونظم هؤلاء وأولئك الشعر وأكثروا منه وأخذ الشعراء يدوّنون ما نظموه بأنفسهم غالبا.
2 - ومما دوّن من أشعار الجاهليين: كتاب العقد الثمين في دواوين الشعراء الستّة الجاهليين: النابغة الذبياني وعنترة العبسي وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى وعلقمة الفحل وامرىء القيس وقد طبع في مدينة «غريفزولد» سنة 1869للميلاد وديوان امرىء القيس الكندي المتوفّى سنة 539للميلاد، وبه ثلاثون قصيدة طبع في مصر سنة 1282للهجرة مع شرحه لوزير أبي بكر عاصم بن أيوب وأعيد طبعه سنة 1307. وديوان النابغة الذبياني وتوجد منه نسخة بالمكتبة الخديوية بخط محمود باشا سامي المصري الشهير بالبارودي. وديوان المتلمّس المتوفّى سنة 550للميلاد.
وديوان علقمة الفحل المتوفّى سنة 516للميلاد وقد طبع بمدينة ليبسيك سنة 1867.
وديوان زهير بن أبي سلمى المتوفّى قبل الإسلام بنحو سنة وقد طبع مع شرح له منسوب للأعلم الشنتمري بمدينة ليدن سنة 1306للهجرة من ضمن مجموعة مسمّاة بالطرف العربية ومنسوبة إلى الشيخ عمر السويدي ولعلّه سويدي مستشرق. ومجموع مشتمل على خمسة دواوين لأربعة جاهلية وهم: النابغة الذبياني وعروة بن الورد وحاتم طي وعلقمة الفحل والخامس إسلامي وهو الفرزدق، ومع الديوان الأول شرحه
للوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي المتوفّى سنة 394، ومع الثاني والثالث شرحهما لابن السكّيت المتوفّى سنة 244. وهذا المجموع طبع بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1293. ومجموعة المعلقات السبع وشرحها لعبد الله الزوزني وعلى الأولى منه أنه توفي سنة 375والزوزني نسبة إلى الزوزن وهي بلد كبيرة ما بين هراة ونيسابور وقد طبع بالإسكندرية سنة 1288. وطبعت المعلّقات بشرح لابن النحاس الغريق في النيل سنة 338وبشرح آخر للشيخ عثمان التنوخي جمع فيه بين الشرحين السابقين وبشرح آخر للنعساني الحلبي وقد طبع بمصر عام 1329هـ. وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي المتوفّى سنة 170تكلم فيها على الشعر والشعراء وجمع لهم تسعة وأربعين قصيدة مقسّمة إلى المعلقات والمجمهرات والمنتقيات والمذهّبات والمراثي والمشوبات والملحمات وشرح هذه القصائد بعض الشّرّاح وقد طبع بالمطبعة الأميرية سنة 1380وديوان قيس بن الخطيم أدرك الإسلام ومات قبل الهجرة وديوان الأعشى المتوفّى سنة 7للهجرة. وديوان الخنساء المتوفّاة سنة 24للهجرة وقد طبع بمصر سنة 1888وبيروت سنة 1889للميلاد وأضيفت إليه مرّات أخرى. وديوان حسّان بن ثابت المتوفّى سنة 40للهجرة وكان شاعر النبي عليه الصلاة والسلام.(2/219)
وديوان زهير بن أبي سلمى المتوفّى قبل الإسلام بنحو سنة وقد طبع مع شرح له منسوب للأعلم الشنتمري بمدينة ليدن سنة 1306للهجرة من ضمن مجموعة مسمّاة بالطرف العربية ومنسوبة إلى الشيخ عمر السويدي ولعلّه سويدي مستشرق. ومجموع مشتمل على خمسة دواوين لأربعة جاهلية وهم: النابغة الذبياني وعروة بن الورد وحاتم طي وعلقمة الفحل والخامس إسلامي وهو الفرزدق، ومع الديوان الأول شرحه
للوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي المتوفّى سنة 394، ومع الثاني والثالث شرحهما لابن السكّيت المتوفّى سنة 244. وهذا المجموع طبع بالمطبعة الوهبية بمصر سنة 1293. ومجموعة المعلقات السبع وشرحها لعبد الله الزوزني وعلى الأولى منه أنه توفي سنة 375والزوزني نسبة إلى الزوزن وهي بلد كبيرة ما بين هراة ونيسابور وقد طبع بالإسكندرية سنة 1288. وطبعت المعلّقات بشرح لابن النحاس الغريق في النيل سنة 338وبشرح آخر للشيخ عثمان التنوخي جمع فيه بين الشرحين السابقين وبشرح آخر للنعساني الحلبي وقد طبع بمصر عام 1329هـ. وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي المتوفّى سنة 170تكلم فيها على الشعر والشعراء وجمع لهم تسعة وأربعين قصيدة مقسّمة إلى المعلقات والمجمهرات والمنتقيات والمذهّبات والمراثي والمشوبات والملحمات وشرح هذه القصائد بعض الشّرّاح وقد طبع بالمطبعة الأميرية سنة 1380وديوان قيس بن الخطيم أدرك الإسلام ومات قبل الهجرة وديوان الأعشى المتوفّى سنة 7للهجرة. وديوان الخنساء المتوفّاة سنة 24للهجرة وقد طبع بمصر سنة 1888وبيروت سنة 1889للميلاد وأضيفت إليه مرّات أخرى. وديوان حسّان بن ثابت المتوفّى سنة 40للهجرة وكان شاعر النبي عليه الصلاة والسلام.
وديوان الحطيئة المتوفّى في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وديوان لبيد بن ربيعة المتوفّى في أول خلافة معاوية بعد أن عاش 140سنة وهو مطبوع بمدينة ويانة سنة 1880للميلاد.
وبعض هذه الدواوين وسواها مطبوع طبعات حديثة.
قدامى الشعراء في العصر الجاهلي
هم كثيرون، ومن أشهرهم:
1 - دويد بن زيد (1) بن نهد وله أبيات تروى قالها حين حضرته الوفاة.
2 - الأفوه الأودي (2)، ويزعم البعض أنه أول من قصد القصيد.
3 - عمرو بن قميئة صاحب امرىء القيس (3).
ص 20من المعمرين، ص 114المؤتلف، ص 158ج 1البيان.
(2) ص 41ج 11الأغاني، ص 42ج 1الخزانة، ص 150ج 2معاهد التنصيص، ص 114ج 1زيدان حماسة البحتري، ص 224و 228ج 2الأمالي.
(3) ص 89المعمرين، ص 35ج 1أمالي المرتضى، الأغاني، ص 10ج 1الحماسة.(2/220)
4 - تأبّط شرّا.
5 - الحارث بن همام بن مرّة (1).
6 - قيس بن زهير العبسي (2).
7 - ثعلبة المازني (3).
8 - الشنفرى توفي 510م (4).
9 - زهير بن جناب الكلبي م 500هـ (5).
10 - الشداخ الكناني (6).
11 - يزيد بن خذاق العبدي، جاهلي قديم، وأول من ذمّ الدنيا بشعره وأول من رثى نفسه قبل موته بقصيدته التي أولها:
هل للفتى من بنات الدهر من واق (7)؟
12 - جابر بن حني التغلبي (8).
13 - الصمة القشيري (9).
14 - الصمة الأصغر والد دريد بن الصمة (10).
15 - ابن جذل الطعان (11).
16 - المتلمس اليشكري (12).
الكامل ص 48ج 1، الحماسة، ص 105و 107ج 1الأمالي.
(2) الأغاني، الخزانة، الأمالي، الحماسة، وهو جدّ مساور بن هند بن قيس بن زهير من المخضرمين.
(3) ص 51المفضليات، شرح أمالي القالي للبكري، ص 297ج 2الحيوان للجاحظ.
(4) المفضليات، ذيل الأمالي ص 83ج 21، الأغاني، ص 16ج 2الخزانة، وص 187ج 1، وأيضا ص 119ج 1الميداني، وص 90ج 2أيضا.
(5) المعمرين، ص 130المرزباني، الحماسة، ص 158ج 1زيدان.
(6) ص 59ج 1الحماسة.
(7) ص 158ج 2العقد، ص 80ج 2الأمالي، وص 209و 256المفضليات.
(8) الحماسة، ص 191شواهد السيوطي على المغني.
(9) ص 124مؤتلف، الأغاني في ترجمة دريد بن الصمة.
(10) ص 124المؤتلف.
(11) أديان العرب، الأمالي الجزء الأول.
(12) ص 120ج 21الأغاني، ص 73ج 3الخزانة، وص 27و 450و 364و 415ج 1الخزانة، ص 270الميداني، ص 102ج 2الحماسة، الشعر والشعراء.(2/221)
17 - المسيب بن علس (1).
18 - أبو دؤاد الأيادي توفي عام 520م، وكان امرؤ القيس راوية له.
19 - لقيط الأيادي (2).
20 - الفند الزماني توفي عام 530م.
21 - شهل بن شيبان (3).
22 - الأضبط بن قريع (4).
23 - المرقش الأكبر (5).
24 - المرقش الأصغر (6) وتوفي نحو عام 500م.
25 - قيس بن الحدادية (7).
ومنهم: أعصر بن سعد بن قيس عيلان، والمستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد، وابن خذام وهو رجل من طيىء ورد ذكره في شعر امرىء القيس.
الشعراء الجاهليون
ونحن لا يعنينا إلا أن نسجّل بعض أسماء الشعراء المجهولين المنسيّين وهم:
الأخنس بن شهاب التغلبي (8).
أحيحة بن الجلاح (9).
أربد بن قيس أخو لبيد لامه (10).
ص 226ج 4الخزانة، وص 545ج 1ابن سلام، الأغاني، الشعر والشعراء.
(2) مختارات ابن الشجري، الأغاني.
(3) الحماسة، ص 57ج 2الخزانة، ص 143ج 20الأغاني.
(4) ص 80المعمرين، ص 154ج 16الأغاني، ص 334ج 4الخزانة.
(5) ص 179ج 5الأغاني، ص 515ج 3الخزانة، الشعر والشعراء، المرزباني، المفضليات.
(6) المرزباني، الأغاني، الخزانة.
(7) ص 325المرزباني.
(8) ص 167و 169ج 3الخزانة، المفضليات، الحماسة، ص 99ج 2الأمالي، ص 27 المؤلف.
(9) الأغاني ص 161ج 2، ص 122و 123ج 2الخزانة، ص 36و 321و 326ج 3الخزانة (طبعة جديدة).
(10) ص 130و 131ج 15الأغاني، ص 25و 132و 210المؤتلف، ص 71ج 3الخزانة (طبعة جديدة).(2/222)
أسامة بن الحارث الهذلي وله أحسن طائية قالتها العرب (1).
الأسعر الجعفي واسمه مرثد بن حمران (2).
الأسود بن يعفر النهشلي (3).
الأشعري الرقبان الأسدي، واسمه عمرو بن حارثة هجاء (4).
الأضبط بن قريع التميمي (5).
أبي بن حمام العبسي (6).
أفنون التغلبي (7).
الأفوه الأودي (8).
أدهم بن أبي الزاعراء الطائي (9).
أوس بن دني اليهودي القرظي (10).
إياس بن قبيصة الطائي (11).
ص 63ج 3العيني، ص 18و 145ج 1الأمالي.
(2) ص 137ج 2الخزانة، ص 25و 47و 132و 141و 210المؤتلف، ص 121و 185ج 1 الأمالي.
(3) ص 195ج 1الخزانة، ص 366ج 1الخزانة (جديد)، ص 128ج 11الأغاني، ص 188شرح شواهد المغني للسيوطي، ص 126ج 1الأمالي، المفضليات، ص 34ج 2 الخزانة، ص 35و 349ج 3الخزانة (جديد)، ص 16و 82المؤتلف، ص 525ج 4 الخزانة.
(4) ص 47و 123و 210المؤتلف، ص 214ج 2الأمالي، ص 186و 234و 256ج 2 الميداني.
(5) ص 154ج 16الأغاني، المعمرين، الشعر والشعراء، ص 107ج 1الأمالي، ص 169ج 3 البيان، ج 1معجم البلدان، ص 589ج 4الخزانة، ص 434ج 4العيني.
(6) ص 91مؤتلف، ص 156و 157و 173ج 1الحماسة.
(7) ص 451و 456ج 4الخزانة، ص 53شرح شواهد المغني للسيوطي، ص 154ج 2 الأمالي، ص 151المؤتلف.
(8) ص 41ج 11الأغاني، ص 421ج 1العيني، ص 150ج 2معاهد التنصيص، ص 124ج 1الأمالي، ص 224و 228ج 2منه.
(9) ص 31مؤتلف، ص 203الحماسة.
(10) ص 94و 97ج 19الأغاني.
(11) ص 134ج 20الأغاني، ص 66و 241و 246و 424ج 1الحماسة.(2/223)
أوفى بن مطر المازني: عداء (1).
أهبان بن خالد بن نضلة الفقعسي (2).
إياس بن الأرت الطائي (3).
باعث بن صريم اليشكري (4).
البرج بن جلاس صاحب الحصين بن الحمام المري (5).
البرج بن مسهر الطائي (6).
بجير بن عنمة الطائي (7).
بجير بن عبد الله بن سلمة القشيري (8).
بسطام بن قيس الشيباني (9).
بشامة بن النهشلي (10).
بشامة بن الغدير الذبياني، خال زهير بن أبي سلمى (11).
بشر بن أبي خازم الأسدي (12).
ص 315ج 3الخزانة، ص 468مرزباني (معجم الشعراء).
(2) ص 30مؤتلف.
(3) ص 423ج 1حماسة، ص 89و 202و 317ج 2الحماسة.
(4) ص 17ج 3الخزانة، ص 125معجم الشعراء للمرزباني، ص 73العقد، ص 203ج 2 الأماني، ص 136و 137ج 20الأغاني.
(5) ص 121و 122ج 12الأغاني.
(6) ص 61المؤتلف، ص 86و 530ج 2الحماسة، ص 135و 244ج 1الحماسة.
(7) ص 58مؤتلف.
(8) ص 59مؤتلف، شرح نهج البلاغة ج 3.
(9) ص 71ج 7الأغاني، ص 106ج 17الأغاني، ص 64المؤتلف، العمدة ج 1، ابن الأثير ج 1.
(10) ص 66مؤتلف، ص 510و 515ج 3الخزانة، ص 370ج 3العيني، ص 149و 25ج 1 الحماسة.
(11) ص 149ج 9الأغاني، ص 66و 163المؤتلف، المفضليات، الشعر والشعراء لابن قتيبة، طبقات الشعراء لابن سلام.
(12) ص 262ج 2الخزانة، ص 37ج 3الخزانة (جديد)، ص 316ج 4الخزانة، ص 297ج 3الخزانة، ص 336ج 4الخزانة، ص 47ج 1الحماسة، ص 59و 86الموشح، المفضليات، الجمهرة، مختارات ابن الشجري، ص 157ج 9الأغاني، ص 137ج 13وص 83ج 15وص 94ج 16وص 76ج 19الأغاني، وص 60و 222المرزباني (معجم الشعراء)، الشعر والشعراء، ص 367ج 3العقد، ص 88ج 2الحماسة، ص 61و 255
بلعاء بن قيس الكناني (1).(2/224)
(12) ص 262ج 2الخزانة، ص 37ج 3الخزانة (جديد)، ص 316ج 4الخزانة، ص 297ج 3الخزانة، ص 336ج 4الخزانة، ص 47ج 1الحماسة، ص 59و 86الموشح، المفضليات، الجمهرة، مختارات ابن الشجري، ص 157ج 9الأغاني، ص 137ج 13وص 83ج 15وص 94ج 16وص 76ج 19الأغاني، وص 60و 222المرزباني (معجم الشعراء)، الشعر والشعراء، ص 367ج 3العقد، ص 88ج 2الحماسة، ص 61و 255
بلعاء بن قيس الكناني (1).
أبي بن حمام العبسي (2).
أدهم بن أبي الزعراء الطائي (3).
أسد بن ناعصة التنوخي، وهو نصراني قديم (4).
أميمة بنت عبد شمس بن عبد مناف (5).
أنيف بن زبان الطائي (6).
تأبّط شرّا (7)، واسمه ثابت بن جابر.
توبة بن مضرب التميمي (8).
ثعلبة بن صعير المازني (9).
جابر بن حريش الطائي (10).
جابر بن حنى التغلبي (11) صاحب امرىء القيس.
جارية بن مرّ (أبو حنبل الطائي) (12).
جحدر بن ضبيعة (13).
ج 1الأمالي، ص 34و 213و 233و 312ج 2الأمالي.
(1) ص 130ج 13وص 77و 80ج 19الأغاني، ص 106و 347المؤتلف، ص 202ج 2 البيان، ص 13و 189ج 1الحماسة، وص 288ج 2الحماسة.
(2) ص 91مؤتلف، ص 166حماسة البحتري.
(3) ص 31المؤتلف.
(4) ص 194و 209المرزباني.
(5) ص 82ج 19الأغاني.
(6) ص 47ج 1الحماسة.
(7) ص 81ج 4أمالي المرتضى، ص 29نقد الشعر، ص 158ج 3المرتضى، العقد، ص 218208ج 18الأغاني، ص 140ج 1وص 139ج 2الأمالي، ص 62الشعر والشعراء، ص 357و 54ج 3الخزانة.
(8) ص 68المؤتلف، ص 28ج 2الأمالي.
(9) المفضليات، ص 147ج 2الأمالي، ص 107المؤتلف، ص 208ج 1الإصابة.
(10) ص 232ج 1الحماسة.
(11) ص 207المرزباني، ص 191شرح شواهد المغني للسيوطي.
(12) ص 99مؤتلف، ص 107ج 1الحماسة.
(13) ص 195ج 1الحماسة، ص 142و 147ج 4الأغاني.
جذع بن سنان الغساني (1) شاعر قديم.(2/225)
جذع بن سنان الغساني (1) شاعر قديم.
جساس بن مرّة (2).
جليلة بنت مرّة أخت جسّاس (3).
الجميح الأسدي (منقذ بن الطماح) (4).
جؤبة بن النصر الجرمي (5).
البراض بن قيس الكناني (6).
ثواب بن النار اليشكري (7).
حاتم الطائي (8).
حاجز بن عوف الأزدي (9).
الحادالة أو الحويدرة الذبياني (قطن بن أوس) (10).
ص 7ج 3الخزانة.
(2) ص 150139ج 4الأغاني.
(3) ص 489معجم الشعراء، وص 149ج 4الأغاني.
(4) ص 296ج 4الخزانة، المفضليات، ص 9ج 1الأمالي، ص 263ج 2الأمالي، ص 403 معجم الشعراء.
(5) ص 180ج 3الأغاني، ص 344ج 2الحماسة، معاهد التنصيص.
(6) ص 10و 15و 70و 75ج 19الأغاني، ص 295ج 6معجم البلدان، تاريخ ابن الأثير ج 1.
(7) ص 70مؤتلف.
(8) ص 25مؤتلف، ص 286و 309و 332و 333و 374ج 2الحماسة، ص 84ج 2وص 47 ج 5وص 80ج 6وص 126و 145و 146ج 7وص 121ج 10وص 27ج 11وص 159ج 12وص 20و 46و 10992و 121ج 16وص 128و 159ج 19الأغاني، ص 137ج 1العيني، ص 149ج 4وص 163ج 2الخزانة، ص 146ج 1العقد، ص 277 ج 1وص 64و 22و 111و 154ج 3وص 171ج 2الألى، ص 394ج 1الخزانة، ص 75شرح شواهد المغني، ص 333ج 1معجم البلدان، ص 238ج 6وص 326و 350ج 7المرجع، ص 27ج 1وص 175ج 3البيان، الشعر والشعراء، بلوغ الأرب، العرب وأطوارهم لعبد الجواد الأصمعي.
(9) ص 77ج 2وص 5147ج 12وص 218ج 18الأغاني.
(10) ص 8179ج 3الأغاني، وص 87نقد الشعر، ص 261ج 7معجم البلدان، ص 181ج 1البيان.(2/226)
الحارث بن حلزة اليشكري (1).
الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي (2).
الحارث بن ظالم المري (3).
الحارث بن عبّاد البكري (4).
الحارث بن همام الشيباني (5).
الحارث بن وعلة الجرمي (6).
حبيبة بنت عبد العزّى الثعلبية الذبيانية (7).
حجر بن خالد البكري (8).
حجل بن نضلة الباهلي (9) صاحب البيت «جاء شقيق عارضا رمحه».
حرملة بن حكيم الغساني (10).
ص 77و 233الموشح، ص 174ج 1وص 77ج 1العقد، ص 90و 203و 302 المؤتلف، الشعر والشعراء، ص 153ج 5وص 141و 142و 174171ج 9الأغاني، ص 122و 162و 379ج 3الخزانة (جديد)، ص 149و 151و 228و 295ج 2وص 295 ج 1وص 126ج 4الخزانة، ص 294ج 2الحماسة، ص 367ج 3العقد، ص 167ج 11الأغاني، ص 69ج 4شرح الكامل، المفضليات ص 45و 89ج 2وص 3و 174ج 3 البيان، وطبع ديوانه ببيروت عام 1922.
(2) ص 158ج 1وص 34ج 16الأغاني، ص 150ج 2الإصابة.
(3) ص 185ج 3الخزانة، ص 52و 53ج 3العقد، ص 99ج 19وص 22ج 20الأغاني بلوغ الأرب، ص 259ج 5شرح الكامل، ص 143و 319ج 1الحماسة.
(4) ص 149142ج 4الأغاني، ص 219ج 5الكامل، ص 104الموشح، ص 142و 425 ج 1الخزانة (جديدة)، وص 226ج 1الخزانة.
(5) ص 208مرزباني، ص 38ج 1الحماسة، وص 9391ج 5الأغاني، وص 28ج 16 الأغاني.
(6) ص 196و 243المؤتلف، ص 97و 80ج 3العقد، ص 141139ج 16وص 7671 ج 15وص 132ج 20الأغاني، وص 264شرح شواهد المعنى، ص 226ج 1وص 124 ج 2الأمالي، ص 10ج 8طبري، ص 175ج 5الكامل، ص 316ج 1معجم البلدان، وص 392و 444ج 2وص 213ج 3وص 39و 326ج 6المرجع، المفضليت 96.
(7) المؤتلف، ص 30ج 16الأغاني، ص 291ج 2الحماسة.
(8) ص 131و 197و 199ج 1وص 294ج 2الحماسة.
(9) ج 1معاهد التنصيص، ص 138ج 4الأغاني، ص 221ج 3الإصابة، ص 82مؤتلف، ص 185ج 2وص 192ج 3الخزانة.
(10) ص 127المؤتلف، ص 230ج 4الخزانة.(2/227)
الحصين بن الحمام المري (1).
حضير الكتائب الأشهلي (ابن سماك) (2) وابنه أسيد بن حضير من جلّة الصحابة وتوفي عام 20هـ وكذلك هند بنت حضير.
حطائط بن يعفر النهشلي أخو الأسود بن يعفر (أعشى بني تميم) وهو القائل: [الطويل]
أريني جوادا مات هزلا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا (3)
حنظلة بن أبي عفراء نصراني (4).
خارجة بن سعد بن جديلة الطائي (5).
خارجة بن جعفر بن كلاب (6).
خداش بن زهير العامري (7).
خراشة بن عمر العبسي (8).
ذو الخرق الطهوي (خليفة بن حمل) (9).
خرنق بنت هفان القيسية (10).
ص 18ج 2الإصابة، ص 87و 91و 472مرزباني، ص 122ج 10الأغاني، ص 187ج 11وص 9887ج 11وص 124118ج 12الأغاني، ص 143و 145ج 1الحماسة، ص 290و 294و 296و 298ج 1خزانة (جديدة)، ص 354ج 3الخزانة، ص 299ج 1 معجم البلدان، ص 91ج 3وص 52ج 4وص 267ج 5معجم، ص 60ج 1الحماسة.
(2) ص 156و 159ج 15الأغاني، بلوغ الأرب، ج 1ابن الأثير.
(3) ص 133ج 11الأغاني، ص 342ج 11الحماسة.
(4) ص 98ج 9الأغاني، ص 78و 88ج 9الأغاني.
(5) ص 61مؤتلف، ص 135و 244ج 2الحماسة.
(6) الأغاني، ص 152ج 1المرتضى، ص 49ج 3العقد.
(7) الأغاني، الجمهرة، الشعر والشعراء، ص 168ج 2الأمالي، ص 73و 107المؤتلف، ص 252و 255ج 3البيان، ص 504ج 2الخزانة، ص 57و 88و 89ج 3العقد، ص 10ج 1الحيوان، ص 75ج 4خزانة (جديدة)، ص 148ج 2الإصابة، ص 102و 263و 457ج 3وص 295ج 5وص 190ج 7وص 379ج 8معجم البلدان.
(8) ص 57ج 3العقد، ص 177ج 3معجم البلدان.
(9) ص 20ج 1وص 50ج 1خزانة، ص 109و 119و 121ج 2الأمالي.
(10) ص 306ج 2الخزانة، ص 602ج 1العيني، ص 160ج 2الأمالي، وص 146ج 1 المرتضى، ص 158ج 6كامل، ص 141ج 7معجم البلدان. وطبع ديوانها ببيروت سنة 1899.(2/228)
الخنساء بنت أبي سلمى أخت زهير (1).
خزيمة بن نهد من قضاعة شاعر قديم (2).
ربيعة بن مقروم من ضبّة (3).
سويد بن أبي كاهل اليشكري (4).
عديّ بن زيد العبادي (5)، من أصحاب المجمهرات.
عديّ بن نوفل من قريش (6)، شاعر مقلّ.
عمرو بن براق، شاعر قديم (7).
عمرو بن قميئة (8) من ربيعة.
لقيط بن معمر الأيادي شاعر جاهلي قديم (9).
الممزق العبدي (10) م 480م وهو شاعر قديم.
النمر بن تولب من أصحاب المجمهرات (11).
شعراء الحماسة الجاهليون
الفند الزماني، جاهلي، شهد حرب البسوس.
بلعاء بن قيس الكناني، جاهلي، شهد الفجار الثاني.
تأبّط شرّا، جاهلي، وكان أبو كبير الهذلي الصحابي زوج أم تأبّط شرّا.
السموأل، جاهلي.
علقمة بن شيبان.
ص 110المؤتلف، ص 150ج 9الأغاني.
(2) ص 159ج 11الأغاني.
(3) ص 90ج 19الأغاني، والشعر والشعراء، ص 566ج 3الخزانة.
(4) ص 171ج 11الأغاني. الشعر والشعراء.
(5) ص 18ج 2الأغاني، والشعر والشعراء، الجمهرة.
(6) ص 135ج 13الأغاني.
(7) ص 130ج 21الأغاني.
(8) ص 163ج 16الأغاني، ص 249ج 2الخزانة، والشعر والشعراء.
(9) ص 26ج 15الأغاني، ص 200ج 1الخزانة.
(10) الشعر والشعراء.
(11) ص 157ج 19الأغاني، والشعر والشعراء، والجمهرة.(2/229)
مسلمة بن ذهل.
معدان الكندي.
سيار بن قصير، جاهلي.
رويشد الطائي.
أنيف بن زبان.
قيس بن الخطيم، جاهلي، أدرك النبي.
الحارث بن همام الشيباني.
عامر بن الطفيل، وفد على رسول الله.
الحارث بن هشام، توفي سنة 15هـ، وهو أخو أبي جهل، وفرّ في غزوة بدر.
الغرار السلمي مخضرم.
الشداخ الكناني، جاهلي، قديم.
الحصين بن الحمام المري.
أنس بن زهير العبسي.
الحارث بن وعلة الجرمي.
إياس بن قبيصة الطائي.
عمرو بن معديكرب.
كبشة أخت عمرو بن معديكرب.
سبرة بن عمرو الفقعسي.
عمرو بن مسعود.
طفيل الغنوي.
حيّان بن ربيعة الطائي.
أبو حنبل الطائي.
يزيد بن حمار.
جساس بن نشبة.
هلال بن رزين.
حجر بن خالد.(2/230)
البرج بن مسهر، جاهلي قديم.
طرفة الخزيمي.
عنترة.
عبد الشارق الجهني.
عمرو بن كلثوم.
الربيع بن زياد العبسي.
سعد بن مالك (جدّ طرفة).
شماس الطهوي.
المنخل اليشكري.
الفضل بن الأخضر.
جابر بن حريش.
الوقاد بن المنذر.
حسيل الضبي.
عامر بن شقيق.
باعث اليشكري.
أبيّ بن سلمى.
يغثر الأسدي.
الأخنس بن شهاب.
قتادة الحنفي.
عمرو بن شقيق.
أم السليك بن السلكة.
قسامة.
المسجاح.
لبيد.
أم قيس.
عصام الزماني.(2/231)
حاتم.
حجية.
جران العود.
نضر بن قيس.
قراد.
عارق الطائي.
العريان.
عمرو بن الأطنابة.
حطائط.
حكيم الضبي.
رشيد بن رميض.
المثلم بن رياح.
أبي العبسي.
عروة بن الورد.
بشر بن أبي العبسي.
المثلم التنوخي.
الشنفرى.
جحدر بن ضبعة.
حجر بن خالد.
الأخرم السنبسي.
سنان بن الفحل.
زيد الفوارس.
شمعلة بن الأخضر.
محرز الضبي.
أبو ثمامة الضبي.
سليمى بن ربيعة.(2/232)
المتلمس خال طرفة.
مجمع بن هلال.
عبد القيس البرجمي.
النابغة الذبياني.
حفص الكناني.
مهلهل.
مسافع.
أبو صعترة.
مية الضبية.
صخر أخو الخنساء.
عمرو بن قميئة.
مالك بن حريم.
مضرس بن ربعي.
ورد الجعدي.
ابن عجلان النهدي.
طرفة.
يزيد الطائي.
جثامة.
المثلم المري.
شريح.
الشعراء المتألّهون
وهم كما يأتي:
قس بن ساعدة الإيادي.
زيد بن عمرو بن نفيل.
رباب بن رباب.
سويد بن عامر المصطلقي.(2/233)
أسعد بن كرب الحميري.
عدي بن زيد.
وكيع بن سلمة الإيادي.
عمير بن جندب الجهني.
ورقاء بن نوفل.
أبو قيس صرّة بن أبي أنس.
عامر بن الظرب العدواني.
عبد الطابخة بن ثعلب.
علاف بن شهاب التميمي.
مصادر الشعر الجاهلي
مصادر الشعر الجاهلي كثيرة: كالمفضليات، وحماسة أبي تمام الطائي وهي تحتوي سبعين وخمسمائة قطعة من الشعر قسمت إلى عشرة أبواب:
الحماسة، المراثي، الأدب، النسيب، الهجاء، الإضافات، الصفات، السّير، والملح ومذمّة النساء ولها شروح كثيرة:
ومنها حماسة البحتري، وهي ذيل الحماسة أبي تمام وتحتوي على سبعين ومائة باب وفيها أكثر من ألف وأربعمائة قطعة.
ومنها ديوان الهذليين للسكري، وهو المجموعة الوحيدة التي وصلت إلينا من مجموعات أشعار قبيلة واحدة، والنسخة الوحيدة منه محفوظة في مكتبة ليدن وتحتوي على الجزء الثاني منه فقط، وقد طبع هذا المجموع في لندن سنة 1854هـ.
ومنها كتاب الأغاني للأصفهاني م 356هـ. وكتاب قراضة الذهب في نقد أشعار العرب لابن رشيق م 460هـ.
ومنها جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، وتحتوي على تسع وأربعين قصيدة لشعراء الجاهلية والإسلام.
ومنها الأمثال للميداني، والبيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأمالي للقالي وسوى ذلك من مصادر الأدب والشعر العربي القديم، وخاصّة دواوين الشعراء الجاهليين.(2/234)
الشعر الجاهلي في موازين النقد
موقف النقّاد من الشعر الجاهلي
الشعر الجاهلي الذي اتخذه الشعراء في مختلف العصور أصلا يحتذون حذوه وينهجون منهجه، ويبنون عليه ويقلّدونه في مناهجه الفنية والأدبية تقليدا كبيرا، هذا الشعر هو الذي نريد أن نتحدث عن موقف النقّاد منه وآرائهم فيه، ومذاهبهم حياله، حديثا يجمع مع الإيجاز أطراف هذا الموضوع المتشعّب الدقيق.
وأول ما نذكره في هذا البحث آراء الجاهليين أنفسهم في الشعر الجاهلي ونقده، وهذه الآراء كثيرة متعددة طائفة منها تتحدث عن منزلة بعض الشعراء الأدبية في الشعر، وطائفة أخرى فيها نقد لبعض الشعراء.
فأنت تعلم أن كل قبيلة في الجاهلية كانت ترفع منزلة شاعرها على الشعراء وتذهب إلى أنه إمامهم وأولهم في دولة الشعر، فكان اليمنيون يذهبون إلى أن امرأ القيس هو إمام الشعراء، وكان بنو أسد يذهبون إلى تقديم عبيد، وتغلب تقدّم مهلهلا، وبكر تقدّم المرقش الأكبر، وإياد ترفع من شأن أبي دؤاد وهكذا. وكان أهل الحجاز والبادية يقدّمون زهيرا والنابغة وأهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدا، وأهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدا، وكان العباس بن عبد المطلب يقول عن امرىء القيس: هو سابق الشعراء، ورأى لبيد أن أشعر الناس امرؤ القيس ثم طرفة ثم نفسه.
كما نعلم أن الجاهليين أنفسهم كانت لهم آراء كثيرة في نقد الشعراء، فكان النابغة تضرب له قبّة حمراء في سوق عكاظ.
كانت تأتيه الشعراء وتنشده أشعارها، أتاه الأعشى يوما فأنشده، ثم أتاه حسّان فأنشده، فقال: لولا أن أبا بصير أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الجنّ والإنس، فقال
حسان: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك وجدّك، فقبض النابغة على يده وقال: يا ابن أخي أنت لا تحسن أن تقول: [الطويل](2/235)
كانت تأتيه الشعراء وتنشده أشعارها، أتاه الأعشى يوما فأنشده، ثم أتاه حسّان فأنشده، فقال: لولا أن أبا بصير أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الجنّ والإنس، فقال
حسان: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك وجدّك، فقبض النابغة على يده وقال: يا ابن أخي أنت لا تحسن أن تقول: [الطويل]
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
ثم أنشدته الخنساء: [البسيط]
قذى بعينيك أم بالعين عوار ... أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار
فلما بلغت قولها: [البسيط]
وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
قال ما رأيت امرأة أشعر منك قالت: ولا رجلا.
وحكومة أم جندب الطائية بين امرىء القيس وعلقمة الفحل الشاعرين وتفضيلها علقمة على زوجها امرىء القيس، مشهورة ولا داعي لذكرها، فلها حديث آخر إن شاء الله.
ومرّ امرؤ القيس بكعب وأخويه الغضبان والقعقاع، فأنشدوه فقال إني لأعجب كيف لا تمتلىء عليكم نارا جودة شعركم فسمّوا بني النار.
وروى المرزباني في كتابه «الموشح» أن الزبرقان وعمرو بن الأهتم وعبدة بن الطيب والمخبل السعدي تحاكموا إلى ربيعة بن حذار الأسدي الشاعر في الشعر أيّهم أشعر، فقال الزبرقان: أما أنت فشعرك كلحم أسخن لا هو أنضج فأكل ولا ترك نيئا فينتفع به، وأما أنت يا عمرو فإن شعرك كبرود حبر يتلألأ فيها البصر، فكلما أعيد فيها النظر، نقص البصر، وأما أنت يا مخبل فإن شعرك قصر عن شعرهم وارتفع عن شعر غيرهم، وأما أنت يا عبدة فإن شعرك كمزادة أحكم خرزها فليس تقطر ولا تمطر.
كما روي أيضا أن هؤلاء الشعراء اجتمعوا في موضع فتناشدوا أشعارهم فقال لهم عبدة: والله لو أن قوما طاروا من جودة الشعر لطرتم فإما أن تخبروني عن أشعاركم وإما أن أخبركم! قالوا: أخبرنا، قال: فإني أبدأ بنفسي أما شعري فمثل سقاء شديدة وغيره من الأسقية أوسع منع وأما أنت يا زبرقان فإنك مررت بجزور منحورة فأخذت من أطايبها وأخابثها.
إلى غير ذلك من مواقف النقد والنقّاد للشعر في العصر الجاهلي والتي لا تخرج عن الاستحسان أو الاستهجان للشعر والشعراء.(2/236)
وجاء الإسلام فكان له ولرسوله الكريم موقف جليل من الشعر الجاهلي، أنكر بعضا وعرف بعضا، أنكر هذا الشعر الذي ينافي الأخلاق الكريمة والمثل العليا من الغزل الفاحش، والمجون الخليع، والهجاء الكاذب، والمدح المغرق، والفخر الممعن في الغلوّ والمبالغة، وعرف هذا الشعر الذي يدعو إلى الفضائل والأخلاق والدين ويحثّ على الأدب والطموح وأداء الواجب وحبّ الجماعة والتضحية في سبيل الأمة والإنسانية، فكان هذا الموقف الخالد للإسلام ونبيّه العظيم توجيها لرسالة الشعر، وتهذيبا نبيلا للشعراء ليسمو بفنّهم الرفيع إلى مجال الطّهر والخير، ومجال الحق والعدل والحرية والنور، وكان نقدا عميقا للشعر والشعراء الجاهليين، وإنكارا لاتخاذ الشعر وسيلة للكسب وظهر أثر الإسلام والقرآن في تهذيب أسلوب الشعر وألفاظه وفي البعد به عن الحوشية والغرابة وطبعه بطابع القوة والجلالة والروعة مع الحلاوة والبلاغة والسّلاسة. كما ظهر أثر القرآن والحياة الجديدة في عقلية الشعراء وتفكيرهم ومعانيهم وخيالاتهم.
وفي عصر دولة بني أمية انتشرت العصبيات، وكثرت الخلافات السياسية والدينية، وتغيّر نهج حياة العرب وتفكيرهم، فعادوا إلى مذاهب الجاهليين واتخذوه أداة للدفاع عن الرأي والعقيدة، ولسانا لإذاعة محامدهم ومفاخرهم، وشجّعوا الرواة على رواية الشعر الجاهلي والشباب على درسه وتعلّمه والتأدّب بأدبه، ووضعت في هذا العصر أصول النحو العربي فأخذ العلماء ينقدون الشعر الجاهلي نقدا يتصل بالإعراب وكان ابن أبي إسحق وعيسى بن عمر يطعنان عليهم، وكان عيسى يقول:
أساء النابغة في قوله: [الكامل]
فبتّ كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السّمّ ناقع
ويقول موضعه: ناقعا (1).
ومن أشهر رواة الشعر الجاهلي ونقّاده في القرن الثاني الهجري: أبو عمرو بن العلاء البصري م 154هـ، وحمّاد الراوية الكوفي (15675هـ)، وخلف الأحمر البصري م 180هـ، ويونس البصري م 182هـ والمفضل الضبي م 189هـ وهو أقدم من جمع المختار من شعر العرب في كتاب «المفضليات» وأول من فسّر الشعر بيتا بيتا، ويقال إنه أول من جمع أشعار الجاهليين، وإن كان الراجح أن حمّادا سبقه في هذا الميدان. ومنهم: ابن الكلبي م 204، وأبو زيد الأنصاري صاحب كتاب ص 41الموشح للمرزباني، ص 11و 12ابن سلام.(2/237)
الجمهرة م 215هـ، وأبو عبيدة البصري م 206هـ صاحب «النقائض» و «مجاز القرآن»، والأصمعي البصري م 216هـ (1).
كان أبو عمرو بن العلاء أشدّ الناس إكبارا للجاهليين وتعظيما لشأنهم. جلس إليه الأصمعي عشر سنين فما سمعه يحتجّ ببيت إسلامي. ويروى عنه: لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهليين ما قدّمت عليه أحدا وكان لا يعدّ الشعر إلا للجاهليين، وكان كما يقول ابن سلام في طبقات الشعراء أشد الناس تسليما لهم.
وكان المأمون على رغم ثقافته الواسعة يتعصّب للأوائل من الشعراء ويقول:
انقضى الشعر ملك بني أمية.
وكان الأصمعي مع تحامله على المحدثين وشعرهم معتدلا في عصبيته للشعر الجاهلي، كان يحب الجيّد منه، وينقد الرديء، عاب امرأ القيس في قوله في وصف الفرس: [المتقارب]
وأركب في الروح خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر
والخيفانة في الأصل هي الجرادة وتشبّه بها الفرس في الخفّة.
قال الأصمعي: شبّه شعر الناصية بسعف النخلة، والشعر إذا غطى العين لم يكن الفرس كريما كما عاب غير امرىء القيس من الشعراء. وكان يقول: ختم الشعر بالرماح وهو شاعر أموي مشهور.
وفي القرن الثالث الهجري نجد النقّاد في موقفهم من الشعر الجاهلي طائفتين:
فطائفة تعجب بالجاهليين وشعرهم إعجابا شديدا، ولا ترى الشعر إلا لهم ومن هؤلاء ابن الأعرابي م 237هـ، وكان يزري بأشعار المحدثين ويشيد بشعر القدماء.
وكان يعيب شعر أبي نواس وأبي تمام، ويقول: ختم الشعر بابن هرمة. وقال في بشار: والله لولا أن أيامه تأخرت لفضّلته على كثير من الشعراء ومنهم أيضا إسحق الموصلي م 240هـ، وكان في كل أحواله ينصر الأوائل وكان شديد العصبية لهم وكان لا يعتدّ ببشار. ولم يكن موقفه قاصرا على الشعر وحده بل كان كذلك في الغناء، كان يتعصّب للغناء القديم وينكر تغييره ويعظّم الإقدام عليه. ومثل ذلك كان لهؤلاء الرواة أثر كبير في الشعر الجاهلي، فقد وضعوا الجاهليين في طبقات، ولم يتركوا شاعرا مشهورا من الجاهليين إلا رأوا فيه رأيا، واهتمّوا فوق ذلك بجمع الشعر وروايته وتدوينه.(2/238)
التعصّب للقديم موجود في الآداب الأوروبية، فقد كان هو راس الشاعر الروماني يرى أن شعراء اليونان هم النماذج التي يجب أن تدرس ليلا ونهارا، فإن الشعر ينبغي أن ينظم كما كانوا ينظمونه واعتذر الباقلاني عنهم بأنهم إنما كانوا يميلون إلى الذي يجمع الغريب والمعاني واعتذر ابن رشيق عنهم بحاجتهم إلى الشاهد والمثل وقلّة ثقافتهم بما يأتي به المولّدون. ولكن الجرجاني في الوساطة يذكر أن ذلك أثر لتعصّب علماء اللغة ورواتها للشعر القديم وإنكارهم لفضل المحدثين وشعرهم (94و 50 وساطة ط بيروت).
وطائفة أخرى من النقّاد حكّموا الذّوق الأدبي والطبع وحده في الشعر وحكموا أن الشاعر إما أن يكون من الجاهليين، أو إسلاميّا أو محدّثا، فلم يفضلوا الجاهليين لسبقهم في الزمن ولم يغضّوا من شأن المحدثين لتأخّر عصرهم. ومن هؤلاء: الجاحظ م 255هـ، وابن قتيبة المتوفّى 276هـ، والمبرد م 285هـ، وابن المعتز م 296هـ.
يقول ابن قتيبة في أول كتابه الشعر والشعراء: «ولا نظرت إلى المتقدم بعين الجلالة لتقدّمه، ولا المتأخر بعين الاحتقار لتأخّره، بل نظرت بعين العدل إلى الفريقين، وأعطيت كلّا حقه، ووفّرت عليه حظّه، فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدّم قائله ويضعه موضع متخيّره ويرذل الشعر الرصين ولا عيب عنده إلا أنه قيل في زمانه، ورأى قائله، ولم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصّ به قوما دون قوم. بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده وجعل كل قديم منهم حديثا في عصره، فقد كان جرير والفرزدق والأخطل يعدّون محدثين، وكان أبو عمرو يقول: لقد نبغ هذا المحدّث وحسن حتى لقد هممت بروايته (1).
وقال المبرد: ليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب، ولكن يعطي كلّا ما يستحقّه (2).
وأنكر ابن المعتز عصبية هؤلاء النقّاد للشعر القديم وذمّهم لشعر المحدثين، وقال: إنها عيب قبيح، ومن فعل ذلك فإنما غضّ من نفسه، وجعل هذا ناشئا عن جهل بنقد الشعر وتمييزه (3).
ص 7و 8الشعر والشعراء.
(2) ص 18ج 1كامل المبرد.
(3) ص 175و 176أخبار أبي تمام للصولي.(2/239)
وكان الجاحظ هو السابق إلى إقامة نقد الشعر على أسس فنيّة خالصة، وحارب هذا التعصّب الممقوت للقديم لقدمه، وآراؤه في ذلك كثيرة في «التبيان والتبيين» و «الحيوان» وسواهما، ففي «الحيوان» ينكر الجاحظ على المتعصبين للقديم فعلهم ويقول: ولو كان لهم بصر لعرفوا الجيد ممّن كان وفي أيّ زمان كان.
وفي القرن الثالث أيضا كثرت مؤلفات النقّاد في الشعر والشعراء، وكتب ابن سلام «طبقات الشعر» مشهور، وهو أول عمل أدبي منظم في النقد، وقد قسم الجاهليين عشر طبقات، وأضاف إليهم شعراء المراثي وشعراء المدن العربية، ووضع في الطبقة الأولى امرأ القيس وزهيرا والأعشى والنابغة ولم يسبقه إلى هذا التقسيم الفني للشعراء الجاهليين وطبقاتهم الأدبية إلا أبو عبيدة الذي قسم الجاهليين ثلاث طبقات، ووضع في الأولى امرأ القيس والنابغة وزهيرا، وفي الثانية الأعشى وطرفة ولبيدا. ويذكر ابن سلام في طبقاته الشعراء الإسلاميين كذلك ويقسمهم طبقات عشرا أيضا ولا يذكر أحدا من الشعراء المحدثين، بعكس ابن قتيبة الذي ألّف كتابه «الشعر والشعراء» وذكر فيه الكثير من الشعراء المحدثين الذين عاشوا قبيل منتصف القرن الثالث وهذا يدلّ على أن ابن قتيبة كان أكثر تقديرا للشعر الجيد وحده بصرف النظر عن قائله وزمنه. وهذا يذكّرنا بجمع المفضل وأبي زيد الأنصاري للشعر العربي فقد جمع المفضل في كتابه مختارات للشعراء الجاهليين وللقليلين جدّا من الشعراء المخضرمين. أما أبو زيد الأنصاري ففي كتابه الجمهرة مختارات للجاهليين والمخضرمين والإسلاميين ثم ألّف ابن المعتزّ أيضا كتابا في طبقات الشعراء المحدثين طبع في أوروبا ويسير فيه على نهج ابن قتيبة، من حيث ذكر الشاعر وحياته ومذهبه الفني في شعره ونماذج من مختارات شعره، وأول ترجمة له في الكتاب هي ترجمة بشار م 167هـ وأقصى شاعر ترجم له ابن المعين هو: الناشىء م 293هـ ومحمد الشيرازي الذي يقول فيه المؤلف: وهو اليوم شاعر زماننا. وجميع التراجم التي يحتوي عليها الكتاب والتي تبلغ أكثر من 130ترجمة هي لشعراء عاشوا بين هذين التاريخين، وهو أوفى كتاب في دراسة طبقة بشار وطبقة أبي نواس وطبقة أبي تمام والبحتري.
أما القرن الرابع الهجري فقد كان أحفل قرن بالنقد والنقّاد وظهرت فيه أصول كتب النقد الأدبي مثل: نقد الشعر لقدامة م 337هـ وأخبار أبي تمام الصولي م 336هـ والموازنة للآمدي م 371هـ، وإعجاز القرآن للباقلاني م 405هـ، والوساطة للجرجاني م 392هـ كما ظهر في القرن الخامس ابن رشيق م 456هـ
صاحب العمدة، وابن سنان الخفاجي م 466هـ صاحب كتاب سرّ الفصاحة، وظهر كتاب الأسرار والدلائل لعبد القاهر الجرجاني م 471هـ.(2/240)
أما القرن الرابع الهجري فقد كان أحفل قرن بالنقد والنقّاد وظهرت فيه أصول كتب النقد الأدبي مثل: نقد الشعر لقدامة م 337هـ وأخبار أبي تمام الصولي م 336هـ والموازنة للآمدي م 371هـ، وإعجاز القرآن للباقلاني م 405هـ، والوساطة للجرجاني م 392هـ كما ظهر في القرن الخامس ابن رشيق م 456هـ
صاحب العمدة، وابن سنان الخفاجي م 466هـ صاحب كتاب سرّ الفصاحة، وظهر كتاب الأسرار والدلائل لعبد القاهر الجرجاني م 471هـ.
وكان النقّاد في هذين القرنين يسيرون على نهج الجاحظ فلم يتعصّبوا للشعر الجاهلي لتقدّم زمنهم ولم يميلوا على المحدثين لتأخّر عصرهم. بل حكموا الذوق وحده في كل شيء، حتى لقد وقفوا معدّدين لأخطاء الجاهليين كما فعل الآمدي والجرجاني وابن رشيق وسواهم. قال الآمدي في كتاب الموازنة (1): «وما رأينا أحدا من شعراء الجاهلية سلم من الطعن ولا من أخذ الرّواة عليه الغلط والعيب». وقال صاحب الوساطة في أول كتابه: «ودونك هذه الدواوين الجاهلية والإسلامية، فانظر هل تجد فيها قصيدة تسلم من بيت أو أبيات لا يمكن لعائب القدح فيه: إما في لفظه ونظمه أو ترتيبه وتقسيمه أو معناه، أو إعرابه. ولولا أن أهل الجاهلية جدّوا بالتقدّم، واعتقد الناس فيهم أن القدوة والأعلام والحجة، لوجدت كثيرا من أشعارهم معيبة مسترذلة ومردودة منفية لكن هذا الظن الجميل، والاعتقاد الحسن، ستر عليهم ونفى الظنّة عنهم فذهبت الخواطر في الذنب عنهم كل مذهب، وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام» (2). ولو (3) تصفّحت ما تكلّفه النحويون لهم من الاحتجاج، وتبيّنت ما راموه في ذلك من المرامي البعيدة، وارتكبوا لأجله من المراكب الصعبة، التي يشهد القلب أن المحرّك لها والباعث عليها شدّة إعظام المتقدّم، والكلف بنصرة ما سبق إليه الاعتقاد وألفته النفس. وأزرى الآمدي والجرجاني بموقف بعض النقّاد المتعصّبين على المحدثين (4) كالأصمعي الذي أنشده إسحق الموصلي: [الخفيف]
هل إلى نظرة إليك سبيل ... فيروّي الصدى ويشفي الغليل
إن ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثير ممّن تحب القليل
فقال: لمن تنشدني؟ فقال: لبعض الأعراب، فقال: هذا والله هو الديباج الخسرواني، فقال إسحق: إنهما لليلتهما. فقال الأصمعي: لا جرم والله إن أثر الصنعة والتكلّف بيّن عليهما، وكابن الأعرابي الذي (5) أنشده بعض الناس شعراء وهو لا يعرف قائله، فأعجب به إعجابا شديد وكتبه، فلما علم أنه لأبي نواس أنكره.
ص 18الموازنة ط بيروت.
(2) ص 3و 4وساطة ط صبيح.
(3) ص 7المرجع.
(4) ص 10الموازنة، ص 50وساطة.
(5) ص 279ج 2زهر الآداب.
ونقد الباقلاني في إعجاز القرآن قصيدة امرىء القيس: [الطويل](2/241)
ونقد الباقلاني في إعجاز القرآن قصيدة امرىء القيس: [الطويل]
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
نقدا طويلا وهو أول نقد أدبي مفصّل لقصيدة من الشعر العربي.
وفي العصور الوسطى ضعفت الملكات وعقمت الأذواق وتعصّب العلماء والأدباء للشعر القديم لقدمه، فكانوا يحيطون الشعر الجاهلي بهالة من التقديس والجلالة ولا يرون أحدا أحسن مثل إحسان الجاهليين ولا أجاد إجادتهم، ورأوهم معصومين من الخطأ والعيب والنقد، واستمر هذا المذهب سائدا حتى العصر الحديث.
وفي العصر الحديث تفاوتت ثقافات الأدباء والنقّاد فوقف أولو الثقافات العربية الخالصة موقف الإعجاب والتقدير البعيد للشعر الجاهلي، وهبّ جماعة من أولي الثقافات الأوروبية يطعنون على الشعر الجاهلي، ويرمونه حينا بالضعف والتفكّك، وحينا بأنه منتحل مختلق. ومن الحق أن بعض نقد هؤلاء كان عادلا منصفا وأما الكثير منه فكان مغالى فيه.
عاب العقّاد على الشعر الجاهلي أنه لا يصلح أن يكون نموذجا يقتدى به في النظم لأنه في الغالب أبيات مبعثرة تجمعها قافية واحدة يخرج فيها الشاعر من المعنى ثم يعود إليه ثم يخرج منه على غير وتيرة معروفة ولا ترتيب مقبول، وأن فيه غير التفكّك وضعف الصياغة كثيرا من العيوب العروضية والتكرير الساذج والاقتسار المكروه والتجوّز المعيب الذي يؤخذ من روايته أن الشعر لم يكن فنّا استقلّ به صناعة الخبيرون به، وإنما كان ضربا من الكلام بقوله كل قائل، ويروي المحكم منه وغير المحكم على السواء (1) فنراه يعيبه بما يلي:
1 - ضعف وحدة القصيدة، ونحن في الرّدّ على هذه الفكرة نكتفي بهاتين الكلمتين: قال نولدكه المستشرق الهولندي المشهور: «وفي أحوال كثيرة يحتفظ الشاعر الجاهلي بوحدة الفكرة في قصيدته، بأن يجعل كل قسم من أقسامها خاصّا بوصف مناظر وحوادث من حياة الشاعر نفسه، أو الحياة العامّة التي يحياها البدوي في الصحراء». وقال جميل صدقي الزهاوي الشاعر المجدّد: «وهناك شيء يستحبّه الذين تشبّعت أدمغتهم بالأدب الغربي، هو وجوب أن تكون القصيدة مراجعات للعقاد.(2/242)
الواحدة خاصة بفكرة واحدة، أو وصفا لشيء واحد من غير خروج إلى غير الموضوع، ولو كان في فصل منعزل عن الأول. وهذا ليس من الشعر في أصله، بل هو تابع للأذواق ولطريقة الشاعر في شعره، ولا ينوّع الشاعر المبرز في العربية الموضوع في كل قصيدة فكثيرا ما يحصر شعره في القصيدة الواحدة في موضوع واحد، وإذا نوّع الموضوع فهو يخرج إلى الثاني بمناسبة وبعد فصله عن الأول، مريدا بذلك أن تكون قصيدته كالروضة الغنّاء محتوية على مختلف الأزهار، وهذا أقرب إلى الطبيعة، وليس فيه ما يؤخذ عليه غير كونه ينافي ما يفعله شعراء الغرب ولكل أمة سياق ونزعة ليست لأختها، وأعتقد أن الكتّاب الذين يزرون بشعر شعرائنا على الإطلاق لو أتيح لهم أن يكونوا شعراء لما خرجوا كثيرا عن النهج الذي يمشي عليه المبرزون من هؤلاء، والسبب هو ما قدّمته من اختلاف ألوان الشعور عندنا عن ألوانه عند الغربيين من جهة، وقيّد القافية واعرابها عندنا وفقدانه عندهم من جهة أخرى وقد همّ كثير من الشعراء المتضلّعين من العلوم العصرية بتقليد الغرب في شعره فلم يكن ما أتوا به غربيّا ولا شرقيّا ولم يوفّقوا إلا في ألوان من الشعور هي مشتركة بين الأمم جميعها: ومهما تمرّد الشاعر الكبير على الأساليب والتصوّرات في أمته فهو لا يستطيع أن يطفو مرة واحدة إلى تصوّرات وأساليب تخالف ما ألفه شعبه فقطع الوشائج القوية التي تربط الحال بالماضي (1).
2 - ويعيب العقّاد الشعر الجاهلي ثانيا بأنه لم يكن فنّا استقلّ به صناعة الخبيرون به وذلك لا يسير مع الحقيقة والواقع فشعراء المعلقات ومذاهبهم الفنيّة في الشعر معروفة. ويقول الدكتور طه حسين في كتابه الأدب الجاهلي: أما مضر فكان لها في الجاهلية شعراء يتّخذون الشعر فنّا يمثّلون به نهضة فنيّة عقلية في هذا الإقليم من جزيرة العرب.
3 - ويعيبه ثالثا بهلهلة صياغته وما فيه من عيوب عروضية وتكرير ساذج وتجوّز معيب، وفي هذا مغالاة.
وكانت ثورة النقد الكبرى بين الدكتور طه حسين وبعض النقّاد والباحثين حول الشعر الجاهلي وانتحاله ذات صدى بعيد في دراسات الشعر الجاهلي. ويؤيد الدكتور هذا الانتحال بأدلة كثيرة، فضلا عن أنه لا يمثّل في رأيه اللغة الجاهلية نفسها من مقال له نشر بالسياسة الأسبوعية عام 1927.(2/243)
لاختلاف اللغة الحميرية عن اللغة العدنانية الفصحى مع أنهم لم يكونوا يتكلمون بها ولم يتخذوها لغة أدبية لهم قبل الإسلام مما يدلّ على انتحال هذا الشعر على هؤلاء القحطانيين، فوق أن الشعر الجاهلي لا يصوّر اختلاف اللهجات العدنانية التي لا شك فيه.
ويبني الدكتور على انتحال الشعر الجاهلي رفضه الشعر المنسوب إلى شعراء من اليمن لأن لليمن لغة تخالف لغة قريش وهجرة اليمنيين إلى الشمال مشكوك فيها أولا وليس كل الشعراء هاجروا من اليمن ثانيا. وشعراء المدينة ليسوا يمنيين بل هم مضريون، ويرى أنه ليس لليمن في الجاهلية شعراء. أما ربيعة من عدنان وكانت تسكن في الشمال فيرى الدكتور أن شعرها دون شعر المضريين لأنها لم تكن تتكلم لغة قريش. وأما مضر فكان لها شعراء يتخذون الشعر فنّا. ثم درس بعض أعلام الشعراء الجاهليين على ضوء نظريته في انتحال الشعر، ووضع مقاييس لتمييز المنحول من الشعر الجاهلي، وجعل الشعر أصلا في مضر. ثم انتقل منها إلى ربيعة فاليمن فإلى الموالي، وبذلك يعكس نظرية انتقال الشعر الجاهلي في القبائل، وهي نظرية معروفة ذهب إليها علماء الأدب المتقدمون.
وهذه الآراء والتعليق عليها موضوع بحث واسع مفصّل في كتابي الحياة الأدبية في العصر الجاهلي.
الشعر الجاهلي وموقفنا من تقليده
كثرت في العصر الحديث مقالات الأدباء والنقّاد في الزراية بالشعر الجاهلي، ونقصه، ورميه بالقدم والجمود، والدعوة إلى تركه والانصراف عنه، وعيّبه حينا بخلوّه من الشعر التمثيلي والقصصي، وحينا بتفكّكه وعدم وجود وحدة للقصيدة في آثاره الفنية الباقية، وباضطراب معانيه وعدم تمثيله إلا للبيئة البدوية الجاهلية وحدها، وحينا آخر يرمونه من ناحية الصياغة واللفظ والنظم بأكثر مما يعاب به شعر قديم أو حديث.
وقد حمل لواء هذه الدعوات أدباء كان نصيبهم من دراسة الأدب العربي أو الأدب الجاهلي وحده محدودا ضئيلا، وآخرون قرأوا الأدب الجاهلي فلم يطربوا له، ولم يرتاحوا إليه، ولم يفهموه حتى الفهم، وفريق آخر تدفعه إلى ذلك الشعوبية الحديثة التي نرى مظهرها باديا في تنقّص كل ما هو عربي أو قديم والتعصّب لكل ما هو غربي أو حديث.(2/244)
ولا شك في أن أكثر آرائهم جورا في الحكومة الأدبية وإسرافا ومغالاة كثيرين.
«فلكل شعر جيد كما يقول الدكتور طه حسين في الأدب الجاهلي ناحيتان مختلفتان، فهو من ناحية مظهر من مظاهر الجمال الفني المطلق، وهو من هذه الناحية موجّه إلى الناس جميعا مؤثّر فيهم، ولكن بشرط أن يعدّوا لفهمه وتذوّقه، وهو من ناحية أخرى مرآة تمثّل في قوة أو ضعف شخصية الشاعر وبيئته وعصره، وهو من هذه الناحية متصل بزمانه ومكانه، فازدراء الشعر الجاهلي غلوّ ليس أقلّ إمعانا في الخطل من ازدراء الشعر الأجنبي».
إننا لا ننكر أنه تحوّل دون فهم الشعر الجاهلي وتذوّقه صعوبات كثيرة، أهمها صعوبة لغته وأسلوبه وبعد الأمد يصوّر البيئة العربية القديمة وألوان الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي ومشاهد الطبيعة والوجود إبّان ذلك العهد البعيد. ولكن ذلك لا يمكن، أو لا يصحّ أن يصرفنا عن هذا الجمال الفني الرائع، الذي نجده في الشعر الجاهلي فضلا عمّا فيه من تخليد لآثار الحياة العربية الأولى وأحداثها ومظاهر التفكير فيها. ومع ذلك كله فإن الشعر الجاهلي أقوى دعامة للعربية وحفظها وخلودها بعد القرآن الكريم.
فهو من حيث إنه صورة من صور الفن والخيال والجمال، ومن حيث إنه أساس الثقافة الأدبية والعربية، لا يمكن لذلك ولغيره أيضا الاستغناء عن هذا الشعر القديم، ونبذه وراءنا ظهريّا.
في الشعر الجاهلي جمال، وهو أيضا لا يخلو من هنّات، وفيه روعة، وإن كنّا لا نبرئه من العيب، ومع ذلك فإننا نستطيع أن ندرس المذهب الفني الذي يمثّله الشعر الجاهلي، وأن نتعرّف خصائصه وعناصره ولنرى إلى أيّ حدّ يصحّ أن نجاري هؤلاء وهؤلاء من النقّاد والمتعصّبين على الشعر الجاهلي القديم، وإلى أيّ مدى يصحّ أن نسير في الدفاع عنه، فذلك أقرب إلى العدالة الأدبية في البحث والمناقشة.
أول ما نعرفه من خصائص الشعر الجاهلي البساطة والصدق والوضوح وعدم التكلّف أو الإغراق في الأداء. وهذا شيء يسلّمه النقّاد للشعر الجاهلي تسليما، ويجزمون به، وهو ما يدفعنا إلى الإعجاب به واللذّة الفنية حين نقرؤه ونستمع إليه، ولا يمكن أن يكون في ذلك ما يدعو إلى التهوين من شأنه، فالجمال أو أحد أسبابه لا يدعو إلا إلى الإعجاب والحبّ والمتعة. بل إن هذه الميزة الواضحة في الشعر الجاهلي هي نفس ما يدعو إليه نقّادنا المحدثون ودعاة التجديد في الأدب العربي
الحديث، «بعد أن أبعد المحدثون الشعر عن البساطة والإخلاص، وهما الصفتان اللتان كانتا حسنا له» كما يقول الدكتور ضيف (1).(2/245)
أول ما نعرفه من خصائص الشعر الجاهلي البساطة والصدق والوضوح وعدم التكلّف أو الإغراق في الأداء. وهذا شيء يسلّمه النقّاد للشعر الجاهلي تسليما، ويجزمون به، وهو ما يدفعنا إلى الإعجاب به واللذّة الفنية حين نقرؤه ونستمع إليه، ولا يمكن أن يكون في ذلك ما يدعو إلى التهوين من شأنه، فالجمال أو أحد أسبابه لا يدعو إلا إلى الإعجاب والحبّ والمتعة. بل إن هذه الميزة الواضحة في الشعر الجاهلي هي نفس ما يدعو إليه نقّادنا المحدثون ودعاة التجديد في الأدب العربي
الحديث، «بعد أن أبعد المحدثون الشعر عن البساطة والإخلاص، وهما الصفتان اللتان كانتا حسنا له» كما يقول الدكتور ضيف (1).
ويمتاز الشعر الجاهلي أيضا بالزهد في المحسّنات وألوان التزين الفني وهذه سمة غالبة عليه. وأدباؤنا المحدثون لا يزالون يدعون إلى هذا المذهب. ولقد كان الشعر المصري الحديث في أول نهضته مثقلا بقيود الزخرف البديعي الموروث عن العصر التركي والعثماني وأواخر العصر العباسي، إلى أن ثار النقّاد على ذلك النهج ودعوا إلى الخلاص من آثاره، حتى برىء الشعر الحديث من عاهته، وسار طليقا إلى غاياته. وقد ظهرت في الآداب الأوروبية أيضا صبغة الزخرف الفني في العصور الوسطى، كما حدث في الأدب الفرنسي في أعقاب عهد لويس الرابع عشر، وفي الأدب الإنجليزي بعد عصر أليصابات: أفنقول بعد ذلك إن الشعر الجاهلي يعاب لهذه الحسنة الظاهرة، ويزدري لذلك الفضل الظاهر؟
ومن خصائص الشعر الجاهلي متانة الأسلوب وقوته وجزالته وأسره.
وللبيئة البدوية أثر بعيد في ذلك، وقد سار المحدثون في العصر العباسي على هذا النهج حينا، وحينا آخر أغرقوا في العذوبة والسّلاسة والسهولة التي ورثوا بعضها عن العصر الأموي ومدرسة الغزليين التي شاعت فيه. وقد دافع بعض النقّاد عن الجزالة والقوة، كما دافع آخرون عن العذوبة والرقّة، ووقف آخرون يحدّدون مواقف هذه ومواقف تلك كابن الأثير في المثل السائر وسواه. ولكن العصور الأخيرة كانت تعدّ العذوبة ضعفا في الشاعر وميلا منه إلى العاميّة، وبهذه النظرة كانوا يحكمون على شعر البهاء زهير الشاعر المصري المشهور، ولكننا نقول للناشئين: ربّوا ذوقكم الأدبي، وأرهفوا مشاعركم الفنيّة، وتأثّروا في حياتكم ومذاهبكم الأدبية بالحياة والحضارة التي تعيشون فيها، وستدركون بأنفسكم الحقيقة الأدبية في هذه المسألة الفنية. ولا شك أن عذوبة الأسلوب وسلاسته يجب أن تبرز في إنتاج الشاعر وفنّه، لأثر الحياة والحضارة في نفسه، ومع ذلك فهذه العذوبة والرقّة يجب ألّا تنقلبا ضعفا وعاميّة، وأن توشى بألوان من الجزالة في مواقف خاصة تستدعيها حياة الشاعر ونفسيته قبل كل شيء، كما يجب ألّا تنقلب الجزالة جوشبة وإغرابا وتعقيدا عند الشعراء الذين يحافظون على الجزالة. وأحسب أن شعراءنا المعاصرين الذين يتكلّفون الألفاظ اللغوية الكثيرة البعيدة في قصائدهم إنما يفعلون ذلك تقليدا فحسب وفي مطلع ص 2مقدمة لدراسة بلاغة العرب.(2/246)
حياتهم الفنية التي يكثر فيها الناشئون من التقليد، ولو كانت قصيدة نهج البردة لشوقي مثلا قد صيغت في أسلوب عذب رقيق سهل عن أسلوبها التي صيغت فيه، لكان أثرها الأدبي أعظم في نفس الأمة وذوقها ومشاعرها الأدبية. ونحن على أيّ حال لا يمكن أن نعيب الشعر الجاهلي لجزالته، فقد رأيت موقف النقّاد من الجزالة وإعجاب الكثير منهم بها ودفاعهم عنها، فوق أنها أثر من آثار البيئة في الشعر الجاهلي.
ومن خصائص الشعر الجاهلي أيضا القصد إلى المعنى في إيجاز ويسر وقلّة إطناب. ولا شك أن العصور الأدبية التي تلت العصر الجاهلي وتعدّدت فيها ألوان الثقافات ومظاهر الحضارات قد أبعدت الشاعر عن هذا الاتجاه، ودفعته إلى الإطناب وشتّى ألوان التصوير، ووقف النقّاد حيال ذلك طوائف: طائفة تدعو إلى الإيجاز وتراه البلاغة والبيان، وطائفة تشيد بالإطناب وترى فيه جمال الفصاحة وروعة التصوير، وأخرى تحدّد للإطناب مواضع للإيجاز مواضع كقدامة في نقد النثر وابن سنان في سرّ الفصاحة. ونحن لا نقول للشاعر المعاصر: آثر الإيجاز أو اعمد إلى الإطناب، وإنما نقول له: إن أساس الجودة الفنية أن تؤدّي معانيك في رفق ويسر وقلّة فضول وفي الآداب الغربية الآن مذاهب تدعو إلى القصد في التصوير البياني والاكتفاء بشرح الأفكار الجديدة وحدها وترك ما عداها.
ولا شك أن أهم طابع للشعر الجاهلي بعد الذي ذكرناه سابقا هو هذا الطابع البدوي الواضح الذي يفجؤك في شتى القصائد الجاهلية، مما هو أثر للبيئة والحياة الجاهلية. ونحن ندعو كما يدعو كل منصف إلى ترك هذا الاتجاه في الأداء والتصوير فقد أصبح لا يلائم منهج الحياة في القرن العشرين، كما أن إبراز هذا الطابع البدوي في شعر الشاعر المعاصر يكون تقليدا سخيفا لا مبرر له، ويحول دون ظهور نزعاته الفنية ومواهبه الخاصة المستقلة في شعره، وهذا ضرر بعيد.
ومن آثار هذا الطابع في الشعر الجاهلي شدّة تمثيله للبيئة البدوية وقد سار بعض الشعراء المحدثين على هذا النهج فملأوا شعرهم بصور الحياة البدوية من وصف الناقة والجمل والظليم والمدن والديار القديمة مما سخر به بعض النقّاد والشعراء، ودعوا إلى التحرّر منه، فقال مطيع بن إياس: [الطويل]
لأحسن من بيد تحار بها الطا ... ومن جبل طي ووصفكما سلعا
تلاحظ عيني عاشقين كلاهما ... له مقلة في وجه صاحبها ترعى
وهذه دعوة جديرة بالعناية خليفة بالإيثار وقد دعا المجدّدون في الأدب الحديث وأكثروا من الدعوة إلى أن يكون الشعر صورة لحياة الشاعر ونفسيته وبيئته وعصره. وإلى أن يخلو من آثار التقليد للقدامى في أغراض الشعر وفنونه وموضوعاته وهذا اتجاه جليل قد سار بالشعر العربي الحديث خطوات واسعة نحو التجديد والجمال والروعة. فالشاعر هو الذي يكون غير مقلّد في معناه أو في لفظه. ويكون صاحب هبة فنية في نفسه وعقله ويتأثّر ببيئته ويؤثّر فيها. ويمثّلها في جدّها ولهوها وفرحها وحزنها وسلامتها وحربها وألمها وأملها أتمّ تمثيل.(2/247)
لأحسن من بيد تحار بها الطا ... ومن جبل طي ووصفكما سلعا
تلاحظ عيني عاشقين كلاهما ... له مقلة في وجه صاحبها ترعى
وهذه دعوة جديرة بالعناية خليفة بالإيثار وقد دعا المجدّدون في الأدب الحديث وأكثروا من الدعوة إلى أن يكون الشعر صورة لحياة الشاعر ونفسيته وبيئته وعصره. وإلى أن يخلو من آثار التقليد للقدامى في أغراض الشعر وفنونه وموضوعاته وهذا اتجاه جليل قد سار بالشعر العربي الحديث خطوات واسعة نحو التجديد والجمال والروعة. فالشاعر هو الذي يكون غير مقلّد في معناه أو في لفظه. ويكون صاحب هبة فنية في نفسه وعقله ويتأثّر ببيئته ويؤثّر فيها. ويمثّلها في جدّها ولهوها وفرحها وحزنها وسلامتها وحربها وألمها وأملها أتمّ تمثيل.
ومن آثار هذا الطابع البدوي في الشعر الجاهلي أيضا بدء أغلب القصائد الجاهلية بذكر الأطلال، ووصف الديار، وهذا مذهب أغلبية الجاهليين، لا يشذّ عن ذلك إلا القليل كعمرو بن كلثوم في معلقته التي بدأها بذكر الراح. وكتأبّط شرّا في قصيدته اللامية المشهورة: [الرّمل]
إن بالشعب الذي دون سلع ... لقتيلا دمه لمّا يطل
والتي يسمّيها بعض المستشرقين نشيد الانتقام، ويدافع ابن قتيبة في أوائل كتابه «الشعر والشعراء عن نهج الجاهليين دفاعا حارّا» فقد صوّر نهج العرب في وحدة القصيدة وما كانوا يبدؤونها به من ذكر الديار والآثار ووصلهم ذلك بالنسيب والشكوى وألم الوجد وفرط الصبابة ثم ذكر الرحلة إلى الممدوح تخلّصا إلى مدحه واستجلابا لرضائه وسنى ألطافه، وقال: والشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب، وعدل بين هذه الأقسام وقد سار الكثير من المخضرمين والإسلاميين على هذا النهج أيضا فأكثروا من بدء قصائدهم بوصف الأطلال والديار كما أكثر الكثير منهم من بدئها بالغزل ولم يشذّ عن ذلك إلا أبو نواس الذي دعا إلى بدء القصيدة بذكر الرّاح قال: [الكامل]
وصف الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم
وتبعه ابن المعتز فقال: [مجزوء الخفيف]
أفّ من وصف منزل ... بعكاظ فحومل
غيّر الريح رسمه ... بجنوب وشمأل
وكان أبو نواس شعوبيّا في مذهبه أليس هو الذي يقول: [البسيط]
تبكي على طلل الماضين من أسد ... ثكلت أمك قل لي من بنو أسد
ومن تميم ومن قيس ومن يمن ... ليس الأعاريب عند الله من أحد
ولكن ابن المعتز كان ناقدا يبحث عن الصلة بين الأدب والحياة ويحاول أن يلائم بينهما وينادي بتحضّر الشعر وترك الغرابة فيه وتمثيله لحياة الشاعر وآرائه في الحياة وقد ثأر ابن رشيق على منهج الجاهليين في القصيدة ورأى مع من رأوا أنه لا معنى لذكر لحضري الديار، وأنه ليس بالمحدث من الحاجة إلى وصف الإبل والقفار لرغبة الناس في عصره عن تلك الصفات وعلمهم بأن الشاعر إنما يتكلّفها، وأن الأولى وصف الخمر والقيان وقد تكفت الحياة نفسها بصرف الشعراء المعاصرين عن هذا النهج الفني في القصيدة، فليس منهم والحمد لله من يبدأ قصيدته بذكر الإبل والقفار والديار والآثار، بل إن ذلك لو فعله أحد الآن لرمي بالجنون ولكن ليس معنى ذلك ألّا يصف الشاعر المعاصر معاهد أهله وأحبابه في شعره أبدا، أو ألّا يبدأ قصيدة من قصائده بذكرها، ولكنّا نقول إن المعيب هو التزام بدء القصيدة بوصف الأطلال القديمة، وإذا التزم شاعر معاصر بدء قصائده بذكرى معاهد حياته وأحبابه ولم يتخلّ عن هذا المنهج، لم نحاسبه على ذلك، إلا إذا قيّد هذا من حريته الفنية أو حبس مواهبه وملكاته الأدبية، فإنه يحبّ بحق ألّا يقيّد الشاعر نفسه بأيّ قيد لا تلزمه به نفسه ومواهبه وملكاته الفنية وحيدها، وإلا كان مقلّدا لا نصيب له من الشعور بالحياة والإحساس بها والتمتّع النفسي العميق بمشاهدها وصورها وألوانها.(2/248)
تبكي على طلل الماضين من أسد ... ثكلت أمك قل لي من بنو أسد
ومن تميم ومن قيس ومن يمن ... ليس الأعاريب عند الله من أحد
ولكن ابن المعتز كان ناقدا يبحث عن الصلة بين الأدب والحياة ويحاول أن يلائم بينهما وينادي بتحضّر الشعر وترك الغرابة فيه وتمثيله لحياة الشاعر وآرائه في الحياة وقد ثأر ابن رشيق على منهج الجاهليين في القصيدة ورأى مع من رأوا أنه لا معنى لذكر لحضري الديار، وأنه ليس بالمحدث من الحاجة إلى وصف الإبل والقفار لرغبة الناس في عصره عن تلك الصفات وعلمهم بأن الشاعر إنما يتكلّفها، وأن الأولى وصف الخمر والقيان وقد تكفت الحياة نفسها بصرف الشعراء المعاصرين عن هذا النهج الفني في القصيدة، فليس منهم والحمد لله من يبدأ قصيدته بذكر الإبل والقفار والديار والآثار، بل إن ذلك لو فعله أحد الآن لرمي بالجنون ولكن ليس معنى ذلك ألّا يصف الشاعر المعاصر معاهد أهله وأحبابه في شعره أبدا، أو ألّا يبدأ قصيدة من قصائده بذكرها، ولكنّا نقول إن المعيب هو التزام بدء القصيدة بوصف الأطلال القديمة، وإذا التزم شاعر معاصر بدء قصائده بذكرى معاهد حياته وأحبابه ولم يتخلّ عن هذا المنهج، لم نحاسبه على ذلك، إلا إذا قيّد هذا من حريته الفنية أو حبس مواهبه وملكاته الأدبية، فإنه يحبّ بحق ألّا يقيّد الشاعر نفسه بأيّ قيد لا تلزمه به نفسه ومواهبه وملكاته الفنية وحيدها، وإلا كان مقلّدا لا نصيب له من الشعور بالحياة والإحساس بها والتمتّع النفسي العميق بمشاهدها وصورها وألوانها.
وهناك في الشعر الجاهلي ظاهرة أخرى نشأت عن الطابع البدوي الموروث وهي كثرة الغريب والوحشي ولا شك أن ذلك مذهب العرب القدامى وحدهم، لأثر البيئة البدوية الجافّة الخشنة في عقولهم ونفوسهم. وما أروع ما يقول صفيّ الدين الحلي المتوفّى عام 750: [الخفيف]
إنما الحيزبون والدردبيس ... والطخا والنقاخ والعلطبيس
لغة تنفر المسامح منها ... حين تروى وتشمئز النفوس
وقبيح أن يذكر النافر الوح ... شي منها ويترك المأنوس
أين قولي: هذا كئيب قديم ... ومقالي: عقنقل قدموس
إنما هذه القلوب حديد ... ولذيذ الألفاظ مغناطيس
وليس هناك أحد يدعو إلى استعمال هذه الألفاظ، أو يرتاح قلبه حين سماعها، فهي ألفاظ تاريخية يجب أن نفهمها فحسب.
بقيت بعد ذلك صور البيان ال. دبي نفسه. أنصوغ أسلوبنا على الصور القديمة التي يمثّلها الشعر الجاهلي، أم نستمدّ صوره من ألوان حياتنا وبيئتنا وثقافتنا وحدها.(2/249)
ولنضرب مثالا واحدا لذلك: لا شك أن الجمل كان عماد الحياة في العصر الجاهلي، وفي أساليب البيان صور كثيرة استمدّت منه، فقد قالت العرب ألقي الحبل على الغارب، واقتعد غارب المجد وسنامه، ووطئه بمنسمه، وضرّسه بأنيابه، وألقى عليه جرانه، وناء وأناخ عليه بكلكله، وقالوا لا ناقة لي فيها ولا جمل، وأخذ بزمام الأمر.
وقد حاول النقّاد والبلاغيون في العصور القديمة أن يدعوا إلى توليد صور البيان وتنميتها من مشاهد الحياة والبيئة التي تتجدّد دائما.
فهل نأخذ صور البيان القديمة في أساليبنا لنرضي العرب القدامى، أو نولّد فيها لنرضي عبد القاهر والقاضي الجرجاني وسواهما؟
لست أدعو إلى الأول ولا أحبه، وإن كنت لا أرى في الرأي الثاني ضيرا أو ضررا، وأوثر أن يضيف الأديب إلى الصور التي يولّدها صورا جديدة، يستمدّها خياله من حياتنا وبيئتنا وألوان الحضارة التي نعيش فيها والاختراعات التي تجدّ دائما بيننا، والتي نبعد اللغة عنها ونحاول ألّا نستمدّ منها صورنا الأدبية.
وبعد فهذه هي سمات الشعر الجاهلي ووصف الصلة الفنية بينها وبين حياتنا الفنية الحاضرة، وما يصحّ أن نقلّده فيه وما لا يصحّ.
ونحن لا ندعو إلى تقليد البلاغة القديمة، أو الشعراء الجاهليين تقليدا بعيدا عن مناهج الفن والشخصية والموهبة الأدبية فإن ذلك التقليد يبعدنا عن أداء رسالتنا الأدبية على أكمل وجوهها، وإنما نقول: افهموا هذه البلاغة فهما جيدا، وربّوا ذوقكم الأدبي بالإدمان على قراءتها وقراءة ما سواها من البلاغات، لتصلوا إلى مرحلة الشخصية والذاتية في الأدب والشعر، ولتكمل مواهبكم، وتستقل بالإبداع والتجديد في الفن والشعر والأدب والحياة.
الشعر العربي القديم ومعارك النقد والنقّاد
قامت معارك أدبية كثيرة بين خصوم وأنصار الشعر العربي الجاهلي، تكشف لنا عن جوانب الحق، ومناحي الجمال في الشعر العربي. ولذلك رأيت أن أشير إليها هنا في إيجاز.
ينقد كثير من النقّاد الشعر الجاهلي ويعيبه لأنه مضطرب الفكرة مفكّك المعاني. ليست معانيه متصلة بعضها ببعض.(2/250)
وهذا نقد غريب فليس كل الشعر الجاهلي مضطرب الفكرة مفكّك المعاني، وليس ما فيه من تناثر الأغراض الشعرية اضطرابا في الفكرة وتفكّكا للمعاني، إنما هي مظاهر الصحراء وألوان الحياة والشعور، وصفها الشاعر الجاهلي وصوّرها في قصائده.
ثم فيم الفرق إذا بين الأسلوب الفني والأسلوب العلمي، وحقائق المنطق؟ إن الشعر فنّ قبل أن يكون فلسفة، وقديما حاول كثيرون إخضاع الشعر للمنطق والفلسفة فأبى الشعر، وأنف أن يقيّد بقيود ثقيلة بعد أن عاش حرّا طليقا يحلق هو وسواه من ألوان الفنون في أجواء الحرية والجمال. ويقول البحتري: [المنسرح]
كلفتمونا حدود منطقكم في ... الشعر، يغني صدقه عن كذبه
ويقول جميل صدقي الزهاوي (1):
وهناك شيء يستحبّه الذين تشبّعت أدمغتهم بالأدب الغربي هو وجوب أن تكون القصيدة الواحدة خاصة بفكرة واحدة أو وصفها لشيء واحد من غير خروج إلى غير الموضوع ولو كان في فصل منعزل عن الأول. وهذا ليس من الشعر في أصله بل هو تابع للأذواق ولطريقة الشاعر في شعره، ولا ينوّع الشاعر المبرز في العربية الموضوع في كل قصيدة فكثيرا ما يحصر شعره في القصيدة الواحدة في موضوع واحد، وإذا نوّع الموضوع فهو يتسلّل إلى الثاني بمناسبة وبعد فصله عن الأول مريد بذلك أن تكون قصيدته كالروضة الغنّاء محتوية على مختلف الأزهار.
وهذا أقرب إلى الطبيعة وليس فيه ما يؤخذ عليه، غير كونه ينادي في ما يفعله شعراء الغرب. ولكل أمة سياق ونزعة ليست لأختها.
وأعتقد أن الكتّاب الذين يزرون بشعر شعرائنا على الإطلاق لو أتيح لهم أن يكونوا شعراء لما خرجوا كثيرا عن النهج الذي يمشي عليه المبرزون من هؤلاء.
والسبب هو ما قدّمته من اختلاف ألوان الشعور عندنا عن ألوانه عند الغربيين من جهة وقيد القافية وإعرابها عندنا وفقدانه عندهم من جهة أخرى.
وقد همّ كثيرون من الشعراء المضطلعين من العلوم العصرية بتقليد الغرب في شعره فلم يكن ما أتوا به غربيّا ولا شرقيّا ولم يوفّقوا إلا في ألوان من الشعور هي مشتركة بين الأمم جميعا.
من مقال له نشر بالسياسة الأسبوعية عام 1927.(2/251)
أفرض أن العربية تتّسع لألوان الشعور الغربي ولكن هل يوجد في أذواق أكثريّة القرّاء هذا المتّسع. الشاعر لا يغني لنفسه وحدها وإنما كل مكافأته أن يصغي شعبه إلى ألحان قيثارته. ومهما تمرّد الشاعر الكبير على الأساليب والتصوّرات في أمته فهو لا يستطيع أن يظفر مرة واحدة إلى تصوّرات وأساليب تخالف ما ألفه شعبه فيقطع الوشائج القوية التي تربط الحال بالماضي.
والحق أن كثيرا من الشعراء مع ما لهم من الاطّلاع الواسع على آداب الغرب وعلومه مضطرون إلى التطور داخل تطوّر اللغة وتطوّر أبناء اللغة، وقد يسبقونهم إلا أنهم لا يبعدون عنهم كل البعد، وهذا التطوّر اليوم ليس بمفقود تماما ولا يصحّ أن يحشر الشعراء جميعا في صيد واحدا، كما لا يجوز الحكم على جميع الكتاب بالخطل لأن الأكثرية منهم تركب الشطط في كتابتها.
وفي الحق أن وحدة القصيدة ليست هي كل شيء في الشعر، وأن الشعر الجاهلي صورة لحياة الصحراء وتفكيرها ونظرها إلى الأشياء وحكمها، والقصيدة في الشعر الجاهلي تربطها وحدة عامّة ومنهج محدود من افتتاحها بالغزل ثم وصف مناظر الصحراء التي شاهدها الشاعر في طريقه، ثم الإلمام بالغرض المقصود من القصيدة.
وأعتقد أن أنفة الشاعر الجاهلي دعته إلى أن يصف المدح بكثير من تصوير عواطفه ومناظر بيئته حتى لا يظهر خضوع نفسه لمطالب الحياة وحاجات العيش. وكل قصيدة من مشهورات القصائد الجاهلية تربطها وحدة عامّة. وإن كان ميزان المنطق لا يتحكّم في هذه الوحدة التي جاءت أثرا للبيئة وحياة الشاعر. ويقول نويدلكه المستشرق الهولندي: «وفي أحوال كثيرة يحتفظ الشاعر الجاهلي بوحدة الفكرة في قصيدته بأن يجعل كلّا من أقسامها خاصّا بوصف مناظر وحوادث من حياة الشاعر نفسه أو الحياة العامّة التي يحييها البدو في الصحراء».
ويقول العقاد في نقد الشعر الجاهلي (1):
«ليس الذي نرويه من قصائد الجاهليين بالنموذج الذي يقتدى به في النظم لأنه في الغالب أبيات مبعثرة تجمعها قافية واحدة، يخرج فيها الشاعر من المعنى ثم يعود إليه ثم يخرج منه على غير وتيرة معروفة ولا ترتيب مقبول. وفي تلك القصائد غير التفكّك وضعف الصياغة كثير من العيوب العروضية والتكرير الساذج والاقتسار ص 103مراجعات في الأدب والفنون للعقاد.(2/252)
المكروه (1) والتجوّز المعيب، الذي يؤخذ من روايته أن الشعر لم يكن فنّا استقل به صنّاعه الخبيرون به، وإنما كان ضربا من الكلام يقوله كل قائل «ويروي المحكم منه وغير المحكم على السواء». فنراه يذهب:
أولا: إلى أن في الشعر الجاهلي كثيرا من العيوب العروضية والتكرير الساذج المكروه والتجوّز المعيب.
وثانيا: إلى أن هذا الشعر بادي التفكّك مهلهل الصياغة، لم تنظمه روح شاعرة قوية تعرف كيف ترتب المعاني وتوائم بينها.
ويدّعي أخيرا أنه لم يكن فنّا راقيا له رجاله، بل نظمه الشاعر والشعرور وقاله كل قائل.
وهو لهذا كله، في نظر الناقد غير جدير بأن نتّخذه مثالا ننهج على نهجه.
وعجيب جدّا هذا الفهم والحكم والنقد، فإن الشعر إنما هو نتاج العبقرية العربية الأولى، التي أثلت مواهبها المجد والذكر للجزيرة العربية ولأبنائها من الشعراء الموهوبين.
وهو التراث العتيد الذي أخذ من فم الرواة وبطون الأسفار، فردّده الخلف كما ردّده السّلف، وأحاطوه بالرعاية والتقدير.
ولا يزال منذ أجيال بعيدة مشرّع الثقافة العربية الذي يرده كل صاد إلى فهم كتاب الله أو راغب في الأخذ من البلاغة العربية بنصيب.
وهو على مظهره البدوي البريء من سمات التكلّف والحضارة، جميل الحاشية، مشبوب الخيال، آسر الأسلوب، جزل اللفظ على غرابة فيه، يخاطب العاطفة والوجدان قبل أن يخاطب الفكر والعقل، وإن كانت تلك ميزة الفنون الجميلة، في جميع عصورها، وعلى شتّى مذاهبها ومعانيه مطبوعة بطابع السذاجة فهي قريبة المأخذ، بسيطة الفكرة، وثيقة الاتصال بالحياة العربية والجاهلية، لا نكاد نرى فيها غلوّا أو تقيدا، ولا تمثّل ثقافة واسعة أو فلسفة بعيدة فهو على كل حال صورة للعقلية العربية. ولهذه الشاعرية العربية التي فاض ينبوعها على لسان الشعراء الملهمين الشادين بجمال الصحراء المطبوع، والمترجمين عن أسرار العواطف وخلجات الوجدان وخطرات القلوب.
اقتسره على الأمر: أكرهه عليه.(2/253)
وإن تعجب فعجب للحياة الحاضرة التي جحدت فضل الشعر الجاهلي، وأعلنت الثورة عليه كما أعلنتها على كل قديم وإن كان نافعا. كما رأيت من تجنّي هذا الناقد على الشعر الجاهلي هذا التجنّي الغريب.
ولقد رددنا على الذين يعيبون الشعر الجاهلي ويرمونه بالتفكّك والاضطراب كالعقاد وغير العقاد فلا داعي إلى تكرار القول فيه.
وأما أن الشعر الجاهلي كثير العيوب العروضية، فلا أدري ما هو دليل الناقد عليه؟ أهو قصيدة عبيد أم بعض هذا الشواهد المروية لعيوب الشعر من الأكفاء والإيطاء والتضمين والسناد الخ؟ وأين تكون هذه كلها في الشعر الجاهلي، ثم ما هذا التكرار الساذج، أهو مثل قول مالك بن الريب: [الطويل]
لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا ... مزار، ولكن الغضا ليس دانيا
أو في مثل قول الحطيئة: [الطويل]
ألا حبّذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد
أو في قول النابغة: [البسيط]
عوجوا فحيّوا لنعم دمنة الدار ... ماذا تحيّون من نؤى وأحجار
أقوى وأقفر من نعم، وغيره ... هوج الرياح بهابي الترب موار
وقفت فيها سراة اليوم أسألها ... عن آل نعم أمونا عبر أسفار
وقد أراني ونعما لاهيين بها ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار
أيام تخبرني نعم وأخبرها ... ما أكتم الناس من حاجي وأسراري
وأين هو هذا الاقتسار المزعوم. ثم هل ما في الشعر الجاهلي من مجازات وكتابات وتشبيهات وأخيلة رغم قلّتها وقربها من حقائقها يدعو إلى أن نهجر الشعر الجاهلي ونطرحه ظهريا.
وأما أن الشعر الجاهلي لم يكن فنّا (1) يستقلّ به الخبيرون به فهذا خطأ بعيد، وهل ننسى رجال المعلقات والنابغة وحكومته بين الشعراء في سوق عكاظ، وهؤلاء وإذا أردنا أن نسكت مزاعم العقاد المجدد برأي مجدد مثله هو «طه حسين» فلا أكثر من أن نسوق إليه قول طه حسين في الأدب الجاهلي: وأما مضر فكان لها في الجاهلية شعراء يتخذون الشعر فنّا يمثّلون به نهضة فنية عقلية في هذا الإقليم من جزيرة العرب (راجع 197وما بعدها من الأدب الجاهلي).(2/254)
الشعراء الذين خلد ذكرهم على مرّ العصور؟ ولقد كان الناشىء في الجاهلية يتتلمذ على شاعر مشهور يروي شعره ويأخذ عنه فنّه الأدبي. وكان الشعراء يعرضون قصائدهم على غيرهم من الخبيرين بفن الشعر وصناعته، واستمر هذا إلى ما بعد الإسلام. ثم إن هذه المجازات والأخيلة هي من خصائص البيان العربي ومميزاته التي تكسبه روعة وجمالا.
إن من العقوق للعربية أن نذهب مذهب الأستاذ العقاد من الغلوّ فيما رمى به الشعر الجاهلي من التفكّك وعدم اتّساق الفكرة وارتباطها واتصال معانيها، وما أظن ذلك وإن كان موجودا فيه مما يؤاخذ عليه الشعر الجاهلي إلى هذا الحدّ البعيد، وفيم الفرق إذا بين الأسلوب الفني الجميل وبين الأسلوب العلمي وحقائقه المنطقية المرتبة، إن الشعر فنّ قبل أن يكون فلسفة.
وأخيرا فللعقاد رأيه في عدم اتخاذ الشعر الجاهلي مثالا يحتذيه، ولقد أخذ نفسه بذلك فلم يكن له حظ من الخلود في الشعراء. أما نحن فنقول: إنه لا داعي لأن يملأ شعراؤنا المعاصرون شعرهم بألفاظ العقنقل والسجنجل والجندل والحنظل كما فعل امرؤ القيس مثلا، ولا بالإثمد والبرجد والمسرهد كما فعل طرفة. وليس من المناسب أن نترسّم خطاهم في بكاء الأطلال ووصف الدّمن وذكر محاسن الخيل وكلاب الصيد، فلنا بدلا من ذلك كله مجال فسيح لقول الشعر في عصر الكهرباء والذّرّة والأثير والطائرات. أما فيما عدا ذلك من الألفاظ والأغراض فالشعر الجاهلي أروع ما يحتذى في مذاهب النظم وجمال الصياغة وحسن الأداء.
وكتب الأستاذ أحمد أمين عدّة مقالات في الثقافة بعنوان «جناية الشعر الجاهلي على الأدب العربي» ردّ عليها الأستاذ علي النجدي ناصف في صحيفة دار العلوم بمقالة عنوانها «هل جنى الشعر الجاهلي على الأدب العربي؟» 4021مجلة دار العلوم عدد أكتوبر 1939ولا داعي للإفاضة في ذكر ذلك كله فهو كلام معاد مكرور.
موازنة أدبية بين قصيدتين من عيون الشعر الجاهلي
1
أما الأولى فهي معلّقة عمرو بن كلثوم (600500) المشهورة:
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
وأما الثانية فهي مجمهرة أمية بن أبي الصلت (624500):(2/255)
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
وأما الثانية فهي مجمهرة أمية بن أبي الصلت (624500):
عرفت الدار قد أقوت سنينا ... لزينب إذ تحل بها قطينا
والقصيدة الأولى ملحمة تاريخية تصوّر المجد القديم لتغلب قبيلة الشاعر وملاحمها الحربية التي انتصرت فيها على أعدائها، وهي فريدة في نوعها فهي جديرة حقّا بأن تسمى ملحمة وهي تصوير قوي رائح لمجد القبيلة ومفاخرها وأيامها ومنها يوم خزاز، وإشادة بنفوذها ومكانتها وتهديد لأعدائها وتنبيه للملك عمرو ابن هند حتى لا يطيع بهم الوشاة ويتحيّز لبكر شقيقة تغلب ومزاحمتها في النفوذ والمجد والسلطان، وقد بدأها الشاعر بوصف الخمر مما يعدّ ميزة فريدة لها، ثم انتقل إلى موضوع القصيدة وهو الفخر، وختمها بقوله: [الوافر]
لنا الدنيا ومن أمسى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا ... ونحن البحر نملؤ سفينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما ... تخرّ له الجبابر ساجدينا
وأنت تعلم أن عمرو بن كلثوم ارتجل بعضها أمام الملك عمرو ابن هند وهو الجزء الذي هدّد فيه أعداء تغلب وحقاد الملك من الاستماع للوشاة والميل معهم على تغلب، ومنه: [الوافر]
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
بأنّا نورد الرايات بيضا ... ونصدرهنّ حمرا قد روينا
ثم أكمل القصيدة كلها، وأنشدها في سوق عكاظ. وقد عدّتها تغلب مجدا لها وملحمة تاريخية تصوّر تاريخها فاعتزّت بها اعتزازا كثيرا ويقال إنها أضافت إليها الكثير حتى بلغت أبياتها نحو الألف بيت، حتى قال بعض البكريين فيها:
[البسيط]
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسؤوم
وأما المجمهرة فقد تحدّث فيها أمية عن مجد قبيلة ثقيف وهي من أمهات القبائل العربية وصاحبة النفوذ والسيادة في الطائف وافتخر بها وصوّر مكانتها ووراثتها لمجد الآباء والأجداد ولم يبدأها بوصف الخمر كما فعل عمرو بن كلثوم بل بدأها كما يبدأ الشعراء قصائدهم فوصف في مطلعها أطلال محبوبته «زينب» وعفاءها ولعب
الرياح المعصرات بها، ثم انتقل إلى موضوع القصيدة نفسها من الفخر بمجد القبيلة وشرف الآباء فقال فيما قال: [الوافر](2/256)
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسؤوم
وأما المجمهرة فقد تحدّث فيها أمية عن مجد قبيلة ثقيف وهي من أمهات القبائل العربية وصاحبة النفوذ والسيادة في الطائف وافتخر بها وصوّر مكانتها ووراثتها لمجد الآباء والأجداد ولم يبدأها بوصف الخمر كما فعل عمرو بن كلثوم بل بدأها كما يبدأ الشعراء قصائدهم فوصف في مطلعها أطلال محبوبته «زينب» وعفاءها ولعب
الرياح المعصرات بها، ثم انتقل إلى موضوع القصيدة نفسها من الفخر بمجد القبيلة وشرف الآباء فقال فيما قال: [الوافر]
ورثنا المجد عن كبرى نزار ... فأورثنا مآثرنا البنينا
وكنّا حينما علمت معدّ ... أقمنا حيث ساروا هاربينا
وتخبرك القبائل من معدّ ... إذا عدّوا سعاية أولينا
بأنّا النازلون بكل ثغر ... وأنّا الضّاربون إذا لقينا
إلى آخر ما ذكره من الفخر بأسرته وقومه ومجدهم ومنابتهم وما أرصده لريب الدهر من الخيل والرماح والسيوف والشيب والشبان ووراثتهم للمجد عن كبرى نزار إلى غير ذلك من مظاهر الكبرياء والعزّة والسيادة التي أضافها أميّة إلى قومه ولا ندري شيئا عن التاريخ الأدبي للقصيدة وإن كنّا نرجّح أن الشاعر نظمها في مفاخرة من المفاخرات التي تحدث كثيرا بين القبائل العربية وخاصة في العصر الجاهلي.
2
وتتفق القصيدتان في كثير من وجوه الشعر والشاعرية:
تتفقان في الموضوع وفي الوزن والقافية، كما تتفقان في خيالهما والمبالغة الواضحة فيهما.
وتتفقان فوق ذلك في هذه السهولة الواضحة الغالبة عليهما وخاصة عندما ينتقل الشاعران إلى الغرض الأصلي في قصيدتيهما وهو الفخر، وليست هذه السهولة الفنية بغريبة على الشاعرين، فارتجال عمرو لقصيدته ومقام الفخر يقتضيان السهولة، ونشأة أمية في الطائف وحياته فيها بين الزروع والفاكهة والجو الجميل والهواء الطلق، وتنقّله بين الشام واليمن ومكة والمدينة كل ذلك جعله يعيش في ظلال قسط من الحضارة صقلت مواهبه الأدبية وطبيعته الفنية، فظهر أثر ذلك في شعره وضوحا وسهولة وإسجاحا وصقلا فنيّا رائعا.
وتتفق القصيدتان فوق ذلك في كثير من معاني الشعر وأساليبه، ومن مظاهر هذا التشابه هذه المعاني والأبيات:
أقال عمرو: [الوافر]
ورثنا المجد قد علمت معدّ: ... نطاعن دونه حتى يبينا (1)
أي حتى يظهر الشرف لنا.
وقال: ورثنا مجد علقمة بن سيف: [الوافر](2/257)
وقال: ورثنا مجد علقمة بن سيف: [الوافر]
ورثناهن (1) عن آباء صدق ... ونورثها إذا متنا بنينا
فقال أميّة: [الوافر]
ورثنا المجد عن كبرى نزار ... فأورثنا مآثرنا البنينا
وتستطيع أن توازن بين البيتين الأخيرين إذا علمت أن وراثة المجد في بيت أميّة أبلغ في الفخر من وراثة الخيول في بيت عمرو، وإن كانت وراثة الخيول من أسباب المجد لأن الخيل وركوبها واتخاذها عتادا دليل الشجاعة والبطولة وحبّ النضال، وقول أميّة:
فأورثنا مآثرنا البنينا
أبلغ من قول عمرو:
ونورثها إذا متنا البنينا
لأن أمية ذكروا أن أبناءهم ورثوا هذا المجد عن آبائهم سواء كان الآباء قد ماتوا أم لا يزالون أحياء، فهم قد ورثوه فعلا، أما عمرو فقال: إن الأبناء يرثوا الخيل بعد موت الآباء فهم لم يرثوه في حياتهم فكأنهم لا يعرفون بالشجاعة إلا بعد موت الآباء وهذا قصور في الفخر. وقال أمية: «البنينا» وقال عمرو: «بنينا» فشهرهم أمية وأبان من وضوحهم وقال عمرو: «أصدق» فدلّ على شجاعتهم أم وضوح نسبهم، وهي زيادة لا نظير لها في قول أمية.
وقد أخذ أمية لفظ «قد علمت معد» من قول عمرو فقال: [الوافر]
وكنّا حيثما علمت معدّ ... أقمنا حيث ساروا هاربينا
ب ويقول عمرو:
وأنّا المهلكون إذا ابتلينا
أي نهلك أعداءنا ونبيدهم إذا اختبرنا بقتالهم فيقول أمية:
وأنّا الضاربون إذا التقينا
فتجد قول عمرو أبلغ حيث نصّ على إهلاك الأعداء. ولم يذكر أمية إلا الضرب وإن كان يكنّى به عن الشجاعة والإقدام والعزيمة والجدّ في طلب الأعداء.
الضمير يعود إلى الأفراس في بيت سابق.(2/258)
ولكنه على أيّ حال لم يصوّر نتيجة الحروب كما صوّرها عمرو بقوله: «المهلكون».
ج ويقول عمرو:
وأنّا المانعون لما أردنا
ويروى:
الحاكمون بما أردنا
فيقول أميّة:
وأنّا المانعون إذا أردنا
د ويقول عمرو: [الوافر]
ونشرب إن وردنا الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا
ويروى من المجمهرة: [الوافر]
وأنّا الشاربون الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا
ويقول عمرو: [الوافر]
بفتيان ترون القتل مجدا ... وشيب في الحروب مجربينا
وقد روى من المجمهرة: [الوافر]
وفتيانا يرون القتل مجدا ... وشيبا في الحروب مجربينا
3
وتمتاز المعلّقة بتنوّع أغراضها، وبطولها، وسهولتها، وأنها ملحمة تاريخية وتصوير لمجد تغلب القومي والحربي، وبما فيها من وصف للخمر، وهي على أيّ حال وباعتراف نقّاد الأدب القديم من أشهر القصائد الجاهلية ولذلك وضعوها مع المعلقات، وقال ابن قتيبة فيها: «وهي من جيد شعر العرب».
أما قصيدة أمية فقد وضعوها في منزلة أدبية بعد منزلة المعلقات حيث رتبوها في المجمهرات. والمجمهرات سبع قصائد من الشعر الجاهلي رواها أبو زيد الأنصاري في الجمهرة وأصحابها هم:
أعبيد بن الأبرص ومجمهرته مشهورة ومطلعها: [مخلع البسيط]
أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب
أو عيناك دمعهما سروب ... كأن شأنيهما شعيب
وتشتهر باختلاف وزنها واضطرابه، وهي قاصرة على الحكمة ومنها:(2/259)
أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب
أو عيناك دمعهما سروب ... كأن شأنيهما شعيب
وتشتهر باختلاف وزنها واضطرابه، وهي قاصرة على الحكمة ومنها:
والمرء ما عاش في تكذيب ... طول الحياة له تعذيب
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
ويغلب عليها صبغة التديّن وروح الإيمان.
ب عديّ بن زيد، ومطلع مجمهرته: [الطويل]
أتعرف رسم الدار من أم معبد ... نعم ورماك الشوق قبل التجلّد
وتشبه معلقة طرفة في وزنها وقافيتها وروح الحكمة السارية فيها كما تتفق معها في بعض الأبيات، ويغلب عليها روح التديّن، ومنها: [الطويل]
فنفسك فاحفظها عن الغيّ والرّدى ... متى تغوها يغو الذي بك يقتدي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
والبيت الأخير تجده في معلقة طرفة أيضا.
ج النمر بن تولب، ومطلع مجمهرته: [الطويل]
تأبد من أطلال عمرة مأسل
وتغلب عليها روح الحكمة، ومنها: [الطويل]
يودّ الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل
دعاني الغواني عمّهن وخلتني ... لي اسم فما أدّعي به وهو أول
د أمية بن أبي الصلت، ومجمهرته معروفة، وهي وقف على الفخر.
هـ بشر بن أبي خازم: ومجمهرته في الفخر بقومه وبطولتهم وعزّهم، ومطلعها: [الكامل]
لمنى الديار غشيتها بالأنعم ... تعدو معالمها كلون الأرقم
وو خداش بن زهير، ومجمهرته في الفخر بقومه أيضا ومطلعها: [الطويل]
أمن رسم أطلال بتوضح كالسطر
ز عنترة وقصيدته: [الكامل](2/260)
أمن رسم أطلال بتوضح كالسطر
ز عنترة وقصيدته: [الكامل]
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
ويعدّها البعض من المعلقات والآخرون من المجمهرات، وهي على أيّ حال في الفخر حيث وصف فيها الشاعر بطولته وشخصيته بوضوح. وهذه القصائد السبع:
أمن الناحية التاريخية نجد أن أصحابها لم يعيشوا في عصر واحد، فعديّ توفي عام 565م وعبيد عام 555م وأمية عام 624وعنترة عام 615م الخ، مما يؤكد لنا أنه لم تلاحظ الناحية التاريخية في ترتيبها.
ب ومن ناحية موضوع هذه القصائد نجد أن ثلاثا منها في الحكمة وأربعا في الفخر، مما يؤكد أنها لم ترتّب بحسب موضوعاتها.
ج فلم يبق إلا أنها رتّبت بحسب جودتها الفنية ومنزلتها الأدبية، ومن غير شك فإن شاعرية هؤلاء الشعراء وخصائص الشاعرية في هذه القصائد تكاد تكون في منزلة واحدة مما يبدو بوضوح للناقد الدّارس.
فهذه القصائد السبع يشبه بعضها بعضا في النواحي الفنية والقيمة الأدبية وتكاد تكون متساوية في حكم النقد الأدبي السليم، وهي لا تحتل الذورة بين قصائد العصر الجاهلي، وإنما تلي هذه القصائد السبع الجياد المشهورة «المعلقات» ويليها كثير من القصائد التي لا تبلغ منزلة المجمهرات الأدبية.
ومن الغريب أن تخلو مجمهرة أمية من هذه الصبغة الدينية التي اشتهر بها أمية ويبدو أنه نظمها في أوائل عهده بالشعر وفي عصر الشباب مما يتضح من تقليده فيها لعمرو بن كلثوم ومعلقته.
وقد يكون السبب الذي جعل أمية ينظم مجمهرته محتذيا فيها عمرا هو إعجابه بمعلقته وروايته لها أو تأثّره بعمرو خاصة من بين الشعراء الجاهليين.
ومعلقة عمرو يرى فيها الدكتور طه حسين في كتابه (الأدب الجاهلي) أنه لا يمكن أن تكون هي أو أكثرها جاهلية.
ويذكر أن الرواة قد شكّوا في بعضها وأن عمرا نفسه قد أحيط بطائفة من الأساطير، ويرجح انتحال المعلقة هي ومعلقة الحارث بن حلزة.(2/261)
والمعلقة نفسها خير ردّ على هذا الرأي فهي صورة لحياة جاهلية لا شك فيها وتمثّل حياة عمرو نفسه تمام التمثيل، والشخصية الفنية في المعلقة شبيهة تمام الشبه بالآثار الفنية القليلة التي ثبتت صحتها لعمرو مما ورد في الحماسة وسواها.
وبعد فنستطيع أخيرا أن نقول إن أميّة نظم مجمهرته متأثّرا فيها بعمرو ومعلقته.
وأنه قلّد عمرا تقليدا فنيّا واضحا لا لبس فيه، والتقليد الفني ليس ببعيد على الشعر الجاهلي ولا بغريب فيه، وكما قلّد الشعراء المحدثون من تقدّمهم من أئمة الشعر العربي فقد كان الشاعر الجاهلي يقلّد من سبقه من الشعراء.
الطبع والصّنعة في الشعر الجاهلي
بيّن القدامى والمحدثين من النقّاد خلاف كبير في تحديد معنى الطبع والصّنعة يرى الأوّلون أن التهذيب الفني للأسلوب هو الصنعة، فالمصنوع هو المثقف المهذب من الشعر، أما الطبع فهو خلوّ الأثر الأدبي من آثار التجويد والتنقيح، ويرى الآخرون أن شعور الشاعر بنفسه حدّ بين الطبع والصنعة، فإذا كان الشعر صادقا مؤثّرا فهو من شعر الطبع، وإلا فهو مصنوع متكلّف، والأديب المطبوع عندهم من كان غير مقلّد في معناه أو في لفظه، وكان صاحب موهبة في نفسه وعقله لا في لسانه فقط.
ورأى المحدثين المعاصرين من النقّاد اصطلاح جديد في معنى الطبع والصّنعة.
وأرى أن الأولى في تحديد معناهما أن نجمع بين الرأيين الذين يتلاقيان ولا يتناقضان.
فالطبع هو الملكة القادرة في نفس الشاعر والأديب التي توحى إليه بفنّه وأدبه وحي الفطرة والطبيعة واستجابة لعواطفه ومشاعره، دون تكلّف وتعب في الصّوغ أو استجداء لترف الأسلوب والصناعة. أما الصنعة فهي إحساس الشاعر أو الأديب بآثار الجمال الفنّي وترف الأداء وزخرف الأسلوب. وحبّه لهذا الجمال والتّرف والزخرف، وهيامه الفنّي بها، وقصده إليها، وتعمّده لها في شعره حتى ليطلب الفن للفن، ويستلهم الجمال للجمال، ويستوحي الشعر من ملكاته الفنية التي استبدّت بها هذه النزعة، مما يطغى على نفس الشاعر وشعوره وعواطفه وإحساسه بالحياة.
ويجمع جمهور النقّاد في القديم والحديث على عيب الصنعة والتصنيع، وسمّوا المصنّعين من الشعراء في العصر الجاهلي عبيد الشعر، وعابوا شعرهم، قال الأصمعي الأديب الراوية الناقد 216هـ: زهير والنابغة وأشباههما عبيد الشعر وقال: الحطيئة وهو شاعر إسلامي مشهور عبد لشعره، قال الجاحظ إمام الأدباء والنقّاد م 255هـ:
عاب الأصمعي شعره حين وجده كله متخيّرا مستويا لمكان الصنعة والتكلّف والقيام عليه، وكان الأصمعي يستحسن التفاوت في الشاعرية لأنه مظهر الطبع، وخلوّ الشعر من آثار الصناعة، وعلى هذا الرأي يسير بعض المحدثين ممّن يرى أن التفاوت في شعر الشاعر دليل على عبقريته وطبعه، ويعدّه العقّاد الآية الناطقة على شاعرية المتنبي وعظيم مكانته في الشعر.(2/262)
ويجمع جمهور النقّاد في القديم والحديث على عيب الصنعة والتصنيع، وسمّوا المصنّعين من الشعراء في العصر الجاهلي عبيد الشعر، وعابوا شعرهم، قال الأصمعي الأديب الراوية الناقد 216هـ: زهير والنابغة وأشباههما عبيد الشعر وقال: الحطيئة وهو شاعر إسلامي مشهور عبد لشعره، قال الجاحظ إمام الأدباء والنقّاد م 255هـ:
عاب الأصمعي شعره حين وجده كله متخيّرا مستويا لمكان الصنعة والتكلّف والقيام عليه، وكان الأصمعي يستحسن التفاوت في الشاعرية لأنه مظهر الطبع، وخلوّ الشعر من آثار الصناعة، وعلى هذا الرأي يسير بعض المحدثين ممّن يرى أن التفاوت في شعر الشاعر دليل على عبقريته وطبعه، ويعدّه العقّاد الآية الناطقة على شاعرية المتنبي وعظيم مكانته في الشعر.
ولقد كان الشعر العربي أثرا للفطرة والبديهة. واستجابة لمشاعر الشاعر وشعوره بالحياة في الجاهلية، وكان أكثره ارتجالا أو ما يشبه الارتجال، ينظمه الشاعر على البديهة، ويأتي به عفو الخاطر ترد إلى ذهنه المعاني وتتابع، فتنثال عليه الألفاظ وتأتيه الأساليب شعرا وشعورا وسحرا وجمالا، كل ذلك في سهولة وتدفّق وفطرة دون تثقيف وتهذيب وتنقيح، حتى قال الجاحظ: وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليس هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكرة، وإنما هو أن يصرف همّه إلى الكلام وإلى جملة المذهب والعمود الذي إليه يقصد فتأتيه المعاني أرسالا، وتنثال عليه الألفاظ انثيالا.
وفي العصر الجاهلي بدأ لون جديد من ألوان التهذيب والصنعة في الشعر على يد أوس وزهير وتلاميذهما.
كان أوس بن حجر من أصحاب التنقيح وكان يسمى محبرا لحسن شعره.
وتتلمذ عليه زهير، وكان طفيل الغنوي كذلك، وكان النمر بن تولب من أصحاب التثقيف والتهذيب. وكان أبو عمرو بن العلاء الناقد الراوية م 154هـ يسمّيه الكيّس لحذقه بالشعر. والنقّاد يعدّون النابغة الذبياني أيضا من المصنّعين. ويقول أنصار الصنعة: إن امرأ القيس أيضا كان يثقف شعره ويعيد النظر فيه فيسقط رديئه ويثبت جيّده. وكان امرؤ القيس راوية أبي دؤاد أبي الإيادي وكان يلوذ به في شعره ويتوكأ على معانيه كثيرا، ولكن شعر امرىء القيس ينفي عنه الصنعة والتصنيع وفرّق بين أن يجيء عفوا في شعره بعض آثار الصناعة الفنية وأن يكون مصنعا ينحت فيه كما ينحت الفنّانون تماثيلهم.
وأبرز رجال هذه المدرسة على أيّ حال هو زهير، قال بعض النقّاد: عمل سبع قصائد في سبع سنين وكان يسمّيها الحوليّات كان زهير يصنع الحوليّات على وجه التثقيف والتهذيب، يصنع القصيدة ثم يكرر نظره فيها خوفا من النقد والنقّاد بعد أن يكون قد فرغ من عملها في ساعة أو ليلة وقيل: كان ينظم القصيدة في شهر ثم لا يزال يهذبها حتى يمرّ عليها الحول، وقيل: بل كان يعمل القصيدة في ستة أشهر
ويهذبها في ستة أشهر، وقال الجاحظ: كان زهير يسمّي كبار قصائده الحوليّات. وقد سار تلامذة زهير على نهج أستاذهم كالحطيئة الشاعر الإسلامي وسواه.(2/263)
وأبرز رجال هذه المدرسة على أيّ حال هو زهير، قال بعض النقّاد: عمل سبع قصائد في سبع سنين وكان يسمّيها الحوليّات كان زهير يصنع الحوليّات على وجه التثقيف والتهذيب، يصنع القصيدة ثم يكرر نظره فيها خوفا من النقد والنقّاد بعد أن يكون قد فرغ من عملها في ساعة أو ليلة وقيل: كان ينظم القصيدة في شهر ثم لا يزال يهذبها حتى يمرّ عليها الحول، وقيل: بل كان يعمل القصيدة في ستة أشهر
ويهذبها في ستة أشهر، وقال الجاحظ: كان زهير يسمّي كبار قصائده الحوليّات. وقد سار تلامذة زهير على نهج أستاذهم كالحطيئة الشاعر الإسلامي وسواه.
وكان هذا المذهب الفني في الشعر الجاهلي مذهب الصنعة والتصنيع أثر للتنافس بين الشعراء وقيام الأسواق الأدبية كعكاظ وسواه بالحكومة الأدبية بينهم.
وكان النابغة تقام له قبّة في عكاظ ويتحاكم إليه الشعراء، كما كان أثر للتكسّب بالشعر واتخاذه وسيلة للثّراء وعكوف الشعراء المصنّعين على تجويد مدائحهم ليستخرجوا بها سني الهدايا والألطاف من ممدوحيهم، وكان ارتباط الشعر الجاهلي بالغناء ورغبة بعض الشعراء في التجويد والتجديد في المعاني من أسباب نشأة هذا المذهب الفني أيضا.
وإذا نظرنا إلى الشعر الجاهلي نفسه وجدنا الفرق كبيرا بين آثار أصحاب الطبع والبديهة كطرفة وامرىء القيس ومهلهل وآثار الشعراء المصنّعين.
والمعلقات السبع وهي من أشهر القصائد الجاهلية في البلاغة الأدبية وأحفلها بمواهب الشاعرية والفن والخيال وخصب الملكات، كلها من آثار الطبع الأدبي الموهوب وليس فيها شيء من مظاهر الصناعة الفنية فمعلقة امرىء القيس أروع صورة لحياة الشاعر وترفه ولهوه، ومعلقة عمرو بن كلثوم ملحمة تاريخية تصوّر التاريخ القومي والحربي والسياسي لقبيلة الشاعر «تغلب» ومعلقة عنترة حديث عذب جميل بين الحب والحرب والبطولة ومعلقة زهير دعوة للسلام ووصف لأهوال الحرب وقسوتها على الناس والبشرية، ويكاد يكون زهير فيها أشبه شيء بالمطبوع، ويكاد أسلوبه فيها يبعد عن الصنعة وآثارها الفنية.
وشتّان بين معلقة زهير هذه وبين قصيدة النابغة: [الطويل]
كليني لهم يا أمية ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
أو قصيدة أخرى لزهير نفسه هي: [الطويل]
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرّى أفراس الصبا وزواحله
لبعد ما بين الأثر المطبوع والأثر المصنوع.(2/264)
فهرس محتويات الجزء الثاني
طرفة بن العبد: ترجمته 3
شرح القصيدة الأولى الدالية 33
شرح القصيدة الثانية الرائية 51
شرح القصيدة الثالثة الميمية 59
شرح القصيدة الرابعة اللامية 62
شرح القصيدة الخامسة الكافية 64
شرح القصيدة السادسة اللامية 65
شرح القصيدة السابعة الميمية 67
شرح القصيدة الثامنة الميمية 68
شرح القصيدة التاسعة الرائية 69
شرح القصيدة العاشرة الميمية 70
شرح القصيدة الحادية عشرة البائية 71
شرح القصيدة الثانية عشرة الميمية 72
شرح القصيدة الثالثة عشرة الرائية 74
شرح القصيدة الرابعة عشرة الحائية 75
شرح القصيدة الخامسة عشرة اللامية 76
شرح القصيدة السادسة عشرة الرائية 78
شرح القصيدة السابعة عشرة الفائية 80
شرح القصيدة الثامنة عشرة الدالية 81
عنترة بن شداد: ترجمته 83
شرح القصيدة الأولى الميمية 87
شرح القصيدة الثانية اليائية 103(2/265)
شرح القصيدة الثالثة الفائية 104
شرح القصيدة الرابعة الرائية 106
شرح القصيدة الخامسة الميمية 107
شرح القصيدة السادسة اللامية 108
شرح القصيدة السابعة العينية 113
شرح القصيدة الثامنة اليائية 114
شرح القصيدة التاسعة الفائية 115
شرح القصيدة العاشرة البائية 116
شرح القصيدة الحادية عشرة الميمية 117
شرح القصيدة الثانية عشرة البائية 117
شرح القصيدة الثالثة عشرة الدالية 118
شرح القصيدة الرابعة عشرة الذالية 119
شرح القصيدة الخامسة عشرة العينية 119
شرح القصيدة السادسة عشرة القافية 120
شرح القصيدة السابعة عشرة الدالية 120
شرح القصيدة الثامنة عشرة الهائية 121
شرح القصيدة التاسعة عشرة الحائية 122
شرح القصيدة العشرين القافية 122
شرح القصيدة الحادية والعشرين البائية 123
شرح القصيدة الثانية والعشرين النونية 123
شرح القصيدة الثالثة والعشرين الحائية 125
شرح القصيدة الرابعة والعشرين الهائية 127
شرح القصيدة الخامسة والعشرين الرائية 129
شرح القصيدة السادسة والعشرين النونية 130
دراسات لبعض الشعراء الجاهليين 131
عمرو بن كلثوم 133
الحارث بن حلزة 143
أمية بن أبي الصلت 149
الشنفرى الأزدي 173
لقيط الأيادي 176(2/266)
أبو دؤاد الأيادي 177
عدي بن زيد 178
شعراء النسيب في العصر الجاهلي 184
لبيد بن ربيعة العامري 186
أعشى قيس 191
السموأل بن عاديا 200
حاتم الطائي 201
دراسات عامة في الشعر الجاهلي 219
دواوين الشعراء الجاهليين 219
قدامى الشعراء في العصر الجاهلي 220
الشعراء الجاهليون 222
شعراء الحماسة الجاهليون 229
الشعراء المتألّهون 233
مصادر الشعر الجاهلي 234
الشعر الجاهلي في موازين النقد 235
موقف النقّاد من الشعر الجاهلي 235
الشعر الجاهلي وموقفنا من تقليده 244
الشعر العربي القديم 250
موازنة أدبية بين قصيدتين من عيون الشعر الجاهلي 255(2/267)