مقدمة المحقق
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، سبحانه من إله قديم أزلي باق أبدي، يبلي ولا يبلى، يفني ولا يفنى، ينادي آخر الأمر: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} (1) ولا مجيب سواه سبحانه: {لِلََّهِ الْوََاحِدِ الْقَهََّارِ} (2).
سبحانه قصّ القصص لتكون لنا منها وفيها العبر فقال: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (3)، وقال: {لَقَدْ كََانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبََابِ} (4) وبين أنه القصص الحقيقي الذي لا هوى فيه ولا تزييف ولا تزوير ولا تزيين ولا تشويه فقال: {إِنَّ هََذََا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} (5) وأمرنا بالسير والسياحة في الأرض لنرى آثار من سبقونا وكانت لهم قوة قهر وبطش وطغيان وصولات وجولات، وظنوا أن لا قوة فوق قوتهم ولا قهر فوق قهرهم ولا بطش فوق بطشهم ونسوا أن بطش ربهم لشديد وغرّهم ما هم فيه من زهرة الصحة والسلطان والدنيا، فقهرهم، وبطش بهم، وأذلهم، وأفناهم وقال لنا من بعدهم: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كََانَ}
__________
(1) سورة [غافر: 16].
(2) سورة [غافر: 16].
(3) سورة [الأعراف: 176].
(4) سورة [يوسف: 111].
(5) سورة [آل عمران: 62].(1/7)
{عََاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (1) وفي سورة النمل: {كَيْفَ كََانَ عََاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (2)، ثم أورث المستضعفين المظلومين قصور هؤلاء الظلمة وجعل العبيد سادة وقادة ورفع أقواما ووضع آخرين فقال: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيََارَهُمْ وَأَمْوََالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُهََا} (3) وقال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} (4) وقال: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسََاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنََا بِهِمْ وَضَرَبْنََا لَكُمُ الْأَمْثََالَ} (5) ثم هو سبحانه يرث الكل بعد الكل فيقول: {إِنََّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهََا} (6) ليس هذا فحسب بل: {وَإِلَيْنََا يُرْجَعُونَ} (7).
يا لها من عظمة لا يعلمها إلا العظيم، وقدرة لا يعلمها إلا القدير، وجلال لا يعلمه إلا صاحب الجلال، وسلطان لا يعلمه إلا صاحب السلطان، فماذا أقول غير أن أترك القول لمعلم القول، والعلم لمعلم العلم، والوصف لخالق الموصوفات، فأترك كل هذا وأكتفي بأن أقول: لا إله إلا الله يفنى الكل ويبقى الله.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله عبادة من عاين فأيقن بعد علم فقال: «لو علمتم ما أعلم» وقال: «شيبتني هود وأخواتها» فصلى الله عليه وسلم من نبي
__________
(1) سورة [آل عمران: 137]، و [النحل: 36].
(2) سورة [النمل: 69].
(3) سورة [الأحزاب: 27].
(4) سورة [القصص: 5].
(5) سورة [إبراهيم: 45].
(6) سورة [مريم: 40].
(7) سورة [مريم: 40].(1/8)
زويت له أقطار الدنيا، وجمعت له صفحات الماضي، وبسطت أمامه علوم المستقبل، فكان من عمله وتقواه ما كان، وكان من صدق ودقة علمه ما نراه على مرّ الأزمان يتجدد يوما بعد يوم فيزيد ويؤكد ويقوي الإيمان برسالته ونبوته.
فصلى الله عليه وسلم من نبي اعتبر بما مضى، وحذّر مما بقي، فأقبل على ربه وقد ارتضى.
فاللهم ألحقنا به على عمل مع إيمان ترضاه، وحقق لنا به أملا منك نبغاه، في أن لا تحرمنا يوم القيامة من لقياه والشرب من يديه.
أما بعد:
فإن القائل يقول:
من حوى التاريخ في صدره ... فقد أضاف أعمارا إلى عمره
ولكن هناك ضوابط وضعها الله سبحانه وتعالى لهذا العلم ومنها وأهمها هذه القاعدة العريضة التي يجب أن ينبني عليها علم التأريخ والتي يجب أن يضعها لمن يقوم بهذا الفن ألا وهي قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ} (1).
وقوله: {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (2).
إذا فماذا أريد أن أقول في هذا الأمر؟! ما أريد أن أقوله هو أننى أستأذنك أخي القارئ في أن أترك موضوع التأملة التي كثيرا ما تحدثني بها نفسي كلما أمسكت بكتاب من كتب التاريخ ألا وهي أنني أعجب أشد العجب من أمر التاريخ والمؤرخين والمؤرخ لهم، فقاص القصة سيكون هو الآخر قصة، والحاكي سيكون حكاية، وهكذا على مر الزمان فيالخيبة من لم
__________
(1) سورة [البقرة: 143].
(2) سورة [الإسراء: 36].(1/9)
يعتبر وسبحان الباقي إلى أن ينادي وبعد أن ينادي: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} (1)
هناك وهناك فقط يعرف الإنسان معنى الملك، ولمن الملك؟ وما هو الملك؟
وكيف يكون الملك؟
فالمؤرخ عندما يحكي عمن سبق تراه يقول وتوفي في سنة كذا، ثم يقال عن المؤرخ وتوفي سنة كذا، ثم يقال عمن قال: وتوفي في سنة كذا، وهكذا، أفلا نعتبر نحن ونحن نكتب أو نقرأ التاريخ، ولكن أحداثه تسوقنا سوقا إلى آجالنا ونحن نتابع حلقات حكاياته دون اعتبار إلى أن نصير حلقة منه. ومن هذا الأمر يكون تعجبي من أمر المؤرخين أعجب من أمر التاريخ، والتاريخ لن يحاسب ولن يسأل ولن يعاقب ولن يدخل جنة أو نارا، فيأخذني مع التعجب إشفاق شديد على حالهم مع ربهم حيث يقصّون ويسطّرون بأناملهم ما هو محض افتراء على أناس من خيرة خلق الله تعالى وأكرمهم منزلة عنده سبحانه، ويخوضون في أعراض المحصنات من النساء دون وعي أو بينة ناسين أو متناسين ذلك اليوم الذي يقفون فيه بين يدي الله عز وجل ويسألهم، ومغترين بغياب هؤلاء الحكام أو الأفراد الذين يتكلمون في حقهم زاعمين أنها الأمانة التاريخية تارة ومتزلفين إلى الحكام المعاصرين أخرى. وعموما ستجدني أتكلم بنحو هذا الكلام في بعض المواضع أثناء تحقيق الكتاب فأمسك الآن عن هذا الأمر وربما أعود إليه بعد قليل، فلا تلومني أخي القارئ واعذرني غفر الله لي ولك آمين.
ولي تعجب آخر أو أخير وهو موضوع الاغتيال نفسه وعلاقته بأمر الإنسان وهو استعجال الخصم انقضاء عمر خصيمه ويظن أن الدنيا ستصفوا له بزوال هذا الخصم من عالمه في حين أن اليقين عنده أنه لن يتقدم ولن يتأخر عن أجله بالاغتيال أو بغيره غير اكتساب الإثم ليقين القاتل والمقتول
__________
(1) سورة [غافر: 16].(1/10)
خصوصا المسلمين منهم بقول الله عز وجل: {فَإِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ لََا يَسْتَأْخِرُونَ سََاعَةً وَلََا يَسْتَقْدِمُونَ} (1)، وقوله سبحانه: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتََابٌ} (2)، وقائلهم يقول:
من لم يمت بالسيف مات بغيره ... تعددت الأسباب والموت واحد
__________
(1) سورة [الأعراف: 34].
(2) سورة [الرعد: 38].(1/11)
منهج ابن حبيب في هذا الكتاب
لم يقدم ابن حبيب رحمنا الله وإياه لهذا الكتاب بمقدمة يوضح لنا فيها ما يرنو إليه أو يقصده من تأليف هذا الكتاب ولا الأسباب الدافعة له إلى تأليفه لذا لم نعرف على وجه اليقين هل ما ورد في الكتاب هو ما كان يقصده أم أنه كان يجمع مادته العلمية ثم وافته المنية دون إتمامه، وهذا ما أظنه وأرجحه لأسباب منها:
أنه لم يسر في كتابه على خط واحد، ولم يضع قاعدة ثابتة يبني عليها أو ينطلق منها في سرد موضوعه بل تحرك في مرونة ووسع لنفسه النطاق بحيث أنه لم يلتزم التزاما تاما بالتقديم والتأخير وإن كان الخط الغالب هو المحافظة على ذلك.
ومنها: أنه لم يأت على كل من قتل غيلة من الملوك أو الشعراء أو الأشراف ممن سبقوه.
ومنها: أنه يذكر بعضا ممن قتل شهيدا دون غيلة كعبد الله بن رواحة، في حين يترك ذكر من قتل غيلة كسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وقد قتل غيلة في أحد على يد وحشيّ، كما أنه ذكر من قتل غيلة في نفس الموقعة آخرين وهما: المجذر بن زياد البلوي، وقيس بن زيد قتلهما غيلة الحارث بن سويد، ويذكر اغتيال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وعلي رضي الله عنه في حين يترك ذكر اغتيال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ومنها: إيراده للأبواب فتراه في أول الكتاب يقول: المغتالين منهم:
جذيمة بن الأبرش، ويأخذ في سرد الكتاب، ثم يقول: ذكر من قتل حميمه من الملوك ولم يسر في ذلك طويلا ثم يعود إلى سرد المغتالين فيذكر عددا منهم لهذا أسميت هذا القسم: تتمة الباب الأول، ثم يقول: المغتالين من
الشعراء، فيذكر عددا منهم سواء كانوا من الأشراف أو الملوك أو من الشعراء فقط.(1/12)
جذيمة بن الأبرش، ويأخذ في سرد الكتاب، ثم يقول: ذكر من قتل حميمه من الملوك ولم يسر في ذلك طويلا ثم يعود إلى سرد المغتالين فيذكر عددا منهم لهذا أسميت هذا القسم: تتمة الباب الأول، ثم يقول: المغتالين من
الشعراء، فيذكر عددا منهم سواء كانوا من الأشراف أو الملوك أو من الشعراء فقط.
لهذه الأسباب وغيرها أرجّح والله أعلم أن ما بين أيدينا ما هو إلا مسودة الكتاب التي كان يجمع فيها من يقف عليه منهم وما ورد فيه من أبواب أو أقسام ما هو إلا كراريس كانت معدة لكل طائفة أو فئة منهم بدليل أن ما ورد في الباب أو القسم الخاص بمن قتل حميمه من الملوك جاء قصير جدا فهذا إما أنه يرجح الاحتمال الذي أقول به أو إنه فقد أو سقط من أوراق الكتاب مجموعة، وربما كان لاكتفائه بما ذكر منهم هذا إن كان هو ما أراد من تأليفه للكتاب وهذا غاية مراده وما يرنو إليه منه. فالله أعلم.
وعلى العموم فإن ابن حبيب عوّدنا على عدم ذكر مقدمة لبعض كتبه ككتابه الشهير = المحبر = فقد جاء بغير مقدمة أيضا.
وعلى كلّ فإن ابن حبيب رحمنا الله تعالى وإياه كان من مشاهير الأخباريين والنسابة ويكفي أنه من تلاميذ ابن الكلبي وراوي بعض كتبه في الأنساب، ومن طبيعته أنه لا يطيل في شرح أي مسألة يتناولها، فهو يكتفي بالإشارة والذكر إلا في القليل النادر كما هو الحال في كتابه = المحبر =، والذي لو شرح أو وضّح لنا ما ورد فيه من معلومات لكان سفرا نفيسا، وهذا الكتاب الذي هو = المحبر = ينم عن غزارة علمه وسعة معرفته بالأنساب، واللغة، والشعر، والأيام، وما أشبه ذلك، ويبين موسوعيته المعرفية التي يندر الوقوف على مثلها.(1/13)
وعلى كلّ فإن ابن حبيب رحمنا الله تعالى وإياه كان من مشاهير الأخباريين والنسابة ويكفي أنه من تلاميذ ابن الكلبي وراوي بعض كتبه في الأنساب، ومن طبيعته أنه لا يطيل في شرح أي مسألة يتناولها، فهو يكتفي بالإشارة والذكر إلا في القليل النادر كما هو الحال في كتابه = المحبر =، والذي لو شرح أو وضّح لنا ما ورد فيه من معلومات لكان سفرا نفيسا، وهذا الكتاب الذي هو = المحبر = ينم عن غزارة علمه وسعة معرفته بالأنساب، واللغة، والشعر، والأيام، وما أشبه ذلك، ويبين موسوعيته المعرفية التي يندر الوقوف على مثلها.
هدفي من تحقيق الكتاب ومنهجي فيه
كنت أود أن أحقق هذا الكتاب في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من هذا القرن غير أنه حيل بيني وبينه لأسباب إجرائية إلا أنني كلما حاولت حال حائل دون ذلك، ولعل ذلك كان لقدر يعلمه الله تعالى والخيرة فيما اختاره سبحانه.
وكان سبب اعتزامي على تحقيقه في الفترة التي أشرت إليها والتي كانت قبيل نشوب بعض الاضطرابات بين التيار الإسلامي والحكومة في مصر، وكنت أريد آن ذاك أن أبين أن للاغتيالات أسباب مشروعة، وأخرى غير مشروعة.
فالمشروعة منها: تكون بأمر مباشر من الحاكم المسلم ضد شخص غير مسلم يكون له بالغ الضرر على الإسلام أو المسلمين، ولهذا الأمر ضوابطه لدى أهل الحل والعقد وكيفيته والوسائل التي تتبع فيه غير ما يسمى بالغاية تبرر الوسيلة، فالغاية إذا كانت مشروعة فلابد أن تكون الوسيلة مشروعة أيضا.
وأما غير المشروعة منها: فهو ما تقوم به فئة غير معتبرة شرعا ضد شخص ما، وبطريقة الغاية تبرر الوسيلة، وعادة ما أن لا يكون لهذه الفئة ضوابط شرعية معتبرة.
وكان هدفي آن ذاك هو تحذير التيار الإسلامي من مغبة الصدام مع السلطة لعلمي بأن ذلك إنما يحقق أهداف ومآرب غير المسلمين وأعداء الإسلام سواء كانوا من اليهود أو غيرهم، وإذ كنت ألمح في شباب تلك الفترة إخلاصا نادرا كما كنت ألمح أيضا في بعض القيادات هوى وافق ما أراده أعداء الإسلام بالشباب المخلص للخلاص منه مبكرا قبل نضوجه
وحتى لا يكون خطرا عليهم، وإظهار الإسلام بالصورة الدموية أو الوحشية أو الهمجية أو ما إلى ذلك من الأوصاف التي يحلو لهم وصفه بها ومستشهدين بأفعال أبنائه وأهله ومعتقديه والمتمسكين به على وجه الخصوص.(1/14)
وكان هدفي آن ذاك هو تحذير التيار الإسلامي من مغبة الصدام مع السلطة لعلمي بأن ذلك إنما يحقق أهداف ومآرب غير المسلمين وأعداء الإسلام سواء كانوا من اليهود أو غيرهم، وإذ كنت ألمح في شباب تلك الفترة إخلاصا نادرا كما كنت ألمح أيضا في بعض القيادات هوى وافق ما أراده أعداء الإسلام بالشباب المخلص للخلاص منه مبكرا قبل نضوجه
وحتى لا يكون خطرا عليهم، وإظهار الإسلام بالصورة الدموية أو الوحشية أو الهمجية أو ما إلى ذلك من الأوصاف التي يحلو لهم وصفه بها ومستشهدين بأفعال أبنائه وأهله ومعتقديه والمتمسكين به على وجه الخصوص.
وقد كان ما كان، وكان السبق الزمني لأعداء الإسلام إذ سرعان ما أوقعوا بين الفئتين مبكرا، ووقع ما كنت أحذر، وأحذّر، فتوقفت عن فكرة تحقيقه حتى لا تكون فتنة والنار مشتعلة، فأكون كمن يسكب الزيت على النار.
ثم مضت الأيام والسنون بطيئة متثاقلة وهدأ الحال فعادت فكرة تحقيق الكتاب تلح على رأسي، وعقدت العزم على تحقيقه على عدة أمور منها:
ترجمة الأعلام الواردة فيه غائلين أو مغتالين، والتعريف بمصادر تراجمهم على التوسع في ذلك قدر المستطاع، والتعليق على كيفية الاغتيال، وهل هذا الاغتيال كان واجبا أو محرما؟ وما الشبهات التي وقع فيها القائم بالاغتيال، وتوضيح أهداف من وجهوهم إلى الاغتيال، وبيان غدر من يوجهه إلى هذا الهدف لهدف خاص وابتعاده هو عن القيام به ثم غدره به بما يماثل ما تقوم به عصابات المافيا في عصورنا هذه، وعصابات التهريب وما شابه ذلك، ملبّسين على غيرهم بزعم كتم السر أو قتله مع القاتل أو القائم بالاغتيال، متمثلين أو متشدقين بتلك القاعدة الخبيثة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد وإنما هي قاعدة من لا دين لهم ولا خلاق، ويرتكب تحتها وباسمها أبشع الأمور والمنكرات فاللهم سلّم سلم.
والأهم من هذا كله هو أنني كنت عاقدا العزم على التذييل على هذا الكتاب من حيث انتهى مؤلفه رحمه الله وإيانا إلى العصر الذي نعيش فيه نحن الآن، مقتصرا على المنطقة الإسلامية والعربية، وعلى سلسلة الحكام فقط حتى لا يتشعب الأمر ويطول.
والسؤال هنا هو: ما الذي جعلني أتوقف عن ذلك؟ والإجابة وبكل صراحة ووضوح وبدون مواربة: هو أنني مرضت مرضا ما زال ملازمني حتى ساعة خطي لهذه المقدمة.(1/15)
والأهم من هذا كله هو أنني كنت عاقدا العزم على التذييل على هذا الكتاب من حيث انتهى مؤلفه رحمه الله وإيانا إلى العصر الذي نعيش فيه نحن الآن، مقتصرا على المنطقة الإسلامية والعربية، وعلى سلسلة الحكام فقط حتى لا يتشعب الأمر ويطول.
والسؤال هنا هو: ما الذي جعلني أتوقف عن ذلك؟ والإجابة وبكل صراحة ووضوح وبدون مواربة: هو أنني مرضت مرضا ما زال ملازمني حتى ساعة خطي لهذه المقدمة.
وإذا سألت عن سبب هذا المرض، أجبتك عن رأي الأطباء فيه وهو أن سببه هو هذا الكتاب حيث أنني كنت أتجنب كثيرا قراءة التاريخ خصوصا تاريخ فترة الفتنة حتى لا أتضايق أو تنقبض نفسي أو ينزلق لساني في حق أحد منهم، وقد يكون هو صاحب الحق، وأتمثل دائما مقولة مشهورة كلما سألني سائل أو دار حديث عن تلك الفترة ألا وهي قول بعضهم: = تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلم ندس فيها ألسنتنا =. وكان لي فيها سلوى وغنية عظيمة.
ثم إنني كنت ومازلت أتمنى أن يقوم إنسان أو مجموعة من علماء هذا الفن بتنقية كتب السير والتواريخ مما شابها من هذه الترهات والأساطير والاتهامات والكذب والأمور التي تخدش الحياء والتي لا أصل لها من قريب أو بعيد بالسرد التاريخي، والغريب والعجيب أنك تجدها تدرس في الجامعات ويحاضر بها في المحافل العلمية على علّاتها ولا يشار إلى الخلل الذي بها، اللهم إلّا بعض أفاضل الأستاذة والذين يريدون كشف الغمة عن وجه الإسلام، أما الغالبية والغالبية العظمى فيريدونها هكذا لأنها تخدم أغراض طغمة ما.
المهم أنني أثناء تحقيقي للكتاب وجدت نفسي في قلب تلك الحقبة التي كنت أتجنب الخوض فيها أو حتى قراءة ما كتب عنها، إلا أنني اضطررت لقراءة ذلك للبحث عن تراجم أو تحقيق بعض النصوص فأثّر ذلك عليّ نفسيا تأثيرا شديدا مما أدى إلى مرضي الذي أرجو من الله عز وجل أن يعجل لي الشفاء منه.
وعلى العموم فبوادر الخير قد لاحت، إذ وقع في يدي الآن مخطوط
= حجة الوداع = للإمام ابن حزم، والذين يعرفونني عن قرب يعرفون مدى حبي لهذا الإمام، فأنا سعيد لاجتماع أمرين في هذا الكتاب: الأمر الأول: أنه يتناول موضوع محبب إلى نفسي ونفس زوجتي جدّا، ثم إن مؤلفه أيضا له في نفسي من المكانة ما ليس لكثير من الأئمة والعلماء فاللهم يسر أمر تحقيقه، وإني لعاقد العزم على عمرة قريبا فلا شك أنه سيكون له عليّ تأثير مفيد جدا إن شاء الله تعالى، فعساه بإذن الله أن يكون هو الدواء لما أصابني من الداء. اللهم آمين.(1/16)
وعلى العموم فبوادر الخير قد لاحت، إذ وقع في يدي الآن مخطوط
= حجة الوداع = للإمام ابن حزم، والذين يعرفونني عن قرب يعرفون مدى حبي لهذا الإمام، فأنا سعيد لاجتماع أمرين في هذا الكتاب: الأمر الأول: أنه يتناول موضوع محبب إلى نفسي ونفس زوجتي جدّا، ثم إن مؤلفه أيضا له في نفسي من المكانة ما ليس لكثير من الأئمة والعلماء فاللهم يسر أمر تحقيقه، وإني لعاقد العزم على عمرة قريبا فلا شك أنه سيكون له عليّ تأثير مفيد جدا إن شاء الله تعالى، فعساه بإذن الله أن يكون هو الدواء لما أصابني من الداء. اللهم آمين.
ولهذا السبب أمسكت عن الخطة التي كنت رسمتها لتحقيق الكتاب والتذييل عليه، واكتفيت بما هو بين يديك.
ثم إني أحيانا أحذف بيتا من الشعر لقبحه أو أغير كلمة من بيت وأضع مكانها معناها بما لا يخل بالشعر ولا بالمعنى لقبح الكلمة الواردة فيه.
وأحيانا أرد على خبر أرى أن فيه تجنّي على بعض الفضلاء أو الفضليات تلوح عليه علامات التجنّي لأبسط الناظرين فيه فضلا عن فطنائهم.
وأرأني قد أطلت عليك أخي القارئ فاختصر، فأقول: إنني تركت أمر التذييل على الكتاب لمن كانت له همة على ذلك، ولم يكن ممن يعيش الأحداث التاريخية بأحاسيسه، ولكن يعيشها بقلمه وعقله فقط، وهذا ما افتقدته أنا حيث طغت أحاسيسي على عملي وعقلي وقلمي فلم أبلغ مرادي.
هذا عن كتاب المغتالين أما عن من غلبت كنيته على اسمه وكنى الشعراء وألقابهم ومن نسب إلى أمه، فقد ترجمت لهم ترجمة مبسطة من خلال كتب التراجم وذكرت طرفا من مصادرهم.(1/17)
هذا عن كتاب المغتالين أما عن من غلبت كنيته على اسمه وكنى الشعراء وألقابهم ومن نسب إلى أمه، فقد ترجمت لهم ترجمة مبسطة من خلال كتب التراجم وذكرت طرفا من مصادرهم.
ترجمة المؤلف (1)
هو: محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو
وقيل: محمد بن حبيب
وقيل: حبيب، أمه، وهو ولد ملاعنة.
كنيته: أبو جعفر.
نسبه: البغدادي، الهاشمي بالولاء.
ميلاده: ولد ببغداد.
وفاته: توفي بسمراء يوم الخميس لسبع بقين من ذي الحجة سنة 245من الهجرة الموافق لسنة 860من الميلاد.
قال الخطيب في تاريخ بغداد: محمد بن حبيب، صاحب كتاب = المحبر = حدث عن هشام بن محمد الكلبي. روى عنه محمد بن أحمد بن أبي عرابة، وأبو سعيد السكري.
وكان عالما بالنسب، وأخبار العرب. موثقا في روايته. ويقال: إن حبيبا اسم أمه. وقيل: بل هو اسم أبيه، فالله أعلم.
حدثني العلاء بن أبي المغيرة الأندلسي قال أنبأنا علي بن نقا الوراق قال أنبأنا عبد الغني بن سعيد الأزدي قال: أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن الأردني قال أنبأنا أبو طاهر القاضي قال: محمد بن حبيب صاحب كتاب = المحبر = حبيب أمه، وهو ولد ملاعنة.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا محمد بن الحسن بن مقسم المقرئ
__________
(1) انظر ترجمته في = تاريخ بغداد = (2/ 277)، = بغية الوعاة = (1/ 7473 ت 126)، = معجم المؤلفين = (9/ 174)، = معجم الأدباء = (18/ 112)، = أعلام الزركلي = (6/ 307)، = هداية العارفين = (2/ 14)، = إيضاح المكنون = (1/ 109)، = الفهرست = (1/ 106)، = الوافي بالوفيات = (2/ 325).(1/18)
قال أنبأنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال: حضرت مجلس ابن حبيب فلم يمل، فقلت: ويحك أمل مالك؟ فلم يفعل حتى قمت، وكان والله حافظا صدوقا الحق، وكان يعقوب أعلم منه، وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار منه.
أخبرني عبد الباقي بن عبد الكريم المؤدب قال: قرأنا على الحسين بن هارون عن ابن سعيد قال: محمد بن حبيب صاحب كتاب = المحبر = وغيره بغدادي.
بلغني عن أبي سعيد السكري قال: توفي محمد بن حبيب يوم الخميس لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائتين بسرّ من رأى.
قال السيوطي في = بغية الوعاة =: قال ياقوت: من علماء بغداد باللغة، والشعر، والأخبار، والأنساب، ثقة مؤدّب، ولا يعرف أبوه، وحبيبة أمه.
روى كتب ابن الكلبي، وقطرب، وكانت أمه مولاة لمحمد بن العباس الهاشمي.
وقال ابن النديم: محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو، روى عن ابن الأعرابي، وأبي عبيدة، وأبي اليقظان.
أكثر الأخذ عنه أبو سعيد السكري.
قال المرزباني: وكان يغير على كتب الناس فيدّعيها، ويسقط أسماءهم.
وقال بعضهم: هو ولد ملاعنة.
وقال ثعلب: حضرت مجلسه فلم يمل، وكان حافظا، صدوقا، وكان يعقوب أعلم منه، وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار.
مؤلفات ابن حبيب:
له مؤلفات كثيرة منها ما وصل إلينا ك = المحبر =، و = المنمق =، وكتابنا هذا، ومنها ما لم يصل إلينا وأنا أذكرها على ما ورد من ذكرها في الكتب المتفرقة فمنها:
1 - المحبر.
2 - المنمق: ويسمى الأمثال على أفعل.(1/19)
1 - المحبر.
2 - المنمق: ويسمى الأمثال على أفعل.
3 - النسب.
4 - غريب الحديث.
5 - الأنواء.
6 - المشجر.
7 - الموشى.
8 - المختلف والمؤتلف في أسماء القبائل.
9 - طبقات الشعراء.
10 - نقائض جرير.
11 - نقائض الفرزدق.
12 - تاريخ الخلفاء.
13 - كنى الشعراء.
14 - مقاتل الفرسان.
15 - أنساب الشعراء.
16 - شعر لبيد.
17 - شعر الصمة.
18 - شعر الأقيشر.
19 - ألقاب القبائل كلها.
20 - من استجيبت دعوته.
21 - الخيل.
22 - النبات.
23 - السعود والعمود.
24 - العمائر والربائع في النسب.
25 - الموشح.
26 - المقتنى.(1/20)
25 - الموشح.
26 - المقتنى.
27 - نقائض عمرو بن لجأ.
28 - المفوف.
29 - من سمي ببيت قاله.
30 - كتاب العقل.
31 - كتاب السمات.
32 - أيام جرير التي ذكرها في شعره.
33 - أمهات أعيان بني عبد المطلب.
34 - المقتبس.
35 - أمهات السبعة من قريش.
36 - كتاب الأرحام التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى العصبة.
37 - ألقاب اليمن، ومضر، وربيعة.
38 - القبائل الكبيرة والأيام.
39 - ديوان زفر بن الحارث.
40 - شعر الشماخ.(1/21)
40 - شعر الشماخ.
وصف المخطوط (أ) والمعتمد أصلا في تحقيق الكتاب
اسم المخطوط: كتاب أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام.
اسم المؤلف: أبو جعفر محمد بن حبيب المتوفى سنة 245هـ.
رقم المخطوط: 5702.
رقم الميكرو فيلم: 2606.
مكان المخطوط الأصلي: دار الكتب القومية بالقاهرة.
مكان المصورة: دار الكتب والوثائق المصرية بالقاهرة.
عدد الأوراق: 70لوحة في 140صفحة.
عدد الأسطر في كل صفحة: 23سطر
عدد الكلمات في كل سطر: 97كلمات.
الفن: تاريخ.
نوع الخط: نسخ حسن.
اسم الناسخ: يوسف بن محمد الشهير بابن الوكيل الملوي.
سنة النسخ: ليلة الثلاثاء المسفر صباحها عن ثامن عشر جمادى الأولى من شهور سنة 1114هـ.
ملاحظات أخرى:
تخلل المخطوط سقط لبعض الأوراق وأشير إلى واحدة برقم (22) بصدر المخطوط، وسقط أثناء الكلام استدرك في التحقيق في حينه كما أشرت إلى ما سقط من أوراق وبها بعض الأماكن التي بيضها ناسخها وأرجح أنه لعدم وضوح بعض الكلمات له عند نسخ المخطوط عن
الأصل، وفيما عدا ذلك فالمخطوط كامل وخطه جميل ومنقوط وبه شكل أحيانا لبعض الكلمات.(1/22)
تخلل المخطوط سقط لبعض الأوراق وأشير إلى واحدة برقم (22) بصدر المخطوط، وسقط أثناء الكلام استدرك في التحقيق في حينه كما أشرت إلى ما سقط من أوراق وبها بعض الأماكن التي بيضها ناسخها وأرجح أنه لعدم وضوح بعض الكلمات له عند نسخ المخطوط عن
الأصل، وفيما عدا ذلك فالمخطوط كامل وخطه جميل ومنقوط وبه شكل أحيانا لبعض الكلمات.
وراجع مصورته وهي مرفقة مع هذه المقدمة. وينتهي كتاب المغتالين بصفحة رقم (119).(1/23)
وراجع مصورته وهي مرفقة مع هذه المقدمة. وينتهي كتاب المغتالين بصفحة رقم (119).
وصف المخطوط (ب) والمقابل عليه المخطوط (أ)
اسم المخطوط: أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام، وأسماء من قتل من الشعراء، ومن غلبت كنيته على اسمه، وكنى الشعراء وألقابهم.
اسم المؤلف: محمد بن حبيب بن عمرو الهاشمي، المتوفى في سنة 245هـ.
رقم المخطوط: 21زكية.
رقم الميكرو فيلم: 9105تاريخ.
مكان المصورة: دار الكتب والوثائق المصرية بالقاهرة.
مكان المخطوط الأصلي: دار الكتب والوثائق المصرية بالقاهرة.
عدد الأوراق: 160صفحة في (80) لوحة.
عدد الأسطر في كل صفحة: 17سطر.
عدد الكلمات في كل سطر: 119كلمة.
مقاس الصفحة: 25* 18سم.
الفن: تاريخ.
نوع الخط: نسخ حسن.
اسم الناسخ: يوسف بن محمد أيضا كناسخ الأولى.
تاريخ النسخ: يوم الاثنين جمادى الأولى سنة 1296هـ.
ملاحظات أخرى:
أصاب المخطوط = ب = ما أصاب المخطوط = أ = من السقط والبياض واختلفت به بعض الكلمات عن = أ = وإن كان الغالب على المختلف التصويب لما حرف في = أ = وخطه جميل ومشكول في كثير من المواضع،
وينتهي كتاب المغتالين فيه برقم (136).(1/24)
أصاب المخطوط = ب = ما أصاب المخطوط = أ = من السقط والبياض واختلفت به بعض الكلمات عن = أ = وإن كان الغالب على المختلف التصويب لما حرف في = أ = وخطه جميل ومشكول في كثير من المواضع،
وينتهي كتاب المغتالين فيه برقم (136).
وبعد هذا الشوط الذي قطعناه في كتابة وقراءة هذه المقدمة نكون قد قطعنا شوطا من عمرنا واقتربنا إلى مصيرنا ولله در من قال:
أمد الحياة كما علمت قصير ... وعليك نقاد بها وبصير
عجبا لمغترّ بدار فنائه ... وله إلى دار البقاء مصير
فاللهم أصلح أحوالنا، وتقبل أعمالنا، وأحسن ختاما، واغفر ذنوبنا وأكرم بفضلك أزواجنا وارحم أمي وأمواتنا وفرّج كرب إخواننا وفك أسر المأسورين وانصر بجندك المستضعفين وارزق المحتاجين ولا تحرمنا يوم القيامة من لقاء خير النبيين واللهم صل على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين وارزقنا حسن الختام بالموت على دين الإسلام، اللهم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو إسلام سيد بن كسروي بن حسن الزاوية الحمراء القاهرة في يوم الثلاثاء غرة ذي الحجة عام 1420هجرية الموافق 7/ 3/ 2000ميلادية
صورة الصفحة الأولى من المخطوط
صورة الصفحة الثانية من المخطوط
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط
[2] بسم الله الرحمن الرحيم(1/25)
أبو إسلام سيد بن كسروي بن حسن الزاوية الحمراء القاهرة في يوم الثلاثاء غرة ذي الحجة عام 1420هجرية الموافق 7/ 3/ 2000ميلادية
صورة الصفحة الأولى من المخطوط
صورة الصفحة الثانية من المخطوط
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط
[2] بسم الله الرحمن الرحيم(1/26)
أبو إسلام سيد بن كسروي بن حسن الزاوية الحمراء القاهرة في يوم الثلاثاء غرة ذي الحجة عام 1420هجرية الموافق 7/ 3/ 2000ميلادية
صورة الصفحة الأولى من المخطوط
صورة الصفحة الثانية من المخطوط
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط
[2] بسم الله الرحمن الرحيم(1/27)
أبو إسلام سيد بن كسروي بن حسن الزاوية الحمراء القاهرة في يوم الثلاثاء غرة ذي الحجة عام 1420هجرية الموافق 7/ 3/ 2000ميلادية
صورة الصفحة الأولى من المخطوط
صورة الصفحة الثانية من المخطوط
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط
[2] بسم الله الرحمن الرحيم(1/28)
أبو إسلام سيد بن كسروي بن حسن الزاوية الحمراء القاهرة في يوم الثلاثاء غرة ذي الحجة عام 1420هجرية الموافق 7/ 3/ 2000ميلادية
صورة الصفحة الأولى من المخطوط
صورة الصفحة الثانية من المخطوط
صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط
[2] بسم الله الرحمن الرحيم
أسماء المغتالين
أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام وأسماء من قتل من الشعراء وأسماء من غلبت كنيته على اسمه وكنى الشعراء وألقابهم * * *
[الباب الأول في المغتالين] (1)
من المغتالين:
1 - جذيمة الأبرش
(2) ابن مالك بن غنم (3) بن فهم بن دوس بن عدثان (4)
الأزدي وكان أفضل ملوك العرب رأيا، وأبعدهم مغارا، وأشدهم نكاية.
وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق، وكانت منازله ما بين [الحيرة و] (5) الأنبار وبقّة (6)، وهيت (7)،
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة تصنيفية من عمل المحقق غفر الله له آمين.
(2) قال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (1/ 270262) عن جذيمة: كان به برص فكنّت العرب عنه، فقيل: الوضاح، والأبرش إعظاما له.
(3) في = أ =، = ب =: غانم. وهو تحريف.
(4) في = أ = عدنان، والتصويب من = ب =.
(5) ما بين المعقوفين من = الكامل =.
(6) بقة: اسم قريب من الحيرة، وقيل: حصن كان على فرسخين من هيت كان ينزله جذيمة الأبرش. = هامش الكامل =.
(7) هيت: بلدة على الفرات فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة على جهة البرية في غربي الفرات، سميت باسم بانيها وهو هيت بن البندي.
= هامش الكامل =.(1/29)
وعين التمر (1)، وأطراف البرّ، والقطقطانة، وخفيّة، والحيرة.
وكان يغير على الأمم الخالية من العرب العاربة الأول، وكان ملك العرب بأرض الجزيرة ومشارف (2) الشام عمرو بن الظّرب بن حسان بن أذينة بن السّميدع بن هويرا العاملي من عاملة العماليق.
فجمع جذيمة جموعه من العرب وسار إليه، فالتقى هو وعمرو بن الظّرب فقتل جذيمة عمرا وفضّ جموعه. فملك من بعد عمرو ابنته الزّبّاء (3)، وكانت تخاف أن يغزوها ملوك العرب فبنت لنفسها حصنا على شاطىء الفرات وسكرت (4) الفرات على قلة الماء، وبنت في بطنه أزجا من الآجر، وأجرت عليه الماء، فكانت إذا خافت عدوّا دخلت النّفق، فخرجت إلى المدينة أختها الزّبيبة (5)، فلما اجتمع واستحكم ملكها جمعت لتغزو جذيمة ثائرة بأبيها، فقالت لها أختها زبيبة وكانت ذات رأي وحزم: إنك إذا غزوت جذيمة فإنما هو يوم له ما بعده، إن ظفرت أصبت ثأرك، وإن قتلت هلك ملكك، والحرب سجال، وعثراتها لا تستقال، ولم يزل كعبك ساميا على من ناواك، ولا تدرين لمن تكون العاقبة، وعلى من تكون الدائرة، والرأي أن تحتالي له وتخدعيه وتمكري به.
فكتبت الزّباء إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها، وأن تصل بلاده
__________
(1) عين التمر: بلدة على طريق البادية على غربي الفرات وحولها قريات منها شفاثا وتعرف ببلد العين = هامش الكامل =.
(2) في = أ =، = ب =: مشارق بالقاف، والتصويب من = الكامل = (1/ 265).
(3) قال ابن الأثير في = الكامل =: وكان اسمها نائلة.
(4) أي جعلت فيه سدا يحجز الماء وراءه، وهو الزج الآتي الكلام عنه بعد قليل، وكان سدا مجوفا لهذا سمي الزج.
(5) في = أ = على ما رسمتها، وفي = ب =: الزنيبة. وفي = الكامل =: ربيبة بالراء المهملة والباء الموحدة.(1/30)
ببلادها، وأنها لم تجد ملك النساء إلا إلى قبح في السّماع، وضعف في السلطان، وقلة في بسط المملكة، وأنها لم تجد لها كفوا غيرك، فأقبل إليّ واجمع ملكي بملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلّد أمري مع أمرك.
فلما قدم رسلها وكتابها استخفّه ذلك، ورغب فيما أطمعته فيه، فجمع أهل الحجا من ثقات أصحابه وهو بالبقّة (1)، فاستشارهم، فأجمعوا على أن يسير إليها ويستولي على ملكها، وخالفهم قصير بن سعد بن عمرو ابن جذيمة بن قيس بن هليل بن دمي بن نمارة بن لخم، فقال: هذا رأي فاتر، وغدر حاضر، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلّا فلا تمكّنها (2) من نفسك فتقع في حبالها، وقد وترتها وقتلت أباها، فلم يوافق جذيمة ما أشار به قصير، وقال: أنت امرؤ رأيك في الكن لا في الضّحّ.
ومضى جذيمة في وجوه أصحابه، فأخذ على شاطئ الفرات الغربي، فلما نزل الفرضة دعا قصيرا، فقال: ما الرأي فقال: = ببقّة تركت الرأي = (3).
قال: فما ظنك بالزّباء؟
قال: = القول رداف، والحزم عثراته لا تخاف =، واستقبله رسلها بالهدايا والألطاف، فقال: يا قصير كيف ترى؟
قال: = خطر (4) يسير في خطب كبير = وستلقاك الخيول، فإن سارت
__________
(1) في = أ =: بالثقة. بالثاء المثلثة، والتصويب من = ب =، ومن = الكامل =، وقد سبق كلام عنها.
(2) في = أ = فلا تملكها. والتصويب من = ب = وكذلك في = الكامل = كما في = ب =.
(3) ذكر الميداني هذا المثل في = مجمعه = (1/ 90) بنحوه، فقال: ببقة صرم الأمر، وشرح معناه بنحو ما هو هنا من الأحداث، وقال إن بقة موضع الشام، ونسب القول إلى قصير بن سعد اللخمي كما هو هنا.
(4) كذا هو هنا: خطر في = أ =، = ب =، وفي = الكامل =، أما في = مجمع الأمثال = (1/ 233) ففيه: خطب، وساق قصة المثل بأتم مما ذكره في الموضع السابق.(1/31)
أمامك فالمرأة صادقة، وإن أخذت [جنبيك وأحاطت بك] (1) فالقوم غادرون بك. فلقيته الخيول، فأحاطت به حتى دخل على الزّبّاء، فلما رأته كشفت عن فرجها فإذا هي مصفورة (2) الإسب (3)، فقالت: يا جذيمة، أذات (4) عروس ترى؟ قال: بلغ المدى، وجفّ الثرى، وأمر غدر أرى. فقالت: والله ما بنا من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكنها شيمة ما أناس. ثم أجلسته على نطع وسقته الخمر، ثم أمرت بقطع رواهشه، فجعل دمه يسيل في طست من ذهب، فلما رأى دمه قال: = لا يحزنك دم أهراقه أهله =.
* ومنهم:
2 - حسّان بن تبّع
(5) وكان أعسر أحول، وإنه خرج من اليمن سائرا حتى وطىء أرض العجم وقال: لأبلغن من البلاد ما لم يبلغه أحد من التبابعة (6).
__________
(1) ما بين المعقوفين جاء موضعه بياض في الأصلين = أ =، = ب = واستكملته من = الكامل = (1/ 266)، = مجمع الأمثال = (1/ 234).
(2) كذا في = أ =، = ب = وفي = الكامل =: مظفورة.
(3) قال ابن الأثير في = الكامل =: الإسب بالباء الموحدة هو: شعر الاست.
(4) في = الكامل = أداب بالدال المهملة، والباء الموحدة وبقية المثل كما هو.
(5) هو حسان بن تبّع بن ملكيكرب بن عمرو بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو ذي الأذعار.
(6) وكانت التبابعة ثلاثة: أولهم: شمر أبو كريب الذي غزا الصين، وأخرب مدينة سمرقند. والثاني: تبع أسعد الذي ذبح للبيت الحرام الذبائح، وعلق عليه باب ذهب. والثالث: تبع بن ملكيكرب، ولم يسم غير هؤلاء الثلاثة من ملوك اليمن تبّعا. وكان تبع والد حسان هذا الأخير في التبابعة وكان(1/32)
فأوغل بهم في أرض خراسان، ثم مضى إلى المغرب فبلغ رومة، وخلّف عليها ابن عم له.
وأقبل إلى العراق حتى إذا صار إلى فرضة نعم (1) بشاطئ الفرات، قالت وجوه حمير: ما نفنى أعمارنا إلا مع هذا، يطوف في الأرض كلّها، نغيب عن أولادنا وعيالنا وبلادنا وأموالنا وما ندري ما يخلّف عليهم بعدنا.
فكلموا أخاه عمرا وقالوا: كلّم أخاك في الرجوع إلى بلده وملكه.
فقال: هو أعسر من ذاك وأنكد، فقالوا: [5] فاقتله وتملك علينا فأنت أحق بالملك من أخيك، وأنت أعقل وأحسن نظرا لقومك.
فقال: أخاف ألّا تفعلوا، وأكون قد قتلت أخي وخرج الملك عن يدي.
فواثقوه حتى ثلج إلى قولهم، واجتمع الرؤساء كلهم معه على قتل
__________
في عصر سابور بن أردشير، وفي عصر هرمز بن سابور، وكان كبير الشأن عظيم السلطان، وهو الذي غزا بلاد الهند، فقتل ملكها، وهو من أولاد فؤر الملك الذي قتله الإسكندر، ثم انصرف إلى اليمن، ومات في ملك بهرام ابن هرمز بن سابور بن أردشير.
ثم ملك بعد تبع ابنه حسان بن تبع بن ملكيكرب، وهو الذي غزا أرض فارس فيما يزعمون، وهو الذي ضجرته الحميرية لكثرة غزوه بها، وقلة مقامه بأرض اليمن، فزينوا لأخيه عمرو بن تبع قتله ليملكوه عليهم، فطابقوه جميعا على ذلك إلا ذا رعين فإنه أبى ذلك، ولم يدخل فيه مع القوم، فعدا عمرو على أخيه فقتله، وملك من بعده، وانصرف بقومه إلى اليمن، فسلط الله عليهم السّهر. [الدينوري في = الأخبار الطوال = مع تصرف 46].
(1) قال ياقوت في = معجم البلدان = (4/ 251): قال ابن الكلبي: سميت بأم ولد لتبع ذي معاهر، وهو حسان بن تبع أسعد أبي كرب الحميري، يقال لها:
نعم، وكان أنزلها على الفرضة، وبنى لها قصرا فسميت بها.(1/33)
أخيه إلا ذا رعين، فإنه خالفهم وقال: ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير، فشجعه الباقون على قتل أخيه. فقال ذو رعين: إن قتلته باد ملكك.
فلما رأى ذو رعين ما اجتمع عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة، فقال: يا عمرو، إني مستودعك هذا الكتاب، فضعه عندك في مكان حريز وكتب فيه:
ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
فإنك تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
وإن عمرا أتى حسان أخاه، وهو نائم على فراشه، فقتله، واستولى على ملكه، فلم يبارك له فيه، وسلّط عليه السّهر، وامتنع منه النوم، فسأل الكهان، والعيّاف، فقال له كاهن منهم: إنه ما قتل رجل أخاه قطّ بغيانا إلا امتنع نومه.
فقال: هذا عمل رؤساء حمير، هم حملوني على قتله ليرجعوا إلى بلادهم، لم ينظروا لي ولا لأخي. فجعل يقتل من أشار عليه بقتله رجلا رجلا حتى خلص الأمر إلى ذي رعين، وأيقن بالشر، فقال له ذو رعين: أما تعلم أني أعلمتك ما في قتله ونهيتك؟
قال: ما أذكر هذا، ولئن كان ليس لك عندك إلا ما تدّعي لقد طل دمك، قال: إن عندك لي براءة شاهدا. قال: وما هو؟
قال: [6] الكتاب الذي استودعتك، فدعا بالكتاب فلم يجده.
فقال ذو رعين: ذهب دمي على أخذي بالحزم فصرت كمن أشار بالخطأ.
فقال الملك أن ينعم طلبه (1)، فأتى به، فقرأه، فإذا فيه البيتان اللذان كتبناهما، فلما قرأهما، قال: لقد أخذت بالحزم.
قال: إني حسبت ما رأيتك صنعت بأصحابي. وتشعت أمر حمير حين
__________
(1) أي أمر بأن يعاد البحث عنه ويجد في طلب ذلك طلبا حثيثا.(1/34)
قتل أشرافها، واختلفوا عليه، حتى وثب على عمرو لخنيعه [بن] (1) ينوف، ولم يكن من أهله المملكة فقتله (2).
* ومنهم:
3 - عمليق مالك طسم
(3) ابن لاوذ (4) بن إرم (5) بن سام بن نوح.
وكان منازلهم عذرة في موضع اليمامة. وكان سبب قتله أنه تمادى في الظلم والغشم والسيرة بغير الحق، وأن امرأة من جديس كان يقال لها: هزيلة ولها زوج يقال له: قديس، فطلقها وأراد أخذ ولدها منها، فخاصمته إلى عمليق، فقالت، أيها الملك إني حملته تسعا، ووضعته دفعا، وأرضعته شفعا، حتى إذا تمّت أوصاله، أراد أن يأخذه كرها، وأن يتركني بعده درها (6).
__________
(1) في = أ =، = ب = لخنيعه ينوف، وأحسب أن لفظ ابن قد سقط فأثبته بين معقوفين، فالله أعلم.
(2) قال الدينوري في = الأخبار الطوال =: قالوا: ولما قتل عمرو بن تبع أخاه حسان بن تبع، وأشراف قومه تضعضع أمر الحميريه، فوثب رجل منهم لم يكن من أهل بيت الملك، يقال له: صهبان بن ذي خرب على عمرو بن تبع، فقتله، واستولى على الملك.
(3) هو عمليق بن لاود بن إرم بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش ابن شيث بن آدم عليه السلام [= أنساب الأشراف = (1/ 3)] = سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب = (10/ 12) ويقال: عمليق بن عاد بن إرم بن سام بن نوح = الأخبار الطوال = (3).
(4) في = أ =، = ب =: لود. والتصويب من المصدرين السابقين الأولين.
(5) في = أ =، = ب = إدم. والتصويب من المصدرين السابقين الأولين.
(6) دره: أي هجم ولعل الكلمة حرفت من كلمة: وره: أي الحمق، وهو المناسب للسياق، والله أعلم. = لسان العرب =.(1/35)
فقال لزوجها: ما حجتك؟
قال: حجتي أيها الملك، أنها قد أعطيت المهر كاملا، ولم أصب منها طائلا، إلا وليدا خاملا (1)، فافعل ما كنت فاعلا.
فأمر بالغلام أن ينزع منهما جميعا، ويجعل في غلمانه، وقال لهزيلة:
ابغيه ولدا، ولا تنكحي أحدا، واجزيه (2) صفدا.
فقالت هزيلة: أما النكاح فإنما يكون بمهر، وأما السفاح فإنما يكون بلا مهر، ومالي فيهما من أمر.
فلما سمع عمليق ذلك منها أمر أن تباع وزوجها فيعطي زوجها خمسها، وتعطى هزيلة عشر ثمن [7] زوجها، ويسترقّا.
فأنشأت تقول:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فأنفذ حكما في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورعا ... ولا كنت فيما تبرم الحكم عالما
ندمت ولم أندم وأبت بعبرتي ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فلما سمع عمليق قولها أمر ألا تزوّج بكر من جديس فتهدى إلى زوجها إلا يؤتى بها عمليق فيفترعها هو قبل زوجها فلقوا من ذلك جهدا وذلا، ولم يزل يفعل ذلك أربعين سنة فيهم، حتى تزوجت الشموس عفيرة بنت عفار (3) الجديسية، أخت الأسود الذي وقع إلى جبلي طيء وسكنوا الجبلين بعده، فلما أرادوا أن يهدوها إلى زوجها وانطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله، ومعها الوليدات يتغنين ويقلن:
ابدي بعمليق وقومي فاركبي ... وبادري الصّبح بأمر معجب
فسوف تلقين الذي لم تطلبي ... وما لبكر عنده من مهرب
__________
(1) في = أ =، = ب = (حاملا) بالحاء المهملة، وهو سهو من الناسخ.
(2) كذا رسمت في = أ =، = ب =: احتريه، واحسب أن أصلها اجتزيه ورجحت ما أثبت ليستقيم السياق والمعنى أعطيه أو أمنحه، والله أعلم.
(3) كذا وفي = الأخبار الطوال =: غفار. وأحسب أن ما هنا أصوب.(1/36)
فلما دخلت عليه افترعها، وخلّى سبيلها، فخرجت إلى قومها في دمها شاقّة درعها عن قبلها ودبرها وهي تقول:
لا أحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس
يرضى بهذا يالقوم حرّ ... أهدى وقد أعطى وساق المهر
لأخذة الموت كذا من نفسه ... خير من أن يفعل ذا بعرسه
ثم قالت تحرّض قومها فيما أتى عليها:
أيصلح ما يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم (1) عدد النمل
وتصبح تمشي في الدماء صبيحة ... عشية زفّت في النساء إلى بعل
فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تغبّ من الكحل
ودونكم طيب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل (2)
فلو أنّنا كنا رجالا وأنتم (3) ... نساء لكنّا لا نقيم على الذل
فبعدا وسحقا للذي ليس دافعا (4) ... ويختال يمشي بيننا مشية الفحل (5)
فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم ... ودبّوا لنار الحرب بالحطب الجزل (6)
فلما سمع ذلك أخوها الأسود، وكان سيدا مطاعا، قال لقومه:
يا معشر جديس، إنّ هؤلاء القوم ليسوا بأعزّ منكم في داركم، إلا بما كان من ملك صاحبهم علينا وعليهم، وأنتم أذلّ من النّيب (7)، ولولا عجزنا
__________
(1) في = الأخبار الطوال = ثورة.
(2) البيت الثاني والثالث والرابع ليس في = الأخبار الطوال =.
(3) في = الأخبار الطوال =: كنتم.
(4) في = أ =، = ب = رافعا، وأحسبه تحريف وأثبت ما يوافق السياق.
(5) البيت في = الأخبار الطوال = على النحو التالي:
فبعدا لبعل ليس فيه حمية ... ويختال يمشي مشية الرجل الفحل
(6) لم يرد هذا البيت في = الأخبار الطوال = (15).
(7) أي أضعف من النوق المسنة.(1/37)
لما له فضل علينا، ولو امتنعنا كان له منه النّصف، فأطيعوني فيما آمركم به، فإنه عز الدهر وذهاب ذل العمر، واقبلوا رأي. وقد أحمس جديسا قولها، وقالوا: نطيعك، ولكن القوم أكثر منا عددا وأقوى.
قال: فإني أصنع للملك طعاما، ثم أدعوهم إليه، فإذا جاءوا يرفلون في حللهم متفضّلين مشينا إليهم بالسيوف فقتلناهم، فأنفرد أنا بعمليق، وينفرد كل واحد بجليسه، فاجتمع رأيهم على ذلك.
وإن الأسود اتخذ طعاما كثيرا، وأمر القوم فاخترطوا سيوفهم، ودفنوها في الرمل تحتهم، ودعا القوم فجاءوا يرفلون في الحلل، حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدّوا أيديهم إلى الطعام أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم فشدّ الأسود على عمليق، وكل رجل على جليسه حتى أناموهم، فلما فرغوا من الأشراف شدّوا على السّفلة فأفنوهم، فلم يدعوا منهم شطرا، فقال الأسود (1):
__________
(1) في = الأخبار الطوال = (15) قال: فقال الأسود:
يا ليلة ما ليلة العرس ... جاءت تمشي بدم جميس
يا طسم ما لاقيت من جديس ... إحدى لياليك فهيس هيس
فأبادوا طسما، فلم يفلت منهم إلا رجل يقال له: رياح بن مرة، فإنه مضى على وجهه حتى أتى ذا جيشان، وهو معسكر في جنوده بنجران، فمثل بين يديه، ثم قال:
إنك لم تسمع بيوم ولا ترى ... كيوم أباد الحي طسما به المكر
أتيناهم في أزرنا وفعالنا ... علينا الملاء الحمر والحلل الخضر
فصرنا لحوما بالعراء وطعمة ... تنازعها ذيب الوشيمة والنمر
فدونك قوما ليس لله فيهم ... ولا لهم منه حجاب ولا ستر
فقال الملك: كم بيننا وبينهم؟ قال: ثلاث، فقال من حضره: كذب أيها الملك بيننا وبين القوم عشرون ليلة، فأمر جنوده بالمسير نحو اليمامة، ففي(1/38)
ذوقي ببغيك يا طسم مجلّلة ... فقد أتيت لعمري أعجب العجب
[9] إنّا أتينا فلم ننفكّ نقتلهم ... والبغي هيّج منّا سورة الغضب
فلن يعود علينا بغيهم أبدا ... ولن يكونوا لدى أنف ولا ذنب
ولو رعيتم لنا قربى مؤكّدة ... كنّا الأقارب في الأرحام والنّسب
* ومنهم:
4 - الأسود بن عفار
(1) هذا، وكان هرب من حسان بن تبع حين استغاثه الطّسمي، فغزا جديسا، فقتلها، وأخرب جوّا (2)، فمضى الأسود، فأقام بجبلي طيىء قبل نزول طيىء إياها. وكان سبب قتله أن طيئا كانوا يسكنون الجوف (3) من أرض اليمن، وهو اليوم محلة مراد وهمدان، وكان مسكنهم واديا يدعى ظربيا (4)،
__________
مسيرهم، قصة الزرقاء يقول الأعشى بعد ذلك بدهر طويل:
قالت أرى رجلا في كفه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أية صنعا
فكذبوها بما قالت، فصبحهم ... ذو آل جيشان يزجي الموت والشرعا
فاستنزلوا أهل جو من مساكنهم ... وهدموا مشرف البنيان فاتضعا
فأمّ جديسا، وأستأصلهم، ثم رحل نحو العراق يريد كيخسرو، وزحف إليه كيخسرو، فالتقوا، فقتل ذو جيشان، وانفضت جموعه.
(1) لم أقف له على ترجمة غير ما أسلفت من خبره في = الأخبار الطوال = في ترجمة الذي قبله.
(2) قال ياقوت في = معجم البلدان = قال السكري: الجواء من قرقرى من نواحي اليمامة. وقال نصر: الجواء واد في ديار عبس أو أسد في أسافل عدنه.
(3) في = أ = الحرف. والتصويب من = معجم البلدان = وقال: اسم واد في أرض عاد فيه ماء وشجر.
(4) قال ياقوت في = معجمه =: موضع كانت طيىء تنزله قبل حلولها بالجبلين، فجاءهم بعير ضرب في إبلهم فتبعوه حتى قدم بهم الجبلين فنزلوا بهما،(1/39)
وكان سيدهم يومئذ أسامة (1) بن لؤي بن الغوث بن طيئ، وكان الوادي مسبعة (2) وهم قليل عديدهم (3)، وقد كان ينتابهم بعير في أزمان الخريف، فيضرب في إبلهم، فإذا انقطع الخريف لم يدر أين ذهب، ولم يروه إلى قابل.
وكانت الأزد قد خرجت من اليمن أيام العرم (4) فتفرقت، فاستوحشوا لذلك، وقالوا: قد ظعن إخوتنا فصاروا إلى الأرياف، فلما هموا بالظعن قالوا: يا قوم، إن هذا البعير الذي يأتينا من بلد ريف خصب، وإنّا لنصيب في بعره النّوى، ولو أنا تعهدناه عند انصرافه فشخصنا معه لعلّنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا هذا، فأجمعوا أمرهم على ذلك.
فلما كان الخريف جاء الجمل فضرب في إبلهم، فلما انصرف احتملوا فتبعوه، فجعلوا يسيرون بسيره، ويبيتون حيث يبيت حتى هبط بهم على الجبلين فقال أسامة بن لؤي:
[10] اجعل ظريبا كحبيب ينسى ... لكلّ قوم مصبح وممسى
فهجمت طيىء على النخل في الشعاب، ومواش كثيرة وحشية كانت لقوم من جديس وإذا هم برجل في شعب من تلك الشعاب، وهو الأسود
__________
فقال رجل منهم:
اجعل ظريبا كحبيب ينسى ... لكل قوم مصبح وممسى
(1) كذا في = أ =، = ب، وفي = جمهرة أنساب العرب =: (173): سامة بن لؤي فيقول فيه:
وهؤلاء ولد سامة بن لؤي، وفيهم يقول بعض شعراء قريش:
وسامة منا فأما بنوه ... فأمرهم عندنا مظلم
فولد سامة بن لؤي: الحارث، وأمه هند بنت تيم الأدرم.
(2) أرض مسبعة أي كثيرة السباع.
(3) في = أ = عديلهم، وفي = ب = ما أثبته وهو أقرب إلى الصواب.
(4) في = أ =: العرب وما هنا من = ب = وهو الصواب لما ورد في الآية عن سيل العرم.(1/40)
ابن عفار، فهالهم ما رأوا من عظم خلقته، وتخوفوه، فنزلوا ناحية من الأرض [وسبروها هل يرون بها أحدا غيره؟ فلم يروا، فقال] (1) أسامة بن لؤي لابن له يقال له: الغوث: أي بني إن قومك قد عرفوا فضلك عليهم في الجلد والبأس والرمي، فإن كفيتنا هذا الرجل سدت قومك آخر الدهر، وكنت أنت الذي أنزلتنا هذا البلد، فانطلق الغوث حتى أتى الرجل فكلمه وساءله، فعجب الأسود من صغر خلق (2) الغوث، فقال له: من أين أقبلتم؟ قال: من اليمن، وأخبره خبر البعير، وأنا رهبنا من عظم خلقك، فشغلوه بالكلام وختله الغوث فرماه بسهم فقتله، فأقامت طيىء بالجبلين.
* ومنهم:
5 - عامر الضّحيان
(3) ابن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط، وكان صاحب مرباع ربيعة بن نزار، ومنزلها في نجعها، وحكمها في خصومتها، وكانت ربيعة تغزو المغازي وهو في منزله، فتبعث له نصيبه مما تصيبه ولنسائه حصة إعظاما له، فمكث بذلك حينا وفي ذلك قول بعضهم:
__________
(1) ما بين المعقوفين نقلا عن كتاب = الأغاني = للأصبهاني (10/ 47)، وكان موضعه في = أ =، = ب = بياض.
(2) في = أ =، = ب =: حال والتصويب من المصدر السابق.
(3) هو عامر بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النّمر بن قاسط بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسعد بن ربيعة بن نزار الضحيان. وسمّي الضحيان لأنه كان يجلس لقومه إذا أضحى فيحكم بينهم. ذكره البلاذري في = أنساب الأشراف = في أولاد عبد المطلب (1/ 88). وقال ابن حزم في = جمرة أنساب العرب = (301): ومن بني تيم الله بن النمر بن قاسط: عامر الضّحيان، ساد ربيعة أربعين عاما، يأخذ المرباع منهم، وهو عامر بن سعد ابن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط.(1/41)
تعجبني أسد ضاريات ... ويأكل مرباعهن (1) الضبع
تمارس عنا بصم القنا ... لشيخ (2) أمامه أن يضطجع
[11] وكان أعرج وإنه شرب الخمر، فاشتهى لحما، فذكرت له نعجة غريبة لكعب بن الحارث بن عامر بن عبد القيس، كانت امرأته مرضت فخلّفها ظئرا لابنه فبعث إليها الضحيان، فذبحها وكعب غائب، فرجع كعب، فرأى ابنه يضغو جوعا، فسأل عن النعجة، فأخبره أن الضحيان أكلها.
فخرج بحربته حتى انتهى إلى منزله ليلا فصرخ به، فقالت له امرأته:
الذي يدعوك يريد قتلك، فلا تخرج إليه.
فقال: لو دعي عامر لطعنة لأجاب، وخرج فبدره كعب فأوجره الحربة، فقتله.
* ومنهم:
6 - عبدة بن مرارة بن سوار بن الحارث بن سعد بن مالك بن ثعلبة ابن
(3).
وهلال بن أمية الخزاعي، فحبا الأسدي حباء كثيرا، ولم يحب هلالا شيئا. فأقفلا (4) حتى إذا كان بواد يقال له: وادي طفيل (5) مالا إليه، فنزل فغدا الخزاعي على عبدة بن مرارة، وهو راقد فقتله، وأخذ ما حبي به.
__________
(1) في = أ =: من باعهن، والتصويب من = ب =.
(2) في = ب =: يشيخ.
(3) موضع النقط في = أ =، = ب = بياض قدره خمس أو ست كلمات، ولم أهتد إلى تتمة ما أراد.
(4) في = ب = فقفلا وهو الصواب.
(5) قال ياقوت في = معجم البلدان =: بين تهامة واليمن عن نصر، وبوادي موسى البيت المقدس قلعة يقال لها طفيل.(1/42)
فلما قدم سئل عنه، فقال: مات، فصدقوه، واشترى بما أخذ منه إبلا وخيلا.
فتغنى يوما الخزاعي، وقد أخذ فيه الشراب:
أبلغ بني أسد بأنّ أخاهم ... بلوى طفيل عبدة بن مراره
يؤتى فقيرهم ويمنع ضيمهم ... ويريح بعد المعتمين عشاره
فلما سمعت بذلك بنو أسد نهضوا إلى بني كنانة فقالوا: حليفكم هذا قتل أخانا، فإن تدوه دية الملوك نقبل، وإن تأبوا نقتل، فودوه دية الملوك: ألف بعير.
* ومنهم:
7 - زهير بن عبد شمس من بني صيفي بن سبأ الأصغر،
قتلته بلقيس بنت [اليشرح بن ذي جدن بن يشرح بن الحارث بن قيس بن] (1)
[12] صيفي.
وكان سبب ذلك أنه كان ملكا، فعلا في مملكته، وتكبر، وجعل يعتذر النساء قبل أزواجهن، كما كان يفعل عمليق، حتى أدركت بلقيس، فقالت لأبيها: إن هذا الرجل قد فضح نساءكم فائته فقل له: إن لي بنتا قد أعصرت (2)، وليس في قومها شبيه لها حسنا وجمالا، فإن قال لك: فابعث
__________
(1) ما بين المعقوفين موضعه في = أ =، = ب = بياض، واستكملته من = المحبر = (367) وفي = جمهرة أنساب العرب =: بلقيس بنت إيلى أشرح بن ذي جدد ابن إيلي أشرح بن الحارث بن قيس بن صيفي. قال ابن حبيب في = المحبر = في تسميته لملوك حمير عن هشام بن الكلبي: ثم ملك زهير بن عبد شمس، كان يعتذر نساء حمير حتى نشأت = يلمقة = وهي بلقيس بنت اليشح بن ذي جدن بن يشرح بن الحارث بن قيس بن صيفي، وأمها رواحة بنت السكين ملك الجن، وكانت من أعقل النساء، فقتلت زهيرا وملكت، وكان إذا جلست قام على رأسها ألف قيل، وهي صاحبة الهدهد، ولقتلها زهيرا حديث، وتزوجها سليمان بن داود صلى الله عليهما.
(2) أي وصلت إلى عهد الزواج وسنه وتأهلت له.(1/43)
بها إليّ، فقل: إن مثلي في شرفي ونسبي لا تعتذر ابنته إلا في بيته، فأتاه فذكر ذلك له، فلما قال له: ابعث، قال له ما علّمته ابنته، فقال له: كيف بنزلي ونزل من معي من أصحابي (1)؟ فقال: ما أحملني لنزل الملك، وأشدّ سروري به لأنها (2) مكرمة لي، ويد وضعها الملك عندي. فأجابه إلى إتيانه، ولم يجب إلى ذلك غيره.
فأتى داره فزخرفها وزخرف أبياتا ثلاثة بأحسن ما يكون من زينة ذلك الزمان، وحشد لنزله، ثم أتاه فأعلمه بالفراغ، فركب، فأتاه وقد أدخلت بلقيس نفرا من أقاربها بأسلحتهم.
ولما دخل البيت الأول أعجبه ما رأى من هيئته، ثم دخل البيت الثاني، فكان أحسن، ثم دخل الثالث، وفيه بلقيس في حليها وحللها مع جمالها، فلما استلقى على الفراش، وأخرج حرسه وأجناده (3)، وأمر بالباب فأغلق دونه، وكان معه المقاول، قالت للنّفر: اخرجوا، فخرجوا فقتلوه، ثم أرسلت إلى رجل آخر من مقاولته وخواصّه تدعوهم فيقتلوهم، ولا يظن من يرسل إليه إلا أنّ الملك يدعوه، حتى أتت على آخرهم.
ثم أرسلت إلى أبيها وقومها فخرجت [13] إليهم وقالت: هذا الخبيث قد فضح نساءكم وجعلكم شهرة في الناس قد أراحكم الله منه، فدونكم ملّكوا من شئتم. فقالوا بأجمعهم: ما أحد أولى بهذا منك، فملكوها عليهم، فملكتهم حتى كان من أمر الهدهد وسليمان عليه السلام ما كان.
__________
(1) أي جائزة الصيف أو هديته أو إكرامه.
(2) جاءت في = أ =: لا، وما أثبته من = ب =.
(3) في = أ =: وأخياره وما أثبته من = ب =.(1/44)
* ومنهم:
8 - الحارث بن كعب
(1) وقتلته ضبّة بن أد:
__________
(1) وفي قتله كان من أمثال العرب عدة منها قولهم: = الحديث ذو شجون = وقال عنه الميداني في = مجمعه = (1044): أي ذو طرق، الواحد شجن بسكون الجيم. والشواجن: أودية كثيرة الشجر الواحدة شاجنة. وأصل هذه الكلمة الاتصال والالتفاف، ومنه الشّجنة. والشّجنة: الشجرة الملتفة الأغصان.
ويضرب هذا المثل في الحديث يتذكر به غيره. وقد نظم الشيخ أبو بكر على ابن الحسين القهستاني هذا المثل ومثلا آخر في بيت واحد، وأحسن ما شاء وهو: تذكر نجدا والحديث شجون ... فجنّ اشتياقا والجنون فنون
وأول من قال هذا المثل ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد وللآخر سعيد، فنفرت إبل لضبة تحت الليل، فوجه ابنيه في طلبها، فتفرقا فوجدها سعد، فردّها، ومضى سعيد في طلبها فلقيه الحارث بن كعب، وكان على الغلام بردان فسأله الحارث إياهما، فأبى عليه، فقتله، وأخذ برديه، فكان ضبة إذا أمسى فرأى تحت الليل سواد قال: أسعد أم سعيد؟ فذهب قوله مثلا يضرب في النجاح والخيبة، فمكث ضبة بذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه حج فوافى عكاظ فلقي بها الحارث بن كعب ورأى عليه بردي ابنه سعيد، فعرفهما، فقال له: هل أنت مخبري ما هذان البردان اللذان عليك؟ قال: بلى لقيت غلاما وهما عليه، فسألته إياهما فأبى عليّ فقتلته وأخذت برديه هذين، فقال ضبة: بسيفك هذا؟ قال: نعم، فقال: فأعطينيه أنظر إليه فإني أظنه صارما، فأعطاه الحارث سيفه، فلما أخذه من يده هزّه، وقال: الحديث ذو شجون، ثم ضربه به حتى قتله، فقيل له: يا ضبة أفي الشهر الحرام؟ فقال: سبق السيف العذل، فهو أول من سار عنه هذه الأمثال الثلاثة، قال الفرزدق:
لا تأمنن الحرب إن استعارها ... كضبة إذ قال الحديث شجون(1/45)
وسبب ذلك أن ضبّة تفرقت إبله تحت الليل، وكان له ابنا: سعد، وسعيد، فخرجا يطلبانها، فتفرقا في طلبها فجاء سعد، ولم يرجع سعيد، فأتى على ذلك ما شاء الله أن يأتي لا يرى سعيدا ولا يعلم له خبرا، ثم إن ضبة بعد ذلك بينا هو يسير، والحارث بن كعب في الأشهر الحرم وهما يتحدثان، إذ مرّا على سرحة بمكان، فقال له الحارث: أترى هذا المكان؟
فإني لقيت فيه شابا من هيئته كذا وكذا، فوصفه له صفة سعيد، فقتلته وأخذت بردا كان عليه، من صفة البرد كذا وكذا، فوصف له صفة البرد وسيفا كان عليه.
فقال ضبة: فما صفة السيف؟ قال: ها هو ذا عليّ، قال ضبة: فأرني السيف، فأراه إياه فعرفه، فضربه به حتى قتله، ولام الناس ضبة، فقالوا: قتل رجلا في الأشهر الحرم، فقال ضبة: سبق السيف العذل فصارت مثلا (1).
* ومنهم:
9 - داود بن هبالة بن عمرو (2) ابن سعد بن سليم (3) بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
وكان أول ملك الروم بالشام على عهده.
__________
(1) قال الميداني في هذا المثل في = مجمعه = (1763) بعد أن أشار إلى أن قائله ضبة قال: ويقال: إن قولهم: سبق السيف العذل، لخزيم بن نوفل الهمداني.
(2) كذا في = أ =، = ب = وفي = المحبر = لابن حبيب (250): داود اللثق بن هبالة وقد عده ضمن الجرار، وهم قادة الجيوش أو من يكونون على رأس الألف.
(3) كذا في = أ =، = ب = سليم، وفي = المحبر = سليح حيث قال ابن حبيب: في الجرارون من قضاعة: كان في سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة: ذياد ابن هبولة، وداود اللثق بن هبالة وأسقط من بين حلوان، الحاف عمران، ثم أثبته في كلب بن وبرة فقال في نفس الباب بعد داود مباشرة: وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.(1/46)
وذلك أنه كان ملكا فغلبه ملك الروم على ملكه، فصالحه داود [14] على أن يقرّه في منازله ويدعه فيكون تحت يده، ففعل، فكان يغير بمن معه.
ثم تنصّر وكره الدماء وبنى ديرا، فكان ينقل الطين على ظهره والماء، فسمّى: اللّثق، فسب الدير إليه، وأنزله الرّهبان.
فلما تعبّد اجترئ عليه، فقال له ملك الروم: اغز بمن معك من العرب.
فلم يجد بدّا من أن يفعل، فغزا، فكان على خيله جعفر بن صبح التنوخي، وكان معه في جيشه زهير بن جناب (1) بن هبل الكلبي، فغزا عبد القيس، فقتل زهير بن جناب (2) هدّاج بن مالك بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى (3) بن عبد القيس، وأغار في وجهه على بكر (4) بن وائل.
فقتل زهير أيضا هداج بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة (5) فقال حذار بن ظالم بن ذهل بن عجل العبدي:
لعمري لقد أردت سيوف ابن ضجعم ... غداة التقوا منّا خطيبا وياسرا
أهان الرّجال بعده فكأنّما ... يرى بالرّجال الصّالحين الأباعرا
فلا تبعدنّ إمّا لقيت ابن مالك ... سبيل التي فيها لقيت المعاذرا
وقال زهير بن جناب:
__________
(1) في = أ = في الموضعين: حباب والتصويب من = ب = ومن = المحبر = حيث ذكره ابن حبيب في = المحبر = في الجرارين فقال: وزهير بن جناب بن هبل.
(2) في = أ = في الموضعين: حباب والتصويب من = ب =، ومن = المحبر = حيث ذكره ابن حبيب في = المحبر = في الجرارين فقال: وزهير بن جناب بن هبل.
(3) في = أ =: قصي، والتصويب من = ب =.
(4) في = أ = موضعه بياض، وفي = ب = ما هو مثبت.
(5) كذا جاءت هذه العبارة فلا أدري أهما اثنان لاختلاف نسبهما وتشابهه في الأول أم أن هناك تكرر واختلال في سلسلة النسب فالله أعلم.(1/47)
فجّعت عبد القيس أمس بجدّها ... وسقيت هدّاجا بكأس الأفرل
ثم أقبل داود حتى إذا كان بناحية الرّقم تذاكر رجال من قضاعة ما دخلهم من الذّل لصنعة الذي صنعه بنفسه، فتواعد رجلان من قضاعة على قتل داود [15] أحدهما ثعلبة القايل بن (1) زيد اللات بن رفيدة (2) بن ثور بن كلب.
والآخر معاوية بن حجيو بن حيّ بن وائل بن أمر مناة بن مشجعة بن التيم بن النمر بن وبرة أخو كلب بن وبرة.
فأقبل داود يسير ليلا وأمامه شمعة، وهو منصرف إلى الشام حتى انتهى إلى موضع يقال له: برقة حارب (3)، فتقدما إلى الشمعة فأطفآها (4) وشدّا عليه فقتلاه، فقال عبد العاص بن ثعلبة التنوخي يرثيه:
لعمري لنعم المرء آل ضجعم ... ثوى بين أحجار ببرقة حارب
أصابتك ذؤبان الحليفين عامر ... ومشجعة الأوباش رهط ابن قارب
فتى لم تلده ابن عمّ قريبة ... فيضوي وقد يضوي وليد (5) الغرائب
فتى ليس بالرّاضي بأدنى معيشة ... وليس له ذو العجر يوما بصاحب
وقال ثعلبة، القاتل قاتله:
نحن الأولى أردت ظبات سيوفنا ... داود بين البرقتين فحارب
خطرت عليه رماحنا فتركته ... لمّا شرعن له كأمس الذّاهب
وكذاك إنّا لا تزال رماحنا ... تنفي العدي وتفيد رغب الرّاغب
__________
(1) موضع النقط بياض قدره كلمتين أو ثلاثة في = أ =، = ب =.
(2) في = أ =: أفيده، والتصويب من = ب =.
(3) ذكر ابن ياقوت هذا الموضع في = معجم البلدان = ولم يعرف به ولم يزد على أن ذكر البيت الأول من الشعر الذي سيذكر المؤلف هنا.
(4) في = أ = فطفياها. والتصويب من = ب =.
(5) في = أ =: أويد والتصويب من = ب =.(1/48)
وكانت لداود بنتان يقال لهما: أمرعة، وأشعرة، وكان خلّفهما بالشام، فقدم عبد العاص التنوخي الشام فبعثت إليه أمرعة تسأله عن أبيها، فعرّض لها، فلم تفهم، فقال:
حدث حديثين أمرعة ... فإن أبت فأربعه
ثم ادعها يا فوزعة (1) ... إلى الحديث والدعه
ألا تراها مقنعة ... وحيلها مسلعه
في كل عام شعشعة ... من عامر ومشجعه (2)
ثم أرسلت إليه أشعرة فحكى لها فلم تفهم، فقال:
حدث حديثين أشعرة ... فإن أبت فعشره
يا رب خيل مضمرة ... وغارة [16] محذفره
وحلة محبرة ... بين لوى
ففهمتا قوله فشقتا جيبيهما، وحلقتا رؤسهما فهما أوّل من فعل ذلك من العرب.
فوزعة الذي ذكر: وزعة بن سلمة بن وثاق بن عمرو بن عوف بن ذهل بن حذي بن الدها بن غشم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وكان رسولا لها.
__________
(1) سوف يعرف به المؤلف بعد تتمة الخبر إن شاء الله تعالى.
(2) ذكر الميداني أول هذا الشعر في ديوانه = مجمع الأمثال = (1021)، غير أنه قال بدل امرعة، امرأة، ولم يتحدث عن مناسبة المثل ولكن شرحه فقال:
حدث حديثين امرأة ... فإن لم تفهم فأربعه
أي زد، ويروى فأربع، أي كفّ، وأراد بالحديثين حديثا واحدا تكرره مرتين، فكأنك حدثتها بحديثين. والمعنى كرر لها الحديث لأنها أضعف فهما، فإن لم تفهم فاجعلها أربعة. وقال أبو سعيد: فإن لم تفهم بعد الأربعة، فالمربعة، يعني العصا. ويضرب في سوء السمع والإجابة.(1/49)
* ومنهم:
10 - همام بن مرة بن ذهل بن شيبان
(1) قتله ناشرة بن أغواث.
وكانت أم ناشرة هذا هند بنت معاوية بن الحارث بن بكر بن حبيب، وكانت جارية لهمام، فأرادت أن تلد، فاجتمع إليها النساء، فسمعهن همام يقبلنها يقلن: قد جاء، قد جاء، يعنين الولد، فقالت أمه: ادققن عنقه، فقال لها همام: ويحك لا تفعلي. قالت: وما يعيشه؟ قال همام: أمة تعيشه، ولقحة، وجمل ذلول. قالت: بلى، فأعطاها إياها.
فلما كان يوم واردات، وهو من أيام حرب البسوس (2) خرج همام يسقي الماء واللبن، فأبصره ناشرة فختله فطعنه فقتله، وهرب فلحق بقومه، فقالت أم ناشرة:
لقد عيّل الأيتام طعنة ناشره ... أناشر لا زالت يمينك آشره
* ومنهم:
11 - جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان
(3) وهو قاتل كليب بن
__________
(1) كان همام بن مرة رأس قومه في حرب البسوس، ذكر ذلك ابن حبيب في = المحبر = (255254) حيث ذكره ضمن من اجتمعت لهم رئاسة قبيلة من قبائل العرب.
(2) ولأيام حرب البسوس قصة تطول فراجعها في مواضعها من كتب السير والتواريخ والتي منها كتاب = الكامل في التاريخ = لابن الأثير (1/ 410)، والبسوس خالة همام، جساس ابني مرة وقامت الحرب من أجل ناقة تدعى سراب وهي ناقة، كداحس والغبراء والتي كانت لها أيام طوال في حروب الجاهلية وسأذكر طرفا يسيرا من حرب البسوس في ترجمة الذي بعده إن شاء الله تعالى.
(3) هو أخو الذي قبله وهو الذي كان السبب في إشعال نار الحرب في خبر حرب البسوس، وهو ابن شيبان بن ثعلبة بن عكاية وذكره ابن حبيب في(1/50)
ربيعة (1)، وكانت أخته تحت كليب، فقتل عنها وهي حامل، فرجعت إلى
__________
= المحبر = في البرص من الأشراف (300).
(1) هو وائل بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وإنما لقّب كليبا لأنه كان إذا سار أخذ معه جرو كلب، فإذا مرّ بروضة أو موضع يعجبه ضربه، ثم ألقاه في ذلك المكان، وهو يصيح ويعوي، فلا يسمع عواءه أحد إلا تجنبه ولم يقربه. وكان يقال له: كليب بن وائل، ثم اختصروا فقالوا: كليب فغلب عليه وكان إليه لواء تغلب، وكان قائد معد يوم خزار ففض جموع اليوم وهزمهم. وفي ذلك يقول ابن الأثير في = الكامل = (1/ 411): وجعلت له معد قسم الملك وتاجه وطاعته وبقي زمانا من الدهر، ثم دخله زهو شديد وبغي على قومه حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه، وكان يقول: وحش أرض كذا في جواري فلا يصاد، ولا يورد أحد مع إبله، ولا يوقد نارا مع ناره، ولا يمر أحد بين يديه، ولا يحتبى في مجلسه.
ويقول ابن الأثير في سبب حرب البسوس وبدئها: كانت بنو جشم وبنو شيبان أخلاطا في دار واحدة إرادة الجماعة، ومخافة الفرقة، وتزوج كليب جليلة بنت مرة بن شيبان بن ثعلبة، وهي أخت جساس بن مرة وحمى كليب أرضا من العالية في أول الربيع، وكان لا يقربها إلا محارب، ثم إن رجلا يقال له: سعد بن شميس بن طوق الجرمي نزل بالبسوس بنت منقذ التميمية خالة جساس بن مرة وكان للجرمي ناقة اسمها: سراب ترعى نوق جساس وهي التي ضربت بها العرب المثل، فقالت: أشام من سراب، وأشام من البسوس فخرج كليب يوما يتعهد الإبل ومراعيها فأتاها وتردد فيها، وكانت إبله وإبل جساس مختلطة، فنظر كليب إلى سراب فأنكرها، فقال له جساس وهو معه هذه ناقة جارنا الجرمي، فقال: لا تعد هذه الناقة إلى هذا الحمى، فقال جساس: لا ترعى إبلي مرعى إلا وهذه معها، فقال كليب:(1/51)
أهلها، ووقعت الحرب حرب البسوس. فكان منها ما كان من القتل، ثم صاروا [17] إلى الموادعة، بعد ما كادت تتفاني القبيلتان.
فولدت أخت جساس غلاما فسمته الهجرس، فرباه جساس، فلم يعرف أبا غيره، وزوجته ابنته.
فوقع بين الهجرس وبين رجل من بكر بن وائل كلام، فقال له
__________
لئن عادت لأضعن سهمي في ضرعها، فقال جساس: لئن وضعت سهمك في ضرعها لأضعن سنان رمحي في لبتك ثم تفرقا، وقال كليب لامرأته: أترين أن في العرب رجلا مانعا مني جاره، قالت: لا أعلمه إلا جساسا، فحدثها الحديث وكان بعد ذلك إذا أراد الخروج إلى الحمى منعته وناشدته الله أن لا يقطع رحمه، وكانت تنهى أخاها جساسا أن يسرح إبله.
ثم أن كليبا خرج إلى الحمى وجعل يتصفح الإبل فرأى ناقة الجرمي، فرمى ضرعها فأنفذه، فولت ولها عجيج حتى بركت بفناء صاحبها، فلما رأى ما بها من صرخ بالذل، وسمعت البسوس صراخ جارها خرجت إليه، فلما رأت ما بناقته وضعت يدها على رأسها ثم صرخت: واذلاه، وجساس يراها ويسمع، فخرج إليها فقال لها: اسكتي ولا تراعي، وسكن الجرمي، وقال لهما: إني سأقتل جملا أعظم من هذه الناقة، سأقتل غلالا وكان غلال فحل إبل كليب لم ير في زمانه مثله، وإنما أراد جساس بمقالته كليبا وكان لكليب عين يسمع ما يقولون، فأعاد الكلام على كليب، فقال: لقد اقتصر من يمينه على غلال، ولم يزل جساس يطلب غرة كليب، فخرج كليب يوما آمنا، فلما بعد عن البيوت ركب جساس فرسه، وأخذ رمحه، وأدرك كليبا فوقف كليب، فقال له جساس: يا كليب الرمح وراءك فقال:
إن كنت صادقا فأقبل إليّ من أمامي، ولم يلتفت إليه فطعنه، فأرداه عن فرسه، فقال: يا جساس أغثني بشربة ماء، فلم يأته بشيء وقضى كليب نحبه.
قلت ثم دارت رحى الحرب، فكان ما كان من خبرها.(1/52)
البكري: ما أنت بمنته حتى نلحقك بأبيك.
فانصرف الهجرس حتى دخل على امرأته بنت جساس مهموما، فسألته عمّا به، فخبّرها الخبر، فلما أوى إلى فراشه ووضع أنفه بين ثدييها وتنفس الصعداء تنفّسة تنفّط منها ما بين ثدييها، فقامت الجارية فزعة قد أقلّتها رعدة حتى دخلت على أبيها، فحدثته الحديث، وقصت عليه قصة الهجرس، فقال جساس: ثائر ورب الكعبة، وبات على مثل الرّضف حتى أصبح، فأرسل إلى الهجرس، فأتاه، فقال له: إنما أنت ولدي وختني، وبالمكان الذي قد علمت، وقد زوجتك ابنتي، وأنت معي. وقد كانت الحرب في أبيك زمانا طويلا حتى كدنا نتفاني، وقد اصطلحنا وتحاجزنا، وقد رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من الصلح، وأن تنطلق معي حتى آخذ عليك مثل ما [أخذ] (1) علينا وعلى قومك. فقال الهجرس: أنا فاعل، ولكن مثلي لا يأتي قومه إلا بلأمته وفرسه.
فحمله جساس على فرس، وأعطاه لأمة ورمحا، فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما، فقصّ عليهم جساس ما كانوا فيه من البلاء، وما صاروا إليه من العافية، ثم قال: وهذا ابن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه، ويعقد ما عقدتم. فلما قرّبوا الدّم وقاموا إلى العقد أخذ الهجرس بوسط رمحه، ثم قال: وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيفي وغربيه، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه. ثم طعن جساسا فقتله ولحق بقومه، فكان آخر قتيل في بكر بن وائل.
* [18] ومنهم:
12 - عمرو، وإخوته، بنو الزّبّان الذهلي
وكان سبب ذلك أن كثيف التغلبي انهزم في بعض أيام بكر وتغلب، فألظّ به مالك بن كومة (2)
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.
(2) في هذا الموضع من = أ =، = ب =: كمومه، وفيما عداه: كومه فجعلته على ما بعده.(1/53)
الشيباني، وكان مالك رجلا نحيفا، وكان كثيف رجلا أيّدا، فلما لحقه ابن كومة اقتحم عن (1) فرسه لينزل إليه مالك فيقهره بفضل قوته وبدنه، فأوجره مالك الرمح، وقال: والله لتستأسرن أو لأنفذنك به، فاستأسر.
ولحقه عمرو بن الزّبّان، فقال: أسيري، وقال مالك: أسيري، فقالا لكثيف: لقد حكمناك في نفسك، فقال كثيف: لولا مالك لألفيت في أهلي، فغضب عمرو بن الزّبّان، فلطم خدّ كثيف.
فقال مالك: تلطم خذّ أسيري يا كثيف، فإني قد جعلت فداءك لك بلطمة عمرو خدّك، وأطلقه.
فحرّم كثيف النساء والخمر حتى يثأر من عمرو لطمته، فوضع عليه العيون، فأتاه رجل من غفيلة بن قاسط، فقال: ألا أدلك على بني الزبان، فقد أنتجوا ناقة حوارا، واشتووه وهم يأكلون.
وكانت ندّت لهم إبل، فخرجوا في طلبها فردّها. فقام كثيف بضعف عدتهم، وقال: مرّوا بجانبهم، فإذا دعيتم إلى الطعام فيكتنف كلّ (2) رجل منهم رجلان منا.
فمروا بالقوم وهم على طعامهم، فدعوهم إلى الطعام فأقبلوا، ففعلوا ما أمروا به، فلما حسر كثيف العمامة عن وجهه، قال له عمرو: يا كثيف، هذا خدي فالطمه، ففيه وفاء من خدك، وما في بكر بن وائل أكرم منه.
قال: لا حتى أقتلك.
قال: فدع هؤلاء الفتية الذين لم يتلبّسوا من الحروب بشيء.
قال: فأبى، فقتلهم أجمعين، وبعث رءوسهم في غرارة، وعلّقها في عنق الدّهيم. ناقة عمرو بن الزبان.
__________
(1) كذا في = أ =، وفي = ب =: عنق.
(2) في = أ =: من كل، = ومن = زائدة، ولم ترد في = ب =.(1/54)
* [19] ومنهم:
13 - عمرو بن مسعود (1)
14 - وخالد بن نضلة
(2) الأسديان وكان يفدان على المنذر الأكبر اللخمي في كل سنة فيقيمان عنده، وينادمانه.
وكان أسد وغطفان لا يدينون للملوك، ويغيرون عليهم، فوفدا سنة من السنين ومعهما سبرة بن عمير الشاعر الفقعسي، وحبيب بن خالد، فنادم المنذر عمرو، وخالد بن نضلة، فقال المنذر يوما لخالد، وهم على الشراب:
يا خالد من ربك؟ فقال خالد: عمرو بن مسعود ربّي وربك. فأمسك عليهما (3)، ثم قال لهما بعد: ما يمنعكما من الدخول في طاعتي، وأن تذبّوا عني كما ذبّت تميم وربيعة؟
فقالا: أبيت اللعن، هذه البلاد لا تلائم مواشينا، ونحن مع هذا قريب منك، نحن بهذا الرسل، فإذا شئت أجبناك. فعلم أنهم لا يدينون له، وقد سمع من خالد الكلمة الأولى.
فأومأ إلى الساقي فسقاهما سمّا، فانصرفا من عنده من السّكر على
__________
(1) عمرو بن مسعود ذكره ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (193، 194) في بني ثعلبة بن دودان بن أسد، فقال: ومن بني سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان: عمرو بن مسعود الذي يقال إن النعمان بنى عليه الغري أي المنارة الذي بظهر الكوفة وفيه يقول الشاعر: فذكر البيت سيأتي ذكره في أثناء القصة.
(2) وذكر أيضا في نفس الكتاب (ص: 196) خالد بن نضلة في بني عمرو بن القعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان، فقال: والكميت بن ثعلبة بن نوفل ابن نضلة بن الأشتر بن حجوان، وعم أبيه: خالد بن نضلة سيد بني أسد.
(3) في = أ =: عليها، وهو تحريف أحسبه من الناسخ، وفي = ب =: عنها وهو تحريف أيضا وأحسب أن ما أثبته هو الصواب المناسب للسياق والله أعلم.(1/55)
خلاف ما كانا ينصرفان.
فلما كانا في بعض الليل أحس حبيب بن خالد بالأمر، لما رأى من شدة سكرهما، فنادى خالدا فلم يجبه، فقام إليه فحرّكه فسقط بعض جسده، وفعل بعمرو مثل ذلك، وكان حاله كحال خالد، فأصبح المنذر نادما على قتلهما، فغدا عليه حبيب بن خالد، فقال: أبيت اللعن، أسعدك الأهل، نديماك وخليلاك تتابعا في ساعة واحدة.
فقال له: يا حبيب على الموت تستعديني، وهل ترى إلا أني ميت، وأخا ميت، وأبا ميت؟
ثم أمر فحفر لهما قبران ودفنا فيهما، وبنى عليهما منارتين، وهما الغريّان، وعقر على كل قبر خمسين [20] فرسا، وخمسين بعيرا، وغرّاهما بدمائهما، وجعل يوم نادمهما (1) يوم نعيم، ويوم دفنهما يوم بؤس.
وقال الشاعر (2) فيهما:
ألا بكّر النّاعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود، وبالسيد الصمد
يشق بصحراء الحبيل له الثرى ... وما كنت أخشى أن يزاريه بلد
* ومنهم:
15 - خالد بن جعفر بن كلاب
(3) وكان وفد على الأسود بن المنذر
__________
(1) في = ب =: ندامها.
(2) الشاعر هو: هند بنت معبد بن نضلة على ما جاء بهامش = جمهرة أنساب العرب = وعزاه الاستاذ عبد السلام هارون إلى = معجم ما استعجم = (996)، = البيان = (1/ 108)، = وشرح سقط الزند = (1716)، وأورد ابن حزم البيت الأول فقط.
(3) هو خالد بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهو الأصبغ، وأمه: بنت رياح بن الأشل الغنوي. وأولاده: جزء، وعمرو، وعامر، وحصن، وحريم، ومرة وأنس. وقد شاركه في قتل زهير بن جذيمة العبسي(1/56)
الأكبر، ووفد الحارث بن ظالم المري (1).
وقد كان خالد قتل زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وكان سيد
__________
جندح بن ربيعة البكاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وطعن فرس زهير يوم قتله جعفر، معاوية بن عبادة بن عقيل وكان غلاما وعاش إلى أن أسلم. = جمهرة أنساب العرب = (280، 285، 291)، وسيعيد المؤلف ذكره بعد رقم (205) ويشير إلى ذلك.
(1) هو الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف وبه يضرب المثل في الفتك، والوفاء، قاله ابن حبيب في = المحبر = (192)، ثم ذكر قصة قتله لخالد بنحو مما هنا وأتم، ثم قال: وأما وفاؤه فإن رجلا من بني عامر بن سعد بن زيد مناة بن تيم يقال له عياض بنت ديهث كان أورد إبله فصادف عليه رعاء الحارث بن ظالم. فأدلى عياض دلوه ليستقي ويسقي إبله فقصر رشاؤه. فاستعار بعض أرشيه رعاء الحارث، فسقى إبله. فلما أصبح لقيه بعض حشم النعمان فأخذوا إبله وأهله. فنادى يا جار، يا جاراه، فقال له الحارث: ويلك، متى كنت لي جارا؟ فقال: عقدت رشائي برشاء راعيك فسقيت إبلي، فأخذت وذلك الماء في بطونها. فقال الحارث: إن هذا لجوار.
وركب حتى أتى النعمان، فقال: أبيت اللعن، إنك أخذت نساء جاري وما له وأنا له جار. فقال له النعمان: أفلا تشد ما وهي من أديمك. يعني قتل الحارث خالدا في جوار الأسود أخي النعمان. ثم إن النعمان أوعد الحارث وعيدا شديدا. فمضى الحارث وندم النعمان على تركه. وطلبه ففاته. فخلى النعمان لعياض أهله وماله. وكان للنعمان ابن مسترضع عند سنان بن أبي حارثة، وكانت سلمى بنت ظالم تحت سنان، فجاء الحارث إلى أخته على لسان سنان حتى أعطته ابن النعمان، فضرب عنقه، ولحق بمكة، فجاور عبد الله بن جدعان. وراجع هامش ترجمته بعد الترجمة رقم (105) ففيه زيادة فائدة.(1/57)
غطفان، فقدم إليهما تمر على نطع، فجعلا يأكلان، فقال خالد للملك:
أبيت اللعن من هذا؟
قاله له (1): هذا الحارث بن ظالم.
فقال خالد للحارث: يا حارث، ما أحسبني إلا حسن البلاء عندك، فكيف شكرك لي؟
فقال الحارث: وما بلاؤك عندي؟
قال: قتلت عمّك فسدت قومك. قال: سأجزيك به.
وجعل الحارث ينبث التمر بيده ولا يبصر، غضبا. فقال خالد: ما لك ينبث التمر، أيّتهنّ تريغ؟ فقال الحارث: على أيتهن تخافني؟ فأمر الملك برفع التمر، وقام الحارث، فانصرف إلى رحله.
فقال الأسود: لم تعرضت لهذا الكلب وأنت جاري؟ فقال خالد:
أبيت اللعن، هذا أحد عبيدي.
فلما كان الليل بعث الأسود بجارية له، معها عسّ ضخم مملوّا خمرا إلى الحارث، وقال له: يقول لك الملك: عزمت عليك لما شربت هذا يريد أن يسكره فينام فأخذه الحارث كأنه يشربه، فسفحه بين ثوبيه وجسده، فلما مضى هنيّ من الليل قام إلى قبة خالد وقد أشرجت عليه، فهتك شرجها ودخل عليه واغترز في رحله ومضى.
* [21] ومنهم:
16 - الفطيون
(2) وهو عامر بن عامر (3) بن ثعلبة بن حارثة، وكان
__________
(1) في = ب = قاله: وسقطت اللام سهوا.
(2) هو عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن الحارث ابن عمرو مزيقياء ويعرف بالفطيون.
(3) كذا في = أ =، = ب = عامر بن عامر، وأحسبه تكرار من الناسخ والله أعلم.(1/58)
يهوديا، وكان عزيزا بيثرب ممتنعا، وكان يعتذر النساء قبل أزواجهن، وكانت يثرب قد دانت له.
فلم تزل تلك حاله حتى زوجت أخت مالك بن العجلان بن زيد الخزرجي، ثم القوقلي (1) وهو يومئذ شاب، فلما كان يوم جلائها وأجلست على منصتها، قامت على المنصة، فخرجت على نادي قومها كاشفة عن ساقها. فلما رآها مالك وثب فقال: أي عدوة الله، تخرجين على قومك كاشفة عن ساقيك سوءة لك، فقالت: سوءة لك، فالذي يراد به أقبح مما صنعت، إنه يذهب بي إلى غير زوجي فيصيبني، فارتاع مالك وقال: صدقت والله، فهل فيك خير؟ قالت: ينبغي أن يكون الخير عندك.
فلما ذهب بها لبس مالك لبسة النساء واشتمل على سيف صارم، ودخل مع النساء، فانكمى في داخل البيت، فلما خرج النساء وخلا الفطيون مع المرأة خرج عليه مالك فضربه بالسيف حتى برد، وأخذ بيد أخته فخرج بها مع نسائها، وتصايحت يهود، وطلبوا مالكا، فامتنع بقومه، ثم خرج هاربا ومعه عدة من الأوس والخزرج حتى قدموا على أبي جبيلة ملك غسان، فأعلموه غلبة يهود عليهم، وفعلهم، فقدم أبو جبيلة يثرب، واتّخذ طعاما ودعا أشراف يهود، والأوس، والخزرج، فلما طعموا جعل يدفع إلى الرجل سيفا فيضطربان به، حتى قتل بهذا الفعل مائة من أشراف اليهود، فكان الرجل يقتل أخاه وابن عمه، ثم انصرف راجعا إلى الشام، فقويت الأوس والخزرج عليهم.
__________
(1) في = أ = النوفلي، وما أثبته من = ب =.(1/59)
* ومنهم:
17 - لخنيعة ينوف ذو شناتر الحميري
(1) وكان ملك اليمن، ولم
__________
(1) في اسمه كلام فمنهم من قال: لخنيعة بالنون، ومنهم من قال: لختيعة بالتاء بدل النون، ومنهم من قال: ذو سناتر، ومنهم من قال: ذو شنائر، ومنهم من قال: شنتر، ومنهم من قال: لخنيعة بن ينوف والأغلب على ما ورد هنا أي لخنيعة ينوف ذو شناتر.
قال صاحب = الأخبار الطوال = في خبره في آخر ملوك اليمن (40) قالوا:
وكان ذو شنائر ملك عنس ويخاير، وكان عظيم الملك، كثير الجنود، وكان ملكه على عمان، والبحرين، واليمامة، وسواحل البحر، وقال صاحب = المحبر = في تسميته ملوك حمير (368367): ثم ملك ابنه حسان وهو ذو معاهر، ثم إن أخاه عمرو بن تبع قتله بفرضه نعم بطريق الرقة، وملك بعده، وهو موثبان ثم وثب عليه لخنيعة ينوف، ولم يكن له قديم، ولا كان من أهل المملكة، وهو ذو شناتر، فقتل عمرا. وملك ذو شناتر وكان فاسقا لوطيا، فوثب عليه زرعة ذو نواس فقتله وملك بعده، ثم تهود ودان باليهودية، ودعا الناس إليها، فلم يرض من الناس إلا باليهودية أو القتل، وتسمى يوسف، وهو صاحب الأخدود، وكان خدّ بنجران أخاديد، فأوقد فيها النار ودعا أهلها إلى اليهودية، وكانوا على إرث دين من دين عيسى صلى الله عليه وسلم، فلما أبوا عليه، ألقاهم في النار، وحرق الإنجيل، وقتل منهم ذهاء عشرين ألفا بالسيف سوى من أحرق بالنار، ومن مثّل به منهم. وبسببه جاءت الحبشة إلى اليمن فغلبت عليها لما فعل بالنصارى، وإن ذا نواس لما واقع الحبشة ففضوا جيشه، اعترض بفرسه البحر فغرق خوفا من أن يؤسر، فكان آخر العهد به.
وبمناسبة ذكر ذي نواس هذا الذي أشار إليه القرآن في أول سورة البروج أحب أن أذكر بقصته من باب إتمام الفائدة، فقد قال ابن الأثير في(1/60)
__________
= الكامل في التاريخ = في ذكر ملك ذي نواس وقصة أصحاب الأخدود (1/ 333328): قال ابن عباس: كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له: ذونواس، واسمه: يوسف بن شرحبيل، وكان قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة، وكان له ساحر حاذق، فلما كبر قال للملك: إني كبرت، فابعث إليّ غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما اسمه عبد الله التامر، ليعلمه، فجعل يختلف إلى الساحر، وكان في طريقه راهب حسن القراءة، فقعد إليه الغلام فأعجبه أمره فكان إذا جاء إلى المعلم يدخل إلى الراهب فيقعد عنده فإذا جاء من عند المعلم ضربه، وقال له: ما الذي حبسك؟ وإذا انقلب إلى أبيه دخل إلى الراهب فيضربه أبوه، ويقول: ما الذي أبطأ بك؟ فشكى الغلام ذلك إلى الراهب. فقال له: إذا أتيت المعلم، فقل حبسني أبي، وإذا أتيت أباك فقل حبسني المعلم. وكان في ذلك البلد حيّة عظيمة، قطعت طريق الناس، فمر بها الغلام فرماها بحجر، وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها. فلما رماها قتلها، وأتى الراهب فأخبره فقال له: الراهب: إن لك لشأنا، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلنّ عليّ. وصار الغلام يبرئ الأكمه، والأبرص، ويشفي الناس، وكان للملك ابن عم أعمى، فسمع بالغلام وقتل الحية، فقال: ادع الله أن يرد عليّ بصري. قال الغلام: إن ردّ الله عليك بصرك تؤمن به؟ قال: نعم.
قال: اللهم إن كان صادقا فاردد عليه بصره. فعاد بصره، ثم دخل على الملك، فلما رآه تعجب منه، وسأله، فلم يخبره، وألح عليه، فدله على الغلام فجيء به. فقال له: لقد بلغ من سحرك ما أرى؟! فقال: أنا لا أشفي أحدا إنما يشفي الله من شاء فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الراهب، فجيء به، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فأمر به فوضع المنشار على رأسه فشق نصفين، ثم جيء بابن عم الملك. فقال ارجع عن دينك، فأبى فشقه قطعتين. ثم قال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من(1/61)
يكن من أهل المملكة، وإنما كان ملكهم حين قتل موثبان أخاه، فاضطرب أمرهم حتى ملكهم لخنيعة.
وكان فاسقا يعمل عمل قوم لوط، وكان يبعث إلى أبناء الملوك فيلوط بهم. وكانت حمير إذا ليط بالغلام لم تملّكه ولا ترتفع (1) به.
وكانت له مشربة فيها كوّة تشرف على حرسه، فإذا أتاه الغلام
__________
أصحابه، وقال اذهبوا إلى جبل كذا، فإن رجع وإلا فاطرحوه من رأسه.
فذهبوا به إلى الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم. فرجف بهم الجبل، وهلكوا، ورجع الغلام إلى الملك، فسأله عن أصحابه، فقال: كفانيهم الله. فغاظ ذلك الملك، وأرسله في سفينة إلى البحر ليلقوه فيه. فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم، فغرقوا، ونجا، وجاء إلى الملك. فقال: اقتلوه بالسيف. فضربوه فنبا عنه، وفشا خبره في اليمن، فأعظمه الناس، وعلموا أنه الحق، فقال الغلام للملك: إنك لن تقدر على قتلي إلا أن تجمع أهل مملكتك وترميني وتقول:
بسم الله رب الغلام. ففعل ذلك فقتله. فقال الناس: آمنا برب الغلام.
فقيل للملك: قد نزل بك ما تحذر، فأغلق أبواب المدينة وخدّ أخدودا وملأه نارا وعرض الناس، فمن رجع عن دينه تركه، ومن لم يرجع ألقاه في الأخدود فأحرقه. وكانت امرأة مؤمنة، وكان لها ثلاثة بنين أحدهم رضيع، فقال لها الملك: ارجعي وإلا قتلتك أنت وأولادك، فأبت فألقى ابنيها الكبيرين، فأبت، ثم أخذ الصغير ليلقيه فهمت بالرجوع، فقال لها الصغير:
يا أماه لا ترجعي عن دينك لا بأس عليك. فألقاه وألقاها في أثره. وهذا الطفل أحد من تكلم صغيرا. قيل: حفر رجل خربة بنجران في زمن عمر بن الخطاب، فرأى عبد الله بن التامر، واضعا يده على ضربة في رأسة، فإذا رفعت عنها يده خرّت دما، وإذا أرسلت يده ردها إليها وهو قاعد، فكتب فيه إلى عمر، فأمر بتركه على حاله.
(1) في = أ = تنتفع، وما أثبته من = ب = وهو الأنسب للسياق. والله أعلم.(1/62)
ينكحه قطعت مشافر ناقته وذنبها، ثم يطّلع لخنيعة من الكوة وفي فيه مسواكه، فهي علامة نكاحه إياه، فإذا نزل الغلام صاحوا به: أرطب أم يباس؟ فمكث كذلك زمانا حتى نشأ زرعة وهو ذو نواس، وكانت له ذؤابة فيها سمي ذو نواس، وهو الذي تهّود، وتسمى يوسف، وهو صاحب الأخدود بنجران، وكانوا نصارى فحرّقهم وحرّق الإنجيل، وهدم الكنائس على أن يهوّدوا. فبسببه غزت الحبشة اليمن، وذلك لأن الحبشة نصارى، فلما علت الحبشة على اليمن، اعترض البحر فأقحمه فرسه فغرق. فلما نشأ زرعة هذا قيل له: كأنك بالملك قد دعاك فيلعب بك كما لعب بغيرك، فاتخذ سكينا رقيقا، فلما بعث إليه لخنيعة يدعوه عرف ما يريد.
فجعل السكين بين أخمصه ونعله، وأتاه على ناقة له يقال لها: سراب، فأناخها ثم صعد إليه، فلما صعد زرعة قام إليه كما كان يقوم لغيره، وذهب يعالجه، فانحنى زرعة وأخذ السكين فوجأ به [22، 23] بطنه (1) [ثم احتز رأسه فجعله في كوّة مشربته التي يطلع منها، ثم أخذ سواكه فجعله في فيه، ثم خرج. فقالوا له: ذو نواس رطب أم يباس؟ فقال: سل يحماس، استرطبان ذو نواس لا بأس. فذهبوا ينظرون حين قال لهم ما قال، فإذا رأس لخنيعة مقطوع، فخرجت حمير، والحرس في أثر ذي نواس حتى أدركوه، فملّكوه حيث أراحهم من لخنيعة، واجتمعوا عليه وكان يهوديّا] (2).
[24] بجرأتهم عليه، فأقبل الحيان شاكرونهم إلى زيد بن مرت،
__________
(1) ورقة ساقطة من الأصل والتتمة من الكامل وسيأتي التعليق على ذلك إن شاء الله تعالى بعد تتمة الكلام.
(2) ما بين المعقوفين تتمة للخبر حيث جاء بعد نهاية الصفحة السابقة ما يفيد انقطاع الخبر واستئناف خبر غيره وقد جاء بأول المخطوط ما يفيد سقوط هذه الورقة وهي رقم (22) تحت كلمة ملاحظة وأتممت الخبر من = الكامل في التاريخ = لابن الأثير (1/ 328)، والله الموفق والهادي للصواب.(1/63)
فقالوا: أنت سيدنا، وأنت نديم الملك وجليسه، وقد أتى بما تعلم، وو الله لا يصل إلى إخواننا ومنا رجل حي فسله فليصفح.
فقال: إنه قد آلى ولا يرجع عن آليته. قالوا: فإن أبى فاقتله ونحن نملكك علينا. قال: لا تعجلوا، وأمهلوا حتى أرى لذلك موضعا، فأمسكوا.
فقال: فبينا زيد جالس مع علقمة إذ جرى ذكر السيوف. فقال علقمة:
عندي سيف كان لأجدادي إليه الميل. فقال له زيد: أبيت اللعن، ادع به لأنظر إليه. فدعا به، فنظر إليه علقمة ساعة، ثم ناوله زيدا، فنظر إليه، وإذا فيه مكتوب: = ضرس العير سيف الجبر (1)، باست أمرئ وقع في يده ولم يغضب لقومه، فهزه زيد ساعة، ثم ضربه به فقتله، وو ثبت همدان فألبسوه التاج، وملكوه عليهم. وفي ذلك يقول شاعرهم:
فييمّم ضرس العبر مفرق رأسه ... فخرّ ولم يثبت لحقك باطله
فلم أر يوما كان أكثر باكيا ... غداة غدا مل بون تحدى رواحله
وغادره يكبو لحرّ حبينه ... وورث زيدا تاجه وحلائله
* ومنهم:
18 - الصمة الأكبر وهو:
مالك بن بكر بن علفة بن جداعة، أخو بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وكان غزا بني قيس بن حنظلة، من البراجم، فأسره الجعد بن الشماخ البرجمي وفضّ أصحابه. فمكث عنده عاما لا يفدى.
فلما طال ذلك عليه جعل يأتيه في كل رأس [25] شهر بأفعى فيقول: والله لتفدين أو لأعضناها بك. فلما طال ذلك عليه قال: يا هذا إن
__________
(1) في = أ =، = ب = الجير، وهو تحريف وقال ابن منظور في = لسان العرب = قال ابن سيده: الجبر: الملك. قلت: وهو الأنسب للسياق، وما في: = أ =، = ب = تحريف قطعا والله أعلم.(1/64)
قومي لا أراهم يفدونني، فجرّ ناصيتي على الثواب. ففعل وأطلقه.
ثم إن الجعد أتاه يستثيبه، فقدّمه فضرب عنقه. فأتى على ذلك ما شاء الله، ثم إن الصمة حضر الموسم، فاتفق الصمة وأبو مرحب: ثعلبة بن حصبة ابن أزنم بن ثعلبة بن يربوع، عند حرب بن أمية، فقدم إليهما سويقا، وتمرا.
فجعل الصمة يأكل ويلقي النوى بين يدي ثعلبة. فقال: ويحك يا ثعلبة، أكلت التمر كله، أما ترى النوى بين يديك؟!
فقال له ثعلبة: إن كنت ألقي النوى، وأنت تأكل التمر بنواه، فلذلك عظم بطنك، فقال الصمة: إنما عظم بطني دماء قومك ابن (1) الجعد بن الشماخ، فقال أبو مرحب: ما فخرك برجل أسرك ومنّ عليك، ثم أتاك مستثيبا فقتلته؟ إن لله عليّ أن لا أراك في غير هذا الموضع إلا قتلتك أو مت دونك، فافترقا. ثم إن الصمة غزا بني تميم، فهزم أصحابه، وأسر هو وابنه معه وبعض أصحابه، أسره الحارث بن بيبة المجاشعي جدّ البعيث الشاعر.
فقال الصمة للحارث بن بيبة: سربي في بلادك حتى أفتدي أصحابي.
وكانت الهجرة لبني رياح بن يربوع، إليها تجتمع بنو حنظلة في أمورها.
فجاء الحارث مردفا الصمة، حتى إذا نزل رآه أبو مرحب، فدخل بيته واشتمل على السيف، ثم خرج والناس غافلون فضرب به بطن الصمة فقتله، وصاح الحارث: يال دارم، قتل [26] فثارث يربوع ودارم، فكاد يقع القتال بينهم، فسفرت السّفراء، وأرضى الحارث بن بيبة من الصّمّة فسكنوا.
* ومنهم:
19 - عدي بن زيد بن أيوب بن حمار
(2) العبادي الشاعر أحد بني
__________
(1) كذا في = أ =، = ب = وأحسب أن أصلها: بني (بنو)، والذي أسره هو الجعد ابن الشماخ نفسه، فالله أعلم.
(2) كذا في = أ = عدي بن زيد بن أيوب بن حمار العبادي وقيل فيه: حماد(1/65)
امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم.
وكان كاتبا لكسرى على ما يجتبى من الغور، وكان سبب ملك النعمان بن المنذر اللخمي.
وكان لعدي بن زيد عدو من أهل الحيرة يقال له: عدي بن مرينا، فلم يزل يلاطف النعمان حتى غلب على سمره، ونزل أحسن منزلة، فجعل يبغي عدي بن زيد الغوائل، ويحمل النعمان عليه حتى وغّر صدره، فكتب إلى كسرى يستزيره متشوفا (1) إليه. فأذن كسرى لعدي في زيارته، فلما بلغ النعمان خروج عدي إليه أجلس له قوما، فأخذوه قبل أن يصل إليه فمضوا به إلى الصّنّين (2) فحبسه هناك.
__________
بالدال، وحماز بالزاي، خمار بالخاء وقيل هو: عدي بن زيد بن حماد بن أيوب بن زيد مناة بن تميم قاله ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (34)، وقال:
كان يسكن بالحيرة، ويدخل الأرياف، فثقل لسانه واحتمل عنه الشيء الكثير جدا. وعلماؤنا لا يرون شعره حجة، وله أربع قصائد غرر ثم ذكرها.
وقال ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (214): عدي بن زيد بن أيوب ابن مجروف بن عامر بن عصيّة بن امرئ القيس بن زيد بن مناة وذكره ابن حبيب في = المحبر = (304) في الحولان الأشراف.
(1) في = أ =: متشوقا، وما أثبته من = ب = وهو الأنسب للسياق.
(2) في = أ =: الصري، وفي = ب =: الصرت، والتصويب من = معجم البلدان = حيث يقول ياقوت الحموي: الصّنّين: بالكسر ثم التشديد مفتوح بلفظ تثنية الصّنّ، وهو شبه السّلّ، والعامة يفتحونه، يجعل فيه الطعام يعمل من خوص النخل.
والصنين: يوم من أيام العجوز وهو بلد كان بظاهر الكوفة كان من منازل المنذر، وبه نهر ومزارع، باعه عثمان بن عفان رضي الله عنه(1/66)
فقال عدي بن زيد شعره (1) كلّه أو أكثره في الحبس. ثم إن أخاه كلّم كسرى، فوجه رجلا يخرجه من السجن.
فلما أتاه الرجل بدأ بالسجن فدخله، ثم رجع إلى النعمان بكتاب كسرى في أمره.
فوثب أعداؤه عليه فغموه حتى مات، وكتب إلى كسرى إنه مات قبل وصول كتاب الملك، وأوصى الرسول فستر أمر عديّ، ووافق كتاب النعمان.
* ومنهم:
20 - عروة الرّحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب
(2) وسبب قتله أن النعمان بن المنذر كان يوجه في كل موسم بعير تحمل التجارات تباع له في الموسم، فكان بلعاء بن قيس يعرض لها، فكان يجيرها له بعض أشراف العرب الأعزاء.
فحضر عروة الرّحال النعمان، وقد جهّز عيره وجلس في فنائه وعنده وفود العرب، وحضر البّراض الكتاني، وكان خليعا فاتكا.
__________
من طلحة بن عبيد الله، وكتب له به كتابا مشهورا مذكورا عند المحدثين، وجدت نسخته سقيمة فلم أنقلها.
(1) في = أ =، = ب =: شعرة، والسياق يقتضي ما أثبت.
(2) راجع القصة بما هنا ونحوه في = أنساب قريش = للبلاذري (102100)، = المحبر = لابن حبيب (192) وفي (196) في فتاك الجاهلية، وذكره في (254) في من اجتمعت عليه هوازن ولم تجتمع هوازن كلها في الجاهلية إلا على هؤلاء الأربعة نفر من بني جعفر بن كلاب فقال: وهم خالد بن جعفر نفر من بني جعفر بن كلاب فقال: وهم خالد بن جعفر بن كلاب، بعد قتله زهير بن جذيمة بن رواحة، وعروة الرحال بن عتيبة بن جعفر، والأحوص ابن جعفر، وعامر بن مالك بن جعفر بن كلاب.(1/67)
[27] فقال النعمان: من يجير هذه العير؟
قال البّراض: أنا أجيرها.
فقال له عروة: أنت تجيرها على أهل الشيخ والقيصوم؟
إنما أنت كالكلب الخليع وكان البراض رث الهيئة، ومعه سيف قد أكل غمده أنت أضيق استا من ذلك، ولكني أيها الملك أجيرها من الحيين يريد قيسا وخندق.
فقال البراض: أنت تجير على أهل تهامة؟
فلم يلتفت النعمان إلى قوله، وازدراه، ودفعها إلى عروة.
فخرج بالعير، وخرج البراض في أثره حتى إذا كان ببعض الطريق أدركه البراض، فتقدم أمام عيره، وأخرج الأزلام يستقسم بها.
فمر به عروة فقال: ما تصنع؟
فقال: أستخير في قتلك. فضحك، ولم يره شيئا.
ثم سار عروة حتى انتهى إلى أهله دوين الجريب على ماء يقال له:
أوارة، فأنزل اللّطيمة، وسرّحوا الظهر.
وقد كان البراض يبتغي منه غرّة فلم يقدر عليها حتى صادفه نصف النهار في ذلك اليوم، وهو نائم وحده في قبة من أدم، فدخل عليه فقتله (1).
__________
(1) قال ابن حبيب بعد هذا في = المحبر =: ثم مضى حتى أتى خيبر، فكان بسببه حرب الفجار بين كنانة وقيس. وقال البلاذري في = أنساب الاشراف = في يوم نخله (102100) بعد أن ذكر نحوا من هذه القصة إلى أن قال:
ووجد البراض فرصته، فشد عليه وقتله، وهرب قوّام الركاب وعضاريطها.
فاستاق البراض العير، ولقي بشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر، فجعل له أربع قلائص على أن يأتي حرب بن أمية، وعبد الله بن جدعان، وهشاما والوليد ابني المغيرة المخزوميين، أن البراض قتل عروة. وحذره أن يسبق الخبر إلى قومه، فيكتموه، ويقتلوا به رجلا من قريش عظيما، لأنهم لا يرضون(1/68)
* ومنهم:
21 - كعب بن عبد الله النمري
وكان المنذر ذو القرنين بن ماء السماء (1) دعا ذات يوم الناس فقال: من يهجو الحارث بن جبلة الغساني؟
فدعا حرملة بن عسلة الشيباني فيمن دعا وأم حرملة من غسان فقال:
اهجه. قال: لا ينطلق لساني بشتمه، وأنشأ يقول:
ألم تر أنّي بلغت المشيبا ... وفي دار قومي عفّا كوبا
وإن الإله تنصّفته ... بأن لا أعقّ وأن لا أحوبا
وأن لا أكافر ذا نعمة ... وأن لا أخيبه مستثيبا (2)
__________
أن يقتلوا به خليعا من بني ضمرة.
فمر بهم الحليس بن يزيد الدئلي وقال الكلبي: هو الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة وأخبروه بما ألقى إليه بشر بن أبي خازم، وكتموا الخبر، وارتحلوا على تعبية، ومعهم الأحابيس وهم بنو الدئل والقارة، وبطن من خزاعة.
وكان حرب بن أمية في القلب، وعبد الله بن جدعان في إحدى المجنبتين، وهشام بن المغيرة في الأخرى. فبلغ الخبر عامر بن مالك في آخر النهار، فركب فيمن حضر عكاظ من هوازن يريد القوم، فأدركهم بنخلة، فاقتتلوا حتى دخلت قريش الحرم وجنّ عليهم الليل.
وقدم البراض مكة باللطيمة، فكان يأكلها.
(1) ذكره ابن الحبيب في = المحبر = (359358) في أسماء ملوك الحيرة اللحميين وغيرهم فقال: ثم ملك المنذر بن امرئ القيس، وهو ذو القرنين وأمه ماء السماء، وهي ماوية بنت عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة من النمر بن قاسط تسعا وأربعين سنة.
(2) سقطت الصفحة التي بعد رقم (27) من أصل = أ =، = ب = ولم يشار إلى ذلك، وبذيل الصفحة السابقة (27) كلمة: وغسان، وتتمة الخبر من(1/69)
وغسان قومي هم والدي ... فهل ينسينهم أن أغيبا
فأوزع بها بعض من يعتريك ... فإن لها من معد كليبا
وإنّ لخالي مندوحة ... وإن عليّ بغيب رقيبا
فانبرى شهاب بن العيف أخو بني سليمة من بني عبد القيس فقال:
لا هم إن الحارث بن جبلة
فأسرهما الحارث بن جبلة في هزيمة المنذر، فقال: يا حرملة اختر ما شئت في ملكي، فسأله جاريتين ضرابتين فأعطاهما إياه.
فنزل في النمر فقعد يشرب هو رجل من النمر يقال له كعب، فلما أخذ الشراب في النمري قال: يا حرملة، من هذه المرأة الحمراء؟ مرها فلتسقني فغضب حرملة، ثم أعادها، فضربه حرملة بالسيف فقتله، وقال في ذلك:
يا كعب إنك لو قصرت على ... حسن الندام وقلة الجرم
وسماع مسمعة تعلّلنا ... حتى تؤوب تناوم العجم
لوجدت فينا ما تحاول من ... صافي الشراب ولذة الطعم
مع أبيات خمسة أخرى.
وقال لابن العيف: اختر مني ثلاث خلال: إما أن أطرحك على أسدين ضاريين في بئر. وإما أن ألقيك من سور دمشق.
وإما أن يقوم الدلامص سياف كان له فيضربك بعصاه هذه ضربة.
فاختار ضربة الدلامص، فضربه زعموا على رأسه فانكسرت فخذه، فاحتمله راهب وداواه حتى برأ وهو يجمع منها. فكان هذا والحارث
__________
كتاب خزانة الأدب (4/ 231230) حيث أشار إلى هذا الكتاب وقد اطلع على أصل المخطوط الكامل إذ يقول ما نصه: وكذا أورد هذه الحكاية محمد بن حبيب في كتابه = المقتولين غيلة =.(1/70)
يومئذ بقنسرين] (1).
* [ومنهم:
22 - كعب بن الأشرف
رسول] (2) [28] الله صلى الله عليه وسلم بقريش يوم بدر خرج إلى مكة، فجعل يرثي أهل القليب ويحرض قريشا على الطلب بثأرهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) إلى هنا ينتهي الخبر من خزانة الأدب وقد نقله مؤلفها من كتاب ضالة الأديب لأبي محمد الأعرابي، والله الموفق والهادي للصواب.
(2) كذا سقط أول هذه الترجمة مع ما سقط من أخبار في الورقة (27) وما بين المعقوفين زيادة مستفادة من الترجمة، وكعب بن الأشرف من مشاهير المغتالين في صدر الإسلام ولم يشر إلى هذا السقط في غلاف المخطوط كما فعل بالورقة [22] ويقول البلاذري في = أنساب الأشراف = (284) في أسماء عظماء يهود: وكعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان حليف بني النضير، وأمه: عقيلة بنت أبي الحقيق، وكان أبوه أصاب دما في قومه، فأتى المدينة، وكان كعب طوالا جسيما ذا بطن وهامة ضخمة، وهو الذي قال يوم بدر: بطن الأرض خير من ظاهرها، هؤلاء ملوك الأرض وسرواتهم يعني قريشا قد أصيبوا، فخرج إلى مكة، ونزل على أبي وداعة بن ضيرة، وجعل يهجو المسلمين، ورثى قتلى بدر فقال:
طحنت رحى بدر مهلك أهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع
ويقول أقوام غوىّ أمرهم ... إن ابن أشرف ظلّ كعبا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدّع
نبئت أن الحارث بن هشامهم ... في الناس يبني الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يسعى على الحسب القديم الأروع
حتى رجع إلى المدينة، وكان كعب كما وصفنا.(1/71)
ويشبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لي بابن الأشرف؟» فقال محمد بن مسلمة (1)، أخو بني عبد الأشهل: أنا لك به يا رسول الله، أنا قاتله إن شاء الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فافعل إن قدرت على ذلك».
فمكث أياما لا يأكل من الطعام إلا يعلق به نفسه، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه فقال: «لم تركت الطعام والشراب»؟ فقال: يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري أفي به أم لا؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما عليك الجهد». قال: فإنه لا بد لنا أن نقول، فقال صلى الله عليه وسلم: «قولوا ما بدا لكم فأنتم في حلّ» فاجتمع على قتله: محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة، أحد بني الأشهل، وكان أخاه من الرضاعة، وعباد بن بشر بن [وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل بن الأوس، والحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وأبو عبس عبد الرحمن ابن] (2) جبر (3) أخو بني حارثة، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم، فمضوا حتى انتهوا إلى أطمة، فتقدّمهم أبو نائلة فهتف بكعب، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها، وقالت: محارب، وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة.
فقال: إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني.
فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشّر.
__________
(1) في = أ =: مسلمة، والتصويب من = ب =.
(2) ما بين المعقوفين سقط من = أ =، = ب = وأتممته من = المحبر = في تسمية ابن حبيب الذين قتلوا كعب بن الأشرف اليهودي (282).
(3) في = أ =، = ب =: جير، والتصويب من المصدر السابق.(1/72)
فقال كعب: لو يدعي الفتى لطعنة أجاب.
[29] فنزل فتحدث معه ساعة وقال له: هل لك يا ابن الأشرف في أن نتماشى إلى شعب العجوز فتتحدث به بقية ليلتنا؟ فمشى وهو ينشد كلمته:
ربّ خال لي لو أبصرته ... سبط المشية أبّاء أنف
قد استخفى أصحابه بظلّ النخل. ثم قال له أبو نائلة: ويحك يا ابن الأشرف، إني جئتك لحاجة أذكرها لك، فاكتم عليّ. قال: أفعل.
فقال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب، ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنّا السّبل حتى ذهب العيال، وجهدت الأنفس. فقال كعب: أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما كنت أقول لك.
فقال سلكان: إني أردت أن تبيعنا طعاما، ونرهنك ونوّثق لك ونحسن في ذلك. فقال: ترهنوني أبناءكم؟
فقال له سلكان: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحابا لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن إليهم في ذلك، ونرهنك من الحلقة (1) مالك فيه وفاء.
فقال كعب: إن في الحلقة لوفاء.
ثم إن سلكان شام يده في فود (2) رأسه، ثم شمّ يده، وقال: ما رأيت كالليلة طيب عطر قطّ، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها حتى إذا اطمأن عاد لمثلها، فأخذ بفودي رأسه، ثم قال: اضربوا عدوّ الله فاختلفت عليه
__________
(1) أي السلاح.
(2) الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن، وفود الرأس جانباه، والجمع أفواد (قاله ابن منظور في لسان العرب).(1/73)
أسيافهم، فلم تغن شيئا. فأخذ محمد بن مسلمة مغولا (1) كان معه فوضعه في ثنّته (2) وتحامل عليه حتى بلغ عانته (3).
* ومنهم:
23 [30] أبو رافع سلّام بن أبي الحقيق
(4) وهو ممن حزّب
__________
(1) في = أ =، = ب = معولا بالعين المهملة وهو تحريف لأن المعول هو الفأس وليس لذلك مناسبة، إنما هو مغول، والمغول: حديدة تجعل في السوط فيكون لها غلافا، وقيل: هو سيف دقيق له قفا يكون غمدة كالسوط، ومنه قول أبي كبير: أخرجت منها سلعة معزولة ... عجفاء يبرق نابها كالمغول
وقال أبو عبيدة: المغول سوط في جوف سيف، وقال غيره: سمّى مغولا لأن صاحبه يغتال به عدوه أي يهلكه من حيث لا يحتسبه (قاله ابن منظور في لسان العرب في مادة غول).
(2) الثّنّية من الإنسان: ما دون السرة فوق العانة أسفل البطن (المصدر السابق).
(3) يذكره المؤلف إن شاء الله أيضا بعد الترجمة رقم (101) بدون ترجمة.
(4) هو أبو رافع بن سلام بن أبي الحقيق النضري، اليهودي من أشرافهم ورؤوسهم، وقد ذكره البلاذري في = أنساب الأشراف = في ذكر لأسماء عظماء يهود (284283) فقال: ومن بني النضير: وكنانة، وربيع، ورافع، وأبو رافع واسمه: سلام بنو أبي الحقيق. وذكر قتله في سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم (376371) فقال: وسرية عبد الله بن أبي عتيك الخزرجي إلى [أبي] رافع بن أبي الحقيق اليهودي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه في ذي الحجة سنة أربع فقلته في منزله. وقال قوم: بعثه إليه في سنة خمس. وقال الكلبي: هو عبد الله بن عتيك. وذكره ابن الأثير في = الكامل = في التاريخ في أحداث سنة ثلاث من الهجرة (2/ 41) فقال: في ذكر قتل أبي رافع: في هذه السنة في جمادى الآخرة منها قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي، وكان يظاهر(1/74)
__________
كعب بن الأشرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قتل كعب ابن الأشرف، وكان قتلته من الأوس، قالت الخزرج: والله لا يذهبون بها علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانا يتصاولان تصاول الفحلين فتذاكر الخزرج من يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كابن الأشرف فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة، وخزاعي بن الأسود حليف لهم وأمّر عليهم عبد الله بن عتيك، فخرجوا حتى قدموا خيبر، فأتوا على دار أبي رافع ليلا فذكر نحوا مما ذكره ابن حبيب هنا ثم قال:
ثم خرجوا من عنده، وكان عبد الله بن عتيك سيئ البصر فوقع من الدرجة فوثئت رجله أي جزعت وثأ شديدا فاحتملوه واختفوا، وطلبتهم يهود في كل وجه فلم يروهم فرجعوا إلى صاحبهم. فقال المسلمون: كيف نعلم أن عدو الله قد مات؟ فعاد بعضهم ودخل في الناس، فرأى الناس حوله وهو يقول: لقد عرفت صوت ابن عتيك، ثم قلت: أين ابن عتيك؟ ثم صاحت امرأته وقالت: مات والله، قال: فما سمعت كلمة ألذّ إلى نفسي منها، ثم عاد إلى أصحابه، وأخبرهم الخبر وسمع صوت الناعي يقول: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، وساروا حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هاتوا أسيافكم» فجاءوا بها فنظر إليها، فقال لسيف عبد الله بن أنيس = هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام =. وقيل في قتله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي رافع اليهودي، وكان بأرض الحجاز رجالا من الأنصار، وأمر عليهم عبد الله ابن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنوا منه غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم. فقال عبد الله بن عتيك لأصحابه: أقيموا مكانكم فإني أنطلق وأتلطف للبواب لعلي(1/75)
الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قتلت الأوس كعبا أرادت الخزرج أن تفعل مثل فعل الأوس لأنهم كانوا يتبارون بأفعالهم في الجاهلية والإسلام = فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم خمسة نفر لقتل أبي رافع. فخرج عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان،
__________
أدخل، فانطلق فأقبل حتى دنا من الباب، فتقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته.
فهتف به البواب إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب، فدخل وأغلق الباب، وعلق المفاتيح على وتد.
قال: فقمت فأخذتها ففتحت بها الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده في علالي له، فلما أراد النوم ذهب عنه السمار، فصعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته عليّ من داخل، فقلت: إن علموا بي، لم يخلصوا إليّ حتى أقتله. قال: فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين هو. فقلت: أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فضربته ضربة بالسيف، وأنا دهش، فما أغنى عني شيئا، وصاح، فخرجت من البيت غير بعيد، ثم دخلت عليه فقلت: ما هذا الصوت؟ قال: لأمك الويل إن رجلا في البيت ضربني بالسيف. قال: فضربته فأثخنته فلم أقتله، ثم وضعت حدّ السيف في بطنه حتى أخرجته من ظهره فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب وأخرج حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي وأنا أظن أني انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، وانكسرت ساقي فعصبتها بعمامتي، وجلست عند الباب، فقلت: والله لا أبرح حتى أعلم أقتلته أم لا؟
فلما صاح الديك قام الناعي فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجاء قد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال: «ابسط رجلك» فبسطها فمسحها فكأني لم أشتكها قط: قيل: كان قتل أبي رافع في ذي الحجة سنة أربع من الهجرة، والله أعلم.(1/76)
وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم، وأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك عليهم، ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة.
فخرجوا حتى أتوا دار أبي رافع ليلا، فلم يدعوا فيها بيتا إلّا أغلقوه على أهله، وكان في علّية فصعدوا إليه حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا، فخرجت إليهم امرأته، فقالت: من أنتم؟ فقالوا: نفر من العرب نلتمس الميرة. قالت: ذاك صاحبكم، فادخلوا عليه. فلما دخلوا أغلقوا الباب عليها، وعليهم، تخوفا من أن يكون دونه محاولة تحول بينهم وبينه، فصاحت امرأته فنوّهت بهم، وابتدروه وهو على فراشه بأسيافهم، فما دلهم عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة، فضربوه بأسيافهم، وتحامل عليه عبد الله بن أنيس في بطنه بسيفه حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني، ثم رجعوا أدراجهم وقد قتلوه.
* ومنهم:
24 - سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم 25وبشر بن البراء بن معرور الأنصاري
(1) وكانت زينب بنت
__________
(1) أتكلم عن بشر بن البراء بن معرور إن شاء الله تعالى بعد أن أذكر ترجمة شديدة الاختصار عن سيد ولد آدم وعلم أعلام البشرية وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم نقلا عن ديوان الإسلام تأليف ابن الغزي، وهي الترجمة رقم واحد في الديوان حيث يقول فيها: نبينا وسيدنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان هذا النسب الشريف إلى عدنان، قال النووي في = تهذيب الأسماء واللغات =: أجمعت عليه الأمة، وأما ما بعده إلى آدم(1/77)
__________
فمختلف فيه أشد اختلاف. قال العلماء ولا يصح فيه شيء يعتمد. وكنيته صلى الله عليه وسلم أبو القاسم، وكناه جبريل عليه السلام أبا إبراهيم.
ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء منها: محمد، وأحمد، والحاشر، والعاقب، والمقفى، والماحي، وخاتم النبيين، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، ونبي التوبة، والفاتح،، وعبد الله، والمبشر، والنذير، والداعي إلى الله، والسراج المنير، والرؤوف الرحيم، والرحمة، والنعمة، والهادي، والشاهد.
قال النووي: وبعض هذه الأسماء صفات، وإطلاقهم الاسم عليها مجاز، ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل على الصحيح المشهور، ونقل الإجماع عليه، واتفقوا على أنه ولد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، واختلفوا في تعيين اليوم، فالمشهور أنه في ثاني عشرة قيل: ليلا، وقيل: نهارا، وقيل: في ثانيه، وقيل: في ثامنه، وصححه جماعة من الأئمة، وقيل: في عاشره. أمه:
آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرة وأرضعته:
حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية. وعندما كبر شق صدره وملئ حكمة وإيمانا بعد أن استخرج حظ الشيطان منه. وأرضعته أيضا: ثويبة الأسلمية، جارية أبي لهب. وحضنته: أم أيمن بركة الحبشية، وكان ورثها من أبيه، فلما كبر أعتقها، وزوجها زيد بن حارثة، ومات أبوه، وهو حمل، وماتت أمه وله أربع سنين، وقيل ست، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ ثمان سنين وشهرين وعشرة أيام، مات عبد المطلب، فوليه عمه أبو طالب. فلما بلغ خمسا وعشرين سنة تزوج: خديجة بنت خويلد. ولما بلغ خمسا وثلاثين سنة شهد بنيان قريش الكعبة ووضع الحجر الأسود بيده، ولما بلغ أربعين سنة ويوما: بعثه الله بشيرا ونذيرا، ونزل عليه جبريل بالوحي والقرآن، ولما بلغ خمسين سنة: أسري به من بين زمزم والمقام إلى بيت المقدس، ثم أتي بالبراق فركبه وعرج به إلى السماء وفرضت الصلاة، ولما بلغ ثلاثا وخمسين سنة:
هاجر من مكة إلى المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول، ودخلها(1/78)
__________
يوم الاثنين. وغزواته: خمس وعشرون، قاتل في سبع منها وهي بدر، وأحد، والخندق، وبني قريظة، وبني المصطلق، وخيبر، والطائف، وكانت بعوثه نحوا من خمسين، وحج بعد فرض الحج حجة واحدة، واعتمر أربع مرات. وأما صفته: فكان ربعة، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون مشربا بحمرة، يبلغ شعره شحمة أذنيه، ولم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة، ظاهر الوضاءة يتلألأ كالقمر ليلة البدر، حسن الخلق معتدله، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، واسع الجبين، أزج الحواجب في غير قرن، أقنى العرنين، سهل الخدين، ضليع الفم، أشيب، مفلج الأسنان، بين كتفيه خاتم النبوة، يقول واصفه: لم أر قبله ولا بعده مثله.
وكان يلبس: الصوف، والقطن، وتعجبه الثياب الخضر، ويلبس الأبيض، والأحمر، وكان يعتم، ويسدل طرف عمامته بين كتفيه، ويلبس الخاتم من الفضة في خنصر يده اليمنى، وربما لبسه في اليسرى، ونقشه: = محمد رسول الله =، ويحب الطيب، ويكره الرائحة الكريهة.
وأول نسائه: خديجة، ثم سودة بنت زمعة، ثم الصديقة عائشة، ولم يتزوج بكرا غيرها، ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وزينب بنت جحش، وأم سلمة، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث، وزينب بنت الحارث.
وأولاده: القاسم وبه كان يكنى، وعبد الله ويسمى الطيب، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وكلهم من خديجة، وولد له بالمدينة: إبراهيم من مارية القبطية، ومات وهو طفل، وكلهم ماتوا في حياته صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة، فتأخرت بعده ستة أشهر، وأسلم من أعمامه وعماته: حمزة، والعباس، وصفية وهي أم الزبير بن العوام. ومواليه صلى الله عليه وسلم:
زيد بن حارثة، وابنه أسامة، وأبو كبشة سليم، وشقران، وأبو رافع،(1/79)
__________
وسفينة، وغيرهم. وجواريه صلى الله عليه وسلم: سلمى، وأم رافع، وبركة، مارية، وريحانة، وخضرة، ورضوى، وغيرهن.
وخدامه صلى الله عليه وسلم من الأحرار: أنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وعقبة بن عامر، وبلال بن رباح، وهند، وأسماء ابنا حارثة، وربيعة ابن كعب، وأبوذر الغفاري، وغيرهم. وكان له من الخيل عشرة، ومن البغال: ثلاثة، ومن الإبل: عشرون، ومن الغنم: مائة، ومن السيوف: تسعة، ومن القسي أربعة، ودرعان.
وأما معجزاته فكثيرة منها: القرآن وهو أعظمها، وشق الصدر، وانشقاق القمر، وسلم عليه الشجر والحجر، وحنّ إليه الجزع، وأطعم الجيش الكثير من الطعام اليسير، ونبع الماء النمير من بين أصابعه فأروى الجمع الكثير، وأتاه الله مفاتيح خزائن الأرض، وخيره الله تعالى بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا، فاختار أن يكون نبيا عبدا، ومنحه الله تعالى الشفاعة العظمى في فصل القضاء، وخصه بالحوض، وبأن أمته خير أمة أخرجت للناس، ولم يفارق الدنيا حتى بيّن للناس ما نزل إليهم.
وترك الناس على بيضاء نقية ليلها كنهارها، وشريعته باقية إلى يوم القيامة، والمصيبة بموته عامة لكل مؤمن به إلى يوم القيامة، وأصابه الوعك بالحمى أياما. وانتقل إلى الدار الآخرة: يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول في السنة الحادية عشرة من الهجرة، ودفن ليلة الأربعاء في بيت عائشة، ودفن معه أبو بكر وعمر. وهذه نبذة عن سيرته صلى الله عليه وسلم ذكرتها لتعود بركتها عليّ وعلى الكتاب، وأسأل الله تعالى أن يحيني على ملته، وأن يحشرني في زمرته وتحت لوائه، وأن يجعلني من أهل شفاعته، إنه جواد كريم.
أما بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فهو: بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن سابق بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، الأنصاري(1/80)
[31] الحارث اليهودية، امرأة سلام بن مشكم، أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر شاة مصليّة، وقد سألت قبل ذلك: أي عضو في الشاة أحبّ إلى محمد؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه السّم، ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها حتى وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتناول عليه الصلاة والسلام الذّراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلفظها، ثم قال: «إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم». ثم دعا بها فاعترفت، فقال: «ما حملك على ذلك؟» فقالت: بلّغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز عنها صلى الله عليه وسلم، ومات بشر من أكلته التي أكل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه: «هذا أوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلتها مع أخيك» يقول ذلك لأم
__________
الخزرجي السلمي. كان أبوه أول من بايع بيعة العقبة الأولى، وكان أول من استقبل القبلة، وأول من أوصى بثلث ماله، وكان أحد الأشراف النقباء، وأما بشر فقد شهد العقبة مع أبيه، وشهد بدرا، وما بعدها، وهو من أشراف قومه، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء من طريق أبي هريرة، وجابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سيدكم يا بني سلمة؟» قالوا الجد بن قيس على أن فيه بخلا، قال: «وأي داء أدوأ من البخل؟ بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء».
أخرجه الحاكم في = المستدرك = (3/ 219)، وانظر ترجمة البراء في: = الإصابة = (1/ 155)، = الاستيعاب = (1/ 145)، = أسد الغابة = (1/ 218)، = سير أعلام النبلاء = (1/ 269)، = طبقات ابن سعد = (3/ 111)، = تهذيب الأسماء واللغات = (1/ 133)، = تاريخ خليفة = (84)، = الاستبصار = (143).(1/81)
مبشر أخت بشر ابن البراء، ودخلت عليه تعوده، فإن كان المسلمون ليرون أن الله جمع لنبيه الشهادة مع ما أكرمه به من النبوة، صلى الله عليه وسلم.
* ومنهم:
26 - رفاعة بن قيس الجشمي
(1) وكان يجمع قيسا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجه إليه عبد الله بن أبي حدرد، ورجلين معه، فكمنوا له، ورماه ابن أبي حدرد فقتله، وجاء برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
* ومنهم:
27 - أبو أزيهر بن أنيس بن الحبسي بن مالك بن سعد بن كعب ابن الحارث الأزدي
__________
(1) عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يكنى أبا محمد واسم أبي حدرد سلامة بن أبي سلامة بن هوازن بن أسلم، وقيل: عبيد بن عمير بن أبي سلامة بن سعد من ولد العنبس بن هوازن بن أسلم بن أقصى بن حارثة بن عمير عامر أول مشاهد عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي هذا: الحديبية، ثم خيبر، وما بعدها. ومات في زمن مصعب بن الزبير، هذا قول خليفة. وقال الواقدي: مات عبد الله بن أبي حدرد سنة إحدى وسبعين، وهو يومئذ ابن إحدى وثمانين، وكذلك قال يحيى بن عبد الله بن بكير، وإبراهيم بن المنذر.
وقال ضمرة بن ربيعة: قتل مصعب سنة إحدى وسبعين، وفيها مات عبد الله ابن أبي حدرد، ويعد في أهل المدينة. قاله ابن الأثير في = الاستيعاب = (2/ 288). وقال ابن حبيب في = المحبر = (123116) في ذكر سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه: في سنة سبع: وفيها:
بعث عبد الله بن حدرد، معه رجلان إلى الغابة، وهي على ثمانية أميال من المدينة، لما بلغه: أن رفاعة بن قيس الجشمي يريد أن يجمع قيسا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم فكمنوا له، ورماه ابن أبي حدرد فقتله، وجاء برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.(1/82)
وكان أخواله من دوس [32] فنسب إليهم، وكان حليفا (1) لأبي سفيان بن حرب.
وكان يقعد هو وأبو سفيان في أيّامهما فيصلحان بين من حضر ذلك المكان الذي هما به. وكانت ابنته تحت أبي سفيان، ثم تزوج ابنة له أخرى الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر (2) بن مخزوم. وأخذ أبو أزيهر من الوليد المهر، فبلغه بعد أنه غليظ على النساء، فأمسكها، ولم يرد المهر.
وقال بعض إنها أهديت إليه فقال الوليد لها ليلة أن دخل عليها: أنا أشرف أو أبوك؟
فقالت له: إن أبي سيّد قومه، وفي قومك من يساويك ويفوقك.
فغضب ولطمها على خدّها، فهربت ورجعت إلى أبيها، فأمسكها ولم يردها عليه، فلما حضرت الوليد الوفاة أوصى بنيه بأشياء قد كتبناها في أخبار قريش، منها: دمه في خزاعة، وعقره (3) عند أبي أزيهر (4).
__________
(1) ما هنا موافق لما في = جمهرة أنساب العرب = (386)، الموضع الثاني موافق لما في = المحبر = (434) حيث قال: صهر بدل حليف، فهو حليف مصاهر.
(2) في = أ =، = ب =: عمرو، وفي = نسب قريش = (299): عمر، بضم العين، وقال محققه الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله تعليقا عليه: ووقع في = الجمهرة = (131س 19) = عمرو = وكذلك وقع في أنساب بعض المترجمين فيما يأتي، وفي كتب التراجم، وكله خطأ. فظهر رجحان ما أثبت، والله أعلم.
(3) أي مهره.
(4) في = نسب قريش = للزبيري جاء ذكر القصة المشار إليها هنا في ولد يقظة بن مرة، وهم بنو مخزوم بن يقظة (299) فذكرهم إلى أن قال في (323):
وهشام بن الوليد وهو الذي قتل أبا أزيهر الدّوسي بذي المجاز. وكان أبا أزيهر زوّج أبا سفيان بن حرب، والوليد بن المغيرة بنتيه، وأخذ(1/83)
فلما مات الوليد وحضر الناس سوق ذي المجاز تغفّل (1) هشام بن الوليد أبا أزيهر فقتله. وبلغ ذلك أهل مكة، فهاج المطيّبون والأخلاف من قريش، وكادوا يقتتلون.
فبلغ ذلك أبا سفيان، وهو بذي المجاز، وكان داهيا يحب قومه، فقعد على فرسه حتى أتى مكة والناس متواقفون للحرب ولواء المطيّبين (2) بيد يزيد بن أبي سفيان.
فأخذ اللواء من يزيد فضرب به البيضة (3) ضربة هدّه منها، وفرق
__________
صداقهما، ثم دفع زوجة أبي سفيان إليه، ومطل الوليد بن المغيرة، حتى حضر الوليد الوفاة وصى الوليد بنيه أن يأخذوا الصداق من أبي أزيهر، وقال: أخاف أن تسبّكم العرب إن لم تفعلوا، فأتوا أبا أزيهر، وهو بذي المجاز، بعد ما مات الوليد فسألوه، فقال: أما وأنتما تحت ظلال السيوف فلا. فضربه هشام بن الوليد، فقتله، وكانت في هشام عجلة، فقال حسان ابن ثابت يحرّض أبا سفيان وكان أبو أزيهر في جوار أبي سفيان فقال:
غدا أهل حضني ذي المجاز بسحرة ... وجار ابن حرب بالمغمّس ما يغدو
كساك هشام بن الوليد ثيابه ... فأبل وأخلق بعدها جددا بعد
فلو أنّ أشياخا ببدر تشاهدوا ... لبل نعال القوم معتبط ورد
فما منع العير الضّروط ذماره ... وما منعت مخزاة والدها هند
فاعتقد يزيد بن أبي سفيان لواء، وجمعا، وسار إلى بني مخزوم، وبلغ الخبر أبا سفيان، فأدركه وحل لواءه، وفرق جمعه وقال: أتريد أن تفرق بين قريش، فيقوى علينا محمد لعمري ما بدوس عجز عن طلب ثأرهم.
(1) أي طلب منه غفلة، وتجد في نسب قريش غير ذلك من المواجهة والطلب، والتأجيل، فالله أعلم.
(2) حلف من أحلاف الجاهلية.
(3) أي المغفر أو الخوذة.(1/84)
الناس، وقال: إذا فرغنا من عدونا يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمر أبي أزيهر، ووديناه، فودوه مائتي ناقة.
* ومنهم:
28 - المجذّر بن ذيار (1) البلوي حليف بني عوف بن الخزرج. 29 [33] وقيس بن زيد أخو بني ضبيعة ابن زيد اغتالهما الحارث بن [سويد، أخو] (2) الجلاس الأنصاري،
وكان منافقا.
__________
(1) في = أ = ابن زياد بالزاي، والتصويب من = ب =، ومن مصادر الترجمة.
(2) ما بين المعقوفين سقط من = أ =، = ب = وأتممته من كتاب = المجتبى = لابن الجوزي (124) باب تسمية المنافقين حيث قال في أولهم: الجلاس، والحارث ابنا سويد فظهر السقط جليا، والله الموفق والهادي للصواب، ثم رأيت ما يؤيد ذلك أيضا في = المحبر = (467) في أسماء المنافقين وهم ستة وثلاثون رجلا حيث قال ابن حبيب: منهم من الأوس: درّي بن الحارث، والجلاس بن سويد بن الصامت، وهو الذي تخلف عن تبوك، وأخوه الحارث بن سويد، وهو الذي قتل المجذر بن ذياد يوم أحد غيلة، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت: وفي قتل النبي صلى الله عليه وسلم له بالمجذر كلام حيث قال ابن حجر في = الإصابة = في ترجمته (1/ 293): الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري، الأوسي قال ابن الأثير: اتفق أهل النقل على أنه الذي قتل المجذر بن ذياد فقتله النبي صلى الله عليه وسلم به. وفي جزم بذلك نظر لأن العدوي وابن الكلبي والقاسم بن سلام جزموا بأن القصة إنما وقعت لأخيه الجلاس لكن المشهور أنها للحارث. وروى عبد الرزاق في = تفسيره = ومسدد في مسنده كلاهما عن جعفر بن سليمان، والباوردي، وابن منده، وغيرهما من طريق جعفر عن حميد الأعرج عن مجاهد أن الحارث بن سويد كان مسلما، ثم ارتد ولحق بالكفار، فنزلت هذه الآية:(1/85)
__________
{كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} فحملها رجل فقرأها عليه، فقال الحارث: والله إنك لصدوق، وإن الله أصدق الصادقين، فأسلم. وروى عبد بن حميد، والفريابي من طريق ابن نجيح عن مجاهد في هذه الآية:
نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف. ومن طريق السدي: نزلت في الحارث بن سويد أحد بني عمرو بن عوف وكان سبب قتله المجذر قتل أباه سويد بن الصامت في الجاهلية، فرأى الحارث من المجذر غرة يوم أحد فقتله وهرب، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:
يا حار في سنة من نوم أولكم ... أم كنت ويحك مغترا بجبريل
أم كنت يا ابن ذياد حين تقتله ... بغرة في فضاء الأرض مجهول
ووقع لابن عبد البر الحارث بن سويد، ويقال ابن مسلم المخزومي ارتد ولحق بالكفار فنزلت: {كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً}. قلت: أي ابن حجر: والمشهور أنه أنصاري. أما المجذر بن ذياد فهو: المجذر بن ذياد بن عمرو بن أخزم بن عمرو بن عمارة بن مالك بن عمرو بن تثيرة بن شنو بن القشر بن تيم بن عود مناة ابن باح بن تيم بن أراسة بن عامر بن عبيلة بن نميل بن قران بن بلى البلوي. يقال اسمه عبد الله والمجذر لقب ومعناه الغليظ الضخم
ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا، واستشهد بأحد. وذكر ابن إسحاق في قصة بدر من طريق الزهري، ومن طريق عروة وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي منكم أبا البحتري فلا يقتله». فلقيه المجذر، فقال له: استأسر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن قتلك، فقال وزميلي، فقال المجذر: لا والله، فإني قاتله، فقتله وزميله وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: زعم ناس أن الذي قتل أبا البحتري هو أبو اليسر، ويأبى معظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله. وكذا جزم الزبير ابن بكار، والواقدي، وأخرج الحاكم من طريق محمد بن يحيى كلهم أن المجذر هو الذي قتله، وكان المجذر في الجاهلية قتل سويد بن الصامت،(1/86)
وكان يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى منهما في الحرب غرة فقتلهما، ولحق بمكة كافرا.
* ومنهم:
30 - الأسود الكذاب بن كعب العنسي (1)
وهو
__________
فلما كان يوم أحد قتل الحارث بن سويد المجذر غدرا، وهرب فلجأ بمكة مرتدا، ثم أسلم يوم الفتح، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمجذر. قاله ابن حجر في = الإصابة = (6/ 4443).
أما قيس بن زيد أخو بني ضبيعة فقال عنه ابن حجر في الإصابة (5/ 253):
قتل بأحد ذكر ابن إسحاق في السيرة الكبرى أن الحارث بن سويد كان منافقا، وأنه خرج مع المسلمين في غزوة أحد، فلما التقى الناس غدا على المجذر بن ذياد البلوي، وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة فقتلهما ولحق بمكة، فساق قصته، وكذا ذكره مكي القيرواني في تفسيره الهداية لكن بغير عزو إلى ابن إسحاق ولا غيره، وقد أنكر ابن هشام في تفسير السيرة ذكر قيس ابن زيد فيمن قتله الحارث، واستدل على ذلك بأن ابن إسحاق لم يذكر قيس بن زيد فيمن استشهد بأحد وهو استدلال عجيب فإنه يحتمل أنه سها عن ذكره فيهم أو اقتصر على من استشهد بأيدي الكفار وهذا إنما قتل غرة على يد من يظهر الإسلام. وراجع هامش الترجمة رقم (100) ففيها فائدة وزيادة.
(1) هو: الأسود بن كعب بن عوف العنسي، الكذاب ويقال: الأسود لقب واسمه: عيهلة، ولقبه أيضا: ذو الحمار، ويقال: ذو الخمار بالخاء المعجمة.
قال البلاذري في = فتوح البلدان =: قالوا: كان الأسود بن كعب بن عوف العنسي قد تكهن وادعى النبوة، فاتبعه عنس، واسم عنس زيد بن مالك، وخالد بن مالك، وسعد العشيرة بن مالك. واتبعه أيضا قوم من غير عنس، وسمى نفسه: رحمان اليمن، كما تسمى مسيلمة: رحمان اليمامة، وكان له(1/87)
__________
حمار معلم يقول له: اسجد لربك فيسجد، ويقول له: ابرك، فيبرك، فسمى ذا الحمار، وقال بعضهم: هو ذو الخمار لأنه كان متخمرا معتما أبدا، وأخبرني بعض أهل اليمن أنه كان أسود الوجه فسمي الأسود للونه، وأن اسمه عيهلة. قالوا: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي في السنة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وفيها كان إسلام جرير، إلى الأسود يدعوه إلى الإسلام، فلم يجبه، وبعض الرواة ينكر بعثه النبي صلى الله عليه وسلم جريرا إلى اليمن، قالوا: وأتى الأسود صنعاء فغلب عليها، وأخرج خالد بن سعيد بن العاص عنها.
ويقال: إنه إنما أخرج المهاجر بن أبي أمية وانحاز إلى ناحية زياد بن لبيد البياض، وكان عنده حتى أتاه كتاب أبي بكر يأمره بمعاونة زياد، فلما فرغ من أمرها ولاه صنعاء وأعمالها. وكان الأسود متجبرا، فاستذل الأبناء وهو أولاد أهل فارس الذي وجههم كسرى إلى اليمن مع ابن ذي يزن، وعليهم وهرز، واستخدمهم فأضربهم، وتزوج المرزبانة امرأة باذم ملكهم، وعامل أبرويز عليهم.
فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن هبيرة المكشوع المرادي لقتاله وإنما سمي المكشوح لأنه كوى على كشحه من داء كان به وأمره باستمالة الأبناء، وبعث معه فيرزو بن مسيك المرادي. فلما سارا إلى اليمن بلغتهما وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظهر قيس للأسود أنه على رأيه حتى خلى بينه وبين دخول صنعاء، فدخلها في جماعة مذحج، وهمدان، وغيرهم. ثم استمال فيروز بن الديلمي أحد الأبناء، وكان فيروز قد أسلم، ثم أتى باذام رأس الأبناء، ويقال له: إن باذام قد كان مات، ورأس الأبناء بعده خليفة له يسمى: داذويه، وذلك أثبت، فأسلم داذويه، ولقي قيس باب بن ذي الجرّة الحميري، فاستماله، وبث داذويه دعاته في الأبناء فأسلموا فتطابق هؤلاء جميعا على قتل الأسود واغتياله، ودسوا إلى المرزبانة امرأته من أعلمها الذي هم عليه، وكانت(1/88)
__________
شانئة له، فدلتهم على جدول يدخل إليه منه، فدخلوا سحرا، ويقال: بل نقبوا جدار بيته بالخلّ نقبا، ثم دخلوا عليه في السحر، وهو سكران نائم، فذبحه قيس ذبحا، فجعل يخور خوار الثور حتى أفزع ذلك حرسه، فقالوا: ما شأن رحمان اليمن؟ فبدرت امرأته فقالت: إن الوحي ينزل عليه، فسكنوا وأمسكوا، واحتز قيس رأسه، ثم علا سورة المدينة حين أصبح، فقال: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وأن الأسود كذاب عدو الله، فاجتمع أصحاب الأسود، فألقى إليهم رأسه، فتفرقوا إلا قليلا، وخرج أصحاب قيس ففتحوا الباب، ووضعوا في بقية أصحاب العنسي السيف، فلم ينج إلّا من أسلم منهم. وذكر بعض الرواة:
أن الذي قتل الأسود العنسي فيروز بن الديلمي، وأن قيسا أجاز عليه واحتز رأسه. وذكر بعض أهل العلم: أن قتل الأسود كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام، فقال في مرضه: «قد قتل الله الأسود العنسي، قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمي» وأن الفتح ورد على أبي بكر بعد ما استخلف بعشر ليال. وأخبرني بكر بن الهيثم قال حدثني ابن أنس اليماني عمن أخبره عن النعمان بن برزج أحد الأبناء أن عامل النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الأسود عن صنعاء أبان بن سعيد بن العاص، العنسي فيروز بن الديلمي، وأن قيسا وفيروز ادّعيا قتله وهما بالمدينة. فقال عمر:
قتله هذا الأسد يعني فيروز قالوا: ثم أن قيسا اتهم بقتل داذويه، وبلغ أبا بكر أنه على إجلاء الأبناء عن صنعاء، فأغضبه ذلك، وكتب إلى المهاجر ابن أبي أمية حين دخل صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إلى ما قبله. فلما قدم به عليه أحلفه خمسين يمينا عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ما قتل داذويه، فحلف، فخلى سبيله، ووجهه إلى الشام، مع من انتدب لغزو الروم من المسلمين. ومما قال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = في ذكر أخبار الأسود: وكان أول من اعترض الأسود الكاذب:
شهر، وفيروز، وداذويه، وكان الأسود العنسي لما عاد رسول الله صلى الله(1/89)
__________
عليه وسلم من حجة الوداع وتمرض من السفر غير مرض موته بلغه ذلك، فادعى النبوة، وكان مشعبذا يريهم الأعاجيب، فاتبعته مذحج، وكانت ردة الأسود أول ردة في الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزا نجران فأخرج عنها عمرو بن حزم، وخالد بن سعيد، ووثب قيس بن عبد يغوث بن مكشوح على فيروة بن مسيك وهو على مراد فأجلاه ونزل منزله، وسار الأسود عن نجران إلى صنعاء، وخرج إلى شهر ابن باذان، فلقيه فقتل شهر لخمس وعشرين ليلة من خروج الأسود، وخرج معاذ هاربا حتى لحق بأبي موسى وهو بمأرب فلحقا بحضر موت، ولحق بفروة بن مسيك من تم على إسلامه من مذحج، واستتب للأسود ملك اليمن، ولحق أمراء اليمن إلى الطاهر بن أبي هالة إلا عمرا وخالدا فإنهما رجعا إلى المدينة، والطاهر يومئذ بجبال عك، وجبال صنعاء، وغلب الأسود ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والأحساء إلى عدن، واستطار أمره كالحريق، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهرا سوى الركبان، واستغلظ أمره، وكان خليفته في مذحج عمرو بن معد يكرب، وكان خليفته على جنده قيس بن عبد يغوث، وأمر الأبناء إلى فيروز، وخاف من بحضر موت من المسلمين أن يبعث إليهم جيشا أو يظهر بها كذاب مثل الأسود، فتزوج معاذ إلى السكون فعظفوا عليه وجاء إليهم وإلى من باليمن من المسلمين كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بقتال الأسود فقام معاذ في ذلك، وقويت نفوس المسلمين، وكان الذي قدم بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم وبرة بن يحنس الأزدي قال جشنس الديلمي فجاءتنا كتب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بقتاله إما مصادمة أو غيلة، يعني إليه، وإلى فيروز، وداذويه، وأن نكاتب من عنده دين، فعلمنا في ذلك، فرأينا أمرا كثيفا، وكان قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فقلنا: إن قيسا يخاف على دمه فهو لأول دعوة فدعوناه وأبلغناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنما نزلنا عليه من السماء فأجابنا وكاتبنا الناس(1/90)
__________
فأخبره الشيطان شيئا من ذلك، فدعا قيسا أن شيطانه يأمره بقتله لميله إلى عدوه، فحلف قيس لأنت أعظم في نفسي من أن أحدث نفسي بذلك ثم أتانا فقال: يا جشنس، ويا فيروز، ويا داذويه، فأخبرنا بقول الأسود، فبينا نحن معه يحدثنا إذ أرسل إلينا الأسود فتهددنا، فاعتذرنا إليه ونجونا منه ولم نكد وهو مرتاب بنا ونحن نحذره فبينا نحن على ذلك إذ جاءتنا كتب عامر ابن شهر، وذي زود، وذي مران، وذي الكلاع، وذي ظالم، يبذلون لنا النصر، فكاتبناهم وأمرناهم أن لا يفعلوا شيئا حتى نبرم أمرنا، وإنما اهتاجوا لذلك حين كاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب أيضا إلى أهل نجران فأجابوه، وبلغ ذلك الأسود، وأحس بالهلاك، قال: فدخلت على آزاد وهي امرأته التي تزوجها بعد قتل زوجها شهر بن باذان فدعوتها إلى ما نحن عليه وذكرتها قتل زوجها شهر، وإهلاك عشيرتها وفضيحة النساء، فأجابت، وقالت: والله ما خلق الله شخصا أبغض إليّ منه ما يقول لله عليّ حق، ولا ينتهى عن محرّم فذكر نحوا من القصة التي أوردها المؤلف، ثم قال ابن الأثير: قيل: كان أول أمر العنسي إلى أخره ثلاثة أشهر، وقيل:
قريب من أربعة أشهر، وكانت قدوم البشير بقتله في أخر ربيع الأول بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فكان أول بشارة أتت أبا بكر وهو بالمدينة.
قال فيروز: لما قتلنا الأسود عاد أمرنا كما كان وأرسلنا إلى معاذ بن جبل فصلى بنا ونحن راجون مؤملون لم يبق شيء نكرهه إلا تلك الخيول من أصحاب الأسود، فأتى موت النبي صلى الله عليه وسلم فانتقضت الأمور واضطربت الأرض.
ومن المصادر التي ذكرته أو ترجمت له: = الكامل في التاريخ = (2/ 201 205)، = فتوح البلدان = للبلاذري (1/ 127122)، = جمهرة أنساب العرب = (405)، وغير ذلك من المصادر.(1/91)
ذو الحمار (1)، وكان استنكح بصنعاء امرأة من الأبناء، وهم أبناء الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز فقتلوا الحبشة، وأن الأسود توعد الأبناء بأن يجليهم من اليمن أو يتركهم له بها خولا، فتحرز له فيروز بن الديلمي، وقيس بن هبيرة بن المكشوح المرادي، ودادويه (2)، رجل من الأبناء وكان فيروز يخبر أنه أتاهم رسول من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: يحنّس (3)
ابن وبرة الأزدي، فأسلموا معه. وكانت المرأة التي استنكح العنسي قد أسلمت قال فيروز: فجئتها فكلمتها في أمر الأسود، قلت لها: إنه قد أراد بقومك من الشر ما تريد إما إجلاءهم عن بلادهم، وإما استعبادهم، فهل عندك إلى قتله حيلة أو سبيل؟
قالت: سأحتال له.
فجاء الأسود، وفيروز عندها، فضربه ووجأ في عنقه وأخرجه، فبكت المرأة وقالت: أنتم يا معشر العرب تزعمون أنكم تحسنون إلى أصهاركم، وانت تضرب أخي (4) وتخرجه من بيتي، قال: وإنه لأخوك؟ قالت: نعم، قال: ما دريت، فابعثي له فليأتنا. فبعثت إليه، إنه قد رضي، وإني سأحفر لكم في البستان سربا إلى البيت الذي يكون فيه.
[34] فحفرت شربا، وجاء فيروز، ودادويه، وقيس بن المكشوح، فلما قاموا إلى (5) السرب، قال بعضهم: أيكم يدخل عليه؟
__________
(1) في = ب = ذو الخمار، وهو قول فيه أيضا، والحمار بكسر الحاء المهملة هو الدابة المعروفة. ويقال له: أتان.
(2) في = ب = دارونه، وهو تحريف.
(3) في = أ =، = ب =: نجيس. وهو تحريف ويقال اسمه وبرة بن يحنس، يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى، والتصويب من مصادر الترجمة.
(4) في = أ =: أختي، والتصويب من = ب =.
(5) في = ب = على.(1/92)
فقال دادويه: أنا شيخ كبير، وأخاف أن أضربه فلا أغنى فيه شيئا، ولكن ياقيس ادخل أنت. فقال قيس: إني رجل تأخذني رعدة عند الحرب، وأخاف إن ضربته أن لا تغني ضربتي شيئا. فدخل فيروز، وكان أشب القوم، فإذا هو نائم على حشايا من ريش، والمرأة عند رأسه. فأشارت إليه ولم يكن مع فيروز سيف، فأراد الرجوع إلى أصحابه ليأخذ سيفا، فكأنما أتاه شيطان فأيقظه، وإن عيناه تبصّان، فعاجله فيروز فأخذ برأسه ولحيته فدّق عنقه وخرج واتبعته المرأة، فقالت: أنشدكم بالله كلّكم وعورتكم، فقال لها: لا بأس قد قتلته، وخرج فأخبر أصحابه، فدخل قيس، فاحتز رأسه وألقاه إلى الناس، وخرج فأذّن بالصلاة. ثم إن قيسا خاف على نفسه عنسا، فأراد أن يرضيهم بقتل فيروز، ودادويه، فصنع لهما طعاما، ثم أرسل إليهما، فأتياه، فخرج فيروز يسقى (1) فرسه، وتقدم دادويه إلى منزل قيس فاغتاله على الطعام وقتله، وخرجت امرأة فلقيت فيروز وهو مقبل إلى منزل قيس، وقد رأت قتل دادويه، فقالت: ويحك، قد والله قتل صاحبك فركب فرسه وانطلق فقال عمرو بن معد يكرب يعنّف قيس بقتله دادويه غدرا:
ما إن دادوي لكم بفخر ... ولكن دادوي فضح الذّمارا (2)
* ومنهم:
31 [35] الحطم (3)
وهو شريح بن [شرحبيل بن] (4) ضبيعة بن
__________
(1) في = ب = ليسقى.
(2) في = أ =، = ب = الدمار، بالدال المهملة، وهو تحريف.
(3) في = أ =، = ب =: الحكم، وهو تحريف، والتصويب من = الكامل في التاريخ = (2/ 225)، = فتوح البلدان = للبلاذري (1/ 101)، ولتسميته الحطم قصة أذكرها بعد إن شاء الله.
(4) ما بين المعقوفين سقط من = أ =، = ب = وأتممته من = المحبر = (463)، وهو في المصدرين السابقين كما هنا بغير ما زدته.(1/93)
عمرو بن مرثد، أخو بني قيس بن ثعلبة.
وكانت بنو ربيعة بن نزار اجتمعت بالبحرين في الرّدة فارتدوا وملّكوا عليهم الغرور (1)، وهو المنذر بن النعمان فسار إليهم العلاء بن الحضرمي،
__________
(1) في = أ = كما رسمته، وفي = ب = المغرور، وهو على ما هو عليه هنا في المصدرين السابقين، غير أنه جاء على لسان المنذر بن النعمان نفسه أنه قال:
لست بالغرور، ولكني المغرور = فتوح البلدان = (1/ 102)، ولارتداد أهل البحرين قصة أذكر بعضا منها مما ذكره البلاذري، وابن الأثير، فمما ذكر البلاذري (1/ 101) قال: قالوا: ولما مات المنذر بن ساوى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل ارتد من البحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكاية مع الحطم وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بني قيس ابن تغلبة وإنما سمى الحطم بقوله: قد لفّها الليل بسوّاق حطم
وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارود، وهو بشر بن عمرو العبدي، ومن تابعه من قومه، وأمروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر يقال له:
المنذر، فسار الحطم حتى لحق بربيعة، فانضم إليها بمن معه، وبلغ العلاء بن الحضرمي الخبر بسار بالمسلمين حتى نزل جواثا، وهو حصن البحرين، فدلفت إليه ربيعة، فخرج إليها بمن معه من العرب والعجم، فقاتلها قتالا شديدا، ثم إن المسلمين لجأوا إلى الحصن فحصرهم فيه عدوهم. ففي ذلك يقول عبد الله بن حذف الكلابي: فذكر بعضا من الشعر الذي ذكره المؤلف هنا، ثم قال: ثم أن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة، فقاتلوا قتالا شديدا، وقتل الحطم.
قالوا: وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور، فلما ظهر المسلمون، قال: لست بالغرور، ولكني المغرور. ولحق هو، وفلّ ربيعة بالخط، فأتاها العلاء ففتحها، وقتل المنذر ومن معه. ويقال إن المنذر نجا فدخل إلى المستقرّ، وأرسل الماء حوله، فلم يوصل إليه، حتى صالح الغرور على أن(1/94)
وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمان، فخاض العلاء إليهم خليجا من البحر، وسارت ربيعة إليهم بجواثا حتى كاد يهلك المسلمون جهدا، فلما اشتدّ ذلك عليهم، قال عبد الله بن حذف العامري، حليف بني عامر بن لؤي وكانت أمه من بني عجل:
[ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام ... قعود في جؤاثا محصرينا
كأنّ دماءهم في كل فج ... شعاع الشمس تغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمن إنّا ... وجدنا النصر للمتوكّلينا] (1)
__________
يخلي المدينة، فخلاها، ولحق بمسيلمة فقتل معه. وقال قوم: قتل المنذر يوم جواثا، وقوم يقولون إنه استأمن ثم هرب فلحق فقتل.
(1) ما بين المعقوفين من الشعر زيادة يقتضيها السياق وقد أثبتها من كتاب = الكامل في التاريخ = لابن الأثير، وكذا ما بعده من العبارتين الواردتين بين المعقوفين الآخرين أيضا. وفي ذكر ردة أهل البحرين يحكى ابن الأثير القصة وفيها الخبر المذكور هنا (2/ 228225) فيقول: لما قدم الجارود بن المعلى العبدي على النبي صلى الله عليه وسلم وتفقه ردّه إلى قومه عبد القيس، فكان فيهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المنذر بن ساوى العبدي مريضا، فمات بعد النبي صلى الله عليه وسلم بقليل فلما مات المنذر بن ساوى ارتد بعده أهل البحرين. فأما بكر فتمت على ردتها، وأما عبد القيس فإنهم جمعهم الجارود، وكان بلغه أنهم قالوا: لو كان محمد نبيا لم يمت، فلما اجتمعوا إليه قال لهم: أتعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى؟ قالوا: نعم، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد مات كما ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فأسلموا وثبتوا على إسلامهم، وحضر أصحاب المنذر بعده حتى استنقذهم العلاء بن الحضرمي، واجتمعت ربيعة بالبحرين على الردة(1/95)
__________
إلا الجارود ومن تبعه وقالوا: نرد الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر، وكان يسمى: الغرور، فلما أسلم كان يقول: أنا المغرور، ولست بالغرور.
وخرج الحطم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة في بكر بن وائل، فاجتمع إليه من غير المرتدين ممن لم يزل مشركا حتى نزل: القطيف، وهجر، واستغوى الخط ومن بها من الزط والسبابحة، وبعث بعثا إلى دارين، وبعث إلى جواثا، فحصر المسلمين، فاشتد الحصر على من بها، فقال عبد الله بن حذف وقد قتلهم الجوع: فذكر الشعر الذي سبق أن ذكرته وأحسب أن المؤلف ذكره أيضا غير أنه سقط من بعض النساخ وقد أشرت إلى ذلك في موضعه من قبل
ثم قال: وكان سبب استنقاذ العلاء بن الحضرمي إياهم، أن أبا بكر كان بعثه على قتال أهل الردة بالبحرين، فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال الحنفي في مسلمة بني حنيفة، ولحق به أيضا قيس بن عاصم المنقري، وأعطاه بدل ما كان قسم من الصدقة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وانضم إليه: عمرو، والأبناء، وسعد بن تميم، والرباب أيضا لحقته في مثل عدته، فسلك بهم الدهناء حتى كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل، فنفرت إبلهم بأحمالها، فما بقي عندهم بعير، ولا زاد، ولا ماء، فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا الله، ووصى بعضهم بعضا، فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه، ما هذا الذي غلب عليكم من العلم؟ فقالوا:
كيف نلام ونحن إن بلغنا غدا، لم تحم الشمس حتى نهلك.
فقال: لن تراعوا أنتم المسلمون، وفي سبيل الله، وأنصار الله، فأبشروا، فو الله لن تخذلوا.
فلما صلوا الصبح، دعا العلاء، ودعوا معه، فلمع لهم الماء فمشوا إليه، فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه، فأناخت إليهم فسقوها، وكان أبو هريرة فيهم، فلما ساروا عن ذلك المكان، قال(1/96)
__________
لمنجاب بن راشد: كيف علمك بموضع الماء؟
قال: عارف به، فقال له: كن معي حتى تقيمني عليه، قال: فرجعت به إلى ذلك المكان، فلم نجد إلا غدير الماء. فقلت له: والله لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء قبل اليوم، وإذا إداوة مملوءة ماء فقال أبو هريرة: هذا والله المكان، وما رأيت، ولهذا رجعت بك وملأت إداوتي، ثم وضعتها على شفير الغدير. وقلت: إن كان منّا من المن عرفته، وإن كان عينا عرفته، فإذا منّ من المنّ، فحمد الله، ثم ساروا فنزلوا بهجر.
وأرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه، وسار هو فيمن معه، حتى نزل عليه مما يلي هجر.
فاجتمع المشركون كلهم إلى الحطم إلا أهل دارين واجتمع المسلمون إلى العلاء.
وخندق المسلمون على أنفسهم، والمشركون، وكانوا يتراوحون القتال، ويرجعون إلى خندقهم، فكانوا كذلك شهرا، فبينا هم كذلك، إذ سمع المسلمون في عسكر المشركين ضوضاء هزيمة أو قتال.
فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد الله بن حذف: أنا، فخرج حتى دنا من خندقهم، فأخذوه، وكانت أمه عجليه، فجعل ينادي يا أبجراه، فجاء أبجر بن بجير، فعرفه، فقال: ما شأنك؟ فقال علام أقتل وحولي عساكر من عجل، وتيّم اللات وغيرها.
فخلّصه، فقال له: والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال: دعني من هذا وأطعمني فقد متّ جوعا، فقرب له طعاما فأكل، ثم قال: زودني، واحملني، يقول: هذا لرجل قد غلبت عليه السّكر، فحمله على بعير، وزوده وجوزه، فدخل عسكر المسلمين، فأخبرهم أن القوم سكارى، المسلمون عليهم فوضعوا فيهم السيف كيف شاءوا، وهرب الكفار، فمن بين مترد، وناج، ومقتول، ومأسور، واستولى المسلمون على(1/97)
وسمع المسلمون في عسكر المشركين أصواتا بالليل فهالتهم، فقال:
[العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد الله بن حذف]: أنا آتيكم بالخبر.
ونزل من الحصن، فأخذوه فسألوه، فانتسب لهم وجعل ينادي: يا أبجراه (1)، وكان في القوم أبجر (2) فعرفه، فقال: ويلك، ما شأنك؟ أظنك بئس ابن أخت القوم الليلة لأخوالك.
قال: فقد هلكت من الجوع، فأطعمه وسقاه وحمله على بعير (3) وخلى
__________
العسكر، ولم يفلت رجل إلا بما عليه.
فأما أبجر فأفلت، وأما الحطم فقتل قتله قيس بن عاصم، بعد أن قطع عفيف ابن المنذر التميمي رجله. وطلبهم المسلمون، فأسر عفيف المنذر بن النعمان ابن المنذر الغرور، فأسلم.
وأصبح العلاء فقسم الأنفال، ونقل رجالا من أهل البلاء ثيابا، فأعطى ثمامة ابن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحطم يباهي بها، فلما رجع ثمامة بعد فتح دارين، رآها بنو قيس بن ثعلبة، فقالوا له: أنت قتلت الحطم؟
فقال: لم أقتله ولكني اشتريتها من المغنم، فوثبوا عليه، فقتلوه.
وقصد عظم الفلال إلى دارين، فركبوا إليها السفن، ولحق الباقون ببلاد قومهم، فكتب العلاء إلى من ثبت على إسلامه من بكر بن وائل منهم:
عتيبة بن النهاس، والمثنى بن حارثة، وغيرهما يأمرهم بالقعود للمنهزمين، والمرتدين بكل طريق، ففعلوا وجاءت رسلهم إلى العلاء بذلك، فأمر أن يؤتى من وراء ظهره فندب حينئذ إلى دارين، قال لهم: قد أراكم الله من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر، فانهضوا إلى عدوكم، واستعرضوا البحر.
(1) في = أ =: بجراه، والتصويب من = ب =.
(2) بجر في = أ = والتصويب من = ب = أيضا.
(3) في = أ =، = ب =: بغلين والسياق لا يتفق وذلك وصوبته من مصادر الترجمة بما يناسب المقام أو السياق، والله أعلم.(1/98)
سبيله، فرجع ابن حذف إلى أصحابه، فأخبرهم أن القوم سكارى.
فبيتهم العلاء فيمن معه من المسلمين من العرب والعجم، فقتلوهم قتلا ذريعا وانهزموا. وقام الحطم (1) إلى فرسه ليركبه فلما وضع رجله في الرّكاب انقطع سير ركابه، فقال: ألا أحد من قيس يعقلني؟ فمر به رجل من المسلمين وهو يستغيث، فقال: أبو ضبيعة؟ قال: نعم.
قال: أعطني أعقلك.
فلما أعطاه رجله أخذها، ثم ضربه بالسيف حتى قتله. وقال قيس بن عاصم السعدي:
لا توعدّنا بمفروق وأسرته ... إن تأتينا تلق منّا سنّة الحطم (2)
* ومنهم:
[36] 32 عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (3)
كان
__________
(1) في = أ =، = ب =: الحكم، وسبق الكلام عنه.
(2) في = أ =، = ب =: الحكم، وقد سبق الكلام عليه.
(3) عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وهو أول من وصف بهذه الصفة، وهو ثاني أشهر أعلام أصحابه صلى الله عليه وسلم وقد دونت الدواوين في سيرته وضرب بعدله المثل في الدنيا بأسرها واعترف بذلك العدو قبل الحبيب ولم يختلف فيه إلا جاحد أو مكابر، وإن كان لابد له من ذكر ترجمة موجزة فهو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي أبو حفص، القرشي، العدوي، أمير المؤمنين، الفاروق.
أمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، المخزومية، وقيل: حنتمة بنت هشام أخت أبي جهل. ميلاده: قيل: ولد بعد الفجار الأعظم بأربع سنين قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، وقيل: دون ذلك.
وفاته: قيل طعن يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة (23)، ودفن(1/99)
__________
يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة (24) على أرجح الأقوال:
وقال ابن حزم عن عدد مروياته في كتابه أسماء الصحابة الرواة أنها:
خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا، وكذلك قال ابن الجوزي في عدد مروياته في تلقيح فهوم أهل الأثر، ثم قال: قال أبو نعيم الأصبهاني، أسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتون سوى الطرق مائتي حديث ونيفا.
قال ابن حجر في = الإصابة =: كانت إليه السفارة في الجاهلية، وكان عند المبعث شديدا على المسلمين، ثم أسلم فكان! إسلامه فتحا على المسلمين وفرجا لهم من الضيق، قال عبد الله بن مسعود: وما عبدنا الله جهرة حتى أسلم عمر.
وأخرج ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن أبي رجاء العطاردي قال: كان عمرا طويلا جسيما أصلع، أشعر، شديد الحمرة كثير السبلة في أطرافها صهوبة، في عارضيه خفة.
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند جيد إلى زر بن حبيش، قال: رأيت عمرا أعسر، أصلع، آدم، قد فرع الناس كأنه على دابة، قال: فذكرت هذه القصة لبعض ولد عمر فقال: سمعنا أشياخنا يذكرون أن عمر كان أبيض فلما كان عام الرمادة، وهي سنة المجاعة ترك أكل اللحم والسمن وأدمن أكل الزيت حتى تغير لونه وكان أحمر فشحب لونه
وأخرج يونس بن بكير في زيادات المغازي عن أبي عمر الجزار عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب». فأصبح عمر فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في = تاريخه = بسند فيه إسحاق بن أبي فروة، أنه سأل عمر عن إسلامه، فذكر قصته بطولها، وفيها: أنه خرج(1/100)
__________
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة، وأصحابه الذين كانوا اختفوا في دار الأرقم، فعلمت قريش أنه امتنع، فلم تصبهم كآبة مثلها، قال: فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق.
وقال ابن عبد البر في = الاستيعاب =: كان إسلامه عزا ظهر به الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر فهو من المهاجرين الأولين، وشهد بدرا وبيعة الرضوان، وكل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، وولي الخلافة بعد أبي بكر، بويع له بها يوم مات أبو بكر رضي الله عنه، باستخلافه له سنة ثلاث عشرة فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتح الله له الفتوح بالشام والعراق ومصر، ودون الدواوين في العطاء، ورتب الناس فيه على سوابقهم، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، وهو الذي نور شهر الصوم بصلاة الأشفاع فيه، وأرخ التاريخ من الهجرة الذي بأيدي الناس إلى اليوم، وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين، وهو أول من اتخذ الدرة، وكان نقش خاتمه: كفى بالموت واعظا يا عمر
ومن حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: «اللهم أخرج ما في صدره من غل وأبدله إيمانا» يقولها ثلاثا.
«ومن حديث ابن عمر أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
= إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه». ونزل القرآن بموافقته في أسرى بدر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما.
وقال حذيفة: كان علم الناس كلهم قد درس في حجر عمر مع علم عمر، وقال ابن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووضع(1/101)
عمر رأى كأن ديكا نقره أسفل من سرّته نقرتين، فسأل عن رؤياه أسماء بنت عميس، فقالت: هذا رجل أعجمي يصيبك، فمضت أيام لذلك، ثم أن أبا لؤلؤة، وهو فيروز عبد المغيرة بن شعبة، لقيه وهو يمشي فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد جعل عليّ خراجا كثيرا، قال عمر: وكم هو؟ قال:
درهمين في اليوم. قال: وما تعمل؟ قال: أجّوف الأرحاء.
قال: ما ذاك بكثير، ما في بلادنا أحد يعملها غيرك.
فقال: المستعان الله، ثم ولى وهو يهمهم.
فقال عمر: ما يقول؟ قال: يزعم أنه يعمل لك رحى يتحدث بها العرب والعجم.
قال عمر: ما يقول العبد، أتهدّد، أم وعد (1)، أم خوّف؟ ثم مضى.
فلم يلبث بعد ذلك إلا أياما حتى وثب على عمر وهو يسوّي
__________
علم عمر في كفة لرجح علم عمر، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه مع عمر أوثق في نفسي من عمل سنة.
وقد ورد ذكره في ما لا يمكن حصره من المراجع أذكر منها على سبيل المثال: = الإصابة = (4/ 279)، = أسد الغابة = (4/ 145)، = الاستيعاب = (2/ 458)، = أسماء الصحابة الرواة = (11)، = تجريد أسماء الصحابة = (1/ 397)، = بقى بن مخلد = (11)، = الجرح والتعديل = (6/ 105)، = تقريب التهذيب = (3/ 54)، = تهذيب التهذب = (7/ 438)، = الكاشف = (309)، = تاريخ جرجان = (730)، = أصحاب بدر = (46)، = الاستبصار = (391)، = التاريخ الكبير = (6/ 138)، = صفة الصفوة = (1/ 268)، = غاية النهاية = (1/ 591)، = الأعلام = (5/ 45)، = حلية الأولياء = (1/ 5538)، = الطبقات الكبرى = (9/ 141)، = التمييز والفصل = (51)، = التبصرة والتذكرة = (1/ 23).
(1) في النسخة = ب =: وعيد.(1/102)
الصفوف لصلاة الفجر، وكان يتلفت يمينا وشمالا، فإذا استوى الصف كبّر، فطعنه بسكين له طرفان نصابه في وسطه فوق العانة ودون السّرّة، طعنتين أو ثلاثا.
وكان على عمر ملاءة صفراء، فجمعها، وجعلها على بطنه، وقال:
حسّ {وَكََانَ أَمْرُ اللََّهِ قَدَراً مَقْدُوراً}، وقدّم عبد الرحمن بن عوف فصلى بالناس الفجر.
وحكى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إني لأسير بين مكة والمدينة في سحر ليلة مقمرة إذ سمعت قائلا يقول:
ليبك على الإسلام من كان باكيا ... فقد أوشكوا هلكا وما قدم العهد
وقد ولت الدنيا وأدبر خيرها ... وقد ملّها من كان يؤمن بالوعد
[37] وطلب الرجل فلم يوجد.
فقلت: إني لخائفة أن يكون هذا لحدث، فلم يكن إلا أياما حتى قتل عمر رضي الله عنه
* ومنهم:
33 - سالم بن دارة (1)
أحد بني عبد الله بن عطفان، وكان هجا رجلا من بني فزارة يقال له: زميل بن دبير (2)، وهو ابن أم دينار فقال في قصيدة له
__________
(1) ذكره ابن حزم الأندلسي في كتابه = جمهرة أنساب العرب = (249) ضمن من ذكرهم من بني غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، فقال:
ومنهم سالم بن دارة الشاعر.
(2) في = أ =، = ب =: زبير، وفي = الإصابة =: زميل بن دبير وقيل ابن أبير (3/ 41)، وقد قال في ترجمته في القسم الثالث منها: زميل بن أبير، ويقال ابن دبير ابن عبد مناف بن عقيل بن هلال بن سمى بن مازن بن فزارة الفزاري. يقال له: ابن أم دينار. ذكره المرزباني في معجم الشعراء، وقال: إنه هو الذي قتل ابن دارة في خلافة عثمان، وأنشد له:(1/103)
__________
يخبرني أني به ذو قرابة ... وأنبأته أني به متلاق
علوت بنصل السيف مفرق رأسه ... وقلت التحقه دون كل لحاق
وقال أيضا:
أبلغ فزارة أني قد سريت له ... مجد الحياة بسيفي مع ذوي الحلق
قلت (أي ابن حجر): واسم ابن دارة سالم بن مسافع، ودارة أمه، وسيأتي سبب قتل زميل له في ترجمته في القسم الثالث من السين. وقال في القسم المشار إليه (3/ 161): سالم بن شافع بن دارة الشاعر المشهور قال أبو الفرج الأصفهاني: أدرك الجاهلية والإسلام، ودارة لقب غلب على جده، واسمه يربوع بن كعب بن عدي بن جشم بن بهثة بن عبد الله بن غطفان. ذكره أبو عبيدة قال: وأخوه عبد الرحمن بن دارة من شعراء الإسلام.
وقال المرزباني: وسالم بن شافع بن عقبة بن شريح بن يربوع، وساق نسبه، قال: وقيل: إن دارة أم سالم نفسه، وقيل: اسم جدته، وقيل: لقب شريح جد شافع. وقرأت في ديوان شعر سالم: أنه قتل في خلافة عثمان، قتله زميل ابن أم دينار الفزاري لأن سالما كان هجاه بقوله المشهور:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
وقوله فيها:
أنا ابن دارة موصولا به نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار
قلت (أي ابن حجر): وهو يشعر بأن دارة لقب جده كما قال أبو عبيدة ولما قيل:
فلا تكثروا فيها الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
وقال دعبل بن علي في طبقات الشعراء وأنشد له يخاطب عيينة بن حصن الفزاري، وكان قد ارتد في خلافة أبي بكر، ثم عاد إلى الإسلام، وقال لأبي بكر قصتي وقصة الأشعث واحدة فما بالكم أكرمتموه وزوجتموه، ولم تفعلوا ذلك بي؟ وكان أبو بكر زوج الأشعث أخته، فأجاب سالم بن(1/104)
طويلة:
آلي ابن دارة جهدا لا يصالحكم ... حتى ينيك زميل أمّ دينار
ثم إن ابن دارة لقي زميلا بالداءة (1) فقال: يا زميل ألا تفعل بأمّك حتى أصالح قومي؟ فقال له زميل: معذرة إلى الله، ثم إليك، إنه ليس معي، ولا في رحلي إلا مخيط أشدّ به على وكائي، ثم لقيه مرة أخرى بشراف (2)، فقال له أيضا مثل قولته (3) الأولى: حتى أصالح عشيرتي، فقال له معذرة إلى الله، ثم إليك، إنه ليس معي إلا سكين أصلح به حذائي.
ثم إن زميلا قدم المدينة بعد ذلك بزمان فقضى حوائجه، حتى إذا صدر عن الشّقرة (4)، سمع رجلا يتغنى بقوله:
__________
دارة عيينة عن ذلك بقوله:
يا عيينة بن حصن آل عدي ... أنت من قومك الصميم صميم
لست كالأشعث المعصب بالتا ... ج غلاما قد سار وهو فطيم
جده آكل المرار وقيس ... خطبة في الملوك خطب عظيم
أن يكونا أينما خطب العدو ... سواء كما تقدم الأديم
فله هيبة الملوك وللأش ... عث إن حان حادث وقديم
إن للأشعث بن قيس بن معد ... كرب عزة وأنت تهيم
(1) في = أ =، = ب =: الدامة، والتصويب من = معجم البلدان = حيث يقول ياقوت:
الداءة: اسم للجبل الذي يحجز بين نخلتين الشامية، واليمانية من نواحي مكة والدأيات خرز العنق.
(2) شراف: ماء بنجد له ذكر كثير في آثار الصحابة ابن مسعود وغيره. وقال أبو عبيدة السكوني: بين واقصة والقرعاء على ثمانية أميال من الأحساء التي لبني وهب، ومن شراف إلى وقصة ميلان = معجم البلدان =.
(3) في = أ =: قوله، والتصويب من = ب =.
(4) في = ب =: الشفرة بالفاء، والتصويب من = أ =.(1/105)
ملكت بها الإدلاج حتى بدالها ... مع الصبح من اشباع ركن يلملم
وقد أوغلت في السير حتى كأنما ... يكسّر قيض بينهن وحنتم
فعرف زميل صوت سالم، فأقبل إليه فضربه ضربتين، ثم عقر بعيره، فحمل سالم إلى عثمان بن عفان، فدفعه إلى طبيب نصراني، حتى إذا برأ ووعت (1) كلومه، دخل النصراني، وإذا سالم يشامع امرأته، فاحتقنها (2) عليه.
فقال له النصراني: إني لأرى عظما ناتئا، فهل لك أن أجعل عليه دواء حتى يسقط؟
قال: نعم، فافعل، فسمّه فمات.
ويقال: إن أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري، وكانت [38] عند عثمان بن عفان رضي الله عنه جعلت للطبيب جعلا حتى سمّه، فمات.
فذلك قول الكميت بن ثعلبة:
فلا تكثروا فيها الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
* ومنهم:
34 - الزبير بن العوام رضي الله عنه (3)
وسبب ذلك أنه لما
__________
وقال ياقوت في = معجمه =: مكان في قول السيرافي قال:
فهنّ بالشفرة يقربن القرى.
(1) في = أ =: دعت. والتصويب من = ب = والمعنى التأمت، والكلوم الجروج.
(2) كذا في = أ =، وفي = ب =: فاحتقدها، والمعنى مقارب.
(3) هو: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. أبو عبد الله، القرشي، الأسدي.
أمه: صفية بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفاته: قتل منصرفه يوم الجمل في جمادى الأولى سنة (36)، وله ست أو سبع وستون سنة وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة(1/106)
__________
أصحاب الشورى، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث ذكر ابن حزم في أسماء الصحابة الرواة أن عدتها ثمانية وثلاثون حديثا، ووافقه على ذلك ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر، ثم قال: قال أبو نعيم الأصبهاني: أسند نيفا وثلاثين حديثا بمراسيلها، وقال البرقي: الذي حفظ لنا عنه نحو من عشرين بمراسيلها. وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الذهبي في = سير أعلام النبلاء =: وهو أول من سلّ سيفه في سبيل الله
وأسلم وهو حدث له ست عشرة سنة.
وروى الليث عن الأسود عن عروة قال: أسلم الزبير ابن ثمان سنين، ونفحت نفحة من الشيطان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، بيده السيف، فمن رآه عجب، وقال: الغلام معه السيف حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مالك يا زبير؟ فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك.
وقد ورد أن الزبير كان رجلا طويلا، إذا ركب خطت رجلاه الأرض، وكان خفيف اللحية والعارضين قال إسحاق بن يحيى: عن موسى بن طلحة قال: كان علي، والزبير، وطلحة، وسعد، عذار عام واحد، يعني ولدوا في سنة.
وقال المدائني: كان طلحة، والزبير، وعلى أترابا، وقال يتيم عروة: هاجر الزبير وهو ابن ثمان عشرة سنة، وكان عمه يعلّقه ويدخّن عليه وهو يقول:
لا أرجع إلى الكفر أبدا.
عن إسماعيل بن أبي خالد عن البهي قال: كان يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسان: الزبير على فرس على الميمنة، والمقداد بن الأسود على فرس على الميسرة.
وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة(1/107)
__________
صفراء فنزل جبريل على سيماء الزبير.
وهو ممن هاجر إلى الحبشة فيما نقله موسى بن عقبة وابن إسحاق، ولم يطول الإقامة بها، عن هشام عن أبيه قالت عائشة: يا ابن أختي كان أبواك تعني الزبير، وأبا بكر: {الَّذِينَ اسْتَجََابُوا لِلََّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مََا أَصََابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172]، ولما انصرف المشركون من أحد، وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: من ينتدب لهؤلاء في آثارهم، حتى يعلموا أن بنا قوة، فانتدب أبو بكر، والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار المشركين فسمعوا بهم، فانصرفوا قال الله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللََّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}
[آل عمران: 174] لم يلقوا عدوا.
وقال البخاري، ومسلم: عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: «من يأتينا بخبر بني قريظة؟» فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس، فجاء بخبرهم، ثم قال الثانية، فقال الزبير: أنا فذهب، ثم الثالثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي حواري، وحواري الزبير».
الحواري: هو الناصر. وقيل: الخليل، وقيل: الخالص من كل شيء
عن هشام بن عروة عن أبيه: أن ابن الزبير قال له: يا أبة، قد رأيتك تحمل على فرسك الأشقر يوم الخندق قال: يا بني رأيتني؟ قال: نعم، قال:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لجمع لأبيك أبويه، يقول: «ارم فداك أبي وأمي».
حدثتني أم عروة بنت جعفر عن أختها عائشة عن أبيها عن جدها الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد ابن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين.
وعن أسماء قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهما إياه يقاتل فيهما.(1/108)
__________
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير: ما تخلفت عن غزوة غزاها المسلمون إلا أن أقبل فألقى ناسا يعقبون
عن الثوري قال: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة: حمزة، وعلي، والزبير.
عن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه، وإن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.
عن فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت: مرّ الزبير بمجلس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسان ينشدهم من شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون منه، فجلس معهم الزبير، ثم قال:
مالي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة؟ فلقد كان يعرض به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسن استماعه، ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه، فقال حسان يمدح الزبير:
أقام على عهد النبيّ وهديه ... حواريّه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه ... يوالي وليّ الحق والحق أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي ... يصول إذا ما كان يوم محجّل
إذا كشفت عن ساقها الحرب حشّها ... بأبيض سبّاق إلى الموت يرقل
وإن امرءا كانت صفيّة أمه ... ومن أسد في بيتها لمؤثّل
له من رسول الله قربى قريبة ... ومن نصرة الإسلام مجد مؤثّل
فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه ... على المصطفى والله يعطي فيجزل
ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل
وأرى أن فيما سبق من ترجمة كفاية لمن سطعت عليه أنوار الهداية ومن أراد المزيد فعليه بما يلي من مراجع:
= الإصابة = (3/ 5)، = أسد الغابة = (2/ 249)، = تجريد أسماء الصحابة = (1/ 188)، = الاستيعاب = (1/ 580)، = أسماء الصحابة الرواة = (82)، = بقي بن(1/109)
انصرف عن حرب الجمل عندما ذكّره علي بن أبي طالب رضي الله عنه استجار النّعر (1) بن الزمّام المجاشعي، فأتى آت الأحنف بن قيس، فقال: هذا الزبير قد مرّ آنفا.
قال الأحنف: ما أصنع به، جمع فئتين من المسلمين فقتل بعضهم بعضا، ثم لحق بقومه، فنهض عمر بن جرموز، وفضالة بن حابس ونفيع بن كعب ابن عمير، فلحقوه بوادي السباع، فكر عليهم الزبير حين رآهم، فانهزموا عنه، ولحق الزبير، ابن جرموز، فلما رهقه قال: الله الله أبا عبد الله، فرجع عنه، ومضى الزبير، وانصرف عنه فضالة ونفيع، ولزمه عمرو بن جرموز، فسايره في ليلة مقمرة، فعطف عليه الزبير، فقال: أنشدك الله يا أبا عبد الله فكفّ عنه وسايره، وأغفى الزبير على فرسه فطعنه فأذراه عنه، فقال الزبير: قاتله الله، يذكر بالله وينساه، ومات.
فقالت عاتكة أخت (2) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي:
__________
مخلد = (84)، = = التاريخ الكبير = (3/ 409)، = حلية الأولياء = (1/ 809)، = الكاشف = (1/ 320)، = الرياض المستطابة = (74)، = المصباح المضيء = (1/ 114)، = الرياض النضرة = (2/ 351)، = البداية والنهاية = (7/ 449)، = صفة الصفوة = (1/ 342)، = سير أعلام النبلاء = (1/ 41)، = المنمق = (412، 432، 513، 528، 533)، = تهذيب التهذيب = (3/ 318)، = علماء أفريقية وتونس = (66)، = التاريخ الصغير = (1/ 2، 36، 51، غير ذلك)، = الأعلام = (3/ 43)، = تاريخ الإسلام = (3/ 297)، = الجرح والتعديل = (401)، = حسن المحاضرة = (1/ 199)، = الوافي بالوفيات = (14/ 180)، = الزهد = لوكيع (141)، = تاريخ جرجان = (69)، = العبر = (34، 36، 37، 117)، وغير ذلك من المصادر كثير.
(1) في = أ =، = ب =: الثعر، والتصويب من مصادر الترجمة.
(2) في = أ =، = ب =: بنت، وهو تحريف والتصويب من مصادر الترجمة.(1/110)
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللّقاء وكان غير معرّد (1)
يا عمرو لو نبّهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد
[39] هبلتك أمك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة المتعمّد
وجاء ابن جرموز بسيف الزبير إلى على رضي الله عنه، وقال:
أخبروه أني قاتل الزبير، فقال على: بشّر قاتل ابن صفية بالنار، وأخذ السيف منه، وقال: سيف طالما فرج الغمامة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان ابن جرموز يدعو لأمر الدنيا، فقيل له: لو دعوت لأمر آخرتك، فقال: يئست من الجنة منذ قتلت الزبير.
* ومنهم:
35 - مالك بن الحارث الأشتر (2)
وكان أتى عليّا رضي الله عنه
__________
(1) في = أ = معدد والتصويب من = ب = والمعرد: الفار من القتال.
(2) قال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (3/ 226) في أحداث سنة ثمان وثلاثين: في هذه السنة قتل محمد بن أبي بكر الصديق بمصر، وهو عامل عليّ عليها فبلغ ذلك عليّا فقال: ما لمصر إلا أحد رجلين: صاحبنا الذي عزلنا يعني قيسا أو الأشتر، وكان الأشتر قد عاد بعد صفين إلى عمله بالجزيرة، وقال على لقيس: أقم عندي على شرطتي حتى تنقضي الحكومة، ثم تسير إلى أذربيجان، فلما بلغ عليّا أمر مصر، كتب إلى الأشتر وهو بنصيبين يستدعيه، فحضر عنده، فأخبره خبر أهل مصر، وقال: ليس لها غيرك، فاخرج إليها فإني لو لم أوصك اكتفيت برأيك، واستعن بالله، واخلط الشدة باللين، وارفق ما كان الرفق أبلغ، وتشدّد حين لا يغني إلا الشدّة.
فخرج الأشتر يتجهز إلى مصر، وأتت معاوية عيونه بذلك،
فعظم عليه وكان قد طمع في مصر، فعلم أن الأشتر إن قدمها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر، فبعث معاوية إلى المقدم على أهل الخراج(1/111)
__________
بالقلزم، وقال له: إن الأشتر قد ولي مصر، فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت، فخرج الحابسات حتى أتى القلزم، وأقام به.
وخرج الأشتر من العراق إلى مصر، فلما انتهى إلى القلزم، استقبله ذلك الرجل، فعرض عليه النزول فنزل عنده، فأتاه بطعام، فلما أكل، أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سمّا، فسقاه إياه، فلما شربها مات.
وأقبل معاوية يقول لأهل الشام: إن عليّا قد وجه الأشتر إلى مصر، فادعوا الله عليه، فكانوا يدعون الله عليه كل يوم، وأقبل الذي سقاه إلى معاوية، فأخبره بمهلك الأشتر، فقام معاوية خطيبا، ثم قال: أما بعد، فإنه كانت لعلي يمينان، فقطعت إحداهما، بصفين يعني عمار بن يسار وقطعت الأخرى اليوم يعني الاشتر فلما بلغ عليّا موته قال: لليدين وللفم، وكان قد ثقل عليه لأشياء نقلت عنه. وقيل: إنه لما بلغه قتله قال: إنا لله وإنّا إليه راجعون، مالك وما مالك، وهل موجود مثل ذلك؟ لو كان من حديد لكان قيدا، ولو كان من حجر لكان صلدا، على مثله فلتبك البواكي، وهذا أصح لأنه لو كان كارها له لم يولّه مصر.
وكان الأشتر قد روى الحديث عن عمر، وعلي، وخالد بن الوليد، وأبي ذر.
وروى عنه جماعة، وقال أحمد بن صالح: ثقة.
قلت: ذكره ابن حبيب في = المحبر = (234233) فيمن كان يركب الفرس الجسام فتخط إبهاماه في الأرض، فقال: ومالك الأشتر بن الحارث النخعي.
وذكره في = المحبر = (261) فيمن فقئت عينه من الأشراف في الحرب، فقال:
ومالك بن الحارث الأشتر يوم اليرموك.
وقال ابن العماد في = شذرات الذهب = (1/ 48) في أحداث سنة ثمان وثلاثين وفيهما مات الأشتر النخعي وكان من الشجعان بعثه علي إلى مصر فسمّ في شربة عسل.(1/112)
لما ولّى عبد الله بن عباس البصرة، وعبيد الله اليمن، وقثم مكة، فقال له:
ولّيت بني عمّك، فلم قتلنا الشيخ يعني عثمان رضي الله عنه إنما قتلناه حين آثر أهل بيته بالولاية.
فتقاولا، فأغلظ كل واحد منهما لصاحبه، فدخل بينهما عبد الله بن جعفر، وكان عليّا له مكرما، فانصرف الأشتر مغاضبا، فترك إتيان عليّ رضي الله عنه، حتى قتل أهل مصر محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، وكان عامل عليّ عليها، فلما بلغه قتله، قال لعبد الله بن جعفر: من ترى لمصر؟ فقال: الأشتر، هم قومه، وجّهه، فإن هلك هلك، وإن ملك ملك.
فبعث إلى الأشتر، فولاه مصر، فأخذ على طريق الحجاز إليها، وبلغ ذلك معاوية، فكتب إلى الجانسار (1) دهقان القلزم يأمره باغتيال الأشتر، ويضع خراجه.
فلما نزل به الأشتر أكرمه، وكان الأشتر يحب السمك، [40] فأمجده منه، وجعل الأشتر يأكل السمك أكل متّق، وكان الغالب عليه البلغم فقال له: أيها الرجل، لا تهب السمك فإن عندي دواءه.
قال: وما هو؟ قال: العسل، ثم قال له: هات العسل، فجدح له فيه سمّا فقتله.
فلما بلغ معاوية، قام خطيبا فقال: يا أهل الشام، إن عليّا كانت له يدان، إحداهما عمار بن ياسر، والأخرى الأشتر، فقطعهما الله تعالى.
* ومنهم:
36 - علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه (2)
كان سبب
__________
(1) كذا في = أ =، = ب = وفي = الكامل =: الحابسات، وأشار محققه الأستاذ القاضي إلى أنه في الطبري: الجايستار.
(2) هو أمير المؤمنين وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أشهر أعلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في شأنه(1/113)
__________
اختلافا كثيرا وغالت فيه طائفة، وقد ألف في سيرته من المؤلفات ما لا يمكن حصره، منها ما هو حق وصواب، ومنها ما قد جانبه الصواب، وأنا أذكر هنا ترجمته نقلا عن بعض المصادر التي ترجمت له فقال ابن حجر في = الإصابة = في ترجمته: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن، أول الناس إسلاما في قول كثير من أهل العلم.
ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح فربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟» فزوجه بنته فاطمة، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال له: «أنت أخي».
ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي.
وقال غيره: وكان سبب ذلك بغض بني أمية له فكان كل من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يثبته، وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث بمناقبه لا يزداد إلا انتشارا وقد ولّد له الرافضة مناقب موضوعة هو غني عنها.
وتتبع النسائي ما خص به من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد أكثرها جياد.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وروى عنه من الصحابة: ولده الحسن، والحسين، وابن مسعود، وأبو موسى، وابن عباس، وأبو رافع، وابن عمر، وأبو سعيد، وصهيب، وزيد بن أرقم، وجرير، وأبو أمامة وأبو جحيفة، والبراء بن عازب، وأبو الطفيل، وآخرون، ومن التابعين من المخضرمين أو من له رؤية عبد الله بن شداد بن الهاد، وطارق بن شهاب،(1/114)
__________
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، ومسعود ابن الحكم، ومروان بن الحكم وآخرون، ومن بقية التابعين عدد كثير من أجلهم أولاده محمد وعمر، والعباس.
وكان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام حتى قال فيه أسيد بن أبي إياس بن وثيم الكناني قبل أن يسلم يحرض عليه قريش ويعيرهم به:
في كل مجمع غاية أخزاكم ... جدع أبر على المذاكي القرح
وكان أحد الشورى الذين نص عليهم عمر فعرضها عليه عبد الرحمن بن عوف، وشرط عليه شروطا امتنع من بعضها فعدل عنه إلى عثمان فقبلها فولاه وسلم علي وبايع عثمان.
ولم يزل بعد النبي صلى الله عليه وسلم متصديا لنصر العلم والفتيا، فلما قتل عثمان بايعه الناس، ثم كان من قيام جماعة من الصحابة منهم طلحة والزبير وعائشة في طلب دم عثمان، فكان من وقعة الجمل ما اشتهر، ثم قام معاوية في الشام وكان أميرها لعثمان من قبله فدعا إلى الطلب بدم عثمان فكان من وقعة صفين ما كان.
وكان رأي عليّ أن يدخلوا في الطاعة، ثم يقوم ولي دم عثمان فيدعى به عنده، ثم يعمل معه ما يوجبه حكم الشريعة المطهرة.
وكان من خالفه يقول له: تتبعهم واقتلهم، فيرى أن القصاص بغير دعوى ولا إقامة بينة لا يتجه، وكل من الفريقين مجتهد.
وكان من الصحابة فريق لم يدخلوا في شيء من القتال، وظهر بقتل عمار أن الصواب كان مع علي، واتفق على ذلك أهل السنة بعد اختلاف كان في القديم ولله الحمد.
وقال ابن عبد البر في = الاستيعاب =: أم علي بن أبي طالب: فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف وهي أول هاشمية ولدت لهاشم، توفيت مسلمة قبل الهجرة، وقيل أنها هاجرت، وكان علي أصغر ولد أبي طالب، وكان(1/115)
__________
أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين.
عن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره.
وأجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم صلى القبلتين، وهاجر، وشهد بدرا، والحديبية، وسائر المشاهد وأنه أبلى ببدر، وبأحد، وبالخندق، وبخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة، وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك، ولما قتل مصعب عمير يوم أحد، وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليّ رضي الله عنه وقال محمد بن إسحاق: شهد علي بن أبي طالب بدرا وهو ابن خمس وعشرين سنة.
وروى الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة، ذكره السراج في = تاريخه =.
عن أبي الطفيل قال: لما احتضر عمر جعلها شورى بين: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، فقال لهم علي: أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينه إذ آخى بين المسلمين غيري؟ قالوا: اللهم لا.
وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثنتين من الهجرة ابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ما خلا مريم بنت عمران، وقال لها:
«زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة، وإنه لأول أصحابي إسلاما، وأكثرهم(1/116)
__________
علما، وأعظمهم حلما»، قالت أسماء بنت عميس: فرمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اجتمعا جعل يدعو لهما ولا يشرك في دعائهما أحدا غيرهما، وجعل يدعو له كما دعا لها.
عن أبي بكر بن عياش عن المغيرة قال: ليس أحد منهم أقوى قولا في الفرائض من علي. وكان المغيرة صاحب الفرائض
عن زر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة، فلما وضعا الغداء بين أيديهما مربهما رجل فسلم فقالا: اجلس للغداء فجلس، وأكل معهما، واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم، وقال: خذا هذا عوضا مما أكلت لكما ونلته من طعامكما، فتنازعا، وقال صاحب الخمسة الأرغفة: لي خمسة دراهم، ولك ثلاثة، فقال صاحب الثلاثة الأرغفة: لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين، فارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن طالب، فقصا عليه قصتهما، فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة: قد عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك، فارض بالثلاثة، فقال: لا والله لا رضيت منه إلا بمر الحق، فقال علي رضي الله عنه ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد وله سبعة فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين! هو يعرض عليّ ثلاثة فلم أرض وأشرت عليّ بأخذها فلم أرض وتقول لي الآن أنه لا يجب في مر الحق إلا درهم واحد؟! فقال له علي: عرض عليك صاحبك أن تأخذ الثلاثة صلحا.
فقلت: لم أرض إلا بمر الحق، ولا يجب لك بمر الحق إلا واحد، فقال الرجل:
فعرفني بالوجه في مر الحق حتى أقبله، فقال على رضي الله عنه: أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرين ثلثا، أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس ولا يعلم الأكثر منكم أكلا ولا الأقل، فتحملون في أكلكم على السواء، قال: بلى، قال: فأكلت أنت ثمانية أثلاث، وإنما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث، وله خمسة عشر ثلثا أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة، وأكل(1/117)
__________
لك واحدة من تسعة، فلك واحد بواحدك، وله سبعة بسبعته، فقال له الرجل رضيت الآن.
أخبرنا العكلي عن الحرمازي رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار صف لي عليّا، قال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنه، قال: أما إذ لابد من وصفه: فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ويتفجر العلم من جوانبه، وتنطبق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويتنبأنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرّي غيري، إليّ تعرضت أم إليّ تشوقت، هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
قال: حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها، وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك، فلما بلغه قتله، قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام، فقال له: دعني عنك.
هذا بعض مما ذكر في ترجمته في مرجعين من المراجع التي ترجمت له، ومن المفيد أيضا أن أذكر عدد ما روي من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أذكر بعضا من المراجع التي ترجمت له، فقد قال(1/118)
ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم التجوبي وعداده في مراد، والبرك بن عبد الله التميمي (1) وهو صاحب معاوية، وعمرو بن بكير التميمي (2)، وهو صاحب عمرو بن العاص اجتمعوا جميعا بمكة، فتذكروا أهل النهروان فترحموا عليهم وقالوا: والله ما نعبأ في الدنيا شيئا بعد إخواننا الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، وكانوا مصابيح الهدى، ثم ذكروا الناس فعابوا عليهم
__________
ابن حزم في أسماء الصحابة الرواة أن له خمسمائة حديث وستة وثلاثون حديثا، وكذا قال ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر، ثم قال: قال أبو نعيم الأصبهاني: أسند أربعمائة ونيفا من المتون سوى الطرق، وقال البرقي: الذي حفظ لنا عنه نحو مائتي حديث. وجاء الآن دور ذكر بعض من مصادر ترجمته فمنها: = أسد الغابة = (4/ 91)، = الإصابة = (4/ 269)، = الاستيعاب = (3/ 26)، = تجريد أسماء الصحابة = (1/ 392)، = أسماء الصحابة الرواة = (10)، = الاستبصار = (390)، = بقى بن مخلد = (10)، = تلقيح فهوم أهل الأثر = (363)، = تاريخ الخلفاء = (166)، = الطبقات الكبرى = (9/ 137)، = التاريخ الصغير = (1/ 435)، = الجرح والتعديل = (6/ 191)، = حلية الأولياء = (2/ 87)، = تهذيب الكمال = (2/ 971)، = تهذيب التهذيب = (7/ 334)، = تقريب التهذيب = (1/ 48)، = تاريخ ابن معين = (2/ 49)، = تاريخ بغداد = (1/ 133)، = صفة الصفوة = (1/ 308)، = غاية النهاية = (1/ 546)، = مروج الذهب = (2/ 358)، = طبقات الشيرازي = (41)، = العبر = (524)، = التحفة اللطيفة = (3/ 226)، = تاريخ الإسلام = (3/ 8)، = الزهد لوكيع = (1014)، = الأعلام = (4/ 295)، = طبقات الحفاظ = (20)، = البداية والنهاية = (7/ 223)، = معرفة القراء الكبار = (1/ 30)، = الرياض المستطابة = (163).
(1) في = أ =: التيمي، والتصويب من = ب =.
(2) في = أ =: عمر والتصويب من = ب =.(1/119)
أفعالهم، وقالوا: [لو] (1) أنّا شرينا أنفسنا لله، والتمسنا غرّة هؤلاء الأئمة الضّلّال فثأرنا بهم إخواننا، وأرحنا منهم العباد.
فقال عبد الرحمن: أنا لكم لعلي.
وقال البرك: أنا لكم لمعاوية.
وقال عمرو بن بكير: أنا لكم لعمرو بن العاص.
فتعاهدوا على ذلك وتواثقوا لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذي سماه حتى يقتله أو يموت دونه، فاتّعدوا في شهر رمضان ليلة سبع عشرة، ثم افترقوا على ذلك، وتوجه كل رجل [41] منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، وكان علي رضي الله عنه قد ضجر من أهل الكوفة، وكان كثيرا ما يدعو عليهم، وكان كثيرا ما ينشد إذا آذوه:
خلّوا سبيل العير يأت أهله ... سوف ترون فعلكم وفعله
وكان كثيرا ما يقول:
لا شيء إلا الله فارفع ظنّكا ... يكفيك رب الناس ما أهمّكا
وكان يقول أيضا:
خلّوا سبيل الجاهد المجاهد ... أبيت أن أعبد غير الواحد
وكان يقول:
فأيّ يوميّ من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
وكان يقول: ما يحبس أشقاها؟! أما والله لعهد إليّ النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن هذه تخضب من هذه يعني لحيته من هامته وكان يقول:
أشدد حيازيمك للموت ... فإنّ الموت آتيكا
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق ولعلها سقط سهوا من الأصل = أ = وسار على دربه من نقل عنه = ب =.(1/120)
ولا تجزع من الموت ... إذا حلّ بواديكا
فلما كانت الليلة التي اتعدوا لها، وكانت ليلة جمعة، بات ابن ملجم في مسجد الجماعة بجنب الأشعث بن قيس الكندي، وكان علي رضي الله عنه رأى في تلك الليل رؤيا فخبر بها أبا عبد الرحمن السلمي وهو مجروح، فذكر أبو عبد الرحمن وكان مؤدب الحسن والحسين رضي الله عنهما، قال: دخلت عليه وهو مجروح، فقال: ادن مني يا أبا عبد الرحمن والنساء يبكين فدنوت منه، فقال لي: بتّ الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله:
ما لقيت من أمتك من الأود، واللّدد، [42] فقال: ادع الله عليهم، فقلت:
اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني، ودخل ابن التياح المؤذن على ذلك، فقال: الصلاة، فأخذت بيده، فمشى ابن التّيّاح بين يدي، وأنا خلفه ورجع الحديث قال: فقال الأشعث لابن ملجم:
فضحك الصبح، فانطلق ابن ملجم، وشبيب بن بجرة الأشجعي، وخرج علي من منزله، وهو يقول: أيها الناس الصلاة، أيها الناس الصلاة، فضربه ابن ملجم ضربة من جبهته إلى قرنه، وأصاب السيف الحائط فثلم فيه، ثم ألقى السيف، وأقبل الناس، فجعل يقول: أيها الناس إيّاكم والسيف فإنّه مسموم فذكروا أنه سمّه شهرا.
فأدخل علي رضي الله عنه، وأدخل ابن ملجم عليه، فقالت أم كلثوم بنت علي: أقتلت يا عدو الله أمير المؤمنين؟! قال: لم أقتل إلا أباك، فقالت:
والله إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس، قال: فلم تبكين إذا؟! فو الله لقد سممته شهرا، فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه.
ثم إن عليّا رحمه الله قال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فعفو أو قصاص، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين.
وذكروا أن ابن ملجم خطب امرأة من الرّباب، يقال لها: قطام،
وكانت من أجمل الناس، وكانت خارجية، وكان علي قتل أهل بيتها بالنّهروان، فقالت: لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب بعد ذلك [43] فتزوجها وبنى بها، فلما فرغ منها قالت: يا هذا إنك قد فرغت فاقرع (1)، فخرج فضرب عليّا.(1/121)
وذكروا أن ابن ملجم خطب امرأة من الرّباب، يقال لها: قطام،
وكانت من أجمل الناس، وكانت خارجية، وكان علي قتل أهل بيتها بالنّهروان، فقالت: لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب بعد ذلك [43] فتزوجها وبنى بها، فلما فرغ منها قالت: يا هذا إنك قد فرغت فاقرع (1)، فخرج فضرب عليّا.
وقال بعض الشعراء:
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب عليّ بالحسام المصمّم
فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا ... ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم
وأما صاحب معاوية فطعن معاوية، وقد خرج لصلاة الفجر في تلك الليلة في أليته، فلم يولد لمعاوية بعدها حتى مات.
وبذلك السبب جعلت المقصورة في المسجد الجامع.
* ومنهم:
37 - خارجة بن حذافة العدوي (2)
وكان قاضي مصر، وكان له صلاح وصحبة.
فخرج صاحب عمرو بن العاص (3)، فوجد خارجة في مجلس عمرو
__________
(1) في = ب = فافرغ بالفاف والغين المعجمة.
(2) هو: خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي وأمه: فاطمة بنت عمرو بن بحيرة العدوية.
(3) هو: عمرو بن بكير التميمي، ويقول ابن العماد في = شذرات الذهب = (1/ 49)، في أحداث سنة أربعين: وفيها استشهد أمير المؤمنين سامي المناقب أبو الحسنين علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه فيسرد القصة إلى أن يقول: وأما صاحب عمرو، فقدم مصر لذلك فوجد عمرا قد أصابه وجع في تلك الغداة المعينة، واستخلف على الصلاة خارجة بن حذافة الذي كان يعدل ألف فارس، فقتله يظنه عمرا، ثم قبض، فأدخل على عمرو،(1/122)
يعشّي الناس، وقد كان عمرو شغل تلك الليلة فدنا منه وهو يظنه عمرا، وهو على سرير عمرو جالسا، فضربه من ورائه بالسيف على عاتقه، فأخذ الرجل، وخرج عمرو، خارجة من منزله مثخنا، فأتاه عمرو، فقال له خارجة: والله ما أراد غيرك، فقال عمرو بن العاص: ولكن الله أراد خارجة.
* ومنهم:
38 - خالد بن المعمّر السدوسي (1)
وكان معاوية دسّ إليه بالعراق
__________
فقال له: أردت عمرا، وأراد الله خارجة، فصارت مثلا.
وإلى فداء عمرو بخارجة أشار عبد الحميد بن عبد ربه الأندلسي في بسامته بقوله:
وليتها إذ فدت عمرا بخارجة ... فدت عليّا بمن شاء من البشر
أما عن خارجة بن حذافة فيقول ابن حجر في = الإصابة = (2/ 84): كان أحد الفرسان. قيل كان يعد بألف فارس. وهو من مسلمة الفتح.
وأمد به عمر، عمرو بن العاص فشهد معه فتح مصر، واختط بها. وكان على شرطه عمرو بن العاص، فيقال: إن عمرو بن العاص استخلفه في الصلاة ليلة قتل علي بن أبي طالب، فقتله الخارجي الذي انتدب لقتل عمرو بن العاص، وقال: أردت عمرا، وأراد الله خارجة. له حديث واحد في الوتر، قلت: وذكرته في كتابي هدي القاصد إلى أحاديث أصحاب الحديث الواحد، وذكر له الحديث الذي أشار إليه ابن حجر. والله الموفق والهادي للصواب.
(1) هو: خالد بن المعمر بن سليمان بن الحارث بن شجاع بن الحارث بن سدوس، قال ابن حجر في = الإصابة = القسم الثالث (2/ 147) وهو القسم المخصص لمن له إدراك وليس له رؤية: له إدراك، قال أبو أحمد العسكري،(1/123)
أن يدعو ربيعة إلى الوثوب بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأن ينقض عليه أمره، فإن هو فعل ولاه خراسان، ففعل ذلك خالد بن المعمّر حتى آذت ربيعة عليّا وشنّعوا عليه.
وبلغ ذلك معاوية، فلما قتل علي رضي الله عنه أحب معاوية الوفاء لخالد بن المعمر، وقال بعض شعراء بني سدوس:
[44] معاوي أكرم خالد بن المعمّر ... فإنك لولا خالد لم تؤمّر
فكتب إليه معاوية بعهده على خراسان، ودس إليه رجلا فسقاه شربة بظهر الكوفة بقصر بني مقاتل، فقتله، وقد أجمع الناس على معاوية.
__________
كان رئيس بكر بن وائل في عهد عمر، وذكر الجاحظ في كتاب البيان:
أن أبا موسى في عهد عمر جعل رئاسة بكر لخالد هذا بعد أن استشهد مجراة بن ثور، فجعلها عثمان بعد ذلك لشقيق بن مجراة، ثم صيرها على الحصين بن المنذر.
وكان خالد مع علي يوم الجمل، وصفين من أمرائه، قاله يعقوب بن سفيان، وفيه يقول الشاعر يخاطب معاوية فذكر نحو البيت السابق ذكره من المؤلف.
ثم قال ابن حجر: وروى يعقوب بن شيبة من طريق شبيل بن عروة أن بني الحارث، وثبوا مع خالد بن المعمر يوم صفين على شقيق بن ثور، فانتزعوا الراية منه. وروى يعقوب بن سفيان من طريق مضارب العجلي قال: تفاخر رجلان من بكر بن وائل، فتحاكما إلى رجل من همدان، فقال: أيكما خالد بن المعمر الذي بايعته ربيعة يوم صفين على الموت؟ فذكر القصة.
وذكر ابن ماكولا: أن معاوية أمّره على أرمينية فوصل إلى نصيبين، فمات بها.(1/124)
* ومنهم:
39 - الحسن بن علي رضي الله عنهما (1)
ذكره يعقوب بن
__________
(1) هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو محمد القرشي الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته.
أمه: فاطمة بنت سيد ولد آدم عليه السلام ميلاده في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل في شعبان منها، وقيل: ولد سنة أربع وقيل: سنة خمس، والأول أصح.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث ذكر ابن حزم في = أسماء الصحابة الرواة = أن عددها ثلاثة عشر حديثا، وتبعه على ذلك ابن الجوزي في = تلقيح فهوم أهل الأثر = وقال: قال البرقي: جاء عنه نحو من عشرة أحاديث.
وفاته: قيل سنة (49)، وقيل: (50)، وقيل: (51)، وقيل: (44)، وقيل:
(58)، وقيل: مات مسموما.
أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد شباب أهل الجنة، ومناقبه تفوق الحصر وصنفت في سيرته الكتب وسارت بأخباره الركبان، ولا يتسع المقام لذكر شيء من ذلك غير أني أذكّر بطرف من ترجمته كما ذكرها ابن حجر في كتابه = الإصابة = إذ يقول: عن ابن شوذب قال: لما قتل علي سار الحسن في أهل العراق، ومعاوية في أهل الشام، فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن يجعل العهد له من بعده فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار أمير المؤمنين، فيقول: العار خير من النار.
وأخرج ابن سعد من طريق مجالد عن الشعبي وغيره قال: بايع أهل العراق بعد الحسن بن علي فسار إلى أهل الشام، وفي مقدمته قيس بن سعد في اثني عشر ألفا يسمون شرطة الجيش، فنزل قيس بمسكن من الأنبار، ونزل(1/125)
__________
الحسن المدائن، فنادى مناد في عسكر الحسن: ألا إن قيس بن سعد قتل، فوقع الانتهاب في العسكر حتى انتهبوا فسطاط الحسن، وطعنه رجل من بني أسد بخنجر، فدعا عمرو بن سلمة الأرحبي، وأرسله إلى معاوية يشترط عليه، وبعث معاوية عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر فأعطيا الحسن ما أراد، فجاء له معاوية من منبج إلى مسكن فدخلا الكوفة جميعا، فنزل الحسن القصر، ونزل معاوية النخيلة، وأجرى عليه معاوية في كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.
قال ابن سعد وأخبرنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار قال: وكان معاوية يعلم أن الحسن أكره الناس للفتنة، فراسله وأصلح الذي بينهما، وأعطاه عهدا إن حدث به حدث والحسن حيّ ليجعلن الأمر إليه، قال: فقال عبد الله بن جعفر: قال الحسن: إني رأيت رأينا أحب أن تتابعني عليه، قلت: ما هو؟ قال: رأيت أن أعمد إلى المدينة، فأنزلها وأخلي الأمر لمعاوية، فقد طالت الفتنة، وسفكت الدماء، وقطعت السّبل، قال: فقلت له: جزاك الله خيرا عن أمة محمد، فبعث إلى الحسين فذكر له ذلك، فقال: أعيذك بالله، فلم يزل به حتى رضي.
وقال الواقدي حدثنا ثعلبة بن أبي مالك قال: شهدت الحسن يوم مات ودفن في البقيع، فرأيت البقيع ولو طرحت فيه إبرة ما وقعت إلا على رأس إنسان.
وقال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = في أحداث سنة تسع وأربعين، في ذكر وفاة الحسن بن على رضي الله عنهما: في هذه السنة توفي الحسن ابن علي سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، ووصى أن يدفن عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تخاف فتنة فينقل إلى مقابر المسلمين، فاستأذن الحسين عائشة فأذنت له، فلما توفي أرادوا دفنه عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرض إليهم سعيد بن العاص، وهو الأمير فقام(1/126)
الدورقي قال: أخبرنا أسعد بن إبراهيم قال: حدثنا ابن عون عن عمير بن إسحاق قال: دخلت على الحسن بن على رضي الله عنهما، أنا ورجل، فقال لصاحبي: أي فلان سلني. قال ما أنا بسائلك شيئا. ثم قام من عندنا، فدخل كنيفا له، ثم خرج، فقال: أي فلان سلني قبل أن لا تسألني، فإني والله لقد لفظت طائفة من كبدي، قلبتها بعود كان معي، وإني قد سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذا قط، فسلني.
قال: ما أنا بسائلك شيئا، يعافيك الله إن شاء الله ثم خرجنا، فأتيته الغد وهو يسوق (1)، وجاء الحسين فقعد عند رأسه، فقال: أي أخي نبئني من سقاك؟ قال: لم؟ لتقتله؟
__________
مروان بن الحكم، وجمع بني أمية وشيعتهم، ومنع عن ذلك، فأراد الحسين الامتناع، فقيل له: إن أخاك قال: إذا خفتم الفتنة، ففي مقابر المسلمين، وهذه فتنة، فسكت، وصلى عليه سعيد بن العاص، فقال له الحسين: لولا أنه سنة لما تركتك تصلي عليه. ومن المصادر التي ترجمت للحسن بن علي رضي الله عنه: = الإصابة = (2/ 11)، = أسد الغابة = (2/ 10)، = الاستيعاب = (1/ 369)، = الكامل في التاريخ = (3/ 315)، = تجريد أسماء الصحابة = (1/ 130)، = بقي بن مخلد = (161)، = أسماء الصحابة الرواة = (156)، = الثقات = (3/ 67)، = تقريب التهذيب = (1/ 168)، = تهذيب التهذيب = (2/ 295)، = تهذيب الكمال = (1/ 268)، = التحفة اللطيفة = (1/ 481)، = الجرح والتعديل = (3/ 73)، = شذرات الذهب = (1/ 10، 16)، = الوافي بالوفيات = (12/ 92)، = سير أعلام النبلاء = (1/ 461، 512)، = الكاشف = (1/ 224)، = حلية الأولياء = (2/ 35)، = المنمق = (364)، = العقد الثمين = (4/ 157)، = تاريخ جرجان = (694)، = التاريخ الكبير = (2/ 286)، = تاريخ بغداد = (7/ 368)، وغير ذلك الكثير والكثير.
(1) أي يحتضر.(1/127)
قال: نعم.
قال: ما أنا بمحدّثك شيئا، إن يكن صاحبي الذي أظن، فالله أشد نقمة، وإلا فو الله لا يقتل بي برىء.
* ومنهم:
40 - سعيد بن عثمان بن عفان (1)
وكان بلغ معاوية أن أهل المدينة يقولون إماؤهم وعبيدهم مقالة قد شاعت على أفواههم:
والله لا ينالها يزيد ... حتى يعضّ هامة الحديد
إن الأمير بعده سعيد
وكانت أم سعيد أم عبد الله بنت الوليد بن الوليد بن المغيرة (2)، وكانت قاتلت عن عثمان يوم قتل [45] وأصابتها جراحة، وأعانتها نائلة بنت الفرافصة (3) على المدافعة عنه فجرحتا جميعا.
__________
(1) هو: سعيد بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، الأموي. أمه: فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله ابن مخزوم المخزومية، أم عبد الله، وقيل فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم.
(2) كذا جاء في نسبها في = أ =، = ب = فربما أنه قول ثالث في نسب أم سعيد، وربما سقط من الناسخ: عبد شمس بن بين الوليدين. والله أعلم.
وقال ابن حجر: في ترجمتها في القسم الثاني أي من صحت له رؤية وذكر في الصحابة في كتابه = الإصابة = (8/ 168): مات أبوها شهيدا باليمامة، وأمها أم حكيم بنت أبي جهل، وتزوجها عثمان فولدت له سعيدا والوليد.
(3) نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبية زوجة أمير المؤمنين عثمان بن عفان تلكم المرأة التي ضربت أروع الأمثلة في التضحية والفداء عن زوجها وأراها رمزا من رموز الوفاء للزوج بعد مماته وإني لأغتنم الفرصة لأذكر أيسر ما يمكن أن أذكر به من سيرتها العطرة الندية، فأنقل بعضا مما ذكر عنها(1/128)
__________
الأستاذ محمد رضا كحالة في كتابه = أعلام النساء = (5/ 147) إذ يقول:
من ربات الرأي والعقل والفصاحة والبلاغة والجمال والكمال، تزوجها عثمان بن عفان، وذلك أن سعيد بن العاص تزوج هند بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبية، فبلغ عثمان بن عفان فكتب إلى سعيد: أما بعد فقد بلغني أنك تزوجت امرأة من كلب، فاكتب إليّ بنسبها وجمالها، فكتب إليه سعيد: أما بعد، أما نسبها فهي ابنة الفرافصة بن الأحوص، وأما جمالها فبيضاء مديدة والسلام، فكتب إليه عثمان: إن كانت لها أخت فزوجنيها، فبعث سعيد إلى أبيها فخطب إليه إحدى بناته على عثمان، فقال الفرافصة لابن له يدعى ضبا وكان قد أسلم وأبوه نصراني: يا بني زوج عثمان بن عفان أختك، فلما أراد حملها قال لها: إنك تقدمين على نساء من نساء قريش هن أقدر على الطيب منك فاحفظي عني خصلتين: فتكحلي وتطيبي بالماء حتى يكون ريحك ريح شن أصابه مطر.
فلما قدمت على عثمان قعد على سريره ووضع لها سريرا حياله، فجلست عليه، فوضع عثمان قلنسته فبدا الصلع، فقال: يا بنت الفرافصة لا يهولنك ما ترين من صلعي فإن وراءه ما تحبين، فسكتت، فقال إما أن تقومي لي وإما أن أقوم إليك، فقالت: أما ما ذكرت من الصّلع فإني من نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصلع، وأما أن تقوم إلي وإما أن أقوم إليك، فو الله ما تجشمت من جنبات السماوات أبعد مما بيني وبينك بل أقوم إليك فقامت فجلست إلى جنبه فمسح رأسها ودعا لها بالبركة فكانت من أحظى نسائه عنده بما امتازت به من الطاعة والوفاء والإخلاص إليه.
ومن شدة وفائها لعثمان أنها عرضت نفسها للقتل لما دخل الناس من خوخة دار عثمان فنزلوا بأمراس الحبال من سور الدار معهم سيوف، فلما رأت نائلة ذلك منهم نشرت شعرها، فقال عثمان: خدي خمارك فلعمري لدخولهم عليّ أعظم من حرمة شعرك، ثم أهوى رجل إلى عثمان بالسيف(1/129)
فلما بلغ معاوية هذا القول عن سرعان أهل المدينة كتب إلى سعيد بن عثمان، فقدم عليه، فلما دخل عليه قال: ما شيء بلغني، أن أهل المدينة يقولون: = والله لا ينالها يزيد =، وأنشد الأبيات الثلاثة.
فقال سعيد، وما تنكر هذا يا معاوية؟ والله إن أبي لخير من أبي يزيد، وأمي خير من أم يزيد، ولأنا خير من يزيد، ومع هذا أنّا وليناك فما عزلناك، ورفعناك فما وضعناك، ثم صارت هذه الأشياء فحلّأتنا (1) عن جميع ذلك.
قال معاوية: أما قولك يا ابن أخي: إن أبي خير من أبي يزيد، فقد
__________
فانكبت عليه واتقت السيف بيدها فقطع أناملها، فقالت: يا رباح هو غلام لسيدنا عثمان وكان معه سيف، أعن عني هذا، فضربه رباح فقتله، ثم دخل آخر معه سيف، فقال: أفرجوا لي فوضع ذباب السيف بطن عثمان، فأمسكت نائلة السيف فحز أصابعها، ومضى السيف في بطن عثمان فقتله ثم ذكر خطبتها النساء بعد موت عثمان، ثم إرسالها لرسالتها إلى معاوية ثم قال: ثم خطبها معاوية بن أبي سفيان فأبت وأنشأت تقول:
أبى الله إلا أن تكون غريبة ... بيثرب لا تلقين أمّا ولا أبا
وكانت من أحسن الناس ثغرا فأخذت فهرا فدقت به أسنانها فسال الدم على صدرها، فبكى جواريها وقلن لها: ما صنعت بنفسك؟ قالت: إني رأيت الحزن يبلي كما يبلى الثوب وإني خفت أن يبلى حزني على عثمان، فيطلع مني رجل على ما اطلع عثمان، وذلك ما لا يكون أبدا.
فنعم المرأة نائلة ونعم الوفاء وفاؤها وإن كنت لا أقر ما صنعت بنفسها فرحم الله نائلة في السابقين وألحقنا الله بها على خير قول وعمل من هذا الدين اللهم آمين.
(1) في = أ =: فخلاتنا. والتصويب من = ب = والتحلئة طرد وحبس الإبل والماشية عن الورود.(1/130)
صدقت، رحم الله أمير المؤمنين عثمان هو والله كان خيرا مني.
وأمّا قولك: إن أمي خير من أم يزيد، فصدقت، لعمري لامرأة من قريش خير من امرأة من كلب، وبحسب امرأة أن تكون من صالحي نساء قومها. وأما قولك: إني خير من يزيد، فو الله يا ابن أخي ما يسرني أن حبلا (1) مدّ فيما بين العراق، فنظم لي فيه أمثالك بيزيد، ولكن انطلق فقد وليتك خراسان.
وكتب له إلى زياد: أن ولّه ثغرها، وأقم معه على الخراج رجلا حازما يحصّنه (2) ويحفظ على أمير المؤمنين، فضرب زياد البعث على أهل السجون، والشّطّار (3) وكل من يلوذ (4) به من أهل المصر من داعر (5) وما أشبهه، فصاروا أربعة آلاف، وولى أسلم بن زرعة الكلابي على الخراج.
ومضى سعيد حتى نزل مرو، [46] وفوّز (6) منها يريد سمرقند، فلما انتهى إلى نهر بلخ دعا بالعامات (7) ليعبر عليها.
فلما تحملوا، وجازوا، كان أول ما سمعه من النداء نداء مناد من غلمان العسكر: يا ظفر، فتفاءل بالظّفر، ثم نادى آخر: يا علوان، فقال:
علا أمركم إن شاء الله، وبدر الناس رفيع أبو العالية الرّياحي الفقيه، فصلى
__________
(1) في = أ =: جبلا، والتصويب من = ب =.
(2) في = أ =، = ب =: يحضنه، وهو تحريف يخل بالمعنى.
(3) الشطار: هم اللصوص.
(4) في = أ =، = ب =: يلوي، وهو تحريف واضح مخل بالمعنى.
(5) في = أ = ذاعر، بالذال المعجمة، وهو تحريف والتصويب من = ب =، ومعناه الفاجر.
(6) أي قطع مفازات من طرق وجبال حتى وصل إلى سمرقند.
(7) أي بالقناطر البسيطة التي هي من جزوع النخل والشجر.(1/131)
ركعتين، فكان أول من صلى ركعتين من وراء النهر (1).
__________
(1) ثم عودا إلى ذكر سعيد بن عثمان وما كان من خبره فقد انقطع بذكر أمه وصاحبتها نائلة بنت الفرافصة فقد قال البلاذري في = فتوح البلدان = في فتح خراسان (3/ 507): ثم ولي معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان، فقطع النهر، وكان أول من قطعه بجنده، فكان معه رفيع أبو العالية الرياحي، وهو مولى لامرأة من بني رياح، فقال رفيع أبو العالية رفعة وعلو، فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح، وأقبل أهل السّفد والترك، وأهل كش ونسف وهي نخشب إلى سعيد في مائة ألف وعشرين ألفا، فالتقوا ببخارا، وقد ندمت خاتون على أدائها الأتاوة ونكثت العهد، فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه، فانكسر الباقون، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرهن وأعادت، ودخل سعيد مدينة بخارا.
ثم غزا سعيد بن عثمان سمرقند، فأعانته خاتون بأهل بخارا، فنزل على باب سمرقند، وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرى قهندزها، فقاتل أهلها ثلاثة أيام، وكان أشد قتالهم في اليوم الثالث، ففقئت عينه وعين المهلب بن أبي صفرة ويقال أن عين المهلب فقئت بالطالقان ثم لزم العدو المدينة وقد فشت فيهم الجراح، وأتاه رجل فدله على قصر فيه أبناء ملوكهم وعظمائهم، فسار إليهم وحصرهم، فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة ويقتل من فيه طلبوا الصلح، فصالحهم على سبع مائة ألف درهم، وعلى أن يعطوه رهنا من أبناء عظمائهم، وعلى أن يدخل المدينة ومن شاء ويخرج من الباب الآخر، فأعطوه خمسة عشر من أبناء ملوكهم، ويقال أربعون، ويقال: ثمانون، ورمى القهندز فثبت الحجر في كوّنه، ثم انصرف.
قلت: القهندز: هو اسم يطلق على قلاع المدن خاصة أن القلاع التي تكون وسط المدينة لا خارجها.
فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح، وأقام على الترمذ حتى فتحها(1/132)
ونفد الناس حتى انتهى إلى بخارى، والملكة يومئذ ببخارى يقال لها:
خنك خاتون، فصالحها صلحا معلوما على أن تخلي له الطريق إلى سمرقند، وأخذ منها رهنا على الوفاء ثلاثين غلاما من أبناء الملوك مردا كأن وجوههم
__________
صلحا.
وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب مع سعيد بن عثمان، فتوفي بسمرقند، ويقال: استشهد بها، فقال عبد الله بن العباس حين بلغته وفاته:
شتان ما بين مولده ومقبره، فأقبل يصلي، فقيل له: ما هذا؟ فقال: أما سمعتم الله يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلََاةِ} [البقرة: 45].
قلت: كان قثم بن العباس أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم خلقا وآخرهم خروجا من قبره.
ثم قال البلاذري: ومضى سعيد بالرهن الذين أخذهم من السعد حتى ورد بهم المدينة، فدفع ثيابهم ومناطقهم إلى مواليه، وألبسهم جباب الصوف، وألزمهم السقي، والسواني والعمل، فدخلوا عليه مجلسه ففتكوا به، ثم قتلوا أنفسهم، وكان سعيد احتال لشريكه في خراج خراسان، فأخذ منه مالا فوجه معاوية من لقيه بحلوان، فأخذ المال منه، وكان شريكه أسلم ابن زرعة، ويقال: إسحاق بن طلحة بن عبيد الله، وكان معاوية قد خاف سعيدا على خلعه، ولذلك عاجله بالعزل، قلت: وأولاد سعيد هما:
محمد وعائشة.
قلت: وقصة تولية يزيد بن معاوية طويلة راجعها في الكامل في التاريخ لابن الأثير.
ومن المصادر التي ورد ذكر سعيد بها: = المحبر = لابن حبيب (104، 262، 302)، = نسب قريش = للزبيري (121)، = الكامل في التاريخ = لابن الأثير (3/ 355)، = شذرات الذهب = لابن العماد (1/ 61)، = فتوح البلدان = للبلاذري (3/ 519507).(1/133)
السيوف، وسهّلت له الطريق، والتقى هو وخاتون فقرفهما (1) أهل خراسان، وغنّوا عليهما أغنية بالخراسانية هي: = كورع خمير آمذ خاتون دروغ كنده = فمضى إلى سمرقند فظفر وقتل وسبى ثلاثين ألف رأس، ثم رجع، فلما انتهى إلى بخارى قالت له الملكة: خنك خاتون: أردد علىّ الرّهون فقد (2)
سلمك الله، فقال: إني أخاف غدرك حتى أقطع النهر، فلما قطع النهر بعثت إليه. ارددهم. قال: حتى أنزل مرو، فمضى بهم ولم يرددهم عليها، ومضى قافلا إلى المدينة، فجعل أولئك الرّهن فلاحين في نخل له وحرث بالمدينة، فأتاهم يوما يتعهد ماله ذلك، فاغتالوه، ووجؤوه بخناجرهم، وبلغ الخبر أهل المدينة، فساروا إليهم فحصروهم في جبل هناك، ولم يقدموا على حربهم حتى ماتوا في ذلك الجبل عطشا.
فجعلت ابنة سعيد جارية لها يقال: = مردانة = في رحاله (3)، فقالت: من يبكي أبي ببيتين [47] شعرهما في نفسي فله هذه الجارية بما عليها.
فقال في ذلك الشعراء، فلم يصنعوا شيئا، فقال خليد عينين (4) العبدي:
يا عين أذري دمعة ... وابكي الشهيد ابن الشهيد
فلقد قتلت بغرة ... وجلبت حتفك من بعيد
فلما قالها قالت: إن هذان اللذان كانا في نفسي وأعطته الجارية برحالتها.
* ومنهم:
41 - عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي (5)
ذكر
__________
(1) أي عابوا عليهما ذلك، وانتقصاهما.
(2) في = أ = فقال: والتصويب من = ب =.
(3) في = أ = رجاله، والتصويب من = ب =.
(4) في = أ =، = ب = عيين، والتصويب من كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة (ص: 108).
(5) هو: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم(1/134)
الكلبي عن خالد بن يزيد عن أبيه [أن] (1) معاوية قال لأهل الشام لما أراد البيعة ليزيد: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ودنا من أجله، وقد أراد أن يولي الأمر رجلا من بعده فماذا ترون؟ فقالوا: عليك بعبد الرحمن بن خالد ابن الوليد وكان فاضلا فسكت معاوية، وأضمرها في نفسه.
ثم إن عبد الرحمن اشتكى، فدعا معاوية ابن أثال الطبيب، وكان من عظماء الروم، فقال: ائت عبد الرحمن فانعت (2) له فأتاه فسقاه شربة انحرف منها عبد الرحمن ومات.
فقال معاوية حين بلغه موته: لا جدّ إلا ما انفض عنك ما تكره.
__________
القرشي، المخزومي. قال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (3/ 309) في ذكر أحداث سنة ست وأربعين فقال: في ذكر وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد: كان سبب موته أنه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام، ومالوا إليه لما عندهم من آثار أبيه، ولغنائه في بلاد الروم، ولشدة بأسه، فخافه معاوية وخشي على نفسه منه، وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله، وضمن له أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يوليه جباية خراج حمص.
فلما قدم عبد الرحمن من الروم دسّ إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها، فمات بحمص، فوفّى له معاوية بما ضمن له.
وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد المدينة، فجلس إلى عروة بن الزبير، فقال له عروة: ما فعل ابن أثال؟ فقام من عنده وسار إلى حمص، فقتل ابن أثال، فحمل إلى معاوية فحبسه أياما، ثم غرّمه دينه، ورجع خالد إلى المدينة، فأتى عروة، فقال عروة: ما فعل ابن أثال؟ فقال: قد كفيتك ابن أثال، ولكن ما فعل ابن جرموز؟ يعني قاتل الزبير، فسكت عروة.
(1) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق أحسبها سقطت من = أ =، = ب =.
(2) في = أ =، = ب =: فابعث، وهو تحريف.(1/135)
ثم إن كعب بن جعيل (1) التغلبي وكان صديقا لعبد الرحمن بن خالد دخل على معاوية، فقال له: قد كنت صديقا لعبد الرحمن بن خالد فما الذي قلت فيه؟ قال: قلت:
ألا تبكي وما ظلمت قريش ... بإغوال البكاء على فتاها
ولو سئلت دمشق وأهل حمص ... وبصرى من أتاح (2) لكن قراها
فسيف الله أدخلها المنايا ... وهدّم حصنها وحمى حماها
وأسكنها معاوية بن حرب ... وكانت أرضه أرضا سواها
[48] ومنهم:
42 - شيبان بن عبد شمس بن شهاب (3)
أحد بني ربيعة بن كعب بن سعد، وكان صاحب شرطة عبيد الله بن زياد بن أبيه.
وكان عبيد الله يكثر القتل في الخوارج، فأقبل شيبان منصرفا إلى منزله، ومعه ثمانية بنين له، فعرض له ناس من الخوارج فقالوا: لنا حاجة.
فقال: أضع ثيابي وأخرج لكم، فدخل وألقى ثيابه وألقى بنوه سلاحهم، ثم خرج فناوله بعضهم كتابا فجعل ينظر فيه، ووثبوا عليه فقتلوه، وخرج بنوه حسّرا، فقتلوهم، فخرج إليهم بشر بن عتبة أخو بني ربيعة بن كعب فقتلهم جميعا.
فقال الفرزدق:
لعمرك ما ليث بخفّان خادر ... بأشجع من بشر بن عتبة مقدما
أباء بشيبان الثّؤور وقد رأى ... بني فاتك هابوا الوشيج المقوّما
__________
(1) في = أ = جحيل، والتصويب من = ب =، وهو كعب بن جعيل بن قمير بن عجرة بن عوف بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، الشاعر راجع = جمهرة أنساب العرب = (306).
(2) كذا في = أ =، في = ب =: أباح، وهو تحريف.
(3) لم أوفق في العثور على ترجمته وكذا لم أوفق في الوقوف على حادث اغتياله.(1/136)
* ومنهم:
43 - عباد بن علقمة، المعروف بابن أخضر المازني (1)
وهو الذي
__________
(1) قال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (3/ 444)، في أحداث سنة إحدى وستين في ذكر مقتل أبي بلال مرداس بن حدير الحنظلي: بعد أن ذكر سبب خروجه وتوجيه عبيد الله بن زياد العساكر إليه في ألفي رجل فالتقائهم بآسك، وهزيمة عسكر ابن زياد، فلما هزمهم أبو بلال وبلغ ذلك ابن زياد، أرسل إليه ثلاثة آلاف عليهم عباد بن الأخضر، والأخضر زوج أمه نسب إليه، وهو: عباد بن علقمة بن عباد التميمي.
فاتبعه حتى لحقه بتوج، فصف له عباد، وحمل عليهم أبو بلال فيمن معه، فثبتوا، واشتد القتال حتى دخل وقت العصر فقال أبو بلال: هذا يوم جمعة وهو يوم عظيم، وهذا وقت العصر، فدعونا حتى نصلى، فأجابهم ابن الأخضر، وتحاجزوا.
فعجل ابن الأخضر الصلاة، وقيل قطعها، والخوارج يصلون، فشدّ عليهم هو وأصحابه، وهم ما بين قائم وراكع وساجد لم يتغير منهم أحد من حاله، فقتلوا عن آخرهم، وأخذ رأس أبي بلال ورجع عباد إلى البصرة، فرصد بها عبيدة بن هلال ومعهم ثلاثة نفر فأقبل عباد يريد قصر الإمارة، وهو مردف ابنا صغيرا له فقالوا له: قف حتى نستفتيك، فوقف.
فقالوا: نحن إخوة أربعة قتل أخونا فما ترى؟
قال استعدوا الأمير، قالوا: قد استعديناه، فلم يعدنا.
قال: فاقتلوه قتله الله.
فوثبوا عليه وحكموا به، فألقى ابنه فنجا، وقتل هو، فاجتمع الناس على الخوارج فقتلوا غير عبيدة. ولما قتل ابن عباد، كان ابن زياد بالكوفة، ونائبه بالبصرة عبيد الله بن أبي بكرة، فكتب إليه يأمره أن يتبع الخوارج، ففعل ذلك، وجعل يأخذهم، فإذا شفع في أحدهم ضمنه إلى أن يقدم ابن زياد،(1/137)
قتل أبا بلال مرداس بن أديّة بالأهواز فأقبل عباد من الجمعة، يريد منزله، حتى إذا كان في بني كليب خرج عليه أحد عشر رجلا من السكة التي تنحر مسجدهم، فقام تسعة منهم في السكة ودنا منه رجلان فقالا: قف أيها الشيخ نكلمك فوقف لهما، فدنوا منه، فقال أحدهما: إن هذا أخي قد ظلمني حقي، وغصبني مالي فليس يدفعه إليّ.
فقال عباد: استعد عليه.
فقال: إنه أوجه عند السلطان مني.
فقال عباد: خذ حقك منه إن قدرت عليه.
فقالا جميعا: الله أكبر قضيت على نفسك.
ثم ابتدراه بسيفيهما، وخرج التسعة الذين كانوا في السكة وأخذوا بلجامه فقتلوه وحكّموا.
وتنادى الناس، وبلغ [49] الخبر بني مازن، فأقبل معبد أخوه فلما انتهى إلى الخوارج وهو بالسكة وعليهم السلاح وعلى جميع من معه من بني مازن قال للشرطة: خلّوا عنا وعن ثأرنا.
وقال لأصحابه: انزلوا إليهم فاقتلوهم رجّالة في مثل حالهم.
__________
ومن لم يكفله أحد حبسه.
وأتى بعروة بن أديّة فأطلقه وقال: أنا كفيلك، فلما قدم ابن زياد أخذ من الحبس من الخوارج فقتلهم، وطلب من الكفلاء بمن كفلوا به، فمن أتى بخارجي أطلقه، وقتل الخارجي، ومن لم يأت بالخارجي قتله.
ثم طلب عبيد الله بعروة بن أدية، قال: لا أقدر عليه، فقال: إذن أقتلك به، فلم يزل يبحث عنه حتى ظفر به، وأحضره عند ابن زياد، فقال له ابن زياد: لأمثلنّ بك، فقال: اختر لنفسك من القصاص ما شئت به، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، وصلبه. وقيل: أنه قتل سنة ثمان وخمسين.(1/138)
فنزلوا فاقتتلوا فقتلوا الخوارج إلا رجلا أفلت في الزّحام.
فقال الفرزدق:
لقد طلبت بالذحل غير ذميمة ... إذا ذمّ طلاب الذحول الأخاضر
لقد جردوا الأسياف يوم ابن أخضر ... فنالوا التي لا فوقها نال ثائر
أفادوا به أسدا لها في اقتحامها ... على الغمرات في الحروب بصائر
* ومنهم:
44 - مسعود بن عمرو العتكي الذي يقال له: قمر العراق (1)
وكان
__________
(1) قال الكلبي: هو أن مسعودا المعروف بالقمر الذي قتلته تميم بالبصرة هو:
مسعود بن عمرو بن عبد بن محارب بن تسنيم بن مليح بن شرطان بن معن ابن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، قال علي: وهذا خطأ، وهو: مسعود ابن عمرو بن الأشرف العتكي على ما نسبناه في بني العتيك.
قلت: وقد كان ذكر في الموضع المشار إليه وهو ولد العتيك بن الأزد بن عمرو مزيقياء فذكرهم إلى أن قال: ومن ولد العتيك أيضا:، وعمرو ابن الأشرف بن البختري بن ذهل بن زيد بن كعب بن الأزد بن الحارث ابن العتيك بن الأزد بن عمران، وابناه: مسعود وزياد.
قتل مسعود بالبصرة وكان لقبه القمر، ففيه كانت حرب تميم والأزد، وله عقب بتبريز من أذربيجان ذكر ذلك كله ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (367)، (371370)، (381)، وذكره ابن حبيب في = المحبر = (254).
قلت: وفي قتل مسعود بن عمرو العتكي هذا كانت فتنة كبيرة حركت الأحنف وهو أحلم العرب وما هيجه سوى امرأة وصدق الله العظيم حيث يقول: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، ويسرد ابن الأثير في = الكامل = القصة فيقول في (3/ 471): في ذكر هروب ابن زياد إلى الشام وذلك في أحداث سنة أربع وستين فيقول: ثم إن الأزد، وربيعة جددوا الحلف الذي كان بينهم(1/139)
__________
وبين الجماعة.
وأنفق ابن زياد مالا كثيرا فيهم حتى تم الحلف، وكتبوا بذلك بينهم كتابين فكان أحدهما عند مسعود ابن عمرو، فلما سمع الأحنف: أن الأزد طلبت إلى ربيعة ذلك قال: لا يزالوان لهم أتباعا إذا أتوهم. فلما تحالفوا اتفقوا على أن يردوا ابن زياد إلى دار الإمارة، فساروا، ورئيسهم مسعود بن عمرو.
وقولوا لابن زياد: سر معا فلم يفعل، وأرسل معه مواليه على الخيل، وقال لهم: لا يتحدثوا بخير ولا بشر إلا أتيتموني به، فجعل مسعود لا يأتي سكة ولا يتجاوز قبيلة إلا أتى بعض أولئك الغلمان ابن زياد بالخبر.
وسارت ربيعة وعليهم مالك من مسمع، فأخذوا سكة المربد، وجاء مسعود فدخل المسجد فصعد المنبر، وعبد الله بن الحارث في دار الإمارة، فقيل له: إن مسعودا وأهل اليمن، وربيعة قد ساروا، وسيهيج بين الناس شر، فلو صلحت بينهم وركبت في بني تميم.
فقال: أبعدهم الله لا والله لا أفسد نفسي في إصلاحهم وجعل رجل من أصحاب مسعود يقول:
لأنكحن ببّه ... جارية قبّه ... تمشط رأس لعبه
هذا قول الأزد، وأما مضر فيقولون: إن أمه كانت ترقصه وتقول هذا.
وصعد مسعود المنبر وسار مالك بن مسمع نحو دور بني تميم حتى دخل سكة بني العدوية، فحرق دورهم لما في نفسه لاستعراض ابن خازم ربيعة بهراة.
وجاء بنو تميم إلى الأحنف فقالوا: يا أبا ابحر إن ربيعة والأزد قد تحالفوا، وقد ساروا إلى الرحبة فدخلوا، فقال: لستم بأحق بالمسجد منهم.
فقالوا: قد دخلوا الدار، فقال: لستم بأحق بالدار منهم. فأتته امرأة بمجمر، وقالت له: مالك وللرياسة إنما أنت امرأة تتجمر، فقالت: ما است امرأة أحق بالمجمر منك، فما سمع منه كلمة أسوأ منها.(1/140)
__________
ثم أتوه فقالوا: إن امرأة منا قد نزعت خلخالها، وقد قفلوا الضياع الذي على طريقك، وقفلوا المقعد الذي على باب المسجد، وقد دخل مالك بن مسمع سكة بني العدوية، فحرق، فقال الأحنف: أقيموا البينة على هذا، ففي دون هذا ما يحل قتالهم.
فشهدوا عنده على ذلك، فقال الأحنف: أجاء عباد بن الحصين؟ قالوا: لا، وهو عباد بن الحصين بن يزيد بن عمرو بن أوس من بني عمرو بن تميم.
ثم قال: أجاء عباد؟ قالوا: لا، قال: أهاهنا عبس بن طلق بن ربيعة الصريمي من بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم؟
قالوا: نعم، فدعاه فانتزع معجرا في رأسه، فعقده في رمح، ثم دفعه إليه، وقال: سر فلما ولى قال: اللهم إن لم تخزها اليوم، فإنك لم تخزها فيما مضى.
وصاح الناس هاجت زبرا وهي أمة الأحنف كنوا بها عنه، فسار عبس إلى المسجد، فلما سار عبس جاء عباد فقال: ما صنع الناس؟ فقيل: سار بهم عبس، فقال: لا أسير تحت لواء عبس، وعاد إلى بيته ومعه ستون فارسا.
فلما وصل عبس إلى المسجد قاتل الأزد على أبوابه، ومسعود على المنبر يحضض الناس، فقاتل غطفان بن أنيف التميمي وهو يقول:
يا لتميم إنها مذكورة ... إن فات مسعود بها مشهورة
فاستمسكوا بجانب المقصورة
أي لا يهرب فيفوت، وأتوا مسعودا، وهو على المنبر، فاستنزلوه، وقتلوه، وذلك أول شوال سنة أربع وستين، وانهزم أصحابه، وهرب أشيم بن شقيق ابن ثور، فطعنه أحدهم، فنجا بها.
ولما صعد مسعود المنبر أتى ابن زياد فقيل له: ذلك، فتهيأ ليجيء إلى دار الإمارة، فأتوه وقالوا له: إنه قتل مسعود، فركب ولحق بالشام.
فأما مالك بن مسمع، فأتاه ناس من مضر فحضروه في داره وحرقوا داره،(1/141)
سبب قتله: أن عامل البصرة كان استشاره في نافع بن الأزرق، وعطية بن الأسود الخارجيين، وكان بالبصرة، فأشار عليهما، فحبسهما، وكانا من رءوس الأزارقة، فحقدت الأزارقة ذلك عليه، فدسّوا له من قتله، ولا يعرف قاتله، ويقال: إنه لما مات يزيد بن معاوية، وفتن أهل البصرة، وهرب عبيد الله بن زياد، رأست اليمن وربيعة عليها مسعودا، فأقبل مسعود وعليه قباء ديباج أصفر، مولع بسواد في الأزد وربيعة.
ورأست تميم عليها عبسا أخا لهمس السعدي، فأقبل مسعود قاصدا إلى المسجد الجامع، فصعد المنبر، فجعل يأمر بالسّنّة وينهى عن الفتنة، وغفل الناس عن السجن وفيه الخوارج الذين حبسهم ابن زياد.
فجاء أولياؤهم حتى أخرجوهم من السجن، وكان أكثرهم من بني تميم، فدخلوا المسجد، فاغتالوه وهو غافل، فقتلوه، ومضوا من وجههم [50] إلى الأهواز فقال سوار بن حيان المنقري:
ألم يكن في قتل مسعود غير ... جاء يزيد (1) أمره فما أمر
نحن ضربنا رأس مسعود فخر ... ولم يوسّد خده حين انقعر
فاصبح العبد المزوني عثر ... حتى رأى الموت قريبا قد حضر
فأطعمهم بحر تميم إذ زخر ... وقيس عيلان ببحر فانفجر
من حولهم فما دورا أين المفر ... حتى علا السيل عليهم فغمر
وقال نافع بن الأزرق:
فتكنا بمسعود بن عمرو لقيله ... لبيبة لا تخرج من السجن نافعا
__________
ولما هرب ابن زياد تبعوه، فأعجزهم، فنهبوا ما وجدوا له.
وقد قيل في قتل مسعود، ومسير ابن زياد غير ما تقدم.
قلت: ثم ذكر غيره، واكتفيت بهذا القدر من القصة.
(1) كذا في = أ =، وفي = ب = يريد بالراء.(1/142)
ولا تخرجن منه عطية وابنه ... فخضنا له شوبا من السّمّ ناقعا
وكانت له في الأزد حال عظيمة ... وكان لما يهوى من الأمر صانعا
فقالت تميم نحن أصحاب ثأره ... ولن ينتهوا حتى يعضّوا الأصابعا
ويصلوا بحرب الأزد، والأزد جمرة ... متى يصطلوها يصبح الأمر جاشعا
فقل لتميم ما أردتم بكذبة ... تكون لها الأوطان منكم بلاقعا
* ومنهم:
45 - محمد بن عبد الله بن خازم السلمي (1)
وكان عبد الله بن خازم
__________
(1) هو: محمد بن عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن سماك بن عوف بن امرئ القيس، السلمي، وقد تأخرت هذه الترجمة عن الترجمة القادمة في = ب =، ويذكر ابن الأثير قصة مقتل محمد بن عبد الله بن خازم بأتم من ذلك في كتاب = الكامل في التاريخ = (4/ 24): في أحداث سنة خمس وستين في سرده للحرب بين ابن خازم، وبني تميم فيقول:
وفي هذه السنة كانت الحرب بين ابن خازم السلمي وبني تميم بخراسان، وسبب ذلك أن من كان بخراسان من بني تميم أعانوا ابن خازم على من بها من ربيعة، وقد تقدم ذكر ذلك أي في الكامل وذكرت أنا بعضا منها في الذي قبله فلما صفت له خراسان جفا بني تميم، وكان قد جعل ابنه محمدا على هراة، وجعل على شرطته بكير بن وشاح، وضم إليه شماس بن دثار العطاردي وكانت أم محمد تميمية فلما خفا ابن خازم بني تميم، أتوا ابنه محمدا بهراة، فكتب ابن خازم إلى ابنه محمد، وإلى بكير وشماس يأمرهم بمنعهم عن هراة.
فأما شماس: فصار مع بني تميم، وأما بكير فإنه منعهم من الدخول، فأقاموا ببلاد هراة، فأرسل بكير إلى شماس إني أعطيتك ثلاثين ألفا، فأعط كل رجل من بني تميم ألفا على أن ينصرفوا، فأبوا عليه وأقاموا يترصدون محمدا.
فخرج يتصيد، فأخذوه، وشدوه وثاقا، وشربوا ليلتهم وجعلوا يبولون عليه(1/143)
ولّى ابنه محمدا هراة، وجعل شماس بن زياد العطاردي على أمره قفّان حاله (1) وقال لابنه: لا تقطع أمرا دون شماس.
وقد كان ابن عم لشماس قتل في الحرب التي كانت بين ابن خازم وبين بني تميم، فشرب يوما شماس، فلما أخذ (2) فيه الشراب ذكر ابن عمه ذلك، فقال: لا أرى ابن السوداء قتل ابن عمي وهو حيّ يتنعم بيننا.
فاغتال محمد بن عبد الله بن خازم فقتله، ثم خرج بمن تابعه من بني تميم، حتى انتهى إلى مرو، وبها عبد الله بن خازم.
* [51] ومنهم:
46 - عبد الله بن بشار بن أبي عقب الشاعر (3)
وكان رضيع الحسين
__________
كلما أرادوا البول، فقال لهم شماس: أما إذا بلغتم هذا منه فاقتلوه بصاحبيكما اللذين قتلهما بالسياط وكان قد ضرب رجلين من تميم بالسياط حتى ماتا، فقاموا إليه ليقتلوه، فنهاهم عنه حيان بن مشجبه الضبي، وألقى نفسه عليه، فلم يقبلوا عليه، وقتلوا محمدا.
فشكر ابن خازم لحيان ذلك ولم يقتله فيمن قتل، وكان الذي تولى قتل محمد رجلين اسم أحدهما عجلة، واسم الآخر كسيب، فقال ابن خازم: بئس ما اكتسب كسيب لقومه، ولقد عجل عجلة لقومه شرّا.
(1) في = أ =، = ب =: حمله. وهو تحريف والمراد بقفان حاله: أي مستشاره وأهل ثقته على أسراره والمساعد له في تدبير شئونه.
(2) في = أ =، = ب = أخذت والتاء زائدة فحذفتها.
(3) تقدمت هذه الترجمة على التي قبلها في = ب =. ولم أوفق في العثور له على ترجمة فيما بين يدي من مراجع الآن.
أما عبيد الله بن الحر الجعفي، فيقول عنه ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (4/ 78) في أحداث سنة ثمان وستين في ذكر خبر عبيد الله بن الحر ومقتله:
في هذه السنة قتل عبيد الله بن الحر الجعفي، وكان من خيار قومه صلاحا(1/144)
ابن علي بن أبي طالب.
وكان يجالس عبيد الله بن الحر الجعفي فيخبره بما خبّره عن علي رضي الله عنه.
وهو صاحب أشعار الملاحم.
وكان يقول: إن الحسين رضي الله عنه قال لي: إنك تقتل يقتلك عبيد الله بن زياد بالجازر.
وقال ابن الحر: إن ابن أبي عقب كان يخبرني عن الحسين رضي الله عنه أشياء يكذبها عليه، ويزعم أن ابن زياد يقتله.
فأتاه عبيد الله بن الحر ليلا مشتملا على السيف، فناداه فخرج إليه.
فقال: ابلغ معي إلى حاجة لي. فخرج معه ابن أبي عقب، فلما برز إلى السّبخة ضربه بالسيف حتى مات.
* ومنهم:
47 - مروان بن الحكم بن أبي العاص (1)
وكان خطب حيّة بنت
__________
وفضلا واجتهادا. فلما قتل عثمان ووقعت الحرب بين علي، ومعاوية فكان معه لمحبته عثمان، وشهد معه صفين هو، ومالك بن مسمع.
وأقام عبيد الله عند معاوية، وكان له زوجة بالكوفة فلما طالت غيبته زوّجها أخوها رجلا يقال له: عكرمة بن الخبيص، وبلغ ذلك عبيد الله، فأقبل من الشام، فخاصم عكرمة إلى علي، فقال له: ظاهرت علينا عدونا فغلب، فقال له: أيمنعني ذلك من عدلك؟ قال: لا، فقص عليه قصته، فرد عليه امرأته.
(1) هو: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس.
أمه: آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية من كنانة.
ميلاده: ولد في سنة اثنتين من الهجرة.
وفاته: توفي في شهر رمضان سنة خمس وستين.(1/145)
أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وهي أم خالد بن يزيد بن معاوية فقال لها خالد: لا تزوّجيه، فتكلم يوما خالد ومروان حاضر، فقال له مروان: اسكت يا ابن الرّحيبة، فأرتج عليه وخجل.
وبلغ الخبر أم خالد، فلما انصرف إليها قالت: قد بلغني ما كلمك به الفاسق.
قال خالد: قد قال لي شيئا هو أعلم به مني.
__________
ويحكي ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (4/ 13) قصة موته على يد زوجته أم خالد بن يزيد بنحو مما هنا فيقول: كان سبب موته أن معاوية بن يزيد لما حضرته الوفاة لم يستخلف أحدا، وكان حسان بن بحدل يريد أن يجعل الأمر من بعده في أخيه خالد بن يزيد، وكان صغيرا، وحسان خال أبيه يزيد فبايع حسان مروان بن الحكم، وهو يريد أن يجعل الأمر من بعده لخالد.
فلما بايعه هو، وأهل الشام، قيل لمروان: تزوج أم خالد وهي بنت أبي هاشم ابن عتبة، حتى يصغر شأنه فلا يطلب الخلافة، فتزوجها.
فدخل خالد يوما على مروان وعنده جماعة، وهو يمشي بين صفين، فقال مروان: والله إنك لأحمق، تعال يا ابن الرطبة الاست، يقصر به ليسقطه من أعين أهل الشام.
فرجع خالد إلى أمه، فأخبرها، فقالت له: لا يعلمن ذلك منك إلّا أنا، أنا أكفيك.
فدخل عليها مروان، فقال لها: هل قال لك خالد في شيئا؟ قالت: لا إنه أشد لك تعظيما من أن يقول فيك شيئا، فصدقها، ومكث أياما، ثم إن مروان نام عندها يوما فغطته بوسادة حتى قتلته، فمات بدمشق وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: إحدى وستين. وأراد عبد الملك قتل أم خالد فقيل له:
يظهر عند الخلق أن امرأة قتلت أباك، فتركها.(1/146)
قالت: أما والله ليعلمنّ، فأحبّ أن لا يرى في وجهك غضبا.
قال: نعم، فلما انصرف مروان إليها سكتت عنه حتى إذا صار إلى فراشه، قامت إلي مرفقة، فألقتها على وجهه، ثم اضطجعت عليها، فلم تفارقه حتى لفظ عصبه.
* [52] ومنهم:
48 - قبيصة بن القين الهلالي
وكان سببه أن المغيرة بن شعبة أتي برجلين من الخوارج فحبسهما، وكتب إلى معاوية في أمرهما (1).
وكان المغيرة يتقي الدماء، وكان أحد الرجلين من تميم والآخر من محارب، فكتب معاوية إلى المغيرة: إن شهدا أني أمير المؤمنين، فخلّ سبيلهما، وإن أبيا ذلك فاقتلهما.
فجاء بنو تميم فشهدوا على صاحبهم بالجنون، فخلى سبيله، ثم دعا بالمحاربي، وكان يقال له: معين وقبيصة بن القين جالس عند المغيرة فقال
__________
(1) يذكر ابن الأثير في = الكامل = (3/ 277) في أحداث سنة إحدى وأربعين نحو هذا الخبر لكن بقصة أخرى في ذكر معين الخارجي فيقول:
بلغ المغيرة أن معين بن عبد الله يريد الخروج وهو رجل من محارب وكان اسمه معنا فصغر فأرسل إليه، وعنده جماعة، فأخذ وحبس.
وبعث المغيرة إلى معاوية يخبره أمره، فكتب إليه: إن شهد أني خليفة فخلّ سبيله.
فأحضره المغيرة، وقال له: أتشهد أن معاوية خليفة وأنه أمير المؤمنين؟
فقال: أشهد أن الله عز وجل حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. فأمر به فقتل قتله قبيصة الهلالي.
فلما كان أيام بشر بن مروان، جلس رجل من الخوارج على باب قبيصة حتى خرج فقتله، ولم يعرف قاتله حتى خرج قاتله مع شبيب بن يزيد، فلما قدم الكوفة قال: يا أعداء الله أنا قاتل قبيصة.(1/147)
لمعين: أتشهد أن معاوية أمير المؤمنين؟
قال: أشهد أن بني تميم أكثر من محارب، فقام قبيصة بن القين، فقال:
أصلح الله الأمير، اسقني دمه، قال: اضرب عنقه، فضرب قبيصة عنق معين الخارجي.
فمضى المغيرة، وولى بعده زياد بن أبيه، وبعده عبيد الله بن زياد، ثم خالد بن أسيد، ثم الضحاك بن قيس الفهري، ثم عبد الرحمن بن أم الحكم، ثم النعمان بن بشير، إلى أن ولي بشر بن مروان بن الحكم، فأكرم هذا الحي من قيس وكانوا أخواله ثم بني عامر خاصة، وأكرم قبيصة بن القين الهلالي.
فقدم رجل (1) من عمان يرى رأي الخوارج فدخل مسجد الكوفة، فأتى حلقة فيها قبيصة بن القين في صدر المجلس فقال العماني ليفهم: من هذا؟
فقال: قبيصة بن القين خال الأمير.
قال: ما أعرفة، فقال الرجل المسئول: هذا قاتل معين الخارجي المحاربي.
فأقبل على الرجل الذي يليه، فسأله كما سأل الأول فقال له مثل قول صاحبه حتى سأل أربعة نفر [53] فاتفقوا على قول واحد.
فلما اجتمعوا على منطق واحد، انطلق إلى الصياقلة (2) وفي كمّه نفيقة له، فطلب سيفا صارما، فأتي بسيف من البيض فهزّه، فإذا هو شديد المتن فاشتراه.
وكانت الأمراء تعشّى عند العصر فلا تفرغ إلا عند احمرار الشمس،
__________
(1) في = أ =، = ب =: فتقدم إلى رجل. ولفظ إلى زائد على السياق.
(2) هم صناع السيوف، والصياقلة نسبة إلى الصّقل وهو التلميع.(1/148)
فخرج قبيصة بن القين من عند بشر، فعرض له العماني، فقال: أصلحك الله، إني رجل غريب ظلمني عاملي ولا أحد لي، وقد أخبرت بمكانك من الأمير.
فقال: هي وطوّلها وهو يسير رويدا، والعماني يتلفت يريد الخلوة من الطريق، وقبيصة يسير رويدا حتى انتهى إلى دار السّمط بن مسلم، إلى زقاق يأخذ إلى بني دهن من بجيلة، فخلا له الطريق، فطرح بتّه، وقال: لا حكم إلا لله، يا ثارات معين، ثم ضربه ضربة أطنّ منها فخذه.
ثم ولّى العماني، وأقبل الناس إليه، فنادى قبيصة: إنه لا بأس عليّ، أدركوا الرجل.
فلما سمع العماني قوله: لا بأس عليّ، رجع على الناس فصاح بهم، أفرجوا، ففرجوا له وضربه حتى قتله، ومضى العماني فطلب، فلم يوجد.
فذكروا أنه خرج بعد ذلك مع شبيب بن يزيد الشيباني، وكان بشر أخذ بالعماني يومئذ البريء والسقيم، فلما دخل شبيب الكوفة، والحجاج أمير العراق جعل العماني يصيح: يا أهل الكوفة، يا فسقة، تأخذون البريء بالسقيم، أنا قاتل قبيصة بن القين.
* ومنهم:
49 - بجير بن الوفاء السعدي (1)
وكان عبد الملك استعمل أمية بن
__________
(1) في = أ =، = ب = ابن الوفاء السعدي، وفي بعض المراجع بحير بن الورقاء، وفي بعضها بجير بن الوفاء الصريمي.
قال ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (218) في ذكره لأبناء صريم بن مقاعس: ومنهم بجير بن وفاء الصّريمي، كان سيدا بخراسان، وكان جميع الأبناء، وهم جميع بني سعد بن زيد مناة حاشا بني كعب، وعمرو ابني سعد بن زيد مناة بن تميم، وحاشا بني عوف بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم يتعصبون مع بجير على بكير بن الوسّاج العطاردي،(1/149)
__________
وكانا يتنازعان الرئاسة بخراسان إلى أن سعى بجير ببكير إلى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس أمير خراسان، من تحت يدي أخيه خالد بن عبد الله، أمير البصرة لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، فأمره بقتله، فقتله بجير بيده، ثم قتل بجيرا علانية في مجلس الأمير أمية، رجل من بني عوف بن كعب بثأر بكير في خبر طويل لهم.
وأخذ ذلك العوفي، وأتي به إلى بجير وهو في السوق فقتله بيده، ثم مات.
وكان سائر بني عمرو، وكعب بن سعد بن زيد مناة، وهم البطون يتعصبون لبحير بن ورقاء على بكير بن الوسّاج، حاشا بني عوف بن كعب بن سعد ابن زيد مناة، فكانوا مع أعمامهم بني سعد بن زيد مناة على إخوتهم بني كعب بن سعد بن زيد مناة.
ويحكي ابن الأثير في = الكامل = في أحداث سنة إحدى وثمانين فيقول: وفي هذه السنة قتل بجير بن ورقاء الصريمي، وكان سبب قتله أنه لما قتل بكير بن وسّاج، وكلاهما تميميان بأمر أمية بن عبد الله بن خالد إياه بذلك، قال عثمان بن رجاء بن جابر أحد بني عوف بن سعد من الأبناء يحرض بعض آل بكير من الأبناء والأبناء عدة بطون من تميم سموا بذلك، فذكر شعرا ومنه:
فقل لبحير نم ولا تخش ثائرا ... ببكر فعوف أهل شاء حبلّق
فتعاقد سبعة عشر رجلا من بني عوف على الطلب بدم بكير، فخرج فتى منهم يقال له: شمردل من البادية حتى قدم خراسان، فرأى بحيرا واقفا فحمل عليه فطعنه فصرعه وظن أنه قد قتل، فقال الناس: خارجي، وراكضهم، فعثر به فرسه فسقط عنه فقتل.
وخرج صعصعة بن حرب العوفي من البادية، وقد باع غنيمات له ومضى إلى سجستان، فجاور قرابة لبحير مدة وادعى إلى بني حنيفة من اليمامة(1/150)
__________
وأطال مجالستهم حتى أنسوا به، ثم قال لهم: إن لي بخراسان ميراثا فاكتبوا لي إلى بجير كتابا ليعينني على حقي، فكتبوا له، وسار فقدم على بجير وهو مع المهلب في غزوته فلقي قوما من بني عوف فأخبرهم أمره ولقي بجيرا فأخبره أنه من بني حنيفة من أصحاب ابن أبي بكرة، وإن له مالا بسجستان وميراثا بمرو، وقدم ليبيعه ويعود إلى اليمامة، فأنزله بحير، وأمر له بنفقة ووعده.
فقال صعصعة: أقيم عندك حتى يرجع الناس، فأقام شهرا يحضر معه باب المهلب وكان بحير قد حذر فلما أتاه صعصعة بكتاب أصحابه، وذكر أنه من حنيفة أمنه، فجاء يوما صعصعة وبجير عند المهلب عليه قميص ورداء فقد خلعه ودنا منه كأنه يكلمه فوجأه بخنجر معه في خاصرته فغيبه في جوفه ونادى يالثارات بكير.
فأخذ وأتي به المهلب، فقال له: بؤسا لك ما أدركت بثأرك، وقتلت نفسك وما على بحير بأس.
فقال: لقد طعنته طعنة لو قسمت بين الناس لماتوا، ولقد وجدت ريح بطنه في يدي فحبسه، فدخل عليه قوم من الأبناء فقبلوا رأسه، ومات بحير من الغد، فقال صعصعة لما مات بحير: اصنعوا الآن ما شئتم أليس قد حلت نذور أبناء بني عوف، وأدركت بثأري؟ والله لقد أمكنني منه خاليا غير مرة فكرهت أن أقتله سرا.
فقال المهلب: ما رأيت رجلا أسخى نفسا بالموت من هذا، وأمر بقتله فقتل.
وقيل: إن المهلب بعثه إلى بحير قبل أن يموت فقتله، ومات بحير بعده وعظم موته على المهلب وغضب عوف والأبناء وقالوا: علام قتل صاحبنا، وإنما أخذ بثأره؟ فنازعهم مقاعس، والبطون وكلهم بطون من تميم حتى خاف الناس أن يعظم الأمر، فقال أهل الحجى، احملوا دم صعصعة واجعلوا دم بحير ببكير فودوا صعصعة.(1/151)
عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي [54] العيص على خراسان حين اجتمع الناس عليه.
فولى أمية بجيرا شرطته (1)، وولى بكير بن وسّاج السعدي أيضا ساقته، فغدر بكير بن وسّاج بأمية بن عبد الله.
وقد عبر أمية نهر بلخ يريد سمرقند، فعمد بكير فحرق المعابر، ورجع إلى مرو فغلب عليها، وجعل يجبيها.
فرجع أمية، فلم يجد ما يعبر عليه، فمضى إلى الترمذ ليعبر من هناك، وحاصر بكيرا، ثم أعطاه الأمان ففتح له مدينة مرو.
وإن بجيرا وشى ببكير وقال له: إنه على الوثوب بك. فقال له أمية: أنا أوليك من أمره ما تولّيت فكن أنت قاتله.
فقال له بكير: يا بجير، دع أمية يولّي قتلي غيرك، فإني أخاف إن فعلت أفسدت بين قومنا، فقدمه بجير فضرب عنقه.
وبلغ بجيرا أن عشرة من بني سعد يطلبونه بدم بكير، فكان لا يفارق الدّرع.
وإن رجلا من قومه أتى عامل سجستان فانتمى له إلى بني حنيفة، وسأله أن يكتب له كتابا إلى بجير بالوصاة، فكتب له وهو لا يظنه إلا حنفيا.
فلما قدم على بجير أدناه، فجعل الجشمي (2) يطلب من بجير غرّة فلا يجدها، فلبث كذلك حتى عزل عبد الملك أمية وولى الحجاج العراق، فولى
__________
(1) في = أ = شرطه، وفي = ب = ما رسمته لأنه أقرب إلى الذهن وأسرع إلى فهم العبارة
(2) كذا في = أ =، = ب = وأحسب أن أصلها العوفي تماشيا مع سياق الخبر، وربما الحنفي على ما في خبر المتن و = الكامل = زعما منه، أظن أنه سهو من الناسخ والله أعلم.(1/152)
الحجاج المهلب بن أبي صفرة خراسان.
فقال بجير عند رواق المهلب، وهم في عسكر، وقد أتى بجير، والناس يطلبون الإذن على المهلب إذ جاءه العوفي (1) من خلفه الذي ذكر أنه حنفي، كأنه يساره، فأصغى إليه بجير فطعنه بخنجر كان معه فنحره به.
ونادى الناس: الحروري، الحروري، فرمي بالخنجر، ونادى: والله ما أنا بحروري، [55] ولكني آخذ بالثاراث بكير بن وسّاج وأخذ الرجل، وكان عيّره رجل بالبادية بأن قال له: إنك لتؤوم عن طلب وترك في بكير ابن وسّاج، فجعل على نفسه أن لا يأكل لحما ولا يدهن رأسه حتى يقتل قاتل بكير.
* ومنهم:
50 - يزيد بن الحصين بن نمير السّكسكيّ:
وكان سبب ذلك أن الحجاج أخبر عن راهب بطريق الشام بعلم بارع فوفد الحجاج إلى عبد الملك، فأتى الراهب، فقال له: يا راهب، أنا الحجاج، وإني لأعلم أني بين موت وعزل فمن ترى يلي مكاني؟
فنظر الراهب، فقال: يلي مكانك يزيد.
فسأل الحجاج سفيان منجمه عما قال الراهب، فقال له: صدقك (2).
__________
(1) كذا هنا على الصواب العوفي.
(2) قلت: بغض النظر عما فعل الحجاج من البطش والظلم والغدر وسفك الدماء، وبغض النظر عن الحكم الشرعي في حقه من كفر أو إسلام أو فسق أو ظلم أو غير ذلك إلا أن أمرهم في الاعتقاد لم يصل إلى ذلك الحدّ من الانحطاط بل على الرغم من ذلك فإن فسادهم كان فساد حكام لا فساد اعتقاد أو فساد تشريع، فاستغل ذلك أهل الأهواء والأغراض فدسوا على حكام هذه الفترة المظلمة من تاريخ الإسلام ما شاءوا من أمور الفسق والخلاعة والاعتقاد، والذي نقوله عن هؤلاء ما قاله من كان قبلنا: تلك(1/153)
فقال الحجاج: أما يزيد بن أبي مسلم فليس العبد هناك، وأما يزيد بن المهلب، فخليق أن يكون، أو يزيد بن الحصين بن نمير، فإنه سيد الشام.
فلم يزل يحمل عبد الملك، والوليد بعده على آل المهلب حتى أمكن فيهم فعذبهم، وأغرمهم ستة آلاف ودسّ سفيان منجمه إلى يزيد بن الحصين، فقال: اكفينيه.
فأتاه سفيان فلاطفه حتى أنس به واطمأن إليه واختلط به، ثم سقاه سمّا فقتله.
فولّى العراق بعده الوليد بن عبد الملك يزيد بن أبي كبشة، ثم وليه لسليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب.
* ومنهم:
51 - نجدة بن عامر الحنفي (1)
وكان رئيس الخوارج، فوجدوا عليه
__________
دماء طهر الله منها سيوفنا فلم ندس فيها ألسنتنا، ثم نردد على قول الله:
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهََا مََا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مََا كَسَبْتُمْ} ولولا أمر دفعني إلى ذلك الحديث ما تحدثت وإني لأضطر إلى ذكر بعض ذلك لضرورة التحقيق فقط لا إقرارا لما أسوق أو أذكر من مكائد وألفاظ نابية تذكر على ألسنة بعض الحكام وقد شهد لكثير منهم بالعلم وجعل اللوم على حواشيهم وبطاناتهم، فالله أعلم وله الأمر من قبل ومن بعد وأسأله أن يحفظنا إلى أن نلقاه على الإسلام وحسن الختام اللهم آمين.
(1) هو: نجدة بن عامر بن عبد الله بن ساد بن المفرج الحنفي الحروري الخارجي.
وقد كان لنجدة هذا صولات وجولات في جنوب الجزيرة العربية وشرقيها وكان رأسا كبيرا من رءوس الخوارج ثم إنهم اختلفوا عليه لأمور نقموها عليه، ويحكي ابن الأثير في = الكامل = بعضا من هذه الأمور غير ما ذكر هنا في أحداث سنة خمس وستين (4/ 22) في ذكر الاختلاف على نجدة وقتله وولاية أبي الفديك، فيقول: ثم إن أصحاب نجدة اختلفوا عليه لأسباب(1/154)
__________
نقموها عليه.
فمنها: أن أبا سنان حيان بن وائل أشار إلى نجدة بقتل من أجابه تقية، فشتمه نجدة، فهم بالفتك به، فقال له نجدة: كلف الله أحدا على الغيب؟ قال: لا، قال: فإنما علينا أن نحكم بالظاهر، فرجع أبو سنان إلى نجدة. ومنها: أن عطية ابن الأسود خالف على نجدة، وسببه أن نجدة سير سرية بحرا، وسرية برا، فأعطى سرية البحر أكثر من سرية البر، فنازعه حتى أغضبه فشتمه نجدة، فغضب عليه وألّب الناس عليه.
وكلّم نجدة في رجل يشرب الخمر في عسكره، فقال: هو رجل شديد النكاية على العدو، وقد استنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين.
وكتب عبد الملك إلى نجدة يدعوه إلى طاعته ويوليه اليمامة، ويهدر له ما أصاب من الأموال والدماء، فطعن عليه عطية، وقال: ما كاتبه عبد الملك حتى علم منه دهانا في الدين وفارقه إلى عمان.
ومنها أن قوما فارقوا نجدة، واستنابوه فحلف أن لا يعود ثم ندموا على استنابته وتفرقوا، ونقموا عليه أشياء أخر.
فخالف عليه عامة من معه وانحازوا عنه وولوا أمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة، واستخفى نجدة، فأرسل أبو فديك في طلبه جماعة من أصحابه وقال: إن ظفرتم به فجيئوني به.
وقيل لأبي فديك: إن لم تقتل نجدة تفرق الناس عنك، فألح في طلبه.
وكان نجدة مستخفيا في قرية من قرى هجر، وكان للقوم الذين اختفى عندهم جارية يخالف إليها راع لهم، فأخذت الجارية من طيب كان مع نجدة، فسألها الراعي عن أمر الطيب، فأخبرته، فأخبر الراعي أصحاب أبي فديك بنجدة فطلبوه فنذر بهم، فأتى أخواله من بني تميم فاستخفى عندهم، ثم أراد المسير إلى عبد الملك، فأتى بيته ليعهد إلى زوجته، فعلم به(1/155)
بأنه ظفر ببنت عمرو بن عثمان بن عفان فردّها إلى قريش.
وفي أنه أمر لمالك بن مسمع، وكان هرب إليه من مصعب بمائة ناقة.
وأعطى عبيد الله بن زياد بن ظبيان أحد بني تيم الله بن ثعلبة بن عكابة، وكان هرب [56] إليه أيضا مثل ذلك.
فرأسوا عليهم أبا فديك، وخلعوا نجدة، فجلس في منزله وخلاهم.
ثم إن أصحاب أبي فديك تذامروا بينهم، قالوا: لا نأمن أصحاب نجدة أن يغاوروه لقدر نجدة كان فيهم (1) فاغتالوه حتى قتلوه في منزله.
* ومنهم:
52 - أبو هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب (2)
وكان من
__________
الفديكية، وقصدوه فسبق إليه رجل منهم، فأعلمه، فخرج وبيده السيف فنزل الفديكي عن فرسه وقال: إن فرسي هذا لا يدرك، فأركبه فلعلك تنجوا عليه، فقال: ما أحب البقاء، ولقد تعرضت للشهادة في مواطن ما هذا بأحسنها، وغشيه أصحاب أبي فديك، فقتلوه، وكان شجاعا كريما وهو يقول:
وإن جر مولانا علينا جريرة ... صبرنا لها إن الكرام الدعائم
ولما قتل نجدة سخط قتله قوم من أصحاب أبي فديك ففارقوه، وثار به مسلم ابن جبير فضربه اثنتي عشرة ضربة بسكين، فقتل مسلم، وحمل أبو فديك إلى منزله فبرئ.
(1) كذا جاءت العبارة وأحسب أن لفظ: كان زائدا أو أن العبارة أصابها تحريف أو سقط، فالله اعلم.
(2) قال ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (66) في ذكر ولد محمد بن الحنفية، وهو محمد بن علي بن محمد بن أبي طالب: فذكر عددا منهم ثم قال: وكان له من الولد غير هؤلاء: عبد الله أبو هاشم، والحسن لم يعقبا، كان الحسن مرجئا محدثا ثقة.(1/156)
قريش، وأنه وفد إلى سليمان بن عبد الملك، ومعه عدة من الشيعة، وكان من أشدّ أهل زمانه عارضة وأبينهم بياتا، فلما كلّمه سليمان عجب منه وقال:
ما كلّمت قرشيّا قط يشبه هذا، ما أظنه إلا الذي كنا نحدّث عنه، وأحسن جائزته وجوائز من معه، وقضى حوائجه وحوائجهم، ثم شخص يريد فلسطين فبعث سليمان قوما إلى بلاد لخم وجذام، فضربوا أبنية، بين كل بناءين ميل وأكثر من ميل، ومعهم اللبن المسموم، فلما مرّ بهم أبو هاشم وهو على بغلة له قالوا: يا أبا عبد الله هل لك في الشراب (1)؟ فقال: جزيتم خيرا.
ثم مرّ بآخرين فعزموا عليه أيضا، ففعل ذلك مرارا حتى مرّ بقوم أيضا فعزموا عليه، فقال: هلمّوا. فلما شرب، واستقر في جوفه اللبن قال: يا هؤلاء أنا والله ميت، فانظروا إلى هؤلاء القوم من هم؟ فنظروا فإذا القوم قد قوّضوا أبنيتهم وذهبوا.
فقال: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وما أظنني مدركه، فأغذّوا به السير حتى أتوا كدادا من [57] الشّراة (2) وبها
__________
وكان عبد الله إمام الشيعة، وهو الذي أسند وصيته إلى علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
وكان لعبد الله هذا ابنة، تزوجها سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن العاص.
قلت: قال محقق = الجمهرة = الأستاذ عبد السلام هارون أن اسم هذه الابنة:
لبابة، وعزا قوله إلى نسب قريش.
(1) في = ب =: شراب.
(2) في = أ =، = ب = السراة بالسين المهملة، والتصويب من = معجم البلدان =، ويقول ياقوت عنها: والشراة أيضا: صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة التي كان(1/157)
محمد بن علي بالحميمة، فنزل عنده ومات.
* ومنهم:
53 - عمر بن عبد العزيز بن مروان رضي الله عنه
(1) وكان أراد
__________
يسكنها ولد علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب في أيام بني مروان.
(1) هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أبو حفص، القرشي، الأموي، المدني، المصري، أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين. أشج بني أمية. الإمام الحافظ العلامة المجتهد، الراشد، الزاهد، العابد.
أمه: أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب بن نفيل العدوية، القرشية.
ولد سنة: إحدى وستين، وتوفي سنة مائة وواحد، عن أربعين سنة.
اختلفوا في لون بشرته فمن قائل أبيض اللون، ومن قائل أسمر اللون، ثم اتفقوا على أنه رقيق الوجه جميله، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين بجبهته أثر شجة من حافر دابة وهو صغير، وقد سمي أشج بني أمية بها، وقد خطه الشيب.
زوجته هي: فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ابنة عمه وفيها يقول القائل:
بنت الخليفة، والخليفة جدّها ... أخت الخلائف والخليفة زوجها
حج بالناس غير مرة، ولى إمرة المدينة فأحسن. وكان أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم في علمه: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلاميذه.
وهو علم غني كل الغنى عن التعريف ولكن أذكر بعضا مما قال الذهبي في = سير أعلام النبلاء = فقد قال: قد كان هذا الرجل حسن الخلق والخلق، كامل العقل، حسن السمت، جيد السياسة، حريصا على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، ظاهر الذكاء والفهم، أوّاها منيبا، قانتا لله، حنيفا(1/158)
__________
زاهدا مع الخلافة، ناطقا بالحق مع قلة المعين، وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملّوه وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أعطياتهم، وأخذه كثيرا مما في أيديهم مما أخذوه بغير حق، فما زالوا به حتى سقوه السّمّ، فحصلت له الشهادة والسعادة، وعدّ عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين، والعلماء العاملين.
عن رجاء بن حيوة قال: ثقل سليمان، ولما مات أجلسته وسندته وهيّأته، ثم خرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أصبح أمير المؤمنين؟ قلت:
أصبح ساكنا، فادخلوا سلّموا عليه، وبايعوا بين يديه على ما في العهد، فدخلوا، وقمت عنده، وقلت: إنه يأمركم بالوقوف، ثم أخذت الكتاب من جيبه، وقلت: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب، فبايعوا، وبسطوا أيديهم، فلما فرغوا، قلت: آجركم الله في أمير المؤمنين.
قالوا: فمن؟ ففتحت الكتاب، فإذا فيه: عمر بن عبد العزيز، فتغيرت وجوه بني عبد الملك، فلمّا سمعوا: وبعده يزيد، تراجعوا، وطلب عمر فإذا هو في المسجد، فأتوه، وسلموا عليه بالخلافة فعقر، فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فأصعدوه المنبر، فجلس طويلا لا يتكلم.
فقال رجاء: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه؟! فنهضوا إليه، فمد يده إليهم، فلما مدّ هشام بن عبد الملك يده إليه قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال عمر: نعم، إنّا لله، حين صار يلي هذه الأمة أنا وأنت، ثم قام، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس: إني لست بفارض، ولكني منفّذ، ولست بمبتدع، ولكني متّبع، وإن من حولكم من الأمصار إن أطاعوا كما أطعتم، فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوال، ثم نزل.
فأتاه صاحب المراكب، فقال: لا ائتوني بدابتي، ثم كتب إلى عمال الأمصار.
قال رجاء: كنت أظن أنه سيضعف، فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى.(1/159)
__________
قال عمرو بن مهاجر: صلى عمر المغرب، ثم صلى على سليمان.
قال ابن إسحاق: مات سليمان يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين.
قال خالد بن مرداس: حدثنا الحكم بن عمر: شهد عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب مراكب الخلافة يسألونه العلوفة ورزق خدمها، قال: ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها، واجعل أثمانها في مال الله تكفيني بغلتي هذه الشهباء.
قال الضحاك بن عثمان: لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان، وقدموا له مراكب سليمان، فقال:
فلولا التّقى، ثمّ النّهى خشية الرّوى ... لعاصيت في حبّ الصّبى كلّ زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثمّ لا ترى ... له صبوة أخرى اللّيالي الغوابر
لا قوة إلا بالله.
قال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = في أحداث سنة تسع وتسعين في ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز: قال رجاء: فأجبني ما صنع في الدواب، ومنزل سليمان، ثم دعا كاتبا، فأملى عليه كتابا واحدا، وأمره أن ينسخه ويسيره إلى كل بلد، وبلغ عبد العزيز بن الوليد وكان غائبا موت سليمان، ولم يعلم ببيعة عمر، فعقد لواء ودعا إلى نفسه فبلغه بيعة عمر، بعهد سليمان، فأقبل حتى دخل عليه، فقال له عمر: بلغني أنك بايعت من قبلك وأردت دخول دمشق، فقال: قد كان ذاك، وذلك أنه بلغني أن سليمان لم يكن عهد لأحد فخفت على الأموال أن تنهب، فقال عمر: لو بايعت وقمت بالأمر لم أنازعك فيه ولقعدت في بيتي، فقال عبد العزيز: ما أحب أنه ولي هذا الأمر غيرك وبايعه، وكان يرجى لسليمان بتوليته عمر بن عبد العزيز، وترك ولده فلما استقرت البيعة لعمر بن عبد العزيز قال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك: إن أردت صحبتي فردّي ما معك من مال وحليّ وجوهر إلى بيت المسلمين، فإنه لهم، وإني لا أجتمع أنا، وأنت، وهو في بيت واحد،(1/160)
__________
فردته جميعه، فلما توفي عمر، وولى أخوها يزيد رده عليها، وقال: أنا أعلم أن عمر ظلمك، قالت: كلا والله وامتنعت من أخذه وقالت: ما كنت أطيعه حيّا وأعصيه ميّتا، فأخذ يزيد وفرقه على أهله.
وذكر الدينوري في كتابه = الأخبار الطوال = أثرا من آثار عمر بن العزيز أذكره هنا إتماما للفائدة فقد قال في إصلاح الحرم النبوي: ثم كتب الوليد إلى عمر ابن عبد العزيز أن يشتري الدور التي حول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزيدها في المسجد، ويجدد بناء المسجد.
وكتب إلى ملك الروم يعلمه ما همّ به من ذلك، ويسأله أن يبعث إليه ما استطاع من الفسيفساء، فوجه إليه منها أربعين وسقا، فبعث به إلى عمر بن عبد العزيز، فهدم عمر المسجد وزاد فيه، وبناه، وزينه بالفسيفساء.
وقال ابن العماد في = شذرات الذهب = في أحداث سنة إحدى ومائة:
في رجب منها توفي الخليفة العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي بدير سمعان من أرض المعرة، وله أربعون سنة، وخلافته سنتين وستة أشهر وأيام، كخلافة الصديق
يذكر أن في التوراة: أشج بني أمية تقتله خشية الله.
حفظ القرآن في صغره، وبعثه أبوه من مصر إلى المدينة فتفقه بها حتى بلغ مرتبة الاجتهاد.
جده لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب، وذلك أن عمر خرج طائفا ذات ليلة فسمع امرأة تقول لبنية لها: أخلطي الماء في اللبن، فقالت البنية: أما سمعت منادي عمر بالأمس ينهى عنه؟! فقالت: إن عمر لا يدري عنك، فقالت البنية: والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سرّا، فأعجب عمر عقلها، فزوجها ابنه عاصما، فهي جدة عمر بن عبد العزيز.
قال السيد الجليل رجاء بن حيوة: فذكر نحوا مما سبق ذكره في توليته وزاد:
ثم خرجوا في جنازته ركبانا وخرج عمر يمشى، فلما رجعوا أرسل عمر(1/161)
__________
إلى نسائه من أرادت منكن الدنيا فلتلحق بأهلها، فإن عمر قد جاءه شغل شاغل، فسمعت النواح في بيته يومئذ.
وقال أيضا: قوّمت ثياب عمر وهو يخطب باثني عشر درهما، وكانت حلته قبل ذلك بألف درهم لا يرضاها، وقال: إن لي نفسا ذوّاقة توّاقة كلما ذاقت شيئا تاقت إلى ما فوقه، فلما ذاقت الخلافة ولم يكن شيء في الدنيا فوقها تاقت إلى ما عند الله في الآخرة، وذلك لا ينال إلا بترك الدنيا.
ومن كلامه رضي الله عنه: ينبغي في القاضي خمس خصال: العلم بما يتعلق به، والحلم عند الخصومة، والزهد عند الطمع، والاحتمال للأئمة، والمشاورة لذوي العلم.
وعاتب مسلمة بن مالك أخته فاطمة زوجة عمر في ترك غسل ثيابه في مرض، فقالت: إنه لا ثوب له غيره. وكان مع عدله وفضله حليما رقيق الطبع.
قلت: ولا يفوتني في هذا المقام أن أذكر طرفا من شعره فمن ذلك قوله:
من كان حين تصيب الشمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا
ويألف الظلّ كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوما راغما جدثا
في قعر مظلمة غبراء موحشة ... يطيل في قعرها تحت الثّرى اللّبثا
تجهّزي بجهاز تبلغين به ... يا نفس قبل الرّدى لم تخلقي عبثا
ومما روي له أيضا:
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم؟ ... وكيف يطيق النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لخرّقت ... مدامع عينيك الدّموع السّواجم
تسرّ بما يبلى وتفرح بالمنى ... كما اغترّ باللّذات في اليوم حالم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والرّدى لك لازم
وسعيك فيما سوف تكره غبّه ... كذلك في الدّنيا تعيش البهائم
رحم الله أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وألحقنا به على الإيمان الكامل(1/162)
أن يجعل الخلافة في بني هاشم، فكتب إلى الآفاق ليأتيه فقهاؤهم فيشاوروه، وجعل يردّ المظالم وينصف من بني أمية، حتى أسرع ذلك في ضياعيهم.
وكان بنو مروان يعظمون أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص.
ذكر محمد بن الحسين قال: أخبرنا نوفل بن الفرات قال: كانت إذا دخلت على خلفاء بني أمية نزلت على أبواب مجالسهم.
فلما ولي عمر بن عبد العزيز دخلت عليه فتلقاها، وأنزلها، فلما جلست جعل يكلّمها ويقول: يا عمّة، أما رأيت الحرس بالباب مازحا أي أنه لا حرس لي.
__________
وأسكننا وإياه فسيح جناته آمين.
وقد ألفت في سيرته المؤلفات، ومن الكتب التي ترجمت له على سبيل التذكرة لا الحصر:
طبقات ابن سعد (5/ 330)، تاريخ خليفة (321، 322)، تاريخ البخاري (6/ 174)، تاريخ الفسوي (1/ 568)، تهذيب الكمال (2/ 1016)، تهذيب التهذيب (7/ 475)، تقريب التهذيب (2/ 59)، خلاصة التهذيب (2/ 274)، الكاشف (2/ 317)، الجرح والتعديل (1/ 663)، موسوعة رجال الكتب التسعة (6601)، سير أعلام النبلاء (5/ 114)، شذرات الذهب (1/ 119)، الثقات (5/ 151)، طبقات الحفاظ (46)، حلية الأولياء (5/ 254)، تراجم الأحبار (2/ 536)، البداية والنهاية (9/ 192)، الوافي بالوفيات (22/ 506)، الأخبار الطوال (326)، الكامل في التاريخ (4/ 312)، العبر (1/ 120)، فوات الوفيات (3/ 133)، العقد الثمين (6/ 331)، طبقات ابن الجزري (1/ 593)، النجوم الزاهرة (1/ 246)، تاريخ الخلفاء (228)، الأغاني (9/ 254)، طبقات الشيرازي (64)، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي، ولابن عبد الحكم، وللآجري، وغير ذلك كثير.(1/163)
فلما رأى أنها لا تكلمه قال: يا عمة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض والناس على نهر مورود، فولي بعده رجل قبض ولم يستقض منه شيئا، ثم ولي رجل آخر قبض ولم يستقض منه شيئا، ثم ولي رجل آخر كرى فيه ساقية، ثم كريت السّواقي حتى جفّ ماؤه وذهب، وإن قدرت لأعيدنّ ذلك النهر إلى مجراه.
قال: فقالت: فلا يسبّوا عندك أهل بيته.
قال: ومن يسبّهم؟ إنما هو الرجل (1) يرفع المظلمة، فآمر بردها.
ومن غير حديث ابن معين قال (2): فلما رأى ذلك بنو مروان دسّوا حاضنه وأعطوه ألف دينار على أن يسمّه، ففعل.
فلما أحس عمر من نفسه دعا الخادم فسأله فأقرّ، فقال له: كم [58] أعطيت؟
قال: ألف دينار.
فأخذها عمر منه فطرحها في بيت المال، وقال للخادم: انج لا تقتل، فمضى الخادم، ومات عمر.
وذكر ابن أبي شيخ: أن مجاهدا دخل على عمر في مرضه فقال له: ما يقول الناس يا مجاهد؟
قال: يقولون إنك مسحور.
فقال: لست مسحورا ولكني مسموم، سمّني غلامي هذا.
ثم قال له: ما حملك على ما فعلت؟
قال: جعل لي عتقي وألف دينار.
__________
(1) في = ب = إنما هو رجل بدون أداة التعريف وأحسبه سهوا من الناسخ.
(2) يبدو أنه حدث هنا سقط من = أ =، = ب =. حيث لم يذكر خبر قبل خبر ابن معين.(1/164)
قال: هات الألف، فأخذها، فجعلها في بيت المال، وقال: اذهب فأنت حرّ.
* ومنهم:
54 - عمر بن يزيد بن عمير الأسيديّ (1)
وكان يلي البصرة مرة، ويليها مالك بن المنذر بن الجارود مرة، وكان صديقا لمالك، فدخل بينهما رجل من بني كريز فأفسد ذلك، فولي مالك بن المنذر فحبس (2) الفرزدق وادّعى عليه أنه هجا نهر المبارك.
__________
(1) في = أ =، = ب = الأسدي وهو تحريف والتصويب من الكامل في التاريخ من أحداث سنة خمس ومائة حيث يقول في ذكر ولاية خالد القسري العراق (105):
فيها عزل هشام عمر بن هبيرة عن العراق واستعمل خالد القسري في شوال. قال عمر بن يزيد بن عمير الأسيدي: دخلت على هشام، وخالد عنده وهو يذكر طاعة أهل اليمن، فقلت: والله ما رأيت هكذا وخطلا، والله ما فتحت فتنة في الإسلام إلا بأهل اليمن، هم قتلوا عثمان، وهم خلعوا عبد الملك، وإن سيوفنا لتقطر من دماء أهل المهلب، قال: فلما قمت تبعني رجل من آل مروان فقال: يا أخا بني تميم ورت بك زنادي، قد سمعت مقالتك، وأمير المؤمنين قد ولى خالدا العراق وليست لك بدار، فسار خالد إلى العراق من يومه.
ثم قال عقب ذلك ضبطا للنسب الذي أشرت إليه:
الأسيدي: بضم الهمزة وتشديد الياء، هكذا يقوله المحدثون. وأما النحاة فإنهم يخففون الياء، وهي عند الجميع نسبة إلى أسيد بن عمرو بن تميم بضم الهمزة وتشديد الياء.
قلت: وكذا في المحبر بتشديد الياء (443).
(2) في = أ =: فجلس. والتصويب من = ب =.(1/165)
وكتب إلى خالد بن عبد الله القسري، وهو عامل العراق يحمله على عمر بن يزيد، فكتب إليه خالد يأمره بحبسه، فبعث إليه فحبسه في داره، ثم دس إليه من لوى عنقه فقتله.
فلما كان الغد حمل على دابة، وركب وراءه رجل يمسك ظهره، فجعل (1) رأس عمر يتذبذب، فجاء الذي وراءه [فضرب] (2) عنقه ويقول:
أقم رأسك فإنك نجاث (3) وادخل، فلما أصبحوا من غد قالوا: مصّ خاتمه وفيه سمّ ومات.
وكان الفرزدق محبوسا في غير السجن الذي كان فيه عمر، فأتى الفرزدق ابنه لبطه فقال: أما علمت أن عمر بن يزيد مصّ خاتمه فوجدوه ميتا؟
فقال له الفرزدق: وأعلم أن ذلك معمول [59] وأنه قتل وأبوك والله إن لم يلحق واسط سيمصّ خاتمه.
* ومنهم:
55 - قتادة بن سابة (4) بن ثابت بن معبد
أخو بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان أصاب دما في بني شريك فمشت السّفراء حتى صلح الأمر، فمشوا بذلك ما شاء الله.
ثم إن حريث بن أسود بن شريك، ومولى له يقال له: يقظان لقيا قتادة بالبصرة وقد أسلم خفّين له إلى إسكاف، فجعلا للإسكاف جعلا على أن يحبس خفّيه إلى الليل، ففعل ذلك.
وقال لقتادة: ائتني صلاة المغرب حتى أعطيك خفّيك، فلما جاء
__________
(1) في = أ =، = ب =: فحمل، وأظنه تحرف عما أثبت لاستقامة العبارة.
(2) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق أو نحوه.
(3) أي كثير البحث والتجسس عن أخبار الناس.
(4) كذا في = أ =، = ب = بسين مهملة وباء، ولم أوفق في العثور له على ترجمة فيما بين يدي من المراجع.(1/166)
ليأخذها وقد كمنا له شدّا عليه فقتلاه، وهاج بينهما الناس فصاحا: إنما نحن ثائران (1)، فأحجم الناس عنهما فنجيا.
وقال حريث في قتله:
فقلت له صبرا حريث (2) فإنّنا ... كذلك نجزي قرضكم آل مرثد
قتادة يعلو رهطه وعلوته ... بأبيض من ماء الحديد مهنّد
* ومنهم:
56 - عمرو بن محمد الثقفي
وكان عاملا على السند، فوجه إليه المنصور بن جمهور الكلبي وكان منصور بن جمهور افتعل عهدا فولي العراق، وهو الذي يقول له الناس: منصور بن جمهور أمير غير مأمور، وذلك في فتنة مروان بن محمد فوجه (3) عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي وكان عامل مروان رجلا من أهل الشام يقال له: فلان بن عمران يأخذ عمرا بالحساب، فحبسه، ودسّ إليه من قتله، فأصبح ميتا وأشاع أنه قتل نفسه من خوف المحاسبة.
* ومنهم:
57 - منظور بن جمهور أخو منصور
وكان منصور ضم إلى أخيه منظور رجلا من أهل الشام من أهل اليمن يقال له: رفاعة بن ثابت بن نعيم، فكان الغالب على أمر منظور، وكان يسامره وينادمه.
__________
(1) في = أ =، = ب =: ثائرين، وهو لحن أو تحريف.
(2) كذا الخطاب لنفسه فربما كان كذلك، وربما كان الخطاب للقاتل وهو قتادة على ما في البيت الثاني، والله أعلم.
(3) أصاب هذه العبارة تكرارا حيث ذكرت هذه الكلمة قبل ذكر الجملة الاعتراضية كما ذكر الاسم أيضا في حين ذكر قبل ذلك والذي يفهم من السياق بدونه مما أحدث اهتزازا للعبارة، وعدم تبادرها إلى الذهن.(1/167)
فلما ضبط أبو مسلم خراسان وجه على السند رجلا من بكر بن وائل، يقال له: معلّس، فبلغ ذلك رفاعة بن ثابت.
وأن معلّسا (1) قد دنا من السند، فقعد هو ومنظور ووصيف لمنظور يشربون، فلما أخذ فيهم الشراب نام منظور ووصيفه، وخرج رفاعة فأتى منزله وجاء بسيفه وبمولى له معه، وأخذ سكة فرسه، وأتى حائطا يفضي إلى درجة الغرفة التي منظور ووصيفه فيها، فنقبه هو ومولاه حتى أفضيا إلى الدرجة، فصعد إلى السطح، فإذا منظور ووصيفه نائمان، فقتل منظورا وجاء إلى الوصيف ليقتله، فانتبه الوصيف حين وجد مسّ الحديد، فقال: يا منظور تسامرني من أول الليل وتقتلني من آخره؟ وهو يظنه منظورا، فأجهز عليه.
وقال الوصيف لمنظور: افعل ما آمرك به وإلا قتلتك، فقال مرني بما شئت.
فقال: ادع لي صاحب الحرس على لسان مولاك وكان رجلا من بني أسد فأشرف الغلام وقال: الأمير يدعوك.
فلما أطلع رأسه قام رفاعة ومولاه فقتلاه، وجعل يقتل الرجل من الوجوه هكذا، حتى قتل ثمانية نفر.
قال الشاعر:
يا رفاع بن ثابت بن نعيم ... ما جزيت الإحسان بالإحسان
ولقد أتلفت يمينك خرقا ... أريحيّا وفارس الفرسان
[61] فأدال المليك منك فقد أص ... بحت في كفّ ثائر حرّان
وظفر منصور برفاعة فقتله.
__________
(1) كذا في = أ =، وفي = ب =: مغلسا، بالغين المعجمة.(1/168)
ومنهم:
58 - عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (1)
وكان عامل مروان على العراق قبل ابن هبيرة، فغلبت الخوارج على الكوفة، ثم مضوا إلى واسط، فحصروه بها وكان رئيس الخوارج الضحاك ابن قيس الشيباني، فلما طال حصاره بعث إليه عبد الله بن عمر: إني عاملك فامض، إلى مروان فقاتله، فإن ظفرت به أو قتلته فأنا عاملك وداع لك.
فمضى الضحاك فقتله مروان وولى يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق، فقتل الخوارج، وبعث إليه بعبد الله بن عمر فحبسه بحران، ثم دسّ إليه قوما فوضعوا على وجهه مرفقته، فأصبح في السجن ميتا.
* ومنهم:
59 - الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (2)
__________
(1) راجع التعليق على الترجمة القادمة.
(2) قال ابن الأثير في الكامل (5/ 72) في ذكر أحداث سنة اثنين وثلاثين ومائة في ذكر قتل إبراهيم بن محمد بن علي الإمام:
اختلف الناس في موته، فقيل: إن مروان حبسه بحران، وحبس سعيد بن هشام بن عبد الملك وابنيه: عثمان، ومروان، وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، والعباس بن الوليد بن عبد الملك، وإبراهيم بن محمد بن علي الإمام، وعبد الله بن عمر.
فلما كان قبل هزيمة مروان بالزاب بجمعة، خرج سعيد بن هشام، وابن عمه ومن معه من المحبوسين، فقتلوا صاحب السجن وخرجوا، فقتلهم أهل حران، ومن فيها من الغوغاء.
وكان فيمن قتله أهل حران شراحيل بن مسلمة بن عبد الملك، وعبد الملك بن بشر التغلبي، وبطريق أرمينية الرابعة واسمه: كوشان وتخلف أبو محمد السفياني في الحبس فلم يخرج فيمن خرج، ومعه غيره لم يستحلوا الخروج(1/169)
وكان نصر بن سيار كتب إلى مروان يعلمه بخروج أبي مسلم وكثرة تبعه، وأنه يخاف أن يستولي على خراسان، وأن الدعوة لإبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله.
فألقى الكتاب إلى مروان، وقد (1) أتى إبراهيم رسول أبي مسلم بكتاب.
فسأل إبراهيم الرسول: ممن هو؟
قال: من العرب، فرد كتاب جواب أبي مسلم يلعنه فيه أن اترك المواثبة لجديع (2) الكرماني ونصر بن سيار، ويأمره فيه ألا يدع بخراسان
__________
من الحبس. فقدم مروان منهزما من الزاب، فجاء فخلى عنهم.
وقيل: إن مروان هدم على إبراهيم بيتا فقتله.
وقد قيل: إن شراحيل بن مسلمة بن عبد الملك كان محبوسا مع إبراهيم، فكانا يتزاوران، فصار بينهما مودة، فأتى رسول شراحيل إلى إبراهيم يوما بلبن، فقال: يقول لك أخوك: إني شربت من هذا اللبن فاستطبته فأحببت أن تشرب منه، فشرب منه فتكسر جسده من ساعته وكان يوما يزور فيه شراحيل فأبطأ عليه فأرسل إليه شراحيل إنك قد أبطأت، فما حبسك؟
فأعاد إبراهيم إني لما شربت اللبن الذي أرسلت به قد أسهلني، فأتاه شراحيل، فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما شربت اليوم لبنا ولا أرسلت به إليك فإنا لله وإنا إليه راجعون، احتيل والله عليك، فبات إبراهيم ليلته وأصبح ميتا من الغد، فقال إبراهيم بن هرثمة يرثيه:
قد كنت أحسبني جلدا فضعضعني ... قبر بحرّان فيه عصمة الدين
فيه الإمام وخير الناس كلهم ... بين الصفائح والأحجار والطين
فيه الإمام الذي عمّت مصيبته ... وعدّلت كلّ ذي مال ومسكين
فلا عفا الله عن مروان مظلمة ... لكن عفا الله عمّن قال آمين
(1) في = أ =، = ب =: قال، وهو تحريف.
(2) في = أ =، = ب =: خديج، وهو تحريف وهو جديع بن علي بن شبيب بن عامر(1/170)
عربيّا إلا قتله.
فانطلق الرجل إلى مروان بالكتاب فوضعه في يده فكتب مروان إلى معاوية بن الوليد بن عبد الملك، وهو عامله على دمشق:
أن اكتب إلى عامل البلقاء فليسر إلى كداد [62] والحميمة، فليأخذ إبراهيم بن محمد فليشده وثاقه وليبعث به إليه مع خيل كثيفة، ثم وجّه به إلى أمير المؤمنين.
قال فأتي وهو جالس في مسجد القرية، فأخذ فلفّ رأسه وحمل، فأدخل على مروان، فأنبه وشتمه، فاشتد لسان إبراهيم عليه، قال: يا أمير المؤمنين ما أظن ما يروي الناس عليك إلا حقا في بغض بني هاشم، ومالي وما تصف؟
فقال له مروان: أدركك الله بأعمالك الخبيثة، فإن الله لا يأخذ على أول ذنب، اذهبا به إلى السجن.
فحبسه أياما، ثم أمر قوما فدخلوا إلى السجن بعد ما مر صدر من الليل، فغمّ إبراهيم في جراب نورة، وغمّ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بمرفقة، فأصبحا ميتين في غداة واحدة، رحمهما الله تعالى.
* ومنهم:
60 - أبو سلمة حفص بن سليمان مولى بني مسلية (1)
وكان يقال
__________
ابن براري بن صيم بن مليح بن شرطان (الجمهرة 381).
(1) كذا في = أ =، = ب = مسلية، والذي في شذرات الذهب (1/ 191) أبو مسلمة الخلال حفص بن سليمان السبيعي مولاهم الكوفي وزير آل محمد، ثم ذكر بيت الشعر المذكور بآخر الترجمة، وذلك في أحداث سنة ثلاث وثلاثين ومائة. وقال ابن الأثير في أحداث نفس السنة في الكامل (5/ 81، 82):
ذكر قتل أبي سلمة الخلال، فذكر نحوا من القصة، ثم قال بعد أن ذكر بيت(1/171)
له: وزير آل محمد
وكان أبو سلمة لما استتب الأمر واستقامت خراسان والجبال وفارس وجه أبو سلمة للعمال في السهل والجبل، ثم قام أبو سلمة نحوا من أربعين يوما لا يظهر أمر أبي العباس، وأبو جعفر، وعبد الله، وإسماعيل وعيسى، وداود بنو علي وقد قدموا من الشام فأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعيد في بني أود (1).
وكان القواد الذين قدموا من خراسان يقولون لأبي سلمة: أين الإمام؟
فيقول: لا تعجلوا.
وكان أبو سلمة يدبرها لبني فاطمة رضي الله عنها الله عنها فجعل يرثيهم ويقول: نعم اليوم، غدا، حتى خرج أبو حميد، وهو يريد الكناسة، فلقي مولى لهم [63] أسود قد كان يعرفه حيث كان يأتي إبراهيم بالشام، فلما رآه احتضنه وقال: ويلك، ما فعل الإمام ومواليك؟
قال: هم ها هنا والله مذ (2) أكثر من شهرين.
قال: وأين هم؟
قال: في دار الوليد بن سعيد في بني أود.
قال: فانطلق فأرينيهم، فخرج الأسود بين يديه، وأبو حميد يتبعه في موكبه حتى دخل فقال: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله، ثم أرسل عينيه بالبكاء وقال: ما لكم ها هنا؟
قالوا: تركنا أبو سلمة ها هنا منذ شهرين.
__________
الشعر المذكور بآخر الترجمة هنا:
وكان يقال لأبي سلمة: وزير آل محمد، ولأبي مسلم أمير آل محمد.
(1) في = أ =، = ب = أوو، وهو تحريف.
(2) في = ب =: منذ.(1/172)
فقال: يا أمير المؤمنين منذ شهرين أركب.
فحمله وأهل بيته، ثم أقبل بهم إلى المسجد، وعلم أبو سهل فيه.
فقال: إنما أخرت أمركم لإحكام ما أريد منه.
ثم إن العباس تنكر لأبي سلمة، فلما هموا به كرهوا الإقدام عليه دون مشاورة أبي مسلم، فكتب إليه يعلمه بغشه، وما أراد من صرف الأمر إلى غيره وما يتخوف منه.
فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: فليقتله أمير المؤمنين.
فقال له داود بن علي: لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج عليك أبو مسلم، وأهل خراسان الذين معك وحاله عندهم حاله، ولكن اكتب إلى أبي مسلم، مرّار بن أنس الضبي، فقدم على أبي العباس فأعلمه قدومه.
وكان أبو سلمة يسمر عند أبي العباس، فجاء مرّار الضبي فجلس على باب أبي العباس، فلما خرج أبو سلمة وتنحى عن الباب شدّ عليه فقتله.
فلما [64] أصبح لعن على باب الخليفة، وذكروا فسقه وغشه وغدره، فقال سليمان بن المهاجر البجلي:
إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك (1) كان وزيرا
* ومنهم:
61 - عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (2)
وكان عبد الله خرج في الكوفة في ولاية عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على العراق فقاتله فهزمه، فسار إلى المدائن فتبعه بها قوم فساروا إلى
__________
(1) في = ب =: يشنأك، وما هنا موافق للمصادر السابقة.
(2) ذكر ابن الأثير قصة قتله في الكامل في التاريخ في أحداث سنة تسع وعشرين ومائة (5/ 36، 38) في ذكر غلبة عبد الله بن معاوية على فارس وقتله.(1/173)
حلوان، فأخذ الجبال ودعا لنفسه، ثم مضى إلى أصبهان فأقام بها، ثم سار إلى إصطخر فجبى كور فارس، وضرب دراهم عليها:
{قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ}
فلما قدم يزيد بن عمر بن هبيرة عاملا على العراق بعد عبد الله بن عمر، وجّه إليه ابن ضبارة، فهزمه إلى سجستان، ثم سار إلى هراة، وقد استتب أمر خراسان لأبي مسلم، وأخذوا أخويه الحسن ويزيد ابني معاوية، فاعتقل في الحبس، ثم وجد ميتا فيه.
* ومنهم:
62 - يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري (أمير العراق لمروان بن محمد) (1)
__________
(1) ذكر ابن العماد في أحداث سنة اثنين وثلاثين ومائة في شذرات الذهب (1/ 190) وفاة ابن هبيرة وكذا ذكرها في نفس السنة ابن الأثير في الكامل (5/ 82) في ذكر محاصرة ابن هبيرة بواسط بأتم مما هنا.
وقال ابن العماد في الشذرات: وفي ذي القعدة قتل الأمير أبو خالد يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين لمروان وله خمس وأربعون سنة، وهو آخر من جمع له العراقان، وكان شهما طويلا شجاعا خطيبا مفوها جوادا، مفرط الأكل، ولما تواقع هو وبنو العباس هرب إلى واسط فحاصروه بها وثبت معه معن بن زائدة الشيباني، وكان أبو جعفر المنصور السفاح يعيره فيقول: ابن هبيرة يخندق على نفسه كالنساء، فأرسل إليه ابن هبيرة أن ابرز إلي.
فقال المنصور: خنزير قال لأسد ابرز إليّ، فقال الأسد: ما أنت بكفؤ لي.
قال الخنزير: لأعرفنّ السباع أنك جبنت.
فقال الأسد: احتمال ذلك أيسر من تلطخ براثني بدمك.
ثم أمنه المنصور وغدر به.
وقال: لا يعز ملك وأنت فيه.(1/174)
وكان أبو جعفر المنصور حاصره بواسط ومعه: حميد، والحسن ابنا قحطبة، ومالك بن الهيثم الخزاعي فطلب الأمان، وكتب إلى أبي العباس بذلك، فأعطاه الأمان على نفسه وأقربائه وحاشيته وقواده، فمكث كتاب الأمان يقرأ على الفقهاء أكثر من أربعين يوما حتى أكد.
فأراد أبو جعفر الوقاية، وإنّ داود بن علي ولي الحجاز وصاحب مقدمته أبو حماد.
فأخذ أبو حماد رجلا [65] فقال له: أين تريد؟
قال العراق، قال: ممن أنت؟ قال من موالي بني هاشم، ففتشه فلم يجد معه كتابا، فقدمه ليضرب عنقه، فقال: لا تعجل وفتق قباء محشوا فأخرج منه حريرة فيها كتاب من محمد بن عبد الله بن الحسين جواب كتاب ابن هبيرة كتب إليه:
لا تعجل بالخروج، وماطلهم حتى يستتب أمرنا، فقد ذكرت أن قبلك من فرسان العرب ثلاثين ألفا، فدافع القوم بتأكيد الأمان.
فرفع الرجل والحريرة إلى داود فقتل الرجل وبعث بالحريرة إلى أبي العباس.
فكتب أبو العباس إلى أبي جعفر يأمره بقتله، فراجعه أبو جعفر وأراد الوفاء له فكتب إليه:
إن أنت فعلت وإلا أمرت على عسكرك الحسن بن قحطبة.
وقد كان أبو جعفر أحرز الخزائن والأموال، وجعل ابن هبيرة يركب غبّا إلى أبي جعفر في قواد أهل الشام، فلما همّ بذلك بعث خازم بن خزيمة
__________
وكان رزق ابن هبيرة في كل سنة ستمائة ألف، وكان يأكل في يومه خمس أكلات عظام. وقتل وهو ساجد.(1/175)
النهشلي، والهيثم بن شعبة، والأغلب بن سالم وكلّ من (1) بني تميم وفي جماعة أصحابهم، فدخلوا رحبة القصر، وأرسلوا إلى ابن هبيرة: إنا نريد أن ننظر إلى الخزائن ونحمل ما فيها.
فأذن لهم فدخلوا وطافوا ساعة، وجعلوا يخلفون عند كل باب جماعة من أصحابهم، ثم انصرفوا إليه، فقالوا: أرسل معنا من يدلنا على المواضع التي فيها الخزائن وبيوت الأموال.
فقال: أو ليس قد ختمتم عليها وأحرزتموها؟
يا أبا عثمان يريد كاتبه اذهب معهم فادللهم على الذي يريدون، أو أرسل معهم، فأرسل معهم، [66] فطاف خازم وأصحابه في القصر، ثم أقبل على ابن هبيرة وعليه قميص مصري، وملاءة مؤزّرة، وهو مسند ظهره إلى حائط المسجد، وبنيّه صبح غلام صغير في حجره، فقتلوا داود ابنه وكاتبه، وحاجبه، وأربعة من مواليه، ثم مشوا نحوه، فخرّ ساجدا وقال: نحّوا عني هذا الصبي، فقتلوه وهو ساجد.
وبعث أبو جعفر إلى قواده وهم يعلمون بأمر ابن هبيرة فلما أدخلوا الرواق كتفوا ودفعوا إلى القواد فقتلوهم في منازلهم.
* ومنهم:
63 - عليّ 64وعثمان ابنا جديع الكرماني الأزدي (2)
__________
(1) في = ب =: في، وكلتيهما تؤديان المعنى.
(2) ذكر ابن الأثير قصة قتلهما في الكامل في أحداث سنة ثلاثين ومائة (5/ 46، 47) في ذكر مقتل ابني الكرماني، فقال في آخرها: واتفق رأي أبي مسلم، ورأي أبي داود على أن يقتل أبو مسلم عليا، ويقتل أبو داود عثمان، فلما قدم أبو داود بلخ بعث عثمان عاملا على الجبل فيمن معه من أهل مرو، فلما خرج من بلخ، تبعه أبو داود فأخذه وأصحابه فحبسهم(1/176)
وكانا سارا إلى أبي مسلم بعد قتل نصر بن سيار أباهما غيلة وغدرا، فناصحا أبا مسلم وأحسنا معونته، حتى إذا استقامت خراسان دعا أبو مسلم عليا، فقال له: سمّ لك أصحابك، فقد نصحت وأحسنت، وقضيت ما عليك، وبقي ما علينا، فسماهم له.
فولي عثمان أخاه طخارستان، ففرق عنه فرسانه.
ثم قال له: أحضر لي أصحابك لأجيزهم.
فقال لهم علي: اغدوا على جوائز أبي مسلم، فغدوا، وغدا، فأدخلوا دارا، فأعطوا فيها الجوائز.
ثم قيل: ادخلوا فتشكروا لأبي مسلم.
فلما خرجوا أدخلوا دارا أخرى قمطوا، وأخذت الجوائز منهم فقتلوا.
وكتب إلى أبي داود الذهلي وهو خالد بن إبراهيم لا يغلبنك عثمان بن الكرماني.
فاتخذ لهم طعاما، وبعث إليه، فأتاه في قوّاده ووجوه فرسانه وكان أبو داود عاملا على ما وراء النهر فلما أتوه وحضر الطعام أخذوا فضربت أعناقهم، ثم ركب إلى عسكرهم، [67] فقتل فيه تسعمائة رجل، وتتبع من كان أبو مسلم ولاه منهم فقتله.
* ومنهم:
65 - عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس (1)
__________
جميعا ثم ضرب أعناقهم صبرا.
وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم علي بن الكرماني، وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمي له خاصته ليوليهم، ويأمر لهم بجوائز وكسوات فسماهم له، فقتلهم جميعا.
(1) قال ابن العماد في شذرات الذهب في أحداث سنة سبع وثلاثين(1/177)
__________
(1/ 205): في أولها بلغ عبد الله بن علي موت ابن أخيه السفاح فدعا بالشام إلى نفسه، وعسكر بدابق، وزعم أن السفاح جعله ولي عهده من بعده، وأقام شهودا بذلك، فجهز المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني، فالتقى الجمعان في نصيبين في جمادى الآخرة، فاشتد القتال، ثم انهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة، وبها أخوه، وحاز أبو مسلم خزانته، وكان شيئا عظيما لأنه استولى على جميع نعمة بني أمية، فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يده فصعب ذلك على أبي مسلم، وأزمع على خلع المنصور، ثم سافر نحو خراسان فأرسل إليه المنصور يستعطفه ويمنيه، وما زال به حتى وقع في براثنه، فأقدم على قتله، فقتله في شعبان كما تقدم (أي في الشذرات).
وقال ابن الأثير في الكامل (5/ 124) في أحداث سنة تسع وثلاثين ومائة في ذكر حبس عبد الله بن علي: لما عزل سليمان عن البصرة اختفى أخوه عبد الله بن علي ومن معه من أصحابه خوفا من المنصور، فبلغ ذلك المنصور، فأرسل إلى سليمان وعيسى ابني علي بن عبد الله بن عباس في إشخاص عبد الله، وأعطاهما الأمان لعبد الله وعزم عليهما أن يفعلا، فخرج سليمان وعيسى بعبد الله وقواده ومواليه حتى قدموا على المنصور في ذي الحجة، فلما قدموا عليه أذن لسليمان وعيسى، فدخلا عليه، وأعلماه حضور عبد الله، وسألاه الإذن له فأجابهما إلى ذلك وشغلهما بالحديث وكان قد هيأ لعبد الله مكانا في قصره فأمر به أن يصرف إليه بعد دخول سليمان، وعيسى ففعل به ذلك.
ثم نهض المنصور وقال لسليمان وعيسى خذا عبد الله معكما.
فلما خرجا لم يجدا عبد الله، فعلما أنه قد حبس، فرجعا إلى المنصور فمنعا عنه، وأخذت عند ذلك سيوف من حضر من أصحابه وحبسوا.
وقد كان خفاف بن منصور حذرهم ذلك، وندم على مجيئه معهم، وقال: إن(1/178)
وكان عبد الله لما بلغه موت أبي العباس خلع أبا جعفر ودعا إلى نفسه، وكان أبو جعفر حاجا.
وثار عيسى بن موسى بن محمد بن علي، فأحرز الخزائن وضبط الأمر حتى قدم أبو جعفر، فوجه أبا مسلم لحربه، فحاربه فهزمه.
فلجأ إلى أخيه: سليمان بن علي وهو عامل على البصرة فأخذ له الأمان المؤكد.
ثم إن أبا جعفر دفعه إلى عيسى بن موسى فكان محبوسا عنده، فجعل يرفّه عنه، ويشتري له الجارية بعد الجارية.
ولما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة أمر عيسى بن موسى بالخروج إليه، وأن يدفعه إلى أبي الأزهر عبد الملك بن عبيثر المهري، فجاء به حتى أدخله بيتا في قصر أبي جعفر.
وخرج أبو جعفر إلى أوانا وسقط البيت على عبد الله بن علي رحمه الله.
* ومنهم:
66 - أبو مسلم صاحب الدولة
وكان أبو جعفر وجهه أبو العباس في ثلاثين من وجوه قريش، والعرب إلى خراسان زائرا أبا مسلم فرأى منهم استخفافا [أو أشيئا] (1)
__________
أطعتموني شددنا شدة واحدة على أبي جعفر، فو الله لا يحول بينه وبيننا حائل حتى نأتي عليه، ولا يعرض لنا أحد إلا قتلناه، وننجو بأنفسنا فعصوه، فلما أخذت سيوفهم، وحبسوا جعل خفاف يضرط في لحية نفسه، ويتفل في وجوه أصحابه.
ثم أمر المنصور بقتل بعضهم بحضرته، وبعث الباقين إلى أبي داود خالد بن إبراهيم بخراسان فقتلهم بها.
(1) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق أو نحوها.(1/179)
احتقنها أبو جعفر عليه.
وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه قبله، فكان أبو جعفر يقول لأبي العباس كثيرا: إنه لا ملك لك وأبو مسلم حيّ، فتغدّه قبل أن يتعشّى بك.
وكان أبو العباس يأبى ذلك لقدره في أهل خراسان.
فلما أفضى الأمر إلى أبي جعفر، وكان أبو مسلم حاجّا، فقدم ووجّه أبو جعفر فحارب عبد الله بن علي واستباح عسكره.
ثم وجه أبو جعفر إلى أبي مسلم يقطين بن موسى لقبض ما صار في يد أبي مسلم من عسكر [68] عبد الله.
فغضب أبو مسلم وقال: لا يوثق بي في هذا القدر وشتم شتما قبيحا.
ومضى من الأنبار يريد خراسان مخالفا، ومضى أبو جعفر إلى المدائن فنزل الرومية.
وقد كان قيل لأبي مسلم: إنك تقتل بالروم، فوجه أبو جعفر إلى أبي مسلم جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي، وكان أرجل أهل زمانه، وكتب معه، فلم يلتفت إلى كتابه.
فلم يزل جرير يقتل أبا مسلم في الذروة والغارب حتى أقبل إلى أبي جعفر.
فلما قدم عليه أمر القواد والناس أن يتلقوه، ثم أذن له فدخل على دابته وعانقه وأكرمه، وقال: كدت تخرج قبل أن أفضي إليك ما أريد.
قال: يا أمير المؤمنين، قد أتيتك فمر بأمرك.
قال: انصرف إلى منزلك، فضع ثيابك، وادخل الحمام يذهب عنك كلال السفر.
فجعل أبو جعفر ينتظر به الفرص، فمكث به أياما يأتي أبا جعفر كل يوم فيريه من الإكرام أكثر مما أراه قبل ذلك، ويتزيد في القرب واللطف، حتى إذا مضت له أيام، أقبل على التجني عليه.
فأتى أبو مسلم عيسى بن موسى، فقال: اركب معي إلى أمير المؤمنين فإني أريد عتابه بحضرتك.(1/180)
فجعل أبو جعفر ينتظر به الفرص، فمكث به أياما يأتي أبا جعفر كل يوم فيريه من الإكرام أكثر مما أراه قبل ذلك، ويتزيد في القرب واللطف، حتى إذا مضت له أيام، أقبل على التجني عليه.
فأتى أبو مسلم عيسى بن موسى، فقال: اركب معي إلى أمير المؤمنين فإني أريد عتابه بحضرتك.
فقال له: تقدم حتى آتيك.
فقال: إني أخافه.
فقال له عيسى: أنت في ذمّتي.
وأقبل أبو مسلم، فقيل له: ادخل، فدخل حتى إذا صار إلى الرواق قيل: أمير المؤمنين يتوضأ، فلو جلست؟ فجلس، وأبطأ عيسى عليه، وقد هيّأ أبو جعفر عثمان بن نهيك العكّيّ وهو على حرسه في عدّة فيهم شبيب بن واج (1)، وأبو حنيفة.
وتقدم إلى عثمان فقال: إذا عاتبته فعلا [69] صوتي فلا تحرّكوا، فإذا صفّقت بيدي فدونك يا عثمان.
وقد صيّر عثمان وأصحابه في رواق خلف أبي جعفر.
ثم قيل لأبي مسلم: قد جلس أمير المؤمنين، فقم.
فقام ليدخل، فقيل له: انزع سيفك.
فقال: ما كان يصنع هذا بي؟
قالوا: وما عليك؟
فنزع سيفه وعليه قباء أسود على جبه خزّ بنفسجية، فدخل فسلّم وجلس على وسادة ليس في المجلس غيرها (2) وخلف ظهره القوم.
فقال: يا أمير المؤمنين صنع بي ما لم يصنع بأحد، نزع سيفي من
__________
(1) في = ب =: راج، والتصويب من = أ = معجم ياقوت وقد قال فيها: واج روذ:
موضع بين همذان وقزوين، كانت فيه وقعة للمسلمين سنة (29) مع الفرس والديلم وكان ملك الديلم يقال له: موثا، وكانت وقعة شديدة تعدل وقعة نهاوند فانتصر المسلمون، وكان أميرهم نعيم بن مقرن.
(2) في = ب =: غيرهما. وهو تحريف من الناسخ.(1/181)
عنقي.
قال: ومن فعل ذلك بك قبحه الله؟!
ثم أقبل يعاتبه: فعلت، وفعلت.
فقال أبو مسلم: ليس يقال هذا لي بعد بلائي، وما كان مني.
فقال: يا ابن الخبيثة، ولو كانت أمة مكانك لأجزأت ناحيتها، إنما عملت ما علمت في دولتنا، ألست الكاتب إليّ تبدأ بنفسك، والكاتب إليّ تخطب أمينة بنت علي بن عبد الله بن العباس، وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن العباس؟
لقد ارتقيت لا أمّ لك مرتقا صعبا وهو يفرك بيديه فلما رأى أبو مسلم عينيه، قال يا أمير المؤمنين لا تدخل على نفسك، فإن قدري أصغر من أن يبلغ هذا منك.
ثم صفق بيديه، فضربه عثمان ضربة خفيفة، فأخذ برجل أبي جعفر، وقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، فدفعه برجله، وضربه شبيب بن واج ضربة على حبل العاتق، فأسرعت فيه، فصاح: وانفساه، ألا قوّة، إلا مغيث؟! وخرج القوم، فاعتوروه بأسيافهم، [70] فقتلوه ولحق بأمه الهاوية (1).
__________
(1) وتاريخه طويل وأخباره كثيرة ذخرت بها كتب التاريخ حتى كانت نهايته التي ذكرها المؤلف هنا، وفي نهايته يقول ابن الأثير في كتابه = الكامل = (5/ 113105) في لحظات قتله الأخيرة بعد أن ذكر نحو ما هنا: فقتلوه في شعبان لخمس بقين منه (أي من سنة سبع وثلاثين ومائة) فقال المنصور:
زعمت أن الدّين لا يقضى ... فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كأسا وكنت تسقي بها ... أمرّ في الحلق من العلقم
وكان أبو مسلم قد قتل في دولته ستمائة ألف صبرا.(1/182)
* ومنهم:
67 - معن بن زائدة الشيباني (1)
وكان أبو جعفر ولاه اليمن، فلما صار إلى الكوفة بعث إلى محمد بن سهل راوية شعر الكميت بن زيد، فأتاه.
فقال: أنشدني قصيدة الكميت التي يدعو فيها ربيعة إلى قطع حلفها مع اليمن، وهي: ألم تلمم على الطّل المحيل
فأنشده إيّاها حتى أتى عليها، وأمر بعمامة فلويت ومدّت بين رجلين، ثم قام معن فضربها بالسيف فقطعها.
وقال: اشهدوا أني قد قطعت حلف اليمن وربيعة كما قطعت هذه
__________
(1) كان قتله في سنة إحدى وخمسين ومائة على ما في = شذرات الذهب = (1/ 231)، و = الكامل في التاريخ = (5/ 201) وفي وفاته يقول ابن الأثير: في هذه السنة قتل معن بن زائدة الشيباني بسجستان، وكان المنصور قد استعمله عليها، فلما وصلها أرسل إلى رتبيل يأمره بحمل القرار الذي عليه كل سنة فبعث إليه عروضا وزاد في ثمنها.
فغضب معن وسار إلى الرخج، وعلى مقدمته ابن أخيه مزيد بن زائدة، فوجد رتبيل قد خرج عنها زابلستان، ليصيف بها، ففتحها معن وأصاب سبيا كثيرا، وكان في السبي فرج الرخجي وهو صبي، وأبوه زياد فرأى معن غبارا ساطعا أثارته حمر الوحش، فظن أنه جيش أقبل ليخلص السبي والأسرى، فأمر بوضع السيف فيهم، فقتل منهم عدّة كثيرة، ثم ظهر له أمر الغبار، فأمسك.
فخاف معن الشتاء وهجومه، فانصرف إلى بست، وأنكر قوم من الخوارج سيرته، فاندسوا مع فعلة كانوا يبنون في منزله، فلما بلغوا التسقيف أخفوا سيوفهم في القصب، ثم دخلوا عليه بيته وهو يحتجم، ففتكوا به، وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه. وقال أحدهم لما ضربه: أنا الغلام الطاقي، والطاق وستاق بقرب زرنج. فقتلهم يزيد بن مزيد، فلم ينج منهم أحد.(1/183)
العمامة. ثم سار إلى اليمن فأوعث فيها.
فلما ولي سجستان ابتنى بها دارا، فدخل عليه قوم متشبّهة بالفعلة، وهو مغترّ، قد احتجم، فمالوا عليه، فقتلوه.
* ومنهم:
68 - عقبة بن سلم الهنائي
وكان أبو جعفر ولاه البحرين، فجعل يباري معنا بالقتل حتى أثخن في ربيعة.
فلما كان زمان المهدي تبعه رجل فاغتاله وهو راكب، فوجأه وجأة بخنجر مسموم، فوقع في منطقته حتى وصل إلى جوفه.
فأخذ، فأتي به المهدي، فسأله: ممن هو؟
فلم يجبه من هو، ولا من أي البلدان هو، فسأله أين كان يأوي؟ وأين كان يطعم؟
فقال: كنت آوي المساجد، وأطعم في سوق البقّالين، فقتله المهدي، فبه تضرب العامة المثل: أخسر من قاتل عقبة.
* ومنهم:
69 - الربيع بن يونس الحاجب (1)
وكان هو أهدى إلى موسى
__________
(1) ذكر ابن العماد وفاته في أحداث سنة سبعين ومائة (1/ 274) وذكرها ابن الأثير في أحداث سنة تسع وستين ومائة.
وقال ابن العماد في = شذرات الذهب =:
وفيها توفي الربيع بن يونس أبو الفضل حاجب المنصور، والمهدي وله مع المنصور أمور منها:
أن المنصور قال له يوما سلني حاجتك، قال: أن تحب ابني.
قال: إن المحبة تقع بأسباب.
قال: قد أمكنك الله من أنواع أسبابها.
قال: كيف؟(1/184)
الهادي أمّة العزيز، فوقعت منه بالموقع [71] الذي لم يقع أحد عنده مثله، فبلغه أن الربيع يقول: ما خلوت بامرأة أطيب خلوة من أمة العزيز.
فتغدّى معه، وقال له: اشرب على غدائك أقداحا. وأمر صاحب شرابه فجدح (1) له في قدحه سمّا، فلما صار في جوفه انصرف فمات من تحت ليلته.
__________
قال: تفضل عليه فيحبك.
قال: لا والله قد أجبته قبل إيقاع السبب، ولكن كيف اخترت له المحبة دون كل شيء. قال: لتكون ذنوبه عندك كذنوب الصبيان وشفاعته كشفاعة العريان، وأشار إلى قول الورد:
ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
وقال له يوما: يا ربيع ما أطيب الحياة لولا الموت.
فقال: ما أطيبها إلا الموت، يعني بموت من قبلك وصلت إليك الخلافة.
(1) أي خلط.(1/185)
* ومنهم:
70 - إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن على بن أبي طالب (1)
وكان خرج على موسى الهادي [هو] (2) والحسن، والحسين ابنا علي بن الحسن بن الحسن، فقتلا بفخ.
__________
(1) ذكر وفاته ابن العماد في = شذرات الذهب = في سنة تسع وستين ومائة (1/ 269) فقال: وقتل الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن الذي خرج أبوه زمان المنصور، وهرب إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب فقام معه أهل طنجة، وهو جد الشرفاء الإدريسيين. ثم تحيل الرشيد وبعث من سمّ إدريس، فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس، وتملك مدة، وحكى ابن الأثير في = الكامل = (5/ 268) في أحداث سنة تسع وستين ومائة أيضا في آخر ذكره لظهور الحسين بن علي بن الحسن، فيقول: وأفلت من المنهزمين إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فأتى مصر، وعلى بريدها واضح مولى صالح بن منصور، وكان شيعيا لعلي فحمله على البريد إلى أرض المغرب، فوقع بأرض طنجة بمدينة وليلة، فاستجاب له من بها من البربر فضرب الهادي عنق واضح وصلبه.
وقيل: إن الرشيد هو الذي قتله، وإن الرشيد دسّ إلى إدريس الشماخ اليمامي مولى المهدي، فأتاه وأظهر أنه من شيعتهم، وعظمه وآثره على نفسه، فمال إليه إدريس وأنزله عنده.
ثم إن إدريس شكى إليه مرضا في أسنانه، فوصف له دواء وجعل فيه سمّا، وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر، فأخذه منه، وهرب الشماخ، ثم استعمل إدريس الدواء، فمات منه، فولّى الرشيد الشماخ بريد مصر.
ولما مات إدريس بن عبد الله خلف مكانه ابنه إدريس بن إدريس، وأعقب بها وملكوها ونازعوا بني أمية في إمارة الأندلس.
(2) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.(1/186)
وانظم إدريس إلى أهل المغرب، فحملوه إلى بلادهم، واشتملوا عليه، وأعظموه وأمّروه عليهم.
فلما ولي هارون الرشيد وولّى هرثمة إفريقية دسّ هرثمة رجلا من أهل المدينة لإدريس، وجعل له بقتله مائة ألف درهم.
فقدم المدني عليه، فأنس به إدريس وجعل يسأله عن أهله فيخبره بمعرفة حتى غلب عليه ووثق به وجعل يهتبل الفرصة ويضع الخيل في القرى فيما بينه وبين إفريقية.
وإن إدريس اشتهى سمكا طريّا، فقال له المدني: أنا حسن العلاج له، فعالجه وسمّه، ثم خرج يريد حاجة، ودعا إدريس بالسمك، فلما أكله واستقر في جوفه ركب.
فجعل يركب من قرية إلى قرية، ويحلف (1) ما تحته حتى وصل إلى إفريقية، وكانت جاريته حاملا، فولدت غلاما فسمي إدريس بن إدريس.
* ومنهم:
71 - الفضل بن سهل وزير عبد الله المأمون (2)
وكان قد ضيّق على
__________
(1) كذا جاءت العبارة وربما كان معنى هذه الكلمة يحلف بضم الياء أي يأخذ منهم البيعة أو العهد، ومما كانت: = تحلف = وتحرفت والقصد تهرى ما تحته من أعضاء الجسم أو اللحم، فالله أعلم.
(2) ذكر ابن الأثير مبدأ رفعة شأن الفضل بن سهل في أحداث سنة ست وتسعين ومائة (5/ 383) في ذكر فضل بن سهل فقال: في هذه السنة خطب المأمون بإمرة المؤمنين، ورفع منزلة الفضل بن سهل، وسبب ذلك أنه لمّا أتاه خبر قتل ابن ماهان، وعبد الرحمن بن جبلة، وصح عنده الخبر بذلك أمر أن يخطب له بأمير المؤمنين.
ودعا الفضل بن سهل، وعقد له، على المشرق من جبل همذان إلى التبت(1/187)
__________
طولا، ومن بحر فارس إلى بحر الديلم وجرجان عرضا، وجعل له عماله ثلاثة آلاف ألف درهم، وعقد له لواء على سنان ذي شعبتين، ولقبه ذا الرياستين، رياسة الحرب، والقلم، وحمل لواء علي بن هاشم، وحمل القلم نعيم بن حازكم، وولّي الحسن بن سهل ديوان الخراج.
ثم أورد قتله في أحداث سنة اثنتين ومائتين (5/ 445444) في ذكر مسير المأمون إلى العراق وقتل ذي الرياستين فقال: وفي هذه السنة سار المأمون من مرو إلى العراق واستخلف على خراسان غسان بن عبادة، وكان سبب مسيره: أن علي بن موسى الرضا أخبر المأمون بما الناس فيه من الفتنة والقتال مذ قتل الأمين، وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من أخبار. وأن أهل بيته والناس قد نقموا عليه أشياء، وأنهم يقولون: مسحور مجنون، وأنهم قد بايعوا إبراهيم بن المهدي بالخلافة، فقال له المأمون: لن يبايعوه بالخلافة، وإنما صيروه أميرا ليقوم بأمرهم على ما أخبر به الفضل فأعلمه أن الفضل قد كذبه، وأن الحرب قائمة بين الحسن بن سهل وإبراهيم، والناس ينقمون عليك مكانه، ومكان أخيه الفضل، ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك؟
فقال: ومن يعلم هذا؟
قال: يحيى بن معاذ، وعبد العزيز بن عمران، وغيرهما من وجوه العسكر، فأمر بإدخالهم، فدخلوا، فسألهم عما أخبره به علي بن موسى، ولم يخبروه حتى يجعل لهم الأمان من الفضل، أن لا يعرض إليهم فضمن لهم ذلك، وكتب لهم خطّه به.
فأخبروه بالبيعة لإبراهيم بن المهدي، وأن أهل بغداد قد سموه الخليفة السني، وأنهم يتهمون المأمون بالرفض لمكان علي بن موسى منه. وأعلموه بما فيه الناس، وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة، وأن هرثمة إنما جاءه لينصحه فقتله الفضل.
وإن لم يتدارك أمره وإلا خرجت الخلافة من يده وأن طاهر بن الحسين قد(1/188)
المأمون، وحال بينه وبين كثير من [72] لذّاته. وقد كان أخذ عليه ألا ينظر في قصة أحد حتى صار كالوحي الحاجر عليه.
فدسّ المأمون غالبا الروميّ مولاه فدخل عليه الحمام فقتله فيه، ومضى، فأتى به المأمون فقتله.
وقتل بسبب الفضل: على بن أبي سعد، وعبد العزيز بن عمران
__________
أبلى في طاعته ما يعلمه، فأخرج من الأمر كله، وجعل في زاوية من الأرض بالرقة لا يستعان به في شيء حتى ضعف أمره وشغب عليه جنده، وأنه لو كان ببغداد لضبط الملك، وأن الدنيا قد تفتقت من أقطارها.
وسألوا المأمون الخروج إلى بغداد، فإن أهلها لو رأوك لأطاعوك. فلما تحقق ذلك أمر بالرحيل، فعلم الفضل بالحال، فبغتهم حتى ضرب بعضهم، وحبس بعضهم، ونتف لحى بعضهم.
فقال علي بن موسى للمأمون في أمرهم، فقال: أنا أداري، ثم ارتحل، فلما أتى سرخس وثب قوم بالفضل بن سهل فقتلوه في الحمام، وكان قتله لليلتين خلتا من شعبان، وكان الذين قتلوه أربعة نفر أحدهم غالب المسعودي الأسود، وقسطنطين الرومي، وفرج الديلمي، وموفق الصقلي، وكان عمره ستين سنة وهربوا فجعل المأمون لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار، فجاء بهم العباس بن الهيثم الدينوري فقالوا للمأمون: أنت أمرتنا بقتله.
فأمر بهم فضربت رقابهم. وقيل: إن المأمون لما سألهم فمنهم من قال: إن علي بن أبي سعيد ابن أخت الفضل بن سهل وضعهم عليه، ومنهم من أنكر ذلك فقتلهم، ثم أحضر عبد العزيز بن عمران، وعليّا وموسى وخلقا فسألهم، فأنكروا أن يكونوا علموا بشيء من ذلك فلم يقبل منهم، وقتلهم وبعث برءوسهم إلى الحسن بن سهل، وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل وأنه قد صيره مكانه، فوصله الخبر في رمضان.(1/189)
الطائي، وخلف المصري، ومؤنس البصري.
* ومنهم:
72 - إسحاق بن موسى الهادي (1)
وكان الحربية (2) استملت عليه وأمرته والمأمون بخراسان، حين خرج إبراهيم بن المهدي، فاستولى على الأمر، فدسّ إليه المأمون ابنه وخادما له فقتلاه. ثم أقاد به ابنه، وقتل الخادم بالسياط.
* ومنهم:
73 - حميد بن عبد الحميد الطّوسي
كان حميد كثيرا ما يقول: ما للمأمون عندي يد، إنما الأيادي عندي لأبي محمد الحسن بن سهل، فيرفع إليه.
وإنه دعاه المأمون يوما، فأتاه وعنده أحمد بن أبي خالد الأحول، وكان الذي بين حميد، وبين أحمد بن أبي خالد شيئا، فلما قربت المائدة أجلس المأمون ابن أبي خالد معه على المائدة، فساء ذلك حميدا.
فقال له: يا أمير المؤمنين، لا أماتني الله حتى يريني الدنيا عليك سهلة حتى نرى أيّنا أنفع لك.
فقال له ابن أبي خالد: يا أمير المؤمنين، إنما يتمنى فساد ملكك والفتنة.
فقام المأمون عن المائدة، ولم يتمّ غداءه واحتقنها عليه. وإنه لما أراد المأمون الخروج للبناء ببوران ابنة الحسين بن سهل.
قال لحميد: يا أبا غانم قد أذنت لك في الحج، فانصرف حميد
__________
(1) جاء ذكر في أحداث سنة ثنتين ومائتين من كتاب = الكامل = (5/ 441) في ذكر بيعة إبراهيم بن المهدي، فقال: واستعمل على الجانب الشرقي منها إسحاق بن موسى الهادي.
(2) الحربية: محلة كبيرة مشهورة ببغداد عند باب حرب قرب مقبرة بشر الحافي، وأحمد بن حنبل وغيرهما تنسب إلى حرب بن عبد الله البلخي ياقوت في = معجم البلدان =.(1/190)
مسرورا، فدعا قهارمته فأمرهم بآلات السفر، ثم أتاه جبريل بن بختيشوع (1)
فقال: يا أبا غانم [73] طرّ بدنك، فإني أرجو أن تأتيني بكل جارية معك حاملا.
وكان حميد مغرما بالنكاح، حلالا وغيره، فسقاه شربة وكان عنده متطيب يقال له عبد الله الطّيفوري.
فلما رأى الشربة قال لجبريل: أبو غانم اليوم قد ضعف عن هذه.
فقال له جبريل: قد نسيت اليوم.
وعرف الطيفوري قصة الشربة، فلم يكشف له أمرها، فلما شربها أخلفته (2) مائتي مرة، وجعل الطيفوري يطفئها حتى ثماثل قليلا.
ثم أقام بعد ذلك، فشكا إليه ما أصابه من الشربة.
فقال له: ادخل الساعة الحمام، فدخل من ساعته الحمام، فانتقضت به، فمكث مبطونا شهر رمضان كله، ومات ليلة الفطر سنة عشر ومائتين.
فخبرني أبو عصام وكان صدوقا أن الطيفوري كان يطيف بقبر حميد ويقول: يا حميد قد نهيتك عن الشربة فعصيتني.
* ومنهم:
74 - عبد الله بن موسى الهادي:
وكان قد عضّل بالمأمون مما يعربد عليه إذا شرب معه، فأمر به فجعل حبسه في منزله، وأقعد على بابه حرسا.
ثم إنه تذمّم من ذلك، فأظهر له الرّضاء وصرف الحرس عن بابه.
وكان عبد الله مغرما بالصيد، فدّسّ إلى خادم من خدمه يقال له حسين
__________
(1) طبيب نصراني كان لعدد من الخلفاء.
(2) أي أصابته بالإسهال فجعلته يختلف إلى الحمام أي يذهب إليه بالعدد المذكور وهو عدد تقريبي طبعا كناية عن كثرة التردد.(1/191)
فسقاه سمّا في درّاج (1)،
وهو بموسى باذ (2).
فدعا عبد الله بالعشاء، فأتاه حسين بذلك الدّراج، فلما أحس به ركب في الليل، وقال لأصحابه: هو آخر ماتروني.
وقد أكل معه الدّراج خادمان: فأما أحدهما فمات، وأما الآخر فضنى حتى مات. ومات عبد الله بعد أيام.
* [74] ومنهم:
75 - أحمد بن على بن هارون الرشيد
وكان له غلام يقال له:
نفيس، وكان قد غلب عليه، وأن نفيسا وأربعا من غلمانه أجمعوا على قتل أحمد.
وكان بين أحمد وبين عياله ثلاثة أبواب كلها تغلق دونهم.
وأن أحمد أمر بإغلاق الأبواب عند القيلولة كما كان يفعل.
فدخل عليه نفيس بمشمل (3) وهو نائم، فضربه ضربتين إحداهما على رأسه، والأخرى على فمه.
وأن أحمد تناول المشمل من يد نفيس فخرطه نفيس من يده فقطع أصابعه غير أنها لم تبن. ثم عاد نفيس فأجهز له بسكين، وأخذ خاتمه فبعث به إلى
__________
(1) الدّراج: طائر مبارك كثير النتاج مبشر بالربيع وهو طائر أسود باطن الجناحين وظاهرهما أغبر على خلقه القطا إلا أنه ألطف وهو من طير العراق ولحمه أفضل من لحم الفواخت وأعدل وألطف. وأكله يزيد في الدماغ والفهم والمنى = حياة الحيوان = للدميري (591590).
(2) قال ياقوت في = معجم البلدان = (5/ 222): موسيا باذ: قربة منسوبة إلى رجل اسمه موسى من نواحي همدان وموسيا باذ: قرية بالري منسوبة إلى موسى الهادي لأنه أحدثها عن الآبيّ.
(3) هو السيف الرفيع القصير.(1/192)
أهله، وقال لهم: هذا خاتم الأمير يأمركم أن تبعثوا إليه بصندوق المال ليعطي الحشم أرزاقهم. فدفعوا إليه الصندوق، فاقتسموا ما فيه من الدنانير ومضوا.
* ومنهم:
76 - علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي (1)
وكان المأمون قد بايع له بالعهد بعده، وضرب الدراهم باسمه، وجعل على شرطه العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث، وكان ابنه خليفة.
وعلى حرسه سعيد بن صيلم، وعلى حجابته يحيى بن معاذ بن مسلم.
وأنه سقط عند المأمون بكلام في الفضل بن سهل فأخبر به المأمون الفضل للموثق الذي كان الفضل أخذه على المأمون.
__________
(1) هو الرضا على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب وقد جعله المأمون ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، ولقبه بالرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في سنة إحدى ومائتين على ما ذكره ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = في هذه السنة (5/ 431) وقال في موته في أحداث سنة ثلاث ومائتين (5/ 448): وفي هذه السنة مات على بن موسى الرضا عليه السلام، وكان سبب موته أنه أكل عنبا فأكثر منه فمات فجأة، وذلك في آخر صفر، وكان موته بمدينة طوس، فصلى المأمون عليه ودفنه عند قبر أبيه الرشيد، وكان المأمون لما قدما قد أقام عند قبر أبيه، وقيل: إن المأمون سمّه في عنب، وكان يحب العنب، وهذا عندي بعيد فلما توفي كتب المأمون إلى الحسن بن سهل يعلمه موت علي وما دخل عليه من المصيبة بموته.
وكتب إلى أهل بغداد، وبني العباس، والموالي يعلمهم موته، وأنهم إنما نقموا بيعته، وقد مات ويسألهم الدخول في طاعته، فكتبوا إليه أغلظ جواب وكان مولد علي بن موسى بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة.(1/193)
وذكر روح بن السكن عن عبيد الله بن الحسن العلوي ثم العباسي: أن الفضل قال يوما وعنده ناس: ما تقولون في بقرة جعلت لها قرنين من ذهب وكنت أول من نطحته بهما؟ فلم يمض بعد ذلك إلّا قليل [75] حتى اعتلّ فمات.
* ومنهم:
77 - العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (1)
وكان قدم على هارون الرّقّة فحباه حباء كثيرا، وعظمه أشد تعظيم.
وأن العباس أعتلّ فدسّ له شربة، فلما استودعه إياها أذن له في الانحدار إلى مدينة السلام، وكانت سبب موته.
* ومنهم:
78 - إسماعيل بن هبّار بن الأسود بن المطلب بن أسد:
دخل الحمام بالمدينة وفيه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وكان جميلا بارعا، فأمرّ يده على ظهره وعجيزته، وتكلم بكلام فيه بعض ما فيه فضحك مصعب في وجهه ليؤنسه.
حتى إذا كان الليل جمع مصعب رجالا فيهم القتّال الكلابي (2)، وبعث
__________
(1) قال ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (20) في ذكره لأولاد محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب: والعباس بن محمد أصغر ولد أبيه، ولد قبل موت أبيه بعامين سنة عشرين ومائة، أمّه أم ولد.
(2) ذكره ابن حبيب في = المحبر = (228212): في قتال الإسلام، وذكر في قصة غير هذه القصة في قتل إسماعيل بن هبار فيقول في (228226):
وأما القتال الكلابي، وهو: عبادة محبب بن المضرحي، فإن جارية لعمه أغضبته فقتلها، فادعى عمه أن الجارية كانت حاملا، وقال عمه:
أدوا إلي بنييّ لا أبا لكم ... فإن أم بنييّ لا أبا لها
فلما رأى القتال ذلك، استثار الجارية من القبر، وأتى برجال من المعدن(1/194)
__________
يعني معدن الذهب ثم بعجها فاستخرج رحمها، فقال: هل ترون ولدا؟
ثم ردها وقال:
أنا الذي انتشلتها انتشالا ... ثم دعوت فتية أزوالا
فصدقوا، وكذبوا ما قالا
وإن القتّال عدا من ابن عم له يقال له زياد فقتله، فرفع إلى المدينة فحبس بها زمانا، وكان على السجن رجل من قريش يقال له: إسماعيل بن هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد فكان يقع به عند الأمير، ويقول: إن القتال يتغنى، ويقول:
إن شئت غنائي على ظهر شرجع ... نواعم بيض من قريش وعامر
فبعث الأمير إلى القتّال وقال له: أنت القائل ما بلغني؟ قال: لم أقل ذاك، ولكني قلت:
وإن شئت غنتني القيود وساقني ... إلى السجن أعلاج الأمير الطماطم
فقال مصعب بن عبد الرحمن بن عوف للقتّال: هل فيك خير إن أعطيتك سيفا ووطيت لك راحلة، تقتل ابن هبار ثم تهرب على الراحلة؟ قال: نعم.
فأعطاه سيفا، ووطى له راحلة.
فأمهل حتى إذا صلى صلاة العشاء، قال لابن هبار: أخرجني حتى أصلي في الروح، فأخرجه، فصلى وهو مشتمل على السيف، فلما فرغ أخذ سيفه، وضرب به ابن هبار، ودفعه في السجن وأغلقه عليه، وخرج فجلس على الراحلة، فوجهها نحو أرضه، ثم قال:
تركت ابن هبّار ورائي مجدّلا ... وأصبح دوني شابة فأرومها
بسيف امرئ لن أخبر الدهر باسمه ... وإن حضرت نفسي إلي همومها
ثم لحق بعماية، وقال:
أفي صاحة العمقاء أو بعماية ... أو الأدمي من رهبة الموت موئل
ولا أرى مانع من إتمام قصة القتّال إتماما للفائدة لمن أراد من القراء معرفتها(1/195)
مولى له أسود يكنى أبا عجوة، إلى ابن هبّار، فدعاه، فلما خرج إليه تنحّى به إليهم، فوثب عليه القتّال فضربه حتى قتله، وهو يقول: ابن قيس الرّقيات:
فلن أجيب بليل داعيا أبدا ... أخشى الغرور كما غرّ ابن هبّار
باتوا يجرّونه في الحشّ منجدلا ... بئس الهديّة لابن العمّ والجار
وطلب القتّال فهرب وقال:
تركت ابن هبّار يصدّع رأسه ... وأصبح دوني شابة وأروم
بسيف امرىء لن أخبر الدهر باسمه ... ولو حفزت نفسي إليّ هموم
ودوني من الدّهنا بساط كأنه ... إذا انجاب ضوء الصبح عنه أديم
القتّال: عبادة بن محبب بن المضرحيّ، وعبد الرحمن بن صبحان المحاربي.
__________
فيقول ابن حبيب لإتمامها: فكان يكون بها عند حبيب بن جبار بن سلمى ابن مالك، يكون فيها بالنهار، وينزل إلى حبيب فيكون عنده بالليل.
فقال مروان بن الحكم: من يدلني على القتال من مملوك فهو حرّ، ومن كان حرا فله كذا وكذا. فأرغب الجعل.
فخرج رجل من بني العجلان، فأتى مروان، فأخبره بمكانه عند حبيب بن جبار، فبعث إليه بعثا، فلما أتوا حبيبا أخرج ابنته من الحجلة، وأدخل القتّال فيها وألبسه ثيابها، ورفع الستر، فلما نظر القوم إلى المرأة، استحيوا.
وقال حبيب: ما هذا بعدل أن تدخلوا على نسائي وحرمتي، فتنهنه القوم وارتدوا، فقال القتال:
ألا هل أتى فتيان قومي أنني ... تسميت لما اشتدت الحرب: زينبا
وأدنيت جلبابي على نبت لحيتي ... وأبديت للقوم البنان المخضبا(1/196)
[الباب الثاني] (1)
أسماء من قتل حميمه من الملوك
عمرو بن تبّع: قتل أخاه:
79 - حسان بن تبّع (2)
وسلمة بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار الكندي: [76] قتل أخاه:
80 - شرحبيل بن الحارث (3) وكان الحارث ملّك ولده سلمة على
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة تصنيفية ليست من أصل المخطوط وهي من عمل المحقق اللهم اغفر له.
(2) سبق ذكره تحت رقم (2).
(3) قال ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (304) في أثناء ذكره لبني جشم ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب: وابنا مالك بن طوق:
طوق، وأحمد، كانت لهم جلالة ربيعة، وإليهم تنسب رحبة مالك بن طوق، ولعمرو بن كلثوم أخ اسمه مرة بن كلثوم فارس بطل، وأبو حنش عصم بن النعمان بن مالك بن عتاب، وهو ابن عم عمرو بن كلثوم لحّا.
وعصم هذا هو قاتل شرحبيل بن الحارث الملك آكل المرار يوم الكلاب.
ثم عاد فذكر في نفس المصدر (427): أن الذي قتله هو سلمة إذ يقول في أثناء سرده لبني كندة وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث: والملك الحارث بن عمرو المقصور، وهو ابن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية ابن الحارث بن معاوية بن الحارث معاوية بن ثور بن مرتع.
وحجر بن الحارث الملك المذكور والد امرئ القيس الشاعر، وكان ملكا على بني كنانة، وبني أسد ابني خزيمة، فقتله بنو أسد.
وإخوته: شرحبيل بن الحارث ملك بني تميم والرباب، قتله أخوه سلمة يوم(1/197)
__________
الكلاب.
قلت: ولعل عصم قتل شرحبيل بتحريض من أخيه سلمة وبهذا يكون الجمع بين القولين والله أعلم.
ويقول ابن حبيب وهو المؤلف في كتابه = المحبر = في فتاك الجاهلية حيث ذكر منهم معبد بن عصم بن النعمان (204): وأما معبد بن عصم بن النعمان التغلبي، فإن أباه أبا حنش عصم بن النعمان جاور شرحبيل الملك بن الحارث ابن عمرو الملك المقصور بن آكل المرار الكندي، فجعل له شرحبيل الردافة.
وأخذ أبو حنش على شرحبيل أن لا يدخل ابنه معبدا في ردافته، ولا ندامه.
فقال: ولم تسألني هذا والناس يرغبون في ذلك؟
قال: لأنه رجل لم يقرر على ضيم قط. فجعل ذلك له، فمكث زمانا، ثم إن شرحبيل يتصيد، فصاد حمارا، فرفع له راع.
فقال: ايتونا بزناد هذا الراعي.
فخرج رجل إليه، فاستعاره زناده، فأعار، فقدحوا، واشتووا، وشربوا، فقال شرحبيل: من هذا الراعي؟
فقيل له: معبد بن أبي حنش.
فقال: ادعوه حتى نروزه، فإن أباه زعم أنه لم يقرر على ضيم قط.
فدعوه، فجاء، فتغدى، ثم أشار شرحبيل إلى بعض جلسائه ليتحرش به.
فقال رجل منهم: أبيت اللعن لقد كان بيني وبين رجل من بني تغلب كلام فلطمت عينه.
قال معبد: أفأعطيته بحقه؟ قال: لا، قال: أفغفر لك؟ قال: لا.
فلطم معبد عينه، وقال: هذه بتلك والبادئ أظلم، فذهبت مثلا.
فقال شرحبيل: لقد تكلم عندي رجل من تغلب بكلام.
فقال له معبد: ساعد الملك إلهه ليذكر بني تغلب بخير أو ليسكت.(1/198)
__________
فقال له شرحبيل: وأنت تسكتني؟ ثم تكلم. قال: فتكلم عندي بكلام كرهته، فرفعت قوسي، فضربت بها رأسه فشججته.
فقال معبد: ساعد الملك إلهه، أفاعطيته بحقه؟
قال: لا، قال: أفغفر لك؟ قال: لا. فرفع معبد قوسه، فضرب بها رأس شرحبيل فخرّ مغشيا عليه.
فوثب أحياء شرحبيل على معبد، فقتلوه، فأفاق شرحبيل، فسأل عن معبد، فقالوا: قتلناه، فقبح لهم ذلك.
فقال: والله ماوفينا لأبيه، وما قتلني الرجل فهلّا انتظرتموني به. فبعث إلى أبي حنش، فأخبره الخبر، وقال: هذه ديته.
فأبى أبو حنش أن يقبلها، فأضعفها له فأبى.
فقال شرحبيل: فإنه قتله ملك، فأديه لك دية الملك.
فقال أبو حنش: لا آكل له ثمنا أبدا.
فقال له شرحبيل: والله ما أتقيك ولا أتقي قومك، ولكني أتقي لسانك.
فقال أبو حنش:
أما الهجاء فلا تخاف فلا ... تسمعه سيئا ولا حسنا
أكرم نفسي وأتقيك فإن ... أعلك يوما في نجدة ثخنا
أجزك ما قدمت يداك ولا ... بقيا لمن كان يطلب الدمنا
والجار كالضيف لا محالة أن ... يظعن يوما وإن ثوى زمنا
فوضع عليه شرحبيل العيون، وقال: إن رأيتموه يدبغ الأسقية فهو يريد قومه، وعرف ذلك أبو حنش، فظمأ إبله ثلاثة أظماء ظمأ بعد ظمأ، ثم أصدرها عند الظم الآخر، وقد يبدي الناس عن المياه، فمر بأهله، فاحتملهم، وقطع مشافر ما أراد منها من جلتها، وفوّز نحو قومه، وهو الظمء الذي تسميه العرب: ظمء أبي حنش.
فلما كان يوم الكلاب، قتل أبو حنش شرحبيل وقال في ذكره لملوك كندة(1/199)
حنظلة وتغلب.
وشرحبيل على الرّباب، وبكر بن وائل.
وحجرا على كنانة، وأسد ابني خزيمة، ومعد يكرب على قيس غيلان.
فوثب بنو أسد فقتلوا حجرا.
وسعى المفسدون بين سلمة وشرحبيل حتى احتربا، فقتل سلمة شرحبيل
* ومنهم:
عبد الله بن الزبير: قتل أخاه:
81 - عمرو بن الزبير (1)
وكان عامل المدينة وجهه لمحاربة أخيه ففض جيشه وأسره.
وكان عمرو بدنا (2)، فأقامه عبد الله للناس وقال: من كان له عنده حقّ
__________
في = المحبر = أيضا: (370368) في ذكره لأبناء الحارث بن عمرو:
وكان الحارث فرق ولده في معد: فملّك حجرا على بني أسد بن خزيمة.
وملّك شرحبيل على تميم والرباب، وملّك سلمة على بكر، وتغلب، وملّك معديكرب هو غلفاء على قيس وكنانة.
فلما مات الحارث: ضبط كل رجل من بنيه ملكه فاشتد ملكهم.
فأما بنو أسد، فقتلوا ملكهم حجرا أبا امرئ القيس الشاعر.
ووثب شرحبيل، وسلمة فاحتربا، فقتل شرحبيل، قتله أبو حنش، عصم بن النعمان التغلبي، وكان مع سلمة بن الحارث. قلت: فهذا يرجح إن لم يقطع ما قلته قبل قليل من أن سلمة لم يباشر قتله أخيه شرحبيل والله أعلم بما كان، ونسأله سبحانه العصمة من الفتن آمين.
(1) ذكر المؤلف أيضا في = المحبر = (481) ضمن أسماء المصلبين من الأشراف، فقال: وصلب عبد الله بن الزبير أخاه: عمرو بن الزبير بمكة، ثم أنزله.
(2) أي كبير السن.(1/200)
فليقتصّ منه.
فضربه حتى مات (1)
__________
(1) ويحكي الزبيري في = نسب قريش = (178) في موته غير ذلك إذ يقول في ولد سعيد بن العاص: فولد سعيد بن العاص محمدا، وعمرو الأشدق، ورجالا درجوا أمهم: أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص أخت مروان بن الحكم أبيه وأمه. وكان عمرو بن سعيد ولاه معاوية المدينة، وأقره يزيد بن معاوية.
وبعث عمرو بعثا إلى عبد الله بن الزبير بمكة استعمل عليهم عمرو بن الزبير، فهزم جيشه، وأسر عمرو بن الزبير، ثم مات عمرو بن الزبير في سجن أخيه عبد الله بن الزبير.
ويحكي ابن الأثير في قصته في = الكامل في التاريخ = في أحداث سنة ستين (3/ 380) فيقول في ذكر عزل الوليد عن المدينة وولاية عمرو بن سعيد:
في هذه السنة عزل الوليد بن عتبة عن المدينة عزله يزيد، واستعمل عليها:
عمرو بن سعيد الأشدق فقدمها في رمضان، فدخل عليه أهل المدينة، وكان عظيم الكبر، واستعمل على شرطته عمرو بن الزبير لما كان بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء، فأرسل إلى نفر من أهل المدينة، فضربهم ضربا شديدا، لهواهم في أخيه عبد الله منهم: أخوه المنذر بن الزبير، وابنه محمد بن المنذر، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وعثمان بن عبد الله بن حكيم ابن حازم، ومحمد بن عمار بن ياسر، وغيرهم، فضربهم الأربعين إلى الخمسين إلى الستين.
فاستشار عمرو بن سعيد، عمرو بن الزبير فيمن يرسله إلى أخيه، فقال: لا توجه إليه رجلا أنكأ له مني، فيجهز معه الناس وفيهم أنيس بن عمرو الأسلمي في سبعمائة فجاء مروان بن الحكم إلى عمرو بن سعيد، فقال له:
لا تغز مكة واتق الله، ولا تحل حرمة البيت، وخلوا ابن الزبير فقد كبر(1/201)
* ومنهم: عبد الملك: قتل:
82 - عمرو بن سعيد بن العاص (1)
وأمّه أمّ البنين بنت الحكم بن
__________
وله ستون سنة وهو لجوج، فقال عمرو بن الزبير والله لنغزونه في جوف الكعبة على رغم أنف من رغم.
وأتى أبو شريح الخزاعي إلى عمرو فقال له: لا تغز مكة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما أذن لي بالقتال فيها ساعة من نهار، ثم عادت كحرمتها بالأمس» فقال له عمرو: نحن أعلم بحرمتها منك أيها الشيخ فسار أنيس في مقدمته، وقيل: إن يزيد كتب إلى عمرو بن سعيد ليرسل عمرو بن الزبير إلى أخيه عبد الله ففعل، وأرسله ومعه جيش نحو ألفي رجل، فنزل أنيس بذي طوى، ونزل عمرو بالأبطح، فأرسل عمرو إلى أخيه يريد ابن يزيد، وكان حلف أن لا يقبل بيعته إلا أن يؤتى به في جامعة، وتعال حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى ولا يضرب الناس بعضهم بعضا، فإنك في بلد حرام.
فأرسل عبد الله بن الزبير عبد الله بن صفوان نحو أنيس فيمن معه من أهل مكة ممن اجتمع إليه فهزمه ابن صفوان بذي طوى، وأجهز على جريحهم وقتل أنيس بن عمرو.
وسار مصعب بن عبد الرحمن إلى عمرو بن الزبير فتفرق عن عمرو أصحابه، وقد دخل دار ابن علقمة، فأتاه أخوه عبيدة، فأجاره.
ثم أتى عبد الله فقال له: إني قد أجرت عمرا فقال: أتجير من حقوق الناس؟
هذا ما لا يصلح، وما أمرتك أن تجير هذا الفاسق المستحل لحرمات الله.
ثم أقاد عمرا من كل من ضربه إلّا المنذر وابنه فإنهما أبيا أن يستقيدا، ومات تحت السياط. الجامعة: الغلّ: بضم الغين المعجمة، ما يوضع باليد أو العنق.
(1) ذكر ابن الأثير في = كامله = (4/ 86) عدة حكايات عن قتل مروان لسعيد ابن عمرو أذكر أولها وهي من أطول الحكايات في قتله! إذ يقول في(1/202)
__________
أحداث سنة تسع وستين: في هذه السنة خالف عمرو بن سعيد بن العاص عبد الملك بن مروان، وغلب على دمشق فقتله.
وقيل: كانت هذه الحادثة سنة سبعين، وكان السبب في ذلك: أن عبد الملك ابن مروان أقام بدمشق بعد رجوعه من قنسر ما شاء الله أن يقيم، ثم سار يريد قرقيسيا وبها زفر بن الحارث الكلابي، وكان عمرو بن سعيد مع عبد الملك، فلما بلغ بطنان حبيب رجع عمرو ليلا ومعه حميد بن حريث الكلبي، وزهير بن الأبرد الكلبي، فأتى دمشق وعليها عبد الرحمن بن أم الحكم قد استخلفه عبد الملك، فلما بلغه رجوع عمرو بن سعيد هرب عنها، ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنها، وهدم دار ابن أم الحكم، وجمع الناس إليه، فخطبهم ومنّاهم ووعدهم، وأصبح عبد الملك، وقد فقد عمرا، فسأل عنه، فأخبر خبره. فرجع إلى دمشق، فقاتله أياما، وكان عمرو إذا أخرج حميد بن حريث على الخيل أخرج إليه عبد الملك سفيان بن الأبرد الكلبي، وإذا أخرج عمرو زهير بن الأبرد، أخرج إليه عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل.
ثم إن عبد الملك وعمرا اصطلحا وكتبا بينهما كتابا وأمنه عبد الملك، فخرج عمرو في الخيل إلى عبد الملك فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب عبد الملك فانقطعت وسقط السرادق، ثم دخل على عبد الملك، فاجتمعا ودخل عبد الملك دمشق يوم الخميس.
فلما كان بعد دخول عبد الملك بأربعة أيام أرسل إلى عمرو إن ائتني، وقد كان عبد الملك استشار كريب بن أبرهة الحميري في قتل عمرو فقال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، في مثل هذا هلكت حمير.
فلما أتى الرسول عمرا يدعوه صادف عنده عبد الله بن يزيد بن معاوية، فقال لعمرو: يا أبا أمية أنت أحب إليّ من سمعي ومن بصري وأرى لك لا تأته. فقال له عمرو: لم؟(1/203)
__________
قال: لأن تبيعا ابن امرأة كعب الأحبار قال: إن عظيما من ولد إسماعيل يرجع فيغلق أبواب دمشق ثم يخرج منها فلا يلبث أن يقتل.
فقال عمرو: لو كنت نائما ما أنبهني ابن الزرقاء ولا اجترأ عليّ، أما إني رأيت عثمان البارحة في المنام فألبسني قميصه.
وكان عبد الله بن يزيد زوج ابنة عمرو، ثم قال عمرو للرسول: أنا رائح العشية، فلما كان العشاء لبس عمرو درعا ولبس عليها القباء، تقلد سيفه وعنده حميد بن حريث الكلبي، فلما نهض متوجها عثر بالبساط فقال له حميد: والله لو أطعتني لم تأته.
فقالت له امرأته الكلبية كذلك، فلم يلتفت، ومضى في مائة من مواليه.
وقد جمع عبد الملك عند بني مروان، فلما بلغ الباب أذن فدخل، فلم يزل أصحابه يحبسون عند كل باب حتى بلغ قاعة الدار، وما معه إلا وصيف له، فنظر عمرو إلى عبد الملك، وإذا حوله بنو مروان، وحسان بن بحدل الكلبي، وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي، فلما رأى جماعتهم أحس بالشر، فالتفت إلى وصيفه وقال: انطلق إلى أخي يحيى وقل له يأتيني، فلم يفهم الوصيف، فقال له: لبيك، فقال عمرو: اغرب عني في حرق الله وناره.
وأذن عبد الملك لحسان وقبيصة فقاما، فلقيا عمرا في الدار.
فقال عمرو لوصيفه: انطلق إلى يحيى فمره أن يأتيني، فقال: لبيك، فقال عمرو اغرب عني، فلما خرج حسان وقبيصة أغلقت الأبواب، ودخل عمرو فرحب به عبد الملك، وقال: هاهنا، هاهنا، يا أبا أمية.
فأجلسه معه على السرير، وجعل يحادثه طويلا ثم قال: يا غلام، خذ السيف عنه، فقال عمرو: إنّا لله يا أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: أتطمع أن تجلس معي متقلدا بسيفك، فأخذ السيف عنه، ثم تحدثا، ثم قال له عبد الملك: يا أبا أمية إنك حيث خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجعلك في جامعة، فقال له بنو مروان، ثم تطلقه يا أمير(1/204)
__________
المؤمنين، قال: نعم، وما عسيت أن أصنع بأبي أمية؟!
فقال بنو مروان: أبر قسم أمير المؤمنين، فقال عمرو: قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنين، فأخرج من تحت فراشه جامعة، وقال يا غلام، قم فاجمعه فيها فقام الغلام فجمعه فيها.
فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رؤوس الناس.
فقال عبد الملك: أمكرا يا أبا أمية عند الموت، لا والله ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس، ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته، فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين كسر عظم مني، فلا تركب ما هو أعظم من ذلك.
فقال له عبد الملك: والله لو أعلم أنك تبقى عليّ إذا أبقيت عليك وتصلح قريش لأطلقتك، ولكن ما اجتمع رجلان في بلدة قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه.
فلما رأى عمرو أنه يريد قتله قال: أغدرا يا ابن الزرقاء؟ قيل إن عمرا لما سقطت ثنيتاه جعل يمسهما، فقال عبد الملك: يا عمرو، أرى ثنيتيك قد وقعتا منك موقعا لا تطيب نفسك لي بعدها.
وأذن مؤذن العصر، فخرج عبد الملك يصلي بالناس وأمر أخاه عبد العزيز أن يقتله.
فقام إليه عبد العزيز بالسيف، فقال عمرو: أذكرك الله والرحم، أن تلي قتلي، ليقتلني من هو أبعد رحما منك، فألقى السيف وجلس. وصلى عبد الملك صلاة خفيفة، ودخل وغلقت الأبواب ورأى الناس عبد الملك حين خرج وليس معه عمرو، فذكروا ذلك يحيى بن سعيد، فأقبل في الناس، ومعه ألف عبد لعمرو، وناس من أصحابه كثير، فجعلوا يصيحون بباب عبد الملك: أسمعنا صوتك يا أبا أمية، فأقبل مع يحيى: حميد بن حريث، وزهير بن الأبرد، فكسروا باب المقصورة، وضربوا الناس بالسيوف(1/205)
أبي العاص بن أمية، وكان نازع عبد الملك وحاربه حتى جرت بينهما السّفراء على أن يجعل عمرو مع كل عامل لعبد الملك عاملا له، ففعل فلم يزل عبد الملك يلطف له حتى قتله وله حديث طويل.
ومنهم: يزيد بن الوليد بن عبد الملك، ويزيد هو الناقص: وثب على ابن عمه:
83 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك (1)
فقتله واستولى على ملكه.
__________
وضرب الوليد بن عبد الملك على رأسه واحتمله إبراهيم بن عربي، صاحب الديوان، فأدخله بيت القراطيس ودخل عبد الملك حين صلى، فرأى عمرا بالحياة، فقال لعبد العزيز: ما منعك أن تقتله؟
فقال: إنه ناشدني الله والرحم، فرققت له، فقال له: أخزى الله أمك البوالة على عقبها إنك لم تشبه غيرها.
ثم أخذ عبد الملك الحربة فطعن بها عمرا، فلم تجز، ثم ثنى، فلم تجز، فضرب بيده على عضده، فرأى الدرع، فقال: ودرع أيضا! إن كنت لمعدا فأخذ العمصامة، وأمر بعمرو فصرع، وجلس على صدره فذبحه وهو يقول:
يا عمرو أن لم تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
وانتفض عبد الملك رعدة فحمل عن صدره، فوضع على سريره، وقال: ما رأيت مثل هذا قط، ما قتله صاحب دنيا ولا طالب آخره. ودخل يحيى ومن معه على بني مروان ومن كان من مواليهم، فقاتلوا يحيى وأصحابه.
وجاء عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفي، فدفع إليه الرأس، فألقاه إلى الناس.
وقام عبد العزيز بن مروان، فأخذ المال في البدر فجعل يلقيها إلى الناس. فلما رأى الناس الرأس والأموال تفرقوا وانتهبوا ثم أمر عبد الملك بتلك الأموال فجبيت حتى عادت إلى بيت المال.
(1) اختلفوا في صلاحه من طلاحه فمن قائل أن ما قيل عنه من فسق إنما هو إشاعة من أعدائه وشهدوا له بحسن الصلاة وتوقير الشعائر وإجلال(1/206)
* ومنهم:
84 - أبو جعفر المنصور (1)
هو: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
__________
الحرمات وإن كان يأتي بعض الأمور المنهي عنها إلّا أن الغالب عليه الصلاح وإنما قيل هذا عنه لحب ابن عمه وطمعه في الإمارة حتى نالها ثم وصفوه بالناقص وذلك لما نقص من أرزاق الناس وضيق عليهم في معايشهم.
وقد كانت خلافة الوليد بن يزيد في سنة خمس وعشرين ومائة لست مضين من شهر ربيع الآخر وكان قتله في سنة ست وعشرين ومائة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة.
وكانت مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر. وقيل: سنة وشهرين واثنتين وعشرين يوما. وكان عمره اثنتين وأربعين سنة. وقيل قتل وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وقيل: إحدى وأربعين سنة. وقيل: ست وأربعين سنة. فالله أعلم بحاله وحالهم سائلين الله أن يجنبنا الفتن وأن يعصمنا من الزلل وأن يحسن ختامنا آمين.
(1) أبو جعفر المنصور من مشاهير الخلفاء العباسيين ولي الخلافة بعد أخيه السفاح وكانت وفاة السفاح بالأنبار لثلاث عشرة مضين من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة. وقيل لاثنتي عشرة مضت منه.
وكان أبو جعفر يوم مات السفاح بمكة لأداء فريضة الحج وكانت وفاته في سنة ثمان وخمسين ومائة لست خلون من ذي الحجة ببئر ميمون. وكانت مدة خلافته اثنتين وعشرين سنة إلا أربعة وعشرين يوما، وقيل: إلا ثلاثة أيام، وقيل: إلا ستة أيام، وقيل: إلا يومين وذكر ابن الأثير في موته في السنة المذكورة أنه إنما مات لوجع ألم به وهو في طريقه إلى الحج وأنه دفن بمكة بمقابر المعلاة محرما.
= الكامل في التاريخ = (5/ 218) وغير ذلك والكلام هنا ليس نقلا عنه وإنما هو مضمون ما ذكر عنه.(1/207)
ابن العباس وثب عليه عمه: عبد الله بن علي، وخلعه، ودعا إلى نفسه، فظفر به فحبسه في بيت فسقط عليه البيت.
* ومنهم: هارون الرشيد: حبس عمه:
85 - جعفر بن المنصور
المعروف بابن الكرديّة، فذكروا أنه أصابه زحير فمات منه (1).
* ومنهم: عبد الله المأمون: قتل أخاه:
86 - محمد الأمين (2)
واستولى على ملكه.
__________
(1) قيل إن ابن الكردية هذا كان ابن أمة كردية وأن المنصور كان يريد البيعة له على ما ذكر ابن الأثير في = الكامل = (5/ 274): وقيل إنه مات قبل المنصور ولم أقف على وقعة حبس هارون الرشيد له التي ذكرها المؤلف هنا ولا سببها. وقيل إن الذي توفي قبل المنصور إنما هو جعفر الأكبر وهو ابن أروى بنت منصور أخت يزيد بن منصور الحميري = الكامل = (5/ 219).
(2) هو: أبو موسى وقيل: أبو عبد: محمد الأمين بن هارون الرشيد بن أبي عبد الله المهدي بن أبي جعفر المنصور.
أمه: زبيدة بنت جعفر الأكبر بن المنصور.
كانت ولايته في النصف من جمادى الآخرة، من سنة ثلاث وتسعين ومائة وقيل ولي يوم الخميس لإحدى عشر ليلة بقيت من جمادى الأولى. وقيل:
ليلة الأحد لست بقين من المحرم، وقيل من صفر سنة ثمان وتسعين ومائة.
وكانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام على قول. وكان عمره يوم تولى الخلافة ثمانيا وعشرين سنة وكان ميلاده بالرصافة.
ولم يتول المأمون قتله بنفسه بل بعث إليه بمن يقتله وقد بدأ النزاع بين الأمين والمأمون منذ توليه الخلافة ويذكر ابن الأثير في قتله أحداث سنة ثمان وتسعين ومائة تفاصيل قتله، في = الكامل = وتتلخص في دخول بعض العجم عليه في محبسه ليلا وضربه بالسيوف وقطع رأسه وإرسالها إلى الطاهر الذي(1/208)
* [ومنهم] (1): [77] أبو إسحاق المعتصم: كان بلغه أن:
87 - العباس بن المأمون
قد مالأ ملك الرّوم على أهل الإسلام عام فتح المعتصم عمّوريّة، وأنه أراد الوثوب على المعتصم، فحبسه وأثقله بالحديد فمات في حديده (2).
[تتمة الباب الأول] (3)
وممن قتل غيلة
88 - زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي (4)
من بني الحارث بن كعب، وكان خال أبي العباس أمير المؤمنين وأنه ولّاه مكة والمدينة، فلم يزل عليهما حتى مات، فأقره أبو جعفر على عمله، ثم كتب إليه أن يقتل أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وكان شيخ بني أمية
__________
نصبها على برج ببغداد ثم أرسل بها إلى أخيه المأمون مع ابن عمه محمد ابن الحسين بن مصعب أجارنا الله وإياكم من شهوة التسلط وحب الرياسة ورزقنا وإياكم حسن الختام بالموت على دين الإسلام اللهم آمين.
(1) ما بين المعقوفين من: = ب =.
(2) كان فتح عمورية، وحبس العباس بها في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وهي من بلاد الروم وكان فتحها المعتصم، وعلى شاطىء العاص بين فامية وتيزر.
وذكر ابن الأثير خبر حبس المعتصم للعباس بن المأمون في أحداث سنة ثلاث وعشرين في كتابه = الكامل في التاريخ = في خبر طويل وسماه اللعين وحبس كلا أولاد المأمون حتى ماتوا في الحبس.
(3) زيادة تصنيفية من عمل المحقق.
(4) ذكره ابن حبيب في = المحبر = في موضعين (34) فيمن أقام الحج للناس من العباسيين في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، ثم ذكره أيضا بنحو ذلك في (263) في باب من أقام الموسم من العرب، وهم ثمانية، فعدّه فيهم في نفس العام.(1/209)
فقتله.
فلما تغيب محمد، وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم كتب إليه أبو جعفر أن يوثق عبد الله بن الحسن حديدا، ويضيق عليه.
فكان زياد يرفّه (1) عن عبد الله ويحسن إليه في حبسه ثم إن أبا جعفر كتب إليه يأمره بقتله، فلم يفعل، فعزله وأغرمه ثمانين ألف دينار، وكره أن يكشف قتله لموضعه كان من أبي العباس.
فلما أخرج أبو جعفر ابنه المهدي إلى الري قال لزياد: سر مع ابن أخيك، فسار ثلاث مراحل.
وإن زيادا تغدّى مع المهدي ثم انصرف إلى فسطاط، ثم أتى بقدح فشربه ولم يعلم المهدي بذلك.
فلما ترحل الناس قام المهدي على باب سراقة فقال: ويلك يا غلام (2)
[وممن قتل من الشعراء غيلة
89 - مهلهل بن ربيعة] (3)
[78] وإن فتيانا من بني
__________
(1) أي يخفف عليه ومن وطأة الحبس ويدخل عليه السرور ويحاببه ويجامله.
وجاءت في = ب =: يرقه، وهو تحريف.
(2) واضح أن هناك سقط من أوراق المخطوطين حيث يبدأ الكلام في كلتيهما في الورقة القادمة دون تتمة للخبر أو ابتداء للخبر الذي بعده، ولم يشر إلى السقط بأول المخطوط كما فعله في الورقة (22) وتبدأ بعدها مباشرة الورقة (88) حيث تبدأ بما يفيد أنها ترجمة غير الأولى.
(3) ما بين المعقوفين زيادة مستفادة من الترجمة وقد سبق أن ذكرت في الترجمة السابقة سبب ذلك وهو سقوط أو فقد بعض أوراق المخطوط ما بين (77، 78) ويبدو أن الساقط ليس بقليل حيث لا يذكر بعد العنوان سوى ترجمة واحدة لم تتم، ثم تجد أن الكلام دخل في موضوع آخر حيث يبدأ في(1/210)
قيس بن ثعلبة اتخذوا طعاما وابتاعوا خمرا، ثم أتوا عونا فقالوا: إنا نحب أن تأذن لمهلهل يأتينا فيتحدث معنا اليوم.
ففعل عوف ذلك، فأتاهم مهلهل، فلما أخذت فيه الخمر جعل ينشد ما قال في بكر بن وائل وما ذكرهم به، فبلغ ذلك عوفا فغضب، فحلف لا يذوق عنده قطرة شراب، ولا ماء حتى يرد دنيب، وكاد دنيب جملا لعوف لا يرد إلّا خمسا وشدّ عليه القدود (1)، ثم تركه، فمات مهلهل قبل أن يرد دنيب وفي ذلك يقول مهلهل:
جلّلوني جلد حوب بازل ... يرتقي النّفس موهنا للتّراقي
عند عوف بن مالك لست أرجو ... لذّة العيش ما عصبت بساقي
وإليك يا ابنة المجلّل (2) عنّي ... لا يواتي العناق من في الوثاق
* ومنهم:
90 - عامر بن جوين بن عبد رضا بن قمران الطائي (3)
أحد بني
__________
الكلام عن ترجمة من تراجم المغتالين من الشعراء بعد سقوط صدرها، ويمكنك مراجعة ترجمة مهلل بن ربيعة في = الشعر والشعراء = (58) وفي خزانة الأدب (1/ 33).
(1) القدود: هي السيور أو الخيوط أو الحبال تتخذ من الجلد.
(2) في = أ =، = ب = أنبت التحلد. والعبارة تخل بالمعنى أو هو تحريف، ونبت المجلل من قريبات أم المهلهل.
(3) ذكره ابن حزم في = الجمهرة = (403) في بني طيّئ فقال بعد عدة:
ومن بني جرم وهو ثعلبة بن عمرو بن الغوث بن طيّئ بطن ضخم، وعامر ابن جوين بن عبد رضى بن قمران بن ثعلبة بن عمرو بن ثعلبة بن جرم وهو ثعلبة بن عمرو بن الغوث الذي نزل به امرؤ القيس وابنه الأسود بن عامر بن جوين شاعر، فولد الأسود هذا قبيصة ابن الأسود، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/211)
جرم بن عمرو بن الغوث، وكان سيدا شاعرا فارسا شريفا، هو الذي نزل به امرؤ القيس بن حجر.
وكان سبب قتله أن كلبا غزت بني جرم (1) فأسر بشر بن حارثة وهبيرة بن صخر الكلبيّ عامر بن جوين وهو شيخ كبير، فجعلوا يتدافعونه لكبره.
فقال عامر بن جوين: لا يكن لعامر بن جوين الهوان، فقالوا له: وإنك لهو؟
قال: نعم، فذبحوه ومضوا، وأقبل الأسود بن عامر، فلما رأى أباه قتيلا بينهم أخذ منهم ثمانية نفر وكانوا قتلوا عامرا وقد هبّت الصّبا فكعمهم (2)
ووضع أيديهم في جفان فيها ماء، وجعل كلّما هبّت الصّبا ذبح واحدا حتى أتى عليهم.
وكان الذي ولي قتل عامر (3) مسعود بن شداد، فقالت أخته عمرة
__________
(1) في = أ =: حزم، والتصويب من = ب = ومصادر الترجمة.
(2) أي كممهم أو سدّ أفواههم بالكمائم.
(3) ذكره ابن الجوزي فيمن عقد المائتين وما زاد في كتابه أعمار الأعيان (107): وذكره له ابن حبيب في المحبر قصة أبي حنبل جارية بن مر الطائي ثم الثعلبي في = أوفياء العرب = (353352) يقول فيها ابن حبيب عن أبي حنبل: وكان من وفائه أن امرئ القيس بن حجر الكندي كان جارا لعامر بن جوين الطائي ثم الجرمي فقبل عامر امرأة امرئ القيس، فأعلمته ذلك. فسار يريد جارية بن مر ليستجيره. فلم يصادفه، وصادف ابنه، فقال له ابنه: أنا أجيرك من الناس كلهم إلا من أبي حنبل فرضي بذلك وتحول إليه، فلما قدم أبو حنبل رأى كثرة أموال امرئ القيس، وأعمله ابنه بما شرطه له في الجوار، فاستشار في أكله نساءه، فكلهن أشرن عليه بذلك وقلن له: إنه لا ذمة له عندك.(1/212)
بنت شداد: [79]
يا عين بكّى لمسعود بن شدّاد ... بكاء ذي عبرات حزنه باد
من لا يمار له لحم الجزور ولا ... يجفو الضّيوف إذا ما ضنّ بالزّاد
ولا يحل إذا ما حلّ منتبذا ... خوف الرزيّة بين الحضر والباد
ألا سقيتم بني جرم أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي كربة صاد
يا فارسا ما قتلتم غير جعثنة ... ولا بخيل على ذي الحاجة الجادي
قد يطعن الطّعنة النّجلاء يتبعها ... مضرّج بعدها تغلى بإزباد
ويترك القرن مصفرّا أنامله ... كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد
* ومنهم:
91 - عنترة بن معاوية العبسي (1)
وكان أغار على بني نبهان، فأطرد
__________
فخرج أبو حنبل حتى أتى الوادي فنادى: ألا إن أبا حنبل غادر، فأجابه الصدى من الجبل بذلك.
ثم نادى: ألا إن أبا حنبل واف، فأجابه الصدى بذلك، فقال: هذه أحسن من تيك، ثم أتى منزله، فحلب جذعة من غنمه فشرب لبنها ومسح بطنه وقال: أغدر وقد كفاني لبن جذعة؟ فوفى لامرئ القيس وقال:
لقد آليت أغدر في جذاع ... ولو منيت أمّان الرباع
لأن الغدر في الأقوام عار ... وأن الحر يجزأ بالكراع
ثم عقد له، وأعلمه امرؤ القيس أن عامر بن جوين قبّل امرأته.
فركب في أسرته حتى أتى منزل عامر بن جوين ومعه امرؤ القيس، فقال له:
قبّل امرأته كما قبّل امرأتك ففعل.
(1) هو: عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية، وقيل: عنترة بن شداد بن عمر بن قراد. وقيل: عنترة بن عمرو بن شداد. والمشهور عنترة بن شداد العبسي.
قال ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (42): قال الكلبي: شداد جده غلب على اسم أبيه، وإنما هو عنترة بن عمرو بن شداد. قال غيره: شداد عمه(1/213)
__________
تكفله بعد موت أبيه، فنسب إليه. ويقال إن أباه ادعاه بعد الكبر وذلك أنه كان لأمة سوداء يقال له زبيبة، وكانت العرب في الجاهلية إذا كان لأحدهم ولد من أمة استعبده، وكان لعنترة إخوة من أمه عبيد.
وكان سبب ادعاء أبي عنترة إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على القوم من بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم وفيهم عنترة. فقال له أبوه: كرّ يا عنترة.
فقال: العبد لا يحسن الكرّ إنما يحسن الحلاب والصرّ.
قال: كرّ وأنت حرّ. فكرّ وهو يقول:
كل امرئ يحمي حره ... أسوده وأحمره
والشعرات الواردات مشفره
فقاتل يومئذ فأبلى، واستنقذ ما في أيدي القوم من الغنيمة، فأعاده أبوه بعد ذلك وهو أحد أغربة القوم وهم ثلاثة: عنترة، وأمة سوداء، وخفاف بن ندمة السلمي وأبوه عمير وأمه سوداء وإليها ينسب السّليك بن السّلكة السعدي.
وكان عنترة من أشد أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة حتى سابه رجل من قومه فذكر سواده وسواد أمه وغير ذلك، وأنه لا يقول الشعر.
فقال عنترة: والله إن الناس ليترافدون الطعمة فما حضرت ولا أبوك ولا جدك خطة فصل، وإنما أنت فقع بقرقر، وإني لأحتضر البأس، وأوفي المغنم واعفّ عن المسألة، وأجود بما ملكت يدي، وأفصل الخطة الصماء، وأما الشعر فستعلم.
فكان أول ما قال: هل غادر الشعراء من متردم ويروى: مترنم، وهو أجود شعر، وكانت العرب تسميها الذهبية، ويستحسن له فيها:
وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنم(1/214)
طريده، وهو شيخ كبير فجعل يطردها، ويقول:
حظّ بني نبهان منها الأثلب ... كأنّما آثارها لا تحجب
آثار ظلمان بقاع مجدب
وكان وزر بن جابر بن سدوس بن أصمع النبهاني في منزه، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى.
فقطع مطاه، فتحامل بالرّمية حتى أتى أهله فمات فقال وهو مجروح:
فإنّ ابن سلمى عنده فاطلبوا دمي ... وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي
يظلّ يمشي بين أجبال طيّئ ... مكان (1) الثّريّا ليس بالمتهضّم
* ومنهم:
92 - عبيد بن الأبرص (2)
وكان المنذر بن امرئ القيس اللّخمي، ابن
__________
هزجا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم
وقوله: وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر من ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي
وكان عنترة شهد حرب داحس والغبراء، وحسن فيها بلاؤه، وحمدت مشاهده.
قال أبو عبيده: إن عنترة بعدما ثارت عبس إلى غطفان بعد يوم جبلة وحمل الدماء احتاج، وكان صاحب غارات فكبر وعجز عنها، وكان له بكر على رجل من غطفان، فخرج نحوه يتجازاه، فهاجت رائحة من صيف، وهبت نافحة وهو بين شرح وناظرة فأصابت الشيخ فهراته، فوجد بينها ميتا.
وهو قتل ضمضما المري، وأبا حصين بن ضمضم، وهرم في حرب داحس والغبراء. قلت: هذا ما قال ابن قتيبة في موته ولم يذكر أنه قتل أو اغتيل، فالله أعلم بما كان.
(1) في = أ =، = ب =: كأن. والمثبت أنسب للسياق.
(2) هو: عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم وكان جاهليا قديما من المعمرين(1/215)
ماء السماء، وهو الذي يسمّى: ذا القرنين.
له يوم يخرج فيه فيقتل أول من يلقى في ذلك اليوم.
فخرج فلقي عبيد بن الأبرص، فأتى به، فلما رآه قال: ويلك، ما أتاني بك؟
قال: المنايا على الحوايا، فذهبت مثلا [80].
__________
وشهد مقتل حجر أبي امرئ القيس
وقتله النعمان في يوم بؤسه، يقال: إنه لقيه يومئذ وله أكثر من ثلثمائة سنة، فلما رآه النعمان قال: هلّا كان هذا لغيرك، يا عبيد أنشدني فربما أعجبني شعرك، قال: حال الجريض دون القريض.
قال أنشدني: أفقر من أهله ملحوب فأنشده: أفقر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد
فسأله: أي قتلة تختار؟
قال: اسقني الخمر حتى إذا ثملت افصدني الأكحل. ففعل ذلك به، ولطخ بدمه الغريين وكان بناهما على نديمين له هما: خالد بن ثعلبة الفقعسي، وعمرو بن مسعود
قلت: وقد سبقت ترجمة عمرو بن مسعود في هذا الكتاب وقصة قتل النعمان له مع خالد بن ثعلبة في ترجمة رقم (13).
ثم قال ابن قتيبة: بعد أن ذكر بعض قصائده: ومما يتمثل به من شعره قوله:
لا أعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني رادي
قاله ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (47، 49):
قلت: ومما سبق يظهر أن هناك خلاف فيمن قتل عبيد أهو النعمان بن المنذر أم المنذر بن امرئ القيس على ما ذكر المؤلف هنا.
وذكره ابن الجوزي في = أعمار الأعيان = (117) فيمن عقد الثلاثمائة وما زاد نقلا عن ابن قتيبة.(1/216)
فقال: أنشدني: أفقر من أهله ملحوب فقال: أفقر من أهله عبيد فقال أنشدني: أفقر من أهله ملحوب فقال: حال الجريض دونك القريض.
فذهب قوله مثلا، وقتله.
* ومنهم:
93 - طرفة بن العبد (1)
أخو بني قيس بن ثعلبة.
وكان عمرو بن هند مضرّط الحجارة اللخمي جعل طرفة والمتلمّس في صحابة قابوس أخيه.
فكان قابوس يتصيد يوما ويشرب يوما، فكان إذا خرج إلى الصيد خرجا معه، فنصبا وركضا يومهما، فإذا كان يوم لهوه قفا على بابه يومهما كله، فلما طال عليهما ذكره طرفة، فقال:
فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبّتنا تخور
يشاركنا لنا رخلان (2) فيها ... وتعلوها الكباش فما تثور
لعمرك إن قابوس بن هند ... ليجمع ملكه نوك كثير
__________
(1) قال ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (26): هو طرفة بن العبد بن سفيان، وهو أجودهم طويله وهو القائل: لخولة أطلال ببرقة ثهمد.
وله بعدها شعر حسن، وليس عند الرواة من شعره وشعر عبيد إلّا القليل.
وكان في حسب قومه جريئا على هجائهم وهجاء غيرهم.
وكانت أخته عند عبد عمرو بن بشر بن مرثد، وكان عبد عمرو سيد أهل زمانه، فشكت أخت طرفة شيئا من أمر زوجها إليه فقال: فذكر الشعر الذي مطلعه: ولا عيب فيه غير أن له غنى.
(2) في = أ =، = ب = رجلان، وهو تحريف والصواب بالخاء المعجمة وهي جمع رخل وهي الصغيرة من الضأن.(1/217)
قسمت العيش في زمن رخيّ ... كذاك الحكم يعدك أو يجور
لنا يوم وللكّروان يوم ... تطير البائسات وما نطير
فأمّا يومهنّ فيوم سوء ... يطاردهنّ بالحدب الصّقور
وأمّا يومنا فنظلّ ركبا ... وقوفا ما نحلّ وما نسير
وقد كان طرفة هجا ابن عم له وصهرا يقال له عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، فقال:
لا عيب فيه غير أن قيل واجد ... وإن له كشحا إذا قام أهضما
وكان عبد عمرو نديما لعمرو بن هند وجليسا وإنسا (1)، فدخل معه الحمام، فلما تجرد نظر إليه عمرو، فقال: ما قال فيك أيها الملك [81] أشدّ، قال: وما قال؟ قال: فأنشده:
فليت لنا مكان الملك عمرو
إلى آخرها، فقال: لا أصدّقك عليه، لما بينك وبينه، واحتملها في قلبه على طرفة.
فلما كان بعد ذلك بيسير، قال لطرفة وللمتلمس: أظنكما قد اشتقتما أهلكما فهل لكما في أن أكتب لكما إلى عامل البحرين بصلة وجائزة؟
قالا: نعم.
فكتب إليه بقتلهما، فأخذا كتابهما ومضيا، وأحسّ المتلمّس بالشّر، وخاف الداهية.
فقال لطرفة: إنّ حملنا هذين الكتابين ولا ندري ما فيهما عجز، فهل لك أن ننظر فيهما؟
فقال طرفة: لم يكن ليقدم عليّ ولا على قومي، وما بينهما إلّا خير.
__________
(1) في = ب =: أنيسا، ومعناه السمير أو الأنيس من المؤانسة والصفاء والخلة.(1/218)
فمرّا بنهر الحيرة، فإذا بغلمان يلعبون، ففكّ المتلمس صحيفته، ودفعها إلى غلام منهم فقرأها، فإذا الشر، فألقاها في الماء، وقال لطرفة: اعلم أن في كتابك ما في كتابي.
فقال: لم يكن ليفعل ولا يجترئ على قومي، فقال المتلمس:
قذفت بها الثّني من جنب كافر (1) ... كذلك أقنو كلّ قطّ مضلّل
رضيت لها بالماء لمّا رأيتها ... يجول بها التّيّار في كل جدول (2)
ومضى المتلمس إلى الشام، ومضى طرفة بكتابه إلى عامل البحرين، وهو عبد بن جرد بن جريّ بن جروة بن عمير التّغلبي، فلما قرأ الكتاب، قال: أترى ما في كتابك؟
قال: لا، قال: فإن فيه قتلك، وأنت رجل شريف، وبيني وبين أهلك إخاء قديم، فانج قبل أن يعلم بمكانك، فإني إن قرأت كتابك لم أجد بدّا من قتلك.
فخرج ولقيه شباب (3) من عبد القيس، فجعلوا يسقونه ويقول الشعر، فلما علم [82] بمكانه قدّمه فضرب عنقه وهو قول المتلمس:
وطريفة بن العبد كان هديّهم ... ضربوا صميم قذاله بمهنّد
* ومنهم:
94 - بشر بن أبي خازم الأسدي (4)
وكان أغار في مقنب من قومه
__________
(1) المراد بالكافر هنا: النهر الكبير.
(2) الجدول: هو النهر الصغير.
(3) في = أ = شاب، والتصويب من = ب =: وهو المناسب للسياق.
(4) قال ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (49): هو من بني أسد جاهلي قديم، وشهد حرب أسد وطيّئ، وشهد هو وابنه نوفل الحلف بينهما.
قال أبو عمرو بن العلاء: فحلان من فحول الجاهلية كانا يقويان بشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني.(1/219)
على الأبناء من بني صعصعة بن معاوية، وكان بنو صعصعة إلا عامر بن صعصعة يدعون: الأبناء.
وهم: واثلة، ومازن، وسلول.
فلما جالت الخيل بموضع يقال له: الرّده، مرّ بشر بغلام من بني وائلة، فقال له بشر: أعط بيدك.
فقال له الوائلي: لتتنحنّ أو لأشعرنك سهما من كنانتي.
فأبى بشر إلا أسره، فرماه بسهم على ثندوته فاعتنق بشر فرسه، وأخذ الغلام فأوثقه، فلما كان الليل أطلقه بشر من وثاقه، وخلى سبيله، وقال:
أعلم قومك أنك قد قتلت بشرا، وهو قوله:
وإنّ الوائليّ أصاب قلبي ... بسهم لم يكن نكسا لغابا
في شعر طويل.
* ومنهم:
عدي بن زيد العبادي (1) وقد مرّ حديثه في المغتالين.
__________
فأما النابغة فدخل يثرب فغنى بشعره فلم يعد. وأما بشر بن أبي حازم فقال له: أخوه سوادة إنك لتقوى، قال: وما الأقواء؟ قال: قولك:
ألم تر إن طول الدهر يسلي ... وينسي مثل ما نسيت حذام
ثم قلت:
وكانوا قومنا فبغوا علينا ... فسقناهم إلى البلد الشآم
فلم يعد للأقواء وكان بشر في أول أمره يهجو أوس بن حارثة بن لام الطائي فأسرته بنو نبهان من طيّئ.
فركب إليهم أوس فاستوهبه منهم، وأراد إحراقه، فقالت له سعدى: قبح الله رأيك، أكرم الرجل وأحسن إليه، فإنه لا يمحو ما قال غير لسانه. ففعل فجعل بشر مكان كل قصيدة هجاء قصيدة مدح.
(1) سبق أن ذكره المؤلف كما أشار إليه في الترجمة رقم (19).(1/220)
* ومنهم:
95 - تأبّط شرا الفهمي (1)
وهو: ثابت بن جابر بن سفيان.
__________
(1) قال ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (62): وهو من فهم، وفهم وعدوان إخوان، وكان يغزو على رجليه وحده. ثم ذكر له شعرا طويلا.
وذكره ابن حبيب في = المحبر = في فتاك الجاهلية (192) وذكر من فتكه في (197196) فقال: كان شجاعا، وكان يغزو على رجليه، فلا تجاريه الخيل، ولا يهاب شيئا، وله أحاديث كثيرة عجيبة في غزواته، وكان لا يهم بشيء إلا ركبه، وإنه أتى جبلا في بلاد لحيان من هذيل يشتار منه عسلا، وكان يأتيه في كل عام، وكان ذلك الجبل منفردا، وإنه أتاه فصعده، وقد وضعوا عليه الرصد، وكان معه نفر من أصحابه، فدلوا حبلا لهم، فتوصل به تأبط حتى صار إلى الغار الذي فيه العسل ودلوا إليه الأسقية وذلك بأعين الهذليين، حتى إذا رأوه قد قرّ قراره، خرجوا على القوم، فانكشفوا وتركوه في الغار، فوقف القوم على الغار، فنادوه: فأطلع رأسه، فقالوا: اصعد، قال:
على ماذا أصعد؟ قالوا: تصعد فنرى فيك رأينا، قال: إن كنتم إذا صعدت أمنت من أن تقتلوني، وقبلتم اليسير من الفداء مني صعدت؟
قالوا: ما لك علينا شرط، فاصعد.
قال: فإذا صعدت تأكلون العسل الذي اشترته؟
قالوا: نعم. قال: لا والله لا جمعتم قتلي وأكل عسلي، وجعل يصب العسل من الأسقية من فم الغار على صفا تحته، ويطرد العسل، وهم يتعجبون منه ويضحكون، حتى إذا فرغ واطرد العسل فأبعد، أخذ زقا هو الوعاء يتخذ للشراب، ويكون من إهاب الماشية، وأشبه ما يكون بالقربة التي يخضّ فيها اللبن فشده على صدره، ثم انحدر في العسل.
فلم يزل يزلق به حتى وقع بالأرض، وبينه وبينهم مسيرة ثلاثة أميال. ثم انطلق فرجع إلى أهله.(1/221)
وكان من شعراء العرب، وفتاكهم. وإنه خرج غازيا في نفر من قومه إذ عرض لهم بيت من هزيل بين صدّى جبل.
فقال: اغنموا هذا البيت.
فقالوا: والله ما لنا فيه أرب، ولئن كانت فيه غنيمة فما نستطيع أن نسوقها.
فقال: إني أتفاءل أن أكون غنيمة، ووقف وأتت له ضيع عن يساره، فكرهها، وعاف على غير الذي رأى، وقال: أبشري أشبعك من القوم غدا.
فقال له أصحابه: ويلك انطلق، والله ما ترى أن نقيم عليها.
[83] فقال: والله لا أريم، وأتت له الضبع.
فقال لها: أبشري أشبعك من القوم غدا.
فقال أحد القوم: والله إني لأراها تأتي لك.
فبات حتى إذا كان في وجه الصبح، وقد عدهم على النار، وأبصر سوادهم، غلام مع القوم دوين المحتلم، فذهب في الجبل، وعدوا على القوم فقتلوا شيخا، وعجوزا، وحازوا جاريتين وإبلا.
ثم قال تأبّط شرا: فأين الغلام الذي كان معكم؟ وأبصروا أثره، فاتّبعه.
فقال له أصحابه: ويلك دعه فإنك لا تريد إليه شيئا.
فاتبعه، واستذرى الغلام بوقفة إلى صخرة، وأقبل تأبّط شرا يقصّه، أوافق الغلام سهما حين رأى ألّا ينجيه شيء، وأمهله حتى إذا دنا منه قفز قفزة فوثب على الصخرة، وأرسل السهم.
فلم يسمع تأبط شرّا الحيصة، فرفع رأسه وانتظم السهم قلبه، وأقبل الغلام نحوه، وهو يقول: لا بأس. فأقبل الغلام وهو يقول: أما والله لقد وضعته حيث تكره، وغشيه تأبّط شرّا بالسيف، وجعل الغلام يلوذ بالدّرقة،
ويضربها تأبط شرا بحشاشته فيخذّ منها ما أصاب منها حتى خلص إليه فقتله، ونزل إلى أصحابه يجرّ برجله.(1/222)
فلم يسمع تأبط شرّا الحيصة، فرفع رأسه وانتظم السهم قلبه، وأقبل الغلام نحوه، وهو يقول: لا بأس. فأقبل الغلام وهو يقول: أما والله لقد وضعته حيث تكره، وغشيه تأبّط شرّا بالسيف، وجعل الغلام يلوذ بالدّرقة،
ويضربها تأبط شرا بحشاشته فيخذّ منها ما أصاب منها حتى خلص إليه فقتله، ونزل إلى أصحابه يجرّ برجله.
فلما رأوه وثبوا فسألوه: ما أصابك؟
فلم ينطق، ومات في أيديهم.
فانطلقوا وتركوه، فجعل لا يأكل منه سبع ولا طائر إلا مات.
فاحتملته هذيل فطرحوه في غار يقال له: غار رخمان.
فقالت أخته ريطة ترثيه:
نعم الفتى غادرتم برخمان ... ثابت بن جابر بن سفيان
[84] قد يقتل القرن ويروي الندمان
* ومنهم:
96 - صخر بن الشّريد السّلميّ (1)
وكان غزا بني خزيمة وأصاب غنائم وسبيا، وأن أبا ثور بن ربيعة بن ثعلبة بن رباب بن الأشتر، الأسدي، طعن صخرا وعليه الدّرع، فدخلت حلقة من حلقات الدرع بطن صخر، وفات بني أسد، فجوي منها، وكان تمرّض قريبا من سنة حتى ملّه أهله.
فسمع امرأة وهي تسأل سلمى امرأته: كيف بعلك؟ فقالت: لا حيّ فيرجى، ولا ميّت فينعى، لقينا منه الأمرّين.
فلما سمع ذلك منها قال:
أرى أمّ صخر ما تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني
فأيّ امرىء ساوى بأمّ حليلة ... فلا عاش إلّا في شقا وهوان
__________
(1) هو صخر بن عمرو بن الحارث بن الشريد، ذكره ابن حبيب في = المحبر = أثناء عد المنجبات من النساء في = المحبر = (455) وقال: ولم تكن العرب تعد منجبة لها أقل من ثلاثة بنين أشراف، فذكر أمه كبشة بنت عبد الله بن قنفذ ابن مالك السلمية فيهن في (462) وقال: ولدت: معاوية، وصخرا، وكرزا، وبشرا بني عمرو بن الحارث بن الشريد.(1/223)
لعمري لقد نبّهت من كان نائما ... وأسمعت من كان له أذنان
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان (1)
فلما طال عليه البلاء والمرض وقد نتأت قطعة من مثل اللّبد في موضع الطعنة.
قالوا: لو قطعتها رجونا أن تبرأ منها.
فقال: شأنكم، وأشفق عليه بعضهم فنهاه فقال: الموت أهون عليّ مما أنا فيه، فأحموا له شفرة فقطعوها فيئس من نفسه.
وسمع أخته الخنساء تسأل: كيف كان صبره؟ فقال:
[85] أجارتنا إن الخطوب تريب ... علينا وكل المخطئين تصيب
فإن تسأليني كيف صبري فإنني ... صبور على ريب الزمان أريب
كأني وقد أدنوا لحز شفارهم ... من الصبر دامي الصفحتين ركوب
أجارتنا لست الغداة بظاعن ... ولكن مقيم ما أقام عسيب
فمات فدفن هناك
* ومنهم:
97 - طريف بن تميم العنبري
وكان قتل يوم مبايض، وكان طريف قتل شرحبيل أخا بني [أبي] (2) ربيعة بن ذهل بن شيبان.
__________
(1) وذكر ابن قتيبة نحو هذه القصة في = الشعر والشعراء = (73) في ترجمته لأخته الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد، الشاعرة الشهيرة المعروفة بأم الشهداء.
(2) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق وهي من = الكامل في التاريخ = لابن الأثير، ويقول في كلامه على يوم مبايض (1/ 477): يوم مبايض: هو لشيبان على بني تميم قال أبو عبيدة حج طريف بن تميم العنبري التميمي، وكان رجلا جسيما يلقب مجدعا، وهو فارس قومه، ولقيه حميصة بن جندل الشيباني من بني أبي ربيعة، وهو شاب قوي وشجاع وهو يطوف بالبيت،(1/224)
__________
فأطال النظر إليه، فقال له طريف: لم تشد نظرك إليّ؟ قال حمصية: أريد أن أثبتك لعلي أن ألقاك في جيش فأقتلك، فقال طريف: اللهم لا تحول الحول حتى ألقاه، ودعا حميصة مثله.
فقال طريف: فذكر الشعر الذي ذكره المؤلف هنا والذي أوله:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة
ثم قال ابن الأثير بعد الأبيات: ثم إن بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وبني مرة بن ذهل بن شيبان كان بينهم شر وخصام فاقتتلوا شيئا من قتال، ولم يكن بينهم دم.
فقال هانئ بن مسعود رئيس بني أبي ربيعة لقومه: إني أكره أن يتفاقم الشر بيننا، فارتحل بهم، فنزل على ماء يقال له مبايض، وهو قريب من مياه بني تميم، فأقاموا عليه أشهرا، وبلغ خبرهم بني تميم، فأرسل بعضهم إلى بعض، وقالوا: هذا حيّ منفرد، وإن اصطلمتموهم أو هنتم بكر بن وائل، واجتمعوا وصاروا على ثلاثة رؤساء: أبو الجدعاء الطهوي على بني حنظلة. وابن فدكي المنقري على بني سعد. وطريف بن تميم على بني عمرو بن تميم.
فلما قاربوا بني أبي ربيعة بلغهم الخبر، فاستعدوا للقتال، فخطبهم هانئ بن مسعود، وحثهم على القتال، فقال: إذا أتوكم فقاتلوهم، شيئا من قتال، ثم انحازوا عنهم، فإذا اشتغلوا بالنهب فعودوا إليهم، فإنكم تصيبون منهم حاجتكم.
وصبحهم بنو تميم والقوم حذرون، فاقتتلوا قتالا شديدا، وفعلت بنو شيبان ما أمرهم هانئ، فاشتغلت تميم بالغنيمة، ومرّ رجل منهم بابن لهانئ بن مسعود صبي فأخذه، وقال حسبي هذا من الغنيمة وسار به، وبقيت تميم مع الغنيمة والسبي.
فعات شيبان عليهم فهزموهم وقتلوهم وأسروهم كيف شاءوا، ولم تصب تميم بمثلها، لم يفلت منهم إلّا القليل، ولم يلو أحد على أحد، وانهزم طريف(1/225)
وكانت الفرسان لا تشهد عكاظ إلّا مبرقعة مخافة الثّؤرة.
وكان طريف لا يتبرقع كما يتبرقعون.
فلما ورد عكاظ قال حمصيصة بن شراحبيل الشيباني (1):
أروني طريفا، فأروه إياه، فجعل يتأمله.
فقال له طريف: مالك؟
فقال: أتو سّمك لأعرفك، فإن لقيتك في حرب فلله عليّ أن أقتلك أو تقتلني.
فقال طريف:
أو كلما وردت كعاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
فتوسّموني إنني أنا ذاكم ... شاكي سلاح في الحوادث معلم
تحتى الأغر وفوق جلدي نثرة ... زغف تردّ السيف وهو مثلّم
ولكل بكريّ عليّ عداوة ... وأبو ربيعة شانئ ومحرم
حولي أسيّد والهجيم ومازن ... وإذا حللت فحول بيتي خضّم
فمضى لذلك ما شاء الله، ثم إن عائذه وهم حلفاء لبني أبي ربيعة ابن ذهل أغار عليهم طريف في بني العنبر، وفدكي بن أعبد في بني منقر، وأبو الجدعاء (2) في بني طهيّة.
فالتقوا بمبايض، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل أبو الجدعاء (3)، وهرب
__________
فاتبعه حميصة فقتله، واستردت شيبان الأهل والمال، وأخذوا مع ذلك ما كان معهم، وفادي هانئ بن مسعود ابنه بمائة بعير.
(1) في = الكامل =، وفي مبايض في = معجم البلدان =: حميصة بن جندل، الشيباني.
(2) في = أ = في الموضع الأول الجذعان وفي الموضع الثاني: الجذعا، وفي = ب = في الموضعين: الجذعان والتصويب من = الكامل = (1/ 478).
(3) في = أ =: الجذعا، وفي = ب =: الجذعان والتصويب من = الكامل = (1/ 478).(1/226)
فدكي، ولم يكن لحمصيصة همّ غير طريف، فلما عرفه، رماه فقتله، فقال أبو رماد، أخو بني أبي ربيعة في قتل حمصيصه طريفا:
خاض الغداة إلى طريف في الوغى ... حمصيصة المغوار في الهيجاء
* [86] ومنهم:
98 - السّليك بن السّلكة:
وهي أمّه، وأبو [هـ عمير] (1) السّعدي.
وكان غزا خثعم فسبى امرأة فأولدها.
ثم إن المرأة قالت لسليك: أزرني قومي (2)، وإني لا أغدر بك، وما ولدي منك إلا كولدي من غيرك.
فاحتملها، وأتى بها أرض خثعم، فقالت له: أقم بهذا الموضع لموضع أمرت به حتى آتيك بعد يومين أو ثلاثة.
فلما أتت زوجها قالت له: هذا سليك بموضع كذا، فلم تر عند زوجها خيرا، فقالت لابن عمّه أنس بن مدرك، فخرج أنس فقاتله، فوثب زوج المرأة على أنس حتى عقله، فقال أنس:
غضبت للمرء نكحت (3) حليلته ... وإذ يشدّ على وجعائها الثّفر
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق وبما سقط من النسختين وأثبته من الشعر والشعراء لابن قتيبة (80) وقال: السعدي هو منسوب إلى أمه وكانت سوداء، واسم أبيه عمرو بن يثربي، ويقال: عمير، وهو من بني كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
وقال ابن حبيب في = المحبر = (308): السليك بن يثربي السعدي أمه السّلكة.
(2) في = أ =، = ب =: قومك. وهو سهو من النساخ.
(3) كلمة هذا معناها رأيت تغييرها بالمعنى حياء من القارئ وقد ورد بالكتاب بعض هذه الهنات عففت عن ذكر بعضها وتركت ما كان غامضا منها على العوام.(1/227)
أنّى تناسيّ هامات فمحروه ... لا يزد هيني سواد اللّيل والجهر
أغشى الهياج وسربالي مضاعفة ... تغشى البنان وسيفي صارم ذكر
أنّي وقتلي سليكا ثمّ أعقله ... كالثّور يضرب لمّا عافت البقر (1)
* ومنهم:
99 - عبد عمرو بن عمار الطائي
وكان الحارث بن أبي شمر الغساني لما قتل المنذر بن ماء السماء بعث رجلا من أهل بيته يقال له الأبرد، فنزل بين العراق والشام، وكان يسمى المليك أي ليس بملك تام فأتاه عبد عمرو (2) فامتدحه، فوصله، فلم يرض صلته فهجاه، فقال:
كأنّ ثناياه إذا افترّ ضاحكا ... رؤوس جراد في رؤوس تحسحس (3)
فقال: ويلكم، ائتوني بجراد، فأتي بجراد فأمر به فوضع على النار، فرآهن يتحركن، فقال: ويلكم، إن ابن عمار لم يهجني [87] ولكني سلح عليّ، وكان مما هجاه به أيضا قوله:
قل للذي خيره دون الصها قيم ... منطني عندنا أحلا من الدبس
لو كنت كلب قنيص كنت ذا جدد ... قبّح (4) ذا وجة أنف ثمّ منتكس
إن المليك إذا عثروا ... على تعرقبه بالله لم يكس
تعلّمن أن ثرّ الناس كلّهم ... الأفقم (5) الأنف والأضراس كالعدس
__________
(1) لم يرد في هذه الترجمة ذكر لقتله أو اغتياله وسيذكره المؤلف إن شاء الله تعالى بترجمة أخرى تأتي بعد رقم (101) من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وسوف أترجم له فيها وذكر فيها كيفية اغتياله فأتم قراءة القصة في الموضع المشار إليه، وكذا بقية التحقيق، إن شاء الله تعالى.
(2) في = أ =، = ب =: عبد بن عمرو، وهو سهو من النساخ.
(3) في = أ =، = ب =: تخسخس، وهو تحريف، والحسحسة وضع الشيء على النار.
(4) في = أ =، = ب =: فتح. بالفاء والنون، وهو تحريف.
(5) كذا في = أ =، وفي = ب =: الأفعم. والثاني تحريف.(1/228)
كان أمرا صالحا فارتدّ مومة ... حمرا يرهّزها رامي بني مرس
يمشي بطينا ولما يقض نهمته ... ماء الرجال على فخذيه كالقرس
ثم إنّ الأسود بن عامر بن جوين الطائيّ انطلق إلى الشام فنزل بالمليك فنسبه فانتسب له فعرفه فقال: أي رجل ابن عمّار فيكم؟
فأخبره أنه من أسرة قليلة ذليلة وأنه لا خير فيه.
فقال: لا جرم لا تفارقني حتى أوتى به.
وكان ابن عمّار قد لجأ إلى أوس بن حارثة بن لأم الطائي، فأعطى الأسود المليك رهينة من ولده، وأقبل حتى أخذ ابن عمار، فذهب أوس يحول بينه وبينه، فقال: أتحول بيني وبين ابن عمي؟
فدونك: أتراني (1) كنت مسلمه للقتل؟
فانطلق به إلى المليك، فضرب عنقه.
فقال خوليّ بن سهلة الطائي: [88]
لقد نهيت ابن عمار وقلت له ... لا تأمنن أحمر العينين والشّعره
إن الملوك إذا حللت ساحتهم ... طارت بثوبك من نيرانهم شرره
أو يقتلوك فلا نكس ولا ورع ... عند اللّقاء ولا هو هاءة همره
يا غارة (2) كانسجال السّبل قد قتلوا ... ومنطقا مثل وشى اليمنة الحبره
لقد نصحت له والعيس باركة ... بين الحديباء والمرماة والأمره
لقد نهيتك عمّن لا كفاء له ... عند الحفاظ وعن عوف وعن قطره
ما قتلوه على ذنب ألّم به ... إلّا تواصوا وقالوا قومه خسره
وقال المليك للأسود بن عامر:
قتلت ابن عمّك من خشينا ... وفي أهله يقتلنّ الخشى
__________
(1) في = أ =، = ب = أتر إني.
(2) في = أ =، = ب = يا غادة. وهو تحريف.(1/229)
* ومنهم:
100 - سويد بن صامت الأوسي
وكان يدعى الكامل. وقد كتبناه في أشراف المغتالين (1).
__________
(1) كذا قال المؤلف ولم يسبق أن ترجم له وربما يكون أراد والله أعلم ترجمة المجذر بن ذياد وقيس بن زيد السابق ذكرهما برقم (28، 29) وذلك لما ذكره ابن حزم رحمنا الله وإياه في = جمهرة أنساب العرب = (337 338) في ذكره لبني حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، إذ يقول: منهم خلاد، وأخواه جلاس، الحارث بنو: سويد بن الصامت بن خالد بن عطية بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس.
خلّاد من الفضلاء. وأخوه الجلّاس كانت له نزعة ثم حمد أمره إلى أن مات.
وكان الحارث منافقا، وهو قاتل المجذر بن زياد البلوي غيلة، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم قودا. وقد قيل إنه تبرأ عند القتل من النفاق، وقال:
يا رسول الله، والله ما قتلت المجذر شكا في ديني، ولا نفاقا، ولكني لما رأيت قاتل أبي لم أتمالك أن قتلته.
وكان المجذر قتل في حرب بعاث سويد بن الصامت، فلما كان يوم أحد اغتاله الحارث بن سويد فقتله، ولم يعرف بذلك أحد من ولد آدم إلى أن نزل جبريل عليه السلام بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فاجتمع إليه بنو عمرو، فأتى الحارث في جملتهم وعليه حلة له، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأنصار بضرب عنقه.
فقال الحارث: وفيم يا رسول الله؟ قال: = لقتلك المجذر بن ذياد =. فما زاد كلمة على أن قام فمد عنقه. وحينئذ قال ما ذكرنا.
قلت: فربما أن المجذر بن ذياد كان قتل سويد بن الصامت غيلة أثناء الحرب.
ولهذا ذكره المؤلف ضمن المغتالين. والله تعالى أعلم.(1/230)
* ومنهم:
101 - دريد بن الصّمّة الجشمي (1)
وقتل مأسورا يوم حنين.
وكان مالك بن عوف النّصري جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعت إليه ثقيف كلّها ونصر وجشم ابنا معاوية، وسعد بن بكر، وناس قليل من بني هلال بن عامر، ولم تحضر كعب وكلاب.
فخرج في بني جشم دريد شيخا كبيرا في شجار (2)، وليس عنده إلا التّيمّن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجرّبا.
فعسكر مالك بن عوف بن عوف بأوطاس (3)، ومعهم نساؤهم وأبناؤهم وأموالهم.
فأقبل دريد في شجار (4) يقاد به بعيره، فقال: أين نزلتم؟
قالو: بأوطاس.
قال: نعم مجال الخيل، لا حزن شرس، ولا سهل دهس، فمالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير وثغاء الشاء؟
قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم.
__________
(1) هو: دريد بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، وهو فارس مشهور. والصمة لقب معاوية ونسب دريد إلى جده باللقب.
وأمه: ريحانة بنت معد يكرب من بني سعد العشيرة. راجع = جمهرة = ابن حزم (411270).
(2) في = ب =: شجاو بالواو، وهو تحريف أو سهو.
(3) أوطاس: واد في ديار هوازن كانت فيه وقعة حنين.
(4) في = أ =: سحار، بالسين المهملة. والشجار أشبه ما يكون بالعربة التي يطلق عليها بمصر = الكارو = الصغيرة أو يقال عنها أيضا = الكاريته =.(1/231)
قال: أين مالك؟
قالوا: هذا مالك قد عنّ له.
فقال: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاء؟
قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. قال: لم؟
قال: أردت [89] أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم.
فأنقض (1) به دريد وقال: راعي ضان والله، وهل يرد المنهزم شيء؟
إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك.
ثم [قال] (2): ما فعلت كعب، وكلاب؟
قالوا: لم يشهدها منهم أحد.
قال: غاب (3) الجدّ والحدّ (4)، لو كان يوم [علاء] رفعة (5) لم يغب عنه كعب ولا كلاب، وددت أنكم فعلتم مثل ما فعلوا.
__________
(1) في = أ =، = ب =: فانتفض، وهو تحريف، والتصويب من = لسان العرب = حيث يقول ابن منظور: وفي حديث هوازن: فانقض به دريد: أي نقر بلسانه في فيه كما يزجر الحمار، فعله استجهالا. وقال الخطابي: أنقض به: أي صفق بإحدى يديه على الأخرى حتى سمع لها نقيض أي صوت
(2) زيادة من = الكامل في التاريخ = (1/ 135) ويقتضيها السياق.
(3) في = أ =، = ب =: علا. والتصويب من المصدر السابق.
(4) الجدّ: الحظ والحدّ: منتهى الشيء هامش المصدر السابق المراد لم يبلغ الشيء منتها، أو لم يحالفه الحظ في النجاح.
(5) في = أ =، = ب =: يوم وقعة، والزيادة والتصويب من = الكامل =.(1/232)
قال: فمن شهدها منكم (1)؟
قالوا: عمرو (2) بن عامر، وعوف بن عامر.
قال: ذانك الجذعان من عامر، لا ينفعان ولا يضران، يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا أرفعهم إلى ممتجلاتهم وعليا قومهم، ثم الق العدا على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألغي ذلك، وقد أحرزت مالك وأهلك.
قال: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر علمك، وكره أن يكون لدريد فيها يد تذكر ورأي.
فقال دريد: هذا يوم لم أشهده، ولم أغب عنه:
يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع
فلما هزم الله المشركين، أدرك دريدا ربيعة بن رفيع (3) من بني سماك بن عوف من سليم، وكان يقال له ابن لدغة فأخذ بخطام جمله وهو يظنه امرأة، فأناخ به، فإذا شيخ كبير، وإذا هو دريد والغلام لا يعرفه.
فقال له دريد: ماذا تريد بي؟
قال: أقتلك. قال: ومن أنت؟
قال: ربيعة بن رفيع السّلمي، فضربه الفتى بسيفه، فلم تغن شيئا.
قال: بئسما سلحتك أمك، خذ سيفي، من مؤخرة الرحل في القراب، فاضرب، وارفع عن العظام (4)، واخنض عن الدماغ [90]، فإني كنت
__________
(1) في = أ =، = ب =: منهم. وهو سهو.
(2) في = أ =، = ب = عمر، وهو سهو.
(3) في = أ =، = ب =: رفيعة. والتصويب من = الكامل =.
(4) في = أ =: الطعام. وهو سهو، والتصويب من = ب =، و = الكامل =.(1/233)
أضرب الرجال.
فإذا أتيت أمك، فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصّمّة، فرب والله يوم منعت فيه نساءك.
وأخبر أمه فقالت: قد والله أعتق (1) لك أمهات ثلاثا (2).
* ومنهم:
كعب بن الأشرف اليهودي الطّائي (3) وقد كتبناه في المغتالين.
* ومنهم:
السّليك بن السّلكة (4) وكان خرج في تيم الرباب يتبع الأرياف
__________
(1) في = أ =: عتق، والتصويب من = ب =، ومن = الكامل =.
(2) وذكر ابن الأثير في = الكامل = (1/ 139135) الوقعة بأتم مما هنا.
(3) سبق أن ذكره المؤلف كما قال تحت رقم (22).
(4) سبق ذكره وبعض ترجمته في ترجمة رقم (98) وكنت ذكرت في تحقيقها اسمه والخلاف فيه ووعدت بإكمال ترجمته هنا ومنها في الخلاف في اسمه ما ذكره ابن حزم في = الجمهرة = (217) ومن بني عمير بن مقاعس: السليك ابن السلكة نسب إلى أمه وهو: السليك بن يثربي بن سنان بن عمير بن الحارث قال هذا في ذكره لبني عبد عمرو بن عبيد أخي منقر. وقال في (325) في بني مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة: وقتل يزيد بن رويم المذكور سليك بن السلكة وقال صاحب = الشعر والشعراء = هو: أحد أغربة العرب وهجنائهم، ورجيليهم، وكان أدل الناس بالأرض، وأشدهم عدوا على رجليه، وكان لا تعلق به الخيل، وكان له بأس، ونجدة. قال أبو عبيدة:
رأى سليك طلائع جيش لبكر بن وائل جاءوا ليغيروا على سهم ولا تعلم به سهم، فقالوا: إن علم السّليك بنا أنذر قومه، فبعثوا إليه فارسين على جوادين، فخرج يمحص كأنه ظبي فطارداه سحابة يومهما، ثم قالا: إذا كان الليل أعيا فسقط فنأخذه، فلما قصا أثره إذا هو قد بال متفاجا، فقالا(1/234)
__________
لعل هذا كان من أول الليل فإذا أصبح أعيا، فاتبعاه، وإذا هو قد عثر بأصل شجرة، وقد بدرت من كنانته نبله، وإذا نصل منها قد ارتزت بالأرض، فقالا: قاتله الله، ما أشد متنه، فانصرفا عنه.
وتم إلى قومه فكذبوه لبعد الغاية، وذلك قوله:
يكذبني العمران: عمرو بن جندب ... وعمرو هند والمكذّب أكذب
تكلتهما إن لم أكن قد رأيتها ... كراديس يهديها إلى الحي موكب
وجاء الجيش، فغاروا عليهم، وكان سليك يقول: اللهم لو كنت ضعيفا لكنت عبدا، ولو كنت امرأة لكنت أمة، اللهم إني أعوذ من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة.
فأصابته خصاصة، فخرج يغزو على رجليه يريد الغارة حتى إذا أمسى اشتمل الصماء ونام، فبرك عليه رجل، فقال: استأسر يا خبيث، فلم يعبأ به فلما آذاه ضمّه ضمّة ضرط منها، فقال: أضرطا وأنت الأعلى؟! فذهبت مثلا.
ثم قال: إني رجل صعلوك خرجت أطلب شيئا، فانطلقا، فإذا آخر قصته مثل قصتهما، فأتوا جوف مراد، وهم باليمن، وإذا فيه نعم كثير، فقال:
كونا مني قريبا حتى آتي الرعاة، فأعلم لكما على الحي، فإن كان قريبا رجعت إليكما، وإن كان بعيدا قلت لكما قولا أوحي به إليكما، فأغيرا على ما يليكما.
فانطلق حتى أتى الرعاة، فلم يزل يستنطقهم حتى دلوه على الحي، فإذا هو بعيد، فقال: ألا أغنيكم؟ قالوا: بلى، فرفع عقيرته يتغنى:
يا صاحبي ألا لا حيّ بالوادي ... إلا عبيد وأم بين أزواد
فتنظران قليلا ريث غفلتهم ... أم تغدوان فإن الغنم للغادي
فلما سمعا ذلك طردا الإبل وذهبا بها.
وكان يقال لسليك: سليك المقالب.(1/235)
حتى مرّ بفخّة، فيما بين أرض بني عقيل وسعد تميم (1)، فلقي رجلا من خثعم يقال له: مالك بن عمير بن أبي وداع بن جشم بن عوف، وأخذ ومعه امرأة له من خفاجة تدعى نوار، فقال له الخثعمي: أنا أفدي نفسي منك.
فقال له السّليك: ذلك لك على أن لا تخيس بي ولا تطلع علي أحدا من خثعم، فأعطاه ذلك فرجع إلى قومه، وخلف السّليك على امرأته فنكحها وجعلت تقول له: احذر خثعم، فإني أخافهم عليك، فأنشأ يقول:
تحذرني أن أحذر العام خثعما ... وقد علمت أني امرء غير مسلم
وما خثعم إلّا لئام إدقّة ... إلى الذل والإسفاف تنمى وتنتمي
فبلغ شبيل بن قلادة بن عمرو بن سعد، وأنس بن مدرك الخثعميين الخبر.
فخالفا الخثعمي زوج المرأة، فلم يعلم السّليك حتى طرّه فأنشا يقول:
من مبلغ حربا بأني مقتول ... يا رب نهد قد حويت عثكول
ورب خرق قد تركت مجدول ... ورب زوج قد نكحت عطبول
ورب عان قد فككت مكبول ... ورب واد قد قطعت مشبول
فقال أنس لشبيل: إن شئت كفيتك القوم وتكفني الرجل فشدّ أنس
__________
وقالت بنو كنانة حين كبر: إن رأيت أن ترينا بعض ما بقي من احضارك.
قال: اجمعوا لي أربعين شابا، وابغوني درعا ثقيلة فأخذها فلبسها، وخرج الشباب حتى إذا كانوا، كان على رأس ميل أقبل يحضر، فلاث العدو لوثا، واهتبضوا في جنبه، فما صحبوه إلّا قليلا، وجاء يحضر والدرع تخفق في عنقه كأنها خرقة.
(1) في = أ =، = ب =: سعد غنم. وهو تحريف.(1/236)
على السّليك فقتله، وقتل شبيل وأصحابه من كان معه فقال (1) عوف وهو ابن عم مالك بن عمير: والله لأقتلن [91] أنسا في اختفاره ذمه ابن عمي، [ثم قال] (2):
من مبلغ خثعما عني مغلغلة ... إن السّليك لجاري حين يدعوني
في شعر طويل
ثم إن أنسا ودى السّليك بعد أن كاد يتفاقم الأمر بينهم فقال أنس ابن مدرك:
كم من أخ لي كريم قد فجعت به ... ثم بقيت كأني بعده، حجر
لا أستكين على ريب الزمان ولا ... أغضي على الأمر يأتي دونه القدر
مردي حروب أجول الأمر جائلة ... إذ بعضهم لأمر تعتري حذر
إني وعقلي سليكا بعد مقتله ... كالثور يضرب لما عافت البقر
غضبت للمرء إذا نكحت حليلته ... إلى آخر الأبيات التي تقدمت قبل.
* ومنهم:
102 - الحارث بن ظالم المرّي
(3) وكان الحارث قتل خالد بن جعفر ابن كلاب في جوار الأسود بن المنذر وهرب إلى مكة.
__________
(1) تكررت الكلمة في = أ =.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) هو الحارث بن ظالم بن جذيمة المري، وكان من الفتاك والأوفياء في الجاهلية ذكره ابن حزم في = الجمهرة = (253، 254، 294، 448).
وذكره ابن حبيب في = المحبر = في الفتاك، والأوفياء في كتابه = المحبر =، وفي مواضع أخر، راجع (169، 192، 193، 194، 195، 461).
وذكره ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = في ذكر قتل زهير بن جذيمة، وخالد بن جعفر بن كلاب، والحارث بن ظالم المري وذكر يوم الرحرحان (1/ 448440).(1/237)
ثم إن النعمان بن المنذر كتب للحارث كتاب أمان، وأشهد عليه شهودا من مضر وربيعة.
وكتب إلى الحارث يسأله القدوم عليه، وكفل له الشهود، وأن لا يهيجه النّعمان لما كان من قتل خالد أخيه، وقتله ابنه.
فقدم الحارث حتى أتى النعمان، وهو بقصر بني مقاتل، فقال للحاجب: استأذن لي، وذلك حين رأى الناس اجتمعوا عنده، فاستأذن له الحاجب، فقال: ضع سيفك وادخل.
فقال: ولم أضعه؟
قال: ضعه فإنه لا بأس عليك. فلمّا ألّح عليه وضعه ومعه أمانة الذي كتب له.
فدخل فقال: أنعم صباحا أبيت اللّعن. فقال: لا أنعم الله صباحك.
فقال الحارث: هذا كتابك. وأخرجه.
فقال النعمان: والله ما أنكره، أنا كتبته لك، وقد غدرت وفتكت مرارا، فلا ضر أن غدرت بك مرة واحدة، [92] ثم نادى: من يقتل هذا؟
فقام ابن الخمس التغلبي وكان الحارث فتك بابنه (1)، فقال: أنا أقتله.
فقال الحارث: أنت يا ابن [راعي] (2) الإبل تقتلني، أما والله ما نفسي من أبيك ولا من أشباهه لؤمه.
فقتله ابن الخمس.
فقال قيس بن زهير يرثي الحارث بن ظالم (3):
__________
(1) كذا في = أ = وهو الموافق لما في = الكامل =، وفي = ب = بأبيه.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) جاءت العبارة في = أ =، = ب = على النحو التالي: فقال قيس بن رحل بن(1/238)
ما قصرت من حاصن دون سترها ... أبر وأوفى منك حارث بن ظالم
أعزّ وأوفي عند جار وذمّة ... واضرب في كاب من النقع قائم
فقال: رجل من بني ضرس من جرهم، وممن كان يقوم على رأس النعمان حين رأى الحارث مقتولا:
يا حار حنيّا ... لم تك ترعيّا
في البيت ضجعيا (1)
* ومنهم:
103 - عبد الله بن رواحة الأنصاري ثم الخزرجي
(2) وكان
__________
ظالم. وقد أصابها تحريف. وقومتها على التقريب من هامش = الكامل = (1/ 448).
(1) والقصة بأتم مما هنا في = الكامل = وعلى غير هذا السياق وإن كانت بنحوه في بعض المواطن.
(2) هو الصحابي الشهير: عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرؤ القيس بن عمرو ابن امرؤ القيس الأكبر مالك الأغر أبو محمد، وقيل: أبو رواحة، وقيل:
أبو عمرو، الأنصاري الخزرجي، الشهيد بمؤتة في العام الثامن للهجرة أمه:
كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنانة الخزرجية. وهو من فحول الشعراء وكان عظيم القدر في الجاهلية والإسلام وكان يقول الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائل يوم عمرة القضاء:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة، حرم الله، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول هذا الشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«خل عنه يا عمر فو الذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل» وكان ممن شهد العقبة وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج. وشهد بدرا،(1/239)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجّه جيشا إلى مؤتة، وأمّر عليهم مولاه زيد بن حارثة الكلبي، وقال: «إن أصيب زيد، فالأمير جعفر بن أبي
__________
وأحدا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وعمرة القضاء، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل شهيدا بمؤتة، فلم يحضر الفتح وما بعده من مشاهد.
وله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد، وذكرته به في كتابي: = هدي القاصد إلى أحاديث أصحاب الحديث الواحد =.
والمصادر التي ترجمت له من الكثرة بمكان، فأذكر منها: = الاستيعاب = (3/ 298)، = أسد الغابة = (3/ 234)، = الإصابة = (4/ 66)، = هدي القاصد إلى أحاديث أصحاب الحديث الواحد = ()، = أسماء الصحابة الرواة = (886)، = بقي بن مخلد = (885)، = تجريد أسماء الصحابة = (1/ 310)، تلقيح فهوم أهل الأثر = (382)، = الثقات = (3/ 221)، = صفوة الصفوة = (1/ 481)، = الاستبصار = (53، 56)، = التقريب = (1/ 415)، = تهذيب الكمال = (2/ 681)، = تهذيب التهذيب = (5/ 212)، = الوافي = (17/ 168)، = الجرح = (5/ 50)، = التاريخ الصغير = (1/ 23)، = حلية الأولياء = (1/ 118)، = سير أعلام النبلاء = (1/ 230) هذا غير ما أفرد فيه من مؤلفات.
هذا ثم إني لا أرى سببا لإيراد المؤلف له ضمن كتابه حيث أنه قتل شهيدا في غزوة من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أقف في مرجع على أنه قتل غيلة إنما تذكر المصادر التي وقفت عليها على أنه استشهد كغيره ممن استشهد من الصحابة في الغزوات. والله أعلم، فربما يكون المؤلف قد وقف على ما يفيد قتله غيلة أثناء القتال.
مع أنه لم يذكر أسد الله حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء وقد قتل غيلة في أحد على يد وحشي، فرحم الله الجميع وألحقنا الله بهم على حسن ختام، اللهم آمين.(1/240)
طالب، وإن أصيب جعفر بن أبي طالب، فالأمير عبد الله بن رواحة»
فأصيب ثلاثتهم رحمهم الله وأخذ خالد بن الوليد الراية من غير تأمير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل ابن راقلة، وبلقين المشركين، وهزمهم الله تعالى به.
* ومنهم:
104 - جزء (1) بن الحارث الأزدي ثم الشعبي
وكان التقى ناس من بني خنيس وناس من بني كنانة ليلا، ولا يعرف بعضهم بعضا.
فرس رجل من بني كنانة، فأصاب جزء (2)، فقال جزء (3): حسنّ حسنّ.
وصاح رجل من بني كنانة: يا آل واهب، ليراعوا من هم، وهم من خثعم.
وقال رجل من بني خنيس: ارجعي يا ميدعان فإني أجد ريح القارة.
فرجعوا عليهم، فقتلوهم غير رجلين، ومات جزء من السهم الذي أصابه.
فقال عمرو بن أبي عمارة:
دعوا واهبا مسر عشيا وكلنا ... رأى واهبا رأي الخليل المواصل [93]
وادعوا فناعة من خنيس عصابة ... إلى الضرب مشى المحنقات الروافل
فليتك بالمعزاء حين تقسموا ... فتنظر بلغا من قتيل وقاتل
وليتك حي حين سلك فرهم ... فغية حرب كالسهام النواصل
__________
(1) جاء في المواضع كلها: = أ =، = ب =: جرو. بالواو وهو رسم قديم للهمزة، أو تحريف من النساخ. فالله أعلم.
(2) جاء في المواضع كلها = أ =، = ب =: جرو. بالواو وهو رسم قديم للهمزة، أو تحريف من النساخ. فالله أعلم.
(3) جاء في المواضع كلها = أ =، = ب =: جرو. بالواو وهو رسم قديم للهمزة، أو تحريف من النساخ. فالله أعلم.(1/241)
فتعلم أنّا لم ندعهم بعمرنا ... وإن لم يؤب من آب منهم بطائل
* ومنهم:
105 - الشّنفري الأزدي
(1) من الأوس بن الحضر بن الهنو بن الأزد وغيرها. وأنه قتل من بني سلامان بن مفرج تسعة وتسعين رجلا في غاراته عليهم.
وأن بني سلامان أقعدت له رجالا من بني الرمد من غامد يرصدونه.
فجاءهم للغارة فطلبوه، فأفلتهم، فأرسلوا عليه كلبا لهم يقال له:
خبيش فقتله.
وإنه مرّ برجلين من بني سلامان فأعجله فراره عنهما.
فأقعدوا له أسيد بن جابر السلاماني (2) وحازما البقمي، من البقوم من حوالة بن الهنو بن الأزد بالناصف من أبيدة (3)، وهو واد فرصداه، فأقبل في الليل قد نزع إحدى نعليه، وهو يضرب برجله.
فقال حازم: هذا الضبع، فقال أسيد (4): بل هو الخبيث. فلما دنا (5)
__________
(1) قال ابن حزم في = الجمهرة = (386): في ذكره لبني مالك بن زهران: منهم بنو سلامان بن مفرج بن مالك بن زهران، بطن منهم كان الشنفري الفاتك، وكان يغير عليهم لأنهم قتل رجل منهم أباه وكانوا أخواله، وفي ذلك يقول:
جزينا سلامان بن مفرج قرضها ... بما قدّمت أيديهم وأزلّت
وهنّئ بي قوم وما إن هنأتهم ... وأصبحت في قوم ليسوا بمنبتي
(2) في = أ =، = ب =: أسد بن جابر السلامي وهو تحريف لما في أول وآخر الخبر وما في = الجمهرة =.
(3) في = أ =، = ب =: الناصت من أسد. والتصويب من = معجم البلدان =.
(4) في = أ =، = ب =: أسد، وهو تحريف سبق الإشارة إليه.
(5) في = أ =: دنو. والتصويب من = ب =.(1/242)
توجس ثم رجع فمكث قليلا، ثم عاد إلى الماء ليشرب، فوثبوا عليه، فأخذوه، وربطوه وأصبحوا به في بني سلامان فربطوه إلى شجرة، فقالوا:
قف أنشدنا.
فقال: إنما النشيد على المسرة. فذهبت مثلا. وجاء غلام قد كان الشنفري قتل أباه، فضرب يده بالشفرة، فاضطربت، فقال:
لا تبعدي إمّا هلكت شامه (1) ... فرب واد قد قطعت هامه
وربّ حيّ أهلكت سوامه ... ورب خرق قطعت قتامه
ورب خرق فصلت عظامه
ثم قالوا: أين نقبرك؟ فقال:
لا تقبروني إن قبري محرّم ... عليكم ولكن أبشري أم عامر [94]
إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثمّ سائري
هنا لك لا أرجو حياة تسرني ... سمير الليالي مبسلا بالجرائر (2)
وأن رجلا من بني سلامان رماه بسهم في عينه فقتله.
فقال جزء (3) بن الحارث في قتله:
لعمرك للساعي أسيد بن جابر ... أحق بهامتكم بني عقب (4) الكلب
وكان الشنفري حلف ليقتلن مائة من بني سلامان فقتل تسعة وتسعين فبقي عليه تمام نذره، فمرّ رجل من بني سلامان بجمجمته فضربها فعقرت رجله فمات، فتم نذره بالرجل بعد موته.
__________
(1) في = أ =: سامه، بالسين المهلة، والتصويب من = ب =.
(2) في = أ =: بالحواير. والتصويب من = ب =.
(3) في = أ =، = ب =: جرو. وهو تحريف، وسبق الكلام عنه في الترجمة السابقة.
(4) في = أ =، = ب = حقب. وهو تحريف.(1/243)
* ومنهم:
خالد بن جعفر بن كلاب (1) وقتله الحارث بن ظالم في جوار الأسود بن المنذر وقد كتبت سبب قتله في المغتالين.
* ومنهم:
106 - حارثة بن قيس الكناني
وكان مدح الحارث بن أبي شمر الغساني ووفد إليه فأحسن جائزته، فلما انصرف سرق ما معه، فظنّ أن الحارث دسّ إليه من يسرقه، فقال يهجوه:
أدّ الدنانير إن الغدر منقصة ... وإن جدّك لم يغدر ولم يطق
فبلغ هجاؤه الحارث فخلف أن لا يمسّ رأسه غسل حتى يقتل حارثة بهجائه إياه، وأن الحارث بن أبي شمر جعل لابن عروة الكناني جعلا على أن يدلّه على عورة قومه، فدلّه فغزاهم، وندم ابن عروة، فقال في الطريق وهو يسير مع الحارث:
بلّغ بني مدلج عنّي مغلغلة ... النّذر (2)
أنّ الهمام الذي يخشون صولته ... بيني وبينكم يسري ويبتكر
في مسيطرّ تهاب الطّير صولته ... ولا يحيط به في السّريخ البصر
في كلّ منزلة منه ومعترك ... تبقى سلائل لم ينبت لها شعر
فلم يبلغهم نذاره، وأغار عليهم الحارث بمغبط الجحفة [95] فقتل حارثة بن قيس، وأوقع ببني كنة، فقالت ابنة حارثة ولبست السواد، وحلفت لا تنزعه حتى تثأر بأبيها من ابن عمّه الذي دلّ عليه، فقالت:
جزى الله ابن عروة حيث أمسى ... عقوقا والعقوق له آثام
__________
(1) سبق ذكره كما أشار المؤلف إلى ذلك برقم (15)، وراجع في قتله = الكامل = (1/ 448440) مع آخرين.
(2) موضع النقط بياض في = أ =، = ب =.(1/244)
أتيت طليعة القوم تسرى ... بغيظ لا يجار ولا ينام
فما علمت مساكننا بليّ ... ولا غسان تلك ولا جذام
بأيدينا وإن لم يقتلونا ... بذي المسروح أصداء وهام
فإن مدافع التوفيق منكم ... إلى حبنا وإن دفعت حرام
* ومنهم:
107 - عتيبة بن الحارث بن شهاب أخو بني جعفر (1) بن ثعلبة بن يربوع
غزت بني نصر (2) بن قعين فسمع عتيبة بمسيرهم، فقال: خلوا بين بني نصر، وبين النعم.
فبلغ ذلك بني نصر، فعبّوا للنّعم خيلا، وللقتال خيلا.
فلما صبّحوهم ذهبت الفرقة التي وكلوها بالنعم وتأخرت الأخرى.
فقاتلت بنو يربوع منهم نفرا، وكانت تحت عتيبة يومئذ فرس فيها مراح واعتراض (3)، فأصاب غلام من بني أسد يقال له: ذؤاب بن ربيعة (4)
أرنبة عتيبة فنزف حتى مات.
فحمل الربيع بن عتيبة على ذؤاب، فأخذه سلما، وقتلوا ثمانية من بني نصر، وبني عادرة، واستنقذوا النعم، وساروا بذؤاب إلى منزلهم، فقال ربيعة أبو ذؤاب:
__________
(1) في = أ =: جعد. والتصويب من = ب =.
(2) في = أ =: نمر. والتصويب من = ب = وانظر = الجمهرة =.
(3) في = أ =: قراح واعتراض. والتصويب من = ب = وهو ما يناسب المقام، وهو السرعة والخفة والنشاط.
(4) ذكره ابن حزم في = الجمهرة = (194، 195) في بني قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد فقال: وذؤاب بن ربيعة بالتصغير بن عبيد ابن سعد بن جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين، قاتل عتبة بن الحارث بن شهاب فارس بني تميم في الجاهلية.(1/245)
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب
بأشدهم ضرّا على أعدائهم ... وأعزّهم فقدا على الأصحاب
* ومنهم:
108 - المنخّل اليشكري
وكانت امرأة النعمان بن المنذر قد شغفت به، فخرج يتصيد فعمدت (1) إلى [96] قيد فجعلت رجلها في إحدى حلقتيه ورجل المنخّل في الأخرى شغفا به.
وجاء النعمان فألفاهما على حالهما، فأمر بالمنخل فقتل وضربت به العرب المثل، فقال أوس بن حجر:
فجئت ربيعي موليا لا أزيده ... عليه بها حتى يؤوب المنخل
وقال ذو الرمة:
تقارب حتى يطمع الناوي في الهوى ... وليست بأدنى من إياب المنخل (2)
* ومنهم:
109 - عمرو ذو الكلب
وكان من رجل هذيل، وكان قد علق امرأة من فهم يقال لها: أم جليحة، فأحبها وأحبته، وقد كان أهلها وجدوا عليهما، وطلبوا دمه إلى أن جاءها عاما (3) من ذلك فنذروا به، فخرجوا في
__________
(1) في = أ =، = ب =: عهدت، وهو تحريف.
(2) هو: المنخل بن عبيد بن عامر بن يشكر، وهو قديم جاهلي وكان يشبب بهند أم عمرو بن هند، وفيها يقول:
يا هند هل من نائل يا ... هند للعاني الأسير
وكان المنخل يتهم بالمتجردة أمرأة النعمان بن المنذر، وكان للنعمان ولدان، فكان الناس يقولون إنهما من المنخل، وكان من أجمل العرب.
ثم ذكر له شعر غزل عففت القلم عن ذكره.
قاله ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (9190).
(3) أي حال عليهم الحول.(1/246)
إثره، وخرج هاربا منهم، وتبعوه وكان أهدى الناس بطريق فتبعوه يومهم ذلك حتى أمسوا.
وهاجت عليهم [ريح في] (1) ليلة ظلماء شديدة الظلمة، فبينا هو يسير وهو على الطريق إذ رأى نارا عن يمينه فقال: أخطأت والله الطريق، وإن النار لعلى الطريق.
وحار وشدّ (2) فقصد النار حتى أتاها، وقد كاد يصبح فإذا رجل قد أوقد نارا وليس معه أحد.
فقال عمرو ذو الكلب: من أنت؟
قال: أنا رجل من عدوان.
فقال: ما اسم هذا المكان؟
قال: السّدّ، فعرف أن قد هلك وأخطأ والسّدّ شيء لا يجاز.
فقال: ويحك لما أوقدت، فو الله ما تشوي ولا تصطلي، ويلي حين عمرو (3) وأمر لأمر.
هل عندك شيء تطعمني؟
قال: نعم، فأخرج له تمرات، فألقاها في يده، فلما رآها.
قال: تمرات، تتبعها عبرات، من نسوة خفرات.
ثم قال: اسقني.
قال: ماذا؟ لبنا؟
قال: لا ولكن اسقني ماء قراحا فإني مقتول صباحا.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) في = ب =: شك وكلاهما يؤدي المعنى.
(3) في = ب = حيز عمر. والتصويب من = أ = والمعنى حضر أجلي أو حان وقت هلاك عمرو يحدّث نفسه وقد يئس من النجاة.(1/247)
ثم انطلق فاشتد (1) في السّدّ، ورأى [97] القوم يطلبون أثره حيث أخطأ فتبعوه حتى وجدوه (2) قد دخل في غار السّدّ.
فلما ظهروا السّدّ علموا أنه في الغار. فنادوه، فقالوا: يا عمرو، قال:
ما تشاءون؟ قالوا: اخرج، فقال: فلم إذا دخلت؟
قالوا: بلى فاخرج، قال: لا، لا أخرج، قالوا: فأنشدنا قولك:
ومقعد كربة قد كنت فيها ... مكان الأصبعين من القبال
قال: ها هي هذه أنا فيها.
ويعن له رجل من القوم، فيرميه عمرو فيقتله.
قالوا: قتلته يا عدو الله.
قال: أجل، بقيت معي أربعة أسهم كأنها أنياب أم جليحة.
قالوا: يا أبا بجاد ادخل عليه وأنت حر، فتهيأ أبو بجاد ليدخل، فقال له عمرو: ويحك ما ينفعك أن تكون حرا إذا قتلتك؟
فنكص عنه، فلما رأوا ذلك صعدوا، فنقبوا عليه ثم رموه حتى قتلوه.
وأخذوا سلبه فرجعوا به، وإذا أم جليحة تتشوف فلما رأوها، قالوا: يا أم جليحة، ما رأيك في عمرو؟ قالت: رأيي والله أنكم تركتموه صريعا (3)
ولقيتموه منيعا، وصبتموه مريعا.
قالوا: قد والله قتلناه.
قالت: والله ما أراكم فعلتم، ولئن كنتم فعلتم لرب ثدي (4) منكم
__________
(1) في = أ =: فاستد بالسين المهملة وهو سهو، وفي = ب =: فاستند. وهو بعيد غريب على السياق.
(2) في = أ =: تجدده، والتصويب من = ب =.
(3) في = أ =: شريف، وفي = ب = سريعا، وأحسب أن كلاهما تحريف وأظن الكلمة ما أثبت.
(4) في = أ =: ندى. بالنون والتصويب من = ب =.(1/248)
افترشه، وضبّ منكم احترشه، ونهب منكم اخترشه.
فطرحوا إليها ثيابه وقالوا لها: دونك خذيها، فشمتها فقالت: ريح عطر وثوب عمرو، أما والله ما وجدتم حجزته جافية ولا عانته وافية، ولا ضالته كافية. قالت أخته ريطة ترثيه:
يا ليت عمرا وليت ضلة جزع ... لم يغز فهما ولم يهبط بواديها
وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختصّ بالنّقري المثرين داعيها
أطعمت فيها على جوع ومسغبة ... لحم الجزور إذا ما قام ناعيها
وقالت أيضا ترثيه: [98]
كل امرئ بمحال الدهر مكروب ... وكل من غالب الأيام مغلوب
وكل حيّ وإن عزوا وإن سلموا ... يوما طريقهم في السّوء (1) دعبوب
أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها ... عنّي رسولا وبعض النّعي تكذيب
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذّيب
الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ... مثعنجر من نجيع الجوف أسكوب
والتارك القرن مصفرا أنامله ... كأنه من نجيع الجوف مخضوب
تمشي النّسور إليه وهي لاهية ... مشي العذارى عليهن الجلاليب
والمخرج العاتق العذراء مذعنة ... في السّبي بنفح من أرد أنها الطّيب
* ومنهم:
110 - حمران بن مالك بن عبد الملك الخثعمي
وكان فارسا شاعرا.
وكان سبب قتله، أن خثعم قتلت الصّميل أخاذي الجوشن الكلابي، فغزا ذو الجوشن (2) خثعما وسانده عيينة بن حصن الفزاري على أن لذي
__________
(1) في = أ =: السو، وفي = ب = الشر.
(2) قال ابن حزم في = الجمهرة = (287): اسم ذي الجوشن: شرحبيل بن الأعور(1/249)
الجوشن الدماء ولعيينة الغنائم.
فغزوا خثعم جميعا، فلقوها بالفرز [ة] (1) جبل فقتلا وأثخنا وغنما، وأن حمران توقّل في الجبل، فجعلوا يأمرونه أن يستأسر، فأنشأ يقول: وهو يقاتل:
أقسمت لا أقتل إلّا حرّا ... إني رأيت الموت شيئا مرّا
أكره أن أخدع أو أغرّا
فقتل فقالت: أخته ترثيه:
ويل حمران أخا مضنّة ... أوفى على الخبر ولم يمنّه
والطاعن النّجلاء مرثعنّه ... عاندها (2) مثل وكيف الشّنّه (3)
* ومنهم:
111 - مالك بن نويرة بن جمرة (4) اليربوعي
وهو فارس ذي
__________
ابن عمرو بن معاوية وهو الضباب، ومن ولده الصّميل بن حاتم بن شمر ابن ذي الجوشن ساد الأندلس، قال ذلك في ذكره لبني الضباب بن كلاب ابن ربيعة.
(1) ما بين المعقوفين سقط من = أ =، = ب = وأثبته من = معجم البلدان = حيث يقول ياقوت: الفرزة: قال الحفصي: بحد الحفيرة باليمامة جبل يقال له المرقب، ثم تمضي في فلاة حتى تفضي إلى الفرزة، وبحذائها شناخيت من العاض يقال لها: أسنان بلالة.
(2) في = أ =: عايدها، والتصويب من = ب =.
(3) في = أ =، = ب =: السنة. بالمهملة وهو تحريف، والشنة هي القربة البالية.
(4) في = أ = حمزة والتصويب من = ب = ومن = جمهرة النسب = (224) حيث قال ابن حزم عند عده لبني يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم
ومالك، ومتمم ابنا نويرة بن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، قتل مالك على الردة، ورثاه أخوه متمم بالمراثي المشهورة.(1/250)
الخمار، وقتل في الردة.
ذلك أن العرب لما ارتدّت وجّه أبو بكر خالد بن الوليد بن المغيرة، فسار في المهاجرين والأنصار حتى لقي أسدا وعطفان ببزاخة (1)، واقتتلوا قتالا شديدا، [99] ففض الله المرتدين وأسر عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري.
فوجه به مجموعة يداه إلى عنقه إلى أبي بكر، فاستحياه.
وأسر قرة بن هبيرة القشيري، فاستحياه أيضا.
ثم إن خالدا سار إلى البطاح نيران من بني تميم فلم يجد بها (2)
جمعا، فبث السرايا في نواحيها، فأتي بمالك بن نويرة في نفر معه من بني حنظلة، فاختلف فيهم الناس وكان في السرية التي أصابتهم أبو قتادة.
فقال أبو قتادة: لا سبيل عليه ولا على أصحابه لأنّا قد أذّنّا فأذّنوا، وأقمنا فأقاموا، وصلينا فصلوا.
وقد كان من عهد أبي بكر إلى خالد: أيما دار عشيتموها فسمعتم أذان الصلاة فيها، فأمسكوا عن أهلها، حتى تسألهم: ما نقموا؟ وما يبتغون؟
وأيما دار لم تسمعوا فيها أذانا فشنوا الغارة عليها، فاقتلوا وحرّقوا.
وقال بعض من كان في هذه السرية: ما سمعناهم أذنوا ولا صلوا، ولا كبروا.
فاختلف فيهم الناس، فأمر خالد بمالك، وأصحابه فضربت أعناقهم، وتزوج أم تميم امرأة مالك.
__________
(1) في = أ =، = ب =: بنواحة. والتصويب من = معجم البلدان = وقال: ماء لبني أسد كانت فيه وقعة عظيمة أيام أبي بكر الصديق: وراجع = الكامل في التاريخ =.
(2) جاءت الكلمتان في = أ =، = ب = كلمة واحدة، هذا رسمها: يجدها. والسياق يقتضي ما رسمت.(1/251)
فلمّا سمع بذلك عمر بالمدينة تكلّم في شأنهم له، فلم يزل عمر، واجدا عليه حتى مات (1).
* ومنهم:
112 - أبو عزّة
وهو: عمر (2) بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة ابن جمح.
وأسره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فشكا إليه بناته وسوء حاله، فرقّ له، وأطلقه، وأخذ عليه صلى الله عليه وسلم أن لا يهجوه ولا يكثّر عليه، فأعطاه ذلك.
ثم إن قريشا ضمنت له القيام ببناته وكفايته المؤونة، فلم يزالوا به حتى خرج وأسر يوم أحد، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه نحوا مما [100] شكا يوم بدر، فقال صلى الله عليه وسلم:
«المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» وضرب صلى الله عليه وسلم عنقه.
* ومنهم:
113 - عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة الحارثي
وكان مدح خالد
__________
(1) كانت تلك الوقعة في سنة إحدى عشر من الهجرة وقد ذخرت بها كتب التاريخ ومنها = الكامل في التاريخ = لابن الأثير (2/ 216)، ومن هذه الوقعة وجد سيدنا عمر في نفسه من سيدنا خالد، وإن كان لسيدنا خالد فيما فعل وجه مقبول من وجهة نظره إلا أن سيدنا عمر كانت وجهة نظره في ترك ذلك، فاللهم ألحقنا بهم على الهدى والحق وأحسن الختام بالموت على دين الإسلام اللهم آمين.
(2) كذا في = أ =، = ب = والذي في = جمهرة أنساب العرب = (162) قال في عده لبني جمح: ومن ولد عمير بن أهيب: أبو عزة: عمرو بن عبد الله بن عمير ابن أهيب، قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد صبرا، وكان قد منّ عليه يوم بدر وأطلقه ولا عقب لأبي عزة.(1/252)
ابن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس.
فقال: ناهيك فيها إهاب واحد، يا خالد بن نضلة فقط (1).
فرفع خالد يديه، فقال: اللهم إن كان كاذبا فاقتله علي يدي شرّ حيّ من مضر.
فلما كان يوم الكلاب الثاني قتلت بنو الحارث بن كعب النعمان بن جساس صاحب راية تميم الرباب.
وأسرت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم عبد يغوث.
فأتت بني سعد، فقالوا لهم: إنه لم يقتل لكم فارس وقد قتل فارسنا ورئيسنا، فادفعوا إلينا عبد يغوث، لنقتله بصاحبنا، فدفعوه إليهم.
فقالوا: يا معشر تيم، اللّبن اللّبن.
فقالوا: الدم أحب إلينا وأوثقوا لسانه بنسعة مخافة أن يهجوهم، فقال في شعر له طويل:
__________
(1) كذا وردت العبارة في = أ =، = ب = ولا أرني فيها ما يشين، ولا هي بيت شعر حتى تكون هجاء منه له، فربما كانت بيت شعر أصابه تحريف وسقط حتى بدى على صورة تلك العبارة، والله أعلم.
ويقول ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (1/ 496492) في ذكره ليوم الصفقة والكلاب الثاني بعد أن يسرد كثير من الأحداث بشيء من التفصيل حتى يصل إلى أن يقول: وأسر عبد يغوث بن الحارث بن وقاص الحارثي رئيس مذحج، فقتل بالنعمان بن مالك بن جساس، وكان عبد يغوث شاعرا، فشدوا لسانه قبل قتله لئلا يهجوهم، فأشار إليهم ليحلوا لسانه ولا يهجوهم فحلوه فقال شعرا.
فذكر له قصيدة طويلة يتخللها البيت الأول مما ورد هنا ثم قال: في آخر القصة: فزعموا أن قيسا قال لو جعلني أول القوم لافتديته بكل ما أملك، ثم قتل ولم يقبل له فدية.(1/253)
أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا
وتضحك مني شيخة عبشميّة ... كأن لم يروا قبلي أسيرا يمانيا
وظل نساء تيم حولي ركدا ... تحاول مني ما تريد نسائيا
فقدموه، فضربوا عنقه.
* ومنهم:
114 - يزيد بن الطّثرية
(1) وهو يزيد بن الصّمّة القشيري فنسب إلى أخواله وأمّه من بني طثر، ثم من عنز بن وائل.
وكان المندلث (2) بن إدريس الحنفي في الفتنة، فأتى بني جعدة، وبني قشير، وبني عقيل مصدقا لهم فعاث فيهم.
فأرسل عبد الله بن جعونة القشيري إلى بني عقيل وبني قشير، فأتاه أبو لطيفة العقيلي في جماعة، وأتاه يزيد بن الطّثرية [101] في بني قشير، فقتلوا المندلث، وهرب أصحابه، وقتلوا فيهم وأسروا.
وكان بنو قشير أرادت أن تنضم إلى بني عقيل وتسير مع أبي [لطيفة] (3).
فقال يزيد بن الطثرية:
قل للبوادر والأحلاف ما لكم ... أمر إذا كان شورى أمركم شعبا
لا تنشبوا في جناح القوم ريشكم ... فيجعلوكم ذنابي ينبت الزّغبا
لا عيب فيّ لكم إلا معاتبتي ... إذا تعتّبت من أخلاقكم عتبا
والبوادر: بنو بادرة بنت حارثة بن عدس بن رفاعة من بني سليم، ولدها عبد الله، وعامر، وقرط، وجوز، ومعاوية بنو سلمة بن قشير،
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (99): وقال قتلته بنو حنيفة يوم الفلج. ثم ذكر رثاء لأخته فيه، ونماذج من شعره.
(2) في = أ =: السدات. والتصويب من = ب = وعلى ما يأتي في المواضع من الخبر بعد ذلك.
(3) ما بين المعقوفين يفهم من السياق وقد سقط من = أ =، = ب =.(1/254)
والأحلاف: سائر بني سلمة بن قشير، وهم لعلّات. وكانت الرياسة لعبد الله ابن جعونة، والراية في يد يزيد بن الطّثرية.
فجاء القوم حوله حين لقوهم، وثبت يزيد بالراية وقرّ عنه أصحابه، وعليه جبّة خز يسحبها، فنشبت في خشبة فعثر، فضربه الحنفيون حتى قتلوه، فقال القحيف بن عمير العقيلي يرثيه:
إن تقتلوا منّا شهيدا صابرا ... فقد قتلنا منكم مجازرا (1)
عشرين لمّا يدخلوا المقابرا ... قتلى أصيب قعصا نحائرا (2)
نفجا يرى أرجلها شواغرا
وقال أيضا القحيف:
يا عين بكّي هملا على همل ... على يزيد ويزيد بن جمل
قتّال أبطال وحوله حلل
ويزيد بن جمل أيضا قشيري، قتل معه يومئذ.
* ومنهم:
115 - الأقيشر
وهو المغيرة بن (3) محمد بن الأشعث بن
__________
(1) في = أ = تحارر، وما هنا هو ما في = ب =.
(2) في = أ =، = ب =: تصعا في برا ولا معنى لذلك فأثبت ما يفيد المعنى فربما وافق المراد من القتل المباشر للنحور فيكون سريعا في القضاء على المراد قتله والإجهاز عليه.
(3) يفهم من السياق أن هناك سقط وضعت مكانه نقط، وهناك خلاف في اسم الأقيشر وهو ما وضح أن هناك سقط في الكلام قال ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = (134): الأقيشر هو: المغيرة بن الأسود بن وهب أحد بني أسد ابن خزيمة بن مدركة وكان يغضب إذا قيل له: أقيسر.
وقال ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (191190) أثناء الكلام عن بني أسد بن خزيمة: ومن بني معرّض بن عمرو بن أسد: الأقيشر الشاعر(1/255)
قيس، وكان أعمى، فمدحه.
فأمر له بثلاثمائة درهم، فقال: ادفعها إلى قهرمانك، ومره فليعطني بكل يوم درهما [102] للحم، درهما للبقل.
فكان يشتري خمرا بدرهم، ولحما بدانقين، ويكتري بغلا بأربعة دوانيق، فيمضي إلى الحيرة فيشرب يومه ثم ينصرف ممسيا.
فأتلف الدراهم، ثم أتاه أيضا فسأله، فأعطاه مثلها، فأتلفها.
فقيل له: إنما يشتري بها خمرا يشربه.
فلما أتاه، قال له: يا هذا، إنه لا يحل لي أن أعطيك ما تشتري به الخمر، ولم يعطه شيئا.
فقال الأقيشر:
ألم تر قيس الأكمه بن محمد ... يقول فلا تلقاه بالقول يفعل
رأيتك أعمى القلب والعين ممسكا ... وما خير أعمى (1) العين والقلب يبخل
فلو صمّ تمّت لعنة الله كلّها ... عليه وما فيه من الشّرّ أفضل
فقعد له مواليه حتى إذا انصرف سكرانا، فأنزلوه في الحمّامات بظهر الكوفة، وتركوا البغل فعاد إلى الكوفة، ودخّنوا عليه حتى مات.
فوجدوه ميّتا هناك حين أصبحوا ويقال: كان الذي فعل بالأقيشر هذا موالي إسحاق بن طلحة بن عبيد الله، وكان الأقيشر مولعا بهجائه.
* ومنهم:
116 - توبة بن الحميّر (2) أخو بني خفاجة بن عقيل
وكان سبب
__________
واسمه: المغيرة بن عبد الله بن الأسود بن وهب بن ناعج بن قيس بن معرّض.
(1) في = أ = موضعها بياض، والمثبت من = ب =.
(2) قال ابن حزم في = الجمهرة = (291) في الكلام عن بني عقيل بن كعب بن(1/256)
قتله أنه كان بينه وبين بني عوف بن عامر بن عقيل، وهم رهط نصر بن شبث (1) لحاء. ثم إن توبة شهد بني خفاجة، وبني عوف وهم يختصمون عند همان بن مطرّف العقيلي.
وكان مروان بن الحكم استعمله على صدقات بني عامر فضرب (2) ثور ابن أبي سمعان بن كعب عامر بن عوف بن عامر بن عقيل توبة بن الحميّر بجرز، وعلى توبة الدرع والبيضة، فجرح أنف البيضة وجهه.
وأمر همام بثور بن أبي سمعان فأقعد بين يدي توبة.
فقال: خذ حقك يا توبة.
فقال توبة: ما كان هذا [103] الأمر إلا عن أمرك، وما كان ليجرئ عليّ عند غيرك يا همام.
وذلك أن أم همام من بني عوف بن عامر بن عقيل.
فانصرف توبة ولم يقتص، وفمكثوا غير كثير، ثم إن توبة بلغه أن ثورا خرج في نفر من أصحابه على ماء من مياه قومه يقال له: هوي، يريد ماء لهم يقال له: حريز (3)، وهو موضع بتثليث، وبينهما فلاة من الأرض، فتبعهم
__________
ربيعة ابن عامر بن صعصعة: ومن ولد عوف بن عقيل: ثور بن أبي سمعان بن كعب بن عامر بن عوف بن عقيل، قاتل: توبة بن الحمير، ومن أجل قتله له جلى جميع بني عوف بن عقيل عن بلادهم، فتحملوا كلهم إلى الجزيرة.
(1) في = أ =، = ب = نصر بن سبث. والتصويب من = الكامل في التاريخ = (1/ 473457).
(2) في = أ =: فصرف. والتصويب من = ب =.
(3) جاءت العبارة في = أ =، = ب =: يريد ما لهم فقال له حريز فأصاب العبارة تحريف أخل بالسياق فقومته بما أرى أنه كان عليه، والله أعلم.(1/257)
توبة في أناس من أصحابه حتى ذكر له أنه عند رجل من بني عامر بن عقيل يقال له: سارية بن عويمر بن أبي عدي، وكان صديقا لتوبة.
فقال توبة: والله لا أطرقهم وهم عند سارية الليلة حتى يخرجوا من عنده، فأرسل توبة رجلين من أصحابه فقال: ارصدوا القوم حتى يخرجوا، وكان القوم أرادوا أن يخرجوا حين يصبحون.
فقال سارية: أدّرعوا الليل في الفلاة.
وغفل صاحبا توبة (1)، فلما ذهب الليل فزع توبة وقال: لقد اغتررت برجلين ما صنعا شيئا وإني لأعلم أن لن يصبحوا بهذه البلدة (2) فاستضاء لآثارهم، فإذا هو بآثار القوم قد خرجوا فبعث إلى صاحبيه، فأتياه.
فقال: دونكما هذا الجمل، فأوقراه من الماء ثم اتبعوا أثرى، فإنه لا يخفى عليكم حتى تدركاني، وإني سأوقد لكما إن أمسيتما دوني.
ثم خرج توبة في إثر القوم مسرعا حتى انتصف النهار، وجاوز علما يقال له: أفيح، في الغائط فقال لأصحابه: هل ترون ماء بين سمرات (3) إلى جنب قرون (4) بقر فإن ذلك مقيل القوم، ولن يجاوزوه، وليس وراءه ظل.
فنظر وقال قائل (5): نرى رجلا يقود بعيرا كأنه يقوده لصيد، قال ذلك ابن الحبترية، وذلك أرمى من رمى (6)، فمن له أن يختلجه دون [104] القوم فلا ينذرون بنا؟
__________
(1) في = أ =، = ب =: صاحب وهو سهو من النّسّاخ.
(2) في = أ =، = ب =: الليلة. وهو سهو من النساخ والله أعلم.
(3) في = أ =، = ب =: شمرات، وهو تحريف، وسبقت على الصواب.
(4) في = أ =، = ب =: قرن، والتصويب من = معجم البلدان = وفيه: موضع في ديار بني عامر المجاورة لبني الحارث بن كعب كان به يوم من أيام العرب.
(5) في = أ =: وائل. والتصويب من: = ب =.
(6) في = أ =، = ب =: أوهى من وهى. تحريف.(1/258)
فقال عبد الله بن الحمير: أنا له.
قال: فاحذر أن يعقر بك وإن استطعت أن تحول بينه وبين أصحابه فافعل.
فخلا طريق فرسه في غمض من الأرض، ثم دنا منه فحمل عليه، فرماه ابن الحبترية، فعقر فرس عبد الله، واختل السهم ساق عبد الله، فانحدر الرجل حتى أتى أصحابه، فأنذرهم، فجمعوا الرّكاب وهي متفرقة وغشيهم توبة ومن معه.
فلما رأوا ذلك صفوا رحالهم، وجعلوا السّمرات (1) في نحورهم، ثم أخذوا سلاحهم، وزحف إليهم توبة، فارتمى (2) القوم لا يغنى أحد منهم في أحد شيئا. ثم إن توبة وكان يترّس لأخيه عبد الله قال: يا أخي [لا ت] (3) ترّس لي، فإني قد رأيت ثورا يكثر رفع الرأس عسى أن أوافق عند رفعه أناة منه مرمى فأرميه، ففعل، فرماه توبة، فأصابه على حلمة ثديه، وصرعه، وجال القوم وغشوهم، فوضعوا فيهم السلاح حتى تركوهم صرعى، وهم تسعة نفر.
ثم إن ثورا قال: انزعوا هذا السهم عني، فقال توبة: ما وضعناه مكانه لتنزعه.
وقال أصحاب توبة لتوبة: انج فخذ آثارنا نلقى راويتنا، فقد متنا عطشا.
فقال توبة: وكيف بأولى القوم الذين لا يمنعون ولا يمتنعون؟
قالوا: أبعدهم الله.
__________
(1) في = أ =، = ب =: السمريات. تحريف ويفهم الصواب من المواضع الأخرى.
(2) في = أ =، = ب =: فأوعى. وهو تحريف.
(3) ما بين المعقوفين سقط من = أ =، = ب = يفهم من السياق سقوطه.(1/259)
قال: ما أنا بفاعل، وما هم إلا عشيرتكم، ولكن تأتي الراوية، فأضع لهم ماء، وأغسل دماءهم وأخيّل عليهم من السباع والطير لا تأكلهم حتى أوذن بهم بعض قومهم.
فأقام توبة حتى أتتهم الرواية قبل الليل، فسقاهم من الماء، وغسل عنهم الدماء، وجعل في أساقيهم ماء، ثم خيّل عليهم بالثياب على الشجر (1)، ومضى حتى طرق من الليل سارية فقال: إنّا قد تركنا [105] رهطا من قومكم بالسّمرات من قرون بقر (2)، فأدركوهم، فمن كان حيّا فداووه ومن كان ميتا فادفنوه.
ثم انصرف ولحق بقومه، فصبّح سارية القوم، فاحتملهم وقد مات ثور، ولم يمت غيره، ولم يزل توبة لهم خائفا فكان السّليل بن ثور المقتول راميا كثير الشر والبغي، فأخبر بغرة من توبة، وهو بقنّة لهم من قنان السّر وسرو لبن (3) يقال لها: قنّة بن الحميّر.
فركب في نحو من ثلاثين فارسا حتى يطرقه (4) فتوقل توبة ورجل من أصحابه في الجبل، وأحاطوا بالبيوت، فناداهم توبة: هنا من يبتغون، فاجتنبوا البيت. فقال بعضهم لبعض: إنكم لن تستطيعوه في الجبل، ولكن خذوا ما استطف لكم من ماله.
فأخذوا أفراسا له ولإخوته، ثم انصرفوا.
__________
(1) في = أ =: السحر، وفي = ب =: السمر. وكلاهما تحريف.
(2) في = ب =: قرن بقر. والتصويب من = أ =. وراجع التعليق والتعريف بها قبل قليل من نفس الترجمة.
(3) في = أ =، = ب =: سر ولبق والتصويب من = معجم البلدان = وقد ذكر عددا من المواضع يبدأ بسر وليس فيها سرو لبق إنما هو سرو لبن.
(4) في = ب =: طرقه. بإنقاص الياء المثناة من تحت من أوله.(1/260)
فغزاهم توبة حتى انتهى إلى مكان يقال له: حجر الراشدة (1)، ظليل أسفله كالعمود، وأعلاه منتشر، فاستظل فيه وأصحابه، حتى إذا كان بالهاجرة، مرّت به إبل هبيرة بن السمين أخي بني عوف بن عامر بن عقيل، فأخذها وخلى طريق راعيها.
فلما [دخل] (2) العبد على مولاه أخبره، فنادى في بني عوف فقال:
حتى متى هذا؟
فتعاقد منهم نحو من ثلاثين فارسا فاتبعوه، ونهضت امرأة من خثعم كانت فيهم، وكانت تؤخّذ (3).
فقالت: أروني أثره، فخرجوا بها وأروها أثره، فأخذت من ترابه.
وقالت: اطلبوه فإنه محتبس عليكم.
فطلبوه فسبقهم (4)، وخرج توبة حتى إذا كان بالمضجع من أرض بني كلاب جعل يداريه ويحبس أصحابه، حتى إذا كان بشعب من هضبه يقال لها: نبت هيدة (5)، جعل ابن عمّ له يقال له: قابض بن عبد الله على [106] رأس الهضبة.
وقال: انظر فإن شخص لك شيء فأعلمناه.
فقال عبد الله أخو توبة له: يا توب إنك حائن (6).
أذكّرك الله إلا نجوت، فو الله ما رأيت يوما أشبه بسمرات بني عوف يوم أدركناهم وساعتهم التي أتيناهم فيها منه، فانج إن كانت لك نجاة.
__________
(1) في = أ =، = ب = حجر الواسدة. والتصويب من = معجم البلدان =.
(2) ما بين المعقوفين من = ب = وسقط من = أ =.
(3) في = أ = بغير نقط ولا همز والتصويب من = ب =.
(4) في = أ =، = ب =: فسبقوه. وهو تحريف.
(5) في = أ =، = ب =: بلف هيدة. والتصويب من = معجم البلدان =.
(6) في = أ =: خاين. والتصويب من = ب =.(1/261)
ثم إن القوم لحقوهم فحمل أوّلهم حتى غشوا توبة، وفزع توبة وأخوه فقام إلى فرسه فغلبته أن يلحقها فخلى طريقها وغشيه الرجل فاعتنقه، فصرعه توبة وهو مدهوش قد لبس الدّرع على السيف، فانتزعه ثم أهوى به ليزيد بن رويبه، فاتقاه بيديه فقطع منها، وجعل يزيد يناشده الرحم، وغشى القوم توبة من ورائه فضربوه حتى قتلوه، وعلقهم عبد الله بن الحمير يطعنهم بالرمح حتى انكسر.
فلما فرغوا من توبة مالوا على عبد الله أخيه فقطعوا رجله، فجعل يقول: هلمّ.
ولم يشعر القوم أنهم قطعوا رجله، وانصرف القوم.
* ومنهم:
117 - زياد بن زيد بن مالك 118وهدبة بن خشرم بن كرز بن جحش، العذريان
(1) وكان سبب قتلهما أنهما أقبلا من الشام في ناس من قومهما.
فقالوا: من يسوق بنا؟
فقال زيادة: أنا أسوق بكم، فنزل فساق بهم ساعة ثم ارتجز.
فقال: وعرّض بأخت هدبة:
عوجي علينا واربعي فاطما ... من دون أن يرى البعير قائما
فعوّجت مطّربا (2) عراهما ... رسلا يبذّ القلص الرّواسما
في شعر طويل.
فغضب هدبة ونزل وساق بهم، وعرّض بأخت زيادة، فقال في رجز
__________
(1) ذكرهما ابن قتيبة في كتابه = الشعر والشعراء = بنحو مما هنا وفي الأبيات زيادات ونقص.
(2) في = ب = مضطربا.(1/262)
له طويل:
بالله لا يشفي الفؤاد الهائما ... تمساكك اللّبّاب والمآكما
ولا اللّمام (1) دون أن تفاغما ... ولا الفغام دون أن تفاقما
وتعلو القوائم القوائما
فلما سمع هدبة هذه الأبيات أتى أخته فشهر عليها السّيف.
وقال: من أين علم هذه العلامات التي وصفك بها؟
فقالت: ويحك، إن النساء أخبرنه عنّي، فكفّ عنها.
وقال هدبة يرجز بأخت زيادة.
عوجي علينا وأربعي يا طارفا ... ما دون أن يرى البعير واقفا
ما اهتجت حتى هتّكوا الخوالفا ... غدوا وردّوا جلّة (2) مقاذفا
ألا ترين الأعين الذّوارفا ... حذار دار منك أن تساعفا
[107] فغضب زيادة، وكان بين القوم سباب وشيبة بالقتال، فحجز بينهم حتّى إذا رجعوا إلى أهليهم تهاجيا وتفاخرا بأشعار كثيرة، وإن هدبة قال:
ناطوا إلى قمر السماء أنوفهم ... وعن التّراب خدودهم لا ترفع
ولدت أميمة أعبدا فغدت بهم ... ثجلا إذا مشت القوائم تظلع
أبني أميمة إن طالع لؤمكم ... لون إذا وضع المراسن أسفع
قال: فغضب زيادة وأصحابه، فجاءوا إلى منزل هدبة ليلا فأخذوه وأباه، فشجوا أباه عشرا، ووقّفوا هدبة، فقال زيادة:
شججنا خشرما في الرّأس عشرا ... ووقّفنا (3) هديبة إذ هجانا
__________
(1) في = ب = اللزام. وما هنا موافق لما في = الشعر والشعراء =.
(2) في = أ =: خلة. والتصويب من = ب =.
(3) في = ب =: وفقأنا وهو تحريف وما هنا موافق لما في = الشعر والشعراء =.(1/263)
فقال هدبة:
إنّ الدّهر مؤتنف طويل ... وشرّ الخيل أقصرها عنانا
وشرّ القوم (1) كلّ فتى إذا ما ... مرته الحرب بعد العصب لانا
فمكث هدبة ما شاء الله حتى إذا برئ جمع لهم، فخرج إليهم [108] بأصحابه، فوجدوا: زيادة، ورفيعا وأدرع، ولم يجدوا من رجال الحيّ غيرهم.
فهرب رفيع وأدرع لما رأيا ما جمع القوم، وأخذوا زيادة فجدعوه بسيوفهم حتى إذا ظنّوا أنهم قد قتلوه انصرفوا.
وقد كان زيادة ذبّ عن نفسه بالسّيف فأصاب هدبة فجدع أنفه، فلما خلّفوا الحيّ وأشرفوا على الثنية، وجد هدبة شفيف الرّيح في أنفه، فذهب ينظر فإذا أنفه قد جدع، فقال لأصحابه: انتظروا حتى آتيكم، فو الله لا أعيش أبدا ورجل قد جدع أنفي، فرجع إلى زيادة وهو يقول:
أحوس في الحي والرمح خطل ... ما أحسن الموت إذا الموت نزل
قد علمت أني إلي الهيجا عجل ... إني أمرؤ لا أقرب الضّيم بعلّ
فقتله وأدرك أصحابه.
ثم إن هدبة أخذ أهله فجعل يوامر نفسه: إمّا يأتي القوم فيضع يده في أيديهم أو في يد السّلطان.
فأقبل حتى وضع يده في يد سعيد بن العاص وهو عامل معاوية على المدينة فأطلق من كان في سجنه بسببه وسجنه هو، فقال في السجن أشعارا كثيرة.
ثم عزل سعيد وولي مروان بن الحكم مكانه وإن بني عمه قالوا: لو زوجناه لعل الله أن يبقي منه خلفا، فزوجوه، وأدخلوا عليه امرأته في السجن
__________
(1) في = الشعر والشعراء = الناس.(1/264)
فلما رأت ما هو فيه هالها، فراودها فأبت عليه.
ثم ردّ سعيد إلى المدينة فبلغه أن امرأة هدبة أبت عليه، فأمرها أن تطيعه، فوقع عليها فحملت فولدت غلاما سمّته هدبة.
ثم إن أصحاب هدبة أعطوا به عشر ديات، وأعطاهم سعيد بن العاص وكان يومئذ على المدينة مائة ألف درهم، فأبوا.
وكان سعيد لا يألو ما ردّهم، وإنه سألهم: هل لزيادة وليّ سوى أخته؟
[109] فقيل: له ابن صغير لم يدرك.
قال: فليس لنا أن نقتله حتى يدرك الغلام.
فحبس هدبة حتى يدرك الغلام، فلما أدرك جاءت به أمّه تطلب قتل هدبة.
فدفع إليها، وأعطي الغلام ديات كثيرة فطمع.
فقالت له أمّه: والله لئن فعلت لأتزوجن رجلا أهب له نصيبي من الدّيات ثم يقاسمكها، فجسر على قتل هدبة.
فأخرج من السجن، فأدخل على سعيد، وهو في جنبذة (1) له مشرفة، ودخل معه الأخزر عبد الرحمن [بن] (2) زيد أخو زيادة، فقال له سعيد: يا أخزر، قد أعطاك أمير المؤمنين معاوية مائة ألف، وعبد الله بن جعفر مائة ألف، والحسن والحسين مائة ألف، وأنا أعطيك مائة ناقة سود الحدق ليس فيها جدّاء ولا خدّاء ولا ذات داء.
فقال عبد الرحمن: أصلح الله الأمير، والله لو وهبت لي جنبذتك هذه ثم سكبت فيها الذهب حتى يخرج من ثقبها ما كنت لأختاره على هذا
__________
(1) في = أ =: حتبده. والتصويب من = ب = وهي القبة.
(2) زيادة يقتضيها السياق.(1/265)
الخلسي (1) الأسود عبدك.
فقال له هدبة: يا أخيزر (2)، أو بالموت تخوّفني؟
والله لا أبالي أسقط عليّ أم سقطت عليه، فاصنع ما أنت صانع، ثم ردّ إلى السجن.
وخرج عبد الرحمن فأتى بكتاب معاوية: أن ادفع هدبة إلى أولياء زيادة.
فقال سعيد: يوم الجمعة أدفعه إليكم.
فلما كان يوم الجمعة بعث إليه سعيد بلوزينة وخبزة.
فلما انصرف من الصلاة دفعه إليهم، فخرجوا به يسوقونه، فمرّ بقوم جلوس تحت حائط، فقال: يا هؤلاء قوموا فإن هذا الحائط واقع عليكم.
فقالوا: ما رأينا مثل هذا يساق إلى الموت ويحذر الحائط، فلم يكن إلا قليل حتى سقط الحائط ومرّ على بنّاء يبني حائطا، فقال: ويحك [110] عوجت حائطك.
وكان أبوه، وامرأته يمشيان على أثره، فنادته امرأته: يا هدبة، يا هدبة، فالتفت، فقطعت قرنا من قرون شعرها.
ثم نادته ثانية، فالتفت فقطعت قرنا، فناشدوه الله أن لا يلتفت إليها.
ثم التفت إلى أبويه وهما يبكيان، فقال:
أبلياني اليوم صبرا منكما ... إن حزنا منكما عاجل ضر
لا أرى ذا الموت إلا هيّنا ... إنّ بعد الموت دار المستقر
اصبر اليوم فإني صابر ... كل حيّ لفناء وقدر
ثم قال لامرأته:
__________
(1) في = ب =: الحاسي.
(2) في = أ =: يا خنزير. والتصويب من = ب =.(1/266)
أقلي عليّ اللوم يا أم بوزعا ... ولا تجزعي مما أصاب فأوجعا
وعيشي حبيسا أو تفتّي بما جد ... إذا القوم هشّوا للسّماح تبرّعا
ولا تنكحي إن فرّق الدّهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا
كليلا سوى ما كان من حدّ ضرسه ... على الزّاد مبطان الضّحى غير أروعا
فلما قدّم ليقتل قال:
إن تقتلوني في الحديد فإنّني ... قتلت أخاكم مطلقا لم يقيّد (1)
فحلوا قيوده، فقال: دعوني أصلي ركعتين، فصلى ثم التفت إلى عبد الرحمن أخي زيادة، فقال: قم يا أخرز إلى جزورك فانحرها.
فقال عبد الرحمن: بل يقوم إليك من قتلت أباه ظالما متعدّيا عليه [إن] (2) قبل ذلك منك، قم يا مسور. فقام إليه الغلام حين احتلم، وأمسك بعضهم بيده فضربه، فتعلق رأسه بجلدة من حلقه فقال له عمه: يا ابن أخي أجهز عليه، إياك [أن] (3) تدع لهم فضلة.
وإن امرأة هدبة أتت [111] جزّارا فأخذت مدية فجدعت أنفها وجاءته مجدوعة ليعلم أنها لا أرب لها في الرّجال بعد الجدع.
وذكروا أن هدبة قال: علامة ما بيني وبينكم إن جزعت فإني إذا قطعت رأسي مددت رجلي وقبضتها، وإن أنا بقيت ممدود الرجلين فإني لم أجزع، فلما سقط رأسه بقي باسطا رجليه.
* ومنهم:
سالم بن دارة (4) أخو بني عبد الله بن غطفان، وقد مرّ في المغتالين.
__________
(1) في = الشعر والشعراء =: غير موثق.
(2) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.
(3) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.
(4) سبق أن ذكره المؤلف كما أشار برقم (33).(1/267)
* ومنهم:
119 - عقيبة بن هبيرة الأسدي
(1) أخو بني نصر بن قعين.
وكانت له بنت أو ربيبة، وكان له ابن عم يقال له: تميم بن الأخثم، وكانت له بنيّة فلعبت هي وبنت عقيبة، فكسرت بنت تميم ثنية بنت عقيبة.
فذهب تميم فجمع أشراف بني أسد، فأتى عقيبة لما يعلم من فتكه.
فقال له: يا ابن عمّ، إنه قد كان ما ترى، فدونك ابنتي فاكسر ثنيّتها، وإن شئت فثنّيتي، وإن شئت فالعفو، وهي جارية بعد لم تثغر، وهي تنبت.
فقال القوم: أنصفك الرجل.
فقال: والله لأقتلنّه.
فأعادوا عليه، فأعاد عليهم مثل ذلك، فقالوا لتميم: [قم] (2)، وظنوا أن عقيبة يلعب، وعرف تميم أنه يفعل لفتكه [وخبثه] (3).
فمكث تميم سنة يتحرز منه، وأمسى ذات يوم وهو صائم فصلى في مسجد قومه، ثم دخل داره، وأغفل أن يغلق الباب، فدخل عليه عقيبة بالسيف فضربه حتى قتله. وتصايح النساء.
وأخذ عقيبة فرفع إلى مصعب بن الزبير، فسأله فلم يجحد قتله.
ولتميم ابن يقال له: عنبسة فتى شابّ، فأعطى فيه منصور (4) دية، [112] وأعطى محمد بن عمير دية، وأعطى قومه دية فقالت ابنة لتميم:
__________
(1) هو عقيبة بن هبيرة بن ربيعة بن جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين الأسدي.
ذكر ابن حبيب القصة في كتابه = المحبر = أيضا في ذكره لعقيبة في فتّاك الإسلام (221218).
(2) ما بين المعقوفين سقط من = أ =، = ب = وزدته من = المحبر =.
(3) ما بين المعقوفين سقط من = أ =، = ب = وزدته من = المحبر =.
(4) كذا في = أ =، = ب = وفي = المحبر =: منظور، والعبار فيه على النحو التالي:
فأعطى منظور فيه دية.(1/268)
أعقيب لا ظفرت يداك ألم يكن ... درك بحقّك غير قتل تميم
أعقيب لو نبّهته لوجدته ... كالسيف أهون وقعه التصميم
فلتتبعنّك في العشيرة سبّة ... ولتقتلنّ به وأنت ذميم
وقال عقيبة حين قتله:
خرّ صريعا فاغرا تمصل (1) استه ... بحيث التقينا كالحوار المخزّق (2)
وأعطي أبو سماك (3) مائة ألف درهم فطمع عنبسة في آخذ الدية، فخرجت ابنة لتميم حاسرا وهي تقول:
إن يقتل عقيبة يالقوم ... شرّ معاشرا وسلّ داء
وإن يسلم عقيبة يالقوم ... نكن خدما لعقيبة أو إماء
لحى الله الذي يجتاب منّا ... وعقبة سالم أبدا رداء
فلما سمع القوم مقالها وقد كانوا ركنوا إلى الصلح أحفظهم قولها، ورجعوا عن الصلح.
فد [فعه إل] (4) يهم، وجلس (5) مصعب يومئذ في المسجد واجتمع الناس.
فقال عقيبة لابنه تميم حين أيقن بالقتل: أما والله لقد ضربت أباك ضربة نظرت إلى الثريّا في سلحة.
فقالت: أما والله لتضربنّ ضربة انظر إلى بنات نعش في سلحك.
__________
(1) في = أ =، = ب = فمصل. تحريف والتصويب من = المحبر =.
(2) في = أ =، = ب = المحرق: والتصويب وهو تحريف وفي = المحبر = المخرق، والصواب: المخزق. والخزق: هو إلقاء ما في البطن وهو المناسب للحال هنا.
(3) في = المحبر = سمال. وعلقت المحققة بأنه غير دقيق ورجحت ما هنا.
(4) ما بين المعقوفين من = المحبر =.
(5) في = ب =: حبس. وما هنا موافق لما في = المحبر =.(1/269)
ثم التفت عقيبة إلى الناس فقال: يا معشر (1) الناس، فجلس القائم وأسرع الماشي، فلما اجتمعوا، قال: اسكتوا، فو الله ما قتلت ابن عمي حين قتلته ألا يكون قد أعطاني النّصف وزادني، ولكن نظرت إلى أمير المؤمنين عليّ رضوان الله عليه، في هذا المكان الذي فيه الأمير وعنّ له تميم من ناحية المسجد، [113] ونظر إليه عليّ فقال: من سرّه أن ينظر إلى جذل من أجذال (2) جهنّم فلينظر إلى هذا، وأشار إليه، فرحم الله قاتله، فقتلته. فقال الناس: رحمك الله. وقتل.
* ومنهم:
120 - أعشى همدان
وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن نظام (3). وكان خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس وكان له مدّاحا، وقد كان قال في بعض ما يمدحه به:
بين الأشج وبين قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود
وقال يهجو الحجاج:
شطت نوى من داره بالإيوان ... إيوان كسرى ذي القوى والرّيحان
من عاش أمسى بزابلستان (4) ... والبندنيجين إلى طبرستان
__________
(1) في = ب =: يا معاشر. وما هنا موافق لما في = المحبر =.
(2) في = أ =: حذل من أحذال. وما هنا من = ب = وهو موافق لما في = المحبر =.
(3) كذا قيل في اسمه وقيل: عبد الرحمن بن الحارث. وقيل: عبد الرحمن بن عبد الله ابن الحارث بن نظام.
(4) جاء البيت الأول وشطر الأول من البيت الثاني في = الكامل في التاريخ = (4/ 199) في ذكر خلاف عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الحجاج، وذلك في أحداث سنة إحدى وثمانين والكلمة التي عليها الإشارة في = أ =، = ب =: أمشي براء بلستان وهو تحريف والتصويب من = الكامل =، وهي كورة في جنوب بلخ وطبرستان.(1/270)
إن ثقيفا منهم الكذّابان ... كذّابها الماضي وكذّاب ثان
إنّا سمونا للكفور الفتّان ... حين طغى في الكفر بعد الإيمان
بالسيّد الغطريف عبد الرحمن ... سار بجمع كالدّبا (1) من قحطان
ومن معد قد أتى ابن عدنان ... بجحفل جمع شديد الأركان
فقل لحجّاج وليّ الشّيطان ... يثبت لجمع مذحج وهمدان
فهم مساقوه بكأس الذّنفان ... أو ملحقوه بقرى ابن مروان
فأسرع الحجاج، وقد كان مدحه، فأنشده مديحه إياه فقال: ألست القائل لعدوّ الرحمن:
بين الأشجّ وبين قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود
لا والله لا تبخبخ بعدها أبدا، وضربت عنقه وقد كان مما مدح به الحجاج، فأنشده إياه قوله:
سيغلب قوم غالبوا الله جهرة ... وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا
[114] كذاك يضلّ الله من كان قلبه ... مريضا ومن والى النّفاق وألحدا
فقد تركوا الأهلين والمال خلفهم ... وحصنا (2) عليهنّ الجلابيب خرّدا
ينادينهم مستعبرات إليهم ... وقد دفن دمعا في الخدود وإثمدا
فإلّا تداركهنّ منك برحمة ... يكنّ سبايا والبعولة أعبدا
أنكاثا وعصيانا وجبنا وذلّة ... أهان إلهى من أهان وأبعدا
لقد شأم المصرين فرخ (3) محمّد ... بحقّ وما لاقى من الطّير أسعدا
__________
(1) في = أ =، = ب =: كالربا، وهو تحريف. والدبا هو الصغير من الجراد.
(2) في = أ =: ومصا. وكذا ورد رسمها في = ب = وأحسب أن الكلمة أصابها تحريف وربما كانت: وبيضا، والله أعلم، وربما كان في = ب = حصّن المراد محصنات عفيفات طاهرات، أما ما في = أ = فبعيد غير مناسب بوجه.
(3) في = أ =: قدح. والتصويب من = ب =.(1/271)
كما أشأم الله النّجير وأهله ... بجدّ له قد كان أشقى وأنكدا
ولما زحفنا لابن يوسف غدوة ... وأبرق منّا العارضان وأرعدا
فكافحنا الحجّاج دون صفوفنا ... كفاحا ولم يضرب لذلك موعدا
فما لبث الحجاج أن سلّ سيفه ... علينا فولّى جمعنا وتبدّدا
وما زحف الحجّاج إلّا رأيته ... معافى ملقّى للحتوف معوّدا
إذا قال (1) شدّوا شدّة حملوا معا ... فأنهل خرصان الرّماح وأوردا
فلم ينفعه ذلك عنده حتى قتله.
* ومنهم:
121 - عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ
وكانت قيس (2) فأتى عبد الملك، فضمن له العراق، وقتل مصعب، فأمر له عبد الملك بجائزة وقال له: أوجّه معك جيشا كثيفا؟ فقال: أصحابي يكفوني.
وقد كان هجا قيسا فقال:
ألم تر قيسا قيس عيلان تبرقعت ... لحاها وباعت نبلها بالمغازل
ولاقوا رجالا يكسد النّبل عندهم ... إذا خطرت أيمانهم بالمناصل
فلم يدعه عبد الملك حتى بعث معه جيشا من أهل الشام، فجعل بعضهم يتخلف عن بعض في كلّ مرتحل حتى رقّ من معه.
فعرض له عبيد الله بن العباس السّلمي، ثم الرّعلى فقاتله، ففرّ فتبعه حتى [115] ركب معبرة بالفرات، فنادى عبيد الله بن العباس الملاح
__________
(1) في = أ =، = ب =: إذ قالوا. وهو غير مناسب وأحسبه سهو أو تحريف.
(2) موضع النقط بياض في = أ =، = ب = وخبر مقتل عبيد الله بن الحر الجعفي ذكره ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = في أحداث سنة ثمان وستين (4/ 78) في خبر طويل، ووصفه فيه بالصلاح والفضل والخيرية والعبادة والاجتهاد وذكر له من الشعر مع ما ذكر هنا كثير.(1/272)
صاحب المعبر: لئن عبرت به لأقتلنك، فكرّ به راجعا، فعانقه ابن الحرف وكان الملّاح شديد البطش فغرقا جميعا.
فاستخرجت قيس عبيد الله بن الحر، فنصبوه وجعلوا يرمونه، ويقولون:
أمغازلا تجدها؟ حتى قتلوه.
* ومنهم:
عبد الله بن بشار بن أبي عقب (1) وقد كتبنا حديثه في المغتالين، وقتله عبيد الله الخثعمي.
[* ومنهم:
122 - مزاحم بن عمرو السلولي 123وابن الدّمينة الخثعمي]
(2) وكان رجل من بني سلول يقال له: مزاحم بن عمرو يرمي امرأة ابن الدمينة (3) عا (4) عليها، فقال مزاحم يذكر امرأة ابن الدمينة:
إن الدّمينة والأخبار يرفعها ... وخذ النّجائب، والمحقور ينميها
يا ابن الدّمينة إن تغضب لما فعلت ... حمّاد بالخزي أو تغضب مواليها
جاهدت فيكم بها إنّي لكم أبدا (5) ... أبغي مخازيكم عمدا فآتيها
__________
(1) سبق أن ذكره المؤلف كما قال في الترجمة رقم (46).
(2) لم يفصل بين الترجمتين كالمعتاد منه فأدخل الترجمة الثانية في قوله في ترجمة عبد الله بن بشار ففصلت بينهما بما هو بين المعقوفين ويفهم من سياق ترجمتهما.
وابن الدمينة أورده ابن قتيبة في = الشعر والشعراء = وقال: هو: عبيد الله بن عبد الله، والدمينة أمه، وهو من خثعم، وذكر له من الشعر ما لم يذكره هنا.
(3) موضع النقط جاء بياض مكانه في = أ =، = ب =.
(4) موضع النقط جاء بياض مكانه في = أ =، = ب =.
(5) في = أ =، = ب =: ولد، وهو تحريف واثبت ما يناسب.(1/273)
لا برء عندي لكم حتى تغيّبني ... غبراء مظلمة هار نواحيها
أبغي نساء بني تيم إذا هجعت ... عنّي العيون ولا أبغي مقاريها
وكاعب من بني تيم قعدت لها ... أو عانس حين ذاق النوم حاميها
كقعدة الأعسر العلفوق منتحيا ... يمينه من متون الترك ينحيها
أمارة كيّة ما بين عانتها ... وبين سرّتها لا شلّ كاويها
وشهقة عند حسّ الماء تشهقها ... وقول ركبتها قض حين تثنيها
(1)
فلما سمع ابن الدّمينة قول مزاحم أتى امرأته، فقال: إنّ مزاحما قد قال فيك ما قال.
قالت: والله ما رأى مني ذلك الموضع قط.
قال: فما علمه بالعلامات التي وصف؟
قالت: النساء أخبرنه.
فلم يصدقها، وقال: ابعثي إلى مزاحم يأتيك في موضع كذا وكذا.
فأرسلت إلى مزاحم: إنك قد سمّعت بي، وأنا أحب أن تأتيني، وواعدته موضعا، فقعد ابن الدّمينة وصاحب له، وأقبل مزاحم وهو يظن أنها في الموضع الذي واعدته.
فخرج عليه ابن الدّمينة وصاحبه، فأوثقاه وصرّا صرّة رمل فضرباه بها حتى مات، وأتى امرأته فقتلها، وقتل ابنة له منها.
وطلبه السّلوليون فلم يجدوه.
فقالت أم مزاحم وهي أم أبان خثعمية ترثي ابنها مزاحما، وتحضّ
__________
(1) موضع النقط بيت تركته لشدة قبحه فعففت قلمي عن ذكره، وقد ورد بالكتاب بعضا من مثل هذا الكلام غضضت الطرف عن ذكر ما لم يكن متبادرا إلى العوام وحذفت ما كان متبادرا واستبدلته بما هو نحوه تعريضا.(1/274)
مصعبا وجناحا أخويه:
بأهلي ومالي ثمّ جلّ عشيرتي ... قتيل بني تيم بغير سلاح
فهلّا قتلتم بالسّلاح ابن أختكم ... فيصبح فيه للشّهود جراح
فلا تطمعوا في الصّلح ما دمت حيّة ... وما دام حيّا مصعب وجناح
ألم تعلموا أن الدوائر بيننا ... تدور وأن الطالبين شحاح
فخرج مصعب في طلب ابن الدّمينة، فأتى العبلاء، فإذا بنجيب واقف برحله في السوق، وإذا قوم مجتمعون وابن الدّمينة ينشدهم.
فجاء إلى حانوت قصاب فوضع عنده رهنا وأخذ منه سكّينا، ثم أتاه، فلما رآه ابن الدّمينة ولّى واتبعه فوجأه بها وجاتين، وأخذ مصعب، وابن الدّمينة وهو جريح فحبسا
وأقبل جناح بن عمرو في ناس من بني سلول إلى السجن، ولبث ابن الدّمينة محبوسا، ونظر السلطان في أمره، فلم يثبت للسلولي عليه حقّ فأطلقه.
[117] فبينا ابن الدّمينة بعد ذلك بسوق العبلاء رآه مصعب أخو مزاحم، فشدّ عليه فقتله.
فهذا مقتل مزاحم بن عمرو السلولي، ومقتل ابن الدّمينة الخثعمي.
* ومنهم:
124 - سديف بن ميمون مولى آل أبي لهب
(1) وكان مدّاحا لأبي العباس أمير المؤمنين.
وهو الذي حضّ على: سليمان بن هشام بن عبد الملك، وعلى ابنيه:
أبا العباس السفاح حتى قتلهم.
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في كتابه = الشعر والشعراء = (178) وقال: هو مولى ولد العباس وهو القائل لأبي العباس في سليمان هشام: فذكر له شعرا.(1/275)
وإنه خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فمدح محمدا، وهجا أبا جعفر.
وقتل محمد بن عبد الله، وولّي عبد الصمد بن علي مكة فكان عبد الصمد الذي ولي قتله.
* ومنهم:
125 - عبد بني الحسحاس واسمه: سحيم
وكان صاحب تغزل، فاتهمه مولاه بابنته، فجلس له في مكان إذا رعى سحيم قال (1) فيه، فلما اضطجع تنفس الصّعداء، ثم قال:
يا ذكرة مالك في الحاضر ... تذكرها وأنت في الصادر
من كلّ بيضاء لها كعثب ... مثل سنام الرّبع المائر
فقال له سيّده، وظهر من موضعه الذي كمن فيه: مالك؟ فتلجلج في منطقه.
فلما رجع أجمع على قتله، وخرجت إليه صاحبته، فحدثته وأخبرته بما يراد به، فقام ينفض برده ويعفّي أثره، فلما انطلق به ليقتل ضحكت امرأة كان بينها وبينه هوى شماتة، فقال:
إن تضحكى منّي فيا رب ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرّج
فلما قدم ليقتل، قال:
شدوا وثقاق العبد يفلتكم ... إنّ الحياة من الممات قريب [118]
فلقد تخدّر من جبين فتاتكم ... عرق على ظهر الفراش رطيب
فقتل.
__________
(1) أي نام ساعة الظهيرة.(1/276)
* ومنهم:
126 - وضّاح اليمن
وهو: وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال، أحد أبناء الفرس الذين قدموا مع وهرز الفارسي، فقتلوا الحبشة وسكنوا بصنعاء.
وكان شاعرا ظريفا غزلا جميلا، فعشقته أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان (1)، وكانت تحت الوليد بن عبد الملك، ولها منه: عبد العزيز بن الوليد، وكان يكون عندها في صندوق مخبوءا.
وإن الوليد بعث إليها مع خادم له بجوهر، فأتاها وهي غافلة ووضاح عندها، فلما دخل الخادم وأحسّت به أدخلت وضّاحا في صندوق، فرآه الخادم، وأخبر به الوليد، فأتاها، فجلس على الصّندوق الذي وصفه له الخادم.
__________
(1) في = أ =: أم البنين بنت عبد الملك بن مروان، والتصويب من = ب = وهو المشهور. راجع أعلام النساء (1/ 150) ما ذكر عنها هنا ما أراه إلا من قبيل الكذب والافتراءات التي ذخرت بها كتب التواريخ والسير والتي تحمل في الكثير منها نصر فئة على فئة بحسب هوى كاتبيها أو من أمروا بكتبتها، وينقل الناقلون عنهم هذه الأخبار دون نظر فيها ولا فيمن ذكرت فيهم سواء كانوا أهل صلاح أو طلاح، والنفس تتوق إلى أمثال تلك الحكايات لأنها أمارة بالسوء ناسيا الكاتب أو القارئ أو متناسيين أو أحدهما أن ما يخطه بيمينه إنما هي شهادة منه سيسأله الله عنها يوم القيامة، وأعراض يخوض فيها دون بينة عليها، وخطأ القارئ أن يردد تلك الحكايات على أنها وردت في كتب التراث أو الكتب المعتبرة دون وعي بما يقرأ وبما يجب أن يغض الطرف عنه وما يجب أن يجليه ويوضحه للناس وما ينفعهم من هذه الحكايات وما يضره ويضرهم، ولو نظرنا في ترجمتها في غير هذا الموضع من كتب السير والتراجم لرأينا علما وصلاحا وفطنة وذكاء كما تجده في أعلام النساء مثلا (1/ 150).(1/277)
فقال لها: يا أم البنين، لي إليك حاجة.
قالت: وما هي يا أمير المؤمنين؟
قال: تهبين لي بعض صناديقك.
قالت: كلّها لك.
قال: لا أريد إلّا الصندوق الذي تحتي.
فقالت: هو لك.
فبعث إلى حفّارين فحفروا بئرا، ثم أدلوه فيها.
وقال: يا هذا، قد بلغنا عنك شيء، فإن كان حقّا أو باطلا فسنقطع أثرك.
وألقى ترابها، وانصرف، ولم تتبين في وجه الوليد إلى أن مات شيئا يذكر.
* ومنهم:
127 - قيس بن الخطيم
(1) وكان سيدا شاعرا.
__________
(1) هو قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر الشاعر، وأخته ليلى بنت الخطيم يقال هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر ذلك ابن حزم في = جمهرة أنساب العرب = (342) في ذكر لبني ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة وكان ذكر قبل ذلك (281) في ذكره لبني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أن الذي أجاره حتى قتل قاتل أبيه هو خداش بن زهير حيث قال في الموضع المشار إليه: وخداش بن زهير بن الأزهر بن ربيعة بن عمرو فارس الضحياء الشاري، وخداش هذا هو الذي أجار قيس بن الخطيم الأوسي حتى قتل العبقسيّ قاتل أبيه.
وقال ابن الأثير في = الكامل في التاريخ = (1/ 535534) في ذكره لحرب الفجار الأولى للأنصار وليس بفجار كنانة وقيس.(1/278)
فلما هدأت حرب الأنصار تذاكرت الخزرج قيس بن الخطيم ونكايته، فتذامروا، وتواعدوا قتله.
فخرج عشيّة في ملاءتين مورستين يريد مالا له بالشّوط، حتى مرّ بأطم بني حارثة، فرمي من الأطم بثلاثة أسهم فسقط أحدها في صدره، فصاح صيحة أسمعها رهطة، فجاءوه فحملوه إلى منزله.
فلم يروا له كفوا إلا أبا صعصعة بن زيد بن عوف بن مبذول البخاري.
فاندسّ إليه رجل [119] حتى اغتاله في منزله، فضرب عنقه واشتمل على رأسه، وأتى به قيسا وهو بآخر رمق فألقاه بين يديه، وقال: يا قيس لقد أدركت ثأرك فقال: عضضت بأير أبيك إن كان غير أبي صعصعة.
فقال: هو أبو صعصعة، وأراه الرأس، فلم يلبث قيس أن مات.
* ومنهم:
128 - غضوب إحدى بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
وكانت شاعرة، وكانت ناكحا في بني طهيّة، ثم في بني سبيع، فكانت مع زوجها زمانا، ثم تزوّج عليها امرأة منهم.
__________
فلما قتلت الأوس الغلمان جمعت الخزرج وحشدوا والتقوا بالحدائق، وعلى الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول، وعلى الأوس أبو قيس بن الأسلت.
فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كاد بعضهم يفني بعضا، وسمي ذلك اليوم يوم الفجار لغدرهم بالغلمان، وهو الفجار الأول.
فكان قيس بن الخطيم في حائط له، فانصرف، فوافق قومه قد برزوا للقتال، فعجز عن أخذ سلاحه إلا السيف. ثم خرج معهم، فعظم مقامه يومئذ، وأبلى بلاء حسنا، وجرح جراحة شديدة، فمكث حينا يتداوى منها، وأمر أن يحتمي من الماء، ففي ذلك يقول عبد الله بن رواحة:
رميناك أيام الفجار فلم تزل ... حميا فمن يشرب فلست بشارب(1/279)
فأولعت بهم تهجوهم، فقالت:
بنو سبيع زمع الكلاب ... ليسوا إلى سعد ولا الرّباب
ولا إلى القبائل الرّغاب ... كم فيهم من طفلة كعاب
وكعاء ذات ركب قبقاب ... خبيثة المشعر في الثّياب
تتبع كلّ عزب وثّاب
فأوعدها رجال منهم: مربع، وبنو وقدان، وبنو سيار، وبنو مجمّع، فقالت:
يا مربعا يا مربع الضّلال ... يا فاحر (1) مستقبل الشّمال
على بعير غير ذي جلال ... يا مربعا هل حان من إقبال
في هجاء لها.
فلما سمعوا ذلك مشوا إليها، فضربها مربع والفتية الآخرون، فقتلت فقال مربع:
شفيت الغليل من غضوب فأصبحت ... لها إرم في رأس علياء عاقل
سأنقم منها جهلها وسفاهها ... وإيضاعها في كلّ حقّ وباطل
ألا لا تراعوا إنّما هي لصّة ... تسارع (2) فيها فتية بمناصل
__________
(1) في = أ =: فاجر، والتصويب من = ب =.
(2) في = ب = تشارك. وهو تحريف.
قال محققه سيد بن كسروي بن حسن إلى هنا كان التمام من كتاب المغتالين، ووقع الفراغ من تحقيقه في يوم الثلاثاء غرة ذي الحجة عام عشرين وأربعمائة وألف للهجرة الموافق للسابع من الشهر الثالث من عام ألفين من الميلاد والله أسأل حسن الختام بالموت على دين الإسلام اللهم آمين.(1/280)
الفهارس
1 - فهرس الأعلام مرتب على ما ورد في الكتاب.
2 - فهرس الأعلام مرتب على حسب حروف المعجم.(1/281)
2 - فهرس الأعلام مرتب على حسب حروف المعجم.
الفهرس الموضوعي لكتاب أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام وأسماء من قتل من الشعراء
الرقم الاسم الصفحة 1جذيمة بن مالك بن غنم، الأبرش 29
2 - حسان بن تبّع 32
3 - عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح 35
4 - الأسود بن عفار 39
5 - عامر بن سعد بن تيم الله بن قاسط الضّحيان 41
6 - عبدة بن مرارة بن سوّار بن الحارث 42
7 - زهير بن عبد شمس الصيفي 43
8 - الحارث بن كعب 45
9 - داود بن هبالة بن عمرو بن عوف القضاعي 46
10 - همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان 50
11 - جساس بن مرة بن ذهل 50
12 - عمرو بن الزبّان الذهلي (وأخوته) 53
13 - عمرو بن مسعود الأسدي 55
14 - خالد بن نضالة الأسدي 55
15 - خالد بن جعفر بن كلاب 56
16 - عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة الفطيون 58
17 - لخنيعة بن بنوف ذو شناتر (شنتر) 60
18 - مالك بن بكر بن علّفة بن جداعة الصمة الأكبر 64
19 - عدي بن زيد بن أيوب بن حمار العبادي 65
20 - عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب عروة الرحال 67
21 - كعب بن عبد الله النمري 69(1/282)
20 - عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب عروة الرحال 67
21 - كعب بن عبد الله النمري 69
22 - كعب بن الأشرف اليهودي 71
23 - أبو رافع: سلام بن أبي الحقيق 74
24 - سيد ولد آدم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم 77
25 - بشر بن البراء بن معرور الأنصاري 77
26 - رفاعة بن قيس الجشمي 82
27 - أبو أزيهر بن أنيس بن مالك الأزدي 82
28 - المجذّر بن زياد البلوي 85
29 - قيس بن زيد 85
30 - الأسود الكذاب بن كعب العنسي 87
31 - شريح بن شرحبيل بن ضبعة الحطم 93
32 - عمر بن الخطاب أمير المؤمنين 99
33 - سالم بن دارة 103
34 - الزبير بن العوام 106
35 - مالك بن الحارث الأشتر 111
36 - علي بن أبى طالب أمير المؤمنين 113
37 - خارجة بن حذافة العدوي 122
38 - خالد بن المعمر السدوسي 123
39 - الحسن بن علي 125
40 - سعيد بن عثمان بن عفان 128
41 - عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة 134
42 - شيبان بن شمس بن شهاب 136
43 - عباد بن علقمة المازني ابن أخضر المازني 137
44 - مسعود بن عمرو العتكي قمر العراق 139
45 - محمد بن عبد الله بن خازم السلمي 143
46 - عبد الله بن بشار بن أبي عقب الشاعر 144
47 - مروان بن الحكم بن أبي العاص 145(1/283)
46 - عبد الله بن بشار بن أبي عقب الشاعر 144
47 - مروان بن الحكم بن أبي العاص 145
48 - قبيصة بن القين الهلالي 147
49 - بجير بن الورقاء السعدي 149
50 - يزيد بن الحصين بن نمير السكسكي 153
51 - نجدة بن عامر الحنفي 154
52 - أبو هاشم 156
53 - عمر بن عبد العزيز بن مروان 158
54 - عمر بن يزيد بن عمير الأسدي 165
55 - قتادة بن ساجة بن ثابت بن معبد 166
56 - عمرو بن محمد الثقفي 167
57 - منظور بن جمهور 167
58 - عبد الله بن عمر بن عبد العزيز 169
59 - إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس 169
60 - حفص بن سليمان أبو سلمة 171
61 - عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر 173
62 - يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري 174
63 - على بن جديع الكرماني، الأزدي 176
64 - عثمان بن جديع الكرماني، الأزدي 176
65 - عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس 177
66 - أبو مسلم صاحب الدولة 179
67 - معن بن زائدة الشيباني 183
68 - عقبة بن سلم الهنائي 184
69 - الربيع بن يونس الحاجب 184
70 - إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن 186
71 - الفضل بن سهل 187
72 - إسحاق بن موسى الهادي 190
73 - حميد بن عبد الحميد الطوسي 190(1/284)
72 - إسحاق بن موسى الهادي 190
73 - حميد بن عبد الحميد الطوسي 190
74 - عبد الله بن موسى الهادي 191
75 - أحمد بن علي بن هارون الرشيد 192
76 - علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي 193
77 - العباس بن محمد بن على بن عبد الله 194
78 - إسماعيل بن هبار بن الأسود بن المطلب 194
79 - حسان بن تبّع 197
80 - شرحبيل بن الحارث 197
81 - عمرو بن الزبير 200
82 - عمرو بن سعيد بن العاص 202
83 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك 206
84 - عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله
أبو جعفر المنصور 207
85 - جعفر بن المنصور 208
86 - محمد الأمين 208
87 - العباس بن المأمون 209
88 - زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي. 209
89 - مهلهل بن ربيعة 210
90 - عامر بن جوين بن عبد رضا بن قمران الطائي 211
91 - عنترة بن معاوية العبسي 213
عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي
92 - عبيد بن الأبرص 215
93 - طرفة بن العبد 217
94 - بشر بن أبي خازم الأسدي 219
95 - ثابت بن جابر تأبط شرا الفهري 221
96 - صخر بن الشريد السلمي 223
97 - طريف بن تميم العنبري 224(1/285)
96 - صخر بن الشريد السلمي 223
97 - طريف بن تميم العنبري 224
98 - السّليك ابن السّلكة السّليك بن عميرة السعدي 227
99 - عبد عمرو بن عمار الطائي 228
100 - سويد بن صامت الأوسي. الكامل 230
101 - دريد بن الصّمة الحبشي 231
كعب بن الأشرف اليهودي الطائي (سبق برقم 22). 234
السليك بن السلكة (سبق برقم 98) 234
102 - الحارث بن ظالم المرّيّ 237
103 - عبد الله بن رواحة الأنصاري، الخزرجي 239
104 - جزء بن الحارث الأزدي الشعبي 241
105 - الشنفري الأزدي 242
خالد بن جعفر بن كلاب (سبق برقم 15) 244
106 - حارثة بن قيس الكناني 244
107 - عتيبة بن الحارث بن شهاب 245
108 - المنخل اليشكري 246
109 - عمرو بن العجلان بن عامر بن برد عمرو ذو الكلب 246
110 - حمران بن مالك بن عبد الملك الخثعمي 249
111 - مالك بن نويرة بن جمرة اليربوعي 250
112 - عمر بن عبد الله بن عمير بن وهب أبو عزة 252
113 - عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة الحارثي 252
114 - يزيد بن الصمة القشيري يزيد بن الطثرية 254
115 - المغيرة الأقيشر 255
116 - توبة بن الحمير العذري 256
117 - زياد بن زيد 262
118 - هدبة بن خشرم بن كرز بن جحش العذري 262
سالم بن دارة (سبق برقم 33) 267(1/286)
118 - هدبة بن خشرم بن كرز بن جحش العذري 262
سالم بن دارة (سبق برقم 33) 267
119 - عقيبة بن هبيرة الأسدي 268
120 - عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن نظام 270 الهمداني أعشى همدان
121 - عبيد الله بن الحر الجعفي 272
عبد الله بن بشار بن أبي عقب (سبق برقم 46) 273
122 - مزاحم بن عمرو السلولي 273
123 - ابن الدمينة الخثعمي 273
124 - سديف بن ميمون 275
125 - عبد بني الحسحاس سحيم 276
126 - وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال وضاح اليمن. 277
127 - قيس بن الخطيم 278
128 - غضوب (امرأة) 279(1/287)
128 - غضوب (امرأة) 279
فهرس أسماء المغتالين مرتب على حروف الهجاء
الرقم الاسم الصفحة 27أبو أزيهر بن أنيس بن مالك الأزدي 82
23 - أبو رافع: سلام بن أبي الحقيق 74
66 - أبو مسلم صاحب الدولة 179
52 - أبو هاشم 156
75 - أحمد بن علي بن هارون الرشيد 192
30 - الأسود الكذاب بن كعب العنسي 87
4 - الأسود بن عفار 39
59 - إبراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس 169
70 - إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن 186
72 - إسحاق بن موسى الهادي 190
78 - إسماعيل بن هبار بن الأسود بن المطلب 194
123 - ابن الدمينة الخثعمي 273
49 - بجير بن الورقاء السعدي 149
94 - بشر بن أبي خازم الأسدي 219
25 - بشر بن البراء بن معرور الأنصاري 77
116 - توبة بن الحمير العذري 256
95 - ثابت بن جابر تأبط شرا الفهري 221
1 - جذيمة بن مالك بن غنم، الأبرش 29
104 - جزء بن الحارث الأزدي الشعبي 241
11 - جساس بن مرة بن ذهل 50
85 - جعفر بن المنصور 208
102 - الحارث بن ظالم المرّيّ 237
8 - الحارث بن كعب 45
106 - حارثة بن قيس الكنانى 244(1/288)
8 - الحارث بن كعب 45
106 - حارثة بن قيس الكنانى 244
2 - حسان بن تبّع 32
79 - حسان بن تبّع 197
39 - الحسن بن علي 125
60 - حفص بن سليمان أبو سلمة 171
110 - حمران بن مالك بن عبد الملك الخثعمي 249
73 - حميد بن عبد الحميد الطوسي 190
37 - خارجة بن حذافة العدوي 122
38 - خالد بن المعمر السدوسي 123
خالد بن جعفر بن كلاب (سبق برقم 15) 244
15 - خالد بن جعفر بن كلاب 56
14 - خالد بن نضالة الأسدي 55
9 - داود بن هبالة بن عمرو بن عوف القضاعي 46
101 - دريد بن الصّمة الحبشي 231
69 - الربيع بن يونس الحاجب 184
26 - رفاعة بن قيس الجشمي 82
34 - الزبير بن العوام 106
7 - زهير بن عبد شمس الصيفي 43
117 - زياد بن زيد 262
88 - زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي. 209
33 - سالم بن دارة 103
سالم بن دارة (سبق برقم 33) 267
40 - سعيد بن عثمان بن عفان 128
السليك بن السلكة (سبق برقم 98) 234
100 - سويد بن صامت الأوسي. الكامل 230
24 - سيد ولد آدم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم 77
124 - سديف بن ميمون 275(1/289)
24 - سيد ولد آدم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم 77
124 - سديف بن ميمون 275
98 - السّليك ابن السّلكة السّليك بن عميرة السعدي 227
80 - شرحبيل بن الحارث 197
31 - شريح بن شرحبيل بن ضبعة الحطم 93
105 - الشنفري الأزدي 242
42 - شيبان بن شمس بن شهاب 136
96 - صخر بن الشريد السلمي 223
93 - طرفة بن العبد 217
97 - طريف بن تميم العنبري 224
90 - عامر بن جوين بن عبد رضا بن قمران الطائي 211
5 - عامر بن سعد بن تيم الله بن قاسط الضّحيان 41
16 - عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة الفطيون 58
43 - عباد بن علقمة المازني ابن أخضر المازني 137
87 - العباس بن المأمون 209
77 - العباس بن محمد بن على بن عبد الله 194
41 - عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة 134
46 - عبد الله بن بشار بن أبي عقب الشاعر 144
120 - عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن نظام 270
الهمداني أعشى همدان
125 - عبد بنى الحسحاس سحيم 276
99 - عبد عمرو بن عمار الطائي 228
113 - عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة الحارثى 252
عبد الله بن بشار بن أبي عقب (سبق برقم 46) 273
103 - عبد الله بن رواحة الأنصاري، الخزرجى 239
65 - عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس 177
58 - عبد الله بن عمر بن عبد العزيز 169
84 - عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله أبو جعفر المنصور 207(1/290)
58 - عبد الله بن عمر بن عبد العزيز 169
84 - عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله أبو جعفر المنصور 207
61 - عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر 173
74 - عبد الله بن موسى الهادي 191
6 - عبدة بن مرارة بن سوّار بن الحارث 42
92 - عبيد بن الأبرص 215
121 - عبيد الله بن الحر الجعفي 272
107 - عتيبة بن الحارث بن شهاب 245
64 - عثمان بن جديع الكرماني، الأزدي 176
19 - عدي بن زيد بن أيوب بن حمار العبادي 65
20 - عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب عروة الرحال 67
68 - عقبة بن سلم الهنائي 184
119 - عقيبة بن هبيرة الأسدي 268
63 - علي بن جديع الكرماني، الأزدي 176
36 - علي بن أبي طالب أمير المؤمنين 113
76 - علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن على 193
32 - عمر بن الخطاب أمير المؤمنين 99
53 - عمر بن عبد العزيز بن مروان 158
112 - عمر بن عبد الله بن عمير بن وهب أبو عزة 252
54 - عمر بن يزيد بن عمير الأسدي 165
81 - عمرو بن الزبير 200
12 - عمرو بن الزبّان الذهلي (وأخوته) 53
109 - عمرو بن العجلان بن عامر بن برد عمرو ذو الكلب 246
82 - عمرو بن سعيد بن العاص 202
56 - عمرو بن محمد الثقفي 167
13 - عمرو بن مسعود الأسدي 55(1/291)
56 - عمرو بن محمد الثقفي 167
13 - عمرو بن مسعود الأسدي 55
3 - عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح 35
91 - عنترة بن معاوية العبسي 213
عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي
128 - غضوب (امرأة) 279
71 - الفضل بن سهل 187
48 - قبيصة بن القين الهلالي 147
55 - قتادة بن ساجة بن ثابت بن معبد 166
127 - قيس بن الخطيم 278
29 - قيس بن زيد 85
كعب بن الأشرف اليهودي الطائي (سبق برقم 22). 234
22 - كعب بن الأشرف اليهودي 71
21 - كعب بن عبد الله النمري 69
17 - لخنيعة بن بنوف ذو شناتر (شنتر) 60
35 - مالك بن الحارث الأشتر 111
18 - مالك بن بكر بن علّفة بن جداعة الصمة الأكبر 64
111 - مالك بن نويرة بن جمرة اليربوعي 250
28 - المجذّر بن زياد البلوي 85
86 - محمد الأمين 208
45 - محمد بن عبد الله بن خازم السلمي 143
47 - مروان بن الحكم بن أبي العاص 145
122 - مزاحم بن عمرو السلولي 273
44 - مسعود بن عمرو العتكي قمر العراق 139
67 - معن بن زائدة الشيباني 183
115 - المغيرة الأقيشر 255
108 - المنخل اليشكري 246
57 - منظور بن جمهور 167(1/292)
108 - المنخل اليشكري 246
57 - منظور بن جمهور 167
89 - مهلهل بن ربيعة 210
51 - نجدة بن عامر الحنفي 154
118 - هدبة بن خشرم بن كرز بن جحش العذري 262
10 - همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان 50
126 - وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال وضاح اليمن 277
83 - الوليد بن يزيد بن عبد الملك 206
50 - يزيد بن الحصين بن نمير السكسكي 153
114 - يزيد بن الصمة القشيري يزيد بن الطثرية 254
62 - يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري 174(1/293)