ببني الأخياف
الْخَفْض: ضد الرّفْع، وَبِمَعْنى الْجَرّ فِي الْإِعْرَاب
{واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} : تواضع لَهما، أَو من الْقلب أَي جنَاح الرَّحْمَة من الذل
وخفض القَوْل: لينه
و [خفض] الْأَمر: هونه
الْخَالِص: هُوَ مَا زَالَ عَنهُ شوبه بعد مَا كَانَ فِيهِ
والصافي: يُقَال لما لَا شوب فِيهِ
الْخِيَانَة: تقال اعْتِبَارا بالعهد وَالْأَمَانَة
والنفاق: يُقَال اعْتِبَارا بِالدّينِ
وخيانة الْأَعْين: مَا تسارق من النّظر إِلَى مَا لَا يحل
الْخَيط الْأَبْيَض: هُوَ أول مَا يَبْدُو من الْفجْر الْمُعْتَرض من الْأُفق
وَالْخَيْط الْأسود: هُوَ مَا يَمْتَد مَعَه من غلس اللَّيْل
الخبال: الْفساد الَّذِي يعتري الْحَيَوَان فيورثه اضطرابا كالجنون
والمخبل: الْفَاسِد الْعقل
الْخَالَة: هِيَ كل من جمع أمك وَإِيَّاهَا صلب أَو بطن وَفِي مَعْنَاهَا: من جمع جدتك قريبَة كَانَت أَو بعيدَة وَإِيَّاهَا صلب أَو بطن
وَيُقَال: هما ابْنا خَالَة، وَلَا يُقَال ابْنا عمَّة كَذَا فِي " الْقَامُوس "
الخمود: خمدت النَّار: سكن لهبها وَلم يطفأ جمرها
وهمدت النَّار: طفأ جمرها وَلم يبْق شَيْء
وخبت النَّار: كخمدت
الخفاء: خَفِي عَلَيْهِ الْأَمر: استتر
و [خَفِي] لَهُ: ظهر وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِك فِيمَا يظْهر عَن خَفَاء أَو عَن جِهَة خُفْيَة
الخدن، بِالْكَسْرِ: بِمَعْنى الحبيب والرفيق، وَالْجمع أخدان
الخزانة: هِيَ وَاحِدَة الخزائن
وخزن المَال واختزنه: جعله فِي الخزانة، وبابها (نصر)
والمخزن: مَا يخزن فِيهِ شَيْء
الْخلد، بِالضَّمِّ: الْبَقَاء والدوام كالخلود، وَفِي الأَصْل: الثَّبَات المديد دَامَ أم لم يدم [وَلِهَذَا قَالُوا: (أبدا) فِي قَوْله جلّ شَأْنه {خَالِدين فِيهَا أبدا} للتمييز لَا للتَّأْكِيد]
والمكث: ثبات مَعَ انتظام
واللبث بِالْمَكَانِ: الْإِقَامَة بِهِ ملازما لَهُ
والدوام عِنْد الْجُمْهُور بالنصوص والأبدان فِي الْجنان لَا تعتورها الاستحالة كَمَا فِي بعض الْمَعَادِن
والخلد أَيْضا: الْجنَّة
و {ولدان مخلدون} : أَي مقرطون أَو مسورون أَو لَا يهرمون أبدا
الخسر: النَّقْص، كالإخسار والخسران(1/434)
والخسرواني: شراب وَنَوع من الثِّيَاب
و {كرة خاسرة} : أَي غير نافعة
الخزازة: هِيَ وجع فِي الْقلب من غيظ وَنَحْوه
الْخُف: مَعْرُوف وَيجمع على (خفاف) وَأما خف الْبَعِير فَإِنَّهُ يجمع على (أَخْفَاف)
الْخدمَة: هِيَ عَامَّة
والسدانة: خَاصَّة للكعبة
[وَالْخَادِم: يُطلق على الْغُلَام وَالْجَارِيَة قَالَه التَّفْتَازَانِيّ عَلَيْهِ الرَّحْمَة، وَفِي " الْكَشَّاف ": دخلت خادمة]
الخرطوم: هُوَ لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْفِيل وَالْخِنْزِير
الخيدع: هُوَ من لَا يوثق بمودته
الخفاش؛ ك (رمان) : الوطواط، وَكَذَا الخطاف، بِالضَّمِّ
خير مقدم: أَي قدمت قدومًا خير مقدم، بِحَذْف عَامل الْمصدر وَإِقَامَة الْمصدر مقَامه، ثمَّ إِقَامَة صفة الْمصدر مقَام الْمصدر، ومصدريته بِاعْتِبَار الْمَوْصُوف، أَو بالمضاف إِلَيْهِ، لِأَن اسْم التَّفْضِيل لَهُ حكم مَا أضيف إِلَيْهِ
الْخَال: هُوَ أَخ الْأُم، وسحاب لَا يخلف مطره، أَو لَا مطر فِيهِ، وشامة فِي الْبدن
وَأَنا خَال هَذَا الْفرس: أَي صَاحبه
وبيني وَبينهمْ خؤولة، وَيُقَال خَال أَيْضا بَين الخؤولة
وخال الشَّيْء خيلولة: ظَنّه، وَتقول فِي مستقبله إخال بِكَسْر الْألف وَهُوَ الْأَفْصَح
خداي: فارسية، مَعْنَاهُ أَنه بِنَفسِهِ جَاءَ، (خود) مَعْنَاهُ ذَات الشَّيْء وَنَفسه و (أَي) مَعْنَاهُ (جَاءَ) أَي أَنه لذاته كَانَ مَوْجُودا، وَهَذَا معنى وَاجِب الْوُجُود لذاته
خجته: اسْم نسَاء أصفهانيات من رُوَاة الحَدِيث، أَعْجَمِيَّة مَعْنَاهَا الْمُبَارَكَة
خشنام، بِالضَّمِّ: علم مُعرب (خوش نَام) أَي الطّيب الِاسْم
خلون: يُقَال: لأَرْبَع مضين من الشَّهْر
وخلت: لإحدى عشرَة من الشَّهْر، لِأَن الْعَرَب تجْعَل النُّون للقليل وَالتَّاء للكثير
وخلوت بفلان وَإِلَيْهِ: انْفَرَدت مَعَه
وخلاك ذمّ: عداك وَمضى عَنْك وَمِنْه: الْقُرُون الخالية
خُصُوصا: حَال بِمَعْنى (خَاصّا) ، أَو نصب على المصدرية أَي: يخص هَذَا خُصُوصا
وخاصة: مصدر كعاقبة كَاذِبَة، وَهِي ضد (عَامَّة) ، وَالتَّاء للتأنيث أَو للْمُبَالَغَة، وانتصابها على الْمَفْعُول الْمُطلق؛ وَيجوز أَن يكون حَالا بِمَعْنى (مَخْصُوصًا) نَحْو: (أَخَذته سمعا)
خلافًا: هُوَ إِمَّا مصدر مثل (اتِّفَاقًا) و (إِجْمَاعًا) بِتَقْدِير (اتّفق عَلَيْهِ اتِّفَاقًا) و (أَجمعُوا على ذَلِك إِجْمَاعًا) لكنه لَو قدر فِيهِ (اخْتلفُوا) يشكل بِأَن مصدره (اخْتِلَاف) ويأبى [مَا يَأْتِي بعده](1/435)
لفُلَان؛ وَإِن قدر (خَالف) أَو (خَالَفت) يشكل أَيْضا بِأَن (خَالف) مِمَّا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ لَا بِاللَّامِ، وَقد يُجَاب بِأَن اللَّام مُتَعَلق بِمَحْذُوف، وَهُوَ (أَعنِي لَهُ) كَمَا فِي (سقيا لَهُم) بِأَن (سقى) يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَيكون (خلافًا) مَفْعُولا مُطلقًا، وَيحْتَمل أَن يكون حَالا، وَالتَّقْدِير: (أَقُول ذَلِك خلافًا لفُلَان) : أَي مُخَالفا لَهُ أَو ذَا خلاف وَحذف القَوْل كثير جدا، فَإِن كل حكم ذكره المصنفون فهم قَائِلُونَ بِهِ، فَالْقَوْل مُقَدّر قبل كل مَسْأَلَة، وَالْوَجْه المرضي الْجَارِي فِي جَمِيع موارد هَذِه الْكَلِمَة أَن يَجْعَل الظّرْف بعده مُسْتَقرًّا على أَنه صفة لَهُ
وَخِلَافًا: نصب على إِضْمَار فعل بِأَنَّهُ مفعول مُطلق، أَي: خَالف خلافًا، إِلَّا أَنه لما حذف الْفِعْل وَالْفَاعِل مَعًا أبرز عَن نِسْبَة الْفَاعِل المطوي الْفِعْل بقوله (لفُلَان) فَاللَّام تَأْكِيد لتِلْك النِّسْبَة، وَفِيه أَن فِي مثل (خلافًا) للشَّافِعِيّ على هَذَا الْوَجْه إِحْدَاث الْخلاف مَنْسُوبا إِلَى أَصْحَابنَا وَهُوَ مِنْهُ
خدجت النَّاقة: أَلْقَت وَلَدهَا قبل أَوَان النِّتَاج
وأخدجت النَّاقة: إِذا وَلدته نَاقِصا وَإِن كَانَت أَيَّامه تَامَّة
خر السّقف: طاح الْجِدَار:
انقض النَّجْم: هوى
[نوع]
{خبالا} : فَسَادًا أَو شرا
{خضتم} : دَخَلْتُم فِي الْبَاطِل
{مَا خطبكن} : مَا شأنكن
{خلصوا} : انفردوا واعتزلوا
{ختم الله على قُلُوبهم} : طبع عَلَيْهَا
{وَإِذا خلوا} : إِذا انفردوا
{خسروا أنفسهم} : غبنوها
{إِلَّا من خطف الْخَطفَة} : الخطف: الاختلاس وَالْمرَاد اختلاس كَلَام الْمَلَائِكَة مسارقة
{وَمن خفت مَوَازِينه} : وَمن لم يكن لَهُ مَا يكون لَهُ وزن وهم الْكفَّار
{ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} : هُوَ صُورَة الْبدن أَو الرّوح أَو القوى
{خَالدُونَ} : دائمون أَو لَا بثون لبثا طَويلا
{فخلف من بعدهمْ خلف} : فعقبهم وَجَاء بعدهمْ عقيب سوء
{خَالِصَة} : خَاصَّة
{خَافت من بَعْلهَا} : توقعت مِنْهُ
{وخر مُوسَى صعقا} : أَي سقط مغشيا عَلَيْهِ(1/436)
{إِلَّا خلق الْأَوَّلين} : أَي كذب الْأَوَّلين، أَو إِعَادَة الْأَوَّلين على قِرَاءَة (خلق) بِضَمَّتَيْنِ
{فَخلوا سبيلهم} : فدعوهم وَلَا تتعرضوا لَهُ
{خوله} : أعطَاهُ
{فِي الْخِصَام} : فِي المجادلة
{خزي} : ذل وفضيحة
{فَإِذا هم خامدون} : ميتون
{فِي صلَاتهم خاشعون} : خائفون من الله، متذللون لَهُ، ملزمون أَبْصَارهم مَسَاجِدهمْ
{خوار} : صَوت الْعجل
{خَشَعت} : خضعت
{لَا يلبثُونَ خِلافك} : بعْدك
{أحسن الْخَالِقِينَ} : أَي المقدرين تَقْديرا
{مَعَ الْخَوَالِف} : جمع (الخالفة) ، وَقد يُقَال (الخالفة) للَّذي لَا خير فِيهِ
{بخيلك ورجلك} : بأعوانك من رَاكب وراجل
{خاسئا} : بَعيدا عَن إِصَابَة الْمَطْلُوب
{خرجا} : أجرا
{فخراج رَبك} : رزقه فِي الدُّنْيَا وثوابه فِي الْآخِرَة
{وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا} : يواليه حَتَّى يُؤَدِّيه إِلَى الْهَلَاك ثمَّ يتْركهُ وَلَا يَنْفَعهُ
{الخناس} : الَّذِي عَادَته أَن يخنس، أَي يتَأَخَّر إِذا ذكر الْإِنْسَان ربه
{أعجاز نخل خاوية} : متأكلة الأجواف
{وَخسف الْقَمَر} : ذهب ضوؤه
{الخنس} : الْكَوَاكِب الرواجع
{خلال الديار} : وَسطهَا
{كلما خبت} : سكن لهبها
{خوان} : مبالغ فِي الْخِيَانَة بالإصرار عَلَيْهَا
{فَرح الْمُخَلفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله} : أَي بعد خُرُوجه
{تعْمل الْخَبَائِث} : يَعْنِي اللواط
{خاوية على عروشها} : سَاقِطَة حيطانها على(1/437)
سقوفها
{خطوَات الشَّيْطَان} : عمله
{إِن عَلَّمْتهمْ فيهم خيرا} : أَي حِيلَة
{أكل خمط} : الخمط: الْأَرَاك
{الخراصون} : الكذابون أَو المرتابون
{بخلاقهم} : بدينهم
{خَاسِئِينَ} : صاغرين ذليلين
{خصَاصَة} : حَاجَة وفقر
{وَمَا أَنْتُم لَهُ بخازنين} : قَادِرين متمكنين من إِخْرَاجه
{أعْطى كل شَيْء خلقه} : أَي صورته وشكله الَّذِي يُطَابق كَمَاله الْمُمكن لَهُ، أَو أعْطى كل مَخْلُوق مَا يصلحه، أَو أعْطى كل حَيَوَان نَظِيره فِي الْخلق أَو الصُّورَة زوجا
{يخرج الخبء} : أَي يظْهر مَا خَفِي
[ {ذَلِك الخزي الْعَظِيم} : يَعْنِي الْهَلَاك الدَّائِم
{فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله} : أَي علمْتُم كَقَوْلِه جلّ شَأْنه:
{فَمن خَافَ من موص} : أَي علم
{فاسأل بِهِ خَبِيرا} : عَالما يُخْبِرك بِحَقِيقَة وَهُوَ الله تَعَالَى
{مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} : أَي التخير وَظَاهره نفي الِاخْتِيَار من الْعباد رَأْسا
{خائبين} : منقطعي الآمال
{وخرقوا لَهُ} : فنقلوا وافتروا لَهُ
{خَشَعت الْأَصْوَات} : سكنت
الختار: الغدار الظلوم الغشوم]
(فصل الدَّال)
[الدحض] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الدحض فَهُوَ الْبَاطِل إِلَّا {فَكَانَ من المدحضين} فَإِن مَعْنَاهُ من المقروعين
[الدّين] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الدّين فَهُوَ الْحساب
[الدَّابَّة] : كل شَيْء دب على وَجه الأَرْض فَهُوَ دَابَّة وَفِي الْعرف يُطلق على الْخَيل وَالْحمار والبغل
[دبل ودمل] : كل شَيْء أصلحته فقد دبلته(1/438)
ودملته
[الدهمقة] : كل شَيْء لين فَهُوَ الدهمقة
[الدخيل] : كل كلمة أدخلت فِي كَلَام الْعَرَب وَلَيْسَت مِنْهُ فَهُوَ الدخيل، وَكَذَا الْحَرْف الَّذِي بَين حرف الروي وَألف التأسيس
الدَّلِيل: المرشد إِلَى الْمَطْلُوب، يذكر وَيُرَاد بِهِ الدَّال، وَمِنْه: (يَا دَلِيل المتحيرين) أَي: هاديهم إِلَى مَا تَزُول بِهِ حيرتهم وَيذكر وَيُرَاد بِهِ الْعَلامَة المنصوبة لمعْرِفَة الْمَدْلُول، وَمِنْه سمي الدُّخان دَلِيلا على النَّار
ثمَّ اسْم الدَّلِيل يَقع على كل مَا يعرف بِهِ الْمَدْلُول، حسيا كَانَ أَو شَرْعِيًّا، قَطْعِيا كَانَ أَو غير قَطْعِيّ، حَتَّى سمي الْحس وَالْعقل وَالنَّص وَالْقِيَاس وَخبر الْوَاحِد وظواهر النُّصُوص كلهَا أَدِلَّة
وَالدّلَالَة: كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يُفِيد الْغَيْر علما إِذا لم يكن فِي الْغَيْر مَانع، كمزاحمة الْوَهم والغفلة بِسَبَب الشواغل الجسمانية
وأصل الدّلَالَة مصدر كالكتابة والإمارة
وَالدَّال: مَا حصل مِنْهُ ذَلِك
وَالدَّلِيل: فِي الْمُبَالغَة ك (عَالم) و (عليم) و (قَادر) و (قدير) ثمَّ سمي وَالدَّلِيل دلَالَة لتسمية الشَّيْء بمصدره
وَالدّلَالَة أَعم من الْإِرْشَاد وَالْهِدَايَة
والاتصال بِالْفِعْلِ مُعْتَبر فِي الْإِرْشَاد لُغَة دون الدّلَالَة
وَيجمع (الدَّلِيل) على (أَدِلَّة) لَا على (دَلَائِل) إِلَّا نَادرا ك (سليل) على (سلائل) ، على مَا حَكَاهُ أَبُو حَيَّان، إِذا لم يَأْتِ (فعائل) جمعا لاسم جنس على (فعيل) ، صرح بِهِ ابْن مَالك، وَقَالَ بَعضهم: شَرط اطراد جمع (فعيل) على (فعائل) أَن يكون مؤنثا ك (سعيد) علما لامْرَأَة، وَيجوز أَن يكون جمع (دلَالَة) ك (رسائل) و (رِسَالَة) ، وَإِن كَانَ الْمَشْهُور أَن جمع (دَلِيل) (أَدِلَّة)
وَالدَّلِيل عِنْد الأصولي: هُوَ مَا يُمكن التَّوَصُّل بِهِ بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى مَطْلُوب خبري
وَعند الميزاني: هُوَ الْمُقدمَات الْمَخْصُوصَة نَحْو: الْعَالم متغير وكل متغير فَهُوَ حَادث
وَالدّلَالَة تَتَضَمَّن الِاطِّلَاع، وَلِهَذَا عوملت مُعَامَلَته حَتَّى تتعدى ب (على) ، وَلم تعامل فِي الْهِدَايَة الَّتِي بمعناها بذلك، بل عوملت مَعهَا مُعَاملَة سَائِر مضامينها
وَفرق بَين الدّلَالَة والاستعمال تَقول: هَذَا اللَّفْظ يدل على الْعُمُوم، ثمَّ قد يسْتَعْمل حَيْثُ لَا يُرَاد الْعُمُوم، بل يُرَاد الْخُصُوص
وَمَا كَانَ للْإنْسَان اخْتِيَار فِي معنى الدّلَالَة فَهُوَ بِفَتْح الدَّال، وَمَا لم يكن لَهُ اخْتِيَار فِي ذَلِك فبكسرها، مِثَاله إِذا قلت: (دلَالَة الْخَيْر لزيد) فَهُوَ بِالْفَتْح، أَي: لَهُ اخْتِيَار فِي الدّلَالَة على الْخَيْر، وَإِذا كسرتها فَمَعْنَاه حِينَئِذٍ صَار الْخَيْر سجية لزيد فيصدر مِنْهُ كَيفَ مَا كَانَ
[وَالِاسْتِدْلَال: هُوَ تَقْرِير ثُبُوت الْأَثر لإِثْبَات الْمُؤثر
وَالتَّعْلِيل: هُوَ تَقْرِير ثُبُوت الْمُؤثر لإِثْبَات الْأَثر
وَالِاسْتِدْلَال فِي عرف أهل الْعلم تَقْرِير الدَّلِيل لإِثْبَات الْمَدْلُول سَوَاء كَانَ ذَلِك من الْأَثر إِلَى الْمُؤثر(1/439)
أَو بِالْعَكْسِ أَو من أحد الْأَمريْنِ إِلَى الآخر
والتعريف الْمَشْهُور للدليل: هُوَ الَّذِي يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِوُجُود الْمَدْلُول، وَلَا يخفى أَن الدَّلِيل والمدلول متضايفان كَالْأَبِ وَالِابْن فيكونان متساويين فِي الْمعرفَة والجهالة فَلَا يجوز أَخذ أَحدهمَا فِي تَعْرِيف الآخر لِأَن الْمُعَرّف يَنْبَغِي أَن يكون أجلى
والتعريف الْحسن الْجَامِع: أَنه هُوَ الَّذِي يلْزم من الْعلم أَو الظَّن بِهِ الْعلم أَو الظَّن بتحقق شَيْء آخر و (أَو) هَاهُنَا للتبيين أَي كل وَاحِد دَلِيل كَمَا يُقَال: الْإِنْسَان إِمَّا عَالم أَو جَاهِل، لَا للتشكيك كَمَا فِي: (علمت أَنه سمع أَو لَا)
والتعريف بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بتحقق شَيْء آخر هُوَ تَعْرِيف الدَّلِيل الْقطعِي لَا مُطلق الدَّلِيل الَّذِي هُوَ أَعم من أَن يكون قَطْعِيا أَو ظنيا
ثمَّ الدَّلِيل إِمَّا عَقْلِي مَحْض كَمَا فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة، أَو مركب من الْعقلِيّ والنقلي، لِأَن النقلي الْمَحْض لَا يُفِيد، إِذْ لَا بُد من صدق الْقَائِل، وَذَلِكَ لَا يعلم إِلَّا بِالْعقلِ وَإِلَّا لدار وتسلسل
وَدَلَائِل الشَّرْع خَمْسَة: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس، والعقليات الْمَحْضَة كالتلازم والتفاني والدوران، وَالثَّلَاثَة الأول نقلية والباقيان عقليان
وَالدَّلِيل الْقطعِي قد يكون عقليا وَقد يكون نقليا كالمتواتر، وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مشافهة من النقليات مِمَّا ينْقل مشافهة]
وَالدَّلِيل الْمُرَجح إِن كَانَ قَطْعِيا كَانَ تَفْسِيرا، وَإِن كَانَ ظنيا كَانَ تَأْوِيلا
[وَالدَّلِيل إِن كَانَ مركبا من القطعيات كَانَ تحقق الْمَدْلُول أَيْضا قَطْعِيا وَيُسمى برهانا، وَإِن كَانَ مركبا من الظنيات أَو اليقينيات والظنيات كَانَ ثُبُوت الْمَدْلُول ظنيا، لِأَن ثُبُوت الْمَدْلُول فرع ثُبُوت الدَّلِيل وَالْفرع لَا يكون أقوى من الأَصْل وَيُسمى دَلِيلا إقناعيا وأمارة]
وَلَا يَخْلُو الدَّلِيل من أَن يكون على طَرِيق الِانْتِقَال من الْكُلِّي إِلَى الْكُلِّي فيسمى برهانا، أَو من الْكُلِّي إِلَى الْبَعْض فيسمى استقراء، أَو من الْبَعْض إِلَى الْبَعْض فيسمى تمثيلا
وَاسم الدَّلِيل يَقع على كل مَا يعرف بِهِ الْمَدْلُول، وَالْحجّة مستعملة فِي جَمِيع مَا ذكر، والبرهان نَظِير الْحجَّة، وَالْحجّة الإقناعية: هِيَ الَّتِي تقبل الزَّوَال بتشكيك المشكك، وَإِن كَانَ الْمَطْلُوب تصورا يُسمى طَرِيقه مُعَرفا، وَإِن كَانَ تَصْدِيقًا يُسمى طَرِيقه دَلِيلا
وَالدَّلِيل يَشْمَل الظني والقطعي، وَقد يخص بالقطعي وَيُسمى الظني أَمارَة، وَقد يخص بِمَا يكون الِاسْتِدْلَال فِيهِ من الْمَعْلُول إِلَى الْعلَّة وَيُسمى هَذَا برهانا آنيا، وَعَكسه يُسمى برهانا لميا، واللمي أولى وأفيد
يحْكى أَن الشَّيْخ أَبَا الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ قَالَ: حضر الشَّيْخ أَبُو سعيد ابْن أبي الْخَيْر مَعَ الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي فَقَالَ الْأُسْتَاذ: الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا: مَا رَأينَا شَيْئا إِلَّا ورأينا الله بعده، فَقَالَ أَبُو سعيد: ذَلِك مقَام المريدين أم الْمُحَقِّقُونَ فَإِنَّهُم مَا رَأَوْا شَيْئا إِلَّا وَكَانُوا قد رَأَوْا الله قبله(1/440)
قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ: قلت: تَحْقِيق الْكَلَام أَن الِانْتِقَال من الْمَخْلُوق إِلَى الْخَالِق إِشَارَة إِلَى برهَان الْآن، وَالنُّزُول من الْخَالِق إِلَى الْمَخْلُوق هُوَ برهَان اللم وَمَعْلُوم أَن برهَان اللم أشرف وَقد نظمت فِيهِ:
(وَمَا رَأَيْت شَيْئا ... إِلَّا وَقَبله الْحق)
(فَمن يَقُول بعده ... يسيح فِي الْإِرَادَة)
(وَلَيْسَ الِانْتِقَال ... معادل النُّزُول)
(لَدَى الْمُحَقِّقين ... عَلَيْك بالإفادة)
وَيقرب مِنْهُ مَا رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: (عرفت مُحَمَّدًا بِاللَّه، وَلم أعرف الله بِمُحَمد)
[وَإِذا عرفت مَا يتَعَلَّق بِالدَّلِيلِ على وَجه التَّفْصِيل فاستمع مَا يتَعَلَّق بِالدّلَالَةِ وتقسيمها على مَا لخصته من كتب الْقَوْم وَهُوَ] أَن الدّلَالَة إِمَّا لفظية وَإِمَّا غير لفظية، وكل مِنْهُمَا إِمَّا وضعية وعقلية وطبيعية
فاللفظية الوضعية مثل دلَالَة الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة على مدلولاتها
واللفظية الْعَقْلِيَّة كدلالة اللَّفْظ على وجود اللافظ، سَوَاء كَانَ مهملا أَو مُسْتَعْملا
واللفظية الطبعية كدلالة (أح) بِالْفَتْح وَالضَّم على وجع الصَّدْر وَهُوَ السعال، وكدلالة (أَخ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْفَتْح أَيْضا على الوجع مُطلقًا
وَغير اللفظية الوضعية كدلالة الدوال الْأَرْبَع على مدلولاتها
وَغير اللفظية الْعَقْلِيَّة كدلالة المصنوعات على الصَّانِع
وَغير اللفظية الطبعية كدلالة الْحمرَة على الخجل، والصفرة على الوجل
ثمَّ الإفادة والاستفادة من بَين هَذِه الْأَقْسَام السِّتَّة باللفظية والوضعية دون غَيرهَا، وَهِي مطابقية وتضمنية والتزامية، وانحصار الدّلَالَة فِي اللفظية وَغَيرهَا أَمر مُحَقّق لَا شُبْهَة فِيهِ، وَأما انحصارها فِي الوضعية والعقلية والطبعية فبالاستقراء لَا بالحصر الْعقلِيّ الدائر بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَأما انحصار اللفظية فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فبالحصر الْعقلِيّ، لِأَن الدّلَالَة إِمَّا أَن تكون على نفس الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ، فدلالة الْمُطَابقَة سميت بذلك لمطابقة الدَّال الْمَدْلُول كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان النَّاطِق، إِذْ هُوَ مَوْضُوع لذَلِك، أَو على جُزْء مَعْنَاهُ، فدلالة التضمن سميت بذلك لتضمن الْمَعْنى لجزء الْمَدْلُول، كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان أَو على لَازم مَعْنَاهُ الذهْنِي لزم مَعَ ذَلِك فِي الْخَارِج أم لَا فدلالة الْتِزَام سميت بذلك لاستلزام الْمَعْنى للمدلول، كدلالة الْإِنْسَان على قَابل الْعلم، هَذَا على رَأْي المناطقة فِي جعل الْكل أقساما للفظية الوضعية، وَإِلَّا فدلالة الِالْتِزَام عقلية والمطابقة والتضمن لفظيتان، وَدلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى وضعية للفظي، أَي متوقفة على الِاصْطِلَاح، وَدلَالَة النصبية وضعية لغير اللَّفْظ، وَدلَالَة اللَّفْظ على اللافظ غير وضعية، وَهِي للفظ، وَدلَالَة الدُّخان على النَّار غير وضعية، وَهِي لغير اللَّفْظ وَأما الدّلَالَة الَّتِي يتَعَلَّق بهَا غَرَض الْبَيَان فَهِيَ تَنْقَسِم تَارَة إِلَى وضعية شخصية كَانَت، كوضع مواد الْمُفْردَات، أَو نوعية كوضع صنفها وَوضع الهيئات التركيبية، وعقلية كدلالة الْكُلِّي على جزئه، والملزوم على لَازمه الْعقلِيّ، مُتَقَدما كَانَ(1/441)
عَلَيْهِ كَالثَّابِتِ اقْتِضَاء، أَو مُتَأَخِّرًا عَنهُ كموجب النَّص، وعادية كدلالة طول النجاد على طول الْقَامَة، وَدلَالَة كَثْرَة الرماد على كَثْرَة الْقرى
وخطابية كدلالة التَّأْكِيد على دفع الشَّك أَو رد الْإِنْكَار
وَتارَة تَنْقَسِم إِلَى قولية، وضعية كَانَت أَو عقلية، أَو عَادِية، أَو خطابية، وَإِلَى فعلية، عقلية كَانَت كدلالة التَّشْبِيه على الْمجَاز، أَو عَادِية، كدلالة {وقدور راسيات} على عظم الْقُدُور، أَو خطابية كدلالة تَغْيِير النّظم على نُكْتَة تناسب فِي عرف البلغاء، وَإِلَى حَالية، عقلية كَانَت كدلالة الْحَذف على الإيجاز أَو عَادِية كدلالة الْحَذف أَيْضا على ظُهُور المُرَاد وتعيينه، أَو خطابية، كدلالة الْحَذف أَيْضا على التَّعْظِيم والتحقير؛ وَهَذِه الدّلَالَة الَّتِي عَلَيْهَا مدَار اعْتِبَار البلغاء أوسع دَائِرَة من الدلالات الثَّلَاث الْمُعْتَبرَة فِي سَائِر الْعُلُوم، فَصَارَت هَذِه الدّلَالَة رَابِعَة، كَمَا أَن الْعَادة طبيعة حامسة - بِالْمُهْمَلَةِ - أَي: محكمَة ثَابِتَة
وَدلَالَة الْمُقدمَات على النتيجة فِيهَا خلاف: عقلية وَهُوَ مَذْهَب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيح فَلَا يُمكن التَّخَلُّف، وعادية وَهُوَ مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فالتخلف مُمكن، ومولد وَهُوَ للمعتزلة حَيْثُ قَالُوا بالتوليد بِمَعْنى أَن الْقُدْرَة الْحَادِثَة أثرت فِي وجود النتيجة بِوَاسِطَة تأثيرها فِي النّظر، وواجب وَهُوَ للحكماء
[ثمَّ الدَّلِيل السمعي فِي الْعرف: هُوَ الدَّلِيل اللَّفْظِيّ المسموع، وَفِي عرف الْفُقَهَاء هُوَ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ]
وَأما الْأَدِلَّة السمعية فَهِيَ أَرْبَعَة:
قَطْعِيّ الثُّبُوت وَالدّلَالَة: كالنصوص المتواترة فَيثبت بهَا الْفَرْض وَالْحرَام الْقطعِي بِلَا خلاف
وقطعي الثُّبُوت ظَنِّي الدّلَالَة: كالآيات المؤولة
وظني الثُّبُوت قَطْعِيّ الدّلَالَة: كأخبار الْآحَاد الَّتِي مفهوماتها قَطْعِيَّة، فَيثبت بِكُل مِنْهُمَا الْفَرْض الظني وَالْوَاجِب وَكَرَاهَة التَّحْرِيم، وَالْحرَام على الْخلاف
وظني الثُّبُوت وَالدّلَالَة: كأخبار الْآحَاد مفهومها ظَنِّي، فَتثبت بهَا السّنة والاستحباب وَكَرَاهَة التَّنْزِيه، وَالتَّحْرِيم على الْخلاف
وَالدَّلِيل الْقطعِي لَهُ مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: مَا يقطع الِاحْتِمَال أصلا كَحكم الْكتاب ومتواتر السّنة وَالْإِجْمَاع، وَبِه يثبت الْفَرْض الْقطعِي، وَيُقَال لَهُ الْوَاجِب
وَثَانِيهمَا: مَا يقطع الِاحْتِمَال النَّاشِئ عَن دَلِيل هُوَ تعدد الْوَضع، كالقياس وَالظَّاهِر وَالْمَشْهُور، وَيُسمى بالظني اللَّازِم الْعَمَل فِي اعْتِقَاد الْمُجْتَهد، وَهُوَ نَوْعَانِ:
مَا يبطل بِتَرْكِهِ الْعَمَل، وَهُوَ دون الْقطعِي، وَيُسمى بِالْفَرْضِ الظني، كمقدار الْمسْح، وَهُوَ مَا يفْسد بِهِ، وَهُوَ دون الْفَرْض وَفَوق السّنة، وَيُسمى بِالْوَاجِبِ
وَالْفَرْض العملي كدعاء الْوتر
[وَاخْتلف الْعُقَلَاء فِي أَن التَّمَسُّك بالدلائل النقلية هَل يُفِيد الْيَقِين أم لَا، فَقَالَ قوم: لَا يُفِيد الْيَقِين الْبَتَّةَ لاحْتِمَال النقليات للنَّقْل وَالْمجَاز والاشتراك والحذف والإضمار والتخصيص والنسخ وَخطأ الروَاة فِي نقل مَعَاني(1/442)
الْمُفْردَات والتصريف وَالْإِعْرَاب والتقديم وَالتَّأْخِير، وكل وَاحِدَة مِنْهَا ظنية، فَمَا توقف عَلَيْهَا فَهُوَ ظَنِّي بِخِلَاف العقليات نعم رُبمَا اقترنت بالدلائل النقلية أُمُور يعرف وجودهَا بالأخبار المتواترة، وَتلك الْأُمُور تَنْفِي هَذِه الِاحْتِمَالَات فَحِينَئِذٍ تفِيد الْيَقِين، فَالْكَلَام على الْإِطْلَاق لَيْسَ بِصَحِيح]
وَلَا يثبت بِالدَّلِيلِ النقلي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ، كوجود الصَّانِع وَعلمه وَقدرته، ونبوة الرَّسُول حذار الدّور كَمَا لَا يثبت بِالدَّلِيلِ الْقطعِي مَا لَا يمْتَنع إثْبَاته ونفيه عقلا، كأكثر التكليفات ومقادير الثَّوَاب وَالْعِقَاب وأحوال الْجنَّة وَالنَّار، وَيثبت بهما مَا عدا هذَيْن الْقسمَيْنِ، كوحدانية الصَّانِع وحدوث الْعَالم، وَإِذا تعَارض الْعقلِيّ والنقلي يؤول النقلي
[وَلَو رجح الْعقل وقدح فِي النَّقْل يلْزم الْقدح فِيمَا يتَوَقَّف على الْعقل وَهُوَ النَّقْل فَيلْزم الْقدح فِي النَّقْل ويكتفي فِي الْمقَام الْخطابِيّ بِالظَّنِّ ويقنع بِظَنّ أَنه أَفَادَهُ
وَأما الْمقَام الاستدلالي فَهُوَ مَا يطْلب فِيهِ مَا أَفَادَهُ الْمُخَاطب سَوَاء كَانَ الْمقَام مِمَّا يُمكن أَن يُقَام عَلَيْهِ الْبُرْهَان أَو يكون من الظنون]
وَالدَّلِيل الَّذِي يكون دَلِيلا على إِثْبَات الْمَطْلُوب وَمَعَ ذَلِك يكون دافعا للدليل الَّذِي عَلَيْهِ تعويل الْخصم هُوَ النِّهَايَة فِي الْحسن والكمال، وَلَيْسَ كَذَلِك الدَّلِيل الَّذِي يكون مثبتا للْحكم، إِلَّا أَنه لَا يكون دافعا لمعارضة الْخصم
الدّين، بِالْكَسْرِ، فِي اللُّغَة: الْعَادة مُطلقًا، وَهُوَ أوسع مجالا، يُطلق على الْحق وَالْبَاطِل أَيْضا
ويشمل أصُول الشَّرَائِع وفروعها، لِأَنَّهُ عبارَة عَن وضع آلهي سائق لِذَوي الْعُقُول باختيارهم الْمَحْمُود إِلَى الْخَيْر بِالذَّاتِ، قلبيا كَانَ أَو قالبيا، كالاعتقاد وَالْعلم وَالصَّلَاة
وَقد يتجوز فِيهِ فيطلق على الْأُصُول خَاصَّة فَيكون بِمَعْنى الْملَّة، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {دينا قيمًا مِلَّة إِبْرَاهِيم}
وَقد يتجوز فِيهِ أَيْضا فيطلق على الْفُرُوع خَاصَّة، وَعَلِيهِ {ذَلِك دين الْقيمَة} أَي: الْملَّة الْقيمَة يَعْنِي فروع هَذِه الْأُصُول
وَالدّين مَنْسُوب إِلَى الله تَعَالَى، وَالْملَّة إِلَى الرَّسُول، وَالْمذهب إِلَى الْمُجْتَهد
وَالْملَّة: اسْم مَا شَرعه الله لِعِبَادِهِ على لِسَان نبيه ليتوصلوا بِهِ إِلَى آجل ثَوَابه
وَالدّين مثلهَا، لَكِن الْملَّة تقال بِاعْتِبَار الدُّعَاء إِلَيْهِ، وَالدّين بِاعْتِبَار الطَّاعَة والانقياد لَهُ
وَالْملَّة: الطَّرِيقَة أَيْضا، ثمَّ نقلت على أصُول الشَّرَائِع، من حَيْثُ إِن الْأَنْبِيَاء يعلمونها ويسلكونها ويسلكون من أمروا بإرشادهم بِالنّظرِ إِلَى الأَصْل، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى النَّبِي الَّذِي تستند إِلَيْهِ، وَلَا تكَاد تُوجد مُضَافَة إِلَى الله تَعَالَى، وَلَا إِلَى آحَاد أمة النَّبِي، وَلَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي جملَة الشَّرَائِع دون آحادها، فَلَا يُقَال: مِلَّة الله، وَلَا ملتي، وَلَا مِلَّة زيد، كَمَا يُقَال: دين الله، وديني، وَدين زيد
وَلَا يُقَال: الصَّلَاة مِلَّة الله
والشريعة تُضَاف إِلَى الله وَالنَّبِيّ وَالْأمة، وَهِي من حَيْثُ إِنَّهَا يطاع بهَا تسمى دينا، وَمن حَيْثُ إِنَّهَا(1/443)
يجْتَمع عَلَيْهَا تسمى مِلَّة، وَكَثِيرًا مَا تسْتَعْمل هَذِه الْأَلْفَاظ بَعْضهَا مَكَان بعض، وَلِهَذَا قيل: إِنَّهَا متحدة بِالذَّاتِ ومتغايرة بِالِاعْتِبَارِ، إِذْ الطَّرِيقَة الْمَخْصُوصَة الثَّابِتَة عَن النَّبِي تسمى بِالْإِيمَان، من حَيْثُ إِنَّه وَاجِب الإذعان، وَبِالْإِسْلَامِ من حَيْثُ إِنَّه وَاجِب التَّسْلِيم، وبالدين من حَيْثُ إِنَّه يجزى بِهِ، وبالملة من حَيْثُ إِنَّه مِمَّا يملى وَيكْتب ويجتمع عَلَيْهِ، وبالشريعة من حَيْثُ إِنَّه يرد على زلال كَمَاله المتعطشون، وبالناموس من حَيْثُ إِنَّه أَتَى بِهِ الْملك الَّذِي هُوَ الناموس، وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَالدّين: الْجَزَاء، وَمن الأول فِي: ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... دناهم كَمَا دانوا وَالثَّانِي فِي: ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . كَمَا تدين تدان
ودان لَهُ: أطَاع {وَمن أحسن دينا}
ودانه: أجزاه أَو ملكه أَو أقْرضهُ
ودانه دينا: أذله واستعبده وَفِي الحَدِيث: " الْكيس من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت "
وَيكون بِمَعْنى الْقَضَاء نَحْو: {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} أَي: فِي قَضَائِهِ وَحكمه وشريعته
وَبِمَعْنى الْحَال: سُئِلَ بعض الْأَعْرَاب فَقَالَ: لَو كنت على دين غَيره لأجبتك أَي: على حَال غَيره
وَالدّين، بِالْفَتْح: عبارَة عَن مَال حكمي يحدث فِي الذِّمَّة بِبيع أَو اسْتِهْلَاك أَو غَيرهمَا، وإيفاؤه واستيفاؤه لَا يكون إِلَّا بطرِيق الْمُقَاصَّة عِنْد أبي حنيفَة
وَالدّين: مَا لَهُ أجل
وَالْقَرْض: مَا لَا أجل لَهُ
وَفِي " الْمغرب ": الْقَرْض: مَا لَا يقتطعه الرجل من أَمْوَاله فيعطيه عينا، وَأما الْحق الَّذِي يثبت عَلَيْهِ دين فَلَيْسَ بقرض، وَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ
وَدين الصِّحَّة: مَا كَانَ ثَابتا بِالْبَيِّنَةِ أَو بِالْإِقْرَارِ فِي زمَان صِحَة الْمَدْيُون
وَدين الْمَرَض: مَا كَانَ ثَابتا فِي مَرضه
والديون تقضي بأمثالها لَا بِأَعْيَانِهَا
وَآخر الدينَيْنِ قَضَاء للْأولِ، وَقد نظمت فِيهِ:
(ومستقرض بَاعَ الْمَتَاع مُؤَجّلا ... لمقرضه فالموت حل بِلَا أدا)
(سوى ثمن المشري لَا حبه لَهُ ... فشارك أَرْبَاب الدُّيُون بِلَا رضَا)
(وَلَو كَانَ بيع سَابِقًا قرض لَاحق ... فرجح إِذن ذَا الْقَرْض من غير مَا قضا)
(لآخر دينين يَقُولُونَ لَا جرم ... لأوّل دينين قَضَاء بِلَا مرا)
الدَّهْر: هُوَ فِي الأَصْل اسْم لمُدَّة الْعَالم من مبدإ وجوده إِلَى انقضائه، ويستعار للْعَادَة الْبَاقِيَة وَمُدَّة الْحَيَاة، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج عِنْد الْمُتَكَلِّمين، لِأَنَّهُ عِنْدهم عبارَة عَن مُقَارنَة حَادث لحادث، والمقارنة أصل اعتباري عدمي، وَلذَا يَنْبَغِي فِي التَّحْقِيق أَن لَا يكون عِنْد من حَده من الْحُكَمَاء بِمِقْدَار حَرَكَة الْفلك وَأما عِنْد من عرفه مِنْهُم بِأَنَّهُ حَرَكَة الْفلك فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ وجوديا إِلَّا أَنه لَا يصلح للتأثير
[وَمَا اسْتمرّ وجوده مُقَارنًا لكل سَاعَة بعد سَاعَة(1/444)
على الِاتِّصَال إِذا أضيف استمراره إِلَى الزَّمَان يُسَمِّي تِلْكَ الْإِضَافَة والمقارنة دهرا محيطا بِالزَّمَانِ لحصولها مَعَ كل من الْأَوْقَات المتجددة والمتصرمة، وَقد يَجْعَل ظرفا لذَلِك الْوُجُود فَيُقَال إِنَّه مَوْجُود فِي الدَّهْر وَهَذَا معنى قَول الرئيس: الدَّهْر دُعَاء زَمَانه وَنسبَة مدعاته إِلَى اخْتِلَاف أحيانه]
والدهر، مُعَرفا: الْأَبَد، بِلَا خلاف وَأما مُنْكرا فقد قَالَ أَبُو حنيفَة: لَا أَدْرِي كَيفَ هُوَ فِي حكم التَّقْدِير، لِأَن مقادير الْأَسْمَاء واللغات لَا تثبت إِلَّا توقيفا لعدم الْموقف، لِأَن الْخَوْض فِي المقايسة فِيمَا طَرِيقه التَّوْقِيف بَاطِل، وَقد تعَارض الِاسْتِعْمَال الْعرفِيّ وفقد التَّنْصِيص الوضعي على تَقْدِيره
والتوقف عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة وَترك التَّرْجِيح من غير دَلِيل دَال على كَمَال الْعلم وَغَايَة الْوَرع قيل: إِن أَبَا حنيفَة حمل الدهور فِي (لَا ُأكَلِّمهُ الدهور) على الْعشْرَة، وَقد توقف فِي مفرده، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ قِيَاس قَوْله أَن لَو كَانَ يُفَسر دهر أَولا يتَوَقَّف فِيهِ كَمَا فرعوا مسَائِل الْمُزَارعَة على قِيَاس قَوْله: أَن لَو كَانَ يَقُول بجوازها هَذَا إِن كَانَ الدهور جمع دهر مُنْكرا، وَأما إِن جَعَلْنَاهُ جمع الْمُعَرّف فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْجَواب، لكنه يُضعفهُ عدم تَضْعِيفه، لِأَن الْمُعَرّف عبارَة عَن الْعُمر بالِاتِّفَاقِ والعمر لَا يتضاعف، فَلَا يحْتَاج إِلَى جمعه وتعديده وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: هُوَ يسْتَعْمل بِمَعْنى الْحِين ويناوبه فَيكون لَهُ حكمه
والحين يَقع على سِتَّة أشهر مُعَرفا ومنكرا، إِلَّا أَن هَذِه الْمدَّة أعدل محامله لكَونه وسطا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ ابْن عَبَّاس: المُرَاد سِتَّة أشهر وَقد يذكر وَيُرَاد بِهِ مُدَّة قَصِيرَة كوقت الصَّلَاة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ} وَيذكر وَيُرَاد بِهِ أَرْبَعُونَ سنة كَقَوْلِه تَعَالَى: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} على قَول بعض الْمُفَسّرين، فَألْحق بالموضوع لهَذِهِ الْمدَّة، وَهُوَ لَفْظَة (سِتَّة أشهر) حَتَّى لم يَزْدَدْ قدره بالتعريف، بل هُوَ وَالْمُنكر سيان، لِأَن مَا كَانَ مُعَرفا وضعا أَو عرفا يَسْتَوِي فِيهِ لَام التَّعْرِيف وَعدمهَا، لِأَن فَائِدَة اللَّام التَّعْرِيف، وَهُوَ معرف فِي نَفسه عرفا فَكَانَ كالمعرف وضعا
وَالزَّمَان فِي الِاسْتِعْمَال يناوب الْحِين مُعَرفا ومنكرا، حَتَّى أُرِيد بِالزَّمَانِ مَا أُرِيد بالحين، وَقد أجمع أهل اللُّغَة على أَن الزَّمَان الطَّوِيل من شَهْرَيْن إِلَى سِتَّة أشهر، والأزمنة تَنْصَرِف إِلَى الْكل عرفا، وَهُوَ الْعُمر، وَكَذَا الدهور والسنين هَذَا عِنْدهمَا، لِأَن الْألف وَاللَّام فِيهَا للْجِنْس، إِذْ لَا مَعْهُود لَهَا
وَالْأَيَّام تَنْصَرِف إِلَى الْأُسْبُوع، والشهور إِلَى السّنة، تَقْدِيمًا للْعهد على الْجِنْس، لِئَلَّا يَلْغُو احرف الْألف غير مُؤَكدَة مَعَ الْكَلِمَة التَّعْرِيف بِغَيْر ضَرُورَة، والمعهود فِي الْأَيَّام هُوَ السَّبْعَة وَفِي الشُّهُور اثْنَا عشر شهرا، لِأَن حِسَاب الْأَيَّام يَنْتَهِي بالأسبوع، والشهور بِالسنةِ وَعند الإِمَام ينْصَرف إِلَى عشرَة آحَاد كل صنف من الْأَزْمِنَة وَالْأَيَّام والشهور، لِأَن الْجِنْس من حَيْثُ التَّسْمِيَة أقل، والأقل مُتَيَقن بِهِ، فالحمل عَلَيْهِ أولى، وَلَا عهد هُنَا كَمَا قَالَا، إِذْ لَا عود فِي الجموع الْمَذْكُورَة، لِأَن الْأَيَّام لَا تعود أبدا، وَإِنَّمَا(1/445)
الِاسْم عَائِد على السَّبْعَة الْأُخْرَى، وَكَذَا الْأَزْمِنَة والشهور وَالْمُنكر ينْصَرف إِلَى ثَلَاثَة من آحَاد كل صنف بالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ أدنى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْجمع فَيحمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَيَقن
وَاللَّيْل وَالنَّهَار مقرونة بِالْألف وَاللَّام لَا يصلح أَن يُرَاد بهَا غير التَّعْمِيم كالأبد والدهر إِلَّا فِي قصد الْمُبَالغَة مجَازًا
وَأَسْمَاء الشُّهُور كرمضان وشوال إِذا لم يضف إِلَيْهَا اسْم شهر يلْزم التَّعْمِيم، وَإِن أضيف احْتمل التَّعْمِيم والتبعيض، كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من صَامَ رَمَضَان " وَقَوله تَعَالَى: {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن}
وَأَسْمَاء الْأَيَّام كجمعة وسبت كأسماء الشُّهُور إِذا أضيف إِلَيْهَا (يَوْم) احْتمل التَّبْعِيض والتعميم
والدهري، بِالْفَتْح: هُوَ الَّذِي يَقُول: الْعَالم مَوْجُود أزلا وأبدا لَا صانع لَهُ {مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر}
و [الدهري] ، بِالضَّمِّ: هُوَ الَّذِي قد أَتَى عَلَيْهِ الدَّهْر وَطَالَ عمره وَمعنى حَدِيث: " لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن الدَّهْر هُوَ الله " أَن الله تَعَالَى هُوَ الْفَاعِل لما فِي الدَّهْر، فَإِذا سببتموه وَقع السب على الله لِأَنَّهُ الفعال لما يُرِيد، وَلَو فرض أَن الدَّهْر فَاعل لهَذِهِ الْأَشْيَاء لَكِن لَا خَفَاء فِي أَن ذَلِك بِتَقْدِير الله وإرادته ومشيئته، وَهُوَ الَّذِي أعْطى الدَّهْر الْقُوَّة على الْفِعْل، وَحَقِيقَة الْفِعْل من عِنْد الله
وَالْمَشْهُور أَن الْكَلَام على حصر الْمسند أَي الْخَالِق هُوَ الله لَا غَيره، وَلَو قُلْنَا: إِن الله هُوَ الْخَالِق لَكَانَ لحصر الْمسند إِلَيْهِ، وَهَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ صَاحب " الْكَشَّاف "
والدهر قد يعد فِي الْأَسْمَاء الْحسنى
الدُّعَاء: دَعَاهُ: سَاقه
دَعَاهُ بزيد: سَمَّاهُ بِهِ
ودعا لَهُ: فِي الْخَيْر، وَعَلِيهِ: فِي الشَّرّ
ودعا إِلَيْهِ: طلب إِلَيْهِ
وَيَتَعَدَّى إِلَى النَّفْع الْمَطْلُوب بِالْبَاء يُقَال: (دَعَوْت الله بالفلاح)
وَالدُّعَاء بِمَعْنى النداء، يتَعَدَّى لوَاحِد؛ وَبِمَعْنى التَّسْمِيَة يتَعَدَّى لاثْنَيْنِ، الأول بِنَفسِهِ، وَالثَّانِي بِحرف الْجَرّ، ثمَّ يَتَّسِع فِي الْجَار فيحذف كَمَا فِي قَوْله: دعتني أخاها أم عَمْرو
وَالدُّعَاء لَا يُقَال إِلَّا إِذا كَانَ مَعَه الِاسْم نَحْو: (يَا فلَان) بِخِلَاف النداء، فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: (يَا) و (أيا) من غير أَن يضم إِلَيْهِ الِاسْم
وَقد يسْتَعْمل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَوضِع الآخر
الدَّعْوَى، فِي اللُّغَة: قَول يقْصد بِهِ إِيجَاب حق على غَيره
وَفِي عرف الْفُقَهَاء: مُطَالبَة حق فِي مجْلِس من لَهُ الْخَلَاص عِنْد ثُبُوته
وسببها تعلق الْبَقَاء الْمُقدر بتعاطي الْمُعَامَلَات
وَشَرطهَا حُضُور الْخصم، ومعلومية الْمُدعى، وَكَونه ملزما على الْخصم
وَحكم الصَّحِيحَة مِنْهُ وجوب الْجَواب على الْخصم فِي النَّفْي أَو الْإِثْبَات(1/446)
وشرعيتها لَيست لذاتها، بل لانقطاعها دفعا للْفَسَاد المظنون ببقائها
وَالدَّعْوَى: الدُّعَاء: {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين}
والدعوة إِلَى الطَّعَام بِالْفَتْح [كالرحمة] ، وَفِي النّسَب بِالْكَسْرِ [كالنشدة] هَذَا أَكثر كَلَام الْعَرَب
وَالدُّعَاء: الرَّغْبَة إِلَى الله وَالْعِبَادَة نَحْو: {وَلَا تدع من دون الله مَا لَا ينفعك وَلَا يَضرك}
والاستعانة نَحْو: {وَادعوا شهداءكم}
وَالسُّؤَال نَحْو: {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
وَالْقَوْل نَحْو: {دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ}
والنداء نَحْو: {يَوْم يدعوكم}
وَالتَّسْمِيَة نَحْو: {لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا}
وَالدُّعَاء للقريب، والنداء للبعيد، وَلذَلِك قَالَ الْأَعرَابِي: (أَقَرِيب رَبنَا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟)
والداعي: الْمُضْطَر فَلهُ الْإِجَابَة
والسائل: الْمُخْتَار فَلهُ المثوبة
الدّور: هُوَ توقف كل وَاحِد من الشَّيْئَيْنِ على الآخر
فالدور العلمي: هُوَ توقف الْعلم بِكُل من المعلومين على الْعلم بِالْآخرِ
والإضافي المعي: هُوَ تلازم الشَّيْئَيْنِ فِي الْوُجُود بِحَيْثُ لَا يكون أَحدهمَا إِلَّا مَعَ الآخر
والحكمي: الْحَاصِل بِالْإِقْرَارِ، كأخ أقرّ بِابْن للْمَيت ثَبت نِسْبَة وَلَا يَرث فَإِن توريثه يُؤَدِّي لعدم تَوْرِيث الْأَخ
والدور الْمسَاوِي كتوقف كل من المتضايفين على الآخر وَهَذَا لَيْسَ بمحال، إِنَّمَا الْمحَال الدّور التقدمي، وَهُوَ توقف الشَّيْء بمرتبة أَو مَرَاتِب على مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ بمرتبة أَو مَرَاتِب، فَإِذا كَانَ التَّوَقُّف فِي كل وَاحِدَة من الصُّورَتَيْنِ بمرتبة وَاحِدَة كَانَ الدّور مُصَرحًا، وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا بمراتب كَانَ مضمرا
مِثَال التَّوَقُّف بمرتبة كتعريف الشَّمْس بِأَنَّهُ كَوْكَب نهاري، ثمَّ تَعْرِيف النَّهَار بِأَنَّهُ زمَان طُلُوع الشَّمْس فَوق الْأُفق
وَمِثَال التَّوَقُّف بمراتب كتعريف الِاثْنَيْنِ بِأَنَّهُ زوج أول، ثمَّ تَعْرِيف الشَّيْئَيْنِ بالاثنين، وَقَالَ بَعضهم: الدّور بمرتبة وَاحِدَة، دور صَرِيح يسْتَلْزم تقدم الشَّيْء على نَفسه بِثَلَاث مَرَاتِب أَو أَكثر (فَيكون أقبح وَأَشد اسْتِحَالَة) ، كَمَا فِي قَوْلك: فهم الْمَعْنى يتَوَقَّف على دلَالَة اللَّفْظ، وَدلَالَة اللَّفْظ يتَوَقَّف على الْعلم بِالْوَضْعِ، وَالْعلم بِالْوَضْعِ يتَوَقَّف بِوَاسِطَة دلَالَة اللَّفْظ على فهم الْمَعْنى، وَهُوَ الدّور الْمُضمر
[وَاعْلَم أَن الْأُمُور الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ التَّعْرِيف بالأخفى والتعريف بِالنَّفسِ والتعريف الدوري والدوري الْمُضمر بَعْضهَا أَشد رداءة من الْبَعْض،(1/447)
فالتعريف بالأخفى أقوى رداءة من التَّعْرِيف بِالْمثلِ، والتعريف بِالنَّفسِ أقوى رداءة من التَّعْرِيف بالأخفى الَّذِي لَا يتَوَقَّف تصَوره على تصور الْمُعَرّف إِذْ الأخفى يُمكن أَن يصير أجلى بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص أَو إِلَى وَقت، بِخِلَاف نفس الشَّيْء بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يعقل فِيهِ ذَلِك والتعريف الدوري أَشد اسْتِحَالَة من التَّعْرِيف بِالنَّفسِ، إِذْ يلْزم فِيهِ تقدم الشَّيْء على نَفسه وتأخره عَنْهَا بمرتبتين، وَفِي التَّعْرِيف بِالنَّفسِ يلْزم ذَلِك بمرتبة
والدوري الْمُضمر أَشد اسْتِحَالَة من الدوري الْمُصَرّح، إِذْ يلْزم فِيهِ ذَلِك التَّقْدِيم بمراتب بِخِلَاف الدوري الْمُصَرّح]
والدور قرينَة التسلسل غَالِبا، وَقيل: كل مِنْهُمَا بِحَيْثُ إِذا ذكر الآخر مَعَه غَالِبا يدل أَحدهمَا على الآخر
والدور يكون فِي التصورات والتصديقات، والمصادرة مَخْصُوصَة بالتصديقات
والمصادرة: كَون الْمُدعى عَن الدَّلِيل، أَو عين مُقَدّمَة الدَّلِيل، أَو عين مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ مُقَدّمَة الدَّلِيل، أَو جُزْء مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ مُقَدّمَة الدَّلِيل، والأولان فاسدان بِلَا خلاف، والآخران مَعَ الْخلاف، وَيُقَال لكل مَا لم يَتَحَرَّك وَلم يدر: دوارة وفوارة، بفتحهما، فَإِذا تحرّك أَو دَار فبضمهما
والدائرة فِي الأَصْل مصدر أَو اسْم فَاعل من (دَار، بدور) سمي بهَا عقبَة الزَّمَان
[الدوران، لُغَة: الطّواف حول الشَّيْء؛ وَاصْطِلَاحا: هُوَ ترَتّب الشَّيْء على الشَّيْء الَّذِي لَهُ صَلَاح الْعلية كترتب الإسهال على شرب السقمونيا، وَالشَّيْء الأول الْمُرَتّب دائر وَالثَّانِي الْمُتَرَتب عَلَيْهِ مدَار، وَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام:
الأول: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائرة وجودا لَا عدما، كشرب السقمونيا للإسهال فَإِنَّهُ إِذا وجد وجد الإسهال، وَأما إِذا عدم فَلَا يلْزم عدم الإسهال لجَوَاز حُصُوله بِأَمْر آخر
وَالثَّانِي: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائرة عدما لَا وجودا كالحياة للْعلم فِي أَنَّهَا إِذا لم تُوجد لم يُوجد الْعلم، وَأما إِذا وجدت فَلَا يلْزم أَن يُوجد الْعلم
وَالثَّالِث: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائرة وجودا وعدما كَالزِّنَا الصَّادِر عَن الْمُحصن لوُجُوب الرَّجْم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ وجد وَجب الرَّجْم، وَكلما لم يُوجد لم يجب]
الدَّابَّة: هِيَ تقع على كل ماش فِي الأَرْض عَامَّة، وعَلى الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير خَاصَّة، فَمَا عدا الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة مَخْصُوص من هَذَا الِاسْم بِحكم الِاسْتِعْمَال أَلا يرى أَن هَذَا الِاسْم لَا ينْطَلق على الْآدَمِيّ مَعَ أَنه يدب على وَجه الأَرْض؟ لِأَنَّهُ يُرَاد بِهَذَا الِاسْم فِي عرف الِاسْتِعْمَال الْآدَمِيّ فَصَارَ الْآدَمِيّ مَخْصُوصًا بِحكم عرف الِاسْتِعْمَال، فَكَذَا ماعدا الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة
وَالنعَم أَكثر مَا يَقع على الْإِبِل
والماشية تقع على الْبَقر والضأن
والعوامل تقع على الثيران وَالْإِبِل وَالْبَعِير والجمل وَالْخَيْل والبغل وَالْبَقر وَالْغنم والدجاج كل مِنْهَا ينْطَلق بِحَسب الْوَضع على جنس مَخْصُوص من(1/448)
الْحَيَوَانَات، فينتظم الذّكر وَالْأُنْثَى كاسم الْآدَمِيّ وَالْإِنْسَان، وَكَذَا البغلة وَالْبَقَرَة وَالشَّاة فَإِنَّهَا أَسمَاء أَجنَاس تتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْهَاء فِيهَا للإفراد، كَمَا فِي الْحبَّة والحمامة، والثور والكبش والديك للذّكر، وَكَذَا التيس والناقة والحمارة والنعجة والدجاجة للْأُنْثَى، وَالْهَاء فِي هَذِه الْأَلْفَاظ للتأنيث، وَالْفرس اسْم لنَوْع من الْخَيل، وَهُوَ الْعَرَبِيّ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، والبرذون اسْم لغير الْعَرَبِيّ، وَقيل يعم اسْم الْفرس الْعَرَبِيّ وَغَيره عرفا، وَلِهَذَا يُسمى رَاكب الْكل فَارِسًا، كَمَا تخص الدَّابَّة فِي الْعرف اسْتِحْسَانًا بِمَا يركب غَالِبا فِي الْأَمْصَار لقَضَاء الْحَاجة كالفرس والبغل وَالْحمار
والرمكة: اسْم للْفرس الْأُنْثَى من الْعَرَبِيّ وَغَيره
والكودن: اسْم للْفرس التركي، ذكورها وإناثها
والأتان للْأُنْثَى من الْحمار كالحمارة
الدُّخُول: هُوَ الِانْفِصَال من خَارج إِلَى دَاخل، كَمَا أَن الْخُرُوج هُوَ الِانْفِصَال من الْمُحِيط إِلَى الْخَارِج
وَالدُّخُول إِمَّا للحوق بِالْآخرِ أَو بِالْأولِ، وَذَا لَا يتَصَوَّر فِي الْأُمُور المعنوية
وَالدُّخُول مَتى ذكر مَقْرُونا بِكَلِمَة (على) يُرَاد بِهِ الدُّخُول للزيارة: {فَلَمَّا دخلُوا على يُوسُف} وَالْمرَاد الزِّيَارَة قَالَ أَبُو حنيفَة: دخل مُضَافا إِلَى النِّسَاء بِحرف الْبَاء يُرَاد بِهِ الْجِمَاع، وَالِاسْم مُشْتَرك بِدُونِ صلَة، وَهُوَ كاسم الْوَطْء قد يُرَاد بِهِ الْوَطْء بالقدم، فَإِذا قَالُوا وَطئهَا كَانَ كَافِيا لثُبُوت الْإِحْصَان وَلَكِن يَقُول مُحَمَّد بن الْحسن: قد يُقَال (دخل بهَا) وَالْمرَاد (مر بهَا) أَو (خلا بهَا) ، إِلَّا أَن ذَلِك نوع مجَاز، وَالْمجَاز لَا يُعَارض الْحَقِيقَة
قيل: اسْتِعْمَال (دخل) مَعَ (فِي) صَحِيح، لَكِن الْأَصَح أَن يسْتَعْمل بِدُونِ (فِي)
وَنقل عَن سِيبَوَيْهٍ أَن اسْتِعْمَاله ب (فِي) شَاذ، وَمذهب سِيبَوَيْهٍ فِي (دخلت الْبَيْت) أَنه على حذف حرف الْجَرّ، تَقْدِيره: (دخلت فِي الْبَيْت) أَو (إِلَى الْبَيْت)
والدخل، بِسُكُون الْمُعْجَمَة وَفتحهَا: الْعَيْب والريبة وَقَوله تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم دخلا} أَي: مكرا وخديعة
وداخلة الْإِزَار: طرفه الَّذِي يَلِي الْجَسَد
وداخلة الرجل: بَاطِن أمره (وَكَذَا الدخل (بِالضَّمِّ) يُقَال: عَالم بدخلته ودخيله وداخلته: الَّذِي يداخله وَيخْتَص بِهِ)
والدخيل فِي الصِّنَاعَة: الْمُبْتَدِئ فِيهَا يُقَال: هَذَا دخيل فِي بني فلَان: إِذا انتسب إِلَيْهِم وَلم يكن مِنْهُم
وكل كلمة أدخلت فِي كَلَام الْعَرَب وَلَيْسَت مِنْهُ فَهِيَ دخيل، (وَكَذَا الْحَرْف الَّذِي بَين حرف الروي وَألف التأسيس)
الدُّنْيَا: اسْم لما تَحت فلك الْقَمَر، وَهِي مؤنث(1/449)
(أفعل) التَّفْضِيل، فَكَانَ حَقّهَا أَن تسْتَعْمل بِاللَّامِ كالحسنى والكبرى، وَقد تسْتَعْمل مُنكرَة بِأَن خلعت عَنْهَا الوصفية رَأْسا وأجريت مجْرى مَا لم يكن وَصفا، وَإِنَّمَا كَانَ الْقيَاس فِيهَا قلب الْوَاو يَاء، لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت صفة إِلَّا أَنَّهَا ألحقت بِسَبَب الِاسْتِقْلَال بالأسماء، وَإِلَّا فقد تقرر فِي مَوْضِعه أَن هَذَا الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَسْمَاء دون الصِّفَات
الدّفع: هُوَ صرف الشَّيْء قبل الْوُرُود، كَمَا أَن الرّفْع صرف الشَّيْء بعد وُرُوده، وَإِذا عدي (دفع) ب (إِلَى) فَمَعْنَاه الإنالة نَحْو: {فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} وَإِذا عدي ب (عَن) فَمَعْنَاه الحماية
قَالَ الله تَعَالَى: {إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا}
الدَّاء: هُوَ مَا يكون فِي الْجوف والكبد والرثة
وَالْمَرَض: هُوَ مَا يكون فِي سَائِر الْبدن، والأطباء جعلُوا الْأَلَم من الْأَعْرَاض دون الْأَمْرَاض
والدواء: اسْم لما اسْتعْمل لقصد إِزَالَة الْمَرَض والألم، بِخِلَاف الْغذَاء، فَإِنَّهُ اسْم لقصد تربية الْبدن وإبقائه
الدَّار: اسْم للعرصة عِنْد الْعَرَب والعجم، وَهِي تشْتَمل مَا هُوَ فِي معنى الْأَجْنَاس، لِأَنَّهَا تخْتَلف اخْتِلَافا فَاحِشا باخْتلَاف الْأَغْرَاض وَالْجِيرَان والمرافق والمحال والبلدان
وَالْبناء: وصف فِيهَا، وَالْمرَاد بِالْوَصْفِ لَيْسَ صفة عرضية قَائِمَة بجوهر، كالشباب والشيخوخة وَنَحْوهمَا، بل يَتَنَاوَلهَا ويتناول أَيْضا جوهرا قَائِما بجوهر آخر يزِيد قِيَامَة بِهِ حسنا وكمالا وَيُورث انتقاصه عَنهُ قبحا ونقصانا
الدولة؛ بِالضَّمِّ: يُقَال فِي غَلَبَة المَال
و [الدولة] بِالْفَتْح فِي الْحَرْب، أَو هما سَوَاء، أَو بِالضَّمِّ فِي الْآخِرَة، وبالفتح فِي الدُّنْيَا
ودالت الْأَيَّام: دارت وَالله يداولها بَين النَّاس
والدول: انقلاب الدَّهْر من حَال إِلَى حَال
والدولة فِي الْحَرْب: هِيَ أَن تداول إِحْدَى الفئتين على الْأُخْرَى
وَمعنى دواليك أَي: إدالة بعد إدالة، وَلم يسْتَعْمل لَهُ مُفْرد فَكَأَنَّهُ تَثْنِيَة (دوال) ، كَمَا أَن (حواليك) تَثْنِيَة (حوال)
الدرجَة: هِيَ نَحْو الْمنزلَة، إِلَّا أَنَّهَا تقال إِذا اعْتبرت بالصعود كَمَا فِي الْجنان دون الامتداد والبسط
والدرك للسافل كَمَا فِي النيرَان وَقَوله تَعَالَى:
{وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} فَمن بَاب التغليب، أَو المُرَاد الرتب المتزايدة، إِلَّا أَن زِيَادَة أهل الْجنَّة فِي الْخيرَات والطاعات، وَزِيَادَة أهل الشَّرّ فِي الْمعاصِي والسيئات
الديَّان: القهار وَالْقَاضِي وَالْحَاكِم والسائس والحاسب والمجازي الَّذِي لَا يضيع عملا بل يَجْزِي بِالْخَيرِ وَالشَّر
والديموم والديمومة: الفلاة الواسعة(1/450)
الدستور (بِالضَّمِّ) : مُعرب، وَهُوَ الْوَزير الْكَبِير الَّذِي يرجع فِي أَحْوَال النَّاس إِلَى مَا رسمه
وَفِي الأَصْل: الدفتر الْمجمع فِيهِ قوانين المملكة
والتفتر: لُغَة فِيهِ.
والمنشور: هُوَ مَا كَانَ غير مختوم من كتب السُّلْطَان
والطومار: الصَّحِيفَة.
الدابر: التَّابِع، وَآخر كل شَيْء
والدبر، محركة: رَأْي يسنح أخيرا عِنْد فَوت الْحَاجة، وَالصَّلَاة فِي آخر وَقتهَا، وتسكن الْبَاء وَلَا تقل بِضَمَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ من لحن الْمُحدثين
الدرْع: عَن الْحلْوانِي: هُوَ مَا كَانَ جيبه على الصَّدْر
والقميص: مَا كَانَ شقَّه على الْكَتف قَالَ صَاحب " الْمغرب ": وَلم أَجِدهُ أَنا فِي كتب اللُّغَة
وَدرع الْحَدِيد: مؤنث
وَدرع الْمَرْأَة: قميصها وَهُوَ مُذَكّر
الدَّرْب، هُوَ بَاب السِّكَّة الواسعة، وَالْبَاب الْأَكْبَر، وكل مدْخل إِلَى الرّوم، أَو النَّافِذ، بِالتَّحْرِيكِ وَغَيره بِالسُّكُونِ
الدولاب: هُوَ مَا يديره الْحَيَوَان
والناعورة: مَا يديره المَاء الداهية: هِيَ مَا يُصِيب الشَّخْص من نوب الدَّهْر الْعَظِيمَة
الدِّرَايَة: مَعْنَاهَا الْعلم المقتبس من قَوَاعِد النَّحْو وقواعد الْعقل
دَار الْإِسْلَام: هُوَ مَا يجْرِي فِيهِ حكم إِمَام الْمُسلمين
وَدَار الْحَرْب: مَا يجْرِي فِيهِ أَمر رَئِيس الْكَافرين
وَفِي " الزَّاهدِيّ ": دَار الْإِسْلَام مَا غلب فِيهِ الْمُسلمُونَ وَكَانُوا فِيهِ آمِنين، وَدَار الْحَرْب: مَا خَافُوا فِيهِ من الْكَافرين
دون: ظرف مَكَان مثل (عِنْد) ، لكنه يُنبئ عَن دنو أَي: قرب كثير وانحطاط قَلِيل، يُوجد كِلَاهُمَا فِي قَوْله (أدنى مَكَان من الشَّيْء) ثمَّ اتَّسع فِيهِ وَاسْتعْمل فِي انحطاط المحسوس، لَا يكون فِي الْمَكَان كقصر الْقَامَة مثلا، ثمَّ استعير مِنْهُ بتفاوت فِي الْمَرَاتِب المعنوية تَشْبِيها لَهَا بالمراتب المحسوسة، وشاع اسْتِعْمَاله فِيهَا أَكثر من اسْتِعْمَاله فِي الأَصْل، فَقيل: (زيد دون عَمْرو فِي الشّرف) ثمَّ اتَّسع فِي هَذَا الْمُسْتَعَار فَاسْتعْمل فِي كل تجَاوز حد وتخطي حكم إِلَى حكم وَإِن لم يكن هُنَاكَ تفَاوت وانحطاط، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنى مجَاز فِي الْمرتبَة الثَّالِثَة، وَفِي هَذَا الْمَعْنى قريب من أَن يكون بِمَعْنى (غير) كَأَنَّهُ أَدَاة الِاسْتِثْنَاء نَحْو: {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء} وَيسْتَعْمل للاختصاص وَقطع الشّركَة تَقول: (هَذَا لي دُونك، أَو من دُونك) أَي: لَا حق لَك فِيهِ وَلَا نصيب، وَفِي غير هَذَا الِاسْتِعْمَال يَأْتِي بِمَعْنى الانتقاص فِي الْمنزلَة أَو الْمَكَان أَو الْمِقْدَار
والتدلي: هُوَ الامتداد من علو إِلَى سفل هَذَا أَصله، ثمَّ اسْتعْمل فِي الْقرب من الْعُيُوب، وَيكون حسا أَو معنى كالدنو، فالقرب الْمُسْتَفَاد من التدلي أخص من الْقرب الْمُسْتَفَاد من الدنو
والتدلي: تكلّف الْقرب، وتطلبه فَيكون قبل(1/451)
الْقرب، أَو بِمَعْنى التَّعَلُّق فِي الْهَوَاء بعد الدنو، أَو بِمَعْنى التدلل أَي التلطف
والأدنى: يعبر بِهِ تَارَة عَن الْأَصْغَر، فيقابل بالأكبر: {وَلَا أدنى من ذَلِك وَلَا أَكثر}
وَتارَة عَن الأرذل فيقابل بِالْخَيرِ: {أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير}
وَتارَة عَن الأول فيقابل الآخر: {خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة}
وَتارَة عَن الْأَقْرَب فيقابل بالأقصى: {ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ} أَي: أقرب لنفوسهم
ودونك: اسْم من أَسمَاء الْأَفْعَال، وَضعه الأول - وَهُوَ الْوَضع الظرفي - لَغْو فِي اعْتِبَار اسميتها وَإِلَّا لم تكن كلمة، ومعتبر فِيهَا، لِأَن عدم الاقتران إِنَّمَا يتَحَقَّق بِهِ وَوَضعه الثَّانِي مُعْتَبر لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِهِ يكون
كلمة، ولغو، لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِهِ لَا يكون غير مقترن
وَدون الْكتب (مشددا) : جمعهَا، لِأَن جمع الْأَشْيَاء إدناء بَعْضهَا من بعض
دون النَّهر أَسد أَي: قبل وُصُوله
وَدون قدمك أَي: تحتهَا
وَفُلَان شرِيف يجب أَخذه دون ذَلِك: أَي فَوق مَا كَانَ
وَيُقَال فِي الإغراء بالشَّيْء دونكه أَي: خُذْهُ
ودونك زيدا: الزمه
[والدنيء: مَهْمُوز لَيْسَ من تركيب (دون) بِوَجْه] [نوع]
{ذَلِك الدّين} : الْقَضَاء
{دَاب} : حَال
{كدأب} : كصنيع
{وكأسا دهاقا} : ملآن
{دحورا} : طردا
{دلوك الشَّمْس} : زَوَالهَا
{دمرنا} : أهلكنا
{دري} : مضيء، بالحبشية
{دينهم} : حسابهم
{دراستهم} : تلاوتهم
{فِيهَا دفء} : أَي مَا يدفأ بِهِ فيقي من الْبرد
{لَوْلَا دعاؤكم} : أَيْمَانكُم
{بِدِينَار} : فَارسي ذكره الجواليقي
{دائبين} : دائمين مُطِيعِينَ
{أَيْمَانكُم دخلا} : أَي مكرا وخديعة(1/452)
{مَاء دافق} : بِمَعْنى ذِي دفق وَهُوَ صب فِيهِ دفع
{خَابَ من دساها} : نَقصهَا وأخفاها بالجهالة والفسوق [لِأَن الْبَخِيل يخفي منزله وَمَاله، أَو دس نَفسه مَعَ الصَّالِحين وَلَيْسَ مِنْهُم، أَو خابت نفس دساها الله]
{فدمدم} : فأطبق.
{فدكتا دكة وَاحِدَة} : فَضربت الحملتان بَعْضهَا بِبَعْض ضَرْبَة وَاحِدَة فَتَصِير الْكل هباء
{دانية} : مسترخية
{لَا تخَاف دركا} : أَي إدراكا، أَي آمنا من أَن يدرككم الْعَدو
{ديارًا} : أحدا
{جعله دكاء} : مدكوكا مَبْسُوطا مسوى بِالْأَرْضِ
{داحضة} : زائلة بَاطِلَة
{دسر} : مسامير
{كالدهان} : كعصير الزَّيْت
{داخرين} : صاغرين
{وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} : بسطها ومهدها
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: هُوَ ابْن إيشا، بِالْكَسْرِ وَسُكُون التَّحْتِيَّة والشين الْمُعْجَمَة ابْن عُوَيْد، كجعفر، بِمُهْملَة وموحدة جمع لَهُ النُّبُوَّة وَالْملك، وعاش مئة سنة، مُدَّة ملكه مِنْهَا أَرْبَعُونَ سنة
[ {أَن دعوا للرحمن ولدا} : أَي سموا أَو من (دَعَا) بِمَعْنى نسب الَّذِي مطاوعه ادّعى إِلَى فلَان إِذا انتسب إِلَيْهِ
{مَا ترك على ظهرهَا من دَابَّة} : من نسمَة تدب عَلَيْهَا، أَو الْإِنْس وَحده
{دابر الْقَوْم} : آخِرهم
{عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} : أَي عَلَيْهِم يَدُور من الدَّهْر مَا يسوؤهم {دَعوَاهُم فِيهَا} : أَي قَوْلهم وَكَلَامهم. {دأبا} : جدا فِي الزِّرَاعَة والمتابعة
{بِدُخَان مُبين} : أَي جَدب حَتَّى يرى الجائع فِيهِ بَينه وَبَين السَّمَاء دخانا من شدَّة الْجُوع
{كَيْلا يكون دولة بَين الْأَغْنِيَاء} : كي لَا يتداوله الْأَغْنِيَاء بَينهم]
(فصل الذَّال)
[الذِّمَّة] : كل حَرَكَة يلزمك من تضييعها الذَّم يُقَام لَهَا ذمَّة، وَتجمع على (ذمّ) و (ذمام) و (ذمم)(1/453)
[وَهِي لُغَة: الْعَهْد لِأَن نقضه يُوجب الذَّم، وَمِنْه يُقَال: أهل الذِّمَّة للمعاهدين من الْكفَّار
وَشرعا: مُخْتَلف فِيهَا فَمنهمْ من جعلهَا وَصفا وَعرفهَا بِأَنَّهَا وصف يصير الشَّخْص بِهِ أَهلا للْإِيجَاب لَهُ وَعَلِيهِ، وَظَاهر كَلَام أبي زيد فِي " التَّقْوِيم " يُشِير إِلَى أَن المُرَاد بِالذِّمةِ الْعقل وَمِنْهُم من جعلهَا ذاتا وَهُوَ اخْتِيَار فَخر الْإِسْلَام عَلَيْهِ الرَّحْمَة، وَلِهَذَا عرفهَا بِأَنَّهَا نفس لَهَا عهد فَإِن الْإِنْسَان يُولد وَله ذمَّة صَالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ بِإِجْمَاع الْفُقَهَاء حَتَّى يثبت لَهُ ملك الرَّقَبَة وَملك النِّكَاح وَيلْزمهُ عشر أرضه وخراجها بِالْإِجْمَاع وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام، وَهَذِه الذِّمَّة الصَّالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ إِنَّمَا تثبت لَهُ بِنَاء على الْعَهْد السَّابِق الَّذِي جرى بَين العَبْد وَبَين ربه جلّ وَعلا يَوْم الْمِيثَاق كَمَا أخبر الله تَعَالَى بقوله: {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} حَتَّى الْتزم بِهَذَا الْعَهْد جَمِيع مَا يُمكن أَن يجب عَلَيْهِ من الْحُقُوق عِنْد تحقق أَسبَابهَا، فَإِذا وجد سَبَب حق وَلزِمَ ذَلِك عَلَيْهِ قيل: وَجب فِي ذمَّته، أَي هَذَا الْوَاجِب مِمَّا دخل فِي عَهده الْمَاضِي وَلزِمَ عَلَيْهِ بِحكم ذَلِك الْعَهْد
غير أَن الْوُجُوب غير مَقْصُود بِنَفسِهِ بل بحكمة وَهِي الْأَدَاء على اخْتِيَار حَتَّى يظْهر الْمُطِيع بِهِ عَن العَاصِي فَيتَحَقَّق الِابْتِلَاء الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} فَجَاز أَن يَنْعَدِم الْوُجُوب لِانْعِدَامِ حكمه كَمَا يَنْعَدِم بانعدام سَببه وَمحله] . (قَالَ أَبُو زيد: (مذمة) ، بِكَسْر الذَّال من (الذمام) وبالفتح من (الذَّم) والذم لَا يسْتَعْمل إِلَّا لإِظْهَار سوء بِقصد التعييب
والذم قد يعبر بِهِ عَمَّا يقدم عَلَيْهِ بِقصد النصح)
الذَّات: هُوَ مَا يصلح أَن يعلم ويخبر عَنهُ، مَنْقُول عَن مؤنث (ذُو) بِمَعْنى الصاحب، لِأَن الْمَعْنى الْقَائِم بِنَفسِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يقوم بِهِ يسْتَحق الصاحبية والمالكية ولمكان النَّقْل لم يعبروا أَن التَّاء للتأنيث عوضا عَن اللَّام المحذوفة فأجروها مجْرى الْأَسْمَاء المستقلة فَقَالُوا: ذَات قديم وَذَات مُحدث، وَقيل: التَّاء فِيهِ كالتاء فِي الْوَقْت وَالْمَوْت، فَلَا معنى لتوهم التَّأْنِيث، وَقد يُطلق الذَّات وَيُرَاد بِهِ الْحَقِيقَة، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا قَامَ بِذَاتِهِ، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ المستقل بالمفهومية، ويقابله الصّفة بِمَعْنى غير مُسْتَقل بالمفهوميه، وَقد يسْتَعْمل اسْتِعْمَال النَّفس وَالشَّيْء فَيجوز تأنيثه وتذكيره، وَقد يُطلق الذَّات وَيُرَاد بِهِ الرِّضَا، وَعَلِيهِ حَدِيث: " إِن من أعظم النَّاس أجرا الْوَزير الصَّالح من أَمِير يتبعهُ فِي ذَات الله " المُرَاد مِنْهُ طلب رضوَان الله وَكَذَا حَدِيث: " إِن إِبْرَاهِيم لم يكذب إِلَّا فِي ثَلَاث، ثِنْتَيْنِ فِي ذَات الله " أَي فِي طلب مرضاته
وَقد يُرَاد بِالذَّاتِ مَفْهُوم الشَّيْء كَمَا فِي قَوْله: الضاحك اللَّاحِق بالكاتب فَإِنَّهُ يُرَاد مَفْهُوم الْكَاتِب دون الذَّات الَّذِي يصدق عَلَيْهِ الْكَاتِب وَلَفظ الذَّات وَإِن لم يرد بِهِ التَّوْقِيف، لكنه بِمَعْنى مَا ورد بِهِ التَّوْقِيف، وَهُوَ الشَّيْء وَالنَّفس إِذْ معنى النَّفس فِي حَقه تَعَالَى الْمَوْجُود الَّذِي تقوم بِهِ الصِّفَات(1/454)
فَكَذَا الذَّات، مَعَ أَنَّهُمَا يصدقان فِي اللُّغَة على مَا يقوم بِنَفسِهِ، فَتكون الْإِضَافَة فِي ذَات الله من بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه: بدن الرجل وَكَذَا نفس الله، فَلَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار المشاكلة فِي قَوْله تَعَالَى: {تعلم مَا فِي نَفسِي وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك} بعد وُرُود الشَّرْع
وَالْكَلَام فِي إِطْلَاق الْأَسَامِي الَّتِي لم ترد فِي الشَّرْع لَا فِي تَعْبِير الصِّفَات بهَا وَهُوَ ضَرُورِيّ ثمَّ إِنَّه يجوز إِطْلَاق اسْم الشَّيْء وَالْمَوْجُود والذات بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية للحق تَعَالَى، وَلَا يجوز إِطْلَاق اسْم النُّور وَالْوَجْه وَالْيَد وَالْعين وَالْجنب وَالنَّفس بِالْفَارِسِيَّةِ من غير التَّأْوِيل لِأَنَّهَا من المتشابهات بِخِلَاف الأولى وَيجوز إِطْلَاق بعض الْأَلْفَاظ مُضَافَة، وَلَا يجوز بِدُونِ الْإِضَافَة كَقَوْلِه: رفيع الدَّرَجَات وقاضي الْحَاجَات
وَلَا يُضَاف الشَّيْء إِلَى الله، فَلَا يُقَال شَيْء الله، لِأَنَّهُ بِمَعْنى الشائي فِي حَقه تَعَالَى، وَاسم الْفَاعِل الْمُتَعَدِّي لَا يُضَاف إِلَى موصوفه، بِخِلَاف قَوْلنَا: صفة الله، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة علم الله، فَهُوَ من بَاب إِضَافَة التَّخْصِيص، وَالْمُخْتَار فِي ذَات الله عدم انحلاله إِلَى الْمَاهِيّة الْكُلية وَالتَّعْيِين، بل هُوَ مُتَعَيّن بِذَاتِهِ، وَالْمَوْجُود حَقِيقَة هُوَ الذَّات المتصفة بِالْقُدْرَةِ والإرادة وَالْعلم والحياة، فَجَمِيع الصِّفَات الْمُتَعَلّقَة مصححة بِحُصُول الْآثَار من الذَّات كل بِحَسبِهِ.
قَالَ الْمَنَاوِيّ: الذَّات الْعلية هِيَ الْحَقِيقَة الْعُظْمَى وَالْعين القيومية المستلزمة لكل سبوحية قدوسية فِي كل جلال وجمال استلزاما لَا يقبل الانفكاك الْبَتَّةَ
[فسبحان من جلّ ذَاته المقدسة عَمَّا يحول بِهِ الوسواس، وَعظم عَمَّا تتكيفه الْحَواس، وَكبر عَمَّا يحكم بِهِ الْقيَاس، لَا يصوره خيال وَلَا يشاكله مِثَال وَلَا ينوبه زَوَال وَلَا يشوبه انْتِقَال وَلَا يلْحقهُ فكر وَلَا يحصره ذكر]
وَذَات يَوْم: من قبيل إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه، أَي مُدَّة مصاحبة هَذَا الِاسْم وَنَظِيره: خرجت ذَات مرّة وَذَات لَيْلَة يُقَال: لاقيته ذَات يَوْم وَذَات لَيْلَة وَذَات مرّة وَذَات غَدَاة، وَلم يَقُولُوا ذَات شهر وَلَا ذَات سنة، وَيُقَال: ذَا غبوق وَذَا صبوح بِغَيْر تَاء فِي هذَيْن الحرفين
وَفِي حَوَاشِي " الْمِفْتَاح ": ذَات مرّة مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة، صفة لزمان مَحْذُوف تَقْدِيره: زمَان ذَات مرّة وَقد يُضَاف إِلَى مُذَكّر ومؤنث، وَفِي " الْكَشَّاف ": الذَّات مقحمة تزيينا للْكَلَام وَالْحق أَنه من إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص كَمَا فِي بعض حَوَاشِي " الْمِفْتَاح "
وكلمته فَمَا رد عَليّ ذَات شفة: أَي كلمة
{عليم بِذَات الصُّدُور} : أَي بواطنها وخفاياها
{وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم} : أَي حَقِيقَة وصلكم أَو الْحَالة الَّتِي بَيْنكُم
{وَذَات الْيَمين وَذَات الشمَال} : أَي جِهَته
وَيُقَال: قلت ذَات يَده: أَي مَا ملكت يَدَاهُ
وعرفه من ذَات نَفسه: يَعْنِي سَرِيرَته المضمرة
الذِّهْن: القابلية والفهم والإدراك(1/455)
وَقد يُطلق الذِّهْن وَيُرَاد بِهِ قوتنا المدركة، وَهُوَ الشَّائِع، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْقُوَّة المدركة مُطلقًا، سَوَاء كَانَت النَّفس الناطقة الإنسانية أَو آلَة من آلَات إِدْرَاكهَا، أَو مُجَرّد آخر، وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ المُرَاد فِي الْوُجُود الذهْنِي، وَكَذَا الْخَارِج يُطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا الْخَارِج عَن الذِّهْن مُطلقًا، وَهُوَ الْمَشْهُور الْمَذْكُور غَائِبا، وَثَانِيهمَا: الْخَارِج عَن النَّحْو الفرضي من الذِّهْن، لَا من الذِّهْن مُطلقًا، وَالْخَارِج بِهَذَا الْمَعْنى أَعم من الْخَارِج بِالْمَعْنَى الأول، لتنَاوله لَهُ، وللنحو غير الفرضي من الذِّهْن، وَهُوَ المُرَاد من الْخَارِج فِي قَوْلهم: صِحَة الحكم مطابقته لما فِي الْخَارِج، فالموجود والخارجي على نحوين: أَحدهمَا الْحُصُول بِالذَّاتِ لَا بالصورة، وَذَلِكَ الْحُصُول أَعم من الْوُجُود فِي نفس الْأَمر من وَجه لتحقيق الأول دون الثَّانِي فِي المخترعات الذهنية، وَبِدُون الأول فِي الموجودات الخارجية. [وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين والحكماء نازعوا فِي الْوُجُود الذهْنِي، وَاخْتلف فِي تعْيين مَحل النزاع، وَالَّذِي يظْهر فِي تعْيين الْمحل هُوَ أَن للنار مثلا وجودا بِهِ يظْهر عَنْهَا أَحْكَامهَا وتصدر عَنْهَا آثارها من الإضاءة والإحراق وَغَيرهمَا وَهَذَا الْوُجُود يُسمى عينيا وخارجيا وَأَصِيلا، وَهَذَا مِمَّا لَا نزاع فِيهِ بَين أَرْبَاب النّظر إِنَّمَا النزاع فِي أَن لَهَا سوى الْوُجُود الْمَذْكُور وجودا آخر لَا يَتَرَتَّب بِهِ عَلَيْهَا تِلْكَ الْأَحْكَام والْآثَار، فالحكماء أثبتوه وَعَامة الْمُتَكَلِّمين أنكروه] ثمَّ الْمَوْجُود فِي الذِّهْن عِنْد المثبتين الْوُجُود الذهْنِي هُوَ نفس الْمَاهِيّة الَّتِي تُوصَف بالوجود الْخَارِجِي، وَالِاخْتِلَاف بَينهمَا بالوجود دون الْمَاهِيّة، وَلذَا قَالَ صَاحب " المحاكمات ": الْأَشْيَاء فِي الْخَارِج أَعْيَان، وَفِي الذِّهْن صور وَذكر الإِمَام فِي شرح " الإشارات أَن استعداد النَّفس لِاكْتِسَابِ الْعُلُوم يُسمى ذهنا، وجودة ذَلِك الاستعداد يُسمى فطنة
وَقد تسْتَعْمل الفطنة كثيرا فِي الرموز والإشارات
الذكاء: شدَّة قُوَّة النَّفس معدة لِاكْتِسَابِ الآراء بِحَسب اللُّغَة
وَفِي الِاصْطِلَاح: قد يسْتَعْمل فِي الفطانة يُقَال (رجل ذكي) و (فلَان من الأذكياء) يُرِيدُونَ بِهِ الْمُبَالغَة فِي فطانته كَقَوْلِهِم: (فلَان شعلة نَار)
وذكاء: اسْم الشَّمْس
وَابْن ذكاء: اسْم للصبح وَذَاكَ أَنه يتَصَوَّر الصُّبْح ابْنا للشمس
الذّكر؛ بِالْكَسْرِ لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: التَّلَفُّظ بالشَّيْء وَالثَّانِي: إِحْضَاره فِي الذِّهْن بِحَيْثُ لَا يغيب عَنهُ، وَهُوَ ضد النسْيَان
و [الذّكر] ، بِالضَّمِّ: للمعنى الثَّانِي لَا غير
وَإِذا أُرِيد بِالذكر الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ يجمع على (أذكار) وَهُوَ الْإِتْيَان بِأَلْفَاظ ورد التَّرْغِيب فِيهَا، وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمُوَاظبَة على الْعَمَل بِمَا أوجبه أَو ندب إِلَيْهِ كالتلاوة وَقِرَاءَة الْأَحَادِيث ودرس الْعلم، وَالنَّفْل بِالصَّلَاةِ.
وَفعل الذّكر يتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوله الثَّانِي مرّة ب (على) وَمرَّة بِاللَّامِ. نَحْو: (ذكرته لَهُ) ، {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ}
وَفِي " الْمُحِيط ": إِذا اسْتعْمل بعلى يُرَاد الذّكر(1/456)
بِاللِّسَانِ، وَإِذا ذكر بِقَلْبِه غير مقرون بعلى وَقَالَ بَعضهم: يُقَال (ذكرته) إِذا كَانَ ذكر الْقلب، لِأَنَّهُ غير علاج، وَأما ذكر اللِّسَان فَهُوَ علاج كالقول لِأَن الْقَائِل يعْمل بتحريك لِسَانه
وَذكر اللِّسَان نَحْو: {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا}
وَذكر الْقلب نَحْو: {ذكرُوا الله فاستغفروا لذنوبهم} فَيكون بِمَعْنى الْحِفْظ نَحْو {واذْكُرُوا مَا فِيهِ} وَالطَّاعَة وَالْجَزَاء نَحْو: {فاذكروني أذكركم}
والصلوات الْخمس نَحْو: {فَإِذا أمنتم فاذكروا الله}
وَالْبَيَان: {أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم}
والْحَدِيث: {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك}
وَالْقُرْآن: {وَمن أعرض عَن ذكري}
والتوراة: {فاسألوا أهل الذّكر}
والشرف: {وَإنَّهُ لذكر لَك} {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر}
وَالْعَيْب: {أَهَذا الَّذِي يذكر آلِهَتكُم}
واللوح الْمَحْفُوظ: {من بعد الذّكر}
وَالثنَاء: {واذْكُرُوا الله كثيرا}
وَالْوَحي: {فالتاليات ذكرا}
وَالرَّسُول: {ذكرا رَسُولا}
وَالصَّلَاة: {وَلذكر الله أكبر}
وَصَلَاة الْجُمُعَة: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله}
وَصَلَاة الْعَصْر: {عَن ذكر رَبِّي}
وذكرى: مصدر بِمَعْنى الذّكر، وَلم يجِئ مصدر على (فعلى) غير هَذَا.
{وذكرى للْمُؤْمِنين} : اسْم للتذكير
{وذكرى لأولي الْأَلْبَاب} : عِبْرَة لَهُم
{وأنى لَهُ الذكرى} : من أَيْن لَهُ التَّوْبَة
{وذكرى الدَّار} : أَي: يذكرُونَ الدَّار الْآخِرَة ويزهدون فِي الدُّنْيَا
{فَأنى لَهُم إِذا جَاءَتْهُم ذكراهم} : أَي: فَكيف لَهُم إِذا أَتَتْهُم السَّاعَة بذكراهم
وَمَا زَالَ مني على ذكر، وَيكسر: أَي تذكر
والتذكرة: مَا تستذكر بِهِ الْحَال
وَالْقُرْآن ذكر فذكروه: أَي جليل نبيه خطير فأجلوه واعرفوا لَهُ ذَلِك وصفوه بِهِ، أَو إِذا اختلفتم فِي الْيَاء وَالتَّاء فاكتبوه بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة(1/457)
[وَذكروا الْقُرْآن] صرح بِهِ ابْن مَسْعُود [رَضِي الله عَنْهُمَا] ، وَالْمرَاد أَنه إِذا احْتمل اللَّفْظ التَّذْكِير والتأنيث وَلم يحْتَج فِي التَّذْكِير إِلَى مُخَالفَة الْمُصحف فَذكره نَحْو: {وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة} ]
والذكور: جمع الذّكر الَّذِي هُوَ خلاف الْأُنْثَى
والمذاكير: جمع الذّكر الَّذِي هُوَ الْعُضْو الْمَخْصُوص وَهُوَ جمع على غير قِيَاس والمذكر: الْمَرْأَة الَّتِي ولدت مذكراً. الذَّبِيحَة: هُوَ مَا سيذبح من النعم، فَإِنَّهُ نقل عَن الوصفية إِلَى الاسمية، إِذْ الذَّبِيح مَا ذبح، كَمَا فِي " الرضي " وَغَيره، فَلَيْسَ الذَّبِيحَة المذكاة كَمَا ظن، وَمن الظَّن أَيْضا أَن أُرِيد بالذبيحة مَقْطُوع الرَّأْس، وبالتذكية مَقْطُوع الْأَوْدَاج، بل التذكية الذّبْح لُغَة، وَالِاسْم: الذَّكَاة وتسييل الدَّم النَّجس شرعا
وَالْمرَاد بالذبيحة ذبح الذباح، بِالْفَتْح، فَإِنَّهُ لُغَة الشق، وَشَرِيعَة: قطع الْحُلْقُوم من بَاطِن عِنْد الفصيل، وَهُوَ مفصل مَا بَين الْعُنُق وَالرَّأْس، ثمَّ إِن الذّبْح لَو صدر من أَهله فِي مَحَله تحل ذَبِيحَته وَلَو كَانَ نَاسِيا للتسيمة عندنَا، [إِذْ النَّاسِي لَيْسَ بتارك، بل هُوَ ذَاكر شرعا، إِذْ الشَّرْع فِي هَذِه الْحَالة أَقَامَ الْملَّة مقَام الذّكر تَخْفِيفًا عَلَيْهِ كَمَا أَقَامَ الْأكل نَاسِيا مقَام الْإِمْسَاك فِي الصَّوْم] وَقَالَ عَطاء رَضِي الله عَنهُ: كل مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ من طَعَام وشراب فَهُوَ حرَام متمسكا بِعُمُوم مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَإنَّهُ لفسق} وَلما احْتمل أَن يكون مجَازًا عَن الذّبْح خصها غَيره بالذبيحة ليساق الْآيَة، فَقَالَ مَالك: مَتْرُوك التَّسْمِيَة من الذَّبَائِح عمدا أَو سَهوا حرَام، وَقَالَ الشَّافِعِي: مَتْرُوك التَّسْمِيَة حَلَال عمدا أَو سَهوا، وَلما احْتمل أَيْضا أَن يكون المُرَاد التَّلَفُّظ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد الذّبْح حمل عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّة، وَخص مِنْهُم النَّاسِي لَهَا فَتحل ذَبِيحَته، لِأَن الْكَلَام إِذا احْتمل أَن يكون فِيهِ تَخْصِيص ومجاز فَحَمله على التَّخْصِيص أولى، لِأَن دلَالَة الْعَام على أَفْرَاده بعد التَّخْصِيص يحْتَمل أَن تكون حَقِيقَة، وَدلَالَة الْمجَاز على مَعْنَاهُ الْمجَازِي لَا تحْتَمل ذَلِك لكَونه خلاف الْإِجْمَاع، والحقيقة راجحة على الْمجَاز، والمحتمل للراجح رَاجِح وَاسْتدلَّ الشَّافِعِي بِوُجُوه مِنْهَا: أَن الْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّهُ لفسق} للْحَال، فَتكون جملَة الْحَال مفيدة للنَّهْي، وَالْمعْنَى: لَا تَأْكُلُوا فِي حَالَة كَونه فسقا، وَمَفْهُومه جَوَاز الْأكل إِذا لم يكن فسقا، وَالْفِسْق قد فسره الله تَعَالَى بقوله: {أَو فسقا أهل لغير الله بِهِ} إِذْ الْمَعْنى: وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إِذا سمي عَلَيْهِ غير الله، وَمن هُنَا خص الْآيَة بالميتة وذبيحة الْمُشْركين، فَإِن المجادلة إِنَّمَا كَانَت فِي الْميتَة، فَإِن الْمُشْركين قَالُوا: كَيفَ يَأْكُلُون مَا قَتله الصَّقْر والبازي وَلَا يَأْكُلُون مَا قَتله الله؟
وَقد أنكر أَبُو حنيفَة المفاهيم الْمُخَالفَة لمنطوقاتها كلهَا فَلم يحْتَج بِشَيْء مِنْهَا فِي كَلَام الشَّارِع فَقَط كَمَا نَقله ابْن الْهمام فِي تحريره، فَإِن مَفْهُوم(1/458)
الْمُخَالفَة لَو ثَبت فإمَّا أَن يثبت بِلَا دَلِيل وَهُوَ بَاطِل بالِاتِّفَاقِ، أَو بِدَلِيل عَقْلِي وَلَا مجَال لَهُ فِي اللُّغَة، فَتعين أَنه لَو ثَبت ثَبت بِنَقْل، وَذَلِكَ النَّقْل لَا يجوز أَن يكون بطرِيق الْآحَاد، إِذْ الْآحَاد متعارضة فَلَا تفِيد الظَّن، لِأَنَّهَا إِنَّمَا تفيده إِذا سلمت عَن الْمُعَارضَة بِمِثْلِهَا، وَلما اخْتلفت أَئِمَّة اللُّغَة فِي كل نوع من أَنْوَاع الْمَفْهُوم لم يفد إِلَّا الشَّك، واللغة لَا تثبت بِالشَّكِّ، ثمَّ نقُول: إِن التَّأْكِيد بإن وَاللَّام يَنْفِي كَون الْجُمْلَة حَالية، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحسن فِيمَا قصد الْإِعْلَام بتحققه الْبَتَّةَ، وَالرَّدّ على منكره تَحْقِيقا أَو تَقْديرا، وَالْحَال الْوَاقِع من الْأَمر وَالنَّهْي مَعْنَاهُ على التَّقْدِير، كَأَنَّهُ قيل: لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إِن كَانَ فسقا فَلَا يحسن (وَإنَّهُ لفسق) بل (وَهُوَ فسق) فَرده الشَّافِعِي بِأَنَّهُ يحسن تأكيده للرَّدّ على الْمُشْركين المنكرين، فَقَالَ الْحَنَفِيّ: سلمنَا كَونهَا للْحَال، لَكِن لَا نسلم أَنَّهَا قيد للنَّهْي بِمَعْنى أَنه يكون النَّهْي عَن أكله فِي هَذِه الْحَالة دون غَيرهَا، بل يكون إِشَارَة إِلَى الْمَعْنى الْمُوجب للنَّهْي عَنهُ، ك (لَا تشرب الْخمر وَهُوَ حرَام عَلَيْك) وَنَحْوه وَحين أَن يكون قيدا للنَّهْي لَا يكون لَهُ فَائِدَة، لِأَن كَونه مَنْهِيّا عَنهُ حَال كَونه فسقا مَعْلُوم لَا حَاجَة إِلَى بَيَانه وَمِنْه أَن الْفسق مُجمل فَإِن المُرَاد من كَونه فسقا غير مَذْكُور فَاحْتَاجَ إِلَى الْبَيَان، إِلَّا أَنه حصل بَيَانه بقوله: {فسقا أهل لغير الله} فأبطله الْحَنَفِيّ بِمَنْع إجماله، لِأَن معنى الْفسق مَشْهُور فِي الشَّرْع يفهمهُ الْكل، وَهُوَ الْخُرُوج عَن الطَّاعَات، وَإِن سلم فَلَا نسلم أَن بَيَانه بِهِ فَلَا بُد لذَلِك من دَلِيل يدل على أَنَّهَا فِي الْميتَة، فَقَالَ الْحَنَفِيّ: الْوَاو للْعَطْف فأبطله الشَّافِعِي بِلُزُوم عطف الْجُمْلَة الاسمية على الفعلية وَهُوَ قَبِيح قُلْنَا: إِلَّا لضَرُورَة، وَلم يَقع الِاتِّفَاق على منع الْجَوَاز، وَقد رَجحه ابْن هِشَام من بَين الْأَقْوَال؛ فَقَالَ الشَّافِعِي: أبْطلهُ للُزُوم عطف الخبرية على الإنشائية، وَهُوَ غير صَحِيح، ورده الْحَنَفِيّ بِأَن فِي الْجَوَاز اخْتِلَافا قَالَ الشَّافِعِي: إِنَّك إِذا أطلقت الْفسق لزم أَن يكون آكل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا فَاسِقًا، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع، وَهُوَ أَن من أكل من مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا لَا يحكم بِفِسْقِهِ شرعا، ذكره الْفَخر الرَّازِيّ، ورده الْحَنَفِيّ بِأَن الضَّمِير وَإِن جَازَ عوده إِلَى الْأكل الْمُسْتَفَاد من الْفِعْل وَلَكِن أجعله عَائِدًا إِلَى (مَا) فَكَأَنَّهُ جعل مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ فسقا مُبَالغَة
ذُو: عينه وَاو ولامه يَاء أما الأول فَلِأَن مؤنثه (ذَات) ، وَأَصلهَا (ذَوَات) بِدَلِيل أَن مثناها (ذواتا) حذفت عينهَا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَأما الثَّانِي فَلِأَن بَاب الطي أَكثر من بَاب الْقُوَّة، وَالْحمل على الْأَغْلَب أولى وَهِي وصلَة إِلَى الْوَصْف بأسماء الْأَجْنَاس، كَمَا أَن (الَّذِي) وصلَة إِلَى وصف المعارف بالجمل، و (ذُو) إِذا نظر إِلَى جِهَة مَعْنَاهُ يَقْتَضِي أَن يكون حرفا لِأَنَّهُ مُتَعَلق بِالْغَيْر، وَإِذا نظر إِلَى جِهَة اللَّفْظ يَقْتَضِي أَن يكون اسْما لوُجُود شَيْء من خَواص الِاسْم فِيهِ، وَهَكَذَا الْأَفْعَال النَّاقِصَة، لِأَنَّهُ إِذا نظر إِلَى جِهَة مَعْنَاهُ يَقْتَضِي أَن يكون حرفا لَا فعلا لفقدان دلَالَته على الْحَدث، وَإِذا نظر إِلَى جِهَة لَفظه يَقْتَضِي أَن بِكَوْن فعلا لوُجُود عَلامَة الْفِعْل من التَّأْنِيث والضمائر البارزة فغلبوا جِهَة اللَّفْظ على جِهَة الْمَعْنى فَسَماهُ بَعضهم اسْما وَبَعْضهمْ فعلا، لأَنهم يبحثون عَن أَحْوَال الْأَلْفَاظ(1/459)
والمنطقيون سموا الْأَفْعَال النَّاقِصَة أَدَاة، لِأَن بحثهم عَن الْمعَانِي
وَذُو: بِمَعْنى الَّذِي على لُغَة طَيئ، توصل بِالْفِعْلِ وَلَا يجوز ذَلِك فِي (ذُو) بِمَعْنى (صَاحب) ، وَلَا يُوصف بهَا إِلَّا الْمعرفَة، بِخِلَاف (ذُو) بِمَعْنى (صَاحب) فَإِنَّهُ يُوصف بهَا الْمعرفَة والنكرة، وَلَا يجوز فِيهَا (ذِي) وَلَا (ذَا) وَلَا يكون إِلَّا بِالْوَاو، وَلَيْسَ كَذَلِك (ذُو) بِمَعْنى (صَاحب) ، وَاشْترط فِي (ذُو) أَن يكون الْمُضَاف أشرف من الْمُضَاف إِلَيْهِ، بِخِلَاف (صَاحب) يُقَال: (ذُو الْعَرْش) وَلَا يُقَال: (صَاحب الْعَرْش) ، وَيُقَال: (صَاحب الشَّيْء) وَلَا يُقَال: (ذُو الشَّيْء) ، وعَلى هَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَذَا النُّون} فأضافه إِلَى النُّون وَهُوَ الْحُوت وَقَالَ: {وَلَا تكن تصاحب الْحُوت} وَالْمعْنَى وَاحِد، لَكِن بَين اللَّفْظَيْنِ تفَاوت كثير فِي حسن الْإِشَارَة إِلَى الْحَالَتَيْنِ، فَإِنَّهُ حِين ذكره فِي معرض الثَّنَاء عَلَيْهِ أُتِي ب (ذِي) ، لِأَن الْإِضَافَة بهَا أشرف، وبالنون لِأَن لَفظه أشرف من لفظ الْحُوت: {ن والقلم وَمَا يسطرون}
وَحين ذكره فِي معرض النَّهْي من أَتْبَاعه أَتَى بِلَفْظ الْحُوت والصاحب، إِذْ لَيْسَ فِي لفظ الْحُوت مَا يشرفه كَذَلِك
ذَا: هِيَ لَا تَجِيء مَوْصُولَة وَلَا زَائِدَة إِلَّا بعد (مَا) و (من) الاستفهامية وَالْأولَى فِي (مَاذَا هُوَ) و (من ذَا هُوَ خير مِنْك) الزِّيَادَة وَيجوز على بعد أَن يكون بِمَعْنى (الَّذِي)
و (ذَا) فِي (من ذَا قَائِما) اسْم إِشَارَة لاغير، وَيحْتَمل فِي (من ذَا الَّذِي) أَن تكون زَائِدَة وَأَن تكون اسْم إِشَارَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَمن هَذ الَّذِي} فَإِن هَاء التَّنْبِيه لَا تدخل إِلَّا على اسْم الْإِشَارَة
و (ذَا) لَا تثنى وَلَا تجمع وَلَا تؤنث وَلَا تتبع بتابع لَا نعت وَلَا عطف وَلَا تَأْكِيد وَلَا بدل، يشار بهَا إِلَى غير مَذْكُور لفظا، بل هُوَ مَذْكُور معنى زادوا فِيهَا كَاف الْخطاب فَقَالُوا: (ذَاك) ، وَإِذا زَاد بعد الْمشَار إِلَيْهِ أَتَوا بِاللَّامِ مَعَ الْكَاف، واستفيد باجتماعهما زِيَادَة فِي التباعد، لِأَن قُوَّة اللَّفْظ مشعرة بِقُوَّة الْمَعْنى، وَلَا يلْزم أَن يكون ذَلِك فِي الْكَلَام للبعد الْحَاصِل بِسَبَب طول الْكَلَام، بل يجوز أَن يكون للبعد الْمَعْنَوِيّ أَيْضا وَالدّلَالَة على الْبعد فِي (ذَلِك) بِحَسب الْعرف الطارىء، لَا فِي أصل وضع ذَلِك، وَقد يسْتَعْمل (ذَلِك) فِي مَوضِع (ذَلِكُم) كَقَوْلِه تَعَالَى: {ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم} {ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا} كَمَا قد يشار بهَا للْوَاحِد إِلَى الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {عوان بَين ذَلِك} ، وَإِلَى الْجمع نَحْو: {كل ذَلِك كَانَ سيئه} بِتَأْوِيل الْمثنى وَالْمَجْمُوع بالمذكور
وَقد يُطلق (ذَلِك) للفصل بَين الْكَلَامَيْنِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق ذَلِك} أَي: الْأَمر ذَلِك أَو افعلوا ذَلِك(1/460)
وَمَا لَا يحس بِالْبَصْرَةِ فالإشارة إِلَيْهِ بِلَفْظ (ذَلِك) و (هَذَا) سَوَاء
و (ذَلِك) فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} إِشَارَة إِلَى مصدر الْفِعْل الْمَذْكُور بعده أَي: جعل ذَلِك الْجعل العجيب، لَا إِلَى جعل آخر، بِقصد تَشْبِيه هَذَا الْجعل بِهِ [وَكَذَا {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم} فَإِنَّهُ إِشَارَة إِلَى هَذِه الإراءة لَا إِلَى شَيْء آخر يشبه بِهِ] فالكاف مقحم إقحاما لَازِما لَا يكادون يتركونه فِي لُغَة الْعَرَب وَغَيرهم، وَجعل ابْن عُصْفُور للْإِشَارَة ثَلَاث مَرَاتِب: دنيا ووسطى وقصوى، فللأولى: (ذَا) و (تي) ، وللثانية: (ذَاك) و (تيك) ، وللثالثة (ذَلِك) و (تِلْكَ)
ذُو الرَّحِم الْمحرم: هُوَ قريب حرم نِكَاحه أبدا
وَالرحم: منبت الْوَلَد ووعاؤه فِي الْبَطن، ثمَّ سميت بِهِ الْقَرَابَة من جِهَة الولاد وَالْمحرم: عبارَة عَن حُرْمَة التناكح، فالمحرم بِلَا رحم نَحْو زَوْجَة الابْن وَالْأَب وَبنت الْأَخ وَالْأُخْت رضَاعًا، وَالرحم بِلَا محرم كبني الْأَعْمَام والأخوال، وَذُو الرَّحِم الْمحرم نَحْو أَوْلَاد الرجل وَأَوْلَاد أَبَوَيْهِ وهم الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَأَوْلَاد الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَإِن سفلوا، وآباؤه وأجداده وجداته وَإِن علوا، وَأول بطن من بطُون الأجداد والجدات يَعْنِي الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات دون أَوْلَادهم
وَذُو النُّون: يُونُس النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَذُو النَّخْلَة: عِيسَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
وَذُو الكفل: نَبِي الله أَيْضا
[قيل: هُوَ نَبِي، وَفِي " الْمُسْتَدْرك " عَن وهب رَضِي الله عَنهُ أَن الله تَعَالَى بعث بعد سيدنَا أَيُّوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ابْنه بشرا نَبيا وَسَماهُ ذَا الكفل، وَأمره بِالدُّعَاءِ إِلَى توحيده، وَكَانَ مُقيما بِالشَّام عمره حَتَّى مَاتَ وعمره خمس وَسَبْعُونَ سنة وَقيل: هُوَ لقب زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وكفلها زَكَرِيَّا} ]
وَذُو القرنين: اسكندر وَعلي بن أبي طَالب أَيْضا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " إِن لَك فِي الْجنَّة بَيْتا ويروى " كنزا " وَإنَّك لذُو قرنيها " أَي: لذُو طرفِي الْجنَّة وملكها الْأَعْظَم تسلك ملك جَمِيع الْجنَّة كَمَا سلك ذُو القرنين جَمِيع الأَرْض، أَو (ذُو قَرْني الْأمة " فأضمر وَإِن لم يتَقَدَّم ذكره، أَو " ذُو جبليها الْحسن وَالْحُسَيْن " أَو " ذُو شجتين فِي قَرْني رَأسه إِحْدَاهمَا من عَمْرو بن ود، وَالثَّانيَِة من ابْن ملجم، وَهَذَا أصح، كَذَا فِي " الْقَامُوس "
وَذُو خلال: أَبُو بكر
وَذُو النورين: عُثْمَان بن عَفَّان
وَذُو الشَّهَادَتَيْنِ: خُزَيْمَة بن ثَابت
وَذُو الْيَدَيْنِ: صَاحب الحَدِيث فِي السَّهْو
وَذُو الْأُذُنَيْنِ: أنس بن مَالك
وَذُو الْعَينَيْنِ: مُعَاوِيَة بن مَالك شَاعِر
وَذُو الْعين: قَتَادَة بن النُّعْمَان. رد رَسُول الله عينه السائلة على وَجهه
وَذُو الهلالين: زيد بن عمر بن الْخطاب، أمه أم كُلْثُوم بنت عَليّ بن أبي طَالب، لقب بجديه
وَذُو الجناحين: جَعْفَر بن أبي طَالب قَاتل يَوْم مُؤْتَة حَتَّى قطعت يَدَاهُ فَقتل فَقَالَ رَسُول الله: " إِن الله قد(1/461)
أبدله بيدَيْهِ جناحين يطير بهما فِي الْجنَّة حَيْثُ يَشَاء "
وَذُو المخصرة: عبد الله بن أنس، لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أعطَاهُ مخصرة: وَقَالَ: " تَلقانِي بهَا فِي الْجنَّة "
وَذُو مرّة: جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام [أَي: منظر حسن أَو حصافة فِي عقله ورأيه]
الذَّوْق: هُوَ عبارَة عَن قُوَّة مرتبَة فِي الْعصبَة البسيطة على السَّطْح الظَّاهِر من اللِّسَان، من شَأْنهَا إِدْرَاك مَا يرد عَلَيْهِ من خَارج الكيفيات الملموسة، وَهِي الْحَرَارَة والرطوبة والبرودة واليبوسة
والذوق فِي الأَصْل: تعرف الطّعْم، ثمَّ كثر حَتَّى جعل عبارَة عَن كل تجربة يُقَال (ذقت فلَانا) و (ذقت مَا عِنْده) وَقد اسْتعْمل الإذاقة فِي الرَّحْمَة والإصابة فِي مقابلتها قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذا أذقنا النَّاس رَحْمَة} وَقَالَ: {وَإِن تصبهم} تَنْبِيها على أَن الْإِنْسَان بِأَدْنَى مَا يعْطى من النِّعْمَة يبطر ويأشر
والذوق والطبع قد يطلقان على الْقُوَّة المهيئة للعلوم من حَيْثُ كمالها فِي الْإِدْرَاك بِمَنْزِلَة الإحساس من حَيْثُ كَونهَا بِحَسب الْفطْرَة
وَقد يخص الذَّوْق بِمَا يتَعَلَّق بلطائف الْكَلَام، لكَونه بِمَنْزِلَة الطَّعَام اللذيذ الشهي لروح الْإِنْسَان الْمَعْنَوِيّ والطبع بِمَا يتَعَلَّق بأوزان الشّعْر لكَونهَا بمحض الجبلة، بِحَيْثُ لَا ينفع فِيهَا أَعمال الجبلة إِلَّا قَلِيلا [والذوق بالفم فِيمَا يقل، فَإِن كثر قيل فِيهِ: أكل وَشرب]
الذُّرِّيَّة: هِيَ إِمَّا (فعلية) من الذَّر أَو (فعولة) من الذرء، أبدلت همزته يَاء ثمَّ قلبت الْوَاو يَاء، وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، وَمَعْنَاهَا لُغَة: قيل نسل الثقلَيْن، وَقيل: ولد الرجل، وَقيل: من الأضداد، تَجِيء تَارَة بِمَعْنى الْأَبْنَاء، وَتارَة بِمَعْنى الْآبَاء
[ويتناول أَوْلَاد الْبَنَات قَالَ الإِمَام حميد الدّين رَحمَه الله: سَأَلت أستاذي شمس الْأَئِمَّة الأكدري رَحمَه الله عَمَّن لَهُ أم سيدة وَأَبوهُ لَيْسَ بِسَيِّد فَقَالَ: هُوَ سيد، وَاسْتدلَّ بِأَن الله تَعَالَى جعل سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ذُرِّيَّة سيدنَا نوح وَسَيِّدنَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام بِجِهَة الْأُم، وَمن قَالَ: الْأَنْسَاب تَنْعَقِد بالأبناء والآباء لَا بالبنات والأمهات كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد)
فقد خَالف قَوْله تَعَالَى: {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} إِلَى قَوْله: {وَيحيى وَعِيسَى} حَيْثُ جعل عِيسَى من أَوْلَاده وَذريته مَعَ أَنه لم يكن لعيسى أَب]
والنسل: عبارَة عَن خُرُوج شَيْء من شَيْء مُطلقًا، فَيكون أَعم من الْوَلَد
الذل، بِالْكَسْرِ: فِي الدَّابَّة ضد الصعوبة وبالضم فِي الْإِنْسَان ضد الْعِزّ لِأَن مَا يلْحق الْإِنْسَان أَكثر قدرا مِمَّا يلْحق الدَّابَّة، فَاخْتَارُوا الضمة لقوتها للْإنْسَان، والكسرة لِضعْفِهَا للدابة
وَقيل: بِالضَّمِّ مَا كَانَ عَن قهر وبالكسر: مَا كَانَ عَن تعصب(1/462)
والذلول: فِي الدَّوَابّ
والذليل: فِي النَّاس، وَهُوَ الْفَقِير الخاضع المهان وأصل الذل أَن يتَعَدَّى بِاللَّامِ وَقد يعدى ب (على) لتضمين معنى الحنو والعطف وَهَذَا يجمع على (أَذِلَّة)
[وزلة الْقدَم: خُرُوجهَا غَلَبَة من الْموضع الَّذِي يَنْبَغِي ثباتها فِيهِ]
الذَّنب، بِالسُّكُونِ: وَاحِد الذُّنُوب
وبالتحريك: وَاحِد الأذناب، وَلَا يجمع (فعل) على (أَفعَال) فِي غير الأجوف إِلَّا فِي أَفعَال مَعْدُودَة ك (شكل) و (سمع) و (سجع) و (فرخ)
والذنُوب: بِالْفَتْح: الدَّلْو الْعَظِيمَة وَلَا يُقَال لَهَا ذنُوب إِلَّا وفيهَا مَاء
الذرع: الطَّاقَة
وضاق بِهِ ذرعا: ضعفت طاقته وَلم يجد من الْمَكْرُوه فِيهِ مخلصا
والذراع، بِالْكَسْرِ: من طرف الْمرْفق إِلَى طرف الإصبع الْوُسْطَى والساعد
وذراع المساحة: سبع مشتات فَوق كل مشت إِصْبَع قَائِمَة
وذراع الكرباس: سبع مشتات لَيْسَ فَوق كل مشت أصْبع قَائِمَة
الذّهاب: ذهب بِهِ: استصحبه وَمضى مَعَه، وَعَلِيهِ: نَسيَه. وَعنهُ: تَركه وَإِلَيْهِ: توجه
وأذهبه: أزاله وَجعله ذَاهِبًا
قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: لم أر فِيمَا عِنْدِي من كتب اللُّغَة تعدِي (ذهب) ب (على) ، لَكِن الشَّائِع فِي الْمُعْتَبرَات عبارَة (لَا يذهب عَلَيْك) حَتَّى قَالَ الشريف: يُقَال: ذهب عَلَيْك كَذَا: إِذا فَاتَهُ بِسَبَب الْغَفْلَة عَنهُ
وَاخْتلف فِي الْفرق بَين (ذهب بِهِ) و (أذهبه) قيل: لَا فرق بَينهمَا من حَيْثُ الْمَعْنى، فَإِن مَعْنَاهُمَا جعله ذَاهِبًا استصحبه أَو لَا، وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر النُّحَاة. وَفِي " الْقَامُوس ": ذهب، كمنع: سَار وَمر، وَبِه: أزاله كأذهبه ورد ابْن هِشَام القَوْل بِالْفرقِ بَينهمَا بقوله تَعَالَى: {ذهب الله بنورهم} وَالْحق أَن بَينهمَا فرقا كَمَا ذهب إِلَيْهِ صَاحب " الْكَشَّاف " حَيْثُ قَالَ: معنى (أذهبه) : أزاله وَجعله ذَاهِبًا وَمعنى (ذهب بِهِ) استصحبه وَمضى بِهِ مَعَه وناهيك دَلِيلا على الْفرق قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} لِأَن غرضهم من العضل لَيْسَ مُجَرّد إِزَالَة بعض مَا أَتَوا بل إِزَالَته بطرِيق الْأَخْذ، وَحَيْثُ يتَعَذَّر الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ كَمَا فِي {ذهب الله بنورهم} {وَلَو شَاءَ الله لذهب بسمعهم} إِذْ لَا ذهَاب فِيهِ وَلَا أَخذ وَلَا اسْتِصْحَاب وَجب الْمصير إِلَى الْحمل على التَّجَوُّز، كَمَا هُوَ الشَّأْن فِي أَمْثَاله
[نوع]
{ذرهم} : دعهم
{الأَرْض ذلولا} : لينَة
{والذاريات} : يَعْنِي الرِّيَاح تذرو التربة(1/463)
وَغَيره أَو النِّسَاء الْوَلُود، أَو الْأَسْبَاب الَّتِي تذر الْخَلَائق من الْمَلَائِكَة وَغَيرهم
{وَلَا ذلة} : هوان
{وَضربت عَلَيْهِم الذلة} : هدر النَّفس وَالْمَال والأهل، أَو ذل التَّمَسُّك بِالْبَاطِلِ، والجزية
{ذُو الْعَرْش} : خالقه
{ذكرى} : تذكرة
{ذرأكم فِي الأَرْض} : خَلقكُم وبثكم فِيهَا بالتناسل
{على ذهَاب بِهِ} : على إِزَالَته
الذّرة: النملة الصَّغِيرَة
{من بعد الذّكر} : أَي التَّوْرَاة
{وَإنَّهُ لذكر} : شرف
{للَّذين ظلمُوا ذنوبا} : نَصِيبا من الْعَذَاب
{وضاق بهم ذرعا} : وضاق بشأنهم وتدبير أَمرهم
ذرعه: أَي طاقته
{وَذكر اسْم ربه} : وحد الله
{إِلَّا مَا ذكيتم} : ذبحتم وَبِه روح
[ {أَو يحدث لَهُم ذكرا} : عظة واعتبارا
{فَإِن ذللتم} : أَي ملتم عَن الدُّخُول فِي السّلم
{ذمَّة} : عهد
{بِذبح عَظِيم} : كَبْش سيدنَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
{ذرأنا لِجَهَنَّم} : أَي خلقنَا لَهَا
{ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا} : أَي طولهَا إِذا ذرعت
{سبل رَبك ذللا} منقادة بالتسخير
{ذَا الكفل} : قيل لم يكن نَبيا وَلَكِن كَانَ عبدا صَالحا تكفل بِعَمَل رجل صَالح عِنْد مَوته، وَيُقَال: تكفل لبني قومه أَن يقْضِي بَينهم بِالْحَقِّ فَفعل فَسُمي ذَا الكفل]
(فصل الرَّاء)
[الرجز] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الرجز فَهُوَ الْعَذَاب وَأما {وَالرجز فاهجر} ، بِالضَّمِّ، فَالْمُرَاد الصَّنَم
[الريب] : كل مَا فِي الْقُرْآن من ريب فَهُوَ شكّ، إِلَّا {ريب الْمنون} فَإِن المُرَاد حوادث الدَّهْر(1/464)
[الرَّجْم] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الرَّجْم فَهُوَ الْقَتْل إِلَّا {لنرجمنكم} فَإِن مَعْنَاهُ لأشتمنكم و {رجما بِالْغَيْبِ} أَي ظنا
[الرِّيَاح] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الرِّيَاح فَهُوَ الرَّحْمَة، وكل مَا فِيهِ من الرّيح فَهُوَ الْعَذَاب وَأما و {برِيح طيبَة} فباعتبار مَا تشتهيه السفن
[الرّيح] : وكل ريح فِي الْقُرْآن لَيْسَ فِيهِ ألف وَلَام اتَّفقُوا على توحيده، وَمَا فِيهِ ألف وَلَام فالقراءة فِيهِ جمعا وتوحيدا إِلَّا الرّيح الْعَقِيم فِي " الذاريات " فالقراءة بتوحيدها وَفِي " الرّوم " {الرِّيَاح مُبَشِّرَات} الْقِرَاءَة بجمعه (وقرىء جَمِيع الرِّيَاح جمعا وتأنيث الرّيح لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلها أَصْنَاف، وَالْغَالِب فِيهَا التَّذْكِير كالإعصار، وَالسَّبَب الأكثري فِي تكون الرّيح إِن صَحَّ هُوَ معاودة الأدخنة الصاعدة من الطَّبَقَة الْبَارِدَة لانكسار حرهَا وتمويجها للهواء حِينَئِذٍ، وَقد تكون كِنَايَة عَن الدولة، يُقَال للْقَوْم إِذا زَالَت دولتهم وَأخذت شؤونهم تتراجع: (ركدت ريحهم وَذَهَبت) ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَتذهب ريحكم} ، وَإِذا نفذت أُمُورهم: (هبت رياحهم) وَقد يستعار الرّيح للغلبة وَنَحْو: {وَتذهب ريحكم} .
[الرجس] : كل مَا استقذر من الْعَمَل، وَالْعَمَل الْمُؤَدِّي إِلَى الْعَذَاب وَالْعِقَاب وَالْغَضَب فَهُوَ رِجْس {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} أَي اجتنبوا قَول الزُّور
[الرجفة] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الرجفة فَهُوَ مقرون بِذكر (دَار) ، وكل مَا فِي الْقُرْآن من الصَّيْحَة فَهُوَ مقرون بِذكر (ديار) ، فالرجفة فِي دَارهم، والصيحة فِي دِيَارهمْ
[الرس] : كل ركية لم تطو بِالْحِجَارَةِ والآجر فَهِيَ رس
[لروضة] : كل أَرض ذَات نَبَات وَمَاء فَهِيَ رَوْضَة عِنْد الْعَرَب
[ركب] : كل شَيْء علا شَيْئا فقد رَكبه وَيُقَال: (رَكبه دين) . [الراسخ] : كل ثَابت فَهُوَ راسخ.
[الرقراق] : كل شَيْء لَهُ تلألؤ فَهُوَ رقراق
[الرطانة] : كل كَلَام لَا تفهمه الْعَرَب فَهُوَ رطانة
[الردف] : كل شَيْء تبع شَيْئا فَهُوَ ردفه؟
[ران] : كل مَا غلبك فقد ران بك ورانك وران عَلَيْك
[رَكِيك] : كل شَيْء رَقِيق قَلِيل من مَاء أَو نبت أَو علم فَهُوَ رَكِيك
[الرب] : كل من ملك شَيْئا فَهُوَ ربه يُقَال: (هُوَ رب الدَّار، وَرب المَال)
[الراكد] : كل ثَابت فِي الْمَكَان فَهُوَ راكد
[الرفات] : كل مَا تكسر وبلي فَهُوَ الرفات(1/465)
[رفد] : كل شَيْء جعلته عونا لشَيْء فقد رفدته
[الرقة] : كل أَرض إِلَى جنب وَاد وَعَلَيْهَا المَاء أَيَّام الْمَدّ ثمَّ ينضب فَيكون مكرمَة للنبات فَهِيَ الرقة
[الريحان] : كل مَا ينْبت من بذره مِمَّا لَهُ شجر ولعينه رَائِحَة مستلذة فَهُوَ ريحَان، وَمَا ينْبت من الشّجر ولورقه رَائِحَة مستلذة فَهُوَ ورد
[الرزق] : وَعَن ابْن عَبَّاس: كل ريحَان فِي الْقُرْآن فَهُوَ رزق
[الرفرف] : كل ثوب عريض عِنْد الْعَرَب فَهُوَ رَفْرَف]
[الريعان] : ريعان كل شَيْء أَوَائِله الَّتِي تبدو أَولا مِنْهُ
[الرذال] : رذال كل شَيْء رديئه
[الرحب] : الْوَاسِع من كل شَيْء رحب بِالضَّمِّ
[الروي] : كل حرف يَقع رويا إِلَّا هَاء التَّأْنِيث والإضمار والحروف اللاحقة للضمير فِي (بِهِ) و (لَهُ) والتنوين وَالْألف المبدلة مِنْهُ فِي الْوَقْف وَالنُّون الْخَفِيفَة فِي (اضربن) و (قولن) ، وَسمي رويا لِأَنَّهُ يجمع الأبيات، من (رويت الْحَبل) إِذا فتلته، أَو من الرّيّ، لِأَن الْبَيْت يرتوي عِنْده فَيَنْقَطِع الرب: الْمَالِك والمصلح وَالسَّيِّد والمعبود، فَإِن حمل على الْمَالِك عَم الموجودات، وَإِن حمل على المصلح خرجت الْأَعْرَاض لِأَنَّهَا لَا تقبل الْإِصْلَاح، بل يصلح بهَا، وَإِن حمل على السَّيِّد اخْتصَّ بالعقلاء، وَإِن حمل على المعبود اخْتصَّ بالمكلفين وَهَذَا أخص المحامل، وَالْأول أعمها، وَقد وَقع فِي بعض التفاسير أَن الرب صفة من (ربه) بِمَعْنى رباه تربية، ثمَّ سمي بِهِ الْملك المربي وانسلخ عَن الوصفية وَصَارَ كالاسم الشبيه بِالصّفةِ كالكتاب والإله والعالم والخاتم، وَالدَّلِيل على كَونه صفة لُحُوق التَّاء بِهِ فِي الْمُؤَنَّث كَمَا فِي حَدِيث: " من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تَلد الْأمة ربتها، وَهُوَ حَقِيقَة مُخْتَصّ بالباري تَعَالَى وَلَا يُطلق على غَيره إِلَّا مجَازًا أَو مُقَيّدا، وَالْحق أَنه بِاللَّامِ لَا يُطلق لغيره تَعَالَى مُقَيّدا أَيْضا لوُرُود النَّهْي عَنهُ فِي حَدِيث صَحِيح وَمن حق الرب أَن يجمع إِذا أطلق على الله تَعَالَى على (أربة) و (ربوب) لَا على (أَرْبَاب) وَأما {أَرْبَابًا من دون الله} فَذَلِك بِحَسب اعْتِقَادهم لَا مَا عَلَيْهِ ذَات الشَّيْء فِي نَفسه، وَفِي " الْعَجَائِب " للكرماني: كثر حذف (يَا) فِي الْقُرْآن من الرب تَنْزِيها وتعظيما لِأَن فِي النداء طرفا من الْأَمر
[والرباني هُوَ فِي الأَصْل (رَبِّي) أدخلت الْألف للتفخيم ثمَّ أدخلت النُّون لسكون الْألف، كَمَا قيل فِي (صنعاني) و (نَصْرَانِيّ) وواحدهما (ربان) كَمَا يُقَال (رَيَّان) و (عطشان) ثمَّ ضمت إِلَيْهِ يَاء النِّسْبَة كَمَا قَالُوا: الحياني ورقباني، قيل: الربانيون الْوُلَاة، والربيون: الرّعية](1/466)
الرَّحْمَن: اخْتلف فِيهِ قَالَ بَعضهم: هُوَ علم اتفاقي كالجلالة، إِذْ لم يسْتَعْمل صفة وَلَا مُجَردا عَن اللَّام إِلَّا إِذا كَانَ مُضَافا، وَفِي حَاشِيَة " الْكَشَّاف " للشَّيْخ سعد الدّين: فَإِن قيل من أَيْن علم أَن الرَّحْمَن لَيْسَ بِعلم؟ قُلْنَا: من جِهَة أَنه يَقع صفة فَإِن مَعْنَاهُ المبالغ فِي الرَّحْمَة والإنعام، لَا الذَّات الْمَخْصُوص مرادفا لاسم الله تَعَالَى، وَهَذَا فِي غَايَة الظُّهُور، فالرحمن كَانَ صفة بِمَعْنى كثير الرَّحْمَة، ثمَّ غلب على الْمُنعم بجلائل النعم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَبِالْجُمْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَقع على الْمَخْلُوق، إِذْ المغلوب قد يكون مرجحا كَمَا فِي الْإِلَه، إِذْ قل اسْتِعْمَاله فِي الْبَاطِل، وَقد يكون مَهْجُورًا كَمَا فِي الرَّحْمَن حَيْثُ لَا يُطلق على الْغَيْر أصلا، (وَإِن تعرى عَن لَام التَّعْرِيف تثبت الْألف وَإِلَّا تحذف) وَقد صرح السَّيِّد الشريف بِأَنَّهُ مشارك لاسم الذَّات مُعَرفا ومنكرا، و [من هُنَا] لَا إِلَه إِلَّا الرَّحْمَن) يُفِيد التَّوْحِيد بِحَسب عرف الشَّرْع وَإِن لم يفد بِحَسب عرف اللُّغَة، وَعدم الِانْصِرَاف أظهر وَإِن أوجب اخْتِصَاصه بِاللَّه تَعَالَى الِانْصِرَاف على مَذْهَب من شَرط وجود (فعلى) ، وَعدم الِانْصِرَاف عِنْد من شَرط انْتِفَاء (فعلان) وَجعله مستوي النِّسْبَة بالانصراف وَعَدَمه نظرا إِلَى المذهبين اللَّذين لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر إِلْحَاقًا لَهُ بِمَا هُوَ الْغَالِب فِي بَابه وَهُوَ (فعلان) من (فعل) من حد (علم) فَإِن أَكْثَره غير منصرف أَو أَكْثَره على (فعلى) فَنزل منزلَة مَا مؤنثه (فعلى) وَيحكم بِأَنَّهُ لَو لم يطرأه الِاخْتِصَاص لجاء مِنْهُ (فعلى) فَمَعْنَى الرَّحْمَن الْمُنعم الْحَقِيقِيّ الْبَالِغ فِي الرَّحْمَة غايتها الَّتِي يقصر عَنْهَا كل من سواهُ، والعاطف على جَمِيع خلقه بالرزق لَهُم لَا يزِيد فِي رزق التقي بتقواه، وَلَا ينقص من رزق الْفَاجِر بِفُجُورِهِ
والرحيم: هُوَ الرفيق للْمُؤْمِنين خَاصَّة يستر عَلَيْهِم ذنوبهم فِي العاجل، ويرحمهم فِي الآجل، فمتعلق الرَّحْمَن أثر مُنْقَطع، ومتعلق الرَّحِيم أثر غيرمنقطع، فعلى هَذَا الرَّحِيم أبلغ من الرَّحْمَن، وَالْقَوْل بِأَن الرَّحِيم أبلغ لِأَن (فعيلا) للصفات الغريزة ك (كريم) و (شرِيف) ، و (فعلان) للعارض كه (سَكرَان) و (غَضْبَان) ضَعِيف، لِأَن ذَلِك لَيْسَ من صِيغَة (فعيل) بل من بَاب (فعل) بِالضَّمِّ، وَقيل: الرَّحْمَن اسْم خَاص صفة عَامَّة والرحيم اسْم عَام صفة خَاصَّة، فَإِنَّهُ يُقَال: (فلَان رَحِيم) وَلَا يُقَال (رَحْمَن) ، وَأما (رَحْمَن الْيَمَامَة) لمُسَيْلمَة الْكذَّاب فَمن بَاب تعنتهم وَقيل: الرَّحْمَن أمدح والرحيم ألطف، وَقَالَ بَعضهم: كل وَاحِد مِنْهُمَا أرق من الآخر من وَجه، (والرحيم لَا يُكَلف عباده جَمِيع مَا يطيقُونَهُ، فَكل ملك يُكَلف عبيده جَمِيع مَا يُطِيقُونَ فَلَيْسَ برحيم) ، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الترقي، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَعَيَّن إِذا كَانَ الأبلغ مُشْتَمِلًا على مَا دونه، إِذْ لَو قدم الأبلغ حِينَئِذٍ كَانَ ذكر الآخر لَغوا كَمَا فِي: (فياض جواد) ، و (باسل شُجَاع) وَأما إِذا لم يشْتَمل عَلَيْهِ كَمَا هَهُنَا فَيجوز سلوك كل وَاحِد من طريقي التتميم والترقي نظرا إِلَى مُقْتَضى الْحَال، وَهَهُنَا يحمل على الأول، لِأَن الْمَطْلُوب بِالْقَصْدِ الأول فِي مقَام العظمة والكبرياء وجلائل(1/467)
النعم، وَقدم الرَّحْمَن وَأَرْدَفَ بالرحيم كالتتمة تَنْبِيها على أَن الْكل مِنْهُ لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن محقرات النعم لَا تلِيق بجنابه، فَلَا تطلب من بَابه، وَفِي " الْجَوْهَرِي ": هما بِمَعْنى وَيجوز تَكْرِير الاسمين إِذا اخْتلف اشتقاقهما تَأْكِيدًا، قيل: جَمِيع أَسمَاء الله ثَلَاثَة أَسمَاء: الذَّات، وَأَسْمَاء الْأَفْعَال، وَأَسْمَاء الصِّفَات، فالتسمية مُشْتَمِلَة على أفضل كل مِنْهَا، وَقيل: كِلَاهُمَا من الصِّفَات الفعلية، وَقيل: من الصِّفَات الذاتية، وَقد أَشَارَ الله تَعَالَى إِلَى الرَّحْمَة الفعلية بقوله: {وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة} لِأَن الصّفة الذاتية لَا توهب، وَأحسن مَا يُقَال فِي جمع الوصفين فِي الْبَسْمَلَة أَن (فعلان) مُبَالغَة فِي كَثْرَة الشَّيْء، وَلَا يلْزم مِنْهُ الدَّوَام ك (غَضْبَان) ، و (فعيل) لدوام الْوَصْف ك (ظريف) فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْكثير الرَّحْمَة الدائمها، وَقَالَ بَعضهم: مدلولهما وَاسع
الرَّحِيم: رَاحِم الْكل، أحَاط الصُّور والاسرار مراحمه، وَعم الألواح والأرواح مكارمه وَالْأول أَعم مدلولا صَدره لما صَار كَالْعلمِ لله
الرَّجَاء: بِالْمدِّ: الطمع فِيمَا يُمكن حُصُوله، ويرادفه الأمل، وَيسْتَعْمل فِي الْإِيجَاب وَالنَّفْي قَالَ الله تَعَالَى: {وترجون من الله مَا لَا يرجون}
و [الرجا] ، بِالْقصرِ: جَانب الْبشر قَالَ:
(كم من حقير فِي رجا ... بِئْر لمنقطع الرجا)
والرجاء بِمَعْنى الْخَوْف يسْتَعْمل فِي النَّفْي فَقَط نَحْو: {مالكم لَا ترجون لله وقارا} لكنه يرد {وارجوا الْيَوْم الآخر}
والترجي: ارتقاب شَيْء لَا وثوق بحصوله
وَالتَّمَنِّي: محبَّة حُصُول الشَّيْء سَوَاء كَانَ ينتظره ويترقب حُصُوله أَولا، (فيستوي فِي حيزه (إِن) و (لَو)
والترجي فِي الْقَرِيب
وَالتَّمَنِّي فِي الْبعيد
وَالتَّمَنِّي فِي المعشوق للنَّفس
والترجي فِي غَيره
وَالْفرق بَين التَّمَنِّي وَالْعرض هُوَ الْفرق بَينه وَبَين الترجي
وَالتَّمَنِّي نوع من الطّلب إِلَّا أَن الطّلب يكون بِاللِّسَانِ، وَالتَّمَنِّي شَيْء يهجس فِي الْقلب يقدره المتمني
وَالتَّمَنِّي مُغَاير للقصد والتصديق، فَإِن الْقَصْد نوع من الْإِرَادَة، والتصديق نوع من الْعلم، بل الوجدان كَاف فِي الْفرق
والتوقع أقوى من الطمع، والطمع ارتقاب(1/468)
المحبوب
والإشفاق ارتقاب الْمَكْرُوه، وَيسْتَعْمل فِي المتوقع فِيهِ (لَعَلَّ) ، وَفِي المطموع فِيهِ (عَسى) ، وَكِلَاهُمَا حرف الترجي، وَقد يرد مجَازًا لتوقع مَحْذُور، وَيُسمى الإشفاق، نَحْو {لَعَلَّ السَّاعَة قريب} وَقد يَقُول الراجي إِذا قوي رجاؤه: سأفعل كَذَا، وسيكون كَذَا، وَعَلِيهِ: {سآتيكم مِنْهَا}
الرّوح، بِالضَّمِّ: هُوَ الرّيح المتردد فِي مُخَارق الْإِنْسَان ومنافذه، وَاسم للنَّفس لكَون النَّفس بعض الرّوح، فَهُوَ كتسمية النَّوْع باسم الْجِنْس، نَحْو تَسْمِيَة الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ، وَاسم أَيْضا للجزء الَّذِي بِهِ تحصل الْحَيَاة، واستجلاب الْمَنَافِع واستدفاع المضار
وَالروح الحيواني: جسم لطيف منبعه تجويف الْقلب الجسماني، وينتشر بِوَاسِطَة الْعُرُوق الضوارب إِلَى سَائِر أَجزَاء الْبدن
وَالروح الإنساني: لَا يعلم كنهها إِلَّا الله تَعَالَى
وَمذهب أهل السّنة أَن الرّوح وَالْعقل من الْأَعْيَان وليسا بعرضين (كَمَا ظنته الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم وإنهما يقبلان الزِّيَادَة من الصِّفَات الْحَسَنَة والقبيحة كَمَا تقبل الْعين الناظرة غشاوة ورمدا وَالشَّمْس انكسافا؛ وَلِهَذَا وصف الرّوح بالأمارة بالسوء مرّة، وبالمطمئنة أُخْرَى) وَمُلَخَّص مَا قَالَه الْغَزالِيّ أَن الرّوح لَيْسَ بجسم يحل الْبدن حُلُول المَاء فِي الْإِنَاء، وَلَا هُوَ عرض يحل الْقلب والدماغ حُلُول الْعلم فِي الْعَالم، بل هُوَ جَوْهَر لِأَنَّهُ يعرف نَفسه وخالقه وَيدْرك المعقولات، وَهُوَ بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء جُزْء لَا يتَجَزَّأ وَشَيْء لَا يَنْقَسِم إِلَّا أَن لفظ الْجُزْء غير لَائِق بِهِ، لِأَن الْجُزْء إِضَافَة إِلَى الْكل وَلَا كل هَهُنَا، فَلَا جُزْء إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ مَا يُرِيد الْقَائِل بقوله: الْوَاحِد جُزْء من الْعشْرَة، فَإِذا أخذت جَمِيع الموجودات أَو جَمِيع مَا بِهِ قوام الْإِنْسَان فِي كَونه إنْسَانا كَانَ الرّوح وَاحِدًا من جُمْلَتهَا، لَا هُوَ دَاخل وَلَا هُوَ خَارج وَلَا هُوَ مُنْفَصِل وَلَا هُوَ مُتَّصِل، بل هُوَ منزه عَن الْحُلُول فِي الْمحَال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات، مقدس عَن هَذِه الْعَوَارِض، وَلَيْسَ هَذَا تَشْبِيها وإثباتا لأخص وصف الله تَعَالَى فِي حق الرّوح، بل أخص وَصفه تَعَالَى أَنه قيوم أَي: قَائِم بِذَاتِهِ، وكل مَا سواهُ قَائِم بِهِ، فالقيومية لَيست إِلَّا لله تَعَالَى، وَمن قَالَ إِن الرّوح مَخْلُوق أَرَادَ أَنه حَادث وَلَيْسَ بقديم، وَمن قَالَ إِنَّه غير مَخْلُوق أَرَادَ أَنه غير مُقَدّر بكمية فَلَا يدْخل تَحت المساحة وَالتَّقْدِير
ثمَّ اعْلَم أَن الرّوح هُوَ الْجَوْهَر الْعلوِي الَّذِي قيل فِي شَأْنه: {قل الرّوح من أَمر رَبِّي} يَعْنِي أَنه مَوْجُود بِالْأَمر وَهُوَ الَّذِي يسْتَعْمل فِيمَا لَيْسَ لَهُ مَادَّة فَيكون وجوده زمانيا لَا بالخلق، وَهُوَ الَّذِي يسْتَعْمل فِي ماديات، فَيكون وجوده آنيا، فبالأمر تُوجد الْأَرْوَاح، وبالخلق تُوجد الْأَجْسَام المادية قَالَ الله تَعَالَى: {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره} وَقَالَ: {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره} والأرواح عندنَا أجسام لَطِيفَة غير مادية، خلافًا للفلاسفة، فَإِذا كَانَ الرّوح غير مادي كَانَ لطيفا نورانيا غير قَابل للانحلال، ساريا(1/469)
فِي الْأَعْضَاء للطافته، وَكَانَ حَيا بِالذَّاتِ، لِأَنَّهُ عَالم قَادر على تَحْرِيك الْبدن، وَقد ألف الله بَين الرّوح وَالنَّفس الحيوانية، فالروح بِمَنْزِلَة الزَّوْج، وَالنَّفس الحيوانية كَالزَّوْجَةِ، وَجعل بَينهمَا تعاشقا، فَمَا دَامَ الرّوح فِي الْبدن كَانَ الْبدن بِسَبَبِهِ حَيا يقظان، وَإِن فَارقه لَا بِالْكُلِّيَّةِ، بل كَانَ تعلقه بَاقِيا بِبَقَاء النَّفس الحيوانية فِيهِ كَانَ الْبدن نَائِما، وَإِن فَارقه بِالْكُلِّيَّةِ بِأَن لم تبْق النَّفس الحيوانية فِيهِ فالبدن ميت، ثمَّ الْأَرْوَاح الْمَخْصُوصَة متحدة فِي الْمَاهِيّة لتصير أشخاص الْإِنْسَان مَاهِيَّة وَاحِدَة، ثمَّ هِيَ أَصْنَاف، بَعْضهَا فِي غَايَة الصفاء، وَبَعضهَا فِي غَايَة الكدورة، (وَهِي حَادِثَة أما عندنَا فَلِأَن كل مُمكن حَادث، لَكِن قبل حُدُوث النَّفس) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " خلق الله الْأَرْوَاح قبل الأجساد بألفي عَام " وَعند أرسطو: حَادِثَة مَعَ الْبدن، وَعند الْبَعْض: قديمَة لِأَن كل حَادث مَسْبُوق بمادة وَلَا مَادَّة لَهُ، وَهَذَا ضَعِيف. والأرواح لَا تفنى أما عِنْد الفلاسفة فَلِأَن المجردات لَو قبلت خلع صُورَة وَأخذ أُخْرَى كَانَت بَاقِيَة مَعَ الْأُخْرَى فَلَا تكون فانية، وَأَيْضًا لَو قبلت الفناء لوَجَبَ بَقَاء الْقَابِل مَعَ المقبول فنكون بَاقِيَة مَعَ الفناء هَذَا خلف
وَالْحق أَن الْجَوْهَر الفائض عَن الله المشرف بالاختصاص بقوله: {ونفخت فِيهِ من روحي}
(الَّذِي من شَأْنه أَن يحيا بِهِ مَا يتَّصل بِهِ) لَا يكون من شَأْنه أَن يفنى مَعَ إِمْكَان هَذَا، وَالْأَخْبَار الدَّالَّة على بَقَائِهِ بعد الْمَوْت وإعادته إِلَى الْبدن وخلوده دَالَّة على أبديته
وَاتفقَ الْعُقَلَاء على أَن الْأَرْوَاح بعد الْمُفَارقَة عَن الْأَبدَان تنْتَقل إِلَى جسم آخر بِحَدِيث: " إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي أَجْوَاف طير خضر " إِلَى آخِره لَكِن اخْتلفُوا هَل تكون مُدبرَة لذَلِك الْجِسْم أَو لَا؟ فَذهب عُلَمَاؤُنَا إِلَى صِحَة ذَلِك بِدَلِيل آخر الحَدِيث، وَقَالَت الْحُكَمَاء: لَا يَصح أَن تكون مُدبرَة لتِلْك الْأَبدَان، وَإِلَّا لَكَانَ تناسخا، وَهُوَ بَاطِل، وَوَافَقَ محققو الصُّوفِيَّة الْعلمَاء وَمنعُوا لُزُوم التناسخ، لِأَن لُزُومه على تَقْدِير عدم عودهَا إِلَى جسم نَفسهَا الَّذِي كَانَت فِيهِ، وَالْعود حَاصِل فِي النشأة الجنانية وَإِنَّمَا هَذَا التَّعَلُّق فِي النشأة البرزخية، وَإِنَّمَا سمي الرّوح روحا لكَونه فِي روح، أَي فِي نعيم وسرور وراحة لعلمه بربه ومشاهدته إِيَّاه، أَو لِأَنَّهُ رَاح فِي فسحات أفلاك معرفَة خالقه بِقُوَّة مَا، وَرَاح أَيْضا فِي معرفَة نَفسه بِمَا هُوَ فَقير إِلَى ربه وموجده، فَكَأَنَّهُ أَمر من (رَاح، يروح) فَلَمَّا نقل من الْأَمر إِلَى الِاسْم ردَّتْ الْوَاو كَمَا دخل عَلَيْهِ التَّعْرِيف فَإِن حذف الْوَاو إِنَّمَا كَانَ لالتقاء الساكنين فَكَأَنَّهُ إِذا طلب من جِهَة قيل: رَاح إِلَى جِهَة أُخْرَى وَالروح بِمَا بِهِ حَيَاة الْبدن نَحْو: {ويسألونك عَن الرّوح} وَالْأَمر نَحْو: {وروح مِنْهُ}(1/470)
وَالْوَحي نَحْو: {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ} و {يلقِي الرّوح من أمره}
وَالْقُرْآن نَحْو: {أَوْحَينَا إِلَيْك روحا من أمرنَا}
وَالرَّحْمَة نَحْو: {وأيدهم بِروح مِنْهُ}
والحياة نَحْو: {فَروح وَرَيْحَان}
وَجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نَحْو: {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا}
وَملك عَظِيم نَحْو: {يَوْم يقوم الرّوح}
وجنس من الْمَلَائِكَة نَحْو: {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح} (وَجهه كوجه الْإِنْسَان، وَجَسَده كالملائكة)
وَعِيسَى النَّبِي أَيْضا
وَالروح الْكُلِّي فِي مرتبَة كَمَال الْقُوَّة النظرية والعملية يُسمى عقلا، وَفِي مرتبَة الانشراح بِنور الْإِسْلَام يُسمى صَدرا، وَفِي مرتبَة المراقبة والمحبة يُسمى قلبا، وَفِي مرتبَة الْمُشَاهدَة يُسمى سرا، وَفِي مرتبَة التجلي يُسمى روحا
وَالروح مؤنث إِذا كَانَ بِمَعْنى النَّفس، ومذكر إِذا كَانَ بِمَعْنى المهجة
الرَّحْمَة: هِيَ حَالَة وجدانية تعرض غَالِبا لمن بِهِ رقة الْقلب، وَتَكون مبدأ للانعطاف النفساني الَّذِي هُوَ مبدأ الْإِحْسَان، وَلما لم يَصح وَصفه تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ لكَونهَا من الكيفيات، وَهِي أَجنَاس تحتهَا أَنْوَاع، فإمَّا أَن يَتَّصِف الْبَارِي بِكُل مِنْهَا وَهُوَ محَال، أَو بِبَعْضِهَا الْمُخَصّص فَيلْزم الِاحْتِيَاج، أَو بمخصص فَيلْزم التَّرْجِيح، أَو لَا يَتَّصِف بِشَيْء وَهُوَ الْمَطْلُوب لَا جرم حمل على الْمجَاز وَهُوَ الإنعام على عباده، فرحمة الله مجَاز عَن نفس الإنعام، كَمَا أَن غَضَبه مجَاز عَن إِرَادَة الانتقام، وَأَنت خَبِير بِأَن الْمجَاز من عَلامَة صِحَّته النَّفْي عَنهُ فِي نفس الْأَمر، كَقَوْلِك للرجل الشجاع لَيْسَ بأسد، وَنفي الرَّحْمَة عَنهُ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيح، وَلَك أَن تحمله على الِاسْتِعَارَة التمثيلية
وَالرَّحْمَة هِيَ أَن يُوصل إِلَيْك المسار
والرأفة هِيَ أَن يدْفع عَنْك المضار
والرأفة إِنَّمَا تكون بِاعْتِبَار إفَاضَة الكمالات والسعادات الَّتِي بهَا يسْتَحق الثَّوَاب، فالرحمة من بَاب التَّزْكِيَة، والرأفة من بَاب التَّخْلِيَة
والرأفة مُبَالغَة فِي رَحْمَة مَخْصُوصَة هِيَ رفع الْمَكْرُوه وَإِزَالَة الضّر، فَذكر الرَّحْمَة بعْدهَا فِي الْقُرْآن مطردا لتَكون أَعم وأشمل، وَاسْتشْكل قَوْله تَعَالَى: {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف فَإِن ربكُم لرؤوف رَحِيم} تَأمل وَرَحْمَة الله عَامَّة وسعت كل شَيْء، وَصلَاته خَاصَّة بخواص عباده
وَالرَّحْمَة: الْإِسْلَام نَحْو: {يخْتَص برحمته من يَشَاء}
وَالْإِيمَان نَحْو: {وآتاني رَحْمَة من عِنْده}
وَالْجنَّة نَحْو: (فَفِي رَحْمَة الله هم فِيهَا(1/471)
خَالدُونَ}
والمطر نَحْو: {بشرا بَين يَدي رَحمته}
وَالنعْمَة نَحْو: {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته}
والنبوة نَحْو: {أهم يقسمون رَحْمَة رَبك}
وَالْقُرْآن نَحْو: {قل بِفضل الله وبرحمته}
والرزق نَحْو: {خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي}
والنصر وَالْفَتْح نَحْو: {أَو أَرَادَ بكم رَحْمَة}
والعافية نَحْو: {أَو أرادني برحمة}
والمودة نَحْو: {رحماء بَينهم}
وَالسعَة نَحْو: {تَخْفيف من ربكُم وَرَحْمَة}
وَالْمَغْفِرَة نَحْو: {كتب على نَفسه الرَّحْمَة}
والعصمة نَحْو: {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم}
الرُّخْصَة: هِيَ لُغَة عبارَة عَن التَّوسعَة واليسر والسهو وَشَرِيعَة: اسْم لما يُغير من الْأَمر الْأَصْلِيّ لعَارض أَمر إِلَى يسر وَتَخْفِيف، كَصَلَاة السّفر ترفها وتوسعة على أَصْحَاب الْأَعْذَار، [لقَوْله تَعَالَى: {وَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر} وَقَوله تَعَالَى: {إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا} فَلَا يجوز تَخْصِيص هَذَا الْعَام بِمَا قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن الرُّخْصَة شرعت ترفها فَلَا يناط بالمعصية]
ثمَّ الرُّخْصَة حَقِيقِيَّة ومجازية فالحقيقية على ضَرْبَيْنِ:
مَا يظْهر التغاير فِي حكمه مَعَ بَقَاء وصف الْفِعْل وَهُوَ الْحُرْمَة أَي: يرْتَفع الحكم وَهُوَ الْمُؤَاخَذَة مَعَ بَقَاء الْفِعْل محرما كإجراء كلمة الْكفْر على اللِّسَان فِي حَالَة الْإِكْرَاه مَعَ اطمئنان الْقلب بِالْإِيمَان، وَإِتْلَاف مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فِي حَالَة الْإِكْرَاه والمخصمة، وكإفطار صَوْم رَمَضَان بِالْإِكْرَاهِ يرخص لَهُ الْإِقْدَام فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَعَ بَقَاء حُرْمَة الْفِعْل، حَتَّى لَو امْتنع وبذل نَفسه تَعْظِيمًا لنهي الله فَقتل أَو مَاتَ جوعا يُثَاب على ذَلِك بِبَقَاء الْوَصْف وصف الْفِعْل وَمَا يظْهر التَّغْيِير فِي الحكم وَفِي وصف الْفِعْل أَيْضا، وَهُوَ أَن لَا يبْقى الْفِعْل محرما كشرب الْخمر وَتَنَاول الْميتَة فِي حَال الْإِكْرَاه أَو المخمصة، فَفِي هَذَا النَّوْع ارْتَفَعت الْحُرْمَة والمؤاخذة جَمِيعًا حَتَّى لَو امْتنع فَقتل أَو مَاتَ جوعا يُؤَاخذ بِهِ
وَأما الرُّخْصَة المجازية فكوضع الإصر والأغلال الَّتِي كَانَت مَشْرُوعَة على الْأُمَم السالفة
والرخص لَا يُقَاس عَلَيْهَا، وَإِذا شاعت قد يُقَاس عَلَيْهَا كَمَا تقرر فِي الْأُصُول
الرزق: هُوَ يُقَال للعطاء الْجَارِي دنيويا كَانَ أَو دينيا، وللنصيب، وَلما يصل إِلَى الْجوف ويتغذى بِهِ وَفِي " الْجَوْهَرِي ": هُوَ مَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يلْزمه أَن(1/472)
يكون مَأْكُولا
[وَفِي " التَّبْصِرَة ": يَقع عندنَا على الْغذَاء وَالْملك جَمِيعًا، وَفِي " الْكِفَايَة ": يَقع عندنَا على الْملك والمدد الَّذِي يصل إِلَى العَبْد بِوَاسِطَة، وَيدل على أَن الرزق لَا يخْتَص بالمتربي بِهِ أَنه مَأْمُور بِالْإِنْفَاقِ من الرزق، وَلَيْسَ كَذَلِك المتربي بِهِ والرزق]
وَلَا يتَنَاوَل الْحَرَام عِنْد الْمُعْتَزلَة، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} فَإِن إِنْفَاق الْحَرَام بمعزل عَن إِيجَاب الْمَدْح وَتمسك أَصْحَابنَا بشمول الرزق للْحَلَال وَالْحرَام بِحَدِيث: " وَالله لقد رزقك الله حَلَالا طيبا فاخترت مَا حرم الله عَلَيْك من رزقه مَكَان مَا أحل لَك من حَلَاله، [وَاسْتِحْقَاق الْعقَاب على سَوَاء الِاخْتِيَار وَمُخَالفَة الْأَمر فِي الطّلب من وُجُوه الْحل بالأسباب الَّتِي جعلت فِي أَيدي الْعباد]
وَبِأَنَّهُ لَو لم يكن رزقا لم يكن المتغذي بِهِ طول عمره مرزوقا وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} وَلما كَانَ فَائِدَة زَائِدَة لذكر الْحَلَال فِي قَوْله تَعَالَى: {وكلوا مِمَّا رزقكم الله حَلَالا طيبا} والرزق الْحَاصِل للعباد باختيارهم كحصوله بالتجارات وَقبُول الهبات وَالصَّدقَات والغصوب والسرقات وَغير ذَلِك، أَو بِغَيْر اختيارهم كحصوله بالأرث، فَهَذِهِ الْأَفْعَال كلهَا مخلوقة لله تَعَالَى، فَكَانَ الْحَاصِل بهَا أَيْضا مخلوقا لله تَعَالَى
والرزاق لَا يُقَال إِلَّا لله تَعَالَى، والرزاق يُقَال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب لَهُ، وَهُوَ الله تَعَالَى وَيُقَال للْإنْسَان الَّذِي يصير سَببا فِي وُصُول الرزق، رَازِق لَهُ
[وَاعْلَم: المقدورات المختصة بالكليات محصورة فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء وَهِي: الْعُمر والرزق وَالْأَجَل والسعادة والشقاوة، لَيْسَ للْإنْسَان وَغَيره فِي ذَلِك قصد وَلَا عمل وَلَا سعي، بل ذَلِك نتيجة قَضَاء الله وَقدره بِمُوجب علمه السَّابِق الثَّابِت الحكم أزلا وأبدا، الْمُقْتَضِي تعلقه بالمعلوم، وَلِهَذَا نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم حَبِيبَة عَن الدُّعَاء فِيهِ، بِخِلَاف المقدورات المختصة بالجزئيات التفصيلية فَإِن حُصُول بَعْضهَا للْإنْسَان قد يتَوَقَّف على أَسبَاب وشروط، وَرُبمَا كَانَ الدُّعَاء وَالْكَسْب وَالسَّعْي والتعمل من جُمْلَتهَا، بِمَعْنى أَنه لم يقدر حُصُوله بِدُونِ ذَلِك الشَّرْط أَو الشُّرُوط، وَلِهَذَا بعد مَا نهاها حرضها على طلب الْإِجَارَة من عَذَاب الْقَبْر وَالنَّار
ثمَّ الرزق وَالْأَجَل مخصصان من عُمُوم قَوْله تَعَالَى: {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} وَالْمرَاد بِالزِّيَادَةِ والحرمان فيهمَا لازمهما من الْخَيْر وَالْبركَة والراحة وَعدمهَا، فالكسب يزِيد المَال وَلَا يزِيد الرزق، وَترك الْكسْب ينقص المَال وَلَا ينقص الرزق، وَكَذَلِكَ الطَّاعَات تزيد الدَّرَجَات وَلَا تزيد الْإِيمَان، وَترك الطَّاعَات ينقص الدَّرَجَات وَلَا ينقص الْإِيمَان، وَيَقُول الْبَعْض: لَو لم أكتسب لما وجدت الرزق، وَبَعْضهمْ يَقُول: لَو تركت الْكسْب لوجدت مَا وجدت بالرزق، وَبَعْضهمْ يَقُول: هَذَا من الله وَمن كسبي، فَالْأول مشْعر بالاعتزال، وَلَا(1/473)
يدل على الاتكال بِالْكَسْبِ، وَالثَّانِي مشْعر بالجبر وإنكار السَّبَب، وَالثَّالِث هُوَ الصَّوَاب، لِأَنَّهُ لم يُنكر السَّبَب وَلم يُنكر تَأْثِير الله تَعَالَى فِي الْأَسْبَاب، فَمن ترك الْكسْب فَلَيْسَ بمتوكل، وَمن اتكل بِالْكَسْبِ دون الله تَعَالَى فَلَيْسَ بموحد]
الرُّؤْيَة: حَقِيقَة الرُّؤْيَة إِذا أضيفت إِلَى الْأَعْيَان كَانَت بالبصر، وَقد يُرَاد بهَا الْعلم مجَازًا بِالْقَرِينَةِ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ إِلَى رَبك} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته ". وَكَذَا يُرَاد بهَا الكينونة عِنْد الْإِضَافَة إِلَى مَكَان لتعارف النَّاس، وَمِنْه قَول الْأَعْمَى: (رَأينَا الْهلَال بِالْكُوفَةِ)
والرؤية مَعَ الْإِحَاطَة تسمى إدراكا وَهِي المُرَاد فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} حَيْثُ نفى مَا يتَبَادَر من الْإِدْرَاك من الْإِحَاطَة بالغايات والتحديد بالنهايات فَلَا تتوهم أَنه يرى لصورة أَو شكل مَخْصُوص، وَلَا يلْزم من النَّفْي على هَذَا الْوَجْه نفي الرُّؤْيَة عَنهُ تَعَالَى، والمدح فِي الشق الْأَخير، إِذْ من الموجودات مَا لَا يدْرك بالأبصار، والامتداح بِمَا وَقع بِهِ الِاشْتِرَاك بَينه وَبَين مَا لَيْسَ بممدوح محَال كَمَا إِذا قَالَ: (أَنا مَوْجُود وَذَات) . وَقَوله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {لن تراني} يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، إِذْ لم يسْأَل الرُّؤْيَة فِي غَيرهَا، وَالْمرَاد ب (لن) التَّأْكِيد لَا التَّأْبِيد، أَو التَّأْبِيد فِي حق السَّائِل. الدُّنْيَا. وَقَوله: {تبت إِلَيْك} أَرَادَ بِهِ أَن لَا يرجع إِلَى مثل تِلْكَ الْمَسْأَلَة، لما رأى من الْأَهْوَال، لَا لكَونه غير جَائِز فِي نَفسه، أَو حينما رأى تِلْكَ الْأَهْوَال تذكر لَهُ ذَنبا فأقلع عَنهُ بِالتَّوْبَةِ
فِي " التَّمْهِيد ": من ظن أَن سيدنَا مُوسَى سَأَلَ الرُّؤْيَة من غير إِذن من الله تبَارك وَتَعَالَى فقد سوى بَينه وَبَين المجازفين فِي أَقْوَالهم وأفعالهم، كَيفَ وَالظَّاهِر من أَحْوَال الْأَنْبِيَاء انْتِظَار الْوَحْي خُصُوصا فِي هَذَا السُّؤَال. قَالَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور الماتريدي رَحمَه الله: إِنَّا لَا نثبت صِحَة رُؤْيَة الْبَارِي جلّ شَأْنه بالدلائل الْعَقْلِيَّة بل نتمسك بظواهر الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث، فَإِن أَرَادَ الْخصم تَأْوِيل هَذِه الدَّلَائِل صرفهَا عَن جواهرها بِوُجُوه عقلية يتَمَسَّك بهَا فِي نفي الرُّؤْيَة اعترضنا على دلائلهم وَبينا ضعفها ومنعناهم عَن تَأْوِيل هَذِه الدَّلَائِل، واستحال الإِمَام أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله رُؤْيَة الله تَعَالَى فِي الْمَنَام، وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَإِن جوزه بعض الْأَئِمَّة بِلَا مِثَال وَلَا كَيْفيَّة، وَأما الرُّؤْيَة فِي الْآخِرَة فقد ثَبت ذَلِك بالنصوص القطعية قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: إِن الْعين والحدقة يَوْم الْقِيَامَة لَا تبقى على هَذِه الطبيعة، بل تنحرف الْقُدْرَة إِلَى الْحِكْمَة وَبِالْعَكْسِ، وَالْقلب إِلَى الْعين وَبِالْعَكْسِ، وَيكون الْهَوَاء غير مَا عَلمته، والشعاع غير مَا فهمته والأكوان والألوان على غير مألوفك ومعهودك، فَلَمَّا كَانَ الْعين فِي الْآخِرَة بِمَنْزِلَة الْقلب فِي الدُّنْيَا، وَالْقلب فِيهَا يعلم وَيرى، وَالْبَصَر لَا يدْرك، إِذْ الْإِدْرَاك غير، والرؤية غير فَهُوَ سُبْحَانَهُ مرئي الْقلب معلومه، غير مدرك للبصرية، وَهَكَذَا فِي الْآخِرَة مرئي الْعين غير مدرك لَهَا، إِذا جلّ أمره عَن الْإِدْرَاك، بل الْإِدْرَاك يُؤذن بالاشتراك](1/474)
فَلَا ينتهض شُبْهَة فِي خطئه وجهله بذلك وَلما كَانَت الرُّؤْيَة مَحْض كَرَامَة اخْتصّت بدار الْآخِرَة، بِخِلَاف الْكَلَام، فَإِنَّهُ يَلِيق بِحَال الِابْتِلَاء، إِذْ فِيهِ الْأَمر وَالنَّهْي وَقَوله: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} ، حمله كثير من الْمُتَكَلِّمين على الْجَارِحَة. وَقيل: ذَلِك إِشَارَة إِلَى ذَلِك وَإِلَى الأوهام والأفهام كَمَا قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ: التَّوْحِيد أَن لَا تتوهمه وكل مَا أَدْرَكته فَهُوَ غَيره والرؤية من الزّجاج رُؤْيَة حَقِيقِيَّة، وَلِهَذَا حرم أصل المنظور إِلَى فرجهَا الدَّاخِل من الزّجاج وفرعها، وَعدم سُقُوط خِيَار المُشْتَرِي بِرُؤْيَة الدّهن فِي الزّجاج، لَا لعدم كَون تِلْكَ الرُّؤْيَة حَقِيقَة لوُجُود الْحَائِل، بل الْعلَّة التَّامَّة أَن الدّهن مِمَّا يطعم فَلَا تَكْفِي الرُّؤْيَة فِي الْخَارِج، فَإِن المُرَاد من الرُّؤْيَة الْعلم بِالْمَقْصُودِ على مَا صَرَّحُوا بِهِ، فَيشْتَرط فِيهِ الذَّوْق، كَمَا يشْتَرط فِي المشمومات الشم
والرؤية بالحاسة نَحْو: {لترون الْجَحِيم} وَبِمَا يجْرِي مجْرى الرُّؤْيَة نَحْو: {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} وبالوهم والتخييل نَحْو: {إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة} وبالتفكر نَحْو: {إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ} وبالفعل وَعَلِيهِ: {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} ، {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى}
والرؤية إِن كَانَت بِمَعْنى الْعلم فمعلقة بالاستفهام كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم المَاء الَّذِي تشربون}
والرؤيا كالرؤية، غير أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِمَا يكون فِي النّوم فرقا بَينهمَا كالقرية والقربى، وَهِي انطباع الصُّورَة المنحدرة من أفق المخيلة إِلَى الْحس الْمُشْتَرك
وَرَأى رُؤْيا: اخْتصَّ بالمنام ورؤية: بِالْعينِ
ورؤيا: بِالْقَلْبِ
وَرَأى بِمَعْنى (ظن) يتَعَدَّى إِلَى مفعولين
وَأرى يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل
(وَمعنى أريت زيدا عمرا فَاضلا: جعلت زيدا ظَانّا أَن عمرا فَاضلا)
وَمعنى أرِي زيد عمرا فَاضلا: على بِنَاء الْمَفْعُول: جعل زيد ظَانّا أَن عمرا فَاضل وَلم يسمع (أرِي) بِمَعْنى الظَّن إِلَّا مَبْنِيا للْمَفْعُول وَهُوَ غَرِيب لَا يسْتَعْمل إِلَّا هَكَذَا [الرّقّ؛ فِي اللُّغَة: الضعْف، وَمِنْه رقة الْقلب، وَالْعِتْق ضِدّه، لِأَنَّهُ قُوَّة حكمِيَّة]
الرَّقِيق: هُوَ الْمَمْلُوك كلا أَو بَعْضًا
والقن: هُوَ الْمَمْلُوك كلا، وَالرّق: ضعف حكمي يصير الشَّخْص بِهِ عرضة للتَّمَلُّك والابتذال؛ شرع جَزَاء للكفر الْأَصْلِيّ [لِأَن الْكَفَرَة لما استنكفوا أَن يَكُونُوا عبادا لله جازاهم الله بِأَن جعلهم عبيد عبيده، لَكِن الرّقّ فِي حَالَة الْبَقَاء لَا يكون بطرِيق الْجَزَاء بل بالحكم الثَّابِت من الله تَعَالَى بِلَا جِنَايَة من العَبْد، أَلا يرى أَن الْمَوْلُود من الْمُسلم رَقِيق وَإِن لم يُوجد مِنْهُ مَا يسْتَحق بِهِ الرّقّ، وَالرّق وصف(1/475)
لَا يحْتَمل التجزيء كَالْعِتْقِ] وَالْملك عبارَة عَن الْمُطلق الحاجر أَي الْمُطلق للتَّصَرُّف لمن قَامَ بِهِ الْملك الحاجر عَن التَّصَرُّف لغير من قَامَ بِهِ، وَقد يُوجد الرّقّ وَلَا ملك ثمَّة كَمَا فِي الْكَافِر الْحَرْبِيّ فِي دَار الْحَرْب، والمستأمن فِي دَار الْإِسْلَام، لأَنهم خلقُوا أرقاء جَزَاء للكفر، وَلَكِن لَا ملك لأحد عَلَيْهِم وَقد يُوجد الْملك وَلَا رق كَمَا فِي الْعرُوض والبهائم، لِأَن الرّقّ مُخْتَصّ ببني آدم، وَقد يَجْتَمِعَانِ كَالْعَبْدِ المُشْتَرِي
الرسَالَة؛ فِي اللُّغَة: تحميل جملَة من الْكَلَام إِلَى الْمَقْصُود بِالدّلَالَةِ، وَهُوَ حد صَحِيح، لما أَن كل رِسَالَة فِيمَا بَين الْخلق هِيَ الوساطة بَين الْمُرْسل والمرسل إِلَيْهِ فِي إِيصَال الْأَخْبَار، وَالْأَحْكَام دَاخِلَة فِي هَذَا الْحَد، فَإِذا قَالَ لرَسُوله: " بِعْت هَذَا من فلَان الْغَائِب بِكَذَا فَاذْهَبْ وَأخْبرهُ " وَجَاء الرَّسُول وَأخْبر الْمُرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ الْمُرْسل إِلَيْهِ فِي مجْلِس الْبلُوغ: اشْتَرَيْته أَو قبلته تمّ البيع بِهِ، لِأَن الرَّسُول معبر وسفير، فَكَلَامه ككلام الْمُرْسل ثمَّ أطلقت الرسَالَة على الْعبارَات الْمُؤَلّفَة والمعاني الْمُدَوَّنَة لما فِيهَا من إِيصَال كَلَام الْمُؤلف وَمرَاده إِلَى الْمُؤلف لَهُ، وَأَصلهَا الْمجلة أَي: الصَّحِيفَة الْمُشْتَملَة على كتب الْمسَائِل من فن وَاحِد
وَالْكتاب: هُوَ الَّذِي يشْتَمل على الْمسَائِل سَوَاء كَانَت قَليلَة أَو كَثِيرَة من فن أَو فنون، وَالرَّسُول مصدر وصف بِهِ فَإِنَّهُ مُشْتَرك بَين الْمُرْسل والرسالة، وَلذَلِك ثني تَارَة وافرد أُخْرَى، وَهُوَ من يبلغ أَخْبَار بَعثه لمقصوده، سمي بِهِ النَّبِي الْمُرْسل لتتابع الْوَحْي إِلَيْهِ، إِذْ هُوَ (فعول) بِمَعْنى (مفعول) ، ورسل الله تَارَة يُرَاد بهَا الْأَنْبِيَاء وَتارَة الْمَلَائِكَة، فَمن الْملك: {والمرسلات عرفا} و {إِنَّا رَسُولا رَبك} وَهُوَ بِاعْتِبَار الْمَلَائِكَة أَعم من النَّبِي، وَبِاعْتِبَار الْبشر أخص مِنْهُ، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيله إِن شَاءَ الله [فِي بحث النَّبِي]
وَأول رَسُول أرْسلهُ الله إِلَى أهل الأَرْض نوح عَلَيْهِ السَّلَام أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} أَنه قَالَ: ذكر لنا أَنه كَانَ بَين آدم ونوح عشرَة قُرُون، كلهم على الْهدى وعَلى شَرِيعَة من الْحق، ثمَّ اخْتلفُوا بعد ذَلِك فَبعث الله نوحًا
الرشد: الاسْتقَامَة على طَرِيق الْحق مَعَ تصلب فِيهِ، وغالب اسْتِعْمَاله للاستقامة بطرِيق الْعقل، وَيسْتَعْمل للاستقامة فِي الشرعيات أَيْضا، وَيسْتَعْمل اسْتِعْمَال الْهِدَايَة
والرشيد من صِفَات الله بِمَعْنى الْهَادِي إِلَى سَوَاء
الصِّرَاط وَالَّذِي حسن تَقْدِيره فِيمَا قدر، قيل الرشد أخص من الرشد فَإِنَّهُ يُقَال فِي الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة والأخروية
والرشد، محركة: فِي الْأُمُور الأخروية لَا غير
والراشد والرشيد يُقَال فيهمَا أَيْضا والإرشاد أَعم من التَّوْفِيق، لِأَن الله أرشد الْكَافرين بِالْكتاب وَالرَّسُول وَلم يوفقهم
والرشاد: هُوَ الْعَمَل بِمُوجب الْعقل
الرَّد: رده عَن وَجهه: صرفه
ورد عَلَيْهِ الشَّيْء: لم يقبله أَو خطأه(1/476)
ورد إِلَيْهِ جَوَابا: رَجَعَ
(فَمن الأول قَوْله تَعَالَى: {يردوكم على أعقابكم}
وَمن الثَّانِي: {فرددناه إِلَى أمه}
ورددت الحكم إِلَى فلَان: فوضته إِلَيْهِ وَعَلِيهِ: {فَردُّوهُ إِلَى الله وَرَسُوله}
[وَالرَّدّ: اسْم لنَوْع من التَّسْلِيم، فَإِنَّهُ التَّسْلِيم الَّذِي يُعِيد مَا كَانَ ثَابتا وَقد فَاتَ، كَذَا الْأَدَاء وَالتَّسْلِيم
يُقَال: سلم الْمَغْصُوب إِلَى الْمَالِك، وَسلم الْمَبِيع إِلَى المُشْتَرِي وَأَدَّاهُ اليه، وَقد سمى الله تَسْلِيم مِفْتَاح الْكَعْبَة أَدَاء وَهُوَ عين، فَإِن قيل: رد عين الْمَغْصُوب يُقَال لَهُ الْأَدَاء، ولرد قِيمَته الْقَضَاء قُلْنَا: لَا، بل الْمُسْتَعْمل فِي كل مِنْهُمَا الرَّد وَالْأَدَاء، وَالْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ فِي حُقُوق الله المؤقتة، فَإِن أُتِي بهَا فِي أَوْقَاتهَا أَولا يُسمى أَدَاء، وَثَانِيا يُسمى إِعَادَة، وَإِن أُتِي بهَا فِي غير أَوْقَاتهَا عوضا لما فَاتَ يُسمى قَضَاء، وَأما إِطْلَاق لفظ الْأَدَاء وَالْقَضَاء على الدّين فَلَيْسَ لِاتِّحَاد مَعْنَاهُمَا بل بِاعْتِبَار أَن لَهُ شبها بِتَسْلِيم الْعين وشبها بِتَسْلِيم الْمثل]
وَالرِّدَّة: الرُّجُوع فِي الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ، وَكَذَا الارتداد، لَكِن الرِّدَّة تخْتَص بالْكفْر وَهُوَ أَعم قَالَ الله تَعَالَى: {إِن الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم} وَقَالَ: {فَارْتَد بَصيرًا}
وَقَوْلهمْ: ردا مَنْصُوب بِكَوْنِهِ مَفْعُولا لَهُ، وَيجوز أَن يَجْعَل حَالا، لِأَن الْمصدر قد يُقَام مقَام اسْم الْفَاعِل
الرّفْع.: هُوَ ضد الْوَضع، والتبليغ، وَالْحمل، وتقريبك الشَّيْء، وَمن ذَلِك: رفعته إِلَى الْأَمِير
وَالرَّفْع أَعم من الضَّم لوُقُوعه على الضَّم وَالْألف والبواقي، وأخص مِنْهُ أَيْضا، لِأَن الضَّم قد يكون علم على الْعُمْدَة كَمَا فِي (جَاءَنِي الرجل) وَقد لَا يكون كَمَا فِي (حَيْثُ) وَكَذَا الْكَلَام فِي النصب والجر
والكوفيون يطلقون الرّفْع وَالضَّم على حَرَكَة الْمَبْنِيّ والمعرب، وَالْمَرْفُوع والمضموم على المعرب والمبني
وَالرَّفْع والخفض مستعملان عِنْد الْعَرَب فِي الْمَكَان والمكانة والعز والإهانة
وَرفع الْأَجْسَام الْمَوْضُوعَة إعلاؤها، وَالْبناء تطويله، وَالذكر تنويهه، والمنزلة تشريفها
الركب: هُوَ من ركب الدَّوَابّ، وَكَذَا الركْبَان
والركاب: من ركب السَّفِينَة
وَفعل الرّكُوب إِذا تعلق بالدواب يتَعَدَّى بِنَفسِهِ، وَإِذا تعلق بالفلك يتَعَدَّى بِكَلِمَة (فِي) وَقَوله تَعَالَى: {وَجعل لكم من الْفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} على التغليب
وَالْعرب لَا يطلقون لفظ الركب إِلَّا على رَاكب الْبَعِير، وتسمي رَاكب الْفرس فَارِسًا فِي " الْقَامُوس ": وَيُقَال مر فَارس على بغل، وَكَذَا كل ذِي حافر
والمركب: (كمعظم) اخْتصَّ بِمن يركب فرس غَيره مستعيرا وبمن يضعف عَن الرّكُوب(1/477)
وَالرُّكُوب والارتكاب: قريبان فِي الْمَعْنى، إِلَّا أَن فِي الارتكاب نوع تكلّف وَشدَّة وَقيل: الرّكُوب فِي الْفرس، والارتكاب فِي الرَّاحِلَة
الرّيع: بنقتطين من تَحت: الزِّيَادَة يُقَال: طَعَام كثير الرّيع، وَمِنْه: نَاقَة ريعانة: إِذا كثر ريعها أَي: درها
وَالرّبع، بِنُقْطَة وَاحِدَة من تَحت: هُوَ الدَّار حَيْثُ كَانَت، وَقيل: هُوَ المربع: الْمنزل فِي الرّبيع خَاصَّة
وَالْعَقار: الْمنزل فِي الْبِلَاد
والضياع: الْمنزل فِي طلب الْكلأ، وَكَذَا المنجع)
والرحل: الْمنزل بِدَلِيل: " إِذا ابتلت النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال "
وَلَيْسَ فِي أَجنَاس الْآلَات مَا يُسمى رحلا إِلَّا سرج الْبَعِير
والرحلة، بالسكر: الارتحال
و [الرحلة] ، بِالضَّمِّ: الْوَجْه الَّذِي تريده
الراهب: هُوَ وَاحِد رُهْبَان النَّصَارَى
والقسيس: رَئِيس النَّصَارَى فِي الْعلم
والرهبانية: هِيَ الْمُبَالغَة فِي الْعِبَادَة والرياضة والانقطاع عَن النَّاس
والربانيون: عُلَمَاء أهل الْإِنْجِيل
والأحبار: عُلَمَاء أهل التَّوْرَاة
وَقيل: الربانيون هم الَّذين فِي الْعَمَل أَكثر وَفِي الْعلم أقل، والأحبار هم الَّذين كَانُوا أَكثر فِي الْعلم وَالْعَمَل وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هما وَاحِد وهم الْعلمَاء
الرضى: قَالَ أَبُو عَليّ الْجِرْجَانِيّ: وزن (رَضِي) (فعل) ولامه معتل بِمَنْزِلَة لَام (حجي) وَهِي كلمة وضعت على هَذِه الْخلقَة
وَفِي " الْقَامُوس ": الرضاء: المراضاة، وبالقصر المرضاة
وَرَضي بِهِ وَعَلِيهِ وَعنهُ بِمَعْنى، وَهُوَ كَمَال إِرَادَة وجود شَيْء
والمحبة: إفراطه
والرضى: أخص من الْإِرَادَة، لِأَن رضى الله ترك الِاعْتِرَاض لَا الْإِرَادَة كَمَا قَالَت الْمُعْتَزلَة (فَإِن الْكفْر مَعَ كَونه مرَادا لَهُ تَعَالَى لَيْسَ مضريا عِنْده، لِأَنَّهُ يعْتَرض عَلَيْهِ ويؤاخذ بِهِ)
والرضى قِسْمَانِ: قسم يكون لكل مُكَلّف، وَهُوَ مَا لَا بُد مِنْهُ فِي الْإِيمَان، وَحَقِيقَته قبُول مَا يرد من قبل الله من غير اعْتِرَاض على حكمه وَتَقْدِيره
وَقسم لَا يكون إِلَّا لأرباب المقامات، وَحَقِيقَته ابتهاج الْقلب وسروره بالمقضي
والرضى فَوق التَّوَكُّل، لِأَن الْمحبَّة فِي الْجُمْلَة
والرضوان، بِالْكَسْرِ وَالضَّم بِمَعْنى الرضى
والمرضاة مثله
قَالَ الطَّيِّبِيّ: " الرضْوَان هُوَ الرضى الْكثير، وَلما كَانَ أعظم الرضى رضى الرَّحْمَن خص لفظ الرضْوَان فِي الْقُرْآن بِمَا كَانَ من الله تَعَالَى "
الرجع: هُوَ حَرَكَة ثَانِيَة فِي سمت وَاحِد، لَكِن لَا على مَسَافَة الأولى بِعَينهَا، بِخِلَاف الانعطاف
وَالرُّجُوع: الْعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مَكَانا أَو صفة أَو حَالا يُقَال: رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ وَإِلَى حَالَة الْفقر أَو الْغنى، وَرجع إِلَى الصِّحَّة أَو الْمَرَض أَو غَيره من الصِّفَات(1/478)
[و {بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} من (الرُّجُوع) أَو من (رَجَعَ الْجَواب) وَقَوله تَعَالَى {فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ} من رَجَعَ الْجَواب لَا غير]
وَرجع عوده على بدئه: أَي رَجَعَ فِي الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ، على أَن البدء مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول
وَالرَّجْعَة: الْإِعَادَة يُقَال: رَجَعَ بِنَفسِهِ ورجعته أَنا، والفعلة فِيهِ عبارَة عَن الْمرة
و (رَجَعَ) يسْتَعْمل لَازِما نَحْو: {أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ} ومصدره الرُّجُوع
ومتعديا نَحْو: {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة مِنْهُم} ومصدره الرجع
وَرجع عَن الشَّيْء: تَركه
و [رَجَعَ] إِلَيْهِ: أقبل
ورجعة الْمَرْأَة الْمُطلقَة بِالْفَتْح وَالْكَسْر
وَالرُّجُوع البديعي: هُوَ نقض الْكَلَام السَّابِق لنكتة نَحْو:
(أُفٍّ لهَذَا الدَّهْر ... لَا بل لأَهله)
الريث: هُوَ فِي الأَصْل مصدر (راث) بِمَعْنى أَبْطَأَ، إِلَّا أَنهم أجروه ظرفا كَمَا أجروا مقدم الْحَاج وخفوق النَّجْم، وَهَذَا الْمصدر خَاص لما أضيف إِلَيْهِ الْفِعْل فِي كَلَامهم ك (ريثما خلع) و (ريثما فتح) أَي: قدر خلع وَفتح أَو سَاعَته و (مَا) زَائِدَة، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل مُسْتَثْنى فِي كَلَام منفي، وَحقّ (مَا) أَن تكْتب مَوْصُولَة لِضعْفِهَا من حَيْثُ الزِّيَادَة
وَقَوْلهمْ: مَا وقفت عِنْده إِلَّا ريث مَا قَالَ ذَاك، مَتْرُوك على الأَصْل و (مَا) فِيهِ مَصْدَرِيَّة
الرَّفْض: التّرْك
وَالرَّوَافِض: كل جند تركُوا قائدهم
والرافضة: الْفرْقَة مِنْهُم وَفرْقَة من شيعَة الْكُوفَة بَايعُوا زيد بن عَليّ، وَهُوَ مِمَّن يَقُول بِجَوَاز إِمَامَة الْمَفْضُول مَعَ قيام الْفَاضِل، ثمَّ قَالُوا لَهُ: تَبرأ من الشَّيْخَيْنِ فَأبى وَقَالَ: كَانَا وزيري جدي، فَتَرَكُوهُ ورفضوه وارفضوا عَنهُ، وَالنِّسْبَة رَافِضِي
الروية: هِيَ فِي الأَصْل مَهْمُوزَة من (روأ) فِي الْأَمر: إِذا تَأمل وتفكر، وَهِي تكون قبل الْعَزِيمَة وَبعد البديهة، وَقد أحسن من قَالَ:
(بديهة تحل عرى الْمعَانِي ... إِذا انغلقت فتكفيه الروية)
وَالرِّوَايَة: يعم حكمهَا الرَّاوِي وَغَيره على ممر الْأَزْمَان [بِخِلَاف الشَّهَادَة فَإِنَّهَا] تخص الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَله وَلَا تتعداهما إِلَّا بطرِيق التّبعِيَّة الْمَحْضَة
الرعاف، بِالضَّمِّ: دم خَارج من الْأنف، وقاس الْحَنَفِيّ الرعاف والقيء على الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ، فَقيل: لَا حَاجَة للحنفي إِلَى هَذَا الْقيَاس للاستغناء عَنهُ بِخُصُوص النَّص، وَهُوَ حَدِيث: " من قاء أَو رعف فَليَتَوَضَّأ " وَلم يقل الشَّافِعِي بِنَقْض الْوضُوء بالقيء والرعاف لضعف هَذَا الحَدِيث عِنْده
الرجس: الشَّرّ والمستقذر أَيْضا
والركس: الْعذرَة وَالنَّتن
والرجس وَالنَّجس متقاربان، لَكِن الرجس أَكثر مَا يُقَال فِي المستقذر طبعا، وَالنَّجس أَكثر مَا يُقَال فِي المستقذر عقلا وَشرعا(1/479)
الربض: هُوَ إِذا أضيف إِلَى مَدِينَة يُرَاد بِهِ حواليها، وَإِذا أضيف إِلَى الْغنم يُرَاد مأواها، وَإِذا أضيف إِلَى رجل يُرَاد بِهِ امْرَأَته وكل مَا يأوي إِلَيْهِ
الرتق: هُوَ اتِّحَاد الشَّيْء واجتماعه
والفتق: افتراقه
والرتق، بِالسُّكُونِ: مَا يمْنَع من دُخُول الذّكر فِي الْفرج من غُدَّة غَلِيظَة أَو لحم أَو عظم
والفتق، بِالتَّحْرِيكِ: ضيق الْفرج خلقَة بِحَيْثُ لَا يدْخل الذّكر فِيهِ
الركز: الصَّوْت الْخَفي، وأصل التَّرْكِيب هُوَ الخفاء
والركاز: هُوَ اسْم لما تَحت الأَرْض خلقَة، أَو بدفن الْعباد، غير أَنه حَقِيقَة فِي الْمَعْدن، ومجاز فِي الْكَنْز عِنْد التَّقْيِيد
يُقَال: عِنْده كنز الْعلم
والمعدن: اسْم لما يكون فِيهَا خلقَة
والكنز: اسْم لمدفون الْعباد
والسيوب: دَفِين أَمْوَال الْجَاهِلِيَّة
الرطب: اسْم لثمر النَّخْلَة فِي الْمرتبَة الْخَامِسَة مركبا من القشر وَاللَّحم وَالْمَاء وَيُسمى التَّمْر أَيْضا، وَإِن كَانَ (التَّمْر) اسْما لتمرها فِي الْمرتبَة السَّادِسَة فصارا كاسمين لما فِي الْمرتبَة الْخَامِسَة. وَإِذا زَالَ عَنهُ جُزْء وَهُوَ المَاء، وَاسم وَهُوَ الرطب فِي الْمرتبَة السَّادِسَة بالجفاف بَقِي اسْم آخر وَهُوَ التَّمْر، وجزءان آخرَانِ وهما القشر وَاللَّحم
الرَّأْي: اعْتِقَاد النَّفس أحد النقيضين عَن غَلَبَة الظَّن، وَعَلِيهِ: {يرونهم مثليهم رَأْي الْعين} أَي: يظنونهم بِحَسب مُقْتَض مُشَاهدَة الْعين مثليهم
وَقَالَ بَعضهم: الرَّأْي: هُوَ إجالة الخاطر فِي الْمُقدمَات الَّتِي يُرْجَى مِنْهَا إنتاج الْمَطْلُوب وَقد يُقَال للقضية المستنتجة من الرَّأْي رَأْي، وَيُقَال لكل قَضِيَّة فَرضهَا فارض رَأْي أَيْضا
الرجل: مَعْرُوف، وَإِنَّمَا هُوَ إِذا احْتَلَمَ وشب، أَو هُوَ رجل سَاعَة يُولد
وَفِي " الْقَامُوس ": إِذا بلغ خَمْسَة أشبار فَهُوَ رجل وَاسم الرجل شرعا مَوْضُوع للذات من صنف الذُّكُور من غير اعْتِبَار وصف مُجَاوزَة حد الصغر، أَو الْقُدْرَة على المجامعة، أَو غير ذَلِك، فَيتَنَاوَل كل ذكر من بني آدم حَتَّى دخل الْخصي وَالصَّبِيّ فِي آيَة الْمَوَارِيث الْوَارِدَة باسم الرجل وَالذكر كَقَوْلِه تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة} وَدخل الصَّبِي فِي (وَالله لَا أكلم رجلا) حَتَّى يَحْنَث لَو كلم صَبيا وَخَصِيًّا
الرغد: هُوَ أَن يَأْكُل مَا شَاءَ إِذا شَاءَ حَيْثُ شَاءَ
الروع، بِالْفَتْح: الْفَزع
و [الروع] بِالضَّمِّ: الْقلب وَالْعقل
الرَّهْن: هُوَ مَا يرْهن
والرهان فِي الْخَيل أَكثر
الرَّسْم: الْأَثر
والرقم: أقوى مِنْهُ(1/480)
الرَّفَث: هُوَ بالفرج: الْجِمَاع
و [الرَّفَث] بِاللِّسَانِ: المواعدة
و [الرَّفَث: بِالْعينِ: الغمز
الرّقّ، بِالْفَتْح: مَا يكْتب فِيهِ
و [الرّقّ] بِالْكَسْرِ: الْملك
الرِّبَاط: هُوَ اسْم للمربوطات، إِلَّا أَنه لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْخَيل
الرَّمْي: الْإِلْقَاء فَوق الْوَضع والطرح
والنبذ، بِالذَّالِ: الطرح لَكِن يغلب فِيمَا ينسى
و [النبز] بالزاي: يخْتَص بلقب السوء عرفا
وَالْقَذْف يُقَال للإلقاء والوضع (وَكَذَلِكَ الرَّمْي كَقَوْلِه:
غُلَام رَمَاه الله بالْحسنِ يافعا)
ويستعار الْقَذْف للشتم وَالْعَيْب كَمَا استعير للرمي الْبعيد
وَالْإِلْقَاء: طرح الشَّيْء حَيْثُ تَلقاهُ، أَي: ترَاهُ، ثمَّ صَار اسْما لكل طرح وَفِي قَوْله: {فألقي السَّحَرَة سجدا} تَنْبِيه على أَنه دهمهم مَا جعلهم فِي حكم غير المختارين
و (رميت فأخطأت) خطأ، وَإِنَّمَا يَصح (رميت إِلَى فلَان فأخطأت) لِأَن الرَّمْي المقرون ب (إِلَى) لَا يَقْتَضِي الْإِصَابَة، وبدونها يَقْتَضِي الْإِصَابَة
و (رميت بِالسَّهْمِ رماية ورميا) ، و (رميت عَن الْقوس وَعَلَيْهَا) وَلَا تقل بهَا
الرواح: النُّزُول من السّير فِي آخر النَّهَار للروح،
وَيُقَال (رَاح) إِذا دخل فِي وَقت الْعشَاء
الرَّضَاع: كالرضاعة، بِفَتْح الرَّاء، وبكسرها: شرب اللَّبن من الضَّرع أَو الثدي، وَيُقَال: أرضعت الْمَرْأَة الطِّفْل
واسترضعتها إِيَّاه: يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، (قَالُوا: وَهَكَذَا حكم كل مفعولين لم يكن أَحدهمَا عبارَة عَن الأول)
الروث: هُوَ السرجين للْفرس وَالْحمار، وَمَا دَامَ فِي الكرش
والخثي، بِالْكَسْرِ للبقر
والبعرة لِلْإِبِلِ
والخرء للطيور
الرَّعْي، بِالْفَتْح مصدر، وبالكسر: الْكلأ
والراعي: بَقِيَّة اللَّبن فِي الضَّرع
الرُّكْن. ركن الشَّيْء: [جَانِبه الْأَقْوَى لُغَة. قَالَ تَعَالَى: {أَو آوى إِلَى ركن شَدِيد} وَفِي الِاصْطِلَاح: ركن الشَّيْء] : مَا لَا جود لذَلِك الشَّيْء إِلَّا بِهِ [من (التقوم) إِذْ قوام الشَّيْء بركنه لَا من (الْقيام) وَإِلَّا يلْزم أَن يكون الْفَاعِل ركنا للْفِعْل، والجسم للعرض، والموصوف للصفة، وَهَذَا بَاطِل بالانفاق] وَيُطلق على جُزْء من الْمَاهِيّة كَقَوْلِنَا: (الْقيام ركن الصَّلَاة) ، وَيُطلق على جَمِيعهَا
الرواء، بِالْفَتْح: المَاء الْعَذَاب
و [الرواء] ، بِالضَّمِّ: المنظر الْحسن
و [الرواء] بِالْكَسْرِ: جمع (رَيَّان)(1/481)
الرقد: النّوم كالرقاد والرقود بضَمهَا، أَو الرقاد خَاص بِاللَّيْلِ
الرابط: هُوَ اللَّفْظ الدَّال على معنى الِاجْتِمَاع بَين الْمَوْضُوع والمحمول
الرمص، بِالتَّحْرِيكِ: وسخ يجْتَمع فِي موق الْعين جَامِدا، فَإِن سَالَ فَهُوَ عمص
الرِّفْق: التَّوَسُّط واللطافة فِي الْأَمر
والرفقة: يُقَال للْقَوْم مَا داموا منضمين فِي مجْلِس وَاحِد ومسير وَاحِد، وَإِذا تفَرقُوا ذهب عَنْهُم اسْم الرّفْقَة، وَلم يذهب عَنْهُم اسْم الرفيق
الرم: هُوَ الشَّيْء الْبَالِي
والرمة: تخْتَص بالعظم
الرَّقَبَة: هِيَ ذَات مرقوق مَمْلُوك سَوَاء كَانَ مُؤمنا أَو كَافِرًا، ذكرا أَو أُنْثَى، كَبِيرا أَو صَغِيرا
الرَّغْبَة: رغب فِيهِ: أرداه بالحرص عَلَيْهِ
و [رغب] عَنهُ: [أعرض] تزهدا، وَلم يشْتَهر تعديتها بإلى، إِلَّا أَن تضمن معنى الرُّجُوع، أَو يكون معنى الرَّغْبَة الرَّجَاء والطلب
الرَّكية: هِيَ للبئر ذَات المَاء
والراوية: هِيَ لِلْإِبِلِ حاملات المَاء
الرواق: هُوَ ستر يمد دون السّقف يُقَال: بَيت مروق
الراهون: هُوَ جبل بِالْهِنْدِ هَبَط عَلَيْهِ آدم عَلَيْهِ السَّلَام
الرَّوْض: أَرض مخضرة بأنواع النَّبَات
وَالرَّوْضَة: بَقِيَّة مَاء الْحَوْض
رب: كلمة تقليل وتكثير، الأول مجَاز، وَالثَّانِي حَقِيقَة مرغوبة، والتقليل أبدا، والتكثير دَائِما، أَو لَهما على السوَاء، أَو للتقليل غَالِبا والتكثير نَادرا، أَو بِالْعَكْسِ، أَو للتكثير فِي مَوضِع المباهاة، والتقليل فِيمَا عداهُ، أَو لم تُوضَع لَهما بل يستفادان من سِيَاق الْكَلَام، ولمبهم الْعدَد تكون تقليلا وتكثيرا
وَلها صدر الْكَلَام ك (كم) لكَونهَا لإنشاء التقليل وتختص بنكرة مَوْصُوفَة بمفرد أَو جملَة اسمية كَانَت أَو فعلية
وَقد تدخل فِيهَا التَّاء دلَالَة على تأنيثها
وَقد تدخل على مُضْمر فيميز ذَلِك الْمُضمر بنكرة مَنْصُوبَة نَحْو: (ربه رجلا)
وَلَا يَليهَا إِلَّا الِاسْم، فَإِذا اتَّصَلت بهَا (مَا) الكافة غيرت حكمهَا ووليها الْفِعْل نَحْو: (رُبمَا جَاءَنِي رجل) لِأَن التَّرْكِيب يزِيل الْأَشْيَاء عَن أُصُولهَا ويخيلها عَن أوضاعها ورسومها، وَهَكَذَا (قل) و (طَال)
رويدا: أَي [صبرا وانتظارا وتأنيا، وَهُوَ تَصْغِير (رَود) ]
ورويدك عمرا: أمهله، وَإِنَّمَا تدخله الْكَاف إِذا كَانَ بِمَعْنى (افْعَل) وَيكون بِوُجُوه أَرْبَعَة:
اسْم فعل نَحْو: (رويدا عمرا)
وَصفَة نَحْو: (سَار سيرا رويدا)
أَو حَالا نَحْو: (سَار الْقَوْم رويدا) اتَّصل بالمعرفة فَصَارَ حَالا لَهَا
ومصدرا نَحْو: (رويد عمر) بِالْإِضَافَة(1/482)
[نوع]
{رب الْعَالمين} : إِلَه الْخلق كلهم
{رشدا} : إصلاحا أَو خيرا
{رِجْس} : سخط
{ريبه} : شكّ
{رفاتا} : غبارا
{فرَاغ إِلَى آلِهَتهم} : فَذهب إِلَيْهَا فِي خُفْيَة
{راودوه عَن ضَيفه} : قصدُوا الْفُجُور بهم
{من راق} : من يرقيه مِمَّا بِهِ، من (الرّقية) ، أَو من يرقى بِرُوحِهِ أملائكة الرَّحْمَة، أم مَلَائِكَة الْعَذَاب من (الرقي)
{ردء} : أَي معينا
{وَالسَّمَاء ذَات الرجع} : أَي الْمَطَر
{يأتوك رجَالًا} : مشَاة
{رزق كريم} : هِيَ الْجنَّة وَكَذَا {رزقا حسنا}
[ {الرقيم} : لوح كتب فِيهِ خبر أَصْحَاب الْكَهْف]
الرقيم: الْكتاب [أَو اسْم الْوَادي الَّذِي فِيهِ الْكَهْف]
{رواكد} : وقوفا
{وربطنا على قُلُوبهم} : وقويناها بِالصبرِ
{رهقا} : زِيَادَة فِي سيئاتهم (أَو كبرا أَو عتوا، وأصل الرهق غشيان الشَّيْء)
{رَقِيب عتيد} : ملك معد حَاضر يرقب عَمَلهم
{من رِبَاط الْخَيل} : اسْم للخيل الَّتِي ترْبط فِي سَبِيل الله
{ورئيا} : فعل من (الرُّؤْيَة) ، أَو من (الرّيّ) الَّذِي هُوَ النِّعْمَة
{الرادفة} : النفخة الثَّانِيَة
{بِروح الْقُدس} : الِاسْم [الْأَعْظَم] الَّذِي كَانَ عِيسَى يحيى بِهِ الْمَوْتَى
{الربانيون} : عُلَمَاء فُقَهَاء
{بئس الرفد المرفود} : بئس اللَّعْنَة بعد اللَّعْنَة، أَو بئس العون المعان، أَو الْعَطاء الْمُعْطى
{وَأقرب رحما} : رَحْمَة وعطفا(1/483)
{لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ} قائمون بحفظها وإصلاحها
{إِلَى ربوة} : أَرض بَيت الْمُقَدّس
{ربيون} : رجال
{رابية} : زَائِدَة فِي الشدَّة
{ركزا} : صَوتا خفِيا
{رجيم} : مَلْعُون
{رَاعنا} : أَي ليكن مِنْك رعي لنا، وَمنا رعي لَك والرعي: حفظ الْغَيْر لمصْلحَة
{رغدا} : سَعَة الْمَعيشَة
{ردما} : حاجزا حصينا وَهُوَ أكبر من السد
{بركنه} : بجمعه وَجُنُوده
{واترك الْبَحْر رهوا} : مَفْتُوحًا ذَا فجوة وَاسِعَة، أَو سَاكِنا على هَيئته
{رجت الأَرْض} : حركت
{على رَفْرَف} : وسائد أَو نمارق
{فَروح} : فاستراحة
{وَرَيْحَان} : ورزق طيب
{فَمِنْهَا ركبوهم} : ركوبهم
{وخر رَاكِعا} : سَاجِدا
{لرجمناك} : لقتلناك برمي الْحِجَارَة أَو بأصعب وَجه
{من روح الله} : من فرجه وتنفيسه
{قل نزله روح الْقُدس} : يَعْنِي جِبْرِيل من حَيْثُ إِنَّه ينزل بالقدس، أَي بِمَا يطهر بِهِ نفوسنا من الْقُرْآن وَالْحكمَة والفيض الإلهي
{زبدا رابيا} : عَالِيا
{إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا} : حَافِظًا مطلعا
{فَأَخَذتهم الرجفة} : الزلزلة الشَّدِيدَة
{بِكُل ريع} : بِكُل مَكَان مُرْتَفع
{تِسْعَة رَهْط} : تِسْعَة أنفس
{ردف لكم} : تبعكم ولحقكم
{رواسي} : جبالا شوامخ
{من رَبًّا} : زِيَادَة مُحرمَة
{قدور راسيات} : ثابتات على الأثافي
{كَانَتَا رتقا} : شَيْئا وَاحِدًا وَحَقِيقَة متحدة(1/484)
{رشده} : الاهتداء لوجوه الصّلاح
{وربت} : وَانْتَفَخَتْ
{من رحيق} : شراب خَالص
{إِلَى الرشد} : إِلَى الْحق وَالصَّوَاب
{رتل الْقُرْآن} : اقرأه على تؤدة وتبيين حُرُوف بِحَيْثُ يتَمَكَّن السَّامع من عدهَا
{مَا شَاءَ ركبك} : سلكك
( {رشدا} : خيرا)
{رضيت لكم الْإِسْلَام} : اخترته
{الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه} : أَي نمروذ
[ {بِمَا رَحبَتْ} : أَي مَعَ سعتها
{وَتذهب ريحكم} : أَي دولتكم، أَو المُرَاد الْحَقِيقَة فَإِن النُّصْرَة لَا تكون إِلَّا برِيح يبعثها الله
{ربائبكم} : بَنَات نِسَائِكُم من غَيْركُمْ
{فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} : عضوا أناملهم مِمَّا أَتَاهُم بِهِ الرُّسُل
{الرس} : مَعْدن وكل ركية لم تطو
{رق منشور} : الصحائف الَّتِي تخرج يَوْم الْقِيَامَة إِلَى بني آدم
{رَفْرَف خضر} : يُقَال لرياض الْجنَّة، وَيُقَال للفرش، وَيُقَال للبسط أَيْضا رفارف
{بل ران على قُلُوبهم} : غلب على قُلُوبهم
{ركاما} : بعضه فَوق بعض
{رخاء حَيْثُ أصَاب} : أَي رخوة لينَة لَا تزعزع أَو تخَالف إِرَادَته حَيْثُ أَرَادَ
{الرجعى} : مرجع وَرُجُوع
{ريشا} : مَا ظهر من اللبَاس الفاخر كالرياش وَالْخصب والمعاش
{الرعاء} : جمع رَاع]
(فصل الزَّاي)
[الزُّور] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الزُّور فَهُوَ الْكَذِب مَعَ الشّرك إِلَّا {مُنْكرا من القَوْل وزورا} فَإِنَّهُ كذب بِلَا شرك
[الزَّكَاة] : كل مَا فِي الْقُرْآن من زَكَاة فَهُوَ المَال، إِلَّا {وَحَنَانًا من لدنا وَزَكَاة} فَإِن المُرَاد الطهرة(1/485)
[الزيغ] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الزيغ فَهُوَ الْميل، إِلَّا {وَإِذ زاغت الْأَبْصَار} فَإِن مَعْنَاهَا شخصت
[الزبُور] : كل كتاب غليظ الْكِتَابَة يُقَال لَهُ زبور
[الزَّوْج] : كل مَا يقْتَرن بآخر مماثلا لَهُ أَو مضادا يُقَال لَهُ زوج، وَتقول: (عِنْدِي زوجان من الْحمام) تَعْنِي ذكرا وَأُنْثَى، وَكَذَلِكَ كل اثْنَيْنِ لَا يَسْتَغْنِي أَحدهمَا عَن صَاحبه
وَزَوجته امْرَأَة وبامرأة، وَكَذَا تزوجت امْرَأَة وبامرأة وَقيل: لَا يتَعَدَّى بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ إِلَّا بِاعْتِبَار مَا فِي ضمنه من معنى الإيصال والإلصاق، وَلَا يتَعَدَّى ب (من) وَإِن كثر ذَلِك فِي كَلَامهم، وَلَعَلَّ ذَلِك من إِقَامَة حرف مقَام حرف كَمَا قَالَه الكوفية، وَذَا غير عَزِيز عِنْد البصرية، وَالْقُرْآن كُله على ترك الْهَاء فِي الزَّوْجَة نَحْو: {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} قَالَ الرَّاغِب: وَلم يجِئ فِي الْقُرْآن (وزوجناه حورا) كَمَا يُقَال: (زَوجته امْرَأَة) تَنْبِيها على أَن ذَلِك لَا يكون على حسب الْمُتَعَارف فِيمَا بَيْننَا بالمناكحة
[الزكاء، بِالْهَمْز: بِمَعْنى النَّمَاء]
[الزَّكَاة] : كل شَيْء يزْدَاد فَهُوَ يزكو زَكَاة، وَيُسمى مَا يخرج من المَال للْمَسَاكِين بِإِيجَاب الشَّرْع زَكَاة لِأَنَّهَا تزيد فِي المَال الَّذِي تخرج مِنْهُ وتوفره وتقيه من الْآفَات وَالثَّابِت بِدَلِيل قَطْعِيّ أَصله، والمقدار بأخبار الْآحَاد، وَلذَلِك أطلق عَلَيْهَا لفظ الْوَاجِب
[الزائل] : كل شَيْء تحرّك وَزَالَ عَن مَكَانَهُ فَهُوَ الزائل
الزَّمَان: هُوَ عبارَة عَن امتداد موهوم غير قار الذَّات مُتَّصِل الْأَجْزَاء يَعْنِي أَي جُزْء يفْرض فِي ذَلِك الامتداد لَا يكون نِهَايَة لطرف أَو بداية لطرف آخر أَو نِهَايَة لَهما على اخْتِلَاف الاعتبارات كالنقطة الْمَفْرُوضَة فِي الْخط الْمُتَّصِل فَيكون كل آن مَفْرُوض فِي الامتداد الزماني نِهَايَة وبداية لكل من الطَّرفَيْنِ قَائِمَة بهما
[وكما أَن النقطة أَمر مَعْقُول غير مشهود مَعَ أَنَّهَا أصل الْجَمِيع من الخطوط والسطوح والدوائر وَظُهُور الْجَمِيع مِنْهَا وَبهَا بل فِيهَا، كَذَلِك الْآن الزماني الحالي هُوَ أَمر مَعْقُول غير مشهود مَعَ أَنه أصل الامتدادات من الْأَيَّام والشهور وَغير ذَلِك، وَيظْهر بِهِ جَمِيعهَا]
وَالزَّمَان عِنْد أرسطو ومتابعيه من الْمَشَّائِينَ هُوَ مِقْدَار حَرَكَة الْفلك الْأَعْظَم الملقب بالفلك الأطلس لخلوه عَن النقوش كالثواب الأطلس إِن صَحَّ؛ والآن الَّذِي هُوَ حد الزمانين: الْمَاضِي والمستقبل نِهَايَة الزَّمَان، وَنِهَايَة الشَّيْء خَارِجَة عَنهُ
وَالزَّمَان من أَقسَام الْأَعْرَاض وَلَيْسَ من المشخص، فَإِنَّهُ غير قار وَالْحَال فِيهِ قار، والبداهة حاكمة بِأَن غير القار لَا يكون مشخصا للقار، وَكَذَا الْمَكَان لَيْسَ من المشخصات، لِأَن المتمكن ينْتَقل إِلَيْهِ وينفك مِنْهُ، والمشخص لَا يَنْفَكّ عَن الشَّخْص، وَمعنى كَون الزَّمَان غير قار تقدم جُزْء على جُزْء إِلَى غير نِهَايَة، إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْمَاضِي وَلم يبْق فِي الْحَال، وَالزَّمَان لَيْسَ شَيْئا معينا يحصل فِيهِ الموجودات بل كل شَيْء وجد وَبَقِي، أَو عدم وامتد عَدمه، أَو تحرّك وَبَقِي جزئيات حركاته، أَو(1/486)
سكن وامتد سكونه، وَحصل كل وَاحِد من الامتداد هُوَ الزَّمَان
قَالَ أفلاطون: إِن فِي عَالم الْأَمر جوهرا أزليا يتبدل ويتغير ويتجدد وينصرم بِحَسب النّسَب والإضافات إِلَى المتغيرات لَا بِحَسب الْحَقِيقَة والذات، وَمِنْه الْمَاضِي والمستقبل وَالْحَال، وَبِه التَّقَدُّم والتأخر، وَذَلِكَ الْجَوْهَر بِاعْتِبَار نِسْبَة ذَاته إِلَى الْأُمُور الثَّابِتَة يُسمى سرمدا
وَإِلَى مَا قبل المتغيرات يُسمى دهرا
وَإِلَى مقارنتها يُسمى زَمَانا
وَلَا اسْتِحَالَة فِي أَن يكون للزمان زمَان عِنْد الْمُتَكَلِّمين الَّذين يعْرفُونَ الزَّمَان بالمتجدد الَّذِي يقدر بِهِ متجدد آخر، كَمَا بَين فِي مَحَله
وَالزَّمَان الْمُدعى قدمه عِنْد الفلاسفة هُوَ الْآن السيال، وَهُوَ أَمر بسيط لَا تركب فِيهِ خلق الله الزَّمَان لَيْلًا مظلما، ثمَّ جعل بعضه نَهَارا بإحداث الْإِشْرَاق لإبقاء بعض الزَّمَان على ظلامه وَبَعضه مضيئا
وَالْعبْرَة فِي مَجِيء الزَّمَان بِوُجُود أَوله وَفِي مضيه بِوُجُود آخِره، وانتهاء آخر أَجْزَائِهِ
الزِّيَادَة: هِيَ أَن يَنْضَم إِلَى مَا عَلَيْهِ الشَّيْء فِي نَفسه شَيْء آخر، وَهِي بِمَعْنى الازدياد، إِلَّا أَن الازدياد لَا يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا إِلَى مفعولين، بل يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد لِأَنَّهُ مضارع (زَاد) نقُول: (زادنا لله النعم فازددناها) وَهُوَ أبلغ من الزِّيَادَة كالاكتساب وَالْكَسْب
وَالزِّيَادَة تلْزم، وَقد تتعدى ب (عَن) كَمَا تتعدى ب (على) ، لِأَن النَّقْص يتَعَدَّى بِهِ وَهُوَ نقيضها، وَالْمَفْعُول الثَّانِي من بَاب (زَاد) يجب أَن يكون بِحَيْثُ تصح إِضَافَته إِلَى الْمَنْصُوب الأول وَتَكون إِضَافَته حَقِيقَة على نمط قَوْله تَعَالَى: {فَزَادَهُم الله مَرضا}
وزاده خيرا وزاده مَالا: أَي مرضهم وخيره وَمَاله وَالشَّيْء لَا يُوصف بِالزِّيَادَةِ إِلَّا إِذا كَانَ لزائد مُقَدرا بِمِقْدَار معِين من جنس الْمَزِيد عَلَيْهِ مثل قَوْلك: (أُعْطِيك عشرَة أُمَنَاء من الْحِنْطَة وَزِيَادَة) وَكَذَا النُّقْصَان وَالْكَثْرَة والقلة، وَهَذَا هُوَ الْقيَاس، وَقد تتَحَقَّق الزِّيَادَة من غير جنسه أَيْضا اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} فَإِن الْحسنى الْجنَّة، وَالزِّيَادَة عَلَيْهَا شَيْء يغاير لكل مَا فِي الْجنَّة، وَهُوَ الرُّؤْيَة قَالَ الله تَعَالَى: {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ} وَمن قَالَ هُنَاكَ أَي فوز أعظم من دُخُول الْجنَّة؟ فقد بنى على مَذْهَب الاعتزال
وَالزِّيَادَة كَمَا تسْتَعْمل بِمَعْنى الزَّائِد الْمُسْتَدْرك وَهُوَ الْمَعْنى الْمَشْهُور كَذَلِك تسْتَعْمل فِيمَا بِهِ الشَّيْء ويكمل بِهِ فِي عين الْكَمَال
وَالزَّائِد فِي كَلَامهم لَا بُد أَن يُفِيد فَائِدَة معنوية أَو لفظية وَإِلَّا كَانَ عَبَثا ولغوا
فالمعنوية تَأْكِيد للمعنى كَمَا فِي (من) الاستغراقية، وَالْبَاء فِي خبر (مَا) و (لَيْسَ)
واللفظية تَزْيِين اللَّفْظ وَكَونه بزيادتها أفْصح، أَو مُهَيَّأ لِاسْتِقَامَةِ وزن أَو لحسن سجع أَو غير ذَلِك
وَقد تَجْتَمِع الفائدتان فِي حرف، وَقد تنفرد إِحْدَاهمَا(1/487)
عَن الْأُخْرَى وَلَا يَصح فِي الْكَلَام المعجز معنى الزِّيَادَة الَّتِي تكون لَغوا، بل المُرَاد بهَا أَن لَا تكون مَوْضُوعَة لِمَعْنى هُوَ جُزْء التَّرْكِيب، وَإِنَّمَا تفِيد وثاقة وَقُوَّة للتركيب كَمَا قَالَه بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {أفأمن أهل الْقرى} إِن هَذِه الْهمزَة مقحمة مزيدة لتقرير معنى الْإِنْكَار أَو التَّقْرِير، أَرَادَ أَنَّهَا مقحمة على الْمَعْطُوف، مزيدة بعد اعْتِبَار عطفه، لَا أَنَّهَا مزيدة بِمَنْزِلَة حرف الصِّلَة غير مَذْكُورَة لإِفَادَة مَعْنَاهَا
وَالزِّيَادَة والإلغاء عَن عِبَارَات الْكُوفِيّين، والقلة والحشو من عِبَارَات الْبَصرِيين
وَالزَّائِد يُوجد فِي كل عَارض، وَلَا يلْزم فِي كل زَائِد عَارض
وَالْعرب تزيد فِي كَلَامهم أَسمَاء وأفعالا فالاسم فِي قَوْلنَا (بِسم الله) فَإِنَّهُ إِنَّمَا أردنَا (باسم معنى الله) و (اسْم) مَعْنَاهُ الله فَكَأَنَّهُ قَالَ: (بِاللَّه) ، لكنه لما أشبه الْقسم زيد فِيهِ الِاسْم، وَكَذَا الْمثل فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأتوا بِسُورَة من مثله}
وَشهد شَاهد على مثله: أَي عَلَيْهِ
[وَيجوز أَن يكون فِي الْكَلَام زِيَادَة يجب حذفهَا ليحصل الْمَعْنى الْمَقْصُود نَحْو قَوْله: {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} وَقَوله تَعَالَى: {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فَإِن كلمة (لَا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاجِبَة بالحذف]
وَمِمَّا يُزَاد من الْأَفْعَال قَوْله تَعَالَى: {أم تنبئونه بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض} أَرَادَ - وَالله أعلم -: بِمَا لَيْسَ فِي الأَرْض
وَقَوله: {كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} وَقَوله: {فَأَصْبحُوا خاسرين} لأَنهم يرجون فِيهِ الْفرج من عِلّة تزاد بِاللَّيْلِ
وَمن سنتهمْ النَّقْص أَيْضا من عدد الْحُرُوف، يَقُولُونَ:
درس المنا
يُرِيدُونَ (الْمنَازل)
وَلَيْسَ شَيْء على الْمنون بخال
أَي بِخَالِد
الزَّعْم، بِالضَّمِّ: اعْتِقَاد الْبَاطِل بِلَا تَقول
و [الزَّعْم] بِالْفَتْح: اعْتِقَاد الْبَاطِل بتقول
وَقيل: بِالْفَتْح قَول مَعَ الظَّن، وبالضم ظن بِلَا قَول وَمن عَادَة الْعَرَب أَن من قَالَ كلَاما وَكَانَ عِنْدهم كَاذِبًا قَالُوا: زعم فلَان، وَقَالَ شُرَيْح: لكل شَيْء كنية، وكنية الْكَذِب زعم وَفِي " الْأَنْوَار ": الزَّعْم ادِّعَاء الْعلم بالشَّيْء، وَلِهَذَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين كَقَوْلِه تَعَالَى: {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا} وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن فِي كل مَوضِع ذمّ لِلْقَائِلين، وَقد يسْتَعْمل بِمَعْنى (قَالَ) مُجَردا من(1/488)
الْكَذِب، كَقَوْل أم هانىء للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم فتح مَكَّة: زعم ابْن أُمِّي، تَعْنِي عليا رَضِي الله عَنهُ [وَفِي قَوْله تَعَالَى: {هَذَا لله بزعمهم} هُوَ الظَّن الْخَطَأ، وَقد جَاءَ فِيهِ الْكسر كالفتح وَالضَّم]
الزِّمَام: هُوَ لِلْإِبِلِ مَا تشد بِهِ رؤوسها من حَبل وَنَحْوه يُقَاد بِهِ
والخطام، بِالْكَسْرِ: هُوَ الَّذِي يخطم بِهِ الْبَعِير، وَهُوَ أَن يُؤْخَذ حَبل من لِيف أَو شعر أَو كتَّان فَيجْعَل فِي أحد طَرفَيْهِ حَلقَة يسْلك فِيهَا الطّرف الآخر حَتَّى يصير كالحلقة، ثمَّ يُقَاد الْبَعِير بِهِ
الزق: اسْم عَام فِي الظّرْف، فَإِن كَانَ فِيهِ لبن فَهُوَ وطب، وَإِن كَانَ فِيهِ سمن فيهو نحي، وَإِن كَانَ فِيهِ عسل فَهُوَ عكة، وَإِن كَانَ فِيهِ مَاء فَهُوَ شكوة، وَإِن كَانَ فِيهِ زَيْت فَهُوَ حميت
الزند، كَالْقَتْلِ: الْحَدِيد وَالْحجر، يُطلق عَلَيْهِمَا وهما آلتان يستعملان لخُرُوج النَّار لَدَى الْحَاجة، وَالْجمع زناد
الزيف: هُوَ الدِّرْهَم الَّذِي خلط بِهِ نُحَاس أَو غَيره ففات صفة الْجَوْدَة فَيردهُ بَيت المَال لَا التُّجَّار
والنبهرجة: هُوَ مَا يردهُ التُّجَّار أَيْضا
الزِّنَا، بِالْقصرِ لُغَة حجازية، وبالمد لُغَة نجدية
والزان، بِغَيْر بَاء بعد النُّون لُغَة فصيحة، وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة بِإِثْبَات الْبَاء
والزنية: بِخِلَاف الرشدة
[وَالزِّنَا: اسْم لفعل مَعْلُوم، وإيلاج فرج فِي مَحل محرم مشتهى يُسمى قبلا وَمَعْنَاهُ قَضَاء شَهْوَة الْفرج بسفح المَاء فِي مَحل محرم مشتهى من غير دَاعِيَة للوأد حَتَّى يُسمى الزَّانِي سِفَاحًا، وَلما كَانَ هَذَا الْمَعْنى مَوْجُودا فِي اللواط بل فِيهِ فَوْقه لِأَنَّهُ مستنكر شرعا وعقلا حَتَّى قيل: إِنَّه كاشف لهَذِهِ الْحُرْمَة تعدى الحكم إِلَيْهَا بطرِيق الدّلَالَة فَيجب حد الزِّنَا باللواط عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله، وَعند الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّمَا يحد الزَّانِي لِأَن الْكَامِل فِي سفح المَاء مَا يهْلك الْبشر حكما وَهُوَ الزِّنَا، لِأَن ولد الزَّانِي هَالك حكما لعدم من يقوم بتربيته دينا وَدُنْيا وَلَيْسَ فِي اللواط هَذَا الْمَعْنى بل فِيهَا مُجَرّد تَضْييع المَاء وَذَلِكَ قَاصِر فِي الْجَنَابَة، لِأَن تَضْييع المَاء قد يحل كَمَا فِي الْعَزْل بِرِضَاهَا وَفِي الْأمة بِغَيْر رِضَاهَا، وتضييع النَّسْل غير مَشْرُوع أصلا، وَفِي الزِّنَا فَسَاد فرَاش الزَّوْج لاشتباه النّسَب، وَلَيْسَ فِي اللواط ذَلِك فَلم تساويه جِنَايَة لَا يلْزم الْعَجُوز والعقيم وَكَذَا الْخصي، لِأَن حِكْمَة الحكم تراعى فِي الْجِنْس لَا فِي كل فَرد، على أَن قصَّة سيدنَا زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَنْصُوص عَلَيْهَا بالتنزيل وَيثبت النّسَب من الْخصي وَلَو انْعَدم المَاء مِنْهُ أصلا كَمَا فِي الصَّبِي
وَاعْلَم أَن بعض الْمُحَقِّقين أورد نَظِير الْقيَاس المستنبط من الْكتاب قِيَاس حُرْمَة اللواط على حُرْمَة الْوَطْء فِي حَالَة الْحيض الثَّابِتَة بقوله تَعَالَى: {قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَالْعلَّة هِيَ الْأَذَى، وَلَا يخفى أَن حكم الأَصْل(1/489)
- أَعنِي حُرْمَة جماع الْحَائِض - معدول بِهِ عَن سنَن الْقيَاس فَإِن الْقيَاس يَقْتَضِي اسْتِبَاحَة الْفروج بِالنِّكَاحِ أَو الْملك مُطلقًا - أَعنِي فِي حالتي الْحيض وَالطُّهْر - وَإِنَّمَا شرعت الْحُرْمَة بِالنَّصِّ المستدعي ترك الْقيَاس، فعلى تَقْدِير وجود الْعلَّة - أَعنِي المؤذي فِي الْفَرْع - لَا يتَعَدَّى الحكم فَلَا يَصح الْقيَاس، وَلِأَن الْمَذْهَب حل وَطْء الْمُنْقَطع حَيْضهَا لأكْثر مُدَّة قبل التَّطْهِير، وَعلة الْأَذَى مَوْجُودَة فِيهَا، وَيحل أَيْضا وَطْء الْمُسْتَحَاضَة وَذَات السلس مَعَ أَن مشغولية الْمحل بِنَجس مستقذر مستنكف مِنْهُ ثَابِتَة فِي كل من صورتيهما]
الزحير، بِالْحَاء المغفلة: استطلاق الْبَطن [والتنفس] بِشدَّة [كَمَا فِي " الْمُلْتَقط "]
الزيغ: الْميل عَن الصَّوَاب فِي الْفَهم
والإلحاد: هُوَ الْميل عَن الْحق
الزّهْد: ضد الرَّغْبَة
وزهد فِيهِ، ك (منع) و (شيع) و (كبر) زهدا وزهادة أَو هِيَ فِي الدُّنْيَا والزهد فِي الدّين [الزَّاهِد: هُوَ المعرض عَن مَتَاع الدُّنْيَا ولذاتها وَالْعَابِد: هُوَ المواظب لِلْعِبَادَةِ مثل قيام وَصِيَام النَّهَار
والعارف: هُوَ الْمُسْتَغْرق فِي معرفَة الله ومحبته، وَهَذَا مَا قيل: إِن للسعداء أحوالا: الرُّجُوع عَمَّا سوى الله وَهُوَ الزّهْد، أَو الذّهاب إِلَى الله وَهُوَ الْعِبَادَة، والوصول إِلَى الله وَهُوَ الْمعرفَة، وَجَمعهَا وَهُوَ الْولَايَة]
الزَّفِير: هُوَ إِخْرَاج النَّفس
والشيهق: رده
الزِّيَارَة: مصدر (زرت فلَانا) أَي: لَقيته بزوري (بِالْفَتْح) أَو قصدت زوره، وَهُوَ أَعلَى الصَّدْر
الزاكية: هِيَ النَّفس الَّتِي لم تذنب قطّ
والزكية: هِيَ الَّتِي أذنبت ثمَّ غفر لَهَا
وَقَوله تَعَالَى: {قد أَفْلح من تزكّى} أَي بِالْفِعْلِ، وَهُوَ مَحْمُود
وَقَوله: {فَلَا تزكوا أَنفسكُم هُوَ أعلم بِمن اتَّقى} : بالْقَوْل وَهُوَ مَذْمُوم، نهى عَنهُ تأديبا لقبح مدح الْإِنْسَان نَفسه عقلا وَشرعا، وَلِهَذَا قيل مَا الَّذِي لَا يحسن وَإِن كَانَ حَقًا، فَقَالَ. مدح الرجل نَفسه [قلت: مدح الْمَرْء نَفسه إِنَّمَا يكون مذموما إِذا قصد بِهِ التفاخر والتوصل إِلَى مَا لَا يحل، وَقد قَالَ سيدنَا يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: {اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض إِنِّي حفيظ عليم} ، وَالْمرَاد بقوله تَعَالَى جلت كبرياؤه: {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} تَزْكِيَة حَال مَا لم يعلم كَونهَا متزكية]
زَالَ: هِيَ وَأَخَوَاتهَا الثَّلَاث كلهَا نَافِيَة لحكم، فَإِذا دخل عَلَيْهَا حرف النَّفْي زَالَ نَفيهَا وارتفع فَبَقيَ إِثْبَاتهَا
و (زَالَ) ماضي (يزَال)(1/490)
لَا يزِيل وَلَا يَزُول فَإِنَّهُمَا تامان، الأول مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِد ومصدره (الزيل) وَالثَّانِي قَاصِر ومصدره (الزَّوَال)
وترفع الْمُبْتَدَأ وتنصب الْخَبَر بِشَرْط تقدم نفي أَو نهي أَو دُعَاء مِثَال النَّفْي: {وَلَا يزالون مُخْتَلفين} {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين} وَمِنْه: {تالله تفتأ تذكر} إِذْ الأَصْل (لَا تفتأ) و (لَا أَبْرَح) ، وَمِثَال النَّهْي كَقَوْلِه:
(صَاح شمر وَلَا تزل ذَاكر الْمَوْت ... فنسيانه ضلال مُبين)
وَمِثَال الدُّعَاء كَقَوْلِه:
(وَلَا زَالَ منهلا بجرعائك الْقطر ... )
وَيعْمل هَذَا الْعَمَل (دَامَ) لَا غير، بِشَرْط تقدم (مَا) المصدرية الظَّرْفِيَّة نَحْو: (اعط مَا دمت مصيبا) أَي مُدَّة دوامك مصيبا وَلَو لم يتقدمها (مَا) ، أَو كَانَت مَصْدَرِيَّة غير ظرفية لم تعْمل، وَلَا يلْزم من وجود المصدرية الظَّرْفِيَّة وجود الْعَمَل الْمَذْكُور بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض} إِذْ لَا يلْزم من وجود الشَّرْط وجود الْمَشْرُوط، وَلَا تُوجد الظَّرْفِيَّة بِدُونِ المصدرية وَأما (كَانَ) وَبَاقِي أخواتها السَّبع فَإِنَّهَا تعْمل هَذَا الْعَمَل بِغَيْر شَرط
زيد: هُوَ لفظ مَوْضُوع للفرد المشخص الْمحل لأعراض كَثِيرَة مُخْتَلفَة هَذَا هُوَ الأوفق لأذهان الْعَوام، الواضعين أعلاما مَخْصُوصَة لأبنائهم، وَقيل: إِنَّه مَوْضُوع للماهية مَعَ تشخصه وتعينه الَّذِي اخْتلف عُلَمَاء الْكَلَام فِي كَونه مَوْجُودا لَا للفرد المشخص بالعوارض، إِذْ لَو كَانَ مَوْضُوعا لَهُ لما صَحَّ وَضعه لما لم يعلم بشخصه، والوضع لما لم يعلم بشخصه كثير، أَلا ترى الْآبَاء يسمون أَبْنَاءَهُم المتولدة فِي غيبتهم بأعلام [وَلَيْسَ مَفْهُوم (زيد) مَفْهُوم إِنْسَان وَحده قطعا، وَإِلَّا لصدق على (عَمْرو أَنه زيد، كَمَا يصدق عَلَيْهِ أَنه إِنْسَان، فَإِذن هُوَ الْإِنْسَان مَعَ شَيْء آخر تَسْمِيَة التشخص فَهُوَ جُزْء زيد
زه، بِالْكَسْرِ والسكون: كلمة تَقُولهَا الأعجام عِنْد اسْتِحْسَان شَيْء، وَقد تسْتَعْمل فِي التهكم كَمَا يُقَال لمن أَسَاءَ أَحْسَنت
زَكَرِيَّاء، وَيقصر، وك (عَرَبِيّ) ويخفف: علم، فَإِن مددت أَو قصرت لم تصرف، وَإِن شددت صرفت
وتثنية المدود (زكرياوان) وَالْجمع (زكرياوون) ، وَفِي الْخَفْض وَالنّصب (زكرياوين) وَفِي الْجمع (زكرياوين)
وتثنية الْمَقْصُور (زكريان) و (رَأَيْت ذكريين) و (هم زكريون) [وَالنِّسْبَة (زكرياوي) ، وَإِذا أضفت قلت (زكريايي) بِلَا وَاو، وَفِي التَّثْنِيَة (زكرياواي) ، وَفِي الْجمع (زكرياوي) وتثنية الْمَقْصُور (زكرييان) وَرَأَيْت (زكريين) ، وَهُوَ (زكريون)(1/491)
كَانَ من ذُرِّيَّة سيدنَا سُلَيْمَان ابْن سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقتل بعد قتل وَالِده]
الزَّرْع: هُوَ طرح الزرعة، بِالضَّمِّ، وَهِي الْبذر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ مَا عزل بالزراعة من الْحُبُوب فموضعه المزرعة، مُثَلّثَة الرَّاء، إِلَّا أَنَّهَا مجَاز حقيقتة الْإِثْبَات، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " لَا يَقُولَن أحدكُم زرعت بل حرثت " أَي: طرحت الْبذر
{فَإِن زللتم} : أَي ملتم عَن الدُّخُول فِي السّلم.
{فتزل قدم} : زلَّة الْقدَم خُرُوجهَا من الْموضع الَّذِي يَنْبَغِي ثُبُوتهَا فِيهِ
{زفير} : أَنِين وتنفس شَدِيد [والزفير من الصَّدْر، والشهيق من الْحلق]
{زهوقا} : ذَاهِبًا أَو مضمحلا غير ثَابت
{زبر الْحَدِيد} : قطع الْحَدِيد
{مَا زكا} : مَا اهْتَدَى
{زنيم} : ظلوم وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ ولد الزِّنَا
{زيلنا} : ميزنا بلغَة حمير
{زخرفا} : ذَهَبا
{زحزح عَن النَّار} : بعد عَنْهَا
{الزقوم} : شَجَرَة نزل أهل النَّار
{وزورا} : منحرفا عَن الْحق
{إِذا النُّفُوس زوجت} : قرنت بالأبدان
{زكيا} : طَاهِرا من الذُّنُوب
{زبدا} : هُوَ وضر الغليان
{وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} : أَي قرناء ثَلَاثَة
{وزوجناهم بحور عين} : أَي قرناهم بِهن
{احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} : أَي أقرانهم المقتدين بهم فِي أفعالهم، أَو الْأَرْوَاح بأجسادها على مَا نبه عَلَيْهِ فِي قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك} أَي: صَاحبك فِي أحد التفسيرين، أَو النُّفُوس بأعمالها حَسْبَمَا نبه عَلَيْهِ فِي قَوْله: {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت}
{زمرا} : أَفْوَاجًا مُتَفَرِّقَة، بَعْضهَا فِي إِثْر بعض
{من زخرف} : من ذهب
{أخذت الأَرْض زخرفها} : تزينت بأصناف(1/492)
النَّبَات وأشكالها وألوانها الْمُخْتَلفَة
{وَزلفًا من اللَّيْل} : وساعات مِنْهُ قريبَة من النَّهَار
{وَأَنا بِهِ زعيم} : كَفِيل
{فِي قُلُوبهم زيغ} : عدُول عَن الْحق
{زاغت الْأَبْصَار} : مَالَتْ عَن مستوى نظرها حيرة وشخوصا
{وَزَكَاة} : طَهَارَة
{زاهق} : هَالك
{من كل زوج كريم} : من كل صنف كثير الْمَنْفَعَة
{زَجْرَة وَاحِدَة} : صَيْحَة وَاحِدَة
{وزرابي} : وَبسط فاخرة. {وَقد أَفْلح من زكاها} : أَنما بِالْعلمِ وَالْعَمَل.
{وزلزلوا زلزالا} : وأزعجوا إزعاجا شَدِيدا
و {زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} : اضطرابها
[ {صَعِيدا زلقا} : أَرضًا ملساء باستئصال مَا فِيهَا من النَّبَات وَالْأَشْجَار بِحَيْثُ لَا يثبت فِيهَا الْقدَم
{زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} : أَي زينتها، ومحركة: نور النَّبَات وك (لُمزَة) : النَّجْم
{الزَّبَانِيَة} : واحدهم زبني، مَأْخُوذ من الزَّبْن وَهُوَ الدّفع
{زخرف القَوْل} : يَعْنِي الْبَاطِل المزين المحسن
{الزبر} : كتب، جمع زبور
{زلفى} : قربى
{زينه} : مَا يتزين بِهِ الْإِنْسَان من لبس وحلي وَأَشْبَاه ذَلِك
{خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} : أَي لباسكم عِنْد كل صَلَاة
و {مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} : يَعْنِي يَوْم الْعِيد]
(فصل السِّين)
[السُّلْطَان] : كل سُلْطَان فِي الْقُرْآن فَهُوَ حجَّة
[وأصل السلطنة الْقُوَّة، وَمِنْه السليط لقُوَّة اشتعاله
والسلاطة لحدة اللِّسَان]
[السُّور] : كل منزلَة رفيعة فَهِيَ سُورَة وَسورَة الْقُرْآن تهمز وَلَا تهمز فَمن همزها جعلهَا من السؤر، وَهُوَ مَا بَقِي من الشَّرَاب فِي الْإِنَاء فَكَأَنَّهَا(1/493)
قِطْعَة من الْقُرْآن، وَمن لم يهمزها جعلهَا من الْمَعْنى الْمُتَقَدّم وَسَهل همزها وَقيل: من سور الْبناء، أَي: الْقطعَة مِنْهُ، أَي: منزلَة بعد منزلَة
وَقيل: من سور الْمَدِينَة لإحاطتها بآياتها، وَمِنْه: السوار وَقيل: بارتفاعها، لِأَنَّهَا كَلَام الله
وَالسورَة: الْمنزلَة الرفيعة قَالَ:
(ألم تَرَ أَن الله أَعْطَاك سُورَة ... ترى كل ملك دونهَا يتذبذب)
فَكل سُورَة من الْقُرْآن بِمَنْزِلَة دَرَجَة رفيعة ومنزل عَال يرْتَفع الْقَارئ مِنْهَا إِلَى دَرَجَة أُخْرَى ومنزل آخر إِلَى أَن يستكمل الْقُرْآن
[وَثُبُوت السؤرة بِالْهَمْزَةِ بِمَعْنى السُّورَة كَمَا فِي " الْقَامُوس " يُؤَيّد كَون السُّورَة منقلبة الْوَاو عَن الْهمزَة، وَبِه يشْعر كَلَام الْأَزْهَرِي: " أَكثر الْقُرَّاء على ترك الْهمزَة فِي لفظ (السُّورَة) "]
وَحدهَا: قُرْآن يشْتَمل على آي ذِي فَاتِحَة وخاتمة
وسور الْبناء: يجمع على (سور) بِكَسْر الْوَاو
وَسورَة الْقُرْآن تجمع على (سور) بِفَتْح الْوَاو
[السُّور المدنية] : كل سُورَة فِيهَا (يَا أَيهَا النَّاس) وَلَيْسَ فِيهَا (كلا) فَهِيَ مَدَنِيَّة
[السُّورَة المكية] : وكل سُورَة فِي أَولهَا حُرُوف المعجم فَهِيَ مَكِّيَّة إِلَّا الْبَقَرَة وَآل عمرَان، وَفِي (الرَّعْد) اخْتِلَاف
وكل سُورَة فِيهَا قصَّة آدم فَهِيَ مَكِّيَّة سوى الْبَقَرَة
وكل سُورَة فِيهَا ذكر الْمُنَافِقين فَهِيَ مَدَنِيَّة سوى سُورَة العنكبوت وَقَالَ ابْن هِشَام عَن أَبِيه أَن كل سُورَة ذكر فِيهَا الْحُدُود والفرائض فَهِيَ مَدَنِيَّة
وكل مَا كَانَ فِيهِ من ذكر الْقُرُون الْمَاضِيَة من الْأَزْمِنَة الخالية فَهِيَ مَكِّيَّة وَعَن ابْن عَبَّاس: " الحواميم كلهَا مَكِّيَّة " وَقَالَ بَعضهم: كل مَا نزل فِي أَي مَوضِع نزل حِين كَانَ متوطنا فِي الْمَدِينَة فَهُوَ مدنِي إِلَّا أَن يكون نُزُوله بِمَكَّة والاصطلاح على أَن كل مَا نزل قبل الْهِجْرَة فَهُوَ مكي، وَمَا نزل بعد الْهِجْرَة فَهُوَ مدنِي، سَوَاء نزل فِي الْبَلَد حَال الْإِقَامَة أَو فِي غَيرهَا حَال السّفر
[السخر] : كل مَا فِي الْقُرْآن من سخر فَهُوَ الِاسْتِهْزَاء إِلَّا {سخريا} فِي " الزخرف "، فان المُرَاد التسخير والاستخدام
[السكينَة] : كل سكينَة فِي الْقُرْآن فَهِيَ طمأنينة إِلَّا الَّتِي فِي قصَّة طالوت فَإِنَّهَا شَيْء كرأس الْهِرَّة لَهُ جَنَاحَانِ
[السعير] : كل سعير فِي الْقُرْآن فَهُوَ النَّار والوقود إِلَّا {فِي ضلال وسعر} فَإِن المُرَاد العناء
[السُّحت] : كل حرَام قَبِيح الذّكر يلْزم مِنْهُ الْعَار كَثمن الْكَلْب وَالْخِنْزِير فَهُوَ سحت، وَقيل: السُّحت مُبَالغَة فِي صفة الْحَرَام، يُقَال: هُوَ حرَام لَا سحت
وَقيل: السُّحت الْحَرَام الظَّاهِر
[السَّبِيل] : كل مأتي إِلَى الشَّيْء فَهُوَ سَبيله
[السّلف] : كل عمل صَالح قَدمته فَهُوَ فرط(1/494)
لَك، وكل من تقدمك من آبَائِك وقرابتك فَهُوَ سلف
[السبت] : كل جلد مدبوغ فَهُوَ سبت
[السَّبع] : كل مَا لَهُ نَاب ويعدو على النَّاس وَالدَّوَاب فيفترسها فَهُوَ سبع، بِضَم الْبَاء [السليط] : كل دهن عصر من حب فَهُوَ سليط [السفوف] : كل دَوَاء يُؤْخَذ غير معجون فَهُوَ سفوف، بِالْفَتْح
[السِّلَاح] : كل مَا يُقَاتل بِهِ فَهُوَ سلَاح
[السماع] : كل مَا يستلذه الْإِنْسَان من صَوت طيب فَهُوَ سَماع
[السحر] : كل مَا لطف مأخذه ودق فَهُوَ سحر، بِالْكَسْرِ
[السكن] : كل مَا يسكن إِلَيْهِ وَفِيه ويستأنس بِهِ فَهُوَ سكن
[السَّمَاء] : كل أفق من الْآفَاق فَهُوَ سَمَاء، كَمَا أَن كل طبقَة من الطباق سَمَاء
[السَّقِيفَة] : كل لوح من السَّفِينَة فَهُوَ سَقِيفَة، وَهِي الصّفة
[السامد] : كل رَافع رَأسه فَهُوَ سامد
[السَّبَب] : كل شَيْء وصلت بِهِ إِلَى مَوضِع أَو حَاجَة تريدها فَهُوَ سَبَب، وَيُقَال للطريق: سَبَب، لِأَنَّك بِسَبَبِهِ تصل إِلَى الْموضع الَّذِي تريده
[السكتة] : كل شَيْء أسكت بِهِ صَبيا أَو غَيره فَهُوَ سكتة، بِالضَّمِّ، وَأما السكتة، بِالْفَتْح فَهُوَ نوع من الدَّاء
[السَّاعِي] : كل من ولي شَيْئا على قوم فَهُوَ ساع عَلَيْهِم
[السبط] : كل وَاحِد من ولد يَعْقُوب فَهُوَ سبط، وكل وَاحِد من ولد إِسْمَاعِيل فَهُوَ قَبيلَة
والسبط: الزِّيَادَة فِي كل شَيْء، وَهُوَ أَيْضا شَجَرَة وَاحِدَة لَهَا أَغْصَان كَثِيرَة، وَهُوَ أَيْضا ولد الْوَلَد، وَالْجمع أَسْبَاط {وقطعناهم اثْنَتَيْ عشرَة أسباطا} أَي: أمما وَجَمَاعَة، وَإِنَّمَا فسر بِالْجمعِ، وَلَا يُفَسر الْعدَد بعد الْعشْرَة إِلَى مئة إِلَّا بِوَاحِد يدل على الْجِنْس، كَمَا تَقول: رَأَيْت اثْنَتَيْ عشرَة امْرَأَة، وَلَا تَقول نسَاء لِأَنَّهُ لما قصد الْأُمَم وَلم يقْصد السبط نَفسه لم يجز أَن يفسره بالسبط نَفسه، وَلكنه جعل الأسباط بَدَلا من (اثْنَتَيْ عشرَة) ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الْكُوفِيُّونَ المترجم، فَهُوَ مَنْصُوب على الْبَدَل لَا على التَّمْيِيز
السّمع، بِالْفَتْح والسكون: حس الْأذن، وَالْأُذن أَيْضا، وَمَا وقر فِيهَا من شَيْء تسمعه، وَهُوَ قُوَّة مرتبَة فِي الْعصبَة المنبسطة فِي السَّطْح الْبَاطِن من صماخ الْأذن، من شَأْنهَا أَن تدْرك الصَّوْت المحرك للهواء الراكد فِي مقعر صماخ الْأذن عِنْد وُصُوله إِلَيْهِ بِسَبَب مَا
والسمع قُوَّة وَاحِدَة وَلها فعل وَاحِد، وَلِهَذَا لَا يضْبط الْإِنْسَان فِي زمَان وَاحِد كلامين وَالْأُذن مَحَله، وَلَا اخْتِيَار لَهَا فِيهِ، فَإِن الصَّوْت من أَي(1/495)
جَانب كَانَ يصل إِلَيْهَا، وَلَا قدرَة لَهَا على تَخْصِيص الْقُوَّة بِإِدْرَاك الْبَعْض دون الْبَعْض، بِخِلَاف قُوَّة الْبَصَر، إِذْ لَهَا فِيهِ شبه اخْتِيَار، فَإِنَّهَا تتحرك إِلَى جَانب دون آخر، وَبِخِلَاف الْفُؤَاد أَيْضا فَإِن لَهُ نوع اخْتِيَار يلْتَفت إِلَى مَا يُرِيد دون غَيره
[وَالله سُبْحَانَهُ سميع لكنه بِلَا صمخة وَلَا آذان، كَمَا أَنه بَصِير بِلَا حدقة وَلَا أجفان، فَيسمع حفيف الطُّيُور، ونداء الديدان فِي بطُون الصخور، ودوي الْحيتَان فِي قعور البحور، ويبصر دَبِيب النملة السَّوْدَاء فِي حنادس الديجور، وَيرى فِي لَيْلَة الظلماء تقلبات الْهَوَام وَهِي تمور]
والسمع قد يعبر بِهِ تَارَة عَن الْأذن نَحْو {ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم} وَتارَة عَن فعله كالسماع نَحْو: {إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون} وَتارَة عَن الْفَهم نَحْو: {سمعنَا وعصينا} ، وكل مَوضِع أثبت السّمع للْمُؤْمِنين، أَو نفى عَن الْكَافرين، أَو حث على تحريه فالقصد بِهِ إِلَى تصور الْمَعْنى والتفكر فِيهِ نَحْو: {وَفِي آذانهم وقرا}
السمعة بِالضَّمِّ والسكون: السماع، وك (الْحِكْمَة) : هَيْئَة
والسمع بِالْكَسْرِ.: الذّكر الْجَمِيل
وَمَا فعله رِيَاء وَلَا سمعة؛ يضم ويحرك: وَهِي مَا نوه بِذكرِهِ ليرى وَيسمع
وَسمع الْإِدْرَاك مُتَعَلّقه الْأَصْوَات نَحْو: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} ، وَأما قَول الشَّاعِر:
(وَقد سَمِعت بِقوم يحْمَدُونَ فَلم ... أسمع بمثلك لَا علما وَلَا جودا)
ف (يحْمَدُونَ) لَيْسَ صفة ل (قوم) ، بل هُوَ بِمَنْزِلَة يَقُول فِيهِ (سمعته يَقُول.) لِأَن ذَوَات الْقَوْم لَيست بمسموعة، بل المسموع هَهُنَا الْحَمد
وَسمع الْفَهم وَالْعقل مُتَعَلّقه الْمعَانِي، وَيَتَعَدَّى بِنَفسِهِ لِأَن مضمونه يتَعَدَّى بِنَفسِهِ كَقَوْلِه {وَقُولُوا انظرنا واسمعوا}
وَسمع الْإِجَابَة يتَعَدَّى بِاللَّامِ نَحْو: {سمع الله لمن حَمده}
وَسمع الْقبُول والانقياد يتَعَدَّى ب (من) كَمَا يتَعَدَّى بِاللَّامِ. نَحْو: {سماعون للكذب} وَهَذَا بِحَسب الْمَعْنى، وَإِذا كَانَ السِّيَاق يَقْتَضِي الْقبُول يتَعَدَّى ب (من) ، وَإِذا اقْتضى الانقياد يتَعَدَّى بِاللَّامِ
وَالصَّحِيح أَن (سمع) لَا يتَعَدَّى إِلَّا الى مفعول وَاحِد، وَالْفِعْل الْوَاقِع بعد الْمَفْعُول فِي مَوضِع الْحَال، فَمَعْنَى (سمعته يَقُول) أَي: سمعته حَال قَوْله كَذَا، و (سَمِعت حَدِيث فلَان) يُفِيد الإصغاء مَعَ الْإِدْرَاك
وسمعك إِلَيّ: أَي اسْمَع مني كَذَا
سَماع ك (قطام)
وَالسَّامِع أَعم لُغَة من الْمُخَاطب، إِذْ الْحَاضِر هُوَ الْمُخَاطب الَّذِي يُوَجه إِلَيْهِ الْكَلَام، وَالسَّامِع يعم لَهُ ولسائر الْحَاضِرين فِي الْمجْلس(1/496)
وَفِي الْعرف: يُطلق السَّامع على الْمُخَاطب بِحَيْثُ ينزل منزلَة المرادف لَهُ، وَقد يَجْعَل السَّامع الَّذِي لَا يُخَاطب غَائِبا، وَالْغَائِب الَّذِي أرسل اليه الْكتاب مُخَاطبا
(وَالسَّمَاع قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْإِدْرَاك، كَمَا فِي الْإِدْرَاك بحاسة الْأذن
وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الانقياد وَالطَّاعَة)
وَقد يُطلق بِمَعْنى الْفَهم والإحاطة، وَمِنْه: (سَمِعت كَلَام فلَان) وَإِن كَانَ ذَلِك مبلغا على لِسَان غَيره، وَلَا يكون المُرَاد بِهِ غير الْفَهم لما هُوَ قَائِم بِنَفسِهِ، بل الَّذِي هُوَ مَدْلُول عبارَة ذَلِك الْمبلغ، وَإِذا عرف ذَلِك فَمن الْجَائِز أَن يسمع مُوسَى كَلَام الله الْقَدِيم، بِمَعْنى أَنه خلق لَهُ فهمه والإحاطة بِهِ، إِمَّا بِوَاسِطَة أَو بِغَيْر وَاسِطَة، وَالسَّمَاع بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يَسْتَدْعِي صَوتا وَلَا حرفا. وَالسَّمَاع فِي أهل الحَدِيث إِذا عدي ب (عَن) يكون قَارِئ الحَدِيث الشَّيْخ، وَإِذا قَرَأَ أحد على الشَّيْخ وَسمع غَيره عدي ب (على) فَيَقُول الشَّيْخ: (سمع فلَان عَليّ)
وسمعا وَطَاعَة: على إِضْمَار الْفِعْل، وَيرْفَع أَي: أَمْرِي ذَلِك
وَالْمرَاد بالسماعي مَا لَا قَاعِدَة لَهُ يعرف بهَا، كَمَا أَن الْقيَاس مَا لَهُ ضَابِط كلي يعلم بِهِ
السّنة: بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد: الطَّرِيقَة وَلَو غير مرضية
وَشرعا: اسْم للطريقة المرضية المسلوكة فِي الدّين من غير افتراض وَلَا وجوب وَالْمرَاد بالمسلوكة فِي الدّين مَا سلكها رَسُول الله أَو غَيره مِمَّن هُوَ علم فِي الدّين كالصحابة رَضِي الله عَنْهُم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدى "
(وَفِي " غَايَة الْبَيَان ": السّنة هِيَ مَا فِي فعله ثَوَاب وَفِي تَركه عتاب لَا عِقَاب، وَهَذَا التَّعْرِيف أبدعه خاطري، وَمَا قيل: هِيَ الطَّرِيقَة المسلوكة فِي الدّين فَفِيهِ نظر انْتهى)
وَعرفا، بِلَا خلاف: هِيَ مَا واظب عَلَيْهِ مقتدى نَبيا كَانَ أَو وليا، وَهِي أَعم من الحَدِيث لتناولها للْفِعْل وَالْقَوْل والتقرير والْحَدِيث لَا يتَنَاوَل إِلَّا القَوْل، وَالْقَوْل أقوى فِي الدّلَالَة على التشريع من الْفِعْل، لاحْتِمَال اخْتِصَاصه بِهِ، وَالْفِعْل أقوى من التَّقْرِير، لِأَن التَّقْرِير يطرقه من الِاحْتِمَال مَا لَا يطْرق الْفِعْل الوجودي، وَلذَلِك كَانَ فِي دلَالَة التَّقْرِير على التشريع خلاف
وَمُطلق السّنة لَا يَقْتَضِي الِاخْتِصَاص بِسنة رَسُول الله فَإِن المُرَاد بِهِ فِي عرف المتشرعة طَريقَة الدّين، إِمَّا للرسول بقوله وَفعله، أَو للصحابة وَعند الشَّافِعِي مُخْتَصَّة بِسنة رَسُول الله، وَهَذَا بِنَاء على أَنه لَا يرى تَقْلِيد الصَّحَابَة
وَالسّنة: الطَّرِيقَة المسلوكة المتبعة، فَلَا يُطلق اسْم السّنة على طريقتهم إِلَّا بالمجاز، فتتعين الْحَقِيقَة عِنْد الْإِطْلَاق، وَعِنْدنَا: لما وَجب تَقْلِيد الصَّحَابَة كَانَت طريقتهم متعبة لطريق الرَّسُول فَلم(1/497)
يدل إِطْلَاق السّنة على أَنَّهَا طَريقَة النَّبِي
وَقد تطلق السّنة على الثَّابِت بهَا كَمَا رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَن الْوتر سنة، وَعَلِيهِ يحمل قَوْله " عيدَان اجْتمعَا، احدهما فرض وَالْآخر سنة " أَي: وَاجِب بِالسنةِ
وَالسّنة بِمَعْنى الطَّرِيقَة المسلوكة فِي الدّين، تنتظم الْمُسْتَحبّ والمباح، بل الْوَاجِب وَالْفَرْض أَيْضا
وَالسّنة المصطلحة بِخِلَافِهَا، فَإِنَّهَا مُقَابلَة للأربعة الْمَذْكُورَة
وَالسّنة مُؤَقَّتَة، ويلام بِتَرْكِهَا، ومحتاج إِلَى النِّيَّة بِلَفْظ السّنة، بِخِلَاف النَّفْل فِي ذَلِك كُله
وَسنة الْهدى: أَي مكمل الدّين وَيُقَال لَهَا السّنة الْمُؤَكّدَة كالأذان وَالْإِقَامَة، وَالسّنَن الرَّوَاتِب حكمهَا كالواجب الْمُطَالبَة فِي الدُّنْيَا، إِلَّا أَن تَارِك الْوَاجِب يُعَاقب وتاركها يُعَاتب، وَهُوَ الْمَشْهُور، لَكِن فِي " المسعودية ": من اعْتقد وَلم يعْمل فَهُوَ مُؤمن عَاص وَفِي " التَّلْوِيح ": ترك السّنة الْمُؤَكّدَة قريب من الْحَرَام فَيسْتَحق حرمَان الشَّفَاعَة، إِذْ معنى الْقرب إِلَى الْحُرْمَة أَنه يتَعَلَّق بِهِ مَحْذُور دون اسْتِحْقَاق الْعقُوبَة بالنَّار
وَالسّنَن الزَّائِدَة على الْهدى كأذان الْقَاعِد الْمُنْفَرد والسواك وَصَلَاة اللَّيْل والنوافل الْمعينَة وَالْأَفْعَال الْمَعْهُودَة فِي الصَّلَاة وخارجها لَا يُعَاقب تاركها كالندب والتطوع
وَسنة الْعين كالرواتب وَالِاعْتِكَاف
وَسنة الْكِفَايَة كسلام وَاحِد من جمع
وَسنة عبَادَة وَاتِّبَاع كَالطَّلَاقِ فِي طهر بِلَا وضوء
وَسنة الْمَشَايِخ كالعدد التسع فِي الاستياك
وَأما النَّفْل فَهُوَ مَا فعله النَّبِي مرّة وَتَركه أُخْرَى
وَالْمُسْتَحب دون السّنَن الزَّوَائِد، لاشْتِرَاط الْمُوَاظبَة
وَالْأَدب كالنفل
وَسنة النَّبِي أقوى من سنة الصَّحَابَة، أَلا ترى أَن التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان سنة الصَّحَابَة، فَإِنَّهُ لم يواظب عَلَيْهَا رَسُول الله، بل واظب عَلَيْهَا الصَّحَابَة، وَهَذَا مِمَّا ينْدب إِلَى تَحْصِيله ويلام على تَركه، وَلكنه دون مَا واظب عَلَيْهِ الرَّسُول، والمواظبة لم تثبت الْوُجُوب بِدُونِ الْأَمر بِالْفِعْلِ أَو الْإِنْكَار على التارك كَمَا قَالَه (الْمَبْسُوط الْبكْرِيّ)
والسني: مَنْسُوب إِلَى السّنة، حذف التَّاء للنسبة
{إِلَّا أَن تأتيهم سنة الْأَوَّلين} أَي: مُعَاينَة الْعَذَاب
[و {قد خلت من قبلكُمْ سنَن} أَي: مَضَت لكل أمة سنة ومنهاج، وَقيل: أُمَم
وَالسّنة: الْأمة قَالَ الشَّاعِر:
(مَا عاين النَّاس من فضل كفضلكم ... وَلَا رَأَوْا مثلكُمْ فِي سالف السّنَن)
وَالسّنة: بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف غَالب اسْتِعْمَالهَا فِي الْحول الَّذِي فِيهِ الشدَّة والجدب، بِخِلَاف الْعَام: فَإِن اسْتِعْمَاله فِي الْحول الَّذِي فِيهِ الرخَاء
وَالسّنة: مِقْدَار طُلُوع الشَّمْس البروج الاثْنَي عشر(1/498)
وَفِي عرف الشَّرْع: كل يَوْم إِلَى مثله من الْقَابِل بالشهور الْهِلَالِيَّة
وَالْعَام: من أول الْمحرم إِلَى آخر ذِي الْحجَّة
والشهر: مِقْدَار حُلُول الْقَمَر الْمنَازل الثماني وَالْعِشْرين وَقد يَجِيء بِمَعْنى الْهلَال، لِأَنَّهُ يكون فِي أول الشَّهْر
وَالسّنة، بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيف: ابْتِدَاء النعاس فِي الرَّأْس، فاذا خالط الْقلب صَار نوما وَفِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} الْمَنْفِيّ أَولا إِنَّمَا هُوَ الْخَاص، وَثَانِيا الْعَام، وَيعرف ذَلِك من قَوْله: (لَا تَأْخُذهُ) أَي: لَا تغلبه، فَلَا يلْزم من عدم أَخذ السّنة الَّتِي هِيَ قَلِيل من نوم أَو نُعَاس عدم أَخذ النّوم، وَلِهَذَا قَالَ: (وَلَا نوم) بتوسط كلمة (لَا) تنصيصا على شُمُول النَّفْي لكل مِنْهُمَا، لَكِن بَقِي الْكَلَام فِي عدم الِاكْتِفَاء بِنَفْي أَخذ النّوم
قَالَ بَعضهم: هُوَ من قبيل التدلي من الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى كَقَوْلِه تَعَالَى: {لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون}
وَقيل: هُوَ من قبيل الترقي، فالقائل بالتدلي نظر إِلَى سلب السّنة، لِأَنَّهُ أبلغ من سلب النّوم
وَالْقَائِل بالترقي نظر إِلَى سلب أَخذهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بأبلغ من سلب من أَخذه لما فِيهِ من الْقُوَّة
وَالْحق أَن المُرَاد بَيَان انْتِفَاء عرُوض شَيْء مِنْهُمَا لَهُ تَعَالَى، لَا لِأَنَّهُمَا قاصران بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقُوَّة الإلهية فَإِنَّهُ بمعزل عَن مقَام التَّنْزِيه
وَتَقْدِيم السّنة للمحافظة على تَرْتِيب الْوُجُود الْخَارِجِي
السِّين: هِيَ إِذا دخلت على الْفِعْل الْمُسْتَقْبل وصلت بَينه وَبَين (أَن) الَّتِي كَانَت قبل دُخُولهَا من أدوات النصب فيرتفع حِينَئِذٍ الْفِعْل، وينتقل عَن (ان) كَونهَا الناصبة للْفِعْل إِلَى أَن تصير مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} أَي: علم أَنه سَيكون وَيُقَال لَهَا حرف تَنْفِيس، لِأَنَّهَا تنقل الْمُضَارع من الزَّمن الضّيق: وَهُوَ الْحَال، إِلَى الْوَاسِع أَي: الِاسْتِقْبَال
وتجيء لمعان كالطلب والتحويل والإصابة على صفة، والاعتقاد وَالسُّؤَال وَالتَّسْلِيم وَالْوَقْف بعد كَاف الْمُؤَنَّث نَحْو (اكرمتكس) وَتسَمى سين الكسكسة
وتجيء للتلطيف: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فسنيسره لليسرى} وَالْمرَاد بالتلطيف ترقيق الْكَلَام، بِمَعْنى أَن لَا يكون نصبا فِي الْمَقْصُود، بل يكون مُحْتملا لغيره فَهُوَ كالشيء الرَّقِيق الَّذِي يُمكن تَغْيِيره وبسهل، ويقابله الكثيف، بِمَعْنى أَن يكون نصا فِي الْمَقْصُود، لِأَنَّهُ لَا يُمكن تَغْيِيره فَهُوَ كالكثيف الَّذِي لَا يُمكن فِيهِ ذَلِك، فالمقصود هَهُنَا أَن التَّيْسِير حَاصِل فِي الْحَال، لَكِن أُتِي بِالسِّين الدَّالَّة على الِاسْتِقْبَال وَالتَّأْخِير لتلطيف الْكَلَام وترقيقه لاحْتِمَال أَن لَا يكون التَّيْسِير حَاصِلا فِي الْحَال لنكات تَقْتَضِي ذَلِك
وَالسِّين للاستقبال الْقَرِيب مَعَ التَّأْكِيد، كَمَا أَن (سَوف) للاستقبال الْبعيد
و (سَوف) فِي قَوْله تَعَالَى: (فَسَوف(1/499)
يبصرون} للوعيد لَا للتبعيد
وَالسِّين فِي الْإِثْبَات مُقَابلَة ل (لن) فِي النَّفْي وَلِهَذَا قد تتمحض للتَّأْكِيد من غير قصد إِلَى معنى الِاسْتِقْبَال
سَوف: حرف مَعْنَاهَا الِاسْتِئْنَاف، أَو كلمة تسويف فِيمَا لم يكن بعد، وتستعمل فِي التهديد والوعد والوعيد، وَإِذا شِئْت أَن تجعلها اسْما نونتها
و (سَوف) كالسين وأوسع زَمَانا مِنْهَا عِنْد الْبَصرِيين، ومرادفة لَهَا عِنْد غَيرهم وتنفرد عَن السِّين بِدُخُول اللَّام فِيهَا نَحْو {ولسوف يعطيك}
وَالْغَالِب على السِّين اسْتِعْمَالهَا فِي الْوَعْد، وَقد تسْتَعْمل فِي الْوَعيد. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: " سَوف، كلمة تذكر للتهديد والوعيد، وينوب عَنْهَا السِّين وَقد يُزَاد (أَن) فِي الْوَعْد أَيْضا
السوَاء: اسْم بِمَعْنى الاسْتوَاء، يُوصف بِهِ كَمَا يُوصف بالمصادر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم}
وَسَوَاء الشَّيْء: وَسطه وَمِنْه: {فِي سَوَاء الْجَحِيم}
وَإِذا كَانَ بِمَعْنى (غير) أَو بِمَعْنى الْعدْل يكون فِيهِ ثَلَاث لُغَات: إِن ضممت السِّين أَو كَسرته قصرت فيهمَا جَمِيعًا، وان فتحت مددت
و (سَوَاء) مِمَّا يفرد وَيجمع وَلَا يثنى ك (ضبعان) للمذكر، يجمع وَلَا يثنى وَالصَّحِيح أَنه لَا يثنى وَلَا يجمع لِأَنَّهُ جرى عِنْدهم مجْرى الْمصدر وَهَذَا يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ
وَالْعرب قد تَسْتَغْنِي عَن الشَّيْء بالشَّيْء حَتَّى يصير المستغنى عَنهُ سَاقِطا من كَلَامهم الْبَتَّةَ، فَمن ذَلِك استغناؤهم ب (ترك) عَن (وذر) و (ودع) وب (سيان) عَن تَثْنِيَة (سَوَاء) ، وَيجمع الْقلَّة عَن الْكَثْرَة وَغير ذَلِك
وَإِذا كَانَ بعد (سَوَاء) ألف الِاسْتِفْهَام فَلَا بُد من (أم) مَعَ الْكَلِمَتَيْنِ، اسْمَيْنِ كَانَتَا أَو فعلين
تَقول: (سَوَاء عَليّ أَزِيد أم عَمْرو) و (سَوَاء عَليّ أَقمت أم قعدت) وَإِذا كَانَ بعْدهَا فعلان بِغَيْر ألف الِاسْتِفْهَام عطف الثَّانِي ب (أَو) ، وَإِن كَانَ بعْدهَا مصدران كَانَ الثَّانِي بِالْوَاو أَوب (أَو) حملا عَلَيْهَا، وَكَذَا لَفْظَة (أُبَالِي) فَإِنَّهُ إِذا وَقع بعد (أُبَالِي) همزَة الِاسْتِفْهَام كَانَ الْعَطف ب (أم) وَإِلَّا فالعطف ب (أَو) ، وَالضَّابِط الْكُلِّي أَنه إِن حسن السُّكُوت على مَا قبل (أَو) فَهُوَ من مَوَاضِع (أَو) ، وَإِن لم يحسن فَهُوَ من مَوَاضِع (أم) ، وَفِي (أفعل) التَّفْضِيل لَا يعْطف إِلَّا ب (أم) فَلَا يُقَال: (زيد أفضل أَو عَمْرو)
وَفِي (سَوَاء) أَمر آخر اخْتصَّ بِهِ، وَهُوَ أَنه لَا يرفع الظَّاهِر إِلَّا أَن يكون مَعْطُوفًا على الْمُضمر نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل سَوَاء هُوَ والعدم) فَإِنَّهُ إِن خفضت كَانَ نعتا وَفِي (سَوَاء) ضمير، وَكَانَ الْعَدَم مَعْطُوفًا على الضَّمِير، وَهُوَ تَأْكِيد، وَإِن رفعت (سَوَاء) كَانَ خَبرا مقدما، وَهُوَ مُبْتَدأ، والعدم مَعْطُوف عَلَيْهِ
و (سوى) ، بِالْكَسْرِ وَالْقصر، ظرف من ظروف(1/500)
الْأَمْكِنَة، وَمَعْنَاهَا إِذا أضيفت [إِلَى نكرَة] كمعنى (مَكَانك) ، وَمَا بعد (سوى) مجرور وَلَيْسَ دَاخِلا فِيمَا قبلهَا، وَإِذا أضيفت إِلَى معرفَة صَارَت معرفَة، لِأَن إضافتها كإضافة (خلقك) و (قدامك) ، بِخِلَاف (غير) فَإِنَّهَا تبقى على تنكرهَا
السُّؤَال: ألف (سَأَلَ يسْأَل) منقلبة عَن الْوَاو، فعلى هَذَا همزَة (سَائل) كهمزة (خَائِف) ، وَأما السَّائِل بِمَعْنى السيلان فهمزته منقلبة عَن الْبَاء، وَكَذَا ألف (سَالَ) مِنْهُ كَمَا فِي (بَاعَ) و (بَائِع)
وَالسُّؤَال: هُوَ استدعاء معرفَة أَو مَا يُؤَدِّي إِلَى الْمعرفَة، أَو مَا يُؤَدِّي إِلَى المَال، فاستدعاء الْمعرفَة جَوَابه على اللِّسَان، وَالْيَد خَليفَة لَهُ بِالْكِتَابَةِ أَو الْإِشَارَة، واستدعاء المَال جَوَابه على الْيَد، وَاللِّسَان خَليفَة لَهَا، إِمَّا بوعد أَو برد
(وَالسُّؤَال يُقَارب الأمنية، لَكِن الأمنية تقال فِيمَا قدر، وَالسُّؤَال فِيمَا طلب فَيكون بعد الأمنية)
وَالسُّؤَال إِذا كَانَ بِمَعْنى الطّلب والالتماس يتَعَدَّى إِلَى مفعولين بِنَفسِهِ، وَإِذا كَانَ بِمَعْنى الاستفسار يتَعَدَّى إِلَى الأول بِنَفسِهِ، وَإِلَى الثَّانِي ب (عَن) تَقول: (سَأَلته كَذَا) و (سَأَلته عَنهُ سؤالا وَمَسْأَلَة) و (سَأَلته بِهِ) أَي: عَنهُ
فِي " الْقَامُوس ": سَأَلَهُ كَذَا وَعَن كَذَا وبكذا
وَقد يتَعَدَّى إِلَى مفعول آخر ب (إِلَى) لتضمين معنى الْإِضَافَة
وَالسُّؤَال: مَا يسْأَل، وَمِنْه {سؤلك يَا مُوسَى}
وَالسُّؤَال للمعرفة قد يكون للاستعلام، وَتارَة للتبكيت، وَتارَة لتعريف المسؤول وتبيينه، وَالسُّؤَال إِذا كَانَ للتعريف تعدى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة ب (عَن) وَهُوَ أَكثر نَحْو: {ويسألونك عَن الرّوح} ، وَإِذا كَانَ لاستدعاء مَال فيعدى بِنَفسِهِ نَحْو: {واسألوا مَا أنفقتم} أَو ب (من) نَحْو: {واسألوا الله من فَضله}
وَالسُّؤَال كَمَا تعدى ب (عَن) لتَضَمّنه معنى التفتيش تعدى بِالْبَاء أَيْضا لتَضَمّنه معنى الاعتناء، كَذَا فِي " أنوار التَّنْزِيل "
وسؤال الجدل حَقه أَن يُطَابق جَوَابه بِلَا زِيَادَة وَلَا نقص وَأما سُؤال التَّعَلُّم والاسترشاد فَحق الْمعلم أَن يكون فِيهِ كطبيب يتحَرَّى شِفَاء سقيم فيبين المعالجة على مَا يَقْتَضِيهِ الْمَرَض، لَا على مَا يحكيه الْمَرِيض
وَقد يعدل فِي الْجَواب عَمَّا يَقْتَضِيهِ السُّؤَال تَنْبِيها على أَنه كَانَ من حق السُّؤَال أَن يكون كَذَلِك، ويسميه السكاكي أسلوب الْحَكِيم
وَقد يَجِيء الْجَواب أَعم من السُّؤَال للْحَاجة إِلَيْهِ مثل الاستلذاذ بِالْخِطَابِ كَمَا فِي جَوَاب {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} وَإِظْهَار الابتهاج بِالْعبَادَة والاستمرار على مواظبتها لِيَزْدَادَ غيظ السَّائِل، كَمَا(1/501)
فِي قَول قوم إِبْرَاهِيم: {نعْبد أصناما فنظل لَهَا عاكفين} فِي جَوَاب: مَا تَعْبدُونَ فَعلم من هَذَا أَن مُطَابقَة الْجَواب للسؤال إِنَّمَا هُوَ الْكَشْف عَن السُّؤَال لبَيَان حكمه، وَقد حصل مَعَ الزِّيَادَة، وَلَا نسلم وجوب الْمُطَابقَة بِمَعْنى الْمُسَاوَاة فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص، وَقد تكون الزِّيَادَة على الْجَواب للتحريض، كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ لمن المقربين} وَقد يَجِيء أنقص لاقْتِضَاء الْحَال ذَلِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل مَا يكون لي أَن أبدله} فِي جَوَاب {ائْتِ بقرآن غير هَذَا أَو بدله} وَإِنَّمَا طوى ذكر الاختراع للتّنْبِيه على أَنه سُؤال محَال، والتبديل فِي إِمْكَان الْبشر
وَقد يعدل عَن الْجَواب أصلا إِذا كَانَ قصد السَّائِل التعنت نَحْو قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي}
وَقيل: الأَصْل فِي الْجَواب أَن يُعَاد فِيهِ نفس السُّؤَال ليَكُون وَفقه نَحْو: {أئنك لأَنْت يُوسُف قَالَ أَنا يُوسُف} وَكَذَا: {أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا} هَذَا أَصله، ثمَّ إِنَّهُم أَتَوا عوض ذَلِك بِحرف الْجَواب اختصاراً وتركا للتكرار، وَالسُّؤَال معاد فِي الْجَواب، فَلَو قَالَ: (امْرَأَة زيد طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله إِن دخل هَذَا الدَّار) فَقَالَ زيد: نعم، كَانَ حَالفا، لِأَن الْجَواب يتَضَمَّن إِعَادَة مَا فِي السُّؤَال
[قَالَ الله تَعَالَى: {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم} أَي: وجدنَا وعد رَبنَا حَقًا، وَمَوْضِع الْخلاف بَينهمَا وَبَين الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيمَا إِذا كَانَ الْجَواب زَائِدا على قدر السُّؤَال زِيَادَة غير مُحْتَاج إِلَيْهَا، فعندنا يصير مبتدئا، وَهَذَا معنى قَول الْفُقَهَاء: " الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَبِيَّة "، وَلَو لم يكن مبتدئا يلْزم إِلْغَاء الزِّيَادَة، وَكَلَام الْعَاقِل يصان عَن الإلغاء، وَعند الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقع الْجَواب عَادَة مَعَ الزِّيَادَة كَمَا فِي قصَّة سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي قصَّة سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيْضا {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول} إِلَى آخِره، فَقُلْنَا: سلمنَا أَن الزِّيَادَة على الْجَواب جَائِزَة لغَرَض وَرَاء الْجَواب، لَكِن لَا يكون ذَلِك من الْجَواب]
وَمن عَادَة الْقُرْآن أَن السُّؤَال (إِذا كَانَ وَاقعا يُقَال فِي الْجَواب: (قل) بِلَا فَاء مثل: {ويسألونك عَن الرّوح} ، {ويسألونك عَن السَّاعَة} ، {ويسألونك عَن الْمَحِيض} ونظائرها، فصيغة الْمُضَارع للاستحضار بِخِلَاف: {ويسألونك عَن الْجبَال} فان الصِّيغَة فِيهَا للاستقبال، لِأَنَّهُ سُؤال علم الله تَعَالَى وُقُوعه وَأخْبر عَنهُ قبله، وَلذَلِك أَتَى بِالْفَاءِ الفصيحة فِي(1/502)
الْجَواب، حَيْثُ قَالَ: {فَقل ينسفها رَبِّي} أَي: إِذا سألوك فَقل
السوء، بِالْفَتْح: غلب فِي أَن يُضَاف إِلَيْهِ مَا يُرَاد ذمه
و [السوء] ، بِالضَّمِّ: جرى مجْرى الشَّرّ، وَكِلَاهُمَا فِي الأَصْل مصدر
وَالسوء: الشدَّة، نَحْو: {يسومونكم سوء الْعَذَاب}
والعقر: نَحْو: {وَلَا تمسوها بِسوء}
وَالزِّنَا نَحْو: {مَا كَانَ أَبوك امْرأ سوء}
والبرص نَحْو: {بَيْضَاء من غير سوء} والشرك نَحْو: {مَا كُنَّا نعمل من سوء} .
والشتم نَحْو: {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء}
والذنب نَحْو: {يعلمُونَ السوء بِجَهَالَة}
والضر نَحْو: {ويكشف السوء}
وَالْقَتْل والهزيمة نَحْو: {لم يمسسهم سوء}
وَبِمَعْنى (بئس) نَحْو: {وَلَهُم سوء الدَّار}
ومقدمات الْفَاحِشَة من الْقبْلَة وَالنَّظَر بالشهوة
السوأى: تَأْنِيث الاسوأ، كالحسنى، أَو مصدر كالبشرى
السَّبَب [لُغَة] : الْحَبل، وَمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى غَيره، واعتلاق قرَابَة، (وَالْجمع أَسبَاب)
[وَقيل: هُوَ مَا يكون طَرِيقا ومفضيا إِلَى الشَّيْء مُطلقًا، وَهَذَا الْمَعْنى يَشْمَل الْعلَّة وَالسَّبَب
وَفِي الشَّرِيعَة: عبارَة عَمَّا يكون طَرِيقا للوصول إِلَى الحكم غير مُؤثر فِيهِ، وَقيل: مَا يكون طَرِيقا إِلَى الشَّيْء من غير أَن يُضَاف إِلَيْهِ وجود وَلَا وجود، ثمَّ مَا يُضَاف عَلَيْهِ اسْم السَّبَب سَوَاء كَانَ بطرِيق الْحَقِيقَة أَو الْمجَاز أَرْبَعَة أَقسَام:
سَبَب حَقِيقِيّ وَيُسمى سَببا مهيئا نَحْو مَا يكون طَرِيقا للوصول إِلَى الحكم من غير أَن يُضَاف إِلَيْهِ وجوب الحكم أَو وجوده، أَي لَا يكون ثُبُوته بِهِ وَلَا وجوده عِنْده، بل يَتَخَلَّل بَينه وَبَين الحكم عِلّة لَا تصاف وجودهَا إِلَى ذَلِك الطَّرِيق، كحل قيد عبد الْغَيْر فأبق، وَفتح بَاب القفص فطار الطير، وَدلَالَة السَّارِق على مَال إِنْسَان فَسرق، وَأخذ صبي حر من يَد وليه فَمَاتَ فِي يَده لمَرض
وَسبب هُوَ فِي معنى الْعلَّة: كَقطع حَبل الْقنْدِيل الْمُعَلق، وشق الزق الَّذِي فِيهِ مَائِع
وَسبب لَهُ شُبْهَة الْعلَّة: كحفر الْبِئْر فِي الطَّرِيق، وإرضاع الْكَبِيرَة ضَرَّتهَا الصَّغِيرَة
وَسبب مجازي: كاليمين بِاللَّه فَإِنَّهَا سميت سَببا لِلْكَفَّارَةِ بِاعْتِبَار الصُّورَة، وَتَعْلِيق الطَّلَاق وَالْعتاق(1/503)
بِالشّرطِ، لِأَن دَرَجَات السَّبَب أَن يكون طَرِيقا للوصول إِلَى الحكم]
وَأَسْبَاب السَّمَاء: مراقيها: أَو نَوَاحِيهَا، أَو أَبْوَابهَا
وَالسَّبَب: مَا يكون وجود الشَّيْء مَوْقُوفا عَلَيْهِ، كالوقت للصَّلَاة
وَالشّرط: مَا يتَوَقَّف وجود الشَّيْء عَلَيْهِ، كَالْوضُوءِ للصَّلَاة
وَقيل: السَّبَب مَا يلْزم من عَدمه الْعَدَم، وَمن وجوده (الْوُجُود بِالنّظرِ إِلَى ذَاته، كالزوال مثلا، فَإِن الشَّرْع وَضعه سَببا لوُجُود الظّهْر، وَالشّرط مَا يلْزم من عَدمه الْعَدَم، وَلَا يلْزم من وجوده) وجود وَلَا عدم لذاته، مِثَاله: تَمام الْحول بِالنِّسْبَةِ إِلَى وجوب الزَّكَاة فِي الْعين والماشية
وَالسَّبَب التَّام: هُوَ الَّذِي يُوجد الْمُسَبّب بِوُجُودِهِ
والنحويون لَا يفرقون بَين السَّبَب وَالشّرط، وَكَذَا بَين السَّبَب وَالْعلَّة، فَإِنَّهُم ذكرُوا أَن اللَّام للتَّعْلِيل، وَلم يَقُولُوا للسَّبَبِيَّة، وَقَالَ أَكْثَرهم: الْبَاء للسَّبَبِيَّة، وَلم يَقُولُوا للتَّعْلِيل، وَعند أهل الشَّرْع يَشْتَرِكَانِ فِي تَرْتِيب الْمُسَبّب والمعلول عَلَيْهِمَا، ويفترقان من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن السَّبَب مَا يحصل الشَّيْء عِنْده لَا بِهِ، وَالْعلَّة مَا يحصل بِهِ، وَالثَّانِي أَن الْمَعْلُول يتأثر عَن علته بِلَا وَاسِطَة بَينهمَا وَلَا شَرط يتَوَقَّف الحكم على وجوده، وَالسَّبَب إِنَّمَا يُفْضِي إِلَى الحكم بِوَاسِطَة أَو بوسائط، وَلذَلِك يتراخى الحكم عَنهُ حَتَّى تُوجد الشَّرَائِط وتنتفي الْمَوَانِع، وَأما الْعلَّة فَلَا يتراخى الحكم عَنْهَا، إِذْ لَا شَرط لَهَا، بل مَتى وجدت أوجبت معلولها بالِاتِّفَاقِ، وَمَا يُفْضِي إِلَى شَيْء، إِن كَانَ إفضاؤه دَاعيا سمي عِلّة، وَإِلَّا سمي سَببا مَحْضا
[وَقد يُرَاد بِالسَّبَبِ الْعلَّة كَمَا يُقَال: النِّكَاح سَبَب الْحل، وَالطَّلَاق سَبَب لوُجُوب الْعدة شرعا كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْفُقَهَاء]
وَالْعلَّة الشَّرْعِيَّة تحاكي الْعلَّة الْعَقْلِيَّة أبدا لَا تفترقان، إِلَّا أَن الْعلَّة الْعَقْلِيَّة مُوجبَة
وَاعْلَم أَن الوسائط بَين الْأَسْبَاب وَالْأَحْكَام تَنْقَسِم إِلَى مُسْتَقلَّة وَغير مُسْتَقلَّة
فالمستقبلة يُضَاف الحكم إِلَيْهَا وَلَا يتَخَلَّف عَنْهَا، وَهِي الْعلَّة
وَغير المستقلة مِنْهَا مَا لَهُ مدْخل فِي التَّأْثِير ومناسبة إِن كَانَ فِي قِيَاس المناسبات، وَهُوَ السَّبَب، وَمِنْهَا مَا لَا مدْخل لَهُ، وَلَكِن إِذا انْعَدم يَنْعَدِم الحكم وَهُوَ الشَّرْط، وَبِهَذَا تبين ترقي رُتْبَة الْعلَّة عَن رُتْبَة السَّبَب
وَمن ثمَّة يَقُولُونَ: إِن الْمُبَاشرَة تتقدم على السَّبَب، ووجهة أَن الْمُبَاشرَة عِلّة وَالْعلَّة أقوى من السَّبَب وَلَا تحسب أَن الشَّرْط أَضْعَف حَالا وَأنزل رُتْبَة من السَّبَب، بل الشَّرْط يلْزم من عَدمه الْعَدَم، وَهُوَ من هَذِه الْجِهَة أقوى من السَّبَب، إِذْ السَّبَب لَا مُلَازمَة بَينه وَبَين الْمُسَبّب انْتِفَاء وثبوتا، بِخِلَاف الشَّرْط
وَالسَّبَب وَالْعلَّة يطلقان على معنى وَاحِد عِنْد الْحُكَمَاء، وَهُوَ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ شَيْء آخر، وَكَذَا الْمُسَبّب والمعلول فَإِنَّهُمَا يطلقان عِنْدهمَا على مَا يحْتَاج إِلَى شَيْء آخر، لَكِن أَصْحَاب علم(1/504)
الْمعَانِي يطلقون الْعلَّة على مَا يُوجد شَيْئا، وَالسَّبَب على مَا يبْعَث الْفَاعِل على الْفِعْل
والحكماء يَقُولُونَ للْأولِ الْعلَّة الفاعلية، وَللثَّانِي الْعلَّة الغائية
وَالسَّبَب يستعار للمسبب دون الْعَكْس، لاستغناء السَّبَب عَن الْمُسَبّب، وافتقار الْمُسَبّب إِلَى السَّبَب إِلَّا إِذا كَانَ الْمُسَبّب مُخْتَصًّا بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} استعير اسْم الْمُسَبّب فِيهَا وَهُوَ الْخمر للسبب وَهُوَ الْعِنَب، لاخْتِصَاص الْخمر بالعنب، وَهَذَا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُخْتَصًّا يصير فِي معنى الْمَعْلُول مَعَ الْعلَّة من حَيْثُ إِنَّه لم يحصل إِلَّا بِهِ، والمعلول يستعار لِلْعِلَّةِ وَبِالْعَكْسِ
وَقد يكنى بِالسَّبَبِ عَن الْفِعْل الَّذِي يحصل السَّبَب على سَبِيل الْمجَاز، وَإِن لم يكن الْفِعْل الْمُسْتَفَاد على صُورَة الْفِعْل الْمُسْتَفَاد مِنْهُ، أَو عين الْفِعْل الْمُسْتَفَاد مِنْهُ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {غضب الله عَلَيْهِم} {فانتقمنا مِنْهُم} وَالْغَضَب عبارَة عَن نوع متغير فِي الغضبان يتَأَذَّى بِهِ، ونتيجته إهلاك المغضوب عَلَيْهِ، فَعبر عَن نتيجة الْغَضَب بِالْغَضَبِ، وَعَن نتيجة الانتقام بالانتقام
السرى، كالهدى: سير عَامَّة اللَّيْل، كَقَوْلِه: نشأنا على حرف بَرى متنها السرى [والصق مِنْهَا لابتيها القماحد]
وسرى، وَأسرى: بِمَعْنى؛ أَعنِي أَنَّهُمَا لَا زمَان، والهمزة لَيست للتعدية، وَلِهَذَا عدي بِالْبَاء، وهما بِمَعْنى سَار عَامَّة اللَّيْل
وَقيل: سرى لأوّل اللَّيْل، وَأسرى آخر اللَّيْل
وَسَار: مُخْتَصّ بِالنَّهَارِ
والتأويب: سير النَّهَار كُله
والإساد: سير النَّهَار وَاللَّيْل كُله، وَلم يَجِيء فِي الْقُرْآن (سرته) ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ (سرت فِيهِ) نَحْو: {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض}
وسرت بفلان، نَحْو: سَار بأَهْله وَسيرَته: على التكثير نَحْو: {وسيرت الْجبَال}
و (سرى) الْمُتَعَدِّي بِالْبَاء يفهم مِنْهُ شَيْئَانِ: أَحدهمَا: صُدُور الْفِعْل من فَاعله، وَالثَّانِي: مصاحبته لما دخلت فِيهِ الْبَاء فاذا قلت: سريت بزيد، أَو سَافَرت بِهِ كنت قد وجد مِنْك السّير وَالسّفر مصاحبا لزيد فِيهِ
وَأما الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إِيقَاع الْفِعْل بالمفعول فَقَط، فَإِذا قرن هَذَا الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ أَفَادَ إِيقَاع الْفِعْل على الْمَفْعُول مَعَ المصاحبة المفهومة من الْبَاء، وَلَو أُتِي فِيهِ بالثلاثي فهم مِنْهُ معنى الْمُشَاركَة فِي مصدره وَهُوَ مُمْتَنع، وأجازوا (سرت حَتَّى وَقت الْعشَاء) ، وَلم يجيزوا (سرت حَتَّى بَغْدَاد) لِأَن الْأَزْمِنَة تحدث على التَّرْتِيب والتدريج كَمَا هُوَ مُقْتَضى (حَتَّى) ، بِخِلَاف الْأَمْكِنَة فَإِنَّهَا أُمُور ثَابِتَة، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر}
وَيُقَال، من لدن الصُّبْح إِلَى أَن تَزُول الشَّمْس: سرنا اللَّيْلَة وَفِيمَا بعد الزَّوَال إِلَى آخر النَّهَار:(1/505)
سرنا البارحة، وَيتَفَرَّع على هَذَا أَنهم يَقُولُونَ مذ انتصاف اللَّيْل إِلَى وَقت الزَّوَال (صبحت بِخَير) و (كَيفَ أَصبَحت) ، وَيَقُولُونَ إِذا زَالَت الشَّمْس إِلَى أَن ينتصف اللَّيْل: (مسيت بِخَير) و (كَيفَ أمسيت)
السعد: سعد، كعلم، من السَّعَادَة، وَهِي معاونة الْأُمُور الإلهية للْإنْسَان على نيل الْخَيْر، ويضاد الشقاوة
و [السعد] ، بِفَتْح الْعين، من السعد بِمَعْنى الْيمن
وَيجوز ضم السِّين وَكسر الْعين، من السعد بِمَعْنى الإسعاد، وَمِنْه: المسعود، وَالشَّيْء يَأْتِي مرّة بِلَفْظ الْمَفْعُول، وَمرَّة بِلَفْظ الْفَاعِل وَالْمعْنَى وَاحِد نَحْو: (عبد مكَاتب ومكاتب) و (مَكَان عَامر ومعمور) و (منزل آهل ومأهول) ونفست الْمَرْأَة ونفست، وَلَا يَنْبَغِي لَك، وَلَا يَنْبَغِي لَك، وعنيت بِهِ وعنيت، وسعدوا وسعدوا، وزها علينا وزهي، وَغير ذَلِك
السلك: هُوَ أخص من الْخَيط، وأعم من السمط، لِأَن الْخَيط كَمَا يُطلق على مَا ينظم فِيهِ اللُّؤْلُؤ وَغَيره، كَذَلِك يُطلق على مَا يخاط بِهِ الثَّوْب، والسلك مَخْصُوص بِالْأولِ، والسمط خيط مَا دَامَ فِيهِ الْجَوْهَر، وَتقول للخيط من الْقطن سلك، وَإِذا كَانَ من صوف فَهُوَ نصاح
وسلك، بِمَعْنى (دخل) لَازم، وَبِمَعْنى (أَدخل) مُتَعَدٍّ، نَحْو: {اسألك يدك فِي جيبك} {فاسلك فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}
السَّهْو: هُوَ غَفلَة الْقلب عَن الشَّيْء بِحَيْثُ يتَنَبَّه بِأَدْنَى تَنْبِيه
وَالنِّسْيَان: غيبَة الشَّيْء عَن الْقلب بِحَيْثُ يحْتَاج إِلَى تَحْصِيل جَدِيد
قَالَ بَعضهم: النسْيَان: زَوَال الصُّورَة عَن الْقُوَّة المدركة مَعَ بَقَائِهَا فِي الحافظة
والسهو زَوَالهَا عَنْهُمَا مَعًا
وَقيل: غفلتك عَمَّا أَنْت عَلَيْهِ لتفقده سَهْو وغفلتك عَمَّا أَنْت عَلَيْهِ لتفقد غَيره نِسْيَان
وَقيل: السَّهْو يكون لما علمه الْإِنْسَان، وَلما لَا يُعلمهُ وَالنِّسْيَان لما غرب بعد حُضُوره وَالْمُعْتَمد أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ
[وَالدَّلِيل على أَن النسْيَان فعل الله تَعَالَى لَا من الشَّيْطَان أَنه لَا يُؤَاخذ بِهِ فِي الْآخِرَة، وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان} فَالْمُرَاد أَنه إِنَّمَا يوسوس فَتكون وسوسته سَببا للغفلة الَّتِي يخلق الله عِنْد النسْيَان]
وَأما الذهول فَهُوَ عدم استثبات الْإِدْرَاك حيرة ودهشة، وَفِي " الْمُفْردَات ": شغل يُورث حزنا ونسيانا
والغفلة: عدم إِدْرَاك الشَّيْء مَعَ وجود مَا يَقْتَضِيهِ
وَقَوله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا عَن الْخلق غافلين} أَي: مهملين أَمرهم
وَقد يَجِيء النسْيَان بِمَعْنى التّرْك، وَمِنْه النسيء،(1/506)
وَهُوَ مَا يسْقط فِي منَازِل المرتحلين من رذال امتعتهم
[وَالأَصَح جَوَاز السَّهْو للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْأَفْعَال، كسلامه على رَكْعَتَيْنِ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ، وَصَلَاة الظّهْر خمْسا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا، وَترك التَّشَهُّد الأول فِي الظّهْر فِي حَدِيث أبي نجيلة، وَذَلِكَ كُله ليعرف كَيْفيَّة أَدَاء الصَّلَاة فِي الْحَالَات كلهَا من فعله، وَلَوْلَا نزُول تِلْكَ الْأَعْرَاض لما علم ذَلِك
قَالَ بَعضهم: السَّهْو فِي حق النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى حَتَّى أَتَى بسجدتين شكرا لَهُ، وَكَذَا يجوز عرُوض النسْيَان لَهُ، لكنه بعد التَّبْلِيغ، أَو فِيمَا لم يُؤمر بتبليغه]
وَيكرهُ أَن يُقَال: نسيت آيَة كَذَا، بل أنسيتها، لحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي النَّهْي عَن ذَلِك
السّلم: بِالْكَسْرِ والسكون: ضد الْحَرْب، وَهُوَ من الْأَلْفَاظ الَّتِي أوائلها مَكْسُورَة وأوائل أضدادها مَفْتُوحَة، كالخصب والجدب، وَالْعلم وَالْجهل، والغنى والفقر، وَأَشْبَاه ذَلِك
وَهُوَ أَيْضا الْإِسْلَام، وَهُوَ التَّسْلِيم لله بِلَا مُنَازعَة، وَهُوَ جعل كل شَيْء عين وَعرض، مخلوقا لله تَعَالَى، واعتقاد أَنه تَعَالَى مَوْجُود لَا بداية وَلَا نِهَايَة، مَوْصُوف بِالصِّفَاتِ الْحَسَنَة
وَيُطلق على الْمَذْهَب
وَالسّلم، بِمَعْنى الصُّلْح، يفتح وَيكسر، وَيذكر وَيُؤَنث
و [السّلم] محركة: السّلف، وَهُوَ أَخذ عَاجل بآجل، وَهُوَ أَيْضا اسْم شجر
السَّمَاء: هِيَ سقف كل شَيْء وكل بَيت، ورواق الْبَيْت، والسحاب، والمطر، وَيُطلق على السَّبع، والفلك على التسع بالعرش والكرسي، وَلَا يتناولهما السَّمَاء، وَيجْرِي التَّغْيِير والطي والانشقاق على السَّمَوَات السَّبع دون الْعَرْش والكرسي، فَإِن الْجنَّة بَينهمَا
وَالسَّمَاوَات هن مطبقة مَوْضُوعَة بَعْضهَا فَوق بعض بِلَا علاقَة وَلَا عماد وَلَا مماسة، وَفِيمَا ذكره أَصْحَاب الأرصاد شكوك لكَونهَا احتمالات مَحْضَة صادرة عَن الظَّن والتخمين، غير بَالِغَة رُتْبَة التَّحْقِيق وَالْيَقِين
وَفِي دُخُول الْعَرْش والكرسي خلاف إِجْمَاع الْمُفَسّرين
وَأكْثر المليين من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى ذَهَبُوا إِلَى حُدُوث السَّمَاوَات بذواتها وصفاتها وأشكالها وَأما برقليس والاسكندر الافردوسي وَبَعض الْحُكَمَاء الإسلاميين كَأبي عَليّ وَأبي نصر فانهم ذَهَبُوا إِلَى قدم السَّمَاوَات
وَالسَّمَاء بِمَعْنى الْمَطَر يذكر وَيُؤَنث والأغلب عَلَيْهَا التَّأْنِيث، وَالْجمع فِي الْقلَّة على اسمية وَفِي الْكَثْرَة على سمي: ك (فعول)
وَأما السَّمَاء المظلة فَهِيَ مُؤَنّثَة لَا غير وَلِهَذَا وجهوا {منفطر} بِوُجُوه مِنْهَا، أَنه بِمَعْنى ذَات انفطار وَلَيْسَ بِمَعْنى اسْم فَاعل، وَجَمعهَا(1/507)
(سماوات) لَا غير
وَالسَّمَاوَات وَاحِدَة بالنوع، وَالْأَرْض وَاحِدَة بالشخص
السرُور: هُوَ لَذَّة فِي الْقلب عِنْد حُصُول نفع أَو توقعه أَو اندفاع ضَرَر وَهُوَ والفرح والحبور أُمُور مُتَقَارِبَة، لَكِن السرُور هُوَ الْخَالِص المنكتم، والحبور: هُوَ مَا يرى حبره أَي: أَثَره فِي ظَاهر الْبشرَة، وهما مستعملان فِي الْمَحْمُود وَأما الْفَرح فَهُوَ مَا يُورث أشرا أَو بطرا؛ وَلذَلِك كثيرا مَا يذم، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن الله لَا يحب الفرحين} فالأولان مَا يكونَانِ عَن الْقُوَّة الفكرية، والفرح مَا يكون عَن الْقُوَّة الشهوية
والشماتة: السرُور بمكاره الْأَعْدَاء
السَّبق: التَّقَدُّم
وَسبق زيد عمرا: جَازَ وَخلف، وَلَيْسَ كَذَلِك سبق عَام كَذَا، وَحَيْثُ كَانَ السَّابِق ضارا جِيءَ ب (على) نَحْو: {إِلَّا من سبق عَلَيْهِ القَوْل} وَيُقَال: سبقته على كَذَا: إِذا غلبته وَحَيْثُ كَانَ نَافِعًا جِيءَ بِاللَّامِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {سبقت لَهُم منا الْحسنى} {والسابقات سبقا} الْمَلَائِكَة تسبق الْجِنّ باستماع الْوَحْي
والسباق، بِالْمُوَحَّدَةِ: مَا قبل الشَّيْء
و [السِّيَاق] ، بالمثناه: أَعم
والسبق والتقدم على رَأْي الْحُكَمَاء خَمْسَة، وعَلى رَأْي الْمُتَكَلِّمين سِتَّة
السَّبق بالعلية: وَهُوَ السَّبق الْمُؤثر الْمُوجب على أَثَره ومعلوله، كسبق حَرَكَة الإصبع على حَرَكَة الْخَاتم
والسبق بالطبع: وَهُوَ كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يحْتَاج إِلَيْهِ شَيْء آخر وَلَا يكون مؤثرا فِيهِ، كسبق الْوَاحِد على الِاثْنَيْنِ، [والجزء على الْكل، وَالشّرط على الْمَشْرُوط]
والسبق بِالزَّمَانِ: وَهُوَ أَن يكون السَّابِق قبل اللَّاحِق قبلية لَا يُجَامع الْقبل فِيهَا مَعَ الْبعد، كسبق الْأَب على الابْن
والسبق بالرتبة: [وَهُوَ أَن يكون التَّرْتِيب] مُعْتَبرا فِيهِ، والرتبة إِمَّا حسية كسبق الإِمَام على الْمَأْمُوم [إِذا ابتدئ من الإِمَام، أَو سبق الْمَأْمُوم إِذا ابتدئ مِنْهُ] أَو عقلية كسبق الْجِنْس على الْفَصْل [إِذا ابتدئ من الْجِنْس، أَو سبق النَّوْع على الْجِنْس إِذا ابتدئ من النَّوْع] فِي تركيب النَّوْع
والسبق بالشرف: كسبق الْعَالم على المتعلم، [وَهَذَا الْحصْر فِي هَذِه الْخَمْسَة مسطورة فِي كتب الْحُكَمَاء]
[وَالَّذِي زَاده المتكلمون هُوَ سبق بعض أَجزَاء الزَّمَان على الْبَعْض، كتقدم الأمس على الْغَد، وَهَذَا لَيْسَ بوارد، وَإِذ المُرَاد بالتقدم الزماني أَن يكون الْمُتَقَدّم قبل الْمُتَأَخر قبلية لَا تجامع مَعَ الْمُتَأَخر فِيهَا فِي حَالَة وَاحِدَة، وَهَذَا أَعم من أَن يَكُونَا زمانيين أَو غير زمانيين، أَو أَحدهمَا زَمَانا وَالْآخر غير زمَان(1/508)
وَاعْلَم أَن تقدم الْبَارِي على الْعَالم لَيْسَ تقدما زمانيا عِنْد الْمُتَكَلِّمين الْقَائِلين بِأَن الْعَالم حَادث حدوثا زمانيا، وَعند الفلاسفة الْقَائِلين بِأَن الْعَالم حَادث حدوثا ذاتيا، بل هُوَ تقدم ذاتي عِنْدهم، والباري يجوز انفكاكه عَن الْعَالم فِي الْوُجُود، والعالم يجوز انفكاكه عَن الْبَارِي فِي الحيز، والحيز مُسْتَحِيل على الْبَارِي]
السُّكُوت: هُوَ ترك التَّكَلُّم مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ، وَبِهَذَا الْقَيْد الْأَخير يُفَارق الصمت، فَإِن الْقُدْرَة على التَّكَلُّم غير مُعْتَبرَة فِيهِ وَمن ضم شَفَتَيْه آنا يكون ساكتا، وَلَا يكون صامتا إِلَّا إِذا طَالَتْ مُدَّة الضَّم
وَالسُّكُوت إمْسَاك عَن قَوْله الْحق وَالْبَاطِل
والصمت: إمْسَاك عَن قَوْله الْبَاطِل دون الْحق
السَّعْي: الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي إِذا انْصَرف عَنْك وَذهب مسرعا
وسعى، ك (رعى) : قصد وَعمل وَمَشى وَعدا ونم
وَالسَّعْي إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمُضِيّ والجري يتَعَدَّى ب (إِلَى) نَحْو: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} ، وَإِذا كَانَ بِمَعْنى الْعَمَل يتَعَدَّى بِاللَّامِ كَقَوْلِه: {وسعى لَهَا سعيها}
وسعى سِعَايَة: إِذا أَخذ الصَّدقَات وَهُوَ عاملها
وساعي الرجل الْأمة: فجر بهَا، وَلَا يُقَال ذَلِك فِي الْحرَّة
{وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} أَي نوى، وَهَذَا أحد التوجيهات الدافعة لتعارض قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} أَو هِيَ مَنْسُوخَة بهَا، أَو خَاصَّة بِقوم إِبْرَاهِيم ومُوسَى، أَو لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَعْيه، غير أَن الْأَسْبَاب مُخْتَلفَة، فَتَارَة تكون بسعيه فِي تَحْصِيل الشَّيْء بِنَفسِهِ، وَتارَة تكون بسعيه فِي تَحْصِيل سَببه
وَلَفظ السّعَايَة لَا يخْتَص بالعبيد، بل مُسْتَعْمل فِي الْحر أَيْضا إِذا لم يكن لَهُ مَال فِي الْحَال
السجع: الْكَلَام المقفى، أَو مُوالَاة الْكَلَام على رُوِيَ
والسجع يقْصد فِي نَفسه ثمَّ يُحَال الْمَعْنى عَلَيْهِ
والفواصل تتبع الْمعَانِي وَلَا تكون مَقْصُودَة فِي نَفسهَا
والسجع يكون فِي الْقُرْآن وَغَيره، بِخِلَاف الفاصلة وَمِنْهُم من منع السجع فِي الْقُرْآن متمسكا بقوله تَعَالَى: {كتاب فصلت آيَاته} وَقد سَمَّاهُ الله تَعَالَى فواصل فَلَيْسَ لنا أَن نتجاوز ذَلِك وكلمات الأسجاع مَوْضُوعَة على أَن تكون سَاكِنة الأعجاز وموقوفا عَلَيْهَا
وَقصر الفقرات يدل على قُوَّة المنشئ، وَأَقل مَا يكون من كَلِمَتَيْنِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {يَا أَيهَا المدثر قُم فَأَنْذر وَرَبك فَكبر} وَغير ذَلِك
وَأما الفقرات الْمُخْتَلفَة فَالْأَحْسَن أَن تكون الثَّانِيَة أَزِيد من الأولى بِقدر غير كثير، وَقَول أهل(1/509)
البديع: " أحسن الأسجاع مَا تَسَاوَت قرائنه ثمَّ طَالَتْ قرينته الثَّانِيَة " قد عَكسه صَاحب " الْكَشَّاف " فِي ديباجته
وَإِن زَادَت الفقرات على ثِنْتَيْنِ فَلَا يضر تَسَاوِي الْأَوليين وَزِيَادَة الثَّالِثَة عَلَيْهِمَا، وَإِن زَادَت الثَّانِيَة على الأولى يَسِيرا وَالثَّالِثَة على الثَّانِيَة فَلَا بَأْس، لَكِن لَا يكون أَكثر من الْمثل، وَلَا بُد من الزِّيَادَة فِي آخر الفقرات
قيل لبَعض الأدباء: مَا أحسن السجع؟ قَالَ: مَا خف على السّمع قيل: مثل مَاذَا؟ قَالَ: مثل هَذَا
والفقرة فِي النثر كالبيت فِي النّظم اسْتِعْمَالا
السهولة: هِيَ فِي البديع خلو اللَّفْظ من التَّكْلِيف والتعقيد والتعسف فِي السبك وَمن أحسن أمثله؛ قَوْله:
(أَلَيْسَ وَعَدتنِي يَا قلب أَنِّي ... إِذا مَا تبت من ليلى تتوب)
(فها أَنا تائب من حب ليلى ... فَمَا لَك كلما ذكرت تذوب)
السياسة: هِيَ استصلاح الْخلق بإرشادهم إِلَى الطَّرِيق المنجي فِي العاجل والآجل، وَهِي من الْأَنْبِيَاء على الْخَاصَّة والعامة فِي ظَاهِرهمْ وَبَاطِنهمْ، وَمن السلاطين والملوك على كل مِنْهُم فِي ظَاهِرهمْ لَا غير، وَمن الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء على الْخَاصَّة فِي باطنهم لَا غير
والسياسة الْبَدَنِيَّة: تَدْبِير المعاش مَعَ الْعُمُوم على سنّ الْعدْل والاستقامة
السَّفه: [السَّرف والتبذير] سفه بِكَسْر الْفَاء مُتَعَدٍّ، وَبِضَمِّهَا قَاصِر، ومصدر الْمُتَعَدِّي (سفاها) والقاصر (سفها) ، وَهُوَ ضد الْحلم
وَالسَّفِيه: من ينْفق مَاله فِيمَا لَا يَنْبَغِي من وُجُوه التبذير وَلَا يُمكن إِصْلَاحه بالتمييز وَالتَّصَرُّف فِيهِ بِالتَّدْبِيرِ، وَحَاصِل تَفْسِير السَّفِيه فِي صفة الْمُنَافِقين على مَجْمُوع اللُّغَات أَنه ظَاهر الْجَهْل، عديم الْعقل، خَفِيف اللب، ضَعِيف الرَّأْي، ردئ الْفَهم، مستخف الْقدر، سريع الذَّنب، حقير النَّفس، مخدوع الشَّيْطَان، أَسِير الطغيان، دَائِم الْعِصْيَان، ملازم الكفران، لَا يُبَالِي بِمَا كَانَ
السّفل: هُوَ ضد الْعُلُوّ، من (سفل) من حد (نصر)
و [السّفل] بِالضَّمِّ: من السفالة الَّتِي هِيَ الدياثة، من حد (شرف)
والسفلة: الْكَافِر، وَالَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا قيل لَهُ، وَالَّذِي يلْعَب بالحمام ويقامر، وَالَّذِي إِذا دعِي إِلَى طَعَام فَيحمل من هُنَاكَ شَيْئا
السحر، بِالْكَسْرِ والسكون: مزاولة النُّفُوس الخبيثة لأفعال وأحوال يَتَرَتَّب عَلَيْهَا أُمُور خارقة للْعَادَة لَا يتَعَذَّر معارضته. وَهُوَ فِي أصل اللُّغَة الصّرْف، حَكَاهُ الْأَزْهَرِي عَن الْفراء وَغَيره
وإطلاقه على مَا يَفْعَله صَاحب الْحِيَل بمعونة الْآلَات والأدوية وَمَا يتْرك صَاحب خفَّة الْيَد بِاعْتِبَار مَا فِيهِ صرف الشَّيْء عَن جِهَته حَقِيقَة لغوية
وَالسحر الكلامي: غرابته ولطافته المؤثرة فِي الْقُلُوب، المحولة إِيَّاهَا من حَال إِلَى حَال كالسحر(1/510)
و " إِن من الْبَيَان لسحرا ": مَعْنَاهُ - وَالله أعلم - أَن يمدح الْإِنْسَان فَيصدق فِيهِ حَتَّى يصرف قُلُوب السامعين إِلَيْهِ، ويذمه فَيصدق فِيهِ أَيْضا حَتَّى يصرف قُلُوبهم إِلَيْهِ
وَالصَّحِيح من مَذْهَب أَصْحَابنَا أَن تعلمه حرَام مُطلقًا، لِأَنَّهُ توسل إِلَى مَحْظُور عَنهُ غنى وتوقيه بالتجنب أصلح وأحوط
والسحور، بِالْفَتْح: مَا يُؤْكَل فِي السحر، محركة، وَهُوَ السُّدس الْأَخير من اللَّيْل
و [السّحُور] بِالضَّمِّ: جمعه
[السّفر، محركة: قطع الْمسَافَة لُغَة، وَشَرِيعَة: هُوَ الْخُرُوج عَن قصد مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَمَا فَوْقهَا سير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام وَهُوَ من أَسبَاب التَّخْفِيف لكَونه من أَسبَاب الْمَشَقَّة فيؤثر فِي قصر ذَوَات الْأَرْبَع من الصَّلَاة إِجْمَاعًا، لكنه على سَبِيل الْإِسْقَاط عندنَا، والرقبة عِنْد الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله حَتَّى لَو فَاتَتْهُ يلْزم قَضَاء الْأَرْبَع عِنْده]
السّفر، بِالسُّكُونِ: كشف الظَّاهِر، وَمِنْه: السفير، لِأَنَّهُ يكْشف مُرَاد المتخاصمين
وسافر الرجل: انْكَشَفَ عَن الْبُنيان، وَمِنْه: السّفر، محركة، لِأَنَّهُ يكْشف عَن أَخْلَاق الْمَرْء وأحواله
وَقيل: السّفر كشف الظَّاهِر
والفسر: كشف الْبَاطِن وَمِنْه:
التفسرة: للقارورة الَّتِي يُؤْتى بهَا عِنْد الطَّبِيب، لِأَنَّهَا تكشف عَن بَاطِن العليل
وسفرت الْمَرْأَة: أَي أَلْقَت خمارها عَن وَجههَا
وأسفر وَجههَا: أَضَاء
وأسفر الصُّبْح: ظهر
السّلف، محركة: السّلم اسْم من الإسلاف، وَالْقَرْض الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ للقرض، وعَلى الْمُقْتَرض رده كَمَا أَخذ، وكل عمل صَالح قَدمته أَو فرط لَك، وكل من تقدمك من آبَائِك وقرابتك فَهُوَ سلف
وَالسَّلَف من أبي حنيفَة إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن، وَالْخلف: من مُحَمَّد بن الْحسن إِلَى شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي، والمتأخرون: من شمس الْأَئِمَّة إِلَى حَافظ الْملَّة وَالدّين البُخَارِيّ
والمتقدمون فِي لساننا أَبُو حنيفَة وتلامذته بِلَا وَاسِطَة. والمتأخرون هم الَّذين بعدهمْ من الْمُجْتَهدين فِي الْمَذْهَب
وَقد يُطلق المتقدمون على الْمُتَأَخِّرين
وأصحابنا: يُطلق على مَجْمُوع الطَّائِفَتَيْنِ كَمَا فِي " التَّبْصِرَة "
وَقَالَ بَعضهم: السّلف شرعا كل من يُقَلّد ويقتفى أَثَره فِي الدّين كَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه، فَإِنَّهُم سلفنا، وَالصَّحَابَة فَإِنَّهُم سلفهم وَفِيه أَن أَبَا حنيفَة من أجلاء التَّابِعين
(والسالفة: الْمَاضِيَة أَمَام الغائرة)
السُّكْنَى: مصدر بِمَعْنى الْإِقَامَة، أَو اسْم بِمَعْنى الإسكان
وَالْمرَاد من (اسكن) فِي قَوْله تَعَالَى: {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} الْإِقَامَة(1/511)
وَفِي " الْأَعْرَاف " أُرِيد اتِّخَاذ المسكنة، وَلِهَذَا أَتَى بِالْفَاءِ الدَّالَّة على تَرْتِيب الْأكل على السُّكْنَى الْمَأْمُور باتخاذها، لِأَن الْأكل بعد الاتخاذ من حَيْثُ لَا يُعْطي عُمُوم معنى (حَيْثُ شئتما) وَلما نسب القَوْل إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي سُورَة " الْبَقَرَة " ناسب زِيَادَة الْإِكْرَام بِالْوَاو الدَّالَّة على الْجمع بَين السُّكْنَى وَالْأكل، بِدَلِيل (رغدا حَيْثُ شئتما) لِأَنَّهُ أَعم
السَّلب والإيجاب: هُوَ فِي البديع أَن يبْنى الْكَلَام على نفي شَيْء من جِهَة وإثباته من جِهَة أُخْرَى، وَالْأَمر من جِهَة وَالنَّهْي من جِهَة أُخْرَى وَمَا أشبه ذَلِك، كَقَوْلِه تَعَالَى، {فَلَا تخشوا النَّاس واخشون} وَقَوله: {وَلَا تنهرهما وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} وَفِي الشّعْر نَحْو قَوْله:
(وننكر إِن شِئْنَا على النَّاس قَوْلهم ... وَلَا يُنكرُونَ القَوْل حِين نقُول)
وَالسَّلب لَا يُقَابل النِّسْبَة الْحكمِيَّة، وَإِنَّمَا يُقَابل الْإِيجَاب بِمَعْنى الايقاع
وَالسَّلب: رفع النِّسْبَة الإيجابية المتصورة بَين بَين، فَحَيْثُ لَا يتَصَوَّر ثمَّة نِسْبَة لم يتَصَوَّر هُنَاكَ إِيجَاب وَلَا سلب
[وَالسَّلب الْكُلِّي هُوَ رفع الْإِيجَاب الجزئي لَا الْإِيجَاب الْكُلِّي، فالسلب الْكُلِّي مَعَ الْإِيجَاب الْكُلِّي متقابلان لَيْسَ أَحدهمَا عدما للْآخر، وَيُمكن تعقل أَحدهمَا مَعَ قطع النّظر عَن الآخر فهما متضادان، وَلَا تقَابل بَين الْكُلِّي السالب والكلي الْمُوجب على مَا اخْتَارَهُ بعض الْمُحَقِّقين من وجوب اتِّحَاد مَوْضُوع المتقابلين بالشخصي فَإِن مَوْضُوع السَّلب الْكُلِّي النِّسْبَة الَّتِي بَين الْمَحْمُول وَجَمِيع أَفْرَاد الْمَوْضُوع]
(وَالسَّلب إِمَّا عَائِد إِلَى الذَّات أَو إِلَى الصِّفَات، أَو إِلَى الْأَفْعَال) فالسلوب العائدة إِلَى الذَّات كَقَوْلِنَا: (الله تَعَالَى لَيْسَ كَذَا وَكَذَا) ، والسلوب العائدة إِلَى الصِّفَات تَنْزِيه الصِّفَات عَن النقائص
والسلوب العائدة إِلَى الْأَفْعَال كَقَوْلِنَا: (الله تَعَالَى لَا يفعل كَذَا وَكَذَا) (وَالْقُرْآن مَمْلُوء مِنْهُ) ، وبحسب هَذِه السلوب غير المتناهية تحصل الْأَسْمَاء غير المتناهية
والسالب أَعم من السلبي، إِذْ الْمعَانِي سالبة وَلَيْسَت بسلبية، وَدلَالَة السلبية على السَّلب مُطَابقَة، وَدلَالَة السالب عَلَيْهِ الْتِزَام، كدلالة الْقدَم على انْتِفَاء الْعَدَم السَّابِق، وَدلَالَة الْبَقَاء على انْتِفَاء الْعَدَم اللَّاحِق، وَدلَالَة الوحدانية على انْتِفَاء التَّعَدُّد، فالدلالة فِي الْجَمِيع مُطَابقَة
وَدلَالَة السَّلب عَلَيْهِ الْتِزَام، كدلالة الْقُدْرَة على نفي الْعَجز، وَأما دلالتها على الْمَعْنى الْقَائِم بِالذَّاتِ فَإِنَّهَا مُطَابقَة
وسلب الْعُمُوم هُوَ نفي الشَّيْء عَن جملَة الْأَفْرَاد، لَا عَن كل فَرد، وَعُمُوم السَّلب بِالْعَكْسِ
السَّبِيل: هُوَ أغلب وقوعا فِي الْخَيْر، وَلَا يكَاد اسْم الطَّرِيق يُرَاد إِلَّا مقترنا بِوَصْف أَو إِضَافَة تخلصه لذَلِك
(والسبيل وَالطَّرِيق يذكران ويؤنثان، والصراط(1/512)
كَذَلِك، إِلَّا أَن الطَّرِيق هُوَ كل مَا يطرقه طَارق، مُعْتَادا كَانَ أَو غير مُعْتَاد) ، والسبيل من الطّرق مَا هُوَ مُعْتَاد السلوك، والصراط من السَّبِيل مَا لَا التواء فِيهِ وَلَا اعوجاج، بل يكون على سَبِيل الْقَصْد فَهُوَ أخص مِنْهَا و (السَّبِيل) فِي {وعَلى الله قصد السَّبِيل} اسْم جنس لقَوْله: {وَمِنْهَا جَائِر} {وأنفقوا فِي سَبِيل الله} أَي: الْجِهَاد وكل مَا أَمر الله بِهِ من الْخَيْر، واستعماله فِي الْجِهَاد أَكثر
والسبيل أَيْضا: الْحجَّة: {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وَلَا متمسك فِيهِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي على فَسَاد شِرَاء الْكَافِر الْمُسلم وَلَا للحنفية على حُصُول بينونة بِنَفس الارتداد
والمحجة: الطَّرِيقَة الْوَاضِحَة، وَهِي الجادة، لكَونهَا غالبة على السابلة، وَلِهَذَا سميت سراطا ولقما، لِأَنَّهَا تسرط السابلة وتلتقمها
والسابلة: أَبنَاء السَّبِيل الْمُخْتَلفَة فِي الطرقات
[السُّجُود: الخضوع والتذلل والانقياد، وَهُوَ هَذَا الْمَعْنى فِي كل الْحَيَوَانَات والنباتات والجمادات، وَإِطْلَاق السُّجُود على الخضوع قيل حَقِيقَة لِأَنَّهُ مُشْتَرك، وَقيل مجَاز، فَيكون اسْتِعَارَة
وَسُجُود الْمَلَائِكَة كَانَ سُجُود تَعْظِيم وتحية كسجود إخْوَة يُوسُف لَهُ، وَلم يكن فِيهِ وضع الْجَبْهَة على الأَرْض، وَإِنَّمَا كَانَ الانحناء فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام بَطل ذَلِك فِي الْإِسْلَام]
(السُّجُود: هُوَ عِنْد كَونه مصدرا حركته أصيلة إِذا قُلْنَا إِن الْفِعْل مُشْتَقّ من الْمصدر، وَعند كَونه جمعا حركته حَرَكَة مُغيرَة من حَيْثُ إِن الْجمع يشتق من الْوَاحِد، وَيَنْبَغِي أَن يلْحق الْمُشْتَقّ تَغْيِير فِي حرف أَو حَرَكَة أَو فِي مجموعهما، ف (ساجد) لما أردنَا أَن نشتق مِنْهُ لفظ الْجمع غيرناه وَجِئْنَا بِلَفْظ (السُّجُود) فَإِذن للمصدر، وَالْجمع لَيْسَ من قبيل الْأَلْفَاظ الْمُشْتَركَة الَّتِي وضعت بحركة وَاحِدَة لمعنيين
وَالسُّجُود: التطامن من خفض الرَّأْس، وَبِه يُفَارق الرُّكُوع، وَأما التذلل فاعتباره فِي مَفْهُومه الْعرفِيّ دون اللّغَوِيّ
وَفِي الشَّرْع: وضع الْجَبْهَة على الأَرْض، وَلَا يلْزم أَن يكون على قصد الْعِبَادَة)
السلخ: وَيسْتَعْمل تَارَة بِمَعْنى النزع والكشط كَقَوْلِك: (سلخت الإهاب عَن الشَّاة) أَي: نَزَعته مِنْهَا وَأُخْرَى بِمَعْنى الْإِخْرَاج والإظهار كَقَوْلِك: (سلخت الشَّاة من الإهاب) أَي: أخرجتها مِنْهُ، فآية: {نسلخ مِنْهُ النَّهَار} على الْمَعْنى الثَّانِي عِنْد الشَّيْخ عبد القاهر والسكاكي، لِأَن كلمة المفاجأة، أَعنِي (إِذا) ، إِنَّمَا يحسن موقعها على هَذَا الْمَعْنى، وَأما الْفَاء فَإِنَّهُ يسْتَعْمل للتعقيب الْعرفِيّ، وَذَلِكَ مِمَّا يخْتَلف بِحَسب الْأُمُور والعادات، فَرُبمَا يطول الزَّمَان الْمُتَوَسّط بَين شَيْئَيْنِ وَلَا يعد ذَلِك فِي الْعَادة مهلة كَمَا فِي هَذِه الْآيَة، فَإِن مِقْدَار النَّهَار وَإِن توَسط(1/513)
بَين إِخْرَاجه من اللَّيْل وَبَين دُخُول الظلمَة، لَكِن لما كَانَ دُخُول الظلام الشَّامِل بعد زَوَاله بِالْكُلِّيَّةِ أمرا غَرِيبا عَظِيما يَنْبَغِي أَن لَا يحصل إِلَّا بعد إضعاف ذَلِك الْمِقْدَار فَلم يعْتد بِهِ وَلم يعد مهلة، بل جعل مفاجئا لإِخْرَاج النَّهَار بِلَا تراخ
السِّرّ: هُوَ مَا يكتم كالسريرة وَالْجِمَاع وَالذكر وَالنِّكَاح والإفصاح بِهِ، وَالزِّنَا، وَفرج الْمَرْأَة، ومستهل الشَّهْر أَو آخِره أَو وَسطه، وجوف كل شَيْء ولبه وَالْجمع: أسرار وسرائر
وَمَا يسره الْمَرْء فِي نَفسه من الْأُمُور الَّتِي عزم عَلَيْهَا هُوَ السِّرّ
وَأما الْإخْفَاء فَهُوَ الَّذِي لم يبلغ حد الْعَزِيمَة
والأسرار من الأضداد، إِذْ الْهمزَة تصلح للاثبات وَالسَّلب، كَمَا فِي (أشكيته)
والأسارير: محَاسِن الْوَجْه جمع (أسرار) جمع (سر) وَهِي خطوط الْجَبْهَة
السِّيرَة: (فعلة) من السّير، تجوز بهَا للطريقة والهيئة
السّريَّة، بِالضَّمِّ: الْأمة الَّتِي بوأتها بَيْتا، مَنْسُوب إِلَى السِّرّ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ من تَغْيِير النّسَب، وَهِي عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد من أعدت للْوَطْء، مُشْتَقّ من السِّرّ، وَهُوَ الْجِمَاع، حَتَّى لَو وجد التحصين، وَهُوَ الْمَنْع من الْخُرُوج والبروز بِدُونِ الْجِمَاع، أَو وجد الْجِمَاع بِدُونِ التحصين لَا يكون تسريا، وَرَأى أَبُو يُوسُف أَن التَّسَرِّي عبارَة عَن التحصين وَالْجِمَاع مَعَ ترك المَاء فِي الْوَطْء طلبا للْوَلَد، وَهُوَ مُشْتَقّ من السِّرّ، وَهُوَ الشّرف، وَإِنَّمَا تصير شريفة إِذا جعلهَا فراشا لتلحق بالمنكوحات
السطع: سَطَعَ الْغُبَار والبرق والشعاع وَالصُّبْح والرائحة: ارْتَفع
وَسمعت لِوَقْعِهِ سطعا شَدِيدا، محركة: أَي صَوت ضَرْبَة ورمية، وَإِنَّمَا حرك لِأَنَّهُ حِكَايَة لَا نعت وَلَا مصدر، والحكايات يُخَالف بَينهَا وَبَين النعوت أَحْيَانًا
السّرقَة: أَخذ مَال مُعْتَبر من حرز اجنبي لَا شُبْهَة فِيهِ خُفْيَة وَهُوَ قَاصد للْحِفْظ، فِي نَومه أَو غيبته
والطر: أَخذ مَال الْغَيْر وَهُوَ حَاضر يقظان قَاصد حفظه
وَفعل كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَ شبه فعل الآخر، لَكِن اخْتِلَاف الِاسْم يدل على اخْتِلَاف الْمُسَمّى ظَاهرا فَاشْتَبَهَ الْأَمر فِي أَنه دخل تَحت لفظ السَّارِق حَتَّى يقطع كالسارق أم لَا، فَنَظَرْنَا فِي السّرقَة فَوَجَدْنَاهَا جِنَايَة، لَكِن جِنَايَة الطر أقوى لزِيَادَة فعله على فعل السَّارِق، فَيثبت وجوب الْقطع فِيهِ بِالطَّرِيقِ الأولى، كثبوت حُرْمَة الضَّرْب فِي حق الْأَب بِحرْمَة التأفيف، بِخِلَاف النباش فَإِنَّهُ يَأْخُذ مَالا لَا حَافظ لَهُ من حرز نَاقص خُفْيَة فَيكون فعله أدنى من فعل السَّارِق فَلَا يلْحق بِهِ وَلَا يقطع عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد، خلافًا لأبي يُوسُف رَحمَه الله
السروال، تعريب (شلوار)
والتبان، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد: سَرَاوِيل صَغِيرَة مِقْدَار شبر سَاتِر للعورة الغليظة للملاحين
السراب: هُوَ مَا يرى فِي نصف النَّهَار من اشتداد الْحر كَالْمَاءِ فِي المفاوز يلصق بِالْأَرْضِ، وَهُوَ غير الْآل الَّذِي يرى فِي طرفِي النَّهَار ويرتفع عَن الأَرْض حَتَّى يصير كَأَنَّهُ بَين الأَرْض وَالسَّمَاء
والسراب فِيمَا لَا حَقِيقَة لَهُ كالشراب فِيمَا لَهُ حَقِيقَة(1/514)
السَّنَد: هُوَ عِنْد أهل الْمِيزَان مَا يكون الْمَنْع مُبينًا عَلَيْهِ، أَي مَا يكون مصححا لوُرُود الْمَنْع فِي نفس الْأَمر أَو فِي زعم السَّائِل كَأَن يُقَال: (لَا نسلم كَذَا لما لَا يجوز أَن يكون كَذَا) أَو (لَا نسلم لُزُوم ذَلِك وَإِنَّمَا يلْزم لَو كَانَ كَذَا) أَو (لَا نسلم هَذَا وَكَيف يكون هَذَا أَو هَذَا وَالْحَال أَنه كَذَا)
السُّورَة، بِالْفَتْح: هِيَ من الْحر حِدته، وَمن الْمجد أَثَره وعلامته وارتفاعه، وَمن الْبرد شدته، وَمن السُّلْطَان سطوته
السخط: هُوَ لَا يكون إِلَّا من الكبراء والعظماء دون الْأَكفاء والنظراء
وَالْغَضَب يسْتَعْمل فِي النَّوْعَيْنِ
السد، بِالْفَتْح وَالضَّم: التوثيق، وَقيل: بِالضَّمِّ مَا كَانَ خلقَة، وبالفتح مَا كَانَ صَنْعَة
السُّقُوط: سقط: وَقع
و [سقط] الْوَلَد من بطن أمه: خرج
والسقط، مُثَلّثَة [الْفَاء] : الْوَلَد بِغَيْر تَمام
وَسقط الزند، بِالْكَسْرِ: ناره
السدى: هُوَ مَا كَانَ فِي أول اللَّيْل
والندى: هُوَ مَا كَانَ فِي آخر اللَّيْل
قيل: هُوَ من نفس دَابَّة فِي الْبَحْر [كَمَا فِي " الِاخْتِيَار "]
(وسديت الأَرْض: نديتها)
السّمن: هُوَ مَا يكون من الْحَيَوَان
والدهن: مَا يكون من غَيره
السناء: بِالْمدِّ: الْعُلُوّ والارتفاع، وبالقصر: ضوء الْبَرْق
السقم: تَأْثِيره فِي الْبدن
وَالْمَرَض: قد يكون فِي الْبدن وَالنَّفس
السوار: هُوَ مَا كَانَ من ذهب، وَأما مَا كَانَ من فضَّة فَهُوَ قلب، وَمَا كَانَ من ذبل أَو عاج فَهُوَ وقف
السَّبي: هُوَ مَا يسبي، وَالنِّسَاء لانهن تسبين الْقُلُوب، أَو تسبين فتملكن، وَلَا يُقَال ذَلِك للرِّجَال
والسبيئة، بِالْهَمْزَةِ: الْخمر المشتراه للشُّرْب، وَأما المحمولة من بلد إِلَى بلد فَهِيَ بِالْيَاءِ من غير همزَة
السياع: الطين بالتبن، وَإِلَّا فَهُوَ طين
السكتة: بِالضَّمِّ، مصدر (سكت الْغَضَب)
وَالسُّكُوت: مصدر (سكت الرجل)
السهْم: الْخط، يجمع على (سهمات) و (سهمة) بضمهما
والقدح يقارع بِهِ يجمع على (سِهَام)
السبح: المر السَّرِيع فِي المَاء والهواء
يُقَال: سبح سبحا، بِالْفَتْح، وسباحة، بِالْكَسْرِ، ويستعار لمر النُّجُوم: {كل فِي فلك يسبحون} ولجري الْفرس: {والسابحات سبحا}
ولسرعة الذّهاب فِي الْعَمَل: {إِن لَك فِي النَّهَار سبحا طَويلا}(1/515)
سُبْحَانَ الله، بِمَعْنى التَّسْبِيح، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِيهِ تَنْزِيه الله نَفسه عَن السوء، وَالأَصَح أَنه اسْم مصدر، (لَا مصدر مَأْخُوذ من التَّسْبِيح وَهُوَ التَّنْزِيه) ، وَكَونه مصدرا لفعل غير مُسْتَعْمل ضَعِيف، لِأَن أَكثر المصادر يكون لَهُ فعل، وَلَا يكَاد يسْتَعْمل إِلَّا مُضَافا إِلَى مُفْرد ظَاهر أَو مُضْمر إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْفَاعِل، وَقد يَنْقَطِع عَن الْإِضَافَة وَيمْتَنع عَن الصّرْف للزيادتين، وَحِينَئِذٍ يحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ علم التَّسْبِيح، إِذا الاعلام لَا تُضَاف وَقَول الْعَلامَة فِي " الْكَشَّاف " وَغَيره يدل على أَنه علم سَوَاء أضيف أم لَا، (وَأما نَحْو: (حَاتِم طيىء) فباعتبار اشتهاره بِوَصْف السخاوة)
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: " سُبْحَانَ الله: مَوْضُوع مَوضِع الْمصدر لِأَنَّهُ لَا يجْرِي بِوُجُوه الْإِعْرَاب، وَلَا يدْخل فِيهِ الْألف وَاللَّام، وَلم يجر مِنْهُ فعل "
فِي " الإتقان ": مِمَّا أميت فعله
وَإِذا صدر بِهِ كَلَام فكثيرا مَا يقْصد بِهِ تَنْزِيه الْحق عَن منقصه ينبىء الْكَلَام عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره كنفي الْعلم فِي قَول الْمَلَائِكَة: {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا} ، وكنسبة الظُّلم فِي قَول يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} ، وكالمخلوقية فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا} وَفِي مَجِيء هَذَا بِلَفْظ الْمَاضِي والمضارع إِشْعَار بِأَن من شَأْن مَا اسْتندَ إِلَيْهِ تَعَالَى أَن يسبحه فِي جَمِيع أوقاته
وَأما مجىء الْمصدر مُطلقًا فَهُوَ أبلغ من حَيْثُ إِنَّه يشْعر بِإِطْلَاقِهِ على اسْتِحْقَاق التَّسْبِيح من كل شَيْء وَفِي كل حَال
(وانتصاب (سُبْحَانَهُ) بِفعل مُضْمر مَتْرُوك إِظْهَاره، وَالتَّقْدِير: (اسبح سُبْحَانَ الله) ثمَّ نزل منزلَة الْفِعْل أَو سد مسده، وَدلّ على التَّنْزِيه البليغ من جَمِيع مَا لَا يَلِيق بجنابه الأقدس وَقد استوعب النّظم الْجَلِيل جَمِيع جِهَات هَذِه الْكَلِمَة إعلاما بِأَن المكونات من لدن إخْرَاجهَا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود إِلَى الْأَبَد مسبحة لذاته تَعَالَى قولا وفعلا، طَوْعًا وَكرها
وَقد يسْتَعْمل عِنْد التَّعَجُّب، فَتَارَة يقْصد بِهِ التَّنْزِيه البليغ أَصَالَة والتعجب تبعا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} وَتارَة يقْصد بِهِ التَّعَجُّب وَيجْعَل التَّنْزِيه ذَرِيعَة لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} إِذْ الْمَقْصُود التَّعَجُّب من عظم أَمر الْإِفْك وَفِي " الانوار " فِي قَوْله: {فسبح بِحَمْد رَبك} فتعجب ظَاهره أَن التَّسْبِيح مجَاز عَن التَّعَجُّب بعلاقة السبيبة، فَإِن من رأى أمرا عجيبا يَقُول: (سُبْحَانَ الله) ، وَلَا يخفى أَن التَّعَجُّب كَيْفيَّة غير اختيارية لَا يَصح الْأَمر بِهِ سَوَاء كَانَ تعجب متأمل أَو تعجب غافل، لَكِن تعجب المتأمل تكون مباديه(1/516)
اختيارية فيسند إِلَيْهِ الْأَمر على طَريقَة التَّجَوُّز؛ وَإِنَّمَا جعل التَّسْبِيح أصلا، وَالْحَمْد حَالا فِي قَوْله تَعَالَى: {يسبحون بِحَمْد رَبهم} لِأَن الْحَمد مُقْتَضى حَالهم دون التَّسْبِيح، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لعَارض
(و (سبح) لَا يتَعَدَّى بِحرف الْجَرّ، لَا تَقول: (سبحت بِاللَّه) ، وَإِنَّمَا تَقول: (سبحت الله) أَي: نزهته، لقَوْله تَعَالَى: {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} إِلَّا إِذا أُرِيد التَّسْبِيح المقرون بِالْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} أَي: صل مفتتحا أَو ناطقا باسم رَبك)
وَأَنت أعلم بِمَا فِي سُبْحَانَكَ أَي: نَفسك
والسبحات، بِضَمَّتَيْنِ: مواقع السُّجُود
وسبحات وَجه الله: أنواره
وسبحة الله: جَلَاله
{كَانَ من المسبحين} أَي: من الْمُصَلِّين
سوق الْمَعْلُوم مساق غَيره: هُوَ عبارَة عَن سُؤال الْمُتَكَلّم عَمَّا يُعلمهُ سُؤال من لَا يُعلمهُ ليوهم أَن شدَّة الشّبَه الْوَاقِع بَين المتناسبين احدثت عِنْده التباس الْمُشبه بالمشبه بِهِ
وَفَائِدَته: الْمُبَالغَة فِي الْمَعْنى نَحْو قَوْلك: (أوجهك هَذَا أم بدر) ؟ فَإِن كَانَ السُّؤَال عَن الشَّيْء الَّذِي يعرفهُ الْمُتَكَلّم خَالِيا من التَّشْبِيه لم يكن من هَذَا الْبَاب كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} فَإِن الْقَصْد الإيناس لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، أَو إِظْهَار المعجز الَّذِي لم يكن مُوسَى يُعلمهُ
وَابْن المعتز سمى هَذَا الْبَاب تجاهل الْعَارِف، وَمن النَّاس من يَجعله من تجاهل الْعَارِف مُطلقًا سَوَاء كَانَ على طَرِيق التَّشْبِيه أَو على غَيره، [وَلَا يخفى مَا فِي التَّعْبِير بِهِ فِي النّظم الْجَلِيل من سوء الْأَدَب]
(وَمن نُكْتَة التجاهل الْمُبَالغَة فِي الْمَدْح أَو الذَّم أَو التَّعْظِيم أَو التحقير أَو التوبيخ أَو التقريع أَو التدله بالحب مثل:
(ليلاي مِنْكُن أم ليلى من الْبشر)
سُلَيْمَان: عَلَيْهِ السَّلَام: هُوَ ابْن دَاوُد، نَبِي، وَملك وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة، وَمَات وَله ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ملك الأَرْض مُؤْمِنَانِ: سُلَيْمَان وَذُو القرنين، وَكَافِرَانِ: نمروذ وَبُخْتنَصَّرَ
[وَقد سخر الله لَهُ الرّيح جريها بِالْغَدَاةِ مسيرَة شهر وبالعشي كَذَلِك يحْكى أَن بَعضهم رأى مَكْتُوبًا فِي منزل بِنَاحِيَة دجلة كتب بعض أَصْحَاب سُلَيْمَان: نَحن نزلناه وَمَا بنيناه، ومبنيا وَجَدْنَاهُ، غدونا من إصطخر فقلناه، وَنحن رائحون مِنْهُ فبانون بِالشَّام إِن شَاءَ الله تَعَالَى واصطخر: من(1/517)
بِلَاد فَارس، وَبَينه وَبَين الشَّام مسيرَة شهر وَقيل: إِنَّه كَانَ يتغدى بأريحا ويتعشى بسمرقند] [نوع]
{سَاكِنا} : دَائِما
{سَوَاء الْجَحِيم} : وسط الْجَحِيم
{السلوى} : طَائِر يشبه السماني
{سرمدا} : دَائِما
{رفع سمكها} : أَي جعل مِقْدَار ارتفاعها من الأَرْض أَو ثخنها الذَّاهِب فِي الْعُلُوّ رفيعا
{السّلم} : الطَّاعَة
{هَذِه سبيلي} : دعواي
{فسحقا} : فبعدا [من رَحْمَة الله]
{سنفرغ لكم} : وَعِيد، وَلَيْسَ لله شغل
{الْتفت السَّاق بالساق} : آخر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا، وَأول يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة فتلتقي الشدَّة بالشدة
{السُّفَهَاء} : الْجُهَّال بلغَة كنَانَة
{سفه نَفسه} : خسرها بلغَة طيىء [أَو أهلكها، أَو سفهت نَفسه فَنقل الْفِعْل عَن النَّفس إِلَى ضمير مِنْهُ ونصبت النَّفس على التَّشْبِيه بِالنَّفسِ، أَو سفه فِي نَفسه]
{سيء بهم} : سَاءَ ظنا بقَوْمه
{وَفِيكُمْ سماعون} : ضعفة [قَائِلُونَ للكذب، أَو يسمعُونَ مِنْك ليكذبوا عَلَيْك، أَو سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك، أَي هم عُيُون لأولئك الْغَيْب]
{ثمَّ السَّبِيل يسره} : ثمَّ سهل مخرجه من بطن أمه
{يَوْم يكْشف عَن سَاق} : وَهُوَ الْأَمر الشَّديد المفظع من الهول، [أَو يظْهر حقائق الْأَشْيَاء وأصولها، أَو سَاق جَهَنَّم، أَو سَاق الْعَرْش، أَو سَاق ملك عَظِيم، وَقيل: السَّاق النَّفس، أَي يَوْم يكْشف عَن] نفس الرَّحْمَن وذاته
{سريا} : هُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، أَو النَّهر الصَّغِير
{سكرت} : سدت
{السمُوم} : الْحر الشَّديد النَّافِذ فِي المسام
{سرادقها} : فسطاطها
{فِي الْبَحْر سربا} : مسلكا(1/518)
{أتبع سَببا} : طَرِيقا
{سندس} : نمارق من الْحَرِير
{سَوَّلَ لَهُم} : سهل لَهُم
{بِسِيمَاهُمْ} : بعلاماتهم
{سكرة الْمَوْت} : شدته الذاهبة بِالْعقلِ
{بِسَاحَتِهِمْ} : بفنائهم
{فساهم} : قارع
{فَإِذا سويته} : عدلت خلقته
{سامدون} : لَا هون أَو مستكبرون
{سكت عَن مُوسَى الْغَضَب} : سكن
{سكينَة} : آمِنَة تسكن عِنْدهَا الْقُلُوب
{وَجَاءَت سيارة} : رفْقَة يَسِيرُونَ
{بل سَوَّلت} : زينت وسهلت
{سارب} : بارز
{سيدا} : يسود قومه ويفوقهم
{سارعوا} : بَادرُوا وَأَقْبلُوا
{من غير سوء} : عيب أَو آفَة
{سواهُ} : قومه
{سلقوكم} : ضربوكم
{سراحا جميلا} : طَلَاقا من غير ضرار وبدعة
{قولا سديدا} : قَاصِدا إِلَى الْحق
{وَقدر فِي السرد} : فِي نسجها
{من سدر} : شجر النبق ينْتَفع بورقه
{لَبَنًا خَالِصا} : سائغا السائغ: هُوَ الَّذِي يسهل انحداره
{ثَلَاث لَيَال سويا} : سوي الْخلق
{وَسَلام عَلَيْهِ} : من أَن يَنَالهُ الشَّيْطَان بِمَا ينَال بني آدم
{سوء الْعَذَاب} : أفظعه
{سؤلك} : مسؤولك
{سيرتها الأولى} : هيئاتها وحالاتها
{أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} : بالجدوب
{من سلالة} : من خُلَاصَة سلت من بَين(1/519)
الكدر
{من سجيل} : من طين متحجر: مُعرب (سنك كل)
{سبحا طَويلا} : تقلبا فِي الْمُهِمَّات واشتغالا بهَا
{سدي} : مهملا لَا يُكَلف وَلَا يجازي
{سلاسل} : بهَا يقادون
{وأغلالا} : بهَا يقيدون
{سباتا} : قطعا عَن الإحساس وَالْحَرَكَة، أَو موتا لِأَنَّهُ أحد التوفيين
{بالساهرة} : هِيَ الأَرْض الْبَيْضَاء المستوية [وَقيل اسْم جَهَنَّم]
{بأيدي سفرة} : كتبة الْمَلَائِكَة أَو الْأَنْبِيَاء
{الْجَحِيم سعرت} : أوقدت إيقادا شَدِيدا
{سطحت} : بسطت
{سَوط عَذَاب} : أنوع عَذَاب مُخْتَلفَة
{سابغات} : دروع واسعات
{مَكَان سحيق} : بعيد
{سريع الْحساب} : لَا يُمْهل فِي جَزَائِهِ وَلَا يهمل
{من كل شَيْء سَببا} : علما
{إِلَّا بسُلْطَان} : بِقُوَّة وقهر وأنى لكم ذَلِك
{أَو سلما فِي السَّمَاء} : أَو مصعدا
{سبحوا} : صلوا
{لفي سكرتهم} : غوايتهم
{يَوْم سبتهم شرعا} : يَوْم استراحتهم شوارع فِي المَاء
{من سعته} : من غناهُ وَقدرته
{إِذا سجى} : سكن أَهله، أَو ركد ظلامه، أَو ذهب
{سِجِّين} : كتاب جَامع لأعمال الفجرة من الثقلَيْن
{مَكَانا سوى} : منتصفا تستوي مسافته إِلَيْنَا وَإِلَيْك
{وسلطان مُبين} : حجَّة وَاضِحَة ملزمة للخصم(1/520)
{سامرا} : السمر: الحَدِيث بِاللَّيْلِ
{سخريا} : (هزاء) ، وَعند الْكُوفِيّين المكسور بِمَعْنى الهزء، والمضموم من التسخير والخدمة
{سائحات} : صائمات، سمي بِهِ لانه يسير بِالنَّهَارِ بِلَا زَاد، أَو مهاجرات
{سخرها عَلَيْهِم} : سلطها عَلَيْهِم
{فجعلناهم سلفا} : قدوة لمن بعدهمْ
{وَقل سَلام} : تسلم مِنْهُم ومتاركة
{وَمن قبلكُمْ سنَن} : وقائع [سنّهَا الله تَعَالَى فِي الْأُمَم المكذبة]
{جعل السِّقَايَة} : الْمشْربَة [مكيال يُكَال بِهِ وَيشْرب فِيهِ]
{وساء لَهُم} : وَبئسَ لَهُم
[ {لسبإ} : لأَوْلَاد سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان
{ادْع إِلَى سَبِيل رَبك} : إِلَى الْإِسْلَام
{كَانَ سيئه} : يَعْنِي الْمنْهِي عَنهُ
{كَانَ يَقُول سفيهنا} : إِبْلِيس أَو مَرَدَة الْجِنّ
{وهم سَالِمُونَ} : متمكنون
{سَأَلَ سَائل} : دَعَا دَاع
{هلك عني سلطانيه} : ملكي وتسلطي على النَّاس
{سينين وسيناء} : إسمان للموضع الَّذِي فِيهِ طور سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
{عَن صلَاتهم ساهون} : أَي غافلون غير مبالين
{لَيْسُوا سَوَاء} : لَيْسَ أهل الْكتاب مستوين؛ مِنْهُم مُؤمنُونَ وَمِنْهُم مُنَافِقُونَ
{سعيرا} : نَارا مسعورة
{وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة} : من بلية
{ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام} : حياكم بِتَحِيَّة الْإِسْلَام
{من سوآتهما} : من عوراتهما وَكَانَ لَا يريانهما، أَو أَحدهمَا من الآخر
{وَلما سقط فِي أَيْديهم} : كِنَايَة عَن اشتداد النَّدَم المتحسر يعَض يَده غما فَتَصِير يَده مسقوطا فِيهَا(1/521)
{سوأة أَخِيه} : يَعْنِي جسده الْمَيِّت
{نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} : نغفر لكم صغائركم ونمحها عَنْكُم
{وَلَا تتبعوا السبل} : أَي الْأَدْيَان الْمُخْتَلفَة والطرق التابعة للهوى
{وَسبح بِحَمْد رَبك} : وصل وَأَنت حَامِد لِرَبِّك
{بسور} : بحائط، يُقَال هُوَ السُّور الَّذِي يُسمى الْأَعْرَاف
{سم الْخياط} : ثقب الإبرة
{وَجعل فِيهَا سِرَاجًا} : يَعْنِي الشَّمْس
{لجعله سَاكِنا} : ثَابتا، من السُّكْنَى، أَو غير متقلص، من (السّكُون)
{أكالون للسحت} : أَي الْحَرَام
{وَلَا سائبة} : هِيَ النَّاقة الَّتِي كَانَ رجل من الْجَاهِلِيَّة يَقُول: إِن سقيت فناقتي سائبة ويجعلها كالبحيرة فِي تَحْرِيم الِانْتِفَاع
{يَوْم تبلى السرائر} : يَوْم تحْشر سرائر الْقلب، وَهِي مَا أسره من العقيدة وَالنِّيَّة
{سيئت وُجُوه الَّذين كفرُوا} : بَانَتْ عَلَيْهَا الكآبة وساءتها رُؤْيَة الْعَذَاب
{بَين السدين} : بَين الجبلين، هما أرمينية وأذربيجان وَقيل جبلان فِي آخر الشمَال فِي مُنْقَطع أَرض التّرْك، من ورائهما يَأْجُوج وَمَأْجُوج
{سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب} : يَعْنِي زَوجهَا
{سرابيل تقيكم الْحر} : يَعْنِي القمص
{وسرابيل تقيكم بأسكم} : يَعْنِي الدروع
{تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا} : أَي خمرًا، نزل قبل التَّحْرِيم
{سنسمه} : سنجعل لَهُ سمة أَي: عَلامَة
{سلككم فِي سقر} : أدخلكم فِيهَا
{سقط فِي أَيْديهم} : يُقَال لكل من نَدم وَعجز عَن شَيْء وَنَحْو ذَلِك قد سقط فِي يَده، وَأسْقط أَيْضا كَمَا مر
{فِي ضلال وسعر} : أَي جُنُون، أَو جمع سعير؛ وَهُوَ اسْم من اسماء جَهَنَّم
{سواعا} : اسْم صنم كَانَ يعبد فِي زمن سيدنَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو صنم لهمدان
{سجرت} : ملئت وَنفذ بَعْضهَا إِلَى بعض(1/522)
فَصَارَ بحرا وَاحِدًا مملوءا، أَو أَنه يقذف بالكواكب فِيهَا ثمَّ تضرم فَتَصِير نيرانا
{فسيحوا فِي الأَرْض} : سِيرُوا فِيهَا
{سيء بهم} : فعل بهم السوء
(فصل الشين)
[الشَّيْطَان] : كل شَيْطَان ذكر فِي الْقُرْآن فَالْمُرَاد إِبْلِيس وَجُنُوده، إِلَّا {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} [فَإِن المُرَاد المجاهرين بالْكفْر أَو كبار الْمُنَافِقين]
[الشَّهِيد] : كل شَهِيد فِي الْقُرْآن فَهُوَ غير الْقَتْلَى مِمَّن يشْهد فِي أُمُور النَّاس، إِلَّا {وَادعوا شهداءكم} فَإِن الْمَعْنى شركاءكم
[شيئة] : كل شَيْء بشيئة الله أَي: بمشئية قبل
[الشُّكْر] : كل مَا هُوَ جَزَاء للنعمة عرفا فَإِنَّهُ يُطلق عَلَيْهِ الشُّكْر لُغَة، وَهَذَا أَعم، وَقد قَالَ الطَّيِّبِيّ: " كَون الشُّكْر صادرا من هَذِه الثَّلَاث - يُرِيد النّظم الْمَشْهُور فِيهِ - إِنَّمَا هُوَ عرف الْأُصُولِيِّينَ، وَإِلَّا فالشكر اللّغَوِيّ لَيْسَ إِلَّا بِاللِّسَانِ وَحده "
[الشّجر] : وَقيل: كل مَا تنْبت الأَرْض فَهُوَ شجر، فعلى هَذَا الْكلأ والعشب شجر، وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {والنجم وَالشَّجر يسجدان} أَن النَّجْم مَا ينجم من الأَرْض مِمَّا لَيْسَ لَهُ سَاق، وَالشَّجر مَا لَهُ سَاق، كَمَا هُوَ الْمُسْتَفَاد من الْعَطف نعم عطف الْجِنْس على النَّوْع وبالضد مَشْهُور، وَمَا يشعره الشّجر من الِاخْتِلَاط حَاصِل فِي العشب والكلأ أَيْضا
[الشّجر] : كل مَا كَانَ على سَاق من نَبَات الأَرْض فَهُوَ شجر
[الشهَاب] : كل متوقد مضيء فَهُوَ شهَاب
[كل شَيْء] : (كل شَيْء) فَهُوَ مُذَكّر صُورَة وَفِي الْمَعْنى مؤنث لكَونه بِمَعْنى الْأَشْيَاء
[الشعار] : كل مَا يَلِي الْجَسَد من الثِّيَاب فَهُوَ شعار، وكل مَا يَلِي الشعار فَهُوَ دثار
[الشقاوة] : كل شقاوة فَهِيَ تَعب، بِلَا عكس
[الشية] : كل لون يُخَالف مُعظم لون الْفرس وَغَيره فَهُوَ شية
[الشعيرة] : كل مَا جعل علما على طَاعَة فَهُوَ شعيرَة وَالْجمع (شَعَائِر)
[الشِّيعَة] : كل قوم أَمرهم وَاحِد يتبع بَعضهم رَأْي بعض فهم شيع، وغالب مَا يسْتَعْمل فِي الذَّم
[الشرعة] : كل مَا أشرعت فِيهِ فَهُوَ شرعة وَشَرِيعَة
[الشَّيْطَان] : كل عَاتٍ متمرد من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالدَّوَاب فَهُوَ شَيْطَان قَالَ الجاحظ: " الجني إِذا كفر وظلم وتعدى وأفسد فَهُوَ شَيْطَان، فَإِن قوي على حمل الْبُنيان وَالشَّيْء الثقيل وعَلى استراق(1/523)
السّمع فَهُوَ مارد، فَإِن زَاد على ذَلِك فَهُوَ عفريت، فَإِن طهر ونظف وَصَارَ خيرا كُله فَهُوَ ملك "
[الشعفة] : شعفة كل شَيْء أَعْلَاهُ
[الشكل] : شكل كل شَيْء زوجه
[الشّعب] : كل جمَاعَة كَثِيرَة من النَّاس يرجعُونَ إِلَى أَب مَشْهُور، بِأَمْر زَائِد فَهُوَ شعب كعدنان
ودونه الْقَبِيلَة، وَهِي مَا انقسمت فِيهَا أَنْسَاب الشّعب، كربيعة وَمُضر
ثمَّ الْعِمَارَة: وَهِي مَا انقسمت فِيهَا أَنْسَاب الْقَبِيلَة كقريش وكنانة
ثمَّ الْبَطن: وَهِي مَا انقسمت فِيهَا أَنْسَاب الْعِمَارَة كبني عبد منَاف، وَبني مَخْزُوم
ثمَّ الْفَخْذ: وَهِي مَا انقسمت فِيهَا أَنْسَاب الْبَطن كبني هَاشم وَبني أُميَّة
ثمَّ الْعَشِيرَة: وَهِي مَا انقسمت فِيهَا أَنْسَاب الْفَخْذ كبني الْعَبَّاس وَبني أبي طَالب
والحي يصدق على الْكل، لِأَنَّهُ للْجَمَاعَة المتنازلين بمربع مِنْهُم، وَكلما تَبَاعَدت الْأَنْسَاب ارْتَفَعت الْمَرَاتِب
الشَّرْع: الْبَيَان والإظهار، وَالْمرَاد بِالشَّرْعِ الْمَذْكُور على لِسَان الْفُقَهَاء بَيَان الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
والشريعة: هِيَ مورد الْإِبِل إِلَى المَاء الْجَارِي، ثمَّ استعير لكل طَريقَة مَوْضُوعَة بِوَضْع إلهي ثَابت من نَبِي من الْأَنْبِيَاء
وشرعت لكم فِي الدّين شَرِيعَة
وأشرعت بَابا إِلَى الطَّرِيق إشراعا
وشرعت الدَّوَابّ فِي المَاء تشرع شروعا
والشريعة: اسْم للْأَحْكَام الْجُزْئِيَّة الَّتِي يتهذب بهَا الْمُكَلف معاشا ومعادا، سَوَاء كَانَت منصوصة من الشَّارِع أَو رَاجِعَة إِلَيْهِ
وَالشَّرْع كالشريعة: كل فعل أَو ترك مَخْصُوص من نَبِي من الْأَنْبِيَاء صَرِيحًا أَو دلَالَة فإطلاقة على الْأُصُول الْكُلية مجَاز، وَإِن كَانَ شَائِعا، بِخِلَاف الْملَّة فَإِن إِطْلَاقهَا على الْفُرُوع مجَاز، وَتطلق على الْأُصُول حَقِيقَة كالإيمان بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَغير ذَلِك، وَلِهَذَا لَا تتبدل بالنسخ، وَلَا يخْتَلف فِيهَا الْأَنْبِيَاء، وَلَا تطلق على آحَاد الْأُصُول
وَالشَّرْع عِنْد السّني ورد كاسمه شَارِعا للْأَحْكَام أَي منشئا لَهَا، وَعند الْمُعْتَزلَة ورد مجيزا لحكم العلق ومقررا لَهُ لَا منشئا، والشرعي مَا لَا يسْتَند وضع الِاسْم لَهُ إِلَّا من الشَّرْع كَالصَّلَاةِ ذَات الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقد يُطلق على الْمَنْدُوب والمباح
يُقَال: شرع الله الشَّيْء: أَي أَبَاحَهُ، وشرعه: أَي طلبه وجوبا أَو ندبا
والشروع فِي الشَّيْء: التَّلَبُّس بِجُزْء من أَجْزَائِهِ
والشرعة: ابْتِدَاء الطَّرِيق
والمنهاج: الطَّرِيق الْوَاضِح، أَو الأول الدّين وَالثَّانِي الدَّلِيل، وَعَن ابْن عَبَّاس: " الشرعة مَا ورد بِهِ الْقُرْآن، والمنهاج مَا ورد بِهِ السّنة "
قَالَ مَشَايِخنَا وَرَئِيسهمْ الإِمَام أَبُو مَنْصُور الماتريدي مَا ثَبت بَقَاؤُهُ من شَرِيعَة من قبلنَا بكتابنا أَو بقول رَسُولنَا صَار شَرِيعَة لرسولنا فَيلْزمهُ ويلزمنا على شَرِيعَته لَا على شَرِيعَة من قبلنَا، لِأَن الرسَالَة سفارة العَبْد بَين الله وَبَين ذَوي الالباب من عباده (ليبين مَا قصرت عَنهُ عُقُولهمْ فِي مصَالح دارت بهم) فَلَو لزمنا شَرِيعَة من قبلنَا كَانَ(1/524)
رَسُولنَا رَسُول من قبلنَا سفيرا بَينه وَبَين أمته [كواحد من عُلَمَاء عصرنا] لَا رَسُول الله تَعَالَى، وَهَذَا فَاسد
الشَّيْء: هُوَ لُغَة مَا يَصح أَن يعلم ويخبر عَنهُ فَيشْمَل الْمَوْجُود والمعدوم، مُمكنا أَو محالا
وَاصْطِلَاحا: خَاص بالموجود، خارجيا كَانَ أَو ذهنيا، {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله}
[وَفِي " أصُول التَّوْحِيد " للآمدي: إِطْلَاق لفظ الشَّيْء بِإِزَاءِ الْوُجُود وفْق اللُّغَة واصطلاح أهل اللِّسَان، وَسَوَاء كَانَ الْمَوْجُود قَدِيما أَو حَادِثا، فَمن اطلق اسْم الشَّيْء على الْمَعْدُوم حَقِيقَة أَو تجوزا فَلَا بُد لَهُ من مُسْتَند، والمستند فِي ذَلِك إِنَّمَا هُوَ النَّقْل دون الْفِعْل وَالْأَصْل عَدمه، فَمن ادَّعَاهُ يحْتَاج إِلَى بَيَانه، كَيفَ وَأَنه خلاف المألوف الْمَعْرُوف من أهل اللُّغَة فِي قَوْلهم: " الْمَعْلُوم يَنْقَسِم إِلَى شَيْء وَإِلَى مَا لَيْسَ بِشَيْء]
الشَّيْء أَعم الْعَام: كَمَا أَن الله أخص الْخَاص، [وَلم يَجْعَل اسْما من أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِئَلَّا يتَوَهَّم الدُّخُول فِي جملَة الْأَشْيَاء المخلوقة] وَهُوَ مُذَكّر يُطلق على الْمُذكر والمؤنث، وَيَقَع على الْوَاجِب والممكن والممتنع، نَص على ذَلِك سِيبَوَيْهٍ حَيْثُ قَالَ فِي " كِتَابه ": " الشَّيْء يَقع على كل مَا أخبر عَنهُ " وَمن جعل الشَّيْء مرادفا للموجود حصر الْمَاهِيّة بالموجود، وَمن جعله أَعم عمم الْمَوْجُود والمعدوم، وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر (شَاءَ) اطلق تَارَة بِمَعْنى (شائي) [اسْم فَاعل] وَحِينَئِذٍ يتَنَاوَل الْبَارِي كَقَوْلِه تَعَالَى: {قل أَي شَيْء أكبر شَهَادَة قل الله} وَبِمَعْنى اسْم مفعول تَارَة أُخْرَى أَي: مشيء وجوده، وَلَا شكّ أَن مَا شَاءَ الله وجوده فَهُوَ مَوْجُود فِي الْجُمْلَة: {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون}
وعَلى الْمَعْنى الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله على كل شَيْء قدير} و {الله خَالق كل شَيْء} فالشيء فِي حق الله بِمَعْنى الشائي، وَفِي حق الْمَخْلُوق بِمَعْنى المشيء
وَأعلم أَن الشيئية على نَوْعَيْنِ:
شيئية ثبوتية: وَهِي ثُبُوت المعلومات فِي علم الله، متميزا بَعْضهَا عَن بعض، وَهِي على أَقسَام:
أَحدهَا: مَا يجب وجوده فِي الْعين كذات الْوَاجِب سُبْحَانَهُ
وَثَانِيها: مَا يُمكن بروزه من الْعلم إِلَى الْعين وَهُوَ الممكنات
وَثَالِثهَا: مَا لَا يُمكن، وَهُوَ الممتنعات ومتعلق إِرَادَته وَقدرته هُوَ الْقسم الثَّانِي دون الأول وَالثَّالِث، وَمن هُنَا يُقَال: مقدورات الله أقل من معلوماته لشمُول الْعلم الممتنعات مَعَ عدم تناهي المقدورات وانقطاعها، [وَلَا يخفى أَن مَا وجد من مَعْلُومَات الله ومقدوراته فَهِيَ متناهية، وَمَا لم يُوجد مِنْهُمَا فَلَا نِهَايَة لَهما فَلَا يُقَال: إِن أَحدهمَا(1/525)
أَكثر من الآخر، إِذْ لَا يَنْتَهِي إِلَى حد لَا يُوجد فَوْقه حد آخر، وَلَا يلْزم من القَوْل بتعلق الْقُدْرَة على كل الممكنات وجوب وجود جَمِيعهَا لِأَن تعلقهَا غير كَاف فِي الْوُجُود، بل يجب تعلق الْإِرَادَة حَتَّى يُوجد الْمُمكن بِالْقُدْرَةِ، فَيكون تعلق الْإِرَادَة حَتَّى يُوجد الْمُمكن بِالْقُدْرَةِ، فَيكون تعلق الْإِرَادَة هُوَ الْمُخَصّص لبَعض الممكنات بالحدوث فِي بعض الْأَوْقَات، وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن تعلق الْقُدْرَة بِالْجَمِيعِ بِالْقُوَّةِ على معنى أَن تعلق الْقُدْرَة بالشَّيْء تأثيرها فِيهِ وفْق الْإِرَادَة، فَلَا تَنْتَهِي قدرته عِنْد المُرَاد، وَإِن كَانَ تعلقهَا بالممكنات متناهية بِالْفِعْلِ على معنى ضمير إِن الْقَادِر من يَصح مِنْهُ إِيجَاد الْفِعْل وَتَركه، أَو على هَذَا يكون الْمَقْدُور مَا يَصح من الْقَادِر إيجاده وَتَركه]
وَإِنَّمَا لم يتعلقا بالقسم الأول وَالثَّالِث لِأَنَّهُمَا لما كَانَتَا صفتين مؤثرتين، وَمن لَازم الْأَثر أَن يكون مَوْجُودا بعد عدم لزم أَن مَا لَا يقبل الْعَدَم أصلا كالواجب لَا يقبل أَن يكون أثرا لَهما، وَإِلَّا لزم تَحْصِيل الْحَاصِل
وَمَا لَا يقبل الْوُجُود أصلا كالمستحيل لَا يقبل أَيْضا أَن يكون أثرا لَهَا، وَإِلَّا لزم قلب الْحَقَائِق بِرُجُوع المستحيل عين الْجَائِز فَلَا قُصُور فيهمَا، [كَمَا لَا نقص بِعَدَمِ تعلق الرُّؤْيَا بالمعدومات والسمع بالألوان] بل لَو تعلقتا بهما لزم حِينَئِذٍ الْقُصُور فِي ترك إعدام أَنفسهمَا بل فِي إعدام الذَّات الْعلية وَإِثْبَات الألوهية لمن لَا يقبلهَا من الْحَوَادِث
ثمَّ الْمُمْتَنع إِمَّا مُمْتَنع الْكَوْن لنَفسِهِ فِي علم الله تَعَالَى، كاجتماع الضدين، وَكَون الشَّيْء الْوَاحِد فِي آن وَاحِد فِي مكانين وَنَحْوه.
وَإِمَّا مُمْتَنع الْكَوْن لَا بِاعْتِبَار ذَاته، بل بِاعْتِبَار تعلق الْعلم بِأَنَّهُ لَا يُوجد، أَو غير ذَلِك، كوجود عَالم آخر وَرَاء هَذَا الْعَالم أَو قبله، فَمَا كَانَ من الْقسم الأول فَهُوَ لَا محَالة غير مَقْدُور من غير خلاف، وَمَا كَانَ من الْقسم الثَّانِي فَنَقُول فِيهِ إِن الْمُمكن من حَيْثُ هُوَ مُمكن لَا ينبو عَن تعلق الْقُدْرَة بِهِ، وَالْقُدْرَة من حَيْثُ هِيَ قدرَة لَا يَسْتَحِيل تعلقهَا بِمَا هُوَ فِي ذَاته مُمكن إِذا قطع النّظر عَن غَيره، وَلَا معنى لكَونه مَقْدُورًا غير هَذَا وَإِطْلَاق اسْم الْمَقْدُور عَلَيْهِ بِالنّظرِ إِلَى الْعرف وَإِلَى الْوَضع بِاعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى غير مستبعد وَإِن كَانَ وجوده مُمْتَنعا بِاعْتِبَار غَيره
وَالنَّوْع الثَّانِي شيئية وجودية: وَهِي وجودهَا خَارج الْعلم والموجودات الخارجية من حَيْثُ تعلق الْقُدْرَة بإخراجها من الْعلم إِلَى الْعين لَا يتَعَلَّق بهَا قدرَة اخرى، لِاسْتِحَالَة تَحْصِيل الْحَاصِل، فَإِن تعلق قدرَة وارادة بهَا بِاعْتِبَار إعدامها وإيجادها بعد الإعدام فِي كل آن على القَوْل بالخلق الْجَدِيد مَعَ الأنفاس، كَمَا هُوَ مَذْهَب الْمُحَقِّقين من الصُّوفِيَّة
ثمَّ إِن الشَّيْء وَالثَّابِت وَالْمَوْجُود أَلْفَاظ مترادفة فَلَا يُطلق على الْمَعْدُوم وَلَو مُمكنا خلافًا للمعتزلة، فَإِن الثُّبُوت أَعم من الْمَوْجُود، والمعدوم الْمُمكن كإنسان سيوجد، بِخِلَاف المستحيل، كاجتماع الضدين، والمتخيل، كجبل من ياقوت
فالمعدوم الْمُمكن شَيْء عِنْدهم دون المستحيل، وَلَفظ الشَّيْء عَام معنوي عِنْد فَخر الْإِسْلَام، لَا لَفْظِي كَمَا ظَنّه صَاحب " التَّقْوِيم " وَإنَّهُ عَام لَا(1/526)
مُشْتَرك كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُتَكَلِّمين من أهل السّنة
وَلم يحفظ من الْعَرَب تَعديَة (شَاءَ) بِالْبَاء وَإِن كَانَ فِي معنى (أَرَادَ)
وَقد تكاثر حذف الْمَفْعُول من (شَاءَ) و (أَرَادَ) ومتصرفاتهما إِذا وَقعت فِي حيّز الشَّرْط، بِدلَالَة الْجَواب على ذَلِك الْمَحْذُوف معنى مَعَ وُقُوعه فِي مَحَله لفظا، وَلِأَن فِي ذَلِك نوعا من التَّفْسِير بعد الْإِبْهَام، إِلَّا فِي الشَّيْء المستغرب، فَإِنَّهُ لَا يكْتَفى فِيهِ بِدلَالَة الْجَواب عَلَيْهِ بل مُصَرح بِهِ اعتناء بتعيينه ودفعا لذهاب الْوَهم إِلَى غَيره بِنَاء على استبعاد تعلق الْفِعْل بِهِ واستغرابه كَقَوْلِه:
(وَلَو شِئْت أَن أبْكِي دَمًا لبكيته ... عَلَيْهِ وَلَكِن ساحة الصَّبْر أوسع)
وَاخْتلفُوا فِي جمع (شَيْء) ، فالأخفش يرى أَنَّهَا (فعلاء) وَهِي جمع على غير واحده الْمُسْتَعْمل ك (شَاعِر) و (شعراء) فَإِنَّهُ جمع على غير واحده، لِأَن (فَاعِلا) لَا يجمع على (فعلاء) ، والخليل يرى أَنَّهَا (أفعلاء) نائبة عَن (أَفعَال) وَبدل مِنْهُ، وَجمع لواحدها الْمُسْتَعْمل وَهُوَ (شَيْء) ، وَالْكسَائِيّ يرى أَنَّهَا (أَفعَال) ك (فرخ) و (أفراخ) ترك صرفهَا لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا لِأَنَّهَا شبهت ب (فعلاء) فِي كَونهَا جمعت على (أشياوات) فَصَارَ ك (صحراء) و (صحراوات)
الشَّهِيد: الشَّاهِد، والأمين فِي شَهَادَته، وَالَّذِي لَا يغيب عَن علمه شَيْء، والقتيل فِي سَبِيل الله لِأَن مَلَائِكَة الرَّحْمَة، تشهده، أَو لِأَن الله وَمَلَائِكَته شُهُود لَهُ بِالْجنَّةِ، أَو لانه مِمَّن يستشهد يَوْم الْقِيَامَة عَن الْأُمَم الخالية، أَو لسقوطه على الشَّهَادَة وَهِي الأَرْض، أَو لِأَنَّهُ حَيّ عِنْد ربه حَاضر، أَو لِأَنَّهُ يشْهد ملكوت الله وَملكه
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: شهد بِمَعْنى (بَين) فِي حق الله، وَبِمَعْنى (أقرّ) فِي حق الْمَلَائِكَة، وَبِمَعْنى (أقرّ وَاحْتج) فِي حق أولي الْعلم من الثقلَيْن
و (أشهد) ، مَجْهُولا: أَي قتل فِي سَبِيل الله ك (اسْتشْهد)
والمشهد والمشهدة: محْضر النَّاس
والمشهود: يَوْم الْجُمُعَة، أَو يَوْم الْقِيَامَة، أَو يَوْم عَرَفَة
وَالشَّاهِد أَيْضا: يَوْم الْجُمُعَة
وَصَلَاة الشَّاهِد: صَلَاة الْمغرب، سميت بِهِ لِأَنَّهَا تصلى عِنْد طُلُوع نجم اسْمه شَاهد
{فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} : أَي حضر
وَشهد عِنْد الْحَاكِم: أخبر
{وَالله على كل شَيْء شَهِيد} : أَي عليم
و {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} يحْتَمل الْإِخْبَار وَالْعلم
وَالشَّهَادَة: بَيَان الْحق، سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ أَو على غَيره، وَخبر قَاطع يخْتَص بِمَعْنى يتَضَمَّن ضَرَر غير الْمخبر فَيخرج الْإِقْرَار وَقيل: إِقْرَار مَعَ الْعلم وثبات الْيَقِين
وَالْإِقْرَار قد يَنْفَكّ عَن ذَلِك، وَلذَلِك أكذب الله(1/527)
الْكفَّار فِي قَوْلهم: {نشْهد إِنَّك لرَسُول الله}
وَلما كَانَ الْخَبَر الْخَاص مُبينًا للحق من الْبَاطِل سمي شَهَادَة، وَسمي الْمخبر بِهِ شَاهدا، فَلهَذَا شبه الدّلَالَة فِي كَمَال وضوحها بِالشَّهَادَةِ
وَشهد الرجل على كَذَا يشْهد عَلَيْهِ شَهَادَة: إِذا أخبر بِهِ قطعا
وَشهد لَهُ بِكَذَا يشْهد بِهِ شَهَادَة: إِذا أدّى مَا عِنْده من الشَّهَادَة
وَالشَّهَادَة تُقَام بِلَفْظ الشَّهَادَة، أَعنِي: اشْهَدْ بِاللَّه، وَتَكون قسما، وَمِنْهُم من يَقُول: إِن قَالَ (أشهد) يكون قسما وَإِن لم يقل بِاللَّه
وَالشُّهُود جمع شَاهد
والأشهاد: جمع شُهُود، أَو جمع (شهد) بِالسُّكُونِ اسْم جمع ك (ركب) و (صحب) ، أَو بِالْكَسْرِ تَخْفيف شَاهد ك (وتد) و (أوتاد)
الشَّك: هُوَ اعْتِدَال النقيضين عِنْد الْإِنْسَان وتساويهما، وَذَلِكَ قد يكون لوُجُود أمارتين متساويتين عِنْده فِي النقيضين، أَو لعدم الأمارة فيهمَا، وَالشَّكّ ضرب من الْجَهْل وأخص مِنْهُ، لِأَن الْجَهْل قد يكون عدم الْعلم بالنقيضين رَأْسا، فَكل شكّ جهل وَلَا عكس
(وَإِن كَانَ طرف الْوُقُوع واللاوقوع على السوية فَهُوَ الشَّك)
وَإِن كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ راجحا وَالْآخر مرجوحا فالمرجوح يُسمى وهما
وَالرَّاجِح إِن قَارن إِمْكَان الْمَرْجُوح يُسمى ظنا
وَإِن لم يُطَابق يُسمى جهلا مركبا
وَالشَّكّ كَمَا يُطلق على مَا لَا يتَرَجَّح أحد طَرفَيْهِ يُطلق أَيْضا على مُطلق التَّرَدُّد، كَقَوْلِه تَعَالَى: {لفي شكّ مِنْهُ} (وعَلى مَا يُقَابل الْعلم)
قَالَ الْجُوَيْنِيّ: الشَّك مَا اسْتَوَى فَهِيَ اعتقادان أَو لم يستويا، وَلَكِن لم ينتبه أَحدهمَا إِلَى دَرَجَة الظُّهُور الَّذِي يَبْنِي عَلَيْهِ الْعَاقِل الْأُمُور الْمُعْتَبرَة
والريب: مَا لم يبلغ دَرَجَة الْيَقِين وَإِن ظهر نوع ظُهُور وَيُقَال: شكّ مريب وَلَا يُقَال: ريب مشكك
وَيُقَال أَيْضا: رَابَنِي أَمر كَذَا، وَلَا يُقَال: شكني
وَالشَّكّ سَبَب الريب كَأَنَّهُ شكّ أَو لَا فيوقعه شكه فِي الريب، فالشك مبدأ الريب، كَمَا أَن الْعلم مبدأ الْيَقِين
والريب قد يَجِيء بِمَعْنى القلق وَالِاضْطِرَاب، والْحَدِيث: " دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك " فَإِن الصدْق طمأنينة وَالْكذب رِيبَة، وَمِنْه (ريب الدَّهْر) لنوائبه، فيوصف بِهِ الشَّك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُم لفي شكّ مِنْهُ مريب}
والمرية: التَّرَدُّد فِي المتقابلين، وَطلب الأمارة من (مرى الضَّرع) إِذا مَسحه للدر
الشاذ: هُوَ الَّذِي يكون وجوده قَلِيلا، لَكِن لَا يَجِيء على الْقيَاس(1/528)
والضعيف: هُوَ الَّذِي يصل حكمه إِلَى الثُّبُوت
والشاذ المقبول: هُوَ الَّذِي يَجِيء على خلاف الْقيَاس وَيقبل عِنْد الفصاحة والبلغاء
والشاذ الْمَرْدُود: هُوَ الَّذِي يَجِيء على خلاف الْقيَاس وَلَا يقبل عِنْد الفصحاء والبلغاء
وَمَا كَانَ مطردا فِي الْقيَاس والاستعمال جَمِيعًا نَحْو: (قَامَ زيد) و (ضربت عمرا) و (مَرَرْت بِسَعِيد) ، ومطردا فِي الْقيَاس شاذا فِي الِاسْتِعْمَال كالماضي من (يذر) و (يدع) ، وَبِالْعَكْسِ كَقَوْلِهِم: (استنوق الْجمل) ، وشاذا فِي الْقيَاس والاستعمال جَمِيعًا ك (مسك مدووف) و (فرس مقوود)
وَدخُول (ال) فِي الْمُضَارع شَاذ فِي الْقيَاس
وَاسْتِعْمَال مفعول (عَسى) اسْما صَرِيحًا قوي فِي الْقيَاس وَضَعِيف فِي الِاسْتِعْمَال
وَالْمرَاد بالشاذ فِي استعمالهم مَا يكون بِخِلَاف الْقيَاس من غير نظر إِلَى قلَّة وجوده وكثرته كالقعود
والنادر: مَا قل وجوده وَإِن لم يكن بِخِلَاف الْقيَاس ك (خزعال)
والضعيف: مَا يكون فِي ثُبُوته كَلَام ك (قرطاس) بِالضَّمِّ
والمطرد: لَا يتَخَلَّف
وَالْغَالِب: أَكثر الْأَشْيَاء وَلكنه يتَخَلَّف
وَالْكثير: دونه
والقليل: دون الكيثر
والنادر: أقل من الْقَلِيل
الشَّرْط: الْعَلامَة، وَمِنْه (أَشْرَاط السَّاعَة)
[والشروط للصكوك لِأَنَّهَا عَلَامَات دَالَّة على التَّوَثُّق، وَسمي مَا علق بِهِ الْجَزَاء شرطا لِأَنَّهُ عَلامَة لنزوله]
فِي " الْقَامُوس ": إِلْزَام الشَّيْء والتزامه فِي البيع وَنَحْوه كالشريطة، وَفِي " مِعْرَاج الدِّرَايَة ": الشُّرُوط: جمع شَرط، بِسُكُون الرَّاء، والأشراط: جمع شَرط، بِفَتْح الرَّاء، وهما: الْعَلامَة، والمستعمل على لِسَان الْفُقَهَاء الشُّرُوط لَا الأشراط
وَقَالَ بَعضهم: وَالَّذِي بِمَعْنى الْعَلامَة الشَّرْط، بِالْفَتْح دون الشَّرْط، بِالسُّكُونِ
(والشرائط: جمع شريطة والشريطة وَالشّرط وَاحِد وَالتَّاء للنَّقْل)
والشرطة: بِالضَّمِّ مَا اشترطته يُقَال: خُذ شرطتك
وَالشّرط على مَا اصطلحه المتكلمون: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشَّيْء فَلَا يكون دَاخِلا فِيهِ وَلَا مؤثرا قَالَ الْغَزالِيّ: هُوَ مَا لَا يُوجد الشَّيْء بِدُونِهِ، وَلَا يلْزم أَن يُوجد عِنْده وَقَالَ الرَّازِيّ: هُوَ مَا يتَوَقَّف تَأْثِير الْمُؤثر عَلَيْهِ لَا وجوده
وَالْمُخْتَار أَنه مَا يسْتَلْزم نَفْيه نفي أَمر لَا على وجهة السَّبَبِيَّة كَمَا فِي " الْكرْمَانِي " وَقَالَ بَعضهم: الشَّرْط على مُعينين: أَحدهمَا: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء فَيمْتَنع بِدُونِهِ
وَالثَّانِي: مَا يَتَرَتَّب وجوده عَلَيْهِ فَيحصل عَقِيبه وَلَا يمْتَنع وجوده بِدُونِهِ، وَهُوَ الَّذِي يدْخل عَلَيْهِ حرف الشَّرْط(1/529)
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: مَا يُسَمِّيه النُّحَاة شرطا هُوَ فِي الْمَعْنى سَبَب لوُجُود الْجَزَاء، وَهُوَ الَّذِي تسميه الْفُقَهَاء عِلّة ومقتضيا وموجبا وَنَحْو ذَلِك، فَالشَّرْط اللَّفْظِيّ سَبَب معنوي (فتفطن لهَذَا فَإِنَّهُ مَوضِع غلط فِيهِ كثير)
وَالشّرط عندنَا مَا يَقْتَضِي وجوده وجود الْمَشْرُوط، وَلَا يَقْتَضِي عَدمه عَدمه، وَهَذَا مُقْتَضى الشَّرْط الجعلي النَّحْوِيّ
وَأما الْمَشْهُور وَهُوَ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الْمَشْرُوط وَلَا يلْزم من وجوده وجوده فَهُوَ الشَّرْط الْحَقِيقِيّ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدمه عَدمه، وَلَا يَقْتَضِي وجوده وجوده
وَشرط وجود الشَّيْء لَا يجب أَن يكون بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ شرطا لبَقَاء ذَلِك الشَّيْء، وَلَيْسَ ثُبُوته ثُبُوت رُجُوع أحد المحكمين قبل الحكم من فروع هَذَا الأَصْل، لِأَن شَرط صِحَة التَّحْكِيم اتِّفَاق المحكمين فِي التَّقْلِيد، فَإِذا لم يكن هَذَا الشَّرْط بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ شرطا لبَقَائه يلْزم بَقَاء صِحَة التَّحْكِيم بِأحد شطري الشَّرْط، وَهُوَ بَقَاء رضى اُحْدُ المحكمين
فِي " الْعِنَايَة الأكملية "، كل وَاحِد من المحكمين أَن يرجع قبل أَن يحكم عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مقلد من جهتهما لاتِّفَاقهمَا على ذَلِك، فَلَا يحكم إِلَّا برضاهما جَمِيعًا، لِأَن مَا كَانَ وجوده من شَيْئَيْنِ لَا بُد من وجودهما، وَأما عَدمه فَلَا يحْتَاج إِلَى عدمهما، بل بِعَدَمِ أَحدهمَا " انْتهى
وَقد تقرر فِي مَحَله أَنه إِذا وجد للشَّيْء جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من الْأُمُور الخارجية فَحِينَئِذٍ يجب أَن يُوجد جَمِيع أَجزَاء الشَّيْء، وَكَذَا إِذا وجد بعض مَا يجب بِهِ بَاقِي الْأُمُور الخارجية فَلَا يكون مَعْدُوما لعدم بعض أَجْزَائِهِ
وَالشّرط عِنْد المناطقة جُزْء الْكَلَام، فَإِن الْكَلَام عِنْدهم مَجْمُوع الشَّرْط وَالْجَزَاء
وَعند أهل الْعَرَبيَّة الْجَزَاء كَلَام تَامّ، وَالشّرط قيد لَهُ
وَأَبُو حنيفَة أَخذ كَلَام الْقَوْم، وَالشَّافِعِيّ أَخذ كَلَام أهل الْعَرَبيَّة، فالمعلق بِالشّرطِ عندنَا هُوَ الْإِيقَاع، فَلَا يتَصَوَّر قبل وجود الشَّرْط الْمُعَلق بِهِ، فَلَا ينْعَقد اللَّفْظ عِلّة؛ وَعند الشَّافِعِي: الْمُعَلق هُوَ الْوُقُوع، فَلَا مَانع من انْعِقَاد اللَّفْظ عِلّة، وَالْحق لنا، فَإِن من حلف أَن لَا يعْتق يَحْنَث التَّعْلِيق قبل وجود الشَّرْط اتِّفَاقًا وَإِجْمَاع أهل الْعَرَبيَّة وَغَيرهم على أَن الْجَزَاء وَحده لَا يُفِيد الحكم، وَإِنَّمَا الحكم بَين مَجْمُوع الشَّرْط وَالْجَزَاء
[وَالْفرق بَين الشَّرْط وَالْعلَّة أَن الْعلَّة لَا بُد وَأَن تكون مطردَة ومنعكسة بِخِلَاف الشَّرْط، وَالْعلَّة لَا بُد وَأَن تكون ثبوتية بِخِلَاف الشَّرْط فَإِنَّهُ قد يكون وجوديا كالحياة مَعَ الْعلم لِلْعِلَّةِ؛ وَالْعلَّة لَا تكون إِلَّا وَاحِدَة، بِخِلَاف الشَّرْط، فَإِنَّهُ لَا مَانع من تعدده وَالْعلَّة الْوَاحِدَة لَا تكون عِلّة لحكمين، وَالشّرط الْوَاحِد قد يكون شرطا لأمور كالحياة، وَالْعلَّة لَا بُد وَأَن تكون صفة قَائِمَة بِمحل الحكم بِخِلَاف الشَّرْط، فَإِنَّهُ قد لَا يكون صفة، وَذَلِكَ كمحل الصّفة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصّفة، فَإِنَّهُ شَرط لَهَا وَلَيْسَ صفة لمحلها، وَالْعلَّة مُوجبَة للمعلول أَو مُؤثرَة فِيهِ كَالْعلمِ مَعَ العالمية بِخِلَاف الشَّرْط مَعَ(1/530)
الْمَشْرُوط كالحياة مَعَ الْعلم، وَالْعلَّة مُلَازمَة للْحكم ابْتِدَاء ودواما بِخِلَاف الشَّرْط فَإِنَّهُ يتَوَقَّف عَلَيْهِ ابْتِدَاء لَا دواما وَالْعلَّة مصححة للمعلول بالِاتِّفَاقِ، وَأما الشَّرْط فقد اخْتلف فِي كَونه مصححا للمشروط وَعلة فِي تصححيه إِلَى غير ذَلِك]
وَالشّرط الْعقلِيّ: كالحياة للْعلم
والشرعي: كَالْوضُوءِ للصَّلَاة
والعادي: كالنطفة فِي الرَّحِم للولادة واللغوي: هُوَ الَّذِي دخل فِيهِ حرف الشَّرْط كالتعليقات
والنحوي: مَا دخله شَيْء من الأدوات الْمَخْصُوصَة الدَّالَّة على سَبَبِيَّة الأول للثَّانِي
والعرفي: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء، سَوَاء كَانَ دَاخِلا أَو خَارِجا
وَمعنى الشَّرْط فِي مُتَعَارَف اللُّغَة هُوَ الحكم بالاتصال بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء، فَإِن طابق الْوَاقِع فالشرطية صَادِقَة، وَإِلَّا فكاذبة، وَالِاعْتِبَار فِي صدقهَا وكذوبها بِوُقُوع شَيْء من مضموني طرفها كَمَا حقق فِي مَوْضِعه
وَمن الشُّرُوط مَا يعرف اشْتِرَاطه بِالْعرْفِ، وَمِنْهَا مَا يعرف اشْتِرَاطه باللغة، كَمَا يعرف أَن شَرط الْمَفْعُول وجود فَاعله وَإِن لم يكن شَرط الْفَاعِل وجود مَفْعُوله، فَيلْزم من وجود الْمَفْعُول وجود الْفَاعِل لَا الْعَكْس (بل يلْزم من وجود اسْم مَنْصُوب أَو مخفوض وجود مَرْفُوع، وَلَا يلْزم من وجود الْمَرْفُوع لَا مَنْصُوب وَلَا مخفوض، إِذْ الِاسْم الْمَرْفُوع مظْهرا أَو مضمرا لَا بُد مِنْهُ فِي كل الْكَلَام عَرَبِيّ، سَوَاء كَانَت الْجُمْلَة اسمية أَو فعلية) ، وَالشّرط لَيْسَ كَسَائِر الْقُيُود، لِأَن الشَّرْط الصَّرِيح يعير حَال الْمُقَيد بِهِ فِي صدقه وَكذبه، وَكَذَا مَا فِي معنى الشَّرْط، بِخِلَاف الظّرْف وَالْحَال الباقيين على مَعْنَاهُمَا الْمُتَبَادر، وَمَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الشَّرْط خَمْسَة بالاستقراء
شَرط مَحْض: وَهُوَ الَّذِي يتَوَقَّف انْعِقَاد الْعلَّة للعلية على وجوده، كَمَا فِي (إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر)
وَشرط فِي حكم الْعِلَل فِي إِضَافَة الحكم إِلَيْهِ: كشق الزق الَّذِي فِيهِ مَائِع
وَشرط لَهُ حكم الْأَسْبَاب: وَهُوَ الَّذِي تخَلّل بَينه وَبَين الْمَشْرُوط فعل فَاعل مُخْتَار لَا يكون ذَلِك الْفِعْل مَنْسُوبا إِلَى ذَلِك الشَّرْط، وَيكون سَابِقًا على ذَلِك الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ، كَمَا إِذا حل قيد عبد حَتَّى أبق
وَشرط اسْما لَا حكما: وَهُوَ مَا يقْتَصر الحكم إِلَى وجوده وَلَا يُوجد عِنْد وجوده، كأول الشَّرْطَيْنِ فِي (إِن فعلت هَذَا وَهَذَا فَكَذَا)
وَشرط كالعلامة الْخَالِصَة: كالإحصان فِي الزِّنَا
ولصحة الْأَدَاء والانعقاد شُرُوط:
شَرط شَرط وجوده فِي ابْتِدَاء الصَّلَاة من غير اعْتِبَار بَقَائِهِ، وَهِي النِّيَّة والتحريمة
وَشرط شَرط بَقَاؤُهُ ودوامه كالطاهرة وَستر الْعَوْرَة
وَشرط شَرط وجوده فِي خلالها كالقراءة
وَالشّرط أبدا يقصر عَن الْعِلَل والأسباب، لِأَنَّهَا مصححة وَلَيْسَت مُوجبَة، وَلِهَذَا اكْتفى فِي الْإِحْصَان بِاثْنَيْنِ، وَيطْلب فِي الزِّنَا بأَرْبعَة، لكَون(1/531)
الزِّنَا سَببا وَعلة [وَقيل: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك بِجِنَايَة الطَّرفَيْنِ]
وَالشّرط لَا يدْخل فِي حَقِيقَة الشَّيْء مثل الْوضُوء للصَّلَاة، بِخِلَاف الرُّكْن فَإِنَّهُ دَاخل فِيهِ مثل الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة
وَالشّرط إِذا دخل على شَرط لَيْسَ بَينهمَا جَزَاء وَلَيْسَ فِي الأول مَا يصلح للجزائية يُمكن جعل كل شَرط فِي مَكَانَهُ بِتَقْدِير جَزَاء للْأولِ، وَإِن كَانَ بعد الثَّانِي جَزَاء يُمكن جعل الثَّانِي مَعَ جَزَائِهِ جَزَاء للشّرط الأول، فَحِينَئِذٍ لَا بُد من الْفَاء فِي أَدَاة الشَّرْط الثَّانِي تَقول: " إِن دخلت فَإِن سلمت فلك كَذَا)
وَإِن كَانَ أَكثر من شرطين فَلَا يكون حِينَئِذٍ فِي أَدَاة الشَّرْط الثَّانِي فَاء، فَالشَّرْط الْأَخير مَعَ الْجَزَاء جَوَاب الْمُتَوَسّط، وَهُوَ مَعَ جَوَابه جَوَاب الْمُقدم، وَفِي صُورَة الشَّرْطَيْنِ بِلَا جَزَاء يُمكن أَيْضا تَقْدِير حرف عاطف ليَكُون الثَّانِي مَعْطُوفًا على الأول، وَيُمكن القَوْل فِي صُورَة تَأْخِير الْجَزَاء عَن الشَّرْطَيْنِ بِتَأْخِير الشَّرْط الثَّانِي عَن الْجَزَاء حَتَّى يكون الْمَذْكُور جَزَاء للْأولِ وَجَزَاء الثَّانِي محذوفا، وَيُمكن تَأْخِير الشَّرْط الأول عَن الثَّانِي لِأَن الأول يسْتَحق الْجَواب فاعترضه الثَّانِي فعوقه عَن الْجَواب فاستحقه لسبقه إِلَيْهِ فَوَجَبَ تَأْخِير الْمُقدم وَتَقْدِيم الْمُؤخر، فَلَا تطلق فِي (إِن أكلت إِن شربت فَأَنت طَالِق) حَتَّى يقدم الْمُؤخر وَيُؤَخر الْمُقدم، إِلَّا إِذا نوى إبْقَاء التَّرْتِيب، فَتَصِح نِيَّته
وَعَن أبي يُوسُف: إِن ذَلِك إِذا لم يكن التَّرْتِيب نَحْو (إِن كلمت إِن دخلت فَعَبْدي حر) و (إِن شربت إِن أكلت فَأَنت طَالِق) لِأَن الْكَلَام فِي الْعرف بعد الدُّخُول، وَالشرب بعد الْأكل
وَأما فِي صُورَة (إِن أكلت إِن شربت فَأَنت طَالِق) لَيْسَ فِيهَا مَا يصلح للجواب إِلَّا شَيْء وَاحِد، فَإِن جعل جَوَابا لَهما مَعًا يلْزم اجْتِمَاع عاملين على مَعْمُول وَاحِد وَهُوَ بَاطِل، وَإِن جعل جَوَابا مُبْهما يلْزم إتْيَان مَا لَا دخل لَهُ فِي الْكَلَام وَترك مَا لَهُ فِيهِ دخل، وَهُوَ عيب، وَإِن جعل جَوَابا للثَّانِي دون الأول يلْزم حِينَئِذٍ أَن يكون الثَّانِي وَجَوَابه جَوَابا للْأولِ، فَيجب الْإِتْيَان بِالْفَاءِ والرابطة مثل: (إِن شربت فَإِن أكلت) فَتعين أَن يكون جَوَابا للْأولِ دون الثَّانِي، وَيكون الأول وَجَوَابه دَلِيل جَوَاب الثَّانِي، فَالْأَصْل (إِن أكلت فَإِن شربت فَأَنت طَالِق) فَلَا تطلق حِينَئِذٍ حَتَّى تَأْكُل ثمَّ تشرب
وَلَيْسَ من هَذَا النَّوْع قَوْله تَعَالَى: {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} إِذْ لم يذكر فِيهَا جَوَاب، وَإِنَّمَا تقدم على الشَّرْطَيْنِ مَا هُوَ جَوَاب فِي الْمَعْنى الأول، فَيَنْبَغِي أَن يقدر إِلَى جَانِبه وَيكون الأَصْل: (إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم لَا نفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم) لِأَن إِرَادَة الإغواء من الله مقدم على إِرَادَة نصحه، وَلِأَن النصح إِنَّمَا لَا ينفع بعد إِرَادَة الإغواء، وَهَذَا يُسمى فِي علم البلاغة الْقلب، وَهُوَ نوع مِنْهَا هَكَذَا عِنْد فقهائنا الْحَنَفِيَّة، وَأما عِنْد محققي طَائِفَة الشَّافِعِيَّة فَالْحكم فِيمَا إِذا قَالَ: (إِن شربت إِن أكلت فَأَنت طَالِق) أَنَّهَا لَا تطلق حَتَّى تَأْكُل ثمَّ تشرب، وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا ينفعكم نصحي} الْآيَة،(1/532)
وَقد عرفت أَن الْآيَة لَيست من توالي شرطين
وَعِنْدَهُمَا جَوَاب، بل من تواليهما وقبلهما جَوَاب
وَالشّرط الْوَاقِع حَالا لَا يحْتَاج إِلَى الْجَزَاء كَقَوْلِه:
(فَإنَّك كالليل الَّذِي هُوَ مدركي ... وَإِن خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع)
وَقد يكون بعض الشُّرُوط مجَازًا مثل قَوْله تَعَالَى: {فَذكر إِن نَفَعت الذكرى} ل أَن الْأَمر بالتذكير وَاقع فِي كل وَقت، والتذكير وَاجِب نفع أَو لم ينفع، فَالشَّرْط هَهُنَا كالمجاز غير المحتوم
الشَّرْط: هُوَ بِالْكَسْرِ والسكون
و [الشَّرِيك] ك (أَمِير) : المشارك
وَشركَة فِي البيع وَالْمِيرَاث ك (علمه) شركَة بِالْكَسْرِ
واشرك بِاللَّه: كفر فَهُوَ مُشْرك ومشركي، وَالِاسْم (الشّرك) فيهمَا
{وَلَا يُشْرك بعباده ربه أحدا} : مَحْمُول على الْمُشْركين كَقَوْلِه: {وأقتلوا الْمُشْركين} .
وَأكْثر الْفُقَهَاء يحملون على الْكَافرين جَمِيعًا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله} قيل: هم من عدا أهل الْكتاب لقَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصائبين وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذين اشركوا} فأفرد الْمُشْركين عَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى
والشرك أَنْوَاع
شرك الِاسْتِقْلَال: وَهُوَ إِثْبَات إِلَهَيْنِ مستقلين كشرك الْمَجُوس
وشرك التَّبْعِيض: وَهُوَ تركيب الْإِلَه من آلِهَة كشرك النَّصَارَى
وشرك التَّقْرِيب: وَهُوَ عبَادَة غير الله ليقرب إِلَى الله زلفى، كشرك مُتَقَدِّمي الْجَاهِلِيَّة
وشرك التَّقْلِيد: وَهُوَ عبَادَة غير الله تبعا للْغَيْر، كشرك متأخري الْجَاهِلِيَّة
وشرك الْأَسْبَاب: وَهُوَ إِسْنَاد التَّأْثِير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين وَمن تَبِعَهُمْ على ذَلِك
وشرك الْأَغْرَاض: وَهُوَ الْعَمَل لغير الله
فَحكم الْأَرْبَعَة الأولى الْكفْر بِإِجْمَاع، وَحكم السَّادِس الْمعْصِيَة من غير كفر بِإِجْمَاع، وَحكم الْخَامِس التَّفْصِيل، فَمن قَالَ فِي الْأَسْبَاب العادية إِنَّهَا تُؤثر بطبعها فقد حُكيَ الْإِجْمَاع على كفره، وَمن قَالَ إِنَّهَا تُؤثر بِقُوَّة أودعها الله فِيهَا فَهُوَ فَاسق، وَالْقَوْل بِأَن لَا تَأْثِير لشَيْء فِي شَيْء أصلا وَمَا يرى من تَرْتِيب الْآثَار على الْأَشْيَاء إِنَّمَا هُوَ بطرِيق إِجْرَاء الْعَادة بِأَن يخلق الله الْأَثر عقيب مَا يظنّ بِهِ سَببا مَبْنِيّ على أصل الْأَشْعَرِيّ (قَالَ التَّفْتَازَانِيّ فِي " التَّلْوِيح ": فعل العَبْد عِنْد الأشاعرة اضطراري لَا اخْتِيَار لَهُ فِيهِ، وَالْعقل لَا يحكم بِاسْتِحْقَاق الثَّوَاب على مَا لَا اخْتِيَار للْفَاعِل فِيهِ) ، وَلَا(1/533)
يخفى أَنه يتَضَمَّن كثيرا من الفسادات مثل الْجَبْر وَالظُّلم وخلو بعثة الْأَنْبِيَاء من الْفَائِدَة وَقد ورد فِي الْكتب الْمنزلَة وأخبار الْأَنْبِيَاء ذكر الْأَسْبَاب وتفويض مصَالح الْعباد إِلَى مدبرات الْأَمر، وَفِي خلق السَّبَب زِيَادَة قدرَة وَحِكْمَة خلق نَفسه وَخلق قُوَّة تَأْثِيره ونظام الْولَايَة حِينَئِذٍ بترتيب الْأَشْيَاء، وَيتَعَلَّق بَعْضهَا بِبَعْض وإفاضة الْجُود، وَهِي إِعْطَاء الْخَواص للقوى، والْآثَار للاشياء وتقرر أَيْضا أَن مَا سوى الله مُحْتَاج إِلَيْهِ تَعَالَى فِي جَمِيع مَا لَهُ من القوى وَغَيرهَا فِي الْحُصُول والبقاء فَلَا يكون تَأْثِير قدرَة الله مُنْقَطِعًا فِي كل حَال عَن تَأْثِير المؤثرات، فصدور مَا صدر عَنْهَا أَيْضا يلْزم أَن يكون بقدرة الله فَيكون الْأَثر الصَّادِر عَنْهَا صادرا عَن قدرَة الله وإرادته صُدُور الْأَثر من سَبَب السَّبَب، والواسطة الَّتِي هِيَ بَين الْجَبْر وَالْقدر على مَا يَقُوله أهل السّنة يسميها أَبُو حنيفَة بِالِاخْتِيَارِ، وَأَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ بِالْكَسْبِ
وَفِي بعض الْمُعْتَبرَات قَالَ بعض أَتبَاع الاشعري: الْمُؤثر فِي فعل العَبْد قدرتان، وَمذهب الْمُعْتَزلَة فِيهِ، قدرَة العَبْد فَقَط بِلَا إِيجَاب بل بِاخْتِيَار، وَمذهب الْحُكَمَاء: بِإِيجَاب وَامْتِنَاع تخلف، وَالْمرَاد بِأَفْعَال الْعباد الْمُخْتَلف فِي كَونهَا بِخلق العَبْد أَو بِخلق الرب هُوَ مَا يَقع بكسب العَبْد ويستند إِلَيْهِ مثل الصَّلَاة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُسمى بالحاصل بِالْمَصْدَرِ لَا الْمصدر
والمشرك يُطلق على الْمرَائِي كَمَا وَقع فِي الحَدِيث، وَصرح بِهِ فِي " الْمغرب "
الشُّكْر، بِالضَّمِّ: عرفان الْإِحْسَان، وَمن الله: المجازاة وَالثنَاء الْجَمِيل
وأصل الشُّكْر تصور النِّعْمَة وإظهارها
وَحَقِيقَته الْعَجز عَن الشُّكْر
[وَأحسن الثَّنَاء الْعَجز عَن إحصاء الثَّنَاء قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك " أَي: لَا أحيط بمحامدك وصفات ألوهيتك وَإِنَّمَا أَنْت الْمُحِيط بهَا وَحدك، لَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِرَادَته أَنه عرف مِنْهُ مَا لَا يطاوعه لِسَانه فِي الْعبارَة](1/534)
وشكر الله وَبِاللَّهِ وَللَّه ونعمة الله وَبهَا شكرا وشكرانا
والشكور: الْكثير الشُّكْر
وَالشُّكْر اللّغَوِيّ كالحمد اللّغَوِيّ فِي أَنَّهُمَا وصف بِاللِّسَانِ بِإِزَاءِ النِّعْمَة، إِلَّا أَن الْحَمد يكون بِاللِّسَانِ بِإِزَاءِ الشجَاعَة، بِخِلَاف الشُّكْر
وَالنعْمَة مُقَيّدَة فِي الشُّكْر بوصولها إِلَى الشاكر، بِخِلَافِهَا فِي الْحَمد
(وَيخْتَص الشُّكْر بِاللَّه تَعَالَى، بِخِلَاف الْحَمد) قَالَ بَعضهم: مَا يرجع إِلَى الجناب الْمُقَدّس الإلهي من ثَنَاء الثقلَيْن إِمَّا أَن يكون بِالنّظرِ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَو بِالنّظرِ إِلَى مَا هُوَ مِنْهُ، وَالثَّانِي يُسمى شكرا
وَالْأول إِن كَانَ ثبوتيا يُسمى حمدا، وَإِن كَانَ سلبيا يُسمى تسبيحا
وَالشُّكْر مُطلقًا: الثَّنَاء على المحسن بِذكر إحسانه، فَالْعَبْد يشْكر الله أَي يثنى عَلَيْهِ بِذكر أحسانه الَّذِي هُوَ النِّعْمَة
وَالله تَعَالَى يشْكر العَبْد أَي يثني عَلَيْهِ بِقبُول إحسانه الَّذِي هُوَ الطَّاعَة
وَهَذَا الْمَفْهُوم يَنْقَسِم إِلَى الشُّكْر اللّغَوِيّ، وَهُوَ الْوَصْف بالجميل على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل بِاللِّسَانِ والجنان والأركان، وَإِلَى الشُّكْر الْعرفِيّ: وَهُوَ صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ من السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَغَيرهَا إِلَى مَا خلق لَهُ وَأَعْطَاهُ لأَجله، كصرف النّظر إِلَى مصنوعاته والسمع إِلَى تلقي إنذاراته، والذهن إِلَى فهم مَعَانِيهَا، وعَلى هَذَا الْقيَاس وَقَلِيل مَا هم، وَهَذَا الشُّكْر هُوَ المُرَاد بِعَدَمِ وجوب شكر الْمُنعم عقلا إِذْ لَو وَجب عقلا لوَجَبَ قبل الْبعْثَة، وَلَو وَجب قبلهَا لعذب تَاركه وَلَا تَعْذِيب قبل الشَّرْع، لقَوْله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} هَذَا عِنْد الأشاعرة الْقَائِلين بِعَدَمِ وجوب الْإِيمَان قبل الْبعْثَة، إِذْ لَا يعرف حكم من أَحْكَام الله تَعَالَى إِلَّا بعد بَعثه نَبِي، فَمن مَاتَ وَلم تبلغه دَعْوَة رَسُول فَهُوَ لَيْسَ من أهل النَّار عِنْدهم، وَأما أَبُو مَنْصُور الماتريدي وَأَتْبَاعه وَعَامة مَشَايِخ سَمَرْقَنْد فَإِنَّهُم قَائِلُونَ بِأَن بعض الْأَحْكَام قد يعرف قبل الْبعْثَة بِخلق الله تَعَالَى الْعلم بِهِ، إِمَّا بِلَا سَبَب كوجوب تَصْدِيق النَّبِي وَحُرْمَة الْكَذِب الضار، وَإِمَّا مَعَ سَبَب بِالنّظرِ وترتيب الْمُقدمَات وَقد لَا يعرف إِلَّا بِالْكتاب كأكثر الْأَحْكَام، فَيجب الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى قبل الْبعْثَة عقلا حَتَّى قَالَ أَبُو حنيفَة: لَو لم يبْعَث الله رَسُولا لوَجَبَ على الْخلق مَعْرفَته بعقولهم لما يرى فِي الْآفَاق والأنفس، وَلَا مَانع من إِرَادَة التعذيب الدنيوي بطرِيق الِاسْتِقْبَال، وَلَو سلم أَن المُرَاد التعذيب الأخروي فنفيه لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقه الْمُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْوَاجِب، فَإِن مَفْهُومه مَا يسْتَحق تَاركه التعذيب، لَا مَا يعذب تَاركه، لجَوَاز الْعَفو
هَذَا وتوفية شكر الله صَعب، وَلذَلِك لم يثن الله بالشكر من أوليائه إِلَّا على إِبْرَاهِيم {شاكرا لأنعمه} وعَلى نوح: {إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا}(1/535)
قَالَ الوَاسِطِيّ: الشُّكْر شرك بِمَعْنى أَن من اعْتقد أَن حَمده وشكره يُسَاوِي نعم الله فقد أشرك، وَلِهَذَا يؤثرون فِي الْحَمد مَا يدل على الْعُمُوم دون التجدد والحدوث، وَإِنَّمَا جعل الْحَمد رَأس الشُّكْر لِأَن ذكر النِّعْمَة بِاللِّسَانِ وَالثنَاء على موليها أشيع من الِاعْتِقَاد، وآداب الْجَوَارِح لما فِي عمل الْقلب والجوارح من الخفاء وَالِاحْتِمَال، والنطق يفصح عَن كل خَفِي وَعَن كل مشبته، وَفِيه أَن دلَالَة الْأَفْعَال على مدلولاتها قَطْعِيَّة لَا يتَصَوَّر فِيهَا تخلف، بِخِلَاف الْأَقْوَال، فَإِن دلالتها وضعية، وَقد يتَخَلَّف عَنْهَا مدلولها
وشكر الْمُنعم عَلَيْهِ الْمُنعم على إحسانه خير لَهُ لِأَنَّهُ تمسك بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من أدّيت إِلَيْهِ نعْمَة فليشكرها " وَشر للمنعم، لِأَنَّهُ يصل إِلَيْهِ بعض الْجَزَاء فِي الدُّنْيَا، وَرُبمَا يُؤَدِّي إِلَى خلل فِي إخلاصه وغرور نَفسه فينتقص بِقَدرِهِ من ثَوَاب الْآخِرَة، وكفره خير للمنعم لانه يبقي ثَوَاب الْعَمَل كُله لَهُ فِي الْآخِرَة، وَشر لَهُ لِأَن كفران النِّعْمَة مَذْمُوم، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من لم يشْكر النَّاس لم يشْكر الله "
الشَّفَاعَة: هِيَ سُؤال فعل الْخَيْر وَترك الضّر عَن الْغَيْر لأجل الْغَيْر على سَبِيل الضراعة، وَلَا تسْتَعْمل لُغَة إِلَّا بِضَم النَّاجِي إِلَى نَفسه من هُوَ خَائِف من سطوة الْغَيْر
و {من يشفع شَفَاعَة حَسَنَة} أَي: من يزدْ عملا إِلَى عمل
{وَلَا تنفعها شَفَاعَة} : أَي: مَا لَهَا شَافِع فتنفعها شَفَاعَته
وَمعنى (شافعا) و (مشفعا) : يطْلب الشَّفَاعَة لصَاحبه، وَيُعْطِي لَهُ الشَّفَاعَة
[وَالْخلاف بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة فِي الشَّفَاعَة فِي موضِعين: أَحدهمَا فِي معنى الشَّفَاعَة، وَالثَّانِي: فِي أَن الْمَشْفُوع لَهُ من هُوَ، فَمَعْنَى الشَّفَاعَة عندنَا طلب الْعَفو من الَّذِي وَقع لجناية فِي حَقه، وَعِنْدهم: طلب زِيَادَة الدَّرَجَات للمشفوع لَهُ، وَأما الْمَشْفُوع لَهُ فَصَاحب الْكَبِيرَة عندنَا، وَعِنْدهم هُوَ مُؤمن لم يجر عَلَيْهِ كَبِيرَة، أَو جرت وَتَابَ عَنْهَا]
قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالشَّفْع وَالْوتر} هُوَ الْخلق، لقَوْله: {وَمن كل شَيْء خلقنَا زَوْجَيْنِ} أَو هُوَ الله تَعَالَى لقَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم}
وَالشَّفِيع: صَاحب الشَّفَاعَة أَو صَاحب الشُّفْعَة
[وبالشفاعة يمحو الله أثر الْعِصْيَان ويكفره بِالْإِحْسَانِ، وَيسْتر بهَا مَا لَيْسَ ظُهُوره من العَبْد مَحْمُودًا مِمَّن شَاءَ أَن يشفع من نَبِي أَو ولي، أَو لَا بشفاعة بل برحمته إِلَّا الْكفْر فَإِن أَهله مخلدون فِي النَّار وَاسْتِحْقَاق حرمَان الشَّفَاعَة لبَعض العصاة لَا يسْتَلْزم الْوُقُوع لجَوَاز أَن يشفعه بِسَبَب كَمَال شفعته لأمته العصاة، وَلَو استحقوا الحرمان بِسَبَب(1/536)
التَّقْصِير أَو المُرَاد حرمَان الشفيعة، أَو لرفع الدرجَة، أَو لعدم الدُّخُول، أَو فِي بعض مَوَاقِف الْحَشْر، على أَن الِاسْتِحْقَاق لَا يسْتَلْزم الْوُقُوع كَمَا ذكرنَا]
الشّركَة: هِيَ عبارَة عَن اخْتِلَاط النَّصِيبَيْنِ فَصَاعِدا بِحَيْثُ لَا يعرف أحد النَّصِيبَيْنِ من الآخر
وَشركَة العقد: هُوَ أَن يَقُول أَحدهمَا: شاركتك فِي كَذَا وَيقبل الآخر
وَشركَة المَال: هُوَ أَن يملك اثْنَان عينا إِرْثا أَو شِرَاء أَو اسْتِيلَاء أَو اتهابا أَو وَصِيَّة
وَشركَة الْعَنَان: نوع من شركَة العقد، وَهُوَ أَن يشْتَرك الرّجلَانِ فِي نوع بز أَو مَتَاع، أَو فِي عُمُوم التِّجَارَة، وَلم يذكر الْكفَالَة
وَشركَة الْمُفَاوضَة: نوع من شركَة العقد أَيْضا تَضَمَّنت وكَالَة وكفالة والتساوي تَصرفا، ومالا ودينا
الشّعْر: شعر بِهِ، ك (نصر) و (كرم) : علم اشعر
والشعور إِدْرَاك من غير إِثْبَات فَكَأَنَّهُ إِدْرَاك متزلزل
وَتارَة يعبر بِهِ عَن اللَّمْس وَمِنْه اسْتعْمل (المشاعر) وَلما كَانَ حس اللَّمْس أَعم من حس السّمع وَالْبَصَر قيل: (فلَان لَا يشْعر) أبلغ فِي الذَّم من (لَا يسمع وَلَا يبصر)
[وَالْقُوَّة الناطقة لَا تدخل تَحت المشاعر إِلَّا بِضَرْب من التَّكَلُّف]
وشعرت، بِفَتْح الْعين: بِمَعْنى علمت
و [شَعرت] ، بضَمهَا: بِمَعْنى صرت شَاعِرًا
والشاعر المفلق: الصنديد وَمن دونه: شَاعِر، ثمَّ شويعر، ثمَّ شعرور، ثمَّ متشاعر وَشعر شَاعِر: أَي جيد
وَالشعر، بِالْكَسْرِ: غلب على منظوم القَوْل لشرفه بِالْوَزْنِ والقافية، وَإِن كَانَ كل علم شعرًا، وَفِي الحَدِيث: " إِن من الشّعْر لحكمة " وَقد صَحَّ أَن امْرأ الْقَيْس حَامِل لِوَاء الشُّعَرَاء الحَدِيث
والشاعر فِي الْقُرْآن عبارَة عَن الْكَاذِب بالطبع، وَلكَون الشّعْر مقرّ الْكَذِب قيل: أحسن الشّعْر أكذبه، وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: لم ير متدين صَادِق اللهجة، مفلقا فِي شعره، وَإِنَّمَا رَمَوْهُ بالشعر حَتَّى قَالُوا: بل هُوَ شَاعِر، يعنون أَنه كَاذِب، لَا أَنه أَتَى بِشعر منظوم مقفى، إِذْ لَا يخفى على الأغبياء من الْعَجم فضلا عَن بلغاء الْعَرَب أَن الْقُرْآن لَيْسَ على أساليب الشّعْر
وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
(أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب)
وَقَوله:
(هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت)
اتفاقي من غير تَكْلِيف وَقصد مِنْهُ إِلَى ذَلِك وَقد يَقع مثله كثيرا فِي تضاعيف المنشورات، على أَن(1/537)
الْخَلِيل مَا عد المشطور من الرجز شعرًا كَذَا فِي " الْأَنْوَار "]
وَالشعر: بِالْفَتْح: للْإنْسَان وَغَيره
وَالصُّوف: للغنم
والمرعزاء: للمعز
والوبر: لِلْإِبِلِ وَالسِّبَاع
والعفاء: للحمير
والهلب: للخنزير
والزغب: للفرخ
والريش: للطائر
والزف: للنعام
وَشعر سبط: أَي مسترسل
وَشعر جعد: أَي منقبض
وَرجل شعراني: أَي طَوِيل شعر الرَّأْس وأشعر: أَي كثير شعر الْبدن. وتعليل حَيَاة الشّعْر عِنْد من جعله حَيا بحرمته بِالطَّلَاق، وبحله بِالنِّكَاحِ، كَالْيَدِ فِي حرمتهَا بِالطَّلَاق، وحلها بِالنِّكَاحِ
والعظم لَا تحله الْحَيَاة عِنْد الْحَنَفِيَّة، وَلَا دلَالَة فِي قَوْله تَعَالَى: {من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} على أَن الْعظم ذُو حَيَاة فيؤثر فِيهِ الْمَوْت كَسَائِر الْأَجْزَاء، بل إحياؤه الرَّد إِلَى بدن حَيّ
والشعار: يُقَال لما ولي الْجَسَد من الثِّيَاب، وَهُوَ أَيْضا مَا تناوب بِهِ التَّقَدُّم فِي الْحَرْب قَالَ سَمُرَة ابْن جُنْدُب: شعار الْمُهَاجِرين عبد الله، وشعار الْأَنْصَار عبد الرَّحْمَن
الشَّرْح: هُوَ حَقِيقَة فِي الْأَعْيَان، واستعارة فِي الْمعَانِي
وَشرح الله صَدره: وَسعه بِالْبَيَانِ
وشرحت الْأَمر: بَينته وأوضحته
وَكَانَت قُرَيْش تشرح النِّسَاء شرحا، وَهُوَ وَطْء الْمَرْأَة مستلقية على قفاها، وَفِيه توسعة وَبسط، وَمِنْه تشريح اللَّحْم
الشّبَه: بِالْكَسْرِ والتحريك: وك (أَمِير) : الْمثل
وَشبهه إِيَّاه وَبِه تَشْبِيها: مثله وَلَا يسْتَعْمل الثلاثي من الشّبَه كالسفه محركة كَمَا لَا يسْتَعْمل الْمصدر من (أشبه) تَقول أشبه يشبه شبها
والشبهة، بِالضَّمِّ: الالتباس
وَشبه عَلَيْهِ الْأَمر: أَي لبس
والشكل: الشّبَه
والمثل: مَا يوافقك وَيصْلح لَك وَوَاحِد الْأُمُور
الْإِشْكَال: للأمور الْمُخْتَلفَة المشكلة، وَصُورَة الشَّيْء الْمَخْصُوصَة والمتوهمة
وأشكل الْأَمر: الْتبس
وأشكل الْكتاب: أعجمه، كَأَنَّهُ أَزَال عَنهُ الْإِشْكَال
وأشكل الدَّابَّة: شدّ قَوَائِمهَا بِحَبل
وَهَذَا أشكل بِهِ: أَي أشبه
(وَقَول الْفُقَهَاء: وَهُوَ الْأَشْبَه: مَعْنَاهُ الْأَشْبَه بالمنصوص رِوَايَة وَالرَّاجِح دراية، فَتكون الْفَتْوَى(1/538)
عَلَيْهِ كَمَا فِي " الْبَزَّازِيَّة ")
[والشبهة: مَا يشبه بالثابت وَلَيْسَ بِثَابِت]
والشبهة فِي الْفِعْل: مَا ثَبت بِظَنّ غير الدَّلِيل كظن حل الْوَطْء لأمة أَبَوَيْهِ وزوجه
وَفِي الْمحل: مَا يحصل بِقِيَام دَلِيل ناف للْحُرْمَة ذاتا كَوَطْء أمة أَبِيه والمشتركة
وَفِي الْفَاعِل: أَن يظنّ الْمَوْطُوءَة زَوجته أَو جَارِيَته
وَفِي الطَّرِيق: كَالْوَطْءِ بِبيع أَو نِكَاح فَاسد
الشّرف، محركة: الْعُلُوّ وَالْمَكَان العالي
وَالْمجد: لَا يكون إِلَّا بِالْآبَاءِ أَو علو الْحسب
وشرفه، ك (نَصره) غَلبه شرفا أَو طاله فِي الْحسب
وَشرف، ك (كرم) فَهُوَ شرِيف الْيَوْم
وشارف: عَن قريب: أَي سيصير شريفا
وشارفه وَعَلِيهِ: اطلع من فَوق وَذَلِكَ الْموضع مشرف ك (مكرم)
الشّطْر: شطر عَنهُ: أبعد
و [شطر] إِلَيْهِ: أقبل
وَهُوَ فِي الأَصْل لما انْفَصل عَن الشَّيْء، ثمَّ اسْتعْمل لجانبه وَإِن لم ينْفَصل كالقطر
فِي " الْقَامُوس ": الشّطْر نصف الشَّيْء وجزؤه، وَمِنْه حَدِيث الْإِسْرَاء " فَوضع شطرها: أَي بَعْضهَا
الشَّأْن: الْحَال وَالْأَمر الَّذِي يتَّفق وَيصْلح، وَلَا يُقَال إِلَّا فِيمَا يعظم من الْأَحْوَال والأمور
والشأن أَيْضا: الطّلب وَالْقَصْد يُقَال: (شأنت شَأْنه) أَي قصدت قَصده
الشين: كالعيب لفظا وَمعنى
الشّجر: هُوَ مَا لَهُ سَاق، وَمَا لَا سَاق لَهُ فَهُوَ نجم وحشيش {والنجم وَالشَّجر يسجدان}
الشُّفْعَة، محركة: الْحمرَة فِي الْأُفق من الْغُرُوب إِلَى الْعشَاء الاخيرة أَو إِلَى قريبها أَو إِلَى قريب الْعَتَمَة
[وَيَقُولُونَ: عَلَيْهِ ثوب كَأَنَّهُ الشَّفق، كَمَا يُقَال على الْبيَاض الرَّقِيق، وَمِنْه شَفَقَة الْقلب لرقته كَذَا فِي " ابْن الْهمام "]
قَالَ ابْن سِيرِين: إِن الْحمرَة الَّتِي مَعَ الشَّفق لم تكن حَتَّى قتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ
الشّرْب، مثلث الْفَاء: إِيصَال مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ المضغ إِلَى جَوْفه بِفِيهِ، وَهُوَ أَعم من الشّفة مُطلقًا لِأَن الشّفة مَخْصُوصَة بالحيوانات
وشفة الشَّيْء وشفاه: جَانِبه، لامه فِي الْمُؤَنَّث محذوفة، وَفِي الْمُذكر تَامَّة منقلبة عَن وَاو
{لَهَا شرب} : أَي نصيب من المَاء كالسقي
والقيت: للحظ من السَّقْي والقوت، وَالِاعْتِبَار فِي الشُّفْعَة إِلَى الرؤوس دون الْأَنْصِبَاء
الشم: [بِالْفَتْح] هُوَ عبارَة عَن قُوَّة مرتبَة فِي زائدتي مقدم الدِّمَاغ من شَأْنهَا إِدْرَاك مَا يتَأَدَّى إِلَيْهَا بتوسط الْهَوَاء من الروائح(1/539)
[وبالضم: جمع أَشمّ وَهُوَ الأرفع]
الشدَّة، بِالْكَسْرِ: اسْم من الاشتداد
و [الشدَّة] بِالْفَتْح: الحملة فِي الْحَرْب
و {حَتَّى يبلغ أشده} وَيضم أَوله: أَي قوته، وَهُوَ مَا بَين ثَمَانِي عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ وَهُوَ وَاحِد جَاءَ على بِنَاء الْجمع، أَو جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، أَو واحده شدَّة بِالْكَسْرِ، مَعَ أَن (فعلة) لَا تجمع على (أفعل)
الشِّيعَة: شيعَة الرجل، بِالْكَسْرِ: أَتْبَاعه وأنصاره
والفرقة على حَده وَتَقَع على الْوَاحِد والاثنين وَالْجمع والمذكر والمؤنث
وَقد غلب هَذَا الِاسْم على كل من يتَوَلَّى عليا وَأهل بَيته حَتَّى صَار اسْما لَهُم خَاصَّة
الشَّيْطَان: هُوَ إِمَّا من (شاط) بِمَعْنى (هلك) أَو من (شطن) بِمَعْنى (بعد) ، وَهُوَ المحرق فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والعصي الآبي الممتلئ شرا ومكرا، أَو المتمادي فِي الطغيان الممتد إِلَى الْعِصْيَان
وَله فِي الْقُرْآن صِفَات مذمومة وَأَسْمَاء مشؤومة، خلق من قُوَّة النَّار، وَلذَلِك اخْتصَّ بفرط الْقُوَّة الغضبية وَالْحمية الذميمة فَامْتنعَ من السُّجُود لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام، وإغواؤه إِنَّمَا يُؤثر فِي من كَانَ مختل الرَّأْي مائلا إِلَى الْفُجُور، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سُلْطَان إِلَّا أَن دعوتكم فاستجبتم} وَقَوله: {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم} إِلَى آخِره، كالدلالة على بطلَان مَا يُقَال إِنَّه يدْخل فِي بدن ابْن آدم
وَحَدِيث: " الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم " تَمْثِيل وتصوير. وَله نسل وذرية، صَار لَهُ ذَلِك بَعْدَمَا مسخ لإنظاره إِلَى قيام السَّاعَة، وَدَلِيل كَون الشَّيَاطِين أجساما كائنة آيَة {خلقتني من نَار وخلقته من طين} .
الشمل: من الأضداد، وَهُوَ التَّفَرُّق والاجتماع
وَشَمل، من بَاب (علم) فِي اللُّغَة الْمَشْهُورَة
و [شَمل] ، بِفَتْح الْمِيم: على اللُّغَة الفصيحة
وَحكي عَن ابْن الْأَعرَابِي: شَمل يَشْمَل، ك (نصر ينصر) ، وَيجوز الضَّم فِي لُغَة
والشمول: لتناول الْكُلِّي لجزئياته
والاشتمال: فِي تنَاول الْكل لأجزائه
وَمعنى التَّنَاوُل الشمولي أَن يتَعَلَّق الحكم بِكُل وَاحِد مجتمعا مَعَ غَيره، أَو مُنْفَردا عَنهُ مثل: (من دخل الْحصن فَلهُ دِرْهَم) فَلَو دخله وَاحِد اسْتحق درهما، وَلَو دخله جمَاعَة مَعًا أَو متعاقبين اسْتحق كل وَاحِد درهما
وَمعنى التَّنَاوُل البدلي هُوَ أَن يتَعَلَّق الحكم بِكُل وَاحِد بِشَرْط الِانْفِرَاد، وَعدم التَّعَلُّق بِوَاحِد آخر مثل: (من دخل بِهَذَا الْحصن أَولا فَلهُ دِرْهَم) فَكل وَاحِد دخل أَولا مُنْفَردا اسْتحق الدِّرْهَم، وَلَو دخله جمَاعَة مَعًا لم يستحقوا شَيْئا، وَلَو دخلُوا متعاقبين لم يسْتَحق إِلَّا الْوَاحِد السَّابِق
الشَّخْص: هُوَ الْجِسْم الَّذِي لَهُ مشخص وحجمية، وَقد يُرَاد بِهِ الذَّات الْمَخْصُوصَة والحقيقة الْمعينَة فِي نَفسهَا تعينا يمتاز عَن غَيره(1/540)
والشخص أَمر عدمي عِنْد الْمُتَكَلِّمين
شحثيا: فِي " الْقَامُوس ": كلمة سريانية تنفتح بهَا الأغاليق من غير مَفَاتِيح، وَلَا يبعد أَن يكون معنى (ستشحثك خصفة) ستفتح مغاليقك بِلَا مِفْتَاح، وخصفة: اسْم امْرَأَة، أَي: ستنكحك
الشورى: مصدر كالفتيا، بِمَعْنى التشاور
[نوع]
{شنآن قوم} : شدَّة بغضبهم وعداوتهم
[ومسكنة: بغيض قوم، هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هما مصدران]
{شيعًا} : أهواء مُخْتَلفَة
[عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم أَصْحَاب الْبدع والاهواء]
{كل يعْمل على شاكلته} : أَي على سجيته الَّتِي قيدته
{شقيا} : عصيا
{شواظ} : هُوَ اللهب الَّذِي لَا دُخان لَهُ
{شانئك} : عَدوك
{شهَاب} : قبس، شعلة نَار مقبوسة
{شطره} : تلقاءه، بِلِسَان الْحَبَش
{شروه} : باعوه
{شقَاق} : ضلال
{شرذمة} : عِصَابَة
{أخرج شطأه} : فِرَاخه
{شوبا من حميم} : شرابًا من غساق أَو صديد مشوبا بِالْمَاءِ الْحَمِيم يقطع أمعاءهم
{شقَاق} : خلاف
{وشددنا ملكه} : قويناه بالهيبة والنصرة وَكَثْرَة الْجنُود.
{على شفا جرف هار} : على قَاعِدَة هِيَ أَضْعَف الْقَوَاعِد وأرخاها
{قد شغفها حبا} : شقّ شغَاف قَلبهَا، وَهُوَ حجابه حَتَّى وصل إِلَى فؤادها حبا
{شَعَائِر الله} : دين الله أَو فَرَائض الْحَج ومواضع نُسكه، أَو الْهَدَايَا
{لشديد} : لبخيل، أَو لغَوِيّ مبالغ فِيهِ
{شططا} : هُوَ الْبعد ومجاوزة الْحَد
{سبعا شدادا} : أقوياء محكمات لَا يُؤثر فِيهَا مُرُور الدهور(1/541)
{قُلُوبهم شَتَّى} : مُتَفَرِّقَة
{هم فِي شقَاق} : أَي فِي شقَاق الْحق وَهُوَ الْمُنَافَاة والمخالفة
{بشق الْأَنْفس} : بكلفة ومشقة
{كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} : كل وَقت يحدث أشخاصا ويجدد أحوالا على مَا سبق قَضَاؤُهُ
[فَالْمُرَاد شؤون يبديها لَا شؤون يبتديها، أُشير إِلَى الأول بقوله:
{وَالَّذين كفرُوا إِلَى جَهَنَّم يحشرون} وَإِلَى الثَّانِي بقوله: {وَإِن جنهم لمحيطة بالكافرين}
{شِقْوَتنَا} : ملكتنا
{شامخات} : ثوابت طوَالًا
{نزاعة للشوى} : للأطراف، أَو جمع شواة، وَهِي جلدَة الرَّأْس
{سعيكم لشتى} : مساعيكم لأسباب مُخْتَلفَة
{فشرد بهم} : فَفرق عَن مناصبتك، وَنكل عَنْهَا بِقَتْلِهِم والنكاية فيهم
{الشقة} : الْمسَافَة الَّتِي تقطع بِمَشَقَّة [وَالسّفر الْبعيد]
{من كل شيعَة} : من كل أمة شاعت دينا
{من شَعَائِر الله} : من أَعْلَام دينه الَّتِي شرعها الله
{شَدِيد القوى} : شَدِيد قواه، وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
[ {شكور} : مثيب عباده على أَعْمَالهم
{شاورهم فِي الْأَمر} : أَي استخرج آراءهم وَاعْلَم مَا عِنْدهم
{شجر بَينهم} : اخْتَلَط بَينهم
{الشَّوْكَة} : حِدة وَسلَاح
{شاقوا الله} : حَاربُوا الله وجانبوا دينه وطاعته
{والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} : شَجَرَة الزقوم
{شاخصة أبصار الَّذين كفرُوا} : مُرْتَفعَة الأجفان لَا تكَاد تطرف من هول مَا هم فِيهِ
{شكله} : مثله وضربه(1/542)
{شرع لكم} : فتح لكم وعرفكم
{شرعا} : أَي ظَاهِرَة، وَاحِدهَا شَارِع
{لبَعض شَأْنهمْ} : لبَعض حوائجهم
{شقَاق بَينهمَا} : أَي فِرَاق بَينهمَا فِي الِاخْتِلَاف حَتَّى شقّ أَمر احدهما على الآخر.
{وَلم يَجْعَلنِي جبارا شقيا} : أَي عِنْد الله، من فرط تكبره
{شية} : أَصْلهَا (وشية) فلحقها من النَّقْص مَا لحق (زنة) و (عدَّة)
و {لَا شية فِيهَا} : لَا لون فِيهَا سوى لون جَمِيع جلدهَا
{شيبا} : جمع أشيب وَهُوَ الْأَبْيَض الرَّأْس
{الشعرى} : كَوْكَب مَعْرُوف كَانَ نَاس بالجاهلية يعبدونها]
شُعَيْب: عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ ابْن ميكيل بن يشجر بن مَدين بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، كَانَ يَقُول لَهُ خطيب الْأَنْبِيَاء، بعث رَسُولا إِلَى أمتين: مَدين وَأَصْحَاب الأيكة
(فصل الصَّاد)
[الصَّلَاة] : كل صَلَاة فِي الْقُرْآن فَهِيَ عبَادَة وَرَحْمَة إِلَّا {وصلوات ومساجد} : فَإِن المُرَاد الْأَمَاكِن
[الصمم] : كل صمم فِي الْقُرْآن فَهُوَ عَن سَماع الْإِيمَان وَالْقُرْآن خَاصَّة إِلَّا الَّذِي فِي " الْإِسْرَاء "
[الصَّوْم] : كل صَوْم فِي الْقُرْآن فَهُوَ من الْعِبَادَة إِلَّا {نذرت للرحمن صوما} أَي: صمتا
[الصَّبْر] : كل صَبر فِي الْقُرْآن فَهُوَ مَحْمُود إِلَّا {لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا} ، {واصبروا على آلِهَتكُم}
[الصَّائِم] : كل مُمْسك عَن طَعَام أَو كَلَام أَو سير فَهُوَ صَائِم
[الصَّعِيد] : كل أَرض مستوية فَهِيَ صَعِيد
[الصدْق] : كل خبر مخبره على مَا أخبر بِهِ فَهُوَ صدق
[الصرح] : كل بِنَاء عَال من قصر أَو غَيره فَهُوَ صرح
[الصّباغ] : كل شَيْء اصطبغت بِهِ من أَدَم فَهُوَ صباغ بالصَّاد وَكَذَا بِالسِّين
[الصَّقْر] : كل طَائِر يصيد تسميه الْعَرَب صقرا مَا خلا النسْر وَالْعِقَاب
[الصافر] : كل مَا لَا يصيد من طير فَهُوَ صافر
[الصاعقة] : كل عَذَاب مهلك فَهُوَ صَاعِقَة، وَيُقَال: كل هائل مميت أَو مزيل لِلْعَقْلِ والفهم غَالِبا(1/543)
[الصب] : كل مَا نزل من علو إِلَى سفل فَهُوَ صب
[الصيصية] : كل مَا يتحصن بِهِ يُقَال لَهُ صيصة، وَهِي الْقرن
[الصلب] : كل شَيْء من الظّهْر فِيهِ فقار فَهُوَ صلب
[الصنديد] : كل عَظِيم غَالب فَهُوَ صنديد، يُقَال: برد صنديد، وريح صنديد، وَالْجمع صَنَادِيد
[الصّديق] : قَالَ مُجَاهِد: كل من آمن بِاللَّه وَرَسُوله فَهُوَ صديق
[الصدع] : الشق فِي كل شَيْء صدع
[الصفحة] : صفحة كل شَيْء جَانِبه
[الصَّدْر] : صدر كل شَيْء أَوله
[الصفحة] : وَجه كل شَيْء عريض صفحته
كل كلمة فِيهَا صَاد وجيم فَهِيَ فَارسي مُعرب كالصولجان
كل صَاد وَقع قبل الدَّال فَإِنَّهُ يجوز أَن تشمها رَائِحَة الزَّاي إِذا تحركت، وَأَن تقلبها زايا إِذا سكنت، مثل (قصد)
[الصَّاع] : كل صَاع فَهُوَ مدان، وكل مد منوان، وكل من رطلان، وكل رَطْل عشرُون إستارا، وكل إستار سِتَّة دَرَاهِم وَنصف، فَيكون كل صَاع ألفا وَأَرْبَعين درهما
[الصُّلْح] : كل مَا صلح فِيهِ بَين فَهُوَ بِالسُّكُونِ وَإِن لم يصلح فِيهِ بَين فَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ
[الصِّنَاعَة] : كل علم مارسه الرجل سَوَاء كَانَ استدلاليا أَو غَيره حَتَّى صَار كالحرفة لَهُ فَإِنَّهُ يُسمى صناعَة
وَقيل: كل عمل لَا يُسمى صناعَة حَتَّى يتَمَكَّن فِيهِ ويتدرب وينسب إِلَيْهِ
وَقيل: الصَّنْعَة (بِالْفَتْح) الْعَمَل، والصناعة قد تطلق على ملكة يقتدر بهَا على اسْتِعْمَال المصنوعات على وَجه البصيرة لتَحْصِيل غَرَض من الْأَغْرَاض بِحَسب الْإِمْكَان
والصناعة (بِالْفَتْح) : تسْتَعْمل فِي المحسوسات، وبالكسر فِي الْمعَانِي، وَقيل: بِالْكَسْرِ حِرْفَة الصَّانِع وَقيل: هِيَ أخص من الحرفة، لِأَنَّهَا تحْتَاج فِي حُصُولهَا إِلَى المزاولة، والصنع أخص من الْفِعْل كَذَا الْعَمَل أخص من الْفِعْل فَإِنَّهُ فعل قصدي لم ينْسب إِلَى الْحَيَوَان والجماد
[الصّفة] : كل صفة كثر ذكر موصوفها مَعهَا ضعف تكثيرها لقُوَّة شبهها للْفِعْل
وكل صفة كثر اسْتِعْمَالهَا من غير مَوْصُوف قوي تكثيرها لالتحاقها بالأسماء كَعبد، وَشَيخ،(1/544)
وكهل، وضيف
كل صفة جَاءَت للمذكر على (أفعل) فَهِيَ للمؤنث على (فعلاء)
كل صفة على (فعل) ، جمعت على (فعال) فَإِنَّهَا تجمع مؤنثا عَلَيْهِ أَيْضا
كل مَا هُوَ على (فعلة) من الْأَوْصَاف فَإِنَّهَا تكسر على (فعال)
كل صفة تتبع موصوفها تذكيرا وتأنيثا، وتعريفا وتنكيرا وإفرادا وتثنية وجمعا وإعرابا إِذا كَانَت فعلا لَهُ، وَأما إِذا كَانَ وصف الشَّيْء بِفعل سَببه كَقَوْلِه (رجل حسن وَجهه، وكريم آباؤه، ومؤدب خُدَّامه) ، فَحِينَئِذٍ تتبعه فِي الْإِعْرَاب والتعريف والتنكير لَا غير وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا أخرجنَا من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا}
وَقد تقطع عَن التّبعِيَّة للموصوف بِأَن تخَالفه فِي الْإِعْرَاب إِذا كَانَ الْمَوْصُوف مَعْلُوما بِدُونِ صفة، غير مُحْتَاج لَهَا، وَكَانَت الصّفة دَالَّة على الْمَدْح أَو الذَّم أَو الترحم
وَقد تتبعه فِي الْإِعْرَاب، وعَلى تَقْدِير كَونهَا مَقْطُوعَة جَازَ الْأَمْرَانِ: النصب بإضمار فعل لَائِق، وَالرَّفْع على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف
الصّفة: كل صفة نكرَة قدمت على الْمَوْصُوف انقلبت حَالا لِاسْتِحَالَة كَونهَا صفة تَابِعَة مَعَ تقدمها فَجعلت حَالا ففارقها لفظ الصّفة لَا مَعْنَاهَا لِأَن الْحَال صفة فِي الْمَعْنى
وكل صفة علم قدمت عَلَيْهِ انْقَلب الْمَوْصُوف عطف بَيَان، نَحْو (مَرَرْت بالكريم زيد)
وَكَذَلِكَ غير الْعلم كَقَوْلِك: (مَرَرْت بالكريم أَخِيك) لِأَن الثَّانِي تَابع للْأولِ مُبين لَهُ
وَالصّفة إِذا أسندت إِلَى ضمير الْجمع كَانَت فِي حكم الْفِعْل فِي جَوَاز الْوَجْهَيْنِ: الْإِفْرَاد وَالْجمع، كَمَا أَن الْفِعْل فِي قَوْلك: (النِّسَاء جَاءَت أَو جئن) على لفظ الْوَاحِد وَالْجمع
وَالصِّفَات المتعددة يجوز عطف بَعْضهَا على بعض بِخِلَاف التوكيد المتعدد والتأكيد يكون بالضمائر دون الصِّفَات
والتأكيد إِن كَانَ معنويا فألفاظه محصورة، وألفاظ الصِّفَات لَيست كَذَلِك
وَالصّفة تتبع النكرَة والمعرفة والتأكيد لَا يتبع إِلَّا المعارف، أَعنِي التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ، وَلَا يجوز الْفَصْل بَين الصّفة والموصوف لِأَنَّهُمَا كشيء وَاحِد، بِخِلَاف الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ
وَصفَة الْمعرفَة للتوضيح وَالْبَيَان، وَصفَة النكرَة للتخصيص وَهُوَ إِخْرَاج الِاسْم من نوع إِلَى نوع أخص مِنْهُ
وَالصّفة على أَرْبَعَة أوجه:
فَإِن الْمَوْصُوف إِمَّا أَن لَا يعلم فيراد تَمْيِيزه من سَائِر الْأَجْنَاس بِمَا يكشفه فَهِيَ الصّفة الكاشفة
وَإِمَّا أَن لَا يعلم أَيْضا لَكِن الْتبس من بعض الْوُجُوه فَيُؤتى بِمَا يرفعهُ فَهِيَ الصّفة المخصصة
وَإِمَّا أَنه لم يلتبس وَلَكِن يُوهم الالتباس فَيُؤتى بِمَا يقرره فَهِيَ الصّفة الْمُؤَكّدَة
وَإِلَّا فَهِيَ الصّفة المادحة والذامة
وَالصّفة الكاشفة خبر عَن الْمَوْصُوف عِنْد التَّحْقِيق
وَالصّفة تقوم بالموصوف وَالْوَصْف يقوم(1/545)
بالواصف فَنَقُول الْقَائِل: (زيد عَالم) وصف لزيد لَا صفة لَهُ، وَعلمه الْقَائِم بِهِ صفته لَا وَصفه
وَقد يُطلق الْوَصْف وَيُرَاد بِهِ الصّفة وَبِهَذَا لَا يلْزم الِاتِّحَاد لُغَة إِذْ لَا شكّ أَن الْوَصْف مصدر (وَصفه) إِذا ذكر مَا فِيهِ
وَأما مُعْتَقد أهل الْحق فالصفة هِيَ مَا وَقع الْوَصْف مشتقا مِنْهَا وَهُوَ دَال عَلَيْهَا، وَذَلِكَ مثل الْعلم وَالْقُدْرَة وَنَحْوه، فالمعني بِالصّفةِ لَيْسَ إِلَّا هَذَا الْمَعْنى، والمعني بِالْوَصْفِ لَيْسَ إِلَّا مَا هُوَ دَال على هَذَا الْمَعْنى بطرِيق الِاشْتِقَاق، وَلَا يخفى مَا بَينهمَا من التغاير فِي الْحَقِيقَة والتنافي فِي الْمَاهِيّة
وَالصّفة إِذا وَقعت بَين متضايفين أَولهمَا عدد جَازَ إجراؤها على كل مِنْهُمَا ك (سبع بقرات سمان} و {سبع سموات طباقا}
وَالصّفة المشبهة تَجِيء أبدا من اللَّازِم، فَإِذا أُرِيد اشتقاقها من الْمُتَعَدِّي يَجْعَل لَازِما بِمَنْزِلَة فعل الغريزة، وَذَلِكَ بِالنَّقْلِ إِلَى فعل [ككرم] بِالضَّمِّ ثمَّ يشتق مِنْهُ كَمَا فِي (رَحِيم) و (فَقير) و (رفيع)
وصفات الذَّم إِذا نفيت على سَبِيل الْمُبَالغَة لم ينف أَصْلهَا، وَلِهَذَا يُقَال: إِن صِيغَة (فعال) فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} للنسب أَي: لَيْسَ بِذِي ظلم، وَالِاسْم قد يوضع للشَّيْء بِاعْتِبَار بعض مَعَانِيه وأوصافه من غير مُلَاحظَة لخصوصية الذَّات حَتَّى إِن اعْتِبَار الذَّات عِنْد ملاحظته لَا يكون إِلَّا لضَرُورَة أَن الْمَعْنى لَا يقوم إِلَّا بِالذَّاتِ وَذَلِكَ [الِاسْم] صفة كالمعبود وَقد يوضع للشَّيْء بِدُونِ مُلَاحظَة مَا فِيهِ من الْمعَانِي كَرجل وَفرس أَو مَعَ مُلَاحظَة بعض الْأَوْصَاف والمعاني كالكتاب للشَّيْء الْمَكْتُوب، والنبات للجسم النَّابِت، وكجميع أَسمَاء الزَّمَان وَالْمَكَان والآلة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى فَذَلِك اسْم للصفة
وَاسْتِعْمَال مَا غلب من الصِّفَات فِي مَوْصُوف معِين سَبَب صَيْرُورَته من الصِّفَات الْغَالِبَة
وَاسْتِعْمَال مَا يجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء يحذف الْمَوْصُوف سَبَب جَرَيَانه مجْرى الْأَسْمَاء
وَالصّفة فِي الأَصْل مصدر (وصفت الشَّيْء) إِذا ذكرته بمعان فِيهِ لَكِن جعل فِي الِاصْطِلَاح عبارَة عَن كل أَمر زَائِد على الذَّات يفهم فِي ضمن فهم الذَّات ثبوتيا كَانَ أَو سلبيا فَيدْخل فِيهِ الألوان والأكوان والأصوات والإدراكات وَغير ذَلِك
والعلاقة بَين الصّفة والموصوف هِيَ النِّسْبَة الثبوتية، وَتلك النِّسْبَة إِذا اعْتبرت من جَانب الْمَوْصُوف يعبر عَنْهَا بالاتصاف، وَإِذا اعْتبرت من جَانب الصّفة يعبر عَنْهَا بِالْقيامِ
(وَصفَة الصَّلَاة أوصافها النفسية لَهَا وَهِي الْأَجْزَاء الْعَقْلِيَّة الصادقة على الخارجية الَّتِي هِيَ أَجزَاء الهوية من الْقيام الجزئي وَالرُّكُوع وَالسُّجُود) وَلَا يلْزم من كَون الشَّيْء صفة لشَيْء وثابتا لَهُ كَونه(1/546)
مَوْجُودا أَو ثَابتا فِي نَفسه [أَي مُسْتقِلّا] مُطلقًا، وَإِلَّا يلْزم أَن يكون للْوَاجِب [تَعَالَى] صِفَات موجودات أزلية مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك عقلا ونقلا
(وكل صفة مَوْجُودَة فِي نَفسهَا سَوَاء كَانَت حَادِثَة كبياض الجرم مثلا أَو سوَاده، أَو قديمَة كعلمه تَعَالَى وَقدرته فَإِنَّهَا تسمى فِي الِاصْطِلَاح صفة معنى
وَإِن كَانَت الصّفة غير مَوْجُودَة فِي نَفسهَا فَإِن كَانَت وَاجِبَة للذات مَا دَامَت الذَّات غير معللة بعلة سميت صفة نفسية أَو حَالا نفسية مثالها التحيز للجرم وَكَونه قَابلا للأعراض
وَإِن كَانَت الصّفة غير مَوْجُودَة فِي نَفسهَا إِلَّا أَنَّهَا معللة إِنَّمَا تجب للذات مَا دَامَت علتها قَائِمَة بِالذَّاتِ سميت صفة معنوية أَو حَالا معنوية مثالها كَون الذَّات عَالِمَة وقادرة ومريده مثلا فَإِنَّهَا معللة لقِيَام الْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة بِالذَّاتِ)
وَالصّفة النفسية هِيَ الَّتِي لَا يحْتَاج وصف الذَّات بهَا إِلَى تعقل أَمر زَائِد عَلَيْهَا كالإنسانية والحقية والوجود والشيئية للانسان
ويقابلها الصّفة المعنوية الَّتِي يحْتَاج وصف الذَّات بهَا إِلَى تعقل أَمر زَائِد على ذَات الْمَوْصُوف كالتحيز والحدوث
وَبِعِبَارَة أُخْرَى إِن الصّفة النفسية هِيَ الَّتِي تدل على الذَّات دون معنى زَائِد عَلَيْهَا، والمعنوية مَا يدل على معنى زَائِد على الذَّات
وَالصّفة الثبوتية هِيَ أَن يشتق للموصوف مِنْهَا اسْم
وَالصّفة السلبية هِيَ أَن يمْتَنع الِاشْتِقَاق لَا لغيره [وَبِعِبَارَة أُخْرَى: الصّفة السلبية هِيَ الَّتِي تُوصَف بهَا الذَّات من غير قيام معنى بِهِ مثل الأول وَالْآخر، والقابض والباسط
وَالصّفة الثبوتية هِيَ الَّتِي اتّصف بهَا الذَّات لقِيَام معنى بِهِ كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْكَلَام]
وَاخْتلفت عِبَارَات الْأَصْحَاب فِي الصّفة النفسية بِنَاء على اخْتلَافهمْ فِي الْأَحْوَال فَمن مَال إِلَى نفي الْأَحْوَال وهم الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْأَصَح قَالُوا: الصّفة النفسية عبارَة عَن كل صفة ثبوتية رَاجِعَة إِلَى نفس الذَّات لَا إِلَى معنى زَائِد عَلَيْهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: صفة النَّفس كل صفة دلّ الْوَصْف بهَا على الذَّات دون معنى زَائِد عَلَيْهَا، والمآل وَاحِد
وَمن مَال إِلَى القَوْل بالأحوال فَعنده صِفَات النَّفس أَحْوَال زَائِدَة على وجود النَّفس مُلَازمَة لَهَا
وَأولى الْعبارَة بِهَذَا الْمَذْهَب مَا ذكره بعض الْأَصْحَاب من أَن الصّفة النفسية عبارَة عَن كل صفة ثبوتية زَائِدَة على الذَّات لَا يَصح توهم انتفائها مَعَ بَقَاء الذَّات الموصوفة بهَا وَأما الصّفة المعنوية فعبارة عَن كل صفة ثبوتية دلّ الْوَصْف بهَا على معنى زَائِد على الذَّات ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا، فَمن قَالَ بالأحوال قسم الصّفة المعنوية إِلَى معللة كالعالمية والقادرية وَنَحْوهمَا، وَإِلَى غير معللة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة وَنَحْوهمَا، وَمن أنكر الْأَحْوَال أنكر الصِّفَات والمعللة، وَلم يَجْعَل كَون الْعَالم عَالما والقادر قَادِرًا زَائِدا على قيام الْعلم وَالْقُدْرَة بِذَاتِهِ](1/547)
وَصِفَاته تَعَالَى ترجع إِلَى سلب أَو إِضَافَة أَو مركب مِنْهُمَا، فالسلب كالقديم فَإِنَّهُ يرجع إِلَى سلب الْعَدَم عَنهُ أَولا أَو إِلَى نفي الشبيه وَنفي الأولية عَنهُ، وكالواحد فَإِنَّهُ عبارَة عَمَّا لَا يَنْقَسِم بِوَجْه من الْوُجُوه لَا قولا وَلَا فعلا، وَالْإِضَافَة كجميع صِفَات الْأَفْعَال، والمركب مِنْهَا كالمريد والقادر، فَإِنَّهُمَا مركبان من الْعلم وَالْإِضَافَة إِلَى الْخلق
صِفَات الذَّات هِيَ مَا لَا يجوز أَن يُوصف [الذَّات] بضدها كالقدرة والعزة
وصفات الْفِعْل هِيَ مَا يجوز أَن يُوصف الذَّات بضدها كالرحمة وَالْغَضَب
[وَعند الْمُعْتَزلَة إِن مَا يثبت وَلَا يجوز نَفْيه فَهُوَ من صِفَات الذَّات كَالْعلمِ، وَكَذَا فِي سَائِر صِفَات الذَّات، وَمَا يثبت وينفى فَهُوَ من صِفَات الْفِعْل كالخلق والإرادة والرزق وَالْكَلَام مِمَّا يجْرِي فِيهِ النَّفْي واثبات وَعند الأشعرية مَا يلْزم من نَفْيه نقيصة فَهُوَ من صِفَات الذَّات كَمَا فِي نفي الْحَيَاة وَالْعلم، وَمَا لَا يلْزم من نَفْيه نقيصه فَهُوَ من صِفَات الْفِعْل كإحياء والإماتة والخلق والرزق
فعلى هَذَا الْحَد الْإِرَادَة وَالْكَلَام من صِفَات الذَّات استلزام نفي الْإِرَادَة الْجَبْر والاضطرار، وَنفي الْكَلَام الخرس وَالسُّكُوت وَلَا حَاجَة على أصلنَا إِلَى الْفرق لِأَن جَمِيع صِفَاته أزلية قَائِمَة بِذَات الله]
وصفات الْأَفْعَال عِنْد الْبَعْض نفس الْأَفْعَال، وَعِنْدنَا لَا بل منشؤها، وَالْحلف بِصِفَات الذَّات دون صِفَات الْفِعْل، فعلى هَذَا الْقيَاس يكون و (وَعلم الله) يَمِينا لكنه ترك لمجيئه بِمَعْنى الْمَعْلُوم، ومشايخ مَا وَرَاء النَّهر على أَن الْحلف بِكُل صفة تعارف النَّاس الْحلف بهَا يَمِين وَإِلَّا فَلَا
وَمن الصِّفَات مَا حصل لله وَلِلْعَبْدِ أَيْضا حَقِيقَة
وَمِنْهَا مَا يُقَال لله بطرِيق الْحَقِيقَة وَلِلْعَبْدِ بطرِيق الْمجَاز (وَمِنْه {خير الرازقين} ) .
وَمِنْهَا مَا يُقَال لله بطرِيق الْحَقِيقَة وَلَا يُقَال للْعَبد لَا بطرِيق الْحَقِيقَة وَلَا بطرِيق الْمجَاز لعدم حُصُوله للْعَبد حَقِيقَة وَصُورَة
وَقد يُطلق بعض الْأَشْيَاء على العَبْد حَقِيقَة وعَلى الْبَارِي تَعَالَى مجَازًا كالاستواء وَالنُّزُول وَمَا أشبههما
[فَاعْلَم أَن الظاهريين من الْمُتَكَلِّمين لما حصروا طرق كَمَال الْمعرفَة للمكلفين بِمَعْرِِفَة جَمِيع صِفَات الْبَارِي بالاستدلال بالأفعال والتنزيه عَن النقائص إِذْ لَا يَتَيَسَّر ذَلِك إِلَّا بذلك مَعَ أَن السّمع طَرِيق آخر فِي إِثْبَاتهَا، حصروا أَيْضا الصِّفَات بالسبعة أَو الثَّمَانِية مَعَ الْبَقَاء عِنْد الأشعرية وَمَعَ التكوين عِنْد الماتريدية والسلبيات كالقدوسية والعزة إِلَى خَمْسَة عشر على الْمُخْتَار، والإضافات كالعلو والأولية والآخرية إِلَى عشْرين على الْمُخْتَار أَيْضا وَأول الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بذكرها الَّتِي أثبتها الْأَشْعَرِيّ]
فَكل صفة تستحيل حَقِيقَتهَا على الله تَعَالَى فَإِنَّهَا تفسر بلازمها ف {على الْعَرْش اسْتَوَى}(1/548)
بِمَعْنى اعتدل أَي: قَامَ بِالْعَدْلِ: {وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك} أَي مَا فِي غيبك وسرك، و {ابْتِغَاء وَجه ربه} أَي إخلاص النِّيَّة، {وَيبقى وَجه رَبك} يَعْنِي الذَّات ومجموع الصِّفَات، إِذْ الْبَقَاء لَا يخْتَص بِصفة دون صفة، {فثم وَجه الله} أَي الْجِهَة الَّتِي أمرنَا بالتوجه إِلَيْهَا، {تجْرِي بأعيننا} أَي بحفظنا ورعايتنا، وَالْعرب تَقول (فلَان بمرأى فلَان ومسمع) إِذا كَانَ مِمَّن يُحِيط بِهِ حفظه ورعايته، أَو المُرَاد بالأعين هَهُنَا على الْحصْر مَا انفجر من الأَرْض من الْمِيَاه وَالْإِضَافَة للتَّمْلِيك، و {الْفضل بيد الله} أَي: بقدرته وَالْيَدَيْنِ اسْتِعَارَة لنُور قدرته الْقَائِم بِصفة فَضله، ولنورها الْقَائِم بِصفة عدله، وَيُقَال: (فلَان فِي يَدي فلَان) إِذا كَانَ مُتَعَلق قدرته وَتَحْت حكمه وقبضته (وَإِن لم يكن فِي يَدَيْهِ بِمَعْنى الجارحتين أصلا) وعَلى هَذَا يحمل حَدِيث " قلب الْمُؤمنِينَ بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن " وَفَائِدَة التَّخْصِيص بِذكر خلق آدم النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ أَن سَائِر الْمَخْلُوقَات مخلوقة بِالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَة أَيْضا هِيَ التشريف وَالْإِكْرَام كَمَا خصص الْمُؤمنِينَ بالعباد وَالْإِضَافَة بالعبودية إِلَى نَفسه كعيسى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام والكعبة المشرفة وَقَوله تَعَالَى: {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله} فَهُوَ مجَاز عَن مظهر حكمه ومجازيته (لِامْتِنَاع الْحمل على مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ الْمَكَان) وكشف السَّاق كِنَايَة عَن الشدَّة والهول و {فِي جنب الله} أَي فِي طَاعَته وَحقه و {نَحن أقرب} أَي بِالْعلمِ
والفوقية: الْعُلُوّ من غير جِهَة {وَجَاء رَبك} أَي أمره. {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك} أَي اذْهَبْ بِرَبِّك أَي بتوفيقه وقوته [ {وَالله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض} أَي: منورهما نعم إِلَّا أَن استرسال التَّأْوِيل على التَّفْصِيل كجمهور الأشاعرة غير ظَاهر فِي جَمِيع تِلْكَ الصِّفَات بل هُوَ مؤد إِلَى إبِْطَال الأَصْل المعجز عَن إِدْرَاكهَا بِلَا كيفيات وَخلاف لما عَلَيْهِ السّلف من التَّوَقُّف فِي المتشابهات]
وَجَمِيع الْأَغْرَاض النفسانية لَهَا أَوَائِل وَلها غايات، فاتصاف الْبَارِي بهَا إِمَّا بِاعْتِبَار الْغَايَة كالترك فِي الاستحياء أَو السَّبَب كإرادة الانتقام فِي الْغَضَب أَو الْمُسَبّب عَنهُ كالإنعام فِي الرَّحْمَة وَفِي {من عِنْده} إِشَارَة إِلَى التَّمْكِين والزلفى والرفعة {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض} أَي:(1/549)
المعبود فيهمَا أَو الْعَالم بِمَا فيهمَا
قَالَ الإِمَام فِي (الْفِقْه الْأَكْبَر) : " وَلَا يُوصف الله تَعَالَى بِصِفَات المخلوقين وَلَا يُقَال: إِن يَده قدرته أَو نعْمَته لِأَن فِيهِ إبِْطَال الصّفة، وَلَكِن يَده صفة بِلَا كَيفَ " انْتهى
وَفِيه إِشَارَة إِلَى وجوب التَّأْوِيل الإجمالي فِي الظَّوَاهِر الموهمة، وَإِلَى منع التَّأْوِيل التفصيلي فِيهَا بالإرجاع إِلَى مَا ذكره وَإِلَى التعويض بعد الْحمل على الْمَعْنى الْمجَازِي على الْإِجْمَال فِي التَّأْوِيل وَتَعَالَى الله عَمَّا يُقَال، هُوَ جسم لَا كالأجسام وَله حيّز لَا كالأحياز ونسبته إِلَى حيزه لَيْسَ كنسبة الْأَجْسَام إِلَى حيزها كَمَا هُوَ مَذْهَب الهيصمية من المشبهة المستترين بالبلكفة، وَقد اتّفق الْأَئِمَّة على إكفار المجسمة المصرحين بِكَوْنِهِ جسما وتضليل المستترين بالبلكفة وَقَالَ ابْن الْهمام رَحمَه الله: وَقيل يكفر بِمُجَرَّد إِطْلَاق لفظ الْجِسْم عَلَيْهِ تَعَالَى، وهوحسن، بل أولى بالتكفير، وَمهما ثَبت من الكمالات شَاهدا فَلَا مَانع من القَوْل بإثباتها غَائِبا، لَكِن بِشَرْط انْتِفَاء الْأَسْبَاب المقترنة بهَا فِي الشَّاهِد الْمُوجبَة للْحَدَث والتجسم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يجوز على الله تبَارك وَتَعَالَى
وَلَا يَتَّصِف مَوْجُود مثل اتصافه تَعَالَى وَإِن كَانَ بعض الموجودات مظْهرا كَامِلا بِحَيْثُ يَتَّصِف بِبَعْض صِفَاته لَكِن يغيب تَحت سرادقات كَمَاله بِحَيْثُ لَا يبْقى لَهُ أثر من الهوية (وَإِن كَانَ هَذَا عين الهوية)
وَمَا زَعَمُوا أَن العَبْد يعير بَاقِيا الْحق سمعيا بسمعه بَصيرًا ببصره فخروج عَن الدّين، وَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَر " فَإِذا أحببته كنت لَهُ سمعا وبصرا فَبِي يسمع وَبِي يبصر " فَلَا احتجاج لَهُم فِي ظَاهره، إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَنه يسمع بسمعي ويبصر ببصري بل الْمحمل لهَذَا الحَدِيث هُوَ أَن كَمَال الْإِعْرَاض عَمَّا سوى الله وَتَمام التَّوَجُّه إِلَى حَضرته بِأَن لَا يكون فِي لِسَانه وَقَلبه ووهمه وسره غَيره ينزل منزلَة الْمُشَاهدَة، فَإِنَّهُ إِذا ترسخت هَذِه الْحَالة تسمى مُشَاهدَة تَشْبِيها لَهَا بمشاهدة الْبَصَر إِيَّاه، وَاسْتِعْمَال الْقلب والقالب فِيهِ بِاعْتِبَار ذَلِك، [فَلَا يسمع وَلَا يبصر إِلَّا مَا يسْتَدلّ بِهِ على الصَّانِع وَقدرته وعظمته وكبريائه] وَمهما ثَبت من الكمالات شَاهدا فَلَا مَانع عَن القَوْل بإثباتها غَائِبا لَكِن بِشَرْط انْتِفَاء الْأَسْبَاب المقترنة بهَا فِي الشَّاهِد الْمُوجبَة للحدوث والتجسم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يجوز على الله تَعَالَى
وَاعْلَم أَن الْمُحَقِّقين من أهل السّنة قَالُوا إِن صِفَات الله زَائِدَة على الذَّات [وَأَن بَعْضهَا لَيست عين الْبَعْض الآخر من الصِّفَات بل الصِّفَات بَعْضهَا مَعَ بعض مُتَغَايِرَة بِحَسب الِاعْتِبَار، وَإِن كَانَت متحدة(1/550)
بِحَسب الْوُجُود]
والأشعري وَأَتْبَاعه على أَنَّهَا دون الْوُجُود لَا عين الذَّات وَلَا غَيرهَا
وَأما وجود الْوَاجِب قبل وجود كل شَيْء فَهُوَ عين ذَاته ذهنا وخارجا على مَا هُوَ الظَّاهِر من مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ من الْمُعْتَزلَة، وَأما الفلاسفة والمعتزلة والنجارية فَلَا يثبتون لله تَعَالَى صفة أصلا، أَي صفة كَانَت من صِفَات الذَّات أَو الْفِعْل وَيَقُولُونَ: إِنَّه تَعَالَى وَاحِد من جَمِيع الْوُجُوه، وَفعله وَقدرته وحياته هُوَ حَقِيقَته وعينه وذاته [والقائلون بانفكاكها عَن الذَّات كصفات المخلوقين هم كالمشبهة عَن الكرامية والحشوية] وَعند الأشعرية: صِفَات الذَّات قديمَة قَائِمَة بِذَات الله كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة والإرادة
وَأما صِفَات الْفِعْل كالتكوين والإحياء والإماتة فَلَيْسَتْ قَائِمَة بِذَات الله تَعَالَى وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء: كل ذَات قَامَت بهَا صِفَات زَائِدَة عَلَيْهَا فالذات غير الصِّفَات وَكَذَا كل وَاحِد من الصِّفَات غير الْأُخْرَى إِن اخْتلفَا بالذوات بِمَعْنى أَن حَقِيقَة كل وَاحِد وَالْمَفْهُوم مِنْهُ عِنْد انْفِرَاده غير مَفْهُوم الآخر لَا محَالة، وَإِن كَانَت الصِّفَات غير مَا قَامَت بِهِ من الذَّات فَالْقَوْل بِأَنَّهَا غير مَدْلُول الِاسْم الْمُشْتَقّ مِنْهَا أَو مَا وضع لَهَا وللذات من غير اشتقاق، وَذَلِكَ مثل صفة الْعلم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُسَمّى الْعَالم أَو مُسَمّى الْإِلَه، فعلى هَذَا وَإِن صَحَّ القَوْل بِأَن علم الله غير مَا قَامَ بِهِ من الذَّات لَا يَصح أَن يُقَال إِن علم الله غير مَدْلُول اسْم الله أَو عينه، إِذْ لَيْسَ عين مَجْمُوع الذَّات مَعَ الصِّفَات، وَلَعَلَّ هَذَا مَا أَرَادَهُ بعض الحذاق من الْأَصْحَاب من أَن الصِّفَات، النفسية لَا هِيَ هوولا هِيَ غَيره
ثمَّ اعْلَم أَن صِفَات الله تَعَالَى قديمَة وَلَا شَيْء من الْقَدِيم يحْتَاج إِلَى الموجد لِأَن الموجد من يُعْطي وجودا مُسْتقِلّا، واحتياج صِفَات الله إِلَى الموجد مَعَ قدمهَا بِمَعْنى أَنَّهَا تحْتَاج إِلَى الذَّات لتقوم بِهِ لَا بِمَعْنى أَن الذَّات يُعْطِيهَا وجودا مُسْتقِلّا، إِذْ لَيْسَ لَهَا وجود مُسْتَقل أما عندنَا فَلِأَن الصِّفَات لَيست غير الذَّات وَلَا عينهَا، فاحتياجها إِلَى الذَّات فِي قِيَامهَا بهَا لكَونهَا لَيست عين الذَّات فِي الْعقل لَا فِي وجودهَا الْخَارِجِي لكَونهَا فِي الْوُجُود الْخَارِجِي لَيست غَيرهَا وَأما عِنْد الفلاسفة والمعتزلة فَلِأَن الصِّفَات عين الذَّات، وَأما عِنْد من يَقُول إِن الصِّفَات مُغَايرَة للذات فَمَعْنَى الْمَوْجُود المستقل الْوُجُود الْمُنْفَصِل عَن الذَّات، فوجود الصّفة يكون غير وجود الْمَوْصُوف لَكِن الصّفة تحْتَاج إِلَى الْمَوْصُوف دَائِما
وَقَالَ بعض المحققبن: إِن صِفَات الله مُمكنَة مَعَ قدمهَا لَكِن كَونهَا مقدورات فِي غَايَة الْإِشْكَال، لما تقرر أَن أثر الْمُخْتَار لَا يكون حَادِثا، وَلِهَذَا اضطروا إِلَى القَوْل بِكَوْنِهِ تَعَالَى مُوجبا بِالذَّاتِ فِي حق صِفَاته، كَمَا ذكر فِي الْكتب الكلامية (وَيُمكن حل الْإِشْكَال بِأَن يُقَال: إِن) إِيجَاب(1/551)
الصِّفَات مرجعه إِلَى اسْتِحَالَة خلوه تَعَالَى عَن صِفَات الْكَمَال وَإِيجَاب المصنوعات مرجعه إِلَى اسْتِحَالَة انفكاكه عَنهُ تَعَالَى واضطراره فِي النَّفْع للْغَيْر فَذَاك كَمَال ينجبر بِهِ مَا فِي عدم الْقُدْرَة على التّرْك من مَظَنَّة النُّقْصَان ويربو عَلَيْهِ، وَهَذَا نُقْصَان من حَيْثُ إِنَّه يقدر على التّرْك ويضطر فِي الْفِعْل غير متجبر بِهِ [وَفِي " شرح الطوالع " للقاسم اللَّيْثِيّ السَّمرقَنْدِي رَحمَه الله: وجوب الصِّفَات بِذَاتِهِ تَعَالَى مَفْهُوم من قِيَامهَا بِذَاتِهِ تَعَالَى، إِذْ لَو كَانَت وَاجِبَة بذاتها امْتنع قِيَامهَا بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَكَذَا لَو كَانَت صادرة عَنهُ بِالِاخْتِيَارِ لوَجَبَ كَونهَا حَادِثَة، وَقيام الْحَوَادِث بِذَاتِهِ مُمْتَنع، وَمعنى كَون الصِّفَات وَاجِبَة بِذَاتِهِ تَعَالَى كَونهَا لَازِمَة لَهُ غير مفتقرة إِلَى غَيره، وَبِالْجُمْلَةِ: صِفَات الله غير مقدورة فَلَا بُد من تَخْصِيص الممكنات بِمَا سواهَا، وَيُمكن أَن يُقَال] أَيْضا: حُصُول مَا هُوَ مبدأ الْكَمَال لشَيْء بِالْإِيجَابِ من غير التَّوَقُّف بِالْمَشِيئَةِ لَيْسَ بِنَقص بل هُوَ كَمَال، مثلا وُقُوع مقتضيات اعْتِدَال المزاج كحسن الْخلق من كمالات ذاتية، وَعدم الِاخْتِيَار فِيهِ كَمَال لَا نُقْصَان
وَلَيْسَ فِي القَوْل بالإمكان كَثْرَة صعوبة سوى مُخَالفَة الْأَدَب وَالْقَوْل بِأَن كل مُمكن حَادث، وَلَا يخفى أَن كل مَا احْتَاجَ لسواه حَاجَة تَامَّة بِحَيْثُ لَا يُوجد بِدُونِهِ سَوَاء كَانَ عِلّة أَو شرطا لوُجُوده كالجوهر للعرض مثلا لَا يُمكن وجوده بِدُونِهِ، فَيلْزم إِمْكَان عَدمه بِالذَّاتِ وَإِن لم يكن حَادِثا، وَهَذَا لَا مَحْذُور فِيهِ فِي صِفَات الله الْقَدِيمَة: (هَكَذَا حَقَّقَهُ بعض الْمُحَقِّقين) ؛ قَالَ بعض الأفاضل: القَوْل بِتَعَدُّد الْوَاجِب لذاته فِي الصِّفَات فِي غَايَة الصعوبة نعم لَكِن المُرَاد بِالْوَاجِبِ لذاته فِي الصِّفَات كَونهَا وَاجِبَة الْوُجُود لأجل موصوفها الَّذِي هُوَ الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود، لَا أَنَّهَا وَاجِبَة بِالذَّاتِ مقتضية لوجودها كالذات حَتَّى تستقل وتتعدد، بل هِيَ مستندة إِلَى الذَّات، والذات كالمبدأ لَهَا، واستنادها إِلَيْهِ لَا بطرِيق الِاخْتِيَار الَّذِي يَقْتَضِي مسبوقية التَّصَوُّر والتصديق بفائدة الإيجاد بل بطرِيق الإيجاد بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، فَكَمَا أَن اقْتِضَاء ذَاته وجوده جعل وجوده وَاجِبا، كَذَا اقتضاؤه الْعلم مثلا يَقْتَضِي كَون الْعلم وَاجِبا
وكما أَن اقْتِضَاء الْوَاجِب وجوده يَقْتَضِي غناهُ عَن كل مَوْجُود سواهُ، كَذَلِك اقْتِضَاء الذَّات علمه يَقْتَضِي غنى الْعلم عَن غَيره لعدم التغاير بَين الذَّات وَالصِّفَات، فإيجاب مَا لَيْسَ بِغَيْر الصِّفَات لَيْسَ بِنَقص بل كَمَال وَإِنَّمَا النَّقْص فِي إِيجَاد الْغَيْر بِالْإِيجَابِ كَمَا قَررنَا لَك آنِفا
الصَّلَاة: هِيَ اسْم لمصدر وَهُوَ التصلية أَي: الثَّنَاء الْكَامِل، وَكِلَاهُمَا مستعملان بِخِلَاف الصَّلَاة بِمَعْنى أَدَاء الْأَركان. فَإِن مصدرها لم يسْتَعْمل،
وَالْمَشْهُور فِي أصُول الْفِقْه أَن مَذْهَب الْمُعْتَزلَة أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا حقائق مخترعة شَرْعِيَّة لَا أَنَّهَا منقولة عَن معَان لغوية
وَعند الْجُمْهُور من الْأَصْحَاب أَنَّهَا حقائق شَرْعِيَّة منقولات عَن معَان لغوية والباقلاني على أَنَّهَا مجازات لغوية مَشْهُورَة لم تصرن حقائق
إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: الصَّلَاة فِي الأَصْل من(1/552)
الصلا وَهُوَ الْعظم الَّذِي عَلَيْهِ الأليتان فِي " الْقَامُوس ": الصلا وسط الظّهْر منا أَو من كل ذِي أَربع أَو مَا انحدر من الْوَرِكَيْنِ، أَو الدُّعَاء [والتبريك والتمجيد كَمَا هُوَ عِنْد كثير من أهل اللُّغَة يُقَال: صليت عَلَيْهِ: أَي دَعَوْت لَهُ وزكيت] كَمَا فِي توله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " إِذا دعِي أحدكُم إِلَى طَعَام فليجب فَإِن كَانَ صَائِما فَليصل " أَي: فَليدع لأَهله، فعلى الأول هِيَ من الْأَسْمَاء الْمُغيرَة المندرسة الْمَعْنى بِالْكُلِّيَّةِ وعَلى الثَّانِي من المنقولة الزائلة كَمَا فِي " الْكرْمَانِي " وَغَيره إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن تكون من المنقولة بِلَا خلاف على مَا فِي الْأُصُول أَنه مِمَّا غلب فِي غير الْمَوْضُوع لَهُ لعلاقة
وَالْمَشْهُور أَن الصَّلَاة حَقِيقَة شَرْعِيَّة فِي الْأَركان، وَحَقِيقَة لغوية فِي الدُّعَاء، أَو مجَاز لغَوِيّ فِي الْأَركان، ومجاز شَرْعِي فِي الدُّعَاء
قَالَ بَعضهم: لفظ الصَّلَاة فِي الشَّرْع مجَاز فِي الدُّعَاء مَعَ أَنه مُسْتَعْمل فِي الْمَوْضُوع لَهُ فِي الْجُمْلَة وَحَقِيقَة فِي الْأَركان الْمَخْصُوصَة، مَعَ أَنه مُسْتَعْمل فِي غير الْمَوْضُوع لَهُ فِي الْجُمْلَة
وَقَالَ الشَّيْخ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ: وُرُود الصَّلَاة فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنى الدُّعَاء قبل شَرْعِيَّة الصَّلَاة الْمُشْتَملَة على الرُّكُوع وَالسُّجُود المشتملين على التخشع وَفِي كَلَام من لَا يعرف الصَّلَاة بالهيئة الْمَخْصُوصَة دَلِيل الْمَشْهُور، وَأَيْضًا الِاشْتِقَاق من غير الْحَدث قَلِيل " [وَلِأَن اشتهار الْمَنْقُول عَن الشَّرْعِيّ فِي اللُّغَة أرجح من أَن يكون مشتهرا] انْتهى
وتتنوع الصَّلَاة بِالْإِضَافَة الى محلهَا على ثَلَاثَة أَنْوَاع تنوع الْأَجْنَاس بالفصول، وَمِنْه قيل: الصَّلَاة من الله الرَّحْمَة، وَمن الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار، وَمن الْمُؤمنِينَ الدُّعَاء، وَهُوَ: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد ثمَّ نقلت فِي عرف الشَّرْع من أحد الْمَعْنيين إِلَى الْعِبَادَة الْمَخْصُوصَة لتضمنها إِيَّاه
وَقَالَ ابْن حجر: الصَّلَاة من الله للنَّبِي زِيَادَة الرَّحْمَة، وَلغيره الرَّحْمَة وَهَذَا يشكل بقوله تَعَالَى: {عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} حَيْثُ غاير بَينهمَا، وَلِأَن سُؤال الرَّحْمَة يشرع لكل مُسلم، وَالصَّلَاة تخص النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَذَا يشكل القَوْل) وَمن الْعباد بِمَعْنى الدُّعَاء بِأَن الدُّعَاء يكون بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالصَّلَاة لَا تكون إِلَّا فِي الْخَيْر وَبِأَن (دَعَوْت) يتَعَدَّى بِاللَّامِ وَالَّذِي يتَعَدَّى بعلى لَيْسَ بِمَعْنى صلى، وَيُقَال: صليت صَلَاة، وَلَا يُقَال: صليت تصلية (وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا فِي الأَصْل بِمَعْنى الدُّعَاء اسْتعْمل مجَازًا فِي غَيره)
وَصَلَاة الله للْمُسلمين هِيَ فِي التَّحْقِيق تَزْكِيَة، وَهِي من الْمَلَائِكَة الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار كَمَا هُوَ من النَّاس
وَالصَّلَاة الَّتِي هِيَ الْعِبَادَة الْمَخْصُوصَة أَصْلهَا الدُّعَاء. وَسميت هَذِه الْعِبَادَة بهَا كتسمية الشَّيْء باسم بعض مَا يتضمنه(1/553)
وَالْحق أَن الصَّلَاة كلهَا وَإِن توهم اخْتِلَاف مَعَانِيهَا رَاجِعَة إِلَى أصل وَاحِد فَلَا تظنها لَفْظَة اشْتِرَاك وَلَا اسْتِعَارَة إِنَّمَا مَعْنَاهَا الْعَطف وَيكون محسوسا ومعقولا فَإِن الصَّلَاة فِي الأَصْل انعطاف جسماني لِأَنَّهَا من تَحْرِيك الصلوين، ثمَّ اسْتعْمل فِي الرَّحْمَة وَالدُّعَاء لما فيهمَا من الْعَطف الْمَعْنَوِيّ، وَلذَا عدي بعلى، وَلَا يلْزم من التساوق فِي الْمَعْنى التوافق فِي التَّعْدِيَة كَمَا فِي (نظر) و (رأى) وَقيل: (على) مُجَرّدَة عَن الْمضرَّة كَمَا فِي: {فتوكل على الله}
قَالَ بَعضهم: أصل الصَّلَاة من الصلاء وَمعنى صلى الرجل أَي: أَزَال عَن نَفسه بِهَذِهِ الْعِبَادَة الصلاء الَّذِي هُوَ نَار الله الموقدة
وَقَالَ مُجَاهِد: الصَّلَاة من الله التَّوْفِيق والعصمة، وَمن الْمَلَائِكَة العون والنصرة، وَمن الْأمة الِاتِّبَاع
وَقَالَ بَعضهم: صَلَاة الرب على النَّبِي تَعْظِيم الْحُرْمَة، وَصَلَاة الْمَلَائِكَة إِظْهَار الْكَرَامَة، وَصَلَاة الْأمة طلب الشَّفَاعَة، وَلما لم يُمكن أَن تحمل على الدُّعَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} حمل على الْعِنَايَة بشأن النَّبِي إِظْهَارًا لشرفه مجَازًا، إطلاقا للملزوم على اللَّازِم إِذْ الاسْتِغْفَار وَالرَّحْمَة تَسْتَلْزِم الِاعْتِبَار
[وَقَالَ بَعضهم: إِن الله يَدْعُو ذَاته الْعلية بإيصال الْخَيْر إِلَيْهِ، وَمن لَوَازِم الرَّحْمَة، وَالْمَلَائِكَة يستغفرونه، وَهُوَ نوع من الدُّعَاء وَيجوز على تَقْدِير كَون الصَّلَاة مُشْتَركَة بَين الثَّلَاثَة: إِرَادَة الرَّحْمَة وَالِاسْتِغْفَار مِمَّن يصلونَ على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله إِن الله يرحم النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ويوصل إِلَيْهِ من الْخَيْر، وَالْمَلَائِكَة يعظمونه بِمَا فِي وسعهم فائتوا بهَا أَيهَا الْمُؤمنِينَ بِمَا يَلِيق بحالكم وَهُوَ الدُّعَاء لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ]
وَالْحَاصِل أَن معنى الصَّلَاة من الله على نبيه هُوَ أَن ينعم عَلَيْهِ بنعم يصحبها تكريم وتعظيم على مَا يَلِيق بِمَنْزِلَة النَّبِي عِنْده بِأَن يسمعهُ من كَلَامه الَّذِي لَا مثل لَهُ مَا تقر بِهِ عينه وتنبهج بِهِ نَفسه ويتسع بِهِ جاهه؛ وَمعنى السَّلَام عَلَيْهِ هُوَ أَن يُسلمهُ من كل آفَة مُنَافِيَة لغاية الْكَمَال، والمخلوق لَا يَسْتَغْنِي عَن زِيَادَة الدرجَة وَإِن كَانَ رفيع الْمنزلَة، على القَوْل بِعَدَمِ تناهي كَمَال الْإِنْسَان الْكَامِل، وَكَرَاهَة إِفْرَاد الصَّلَاة عَن السَّلَام إِنَّمَا هِيَ لفظا لَا خطا، أَو مَحْمُول على من جعله عَادَة، وَإِلَّا فقد وَقع الْإِفْرَاد فِي كَلَام جمَاعَة من أَئِمَّة الْهدى وَالصَّلَاة على مُحَمَّد صَلَاة على سَائِر الْأَنْبِيَاء أَيْضا لأَنهم كَانُوا منسلكين تَحت المناطق المحمدية ومظهرين صِفَات كَمَاله
وَكِتَابَة الصَّلَاة فِي أَوَائِل الْكتب قد حدثت فِي أثْنَاء الدولة العباسية، وَلِهَذَا وَقع كتاب البُخَارِيّ وَغَيره من القدماء عَارِيا عَنْهَا، وَالظَّاهِر أَنهم يكتفون بالتلفظ
قيل: الصَّلَاة جمع كَثْرَة بِدَلِيل {أقِيمُوا الصَّلَاة}
والصلوات: جمع قلَّة تَقول: خمس صلوَات
وَهَذَا غلط لِأَن بِنَاء صلوَات لَيْسَ للقلة لِأَن الله(1/554)
تَعَالَى لم يرد الْقَلِيل بقوله: {مَا نفذت كَلِمَات الله}
وَفِي التَّشْبِيه فِي الصَّلَاة الخليلية أَقْوَال: أقواها أَنه بِحَسب الْجِنْس لَا بِحَسب الشَّخْص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} فَيكون لمُجَرّد الْجمع بَينهمَا فِي المشابهة [لَا من بَاب إِلْحَاق النَّاقِص بالكامل] أَو مَدْخُول الأداة مشبه بِهِ الْآل لَا مُحَمَّد، وَالْوَاو تَجِيء للاستئناف عِنْد الْكُوفِيّين كالفاء
[وَالدُّعَاء بالترحم على مَا زَاده ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَإِن أوهم تقصيرا للمدعو لَهُ لكنه يكون من قبيل ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخ بالرحم على ابْنه الْجَانِي، فَالْمَعْنى ارْحَمْ مُحَمَّدًا إِذْ الرَّحِم على أمته كَمَا فِي " الْمَبْسُوط "]
وَالصَّلَاة فِي التَّنْزِيل تَأتي على أوجه:
الصَّلَوَات الْخمس: {ويقيمون الصَّلَاة}
وَصَلَاة الْعَصْر: {تحبسونهما فِي بعد الصَّلَاة}
وَصَلَاة الْجُمُعَة: {إِذا نُودي للصَّلَاة}
وَصَلَاة الْجِنَازَة: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم}
وَالدّين: {أصلاتك تأمرك}
وَالْقِرَاءَة: {وَلَا تجهربصلاتك}
وَالدُّعَاء قيل مِنْهُ: {وصل عَلَيْهِم إِن صَلَاتك سكن لَهُم} وَلَا يخفى أَنه بِاعْتِبَار تضمين معنى الْعَطف
ومواضع الصَّلَاة: {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}
وأصل الصَّلَاة (صلوة) بِالتَّحْرِيكِ قلبت واوها ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت صَلَاة تلفظ بِالْألف وتكتب بِالْوَاو إِشَارَة إِلَى الأَصْل الْمَذْكُور واتباعا للرسم العثماني مثل (الزكوة) و (الحيوة) و (الربوا) غير أَن المتطرفة يكْتب بعْدهَا الْألف دون المتوسطة إِلَّا إِذا أضيفت أَو ثنيت فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تكْتب بِالْألف نَحْو: (صَلَاتك) و (صلاتان)
وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه: لم تثبت بِالْوَاو فِي غير الْقُرْآن وَفِي " الْكَافِي " (الرِّبَا) قد يكْتب بِالْوَاو، وَهَذَا أقبح من كِتَابَة الصَّلَاة، لِأَنَّهُ متعرض للْوَقْف، وأقبح مِنْهُ أَنهم زادوا بعْدهَا ألفا تَشْبِيها بواو الْجمع، وَخط الْقُرْآن لَا يُقَاس عَلَيْهِ
[وَقَالَ عِصَام الدّين رَحمَه الله: الْكِتَابَة بِالْوَاو وَالْألف فِي (الربوا) لِأَن للفظ نَصِيبا مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لم تكْتب الصَّلَاة وَالزَّكَاة بهما لِئَلَّا يكون فِي مَظَنَّة الالتباس بِالْجمعِ](1/555)
الصدْق، بِالْكَسْرِ: هُوَ إِخْبَار عَن الْمخبر بِهِ على مَا هُوَ بِهِ مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ كَذَلِك
وَالْكذب: إِخْبَار عَن الْمخبر بِهِ على خلاف مَا هُوَ بِهِ مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ كَذَلِك
وَفِي " الْأَنْوَار " فِي قَوْله تَعَالَى: {ويحلفون على الْكَذِب وهم يعلمُونَ}
فِي هَذَا التَّقْيِيد دَلِيل على أَن الْكَذِب يعم مَا يعلم الْمخبر عدم مطابقته وَمَا لَا يعلم وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا، وَهُوَ كل خبر لَا يكون عَن بَصِيرَة بالمخبر عَنهُ، وَهَذَا افتراء والافتراء أخص من الْكَذِب
وَقيل: الْكَذِب عدم الْمُطَابقَة لما فِي نفس الْأَمر مُطلقًا، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ عدم الْمُطَابقَة عَمَّا من شَأْنه أَن يُطَابق لما فِي نفس الْأَمر
والصدق التَّام: هُوَ الْمُطَابقَة للْخَارِج والاعتقاد مَعًا، فَإِن انْعَدم وَاحِد مِنْهُمَا لم يكن صدقا تَاما بل إِمَّا أَن لَا يُوصف بِصدق وَلَا كذب كَقَوْل المبرسم الَّذِي لَا قصد لَهُ: (زيد فِي الدَّار) وَإِمَّا أَن يُقَال لَهُ صدق وَكذب باعتبارين، وَذَلِكَ إِن كَانَ مطابقا للْخَارِج غير مُطَابق للاعتقاد أَو بِالْعَكْسِ كَقَوْلِه النافقين: {نشْهد إِنَّك لرَسُول الله} فَيصح أَن يُقَال لهَذَا صدق اعْتِبَارا بالمطابقة لما فِي الْخَارِج، وَكذب لمُخَالفَة ضمير الْقَائِل، وَلِهَذَا أكذبهم الله تَعَالَى
[وَفِي كَون الْكَلَام صَادِقا وكاذبا مَعًا مغالطة مَشْهُورَة، وَهِي فِيمَا]
لَو قَالَ: (كل كَلَام أَتكَلّم بِهِ الْيَوْم فَهُوَ كَاذِب) ، وَلم يتَكَلَّم الْيَوْم بِمَا سوى هَذَا الْكَلَام أصلا فَإِن كَانَ هَذَا الْكَلَام كَاذِبًا يلْزم أَن يكون صَادِقا وَبِالْعَكْسِ
[حَتَّى أجَاب عَنهُ الْعَلامَة الدواني رَحمَه الله بِأَن الْقَائِل لَو قَالَ هَذَا مُشِيرا إِلَى نفس هَذَا الْكَلَام لم يَصح اتصافه بِالصّدقِ وَالْكذب لانْتِفَاء الْحِكَايَة عَن النِّسْبَة الْوَاقِعَة، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُوصف بهما الْكَلَام الَّذِي هُوَ إِخْبَار وحكاية عَن نِسْبَة وَاقعَة وَهِي مفقودة فِيهِ، بل لَا حِكَايَة حَقِيقَة فَيكون كلَاما خَالِيا عَن التَّحْصِيل لَا يكون خَبرا حَقِيقَة]
والصدق وَالْحق يتشاركان فِي المورد ويتفارقان بِحَسب الِاعْتِبَار، فَإِن الْمُطَابقَة بَين الشَّيْئَيْنِ تَقْتَضِي نِسْبَة كل مِنْهُمَا إِلَى الآخر بالمطابقة فَإِذا تطابقا فَإِن نسبنا الْوَاقِع إِلَى الِاعْتِقَاد كَانَ الْوَاقِع مطابقا (بِكَسْر الْبَاء) والاعتقاد مطابقا (بِفَتْح الْبَاء) فتسمى هَذِه الْمُطَابقَة الْقَائِمَة بالاعتقاد حَقًا، وَإِن عكسنا النِّسْبَة كَانَ الْأَمر على الْعَكْس فتسمى هَذِه الْمُطَابقَة الْقَائِمَة بالاعتقاد صدقا، وَإِنَّمَا اعْتبر هَكَذَا لِأَن الْحق والصدق لَا حَال القَوْل والاعتقاد لَا حَال الْوَاقِع.
والصدق: هُوَ أَن يكون الحكم لشَيْء على شَيْء إِثْبَاتًا أَو نفيا مطابقا لما فِي نفس الْأَمر
والتصديق: هُوَ الِاعْتِرَاف بالمطابقة لَكِن الِاعْتِرَاف بالمطابقة فِي حكم لَا يُوجب أَن يكون ذَلِك الحكم مطابقا والمطابقة الَّتِي أخذت فِي تَفْسِير التَّصْدِيق غير الْمُطَابقَة الَّتِي هِيَ وَاقعَة فِي(1/556)
نفس الْأَمر، فَإِن الأولى دَاخِلَة فِي التَّصْدِيق على وَجه التضمن، وَالثَّانيَِة خَارِجَة عَنهُ لَازِمَة لَهُ فِي بعض الْمَوَاضِع
والصدق وَالْكذب: يُوصف بهما الْكَلَام تَارَة والمتكلم أُخْرَى، والمأخوذ فِي تَعْرِيف الْخَبَر صفة الْكَلَام، وَمَا يذكر الْخَبَر فِي تَعْرِيفه هُوَ صفة الْمُتَكَلّم
والصدق فِي القَوْل: مجانبة الْكَذِب
وَفِي الْفِعْل: الْإِتْيَان بِهِ وَترك الِانْصِرَاف عَنهُ قبل تَمَامه
وَفِي النِّيَّة: الْعَزْم وَالْإِقَامَة عَلَيْهِ حَتَّى يبلغ الْفِعْل
وَصدق فِي الْحَرْب: ثَبت، كَمَا أَن كذب فِي الْحَرْب: بِمَعْنى هرب
وَصدق الله أَي: قَالَ مطابقا لما فِي نفس الْأَمر
وَالْكَاتِب صَادِق على الْإِنْسَان أَي: مَحْمُول عَلَيْهِ
وصدقت هَذِه الْقَضِيَّة فِي الْوَاقِع: أَي تحققت
وَيُقَال: هَذَا الرجل الصدْق بِفَتْح الصَّاد، وَإِذا أضفت إِلَيْهِ كسرتها
الصداقة: صدق الِاعْتِقَاد فِي الْمَوَدَّة، وَذَلِكَ مُخْتَصّ بالإنسان دون غَيره
وَرجل صدق: أَي ذُو صَلَاح لَا صدق اللِّسَان، أَلا ترى أَنَّك تَقول: (ثوب صدق) و (خمار صدق) أَي ذُو جودة
[وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {قد صدقت الرُّؤْيَا} لَيْسَ حققت مَا أمرت بِهِ بل صدقت الرُّؤْيَا، وَحمله على ظَاهره وَإِن كَانَ مَوَاطِن الرُّؤْيَا تَقْتَضِي التَّعْبِير عَنهُ، إِذْ لَو كَانَ المُرَاد تَحْقِيقه وامتثاله لما كَانَ لوُجُوب الْفِدَاء بعده فَائِدَة]
الصَّدَقَة: مَا أَعْطيته فِي ذَات الله تَعَالَى
وَفعله غب صَادِقَة: أَي بَعْدَمَا تبين لَهُ الْأَمر
والصادق: نعت النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للمدح لَا للتخصيص وَلَا للتوضيح، لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يكون إِلَّا صَادِقا، والتفعيل فِي التَّصْدِيق للنسبة لَا للتعدية، وَكَذَا فِي التَّكْذِيب، فتصديق النَّبِي نِسْبَة الصدْق إِلَيْهِ فِيمَا يخبر بِهِ وَقَوله تَعَالَى: {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق} فَمن الصدْق أَو من الصَّدَقَة: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ} أَي: حقق مَا أوردهُ قولا بِمَا تحراه فعلا
والصديقية: دَرَجَة أَعلَى من دَرَجَات الْولَايَة، وَأدنى من دَرَجَات النُّبُوَّة، وَلَا وَاسِطَة بَينهَا وَبَين النُّبُوَّة، فَمن جاوزها وَقع فِي النُّبُوَّة بِفضل الله تَعَالَى فِي الزَّمَان الأول
وصديقات: تَصْغِير (أصدقاء) وَإِن كَانَ لمؤنث
وصديقون: للمذكر
وصدقت الرجل فِي الحَدِيث تَصْدِيقًا
وأصدق الْمَرْأَة صَدَاقا
{وَلَقَد بوأنا بني إِسْرَائِيل مبوأ صدق} أنزلناهم منزلا صَالحا
الصاحب: الملازم إنْسَانا كَانَ أَو حَيَوَانا أَو مَكَانا أَو زَمَانا، وَلَا يفرق بَين أَن تكون مصاحبته بِالْبدنِ وَهُوَ الأَصْل وَالْأَكْثَر، أَو بالعناية والهمة(1/557)
(وَلَا يُقَال فِي الْعرف إِلَّا لمن كثرت ملازمته)
وَيُقَال للْمَالِك للشَّيْء هُوَ صَاحبه، وَكَذَلِكَ لمن يملك التَّصَرُّف
وَقد يُضَاف الصاحب إِلَى مسوسه نَحْو: صَاحب الْجَيْش، وَإِلَى سائسه نَحْو: صَاحب الْأَمِير
وَالصَّحَابَة: فِي الأَصْل مصدر أطلق على أَصْحَاب الرَّسُول، لَكِنَّهَا أخص من الْأَصْحَاب لكَونهَا بِغَلَبَة الِاسْتِعْمَال فِي أَصْحَاب الرَّسُول كَالْعلمِ لَهُم، وَلِهَذَا نسب الصَّحَابِيّ إِلَيْهَا بِخِلَاف الْأَصْحَاب
والصاحب مُشْتَقّ من الصُّحْبَة، وَهِي وَإِن كَانَت تعم الْقَلِيل وَالْكثير لَكِن الْعرف خصصها [لمن كثرت ملازمته وطالت صحبته]
ثمَّ الصَّحَابِيّ هُوَ من لَقِي النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد النُّبُوَّة فِي حَال حَيَاته يقظة مُؤمنا بِهِ وَمَات على ذَلِك وَلَو أعمى كَابْن أم مَكْتُوم وَغَيره مِمَّن حنكه النَّبِي أَو مسح وَجهه من الْأَطْفَال أَو من غير جنس الْبشر كوفد [جن] نَصِيبين
وَاسْتشْكل ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه " أَسد الغابة " دُخُوله فِي اسْم الصُّحْبَة، وَكَمن لقِيه من الْمَلَائِكَة لَيْلَة الْإِسْرَاء وَغَيرهَا بِنَاء على أَنه مُرْسل إِلَيْهِم أَيْضا، وَعَلِيهِ الْمُحَقِّقُونَ
وَقد عبر بَعضهم بالاجتماع دون اللِّقَاء إشعارا بِاشْتِرَاط الاتصاف بالتمييز فَلَا يدْخل فِي الصُّحْبَة من حنكه من الْأَطْفَال أَو مسح على وَجهه، إِذْ لَهُم رُؤْيَة وَلَيْسَ لَهُم صُحْبَة، وَخرج بِهِ أَيْضا الْأَنْبِيَاء الَّذين اجْتَمعُوا بِهِ لَيْلَة الْإِسْرَاء وَغَيرهَا، وَمن اجْتمع بِهِ من الْمَلَائِكَة لِأَن المُرَاد الِاجْتِمَاع الْمُتَعَارف لَا مَا وَقع على وَجه خرق الْعَادة
ومقامهم أجل من رُتْبَة الصُّحْبَة
وَالتَّابِع: هُوَ الَّذِي رأى الصَّحَابِيّ ولقيه وروى عَنهُ أَو لَا، وَلَا يشْتَرط فِيهِ وِلَادَته فِي زمن النَّبِي
وَالتَّابِع الَّذِي هُوَ من بني هَاشم وَبني الْمطلب هُوَ من الْآل لَا من الصَّحَابَة
وَصَاحب: يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد نَحْو: (صَاحب زيد عمرا) وَيُقَال (صَاحب زيد مَعَ عَمْرو) وَيُقَال للأدون إِنَّه صَاحب الْأَعْلَى لَا الْعَكْس
الصَّحِيح: هُوَ فِي الْعِبَادَات والمعاملات مَا استجمعت أَرْكَانه وشرائطه بِحَيْثُ يكون مُعْتَبرا فِي حق الحكم على حسب مَا اسْتعْمل فِي الحسيات
وَالصَّحِيح فِي الْحَيَوَان: مَا اعتدلت طَبِيعَته واستكملت قوته
وَالصَّحِيح من الْأَفْعَال: مَا سلمت أُصُوله من حُرُوف الْعلَّة وَإِن وجد الْهمزَة والتضعيف فِي أَحدهَا
والسالم: مَا سلم أُصُوله مِنْهُمَا أَيْضا
وَالصَّحِيح من البيع: مَا يكون مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ وَوَصفه، وَهُوَ المُرَاد بِالصَّحِيحِ عِنْد الْإِطْلَاق
وَالصِّحَّة فِي الْأُصُول إِذا أطلقت يُرَاد بهَا الصِّحَّة الشَّرْعِيَّة
الصَّوَاب: هُوَ الْأَمر الثَّابِت فِي نفس الْأَمر لَا يسوغ إِنْكَاره(1/558)
والصدق: هُوَ الَّذِي يكون مَا فِي الذِّهْن مُوَافقا للْخَارِج
وَالْحق: هُوَ الَّذِي يكون مَا فِي الْخَارِج مُوَافقا لما فِي الذِّهْن
[والسداد: هُوَ الصَّوَاب من القَوْل وَالْعَمَل]
وَالصَّوَاب وَالْخَطَأ: يستعملان فِي الْفُرُوع والمجتهدات
وَالْحق وَالْبَاطِل: يستعملان فِي الْأُصُول. المعتقدات، وَإِذا وجد الثَّوَاب وجد الصَّوَاب وَيُوجد بِدُونِهِ أَيْضا
وَالصَّوَاب يسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الْخَطَأ
الصُّورَة، بِالضَّمِّ: الشكل، وتستعمل بِمَعْنى النَّوْع وَالصّفة
وَهِي جَوْهَر بسيط لَا وجود لمحله دونه، إِذْ لَو وجد فَعرض على طَريقَة الْمُتَكَلِّمين لكَونهَا قَائِمَة بِالْغَيْر، وجوهر على طَريقَة الفلاسفة لِأَنَّهَا مَوْجُودَة لَا فِي مَوْضُوع لِأَنَّهَا لَيست فِي مَحل مقوم للْحَال بل هِيَ مقومة للمحل، وَكَذَا الصُّورَة الذهنية للجواهر وَالصُّورَة: مَا تنتقش بِهِ الْأَعْيَان وتميزها عَن غَيرهَا
وَقد تطلق الصُّورَة على تَرْتِيب الأشكال وَوضع بَعْضهَا من بعض وَاخْتِلَاف تركيبها وَهِي الصُّورَة الْمَخْصُوصَة
وَقد تطلق على تركيب الْمعَانِي الَّتِي لَيست محسوسة فَإِن للمعاني ترتيبا أَيْضا وتركيبا وتناسبا، وَيُسمى ذَلِك صُورَة فَيُقَال صُورَة الْمَسْأَلَة، وَصُورَة الْوَاقِعَة، وَصُورَة الْعُلُوم الحسابية والعقلية كَذَا وَكَذَا وَالْمرَاد التَّسْوِيَة فِي هَذِه الصُّورَة المعنوية
وَالصُّورَة النوعية: هِيَ الْجَوْهَر الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَجْسَام أنواعا
وَالصُّورَة الذهنية: قَائِمَة بالذهن قيام الْعرض بِالْمحل
وَالصُّورَة الخارجية: هِيَ إِمَّا قَائِمَة بذاتها إِن كَانَت الصُّورَة جوهرية، أَو بِمحل غير الذِّهْن إِن كَانَت الصُّورَة عرضية، كالصورة الَّتِي ترَاهَا مرتسمة فِي الْمرْآة من الصُّورَة الخارجية
وَقد يُرَاد بالصورة الصّفة كَمَا فِي حَدِيث [" رَأَيْت رَبِّي فِي مَنَامِي فِي أحسن صُورَة " أَي: صفة يَعْنِي فِي أحسن إكرام ولطف وَقَالُوا فِي حَدِيث] " إِن الله خلق آدم على صورته " فَإِن أصل الصِّفَات مُشْتَركَة، والتفاوت فِيهَا إِنَّمَا نَشأ من الانتساب الى الْمَوْصُوف لما تقرر عِنْد أَئِمَّة الْكَشْف وَالتَّحْقِيق أَن للصفات أحكاما فِي(1/559)
الْمَوْصُوف، فَإِن الْعلم وَالْقُدْرَة يصير بهما الْمَوْصُوف عَالما وقادرا كَذَلِك للموصوفات أَحْكَام فِي الصِّفَات، فَإِن الْعلم وَالْقُدْرَة بانتسابهما إِلَى الْقَدِيم يصيران قديمين، وبالانتساب إِلَى الْحَادِث يصيران حادثين، فوجوده تَعَالَى وَسَائِر صِفَاته مُقْتَضى ذَاته بل عين ذَاته، بِخِلَاف وجود الْإِنْسَان وَصِفَاته
[وَفِي هَذَا الحَدِيث أَقْوَال غير هَذَا مِنْهَا: أَن الضَّمِير عَائِد إِلَى آدم أَي خلق الله آدم على صورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي أول الْخلقَة، وَمَا كَانَ فِيهِ اسْتِحَالَة صُورَة وتبديل هَيْئَة من النُّطْفَة إِلَى الْعلقَة وَمِنْهَا إِلَى غَيرهَا كَمَا فِي أَوْلَاده، وَيُؤَيّد هَذَا الْوَجْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " فَكل من يدْخل الْجنَّة على صُورَة آدم وَطوله سِتُّونَ ذِرَاعا " وَالرِّوَايَة بِالْفَاءِ فِي " البُخَارِيّ " رَضِي الله عَنهُ وَجَمِيع نسخ " المصابيح "، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الحَدِيث ورد فِي رجل لطم وَجه رجل فزجره النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ ذَلِك، فَالضَّمِير عَائِد إِلَى الملطوم]
الصَّيْحَة: [رفع الصَّوْت] قد يُرَاد بهَا الْمصدر بِمَعْنى الصياح فَيحسن فِيهَا التَّذْكِير، وَقد يُرَاد بهَا الْوحدَة من الْمصدر فَيحسن فِيهَا التَّأْنِيث [والأصوات الحيوانية من حَيْثُ إِنَّهَا تَابِعَة للتخيلات منزلَة منزلَة الْعبارَات]
الصَّبْر: الْحَبْس
صَبر عَنهُ يصبره: حَبسه
وَالصَّبْر فِي الْمُصِيبَة: وَأما فِي الْمُحَاربَة فَهُوَ شجاعة، وَفِي إمْسَاك النَّفس عَن الفضول قناعة وعفة، وَفِي إمْسَاك كَلَام الضَّمِير كتمان
فاختلاف الْأَسَامِي باخْتلَاف المواقع
والصبرة بِالضَّمِّ: مَا جمع من الطَّعَام بِلَا كيل وَلَا وزن
والصبور: هُوَ الَّذِي لَا يُعَاقب الْمُسِيء مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ، وَكَذَا الْحَلِيم.
وَشهر الصَّبْر: شهر الصَّوْم
{فَمَا أصبرهم على النَّار} : أَي: مَا أجرأهم أَو مَا أعملهم بِعَمَل أَهلهَا
واصطبر لِلْعِبَادَةِ: كَقَوْلِك للمحارب اصطبر لقرنك
أعظم الخطية صَبر البلية [كَمَا هُوَ الْمُسْتَعْمل فِي الْجَاهِلِيَّة] . الصِّيغَة: هِيَ الْهَيْئَة الْعَارِضَة للفظ بِاعْتِبَار الحركات والسكنات وَتَقْدِيم بعض الْحُرُوف على بعض، وَهِي صُورَة الْكَلِمَة والحروف مادتها
والأنبية: هِيَ الْحُرُوف مَعَ الحركات والسكنات الْمَخْصُوصَة.
الصُّلْح، بِالضَّمِّ: السّلم، وَيُؤَنث
وَالصَّلَاح: ضد الْفساد، وَصلح (كمنع وكرم)
وَأَصْلحهُ ضد أفْسدهُ وَأصْلح إِلَيْهِ: أحسن حكى الْفراء الضَّم فِيمَا مضى، وَهُوَ بِالضَّمِّ اتِّفَاقًا إِذا صَار الصّلاح هَيْئَة لَازِمَة كالشرف وَنَحْوه، وَلَا يسْتَعْمل الصّلاح فِي النعوت فَلَا يُقَال: قَول صَلَاح، وَإِنَّمَا يُقَال: قَول صَالح، وَعمل صَالح(1/560)
وَالصَّلَاح: هُوَ سلوك طَرِيق الْهدى وَقيل: هُوَ استقامة الْحَال على مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْعقل
والصالح: الْمُسْتَقيم الْحَال فِي نَفسه وَقَالَ بَعضهم: الْقَائِم بِمَا عَلَيْهِ من حُقُوق الله وَحُقُوق الْعباد
والكمال فِي الصّلاح مُنْتَهى دَرَجَات الْمُؤمنِينَ ومتمنى الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ [وسبيل رَجَاء الصّلاح من سيدنَا يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ سَبِيل الاسْتِغْفَار من سيدنَا مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَمَا ذَاك وَأَمْثَاله إِلَّا لهضم النَّفس] وَفِي " وقف الْخصاف ": من كَانَ مَسْتُورا لَيْسَ بمهتوك وَلَا صَاحب رِيبَة وَكَانَ مُسْتَقِيم الطَّرِيقَة سليم النَّاحِيَة من الْأَذَى، قَلِيل السوء، لَيْسَ يعاقر النَّبِيذ وَلَا ينادم عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بقذاف للمحصنات وَلَا مَعْرُوفا بكذب، فَهَذَا عندنَا من أهل الصّلاح)
الصعُود: صعد فِي السّلم (كسمع) صعُودًا وَفِي الْجَبَل وَعَلِيهِ تصعيدا
وأصعد فِي الأَرْض: وَهُوَ أَن يتَوَجَّه مُسْتَقْبل أَرض أرفع من الْأُخْرَى وَعَن أبي عَمْرو: ذهب أَيْنَمَا توجه
وَقد يعدى بإلى لتَضَمّنه معنى الْقَصْد والتوجه واستعير الصعُود لما يصل من العَبْد إِلَى الله: [ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} ] كَمَا أستعير النُّزُول لما يصل من الله [إِلَى العَبْد
(والصعود (بِالْفَتْح) : ضد الهبوط)
وَبلغ كَذَا فَصَاعِدا أَي: فَمَا فَوق ذَلِك
الصدع: صدعه (كمنعه) : شقَّه أَو شقَّه نِصْفَيْنِ، أَو شقَّه وَلم يفْتَرق
وَفُلَانًا: قَصده لكرمه
وبالحق: تكلم بِهِ جهارا
وبالأمر: أصَاب بِهِ مَوْضِعه وجاهر بِهِ
وَإِلَيْهِ صدوعا: مَال
وَعنهُ: انْصَرف. والفلاة: قطعهَا
وَقَوله تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} أَي: شقّ جَمَاعَتهمْ بِالتَّوْحِيدِ، أَو اجهر بِالْقُرْآنِ، أَو أظهر، أَو احكم بِالْحَقِّ، وافصل بِالْأَمر، أَو اقصد بِمَا تُؤمر، أَو فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل
[الصَّعق (محركة) : شدَّة الصَّوْت، وك (كتف) : الشَّديد الصَّوْت]
الصاعقة: فِي " الْقَامُوس ": الْمَوْت وكل عَذَاب مهلك، وَالنَّار
فالموت كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض}
وَالْعَذَاب كَقَوْلِه: {فَأَخَذتهم صَاعِقَة}
وَالنَّار كَقَوْلِه: {يُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء}
[قَوْله تَعَالَى: {وخر مُوسَى صعقا} أَي:(1/561)
مغشيا عَلَيْهِ]
وصيحة الْعَذَاب
والمخراق الَّذِي بيد الْملك سائق السَّحَاب، وَهُوَ جرم ثقيل مذاب مفرغ فِي الْأَجْزَاء اللطيفة الأرضية الصاعدة الْمُسَمَّاة دخانا والمائية الْمُسَمَّاة بخارا، وَهُوَ حاد فِي غَايَة الحدة والحرارة، لَا يَقع على شَيْء إِلَّا تفتت وأحرق وَنفذ فِي الأَرْض حَتَّى يبلغ المَاء فينطفئ وَيقف وَمِنْه الخارصيني
الصَّرِيح: هُوَ مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله فِيهِ
وَالْكِنَايَة: خَفِي اسْتِعْمَاله فِيهِ وَفِي غَيره
وَحكم الأول ثُبُوت مَدْلُوله مُطلقًا، وَحكم الثَّانِي ثُبُوته بنية
الصّرْف: هُوَ أخص من الْمَنْع لِأَن الْمَنْع لَا يلْزمه اندفاع الْمَمْنُوع عَن جِهَة بِخِلَاف الصّرْف
وَفِي الشَّرِيعَة: بيع الثّمن بِالثّمن أَي: أحد الحجرين بِالْآخرِ
وَصرف الحَدِيث: أَن يُزَاد فِيهِ وَيحسن من الصّرْف فِي الدَّرَاهِم، وَهُوَ فضل بَعْضهَا على بعض فِي الْقيمَة
والصيرفي: الْمُحْتَال فِي الْأُمُور، كالصريف وصراف الدَّرَاهِم
وتصريف الْآيَات: تبيينها
وَفِي الدَّرَاهِم: إنفاقها
وَفِي الْكَلَام: اشتقاق بعضه من بعض
وَفِي الرِّيَاح: تحويلها من وَجه إِلَى وَجه
وَفِي الْخمر: شربهَا صرفا
الصَّوْت: هُوَ من صات يصوت ويصات: إِذا نَادَى
والصيت: الذّكر الْحسن
الصدى: هُوَ مَا يجيبك من الْوَادي
قَالُوا فِي تَعْرِيف الصَّوْت: هُوَ كَيْفيَّة قَائِمَة بالهواء تحدث بِسَبَب تموجه بالقرع أَو الْقلع فتصل إِلَى الصماخ بِسَبَب وُصُول محلهَا وَهُوَ الْهَوَاء وَلَيْسَ كَذَلِك، إِذْ لَو كَانَ قَائِما بالهواء لما سمع من قَعْر المَاء وَكَذَا من وَرَاء جِدَار دق، وَلَا يشْتَرط لإدراكه وُصُول الْهَوَاء المقروع لهذين، وَلِأَنَّهُ يسمع من الْمَكَان العالي، والهواء لَا ينزل طبعا وَلَا قسرا وَالصَّوْت أَعم من النُّطْق وَالْكَلَام.
وَمَا لم يسمع من الْمُتَكَلّم من كَانَ يقرب مِنْهُ فَهُوَ دندنة لَا كَلَام]
(والأصوات الحيوانية من حَيْثُ إِنَّهَا تَابِعَة للتخيلات منزلَة منزلَة الْعِبَادَات) وَمَا خرج من الْفَم إِن لم يشْتَمل على حرف فَهُوَ صَوت، وَإِن اشْتَمَل وَلم يفد معنى فَهُوَ لفظ، وَإِن أَفَادَ معنى فَقَوْل، فَإِن كَانَ مُفردا فكلمة، أَو مركبا من اثْنَيْنِ وَلم يفد نِسْبَة مَقْصُودَة فجملة، أَو أَفَادَ ذَلِك فَكَلَام، أَو من ثَلَاثَة فَكلم
الصفح: هُوَ ترك التثريب، وَهُوَ أبلغ من الْعَفو، وَقد يفعو الْإِنْسَان وَلَا يصفح
والصفح مِنْك: جَنْبك وَمن الْوَجْه وَالسيف: عرضه، وَيضم
الصَّلِيب: المربع الْمَشْهُور لِلنَّصَارَى من(1/562)
الْخشب. يدعونَ أَن عِيسَى النَّبِي صلب على خَشَبَة على تِلْكَ الصُّورَة
الصقع (بِالْقَافِ) : الضَّرْب بالراحة على مقدم الرَّأْس
و [الصفع] ، بِالْفَاءِ: هُوَ الضَّرْب على الْقَفَا، وَيُقَال: ذُو الْقَاف فِي الْأَجْسَام الأرضية
والصعق: بِتَقْدِيم الْعين فِي الْأَجْسَام العلوية
والصفقة: ضرب الْيَد على الْيَد فِي البيع والبيعة، ثمَّ جعلت عبارَة عَن العقد نَفسه
الصَّبْغ (بِالْفَتْح) : التلوين
وبالكسر: مَا يصْبغ بِهِ
والصبغة (بِالْكَسْرِ والسكون) : الدّين وَالْملَّة
وصبغة الله: فطرته أَو الَّتِي أَمر بهَا مُحَمَّدًا فِي الختانة
والصباغ: من يلون الثِّيَاب
الصنع: هُوَ تركيب الصُّورَة فِي الْمَادَّة
وصنع إِلَيْهِ مَعْرُوفا، وصنع بِهِ صنعا قبيحا: أَي فعل
الصِّلَة: [هِيَ فِي الِاصْطِلَاح مَا هُوَ فِي موقع الْمَفْعُول بِهِ] تقال [بالاشتراك] عِنْدهم على ثَلَاثَة:
صلَة الْمَوْصُول: وَهِي الَّتِي يسميها سِيبَوَيْهٍ حَشْوًا، أَي: لَيست أصلا وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَة يتم بهَا الِاسْم ويوضح مَعْنَاهُ
وَهَذَا الْحَرْف صلَة: أَي زَائِدَة
وحرف جر صلَة بِمَعْنى وصلَة كَقَوْلِه: (مَرَرْت بزيد)
الصراحية: هِيَ آنِية للخمر
و [الصراحية] بِالتَّخْفِيفِ: الْخمر الْخَالِصَة
الصدف: هُوَ حَيَوَان من جنس السّمك يخلق الله اللُّؤْلُؤ فِيهِ من مطر الرّبيع، وَيخرج من ملتقى الْبَحْرين العذب والمالح. وَقد نظمت فِيهِ:
(ولؤلؤة قد جردت صدفيها ... وتأزرت لون السما زرقيها)
(فَسُئِلت من وَجه تلونها لما ... فأجبته إِن ذَاك من بحريها)
الصَّقْر: هُوَ كل طير يصيد من البزاة والشواهين، وَاللَّبن الْخَالِص، والدبس، وَعسل الرطب وَالزَّبِيب
الصَّوْم: هُوَ فِي الأَصْل الْإِمْسَاك عَن الْفِعْل، مطعما كَانَ أَو كلَاما أَو مشيا
وَفِي الشَّرْع: إمْسَاك الْمُكَلف بِالنِّيَّةِ من الْخَيط الْأَبْيَض إِلَى الْخَيط الْأسود عَن تنَاول الأطيبين والاستمناء والاستقاء
والصائم للْوَاحِد والجميع
وَالصَّوْم مركب من أَجزَاء متفقة، فَينْطَلق على بعضه اسْم الْكل كاسم المَاء ينْطَلق على مَاء الْبَحْر وعَلى القطرة، وَلِهَذَا لَو حلف أَن لَا يَصُوم حنث [بالامساك] سَاعَة نَاوِيا إِلَّا أَن يذكر الْمصدر فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَث بِمَا دون يَوْم، كَذَا فِي (لَا يُصَلِّي) ، فَإِنَّهُ يَحْنَث بِدُونِ ذكر الْمصدر بِرَكْعَة صَحِيحَة، وبذكره لَا يَحْنَث بِمَا دون رَكْعَتَيْنِ إِذْ الْمصدر للكمال
[لَكِن فرق بَين الصَّوْم وَالصَّلَاة من حَيْثُ إِن(1/563)
الصَّلَاة مَاهِيَّة مركبة من الْقيام وَالْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود، إِلَّا أَنَّهَا لَا ينْطَلق على بعض جزئها اسْم الْكل كَمَا فِي الصَّوْم
وَاعْلَم أَن الصَّلَاة لما اشْتَمَلت على حركات وسكنات، وَالْحَرَكَة عبارَة عَن شغل حيّز بعد أَن كَانَ فِي حيّز آخر
والسكون عبارَة عَن شغل حيّز وَاحِد فِي زمانين، فشغل الحيز جُزْء مَاهِيَّة الْحَرَكَة والسكون، وهما جُزْء مَاهِيَّة الصَّلَاة، وجزء الْجُزْء جزئي، اسْتدلَّ بِهِ أَحْمد والإمامية والزيدية وَبَعض الْمُتَكَلِّمين كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ على عدم صِحَة الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة، فَإِن شغل الحيز فِي هَذِه الصُّورَة مَنْهِيّ عَنهُ، لِأَنَّهُ كَون فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة، وَهِي مَنْهِيّ عَنهُ فَكَانَ جُزْء مَاهِيَّة هَذِه الصَّلَاة مَنْهِيّا عَنهُ، وعَلى هَذَا التَّقْرِير فالغصب وَالْمحرم هَهُنَا جُزْء من مَاهِيَّة الصَّلَاة فاستحال تعلق الْأَمر بِهَذِهِ الصَّلَاة فَلم تكن هَذِه الصَّلَاة مَأْمُورا بهَا، إِذْ الْأَمر بِالْكُلِّ التركيبي أَمر بالجزئي، فَلَا يكون آتِيَا بالمأمور بِهِ، وَالْجَوَاب عَنهُ أَن الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة لَيست مَأْمُورا بهَا من حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاة مُقَيّدَة بِكَوْنِهَا فِي تِلْكَ الأَرْض، بل من حَيْثُ هِيَ صَلَاة مُطلقًا، وَحِينَئِذٍ كَون جُزْء الصَّلَاة الْمُطلقَة مَنْهِيّا عِنْدهم، والهيئة الْحَاصِلَة بهَا بعد الْجمع، وَإِن كَانَت مَنْهِيّا عَنْهَا، لَكِن لَا تكون مُوجبَة لنهي الصَّلَاة الْمُطلقَة، ضَرُورَة كَونهَا غير لَازِمَة لَهَا، إِذْ الْمُطلقَة قد تتَحَقَّق بِدُونِهَا، وَإِذا كَانَت الْمُطلقَة غير مَنْهِيّ عَنْهَا أُتِي بهَا لِأَنَّهُ قد أُتِي بِالصَّلَاةِ الْمقيدَة، والمقيد يسْتَلْزم الْمُطلق فَيكون قد أُتِي بالمأمور بهَا
نَظِيره مَا قَالَ السَّيِّد لعَبْدِهِ: افْعَل هَذَا، أَو لَا تدخل هَذِه الدَّار، فَإِنَّهُ إِذا فعل الْمَأْمُور فِي الدَّار الْمنْهِي عَنْهَا يقطع بِطَاعَتِهِ من حَيْثُ إِنَّه أَتَى بالمأمور بِهِ، وَيقطع بعصيانه نصا من حَيْثُ إِنَّه دخل الدَّار الْمنْهِي عَن دُخُولهَا، كَذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ، فَلَا يلْزم توارد الْأَمر وَالنَّهْي على الشَّيْء الْوَاحِد بِاعْتِبَار الْوَاحِد، وَقد أجَاب الإِمَام الْغَزالِيّ عَلَيْهِ الرَّحْمَة عَنهُ بِأَن " جِهَة كَونهَا صَلَاة مُغَايرَة لجِهَة كَونهَا غصبا، وَلما تغايرت الجهتان لم يبعد أَن يتَفَرَّع على كل وَاحِد من هَاتين الْجِهَتَيْنِ مَا يَلِيق بِهِ انْتهى وَقد ضعفه الرَّازِيّ بِمَا نَقَلْنَاهُ]
صه: هُوَ صَوت أوقع موقع حُرُوف الْفِعْل،: وَيُقَال للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع والمؤنث، بِخِلَاف (اسْكُتْ)
وصه بِالتَّنْوِينِ: بِمَعْنى اسْكُتْ سكُوتًا تَاما فِي وَقت مَا، وَبلا تَنْوِين: اسْكُتْ سكوتك، ثمَّ أقيم (صه) مقَامه، وَلما كَانَ هُوَ سَادًّا مسد الْفِعْل اعْتبر النحويون بِأَنَّهُ اسْم الْفِعْل قصرا للمسافة، وَإِلَّا فَهُوَ اسْم للمصدر فِي الْحَقِيقَة
صَار: هِيَ تَامَّة قد تكون لَازِمَة بِمَعْنى رَجَعَ وتتعدى بإلى: {وَإِلَى الله الْمصير} وَقد تكون متعدية بِمَعْنى (آمال) نَحْو {فصرهن إِلَيْك}
وَيلْحق بصار مثل: آل وَرجع واستحال وتحول وارتد: {فَارْتَد بَصيرًا}
الصمم: هُوَ أَن يكون الصماخ قد خلق بَاطِنه(1/564)
أَصمّ لَيْسَ فِيهِ التجويف الْبَاطِن الْمُشْتَمل على الْهَوَاء الراكد الَّذِي يسمع الصَّوْت بتموجه
والطرش والوقر: هُوَ أَن تمنع الآفة عَن الْحس
وصمم الْأَمر: مُضِيّ على رَأْيه فِيهِ
وصممت عزيمتي: بِالتَّخْفِيفِ لَا بِالتَّشْدِيدِ
صدر عَن الْمَكَان: رَجَعَ [وَمِنْه طواف الصَّدْر]
وَإِلَيْهِ: جَاءَ
واغلوارد: الجائي.
والصادر: المنصرف)
الصِّبَا: صبا، من اللَّهْو يصبو صبوة
وَصبي، من فعل الصبى، يصبي صبى بِالْكَسْرِ وَالْقصر، وصباء بِالْفَتْح وَالْمدّ
الصَّحرَاء: هُوَ فضاء وَاسع لَا نَبَات فِيهِ، والأتان الَّتِي يمازج بياضها غبرة، وَقد نظمت فِيهِ:
(تعيش بِلَا أَمن من الدَّهْر لَحْظَة ... كصحراء فِي وَادي السبَاع تعيش)
[الصَّغِير] : قَالَ سِيبَوَيْهٍ، لَا يُقَال صَغِير وأصاغر إِلَّا بِالْألف وَاللَّام، كَذَا سمعنَا الْعَرَب (تَقول: الأصاغر) وَإِن شِئْت قلت: الأصغرون
وَصغر: ككرم صغرا وصغارة بِالْفَتْح خلاف الْعظم، أَو الأول فِي الجرم وَالثَّانِي فِي الْقدر
صَالح: (النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) وَهُوَ ابْن عبيد [بن سيف بن ناشخ بن عبيد بن حاذر بن ثَمُود بن عَاد بن عوس بن إرم بن سَام بن سيدنَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام] بَعثه الله إِلَى قومه وَهُوَ شَاب، وَكَانُوا عربا مَنَازِلهمْ بَين الْحجاز وَالشَّام، فَأَقَامَ فيهم عشْرين سنة، وَمَات بِمَكَّة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة
[نوع]
{الصَّمد} : السَّيِّد المصمود إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج، من (صَمد) إِذا قصد
{الصاخة} : النفخة
{صرعى} : موتى
{كالصريم} : كالبستان الَّذِي صرمت ثماره أَي: ذهبت
{من مَاء صديد} : هُوَ مَاء يسيل من جُلُود أهل النَّار
{إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم} : إِلَّا من سبق فِي علمه أَنه من أهل النَّار فيصلاها لَا محَالة
{فَصعِقَ} : خر مَيتا أَو مغشيا عَلَيْهِ
{فصكت وَجههَا} : فلطمت بأطراف(1/565)
الْأَصَابِع جبهتها فعل المتعجب
{كَانَ صديقا} : ملازما للصدق، كثير التَّصْدِيق
{صواف} : قائمات قد صففن أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ
{أَو كصيب من السَّمَاء} : من الصوب، وَهُوَ النُّزُول، يُقَال للمطر والسحاب
{صبغة الله} : فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا فَإِنَّهَا حلية الْإِنْسَان
{صد} : صرف وَمنع
{كَمثل صَفْوَان} : كَمثل حجر صلد أملس نقي من التُّرَاب
{صاغرون} : عاجزون أذلاء
{صفراء فَاقِع} : يُقَال أصفر فَاقِع، وأحمر قان، وأخضر ناضر، وأسود حالك، فَهَذِهِ التوابع تدل على شدَّة الْوَصْف وخلوصه
{فِيهَا صر} : برد شَدِيد، والشائع إِطْلَاقه للريح الْبَارِدَة
{صدف} : أعرض
{صره} : صَيْحَة
{صدقاتهن} : مهورهن
{صِرَاط مُسْتَقِيم} : طَرِيق النَّار
{وَقَالَ صَوَابا} : لَا إِلَه إِلَّا الله.
{من صياصيهم} : من حصونهم
{الصُّور} : الْقرن بلغَة عك {فَلَا صريخ لَهُم} : فَلَا مغيث لَهُم يحرسهم من الْغَرق، أَو فَلَا إغاثة لَهُم
{صغَار} : ذل وحقارة
{عذَابا صعدا} : شاقا يَعْلُو المعذب ويغلبه
{صفصفا} : مستويا
{وصبغ للآكلين} : أَي: الدّهن إدام يصْبغ بِهِ الْخبز أَي: يغمس فِيهِ للائتدام
{وصلوات} : كنائس الْيَهُود
{صوامع} : صوامع الرهابنة
{الصافنات} : الصَّافِن من الْخَيل: الَّذِي يقوم على طرف سنبك يَد أَو رجل
{صرفنَا إِلَيْك} : أملنا إِلَيْك(1/566)
{صَعِيدا زلقا} : أَرضًا ملساء يزلق عَلَيْهَا باستئصال مَا فِيهَا من النَّبَات
{صارمين} : قاطعين
{برِيح صَرْصَر} : أَي: شَدِيدَة الصَّوْت أَو الْبرد من الصر أَو الصر
{صرعى} : موتى
{فقد صغت قُلُوبكُمَا} : فقد مَالَتْ (قُلُوبكُمَا عَن الْوَاجِب من مخالصة الرَّسُول)
{صواع الْملك} : أَي: صاعه
{وَلَقَد صرفنَا} : كررنا وَبينا
{الصلصال} : الطين الْيَابِس الَّذِي لَهُ صلصلة أَي صَوت
{فصرهن} : فأملهن واضممهن
{صنْوَان} : مُجْتَمع
{الصدفين} : الجبلين. [أَو ناحيتي الْجَبَل أَو ناحيتين من الجبلين
{لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا} : ثبتنا عَلَيْهَا واستمسكنا بعبادتها
{وصهرا} : وإناثا يصاهر بِهن
{صابئين} : خَارِجين من دين إِلَى دين
وَقيل: هم الَّذين يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَيصلونَ إِلَى الْقبْلَة ويقرأون الْقُرْآن، وَقيل: هم قوم بَين النَّصَارَى وَالْمَجُوس
{من الصاغرين} : مِمَّن أهانه الله بكبره.
{الصَّيْد} : هُوَ مَا كَانَ مُمْتَنعا وَلم يكن لَهُ مَالك وَكَانَ حَلَالا أكله صرفا
{وَلَا نصرا} : أَي حِيلَة وَلَا نصْرَة
{صرح} : قصر
{صريم} : ليل وصبح أَيْضا، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ينْصَرف عَن صَاحبه
صهر: قرَابَة من النِّكَاح
{صِرَاط مُسْتَقِيم} : طَرِيق وَاضح وَهُوَ الْإِسْلَام
(فصل الضَّاد)
[الضلال] : كل عدُول عَن النهج عمدا أَو سَهوا قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا، فَهُوَ ضلال(1/567)
[الضمار] : كل مَا لَا تكون مِنْهُ على ثِقَة فَهُوَ ضمار
[الضَّمَان] : كل شَيْء جعلته فِي وعَاء فقد ضمنته
[الضَّمِير] : كل ضمير وَقع بَين اثْنَيْنِ مُذَكّر ومؤنث هما عبارتان عَن مَدْلُول وَاحِد جَازَ فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث كَقَوْلِهِم: (الْكَلَام يُسمى جملَة)
وَتَقْدِيم الضَّمِير على الْمَذْكُور لفظا وَمعنى غير جَائِز عِنْد النَّحْوِيين، وَقَالَ ابْن جني بِجَوَازِهِ وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنهُ لفظا وَمعنى فَلَا نزاع فِي صِحَّته، وَإِن كَانَ مُتَقَدما لفظا ومتأخرا معنى كَمَا فِي قَوْلك: (ضرب غُلَامه زيد) لِأَن الْمَنْصُوب مُتَأَخّر عَن الْمَرْفُوع فِي التَّقْدِير فَلَا جرم كَانَ جَائِزا، وَإِن كَانَ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه} فَلَا جرم كَانَ جَائِزا حسنا
وإلحاق ضمير الْمُؤَنَّث قبل ذكر الْفَاعِل يجوز بالِاتِّفَاقِ وَيحسن
وإلحاق ضمير الْجمع قبله قَبِيح عِنْد الْأَكْثَرين
وَإِذا اجْتمع فِي الضمائر مُرَاعَاة اللَّفْظ وَالْمعْنَى بُدِئَ بِاللَّفْظِ ثمَّ بِالْمَعْنَى
هَذَا هُوَ الجادة فِي الْقُرْآن: [كَقَوْلِه] {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين}
والعائد يَنْبَغِي أَن يُسَاوِي عدته المعود عَلَيْهِ فِي الْإِفْرَاد والتثنية وَالْجمع، وَيُوَافِقهُ فِي حَاله من التَّذْكِير والتأنيث، وَلَا يعود الضَّمِير غَالِبا على جمع العاقلات إِلَّا بِصِيغَة الْجمع سَوَاء كَانَ للقلة أَو للكثرة نَحْو: {والوالدات يرضعن}
وَورد الْإِفْرَاد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَزْوَاج مطهرة} وَأما غير الْعَاقِل فالغالب فِي جمع الْكَثْرَة الْإِفْرَاد، وَفِي جمع الْقلَّة الْجمع وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا} إِلَى أَن قَالَ {مِنْهَا أَرْبَعَة حرم} فَأَعَادَ مِنْهَا بِصِيغَة الْإِفْرَاد على الشُّهُور وَهِي للكثرة {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ} فَأَعَادَهُ جمعا على {أَرْبَعَة حرم} وَهِي للقلة
وَلَا بُد للضمير من مرجع يعود إِلَيْهِ وَيكون ملفوظا بِهِ سَابِقًا مطابقا نَحْو: {وَعصى آدم ربه}
أَو متضمنا لَهُ نَحْو: {اعدلوا هُوَ أقرب} أَو دَالا عَلَيْهِ بالالتزام نَحْو: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} أَو مُتَأَخِّرًا لفظا لَا رُتْبَة مطابقا نَحْو: {وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون}
أَو رُتْبَة أَيْضا، وَذَلِكَ فِي بَاب ضمير الشَّأْن والقصة وَنعم وَبئسَ والتنازع
أَو مُتَأَخِّرًا دَالا بالالتزام نَحْو: {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب}
وَقد يدل عَلَيْهِ السِّيَاق فيضمر ثِقَة بفهم السَّامع نَحْو: {كل من عَلَيْهَا فان}
وَقد يعود على لفظ الْمَذْكُور دون مَعْنَاهُ نَحْو: {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره}(1/568)
وَقد يعود على الْمَعْنى نَحْو: {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} فَإِن الْمَعْنى وَإِن كَانَ من يَرث اثْنَيْنِ
فَمن يَرث مُفْرد (ثنى) نظرا إِلَى الْخَبَر
وَقد يعود على لفظ شَيْء وَالْمرَاد بِهِ الْجِنْس من ذَلِك الشَّيْء نَحْو: {إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما}
وَقد يذكر شَيْئَانِ ويعاد الضَّمِير إِلَى أَحدهمَا وَالْغَالِب كَونه للثَّانِي نَحْو: {اسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة}
وَقد يثنى الضَّمِير وَيعود على أحد الْمَذْكُورين نَحْو: {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان}
وَقد يعود الضَّمِير على ملابس مَا هُوَ لَهُ نَحْو: {إِلَّا غشية أوضحاها} أَي: ضحى يَوْمهَا
وَمن سنَن الْعَرَب أَن تذكر جمَاعَة وَجَمَاعَة أَو جمَاعَة وواحدا ثمَّ تخبر عَنْهُمَا بِلَفْظ الِاثْنَيْنِ نَحْو قَوْله: {أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقمناهما}
وَالْأَصْل فِي الضَّمِير عوده إِلَى أقرب مَذْكُور إِلَّا أَن يكون مُضَافا ومضافا إِلَيْهِ فَحِينَئِذٍ الأَصْل عوده إِلَى الْمُضَاف لِأَنَّهُ الْمُحدث عَنهُ
وَقد يعود على الْمُضَاف إِلَيْهِ نَحْو: {كَمثل الْحمار يحمل أسفارا}
وَقد يبهم الضَّمِير بِحَيْثُ لَا يعلم مَا معنى بِهِ إِلَّا بِمَا يتلوه من بَيَانه كَقَوْلِهِم: (هِيَ الْعَرَب تَقول مَا شَاءَت)
هِيَ النَّفس مَا حملتها تتحمل
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا} وضع الْمُضمر مَوضِع الْمظهر حذرا من التّكْرَار
وَالْأَصْل توَافق الضمائر فِي الْمرجع حذر التشتت
وَقد يُخَالف بَين الضمائر حذرا من التنافر، وتفكيك الضمائر إِنَّمَا يكون مخلا بِحسن النظام إِذا كَانَ كل مِنْهَا رَاجعا إِلَى غير مَا يرجع إِلَيْهِ الْبَاقِي أَو يرجع مَا فِي الْوسط مِنْهَا إِلَى غير مَا يرجع إِلَيْهِ مَا فِي الطَّرفَيْنِ فَلَا بُد من صون الْكَلَام الفصيح عَنهُ
وَأما التفكيك الَّذِي لَا يُفْضِي إِلَيْهِ كَمَا إِذا رَجَعَ الأول أَو الآخر مِنْهَا إِلَى غير مَا يرجع إِلَيْهِ الْبَاقِي كَالَّذي وَقع فِي آيَة الْوَصِيَّة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {فَمن بدله بعد مَا سَمعه فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه} فَلَا يكون فِيهِ شَيْء من الْإِخْلَال
وَقد نظمت فِيهِ:
(إِذا كَانَ تفكيك الضمائر مفضيا ... إِلَى مَا يخل النّظم فاحذر من الْخلَل)
(بِأَن خَالف الْأَطْرَاف وسط بمرجع ... كَذَا سَابِقًا مِنْهَا بباق فقد أخل)
(وَأما إِذا كَانَ الْخلاف لأوّل ... بباق كَذَا للْآخر اسْمَع فَلَا تخل)
(دليلك فِي حسن النظام وَصِيَّة ... ألم تَرَ أَن الله قد بَين الْعَمَل)(1/569)
وَقد تقع الضمائر بَعْضهَا موقع بعض كَمَا تَقول: (مَا أَنا كَأَنْت) فَأَنت فِي هَذَا الْمقَام مَعَ أَنه ضمير مَرْفُوع وَقع موقع الْمَجْرُور
وَيجوز عدم الْمُطَابقَة بَين الضَّمِير والمرجوع إِلَيْهِ عِنْد الْأَمْن من اللّبْس كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} فَإِن الضَّمِير فِي (بطونه) رَاجع إِلَى الْأَنْعَام
وَقد وضعُوا مَكَان ضمير الْوَاحِد ضمير الْجمع إِمَّا رفعا لمكانة الْمُخَاطب وإظهارا لأبهته كَمَا فِي مخاطبات الْمُلُوك والعظماء، أَو تفخيما لما أولى من النعم أَو نَحْو ذَلِك
وَانْظُر إِلَى اخْتِلَاف الضمائر فِي كَلِمَات الْخضر: (أردْت) و (أردنَا) و (أَرَادَ رَبك) فَإِنَّهُ لما ذكر الْعَيْب أَضَافَهُ إِلَى نَفسه وَالرَّحْمَة إِلَى الله
وَعند الْقَتْل عظم نَفسه تَنْبِيها على أَنه من العظماء فِي عُلُوم الْحِكْمَة
وَإِذا وَقع قبل الْجُمْلَة ضمير غَائِب إِن كَانَ مذكرا يُسمى ضمير الشَّأْن نَحْو: (هُوَ زيد منطلق) وَإِن كَانَ مؤنثا يُسمى ضمير الْقِصَّة، وَيعود إِلَى مَا فِي الذِّهْن من شَأْن أَو قصَّة أَي: الشَّأْن أَو الْقِصَّة (مَضْمُون الْجُمْلَة الَّتِي بعده
وَلَا يخفى أَن الشَّأْن أَو الْقِصَّة) أَمر مُبْهَم لَا يتَعَيَّن إِلَّا لخصوصية يعْتَبر هُوَ فِيهَا ويتحد هُوَ مَعَ مضمونها فِي التَّحْقِيق، فَيكون ضمير الشَّأْن أَو الْقِصَّة متحدا مَعَ مَضْمُون الْجُمْلَة الَّتِي بعده، وَلِهَذَا لَا يحْتَاج فِي تِلْكَ الْجُمْلَة إِلَى الْعَائِد إِلَى الْمُبْتَدَأ
ويختار تأنيثه (إِذا كَانَ فِيهَا مؤنث غير فضلَة، نَحْو: (هِيَ هِنْد مليحة) : {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار} لقصد الْمُطَابقَة لَا لرجوعه إِلَيْهِ
وَضمير الشَّأْن لَا يحْتَاج إِلَى ظَاهر يعود عَلَيْهِ بِخِلَاف ضمير الْغَائِب، وَضمير الشَّأْن لَا يعْطف عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَون الضَّمِير فِي: {إِنَّه يراكم} للشَّيْطَان أولى من الشَّأْن، يُؤَيّدهُ قِرَاءَة: {وقبيله} بِالنّصب
وَلَا يُؤَكد ضمير الشَّأْن وَلَا يُبدل مِنْهُ لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِبْهَام وكل مِنْهُمَا للإيضاح، بِخِلَاف غَيره من الضمائر، وَلَا يُفَسر إِلَّا بجملة، وَلَا يحذف إِلَّا قَلِيلا، وَلَا يجوز حذف خَبره، وَلَا يتَقَدَّم خَبره عَلَيْهِ، وَلَا يخبر عَنهُ بِالَّذِي، وَيسْتَمر حذفه مَعَ (أَن) الْمَفْتُوحَة، وَلَا يجوز تثنيته وَلَا جمعه، وَيكون لمفسره مَحل من الْإِعْرَاب بِخِلَاف سَائِر المفسرات، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي أَمر يُرَاد مِنْهُ التَّعْظِيم والتفخيم، وَلَا يجوز إِظْهَار الشَّأْن والقصة وَقد نظمت فِيهِ:
(وَلَا تسألوا عَمَّا حوى الْقلب شَأْنه ... وَإِظْهَار شأني لَا يجوز كقصتي)
وَإِنَّمَا سمي ضمير الشَّأْن لِأَنَّهُ لَا يدْخل إِلَّا على جملَة عَظِيمَة الشَّأْن نَحْو: {قل هُوَ الله أحد} فَإِن أحديته جليلة عَظِيمَة
وَالضَّمِير الْمَنْصُوب لَا يُؤَكد إِلَّا بالمنفصل الْمَنْصُوب بِخِلَاف الْبَدَل، وَإِذا جعلت الضَّمِير تَأْكِيدًا فَهُوَ بَاقٍ على اسميته، فتحكم على مَوْضِعه بإعراب مَا قبله وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا كَانَ مُتَّصِلا(1/570)
وَإِذا أبدلت من مَنْصُوب أتيت بضمير الْمَنْصُوب نَحْو: (ظننتك إياك خيرا من زيد)
وَإِذا أكدت أَو فصلت فَلَا يكون إِلَّا بضمير الْمَرْفُوع
وتأكيد ضمير الْمَجْرُور بضمير الْمَرْفُوع على خلاف الْقيَاس
وتأكيد ضمير الْفَاعِل بضمير الْمَرْفُوع جَار على الْقيَاس
وَضمير الْمَجْرُور أَشد اتِّصَالًا من ضمير الْفَاعِل، بِدَلِيل أَن ضمير الْفَاعِل قد يَجْعَل مُنْفَصِلا عَن إِرَادَة الْحصْر، ويفصل بَينه وَبَين ضمير الْمَجْرُور وعامله
وَضمير الْفَصْل اسْم لَا مَحل لَهُ من الْإِعْرَاب، وَبِذَلِك يُفَارق سَائِر الضمائر
وَضمير الْفَصْل إِنَّمَا يتوسط بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، لَا بَين الْمَوْصُوف وَالصّفة، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار سمي ضمير الْفَصْل عِنْد الْبَصرِيين، وَأما عِنْد الْكُوفِيّين فَإِنَّهُ سمي ضمير عناد [وَحقّ ضمير الْفَصْل أَن يَقع بَين معرفتين، وَأما فِي قَوْله تَعَالَى: {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة} فلمضارعه (أفعل من) للمعرفة فِي امْتنَاع دُخُول اللَّام عَلَيْهِ]
وَضمير الْمُخَاطب لَا يُبدل مِنْهُ إِذا كَانَ فِي غَايَة الْبَيَان والوضوح، بِخِلَاف إِبْدَال الْمظهر من ضمير الْغَائِب نَحْو: (رَأَيْته أسدا) و (مَرَرْت بِهِ زيد) ، لِأَن ضمير الْغَائِب لَيْسَ فِيهِ من الْبَيَان مَا يسْتَغْنى بِهِ عَن الْإِيضَاح، كَمَا كَانَ ذَلِك فِي ضمير الْمُخَاطب
وَاخْتلف فِي الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى النكرَة هَل هُوَ نكرَة أم معرفَة
قيل إِنَّه نكرَة مُطلقًا، وَقيل معرفَة مُطلقًا، وَقيل: إِن النكرَة الَّتِي يرجع الضَّمِير إِلَيْهَا إِمَّا أَن تكون وَاجِبَة التنكير أَو جائزته، وَالْأول كضمير (رب) وَنَحْوه، وَإِن كَانَت جَائِزَة التنكير كَمَا فِي قَوْلك: (جَاءَنِي رجل فأكرمته) فَالضَّمِير معرفَة
وَجَوَاز التنكير لكَونه فَاعِلا، وَالْفَاعِل لَا يجب أَن يكون نكرَة، بل يجوز أَن يكون معرفَة وَأَن يكون نكرَة
وَالضَّمِير نَاظر إِلَى الذَّات فَقَط، وَاسم الْإِشَارَة نَاظر إِلَى الذَّات وَالْوَصْف مَعًا
وَضمير الْمُذكر يرجع إِلَى الْمُؤَنَّث بِاعْتِبَار الشَّخْص وَبِالْعَكْسِ بِاعْتِبَار النَّفس
وَضمير الْفَصْل إِنَّمَا يُفِيد الْقصر إِذا لم يكن الْمسند مُعَرفا بلام الْجِنْس وَإِلَّا فالقصر من تَعْرِيف الْمسند وَهُوَ لمُجَرّد التَّأْكِيد
وَالضَّمِير فِي اللُّغَة: المستور
(فعيل) بِمَعْنى (مفعول) أطلق على الْعقل لكَونه مَسْتُورا عَن الْحَواس. (وَضمير الشَّأْن عينه)
الضمة: هِيَ عبارَة عَن تَحْرِيك الشفتين بِالضَّمِّ عِنْد النُّطْق، فَيحدث من ذَلِك صَوت خَفِي مُقَارن للحرف إِن امْتَدَّ كَانَ واوا، وَإِن قصر كَانَ ضمة
والفتحة: عبارَة عَن فتح الشفتين عِنْد النُّطْق بالحروف وحدوث الصَّوْت الْخَفي الَّذِي يُسمى فَتْحة. وَكَذَا القَوْل فِي الكسرة
والسكون: عبارَة عَن خلو الْعُضْو من الحركات عِنْد النُّطْق بالحروف، وَلَا يحدث بِغَيْر الْحَرْف(1/571)
صَوت فينجزم عِنْد ذَلِك أَي يَنْقَطِع، فَلذَلِك سمي جزما اعْتِبَارا بانجزام الصَّوْت وَهُوَ انْقِطَاعه، وسكونا اعْتِبَارا بالعضو السَّاكِن
فَقَوْلهم: فتح وَضم وَكسر هُوَ من صفة الْعُضْو، وَإِذا سميت ذَلِك رفعا ونصبا وجرا وجزما فَهِيَ من صفة الصَّوْت
وعبروا عَن هَذِه بحركات الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا بِسَبَب وَهُوَ الْعَامِل كَمَا أَن هَذِه الصِّفَات إِنَّمَا تكون بِسَبَب وَهُوَ حَرَكَة الْعُضْو، وَعَن أَحْوَال الْبناء بذلك لِأَنَّهُ لَا يكون بِسَبَب، أَعنِي بعامل
كَمَا أَن هَذِه الصِّفَات يكون وجودهَا بِغَيْر آلَة، والضمة والفتحة والكسرة بِالتَّاءِ وَاقعَة على نفس الْحَرَكَة لَا يشْتَرط كَونهَا إعرابية أَو بنائية كضمة فعل لَكِنَّهَا إِذا أطلقت بِلَا قرينَة يُرَاد بهَا غير الإعرابية، وَتسَمى أَيْضا رفعا ونصبا وجرا إِذا كَانَت إعرابية كَمَا عرفت
وَلَا يخْتَص بهَا بل مَعْنَاهَا شَامِل للحروف الإعرابية أَيْضا قَالَ بَعضهم: الضَّم وَالْفَتْح وَالْكَسْر مُجَرّدَة عَن التَّاء ألقاب الْبناء
وَالْوَقْف والسكون مُخْتَصّ بالبنائي، والجزم بالإعرابي
وسمى سِيبَوَيْهٍ حركات الْإِعْرَاب رفعا ونصبا وجرا وجزما، وحركات الْبناء ضما وفتحا وكسرا ووقفا، فَإِذا قيل: هَذَا الِاسْم مَرْفُوع أَو مَنْصُوب أَو مجرور علم بِهَذِهِ الألقاب أَن عَاملا عمل فِيهِ يجوز زَوَاله، وَدخُول عَامل يحدث خلاف عمله، وَهَذَا أغْنى عَن أَن يَقُول: ضمة حدثت بعامل، أَو فَتْحة حدثت بعامل، أَو كسرة حدثت بعامل، فَفِي التَّسْمِيَة فَائِدَة الإيجاز والاختصار
والضمة فِي جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم نظيرة الْوَاو فِي جمع الْمُذكر، والتنوين نَظِير النُّون، والكسرة فِي جمع الْمُؤَنَّث فِي الْخَفْض وَالنّصب نَظِير الْمَذْكُورين، والتنوين نَظِير النُّون
والضمة علم مَنْقُول، فَإِنَّهُ اسْم للأسد وللرجل الشجاع لُغَة، فَإِن قدر نَقله من الأول فَهُوَ مَنْقُول من اسْم عين، وَإِن قدر من الثَّانِي فَهُوَ مَنْقُول من صفة مشبهة
الضَّرْب: هُوَ اسْم الْفِعْل بِصُورَة معقولة أَي مَعْلُومَة
وَهُوَ اسْتِعْمَال آلَة التَّأْدِيب فِي مَحل صَالح للتأديب وَمعنى مَقْصُود وَهُوَ الإيلام، فَإِن الْمَقْصُود من هَذَا الْفِعْل لَيْسَ إِلَّا الإيلام، وَلِهَذَا لَو حلف لَا يضْرب فلَانا فَضَربهُ بعد مَوته لَا يَحْنَث لفَوَات معنى الإيلام
وَضرب لَهُ فِي مَاله سَهْما: جعل لَهُ
وَضرب اللَّبن: اتَّخذهُ
وَضرب فِي الأَرْض: سَار، وَمِنْه اشْتقت الْمُضَاربَة
وضر بت عَنهُ: أَعرَضت
(وَضربت اللَّبن بعضه بِبَعْض: خلطته، وَمِنْه الضريب) ، وَالضَّرْب والضريب هما عبارَة عَن الشكل والمثل، وَجمع الضَّرْب ضرباء، ككرماء
وَضرب الْخَيْمَة: بِضَرْب أوتادها بالمطرقة
وَضرب الْمثل: من ضرب الدَّرَاهِم، وَهُوَ ذكر شَيْء أَثَره يظْهر فِي غَيره
رُوِيَ عَن الزَّمَخْشَرِيّ: أَن الأضراب جمع (ضرب) بِالْكَسْرِ (فعل) بِمَعْنى (مفعول)(1/572)
كالطحن بِمَعْنى المطحون
وَفِي " الأساس " بِالْفَتْح وَهُوَ الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل، وَلَا بُد فِي ضرب الْمثل من الْمُمَاثلَة
وَضرب مثلا كَذَا: أَي بَين
وَإِنَّمَا سمي مثلا لِأَنَّهُ جعل مضربه، وَهُوَ مَا يضْرب فِيهِ ثَانِيًا مثلا لمورده، وَهُوَ مَا ورد فِيهِ أَولا ثمَّ استعير لكل حَال أَو قصَّة أَو صفة لَهَا شَأْن وفيهَا غرابة
وَقد ضرب الله الْأَمْثَال فِي الْقُرْآن تذكيرا أَو وعظا مِمَّا اشْتَمَل مِنْهَا على تفَاوت فِي ثَوَاب، أَو على إحباط عمل أَو على مدح أَو ذمّ أَو نَحْو ذَلِك، [ {وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس لَعَلَّهُم يتفكرون} ] ، (فَإِنَّهُ يدل على الْأَحْكَام) وَفِيه تقريب المُرَاد لِلْعَقْلِ وتصويره بِصُورَة المحسوس، وتبكيت لخصم شَدِيد الْخُصُومَة، (وَقع لصورة الجامح الآبي) ، وَلذَلِك أَكثر الله تَعَالَى فِي كِتَابه وَفِي سَائِر كتبه الْأَمْثَال، وَهِي على مَا بَين فِي مَحَله قِسْمَانِ: قسم مُصَرح بِهِ، وَقسم كامن، فلنورد نبذة من الْقسم الثَّانِي: (من جهل شَيْئا عَادَاهُ) [وَفِي النّظم] {بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ} ، {وَإِذ لم يهتدوا بِهِ فسيقولون هَذَا إفْك قديم}
(فِي الحركات البركات) ، [وَفِي النّظم] {وَمن يُهَاجر فِي سَبِيل الله يجد فِي الأَرْض مراغما كثيرا وسعة}
(كَمَا تدين تدان) ، [فِي النّظم] {من يعْمل سوءا يجز بِهِ}
(احذر شَرّ من أَحْسَنت إِلَيْهِ) : {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله}
(لَيْسَ الْخَبَر كالعيان) {أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي}
(من أعَان ظَالِما سلطه عَلَيْهِ) ، {من تولاه فَأَنَّهُ يضله ويهديه إِلَى عَذَاب السعير}
(لَا تَلد الْحَيَّة إِلَّا الْحَيَّة) ، {وَلَا يلدوا إِلَّا فَاجِرًا كفَّارًا}
(للحيطان آذان) : {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم}
(الْجَاهِل مَرْزُوق والعالم محروم) ، {من كَانَ فِي الضَّلَالَة فليمدد لَهُ الرَّحْمَن مدا}
(خير الْأُمُور أوساطها) ، {لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك} {وَلَا تهجر بصلاتك [وَلَا تخَافت بهَا وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا] } إِلَخ {وَلَا تجْعَل يدك} إِلَى آخِره
قَالَ الله تَعَالَى: (وَلَقَد ضربنا للنَّاس فِي هَذَا(1/573)
الْقُرْآن من كل مثل لَعَلَّهُم يتذكرون}
والأمثال لَا تَتَغَيَّر، بل تجْرِي كَمَا جَاءَت، أَلا ترى إِلَى قَوْلهم: (أعْط الْقوس باريها) بتسكين الْيَاء، وَإِن كَانَ الأَصْل التحريك و (الصَّيف ضيعت اللَّبن) بِكَسْر التَّاء، وَإِن ضرب للمذكر لما وَقع فِي الأَصْل للمؤنث
وَالضَّرْب: إِذا كَانَ مُشْتَمِلًا على خسة وَشرف تعين كَون النتيجة تَابِعَة للخسة فَقَط، وَحَيْثُ كَانَ مُشْتَمِلًا على خستين مفترقتين فِي المقدمتين حازتهما مَعًا
الضِّدّ: هُوَ عِنْد الْجُمْهُور يُقَال لموجود فِي الْخَارِج مسَاوٍ فِي الْقُوَّة لموجود آخر ممانع لَهُ
وَيُقَال عِنْد الْخَاص لموجود مشارك لموجود آخر فِي الْمَوْضُوع معاقب لَهُ أَي: إِذا قَامَ أَحدهمَا بالموضوع لم يقم الآخر بِهِ [وَلَا بُد فِي الضِّدّ المصطلح من اعْتِبَار مَحل وَاحِد يمْتَنع اجْتِمَاع الضدين فِيهِ، وَقد يُرَاد بالضد الْمنَافِي بِحَيْثُ يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي الْوُجُود [وَمَا لَا يصدق عَلَيْهِ أَنه مَوْجُود فِي الْخَارِج لَا ضد لَهُ، كالوجود لِامْتِنَاع اتصافه بالوجود الْخَارِجِي وَعدم تعلقه بالموضوع: لِأَن مَحَله لَا يتقوم بِدُونِهِ، وَلِأَن الْوُجُود يعرض بِجَمِيعِ الْأَشْيَاء المعقولة، أما الموجودات الخارجية فَيعرض لَهَا الْوُجُود الْخَارِجِي، وَأما غَيرهَا فَيعرض لَهَا الْوُجُود الْعقلِيّ، وَمَا لَهُ ضد لَا يكون كَذَلِك، إِذْ الضِّدّ لَا بِعرْض للضد الآخر
والضدان: فِي اصْطِلَاح الْمُتَكَلّم عبارَة عَمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَيْء وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة، وَقد يكونَانِ وجوديين كَمَا فِي السوَاد وَالْبَيَاض، وَقد يكون أَحدهمَا سلبا وعدما، كَمَا فِي الْوُجُود والعدم
والضدان لَا يَجْتَمِعَانِ، لَكِن يرتفعان كالسواد وَالْبَيَاض، والنقيضان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان كالوجود والعدم وَالْحَرَكَة والسكون
وضده بِالْخُصُومَةِ: غَلبه
وَعنهُ: صرفه وَمنعه بِرِفْق
والضد يكون جمعا، وَمِنْه: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِم ضدا} وَالْمرَاد بِهِ العون، فَإِن عون الرجل يضاد عدوه وينافيه بإعانته عَلَيْهِ
وَالضَّاد حرف هجاء للْعَرَب خَاصَّة
الضحك: هُوَ اسْم جنس تَحْتَهُ نَوْعَانِ التبسم والقهقهة
وَحكي عَن الإِمَام قاضيخان أَن القهقهة هِيَ أَن تبدو نَوَاجِذه مَعَ صَوت
والضحك بِلَا صَوت والتبسم دون الضحك، نَظِير ذَلِك النّوم وَالنُّعَاس وَالسّنة
وَفِي " فتح الْبَارِي ": انبساط الْوَجْه بِحَيْثُ تظهر الْأَسْنَان من السرُور، إِن كَانَ بِلَا صَوت فَتَبَسَّمَ، وَإِن كَانَ بِصَوْت يسمع من بعيد فقهقهة، وَإِلَّا فَضَحِك
الضّيق: هُوَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الأجرام وبالتخفيف فِي الْمعَانِي؛ (وَقيل: بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيف فِي قلَّة المعاش والمساكن، وَمَا كَانَ فِي الْقلب فَهُوَ ضيق بِالتَّشْدِيدِ) وَقيل: بِالْكَسْرِ فِي الشدَّة وبالفتح فِي الْغم(1/574)
والضيق: إِذا كَانَ عارضا غير لَازم يعبر عَنهُ (بضائق) ك (سائد) و (جائد) فِي سيد وجواد
وَهَكَذَا كل مَا يبْنى من الثلاثي للثبوت والاستقرار على غير وزن (فَاعل) فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ إِذا أُرِيد معنى الْحُدُوث ك (حاسن) من (حسن) ، و (ثاقل) من (ثقل) ، و (فارح) من (فَرح) و (سامن) من (سمن)
وضاق بِهِ ذرعا: أَي ضعفت طاقته وَلم يجد من الْمَكْرُوه فِيهِ مخلصا، وبإزائه (رحب ذرعه) كَذَا، لِأَن طَوِيل الذِّرَاع ينَال مَا لَا ينَال قصير الذِّرَاع
الضعْف (بِالْفَتْح) : ضد الْقُوَّة فِي الْعقل والرأي وبالضم فِي الْجِسْم، وبالكسر بِمَعْنى الْمثل، يُرَاد بِهِ الْوَاحِد كَمَا يُرَاد بِهِ الزَّوْج {من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} وَقيل أَرْبَعَة أَمْثَال فَأَقل الضعْف مَحْصُور وَهُوَ الْمثل، وَأَكْثَره غير مَحْصُور
قَالَ الطَّيِّبِيّ: وَالصَّوَاب أَن ضعف الشَّيْء مثلاه، وضعيفه ثَلَاثَة أَمْثَاله وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْله تَعَالَى: {فزده عذَابا ضعفا فِي النَّار}
وَفِي " الرَّاغِب ": الضعْف من الْأَلْفَاظ المتضايفة كالنصف، وَالزَّوْج وَهُوَ تركيب الزَّوْجَيْنِ المتساويين وَيخْتَص بِالْعدَدِ
وَعَن أبي يُوسُف: لَو قَالَ: (عَليّ لفُلَان دَرَاهِم مضاعفة) فعلية سِتَّة، وَإِن قَالَ: (أَضْعَاف مضاعفة) فعلية ثَمَانِيَة عشر لِأَن ضعف الثَّلَاثَة ثَلَاث مَرَّات تِسْعَة ثمَّ ضاعفها مرّة أُخْرَى لقَوْله مضاعفة
وَقَوله تَعَالَى: {خَلقكُم من ضعف} : أَي من مني
{وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} : أَي يستميله هَوَاهُ
وأضعاف الْكتاب: أثْنَاء سطوره وحواشيه والضعيف من اللُّغَات: مَا انحط عَن دَرَجَة الفصيح
وَالْمُنكر: أَضْعَف مِنْهُ وَأَقل اسْتِعْمَالا بِحَيْثُ أنكرهُ بعض أَئِمَّة اللُّغَة وَلم يعرفهُ
والمتروك: مَا كَانَ قَدِيما من اللُّغَات ثمَّ ترك وَاسْتعْمل غَيره، (وأمثلة ذَلِك كَثِيرَة فِي كتب اللُّغَة)
وَضعف التَّأْلِيف مثل فك الْإِدْغَام فِي نَحْو: الأجلل
الضَّمَان: ضمن الشَّيْء وَبِه (كعلم) ضمانا وضمنا، فَهُوَ ضَامِن وضمين: كفله
وضمنته الشَّيْء تضمينا، فتضمنه عني: غرمته فَالْتَزمهُ، وماجعلته فِي وعَاء فقد ضمنته إِيَّاه
وَالضَّمان: أَعم من الْكفَالَة، لِأَن من الضَّمَان مَا لَا يكون كَفَالَة، وَهُوَ عبارَة عَن رد مثل الْهَالِك إِن كَانَ مثلِيا، أَو قِيمَته إِن كَانَ قيميا، وَتَقْدِير ضَمَان الْعدوان بِالْمثلِ ثَابت بِالْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:(1/575)
{فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} وَتَقْدِيره بِالْقيمَةِ ثَابت بِالسنةِ وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من أعتق شِقْصا لَهُ فِي عبد قوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه إِن كَانَ مُوسِرًا " وَكِلَاهُمَا ثَابت بِالْإِجْمَاع المنعقد على وجوب الْمثل، أَو الْقيمَة عِنْد فَوَات الْعين
الضَّرُورَة: الِاحْتِيَاج
والضرورة الشعرية: هِيَ مَا لم يرد إِلَّا فِي الشّعْر، سَوَاء كَانَ للشاعر فِيهِ مندوحة أم لَا
والضروري الْمُقَابل للاكتسابي: هُوَ مَا يكون تَحْصِيله مَقْدُورًا للمخلوق، وَالَّذِي يُقَابل الاستدلالي هُوَ مَا يحصل بِدُونِ فكر وَنظر فِي دَلِيل
الضلال: هُوَ فِي مُقَابلَة الْهدى
والغي فِي مُقَابلَة الرشد [وَقيل: إِن الْمُقَابل للضلال الْهدى اللَّازِم بِمَعْنى الاهتداء لَا الْهدى الْمُتَعَدِّي الَّذِي بِمَعْنى الدّلَالَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَا فرق بَين اللَّازِم والمتعدي إِلَّا بِأَن اللَّازِم تأثر والمتعدي تَأْثِير، لِأَن اللَّازِم مطاوعة] وَتقول: ضل بَعِيري ورحلي، وَلَا تَقول: غوي وضل هُوَ عني: أَي ذهب، وَكَذَا أضلني كَذَا
قَالَ السيرافي: إِذا كَانَ الشَّيْء مُقيما قلت ضللته، وَإِذا ذهب مِنْك قلت: أضللته
والضلال: أَن لَا يجد السالك إِلَى مقْصده طَرِيقا أصلا
والغواية: أَن لَا يكون لَهُ إِلَى الْمَقْصد طَرِيق
مُسْتَقِيم
والضلال: هُوَ أَن تخطئ الشَّيْء فِي مَكَانَهُ وَلم تهتد إِلَيْهِ
وَالنِّسْيَان أَن تذْهب عَنهُ بِحَيْثُ لَا يخْطر ببالك
والضلالة: بِمَعْنى الإضاعة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَنْ يضل أَعْمَالهم}
[والضلالة] : بِمَعْنى الْهَلَاك كَقَوْلِه تَعَالَى: {أئذا ضللنا فِي الأَرْض} أَي هلكنا
فالضلالة أَعم من الضلال
والضلال: الْعُدُول عَن الطَّرِيق الْمُسْتَقيم ويضاده الْهِدَايَة، وَيُقَال: لكل عدُول عَن الْمنْهَج ضلال، عمدا كَانَ أَو سَهوا، يَسِيرا كَانَ أَو كثيرا، فَإِن الطَّرِيق المرتضى صَعب جدا
قَالَ الْحُكَمَاء: كوننا مصيبين من وَجه، وكوننا ضَالِّينَ من وُجُوه كَثِيرَة فَإِن الاسْتقَامَة وَالصَّوَاب يجْرِي مجْرى المقرطس من المرمى، وَمَا عداهُ من الجوانب كلهَا ضلال
فصح أَن يسْتَعْمل الضلال فِيمَن يكون مِنْهُ خطأ مَا، وَلذَلِك نسب إِلَى الْأَنْبِيَاء وَالْكفَّار، وَإِن كَانَ بَين الضلالين بون بعيد
والضلال من وَجه آخر ضَرْبَان:
ضلال فِي الْعُلُوم النظرية كالضلال فِي معرفَة وحدانية الله وَمَعْرِفَة النُّبُوَّة وَنَحْوهمَا الْمشَار إِلَيْهِمَا بقوله تَعَالَى: {وَمن يكفر بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر فقد ضل ضلالا بَعيدا}
والضلال الْبعيد إِشَارَة إِلَى مَا هُوَ كفر(1/576)
وَإِمَّا ضلال فِي الْعُلُوم العملية كمعرفة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي هِيَ الْعِبَادَات (وَالْأُصُول
وَأما الإضلال فَهُوَ على ضَرْبَيْنِ أَيْضا:
أَحدهمَا أَن يكون) شبه الضلال وَذَلِكَ على وَجْهَيْن، إِمَّا أَن يضل عَنْك الشَّيْء، وَإِمَّا أَن تحكم بضلاله
فالضلال فِي هذَيْن سَبَب الإضلال
وَالثَّانِي (أَن يكون الإضلال سَببا للضلال وَهُوَ) أَن يزين للْإنْسَان الْبَاطِل ليضل
قَالَ الله تَعَالَى عَن الشَّيْطَان: {ولأضلنهم ولأمنينهم}
وإضلال الله تَعَالَى على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا أَن يكون سَببه الضلال، وَهُوَ أَن يضل الْإِنْسَان فَيحكم الله بذلك فِي الدُّنْيَا، ويعدل بِهِ عَن طَرِيق الْجنَّة إِلَى النَّار فِي الْآخِرَة
فَالْحكم على الضلال بضلاله والعدول بِهِ عَن طَرِيق الْجنَّة هُوَ الْعدْل
وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى وضع جبلة الْإِنْسَان على هَيئته إِذا رَاعى طَرِيقا (مَحْمُودًا كَانَ أَو مذموما) أَلفه واستطابه وَلَزِمَه وتعسر عَلَيْهِ صرفه وانصرافه عَنهُ وَيصير ذَلِك كالطبع
وَهَذِه الْقُوَّة فِي الْإِنْسَان فعل إلهي، وَقد نفى الله عَن نَفسه إضلال الْمُؤمن حَيْثُ قَالَ: {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم}
وَنسب الإضلال إِلَى نَفسه للْكَافِرِ وَالْفَاسِق حَيْثُ قَالَ: {وَالَّذين كفرُوا فتعسا لَهُم وأضل أَعْمَالهم وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} {كَذَلِك يضل الله الْكَافرين} ، {ويضل الله الظَّالِمين}
وعَلى هَذَا الْوَجْه تقليب أفئدتهم وأبصارهم والختم على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وَالزِّيَادَة فِي مرض قُلُوبهم [كل ذَلِك للْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ]
والضلالة: لَا تطلق إِلَّا على الفعلة مِنْهُ، والضلال يصلح للقليل وَالْكثير
والضلال فِي الْقُرْآن يَجِيء لمعان: الغي وَالْفساد: {ولأضلنهم}
وَالْخَطَأ: {إِن أَبَانَا لفي ضلال}
والخسار: {وَمَا كيد الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال}
والزلل: {لهمت طَائِفَة مِنْهُم أَن يضلوك}
والبطلان: {وأضل أَعْمَالهم}
والجهالة: {وَأَنا من الضَّالّين}
وَالنِّسْيَان: {أَن تضل إِحْدَاهمَا}
والتلاشي {أئذا ضللنا فِي الأَرْض}
الضياء: هُوَ جمع (ضوء) كسوط وسياط وحوض وحياض، أَو مصدر (ضاء) ضِيَاء كقام قيَاما، وَصَامَ صياما(1/577)
وَاخْتلف فِي أَن الشعاع الفائض من الشَّمْس هَل هُوَ جسم أَو عرض، وَالْحق أَنه عرض، وَهُوَ كَيْفيَّة مَخْصُوصَة، والنور اسْم لأصل هَذِه الْكَيْفِيَّة
وَأما الضَّوْء فَهُوَ اسْم لهَذِهِ الْكَيْفِيَّة إِذا كَانَت كَامِلَة تَامَّة قَوِيَّة، وَلِهَذَا أضيف الضَّوْء إِلَى الشَّمْس، والنور إِلَى الْقَمَر
فالضوء أتم من النُّور، والنور أَعم مِنْهُ، إِذْ يُقَال على الْقَلِيل وَالْكثير، وَلما كَانَ مَنَافِع الضَّوْء أَكثر مِمَّا يُقَابله قرن بِهِ {أَفلا تَسْمَعُونَ} ، وبالليل: {أَفلا تبصرون} ، لِأَن استفادة الْعقل من السّمع أَكثر من استفادته من الْبَصَر
والضوء شَرط رُؤْيَة الألوان لَا شَرط وجودهَا، إِذْ الْجِسْم لَا يبصر إِلَّا بلونه وشكله، وَمن أثبت الْوَاسِطَة بَين الْمَوْجُود والمعدوم اسْتدلَّ بِصِحَّة رُؤْيَة السوَاد مثلا، فَإِنَّهَا لَيست لكَونه سوادا بل لكَونه مَوْجُودا، فَلَزِمَ التغاير بَينهمَا، فَإِن كَانَا موجودين لزم قيام الْعرض بِالْعرضِ وَإِن كَانَا عدمين محضين يلْزم أَن يُقَال: السوَاد الْمَوْجُود عدم مَحْض وَنفي صرف
بَقِي كَونهمَا لَا موجودين وَلَا معدومين، فَهَذَا هُوَ الْوَاسِطَة بَين الْمَوْجُود والمعدوم، وَتلك هِيَ الْحَال
والضوء شَرط لوُجُود اللَّوْن عِنْد الْحَكِيم، فاللون لَيْسَ شرطا للضوء وَإِلَّا لدار، إِلَّا أَن يُقَال كل مِنْهُمَا شَرط للْآخر
والدور معية، وَيجوز أَن يكون اللَّوْن فِي وجوده فِي نَفسه مَوْقُوفا على الضَّوْء، والضوء فِي وجوده لغيره مَوْقُوفا على اللَّوْن فَلَا مَحْذُور
الضّر: بِالْفَتْح شَائِع فِي كل ضَرَر
وبالضم خَاص بِمَا فِي النَّفس كَمَرَض وهزال، وَلَا يزَال الضَّرَر بِالضَّرَرِ، وَمن فروعه مَسْأَلَة أبي هَاشم، وَهِي أَن السَّاقِط بِاخْتِيَارِهِ أَو بِغَيْر اخْتِيَاره على جريح بَين جرحى إِن اسْتمرّ عَلَيْهِ يقْتله، وَإِن لم يسْتَمر يقتل كفأه فِي صفة الْقصاص، قيل: يلْزمه الِاسْتِمْرَار على الجريح وَلَا ينْتَقل إِلَى كفئه، لِأَن الضَّرَر لَا يزَال بِالضَّرَرِ
وَقيل: يتَخَيَّر للتساوي فِي الضَّرَر
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا حكم فِيهِ من إِذن أَو منع، وَتوقف الْغَزالِيّ
(ويتحمل الضَّرَر الْخَاص لأجل دفع ضَرَر عَام
وَمن فروعها جَوَاز الْحجر على الْعَاقِل الْبَالِغ الْحر عِنْد أبي حنيفَة فِي ثَلَاث: الْمُفْتِي الماجن، والطبيب الْجَاهِل، والمكاري الْمُفلس، وَمِنْهَا التسعير عِنْد التَّعَدِّي فِي البيع بِغَبن فَاحش وَبيع طَعَام المحتكر جبرا عَلَيْهِ عِنْد الْحَاجة وامتناعه عَن البيع، وَإِبَاحَة قتل السَّاعِي بِالْفَسَادِ وَنَحْو ذَلِك)
الضَّرع: (بِالْفَتْح) لكل ذِي ظلف وخف من ذَوَات الْأَرْبَع، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الثدي من الْمَرْأَة، وَقد وضعُوا للعضو الْوَاحِد أسامي كَثِيرَة بِحَسب اخْتِلَاف أَجنَاس الْحَيَوَان(1/578)
فِي " سر الْأَدَب ": ثندؤة الرجل، ثدي الْمَرْأَة، خلف النَّاقة، ضرع الشَّاة وَالْبَقَرَة، طبي الكلبة
وَإِذا اسْتعْمل الشَّارِع شَيْئا مِنْهَا فِي غير الْجِنْس الَّذِي وضع لَهُ فقد استعاره مِنْهُ أَو نَقله عَن أَصله وَجَاز بِهِ مَوْضِعه
الضَّيْف: مصدر (ضاف) ، يُقَال للْوَاحِد وَالْجمع
وضافه: مَال إِلَيْهِ
وأضافه: أماله
وضفت الرجل: نزلت عَلَيْهِ ضيفا
وأفته: أنزلته عَلَيْك. وضيفته وَإِلَيْهِ: ألجأته
الضباب (بِالْفَتْح) : جمع ضَبَابَة، وَهِي ندى كالغبار يغشى الأَرْض بالغدوات
(وَفِي " الِاخْتِيَار ": قيل هُوَ من نفس دَابَّة الْبَحْر فَيكون مُسْتَعْملا)
الضبع (بِضَم الْبَاء) : اسْم الْأُنْثَى من الْحَيَوَان الْمَعْرُوف، وَالذكر ضبعان، وبالسكون: الْعَضُد
الضغث (بِالْكَسْرِ) : قَبْضَة حشيش تخلط الرطب باليابس
وأضغاث أَحْلَام: هِيَ رُؤْيا لَا يَصح تَأْوِيلهَا لاختلاطها
الضَّمَان: ضمن الشَّيْء وَبِه (كعلم) ضمنا وضمانا فَهُوَ ضَامِن وضمين: كفله
وضمنته الشَّيْء تضمينا فتضمنه عني: غرمته فَالْتَزمهُ
وضمنا: أَي مفهوما، وَهُوَ مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ لَا فِي مَحل النُّطْق، فَكَأَنَّهُ تضمنه وانطوى عَلَيْهِ
[الضَّبْط: هُوَ فِي اللُّغَة عبارَة عَن الحزم
يُقَال: ملك ضَابِط لمملكته أَي: حَازِم ومحافظ عَلَيْهَا
وَفِي الِاصْطِلَاح: سَماع الْكَلَام كَمَا يحِق سَمَاعه، ثمَّ فهم مَعْنَاهُ الَّذِي أُرِيد بِهِ، ثمَّ حفظه ببذل مجهوده والثبات عَلَيْهِ بمذاكرته إِلَى حِين أَدَائِهِ وَكَمَال الْوُقُوف على مَعَانِيه الشَّرْعِيَّة
{ضعفين من الْعَذَاب} : مثلي مَا آتَيْنَا مِنْهُم
{ضنين} : بخيل
والضعف (بِالْكَسْرِ) : من أَسمَاء الْعَذَاب وَمِنْه قَالَ: {لكل ضعف}
[نوع] و {ضربت عَلَيْهِم الذلة} : أحيطت بهم إحاطة الْقبَّة بِمن ضربت عَلَيْهِ، أَو ألصقت بهم
{وعَلى كل ضامر} : أَي ركبانا على كل بعير مهزول أتعبه بعد السّفر فهزله
{فِي ضيق} : فِي حرج صدر
{وَإِذا مس الْإِنْسَان الضّر} : الشدَّة
{فضربنا على آذانهم فِي الْكَهْف} : أنمناهم(1/579)
وَقيل: منعناهم السّمع
{ضللنا فِي الأَرْض} : بطلنا وصرنا تُرَابا
[وَقُرِئَ بالصَّاد بِمَعْنى أنتنا وتغيرنا]
{وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} : خَرجْتُمْ فِي السّفر
{ضرب مثل} : بَين حَال مستغربة أَو قصَّة عَجِيبَة
{عذَابا ضعفا} : مضاعفا
{مَا ضل صَاحبكُم} : مَا عدل عَن الطَّرِيق الْمُسْتَقيم
{قسْمَة ضيزى} : جائرة
{وَضُحَاهَا} : وضوئها إِذا أشرقت
{ووجدك ضَالًّا} : عَن علم الحكم وَالْأَحْكَام
{فهدى} : فعلمك بِالْوَحْي والإلهام والتوفيق للنَّظَر
{وَالْعَادِيات ضَبْحًا} : خيل الْغُزَاة تعدو فتضبح ضَبْحًا وَهُوَ صَوت أنفاسها عِنْد الْعَدو
{ضلوا عَنَّا} : غَابُوا عَنَّا
{وَالضَّرَّاء} : الْمَرَض والزمانة
{والبأساء} : الْفقر والشدة
{وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} : ضيَاع لَا يُجَاب
{من ضَرِيع} : هُوَ نبت أَخْضَر يُسمى شبرقا فَإِذا يبس يُسمى ضريعا
{خَلقكُم من ضعف} : ابتدأكم ضعفاء، وَجعل الضعْف أساس أَمركُم، أَو من أصل ضَعِيف هُوَ النُّطْفَة
{ضربا فِي الأَرْض} : ذَهَابًا فِيهَا للكسب
{فَضَحكت} : سُرُورًا وَقيل: حَاضَت.
{ضدا} : أعوانا
{ضلالك الْقَدِيم} : خطئك
{معيشة ضنكا} : ضيقا وَهُوَ عَذَاب الْقَبْر
(فصل الطَّاء)
[الطَّعَام] : كل طَعَام فِي الْقُرْآن فَهُوَ نصف صَاع
[الطامح] : كل مَكَان مُرْتَفع فَهُوَ طامح
[طَغى] : كل شَيْء جَاوز الْحَد فقد طَغى
[الطَّبِيب] : كل حاذق عِنْد الْعَرَب فَهُوَ طَبِيب(1/580)
[طم] : كل شَيْء كثر حَتَّى علا وَغلب فقد طم
[الطَّرِيق] : كل مَا يطرقه طَارق مُعْتَادا كَانَ أَو غير مُعْتَاد فَهُوَ الطَّرِيق، والسبيل من الطَّرِيق: مَا هُوَ مُعْتَاد السلوك
وَالطَّرِيق الْموصل إِلَى الْبَلَد يُسمى عدلا، وَمَا لَا يُوصل إِلَيْهِ يُسمى جائرا. والطرق: جمع طَرِيق جمع تكسير، وطرقات: جمع طَرِيق جمع سَلامَة
[ {وَلَقَد خلقنَا فَوْقكُم سبع طرائق} : سبع سموات لِأَنَّهَا طورق بَعْضهَا فَوق بعض مطارقة النَّعْل
وكل مَا فَوْقه مثله فَهُوَ طَرِيقه
كَذَا فِي " الْأَنْوَار "
وَقَوله: وكل مَا فَوْقه مثله فَهُوَ طَرِيقه: أَي مطروقه أَتَى عَلَيْهِ مثله، لِأَن سَمَاء الدُّنْيَا طروق فَوْقهَا مثلهَا
وَلَيْسَ هَذَا القَوْل وَجها آخر بل تَتِمَّة قَوْله لِأَنَّهَا طورق بَعْضهَا فَوق بعض
وفائدتها بَيَان أَن مدَار إِطْلَاق الطَّرِيقَة على السَّمَاء فوقية مثلهَا عَلَيْهَا لَا فوقيتها على مثلهَا، بل يَكْفِي فِي الطَّرِيقَة طاقتان
فِي " النِّهَايَة " لِابْنِ الاثير: طَارق النَّعْل: إِذا صيرها طاقا فَوق طاق وَركب بَعْضهَا فَوق بعض]
[الطوفان] : كل حَادِثَة مُحِيطَة بالإنسان فَهِيَ الطوفان، فَصَارَ متعارفا فِي المَاء المتناهي فِي الْكَثْرَة
لأجل أَن الْحَادِثَة الَّتِي نَالَتْ قوم نوح كَانَت مَاء
[الطوق] : كل مَا اسْتَدَارَ بِشَيْء فَهُوَ طوق لَهُ
الطول، بِالضَّمِّ: الْفضل وَالزِّيَادَة
يُقَال لفُلَان عَليّ طول أَي زِيَادَة، وَمِنْه الطول فِي الْجِسْم
[والطول] ، بِالْفَتْح: بِمَعْنى الْمِنَّة
يُقَال: فلَان ذُو طول عَليّ: أَي ذُو منَّة
والطول، (بِالضَّمِّ) أَيْضا يُقَال للامتداد الْوَاحِد مُطلقًا من غير أَن يعْتَبر مَعَه قيد وَيُقَال للامتداد الْمَفْرُوض أَولا، وَهُوَ أحد الأبعاد الجسمية
وَيُقَال لأطول الامتدادين المتقاطعين فِي السَّطْح
وَيُقَال للامتداد الْآخِذ من مَرْكَز الْعَالم إِلَى محيطه
وَيُقَال للامتداد الْآخِذ من رَأس الْإِنْسَان إِلَى قدمه
من رَأس ذَوَات الْأَرْبَع إِلَى مؤخرها
والطولي تَأْنِيث الأطول: و (الطوليين) تثنيتها
وفسرت الطُّولى بالأعراف، والطوليين بالأعراف والأنعام، وَهُوَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ
الطّلب: هُوَ يتَعَدَّى إِلَى أحد المفعولين بِالذَّاتِ، وَالْآخر بِوَاسِطَة اللَّام
والابتغاء يتَعَدَّى بِالذَّاتِ
فِي " الأساس " ابتغ ضألتي: أَي اطلبها إِلَيّ
وَطَلَبه: حاول وجوده وَأَخذه
و [طلب] إِلَيّ: رغب، كَمَا فِي الْقَامُوس
والطلبة (بِكَسْر اللَّام) : مَا طلبته وَبِفَتْحِهَا جمع طَالب
والطلب عَام حَيْثُ يُقَال فِيمَا تسأله من غَيْرك وَفِيمَا تطلبه من نَفسك
وَالسُّؤَال لَا يُقَال إِلَّا فِيمَا تطلبه من غَيْرك، والتوخي خَاص بِالْخَيرِ(1/581)
والطلب إِن كَانَ بطرِيق الْعُلُوّ سَوَاء كَانَ عَالِيا حَقِيقَة أَو لَا فَهُوَ أَمر، وَإِن كَانَ على طَرِيق السّفل سَوَاء كَانَ سافلا فِي الْوَاقِع أم لَا فدعاء
(وَعند صَاحب " الْكَشَّاف ": من الْأَعْلَى أَمر، وَمن الْأَدْنَى دُعَاء)
والطلب مَعَ الخضوع مُطلقًا لَيْسَ بِدُعَاء، بل الدُّعَاء مَخْصُوص بِالطَّلَبِ من الله تَعَالَى فِي الْعرف وَفِي جَمِيع الاصطلاحات، والالتماس لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي مقَام التَّوَاضُع، وَأما السُّؤَال فَهُوَ أَعم مِنْهَا وَالْمَطْلُوب بِهِ إِن كَانَ مِمَّا لَا يُمكن فَهُوَ التَّمَنِّي، وَإِن كَانَ مُمكنا، فَإِن كَانَ حُصُول أَمر فِي ذهن الطَّالِب فَهُوَ الِاسْتِفْهَام، وَإِن كَانَ حُصُول أَمر فِي الْخَارِج، فَإِن كَانَ ذَلِك الْأَمر انْتِفَاء فعل فَهُوَ النَّهْي، وَإِن كَانَ ثُبُوته فَإِن كَانَ بِأحد حُرُوف النداء فَهُوَ النداء، وَإِلَّا فَهُوَ الْأَمر
والطلب فعل اخْتِيَاري لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِإِرَادَة مُتَعَلقَة بخصوصية الْمَطْلُوب مَوْقُوفَة على امتيازه عَمَّا عداهُ
والطلب من الله يجوز بِلَفْظ الْمَاضِي والمضارع، وبصيغة الْأَمر على اصْطِلَاح الأدباء، وَكَذَا الثَّنَاء مثل: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وحمدت الله، وأحمده، بِخِلَاف، أضْرب، وأبيع، وَالْفرق إِمْكَان الْوَعْد فِيهِ، وَعدم إِمْكَان الْوَعْد فِي الثَّنَاء على الله والطلب مِنْهُ إِلَّا إِذا قَامَ دَلِيل مثل: سأستغفر الله، فَإِن حرف التَّنْفِيس دَلِيل الْوَعْد
الطَّهَارَة: التَّنَزُّه عَن الأدناس وَلَو معنوية
وَشرعا: النَّظَافَة الْمَخْصُوصَة المتنوعة إِلَى وضوء وَغسل وَتيَمّم وَغسل الْبدن وَالثَّوْب وَنَحْوه
وَالطَّهَارَة (بِالضَّمِّ) : اسْم لما يتَطَهَّر بِهِ من المَاء
وَالطُّهْر: خلاف الْمَحِيض. وطهر: بِمَعْنى (اغْتسل) مثلث الْهَاء، وَالْفَتْح أفْصح وأقيس لِأَنَّهُ خلاف طمثت، وَلِأَنَّهُ يُقَال طَاهِر مثل قَاعد، وقائم
وَالطهُور إِمَّا مصدر على (فعول) من قَوْلهم: (تطهرت طهُورا) ، و (تَوَضَّأت وضُوءًا) أَو اسْم غير مصدر كالفطور فَإِنَّهُ اسْم لما يفْطر بِهِ، أوصفة كالرسول وَنَحْو ذَلِك من الصِّفَات
وعَلى هَذَا: {شرابًا طهُورا} وَهُوَ لَازم فتعديته بتطهير غَيره مأخوذه من اسْتِعْمَال الْعَرَب لَا من الْمُتَعَدِّي وَاللَّازِم، فَإِن الْعَرَب لَا تسمي الشَّيْء الَّذِي لَا يَقع بِهِ التَّطْهِير طهُورا
والتطهر: الِاغْتِسَال.
قَالَ الْمَشَايِخ فِي كتب الْأُصُول: قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} بِالتَّخْفِيفِ، يُوجب الْحل بعد الطُّهْر قبل الِاغْتِسَال، فحملنا المخفف على الْعشْرَة والمشدد على الْأَقَل، وَإِنَّمَا لم يعكس لِأَنَّهَا إِذا طهرت بِعشْرَة أَيَّام حصلت الطَّهَارَة الْكَامِلَة لعدم احْتِمَال الْعود، وَإِذا طهرت لأَقل مِنْهَا يحْتَمل الْعود فَلم تحصل الطَّهَارَة الْكَامِلَة فاحتيج إِلَى الِاغْتِسَال لتتأكد الطَّهَارَة، وَإِذا لم تَغْتَسِل وَمضى عَلَيْهَا وَقت صَلَاة حل وَطْؤُهَا، فجوزنا قربانهن قبل اغتسالهن إِذا انْقَطع الدَّم فِي أَكثر الْمدَّة، عملا بِقِرَاءَة عبد الله: {حَتَّى يطهرن}(1/582)
بِالتَّخْفِيفِ
وَلم نجوزه قبله
أَو قيل مُضِيّ وَقت صَلَاة إِذا انْقَطع فِي أقل الْمدَّة، بِقِرَاءَة {حَتَّى يطهرن} بِالتَّشْدِيدِ، خلافًا لزفَر وَالشَّافِعِيّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا تحل بِحَال قبل الِاغْتِسَال، واحتجا بِقِرَاءَة التَّشْدِيد، وَفِيه نظر، لِأَن شَرط الْعَمَل بِالْمَفْهُومِ أَن لَا يكون مُخَالفا لمنطوق قِرَاءَة التَّشْدِيد، وَنحن نقُول: لَيْسَ الْعَمَل بِقِرَاءَة التَّخْفِيف بطرِيق الْمَفْهُوم، بل بطرِيق الْمَنْطُوق، فَإِن الدّلَالَة على الحكم عِنْد الْغَايَة بِحَسب الْوَضع (قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} : إِنَّه لَا يبلغ حقائق مَعْرفَته إِلَّا من تطهر نَفسه وتنقى من درن الْفساد)
الطَّاعَة: طاع لَهُ يطوع ويطاع: انْقَادَ
ويطيع لُغَة فِي يطوع، [وَلَا يُقَال أَطَعْت أَمر زيد بل يُقَال: أَطَعْت زيدا فِي أمره وامتثلت أمره]
أطَاع زيدا فِي أمره: امتثل أمره على الِاسْتِعَارَة، أَو جعل الْأَمر مُطَاعًا على الْمجَاز الْحكمِي
وَالطَّاعَة مثل الطوع لَكِن أَكثر مَا تقال فِي الائتمار فِيمَا أَمر، والارتسام فِيمَا رسم
وَقَوله تَعَالَى: {فطوعت لَهُ نَفسه} تابعته وطاوعته، أَو شجعته وأعانته وأجابته إِلَيْهِ
وَالطَّاعَة هِيَ الْمُوَافقَة لِلْأَمْرِ أَعم من الْعِبَادَة لِأَن الْعِبَادَة غلب اسْتِعْمَالهَا فِي تَعْظِيم الله غَايَة التَّعْظِيم
وَالطَّاعَة تسْتَعْمل لموافقة أَمر الله وَأمر غَيره وَالْعِبَادَة تَعْظِيم يقْصد بِهِ النَّفْع بعد الْمَوْت
والخدمة: تَعْظِيم يقْصد بِهِ النَّفْع قبل الْمَوْت
والعبودية: إِظْهَار التذلل، وَالْعِبَادَة أبلغ مِنْهَا لِأَنَّهَا غَايَة التذلل
وَالطَّاعَة فعل المأمورات وَلَو ندبا، وَترك المنهيات وَلَو كَرَاهَة، فقضاء الدّين والإنفاق على الزَّوْجَة والمحارم وَنَحْو ذَلِك طَاعَة الله وَلَيْسَ بِعبَادة
وَتجوز الطَّاعَة لغير الله فِي غير الْمعْصِيَة، وَلَا تجوز الْعِبَادَة لغير الله تَعَالَى
والقربة: أخص من الطَّاعَة لاعْتِبَار معرفَة المتقرب إِلَيْهِ فِيهَا، وَالْعِبَادَة أخص مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يعْتَبر فِيهَا النِّيَّة
وَالتَّاء فِي الطَّاعَة وَالْعِبَادَة لَيست للمرة بل للدلالة على الْكَثْرَة، أَو لنقل الصّفة إِلَى الاسمية
وَالطَّاعَة إِذا أدَّت إِلَى مَعْصِيّة راجحة وَجب تَركهَا، فَإِن مَا يُؤَدِّي إِلَى الشَّرّ فَهُوَ شَرّ
وَالطَّاعَة تحبط بِنَفس الرِّدَّة عندنَا لقَوْله تَعَالَى: {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله}
وَالْمَوْت على الرِّدَّة لَيْسَ بِشَرْط بل تَأْثِير الشَّرْط الْمَذْكُور فِي حبوط عمل الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مَا لم يسْتَمر على الرِّدَّة إِلَى آخر الْحَيَاة لَا يحرم من ثَمَرَات الْإِسْلَام
وَالطَّاعَة والعصيان فِي البديع: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم معنى من الْمعَانِي فيستعصي عَلَيْهِ لتعذر دُخُوله فِي الْوَزْن، فَيَأْتِي بِمَا يتَضَمَّن معنى كَلَامه وَيقوم بِهِ الْوَزْن وَيحصل بِهِ معنى من البديع غير الَّذِي قَصده كَقَوْل المتنبي:(1/583)
(يرد يدا عَن ثوبها وَهُوَ قَادر ... ويعصى الْهوى فِي طيفها وَهُوَ رَاقِد)
فَإِن (قَادر) يتَضَمَّن معنى مستيقظ
الطَّلَاق: اسْم من التَّطْلِيق وَهُوَ الْإِرْسَال
وَيجوز أَن يكون مصدر (طلقت) بِالضَّمِّ أَو بِالْفَتْح فَهِيَ طَالِق [كحامل وحائض] اسْتعْمل فِي النِّكَاح بالتفعيل كالسلام والسراح بِمَعْنى التَّسْلِيم والتسريح، وَفِي غَيره بالأفعال وَلِهَذَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة فِي (أَنْت مُطلقَة) بِالتَّخْفِيفِ لَا فِي (مُطلقَة) مشددا
وَطلقت الْمَرْأَة طَلَاقا
وَطلقت طلقا: عَن الْولادَة
وطلق وَجه فلَان طلاقة
وَفُلَان طلق الْوَجْه وطليق الْوَجْه
وَالطَّلَاق شرعا: إِزَالَة النِّكَاح وَنقض حلّه بِلَفْظ مَخْصُوص
والتطليق الشَّرْعِيّ: كرتان على التَّفْرِيق تَطْلِيقَة بعد تَطْلِيقَة يعقبها رَجْعَة
وَظَاهر قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} حجَّة على الشَّافِعِي فِي قَوْله: " لَا بَأْس بإرسال الثَّلَاث " وَلَا متمسك لَهُ فِي حَدِيث الْعجْلَاني الَّذِي لَاعن امْرَأَته فَطلقهَا ثَلَاثًا بَين يَدي رَسُول الله وَلم يُنكر عَلَيْهِ لعدم الدَّلِيل بتأخره عَن نزُول الْآيَة
وَقد كَانَ فِي الصَّدْر الأول إِذا أرسل الثَّلَاث جملَة لم كَحكم إِلَّا بِوُقُوع وَاحِدَة إِلَى زمن عمر رَضِي الله عَنهُ
ثمَّ حكم بِوُقُوع الثَّلَاث سياسة لكثرته بَين النَّاس
وَاخْتلف فِي طَلَاق الْمُخطئ، كَمَا إِذا أَرَادَ أَن يَقُول: (أَنْت جَالس) فَقَالَ: (أَنْت طَالِق) فعندنا يَصح، وَعند الشَّافِعِي لَا يَصح لعدم الْقَصْد كالنائم والمغمى عَلَيْهِ
وَالِاعْتِبَار إِنَّمَا هُوَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيح فَنَقُول: أقيم الْبلُوغ بِالْعقلِ مقَام الْعَمَل بِالْعقلِ بِلَا سَهْو وَلَا غَفلَة لِأَنَّهُ خَفِي لَا يُوقف عَلَيْهِ بِلَا حرج، وَلم يقم مقَام الْقَصْد فِي النَّائِم والمغمى عَلَيْهِ لِأَن السَّبَب الظَّاهِر إِنَّمَا يُقَام مقَام الشَّيْء عِنْد خَفَاء وجوده وَعَدَمه، وَعدم الْقَصْد فِي النَّائِم مدرك بِلَا حرج، وَلما كَانَ الْقَصْد فِي النَّائِم مِمَّا لَا يعسر الْوُقُوف عَلَيْهِ لم يحْتَج إِلَى إِقَامَة شَيْء مقَامه بل جعل الحكم مُتَعَلقا بحقيقته
الطغيان: هُوَ تجَاوز الْحَد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ من قبل، وعَلى ذَلِك: {لما طَغى المَاء}
والعدوان: تجَاوز الْمِقْدَار الْمَأْمُور بِهِ بالانتهاء إِلَيْهِ وَالْوُقُوف عِنْده، وعَلى ذَلِك: {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ}
وَالْبَغي: طلب تجَاوز قدر الِاسْتِحْقَاق، تجاوزه أَو لم يتجاوزه، وَيسْتَعْمل فِي المتكبر لِأَنَّهُ طَالب منزلَة لَيْسَ لَهَا بِأَهْل
الطَّبْع: هُوَ مَا يكون مبدأ الْحَرَكَة مُطلقًا سَوَاء كَانَ لَهُ شُعُور كحركة الْحَيَوَان، أَو لَا كحركة الفك عِنْد من لم يَجعله شَاعِرًا، وَهُوَ الصُّورَة النوعية أَو النَّفس
والطبيعة أَيْضا مَا يكون مبدأ الْحَرَكَة من غير شُعُور، وَالنِّسْبَة بَينهمَا بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص(1/584)
مُطلقًا، وَالْعَام هُوَ الطَّبْع
والطبيعة تطلق على النَّفس بِاعْتِبَار تدبيرها للبدن على التسخير لَا الِاخْتِيَار، وَقد تطلق على الصُّورَة النوعية للبسائط
والطبع أَيْضا قُوَّة للنَّفس فِي إِدْرَاك الدقائق
والسليقة: قُوَّة فِي الْإِنْسَان بهَا يخْتَار الفصيح من طرق التراكيب من غير تكلّف وتتبع قَاعِدَة مَوْضُوعَة لذَلِك، وَذَلِكَ مثل اتِّفَاق طباع الْعَرَب الْأَوَّلين على رفع الْفَاعِل وَنصب الْمَفْعُول وجر الْمُضَاف إِلَيْهِ وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام المستنبطة من تراكيبهم
والطبع أَعم من الْخَتْم، وأخص من النقش
قَالَ بَعضهم: الطَّبْع والختم والأكنة والأقفال أَلْفَاظ مترادفة بِمَعْنى وَاحِد
الطُّمَأْنِينَة: بِالضَّمِّ اسْم من الاطمئنان وَهُوَ لُغَة السّكُون. وَشرعا: الْقَرار مِقْدَار التسبيحة فِي أَرْكَان الصَّلَاة
وَقد شدد صدر الْإِسْلَام تشديدا بليغا فَقَالَ: إِنَّهَا وَاجِبَة عِنْد الطَّرفَيْنِ فَيلْزم السَّهْو بِتَرْكِهَا، وَيكرهُ أَشد الْكَرَاهَة عمدا، وَيلْزمهُ الاعادة كَمَا فِي " الْمنية " وَغَيره
[والمطمئن] : صَحَّ بِفَتْح الْهمزَة على أَنه اسْم مَكَان بِمَعْنى مَوضِع الطُّمَأْنِينَة، لَا اسْم مفعول لِأَن (اطْمَأَن) لَازم، وَقد يرْوى بِكَسْرِهَا على أَنه اسْم فَاعل بِمَعْنى النّسَب، أَو على الاسناد الْمجَازِي مثل {عيشة راضية} ]
الطّعْم (بِالضَّمِّ) : الطَّعَام
وبالفتح مَا يُؤَدِّيه الذَّوْق.
يُقَال: (طعمه مر)
وَالطَّعَام قد يَقع على المشروب كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني}
وَالْعرب تَقول: (تطعم تطعم) أَي ذُقْ حَتَّى تشْتَهي، وَإِذا كَانَ الْمَعْنى رَاجعا إِلَى الذَّوْق صلح للمأكول والمشروب مَعًا
الطي: هُوَ ضد النشر
يُقَال: طوى الثَّوْب وَنَحْوه (بِالْفَتْح) طيا، وطوي (بِالْكَسْرِ) يطوى طوى فَهُوَ طاو أَي: جَائِع
وَقَوله تَعَالَى: {بالواد الْمُقَدّس طوى} أَي قدس مرَّتَيْنِ
وَقَالَ الْحسن: تثبت فِيهِ الْبركَة وَالتَّقْدِيس مرَّتَيْنِ
والطوية: الضَّمِير
وطوى كشحه: أعرض بوده
وطوى عَنهُ كشحه: قطعه
وطوى كشحه على الْأَمر: أضمره وستره
الطَّائِفَة: هِيَ من الشَّيْء قِطْعَة مِنْهُ، أَو الْوَاحِد فَصَاعِدا، أَو إِلَى الْألف، وأقلها رجلَانِ أَو رجل، فَتكون بِمَعْنى النَّفس
والطائفة إِذا أُرِيد بهَا الْجمع فَجمع طائف، وَإِذا أُرِيد بهَا الْوَاحِد فَيصح أَن تكون جمعا، وكني بِهِ من الْوَاحِد
الطَّبَق: هُوَ من كل شَيْء مَا ساواه، وَوجه الأَرْض والقرن من الزَّمَان أَو عشرُون سنة
وطبق الشَّيْء تطبيقا: عَم
والسحاب الجو: غشاه
وَالْمَاء وَجه الأَرْض: غطاه
والطباق: هُوَ جمع المتقابلين فِي الْجُمْلَة(1/585)
وَيُسمى مُطَابقَة وتطبيقا وتضادا وتكافؤا
وطباق السَّلب: هُوَ أَن يجمع بَين فعلي مصدر وَاحِد أَحدهمَا مُثبت وَالْآخر منفي مثل: {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} أَو أَحدهمَا أَمر وَالْآخر نهي نَحْو: {فَلَا تخشوا النَّاس واخشون}
[وَفِي مثل: {أغرقوا فأدخلوا نَارا}
طباق خَفِي]
الطَّاقَة: هِيَ اسْم لمقدار مَا يُمكن الْإِنْسَان أَن يَفْعَله بِمَشَقَّة، (وَذَلِكَ تَشْبِيه بالطوق الْمُحِيط بالشَّيْء) فَقَوله تَعَالَى: {وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} لَيْسَ مَعْنَاهُ مَا لَا قدرَة لنا بِهِ بل مَا يصعب علينا
الطّرف (بِفَتْح الطَّاء وَالرَّاء) : الْجَانِب
وبضم الطَّاء وَفتح الرَّاء جمع (طرفَة) ، وَهِي الغريبة من التَّمْر وَغَيره
وطرف بَصَره: أطبق أحد جفنيه على الآخر
وطرف بِعَيْنِه: حرك جفنيها
الطائل: الْفَائِدَة والمزية
يُقَال: هدا الْأَمر لَا طائل فِيهِ، إِذا لم يكن فِيهِ غنى ومزية
الطّيب: لَهُ ثَلَاثَة معَان: الطَّاهِر، والحلال، والمستلذ
الطارق: كَوْكَب الصُّبْح
الطَّبَرِيّ: نِسْبَة إِلَى طبرستان
وَالطَّبَرَانِيّ: نِسْبَة إِلَى طبرية
الطليعة: من يبْعَث ليطلع حَال الْعَدو
طفق: خَاص بالإثبات مَعْنَاهُ: جعل
طالما: (مَا) فِيهِ حَقّهَا أَن تكْتب مَوْصُولَة كَمَا فِي (رُبمَا) و (إِنَّمَا) وأخواتهما
وَكَذَا فِي (قَلما) للمعنى الْجَامِع بَينهمَا، هَذَا إِذا كَانَت كَافَّة، وَأما إِذا كَانَت مَصْدَرِيَّة فَلَيْسَ إِلَّا الْفَصْل
قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: (طالما) و (قَلما) وَنَحْوهمَا أَفعَال لَا فَاعل لَهَا مضمرا وَلَا مظْهرا لِأَن الْكَلَام لما كَانَ مَحْمُولا على النَّفْي سوغ ذَلِك أَن لَا يحْتَاج إِلَيْهِ، و (مَا) دخلت عوضا عَن الْفَاعِل
وَقَالَ ابْن جني: كلمة وَاحِدَة. فَإِن (مَا) دخلت على (طَال) مصلحَة لَهَا للْفِعْل وَجعل الْفِعْل مصدرا، فَلَمَّا اخْتَلَط بِهِ معنى وتقديرا اخْتَلَط بِهِ خطا وتصويرا، وَكَذَا فِي (قَلما) و (الْفَاء) الدَّاخِلَة عَلَيْهَا للتَّعْلِيل [نوع]
{وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} : ذَبَائِحهم
{الطوفان} : الْمَطَر
{طَائِفَة} : عصبَة {كالطود} : كالجبل
{طائركم} : مصائبكم(1/586)
{فَطَفِقَ مسحا} : جعل يمسح
{ذِي الطول} : السعَة والغنى
{طَغى المَاء} : كثر
{طحاها} : سطحها فوسعها
{طغيانهم} : كفرهم
{ألزمناه طَائِره} : عمله وَمَا قدر لَهُ كَأَنَّهُ طير من عش الْغَيْب ووكر الْقدر
{حَلَالا طيبا} : يستطيبه الشَّرْع، (أَو الشَّهْوَة المستقيمة)
{فطوعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه} : فسهلته لَهُ ووسعته
{ضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب} : عَابِد الصَّنَم ومعبوده
{إِنَّه طَغى} : عصى وتكبر
{بطغواها} : طغيانها
{لطمسنا} : لمسحنا ومحونا
{طلعها} : حملهَا
{طبتم} : طهرتم
{وَمَا طَغى} : وَمَا تجَاوز
{قوم طاغون} : مجاوزون الْحَد فِي العناد
{الطامة} : الداهية الَّتِي تطم، أَي تعلو على سَائِر الدَّوَاهِي
{سبع طرائق} : سماوات
{والطارق} : الْكَوْكَب البادي بِاللَّيْلِ
{طبقًا عَن طبق} : حَالا بعد حَال مُطَابقَة لأختها فِي الشدَّة
{وطلح} : هُوَ شجر الموز، أَو أم غيلَان، لَهُ أَنْوَاع طيبَة الرَّائِحَة
{وَالطور} : هُوَ مَا أنبت من الْجبَال، وَمَا لم ينْبت فَلَيْسَ بطور
وَعَن مُجَاهِد: هُوَ الْجَبَل بالسُّرْيَانيَّة
{طه} : عَن ابْن عَبَّاس هُوَ كَقَوْلِك: يَا مُحَمَّد بِلِسَان الْحَبَشَة [أوطئ قَدَمَيْك على الأَرْض، وَقيل: مَعْنَاهُ يَا بدر]
و {طور سيناء} : جبل مُوسَى بَين مصر وأيلة
{الطاغوت} : الكاهن بِالْحَبَشَةِ(1/587)
{طُوبَى} : فَرح وقرة عين: وَعَن ابْن عَبَّاس: اسْم الْجنَّة بالحبشية
{طوى} :: هُوَ مُعرب مَعْنَاهُ لَيْلًا
وَقيل: هُوَ رجل بالعبرانية
{فطل} : مطر صَغِير الْقطر
{طفقا} عمدا بلغَة غَسَّان، وَقيل: قصدا بالرومية
[ {كشجر طيبَة} : عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الَّتِي لَا ينقص وَرقهَا، وَهِي النَّخْلَة، والخبيثة هِيَ الحنظل
{طهُورا} : نظيفا
{طمست} : ذهب ضوؤها]
(فصل الظَّاء)
[الظُّلُمَات] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الظُّلُمَات والنور فَالْمُرَاد الْكفْر وَالْإِيمَان، إِلَّا الَّتِي فِي أول " الْأَنْعَام " فَإِن المُرَاد هُنَاكَ ظلمَة اللَّيْل وَنور النَّهَار
[الظَّن] : عَن مُجَاهِد قَالَ: كل ظن فِي الْقُرْآن فَهُوَ يَقِين، وَهَذَا يشكل بِكَثِير من الْآيَات
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: للْفرق بَينهمَا ضابطان فِي الْقُرْآن:
أَحدهمَا: أَنه حَيْثُ وجد الظَّن مَحْمُودًا مثابا عَلَيْهِ فَهُوَ الْيَقِين
وَحَيْثُ وجد مذموما متوعدا عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ فَهُوَ الشَّك:
وَالثَّانِي: أَن كل ظن يتَّصل بِهِ (أَن) المخففة فَهُوَ شكّ نَحْو: {بل ظننتم أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول}
وكل ظن يتَّصل بِهِ (أَن) الْمُشَدّدَة فَهُوَ يَقِين كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه} ، وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن الْمُشَدّدَة لتأكيد فَدخلت فِي الْيَقِين
والمخففة بِخِلَافِهَا فَدخلت فِي الشَّك
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله} ، فالظن فِيهِ اتَّصل بِالِاسْمِ
وَالظَّن بالظاء فِي جَمِيع الْقُرْآن لَكِن قد اخْتلفُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {بضنين}
[الظّهْر] : كل من علا شيئأ فقد ظهر. وَسمي المركوب ظهرا لِأَن رَاكِبه يعلوه
وَكَذَلِكَ امْرَأَة الرجل لِأَنَّهُ يعلوها بِملك الْبضْع وَإِن لم يكن علوه من خاصية الظّهْر
كل ظهر يكْتب بالظاء إِلَّا (ظهر الْجَبَل) فَإِنَّهُ بالضاد
والظاء (كالضاد] حرف خَاص بِلِسَان الْعَرَب
[الظلة] : كل مَا أظلك من سقف بَيت أَو سَحَابَة أَو جنَاح حَائِط فَهُوَ ظلة(1/588)
[الظّرْف] : كل مَا يسْتَقرّ فِيهِ غَيره فَهُوَ ظرف
كل ظرف فَهُوَ فِي التَّقْدِير جَار ومجرور لِأَن قَوْلنَا: (صليت يَوْم الْجُمُعَة) مَعْنَاهُ: صليت فِي يَوْم الْجُمُعَة، وعَلى هَذَا الْقيَاس سَائِر الْأَزْمِنَة والأمكنة
والظرف فِي عرف النَّحْوِيين: لَيْسَ كل اسْم من أَسمَاء الزَّمَان أَو الْمَكَان على الْإِطْلَاق، بل الظّرْف مِنْهَا مَا كَانَ منتصبا على تَقْدِير (فِي) واعتباره بِجَوَاز ظُهُورهَا مَعَه فَتَقول: قُمْت الْيَوْم، وَفِي الْيَوْم
[وَذكر فِي كتب الْأُصُول أَن الظّرْف الْمَجْرُور بفي لَا يكون بِتَمَامِهِ ظرفا إِنَّمَا يكون كَذَلِك الْمَنْصُوب بِتَقْدِير (فِي) نَحْو: (صمت يَوْم الْجُمُعَة) بِصَوْم تَمَامه، بِخِلَاف (صمت فِي يَوْم الْجُمُعَة) وَهَذَا الْفرق مَذْهَب الْكُوفِي وَلَا يفرق بَينهمَا الْبَصْرِيّ]
كل ظرف أَو جَار ومجرور لَيْسَ بزائد وَلَا مِمَّا
يسْتَثْنى بِهِ فَلَا بُد أَن يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ أَو مَا يُشبههُ، أَو مَا أول بِمَا يُشبههُ، أَو مَا يُشِير إِلَى مَعْنَاهُ
كل مَا ينْتَصب ظرفا يجوز وُقُوعه خَبرا إِذا كَانَ مِمَّا يَصح عمل الِاسْتِقْرَار فِيهِ
كل ظرف أضيف إِلَى الْمَاضِي فَإِنَّهُ يبْنى على الْفَتْح: " كَيَوْم وَلدته أمه " الحَدِيث
وَاخْتلف فِي الْمُضَاف إِلَى الْمُضَارع وَالأَصَح أَنه مُعرب
والظرف إِذا وَقع حَالا، أَو خَبرا، أَو صفة، أَو صلَة يتَعَلَّق بِكَوْن مُطلق لَا مُقَيّد، وَلَا يجوز حذفه إِذا كَانَ مُتَعَلّقه كونا مُقَيّدا، وَإِنَّمَا يحذف إِذا كَانَ كونا مُطلقًا
وظرف الزَّمَان لَا يكون صفة الجثة وَلَا حَالا مِنْهَا، وَلَا خَبرا عَنْهَا وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {قد سَأَلَهَا قوم من قبلكُمْ} : (من قبلكُمْ) مُتَعَلق بسألها، وَلَيْسَ صفة لقوم
والظرف الْمُتَصَرف هُوَ مَا لم يسْتَعْمل إِلَّا مَنْصُوبًا بِتَقْدِير (فِي) أَو مجرورا ب (من)
والظرف غير الْمُتَصَرف هُوَ مَا لم يلْزم انتصابه(1/589)
بِمَعْنى (فِي) أَو انجراره ب (من)
والظرف يعْمل فِيهِ معنى الْفِعْل مُتَأَخِّرًا أَو مُتَقَدما
وَالْحَال لَا يعْمل فِيهَا معنى الْفِعْل إِلَّا مُتَقَدما عَلَيْهَا، وَكلمَة (فِي) تدخل لفظ الظّرْف، وَتدْخل على حَال مُضَافَة إِلَى مصدرها نَحْو (جَاءَنِي زيد قَائِما) أَي: فِي حَال قِيَامه
وتعدد الظّرْف مُمْتَنع بِلَا خلاف، وَفِي تعدد الْبَدَل خلاف
ويتعدد عطف الْبَيَان: ك {ملك النَّاس إِلَه النَّاس} كَذَا الْحَال لشبهها بالْخبر والنعت، وَإِذا كَانَ الظّرْف عَاملا فِي ضمير ذِي الْحَال بِكَوْن بِغَيْر وَاو أَلْبَتَّة لانخراطه فِي سلك الْمُفْرد
وَإِذا دخل على الظّرْف الْخَافِض خرج عَن الظَّرْفِيَّة
أَلا ترى أَن (وسطا) إِذا دَخلهَا الْخَافِض صَارَت اسْما بِدَلِيل التزامهم فتح سينها فَإِن الْوسط المفتوح السِّين لَا يكون إِلَّا اسْما، وَالسَّبَب فِي ذَلِك هُوَ أَنهم جعلُوا الظّرْف بِمَنْزِلَة الْحَرْف الَّذِي لَيْسَ باسم وَلَا فعل لشبهه بِهِ من حَيْثُ إِن أَكثر الظروف قد أخرج مِنْهَا الْإِعْرَاب، وأكثرها أَيْضا لَا تثنى وَلَا تجمع وَلَا تُوصَف، وَلذَلِك كَرهُوا أَن يدخلُوا فِيهَا مَا يدْخلُونَ فِي الْأَسْمَاء
والظرف النَّاقِص لَا يصلح أَن يكون خَبرا لِأَنَّهُ عبارَة عَمَّا لم يكن فِي الْإِخْبَار بِهِ فَائِدَة كالمقطوع عَن الْإِضَافَة
وَلَا يعْمل الظّرْف عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ خَبرا نَحْو: (زيد فِي الدَّار غُلَامه)
وَصفَة لموصوف نَحْو: (جَاءَنِي رجل بِيَدِهِ سيف)
وصلَة لموصول نَحْو: {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَحَالا لذِي حَال نَحْو: (جَاءَنِي زيد بَين يَدَيْهِ خُدَّامه)
ومعتمدا على همزَة الِاسْتِفْهَام نَحْو: (أَفِي الدَّار زيد)
ومعتمدا على حرف النَّفْي نَحْو: (مَا فِي الدَّار أحد)
وَفِيمَا إِذا كَانَ فَاعله بِمَعْنى الْمصدر نَحْو: (عِنْدِي أَنَّك منطلق) أَي عِنْدِي انطلاقك
وَالِاسْم الْوَاقِع بعد الظّرْف فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَرْفُوع بِأَنَّهُ فَاعل القَوْل الْمُقدر فِي الظّرْف، وَفِيمَا عدا هَذِه الْمَوَاضِع لَا يكون الِاسْم الْوَاقِع بعد الظّرْف فَاعِلا عِنْد الْبَصرِيين
والظرف الزماني: أمس، الْآن، مَتى، أَيَّانَ، قطّ الْمُشَدّدَة، إِذا، الْمُقْتَضِيَة جَوَابا
والمكاني: لدن، حَيْثُ، أَيْن، هُنَا، ثمَّة، إِذا المستعملة بِمَعْنى ثمَّة
وَمَا يتَجَاوَز بِهِ الزَّمَان وَالْمَكَان: قبل، بعد
وَإِذا قصد فِي بَاء المصاحبة مُجَرّد كَون مَعْمُول الْفِعْل مصاحبا للمجرور زمَان تعلق ذَلِك الْفِعْل بِهِ من غير قصد مشاركتهما فِي الْفِعْل فمستقر فِي موقع الْحَال سمي مُسْتَقرًّا لتَعَلُّقه بِفعل الِاسْتِقْرَار، وَهُوَ مُسْتَقر فِيهِ، حذف (فِيهِ) للاختصار كَمَا فِي الْمُشْتَرك وَإِذا قصد كَكَوْنِهِ مصاحبا لَهُ فِي تعلق الْفِعْل فلغو، فَفِي قَوْله: (اشْتَرِ الْفرس بسرجه) ، على الأول السرج غير مشترى وَلَكِن الْفرس كَانَ مصاحبا للسرج حَال الشِّرَاء وَالتَّقْدِير:(1/590)
اشتره مصاحبا للسرج، وعَلى الثَّانِي كَانَ السرج مشترى وَالْمعْنَى اشترهما مَعًا
والظرف المستقر إِذا وَقع بعد الْمعرفَة يكون حَالا نَحْو (مَرَرْت بزيد فِي الدَّار) أَي كَائِنا فِي الدَّار
وَإِذا وَقع بعد النكرَة يكون صفة نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل فِي الدَّار) [أَي كَائِن فِي الدَّار]
وَيَقَع صلَة نَحْو: {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ}
وخبرا نَحْو: (فِي الدَّار زيد أم عنْدك) وَبعد الْقسم بِغَيْر الْبَاء نَحْو: {وَاللَّيْل إِذا يغشى}
وَيكون مُتَعَلقَة مَذْكُورا بعده على شريطة التَّفْسِير نَحْو: (يَوْم الْجُمُعَة صمت) وَيشْتَرط فِي الظّرْف المستقر أَن يكون الْمُتَعَلّق متضمنا فِيهِ، وَأَن يكون مِنْهُ الْأَفْعَال الْعَامَّة، وَأَن يكون مُقَدرا غير مَذْكُور، وَإِذا لم تُوجد هَذِه الشُّرُوط فالظرف لَغْو قَالَ بَعضهم: مَا لَهُ حَظّ من الْإِعْرَاب، وَلَا يتم الْكَلَام بِدُونِهِ، بل هُوَ جُزْء الْكَلَام فَهُوَ مُسْتَقر، وَلَيْسَ اللَّغْو كَذَلِك لِأَنَّهُ مُتَعَلق بعامله الْمَذْكُور، وَالْإِعْرَاب لذَلِك الْعَامِل، وَيتم الْكَلَام بِدُونِهِ، وَحقّ اللَّغْو التَّأْخِير لكَونه فضلَة، وَحقّ المستقر التَّقْدِيم لكَونه عُمْدَة ومحتاجا إِلَيْهِ
والظرف فِي قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا} لَغْو مُتَعَلق بالخزي، وَفِي الدُّنْيَا خزي مُسْتَقر، أَي الخزي حَاصِل لَهُم لِأَن كَون الْمَرْء قَاطع الطَّرِيق مذلة وفضيحة فِي نَفسه بِخِلَاف منع الْمَسَاجِد عَن ذكر الله وَالسَّعْي فِي خرابها لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفسه مذلة بل مؤد إِلَيْهَا
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُنَبه عَلَيْهِ هُوَ أَن مثل (كَانَ) أَو (كَائِن) الْمُقدر فِي الظروف المستقرة لَيْسَ من الْأَفْعَال النَّاقِصَة بل من التَّامَّة بِمَعْنى ثَبت وَحصل، أَو ثَابت وَحَاصِل
والظرف بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لَغْو وَإِلَّا لَكَانَ الظّرْف فِي موقع الْخَبَر لَهُ فَيكون بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مُسْتَقرًّا لَا لَغوا، لِأَن اللَّغْو لَا يَقع موقع مُتَعَلّقه فِي وُقُوعه خبر فَيلْزم (أَن يقدر (كَانَ) أَو (كَائِن) آخر وَهُوَ أَيْضا من النَّاقِصَة على ذَلِك التَّقْدِير فَيَقَع الظّرْف فِي موقع الْخَبَر لَهُ أَيْضا) فَيلْزم التسلسل والتقديرات
والظرفية الْحَقِيقِيَّة حَيْثُ كَانَ للظرف احتواء وللمظروف تحيز ك (الدِّرْهَم فِي الْكيس)
والمجازية حَيْثُ فقد الاحتواء ك (زيد فِي الْبَريَّة) أَو التحيز نَحْو: (فِي صدر فلَان علم) أَو فقدا مَعًا نَحْو: (فِي نَفسه علم)
والظروف المبهمة مَا لَيْسَ لَهَا حُدُود تحصرها وَلَا أفكار تحويها، وَقد وَسعوا فِي الظّرْف من الْأَحْكَام مَا لم يوسعوا فِي غَيره مثل أَنهم لم يجوزوا تَقْدِيم مَعْمُول الْمصدر عَلَيْهِ إِذا لم يكن ظرفا، وجوزوه إِذا كَانَ ظرفا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} ، وَقَوله تَعَالَى: {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} ، فَإِن الْعَامِل فِي الْآيَة الأولى (الرأفة) وَفِي الْآيَة الثَّانِيَة (السَّعْي)
وجوزوا عمل اسْم الْإِشَارَة فِي الظّرْف مَعَ أَنه(1/591)
أَضْعَف الْأَسْمَاء فِي الْعَمَل دون غَيره كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير} فَإِن انتصاب (يَوْم) فِي (يؤمئذ) بذلك وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام الموسعة فِي الظّرْف
والظرف المتمكن مَعْنَاهُ أَنه يسْتَعْمل تَارَة اسْما وَتارَة ظرفا
وَغير المتمكن مَعْنَاهُ أَنه لَا يسْتَعْمل فِي مَوضِع يصلح ظرفا إِلَّا ظرفا كَقَوْلِه: (لقِيه صباحا) ، و (موعده صباحا) ، إِذا أردْت صباح يَوْم بِعَيْنِه، وَلَا عِلّة بَينهمَا غير اسْتِعْمَال الْعَرَب
وَغير المتمكن مثل: عِنْد، لدن، مَعَ، قبل، بعد
وَحكمه أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ شَيْء من حُرُوف الْجَرّ لعدم تمكنه وَقلة اسْتِعْمَاله اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء، وَإِنَّمَا أَجَازُوا دُخُول (من) توكيدا لمعناه وتقوية لَهُ، وَلَوْلَا قُوَّة (من) على سَائِر حُرُوف الْجَرّ لكَونهَا ابْتِدَاء لكل غَايَة لما جَازَ دُخُول (من) عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه قد جَاءَ فِي كَلَامهم كَون (من) مرَادا بهَا الِابْتِدَاء والانتهاء فِي مثل (رَأَيْت الْهلَال من خلل السَّحَاب) فخلل السَّحَاب هُوَ ابْتِدَاء الرُّؤْيَة ومنتهاها، (وَلذَلِك أَجَازُوا: من عِنْده، وَمن لَدنه، وَمن مَعَه، وَمن قبله، وَمن بعده، وَلم يجيزوا إِلَى عِنْده إِلَى آخِره)
والظروف بَعْضهَا يسْتَعْمل مَعَ (مَا) وَعدمهَا، ك (أَيْن) فِي الْمَكَان و (مَتى) فِي الزَّمَان
وَبَعضهَا لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ (مَا) نَحْو (إِذْ) و (حَيْثُ) وَبَعضهَا لَا يسْتَعْمل مَعَ (مَا) نَحْو (أَنى)
وظروف الزَّمَان كلهَا مبهمها وموقتها يقبل النصب بِتَقْدِير (فِي)
وظرف الْمَكَان إِن كَانَ مُبْهما يقبل ذَلِك وَإِلَّا فَلَا، و (عِنْد) مُلْحق بِالْمَكَانِ الْمُبْهم
و (دخلت) وَمَا فِي مَعْنَاهَا مثل (سكنت) ينصب كل مَكَان يدْخل فِيهِ لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال
الظّهْر (بِالضَّمِّ) : سَاعَة الزَّوَال
والظهيرة: حد انتصاف النَّهَار
والظهير: الْمعِين
{وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك ظهير}
وَلَا يكون للاثنين كَمَا فِي (فعول) حَيْثُ لَا يُقَال: (رجلَانِ صبور) وَإِن صَحَّ فِي الْجمع {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيرا} : أَي يظاهر الشَّيْطَان بالعداوة والشرك
وَقيل: هينا مهينا أَي: لَا وَقع لَهُ عِنْده، من قَوْلهم: ظَهرت بِهِ إِذا نَبَذته خلف ظهرك
وَظَهَرت على الرجل: غلبته
وَظَهَرت الْبَيْت: علوته
وَظهر بفلان: أعلن بِهِ
والظهري، بِالْكَسْرِ: نِسْبَة إِلَى الظّهْر، وَالْكَسْر من تغييرات النّسَب مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: مَا يَجعله الْإِنْسَان وَرَاء ظَهره، وَفِي الْعرف: مَا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ
والظهرة، بِالْكَسْرِ: العون
ومادة الظّهْر مفيدة لِمَعْنى المعونة نَحْو: {تظاهرون عَلَيْهِم بالإثم}
وَمعنى الْعُلُوّ: {لِيظْهرهُ على الدّين كُله}
وَمعنى الظفر: (كَيفَ وَإِن يظهروا(1/592)
عَلَيْكُم}
وَمعنى الظِّهَار: {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم}
وَبَين ظهريهم، وظهرانيهم: بِفَتْح النُّون، وَبَين أظهرهم: جمع ظهر أَي بَينهم
وأقمت بَين ظهرانيهم: أَي بَين ظهر فِي وَجْهي وَظهر فِي ظَهْري
هَذَا فِي الأَصْل ثمَّ اسْتعْمل فِي الْإِقَامَة بَين الْقَوْم
وَظَاهر بَينهمَا: طابق
وَعَن ظهر الْقلب: كِنَايَة عَن الْحِفْظ
وَأَعْطَاهُ عَن ظهر يَد: أَي ابْتِدَاء بِلَا مُكَافَأَة
وَفُلَان خَفِيف الظّهْر: أَي قَلِيل الْعِيَال
والظواهر: أَشْرَاف الأَرْض.
وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن فِي صفة الله تَعَالَى
لَا يُقَال إِلَّا مزدوجين كَالْأولِ وَالْآخر
وَهُوَ الظَّاهِر: آيَة لِكَثْرَة آيَاته ودلائله
وَالْبَاطِن: مَاهِيَّة لاحتجاب حَقِيقَة ذَاته عَن نظر الْعُقُول بحجب كبريائه
وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر إِشَارَة إِلَى معرفتنا البديهية، فَإِن الْفطْرَة تَقْتَضِي فِي كل مَا نظر إِلَيْهِ الْإِنْسَان أَنه تَعَالَى مَوْجُود كَمَا قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} وَلذَلِك قَالَ بعض الْحُكَمَاء: مثل طَالب مَعْرفَته مثل من طوف الْآفَاق فِي طلب مَا هُوَ مَعَه
وَالْبَاطِن: إِشَارَة إِلَى مَعْرفَته الْحَقِيقِيَّة، وَهِي الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بقوله: يَا من غَايَة مَعْرفَته الْقُصُور عَن مَعْرفَته
وَالظِّهَار: مصدر (ظَاهر الرجل) إِذا قَالَ لزوجته: (أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي)
ثمَّ قيل: (ظَاهر من امْرَأَته) فعدي بِمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الْجَاهِلِيَّة عَن الْمَرْأَة الْمظَاهر مِنْهَا، إِذْ الظِّهَار طَلَاق عِنْدهم
وَشرعا تَشْبِيه مُسلم عَاقل بَالغ مَا يُضَاف إِلَيْهِ الطَّلَاق من الزَّوْجَة بِمَا يحرم إِلَيْهِ النّظر من عُضْو محرمه وَهُوَ يَقْتَضِي الطَّلَاق وَالْحُرْمَة إِلَى أَدَاء الْكَفَّارَة
وقاس الشَّافِعِي ظِهَار الذِّمِّيّ من زَوجته على ظِهَار الْمُسلم فِي حُرْمَة الْوَطْء، فيعترضه الْحَنَفِيّ بِأَن الْحُرْمَة فِي الْمُسلم غير مُؤَبّدَة لانتهائها بِالْكَفَّارَةِ، وَفِي الْكَافِر مُؤَبّدَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْكَفَّارَة لعدم صِحَة صَوْمه، فَخَالف حكم الْفَرْع حكم أَصله، إِذْ هُوَ فِي الْفَرْع حُرْمَة بتأبيد، وَفِي الأَصْل حُرْمَة بِلَا تأبيد، وَلَا قِيَاس عِنْد اخْتِلَاف الحكم
الظَّن: يكون يَقِينا وَيكون شكا، من الأضداد، كالرجاء يكون أمنا وخوفا
وَالظَّن فِي حَدِيث: " أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي " بِمَعْنى الْيَقِين والاعتقاد لَا بِمَعْنى الشَّك
وَالظَّن: التَّرَدُّد الرَّاجِح بَين طرفِي الِاعْتِقَاد غير الْجَازِم
وَعند الْفُقَهَاء: هُوَ من قبيل الشَّك لأَنهم يُرِيدُونَ بِهِ التَّرَدُّد بَين وجود الشَّيْء وَعَدَمه سَوَاء اسْتَويَا أَو ترجح أَحدهمَا
[وَفِي شرح " الاشارات ": قد يُطلق الظَّن بِإِزَاءِ الْيَقِين على الحكم الْجَازِم المطابق غير الْمُسْتَند إِلَى علته، وعَلى الْجَازِم غير المطابق، وعَلى غير الْجَازِم](1/593)
وَالْعَمَل بِالظَّنِّ فِي مَوضِع الِاشْتِبَاه صَحِيح شرعا كَمَا فِي " التَّحَرِّي " وغالب الظَّن عِنْدهم مُلْحق بِالْيَقِينِ وَهُوَ الَّذِي تبتنى عَلَيْهِ الْأَحْكَام
يعرف ذَلِك من تصفح كَلَامهم، وَقد صَرَّحُوا فِي نواقض الْوضُوء بِأَن الْغَالِب كالمتحقق وصرحوا فِي الطَّلَاق بِأَنَّهُ إِذا ظن الْوُقُوع لم يَقع، وَإِذا غلب على ظَنّه وَقع
[وَقد صَرَّحُوا أَيْضا بِأَن الظَّن الْغَالِب الَّذِي لَا يخْطر مَعَه احْتِمَال مَعَ احْتِمَال النقيض يَكْفِي فِي الْإِيمَان كَذَا فِي ابْن الْهمام] وَلَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ
وَالظَّن مَتى لَاقَى فصلا مُجْتَهدا فِيهِ أَو شُبْهَة حكمِيَّة وَقع مُعْتَبرا
وَقد يُطلق الظَّن بِإِزَاءِ الْعلم على كل رَأْي واعتقاد من غير قَاطع وَإِن جزم بِهِ صَاحبه كاعتقاد الْمُقَلّد والزائغ عَن الْحق لشُبْهَة
وَقد يَجِيء بِمَعْنى التوقع على سَبِيل الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يظنون أَنهم ملاقو رَبهم}
وَمن الظَّن مَا يجب اتِّبَاعه كالظن حَيْثُ لَا قَاطع فِيهِ من العمليات وَحسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى
وَمَا يحرم كالظن فِي الإلهيات والنبوات، وَحَيْثُ يُخَالِفهُ قَاطع، وَظن السوء بِالْمُؤْمِنِينَ
وَمَا يُبَاح كالظن فِي الْأُمُور المعاشية
وَلَا إِثْم فِي ظن لَا يتَكَلَّم بِهِ، (وَإِنَّمَا الْإِثْم فِيمَا يتَكَلَّم بِهِ)
وَلَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَين خَطؤُهُ كَمَا لَو ظن المَاء نجسا فَتَوَضَّأ بِهِ ثمَّ تبين أَنه طَاهِر جَازَ وضوؤه
والظنون تخْتَلف قُوَّة وضعفا دون الْيَقِين
وَالظَّاهِر: هُوَ مَا انْكَشَفَ واتضح مَعْنَاهُ للسامع من غير تَأمل وتفكر كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأحل الله البيع} وضده الْخَفي: وَهُوَ الَّذِي لَا يظْهر المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بِالطَّلَبِ
وَالظَّاهِر والمفسر وَالنَّص سَوَاء من حَيْثُ اللُّغَة لِأَن مَا هُوَ معنى اللَّفْظ فِي الْكل لَا يخفى على السَّامع إِذا كَانَ من أهل اللِّسَان
وَظَاهر الرِّوَايَة: هِيَ الْكتب المنسوبة إِلَى الإِمَام مُحَمَّد وَهِي رِوَايَة " الْمَبْسُوط " و " الجامعين " و " السيرين " و " الزِّيَادَات "
وَغير الظَّاهِر: الجرجانيات، والهارونيات جمعهَا مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ فِي ولَايَة هَارُون الرشيد
الرقيات أَيْضا جمعهَا فِي الرقة وَهُوَ اسْم مَوضِع
الظُّلم (بِالضَّمِّ) : وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه؛ وَالتَّصَرُّف فِي حق الْغَيْر؛ ومجاوزة حد الشَّارِع
وَمن الأول: (من استرعى الذِّئْب فقد ظلم)
وبالفتح: مَاء الْأَسْنَان، ترَاهَا من شدَّة الصفاء كَأَن المَاء يجْرِي فِيهَا
والمصدر الْحَقِيقِيّ ل (ظلم) هُوَ الظُّلم (بِالْفَتْح) كَمَا فِي " الْقَامُوس " وَيفهم مِنْهُ أَن الظُّلم بِالضَّمِّ(1/594)
فِي الأَصْل اسْم مِنْهُ وَإِن شاع اسْتِعْمَاله فِي مَوضِع الْمصدر
والظلمة (بِضَم الظَّاء) مَعَ ضم اللَّام وَفتحهَا وسكونها.
والظلام: أول اللَّيْل
وظلم اللَّيْل (بِكَسْر اللَّام) [وأظلم] بِمَعْنى
وَاخْتلف فِي الظلمَة
فَقيل: عدم الضَّوْء
فالتقابل بَين الضَّوْء والظلمة تقَابل الْعَدَم والملكة، وَقيل: عرض كَمَا اخْتلف فِي الضَّوْء أَيْضا
ويعبر بهَا عَن الْجَهْل والشرك وَالْفِسْق، كَمَا يعبر بِالنورِ عَن أضدادها
والظلمة كَثِيرَة [من النُّور] لِأَنَّهُ مَا من جنس من أَجنَاس الأجرام إِلَّا وَله ظلّ، وظله هُوَ الظلمَة، بِخِلَاف النُّور، فَإِنَّهُ من جنس وَاحِد وَهُوَ النَّار
والظليم: النعام
الظل: هُوَ مَا يحصل من الْهَوَاء المضيء بِالذَّاتِ كَالشَّمْسِ، أَو بِالْغَيْر كَالْقَمَرِ
والظل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ فِي ظلّ شُعَاع الشَّمْس دون الشعاع، فَإِذا لم يكن ضوء فَهُوَ ظلمَة وَلَيْسَ بِظِل [وَمَا حصل من مُقَابلَة الْقَمَر فَكَلَام الْمُوَافق يدل على أَنه يُسمى ظلا كَمَا يُسمى بِهِ مَا حصل فِي الْجِسْم من مُقَابلَة الْهَوَاء المتكيف بالضوء، وَالظَّاهِر أَنه لَا يُسمى ظلا وَفِي " شرح الْمَقَاصِد، أَنه لَا يُسمى ظلا وفَاقا
والظل فِي أول النَّهَار يَبْتَدِئ من الْمشرق وَاقعا على الرّبع الغربي من الأَرْض وَعند الزَّوَال يَبْتَدِئ من الْمغرب وَاقعا على الرّبع الشَّرْقِي من الأَرْض. (والظل أَيْضا ضد الضح أَعم من الْفَيْء يُقَال: ظلّ اللَّيْل، وظل الْجنَّة)
وكل مَوضِع لم تصل الشَّمْس إِلَيْهِ يُقَال لَهُ ظلّ، وَلَا يُقَال فَيْء إِلَّا لما زَالَت الشَّمْس عَنهُ (وَهُوَ من الطُّلُوع إِلَى الزَّوَال)
وَقيل: الظل مَا نسخته الشَّمْس، وَهُوَ من الطُّلُوع إِلَى الزَّوَال والفيء مَا نسخ الشَّمْس، وَهُوَ من الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب
وَقيل: الظل للشجرة وَغَيرهَا بِالْغَدَاةِ، والفيء بالْعَشي، ويعبر بالظل عَن الْعِزّ والمنعة والرفاهة
والظل مَا كَانَ مطبقا لَا فُرْجَة فِيهِ ودائما لَا ينْسَخ
وسجسجا لَا حر فِيهِ وَلَا برد وَلما كَانَت بِلَاد الْعَرَب فِي غَايَة الْحَرَارَة وَكَانَ عِنْدهم من أعظم أَسبَاب الرَّاحَة جَعَلُوهُ كِنَايَة عَن الرَّاحَة وَعَلِيهِ: " السُّلْطَان ظلّ الله فِي الأَرْض " الحَدِيث
وَالْمرَاد من الظل فِي قَوْله تَعَالَى: {كَيفَ مد الظل} الظل فِيمَا بَين طُلُوع الْفجْر وَالشَّمْس
[وَقَوله تَعَالَى: {انْطَلقُوا إِلَى ظلّ ذِي ثَلَاث شعب} تهكم بِأَهْل النَّار، إِذْ الشكل المثلث إِذا نصب فِي الشَّمْس على أَي ضلع من أضلاعه لَا يكون لَهُ ظلّ لتحديد رُؤُوس زواياه]
الظفر: ظفر الرجل كعني فَهُوَ مظفور
وظفر تظفيرا: ادّعى لَهُ بِهِ، والفوز بالمطلوب(1/595)
وظفره وظفر بِهِ وَعَلِيهِ كفرح وَقد سمى الله تَعَالَى ظفر الْمُسلمين فتحا وطفر الْكَافرين نَصِيبا لخسة حظهم، فَإِنَّهُ مَقْصُور على أَمر دُنْيَوِيّ سريع الزَّوَال
وَالظفر بِالضَّمِّ وبضمتين، وَالْكَسْر شَاذ، يكون للْإنْسَان وَلغيره
وَقَوله تَعَالَى: {كل ذِي ظفر} دخل فِيهِ ذَوَات المناسم من الْإِبِل والأنعام (لِأَنَّهَا كالأظفار لَهَا)
والمخلب: هُوَ إِمَّا بِمَعْنى ظفر كل سبع طائرا كَانَ أَو مَاشِيا، أَو هُوَ لما يصيد من الطير، وَالظفر لما لَا يصيد
وظفار (كقطام) : مَدِينَة بِالْيمن
وجزع ظفاري: مَنْسُوب إِلَيْهَا وَهُوَ خرز فِيهِ سَواد وَبَيَاض
الظِّئْر: العاطفة على ولد غَيرهَا الْمُرضعَة لَهُ فِي النَّاس وَغَيرهم للذّكر وَالْأُنْثَى
والظاعية: هِيَ الداية والحاضنة [نوع]
{إِنِّي ظَنَنْت} : أيقنت
{ظلمتم أَنفسكُم} : ضررتم أَنفسكُم بِإِيجَاب الْعقُوبَة عَلَيْهَا، أَو نقصتموها ثَوَاب الْإِقَامَة على عهدي
{يَوْم ظعنكم} : يَوْم وَقت ترحلكم
{ظلا ظليلا} : فينانا لَا جوب فِيهِ أَي لَا فُرْجَة، ودائما لَا تنسخه الشَّمْس
{كَأَنَّهُ ظلة} : سَقِيفَة، وَهِي كل مَا أظلك
{الظمآن} : العطشان
{ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} : كثر وشاع
{وظل مَمْدُود} : منبسط لَا يَتَقَلَّص وَلَا يتَفَاوَت
{بظنين} : بمتهم
{ظلّ من يحموم} : دُخان أسود
{ظلّ ذِي ثَلَاث شعب} : دُخان جَهَنَّم
{ظلت عَلَيْهِ عاكفا} : أَي صرت على عِبَادَته مُقيما
{فَلَا يظْهر على غيبه} : لَا يطلع عَلَيْهِ
{وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ} : تعاونا
{لِيظْهرهُ على الدّين كُله} : ليغلبه)
[ {ظلت} : أَقمت
{إِلَّا من ظلم} : إِلَّا من ظلم بِالدُّعَاءِ على(1/596)
الظَّالِم والتظلم مِنْهُ
{ظلل من الْغَمَام} : هِيَ مَا غطى وَستر
و {عَذَاب يَوْم الظلة} : مَا أصَاب قوم شُعَيْب]
(فصل الْعين)
[عَسى] : قَالَ الْكسَائي: كل مَا فِي الْقُرْآن من (عَسى) على وَجه الْخَبَر فَهُوَ موحد كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم}
وَمَا كَانَ على وَجه الِاسْتِفْهَام فَإِنَّهُ يجمع نَحْو: {فَهَل عسيتم}
وَعَن ابْن عَبَّاس: كل (عَسى) فِي الْقُرْآن فَهِيَ وَاجِبَة إِلَّا فِي موضِعين: أَحدهمَا: {عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ} وَالثَّانِي: {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا}
[الْعَذَاب] : كل عَذَاب فِي الْقُرْآن فَهُوَ التعذيب إِلَّا: {وليشهد عذابهما طَائِفَة} فَإِن المُرَاد الضَّرْب
[وَلَا دلَالَة فِي الْقُرْآن على أَن الْمُسلم العَاصِي يدْخل النَّار، وَإِنَّمَا الْمَنْصُوص أَنه يعذب بالنَّار
كَذَا فِي حَاشِيَة الْعَلامَة عِصَام الدّين على " أنوار التَّنْزِيل "] [الْعدْل] : كل مَوضِع ذكر الله فِيهِ الْمِيزَان والحساب فَإِنَّهُ أَرَادَ الْعدْل هَذَا مَا قالته الْمُعْتَزلَة إِذْ لَا ميزَان وَلَا حِسَاب وَلَا صِرَاط وَلَا حَوْض وَلَا شَفَاعَة عِنْدهم، ذكره النَّسَفِيّ
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل " فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} إِنَّهَا حجَّة على من أنكر الْحساب كالمعتزلة، لَكِن الْمَفْهُوم من معتبرات الْكتب الكلامية كَونهم مُجْمِعِينَ على إِثْبَات الْحساب حَيْثُ لم يذكر فِيهَا إِلَّا نفي أَكْثَرهم للصراط وجميعهم للميزان فَقَط
[الْعِبَادَة] : قَالَ عِكْرِمَة: جَمِيع مَا ذكر فِي الْقُرْآن من الْعِبَادَة فَالْمُرَاد بِهِ التَّوْحِيد
وَأكْثر مَا ورد (الْعباد) فِي الْقُرْآن بِمَعْنى الْخُصُوص نَحْو: {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} ، {يَا عباد لَا خوف علكيم الْيَوْم}
[العقد] : كل مَا يعْقد ويعلق فِي الْعُنُق فَهُوَ عقد بِالْكَسْرِ
[الْعِيد] : كل يَوْم مَسَرَّة فَهُوَ عيد وَلذَا قيل:
(عيد وَعِيد وَعِيد صرن مجتمعة ... وَجه الحبيب وَيَوْم الْعِيد وَالْجُمُعَة)
[الْعَوْرَة] : كل مَا يستحى من كشفه من أَعْضَاء(1/597)
الْإِنْسَان فَهُوَ عَورَة وَحَدِيث " اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتنا " المُرَاد بهَا الثغور
و {ثَلَاث عورات لكم} : أَي ثَلَاثَة أَوْقَات يخْتل فِيهَا تستركم
[الْعرض] : كل شَيْء من مَتَاع الدُّنْيَا فَهُوَ عرض
[العبقري] : كل جليل نَفِيس فاخر من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَغَيرهم فَهُوَ عِنْد الْعَرَب عبقري على مَا تزعمه من أَن العبقر قَرْيَة تسكنها الْجِنّ ينْسب إِلَيْهَا كل فائق ظَاهر جليل، فعلى هَذَا (عباقري) خطأ لِأَن الْمَنْسُوب لَا يجمع على نسبته وَقَالَ قطرب: لَيْسَ بمنسوب بل هُوَ مثل كرْسِي، وكراسي، وبختي، وبخاتي
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي عمر: " فَلم أر عبقريا يفري فريه "
[العتل] : كل شَدِيد عِنْد الْعَرَب فَهُوَ عتل، أَصله من (العتل) وَهُوَ الدّفع بالعنف
[الْعَفو] : كل من اسْتحق عُقُوبَة فتركتها فقد عفوته
[الْعصبَة] : كل من لَيست لَهُ فَرِيضَة مُسَمَّاة فِي الْمِيرَاث وَإِنَّمَا يَأْخُذ مَا يبْقى بعد أَرْبَاب الْفَرَائِض فَهُوَ عصبَة، وَالْجمع عصبات وهم لُغَة: ذُكُور يتصلون بأب وَشرعا: أَرْبَعَة أَصْنَاف على مَا بَين فِي مَحَله
[العتبة] : كل مرقاة فَهِيَ عتبَة [الْعَذَاب] : كل مَا شقّ على الْإِنْسَان ويمنعه عَن مُرَاده فَهُوَ الْعَذَاب وَمِنْه: المَاء العذب لِأَنَّهُ يمْنَع الْعَطش
[العلقم] : كل شي مر فَهُوَ علقم
[الْعَاقِبَة] : كل من خلف بعد شَيْء فَهُوَ عاقبته
[العتو، والعثو] : كل مبالغ فِي كبر أَو فَسَاد أَو كفر فقد عتا وعثا، (عتيا وعتوا، عثيا وعثوا) [والعيث: مَعَ الْفساد يتفاوتان فِي التَّعَدِّي واللزوم مَعَ قرب مَعْنَاهُمَا، فَإِن العيث الْإِفْسَاد لَا الْفساد، وَيُقَال: (عاث الذِّئْب فِي الْغنم) : إِذا أفسد]
[الْعِصْمَة] : كل مَا أمسك شَيْئا فقد عصمه ( {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} : أَي بحبالهن أَي لَا ترغبوا فِيهِنَّ)
[العلاوة] : كل مَا عليت بِهِ على الْبَعِير بعد تَمام الوقر أَو علقته عَلَيْهِ نَحْو السقاء فَهُوَ علاوة
[الْعَجم] : كل مَا كَانَ فِي جَوف مَأْكُول كالتمر وَنَحْوه فَهُوَ الْعَجم بِفتْحَتَيْنِ
[الْعرف] : كل مُرْتَفع من أَرض وَغَيرهَا فَهُوَ عرف اسْتِعَارَة من عرف الديك، وَعرف الْفرس، وَالْجمع أعراف
[الْعُضْو] : كل لحم وافر بعظمه فَهُوَ عُضْو
[العضلة] : كل لحْمَة مجتمعة مكنزة فِي عصبَة فَهِيَ عضلة(1/598)
وداء عضال: أَي شَدِيد أعيى الْأَطِبَّاء
[الْعَافِي] : كل طَالب رزق أَو فضل من إِنْسَان أَو بَهِيمَة أَو طَائِر فَهُوَ الْعَافِي
[العلياء] : كل مَكَان مشرف فَهُوَ العلياء (بِالْفَتْح وَالْمدّ) ومؤنث (الْأَعْلَى) يَجِيء مُنْكرا
[الْعَتِيق] : الْقَدِيم من كل شَيْء عَتيق: وَهُوَ الْكَرِيم من كل شَيْء أَيْضا [العقيلة] : عقيلة كل شَيْء (أكْرمه. والدرة عقيلة الْبَحْر. جانباه من لدن رَأسه إِلَى وركيه
[العلالة] : علالة كل شَيْء) بَقِيَّته
[العصف] : ورق كل شَيْء عصف يخرج مِنْهُ الْحبّ يَبْدُو أَولا وَرقا، ثمَّ يكون سوقا، ثمَّ يحدث الله فِيهِ أكماما، ثمَّ يحدث فِي الأكمام الْحبّ
[الْعرنِين] : عرنين كل شَيْء أَوله
[الْعقار] : كل ملك ثَابت لَهُ أصل كالأرض فَهُوَ عقار (بالتفح)
و [الْعقار] : الْخمر بِالضَّمِّ
[الْعين] : كل شَيْء عرض إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِنَّهُمَا عين
[الْعمد] : كل فعل بني على علم أَو زعم فَهُوَ عمد
[العوج] : كل مَا كَانَ ينْتَصب كالحائط وَالْعود قيل فِيهِ عوج بِالْفَتْح
والعوج، بِالْكَسْرِ: هُوَ مَا كَانَ فِي أَرض أَو دين أَو معاش وَقد يسْتَعْمل المكسور فِي المحسوس تَنْبِيها على دقته ولطفه بِحَيْثُ لَا يدْرك إِلَّا بِالْقِيَاسِ الهندسي وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا}
[الْعدَد] : كل عدد يصير عِنْد الْعد فانيا قبل عدد آخر فَهُوَ من الآخر وَالْآخر أَكثر مِنْهُ أقل [الْعدَد] : كل عدد فسر بمخفوض مُضَاف إِلَيْهِ فتعريفه بِالْألف وَاللَّام فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ نَحْو: خَمْسَة الأثواب، وَخَمْسَة الغلمان، وَثَلَاثَة الدَّرَاهِم، وَألف الدِّينَار، لِأَن الْإِضَافَة للتخصيص، وَتَخْصِيص الأول بِاللَّامِ يُغْنِيه عَن ذَلِك
وَأما مَا لم يضف فأداة التَّعْرِيف فِي الأول نَحْو: الْخَمْسَة عشر درهما إِذْ لَا تَخْصِيص بِغَيْر اللَّام، وَقد جَاءَ شَيْء على خلاف ذَلِك
[الْعلَّة والمعلول] : كل وصف حل بِمحل وَتغَير بِهِ حَاله مَعًا فَهُوَ عِلّة، وَصَارَ الْمحل معلولا
كالجرح مَعَ الْمَجْرُوح وَغير ذَلِك
وَبِعِبَارَة أُخْرَى: كل أَمر يصدر عَنهُ أَمر آخر بالاستقلال أَو بِوَاسِطَة انضمام الْغَيْر اليه فَهُوَ عِلّة لذَلِك الْأَمر، وَالْأَمر مَعْلُول لَهُ فتعقل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ إِلَى تعقل الآخر وَهِي فاعلية، ومادية، وصورية، وغائية
[الْعرض المعام] : كل مقول على أَفْرَاد حَقِيقَة(1/599)
وَاحِدَة وَغَيرهَا قولا عرضيا فَهُوَ الْعرض الْعَام
[كل عَارض كَانَ استعداد عروضه ناشئا عَن خُصُوصِيَّة الذَّات يُسمى عرضا ذاتيا لانتسابه إِلَى خُصُوصِيَّة الذَّات، وَمَا لَيْسَ كَذَلِك يُسمى عرضا غَرِيبا لغربته بِالْقِيَاسِ إِلَى خُصُوصِيَّة الذَّات مثل (أَيْن) و (وضع) و (كَيفَ) وَمِقْدَار بِعَيْنِه]
[الْعَام] : كل مَا يتَنَاوَل أفرادا متفقة الْحُدُود على سَبِيل الشُّمُول فَهُوَ الْعَام
وَبِعِبَارَة أُخْرَى: كل مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ مِمَّا لَا خصر فِيهِ فَهُوَ عَام للُزُوم تنَاوله للمستثنى [كل لفظ وضع لمتعدد مَعَ أَنه لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه فَهُوَ عَام معنى لَا صِيغَة كالإنس وَالْجِنّ وَالْقَوْم والرهط و (كل) و (جَمِيع) إِلَّا أَن كل وَاحِد من كلمة (جَمِيع) و (كل) و (من) يُفَارق الآخر فِي الْمَعْنى وَالْحكم أما كلمة (كل) فَإِنَّهَا إِذا دخلت على النكرَة أوجبت عُمُوم أفرادها على سَبِيل الشُّمُول دون التّكْرَار، وَأما كلمة (الْجَمِيع) فَإِنَّهُ متعرض لصفة الِاجْتِمَاع وَأما كلمة (من) فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة لذات من يعقل من غير تعرض لصفة الِاجْتِمَاع والانفراد وَمن اخْتِلَاف مَعَانِيهَا صَارَت أَحْكَامهَا مُخْتَلفَة كَمَا بَين فِي مَحَله]
وَقَالَ بَعضهم: الْعَام كل لفظ يَنْتَظِم جمعا من الْأَسْمَاء مرّة لفظا نَحْو (زيدون) وطورا معنى: ك (من) و (مَا) ، وَنَحْوهمَا
وَالْعَام صِيغَة وَمعنى كرجال وَنسَاء وَإِن لم يكن من لَفظه مُفْرد، سَوَاء كَانَ جمع قلَّة أَو كَثْرَة، مُعَرفا أَو مُنْكرا
وَالْعَام معنى لَا صِيغَة ك (قوم) فَإِنَّهُ عَام بِمَعْنَاهُ وصيغته مُفْرد، وَلِهَذَا يثنى وَيجمع
و (كل) فَإِنَّهَا عَام بمعناها دون صيغتها فتحيط على سَبِيل الْإِفْرَاد
و (جَمِيع) : فَإِنَّهَا من الْعَام معنى، فتوجب إحاطة الْأَفْرَاد على سَبِيل الِاجْتِمَاع دون الِانْفِرَاد
وَأما (من) ، و (مَا) ، فالشائع فِي استعمالهما الْعُمُوم، واحتمالهما الْعُمُوم وَالْخُصُوص ثَابت فِي بعض مَوَاضِع: فِي الْخَبَر (كَمَا إِذا قلت: زرت من أكرمني، وتريد وَاحِدًا بِعَيْنِه أَو أعطي من زارني درهما
وَفِي الشَّرْط) كَمَا فِي قَوْله: (من دخل هَذَا الْحصن أَولا فَلهُ من النَّفْل كَذَا) و (من زارني فَلهُ دِرْهَم
وَفِي الِاسْتِفْهَام كَمَا إِذا قلت: من فِي الدَّار؟ فَإنَّك تُرِيدُ وَاحِدًا، أَو تَقول: من فِي هَذِه الدَّار؟ فَيقدر من فِيهَا إِلَى آخِرهم
[وَمن أَلْفَاظ الْعُمُوم (كلما) و (سِيمَا) و (إينما) إِلَّا أَن بَينهمَا فرقا من حَيْثُ الْمَعْنى، ف (كلما) تدخل الْأَفْعَال وتقتضي عمومها قَالَ الله تَعَالَى {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا} و (سِيمَا) تدخل الْأَفْعَال وتقتضي تَعْمِيم زمانها، وَكَذَلِكَ (أَيْنَمَا) لكها تَقْتَضِي عُمُوم مَكَانهَا قَالَ الله تَعَالَى: {أَيْنَمَا ثقفوا أخذُوا وَقتلُوا تقتيلا} ](1/600)
وَمن صِيغَة الْعُمُوم الْجمع الْمُضَاف نَحْو: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم}
والمعرف بأل نَحْو: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}
وَاسم الْجِنْس الْمُضَاف نَحْو: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} أَي كل أَمر الله
والنكرة فِي سِيَاق النَّفْي وَالنَّهْي نَحْو: {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} ، {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه}
وَفِي سِيَاق الشَّرْط نَحْو: {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله}
والنكرة فِي سِيَاق الامتنان نَحْو: {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا}
وَالْوَصْف يعم اللَّفْظ فَلَو قَالَ: (لَا كلم إِلَّا رجلا) ، فَكلم رجلَيْنِ يَحْنَث وَلَو قَالَ (إِلَّا رجلا كوفيا) ، فَكلم كوفيين أَو أَكثر لَا يَحْنَث
وَالْعَام عندنَا يُوجب الحكم فِي كل مَا يتَنَاوَلهُ كَمَا فِي: (جَاءَنِي الْقَوْم) وَكَذَا عِنْد الشَّافِعِيَّة إِلَّا أَنهم بَعْدَمَا وافقونا فِي معنى إِيجَاب الْعَام الحكم فِي كل مَا يتَنَاوَلهُ قَالُوا: لكنه دَلِيل فِيهِ شُبْهَة حَتَّى يجوز تَخْصِيصه بِخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس
وتوضيحه هُوَ أَنا نقُول بِإِيجَاب الْعَام الحكم على الْقطع علما وَعَملا وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا يَقُول بِهِ ظنا فَيَكْفِي فِي وجوب الْعَمَل لَا فِي الْعلم
وَالْعَام المُرَاد بِهِ الْخُصُوص يَصح أَن يُرَاد بِهِ وَاحِد اتِّفَاقًا
وَفِي الْعَام الْمَخْصُوص خلاف
وقرينة الأول لَا تنفك عَنهُ، وقرينة الثَّانِي قد تنفك عَنهُ
وقرينة الأول عقلية، وقرينة الثَّانِي لفظية
وَمُجَرَّد وُرُود الْعَام على سَبَب لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص، وَأما السِّيَاق والقرائن الدَّالَّة على مُرَاد الْمُتَكَلّم فَهِيَ المرشد لبَيَان المجملات وَتَعْيِين المحتملات [وَغَايَة مَا يُقَال فِي عمومات الْكتاب وَالسّنة أَنَّهَا تخْتَص بِنَوْع ذَلِك الشَّخْص فتعم مَا يُشبههُ وَلَا يكون الْعُمُوم فِيهَا بِحَسب اللَّفْظ، فالآية الَّتِي لَهَا سَبَب معِين إِن كَانَت أمرا ونهيا فَهِيَ متناولة لذَلِك الشَّخْص وَلغيره مِمَّن كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِن كَانَت خَبرا لمدح أَو ذمّ فَهِيَ متناولة لذَلِك الشَّخْص وَلمن كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْضا وَأما الْآيَة الَّتِي نزلت فِي معِين وَلَا عُمُوم فِي لَفظهَا فَإِنَّهَا تقصر عَلَيْهِ قطعا كآية {وسيجنبها الأتقى} إِلَى آخِره فَإِنَّهَا نزلت فِي سيدنَا أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْإِجْمَاع]
وَالْعَام لم يشْتَرط فِيهِ الِاسْتِغْرَاق عندنَا، فَإِذا اسْتعْمل فِي أَفْرَاد ثَلَاثَة تحقق الْعُمُوم عندنَا بالِاتِّفَاقِ [فَصَارَت كالجمع الْمُنكر]
وَالْعَام كالجمع الْمُعَرّف الَّذِي مُوجبه الْكل
(وَالْجمع الْمُنكر عِنْد من لم يشْتَرط الِاسْتِغْرَاق فِي الْعُمُوم، وَعند من يشْتَرط وَاسِطَة)
وَالْعَام هُوَ اللَّفْظ المتناول(1/601)
والعموم تنَاول اللَّفْظ لما يَصح لَهُ فالعام من جِهَة اللَّفْظ، والعموم من جِهَة الْمَعْنى، وَالصَّحِيح أَن الْعُمُوم من عوارض اللَّفْظ، وَيُقَال فِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ للمعنى أَعم وأخص، وللفظ عَام وخاص تَفْرِقَة بَين صِفَتي الدَّال وَهُوَ اللَّفْظ، وَبَين الْمَدْلُول وَهُوَ الْمَعْنى بأفعل لِأَنَّهُ أَعم من اللَّفْظ
وَالْعَام إِذا كَانَ مُقَابلا للخاص يكون المُرَاد من الْعَام مَا وَرَاء الْخَاص
والعموم صفة الِاسْم من حَيْثُ هُوَ ملفوظ أَو مَدْلُول لفظا لِأَنَّهُ من الْأَلْفَاظ الثَّابِتَة لُغَة لَا عقلا وَلَا شرعا
والعموم مثل الْخُصُوص عندنَا فِي إِيجَاب الحكم قطعا، وَبعد الْخُصُوص لَا يبْقى الْقطع، فَكَانَ تَخْصِيص الْعَام تغييرا عَن الْقطع إِلَى الِاحْتِمَال فيتقيد بِشَرْط الْوَصْل كالاستثناء وَالتَّعْلِيق
وَمن جملَة مخصصات الْعَام الْعقل، وَيجوز تَخْصِيص الْعَام بِالنِّيَّةِ، فبالعرف بِالطَّرِيقِ الأولى [كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أعْطى كل شَيْء خلقه} ]
وكل مَوضِع أمكن فِيهِ تَقْدِير الْخَاص صَحَّ فِيهِ تَقْدِير الْعَام وَلَا عكس، وَتَقْدِير الْخَاص أولى حَيْثُ أمكن
وَالْعَام يكون مظروفا للخاص ككون الْمَفْهُوم الْكُلِّي فِي جزئي كَمَا يُقَال: الْإِنْسَان فِي زيد وكما يُقَال: الْآيَة فِي التَّحْرِيم
وَإِذا أطلق الْعَام وَأُرِيد بِهِ الْخَاص من حَيْثُ خصوصه كَانَ مجَازًا، وَأما إِذا أطلق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار عُمُومه أَي بِاعْتِبَار مَا فِيهِ من معنى الْعَام، وتستفاد الخصوصية من الْقَرَائِن، حَالية أَو مقالية، فَهُوَ حَقِيقَة إِذْ لم يُطلق إِلَّا على مَعْنَاهُ. [وَمَا من عَام إِلَّا وَهُوَ يحْتَمل التَّخْصِيص، وَكَذَا الْمُطلق يحْتَمل التَّقْيِيد، وَمَتى كَانَ كَذَلِك لم يكن ظَاهر الْعُمُوم وَالْإِطْلَاق حجَّة قطعا، فِي الْمسَائِل الاعتقادية]
وَعُمُوم الْأَفْرَاد على سَبِيل الْإِفْرَاد كَمَا للْكُلّ الإفرادي فِي نَحْو: (كل من دخل الْحصن أَولا) فدخله عشرَة مَعًا فانه اسْتحق كل نفلا
وَعُمُوم الِاجْتِمَاع كَمَا للْكُلّ المجموعي والمثنى وَالْمَجْمُوع فِي نَحْو: (إِن أكلت كل الرُّمَّان) ، أَو (إِن طلقتكما) ، أَو (أطلقكن) فَكَذَا فَإِنَّهُ تعلق الْحِنْث بالمجموع
وَعُمُوم غير معترض للانفراد والاجتماع كَمَا فِي (من) ، و (الَّذِي) ، وَغَيرهمَا من الموصولات، وَقد عد بعض أَصْحَابنَا مَا كَانَ عُمُومه على سَبِيل الْبَدَل من الْعَام كالمطلق لِأَن فِيهِ عُمُوما على سَبِيل الْبَدَل
وَعُمُوم الْأَسْمَاء عُمُوم الْأَفْرَاد أَعنِي أَنه يتَنَاوَل كلا على حياله وَلَا يتَنَاوَل فَردا مرَّتَيْنِ بِخِلَاف عُمُوم الْأَفْعَال
وَعُمُوم النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي ضَرُورِيّ
وَعُمُوم كل وضعي كالجمع فِي وَضعه يتَنَاوَل الْأَفْرَاد وإحاطتها، والعموم الوضعي أولى من الضَّرُورِيّ بِالِاعْتِبَارِ
وَعُمُوم الْمُشْتَرك: اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي مَعْنيين أَو أَكثر للَّذي هُوَ مَا وضع لَهُ
وَعُمُوم الْمجَاز: هُوَ أَن يسْتَعْمل فِي اللَّفْظ فِي معنى عَام شَامِل لقَوْل وَاحِد من مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ(1/602)
والمجازي مَعًا لَا فيهمَا بعينهما مَعًا حَتَّى يلْزم الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بِاعْتِبَار شُمُول الْكُلِّي للجزئيات لَا بِاعْتِبَار شُمُول الْكل للأجزاء
والأعم قد يكون بِحَسب ذَاته أخص بِاعْتِبَار عَارض لَهُ، وَذَلِكَ لَا يقْدَح فِي كَونه أَعم بِحَسب الذَّات، أَلا يرى أَن الْحَيَوَان من حَيْثُ إِنَّه معروض للكتابة بِالْفِعْلِ أخص من الْإِنْسَان، وَمَعَ ذَلِك هُوَ جنس لَهُ، وَهُوَ أَعم مِنْهُ بِحَسب ذَاته
الْعلم: (كالجبل) : هُوَ كل اسْم يفهم مِنْهُ معنى معِين لَا يصلح لغيره فَإِن كَانَ من وَاضع معرفَة يُسمى علما خَاصّا، كزيد، وَعَمْرو وَإِن كَانَ من وَاضع نكرَة يُسمى علما عَاما كمحمد، وَحسن
وَمثل: النَّجْم، والصعق، من الْأَعْلَام الْغَالِبَة وَمثل: الثريا، والدبران، والعيوق، من الْخَاصَّة بِاعْتِبَار، والغالبة بِاعْتِبَار وَمن هَذَا الْقَبِيل لَفْظَة الْجَلالَة
وَالْعلم الْخَاص يدل على فَرد معِين بجوهره ومادته والعهد الْخَارِجِي يدل على ذَلِك بِوَاسِطَة اللَّام
وكل لفظ يذكر وَيُرَاد لَفظه فَهُوَ علم من قبيل أَعْلَام الْأَشْخَاص لَا من أَعْلَام الْأَجْنَاس
وَالْعلم القصدي: هُوَ مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه
وَالْعلم الاتفاقي: هُوَ الَّذِي يصير علما لَا بِوَضْع وَاضع بل بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال مَعَ الْإِضَافَة أَو اللَّام لشَيْء بِعَيْنِه خَارِجا أَو ذهنا (وَلم يتَنَاوَل الشبيه على مَا بَين فِي مَحَله)
وَالْعلم إِن كَانَ مصدرا بأب أَو أم فَهُوَ كنية
وَفِي " الْقَامُوس ": أَبُو الْعَتَاهِيَة لقب أبي إِسْحَاق (إِسْمَعِيل بن أبي الْقَاسِم) ابْن سُوَيْد لَا كنيته، وَإِن لم يصدر بِأَحَدِهِمَا فَإِن قصد بِهِ التَّعْظِيم أَو التحقير فَهُوَ لقب وَإِلَّا فَهُوَ اسْم
وَبَعض أهل الحَدِيث يَجْعَل الْمصدر بأب أَو أم مُضَافا إِلَى اسْم حَيَوَان أَو وَصفه كَأبي الْحسن كنية، وَإِلَى غير ذَلِك لقبا كَأبي تُرَاب
قَالَ الرضي: والكنية عِنْد الْعَرَب قد يقْصد بهَا التَّعْظِيم، وَالْفرق بَينهَا وَبَين اللقب معنى، فَإِن اللقب يمدح الملقب بِهِ أَو يذم بِمَعْنى فِي ذَلِك اللقب، بِخِلَاف الكنية فَإِنَّهُ قد لَا يعظم بمعناها، بل بِعَدَمِ التَّصْرِيح بِالِاسْمِ، فَإِن بعض النُّفُوس تأنف من أَن يُخَاطب باسمه
وَالشَّيْء أول وجوده تلْزمهُ الْأَسْمَاء الْعَامَّة، ثمَّ تعرض لَهُ الْأَسْمَاء الْخَاصَّة كالآدمي إِذا ولد سمي بِهِ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، أَو مولودا، أَو رضيعا، وَبعد ذَلِك يوضع لَهُ الِاسْم والكنية واللقب. وَإِذا أجتمع الِاسْم والكنية [أَو الكنية] واللقب كنت فِي تَقْدِيم أَحدهمَا بِالْخِيَارِ، ويليه الآخر معربا بإعرابه مَعَ جَوَاز قطعه نعم إِذا اجْتمعت الثَّلَاثَة قدمت الكنية على الِاسْم ثمَّ جِيءَ باللقب فَيظْهر حِينَئِذٍ وجوب تَأْخِير اللقب عَن الكنية كَمَا يُؤْخَذ من كَلَامهم، لِأَنَّهُ يلْزم من تَقْدِيمه عَلَيْهَا حِينَئِذٍ تَقْدِيمه على الِاسْم نَفسه وَهُوَ مُمْتَنع وَيجوز اجْتِمَاع الثَّلَاثَة لشخص وَاحِد إِذا قصد بِكُل وَاحِد مِنْهَا مَا لَا يقْصد بالآخرين، فَفِي التَّسْمِيَة إِيضَاح، وَفِي الكنية تكريم، وَفِي(1/603)
التلقيب ضرب من الوصفية، بل يجوز وُقُوع علمين لشخص وَاحِد، أَلا يرى أَن الله تَعَالَى سمى حَبِيبه بِمُحَمد وَأحمد، (إِلَّا أَن وضع الِاسْم أَكثر من وضعهما)
وَإِذا اجْتمع الِاسْم واللقب فالاسم إِن لم يكن مُضَافا أضيف الِاسْم إِلَى اللقب ك (سعيد كرز) لِأَنَّهُ يصير الْمَجْمُوع بِمَنْزِلَة الِاسْم الْوَاحِد وَإِن كَانَ مُضَافا فهم يؤخرون اللقب، فَيَقُولُونَ: (عبد الله بطة)
وَيقدم اللقب على الكنية، وَهِي على الْعلم ثمَّ النِّسْبَة إِلَى الْبَلَد، ثمَّ إِلَى الأَصْل، ثمَّ إِلَى الْمَذْهَب فِي الْفُرُوع، ثمَّ إِلَى الْمَذْهَب فِي الِاعْتِقَاد، ثمَّ إِلَى الْعلم
وَقد يقدمُونَ اللقب على الِاسْم ويجرون الِاسْم عَلَيْهِ بَدَلا أَو عطف بَيَان: وَالْعلم الْمَنْقُول لَا يكون مُضَافا أَو مُعَرفا بِاللَّامِ
وَالْعلم إِذا ثني أَو جمع لزم فِيهِ اللَّام، وَإِن لوحظ فِيهِ معنى الْوَصْف فَغير لَازم كالعباس، وَالْحسن، وَنَحْوهمَا
والنجم للثريا من الْأَعْلَام الَّتِي لزم دُخُول اللَّام عَلَيْهَا وَكَذَا الصَّعق والمصادر كالفضل، والْعَلَاء جَاءَ اسْتِعْمَالهَا بِالْألف وَاللَّام وبدونهما، وَيَكْفِي لتثنية الْأَعْلَام وَجَمعهَا مُجَرّد الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا وَكَون الخفة مَطْلُوبَة فِيهَا بِخِلَاف أَسمَاء الْأَجْنَاس
والأعلام الْغَالِبَة الَّتِي تسمى أعلاما اتفاقية أَيْضا وَهِي مَا كَانَ فِي الأَصْل جِنْسا ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله لوَاحِد مَعَ لَام الْعَهْد قبل العلمية ليظْهر اخْتِصَاصه، وَحكمهَا لُزُوم اللَّام أَلْبَتَّة، وَلَا يجوز النزع مرّة وَالْإِثْبَات أُخْرَى إِذْ اللَّام هُنَاكَ كبعض الْعلم، وبمنزلة جزئه، بِخِلَاف الْأَعْلَام المنقولة من الصّفة إِذْ حكمهَا جَوَاز الْإِثْبَات والنزع لِأَن هَذَا الْقسم مَا صَار علما بِاللَّامِ حَتَّى يكون اللَّام كَأحد أَجزَاء الْكَلِمَة، فَدخل هُنَا لمحا للوصفية الْأَصْلِيَّة وَأما المنقولة من اسْم جنس فَإِن كَانَ فِي أَصله الْمَنْقُول عَنهُ مَا يشْعر بالمدح أَو الذَّم جَازَ دُخُول اللَّام لمحا للْأَصْل، وَإِلَّا فَلَا يجوز إِدْخَال اللَّام أصلا كَمَا مر، إِلَّا أَن يكون مُشْتَركا، فالطريق إِذن إِضَافَة الْعلم
وأعلام الْأَيَّام من قبيل الْأَعْلَام الْغَالِبَة فيلزمها اللَّام سوى (اثْنَيْنِ) وكل اسْم غير صفة وَلَا مصدر وَلَيْسَ فِيهِ الْألف وَاللَّام فِي أصل وَضعه كَرجل إِذا سميته بأسد وجعفر فالألف وَاللَّام لَا تدخله أصلا
وكل اسْم غلب بِاللَّامِ اسْما لَا صفة، أَو سمي بِاللَّامِ وَلَيْسَ بِصفة وَلَا مصدر فالألف وَاللَّام تدخله وجوبا (وكل مَا وضع صفة فِي الأَصْل أَو مصدرا فالألف وَاللَّام تدخله) وَيجوز حذف جُزْء الْعلم عِنْد الْأَمْن من الالتباس، كَمَا يجوز دُخُول اللَّام فِيهِ عِنْد كَونه مصدرا أَو صفة
والأعلام الَّتِي لامها لَازِمَة فِي الأَصْل أَجنَاس صَارَت بالغلبة أعلاما مَعَ لَام الْعَهْد فَلَا جرم وَجب أَن يَجْعَل جنسيتها مقدرَة وأدخلوا الْألف وَاللَّام فِي كنايات الْبَهَائِم دون أَعْلَام الأناسي إِيذَانًا بِضعْف تَعْرِيفهَا لِأَن فَائِدَة وضع أعلامها غير رَاجِعَة إِلَيْهَا بل(1/604)
إِلَى الأناسي، وَإِدْخَال اللَّام للمح الوصفية لَيْسَ مقيسا فِي شَيْء من الْأَعْلَام بل هُوَ أَمر سَمَاعي ذكره الدماميني
(وكل مَا أشبه الْعلم فِي أَنه لَا يجوز أَن يكون وَصفا لأي وَلَيْسَ مستغاثا بِهِ وَلَا مَنْدُوبًا فَإِنَّهُ يجوز حذف حرف النداء مَعَه)
وَعلم الْجِنْس للجمعية لَا يجمع فَمثل (فِرْعَوْن) ، و (قَيْصر) علمَان وليسا من أَعْلَام الْجِنْس للجمعية فَلَا بُد من القَوْل بِوَضْع خَاص فِي كل مِنْهُمَا لكل من يُطلق عَلَيْهِ
وَإِذا ذكر الْوَصْف لاسم الْعلم لم يكن الْمَقْصُود من ذكر الْوَصْف التَّمْيِيز بل تَعْرِيف كَون ذَلِك الْمُسَمّى مَوْصُوفا بِتِلْكَ الصّفة مِثَاله إِذا قُلْنَا: الرجل الْعَالم، فقولنا الرجل اسْم للماهية فَيتَنَاوَل الْأَشْخَاص الكثيرين، فَإِذا قُلْنَا: الْعَالم كَانَ الْمَقْصُود من ذَلِك الْوَصْف تَمْيِيز هَذَا الرجل عَن سَائِر الرِّجَال بِهَذِهِ الصّفة
وَأما إِذا قُلْنَا: (زيد الْعَالم) فَلفظ (زيد) اسْم علم وَهُوَ لَا يُفِيد إِلَّا هَذِه الذَّات الْمعينَة لِأَن أَسمَاء الْأَعْلَام قَائِمَة مقَام الإشارات، فَإِذا وصفناه بالعالمية امْتنع أَن يكون الْمَقْصُود مِنْهُ تتمييز ذَلِك الشَّخْص عَن غَيره، بل الْمَقْصُود مِنْهُ عريف ذَلِك الْمُسَمّى مَوْصُوفا بِهَذِهِ الصّفة
الْعَطف: فِي اللُّغَة الرَّد من قَوْلهم: (عطفت عنان فرسي) أَي صرفته وردته (وَقيل: الإمالة) ويستعار للميل والشفقة إِذا عدي بعلى، وَالْمَشْهُور فِي تَعْرِيفه هُوَ تَابع بتوسط بَينه وَبَين متبوعه أحد الْحُرُوف الْعشْرَة والأخصر وَالْأولَى: تَابع صدر بِحرف الْعَطف
[الْعَطف بِالْفَاءِ] : كل فعل عطف على شَيْء وَكَانَ الْفِعْل بِمَنْزِلَة الشَّرْط، وَذَلِكَ الشَّيْء بِمَنْزِلَة الْجَزَاء فيعطف الثَّانِي على الأول بِالْفَاءِ دون الْوَاو كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم رغدا}
[الْعَطف بِالْوَاو] : كل عطف قصد فِيهِ الْجمع فَقَط وَإِن كَانَ بِغَيْر الْوَاو ك (أَو) و (ثمَّ) فِي بعض الْمَوَاضِع فقبوله مَشْرُوطًا بالجامع نَحْو: (زيد كَاتب وشاعر) فَلَا يقبل (زيد كَاتب ومعط) لِأَن هَذَا عطف الْمُفْرد على الْمُفْرد وَشرط كَون هَذَا الْعَطف بِالْوَاو مَقْبُولًا أَن يكون بَينهمَا جِهَة جَامِعَة وكل عطف قصد بِهِ معنى آخر إِن كَانَ بِالْوَاو وكما إِذا كَانَ بِمَعْنى (أَو) فقبوله غير مَشْرُوط بِهِ.
وَالْفِعْل إِذا عطف على فعل آخر بِالْفَاءِ كَانَ ثَابتا بِالْأولِ فِي كَلَام الْعَرَب يُقَال: ضربه فأوجعه، وأطعمه فأشبعه، وسقاه فأرواه، أَي بذلك الْفِعْل لَا يُغير
وَإِذا كَانَ الْمقَام مقَام تعداد صِفَات من غير نظر إِلَى جمع أَو انْفِرَاد حسن إِسْقَاط حرف الْعَطف
وَإِن أُرِيد الْجمع بَين الصفتين أَو التَّنْبِيه على تغايرهما عطف بالحرف وَكَذَا إِذا أُرِيد التنويع لعدم اجْتِمَاعهمَا
وَإِذا عطف بِالْفَاءِ مفصل على مُجمل فَلَا بُد أَن يكون الْمَعْطُوف بهَا هُوَ مَجْمُوع مَا وَقع بعْدهَا لَا بعضه، وَقد يَقع مثل هَذَا فِي الْمُفْردَات كَقَوْلِه(1/605)
تَعَالَى: {هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن} وَأما قَوْله: {فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم} إِلَى قَوْله: {وليتلطف} إِنَّمَا عطف بِالْوَاو لانْقِطَاع نظام التَّرْتِيب، لِأَن التلطف غير مترتب على الْإِتْيَان بِالطَّعَامِ الْمُتَرَتب على النّظر فِيهِ، الْمُتَرَتب على التَّوْجِيه فِي طلبه، الْمُتَرَتب على قطع الْجِدَال فِي الْمَسْأَلَة عَن مُدَّة اللّّبْث وَتَسْلِيم الْعلم لله تَعَالَى وم أَقسَام حُرُوف الْعَطف:
قسم يُشْرك بَين الأول وَالثَّانِي فِي الْإِعْرَاب وَالْحكم وَهُوَ: الْوَاو وَالْفَاء و (ثمَّ) و (حَتَّى)
وَقسم يَجْعَل الحكم لأَحَدهمَا لَا بِعَيْنِه وَهُوَ: (إِمَّا) و (أَو) و (أم) وَإِذا قصد الْإِخْبَار عَن تَسَاوِي الوصفين فَإِن ذكرا اسْمَيْنِ يفصل بَينهمَا بأداة الْجمع وَهِي الْوَاو، وَإِن ذكرا فعلين بفصل بَينهمَا بأداة الْفرق وَهِي (أَو) وَقد ذكر النُّحَاة أَنه يجوز تَقْدِيم الْمَعْطُوف بِالْوَاو، وَالْفَاء و (ثمَّ) و (أَو) و (لَا) على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي ضَرُورَة الشّعْر بِشَرْط أَن لَا يتَقَدَّم الْمَعْطُوف على الْعَامِل
وَأما تَقْدِيم التَّأْكِيد وَالْبدل فِي السعَة على الْمَتْبُوع وَالْعَامِل جَمِيعًا فمما لم يقل بِهِ أحد والعطف على مَعْمُول الْفِعْل لَا يَقْتَضِي إِلَّا الْمُشَاركَة فِي مَدْلُول ذَلِك الْفِعْل وَمَفْهُومه الْكُلِّي لَا الشخصي الْمعِين متعلقاته الْمَخْصُوصَة فَإِن الْمُشَاركَة فِي مَفْهُومه الشخصي موكول إِلَى الْقَرَائِن وَلما كَانَت قَضِيَّة الْعَطف الْمُشَاركَة فِي الحكم كَانَ الْعَطف على الثنيا ثنيا كَمَا فِي قَوْله: لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة دِرْهَم وَعِشْرُونَ دِينَارا
وَقد يعْطف عَامل حذف وَبَقِي معموله مَعْطُوفًا على مَعْمُول عَامل آخر يجمعهما معنى وَاحِد مثل: علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا
[أَي: وسقيتها مَاء بَارِدًا] وَالْمعْنَى الْجَامِع بَينهمَا الْإِطْعَام وَمثل قَوْله: وزججن الحواجب والعيونا
أَي: وكحلن العيونا، وَالْجَامِع التحسين وَفِي كل مَوضِع يحسن السُّكُوت على مَا قبل (أَو) فالعطف ب (أَو) ، وَإِن لم يحسن فالعطف ب (أم)
وَعطف الْفِعْل على اسْم الْفَاعِل جَائِز إِذا كَانَ اسْم الْفَاعِل مُعَرفا بِاللَّامِ فِيهَا معنى الَّذِي كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا}
وَعطف الشَّيْء على مصاحبه نَحْو: {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة}(1/606)
وعَلى سابقه نَحْو: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا وَإِبْرَاهِيم} وعَلى لَا حَقه نَحْو: {كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك} وَيجوز تَخْصِيص الْمَعْطُوف بِالْحَال حَيْثُ لَا لبس كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة} فَإِن (نَافِلَة) حَال من الْمَعْطُوف فَقَط وَهُوَ يَعْقُوب إِذْ هُوَ ولد الْوَلَد لَا إِسْحَق
وَإِذا دخل حرف الْعَطف بَين الاسمين كَانَ الثَّانِي غير الأول، إِذْ الأَصْل الْمُغَايرَة واستقلال كل وَاحِد من الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ بِنَفسِهِ
وَإِن لم يدْخل بَينهمَا حرف الْعَطف كَانَ الثَّانِي تَابعا ومؤكد للْأولِ، والعطف على مَا يَلِيهِ أولى من الْعَطف على الأول والعاطف إِذا نظر إِلَى نَفسه ولوحظ أَن مَدْلُوله تشريك الثَّانِي للْأولِ فِي حكمه من غير دلَالَة لَهما على معية وترتيب فالعطف بِهَذَا الِاعْتِبَار يُفِيد الِاسْتِقْلَال، وَإِذا نظر إِلَيْهِ من حَيْثُ إِنَّه يَجْعَل تَابعا للْأولِ وَالْأول متبوعا فالعطف بِهَذَا الِاعْتِبَار يشْعر بِعَدَمِ الِاسْتِقْلَال، (فَإِن لوحظ فِي الْعَطف الْحَيْثِيَّة الثَّانِيَة فالترك يشْعر بالاستقلال والعطف يُنبئ عَن الْإِخْلَال بالاستقلال) ، وَإِن لوحظ فِيهِ الْحَيْثِيَّة الأولى فَترك الْعَطف يخل بالاستقلال، بل يُورث الْفساد لما فِيهِ من احْتِمَال الإضراب المخل بالتسوية والاستقلال، وَبِهَذَا يظْهر أَن ترك الْعَطف مثل نفس الْعَطف فِي الْإِشْعَار بالأمرين المتغايرين بِاعْتِبَار الحيثيتين المختلفتين، وَقد ينظر فِي الْجُمْلَة إِلَى جِهَة الْإِيضَاح والكشف فتفصل وَقد ينظر فِيهَا إِلَى جِهَة الِاسْتِقْلَال والمغايرة فتوصل نَحْو جملَة: {يذبحون أبناءكم} فَإِنَّهَا تَارَة فصلت عَن جملَة: {يسومونكم سوء الْعَذَاب} وَتارَة وصلت بهَا
وَقد يكون قطع الْجُمْلَة عَمَّا قبلهَا لكَونهَا بَيَانا لمفرد من مفرداتها نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَعَذَاب يَوْم كَبِير} ، {إِلَى الله مرجعكم} فصل {إِلَى الله مرجعكم} لِأَنَّهُ بَيَان ل {عَذَاب يَوْم كَبِير} [وَإِنَّمَا وسط العاطف فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون} وَلم يتوسط فِي قَوْله: {أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ أُولَئِكَ هم الغافلون} لِأَن مَفْهُوم الجملتين مُخْتَلف فِي الأولى، وَالْجُمْلَة الثَّانِيَة مقررة للأولى فِي الثَّانِيَة] وَمَا لَا ينعَت لَا يعْطف عَلَيْهِ عطف بَيَان، لِأَن عطف الْبَيَان فِي الجوامد بِمَنْزِلَة النَّعْت فِي المشتقات
وَعطف الْبَيَان لَا يكون إِلَّا بالمعارف، وَالصّفة تكون بالمعرفة والنكرة
والنعت قد يكون جملَة، وَعطف الْبَيَان لَيْسَ كَذَلِك
وَالصّفة تتحمل الضَّمِير، وَعطف الْبَيَان لَا(1/607)
يتحمله
وَعطف الْبَيَان فِي تَقْدِير جملَة وَاحِدَة، وَالْبدل فِي تَقْدِير جملتين على الْأَصَح
وَالْمُعْتَمد فِي عطف الْبَيَان الأول، وَالثَّانِي موضح، وَالْمُعْتَمد فِي الْبَدَل هُوَ الثَّانِي، وَالْأول تَوْطِئَة وبساطة لَهُ
وَعطف الْبَيَان يشْتَرط مطابقته لما قبله فِي التَّعْرِيف بِخِلَاف الْبَدَل
وَعطف الْبَيَان لَيْسَ بنية إِيقَاعه مَحل الأول، بِخِلَاف الْبَدَل
وَالْبدل قد يكون غير الأول فِي بدل الْبَعْض والاشتمال والغلط، بِخِلَاف عطف الْبَيَان، وَمثل: (جَاءَنِي أَخُوك زيد) إِن قصد فِيهِ الْإِسْنَاد إِلَى الأول وَجِيء بِالثَّانِي تَتِمَّة لَهُ وتوضيحا فَالثَّانِي عطف بَيَان، وَإِن قصد فِيهِ الْإِسْنَاد إِلَى الثَّانِي وَجِيء بِالْأولِ تَوْطِئَة لَهُ مُبَالغَة فِي الْإِسْنَاد فَالثَّانِي بدل
وَقد يُرَاد بالْعَطْف الْمُبَالغَة بِاعْتِبَار التكثير كَقَوْلِك: (أصبح الْأَمِير لَا يُخَالِفهُ رَئِيس وَلَا مرؤوس) وَعَلِيهِ: {وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون}
والعطف كَمَا يكون على اللَّفْظ كَذَلِك يكون على الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} ، فَإِنَّهُ فِي معنى ا (لَا خير فيهم) ، فعطف عَلَيْهِ {وَلَو أسمعهم لتولوا} على اعْتِبَار هَذَا الْمَعْنى
وَعطف الْجُمْلَة الصَّرِيحَة على الْمُفْرد الصَّرِيح لَا يجوز لِأَنَّهَا لَا تقع موقعه، إِذْ الْجُمْلَة لَا يجوز أَن تكون فاعلة
وَعطف الشّرطِيَّة على غَيرهَا وَبِالْعَكْسِ كثير فِي الْكَلَام مثل قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك وَلَو أنزلنَا ملكا لقضي الْأَمر} وَقَوله تَعَالَى: {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} وَعطف الْأَمر لمخاطب على الْأَمر لمخاطب آخر مِمَّا أَخطَأ فِي مَنعه النُّحَاة لوُقُوعه قطعا فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوسُف أعرض عَن هَذَا واستغفري لذنبك}
وَكَمَال الِاتِّصَال الْمَانِع من الْعَطف مَخْصُوص بالجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَقد نظمت فِيهِ:
(فكم من قريب لَا ترَاهُ بِقُرْبِهِ ... وَكم من بعيد قد ينَال وصالا)
(تقرب وَلَا تطمع كَمَال وصاله ... من الْعَطف منع فِي الْوِصَال كمالا)
وَإِذا عطف شَيْء على شَيْء هُوَ مُقَيّد يُقيد فَإِن كَانَ الْقَيْد مُتَأَخِّرًا عَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لَا يجب اعْتِبَاره فِي الْمَعْطُوف، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مقدما نَحْو (فِي الدَّار رَأَيْت زيدا وَضربت عمرا) وَهَذِه الْقَاعِدَة أكثرية لَا كُلية
وَعطف الْجِنْس على النَّوْع وَبِالْعَكْسِ مَشْهُور
وَعطف الْخَاص على الْعَام وَبِالْعَكْسِ يخْتَص بِالْوَاو نَص عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيّ، وَيخْتَص ب (حَتَّى) نَص عَلَيْهِ ابْن هِشَام
وَالْمرَاد بالخاص وَالْعَام هُنَا مَا كَانَ فِيهِ الأول شَامِلًا(1/608)
للثَّانِي لَا المصطلح عَلَيْهِ فِي الْأُصُول
والمعطوف يُشَارك الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الْعَامِل وَذَلِكَ فِي الْمُفْردَات
والعطف على الْجَزَاء على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا يكون كل من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف صَالحا لِأَن يَقع جَزَاء، فَحِينَئِذٍ يسْتَقلّ كل بالجزائية كَقَوْلِك: (إِن ضربت ضربت وشتمت)
وَالثَّانِي: مَا لَا يكون كَذَلِك، فالجزاء حِينَئِذٍ مَجْمُوع المتعاطفين من حَيْثُ الْمَجْمُوع
وَإِذا عطف شَيْء على آخر ب (إِمَّا) يلْزم أَن يصدر الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أَولا ب (إِمَّا) ثمَّ يعْطف عَلَيْهِ ب (إِمَّا) ليعلم من أول الْأَمر أَن الْكَلَام مَبْنِيّ على الشَّك
وَإِذا عطف شَيْء على آخر ب (أَو) يجوز أَن يصدر الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ب (إِمَّا) نَحْو: (جَاءَنِي إِمَّا زيد أَو عَمْرو) وَلَكِن لَا يجب لمجيء نَحْو: (جَاءَنِي زيد أَو عَمْرو)
وَالْفِعْل إِذا عطف على الِاسْم أَو بِالْعَكْسِ فَلَا بُد من رد أَحدهمَا على الآخر فِي التَّأْوِيل
وَالِاسْم لما كَانَ أصل الْفِعْل وَالْفِعْل متفرع عَنهُ جَازَ عطف الْفِعْل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَان والثواني فروع على الْأَوَائِل وَأما إِذا عطفت الِاسْم على الْفِعْل كنت قد رددت الأَصْل فرعا وَجَعَلته ثَانِيًا وَهُوَ أَحَق بِأَن يكون مقدما لأصالته
وَإِذا عطف اسْم على اسْم (إِن) فَإِن كَانَ بعد الْخَبَر جَازَ فِيهِ الرّفْع على الْمُبْتَدَأ وَالنّصب على اللَّفْظ كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} قرئَ بهما وَإِن كَانَ قبل الْخَبَر لم يحسن إِلَّا النصب كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي}
وَإِذا لم يكن بَين الجملتين مُشَاركَة وَجب ترك العاطف وَإِن كَانَ بَينهمَا مُشَاركَة فَإِن لم يكن بَينهمَا تعلق ذاتي وَجب ذكر العاطف كَقَوْلِك: (زيد طَوِيل وَعَمْرو قصير) وَكَذَا (فلَان يقوم وَيفْعل) وَإِذا عطفت جملَة خَالِيَة عَن الضَّمِير على جملَة ذَات ضمير فَإِن كَانَ الْعَطف بِالْفَاءِ أَو (ثمَّ) فَلَا حَاجَة هُنَاكَ إِلَى الضَّمِير، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِجَوَاز (الَّذِي يطير فيغضب زيد الذُّبَاب) ، لِأَن الْمَعْنى (الَّذِي يطير وَيحصل عَقِيبه غضب زيد الذُّبَاب) وبجواز (الَّذِي جَاءَ ثمَّ غربت الشَّمْس زيد) إِذْ الْمَعْنى (الَّذِي ترَاخى عَن مَجِيئه غرُوب الشَّمْس زيد) وَله نَظَائِر كَثِيرَة
وَلَا يجوز كَون الْمَعْطُوف مقول قَائِل والمعطوف عَلَيْهِ مقول قَائِل آخر إِلَّا على وَجه التَّلْقِين
وَلَا يجوز الْعَطف على الْمُتَّصِل بِدُونِ التَّأْكِيد بالمنفصل، وَلذَلِك قَالُوا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} (أَنْت) تَأْكِيد أكد بِهِ المستكن ليَصِح الْعَطف، لِأَن (وزوجك) مَعْطُوف على الْمُضمر المستكن الْمُتَّصِل فِي (اسكن)
[وَفِي عطف الْقِصَّة على الْقِصَّة لَا يطْلب التناسب(1/609)
فِي الخبرية والإنشائية وَلَا الْمُشَاركَة فِي الْفَاعِل الْمُخَاطب، إِذْ لَا يُقَال (أضْرب وَأكْرم) فِيمَا إِذا كَانَ الْمُخَاطب فِي كل شخص آخر من غير تَصْرِيح بالنداء فَيُقَال: (اضْرِب يَا زيد وَأكْرم يَا عَمْرو) بل يطْلب التناسب بَين الْقصَّتَيْنِ]
وَجَاز الْعَطف على المضمرين الْمَرْفُوع والمنصوب من غير تَكْرِير الْعَامِل الجاز لِأَنَّهُمَا يعطفان على الِاسْم الظَّاهِر فَجَاز أَن يعْطف الظَّاهِر عَلَيْهِمَا
وَامْتنع الْعَطف على الْمُضمر الْمَجْرُور إِلَّا بتكرير الْجَار فَلم يجز أَن يعْطف الظَّاهِر على الْمُضمر إِلَّا بتكريره أَيْضا والكوفيون على [جَوَاز الْعَطف على الْمُضمر الْمَجْرُور وَبِغير تَكْرِير] وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْمُحَقِّقين كَابْن مَالك، وَدَلِيله عِنْدهم قِرَاءَة حَمْزَة: {تساءلون بِهِ والأرحام} بخفض (الْأَرْحَام)
قَالَ أَبُو حَيَّان: " وَالَّذِي نختاره جَوَاز ذَلِك لوروده فِي كَلَام الْعَرَب كثيرا نظما ونثرا، ولسنا متعبدين بِاتِّبَاع جُمْهُور الْبَصرِيين بل نتبع الدَّلِيل
وَقد امْتنع عطف نفس التَّأْكِيد على نفس الْمُؤَكّد، وَلَا يمْتَنع عطف أحد التأكيدين على الآخر بل هُوَ مُنَاسِب لاشْتِرَاكهمَا فِي كَونهمَا تَأْكِيدًا لمؤكد وَاحِد كَمَا فِي قَوْلهم مثلا (يلْزمه ذَلِك وَلَا يَسعهُ تَركه)
والعطف لَا يُغير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، فَفِيمَا إِذا ادّعى ألفا وَشهد وَأحد على ألف وَآخر على ألف وَخَمْسمِائة تقبل على الْألف بِالْإِجْمَاع (لما ذكرنَا فَلم يخْتَلف الْمَشْهُود عَلَيْهِ)
والعطف من عِبَارَات الْبَصرِيين، والنسق من عِبَارَات الْكُوفِيّين، وَعطف النسق هوالعطف بِحرف (وَعطف يعْطف: مَال وَعَلِيهِ: أشْفق)
وعطفا كل شَيْء (بِالْكَسْرِ) : جانباه
وَجَاء ثَانِي عطفه أَي: رخي البال، أَو لاويا عُنُقه، أَو متكبرا معرضًا وثنى عني عطفه: أعرض.
الْعلم: (هُوَ معرفَة الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ
وبديهيه: مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تَقْدِيم مقدمه
وضروريه بِالْعَكْسِ وَلَو سلك فِيهِ بعقله فَإِنَّهُ لَا يسْلك، كَالْعلمِ الْحَاصِل بالحواس الْخمس)
وَعلم بِهِ (كسمع) : أدْرك وأحاط
وَالْأَمر: أتقنه
(وَالْعلم يتَعَدَّى بِنَفسِهِ) وبالباء وَيُزَاد فِي مَفْعُوله قِيَاسا {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} ، {ألم يعلم بِأَن الله يرى}
وَلَا يتَعَدَّى ب (من) إِلَّا إِذا أُرِيد بِهِ التَّمْيِيز: {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} وَقد صَحَّ أَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: (إِلَّا(1/610)
لنعلم} أَي لنميز أهل الْيَقِين من أهل الشَّك وَالْعلم بِمَعْنى إِدْرَاك الشَّيْء بحقيقته الْمُتَعَلّق بِالذَّاتِ يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد، أَو بِالنِّسْبَةِ يتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، وَثَانِي مفعولي (علم) عين الأول فِيمَا صدقا عَلَيْهِ، وَثَانِي مفعولي (أعْطى) غير الأول
وَعلم (بالتضعيف) مَنْقُول من (علم) الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد فتعدى إِلَى اثْنَيْنِ وَالْمَنْقُول بِالْهَمْزَةِ من (علم) الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة وَقد نظمت فِيهِ:
(وَعلم بالتضعيف من علم الَّذِي ... يتَعَدَّى إِلَى فَرد فعدي لاثْنَيْنِ)
(وَأعلم مِمَّا قد تعدى إِلَيْهِمَا ... فَزَاد بفرد هَكَذَا الْفرق فِي الْبَين)
وَالْأَفْعَال المتعدية إِلَى ثَلَاثَة: مفعولها الأول كمفعول (أَعْطَيْت) فِي جَوَاز الِاقْتِصَار عَلَيْهِ كَقَوْلِك: (أعلمت زيدا) ، والاستغناء عَنهُ كَقَوْلِك: (أعلمت عمرا مُنْطَلقًا) ، وَالثَّانِي وَالثَّالِث كمفعولي (علمت) فِي وجوب ذكر أَحدهمَا عِنْد الآخر وَجَوَاز تَركهمَا مَعًا
و (علمت) يسْتَعْمل وَيُرَاد بِهِ الْعلم الْقطعِي، فَلَا يجوز وُقُوع (أَن) الناصبة بعده
وَيسْتَعْمل وَيُرَاد بِهِ النَّص الْقوي، فَيجوز أَن يعْمل فِي أَن يُقَال: (مَا علمت إِلَّا أَن يقوم زيد)
وَاسْتِعْمَال الْعلم بِمَعْنى الْمَعْلُوم شَائِع وواقع فِي الْأَحَادِيث كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " تعلمُوا الْعلم " (فَإِن الْعلم هَهُنَا بِمَعْنى الْمَعْلُوم)
وَقد يكنى بِالْعلمِ عَن الْعَمَل لِأَن الْعَمَل إِذا كَانَ نَافِعًا قَلما يتَخَلَّف عَن علم
وَقد يُرَاد بِالْعلمِ الْجَزَاء تَقول: (أَنا أعلم بِمن قَالَ كَذَا وَكَذَا)
(وَالْمعْنَى الْحَقِيقِيّ للفظ الْعلم هُوَ الْإِدْرَاك، وَلِهَذَا الْمَعْنى مُتَعَلق وَهُوَ الْمَعْلُوم، وَله تَابع فِي الْحُصُول يكون وَسِيلَة إِلَيْهِ فِي الْبَقَاء وَهُوَ الملكة، فَأطلق لفظ الْعلم على كل مِنْهَا إِمَّا حَقِيقَة عرفية، أَو اصطلاحية أَو مجَازًا مَشْهُورا)
وَالْعلم يُقَال لإدراك الْكُلِّي أَو الْمركب والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أَو الْبَسِيط، وَلِهَذَا يُقَال (عرفت الله) دون (عَلمته) فمتعلق الْعلم فِي اصْطِلَاح الْمنطق وَهُوَ الْمركب مُتَعَدد كَذَلِك عِنْد أهل اللُّغَة وَهُوَ المفعولان، ومتعلق الْمعرفَة وَهُوَ الْبَسِيط وَاحِد كَذَلِك عِنْد أهل اللُّغَة وَهُوَ الْمَفْعُول الْوَاحِد وَإِن اخْتلف وَجه التَّعَدُّد، والوحدة بَينهم بِحَسب اللَّفْظ وَالْمعْنَى
وَأَيْضًا يسْتَعْمل الْعلم فِي الْمحل الَّذِي يحصل الْعلم لَا بِوَاسِطَة
والعرفان يسْتَعْمل فِي الْمحل الَّذِي يحصل الْعلم بِوَاسِطَة الْكسْب، وَلِهَذَا يُقَال: (الله عَالم) وَلَا يُقَال: (عَارِف) ، كَمَا لَا يُقَال: (عَاقل) فَكَذَا الدِّرَايَة فَإِنَّهَا لَا تطلق على الله لما فِيهَا من معنى الْحِيلَة وَفِي " النجَاة ": كل معرفَة وَعلم فإمَّا تصور وَإِمَّا تَصْدِيق، فوحدة الْمَحْمُول تدل على الترادف(1/611)
[قَالَ الْمُحَقق عِصَام الدّين رَحمَه الله: يجوز إِسْنَاد الْعلم بِمَعْنى الْمعرفَة إِلَيْهِ تَعَالَى وَإِن لم يجز إِسْنَاد الْمعرفَة، لِأَن منع إسنادها نَشأ عَن لفظ الْمعرفَة دون مَعْنَاهَا، إِذْ لفظ الْمعرفَة شاع فِي الْإِدْرَاك بعد النسْيَان أَو بعد الْجَهْل، وَلَيْسَ لفظ الْعلم بِمَعْنى الْإِدْرَاك كَذَلِك وَقَالَ بَعضهم: لَا يلْزم من عدم إِجْرَاء الْمعرفَة على الله تَعَالَى لشيوعها فِيمَا يكون مَسْبُوقا بِالْعدمِ عدم إِجْرَاء المقتصر على الْمَفْعُول عَلَيْهِ تَعَالَى، وَالْكَلَام فِي أَن الْمعرفَة هَل هِيَ إِدْرَاك الجزئي وَلَو على الْوَجْه الكلى كَمَا قَالَت الفلاسفة أم إِدْرَاك الجزئي بِوَجْه جزئي فِيهِ نزاع]
وَقد يسْتَعْمل الْعرْفَان فِيمَا تدْرك آثاره وَلَا تدْرك ذَاته وَالْعلم فِيمَا تدْرك ذَاته، وَلِهَذَا يُقَال: (فلَان عَارِف بِاللَّه) وَلَا يُقَال: (عَالم بِاللَّه) ، لِأَن مَعْرفَته لَيست بِمَعْرِِفَة ذَاته، بل بِمَعْرِِفَة آثاره فعلى هَذَا يكون الْعرْفَان أعظم دَرَجَة من الْعلم، فَإِن التَّصْدِيق إِسْنَاد هَذِه المحسوسات إِلَى مَوْجُود وَاجِب الْوُجُود، أَو مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ فَأَما تصور حَقِيقَة الْوَاجِب فَأمر فَوق الطَّاقَة البشرية وَاخْتلفُوا فِي أَن تصور مَاهِيَّة الْعلم هَل هُوَ ضَرُورِيّ أَو نَظَرِي يعسر تحديده [أَو نَظَرِي غير عسير] والمتعسر هُوَ الْحَد الْحَقِيقِيّ لَا الرسمي وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ لصعوبة الامتياز بَين الذاتيات والعرضيات فِي " الْمُسْتَصْفى " رُبمَا يعسر تحديده على الْوَجْه الْحَقِيقِيّ بِعِبَارَة محررة جَامِعَة للْجِنْس والفصل الذاتيين، فَإِن ذَلِك عسير فِي أَكثر الْأَشْيَاء، بل فِي أَكثر المدركات الحسية كرائحة الْمسك وَطعم الْعَسَل وَإِذا عجزنا عَن تَحْدِيد المدركات فَنحْن عَن تَحْدِيد الإدراكات أعجز، وَلَكنَّا نقدر على شرح معنى الْعلم بتقسيم وَمِثَال أَو نَظَرِي غير عسير فَإلَى الأول ذهب الإِمَام الرَّازِيّ أَي [إِلَى كَونه ضَرُورِيًّا] وَإِلَى الثَّانِي ذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ [نظريا يعسر التَّحْدِيد وَهُوَ كَونه نظريا غير عسير] وَالثَّالِث هُوَ الْأَصَح، لَكِن اخْتلفُوا فِي تَعْرِيفه، فَتَارَة عرفوه بِأَنَّهُ معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ، هَذَا عِنْد أهل السّنة، وَهُوَ علم المخلوقين وَأما علم الْخَالِق فَهُوَ الْإِحَاطَة وَالْخَبَر على مَا هُوَ بِهِ، وَتارَة بِأَنَّهُ إِثْبَات الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ، وَمَا يعلم بِهِ الشَّيْء، أَو اعْتِقَاد الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ وَمَا يُوجب كَون من قَامَ بِهِ عَالما، والضرورة الْحَاصِلَة عِنْد الْعَاقِلَة: وَهَذَا تَعْرِيف الْقَائِلين بِأَنَّهُ من مقولة الكيف والحقيقة عِنْد أَصْحَاب الانفعال والتعلق بَين الْعَالم والمعلوم عِنْد من يَقُول إِنَّه من الْإِضَافَة، وَالْمُخْتَار أَنه صفة توجب لمحلها تميزا بَين الْمعَانِي لَا يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض وَأحسن مَا قيل فِي الْكَشْف عَن مَاهِيَّة الْعلم: هُوَ أَنه صفة يتجلى بهَا الْمَذْكُور لمن قَامَت هِيَ بِهِ فالمذكور يتَنَاوَل الْمَوْجُود والمعدوم، والممكن والمستحيل، والمفرد والمركب، والكلي والجزئي، وَخرج بالتجلي الظَّن وَالْجهل الْمركب واعتقاد الْمُقَلّد الْمُصِيب أَيْضا (إِذْ التجلي الانكشاف التَّام) وَأَصَح الْحُدُود عِنْد الْمُحَقِّقين من الْحُكَمَاء وَبَعض الْمُتَكَلِّمين هُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل سَوَاء كَانَت(1/612)
تِلْكَ الصُّورَة العلمية عَن مَاهِيَّة الْمَعْلُوم كَمَا فِي الْعلم الحضوري الانطباعي، أَو غَيرهَا كَمَا فِي الْعلم الحضوري، وَسَوَاء كَانَت مرتسمة فِي ذَات الْعَالم كَمَا فِي علم النَّفس بالكليات، أَو فِي القوى الجسمانية كَمَا فِي علمهَا بالماديات وَسَوَاء كَانَت عين ذَات الْعَالم كَمَا فِي علم الْبَارِي بِذَاتِهِ فَإِنَّهُ عين ذَاته المقدسة المنكشفة بِذَاتِهِ على ذَاته، لِأَن مدَار الْعلم على التجرد فَهُوَ علم وعالم وَمَعْلُوم: {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى}
والتغاير اعتباري، وَذَلِكَ أَن الْعلم عبارَة عَن الْحَقِيقَة الْمُجَرَّدَة عَن الغواشي الجسمانية، فَإِذا كَانَت هَذِه الْحَقِيقَة مُجَرّدَة فَهُوَ علم، وَإِذا كَانَت هَذِه الْحَقِيقَة الْمُجَرَّدَة لَهُ حَاضِرَة لَدَيْهِ وَغير مستورة عَنهُ فَهُوَ عَالم، وَإِذا كَانَت هَذِه الْحَقِيقَة الْمُجَرَّدَة لَا تحصل إِلَّا بِهِ فَهُوَ مَعْلُوم، فالعبارات مُخْتَلفَة وَإِلَّا فَالْكل بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَاته وَاحِد، [هَذَا إِذا كَانَت عين ذَات الْعَالم وَأما إِذا كَانَت] غير ذَات الْعَالم كَمَا فِي علمه تَعَالَى بسلسلة الممكنات، فَإِنَّهَا حَاضِرَة بذاتها عِنْده تَعَالَى، فَعلمه تَعَالَى بهَا عينهَا، فَيمْتَنع أَن تكون عينه سُبْحَانَهُ عَن الِاتِّحَاد مَعَ الْمُمكن، لَكِن هَذَا هُوَ الْعلم التفصيلي الحضوري، وَله تَعَالَى علم آخر بهَا أجمالي سرمدي غير مَقْصُور على الموجودات وَهُوَ عين ذَاته عِنْد المتألهين
(قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: الْعُلُوم الْحَاصِلَة لنا على ثَلَاثَة أنحاء: حضوري بحت كعلمنا بذاتنا وَبِمَا حصل من الكيفيات والصور
وانطباعي صرف كعلمنا بِمَا هُوَ الْغَائِب عَنَّا
وَذُو الْوَجْهَيْنِ يشبه الأول من وَجه، وَالثَّانِي من وَجه كعلمنا بِمَا ترتسم صورته فِي قوانا
[وَمذهب أَكثر الأشاعرة أَن الْعلم صفة تَقْتَضِي الْإِضَافَة الْمَخْصُوصَة الَّتِي سَمَّاهَا الجباثيان - هما أَبُو عَليّ وَابْنه أَبُو هَاشم - عالمية، وَمذهب أَصْحَاب الْمثل الأفلاطونية أَن الْعلم صفة المعلومات الْقَائِمَة بأنفسها، وَمذهب ابْن سينا وَمن تَابعه أَن الْعلم صفة المعلومات الْقَائِمَة بِذَات الله وأيا مَا كَانَ فَهُوَ غير ذَاته وَعبارَة عَامَّة متكلمي أهل الحَدِيث أَن الله تَعَالَى عَالم بِعِلْمِهِ وَكَذَلِكَ فِيمَا وَرَاء ذَلِك من الصِّفَات وَامْتنع أَكثر مَشَايِخنَا عَنهُ احْتِرَازًا عَمَّا يُوهِمهُ من كَون الْعلم آلَة فَقَالُوا: عَالم وَله علم، وَكَذَا فِيمَا وَرَاء ذَلِك من الصِّفَات وَأَبُو مَنْصُور الماتريدي يَقُول: إِنَّه عَالم بِذَاتِهِ وَكَذَا فِيمَا وَرَاء ذَلِك من الصِّفَات دفعا لوهم الْمُغَايرَة، وَأَن ذَاته ذَات يَسْتَحِيل أَن لَا يكون عَالما، لَا نفي الصِّفَات كَيفَ وَقد أثبت الصِّفَات فِي جَمِيع مصنفاته وأتى بالدلائل لإثباتها]
وَعند القطب: الْعلم من الموجودات الخارجية وَأما علم الله تَعَالَى فَهُوَ قديم وَلَيْسَ بضروري وَلَا مكتسب، وَإِنَّمَا هُوَ من قبيل النّسَب والإضافات، وَلَا شكّ أَنَّهَا أُمُور غير قَائِمَة بأنفسها مفتقرة إِلَى الْغَيْر
فَتكون مُمكنَة لذواتها فَلَا بُد لَهَا من مُؤثر، وَلَا مُؤثر إِلَّا ذَات الله، فَتكون تِلْكَ الذَّات الْمَخْصُوصَة مُوجبَة لهَذِهِ النّسَب والإضافات، ثمَّ(1/613)
لَا يمْتَنع فِي الْعقل أَن تكون تِلْكَ الذَّات مُوجبَة لَهَا ابْتِدَاء، وَلَا يمْتَنع أَيْضا أَن تكون تِلْكَ الصِّفَات مُوجبَة لصفات أُخْرَى حَقِيقِيَّة أَو إضافية ثمَّ إِن تِلْكَ الصِّفَات توجب هَذِه النّسَب، وعقول الْبشر قَاصِرَة عَن الْوُصُول إِلَى هَذِه المضائق
وَالْحق أَن علم الله تَعَالَى منزه عَن الزَّمَان، ونسبته إِلَى جَمِيع الْأَزْمِنَة على السوية فَيكون جَمِيع الْأَزْمِنَة من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ تَعَالَى كامتداد وَاحِد مُتَّصِل بِالنِّسْبَةِ إِلَى من هُوَ خَارج عَنهُ، فَلَا يخفى على الله مَا يَصح أَن يعلم، كليا كَانَ أَو جزئيا لِأَن نِسْبَة الْمُقْتَضى لعلمه إِلَى الْكل وَاحِدَة، فمهما حدثت الْمَخْلُوقَات لم يحدث لَهُ تَعَالَى علم آخر بهَا بل حصلت مكشوفة لَهُ بِالْعلمِ الأزلي، فالعلم بِأَن سَيكون الشَّيْء هُوَ نفس الْعلم بِكَوْنِهِ فِي وَقت الْكَوْن من غير تجدّد وَلَا كَثْرَة، وَإِنَّمَا المتجدد هُوَ نفس التَّعَلُّق وَالْمُعَلّق بِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُوجب تجدّد الْمُتَعَلّق بعد سبق الْعلم بِوُقُوعِهِ فِي وَقت الْوُقُوع وَفرض استمراره إِلَى ذَلِك الْوَقْت فَلَا تكون صفة الْعلم فِي الْأَزَل من غير تعلق حَتَّى يكون عَالما بِالْقُوَّةِ فيفضي إِلَى نفي علمه تَعَالَى بالحوادث فِي الْأَزَل، (فالصانع الَّذِي لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن واللطيف الْخَبِير الَّذِي لَا يفوتهُ كَمَال لَا بُد وَأَن يعلم ذَاته، ولازم ذَاته، ولازم لَازمه، جمعا وفرادى، إِجْمَالا وتفصيلا إِلَى مَا لَا يتناهى) ، وبديهة الْعقل تقضي بِأَن إبداع هَذِه المبدعات وإبداع هَذِه الحكم والخواص يمْتَنع إِلَّا من الْعَالم بالممتنعات والممكنات والموجودات قبل وجودهَا [جَمِيعًا وفرادى، إِجْمَالا وتفصيلا] بِأَنَّهُ سَيكون وَقت كَذَا ليقصد مَا يشاؤه فِي وَقت شاءه فِيهِ، وَبعد وجودهَا أَيْضا ليجعلها مُطَابقَة لما يَشَاء
ثمَّ اعْلَم أَن علمه تَعَالَى فِي الْأَزَل بالمعلوم الْمعِين الْحَادِث تَابع لماهيته، بِمَعْنى أَن خُصُوصِيَّة الْعلم وامتيازه عَن سَائِر الْعُلُوم إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أَنه علم بِهَذِهِ الْمَاهِيّة وَأما وجود الْمَاهِيّة وفعليتها فِيمَا لَا يزَال فتابع لعلمه الأزلي بهَا، التَّابِع لماهيته بِمَعْنى أَنه تَعَالَى لما علمهَا فِي الْأَزَل على هَذِه الخصوصية لكَونهَا فِي نَفسهَا على هَذِه الخصوصية لزم أَن يتَحَقَّق وَيُوجد فِيمَا لَا يزَال على هَذِه الخصوصية، فَلَا جبر وَلَا بطلَان لقاعدة التَّكْلِيف وَأما مَشِيئَته تَعَالَى فَإِنَّهَا متبوعة، وَوُقُوع الكائنات تَابع لَهَا، فَمن قَالَ: إِن علمه تَعَالَى يجب أَن يكون فعليا [أَي غير مُسْتَفَاد من خَارج كَمَا هُوَ عِنْد الْمُتَكَلِّمين] لَا يَقُول: إِن الْعلم تَابع للوقوع وَمن قَالَ بالتبعية قَالَ بانقسام علمه إِلَى الْفِعْل والانفعال والمقدم على الْإِرَادَة هُوَ الْفِعْل، وعَلى الْوُقُوع هُوَ الانفعال، وَلَا نعني بالتبعية للمعلوم التَّأَخُّر عَن الشَّيْء زَمَانا أَو ذاتا، بل المُرَاد كَونه فرعا فِي الْمُطَابقَة
وَالْقَوْل بِأَن علمه تَعَالَى حضوري وَالْمرَاد وجود الْمَعْلُوم فِي الْخَارِج يشكل بالممتنعات لِأَن علمه تَعَالَى شَامِل للممتنعات والمعدومات الممكنة إِلَّا أَن يُقَال لَهَا وجود فِي المبادئ الْعَالِيَة [وَقد اشْتهر عَن الفلاسفة القَوْل بِأَن الله تَعَالَى لَا يعلم الجزئيات المادية بِالْوَجْهِ الجزئي بل إِنَّمَا يعلمهَا بِوَجْه كلي منحصر فِي الْخَارِج وَحَاصِل مَذْهَبهم أَن(1/614)
الله تَعَالَى يعلم الْأَشْيَاء كلهَا بِنَحْوِ التعقل لَا بطرِيق التخيل فَلَا يغرب عَن علمه مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء لَكِن علمه تَعَالَى لما كَانَ بطرِيق التعقل لم يكن ذَلِك الْعلم مَانِعا من وُقُوع الشّركَة، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن لَا يكون بعض الْأَشْيَاء مَعْلُوما لَهُ تَعَالَى، بل مَا تُدْرِكهُ على وَجه الإحساس والتخيل هُوَ يُدْرِكهُ على وَجه التعقل، فالاختلاف فِي نَحْو الْإِدْرَاك لَا فِي الْمدْرك، فَإِن التَّحْقِيق أَن الْكُلية والجزئية صفتان للْعلم، وَرُبمَا يُوصف بهما الْمَعْلُوم لَك بِاعْتِبَار الْعلم، وَبِهَذَا لَا يسْتَحقُّونَ الإكفار وتعقل الجزئيات من حَيْثُ إِنَّهَا مُتَعَلقَة بِزَمَان تعقل بِوَجْه جزئي يتَغَيَّر، وَأما من حَيْثُ إِنَّهَا غير مُتَعَلقَة بِزَمَان فتعقل على وَجه كلي لَا يتَغَيَّر]
(وَأما قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا لنعلم} وأشباهه فَهُوَ بِاعْتِبَار التَّعَلُّق الحالي الَّذِي هُوَ منَاط الْجَزَاء قَالَ القَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ بعثناهم لنعلم} ليتعلق علمنَا تعلقا حاليا مطابقا لتَعَلُّقه أَولا تعلقا استقباليا فَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يحدث لَهُ تَعَالَى علم) ، فَإِن الْعلم الأزلي بالحادث الْفُلَانِيّ فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ غير متغير وَإِنَّمَا هُوَ قبل حُدُوث الْحَادِث كَهُوَ حَال حُدُوثه وَبعد حُدُوثه [غير متغير] وَإِنَّمَا جَاءَ الْمُضِيّ والاستقبال من ضَرُورَة كَون الْحَادِث زمانيا، وكل زمَان محفوف بزمانين: سَابق ولاحق، فَإِذا نسبت الْعلم الأزلي إِلَى الزَّمَان السَّابِق قلت: قد علم الله، وَإِذا نسبت إِلَى الزَّمَان الحالي قلت: يعلم الله وَإِذا نسبت إِلَى الزَّمَان اللَّاحِق قلت: سَيعْلَمُ الله فَجَمِيع هَذِه التغيرات انبعثت من اعتباراتك، وَعلم الله وَاحِد لِأَن علمه لَازم لوُجُوده الأول، وَفعله ملازم لعلمه، أما بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فعلى سَبِيل الِاتِّحَاد، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الموجودات فعلى سَبِيل الِاعْتِبَار فَلَا يسْتَدلّ بتغيرها على تغير، وبعدمها على عَدمه (وَيعلم جَمِيع الجزئيات على وَجه جزئي فَعِنْدَ وجودهَا يعلم أَنَّهَا وجدت، وَعند عدمهَا يعلم أَنَّهَا عدمت، وَقبل ذَلِك يعلم أَنَّهَا ستوجد وستعدم) وَلَا مَانع من أَن يكون الْعلم فِي نَفسه وَاحِدًا ومتعلقاته مُخْتَلفَة ومتغايرة، وَهُوَ يتَعَلَّق بِكُل وَاحِد مِنْهَا على نَحْو تعلق الشَّمْس بِمَا قابلها واستضاء بهَا، وَكَذَا على نَحْو مَا يَقُوله الْخصم فِي الْعقل الفعال لنفوسنا فَإِنَّهُ مُتحد وَإِن كَانَت متعلقاته متكثرة ومتغايرة
(وَزعم الفلاسفة أَنه تَعَالَى يعلم الجزئيات على وَجه كلي هربا من تجدّد علمه تَعَالَى) وَالْعلم الَّذِي هُوَ قسم من أَقسَام التَّصْدِيق أخص من الْعلم بِمَعْنى الْإِدْرَاك، إِذْ الْعلم المتقابل للْجَهْل يَنْتَظِم فِي التَّصْدِيق والتصور، بسيطا كَانَ أَو مركبا
وَالْعلم: حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل
والملاحظة: استحضار تِلْكَ الصُّورَة وَكلما تحقق الاستحضار تحقق الْحُصُول بِلَا عكس لجَوَاز تحقق الْحُصُول دون الاستحضار
وَالْعلم يُطلق على ثَلَاثَة معَان بالاشتراك: أَحدهَا يُطلق على نفس الْإِدْرَاك(1/615)
وَثَانِيها على الملكة الْمُسَمَّاة بِالْعقلِ فِي الْحَقِيقَة
وَهَذَا الْإِطْلَاق بِاعْتِبَار أَنه سَبَب للإدراك فَيكون من إِطْلَاق السَّبَب على الْمُسَبّب
وَثَالِثهَا على نفس المعلومات وَهِي الْقَوَاعِد الْكُلية الَّتِي مسَائِل الْعُلُوم المركبة مِنْهَا، وَهَذَا الْإِطْلَاق بِاعْتِبَار مُتَعَلق الْإِدْرَاك إِمَّا على سَبِيل الْمجَاز أَو النَّقْل
وَقد يُطلق الْعلم على التهيؤ الْقَرِيب الْمُخْتَص بالمجتهد، وَهُوَ ملكة يقتدر بهَا على إِدْرَاك الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّة، وَهُوَ شَائِع عرفا بِخِلَاف التهيؤ الْبعيد فَإِنَّهُ حَاصِل لكل أحد فَلَا يُطلق الْعلم عَلَيْهِ
وَالْعلم الْفعْلِيّ: هُوَ كلي يتَفَرَّع عَلَيْهِ الْكَثْرَة، وَهِي أَفْرَاده الخارجية الَّتِي اسْتُفِيدَ مِنْهَا
وَالْعلم الانفعالي: هُوَ كلي يتَفَرَّع على الْكَثْرَة، وَهِي أَفْرَاده الخارجية الَّتِي اسْتُفِيدَ مِنْهَا أَيْضا
وَالْعلم النظري: هُوَ مَا إِذا علم فقد كمل نَحْو الْعلم بموجودات الْعَالم
وَالْعلم العملي: هُوَ مَا لَا يتم الْإِيمَان إِلَّا بِأَن يعْمل كَالْعلمِ بالعبادات
وَالْعلم الْمُحدث: علم الْعباد وَهُوَ نَوْعَانِ ضَرُورِيّ واكتسابي: فالضروري مَا يحصل فِي الْعَالم بإحداث الله وتخليقه من غير فكر وَكسب من جِهَته
والاكتسابي عَقْلِي وسمعي: فالعقلي مَا يحصل بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَر بِمُجَرَّد الْعقل كَالْعلمِ بحدوث الْعَالم وَثُبُوت الصَّانِع، وبوحدانيته وَقدمه.
والسمعي مَا لَا يحصل بِمُجَرَّد الْعقل بل بِوَاسِطَة كَالْعلمِ بالحلال وَالْحرَام وَسَائِر مَا شرع من الْأَحْكَام
الْعَمَل: المهنة وَالْفِعْل
وَالْعَمَل يعم أَفعَال الْقُلُوب والجوارح
وَعمل: لما كَانَ مَعَ امتداد زمَان نَحْو: {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء}
وَفعل: بِخِلَافِهِ نَحْو: {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل} لِأَنَّهُ إهلاك وَقع من غير بطء
وَالْعَمَل لَا يُقَال إِلَّا فِيمَا كَانَ عَن فكر وروية، وَلِهَذَا قرن بِالْعلمِ حَتَّى قَالَ بعض الأدباء: قلب لفظ الْعَمَل عَن لفظ الْعلم. تَنْبِيها على أَنه من مُقْتَضَاهُ
قَالَ الصغاني: تركيب الْفِعْل يدل على إِحْدَاث شَيْء من الْعَمَل وَغَيره فَهَذَا يدل على أَن الْفِعْل أَعم من الْعَمَل
وَالْعَمَل أصل فِي الْأَفْعَال، وَفرع فِي الْأَسْمَاء والحروف، فَمَا وجد من الْأَسْمَاء والحروف عَاملا يَنْبَغِي أَن يسْأَل عَن الْمُوجب لعمله
وَالْعَمَل من الْعَامِل بِمَنْزِلَة الحكم من الْعلَّة
وكل حرف اخْتصَّ بِشَيْء وَلم ينزل منزلَة الْجُزْء مِنْهُ فَإِنَّهُ يعْمل
وَقد، وَالسِّين، وسوف، وَلَام التَّعْرِيف، كلهَا مَعَ الِاخْتِصَاص لم تعْمل كَأَنَّهَا الْجُزْء مِمَّا يَليهَا
وَفِيه أَن (أَن) المصدرية تعْمل فِي الْفِعْل الْمُضَارع وَهِي بِمَنْزِلَة الْجُزْء لِأَنَّهَا مَوْصُولَة
وَالْحق أَن الْحَرْف يعْمل فِيمَا يخْتَص بِهِ وَلم يكن(1/616)
مُخَصّصا لَهُ
لِأَن الْمُخَصّص للشَّيْء كالوصف لَهُ، وَالْوَصْف لَا يعْمل فِي الْمَوْصُوف، وَحقّ الْعَامِل التَّقْدِيم لِأَنَّهُ الْمُؤثر فَلهُ الْقُوَّة وَالْفضل، وَحقّ الْمَعْمُول أَن يكون مُتَأَخِّرًا لِأَنَّهُ مَحل لتأثير الْعَامِل فِيهِ وداخل تَحت حكمه، وَقد يعكس للتوسع فِي الْكَلَام
وَالْعَامِل غير الْمُقْتَضِي لِأَن الْعَامِل حرف الْجَرّ أَو تَقْدِيره، وحرف الْجَرّ معنى وَكَذَا الْإِضَافَة الَّتِي هِيَ العاملة للجر فَإِنَّهَا هِيَ الْمُقْتَضِيَة لَهُ على معنى أَن الْقيَاس يَقْتَضِي هَذَا النَّوْع من الْإِعْرَاب
وَالْعَامِل فِي الْعَطف على الْموضع مَوْجُود وأثره مَفْقُود، وَفِي الْعَطف على التَّوَهُّم أَثَره وَنَفسه كِلَاهُمَا مفقودان فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، مَوْجُود أَثَره فِي الْمَعْطُوف
الْعرف (بِالضَّمِّ) : الْمَعْرُوف وضد النكر، وَاسم من الِاعْتِرَاف وَمِنْه قَوْله: (لَهُ عَليّ ألف عرفا) أَي اعترافا وَهُوَ تَأْكِيد
{والمرسلات عرفا} : هُوَ مستعار من عرف الْفرس: أَي يتتابعون كعرف الْفرس
وَيُقَال: أَرْسلتهُ بِالْعرْفِ، أَي بِالْمَعْرُوفِ
وَعرف اللِّسَان: مَا يفهم من اللَّفْظ بِحَسب وَضعه اللّغَوِيّ
وَعرف الشَّرْع: مَا فهم مِنْهُ حَملَة الشَّرْع وجعلوه مبْنى الْأَحْكَام
وَالْعرْف: هُوَ مَا اسْتَقر فِي النُّفُوس من جِهَة شَهَادَات الْعُقُول وَتَلَقَّتْهُ الطباع السليمة بِالْقبُولِ
وَالْعَادَة: مَا استمروا عَلَيْهِ عِنْد حكم الْعُقُول، وعادوا لَهُ مرّة بِحَدّ أُخْرَى
وَالْعرْف القولي: هُوَ أَن يتعارف النَّاس إِطْلَاق اللَّفْظ عَلَيْهِ
وَالْعرْف العملي: هُوَ أَن يطلقوا اللَّفْظ على هَذَا وعَلى ذَاك، وَلَكنهُمْ فعلوا هَذَا دون غَيره
وَالْعرْف العملي غير مُخَصص
وَالْعرْف اللَّفْظِيّ مُخَصص
وَمن قبيل الأول: (لحم الْخِنْزِير من اللَّحْم)
وَمن قبيل الثَّانِي: لفظ الدَّابَّة فَإِنَّهَا تخص ذَا الْحَافِر ورد هَذَا الْفرق لقَولهم فِي (الْأُصُول) : إِن الْحَقِيقَة تتْرك بِدلَالَة الْعَادة حَتَّى أفتوا بِعَدَمِ الْحِنْث فِيمَا إِذا حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا بِأَكْل لحم الْخِنْزِير والآدمي وَلَيْسَت الْعَادة إِلَّا عرفا عمليا
ثمَّ الْعَادة أَنْوَاع ثَلَاثَة: الْعُرْفِيَّة الْعَامَّة: وَهِي عرف جمَاعَة كَثِيرَة لَا يتَعَيَّن الْوَاضِع من الْبَين، أَي لَا يسْتَند إِلَى طَائِفَة مَخْصُوصَة، بل يَتَنَاوَلهَا وَغَيرهَا كالوضع الْقَدِيم
والعرفية الْخَاصَّة: وَهِي اصْطِلَاح كل طَائِفَة مَخْصُوصَة كالرفع للنحاة، وَالْفرق وَالْجمع والنقض للنظار
والعرفية الشَّرْعِيَّة: كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحج تركت مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة لمعانيها الشَّرْعِيَّة
وَالْعَادَة والاستعمال قيل: هما مُتَرَادِفَانِ، وَقيل المُرَاد من الْعَادة نقل اللَّفْظ إِلَى مَعْنَاهُ الْمجَازِي عرفا وَمن الِاسْتِعْمَال نقل اللَّفْظ عَن مَوْضُوعه الْأَصْلِيّ إِلَى مَعْنَاهُ الْمجَازِي شرعا وَغَلَبَة اسْتِعْمَاله فِيهِ
الْعقل: [فِي " الْقَامُوس "] الْعلم بِصِفَات الْأَشْيَاء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها(1/617)
[سُئِلَ بعض الْحُكَمَاء عَن الْعقل فَقَالَ: هُوَ] الْعلم بِخَير الخيرين وَشر الشرين وَيُطلق لأمور: لقُوَّة بهَا يكون التَّمْيِيز بَين الْقَبِيح وَالْحسن
ولمعان مجتمعة فِي الذِّهْن تكون بمقدمات تستتب بهَا الْأَغْرَاض والمصالح
ولهيئة محمودة للْإنْسَان فِي حركاته وَكَلَامه [وَالْحق أَنه نور روحاني بِهِ تدْرك النَّفس الْعُلُوم الضرورية والنظرية، وَابْتِدَاء وجوده عِنْد اجتنان الْوَلَد ثمَّ لَا يزَال يَنْمُو إِلَى أَن يكمل عِنْد الْبلُوغ]
(وَالْحق أَنه نور فِي بدن الْآدَمِيّ يضيء بِهِ طَرِيقا يبتدأ بِهِ من حَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ دَرك الْحَواس، فيبدو بِهِ الْمَطْلُوب للقلب، فيدرك الْقلب بِتَوْفِيق الله وَهُوَ كَالشَّمْسِ فِي الملكوت الظَّاهِرَة)
وَقيل: هُوَ قُوَّة للنَّفس بهَا تستعد للعلوم والإدراكات وَهُوَ الْمَعْنى بقَوْلهمْ: صفة غريزة يلْزمهَا الْعلم بالضروريات عِنْد سَلامَة الْآلَات
قَالَ الْأَشْعَرِيّ: هُوَ علم مَخْصُوص، فَلَا فرق بَين الْعلم وَالْعقل إِلَّا بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص
وَقَالَ بَعضهم: الْعقل يُقَال للقوة المتهيئة لقبُول الْعلم
وَيُقَال للْعلم الَّذِي يستفيده الْإِنْسَان بِتِلْكَ الْقُوَّة
فَكل مَوضِع ذمّ الله الْكفَّار بِعَدَمِ الْعقل فإشارة إِلَى الثَّانِي
وكل مَوضِع رفع التَّكْلِيف عَن العَبْد لعدم الْعقل فإشارة إِلَى الأول [وَالصَّوَاب مَا قَالَه بعض الْمُحَقِّقين، وَهُوَ أَنه نور معنوي فِي بَاطِن الْإِنْسَان يبصر بِهِ الْقلب - أَي النَّفس الإنسانية - الْمَطْلُوب، أَي مَا غَابَ عَن الْحَواس بتأمله وتفكره بِتَوْفِيق الله تَعَالَى بعد انْتِهَاء دَرك الْحَواس، وَلِهَذَا قيل: بداية الْعُقُول نِهَايَة المحسوسات] وَقد جوز الْحَكِيم إِطْلَاق الْعقل على الله كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي الْكتب الْحكمِيَّة والكلامية
وَقَالَ قوم من قدماء الفلاسفة: إِن الْعقل من الْعَالم الْعلوِي، وَهُوَ مُدبر لهَذَا الْعَالم ومخالط للأبدان مَا دَامَت الْأَبدَان معتدلة فِي الطبائع الْأَرْبَع، فَإِذا خرجت عَن الِاعْتِدَال فَارقهَا الْعقل
وَالْحَاصِل أَن الرسوم الْمَذْكُورَة لَا تفِيد إِلَّا حيرة فِي حيرة، والإدراكات كلهَا جزئية كَانَت أَو كُلية، والتأليف بَين الْمعَانِي والصور مستندة إِلَى الْعقل على الْأُصُول الإسلامية، وهم لَا يثبتون الْحَواس الْبَاطِنَة الَّتِي ثبتها الفلاسفة
قيل: الْعقل وَالنَّفس والذهن وَاحِد، إِلَّا أَن النَّفس سميت نفسا لكَونهَا متصرفة وذهنا لكَونهَا مستعدة للإدراك، وعقلا لكَونهَا مدركة
[وللنفس الناطقة بِاعْتِبَار تأثيرها بِمَا فَوْقهَا واستفاضتها عَنْهَا يكمل جوهرها من التعلقات قُوَّة تسمى عقلا نظريا. وَبِاعْتِبَار تأثيرها فِي الْبدن تأثيراُ اختياريا قُوَّة أُخْرَى تسمى عقلا عمليا، مستعين بِالْعقلِ النظري]
وَمذهب أهل السّنة: أَن الْعقل وَالروح من الْأَعْيَان وليسا بعرضين كَمَا ظنته الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم
ثمَّ الْعقل عِنْد الْمُعْتَزلَة هُوَ مَعْرُوف مُوجب فِي وجوب الْإِيمَان، وَفِي حسنه وقبح الْكفْر
ومهمل عِنْد الْأَشْعَرِيّ فِي جَمِيع ذَلِك
وَعِنْدنَا: التَّوَسُّط بَين قولي الأشاعرة والمعتزلة كَمَا(1/618)
هُوَ الْمُخْتَار بَين الْجَبْر وَالْقدر، وَهُوَ أَن الْعقل آلَة عاجزة والمعرف والموجب بِالْحَقِيقَةِ هُوَ الله تَعَالَى، لَكِن بِوَاسِطَة الرَّسُول، وَفَائِدَة الِاخْتِلَاف إِنَّمَا تظهر فِي الصَّبِي للعاقل أَنه إِن لم يعْتَقد الشّرك وَالْإِيمَان لَا يكون مَعْذُورًا عِنْد الْمُعْتَزلَة كَالْبَالِغِ، وَعند الْأَشْعَرِيّ يكون مَعْذُورًا كَالْبَالِغِ، وَعِنْدنَا: إِن لم يعْتَقد الشّرك يكون مَعْذُورًا، وَإِن اعتقده لَا يكون مَعْذُورًا
(وَالْعقل لَا مدْخل لَهُ فِي الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَمَا ينتمي إِلَيْهَا من السَّبَبِيَّة والشرطية، وَهُوَ الحكم الوضعي عِنْد الأشاعرة لابتنائه على قَاعِدَة الْحسن والقبح العقليين)
والعقول مُتَفَاوِتَة بِحَسب فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء للْقطع بِأَن عقل نَبينَا لَيْسَ مثل عقول سَائِر الْأَنْبِيَاء قَالَ بَعضهم: عقل ابْن سينا فائق بِكَثِير من سَائِر الْعُقُول يحْكى أَنه كَانَ يَأْكُل الْملح بحفنتين فِي كل صباح وَمَسَاء
وَمَا لم يكن بَينه وَبَين الْوَاجِب وَاسِطَة فَهُوَ الْعقل الْكُلِّي، وَإِن فَإِن كَانَ مبدأ للحوادث العنصرية فَهُوَ الْعقل الفعال، وَإِلَّا فَهُوَ الْعقل الْمُتَوَسّط
وَالْعقل الهيولاني: هُوَ الاستعداد الْمَحْض لإدراك المعقولات كَمَا للأطفال
وَالْعقل بالملكة: هُوَ الْعلم بالضروريات
واستعداد النَّفس بذلك لِاكْتِسَابِ النظريات مِنْهَا
وَهُوَ منَاط التَّكْلِيف
وَالْعقل بِالْفِعْلِ: هُوَ ملكة استنباط النظريات من الضروريات
وَالْعقل الْمُسْتَفَاد: هُوَ أَن يحضر عِنْده النظريات الَّتِي أدْركهَا بِحَيْثُ لَا تغيب عَنهُ
[وَفِي " الْكَشْف الْكَبِير ": إِن فِي الْإِنْسَان فِي أول أمره اسْتِعْدَادًا لِأَن يُوجد فِيهِ الْعقل والتوجه نَحْو المدركات، فَهَذَا الاستعداد يُسمى عقلا بِالْقُوَّةِ وعقلا عزيزيا، ثمَّ يحدث الْعقل فِيهِ شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن يبلغ الْكَمَال، وَيُسمى هَذَا عقلا مستفادا، وَمَا قَالَه الفلاسفة من التَّقْسِيم لم يثبت عَن دَلِيل كَمَا فِي " التَّجْرِيد "
ثمَّ الإدراكات كلهَا جزئيا كَانَ أم كليا، والتأليف بَين الْمعَانِي والصور مستندة إِلَى الْعقل على الْأُصُول الإسلامية، وهم لَا يثبتون الْحَواس الْبَاطِنَة الَّتِي أثبتها الفلاسفة
وَوُجُود الْعقل الفعال وَكَونه عِلّة للنفوس وَغير قَابل للْفَسَاد غير مُسلم عندنَا]
وَاخْتلف فِي مَحل الْعقل فَذهب أَبُو حنيفَة وَجَمَاعَة من الْأَطِبَّاء إِلَى أَن مَحل الْعقل الدِّمَاغ وَذهب الشَّافِعِي وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين إِلَى أَن مَحَله الْقلب، وَهُوَ مستعد لِأَن تنجلي فِيهِ حَقِيقَة الْحق فِي الْأَشْيَاء كلهَا وَقيل مُشْتَرك بَينهمَا
(وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: الْعقل فِي الْقلب، وَالرَّحْمَة فِي الكبد، والرأفة فِي الطحال، وَالنَّفس فِي الرئة قيل: تنزل الْمعَانِي الروحانيات أَولا إِلَى الرّوح، ثمَّ تنْتَقل مِنْهُ إِلَى الْقلب، ثمَّ تصعد إِلَى الدِّمَاغ، فينتقش بهَا لوح المتخيلة)
وَمن أَسمَاء الْعقل: اللب لِأَنَّهُ صفوة الرب وخلاصته(1/619)
والحجى: لإصابة الْحجَّة بِهِ والاستظهار على جَمِيع الْمعَانِي
وَالْحجر: لحجره عَن ركُوب المناهي
والنهى: لانْتِهَاء الذكاء والمعرفة وَالنَّظَر إِلَيْهِ، وَهُوَ نِهَايَة مَا يمنح العَبْد من الْخَيْر الْمُؤَدِّي إِلَى صَلَاح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
الْعلَّة [لُغَة: عبارَة عَن معنى يحل بِالْمحل فيتغير بِهِ حَال الْمحل، وَمِنْه سمي الْمَرَض عِلّة]
وَهِي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشَّيْء
وَفِي " التَّلْوِيح " مَا يثبت بِهِ الشَّيْء وَعند الأصولي مَا يجب بِهِ الحكم وَالْوُجُوب بِإِيجَاب الله تَعَالَى، لَكِن الله تَعَالَى أوجب الحكم لأجل هَذَا الْمَعْنى والشارع جلّ ذكره قد أثبت الحكم بِسَبَب، وَقد أثبت ابْتِدَاء بِلَا سَبَب، فيضاف(1/620)
الحكم إِلَى الله تَعَالَى إِيجَابا، وَإِلَى الْعلَّة تسبيبا، كَمَا يُضَاف الشِّبَع إِلَى الله تخليقا، وَإِلَى الطَّعَام تسبيبا، وَكَذَا فِي عرف الْفُقَهَاء
وكل من الْعلَّة وَالسَّبَب قد يُفَسر بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الشَّيْء فَلَا يتغايران
وَقد يُرَاد بِالْعِلَّةِ الْمُؤثر، وبالسبب مَا يُفْضِي إِلَى الشَّيْء فِي الْجُمْلَة، أَو مَا يكون باعثا عَلَيْهِ فيفترقان
وَقَالَ بَعضهم: السَّبَب مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الحكم من غير أَن يثبت بِهِ
وَالْعلَّة مَا يثبت الحكم بهَا، وَكَذَا الدَّلِيل فَإِنَّهُ طَرِيق لمعْرِفَة الْمَدْلُول بِسَبَبِهِ تحصل الْمعرفَة
وعَلى حُصُول الْمعرفَة وَوُقُوع الْعلم بِهِ الِاسْتِدْلَال، غير أَن الْعلَّة تسمى سَببا، وَتسَمى دَلِيلا مجَازًا
وكل فعل يثبت بِهِ الحكم بعد وجوده بأزمنة مَقْصُودا غير مُسْتَند فَهُوَ سَبَب قد صَار عِلّة كالتدبير والاستيلاء
قَالَ بَعضهم: كل عِلّة جَازَ أَن تسمى دلَالَة لِأَنَّهَا تدل على الحكم، والمؤثر أبدا يدل على الْأَثر
وَلَا يُسمى كل دلَالَة عِلّة لِأَن الدّلَالَة قد يعبر بهَا عَن الأمارة الَّتِي لَا توجبه وَلَا تُؤثر فِيهِ كَالْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ دَلِيل الْقبْلَة وَلَا يُؤثر فِيهَا، (وَإِنَّمَا سمي أحد أَرْكَان الْقيَاس عِلّة لِأَن الْعلَّة الْمَرَض فَكَانَ تأثيرها فِي الحكم كتأثير الْعلَّة فِي الْمَرِيض)
ثمَّ الصَّرِيح من الْعلَّة مثل: لعِلَّة كَذَا فلسبب كَذَا، {من أجل ذَلِك كتبنَا} . {كي لَا يكون دولة} ، و {إِذن لأذقناك ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات} وَالظَّاهِر من الْعلَّة مثل: {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} ، {فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم} ، {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَهَذَا تحْتَمل لغير التَّعْلِيل كالعاقبة نَحْو {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم}
والتعدية نَحْو: {ذهب الله بنورهم}
والعطف نَحْو: {وَالَّذِي أخرج المرعى فَجعله غثاء أحوى}
وَمن الظَّاهِر أَيْضا (إِن) الْمَكْسُورَة الْمُشَدّدَة نَحْو {إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَإِذ نَحْو: {اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء}
وعَلى نَحْو: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} وَحَتَّى نَحْو: (أسلم حَتَّى تدخل الْجنَّة)
وَفِي نَحْو: {لمتنني فِيهِ}
وَالْعلَّة عِنْد غير الأصولي: مَا يحْتَاج إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ(1/621)
الْمُحْتَاج الْوُجُود أَو الْعَدَم أَو الْمَاهِيّة عِنْد الْعَامَّة [وَأما العلاقة الْعَقْلِيَّة بَين الممكنات فقد نفاها أهل الْحق، فالمنازعة مَعَ من اتَّخذهُ مذهبا وَإِلَّا فالضرورة قاضية بثبوتها فِي الْجُمْلَة كَيفَ وَلَا يُمكن وجود الْعرض بِدُونِ الْجَوْهَر، وَلَا وجود الْكل بِدُونِ الْجُزْء، على أَن المُرَاد من قَوْلهم: عِلّة الْكل هُوَ الْوَاجِب تَعَالَى أَن عِلّة كل الموجودات ذَلِك، إِذْ عِلّة المعدومات لَا يُمكن أَن يكون الْوَاجِب اتِّفَاقًا من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين والحكماء مُطلقًا، أما عِنْد قدماء الْمُتَكَلِّمين وهم الْقَائِلُونَ بِأَن الْعلَّة الْحَاجة هُوَ الْحُدُوث إِمَّا وَحده أَو مَعَ الْإِمْكَان فلعدم احْتِيَاج العدمات الأزلية إِلَى عِلّة عِنْدهم وَامْتِنَاع تَأْثِير الْمُخْتَار فِي الْأَزَل على رَأْيهمْ أما عِنْد الْحُكَمَاء وَمن يحذو حذوهم - أَعنِي متأخري الْمُتَكَلِّمين - فِيمَا قرروا من أَن عدم الْمَعْلُول مُسْتَند إِلَى عدم الْعلَّة، وَلَا شكّ أَن الْوَاجِب لَا يُمكن أَن يرجع إِلَيْهِ عدم الْعلَّة أَلا يرى أَنهم قَالُوا: إِن عِلّة لَازم الْمَاهِيّة هِيَ الْمَاهِيّة نَفسهَا، فَإِن الْجَاعِل لَا يَجْعَل الْمُمكن مُمكنا، بل هُوَ مُمكن بِنَفسِهِ، وَقَالُوا أَيْضا: إِن عِلّة الْحَاجة هِيَ الْحُدُوث، وَلَا شكّ أَن الْحُدُوث لَا يُمكن إرجاع عليته إِلَى علية الْوَاجِب فَثَبت أَنهم يَقُولُونَ بالعلاقة الْعَقْلِيَّة بَين الممكنات، بل بَين الممتنعات، فَإِن الْمُمكن كَمَا جَازَ كَون علته وَاجِبَة يجوز كَون علته ممتنعة، كَعَدم الْمَعْلُول الأول الْمُسْتَند إِلَى عدم الْوَاجِب]
(وَعند الأشعرية خلاف فِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة قَالَت الْعَامَّة: يجوز أَن يكون لِلْعِلَّةِ وصف وَاحِد، وَيجوز أَن يكون أَوْصَاف، كَمَا فِي الْعِلَل الشَّرْعِيَّة
قَالَت الأشعرية: لَا يجوز فِيهَا إِلَّا وَاحِد)
وَقد تُوجد الْعلَّة بِدُونِ الْمَعْلُول لمَانع، وَأما الْمَعْلُول بِلَا عِلّة فَهُوَ محَال، وَلَا يجوز عقلا اجْتِمَاع علتين على مَعْلُول وَاحِد، سَوَاء عرفت بالمؤثر، أم الْمُعَرّف، أم الْبَاعِث، وَكَلَام الْعُقَلَاء فِي جَمِيع الْعُلُوم من الْمُتَكَلِّمين والأصوليين والنحاة وَالْفُقَهَاء مُطَابق على هَذَا
وَالْعلَّة مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ لَا يُوَافق مَذْهَب الأشاعرة فَإِنَّهُم قَالُوا: لَا يجوز تَعْلِيل أَفعاله تَعَالَى بِشَيْء من الْأَغْرَاض والعلل الغائية، وَوَافَقَهُمْ بذلك جهابذة الْحُكَمَاء وَطَوَائِف الإلهيين، وَخَالفهُم فِيهِ الْمُعْتَزلَة، (وذهبوا إِلَى وجوب تعليلها)
قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: الْحق أَن بعض أَفعاله مُعَلل بالحكم والمصالح، وَذَلِكَ ظَاهر، والنصوص شاهدة بذلك، وَأما تَعْمِيم ذَلِك بِأَن لَا يَخْلُو فعل من أَفعاله من غَرَض فَمحل بحث وَأما أَحْكَامه تَعَالَى فَهِيَ معللة بالمصالح، ودرء الْمَفَاسِد عِنْد فُقَهَاء الأشاعرة، بِمَعْنى أَنَّهَا معرفَة للْأَحْكَام من حَيْثُ إِنَّهَا ثَمَرَات تترتب على شرعيتها وفوائد لَهَا، وغايات تَنْتَهِي إِلَيْهَا متعلقاتها من أَفعَال الْمُكَلّفين، لَا بِمَعْنى أَنَّهَا علل غائية تحمل على شرعيتها [وَفِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة خلاف عِنْد الأشعرية والعامة، فَعِنْدَ الْعَامَّة يجوز أَن يكون لِلْعِلَّةِ وصف وَاحِد، وَيجوز أَن يكون لَهَا أَوْصَاف كَمَا فِي الْعِلَل الشَّرْعِيَّة وَعند الْأَشْعَرِيّ: لَا يجوز لَهَا إِلَّا وصف(1/622)
وَاحِد] وَاخْتلف فِي أَن الْعلَّة هَل تسبق الْمَعْلُول زَمَانا أم تقارنه؟ والأكثرية على أَنَّهَا تقارنه وَهُوَ الْمَنْقُول عَن الْأَشْعَرِيّ وَاسْتدلَّ لَهُ بعض الْمُحَقِّقين بقوله تَعَالَى: {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا}
وَفصل قوم فَقَالُوا: الْعلَّة الْعَقْلِيَّة لَا تسبق، والوضعية تسبق، وَرُبمَا قَالَ الْبَعْض: الوضعية، تسبق إِجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْعَقْلِيَّة
وَقَالَ بَعضهم: الوضعية أبدأ تحاكي الْعَقْلِيَّة لَا فرق بَينهمَا، إِلَّا أَن تِلْكَ مُؤثرَة بذاتها، وَلذَلِك لَا نقُول بهَا، إِذْ لَا مُؤثر عندنَا إِلَّا الله تَعَالَى
قَالَ الْحُكَمَاء: إِن المبدأ الأول وَحده من غير انضمام شَرَائِط وآلات وأدوات وارتفاع مَانع إِلَيْهِ عِلّة تَامَّة بسيطة للمعلول الأول بِحَيْثُ لَا تعدد وَلَا تركيب فِيهِ بِوَجْه من الْوُجُوه لَا فِي الْخَارِج وَلَا فِي الذِّهْن انْتهى
لَا يلْزم من عرُوض الْوُجُود الْمُطلق للوجود الْخَاص الواجبي الَّذِي هُوَ عين المبدأ الأول أَن يكون لَهُ دخل فِي إِيجَاد الْمَعْلُول الأول حَتَّى لَا يكون المبدأ الأول وَحده عِلّة تَامَّة بسيطة للمعلول الأول، لِأَن الْوُجُود الْمُطلق ووجوده الْخَاص للمعلول الأول سيان فِي كَونهمَا متأخرين عَن الْوُجُود الْخَاص الواجبي بِالذَّاتِ، وَلَا يلْزم أَيْضا من كَون المبدأ الأول عِلّة للمعلول الأول وجوب كَونه مُتَقَدما عَلَيْهِ بالوجود وَالْوُجُوب حَتَّى يلْزم دخل للوجود الْمُطلق فِي الإيجاد الْمَذْكُور فِينَا فِي بساطة الأول، لِأَن وجوب تقدم الْعلَّة على الْمَعْلُول بالوجود الْمُطلق مَمْنُوع، إِذْ الشَّيْء إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الْخَارِج إِذا كَانَ لَهُ وجود خَاص خَارج الَّذِي يكون مصدرا للآثار وَالْأَحْكَام، فَعدم كَون الْوُجُود [الْمُطلق الْعَارِض لَهُ] مصدرا للآثار وَالْأَحْكَام مِمَّا ذهب إِلَيْهِ جُمْهُور الْعُقَلَاء، فالعلة وَاجِبَة كَانَت أَو مُمكنَة يجب تقدمها على معلولها بالوجود الْخَاص الْخَارِجِي الَّذِي يكون عينهَا فِي الْوَاجِبَة، وزائدا عَلَيْهَا فِي الممكنة، وَلَا دخل لعروض الْوُجُود الْمُطلق فِي الْعلية فِي كلتا الصُّورَتَيْنِ، فيفهم من هَذَا أَن تقدم الْعلَّة على معلولها لَا يقْدَح أَن يكون لَهَا وجود زَائِد عَلَيْهَا، بل من الْعِلَل مَا لَا يحْتَاج فِي إيجاده للمعلول الأول إِلَى اتصافه بالوجود الزَّائِد عَلَيْهِ، بل ذَاته كَافِيَة من غير احْتِيَاج إِلَى الاتصاف الْمَذْكُور
قَالَ بعض الْحُكَمَاء: لَا تدْرك الْحَقَائِق إِلَّا بِقطع العلائق، وَلَا تقطع العلائق إِلَّا بهجر الْخَلَائق، وَلَا تهجر الْخَلَائق إِلَّا بِالنّظرِ فِي الدقائق، وَلَا ينظر فِي الدقائق إِلَّا بِمَعْرِِفَة الْخَالِق، وَلَا يعرف الْخَالِق إِلَّا بِمَعْرِِفَة الْعلَّة
[وَاعْلَم أَن مَا يُعلل فَهُوَ كل حكم ثَبت بِالذَّاتِ عَن معنى قَائِم بهَا، وَسَوَاء كَانَ وَاجِبا غير مفارق لَهَا ككون الْبَارِي تَعَالَى عَالما وقادرا وَحيا، أَو جَائِزا غير وَاجِب للذات ككون الْوَاحِد منا عَالما وقادرا ومريدا إِلَى غير ذَلِك كَمَا هُوَ مَذْهَب أهل الْحق، وَأما مَا لَا يُعلل فالذات والمعلول وَمَا يشْتَرك بِهِ الْمَوْجُود والمعدوم، والمعلوم والمقدور، وَالْمرَاد وَالْمَذْكُور والمجهول وَوُقُوع الْفِعْل وصفات(1/623)
الْأَجْنَاس، وَكَون الْعلَّة عِلّة والتماثل وَالِاخْتِلَاف والتضاد وَالْبَاقِي، وَقبُول الْجَوْهَر للأعراض، وَالتَّفْصِيل فِي " أصُول التَّوْحِيد " للآمدي رَحمَه الله]
الْعرض، بِفتْحَتَيْنِ: عبارَة عَن معنى زَائِد على الذَّات، أَي ذَات الْجَوْهَر يجمع على أَعْرَاض
وَهَذَا الْأَمر عرض: [أَي: عَارض] أَي زائل يَزُول
وَعرض لفُلَان أَمر: أَي معنى لَا قَرَار لَهُ وَلَا دوَام، وَمِنْه الْعَارِضَة على الْأَجْسَام (لعدم بَقَائِهِ) وَلِهَذَا لَا يجْعَلُونَ الصِّفَات الْقَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى أعراضا وَعرض على النَّار: أحرق بهَا
وعرضوا الْأُسَارَى على السَّيْف: قتلوا بِهِ
وَعرضت الشَّيْء: أظهرته
وَأعْرض الشَّيْء: ظهر وَهَذَا على عكس الْقَاعِدَة المقررة فِي علم الْعَرَبيَّة وَهِي أَن الْهمزَة تجْعَل الْفِعْل اللَّازِم مُتَعَدِّيا ك (قَامَ زيد) و (أَقمت زيدا) وَكَذَا قَالُوا: فِي كتب وأكتب؟
قَالَ الزوزني: وَلَا ثَالِث لَهما
وَأعْرض: ذهب عرضا وطولا و [أعرض] عَنهُ: صد و [أعرض] الشَّيْء: جعله عريضا
وعريض الدُّعَاء: عبارَة عَن كثرته مجَازًا عَن عرض الْجِسْم فَإِنَّهُ إِذا طَال امتداده العرضي فالطولي أَكثر، إِذْ الطول أطول الامتدادين، وَإِذا كَانَ عرضه كَذَلِك فَمَا ظَنك بِطُولِهِ؟
وَعرض الشَّيْء (بِالضَّمِّ) : ناحيته وَمِنْه الْأَعْرَاض
و {عرض الْحَيَاة الدُّنْيَا} : حطامها
{وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} : مَانِعا مُعْتَرضًا بَيْنكُم وَبَين مَا يقربكم إِلَى الله تَعَالَى [مثل أَن تَقول: حَلَفت بِاللَّه أَلا أَفعلهُ فَتقبل يَمِينه فِي ترك الْبر]
والعرضة: الِاعْتِرَاض فِي الْخَيْر وَالشَّر
وعارضه: جَانِبه وَعدل عَنهُ
وعارضه فِي الْمسير: سَار حياله
وعارض فلَانا بِمثل صَنِيعه: أَي أَتَى إِلَيْهِ مثل مَا أَتَى وَمِنْه الْمُعَارضَة كَأَن عرض فعله كعرض فعله
وعارضت كتابي بكتابه: قابلته
وكل صنف من الْأَمْوَال غير النَّقْدَيْنِ فَهُوَ عرض بالإسكان يجمع على عرُوض: وَيُقَال أَيْضا لامتداد الْمَفْرُوض ثَانِيًا وَهُوَ ثَانِي الأبعاد الجسمية
وَيُقَال للسطح: وَهُوَ مَا لَهُ امتدادان: وللامتداد الأقصر
وللأخذ من يَمِين الْإِنْسَان أَو ذَوَات الْأَرْبَع إِلَى شِمَاله
وَهُوَ أخص من الطول إِذْ كل مَا لَهُ عرض فَلهُ طول وَلَا عكس
وَالْعرض فِي قَوْله تَعَالَى: {وجنة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قيل هُوَ الْعرض الَّذِي هُوَ خلاف الطول، وَيتَصَوَّر ذَلِك بِأَن يكون عرضهَا(1/624)
فِي النشأة الأخرة كعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي النشأة الأولى إِذْ لَا يمْتَنع ذَلِك لتبدلهما الْيَوْم
والعارض أَعم من الْعرض (محركة) إِذْ يُقَال للجوهر: عَارض كالصورة تعرض للهيولى وَلَا يُقَال: عرض
وَهُوَ أَيْضا اسْم لمجموع العذار وَمحله
[والسحاب عَارض أَيْضا]
فِي " الْقَامُوس " الْعرض بِالْكَسْرِ: الْجَسَد وَالنَّفس وجانب الرجل الَّذِي يصونه من نَفسه وحسبه أَن ينتقص، وَسَوَاء كَانَ فِي نَفسه أَو سلفه أَو من يلْزمه أمره، أَو مَوضِع الْمَدْح أَو الذَّم مِنْهُ، أَو مَا يفتخر بِهِ من حسب وَشرف
وَفِي الحَدِيث: " أهل الْجنَّة لَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يتبولون، وَإِنَّمَا هُوَ عرق يجْرِي من أعراضهم مثل الْمسك " يُرِيد من أبدانهم
(وَالْعرض، بِالْفَتْح: مَتَاع الدُّنْيَا قل أَو كثر)
وَالْعرب يذهبون بِالْعرضِ إِلَى أَسمَاء مِنْهَا أَن يضعوه مَوضِع مَا اعْترض لأَحَدهم من حَيْثُ لم يحتسبه
وَقد يضعونه مَوضِع مَا لَا يثبت وَلَا يَدُوم
وَقد يضعونه مَوضِع مَا يتَّصل بِغَيْرِهِ وَيقوم بِهِ
وَقد يضعونه مَكَان مَا يضعف ويقل فَكَأَن الْمُتَكَلِّمين استنبطوا الْعرض من أحد هَذِه الْمعَانِي فوضعوه لما قصدُوا لَهُ
وَكَذَا الْجَوْهَر فَإِن الْعَرَب إِنَّمَا يشيرون بِهِ إِلَى الشَّيْء النفيس الْجَلِيل، فَاسْتَعْملهُ المتكلمون فِيمَا خَالف الْأَعْرَاض لِأَنَّهُ أشرف مِنْهَا
فالعرض مَا لَا يقوم بِذَاتِهِ وَهُوَ الْحَال فِي الْمَوْضُوع فَيكون أخص من مُطلق الْحَال
وَالْعرض عندنَا مَوْجُود قَائِم بمتحيز
وَعند الْمُعْتَزلَة مَا لَو وجد لقام بالمتحيز
وَعند الْحُكَمَاء مَاهِيَّة إِذا وجدت فِي الْخَارِج كَانَت فِي مَوْضُوع أَي: مَحل مقوم لما حل فِيهِ
[وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: الْعرض، مَا كَانَ صفة لغيره وينتقص بِالصِّفَاتِ السلبية فَإِنَّهَا صفة لغَيْرهَا وَلَيْسَت جَوَاهِر وَلَا أعراضا، إِذْ الْأَعْرَاض والجواهر أُمُور مَوْجُودَة والسلوب غير مَوْجُودَة، وينتقص أَيْضا بِصِفَات الله إِذْ لَا انفكاك لذات الله تَعَالَى عَن صِفَاته وَلَا لصفاته عَن ذَاته فعلى هَذَا يلْزم أَن يكون الْجَوْهَر بِهَذَا الِاعْتِبَار غير مُغَاير لمتحيزه، وَلَا تحيزه مغايرا لَهُ ضَرُورَة عدم الانفكاك بَين الْجَوْهَر والتحيز على أصُول أَصْحَابنَا والمعتزلة وَيلْزم من ذَلِك أَن لَا يكون التحيز للجوهر عرضا لعدم تحقق الْعرض فِيهِ إِذْ لَيْسَ صفة لغيره وَمِنْهُم من قَالَ: الْعرض هُوَ الْقَائِم بِغَيْرِهِ فَإِن أَرَادَ أَنه صفة لغيره فَهُوَ الْحَد الْمُتَقَدّم، وَإِن أَرَادَ بِهِ وجوده فِي غَيره فَيرد عَلَيْهِ صِفَات الْبَارِي تَعَالَى كَمَا تقدم وَالْمُخْتَار أَن الْعرض هُوَ الْوُجُود الَّذِي لَا يتَصَوَّر بَقَاؤُهُ فِي زمانين وَفِيه احْتِرَاز عَن الأعدام، إِذْ هِيَ غير مَوْجُودَة، وَعَن الموجودات من الْجَوْهَر وَذَات الْبَارِي تَعَالَى وَصِفَاته لكَونهَا بَاقِيَة وَلَو قلت: الْعرض هُوَ الْوُجُود الْقَائِم بالجوهر فَهُوَ أَيْضا حسن لكَونه جَامعا لخُرُوج الأعدام مِنْهُ، وَخُرُوج الْجَوَاهِر إِذْ هِيَ قَائِمَة بالجواهر، وَخُرُوج ذَات الْبَارِي تَعَالَى وَصِفَاته فَإِنَّهَا لَيست مَوْجُودَة فِي الْجَوْهَر وَالْمرَاد(1/625)
من قَوْله: الْعرض مَا لَا قيام لَهُ بِذَاتِهِ مَا لَا وجود لَهُ بِذَاتِهِ لَا الْقيام الَّذِي هُوَ ضد الْقعُود، لِأَن ذَلِك وصف زَائِد على نفس الْمَاهِيّة وَالْعرض لَا يُوصف بذلك حذار قيام الصِّفَات بِالصّفةِ، بل يُوصف هُوَ بالأوصاف الذاتية فَيُقَال: الْعرض مُسْتَحِيل الْبَقَاء، الْعرض لَا يلقى زمانين، الْعرض هُوَ الَّذِي كَانَ وجوده بالجوهر]
ثمَّ إِن الْعرض الَّذِي هُوَ مَا لَا يقوم بِذَاتِهِ إِمَّا أَن تصدق عَلَيْهِ النِّسْبَة، أَو يقبل الْقِسْمَة، أَو لَا هَذَا وَلَا ذَاك فَالَّذِي تصدق عَلَيْهِ النِّسْبَة فَهُوَ سَبْعَة عَيْنِيَّة مَحْضَة: وَتسَمى بالأكوان كالحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والبعد والقرب وَنَحْو ذَلِك
وعينية فِيهَا إِضَافَة: كالفوقية والتحتية واليسارية واليمينية
وَمِنْه السرعة والبطء، والتقدم والتأخر
والسبق: إِذا تسابق الرّجلَانِ مثلا
والتأثير: كَالْأَكْلِ وَالضَّرْب وَالْقَتْل فَإِن مثل ذَلِك لَا وجود لَهُ بِدُونِ الْفَاعِل
والتأثير كالانفصال والانقطاع
وَالسَّادِس كَون الشَّيْء محاطا بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ ينْتَقل الْمُحِيط بانتقال المحاط كالتقمص بالقميص والتنعل بالنعل وَنَحْو ذَلِك
وَالسَّابِع الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للشَّيْء من نِسْبَة أَجزَاء إِلَى أَجْزَائِهِ مُجَردا، أَو مَعَ النِّسْبَة إِلَى الْخَارِج مِنْهُ مثل الْقيام وَالْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود، أَو مَعَ الْخَارِج مِنْهُ مثل الِاضْطِجَاع والاستناد
وَأما مَا يقبل الْقِسْمَة فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا: الكمية الْمُنْفَصِلَة وَهِي الْعدَد لِأَنَّك إِذا زِدْت على الْوَاحِد آخر صَارا اثْنَيْنِ وَبَطل الواحدية بِهِ فَهَلُمَّ جرا
وَالثَّانِي: الكمية الْمُتَّصِلَة، وَهِي الطول وَالْعرض، والعمق وَالسعَة، والضيق وَالْقصر، والرقة والثخانة وَنَحْو ذَلِك
وَأما مَا لَا نِسْبَة لَهُ وَلَا قسْمَة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مِمَّا يشْتَرط لوُجُوده حَيَاة أَو لَا فَالَّذِي يشْتَرط لَهُ الْحَيَاة فَلَا يَخْلُو أَيْضا إِمَّا أَن يكون إدراكات أَو لَا
فالإدراكات لَا تَخْلُو إِمَّا إِدْرَاك الجزئيات وَهِي الْحَواس الْخمس وَإِمَّا إِدْرَاك الكليات وَهِي صفة الْقلب كَمَا إِن الْحَواس صفة الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة فالإدراكات القلبية خَمْسَة أَنْوَاع وَهِي: التفكرات والعلوم والاعتقادات والظنون والجهالات وَلَا نعني بالإدراكات القلبية إِلَّا الحكم بِأَمْر على أَمر، خطأ كَانَ أَو صَوَابا، فالكفر من الإدراكات كالإيمان
وَأما غير الإدراكات فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون تحريكيا أَولا، فَغير التحريكي ثَلَاثَة أَنْوَاع: الْعَجز: وَيدخل فِيهِ النّوم وَالْمَوْت والكسل وَالثَّانِي: اللَّذَّة، وَيدخل فِيهِ الشِّبَع والري وَنَحْو ذَلِك
وَالثَّالِث: الْأَلَم، وَيدخل فِيهِ الْجُوع والعطش وَنَحْو ذَلِك
وَأما التحريكي فخمسة أَنْوَاع: الْقُدْرَة والإرادة والشهوة كل ذَلِك بأنواعها، وَيدخل فِيهَا الشجَاعَة؛ والنفرة بأنواعها، وَيدخل فِيهَا الْفَزع وَالْحيَاء والغيرة وَنَحْو ذَلِك؛ وَالْغَضَب بأنواعه(1/626)
وَأما الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ الْحَيَاة فخمسة أَنْوَاع أَيْضا: الألوان والأضواء: وَهِي مرتع الباصرة
والأصوات: وَهِي حَظّ السامعة
والطعوم: وَهِي حَظّ الذائقة
والروائح: وَهِي حَظّ الشامة
والحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة والخفة والثقل والصلابة واللينة: وَهِي حَظّ اللامسة
وَمِمَّا لَا يشْتَرط لَهُ الْحَيَاة أَيْضا: الْحَيَاة والبقاء والمتحيزات وَالزَّمَان فَهَذَا جملَة أَنْوَاع الْأَعْرَاض وَقد نظم بعض الْفُضَلَاء المقولات الْعشْر:
(زيد الطَّوِيل الْأَزْرَق ابْن مَالك ... فِي بَيته بالْأَمْس كَانَ متكي)
(بِيَدِهِ سيف لواه فالتوى ... فَهَذِهِ عشر مقولات سوا)
[وَهَذَا الانحصار هُوَ مَذْهَب أرسطو وَمن تَابعه، وَصرح الْبَعْض بِأَن ذَلِك لَيْسَ مَنْقُولًا عَن أرسطو، بل هُوَ مِمَّا أحدثه من بعده، وَمذهب طَائِفَة أُخْرَى أَن الْأَعْرَاض المتدرجة تَحت جنس ثَلَاثَة: الْكمّ والكيف وَالنِّسْبَة]
والمتكلمون أَنْكَرُوا وجود ثَمَان من هَذِه النّسَب التسع، واعترفوا بِوُجُود الأين وسموه الْكَوْن وأنواعه: الْحَرَكَة والسكون والاجتماع والافتراق، كَمَا نقل عَنْهُم فِي " الطوالع " و " المواقف "
والحكماء قَائِلُونَ بِوُجُود الْجَمِيع فِي الْخَارِج كالجوهر
وَالْعرض يقوم بِالْعرضِ عِنْد بعض الْمُتَكَلِّمين يعْنى بِهِ الاتصاف يُقَال: هَذِه رَائِحَة طيبَة، وَتلك مُنْتِنَة، وَهَذَا الْفِعْل حسن، وَذَاكَ قَبِيح [وَيمْتَنع عِنْد جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين]
وَالْعرض الْعَام هُوَ: إِمَّا لَازم كالتنفس والتحرك للْإنْسَان
أَو مفارق: وَهُوَ إِمَّا سريع الزَّوَال كحمرة الخجل وصفرة الوجل: أَو بطيء كالشيب والشباب
الْعلي: هُوَ العالي شَأْنه فِي نَفسه والأعلى عَمَّا عداهُ وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ فَالْأول بِالنّظرِ لذاته، وَالثَّانِي بِالنّظرِ لغيره
والعلي عِنْد الْكل من أَسمَاء الصِّفَات، إِلَّا أَنه عِنْد المشبهة يُفِيد الْحُصُول فِي الحيز
وَعند أهل التَّوْحِيد يُفِيد التَّنْزِيه عَن كل مَا لَا يَلِيق بالإلهية
فِي " الْقَامُوس " الْعلي: الشَّديد الْقوي وَبِه سمي
والعلو فِي الْمَكَان من (علا يَعْلُو) كدعا يَدْعُو وَفِي الرُّتْبَة من (عَليّ يعلى) كرضي يرضى
والعلو والسفل بالعلو والسفل جَمِيعًا وَقد نظمت فِيهِ:
(تفرد رُتْبَة ترضاك عَنْهَا ... علا يَعْلُو مَكَانا لَا كيعلى)
(علو مثل سفل بالعلو ... كَذَا بالسفل فَافْهَم أَنْت الاعلى)
والعلو والسفل إِنَّمَا يتضايقان إِذا أُرِيد بهما الْأَعْلَى والأسفل فَيكون كالأقل وَالْأَكْثَر لَا جِهَة الْعُلُوّ والسفل بِمَعْنى الْقرب من الْمُحِيط والبعد من المركز وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يُمكن كل تعقل مِنْهُمَا بِدُونِ(1/627)
الآخر
وَعلا عَلَيْهِ: غلب، وَعنهُ: ارْتَفع
والعلى: جمع العلياء تَأْنِيث الْأَعْلَى، من علا يَعْلُو علوا فِي الْمَكَان
والعلياء، بِالْفَتْح وَالْمدّ: كل مَكَان مشرف، لَا مؤنث الْأَعْلَى لمجيئه مُنْكرا ثمَّ اسْتعْمل فِي الرُّتْبَة الشَّرِيفَة كالسيادة
والعلى: وَهُوَ الرّفْعَة والشأن والشرف، وَالْجمع (معالي) فَإِذا فتحت الْعين مددت وَقلت الْعَلَاء
وَإِذا ضممت قلت العلى بِالْقصرِ
والعلية، بِالْكَسْرِ: الغرفة وَالْجمع علالي
وعليون جمع عَليّ: وَهُوَ علم لديوان الْخَيْر الَّذِي دون فِيهِ كل مَا عملته الْمَلَائِكَة وصلحاء الثقلَيْن تصعد إِلَيْهِ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ وَهُوَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة
وَقَالَ الْفراء: هُوَ اسْم مَوْضُوع على صِيغَة الْجمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه مثل: عشْرين وَثَلَاثِينَ
[وَكلمَة (على) فِي اللُّغَة لعلو الشَّأْن وارتفاعه
وَفِي الشَّرِيعَة: عبارَة عَن اللُّزُوم وَالْوُجُوب، وتستعار فِي الْمُعَاوَضَات كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح بِمَعْنى الْبَاء، لِأَن اللُّزُوم فِي اللُّغَة اللصوق فَكَأَن بَينهمَا مُنَاسبَة]
و (على) للاستعلائية الْحَقِيقِيَّة نَحْو: {على الْفلك تحملون}
والمجازية نَحْو: (عَلَيْهِ دين)
وَقد تسْتَعْمل لغير الاستعلاء يُقَال: (خربَتْ على فلَان الضَّيْعَة) إِذا خربَتْ وَهِي فِي ملكه، وَلما كَانَت تفِيد الْملك جِيءَ بقوله: {من فَوْقهم} بعد {فَخر عَلَيْهِم السّقف} إمحاضا للاستعلاء
وَقد تسْتَعْمل مجَازًا فِيمَا غلب على الْإِنْسَان فَدخل تَحت حكمه كَقَوْلِك: (صَعب عَليّ الْأَمر) وَمن ذَلِك (عَلَيْهِ دين)
وَأما سَلام عيلكم: فَهُوَ دُعَاء، وغرض الدَّاعِي أَن تشملهم السَّلامَة وتحيط بهم من جَمِيع جوانبهم
وَقَوْلهمْ: مَرَرْت عَلَيْهِ، اتساع وَلَيْسَ فِيهِ استعلاء
حَقِيقَة وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ مَرَرْت على مَكَانَهُ، كَمَا يُقَال (أمررت يَدي عَلَيْهِ) إِذْ المُرَاد فَوْقه
[ {وَأُولَئِكَ على هدى من رَبهم} : تَمْثِيل تمكنهم من الْهدى واستقرارهم عَلَيْهِ لحَال من اعتلى الشَّيْء وَركبهُ، وتشبيه الْهدى بالمركوب غير مَقْصُود من الْكَلَام بل هُوَ أَمر يتبع تَشْبِيه التَّمَسُّك بِالْهدى بالاستعلاء وَقَالَ السَّيِّد الشريف عَلَيْهِ الرَّحْمَة: كلمة (على) هَذِه اسْتِعَارَة تَبَعِيَّة، شبه تمسك الْمُتَّقِينَ بِالْهدى باستعلاء الرَّاكِب على مر كوبه فِي التَّمَكُّن والاستقرار فاستعير لَهُ الْحَرْف الْمَوْضُوع للاستعلاء، كَمَا شبه استعلاء المصلوب على الْجذع باستقرار المظروف فِي الظّرْف بِجَامِع الثَّبَات فاستعير لَهُ الْحَرْف الْمَوْضُوع للظرفية]
وتستعمل للْوُجُوب بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيّ نَحْو: (عَليّ ألف دين)
وَقد تكون للاستحباب كَمَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَامي " الْهِدَايَة " و " الْكَافِي " فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء
وتستعمل فِي معنى يفهم مِنْهُ كَون مَا بعْدهَا شرطا(1/628)
لما قبلهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى: {على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} ، وَقَوله: {يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا}
وَقد استعملها الْفُقَهَاء شرطا فِي نِكَاح الشّغَار وَهُوَ: (زَوجتك بِنْتي على أَن تزَوجنِي بنتك) على أَن تكون كل وَاحِدَة مِنْهُمَا صَدَاقا لِلْأُخْرَى
قَالَ الْقفال: يبطل الشَّرْط للتعليق، وَلَو أَن امْرَأَة طلبت طلقات ثَلَاثًا على ألف فَطلقهَا وَاحِدَة وَقعت رَجْعِيَّة مجَّانا عِنْد أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ جعل كلمة (على) للشّرط وَإِن طلبت ثَلَاثًا بِأَلف فَطلقهَا وَاحِدَة يجب ثلث الْألف لِأَن أَجزَاء الْعِوَض تَنْقَسِم على أَجزَاء المعوض عَنهُ، بِخِلَاف أَجزَاء الشَّرْط (فَإِنَّهَا تَنْقَسِم على أَجزَاء الْمَشْرُوط) فَإِن الشَّرْط يُقَابل الْمَشْرُوط جملَة وَلَا يُقَابله أَجزَاء حَتَّى لَو علق الثَّلَاث بشيئين مثل أَن يَقُول: (إِن كلمت زيدا وعمرا فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا) لَا يَقع بالمتكلم مَعَ زيد مَا لم تكلم عمرا وَلَو قسمت أَجزَاء الشَّرْط على أَجزَاء الْمَشْرُوط لوقعت طَلْقَتَانِ على طَرِيق الانقسام بِاعْتِبَار النّصْف كَامِلا فِيمَا لَا يقبل التَّقْسِيم
وتجيء للمصاحبة نَحْو: {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} وَلها مزية على (مَعَ) لإفادتها التَّمَكُّن دون (مَعَ) وتجيء للمجاوزة كعن نَحْو: إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر
وللتعليل نَحْو: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ}
وللظرفية نَحْو: {وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة}
وَبِمَعْنى من نَحْو: {إِذا اكتالوا على النَّاس}
وَالْبَاء: {على أَن لَا أَقُول}
وللاستدراك نَحْو: {فلَان جهنمي على أَنه لَا ييأس من رَحْمَة الله}
وزائدة للتعويض كَقَوْلِه:
(إِن الْكَرِيم وَأَبِيك يعتمل ... إِن لم يجد يَوْمًا على من يتكل)
أَي: من يتكل عَلَيْهِ
[وَتَكون اسْما إِذا كَانَ مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى وَاحِد نَحْو: {أمسك عَلَيْك وزوجك}
وفعلا نَحْو: {إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض} ]
(وَتَكون اسْما بِمَعْنى (فَوق) كَقَوْلِه: غَدَتْ من عَلَيْهِ بعد مَا تمّ ظمؤها)
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُنَبه عَلَيْهِ هُوَ أَن كلمة (عَلَيْهِ) ،(1/629)
و (عَلَيْك) وأخواتهما الَّتِي هِيَ من أَسمَاء الْأَفْعَال إِذا اسْتعْملت متعدية بِنَفسِهَا نَحْو: (عَلَيْهِ زيدا) ، و (عَلَيْك بكرا) يكون بِمَعْنى الْأَمر من اللُّزُوم
فَمَعْنَى الأول: ليلزم زيدا وَلَا يُفَارِقهُ
وَمعنى الثَّانِي: الزم بكرا وَلَا تُفَارِقهُ
وَإِذا اسْتعْملت متعدية بِالْبَاء كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ) وَقَوْلنَا: (عَلَيْك بالعروة الوثقى) يكون الْمَعْنى الاستمساك
{وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ} : أَمر باستحداث التَّوَكُّل
{وعَلى الله فَليَتَوَكَّل المتوكلون} : أَمر بتثبيت المتوكلين على مَا أحدثوه من توكلهم
و {على الله توكلنا} : أَي لزمنا تَفْوِيض أمرنَا إِلَيْهِ وَكَذَا: (توكلت على الله)
وَاللَّفْظ قد يخرج بشهرته فِي الِاسْتِعْمَال فِي شَيْء عَن مُرَاعَاة أصل الْمَعْنى، فقد خرج لَفْظَة (على) فيهمَا عَن معنى الاستعلاء لاشتهار اسْتِعْمَاله بِمَعْنى لُزُوم التَّفْوِيض إِلَى الله تَعَالَى وعَلى هَذَا المنوال قَوْله: {كَانَ على رَبك حتما مقضيا} أَي كَانَ وَاجِب الْوُقُوع بِمُقْتَضى وعده الصَّادِق تَعَالَى عَن استعلاء شَيْء عَلَيْهِ، وَلَا يلْزم مِنْهُ الإلجاء إِلَى الإنجاز، فَإِن تعلق الْإِرَادَة بالموعود مقدم على الْوَعْد الْمُوجب للإنجاز
[وَفِي " شرح الْمُغنِي " قَوْله: {حقيق على أَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق} أَي: إِنِّي جدير بِأَمْر الرسَالَة أَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق هَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي كتب الْفِقْه، وَأما أَئِمَّة التَّفْسِير فَلم يذكرُوا معنى الشَّرْط فِيهِ فَقَالُوا: جدير بِأَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق، أَو ضمن (حقيق) معنى (حَرِيص) فاستقام على صلَة لَهُ، إِذْ هُوَ مُبَالغَة من سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي وصف نَفسه بِالصّدقِ التَّام، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَن سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما قَالَ: {إِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين} قَالَ فِرْعَوْن: كذبت فَقَالَ سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: أَنا حقيق على قَول الْحق، أَي: وَاجِب على قَول الْحق أَن أكون قَائِله]
وَورد فِي بعض الْأَحَادِيث: " حق على الله تَعَالَى أَن يدْخل الْجنَّة " قيل: الْحق فِيهِ بِمَعْنى اللَّائِق، ورد بِأَنَّهُ يتَعَدَّى بِالْبَاء لَا بعلى
وَالْحق أَنه مجَاز إشعارا بِأَنَّهُ كالواجب عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} أَي: كالواجب عَلَيْهِ رزقها لَا حَقِيقَة حَتَّى لَو مَاتَت جوعا لَا يلْزمه اسْتِحْقَاق الذَّم
قَالَ صَاحب " الْمَقَاصِد ": " وَالْعجب أَنهم - يَعْنِي الْمُعْتَزلَة - يسمون كل مَا أخبر بِهِ الشَّارِع من أَفعاله وَاجِبا عَلَيْهِ مَعَ قيام الدَّلِيل على أَنه يَفْعَله الْبَتَّةَ " انْتهى فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن معنى الْوُجُوب هُوَ أَنه شَيْء أخبر بِهِ الشَّارِع فَلَا بُد أَن يَقع وَإِلَّا لزم(1/630)
الْكَذِب على الله (تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
وَفِي " الْكَشَّاف " كَيفَ {على الله رزقها} وَإِنَّمَا هُوَ متفضل قلت: هُوَ تفضل إِلَّا أَنه لما ضمن أَنه يتفضل بِهِ عَلَيْهِم رَجَعَ التفضل وَاجِبا كنذور الْعباد
فِي " الإتقان " (على) فِي نَحْو: {وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت} بِمَعْنى الِاسْتِعَارَة وَفِي نَحْو: {كتب على نَفسه الرَّحْمَة} لتأكيد التفضل لَا الْإِيجَاب والاستحقاق
وَكَذَا فِي نَحْو: {إِن علينا حسابهم} لتأكيد المجازاة
و (على) فِي قَوْله تَعَالَى {أَيهمْ أَشد على الرَّحْمَن} للْبَيَان
وتفيد الْحَال يُقَال: (رَأَيْت الْأَمِير على أكله) أَي على صفة اشْتِغَاله بِالْأَكْلِ و (على) إِذا دخلت على مظهر أقرَّت ألفها تَقول: (على زيد ثوب)
وَإِذا دخلت على مُضْمر فَأَقل اللغتين إِقْرَار ألفها أَيْضا تَقول: (علاهُ ثوب) ، وَالْأَكْثَر أَن تقلب ألفها يَاء فَتَقول: (عَلَيْك) . وَقَوله تَعَالَى: {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله} بِضَم الْهَاء، إِذْ أَصله (عليهو الله) أُبْقِي الضَّم بعد حذف الْوَاو ليدل عَلَيْهَا
الْعَظِيم: هُوَ عِنْد المشبهة من أَسمَاء الذَّات
وَعند أهل التَّوْحِيد من أَسمَاء الصِّفَات
والعظيم: نقيض الحقير كَمَا أَن الْكَبِير نقيض الصَّغِير
والعظيم فَوق الْكَبِير لِأَن الْعَظِيم لَا يكون حَقِيرًا لِكَوْنِهِمَا ضدان وَالْكَبِير قد يكون حَقِيرًا كَمَا أَن الصَّغِير قد يكون عَظِيما، اذ لَيْسَ كل مِنْهُمَا ضد الآخر
والعظيم يدل على الْقرب، والعلي يدل على الْبعد
وَإِذا اسْتعْمل الْعَظِيم فِي الْأَعْيَان فأصله أَن يُقَال فِي الْأَجْزَاء الْمُتَّصِلَة، كَمَا أَن الْكثير فِي الْأَجْزَاء الْمُنْفَصِلَة، ثمَّ يُقَال فِي الْمُنْفَصِلَة أَيْضا عَظِيم نَحْو: (جَيش عَظِيم) و (مَال عَظِيم) وَذَلِكَ فِي معنى (كثير)
وَقد يُطلق الْعَظِيم على المستعظم عقلا فِي الْخَيْر وَالشَّر مثل: {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ، {وَالله ذُو فضل عَظِيم}
وَفرق أَبُو حنيفَة بَين الْعَظِيم وَالْكثير بِأَن الْعظم فِي الذَّات وَالْكَثْرَة تنبئ عَن معنى الْعدَد فَفِي قَوْله: (لَهُ عَليّ مَال عَظِيم) فِي الدَّرَاهِم لَا يصدق فِي أقل من مِائَتي دِرْهَم، وَفِي الدَّنَانِير فِي أقل من عشْرين دِينَارا، وَفِي الْإِبِل فِي أقل من خمس وَعشْرين، وَفِي الكرباس لَا يصدق إِلَّا فِيمَا يبلغ قِيمَته نِصَابا، وَفِي دَرَاهِم كَثِيرَة لَا يصدق فِي أقل من عشرَة، لِأَن الْعشْرَة كثير من حَيْثُ الْعدَد، وَعِنْدَهُمَا لَا يصدق كَمَا فِي (مَال عَظِيم) وَفِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة فِي (مَال عَظِيم) من الدَّرَاهِم يجب عشرَة دَرَاهِم(1/631)
وَالْعَظَمَة تسْتَعْمل فِي الْأَجْسَام وَغَيرهَا، والجلال لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي غير الْأَجْسَام
وَالْعَظَمَة كالغلبة والجبروت: الْكبر والنخوة والزهو
وعظمة الله (لَا تُوصَف بِهَذَا بل هُوَ) وُجُوبه الذاتي الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الِاسْتِقْلَال والاستغناء عَن الْغَيْر، وَأما كبرياؤه فَهُوَ ألوهيته الَّتِي هِيَ عبارَة عَن استغنائه عَمَّا سواهُ واحتياج مَا سواهُ إِلَيْهِ
وَمَتى وصف عبد بالعظمة فَهُوَ ذمّ لَهُ
الْعَفو: عَفا: لَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ إِلَى الْمَفْعُول بِهِ وَإِنَّمَا يتَعَدَّى بعن إِلَى الْجَانِي وَإِلَى الذَّنب أَيْضا فَعِنْدَ تعديته إِلَى الْجِنَايَة إِذا أُرِيد ذكر الْجَانِي ذكر بِاللَّامِ مثل: (عَفا الله لزيد عَن ذَنبه) وَحَيْثُ ذكر بعن علم أَنه لم يقْصد التَّعْدِيَة إِلَى الْجِنَايَة، وَحَيْثُ ذكرا جَمِيعًا مثل: (عَفَوْت لَهُ عَن ذَنبه) علم أَنه لم يلْتَفت إِلَى الِاسْتِغْنَاء وَدلَالَة الْكَلَام بل قصد التَّصْرِيح لغَرَض تعلق بذلك:
وَعَفا الشَّيْء: درس وَذهب وَزَاد وَكثر
وَمِنْه " وَاعْفُوا اللحى " يجوز اسْتِعْمَاله ثلاثيا ورباعيا
وَفِي " الْقَامُوس " أعفى اللِّحْيَة: وفرها
و [عَفا] عَن الشَّيْء: أمسك عَنهُ وتنزه عَن طلبه
وَعَفا عَلَيْهِم الخيال: مَاتُوا
وَيُقَال: عَفا الله عَن العَبْد عفوا
وعفت الرِّيَاح الْأَثر عفاء
وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي أَن الْعَفو يَجِيء بِمَعْنى السهولة
وعفوت عَن الْحق: أسقطته
وعفوت الرجل: سَأَلته
وَعَفا: بِمَعْنى ترك الْمُتَعَدِّي بِنَفسِهِ إِلَى الْمَفْعُول بِهِ لم يثبت وَإِنَّمَا ثَبت (أعفى) فالعفو عَن الذَّنب يَصح رُجُوعه إِلَى ترك مَا يسْتَحق المذنب من الْعقُوبَة، وَإِلَى محو الذَّنب، وَإِلَى الْإِعْرَاض عَن الْمُؤَاخَذَة كَمَا يعرض عَمَّا يسهل على النَّفس بذله
وَالْعَفو: إِسْقَاط الْعقَاب
وَالْمَغْفِرَة: ستر الجرم صونا عَن عَذَاب التخجيل والفضيحة
وَالْعَفو قد يكون قبل الْعقُوبَة، وَقد يكون بعْدهَا، بِخِلَاف الغفران فَإِنَّهُ لَا يكون مَعَه عُقُوبَة الْبَتَّةَ، وَلَا يُوصف بِالْعَفو إِلَّا الْقَادِر على ضِدّه
وَالْعَفو: الْفضل: {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} أَي الْفضل، وَهُوَ أَن ينْفق مَا تيَسّر لَهُ بذله وَلَا يبلغ مِنْهُ الْجهد
وَالْعَفو: الْإِسْقَاط نَحْو: {فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم} أَي: أسقط كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " عَفَوْت لكم عَن صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق "
وَرُبمَا يسْتَعْمل (عَفا الله عَنْكُم) فِيمَا لم يسْبق بِهِ ذَنْب وَلَا يتَصَوَّر كَمَا تَقول لمن تعظمه: (عَفا الله عَنْك مَا صنعت فِي أَمْرِي) أَي: أصلحك الله وأعزك وَعَلِيهِ: {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت}
وَدَلِيل جَوَاز الْعَفو قبل التَّوْبَة قَوْله تَعَالَى: {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} فَإِن(1/632)
التائب لَيْسَ على ظلمه
[ {وَالْعَافِينَ} : التاركين عُقُوبَة من اسْتحق مؤاخذته
والعافون: طالبوا الْمَعْرُوف]
الْعَكْس: هُوَ فِي اللُّغَة رد آخر الشَّيْء إِلَى أَوله وَمِنْه اصْطِلَاح أهل الْمِيزَان
وَفِي اصْطِلَاح أهل البديع: تَقْدِيم جُزْء من الْكَلَام على جُزْء آخر ثمَّ عَكسه نَحْو قَوْلهم: (عادات السادات سَادَات الْعَادَات) ، (كَلَام الْمُلُوك مُلُوك الْكَلَام) ، (لَا خير فِي السَّرف وَلَا سرف فِي الْخَيْر) وَفِي التَّنْزِيل: {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ}
وَالْعَكْس المستوي: هُوَ تَبْدِيل طرفِي الْقَضِيَّة مَعَ بَقَاء الصدْق والكيف والكم
وَعكس النقيض الْمُوَافق: هُوَ تَبْدِيل الطّرف الأول من الْقَضِيَّة بنقيض الثَّانِي مِنْهَا وَعَكسه مَعَ بَقَاء الصدْق والكيف أَي: السَّلب والإيجاب
وَعكس النقيض الْمُخَالف: هُوَ تَبْدِيل الطّرف الأول بنقيض الثَّانِي وَالثَّانِي بِعَين الأول مَعَ بَقَاء الصدْق دون الكيف
مِثَال الأول نَحْو: (كل إِنْسَان حَيَوَان) ، (كل مَا لَيْسَ بحيوان لَيْسَ بِإِنْسَان)
وَمِثَال الثَّانِي نَحْو: (كل إِنْسَان حَيَوَان) ، (لَا شي مِمَّا لَيْسَ بحيوان إِنْسَان)
والمستعمل فِي الْعُلُوم عكس النقيض الْمُوَافق لَا الْمُخَالف، وَالْعَكْس المستوي كعكس [قضيتين] نقيض إِحْدَاهمَا يُنَافِي الْأُخْرَى، فَإِن عكس نقيض كل مَعْلُوم يمْتَنع طلبه كل مَا يمْتَنع طلبه فَهُوَ لَيْسَ بِمَعْلُوم فينعكس إِلَى قَوْلنَا: بعض مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم لَا يمْتَنع طلبه وَهُوَ تنَافِي الْأُخْرَى، أَي كل مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم يمْتَنع طلبه
وَهَذَا جَوَاب عَن القَوْل بِأَن كل مَعْلُوم يمْتَنع طلبه لما فِيهِ من تَحْصِيل الْحَاصِل وكل مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم يمْتَنع طلبه أَيْضا (لِأَن الذِّهْن لَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ) ، وَالْجَوَاب الصَّحِيح هُوَ أَنه قد يطْلب مَاهِيَّة شَيْء تصور بِوَجْه مَا كَمَا طلب مَاهِيَّة ملك إِذا تصور بِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الله وَبَين النَّاس [كَمَا فِي " التَّعْدِيل "]
وكل قَضِيَّة يلْزمهَا الْعَكْس فعكسها تَحْويل طرفيها خَاصَّة من غير تَغْيِير كَيفَ وَكم إِلَّا الْمُوجبَة الْكُلية فَإِنَّهَا تنعكس مُوجبَة جزئية لأَنا لَو عكسناها مثل نَفسهَا لم تصدق فَتَقول فِي عكس: (كل إِنْسَان حَيَوَان) ، (بعض الْحَيَوَان إِنْسَان) فَلَو قلت: (كل حَيَوَان إِنْسَان) لم تصدق
والسالبة الْكُلية تنعكس صَادِقَة مثل نَفسهَا ك (لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر) ، و (لَا شَيْء من الْحجر بِإِنْسَان)
والموجبة الْجُزْئِيَّة تنعكس صَادِقَة مثل نَفسهَا أَيْضا ك (بعض الْحَيَوَان إِنْسَان) ، و (بعض الْإِنْسَان حَيَوَان)
والموجبة الْمُهْملَة كالجزئية الْمُوجبَة تنعكس مثل نَفسهَا ك (الْإِنْسَان كَاتب، وَالْكَاتِب إِنْسَان)
عِنْد: هُوَ لفظ مَوْضُوع للقرب. تَارَة يسْتَعْمل فِي الْمَكَان، وَتارَة فِي الِاعْتِقَاد تَقول: (عِنْدِي(1/633)
كَذَا) أَي اعتقادى كَذَا
وَتارَة فِي الزلفى والمنزلة كَقَوْلِه تَعَالَى: {بل أَحيَاء عِنْد رَبهم} وعَلى هَذَا قيل: الْمَلَائِكَة المقربون
و (عِنْد) بِمَعْنى الحضرة نَحْو: عِنْدِي زيد
الْملك نَحْو: عِنْدِي مَال
وَالْحكم نَحْو: زيد عِنْدِي أفضل من عَمْرو، أَي فِي حكمي
وَالْفضل وَالْإِحْسَان نَحْو: {فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك} وَقد يغرى بهَا نَحْو: (عنْدك زيدا) أَي خُذْهُ
و (عِنْد) للحاضر وَالْغَائِب و (لَدَى) لَا يكون إِلَّا للحاضر تَقول: عِنْدِي مَال وَإِن كَانَ غَائِبا، وَلَا تَقول: لدي مَال، وَالْمَال غَائِب وَتقول: هَذَا القَوْل عِنْدِي صَوَاب، وَلَا تَقول: لدي صَوَاب
وتشاركا فِي كَونهمَا ظرف مَكَان واستعمالهما فِي الْحُضُور والقرب الحسيين والمعنويين نَحْو: {عنْدك مليك مقتدر} ، {عِنْد رَبهم} ، " إِن الله كتب كتابا فَهُوَ عِنْده فَوق عَرْشه: إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي "
وتفارقا فِي كَثْرَة جر (عِنْد) بِمن خَاصَّة وَامْتِنَاع جر (لَدَى) مُطلقًا، وَفِي أَن (عِنْد) يكون ظرفا للأعيان والمعاني، يسْتَعْمل فِي الْحَاضِر وَالْغَائِب كَمَا مر آنِفا
وهما يصلحان فِي ابْتِدَاء غَايَة وَغَيرهَا، ويكونان فضلَة نَحْو: (عِنْدِي كتاب حفيظ) وتعربان بِخِلَاف (لدن) فِي ذَلِك فِي لُغَة الْأَكْثَرين، وجر (لدن) بِمن أَكثر من نصبها، وَقد لَا تُضَاف، وَقد تُضَاف إِلَى الْجُمْلَة بِخِلَاف (عِنْد) و (لَدَى)
قَالَ الرَّاغِب: (من لَدَى) أخص (من عِنْد) وأبلغ لِأَنَّهَا تدل على ابْتِدَاء نِهَايَة الْفِعْل، وَلَا يدْخل على (عِنْد) من أدوات الْجَرّ إِلَّا (من) لِأَنَّهَا أم حُرُوف الْجَرّ ولأم كل بَاب اخْتِصَاص تمتاز بِهِ وتنفرد بمزية، كَمَا خصت (إِن) الْمَكْسُورَة بِدُخُول اللَّام فِي خَبَرهَا، و (كَانَ) بِجَوَاز إِيقَاع الْفِعْل الْمَاضِي خَبرا عَنْهَا، وباء الْقسم بِأَن تسْتَعْمل مَعَ ظُهُور فعل الْقسم، وبدخولها على الِاسْم الْمُضمر
عَن: تَقْتَضِي مُجَاوزَة من أضيف إِلَيْهِ نَحْو غَيره، وتستعمل أَعم من (على) لِأَنَّهَا تسْتَعْمل فِي الْجِهَات السِّت
و (عَن) الَّتِي للمجاوزة نَحْو: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره}
وَالْبدل نَحْو: {لَا تجزي نفس عَن نفس إِلَّا عَن موعدة}
وَبِمَعْنى (على) نَحْو: {فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه}
وَبِمَعْنى (من) نَحْو: (وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة(1/634)
عَن عباده}
وَبِمَعْنى (بعد) نَحْو: {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين}
وَعَن قريب تعرفه: أَي بعد قريب وَيفهم مِنْهُ عرفا اتِّصَال الْمَوْعُود بالقريب: وَبِمَعْنى الْبَاء نَحْو: {وَمَا ينْطق عَن الْهوى}
وللاستعانة نَحْو: رميت عَن الْقوس: أَي بِهِ وَبِمَعْنى الْجَانِب كَقَوْلِه:
من عَن يَمِيني مرّة وأمامي وَتَكون مَصْدَرِيَّة وَذَلِكَ فِي عنعنة تَمِيم نَحْو: (أعجبني عَن تفعل الْخَيْر)
وَبِمَعْنى (فِي) كَقَوْلِه: وَلَا تَكُ عَن حمل الرباعة دانيا
عَسى: هِيَ لمقاربة الْأَمر على سَبِيل الرَّجَاء والطمع، أَي لتوقع حُصُول مَا لم يحصل، سَوَاء يُرْجَى حُصُوله عَن قريب أَو بعيد مُدَّة مديدة
تَقول: (عَسى الله أَن يدخلني الْجنَّة) و (عَسى النَّبِي أَن يشفع لي) وَأما (عَسى زيد أَن يخرج) فَهُوَ بِمَعْنى لَعَلَّه يخرج، وَلَا دنو فِي (لَعَلَّ) اتِّفَاقًا
وَكَاد: لمقاربة الْأَمر على سَبِيل الْوُجُود والحصول
وأوشك: تسْتَعْمل اسْتِعْمَال (عَسى) مرّة و (كَاد) أُخْرَى
والجيد فِي (كرب) اسْتِعْمَال (كَاد)
وتضاهي لَفْظَة (أوشك) لَفْظَة (عَسى) و (كَاد) فِي جَوَاز (أَن) بعدهمَا وإلغائها مَعَهُمَا، إِلَّا الْمَنْطُوق بِهِ فِي الْقُرْآن: وَالْمَنْقُول عَن فصحاء أولي الْبَيَان إِيقَاع (أَن) بعد (عَسى) وإلغاؤها بعد (كَاد) و (عَسى) و (لَعَلَّ) من الله واجبتان وَإِن كَانَتَا رَجَاء وَطَمَعًا فِي كَلَام المخلوقين لِأَن الْخلق هم الَّذين تعرض لَهُم الشكوك والظنون فِي الْأُمُور الممكنة وَلَا يقطعون على الْكَائِن مِنْهَا، وَالله تَعَالَى منزه عَن ذَلِك فورود هَذِه الْأَلْفَاظ تَارَة بِلَفْظ الْقطع بِحَسب مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْد الله نَحْو: {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَتارَة بِلَفْظ الشَّك بِحَسب مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْد الْخلق نَحْو: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} و {لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} وَلما نزل الْقُرْآن بلغَة الْعَرَب جَاءَ على مذاهبهم فِي ذَلِك، وَالْعرب قد تخرج الْكَلَام الْمُتَيَقن فِي صُورَة الْمَشْكُوك لأغراض
وَعَسَى: طمع، وقارب: إِخْبَار جازم
وقارب: فعل مُتَعَدٍّ، و (عَسى) لَيْسَ بمتعد لِأَنَّهُ لَا مصدر لَهُ وَإِنَّمَا تأولوا (عَسى) ب (قَارب) على جِهَة الْمَعْنى لَا على تَقْدِير الْإِعْرَاب
و (عَسى) كلمة تجْرِي مجْرى (لَعَلَّ) ، وَهِي من(1/635)
الْعباد للترجي، وَمن الله للترجية. قيل: جَمِيع مَا كلفوا بِهِ من قبيل الأول، وَجَمِيع مَا نهوا عَنهُ من قبيل الثَّانِي
وَيُقَال: عَسَيْت أَن أفعل كَذَا [وَلَا يُقَال: (يعسو) وَلَا (عاس) لتَضَمّنه معنى الْحَرْف، أَعنِي (لَعَلَّ) وَهُوَ إنْشَاء الطمع والرجاء، والإنشاءات فِي الْأَغْلَب من مَعَاني الْحُرُوف، والحروف لَا يتَصَرَّف فِيهَا، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهَا، بِخِلَاف (كَاد) لِأَنَّهَا وضعت لمقاربة الْخَبَر، وَلذَلِك جَاءَت متصرفة كَسَائِر الْأَفْعَال الْمَوْضُوعَة للإخبار] (وَلَا يُقَال مِنْهُ يفعل وَلَا فَاعل) العمق: هُوَ ثَالِث الأبعاد الجسمية وَيُقَال للثخن: وَهُوَ حَشْو مَا بَين السطوح أَعنِي الْجِسْم التعليمي الَّذِي يحصره سطح وَاحِد، أَو سطحان، أَو سطوح بِلَا قيد زَائِد وَيُقَال للثخن أَيْضا بِاعْتِبَار نُزُوله
وَيُقَال للامتداد الْآخِذ من صدر الْإِنْسَان إِلَى ظَهره وَمن ظهر ذَوَات الْأَرْبَع إِلَى الأَرْض
(وَقد عرفت الطول وَالْعرض فِيمَا تقدم)
الْعِزّ: عز اللَّحْم بعز (بِالْكَسْرِ) : قل، اعْتِبَارا بِمَا قيل: كل مَوْجُود مَمْلُوك، وكل مَفْقُود مَطْلُوب
وَعز فلَان يعز (بِالْكَسْرِ) : قوي بعد ذله
وَعز علينا الْحَال وَنَحْوه يعز (بِالْفَتْح) : اشْتَدَّ وصعب
وَعز فلَان فلَانا يعز (بِالضَّمِّ) : غَلبه وَمِنْه
{وعزني فِي الْخطاب} وعزه الله تَعَالَى: غلبته من حد (نصر) ، وَعدم النظير لَهُ من حد (ضرب) وَعدم الْحَط عَن مَنْزِلَته من حد (علم) وَأما جَلَاله تَعَالَى فكونه كَامِل الصِّفَات وكبرياؤه كَونه كَامِل الذَّات وعظمته كَونه كَامِل الذَّات أَصَالَة، وكامل الصِّفَات تبعا
فِي " الْمُفْردَات ": وَالْجَلالَة عظم الْقدر، وبغيرها: التناهي فِي ذَلِك، فَالله تَعَالَى عز وَغلب وقهر المتكبرين أَو عظم عَظمَة رفْعَة ومكانة
وَجل: أَي اتّصف بِصِفَات الْجلَال الَّتِي هِيَ صِفَات التَّنْزِيه، أَو خلق الْأَشْيَاء الْعَظِيمَة الْمُسْتَدلّ بهَا عَلَيْهِ، أَو تناهى فِي الْجَلالَة وَعظم الْقدر
والجملتان حاليتان، وتعكيس التَّرْتِيب اصْطِلَاح المغاربة، وَلَا مَحل ل (عز سُلْطَانه) من الْإِعْرَاب كَمَا لَا مَحل ل (صلى الله عَلَيْهِ) بعد ذكر النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، و (تَعَالَى) بعد ذكر الله، لِأَنَّك إِذا ذكرت اسْم ذَات مُعظم استأنفت كلَاما يدل على تَعْظِيمه
وَإِذا عز أَخُوك فهن: أَي إِذا غلبك وَلم تقاومه فَلَنْ لَهُ
وَمن عز بز: أَي من غلب سلب
وجئ بِهِ عزا بزا: أَي: لَا محَالة
والعزة الممدوحة لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ هِيَ الْعِزَّة الْحَقِيقِيَّة الدائمة الْبَاقِيَة
والمذمومة للْكَافِرِينَ وَهِي التعزز الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَة ذل كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَخَذته الْعِزَّة بالإثم} حَيْثُ استعيرت للحمية والأنفة المذمومة(1/636)
و (عز من قَائِل) : فِي مَوضِع التَّمْيِيز عَن النِّسْبَة أَي عز قائلية وَيُقَال: عز قَائِلا بِدُونِ (من) كَمَا يُقَال: عِنْدِي خَاتم حديدا وَمن حَدِيد وَيحْتَمل الْحَال على أَن المُرَاد بقائل الْجِنْس أَي عز قَائِلا من الْقَائِلين
الْعَالم: [اسْم لمَفْهُوم مَا يعلم بِهِ الْخَالِق بالفعلية كالإله] قَالَ أَبُو حَيَّان: الْعَالم لَا مُفْرد لَهُ كالأنام واشتقاقه من الْعلم أَو الْعَلامَة وَقَالَ غَيره: من الْعلم لَا الْعَلامَة، لكنه لَيْسَ بِصفة بل اسْم لما يعلم بِهِ، أَي يَقع الْعلم بِهِ وَيحصل، أَعم مِمَّا يعلم الصَّانِع أَو غَيره، كالخاتم اسْم لما يخْتم بِهِ، والقالب لما يقلب بِهِ وَقَالَ بَعضهم: مُشْتَقّ من الْعلم، لكنه اسْم ذَوي الْعلم، أَو لكل جنس يعلم بِهِ الْخَالِق سَوَاء كَانَ من ذَوي الْعلم أَو لَا وَلَيْسَ اسْما لمجموع مَا سوى الله بِحَيْثُ لَا يكون لَهُ أَفْرَاد بل أَجزَاء فَيمْتَنع جمعه، بل لَهُ أَفْرَاد كَثِيرَة: {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ}
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ اسْم لما يعلم بِهِ شَيْء ثمَّ سمي مَا يعلم بِهِ الْخَالِق من كل نوع من الْفلك وَمَا يحويه من الْجَوَاهِر والأعراض، وَذَلِكَ لِأَن الِاخْتِلَاف فِي الْمَقَادِير وَالصِّفَات والأزمنة والأمكنة والجهات والوجود والعدم مَعَ قبُول مَادَّة كل وَاحِد مِنْهَا لما حصل لغيره بالمساواة يسْتَلْزم الْحُدُوث والافتقار إِلَى الْمُخَصّص ابْتِدَاء وإيجادا وإعداما، وَذَلِكَ الْمُخَصّص الموجد والمؤثر لَا بُد وَأَن يَتَّصِف بِوُجُوب الْوُجُود والتوحد والقدم والبقاء والحياة وَعُمُوم الْقُدْرَة والإرادة بِجَمِيعِ الممكنات، وَعُمُوم الْعلم بالواجبات والجائزات والمستحيلات، فيستدل لمعْرِفَة عِلّة الموجودات كلا وبعضا بِالْعلمِ الْمَنْسُوب إِلَيْهَا، أَو بجزئه الْمُسَمّى بالعالم الصَّغِير الْمَنْسُوب إِلَى تِلْكَ الْعلَّة، نِسْبَة الْمَمْلُوك إِلَى الْمَالِك وَهِي الْحَقِيقَة النوعية الإنسانية اسْتِدْلَالا، وَهِي أكمل التمسكات، إِذْ هِيَ النُّسْخَة الْمَجْمُوعَة من العوالي والسوافل وَهِي الْمَقْصد الْأَقْصَى الَّذِي هُوَ الْبَاعِث على إِيجَاد جَمِيع الموجودات، فَهِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَار أَولهَا علما وَآخِرهَا صنعا لَا سِيمَا الْفَرد الْأَكْمَل الْأَفْضَل الْأَشْرَف من تِلْكَ الْمَاهِيّة الْمَنْسُوب إِلَى المعبود الْمُطلق، المتصف بِجَمِيعِ الكمالات، المنزه عَن النقائص كلهَا، نِسْبَة الحبيب إِلَى الْمُحب وَهُوَ الذَّات الْكَامِلَة المحمدية عَلَيْهِ وعَلى آله أفضل الصَّلَاة وأكمل التَّحِيَّة فَإِنَّهُ يتوسل بِهِ فِي مَعْرفَته أتم توسل وَلَا شكّ أَن هَذَا الْفَرد أدل بموجده وسيده من غَيره، فَإِن آثَار الصنع فِيهِ أَكثر وَأتم من غَيره، كَمَا أَن الصنع فِي تِلْكَ الْمَاهِيّة أَكثر من الماهيات الْأُخَر، وَبِهَذَا يَتَّضِح لَك أَن كل جرم من أجرام العوالم من السَّمَوَات وَالْأَرضين وَالْعرش والكرسي وَالْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَسَائِر أَنْوَاعهَا وأشخاصها حَادِثَة، وكل حَادث فِيهِ عَلَامَات تميزه عَن موجده الْقَدِيم حَتَّى لَا يلتبس بِهِ أصلا، [وكل مَا هُوَ عذر فِي قدمه فَهُوَ عذر فِي حُدُوثه، وكل مَا هُوَ عذر فِي حُدُوث الْحَوَادِث فَهُوَ عذر فِي حُدُوث الْعَالم] وَهَذَا - أَعنِي حُدُوث الْعَالم - مِمَّا اجْتمع فِيهِ الْإِجْمَاع والتواتر بِالنَّقْلِ عَن صَاحب الشَّرْع فيكفر الْمُخَالف بِسَبَب مُخَالفَة النَّقْل الْمُتَوَاتر لَا بِسَبَب(1/637)
مُخَالفَة الْإِجْمَاع، وَلَا يسْتَلْزم وجود الْوَاجِب وجود الْعَالم، بل وجود الْعَالم وَعَدَمه جائزان بِالنِّسْبَةِ إِلَى وجود الْحق على مَا ذهب إِلَيْهِ المتكلمون
قَالَ أهل الْحق: منشأ عدم الْعَالم فِي الْقدَم إِلَى حِين وجوده هُوَ منشأ وجوده فِي وَقت وجوده
[وَلَيْسَ خلقه فِي وَقت دون سَائِر الْأَوْقَات من تَرْجِيح أحد طرفِي الْمُمكن بِلَا مُرَجّح، بل من تَرْجِيح الْمُخْتَار أحد المتساويين من غير دَاع، فَإِن قيل: لَو كَانَ الْعَالم حَادِثا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن لَا يكون بَينه وَبَين الرب تَعَالَى مُدَّة، أَو يكون مُدَّة، فَإِن كَانَ الأول لزم تقارن الْوُجُود فَيلْزم إِمَّا الْحُدُوث للحدوث، أَو الْقدَم للقدم، وكلا الْأَمريْنِ خلاف الْغَرَض وَإِن كَانَ الثَّانِي فالمادة إِمَّا متناهية أَو لَا، فَإِن كَانَ الأول لزم التناهي لوُجُود الرب تَعَالَى وَهُوَ مُمْتَنع، وَإِن كَانَ الثَّانِي لزم قدم الزَّمَان، وَإِذا أمكن وجود مُدَّة لَا تتناهى أمكن وجود عدم لَا يتناهى قُلْنَا: إِن أُرِيد بِلَفْظ الْمدَّة الزَّمَان فالتقسيم إِنَّمَا يَصح فِيمَا هُوَ قَابل للتقدم والتأخر والمعية بِالزَّمَانِ لَا فِيمَا لَا قَابل لذَلِك، والباري سُبْحَانَهُ لَيْسَ قَابلا للتقدم بِالزَّمَانِ وَلَكِن وجوده غير زماني، وَكَذَلِكَ بِالْمَكَانِ لِأَن وجوده لَيْسَ وجودا مكانيا، فَكَمَا اسْتَحَالَ تقدمه بِالزَّمَانِ كَذَلِك اسْتَحَالَ تقدمه بِالْمَكَانِ، فَلَا يلْزم من نفي الْمدَّة الزمانية بَين الْبَارِي وَبَين الْعَالم وَمن نفي تقدم الْبَارِي على الْعَالم بِالزَّمَانِ الْمَعِيَّة بَينهمَا، كَمَا لَا يلْزم من القَوْل بِنَفْي الْمَكَان التَّقَدُّم بِهِ على الْعَالم الْمَعِيَّة بَينهمَا وَلَو لزم من نفي تقدم أحد الشَّيْئَيْنِ على الآخر بِالزَّمَانِ الْمَعِيَّة بَينهمَا للَزِمَ أَن يكون الزَّمَان الْمَاضِي مَعَ الحالي، والحالي مَعَ الْمُسْتَقْبل، لِاسْتِحَالَة تقدم الزَّمَان على الزَّمَان بِالزَّمَانِ، وَإِذا أُرِيد بالمدة الزَّمَان كَانَ التَّقْسِيم خطأ، إِذْ الزَّمَان من الْعَالم وَالْكَلَام وَاقع فِيهِ، فَإِذا قيل: بَين الْبَارِي وَبَين الْعَالم زمَان أَولا كَانَ حَاصله يرجع إِلَى أَن يكون بَين زمَان الزَّمَان وَبَين الْبَارِي تَعَالَى زمَان أَولا وَهُوَ محَال، إِذْ الزَّمَان الَّذِي وَقع الْخلاف فِيهِ لَا يكون مُتَقَدما على نَفسه بِحَيْثُ يفْرض أَنه بَين الْبَارِي وَبَين نَفسه هَذَا كُله إِذا أُرِيد بالمدة الزَّمَان، وَأما إِذا أُرِيد بالمدة معنى تقديري وَهُوَ مَا يقدره الْمُقدر مَعَ نَفسه وتصوره فِي وهمه من الْمدَّة الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا، كَذَلِك مِمَّا لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا وجود، وَإِنَّمَا هُوَ تقديرات الأوهام، وَلَا يخفى أَن إِثْبَات الْمدَّة بِهَذَا الِاعْتِبَار غير مُوجب لَا لتقدم الزَّمَان، وَلَا نَفيهَا مُوجب للمعية بَين الْبَارِي تَعَالَى والعالم]
والعالم: اسْم جنس متكثر غير مَحْصُور فِي عدد والحقائق الْمُخْتَلفَة إِذا اشتركت فِي مَفْهُوم اسْم فَهِيَ من حَيْثُ اختلافها تَقْتَضِي أَن يعبر عَن كل وَاحِدَة على حِدة وَمن حَيْثُ اشتراكها يَقْتَضِي أَن يعبر عَن الْكل بِلَفْظ وَاحِد، وَالْفَاعِل لم يجمع على الفاعلين إِلَّا الْعَالم، والياسم، وَجَاز جمعه بِالْوَاو وَالنُّون، وَإِن كَانَ شاذا لمشابهة هَذَا الِاسْم الصّفة من جِهَة أَن فِيهِ دلَالَة على معنى زَائِد على الذَّات هُوَ كَونه يعلم وَيعلم بِهِ، بِخِلَاف لفظ الْإِنْسَان مثلا فَإِنَّهُ لَا دلَالَة فِيهِ على ذَلِك، وَإِن كَانَ(1/638)
مَدْلُوله يعلم وَيعلم بِهِ، وَإِنَّمَا جمع [فِي رب الْعَالمين] مَعَ أَن الْإِفْرَاد هُوَ الأَصْل، وَأَنه مَعَ اللَّام يُفِيد الشُّمُول، بل رُبمَا يكون أشمل، لِأَنَّهُ لَو أفرد لربما يتَبَادَر إِلَى الْفَهم أَنه إِشَارَة إِلَى هَذَا الْعَالم الْمشَاهد بِشَهَادَة الْعرف، وَإِلَى الْجِنْس والحقيقة على مَا هُوَ الظَّاهِر عِنْد عدم الْعَهْد فَجمع ليشْمل كل جنس سمي بالعالم إِذْ لَا عهد، وَفِي الْجمع دلَالَة على أَن الْقَصْد إِلَى الْإِفْرَاد دون نفس الْحَقِيقَة وَالْجِنْس [وَالْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة مُخْتَصَّة بِموضع النَّفْي]
قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {ليَكُون للْعَالمين نذيرا} إِنَّه يتَنَاوَل الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْمَلَائِكَة، لَكنا أجمعنا على أَن سيدنَا ومولانا مُحَمَّدًا لم يكن رَسُولا إِلَى الْمَلَائِكَة فَوَجَبَ أَن يبْقى رَسُولا إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ جَمِيعًا، وَقد نوزع بِأَنَّهُ من أَيْن تَخْصِيصه بهما مَعَ شُمُول الْعَالمين للْمَلَائكَة أَيْضا، كشمول (الْحَمد لله رب الْعَالمين) لهَؤُلَاء الثَّلَاثَة بِإِجْمَاع الْمُفَسّرين، وَالْأَصْل بَقَاء اللَّفْظ على عُمُومه حَتَّى يدل الدَّلِيل على إِخْرَاج شَيْء مِنْهُ، وَلم يدل هُنَا دَلِيل، وَلَا سَبِيل إِلَى وجوده لَا من الْقُرْآن وَلَا من الحَدِيث، وَكَون الْعَالم كري الشكل مَمْنُوع كَمَا قَالَ ابْن حجر فِي " شرح البُخَارِيّ " إِلَّا أَنهم قَالُوا: لَو مَاتَ زيد وَقت الطُّلُوع من أول رَمَضَان مثلا بالصين كَانَ تركته لِأَخِيهِ عَمْرو وَقد مَاتَ فِيهِ بسمرقند، مَعَ أَنَّهُمَا لَو مَاتَا مَعًا لم يَرث أَحدهمَا عَن الآخر، وَاسْتدلَّ أَيْضا بِحَدِيث " إِذا سَأَلْتُم الله الْجنَّة فَاسْأَلُوهُ الفردوس الْأَعْلَى، فَإِنَّهُ أَعلَى الْجنَّة وأوسطها " فَإِن الْأَعْلَى لَا يكون أَوسط إِلَّا إِذا كَانَ كريا
الْعدْل: أَصله ضد الْجور
وَعدل عَلَيْهِ فِي الْقَضِيَّة
وَبسط الْوَالِي عدله ومعدلته: بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا
وَفُلَان من أهل المعدلة: أَي الْعدْل
وَرجل عدل: أَي رَضِي مقنع فِي الشَّهَادَة
وَقوم عدل وعدول أَيْضا
[وَالْعَدَالَة لُغَة: الاسْتقَامَة
وَفِي الشَّرِيعَة: عبارَة عَن الاسْتقَامَة على الطَّرِيق الْحق بِالِاخْتِيَارِ عَمَّا هُوَ مَحْظُور دينا وَهِي نَوْعَانِ: ظَاهِرَة: وَهِي مَا ثَبت بِظَاهِر الْعقل وَالدّين لِأَنَّهُمَا يحملانه على الاسْتقَامَة ويزجرانه عَن غَيرهَا ظَاهرا
وباطنة: وَهِي لَا يدْرك مداها لِأَنَّهَا تَتَفَاوَت فَاعْتبر فِي ذَلِك مَا لَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرج وَالْمَشَقَّة وتضييع حُدُود الشَّرْع، وَهُوَ مَا ظهر بالتجربة رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على طَرِيق الْهوى والشهوة بالاجتناب عَن الْكَبَائِر وَترك الْإِصْرَار على الصَّغَائِر](1/639)
وَالْعدْل بِاعْتِبَار الْمصدر لَا يثنى وَلَا يجمع
وَبِاعْتِبَار مَا صَار إِلَيْهِ من النَّقْل للذات يثنى وَيجمع
وَعدل عَن الطَّرِيق عدلا وعدولا: إِذا جَاوز عَنهُ قَالَ الْفراء: يعدل بِالْفَتْح: مَا عدل من غير الْجِنْس كالقيمة مثلا وبالكسر: الْمثل من الْجِنْس، وَمَا يعادل من الْمَتَاع فَهُوَ عديل، وَيسْتَعْمل بِالْفَتْح فِيمَا تدْرك البصيرة كالأحكام
وبالكسر يسْتَعْمل فِيمَا يدْرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات وَكَذَا العديل
وَالْعدْل: هُوَ أَن تُرِيدُ لفظا فتعدل عَنهُ كعمر من عَامر
والتضمين: هُوَ أَن تحمل اللَّفْظ معنى غير الَّذِي يسْتَحقّهُ بِغَيْر آلَة ظَاهِرَة وَيجوز إِظْهَار اللَّام مَعَ المعدول، وَلَا يجوز مَعَ المتضمن
وَالْعدْل التحقيقي: هُوَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ دَلِيل غير منع الصّرْف أَي يكون هُنَاكَ دَلِيل على اعْتِبَار الْعدْل فِيهِ سوى كَونه مَمْنُوعًا من الصّرْف
وَالْعدْل التقديري: هُوَ أَن لَا يكون هُنَاكَ دَلِيل على اعْتِبَار الْعدْل فِيهِ سوى منع الصّرْف
وَالْعدْل: هُوَ أَن يُعْطي مَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذ مَا لَهُ
وَالْإِحْسَان: هُوَ أَن يُعْطي أَكثر مِمَّا عَلَيْهِ وَيَأْخُذ أقل مِمَّا لَهُ فالإحسان زَائِد عَلَيْهِ، فتحري الْعدْل وَاجِب، وتحري الْإِحْسَان ندب وتطوع
وَالْعدْل: الْفِدْيَة لِأَنَّهَا تعادل المفدى وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن تعدل كل عدل} أَي تفدي كل فدَاء
والعدول: كَون أَدَاة السَّلب جُزْءا من الْقَضِيَّة، كالإنسان لَا حجر، واللاحي جماد والتحصيل خِلَافه كالإنسان حَيَوَان، وَالْحجر لَيْسَ بحيوان
الْعدَد: الكمية المتألفة من الوحدات وَقد يُقَال لكل مَا يَقع فِي مَرَاتِب الْعد عدد، فاسم الْعدَد يَقع على الْوَاحِد أَيْضا بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَيكون كل عدد سواهُ مركبا مِنْهُ، هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْحُكَمَاء، وَذهب الْبَعْض مِنْهُم إِلَى عدم كَون الْوَاحِد عددا لِأَن الْعدَد كم مُنْفَصِل، وَهُوَ قسم من مُطلق الْكمّ الَّذِي يعرف بِأَنَّهُ عرض يقبل الْقِسْمَة لذاته، وَالْوَاحد من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد لَا يقبل الْقِسْمَة، فعرفوا الْعدَد بِأَنَّهُ كم متألف من الوحدات، أَو نصف مَجْمُوع حاشيتيه المتقابلتين وَالظَّاهِر أَن نظر هَذَا الْبَعْض أَحَق وَأولى من نظر الْبَعْض الآخر
وَالْعدَد التَّام: هُوَ مَا إِذا اجْتمعت أجزاؤه كَانَت مثله وَهُوَ السِّتَّة فَإِن أجزاءها البسيطة الصَّحِيحَة إِنَّمَا هِيَ النّصْف وَالثلث وَالسُّدُس ومجموع ذَلِك سِتَّة
وَالْعدَد النَّاقِص: هُوَ مَا إِذا اجْتمعت أجزاؤه البسيطة الصَّحِيحَة كَانَت جُمْلَتهَا أقل مِنْهُ وَهُوَ الثَّمَانِية فَإِن أجزاءها إِنَّمَا هِيَ النّصْف وَالرّبع وَالثمن ومجموع ذَلِك سَبْعَة
وَالْعدَد الزَّائِد: هُوَ مَا إِذا اجْتمعت أجزاؤه زَادَت عَلَيْهِ وَهُوَ اثْنَا عشر فَإِن لَهَا النّصْف وَالثلث وَالرّبع وَالسُّدُس وَنصفه ومجموع ذَلِك سِتَّة عشر وَهُوَ زَائِد على الأَصْل
الْعَهْد: الموثق وَوَضعه لما من شَأْنه أَن يُرَاعى ويتعهد كالقول والقرار وَالْيَمِين وَالْوَصِيَّة وَالضَّمان وَالْحِفْظ وَالزَّمَان وَالْأَمر. يُقَال: عهد الْأَمِير إِلَى(1/640)
فلَان بِكَذَا: إِذا أمره وَيُقَال للدَّار من حَيْثُ إِنَّهَا تراعى بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا
وللتأريخ لِأَنَّهُ يحفظ
والعهد: تَوْحِيد الله وَمِنْه {إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} ، {لَئِن أقمتم الصَّلَاة وَآتَيْتُم الزَّكَاة وآمنتم برسلي} إِلَى آخِره {لأكفرن عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} إِلَى آخِره
وَقيل للمطر عهد وعهاد
وروضة معهودة: أَي أَصَابَهَا العهاد
وَاخْتلف فِي الْعَهْد فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} وَالْأَظْهَر أَن المُرَاد النُّبُوَّة، فَلَا دلَالَة فِي الْآيَة على أَن الْفَاسِق لَا يصلح للْإِمَامَة
والعهد: الْإِلْزَام
وَالْعقد: إِلْزَام على سَبِيل الإحكام
وعقدت الْحَبل والمعهود فَهُوَ مَعْقُود
وأعقدت الْعَسَل وَنَحْوه فَهُوَ معقد وعقيد وعاقد
وَعقد (مخففا) : حلف
ومشددا: مُبَالغَة فِي الْيَمين نَحْو: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
وَعقد الْيَمين: توثيقها بِاللَّفْظِ مَعَ الْعَزْم عَلَيْهَا وَقَوله تَعَالَى: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} المُرَاد عِنْد أبي حنيفَة التعاقد على التعاقل والتوارث، فَإِذا تعاقدا على أَن يتعاقلا ويتوارثا صَحَّ وَورث بِحَق الْمُوَالَاة، خلافًا للشَّافِعِيّ، وَحمله على الْأزْوَاج على أَن العقد عقد نِكَاح يأباه قَوْله {إيمَانكُمْ}
والعهد الذهْنِي: هُوَ الَّذِي لم يذكر قبله شَيْء
والعهد الْخَارِجِي: هُوَ الَّذِي يذكر قبله شَيْء
وَالْعقد فِي البديع: نظم المنثور
والحل: نثر المنظوم وَشَرطه أَن يُؤْخَذ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ أَو مُعظم اللَّفْظ فيزاد مِنْهُ وَينْقص للوزن وَمَتى أَخذ معنى المنثور دون لَفظه لَا يعد عقدا وَيكون من أَنْوَاع السرقات، وَإِن غير من اللَّفْظ شَيْئا فَيَنْبَغِي أَن يكون المتبقي مِنْهُ أَكثر من المغير بِحَيْثُ يعرف من الْبَقِيَّة صُورَة الْجَمِيع، فَمَا جَاءَ من العقد من الْقُرْآن قَوْله:
(أنلني بِالَّذِي استقرضت خطا ... وَأشْهد معشرا قد شاهدوه)
(فَإِن الله خلاق البرايا ... عنت لجلال هيبته الْوُجُوه)
(يَقُول إِذا تداينتم بدين ... إِلَى أجل مُسَمّى فأكتبوه)
وَمِنْه قَوْله:
(فَيَأْتُونَ المناكر فِي نشاط ... ويأتون الصَّلَاة وهم كسَالَى)
الْعَرَب: هُوَ اسْم جمع وَاحِدَة عَرَبِيّ. وَبَين الْجمع وَوَاحِدَة نزاع بِالنّسَبِ، وَهَذَا الجيل الْخَاص سكان المدن والقرى. والأعراب: صِيغَة جمع وَلَيْسَ جمعا للْعَرَب، قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ لِئَلَّا يلْزم أَن يكون الْجمع أخص من الْوَاحِد، إِذْ الْأَعْرَاب سكان الْبَادِيَة فَقَط، وَلِهَذَا الْفرق نسب إِلَى الْأَعْرَاب على لَفظه يُقَال(1/641)
(رجل أَعْرَابِي) إِذا كَانَ بدويا، وان لم يكن من الْعَرَب
وَرجل عَرَبِيّ: أَي مَنْسُوب إِلَى الْعَرَب وَإِن لم يكن بدويا
وَرجل أعجم وأعجمي أَيْضا: إِذا كَانَ فِي لِسَانه عجمة وَإِن كَانَ من الْعَرَب
وَرجل عجمي: أَي مَنْسُوب إِلَى الْعَجم وَإِن كَانَ فصيحا
وَالْعرب: من جمعهم أَب فَوق النَّضر
وَالْعرب العاربة: هم الخلص من الْعَرَب كَذَا الْعَرَب العرباء أَخذ من لَفظه وأكد بِهِ ك (ظلّ ظَلِيل) و (ليل أليل)
وَالْعرب المستعربة: ولد إِسْمَاعِيل النَّبِي وَمن بعده طرأت عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة، وَعَلِيهِ حمل أَنه أول الْعَرَب أَي المستعربة
واتفقت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وتضافرت نُصُوص الْعلمَاء على أَن الْعَرَب من عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام على دينه لم يكفر أحد مِنْهُم قطّ، وَلم يعبد صنما إِلَى عهد عَمْرو بن لحي الْخُزَاعِيّ فَإِنَّهُ أول من غير دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَعبد الْأَصْنَام وسيب السوائب
والعراب: الْخَيل الْعَرَبيَّة كَأَنَّهُمْ فرقوا بَين الأناسي وَالْخَيْل فَقَالُوا فِي الأناسي: عَرَبِيَّة وأعراب كَمَا قَالُوا فيهم: عُرَاة وَفِي الْخَيل أعراء
الْعين: هُوَ مَا لَهُ قيام بِذَاتِهِ، والباصرة وَتطلق على الحدقة الَّتِي هِيَ عبارَة عَن مَجْمُوع طَبَقَات تسع مُحِيط بَعْضهَا بِبَعْض (وَهِي الطَّبَقَة المشيمية، والصلبية، والشبكية، والزجاجية، والجلدية، والبيضية، والعنكبوتية، والعنبية، والقرنية وَجعل بَعضهم القرنية أَربع طَبَقَات، فَيصير عدد الطَّبَقَات ثَلَاث عشرَة على طَبَقَات العناصر والأفلاك)
والجفن: هُوَ الغلاف الْمُحِيط بالحدقة وَقد تطلق الْعين على مَجْمُوع الغلاف وَمَا فِيهِ من الحدقة. وَقد يُرَاد بهَا حَقِيقَة الشَّيْء المدركة بالعيان أَو مَا يقوم مقَام العيان وَمن هُنَا لم ترد فِي الشَّرِيعَة عبارَة عَن نفس الْبَارِي تَعَالَى، لِأَن نَفسه غير مدركة فِي حَقنا الْيَوْم، وَأما عين الْقبْلَة وَالذَّهَب وَالْمِيزَان فراجعة إِلَى هَذَا الْمَعْنى
وَالْعين الْجَارِحَة تشبه بِعَين الْإِنْسَان لموافقتها فِي كثير من صفاتها وتستعار الْعين لمعان هِيَ مَوْجُودَة فِي الْجَارِحَة بنظرات مُخْتَلفَة
وَأَنت على عَيْني: فِي الْإِكْرَام وَالْحِفْظ جَمِيعًا {ولتصنع على عَيْني} : أَي على أَمن لَا تَحت خوف، وَذكر الْعين لتضمنها معنى الرِّعَايَة
وَقَوله تَعَالَى: {واصنع الْفلك بأعيننا} أَي برعاية منا وَحفظ وَلما وَردت الْآيَة الأولى فِي إِظْهَار أَمر كَانَ خفِيا وإبداء مَا كَانَ مكتوما جِيءَ بعلى لِأَن الاستعلاء ظُهُور وإبداء، بِخِلَاف الْآيَة الثَّانِيَة، إِذْ لم يرد فِيهَا إبداء شَيْء وَلَا إِظْهَاره بعد كتم، وَالْفرق بَين المقامين إفرادا وجمعا يظْهر من اخْتِصَاص {واصطنعتك لنَفْسي} فِي حق مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهَذَا الِاخْتِصَاص مُقْتَضَاهُ(1/642)
وَأما مَا يسْندهُ بِصِيغَة ضمير الْجمع فَالْمُرَاد بِهِ الْمَلَائِكَة كَقَوْلِه: {نَحن نقص عَلَيْك} ونظائره
وَالْعين بِمَعْنى الينبوع تجمع على أعين وعيون
عَنى الباصرة كَذَلِك، وعَلى أَعْيَان إِذا أردْت الْحَقَائِق أَيْضا
وَرجل معيان وعيون: أَي شَدِيد الْإِصَابَة بِالْعينِ
وَيجمع على (عين) بِالْكَسْرِ، و (عين) ككتب
وَيُقَال: فلَان عين على فلَان: أَي نَاظر عَلَيْهِ
وَعين التَّاجِر: بَاعَ سلْعَة بِثمن الى أجل ثمَّ اشْتَرَاهَا بِأَقَلّ من ذَلِك الثّمن
الْعِمَارَة: هِيَ مَا يعمر بِهِ الْمَكَان
وبالضم: أجرهَا
وبالفتح: كل شَيْء على الرَّأْس من عِمَامَة وقلنسوة وتاج وَغَيره
وَعمر الرجل منزله بِالتَّشْدِيدِ
وَعمر الرجل: طَال عمره بِالتَّخْفِيفِ
والعمر بِالضَّمِّ وَالْفَتْح: الْبَقَاء إِلَّا أَن الْفَتْح غلب فِي الْقسم، وَلَا يجوز فِيهِ الضَّم
فِي " الْقَامُوس ": جَاءَ فِي الحَدِيث النَّهْي عَن قَول " لعمر الله "
وَفِي " الرَّاغِب " الْعُمر: دون الْبَقَاء، لِأَنَّهُ اسْم لمُدَّة عمَارَة الْبدن بِالْحَيَاةِ
والبقاء: ضد الفناء، وَلِهَذَا يُوصف الْبَارِي بِالْبَقَاءِ، وقلما يُوصف بالعمر
وقرين زيد إِذا كَانَ منصويأ يكْتب بِغَيْر وَاو لدُخُول التَّنْوِين
الْعَبَث: هوما يَخْلُو عَن الْفَائِدَة
والسفه: مَا لَا يخلوعنها وَيلْزم مِنْهُ الْمضرَّة
والسفه أقبح من الْعَبَث، كَمَا أَن الظُّلم أقبح من الْجَهْل
قَالَ بدر الدّين الْكرْدِي: الْعَبَث هُوَ الْفِعْل الَّذِي فِيهِ غَرَض لَكِن لَيْسَ بشرعي
والسفه مَا لَا غَرَض فِيهِ أصلا
وَفِي " الحدادي ": الْعَبَث: كل لعب لَا لَذَّة فِيهِ وَأما الَّذِي فِيهِ لَذَّة فَهُوَ لعب وَقد بالغوا فِي تقبيح الْعَبَث حَتَّى إِن فَخر الإصلام الْبَزْدَوِيّ وَغَيره قرنه مَعَ الْكفْر فِي الْقبْح حَيْثُ قَالَ فِي " أُصُوله ": وَالنَّهْي فِي صفة الْقبْح يَنْقَسِم انقسام الْأَمر مَا قبح لعَينه وضعا كالكفر وَالْكذب والعبث انْتهى
والعبث حَقِيقِيّ: وَذَلِكَ اذا لم يتَصَوَّر فَائِدَة
وعرفي: وَذَلِكَ اذا لم يتَصَوَّر فَائِدَة متعدا بهَا بِالنّظرِ الى الْمَشَقَّة
وعبث فِي النّظر: وَذَلِكَ إِذا تصور فَائِدَة معتدا بهَا لَكِن لَا تكون مَطْلُوبَة عِنْد الطَّالِب
الْعَوْل: عَال فِي الحكم: جَار وَمَال كَمَا فِي الْجَوْهَرِي وَالظَّاهِر من قَوْله (وَمَال) تَفْسِير لقَوْله (جَار) إِذْ لَو كَانَ معنى مغايرا لِجَار لقَالَ أَو مَال بِكَلِمَة أَو كَمَا هُوَ عَادَته فَظهر مِنْهُ أَن مُرَاده الْميل إِلَى الْجور كَمَا صرح بِهِ فِي " مُجمل اللُّغَة " لَا مُطلق الْميل
وعالني الشَّيْء يعولني: غلبني
وعالت النَّاقة ذنبها: رفعته
وعال الْأَمر: اشْتَدَّ وتفاقم
الْعَدو: التجاوز ومنافاة الالتئام
فَتَارَة يعبر بِالْقَلْبِ فَيُقَال لَهُ: العدوة والمعاداة(1/643)
وَتارَة بِالْمَشْيِ فَيُقَال لَهُ الْعَدو
وَتارَة بالإخلال بِغَيْر علمه بالعداوة فَيُقَال لَهُ: الْعدوان [وَمَا هُوَ على لفظ الْمصدر يجوز الْتِزَام إِفْرَاده وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى] : {هم الْعَدو}
والعداوة أخص من الْبغضَاء لِأَن كل عَدو مبغض، وَقد يبغض من لَيْسَ بعدو
والعدى، بِكَسْر الْعين: الْأَعْدَاء الَّذين تقَاتلهمْ
وبالضم: الْأَعْدَاء الَّذين لَا تقَاتلهمْ
قَالَ ابْن السّكيت: لم يَأْتِ فعل من النعوت إِلَّا حرف وَاحِد يُقَال: هَؤُلَاءِ قوم عدى
والعدو، بِالسُّكُونِ: للحيوان عَام
والعسلان: للذئب خَاص
والعدوية: من نَبَات الصَّيف بعد ذهَاب الرّبيع
والعدوى: مَا يعدي الْجَسَد من الْأَمْرَاض وَتلك على مَا قَالُوا: الجرب والبرص والرمد والحصبة والجذام والوباء والجدري
وَأما المتوارث فكالنقرس والسل والصرع والدق والماليخوليا، وَلَا عدوى الا بِإِذن الله تَعَالَى
الْعَوْرَة: هِيَ سؤة الْإِنْسَان من الْعَار المذموم
وَلِهَذَا سمي النِّسَاء عَورَة
مغلظتها: الْقبل والدبر
ومخففتها: مَا سواهُمَا من غير الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ من الْحرَّة، وَمَوْضِع الْإِزَار من الرجل، وَمِنْه وَمن الظّهْر والبطن من الْأمة
ونغمة الْحرَّة عَورَة أَيْضا
ذكر ابْن الدَّقِيق أَن أَمِير إفريقية استفتى أَسد بن الْفُرَات فِي دُخُول الْحمام مَعَ جواريه دون سَاتِر لَهُ ولهن فأفتاه بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُنَّ ملكه وَأجَاب أَبُو مُحرز بِمَنْع ذَلِك، وَقَالَ لَهُ: إِن جَازَ للْملك النّظر إلَيْهِنَّ، وَجَاز لَهُنَّ النّظر إِلَيْك لَكِن لم يجز لَهُنَّ نظر بَعضهنَّ لبَعض وَكتب عمر إِلَى أبي عُبَيْدَة أَن يمْنَع الكتابيات من دُخُول الْحمام مَعَ المسلمات، فَلَا يجوز للمسلمة كشف بدنهَا للمشركة إِلَّا أَن تكون أمة لَهَا
الْعذر، بِضَمَّتَيْنِ، وَسُكُون: فِي الأَصْل تحري الْإِنْسَان مَا يمحو بِهِ ذنُوبه بِأَن يَقُول: لم أَفعلهُ، أَو فعلت لأجل كَذَا، أَو فعلت وَلَا أَعُود، وَهَذَا الثَّالِث [تَوْبَة] فَكل تَوْبَة عذر بِلَا عكس
والمعذر، بِالتَّشْدِيدِ: المتعذر الَّذِي لَهُ عذر فَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَجَاء المعذرون} أَي المتعذرون الَّذين لَهُم عذر
وَقد يكون المعذر غير محق فَالْمَعْنى المقصرون بِغَيْر عذر
والمعذر، بِالتَّخْفِيفِ: من أعذر وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ الْآيَة بِهِ وَيَقُول: وَالله هَكَذَا نزلت
وَكَانَ يَقُول: لعن الله المعذرين، فالمعذر بِالتَّشْدِيدِ عِنْده من هُوَ غير محق، وبالتخفيف من لَهُ عذر
والمعذور شرعا: من يستوعب ابتلاؤه بِعُذْر وَلَو حكما فِي وَقْتَيْنِ متواليين فَصَاعِدا من أَوْقَات صلَاته بِأَن يبتلى بِهِ فِي وَقت كَامِل بِحَيْثُ لَا يَخْلُو عَنهُ زمَان صَالح للْوُضُوء وَالصَّلَاة، ثمَّ يستوعب حَقِيقَة أَو حكما فِي الْوَقْت الثَّانِي وَغَيره بِأَن يبتلى بِهِ عِنْد الصَّلَاة أما لَو ابْتُلِيَ عِنْد غَيرهَا فَلَيْسَ(1/644)
بمعذورإلا عِنْد الْوضُوء لِأَن فِيهِ اخْتِلَافا
الْعِصْمَة: تَعْرِيف الْعِصْمَة بِأَنَّهَا عدم قدرَة الْمعْصِيَة، أَو خلق مَانع مِنْهَا غيرملجىء بل يَنْتَفِي مَعَه الِاخْتِيَار يلائم قَول الإِمَام أبي مَنْصُور الماتريدي بِأَن الْعِصْمَة لَا تزيل المحنة: أَي الِابْتِلَاء الْمُقْتَضِي لبَقَاء الِاخْتِيَار
قَالَ صَاحب " الْبِدَايَة " وَمَعْنَاهُ - يَعْنِي قَول أبي مَنْصُور - أَنَّهَا لاتجبره على الطَّاعَة ولاتعجزه عَن الْمعْصِيَة، بل هِيَ لطف من الله يحمل العَبْد على فعل الْخَيْر، ويزجره عَن فعل الشَّرّ مَعَ بَقَاء الِاخْتِيَار تَحْقِيقا للابتلاء
والعصمة والتوفيق كل مِنْهُمَا ينْدَرج تَحت الْعَطف اندراج الْأَخَص تَحت الْأَعَمّ، فَإِن مَا أدّى مِنْهُ إِلَى ترك الْمعْصِيَة يُسمى عصمَة، وَمَا أدّى مِنْهُ إِلَى فعل الطَّاعَة يُسمى تَوْفِيقًا
وعصمة الْأَنْبِيَاء: حفظ الله إيَّاهُم أَولا بِمَا خصهم بِهِ من صفاء الْجَوْهَر، ثمَّ بِمَا أولاهم من الْفَضَائِل الجسمية النفيسة، ثمَّ بالنصرة وتثبيت الْأَقْدَام، ثمَّ بإنزال السكينَة عَلَيْهِم وبحفظ قُلُوبهم وبالتوفيق
(وعصمة الْأَنْبِيَاء عَن الْكَذِب فِي الْإِخْبَار عَن الْوَحْي فِي الْأَحْكَام وَغَيرهَا دون الْأُمُور الوجودية لَا سِيمَا إِذا لم يقرعلى السَّهْو وَاعْلَم أَن الْأَنْبِيَاء " عصموا دَائِما عَن الْكفْر (وقبائح يطعن بهَا أوتدني إِلَى دناءة الهمة، وَعَن الطعْن بِالْكَذِبِ) وَبعد الْبعْثَة عَن سَائِر الْكَبَائِر لَا قبلهَا، وَعَن الصَّغَائِر عمدا، لَا الصَّغَائِر غير المنفرة خطأ فِي التَّأْوِيل أَو سَهوا مَعَ التنبه وتنبيه النَّاس عَلَيْهَا لِئَلَّا يقْتَدى بهم فِيهَا
أما المنفرة كسرقة لقْمَة أَو حَبَّة [أَو غير ذَلِك مِمَّا يدل على دناءة الهمة] فهم معصومون عَنْهَا مُطلقًا وَكَذَا من غير المنفرة كنظرة لأجنبية عمدا
[وَالْجُمْهُور من أَصْحَابنَا على أَنه لَا يمْتَنع عَنْهُم كَبِيرَة قبل النُّبُوَّة فضلاعن صَغِيرَة، إِذْ لَا دلَالَة للمعجزة على انتفائها عَنْهُم قبلهَا، وَلَا سَمْعِي يدل عَلَيْهِ]
وَالرَّوَافِض أوجبوا عصمَة الْأَنْبِيَاء عَن الذَّنب والمعاصي مُطلقًا كَبِيرَة أَو صَغِيرَة، عمدا أَو سَهوا، قبل الْبعْثَة وَبعدهَا، وَهَذَا كفر لِأَنَّهُ رد النُّصُوص
وَالدَّلِيل على أَن النَّبِي مثل الْأمة فِي حق جَوَاز صُدُور الْمعْصِيَة مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {قل إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ يُوحى إِلَيّ} ، {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن إِلَيْهِم شَيْئا قَلِيلا} لَكِن الله تَعَالَى عصمهم ظَاهرا وَبَاطنا من التَّلَبُّس بمنهي عَنهُ مُطلقًا، فَيجب فِي حَقهم الصدْق فِيمَا بلغوه عَن الله ئعالى اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْأَمَانَة على الْمَشْهُور، بل الصَّوَاب قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا
[فالكذب فِي الْإِخْبَار عَن الْوَحْي فِي الْأَحْكَام وَغَيرهَا مُسْتَحِيل]
فالكذب فِي التَّبْلِيغ عمدا كَانَ أَو سَهوا أَو غَلطا فِي حَقهم مُسْتَحِيل وَكَذَا الْخِيَانَة بِفعل شَيْء مِمَّا نهي عَنهُ نهي تَحْرِيم أَو كَرَاهِيَة، وَكَذَا يَسْتَحِيل(1/645)
فِي حَقهم كتمان شَيْء مِمَّا أمروا بتبليغه (لوُجُوب التَّبْلِيغ فِي حَقهم أَيْضا)
ثمَّ اعْلَم أَن مَا أَمرهم الله من الشَّرْع وَتَقْرِيره وَمَا يجْرِي مجراهما من الْأَفْعَال كتعليم الْأمة بِالْفِعْلِ فهم معصومون فِيهِ من السَّهْو والغلط
وَأما مَا لَيْسَ من هذَيْن الْقسمَيْنِ، أَعنِي بِهِ مَا لَيْسَ طَرِيقه الإبلاغ بل يخْتَص بِهِ الْأَنْبِيَاء من أُمُور دينهم وأفكار قُلُوبهم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَفْعَلُونَهُ، لَا ليتبعوا فِيهِ فَإِنَّهُم فِيهِ كغيرهم من الْبشر فِي جَوَاز السَّهْو والغلط، هَذَا مَا عَلَيْهِ أَكثر الْعلمَاء خلافًا لجَماعَة المتصوفة وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين حَيْثُ منعُوا السَّهْو وَالنِّسْيَان والغفلات والعثرات جملَة فِي حَقهم
وَأما قصصهم فَمَا كَانَ مَنْقُولًا بالآحاد وَجب ردهَا لِأَن نِسْبَة الْخَطَأ إِلَى الروَاة أَهْون من نِسْبَة الْمعاصِي إِلَى أَنْبيَاء الله وَمَا ثَبت مِنْهَا تواترا فَمَا دَامَ لَهُ محمل آخر حملناه عَلَيْهِ، ونصرفه عَن ظَاهره لدلائل الْعِصْمَة وَمَا لم نجد لَهُ محيصا حكمنَا على أَنه كَانَ قبل الْبعْثَة، لأَنهم جوزوا صُدُور الْمعْصِيَة على سَبِيل الندور كقصة إخْوَة يُوسُف فَإِن إخْوَته صَارُوا أَنْبيَاء، أَو من قبيل ترك الأولى، أَو من صغائر صدرت عَنْهُم سَهوا، أَو من قبيل الِاعْتِرَاف بِكَوْنِهِ ظلما مِنْهُم، أَو من قبيل التَّوَاضُع وهضم النَّفس وَغير ذَلِك من المحامل
فواقعة آدم نِسْيَان، [أَو من قبيل ترك الأولى] أَو قبل النُّبُوَّة بِدَلِيل {ثمَّ اجتباه} وَالْمُدَّعِي مطَالب بِالْبَيَانِ [وَقَول سيدنَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: {إِن ابْني من أَهلِي} فالأصواب فِيهِ مَا ذكره الإِمَام أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله أَنه كَانَ عَن سيدنَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ان ابْنه على دينه، لِأَنَّهُ كَانَ ينافق وَأولُوا] كَلَام الْخَلِيل: {هَذَا رَبِّي} على سَبِيل الْفَرْض ليبطله [وبإضمار الِاسْتِفْهَام أَو يُرِيد أَنهم كَذَا يَقُولُونَ، كَمَا تَقول إِذا أردْت إبِْطَال القَوْل بقدم الْأَجْسَام: (الْجِسْم قديم) أَي كَذَا يَقُول الْخصم، ثمَّ تَقول: لوكان قَدِيما لم يكن متغيرا فَكَذَا {لَا أحب الآفلين} أَي لَو كَانَ رَبًّا لما تغير {بل فعله كَبِيرهمْ} مُعَلّق بِالشّرطِ، وَانْتِفَاء الشَّرْط يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَشْرُوط فَالْمَعْنى أَنهم لم يَفْعَلُوا، أَو هُوَ مثل قَوْلك لمن يظنّ أَنَّك لَا تحسن الْكِتَابَة وَأَنت مَشْهُور بِحسن الْخط فَيَقُول أَنْت كتبت: بل كتبت أَنْت
و {إِنِّي سقيم} أَي سقيم الْقلب من الْحزن وَالْغَم بِسَبَب عنادهم، أَو عرف أَنه سيصير سقيما فِي الْمُسْتَقْبل فَقَالَ: إِنِّي سقيم فِي ذَلِك الْوَقْت، فَلَعَلَّ الله تَعَالَى أخبر بِأَنَّهُ مهما طلع النَّجْم الْفُلَانِيّ فَإنَّك تمرض وَاسْتشْكل هَذِه التأويلات مَا روى الْحسن رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لم يكذب إِبْرَاهِيم غير ثَلَاث مَرَّات " إِلَى آخر الحَدِيث وَالْجَوَاب بِأَن مَعْنَاهُ لم يتَكَلَّم بِكَلَام صورته صُورَة الْكَذِب وَإِن كَانَ حَقًا فِي الْبَاطِن إِلَّا هَذِه الْكَلِمَات، وَلَك أَن تَقول: إِن ذَلِك كَانَ قبل(1/646)
أَن يجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَم، وَلَعَلَّ الْغَرَض فِي قَوْله تَعَالَى {أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} تَكْثِير الدَّلَائِل ليَكُون الْعلم أبعد من الشكوك وَلِهَذَا السَّبَب أَكثر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن الْكَرِيم من ذكر الدَّلَائِل الدَّالَّة على التَّوْحِيد وَالصِّفَات واستغفاره لِأَبِيهِ الْكَافِر لَعَلَّه لم يجد فِي شَرعه مَا يمْنَع مِنْهُ، فَلَمَّا مَنعه الله ثاب، أَو كَانَ يتَوَقَّع مِنْهُ الْإِيمَان فَلَمَّا أيس مِنْهُ ترك الاسْتِغْفَار
وَقتل سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام القبطي خطأ أَو قبل النُّبُوَّة
وَقَوله: {هَذَا من عمل الشَّيْطَان} أَي: الْمَقْتُول من عمل الشَّيْطَان أَي من جنده وأحزابه
وَقَوله لسيدنا الْخضر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {لقد جِئْت شَيْئا نكرا} يَعْنِي أَن قتلته ظلما، أَو من نظر إِلَى الظَّاهِر وَلم يعرف الْحَقِيقَة حكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ شَيْء مُنكر
وقصة سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَولهَا وَآخِرهَا تشهد بِأَن هَذِه الْقِصَّة كَاذِبَة بَاطِلَة على الْوَجْه الَّذِي يَرْوِيهَا أهل الحشو كَيفَ يُقَال: فلَان عَظِيم الدرجَة فِي الدّين، عالي الْمرتبَة فِي طَاعَة الله يقتل ويزني؟ وَهَذَا الْكَلَام لَا يَلِيق بِأحد من الْعباد، فبأن لَا يَلِيق بِكَلَام الله أولى
قَالَ سيدنَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " من حدث بِحَدِيث دَاوُد على مَا يرويهِ الْقصاص جلدته مئة وَسِتِّينَ " وأقصى مَا فِي هَذِه الْقِصَّة الْإِشْعَار بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ود أَن يكون لَهُ مَا لغيره، وَكَانَ لَهُ أَمْثَاله، أَو خطب مخطوبة الْغَيْر، أَو استنزله عَن زَوجته وَكَانَ ذَلِك مُعْتَادا فِيمَا بَينهم] {ووجدك ضَالًّا} معَارض بقوله: {مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} [والتوفيق بِأَن هَذَا يحمل على نفي الضلال فِي الدّين، وَذَاكَ مَحْمُول على الضلال فِي أُمُور الدُّنْيَا، أَو فِي طَرِيق مَكَّة، أَو فِي طَرِيق مُخَالطَة الْخلق، أَو وَجدك محبا فِي الْهدى فهداك
وناهيك شَاهدا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم} حَيْثُ أُرِيد أفراط محبته فِي سيدنَا يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام]
وَالْإِذْن لِلْمُنَافِقين وَأخذ الْفِدَاء من الْأُسَارَى قد وَقعا بعد الْمُشَاورَة فيهمَا، وَلم يعلم أَن الأولى فيهمَا التّرْك إِلَّا بعد الْوَحْي فالنبي مَعْذُور فيهمَا كَمَا يشْعر بِهِ قَوْله تَعَالَى: {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} حَيْثُ قدم على الْخطاب مَا يدل على أَنه لَيْسَ بطرِيق العتاب
[وعتاب الْأَنْبِيَاء على ترك الْأَفْضَل مَعَ فعل الْفَاضِل(1/647)
فَلَا يكون فعل الْفَاضِل زلَّة] وَقَوله تَعَالَى: {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} حَيْثُ لم يواجهه بالعبارة الصَّرِيحَة، بل بِصُورَة الْغَيْبَة على طَرِيق النَّصِيحَة غَايَة مَا يُقَال أَنه وَقع ترك الأولى فيهمَا، وَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل قَوْله تَعَالَى: {لم تحرم مَا أحل الله لَك} إِذْ لَا قَائِل بِأَن الْمُبَاشرَة للجاربة أَو شرب الْعَسَل كَانَ أولى من تَركهمَا لِأَن كل وَاحِد من الْأَمريْنِ من قبيل الْمُبَاح الَّذِي لَا حرج فِي فعله وَلَا فِي تَركه، وإنماقيل لَهُ هَكَذَا رفقا بِهِ وشفقة عَلَيْهِ، فَيكون التَّحْرِيم بِمَعْنى الِامْتِنَاع من الِانْتِفَاع بِالْأَمر الْمُبَاح لتطييب خواطر الْأزْوَاج الطاهرات اللَّاتِي قابلنه بالمخالفة فِيمَا يسوؤه حَتَّى أَلْجَأَهُ إِلَى الِامْتِنَاع من الِانْتِفَاع بِمَا أحله الله تَعَالَى {ووضعنا عَنْك وزرك} كَانَ قبل النُّبُوَّة، أَو من ترك الأولى [وَالأَصَح صرف الْوزر إِلَى أثقال الرسَالَة]
{واستغفر لذنبك} : أَي لما يتَصَوَّر عنْدك أَنه تَقْصِير
و {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} : من بَاب الِاسْتِعَارَة التمثيلية من غير تحقق مَعَاني الْمُفْردَات، فَالْمَعْنى أَنَّك مغْفُور غير مَأْخُوذ بذنب أَن لَو كَانَ
وَمثله الإِمَام بقَوْلهمْ (اضْرِب من لقِيت وَمن لَا تَلقاهُ) مَعَ أَن من لَا تَلقاهُ لَا يمكنك ضربه [وَمثله قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف} يَعْنِي إِن أمكنكم أَن تنْكِحُوا، والمصدر يجوز إِضَافَته إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فَالْمَعْنى: ليغفر لِأَجلِك وَلأَجل بركتك مَا تقدم من ذنبهم فِي حَقك وَمَا تَأَخّر وَيقرب مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله لعذبهم وَأَنت فيهم} ]
(وَالْمرَاد مِنْهُ الْعُمُوم فَكَذَا هَهُنَا)
وَالْحق أَن الْعِصْمَة لَا ترفع النَّهْي، وَقد كَانَ الله يحذر نبيه من اتِّبَاع الْهوى أَكثر مِمَّا يحذر غَيره، لِأَن ذَا الْمنزلَة الرفيعة إِلَى تَجْدِيد الْإِنْذَار أحْوج حفظا بِمَنْزِلَتِهِ وصيانة بمكانته وَقد قيل: حق الْمرْآة المجلوة أَن يكون تعهدها أكئر إِذا كَانَ قَلِيل من الصدأ عَلَيْهَا أظهر
والعصة: تعم الذَّات كلهَا
وَالْحِفْظ: يتَعَلَّق بالجوارح مُطلقًا (وعصم الكوافر: مَا يعتصم بِهِ الكافرات من عقد وَسبب)
العَبْد: هوإنسان يملكهُ من يملك
فِي " الْقَامُوس " هُوَ إِنْسَان حرا كَانَ أَو عبدا، أَو الْمَمْلُوك وَهُوَ أشرف أَسمَاء الْمُؤمن، وَلِهَذَا عبر بِهِ عَمَّن هُوَ أشرف نوع الْإِنْسَان فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} غير أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى العروج بِالْبدنِ وَالروح مَعًا إِذْ العَبْد اسْم الْمَجْمُوع(1/648)
وَعبد قن: إِذا كَانَ خَالص القنونة أَي الْعُبُودِيَّة، وَأَبَوَاهُ عبد وَأمة
والقن: لَا يَشْمَل الْأمة عِنْد الْفُقَهَاء.
وَالْعَبْد الْمُضَاف إِلَى الله تَعَالَى يجمع على (عباد) ، وَإِلَى غَيره على (عبيد) وَهَذَا هُوَ الْغَالِب
وَفِي عرف الْقرى ن إِضَافَة الْعباد تخْتَص بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْعَبِيد: إِذْ أضيف إِلَى الله فَهُوَ أَعم من الْعباد، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَنا بظلام للعبيد}
وَقد قَالَ فِي مَوضِع آخر: {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} خصص أَحدهمَا بالإرادة مَعَ لفظ الْعباد، وَالْآخر بِلَفْظ الظلام، وَالْعَبِيد تَنْبِيها على أَنه لَا يظلم من يخصص بِعِبَادَتِهِ
وَاعْلَم أَن الْمَنْفِيّ فِي قَوْله: {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} نفي حُدُوث تعلق إِرَادَته بالظلم فَيكون أبلغ، وَالتَّقْدِير ظلما مِنْهُ كَمَا هُوَ عِنْد السّني، لَا مُطلقًا حَتَّى يعم ظلم بعض الْعباد لبَعض، فالحمل على التَّقْيِيد بِدلَالَة السُّوق
[قَالَ أهل اللُّغَة: إِذا قَالَ رجل لآخر: لَا أُرِيد ظلمك، كَانَ مَعْنَاهُ: لأ أُرِيد أَن تظلم أَنْت من غير تعْيين الْفَاعِل، وَإِذا قَالَ: لَا أُرِيد ظلما لَك كَانَ مَعْنَاهُ: لَا أُرِيد أَن أظلمك فَهَذِهِ اللَّفْظَة، وَإِن كَانَت مُحْتَملَة للمعنيين جَمِيعًا، إِلَّا أَنا نعين أَحدهمَا وَهُوَ أَن المُرَاد: لَا أُرِيد ان أظلمك بِدلَالَة السُّوق] وَالْحمل على الْإِطْلَاق وَعُمُوم النَّفْي كَمَا حمله المتعتزلة لَا يُقَال: وُقُوع ظلم بَعضهم لبَعض، كَيفَ لَا يكون بِغَيْر إِرَادَته، وَقد تقرر أَنه لَا يجْرِي فِي ملكه الا مَا يَشَاء، ولووقع بإرادته، وفيهَا إِشْعَار بِالطَّلَبِ، فَطلب الْقَبِيح قَبِيح وَلَو لم يعد ظلم بَعضهم لبَعض وتمكينه عَلَيْهِ وخلقه عقيب إِرَادَته بِاخْتِيَارِهِ وَكَسبه ظلما مِنْهُ تَعَالَى فَلِأَن لَا يعد ترك المعاقبة على الظُّلم ظلما أولى فَيلْزم حِينَئِذٍ أَن لَا ينْتَقم من الظَّالِم وَهَذَا يُنَافِي الْعدْل، لأَنا نقُول: جَمِيع مَا وَقع بإرادته تَعَالَى، لَكِن إِرَادَة ظلم الْعباد فِيمَا بَينهم لَيست بِرِضَاهُ وبمحبته، فَيجْعَل مجَازًا عَن الرضى
والقبيح هُوَ الاتصاف وَالْقِيَام لَا الإيجاد والتمكين كَمَا بَين فِي مَحَله وَالظُّلم فِي صُورَة التَّمْكِين قَائِم بِالْعَبدِ، والمتصف بِهِ هُوَ لَا الْخَالِق والممكن وَفِي صُورَة ترك الانتقام من الظَّالِم إِرَادَة حكم ظلمه للمظلوم فَيلْزم أَن يَتَّصِف الْبَارِي تَعَالَى نَفسه بالظلم غَايَة مَا فِي الْبَاب يكون ذَلِك شَبِيها بِرِضَاهُ بذلك، وَإِن لم يجب عَلَيْهِ شَيْء عندنَا
وعبودية النَّبِي أشرف من رسَالَته لِأَنَّهُ بالعبودية ينْصَرف من الْخلق إِلَى الْحق، وبالرسالة بِالْعَكْسِ، وَلِهَذَا قدم فِي (أشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله) وَبِه رجح تشهد ابْن مَسْعُود على تشهد ابْن عَبَّاس [وَاعْلَم أَن امْتنَاع صُدُور الْقَبِيح عَنهُ تَعَالَى على قَاعِدَة الاعتزال بِدَلِيل عقلى هُوَ أَنه تَعَالَى مستغن عَن الْقَبِيح وعالم بقبحه وبغناه عَنهُ فَيمْتَنع الصُّدُور لحكمته لَا لِخُرُوجِهِ عَن قدرته، وبدلائل سمعية نطق بهَا التَّنْزِيل فَإِن نفى الظُّلم عَنهُ تَعَالَى لَيْسَ إِلَّا لقبحه فَيعم القبائح كلهَا وَمن الْمَعْلُوم أَنه إِذا لم(1/649)
يكن آمرا بالفحشاء لم يكن فَاعِلا لَهَا أصلا، وَأما على قَاعِدَة أهل الْحق فَلَا قَبِيح بِالنِّسْبَةِ الى الله تَعَالَى، بل الْأَفْعَال كلهَا بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ على سَوَاء، وَلَا يتَصَوَّر فِي أَفعاله الظُّلم، لِأَن الْكل مِنْهُ وَبِه وَإِلَيْهِ، وَله أَن يتَصَرَّف فِي الْأَشْيَاء كَمَا يَشَاء، وَإِنَّمَا يُوصف بالقبح وَالظُّلم ونظائرهما أَفعَال الْعباد بِاعْتِبَار كسبهم لَهَا وقيامها بهم، لَا بِاعْتِبَار إِيجَاد الله إِيَّاهَا فيهم كَمَا حقق فِي مَحَله والعبودية أقوى من الْعِبَادَة لِأَنَّهَا الرضى بِمَا يفعل الرب
وَالْعِبَادَة: فعل مَا يُرْضِي الرب
وَالْعِبَادَة تسْقط فِي العقبى، والعبودية لَا تسْقط] وعبدت الله بِالتَّخْفِيفِ، وعبدت الرجل بِالتَّشْدِيدِ: أَي اتخذته عبدا
الْعَزْم: عزم على الْأَمر: أَرَادَ فعله وَقطع عَلَيْهِ، أَو جد فِي الْأَمر [وَأما الْقَصْد فَإِنَّهُ اذا كَانَ كَافِيا فِي وجود الْمَوْجُود كَانَ مَعَه، وَإِذا لم يكن كَافِيا فِيهِ يتَقَدَّم عَلَيْهِ زَمَانا، وَقد يُقَال: معنى الْقَصْد إِلَى تَحْصِيل الشَّيْء والتأثير فِيهِ لَا يعقل إِلَّا حَال عدم حُصُوله، كَمَا أَن إيجاده لَا يعقل الا حَال حُصُوله وَإِن كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ بِالذَّاتِ
وَاخْتلف الْعُقَلَاء فِي أَن الْحَالة الَّتِي تظهرفي قلبنا قبل أَن نَفْعل شَيْئا أَو نتركه حَتَّى تَقْتَضِي الْفِعْل أَو التّرْك مَا هِيَ؟ فَقَالَ قوم من محققي الْمُعْتَزلَة: إِنَّهَا هِيَ الداعية، وَمن النَّاس من قَالَ: الْميل والإرادة حَالَة زَائِدَة على هَذِه الداعية، لِأَن الْميل يُوجد بِدُونِ هَذِه الداعية، فَإِن العطشان إِذا خير بَين شرب قدحين متساويين من المَاء فَلَا بُد أَن يحدث فِي قلبه ميل الى تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر، وَكَذَا مَتى علمنَا أَو اعتقدنا أَو ظننا اشْتِمَال الْفِعْل على الْمصلحَة يتَوَلَّد عَن ذَلِك الْعلم ميل ورغبة وترجيح وَيكون ذَلِك الْميل كالأمر اللَّازِم لذَلِك الْعلم، وكالأمر الْمُتَوَلد مِنْهُ، والداعي فِي فِي حق الله لَيْسَ إِلَّا الْعلم باشتمال ذَلِك الْفِعْل على مصلحَة راجحة لَا الِاعْتِقَاد وَالظَّن، فَإِنَّهُمَا ممتنعان على الْبَارِي تَعَالَى]
والعزيمة: اسْم لما هُوَ أصل من الْأَحْكَام غير مُتَعَلق بالعوارض
والرخصة: اسْم لما بني على أعذار الْعباد، وَهُوَ مايستباح مَعَ قيام الْمحرم
وأولو الْعَزْم من الرُّسُل: هم الَّذين عزموا على أَمر الله فِيمَا عهد إِلَيْهِم (أَو هم: نوح، وَإِبْرَاهِيم، ومُوسَى، وَمُحَمّد، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام)
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هم أولو الْجد والثبات، أَو هم: نوح، وَإِبْرَاهِيم، وَإِسْحَق، وَيَعْقُوب، ويوسف، وَأَيوب، ومُوسَى، وَدَاوُد، وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام
قَالَ بَعضهم: الْمُرْسل إِذا أعطي السَّيْف أَو الْجَبْر والإلحاح فِي الْجُمْلَة كَانَ من أولي الْعَزْم من الرُّسُل
وَقَالَ الْبَعْض: أولو الْعَزْم من الرُّسُل هم أَصْحَاب الشَّرَائِع اجتهدوا فِي تأسيسها وتقريرها، وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فِيهَا ومشاهيرهم: نوح، وَإِبْرَاهِيم، ومُوسَى(1/650)
وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام [وَفِي " الإتقان ": أصح الْأَقْوَال أَنهم سيدنَا نوح وَسَيِّدنَا إِبْرَاهِيم وَسَيِّدنَا مُوسَى وَسَيِّدنَا عِيسَى وَسَيِّدنَا ومولانا مُحَمَّد عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام نظم بعض الأدباء:
(أولو الْعَزْم نوح والخليل بن آزر ... ومُوسَى وَعِيسَى والحبيب مُحَمَّد] )
العوذ: الالتجاء والاستجارة
فَمَعْنَى أعوذ بِاللَّه: أَي ألتجىء إِلَى رَحمته وعصمته و [العوذ] : الإلصاق أَيْضا
يُقَال: أطيب اللَّحْم عوذه: وَهُوَ مَا ألصق مِنْهُ بالعظم، وعَلى هَذَا مَعْنَاهُ ألصق نَفسِي بِفضل الله وَرَحمته و (من) بعده إِمَّا للابتداء كَمَا فِي قَوْله: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} وَأما للانتقال كَمَا فِي قَوْله: {وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} وَإِمَّا للتعدية فَإِن وُقُوع هَذَا الْفِعْل على الِاسْم الْمَذْكُور بعده مُخْتَصّ بِهَذِهِ الْكَلِمَة لُغَة وَتَحْقِيق الْمَعْنى الأول وَالثَّانِي أَن العوذ يبْدَأ بالانفصال من الشَّيْطَان، وَيتم بالاتصال بِاللَّه، وَهُوَ انْتِقَال من غير الله إِلَى الله [وَهُوَ دُعَاء بِلَفْظ الْخَبَر وَلَيْسَ من الْقُرْآن] وَيقْرَأ قبل الْقِرَاءَة بِمُقْتَضى الْخَبَر، وَبعدهَا بِمُقْتَضى الْقُرْآن جمعا بَين الدَّلَائِل بِقدر الْإِمْكَان
وَهُوَ فِي الصَّلَاة للْقِرَاءَة عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد بِدَلِيل قَوْله: {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} فَلَا يتَعَوَّذ الْمُؤْتَم عِنْدهمَا إِذْ لَا قِرَاءَة عَلَيْهِ
وللصلاة عِنْد أبي يُوسُف لعدم التكرر بِالْقِرَاءَةِ، فَعنده يتَعَوَّذ الْمُؤْتَم لِأَنَّهُ للصَّلَاة وَقدم الْعَامِل فِيهِ خلاف التَّسْمِيَة للاهتمام كَمَا فِي {اقْرَأ باسم رَبك} وَهُوَ دُعَاء بِلَفْظ الْخَبَر وَلَيْسَ من الْقُرْآن
وَأما الْبَسْمَلَة فقرآنيتها أَوَائِل السُّور ثَابِتَة ظنا لَا قطعا، والتواتر فِي نَفيهَا لاثباتها أَيْضا مَمْنُوع لعدم انطباق ضَابِط التَّوَاتُر عَلَيْهِ، إِذْ هُوَ خبر جمع يمْتَنع عَادَة توافقهم على الْكَذِب، وَيكون خبرهم عَن محسوس لَا عَن مَعْقُول وَلَا معَارض هُنَاكَ، وفيهَا لم يبلغ كل وَاحِد من الطَّرفَيْنِ مبلغا يمْتَنع فِي الْعَادة التوافق على الْكَذِب فِي مثله، وَالْحَال أَن الْمعَارض مَوْجُود والنافي قَائِم فَلَا تصح دَعْوَى تَوَاتر ذَلِك، فَلَا يلْزم تَوَاتر المحكمين المتناقضين بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات وَلَئِن سلم فالشيء قد يتواتر عِنْد قوم دون آخَرين، بل الْمُتَوَاتر فِي طبقَة قد يكون آحادا فِي غَيرهَا كَمَا فِي الْقِرَاءَة الشاذة فِي بعض موَاضعهَا، فَإِنَّهُ متواترفي الطَّبَقَة الأولى فَيكون من الْمُتَوَاتر الْمُخْتَلف فِيهِ؛ وَمثله لقُوَّة الشُّبْهَة لَا يكفر جاحده
وَذكر فَخر الْإِسْلَام الْبَزْدَوِيّ فِي " الْمَبْسُوط " أَن التَّسْمِيَة عندنَا آيَة من الْقُرْآن نزلت للفصل بَين السُّور، وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَبنَا وَلِهَذَا كره مُحَمَّد الْقِرَاءَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} على قصد الْقِرَاءَة لَا على قصد افْتِتَاح أمره لِأَنَّهَا آيَة تَامَّة غير الَّتِي فِي سُورَة النَّمْل فَإِنَّهَا بعض آيَة وَذكر أَبُو(1/651)
بكر أَن الْأَصَح أَنَّهَا آيَة فِي حق حُرْمَة الْمس دون جَوَاز الصَّلَاة [والمتأخرون من الْحَنَفِيَّة ذَهَبُوا إِلَى أَن الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَنَّهَا أَيَّة وَاحِدَة من الْقُرْآن لَيست جُزْءا لشَيْء من السُّور، بل نزلت وَحدهَا للفصل بَينهَا تبركا بهَا فَنَشَأَ من ذَلِك اخْتِلَاف آخر، وَهُوَ أَنَّهَا آيَة وَاحِدَة مُنْفَرِدَة أَو آيَات بِعَدَد تِلْكَ السُّور وَالْقَوْل أَنَّهَا لَيست بِآيَة من السُّور مَحْمُول على مَا هُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَأَتْبَاعه، أَعنِي أَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن أصلا، وَهُوَ أَيْضا قَول ابْن مَسْعُود وَمذهب مَالك رَضِي الله عَنْهُمَا] ، (وَلم يُوجد مَا فِي حَوَاشِي " الْكَشَّاف " " والتلويح " أَنَّهَا لَيست من الْقِرَاءَة فِي الْمَشْهُور من مَذْهَب أبي حنيفَة نعم قد ثَبت ذَلِك من مَذْهَب مَالك رَحمَه الله
وكل أُنْثَى وضعت فَهِيَ عَائِذ، إِلَى سَبْعَة أَيَّام)
الْعشَاء، بِالْفَتْح وَالْمدّ: طَعَام يُؤْكَل بَين الظّهْر وَنصف اللَّيْل، وَيُطلق على الْوَقْت توسعا
وَإِذا حصلت آفَة فِي الْبَصَر قيل عشي كرضي
وَإِذا نظر نظر المعشي بِلَا آفَة قيل: عشا كنصر أَي تعامى وَنَظِيره (عرج) فَإِنَّهُ ك (علم) لمن بِهِ آفَة وك (فتح) لمن مَشى مشْيَة العرجاء من غير آفَة
الْعَصْر: الدَّهْر وَالْيَوْم وَاللَّيْلَة وَالْعشَاء إِلَى احمرار الشَّمْس
وكريم الْعَصْر: كريم النّسَب
والعصير: للرطب لَا للتمر، فَإِن الْمُتَّخذ مِنْهُ النَّبِيذ دون الْعصير، وَمن هُنَا اتَّضَح وَجه رُجْحَان عبارَة (أعصر) على (اتخذ) فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا}
العنصر وتفتح الصَّاد: الأَصْل والحسب
الْعَار: هُوَ كل شَيْء لزم بِهِ عيب وعير الْأَمر، لَا بِالْأَمر
والمعار، بِالْكَسْرِ: الْفرس الَّذِي يحيد عَن الطَّرِيق براكبه قَالَ: أَحَق الْخَيل بالركض المعار لَا من الْعَار من الْعَارِية الَّتِي هِيَ تمْلِيك الْمَنْفَعَة بِلَا بدل، وَهِي واوية بِدلَالَة (يعاورنا) والعار يائي لقَولهم: عيرته بِكَذَا وَالصَّوَاب أَن الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْعَارِية اسْم من الْإِعَارَة، وَيجوز أَن يكون من التعاور وَهُوَ التناوب، وَأَن تكون الْيَاء كَمَا فِي (كرْسِي)
وَالْعَارِية: مُشَدّدَة وَقد تخفف
والكراهية: بِالتَّخْفِيفِ فَقَط
العمه: التحير والتردد بِحَيْثُ لَا يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه وَهُوَ فِي البصيرة كالعمى فِي الْبَصَر
قيل: الْعَمى عَام فِي الْبَصَر والرأي، والعمه فِي الرَّأْي خَاصَّة وَفِي قَوْله تَعَالَى: (من كَانَ فِي هَذِه(1/652)
أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} قيل: الأول اسْم الْفَاعِل وَالثَّانِي قيل هُوَ مثله، وَقيل هُوَ (أفعل من كَذَا) الَّذِي للتفضيل لِأَن ذَلِك من فقدان البصيرة [والعمى: يسْتَعْمل فِي الْبَصَر، يُقَال: أعمى، وَقوم عمي، وَفِي البصيرة، يُقَال: رجل عمي الْقلب وَقوم عمون]
الْعَصَا: مَعْرُوفَة وَهِي أَيْضا اللِّسَان وَعظم السَّاق
وعصوت السَّيْف، وعصيت بالعصا أَو بِالْعَكْسِ، أَو كِلَاهُمَا فِي كليهمَا
وشق الْعَصَا: مُخَالفَة جمَاعَة الْإِسْلَام
وَألقى عَصَاهُ: بلغ مَوْضِعه وَأقَام
الْعَيْش، بِالْفَتْح: الْحَيَاة المختصة بِالْحَيَوَانِ وَإِذا كثرته لزم التَّاء ك {عيشة راضية} {والمعيشة الضنك: عَذَاب الْقَبْر}
الْعجل: السرعة
{أعجلتم أَمر ربكُم} : أَي سبقتم
و {خلق الْإِنْسَان من عجل} : أَي من طين بلغَة حمير أَو من تَعْجِيل: وَهُوَ أَمر (كن) ، أَو من ضعف، أَو من بَاب الْقلب مثل: {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار} أَي خلق الْعجل من الْإِنْسَان وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ يدل على الْمُبَالغَة كَمَا يُقَال للَّذي هوجاد: نارتشتعل
الْعَلامَة: فِي اللُّغَة الأمارة بِالْفَتْح كالمنارة لِلْمَسْجِدِ والعلامة تتخلف عَن ذِي الْعَلامَة كالسحاب مثلا فَإِنَّهُ عَلامَة الْمَطَر، وَالدَّلِيل لَا يتَخَلَّف عَن الْمَدْلُول كالدخان وَالنَّار مثلا
العلاقة، بِالْكَسْرِ: هِيَ علاقَة الْقوس وَالسَّوْط وَنَحْوهمَا
وبالفتح: علاقَة الْمحبَّة وَالْخُصُومَة وَنَحْوهمَا
فالمفتوح يسْتَعْمل فِي الْأُمُور الذهنية، والمكسور فِي الْأُمُور الخارجية
والعلاقة بِالْفَتْح ايضا: هِيَ اتِّصَال مَا بَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي، وَذَلِكَ مُعْتَبر بِحَسب قُوَّة الِاتِّصَال، وَيتَصَوَّر ذَلِك الِاتِّصَال من وُجُوه خَمْسَة: الِاشْتِرَاك فِي شكل
والاشتراك فِي صفة
وَكَون الْمُسْتَعْمل فِيهِ - أَعنِي الْمَعْنى الْمجَازِي - على الصّفة الَّتِي يكون اللَّفْظ حَقِيقَة فِيهَا
وَكَون الْمُسْتَعْمل فِيهِ آيلأ غَالِبا إِلَى الصّفة الَّتِي هِيَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ
والمجاورة
فالأولان يسميان مستعارا، وَمَا عداهما مجَازًا مُرْسلا، وَوجه الْمُجَاورَة يعم الْأُمُور الْمَذْكُورَة
قَالَ صَاحب " الْأَحْكَام " بعد مَا عد الْوُجُوه الْخَمْسَة: وَجَمِيع جِهَات التَّجَوُّز وَإِن تعدّدت غير خَارِجَة عَمَّا ذَكرْنَاهُ
الْعقَاب: هوجزاء الشَّرّ والنكال أخص مِنْهُ(1/653)
[وَالْجَزَاء إِذا أطلق فِي معرض الْعُقُوبَات يُرَاد بِهِ مَا يجب حَقًا لله تَعَالَى بِمُقَابلَة فعل العَبْد، لِأَنَّهُ الْمجَازِي على الْإِطْلَاق، وَلِهَذَا سميت دَار الْآخِرَة دَار الْجَزَاء]
وَالْعَذَاب: الْأَلَم الثقيل، جَزَاء كَانَ أَو لَا، دُعَاء كَانَ أَو لَا
والعقوبة والمعاقبة وَالْعِقَاب: يخْتَص بِالْعَذَابِ
والعقبى: تخْتَص بالثواب، كَذَا الْعَاقِبَة مُطلقًا وَأما بِالْإِضَافَة فقد يسْتَعْمل فِي الْعقُوبَة نَحْو: {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساءوا السوأى}
{وعقبى الْكَافرين النَّار} اسْتِعَارَة من ضِدّه كَقَوْلِه: {فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم}
العنيد: قيل هُوَ الَّذِي يعاند وَيُخَالف
والعنود: هُوَ الَّذِي يعند عَن الْقَصْد وَقيل هُوَ مثل العنيد
والمعاند: المتباهي بِمَا عِنْده
وَيُقَال: بعير عنود، وَلَا يُقَال عنيد
العيان، بِالْكَسْرِ: مصدر عاين الشَّيْء إِذا رَآهُ بِعَيْنِه
وبالفتح: مصدر عان المَاء والدمع إِذا سَالَ
والعيان: صفة الرَّائِي، والمعاينة: صفة المرئي
وعينتة بِتَقْدِيم الْبَاء: أَي أصبته، وَمِنْه العائن
وعنيت كَذَا - بِتَقْدِيم النُّون -: قصدته
وعني بِهِ - مَبْنِيا للْمَفْعُول -: من الْعِنَايَة وَهِي تَخْلِيص الشَّخْص عَن محنة تَوَجَّهت إِلَيْهِ [وفسرها شَارِح " المواقف " فِي الْحَاشِيَة بِعلم الله الْمُحِيط بالموجودات على أبلغ نظام]
وماكان من العناء فَهُوَ عني فِيهِ
الْعَطِيَّة: هِيَ مَا تفرض للمقاتلة
والرزق: هوما يَجْعَل لفقراء الْمُسلمين إِذا لم يَكُونُوا مقاتلة
قَالَ الْحلْوانِي: الْعَطاء لكل سنة أَو شهر، والرزق يَوْمًا بِيَوْم
والعطية الْمَعْهُودَة هِيَ الَّتِي نزلت فِيهَا سُورَة الضُّحَى والكوثر
وَالعطَاء للغني وَالْفَقِير وَالنَّاس لَا يُحصونَ، وَالتَّصَدُّق يخْتَص بالفقراء
[الْعيار: فِي الأَصْل مصدر (عايرت المكاييل والموازين) إِذا قايستها، ثمَّ نقل الى الْآلَة، أَعنِي مَا يُقَاس بِهِ، ثمَّ إِلَى الدَّلِيل الَّذِي يعرف بِهِ حَال الشَّيْء]
العندليب: طير مَعْرُوف، وَالْجمع عنادل لِأَن مَا جَاوز أَرْبَعَة وَلم يكن حرف مد ولين يرد إِلَى الرباعي ويبنى مِنْهُ الْجمع
الْعقار، بِالْفَتْح: لُغَة: الأَرْض وَالشَّجر وَالْمَتَاع
فِي " الْعمادِيَّة " الْعقار اسْم للعرصة المبنية
والضيعة اسْم للعرصة لَا غير، وَيجوز إِطْلَاق اسْم الضَّيْعَة على الْعقار وَقد سبق تَفْصِيله
والعقر، بِالضَّمِّ: مهر الْمَرْأَة إِذا وطِئت بِشُبْهَة، وَإِذا ذكر فِي الْحَرَائِر يُرَاد بِهِ مهر الْمثل، وَإِذا ذكر فِي الْإِمَاء فَهُوَ عشر قيمتهن إِن كن أَبْكَارًا، أَو(1/654)
نصف ذَلِك إِن كن ثيبات وَفِي " الْمُضْمرَات " (رُوِيَ عَن أبي حنيفَة فِي تَفْسِير الْعقر أَنه مَا يتَزَوَّج بِهِ مثلهَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى)
الْعَرُوس: هُوَ مِمَّا يَسْتَوِي فِي الْوَصْف بِهِ الْمُذكر والمؤنث يُقَال: رجل عروس، وَرِجَال عروس، وَامْرَأَة عروس، وَنسَاء عرائس
الْعَدَم: الْفَقْد وضد الْوُجُود [وَهُوَ عبارَة عَن لَا وجود، وَلَا وجود نفي للوجود، والمتصف بِصفة النَّفْي يكون منفيا، كَمَا أَن المتصف بِصفة الْإِثْبَات يكون ثَابتا]
والعدم الْمُطلق: هوالذي لَا يُضَاف إِلَى شَيْء
والمقيد: مَا يُضَاف إِلَى شَيْء نَحْو: عدم كَذَا
والعدم السَّابِق: هُوَ الْمُتَقَدّم على وجود الْمُمكن
والعدم اللَّاحِق: هُوَ الَّذِي بعد وجوده
والعدم الْمَحْض: هُوَ الَّذِي لَا يُوصف بِكَوْنِهِ قَدِيما وَلَا حَادِثا وَلَا شَاهدا وَلَا غَائِبا
[والعدم الْمُطلق بِمَعْنى أَن لَا يتَحَقَّق لَا ذهنا وَلَا خَارِجا يُقَابله الْوُجُود بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ، أَعنِي التحقق ذهنا وخارجا، وَكَذَا الْعَدَم فِي الْخَارِج يُقَابله الْوُجُود فِي الذِّهْن، وَلَا تقَابل بَينهمَا، بِمَعْنى أَن يكون مَعْدُوما بِأَيّ عدم كَانَ، ذهني أَو خارجي، وَأَن يكون مَوْجُودا بِأَيّ وجود كَانَ، ذهني أَو خارجي
والعدم الْمُطلق لَا يتَصَوَّر أصلا، والوجود لَا يتَصَوَّر إِلَّا مَنْسُوبا إِلَى معروض مَا، والمعتزلة كَانُوا متناقضين فِي أَقْوَالهم فِي الْمَعْدُوم يَقُولُونَ: الْمَعْدُوم شَيْء، وَالشَّيْء وَالْمَوْجُود عبارتان عَن معنى وَاحِد، وَيَقُولُونَ أَيْضا: الْمَعْدُوم شَيْء وَلَيْسَ بموجود، وَيَقُولُونَ أَيْضا: الْمَعْدُوم ذَات، وَلَا يَقُولُونَ: الْمَعْدُوم مَوْجُود مَعَ أَن الذَّات وَالْمَوْجُود وَاحِد]
الْعِيَال، كسحاب: الْورْد الْجبلي يغلظ حَتَّى تقطع مِنْهُ العصي، قيل: مِنْهُ عَصا مُوسَى
وبالكسر (كرجال) : جمع عيل كثير، وَهُوَ من يعوله ويمونه وَينْفق عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ، كَمَا فِي " الْمغرب ".
وَفِي " الْقَامُوس " الْعِيَال مُفْرد
الْعِيد: السرُور، يجمع على (أعياد) على خلاف الْقيَاس فرقا بَينه وَبَين جمع (عود) ، إِذْ هُوَ يجمع على أَعْوَاد
الْعبارَة: تركيبها من (ع ب ر) وَهِي من تقاليبها السِّتَّة تفِيد العبور والانتفال والعبور من الْمَعْنى إِلَى اللَّفْظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَكَلّم، وَبِالْعَكْسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطب
وَدخل عَابِر سَبِيل: أَي مارا ومجتازا من غير وقُوف وَلَا إِقَامَة و (عابري) بِالْيَاءِ خطأ
العنبر: قَالَ ابْن سينا: الْحق أَنه مَاء يخرج من عين فِي الْبَحْر يطفو ويرمى بالسَّاحل
الْعجب، بِفتْحَتَيْنِ: روعة تعتري الْإِنْسَان عِنْد استعظام الشَّيْء، وَالله متنزه عَن ذَلِك إِذْ هُوَ علام الغيوب لَا يخفى عَلَيْهِ خافية، بل هُوَ من الله تَعَالَى إِمَّا على سَبِيل الْفَرْض والتخييل، أَو على معنى الاستعظام اللَّازِم للعجب [وَفِي " الْقَامُوس "(1/655)
الْعجب من الله: الرضى]
الْعرْفَان: هُوَ إِذا اسْتعْمل ب (من) يَقْتَضِي أَن يكون مشافهة بِخِلَاف مَا إِذا اسْتعْمل ب (عَن)
العلاوة، بِالْكَسْرِ: فِي الأَصْل هُوَ مَا يوضع فَوق الْأَحْمَال بعد تَمام الْحمل وَفِي عِبَارَات المصنفين: عبارَة عَن ضميمة يعْتَبر انضمامها إِلَى مَا جَعَلُوهُ أصلا لَهَا بعد اعْتِبَار تَمَامه تَشْبِيها للمعقول بالمحسوس بِجَامِع الانضمام إِلَى أصل هُوَ مستغن عَن تِلْكَ الضميمة، وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَعْمل فِي الإطلاقات
الْعرف: الرّيح طيبَة كَانَت أَو مُنْتِنَة وَأكْثر اسْتِعْمَاله فِي الطّيبَة
والعارفة: الْمَعْرُوف كالعرف بِالضَّمِّ يجمع على عوارف
[الْعتْق: هُوَ عبارَة عَن الْقُوَّة يُقَال: (عتق الفرخ) : أَي قوي وطار عَن وَكره
وَالْخمر إِذا تقادم عهدها سميت عتيقا لزِيَادَة قوتها
والكعبة تسمى عتيقا لقوتها الدافعة عَن نَفسهَا
وَفِي الشّرف: عبارَة عَن الْقُوَّة الْحكمِيَّة يظْهر أَثَرهَا فِي الْمَالِكِيَّة، وَالْفَرْض من الْمَالِكِيَّة تمْلِيك الْأَشْيَاء بأسبابها]
العترة: هِيَ نسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون مِمَّن مضى
والصهر: الْقَرَابَة الْحَاصِلَة بِسَبَب المناكحة
والختن: كل من كَانَ من قبل الْمَرْأَة كَالْأَبِ وَالْأَخ
وَفِي الْعرف: هُوَ زوج الِابْنَة
الْعلَّة، بِالْفَتْح: الضرة
وَبَنُو العلات: بَنو أُمَّهَات شَتَّى من أَب وَاحِد وَفِي الحَدِيث " الْأَنْبِيَاء بَنو علات " مَعْنَاهُ أَنهم لأمهات مُخْتَلفَة وَدينهمْ وَاحِد
الْعِفَّة: الْكَفّ عَمَّا لَا يحل
الْعَيْب: هُوَ مَا يَخْلُو عَنهُ أصل الْفطْرَة السليمة
العريف: هُوَ رَئِيس الْقَوْم لِأَنَّهُ عرف بذلك أَو النَّقِيب، وَهُوَ دون الرئيس
الْعرق: هُوَ عظم عَلَيْهِ لحم وَبِدُون اللَّحْم عظم
والعرق، بِفتْحَتَيْنِ: ترشح الْجلد
العاج: هُوَ نَاب الفيلة، وَلَا يُسمى غير نابها عاجا
الْعَسَل: هُوَ اسْم الصافي، والشهد هُوَ اسْم الْمُخْتَلط الْعم: الْجمع الْكثير، وكل من جمع أَبَاك وأباه صلب أَو بطن فَهُوَ عَم، وَالْأُنْثَى عمَّة
وَعم الشَّيْء عُمُوما: شَمل الْجَمَاعَة، يُقَال عمهم بِالْعَطِيَّةِ وكل مَا اجْتمع وَكثر فَهُوَ عميم. الْعِصْيَان: الِامْتِنَاع عَن الانقياد
العقم: السد وَالْقطع
وَامْرَأَة عقيمة: أَي مسدودة الرَّحِم(1/656)
وَملك عقيم: لقطع صلَة الرَّحِم بالتزاحم عَلَيْهِ، أَو لعدم نفع النّسَب فِيهِ لِأَنَّهُ يقتل فِي طلبه الْأَب وَالْأَخ وَالْعم وَالْولد
وَيَوْم عقيم: لانْقِطَاع الْخَيْر فِيهِ وَقيل: لِأَنَّهُ لَا ليل بعده وَلَا يَوْم
الْعقب: الشَّهْر، بِالضَّمِّ: لما بعد مَا مضى الشَّهْر
وبالفتح والسكون أَو بِالْكَسْرِ: لما بعد مَا بقيت من الشَّهْر بَقِيَّة
عَرَفَات: اسْم فِي لفظ الْجمع فَلَا تجمع معرفَة، وَإِن كَانَت جمع (عَرَفَة) جمع (عَارِف) لِأَن الْأَمَاكِن لَا تَزُول فَصَارَت كالشيء الْوَاحِد مصروفة لِأَن التَّاء بِمَنْزِلَة الْيَاء وَالْوَاو فِي (مُسلمين) و (مُسلمُونَ) ، يَعْنِي أَن تاءه الَّتِي مَعَ الْألف عَلامَة جمع الْمُؤَنَّث لَا التَّاء الَّتِي هِيَ عَلامَة التَّأْنِيث، (وَلَا يَصح تقديرها كَمَا فِي (سعاد) لمنع الذُّكُورَة عَنهُ من حَيْثُ إِنَّهَا كالبدل لَهَا لاختصاصها بالمؤنث كتاء بنت)
وعرفة: علم لليوم بِخِلَاف جُمُعَة فَيدْخل التَّنْوِين وَاللَّام عَلَيْهِ لَا على (عَرَفَة) كَمَا فِي " الْجَوْهَرِي "
[قَالَ الْفراء: لم يَتَقَرَّر صِحَة مَجِيء عَرَفَة بِعَرَفَات فَكَأَنَّهَا مولدة وَلَيْسَت بعربي مَحْض وَقَالَ الشَّيْخ سعد الدّين رَحمَه الله: لَو صحت فعرفة وعرفات بِمَعْنى وَاحِد، وَلَيْسَ هُنَاكَ أَمَاكِن مُتعَدِّدَة كل مِنْهَا عَرَفَة جمعت على عَرَفَات]
عَسى: هِيَ مَوْضُوعَة لرجاء دنو الْخَيْر، بل لطمع حُصُول مَضْمُون الْخَيْر مُطلقًا سَوَاء يُرْجَى حُصُوله عَن قريب أَو بعد مُدَّة مديدة تَقول: عَسى الله أَن يدخلني الْجنَّة، وَعَسَى النَّبِي أَن يشفع لي، وَإِذا قلت: (عَسى زيد أَن يخرج) فَهِيَ بِمَعْنى (لَعَلَّه يخرج) وَلَا دنو فِي (لَعَلَّ) اتِّفَاقًا و (كَاد) وضعت لمقاربة الْخَبَر وَلذَلِك جَاءَت متصرفة كَسَائِر الْأَفْعَال الْمَوْضُوعَة للإخبار، بِخِلَاف (عَسى) حَيْثُ لم يتَصَرَّف فِيهِ إِذا لم يَأْتِ مِنْهُ إِلَّا الْمَاضِي لتَضَمّنه معنى الْحَرْف أَعنِي (لَعَلَّ) وَهُوَ إنْشَاء الطمع والرجاء والانشاءات فِي الْأَغْلَب من مَعَاني الْحُرُوف، والحروف لَا يتَصَرَّف فِيهَا وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهَا
عدا: فعل يسْتَثْنى بِهِ مَعَ (مَا) وبدونه
وعداه عَن الْأَمر: صرفه وشغله
وَعَلِيهِ: وثب
وَعنهُ: جاوزه وَتَركه
وعداه تَعديَة: أجَازه وأنفذه
عَاد: هِيَ من أَخَوَات (كَانَ) قد تسْتَعْمل بِمَعْنى (صَار) فَلَا تستدعي الرُّجُوع الى حَالَة سَابِقَة، بل عكس ذَلِك وَهُوَ الِانْتِقَال من حَالَة سَابِقَة إِلَى حَالَة مستأنفة وَالْعرب تَقول: (عَاد فلَان شَيخا) وَهُوَ لم يكن شَيخا قطّ (وَعَاد المَاء آجنا) وَهُوَ لم يكن آجنا فَيَعُود وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {يخرجونهم من النُّور إِلَى الظُّلُمَات} وهم لم يَكُونُوا فِي نور قطّ
وَقد يُرَاد بِالْعودِ مُطلق الصيرورة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن شُعَيْب: (قد افترينا على الله كذبا إِن(1/657)
عدنا فِي ملتكم} لِأَن شعيبا لم يكن فِي ملتهم قطّ حَتَّى عَاد بعد انْتِقَال مِنْهَا
عوض، مُثَلّثَة الآخر مَبْنِيَّة: ظرف لاستغراق الْمُسْتَقْبل فَقَط نَحْو: (لَا أُفَارِقك عوض) أَو الْمَاضِي أَي أبدا يُقَال: (مَا رَأَيْت مثله عوض) وَيخْتَص بِالنَّفْيِ ويعرب إِن أضيف (كلا أَفعلهُ عوض العائفين)
عجب الذَّنب: هُوَ مثل حَبَّة خَرْدَل يكون فِي أصل الصلب عِنْد رَأس العصعص يشبه فِي الْمحل مَحل الذَّنب من ذَوَات الْأَرْبَع، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان كالبذر لجسم النَّبَات، وَهُوَ لَا يبْلى، وَمِنْه يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة كَمَا فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ: يبْلى كَغَيْرِهِ لقَوْله تَعَالَى: {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وَالْمرَاد من حَدِيث " أَنه لَا يبْلى بِالتُّرَابِ بل يبْلى بِلَا تُرَاب " كَمَا يُمِيت الله ملك الْمَوْت بِلَا ملك الْمَوْت [نوع]
{الْعَالمين} : أَصْنَاف الْخلق كل صنف مِنْهُم عَالم
{عاكفين} : مقيمين
{العهن} : إِذا كَانَ مصبوغا وَإِلَّا فَهُوَ صوف
عويل: إِذا كَانَ مَعَ الْبكاء رفع الصَّوْت، وَإِلَّا فَهُوَ بكا بِالْقصرِ
{عهدنا إِلَى آدم} : أمرناه
{فِي الْبَحْر عجبا} : سَبِيلا عجبا وَهُوَ كَونه كالتراب
{عميق} : بعيد
{عصبَة} : جمَاعَة
{عسيرا} : شَدِيدا
{قَالَ عفريت} : خَبِيث مارد {بُيُوتًا عَورَة} : متخرقة مُمكنَة لمن أرادها {لم يظهروا على عورات النِّسَاء} : لم يبلغُوا الْحلم
{ثَلَاث عورات} : نصف النَّهَار، وَآخر النَّهَار، وَبعد الْعشَاء الْأَخِيرَة
{عَورَة} : لَيست حَصِينَة
{عزما} : تصميم رَأْي وثباتا على الْأَمر
{خلق الْإِنْسَان من عجل} : كَقَوْلِك: خلق زيد من الْكَرم
{ريح عاصف} : شَدِيدَة الهبوب
{يَبْغُونَهَا عوجا} : زيفا وميلا عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ(1/658)
{عرض هَذَا الْأَدْنَى} : خطام هَذَا الشَّيْء الْأَدْنَى يَعْنِي الدُّنْيَا
{عيلة} : فقرا {عَزِيز عَلَيْهِ} : شَدِيد شاق يغلب صبره
{مَا عنتم} : عنتكم ولقاؤكم الْمَكْرُوه
{بِغَيْر عمد} : أساطين
{عوان} : نصف بَين الصَّغِيرَة والمسنة جمعه عون
{وَمَا ذَلِك على الله بعزيز} : بمعتذر أَو متعسر
{فعززنا} : فقوينا
{كالعرجون} : كالشمراخ المعوج. {وحور عين} : نجل الْعُيُون أَي واسعات الْعُيُون
{فِي عزة} : استكبار
{عُجاب} : بليغ فِي الْعجب
{وعزني فِي الْخطاب} : غلبني فِي مخاطبته
{من العالين} : مِمَّن علا وَاسْتحق التفوق
{فبعزتك} : فبسلطانك وقهرك {فذو دُعَاء عريض} : كثير.
{عذت} : التجأت
{لكتاب عَزِيز} : أَي يصعب مِثَاله وَوُجُود مثله
{وَنحن عصبَة} : جمَاعَة أقوياء
{وَإِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} : أَي هائل
{العاكف فِيهِ والباد} : أَي الْمُقِيم والطارىء
{لبئس العشير} : الصاحب
{هم العادون} : الكاملون فِي الْعدوان
{فاسأل العادين} : الَّذين يتمكنون من عد أَيَّامهَا
{قوما عالين} : متكبرين
{وقومها لنا عَابِدُونَ} : خادمون منقادون
{بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} : الْقَدِيم(1/659)
{أفعيينا} : أفعجزنا
{فَعَتَوْا} : فاستكبروا
{عربا} : مُتَحَببَات الى أَزوَاجهنَّ
{فِي عتو} : عناد
{عتل} : جَاف غليظ
{بالعراء} : بِالْأَرْضِ الخالية عَن الْأَشْجَار
{فِي عيشة راضية} : ذَات رضى
{قُرْآنًا عجبا} : بديعا
{عبس} : قطب وَجهه
{وَإِذا العشار} : النوق اللواتي أَتَى على حَملهنَّ عشرَة أشهر
{عطلت} : تركت مُهْملَة
{إِذا عسعس} : أقبل ظلامه
{ذَات الْعِمَاد} : ذَات الْبناء الرفيع
{عائلا} : فَقِيرا ذَا عِيَال
{وَالْعَادِيات} : خيل الْغُزَاة
{كالعهن} : كالصوف ذِي الألوان
{وعدده} : جعله عدَّة للنوازل
{عمد ممددة} : أعمدة ممدودة
{كعصف مَأْكُول} : كورق زرع وَقع فِيهِ الأكال، وَهُوَ أَن يَأْكُلهُ الدُّود، أَو أكل حَبَّة فَبَقيَ صفرا مِنْهُ، أَو كتبن أَكلته الدَّوَابّ وراثتة
{أَوْفوا بِالْعُقُودِ} : بالعهود وَهِي مَا أحل الله، وَمَا حرم الله، وَمَا فرض، وَمَا حد فِي الْقُرْآن كُله
{جعلُوا الْقُرْآن عضين} : حَيْثُ قَالُوا عنادا: بعضه حق وَبَعضه بَاطِل، أَو قسموه إِلَى سحر وَشعر وكهانة وأساطير الْأَوَّلين
{فِي عقبه} : فِي ذُريَّته
{عاقرا} : لاتلد
{عصيا} : عاقا
{هَذَا مَا لدي عتيد} : هَذَا مَا هُوَ مَكْتُوب عِنْدِي حَاضر لدي
{علقَة} : قِطْعَة من الدَّم جامدة
{بالعدوة} ، بالحركات الثَّلَاث: شط الْوَادي(1/660)
{عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} : فرقا شَتَّى
{هَل عستيم} : أَي هَل أَنْتُم قريب من الْفِرَار
{عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} : أَي سعتها، لَا خلاف الطول
{فَإِذا عزمت} : أَي صححت رَأْيك فِي إِمْضَاء الْأَمر
{عرض الدُّنْيَا} : طمع الدُّنْيَا وَمَا يعرض مِنْهَا
{عرضا قَرِيبا} : طَمَعا قَرِيبا
{الْعَرْش} : سَرِير الْملك
{عبدت بني إِسْرَائِيل} : اتخذتهم عبيدا لَك {فعدلك} : قوم خلقك. {فعدلك} : صرفك إِلَى ماشاء من الصُّور فِي الْحسن والقبح
{عرضة لأيمانكم} : نَصِيبا لَهَا أَو عدَّة
{عروشها} : سقوفها
{العير} : إبل تحمل الْميرَة
{عجاف} : الَّتِي قد بلغت فِي الهزال
{لبئس العشير} : أَي الصاحب
{قل الْعَفو} : وهوأن ينْفق مَا تيَسّر لَهُ بذله وَلَا يبلغ مِنْهُ الْجهد
{واتخذتم عِنْد الله عهدا} : شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
{عبوسا} : ضيقا ينقبض وَجهه من شدَّة الوجع
{وَلَا يخَاف عقباها} : لَا يخَاف عَاقِبَة الدمدمة
{عزرتموهم} : عظمتموهم [أَو نصرتموهم أَو قويتموهم]
{وعنت الْوُجُوه} : استسلمت وخضعت
{عثر} : اطلع
{من الْكبر عتيا} : نحولا أوشيبا
{عصيب} : شَدِيد
{جنَّات عدن} : كروم وأعناب بالسُّرْيَانيَّة
{العرم} ، بالحبشية: هِيَ المسناة الَّتِي(1/661)
يجمع فِيهَا المَاء
{حَتَّى عفوا} : كَثُرُوا [عددا وعددا]
{سنشد عضدك} : الْعَضُد: الْمعِين والناصر
{عزموا الطَّلَاق} : حققوا
{كل عدل} : فديَة
{عَاصِم} : مَانع
{عزروه} : حموه ووقروه
{عِيسَى} : هُوَ ابْن مَرْيَم بنت عمرَان، خلقه الله بِلَا أَب [واستنبىء كَسَائِر الْأَنْبِيَاء كَمَا صرح بِهِ صَاحب " المواقف "، وَقَوله تَعَالَى: {وَجَعَلَنِي نَبيا} تَعْبِير عَن المتحقق، كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: كنت نَبيا وآدَم بَين المَاء والطين] وَهُوَ اسْم عبراني أَو سرياني رفع بجسده، وَكَذَا إِدْرِيس على قَول وَله ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وسينزل وَيقتل الدَّجَّال [عِنْد بَاب فلسطين] ويتزوج ويولد لَهُ ويحج وَيمْكث فِي الأَرْض سبع سِنِين ويدفن عِنْد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
[ {والمرسلات عرفا} : أَي أرسلن بِالْإِحْسَانِ أَو الْمَعْرُوف أَو مُتَتَابعين
{من عزم الْأُمُور} : من حق الْأُمُور وَخَيرهَا، قَالَ عَطاء: من حَقِيقَة الْإِيمَان
{وَكَانَ الْإِنْسَان عجولا} : يُسَارع الى كل مَا يخْطر بِبَالِهِ وَلَا ينظر إِلَى عَاقِبَة أمره
{عاملة ناصبة} : تعْمل مَا تتعب فِيهِ كجر السلَاسِل
{عاليهم ثِيَاب} : يعلوهم
{من علق} : جمع علقَة، جمعه لِأَن الْإِنْسَان بِمَعْنى الْجمع
{الْعقبَة} : الطَّرِيق فِي الْجَبَل
{من بعد مَا عقلوه} : أَي فهموه بعقولهم
{فَإِذا عزمت} فَإِذا وطنت على شَيْء بعد الشورى
{بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} : بِمَا وثقتم الْأَيْمَان عَلَيْهِ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّة
{عَلَيْكُم أَنفسكُم} : أَي احفظوها والزموا إصلاحها
{عقروا النَّاقة} : فنحروها
{أعجلتم أَمر ربكُم} : أتركتموه غير تَامّ(1/662)
{أَن تحكموا بِالْعَدْلِ} : بالإنصاف والتسوية]
(فصل الْغَيْن)
[الغسلين] : كل جرح أَو دبر غسلته فَخرج مِنْهُ شَيْء فَهُوَ غسلين
[الْغَيْب] : كل مَا غَابَ عَن الْعُيُون وَمَا كَانَ محصلا فِي الصُّدُور فهوغيب
[الْغرَّة] : كل شَيْء نفيسعند الْعَرَب فَهُوَ غرَّة
[الغول] : كل مَا اغتال الْإِنْسَان فَأَهْلَكَهُ فَهُوَ غول وَالْعرب تسمي كل داهية غولا على التهويل والتعظيم على مَا جرت بِهِ عَادَتهم فِيمَا لَا أصل لَهُ وَلَا حَقِيقَة كالعنقاء وَقَالَ بَعضهم: الغول نوع من الْجِنّ كَانَ يغتال النَّاس بَغْتَة بِحَيْثُ لَا يعرف لَهُ مَكَان حَتَّى يطْلب، ثمَّ اسْتعْمل غول الغول فِي انْتِفَاء أَمر بِحَيْثُ لَا يرى مِنْهُ أثر
[الْغلَّة] : كل مَا يحصل من نَحْو ريع أَرض أَو كرائها أَو من أُجْرَة علام فَهُوَ غلَّة
[الغي] : كل شرعند الْعَرَب فَهُوَ غي وكل خير فَهُوَ رشاد
[الغيابة] : كل مَا اجْتمع من شجر أَو غمام أَو ظلمَة فَهُوَ غيابة
[الْغرُور] : كل من غر شيئأ فَهُوَ غرور بِالْفَتْح والغرور، بِالضَّمِّ: الْبَاطِل
[الْغُمَّة] : كل مَا يستر شَيْئا فَهُوَ غمَّة
[الغفر] : كل شَيْء سترته فقد غفرته
[الْغنم] : كل شَيْء مظفوربه فَإِنَّهُ يُسمى غنما بِالضَّمِّ ومغنما وغنيمة
[الْغَلَط والغلت] : كل غلط يكْتب بِالطَّاءِ إِلَّا غلت الْحساب فَإِنَّهُ بِالتَّاءِ
الغيظ: والغيظ فِي كل الْقُرْآن بالظاء إِلَّا {مَا تغيض} ، {وغيض المَاء}
[الْغَوْر] : غور كل شَيْء قَعْره
[الْغرَّة] : غرَّة كل شىء أَوله ومعظمه
[الغب] : غب كل شَيْء عاقبته
وَالْغِب فِي الْوُرُود: أَن ترد الْإِبِل المَاء يَوْمًا وتدعه يَوْمًا وَمِنْه الغب فِي الزِّيَارَة والحمى
[الْغَرِيب] : كل شَيْء فِيمَا بَين جنسه عديم النظير فَهُوَ غَرِيب
غير: بِمَعْنى الْمُغَايرَة، وَلذَلِك قَالَ السيرافي: إِنَّهَا لَا تتعرف بِالْإِضَافَة إِلَّا إِذا وَقعت بَين متضادين كَمَا تَقول: (عجبت من قيامك غير قعودك) ، أَو (عجبت من حَرَكَة غير سُكُون) ، وَمن ثمَّة جَازَ وصف الْمعرفَة بهَا فِي قَوْله: {غير المغضوب عَلَيْهِم} وَالْأَصْل أَن تكون وَصفا للنكرة نَحْو: {نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل}
والمغايرة مستلزمة للنَّفْي، فَتَارَة يُرَاد إِثْبَات الْمُغَايرَة كَقَوْلِه تَعَالَى: (فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا(1/663)
عَاد} فَيكون إِثْبَاتًا متضمنا للنَّفْي فَيجوز تأكيده ب (لَا) ، وَأُخْرَى يُرَاد بهَا النَّفْي كَمَا فِي قَوْلك: (أَنا غير ضَارب زيدا) أَي: لست ضَارِبًا لَهُ، لَا أَنِّي مُغَاير لشخص ضَارب لَهُ، فَيكون نفيا صَرِيحًا
وَمنعُوا تَعْرِيفه بِاللَّامِ حَال كَونه مُضَافا مَعَ أَنه نكرَة وَلَيْسَ معرفَة بِالْكَسْبِ حَتَّى يلْزم من إِدْخَال اللَّام تَحْصِيل الْحَاصِل لحفظ صُورَة الْإِضَافَة المعنوية، وَلم يجوزوا تَقْدِيم مَعْمُول الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي مَا إِذا كَانَ الْمُضَاف لَفْظَة (غير) لِأَن (غير) بِمَنْزِلَة (لَا) ، وَلَا يجوز تَقْدِيم مَعْمُول مَا بعد (لَا) عَلَيْهَا
و (غير) يُوصف بهَا حَيْثُ لَا يتَصَوَّر الِاسْتِثْنَاء، وَإِلَّا لَيست كَذَلِك تَقول: (عِنْدِي دِرْهَم غير جيد) ، وَلَو قلت (إِلَّا جيدا) لم يجز، و (إِلَّا) إِذا كَانَت مَعَ مَا بعْدهَا صفة لم يجز حذف الْمَوْصُوف وَإِقَامَة الصّفة مقَامه بِخِلَاف (غير) ، وَإِذا وصفت ب (غير) ، أتبعتها إِعْرَاب مَا قبلهَا، وَإِذا استثنيت أعربتها بالإعراب الَّذِي يجب للاسم الْوَاقِع بعد (إِلَّا) وَذَلِكَ لِأَن أصل (غير) صفة وَالِاسْتِثْنَاء بهَا عَارض عكس (إِلَّا) وَفِي قَوْلك: (عِنْدِي مائَة دِرْهَم غير دِرْهَم)
إِن نصبت (غير) على الِاسْتِثْنَاء لزمتك تِسْعَة وَتسْعُونَ، وَإِن رفعت على الصّفة لزمتك مائَة، لِأَن التَّقْدِير (عِنْدِي مائَة لَا دِرْهَم)
وَشرط (غير) أَن يكون مَا قبلهَا يصدق على مَا بعْدهَا تَقول (مَرَرْت بِرَجُل غير فَقِيه) ، وَلَا يجوز (غير أمة) بِخِلَاف لَا (النافية) فَإِنَّهَا بِالْعَكْسِ
وَتَقَع (غير) موقعا لَا تكون فِيهِ إِلَّا النكرَة، وَذَلِكَ إِذا أُرِيد بهَا النَّفْي الساذج فِي نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل غير زيد)
وَتَقَع موقعا لَا تكون فِيهِ إِلَّا معرفَة، وَذَلِكَ إِذا أُرِيد بهَا شَيْء قد عرف بمضادة الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي معنى لَا يضاده فِيهِ إِلَّا هُوَ كَمَا إِذا قلت: (مَرَرْت بغيرك) أَي الْمَعْرُوف بمضادتك، إِلَّا أَنه فِي هَذَا لَا يجْرِي صفة فَتذكر (غير) جَارِيَة على الْمَوْصُوف، وَتَقَع أَيْضا موقعا تكون فِيهِ نكرَة تَارَة وَمَعْرِفَة أُخْرَى، كَمَا إِذا قلت: (مَرَرْت بِرَجُل كريم غير لئيم، وعاقل غير جَاهِل) وَالرجل الْكَرِيم غير اللَّئِيم
فِي " الْقَامُوس ": غير بِمَعْنى سوى وَتَكون بِمَعْنى (لَا) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمن اضْطر غير بَاغ} أَي جائعا وَلَا بَاغِيا
وَبِمَعْنى (إِلَّا) وَهُوَ اسْم ملازم للإضافة فِي الْمَعْنى وَيقطع عَنْهَا لفظا إِن فهم مَعْنَاهُ وَتَقَدَّمت عَلَيْهَا (لَيْسَ) فَيُقَال: (قبضت عشرَة لَيْسَ غير) ، [وَإِذا كَانَ (غير) بِمَعْنى (سوى) فَلَا يجوز الْعَطف عَلَيْهَا ب (لَا) ، وَلَا يجوز فِي(1/664)
الْكَلَام (عِنْدِي سوى عبد الله وَلَا زيد) ] وَإِنَّمَا لَا تتعرف (غير) بِالْإِضَافَة لشدَّة ابهامها، وَإِذا وَقعت بَين ضدين ك {غير المغضوب عَلَيْهِم} ضعف إبهامها أَو زَالَ فتتعرف
وَإِذا كَانَت للاستثناء أعربت إِعْرَاب الِاسْم التَّالِي وتنصب فِي نَحْو: (جَاءَ الْقَوْم غير زيد)
أَو يجوز النصب وَالرَّفْع فِي (مَا جَاءَ أحد غير زيد) وَإِذا أضيفت لمبني جَازَ بناؤها على الْفَتْح، و (غير) فِي قَوْله تَعَالَى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا} لنفي الصُّورَة من غير مادتها
وَفِي قَوْله: {وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} للنَّفْي الْمُجَرّد من غير إِثْبَات معنى بِهِ
وَفِي قَوْله: {هَل من خَالق غير الله} بِمَعْنى (إِلَّا) و (غير) تسْتَعْمل اسْما وظرفاً.
و (سوى) لَا تسْتَعْمل عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا ظرف مَكَان وَفِي (غير) معنى النَّفْي دون (سوى) والغيرية، اصْطِلَاحا: كَون الْمَوْجُودين بِحَيْثُ يتَصَوَّر وجود أَحدهمَا مَعَ عدم الآخر، يَعْنِي أَنه يُمكن الانفكاك بَينهمَا وَلَا يتَبَادَر من (سوى) إِلَّا الغيرية بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ
والغيران: بِمَعْنى مَا يجوز وجود أَحدهمَا مَعَ عدم الآخر لَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي صِفَات الله مَعَ ذَاته، وَلَا فِي صفة مَعَ صفة أُخْرَى
[ثمَّ اعْلَم أَن الشَّيْء الْوَاحِد يُوصف بالوجود والعدم فِي حَالَة وَاحِدَة عِنْد قيام الدَّلِيل على ذَلِك كَمَا فِي ارْتِفَاع العينية والغيرية بَين ذَات الله وَصِفَاته، وكما فِي الْوَاحِد مَعَ الْعشْرَة، وكما إِذا كَانَ لرجل امْرَأَتَانِ فَقَالَ لإحداهما: (إِن حِضْت فَأَنت طَالِق وضرتك) فَقَالَت: حِضْت، تطلق هِيَ وَلَا تطلق ضَرَّتهَا مَعَ أَن ذَلِك لم يخل عَن أحد أَمريْن: إِمَّا إِن كَانَ الْحيض مِنْهَا مَوْجُودا أَو لم يكن فَاعْتبر حَيْضهَا مَوْجُودا فِي حق نَفسهَا ومعدوما فِي حق ضَرَّتهَا] فَإِن قيل: الْجَوْهَر مَعَ الْعرض غيران بِالْإِجْمَاع وَمَعَ هَذَا لَا يتَصَوَّر وجود الْجَوْهَر بِدُونِ الْعرض وَلَا بِالْعَكْسِ قُلْنَا: بلَى، وَلَكِن إِذا فَرضنَا جوهرا يتَصَوَّر وجوده بِدُونِ عرض معِين، وَكَذَا كل جَوْهَر مَعَ عرض معِين فَإِنَّهُ مَا من جَوْهَر إِلَّا وَيُمكن تَقْدِير عرض آخر بَدَلا عَمَّا قَامَ بِهِ من الْعرض [وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يبين فِي هَذَا الْمقَام هُوَ أَن للشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ فِي الغيرين قَولَانِ: قَالَ أَولا: الغيران كل موجودين يَصح عدم أَحدهمَا مَعَ وجود الآخر بِالْعدمِ ثمَّ قَالَ: الغيران كل موجودين يَصح مُفَارقَة أَحدهمَا للْآخر بِالْعدمِ أَو الحيز وَإِنَّمَا رد الْمُفَارقَة فِي آخر قوليه بَين الْعَدَم والحيز، وَلم يُوجب الْمَعِيَّة بَينهمَا، لِأَنَّهُ لَو أوجب ذَلِك لما وَقعت الْمُغَايرَة مَعَ انْتِفَاء أَحدهمَا وَثُبُوت الآخر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا لم يقْتَصر على أَحدهمَا كَمَا فِي الأول، إِذْ لَو اقْتصر على الْمُفَارقَة بِالْعدمِ لزم السُّؤَال الْمَشْهُور وَهُوَ: إِنَّا نعلم الْمُغَايرَة بَين الْأَجْسَام بِتَقْدِير اعْتِقَاد قدمهَا لِاسْتِحَالَة عدم الْقَدِيم، وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْمُغَايرَة مَعْلُومَة وَلَو قدر(1/665)
امْتنَاع الْعَدَم عَلَيْهَا، وَلَو اقتصرنا بحيز لامتنع التغاير بَين الْأَعْرَاض لعدم تحيزها وَلَيْسَ كَذَلِك، وعَلى هَذَا بنى الْأَصْحَاب امْتنَاع التغاير بَين ذَات الْقَدِيم وَصِفَاته، وَالصِّفَات الْقَدِيمَة بَعْضهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض لكَونهَا وجوديات يمْتَنع مُفَارقَة الْبَعْض مِنْهَا للْبَعْض، لَا بِالْعدمِ ضَرُورَة قدمهَا واستحالة عدم الْقَدِيم، وَلَا بالحيز إِذْ هِيَ متحيزة، وَالْقَوْل بِأَن الغيرين مَا صحت فِيهِ عبارَة التَّثْنِيَة بَاطِل بالأعلام المضافة فَإِنَّهُ يَصح مِنْهَا عبارَة التَّثْنِيَة وَالْجمع يُقَال: عدمان وأعدام، وَلَيْسَت مُتَغَايِرَة بِالْإِجْمَاع منا وَمِنْهُم لعدم تثنيتها، وَالْقَوْل بِأَن الغيرين هما الذاتان اللَّتَان قَامَت بهما الغيرية فمبني على القَوْل بالأحوال وَهُوَ محَال] وَالْفرق بَين غيرين ومختلفين أَن الغيرين أَعم فَإِنَّهُمَا قد يكونَانِ متفقين فَكل خلافين غيران وَلَا عكس
غَدا: أشبه الْفِعْل الْمُسْتَقْبل لكَونه منتظرا فأعرب، بِخِلَاف (أمس) فَإِنَّهُ استبهم استبهام الْحُرُوف فَأشبه الْفِعْل الْمَاضِي
وَغدا: أَي مَشى فِي وَقت الْغَدَاة
وَرَاح: أَي مَشى فِي وَقت الرواح، وَهُوَ مَا بعد الزَّوَال إِلَى اللَّيْل
وتستعمل معرفَة بِاللَّامِ أَيْضا
وغدوة: معرفَة لِأَنَّهَا علم وضع للتعريف
والغذاء، بالمعجمتين وبالكسر: هُوَ مَا بِهِ نَمَاء الْجِسْم وقوامه
و [الْغذَاء] : بِالْفَتْح وَالْمدّ: طَعَام الغدوة كَمَا أَن الْعشَاء كَذَلِك طَعَام الْعشَاء (والغداء: مَا يُؤْكَل للشبع بَين الْفجْر والزوال) وغداء أهل كل بلد مَا تعارفوه فَفِي الْبَادِيَة اللَّبن، وَفِي خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر الْخبز، وَفِي التّرْك اللَّحْم وَاللَّبن، وَفِي طبرستان الْأرز
الغفر: السّتْر والتغطية
يُقَال: غفر الْمَتَاع فِي الْوِعَاء: إِذا أدخلهُ فِيهِ وستره كأغفره
وَغفر الشيب بالخضاب: غطاه
والغفور والغفار: من صِفَات الله
والغفور: كثير الْمَغْفِرَة وَهِي صِيَانة العَبْد عَمَّا اسْتَحَقَّه من الْعقَاب بالتجاوز عَن ذنويه (من الغفر وَهُوَ إلباس الشَّيْء مَا يصونه عَن الدنس)
والغفار أبلغ مِنْهُ لزِيَادَة بنائِهِ وَقيل: الْمُبَالغَة فِيهِ من جِهَة الْكَيْفِيَّة، وَفِي الْغفار من جِهَة الكمية
والغفران: يَقْتَضِي إِسْقَاط الْعقَاب ونيل الثَّوَاب، وَلَا يسْتَحقّهُ إِلَّا الْمُؤمن، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْبَارِي تَعَالَى
وَالْعَفو يَقْتَضِي إِسْقَاط اللوم والذم وَلَا يَقْتَضِي نيل الثَّوَاب وَيسْتَعْمل فِي العَبْد أَيْضا كالتكفير حَيْثُ يُقَال: كفر عَن يَمِينه
والستر: أخص من الغفران إِذْ يجوز أَن يستر وَلَا يغْفر
والصفح: التجاوز عَن الذَّنب
والمحو: أَعم من الْعَفو والغفران(1/666)
والغفران فِي الْآخِرَة فَقَط
وَالْإِحْسَان فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَالرَّحْمَة وَالْإِحْسَان متغايران، وَلَا يلْزم من وجود أَحدهمَا وجود الآخر، لِأَن الرَّحْمَة قد تُوجد وافرة فِي حق من لَا يتَمَكَّن من الاحسان كالوالدة العاجزة وَنَحْوهَا وَقد يُوجد الْإِحْسَان مِمَّن لَا رَحْمَة لَهُ فِي طبعه كالملك القاسي فَإِنَّهُ قد يحسن إِلَى بعض أعدائه لمصْلحَة ملكه
والإنعام: إِيصَال الْإِحْسَان إِلَى سواك بِشَرْط أَن يكون ناطقا فَلَا يُقَال: أنعم فلَان على فرسه
قيل: ينشأ من الْعَرْش نور كالعمود يكون بَين أهل الْمَحْشَر لمن يُرِيد الله حمايته، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى من الغفران
الْغَلَبَة: هِيَ أَن يكون اللَّفْظ فِي أصل الْوَضع عَاما فِي أَشْيَاء ثمَّ يصير بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فِي أَحدهَا أشهر، بِحَيْثُ لَا يحْتَاج ذَلِك الشَّيْء الى قرينَة بِخِلَاف سَائِر مَا كَانَ وَاقعا عَلَيْهِ، اسْما كَانَ كَابْن عَبَّاس، أَو صفة كالأسود للحية
قَالَ الشَّيْخ سعد الدّين: معنى الْغَلَبَة أَن يكون للاسم عُمُوم فَيعرض لَهُ بِحَسب الِاسْتِعْمَال خُصُوص مَا إِلَى حد التشخص فَيصير علما اتِّفَاقًا
وَالْخلاف فِيمَا إِذا لم تصل خُصُوصِيَّة الِاسْم إِلَى حد التشخيص بالغلبة: (وَالْغَلَبَة بِالنّظرِ إِلَى نفس الْوَضع دون الِاسْتِعْمَال أَلا ترى أَن لَفْظَة (الله) من الْأَسْمَاء الْغَالِبَة مَعَ أَنه لَا يجوز اسْتِعْمَاله فِي غَيره تَعَالَى)
وَالْغَلَبَة فِي الْأَسْمَاء كالبيت على الْكَعْبَة وَفِي الصِّفَات كالرحمن غير مُضَاف
وَفِي الْمعَانِي كالخوض على الشُّرُوع فِي الْبَاطِل خَاصَّة
وَالْغَلَبَة التحقيقية: عبارَة عَن أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ أَولا فِي معنى ثمَّ ينْتَقل الى آخر والصعق من هَذَا الْقَبِيل
وَالْغَلَبَة التقديرية: عبارَة عَن أَن لَا يسْتَعْمل اللَّفْظ من ابْتِدَاء وَضعه فِي غير ذَلِك الْمَعْنى، لَكِن مُقْتَضى الْقيَاس الِاسْتِعْمَال كالذبران والعيوق
وَلَفْظَة (الله) تَعَالَى و (الثريا) من هَذَا الْقَبِيل إِذا لم يستعملا فِي غير المعبود بِالْحَقِّ والكوكب الْمَخْصُوص أصلا، لَكِن الْقيَاس الِاسْتِعْمَال
قَالَ بَعضهم: الْغَلَبَة التقديرية أَن لَا يكون للاسم إِلَّا فَرد وَاحِد فِي الْخَارِج، لَكِن يفْرض لَهُ أَفْرَاد فِي الذِّهْن، فَلَا يسْتَعْمل ذَلِك الِاسْم إِلَّا فِي الْفَرد الْخَارِجِي بالغلبة كلفظة (الله) و (الرَّحْمَن)
وَالْغَلَبَة التحقيقية: أَن يكون للاسم أَفْرَاد فِي الْخَارِج لَكِن يسْتَعْمل ذَلِك الِاسْم فِي فَرد مِنْهَا بالغلبة كالنجم للثريا، وَالصَّلَاة للدُّعَاء
وَفِي التحقيقية يَصح إِطْلَاق الِاسْم على غير المغلوب عَلَيْهِ قبل تَمام الْغَلَبَة، بِخِلَاف التقديرية فَإِنَّهَا غير زمانية حَتَّى يُوجد فِيهَا الْقبل والبعد
الْغَيْب: هوما لم يقم عَلَيْهِ دَلِيل، وَلم ينصب لَهُ أَمارَة، وَلم يتَعَلَّق بِهِ علم مَخْلُوق، وَفِيه حِكَايَة شهيرة بَين الْحجَّاج والمنجم
وَقيل: الْغَيْب هُوَ الْخَفي الَّذِي لَا يكون محسوسا، وَلَا فِي قُوَّة المحسوسات كالمعلومات ببديهة الْعقل أَو ضَرُورَة الْكَشْف وَهُوَ على(1/667)
قسمَيْنِ: قسم نضب عَلَيْهِ دَلِيل فَيمكن مَعْرفَته كذات الله تَعَالَى وأسمائه الْحسنى وَصِفَاته الْعلية وأحوال الْآخِرَة الى غير ذَلِك مِمَّا يجب على العَبْد مَعْرفَته وكلف بِهِ وَهُوَ غَائِب عَنهُ لَا يُشَاهِدهُ وَلَا يعاينه وَلَكِن يُمكن مَعْرفَته بِالنّظرِ الصَّحِيح
وَقسم لَا دَلِيل عَلَيْهِ فَلَا يُمكن للبشر مَعْرفَته كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ}
وغيب الْغَيْب: هُوَ الذَّات الإلهية الْمُطلقَة وَهُوَ هويته الغيبية السارية للْكُلّ علما لَا يُمكن أَن يتَعَلَّق بِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَار علم لكَونه محتجبا فِي حجاب عزته، وَلَا يجوز إِطْلَاق اسْم الْغَائِب عَلَيْهِ تَعَالَى، وَيجوز أَن يُقَال: إِنَّه غيب عَن الْخلق
وَقد فسر {يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} بِأَنَّهُ هُوَ الله [وَقيل: بِالْقَلْبِ أَيْضا فالباء للتعدية على تَقْدِير الصِّلَة، أَو للملابسة على كَونه حَالا، أَو للآلة إِذا كَانَ بِمَعْنى الْقلب] والغيب الْمُطلق: كوقت قيام السَّاعَة
والإضافي: كنزول مطر فِي مَكَّة فِي حق من كَانَ غَائِبا عَن مَكَّة
فالمطلق لَا يكون علمه لِلْخلقِ إِلَّا بِإِخْبَار الله تَعَالَى والمقيد لَيْسَ لَهُ طَرِيق إِلَّا الإلهام
وَالرَّسُول من الْبشر يتلَقَّى الْغَيْب من الْملك بِالذَّاتِ، وَالْوَلِيّ لَا يتلَقَّى بِالذَّاتِ، بل بِوَاسِطَة تَصْدِيقه بِالنَّبِيِّ، وَقد يتلَقَّى الرَّسُول بِلَا وَاسِطَة أَيْضا والاطلاع على المغيبات وفوارق الْعَادَات يعم الْأَنْبِيَاء وَغَيرهم كالأولياء والحكماء المتألهين، بل قد يكون بعض الْأَوْلِيَاء أَكثر اطلاعا على بعض الْحَقَائِق والمغيبات من الْأَنْبِيَاء، فَإِن كثيرا من محققي هَذِه الْأمة كَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رضوَان الله عَلَيْهِم، وَكَذَا حُذَيْفَة، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَذُو النُّون، والسهل التسترِي، وَأَبُو يزِيد، والجنيد، وَإِبْرَاهِيم بن أدهم، وأمثالهم رُبمَا رجحوا فِي الْحَقَائِق على أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل، (واستفادة دَاوُد النَّبِي من لُقْمَان مَشْهُورَة) ، واحتياج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْخضر يشْهد فِي ظَاهر الْحَال على ذَلِك، وَكَون الرَّسُول أعلم زَمَانه لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل فِيمَا بعث بِهِ من أصُول الدّين وفروعه (فَلَا يلْزم مِنْهُ التَّفْضِيل) وَاتِّبَاع مُوسَى لَهُ كَانَ ابتلاء من الله تَعَالَى حَيْثُ بَدَت مِنْهُ تِلْكَ الْعبارَة الَّتِي كَانَ الْأَلْيَق بِحَالهِ خلَافهَا، وَهُوَ رد الْعلم إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَّا أَيْن الْعُلُوم الخضرية مِمَّا قيل لمُوسَى: {وألقيت عَلَيْك محبَّة مني} وَمِمَّا قيل لَهُ أَيْضا: {واصطنعتك لنَفْسي} وَالْخضر وَإِن كَانَ مشرفا بِتِلْكَ الْعُلُوم فموسى كَانَ مشرفا بقوله: (إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي(1/668)
وبكلامي}
قَالَ صَاحب " العوارف ": لَا يجوز تجلي الذَّات للأولياء، وَإِلَّا يلْزم فَضلهمْ على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
والغيوب: بِالْكَسْرِ كالبيوت
وبالضم كالعثور، وبالفتح كالصبور على أَنه) مُبَالغَة غَائِب
والغيبة بِالْفَتْح: مصدر (غَابَ عَن الْعين) إِذا استتر
وبالكسر: اسْم من الاغتياب، وَهُوَ أَن يتَكَلَّم خلف إِنْسَان مَسْتُور بِكَلَام هُوَ فِيهِ، وَإِن لم يكن ذَلِك الْكَلَام فِيهِ فَهُوَ بهتان، وَإِن واجهه فَهُوَ شتم وتباح الْغَيْبَة فِي سِتَّة نظمها بعض الأدباء:
(الْقدح لَيْسَ بغيبة فِي سِتَّة ... متظلم ومعرف ومحذر)
(ولمظهر فسقا ومستفت وَمن طلب الْإِعَانَة فِي إِزَالَة مُنكر)
فالمعرف: ذَاكر وصف أَو لقب لَا يعرف الْمَذْكُور إِلَّا بِهِ، والمحذر: الناصح
الْغنم، بِالضَّمِّ: الْغَنِيمَة
وغنمت الشَّيْء: أصبته، غنيمَة ومغنما وَالْجمع: غَنَائِم ومغانم
وَالْغنم بالغرم: أَي مُقَابل بِهِ
وغرمت الدِّيَة وَالدّين: أديته
وَيَتَعَدَّى بالتضعيف: يُقَال: غرمته، وبالألف جعلته غارما
وَالْغنيمَة أَعم من النَّفْل
والفيء أَعم من الْغَنِيمَة لِأَنَّهُ اسْم لكل مَا صَار للْمُسلمين من أَمْوَال أهل الشّرك بعد مَا تضع الْحَرْب أَوزَارهَا وَتصير الدَّار دَار الْإِسْلَام، وَحكمه أَن يكون لكافة الْمُسلمين وَلَا يُخَمّس وَذهب قوم إِلَى أَن الْغَنِيمَة مَا أصَاب الْمُسلمُونَ مِنْهُم عنْوَة بِقِتَال
والفيء: مَا كَانَ عَن صلح بِغَيْر قتال
وَقيل: النَّفْل إِذا اعْتبر كَونه مظفورا بِهِ يُقَال لَهُ غنيمَة
وَإِذا اعْتبر كَونه منحة من الله تَعَالَى ابْتِدَاء من غير وجوب يُقَال لَهُ نفل
وَقيل: الْغَنِيمَة مَا حصل مستغنما بتعب كَانَ أَو بِغَيْر تَعب، وباستحقاق كَانَ أَو بِغَيْر اسْتِحْقَاق، وَقبل الظفر أَو بعده
وَالنَّفْل: مَا يحصل للْإنْسَان قبل الْغَنِيمَة من جملَة الْغَنِيمَة
وَقَالَ بَعضهم: الْغَنِيمَة والجزية وَمَال أهل الصُّلْح وَالْخَرَاج كُله فَيْء، لِأَن ذَلِك كُله مِمَّا أَفَاء الله على الْمُؤمنِينَ
وَعند الْفُقَهَاء: كل مَا يحل أَخذه من أَمْوَالهم فَهُوَ فَيْء
الْغَايَة: هِيَ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الشَّيْء وَيَتَرَتَّب هُوَ عَلَيْهِ
وَقد تسمى غَرضا من حَيْثُ إِنَّه يطْلب بِالْفِعْلِ، وَمَنْفَعَة إِن كَانَ مِمَّا يتشوقه الْكل طبعا(1/669)
وَقيل: الْغَايَة: الْفَائِدَة الْمَقْصُودَة سَوَاء كَانَت عَائِدَة إِلَى الْفَاعِل أم لَا
وَالْغَرَض: هُوَ الْفَائِدَة الْمَقْصُودَة العائدة إِلَى الْفَاعِل الَّتِي لَا يُمكن تَحْصِيلهَا إِلَّا بذلك الْفِعْل
وَقيل: الْغَرَض: هُوَ الَّذِي يتَصَوَّر قبل الشُّرُوع فِي إِيجَاد الْمَعْلُول
والغاية: هِيَ الَّتِي تكون بعد الشُّرُوع
وَقَالَ بَعضهم: الْفِعْل إِذا ترَتّب عَلَيْهِ أَمر ترتبأ ذاتيا يُسمى غَايَة لَهُ من حَيْثُ إِنَّه طرف الْفِعْل، وَنِهَايَة وَفَائِدَة من حَيْثُ ترتبه عَلَيْهِ، فيختلفان اعْتِبَارا، ويعمان الْأَفْعَال الاختيارية وَغَيرهَا، فَإِن كَانَ لَهُ مدْخل فِي إقدام الْفَاعِل على الْفِعْل يُسمى غَرضا بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ، وَعلة غائية، وَحِكْمَة، ومصلحة بِالْقِيَاسِ إِلَى الْغَيْر
وَقد يُخَالف الْغَرَض فَائِدَة الْفِعْل كَمَا إِذا أَخطَأ فِي اعتقادها، وَهُوَ إِذا كَانَ مِمَّا يتشوفه الْكل طبعا يُسمى مَنْفَعَة
وَالْمرَاد بالغاية فِي (من) الَّتِي لابتداء الْغَايَة الْمسَافَة، إطلاقا لاسم الْجُزْء على الْكل
الْغناء، ككساء: السماع
وبالفتح: الْكِفَايَة وَكِلَاهُمَا ممدودان
وبالكسر [وَالْقصر] : الْيَسَار ضد العسار (وَهُوَ غير مَمْدُود)
قَالَ بَعضهم: غنى الدُّنْيَا وَهُوَ الْكِفَايَة مَقْصُور
وغناء الْآخِرَة: وَهُوَ السَّلامَة مَمْدُود وَقد نظمته:
(غنى الدُّنْيَا كفايتنا قصير ... غنا الْأُخْرَى سلامتنا مديد)
والغناء بِالضَّمِّ وَالْمدّ: التَّغَنِّي وَلَا يتَحَقَّق ذَلِك إِلَّا بِكَوْن الألحان من الشّعْر، وانضمام التصفيق إِلَى الألحان ومناسبة التصفيق لَهَا فَهُوَ من أَنْوَاع اللّعب، وكبيرة فِي جَمِيع الْأَدْيَان حَتَّى يمْنَع الْمُشْركُونَ عَن ذَلِك
فِي " الْكَشَّاف " قيل: الْغناء منفدة: لِلْمَالِ، مسخطة للرب، مفْسدَة للقلب
وَلَيْسَ المُرَاد من حَدِيث " من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ " إِلَى آخِره التَّغَنِّي، بل المُرَاد الِاسْتِغْنَاء بِهِ، دلّ على ذَلِك مورده
[وَالْمَفْهُوم من كَون الشَّيْء غَنِيا عَن غَيره لَيْسَ إِلَّا وجوده مَعَ عدم غَيره، كَذَا فِي " شرح الإشارات "
قَالَ صَاحب " المحاكمات ": وَهَذَا غير صَحِيح، فَإِن الْعلَّة غنية عَن الْمَعْلُول مَعَ امْتنَاع انفكاكها عَنهُ]
الْغرَّة، بِالضَّمِّ: العَبْد نَفسه وَالْأمة أَيْضا
و [الْغرَّة] من الشَّهْر: لَيْلَة استهلال الْقَمَر و [الْغرَّة] من الْهلَال: طلعته و [الْغرَّة] من الْأَسْنَان: بياضها وأولها
و [الْغرَّة] من الْمَتَاع: خِيَاره
و [الْغرَّة] من الْقَوْم: شريفهم
و [الْغرَّة] من الْكَرم: سرعَة بسوقه
و [الْغرَّة] من الرجل: وَجهه وكل مَا بدا لَك من ضوء أوصبح فقد بَدَت غرته
وَهِي عِنْد الْفُقَهَاء مَا بلغ ثمنه نصف عشر الدِّيَة من العبيد وَالْإِمَاء(1/670)
وغرت على أَهلِي: أغار غيرَة
وغار الرجل: أَي أَتَى الْغَوْر فَهُوَ غائر
والغيرة: كَرَاهَة الرجل اشْتِرَاك غَيره فِيمَا هُوَ حَقه وأغار على الْعَدو إغارة وغارة
وأغار الْحَبل إغارة أَيْضا: إِذا أحكم فتله [الغض: غض طرفه: خفضه
وغض من صَوته، وَالْأَمر مِنْهُ فِي لُغَة أهل الْحجاز أغضض من صَوْتك وَفِي لُغَة أهل نجد: غض طرفك بِالْإِدْغَامِ
الْغَضَب: هُوَ إِرَادَة الْإِضْرَار بالمغضوب عَلَيْهِ
والغيظ: تغير يلْحق المغتاظ وَذَلِكَ لَا يَصح إِلَّا على الْأَجْسَام كالضحك والبكاء وَنَحْوهمَا وَلِهَذَا لَا يُوصف الله تَعَالَى بالغيظ
[وَالْغَضَب من الله تَعَالَى كالرحمة]
وَالْغَضَب عَام
والفرك خَاص فِيمَا بَين الزَّوْجَيْنِ
وَيُقَال: غضِبت عَلَيْهِ وَله: إِذا كَانَ المغضوب عَلَيْهِ حَيا، وغضبت بِهِ إِذا كَانَ مَيتا
الْغَيْن: كالغين الهجائية: هُوَ حجاب رَقِيق يَقع على قُلُوب خَواص عباد الله فِي أَوْقَات الْغَفْلَة وَعَلِيهِ حَدِيث " إِنَّه ليغان على قلبِي فأستغفر الله فِي الْيَوْم سبعين مرّة
وغين على كَذَا: غطي عَلَيْهِ
والغيم للعصاة وَهُوَ حجاب كثيف
والرين والختم والطبع للْكفَّار والغبن، بِالْمُوَحَّدَةِ الساكنة: فِي الْأَمْوَال
وبالمتحركة فِي الآراء، وماضيه مِمَّا يضم فاؤه
وَالدُّخُول تَحت التَّقْوِيم فِي الْجُمْلَة من بعض المقومين هُوَ الْحَد الْفَاصِل بَين فَاحش الْغبن ويسيره فِي الْأَصَح من مَذْهَب أَصْحَابنَا دون مَا قيل من أَن حد الْيَسِير أَن يزِيد على الْعشْرَة مِقْدَار الْعشْر وَهُوَ (ده يازده) ، أَو نصفه وَهُوَ (ده نيم) ، إِذْ التَّفَاوُت بِحَسب الْعَادَات والأماكن والأوقات يمْنَع التَّحْدِيد بِحَسب الْمِقْدَار
الغريزة: هِيَ ملكة تصدر عَنْهَا صِفَات ذاتية
وَيقرب مِنْهَا الْخلق إِلَّا أَن للاعتياد مدخلًا فِي الْخلق دونهَا
الْغَمَام: هُوَ أقوى من السَّحَاب ظلمَة، فَإِن أول مَا ينشأ هُوَ النشر، فَإِذا انسحب فِي الْهَوَاء فَهُوَ السَّحَاب، فَإِذا تَغَيَّرت لَهُ السَّمَاء فَهُوَ الْغَمَام
[والسحاب إِمَّا من السَّمَاء وَإِمَّا من الْبَحْر، إِذْ لَا قَائِل بِأَن بعضه من هَذَا وَبَعضه من ذَاك]
الغمرة: أَصْلهَا الشَّيْء الَّذِي يغمر الْأَشْيَاء فيغطيها، ثمَّ وضعت فِي مَوضِع الشدائد والمكا ره
الغل: هُوَ بِمَعْنى الْخِيَانَة من حد (دخل) وَالَّذِي هُوَ الضغن من حد (ضرب)
والغلول كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِي: الْخِيَانَة فِي بَيت مَال، أَو زَكَاة، أَو غنيمَة وَقَيده أَبُو عُبَيْدَة بِالْغَنِيمَةِ فَقَط
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمن يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة}(1/671)
وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {لقد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ} : أَي منفردين عَن الْأَمْوَال والأهل والشركاء فِي الْفَيْء
والأغلال: الْخِيَانَة فِي كل شَيْء
والغل: أَخذ الْخِيَانَة فِي الْقلب على الْخلق
والغش: سَواد الْقلب وعبوس الْوَجْه
الْغُلَام: يَقع هَذَا الِاسْم على الصَّبِي من حِين يُولد على اخْتِلَاف حالاته إِلَى أَن يبلغ
فِي " الْبَزَّازِيَّة ": هُوَ من لَا يتَجَاوَز عشر سِنِين
الْغسْل: بِالْفَتْح: الإسالة
وبالضم: اسْم للطَّهَارَة من الْجَنَابَة وَالْحيض وَالنّفاس
وبالكسر: مَا يغسل بِهِ الرَّأْس من خطمي وَغَيره
وَقيل: بِالْفَتْح مصدر (غسل)
وبالضم: مصدر (اغْتسل)
وَالْغسْل للأشياء عَام والقصارة للثوب خَاص
الْغِبْطَة: هِيَ تمني الْإِنْسَان أَن يكون لَهُ مثل الَّذِي لغيره من غير إِرَادَة إذهاب مَا لغيره
وَفِي الحَدِيث: " اللَّهُمَّ غبطا لَا هبطا ": أَي نَسْأَلك الْغِبْطَة، أومنزلة نغبط عَلَيْهَا
الْحَسَد: إِرَادَة زَوَال نعْمَة الْغَيْر
والمنافسة: إِرَادَة سبقه على الْغَيْر فِيمَا هُوَ خير لَهما
الْغرُور: هُوَ تَزْيِين الْخَطَأ بِمَا يُوهم أَنه صَوَاب
فِي " الزَّيْلَعِيّ ": الْغرُور وَيُقَال لَهُ الْغرَر أَيْضا: هُوَ مَا يكون مَجْهُول الْعَاقِبَة لَا يدرى أَيكُون أم لَا
الغلق، بِالسُّكُونِ: الإغلاق وبضمتين: بِمَعْنى المغلق
وبفتحتين: مَا يغلق الْبَاب وَيفتح بالمفتاح مجَازًا
الغدير: فعيل بِمَعْنى مفعول من (غدر) إِذا ترك، وَهُوَ الَّذِي تَركه مَاء السَّيْل
الغمز: الْإِشَارَة بِالْعينِ
وَالرَّمْز: الْإِيمَاء بالشفتين والحاجب
الْغَرق: غرق فِي المَاء من حد (علم) : أَي ذهب فِيهِ، فَهُوَ غرق إِذا لم يمت بعد، وَإِذا مَاتَ فَهُوَ غريق
الغوغاء: الْجَرَاد قبل أَن ينْبت جنَاحه
وَشَيْء يشبه البعوض ولايعض لضَعْفه، وَبِه سمي الغوغاء من النَّاس، كَمَا فِي " الْقَامُوس "
غَايَة الإطناب: هُوَ مَا يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَال
وَغَايَة الإيجاز: هُوَ مَا يُفْضِي إِلَى التعقيد
غَايَة مَا فِي الْبَاب: (مَا) فِيهِ مَوْصُولَة وصلته محذوفة، والموصول مَعَ صلته مُضَاف إِلَيْهِ للغاية، فاكتسبت الْغَايَة التَّعْرِيف من الْمُضَاف إِلَيْهِ فصلح أَن يكون مُبْتَدأ لِأَن (مَا) الموصولة معرفَة، وَإِن كَانَت نكرَة بِدُونِ الصِّلَة فالتقدير: غَايَة مَا وجد أَو غَايَة مَا حصل فِي الْبَاب
غير مرّة: أَي أَكثر من مرّة وَاحِدَة
الْغَيْث: هُوَ مطر فِي إبانه وَإِلَّا فمطر
الغزالة: هِيَ اسْم للشمس عِنْد ارْتِفَاع النَّهَار وَيُقَال عِنْد غُرُوبهَا جونة(1/672)
[نوع]
{قُلُوبنَا غلف} فِي غطاء محجوبة عَمَّا تَقول أَو أوعية للْعلم، فَكيف تجيئنا بِمَا لَيْسَ عندنَا على قِرَاءَة ضم اللَّام
{غيا} : شرا أوخسرانا
{غساق} : الزَّمْهَرِير
{غثاء أحوى} : هشيما يَابسا
الغاشية، (والطامة، والصاخة، وَالْقَارِعَة، والحاقة) كلهَا من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
{غلظة} : شدَّة
{الْغَيْب} : السِّرّ
{مَاء غدقا} : كثيرا جَارِيا
{فِي الغابرين} : فِي البَاقِينَ، قد بقيت فِي الْعَذَاب وَلم تسر مَعَ لوط
{إِلَّا فِي غرور} : فِي بَاطِل
{كَانَ غراما} : ملازما شَدِيدا كلزوم الْغَرِيم، أَو بلَاء بلغَة حمير
{غَاسِق} : ظلمَة
{غمَّة} : شُبْهَة
{الْغَمَام} : سَحَاب أَبيض
{غيض المَاء} : نقص بلغَة الْحَبَشَة
{غسلين} : صديد أهل النَّار أَو الْحَار الَّذِي تناهى حره بلغَة أَزْد شنُوءَة وَعَن ابْن عَبَّاس: أَظُنهُ الزقوم
{غول} : صداع
{فغشيهم} : فغطاهم.
{فِي غَمَرَات الْمَوْت} : فِي شدائده
{فِي غيابة الْجب} : فِي قَعْره
{من غل} : من حقد
{مَا غَرَّك} : أَي شَيْء خدعك وجرأك على الْعِصْيَان
{وغركم بِاللَّه الْغرُور} : الشَّيْطَان أَو الدُّنْيَا
{وَمَا غوى} : وَمَا أعتقد بَاطِلا.
{حدائق غلبا} : عظاما
{وَمن فَوْقهم غواش} : مَا يَغْشَاهُم فيغطيهم من أَنْوَاع الْعَذَاب(1/673)
{فجعلناهم غثاء} : أَي لَا بَقِيَّة فيهم
{ذَا غُصَّة} : أَي تغص بِهِ الحلوق فَلَا يسوغ
[كالضريع والزقوم]
{غلبا} : غِلَاظ الْأَعْنَاق يَعْنِي النّخل
{غيا} : شرا [أَو خسرانا] أَو هُوَ وَاد فِي جَهَنَّم
{من الْغَمَام} : من السَّحَاب الْأَبْيَض
{وَعصى آدم ربه فغوى} : أَي جهل [أَو خَابَ]
{أَو كَانُوا غزى} : جمع غاز
{غلظة} : شدَّة وصبرا على الْقِتَال
{فِي غمرتهم} : فِي جهالتهم
[ {أم عِنْدهم الْغَيْب} : اللَّوْح أَو المغيبات
{غبرة} : غُبَار وكدورة
{ماؤكم غورا} : غائرا فِي الأَرْض
{الْغَار} : نقب فِي الْجَبَل
{غرفَة بِيَدِهِ} : أَي مِقْدَار ملْء الْيَد من الْمَعْرُوف
وبالفتح: يغْرف مرّة وَاحِدَة بِالْيَدِ، مصدر (غرفت)
{الغرفات} : منَازِل رفيعة
{غشاوة} : غطاء
{والنازعات غرقا} : أَي إغراقا فِي النزع، فَإِن مَلَائِكَة الْمَوْت ينزعون أَرْوَاح الْكفَّار من أقاصي أبدانهم]
(فصل الْفَاء)
[الْفَاسِق] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن (فَاسق) فَهُوَ (كَاذِب) إِلَّا قَلِيلا
[الفاطر] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن (فاطر) فَهُوَ بِمَعْنى خَالق
[الْفَاسِق] : كل خَارج عَن أَمر الله فَهُوَ فَاسق
[الْفَحْشَاء] : كل فحشاء ذكر فِي الْقُرْآن فَالْمُرَاد الزِّنَا إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} : فَإِن المُرَاد الْبُخْل فِي أَدَاء الزَّكَاة
[الْفرج] : كل خرق فِي الثَّوْب يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْفرج وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (مَا لَهَا من(1/674)
فروج} [الْفسْطَاط] : كل مَدِينَة جَامِعَة فَهِيَ فسطاط
[الفلذ] : كل جَوْهَر من جَوَاهِر الأَرْض كالذهب وَالْفِضَّة والنحاس والرصاص فَهُوَ فلذ
[الْفَيْء] : كل مَا يحل أَخذه من أَمْوَال الْحَرْب فَهُوَ فَيْء
[الْفَاكِهَة] : كل مَا يتلذذ بِهِ وَلَا يتقوت لحفظ الصِّحَّة فَهِيَ فَاكِهَة
[الْفَاحِش] : كل شَيْء تجَاوز قدره، وكل أَمر لَا يكون مُوَافقا للحق فَهُوَ فَاحش
وَفِي " الْمِصْبَاح ": كل شَيْء جَاوز الْحَد فَهُوَ فَاحش وَمِنْه (غبن فَاحش) إِذا جَاوز بِمَا لَا يعْتَاد مثله
[الْفَارِق] : كل مَا فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل فَهُوَ فَارق
[الفص] : كل ملتقى عظمين فَهُوَ فص
[الْفَوْز] : كل من نجا من تهلكة وَلَقي مَا يغتبط بِهِ فقد فَازَ، أَي تبَاعد عَن الْمَكْرُوه، وَلَقي مَا يُحِبهُ
وَقد يَجِيء الْفَوْز بِمَعْنى الْهَلَاك يُقَال: فَازَ الرجل: إِذا مَاتَ، وفاز بِهِ: ظفر، و [فَازَ] فِيهِ: نجا
[الْفضل] : كل عَطِيَّة لَا تلْزم من يُعْطي يُقَال لَهَا فضل
و [الفض] : فِي كل الْقُرْآن بالضاد إِلَّا {وَلَو كنت فظا غليط الْقلب} فَإِنَّهُ بالظاء
[الْفَوْر] : فَور كل شَيْء أَوله
والفارض: هُوَ الضخم من كل شَيْء
[الفرسخ] : كل مَا تطاول وامتد بالفرجة فِيهِ فَهُوَ فَرسَخ، وَمِنْه: انْتَظَرْتُك فرسخا من النَّهَار
وَقد نظم بعض الأدباء فِي تعْيين الفرسخ والميل والبريد:
(إِن الْبَرِيد من الفراسخ أَربع ... ولفرسخ فَثَلَاث أَمْيَال ضَعُوا)
(والميل ألف أَي من الباعات قل ... والباع أَربع أَذْرع فتتبعوا)
(ثمَّ الذِّرَاع من الْأَصَابِع أَربع ... من بعْدهَا الْعشْرُونَ ثمَّ الإصبع)
(سِتّ شعيرات فبطن شعيرَة ... مِنْهَا إِلَى ظهر لأخرى يوضع)
(ثمَّ الشعيرة سِتّ شَعرَات غَدَتْ ... من شعر بغل لَيْسَ هَذَا يدْفع)
[الْفَاعِل] : كل اسْم أسْند إِلَيْهِ فعل أَو اسْم فَهُوَ فَاعل
كل فعل يطْلب مفعولين فَإِنَّهُ يكون الأول مِنْهُمَا فَاعِلا فِي الْمَعْنى، فَمثل (قَامَ زيد) فَاعل فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَمثل (مَاتَ زيد) فَاعل فِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى، {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا} فَاعل فِي الْمَعْنى دون اللَّفْظ
وَالْفَاعِل فِي الْقُرْآن بِمَعْنى الْمَفْعُول فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع {فِي عيشة راضية} {} (لَا عَاصِم(1/675)
الْيَوْم) {} (من مَاء دافق} وَكَذَا الْمَفْعُول بِمَعْنى الْفَاعِل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أَيْضا {حِجَابا مَسْتُورا} {} (وعده مأتيا) {} (جَزَاء موفورا}
[فَوق] : كل شَيْء كَانَ ثُبُوت صفة فِيهِ أقوى من ثُبُوتهَا فِي شَيْء آخر كَانَ ذَلِك الْأَقْوَى فَوق الأضعف فِي تِلْكَ الصّفة يُقَال: (فلَان فَوق فلَان فِي اللؤم والدناءة) أَي: هُوَ أَكثر لؤما ودناءة مِنْهُ وَكَذَا إِذا قيل: (هَذَا فَوق ذَاك فِي الصغر) وَجب أَن يكون أكبر صغرا مِنْهُ، أَلا ترى أَن الْبَعُوضَة مثل فِي الصغر، وجناحها أقل مِنْهَا
وَقيل: معنى {مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} فَمَا دونهَا
وَفَوق تسْتَعْمل فِي الْمَكَان وَالزَّمَان والجسم وَالْعدَد والمنزلة
الْفَاء: هِيَ إِمَّا فصيحة، وَهِي الَّتِي يحذف فِيهَا الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مَعَ كَونه سَببا للمعطوف من غير تَقْدِير حرف الشَّرْط
قَالَ بَعضهم: هِيَ دَاخِلَة على جملَة مسببة عَن جملَة غير مَذْكُورَة نَحْو الْفَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {فانفجرت} وَظَاهر كَلَام صَاحب " الْمِفْتَاح " تَسْمِيَة هَذِه الْفَاء فصيحة على تَقْدِير (فَضرب فانفجرت) وَظَاهر كَلَام صَاحب " الْكَشَّاف " على تَقْدِير (فَإِن ضربت فقد انفجرت) وَالْقَوْل الْأَكْثَر على التَّقْدِيرَيْنِ
قَالَ الشَّيْخ سعد الدّين: إِنَّهَا تفصح عَن الْمَحْذُوف وتفيد بَيَان سببيته كَالَّتِي تذكر بعد الْأَوَامِر والنواهي بَيَانا لسَبَب الطّلب، لَكِن كَمَال حسنها وفصاحتها أَن تكون مَبْنِيَّة على التَّقْدِير، منبئة عَن المجذوف وتختلف الْعبارَة فِي تَقْدِير الْمَحْذُوف فَتَارَة أمرا، وَتارَة نهيا، وَتارَة شرطا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَهَذَا يَوْم الْبَعْث} ، وَتارَة مَعْطُوفًا عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فانفجرت} وَقد يُصَار إِلَى تَقْدِير القَوْل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ} : وَأشهر أَمْثِلَة الفصيحة قَوْله:
(قَالُوا خُرَاسَان أقْصَى مَا يُرَاد بِنَا ... ثمَّ القفول فقد جِئْنَا خراسانا)
وَلَا تسمى فصيحة إِن لم يحذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، بل إِن كَانَ سَببا للمعطوف تسمى فَاء التسبيب، وَإِلَّا تسمى فَاء التعقيب، (وَإِن كَانَ محذوفا وَلم يكن سَببا لَا تسمى فصيحة أَيْضا، بل تسمى تفريعية، وَالأَصَح أَن لَا فرق بَين الفصيحة والتفريعية) ، ثمَّ التَّفْرِيع قد يكون تَفْرِيع السَّبَب على الْمُسَبّب، وتفريع اللَّازِم على الْمَلْزُوم أَيْضا، وَإِن كَانَ الْمَعْطُوف شرطا لَا تسمى فصيحة أَيْضا، بل تسمى جزائية، سَوَاء حذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أم لم يحذف(1/676)
وَالْفَاء السَّبَبِيَّة لَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا إِذا وَقعت فِي موقعها وموقعها أَن يكون بِحَسب الظَّاهِر بَين جملتين، إِحْدَاهمَا بِمَنْزِلَة الشَّرْط، وَالْأُخْرَى بِمَنْزِلَة الْجَزَاء نَحْو: {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ}
وَأما إِذا كَانَت زَائِدَة كَمَا فِي {فسبح بِحَمْد رَبك} أَو وَاقعَة فِي غير موقعها لغَرَض من الْأَغْرَاض كَمَا فِي {وَرَبك فَكبر}
وكالفاء الدَّاخِلَة فِي جَوَاب (أما) نَحْو {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} فَحِينَئِذٍ جَازَ عمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا
وَالْفَاء بعد (وَبعد) لإجراء الظّرْف مجْرى الشَّرْط، ذكره سِيبَوَيْهٍ فِي: (زيد حِين لَقيته فأكرمته) ، وَجعل الرضي مِنْهُ {وَإِذ لم يهتدوا بِهِ فسيقولون}
وَأما تَقْدِير (أما) فمشروط بِكَوْن مَا بعد الْفَاء أمرا أَو نهيا، وَمَا قبلهَا مَنْصُوبًا بِهِ أَو بمفسر بِهِ
وَكَثِيرًا مَا تكون الْفَاء السَّبَبِيَّة بِمَعْنى لَام السَّبَبِيَّة، وَذَلِكَ إِذا كَانَ مَا بعْدهَا سَببا لما قبلهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {اخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم}
وَالْفَاء العاطفة تفِيد التَّرْتِيب الْمُتَّصِل معنويا كَانَ نَحْو: {أَمَاتَهُ فأقبره} ، {خلقك فسواك} ، أَو ذكريا وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو: {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَ فِيهِ} ، وكقولك: (تَوَضَّأ فَغسل وَجه وَيَديه، وَمسح رَأسه وَرجلَيْهِ)
والتعقيب [فِي الْفَاء على حسب مَا يعد فِي الْعَادة عقيب الأول وَإِن كَانَ بَينهمَا أزمان كَثِيرَة كَقَوْلِه تَعَالَى] : {خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة}
والسببية غَالِبا نَحْو: {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ}
والتعقيب الزماني كَقَوْلِك: (قعد زيد فَقَامَ عَمْرو) لمن) سَأَلَك عَنْهُمَا أَهما كَانَا مَعًا أم متعاقبين
والتعقيب الذهْنِي كَقَوْلِك: (جَاءَ زيد فَقَامَ عَمْرو إِكْرَاما لَهُ)
والتعقيب فِي القَوْل كَقَوْلِك (لَا أَخَاف الْأَمِير فالملك السُّلْطَان) كَأَنَّك تَقول: لَا أَخَاف الْملك، فَأَقُول: لَا أَخَاف السُّلْطَان
وَقد تَجِيء لمُجَرّد التَّرْتِيب نَحْو: {فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا}
وَتَكون لمُجَرّد السَّبَبِيَّة من غير عطف نَحْو: {فصل لِرَبِّك وانحر} إِذْ لَا يعْطف الْإِنْشَاء(1/677)
على الْخَبَر، وَكَذَا الْعَكْس
وَتَكون رابطة للجواب حَيْثُ لَا يصلح لِأَن يكون شرطا بِأَن كَانَ جملَة اسمية نَحْو: {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} ، أَو فعلية فعلهَا جامد نَحْو: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} أَو إنشائي نَحْو: {إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني}
وَتَكون زَائِدَة نَحْو: {بل الله فاعبد}
وَتَكون للاستئناف نَحْو: {كن فَيكون} بِالرَّفْع، أَي فَهُوَ يكون
وتختص الْفَاء لعطف مَا لَا يصلح كَونه صلَة على مَا هُوَ صلَة كَقَوْلِك: (الَّذِي يطير فيغضب زيد الذُّبَاب) ، وَلَا يجوز (ويغضب) أَو (ثمَّ يغْضب) (بِالْوَاو، وَثمّ) لِأَن (يغْضب زيد) جملَة لَا عَائِد فِيهَا على (الَّذِي) ، وَشرط مَا يعْطف على الصِّلَة أَن يصلح وُقُوعه صلَة وَأما الْفَاء فَلِأَنَّهَا يَجْعَل مَا بعْدهَا مَعَ مَا قبلهَا فِي حكم جملَة وَاحِدَة لإشعارها بالسببية
وَقد تكون الْفَاء بِمَعْنى الْوَاو، و (ثمَّ) ، و (أَو) ، و (إِلَى) ، وللتعليل وَالتَّفْصِيل
وَالْفرق بَين الْفَاء وَالْوَاو على مَا ذكرُوا فِيمَا لَو قَالَت الْمَرْأَة: (جعلت الْخِيَار إِلَيّ، أَو جعلت الْأَمر بيَدي، فَطلقت نَفسِي) بِالْفَاءِ فَأجَاز الزَّوْج ذَلِك لَا يَقع شَيْء، بِخِلَاف مَا لَو قَالَت: (وَطلقت نَفسِي) بِالْوَاو فَأجَاز حَيْثُ تقع رَجْعِيَّة، لِأَن الْفَاء للتفسير، فَاعْتبر فِيهِ الْمُفَسّر وَهُوَ الْأَمر بِالْيَدِ، فَكَانَت مُطلقَة نَفسهَا بِحكم الْأَمر قبل صيرورة الْأَمر بِيَدِهَا، " وَالْفَاء لفقد التَّمْلِيك من الزَّوْج سَابِقًا على مَا صدر مِنْهَا من التَّطْلِيق، وَالْوَاو للابتداء فَكَانَت آتِيَة بأمرين وهما التَّفْوِيض وَالطَّلَاق، وَالزَّوْج يملك إنشاءهما، فَإِذا أجَاز جَازَ الْأَمْرَانِ
وَالْفَاء التعقيبية عِنْد الْأُصُولِيِّينَ لَا تَخْلُو من أَن تدخل على أَحْكَام الْعِلَل، أَو على الْعِلَل فعلى الأول يلْزم أَن تسْتَعْمل بعد الدَّلِيل دَالَّة ترَتّب الحكم الدَّاخِلَة هِيَ عَلَيْهِ على ذَلِك الدَّلِيل
[وَالْأَصْل أَن لَا تدخل الْفَاء على الْعِلَل لِاسْتِحَالَة تَأَخّر الْعلَّة عَن الْمَعْلُول، إِلَّا أَنَّهَا قد تدخل عَلَيْهَا بِشَرْط أَن يكون لَهَا دوَام ليتصور وجوده بعد الحكم ليَصِح دُخُول الْفَاء عَلَيْهَا بِهَذَا الِاعْتِبَار، كَمَا يُقَال لمن هُوَ فِي حبس ظَالِم: أبشر فقد أَتَاك الْغَوْث أَي: صر ذَا فَرح وسرور فقد أَتَاك المغيث
والغوث مِمَّا يَدُوم وَيبقى بعد الإبشار، وَلَا يُقَال: انْكَسَرَ الشَّيْء فَكَسرته، وَانْقطع فقطعته] والأشياء الَّتِي تجاب بِالْفَاءِ وتنصب لَهَا هِيَ سِتَّة: الْأَمر نَحْو: زرني فأكرمك
وَالنَّهْي نَحْو: {وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي}
وَالنَّفْي نَحْو: {لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا}
والاستفهام نَحْو: {فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا}(1/678)
وَالتَّمَنِّي نَحْو: {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز}
وَالْعرض نَحْو: (أَلا تنزل فتصيب خيرا) وَقد نظمته:
(وَأَشْيَاء يُجَاب لَهَا بفاء ... فينصب بعْدهَا فعل فسته)
(أَلا زرني وَلَا تطغوا فَهَل لي ... شَفِيع لَيْت لَا يقْضى فبته)
فِي: هِيَ ظرف زمَان الْفِعْل حَقِيقَة نَحْو: {فِي بضع سِنِين}
أَو مجَازًا: {فِي الْقصاص حَيَاة}
وظرف مَكَان: {فِي أدنى الأَرْض}
وَالْأَصْل أَن تدخل على مَا يكون ظرفا حَقِيقَة، إِلَّا إِذا تعذر حملهَا على (الظَّرْفِيَّة، بِأَن صَحِبت الْأَفْعَال، فَتحمل على التَّعْلِيق لمناسبة بَينهمَا من حَيْثُ الِاتِّصَال والمقارنة، غير أَنه إِنَّمَا يصلح حملهَا على) التَّعْلِيق إِذا كَانَ الْفِعْل مِمَّا يَصح وَصفه بالوجود وبضده ليصيرفي معنى الشَّرْط فَيكون تَعْلِيقا كالمشيئة وَأَخَوَاتهَا، بِخِلَاف علمه تَعَالَى، حَيْثُ لَا يُوصف بضده، فَيكون التَّعْلِيق بِهِ تَحْقِيقا وتنجيزا، وَالتَّعْلِيق بهَا بِحَقِيقَة الشَّرْط يكون إبطالا لإِيجَاب فَكَذَا هَذَا
وَقد تدخل على مَا يكون جُزْء الشَّيْء كَقَوْلِك: (هَذَا ذِرَاع فِي الثَّوْب)
وَتدْخل الزَّمَان لإحاطته بالشَّيْء إحاطة الْمَكَان بِهِ فَنَقُول: (قيامك فِي يَوْم الْجُمُعَة) ، وَالْحَدَث على الاتساع فَكَأَن الْحَدث قد بلغ من الظُّهُور بِحَيْثُ صَار مَكَانا للشَّيْء محيطا بِهِ وَمِنْه (أَنا فِي حَاجَتك) ، (فِي فلَان عيب)
وتجيء للمصاحبة ك (مَعَ) نَحْو: {ادخُلُوا فِي أُمَم} ، {فادخلي فِي عبَادي}
وللتعليل نَحْو: {لمسكم فِيمَا أَفَضْتُم}
وللاستعلاء نَحْو: {وَلَا صلبنكم فِي جُذُوع النّخل} لِأَن الْغَرَض من الصلب التشهير
وَبِمَعْنى الْبَاء نَحْو: {يذرؤكم فِيهِ}
وَبِمَعْنى (إِلَى) نَحْو: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم}
وَبِمَعْنى (من) نَحْو: {وَيَوْم نبعث فِي كل أمة شَهِيدا}
وَبِمَعْنى (عَن) نَحْو: {فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى}
وَبِمَعْنى (عِنْد) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وجدهَا تغرب فِي عين حمئة}
وللمقايسة: وَهِي الدَّاخِلَة بَين مفضول سَابق وفاضل لَاحق نَحْو: {فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل}(1/679)
وللتأكيد: وَهِي الزَّائِدَة نَحْو {وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا}
وَتَكون اسْما بِمَعْنى الْفَم فِي حَالَة الْجَرّ
وَفعل أَمر من (وفى، يَفِي)
الْفِعْل، بِالْفَتْح: مصدر قَوْلك فعلت الشَّيْء أَفعلهُ
وبالكسر: اسْم مِنْهُ وَأثر مترتب على الْمَعْنى المصدري وَجمعه فعال وأفعال، سمي بِهِ الْفِعْل الاصطلاحي لتَضَمّنه إِيَّاه والمشابهة لَهُ فِي مُوَافَقَته إِيَّاه فِي جُزْء مَدْلُوله
قَالَ بَعضهم: الْفِعْل بِالْفَتْح الظَّاهِر الْمُقَابل للترك، لَا مَا هُوَ مصطلح النُّحَاة، وَلَا عرف الْمُتَكَلِّمين من صرف الْمُمكن من الْإِمْكَان إِلَى الْوُجُوب
وبالكسر إِن كَانَ لُغَة: اسْما لأثر مترتب على الْمَعْنى المصدري
وَعرفا: اسْما للفظين اشْتَركَا كالضرب وَضرب، إِلَّا أَن الِاسْم يسْتَعْمل بِمَعْنى الْمصدر
وَالْفِعْل: التَّأْثِير من جِهَة مُؤثر، وَهُوَ عَام لما كَانَ بإجادة أَو غير إجادة، وَلما كَانَ بِعلم أَو غير علم، وَقصد أَو غير قصد، وَلما كَانَ من الْإِنْسَان وَالْحَيَوَان والجمادات
وَالْفِعْل يدل على الْمصدر بِلَفْظِهِ، وعَلى الزَّمَان بصيغته، وعَلى الْمَكَان بِمَعْنَاهُ، فاشتق مِنْهُ اسْم للمصدر ولمكان الْفِعْل ولزمانه طلبا للاختصار
وَقد يكون الْفِعْل أَعم من الْفِعْل وَالتّرْك على رَأْي فَيشْمَل التّرْك
فِي " الْقَامُوس " الْفِعْل بِالْكَسْرِ: حَرَكَة الْإِنْسَان، وكناية عَن كل عمل مُتَعَدٍّ
وبالفتح: مصدر (فعل) كمنع
وَالْفِعْل مَوْضُوع لحَدث، وَلمن يقوم بِهِ ذَلِك الْحَدث على وَجه الْإِبْهَام أَي فِي زمَان معِين، وَنسبَة تَامَّة بَينهمَا على وَجه كَونهَا مرْآة لملاحظتها، وكل من هَذِه الْأُمُور جُزْء من مَفْهُوم الْفِعْل ملحوظ فِيهِ على وَجه التَّفْصِيل، وَاسم الْفِعْل مَوْضُوع لهَذِهِ الْأُمُور ملحوظ على وَجه الْإِجْمَال، وَتعلق الْحَدث بالمنسوب إِلَيْهِ على وَجه الْإِبْهَام مُعْتَبر فِي مَفْهُومه أَيْضا، وَلِهَذَا يَقْتَضِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ويعينهما، وَلَك أَن تفرق بَين الْمصدر وَاسم الْمصدر بِهَذَا الْفرق
وَدلَالَة الْأَفْعَال على الْأَزْمِنَة بالتضمن الْحَاصِل فِي ضمن الْمُطَابقَة لِأَنَّهَا تدل بموادها على الْحَدث، وبصيغها على الْأَزْمِنَة، فالحدث وَالزَّمَان كِلَاهُمَا يفهمان من لفظ الْفِعْل لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا جُزْء مَدْلُوله بِخِلَاف الْمصدر، فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ الْحَدث فَقَط، وَإِنَّمَا يدل على الزَّمَان بالالتزام، فَيكون مَدْلُوله مُقَارنًا للزمان فِي التَّحْقِيق وَالْوَاقِع وَنَفس المصادر وَالصِّفَات والجمل وَغَيرهَا دَاخِلَة فِي قسم الْأَفْعَال
وينقسم الْفِعْل بِاعْتِبَار الزَّمَان إِلَى الْمَاضِي والمستقبل
وَبِاعْتِبَار الطّلب إِلَى الْأَمر وَغَيره
وَكَذَلِكَ الْمُشْتَقّ فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يعْتَبر فِيهِ قيام ذَلِك الْحَدث بِهِ من حَيْثُ الْحُدُوث فَهُوَ اسْم فَاعل، أَو الثُّبُوت فَهُوَ الصّفة المشبهة أَو وُقُوع الْحَدث عَلَيْهِ(1/680)
فَهُوَ اسْم الْمَفْعُول أَو كَونه آلَة لحصوله فَهُوَ اسْم الْآلَة أَو مَكَانا وَقع فِيهِ فَهُوَ ظرف الْمَكَان أَو زَمَانا لَهُ فَهُوَ ظرف الزَّمَان أَو يعْتَبر فِيهِ قيام الْحَدث فِيهِ على وصف الزِّيَادَة على غَيره فَهُوَ اسْم التَّفْضِيل
وَالْفِعْل إِذا أول بِالْمَصْدَرِ لَا يكون لَهُ دلَالَة على الِاسْتِقْبَال وَامْتِنَاع الْإِخْبَار عَن الْفِعْل إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ مُسْندًا إِلَى مَجْمُوع مَعْنَاهُ، معبرا عَنهُ بِمُجَرَّد لَفظه مثل (ضرب، قتل) أما إِذا لم يرد مِنْهُ ذَلِك بِأَن يُرَاد بِهِ اللَّفْظ وَحده كَمَا فِي قَوْلك: (ضرب) مؤلف من ثَلَاثَة أحرف
أَو مَعَ مَعْنَاهُ مُتَّصِلا بفاعله كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا} أَو يُرَاد مُطلق الْحَدث الْمَدْلُول عَلَيْهِ ضمنا مَعَ الْإِضَافَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم}
أَو مَعَ الْإِسْنَاد كَمَا فِي (تسمع بالمعيدي خيرمن أَن ترَاهُ) فَفِي تِلْكَ الصُّور لَا يمْتَنع الْإِخْبَار عَن الْفِعْل
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: الْفِعْل لَا يخبر عَنهُ، هُوَ إِخْبَار عَنهُ بِأَنَّهُ لَا يخبر عَنهُ، وَأَنه متناقض
وَالْفِعْل من حَيْثُ إِنَّه فعل ماهيته ممتازة عَمَّا عَداهَا، وَهَذَا ايضا إِخْبَار عَنهُ بِهَذَا الامتياز.
وَالْفِعْل إِمَّا عبارَة عَن الصِّيغَة الدَّالَّة على الْمَعْنى الْمَخْصُوص، أَو عَن ذَلِك الْمَعْنى الْمَخْصُوص الَّذِي هُوَ مَدْلُول لهَذِهِ الصِّيغَة، فقد أخبرنَا عَنهُ بكلا الْأَمريْنِ ويعبرون بِالْفِعْلِ عَن أُمُور: أَحدهَا: وُقُوعه وَهُوَ الأَصْل ومشارفته نَحْو: {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن} أَي فشارفن انْقِضَاء الْعدة
وإرادته: وَأكْثر مَا يكون ذَلِك بعد أَدَاة الشَّرْط نَحْو: {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} ومقاربته كَقَوْلِه:
(إِلَى ملك كَاد الْجبَال لفقده ... تَزُول زَوَال الراسيات من الصخر)
وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ نَحْو: {وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} أَي قَادِرين على الْإِعَادَة
وَالْأَفْعَال ثَلَاثَة أَقسَام: فعل وَاقع موقع الِاسْم فَلهُ الرّفْع نَحْو: (هُوَ يضْرب) فَإِنَّهُ وَاقع موقع (ضَارب)
وَفعل فِي تَأْوِيل الِاسْم فَلهُ النصب نَحْو: (أُرِيد أَن تقوم) أَي مقامك
وَفعل لَا وَاقع موقع الِاسْم، وَلَا فِي تَأْوِيله فَلهُ الْجَزْم نَحْو: (لم يقم)
وَمَتى كَانَ فعل من الْأَفْعَال فِي معنى فعل آخر فلك أَن تجْرِي أَحدهمَا مجْرى صَاحبه، فتعدل فِي الِاسْتِعْمَال إِلَيْهِ، وتحذو بِهِ فِي تصرفه حَذْو صَاحبه
[وَالْفِعْل قد يوضع للنسبة الإنشائية نَحْو: (اضْرِب) ، وَقد يوضع للنسبة الإخبارية ويستعار من إِحْدَاهمَا لِلْأُخْرَى كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " من تعمد عَليّ الْكَذِب فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من(1/681)
النَّار " فَإِن قَوْله (فَليَتَبَوَّأ) للنسبة الاستقبالية فَإِنَّهُ بِمَعْنى يتبوأ مَقْعَده من النَّار]
وَإِذا أشكل عَلَيْك أَمر الْفِعْل فَصله بتاء الْمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب، فَمَا ظهر فَهُوَ أَصله، أَلا يرى أَنَّك تَقول فِي (رمى) و (هدى) : رميت، وهديت وَفِي (عَفا) ، و (دَعَا) : عَفَوْت، ودعوت (كَمَا ذكرنَا فِي أول الْكتاب)
وَإِذا أشكل أَمر الِاسْم فَانْظُر إِلَى تثنيته، فَمَا ظهر فَهُوَ أَصله، أَلا يرى أَنَّك تَقول فِي الْفَتى وَالْهدى: فتيَان وهديان وَالْفِعْل إِذا نسب إِلَى ظرف الزَّمَان بِغَيْر (فِي) يَقْتَضِي كَون ظرف الزَّمَان معيارا لَهُ، فَإِن امْتَدَّ الْفِعْل امْتَدَّ المعيار فيراد بِالْيَوْمِ النَّهَار وَإِن لم يَمْتَد الْفِعْل لم يَمْتَد المعيار فيراد بِالْيَوْمِ حِينَئِذٍ مُطلق الْوَقْت اعْتِبَارا للتناسب وَإِذا اسند الْفِعْل إِلَى ظَاهر الْمُؤَنَّث غير الْحَقِيقِيّ جَازَ إِلْحَاق عَلامَة التَّأْنِيث بِالْفِعْلِ وَتَركه
وَكَذَا إِذا أسْند الى ظَاهر الْجمع مُطلقًا، أَي سَوَاء كَانَ جمع سَلامَة أَو جمع تكسير، وَسَوَاء كَانَ وَاحِد المكسر حَقِيقِيّ التَّذْكِير أَو التَّأْنِيث ك (رجال) و (نسْوَة) أَو مجازي التَّذْكِير أَو التَّأْنِيث ك (أَيَّام) و (دور) ، وَكَذَا وَاحِد الجموع بِالْألف وَالتَّاء يَنْقَسِم إِلَى هَذِه الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة نَحْو: الطلحات، والزينبات، والحبليات، والغرفات، فَحكم الْمسند إِلَى ظَاهر هَذِه الجموع حكم الْمسند إِلَى ظَاهر الْمُؤَنَّث غير الْحَقِيقِيّ فِي جَوَاز إِلْحَاق عَلامَة التَّأْنِيث وَتَركه وَأما إِلْحَاق ضمير الْجمع بِهِ مَعَ كَونه مُسْندًا إِلَى الظَّاهِر فَغير صَحِيح إِلَّا على لُغَة طَيئ نَحْو: (أكلوني البراغيث)
وَكَذَا أَسمَاء الفاعلين إِذا أسندت إِلَى الْجَمَاعَة جَازَ فِيهَا التَّوْحِيد مَعَ التَّذْكِير نَحْو: (خَاشِعًا أَبْصَارهم)
وَجَاز أَيْضا التَّوْحِيد مَعَ التَّأْنِيث نَحْو: {خاشعة أَبْصَارهم}
وَجَاز الْجمع أَيْضا على لُغَة طَيئ نَحْو: {خشعا أَبْصَارهم}
وَإسْنَاد الْفِعْل إِلَى ظَاهر جمع الْمَذْكُور والعاقلين يكون بإلحاق التَّاء وَتَركه نَحْو: (فعلت الرِّجَال) ، (وَفعل الرِّجَال) ، إِسْنَاده إِلَى ضمير هَذَا الْجمع يكون بإلحاق التَّاء أَو الْوَاو لَا غير مثل (الرِّجَال فعلت أَو فعلوا) ، وَكَذَا حكم مَا هُوَ فِي معنى هَذَا الْجمع كالقوم
وَالْفِعْل مَتى اتَّصل بفاعله وَلم يحجز بَينهمَا حاجز لحقت الْعَلامَة، وَلَا يُبَالِي أَكَانَ التَّأْنِيث حَقِيقِيًّا أَو مجازيا فَتَقول: (جَاءَت هِنْد) ، (وَطَابَتْ الثَّمَرَة) إِلَّا أَن يكون الِاسْم الْمُؤَنَّث فِي معنى اسْم آخر مُذَكّر ك (الأَرْض) و (الْمَكَان) وَإِذا انْفَصل عَن فَاعله فَكلما بعد عَنهُ قوي حذف الْعَلامَة، وَكلما قرب قوي إِثْبَاتهَا، وَإِن توَسط توَسط، وَمن هُنَا كَانَ إِذْ تَأَخّر الْفِعْل عَن الْفَاعِل وَجب ثُبُوت التَّاء، طَال الْكَلَام أم قصر لفرط الِاتِّصَال، وَإِذا تقدم الْفِعْل مُتَّصِلا بفاعله الظَّاهِر كَانَ حذف التَّاء أقرب إِلَى الْجَوَاز، وَإِن حجز بَين الْفِعْل وفاعله حاجز كَانَ حذف التَّاء حسنا،(1/682)
وَأحسن إِذا كثرت الحواجز
قَالَ بَعضهم: إِن كَانَ الْفَاعِل جمعا مكسرا أدخلت التَّاء لتأنيث الْجَمَاعَة وحذفها لتذكير اللَّفْظ، وَإِن كَانَ جمعا مُسلما فَلَا بُد من التَّذْكِير لِسَلَامَةِ لفظ الْوَاحِد، فَلَا تَقول: قَالَت الْكَافِرُونَ، كَمَا لَا تَقول: قَالَت الْكَافِر وَلَا يحذف فعل إِلَّا بعد (إِن) خَاصَّة فِي موضِعين أَحدهمَا: أَن يكون فِي بَاب الاستفعال نَحْو: {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} : وَالثَّانِي: أَن تكون (إِن) متلوة بِلَا النافية، وَأَن يدل على الشَّرْط مَا تقدمه من الْكَلَام
وَالْفِعْل قد يكون لَازِما ينفعل بِدُونِ التَّأْثِير على الْمُتَعَلّق كالإيمان وَالْكفْر وَقد يكون مُتَعَدِّيا بِمَعْنى أَنه لَا وجود لَهُ إِلَّا بانفعال الْمُتَعَلّق كالكسر وَالْقَتْل
وَالْفِعْل: التَّأْثِير وإيجاد الْأَثر
(والانفعال: التأثر وَقبُول الْأَثر) وَلكُل فعل انفعال إِلَّا الإبداع الَّذِي هُوَ من الله، فَذَلِك هُوَ إِيجَاد عَن عدم لَا فِي مَادَّة وَلَا فِي جَوْهَر بل ذَلِك هُوَ إِيجَاد الْجَوْهَر
وَالْأَفْعَال كلهَا مُنكرَة، وتعريفها محَال، لِأَنَّهَا لَا تُضَاف كَمَا لَا يُضَاف إِلَيْهَا، لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي الْمَعْنى مَحْكُوم عَلَيْهِ، وَالْأَفْعَال لَا تقع مَحْكُومًا عَلَيْهَا، وَلَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام لِأَنَّهَا جملَة، وَدخُول الْألف وَاللَّام على الْجمل محَال
وَالْفِعْل لَا يثنى لِأَن مَدْلُوله جنس، وَهُوَ وَاقع على الْقَلِيل وَالْكثير، فَلم يكن لتثنيتة فَائِدَة وَلَفظ الْفِعْل يُطلق على الْمَعْنى الَّذِي هُوَ وصف للْفَاعِل مَوْجُود كالهيئة الْمُسَمَّاة بِالصَّلَاةِ من الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَنَحْوهَا وكالهيئة الْمُسَمَّاة بِالصَّوْمِ وَهِي الْإِمْسَاك عَن المفطرات بَيَاض النَّهَار، وكالحالة الَّتِي يكون المتحرك عَلَيْهَا فِي كل جُزْء من الْمسَافَة، وَهَذَا يُقَال فِيهِ: الْفِعْل بِالْمَعْنَى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ
وَقد يُطلق لفظ الْفِعْل على نفس إِيقَاع الْفَاعِل على هَذَا الْمَعْنى كالحركة فِي الْمسَافَة، وَيُقَال فِيهِ: الْفِعْل بِالْمَعْنَى المصدري، أَي الَّذِي هُوَ أحد مدلولي الْفِعْل النَّحْوِيّ، ومتعلق التَّكْلِيف إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى الأول، وَكَذَا فِي قَول الجبرية: فعل العَبْد مَخْلُوق لله دون الثَّانِي، لِأَن الْفِعْل بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَمر اعتباري لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج، فَإِن الْمُتَكَلِّمين لَا يثبتون الْوُجُود إِلَّا للأكوان من النّسَب
وفعال، كقطام: أَمر وكسحاب: اسْم للْفِعْل الْحسن وَالْكَرم، وَيكون فِي الْخَيْر وَالشَّر وفعلة، كغلبة: صفة غالبة على عملة الطين والحفر وَنَحْو ذَلِك.
و [فعلة] كفرحة: الْعَادة
الْفضل: فضل، كنصر: بِمَعْنى الْفَضِيلَة وَالْغَلَبَة
وكحسن: بِمَعْنى الْفضل وَالزِّيَادَة وَالْفضل فِي الْخَيْر وَيسْتَعْمل لمُطلق النَّفْع.
والفضول جمع (فضل) : بِمَعْنى الزِّيَادَة غلب على من لَا خير فِيهِ حَتَّى قيل:
(فضول بِلَا فضل وَسن بِلَا سنا ... وَطول بِلَا طول وَعرض بِلَا عرض)(1/683)
ثمَّ قيل لمن يشْتَغل بِمَا لَا يعنيه فُضُولِيّ، وَلذَا لم يرد إِلَى الْوَاحِد عَن النِّسْبَة، وَلَا يبعد أَن تفتح الْفَاء فَيكون مُبَالغَة (فَاضل) من (الْفضل)
وَالْعرب تبني للمصدر بالفعيلة عَمَّا دلّ على الطبيعة غَالِبا فتأتي: بالفضيلة إِذا قصد بِهِ صِفَات الْكَمَال من الْعلم وَنَحْوه للإشعار بِأَنَّهَا لَازِمَة دائمة، وَتَأْتِي أَيْضا بِالْفَضْلِ إِذا قصد بِهِ النَّوَافِل بِاعْتِبَار تجدّد الْآثَار، لِأَن السَّائِل يَتَعَدَّد وَإِن كَانَ المسؤول وَاحِدًا
وَالْفضل والفاضلة: الإفضال، وجمعهما فضول وفواضل
والفضائل: هِيَ المزايا غير المتعدية
والفواضل: هِيَ المزايا المتعدية والأيادي الجسيمة أَو الجميلة، وَالْمرَاد بالتعدية التَّعَلُّق كالإنعام أَي إِعْطَاء النِّعْمَة وإيصالها إِلَى الْغَيْر لَا الِانْتِقَال
وَالْفضل بِمَعْنى كَثْرَة الثَّوَاب فِي مُقَابلَة الْقلَّة
وَالْخَيْر: بِمَعْنى النَّفْع بِمُقَابلَة الشَّرّ
وَالْأول من الْكَيْفِيَّة، وَالثَّانِي من الكمية
وَالْفضل بِالصّفةِ القائمية كالعلوم، وبالصفة المقومية كتقدم آدم النَّبِي على الْجَمِيع لِأَنَّهُ أساس الْأَنْبِيَاء
وبالصفة الإضافية كخاتمية سيدنَا مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَن الحكم يُضَاف إِلَى آخر الْعلَّة
وَفضل الْإِنْسَان على سَائِر الْحَيَوَانَات بِأُمُور خلقية طبيعية ذاتية مثل الْعقل والنطق والخط وَغَيرهَا هُوَ التكريم واكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة بِوَاسِطَة ذَلِك الْعقل هُوَ التقضيل وَالْفضل من حَيْثُ الْجِنْس: كفضل جنس الْحَيَوَان على جنس النَّبَات
وَمن حَيْثُ النَّوْع: كفضل الْإِنْسَان على غَيره من الْحَيَوَان
وَمن حَيْثُ الذَّات: كفضل رجل على آخر والأولان جوهران لَا سَبِيل للناقص فيهمَا أَن يزِيل نَقصه وَأَن يَسْتَفِيد الْفضل وَالْفضل الثَّالِث: عرض فيوجد السَّبِيل إِلَى اكتسابه {وَأَن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء} : يتَنَاوَل الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة من الْفضل
وَقَوْلهمْ: (فضلا عَن كَذَا) من قَوْلك: (فضل عَن المَال كَذَا) وَإِذا ذهب أَكْثَره وَبَقِي أَقَله، وَهُوَ مصدر فعل مَحْذُوف أبدا أَي: فضل فضلا يسْتَعْمل فِي مَوضِع يستبعد فِيهِ الْأَدْنَى وَيُرَاد بِهِ اسْتِحَالَة مَا فَوْقه، وَلِهَذَا يَقع بَين كلامين متغايرين معنى مثل (لَكِن)
وَيُقَال فِي تَفْضِيل بعض الشَّيْء على كُله: فلَان أول الجريدة، وَبَيت القصيدة: وَقد نظمت فِي فضل بعض الْخلق على بعض:
(لخير جَمِيع الْخلق أَعنِي مُحَمَّدًا ... كمعجزه فضل لأمته نور)
(وَفَاطِمَة الزهراء بِالْأَصْلِ فضلت ... كعائشة بِالْعلمِ ذَاك شهير)
(وتأثير أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة ... كعائشة نصرا لديك يَدُور)
(لصالحنا عكس الْبِدَايَة رُتْبَة ... على ملك دَار الثَّوَاب وحور)
(أحب إِلَى الله الْمُجيب مَدِينَة ... من أول أَرض بِالدُّعَاءِ شُعُور)(1/684)
(وتربة قبر قد حوت أعظم النَّبِي ... لَهَا الْفضل من عرش هُنَاكَ أُمُور)
(وَأفضل من غاز شَهِيد مقَاتل ... جليس إِلَه فِي الشُّهُود أجور)
(مصَالح نَاس لَو تعدت فأفضل ... وَلَا عجب للقاصرين قُصُور)
(لزمزم فضل من مياه سوى الَّذِي ... أَصَابِع خير النَّاس مِنْهُ تَفُور)
(صبور على فقر شكور على غنى ... لأتقاهم فضل الْكَرِيم صبور)
(وتفضيل أَرض الله حق على السما ... كَمَا قيل عِنْد الْأَكْثَرين فجور)
(سَمَاء فَفِيهَا الْعَرْش سيد غَيرهَا ... كَذَا الأَرْض مَا بعد الْحَيَاة قُبُور)
(وَفِي أحد جر الْجوَار لفضله ... وَلَيْسَ كَذَا نور الْجبَال وطور)
(وَلَا فضل بَين المشرقين حَقِيقَة ... توقفنا خير وإثم لنا زور)
(ليَالِي قلت من بهية شَأْنهَا ... وَأكْثر أَيَّام بِتِلْكَ فخور)
(وَأفضل أَيَّام الأسابيع جُمُعَة ... وأشرف أَيَّام السنين نحور)
(وَلَيْلَة الاسرا فِي النَّبِي مفضل ... على الْقدر فِينَا مَا علته شهور)
(وبالقدر للعشر اللَّيَالِي فَضِيلَة ... على مثلهَا لِلْحَجِّ وَهُوَ يَدُور)
(وفضلت الْأَيَّام من عشر حجَّة ... على مثلهَا للصَّوْم أَنْت شكور)
الْفرْقَة، بِالْكَسْرِ: اسْم لجَماعَة مفترقة من النَّاس بِوَاسِطَة عَلامَة التَّأْنِيث لِأَن الِاسْم يكون للْجمع بالتأنيث كالمعتزلة وَالْجَمَاعَة [وَالْجَمَاعَة أقلهَا ثَلَاثَة، وَأما الطَّائِفَة فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب رَحمَه الله: الطَّائِفَة للْوَاحِد، وَقَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: للْوَاحِد فَمَا فَوق من دون الْمُتَوَاتر، وَقيل فِي سَبَب نزُول قَوْله تَعَالَى: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} أَن المُرَاد بِهِ رجلَانِ وَإِن كَانَ الصَّحِيح مَا ذكره صَاحب " الْكَشَّاف " أَن المُرَاد بهما الْأَوْس والخزرج، قَالَ بَعضهم الطَّائِفَة] قد تقل وَقد تكْثر قَالَ الله تَعَالَى: {يغشى طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} وَمَعْلُوم أَن أحد الفريقيين كَانَ أَكثر من الآخر، وَقد سماهما جَمِيعًا الطَّائِفَة، فَعلم أَن اسْم الطَّائِفَة قد يَقع على الْقَلِيل، وَقد يَقع على الْكثير، كَذَا فِي " الْعمادِيَّة " وَفِي " الْكَشَّاف ": هِيَ الْفرْقَة الَّتِي يُمكن أَن تكون حَلقَة، وَلم يقل أحد بِالزِّيَادَةِ على الْعشْرَة
والرهط: الْعِصَابَة، بِالْكَسْرِ
والعصابة من الْخَيل وَالرِّجَال وَالطير: من الثَّلَاثَة(1/685)
أَو السَّبْعَة إِلَى الْعشْرَة، (وَقيل: من الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين)
وَالْعشيرَة: اسْم لكل جمَاعَة من أقَارِب الرجل يتكثر بهم)
والعشير: المعاشر قَرِيبا كَانَ أَو معارفا
والمعشر: الْجَمَاعَة الْعَظِيمَة، سميت بِهِ لبلوغها غَايَة الْكَثْرَة، فَإِن الْعشْر هُوَ الْعدَد الْكَامِل الْكثير الَّذِي لَا عدد بعده إِلَّا بتركيبه بِمَا فِيهِ من الْآحَاد، فالمعشر مَحل الْعشْر الَّذِي هُوَ الْكَثْرَة الْكَامِلَة
والموكب: الْجَمَاعَة ركبانا أَو مشَاة، أَو ركاب الْإِبِل للزِّينَة
والفوج: الْجَمَاعَة الْمَارَّة المسرعة
والنفر: من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة، وَلَا يسْتَعْمل فِيمَا فَوق الْعشْرَة، وَلَا فِي طَائِفَة النِّسَاء، وَإِذا اسْتعْمل فِيمَا فَوْقهَا أَو فِي طَائِفَة الرِّجَال وَالنِّسَاء يُفَسر حِينَئِذٍ بِالنَّفسِ
والفئة: هِيَ الْجَمَاعَة المتظاهرة الَّتِي يرجع بَعضهم إِلَى بعض فِي التعاضد
(واللفيف: الْجَمَاعَات من قبائل شَتَّى)
والركب: هم الْأَرْبَعُونَ الَّذين كَانُوا يقودون الْبَعِير.
وَالْجَمَاعَة: ثَلَاثَة فَصَاعِدا من جمَاعَة شَتَّى قَالَه أَبُو عبيد، وَالْجمع قبيل
والشرذمة: الطَّائِفَة القليلة
وَالْمَلَأ: الْأَشْرَاف من النَّاس، وَهُوَ اسْم للْجَمَاعَة كالرهط وَالْقَوْم
والفريق: أَكثر من الْفرْقَة
والسرية: من خمسين إِلَى أَرْبَعمِائَة
والكتيبة: من مائَة إِلَى ألف
والجيش: الْجند أَو السائرون لِحَرْب أَو غَيرهَا، وهم من ألف إِلَى أَرْبَعَة آلَاف
وَالْخَمِيس: من أَرْبَعَة آلَاف إِلَى اثْنَي عشر ألفا
والعسكر: يجمع كل مَا ذكر لِأَنَّهُ الْكثير من كل شَيْء
الْفَصْل: فَصله فصلا: ميزه وَفصل فصولا: انْفَصل وَيُقَال: فصل فلَان عِنْدِي فصولا: إِذا خرج من عِنْده
وَفصل مني إِلَيْهِ كتاب: نفذته إِلَيْهِ
وَفِي الِاصْطِلَاح: عَلامَة تَفْرِيق بَين البحثين
وَقيل: هُوَ القَوْل الْوَاضِح الْبَين الَّذِي ينْفَصل بِهِ المُرَاد عَن غَيره والحاجز بَين شَيْئَيْنِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُوصل ب (بَين) ، إِلَّا أَن المصنفين يجرونه مجْرى الْبَاب، فيصلونه ب (فِي) ، وَحِينَئِذٍ يكون بِالتَّنْوِينِ
وَهُوَ مصدر بِمَعْنى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول مستعار للألفاظ أَو النقوش من الْمحل
وَهُوَ طَائِفَة من الْمسَائِل تَغَيَّرت أَحْكَامهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قبلهَا، غير مترجمة بِالْكتاب وَالْبَاب
وَقد يسْتَعْمل كل من الْفَصْل وَالْبَاب مَكَان الآخر
وَقد يكْتَفى بالفصول، وَالْكل علم جنس
وَالْفُقَهَاء يذكرُونَ الْكتاب فِي مقَام الْجِنْس، وَالْبَاب فِي مَوضِع النَّوْع، والفصل فِي مرتبَة الصِّنْف، فَتغير مسَائِل الْبَاب عَمَّا قبلهَا كتغير النَّوْع بِالنِّسْبَةِ إِلَى نوع آخر، انْفِصَال مسَائِل الْفَصْل(1/686)
عَمَّا قبلهَا كانفصال الصِّنْف عَن الصِّنْف الآخر وَهَذِه الثَّلَاثَة وأمثالها مَتى وصل إِلَى مَا بعْدهَا مثل: (كتاب الفلان) ، أَو بفي مثل: (فصل فِي الفلان) يقْرَأ بِالرَّفْع وَلَا يسْتَحق الْإِعْرَاب إِلَّا بعد التَّرْكِيب، فَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَإِن كَانَ معرفَة بِاللَّامِ أَو بِالْإِضَافَة فَيحْتَمل أَن يكون مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف، وَمَتى لم يُوصل وَهُوَ كثير فِي الْفَصْل يجوز أَن يقْرَأ خَالِيا عَن الْإِعْرَاب مَوْقُوفا لكَونه غير مركب، وَمن حق الْفَصْل أَن لَا يَقع إِلَّا بَين معرفتين، وَأما فِي قَوْله تَعَالَى: {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم} فقد ضارع الْمعرفَة فِي أَنه لَا يدْخلهُ الْألف وَاللَّام فأجري مجْرَاه
والفيصل: هُوَ الَّذِي يفصل بَين الْأَشْيَاء وَقيل: هُوَ الْقَضَاء الْفَاصِل بَين الْحق وَالْبَاطِل
وَفصل الْخطاب: هُوَ تَلْخِيص الْكَلَام بِحَيْثُ لَا يشْتَبه على السَّامع مَا أُرِيد بِهِ وَقد يَجْعَل بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي المفصول من الْخطاب الَّذِي يُبينهُ من مُخَاطب بِهِ، أَو الْفَاعِل أَي: الْفَاصِل من الْخطاب بَين الْحق وَالْبَاطِل
أَو الحكم بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِين
أَو الْفِقْه فِي الْقَضَاء
أَو النُّطْق ب (أما بعد) تكلم بهَا أَولا النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو قس بن سَاعِدَة أحد حكماء الْعَرَب فِي " الْقَامُوس " أَو من تكلم بهَا دواد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أوكعب بن لؤَي
وأواخر آيَات التَّنْزِيل فواصل بِمَنْزِلَة قوافي الشّعْر
والفصل فِي القوافي: كل تَغْيِير اخْتصَّ بالعروض وَلم يجر مثله فِي حَشْو الْبَيْت
وَهَذَا إِنَّمَا يكون بِإِسْقَاط حرف متحرك فَصَاعِدا، فَسُمي فصلا
[الْفَرْض: هُوَ مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول وَلم يُغير(1/687)
لكَونه بِالْمَصْدَرِ أشهر، وَكَذَا السّنة بِخِلَاف أخواتهما فَإِنَّهَا بِتِلْكَ الْأَسَامِي أشهر وَلِهَذَا خالفتها إِلَّا الْمحرم فَإِنَّهُ بالحرام أشهر فَهُوَ أولى
وَالْفَرْض لفظ مُشْتَرك بَين الْإِيجَاب: " إِن الله تَعَالَى فرض على عباده خمس صلوَات " الحَدِيث، أَي أوجبهَا وَبَين الْقطع، يُقَال: فرض الْخياط الثَّوْب إِذا قطعه، وَبَين الْبَيَان: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} أَي بَين لكم كَفَّارَة الْيَمين وَبَين التَّقْدِير: {فَنصف مَا فرضتم} أَي قدرتم، لَكِن للْقطع حَقِيقَة كَمَا قَالَ صَاحب " الْكَشَّاف " وَغَيره من أَئِمَّة اللُّغَة ثمَّ نقل إِلَى الْإِيجَاب وَالتَّقْدِير، لِأَن الْوَاجِب مَقْطُوع لانقطاعه عَن الشُّبْهَة وَعدم احْتِمَاله الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان حَتَّى من قَالَ: (اؤمن بِمَا جَاءَ من عِنْد الله وَمَا جَاءَ من عِنْد غَيره) لَا يُؤمن، وَكَذَا الْمُقدر مَقْطُوع عَن الْغَيْر وَفِيه نوع تيسير، إِذْ التناهي يسير وَنَوع شدَّة مُحَافظَة أَيْضا، وَلذَا سمي مَكْتُوبَة فَكَانَ مجَازًا فيهمَا وَأما الْفَرْض فِي قَوْله تَعَالَى: {قد علمنَا مَا فَرضنَا} فَهُوَ بِمَعْنى الأيجاب وَالْمعْنَى: قد علم الله مَا يجب فَرْضه على(1/688)
الْمُؤمنِينَ فِي الْأزْوَاج وَالْإِمَاء من الْمهْر فِي الْأزْوَاج وَمِمَّا بِهِ قوامهن من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَأما معنى التَّقْدِير فَلَا يَنْتَظِم فِي حق الْإِمَاء، وَقَالَ بَعضهم: الْفَرْض قطع الشَّيْء الصلب والتأثير فِيهِ كَقطع الْحَدِيد، وكل مَوضِع ورد فِي الْقُرْآن (فرض الله عَلَيْهِ) فَفِي الْإِيجَاب، و (مَا فرض الله لَهُ) وَارِد فِي مُبَاح أَدخل الْإِنْسَان فِيهِ نَفسه، وَقَوله تَعَالَى: {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} أَي وَقت
وَالْفَرْض مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ مَتنه وَسَنَده
وَالْوَاجِب: مَا ثَبت بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة متْنا كالآية المؤولة أَو سندا كَخَبَر الْوَاحِد، وَالْخلاف بَين أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْفَرْض وَالْوَاجِب لَفْظِي عِنْد صَاحب " الْحَاصِل " فَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله أَخذ الْفَرْض من (فرض الشَّيْء) بِمَعْنى جزه: أَي قطع بعضه
وَالْوَاجِب من (وَجب الشَّيْء) : سقط، وَمَا ثَبت بظني سَاقِط من قسم الْمَعْلُوم وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله أَخذ الْفَرْض من (فرض الشَّيْء) ، قدره، وَالْوَاجِب من (وَجب الشَّيْء) : ثَبت، وكل من الْمُقدر وَالثَّابِت أَعم من أَن يثبت بِدَلِيل قَطْعِيّ أَو ظَنِّي قَالَ الإِمَام رَحمَه الله فِي " الْمَحْصُول ": وَالْفرق بِأَن الْفَرْض هُوَ التَّقْدِير، وَالْوُجُوب عبارَة عَن السُّقُوط فخصصنا اسْم الْفَرْض بِمَا علم بِدَلِيل قَاطع، إِذْ هُوَ الَّذِي عرف أَن الله قدره علينا، وَمَا علم بِدَلِيل ظَنِّي سميناه وَاجِبا لِأَنَّهُ سَاقِط علينا لَا فرضا، إِذْ لم يعلم أَن الله قدره علينا ضَعِيف لِأَن الْفَرْض هُوَ الْمُقدر مُطلقًا أَعم من أَن يكون مُقَدرا علما أَو ظنا، وَكَذَا الْوَاجِب هُوَ السَّاقِط أَعم من أَن يكون علما أَو ظنا، فالتخصيص تحكم مَحْض
وَفِي " نِهَايَة الْجَزرِي " رَحمَه الله: الْفَرْض لُغَة: الْوُجُوب، وَفِي الشَّرْع: هُوَ مَا ثَبت وُجُوبه بِدَلِيل لَا شُبْهَة فِيهِ حَتَّى يكفر جاحده كالمتواتر من الْكتاب وَالسّنة كأصل الْغسْل وَالْمسح فِي أَعْضَاء الْوضُوء وَهُوَ الْفَرْض علما وَعَملا وَيُسمى الْفَرْض الْقطعِي، وَكَثِيرًا مَا يُطلق الْفَرْض على مَا يفوت الْجَوَاز بفوته وَلَا ينجبر بجابر كَغسْل مِقْدَار معِين وَمسح مِقْدَار معِين، وَهُوَ الْفَرْض عملا لَا علما وَيُسمى الْفَرْض الاجتهادي
وَالْوَاجِب مَا ثَبت وُجُوبه بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة الْعَدَم، كالوتر وَصدقَة الْفطر وَالْأُضْحِيَّة وَنَحْوهَا، وَالدَّلِيل الَّذِي فِيهِ شُبْهَة الْعَدَم هُوَ الْقيَاس وَخبر الْآحَاد
وَالْوَاجِب الْقطعِي: هُوَ فعل يسْتَحق الذَّم على تَركه من غير عذر، وَقيل: يَأْثَم بِتَرْكِهِ، وطبقة جَمِيع الْفُرُوض مستوية إِذا كَانَ الدَّلِيل قَطْعِيا سَوَاء كَانَ ثَابتا بِالْكتاب أَو بِالسنةِ أَو بِالْإِجْمَاع
وَالْفَرِيضَة: اسْم من الافتراض، وَهُوَ الْإِيجَاب، ثمَّ جعلت بِمَعْنى المفترض، ثمَّ نقل إِلَى الْمَعْنى الشَّرْعِيّ الْأَعَمّ من الشَّرْط فِي الرُّكْن أَو صفة(1/689)
بِمَعْنى الْمَفْرُوض وَالتَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية لَا للتأنيث فَيكون صَالحا للمذكر وَلَا يَتَأَتَّى اسْتِوَاء الْمُذكر والمؤنث فِيهِ
وفرائض الْإِبِل: مَا يفْرض فِيهَا على أَرْبَابهَا فِي الزَّكَاة وأوامر الله تسمى فَرَائض لِأَنَّهَا مقدرات على الْعباد
والفروض والفرائض والسهام: كلهَا تسْتَعْمل فِي علم الْفَرَائِض بِمَعْنى وَاحِد وَلما كَانَت أنصباء جَمِيع الْوَرَثَة من المقدرات الشَّرْعِيَّة قيل لَهَا فروض وفرائض، لَكِن التَّقْدِير الْوَاقِع فِي أنصباء الْعَصَبَات لَيْسَ كالتقدير الْوَاقِع فِي سِهَام أَصْحَاب الْفَرَائِض، وَقد بَينهَا الله فِي كِتَابه وقطعها وقدرها بمقادير لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَلَا النُّقْصَان عَنْهَا، بِخِلَاف سَائِر الْأَشْيَاء من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا فَإِن الله تَعَالَى ذكرهَا فِي كِتَابه الْعَزِيز وَلم يبين مقدارها فرض على كل يظنّ كل أَن أحدا لم يقم بِهِ، وَغير فرض على كل يظنّ أَن غَيره يُؤَدِّيه، وَغير فرض على بعض يظنّ أَدَاء بعض
وَالْفَرْض هُوَ الَّذِي لَا يُطَابق الْوَاقِع وَلَا يعْتد بِهِ أصلا، وَمُرَاد الْقَوْم بِالْفَرْضِ فِي قَوْلهم: الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ لَا يقبل الْقِسْمَة لَا كسرا وَلَا وهما وَلَا فرضا هُوَ التعقل لَا مُجَرّد التَّقْدِير
الْفِقْه: هُوَ الْعلم بالشَّيْء والفهم لَهُ والفطنة وَفقه، كعلم: فهم، وكمنع: سبق غَيره بالفهم
وككرم: صَار الْفِقْه لَهُ سجية
وَالْفِقْه فِي الْعرف: الْوُقُوف على الْمَعْنى الْخَفي يتَعَلَّق بِهِ الحكم، وَإِلَيْهِ يُشِير قَوْلهم: هُوَ التَّوَصُّل إِلَى علم غَائِب بِعلم شَاهد أَعنِي أَنه تعقل وعثور يعقب الإحساس والشعور فَنقل اصْطِلَاحا إِلَى مَا يخص بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة والفرعية عَن أدلتها التفصيلية، فَخرج الاعتقاديات، وَهُوَ الْفِقْه الْأَكْبَر الْمُسَمّى بِعلم أصُول الدّين، والخلقيات الْمُسَمّى بِعلم الْأَخْلَاق والآداب
وَقيل: الْفِقْه فِي الِاصْطِلَاح عبارَة عَن الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية، المكتسب من الْأَدِلَّة التفصيلية لتِلْك الْأَحْكَام، فَدخل فِيهِ بِالْعلمِ جَمِيع الْعُلُوم، وَخرج بِالْأَحْكَامِ الْعلم بالذوات وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال
وبالشرعية: الْعلم بِالْأَحْكَامِ غير الشَّرْعِيَّة سَوَاء كَانَت عقلية كأحكام الهندسة، أَو غَيرهَا كأحكام النُّجُوم
وبالعملية: الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة الَّتِي تتَعَلَّق بِبَيَان الِاعْتِقَاد كمسائل الْكَلَام
وبالمكتسب: الْعلم بِكَوْن أَرْكَان الْإِسْلَام من ديننَا، فَإِن كَونهَا من الدّين بلغ فِي الشُّهْرَة حدا علمه المتدين وَغَيره وَعلم الله بِتِلْكَ الْأَحْكَام فَإِنَّهُ غير مكتسب
وبالأدلة: علم الرَّسُول بِالْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ مُسْتَفَاد من الْوَحْي على رَأْي وَعلم الْمُقَلّد بهَا كالأحكام الَّتِي يتلفقها الْعَوام من أَفْوَاه الْفُقَهَاء
وَالْعلم بِالْأَحْكَامِ المكتسبة من الْأَدِلَّة الْفِقْهِيَّة
وبالتفصيلية: علم الْخلاف، فَإِن الْأَدِلَّة الْمَذْكُورَة فِيهِ إجمالية أَلا يرى أَنهم يستدلون فِي دعاواهم بالمقتضى وبالنافي من غير تعْيين الْمُقْتَضى والنافي
قَالَ بعض الْفُضَلَاء: الْفِقْه فِي الِاصْطِلَاح: هُوَ علم الْمَشْرُوع وإتقانه بِمَعْرِِفَة النُّصُوص بمعانيها وَالْعَمَل بِهِ، ويعبر عَنهُ بِأَنَّهُ معرفَة الْفُرُوع الشَّرْعِيَّة اسْتِدْلَالا وَالْعَمَل بهَا، وَإِنَّمَا لم يذكر الإِمَام الْعَمَل(1/690)
حَيْثُ قَالَ: الْفِقْه معرفَة النَّفس مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، لِأَن الْعَمَل بالشَّيْء بعد الْعلم بِهِ لما كَانَ من شَأْنه أَن يُوجد الْبَتَّةَ لكَون الْعَمَل بِدُونِهِ كالمعلوم صَار كالمعلوم الْمُحَقق، مصداقه قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق ولبئس مَا شروا بِهِ أنفسهم لَو كَانُوا يعْملُونَ} أثبت لَهُم الْعلم بالتوكيد القسمي، ثمَّ نَفَاهُ عَنْهُم حَيْثُ لم يعملوا بِهِ وَالْمرَاد بِالْعَمَلِ بِهِ الْإِتْيَان بالفرائض المؤقتة فِي أَوْقَاتهَا، وبغيرها مُطلقًا، والاجتناب عَن المنهيات كَذَلِك، لَا التَّلَبُّس بهَا دَائِما، وَإِلَّا لم يُوجد فَقِيه أصلا
وَالتَّحْقِيق الأتم هُوَ أَن لَا يرى مَا لَهَا مَا عَلَيْهَا فيتركه وَيرى مَا عَلَيْهَا مَا لَهَا فَيَأْتِي بِهِ
الفصيح: فصح الأعجمي، ككرم،: تكلم بالعربي وَفهم عَنهُ، أَو كَانَ عَرَبيا فازداد فصاحة، كتفصح
وأفصح: تكلم بالفصاحة
والفصاحة: يُوصف بهَا الْمُفْرد، وَالْكَلَام، والمتكلم
والبلاغة: يُوصف بهَا الأخيران فَقَط، وَالْأَصْل فِي البلاغة أَن يجمع الْكَلَام ثَلَاثَة أَوْصَاف صَوَابا فِي مَوضِع اللُّغَة وطبقا للمعنى المُرَاد مِنْهُ
وصدقا فِي نَفسه
وفصاحة الْمُفْرد: كحسن كل عُضْو من أَعْضَاء الْإِنْسَان
وفصاحة الْكَلَام: كحسن تركيب أَعْضَاء الْإِنْسَان
وبلاغة الْكَلَام: كالروح الَّذِي لأَجله يرغب فِي الْبدن والمحسنات كالمزينات
(والأبلغ من البلاغة: الْكَلَام وَمن الْمُبَالغَة: الْمُتَكَلّم) وَلَا يدْرك حسن الفصيح إِلَّا بِالسَّمْعِ
الْفَيْض: فاض المَاء: كثر حَتَّى سَالَ كالوادي
وأفاض إناءه: ملأَهُ حَتَّى أساله
وَرجل فياض: أَي سخي وَمِنْه استعير (فاضوا فِي الحَدِيث) إِذا خَاضُوا فِيهِ
وَحَدِيث مستفيض: أَي منتشر
وَقوم فوضى، كسكرى: أَي متساوون لَا رَئِيس لَهُم، أَو مختلط بَعضهم بِبَعْض وَأمرهمْ فوضاء بَينهم، وَيقصر: إِذا كَانُوا مُخْتَلفين يتَصَرَّف كل مِنْهُم فِي مَال غَيره.
وفاض دمع عينه هُوَ الأَصْل، وفاضت عينه دمعا محول عَن الأَصْل، فَإِنَّهُ حول الْفَاعِل تمييزا مُبَالغَة
وفاضت عينه من الدمع بِلَا تَحْويل، أبرز تعليلا، وَهَذَا أبلغ، لِأَن التَّمْيِيز قد اطرد وَضعه فِي هَذَا الْبَاب مَوضِع الْفَاعِل، وَالتَّعْلِيل لم يعْهَد فِيهِ ذَلِك
والفيض إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي إِلْقَاء الله تَعَالَى وَأما مَا يلقيه الشَّيْطَان فَإِنَّهُ يُسمى بالوسوسة
وَالْوَحي: الْمَنْسُوب إِلَى الشَّيْطَان وَغَيره هُوَ بِمَعْنى، الْإِلْقَاء والواردات إِن لم تكن مَأْمُونَة الْعَاقِبَة وَلم يحصل بعْدهَا توجه تَامّ إِلَى الْحق وَلَذَّة مرغبة فِي الْعِبَادَات فَهِيَ شيطانية
وَإِن كَانَت أمورا مُتَعَلقَة بِأُمُور الدُّنْيَا مثل إِحْضَار الشَّيْء الْغَائِب، كإحضار الْفَوَاكِه الصيفية فِي(1/691)
الشتَاء، وطي الْمَكَان وَالزَّمَان، والنفوذ من الْجِدَار من غير انْشِقَاق على مَا يُشَاهِدهُ أَصْحَاب الدعْوَة وأمثال ذَلِك مِمَّا هُوَ غير مُعْتَبر عِنْد أهل الله فَهُوَ جاني
وَإِن كَانَت مُتَعَلقَة بِأُمُور الْآخِرَة أَو من قبيل الِاطِّلَاع على الخواطر فَهِيَ ملكية
وَإِن كَانَت بِحَيْثُ يعْطى المكاشف قُوَّة التَّصَرُّف فِي الْملك والملكوت كالإحياء والإماتة مَعَ كَونه على طَرِيق الشَّرْع فَهِيَ رحمانية
والفيض الإلهي يَنْقَسِم إِلَى الْفَيْض الأقدس والفيض الْمُقَدّس وبالأول تحصل الْأَعْيَان واستعداداتها الْأَصْلِيَّة فِي الْعلم وَبِالثَّانِي تحصل تِلْكَ الْأَعْيَان فِي الْخَارِج مَعَ لوازمها
الْفِتْنَة: هِيَ مَا يتَبَيَّن بهَا حَال الْإِنْسَان من الْخَيْر وَالشَّر يُقَال: فتنت الذَّهَب بالنَّار: إِذا جربته بهَا لتعلم أَنه خَالص أَو مشوب، وَمِنْه الفتانة: وَهِي الْحجر الَّذِي يجرب بِهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة
والفتنة أَيْضا: الشّرك {حَتَّى لَا تكون فتْنَة}
والإضلال: {ابْتِغَاء الْفِتْنَة}
وَالْقَتْل: {أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا}
والصد: {واحذرهم أَن يفتنوك}
والضلالة: {وَمن يرد الله فتنته}
وَالْقَضَاء: {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك}
وَالْإِثْم: {أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا}
وَالْمَرَض: {يفتنون فِي كل عَام}
وَالْعبْرَة: {لَا تجعلنا فتْنَة}
وَالْعَفو: {أَن تصيبهم فتْنَة}
وَالِاخْتِيَار: {وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم}
وَالْعَذَاب: {جعل فتْنَة النَّاس كعذاب الله}
والإحراق: {هم على النَّار يفتنون}
وَالْجُنُون: {بأيكم الْمفْتُون} قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {والفتنة أَشد من الْقَتْل} أَن المُرَاد النَّفْي عَن الْبَلَد
الْفساد: هُوَ أَعم من الظُّلم، لِأَن الظُّلم النَّقْص فَإِن من سرق مَال الْغَيْر فقد نقص حق الْغَيْر وَعَلِيهِ: (من أشبه اباه فَمَا ظلم) : أَي فَمَا نقص حق الشّبَه
وَالْفساد يَقع على ذَلِك، وعَلى الابتداع وَاللَّهْو واللعب
وَالْفَاسِد: مَأْخُوذ من (فسد اللَّحْم) إِذا أنتن وَيُمكن الِانْتِفَاع بِهِ
وَالْبَاطِل: من (بَطل اللَّحْم) ، إِذا دود وسوس وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ
الْفسق: التّرْك لأمر الله، والعصيان، وَالْخُرُوج(1/692)
عَن طَرِيق الْحق، والفجور
وَهُوَ فِي الْقُرْآن على وُجُوه بِمَعْنى الْكفْر نَحْو: {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا}
وَالْمَعْصِيَة نَحْو: {فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين}
وَالْكذب نَحْو: {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} ، و {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ}
وَالْإِثْم نَحْو: {وَإِن تَفعلُوا فَإِنَّهُ فسوق بكم}
والسيئات نَحْو: {وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج} وَكله رَاجع فِي اللُّغَة إِلَى الْخُرُوج من قَوْلهم: فسقت الرّطبَة عَن القشر {وَإنَّهُ لفسق} : أَي خُرُوج عَن الْحق
وَيخْتَلف الْخُرُوج فَتَارَة خُرُوج فعلا، وَأُخْرَى خُرُوج اعتقادا وفعلا
وَالْفَاسِق أَعم من الْكَافِر
والظالم أَعم من الْفَاسِق
والفاجر يُطلق على الْكَافِر وَالْفَاسِق
الْفلك، محركة الدّور سمي بِهِ عجلة الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم
الْفلك، بِالضَّمِّ: السَّفِينَة [وَاخْتلف فِي أَن (فعلا) هَل يجوز فِيهِ (فعل) بِضَمَّتَيْنِ أَو لَا يجوز؟ فَقيل: جَائِز لمجيء (يسر وعسر) بِوَجْهَيْنِ وَالْأَصْل السّكُون لكثرته والضمة فرع جَاءَ فِي تَغْيِير السّكُون وَقيل: لَا يجوز إِذْ لَا تَخْفيف فِي هَذَا التَّغْيِير وكل مَا جَاءَ فِي الضمة فَهُوَ لَغْو فِي السّكُون وَارِد على الأَصْل ثمَّ ان الْفلك] إِذا اسْتعْمل مُفردا كَقَوْلِه تَعَالَى:
{فِي الْفلك المشحون} كَانَ ضمه فِي الأَصْل فيذكر، وبناؤه كبناء (قفل)
وَإِذا اسْتعْمل جمعا كَقَوْلِه تَعَالَى: {والفلك الَّتِي تجْرِي} صَار ضمه من الْفَتْح فيؤنث، وبناؤه كبناء (حمر) لِأَن (فعلا) ، و (فعلا) يَشْتَرِكَانِ فِي الشَّيْء الْوَاحِد كالعرب وَالْعرب وَلما جَازَ أَن يجمع (فعل) على (فعل) كأسد وَأسد جَازَ أَن يجمع (فعل) على (فعل) أَيْضا
الْفَتْح: ضد الإغلاق، والنصر، وَالْحكم بَين خصمين
وفاتحة كل شَيْء: مبدؤه الَّذِي يفْتَتح بِهِ مَا بعده، وَبِه سمي فَاتِحَة الْكتاب [فَإِنَّهَا فَاتِحَة، وَأول بِالْقِيَاسِ إِلَى مَجْمُوع الْمنزل لَا إِلَى الْكل الَّذِي هُوَ(1/693)
الْقدر الْمُشْتَرك فتقدمت على سَائِر السُّور وضعا بل نزولا على قَول الْأَكْثَرين وَلَا يُنَافِي مَا ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة من أَن أول مَا نزلت سُورَة " اقْرَأ " إِلَى قَوْله تَعَالَى {مَا لم يعلم} وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين، وَلَا قَول بَعضهم إِنَّهَا سُورَة " المدثر " لِأَن الْخلاف فِي نزُول السُّورَة بِتَمَامِهَا، وَلما اشْتَمَلت على معَان جمة مجملة ثمَّ صَارَت مفصلة فِي السُّور الْبَاقِيَة فَنزلت مِنْهَا منزلَة مَكَّة من سَائِر الْقرى، حَيْثُ مهدت أَولا ثمَّ دحيت الأَرْض من تحتهَا فَكَأَنَّهَا أم الْقرى كَانَت هِيَ أم الْقُرْآن على أَنه لَا يجب اطراد وَجه التَّسْمِيَة كَمَا قَالَه السَّيِّد السَّنَد]
قيل: الْفَاتِحَة فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الْفَتْح كالكاذبة بِمَعْنى الْكَذِب، ثمَّ أطلق على أول الشَّيْء تَسْمِيَة للْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْفَتْح يتَعَلَّق بِهِ أَولا، وبواسطته يتَعَلَّق بالمجموع، فَهُوَ المفتوح الأول، ورد بِأَن (فاعلة) فِي المصادر قَليلَة
فِي " الْكَشَّاف ": وَالْفَاعِل والفاعلة فِي المصادر غير عزيزة كالخارج والقاعد والعافية والكاذبة وَالْأَحْسَن أَنَّهَا صفة ثمَّ جعلت اسْما لأوّل الشَّيْء، إِذْ بِهِ يتَعَلَّق الْفَتْح بمجموعه، فَهُوَ كالباعث على الْفَتْح، فَيتَعَلَّق بِنَفسِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَالتَّاء إِمَّا لتأنيث الْمَوْصُوف فِي الأَصْل وَهُوَ الْقطعَة، أَو للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية دون الْمُبَالغَة لندرتها فِي غير صيغتها الْفَائِدَة: هِيَ من الفيد بِالْيَاءِ لَا بِالْهَمْزَةِ وَهِي لُغَة: مَا اسْتُفِيدَ من علم أَو مَال
وَعرفا: مَا يكون الشَّيْء بِهِ أحسن حَالا مِنْهُ بِغَيْرِهِ
وَاصْطِلَاحا: مَا يَتَرَتَّب على الشَّيْء وَيحصل مِنْهُ من حَيْثُ إِنَّهَا حَاصِل مِنْهُ
الْفَقْد: هُوَ عدم الشَّيْء بعد وجوده وَهُوَ أخص من الْعَدَم، لِأَن الْعَدَم يُقَال فِيهِ فِيمَا لم يُوجد بعد
والعدم أَعم من النَّفْي أَيْضا
والفقد مُتَعَدٍّ، والغيبة قَاصِرَة
والفاقدة: هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي مَاتَ زَوجهَا أَو وَلَدهَا، أَو هِيَ المتزوجة بعد موت زَوجهَا
وَمَات غير فقيد وَلَا حميد: أَي غير مكترث لفقدانه
الْفَرد: هُوَ الَّذِي لَا يخْتَلط بِهِ غَيره وَهُوَ أَعم من الْوتر بِالْكَسْرِ، كَمَا هُوَ عِنْد تَمِيم وَقيس، وبالفتح كَمَا هُوَ عِنْد أهل الْحجاز، وأخص من الْوَاحِد
(وَجَاءُوا فرادا) و (فرادا) و (فُرَادَى) و (فراد) و (فراد) و (فردى) كسكرى: أَي وَاحِدًا بعد وَاحِد
وَالْوَاحد: فَرد، وفريد، وفردان وَلَا يجوز فَردا فِي هَذَا الْمَعْنى
وفريد الدّرّ: إِن نظم وَلم يفصل بِغَيْرِهِ
وفرائد الدّرّ إِن نظم وَفصل بِغَيْرِهِ وَهِي كِبَارهَا
(والفرد يتنوع إِلَى حَقِيقِيّ: وَهُوَ أقل الْجِنْس
واعتباري: وَهُوَ تَمام الْجِنْس لِأَنَّهُ فَرد بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْأَجْنَاس) [والفرد الْحَقِيقِيّ: هُوَ أدنى مَا يُوجد الْجِنْس فِي ضمنه كالثلاث، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ(1/694)
مُشْتَمِلًا على الْأَفْرَاد حَقِيقَة إِلَّا أَنه فَرد بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْأَجْنَاس أَلا يرى أَنَّك إِذا عددت الْأَجْنَاس كَانَ هَذَا جِنْسا وَاحِدًا لَكِن الْوَاحِد أَحَق للاسم الْفَرد عِنْد الْإِطْلَاق من الثَّلَاث لِأَنَّهُ فَرد حَقِيقَة وَحكما، وَالثَّلَاث فَرد اعْتِبَارا وَحكما فَكَانَ مُحْتملا فَصَارَ إِلَيْهِ عِنْد النِّيَّة وَمَا بَينهمَا وَهُوَ الثنتان عدد مَحْض لَيْسَ بفرد حَقِيقَة وَلَا حكما وَلَا مُحْتملا فَلَا يثبت عِنْد الْإِطْلَاق وَلَا عِنْد النِّيَّة] فَفِيمَا إِذا قَالَ: طَلِّقِي نَفسك، يحمل على فَرد حَقِيقِيّ، وَهُوَ طَلْقَة وَاحِدَة وَيحْتَمل فَردا اعتباريا، فَإِذا نوى يَصح، وَأما الثنتان فَهُوَ عدد مَحْض، فَلَا يتَنَاوَلهُ اسْم الْمُفْرد، فَلَا يعْتَبر بنيتة، فَتعين الْفَرد الْحَقِيقِيّ
والفرد الْحَقِيقِيّ فِي الْجمع ثَلَاثَة لِأَنَّهُ أقل الْجمع
والاعتباري فِيهِ جَمِيع أَفْرَاده، فَلَا يُمكن الانحصار، فَتعين الْفَرد الْحَقِيقِيّ وَهُوَ ثَلَاثَة فِي الْجمع
الفلق: الشق
{فالق الْحبّ} ، خالقه أَو شاقه بِإِخْرَاج الْوَرق مِنْهُ وَلَا يكون الفلق إِلَّا بَين جسمين
وَالْفرق قد يكون فِي الْأَجْسَام، وَقد يكون فِي الْمعَانِي
وَالْفرْقَان أبلغ من الْفرق لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِي الْفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَالْفرق يسْتَعْمل فِي ذَلِك وَفِي غَيره
وَالْفرق فِي الْمعَانِي والتفريق فِي الْأَعْيَان يُقَال فرقت بَين الْحكمَيْنِ مخففا، وَفرقت بَين الشخصين مشددا، وَالْأول فِيمَا يُرَاد بِهِ التَّمْيِيز، فَإِن (ميزت) بَين الْأَشْيَاء مشدد، و (مزت) بَين الشَّيْئَيْنِ مخفف
وَالثَّانِي فِيمَا يُرَاد بِهِ) عدم الِاجْتِمَاع، وَوجه الْمُنَاسبَة هُوَ أَن الْمعَانِي لَطِيفَة والأجسام والأعيان كثيفة، فأعطوا الْخَفِيف اللَّطِيف، والشديد للكثيف، وعَلى هَذَا (جَاءَ قَوْله تَعَالَى: {فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه} وَقَوله تَعَالَى: {تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده} وَقد جَاءَ على عكس هَذَا) {وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر} ، {فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين}
قَالَ بَعضهم: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر} بِمَعْنى فلقناه و {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} : أَي يقْضى
{وقرآنا فرقناه} فصلناه وأحكمناه
{وَإِذ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَالْفرْقَان} أَي انفراق الْبَحْر
الفلان: هُوَ كِنَايَة عَن الْأَعْلَام، كَمَا أَن (هُنَا) كِنَايَة عَن الْأَجْنَاس
وَفُلَان وفلانة: إِذا كَانَا كنايتين عَن ذَوي الْعلم(1/695)
أَي الَّذين من شَأْنهمْ الْعُلُوم، فَلَا يدْخل عَلَيْهِمَا الْألف وَاللَّام وَإِذا كَانَا كناتيين عَن الْحَيَوَان فَاللَّام لَازِمَة للْفرق
الْفتية: هِيَ جمع (فَتى) فِي الْعدَد الْقَلِيل والفتيان فِي الْعدَد الْكثير. والفتى، بِالْقصرِ: الشَّاب الْكَرِيم والسخي الْكَرِيم
وبالمد: الشَّبَاب، وَمن لم يتَجَاوَز السِّتين قد يعد فِي الْعرف شَابًّا لَا شَيخا، بِدَلِيل حَدِيث " الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة " وَقد ثَبت أَن سنهما فَوق الْأَرْبَعين بالِاتِّفَاقِ
الْفَقِير: هُوَ من يسْأَل، والمسكين من لَا يسْأَل
والغني: من لَهُ مِائَتَا دِرْهَم، أَو لَهُ عرض يُسَاوِي مئتي دِرْهَم سوى مسكنة وخادمه وثيابه الَّتِي يلبسهَا وأثاث الْبَيْت كَمَا فِي " قاضيخان " وَمن ملك دورا وحوانيت يستغلها وَهِي تَسَاوِي ألوفا لَكِن غَلَّتهَا لَا تَكْفِي لقُوته وقوت عِيَاله فَعِنْدَ أبي يُوسُف هُوَ غَنِي، فَلَا يحل لَهُ أَخذ الصَّدَقَة، وَعند مُحَمَّد هُوَ فَقير حَتَّى تحل لَهُ الصَّدَقَة وَقيل: الْفَقِير: الزَّمن الْمُحْتَاج. والمسكين: الصَّحِيح الْمُحْتَاج.
وَقيل: الْفَقِير من لَهُ أدنى شَيْء، والمسكين من لَا شَيْء لَهُ
وَيَقَع اسْم الْمِسْكِين على كل من أذله شَيْء، وَهُوَ غير الْمِسْكِين الْمَذْكُور فِي مصرف الصَّدَقَة إِذْ قد يحرم على الأول لغناه
[والفقر المتعوذ مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا فقر النَّفس لما صَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسْأَل العفاف والغنى، وَالْمرَاد بِهِ غنى النَّفس لَا كَثْرَة المَال]
والغني من أَسمَاء الله مَعْنَاهُ: المنزة عَن الْحَاجَات والضرورات فِي ذَاته وَفِي صِفَاته الْحَقِيقِيَّة والسلبية إِلَى شَيْء
الْفَم: هُوَ وَاحِد الأفواه للبشر وَلكُل حَيَوَان
وَهُوَ الْوِعَاء الْكُلِّي لأعضاء الْكَلَام فِي الْإِنْسَان، والتصويت فِي سَائِر الْحَيَوَانَات المصوتة، والشفتان غطاؤه، ومحبس اللعاب، ومعين على الْكَلَام، وجمال
والأفواه: للأزقة خَاصَّة وَاحِدهَا فوهة، كحمرة، وَلَا يُقَال فَم
قَالَ الْكسَائي: الْفَم إِذا أفرد كَانَ بِالْمِيم وَإِذا أضفت لم تجمع بَين الْمِيم وَالْإِضَافَة، تَقول هَذَا فوك وأصل (فَم) (فوه) حذفت الْهَاء كَمَا فِي سنة، وَبقيت الْوَاو طرفا محركة، وَوَجَب إبدالها ألفا لانفتاح مَا قبلهَا فَبَقيَ (فا) فأبدل مَكَانهَا حرف جلد مشاكل لَهَا وَهُوَ الْمِيم لِأَنَّهُمَا شفهيتان
والفاه والفوه، بِالضَّمِّ
والفيه، بِالْكَسْرِ والفم سَوَاء
الْفُؤَاد: الْقلب، وَقيل بَاطِن الْقلب، وَقيل: هُوَ غشاء الْقلب، وَالْقلب حبته وسويداه يُؤَيّدهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَلين قلوبا وارق افئدة " والفؤاد الرَّقِيق تسرع إمالته، وَالْقلب الغليظ القاسي لَا ينفعل لشَيْء، وَلِهَذَا كَانَت الْحِكْمَة يَمَانِية، وَالْإِيمَان يمَان كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي " صَحِيح مُسلم " وَغَيره
الفذلكة: هُوَ مَأْخُوذ من قَول الْحساب (فَذَلِك(1/696)
كَانَ كَذَا) ، فَذَلِك إِشَارَة إِلَى حَاصِل الْحساب ونتيجته، ثمَّ أطلق لفظ الفذلكة لكل مَا هُوَ نتيجة متفرعة على مَا سبق حسابا كَانَ أَو غَيره، وَنَظِير هَذَا الْأَخْذ أَخذهم نَحْو الْبَسْمَلَة والحمدلة ونظائرهما من الْكَلِمَات المركبة الْمَعْلُومَة، وَهَذَا يُسمى بالنحت، وَقد يكون مثل ذَلِك فِي النّسَب كعبقسي وعبشمي إِلَى غير ذَلِك
الفريدة: هِيَ الْجَوْهَرَة الَّتِي لَا نَظِير لَهَا، وَالْجمع فرائد والفرائد فِي البديع: الْإِتْيَان بِلَفْظَة تتنزل منزلَة الفريدة من العقد، تدل على عظم فصاحة الْكَلَام وجزالة مَنْطِقه وأصالة عربيته بِحَيْثُ لَو أسقطت من الْكَلَام عزت على الفصحاء، وَمِنْه لَفْظَة حصحص فِي قَوْله: {الْآن حصحص الْحق} ، وخائنة الْأَعْين فِي قَوْله: {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} ، وألفاظ قَوْله: {فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ فسَاء صباح الْمُنْذرين}
الْفطْرَة: هِيَ الصّفة الَّتِي يَتَّصِف بهَا كل مَوْجُود فِي أول زمَان خلقته
الْفَلاح: الْفَوْز والنجاة والبقاء فِي الْخَيْر وَالظفر وَإِدْرَاك البغية
والفلاح أَيْضا: الشق وَالْفَتْح، وَمِنْه قيل: (الْحَدِيد بالحديد يفلح) وَهُوَ ضَرْبَان دُنْيَوِيّ وأخروي، فَالْأول هُوَ الظفر بِمَا تطيب بِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَالثَّانِي مَا يفوز بِهِ الْمَرْء فِي الدَّار الْآخِرَة، وَهُوَ بَقَاء بِلَا فنَاء، وغنى بِلَا فقر، وَعز بِلَا ذل، وَعلم بِلَا جهل
الْفَهم: هُوَ تصور الشَّيْء من لفظ الْمُخَاطب
والإفهام: إِيصَال الْمَعْنى بِاللَّفْظِ إِلَى فهم السَّامع
والفكر: حَرَكَة النَّفس نَحْو المبادئ وَالرُّجُوع عَنْهَا إِلَى المطالب
وَالنَّظَر: مُلَاحظَة المعلومات الْوَاقِعَة فِي ضمن تِلْكَ الْحَرَكَة
الفحص: هُوَ يُقَال فِي إبراز شَيْء من أَشْيَاء مختلطة بِهِ وَهُوَ مُنْفَصِل
والتمحيص: يُقَال فِي إبراز شَيْء عَمَّا هُوَ مُتَّصِل بِهِ
الْفَاكِهَة: هِيَ الثَّمر كُله وَمَا قيل: هِيَ التَّمْر وَالْعِنَب وَالرُّمَّان مِنْهَا مستدلا بقوله تَعَالَى: {فَاكِهَة ونخل ورمان} بَاطِل مَرْدُود
والفاكهة مَا يقْصد بهَا التَّلَذُّذ دون التغذي، والقوت بِالْعَكْسِ، والفاكهة صَاحبهَا، والفاكهاني بَائِعهَا
الْفُحْش: هُوَ عدوان الْجَواب، وَعَلِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَائِشَة: " لَا تَكُونِي فَاحِشَة "
الْفَحْل: الْقوي من ذُكُور الْإِبِل يشبه بِهِ البليغ الْكَامِل، وَجمعه فحول(1/697)
الفواق، بِالْفَتْح: الرَّاحَة والإفاقة وبالضم مِقْدَار مَا بَين الحلبتين من الْوَقْت، وَيفتح
وَالَّذِي يَأْخُذ المحتضر عِنْد النزع
{وَمَا لَهَا من فوَاق} : أَي انْتِظَار
الْفرج، بِالسُّكُونِ: الشق بَين الشَّيْئَيْنِ وَقبل الرجل وَالْمَرْأَة، وَقد يُطلق على الدبر أَيْضا قَالَه " المطرزي "
والفرج، محركة: انكشاف الْغم
والفرجة، بِالْفَتْح: فِي الْأَمر وبالضم فِي الْحَائِط وَنَحْوه مِمَّا يرى
الفتور: هُوَ سُكُون بعد حِدة ولين بعد شدَّة، وَضعف بعد قُوَّة
الفاره: الحاذق وَيُقَال للبغل وَالْحمار فاره، وللفرس جواد ورائع
الْفَزع: فزع: خَافَ وأفزعه: أخافه وفزع إِلَيْهِ: التجأ وفزعه: أَزَال خَوفه، كَمَرَض بِنَفسِهِ، وأمرضه غَيره: أَي جعله مَرِيضا
ومرضه: أَقَامَ عَلَيْهِ وداواه وعالجه
فنَاء الدَّار: بِالْكَسْرِ: هُوَ مَا امْتَدَّ من جوانبها كَمَا فِي " الْجَوْهَرِي " لَكِن فِي " الْقَامُوس " هُوَ مَا اتَّسع من أمامها وَفِي " الخزانة ": فنَاء الْمصر: هُوَ أَن يكون على قدر الغلوة وَهِي ثلثمِائة ذِرَاع إِلَى أَرْبَعمِائَة ذِرَاع،
وَقيل: الغلوة مِقْدَار رمية سهم
فَصَاعِدا: هُوَ حَال وَإِن كَانَ مَعَ الْفَاء وَالْفَاء فِي الْحَقِيقَة دَاخِلَة على الْعَامِل الْمُضمر كَمَا فِي قَوْلهم: (أَخَذته بدرهم فَصَاعِدا) أَي: فَذهب الثّمن فَصَاعِدا، أَي: زَائِدا وَقد يصدر مثل هَذَا الْحَال ب (ثمَّ) كَقَوْلِهِم: (قَرَأت كل يَوْم جُزْءا من الْقُرْآن فَصَاعِدا) أَو (ثمَّ زَائِدا) أَي ذهبت الْقِرَاءَة زَائِدَة إِن كَانَت كل يَوْم من الزِّيَادَة، وَقد يصدر بِالْوَاو لِأَن المُرَاد التَّشْرِيك فِي الحكم الْمَذْكُور
[الفرو] : لَا يُقَال فرو إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ صوف، وَإِلَّا فَهُوَ جلد
[الفرث] : وَلَا يُقَال للروث فرث مَا دَامَ فِي الكرش [نوع]
{فومها} : الْحِنْطَة [وَالْخبْز جَمِيعًا]
{لَا تكون فتْنَة} : شرك
{فرض} : أحرم
{الْفَرِيضَة} : الصَدَاق
{بفاتنين} : مضلين
{وَلَا يظْلمُونَ فتيلا} : أَي أدنى شَيْء
[ {كمن كَانَ فَاسِقًا} : خَارِجا عَن الْإِيمَان]
(والفتيل: الشق الَّذِي فِي بطن النواة)
{وَمن يرد الله فتنته} : ضلالته(1/698)
{كالفخار} : الطين الْمَطْبُوخ
{فَإِن فاءوا} : رجعُوا (من الْيَمين بحنث}
{من فورهم هَذَا} : من ساعتهم، أَي فِي الْحَال
{فشلتم} : جبنتم
{فَتَيَاتكُم} : إماءكم. {فجاجا سبلا} مسالك وَاسِعَة
{شَيْئا فريا} : بديعا مُنْكرا. {فتنتك} : ابتلاؤك.
{على فَتْرَة من الرُّسُل} : على حِين فتور من الْإِرْسَال وَانْقِطَاع الْوَحْي
{مَا لَهَا من فروج} : فتوق
{وفصيلته} : وعشيرته الَّذين فصل عَنْهُم
{فاقرة} : داهية تكسر الفقار
{فتحت السَّمَاء} : شقَّتْ
{الْبحار فجرت} : فتح بَعْضهَا إِلَى بعض فَصَارَ الْكل بحرا وَاحِدًا
{فرجت} : صدعت فِرْعَوْن مُوسَى: مُصعب بن الريان
وَفرْعَوْن يُوسُف: الريان كَانَ بَينهمَا أَكثر من أَرْبَعمِائَة سنة [وَقد ذكر فِي الْقُرْآن فِرْعَوْن باسمه وَلم يسم نمْرُود لِأَن فِرْعَوْن كَانَ أذكى مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذ من جَوَابه لمُوسَى، ونمرود كَانَ بليدا، أَلا ترى إِلَى مَا قَالَ: أَنا أحيي وأميت وَفعل مَا فعل] {يَرِثُونَ الفردوس} : قيل من الْكفَّار مَنَازِلهمْ فِيهَا لِأَن الله خلق لكل إِنْسَان منزلا فِي الْجنَّة ومنزلا فِي النَّار
{إِنَّهُم فتية} : شُبَّان
{يَوْم الْفرْقَان} : يَوْم بدر، فرق فِيهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل
{فار التَّنور} : نبع االماء فِيهِ وارتفع كالقدر
{فصلناه} : بَيناهُ
{وَفَتَنَّاك فُتُونًا} : اختبرناك اختبارا
{فارهين} : حاذقين أشرين
{الفتاح} : القَاضِي
{فَلَا فَوت} : فَلَا نجاة(1/699)
{وَكَانَ أمره فرطا} : أَي تقدما على الْحق ونبذا لوراء ظَهره، أَو سَرفًا وتضييعا
{فرطنا فِيهَا} : قدمنَا الْعَجز فِيهَا
{مَا فرطنا فِي الْكتاب} : مَا تركنَا
{فرطتم فِي يُوسُف} : قصرتم فِي أمره
{فتيَان} : مملوكان
{تراود فتاها} : أَي عَبدهَا، وَالْعرب تسمي الْمَمْلُوك شَابًّا كَانَ أَو شَيخا فَتى
{الْفَزع الْأَكْبَر} : قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ هُوَ إطباق بَاب النَّار حِين تغلق على أَهلهَا
{فكهين} : يتفكهون.
{فاكهون} : الَّذين عِنْدهم فَاكِهَة كَثِيرَة وَيُقَال: هما بِمَعْنى (معجبون) ، وَقيل فاكهون: ناعمون وفكهون: معجبون
{وَمَا لَهَا من فوَاق} : أَي لَيْسَ بعْدهَا إفاقة وَلَا رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا
{الْفراش} : شَبيه البعوض بتهافت على النَّار
{فَاجِرًا} : مائلا عَن الْحق
{فزع فِي قُلُوبهم} : خلي الْفَزع عَن قُلُوبهم وفزع: خلى
{فراشا} : مهادا
{فصاله} : فطامه
{من كل فَوْج} : من كل صنف
{بعد مَا فتنُوا} : عذبُوا
{فصلت آيَاته} : ميزت بِاعْتِبَار اللَّفْظ وَالْمعْنَى
{وَلَوْلَا كلمة الْفَصْل} : أَي الْقَضَاء السَّابِق
{وفرشا} : مَا يفرش للذبح
{لفسدتا} : لبطلتا
{الْفَزع الْأَكْبَر} : النفخة الْأَخِيرَة
{فِرَاق} : ترداد
{فراتا} : عذبا
{وَفَاكِهَة} : الثِّمَار الرّطبَة
{بِمَا فتح الله عَلَيْكُم} : بِمَا أكْرمكُم بِهِ
{جَاءَكُم الْفَتْح} : المدد
{فرقانا} : نَصِيرًا(1/700)
{ثمَّ لم تكن فتنتهم} : حجتهم
{من فطور} : تشقق
{فقد فَازَ} : سعد وَنَجَا
{بِرَبّ الفلق} : الصُّبْح إِذا انْفَلق من ظلمَة اللَّيْل أوجب فِي جَهَنَّم [وَفِي " الْأَنْوَار " مَا يفلق عَنهُ أَي: يفرق عَنهُ بِمَعْنى مفلوق، وَهُوَ يعم جَمِيع الممكنات]
{من كل فج} : طَرِيق
{فجوة} : نَاحيَة
{لقَوْل فصل} : حق
{فلك} : هُوَ القطب الَّذِي تَدور بِهِ النُّجُوم وَقيل: دَائِرَة تحيط بِجَمِيعِ الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر
{إِلَّا فَاجِرًا كفَّارًا} : من سيفجر وَيكفر
{فتنُوا الْمُؤمنِينَ} : بلوهم بالأذى
{انقلبوا فكهين} : متلذذين بالسخرية مِنْهُم
{ولتبتغوا من فَضله} : من سَعَة رزقه
{مَا فتح الله} : مَا بَين الله لكم فِي التَّوْرَاة
{كلما ردوا إِلَى الْفِتْنَة} : دعوا إِلَى الْكفْر أَو إِلَى قتل الْمُسلمين
{حَتَّى إِذا فرحوا} : عجبوا
{لفتحنا عَلَيْهِم} : لوسعنا عَلَيْهِم
{وَإِذا فعلوا فَاحِشَة} : فعلة متناهية فِي الْقبْح
{وَلَا تقربُوا الْفَوَاحِش} : كَبَائِر الذُّنُوب أَو الزِّنَا
{وَلَا يظْلمُونَ فتيلا} : أدنى ظلم وأصغره، وَهُوَ الْخَيط فِي شقّ النواة
{مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} : أَي فِي الخسة وَقَالَ بَعضهم فَمَا دونهَا وَبِه زَالَ الْإِشْكَال بِحَدِيث: " لَو كَانَت الدُّنْيَا تزن عِنْد الله جنَاح بعوضة " حَيْثُ مثله بِمَا دون الْبَعُوضَة
{فظا} : سيئ الْخلق جَافيا
{فئتين} : فرْقَتَيْن
{فيمَ كُنْتُم} : فِي أَي شَيْء كُنْتُم من أَمر دينكُمْ؟
{ففتقناهما} : أَي السَّمَاء بالمطر، وَالْأَرْض بالنبات(1/701)
{فَلَمَّا فصل طالوت} : أَي خرج
{لَا تذرني فَردا} : وحيدا بِلَا ولد يَرِثنِي
{فرقناه} : فصلناه
(فصل الْقَاف)
[الْقُنُوت] : كل قنوت فِي الْقُرْآن فَهِيَ الطَّاعَة، إِلَّا قَوْله: {كل لَهُ قانتون} فَإِن مَعْنَاهُ مقرون
[الْقَرْض الْحسن] : قَالَ الْحسن: كل مَا فِي الْقُرْآن من الْقَرْض الْحسن فَهُوَ التَّطَوُّع
[القَوْل الزُّور] : كل قَول فِي الْقُرْآن مقرون بأفواه وبألسنة فَهُوَ زور
[الْقَلِيل] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن " قَلِيلا " و " إِلَّا قَلِيل ": فَهُوَ دون الْعشْرَة
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين فِي قولة تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} ، {وَقل مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل} مَا سَمَّاهُ الله قَلِيلا لَا يمكننا أَن ندرك كميته فَمَا ظَنك بِمَا سَمَّاهُ كثيرا
[الْقَتْل] : كل قتل فِي الْقُرْآن فَهُوَ لعن يعْنى بِهِ الْكفَّار
[قَارب] : كل شَيْء قاربته فقد قارفته
[القربان] : كل مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله فَهُوَ قرْبَان
[القارعة] : كل نازلة شَدِيدَة بالإنسان فَهِيَ قَارِعَة
[قُرَيْش] : كل من هُوَ من أَوْلَاد نضر بن كنَانَة فَهُوَ قُرَيْش مصغر القرش تَعْظِيمًا، وَهُوَ الْكسْب وَالْجمع، سمي بِهِ لأَنهم يتجرون ويجتمعون بِمَكَّة بعد التَّفَرُّق فِي الْبِلَاد
[الْقَيْن] : كل عَامل فِي الْحَدِيد فَهُوَ قين [الْقصب] : كل نبت سَاقه أنابيب وكعوب فَهُوَ قصب
[القاذورة] : كل قَول أَو فعل يستفحش ويحق الاجتناب عَنهُ فَهُوَ قاذورة
( [الْقَاعِدَة] : كل قَاعِدَة فَهِيَ أصل للَّتِي فَوْقهَا
[الْقَضِيَّة] : كل قَول مَقْطُوع بِهِ من قَوْلك (هُوَ كَذَا) أَو (لَيْسَ بِكَذَا) يُقَال لَهُ قَضِيَّة وَمن هَذَا يُقَال: قَضِيَّة صَادِقَة، وَقَضِيَّة كَاذِبَة [الْقدَم] : كل سَابق فِي خير أَو شَرّ فَهُوَ عِنْد الْعَرَب قدم يُقَال: لفُلَان قدم فِي الْإِسْلَام، وَله عِنْدِي قدم صدق، وَقدم سوء
[الْقمَار] : كل لعب يشْتَرط فِيهِ غَالِبا أَن يَأْخُذ الْغَالِب شَيْئا من المغلوب فَهُوَ قمار فِي عرف زَمَاننَا
[القبالة] : كل من يقبل شَيْئا مقاطعة وَكتب عَلَيْهِ كتابا فالكتاب قبالة بِالْفَتْح، وَالْعَمَل بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ صناعَة(1/702)
( [الْقَوْم] : كل من يقوم الرئيس بأمرهم أَو يقومُونَ بأَمْره فَهُوَ الْقَوْم)
الْقِرَاءَة: ضم الْحُرُوف والكلمات بَعْضهَا إِلَى بعض فِي الترتيل وَلَا يُقَال ذَلِك لكل جمع بِدَلِيل أَنه لَا يُقَال للحرف الْوَاحِد إِذا تفوه بِهِ قِرَاءَة
[الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة] : كل قِرَاءَة وَافَقت الْعَرَبيَّة وَلَو بِوَجْه، ووافقت أحد الْمَصَاحِف العثمانية وَلَو احْتِمَالا، وَصَحَّ سندها فَهِيَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة الَّتِي لَا يجوز ردهَا، وَلَا يحل إنكارها، بل هِيَ من الأحرف السَّبْعَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن وَوَجَب على النَّاس قبُولهَا، سَوَاء كَانَت عَن الْأَئِمَّة السَّبْعَة أَو عَن الْعشْرَة أَو عَن غَيرهم من الْأَئِمَّة المقبولين، وَالضَّابِط عِنْد أهل الْأُصُول وَالْفِقْه التَّوَاتُر والآحاد، فَمَا لم يتواتر لم تصح بِهِ الصَّلَاة وَغَيرهَا عِنْدهم (كَمَا أَن الْأُمُور الثَّلَاثَة إِن لم تُوجد لَا يَصح ذَلِك) وكل وَاحِدَة من الْقرَاءَات السَّبع المتواترة تنْسب إِلَى وَاحِد من الْأَئِمَّة لاشتهاره بهَا وتفرده بهَا بِأَحْكَام خَاصَّة فِي الْأَدَاء، وَأما غَيرهَا فَإِذا ظهر فِيهِ أَمر الرِّوَايَة وَلم يشْتَهر بهَا من أحد ينْسب إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَا يلْزم من ذَلِك اعْتِبَاره
الْقلب: هُوَ فِي اصْطِلَاح الْأُصُول عبارَة عَن ربط خلاف مَا قَالَه الْمُسْتَدلّ بعلته للإلحاق بِأَصْلِهِ
وَفِي اللُّغَة على مَعْنيين: أَحدهمَا: جعل أَعلَى الشَّيْء أَسْفَل وَمِنْه أَخذ قلب الْعلَّة حكما وَبِالْعَكْسِ لِأَن الْعلَّة أَعلَى من الحكم لكَونهَا أصلا، وَالْحكم أَسْفَل لكَونه تبعا، (وَقد نظمت فِيهِ:
(وقلبي على الْوَضع الْقَدِيم وشكله ... لَهُ عِلّة مستورة تَحت حكمه)
(فقلبته فَالْحكم أَسْفَل تَابعا ... لعلته الْأَعْلَى فَبَان بِأَصْلِهِ)
وَالثَّانِي: جعل ظَاهر الشَّيْء بَاطِنا كقلب الجراب وَمِنْه أَخذ قلب الْوَصْف شَاهدا على الْخصم بعد أَن يكون شَاهدا للخصم
وَقد يُطلق الْقلب مجَازًا على الْعين نَحْو: {وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} كَمَا أطلقت الْعين مجَازًا على الْقلب فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري}
وقلب كل شَيْء خالصه: وَقد يعبر بِالْقَلْبِ عَن الْعقل سمي المضغة الصنوبرية قلبا لكَونه أشرف الْأَعْضَاء لما فِيهِ من الْعقل على رَأْي، وَسُرْعَة الخواطر والتلون فِي الْأَحْوَال
وَلِأَنَّهُ مقلوب الْخلقَة والوضع كَمَا يشْهد بِهِ علم التشريح
وَمن تقاليبه الْقبُول والقابلية وَهُوَ رَئِيس الْبدن الْمعول عَلَيْهِ فِي صَلَاحه وفساده
وَهُوَ أعظم الْأَشْيَاء الموصوفة بِالسَّعَةِ من جَانب الْحق، ومعدن الرّوح الحيواني الْمُتَعَلّق للنَّفس الإنساني، ومنبع الشّعب المنبثة فِي أقطار الْبدن الإنساني، بل فِي سَائِر الْحَيَوَانَات التَّامَّة الْخلقَة،(1/703)
وَمِنْه تصل الْحَيَاة والفيض إِلَى الْأَعْضَاء على السوية بِمُقْتَضى الْعدْل، وَله إِيفَاء كل ذِي حق حَقه، ويسميه الْحَكِيم بِالنَّفسِ الناطقة، وَالروح باطنة وَالنَّفس الحيوانية مركبة، وَهِي المدركة العالمة من الْإِنْسَان والمطالب والمعاتب والمعاقب
قيل: للقلب سبع طَبَقَات، الصَّدْر وَهُوَ مَحل الْإِسْلَام وَمحل الوسواس ثمَّ الْقلب وَهُوَ مَحل الْإِيمَان
ثمَّ الشغاف وَهُوَ مَحل محبَّة الْخلق، ثمَّ الْفُؤَاد وَهُوَ مَحل رُؤْيَة الْحق، ثمَّ حَبَّة الْقلب وَهُوَ مَحل محبَّة الْحق ثمَّ السويداء وَهِي مَحل الْعُلُوم الدِّينِيَّة ثمَّ مهجة الْقلب وَهِي مَحل تجلي الصِّفَات، وَالْكفَّار ختم الله على قُلُوبهم
قَالَ الْحُكَمَاء: حَيْثُمَا ذكر الله الْقلب فإشارة إِلَى الْعقل وَالْعلم نَحْو: {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب}
وحيثما ذكر الصَّدْر فإشارة إِلَى ذَلِك وَإِلَى سَائِر القوى من الشَّهْوَة: والهوى وَالْغَضَب وَنَحْوهَا
وَالْقلب أَيْضا: هُوَ أَن يجْرِي حكم أحد جزأي الْكَلَام على الآخر
وَالْقلب: إِمَّا قلب إِسْنَاد نَحْو: {لكل أجل كتاب} أَي لكل كتاب أجل {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار} أَي تعرض النَّار عَلَيْهِم
أَو قلب عطف نَحْو: {تول عَنْهُم فَانْظُر} أَي فَانْظُر فتول {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} أَي تدلى فَدَنَا لِأَنَّهُ بالتدلي مَال إِلَى الدنو
أَو قلب تَشْبِيه نَحْو: {قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} إِذْ الأَصْل بِالْعَكْسِ لِأَن الْكَلَام فِي الرِّبَا
وَمِنْه {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} فَإِن الظَّاهِر هُوَ الْعَكْس لِأَن الْخطاب لعَبْدِهِ الْأَوْثَان وهم جعلُوا غير الْخَالِق مثل الْخَالِق، واستواء البناءين فِي التصريف مَانع عَن الْحمل على الْقلب كَمَا قَالَ صَاحب " الْكَشَّاف " فِي قَوْله تَعَالَى: {من الصَّوَاعِق} قَرَأَ الْحسن من الصواقع وَلَيْسَ هَذَا بقلب
وقلب أحد حرفي التَّضْعِيف يَاء إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا وَوَقع فِي بِنَاء ممتد كالدينار أَصله الدنار يجمع على دَنَانِير، والديباج أَصله الدباج يجمع على دبابيج، وَعَلِيهِ قَوْله: أظهر السينات فَإِنَّهُ جمع سنة لَا جمع سين
وقلب الْإِعْرَاب فِي الصِّفَات كَقَوْلِه تَعَالَى: {عَذَاب يَوْم مُحِيط} إِذْ الْمُحِيط هُوَ الْعَذَاب، وَمثله {فِي يَوْم عاصف} لِأَن العاصف صفة الْيَوْم(1/704)
وقلب الْوَاو همزَة للتَّخْفِيف من الْوَاو المضمومة، والمكسورة كوجوه وأجوه، وسَادَة وأسادة
وقلب بعض الْحُرُوف إِلَى بعض فِي الصِّفَات كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " ارْجِعْنَ مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات " للتواخي
الْقَضَاء: مَمْدُود وَيقصر وَقد أَكثر أَئِمَّة اللُّغَة فِي مَعْنَاهُ، وآلت أَقْوَالهم إِلَى أَنه إتْمَام الشَّيْء قولا وفعلا
وَقَالَ أَئِمَّة الشَّرْع: الْقَضَاء قطع الْخُصُومَة، أَو قَول مُلْزم صدر عَن ولَايَة عَامَّة
وَقضى عَلَيْهِ: أَمَاتَهُ
و [قضى] وطره: أتمه وبلغه
و [قضى] عَلَيْهِ عهدا: أوصاه وأنفذه
و [قضى] إِلَيْهِ: أنهاه
و [قضى] غَرِيمه دينه: أَدَّاهُ.
{وَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} : أَي فَرَغْتُمْ.
{فَإِذا قضى أمرا} : أَي أَمر
وَالْقَضَاء: الْأَجَل: {فَمنهمْ من قضى نحبه}
والفصل: {لقضي الْأَمر بيني وَبَيْنكُم}
والمضي: {ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا}
وَالْوُجُوب: {لما قضي الْأَمر}
والإعلام: {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل}
وَالْوَصِيَّة: {وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} بِدَلِيل {وَلَقَد وصينا الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَإِيَّاكُم أَن اتَّقوا الله} إِذْ لم يسْتَطع أحد رد قَضَاء الرب، بل هُوَ وَصِيَّة أوصى بهَا
والخلق: {فقضاهن سبع سماوات}
وَالْفِعْل: {كلا لما يقْض مَا أمره} : يَعْنِي حَقًا لم يفعل
والإبرام: {فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا}
والعهد: {إِذا قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر}
وَالْأَدَاء: {إِذا قضيت الصَّلَاة} فَكل مَا أحكم عمله وَختم وَأدّى وَأوجب وَأعلم وأنفذ وأمضى فقد قضى وَفصل
قَالَ الطَّيِّبِيّ: الْقَضَاء مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين هَذِه المفهومات وَهُوَ انْقِطَاع الشَّيْء وَالنِّهَايَة
(وأصل الْقَضَاء: الْفَصْل بِتمَام الْأَمر
وأصل الحكم: الْمَنْع، فَكَأَنَّهُ منع الْبَاطِل)
وَالْقَضَاء: عبارَة عَن ثُبُوت صور جَمِيع الْأَشْيَاء فِي الْعلم الْأَعْلَى على الْوَجْه الْكُلِّي وَهُوَ الَّذِي تسميه الْحُكَمَاء: الْعقل الأول
وَالْقدر: حُصُول صور جَمِيع الموجودات فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي تسميه الْحُكَمَاء بِالنَّفسِ الْكُلية
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: الْقَضَاء عبارَة عَن وجود جَمِيع الموجودات فِي الْعَالم الْعقلِيّ مجتمعة ومجملة على سَبِيل الإبداع(1/705)
وَالْقدر: عبارَة عَن وجود جَمِيع الموجودات فِي موادها الخارجية، أَو بعد حُصُول شرائطها وَاحِدًا بعد وَاحِد
وسر الْقدر: هُوَ أَنه يمْتَنع أَن تظهر عين من الْأَعْيَان إِلَّا حسب مَا يَقْتَضِيهِ استعدادها
وسر سر الْقدر: هُوَ أَن تِلْكَ الاستعدادات أزلية لَيست مجعولة بِجعْل الْجَاعِل لكَون تِلْكَ الْأَعْيَان أظلال شؤونات ذاتية مُقَدّمَة عَن الْجعل والانفعال
وَالتَّفْصِيل: أَن الْقَضَاء هُوَ الحكم الْكُلِّي الإجمالي على أَعْيَان الموجودات بأحوالها من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد، مثل الحكم بِأَن كل نفس ذائقة الْمَوْت
وَالْقدر: هُوَ تَفْصِيل هَذَا الحكم بِتَعْيِين الْأَسْبَاب وَتَخْصِيص إِيجَاد الْأَعْيَان بأوقات وأزمان بِحَسب قابلياتها واستعداداتها الْمُقْتَضِيَة للوقوع مِنْهَا وَتَعْلِيق كل حَال من أحوالها بِزَمَان معِين وَسبب مَخْصُوص، مثل الحكم بِمَوْت زيد فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ بِالْمرضِ الْفُلَانِيّ
[والنزاع الْوَاقِع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْعَال الصادرة عَن الْعباد لَا فِي جَمِيع الْأَشْيَاء
وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: إِن الْقدر عبارَة عَن تعلق الْقُدْرَة والإرادة بإيجاد جَمِيع الْأَشْيَاء التَّعَلُّق التنجيزي الْوَاقِع فِيمَا لَا يزَال، وَالْقَضَاء عبارَة عَن تعلقهَا بهَا التَّعَلُّق الْمَعْنَوِيّ الْحَاصِل فِي الْأَزَل
فالقضاء سَابق على الْقدر، وَالْقدر وَاقع على سببيه، وَتَحْقِيق هَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا تسكب فِيهِ العبرات، وَلَا عذر لأحد فِي الْقَضَاء وَالْقدر والتخليق والإرادة لِأَن هَذِه الْمعَانِي لم يجعلهم مضطرين إِلَى مَا فعلوا، بل فعلوا مَا فعلوا مختارين فَصَارَ خلق الْفِعْل وإرادته وَالْقَضَاء بِهِ وَتَقْدِيره كخلق الْأَوْقَات والأمكنة الَّتِي تقع فِيهَا الْأَفْعَال وَلَا تقع بِدُونِهَا وَلم تصر تخليق شَيْء من ذَلِك عذرا لِأَنَّهُ لَا يُوجد اضطرار]
(قَالَ الْمُحَقق فِي " شرح الإشارات ": الْجَوَاهِر الْعَقْلِيَّة وَمَا مَعهَا مَوْجُودَة فِي الْقَضَاء وَالْقدر مرّة وَاحِدَة باعتبارين، والجسمانية وَمَا مَعهَا مَوْجُودَة فيهمَا مرَّتَيْنِ)
وَقد يُطلق الْقَضَاء على الشَّيْء الْمقْضِي نَفسه وَهُوَ الْوَاقِع فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جهد الْبلَاء، ودرك الشَّقَاء، وَسُوء الْقَضَاء، وشماتة الْأَعْدَاء " والرضى بِهِ لَا يجب على هَذَا الْمَعْنى وَلذَلِك استعاذ مِنْهُ وَالْوَاجِب الرضى بِالْقضَاءِ أَي بِحكم الله وتصرفه وَأما الْمقْضِي فَلَا، إِلَّا إِذا كَانَ مَطْلُوبا شرعا كالإيمان وَنَحْوه وَقد ورد أَن الله تَعَالَى يَقُول: " من لم يرضى بقضائي وَلم يشْكر نعمائي وَلم يصبر على بلائي فليتخذ إِلَهًا سوائي "
وَالْقدر مرضِي لِأَن التَّقْدِير فعل الله لَا الْمُقدر، إِذْ يُمكن أَن يكون فِي تَقْدِير الْقَبِيح حِكْمَة بَالِغَة
وَقَضَاء الله عِنْد الأشاعرة: إِرَادَته الأزلية الْمُتَعَلّقَة بالأشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يزَال
وَقدره: إيجاده الْأَشْيَاء على قدر مَخْصُوص وَتَقْدِير معِين فِي ذواتها وَأَحْوَالهَا
(وَالْقدر: هُوَ مَا يقدره الله تَعَالَى من الْقَضَاء يُقَال: قدرت الشَّيْء أقدره وأقدره قدرا وَقدرته تَقْديرا فَهُوَ قدر أَي مَقْدُور. كَمَا يُقَال: هدمت الْبناء فَهُوَ هدم أَي مهدوم وَلَك أَن تسكن الدَّال مِنْهُ وَهُوَ فِي الأَصْل(1/706)
مصدر يُرَاد بِهِ الْمُقدر تَارَة وَالتَّقْدِير أُخْرَى
فِي " الأساس " الْأُمُور تجْرِي بِقدر الله ومقداره وَتَقْدِيره وأقداره ومقاديره
وَالْقدر وَالتَّقْدِير كِلَاهُمَا تَبْيِين كمية الشَّيْء، فتقدير الله إِمَّا بالحكم مِنْهُ أَن يكون كَذَا أَو أَن لَا يكون كَذَا، إِمَّا على سَبِيل الْوُجُوب، وَإِمَّا على سَبِيل الْإِمْكَان وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {قد جعل الله لكل شَيْء قدرا}
وَأما بِإِعْطَاء الْقُدْرَة عَلَيْهِ، وَقَوله تَعَالَى: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} : أَي قَضَاء مبتوتا وَقَالَ بَعضهم: (قدرا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق بِهِ الْقَضَاء وَالْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: " فرغ رَبك من الْخلق والرزق "
و (مَقْدُورًا) إِشَارَة إِلَى مَا يحدث حَالا فحالا وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} يَعْنِي شؤونا يبديها لَا شؤونا يبتديها وَلَا يُنَافِي قَضِيَّة رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف، لِأَن الْجُود الإلهي لما كَانَ مقتضيا لتكميل الموجودات قدر بلطف حكمته زَمَانا يخرج تِلْكَ الْأُمُور من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل
قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ فِي قَوْله: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} الْقَضَاء مَا يكون مَقْصُودا فِي الأَصْل، وَالْقدر مَا يكون تَابعا فالخير كُله بِقَضَاء، وَمَا فِي الْعَالم من الضَّرَر فبقدر)
الْقُدْرَة: هِيَ التَّمَكُّن من إِيجَاد شَيْء وَقيل: صفة تَقْتَضِي التَّمَكُّن، وَهِي مبدأ الْأَفْعَال المستفادة على نِسْبَة مُتَسَاوِيَة، فَلَا يُمكن تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ الَّذِي هُوَ شَرط تعلق الْقُدْرَة إِلَّا فِي الْمُمكن، لِأَن الْوَاجِب رَاجِح الْوُجُود، والممتنع رَاجِح الْعَدَم، أَعنِي أَنه إِن شَاءَ أَن يَفْعَله لَكِن الْمَشِيئَة ممتنعة، أَي لَيْسَ من شَأْن الْقَادِر تَعَالَى أَن يشاءه
[والفلاسفة يُنكرُونَ الْقُدْرَة بِمَعْنى صِحَة الإيجاد وَالتّرْك بِدَلِيل أَنهم فسروا حَيَاة الْبَارِي بِكَوْنِهِ بِحَيْثُ يَصح أَن يعلم وَيقدر لَا بِمَعْنى أَنه إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل فَإِن الْقُدْرَة بِهَذَا الْمَعْنى مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْفَرِيقَيْنِ، وَالْقُدْرَة سَوَاء كَانَت عِلّة تَحْصِيل الْفِعْل كَمَا هُوَ اخْتِيَار صَاحب " التَّبْصِرَة " أَو شَرط تَحْصِيل الْفِعْل كَمَا هُوَ اخْتِيَار عَامَّة الْمَشَايِخ تتَعَلَّق بالمعدوم ليصير مَوْجُودا دون الْمَوْجُود لِاسْتِحَالَة إِيجَاد الْمَوْجُود؟ والمحال لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة فَلَا يجوز أَن يُوصف الله بِالْقُدْرَةِ على الظُّلم وَالْكذب، وَعند الْمُعْتَزلَة يقدر وَلَا يفعل، وَفِيه جمع بَين صِفَتي الظُّلم وَالْعدْل وَهُوَ محَال
وَالْوَاجِب مَا يَسْتَحِيل عَدمه] ،
وتعرف أَيْضا بِأَنَّهَا إِظْهَار الشَّيْء من غير سَبَب ظَاهر
وتستعمل تَارَة بِمَعْنى الصّفة الْقَدِيمَة، وَتارَة بِمَعْنى التَّقْدِير، وَلذَا قرئَ قَوْله تَعَالَى: {فقدرنا فَنعم القادرون} بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {قدرناها من الغابرين} فالقدرة بِالْمَعْنَى الأول لَا يُوصف بضدها، وبالمعنى الثَّانِي بِوَصْف بهَا وبضدها(1/707)
[وَالْقُدْرَة الَّتِي يصير الْفِعْل بهَا مُتَحَقق الْوُجُود وَهِي تقارن الْفِعْل عِنْد أهل السّنة والأشاعرة خلافًا للمعتزلة لِأَنَّهَا عرض لَا يبْقى زمانين فَلَو كَانَت سَابِقَة لوجد الْفِعْل حَال عدم الْقُدْرَة، وَأَنه محَال، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ على تَقْدِير تَسْلِيم عدم بَقَاء مثل هَذِه الْأَعْرَاض لَا يلْزم من التحقق قبل الْفِعْل كَون الْفِعْل بِدُونِ الْقُدْرَة لجَوَاز أَن يبْقى نوع ذَلِك الْعرض بتجدد الْأَمْثَال]
وَالْقُدْرَة الممكنة: هِيَ أدنى قُوَّة يتَمَكَّن بهَا الْمَأْمُور من أَدَاء مَا لزمَه بدنيا أَو ماليا، وَهَذَا النَّوْع شَرط لكل حكم
وَالْقُدْرَة الميسرة: هِيَ مَا يُوجب الْيُسْر على الْمُؤَدِّي، فَهِيَ زَائِدَة على الممكنة بِدَرَجَة فِي الْقُوَّة إِذْ بهَا يثبت الْإِمْكَان
[وَفرق بَين القدرتين فِي الحكم وَهُوَ أَن الممكنة شَرط مَحْض حَيْثُ يتَوَقَّف أصل التَّكْلِيف عَلَيْهَا فَلَا يشْتَرط دوامها لبَقَاء الْوَاجِب، وَأما الميسرة فَلَيْسَتْ شرطا مَحْضا حَتَّى لم يتَوَقَّف التَّكْلِيف عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا مُغيرَة لصفة الْوَاجِب من مُجَرّد الْإِمْكَان إِلَى صفة الْيُسْر على معنى أَنه إِذا كَانَ جَائِزا من الله تَعَالَى أَن يُوجب على عباده بِدُونِ هَذِه الْقُدْرَة فَكَانَ اشْتِرَاط الْقُدْرَة الميسرة تيسيرا لأمر الْعباد لطفا مِنْهُ وفضلا، بِخِلَاف الممكنة، إِذْ لَا يجوز التَّكْلِيف إِلَّا بهَا فَلَا يكون اشْتِرَاطهَا لليسر بل للتمكين]
وَالْمَنْقُول عَن أبي حنيفَة: أَن الْقُدْرَة مُقَارنَة للْفِعْل، وَمَعَ ذَلِك تصلح للضدين، فالفاعل إِذا فعل إِنَّمَا فعل بِالْقُدْرَةِ الَّتِي خلقهَا الله مُقَارنَة للْفِعْل لَا سَابِقَة عَلَيْهِ، وَأما إِذا لم يفعل فَلَا نقُول: إِن الله لم يخلق الْقُدْرَة الْحَقِيقِيَّة، بل يُمكن أَنه خلقهَا، وَمَعَ ذَلِك لم يفعل العَبْد
والتوسط بَين الْقدر والجبر مَبْنِيّ على أَن الْقُدْرَة [تصلح للضدين فَإِن الْآلَات والأدوات الْمعدة لتعميم الْقُدْرَة النَّاقِصَة صَالِحَة للضدين كاللسان يصلح للصدق وَالْكذب وَغير ذَلِك، وكاليد تصلح لقتل الْكفَّار ولسفك دِمَاء الْمُسلمين، وَكَذَا حَقِيقَة الْقُدْرَة الَّتِي يحصل بهَا الْفِعْل مثلا السَّجْدَة لصنم مَعْصِيّة وَالله تَعَالَى طَاعَة، وَالِاخْتِلَاف بَينهمَا من حَيْثُ الْإِضَافَة إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي وَقصد الْفَاعِل وَأما السَّجْدَة فَلَا تفَاوت فِي ذَاتهَا، وَكَذَا حَرَكَة اللِّسَان لَا تَتَفَاوَت بَين الصدْق وَالْكذب وَالْقُدْرَة إِنَّمَا صَارَت شرطا أَو عِلّة للْفِعْل من حَيْثُ ذَاته لَا من حَيْثُ النِّسْبَة إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي وَالْقَصْد فصح أَن الْقُدْرَة الْوَاحِدَة تصلح للضدين إِلَّا أَنَّهَا إِذا صرفت إِلَى الطَّاعَة سميت تَوْفِيقًا، وَإِذا صرفت إِلَى الْمعْصِيَة سميت خذلانا وَذَلِكَ لَا يُوجب اخْتِلَافا فِي ذَاتهَا] مَعَ الْفِعْل مَعَ أَنَّهَا تصلح للضدين(1/708)
والأشعري لما قَالَ بِالْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْل لَكِن يجب بهَا الْأَثر، وَأَنَّهَا لَا تصلح للضدين وَقع فِي الْجَبْر
والمعتزلة لما قَالُوا بِالْقُدْرَةِ السَّابِقَة ثمَّ مَا بعْدهَا مفوض إِلَى العَبْد وَقَعُوا فِي التَّفْوِيض فَالله سُبْحَانَهُ قدر أَن يجود الْأَثر وَهُوَ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة بِالْمَصْدَرِ بِالْقُدْرَةِ الْمُقَارنَة وَاخْتِيَار العَبْد، وَلَا يرد أَن الِاخْتِيَار لما كَانَ بِتَقْدِير الله يلْزم الْجَبْر لِأَن تَقْدِير الِاخْتِيَار اخْتِيَارا لَا يُوجب الْجَبْر لِأَن تَقْدِير الشَّيْء لَا يُوجب ضِدّه
واستحالة دُخُول مَقْدُور وَاحِد تَحت قدرتين إِذا كَانَت لكل وَاحِد مِنْهُمَا قدرَة التخليق والإكتساب [فَجَائِز بِخِلَاف الشَّاهِد
وَاعْلَم أَن مَحل قدرَة العَبْد هُوَ عزمه المصمم عقيب خلق الداعية والميل وَالِاخْتِيَار، وَبِهَذَا يبطل احتجاج كثير من الْفُسَّاق بِالْقضَاءِ وَالْقدر لفسقهم، إِذْ لَيْسَ الْقَضَاء وَالْقدر مِمَّا يسلب قدرَة الْعَزْم عِنْد خلق الإختيار فَيكون جبرا ليَصِح الِاحْتِجَاج] فَأَما إِذا كَانَت لأَحَدهمَا قدرَة الاختراع وَللْآخر قدرَة الِاكْتِسَاب، فَجَائِز بِخِلَاف الشَّاهِد قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: يلْزم على مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنفية من أَن الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل لَا قبله أَن تكون الْقُدْرَة على الْإِيمَان حَال حُصُول الْإِيمَان، وَالْأَمر بِالْإِيمَان حَال عدم الْقُدْرَة، وَلَا معنى لتكليف مَا لَا يُطَاق إِلَّا ذَلِك، وَمِمَّا يدل عَلَيْهِ أَن الله كلف أَبَا لَهب بِالْإِيمَان، وَمن الْإِيمَان تَصْدِيق الله فِي كل مَا أخبر عَنهُ، وَمِمَّا أخبر عَنهُ أَنه لَا يُؤمن فقد صَار أَبُو لَهب مُكَلّفا بِأَن يُؤمن بِأَنَّهُ لَا يُؤمن، وَهَذَا تَكْلِيف يجمع بَين النقيضين، وَالْجَوَاب: إِن التَّكْلِيف لم يكن إِلَّا بِتَصْدِيق الرَّسُول وَإنَّهُ مُمكن فِي نَفسه، مُتَصَوّر وُقُوعه، وَعلمه تَعَالَى بِعَدَمِ تَصْدِيق الْبَعْض، وإخباره لرَسُوله لَا يخرج الْمُمكن عَن الْإِمْكَان، وَلِأَن التَّكْلِيف بِجَمِيعِ مَا أنزل كَانَ مقدما على الْأَخْبَار بِعَدَمِ إِيمَان أبي لَهب، فَلَمَّا أنزل أَنه لَا يُؤمن ارْتَفع التَّكْلِيف بِالْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا أنزل، فَلم يلْزم الْجمع بَين النقيضين
وَاعْلَم أَن علم الله تَعَالَى وإخباره بِوُجُود شَيْء أَو عَدمه لَا يُوجب وجوده وَلَا عَدمه بِحَيْثُ ينسلب بِهِ قدرَة الْفَاعِل عَلَيْهِ، لِأَن الْإِخْبَار عَن الشَّيْء حكم عَلَيْهِ بمضمون الْخَبَر، وَالْحكم تَابع لإِرَادَة الْحَاكِم إِيَّاه، وإرادته تَابِعَة لعلمه، وَعلمه تَابع للمعلوم، والمعلوم هُوَ ذَلِك الْفِعْل الصَّادِر عَن فَاعله بِالِاخْتِيَارِ، فَفعله بِاخْتِيَارِهِ أصل، وَجَمِيع ذَلِك تَابع لَهُ، وَالتَّابِع لَا يُوجب الْمَتْبُوع إِيجَابا يُؤَدِّي إِلَى القسر والإلجاء، بل يَقع التَّابِع على حسب وُقُوع الْمَتْبُوع، هَكَذَا حَقَّقَهُ بعض الْمُحَقِّقين
والقادر: هُوَ الَّذِي يَصح مِنْهُ أَن يفعل تَارَة، وَأَن لَا يفعل أُخْرَى، وَأما الَّذِي إِن شَاءَ فعل، وَإِن شَاءَ لم يفعل، فَهُوَ الْمُخْتَار، وَلَا يلْزمه أَن يكون قَادِرًا، لجَوَاز أَن تكون مَشِيئَة الْفِعْل لَازِمَة لذاته، وَصِحَّة الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة لَا تَقْتَضِي وجود الْمُقدم
قَالَ صَاحب " الْملَل والنحل ": الْمُؤثر إِمَّا أَن يُؤثر مَعَ جَوَاز أَن لَا يُؤثر، وَهُوَ الْقَادِر، أَو يُؤثر لَا مَعَ جَوَاز أَن لَا يُؤثر، وَهُوَ الْمُوجب فَدلَّ أَن كل مُؤثر إِمَّا قَادر وَإِمَّا مُوجب، فَعِنْدَ هَذَا قَالُوا: الْقَادِر: هُوَ(1/709)
الَّذِي يَصح أَن يُؤثر تَارَة، وَأَن لَا يُؤثر أُخْرَى بِحَسب الدَّوَاعِي الْمُخْتَلفَة
[وَالْقُدْرَة كَمَا يُوصف بهَا الْبَارِي تَعَالَى بِمَعْنى نفي الْعَجز عَنهُ تَعَالَى يُوصف بهَا العَبْد أَيْضا بِمَعْنى أَنَّهَا هَيْئَة بهَا يتَمَكَّن من فعل شَيْء مَا، وَقد عبر عَنْهَا بِالْيَدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} وَذَلِكَ بِالنّظرِ إِلَى مُجَرّد الْقُدْرَة، ويعبر عَنْهَا باليدين بِالنّظرِ إِلَى كمالها وقوتها وَمَتى قيل: العَبْد قَادر فَهُوَ على سَبِيل معنى التَّقْيِيد]
(وَالْقُدْرَة بِمَعْنى كَون الْفَاعِل بِحَيْثُ إِن شَاءَ فعل، مَعَ تمكنه من التّرْك غير ثَابِتَة عِنْد الفلاسفة
والمحال لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة، فَلَا يجوز أَن يُوصف الله تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ على الظُّلم وَالْكذب
وَعند الْمُعْتَزلَة يقدر وَلَا يفعل وَفِيه جمع بَين صِفَتي الظُّلم وَالْعدْل وَهُوَ محَال: وَالْوَاجِب مَا يَسْتَحِيل عَدمه
وَالْقُدْرَة إِذا وصف بهَا الْإِنْسَان فَهِيَ هَيْئَة بهَا يتَمَكَّن من فعل شَيْء مَا
وَالْمرَاد من قدرَة الْبَارِي نفي الْعَجز عَنهُ وبالنظر إِلَى مُجَرّد الْقُدْرَة يعبر عَنْهَا بِالْيَدِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} أَي بقبضة قدرته التَّصَرُّف، وبالنظر إِلَى كمالها وقوتها يعبر عَنْهَا باليدين وَمَتى قيل للْعَبد قَادر فَهُوَ على سَبِيل معنى التَّقْيِيد
والقدير: هُوَ الْفَاعِل لما يَشَاء على قدر مَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة، لَا زَائِدا عَلَيْهِ وَلَا نَاقِصا عَنهُ، وَلذَلِك لَا يَصح أَن يُوصف بِهِ إِلَّا الله تَعَالَى)
والمقتدر يُقَارِبه لَكِن قد يُوصف بِهِ الْبشر بِمَعْنى الْمُتَكَلف المكتسب للقدرة. {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} : مَا عظموه حق تَعْظِيمه
القَوْل: مصدر (قَالَ) ، وَمثله (قولة) ، و (مقَال) ، و (مقَالَة) ، و (قيل) ، و (قَالَ)
[وَيُسمى الافتراء تقولا لِأَنَّهُ قَول متكلف والأقوال المفتراة (أقاويل) تحقيرا لَهَا كَأَنَّهَا جمع (أفعولة) من (القَوْل) ك (الأضاحيك) ]
وَالْقَوْل وَالْكَلَام وَاللَّفْظ من حَيْثُ أصل اللُّغَة بِمَعْنى، يُطلق على كل حرف من حُرُوف المعجم، أَو من حُرُوف الْمعَانِي، وعَلى أَكثر مِنْهُ مُفِيدا كَانَ أَو لَا لَكِن القَوْل اشْتهر فِي الْمُفِيد بِخِلَاف اللَّفْظ واشتهر الْكَلَام فِي الْمركب من جزأين فَصَاعِدا
وَلَفظ القَوْل يَقع على الْكَلَام التَّام، وعَلى الْكَلِمَة الْوَاحِدَة على سَبِيل الْحَقِيقَة
أما لفظ الْكَلَام فمختص بالمفرد
قَالَ ابْن جني: وَحَاصِل كَلَامه فِي الْفرق أَن تركيب القَوْل يدل على الخفة والسهولة فِي جَمِيع تقاليبه، فَوَجَبَ أَن يتَنَاوَل الْكَلِمَة الْوَاحِدَة، والتأثير الَّذِي أَفَادَهُ تركيب الْكَلَام لَا يحصل إِلَّا من الْجُمْلَة التَّامَّة وَأما بِحَسب اصْطِلَاح الْمِيزَان فقد خص القَوْل بالمركب
والنطق والمنطق فِي الْمُتَعَارف: كل لفظ يعبر بِهِ عَمَّا فِي الضَّمِير مُفردا كَانَ أَو مركبا
وَقد يُطلق لكل مَا يصوت بِهِ على التَّشْبِيه أَو التبع كَقَوْلِهِم: (نطقت الْحَمَامَة) وَمِنْه النَّاطِق(1/710)
والصامت للحيوان والجماد وَفِي قَوْله تَعَالَى: {علمنَا منطق الطير} سمى أصوات الطير نطقا اعْتِبَارا لِسُلَيْمَان النَّبِي فَإِنَّهُ يفهمهُ، فَمن فهم من شَيْء معنى فَذَلِك الشَّيْء بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ نَاطِق وَإِن كَانَ صائتا، وبالإضافة إِلَى من لَا يفهم عَنهُ صائت وَإِن كَانَ ناطقا [وَقد يُرَاد بالنطق مَا يجْرِي على الْجنان لَا مَا يجْرِي على اللِّسَان] وَقد يسْتَعْمل القَوْل لغير ذِي لفظ تجوزا كَقَوْلِه: فَقَالَت لَهُ العينان سمعا وَطَاعَة
وَقَالَ الْحَائِط: سقط
وَقَالَ بِهِ: حكم واعتقد واعترف وَغلب (سُبْحَانَ من تعطف) وَقَالَ بِهِ وَقَالَ عَنهُ: روى.
و [قَالَ] لَهُ: خاطبه
و [قَالَ] عَلَيْهِ: افترى كَقَوْلِه: {وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ} فَلَا تعرض فِي الْآيَة للْمَنْع من اتِّبَاع الظَّن
وَقَالَ فِيهِ: اجْتهد
وَقَالَ بِيَدِهِ: أَهْوى بهَا، وَفِي " النِّهَايَة " أَخذه
وَقَالَ بِرَأْسِهِ: أَشَارَ
و [قَالَ] بِرجلِهِ: مَشى
و [قَالَ] بِثَوْبِهِ: رَفعه (وَقَالَ بِالْبَابِ على يَده: قلبه) وَيَجِيء بِمَعْنى مَال وَأَقْبل وَضرب غير ذَلِك
{لقد خلق القَوْل على أَكْثَرهم} : أَي علم الله بهم وكلمته عَلَيْهِم كَقَوْلِه: {إِن الَّذين حقت عَلَيْهِم كلمة رَبك لَا يُؤمنُونَ}
وَقَوله تَعَالَى: {ذَلِك عِيسَى بن مَرْيَم قَول الْحق} : كَقَوْلِه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم
وَفِي التَّسْمِيَة بقول الْحق تَنْبِيه على مَا قَالَ: {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم} إِلَى آخِره
وَالْقَوْل قد يكون ذما وإبعادا كَقَوْلِه تَعَالَى لإبليس: قَالَ {قَالَ اخْرُج مِنْهَا مذءوما مَدْحُورًا} والتكلم لَا يكون إِلَّا ثَنَاء وفضيلة كَقَوْلِه تَعَالَى {وكلم الله مُوسَى تكليما} وَلَا يُقَال كلم الله إِبْلِيس وَلَا هُوَ كليم الله، وَلَا أَنه تَعَالَى كلم أهل النَّار
وَقد يُسمى المتصور فِي النَّفس قبل ظُهُوره قولا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أنفسهم}
وَكَذَا مَا يُؤدى بالْقَوْل قولا، وَمِنْه {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم}
وَقد يُطلق القَوْل على الآراء والاعتقادات فَيُقَال: هَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَول الشَّافِعِي، يُرَاد بذلك رأيهما وَمَا ذَهَبا إِلَيْهِ
وَإِذا دخل على القَوْل حرف الِاسْتِفْهَام صَار مشكوكا فِيهِ فَأشبه الظَّن، هَذَا أحد شَرَائِط جعل القَوْل بِمَعْنى الظَّن
وَالثَّانِي: أَن يكون لفظ الِاسْتِقْبَال(1/711)
وَالثَّالِث: أَن يكون للمخاطب
وَالرَّابِع: أَن لَا يفصل فاصل غير الظّرْف بَين الِاسْتِفْهَام وَبَين المستفهم عَنهُ
وَإِذا وَردت جملَة مقولة بعد مَا فِيهِ معنى القَوْل دون حُرُوفه فالبصريون يخرجونها على حذف القَوْل، والكوفيون لَا بل يجرونها على الْحِكَايَة بِمَا فِيهِ معنى القَوْل
وَقد كثر حذف القَوْل فِي التَّنْزِيل لِأَنَّهُ جَار فِي حذفه مجْرى الْمَنْطُوق بِهِ، فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم} وَمثله: {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا تقبل منا} وَمثله: {رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا} ، {أكفرتم بعد إيمَانكُمْ}
و (تَقول) فِي الِاسْتِفْهَام ك (تظن) فِي الْعَمَل
والقال: الِابْتِدَاء والقيل: الْجَواب وَقد يعبر ب (قَالَ) عَن التهيؤ للأفعال والاستعداد لَهَا يُقَال: قَالَ فَأكل، وَقَالَ فَتكلم
وَقد يبهم الْقَائِل بقيل لتهويل مَا يُقَال
وَقَالَ يكون اسْما، كقيل لِلْقَوْلِ
الْقَضِيَّة: هِيَ المعلومات الْأَرْبَعَة وَهِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه، وَالنِّسْبَة الْحكمِيَّة وَالْحكم، وَإِدْرَاك هَذِه الْأَرْبَعَة تَصْدِيق
والقضية إِن انْحَلَّت بطرفيها إِلَى مفردين فَهِيَ حملية، وَيُسمى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِيهَا مَوْضُوعا، والمحكوم بِهِ مَحْمُولا
والحملية إِمَّا شخصية وَهِي الَّتِي يكون الْمَحْكُوم فِيهَا جزئيا معينا ك (زيد كَاتب)
وَإِمَّا كُلية وَهِي الَّتِي يكون الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِيهَا كليا وَهِي إِمَّا مسورة وَلَا نخلو عَن أَن تتَمَيَّز جزئية بِذكر السُّور ك (بعض الْإِنْسَان كَاتب) فَهِيَ المحصورة الْجُزْئِيَّة أَو تتَمَيَّز كُلية بِذكرِهِ ك (كل إِنْسَان حَيَوَان) فَهِيَ المحصورة الْكُلية
وَإِمَّا مُهْملَة ك (الْإِنْسَان كَاتب) وَهِي فِي قُوَّة الْجُزْئِيَّة لتحققها فِيهَا
فَتلك أَربع وَكلهَا إِمَّا مُوجبَة أَو سالبة، فَصَارَت ثمانيا، وَإِن انْحَلَّت إِلَى قضيتين فَهِيَ شَرْطِيَّة، وَهِي الَّتِي يحكم فِيهَا على التَّعْلِيق أَي وجود إِحْدَى قضيتيها مُعَلّق على وجود الْأُخْرَى أَو على نَفيهَا وَيُسمى الْجُزْء الأول مِنْهَا مقدما، وَالثَّانِي تاليا، وَهِي قِسْمَانِ: مُتَّصِلَة: وَهِي الَّتِي يحكم فِيهَا بِلُزُوم قَضِيَّة أُخْرَى، أَو لَا لُزُومهَا: وَهِي الَّتِي توجب التلازم بَين جزئيها نَحْو: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا}
ومتصلة: وَهِي الَّتِي يحكم فِيهَا بامتناع اجْتِمَاع قضيتين فَأكْثر فِي الصدْق
وَهِي الَّتِي جزآها متعاندان نَحْو: (الْعَالم إِمَّا قديم أَو حَادث)
على ثَلَاثَة أَقسَام: مَانِعَة الْجمع نَحْو: (هَذَا الْعدَد إِمَّا مسَاوٍ لذَلِك أَو أَكثر)
ومانعة الْخُلُو نَحْو: (إِمَّا أَن يكون زيد فِي الْبَحْر وَإِمَّا أَن لَا يغرق)
ومانعتهما نَحْو: (الْعدَد إِمَّا زوج أَو فَرد)(1/712)
وَصدق الْقَضِيَّة الْمُوجبَة يَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع فِيمَا نسب إِلَيْهِ الحكم من الْخَارِج والذهن، بِخِلَاف الْقَضِيَّة السالبة فَإِن صدقهَا لَا يَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع فِيمَا نسب إِلَيْهِ الحكم من أحد المظهرين الْمَذْكُورين، وَذَلِكَ لِأَن مُتَعَلق الحكم الإيجابي وُقُوع النِّسْبَة الْحكمِيَّة ومرجع ذَلِك الْوُقُوع إِلَى الْوُجُود الرابط بَين الْمَوْضُوع والمحمول، وَلَا تحقق لذَلِك الْوُجُود بِدُونِ الْوُجُود الْأَصْلِيّ للموضوع فِي مظهره ضَرُورَة أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي مظهر الثُّبُوت
وَأما مُتَعَلق الحكم السلبي فَلَا وُقُوع النِّسْبَة الْحكمِيَّة، ومرجعه إِلَى عدم تحقق الْوُجُود الرابط بَين طرفِي الْقَضِيَّة، وَعدم تحَققه كَمَا يكون بِوُجُود الْمَوْضُوع فِي مظهر الحكم غير ثَابت لَهُ الْمَحْمُول فِي نفس الْأَمر، كَذَلِك يكون بِعَدَمِ وجوده فِيهِ ضَرُورَة أَن مَا لَا يُوجد وَلَا يثبت لَهُ شَيْء من الْأَشْيَاء فَلَا جرم صدق الحكم السلبي لَا يَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع، كَمَا إِذا قُلْنَا: (لم يَتَحَرَّك إِنْسَان فِي الدَّار) ، فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى وجود إِنْسَان الْبَتَّةَ، وَعَلِيهِ: (كنت كنزا مخفيا)
والقضية البسيطة: هِيَ الَّتِي حَقِيقَتهَا أَو مَعْنَاهَا إِمَّا إِيجَاب فَقَط نَحْو: (كل إِنْسَان حَيَوَان) بِالضَّرُورَةِ
وَإِمَّا سلب فَقَط نَحْو: (لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر) بِالضَّرُورَةِ
والقضية المركبة: هِيَ الَّتِي حَقِيقَتهَا ملتئمة من إِيجَاب وسلب نَحْو: (كل إِنْسَان ضَاحِك لَا دَائِما)
والقضية الطبيعية: نَحْو: (الْحَيَوَان جنس الْإِنْسَان) ينْتج الْحَيَوَان نوع وَهُوَ بَاطِل
والقضية النظرية: هِيَ الَّتِي يسْأَل عَنْهَا وَيطْلب بِالدَّلِيلِ إِثْبَاتهَا فِي الْعلم وَهِي من حَيْثُ إِنَّهَا يسْأَل عَنْهَا تمسى مَسْأَلَة
وَمن حَيْثُ يطْلب حُصُولهَا: مطلبا
وَمن حَيْثُ تستخرج من الْبَرَاهِين: نتيجة
وَمن حَيْثُ يبتنى عَلَيْهَا الشَّيْء: أصولا
من حَيْثُ أَنَّهَا منطبقة على جزيئات موضوعها تتعرف أَحْكَامهَا منا: قَاعِدَة
وَمن حَيْثُ يتألف مِنْهَا الْحجَّة: مُقَدّمَة وَقَضِيَّة
وَمن حَيْثُ تحْتَمل الصدْق وَالْكذب خَبرا
وَاخْتِلَاف الْعبارَات باخْتلَاف الاعتبارات
الْقيَاس: هُوَ عبارَة عَن التَّقْدِير يُقَال: قَاس النَّعْل، إِذا قدره
وقاس الْجراحَة بالميل: إِذا قدر عمقها بِهِ، وَمِنْه سمي الْميل مقياسا وَهُوَ يسْتَعْمل فِي التَّشْبِيه أَيْضا، وَهُوَ تَشْبِيه الشَّيْء بالشَّيْء يُقَال: هَذَا قِيَاس ذَاك، إِذا كَانَ بَينهمَا مشابهة
[وَالْقِيَاس الْجَلِيّ: هُوَ مَا سبق إِلَيْهِ الأفهام، والخفي: هُوَ مَا يكون بِخِلَافِهِ وَيُسمى الِاسْتِحْسَان لكنه أَعم من الْقيَاس الْخَفي، فَإِن كل قِيَاس خَفِي اسْتِحْسَان بِدُونِ الْعَكْس، لِأَن الِاسْتِحْسَان قد يُطلق على مَا ثَبت بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع والضرورة، لَكِن الْغَالِب فِي كتب أَصْحَابنَا أَنه إِذا ذكر الِاسْتِحْسَان يُرَاد بِهِ الْقيَاس الْخَفي]
وَالْقِيَاس البرهاني: هُوَ الْمُؤلف من مُقَدمَات قَطْعِيَّة لإِفَادَة الْيَقِين(1/713)
والجدلي: هُوَ الْمركب من قضايا مَشْهُورَة أَو مسلمة لإلزام الْخصم بِحِفْظ الأوضاع أَو هدمها
والخطابي: هُوَ الْمُؤلف من قضايا ظنية مَقْبُولَة أَو غَيرهَا لإقناع من هُوَ قَاصِر عَن دَرك الْبُرْهَان وَعبر عَنْهَا بالظني
والشعري: هُوَ الْمركب من قضايا مخيلة لإِفَادَة الْقَبْض أَو الْبسط فِي الإحجام أَو الْإِقْدَام
والمغالطي: هُوَ الَّذِي يركب من قضايا مشبهة بالمشهورات، وَيُسمى شغبا أَو بالأوليات وَيُسمى سفسطة وَعبر عَنهُ بالسفسطي إطلاقا للأخص على الْأَعَمّ
وَالْحَد الْمُعْتَمد أَن يُقَال: هُوَ إبانة مثل حكم أحد الْمَذْكُورين بِمثل عِلّة فِي الآخر وَهُوَ حجَّة وَطَرِيق لمعْرِفَة العقليات عِنْد الْعَامَّة، لِأَن الْعُقَلَاء اتَّفقُوا على صِحَة الِاسْتِدْلَال بالأثر على وجود الْمُؤثر، وَاتَّفَقُوا أَيْضا على أَن خَالق الْعَالم لَيْسَ بعالم، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِك بطرِيق الِاعْتِبَار وَالِاسْتِدْلَال
وَالْقِيَاس الشَّرْعِيّ: هُوَ مَا يجْرِي فِي أَحْكَام لَا نَص فِيهَا، وَحجَّة عَامَّة الْفُقَهَاء والمتكلمين فِي حجية الْقيَاس قَوْله تَعَالَى: {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} لِأَن الأعتبار هُوَ النّظر فِي الثَّابِت أَنه لأي معنى ثَبت وإلحاق نَظِيره بِهِ، وَاعْتِبَار الشَّيْء بنظيره عين الْقيَاس [بَيَان ذَلِك أَن الله تَعَالَى ذكر هَلَاك قوم بِنَاء على سَبَب ثمَّ قَالَ: (فاعتبروا) بِالْفَاءِ الَّتِي هِيَ للتَّعْلِيل أَي: اجتنبوا عَن مثل هَذَا السَّبَب، لأنكم إِن أتيتم بِمثلِهِ يَتَرَتَّب عَلَيْكُم مثل ذَلِك الْجَزَاء، إِذْ الِاشْتِرَاك فِي الْعلَّة يُوجب الِاشْتِرَاك فِي الْمَعْلُول، فالنظر والتأمل فِيمَا أصَاب من قبلنَا بِأَسْبَاب نقلت عَنْهُم كالتأمل فِي موارد النُّصُوص لاستنباط الْمَعْنى هُوَ منَاط الحكم ليعتبر مَا لَا نَص فِيهِ بِمَا فِيهِ نَص احْتِرَازًا من الْعَمَل بِلَا دَلِيل] وَاحْتج منكرو الْقيَاس بقوله تَعَالَى: {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} حَيْثُ حصر الْمرجع إِلَيْهِ فِي الْكتاب وَالسّنة، (وَلم يذكر الْقيَاس) ، لَكِنَّهَا حجَّة عَلَيْهِم لِأَنَّهُ تَعَالَى أوجب فِي كل متنازع فِيهِ الرَّد إِلَيْهِمَا، وَلَا يُوجد فِي حَادِثَة نَص ظَاهر، (وَمن الدَّلِيل على صِحَة الْقيَاس قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى فلولا تذكرُونَ} فَعلم أَنه أَمر بِالنّظرِ فِي مودوعاته وَالْعَمَل بمدلولاته ومقتضياته، وَمن شَرط الْقيَاس عدم وجود النَّص فِي الْمَقِيس لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسْتَعْمل ضَرُورَة خلو الْفَرْع عَن الحكم الثَّابِت لَهُ بطرِيق التَّنْصِيص وَالِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ، وَالنَّص فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة إِنَّمَا هُوَ لأجل أَن الْخصم إِن طعن فِي النَّص بِأَنَّهُ مَنْسُوخ أَو غير متواتر أَو غير مَشْهُور يبْقى الْقيَاس سالما، لَا أَنه دَلِيل على تَقْدِير ثُبُوت النَّص أَو الْإِجْمَاع وَلَيْسَ الْقيَاس عملا بِالظَّنِّ كَمَا زَعمه الْمُنكر، بل هُوَ عمل بغالب الرَّأْي وأكبر الظَّن لَا بِالظَّنِّ الْمُطلق
وَالْعَمَل بِالْعلمِ الْغَالِب وَالظَّن الرَّاجِح وَاجِب عقلا وَشرعا، وَإِن بَقِي فِيهِ ضرب احْتِمَال، كوجوب التَّحَرُّز عَن اللص الْغَالِب، والجدار المائل، وَإِن كَانَ فِيهِ احْتِمَال السَّلامَة وكوجوب الْعَمَل بِالتَّحَرِّي وَالنِّيَّة وبظواهر النُّصُوص وأخبار الْآحَاد(1/714)
وَالْعَام الْمَخْصُوص مَعَ قيام الشُّبْهَة وَالِاحْتِمَال فِي الْمَوَاضِع كلهَا
والمماثلة بَين الْمَقِيس والمقيس عَلَيْهِ من جَمِيع الْوُجُوه غير وَاجِب فِي صِحَة الْقيَاس، بل الْوَاجِب الْمُمَاثلَة فِي الْعلَّة، لِأَن معنى الْقيَاس: إِثْبَات الحكم فِي الْمَقِيس، مثل الحكم فِي الْمَقِيس عَلَيْهِ بعلة وَاحِدَة
[وَالْقِيَاس الْعقلِيّ: هُوَ الَّذِي كلتا مقدمتيه أَو إِحْدَاهمَا من المتواترات أَو مسموع من عدل
والميزاني: هُوَ الْمركب من قضايا يسْتَلْزم لذاته قولا آخر]
وَالْقِيَاس عِنْد المناطقة: هُوَ الْمركب من قضايا يسْتَلْزم لذاته قولا آخر
والاقتراني مِنْهُ: هُوَ مَا كَانَ مُشْتَمِلًا على النتيجة أَو نقيضها بِالْقُوَّةِ نَحْو: (الْعَالم متغير وكل متغير حَادث) فَهُوَ خَاص بالقضايا الحملية
والاستثنائي مِنْهُ: هُوَ الْمَعْرُوف بِالشّرطِ، لكَونه مركبا من قضايا شَرْطِيَّة، وَهُوَ الْمُشْتَمل على النتيجة أَو نقيضها بِالْفِعْلِ نَحْو: (لَو كَانَ النَّهَار مَوْجُودا لكَانَتْ الشَّمْس طالعة وَلَو لم يكن النَّهَار مَوْجُودا مَا كَانَت الشَّمْس طالعة) فالنتيجة فِي الْأَخِيرَة ونقيضها فِي الأولى مذكوران بِالْفِعْلِ، وَحَيْثُ يسْتَثْنى عين الْمُقدم فَأكْثر مَا تسْتَعْمل الشّرطِيَّة بِلَفْظ (إِن) فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة لتعليق الْوُجُود بالوجود، وَحَيْثُ يسْتَثْنى نقيض التَّالِي فَأكْثر مَا يُؤْتى ب (لَو) فَإِنَّهَا وضعت لتعليق الْعَدَم بِالْعدمِ، وَهَذَا يُسمى قِيَاس الْخلف، وَهُوَ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال نقيضه لقولنا: (شريك الْبَارِي غير مَوْجُود) لِأَنَّهُ لَو وجد إِمَّا أَن يكون وَاجِبا أَو مُمكنا، وَالْأول بَاطِل، وَإِلَّا يلْزم تعدد الْوَاجِب، وَكَذَا الثَّانِي وَإِلَّا يلْزم احْتِيَاجه إِلَى الْغَيْر، لَكِن احْتِيَاجه إِلَى الْغَيْر بَاطِل ضَرُورَة أَنه فرض شركته مَعَ الْوَاجِب فِي الواجبية، فَإِن اسْتثِْنَاء نقيض التَّالِي هَهُنَا بِحَسب الْوُقُوع على الْفَرْض الْمَذْكُور، لَا بِحَسب الْوُقُوع مُطلقًا، إِذْ لَا شريك لَهُ تَعَالَى فِي الْوَاقِع،
[الْقيَاس الْمركب] : وَمن الْقيَاس قسم يُسمى بِالْقِيَاسِ الْمركب، فَإِنَّهُ يركب من مُقَدمَات تنْتج مقدمتان مِنْهَا نتيجته، وَهِي مَعَ الْمُقدمَة الأولى نتيجة أُخْرَى وهلم جرا إِلَى أَن يحصل الْمَطْلُوب
[قِيَاس الْمُنْفَصِل] : وَمَا كَانَ مؤلفا من قضايا مُنْفَصِلَة وَهِي المتعاندة يُسمى قِيَاس الْمُنْفَصِل [قِيَاس الدَّلِيل] : وَالْأَكْثَر فِي مخاطبات الْفُقَهَاء اسْتِعْمَال قِيَاس الدَّلِيل الَّذِي هُوَ حذف صغراه نَحْو: (الأصدقاء ناصحون) حذرا عَن التَّطْوِيل كَون قِيَاس الضَّمِير الَّذِي حذف كبراه لوضوحها وَاسْتعْمل فِي مخاطبات النَّاس
[الْقيَاس الجزئي الحاجي] : وَمن الْقيَاس قسم أَيْضا يُسمى الجزئي الحاجي: وَهُوَ مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَى مُقْتَضَاهُ، أَو إِلَى خِلَافه إِذْ لم يرد نَص على وَفقه، أَو على خِلَافه فَالْأول كَصَلَاة الْإِنْسَان على من مَاتَ من الْمُسلمين فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وغسلوا وكفنوا فِي ذَلِك الْيَوْم، فَإِن الْقيَاس يَقْتَضِي جَوَازهَا وَعَلِيهِ الرؤياني لِأَنَّهَا صَلَاة على غَائِب، وَالْحَاجة دَاعِيَة لذَلِك لنفع الْمُصَلِّي والمصلى عَلَيْهِ، وَلم يرد من الشَّارِع نَص على وَفقه(1/715)
وَالثَّانِي كضمان الدَّرك: وَهُوَ ضَمَان الثّمن للْمُشْتَرِي إِن خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا، فَإِن الْقيَاس يَقْتَضِي مَنعه، لِأَنَّهُ ضَمَان مَا لم يجب، وَقد صنع قوم هَذَا الْقسم من الْقيَاس، وَوجه الْمَنْع فِي الشقين اكْتِفَاء الشَّرْع فِي بَيَان مَا تعم الْحَاجة إِلَيْهِ وتشتد وتتكرر بِقِيَاس جزئي مُوَافق مُقْتَضَاهُ عُمُوم الْحَاجة أَو مخالفه تعبدا والمجيز يمْنَع ذَلِك ويتمسك بِعُمُوم أَدِلَّة الْقيَاس
وَأما قِيَاس الْمَعْنى: فَهُوَ أَن يبين أَن الحكم فِي الأَصْل مُعَلل بِالْمَصْلَحَةِ الْفُلَانِيَّة، ثمَّ يبين أَن تِلْكَ الْمصلحَة قَائِمَة فِي الْفَرْع فَيجب أَن يحصل فِيهِ مثل حكم الأَصْل
وَأما قِيَاس الشُّبْهَة: فَهُوَ أَن تقع صُورَة وَاحِدَة بَين صُورَتَيْنِ مختلفتين فِي الحكم، ثمَّ كَانَت مشابهته لأحد الطَّرفَيْنِ أَكثر مشابهة للطرف الآخر فيستدل بِكَثْرَة المشابهة على حُصُول الْمُسَاوَاة فِي الحكم، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّة بِوُجُوب النِّيَّة فِي الْوضُوء، لكَون المشابهة بَينه وَبَين التَّيَمُّم أَكثر من المشابهة بَين الْوضُوء وَبَين غسل الثَّوْب عَن النَّجَاسَات
وَقِيَاس التَّمْثِيل: هُوَ الحكم على جزئي بِمَا حكم بِهِ على غَيره
وَمنع أَبُو حنيفَة الْقيَاس فِي أَرْبَعَة: فِي الْحُدُود: كقياس النباش على السَّارِق فِي وجوب الْقطع بِجَامِع أَخذ المَال من حرز خُفْيَة
وَالْكَفَّارَات: كقياس الْقَاتِل عمدا على الْقَاتِل خطأ فِي وجوب الْكَفَّارَة بِجَامِع الْقَتْل بِغَيْر حق
والرخص: كقياس غير الْحجر من كل جامد طَاهِر قالع غير مُحْتَرم فِي جَوَاز الِاسْتِنْجَاء بِهِ على الْحجر الَّذِي هُوَ رخصَة بِجَامِع الجمود وَالطَّهَارَة والقلع
والتقديرات: كقياس نَفَقَة الزَّوْجَة على الْكَفَّارَة فِي تقديرها على الْمُوسر بمدين كَمَا فِي فديَة الْحَج، والمعسر بِمد كَمَا فِي كَفَّارَة الوقاع بِجَامِع أَن كلا مِنْهُمَا مَال يجب بِالشَّرْعِ ويستقر فِي الذِّمَّة
وأصل التَّفَاوُت مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {لينفق ذُو سَعَة من سعته} (وَقَول الصَّحَابِيّ إِذا كَانَ فَقِيها يقدم على الْقيَاس)
الْقصر: هُوَ لُغَة مصدر (قصرت) : بِمَعْنى منعت، وَمِنْه {قاصرات الطّرف}
أَو بِمَعْنى حبست وَمِنْه: {حور مقصورات فِي الْخيام}
وَسمي الْبَيْت المنيف قصرا لقُصُور النَّاس عَن الارتقاء إِلَيْهِ، أَو الْعَامَّة عَن بِنَاء مثله، أَو لاقتصاره على بقْعَة من الأَرْض بِخِلَاف بيُوت الشّعْر والعمد، أَو يقصر من فِيهِ أَي: يحبس
وَقصر الصَّلَاة: من (قصر) كَطَلَب: حبس وَترك الْبَعْض
وضد طَال: من (قصر) ككرم، وَمِنْه الِاسْم الْمَقْصُور
وأقصر عَن الْكَلَام: تَركه وَهُوَ يقدر عَلَيْهِ، وَقصر إِذا تَركه وَهُوَ لَا يقدر عَلَيْهِ
وقصره إِلَى الْأَمر: رده إِلَيْهِ، كَمَا فِي " الراموز "
وَقصر على كَذَا: لم يُجَاوز بِهِ إِلَى غَيره
وَالْقصر فِي الِاصْطِلَاح: جعل أحد طرفِي النِّسْبَة فِي الْكَلَام سَوَاء كَانَت إسنادية أَو غَيرهَا مَخْصُوصًا(1/716)
بِالْآخرِ، بِحَيْثُ لَا يتجاوزه، إِمَّا على الْإِطْلَاق أَو بِالْإِضَافَة بطرق معهودة
وَالْقصر: أَعنِي بِهِ تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء قد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع مَا عداهُ وَيُسمى قصرا حَقِيقِيًّا
وَقد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض مَا عداهُ: وَيُسمى قصرا إضافيا
والإضافي يَنْقَسِم إِلَى قصر إِفْرَاد وقلب وَتَعْيِين، فقولنا: (مَا قَامَ إِلَّا زيد) لمن اعْتقد أَن الْقَائِم هَل هُوَ زيد أَو عَمْرو: كِلَاهُمَا قصر إِفْرَاد وَلمن اعْتقد أَن الْقَائِم عَمْرو لَا زيد: قصر قلب وَلمن تردد أَن الْقَائِم هَل هُوَ زيد أَو عَمْرو: قصر تعْيين وكل مَادَّة تصلح مِثَالا لقصر الْإِفْرَاد أَو الْقلب تصلح مِثَالا لقصر التَّعْيِين من غير عكس وكل مِثَال يصلح للتقوى مثل: (أَنْت لَا تكذب) يصلح للقصر، وَكَذَا عَكسه، وَأَن التَّقْوَى لَازم للقصر التقديمي بِلَا عكس وَقد يُسْتَفَاد من الْكَلَام تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء كلفظة الِاخْتِصَاص فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء} وكاللام الجارة الْمَوْضُوعَة لاخْتِصَاص الْمُضَاف بالمضاف إِلَيْهِ كَمَا فِي (الْحَمد لله) وَهَذَا لَا يخل بحصر طرق الْقصر فِي الْأَرْبَعَة، فَإِنَّهُم جعلُوا الْقصر بِحَسب الِاصْطِلَاح عبارَة عَن تَخْصِيص يكون بطرِيق من الطّرق الْأَرْبَعَة، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح وَأما قَوْله تَعَالَى: {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} الْقصر فِيهِ بِتَقْدِيم الْمَفْعُول، وَلَا يَصح شَيْء فِيهِ مِمَّا قد قصروا من الْإِفْرَاد وَالْقلب وَالتَّعْيِين، نعم إِلَّا أَن هَذِه الْأَقْسَام لَا تجْرِي فِي الْقصر الْحَقِيقِيّ، وَإِنَّمَا هِيَ أَقسَام لغير الْحَقِيقِيّ وَلَو سلم جريانها فِي الْحَقِيقِيّ أَيْضا لكنه فِيمَا إِذا كَانَ الْمُخَاطب مِمَّن يَصح عَلَيْهِ الْخَطَأ والتردد، لَا فِي مثل {إياك نعْبد} كَمَا صرح بِهِ السَّيِّد الشريف
والعطف ب (لَا) وب (بل) وب (لَكِن) مُخْتَصّ بِالْقصرِ وَالِاسْتِثْنَاء و (إِنَّمَا) والتقديم مُشْتَركَة بَينه وَبَين غَيره
وَأما الْفَصْل والتعريف فَإِنَّهُمَا مختصان بالمبتدأ وَالْخَبَر
وَالْقصر الْمُسْتَفَاد من تَقْدِيم مَا حَقه التَّأْخِير يكون إضافيا على مَا يدل عَلَيْهِ كَلَام صَاحب " الْمِفْتَاح " وَغَيره
وَاعْلَم أَن أهل اللِّسَان كثيرا مَا يقصدون بتعريف أحد طرفِي الْكَلَام قصره على الطّرف الآخر، سَوَاء كَانَ التَّعْرِيف بِاللَّامِ أَو بِالْإِضَافَة أَو بالموصولية
وَسَوَاء كَانَ للْجِنْس أَو للاستغراق أَو الْعَهْد ذهنيا أَو خارجيا وَوجه قصدهم بِهِ إِيَّاه إعطاؤهم التَّعْرِيف حكم ضمير الْفَصْل، لِأَن تَعْرِيف كل من الطَّرفَيْنِ شَرط لضمير الْفَصْل، فَحَيْثُ طَوَوْا ذكر الْمَشْرُوط أعْطوا حكمه لشرطه الْمَذْكُور
الْقُوَّة: هِيَ كَون الشَّيْء مستعدا لِأَن يُوجد وَلم يُوجد
وَالْفِعْل: كَون الشَّيْء خَارِجا من الاستعداد إِلَى الْوُجُود
وَالْقُوَّة أَيْضا: هِيَ مبدأ التَّغَيُّر فِي آخر من حَيْثُ هُوَ آخر]
وَالْقُوَّة الْقَرِيبَة لَا تُوجد مَعَ الْفِعْل، وَلَا يلْزم اجْتِمَاع النقيضين(1/717)
وَلَفظ الْقُوَّة وضع أَولا لما بِهِ يتَمَكَّن الْحَيَوَان من أَفعَال شاقة، ثمَّ نقل إِلَى مبدئه
وَهِي الْقُدْرَة
وَهِي صفة بهَا يتَمَكَّن الْحَيَوَان من الْفِعْل وَالتّرْك
وَإِلَى لَازمه: وَهُوَ أَن لَا ينْفَصل
ثمَّ إِلَى وصف المؤثرية الَّذِي هُوَ كجنس الْقُدْرَة
وَهُوَ الَّذِي عرفوه بِأَنَّهُ مبدأ التَّغَيُّر من شَيْء فِي غَيره من حَيْثُ هُوَ غَيره
وَإِلَى لَازم الْقُدْرَة: وَهُوَ إِمْكَان حُصُول الشَّيْء بِدُونِ الْحُصُول وَهُوَ مُقَابل للحصول بِالْفِعْلِ
وَالْقُوَّة فِي الْبدن نَحْو: {من أَشد منا قُوَّة}
وَفِي الْقلب: {يَا يحى خُذ الْكتاب بِقُوَّة}
وَفِي المعاون من خَارج نَحْو: {نَحن أولو قُوَّة أولو بَأْس شَدِيد}
وَفِي الْقُدْرَة الإلهية نَحْو: {إِن الله قوي عَزِيز} ، {هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين}
وَاعْلَم أَن الله سُبْحَانَهُ قد ركب فِي الْإِنْسَان ثَلَاث قوى: إِحْدَاهَا: مبدأ إِدْرَاك الْحَقَائِق، والشوق إِلَى النّظر فِي العواقب، والتمييز بَين الْمصَالح والمفاسد
وَالثَّانيَِة: مبدأ جذب الْمَنَافِع، وَطلب الملاذ من المآكل والمشارب وَغير ذَلِك
وَالثَّالِثَة: مبدأ الْإِقْدَام على الْأَهْوَال، والشوق إِلَى التسلط والترفع
وَتسَمى الأولى: بِالْقُوَّةِ النطقية والعقلية وَالنَّفس المطمئنة والملكية
وَالثَّانيَِة: بِالْقُوَّةِ الشهوية والبهيمية وَالنَّفس الأمارة
وَالثَّالِثَة: بِالْقُوَّةِ الغضبية والسبعية وَالنَّفس اللوامة
وَيحدث من اعْتِدَال الْحَرَكَة الأولى: الْحِكْمَة
وَالثَّانيَِة: الْعِفَّة وَالثَّالِثَة: الشجَاعَة فأمهات الْفَضَائِل هِيَ هَذِه الثَّلَاث، وَمَا سوى ذَلِك إِنَّمَا هُوَ من تفريعاتها وتركيباتها وَلكُل مِنْهَا طرفا إفراط وتفريط هما رذيلتان وَالْمرَاد بالحكمة هَهُنَا: ملكة تصدر عَنْهَا أَفعَال متوسطة بَين أَفعَال الجربذة والبلاهة، لَا الْحِكْمَة الَّتِي جعلت سمة للحكمة النظرية لِأَنَّهَا بِمَعْنى الْعلم بالأمور الَّتِي وجودهَا من أفعالنا
وَأما القوى الدراكة الْخمس الْمرتبَة الَّتِي ينوط بهَا المعاش والمعاد فَهِيَ الحاسة الَّتِي تدْرك المحسوسات بالحواس الْخمس
والخيالية الَّتِي تحفظ صور تِلْكَ المحسوسات لتعرضها على الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة مَتى شَاءَت
والعقلية: الَّتِي تدْرك الْحَقَائِق الْكُلية
والمفكرة: الَّتِي تؤلف المعقولات لتستنتج مِنْهَا علم مَا لم يعلم
وَالْقُوَّة المتخيلة: الَّتِي من شَأْنهَا تركيب الصُّور إِذا ركبت صُورَة، فَرُبمَا انطبعت فِي الْحس الْمُشْتَرك فَصَارَت مُشَاهدَة لَهَا على حسب مُشَاهدَة الصُّور الخارجية
وَمن طبائع المتخيلة: التَّصْوِير والتشبيه دَائِما حَتَّى لَو خليت وطباعها لما فترت عَن هَذَا الْفِعْل مَا لم يمْنَع مَانع مِنْهُ، وَهُوَ توارد الصُّور من الْخَارِج، وتسلط الْعقل أَو الْوَهم، وَلَا تستقل المتخيلة بِنَفسِهَا فِي رُؤْيَة الْمَنَام، بل تفْتَقر إِلَى رُؤْيا الْقُوَّة(1/718)
والمفكرة والحافظة وَسَائِر القوى الْعَقْلِيَّة فَمن رأى كَأَن أسدا قد تخطى إِلَيْهِ وتمطى ليفترسه، فالقوة المفكرة تدْرك مَاهِيَّة سبع، والذاكرة تدْرك افتراسه وبطشه والحافظة تدْرك حركاته وهيآته، والمخيلة هِيَ الَّتِي رَأَتْ ذَلِك جَمِيعه وتخيلته وَالْقُوَّة الْعَقْلِيَّة بِاعْتِبَار إدراكاتها للكليات تسمى الْقُوَّة النظرية وَبِاعْتِبَار استنباطها للصناعات الفكرية من أدلتها بِالرَّأْيِ تسمى الْقُوَّة العملية
وَالْقُوَّة القدسية: وَهِي الَّتِي تتجلى فِيهَا لوائح الْغَيْب وأسرار الملكوت مُخْتَصَّة بالأنبياء والأولياء وَقد تنْسب إِلَى الْملك وَتسَمى الْقُوَّة الملكية، وَهِي ملكة الِاتِّصَال بالحضرات القدسية
وَهِي مَوَاطِن المجردات القاهرات وَيَنْبَغِي أَن تسْتَعْمل هَذِه فِي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَالْقُوَّة النظرية: غايتها معرفَة الْحَقَائِق كَمَا هِيَ عَلَيْهِ بِقدر الطَّاقَة البشرية
وَالْقُوَّة العلمية: كمالها الْقيام بالأمور على مَا يَنْبَغِي تحصيلا لسعادة الدَّاريْنِ
والقوى الْحَالة فِي الْبدن: كالنامية والهاضمة والدافعة وَغَيرهَا
وَالْقُوَّة الواهمة: حَالَة فِي الدِّمَاغ
وَالْقُوَّة الغضبية: فِي يَمِين الْقلب، والشهوية فِي يسَاره
وَقَوي النَّفس الحيوانية تسمى قوى نفسانية ومسكنها ومصدر أفعالها الدِّمَاغ 0 والتخيل مَوْضِعه البطنان المقدمان من بطُون الدِّمَاغ والفكر مَوْضِعه الْبَطن الْأَوْسَط من بطونه وَالْحِفْظ مَوْضِعه الْمُؤخر من الْبُطُون وَقد تقرر فِي علمه أَن للدماغ فِي طوله ثَلَاثَة بطُون، وكل بطن فِي عرضه ذُو جرمين: فالبطن الأول يعين على الِاسْتِنْشَاق، وعَلى نفض الْفضل بالعطاس، وعَلى توزيع أَكثر الرّوح الحساس
والبطن الْمُؤخر مبدأ النخاع، وَمِنْه يتوزع أَكثر الرّوح المتحرك، وَهُنَاكَ أَفعَال الْقُوَّة الحافظة
والأوسط كدهليز بَينهمَا، وَبِه يتَأَدَّى الأمشاج المبددة وتولد هَذَا الرّوح النفساني الَّذِي يكون بِهِ هَذِه الْأَفْعَال الَّتِي ذَكرنَاهَا من الرّوح الحيواني الَّذِي يتَوَلَّد فِي الْقلب وَذَلِكَ أَن عرقين يصعدان إِلَى الدِّمَاغ من الْقلب، فَإِذا صَارا تَحت الدِّمَاغ انقسما أقساما كَثِيرَة تتشبك تِلْكَ الْأَقْسَام وَتصير كالشبكة، فَلَا يزَال الرّوح الحيواني يَدُور فِي ذَلِك التشبيك حَتَّى يرق ويلطف
وقوى النَّفس النباتية، تسمى قُوَّة طبيعية، وَالْقُوَّة الطبيعية لَهَا نَوْعَانِ: نوع غَايَته حفظ الشَّخْص وتدبيره، وَهُوَ الْمُتَصَرف فِي أَمر الْغذَاء ومسكنه، ومصدر أفعالها الكبد
وَنَوع غَايَته حفظ النَّوْع: وَهُوَ الْمُتَصَرف فِي أَمر التناسل ليفصل بَين أمشاج الْبدن جَوْهَر الْمَنِيّ، ثمَّ يصوره بِإِذن خالقه ومسكن هَذَا النَّوْع ومصدر أَفعاله الانثيان
وَالْقُوَّة الحيوانية: الَّتِي تدبر أَمر الرّوح الَّذِي هُوَ يركب الْحس وَالْحَرَكَة، ويهيئه لقبوله إِيَّاهَا
ومسكن هَذِه الْقُوَّة ومصدر أفعالها الْقلب هَذَا هُوَ مَذْهَب جالينوس وَكثير من الْأَطِبَّاء وَأما مَذْهَب أرسطاطاليس فَهُوَ أَن مبدأ جَمِيع الْقُوَّة الْقلب، كَمَا أَن مبدأ الْحس الدِّمَاغ، ثمَّ لكل حاسة عُضْو مُنْفَرد يظْهر فعله، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق(1/719)
الْقُرْآن: ذهب بعض النَّاس إِلَى أَن الْقُرْآن هُوَ اسْم علم غير مُشْتَقّ خَاص بِكَلَام الله، فَهُوَ غير مَهْمُوز، وَبِه قَرَأَ ابْن كثير، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن الشَّافِعِي أخرج الْبَيْهَقِيّ والخطيب وَغَيرهمَا عَنهُ أَنه كَانَ يهمز (قراآت) وَلَا يهمز (الْقُرْآن) وَيَقُول: إِنَّه اسْم وَلَيْسَ بمهموز
وَذهب قوم مِنْهُم الْأَشْعَرِيّ أَنه مُشْتَقّ من (قرنت الشَّيْء بالشَّيْء) إِذا ضممت أَحدهمَا إِلَى الآخر، وَالصَّحِيح أَن ترك الْهمزَة من بَاب التَّخْفِيف
وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء: الْقُرْآن فِي الأَصْل مصدر (قَرَأت الشَّيْء قُرْآنًا) بِمَعْنى جمعته، أَو قَرَأت الْكتاب قِرَاءَة أَو قُرْآنًا بِمَعْنى تلوته ثمَّ نَقله الْعرف إِلَى الْمَجْمُوع الْمَخْصُوص والمتلو الْمَخْصُوص: وَهُوَ كتاب الله الْمنزل على مُحَمَّد، وَنَقله أهل الْأُصُول إِلَى الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْكل والجزء ثمَّ نَقله أهل الْكَلَام إِلَى مَدْلُول المقروء، وَهُوَ الْكَلَام الأزلي الْقَائِم بِذَاتِهِ الْمنَافِي للسكوت والآفة
وَقَالَ بَعضهم: الْقُرْآن لُغَة: اسْم لكل مقروء إِذا نكر
وَشرعا: اسْم لهَذَا الْمنزل الْعَرَبِيّ إِذا عرف بِاللَّامِ
فعلى هَذَا يُطلق على كل آيَة وَلَو قصرت
وَعرفا: اسْم لهَذَا الْمنزل الْعَرَبِيّ المعجز، فَلَا يُطلق إِلَّا على سُورَة أَو آيَة مثلهَا
وَفِي " التَّلْوِيح " هُوَ فِي الْعرف الْعَام: اسْم لهَذَا الْمَجْمُوع عِنْد الْأُصُولِيَّة، وضع تَارَة للمجموع، وَتارَة لما يعم الْكل وَالْبَعْض، فَيكون الْقُرْآن حَقِيقَة فيهمَا بِاعْتِبَار وضع وَاحِد
وَالْقُرْآن شَائِع الِاسْتِعْمَال فِي اللَّفْظ، وَكَلَام الله تَعَالَى حَقِيقَة فِي الْمَعْنى النَّفْسِيّ، ومجاز فِي اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ
[وَقَالَ بَعضهم: الْقُرْآن علم للْكتاب، وَهُوَ مَعَ انطلاقه على الْمَعْنى الْقَائِم بِالذَّاتِ أشهر من الْكتاب، فَيجوز تَفْسِيره بِهِ، وَلكنه بِمَنْزِلَة الْعلم الْمُشْتَرك فَيصح تَقْيِيده لإِزَالَة الِاشْتِرَاك أَو لإِزَالَة وهم الْمجَاز عَنهُ]
وَاخْتلف فِي لفظ الْقُرْآن قَالَ قوم: إِنَّه تَعَالَى خلقه فِي اللَّوْح لقَوْله تَعَالَى: {بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ}
وَقَالَ قوم آخر: إِنَّه لفظ جِبْرِيل لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم}
وَقوم آخر: إِنَّه لفظ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لقَوْله تَعَالَى {نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك}
[وَلَيْسَ معنى كَونه منزلا أَنه منتقل من مَكَان إِلَى مَكَان بل مَعْنَاهُ أَنه مَا فهمه سيدنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كَلَامه تَعَالَى عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى ينزل بتفهيمه للأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى بسيط الغبراء فَيكون اللَّفْظ لفظ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْأول مِنْهَا أقرب إِلَى الْكَمَال وَالْعَظَمَة وَأولى بِكَلَام الله وَكَونه معجزا](1/720)
وأختلف أَيْضا فِي أَن الْقُرْآن الْحَقِيقِيّ مَاذَا هُوَ؟ فَنحْن نقُول: إِنَّه الْمَعْنى الْقَائِم بِالنَّفسِ والخصم يَقُول: إِنَّه حُرُوف وأصوات أوجدها الله، وَعند وجودهَا انعدمت وَانْقَضَت، وَأَن مَا أَتَى بِهِ الرَّسُول وَمَا نتلوه نَحن لَيْسَ هُوَ ذَاك، وَإِنَّمَا هُوَ مِثَاله على نَحْو قراءتنا لشعر المتنبي وامرىء الْقَيْس، فَإِن مَا يجْرِي على ألسنتنا لَيْسَ هوكلام امرىء الْقَيْس وَإِنَّمَا هُوَ مثله، وَإِنَّمَا نَشأ هَذَا الْخبط من جِهَة اشْتِرَاك لفظ الْقُرْآن، فَإِنَّهُ قد يُطلق على المقروء، وَقد يُطلق على الْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ حُرُوف وأصوات
وَالْعرب قد تطلق اسْم الْكَلَام على الْمَعْنى تَارَة، وعَلى الْعبارَة أُخْرَى يَقُولُونَ: هَذَا كَلَام، حسن صَحِيح إِذا كَانَ مُسْتَقِيمًا وَإِن كَانَت الْعبارَة ركيكة، أَو ملحونة، أَو مخبطة وَيَقُولُونَ أَيْضا عِنْد كَون الْعبارَة معربة صَحِيحَة: هَذَا كَلَام حسن صَحِيح وَإِن كَانَ الْمَعْنى فِي نَفسه فَاسِدا لَا حَاصِل لَهُ
وَالْأمة من السّلف مجمعة على أَن الْقُرْآن كَلَام الله تَعَالَى، وَهُوَ مُنْتَظم من الْحُرُوف والأصوات، ومؤلف ومجموع من سور وآيات، مقروء بألسنتنا، مَحْفُوظ فِي صدورنا، مسطور فِي مَصَاحِفنَا، ملموس بِأَيْدِينَا، مسموع بآذاننا، مَنْظُور بأعيننا، وَلذَلِك وَجب احترام الْمُصحف وتبجيله حَتَّى لَا يجوز للمحدث مَسّه وَلَا القربان إِلَيْهِ، وَلَا يجوز للْجنب تِلَاوَته، فَلَمَّا وَقع الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم لم يَقع التوارد بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات على مَحل وَاحِد، فَإِن مَا أثبتوه معْجزَة لَا يثبت لَهُ الْقدَم، وَمَا أثبتنا لَهُ الْقدَم لَا يثبتونه معْجزَة، وَلَا يُنكر أَن الْقُرْآن الْقَدِيم مَكْتُوب ومحفوظ ومسموع ومتلو بِمَعْنى أَنه قد حصل فِيهَا مَا هُوَ دَال عَلَيْهِ، وَهُوَ مَفْهُوم مِنْهُ وَمَعْلُوم فالقديم غير الْمَخْلُوق هُوَ الصّفة البسيطة الْقَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ مبدأ للألفاظ، وَالتَّابِع الْمُتَأَخر وَهُوَ الْحِكَايَة لَيْسَ إِلَّا لفظ الْحِكَايَة، وَهُوَ حَادث ومخلوق [فَإِن قلت: الْقُرْآن إِذا كَانَ قَدِيما فَكيف يَصح كَونه معْجزَة للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِذْ الْمُقَارنَة للتحدي من شَرَائِط المعجزة، قلت: كفى فِي ذَلِك ظُهُور المعجزة مُقَارنًا لِلْقُرْآنِ على مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب}
وَاعْلَم أَن الْقُرْآن وَاحِد شخصي قديم قَائِم بِذَات الله تَعَالَى، لَا تعدد فِيهِ أصلا وَإِنَّمَا التَّعَدُّد فِي الْقرَاءَات الْمُتَعَلّقَة بِهِ، وَالْجُمْهُور على أَن الْقُرْآن لفظ مُشْتَرك بَين الْمَعْنى النَّفْسِيّ الْقَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِد شخصي وَبَين الْأَلْفَاظ الْمَخْصُوصَة الْمرتبَة ترتيبا مَخْصُوصًا ثمَّ اخْتلفُوا فَقيل: هُوَ اسْم لهَذَا المقروء الْمَخْصُوص الْقَائِم بِأول لِسَان اخترعه الله فِيهِ وَالأَصَح أَنه اسْم لَهُ لَا من حَيْثُ تعْيين الْمحل فَيكون وَاحِدًا بالنوع وَيكون مَا يَقْرَؤُهُ الْقَارئ نَفسه لَا مثله]
وَقد نسب القَوْل فِي قَوْله تَعَالَى، {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم وَمَا هُوَ بقول شَاعِر} إِلَى الرَّسُول فَإِن القَوْل الصَّادِر إِلَيْك عَن الرَّسُول يبلغهُ إِلَيْك غير(1/721)
مُرْسل لَهُ فَيصح أَن ينْسبهُ تَارَة إِلَى الرَّسُول وَتارَة إِلَى الْمُرْسل، فعلى هَذَا هَل يَصح أَن ينْسب الشّعْر وَالْخطْبَة إِلَى راويهما كَمَا ينسبان إِلَى صانعهما؟ قيل يَصح أَن يُقَال للشعر: هُوَ قَول الرَّاوِي، وَلَا يَصح أَن يُقَال: هُوَ شعره وخطبته، لِأَن الشّعْر يَقع على القَوْل إِذا كَانَ على صُورَة مَخْصُوصَة، وَتلك السُّورَة لَيْسَ للراوي فِيهَا شَيْء، وَالْقَوْل هُوَ قَول الرَّاوِي كَمَا هُوَ قَول الْمَرْوِيّ عَنهُ
وَالْقُرْآن: مَا كَانَ لَفظه وَمَعْنَاهُ من عِنْد الله بِوَحْي جلي
وَأما الحَدِيث الْقُدسِي: فَهُوَ مَا كَانَ لَفظه من عِنْد الرَّسُول، وَمَعْنَاهُ من عِنْد الله بالإلهام أَو بالمنام
قَالَ بَعضهم: الْقُرْآن لفظ معجز ومنزل بِوَاسِطَة جِبْرِيل
والْحَدِيث الْقُدسِي: غير معجز وَبِدُون الْوَاسِطَة وَمثله كَمَا يُسمى بِالْحَدِيثِ الْقُدسِي يُسمى أَيْضا الإلهي والرباني
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْقُرْآن هُوَ اللَّفْظ الْمنزل بِهِ جِبْرِيل على النَّبِي
والْحَدِيث الْقُدسِي: إِخْبَار الله مَعْنَاهُ بالإلهام أَو بالمنام، فَأخْبر النَّبِي أمته بِعِبَارَة نَفسه، وَسَائِر الْأَحَادِيث لم يضفها إِلَى الله تَعَالَى، وَلم يروها عَنهُ تَعَالَى
وَالْحَاصِل أَن الْقُرْآن والْحَدِيث يتحدان فِي كَونهمَا وَحيا منزلا من عِنْد الله بِدَلِيل: {إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} إِلَّا أَنَّهُمَا يتفارقان من حَيْثُ إِن الْقُرْآن هُوَ الْمنزل للإعجاز والتحدي بِهِ بِخِلَاف الحَدِيث، وَإِن أَلْفَاظ الْقُرْآن مَكْتُوبَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَلَيْسَ لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يتصرفا فِيهَا أصلا [ثمَّ أنزل جملَة من اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا وَأمر السفرة الْكِرَام بانتساخه، ثمَّ نزل إِلَى الأَرْض نجوما فِي ثَلَاث وَعشْرين سنة] وَأما الْأَحَادِيث فَيحْتَمل أَن يكون النَّازِل على جِبْرِيل معنى صرفا فَكَسَاهُ حلَّة الْعبارَة، وَبَين الرَّسُول بِتِلْكَ الْعبارَة أَو ألهمه كَمَا تلقفه فأعرب الرَّسُول بِعِبَارَة تفصح عَنهُ
(وَالْقُرْآن والقراءات: حقيقتان متغايرتان. فالقرآن هُوَ الْوَحْي الْمنزل على مُحَمَّد للْبَيَان والإعجاز
والقراءات اخْتِلَاف أَلْفَاظ الْوَحْي الْمَذْكُور فِي الْحُرُوف أَو كيفيتها من تَخْفيف وَتَشْديد وَغَيرهمَا
وباختلاف الْقرَاءَات يظْهر الِاخْتِلَاف فِي الْأَحْكَام
ولاختلاف الْقرَاءَات وتنوعها فَوَائِد، مِنْهَا التهوين والتسهيل وَالتَّخْفِيف على الْأمة
وَمِنْهَا إِظْهَار فَضلهَا وشرفها على سَائِر الْأُمَم، إِذْ لم ينزل كتاب غَيرهم إِلَّا على وَجه وَاحِد
وَمِنْهَا إِظْهَار سر الله فِي كِتَابه، وصيانته عَن التبديل مَعَ كَونه على هَذِه الْوُجُوه، وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد الَّتِي ذكرهَا بعض الْمُتَأَخِّرين
[حكى أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي رَحمَه الله فِي آيَة إِذا قُرِئت بقراءتين قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا أَن الله تَعَالَى قَالَ بهما جَمِيعًا وَالثَّانِي أَنه تَعَالَى قَالَ بِوَاحِدَة إِلَّا أَنه أذن بهما ثمَّ اخْتَار توسطا وَهُوَ أَنه إِن كَانَ لكل قِرَاءَة تَفْسِير يغاير الآخر فقد قَالَ بهما جَمِيعًا، وَتصير القراءتان بِمَنْزِلَة آيَتَيْنِ مثل: {حَتَّى يطهرن} وَإِن كَانَ تفسيرهما وَاحِدًا كالبيوت(1/722)
والبيوت فَإِنَّمَا قَالَ بِإِحْدَاهُمَا وَأَجَازَ الْقِرَاءَة بهما لكل قَبيلَة على مَا تعود لسانهم]
وَالْقُرْآن أنزل بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه أنزل بلغَة هِيَ فِي أصل وَضعهَا على لِسَان الْعَرَب، بل المُرَاد أَنه منزل بِلِسَان لَا يخفى مَعْنَاهُ على أحد من الْعَرَب، وَلم يسْتَعْمل فِيهِ لُغَة لم يتَكَلَّم الْعَرَب بهَا، فيصعب عَلَيْهِم مثله، فعجزهم عَن مثله لَيْسَ إِلَّا لمعجز
وقرأت الْقُرْآن قِرَاءَة، وقروت إِلَيْهِ قروا: أَي قصدته واتبعته
وقريت الضَّيْف أقرية قري بِالْكَسْرِ وَالْقصر، وبالفتح وَالْمدّ
وَفُلَان قَرَأَ عَلَيْك السَّلَام وقرأك بِمَعْنى، وَلَا يُقَال أقرأه إِلَّا إِذا كَانَ السَّلَام مَكْتُوبًا
وأقرأ الْقُرْآن فَهُوَ مقرئ
وَيُقَال (قَرَأت سُورَة كَذَا) : إِذا قَرَأَهَا خَارج الصَّلَاة وَلَا يُقَال: (قَرَأت بِسُورَة كَذَا) إِلَّا إِذا قَرَأَهَا فِي الصَّلَاة فَإِن معنى قَوْله: " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب " أَي لمن لم يَأْتِ بِهَذِهِ السُّورَة فِي جملَة مَا يقْرَأ بِهِ، فيشعر بِقِرَاءَة غَيرهَا من السُّور مَعهَا وَقَوله: " لَا يقْرَأن بالسور ": أَي لَا يتقربن بِقِرَاءَة السُّور وَلِهَذَا قَالَ السُّهيْلي: لَا يجوز أَن تَقول (وصل إِلَيّ كتابك فَقَرَأت بِهِ) لِأَنَّهُ عَار عَن معنى التَّقَرُّب
والقرأة، كالغلبة جمع قَارِئ
والقراء: المتنسك، وَالْجمع قراؤون
(قَالَ ابْن الصّلاح فِي فَتَاوَاهُ: قِرَاءَة الْقُرْآن كَرَامَة أكْرم الله بهَا الْبشر وَقد ورد أَن الْمَلَائِكَة لم يُعْطوا ذَلِك، وَأَنَّهُمْ حريصون لذَلِك على استماعه من الْإِنْس)
الْقرب: (قرب) قد يَجِيء من بَاب (علم) فَمَعْنَاه دنا، فيتعدى بِغَيْر صلَة
وَمِنْه القربان، بِالْكَسْرِ: وَهُوَ الدنو، ثمَّ استعير للمجامعة
وَقد يَجِيء من بَاب حسن، فَلَا يتَعَدَّى إِلَّا بِمن بِمَعْنى (إِلَى)
وَقربت مِنْك أقرب قربا، وَمَا قربت، وَلَا أقْربك قربانا وَالْعرب تَقول: يقرب مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَقد اطرد استعمالهم أفعل التَّفْضِيل من (قرب) بإلى لِئَلَّا يتَوَهَّم فِي أول الوهلة التباس (من) الصِّلَة ب (من) التفضيلية. وَقَوله تَعَالَى: {اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} لَام الِاخْتِصَاص فِيهِ تغني غناء صلَة الْقرب، وَهِي (من) فِي الْفِعْل، و (إِلَى) فِي أفعل التَّفْضِيل الْمُسْتَعْمل بِمن لدفع الالتباس كَمَا عرفت آنِفا
والقرب يسْتَعْمل فِي الزَّمَان وَالْمَكَان وَالنِّسْبَة والحظوة وَالرِّعَايَة وَالْقُدْرَة والأولان مَعْنيانِ أصليان لَهُ، والبواقي مَأْخُوذَة مِنْهُمَا بِنَوْع تجوز، وَإِن كَانَ فِي بَعْضهَا حَقِيقَة عرفية
والقرب فِي النّظم الْجَلِيل على وُجُوه: قرب الْإِجَابَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب}
قرب الْعِصْمَة كَقَوْلِه: {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد}(1/723)
قرب الْمِنَّة كَقَوْلِه: {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم}
قرب الْوَعيد كَقَوْلِه: {واقترب الْوَعْد الْحق}
قرب السُّؤَال كَقَوْلِه: {اقْترب للنَّاس حسابهم}
قرب الطَّاعَة كَقَوْلِه: {واسجد واقترب}
قرب الرَّحْمَة كَقَوْلِه: {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ}
قرب السَّاعَة كَقَوْلِه: {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر}
وَاسْتشْكل فِي الْأَقْرَب فِي {كلمح بالبصر بل هُوَ أقرب}
الْقرْبَة: مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى بِوَاسِطَة غَالِبا، وَقد تطلق وَيُرَاد بهَا مَا يتَقرَّب بِهِ بِالذَّاتِ
والقربى: تسْتَعْمل فِي الْأَرْحَام
[وَالْمرَاد بالقربى فِي قَوْله تَعَالَى: {أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن الله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} قرب النُّصْرَة لَا قرب الْقَرَابَة على مَا بَينه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
والقريب من النّسَب يؤنث بِلَا خلاف وَمن الْمسَافَة يذكر وَيُؤَنث وَيُقَال فِي الْقرب النسبي: فلَان ذُو قَرَابَتي، وَهُوَ الصَّوَاب، وقريبي خطأ
والقرب والبعد لَيْسَ لَهما حد مَحْدُود، وَإِنَّمَا ذَلِك بِحَسب اعْتِبَار الْمَكَان
[وَلِهَذَا اسْتدلَّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ على تَنْزِيه الْبَارِي عَن الْمَكَان بِحَدِيث: لَا تفضلُونِي على أخي يُونُس بن مَتى
{وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد}
أَي: فِي الِاعْتِقَاد]
الْقسم، بِالْكَسْرِ: اسْم من الْقسم بِالْفَتْح لُغَة التجزئة
وَعرفا: ضم مُخْتَصّ بمشترك
وَالْقسم، بِالْفَتْح والسكون: إِفْرَاز النَّصِيب والتسوية بَين الزَّوْجَات فِي الْمَأْكُول والمشروب والملبوس والبيتوتة، لَا فِي الْمحبَّة وَالْوَطْء وَقد كَانَ رَسُول الله يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل وَيَقُول: " هَذِه قسمتي فِيمَا أملك، فَلَا تؤاخذني فِيمَا تملك وَلَا أملك " يَعْنِي الْحبّ وَالْجِمَاع
وَيُقَال هَذَا يَنْقَسِم قسمَيْنِ: بِالْفَتْح إِذا أُرِيد الْمصدر، وبالكسر إِذا أُرِيد النَّصِيب أَو الْجُزْء من الشَّيْء الْمَقْسُوم
وَالْقسم: شطر الشَّيْء
[وَقسم الشَّيْء: مَا يكون مندرجا تَحْتَهُ، وأخص مِنْهُ كالاسم أَنه أخص من الْكَلِمَة ومندرج تحتهَا]
وقسيم الشَّيْء: مَا يكون مُقَابلا للشَّيْء، ومندرجا تَحت شَيْء آخر كالاسم أَيْضا فَإِنَّهُ مُقَابل للْفِعْل ومندرج تَحت شَيْء آخر، وَهُوَ الْكَلِمَة الَّتِي أَعم مِنْهُمَا(1/724)
وَالْقِسْمَة: بِالتَّاءِ: تَجِيء بِمَعْنى الْقسم بِلَا تَاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَن المَاء قسْمَة بَينهم} وَالْمرَاد: النَّصِيب وَالْقِسْمَة الفعلية: الْفَصْل والفك، سَوَاء كَانَ بِالْقطعِ أَو بِالْكَسْرِ
وَمعنى قسْمَة الشَّيْء فرضا: حكم الْعقل وإذعانه بِأَن فِيهِ طرفا يتَمَيَّز عَن طرف وَهَذَا الحكم إِنَّمَا يتَعَلَّق بِمَا لَهُ حَظّ من الامتداد، وَهَذَا الْفَرْض غير الْفَرْض الْمَذْكُور فِي تَقْسِيم الْمحَال إِلَى مَا فَرْضه، وَنَفسه محَال، وَإِلَى مَا فَرْضه أَيْضا محَال
وَالْقِسْمَة الوهمية: فرض شَيْء غير شَيْء
وَالْقِسْمَة فِي مُخْتَلف الْأَجْزَاء: مُبَادلَة، وَفِي ذَوَات الْأَمْثَال: افراز
وَالْقسم بِفتْحَتَيْنِ: اسْم من الإقسام وَهُوَ أخص من الْيَمين وَالْحلف الشاملين للشرطية الْآنِية
[وحروف الْقسم الْبَاء وَالتَّاء وَالْوَاو، وَمَا وضع للقسم وَهُوَ (أيم الله) أَصله عِنْد الْبَصرِيين وَهُوَ مَذْهَب الْفراء (أَيمن الله) وَهُوَ جمع (يَمِين) حذف نونه من تخفيفات الْقسم وَعند الْكُوفِيّين وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله: كلمة وضعت للقسم لَا اشتقاق لَهَا، أَي لَا أصل لَهَا، والهمزة فِيهَا للوصل مِمَّا يُؤَدِّي معنى الْقسم قَوْلهم: (لعمر الله) وَاللَّام فِيهِ للابتداء أَو أُوثِرت الفتحة فِي الْقسم للتَّخْفِيف وَإِن كَانَت الضمة أعرف، وَخَبره مَحْذُوف وَتَقْدِيره (لبَقَاء الله أقسم بِهِ) كَأَنَّهُ قَالَ (وَالله الْبَاقِي وَالْأَصْل) فحروف الْقسم الْبَاء الَّتِي للإلصاق لِأَنَّهَا توصل الْفِعْل إِلَى اسْم الله الْمَحْلُوف بِهِ وتلصق بِهِ، وَهِي تدل على مَحْذُوف فَقَوْل الْقَائِل (بِاللَّه) مَعْنَاهُ: أقسم أَو أَحْلف بِاللَّه، وَالْوَاو قد استعيرت من الْبَاء للقسم لمناسبة بَينهمَا صُورَة لِاتِّحَاد مخرجهما وَمعنى لِأَن الْبَاء للإلصاق وَفِي الْعَطف إلصاق الْمَعْطُوف بالمعطوف عَلَيْهِ ثمَّ استعيرت التَّاء لِمَعْنى الْوَاو وتوسعة لصلات الْقسم لما بَينهمَا من الْمُنَاسبَة لِكَوْنِهِمَا من حُرُوف الزِّيَادَة وَالْبَاء لأصالتها تدخل على الْمظهر والمضمر، وَكَذَا يجوز دُخُولهَا على سَائِر الْأَسْمَاء وَالصِّفَات فَلم يكن لَهَا اخْتِصَاص فِي الْقسم لِأَنَّهَا حَقِيقِيَّة فِي الْقسم، وَالْوَاو لَا تدخل إِلَّا على الْمُضمر لَا يُقَال: (أَحْلف وَالله) فتنحط رتبته عَن رُتْبَة الأَصْل وَلما كَانَت التَّاء دخيلا على مَا لَيْسَ بِأَصْل فِي الْقسم انحطت رتبته عَنْهُمَا فَقيل: لَا يدْخل إِلَّا فِي مظهر وَاحِد وَهُوَ اسْم الله وَهُوَ الْمقسم بِهِ غَالِبا وَقد يحذف حرف الْقسم تَخْفِيفًا يُقَال: (الله لَأَفْعَلَنَّ) بِالنّصب عِنْد أهل الْبَصْرَة وَهُوَ الْأَصَح، وبالخفض عِنْد الْكُوفِيّين بِتَقْدِير الْجَار]
وجوابات الْقسم سَبْعَة: إِن الشَّدِيدَة نَحْو: {وَالْفَجْر ... . إِن رَبك لبالمرصاد}
و (مَا) النَّفْي نَحْو: {فوربك ... . مَا وَدعك رَبك}
وَاللَّام الْمَفْتُوحَة نَحْو: {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ}
وَإِن الْخَفِيفَة نَحْو: {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين}(1/725)
و (لَا) نَحْو: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت}
و (قد) نَحْو: {وَالشَّمْس ... . قد أَفْلح من زكاها}
و (بل) نَحْو: {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد بل عجبوا}
وَقد نظمته:
(إِن ترد علما بنظم ضابطا ... سَبْعَة فاحفظ جَوَابا للقسم)
(إِن مَا النَّفْي لَا قد بل وَإِن ... خففت مَفْتُوحَة اللَّام فتم)
وَقَوله تَعَالَى: {وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} لما جَاءَ توكيدا للجزاء سمي قسما
وَقد أقسم الله فِي الْقُرْآن فِي سَبْعَة مَوَاضِع: الْآيَة الْمَذْكُورَة
وَقَوله: {إِي وربي} ، {قل بلَى وربي} ، {فوربك لنحشرنهم} ، {فوربك لنسألنهم} ، {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ} ، {فَلَا أقسم بِرَبّ الْمَشَارِق والمغارب} ، وَالْبَاقِي كُله قسم بمخلوقاته، وَالْغَالِب قسم على جملَة خبرية كَقَوْلِه: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّه لحق}
وَأما الْقسم على جملَة طلبية فكقوله: {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ} ، وَأكْثر مَا يحذف الْجَواب إِذا كَانَ فِي نفس الْمقسم بِهِ دلَالَة على الْمقسم عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} وَهَذَا يطرد فِي كل مَا شَأْنه ذَلِك كَقَوْلِه: {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} ، وَقَوله: {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} ، {وَالْفَجْر} الْآيَات ثمَّ الْقسم قِسْمَانِ: ظَاهر كالآيات السَّابِقَة
ومضمر وَهُوَ قِسْمَانِ أَيْضا: قسم دلّت عَلَيْهِ اللَّام نَحْو: {لتبلون فِي أموالك}
وَقسم دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى نَحْو: {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} تَقْدِيره وَالله
وَالْقِسْمَة أَعم من الْمُزَارعَة لِأَنَّهَا تجْرِي فِي الْعقار وَغَيره، والمزارعة تخص بالأراضي
الْقدَم: هِيَ من تَحت الكعب إِلَى الْأَصَابِع خلقت آلَة للساق
فِي " الْقَامُوس ": الصَّوَاب جَوَاز التَّذْكِير والتأنيث، وَالرجل مُؤَنّثَة
والقدم أَيْضا: السَّابِقَة فِي الْأَمر وَفِي الحَدِيث(1/726)
" حَتَّى يضع الْجَبَّار فِيهَا قدمه ": أَي الَّذين قدمهم من الأشرار فَإِنَّهُم قدم الله للنار، كَمَا أَن الأخيار قدمه إِلَى الْجنَّة وَوضع الْقدَم مثل للرَّدّ والقمع، أَي يَأْتِي لِجَهَنَّم أَمر يكفها عَن طلب الْمَزِيد
وَقد يكون الْقدَم كِنَايَة عَن الْعَمَل الَّذِي يتَقَدَّم فِيهِ لَا يَقع فِيهِ تَأْخِير وَلَا إبطاء
وَأطلق الْقدَم على هَذِه الْمعَانِي لما أَن السَّعْي والسبق لَا يحصل إِلَّا بالقدم فَسُمي الْمُسَبّب باسم السَّبَب، كَمَا سميت النِّعْمَة يدا لِأَنَّهَا تُعْطى بِالْيَدِ
الْقَدِيم: هُوَ عبارَة عَمَّا لَيْسَ قبله زَمَانا شَيْء، وَقد يُقَال على مَا مر عَلَيْهِ حول وَلِهَذَا قَالُوا: من قَالَ: (كل عبد قديم لي فَهُوَ حر) يحمل على من مضى عَلَيْهِ عِنْده سنة
وَقد يُطلق على الْمَوْجُود الَّذِي لَا يكون وجوده من الْغَيْر
وَقد يُطلق أَيْضا على الْمَوْجُود الَّذِي لَيْسَ وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ
وَالْأول: هُوَ الْقَدِيم بِالذَّاتِ، (وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ) ويقابله الْحَادِث بِالذَّاتِ
وَالثَّانِي: هُوَ الْقَدِيم بِالزَّمَانِ، ويقابله الْمُحدث بِالزَّمَانِ
[وَمَا ذهب الفلاسفة وَبَعض قدماء أَصْحَابنَا إِلَى أَن الْقَدِيم هُوَ الْمَوْصُوف الَّذِي لَا أول لوُجُوده مدحول من وَجْهَيْن: الأول: أَن الْقَدِيم قد يُطلق حَقِيقَة على الْوُجُود والعدم فَإِن الْحَوَادِث الْمَوْجُودَة فِي وقتنا هَذَا مَعْدُومَة فِي الْأَزَل، وَعدمهَا قديم أزلي فَلَا يكون قَوْلهم جَامعا
وَالثَّانِي: الْقَدِيم وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا بالوجود إِلَّا أَنه أَيْضا غير جَامع، فَإِن الْقَدِيم قد يُطلق أَيْضا على مَا عتق وطالت مدَّته بطرِيق الْمُبَالغَة، وَالْأَصْل فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقَة إِلَّا أَن يدل الدَّلِيل على إِرَادَة التَّجَوُّز وَالْأَصْل عَدمه، فَإِذا كَانَ حَقِيقَة فَيجب أَن يكون الْقَدِيم جَامعا لما لَا أول لَهُ وَلذَلِك قَالَ الْأَشْعَرِيّ: الْقَدِيم هُوَ الْمُتَقَدّم فِي الْوُجُود على شَرط الْمُبَالغَة، وَهُوَ وَإِن كَانَ أَعم من الَّذِي قبله لتنَاوله مَا لَا أول لوُجُوده وَمَا لوُجُوده أول إِلَّا أَنه غير جَامع بِالنّظرِ إِلَى الْعَدَم الْقَدِيم، فَالْأولى أَن يُقَال: الْقَدِيم هُوَ الْمَوْصُوف بالقدم فِي حَقِيقَة شَرط الْمُبَالغَة فَإِنَّهُ يعم الْوُجُود والعدم وَمَا لَا أول لَهُ وَمَا لَهُ أول] (وَالله سُبْحَانَهُ كَانَ مَوْجُودا قبل خلق السَّمَوَات قبلية بِالزَّمَانِ الْمُقدر عندنَا وَالْقَدِيم الزماني لَا يحْتَاج إِلَى الْمُؤثر عندنَا خلاف الفلاسفة)
وَالأَصَح أَن الْقدَم صفة سلبية، أَي لَيست بِمَعْنى أَنَّهَا مَوْجُودَة فِي نَفسهَا كَالْعلمِ مثلا، وَإِنَّمَا هِيَ عبارَة عَن سلب الْعَدَم السَّابِق للوجود، أَو عدم الأولية للوجود، أَو عدم افْتِتَاح الْوُجُود، أَو اسْتِمْرَار الْوُجُود فِي الْمَاضِي، وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد (فِي حَقه تَعَالَى بِاعْتِبَار ذَاته وَصِفَاته) ] يُوصف بِهِ ذَات الله اتِّفَاقًا وَصِفَاته عِنْد الأشاعرة كَمَا فِي " شرح الْمَقَاصِد " وَفِي " المحصل ": أهل السّنة أثبتوا القدماء وَهِي ذَات الله وَصِفَاته لَكِن زعم ناقده أَن(1/727)
أهل السّنة لَا يعترفون بِإِثْبَات القدماء لِأَنَّهَا عبارَة عَن أَشْيَاء مُتَغَايِرَة كل وَاحِد مِنْهَا قديم وهم لَا يَقُولُونَ بالتغاير إِلَّا فِي الذَّات دون الصِّفَات
وإكفار الْقَائِلين بِتَعَدُّد الْقَدِيم بِالْإِجْمَاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْقدَم الذاتي بِمَعْنى عدم المسبوقية بِالْغَيْر لَا فِي الْقدَم الزماني فَإِن قدم الصِّفَات زماني بِمَعْنى أَنَّهَا مسبوقة بِالْعدمِ لكَونهَا مُمكنَة نظرا إِلَى ذواتها لَكِن لَا تكون مُمكنَة الزَّوَال نظرا إِلَى ذَات الْمَوْصُوف فَلَا يلْزم إِمْكَان الانقلاب كَمَا عرفت فِي بحث الصِّفَات وَبِالْجُمْلَةِ الْقَدِيم الزماني لَا يحْتَاج إِلَى الْمُؤثر عندنَا، خلافًا للفلاسفة]
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: عد الْقَدِيم فِي التِّسْعَة وَالتسْعين
الْقعُود: قعد عَن الشَّيْء: عجز عَنهُ
وَجَوَاب مَا يصنع فلَان؟ يقْعد أَي: يمْكث سَوَاء كَانَ قَائِما أَو قَاعِدا
وَالْقعُود لما فِيهِ لبث بِخِلَاف الْجُلُوس وَلِهَذَا يُقَال: قَوَاعِد الْبَيْت، وَلَا يُقَال: جوالسه وَيُقَال أَيْضا فلَان جليس الْملك، وَلَا يُقَال قعيده
وَيُقَال أَيْضا لمن كَانَ قَائِما: اقعد، وَلمن كَانَ نَائِما أَو سَاجِدا: اجْلِسْ. وَعلله الْبَعْض بِأَن الْقعُود انْتِقَال من علو إِلَى سفل وَلِهَذَا قيل لمن أُصِيب رجله: قعد
وَالْجُلُوس: انْتِقَال من سفل إِلَى علو وَمِنْه سميت نجد جلسا لارتفاعها
والقاعد: الْمَرْأَة الَّتِي قعدت عَن الْحيض أَو عَن الْأزْوَاج، وَالْجمع قَوَاعِد، وَيُقَال: الرِّجَال قعاد، كَمَا يُقَال: ركاب فِي جمع رَاكب
وَالْقَاعِدَة، اصْطِلَاحا: قَضِيَّة كُلية من حَيْثُ اشتمالها بِالْقُوَّةِ على أَحْكَام جزئيات موضوعها، وَتسَمى فروعا، واستخراجها مِنْهَا تَفْرِيعا كَقَوْلِنَا: كل إِجْمَاع حق
وَالْقَاعِدَة: هِيَ الأساس وَالْأَصْل لما فَوْقهَا، وَهِي تجمع فروعا من أَبْوَاب شَتَّى
وَالضَّابِط: يجمع فروعا من بَاب وَاحِد
الْقَوْم: هُوَ اسْم لجَماعَة الرِّجَال لأَنهم القوامون بِأُمُور النِّسَاء وَاللَّفْظ مُفْرد بِدَلِيل أَنه يثنى وَيجمع ويوحد الضَّمِير الْعَائِد إِلَيْهِ أَو جمع لَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه، وواحده (امْرُؤ) (وَهُوَ فِي الأَصْل جمع قَائِم، كَصَوْم، وزور، وزوم، فِي جمع صَائِم، وزائر، وزائم)
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل " هُوَ مُخْتَصّ بِجَمَاعَة الرِّجَال لِأَنَّهُ إِمَّا مصدر نعت بِهِ فشاع فِي الْجمع، أَو جمع (قَائِم) ، كزور، وزائر
وَالْقَوْم: مُؤَنّثَة وَلذَلِك تصغر على قويمة
وقوام الرجل: قامته وَحسن طوله
وقوام الْأَمر، بِالْكَسْرِ: نظامه وعماده وملاكه الَّذِي يقوم بِهِ
{وَكَانَ بَين ذَلِك قواما} ، بِالْفَتْح: أَي وسطا وعدلا(1/728)
(وَقَامَ لَهُ، وَإِلَيْهِ، وَعنهُ، وَبِه نتضمن كل صلَة بِمَعْنى يُنَاسِبهَا
وَقَامَ الْحق: ظهر وَثَبت
وَقَامَ فِي الصَّلَاة: شرع فِيهَا
وَقَامَ عَلَيْهِ: راقبه)
الْقبْلَة، لُغَة: الْجِهَة وَعرفا: مَا يصلى إِلَى نَحْوهَا من الأَرْض السَّابِعَة إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة مِمَّا يُحَاذِي الْكَعْبَة [وَقد أَمر الله تَعَالَى بِالتَّحَرِّي حَتَّى يصلى إِلَى الْمشرق وَالْمغْرب واليمن وَالشَّام عِنْد اخْتِلَاف الْأَحْوَال ليندفع وهم تحيزه فِي جِهَة فَيصير ذَلِك دَلِيلا لمن عرفه أَنه لَيْسَ بِجِهَة منا]
والجهة قبْلَة كَالْعَيْنِ تعرف بِأحد الدَّلِيلَيْنِ: الأول: المحاريب المنصوبة بِإِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ
وَالثَّانِي: السُّؤَال عَن أهل ذَلِك الْموضع وَلَو وَاحِد فَاسِقًا إِذا ظن صدقه وَعند فقد هذَيْن النُّجُوم، وَعند فقد هَذِه الْأُمُور التَّحَرِّي، وَلَا بَأْس بانحراف لَا يزِيل الْمُقَابلَة بِالْكُلِّيَّةِ بِأَن يبْقى شَيْء من سطح الْوَجْه مسامتا للكعبة كَمَا قَالَ صَاحب " التَّحْقِيق "
واستقبال أهل الْكتاب لقبلتهم لم يكن من جِهَة والحي والتوقيف من الله، بل كَانَ عَن مشورة مِنْهُم واجتهاد
والقبلة: بِالضَّمِّ: التَّقْبِيل، وَهِي خمس قبْلَة تَحِيَّة: كتقبيل بَعْضنَا على الْيَد
وَرَحْمَة: كتقبيل الْوَالِد وَلَده على الخد
وشفقة: كتقبيل الْوَلَد أَبَاهُ عَلَيْهِمَا
ومودة: كتقبيل الْأَخ أَخَاهُ على الْجَبْهَة
وشهوة: كتقبيل الزَّوْج زوجه على الْفَم
وَمن الْقبْلَة قبْلَة الدّيانَة كتقبيل الْحجر الْأسود والمصحف
الْقرن، بِالْفَتْح: فِي السن
وبالكسر: فِي الْحَرْب وَنَحْوه
وبالتحريك: الطَّرِيق
والقرن، بِالْفَتْح أَيْضا: إِمَّا غُدَّة غَلِيظَة أَو لحْمَة مُرْتَفعَة، أَو عظم يمْنَع من سلوك الذّكر فِي الْفرج
وَامْرَأَة قرناء: أَي بهَا ذَلِك
والرتقاء: من لَيْسَ لَهَا خرق إِلَّا المبال فَلَا يُسْتَطَاع جِمَاعهَا لارتتاق ذَلِك الْموضع أَي لانسداده
والفتق، بِالتَّحْرِيكِ: ضيق الْفرج خلقَة بِحَيْثُ لَا يدْخل الذّكر فِيهِ
(والقرن، بِالْفَتْح والسكون: مُدَّة من النِّهَايَة، وَهِي ثَمَانُون سنة، أَو أهل زمَان وَاحِد)
الْقَتْل: هُوَ إِزَالَة الرّوح عَن الْجَسَد كالموت لَكِن إِذا اعْتبر بِفعل الْمُتَوَلِي لذَلِك يُقَال: قتل، وَإِذا اعْتبر بفوت الْحَيَاة يُقَال: موت
وَقَتله: أَمَاتَهُ
و [قتل] الشَّرَاب: مزجه بِالْمَاءِ
واقتتل، بِالضَّمِّ: إِذا قَتله الْعِشْق أَو الْجِنّ و {قتل الْإِنْسَان مَا أكفره} : أَي لعن
و {قَاتلهم الله أَنى يؤفكون} : أَي لعنهم
وَقَول الْعَرَب: (قَاتله الله مَا أشعره) ظَاهره يُخَالف(1/729)
مَعْنَاهُ إِذْ المُرَاد الْمَدْح لَا وُقُوع الْقَتْل فَكَأَنَّهُ بلغ فِيهِ مبلغا يحِق أَن يحْسد، وَيَدْعُو عَلَيْهِ حاسده بذلك وَقد نظمت فِيهِ:
(إِن رقيبي لَهُ صَاحب ... مسترق سمع مَا أخبرهُ)
(أشعر مَا سرني شَأْنه ... قَاتله الله مَا أشعره)
والخرق: قطع الشَّيْء على سَبِيل الْفساد من غير تفكر وَلَا تدبر قَالَ تَعَالَى: {أخرقتها لتغرق أَهلهَا} ، و {لن تخرق الأَرْض} : أَي لن تقطع، أَو لن تثقب الأَرْض إِلَى الْجَانِب الآخر اعْتِبَارا بالخرق فِي الْأذن
وَالْقطع: فصل الْجِسْم بنفوذ جسم آخر فِيهِ فَيحْتَاج إِلَى آلَة نفاذة فاصلة بالنفوذ [ {وقطعن أَيْدِيهنَّ} : جرحن
وَالْكَسْر: فصل الْجِسْم الصلب بِدفع دَافع قوي من غير نُفُوذ حجمه فِيهِ
والقصم، بِالْقَافِ: كسر الشَّيْء من طوله
وبالفاء: قطع الشَّيْء المستدير
وَقيل: ذُو الْفَاء كسر بِلَا إبانة، وَذُو الْقَاف كسر بإبانة وَنفي الأول أبلغ من نفي الثَّانِي، كَمَا أَن إِثْبَات الثَّانِي أبلغ من إِثْبَات الأول
والقط: عَام أَو الشق عرضا، أَو قطع الشَّيْء الصلب
وَالْقد: الْقطع المستأصل، أَو المستطيل، أَو الشق طولا
والطعن: الْقَتْل بِالرُّمْحِ
والوخز: طعن بِلَا نَفاذ
الْقُرْء: هُوَ لفظ مُشْتَرك بَين الْحيض وَالطُّهْر بِإِجْمَاع أهل اللُّغَة فالقرء عِنْد أهل الْحجاز: الطُّهْر وَعند أهل الْعرَاق: الْحيض وكل قد أصَاب، لِأَن الْقُرْء خُرُوج من شَيْء إِلَى شَيْء، فخروج من الْقُرْء الْحيض إِلَى الطُّهْر، وَمن الْقُرْء الطُّهْر إِلَى الْحيض، هَذَا قَول أبي عُبَيْدَة
وَقَالَ غَيره: الْقُرْء: الْوَقْت يُقَال: رَجَعَ فلَان لقرئه: أَي لوقته الَّذِي كَانَ يرجع فِيهِ فالحيض يَأْتِي لوقت، وَالطُّهْر يَأْتِي لوقت وَقَالَ ابْن السّكيت: الْقُرْء: الطُّهْر وَالْحيض وَهُوَ من الأضداد، وَإِنَّمَا أطلق على كل وَاحِد مِنْهُمَا، لِأَن كل اسْم مَوْضُوع لمعنيين مَعًا يُطلق على كل وَاحِد مِنْهُمَا كالمائدة للخوان وَالطَّعَام، ثمَّ قد يُسمى كل وَاحِد مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ بالمائدة وَلَيْسَ الْقُرْء اسْما للطهر مُجَردا، وَلَا للْحيض مُجَردا بِدلَالَة أَن الطَّاهِر الَّتِي لم تَرَ الدَّم لَا يُقَال لَهَا ذَات قُرُوء، وَكَذَا الْحَائِض الَّتِي اسْتمرّ بهَا الدَّم وَقد ورد الشَّرْع فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لامْرَأَة: " دعِي الصَّلَاة يَوْم قرئك ": أَي حيضك، وَقَالَ لعبد الله بن عمر: " من السّنة أَن تطلقها فِي كل قرء تطليقه " أَي: فِي كل طهر
قَالَ أَبُو حنيفَة: المُرَاد من الْقُرْء فِي قَوْله تَعَالَى: {ثَلَاثَة قُرُوء} : الْحيض وَقَالَ الشَّافِعِي: الطُّهْر
وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " طَلَاق الْأمة تَطْلِيقَتَانِ، وعدتها حيضتان " صَرِيح فِي الْحيض(1/730)
وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ الطُّهْر كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي لبطل مُوجب الْخَاص، وَهُوَ ثَلَاثَة لِأَن الطَّلَاق لمسنون هُوَ الَّذِي يكون فِي حَالَة الطُّهْر، فَإِذا طَلقهَا فِيهِ يلْزم أَن لَا يجب عَلَيْهَا التَّرَبُّص ثَلَاثَة أطهار إِجْمَاعًا، لِأَن الطُّهْر الَّذِي وَقع فِيهِ الطَّلَاق مَحْسُوب عِنْد من قَالَ المُرَاد بِهِ الطُّهْر، فَحِينَئِذٍ تَنْقَضِي الْعدة بباقي ذَلِك الطُّهْر وطهرين آخَرين فينقص مُوجب الْعدَد عَن الثَّلَاث، وَذَا لَا يجوز لِأَن فِيهِ إبِْطَال مُوجب الْخَاص بِخِلَاف مَا لَو حملناه على الْحيض لِأَنَّهُ يجب التَّرَبُّص بِثَلَاثَة قُرُوء كوامل
والقروء: جمع الطُّهْر
والأقراء جمع الْحيض
[الْقيام: جمع (قَائِم) مصدر (قُمْت)
وَقيام الْأَمر وقوامه: مَا يقوم الْأَمر بِهِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما}
أَي: قواما]
الْقيام: قَامَ عَنهُ، وَله، وَبِه، وَإِلَيْهِ وَيسْتَعْمل بِغَيْر صلَة، وتختلف الْمعَانِي باخْتلَاف الصلات لتضمن كل صلَة معنى يُنَاسِبه، يُقَال: قَائِم بِالْأَمر إِذا تكفل بِهِ وَحفظه [واجتهد فِي تَحْصِيله وتجلد فِيهِ بِلَا توان وَحَقِيقَته: قَامَ ملتبسا بِالْأَمر وَالْقِيَام لَهُ يدل على الاعتناء بِشَأْنِهِ وَيلْزمهُ التجلد والتشمر فَأطلق الْقيام على لَازمه وَمِنْه: (قَامَت الْحَرْب على سَاقهَا) إِذا التحمت واشتدت كَأَنَّهَا قَامَت وتشمرت لسلب الْأَرْوَاح وتخريب الْأَبدَان
وَقَامَ كَذَا: إِذا دَامَ
وَقَامَ فِي الصَّلَاة: شرع فِيهَا
وَقَامَ عَلَيْهِ: راقبه
وَقَامَ الْحق: ظهر وَثَبت]
وَالْقِيَام بِمَعْنى الانتصاب لَا يتَعَدَّى بإلى
وَقَامَ إِلَيْهِ: توجه وَقصد نَحْو: {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} وَزِيَادَة إِلَى التضمن معنى الِانْتِهَاء أَي: الْقَصْد المنتهي إِلَى الشُّرُوع فِي الصَّلَاة كَمَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي إِيجَاب الْوضُوء لَا مُطلق الْقَصْد إِلَيْهَا حَتَّى لَا يجب الْوضُوء على من قصد النَّافِلَة وَلم يصل
[وَالْقِيَام بِمَعْنى الْحُصُول فِي الْخَارِج شَائِع الِاسْتِعْمَال وَمِنْه: القيوم وَهُوَ الْحَاصِل بِنَفسِهِ المحصل بِغَيْرِهِ، وَمِنْه القوام لما يُقَام بِهِ الشَّيْء أَي يحصل
والاقامة: إفعال من (الْقيام) والهمزة للتعدية
فَمَعْنَى (أَقَامَ الشَّيْء) جعله قَائِما أَي منتصبا ثمَّ قيل: أَقَامَ الْعود إِذا قومه أَي: سواهُ وأزال اعوجاجه فَصَارَ قويما يشبه الْقيام وتستعار الْإِقَامَة من تَسْوِيَة الْأَجْسَام الَّتِي صَارَت حَقِيقَة فِيهَا لتسوية الْمعَانِي كتعديل أَرْكَان الصَّلَاة على مَا هُوَ حَقّهَا]
وَقَوله تَعَالَى: {قَائِم وحصيد} من الْقيام بالتسخير
وَقَوله: {أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا} من الْقيام الَّذِي هُوَ بِالِاخْتِيَارِ
وَقَوله: {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ} ، (قَائِما(1/731)
بِالْقِسْطِ} من الْقيام الَّذِي هُوَ المراعاة للشَّيْء وَالْحِفْظ لَهُ
وَقَوله: {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} من الْقيام الَّذِي هُوَ الْعَزْم على الشَّيْء
وَالْقِيَام بالشَّيْء أَعم من الافتقار إِلَيْهِ فَإِن الشَّيْء قد يكون قَائِما بالشَّيْء وَهُوَ مفتقر إِلَيْهِ فِي وجوده افتقار تَقْوِيم، كافتقار الْأَعْرَاض إِلَى موضوعاتها
وَقد يكون قَائِما بِهِ وَهُوَ غير مفتقر إِلَيْهِ افتقار تَقْوِيم، وَذَلِكَ كَمَا يَقُول الفيلسوف فِي الصُّورَة الجوهرية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْموَاد، وَهِي لَيست بأعراض وَلَا لَهَا خَصَائِص الْأَعْرَاض
وَالْقِيَام فِي التمليكات دَلِيل على الْأَعْرَاض بِخِلَاف الْقيام فِي سَجْدَة التِّلَاوَة
وقيما أبلغ من الْقَائِم والمستقيم بِاعْتِبَار الزنة، والمستقيم أبلغ بِاعْتِبَار الصِّيغَة
[والقيوم: الْقَائِم الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول
والقيم أبلغ من الْمُسْتَقيم بِاعْتِبَار الزنة والمستقيم أبلغ مِنْهُ بِاعْتِبَار الصِّيغَة لِأَنَّهُ نَص فِي الاسْتقَامَة
وَالْقِيَام وَالْقِيَامَة، كالطلاب والطلابة وَهِي قيام النَّاس من الْقُبُور أَو الْحساب]
الْقلَّة، بِالْكَسْرِ: ضد الْكَثْرَة وَقد يُرَاد بهَا الْعَدَم وَالنَّفْي كَمَا فِي قَوْلهم: (أقل الرجل يَقُول كَذَا، وَقَلِيل من الرِّجَال يَقُول ذَلِك، وقليلة من النِّسَاء) ، أَي: لَا يَقُول بِهِ أحد وَهَذَا من المبتدآت الَّتِي لَا خبر لَهَا، وَمِنْه قَوْلهم: (حَسبك وكل رجل وضيعته) على أحد الْوَجْهَيْنِ
{وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} أَي علما قَلِيلا، أَو الْعلم إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم
{قَلِيلا مَا تؤمنون} : تؤمنون إِيمَانًا قَلِيلا
و {قَلِيلا مَا تشكرون} : أَي لم تشكروا لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا على أَن (مَا) نَافِيَة وَقيل (مَا) مزيدة للتَّأْكِيد لَا نَافِيَة لِأَن مَا فِي حيزها لَا يتقدمها، وَجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة، على أَن (قَلِيلا) مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَيجوز أَن تكون الْمُبَالغَة فِي الْقلَّة كِنَايَة عَن الْعَدَم بِنَاء على أَن الْقَلِيل إِذا بولغ فِيهِ يستتبعه الْعَدَم، وَحِينَئِذٍ يجوز أَن يكون الانتصاب على الظَّرْفِيَّة
وقلما: يسْتَعْمل لمعنيين أَحدهمَا: النَّفْي الصّرْف
وَثَانِيهمَا: إِثْبَات الشَّيْء الْقَلِيل
الْقبُول: هُوَ عبارَة عَن ترَتّب الْمَقْصُود على الطَّاعَة والإجابة أَعم فَإِنَّهُ عبارَة عَن قطع سُؤال السَّائِل وَالْقطع قد يكون بترتب الْمَقْصُود بالسؤال، وَقد يكون بِمثل سَمِعت سؤالك وَأَنا أَقْْضِي حَاجَتك
وَالْقَبُول وَإِن كَانَ أخص من الصِّحَّة وَالْجَوَاز إِلَّا أَنه قد يذكر وَيُرَاد بِهِ الصِّحَّة وَالْجَوَاز مجَازًا، إِذْ كل جَائِز صَحِيح لَا يكون مَقْبُولًا، وكل مَقْبُول لَا يكون جَائِزا وصحيحا وَإِذا قلت لغيرك: وَهبتك هَذَا الشَّيْء فَقَالَ: قبلت سمي قبولا، وَإِذا قبض يُسمى تقبلا
وَقبل على الشَّيْء وَأَقْبل: لزمَه وَأخذ فِيهِ
وقابله: واجهه
وقبالته، بِالضَّمِّ: تجاهه
ولي قبله بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء: أَي عِنْده
وَالْقَبُول: هُوَ أَن تقبل الْعَفو، وَغَيره اسْم للمصدر(1/732)
وريح الصِّبَا تسمى الْقبُول لِأَنَّهَا تقَابل الدبور، أَو لِأَنَّهَا تسْتَقْبل بَاب الْكَعْبَة، أَو لِأَن النَّفس تقبلهَا
القافية: هِيَ لُغَة تطلق على القصيدة من (قَفَوْت أَثَره) إِذا تَبعته، فَحِينَئِذٍ تكون (فاعلة) بِمَعْنى (مفعولة) ك {من مَاء دافق}
وَاصْطِلَاحا على مَذْهَب الْخَلِيل: أَنَّهَا من آخر حرف فِي الْبَيْت إِلَى أول سَاكن يَلِيهِ مَعَ حَرَكَة الْحَرْف الَّذِي قبله، وَهُوَ الْأَصَح
والتأنيث، وَإِن كَانَ الروي أَو الْحَرْف مذكرا، لحروف المعجم إِذْ كلهَا مُؤَنّثَة
الْقسْط، بِالْكَسْرِ: الْعدْل، وبالضم: الْجور
والقسطاس: قد يسْتَعْمل بِمَعْرِِفَة الْمِقْدَار، وَقد يسْتَعْمل للِاحْتِرَاز عَن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان
وَالْعدْل يشبه بِهِ فِي الثَّانِي
القرف: قرف الذَّنب واقترفه: عمله
وقارف الذَّنب وَغَيره: داناه ولاصقه
وقرفه بِكَذَا: أَضَافَهُ إِلَيْهِ واتهمه بِهِ
وقارف امْرَأَته: جَامعهَا
سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَرض وبئة فَقَالَ: " دعها فَإِن من القرف التّلف " أَي من مداناة الْمَرَض الْهَلَاك وَهَذَا من بَاب الطِّبّ لَا من بَاب الْعَدْوى، فَإِن استصلاح الْهَوَاء من أعون الْأَشْيَاء على صِحَة الْبدن
القر بِالضَّمِّ: الْبرد وَهُوَ أَيْضا: الْقَرار {وقري عينا} مُشْتَقّ من الْقَرار، فَإِن الْعين إِذا رَأَتْ مَا يسر النَّفس سكنت إِلَيْهِ من النّظر إِلَى غَيره أَو من القر وَهُوَ الْبرد، فَإِن دمعة السرُور بَارِدَة لانصبابها من الدِّمَاغ، كَمَا أَن دمعة الْحزن حارة لصعودها من الرئة، وَلذَلِك يُقَال: (قُرَّة الْعين) للمحبوب، وسخنتها للمكروه
وقررت بِهِ عينا، كعلمت وقررت فِي الْمَكَان، كضربت: أقرّ فيهمَا
الْقدح، كالذهب: وَاحِد الأقداح الَّتِي للشُّرْب
و [الْقدح] ، كالفسق: هُوَ السهْم قبل أَن يراش ويركب نصله
والقدح الْمُعَلَّى: سَابِع سِهَام الميسر وَهُوَ أوفر السِّهَام نَصِيبا
القنطار: هُوَ من المَال مِقْدَار مَا فِيهِ عبور الْحَيَاة تَشْبِيها بالقنطرة، وَذَلِكَ غير مَحْدُود الْقدر فِي نَفسه، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْإِضَافَة كالغنى، فَرب إِنْسَان يَسْتَغْنِي بِالْقَلِيلِ، وَآخر لَا يَسْتَغْنِي بالكثير، وَمن هُنَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي حَده كَمَا فِي حد الْغنى
الْقرح: [هُوَ حَيْثُ جَاءَ فِي الْقُرْآن قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأبي بكر بِالضَّمِّ وَآخَرُونَ بِالْفَتْح، وهما لُغَتَانِ ك (الْجهد والجهد) وَقيل] بِالْفَتْح: الْأَثر من الْجراحَة من شَيْء يُصِيبهُ من خَارج وبالضم: أَثَرهَا من دَاخل وَقَالَ [الْفراء] بِالْفَتْح للجراحة، وبالضم لوجعها
والقريحة: الْبِئْر أول مَا تحفر وَلَا تسمى قريحة حَتَّى يظْهر مَاؤُهَا، وإطلاقها على الطبيعة بطرِيق الِاسْتِعَارَة
القربان: اسْم لما يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى من ذبحة أَو غَيرهَا على مَا قيل أَن قابيل قرب أردأ(1/733)
قَمح، وهابيل جملا سمينا
القنا: هُوَ أحديداب فِي الْأنف، وَمِنْه رجل أقنى، وَقيل: هُوَ طول الْأنف ودقة أرنبته
والقناة: مجْرى المَاء، ورمح غير ذِي زج
الْقنية: هِيَ اسْم لما يقتنى أَي: يدّخر ويتخذ رَأس مَال زِيَادَة على الْكِفَايَة
القيراط، والقراط، بِالْكَسْرِ فيهمَا: مُخْتَلف وَزنه بِحَسب الْبِلَاد، فبمكة ربع سدس دِينَار، وبالعراق نصف عشرَة
الْقود، بِالسُّكُونِ: هُوَ نقيض السُّوق، وَهُوَ من أَمَام، وَذَلِكَ من خلف، وبالتحريك: الْقصاص
الْقَرِينَة: هِيَ مَا يُوضح عَن المُرَاد لَا بِالْوَضْعِ تُؤْخَذ من لَاحق الْكَلَام الدَّال عى خُصُوص الْمَقْصُود أَو سابقه
القرع: المساس بعنف
والقلع: التَّفْرِيق بعنف
الْقِصَّة: هِيَ الْأَمر وَالْخَبَر
وقصصت الحَدِيث: رويته على وَجهه و {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص} : أَي نبين لَك أحسن الْبَيَان وقص عَلَيْهِ الْخَبَر قصصا بِالْفَتْح
والقصص بِالْكَسْرِ: اسْم جمع الْقِصَّة
القضم: الْأكل بأطراف الْأَسْنَان
والخضم: الْأكل بِجَمِيعِ الْفَم [وَيُقَال: كل شَيْء صلب يقضم، وكل شَيْء لين يخضم] وَنَحْوهمَا الْقَبْض والقبص بالصَّاد الْمُهْملَة فَإِن الأول للأخذ بِجَمِيعِ الْكَفّ، وَالثَّانِي للأخذ بأطراف الْأَصَابِع
القط، بِالْكَسْرِ صحيفَة الْجَائِزَة، وَخط الْحساب أَيْضا، وَقد فسر بهما قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا عجل لنا قطنا}
القانون: هُوَ كلمة سريانية بِمَعْنى المسطرة، ثمَّ نقل إِلَى الْقَضِيَّة الْكُلية من حَيْثُ يسْتَخْرج بهَا أَحْكَام جزئيات الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِيهَا وَتسَمى تِلْكَ الْقَضِيَّة أصلا وَقَاعِدَة، وَتلك الْأَحْكَام فروعا، واستخراجها من ذَلِك الأَصْل تَفْرِيعا [ثمَّ المسطر يحْتَمل مسطر الْجَدْوَل وَالْكِتَابَة وَهَذَا مَا هُوَ الْمَشْهُور بَين متأخري أَرْبَاب الْمنطق وبخلافه صرح الْمعلم الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: كَانَ القدماء يسمون كل آلَة عملت لامتحان مَا عَسى أَن يكون الْحس قد غلط فِيهِ من جسم أَو كَيْفيَّة أَو غير ذَلِك مثل الشاقور والبركار والمسطر والموازين قوانين ويسمونه أَيْضا جَوَامِع الْحساب، وجداول النُّجُوم قوانين، والكتب المختصرة الَّتِي جعلت تذاكير لكتب طَوِيلَة قوانين إِذا كَانَت أَشْيَاء قَليلَة الْعدَد تحصر أَشْيَاء كَثِيرَة وَيكون بعلمنا وحفظنا إِيَّاهَا قد علمنَا أَشْيَاء كَثِيرَة الْعدَد]
الْقُنُوت: الْقيام، وَالسُّكُوت، وَالدُّعَاء، وَالطَّاعَة وَكلهَا مُنَاسِب لِمَعْنى الصَّلَاة [قَالَ زيد بن الأرقم: كُنَّا نتكلم فِي الصَّلَاة حَتَّى نزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فأمسكنا عَن الْكَلَام](1/734)
الْقرْيَة: الْأَبْنِيَة الَّتِي تجمع النَّاس، من قَوْلهم: قريت المَاء فِي الْحَوْض إِذا جمعته فِي " الْقَامُوس ": الْمصر الْجَامِع [فِي الْعرف: الكورة كالبلدة، والقرية اسْم للعمران، وَأما فرغانة وَسعد وتركستان وفام وخراسان فَإِنَّهَا اسْم لولاية حَتَّى لَو حلف لَا يدخلهَا فَدخل قَرْيَة من قراها حنث، وَفِي بُخَارى اخْتِلَاف، وَالْفَتْوَى فِي زَمَاننَا على أَنه اسْم للعمران]
وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {واسأل الْقرْيَة} إِن الْقرْيَة هُنَا الْقَوْم أنفسهم وعَلى هَذَا {قَرْيَة كَانَت آمِنَة مطمئنة}
وَأما الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى} ، و {من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا} فَهِيَ اسْم للمدينة
والقصبة: الْمَدِينَة أَو مُعظم المدن
والقرية والبلدة كِلَاهُمَا اسْم لما هُوَ دَاخل الربض وقوى الْحجاز لَا تَنْصَرِف، وقرى السوَاد تَنْصَرِف، وَصرف الْمصر بِسُكُون وَسطه كنوح أَو على تَأْوِيل الْبَلَد
القوصرة، بتَشْديد الرَّاء: وعَاء التَّمْر يتَّخذ من قصب سمي بهَا مَا دَامَ فِيهَا تمر، وَإِلَّا يُقَال زنبيل
قد: كلمة (قد) تثبت المتوقع، كَمَا أَن (لما) تنفيه وتدل على ثباته إِذا دخل على الْمَاضِي وَلذَلِك تقربه من الْحَال وَلها سِتَّة معَان: التوقع نَحْو: يقدم الْغَائِب وَالْيَوْم
وتقريب الْمَاضِي من الْحَال نَحْو: قد قَامَ زيد
وَالتَّحْقِيق نَحْو: {قد أَفْلح من زكاها}
وَالنَّفْي نَحْو: قد كنت فِي خير فتعرفه
بِنصب (تعرفه)
والتقليل نَحْو: قد يصدق الكذوب
والتكثير نَحْو قَوْله: قد أترك الْقرن مصفرا أنامله
قد: الَّتِي للتحقيق تدخل على الْمُضَارع وعَلى الْمَاضِي وَكَذَا حَيْثُ جَاءَت بعد اللَّام
وَالَّتِي للتقريب تخْتَص بالماضي، وَلذَلِك يحسن وُقُوع الْمَاضِي موقع الْحَال إِذا كَانَ مَعَه (قد)
وَالَّتِي للتقليل تخْتَص بالمضارع سَوَاء كَانَ لتقليل وُقُوع الْفِعْل نَحْو: (قد يصدق الكذوب) أَو لتقليل مُتَعَلّقه نَحْو: {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} : أَي أَن مَا هم عَلَيْهِ أقل مَعْلُومَات الله تَعَالَى
وَفِي (قد قَامَت الصَّلَاة) ثَلَاثَة معَان مجتمعة: التَّحْقِيق، والتوقع والتقريب وَقد يكون مَعَ التَّحْقِيق التَّقْرِيب من غير توقع، كَمَا تَقول: (قد ركب زيد) ، لمن يتَوَقَّع ركُوبه
وَقد تستعار (قد) للتكثير لمجانسة بَين الضدين، كَمَا أَنهم يعْملُونَ مثل ذَلِك فِي (رب)
وَلَفْظَة (قد) لَا تدل ظَاهرا على تبعيض الْأَفْرَاد لَكِنَّهَا لَيست مَخْصُوصَة بِبَعْض الْأَوْقَات، بل قد تكون لتبعيض الْمَقَادِير أَيْضا، وَرُبمَا يلْزم مِنْهُ(1/735)
جزئية الحكم كَمَا فِي قَوْلك: (الْحَيَوَان قد يكون إنْسَانا)
وَوُجُوب (قد) فِي الْمَاضِي الْمُثبت الْوَاقِع حَالا إِذا لم يكن بعد (إِلَّا) ، وَإِلَّا فالاكتفاء بالضمير وَحده بِدُونِ (قد) وَالْوَاو أَكثر لِأَن الْأَغْلَب فِي (إِلَّا) أَن تدخل على الِاسْم، وَلَفْظَة (قد) لَا تدخل عَلَيْهِ
[وَذكر الحديثي أَن (قد) إِنَّمَا تجب فِي الْمَاضِي الْمُثبت الْوَاقِع حَالا إِذا لم تُوجد الْوَاو فِيهِ، وَبَين فِي علم الْمعَانِي أَن تصدير الْمَاضِي الْمُثبت بِلَفْظ (قد) لمُجَرّد اسْتِحْسَان لَفْظِي]
و (قد) اسْم فعل مرادفة ليكفي نَحْو: (قدني دِرْهَم) ، (وَقد زيدا دِرْهَم) أَي: يَكْفِي وَاسم مرادف لحسب وتستعمل مَبْنِيَّة غَالِبا نَحْو: (قد زيد دِرْهَم) ، بِالسُّكُونِ ومعربة نَحْو: (قد زيد) بِالرَّفْع
وحرفية (قد) مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرف الخبري الْمُثبت الْمُجَرّد من جازم وناصب وحرف تَنْفِيس
قبل: هِيَ فِي الأَصْل من قبيل أَلْفَاظ الْجِهَات السِّت الْمَوْضُوعَة لأمكنة مُبْهمَة، ثمَّ استعيرت لزمان مُبْهَم سَابق على زمَان مَا أضيفت هِيَ إِلَيْهِ للمشابهة بَينه وَبَين مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ، أَعنِي الْمَكَان الْمُبْهم الَّذِي يُقَابل جِهَة (قُدَّام) الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي الْإِبْهَام، وَوُجُود معنى التَّقَدُّم وَوُقُوع الْفِعْل فيهمَا، فَكَمَا أَنَّهَا تعم جَمِيع الْأَمْكِنَة الَّتِي تقَابل تِلْكَ الْجِهَة إِلَى انْقِطَاع الأَرْض بِحَسب مَعْنَاهَا الأول الْمُسْتَعَار مِنْهُ، كَذَلِك تعم جَمِيع الْأَزْمِنَة السَّابِقَة على زمَان الْمُضَاف إِلَيْهِ بِحَسب مَعْنَاهَا الثَّانِي الْمُسْتَعَار لَهُ
والقبلية والبعدية من المفعولات الثَّانِيَة
والقبلية الزمانية: عبارَة عَن تحقق الشَّيْء فِي زمَان لَا يتَحَقَّق فِيهِ الآخر، وَذَلِكَ أَعم من أَن لَا يتَحَقَّق ذَلِك الآخر أصلا، أَو يتَحَقَّق وَلَكِن لَا فِي ذَلِك الزَّمَان بل فِي زمَان لَاحق
[وقبلية الْوَاحِد على الِاثْنَيْنِ قبلية يجوز مَعهَا اجْتِمَاع الْقبل مَعَ الْبعد وَلَيْسَ قبلية الْقبل فِي الْحَادِث كقبلية الْوَاحِد فَإِن الْحَادِث مَعْدُوم فِي الْقبل مَوْجُود فِي الْبعد، وَلَو اجْتمعَا لاجتمع وجوده وَعَدَمه فَلَا بُد لَهَا من معروض تعرض هِيَ لَهُ لذاته دفعا للتسلسل]
وَقبل فِي قَوْلهم: الْمَاضِي هُوَ الزَّمَان الَّذِي قبل زمَان تكلمك لَو قرئَ بِضَم اللَّام لم يرد عَلَيْهِ أَنه ظرف زمَان فَيلْزم إِمَّا كَون الشَّيْء ظرفا لنَفسِهِ، أَو ثُبُوت زمَان آخر للزمان، وَهَذَا إِنَّمَا يتم لَو لم يكن (قبل) لَازم الظَّرْفِيَّة
و (قبل) مَقْرُونا بهاء الْكِنَايَة: وصف اللَّاحِق مثل: (جَاءَنِي زيد قبله عَمْرو) وَبِدُون الْهَاء وصف السَّابِق نَحْو: (جَاءَنِي زيد قبل عمر) وَهَكَذَا (بعد)
والقبلية الْمُطلقَة: لَا تتَوَقَّف على وجود مَا بعْدهَا حَتَّى لَو قَالَ: (أَنْت طَالِق قبل أَن تدخلي الدَّار) ، تنجز الطَّلَاق، دَلِيله قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} فَإِنَّهُ لَا يتَوَقَّف وُقُوع التَّحْرِير تكفيرا على وجود المماسة بِخِلَاف أَنْت طَالِق قبيل أَن أقْربك) حَيْثُ يتَعَلَّق الطَّلَاق بالقربان، لِأَن قبيل مُصَغرًا اسْم لساعة لَطِيفَة تتصل بالقربان وَلَا تعرف إِلَّا باتصاله بذلك الْفِعْل فَيصير موليا
والقبيل، كالعليم: الْخَيط الَّذِي يفتل إِلَى قُدَّام،(1/736)
والدبير: الْخَيط الَّذِي يفتل إِلَى خلف
والقبيل: من آبَاء مُخْتَلفَة
والقبيلة: بَنو أَب وَاحِد، والقبيل أَعم، والحي اسْم لمنزل الْقَبِيلَة، ثمَّ سميت الْقَبِيلَة بالحي لِأَن بَعضهم يحيا بِبَعْض
قطّ، مُشَدّدَة مجرورة: بِمَعْنى الدَّهْر مَخْصُوصَة بالماضي، أَي فِيمَا مضى من الزَّمَان أَو فِيمَا انْقَطع من الْعُمر، وَإِذا كَانَت بِمَعْنى حسب ف (قطّ) ك (عَن)
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ التَّشْدِيد من الظروف المبنية الْمَوْضُوعَة لنفي الْمَاضِي على طَرِيق الِاسْتِغْرَاق، كَمَا أَن عوض للمستقبل
وَرُبمَا تسْتَعْمل (قطّ) بِدُونِ النَّفْي نَحْو: (كنت أرَاهُ قطّ) أَي دَائِما وَفِي سنَن أبي دَاوُد (تَوَضَّأ ثَلَاثًا قطّ)
وقط مُفْرد بِاعْتِبَار اللَّفْظ، وَجُمْلَة بِاعْتِبَار الْمَعْنى وَقد تدخل عَلَيْهِ الْفَاء للتزيين فَكَأَنَّهُ جَوَاب شَرط مَحْذُوف
وَإِذا كَانَ (قطّ) اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي فتزاد نون الْوِقَايَة كَمَا فِي (قد) مَعَ ضمير الْمُتَكَلّم الْمَجْرُور
وَمعنى فَقَط: انته وَلَا تجاوزه عَنهُ إِلَى غَيره
قاطبة: من (قطب) إِذا جمع، يُرَاد بِهِ الْمصدر فَيكون بِمَعْنى المقطوب أَي الْمَجْمُوع، فَإِن الْمصدر يصلح للْجمع والفرد
والقطب، كالعنق: حَدِيدَة تَدور عَلَيْهَا الرَّحَى، أَو نجم تبنى عَلَيْهِ الْقبْلَة، وملاك الشَّيْء ومداره
وَسمي خِيَار النَّاس قطبا لِاجْتِمَاع خِيَار النَّاس فِيهِ وَلَا تسْتَعْمل قاطبة إِلَّا حَالا ك (أتيت ركضا) لِأَنَّهَا
لَزِمت النصب. وَمثلهَا (طَرَأَ) و (كَافَّة) فَلَا يُقَال: قاطبة النَّاس كَمَا لَا يُقَال: طر الْقَوْم، وكافة النَّاس
قطعا: هُوَ فِي مثل قَوْله (لِأَنَّهُ مُنْتَفٍ مِنْهُ قطعا) مَنْصُوب على الْمصدر أَي: انْتِفَاء قطعا بِمَعْنى ذَا قطع أَو قَطْعِيا، أَو قطع قطعا، أَو حَال من ضمير مُنْتَفٍ أَي: مَقْطُوعًا أَو على التَّمْيِيز أَي: بِحَسب الْقطع
قصوى: هِيَ تَأْنِيث الْأَقْصَى وَالْقِيَاس قلب الْوَاو كالدنيا والعليا تَفْرِقَة بَين الِاسْم وَالصّفة فجَاء على الأَصْل (كأعواد) فِي جمع (عيد) وَالْيَاء منقلبة عَن الْوَاو وَالْجمع كالتصغير يرد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا فَجمع بِالْيَاءِ فرقا بَينه وَبَين جمع (عود)
القرطاس: لَا يُقَال قرطاس إِلَّا إِذا كَانَ مَكْتُوبًا، وَإِلَّا فَهُوَ طرس وكاغد وَلَا يُقَال قلم إِلَّا إِذا بري، وَإِلَّا فَهُوَ أنبوب وَقد الغزت فِي الْقَلَم:
(وأبكم هندي قطعت لِسَانه ... فأفضح مَا قد أضمر البال والحشا)
(فَأصْبح يبكي بالصياح كَأَنَّهُ ... رَضِيع بِمَنْع الْأُم يبكي لما يشا)
(وَلَا عجب لَو أم شرقا وغربه ... شَبيه كَأُمّ شطري اسْم بِهِ نشا)
[نوع]
{قوامون} : أُمَرَاء
{فَإِذا قرأناه} : بَيناهُ(1/737)
{قانتات} : مطيعات
{قنوان دانية} : قصار النّخل اللاصقة عروقها بِالْأَرْضِ
{قبلا} : مُعَاينَة
{طرائق قددا} : مقطعَة فِي كل وَجه [أَو مُخْتَلفَة]
{الْقطع} : السَّحَاب
{لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم} : أَمرتهم
{فَخذهَا بِقُوَّة} : بجد وحزم
{بِالْقِسْطِ} : بِالْعَدْلِ
{عين الْقطر} : النّحاس
{وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} : أعلمنَا. {وَقضي} : أَمر. أَمر
{قاصفا} : عاصفا
{قيمًا} : عدلا
{قاعا} : خَالِيا
{قطنا} : الْعَذَاب
{الْقَوَاعِد} : اساس الْبَيْت
{الْقمل} : الْجَرَاد الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَجْنِحَة
{وقفينا على آثَارهم} : أتبعنا على آثَار الْأَنْبِيَاء
{قسورة} : من القسر وَهُوَ الْقَهْر، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْأسد بالحبشية
{قطنا} : كتَابنَا بالنبطية
{قِنْطَار} : عَن الْبَعْض انه فَارسي مُعرب
وَذكر الثعالبي أَنه بالرومية اثْنَا عشر ألف أُوقِيَّة، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه بلغَة البربر ألف مِثْقَال
{القيوم} : قَالَ الوَاسِطِيّ: هُوَ الَّذِي لَا ينَام بالسُّرْيَانيَّة
{قطمير} : الْجلْدَة الْبَيْضَاء الَّتِي تكون على النواة
{القانع} : الْمُتَعَفِّف
{المعتر} : السَّائِل
{قاب قوسين} : قدر قوسين أَو التَّقْدِير: قابي قَوس
{قَائِلُونَ} : نائمون نصف النَّهَار(1/738)
{عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد} : أَي حَافظ
{قترة} : غُبَار فِيهِ سَواد
{مَا قدرُوا الله حق قدره} : مَا عرفوه حق مَعْرفَته فِي الرَّحْمَة والإنعام على الْعباد
{قوامين بِالْقِسْطِ} : مواظبين على الْعدْل مجتهدين فِي إِقَامَته
{حَتَّى إِذا أقلت} : أَي حملت
{فقعوا لَهُ} : فَخَروا لَهُ
{وقري عينا} : وطيبي نَفسك
{بقبس} : بشعلة من النَّار
{فاقذفيه} : الْقَذْف يُقَال: للإلقاء والوضع، وَكَذَلِكَ الرَّمْي
{وَقُرْآن الْفجْر} : صَلَاة الصُّبْح
{وَالْمَلَائِكَة قبيلا} : كَفِيلا شَاهدا ضَامِنا
{قتورا} : بَخِيلًا
{كسراب بقيعة} : جمع قاع وَهُوَ الأَرْض المستوية
{قمطريرا} : فاشيا منتشرا غَايَة الانتشار
{قطوفها} : القطف هُوَ مَا يجتنى بِسُرْعَة
{قددا} : مُخْتَلفَة
{وأقوم قيلا} : أَسد مقَالا
{من القالين} : من المبغضين
{وأنزلنا من السَّمَاء مَاء بِقدر} : بِتَقْدِير يكثر نَفعه ويقل ضَرَره، أَو بِمِقْدَار مَا علمنَا من الْكِفَايَة فِي الْمصَالح والمعاش
{من بعد مَا أَصَابَهُم الْقرح} : كعض السِّلَاح وَنَحْوه مِمَّا يجرح الْبدن
{قست قُلُوبكُمْ} : يَبِسَتْ وصلبت
{قصيه} : اتبعي أَثَره حَتَّى تنظري من يَأْخُذهُ
{وَقرن فِي بيوتكن} : من الْوَقار، وَقرن بِالْفَتْح: من الْقَرار
{وقيله} : بِالْجَرِّ وَالنّصب: قسم أَو مصدر (قَالَ) مُقَدرا لَا عطف على لفظ السَّاعَة أَو محلهَا لما بَينهمَا من التباعد(1/739)
{وقفوهم} : احبسوهم
{كَانَت القاضية} : أَي القاطعة لأمري
{من قَوَارِير} : من زجاج
{وقيضنا} : وقدرنا
{وَهُوَ الْقوي} : الباهر الْقُوَّة
{فَإِذا قضيت الصَّلَاة} : أدّيت وَفرغ مِنْهَا
(ثمَّ جِئْت على قدر} : قدرَة لِأَن أُكَلِّمك [وأستنبئك غير مستقدم وقته الْمعِين وَلَا مستأخر] ، أَو على مِقْدَار من السن يُوحى فِيهِ إِلَى الْأَنْبِيَاء [وَهُوَ رَأس أَرْبَعِينَ]
{قطعت لَهُم ثِيَاب} : قدرت لَهُم على مقادير جثثهم
{فِي قَرَار مكين} : مُسْتَقر حُصَيْن يَعْنِي الرَّحِم
[ {ن والقلم} : هُوَ الَّذِي خطّ اللَّوْح أَو الَّذِي يخط بِهِ
{بالقارعة} : بالحالة الَّتِي تقرع النَّاس بالإفزاع والإجرام بالانفطار والانتشار
{يَا ليتها كَانَت القاضية} : أَي يَا لَيْت الْميتَة الَّتِي متها قَاطِعَة لأمري فَلم أبْعث بعْدهَا
{كفرُوا قبلك} : حولك
{قَوَارِير من فضَّة} : أَي تكونت جَامِعَة بَين صفاء الزجاجة وشفيفها وَبَيَاض الْفضة ولينها
{إِلَى قدر مَعْلُوم} : من الْوَقْت قدره الله للولادة
{قدروها تَقْديرا} : أَي قدروها فِي أنفسهم فَجَاءَت مقاديرها وأشكالها كَمَا تمنوا وَأَنا فَوْقهم
{قاهرون} : غالبون
{وقطعناهم فِي الأَرْض أمما} : وفرقناهم فِيهَا
{ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا} : أزلناه
{على الموسع قدره} : أَي إِمْكَانه وطاقته، وَالْفَتْح والسكون لُغَتَانِ
{أهل هَذِه الْقرْيَة} : سدوم
{قصمنا} : أهلكنا
{ق} : مجازها مجَاز سَائِر حُرُوف الهجاء فِي أَوَائِل السُّور
{قرح} : وقرح: هما جراح وَقيل بِالْفَتْح الْجراح وبالضم ألم جراح(1/740)
{قاسمهما} : حلف لَهما
{قَارِعَة} : داهية
{القانطين} : يائسين
{قصيا} : بَعيدا
{بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا} : أَي لَا طَاقَة لَهُم بهَا
{بالقسطاس} : ميزَان بلغَة الرّوم عرب وَلَا يقْدَح ذَلِك فِي عَرَبِيَّة الْقُرْآن، لِأَن العجمي إِذا استعملته الْعَرَب وأجرته مجْرى كَلَامهم فِي الْإِعْرَاب والتعريف والتنكير وَنَحْوهَا صَار عَرَبيا
{قطعا من اللَّيْل} : بتسكين الطَّاء اسْم مَا قطع، وبفتح الطَّاء جمع قِطْعَة
{وقرونا} : وَأهل أعصار
{قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} : تَقْديرا أَو مِقْدَارًا أَو أَََجَلًا
{علم بالقلم} : أَي الْخط بالقلم
{فَإِذا قرأناه} : بِلِسَان سيدنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْك
{فَاتبع قرآنه} : قِرَاءَته
{فِي قرطاس} : ورق
{وَهُوَ الْقوي} : الباهر الْقُدْرَة]
(فصل الْكَاف)
[الْكَنْز] : كل كنز فِي الْقُرْآن فَهُوَ مَال إِلَّا فِي " الْكَهْف " فَإِن المُرَاد هُنَاكَ صحيفَة علم
كل مَال أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز وَإِن كَانَ مَدْفُونا
وكل مَال لم تُؤَد زَكَاته فَهُوَ كنز وَإِن كَانَ ظَاهرا
[كَاد] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن (كَادُوا) ، و (كَاد) و (يكَاد) فَإِنَّهُ لَا يكون أبدأ، وَقيل: إِنَّهَا تفِيد الدّلَالَة على وُقُوع الْفِعْل بعسر
[الكفور] : كل مَا فِي الْقُرْآن {وَكَانَ الْإِنْسَان كفورا} يَعْنِي بِهِ الْكفَّار
[الكأس] : كل كأس فِي الْقُرْآن فَالْمُرَاد بِهِ الْخمر
[الكره] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الكره جَازَ فِيهِ الْفَتْح إِلَّا قَوْله: {وَهُوَ كره لكم}
[كلا] : فِي " الْأَنْوَار " فِي قَوْله تَعَالَى: {كلا فاذهبا} ارتدع يَا مُوسَى عَمَّا تظن فَاذْهَبْ أَنْت وَالَّذِي طلبته قَالَ عمر بن عبد الله: إِذا سَمِعت الله يَقُول كلا فَإِنَّمَا يَقُول كذبت
[الْكمّ] : كل مَا يستر شَيْئا فَهُوَ كم بِالتَّشْدِيدِ وَمِنْه(1/741)
كم الْقَمِيص، وَيُقَال للقلنسوة: كمة
[الكفة] : كل مستدير فَهُوَ كفة بِالْكَسْرِ نَحْو كفة الْمِيزَان، وَيفتح
وكل مستطيل فَهُوَ كفة بِالضَّمِّ نَحْو كفة الثَّوْب وَهِي حَاشِيَته
[الْكَوْثَر] : كل شَيْء كثير فِي الْعدَد أَو كَبِير فِي الْقدر والخطر فَإِن الْعَرَب تسميه كوثرا
[الْكَنْز] : كل مَا زَاد على أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَهُوَ كنز، أدّيت مِنْهُ الزَّكَاة أَو لم تُؤَد، وَمَا دونه نفقه
[الْكفْر] : كل شَيْء غطى شَيْئا فقد كفره، وَمِنْه سمي الْكَافِر لِأَنَّهُ يستر نعم الله
[الْكَذِب] : كل خبر مخبره على خلاف مَا أخبرهُ فَهُوَ كذب
[كسْرَى] : كل من ملك الْفرس يُسمى كسْرَى
كَمَا أَن كل من ملك الرّوم يُسمى: قيصرا
وَالتّرْك: خاقانا واليمن: تبعا والحبشة: نجاشيا والقبط: فرعونا ومصر: عَزِيزًا إِلَى غير ذَلِك
[الْكَبِيرَة] : كل مَا سمي فَاحِشَة كاللواط، وَنِكَاح مَنْكُوحَة الْأَب، أَو ثَبت لَهُ بِنَصّ قَاطع عُقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَهُوَ الْكَبِيرَة
[الْكَلِمَة] : كل لَفْظَة دلّت على معنى مُفْرد بِالْوَضْعِ فَهِيَ كلمة، وَبِعِبَارَة أُخْرَى: كل مَنْطُوق أَفَادَ شَيْئا بِالْوَضْعِ فَهُوَ كلمة، وَجَمعهَا كَلِمَات وكلم
[كَلَام النَّفس] : كل مَا يحصل فِي النَّفس من حَيْثُ يدل عَلَيْهِ بِعِبَارَة أَو إِشَارَة أَو كِتَابَة فَهُوَ كَلَام النَّفس سَوَاء كَانَ علما، أَو إِرَادَة، أَو إذعانا، أَو خَبرا، أَو استخبارا، أَو غير ذَلِك وَلَيْسَ كَلَام النَّفس نوعا من الْمعَانِي مغايرا لما هُوَ حَاصِل فِي النَّفس باتفاقهم
[الْكِنَايَة] : كل اسْم وضع لعدد مُبْهَم مثل: كم، وَكَذَا وَلِحَدِيث مُبْهَم مثل: كَيْت، وذيت، فهر كِنَايَة
[الْكَلَام] : كل كَلَام مُسْتَقل إِن زِدْت عَلَيْهِ شَيْئا غير مَعْقُود بِغَيْرِهِ وَلَا مُقْتَضى لسواه فَالْكَلَام بَاقٍ على حَاله نَحْو: (زيد قَائِم) ، (وَمَا زيد بقائم)
وكل كَلَام مُسْتَقل إِن زِدْت عَلَيْهِ شَيْئا مقتضيا لغيره معقودا بِهِ فَإِنَّهُ عَاد الْكَلَام نَاقِصا مثل قَوْلك: (إِن قَامَ زيد)
[كل] : كل كلمة (كل) اسْم لجَمِيع أَجزَاء الشَّيْء للمذكر والمؤنث، وَيُقَال: كل رجل، وكلة امْرَأَة
وكلهن منطلق ومنطلقة وَقد جَاءَ بِمَعْنى (بعض) وَهُوَ ضد، وَلَا يجوز إِدْخَال الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَازم الْإِضَافَة إِلَّا إِذا كَانَ عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ نَحْو الْكل تَقْدِيره كُله، أَو يُرَاد لَفظه كَمَا يُقَال: (الْكل) لإحاطة الْأَفْرَاد
وكل: اسْم لاستغراق أَفْرَاد الْمُنكر نَحْو: (كل(1/742)
امْرِئ بِمَا كسب رهين} والمعرف الْمَجْمُوع نَحْو: (كل الْعَالمين حَادث) وأجزاء الْمُفْرد الْمُعَرّف بِاللَّامِ نَحْو: (كل الرجل) يَعْنِي كل أَجْزَائِهِ وَإِن لم تكن نعتا لنكرة، وَلَا تَأْكِيدًا لمعْرِفَة بِأَن تَلَاهَا الْعَامِل جَازَت إضافتها فَإِذا أضيفت إِلَى الْمُنكر تفِيد عُمُوم الْأَفْرَاد فَيكون تأسيسا نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وكل شَيْء فصلناه تَفْصِيلًا} وَيجب فِي ضميرها مُرَاعَاة مَعْنَاهَا نَحْو: {وكل شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزبر} {} (وعَلى كل ضامر يَأْتِين}
وَإِذا أضيفت إِلَى الْمُعَرّف بِاللَّامِ تفِيد عُمُوم الْأَجْزَاء، وَيجوز فِي الضَّمِير الْعَائِد إِلَيْهَا مُرَاعَاة لَفظهَا فِي التَّذْكِير والإفراد ومراعاة مَعْنَاهَا وَكَذَا إِذا قطعت عَن الْإِضَافَة نَحْو: {كل يعْمل على شاكلته} {} (وكل أَتَوْهُ داخرين}
وَإِذا أضيفت إِلَى مَا لَا يعلم منتهاه فَإِنَّمَا تتَنَاوَل أدناه عِنْد أبي حنيفَة فِيمَا يجْرِي فِيهِ النزاع كَالْبيع وَالْإِجَازَة وَالْإِقْرَار وَغير ذَلِك، فَلَو قَالَ: لفُلَان عَليّ كل دِرْهَم، يلْزمه دِرْهَم لَا فِي غَيره كالتزوج، وَلَو قَالَ: كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق؛ تطلق كل امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا على الْعُمُوم، وَلَو تزوج امْرَأَة مرَّتَيْنِ لم تطلق فِي الْمرة الثَّانِيَة، وَيجْعَل كل فَرد كَانَ لَيْسَ مَعَه غَيره لِأَن كلمة (كل) إِذا دخلت على النكرَة أوجبت عُمُوم أفرادها على سَبِيل الشُّمُول دون التّكْرَار، وَيُسمى هَذَا (الْكل) إفراديا وَلَو قَالَ: (أَنْت طَالِق كل التطليقة) يَقع وَاحِدَة لِأَن كلمة (كل) إِذا دخلت على الْمعرفَة أوجبت عُمُوم أَجْزَائِهَا، وَلَو قَالَ: (كل تَطْلِيقَة) ، تقع الثَّلَاث لِأَنَّهَا أوجبت عُمُوم أفرادها، وَيُسمى هَذَا الْكل مجموعيا
وكل: من أَلْفَاظ الْغَيْبَة فَإِذا أضيف إِلَى المخاطبين جَازَ لَك أَن تعيد الضَّمِير إِلَيْهِ بِلَفْظ الْغَيْبَة مُرَاعَاة للفظه، وَأَن تعيده بِلَفْظ الْخطاب مُرَاعَاة لمعناه فَتَقول: كلكُمْ فعلوا وَحَيْثُ وَقعت فِي حيّز النَّفْي بِأَن سبقتها أداته أَو فعل منفي نَحْو: (مَا جَاءَنِي كل الْقَوْم) ، و (كل الدَّرَاهِم لم آخذ) ، لم يتَوَجَّه النَّفْي إِلَّا لسلب شمولها فيفهم إِثْبَات الْفِعْل لبَعض الْأَفْرَاد مَا لم يدل الدَّلِيل على خِلَافه نَحْو: {وَالله لَا يحب كل مختال فخور} مَفْهُومه إِثْبَات الْمحبَّة لأحد الوصفين، لَكِن الْإِجْمَاع على تَحْرِيم الاختيال وَالْفَخْر مُطلقًا، وَحَيْثُ وَقع النَّفْي فِي حيزها كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي خبر ذِي الْيَدَيْنِ: " كل ذَلِك لم يكن " توجه إِلَى كل فَرد كَذَا ذكره البيانيون
وَاعْلَم أَن (كل) الدَّاخِلَة فِي حيّز النَّفْي سَوَاء كَانَ النَّفْي حَقِيقِيًّا أوحكميا إِمَّا أَن لَا يعْمل فِيهَا شَيْء من النَّفْي والمنفي نَحْو: (إِن كلهم يحبني أَو يبغضني) فِي الْحَقِيقِيّ
وَهل كل مودتة تدوم
فِي الْحكمِي
وَإِمَّا أَن يعْمل فَحِينَئِذٍ عاملها إِمَّا النَّفْي سَوَاء كَانَت تَابِعَة نَحْو: (مَا الْقَوْم كلهم ينتمون إِلَيّ)(1/743)
أَو أَصْلِيَّة نَحْو: مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمرة يُدْرِكهُ
وَإِمَّا الْمَنْفِيّ مقدما عَلَيْهَا سَوَاء كَانَت مَرْفُوعَة أَصْلِيَّة أَو تَابِعَة نَحْو: (مَا جَاءَنِي كل الْقَوْم) ، (وَمَا جَاءَنِي الْقَوْم كلهم) فِي الْمَنْفِيّ الْحَقِيقِيّ، (وَلَا يَأْتِ كل الْقَوْم) ، (وَلَا يَأْتِ الْقَوْم كلهم) فِي الْحكمِي أَو مَنْصُوبَة كَذَلِك نَحْو: (مَا ضربت كل الْقَوْم) ، (وَمَا ضربت الْقَوْم كلهم) فِي الْحَقِيقِيّ، وَنَحْو: (لاتضرب كل الْقَوْم) ، و (لَا تضرب الْقَوْم كلهم) فِي الْحكمِي أومؤخرا عَنْهَا سَوَاء كَانَت مَنْصُوبَة أَصْلِيَّة أَو تَابِعَة وَلَا مَرْفُوعَة بنوعيها فِي هَذَا الْقسم نَحْو: (الدَّرَاهِم كلهَا لم آخذ) ، و (كل الدَّرَاهِم لم آخذ) فِي الْحَقِيقِيّ وَنَحْو: (كل مَالك لَا تنْفق) ، و (مَالك كُله لَا تنْفق) فِي الْحكمِي
وَفِي صُورَة عدم الدُّخُول فِي حيّز النَّفْي عَم النَّفْي جَمِيع أَفْرَاد الْمَنْفِيّ عَنهُ الثُّبُوت أَو التَّعَلُّق فَلَا يفهم الثُّبُوت لبَعض وَلَا التَّعَلُّق بِهِ نَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي جَوَاب قَول ذِي الْيَدَيْنِ: أقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول الله؟ " كل ذَلِك لم يكن " أَي فِي ظَنِّي
وَقد يسْتَعْمل (كل) فِي الْخُصُوص عِنْد الْقَرِينَة كَمَا تَقول: (دخلت السُّوق فاشتريت كل شَيْء) وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد أريناه آيَاتنَا كلهَا}
وَالْكل المجموعي شَامِل للأفراد دفْعَة، وَهُوَ فِي قُوَّة الْبَعْض
وَالْكل الإفرادي شَامِل للأفراد على سَبِيل الْبَدَل يَعْنِي على الِانْفِرَاد إِذا دخل التَّنْوِين على مَدْخُول (كل) فَالْكل إفرادي
وَقد تكون (كل) للتكثير وَالْمُبَالغَة دون الْإِحَاطَة وَكَمَال التَّعْمِيم كَقَوْلِه تَعَالَى: {وجاءهم الموج من كل مَكَان} وَيُقَال: (فلَان يقْصد كل شَيْء، أَو يعلم كل شَيْء) ، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُوتِيت من كل شَيْء} ، {وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل} وَالْمعْنَى: وكل نبأ نَقصه عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك فَلَا يَقْتَضِي اللَّفْظ قصّ أنباء جَمِيع الرُّسُل
وَقد تحمل (كل) على معنى (من) لمشابهة بَينهمَا، فَإِنَّهَا إِذا أضيفت إِلَى مَا اتّصف بِصفة فعل أَو ظرف تَضَمَّنت معنى الشَّرْط للمشابهة فِي الْعُمُوم والإبهام وَكلمَة (كل) للإحاطة على سَبِيل الِانْفِرَاد وَكلمَة (من) توجب الْعُمُوم من غير تعرض بِصفة الِاجْتِمَاع والانفراد
وَكلمَة (جَمِيع) تتعرض بِصفة الِاجْتِمَاع وَعند قَوْلك: (كلهم) يثبت الْأَمر للاقتصار عَلَيْهِم، وَعند قَوْلك: (كل مِنْهُم) يثبت الْأَمر أَولا للْعُمُوم، ثمَّ استدركت بالتخصيص فَقلت: مِنْهُم وَعند قَوْلك: (كل) يثبت الْأَمر على الْعُمُوم وَتركت عَلَيْهِ
كل تلِي الْأَسْمَاء وتعمها صَرِيحًا وَلَا تعم الْأَفْعَال إِلَّا فِي ضمن تَعْمِيم الْأَسْمَاء و (كلما) بِالْعَكْسِ، و (كل) لَا توجب التّكْرَار بِخِلَاف (كلما) لِأَن (مَا) فِيهَا للجزاء ضمت إِلَى (كل) فَصَارَت أَدَاة لتكرار الْفِعْل [قَالَ أَبُو حَيَّان رَحمَه الله: التّكْرَار فِي (كلما) من عُمُوم (مَا) لِأَن الظَّرْفِيَّة يُرَاد بهَا الْعُمُوم و (كل)(1/744)
أكدته، وَالنّصب على الظّرْف لِإِضَافَتِهِ إِلَى شَيْء يقوم هُوَ مقَامه وَالْعَامِل فِيهِ الْفِعْل الَّذِي يُوجب هُوَ جَوَاب فِي الْمَعْنى] وَفِي كل مَوضِع يكون لَهَا جَوَاب ف (كلما) ظرف، و (كلما) تفِيد الْكُلية و (أَي) تسْتَعْمل فِي الْكُلية والجزئية و (مَتى) تفِيد الْجُزْئِيَّة فَقَط
وَالْكل: هُوَ الحكم على الْمَجْمُوع كَقَوْلِنَا (كل بني تَمِيم يحملون صَخْرَة)
والكلية: هِيَ الحكم على كل فَرد نَحْو: (كل بني تَمِيم يَأْكُلُون الرَّغِيف)
وَالْكل يتقوم بالأجزاء كتقوم السكنجبين بالخل وَالْعَسَل بِخِلَاف الْكُلِّي كالإنسان فَإِنَّهُ لَا يتقوم بالجزيئات والكلي مَحْمُول على الجزئي كَقَوْلِنَا: (زيد إِنْسَان) بِخِلَاف الْكل حَيْثُ لَا يُقَال: (الْخلّ سكنجبين) وَالْكل مَوْجُود فِي الْخَارِج ولاشيء من الْكُلِّي بموجود فِي الْخَارِج
وأجزاء الْكل متناهية، وجزئيات الْكُلِّي غير متناهية والكلي: هُوَ الَّذِي لَا يمْنَع نفس تصور مَعْنَاهُ من وُقُوع الشّركَة فِيهِ سَوَاء اسْتَحَالَ وجوده فِي الْخَارِج كاجتماع الضدين أَو أمكن وَلم يُوجد كبحر فِي زئبق، وجبل من ياقوت، أَو وجد مِنْهُ وَاحِد مَعَ إِمْكَان غَيره كَالشَّمْسِ، أَو استحالته أَو كَانَ كثيرا متناهيا كالإنسان، أَو غير متناه كالعدد
والكلي: طبيعي ومنطقي وعقلي، فالإنسان مثلا فِيهِ حِصَّة من الحيوانية، فَإِذا أطلقنا عَلَيْهِ أَنه كلي فههنا ثَلَاثَة اعتبارات: أَحدهَا: أَن يُرَاد بِهِ الْحصَّة الَّتِي شَارك بهَا الْإِنْسَان غَيره، فَهَذَا هُوَ الْكُلِّي الطبيعي، وَهُوَ مَوْجُود فِي الْخَارِج فَإِنَّهُ جُزْء الْإِنْسَان الْمَوْجُود، وجزء الْمَوْجُود مَوْجُود
وَالثَّانِي: أَن يُرَاد بِهِ أَنه غير مَانع من الشّركَة، فَهَذَا هُوَ الْكُلِّي المنطقي، وَهَذَا لَا وجود لَهُ لعدم تناهيه
وَالثَّالِث: أَن يُرَاد بِهِ الْأَمْرَانِ مَعًا الْحصَّة الَّتِي يُشَارك بهَا الْإِنْسَان غَيره مَعَ كَونه غير مَانع من الشّركَة، وَهَذَا أَيْضا لَا وجود لَهُ لاشْتِمَاله على مَا لَا يتناهى، وَذهب أفلاطون إِلَى وجوده
والكليات الْخمس عِنْد أَرْبَاب الْمنطق هِيَ:(1/745)
الْجِنْس وَالنَّوْع والفصل والخاصة وَالْعرض الْعَام
فالجنس كالحيوانية، وَالنَّوْع كالإنسانية، والفصل كالناطقية، وَلَا يُرِيدُونَ بالناطقية مَا يفهمهُ عوام النَّاس من أَنه النُّطْق بالْكلَام، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بهَا الْقُوَّة المفكرة، فعلى هَذَا دخل الْأَخْرَس والطفل فِي حد الْإِنْسَان، وَخرج عَنهُ الببغاء والناطق: هُوَ فصل الْإِنْسَان عَن سَائِر الْحَيَوَان والخاصة كالكتابة لِأَنَّهَا تخص بِبَعْض النَّوْع وَالْعرض الْعَام كالضاحكية لِأَنَّهَا عَامَّة بِجَمِيعِ النَّوْع، وَلِهَذَا كَانَ التَّعْرِيف فِي الْحُدُود بِالْجِنْسِ الْقَرِيب والخاصة مطردا غير منعكس
ثمَّ الْكُلِّي إِن كَانَ مندرجا فِي حَقِيقَة جزئياته يُسمى ذاتيا كالحيوان بِالنِّسْبَةِ إِلَى زيد وَعَمْرو مثلا إِذْ هُوَ جُزْء حقيقتهما، وَإِن لم ينْدَرج بل كَانَ خَارِجا عَن الْحَقِيقَة يُسمى عرضا كالكاتب مثلا فَإِنَّهُ لَيْسَ بداخل فِي حَقِيقَة زيد وَعَمْرو، وأيا مَا كَانَ فَهُوَ عبارَة عَن مَجْمُوع الْحَقِيقَة فَلَا يُسمى ذاتيا وَلَا عرضيا بل وَاسِطَة ونوعا كالإنسان فَإِنَّهُ عبارَة عَن مَجْمُوع الْحَقِيقَة من جنس وَفصل وَهِي الحيوانية والناطقية
والكلي إِمَّا أَن يكون تَمام مَا تَحْتَهُ من الجزئيات أَو مندرجا فِيهَا أَو خَارِجا عَنْهَا
فَالْأول: النَّوْع وَهُوَ الْمَقُول على كثيرين مُخْتَلفين بِالْعدَدِ فِي جَوَاب أَي نوع هُوَ كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان
وَالثَّانِي: الْجِنْس إِن كَانَ مقولا على كثيرين مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَاب مَا هُوَ كالحيوان للْإنْسَان، والفصل إِن كَانَ مقولا على كثيرين متفقين بِالْحَقِيقَةِ كالناطق
وَالثَّالِث: إِن كَانَ مقولا على متفقين بِالْحَقِيقَةِ فالخاصة كالضحك وَإِن كَانَ مقولا على مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ فالعرض الْعَام كالمتحرك
والكلي إِن اسْتَوَت أَفْرَاده فِيهِ كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَفْرَاده فمتواطئ لتواطؤ أَفْرَاد مَعْنَاهُ فِيهِ، وَإِن كَانَ بعض مَعَانِيه أولى بِهِ من الْبَعْض كالبياض فِي الثَّلج والعاج، أَو أقدم من الْبَعْض كالوجود فِي الْوَاجِب والممكن فمشكك لتشكيك النَّاظر فِي أَنه متواطئ نظرا إِلَى جِهَة اشْتِرَاك الْأَفْرَاد فِي أصل الْمَعْنى، أَو غير متواطئ نظرا إِلَى الِاخْتِلَاف، وَإِن تعدد اللَّفْظ وَالْمعْنَى كالإنسان وَالْفرس فمتباين أَي: أحد اللَّفْظَيْنِ مباين للْآخر لتباين مَعْنَاهُمَا وَإِن اتَّحد الْمَعْنى دون اللَّفْظ كالإنسان والبشر فمترادف لترادفهما أَي لتواليهما على معنى وَاحِد، وان اتَّحد اللَّفْظ دون الْمَعْنى كَالْعَيْنِ فمشترك لاشتراك الْمعَانِي فِيهِ
وَقد يُطلق الْكُلِّي على الصُّورَة الْعَقْلِيَّة، وَمعنى مطابقته لكثيرين هُوَ أَن الْأَمر الْعقلِيّ إِذا تشخص بتشخص جزئي معِين كَانَ ذَلِك الجزئي بِعَيْنِه، وَإِن جرد ذَلِك الجزئي عَن مشخصاته كَانَ ذَلِك الْأَمر الْكُلِّي بِعَيْنِه
وَقد يُطلق على الْأَمر الْمَوْجُود فِي ضمن الشَّخْص
أَعنِي الْجِنْس والفصل وَالنَّوْع، فَمَعْنَى مطابقته لكثيرين وجوده فِي ضمن كل من جزئياته بِوَاسِطَة تكَرر الْوُجُود فِي ضمن الجزئيات
والكلي قبل الْكَثْرَة: هُوَ كالحقائق الْكُلية ثبوتا فِي الْعلم الأزلي، ومطابقته لكثيرين هِيَ مطابقته لمجموع الجزئيات لِأَنَّهُ عينه، وَإِنَّمَا حصل التَّعَدُّد والتكثر بِسَبَب التكرر الشخصي نَظِير ذَلِك مُطَابقَة الشَّمْس لجَمِيع الصُّور المرتسمة فِي المرايا المتجاذبة
والكلي مَعَ الْكَثْرَة: هُوَ الْحَقَائِق الْكُلية تحققا فِي الْأَعْيَان، ومطابقته لكثيرين هِيَ مطابقته لكل وَاحِد(1/746)
من الجزئيات. بِمَعْنى أَنه لَو تشخص بِأَيّ شخص كَانَ من تشخصات تِلْكَ الجزثيات، لَكَانَ عين ذَلِك الجزئي المتشخص، نَظِيره مُطَابقَة الشَّمْس لكل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي المرايا) لِأَنَّهَا عين كل من تِلْكَ الصُّور، وَإِنَّمَا الْفرق بِعَدَمِ الْحُصُول فِي المرايا وَحُصُول الصُّور فِيهَا
والكلي بعد الْكَثْرَة: هُوَ كالحقائق الْكُلية وجودا فِي الْعلم الْحَادِث، ومطابقته لكثيرين هِيَ أَن كل وَاحِد من تِلْكَ الجزئيات إِذا جردت عَن مشخصات تكون عين ذَلِك الْكل، نَظِيره أَن كل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي المرايا إِذا قطعت نسبتها عَن المرايا تبقى صُورَة وَاحِدَة
كَانَ: كَانَ التَّامَّة أم الْأَفْعَال لِأَن كل شَيْء دَاخل تَحت الْكَوْن، وَمن ثمَّة صرفوها تَصرفا لَيْسَ لغَيْرهَا وَهِي تدل على الزَّمَان الْمَاضِي قَرِيبا أَو بَعيدا من غير تعرض لزواله فِي الْحَال أَو لَا لزواله، وَصَارَ مَعْنَاهُ الِانْتِقَال من حَال إِلَى حَال، وَلِهَذَا يجوز أَن يُقَال: كَانَ الله، وَلَا يجوز صَار الله وَالْمُخْتَار أَن (كَانَ) حرف إِن اعْتبر الْقَصْد الْأَصْلِيّ فِي دلَالَة الْفِعْل على مَعْنَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ فعل بِلَا شُبْهَة
وَاخْتلف فِي (كَانَ) فِي قَوْله تَعَالَى: {كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} هَل هِيَ تَامَّة أَو نَاقِصَة؟ قَالَ بَعضهم: إِنَّهَا تَامَّة هُنَا و (صَبيا) مَنْصُوب على الْحَال، وَلَا يجوز أَن تكون نَاقِصَة لِأَنَّهُ لَا اخْتِصَاص بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِك لِأَن كلا كَانَ فِي المهد صَبيا وَلَا عجب فِي تكليم من كَانَ فِي حَال الصَّبِي وَالصَّحِيح أَنَّهَا فِي الْآيَة زَائِدَة، وَكَونهَا تَامَّة بِمَعْنى (وجد أَو حدث) بعيد، لِأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يخلق ابْتِدَاء فِي المهد
وَكَانَ: لما انْقَطع، وَأصْبح وَأَخَوَاتهَا لما لَا يَنْقَطِع تَقول: (أصبح زيد غَنِيا) وَهُوَ غَنِي فِي وَقت إخبارك غير مُنْقَطع غناهُ
كَانَ التَّامَّة: بِمَعْنى وجد وَحدث الشَّيْء
والناقصة: بِمَعْنى وجد وَحدث موصوفية الشَّيْء بالشَّيْء وَالْمرَاد فِي الْقسم الأول: حُدُوث الشَّيْء فِي موصوفية نَفسه، فَكَانَ الِاسْم الْوَاحِد كَافِيا، وَالْمرَاد فِي الْقسم الثَّانِي: حُدُوث موصوفية أحد الْأَمريْنِ بِالْآخرِ، فَلَا جرم لم يكن الِاسْم الْوَاحِد كَافِيا بل لَا بُد فِيهِ من ذكر الاسمين حَتَّى يُمكنهُ أَن يُشِير إِلَى موصوفية أَحدهمَا بِالْآخرِ
كَانَ النَّاقِصَة لَا دلَالَة فِيهَا على عدم سَابق وَلَا على عدم الدَّوَام، وَلذَلِك تسْتَعْمل فِيمَا هُوَ حَادث مثل: (كَانَ زيد رَاكِبًا) وَفِيمَا هُوَ دَائِم مثل {كَانَ الله غَفُورًا} وَلما كَانَ فعلا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَة (ضرب) حَيْثُ منعنَا دُخُول الْبَاء فِي خَبره كَمَا منعناه فِي مَفْعُوله، و (لَيْسَ) لما كَانَ فعلا غير ظَاهر نظرا إِلَى صِيغ الِاسْتِقْبَال وَالْأَمر جَعَلْنَاهُ متوسطا وجوزنا إِدْخَال الْبَاء فِي خَبره وَتَركه لَا نقُول بِالْوُجُوب لما أَن بَين (لَيْسَ) وَبَين (مَا) مشابهة فِي الْمَعْنى إِذْ هما لنفي الْحَال وَمُخَالفَة فِي الْعَوَارِض
والمخالفة وَإِن أوجبت الإدخال لَكِن مَا بِالنَّفسِ أقوى مِمَّا بالعارض، فَيجوز الإخلاء وَهُوَ مُقْتَضى التَّشْبِيه(1/747)
و (كَانَ) من دواخل الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فَحق اسْمهَا أَن يكون مَعْلُوما لكَونه مُبْتَدأ فِي الأَصْل، وَحقّ خَبَرهَا أَن يكون غير مَعْلُوم لكَونه خَبرا فِي الأَصْل، وَيجوز فِي بَاب (كَانَ) تَقْدِيم الْخَبَر على الِاسْم وعَلى (كَانَ) ، وَلَا يجوز تَقْدِيم الْخَبَر على (إِن) وَلَا على اسْمهَا إِلَّا أَن يكون ظرفا أَو مجرورا
و (كَانَ) لَيست من الْأَفْعَال الَّتِي يكون فاعلها مضمرا يفسره مَا بعْدهَا، بل هَذَا مُخْتَصّ من الْأَفْعَال ب (نعم وَبئسَ)
و (كَانَ) الَّتِي بِمَعْنى الْأَمر والشأن لَا يكون اسْمهَا إِلَّا مستترا فِيهَا وَغير مستتر وَلَا يتَقَدَّم خَبَرهَا على معنى الْأَمر والشأن وَلَا ينعَت اسْمهَا وَلَا يعْطف عَلَيْهِ وَلَا يُؤَكد وَلَا يُبدل مِنْهُ وَلَا يكون خَبَرهَا إِلَّا جملَة، وَلَا تحْتَاج الْجُمْلَة أَن يكون فِيهَا عَائِد يرجع إِلَى الأول، والناقصة بِخِلَافِهَا فِي جَمِيع ذَلِك
و (كَانَ) بِمَعْنى حضر: نَحْو {وَإِن كَانَ ذُو عسرة}
وَبِمَعْنى وَقع: نَحْو مَا شَاءَ الله كَانَ
وَبِمَعْنى صَار: نَحْو {وَكَانَ من الْكَافرين}
وَبِمَعْنى الِاسْتِقْبَال: نَحْو {يخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا}
وَبِمَعْنى الْمَاضِي الْمُنْقَطع: نَحْو {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط}
وَبِمَعْنى الْحَال: نَحْو {كُنْتُم خير أمة}
وَبِمَعْنى الْأَزَل والأبد: نَحْو {وَكَانَ الله عليما حكيما}
وَبِمَعْنى الدَّوَام والاستمرار: نَحْو {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} ، {وَكُنَّا بِكُل شَيْء عَالمين} : أَي لم نزل كَذَلِك، وعَلى هَذَا الْمَعْنى يتَخَرَّج جَمِيع الصِّفَات الذاتية المقترنة بكان
وَبِمَعْنى يَنْبَغِي: نَحْو {مَا كَانَ لكم أَن تنبتوا شَجَرهَا}
وَبِمَعْنى صَحَّ وَثَبت [كَقَوْلِه: صَحَّ عِنْد النَّاس أَنِّي عاشق] ثمَّ إِنَّهُم لما أَرَادوا نفي الْأَمر بأبلغ الْوُجُوه قَالُوا: مَا كَانَ لَك أَن تفعل كَذَا حَتَّى اسْتعْمل فِيمَا هُوَ محَال أَو قريب مِنْهُ، فَمن الأول قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لله أَن يتَّخذ من ولد}
وَمن الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ} أَي: مَا صَحَّ لَهُ وَمَا استقام
وَتَكون للتَّأْكِيد وَهِي الزَّائِدَة، وَجعل مِنْهُ: (وَمَا(1/748)
علمي بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} ذكر الْمُحَقق فِي " شرح الْمِفْتَاح " أَن لفظ (يكون) فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ لَيْسَ بدائم، وَهَذَا يُخَالف مَا إِذا قيل: الْفَاعِل يكون مَرْفُوعا
الْكَوْن: يَسْتَعْمِلهُ بعض النَّاس فِي اسْتِحَالَة جَوْهَر إِلَى مَا هُوَ دونه، وَكثير من الْمُتَكَلِّمين يستعملونه فِي معنى الإبداع
وَكَانَ يكين: بِمَعْنى خضع
(والكين: لحم بَاطِن الْفرج أَو غدده) والكون عِنْد الفلاسفة: حُلُول صُورَة جَدِيدَة فِي الهيولى
وَعند الْمُتَكَلِّمين: هوالحصول فِي الحيز
(والكون وَالْفساد يُطلق بالاشتراك على مَعْنيين على صُورَة وَزَوَال الْأُخْرَى، وعَلى وجود بعد عدم وَعدم بعد وجود)
كَاد: هُوَ من أَفعَال المقاربة وضع لدنو الْخَبَر حصولا، وَالْفِعْل المقرون بِهِ مُقَيّد، وَالنَّفْي الدَّاخِل عَلَيْهِ قد يعْتَبر سَابِقًا على الْقَيْد فَيُفِيد معنى الْإِثْبَات بالتكليف وَقد يعْتَبر مَسْبُوقا بِهِ فَيُفِيد الْبعد عَن الْإِثْبَات والوقوع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: لَا يكادون يفقهُونَ قولا} وَكَاد: تشارك سَائِر الْأَفْعَال من حَيْثُ أَن نَفيهَا لَا يُوجب الْإِثْبَات وَإِن إِثْبَاتهَا لَا يُوجب النَّفْي، بل نَفيهَا نفي وإثباتها إِثْبَات، فَمَعْنَى (كَاد يفعل) : قَارب الْفِعْل وَلم يفعل و (مَا كَاد يفعل) : مَا قَارب الْفِعْل فضلا عَن أَن يفعل، (وَلَا فرق بَين أَن يكون حرف النَّفْي مُتَقَدما عَلَيْهِ أَو مُتَأَخِّرًا عَنهُ نَحْو: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} مَعْنَاهُ: كَادُوا لَا يَفْعَلُونَ)
وَلَيْسَ نَفيهَا نفيا الْبَتَّةَ، بل قد يكون نَفيهَا استبطاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} أخبر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُم كَانُوا فِي أول الْأَمر بعداء من ذَبحهَا وَإِثْبَات الْفِعْل وَإِنَّمَا فهم من دَلِيل آخر وَهُوَ {فذبحوها} بِخِلَاف نفي الْفِعْل فِي (مَا كَاد يفعل) فَإِنَّهُ لَازم من نفي المقاربة عقلا
وَقيل: كَاد وضع لمقاربة الشَّيْء فعل أم لَا فمثبته لنفي الْفِعْل ومنفيه لثُبُوته ف {يكَاد الْبَرْق يخطف} لم يخطف {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} فعلوا لأَنهم ذَبَحُوا، (وَالْأول هُوَ الصَّحِيح) فِي " الْقَامُوس "؛ (كَاد يفعل) : قَارب وَلم يفعل مُجَرّدَة تنبئ عَن نفي الْفِعْل، ومقرونة بالجحد تنبئ عَن وُقُوعه
وَخبر (كَاد) لَا يكون إِلَّا جملَة وَخبر (عَسى) مُفْرد، وَالْغَالِب فِي خبر (عَسى) الاقتران بِأَن لِأَنَّهَا من أَفعَال الترجي، وَالْغَالِب فِي خبر (كَاد) التَّجْرِيد من (أَن) لِأَنَّهَا تدل على شدَّة مقاربة الْفِعْل، فَلم يُنَاسب خَبَرهَا أَن يقْتَرن بِأَن فَلَا يُقَال: كَاد أَن يفعل، وَإِنَّمَا يقْتَرن قَلِيلا نظرا إِلَى أَصْلهَا قَالَ بَعضهم: (كَاد) وضعت لمقاربة الْفِعْل وَلِهَذَا قَالُوا: (كَاد النعام يطير) لوُجُود جُزْء من الطيران فِيهِ، وَإِن وضعت لتدل على تراخي الْفِعْل ووقوعه فِي الزَّمَان الْمُسْتَقْبل وَلَيْسَ كَذَلِك (عَسى) لِأَنَّهَا وضعت للتوقع الَّذِي يدل وضع (أَن) على مثله،(1/749)
فوقوع (أَن) بعْدهَا يُفِيد تَأْكِيد الْمَعْنى ويزيده فضل تَحْقِيق وَقُوَّة
قَالَ الْفراء: (لَا يكَاد) يسْتَعْمل فِيمَا يَقع وَفِيمَا لَا يَقع، وَمَا يَقع مثل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يكَاد يسيغه} وَمَا لَا يَقع مثل قَوْله تَعَالَى: {لم يكد يَرَاهَا}
وَقد يكون للاستبطاء وإفادة أَن الْخَبَر لم يَقع إِلَّا بعد الْجهد وَبعد أَن كَانَ بَعيدا فِي الظَّن أَن يَقع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يكَاد يبين} أَي يبطئ فِي التَّكَلُّم وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بعد الْجهد وَالْمَشَقَّة لما بِهِ من المذمة
وَقد يَجِيء كَاد بِمَعْنى الْإِرَادَة وَفِي التَّنْزِيل نَحْو: {كدنا ليوسف} ، و {أكاد أخفيها}
وَقد يَجِيء مُتَعَدِّيا لغير الْإِرَادَة وَفِي التَّنْزِيل: {أم يُرِيدُونَ كيدا} أَي: مكرا
وَقد تكون صلَة للْكَلَام وَمِنْه: {لم يكد يَرَاهَا} أَي: لم يرهَا
و (كرب) أبلغ من قرب حِين وضع مَوضِع (كَاد) تَقول: (كربت الشَّمْس أَن تغرب) كَمَا تَقول: (كَادَت الشَّمْس أَن تغرب)
كأين: هِيَ مركبة من كَاف التَّشْبِيه وَأي الَّتِي اسْتعْملت اسْتِعْمَال (من) و (مَا) ركبتا فَصَارَت بِمَعْنى كم وَلِهَذَا يجوز إِدْخَال من بعْدهَا، وتكتب بالنُّون، والفصل بَين المركبة وَغير المركبة مثل: (رَأَيْت رجلا لَا كأي رجل) يكون كَمَا يكْتب معد يكرب وبعلبك مَوْصُولا للْفرق، وكما يكْتب ثمَّة بِالْهَاءِ تمييزا بَينهَا وَبَين ثمَّ، وَهِي تشارك كم فِي الِاسْتِفْهَام والافتقار إِلَى التَّمْيِيز وَالْبناء وَلُزُوم التصدير، وإفادة التنكير تَارَة والاستفهام أُخْرَى، وَهُوَ نَادِر وتخالفها فِي أُمُور هِيَ مركبة
وَكم بسيطة على الصَّحِيح، ومميزها مجرور بِمن غَالِبا، وَلَا تقع استفهامية عِنْد الْجُمْهُور، وَلَا تقع مجرورة، وخبرها لَا يَقع مُفردا
كم: اسْم مُفْرد مَوْضُوع للكثرة يعبر بِهِ عَن كل مَعْدُود كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمُذكر والمؤنث، فقد صَار لَهَا معنى وَلَفظ وَجَرت مجْرى (كل) و (أَي) و (من) و (مَا) فِي أَن لكل وَاحِد مِنْهَا لفظا وَمعنى، فلفظه مُذَكّر مُفْرد، وَفِي الْمَعْنى يَقع على الْمُؤَنَّث والتثنية وَالْجمع
واستعمالها فِي الْمَقَادِير إِمَّا لاستفهامها فَتكون استفهامية، وَهِي حِينَئِذٍ مثل (كَيفَ) لاستبانة الْأَحْوَال، و (أَي) لاستبانة الْأَفْرَاد، و (مَا) لاستبانة الْحَقَائِق، وَإِمَّا لبيانها إِجْمَالا فَتكون خبرية
وَإِن كَانَت اسْم اسْتِفْهَام كَانَ بناؤها لتضمنها معنى حرف الِاسْتِفْهَام
وَإِن كَانَت خبرية كَانَ بناؤها حملا على (رب)
وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِذْ ذَاك للمباهاة والافتخار، كَمَا أَن (رب) كَذَلِك، والخبرية نقيضة (رب) لِأَنَّهَا للتكثير، و (رب) للتقليل والنقيض يجْرِي مجْرى مَا يناقضه كَمَا أَن النظير يجْرِي مجْرى مَا يجانسه(1/750)
وَلَا يعْمل فِي (كم) مَا قبلهَا خبرية كَانَت أَو استفهامية لحفظ صدارتها، إِذْ الِاسْتِفْهَام (يَقْتَضِي صدر الْكَلَام ليعلم من أول الْأَمر أَنه من أَي نوع من أَنْوَاع الْكَلَام، وَكَذَا الخبرية لِأَنَّهَا لإنشاء للتكثير وَلها أَيْضا صدر الْكَلَام
وَكم الاسفهامية) بِمَنْزِلَة عدد منون، وَكم الخبرية بِمَنْزِلَة عدد حذف عَنهُ التَّنْوِين
ومميز الاستفهامية مَنْصُوب، ومميز الخبرية مجرور، وَيحسن حذف مُمَيّز الاستفهامية وَلَا يحسن حذف مُمَيّز الخبرية وَإِذا فصل بَين كم الخبرية ومميزها نصب مميزها نَحْو: (كم فِي الدَّار رجلا) فَإِذا فصل بالمتعدي وَجب زِيَادَة (من) للفصل من الْمَفْعُول نَحْو: {وَكم أهلكنا من قَرْيَة} وَقد كثر زِيَادَته بِلَا فصل نَحْو: {وَكم من قَرْيَة} ، (وَكم من ملك) وَجَاز أَن يَقع بعد الخبرية الْوَاحِد وَالْجمع كَمَا يُقَال: ثَلَاثَة عبيد، وَألف عبد وَبعد الاستفهامية لزم أَن يَقع الْوَاحِد كَمَا يَقع بعد أحد عشر إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين، وَامْتنع أَن يَقع بعْدهَا الْجمع لِأَن الْعدَد مَنْصُوب على التَّمْيِيز، والمميز بعد الْمَقَادِير لَا يكون جمعا
كَيفَ: هُوَ اسْم مَبْنِيّ على الْفَتْح، وَالدَّلِيل على كَونه اسْما دُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهِ يُقَال: (على كَيفَ تبيع) ، وَإِنَّمَا بني لِأَنَّهُ شابه الْحَرْف شبها معنويا لِأَن مَعْنَاهُ الِاسْتِفْهَام وأصل الِاسْتِفْهَام الْهمزَة وَهِي حرف، وَإِنَّمَا بني على الْفَتْح طلبا للخفة، وَكَذَا (أَيْن) وَالْغَالِب فِيهِ أَن يكون استفهاما إِمَّا حَقِيقِيًّا نَحْو: (كَيفَ زيد) أَو غَيره نَحْو: {كَيفَ تكفرون بِاللَّه} فَإِنَّهُ أخرج مخرج التَّعَجُّب
و (كَيفَ) لَهَا صدر الْكَلَام وَمَا لَهُ صدر الْكَلَام لَا يعْمل فِيهِ إِلَّا حرف الْجَرّ أَو الْمُضَاف، وَهُوَ سُؤال تَفْوِيض لإطلاقه مثل: {كَيفَ تكفرون بِاللَّه} وَلَا كَذَلِك الْهمزَة فَإِنَّهَا سُؤال حصر وتوقيت نقُول: (أجاءك رَاكِبًا أم مَاشِيا) وَإِن كَانَ بعد كَيفَ اسْم فَهُوَ فِي مَحل الرّفْع على الخبرية عَنهُ مثل: (كَيفَ زيد) وَإِن كَانَ بعده فعل فَهُوَ فِي مَحل النصب على الحالية نَحْو: (كَيفَ جَاءَ زيد) ، وَيَقَع مَفْعُولا مُطلقًا نَحْو: {كَيفَ فعل رَبك}
وَقد يكون فِي حكم الظّرْف بِمَعْنى فِي أَي حَال كَقَوْلِك: (كَيفَ جِئْت)
وَترد للشّرط فتقتضي فعلين متفقي اللَّفْظ وَالْمعْنَى غير مجزومين نَحْو: (كَيفَ تصنع أصنع) [وكل مَا أخبر الله بِلَفْظَة (كَيفَ) عَن نَفسه فَهُوَ استخبار على طَرِيق التَّنْبِيه للمخاطب أَو التوبيخ نَحْو: {كَيفَ تكفرون بِاللَّه} {كَيفَ ضربوا لَك الْأَمْثَال}
والكيف: عرض لَا يقبل الْقِسْمَة لذاته وَلَا اللاقسمة أَيْضا، وَلَا يتَوَقَّف تصَوره على تصور غير ذِي الألوان
والكيفية: قد يُرَاد بهَا مَا يُقَابل الْكمّ وَالنّسب وَهُوَ(1/751)
الْمَعْنى الْمَشْهُور
وَقد يُرَاد بهَا معنى الصّفة إِذْ يُقَال: الصّفة والهيئة وَالْعرض والكيفية على معنى وَاحِد
والكيفية: اسْم لما يُجَاب بِهِ عَن السُّؤَال بكيف أَخذ من كَيفَ بإلحاق يَاء النِّسْبَة وتاء النَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية بهَا كَمَا أَن الكمية اسْم لما يُجَاب بِهِ عَن السُّؤَال بكم بإلحاق ذَلِك أَيْضا، وَتَشْديد الْمِيم لإِرَادَة لَفظهَا على مَا هُوَ قانون إِرَادَة نفس اللَّفْظ الثنائي الآخر، وَكَذَا الْمَاهِيّة منسوبة إِلَى لفظ (مَا) بإلحاق يَاء النِّسْبَة بِلَفْظ (مَا) وَمثل (مَا) إِذا أُرِيد بِهِ لَفظه تلْحقهُ الْهمزَة، فأصلها مائية أَي: لفظ يُجَاب بِهِ عَن السُّؤَال بِمَا قلبت همزته هَاء لما بَينهمَا من قرب المخارج، أَو الأَصْل مَا هُوَ أَي: الْحَقِيقَة المنسوبة إِلَى مَا هُوَ، فَحذف الْوَاو للخفة الْمَطْلُوبَة وأبدلت الضمة بالكسرة للياء ثمَّ عوض عَن الْوَاو التَّاء
وَفِي " التَّبْصِرَة " الْكَيْفِيَّة: عبارَة عَن الهيئات والصور وَالْأَحْوَال
والماهية: مقول فِي جَوَاب (مَا هُوَ) بِمَعْنى أَي جنس فالماهية: مقول فِي جَوَاب (من هُوَ) وَأَنَّهَا توجب الْمُمَاثلَة وَلِهَذَا لما قَالَ فِرْعَوْن: {وَمَا رب الْعَالمين} أجَاب مُوسَى بِكُل مرّة بِصِيغَة أبين من أُخْرَى حَتَّى بَهته
والكيفية: إِن اخْتصّت بذوات الْأَنْفس تسمى كَيْفيَّة نفسانية كَالْعلمِ والحياة وَالصِّحَّة وَالْمَرَض
وَإِن كَانَت راسخة فِي موضعهَا تسمى ملكة، وَإِلَّا تسمى حَالا بِالتَّخْفِيفِ كالكتابة فَإِنَّهَا فِي ابتدائها تكون حَالا فَإِذا استحكمت صَارَت ملكة
كي: الْأَصَح أَنَّهَا حرف مُشْتَرك تَارَة تكون حرف جر بِمَعْنى اللَّام وَتارَة تكون حرفا مَوْصُولا تنصب الْمُضَارع لِأَنَّهَا حرف وَاحِد يجر وَينصب
وَأما (حَتَّى) فَالْأَصَحّ أَنَّهَا حرف جر فَقَط، وَإِن نصبت الْمُضَارع بعْدهَا فَإِنَّمَا هُوَ بِأَن مضمرة لَا بحتى
وَترد للمصدرية فعلامة ذَلِك تقدم اللَّام عَلَيْهَا نَحْو: {لكيلا تأسوا} إِذْ لَا يجوز حِينَئِذٍ كَونهَا جَارة لِأَن حرف الْجَرّ لَا يُبَاشر مثله
وعلامة (كي) التعليلية الجارة ظُهُور أَن الْمَفْتُوحَة بعْدهَا نَحْو: (جئْتُك كي أَن تكرمني) أَو اللَّام نَحْو: (جئْتُك كي لتكرمني) ، وَإِن لم تظهر اللَّام قبلهَا وَلَا أَن بعْدهَا نَحْو: {كي لَا يكون دولة} أَو ظهرتا مَعًا كَقَوْلِه:(1/752)
أردْت لكيما أَن تطير بقربتي جَازَ الْأَمْرَانِ، أَي كَونهَا مَصْدَرِيَّة وجارة أَيْضا
وَقد تكون مختصرة من (كَيفَ) كَمَا فِي قَوْله: كي تجنحون إِلَى سلم أَي: كَيفَ تجنحون
كَأَن: هِيَ مُشَدّدَة لَهَا أَرْبَعَة معَان: التَّشْبِيه: وَهُوَ الْغَالِب الْمُتَّفق عَلَيْهِ
وَالشَّكّ وَالظَّن: إِذا لم يكن الْخَبَر جَامِدا وَالتَّحْقِيق كَقَوْلِه:
(فَأصْبح بطن مَكَّة مقشعرا ... كَأَن الأَرْض لَيْسَ بهَا هِشَام)
والتقريب نَحْو: (كَأَنَّك بالشتاء مقبل) و (كَأَنَّك بالفرج آتٍ)
و (كَأَنِّي بك) مَعْنَاهُ: كَأَنِّي أبصرك إِلَّا أَنه ترك الْفِعْل لدلَالَة الْحَال وَكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَمَعْنَاهُ: أعرف لما أشاهد من حالك الْيَوْم كَيفَ يكون حالك غَدا كَأَنِّي أنظر إِلَيْك وَأَنت على تِلْكَ الْحَال وَمثله (من لي بِكَذَا) أَي من يتكفل لي بِهِ، أومن يضمن لي بِهِ، وَله نَظَائِر وَفِي كَلَام بعض النُّحَاة مَا يَقْتَضِي منع اسْتِعْمَال (كَأَنِّي بك) إِلَّا أَن فِي الحَدِيث " كَأَنِّي بِهِ " فَإِن صَحَّ فَهُوَ دَلِيل الْجَوَاز
وَقَوْلهمْ: (كَأَنَّك بالدنيا لم تكن) الْكَاف فِيهِ للخطاب وَالْبَاء زَائِدَة وَالْمعْنَى كَأَن الدُّنْيَا لم تكن
وَكَأن: مُخَفّفَة ملغاة عَن الْعَمَل على الِاسْتِعْمَال الْأَفْصَح كَقَوْل الشَّاعِر:
(وَنحر مشرق اللَّوْن ... كَأَن ثدياه حقان)
و (كَأَن ثدييه) على الِاسْتِعْمَال غير الْأَفْصَح كلا، بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيف: فِي التَّثْنِيَة ككل فِي الْجمع، وَهُوَ مُفْرد اللَّفْظ مثنى الْمَعْنى يعبر عَنهُ بِلَفْظ الْوَاحِد مرّة اعْتِبَارا بِلَفْظِهِ، وبلفظ الِاثْنَيْنِ مرّة أُخْرَى اعْتِبَارا بِمَعْنَاهُ
قَالَ أَبُو عَليّ الْجِرْجَانِيّ وَغَيره: وزن كلا (فعل) ولامه معتل بِمَنْزِلَة لَام (حجى ورضى) وَهِي كلمة وضعت على هَذِه الْخلقَة كَمَا ذكرنَا فِي (الرضى)
وكلا: اسْم مُفْرد معرفَة يُؤَكد بِهِ مذكران معرفتان وكلتا: اسْم مُفْرد معرفَة يُؤَكد بِهِ مؤنثان معرفتان
وَمَتى أضيفا إِلَى اسْم ظَاهر بَقِي ألفهما على حَاله فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة، وَإِذا أضيفا إِلَى مُضْمر تقلب فِي النصب والجرياء
وَوضع كلا وكلتا أَن يُؤَكد الْمثنى فِي الْموضع الَّذِي يجوز فِيهِ انْفِرَاد أَحدهمَا بِالْفِعْلِ ليتَحَقَّق معنى الْمُشَاركَة، وَذَلِكَ مثل قَوْلك: (جَاءَ الرّجلَانِ كِلَاهُمَا) لجَوَاز أَن يُقَال: (جَاءَ الرجل) وَأما فِيمَا لَا يكون فِيهِ الْفِعْل لوَاحِد فتوكيد الْمثنى بهما لَغْو
كلا: ك (هلا) مركبة عِنْد ثَعْلَب من كَاف التَّشْبِيه وَلَا النافية، وَإِنَّمَا شددت لامها لتقوية الْمَعْنى ولدفع توهم بَقَاء معنى الْكَلِمَتَيْنِ وَعند غَيره بسيطة، وَأكْثر الْبَصرِيين على أَنَّهَا حرف مَعْنَاهَا الردع والزجر تَقول لشخص: فلَان يبغضك
فَيَقُول: كلا، أَي لَيْسَ الْأَمر كَمَا تَقول، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنى مستمرا فِيهَا إِذْ قد تَجِيء بعد الطّلب لنفي إِجَابَة الطَّالِب كَقَوْلِك لمن قَالَ لَك افْعَل كَذَا: كلا، أَي لَا يُجَاب إِلَى ذَلِك
وَقد جَاءَ بِمَعْنى حَقًا كَقَوْلِه تَعَالَى: (كلا إِن(1/753)
الْإِنْسَان ليطْغى} فَجَاز أَن يُقَال: إِنَّه اسْم حِينَئِذٍ، لَكِن النُّحَاة حكمُوا بحرفيتها إِذا كَانَت بِمَعْنى حَقًا أَيْضا قَالَ الديربي:
(وَمَا نزلت كلا بِيَثْرِب فاعلمن ... وَلم تأت فِي الْقُرْآن فِي نصفه الْأَعْلَى)
وَحِكْمَة ذَلِك أَن النّصْف الْأَخير نزل أَكْثَره بِمَكَّة وَأكْثر قَومهَا جبابرة فتكررت فِيهِ على وَجه التهديد والتعنيف لَهُم وَالْإِنْكَار عَلَيْهِم
[وَفِي " الإتقان] : كلا فِي الْقُرْآن فِي ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ موضعا مِنْهَا سبع للردع اتِّفَاقًا، وَالْبَاقِي مِنْهَا مَا هُوَ بِمَعْنى حَقًا قطعا، وَمِنْهَا مَا احْتمل الْأَمريْنِ، وتفصيله هُنَاكَ]
كَذَا: هِيَ إِذا كَانَت كِنَايَة عَن غير عدد كَانَت مُفْردَة ومعطوفة خَاصَّة وَلَا يحفظ تركيبها وَإِذا كَانَت كِنَايَة عَن عدد فَلَا يحفظ إِلَّا كَونهَا معطوفة وَلَا يحفظ كَونهَا مُفْردَة وَلَا مركبة
وَالْأَصْل فِي هَذِه اللَّفْظَة (ذَا) فَأدْخل عَلَيْهَا كَاف التَّشْبِيه إِلَّا أَنه قد انخلع من (ذَا) معنى الْإِشَارَة وَمن الْكَاف معنى التَّشْبِيه، إِذْ لَا إِشَارَة وَلَا تَشْبِيه، فَنزلت الْكَاف منزلَة الزَّائِدَة اللَّازِمَة، و (ذَا) مجرورة بهَا، إِلَّا أَن الْكَاف لما امتزجت ب (ذَا) وَصَارَت مَعَه كالجزء الْوَاحِد ناسبت لفظتهما لَفْظَة (حبذا) فِي أَن لَا تلحقها عَلامَة التَّأْنِيث
ثمَّ إِن (كَذَا) لما كَانَت كِنَايَة عَن الْعدَد فَإِذا قَالَ: (لَهُ عَليّ كَذَا درهما) فنصب (درهما) يلْزمه عشرُون لِأَن أقل عدد يُمَيّز بالمفرد الْمَنْصُوب وَهُوَ غير مركب عشرُون، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة، وَلَو جَرّه فَالْمَشْهُور من مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه لَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَاحِد، وعَلى قَضِيَّة الْعَرَبيَّة يلْزمه حِينَئِذٍ مائَة لِأَنَّهُ أقل عدد (يُمَيّز بالمفرد الْمَجْرُور، وَهُوَ رِوَايَة عَن بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة وَلَو رَفعه يلْزمه دِرْهَم وَاحِد بِلَا خلاف، لِأَن الغدد) لَا يُفَسر بالمرفوع وَقد لَفظه بدرهم، وَلَو قَالَ: (كَذَا كَذَا درهما) يلْزمه فِي حكم الْإِعْرَاب أحد عشر درهما، لِأَنَّهُ أول عدد مركب يُفَسر بمفرد مَنْصُوب وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، وَلَو قَالَ: (كَذَا وَكَذَا درهما) بالْعَطْف يلْزمه فِي حكم الْإِعْرَاب أحد وَعِشْرُونَ، لِأَنَّهَا أول عدد مَعْطُوف يُمَيّز بمفرد مَنْصُوب، وَإِنَّمَا أُجِيز إِضَافَة اسْم الْإِشَارَة فِي صُورَة جر دِرْهَم لكَونهَا كِنَايَة عَن الْعدَد فِي صُورَة انتصابه بِمَا فِي الْكَاف أَو فِي (ذَا) من الْإِبْهَام
(وَلم ترد كَذَا فِي الْقُرْآن إِلَّا للْإِشَارَة نَحْو: {أهكذا عرشك}
وَلَفْظَة (كَذَا فِي كَذَا) تسْتَعْمل فِي معَان مُخْتَلفَة بالاشتراك أَو الْمجَاز، ككون الشَّيْء فِي الزَّمَان، وَكَونه فِي الْمَكَان، وَالْعرض فِي الْمحل، والجزء فِي الْكل
الْكَاف: الْكَاف الَّتِي هِيَ من الْحُرُوف الجارة تحْتَاج فِي الدّلَالَة على الْمَعْنى إِلَى الْمُتَعَلّق، وَالَّتِي بِمَعْنى الْمثل لَا تحْتَاج إِلَيْهِ
وللكاف الجارة الحرفية خَمْسَة معَان: التَّشْبِيه وَهُوَ الْغَالِب
وَالتَّعْلِيل كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ وَمِنْه: (كَمَا أرسلنَا(1/754)
فِيكُم رَسُولا} أَي لأجل إرْسَاله {واذكروه كَمَا هدَاكُمْ} أَي لأجل هدايتكم
والاستعلاء نَحْو: (كن كَمَا أَنْت عَلَيْهِ) و (كخير فِي جَوَاب من قَالَ: كَيفَ أَصبَحت
والمبادرة: وَتسَمى كَاف المفاجأة وَالْقرَان إِذا اتَّصَلت ب (مَا) نَحْو: (سلم كَمَا تدخل) والتوكيد: إِذا كَانَت مزيدة نَحْو: {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَترد الْكَاف اسْما بِمَعْنى (مثل) فَيكون لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب، وَيعود عَلَيْهَا الضَّمِير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ} أَي فأنفخ فِي ذَلِك الشَّيْء المماثل فَيصير كَسَائِر الطُّيُور
وَتَكون اسْما جارا مرادفا لمثل وَلَا تكون إِلَّا ضَرُورَة كَقَوْلِه: يضحكن عَن كَالْبردِ الْمُتَّهم
وَتَكون ضميرا مَنْصُوبًا ومجرورا نَحْو: {مَا وَدعك رَبك}
وحرف معنى لاحقه لاسم الْإِشَارَة ك (ذَلِك وَتلك)
وَلَا حَقه للضمير الْمُنْفَصِل الْمَنْصُوب ك (إياك وإياكما)
ولبعض أَسمَاء الْأَفْعَال (كحيهلك ورويدك)
وَلَا حَقه ل (رَأَيْت) بِمَعْنى أَخْبرنِي نَحْو: (أرأيتك هَذَا)
قيل: كَاف التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهَا كلفظة (نَحْو) بِخِلَاف لَفْظَة (مثل) فَإِنَّهَا توجبه قلت: نعم لَكِن تَوْجِيه فِي مَحل يقبله كَقَوْلِه عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي حق أهل الذِّمَّة: دماؤكم كدمائنا
وكاف التَّشْبِيه إِذا دخلت على الْمُشبه بِهِ فَلَا تفِيد من التَّأْكِيد مَا تفيده الْكَاف الدَّاخِلَة على الْمُشبه، فَإِذا قلت: (إِن زيدا كالأسد) ، عملت الْكَاف فِي الْأسد عملا لفظيا، وَالْعَمَل اللَّفْظِيّ يمْنَع الْعَمَل الْمَعْنَوِيّ، فكاف الْأسد عمل بِهِ حَتَّى صَار زيدا
وَإِذا قلت: (كَأَن زيدا الْأسد) ، تركت الْأسد على إعرابه، فَإِذن هُوَ مَتْرُوك على حَاله وَحَقِيقَته وَزيد مشبه بِهِ فِي تِلْكَ الْحَال وَقد نظمت فِيهِ:
(وَمن حمى أجمأ وشبله البسل ... كَأَنَّهُ أَسد وَلَيْسَ كالأسد)
[قَالَ الزّجاج: الْكَاف للتشبيه إِذا كَانَ الْخَبَر جَامِدا نَحْو (كَأَن زيدا أَسد) ، وللشك إِذا كَانَ مشتقا نَحْو (كَأَنَّك قَائِم) وَفِيه أَقْوَال كَثِيرَة، وَالْحق أَنه قد يسْتَعْمل عِنْد الظَّن بِثُبُوت الْخَبَر من غير قصد إِلَى التَّشْبِيه سَوَاء كَانَ ذَلِك الْخَبَر جَامِدا أَو مشتقا نَحْو (كَأَن زيدا أَخُوك) و (كَأَنَّهُ فعل كَذَا) وَهَذَا كثير فِي كَلَام المولدين]
وَالْكَاف فِي مثل قَوْله: هُوَ كالعسل والدبس وَنَحْو ذَلِك استقصائية
وَدخُول الْكَاف على مَا لَيْسَ بمثال حَقِيقَة شَائِع كدخوله على مَا لَيْسَ بمشبه بِهِ حَقِيقَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كَمَاء أَنزَلْنَاهُ من السَّمَاء}
الْكَلِمَة: هِيَ تقع على وَاحِد من الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة، أَعنِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف، وَتَقَع على الْأَلْفَاظ(1/755)
الْمَنْظُومَة والمعاني الْمَجْمُوعَة وَلِهَذَا اسْتعْملت فِي الْقَضِيَّة وَالْحكم وَالْحجّة، وبجميعها ورد التَّنْزِيل
{وَكلمَة الله هِيَ الْعليا} أَي: كَلَامه
والكلمة الطّيبَة: صدق الحَدِيث أَي: الْكَلَام
وَعِيسَى النَّبِي كلمة الله لِأَنَّهُ وجد بأَمْره تَعَالَى دون أَب فشابه البدعيات الَّتِي هِيَ من عَالم الْأَمر
والكلم الطّيب: الذّكر وَالدُّعَاء وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَعنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ: " سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر "
وَقد تسمى الْكَلِمَات كلمة لانتظامها فِي معنى وَاحِد
والكلمة: لفظ بِالْقُوَّةِ أَو بِالْفِعْلِ مُسْتَقل دَال بجملته على معنى بِالْوَضْعِ
والكلمة الْبَاقِيَة: كلمة التَّوْحِيد
وَكلمَة التَّقْوَى: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَالْكَلَام فِي اللُّغَة: يُطلق على قسم الدوال الْأَرْبَع، وعَلى مَا يفهم من حَال الشَّيْء مجَازًا، وعَلى التَّكَلُّم والتكليم، وعَلى الْخطاب، وعَلى جنس مَا يتَكَلَّم بِهِ من كلمة، وعَلى كل حرف وَاحِد كواو الْعَطف وَأكْثر من كلمة مهملا كَانَ أَو لَا، وعَلى مَا فِي النَّفس من الْمعَانِي الَّتِي يعبر عَنْهَا، وعَلى اللَّفْظ الْمركب أَفَادَ أَو لم يفد
وَمن الْمعَانِي اللُّغَوِيَّة للْكَلَام مَا يكون مكتفيا بِهِ فِي أَدَاء المرام وَهُوَ حَقِيقَة فِي اللساني عِنْد الْمُعْتَزلَة
وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: مرّة حَقِيقَة فِي النفساني، وَمرَّة مُشْتَرك بَينه وَبَين اللَّفْظِيّ وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْبَاب أَن الْكَلَام عبارَة عَن فعل مَخْصُوص بِفعل الْحَيّ الْقَادِر لأجل أَن يعرف غَيره مَا فِي ضَمِيره من الاعتقادات والإرادات
وَأما الْكَلَام الَّذِي هُوَ صفة قَائِمَة بِالنَّفسِ فَهِيَ صفة حَقِيقِيَّة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة والإرادة
وَالْكَلَام فِي الأَصْل على الصَّحِيح: هُوَ اللَّفْظ، وَهُوَ شَامِل لحرف من حُرُوف المباني أَو الْمعَانِي ولأكثر مِنْهُمَا
وَفِي عرف الْفُقَهَاء: هُوَ الْمركب من حرفين فَصَاعِدا، فالحرف الْوَاحِد لَيْسَ بِكَلَام، فَلَا يفْسد الصَّلَاة، والحرفان يفسدان وَإِن كَانَ أَحدهمَا زَائِدا
نَحْو (أَخ) و (أُفٍّ) و (تف) ، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِنَّه غير مُفسد لِأَنَّهُ وَاحِد بِاعْتِبَار الأَصْل وَلَيْسَ ثَلَاثَة أحرف كَمَا فِي " التُّمُرْتَاشِيّ " وَهَذَا لَيْسَ بِقَوي كَمَا فِي " الْكَافِي "
وَالْكَلَام أحد من الْكَلم، فَإِن الْكَلم يدْرك تَأْثِيره بحاسة الْبَصَر، وَالْكَلَام يدْرك تَأْثِيره بحاسة السّمع
وَالْكَلَام: اسْم للمصدر وَلَيْسَ بمصدر حَقِيقَة، لِأَن المصادر جَارِيَة على أفعالها، فمصدر (تَكَلَّمت) التَّكَلُّم، ومصدر [كلمت: التكليم، ومصدر] كالمته: المكالمة وَالْكَلَام لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا فَثَبت أَنه لَيْسَ بمصدر، بل هُوَ اسْم للمصدر يعْمل عمله، وَلِهَذَا يُقَال: كلامك زيدا أحسن، كَمَا يُقَال: تكليمك زيدا أحسن
والتكلم: اسْتِخْرَاج اللَّفْظ من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، ويعدي بِالْبَاء وبنفسه، وَيشْتَرط الْقَصْد فِي الْكَلَام عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور، فَلَا يُسمى مَا نطق بِهِ النَّائِم والساهي وَمَا تحكيه الْحَيَوَانَات المعلمة كلَاما،(1/756)
وَلم يَشْتَرِطه بَعضهم، وَسمي ذَلِك كلَاما، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان، وَاخْتِيَار محققي أهل السّنة: هُوَ أَن الْكَلَام فِي الْحَقِيقَة مَفْهُوم يُنَافِي الخرس وَالسُّكُوت [وَهُوَ نفسية، وَأما الحسية فَإِن مَا سمي كلَاما مجَازًا تَسْمِيَة للدال باسم الْمَدْلُول:
(إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَإِنَّمَا ... جعل اللِّسَان على الْفُؤَاد دَلِيلا)
أَلا يرى أَن وَاحِدًا منا بملأ الألواح والصحف من أَحَادِيث نَفسه من غير تلفظ بِكَلِمَة وَبِه يمتاز عَن الْحَيَوَانَات الْعَجم وَالْكَلَام النَّفْسِيّ لَا بُد وَأَن يكون مَعَ قصد الْخطاب إِمَّا مَعَ النَّفس أَو مَعَ الْغَيْر، وَالْعلم لَا يكون فِيهِ قصد الْخطاب وَلَو كَانَ لصار كلَاما، وَذهب كثير من أهل السّنة إِلَى أَن من تكلم بِكَلَام فَمَعْنَاه قَائِم بِنَفسِهِ وموجود فِيهَا وجودا أصيليا وسموه كلَاما نفسيا وحكموا بمغايرته للْعلم خلافًا للمعتزلة]
وَالْكَلَام فِي الْعرف: هُوَ صَوت مقتطع مَفْهُوم يخرج من الْفَم لَا تدخل فِيهِ الْقِرَاءَة وَالتَّسْبِيح فِي صَلَاة أَو خَارِجهَا لِأَنَّهُ يُسمى قَارِئًا وَلَا يُسمى متكلما كَمَا فِي " شرح الطَّحَاوِيّ " وَكَذَا قِرَاءَة الْكتب ظَاهرا وَبَاطنا كَمَا فِي " الْخُلَاصَة " وَمن نظر فِي الْكتاب وفهمه وَلم يُحَرك بِهِ لِسَانه فمحمد يعده قِرَاءَة، وَأَبُو يُوسُف لَا يعد الْفَهم قِرَاءَة
وللكلمة حَقِيقَة ومجاز، فحقيقتها اللَّفْظَة الدَّالَّة على معنى مُفْرد بِالْوَضْعِ، ومجازها الْكَلَام
بَقِي أَن بَعْضًا من الْأَصْوَات المركبة والحروف الْمُؤَلّفَة الَّتِي تدل على مدلولاتها بالطبع لَا بِالْوَضْعِ مثل (أَخ) عِنْد الوجع، و (أح، أح) عِنْد السعال، فَهَل أَمْثَال هَذِه الْأَصْوَات تسمى كلمة؟ فِيهِ اخْتِلَاف، وكل كلمة تسمى لَفْظَة، وكل لَفْظَة لَا تسمى كلمة
فِي " التسهيل ": الْكَلَام مَا تضمن من الْكَلم إِسْنَادًا مُفِيدا مَقْصُودا لذاته، فَقَوله مَا تضمن كالجنس
وَمن الْكَلم فصل خرج بِهِ الدوال الْأَرْبَع وإسنادا خرج بِهِ الْمُفْردَات والمركبات الإضافية والمزجية، ومفيدا خرج بِهِ مَا لَا فَائِدَة فِيهِ من الإسنادات ك (برق نَحره) ، والمعلوم عِنْد السَّامع ك (السَّمَاء فَوْقنَا) ، والمتوقف على غَيره ك (إِن قَامَ زيد)
ومقصودا لذاته خرج بِهِ مَا كَانَ مَقْصُودا لغيره كصلة الْمَوْصُول نَحْو: (قَامَ أَبوهُ) ، من قَوْلنَا (جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبوهُ) ، فَإِنَّهَا مفيدة بانضمامها إِلَى الْمَوْصُول مَقْصُودَة بغَيْرهَا، وَهُوَ إِيضَاح الْوُصُول
وَالْكَلَام: يُطلق على الْمُفِيد وعَلى غير الْمُفِيد
وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة بِمَجْمُوع الشَّرْط وَالْجَزَاء كَلَام وَاحِد من حَيْثُ الإفادة كَمَا فِي كلمة (الْإِخْلَاص) ، وَالْكَلَام المعقب بِالِاسْتِثْنَاءِ
والكلم: يُطلق على الْمُفِيد وَغَيره
وَالْكَلَام: الْجُمْلَة المفيدة
والكلمة: هِيَ اللَّفْظَة المفردة، هَذَا عِنْد أَكثر النَّحْوِيين، وَلَا فرق بَينهمَا عِنْد أَكثر الْأُصُولِيِّينَ، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا يتَنَاوَل الْمُفْرد والمركب
وَلَو قُلْنَا: اسْم الْكَلَام لَا يتَنَاوَل إِلَّا الْجُمْلَة فَهَذَا قَول أبي حنيفَة وصاحبيه، وَلَو قُلْنَا: إِنَّه يتَنَاوَل الْكَلِمَة الْوَاحِدَة فَهَذَا القَوْل قَول زفر
[وَشرط الْحِنْث هُوَ الْكَلَام الْمَعْهُود وَهُوَ الْمُفْهم الْمُفِيد المحصل للمقصود](1/757)
وَالْكَلَام: مَا تضمن الْإِسْنَاد الْأَصْلِيّ وَكَانَ مَقْصُودا لذاته، وَالْجُمْلَة مَا تضمن الْإِسْنَاد الْأَصْلِيّ سَوَاء كَانَ مَقْصُودا لذاته أَو لَا
وَالْكَلَام: يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير، وَالْجُمْلَة لَا تقع إِلَّا على الْوَاحِد، وَلذَا يَصح أَن يُقَال: جَمِيع الْقُرْآن كَلَام الله، وَلَا يَصح جملَة الْقُرْآن كَلَام الله
وَتقول: هَذَا كَلَام الله لِأَن الْكَلَام عَام، وَلَا تَقول: قُرْآن الله لِأَنَّهُ خَاص بِكَلَام الله
[وَكَلَام الله هُوَ الْكَلَام النَّفْسِيّ، وَالْقُرْآن هُوَ الْكَلَام الْمعبر بِهَذِهِ الْعبارَات، وَالْكَلَام] لَا يثنى وَلَا يجمع بِخِلَاف الْجُمْلَة، وَادّعى الْبَعْض الترادف، فَالْمَسْأَلَة ذَات قَوْلَيْنِ
والكلم: جنس الْكَلِمَة وَحقه أَن يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير كَالْمَاءِ، وَلَكِن غلب على الْكثير وَلم يَقع إِلَّا على مَا فَوق الِاثْنَيْنِ لَا جمع كلمة
وَالْكَلَام عِنْد أهل الْكَلَام: مَا يضاد السُّكُوت سَوَاء كَانَ مركبا أَو لَا، مُفِيدا فَائِدَة تَامَّة أَو لَا
وَعند أهل الْعرُوض: مَا تضمن كَلِمَتَيْنِ أَو أَكثر سَوَاء حسن السُّكُوت عَلَيْهِ أَو لَا، مَعَ الدّلَالَة على معنى صَحِيح
(وَالْكَلَام على قَول بعض أهل النَّحْو: اسْم وَفعل وحرف)
وَقَالَ بَعضهم: حُرُوف منظومة تدل على معنى، وَهَذَا الْحَد لَا يَسْتَقِيم فِي كَلَام الله تَعَالَى، لِأَن كَلَام الله صفة أزلية قَائِمَة بِذَاتِهِ لَيْسَ من جنس الْحُرُوف والأصوات
[فَمَعْنَى كَونه تَعَالَى متكلما على طَريقَة أهل اللُّغَة أَنه مَحل للْكَلَام لَا أَنه يوجده كَمَا يزعمه الْمُعْتَزلَة، فالمتكلم على قَاعِدَة اللُّغَة فِي المشتقات كالمتحرك وَمن هَاهُنَا يَنْتَظِم برهَان على إِثْبَات الْكَلَام النَّفْسِيّ وَفِي اخْتِيَار أبي مَنْصُور الماتريدي رَحمَه الله أَن الْكَلَام هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِذَات الْمُتَكَلّم لَا يتَفَاوَت بَين الشَّاهِد وَالْغَائِب، فَالْكَلَام فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ من جنس الْحُرُوف والأصوات، فَحِينَئِذٍ لم يبْق دَعْوَى الْخُصُوم بل كَانَ مردودا عَلَيْهِم كَذَا فِي " التسديد "
وَلَا اخْتِلَاف بَين الأشعرية والماتريدية رَحِمهم الله فِي أَنه تَعَالَى مُتَكَلم بِكَلَام نَفسِي هُوَ صفة لَهُ تبَارك وَتَعَالَى قَائِمَة بِهِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي أَنه تَعَالَى مُتَكَلم لم يزل مكلما فَعِنْدَ أَكثر متكلمي الْحَنَفِيَّة معنى المكلمية إسماع لِمَعْنى {اخلع نعليك} مثلا، وَلَا شكّ فِي انْقِضَاء هَذِه الْإِضَافَة الَّتِي عرضت خَاصَّة للْكَلَام الْقَدِيم بإسماعه لمخصوص بِانْقِضَاء الإسماع وَعند الأشعرية أَن المتكلمية والمكلمية مأخوذان من الْكَلَام لَكِن باعتبارين مُخْتَلفين، فالمتكلمية بِاعْتِبَار قِيَامهَا بِذَات الْبَارِي وَكَونهَا صفة لَهُ، وَهَذَا مَحل وفَاق، والمكلمية بِاعْتِبَار تعلقهَا أزلا بالمكلف بِنَاء على مَا ذهب إِلَيْهِ هُوَ وَأَتْبَاعه من تعلق الْخطاب أزلا بالمعدوم]
وَإنَّهُ وَاحِد غيرمتجزىء، وَلَيْسَ بعربي وَلَا عبراني وَلَا سرياني، وَإِنَّمَا الْعَرَبيَّة والعبرانية والسريانية عِبَارَات عَنهُ، وَهَذِه الْعبارَات حُرُوف وأصوات وَهِي محدثة فِي محلهَا، وَهِي الْأَلْسِنَة واللهوات وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ: لم ينزل وَحي إِلَّا(1/758)
بِالْعَرَبِيَّةِ، ثمَّ ترْجم كل نَبِي لِقَوْمِهِ بلغتهم (وَإِنَّمَا سمي قُرْآنًا لِمَعْنى الْجمع، وَكَلَام الله لِأَنَّهُ يتَأَدَّى بهَا، وَالْكِتَابَة الدَّالَّة عَلَيْهِ مَكْتُوب فِي مَصَاحِفنَا، وَالْقُرْآن الدَّال عَلَيْهِ مقروء بألسنتنا، والألفاظ الدَّالَّة عَلَيْهِ مَحْفُوظَة فِي صدورنا لَا ذَاته كَمَا يُقَال: الله مَكْتُوب على هَذَا الكاغد لَا يُرَاد بِهِ حُلُول ذَاته فِيهِ وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ مَا يدل على ذَاته، ومحصله أَن مَا قَامَ بِذَاتِهِ تَعَالَى قديم وَهُوَ مُتَكَلم فِي الْأَزَل بِهِ حَيْثُ لَا سامع وَلَا خَاطب، وَهَذَا لَا يُوصف بالنزول والحدوث، وَهُوَ الَّذِي يُتْلَى فِي الصَّلَاة)
من قَالَ: فالمتأخرون مِنْهُم من قَالَ بحدوث اللَّفْظ، وَمِنْهُم من قَالَ: اللَّفْظ قديم، وَهُوَ المتلو، والتلاوة حَادِثَة، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن السّلف بِأَن الْقُرْآن كَلَام الله الْقَدِيم الْمَحْفُوظ فِي صدورنا المتلو بألسنتنا
فعلى هَذَا الْوَصْف بالحدوث بِالنّظرِ إِلَى التعلقات وحدوث الْأَزْمِنَة فَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن بِلَفْظ الْمَاضِي مُقْتَضى التَّعَلُّق وحدوثه لَا يسْتَلْزم حُدُوث الْكَلَام كَمَا فِي الْعلم قَالَ الشَّيْخ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي " شرح الْمَقَاصِد ": وَتَحْقِيق هَذَا مَعَ القَوْل بِأَن الأزلي مَدْلُول اللَّفْظ عسير جدا، وَكَذَا القَوْل بِأَن المتصف بالمضي وَغَيره إِنَّمَا هُوَ اللَّفْظ الْحَادِث دون الْمَعْنى الْقَدِيم، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن الْمُقْتَضى للحدوث إِنَّمَا هُوَ الْكَلَام اللَّفْظِيّ وَلَا نزاع فِيهِ، واقتضاء الْكَلَام النَّفْسِيّ مَمْنُوع، هَكَذَا أَجَابَهُ الْعَلامَة الأسفراييني [وَمَا يسْتَدلّ بِهِ على حُدُوث اللَّفْظ من كَونه مترتب الْأَجْزَاء مُتَقَدما بَعْضهَا على بعض فمدفوع بِجَوَاز أَن يكون الْمُتَأَخر مَسْبُوقا بالمتقدم لَا سَابِقًا زمانيا كالكتابة الَّتِي يحصل مجموعها مَعًا فِي مَحل من طائع يكون فِيهِ تِلْكَ الْكِتَابَة واستبعاد ترَتّب الْحُرُوف والكلمات على الشَّاهِد فَإِن فِي الشَّاهِد لَا يتَصَوَّر ذَلِك لعدم مساعدة الْآلَة، وَأما فِي الْغَائِب فَيجوز ذَلِك وَإِن كَانَت الْعُقُول البشرية قَاصِرَة عَن إِدْرَاك كنه هَذَا الْأَمر وَلَيْسَ ذَلِك مثل تصور حَرَكَة لَا تقدم لبَعض أَجْزَائِهَا على الْبَعْض وَهُوَ محَال لِأَن عدم إِمْكَان ذَلِك التَّصَوُّر فِي الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ اسْم للحالة الْمَخْصُوصَة من حَيْثُ ترَتّب أَجْزَائِهَا وَأما ذَات تِلْكَ الْحَالة الْمُسَمَّاة بالحركة ففد الْمُتَكَلِّمين مركبة مِمَّا لَا يتَجَزَّأ فَيجوز أَن يَقع جَمِيع أَجْزَائِهَا فِي آن وَاحِد وَإِن لم يسمهَا أهل الْعرف من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة حَرَكَة]
وَاعْلَم أَنهم لما رأو أَن هَهُنَا قياسين متعارضين أَحدهمَا: أَن كَلَام الله صفة لَهُ، وكل مَا هُوَ صفة لَهُ فَهُوَ قديم، فَكَلَامه تَعَالَى قديم
وَثَانِيهمَا: أَن كَلَامه تَعَالَى مؤلف من أَجزَاء مترتبة فِي الْوُجُود، وكل مَا هُوَ كَذَلِك فَهُوَ حَادث، فَكَلَامه حَادث، فافترق الْمُسلمُونَ أَربع فرق بِعَدَد مُقَدمَات القياسين: فرقتان مِنْهُم وهم الْمُعْتَزلَة والكرامية ذَهَبُوا إِلَى حَقِيقَة الْقيَاس (الثَّانِي، إِلَّا أَن الْمُعْتَزلَة قَدَحُوا فِي صغرى الْقيَاس الأول، والكرامية فِي كبراه
وفرقتان مِنْهُم وهم الأشاعرة والحنابلة ذَهَبُوا إِلَى حَقِيقَة الْقيَاس الأول) إِلَّا أَن الْحَنَابِلَة قَدَحُوا فِي(1/759)
كبرى الْقيَاس الثَّانِي، والأشاعرة فِي صغراه إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول إِن مَا أَدَّاهُ الْأَنْبِيَاء إِلَى أممهم مِمَّا أخبر الله عَنهُ أَو أَمر بِهِ أَو نهى عَنهُ إِلَى غير ذَلِك هُوَ أُمُور ثَلَاثَة: معَان مَعْلُومَة، وعبارات دَالَّة عَلَيْهَا مَعْلُومَة أَيْضا، وَصفَة يتَمَكَّن بهَا من التَّعْبِير عَن تِلْكَ الْمعَانِي بِهَذِهِ العبارت لإفهام المخاطبين وَلَا شكّ فِي قدم هَذِه الصّفة وَكَذَا فِي قدم صُورَة معلومية تِلْكَ الْمعَانِي والعبارات بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله تَعَالَى، فَإِن كَلَامه عبارَة عَن تِلْكَ الصّفة فَلَا شكّ فِي قدمه، وَإِن كَانَ عبارَة عَن تِلْكَ الْمعَانِي والعبارات فَلَا شكّ أَنَّهَا بِاعْتِبَار معلوميته تَعَالَى أَيْضا قديمَة، لَكِن لَا يخْتَص هَذَا الْقدَم بهَا بل يعمها وَسَائِر عِبَارَات المخلوقين ومدلولاتها، لِأَنَّهَا كلهَا مَعْلُومَة لله تَعَالَى أزلا وأبدا، وَمَا أثْبته المتكلمون من الْكَلَام النَّفْسِيّ فَإِن كَانَ عبارَة عَن تِلْكَ الصّفة فَحكمه ظَاهر، وَإِن كَانَ عبارَة عَن تِلْكَ الْمعَانِي والعبارات الْمَعْلُومَة فَلَا شكّ أَن قِيَامهَا بِهِ لَيْسَ إِلَّا بِاعْتِبَار صور معلوميتها، وَلَيْسَ صفة بِرَأْسِهِ، بل هُوَ من جزئيات الْعلم، وَأما الْمَعْلُوم فَسَوَاء كَانَ عِبَارَات أَو مدلولاتها لَيْسَ قَائِما بِهِ سُبْحَانَهُ فَإِن الْعبارَات بوجودها الْأَصْلِيّ من مقولات الْأَعْرَاض غير القارة، وَأما مدلولاتها فبعضها من قبيل الذوات، وَبَعضهَا من قبيل الْأَعْرَاض، فَكيف يقوم بِهِ سُبْحَانَهُ؟ وَالْحَاصِل أَن كنه هَذِه الصّفة وَكَذَا سَائِر صِفَاته مَحْجُوب عَن الْعقل كذاته تَعَالَى، فَلَيْسَ لأحد أَن يَخُوض فِي الكنه بعد معرفَة مَا يجب لذاته وَصِفَاته
وَمَا يُوجد فِي كتب عُلَمَاء الْكَلَام من التَّمْثِيل بالْكلَام النَّفْسِيّ فِي الشَّاهِد فَإِنَّمَا هُوَ للرَّدّ على الْمُعْتَزلَة والحنابلة فِي حصرهم الْكَلَام فِي الْحُرُوف والأصوات (مَعَ أَن فِيهِ نفي مَا أثبتوه من الْكَلَام لظُهُور أَن لَا إِمْكَان لقِيَام الْحُرُوف والأصوات بِذَاتِهِ تَعَالَى) حَتَّى قيل لَهُم: ينْتَقض حصركم ذَلِك بكلامنا النَّفْسِيّ، فَإِنَّهُ كَلَام حَقِيقَة وَلَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت، وَإِذا صَحَّ ذَلِك فَكَلَامه لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت، فَلم يَقع الِاشْتِرَاك بَينهمَا إِلَّا فِي هَذِه الصّفة، وَهِي أَن كَلَامه لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت كَمَا أَن كلامنا النَّفْسِيّ لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت وَأما الْحَقِيقَة فمباينة للْحَقِيقَة كل المباينة) وَاخْتلف أهل السّنة فِي كَون الْكَلَام النَّفْسِيّ مسموعا [واستحاله الماتريدية] فالأشعري قاسه على رُؤْيَة مَا لَيْسَ بلون وَلَا جسم
فَكَمَا عقل رُؤْيَة مَا لَيْسَ بلون وَلَا جسم فليعقل سَماع مَا لَيْسَ بِصَوْت وَلَا حرف (وَهُوَ لَا يكون إِلَّا بطرِيق خرق الْعَادة وَجوز الماتريدي أَيْضا سَماع مَا لَيْسَ بِصَوْت، وَالْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي الْوَاقِع لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَعِنْدَ الماتريدية سمع مُوسَى صَوتا دَالا على كَلَام الله وَعند الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع الْكَلَام النَّفْسِيّ
وَقد اسْتدلَّ جمَاعَة على أَن الْقُرْآن غير مَخْلُوق بقوله(1/760)
تَعَالَى: {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان} حَيْثُ جمع بَينهمَا وغاير وَقد ذكر الْإِنْسَان فِي ثَمَانِيَة عشر موضعا من الْقُرْآن فَقَالَ إِنَّه مَخْلُوق وَذكر الْقُرْآن فِي أَرْبَعَة وَخمسين موضعا وَلم يقل إِنَّه مَخْلُوق، وَإِن قيل: كَيفَ لَا يُقَال إِنَّه غير مَخْلُوق وَقد نقل فِيهِ من كَلَام المخلوقين كموسى وَفرْعَوْن وإبليس وَغَيرهم؟ قُلْنَا) : نقل الْكَلَام من أحد إِمَّا بِعَين الْعبارَة وَإِمَّا بِالْمَعْنَى، فَفِي الصُّورَة الأولى كَون ذَلِك النَّقْل كَلَام النَّاقِل ظَاهر، وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة كَون عبارَة الْمَنْقُول عَنهُ كَلَام النَّاقِل لَا يَخْلُو عَن نوع خَفَاء فالعبارة الَّتِي صدرت عَن الْمَنْقُول عَنهُ إِذا نقلهَا، النَّاقِل بِعَينهَا يكون فِي تِلْكَ الْعبارَة حيثيتان: فَمن حَيْثُ صدورها (عَن الْمَنْقُول عَنهُ كَلَام لَهُ ومحكي
وَمن حَيْثُ صدورها) عَن النَّاقِل كَلَام لَهُ، وحكاية لكَلَام النَّاقِل وإخبار عَنهُ؛ فَمَا نقل فِيهِ من كَلَام المخلوقين مَخْلُوق بِاعْتِبَار الْحَيْثِيَّة الأولى، وقديم غير مَخْلُوق بِاعْتِبَار الْحَيْثِيَّة الثَّانِيَة وَكَونه من عِنْد الله غير مَوْقُوف على النُّبُوَّة فِي نفس الْأَمر، بل هُوَ ثَابت بإعجازه على الِاخْتِلَاف فِي وَجه الإعجاز [نعم إِثْبَات الْقُرْآن بِمَعْنى الْكَلَام النَّفْسِيّ عِنْد الْقَائِل إِنَّمَا هُوَ بِالشَّرْعِ
الْكِنَايَة: هِيَ لُغَة مصدر كنى بِهِ عَن كَذَا يكني أَو يكنو إِذا تكلم بِشَيْء يسْتَدلّ بِهِ على غَيره، أَو يُرَاد بِهِ غَيره
وَشَرِيعَة: مَا استتر فِي نَفسه مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ أَو الْمجَازِي، فَإِن الْحَقِيقَة المهجورة كِنَايَة كالمجاز غير غَالب الِاسْتِعْمَال، وَمَا يقْصد إِلَيْهِ فِي الْكَلَام إِمَّا مَنْسُوب إِلَيْهِ بِأَيّ نِسْبَة كَانَت فالكناية حِينَئِذٍ يقْصد بهَا الْمَوْصُوف، كَمَا يقْصد بعريض الوسادة الْكِنَايَة عَن كثير النّوم، أَو بعريض الْقَفَا عَن الأبله
وَإِمَّا مَنْسُوب: فالكناية حِينَئِذٍ يقْصد بهَا الصّفة كطويل النجاد الْكِنَايَة عَن طول الْقَامَة
وَإِمَّا نِسْبَة: فالكناية حِينَئِذٍ يقْصد بهَا النِّسْبَة كَقَوْلِه:
(إِن السماحة والمروءة والندى ... فِي قبَّة ضربت على ابْن الحشرج)
وَالْكِنَايَة والحقيقة تشتركان فِي كَونهمَا حقيقتين، وتفترقان بالتصريح فِي الْحَقِيقَة، وَعدم التَّصْرِيح فِي الْكِنَايَة
وَالْكِنَايَة عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان: هِيَ أَن يعبر عَن شَيْء بِلَفْظ غير صَرِيح فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض كالإبهام على السَّامع أَو لنَوْع فصاحة
وَعند أهل الْأُصُول: مَا يدل على المُرَاد بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ [وَهِي فِي اصطلاحهم أَعم من الْمجَاز من(1/761)
وَجه لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْمجَاز غير الْمُتَعَارف، وَقد تُوجد الْكِنَايَة فِي مَحل بِدُونِ الْمجَاز كَمَا فِي الضمائر وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْمجَاز الْمُتَعَارف] وَالْكِنَايَة لَيست بمجاز هُوَ الصَّحِيح وَقد قَالُوا برمتهم: فرق بَين الْكِنَايَة وَالْمجَاز بِصِحَّة إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ مِنْهَا دون الْمجَاز قلت: صِحَة إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فِيهَا لَا لذاته بل ليتوصل بِهِ إِلَى الِانْتِقَال إِلَى المُرَاد بِقَرِينَة معية لإِرَادَة الْمَعْنى غير الْمَوْضُوع لَهُ فِيهَا، وَكَذَا الْمجَاز كُله حَيْثُ لَا تمنع فِيهِ الْقَرِينَة إِلَّا إِرَادَة الْمَوْضُوع لَهُ لذاته، وَهُوَ السَّبع الْمَخْصُوص مثلا فِي (لقِيت أسدا يَرْمِي) وَلَا يمْتَنع أَن يقْصد الِانْتِقَال إِلَى الرجل الشجاع
وَالْمعْنَى الْحَقِيقِيّ فِي الْمجَاز الْمُرْسل ملحوظ للانتقال مِنْهُ إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي لكنه غير مَقْصُود بالإفادة وَالْمعْنَى الْحَقِيقِيّ فِي الْكِنَايَة مَقْصُود بالإفادة لَكِن لَا لذاته بل لتقدير المكنى عَنهُ، وَبِه تفارق الْكِنَايَة التَّضْمِين وَقد صرح فِي بعض الْمُعْتَبرَات أَن كِنَايَة أَئِمَّة الْعَرَبيَّة مجَاز إِذْ لَا وَاسِطَة بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز عِنْد الْمُتَكَلِّمين والأصوليين
وَالْكِنَايَة [فِي اصْطِلَاح أَئِمَّة الْبَيَان] : انْتِقَال من لَازم إِلَى ملزوم [وَأما على قَول الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء فَلَا احْتِيَاج إِلَى الِانْتِقَال فضلا من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم بل قد يكون اللَّفْظ كِنَايَة فِي مَحل حَقِيقَة]
والإرداف: انْتِقَال من مَذْكُور إِلَى مَتْرُوك، فَإِن الإرداف: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم معنى وَلَا يعبر عَنهُ بِلَفْظِهِ الْمَوْضُوع لَهُ وَلَا بِدلَالَة الْإِشَارَة، بل يعبر عَنهُ لفظ يرادفه كَقَوْلِه تَعَالَى: {واستوت على الجودي} إِذْ حَقِيقَة ذَلِك الْجُلُوس فَعدل عَن اللَّفْظ الْخَاص بِالْمَعْنَى وَهُوَ (جَلَست) إِلَى مرادفه لما فِي الاسْتوَاء من الْإِشْعَار بجلوس مُتَمَكن لَا زيغ فِيهِ وَلَا ميل، وَهَذَا لَا يحصل من لفظ (جَلَست) وَدلَالَة قَوْله تَعَالَى: {وَمَا علمناه الشّعْر} على أَن الْقُرْآن لَيْسَ بِشعر، وَدلَالَة ذَلِك على نفي الشاعرية عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَيْسَ من قبيل الْمَفْهُوم الْحَقِيقِيّ وَهُوَ نفي تَعْلِيم الشّعْر مِنْهُ وَلَا من قبيل الْمجَاز الْمُفْرد وَلَا الْمركب، أَعنِي الِاسْتِعَارَة التمثيلية، وَلَا من قبيل الْإِسْنَاد الْمجَازِي بل من قبيل الْكِنَايَة التلويحية، أَعنِي تعدد الِانْتِقَال بِقَرِينَة الْمقَام، فَإِن الِانْتِقَال من قَوْله: {وَمَا علمناه الشّعْر} إِلَى أَن الْقُرْآن لَيْسَ بِشعر، وَمن ذَلِك إِلَى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَيْسَ بشاعر انْتِقَال من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم بمرتبتين
وَالْكِنَايَة: هِيَ أَن تذكر الشَّيْء بلوازمه
والتعريض ة هُوَ أَن تذكر كلَاما يحْتَمل مقصودك وَغير مقصودك إِلَّا أَن قَرَائِن أحوالك تؤكد حمله على مقصودك
ونكت الْكِنَايَة كَثِيرَة كالإيضاح أَو بَيَان حَال الْمَوْصُوف، أَو مِقْدَار حَاله أَو الْقَصْد إِلَى الْمَدْح أَو الذَّم، أَو الِاخْتِصَار أَو استزادة الصيانة، أَو التعمية والإلغاز، أَو التَّعْبِير عَن الصعب بالسهل، أَو عَن الْقَبِيح بِاللَّفْظِ الْحسن، كَمَا يكنى عَن الْجِمَاع بالملامسة والمباشرة والرفث والإفضاء وَالدُّخُول(1/762)
والسر وَتلك فِي الْحَلَال، كَمَا أَن خبث وفجر فِي الزِّنَا، وَعَن الْبَوْل وَنَحْوه بالغائط وَقَضَاء الْحَاجة وَالْمرَاد بقوله تَعَالَى: {وَالَّتِي أحصنت فرجهَا} : فرج الْقَمِيص وَهَذَا من ألطف الْكِنَايَات، كَمَا يُقَال: فلَان عفيف الذيل، وَمن هَذَا ترى أَرْبَاب الصّلاح يَقُولُونَ للأعمى: مَحْجُوب، وللأعور: مُمْتَنع، وللكوسج: خَفِيف العارضين وللسؤآل: زوار، وللرشوة: مصانعة، وللمصادرة: مُوَافقَة، وللعزل: صرف، وللفقر: خفَّة الْحَال، وللكذب: نزيل، وللسكر: نشاط، وللحيض: ترك الصَّلَاة، وللحاجة: تَجْدِيد الطَّهَارَة، وللنكاح: خلْوَة وَبِنَاء، وللمرض: عَارض وفتور، وللموت: انْتِقَال، وللهزيمة: انحياز وَيَقُولُونَ: قيل فِي الْحُجْرَة أَو من وَرَاء السّتْر وَأَشْبَاه ذَلِك
قَالَ ابْن الْأَثِير فِي " الْمثل السائر ":
الْكِنَايَة: مَا دلّ على معنى النِّسْبَة يجوز حمله على جَانِبي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز بِوَصْف جَامع بَينهمَا، وَيكون فِي الْمُفْرد والمركب
والتعريض: هُوَ اللَّفْظ الدَّال على معنى لَا من جِهَة الْوَضع الْحَقِيقِيّ أَو الْمجَازِي بل من جِهَة التَّلْوِيح وَالْإِشَارَة، فَيخْتَص بِاللَّفْظِ الْمركب، كَقَوْل من يتَوَقَّع صلَة: (وَالله إِنِّي مُحْتَاج) ، فَإِنَّهُ تَعْرِيض بِالطَّلَبِ مَعَ أَنه لم يوضع لَهُ حَقِيقَة وَلَا مجَازًا، وَإِنَّمَا فهم مِنْهُ الْمَعْنى من عرض اللَّفْظ أَي: من جَانِبه وَالْكِنَايَة والتعريض: لَا يعملان فِي القَوْل عمل الْإِيضَاح والكشف، وَلذَلِك كَانَ لإعادة اللَّفْظ فِي قَوْله تَعَالَى: {وبالحق أَنزَلْنَاهُ وبالحق نزل} مَا لم يكن فِي تَركهَا والاكتفاء بِالْكِنَايَةِ والتعريض بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنى الْأَصْلِيّ قد يكون حَقِيقَة، وَقد يكون مجَازًا، وَقد يكون كِنَايَة
الْكفْر، بِالضَّمِّ وَالْقِيَاس الْفَتْح: لُغَة: السّتْر، وَشَرِيعَة: عدم الْإِيمَان عَمَّا من شَأْنه
وَالْكفْر ضد الْإِيمَان يتَعَدَّى بِالْبَاء نَحْو: {فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه}
وضد الشُّكْر يتَعَدَّى بِنَفسِهِ يُقَال: كفره كفورا أَي: كفرانا وَيُقَال: كفر الْمُنعم وَالنعْمَة وَلَا يُقَال: كفر بالمنعم وَالنعْمَة
وَالْكَافِر: اللَّيْل، وَالْبَحْر، والوادي الْعَظِيم، وَالنّهر الْكَبِير، والسحاب المظلم، والزراع، وَالزَّرْع، وَمن الأَرْض مَا بعد من النَّاس
وَالْكفْر: تَغْطِيَة نعم الله بالجحود، وَهُوَ فِي الدّين أَكثر
والكفران: أَكثر اسْتِعْمَالا فِي جحود النِّعْمَة، والكفور فيهمَا جَمِيعًا
وَالْكفَّار: فِي جمع الْكَافِر المضاد للْإيمَان أَكثر اسْتِعْمَالا والكفرة فِي جمع كَافِر النِّعْمَة أَكثر اسْتِعْمَالا
وَالْكفْر: مِلَّة وَاحِدَة لِأَن شَرِيعَة مُحَمَّد هِيَ الْحق بِلَا شكّ وَالنَّاس بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فرقتان: فرقة تقر بهَا وهم الْمُؤْمِنُونَ قاطبة، وَفرْقَة تنكر بأجمعهم وهم الْكفَّار كَافَّة فَبِهَذَا الِاعْتِبَار كالملة الْوَاحِدَة وَإِن اخْتلفُوا فِيمَا بَينهم فصاروا كَأَهل الْأَهْوَاء من(1/763)
الْمُسلمين
وَالْكفْر: قد يحصل بالْقَوْل تَارَة وبالفعل أُخْرَى
وَالْقَوْل الْمُوجب للكفر: إِنْكَار مجمع عَلَيْهِ فِيهِ نَص، وَلَا فرق بَين أَن يصدر عَن اعْتِقَاد أَو عناد أَو استهزاء
وَالْفِعْل الْمُوجب للكفر هُوَ الَّذِي يصدر عَن تعمد وَيكون الِاسْتِهْزَاء صَرِيحًا بِالدّينِ كالسجود للصنم، وإلقاء الْمُصحف فِي القاذورات
وَالْكفْر بتكذيب سيدنَا ومولانا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَيْء مِمَّا جَاءَ بِهِ من الدّين ضَرُورَة كَمَا أَن الْإِيمَان هُوَ تَصْدِيق سيدنَا ومولانا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ من الدّين ضَرُورَة [وَالْكفْر إِنَّمَا يكون بإنكار مَا علم بِالضَّرُورَةِ عِنْد من يَجْعَل الْإِيمَان التَّصْدِيق بِهِ، وَأما من يَجْعَل الْإِيمَان مَجْمُوع الْأُمُور الثَّلَاثَة فالكفر عِنْدهم أَعم من هَذَا إِلَّا أَن يكون من مثبتي الْوَاسِطَة
وَاخْتلف المتكلمون فِي الْكفْر على حسب اخْتلَافهمْ فِي الْإِيمَان فَمن قَالَ: الْإِيمَان بِاللَّه هُوَ مَعْرفَته قَالَ: الْكفْر هُوَ الْجَهْل بِاللَّه، وَهُوَ غير منعكس على الْمَحْدُود فَإِن جحد الرسَالَة وَسَب الرَّسُول وَالسُّجُود للصنم وإلقاء الْمُصحف فِي القاذورات كفر بِالْإِجْمَاع وَلَيْسَ هَذَا جهلا بِاللَّه إِذْ قد يصدر ذَلِك من الْعَارِف بِاللَّه الْجَاهِل بِالدّلَالَةِ على الْعلم بامتناع هَذِه الْأُمُور أَو بالمعرفة بهَا
وَمن قَالَ: الْإِيمَان هُوَ الطَّاعَات كالمعتزلة وَبَعض الْخَوَارِج قَالَ: الْكفْر هُوَ الْمعْصِيَة لَكِن قَالَت الْخَوَارِج: كل مَعْصِيّة كفر والمعتزلة قسموا الْمعاصِي إِلَى مَعْصِيّة هِيَ كفر وَهِي كل مَعْصِيّة تدل على الْجَهْل بِاللَّه كسب الرَّسُول وإلقاء الْمُصحف فِي القاذورات، وَإِلَى مَعْصِيّة لَا توجب اتصاف فاعلها بالْكفْر وَلَا بالفسوق وَلَا يمْتَنع مَعهَا الاتصاف بِالْإِيمَان كالسفه وكشف الْعَوْرَة إِلَى غير ذَلِك، وَإِلَى مَعْصِيّة توجب الْخُرُوج من الْإِيمَان وَلَا توجب الاتصاف بالْكفْر بل بالفسوق والفجور كَالْقَتْلِ الْعمد والعدوان وَالزِّنَا وَشرب الْخمر وَنَحْوه وَطَرِيق الرَّد على هَؤُلَاءِ إِنَّمَا هُوَ بَيَان أَن كل مَعْصِيّة لَا تدل على تَكْذِيب الرَّسُول فِيمَا جَاءَ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تكون كفرا، وَمن قَالَ: الْإِيمَان هُوَ الْمعرفَة بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان قَالَ: الْكفْر هُوَ الْإِخْلَال بِأحد هَذِه الْأُمُور وَمن قَالَ: الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ بِاللَّه وَبِمَا جَاءَ بِهِ رسله قَالَ: الْكفْر هُوَ التَّكْذِيب بِشَيْء مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَهَذَا هُوَ اخْتِيَار الإِمَام الْغَزالِيّ عَلَيْهِ الرَّحْمَة، وَهُوَ بَاطِل بِمن لَيْسَ بمصدق وَلَا بمكذب بِشَيْء مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُول فَإِنَّهُ كَافِر بِالْإِجْمَاع وَلَيْسَ بمكذب، وَيبْطل أَيْضا بأطفال الْكفَّار ومجانينهم فَإِنَّهُم كفار وَلَيْسوا بمصدقين وَلَا بمكذبين، وَالْأَقْرَب أَن يُقَال: الْكفْر عبارَة عَمَّا يمْنَع المتصف بِهِ من الْآدَمِيّين عَن مساهمة الْمُسلمين فِي شَيْء من جَمِيع الْأَحْكَام الْمُخْتَلفَة بهم، وَهُوَ مطرد ومنعكس لَا غُبَار عَلَيْهِ]
وَالْكفْر إِمَّا كفر إِنْكَار وَهُوَ أَن يكفر بِقَلْبِه وَلسَانه، وَأَن لَا يعرف بِمَا يذكر لَهُ من التَّوْحِيد
أَو كفر جحود: وَهُوَ أَن يعرف بِقَلْبِه وَلَا يقر بِلِسَانِهِ ككفر إِبْلِيس(1/764)
أَو كفر عناد: وَهُوَ أَن يعرف بِقَلْبِه ويقر بِلِسَانِهِ وَلَا يدين بِهِ ككفر أبي طَالب
أَو كفر نفاق: وَهُوَ أَن يقر بِلِسَانِهِ وَلَا يعْتَقد بِقَلْبِه
وَالْجمع سَوَاء فِي أَن من لَقِي الله تَعَالَى بِوَاحِد مِنْهُم لَا يغْفر لَهُ
ومأخذ التَّكْفِير: تَكْذِيب الشَّارِع لَا مُخَالفَته مُطلقًا، وَمن يُنكر رِسَالَة النَّبِي مثلا فَهُوَ كَافِر لَا مُشْرك، وَمن أخل بالاعتقاد وَحده فَهُوَ مُنَافِق، وبالإقرار بِالْحَقِّ فَهُوَ كَافِر، وبالعمل بِمُقْتَضَاهُ فَهُوَ فَاسق وفَاقا وَكَافِر عِنْد الْخَوَارِج، وخارج عَن الْإِيمَان غير دَاخل فِي الْكفْر عِنْد الْمُعْتَزلَة
وَالْكَافِر: اسْم لمن لَا إِيمَان لَهُ، فَإِن أظهر الْإِيمَان فَهُوَ الْمُنَافِق، وَإِن طَرَأَ كفره بعد الْإِيمَان فَهُوَ الْمُرْتَد، وَإِن قَالَ بإلهين أَو أَكثر فَهُوَ الْمُشرك، وَإِن كَانَ متدينا بِبَعْض الْأَدْيَان والكتب المنسوخة فَهُوَ الْكِتَابِيّ، وَإِن قَالَ بقدم الدَّهْر وَإسْنَاد الْحَوَادِث إِلَيْهِ فَهُوَ الدهري، وَإِن كَانَ لَا يثبت الْبَارِي فَهُوَ الْمُعَطل، وَإِن كَانَ مَعَ اعترافه بنبوة النَّبِي يبطن عقائد هِيَ كفر بالِاتِّفَاقِ فَهُوَ الزنديق [وَأَصْحَاب الْهوى مِنْهُم من يكفر كغلاة المجسمة وَالرَّوَافِض وَغَيرهم وَيُسمى الْكَافِر المتأول، وَمِنْهُم من لَا يكفر وَيُسمى الْفَاسِق المتأول فَذهب جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَن الْقسم الأول تقبل شَهَادَته وَرِوَايَته، وَذهب الْعَامَّة إِلَى رد الشَّهَادَة للقسمين، وَفِي " الْمُحِيط " عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله قَالَ: من أكفرته لم أقبل شَهَادَته وَمن أضللته قبلت شَهَادَته
وَعدم إكفار أهل الْقبْلَة لاعتقادهم أَن مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ هُوَ الدّين الْحق وتمسكهم فِي ذَلِك بِنَوْع دَلِيل من الْكتاب وَالسّنة وتأويله على وفْق هواهم وَهَذَا] مُوَافق لكَلَام الْأَشْعَرِيّ وَالْفُقَهَاء، لَكِن إِذا فتشنا عقائد فرقهم الإسلاميين وجدنَا فِيهَا مَا يُوجب الْكفْر قطعا، فَلَا نكفر أهل الْقبْلَة مَا لم يَأْتِ بِمَا يُوجب الْكفْر، وَهَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} مَعَ أَن الْكفْر غير مغْفُور، ومختار جُمْهُور أهل السّنة من الْفُقَهَاء والمتكلمين عدم إكفار أهل الْقبْلَة من المبتدعة المؤؤلة فِي غير الضرورية لكَون التَّأْوِيل شُبْهَة كَمَا هُوَ المسطور فِي أَكثر الْمُعْتَبرَات
[وَأما مُنكر شَيْء من ضروريات الدّين فَلَا نزاع فِي إكفاره وَإِنَّمَا النزاع فِي إكفار مُنكر الْقطعِي بالتأويل، وَقد عرفت مَا هُوَ الْمُخْتَار وصرحوا بِعَدَمِ الإكفار فِي غير الضروريات بالتردد وَالْإِنْكَار] وأصل كفر الفلاسفة الْإِيجَاب الذاتي على مَا هُوَ الْمَشْهُور
وأصل كفر البراهمة من الفلاسفة التحسين الْعقلِيّ حَتَّى نفوا النُّبُوَّة
وَكَذَا أصل ضَلَالَة الْمُعْتَزلَة حَيْثُ أوجبوا على الله الْأَصْلَح لخلقه، إِلَى غير ذَلِك من الضلالات
وأصل كفر عَبدة الْأَوْثَان وَغَيرهم: التَّقْلِيد الرَّدِيء حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مقتدرون} وَلِهَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَا يَكْفِي التَّقْلِيد فِي عقائد الْإِيمَان
وأصل كفر الطبائعيين وَمن تَبِعَهُمْ من الجهلة الرَّبْط العادي حَتَّى رَأَوْا ارتباط الشِّبَع بِالْأَكْلِ، والري(1/765)
بِالْمَاءِ وَنَحْو ذَلِك
وأصل ضَلَالَة الحشوية التَّمَسُّك فِي أصُول العقائد بِمُجَرَّد ظواهر الْكتاب وَالسّنة من غير بَصِيرَة فِي الْعقل، حَيْثُ قَالُوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملا بظواهر النُّصُوص
وَجَمِيع مَا نقل عَن الفلاسفة قد نطق بِهِ فريق من فرق الْإِسْلَام، فمذهبهم فِي الصِّفَات الإلهية واعتقادهم التَّوْحِيد فِيهَا من مَذَاهِب الْمُعْتَزلَة كَمَا أَن مَذْهَبهم فِي تلازم الْأَسْبَاب الطبيعية هُوَ الَّذِي صرح بِهِ الْمُعْتَزلَة فِي التوليد، إِلَّا الْأُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي يكفر بهَا، وَهِي القَوْل بقدم الْعَالم والجواهر كلهَا، وبعدم إحاطة علم الْبَارِي بالجزئيات الْحَادِثَة من الْأَشْخَاص، وبعدم القَوْل ببعث الأجساد وحشرها، فَإِن هَذَا هُوَ الْكفْر الصراح الَّذِي لم يَعْتَقِدهُ أحد من فرق الْمُسلمين
وَأما الْأُمُور الَّتِي قَالَ بهَا الْحُكَمَاء خَاصَّة وَلم يوافقهم طَائِفَة من الْمُسلمين، فَمِنْهَا جعل الْمَلَائِكَة عبارَة عَن الْعُقُول الْمُجَرَّدَة والنفوس الفلكية، وَمِنْهَا جعل الْجِنّ جَوَاهِر مُجَرّدَة لَهَا تصرف وتأثير فِي الْأَجْسَام العنصرية من غير تعلق بهَا تعلق النُّفُوس البشرية بأبدانها، وَمِنْهَا جعل الشَّيَاطِين القوى المتخيلة فِي الْإِنْسَان من حَيْثُ استيلاؤها على الْقُوَّة الْعَاقِلَة وصرفها عَن جَانب الْقُدس إِلَى الشَّهَوَات وَاللَّذَّات الحسية الوهمية
وَقد انْعَقَد إِجْمَاع الآراء على وجود الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين، ونطق بهَا كَلَام الله وَكَلَام الْأَنْبِيَاء
[وَالرِّضَا المقرون باستحسان الْكفْر هُوَ كفر، وَقد دَعَا سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بقوله: {وَاشْدُدْ على قُلُوبهم} ]
وَصَاحب الْكَبِيرَة معتزليا كَانَ أَو خارجيا يكفر لما ارتكبها مَعَ اعْتِقَاد أَنه يكفر بهَا فيكفر وَلُزُوم الْكفْر الْمَعْلُوم كفر، لِأَن اللُّزُوم إِذا كَانَ بَينا فَهُوَ فِي الِالْتِزَام لَا اللُّزُوم مَعَ عدم الْعلم بِهِ [وَمَا لَا يكون شرطا فِي الْإِيمَان وَلَا الْإِيمَان متوقفا عَلَيْهِ فالجهل بِهِ لَا يكون كفرا]
وخرق الْإِجْمَاع الْقطعِي الَّذِي صَار من ضروريات الدّين كفر، وَلَا نزاع فِي إكفار مُنكر شَيْء من ضروريات الدّين، وَإِنَّمَا النزاع فِي إكفار مُنكر الْقطعِي بالتأويل، فقد ذهب إِلَيْهِ كثير من أهل السّنة من الْفُقَهَاء والمتكلمين، ومختار جُمْهُور أهل السّنة مِنْهُمَا عدم إكفار أهل السّنة من المبتدعة المؤولة فِي غير الضرورية لكَون التَّأْوِيل شُبْهَة، كَمَا فِي " خزانَة " الْجِرْجَانِيّ، و " الْمُحِيط " البرهاني، و " أَحْكَام " الرَّازِيّ، وَرَوَاهُ الْكَرْخِي وَالْحَاكِم الشَّهِيد عَن الإِمَام أبي حنيفَة والجرجاني عَن الْحسن بن زِيَاد وشارح " المواقف والمقاصد " والآمدي عَن الشَّافِعِي والأشعري لَا مُطلقًا
الْكتاب: فِي الأَصْل مصدر سمي بِهِ الْمَكْتُوب تَسْمِيَة للْمَفْعُول باسم الْمصدر على التَّوَسُّع الشَّائِع، ويعبر عَن الْإِثْبَات وَالتَّقْدِير والإيجاب وَالْفَرْض وَالْقَضَاء بِالْكِتَابَةِ
وَقَوله تَعَالَى: {قل لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا} أَي: مَا قدره وقضاه، وَفِي (لنا) تَنْبِيه على(1/766)
أَن كل مَا يصيبنا نعده نعْمَة لنا وَلَا نعده نقمة علينا {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} أَي: أَوجَبْنَا وفرضنا، وَوجه ذَلِك أَن الشَّيْء يُرَاد ثمَّ يُقَال ثمَّ يكْتب، فالإرادة مبدأ وَالْكِتَابَة مُنْتَهى، ثمَّ يعبر عَن المُرَاد الَّذِي هُوَ المبدأ إِذا أُرِيد بِهِ توكيد بِالْكِتَابَةِ الَّتِي هِيَ الْمُنْتَهى
ويعبر بِالْكتاب عَن الْحجَّة الثَّابِتَة من جِهَة الله تَعَالَى
[ {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} أَي فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الْقُرْآن]
وَفِي " الْقَامُوس " الْكتاب: مَا يكْتب فِيهِ، والدواة، والتوراة، والصحيفة، وَالْفَرْض، وَالْحكم، وَالْقدر
وَالْكتاب: قد غلب فِي الْعرف الْعَام على جمع من الْكَلِمَات المنفردة بالتدوين
وَفِي عرف النَّحْوِيين غلب على كتاب سِيبَوَيْهٍ
وَفِي عرف الْأُصُولِيِّينَ غلب على أحد أَرْكَان الدّين
وَفِي عرف المصنفين على طَائِفَة من الْمسَائِل اعْتبرت مُنْفَرِدَة عَمَّا عَداهَا
وَالْكتاب فِي عرف الْفُقَهَاء: مَا يتَضَمَّن الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام، وَلذَلِك جَاءَ الْكتاب وَالْحكم متعاطفين فِي عَامَّة الْقُرْآن
وَالْكتاب: علم جنس لطائفة من أَلْفَاظ دَالَّة على مسَائِل مَخْصُوصَة من جنس وَاحِد تَحْتَهُ فِي الْغَالِب إِمَّا أَبْوَاب دَالَّة على الْأَنْوَاع مِنْهَا، وفصول دَالَّة على الْأَصْنَاف وَإِمَّا غَيرهَا وَقد يسْتَعْمل كل من الْأَبْوَاب والفصول مَكَان الآخر، وَالْكل علم جنس وَلَو كَانَ المُرَاد بَيَان الْأَنْوَاع يخْتَار الْكتاب على الْبَاب، وَلَو كَانَ المُرَاد بَيَان النَّوْع الْوَاحِد يخْتَار الْبَاب على الْكتاب وَالْكتاب شَائِع فِي وحدان الْجِنْس وَالْجمع والكتب يتَنَاوَل وحدان الْجمع، وَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس: الْكتاب أَكثر من الْكتب
وَفِي " الْكَشَّاف ": الْملك أَكثر من الْمَلَائِكَة، وَبَيَانه أَن الْوَاحِد إِذا أُرِيد بِهِ الْجِنْس والجنسية قَائِمَة وحدان الْجِنْس كلهَا لم يخرج مِنْهُ شَيْء، وَأما الْجمع فَلَا يدْخل تَحْتَهُ إِلَّا مَا فِيهِ الجنسية من الجموع
(وَالْكِتَابَة: جمع الْحُرُوف الْمَنْظُومَة وتأليفها بالقلم وَمِنْه الْكتاب لجمعه أبوابه وفصوله ومسائله)
والكتيبة للقطعة من الْجَيْش لِاجْتِمَاعِهِمْ وانضمام بَعضهم إِلَى بعض
وَالْكِتَابَة لانضمام العَبْد إِلَى الْمولى فِي الِاخْتِصَاص بالاكتساب
فِي " الراموز ": كتب كنصر كتابا وَكِتَابَة وكتبة أَي: خطّ (وكنصر وَضرب: جمع، والقربة: خرزها
وَفِي " الْقَامُوس ": كتبه كتبا وكتابا: خطه، ككتبه، واكتتبه، أَو كتبه: خطه
واكتتبه: استملاه، كاستكتبه
والإكتاب: تَعْلِيم الْكِتَابَة، كالتكتيب والإملاء
وَالْكِتَابَة قد تطلق على الْإِمْلَاء، وَقد تطلق على الْإِنْشَاء)(1/767)
وشاع اسْتِعْمَال الْكتاب فِي الْحُرُوف والكلمات الْمَجْمُوعَة إِمَّا فِي اللَّفْظ وَإِمَّا فِي الْخط بِجعْل الْمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول وشاع اسْتِعْمَال الْكِتَابَة بِمَعْنى تَصْوِير اللَّفْظ بحروف هجائية لِأَن فِيهِ جمع صور الْحُرُوف وأشكالها
وَفِي " الرَّاغِب ": الْكتب، كَالْقَتْلِ: ضم أَدِيم بالخياطة
وَفِي الْمُتَعَارف: ضم الْحُرُوف بَعْضهَا إِلَى بعض فِي الْخط، وَلِهَذَا سمي كتاب الله، وَأَن تكْتب كتابا قَالَ ابْن كَمَال: وَمن قَالَ أطلق على المنظوم كتاب قبل أَن يكْتب لِأَنَّهُ مِمَّا يكْتب، فَكَأَنَّهُ لم يفرق بَين اللَّفْظ وَالْكِتَابَة
فِي " الْقَامُوس " الْخط: الْكتب بالقلم وَغَيره
الْكَذِب: الْإِخْبَار عَن الشَّيْء بِخِلَاف مَا هُوَ مَعَ الْعلم بِهِ وَقصد الْحَقِيقَة، فَخرج بِالْأولِ الْجَهْل، وَبِالثَّانِي الْمجَاز
وَهُوَ يعم مَا يعلم الْمخبر عدم مطابقته، وَمَا لَا يعلم بِدَلِيل تَقْيِيد {وَيَقُولُونَ على الله الْكَذِب} بقوله: {وهم يعلمُونَ} وَيسْتَعْمل غَالِبا فِي الْأَقْوَال وَالْحق فِي المعتقدات
وَالْكذب قَبِيح بالقبح الشَّرْعِيّ وَلَا دَلِيل على قبحه الْعقلِيّ، وَلَا يلْزم من تَعْلِيل اسْتِحْقَاق الْعَذَاب بِالْكَذِبِ الْمُفِيد حُرْمَة مُطلق الْكَذِب (وَكَلَام إِبْرَاهِيم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي سِتَّة: {إِنِّي سقيم} ، {بل فعله كَبِيرهمْ} وَهَذِه أُخْتِي "، {هَذَا رَبِّي} ثَلَاث مَرَّات لَيْسَ بكذب غَايَته أَنه من بَاب المعاريض، وَإنَّهُ لمندوحة عَن الْكَذِب)
وَكذب بِكَذَا تَكْذِيبًا: أنكرهُ وجحده
وَكذبه: جعله كَاذِبًا فِي كَلَامه، هَذَا هُوَ الْفرق بَين الْمُتَعَدِّي بِنَفسِهِ وبالباء
وَكذب بِالتَّشْدِيدِ يقْتَصر على مفعول وَاحِد، وبالتخفيف يتَعَدَّى إِلَى مفعولين يُقَال: كَذبَنِي الحَدِيث إِذا نقل الْكَذِب وَقَالَ خلاف الْوَاقِع وَكَذَا صدق نَحْو: {لقد صدق الله رَسُول الرُّؤْيَا} وهما من غرائب الْأَلْفَاظ
وَقد جَاءَ الْكَذِب بِمَعْنى الْخَطَأ فِي الْكَلَام كَقَوْل ذِي الرمة: مَا فِي سَمعه كذب
أَي: مَا أَخطَأ سَمعه
وَفِي " الراموز ": كذب: وَجب، وَمِنْه " كذب عليلكم الْحَج " و " كذب الْقِتَال " مشددا إِذا لم يُبَالغ فِيهِ، (وكذبت فلَانا نَفسه فِي الْخطب الْعَظِيم ": إِذا شجعته عَلَيْهِ وسولت لَهُ أَن يطيقه، [وَفِي " مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب " رَحمَه الله: الْكذَّاب بِالتَّخْفِيفِ كالمشددة مصدر التفعيل وَمعنى كليهمَا الْإِنْكَار]
الكره، بِالْفَتْح: الْمَشَقَّة الَّتِي تنَال الْإِنْسَان من(1/768)
خَارج مِمَّا يحمل عَلَيْهِ بإكراه، وَمِنْه: الْقَيْد كره
وبالضم: مَا يَنَالهُ من ذَاته وَهُوَ الْكَرَاهَة
والكراهية فِي الأَصْل مَنْسُوب إِلَى الكره بِالضَّمِّ عوض الْألف من إِحْدَى الياءين وَهُوَ مصدر كره الشَّيْء بِالْكَسْرِ إِذا لم يردهُ فَهُوَ كَارِه
وشي كره كنصر وخجل وكريه أَي: مَكْرُوه
وَكره يتَعَدَّى بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد، فَإِذا شدد زَاد لَهُ آخر وَأما {كره إِلَيْكُم الْكفْر} فلتضمين معنى التبغيض
وَفِي " الْقَامُوس " الكرة وبضم: الإباء وَالْمَشَقَّة، أَو بِالضَّمِّ: مَا أكرهت نَفسك عَلَيْهِ، وبالفتح مَا أكرهت غَيْرك عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ كريها فكره ككرم
والكراهية بِالتَّخْفِيفِ، وَالْكَرَاهَة أفحش من الْإِسَاءَة قَالَه الْحلْوانِي
وَكَرَاهَة التَّحْرِيم كالواجب حكما، والتنزيه كالندب، وَمَا كَانَ الأَصْل فِيهِ حُرْمَة أسقطت لعُمُوم الْبلوى فتنزيه، وَإِلَّا فتحريم وَمَا كَانَ الأَصْل فِيهِ إِبَاحَة لَكِن غلب على الظَّن وجود الْمحرم فتحريم وَإِلَّا فتنزيه، هَذَا عِنْد مُحَمَّد، وَعِنْدَهُمَا إِن منع عَنهُ فَحَرَام وَإِن لم يمْنَع فَإِن كَانَ إِلَى الْحَرَام أقرب فتحريم، وَإِن كَانَ إِلَى الْحل أقرب فتنزيه وَمن عَادَة مُحَمَّد فِي كل مَوضِع وجد نصا بِقطع القَوْل بِالْحرِّ وَالْحُرْمَة وَفِي كل مَوضِع لم يجد فِيهِ نصا فَفِي مَوضِع الْحُرْمَة يَقُول: يكره، أَو لم يُؤْكَل، وَمَوْضِع الْحل مرّة يَقُول: أكل، وَمرَّة يَقُول: لَا بَأْس بِأَكْلِهِ، فَكل كَرَاهَة تَحْرِيم هَكَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد رَحمَه الله [وَرُبمَا يجمع بَين الْحَرَام وَالْمَكْرُوه فَيَقُول: حرَام مَكْرُوه، إشعارا مِنْهُ إِلَى أَن حرمته تثبت بِدَلِيل ظَاهر لَا بِدَلِيل قَاطع]
الْكَلَالَة: لأهل اللُّغَة فِيهَا قَولَانِ من حَيْثُ الِاشْتِقَاق، أَحدهمَا من قَوْلهم: تكلل النّسَب بِهِ: إِذا أحَاط بِهِ وَمِنْه يُقَال: كلل الْغَمَام السَّمَاء، إِذا أحَاط بهَا من كل جَانب وَمِنْه الإكليل فَإِنَّهُ يُحِيط بجوانب الرَّأْس، وَمِنْه (الْكل) فَالْمُرَاد بِهِ الْجمع والإحاطة
وَإِذا مَاتَ رجل وَلم يخلف ولدا وَلَا والدا لقد مَاتَ عَن ذهَاب طَرفَيْهِ، فَسُمي ذهَاب الطَّرفَيْنِ كَلَالَة، فَكَأَنَّهَا اسْم للمصيبة فِي تكلل النّسَب مَأْخُوذ مِنْهُ
وَالْآخر من قَوْلهم: حمل فلَان على فلَان ثمَّ كل عَنهُ أَي: بعد وَمِنْه (الكلة) : وَهُوَ اسْم لما تبَاعد عَن الْمَقْصُود قَالُوا فِي تَوْجِيه نصبها فِي الْقُرْآن: إِنَّه يتَوَقَّف على المُرَاد بهَا، فَإِنَّهُ إِمَّا اسْم للْمَيت أَو للْوَرَثَة أَو لِلْقَرَابَةِ، فعلى الأول حَال و (يُورث) خبر كَانَ أَو صفة، و (كَانَ) تَامَّة أَو نَاقِصَة وكلالة خبر وعَلى الثَّانِي: هُوَ على تَقْدِير مُضَاف أَي: ذَا كَلَالَة وَهُوَ أَيْضا حَال أَو خبر وعَلى الثَّالِث مفعول لأَجله
كللت: من الإعياء أكل كلالا وكلالة
وكل بَصرِي: كلولا وكلة، وَكَذَا السَّيْف
الْكسْب: الْجمع والتحصيل، وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعولين فِي " الْجَوْهَرِي " كسبت أَهلِي خيرا، وكسبت الرجل مَالا فكسبه وَهَذَا مِمَّا جَاءَ على (فعلته فَفعل)(1/769)
وفى " التَّيْسِير " الْكسْب: اجتلاب الْخطاب بِمَا هِيَ لَهُ من الْأَسْبَاب فِي " الكواشي ": هُوَ الْفِعْل بجر نفع، أَو رفع ضرّ، وَلِهَذَا لَا يُوصف بِهِ الله تَعَالَى
الْكُرْسِيّ: هُوَ مَا يجلس عَلَيْهِ وَلَا ينْفَصل عَن مقْعد الْقَاعِد
قيل: أَصله الْعلم، وَمِنْه قيل للصحيفة الَّتِي يكون فِيهَا علم كراسة وَقيل: الكراسة مَعْنَاهَا الْكتب المضموم بَعْضهَا إِلَى بعض، وَالْوَرق الَّذِي ألصق بعضه إِلَى بعض، اشتق من قَوْلهم: (رسم مكرس) إِذا ألصقت الرّيح التُّرَاب بِهِ
ثمَّ الْكُرْسِيّ الَّذِي قد بَين الله تَعَالَى بِأَنَّهُ وسع السَّمَوَات وَالْأَرْض هُوَ فلك البروج المماس محدبه لمقعر الْفلك الأطلس أَعنِي الْعَرْش كَانَت السَّمَوَات السَّبع وَمَا فِيهِنَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كحلقة فِي فلاة على مَا ورد عَن صَاحب الشَّرِيعَة الحقة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومجموع ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْش أَيْضا كحلقة فِي فلاة، فَكيف يتَوَهَّم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} كَون مقعر الْعَرْش مماسا لمحدب كرة المَاء الَّذِي هُوَ دون ربع مَا دون فلك الْقَمَر، فَلَو كَانَ مماسا لمقعر الْعَرْش قبل خلق مَا بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض لم يماس إِلَّا جُزْءا يَسِيرا من أَجْزَائِهِ، وَهُوَ كري لَيْسَ بعض أَجْزَائِهِ أولى بالفوقية من بعض، ومماسته بِجَمِيعِ أَجزَاء مقعرة مستبعدة جدا، بل لَو طلي مقعر الْعَرْش بِالْمَاءِ بريشة مثلا لما استوعبه، فَتعين أَن يكون المَاء محيطا بالمركز مباينا للعرش، ويتحقق حِينَئِذٍ كَون الْعَرْش فَوق المَاء من كل وَجه، وَيتَعَيَّن أَن يكون بَينهمَا فرَاغ قَابل لِأَن يشْغلهُ الجرم لَا يعد حَائِلا وَذَلِكَ فِي غَايَة الظُّهُور (وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} تَنْبِيه على أَن عَرْشه لم يزل مُنْذُ أوجد مستعليا على المَاء) وَلَا يعلم عرش الله على الْحَقِيقَة إِلَّا بِالِاسْمِ
الكابر: هُوَ بِمَعْنى الْكَبِير كالصاغر بِمَعْنى الصَّغِير وَقَوْلهمْ: (توارثوه كَابِرًا عَن كَابر) أَي: كَبِيرا عَن كَبِير
فِي " الأساس ": هُوَ من كابرته وكبرته أَي: غلبته فِي الْكبر قيل: هُوَ جملَة وَقعت حَالا فنصب صدرها كَمَا فِي قَوْلهم: (بايعته يدا بيد، وكلمته فَاه إِلَى فِي)
وَقيل: مفعول ثَان أَي: (ورثوه من كَابر بعد كَابر،
كَقَوْلِه تَعَالَى: {طبقًا على طبق} أَي بعد طبق
وَهَذِه الْعبارَة كَمَا لَا تخْتَلف جمعا وإفرادا كَذَلِك لَا تخْتَلف تأنيثا وتثنية (وَالْكَبِير يرجع إِلَى الذَّات) وكبارا مخففا أكبر من الْكَبِير، ثقلا أكبر من المخفف، وَمثله طوال طوال، وَأما الْكبر فِي الْكُبْرَى تَنْزِيل الْكُبْرَى منزلَة كبرة (كركبة ركب) بتنزيل ألف (فعلى) منزلَة تَاء الْعلَّة) ، كَمَا جمع (قاصعاء) على (قواصع) تَنْزِيلا لَهَا منزلَة قاصعة
وأكبر الصَّبِي: تغوط وَالْمَرْأَة: حَاضَت وأكبره: رَآهُ كَبِيرا وَعظم عِنْده. وَكبر فِي الْقدر من بَاب (قرب) مصدره كبرا بِالْكَسْرِ(1/770)
وَفِي السن من بَاب (لبس) ومصدره كبرا بِالضَّمِّ، [كَمَا أَن الصاغر بِمَعْنى الذَّلِيل من (صغر) بِالْكَسْرِ
ونقيض كَبِير من (صغر) بِالضَّمِّ]
وَالْكبر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر لُغَتَانِ فِي لم الشَّيْء، أَو بِالضَّمِّ فِي النّسَب وَلَاء، وبالكسر: مُعظم الشَّيْء
وَالْكَبِير وَالصَّغِير من الْأَسْمَاء المتضايفة الَّتِي تقال عِنْد اخْتِيَار بَعْضهَا بِبَعْض كالقليل وَالْكثير، وَرُبمَا يتعاقب الْكَبِير وَالْكثير على شَيْء وَاحِد بنظرين مُخْتَلفين (كثير) قرئَ نَحْو قَوْله: {قل فيهمَا إِثْم كَبِير} ، أَو (كثير) قرئَ بهما، وأصل ذَلِك أَن يسْتَعْمل فِي الْأَعْيَان، ثمَّ استعير للمعاني نَحْو: {لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحصاها}
الكسفة، بِالْكَسْرِ: الْقطعَة من الشَّيْء
والكسوف: جمع (كسف) جمع (كسفة) وَهُوَ للشمس وَالْقَمَر جَمِيعًا كَذَا فِي " الْمغرب " وَقد عَابَ أهل الْأَدَب مُحَمَّد بن الْحسن فِي لفظ كسوف الْقَمَر وَقَالُوا: إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الْقَمَر لفظ الخسوف قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذا برق الْبَصَر وَخسف الْقَمَر} وَفِي " الْقَامُوس ": وَالْقَمَر كسف، أَو كسف للشمس، وَخسف للقمر أَو الخسوف إِذا ذهب بَعْضهَا، والكسوف كلهَا، وَالْأَحْسَن فِي الْقَمَر خسف، وَفِي الشَّمْس كسفت
[قَالَ ابْن همام رَحمَه الله يُقَال: كسف الله الشَّمْس يتَعَدَّى، وكسفت الشَّمْس لَا يتَعَدَّى] والخسوف قد يكون بِمَعْنى غيبَة الشَّيْء وذهابه بِنَفسِهِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض}
والكسوف والخسوف كل من أثر الْإِرَادَة الْقَدِيمَة وَفعل الْفَاعِل الْمُخْتَار، وَمَا قَالَه الفلاسفة من أَنه أَمر عادي لَا يتَقَدَّم وَلَا يتَأَخَّر، سَببه حيلولة الْقَمَر أَو الأَرْض فمخالف لظَاهِر الشَّرْع
[قَالَ الإِمَام الكردري] فِي " الْبَزَّازِيَّة ": وَلَا يبعد اجْتِمَاع الْكُسُوف والعيد لِأَن سيره بِتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم (لَا يُقَال: لَا يَقع ذَلِك إِلَّا فِي آخر الشَّهْر، لأَنا نقُول: هُوَ مَمْنُوع نقلا، فقد خرج فِي الصَّحِيح أَنه انكسف يَوْم مَاتَ ابْن رَسُول الله وَهُوَ إِبْرَاهِيم
قَالَ الْوَاقِدِيّ وَالزُّبَيْر بن بكار: كَانَ مَوته فِي الْعَاشِر من شهر ربيع الآخر إِلَى آخر مَا قَالَ)
الكيد: هُوَ أقوى من الْمَكْر، وَالشَّاهِد أَنه يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَالْمَكْر بِحرف وَالَّذِي يتَعَدَّى بِنَفسِهِ أقوى
[وَقَوله تَعَالَى: {فيكيدوا لَك كيدا} فلتضمنه معنى فعل يتَعَدَّى بِهِ تَأْكِيدًا وَهُوَ (يحتال) أَي فيحتال لإهلاكك حِيلَة]
ومكر الله: إمهال العَبْد وتمكينه من أَعْرَاض الدُّنْيَا، وَلذَلِك قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " من وسع دُنْيَاهُ وَلم يعلم أَنه مكر بِهِ فَهُوَ مخدوع عَن عقله "
الْكَوْن: الْحَدث كالكينونة
والكائنة: الْحَادِثَة وَكَونه: أحدثه، و [كَون] الله الْأَشْيَاء: أوجدها(1/771)
والكونان: [الوجودان] الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
[وَاسم الْكَوْن مُخْتَصّ بِمَا أوجب اخْتِصَاص الْجَوْهَر بمَكَان أَو تَقْدِير مَكَان، كَمَا أَن اسْم الكائنة مُخْتَصّ بِنَفس اخْتِصَاص الْجَوْهَر بالحيز وَهُوَ الْمَكَان أَو تَقْدِير الْمَكَان، وَهُوَ جَار على وفْق الْوَضع اللّغَوِيّ وَمِنْه قَول الْعَرَب: كَانَ زيد فِي الدَّار، وَهُوَ كَائِن فِيهَا وَالْمرَاد بِهِ اخْتِصَاصه بهَا وحصوله فِيهَا]
الْكُرْبَة: هِيَ أَشد من الْحزن وَالْغَم وَيُقَال: هُوَ الْحزن الَّذِي يذيب الْقلب أَي: يحيره ويخرجه عَن أَعمال الْأَعْضَاء، وَرُبمَا أهلك النَّفس
الْكَرِيم: هُوَ قد يُطلق على الْجواد الْكثير النَّفْع بِحَيْثُ لَا يطْلب مِنْهُ شَيْء إِلَّا أعطَاهُ كالقرآن وَقد يُطلق من كل شَيْء على أحْسنه كَمَا قيل: الْكَرِيم صفة مَا يُرْضِي ويحمد فِي بَابه، يُقَال: رزق كريم أَي: كثير
وَقَول كريم أَي: سهل لين
وَوجه كريم: أَي مرضِي فِي حسنه وجماله
وَكتاب كريم: أَي مرضِي فِي مَعَانِيه وجزالة أَلْفَاظه وفوائده
ونبات كريم: أَي مرضِي فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْمَنَافِع
والكريم من كل قوم: مَا يجمع فضائله
والكريمان: الْحَج وَالْجهَاد
وَأَبَوَاهُ كريمان أَي: مُؤْمِنَانِ
وكريمتك: أَنْفك وكل جارحة شريفة كالأذن وَالْيَد
والكريمتان: العينان
وَأكْرم فلَان: أَي أَتَى بأولاد كرام
الْكَمَال: هُوَ مَا يكون عَدمه نُقْصَانا يسْتَعْمل فِي الذَّات وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال وَهُوَ الْأَمر اللَّائِق للشَّيْء الْحَاصِل لَهُ بِالْفِعْلِ سَوَاء كَانَ مَسْبُوقا بِالْقُوَّةِ أم لَا [كَمَا فِي حركات الْحَيَوَانَات، أَو غير مَسْبُوق كَمَا فِي الكمالات الدائمة الْحُصُول والحركات الأزلية على رَأْي الْحُكَمَاء
والكمال] يَنْقَسِم إِلَى منوع وَهُوَ مَا يحصل النَّوْع ويقومه كالإنسانية وَهُوَ أول شَيْء يحل فِي الْمَادَّة
وَغير منوع وَهُوَ مَا يعرض للنوع بعد الْكَمَال الأول كالضحك وَيُسمى كمالا ثَانِيًا وَهُوَ أَيْضا قِسْمَانِ: أَحدهمَا: صِفَات مُخْتَصَّة قَائِمَة بِهِ غير صادرة عَنهُ كَالْعلمِ للْإنْسَان مثلا
وَالثَّانِي آثَار صادرة عَنهُ كالكتابة مثلا
[وَاعْلَم أَن الْإِنْسَان على ثَلَاثَة أَصْنَاف: نَاقص، وَهُوَ أدنى الدَّرَجَات، وهم الْعَوام وكامل، وَهُوَ قِسْمَانِ: كَامِل غير مكتمل، وهم الْأَوْلِيَاء وَلَو وجد التَّكْمِيل للْبَعْض فَإِنَّمَا يكون ذَلِك بالنيابة لَا على الِاسْتِقْلَال وكامل فِي ذَاته مكتمل لغيره وهم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
ثمَّ الْكَمَال والتكميل إِمَّا أَن يَكُونَا فِي الْقُوَّة النظرية أَو فِي الْقُوَّة العملية، وَأفضل الكمالات النظرية معرفَة الله تَعَالَى وأشرف الكمالات العملية طَاعَة الله تَعَالَى وكل من كَانَت درجاته فِي هَاتين المرتبتين أَعلَى كَانَت دَرَجَات ولَايَته أكمل، وكل(1/772)
من كَانَت درجاتة وتكميله بِالْغَيْر فِي هَاتين المرتبتين أَعلَى وأكمل كَانَت دَرَجَات نبوته أكمل
الكفت فِي اللُّغَة: الضَّم وَالْجمع، وَمِنْه قَوْله: تَعَالَى: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} أَي: ألم نصيرها كافتة تضم الْأَحْيَاء إِلَى ظهرهَا والأموات إِلَى بَطنهَا
والكفات إِذن: اسْم لما يكفت كالضمام وَالْجِمَاع لما يضم وَيجمع أَو مصدر كالكتاب والحساب
أَو جمع (كافت) كصيام جمع صَائِم، أَو جمع اسْم غير مُشْتَقّ، وَهُوَ كفت بِمَعْنى الْوِعَاء، فالكفات بِمَعْنى الأوعية
الكدح: الْعَمَل وَالسَّعْي والكد وَالْكَسْب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِنَّك كَادِح إِلَى رَبك} أَي: ساع إِلَى لِقَاء جَزَائِهِ. وَيُقَال: هُوَ يكدح ويكتدح أَي: يكْتَسب
الكفاء: هُوَ مصدر كافاه أَي: قابله وَصَارَ نظيرا لَهُ
وَقَوْلهمْ: الْحَمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، بِهَمْزَة فِي يُكَافِئ أَي: يلاقي نعمه ويساوي مزِيد نعمه، وَهُوَ أجل التحاميد، [وَقد يسْتَعْمل بِمَعْنى الْكَافِي وَهُوَ الَّذِي يُسَاوِي الشَّيْء حَتَّى يكون مثلا لَهُ]
الكرع: هُوَ أَن يَخُوض فِي المَاء ويتناوله بِفِيهِ من مَوْضِعه وَلَا يكون الكرع إِلَّا بعد الْخَوْض فِي المَاء لِأَنَّهُ من الكراع وَهُوَ من الْإِنْسَان مَا دون الرّكْبَة، وَمن الدَّوَابّ مَا دون الكعب
الكبوة: السُّقُوط على الْوَجْه، أَو ميل الدَّوَابّ والسقوط على وَجههَا وَمِنْه: (الْجواد قد يكبو)
الكري: هُوَ مُخْتَصّ بالنهر بِخِلَاف الْحفر على مَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ وَكَلَام المطرزي يدل على الترادف
الكور: الْوُصُول إِلَى الزِّيَادَة
والحور: هُوَ الرُّجُوع إِلَى النُّقْصَان وَقيل: نَعُوذ بِاللَّه من الْحور بعد الكور، أَي من التَّرَدُّد فِي الْأَمر بعد الْمُضِيّ فِيهِ، أَو من نُقْصَان وَتردد فِي الْحَال بعد الزِّيَادَة فِيهَا
والكور، بِالضَّمِّ: كور الحدادين الْمَبْنِيّ من طين
والكير: زق الْحداد
الكاهن: هُوَ من يخبر بالأحوال الْمَاضِيَة
والعراف: من يخبر بالأحوال الْمُسْتَقْبلَة:
الكياسة: هِيَ تَمْكِين النُّفُوس من استنباط مَا هُوَ أَنْفَع
الْكِرَاء: هُوَ أُجْرَة الْإِبِل وَنَحْوهَا، وَإِن كَانَ فِي الأَصْل مصدر كارى
الكآبة: هِيَ سوء الْحَال والانكسار من الْحزن
والكمد: هُوَ الْحزن المكتوم
والضجر: القلق وَالِاضْطِرَاب من الْغم
كفى: هِيَ قَاصِرَة بِمَعْنى حسب، وَالْغَالِب على فاعلها أَن يقْتَرن بِالْبَاء لتأكيد الِاتِّصَال الإسنادي بالاتصال الإضافي نَحْو: {كفى بِاللَّه نَصِيرًا}(1/773)
أَو متعدية لاثْنَيْنِ بِمَعْنى (وقى) نَحْو: {فَسَيَكْفِيكَهُم الله} ، {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} وَهَاتَانِ لَا تدخل الْبَاء على فاعلهما
ولواحد بِمَعْنى قنع كَقَوْلِه تَعَالَى: {ألن يكفيكم أَن يمدكم ربكُم بِثَلَاثَة آلَاف} قَول الشَّاعِر:
(قَلِيل مِنْك يَكْفِينِي وَلَكِن ... قَلِيل لَا يُقَال لَهُ قَلِيل)
وكيفته شَرّ عدوه: منعته عَنهُ
كَمَا تدين تدان: الْكَاف فِي مَحل النصب نعتا للمصدر أَي: تدان دينا مثل دينك
كثيرا مَا: هُوَ مَنْصُوب على أَنه مفعول مُطلق على اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ، و (مَا) مزيدة للْمُبَالَغَة فِي الْكَثْرَة، أَو عوض عَن الْمَحْذُوف، وَفَائِدَته التَّأْكِيد وَالْعَامِل فِيهِ الْفِعْل الَّذِي يذكر بعده
كثيرين: جمع كثير يُقَال على مَا يُقَابل الْقَلِيل، وعَلى مَا يُقَابل الْوَاحِد، وَيصِح إِرَادَة كل وَاحِد مِنْهُمَا بل إرادتهما مَعًا وَهُوَ الْجمع الْمُذكر السَّالِم الَّذِي يخْتَص بالعقلاء
وَالْأَكْثَر: عبارَة عَمَّا فَوق النّصْف، وَالْحكم بالأكثرية أَو الْجَمِيع لَا يتَوَقَّف على الْإِحَاطَة التفصيلية بل يَكْفِيهِ الْإِحَاطَة الإجمالية وأصل الْكَثْرَة هُوَ الْجمع الصَّحِيح إِذْ لَا غَايَة للكثير [وَمَا هُوَ الْمُجْتَمع من الْآحَاد مَأْخُوذَة من حَيْثُ أَنه آحَاد هُوَ الْكَثْرَة، وَأما الْكثير فَهُوَ الْمُجْتَمع من الوحدات، وَفِي " شرح المواقف " الْكَثْرَة المجتمعة من الْأُمُور الْمُخْتَلفَة الْحَقَائِق دَاخِلَة فِي الْوحدَة وخارجة عَن حد الْكَثْرَة]
كَمَا ترى: الْكَاف بِمَعْنى على كَمَا فِي (كن كَمَا أَنْت
كَائِنا من كَانَ: هِيَ كلمة تَعْمِيم، وَهُوَ حَال، وَالْحَال قد يكون فِيهَا معنى الشَّرْط كالعكس
فَالْأول كَقَوْلِك: (لأقتلنه كَائِنا من كَانَ) على معنى إِن كَانَ هَذَا وَإِن كَانَ ذَاك
كَمَا مر: (مَا) كَافَّة أَو مَوْصُولَة صلتها مَا بعْدهَا، وَالْكَاف فِيهَا إِمَّا بِمَعْنى الْمثل وَهُوَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ، أَو بِمَعْنى على، أَو بِمَعْنى اللَّام الجارة
كَمَا قيل: الْكَاف فِيهِ للتشبيه، و (مَا) قيل: كَافَّة لَهَا من الدُّخُول فِي الْمُفْرد، وَقيل: مَصْدَرِيَّة عِنْد أَكثر النُّحَاة
كَمَا ذكر فلَان: الْكَاف فِي مَوضِع النصب على الْمصدر أَي: أذكر لَك ذكرا مثل ذكر فلَان
كَمَا قُلْنَا: هُوَ إِشَارَة إِلَى مَا سبق من الْكَلَام بِغَيْر عِلّة وَلما قُلْنَا: إِشَارَة إِلَى كَلَام يذكر سَابِقًا بعلة وَهَكَذَا (كَمَا مر) و (لما مر)
كَمَا سَيَجِيءُ: الْكَاف فِي مثله لَيْسَ للتشبيه، بل صَرَّحُوا أَنه بِمَعْنى على، وَذكر بعض النُّحَاة أَن مثل هَذِه الْكَاف للتَّعْلِيل كَقَوْلِه تَعَالَى: {واذكروه كَمَا هدَاكُمْ}
كَذَلِك: الْكَاف فِيهِ مقحم للْمُبَالَغَة، وَهَذَا الإقحام(1/774)
مطرد فِي عرف الْعَرَب والعجم
كنحو: فِي الْجمع بَين أداتي التَّمْثِيل إِشَارَة إِلَى كَثْرَة الْأَمْثِلَة، بل لتَعَدد أَنْوَاع الْمِثَال، وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْله: (كَالدَّارِ مثلا) وَفِي مثل قَوْله: (كالخل وَنَحْوه) الْكَاف للتمثيل والنحو للتشبيه فَالْمَعْنى مِثَاله الْخلّ وَمَا يُشبههُ
وَيُقَال: (سمع الْكَلَام كَمَا يجب سَمعه) فالكاف فِيهِ بِمَعْنى الْمثل، و (مَا) بِمَعْنى شَيْء، وَهُوَ فِي مَحل النصب على أَنه مفعول مُطلق، وَالتَّقْدِير: سمع الْكَلَام سمعا مثل سمع شَيْء يجب سَمعه
كَافَّة: اسْم للجملة من الْكَفّ، كَأَنَّهُمْ كفوا باجتماعهم عَن أَن يخرج مِنْهُم أحد كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} فَإِن الرسَالَة إِذا عَمت النَّاس فقد كفتهم أَن يخرج مِنْهَا أحد مِنْهُم، وَلَا يتَصَرَّف فِيهَا بِغَيْر النصب على الحالية من الْعُقَلَاء دَائِما، وَلَا تدْخلهَا الْألف وَاللَّام لِأَنَّهَا فِي مَذْهَب قَوْلك: قَامُوا جَمِيعًا، وَقَامُوا مَعًا، وَإِنَّهَا لَا تثني وَلَا تجمع وَكَذَا (قاطبة وطرا) ، وتاؤها بعد النَّقْل لم تبْق للتأنيث
قَالَ ابْن حجر: إِن من التورية فِي الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} فَإِن كَافَّة بِمَعْنى مَانِعَة أَي: تكفهم عَن الْكفْر وَالْمَعْصِيَة، وَالْهَاء للْمُبَالَغَة وَهَذَا معنى بعيد وَالْمعْنَى الْقَرِيب الْمُتَبَادر (جَامِعَة) بِمَعْنى جَمِيعًا، لَكِن منع من الْحمل على ذَلِك، لِأَن التَّأْكِيد يتراخى عَن الْمُؤَكّد، فَكَمَا لَا تَقول: رَأَيْت جَمِيع النَّاس، لَا تَقول أَيْضا: رَأَيْت كَافَّة النَّاس
كَيْت وَكَيْت: حِكَايَة عَن الْأَحْوَال وَالْأَفْعَال كَمَا أَن ذيت وذيت حِكَايَة عَن الْأَقْوَال [نوع]
{كسفا} : قطعا، [وبالتسكين يجوز أَن يكون وَاحِدًا
{كَالِحُونَ} : عابسون فَإِنَّهُم من شدَّة الاحتراق تتقلص شفاههم عَن الْأَسْنَان
{من كل كرب} : غم
{تمت كلمة رَبك} : بلغت الْغَايَة أخباره وَأَحْكَامه ومواعيده
{وَهُوَ كظيم} : مَمْلُوء قلبه من الكرب
{كراما} : أعزاء على الله
{الكنس} : السيارات الَّتِي تَحت ضوء الشَّمْس
{كثيبا} : رملا مجتمعا
{كفلها زَكَرِيَّا} : ضمهَا إِلَيْهِ وحضنها
{كل على مَوْلَاهُ} : عِيَال وَثقل على وليه وقرابته
{فكبكبوا} أَي: ألقوا على رؤوسهم فِي(1/775)
جَهَنَّم
{تولى كبره} : معظمه
{كبتوا} : أخذُوا وأهلكوا
{رددنا لكم الكرة} : الدولة وَالْغَلَبَة
{كَبرت كلمة} : عظمت مقالتهم
{فَلَا كفران لسعيه} : فَلَا تَضْييع لسعيه
{إِنَّهَا كلمة هُوَ قَائِلهَا} : وَحده وَلَا يُجَاب إِلَيْهَا وَلَا يسمع مِنْهُ
{الْكَلم الطّيب} : ذكر الله، وَالْعَمَل الصَّالح أَدَاء الْفَرْض
{لكنود} : كنُود للنعم وَهُوَ الَّذِي يَأْكُل وَحده، وَيمْنَع رفده، وبلغة كنَانَة كفور للنعم
{كاظيمن} : حابسين أَو مكروبين
{كافورا} : ذكر الجواليقي وَغَيره أَنه فَارسي [لبرده وعذوبته وَطيب عرفه]
{كفر عَنَّا} : قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: امح عَنَّا بالنبطية
{كِفْلَيْنِ} : عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: ضعفين بالحبشية
{كورت} لفت إِذا أظلمت عَن سعيد بن جُبَير: غورت وَقَالَ الْكَلْبِيّ: لَا أعلمها إِلَّا بِلِسَان يهود يثرب
{الْكَوْثَر} : الْخَيْر المفرط الْكثير من الْعلم وَالْعَمَل وَشرف الدَّاريْنِ [أَو النَّهر الْمَعْرُوف فِي الْجنَّة]
{ملكا كَبِيرا} : وَاسِعًا
{كواعب} : نسَاء فلكت ثديهن
{فِي كبد} : فِي تَعب ومشقة، أَو فِي اعْتِدَال واستقامة
{السَّمَاء كشطت} : قلعت أَو أزيلت
[ {كأسا} أَي خمرًا و] لَا يُقَال كأس إِلَّا إِذا كَانَ فِيهَا شراب وَإِلَّا فَهِيَ زجاجة وإناء وقدح، وَتسَمى الْخمر نَفسهَا كأسا، وَلَا يُقَال كوز إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ عُرْوَة، وَإِلَّا فَهُوَ كوب وَلَا يُقَال كمي إِلَّا إِذا كَانَ شاكي السِّلَاح، وَإِلَّا فَهُوَ بَطل
{إِلَّا كفورا} : إِلَّا جحُودًا
{قولا كَرِيمًا} : جميلا.
{إِنَّك كَادِح إِلَى رَبك} : ساع إِلَى لِقَاء جَزَائِهِ(1/776)
{وَإِنَّهَا لكبيرة} : لثقيلة شاقة
{كسَالَى} : متثاقلين كالمكره على الْفِعْل
{وَلَا مبدل لكلمات الله} : لمواعيده
{إِن كيدي متين} : إِن أخذي شَدِيد
{وكهلا} : هُوَ من تجَاوز الثَّلَاثِينَ
{قل قتال فِيهِ كَبِير} : أَي ذَنْب كَبِير
{تخشون كسادها} : فَوَات وَقت نفاقها
{كرة} : رَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا
{كدأب آل فِرْعَوْن} : كعادتهم
{كأين} : أَي كم
{كيل بعير} : حمل جمل
{الْكَهْف} : غَار فِي الْجَبَل.
{فَكيف إِذا توفتهم الْمَلَائِكَة} : أَي كَيفَ يَفْعَلُونَ عِنْد ذَلِك، وَالْعرب تكتفي بكيف عَن ذكر الْفِعْل مَعهَا لِكَثْرَة دورها {كرة} ، بِالضَّمِّ: مشقة وبالفتح: إِكْرَاه فَالْأول مَا حمل الْإِنْسَان نَفسه عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مَا أكره عَلَيْهِ
{أعجب الْكفَّار} : يَعْنِي الزراع
{كبارًا} : كَبِيرا فِي الْغَايَة
{كيدون} : احْتَالُوا فِي أَمْرِي
{كدنا ليوسف} : أَي كدنا لَهُ إخْوَته حَتَّى ضممنا أَخَاهُ إِلَيْهِ وَكيد الله: مَشِيئَته بِالَّذِي يَقع بِهِ الكيد لَا الاحتيال
{لإحدى الْكبر} : أَي البلايا الْكبر الْكَثِيرَة
{مروا كراما} : معرضين عَمَّا يجب أَن يلغى مكرمين أنفسهم عَن الْوُقُوف عَلَيْهِ والخوض فِيهِ
{الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْض} : الْملك لِأَنَّهُ أكبر مَا يطْلب من أَمر الدُّنْيَا
{كذابا} : كذبا]
(فصل اللَّام)
[لَوْلَا] : نقل عَن الْخَلِيل أَن كل مَا فِي الْقُرْآن من (لَوْلَا) فَهِيَ بِمَعْنى هلا إِلَّا الَّتِي فِي " الصافات " {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} وَفِي " يُونُس " {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت فنفعها إيمَانهَا} يَعْنِي المقترنة بِالْفَاءِ
[لَو] : وَعَن ابْن عَبَّاس كل شَيْء فِي الْقُرْآن (لَو)(1/777)
فَإِنَّهُ لَا يكون أبدا لِأَنَّهُ حرف امْتنَاع يُنَبه على اسْتِحَالَة وُقُوع مَا قرن ذكره بِهِ، وَكَذَا حَيْثُ مَا ورد فِي السّنة
[لَعَلَّ] : وَعَن الْوَاقِدِيّ: كل مَا فِي الْقُرْآن من (لَعَلَّ) فَإِنَّهَا للتَّعْلِيل إِلَّا {لَعَلَّكُمْ تخلدون} فَإِنَّهَا للتشبيه، وَهَذَا غَرِيب لم يذكرهُ النُّحَاة
[اللؤمة] : كل مَا يبخل بِهِ الْإِنْسَان لحسنه من مَتَاع الْبَيْت وَنَحْوه فَهُوَ لؤمة [اللَّقْلَقَة] : كل صَوت فِيهِ حَرَكَة واضطراب فَهِيَ لقلقَة
[اللَّغْو] : كل مطروح من الْكَلَام لَا يعْتد بِهِ فَهُوَ لَغْو
[اللعبة] : كل ملعوب بِهِ فَهُوَ لعبة يُقَال: اقعد حَتَّى أفرغ من هَذِه اللعبة
[لَقِي] : كل شَيْء اسْتقْبل شَيْئا فقد لقِيه
[اللَّهْو] : كل بَاطِل ألهى عَن الْخَيْر وَعَما يَعْنِي فَهُوَ لَهو
[اللَّام] : الهول كاللامة، واللوم شخص الْإِنْسَان، والشديد من كل شَيْء، وحرف هجاء
وَاللَّام للتعريف بالِاتِّفَاقِ، وَفِي معنى التَّعْرِيف اشْتِبَاه فمذهب سِيبَوَيْهٍ أَن حرف التَّعْرِيف هُوَ اللَّام الساكنة فِي (ال) فَقَط، كَمَا أَن حرف التنكير هُوَ النُّون الساكنة، وزيدت الْهمزَة للابتداء
وَمذهب الْخَلِيل أَن حرف التَّعْرِيف مَجْمُوع (ال) ك (هَل) ، وَلذَلِك قيل: يَا الله بِقطع الْهمزَة لِأَنَّهُ جُزْء المعوض من الْحَرْف الْأَصْلِيّ، وَهَذَا ظَاهر وَإِنَّمَا الخفاء فِيمَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ، لكنه يُقَال: إِنَّهَا لما اجتلبت للنطق بالساكن جرت مِنْهُ مجْرى الْحَرَكَة، فَلَمَّا عوض عَن حرف متحرك كَانَ للهمزة مدْخل مَا فِي التعويض فَجَاز قطعهَا، وَإِنَّمَا اخْتصَّ الْقطع بالنداء لِأَن الْحَرْف فِيهِ يتمحض للتعويض فَلَا يُلَاحظ فِيهِ شَائِبَة تَعْرِيف حذرا من اجْتِمَاع أداتي التَّعْرِيف، وَأما فِي غير النداء فَيجْرِي الْحَرْف على أَصله
وَمذهب الْمبرد أَنَّهَا الْهمزَة فَقَط وَزيد اللَّام للبس الِاسْتِفْهَام
قَالَ بَعضهم: وَالتَّعْبِير ب (ال) أولى من التَّعْبِير بِالْألف وَاللَّام إِذْ لَا يُقَال فِي (هَل) الْهَاء وَاللَّام وَلَا فِي (قد) الْقَاف وَالدَّال إِلَى غير ذَلِك، وَالتَّعْبِير بأداة التَّعْرِيف أحسن من التَّعْبِير بأل لشُمُوله لأل وَاللَّام على قَول من يَرَاهَا وَحدهَا هِيَ الْمعرفَة، و (لم) بدلهَا على لُغَة حمير
وَقد يعبر عَن الْمُعَرّف بِاللَّامِ الَّتِي فِي حكم النكرَة بالمحلى بِاللَّامِ إِشَارَة إِلَى أَن اللَّام فِيهِ لمُجَرّد تَزْيِين اللَّفْظ، ثمَّ إِن اللَّام الَّتِي للتعريف وَهُوَ تذكر السَّامع مَا حضر فِي ذهنه من الْمَاهِيّة الْمُجَرَّدَة الْمُسَمَّاة جِنْسا، أَو الْمَاهِيّة المخلوطة الْمُسَمَّاة معهودا لَا تَسْتَغْنِي هَذِه اللَّام عَن ضميمة كالتقدم ذكرا حَقِيقَة أَو حكما بِخِلَاف الأولى، وَاخْتلفُوا فِيمَا يصرف إِلَيْهِ إِذا وجد الْمَعْهُود، فَمنهمْ من صرف إِلَيْهِ لقُرْبه من الْفَهم، وَلَا يعدل إِلَى الْجِنْس إِلَّا عِنْد عَدمه، وَمِنْهُم من صرفه إِلَى الْجِنْس لتعينه بالملاحظة الذهنية تعينا لَا يُفَارِقهُ، وَلَا يعدل إِلَى الْمَعْهُود إِلَّا للتعذر، ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ فِي أَنه هَل(1/778)
يصرف إِلَى فَرد من الْمَاهِيّة أَو إِلَى كل الْأَفْرَاد، فَمنهمْ من ذهب إِلَى الْوَاحِد، وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى الِاسْتِغْرَاق محتجين بِأَن اخْتِصَاص فَرد بِلَا مُخَصص لَا يجوز، وبصحة الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا} وبالإجماع على أَن المُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة} ، {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} الِاسْتِغْرَاق إِذا تقرر هَذَا فَاعْلَم أَن اللَّام إِذا دخلت على اسْم من الْأَسْمَاء فَلَا معنى لَهَا سوى الْإِشَارَة إِلَى تعْيين مُسَمَّاهُ، وَتلك الْإِشَارَة هِيَ تَعْرِيف الْجِنْس، ثمَّ إِنَّه إِمَّا أَن يُوجد هُنَاكَ قرينَة مَا أَو لَا فعلى الثَّانِي تسمى لَام الْحَقِيقَة، وعَلى الأول إِمَّا أَن تكون قرينَة الْخُصُوص الْخَارِجِي أَو لَا فعلى الأول تسمى لَام الْعَهْد الْخَارِجِي، وعَلى الثَّانِي إِمَّا أَن تكون قرينَة الْعُمُوم أَو لَا، فعلى الأول تسمى لَام الِاسْتِغْرَاق، وعَلى الثَّانِي تسمى لَام الْعَهْد الذهْنِي
قَالَ صَاحب " التحبير ": " إِن اللَّام لنَفس الْإِشَارَة لَكِن الْإِشَارَة تقع تَارَة إِلَى فَرد لمخاطبك بِهِ عهد، وَأُخْرَى إِلَى جنس، فَمَعْنَى اللَّام وَاحِد على كل حَال " انْتهى، فَإِذن لَا بُد لَهُ من تَقْدِيم مشار إِلَيْهِ فَإِذا جَاءَ فِي الْكَلَام مَا يَصح أَن يكون مشارا إِلَيْهِ بِأَيّ وَجه كَانَ تعين لَهُ
وَقَالَ عَامَّة أهل الْأُصُول والعربية: لَام التَّعْرِيف سَوَاء دخلت على الْفَرد أَو على الْجمع تفِيد الِاسْتِغْرَاق فيهمَا جَمِيعًا إِلَّا إِذا كَانَ معهودا
وَعَن أبي عَليّ اليسوي أَنه للمطلق فيهمَا لَا للاستغراق، وَهُوَ أحد قولي أبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة، وَقَوله الآخر أَنه فِي الْفَرد لمُطلق الْجِنْس، وَفِي الْجمع لمُطلق الْجمع لَا للاستغراق إِلَّا بِدَلِيل آخر وَقَول صَاحب " الْمُعْتَمد " فِي الْفَرد كَذَلِك وَفِي الْجمع للاستغراق إِلَّا بِدَلِيل
ثمَّ نقُول: إِن لَام الْجِنْس إِذا دخلت على الْمُفْرد كَانَ صَالحا لِأَن يُرَاد بِهِ الْجِنْس إِلَى أَن يحاط بِهِ، وَأَن يُرَاد بِهِ بعضه لَا إِلَى وَاحِد، لِأَن وزانه فِي تنَاول الجمعية وزان الْمُفْرد فِي تنَاول الجنسية، والجمعية فِي جمل الْجِنْس لَا فِي وحداته، وَإِذا دخلت اللَّام على اسْم الْجِنْس فإمَّا أَن يشار بهَا إِلَى حِصَّة من مُسَمَّاهُ مُعينَة بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب وَاحِدًا كَانَت أَو اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة مَذْكُورَة تَحْقِيقا أَو تَقْديرا وَتسَمى لَام الْعَهْد الْخَارِجِي، وَنَظِير مدخولها الْعلم الشخصي ك (زيد) ونعني بالخارجي مَا كَانَ السَّامع يعرفهُ
وَإِمَّا أَن يشار بهَا إِلَى الْجِنْس نَفسه فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يقْصد الْجِنْس من حَيْثُ هُوَ هُوَ من غير اعْتِبَار لما قصد عَلَيْهِ من الْأَفْرَاد الدَّاخِلَة على الْمَحْدُود كَمَا فِي قَوْلك: (الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق) لِأَن التَّعْرِيف للماهية أَي الْحَقِيقَة وَنَحْو قَوْلنَا: (الرجل خير من الْمَرْأَة) ، أَي إِذا قوبل حَقِيقَة كل مِنْهُمَا بِحَقِيقَة الآخر فحقيقة الرجل خير من حَقِيقَة الْمَرْأَة وَإِلَّا فكم من امْرَأَة خير من رجل بِاعْتِبَار شرفها وقربها وكرامتها عِنْد الله تَعَالَى، فتسمى هَذِه اللَّام لَام الْحَقِيقَة وَلَام الطبيعة، وَنَظِير مدخولها الْعلم الجنسي ك (أُسَامَة) وَإِمَّا أَن يقْصد الْجِنْس من(1/779)
حَيْثُ هُوَ مَوْجُود فِي ضمن الْأَفْرَاد بِقَرِينَة الْأَحْكَام الْجَارِيَة عَلَيْهِ الثَّابِتَة لَهُ فِي ضمنهَا، إِمَّا فِي جَمِيعهَا بِأَن لَا تقوم قرينَة البعضية كَمَا فِي الْمقَام الْخطابِيّ فَيحمل على الِاسْتِغْرَاق بِسَبَب أَن الْقَصْد إِلَى بعض دون بعض تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَتسَمى لَام الِاسْتِغْرَاق وَنَظِيره كلمة (كل) مُضَافَة إِلَى النكرَة أَو فِي بَعْضهَا بِأَن تقوم قرينَة البعضية كَمَا فِي الْمقَام الاستدلالي، فَيحمل على الْأَقَل لِأَنَّهُ الْمُتَيَقن، وَتسَمى لَام الْعَهْد الذهْنِي كَقَوْلِك: (ادخل السُّوق وأشتر اللَّحْم) ، حَيْثُ لَا عهد فِي الْخَارِج، ومؤدى مدخولها مؤدى النكرَة، وَلذَلِك تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامهَا ونعني بالذهني مَا انْفَرد الْمُتَكَلّم بمعرفته، وَإِلَّا فالعهد لَا يكون إِلَّا فِي الذِّهْن
ثمَّ الأَصْل فِي اللَّام لَام الْعَهْد الْخَارِجِي عِنْد عُلَمَاء الْأُصُول لكَون الْأَحْكَام الخارجية أصلا عِنْدهم، وَسَائِر الْأَقْسَام من شعبها، فيتقدم هُوَ على الِاسْتِغْرَاق، وَهُوَ على الْجِنْس، لِأَن الإفادة خير من الْإِعَادَة، وَهُوَ على الْعَهْد الذهْنِي
وَأما عِنْد عُلَمَاء الْمعَانِي فَالْأَصْل فِي اللَّام الْحَقِيقَة، فَإِن أبحاثهم من الْأَحْكَام الوضعية والمجازية، وَقد صَرَّحُوا بِأَن الْأَلْفَاظ فِي وَضعهَا للْجِنْس والحقيقة لَا للْعُمُوم وَلَا للخصوص، وَمَا عَداهَا من فروعها بِحَسب الْقَرَائِن والمقامات
وَاللَّام الَّتِي مَعْنَاهَا الْجِنْس تطلق على الْقَلِيل وَالْكثير كَالْمَاءِ
وَالَّتِي مَعْنَاهَا استغراق الْجِنْس تطلق على الْكثير دون الْقَلِيل نَحْو: الرجل، إِذا أُرِيد مِنْهُ جَمِيع الرِّجَال، وَإِن أُرِيد مِنْهُ قَلِيل الرِّجَال فَحِينَئِذٍ للْجِنْس فَقَط لَا لاستغراقه
وَاللَّام الَّتِي للْجِنْس لَا تفارق الِاسْتِغْرَاق فِي الذِّهْن، فَلَا يتَخَلَّف الْفَرد عَنهُ كَمَا فِي قَوْلنَا: (الرجل خير من الْمَرْأَة) ، وَإِن الْأَمر كَذَلِك فِي الذِّهْن بِخِلَاف الْجِنْس الْخَارِجِي فَإِنَّهُ يُفَارِقهُ، ويتخلف الْفَرد عَنهُ لِأَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا خير من جَمِيع الدُّنْيَا وَأَهْلهَا
وَاللَّام الَّتِي فِي الْأَعْلَام الْغَالِبَة من الْعَهْد الَّذِي يكون بِعلم الْمُخَاطب بِهِ قبل الذّكر لشهرته لَا من الْعَهْد الَّذِي يكون يجْرِي ذكر الْمَعْهُود
وَلَام الِاسْتِحْقَاق تكون بَين الذَّات وَالصّفة نَحْو: {الْعِزَّة لله}
وَلَام الِاخْتِصَاص تكون بَين الذاتين نَحْو: {الْجنَّة لِلْمُتقين} وَلم يفرق بَينهمَا ابْن هِشَام بل عمم الثَّانِي لما فِيهِ من تقليل الِاشْتِرَاك وَقيل: مَا لَا يَصح لَهُ التَّمَلُّك فَاللَّام مَعَه لَام الِاخْتِصَاص، وَمَا يَصح لَهُ التَّمَلُّك وَلَكِن أضيف إِلَيْهِ مَا لَيْسَ بمملوك لَهُ فَاللَّام مَعَه لَام الِاسْتِحْقَاق، وَمَا عدا ذَلِك فَاللَّام فِيهِ للْملك
والاختصاص الْحَقِيقِيّ كَمَا فِي الإملاك نَحْو: {لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} و (وهبت لَهُ المَال)
وَفِي شبه الإملاك نَحْو: {يهب لمن يَشَاء الذُّكُور} و (الْغُلَام لزيد)
والاختصاص الادعائي كَمَا فِي (الْحَمد لله)(1/780)
و (الْأَمر لله) بتنزيل العلاقة الشَّدِيدَة منزلَة الِاخْتِصَاص وَلَام الاستغاثة بِالْفَتْح كَقَوْلِك: (يَا للنَّاس) وَلَام التَّعَجُّب وَالْقسم مَعًا كَقَوْلِه: لله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد والتعجب الْمُجَرّد عَن الْقسم نَحْو: لله دره (لَام الْملك نَحْو: هَذِه الدَّار لزيد. لَام الْملك نَحْو: {لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} . لَام التَّمْلِيك نَحْو: وهبت لزيد. وَشبه التَّمْلِيك نَحْو: {وَجعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} ) وَالْأَصْل فِي لَام الْجَرّ وَهِي لَام الْملك أَن تكون للْملك فِيمَا يقبله كَقَوْلِه: {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} لَا لمُجَرّد الِاخْتِصَاص إِلَّا إِذا كَانَ فِيمَا لَا يقبله كَقَوْلِهِم: (الْخلَافَة لقريش) لَام الدُّعَاء لَام مَكْسُورَة تجزم الْمُسْتَقْبل ويفتتح بهَا الْكَلَام فَيُقَال: لغير الله للْمُؤْمِنين، وليعذب الله الْكَافرين
وَلَام الْجُحُود لَا يَقع قبلهَا فعل مُسْتَقْبل فَلَا تَقول: (لن يكون زيد ليفعل) بِخِلَاف لَام (كي) نَحْو: (سأتوب ليغفر الله لي) لَام الْجُحُود تقع بعد مَا لَا يسْتَقلّ أَن يكون كلَاما دونهَا، وَلَام كي لَا تقع إِلَّا بَعْدَمَا يسْتَقلّ هُوَ كلَاما وَلَام الْأَمر يجوز تسكينه بعد وَاو أَو فَاء نَحْو {وليوفوا نذورهم} {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بِي} وَلَا يجوز ذَلِك فِي لَام (كي) وَمَا يَتَرَتَّب على فعل الْفَاعِل الْمُخْتَار إِن كَانَ ترتبه عَلَيْهِ بطرِيق الِاتِّفَاق والإمضاء من غير أَن يكون اقْتِضَاء وسببية تسمى اللَّام الدَّاخِلَة عَلَيْهِ لَام الصيرورة وَهِي الْعَاقِبَة والمآل كَقَوْلِه تَعَالَى: {فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا} ، وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا ليضل النَّاس} أَي: عَاقِبَة كذبه ومصيره إِلَى الإضلال بِهِ
وَإِن كَانَ هُنَاكَ سَبَبِيَّة واقتضاء فِي نفس الْأَمر من غير أَن يكون حَامِلا للْفَاعِل عَلَيْهِ وباعثا لَهُ يُسمى ذَلِك اللَّام لَام التَّعْلِيل، وَيدخل كل مِنْهُمَا على مَا يَتَرَتَّب على أَفعَال الله بالِاتِّفَاقِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ من الله عَلَيْهِم من بَيْننَا} وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك حَامِلا لَهُ عَلَيْهِ وباعثا لإقدامه على ذَلِك الْفِعْل يُسمى لَام الْغَرَض وَلَام الْعلَّة الغائية، وَلَا يجوز دُخُولهَا على مَا يَتَرَتَّب على أَفعَال الله تَعَالَى خلافًا للمعتزلة على مَا بَين فِي مَحَله
وَاللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا نملي لَهُم ليزدادوا إِثْمًا} لَام الْإِرَادَة عندنَا وَاللَّام لما فِيهَا من معنى الْإِرَادَة تصلح مُؤَكدَة لمضمون فعل الْإِرَادَة مثل:(1/781)
(جئْتُك لأكرمك) ، كَمَا أَنَّهَا لما فِيهَا من الدّلَالَة على الِاخْتِصَاص زيدت لتأكيد معنى الْإِضَافَة الْمُقْتَضِيَة للاختصاص فِي نَحْو: (لَا أبالك) فَإِن أَصله (لَا أَبَاك)
وَاللَّام تقع زَائِدَة فِي قَوْلك: (ذَلِك) وَإِنَّمَا هُوَ (ذَاك) ، والزائدة أَنْوَاع مِنْهَا اللَّام المعترضة بَين الْفِعْل الْمُتَعَدِّي ومفعوله كَمَا فِي قَوْله:
(وَمن يَك ذَا عود صَلِيب رجا بِهِ ... ليكسر عود الدَّهْر فالدهر كاسره)
وَمِنْهَا اللَّام الْمُسَمَّاة بالمقحمة وَهِي المعترضة بَين المتضايفين نَحْو: (يَا بؤس للحرب) الأَصْل (يَا بؤس الْحَرْب) فأقحمت تَقْوِيَة للاختصاص
وَمِنْهَا اللَّام الْمُسَمَّاة بلام التقوية: وَهِي المزيدة لتقوية عَامل ضعف إِمَّا بِتَأْخِيرِهِ نَحْو: {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} أَو بِكَوْنِهِ فرعا فِي الْعَمَل نَحْو: {فعال لما يُرِيد} ، {نزاعة للشوى}
وَاللَّام تكون للتَّأْكِيد وَرُبمَا يُقَال لَهَا لَام الِابْتِدَاء، وَهِي الدَّاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَخبر (إِن) نَحْو: {لَأَنْتُم أَشد رهبة} ، {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم}
وكاللام الَّتِي تدخل على (قد) ، و (لَعَلَّ) ، وَتَكون لتوكيد النَّفْي وَهِي الدَّاخِلَة فِي خبر كَانَ، أَو يكون، منفيين نَحْو: {وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب} ، {وَلم يكن الله ليغفر لَهُم}
وَتَكون للتعدية نَحْو: {وتله للجبين}
وَتَكون لتبيين الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول نَحْو: {فتعسا لَهُم} ، {وهيهات لما توعدون}
وَاللَّام الجازمة هِيَ لَام الطّلب نَحْو: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بِي} وإسكانها بعد الْفَاء وَالْوَاو أَكثر من تحريكها، وَقد تسكن بعد (ثمَّ) نَحْو: {ثمَّ ليقضوا}
والتهديد نَحْو: {وَمن شَاءَ فليكفر}
وجزمها بِفعل الْغَائِب كثير نَحْو: {فلتقم طَائِفَة} وبفعل الْمُخَاطب قَلِيل نَحْو: {فَلذَلِك فلتفرحوا} فِي قِرَاءَة التَّاء وَيفْعل الْمُتَكَلّم أقل وَمِنْه: {ولنحمل خطاياكم}
لَام الْإِضَافَة هِيَ اللَّام الجارة، وَالْفرق بَينهَا وَبَين لَام الِابْتِدَاء بجوهر الْمَدْخُول، فَإِنَّهُ ضمير مَرْفُوع فِي لَام الِابْتِدَاء، مجرور فِي لَام الْإِضَافَة، وَلَا تدخل لَام الْإِضَافَة إِلَّا على الِاسْم، فَلَا تَلْتَبِس على الجازمة الَّتِي لَا تدخل إِلَّا على الْفِعْل، وَلَا على الابتدائية لِأَنَّهَا تدخل على الْمُضَارع
(وَاللَّام تسْتَعْمل للقسم إِذا كَانَ مَوضِع تعجب كَمَا فِي قَول ابْن عَبَّاس: " دخل آدم الْجنَّة فَللَّه مَا(1/782)
غربت الشَّمْس حَتَّى خرج " قَول الشَّاعِر:
(لله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد)
وَلَام الْجَواب للقسم نَحْو: {تالله لأكيدن أصنامكم} أَو ل (لَو) نَحْو: {لَو تزيلوا لعذبنا} ، أَو لأ (لَوْلَا) نَحْو: {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض}
وَاللَّام الموطئة للقسم أَي المسهلة لتفهم الْجَواب على السَّامع وَتسَمى المؤذنة، وَهِي الدَّاخِلَة على أَدَاة الشَّرْط بعد تقدم الْقسم لفظا أَو تَقْديرا للإيذان بِأَن الْجَواب بعْدهَا مَبْنِيّ على قسم مُقَدّر لَا للشّرط نَحْو: {لَئِن قوتلوا لَا ينصرونهم وَلَئِن نصروهم ليولن الأدبار}
وَاللَّام الفارقة بَين (إِن) المخففة من الثَّقِيلَة وَبَين النافية كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن كُنَّا عَن دراستهم لغافلين} ، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه} دخلت على الِاسْم للفصل بَينه وَبَين (إِن) بالظرف
وَلَام الِابْتِدَاء إِذا دخل على الْمُضَارع اخْتصَّ بِزَمَان الْحَال نَحْو: {إِنِّي ليحزنني} ، وَأما فِي قَوْله تَعَالَى: {ولسوف يعطيك رَبك} فقد تمحضت اللَّام للتَّأْكِيد مضمحلا عَنْهَا معنى الحالية لِأَنَّهَا إِنَّمَا تفِيد ذَلِك إِذا دخلت على الْمُضَارع الْمُحْتَمل لَهما لَا الْمُسْتَقْبل الصّرْف، وَفِي قَوْله تَعَالَى: " {ليحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة} نزل منزلَة الْحَال إِذْ لَا شكّ فِي وُقُوعه
[وَاللَّام فِي مثل: (قلت لَك) و (سعيت لَك) للتبليغ أَي: أوصلته لَك وأبلغتك، بِخِلَاف (سعيت لِأَجلِك مَالا) فَإِنَّهُ لَا يلْزم مِنْهُ وُصُوله إِلَيْهِ]
وَاللَّام تكون بِمَعْنى (عِنْد) نَحْو: {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس}
وَبِمَعْنى (بعد) كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " وصوموا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته "
وَتَكون للْوَقْت كَمَا فِي قَوْلهم: (لثلاث خلون من شهر كَذَا) ، وَأهل اللِّسَان يسمونها لَام التَّارِيخ [فَإِن اللَّام فِي الْأَزْمَان وَمَا أشبههَا من المقدرات للتأنيث]
وَتَكون للجزاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله}
وَتَكون بِمَعْنى (الَّذِي) إِذا اتَّصَلت باسم فَاعل أَو اسْم مفعول، وَتسَمى دعامة نَحْو: {إِنَّك لمن الْمُرْسلين} أَي: لمن الَّذين أرْسلُوا
وَتَكون عوضا عَن تَعْرِيف الْإِضَافَة نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل الْحسن الْوَجْه)
وَتَكون بِمَعْنى (من) نَحْو: {سمعُوا لَهَا شهيقا}(1/783)
وَبِمَعْنى (عَن) نَحْو: {قَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا} أَي: عَنْهُم.
وَبِمَعْنى (على) نَحْو: {يخرون للأذقان}
قيل: وَبِمَعْنى (إِلَى) نَحْو {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} وَلَيْسَ ذَلِك بِشَيْء بل فِي اللَّام تَنْبِيه على جعل ذَلِك بالتسخير، وَلَيْسَ ذَلِك كالوحي الموحى إِلَى الْأَنْبِيَاء
وَبِمَعْنى (فِي) نَحْو: {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة}
وَذهب الْمبرد إِلَى أَن من مَعَاني اللَّام الإلصاق
وَكثر دُخُول لَام الْقسم على (قد) لما فِيهَا من التوقع، لِأَن الْجُمْلَة القسمية لَا يُؤْتى بهَا إِلَّا تَأْكِيدًا للجملة الْمقسم عَلَيْهَا الَّتِي هِيَ جوابها، وَالْجَوَاب متوقع للمخاطب عِنْد سَماع الْقسم فجيء بقد
لَو: لَو، و (لَيْت) تتلاقيان فِي معنى التَّقْدِير
وَقَاعِدَة (لَو) أَنَّهَا إِذا دخلت على ثبوتين كَانَا منفيين، تَقول: لَو جَاءَنِي لأكرمته، فَمَا جَاءَنِي وَلَا أكرمته
وعَلى نفيين كَانَا ثبوتيين تَقول: لَو لم يسْتَدلّ لم يُطَالب، فقد اسْتدلَّ وطولب
وعَلى نفي وَثُبُوت، كَانَ النَّفْي ثبوتا والثبوت نفيا تَقول: لَو لم يُؤمن أريق دَمه، فالتقدير أَنه آمن وَلم يرق دَمه، وَالْعَكْس لَو آمن لم يقتل فاحفظها
وللو الشّرطِيَّة استعمالان: لغَوِيّ وعرفي تعارفه المنطقيون فِيمَا بَينهم
وَهِي فِي الِاسْتِعْمَال اللّغَوِيّ لانْتِفَاء الثَّانِي لانْتِفَاء الأول كَمَا فِي قَوْلك: لَو جئتني لأكرمتك، فمفهوم الْقَضِيَّة الْإِخْبَار بِأَن شَيْئا لم يتَحَقَّق بِسَبَب عدم تحقق شي آخر
والمنطقيون جعلُوا (أَن) و (لَو) من أدوات الِاتِّصَال لُزُوما واتفاقا، فاللزوم كَمَا فِي قَوْلنَا: (لَو كَانَ زيد حجرا كَانَ جمادا) إِذْ يسوقون مثل هَذِه الْقَضِيَّة فِي الْقيَاس الخلقى للاستدلال بِالْعدمِ على الْعَدَم، فعندهم الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُوَ الشَّرْط، والمحكوم بِهِ هُوَ الْجَزَاء، وَالْحكم هُوَ الإذعان بِصدق الْجَزَاء على تَقْدِير صدق الشَّرْط ويعبرون عَنْهُمَا بالمقدم والتالي، وَصدق هَذِه الْقَضِيَّة بمطابقة الحكم باللزوم للْوَاقِع، وكذبها بعدمها، حَتَّى إِنَّهَا تكذب وَإِن تحقق طرفاها إِذا لم يكن بَينهمَا لُزُوم وَقد يستعملها أهل اللُّغَة فِي هَذَا الْمَعْنى إِمَّا بالاشتراك أَو بالمجاز، كَمَا يُقَال مثلا: (لَو كَانَ زيد فِي الْبَلَد لرآه كل أحد) كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ فِي حق الْخضر: " لَو كَانَ حَيا لزارني "
وَمن الْبَين أَن الْمَقْصُود الِاسْتِدْلَال بِالْعدمِ على الْعَدَم، لَا الدّلَالَة على انْتِفَاء الثَّانِي بِسَبَب انْتِفَاء الأول، وَقَوله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} على هَذَا الِاسْتِعْمَال
وَمن الْفُقَهَاء من قَالَ: إِنَّه يُفِيد الاستلزام، فَأَما انْتِفَاء الشَّيْء لانْتِفَاء غَيره فَلَا يفِيدهُ هَذَا اللَّفْظ، إِذْ لَو أَفَادَ ذَلِك يلْزم التَّنَاقُض فِي قَوْله تَعَالَى: (وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم وَلَو أسمعهم(1/784)
لتولوا} فَإِن أول الْكَلَام يَقْتَضِي نفي الْخَيْر أَي: مَا علم مِنْهُم خيرا وَمَا أسمعهم، وَآخره يَقْتَضِي حُصُول الْخَيْر أَي: مَا أسمعهم وانهم مَا توَلّوا، وَعدم التولي خير من الْخيرَات وَكَذَا التَّنَاقُض فِي حَدِيث " نعم الرجل صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ " إِذْ الْمَعْنى حِينَئِذٍ أَنه خَافَ الله وَعَصَاهُ، وَذَلِكَ متناقض، فَثَبت أَن كلمة (لَو) تفِيد مُجَرّد الاستلزام، وَهَذَا دَلِيل حسن إِلَّا أَنه خلاف قَول الْجُمْهُور
وَأما عِنْد ابْن الْحَاجِب فبعكس مَا هُوَ عِنْد الْجُمْهُور، وَذَلِكَ أَن (لَو) مُشْتَرك مَعَ (أَن) فِي الشّرطِيَّة
وحرف الشَّرْط: كل حرف دخل على جملتين عليتين، فَجعل تحقق مَضْمُون الأولى سَببا لتحقيق مَضْمُون الثَّانِيَة وَالْفرق أَن (إِن) يُفِيد ارتباط الْجَزَاء بِالشّرطِ فِي الِاسْتِقْبَال وَإِن دخلت على الْمَاضِي و (لَو) يُفِيد ارتباطها بِهِ فِي الْمَاضِي على سَبِيل التَّقْدِير وَإِن دخلت على الْمُسْتَقْبل فَمَعْنَى (إِن أكرمتنى أكرمتك) تَعْلِيق تحقق مَضْمُون الثَّانِيَة فِي الْمَاضِي بتحقق مَضْمُون الأولى فِيهِ على سَبِيل التَّقْدِير، وكل وَاحِد من مضموني الجملتين منفي، فَمن ذهب إِلَى أَنَّهَا لانْتِفَاء الثَّانِي لانْتِفَاء الأول نظر إِلَى أَن تحقق مَضْمُون الأولى لما كَانَ سَببا لتحَقّق مَضْمُون الثَّانِيَة كَانَ انْتِفَاء مَضْمُون الأولى فِي الْخَارِج سَببا لانْتِفَاء مَضْمُون الثَّانِيَة فِيهِ ضَرُورَة أَن انْتِفَاء مَضْمُون الْعلَّة لانْتِفَاء الْمَعْلُول، فَإِذا قيل: (لَو جئتني لأكرمتك) كَانَ اللَّازِم انْتِفَاء الْإِكْرَام فِي الْخَارِج أَيْضا، وَإِن لم يكن الْعلم بِانْتِفَاء الأول سَببا للْعلم بِانْتِفَاء الثَّانِي بِنَاء على أَن الْعلم بِانْتِفَاء السَّبَب الْخَاص لَا يسْتَلْزم الْعلم بِانْتِفَاء الحكم مُطلقًا لجَوَاز أَن يتَحَقَّق بسب آخر وَمن ذهب إِلَى أَنَّهَا لانْتِفَاء الأول لانْتِفَاء الثَّانِي نظر إِلَى أَن الْعلم بِانْتِفَاء الثَّانِي يسْتَلْزم الْعلم بِانْتِفَاء الأول ضَرُورَة أَن الْعلم بِانْتِفَاء الْمُسَبّب يدل على انْتِفَاء الْأَسْبَاب كلهَا، فَإِن قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} إِنَّمَا سيق ليستدل بامتناع الْفساد على انْتِفَاء تعدد الْآلهَة دون الْعَكْس، إِذْ لَا يلْزم من انْتِفَاء التَّعَدُّد انْتِفَاء الْفساد، وَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب هُوَ معنى يقْصد إِلَيْهِ فِي مقَام الِاسْتِدْلَال بِانْتِفَاء اللَّازِم الْمَعْلُوم على انْتِفَاء اللَّازِم الْمَجْهُول، وَالْمعْنَى الْمَشْهُور لَازم معنى (لَو) فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة لتعليق حُصُول أَمر فِي الْمَاضِي بِحُصُول أَمر آخر مُقَدّر فِيهِ، وَمَا كَانَ حُصُوله مُقَدرا فِي الْمَاضِي كَانَ منتفيا فِيهِ قطعا، فَيلْزم لأجل انتفائه انْتِفَاء مَا علق بِهِ أَيْضا، فَهَذَا الْمَعْنى بَيَان سَبَب أحد انتفاءين معلومين للْآخر بِحَسب الْوَاقِع، فَلَا يتَصَوَّر هُنَاكَ اسْتِدْلَال
وَلها اسْتِعْمَال ثَالِث وَهُوَ أَن يقْصد اسْتِمْرَار شَيْء فيربط ذَلِك الشَّيْء بأبعد النقيضين عَنهُ فَيلْزم وجوده أبدا، إِذْ النقيضان لَا يرتفعان، فَيلْزم اسْتِمْرَار وجود الْجَزَاء على تَقْدِير وجود الشَّرْط وَعَدَمه، فَيكون الْجَزَاء لَازم الْوُجُود فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة عِنْد الْمُتَكَلّم، سَوَاء كَانَ الشَّرْط وَالْجَزَاء مثبتين نَحْو: (لَو أهانني لأكرمته) فَإِنَّهُ إِذا استلزم الإهانة الْإِكْرَام فَكيف لَا يسْتَلْزم الْإِكْرَام الْإِكْرَام
أَو منفيين نَحْو: " لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ "(1/785)
أَو مُخْتَلفين نَحْو: {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} وَنَحْو: (لَو لم تكرمني لأثنيت عَلَيْك)
[وَفِي " التسديد ": كلمة (لَو) أَيْنَمَا دخلت كَانَ المُرَاد من النَّفْي الْإِثْبَات وَمن الْإِثْبَات النَّفْي فَكَانَ النَّفْي فِي الْمَنْفِيّ وَالْإِثْبَات فِي الْمُثبت صور بإلا معنويا فَإِن معنى قَوْلك مثلا (لَو لم تكن الْحَرَكَة مَوْجُودَة فِي هَذَا الْمحل لما وجد التحرك فِيهِ) أَي: الْحَرَكَة الْمَوْجُودَة فِيهِ فَلذَلِك وجد التحرك فِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي صُورَة الْإِثْبَات، وَهِي لَو كَانَت الْحَرَكَة قَائِمَة فِي هَذَا الْمحل لَكَانَ التحرك مَوْجُودا، أَي الْحَرَكَة غير قَائِمَة فِيهِ فَلذَلِك لم يُوجد التحرك فِيهِ]
قَالَ أَبُو الْبَقَاء: (لَو) فِي " لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ " تفِيد الْمُبَالغَة، وَهُوَ أَنه لَو لم يكن عِنْده خوف لما عصى الله، فَكيف يَعْصِي وَعِنْده خوف
وَقد تسْتَعْمل (لَو) لمُطلق الرَّبْط ك (إِن) ولقطع الرَّبْط أَيْضا فَتكون جَوَابا لسؤال مُحَقّق أَو متوهم وَقع فِيهِ ربط فتقطعه أَنْت لاعتقادك بطلَان ذَلِك الرَّبْط، كَمَا إِذا سَمِعت قَائِلا يَقُول: (زيد إِذا لم يكن عَالما لم يكرم) فَربط بَين عدم الْعلم وَعدم الْإِكْرَام، فتقطع أَنْت ذَلِك الرَّبْط وَتقول: لَو لم يكن زيد عَالما لأكرم، أَي لشجاعته
وَقَالَ شمس الدّين الخسرو شاهي: إِن (لَو) فِي أصل اللُّغَة لمُطلق الرَّبْط، وَإِنَّمَا اشتهرت فِي الْعرف فِي انقلاب ثُبُوتهَا نفيا وَبِالْعَكْسِ وَحَدِيث " لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ " إِنَّمَا ورد بِمَعْنى الرَّبْط فِي اللُّغَة
وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء: (لَو) حرف لما كَانَ سيقع لوُقُوع غَيره هَذِه عبارَة سِيبَوَيْهٍ وَهِي أولى من عبارَة غَيره: حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع، لصِحَّة الْعبارَة الأولى فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ الْبَحْر مدادا} ، وَفِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ " وَعدم صِحَة الثَّانِيَة فِي ذَلِك ولفساد نَحْو قَوْلهم: (لَو كَانَ إنْسَانا لَكَانَ حَيَوَانا)
وَكلمَة (لَو) و (إِن) الوصليتين ليستا لانْتِفَاء الشَّيْء لانْتِفَاء غَيره، وَلَا للمضي، وَلَا لقصد التَّعْلِيق، بل كل مِنْهُمَا مستعملة فِي تَأْكِيد الحكم الْبَتَّةَ، وَلذَا ترى الْقَوْم يَقُولُونَ: إِنَّهَا للتوكيد، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَو أَعجبتكُم}
وَالْوَاو عِنْد الْبَعْض للْعَطْف على مُقَدّر هُوَ ضد الْمَذْكُور أَي: لم يكن كَذَلِك وَلَو كَانَ كَذَلِك
وَعند صَاحب " الْكَشَّاف " للْحَال وَترد (لَو) لِلتَّمَنِّي لتلاقيهما فِي معنى التَّقْدِير نَحْو: {فَلَو أَن لنا كرة فنكون} وَلذَلِك أُجِيب بِالْفَاءِ
وَالْعرض نَحْو: (لَو تنزل عندنَا فنكرمك)
والتحضيض نَحْو: (لَو تسلم فَتدخل الْجنَّة) أَي: هلا تسلم
والتقليل نَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " ردوا السَّائِل وَلَو بظلف محرق " يَعْنِي المشوي المنتفع بِهِ
وَإِذا كَانَ مَدْخُول (لَو) مَاضِيا مثبتا جَاءَ فِي الْقُرْآن جَوَابه بِاللَّامِ كثيرا، وبدونها فِي مَوضِع، وَلم يجِئ جَوَاب (لَو) فِي الْقُرْآن مَحْذُوف اللَّام من الْمَاضِي(1/786)
الْمُثبت وَلَا فِي مَوضِع وَاحِد، وَذَلِكَ أَن (لَو) للشّرط فِي الْمَاضِي فَإِذا دخلت فِي الْمُسْتَقْبل فقد خرجت عَن حيزها لفظا، فَجَاز فِي الْجَزَاء الْإِخْرَاج عَن حيزه لفظا، وَإِسْقَاط اللَّام عَنهُ جَزَاء، كَمَا أَن (إِن) إِذا جعل مدخوله مَاضِيا جَازَ فِي جَزَائِهِ الْإِخْرَاج عَن حيزه لفظا، وَترك الْجَزْم جَزَاء أَيْضا وَقد نظمت فِيهِ:
(وأفرطت فِي صد فجوزيت بالجفا ... وفرطت فِي حب فجوزيت بالهجر)
(كَأَنَّك إِن كنت كَأَنِّي كَلَوْ ترى ... وَهَذَا جَزَاء للتعدي عَن الطّور)
قَالَ بَعضهم: (لَو) إِذا جَاءَ فِيمَا يشوق إِلَيْهِ أَو يخوف مِنْهُ قَلما يُوصل بِجَوَاب ليذْهب الْقلب فِيهِ كل مَذْهَب
و (لَو) تقوم مقَام (إِن) الْخَفِيفَة فِي الْمَعْنى دون اللَّفْظ أَي: دون الْعَمَل كَقَوْلِه تَعَالَى: {لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ} ، وَكَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " اطْلُبُوا الْعلم وَلَو بالصين " وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن كنت قلته فقد عَلمته}
وَقد تَجِيء (لَو) بِمَعْنى (أَن) الناصبة للْفِعْل وَلم تنصبه وفيهَا معنى التَّمَنِّي كَقَوْلِه تَعَالَى: {يود أحدهم لَو يعمر ألف سنة} وَقد تشرب معنى الْيَمين فتنصب الْمُضَارع بعد الْفَاء جَوَابا لَهَا نَحْو: {فَلَو أَن لنا كرة فنكون}
وَقد يكون جوابها جملَة اسمية مقرونة بِالْفَاءِ وَإِن كَانَ الأَصْل أَن تكون ماضوية مقرونة بِاللَّامِ
[وَعدم وُقُوع الْفَاء فِي جَوَاب (لَو) المستعارة بِمَعْنى (أَن) مَمْنُوع]
وَقد تدخل على الْمُضَارع لقصد اسْتِمْرَار الْفِعْل، أَو لتنزيل الْمُضَارع منزلَة الْمَاضِي لصدوره عَمَّن لَا خلاف فِي إخْبَاره، أَو لاستحضار الصُّورَة، أَو للدلالة على أَن الْفِعْل بلغ من الفصاحة بِحَيْثُ يحْتَرز عَن أَن يعبر عَنهُ بِلَفْظ الْمَاضِي لكَونه مِمَّا يدل على الْوُقُوع فِي الْجُمْلَة
وكل مَوضِع ولي (لَو) الْفِعْل الْمَاضِي ف (لَو) بِمَعْنى (إِن) ، وَلم يسْتَعْمل (لَو) فِي الْكَلَام الفصيح فِي الْقيَاس الاقتراني، وَإِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الْقيَاس الاستثنائي الْمُسْتَثْنى فِيهِ عين الْمُقدم لِأَنَّهَا لتعليق الْوُجُود بالوجود
وَلَو الشّرطِيَّة: هِيَ الَّتِي تصلح موضعهَا (إِن) نَحْو: {وَلَو كره الْمُشْركُونَ}
والمصدرية: هِيَ الَّتِي تصلح موضعهَا (أَن) الْمَفْتُوحَة، وَأكْثر وُقُوعهَا بعد (ود) نَحْو: {ود كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم} وَهِي الَّتِي تصلح موضعهَا (لَيْت) نَحْو: {فَلَو أَن لنا كرة فنكون}
لَوْلَا: لَو فِي الأَصْل لِامْتِنَاع الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره، وَإِذا دخل على (لَا) أَفَادَ إِثْبَاتًا، وَهُوَ امْتنَاع الشَّيْء لثُبُوت غَيره، وَلما دلّ على امْتنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره جعل مَانِعا عَن وُقُوع مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَصَارَ(1/787)
كالاستثناء
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: (لَو) حرف شَرط تدخل على انْتِفَاء الشَّرْط، فَإِن كَانَ ثبوتا فَهِيَ مَحْضَة
وَإِن كَانَ الشَّرْط عدميا مثل (لَوْلَا) و (لَو لم) دلّت على انْتِفَاء هَذَا الْعَدَم بِثُبُوت نقيضه فَيَقْتَضِي أَن هَذَا الشَّرْط العدمي مُسْتَلْزم لجزائه إِن وجودا وَإِن عدما، وَأَن هَذَا الْعَدَم مُنْتَفٍ وَإِذا كَانَ عدم شَيْء سَببا فِي أَمر فقد يكون وجوده سَببا فِي أَمر، وَقد يكون وجوده سَببا فِي عَدمه، وَقد يكون وجوده أَيْضا سَببا فِي وجوده بِأَن يكون الشَّيْء لَازِما لوُجُود الْمَلْزُوم ولعدمه وَالْحكم ثَابت مَعَ الْعلَّة الْمعينَة وَمَعَ انتفائها أَيْضا لوُجُود عِلّة أُخْرَى، (وَإِذا كَانَ ملزوم الشرطيتين محالا ترَتّب عَلَيْهِ الْمحَال كَقَوْلِه تَعَالَى) : {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون} و {وَلَوْلَا أَن تَدَارُكه نعْمَة من ربه لنبذ بالعراء وَهُوَ مَذْمُوم} فَإِن الْآيَة الأولى فِي قُوَّة لَو انْتَفَى التَّسْبِيح لثبت اللّّبْث، وَالثَّانيَِة فِي قُوَّة لَو انْتَفَت النِّعْمَة لثبت النبذ، وَالْوَاقِع من مُرَاد الله ثبوتهما فانتفاؤهما محَال، وَلما كَانَ ملزوم الشرطيتين محالا لَا جرم ترَتّب عَلَيْهِ الْمحَال وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: {وَلَو أنزلنَا ملكا لقضي الْأَمر ثمَّ لَا ينظرُونَ وَلَو جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا} (فَإِنَّهُ لما كَانَ جعل الْملك على الْوَجْه الَّذِي طلبوه رَسُولا) محالا لما سبق فِي علم الله لَا جرم ترَتّب عَلَيْهِ الْمحَال والواضح مِنْهُ أَن ثَانِيَة الأولى إِنَّمَا نفت النبذ الْمُقَيد بِكَوْنِهِ مذموما، وَنفي الْمُقَيد لَا يسْتَلْزم نفي الْمُطلق، وَبِه يَنْتَفِي اللّّبْث الَّذِي نفته الْآيَة الأولى، وَهَذَا هُوَ الْجَواب عَن آيتي الْأَنْعَام، فَإِن الإهلاك الَّذِي كني عَنهُ بِقَضَاء الْأَمر إِنَّمَا رتب على إِنْزَال الْملك على صُورَة الرجل، واللبس عَلَيْهِم يسْتَلْزم بقاءهم بعد الْإِنْزَال على صفة الرجل إِذْ يُقَال: تلبس عَلَيْهِم الْأَمر ثمَّ يهْلكُونَ
لَوْلَا الامتناعية لَا يَليهَا إِلَّا الْأَسْمَاء لفظا أَو تَقْديرا عِنْد الْبَصرِيين
والتحضيضية لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل ظَاهرا أَو مضمرا
وَمعنى (لَوْلَا) فِي الْجُمْلَة المضارعية التحضيض
وَهُوَ طلب بحث وإزعاج نَحْو: {لَوْلَا تستغفرون الله} أَي: استغفروه
وَفِي الْجُمْلَة الْمَاضِيَة التوبيخ على ترك الْفِعْل فَتكون جملَة التحضيض فِي قُوَّة قَوْلَيْنِ نَحْو
{فلولا نَصرهم الَّذين اتَّخذُوا من دون الله قربانا آلِهَة} وبخهم الله على عدم نصر الشُّرَكَاء إيَّاهُم أَي: مَا نَصرهم وَلم مَا نَصرهم
وَالِاسْم الْوَاقِع بعد لَوْلَا الامتناعية لَا يظْهر خَبره رَأْسا لأجل طول الْكَلَام بِالْجَوَابِ، وَالْجَوَاب يسد مسده
قَالُوا: حذف خبر الْمُبْتَدَأ بعد لَوْلَا وَاجِب لِأَن مَا فِي لَوْلَا من معنى الْوُجُود دلّ عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن النّحاس: إِن كَانَ الْخَبَر مَعْلُوما وَجب(1/788)
حذفه، وَإِن كَانَ مَجْهُولا وَجب ذكره وَفِي شرح " التسهيل ": وَجب حذف خبر (لَوْلَا) الامتناعية لِأَنَّهُ مَعْلُوم بِمُقْتَضى (لَوْلَا) إِذْ هِيَ دَالَّة، على امْتنَاع الثُّبُوت، والمدلول على امْتِنَاعه هُوَ الْجَواب، والمدلول على ثُبُوته هُوَ الْمُبْتَدَأ وَترك الْجَواب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله تواب حَكِيم} للتعظيم وَفِي قَوْله: {وَأَن الله رؤوف رَحِيم} اسْتغنى عَن الْجَواب لذكره مرّة
وَالْمرَاد بالثبوت هُنَا الْكَوْن الْمُطلق، فَلَو أُرِيد كَون مُقَيّد لَا دَلِيل عَلَيْهِ لم يجز الْحَذف نَحْو: (لَوْلَا زيد سالمنا مَا سلم) ، و (لَوْلَا عَمْرو عندنَا لهلك) و (لولاك) : فِي معنى اللَّام التعليلية، فَمَعْنَى (لولاك لَكَانَ كَذَا) : لم يكن كَذَا لوجودك
وتستعمللولا كثيرا فِي لوم الْمُخَاطب على أَنه ترك فِي الْمَاضِي شَيْئا لَا يُمكن تَدَارُكه فِي الْمُسْتَقْبل، فَكَأَنَّهَا من حَيْثُ الْمَعْنى للتحضيض على فعل مثل (مافات) وقلما تسْتَعْمل فِي الْمَاضِي أَيْضا إِلَّا فِي مَوضِع التوبيخ واللوم على مَا كَانَ يجب أَن يَفْعَله الْمُخَاطب قبل أَن يطْلب مِنْهُ
[وَإِذا تعَارض بَين أَن يكون جَوَاب (لَوْلَا) محذوفا وَبَين أَن يكون مقدما عَلَيْهَا فَلَا شكّ أَن التَّقْدِيم أولى كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} فالتقدير فَلَقَد هَمت بِهِ لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه لَهُم بهَا يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا} {إِن كَاد ليضلنا عَن آلِهَتنَا لَوْلَا أَن صَبرنَا} إِذْ (لَوْلَا) فِي مثله تَقْيِيد للْحكم الْمُطلق من حَيْثُ الْمَعْنى دون اللَّفْظ]
وَترد للتنديم كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَوْلَا أَن من الله علينا لخسف بِنَا}
وَأما لَوْلَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} فقد أطبق الْجُمْهُور على أَن (لَوْلَا) هُنَاكَ مفيدة للتنديم والتوبيخ لدخولها على الْمَاضِي، وَلم يبينوا كَيفَ معنى التنديم والتوبيخ، وَإِلَى من يرجع وَالْحَاجة ماسة إِلَى الْبَيَان، وَذَلِكَ أَن التنديم والتوبيخ إِنَّمَا يَقع على عدم صُدُور الْفِعْل الَّذِي دخل عَلَيْهِ حرف التنديم من فَاعله فِي الزَّمَان الْمَاضِي كَمَا فِي (لَوْلَا ضربت زيدا) ، و (هلا ضرب هُوَ) فالتنديم يتَوَجَّه إِلَى الْفَاعِل لَا إِلَى الْمَفْعُول وفاعل الْفِعْل الَّذِي دخل عَلَيْهِ حرف التنديم هُنَا هُوَ الله تَعَالَى وَلَا نتصور تنديمه وتوييخه سُبْحَانَهُ، وَلَيْسَ هُوَ مقصودهم بل مُرَادهم تنديم الْمنزل عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ رَسُول الله وتوبيخه، فَلَا بُد أَن يُقَال: إِن التنديم والتوبيخ لم يَقع هُنَا على الْفِعْل الَّذِي دخل عَلَيْهِ حرف التنديم صَرِيحًا، بل على الْفِعْل الْمُقدر الْمُسْتَفَاد من فحوى الْكَلَام بمعونة الْمقَام، كَأَنَّهُ قيل: لَوْلَا سَأَلَ مُحَمَّد إِنْزَال ملك عَلَيْهِ من ربه ومجيئه مَعَه فَيشْهد بنبوته على رُؤُوس الأشهاد ويعاينه منا كَائِنا من كَانَ من الْآحَاد والأفراد
وَقَالَ بَعضهم كَون (لَوْلَا) هَهُنَا للتنديم غبر ظَاهر(1/789)
لظُهُور أَن غرضهم بأمثال هَذَا الْمقَال التَّعْجِيز، وَهُوَ يَقْتَضِي التحضيض، وَبِهَذَا فسره أَكثر الْمُفَسّرين بِنَاء على أَن (أنزل) هَهُنَا فِي تَأْوِيل الْمُضَارع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا أخرتني} لِأَن المُرَاد اقتراح إِنْزَال الْملك، وَهَذَا مُرَاد من قَالَ: لَوْلَا هُنَا تحضيضية لدخلوها على الْمُضَارع، وَلَو دخلت على الْمَاضِي لكَانَتْ للتوبيخ على ترك الْفِعْل، فَهِيَ هَهُنَا بِمَعْنى الْأَمر
لوما: حرف تحضيض ك (هلا) و (أَلا) وَتَكون أَيْضا حرف امْتنَاع لوُجُود، كَمَا أَن (لَوْلَا) مترددة بَين هذَيْن الْمَعْنيين وَالْفرق بَينهمَا أَن التحضيضية لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل، ظَاهرا أَو مضمرا والامتناعية لَا يَليهَا إِلَّا الْأَسْمَاء لفظا أَو تَقْديرا عِنْد الْبَصرِيين
لما: هِيَ من حُرُوف الْجَزْم، تسْتَعْمل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لنفي الْمَاضِي وتقريب الْفِعْل نَحْو: {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا}
وَالثَّانِي: للظرف نَحْو: {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير}
وتختص باستغراق أزمنة الْمَاضِي من وَقت الانتفاء إِلَى وَقت التَّكَلُّم بهَا تَقول: (نَدم فلَان وَلما يَنْفَعهُ النَّدَم) ، وَلَا يلْزم حِينَئِذٍ اسْتِمْرَار انْتِفَاء النَّدَم إِلَى وَقت التَّكَلُّم بهَا
و (لما) الدَّاخِلَة على الْمَاضِي حرف وجود لوُجُود يَقْتَضِي جملتين وجدت ثانيتهما عِنْد وجود أولاهما
وَقيل: إِنَّهَا ظرف بِمَعْنى (حِين) ورده ابْن خروف، وَقَالَ ابْن مَالك: ظرف بِمَعْنى (إِذْ) فَاسْتَحْسَنَهُ ابْن هِشَام
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: أعجب الْكَلِمَات كلمة (لما) ، إِن دخل على الْمَاضِي يكون ظرفا، وَإِن دخل على الْمُضَارع يكون حرفا، وَإِن دخل لَا على الْمَاضِي وَلَا على الْمُضَارع يكون بِمَعْنى (إِلَّا) نَحْو: {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} وَلَا تدخل (لما) بِمَعْنى (لم) إِلَّا على الْمُسْتَقْبل كَقَوْلِه تَعَالَى: {بل لما يَذُوقُوا عَذَاب}
ومنفي (لما) يتَّصل بِالْحَال لِأَن (لما يقم زيد) نفي (لقد قَامَ زيد) ، (وَقد قَامَ زيد) إِخْبَار عَن الْمُضِيّ فَكَذَلِك نَفْيه، ومنفي (لم) يحْتَمل الِاتِّصَال بِزَمَان الْإِخْبَار نَحْو: {وَلم أكن بدعائك رب شقيا} فَإِن الْمَعْنى نفي الشَّقَاء عَنهُ مُتَّصِلا بِزَمَان النُّطْق، وَلَيْسَ الْمَعْنى نفي الشَّقَاء عَنهُ فِيمَا مضى، ثمَّ اتَّصل بِهِ الشَّقَاء
وَيحْتَمل الِانْقِطَاع عَن زمَان الْإِخْبَار نَحْو: {لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} لِأَن عدم كَونه شَيْئا مَذْكُورا مُنْقَطع عَن زمَان الْإِخْبَار
(ومنفي (لما) لَا يكون إِلَّا قَرِيبا من الْحَال، وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِي منفي (لم) تَقول: (لم يكن زيد فِي الْعَام الْمَاضِي مُقيما) ، وَلَا يجوز لما يكن)
ومنفي (لما) متوقع ثُبُوته قَيده الرضي بالأغلب ك (قد) فِي الْإِيجَاب، بِخِلَاف منفي (لم) وَعلة(1/790)
هَذِه الْأَحْكَام أَن (لم) لنفي (فعل) ، و (لما) لنفي (قد فعل) ، يَعْنِي أَن الْمَنْفِيّ ب (لم) هُوَ فعل غير مقرون بقد و (لما) نفي لفعل مقرون بقد
قَالَ الزّجاج: إِذا قيل: قد فعل فلَان فَجَوَابه: لما يفعل
وَإِذا قيل: فعل فلَان فَجَوَابه: لم يفعل
وَإِذا قيل: قد فعل فَجَوَابه: مَا فعل
وَإِذا قيل: وَهُوَ يفعل فَجَوَابه: لَا يفعل
وَإِذا قيل: وَهُوَ يفعل فَجَوَابه: لن يفعل
وَلما بمعني إِلَّا، وَلَا يسْتَثْنى بِهِ إِلَّا الْأَشْيَاء كَمَا يسْتَثْنى ب (إِلَّا) وَأَخَوَاتهَا، فَتدخل على الْجُمْلَة الاسمية نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} أَي: إِلَّا اسْتَقر عَلَيْهَا حَافظ وعَلى الْمَاضِي لفظا لَا معنى نَحْو: (أنْشدك الله لما فعلت) أَي: مَا أَسأَلك إِلَّا فعلك
(وَلما للتوقع فِي النَّفْي، كقد فِي الْإِثْبَات)
والمتعارف فِي جَوَاب (لما) الْفِعْل الْمَاضِي لفظا أَو معنى بِدُونِ الْفَاء
وَقد تدخل على قلَّة لما فِي (لما) من معنى الشَّرْط [وَقد يحذف جَوَابه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الْجب} أَي: فعلوا بِهِ مَا فعلوا من الْأَذَى]
لم: كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من (لَا) و (مَا) لِأَن (لم) لنفي الاسقبال لفظا والمضي معنى، فَأخذ اللَّام من (لَا) الَّتِي هِيَ لنفي الْمُسْتَقْبل، وَالْمِيم من (مَا) الَّتِي هِيَ لنفي الْمَاضِي، وَجمع بَينهمَا إِشَارَة إِلَى أَن فِي (لم) إِشَارَة إِلَى الْمُسْتَقْبل والماضي، وَقدم اللَّام على الْمِيم إِشَارَة إِلَى أَن (لَا) هِيَ أصل النَّفْي، وَلِهَذَا ينفى بهَا فِي أثْنَاء الْكَلَام
فَيُقَال: (لم يفعل زيد وَلَا عَمْرو) وَأما (لم) فمركبة من لَام الْجَرّ و (مَا) الاستفهامية، وَالْأَكْثَر على حذف ألفها مَعَ حرف الْجَرّ لِكَثْرَة استعمالهما مَعًا واعتناقهما فِي الدّلَالَة على المستفهم عَنهُ، وَخص هَذَا السُّقُوط بالاستفهامية لِأَنَّهَا تَامَّة، وألفها طرف والأطراف مَحل للحذف وَغَيره من التَّغْيِير، بِخِلَاف الموصولة فَإِنَّهَا نَاقِصَة تحْتَاج إِلَى مَا توصل بِهِ، وَهِي وَمَا توصل بِهِ كاسم وَاحِد، فألفها فِي حكم الْمُتَوَسّط، وَمَا أحسن قَول من قَالَ: دُخُول لم على الْمُضَارع كدخول الدَّوَاء المسهل على الْجَسَد، إِن وجد فضلَة أزالها، وَإِلَّا أَضْعَف الْبدن وَكَذَا (لم) إِن كَانَ الْمُضَارع فِيهِ عِلّة متوسطة أَو متطرفة أزالها، وَإِن كَانَ صَحِيحا أضعفه، لِأَنَّهُ يَنْقُلهُ من الْحَرَكَة إِلَى السّكُون
[وَالنَّفْي بلم لنفي الْمُمكن نَحْو: (لم يقم زيد) بِخِلَاف (لَا) ك (الْحجر لَا يطير) ]
وَالْجَوَاب الْمَنْفِيّ بلم لَا تدخل عَلَيْهِ الْفَاء
و (لم بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم يستفهم بِهِ، وَأَصله (مَا) وصلت بلام وَلَك أَن تدخل الْهَاء فَتَقول: لمه)
لن: هِيَ حرف نفي لحَدث الْمُضَارع، وَنصب للفظة، واستقبال لزمانه، وَلَا تفِيد تأبيد النَّفْي خلافًا للزمخشري، وَهُوَ دَعْوَى بِلَا دَلِيل إِذْ لَو كَانَت(1/791)
للتأبيد لم يُقيد نَفيهَا بِالْيَوْمِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا} ، ولكان ذكر الْأَبَد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} تَكْرَارا وَالْأَصْل عَدمه وللزوم التَّنَاقُض بمقارنة (حَتَّى) فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض حَتَّى يَأْذَن لي أبي} وَإِنَّمَا هِيَ لنفي مَا قرب، وَعدم امتداد النَّفْي، وَذَلِكَ لِأَن الْأَلْفَاظ مشاكلة للمعاني، ف (لَا) جزؤها ألف يُمكن امتداد الصَّوْت بهَا بِخِلَاف (لن) ، فطابق كل لفظ مَعْنَاهُ، فَحَيْثُ لم يرد النَّفْي مطابقا أُتِي بلن، وَحَيْثُ أُرِيد النَّفْي على الْإِطْلَاق أُتِي ب (لَا) وَفِي قَوْله تَعَالَى: {ألن يكفيكم} إِنَّمَا جِيءَ ب (لن) الَّتِي لتأكيد النَّفْي إشعارا بِأَنَّهُم كَانُوا كالآيسين من النَّصْر لضعفهم وَقُوَّة الْعَدو
وَترد (لن) للدُّعَاء نَحْو: {رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ فَلَنْ أكون ظهيرا للمجرمين} أَي: فَاجْعَلْنِي لَا أكون وَيُمكن حملهَا على النَّفْي الْمَحْض، وَيكون ذَلِك معاهدة مِنْهُ تَعَالَى أَن لَا يظاهر مجرما جَزَاء للنعمة الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْهِ
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": لن بِمَا فِيهَا من تَأْكِيد النَّفْي دَالَّة على مُنَافَاة مَا بَين الْمَنْفِيّ والمنفي عَنهُ
لَكِن: هِيَ للاستدراك، وَهُوَ دفع توهم يتَوَلَّد من الْكَلَام السَّابِق دفعا شَبِيها بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا بُد أَن يتقدمها كَلَام إِمَّا مُنَاقض لما بعْدهَا نَحْو: مَا هَذَا سَاكن لكنه متحرك
أَو ضد لَهُ نَحْو: مَا هَذَا أسود لكنه أَبيض أَو خلاف لَهُ على الْأَصَح نَحْو: (مَا قَامَ زيد لَكِن عَمْرو شَارِب) وَيمْتَنع أَن يكون مماثلا لَهُ بِاتِّفَاق وَفِي كَون مَا بعْدهَا مُخَالفا لما قبلهَا ك (إِلَّا) فِي الِاسْتِثْنَاء، إِلَّا أَن (لَكِن) لَا يشْتَرط أَن يكون مَا بعْدهَا بَعْضًا لما قبلهَا، بِخِلَاف (إِلَّا) ثمَّ انه إِذا دخل فِي الْمُفْرد يجب أَن يكون بعد النَّفْي، وَإِذا دخل فِي الْجُمْلَة لَا يجب ذَلِك، بل يجب اخْتِلَاف الجملتين فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات، فَإِن كَانَت الْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا مثبتة وَجب أَن تكون الَّتِي بعْدهَا منفية، وَإِن كَانَت الْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا منفية وَجب أَن تكون الَّتِي بعْدهَا مثبتة، بِخِلَاف (بل) (فَإِنَّهُ للإعراض عَن الأول، وَلَكِن فِي عطف الْمُفْردَات نقيضة (لَا) ، وَفِي عطف الْجمل نقيضة بل) فِي مجيئها بعد النَّفْي وَالْإِثْبَات، فَبعد النَّفْي لإِثْبَات مَا بعْدهَا، وَبعد الْإِثْبَات لنفي مَا بعْدهَا نَحْو: (جَاءَنِي زيد لَكِن عَمْرو لم يجِئ) ، و (مَا جاءنى زيد لَكِن عَمْرو قد جَاءَنِي)
وَهِي مُشَدّدَة ومخففة مُتَقَارِبَة الْمَعْنى، إِلَّا أَن الشَّدِيدَة من الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ، والخفيفة من حُرُوف الْعَطف، والشديدة تعْمل عمل (إِن) تنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر، ويستدرك بهَا بعد النَّفْي وَالْإِثْبَات والخفيفة لَا تعْمل
وَيجوز دُخُول الْوَاو على (لَكِن) مُشَدّدَة ومخففة فَحِينَئِذٍ لَا يكون (لَكِن) حرف عطف لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع حرفان من حُرُوف الْعَطف، فَمَتَى رَأَيْت حرفا من حُرُوف الْعَطف مَعَ الْوَاو فَهِيَ العاطفة دونه، وَمن ذَلِك (إِمَّا) فِي (إِمَّا زيد، وَإِمَّا عَمْرو) ، و (لَا) فِي (مَا) قَامَ زيد لَكِن قَامَ زيد وَلَا عَمْرو) فَإِنَّهَا دخلت لتوكيد النَّفْي، وَلَا تكون (لَا) عاطفة إِلَّا بعد الْإِيجَاب، وَفِيمَا إِذا قَالَ(1/792)
الْمولى للَّذي تزوج أمته على مائَة بِغَيْر إِذن مِنْهُ: لَا أُجِيز وَلَكِن زِدْنِي خمسين فِي الصَدَاق، بَطل العقد لِأَن قَوْله: وَلَكِن زِدْنِي، مُقَرر لنفي العقد، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُجِيز وَسكت ثمَّ قَالَ: زِدْنِي
وَكلمَة (لَكِن) للاستئناف، وَإِذا كَانَ كَذَا يكون ردا، بِخِلَاف قَول الْمقر لَهُ فِيمَا إِذا قيل لَهُ: (لَك عَليّ ألف قرضا) لَا وَلَكِن من غصب حَيْثُ لَا يرْتَد الْإِقْرَار لِأَن ثمَّة نفي جِهَة الدّين، وَهنا نفى الْمولى أصل الْإِجَازَة
[وَفِي " الْجَامِع ": رجل فِي يَده عبد فَأقر بِهِ لإِنْسَان فَقَالَ الْمقر لَهُ: مَا كَانَ لي قطّ لَكِن لفُلَان، فَإِن وصل كَلَامه فَهُوَ للْمقر لَهُ الثَّانِي، وَإِن فصل فَهُوَ للْمقر]
وأصل {لَكنا هُوَ الله} {لَكِن أَنا} حذفت الْألف فالتقت نونان، فجَاء التَّشْدِيد لذَلِك، وَيُسمى هَذَا الْحَذف بالحذف الاعتباطي أَي: الَّذِي لغير مُوجب
لَعَلَّ: هِيَ مَوْضُوعَة لإنشاء توقع أَمر إِمَّا مَرْغُوب لَا وثوق بحصوله، وَمن ثمَّة لَا يُقَال: لَعَلَّ الشَّمْس تطلع، وَلَعَلَّ الشَّمْس تغرب أَو مرهوب كَذَلِك
وَالْأول يُسمى ترجيا نَحْو: {لعَلي آتيكم مِنْهَا بقبس}
وَالثَّانِي يُسمى إشفاقا نَحْو: (لَعَلَّ الحبيب يلبس النِّعَال وَيقطع الْوِصَال)
وكل وَاحِد مِنْهُمَا يكون تَارَة من الْمُتَكَلّم وَهُوَ الأَصْل نَحْو: (لَعَلَّك تُعْطِينِي شَيْئا) ، و (لَعَلَّه يَمُوت السَّاعَة) وَتارَة من الْمُخَاطب وَهُوَ أَيْضا كثير لتنزيلة منزلَة إشفاق الْمُتَكَلّم فِي التَّلَبُّس التَّام بِكَلَام كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} ، {لَعَلَّ السَّاعَة قريب} باستحالة الترجي من الله تَعَالَى باستحالة الْأَمر الْمَأْخُوذ فِي مَفْهُومه، وَهُوَ عدم الوثوق بِحُصُول الْأَمر المرجو فِي حَقه تَعَالَى اسْتِحَالَة الإشفاق مِنْهُ تَعَالَى بِالسَّبَبِ الْمَذْكُور
وَقد يكون من غَيرهمَا مِمَّن لَهُ نوع نعلق بالْكلَام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى، {فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك} على أحد الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ أَنَّك بلغت من التهالك على إِيمَانهم مبلغا يرجون أَن تتْرك بعض مَا يُوحى إِلَيْك
وَقد تسْتَعْمل (لَعَلَّ) فِي معنى الْإِرَادَة، إِمَّا بطرِيق الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة تَشْبِيها لَهَا بالترجي فِي ضمن تَشْبِيه المُرَاد بالمرجو فِي كَون كل مِنْهُمَا أمرا محبوبا أَو بطرِيق الْمجَاز الْمُرْسل من قبيل ذكر الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم بِنَاء على أَن الترجي يسْتَلْزم الْإِرَادَة
وتد تسْتَعْمل لِمَعْنى (كي) الْمَوْضُوعَة لتعليل مَا بعْدهَا لما قبلهَا، لَكِن لَا على سَبِيل الْحَقِيقَة، بل على سَبِيل اسْتِعَارَة (لَعَلَّ) لِمَعْنى (كي) اسْتِعَارَة تَبَعِيَّة تَشْبِيها لَهُ بالترجي فِي ضمن تَشْبِيه الْعلَّة الغائية بالمرجو فِي كَون كل مِنْهُمَا مَقْصُودا مترتبا على فعل مُتَقَدم
وَذكر السَّيِّد الشريف رَحمَه الله فِي حَاشِيَة " الْكَشَّاف " أَن ابْن الْأَنْبَارِي وَجَمَاعَة من الأدباء ذَهَبُوا إِلَى أَن (لَعَلَّ) قد تَجِيء بِمَعْنى (كي) حَتَّى حملوها على(1/793)
التَّعْلِيل فِي كل مَوضِع امْتنع فِيهِ الترجي سَوَاء كَانَ من قبل الإطماع نَحْو: {لَعَلَّكُمْ تفلحون} أَو لَا نَحْو: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} ]
قَالَ السيرافي وقطرب: معنى لَعَلَّ الْوَاقِع فِي كَلَام الله التَّعْلِيل. فَقَوله تَعَالَى: {وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون} مَعْنَاهُ: لتفلحوا
وَقد تسْتَعْمل مجَازًا مُرْسلا للإطماع أَي إِيقَاع الْمُتَكَلّم الْمُخَاطب فِي الطمع لعلاقة اللُّزُوم بَين الترجي والطمع نَحْو: (لعَلي أَقْْضِي حَاجَتك) كَمَا هُوَ دأب الْمُلُوك وَسَائِر الكرماء فِي وعدهم الْمُخَاطب بِشَيْء مَحْبُوب عِنْده لَا يَنَالهُ إِلَّا من جهتهم، عازمين على إِيقَاعه، غير جازمين بِوُقُوعِهِ
وَجوز التَّفْتَازَانِيّ أَن يكون مثل قَوْله تَعَالَى: {لَعَلَّكُمْ تفلحون} {لَعَلَّكُمْ ترحمون} من هَذَا الْقَبِيل، وَإِن كَانَ حُصُول الْفَلاح وَالرَّحْمَة مَجْزُومًا ومقطوعا بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى
وَقد تكون (لَعَلَّ) للاستفهام مَعَ بَقَاء الترجي، كَذَا قيل
وَاعْلَم أَن جُمْهُور أَئِمَّة اللُّغَة اقتصروا فِي بَيَان مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ على الترجي والإشفاق، وَعدم صلوحها لمُجَرّد الْعلية والفرضية مِمَّا وَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق تَقول: دخلت على الْمَرِيض كي أعوده وَأخذت المَاء كي أشربه وَلَا يَصح فِيهِ لَعَلَّ
ثمَّ اعْلَم أَن لَعَلَّ، وَعَسَى، وسوف، فِي مواعيد الْمُلُوك كالجزم بهَا، وَإِنَّمَا يطلقونها إِظْهَارًا لوقارهم وإشعارا بِأَن الرَّمْز مِنْهُم كالتصريح من غَيرهم
وَعَلِيهِ وعد الله ووعيده تَنْبِيها على أَنه يجب أَن يكون الْمُكَلف على الطمع والإشفاق، لِأَنَّهُ أبعد عَن الاتكال والإهمال، وَقد تقرر أَن الخصائص الإلهية لَا ندخل فِي أوضاع الْعَرَبيَّة، بل هِيَ مَبْنِيَّة على خَصَائِص الْخلق وَلِهَذَا ورد الْقُرْآن على الْعَادة فِيمَا بَينهم لِأَنَّهُ خطاب لَهُم
وَقد يتَمَنَّى ب (لَعَلَّ) فِي الْبعيد فَيعْطى حكم (لَيْت) فِي نصب الْجَواب نَحْو: {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات} وَأما (لَيْت) فَهِيَ كلمة مَوْضُوعَة لكل متمنى مَخْصُوص عَارض لمتمنى مَخْصُوص نَحْو: {يَا ليتنا نرد} ، {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ}
وَهِي ننصب الِاسْم وترفع الْخَبَر كَسَائِر أخواتها لشبهها بِالْفِعْلِ فَإِن معنى (لَيْت) تمنيت، كَمَا أَن (إِن) أكدت أَو حققت و (كَأَن) شبهت، و (لَكِن) استدركت، و (لَعَلَّ) ترجيت وَلِأَنَّهَا مفتوحات الآخر كآخر الْفِعْل، وَلِأَنَّهَا تدْخلهَا نون الْوِقَايَة كالفعل
و (لَيْت) تتَعَلَّق بالمستحيل غَالِبا وبالممكن قَلِيلا وَقد تنزل منزلَة (وجدت) فَيُقَال: لَيْت زيد شاخصا
وَقَوْلهمْ: (لَيْت شعري) مَعْنَاهُ: لَيْتَني أشعر، ف (أشعر) هُوَ الْخَبَر، وناب (شعري) عَن (أشعر) ، وَالْيَاء الْمُضَاف إِلَيْهَا شعري عَن اسْم لَيْت
لَيْسَ: أَصله لَيْسَ كفرح فسكنت تَخْفِيفًا؛ أَو (لَا أيس) : أَي لَا مَوْجُود طرحت الْهمزَة، والتزقت(1/794)
اللَّام بِالْيَاءِ، وَالدَّلِيل قَوْلهم: أتيتني من حَيْثُ أيس وَلَيْسَ: أَي من حَيْثُ هُوَ وَلَا هُوَ
وَهِي ترفع الِاسْم وتنصب الْخَبَر
وَالْأَفْعَال النَّاقِصَة كلهَا دَالَّة على الْحَدث إِلَّا (لَيْسَ) ، ك (مَا) النافية والمستثنى بليس لَا يكون إِلَّا مَنْصُوبًا، منفيا كَانَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ أَو مُوجبا
[وَيجوز تَقْدِيم خبر (لَيْسَ) عَلَيْهَا كَمَا يجوز تَقْدِيم خبر (كَانَ) عَلَيْهَا هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين قَالَ أَبُو حَيَّان رَحمَه الله: قد تتبعت جملَة من دواوين الْعَرَب فَلم أظفر بِتَقْدِيم خبر لَيْسَ عَلَيْهَا وَلَا لمعمولها إِلَّا مَا دلّ عَلَيْهِ ظَاهر قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِي لَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار} ] (وَقَوْلهمْ: لَيْسَ بِذَاكَ: أَي لَيْسَ بمقبول، لِأَن المقبول لعلو مرتبته يشار إِلَيْهِ بِمَا يشار إِلَى الْبعيد)
اللَّفْظ: هُوَ فِي أصل اللُّغَة مصدر بِمَعْنى الرَّمْي، وَهُوَ بِمَعْنى الْمَفْعُول، فَيتَنَاوَل مَا لم يكن صَوتا وحرفا، وَمَا هُوَ حرف وَاحِد وَأكْثر، مهملا أَو مُسْتَعْملا، صادرا من الْفَم أَو لَا، لَكِن خص فِي عرف اللُّغَة بِمَا صدر من الْفَم من الصَّوْت الْمُعْتَمد على الْمخْرج حرفا وَاحِدًا أَو أَكثر، مهملا، أَو مُسْتَعْملا، فَلَا يُقَال لفظ الله، بل يُقَال كلمة الله
وَفِي اصْطِلَاح النُّحَاة مَا من شَأْنه أَن يصدر من الْفَم من الْحَرْف، وَاحِدًا أَو أَكثر، أَو يجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامه كالعطف والإبدال فيندرج فِيهِ حِينَئِذٍ كَلِمَات الله وَكَذَا الضمائر الَّتِي يجب استتارها
وَهَذَا الْمَعْنى أَعم عَن الأول، وَأحسن تعاريفه على مَا قيل: صَوت مُعْتَمد على مقطع، حَقِيقَة أَو حكما، فَالْأول كزيد، وَالثَّانِي كالضمير الْمُسْتَتر فِي (قُم) الْمُقدر بأنت
وَاللَّفْظ على مصطلح أَرْبَاب الْمعَانِي: عبارَة عَن صُورَة الْمَعْنى الأول الدَّال على الْمَعْنى الثَّانِي على مَا صرح بِهِ الشَّيْخ حَيْثُ قَالَ: إِذا وضعُوا اللَّفْظ بِمَا يدل على تفخيمه لم يُرِيدُوا اللَّفْظ الْمَنْطُوق، وَلَكِن معنى اللَّفْظ الَّذِي دلّ بِهِ على الْمَعْنى الثَّانِي قَالَ السَّيِّد الشريف: نفس اللَّفْظ ظرف لنَفس الْمَعْنى، وَبَيَان الْمَعْنى ظرف لنَفس اللَّفْظ
وَمَفْهُوم كل لفظ مَا وضع ذَلِك اللَّفْظ بإزائه
وَذَات كل لفظ مَا صدق عَلَيْهِ ذَلِك الْمَفْهُوم كَلَفْظِ الْكَاتِب مثلا مَفْهُومه شَيْء لَهُ الْكِتَابَة، وذاته مَا صدق عَلَيْهِ الْكَاتِب من أَفْرَاد الْإِنْسَان
اللُّزُوم: [هُوَ يسْتَعْمل بِمَعْنى امْتنَاع الانفكاك اصْطِلَاحا، وَبِمَعْنى التّبعِيَّة لُغَة، وكل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ، فَإِذا اسْتعْمل الأول مَعَ (من) فَكَأَنَّهُ قيل: امْتنع انفكاكه مِنْهُ، وَإِذا اسْتعْمل الثَّانِي مَعَه فَكَأَنَّهُ قيل ينشأ مِنْهُ] (معنى اللُّزُوم للشَّيْء عدم الْمُفَارقَة عَنهُ) يُقَال: لزم فلَان بَيته إِذا لم يُفَارِقهُ وَلم يُوجد فِي غَيره
وَمِنْه قَوْلهم: [الْبَاء لَازِمَة للحرفية والجرو] أم الْمُتَّصِلَة لَازِمَة لهمزة الِاسْتِفْهَام [والكلمات الاستفهامية لَازِمَة لصدر الْكَلَام و (قد) من لَوَازِم الْأَفْعَال](1/795)
وَمعنى لُزُوم شَيْء عَن شَيْء كَون الأول ناشئا عَن الثَّانِي وحاصلا مِنْهُ، لَا كَون حُصُوله يسْتَلْزم حُصُوله وَفرق بَين اللَّازِم من الشَّيْء ولازم الشَّيْء بِأَن أَحدهمَا عِلّة الآخر فِي الأول بِخِلَاف الثَّانِي
واللزوم الذهْنِي: كَونه بِحَيْثُ يلْزم من تصور الْمُسَمّى فِي الذِّهْن تصَوره فِيهِ، فَيتَحَقَّق الِانْتِقَال مِنْهُ إِلَيْهِ كالزوجية للاثنين
واللزوم الْخَارِجِي: كَونه بِحَيْثُ يلْزم من تحقق الْمُسَمّى فِي الْخَارِج تحَققه فِيهِ، وَلَا يلْزم من ذَلِك الِانْتِقَال للذهن كوجود النَّهَار لطلوع الشَّمْس
واللزوم فِي نظر علم الْبَيَان أَعم من أَن يكون عقليا أَو اعتقاديا وَفِي اللُّزُوم الاعتقادي لَا يمْتَنع وجود الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم، فَيجوز أَن يكون اللَّازِم أخص، بِمَعْنى أَن لَهُ تعلق لُزُوم بالشَّيْء، لَكِن لَيْسَ بِحَيْثُ مَتى تحقق ذَلِك الشَّيْء تحقق هُوَ
واللزوم: عدم قبُول الحكم النّسخ
واللزومية: مَا حكم فِيهَا بِصدق قَضِيَّة على تَقْدِير قَضِيَّة أُخْرَى لعلاقة بَينهمَا مُوجبَة لذَلِك
وَاللَّازِم الْبَين بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ: هُوَ الَّذِي يَكْفِي تصَوره ملزومه فِي جزم الْعقل باللزوم بَينهمَا، كالانقسام بمتساوين للأربعة
وَاللَّازِم الْبَين بِالْمَعْنَى الْأَخَص: هُوَ الَّذِي يلْزم من تصور ملزومه تصَوره، ككون الِاثْنَيْنِ ضعف الْوَاحِد، فَإِن من تصور الِاثْنَيْنِ أدْرك أَنه ضعف الْوَاحِد وَالْأول أَعم لِأَنَّهُ مَتى يَكْفِي تصور الْمَلْزُوم فِي اللُّزُوم يَكْفِي تصور اللَّازِم مَعَ تصور الْمَلْزُوم
وَاللَّازِم غير الْبَين: هُوَ الَّذِي يفْتَقر فِي جزم الذِّهْن باللزوم بَينهمَا إِلَى أَمر آخر من دَلِيل أَو تجربة أَو إحساس وَصَحَّ التَّعْبِير عَن اللُّزُوم بالملازمة نظرا إِلَى أَنه أبدا يكون من الطَّرفَيْنِ، وَلَو كَانَ فِي الْبَعْض جزئيا فِي أحد الْجَانِبَيْنِ، مثلا بَين الْعلم والحياة مُلَازمَة بِأَن الْعلم يسْتَلْزم الْحَيَاة كليا، والحياة تَسْتَلْزِم الْعلم جزئيا وَلِهَذَا جوز كَون اللَّازِم أخص، كَالْعلمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيّ
وَإِطْلَاق الْمُلَازمَة والتلازم أَيْضا على معنى اللُّزُوم كثير وَقد يُرَاد بِلَازِم الشَّيْء مَا يتبعهُ ويرادفه
وبلزومه إِيَّاه أَن يكون لَهُ تعلق مَا
اللُّغَة: فِي " الراموز ": هِيَ أصوات بهَا يعبر كل قوم عَن أغراضهم أَصْلهَا (لغي) ، أَو (لَغْو) جمعهَا (لغي) و (لُغَات)
وَقيل: مَا جرى على لِسَان كل قوم
وَقيل: الْكَلَام المصطلح عَلَيْهِ بَين كل قَبيلَة
وَقيل: معرفَة أَفْرَاد الْكَلِمَة وأوضاعها
واللغات السَّبع الْمَشْهُورَة بالفصاحة فِي الْعَرَب العرباء هِيَ: لُغَة قُرَيْش، وهذيل، وهوازن، واليمن، وطيىء، وَثَقِيف، وَبني تَمِيم وَقد اسْتمرّ فِي كَلَام الْعلمَاء مثل: الْإِعْرَاب لُغَة: الْبَيَان وَقد يصرحون بِالْأَصْلِ وَهُوَ فِي اللُّغَة، فعلى الأول يرد أَن اسقاط الْخَافِض فِي هَذَا وَنَحْوه لَيْسَ بِقِيَاس وعَلى الثَّانِي بِمَاذَا يتَعَلَّق هَذَا الْخَافِض؟ وَلَو قدر التَّعَلُّق بمضاف مَحْذُوف، وَهُوَ تَفْسِير الْإِعْرَاب فِي اللُّغَة، كَمَا قدر فِي قَوْلهم: الِاسْم مَا دلّ على معنى فِي نَفسه بِاعْتِبَار نَفسه لَا بِاعْتِبَار أَمر خَارج عَنهُ كي لَا يلْزم الْمحَال، وَهُوَ اقْتِضَاء كَون معنى الِاسْم وَهُوَ الْمُسَمّى مَوْجُودا فِي لفظ الِاسْم، فَهَذَا التَّقْدِير صَحِيح، لكنه قد عرفت أَن إِسْقَاط الْخَافِض لَيْسَ بِقِيَاس وَالْقَوْل بِأَن ذَلِك على الْمَفْعُول الْمُطلق، وَأَنه من الْمصدر الْمُؤَكّد لغيره فَاسد، إِذْ اللُّغَة لَيست بمصدر لِأَنَّهَا لَيست اسْما للْحَدَث، والمصدر الْمُؤَكّد لغيره لَا يجوز أَن(1/796)
يتوسط وَلَا أَن يتَقَدَّم عِنْد الْجُمْهُور، فَلَا يُقَال: زيد حَقًا ابْني، وَلَا حَقًا زيد ابْني، بل يُؤْتى بعد الْجُمْلَة وَالظَّاهِر: أَنه حَال على تَقْدِير مُضَاف إِلَيْهِ من الْمَجْرُور ومضافين من الْمَنْصُوب، وَالْأَصْل تَفْسِير الْإِعْرَاب مَوْضُوع أهل اللُّغَة، ثمَّ حذف المضافان على حد حذفهما فِي قَوْله تَعَالَى: {فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول} أَي: من أثر حافر فرس الرَّسُول، وَلما أنيب الثَّالِث عَمَّا هُوَ الْحَال بِالْحَقِيقَةِ الْتزم تنكيره لنيابته عَن لَازم التنكير، وَلَك أَن تَقول: الأَصْل مَوْضُوع اللُّغَة على نسبته الْوَضع إِلَى اللُّغَة مجَازًا، وَفِيه حذف مُضَاف وَاحِد
اللطافة: هِيَ تطلق بالاشتراك على معَان: دقة القوام، وَقبُول الانقسام إِلَى أَجزَاء صَغِيرَة جدا، وَسُرْعَة التَّأْثِير عَن الملاقي والشفافية
واللطف: مَا يَقع عِنْده صَلَاح العَبْد آخر عمره بِطَاعَة الْإِيمَان دون فَسَاده بِكفْر وعصيان هَذَا مَذْهَب أهل السّنة
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: اللطف: مَا يخْتَار الْمُكَلف عِنْده الطَّاعَة تركا وإتيانا، أَو يقرب مِنْهُمَا مَعَ تمكنه فِي الْحَالين وَيُسمى الأول عِنْدهم لطفا محصلا، وَالثَّانِي لطفا مقربا كِلَاهُمَا بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل
واللطيف: من الْأَسْمَاء الْحسنى مَعْنَاهُ الْبر بعباده، المحسن إِلَى خلقه بإيصال الْمَنَافِع إِلَيْهِم بِرِفْق، ولطف، فَيكون من صِفَات الْأَفْعَال [فالصفات الجميلة للعباد بِخلق الله تَعَالَى وإقداره إيَّاهُم على كسبها أَو بإقداره إيَّاهُم على خلقهَا فَتكون من أنوار ذَاته وآثار صِفَاته واللطيف مَعْنَاهُ] الْعَالم بخفايا الْأُمُور ودقائقها، فَيكون من صِفَات الذَّات
واللطيف من الْكَلَام: مَا غمض مَعْنَاهُ وخفي
ولطف: كنصر لطفا: رفق ودنا
و [لطف] الله لَك: أوصل إِلَيْك مرادك بلطف
وككرم: صغر ودق لطفا أَيْضا ولطافة
اللّحن: لحن القَوْل: فحواه وَمَعْنَاهُ وأسلوبه وإمالته إِلَى جِهَة تَعْرِيض وتورية قَالَ: وَلَقَد لحنت لكم لكيما مَا تفهموا
واللحن يعرفهُ ذَوُو الْأَلْبَاب، وَمِنْه قيل للمخطئ: لاحن لِأَنَّهُ يعدل بالْكلَام عَن الصَّوَاب
ولحن الْكَلَام، بِالسُّكُونِ: وَهُوَ قِسْمَانِ جلي وخفي: فالجلي: خطأ يعرض للفظ ويخل بِالْمَعْنَى وَالْعرْف كتغيير كل وَاحِد من الْمَرْفُوع والمنصوب وَالْمَجْرُور والمجزوم، أَو تَغْيِير المبنى عَمَّا قسم لَهُ من حَرَكَة أَو سُكُون
والخفي: هُوَ خطأ يعرض للفظ وَلَا يخل بِالْمَعْنَى بل بِالْعرْفِ كتكرير الراءات وتطنين النونات
اللمم: بِالْفَتْح: الْجُنُون، وصغار الذُّنُوب، وَمَا يَقْصِدهُ الْمُؤمن وَلَا يحققه، وَأما مَا قَالَ بِهِ الْمُؤمن ويندم فِي الْحَال فَهُوَ من اللمم الَّذِي هُوَ مس من الْجُنُون، كَأَنَّهُ مَسّه وفارقه
وصغار الذُّنُوب من ألم إِذا نزل نزولا من غير لبث طَوِيل
واللمم، بِالْكَسْرِ: جمع لمة وَهِي الشّعْر المسترسل إِلَى الْمنْكب
اللَّعْن: هُوَ بِمَعْنى الطَّرْد من رَحْمَة الله، فَلَا يكون إِلَّا للْكَافِرِينَ
وَبِمَعْنى الإبعاد من دَرَجَة الْأَبْرَار ومقام الصَّالِحين(1/797)
وَهُوَ المُرَاد فِي حَدِيث الاحتكار، وَلَا يجوز الأول على شخص وَإِن كَانَ فَاسِقًا
وَالْمرَاد من لعن الْمُحَلّل والمحلل لَهُ الخساسة لَا حَقِيقَة اللَّعْن، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بعث لعانا
اللجاج: التَّمَادِي فِي الْخُصُومَة
والعناد: الْمُعَارضَة بالعدول عَن سَوَاء الطَّرِيق وَبرد الْحق
ولجة النَّاس، بِالْفَتْح: صوتهم
ولجة المَاء، بِالضَّمِّ: معظمه
اللاهوت: الْخَالِق
والناسوت: الْمَخْلُوق وَرُبمَا يُطلق الأول على الرّوح وَالثَّانِي على الْبدن
وَرُبمَا يُطلق الأول أَيْضا على الْعَالم الْعلوِي، وَالثَّانِي على الْعَالم السفلي
وعَلى السَّبَب والمسبب
وعَلى الْجِنّ وَالْإِنْس
اللب: الْعقل الْخَالِص من الشوائب وَقيل: هُوَ مَا ذكا من الْعقل فَكل لب عقل وَلَا عكس وَلِهَذَا عقل الله الْأَحْكَام الَّتِي لَا تدركها إِلَّا الْعُقُول الذكية بأولي الْأَلْبَاب
اللِّسَان: هُوَ على لُغَة من جعله مذكرا يجمع على أَلْسِنَة، وعَلى من جعله مؤنثأ يجمع على ألسن، كذراع وأذرع
ولسان الْعَرَب: لغتهم، قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك}
وَالْمرَاد فِي قَوْله تَعَالَى {وَاجعَل لي لِسَان صدق} : مَا يوحد بِهِ
وَفِي قَوْله تَعَالَى: {واحلل عقدَة من لساني} : الْقُوَّة النطقية الْقَائِمَة بالجارحة لَا الْجَارِحَة نَفسهَا
اللف والنشر: هُوَ من المحسنات المعنوية، وَهُوَ ذكر مُتَعَدد على التَّفْصِيل أَو الْإِجْمَال ثمَّ ذكر مَا لكل من غير تعْيين ثِقَة بِأَن السَّامع يردهُ إِلَيْهِ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ ولتبتغوا من فَضله} وَقَوله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه ولعلكم تشكرون} فِيهِ نشر لفين مفصل ومجمل كَمَا جنح إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين
واللف التقديري: هُوَ لف الْكَلَامَيْنِ وجعلهما كلَاما وَاحِدًا إيجازا وبلاغة كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا} أَي: لَا ينفع نفسا إيمَانهَا وَلَا كسبها فِي الْإِيمَان لم تكن آمَنت من قبل أوكسبت فِيهِ خيرا
واللفيف فِي الصّرْف: مقرون ك (طوى) ، ومفروق ك (وعى) لِاجْتِمَاع المعتلين فِي ثلاثية
اللَّغْو: هُوَ اسْم لكَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ وَهُوَ المُرَاد فِي(1/798)
آيَة الْمَائِدَة
وضد كسب الْقلب وَهُوَ السَّهْو كَمَا فِي آيَة الْبَقَرَة بِدَلِيل التقابل فِي كل مِنْهُمَا
اللَّهْو: صرف الْهم بِمَا لَا يحسن أَن يصرف بِهِ
واللعب: طلب الْفَرح بِمَا لَا يحسن أَن يطْلب بِهِ
وَقيل: اللَّهْو الِاسْتِمْتَاع بلذات الدُّنْيَا واللعب: الْعَبَث
وَقيل: اللَّهْو: الْميل عَن الْجد إِلَى الْهزْل
واللعب: ترك مَا ينفع بِمَا لَا ينفع
وَقيل: اللَّهْو: االإعراض عَن الْحق واللعب: الإقبال على الْبَاطِل ولهيت عَن الشَّيْء، بِالْكَسْرِ: إِذا سلوت عَنهُ وَتركت ذكره وأضربت عَنهُ وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لاهية قُلُوبهم}
ولهوت: من اللَّهْو
واللهاة: هِيَ جَوْهَر لحمي مُعَلّق على أَعلَى الحنجرة كالحجاب ومنفعتها تدريج الْهَوَاء لِئَلَّا يقرع بِبرْدِهِ الرئة، وليمنع الدُّخان وَالْغُبَار وَكَأَنَّهُ بَاب موصد على مخرج الصَّوْت بِقَدرِهِ
اللَّمْس: هُوَ لصوق بإحساس
والمس أقل تمَكنا من الْإِصَابَة وَهُوَ أقل درجاتها
واللمس أَعم مِمَّا هُوَ بِالْيَدِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من الْكتب الكلامية
والتماس بِالْيَدِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من كتب اللُّغَة
فَقَوله تَعَالَى: {فلمسوه بِأَيْدِيهِم} أَي: فمسوه، وَالتَّقْيِيد فِيهِ بِأَيْدِيهِم لدفع التَّجَوُّز لَا محَالة، فَإِنَّهُ قد يتجوز بِهِ للفحص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنا لمسنا السَّمَاء}
واللمس قد يُقَال لطلب الشَّيْء وَإِن لم يُوجد
والمس يُقَال فِيمَا مَعَه إِدْرَاك بحاسة السّمع، ويكنى بِهِ عَن النِّكَاح وَالْجُنُون وَيُقَال فِي كل مَا ينَال الْإِنْسَان من أَذَى: مس، وَلَا اخْتِصَاص لَهُ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ لصوق فَقَط
قَالَ الشَّيْخ الرئيس: الْحَواس الَّتِي يصير بهَا الْحَيَوَان حَيَوَانا إِنَّمَا هُوَ اللَّمْس فَإِن بَاقِي الْحَواس قد يَنْتَفِي مَعَ بَقَاء الحيوانية بِخِلَاف اللَّمْس
اللَّقِيط: هُوَ فِي الْآدَمِيّ يُقَال: صبي منبوذ، اعْتِبَارا بِمن طَرحه ولقيط وملقوط أَيْضا، اعْتِبَارا بِمن تنَاوله
واللقطة فِي غير الْآدَمِيّ
واللقاطة، بِالضَّمِّ: مَا كَانَ سَاقِطا مِمَّا لَا قيمَة لَهُ
اللَّوْح، بِالْفَتْح: الْكتب
وبالضم: الْهَوَاء بَين الأَرْض وَالسَّمَاء
واللوح الْمَحْفُوظ عِنْد أهل الشَّرْع: جسم فَوق السَّمَاء السَّابِعَة كتب فِيهِ مَا كَانَ وَمَا سَيكون، وَهَذَا لَيْسَ بمستحيل لِأَن الكائنات عندنَا متناهية
وَأما عِنْد الفلاسفة: فَهُوَ النَّفس الْكُلِّي للفلك الْأَعْظَم يرتسم فِيهَا الكائنات ارتسام الْمَعْلُوم فِي الْعَالم
وَاعْلَم أَن ثُبُوت الْمَقَادِير فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ يضاهي ثُبُوت كَلِمَات الْقُرْآن وحروفه فِي دماغ حَافظ الْقُرْآن وَقَلبه، فَإِنَّهُ مسطور فِيهِ كَأَنَّهُ ينظر(1/799)
إِلَيْهِ [فَإِن جَمِيع الْحُرُوف بهيئاتها التأليفية الْعَارِضَة لمفرداتها ومركباتها مَحْفُوظَة فِي قلب الْحَافِظ ومجتمعة الْوُجُود فِيهِ بِحَيْثُ إِن وجود بَعْضهَا لَيْسَ مَشْرُوطًا بِانْقِضَاء الْبَعْض وانعدامه عَن قلبه كَمَا فِي التَّلَفُّظ لعدم مساعدة الْآلَة] وَلَو فتشت دماغه جُزْءا جُزْءا لم تشاهد من ذَلِك حرفا [وَهَذَا خلاف وجود الْعبارَات فِي ذَات الله تَعَالَى، بل وجودهَا فِي ذَاته تَعَالَى بالوجود الْعَيْنِيّ اللَّازِم لذاته الدَّائِم بدوامه، وَفِي نفس الْحَافِظ بالوجود اللَّفْظِيّ الخيالي، بل كَلَامه تَعَالَى حَقِيقَة على مَا ذهب إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من الماتريدية والأشعرية رَضِي الله عَنْهُمَا هُوَ الْمعَانِي أَي النّسَب الإخبارية والإنشائية دون الْمعَانِي اللُّغَوِيَّة الْمعبر عَنْهَا بالألفاظ فَإِنَّهَا جَوَاهِر وأعراض يَسْتَحِيل قِيَامهَا بِذَاتِهِ تَعَالَى
وَدَلَائِل الْحُدُوث مَحْمُولَة على حُدُوث تِلْكَ الصِّفَات الْمُتَعَلّقَة بالْكلَام فِي الْوُجُود دون حَقِيقَة الْكَلَام جمعا بَين الْأَدِلَّة كَمَا صرح بِهِ صَاحب " المواقف " وَأول قَول الْأَشْعَرِيّ أَن الْكَلَام هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ بِحمْل الْمَعْنى على الْقَائِم بِالْغَيْر فيقابل الْعين دون مَدْلُول اللَّفْظ وَهَذَا هُوَ مَذْهَب السّلف كَمَا فِي " نِهَايَة الْإِقْدَام " للشهرستاني وَأقرب إِلَى الْأَحْكَام الظَّاهِرِيَّة المنسوبة إِلَى قَوَاعِد الْملَّة كَمَا قَالَ الْعَلامَة الشريف الْجِرْجَانِيّ رَحمَه الله]
(ولوح الله لَا يشبه لوح الْمَخْلُوق، وَكتاب الله لَا يشبه كتاب الْخلق، كَمَا أَن ذَاته وَصِفَاته لاتشبه ذَات المخلوقين وصفاتهم)
اللوم، بِالْفَتْح: العذل، واللوم مِمَّا يحرض، كَمَا أَن العذل مِمَّا يغري، والعتاب مِمَّا يزِيد فِي الْإِعْرَاض، والتعنيف مِمَّا يحس الْمنْهِي عَنهُ واللؤم، بِالضَّمِّ والهمزة بعده: هُوَ ضد الْكَرم
اللَّطْم: الضَّرْب على الخد ببسط الْكَفّ
واللكم: بِقَبض الْكَفّ والكدم: بكلتا الْيَدَيْنِ
اللبان: هُوَ يخْتَص بِالرّضَاعِ يُقَال: هُوَ أَخُوهُ بلبان أمه، وَلَا يُقَال: بلبنها، وَيُقَال: لبن الشَّاة، ولبان الْمَرْأَة
اللمز: الغمز فِي الْوَجْه بِكَلَام خَفِي
والهمز: فِي الْقَفَا
اللّبْس: بِالْفَتْح: الْخَلْط من بَاب (ضرب) ، وَقد يلْزمه جعل الشَّيْء مشتبها بِغَيْرِهِ
و [التباس] ككتاب: الزَّوْج وَالزَّوْجَة، والاختلاط والاجتماع ولباس التَّقْوَى: الْإِيمَان، أَو الْحيَاء، أَو ستر الْعَوْرَة
وَلبس الثَّوْب، كسمع لبسا بِالضَّمِّ
لله كَذَا: هُوَ كلمة تعجب ومدح يُقَال عِنْد استغراب الشَّيْء واستعظامه
قَالَ صَاحب " التَّحْرِير ": إِذا وجد من الْوَلَد مَا يحمد يُقَال (لله أَبوك) حَيْثُ أَتَى بمثلك وَكَذَا يُقَال فِي الْمَدْح: لله دره والدر فِي اللُّغَة: اللَّبن، وَفِيه خير كثير عِنْد الْعَرَب فَأُرِيد الْخَيْر مجَازًا وَيُقَال فِي الذَّم: (لَا در دره) أَي: لَا كثر خَيره وَالْعرب إِذا عظموا شَيْئا نسبوه إِلَى الله تَعَالَى قصدا إِلَى أَن غَيره(1/800)
لَا يقدر، وإيذانا بِأَنَّهُ متعجب من أَمر نَفسه لِأَنَّهُ قد يخفى عَلَيْهِ شَأْن من شؤون نفس، وَإِمَّا تعجيب لغيره مِنْهُ
لَدَى: هِيَ بِجَمِيعِ لغاتها بِمَعْنى (عِنْد) مُتَضَمّن لِمَعْنى (من) وَلذَا بني، وَيَكْفِي لجِهَة الْبناء كَون (لدن) فِي (من لدن) على لفظ مَا هُوَ مَبْنِيّ، وَلَا يُوجب دُخُول (من) عَلَيْهِ عدم تضمنه لمعناه لجَوَاز أَن يكون الدُّخُول للتَّأْكِيد
لوط: قَالَ ابْن اسحق: هُوَ لوط بن هاران بن آزر وَعَن ابْن عَبَّاس: لوط ابْن أَخ إِبْرَاهِيم [نوع] {أَن نتَّخذ لهوا} : اللَّهْو الْمَرْأَة بلغَة أهل الْيمن
{لفيفا} : جَمِيعًا أَو مختلطين
{من لدنا} : من عندنَا
{لبس} : شكّ
{لغوب} : إعياء
{لَغوا} : بَاطِلا
{لِسَان صدق عليا} : الثَّنَاء الْحسن
{ليا بألسنتهم} : تحريفا بِالْكَذِبِ
{لواحة} : معرضة، أَو حراقة، أَو مسودة لأعالي الْجلد، أَو لائحة للنَّاس
{أكلا لما} : ذَا لم أَي: جمع بَين الْحَلَال وَالْحرَام
{كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} أَي كَادُوا يركبون النَّبِي رَغْبَة فِي الْقُرْآن وشهوة لاستماعه
{لَوَاقِح} : حوامل
{قوما لدا} : أشداء الْخُصُومَة
{صَنْعَة لبوس} : عمل دروع
{لزاما} : لَازِما يَحِيق بكم لَا محَالة
{لَهو الحَدِيث} : مَا يلهي عَمَّا يَعْنِي. {كلمح الْبَصَر} :: كرجع الطّرف من أَعلَى الحدقة إِلَى أَسْفَلهَا
{للجوا} : لثبتوا
{وَجَعَلنَا اللَّيْل لباسا} : غطاء يسْتَتر بظلمته من أَرَادَ الأختفاء
{لجي} : عميق
{طين لازب} : طين علك لاصق
{فِي لحن القَوْل} : فحوى القَوْل وَمَعْنَاهُ(1/801)
{مَا قطعْتُمْ من لينَة} : من نَخْلَة، فعلة من اللَّوْن وَتجمع على ألوان، أَو من اللين وَمَعْنَاهَا النَّخْلَة الْكَرِيمَة، وَجَمعهَا أليان
{لُمزَة} : عياب
{لِوَاذًا} : أَي يلوذ بَعضهم بِبَعْض أَي: يسْتَتر بِهِ
{لووا رؤوسهم} : عطفوها إعْرَاضًا واستكبارا
{فِي لبس} : فِي خلط وشبهة
{من لدنا} : من جِهَة قدرتنا، أَو من عندنَا
{لِسَان صدق فِي الآخرين} : جاها وَحسن صيت فِي الدُّنْيَا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم الدّين
{وللبسنا} : ولخلطنا
{مَا يلبسُونَ} : مَا يخلطون على أنفسهم
{كم لَبِثت} : كم مكثت
{لَوْلَا ينهاهم الربانيون} أَي: هلا
وَكَذَا {لَو مَا تَأْتِينَا} : فَإِنَّهُمَا إِذا لم يحتاجا إِلَى جَوَاب فمعناهما هلا
{مروا بِاللَّغْوِ} : مَا يجب أَن يلغى ويطرح
{لَذَّة للشاربين} : أَي لذيذة لَهُم
{لظى} : من أَسمَاء جَهَنَّم
{اللوامة} : لَيْسَ من نفس برة وَلَا فاجرة إِلَّا تلوم نَفسهَا إِن كَانَت عملت خيرا هلا زَادَت مِنْهُ، وَإِن كَانَت عملت سوءا لم عملته
{لُقْمَان} : هُوَ ابْن باعورا من أَوْلَاد آزر ابْن أُخْت أَيُّوب أَو خَالَته، عَاشَ ألف سنة حَتَّى أدْرك سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأخذ مِنْهُ الْعلم وَكَانَ يُفْتِي قبل مبعثه وَالْجُمْهُور على أَنه كَانَ حكيما وَلم يكن نَبيا
(فصل الْمِيم)
[الْمِصْبَاح] : كل مِصْبَاح فِي الْقُرْآن فَهُوَ كَوْكَب إِلَّا الَّذِي فِي " النُّور " فَإِن المُرَاد هُنَاكَ السراج
[المجرم] : كل مجرم فِي الْقُرْآن فَالْمُرَاد بِهِ الْكَافِر
[الْمُبَاشرَة] : كل مُبَاشرَة فِي الْقُرْآن فَالْمُرَاد مقلوب الْكِنَايَة
[الْمُشْركُونَ] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن {وَمَا لَهُم فِي الأَرْض من ولي وَلَا نصير} فَهُوَ للْمُشْرِكين
[مَا يدْريك] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن (مَا يدْريك) فَلم يخبر بِهِ(1/802)
[مَا أَدْرَاك] : وكل شَيْء فِي الْقُرْآن (وَمَا أَدْرَاك) فقد أخبر بِهِ، وَذَلِكَ أَن (مَا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ للاستفهام الإنكاري، لَكِن فِي (مَا يدْريك) إِنْكَار وَنفي للإدراك فِي الْحَال والمستقبل، فَإِذا نفى الله ذَلِك فِي الْمُسْتَقْبل لم يُخبرهُ وَلم يفسره، وَفِي (مَا أَدْرَاك) إِنْكَار وَنفي لتحَقّق الْإِدْرَاك فِي الْمَاضِي وَلَا يُنَافِي تحَققه فِي الْحَال أَو الْمُسْتَقْبل، فأدرى الله بإخباره وَتَفْسِيره
[الْمَكْر] : كل مكر فِي الْقُرْآن فَهُوَ عمل
[مذ ومنذ] : وَالْقُرْآن الْعَزِيز على كَثْرَة جملَته وغزارة تأليفاته لم يَأْتِ فِيهِ (مذ) و (مُنْذُ)
[الموطن] : كل مقَام قَامَ فِيهِ الْإِنْسَان لأمر مَا فَهُوَ موطن لَهُ
[الْمشكاة] : كل كوَّة غير نَافِذَة فَهِيَ مشكاة
[الْميتَة] : كل أَرض لَا تنْبت شَيْئا فَهِيَ ميتَة
[المولد] : كل لفظ كَانَ عَرَبِيّ الأَصْل ثمَّ حرفته الْعَامَّة بهمز أَو تَركه أَو تسكين أَو تَحْرِيك فَهُوَ مولد
[الماعون] : كل مَا يستعار من قدوم أَو شفرة أَو قدر أَو قَصْعَة فَهُوَ ماعون [المتنطس] : كل من دقق النّظر فِي الْأُمُور واستقصى علمهَا فَهُوَ متنطس
[المهاوش] : كل مَال أُصِيب من غير حلّه كالغصب وَالسَّرِقَة فَهُوَ مهاوش
[الممطول] : كل مَمْدُود فَهُوَ ممطول، وَمِنْه اشتق المطل بِالدّينِ
[الميسر] : كل شَيْء فِيهِ خطر فَهُوَ من الميسر
[المنطقة] : كل مَا شددت بِهِ وسطك فَهُوَ منْطقَة
[الْمجلة] : كل كتاب عِنْد الْعَرَب فَهُوَ مجلة
[الماخض] : كل حَامِل ضربهَا الطلق فَهِيَ ماخض
[المأوى] : كل مَكَان يأوي إِلَيْهِ شَيْء فَهُوَ المأوى
[المحصنة] : كل امْرَأَة عفيفة فَهِيَ مُحصنَة ومحصنة بِالْفَتْح وَالْكَسْر وكل امْرَأَة متزوجة فَهِيَ مُحصنَة بِالْفَتْح لَا غير
[المستهل] : كل مُتَكَلم رفع صَوته أَو خفض فَهُوَ مستهل
[المشمت، والمسمت] : كل دَاع لأحد بِخَير فَهُوَ مشمت ومسمت بِالْمُعْجَمَةِ والمغفلة
[الْمُحَرر] : كل مَا أخْلص فَهُوَ مُحَرر
[الْملك] : كل من لَا تدخل عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَهُوَ ملك
[الْمُؤَذّن] : كل من تكلم بِشَيْء نِدَاء فَهُوَ مُؤذن
[المعشر] : كل جمَاعَة أَمرهم وَاحِد فَهِيَ معشر
[المكنوز] : كل شَيْء جمع بعضه إِلَى بعض فَهُوَ مكنوز
[المكافئ] : كل شَيْء سَاوَى شَيْئا حَتَّى يكون مثله فَهُوَ مكافئ لَهُ
[الْمَنّ] : كل مَا يمن الله بِهِ مِمَّا لَا تَعب فِيهِ وَلَا نصب فَهُوَ الْمَنّ
[الْمِسْكِين] : كل من احْتَاجَ إِلَى كل شَيْء فَهُوَ مِسْكين(1/803)
[الْمحرم] : كل من لم يَأْتِ شَيْئا تستحل، بِهِ عُقُوبَته فَهُوَ محرم وَعَلِيهِ قَوْله: قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما فَلَيْسَ المُرَاد الْإِحْرَام بِالْحَجِّ قَالَه الْأَصْمَعِي
وَيحْتَمل أَن المُرَاد الممسك عَن قِتَالهمْ، أَو فِي الشَّهْر الْحَرَام لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّام التَّشْرِيق، جزم بِهِ الْمبرد فِي " الْكَامِل "
[الْموَات] : كل مَا فَارق الْجَسَد من نُطْفَة أَو شعر فَهُوَ موَات وَكَذَا كل مَالا روح فِيهِ
[الْمُصَلِّي] : كل دَاع فَهُوَ مصل هَذَا معنى الصَّلَاة لُغَة، ثمَّ ضمت إِلَيْهَا هيئات وأركان وَسميت مجموعها صَلَاة
[المفلح] : كل من أصَاب خيرا فَهُوَ مُفْلِح
[الْملك وَالْملك] : كل ملك بِالضَّمِّ ملك بِالْكَسْرِ بِلَا عكس
[الْمَتَاع] : كل مَا حصل التَّمَتُّع وَالِانْتِفَاع بِهِ على وَجه مَا فَهُوَ مَتَاع وأصل الْمَتَاع والمتعة مَا ينْتَفع بِهِ انتفاعا قَلِيلا غير بَاقٍ بل يَنْقَضِي عَن قريب [فَهُوَ فِي الْعرف يَقع على مَا يلْبسهُ النَّاس ويبسطه، وَالثيَاب والقميص والبسط والستور والفراش والمرافق جمع مرفقة كل ذَلِك يدْخل تَحت الْمَتَاع، وَفِي الْأَوَانِي اخْتِلَاف الْمَشَايِخ] ومتعة الطَّلَاق وَالْحج وَالنِّكَاح كلهَا من ذَلِك
{ومتاع إِلَى حِين} ، وتمتيع إِلَى أجل مُقَدّر
[الْمُخَالفَة] : كل عصيان مُخَالفَة بِلَا عكس لِأَن الْمُخَالفَة ترك الْمُوَافقَة
[المتنافر] : كل مَا يعده الذَّوْق الصَّحِيح والسليم ثقيلا متعسر النُّطْق بِهِ فَهُوَ متنافر، سَوَاء كَانَ من قرب المخارج أَو بعْدهَا أَو غير ذَلِك
[الْمَعْرُوف] : كل مَا سكنت إِلَيْهِ النَّفس واستحسنته لحسنه عقلا أَو شرعا أَو عرفا فَهُوَ مَعْرُوف
[الْمُنكر] : وكل مَا نفرت مِنْهُ وكرهته فَهُوَ مُنكر (وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ يكون وَاجِبا ومندوبا على حسب مَا يُؤمر بِهِ وَكَذَا النَّهْي عَن الْمُنكر فَإِنَّهُ يكون وَاجِبا إِن كَانَ الْمنْهِي محرما أَو مَكْرُوها كَرَاهَة تَحْرِيم، ومندوبا إِن كَانَ الْمنْهِي عَنهُ مَكْرُوها كَرَاهَة تَنْزِيه)
[الْمُضَاف] : كل اسْم أضيف إِلَى اسْم آخر فَهُوَ الْمُضَاف و (يَوْم يقوم زيد) تَأْوِيل لمصدر وَلَفظ الْفِعْل اسْم بالِاتِّفَاقِ]
[الْمُمكن] : كل مَا يجب أَو يمْتَنع بِالْغَيْر فَهُوَ مُمكن فِي نَفسه لِأَن الْوُجُوب بِالْغَيْر يُنَافِي الْوُجُوب بِالذَّاتِ
[الْمجَاز] : هُوَ اسْم لما أُرِيد بِهِ غير مَوْضُوعه لاتصال بَينهمَا، وَهُوَ مفعول بِمَعْنى فَاعل جَازَ: إِذا تعدى، كالمولى بِمَعْنى الْوَالِي لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ عَن معنى الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز وَقيل: من قَوْلهم: جعلت كَذَا مجَازًا إِلَى حَاجَتي: أَي طَرِيقا، فَإِن الْمجَاز طَرِيق إِلَى مَعْنَاهُ](1/804)
وكل نِسْبَة وضعت فِي غير موضعهَا بعلاقة فَهِيَ مجَاز عَقْلِي، تَامَّة كَانَت أَو نَاقِصَة، سمي بِهِ لتجاوزه عَن مَكَانَهُ الْأَصْلِيّ بِحكم الْعقل، وَيُسمى أَيْضا مجَازًا فِي الْإِثْبَات، وَإِن كَانَ يَقع فِي النَّفْي، لِأَن الْمجَاز فِي النَّفْي فرع الْمجَاز فِي الْإِثْبَات أَو لِأَن النَّفْي مَا لم يَجْعَل بِمَعْنى الْإِثْبَات لَا يكون مجَازًا وَيُسمى أَيْضا إِسْنَادًا مجازيا بِاعْتِبَار أَن الْإِسْنَاد بِمَعْنى مُطلق النِّسْبَة، ويقابله الْمجَاز اللّغَوِيّ الْمُسَمّى بالمجاز فِي الْمُفْرد بِمَعْنى مَا ينْسب إِلَى الْوَضع غير الشَّرْعِيّ فَيعم الْعرفِيّ والاصطلاحي وَاخْتلفُوا فِي الْمجَاز الإسنادي فَمنهمْ من نَفَاهُ كَالْإِمَامِ أبي عَمْرو بن الْحَاجِب، فَهُوَ عِنْدهم من الْمجَازِي الإفرادي وَمِنْهُم من جعل الْمجَاز فِي الْمسند، وَهُوَ قَول ابْن الْحَاجِب، وَمِنْهُم من جعله فِي الْمسند إِلَيْهِ ويجعله من الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ عَمَّا يَصح الْإِسْنَاد إِلَيْهِ حَقِيقَة، والمسند هُوَ قرينَة الِاسْتِعَارَة وَهُوَ قَول السكاكي وَالَّذين أثبتوه مِنْهُم من لم يَجْعَل فِيهِ مجَازًا بِحَسب الْوَضع بل بِحَسب الْعقل حَيْثُ أسْند الْفِعْل إِلَى مَا يَقْتَضِي الْعقل عدم إِسْنَاده اليه، وَهَذَا قَول الشَّيْخ عبد القاهر وَالْإِمَام الرَّازِيّ وَجَمِيع عُلَمَاء الْبَيَان
وَمِنْهُم من قَالَ: لَا مجَاز فِي شَيْء من الْمُفْردَات، بل شبه التَّلَبُّس بِغَيْر الْفَاعِل، فَاسْتعْمل فِيهِ اللَّفْظ الْمَوْضُوع لإِفَادَة التَّلَبُّس الفاعلي، فَيكون اسْتِعَارَة تمثيلية
وَالْمجَاز قد يصير (حَقِيقَة عرفية بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، فَلَا يخرج بذلك عَن كَونه مجَازًا بِحَسب أَصله
وَكَذَلِكَ الْكِنَايَة قد تصير) بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فِي المكنى عَنهُ بِمَنْزِلَة التَّصْرِيح كَأَن اللَّفْظ مَوْضُوع بإزائه، فَلَا يُلَاحظ هُنَاكَ الْمَعْنى الْأَصْلِيّ، بل يسْتَعْمل حَيْثُ لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْمَعْنى الْأَصْلِيّ أصلا كالاستواء على الْعَرْش، وَبسط الْيَد، إِذا استعملا فِي شَأْنه تَعَالَى، وَلَا يخرج بذلك عَن كَونه كِنَايَة فِي أَصله وَأَن يُسمى مجَازًا متفرعا على الْكِنَايَة
ومجاز الْمجَاز: هُوَ أَن يَجْعَل الْمجَاز الْمَأْخُوذ عَن الْحَقِيقَة بِمَثَابَة الْحَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مجَاز آخر، فيتجوز الْمجَاز الأول عَن الثَّانِي لعلاقة بَينهمَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} فَإِن قَوْله: لَا اله إِلَّا الله مجَاز عَن تَصْدِيق الْقلب بمدلول هَذَا اللَّفْظ، والعلاقة هِيَ السَّبَبِيَّة، لِأَن تَوْحِيد اللِّسَان سَبَب عَن تَوْحِيد الْجنان، وَالتَّعْبِير بِلَا اله إِلَّا الله عَن الوحدانية مجَاز عَن التَّعْبِير بالْقَوْل عَن الْمَقُول فِيهِ، وَجعل مِنْهُ ابْن السَّيِّد قَوْله تَعَالَى: {أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا} فَإِن الْمنزل عَلَيْهِم لَيْسَ نفس اللبَاس بل المَاء المنبت للزَّرْع الْمُتَّخذ مِنْهُ الْغَزل المنسوج مِنْهُ اللبَاس
[وَالْمجَاز لَا يكون إِلَّا مَعَ قرينَة مُعينَة دَالَّة على أَن اللَّفْظ لم يسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ، وَهِي غير الْقَرِينَة الدَّالَّة على تعْيين المُرَاد صرح بِهِ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ عَلَيْهِ الرَّحْمَة فِي " شرح الشمسية " وَصرح أَيْضا فِي " التَّلْوِيح " بِأَن كَون الْقَرِينَة مَأْخُوذَة فِي مَفْهُوم الْمجَاز رَأْي عُلَمَاء الْبَيَان رَحِمهم الله، وَأما رَأْي عُلَمَاء الْأُصُول رَحِمهم الله فِي شَرط صِحَّته واعتباره وَاسْتِعْمَال اللَّفْظ الْمجَازِي بِلَا قرينَة(1/805)
أردأ من اسْتِعْمَال الْأَلْفَاظ الغريبة، لِأَن الذِّهْن يتَبَادَر إِلَى غير الْمَقْصُود عِنْد عدم الْقَرِينَة الْمَانِعَة، بِخِلَاف الْأَلْفَاظ الغربية إِذْ لَا يفهم مِنْهَا شَيْء]
وَالْمجَاز فِي اللُّغَة مثل: (قَامَت الْحَرْب على سَاق) ، (وشابت لمة اللَّيْل) ، (وَفُلَان على جنَاح السّفر) وَغير ذَلِك فمنكر الْمجَاز فِي اللُّغَة مُبْطل محَاسِن لُغَة الْعَرَب والحذف من الْمجَاز وَهُوَ الْمَشْهُور وَقيل: إِنَّمَا يكون مجَازًا إِذا تغير حكم مَا بَقِي من الْكَلَام
وَفِي " الْإِيضَاح " مَتى تغير إِعْرَاب الْكَلِمَة بِحَذْف أَو زِيَادَة فَهِيَ مجَاز نَحْو: {واسأل الْقرْيَة} (لَيْسَ كمثله شَيْء} ، وَإِلَّا فَلَا تُوصَف الْكَلِمَة بالمجاز نَحْو: {أَو كصيب} {} (فبمَا رَحْمَة من الله} والتأكيد حَقِيقَة وَلَيْسَ مجَازًا هُوَ الصَّحِيح وَكَذَا التَّشْبِيه إِذْ لَيْسَ فِيهِ نقل اللَّفْظ عَن مَوْضُوعه
وَقيل: إِن كَانَ بِحرف فَهُوَ حَقِيقَة، أَو بحذفه فمجاز
وَفِي الْكِنَايَة أَرْبَعَة مَذَاهِب: أَحدهَا: أَنَّهَا حَقِيقَة لِأَنَّهَا اسْتعْملت فِيمَا وضعت لَهُ وَأُرِيد بهَا الدّلَالَة على غَيره وَالثَّانِي: أَنَّهَا مجَاز
وَالثَّالِث: أَنَّهَا لَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز
وَالرَّابِع: أَنَّهَا تقسم إِلَيْهِمَا، فَإِن اسْتعْملت اللَّفْظ فِي مَعْنَاهُ مرَادا مِنْهُ لَازم الْمَعْنى أَيْضا فَهُوَ حَقِيقَة وَإِن لم يرد الْمَعْنى بل عبر بالملزوم عَن اللَّازِم فَهُوَ مجَاز وَتَقْدِيم مَا حَقه التَّأْخِير وَبِالْعَكْسِ لَيْسَ من الْمجَاز وَهُوَ الصَّحِيح فَإِن الْمجَاز نقل مَا وضع لَهُ إِلَى مَا لم يوضع لَهُ
والالتفات حَقِيقَة حَيْثُ لم يكن مَعَه تَجْرِيد
والموضوعات الشَّرْعِيَّة كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَغَيرهمَا هِيَ حقائق بِالنّظرِ إِلَى الشَّرْع، مجازات بِالنّظرِ إِلَى اللُّغَة
وَاللَّفْظ قبل الِاسْتِعْمَال وَاسِطَة بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَكَذَا الْأَعْلَام وَكَذَا اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي المشاكلة قَالَ صَاحب " الإتقان ": وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا مجَاز والعلاقة هِيَ الصُّحْبَة
الْمُبْتَدَأ: كل اسْم ابتدأته وعريته من العوامل اللفظية فَهُوَ الْمُبْتَدَأ، وعامله معنى الابتدأ
وَالْعَامِل الْمَعْنَوِيّ لم يَأْتِ عِنْد النُّحَاة إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا هَذَا
وَالثَّانِي: وُقُوع الْفِعْل الْمُضَارع موقع الِاسْم حَتَّى أعرب، وَهَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين(1/806)
وأضاف إِلَيْهِمَا الْأَخْفَش ثَالِثا: وَهُوَ عَامل الصّفة، فَذهب إِلَى أَن الِاسْم يرْتَفع لكَونه صفة لمرفوع، وينتصب لكَونه صفة لمنصوب، وينجر لكَونه صفة لمجرور وَكَون صفة فِي هَذِه الْمَوَاضِع معنى يعرف بِالْقَلْبِ وَلَيْسَ للفظ فِيهِ حَظّ
(وكل مُبْتَدأ مَوْصُول بِفعل أَو ظرف، أَو نكرَة مَوْصُوفَة بهما، أَو مَوْصُوف بالموصول الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يتَضَمَّن معنى الشَّرْط)
وكل مُبْتَدأ عقب ب (إِن) الوصلية فَإِنَّهُ يُؤْتى فِي خَبره ب (إِلَّا) الاستدراكية أَوب (لَكِن) مثل: (هَذَا الْكتاب وَإِن صغر حجمه لَكِن كثرت فَوَائده) وَذَلِكَ لما فِي الْمُبْتَدَأ بِاعْتِبَار تَقْيِيده ب (إِن) الوصلية من الْمَعْنى الَّذِي يصلح الْخَبَر استدراكا لَهُ واشتمالا على مُقْتَضى خِلَافه
والمبتدأ لَا يكون إِلَّا اسْما الْبَتَّةَ
وَقَوله تَعَالَى: {وَأَن تصبروا خير لكم} ، و {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم} كل ذَلِك فِي التَّحْقِيق اسْم أَي صبركم وإنذارك
وكل مُبْتَدأ بعده مَرْفُوع مصدر بواو الْمَعِيَّة قصدا إِلَى الْإِخْبَار بالتقارن كَقَوْلِه: (كل رجل وضيعته) أَي: كل رجل مقرون هُوَ وضيعته، على أَن (ضيعته) عطف على الضَّمِير فِي الْخَبَر لَا على الْمُبْتَدَأ ليَكُون من تتمته فَلَا يَقع موقع الْخَبَر
وكل مُبْتَدأ مَوْصُول إِذا وصل بالمبتدأ وَالْخَبَر وَلم يكن فِي الصِّلَة طول وَكَانَ الْمُبْتَدَأ مضمرا لم يجز حذف الْمُبْتَدَأ وإبقاء الْخَبَر إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر
وَإِذا اشْتَمَل الْمُبْتَدَأ على فعل وَاقع موقع الشَّرْط أَو نَحوه مَوْصُوفا بظرف أَو شبهه، أَو فعل صَالح للشرطية، فَحِينَئِذٍ يدْخل الْفَاء فِي خَبره، وَكَذَا يجوز دُخُول الْفَاء فِي خبر مُبْتَدأ مُضَاف إِلَى مَوْصُوف بِغَيْر ظرف وَلَا جَار وَلَا مجرور وَلَا فعل صَالح للشرطية على حد حَدِيث: [الِابْتِدَاء] " كل أَمر ذِي بَال لم يبْدَأ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أقطع " [وَقيل: معنى صِحَة دُخُول الْفَاء فِي خبر الْمُبْتَدَأ المتضمن بِمَعْنى الشَّرْط أَنه مَعَ قصد السَّبَبِيَّة وَاجِب وَمَعَ عَدمه مُمْتَنع] وَإِذا تضمن الْمُبْتَدَأ معنى الشَّرْط كَانَ خَبره كالجزاء لَهُ يتَوَقَّف على تحَققه توقف الْجَزَاء على تحقق الشَّرْط، وتضمنه لِمَعْنى الشَّرْط بِكَوْنِهِ مَوْصُولا صلته فعل، فَكَانَ الْجَزَاء متوقفا على الْفِعْل
والمبتدأ الْمُذكر إِذا أخبر عَنهُ بمؤنث يجوز أَن يعود عَلَيْهِ ضمير الْمُؤَنَّث فيؤنث لتأنيث خَبره وَلَا يجب توَافق الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي التَّأْنِيث إِلَّا إِذا كَانَ الْخَبَر صفة مُشْتَقَّة غير مَا يتحد فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، وَغير سَبَبِيَّة نَحْو: (هِنْد حَسَنَة) أَو فِي حكمهَا كالمنسوب أما فِي الجوامد فَيجوز نَحْو: (هَذِه الدَّار مَكَان طيب) ، (وَزيد نسبه عَجِيبَة)
والابتداء بالنكرة مجوز فِي الدُّعَاء نَحْو: {ويل لكل همزَة} فَإِنَّهُ لما كَانَ مصدرا سَادًّا مسد فعله المتخصص بصدوره عَن فَاعل معِين كَانَت النكرَة الْمَذْكُورَة متخصصة بذلك الْفِعْل، فساغ الِابْتِدَاء بهَا لذَلِك كَمَا قَالُوا فِي (سَلام عَلَيْك)
وَفِيمَا إِذا كَانَ الْكَلَام مُفِيدا نَحْو: (كَوْكَب انقض السَّاعَة) و (فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وَأُخْرَى(1/807)
كَافِرَة} ، و (مَا أحسن زيدا) فَإِن (مَا) مُبْتَدأ، مَعَ أَنه نكرَة عد سِيبَوَيْهٍ، وَعند الْأَخْفَش أَيْضا فِي أحد قوليه و (أحسن) خَبره، وَفِيه ضمير رَاجع إِلَى (مَا) وَهُوَ فَاعله، والمنصوب بعده مَفْعُوله، وَذَلِكَ لِأَن التَّعَجُّب إِنَّمَا يكون فِيمَا يجهل سَببه، فالتنكير يُنَاسب معنى التَّعَجُّب وَكَذَا فِيمَا إِذا وَقع فِي معرض التَّفْصِيل كَقَوْلِك: (هُوَ إِمَّا كَذَا وَإِمَّا كَذَا) فَأول (كَذَا) مُبْتَدأ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى نَحْو (زيد قَائِم) وَفِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى نَحْو (أقائم زيد) ، وَفِي الْمَعْنى دون اللَّفْظ نَحْو: (تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ)
الْمَفْعُول: كل اسْم انتصب بعد ذكر الْفَاعِل وَالْفِعْل فَهُوَ الْمَفْعُول وكل من الْمَفْعُول بِهِ، وَله، وَفِيه، يكون صَرِيحًا إِذا لم يكن بِحرف الْجَرّ، وَغير صَرِيح إِذا كَانَ بِحرف الْجَرّ
وَالْمَفْعُول الْمُطلق لَا يكون إِلَّا صَرِيحًا
وَالْمَفْعُول مَعَه لَا يكون إِلَّا غير صَرِيح
وكل مَا نصب الْمَفْعُول بِهِ نصب غَيره من المفاعيل وَلَا ينعكس
وَالْمَفْعُول بِهِ: هُوَ الْفَارِق بَين اللَّازِم والمتعدي، وَيكون وَاحِدًا إِلَى ثَلَاثَة، وَغَيره لَا يكون إِلَّا وَاحِدًا، فَإِن جِيءَ بِاثْنَيْنِ فعلى التّبعِيَّة وَأَنه لَا يتَأَوَّل بِغَيْرِهِ من المفاعيل وَغَيره يتَأَوَّل بِهِ
وَالْمَفْعُول لَهُ غَرَض للْفِعْل
وَالْمَفْعُول الْمُطلق هُوَ الْمصدر الْمَنْصُوب للتَّأْكِيد، أَو لعدد المرات، أَو لبَيَان النَّوْع، سمي مَفْعُولا مُطلقًا لصِحَّة إِطْلَاق صِيغَة الْمَفْعُول على كل فَرد مِنْهُ من غير تَقْيِيد بالجار بِخِلَاف المفاعيل الْبَاقِيَة
وَالْمَفْعُول أَعم من المفتعل، يُقَال لما لَا يقْصد الْفَاعِل إِلَى إيجاده وَإِن تولد مِنْهُ كحمرة اللَّوْن من الخجل
وكل مَا دخله حرف الْجَرّ فَهُوَ الْمَفْعُول بِهِ حَتَّى الْمَفْعُول فِيهِ، وَله عِنْد ذكر (فِي) وَاللَّام سَوَاء كَانَ الْحَرْف للتعدية كَمَا فِي (ذهبت بزيد) ، أَو للاستعانة كَمَا فِي (كتبت بالقلم) ، وَمِنْه (ضربت بِالسَّوْطِ)
وَالْمَفْعُول إِذا كَانَ ضميرا مُنْفَصِلا وَالْفِعْل مُتَعَدٍّ لوَاحِد وَجب تَأْخِير الْفِعْل نَحْو: {إياك نعْبد} وَلَا يجوز أَن يتَقَدَّم إِلَّا فِي ضَرُورَة، وَقد يجوز نصب الْفَاعِل وَرفع الْمَفْعُول عِنْد عدم الالتباس نَحْو: (خرق الثَّوْب المسمار) إِذا كَانَ مقدما على الْفَاعِل، وَلَا يجوز ذَلِك إِذا كَانَ مُؤَخرا عَنهُ
وَقد يَأْتِي الْمَفْعُول بِلَفْظ الْفَاعِل نَحْو: (سر كاتم) ، (مَكَان عَامر) وَفِي التَّنْزِيل: {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} {و} (حرما آمنا} وَقد يَأْتِي بِالْعَكْسِ نَحْو: {وعده مأتيا} {و} (حِجَابا مَسْتُورا}
الْمُتَعَدِّي: كل فعل كَانَ فهمه مَوْقُوفا على فهم غير الْفَاعِل فَهُوَ الْمُتَعَدِّي ك (ضرب) بِخِلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان والغاية وهيئة الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، لِأَن فهم الْفِعْل وتعقله بِدُونِ هَذِه الْأُمُور مُمكن
غير الْمُتَعَدِّي: وكل فعل لَا يتَوَقَّف فهمه على فهم(1/808)
أَمر غير الْفَاعِل فَهُوَ غير الْمُتَعَدِّي كخرج وَقعد
وكل فعل مُتَعَدٍّ فَلهُ مصدر نَحْو: (قَارب قرابا) ، وَمَا لَا مصدر لَهُ ك (عَسى) فَلَيْسَ بمتعد
وكل فعل نسبته إِلَى عُضْو معِين فَهُوَ مُتَعَدٍّ نَحْو: (ضرب بِيَدِهِ) ، و (ركض بِرجلِهِ) ، و (نظر بِعَيْنِه) ، و (ذاق بفمه) ، و (سمع بأذنه)
اللَّازِم: وكل فعل نسبته إِلَى جَمِيع الْأَعْضَاء، وكل مَا كَانَ من الْأَفْعَال خلقَة وطبيعة لَا تعلق لَهُ بِغَيْر من صدر عَنهُ فَهُوَ لَازم نَحْو: قَامَ، وَصَامَ، وَجلسَ، وَخرج، وَنَحْو ذَلِك
وَأَصْحَاب اللُّغَة مَا أثبتوا لكل فعل مُتَعَدٍّ لَازِما إِلَّا إِذا اتفقَا فِي الْوُجُود
وكل فعل غير مُتَعَدٍّ فلك أَن تعديه بِحرف الْجَرّ نَحْو: (ذهبت بزيد) ، والهمزة ك (أذهبت زيدا) ، والتعدية بِالْهَمْزَةِ قياسية
والتضعيف ك (خرجت زيدا) وَألف المفاعلة ك (مَاشِيَته)
وسين الِاسْتِقْبَال ك (استخرجته)
وكل فعل مُتَعَدٍّ لاثْنَيْنِ إِلَى أَحدهمَا بِنَفسِهِ وَإِلَى الْأُخَر بِحرف الْجَرّ كأمر وَاخْتَارَ، واستغفر، وَصدق، وسمى، ودعا بِمَعْنَاهُ، وروح، ونبأ، وأنبأ، وَأخْبر، وَخبر، وَحدث غير متضمنة لِمَعْنى اعْلَم، فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ إِسْقَاط الْخَافِض وَالنّصب
وكل فعل مُتَعَدٍّ ينصب مَفْعُوله مثل: (سقى) و (شرب) ، لَكِن فعل الشَّك وَالْيَقِين ينصب مفعوليه فِي التَّلْقِين تَقول: (قد خلت الْهلَال لائحا، وَقد وجدت المستشار ناصحا، وَمَا أَظن عَامِرًا رَفِيقًا، وَلَا أرى لي خَالِدا صديقا) ، وَهَكَذَا فِي علمت وحسبت وَزَعَمت
وَالَّذِي يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد بِنَفسِهِ هُوَ كل فعل يطْلب مَفْعُولا بِهِ وَاحِدًا لَا على معنى حرف من حُرُوف الْجَرّ نَحْو: ضرب، وَأكْرم
وَالَّذِي يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد بِحرف الْجَرّ نَحْو: مر، وَسَار
وَالَّذِي يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة بِحرف الْجَرّ أَفعَال خَمْسَة مسموعة تحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهَا، نصح، وشكر، وكال، وَوزن، وَعدد
وَالَّذِي يتَعَدَّى إِلَى مفعولين بِنَفسِهِ وَلَيْسَ أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر هُوَ كل فعل يطْلب مفعولين يكون الأول مِنْهُمَا فَاعِلا فِي الْمَعْنى نَحْو: أعْطى، وكسا
وَالَّذِي يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وأصلهما الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر هُوَ ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا
[وَأما (خلت) بِمَعْنى (صرت) ذَا خَال فيتعدى إِلَى وَاحِد، وَكَذَا (حسبت) بِمَعْنى صرت ذَا حسب، و (زعمت) بِمَعْنى كفلت]
وَالَّذِي يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل هِيَ أَفعَال سَبْعَة: أعلمت، وأريت،، وأنبأت، ونبأت، وأخبرت، وخبرت، وَحدثت وَهَذِه الْأَفْعَال إِذا لم يسم فاعلها تتعدى إِلَى مفعولين، وَكَانَ حَال المفعولين فِيهَا كحالهما فِي بَاب ظَنَنْت، فَلَا يجوز الِاقْتِصَار على أَحدهمَا
والمتعدي إِلَى ثَلَاثَة إِذا اسْتَوَى فِي مفاعيله يتَعَدَّى إِلَى المفاعيل الْأَرْبَعَة، وَذَلِكَ هُوَ النِّهَايَة فِي التَّعَدِّي
وكل مَا كَانَ من فَاعل فِي معنى الْمُعَامَلَة كالمزارعة(1/809)
والمشاركة فَإِنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَّا إِلَى وَاحِد
وكل من اللَّازِم والمتعدي يكون علاجا وَهُوَ مَا يفْتَقر فِي إيجاده إِلَى إِعْمَال جارحة ظَاهِرَة نَحْو: قُمْت، وَقَعَدت، وقطعته، ورأيته
وَغير علاج نَحْو: حسن، وقبح، وعدمته، وفقدته، وعلمته، وفهمته، وهويته، وذكرته، وَالْمرَاد ذكر الْقلب
وكل مطاوعة لَازم وَلَا عكس والمطاوعة حُصُول فعل عَن فعل، فَالثَّانِي مُطَاوع لِأَنَّهُ طاوع الأول، وَالْأول مُطَاوع لِأَنَّهُ طاوعه الثَّانِي
والمطاوع يَجِيء مِمَّا كَانَ فِيهِ علاج، وكما يَأْتِي المطاوع من وزن الْفِعْل يَأْتِي من غَيره، بل يَأْتِي من الْمُجَرّد أَيْضا تَقول: ضاعفت الْحساب فتضاعف، وعلمته فتعلم، وَلما خصوا بَاب الانفعال بالمطاوعة خصوه بالمعاني الْوَاضِحَة للحس، وَلِهَذَا لم يجز (عدمته فانعدم) لِأَن (عدمته) بِمَنْزِلَة (لم أَجِدهُ) فِي أَن الْمَعْنى انْتِفَاء الْوُجُود وَلَا يلْزم معنى المطاوعة فِي الْفِعْل لقَولهم: انْقَضى الْأَمر، وَانْطَلق الرجل إِذْ لم يكن مُطَاوع طلق
والمطاوع قِسْمَانِ: قسم يجوز تخلفه وَذَا فِيمَا يتخلله الِاخْتِيَار كالأمر مَعَ الائتمار وَقسم لَا يجوز ذَلِك وَذَا فِيمَا لَا يتخلله الِاخْتِيَار كالكسر مَعَ الانكسار فَلَا يُقَال كَسرته فَلم ينكسر إِلَّا مجَازًا على معنى أردْت كَسره فَلم ينكسر وكل من الثلاثي والمزيد فِيهِ مِمَّا يتَعَدَّى وَمِمَّا لَا يتَعَدَّى فالمتعدي من الْمَزِيد فِيهِ لنقل لَازم الثلاثي ك (أَوَى) مثلا بِالْمدِّ وَالْقصر، لِأَن كلا مِنْهُمَا يَجِيء مُتَعَدِّيا وقاصرا، لَكِن الْقصر فِي اللَّازِم وَالْمدّ فِي الْمُتَعَدِّي أشهر نَحْو {أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة} ، {سآوي إِلَى جبل} ، {وآويناهما إِلَى ربوة}
والمتعدي من الْمَمْدُود لنقل لَازم الْمَقْصُور
وَهَكَذَا الشَّأْن فِي (أجلى) اللَّازِم فَإِنَّهُ مَنْقُول من (جلا) اللَّازِم ك (أجلى) الْمُتَعَدِّي كي يُفِيد فَائِدَة التَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة وَلَو كَانَ مَنْقُولًا من المتعدى لَكَانَ الزَّائِد فِي اللَّفْظ نَاقِصا فِي الْمَعْنى وَكَذَا الْقيَاس فِي أضرابه
وَالْحَاصِل أَن الثلاثي مَتى كَانَ مُتَعَدِّيا ولازما يكون الْمَزِيد فِيهِ مَنْقُولًا من اللَّازِم، سَوَاء كَانَ لَازِما أَو مُتَعَدِّيا، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا إِلَى اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مَنْقُولًا من الْمُتَعَدِّي حتما، إِذْ اللَّام لَا يتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إِلَى مفعولين
والحروف الَّتِي يتَعَدَّى بهَا الْفِعْل سَبْعَة: الْبَاء: وَهِي أصل فِي تَعديَة جَمِيع الْأَفْعَال اللَّازِمَة، وَاللَّام، وَفِي، وَمن، وَعَن، وَإِلَى، وعَلى، وَهَذِه السَّبْعَة تسمع وَلَا يُقَاس عَلَيْهَا
وَإِذا كَانَ تعلق الْفِعْل بالمفعول ظَاهرا لَا يعدى إِلَيْهِ بِحرف الْجَرّ فَلَا يُقَال: ضربت بزيد، بل يُقَال: ضربت زيدا
وَإِذا كَانَ فِي غَايَة الخفاء لَا يعدى إِلَيْهِ إِلَّا بِحرف فَلَا يُقَال: ذهبت زيدا، بل يُقَال: ذهبت بزيد(1/810)
وَإِذا كَانَ التَّعَلُّق بَين الْأَمريْنِ جَازَ الْوَجْهَانِ
فَيُقَال: سميته وَسميت بِهِ، وشكرته وشكرت لَهُ
وَقد يَجْعَل الْمُتَعَدِّي لَازِما كالغرائز اللَّازِمَة بِنَقْل بَابه إِلَى بَاب (كرم) ، فَإِنَّهُ بَاب مَوْضُوع للغرائز وَنَحْوهَا من الملكات الراسخة كالكرم والجود
كَمَا يَجْعَل اللَّازِم مُتَعَدِّيا فِي المغالبة بنقله إِلَى بَاب (فعلته) نَحْو: كارمني فكرمته، بِفَتْح الرَّاء
والتعدية بِالْهَمْزَةِ أولى من التَّعْدِيَة بِالْبَاء من حَيْثُ اللَّفْظ، وَذَلِكَ لِأَن الْبَاء من حُرُوف الْمعَانِي، وَهِي كلمة على حيالها، مُنْفَصِلَة عَمَّا عدي بهَا، مُتَّصِلَة بمدخولها، دَالَّة على معنى التَّعَدِّي، لَهَا أثر لَفْظِي وَهُوَ الْجَرّ، وَأثر معنوي وَهُوَ إِيصَال متعلقها بِأَن تغير مَعْنَاهُ إِلَى مدخولها
والتعدية بِالْهَمْزَةِ أخصر، لِأَن الْهمزَة من حُرُوف المباني كألف (ضَارب) ، فَأذْهب مثلا كلمة وَاحِدَة حَقِيقَة، فالمجموع دَال على الْمَعْنى، فَكَانَت أولى لفظا من التَّعْدِيَة بِالْبَاء وَأما معنى فقد قيل: إِن التَّعْدِيَة بِالْبَاء أولى لكَونهَا أبلغ لما فِيهَا من معنى المصاحبة بِخِلَاف التَّعْدِيَة بِالْهَمْزَةِ فَإِنَّهَا يجوز فِيهَا المصاحبة وضدها وَإِسْقَاط الْهمزَة فِي (أكب) وَأَمْثَاله من أَسبَاب التَّعْدِيَة، وإسقاطها فِي نَحْو (أذهبته) من أَسبَاب اللُّزُوم (وَاخْتلف فِيمَا كَانَ فَاعِلا للْفِعْل قبل الْهمزَة يصير مَفْعُولا أَولا بِسَبَبِهَا أَو ثَانِيًا، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه الأول)
وَمَفْهُوم الْفِعْل اللَّازِم الْحَدث وَنسبَة إِلَى الْفَاعِل وَنسبَة إِلَى الزَّمَان وَمَفْهُوم الْمُتَعَدِّي الْحَدث ونسبته إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالزَّمَان، فَيكون مَفْهُوم اللَّازِم الْحَدث مَعَ نِسْبَة ذَلِك الْحَدث إِلَى الشَّيْئَيْنِ، وَمَفْهُوم الْمُتَعَدِّي الْحَدث مَعَ نِسْبَة إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء
والتعدية قد تكون بِحَسب الْمَعْنى فيختلف حَالهَا ثبوتا وعدما باخْتلَاف الْمَعْنى، وَإِن اتَّحد اللَّفْظ كأظلم وأضاء
وَقد تكون بِحَسب اللَّفْظ فيختلف حَالهَا باخْتلَاف اللَّفْظ وَإِن اتّفق الْمَعْنى وَأما الصِّلَة فَلَا تكون إِلَّا بِحَسب الْمَعْنى، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا من تَوَابِع الْمَعْنى ومتمماته، فَإِن الْبَاء مثلا فِي قَوْلك: (مَرَرْت بزيد) من تَمام معنى الْمُرُور، فَإِنَّهُ قَاصِر عَن معنى الْجَوَاز، فينجبر ذَلِك النُّقْصَان بِزِيَادَة الْبَاء
والمتعدي بِنَفسِهِ إِذا قرن بِحرف الْجَرّ يوجهونه تَارَة بِالْحملِ على الزِّيَادَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} وَأُخْرَى بِالْحملِ على التَّضْمِين كَمَا فِي قَوْله: {أذاعوا بِهِ} {وَأصْلح لي فِي ذريتي}
وَالْفِعْل اللَّازِم يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول بالتضمين، وَلذَلِك عدي (رحب) لتضمين معنى (وسع)
وَالْأَفْعَال مُطلقًا بِاعْتِبَار الْمَعْنى على نَوْعَيْنِ: مُتَعَدٍّ ولازم، وكل مِنْهُمَا على قسمَيْنِ: مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ الشخصي، ومتعد بِالْوَضْعِ النوعي وَاللَّازِم كَذَلِك والشخصي من الْمُتَعَدِّي وَاللَّازِم لَا يتَوَقَّف على غير الْوَاضِع بِخِلَاف النوعي مِنْهُمَا إِذْ هما يحتاجان إِلَى الْأَسْبَاب الوجودية والعدمية
وَالْأَفْعَال إِمَّا خَاصَّة وَإِمَّا عَامَّة، فالخاصة مثل: قَامَ، وَقعد، وَخرج فِي اللَّازِم وَأكل، وَشرب، وَضرب فِي الْمُتَعَدِّي والعامة مثل: فعل،(1/811)
وَعمل، وصنع فَإِذا سئلنا عَن الْأَفْعَال الْعَامَّة هَل هِيَ متعدية أَو لَازِمَة لم يجز لنا إِطْلَاق القَوْل بِوَاحِد من الْأَمريْنِ لِأَنَّهَا أَعم، والأعم من شَيْئَيْنِ لَا يصدق عَلَيْهِ وَاحِد، فَإِن الْأَعَمّ يصدق على الْأَخَص بِلَا عكس، وَإِنَّمَا يَصح أَن يُقَال ذَلِك عَلَيْهَا بطرِيق الإهمال الَّذِي هُوَ فِي قُوَّة جزئي فَمَتَى وجد فِي كَلَام أحد من الْفُضَلَاء مثلا أَن (عمل) متعدية وَجب حمله على ذَلِك، وَأَن مُرَاده أَنَّهَا قد تكون متعدية. وَكَذَا إِذا قيل: إِنَّهَا لَازِمَة أَو غير متعدية أُرِيد بِهِ اللُّزُوم، كَمَا هُوَ غَالب الِاصْطِلَاح وَوجه الْفرق بَينهمَا أَن تعدِي الْفِعْل إِلَى الْمَفْعُول وُصُول مَعْنَاهُ إِلَيْهِ، فالضرب مثلا تَعديَة بوصول الضَّرْب إِلَى الْمَضْرُوب، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون الضَّارِب مؤثرا فِي ذَات الْمَضْرُوب، أَعنِي موجدا لَهَا وَعمل مثلا تَعديَة بوصول مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْعَمَل
وَالْعَمَل معنى عَام فِي الذَّات وصفاتها، فَلذَلِك اقْتضى الْعُمُوم وإيجاد الْمَعْمُول حَتَّى يقوم دَلِيل على خِلَافه، فمثار الْفرق إِنَّمَا هُوَ من مَعَاني الْأَفْعَال ووصولها إِلَى الْمَفْعُول
وَإِذا كَانَ الْفِعْل يتَعَدَّى تَارَة بِحرف الْجَرّ وَتارَة بِنَفسِهِ وحرف الْجَرّ لَيْسَ بزائد فَلَا يجوز فِي تَابعه إِلَّا الْمُوَافقَة فِي الْإِعْرَاب
وَإِذا تعدى الْفِعْل بِحرف الْجَرّ لم يجز حذفه إِلَّا إِذا كَانَ الْمَجْرُور (أَن) و (أَن) المصدريتين فَحَذفهُ إِذن جَائِز باطراد، فَلَا يجوز حذفه مَعَ غَيرهمَا إِلَّا سَمَاعا
والنحويون إِذا أطْلقُوا الْمُتَعَدِّي أَرَادوا بِهِ الناصب للْمَفْعُول بِهِ، وان لم يُرِيدُوا ذَلِك قيدوه بقَوْلهمْ: مُتَعَدٍّ بِحرف الْجَرّ، ومتعد إِلَى الْمصدر، ومتعد إِلَى الظّرْف وَمَا هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَاحِد قد يكون لَازِما بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين للزومه على الْفَاعِل وَالْمَفْعُول الْوَاحِد وَعدم تعديه إِلَى الْمَفْعُول الآخر فيصلح أَن يكون لَازِما أَي مطاوعا لما هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين؛ كَمَا يُقَال: عَلمته الْقُرْآن فتعلمه
وكل فعل حسن إِلْحَاق المكنى بِآخِرهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ نَحْو: (منعته، وضربتك، وَمَنَعَنِي) وَمَا أشبه ذَلِك
وَإِن لم يحسن الْإِلْحَاق فَهُوَ لَازم نَحْو: ذهب، وَقعد
وَمن الْأَفْعَال أبنية لَازِمَة لَا يتَعَدَّى مِنْهَا شَيْء، وَهِي مَا جَاءَ على وزن كرم وَعز، وَصَحَّ من بَاب التَّضْعِيف وحور يحور، وَعين بِعَين، من الأجوف الَّذِي جَاءَ على التَّمام وَمَا جَاءَ على انفعل ينفعل فَهَذِهِ سِتَّة أبنية كلهَا لَازم لَا يتَعَدَّى مِنْهُ شَيْء وَسَائِر الْأَبْنِيَة المتشعبة تتعدى وَتلْزم وأبواب الرباعي كلهَا متعدية إِلَّا دربخ
وأبواب الخماسي كلهَا لَازِمَة إِلَّا افتعل وَتفعل، وتفاعل، فَإِنَّهَا مُشْتَركَة بَين اللَّازِم والمتعدي
وأبواب السداسي كلهَا لَازِمَة أَيْضا إِلَّا (استفعل) فَإِنَّهُ مُشْتَرك
وأفعال الْحَواس الْخمس كلهَا متعدية لِأَنَّهَا وضعت للإدراك، وكل وَاحِد مِنْهَا يَقْتَضِي مَفْعُولا تَقْتَضِيه تِلْكَ الحاسة
وَأَسْمَاء الْأَفْعَال لَهَا فِي التَّعَدِّي واللزوم حكم الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ بمعناها، إِلَّا أَن الْبَاء تزاد فِي مفعولها كثيرا نَحْو: (عَلَيْك بِهِ) لِضعْفِهَا فِي الْعَمَل، فتعدى بِحرف عَادَته إِيصَال اللَّازِم إِلَى الْمَفْعُول
[وكل شَيْء يبْعَث بِنَفسِهِ فالفعل يتَعَدَّى إِلَيْهِ بِنَفسِهِ فَيُقَال: بعثته وكل شَيْء لَا يبْعَث بِنَفسِهِ كالكتاب(1/812)
والهدية فالفعل] يتَعَدَّى إِلَيْهِ بِالْبَاء فَيُقَال: بعثت بِهِ
كل مصدر ثني لقصد التكثير وأضيف إِلَى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول يجب حذف الْعَامِل فِيهِ
كل مصدر ثني لقصد التكثير وأضيف إِلَى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول يجب حذف الْعَامِل فِيهِ قيل: لم يَأْتِ فِي الْقُرْآن شَيْء من المصادر الْمعرفَة بِاللَّامِ عَاملا فِي فَاعل أَو مفعول صَرِيح، بل قد جَاءَ عَاملا بِحرف الْجَرّ نَحْو: {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء}
وكل بِنَاء من المصادر على وزن (فعلان) بِفَتْح الْعين فَإِنَّهُ لم يَتَعَدَّ فعله إِلَّا إِن شَذَّ شَيْء كالشنآن لِأَن فعله مُتَعَدٍّ
وكل مصدر مُتَعَدٍّ إِذا اعْتبر للْمَجْهُول يكون بِمَعْنى مطاوعه، كَمَا أَن المكسورية والانكسار الْحَاصِل من الْكسر شَيْء وَاحِد
وكل مصدر يتَعَدَّى بِحرف من الْحُرُوف الجارة يجوز جعل ذَلِك الْجَار خَبرا عَن ذَلِك الْمصدر، مثبتا كَانَ أَو منفيا، كَمَا يُقَال: (الاتكال عَلَيْك) ، و (إِلَيْك الْمصير) ، و (مِنْك الْخَوْف) ، و (بك الِاسْتِعَانَة) ، و (مَا عَلَيْك الْمعول) ، و (لَيْسَ بك الالتجاء) ، وَمِنْه: {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم} وَلَا يجوز مثل ذَلِك فِي اسْم الْفَاعِل فَلَا تَقول: (بك مار عَليّ) ، إِن (بك) خبر عَن (مار)
وكل مصدر من الْفِعْل الْمُتَعَدِّي فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَيذكر الْمَفْعُول مَنْصُوبًا نَحْو: (عجبت من ضرب زيد عمرا) أَو يُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَيتْرك الْمَفْعُول نَحْو: (أعجبني ضرب زيد) أَو يُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَيذكر الْفَاعِل مَرْفُوعا نَحْو: (عجبت من ضرب اللص الجلاد) أَو يُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَيتْرك الْفَاعِل كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " يسْتَحبّ تبريد الصَّلَاة فِي الصَّيف " أَي: تبريد الْمُصَلِّي إِيَّاهَا
والمصدر إِذا كَانَ مَنْسُوبا إِلَى فَاعله يُزَاد فِيهِ (من) بِخِلَاف الْمصدر الْمَنْسُوب إِلَى مَفْعُوله
والمصدر قسم وَاحِد، وَهُوَ أَن يُضَاف إِلَى الْفَاعِل نَحْو: (جِئْت بعد ذهَاب زيد) فَهَذِهِ الإضافات كلهَا منسوبة مفيدة للتعريف، إِلَّا إِذا كَانَ الْمصدر بِمَعْنى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول فَحِينَئِذٍ تكون إِضَافَته لفظية كإضافتهما
وكل مصدر كَانَ على مِثَال (فعيلى) فَهُوَ مَقْصُور لَا يمد وَلَا يكْتب بِالْألف ك (الحطيطى) و (الرديدى)
وكل مصدر دخل فِيهِ الْفَاء وَهُوَ مُضَاف يكون مَعْنَاهُ أمرا نَحْو: {فَضرب الرّقاب} ، {فنظرة إِلَى ميسرَة}
وَلم يَأْتِ فِي الْقُرْآن مصدر مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَالْفَاعِل مَعَه مَذْكُور
والمصدر يدل على فعله الْمُشْتَقّ، فَفِيمَا إِذا قَالَ: لي عَلَيْك حق فَقَالَ: حَقًا فَهُوَ إِقْرَار يكون التَّقْدِير: حققت فِيمَا قلته حَقًا وَكَذَا لَو قَالَ: الْحق، مُعَرفا أَي: قلت القَوْل الْحق، أَو ادعيت الْحق، أَو قَوْلك الْحق، أَو مَا قلته أَو ادعيته الْحق، لِأَن هَذَا اللَّفْظ وَأَمْثَاله يسْتَعْمل للتصديق عرفا من غير فصل، وَلَا فرق بَين الرّفْع وَالنّصب والإبهام على الْأَصَح وَكَذَلِكَ لَو كرر الْمصدر مُعَرفا أَو(1/813)
مُنْكرا للتَّأْكِيد بِخِلَاف الْحق حق، والصدق صدق، وَالْيَقِين يَقِين، لِأَنَّهُ كَلَام تَامّ بِنَفسِهِ خلاف الْمُعَرّف وَالْمُنكر والمكرر مِنْهُمَا، إِذْ لَا اسْتِقْلَال لكل مِنْهُمَا بِنَفسِهِ فِي تِلْكَ الصُّور، فَلَا بُد هُنَاكَ من الرَّبْط بِكَلَام الْمُدَّعِي
[وَالرَّفْع فِي بَاب المصادر الَّتِي أَصْلهَا النِّيَابَة عَن أفعالها يدل على الثُّبُوت والاستقرار بِخِلَاف النصب فَلَا يدل على التجدد والحدوث الْمُسْتَفَاد من عَامله الَّذِي هُوَ الْفِعْل فَإِنَّهُ مَوْضُوع للدلالة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْجُمْلَة الإسمية فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة للدلالة على مُجَرّد الثُّبُوت مُجَردا عَن قيد التجدد والحدوث فَنَاسَبَ أَن يقْصد بهَا الدَّوَام والثبات بِقَرِينَة الْمقَام ومعونته]
(والمصادر الَّتِي اسْتعْملت فِي دُعَاء الْإِنْسَان أَو عَلَيْهِ، أَو هِيَ صَالِحَة لذَلِك كلهَا مَنْصُوبَة بإضمار فعل لَا يظْهر، لِأَنَّهَا صَارَت عوضا عَن الْفِعْل الناصب لَهَا كهنيئا ومريئا، وكرامة، ومسرة وَسُحْقًا وبعدا، ونكسا وتعسا، وَمَا أشبه ذَلِك)
والمصادر الَّتِي لم يَأْتِ بعْدهَا مَا ببينها ويعين مَا تعلّقت بِهِ من فَاعل أَو مفعول لَيست مِمَّا يجب حذف فعله بل يجوز نَحْو: (سقاك الله سقيا) ، (ورعاك الله رعيا) وَأما مَا يبين فَاعله بِالْإِضَافَة نَحْو: (كتاب الله) ، و (صبغة الله) ، و (سنة الله)
أويبين فَاعله بِحرف الْجَرّ نَحْو: (بؤسا لَك، وَسُحْقًا لَك)
أَو يبين مَفْعُوله بِحرف الْجَرّ نَحْو: (غفرا لَك) ، (وعجبا مِنْك) ، (وشكرا لَك) فَيجب حذف الْفِعْل فِي هَذِه الصُّور قِيَاسا
والمصدر بِمَعْنى الْمَاضِي مثل: تعسا
وَبِمَعْنى الْمُسْتَقْبل مثل: معَاذ الله
وَبِمَعْنى اسْم الْفَاعِل مثل قَوْله تَعَالَى: {ماؤكم غورا}
وَبِمَعْنى الْمَفْعُول مثل: {هَذَا خلق الله}
وَبِمَعْنى الْأَمر مثل: {فَضرب الرّقاب}
وَقد يَأْتِي على زنة الْمَفْعُول كَقَوْلِه تَعَالَى: {ويدخلكم مدخلًا كَرِيمًا} أَي: إدخالا كَرِيمًا
وَقد جَاءَ على وَزنه (فاعلة) فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن كالخائنة وَالْعَاقبَة والكاذبة والكاشفة واللاغية
والمصدر من الثلاثي الْمُجَرّد للْمُبَالَغَة قِيَاسه فتح التَّاء ك (التعداد والتهداد) وَأما (التِّبْيَان) ، بِالْكَسْرِ فقد حُكيَ عَن سِيبَوَيْهٍ أَنه قَائِم مقَام الْمصدر ك (الثَّبَات وَالعطَاء) ، وَلَيْسَ بمصدر الْمُبَالغَة ك (التّكْرَار، والتذكار)
وَقِيَاس الْمصدر الميمي واسمي الزَّمَان وَالْمَكَان من الثلاثي الْمُجَرّد ينْحَصر فِي وزنين مفعل، بِالْكَسْرِ [وَهُوَ لمصدر الْفِعْل الواوي الْمَحْذُوف فاؤه فِي مستقبله، وللزمان وَالْمَكَان من الْمِثَال الواوي، وَمن (مفعل) بِالْكَسْرِ] ، إِذا لم يكن معتل اللَّام و (مفعل) ، بِالْفَتْح وَهُوَ لغير مَا ذكر جَمِيعًا
(وَالْأَصْل وَالْغَالِب فِي أوزان مصَادر الْأَفْعَال الثلاثية) أَن (فعل) مَتى كَانَ مَفْتُوح الْعين كَانَ(1/814)
مصدره على وزن (فعل) إِن كَانَ مُتَعَدِّيا، و (فعول) إِن كَانَ لَازِما
وَمَتى كَانَ (فعل) ، مكسور الْعين، وَيفْعل مَفْتُوح الْعين كَانَ مصدره على وزن (فعل) بِالْكَسْرِ والسكون إِن كَانَ مُتَعَدِّيا، و (فعل) بِفتْحَتَيْنِ إِن كَانَ لَازِما
وَمَتى كَانَ (فعل) مضموم الْعين كَانَ مصدره على وزن (فعالة) ، بِالْفَتْح، أَو (فعولة) ، بِالضَّمِّ، أَو (فعل) بِكَسْر الْفَاء وَفتح الْعين وَهَذَا هُوَ الْقيَاس فِي الْكل، وَأما المصادر السماعية فَلَا طَرِيق لضبطها إِلَّا السماع وَالْحِفْظ، وَالسَّمَاع مقدم على الْقيَاس
والمصدر كَمَا يكون من الْفِعْل الْمَعْلُوم يَجِيء أَيْضا من الْفِعْل الْمَجْهُول يُقَال: ضرب زيد ضربا وَقد صرح صَاحب " الْكَشَّاف " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} فَإِن الْمَعْنى على تَشْبِيه محبوبية الْأَصْنَام من جهتهم بمحبوبية الله من جِهَة الْمُؤمنِينَ، إِذْ لَا دلَالَة فِي الْكَلَام على الْفَاعِل، أَعنِي الْمُؤمنِينَ وَصرح بِهِ العلامتان السعد وَالسَّيِّد رحمهمَا الله
وَلَفظ الْمصدر قد يسْتَعْمل فِي أصل مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْأَمر النسبي وَقد يسْتَعْمل فِي الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للْفَاعِل بِسَبَب تعلق الْمَعْنى المصدري بِهِ فَيُقَال حِينَئِذٍ إِنَّه مصدر من الْمَبْنِيّ للْفَاعِل وَقد يسْتَعْمل فِي الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للْمَفْعُول بِسَبَب تعلقه بِهِ، فَيُقَال حِينَئِذٍ إِنَّه مصدر من الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول وَقَالَ بَعضهم: كَيْفيَّة الْمصدر تطلق حَقِيقَة على كَون الذَّات بِحَيْثُ صدر عَنْهَا الْحَدث، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُسمى الْمَبْنِيّ للْفَاعِل، وعَلى كَونهَا وَقع عَلَيْهَا الْحَدث، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُسمى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمَفْعُول الْمُطلق، وَصِيغَة الْمصدر مُشْتَركَة بَين الْمصدر الْمَبْنِيّ للْفَاعِل وَبَين الْمصدر الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول وَبَين الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ، فالفاعل إِذا صدر مِنْهُ الْمُتَعَدِّي لَا بُد هُنَاكَ من حُصُول أثر حسي أَو معنوي نَاشِئ من الْفَاعِل بِلَا وَاسِطَة وَاقع على الْمَفْعُول من الْفَاعِل، أَو غَيره قَائِم من حَيْثُ الصُّدُور بالفاعل، وَمن حَيْثُ الْوُقُوع بالمفعول، فَإِذا نظرت إِلَى قيام ذَلِك الْأَثر بِذَات الْفَاعِل ولاحظت كَون الذَّات بِحَيْثُ قَامَ بِهِ كَانَ ذَلِك الْكَوْن مَا يعبر عَنهُ بِالْمَصْدَرِ الْمَبْنِيّ للْفَاعِل، وَإِذا نظرت إِلَى وُقُوعه على الْمَفْعُول، ولاحظت كَون الذَّات بِحَيْثُ وَقع عَلَيْهِ الْفِعْل كَانَ ذَلِك الْكَوْن مَا يعبر عَنهُ بِالْمَصْدَرِ الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول، وَإِذا نظرت إِلَى عين ذَلِك الْأَثر كَانَ ذَلِك الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ
والمصدر نَوْعَانِ: غير مُشْتَقّ كالضرب، ومشتق من الْأَسْمَاء الجامدة كالتحجر من الْحجر وَلَا بُد أَن يكون مَعْنَاهُ مُشْتَمِلًا على معنى ذَلِك الِاسْم الجامد
والمصدر هُوَ الَّذِي لَهُ فعل يجْرِي عَلَيْهِ كالانطلاق فِي انْطلق
وَاسم الْمصدر هُوَ اسْم لِمَعْنى وَلَيْسَ لَهُ فعل يجْرِي عَلَيْهِ كالقهقرى، إِذْ لَا فرع لَهُ يجْرِي عَلَيْهِ من لَفظه
وَقد يَقُولُونَ: مصدر وَاسم مصدر فِي الشَّيْئَيْنِ المتقاربين (لفظا، أَحدهمَا للْفِعْل، وَالْآخر للآلة الَّتِي يسْتَعْمل بهَا الْفِعْل كالطهور وَالطهُور(1/815)
وَالْأكل وَالْأكل، بِالْفَتْح وَالضَّم)
وَقيل: الْمصدر مَوْضُوع الحَدِيث من حَيْثُ اعْتِبَار تعلقه بالمنسوب إِلَيْهِ على وَجه الْإِبْهَام، وَلِهَذَا يَقْتَضِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَيحْتَاج إِلَى تعيينهما فِي اسْتِعْمَاله
وَاسم الْمصدر مَوْضُوع لنَفس الْحَدث من حَيْثُ هُوَ بِلَا اعْتِبَار تعلقه بالمنسوب إِلَيْهِ فِي الْمَوْضُوع لَهُ وَإِن كَانَ لَهُ تعلق فِي الْوَاقِع، وَلذَلِك لَا يَقْتَضِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَلَا يحْتَاج إِلَى تعيينهما
وَقيل: الْفِعْل مَعَ مُلَاحظَة تعلقه بالفاعل يُسمى مصدرا، وَمَعَ ملاحظته بالأثر الْمُتَرَتب عَلَيْهِ يُسمى اسْم الْمصدر وَالْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ
وَقَالَ بَعضهم صِيغ المصادر تسْتَعْمل إِمَّا فِي أصل النِّسْبَة وَيُسمى مصدرا، وَإِمَّا فِي الْهَيْئَة الْحَاصِلَة بهَا للتعلق، معنوية كَانَت أَو حسية كَهَيئَةِ التحركية الْحَاصِلَة من الْحَرَكَة فيسمى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ
وَالْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ قد يُسمى أَيْضا مصدرا أَشَارَ إِلَيْهِ التَّفْتَازَانِيّ فِي " التَّلْوِيح "
(وَقَالَ الشَّيْخ بدر الدّين بن مَالك: اعْلَم أَن اسْم الْمَعْنى الصَّادِر عَن الْفَاعِل ك (الضَّرْب) أَو الْقَائِم بِذَاتِهِ ك (الْعلم) يَنْقَسِم إِلَى مصدر وَاسم مصدر، فَإِن كَانَ أَوله ميما مزيدة وَهِي لغير مفاعلة كالمضرب والمحمدة أَو كَانَ لغير الثلاثي كالغسل وَالْوُضُوء فَهُوَ اسْم الْمصدر، وَإِلَّا فَهُوَ الْمصدر، فعلى هَذَا المعجزة اسْم للمصدر الَّذِي هُوَ الْعَجز)
والمصدر لَا يكون مقول القَوْل
وَعبارَة " الْكَشَّاف " الْعِبَادَة لَا تقال وَعبارَة ابْن الْمُنِير: لم تقل الْعِبَادَة
والمصدر الْمُعَرّف بِاللَّامِ وَإِن جَازَ عمله فِي الظّرْف بِلَا تَأْوِيله بِالْفِعْلِ لَكِن إِنَّمَا يجوز فِيمَا إِذا لم يَتَخَلَّل بَينهمَا فاصل كَمَا فِي قَوْلك: نَوَيْت الْخُرُوج يَوْم الْجُمُعَة وَأما إِذا تخَلّل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الصّيام} إِلَى قَوْله: {أَيَّامًا معدودات} فَلَا يجوز بِنَاء على أَن الْمصدر عَامل ضَعِيف لَا سِيمَا إِذا أسْند تَأْوِيله بِالْفِعْلِ بِدُخُول لَام التَّعْرِيف عَلَيْهِ، فَلَا تسري قوته إِلَى مَا وَرَاء الْفَاصِل، لَكِن المظنون من كَلِمَات النُّحَاة جَوَاز عمله فِي الظروف الْمُتَقَدّمَة للاتساع فِيهَا ولوجود رَائِحَة الْفِعْل فِي المصادر، وَكَذَا جوزوا عمله فِي الظروف الْمُتَأَخِّرَة وَلَو تخَلّل بَينهمَا فاصل، لأَنهم وَسعوا فِي الظروف مَا لم يوسعوا فِي غَيرهَا مثل أَنهم لم يجوزوا تَقْدِيم مَعْمُول الْمصدر عَلَيْهِ إِذا لم يكن ظرفا كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي بحث الظروف
وَقَالَ بَعضهم: الْمصدر إِذا كَانَ بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل أَو اسْم الْمَفْعُول جَازَ تَقْدِيم معموله عَلَيْهِ
والمصدر إِذا أخبر عَنهُ لَا يعْمل بعد الْخَبَر، وَكَذَا لَا يعْمل إِذا جمع وَإِذا قصد بِهِ الْأَنْوَاع جَازَ تثنيته وَجمعه، وَالْمُنَاسِب مَعَ ذَلِك إِيرَاد مُفْرد نظرا إِلَى رِعَايَة الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة، وَهِي فِيمَا إِذا كَانَ الْمصدر للتَّأْكِيد وَكَانَ الْقَصْد إِلَى الْمَاهِيّة وَعدم تثنيته وَجمعه، لَا لكَونه اسْم جنس، بل لكَونه دَالا على الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَإِلَّا كَانَ الأَصْل فِي اسْم الْجِنْس أَن لَا يثنى وَلَا يجمع، وَلم يقل بِهِ أحد(1/816)
وَيجوز جمع المصادر وتثنيتها إِذا كَانَ فِي آخرهَا تَاء التَّأْنِيث كالتلاوات والتلاوتين، أَو يؤول بالحاصل بِالْمَصْدَرِ، فَيجمع كالعلوم والبيوع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وتظنون بِاللَّه الظنونا} وَكَذَا يجمع إِذا أُرِيد بِهِ الصّفة أَو الِاسْم، وَكِلَاهُمَا شَائِع كالتسبيحات
وَمن المصادر مَا يَجِيء مثنى، وَالْمرَاد التكثير لَا حَقِيقَة التَّثْنِيَة، وَإِنَّمَا جعلت التَّثْنِيَة علما لذَلِك لِأَنَّهَا أول تَضْعِيف الْعدَد وتكثيره من ذَلِك (لبيْك) وَهُوَ عِنْد سِيبَوَيْهٍ مصدر مثنى مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَلم يسْتَعْمل لَهُ مُفْرد، و (سعديك) وَقد اسْتعْمل لَهُ مُفْرد وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول أَيْضا، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعْطُوفًا على (لبيْك) و (حذاريك) ، بِفَتْح الْمُهْملَة أَي: احذر حذرا بعد حذر، وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْفَاعِل، وَقد اسْتعْمل لَهُ مُفْرد و (حنانيك) ، وَقد اسْتعْمل لَهُ مُفْرد أَيْضا
{وَحَنَانًا من لدنا} أَي: رَحْمَة
ودواليك: أَي إدالة بعد إدالة وَلم يسْتَعْمل لَهُ مُفْرد، فَكَأَنَّهُ تَثْنِيَة (دوال) ، كَمَا أَن حواليك تَثْنِيَة (حوال)
وَإِذا كَانَ الْمصدر مُسْتَعْملا فِي معنى اسْم الْمَفْعُول فالمعهود اسْتِعْمَاله، بِغَيْر التَّاء كَقَوْلِهِم للمخلوق خلق، وللمنسوج نسج، وَلذَلِك قَلما يُوجد فِي عِبَارَات القدماء اللَّفْظَة بل اللَّفْظ
ومعمول الْمصدر كالصلة فَلَا يجوز الْفَصْل بَينه وَبَين معموله بأجنبي
والمصدر إِذا كَانَت فِيهِ تَاء الْوحدَة يشبه الجوامد مثل: تَمْرَة ونخلة، فيضعف مشابهته للْفِعْل فَلَا يعْمل
وَقَالَ بَعضهم: الْمصدر الْمَحْدُود بتاء التَّأْنِيث لَا يعْمل إِلَّا فِي قَلِيل من كَلَامهم
والمبني على التَّاء يعْمل كَقَوْلِه:
(فلولا رَجَاء النَّصْر مِنْك وَرَهْبَة ... عقابك قد كَانُوا لنا بالموارد)
فأعمل (رهبة) لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّاء، وَشرط عمله أَن لَا يكون مَفْعُولا مُطلقًا، وَإِذا وصف بِهِ اسْتَوَى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَالْوَاحد وَغَيره، ونصوا على أَن الْمصدر المنسبك من أَن وَالْفِعْل لَا ينعَت كالضمير، فَلَا يُقَال: (أعجبني أَن تخرج السَّرِيع) ، وَلَا فرق بَين هَذَا وَبَين بَاقِي الْحُرُوف المصدرية، (وَالرَّفْع فِي بَاب المصادر الَّتِي أَصْلهَا النِّيَابَة عَن أفعالها يدل على الثُّبُوت والاستقرار، بِخِلَاف النصب فَلَا يدل على التجدد، والحدوث الْمُسْتَفَاد من عَامله الَّذِي هُوَ الْفِعْل فَإِنَّهُ مَوْضُوع للدلالة عَلَيْهِ، بِخِلَاف الْجُمْلَة الاسمية فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة للدلالة على الثُّبُوت مُجَردا عَن قيد التجدد والحدوث، فَنَاسَبَ أَن يقْصد بهَا الدَّوَام والثبات بِقَرِينَة الْمقَام ومعونته
والمصدر الْمُؤَكّد لَا يقْصد بِهِ الْجِنْس)
وكل مصدر عِنْد الْعَمَل مؤول بِأَن مَعَ الْفِعْل، لَكِن لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل قد يكون عَاملا بِدُونِهِ
(قيل: التَّأْوِيل فِي تقدم مَعْمُول الْمصدر إِنَّمَا هُوَ فِي الْمصدر الْمُنكر دون الْمُعَرّف، وَهَذَا مَمْنُوع نقلا، فَإِن الْمَنْصُوص استواؤهما فِي التَّأْوِيل، وَإِنَّمَا اخْتلف فِي الإعمال، والمرجح استواؤهما أَيْضا فِي أَصله، وَإِن كَانَ إِعْمَال الْمُنكر أَكثر،(1/817)
وَيجوز إِعْمَال الْمصدر الْمحلى بِاللَّامِ وَإِن كَانَ قَلِيلا)
والمصدر [لَا يقْصد بِهِ الْجِنْس و] قد يكون نفس الْمَفْعُول كَمَا فِي قَوْلنَا: خلق الله الْعَالم، إِذْ التغاير بَين الْخلق والعالم يسْتَلْزم قدم المغاير أَن كَانَ قَدِيما فَيلْزم من قدمه قدمه، وَإِن كَانَ حَادِثا فيفتقر خلقه إِلَى خلق آخر فيتسلسل
الْمُؤَنَّث: كل مَا كَانَ على فَاعل من صفة الْمُؤَنَّث مِمَّا لم يكن للمذكر فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِيهِ الْهَاء نَحْو: امْرَأَة عَاقِر، وحائض وطاهر من الْحيض لَا من الْعُيُوب إِذْ يُقَال فِيهَا طَاهِرَة كقاعدة من الْقعُود، وقاعد عَن الْحَبل
وكل مؤنث التَّاء حكمه أَن لَا تحذف التَّاء مِنْهُ إِذا ثني ك (تمرتان) ، وضاربتان) لِأَنَّهَا لَو حذفت الْتبس بتثنية الْمُذكر، وَيسْتَثْنى من ذَلِك لفظان (ألية) و (خصية) فَإِن أفْصح اللغتين وأشهرهما أَن يحذف مِنْهُمَا التَّاء فِي التَّثْنِيَة لأَنهم لم يَقُولُوا فِي الْمُفْرد (إِلَيّ) و (خصي)
وكل مَا تأنيثه لَيْسَ بحقيقي فتأنيثه وتذكيره جَائِز، تقدم الْفِعْل أَو تَأَخّر، وَهَذَا فِيمَا إِذا أسْند إِلَى الظَّاهِر، وَكَذَا فِي صُورَة الْفَصْل، إِلَّا إِذا كَانَ الْمُؤَنَّث الْحَقِيقِيّ مَنْقُولًا عَمَّا يغلب فِي أَسمَاء الذُّكُور ك (زيد) إِذا سميت بِهِ امْرَأَة، فَإِنَّهُ مَعَ الْفَصْل يجب إِثْبَات التَّاء، وَأما إِذا أسْند إِلَى الضَّمِير فالتذكير غير جَائِز لوُجُوب دفع الالتباس على مَا صرح بِهِ الرضي وَغَيره، [قَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين} إِنَّمَا ذكر لِأَنَّهُ حَالَتْ الصّفة بَين الْفِعْل وَالِاسْم الْمُؤَنَّث، وكل مَا جَاءَ من هَذَا النَّوْع فَهَذَا وَجهه]
وَيجب أَن يسْتَثْنى من قَاعِدَة الْخِيَار فِي ظَاهر غير الْحَقِيقِيّ علم الْمُذكر مَعَ التَّاء نَحْو: (طَلْحَة) إِذْ لَا خِيَار فِيهِ، بل يجب تذكير الْفِعْل وَالْجمع بِالْألف وَالتَّاء، وَاسم جنس أُرِيد بِهِ مُذَكّر من أَفْرَاده فَإِنَّهُ يجب ترك التَّاء فِيهِ عِنْد ابْن السّكيت ليعلم أَن الْمسند إِلَيْهِ مُذَكّر من أَفْرَاده، وَبِهَذَا يتم اسْتِدْلَال أبي حنيفَة بِالْقُرْآنِ على أَن نملة سُلَيْمَان كَانَت أُنْثَى
وَكَذَا يجب أَن يسْتَثْنى من قَاعِدَة الْخِيَار أَيْضا فِي ظَاهر الْجمع غير جمع الْمُذكر السَّالِم، سَوَاء كَانَ واحده مؤنثا أَو مذكرا، (وَقد يتَرَجَّح أحد المتساويين فِي نفس الْأَمر مَعَ جَوَاز الآخر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا} ، {وَقَالَ نسْوَة} تَنْزِيلا لَهُم منزلَة الْإِنَاث فِي نُقْصَان الْعقل، إِذْ لَو كملت عُقُولهمْ لدخل الْإِيمَان فِي قُلُوبهم، أَلا ترى النسْوَة لما وصفوا زليخا بالضلال الْمُبين وَذَلِكَ من شَأْن الْعقل التَّام نزلت منزلَة الذُّكُور بتجريد القَوْل من عَلامَة التَّأْنِيث) و (بنُون) كَمَا فِي: {آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل} وَسَائِر الجموع بِالْوَاو وَالنُّون الَّتِي حَقّهَا أَن تجمع بِالْألف وَالتَّاء ك (أرضون) و (سنُون)
قَالَ الدماميني: قد كثر فِي الْكتاب الْعَزِيز الْإِتْيَان بالعلامة عِنْد الْإِسْنَاد إِلَى ظَاهر غير الْحَقِيقِيّ كَثْرَة(1/818)
فَاحِشَة فَوَقع مِنْهُ ذَلِك مَا ينيف على مِائَتي مَوضِع، وَوَقع فِيهِ مِمَّا تركت فِيهِ الْعَلامَة فِي الصُّور الْمَذْكُورَة نَحْو خمسين موضعا، وأكثرية أحد الاستعمالين دَلِيل على أرجحيته
قَالَ الْفراء: وللمؤنث خمس عشرَة عَلامَة، ثَمَان فِي الْأَسْمَاء: الْهَاء، وَالْألف الممدودة والمقصورة، وتاء الْجمع فِي (الهندات) ، والكسرة فِي (أَنْت) ، وَالنُّون فِي (أنتن) و (هن) ، وَالتَّاء فِي (أُخْت) و (بنت) ، وَالْيَاء فِي (هذي)
وَأَرْبَعَة فِي الْأَفْعَال: التَّاء الساكنة فِي (قَامَت) ، وَالْيَاء فِي (تفعلين) ، والكسرة فِي (قُمْت) ، وَالنُّون فِي (فعلن)
وَثَلَاث فِي الأدوات: التَّاء فِي (ربة) ، و (ثمَّة) ، و (لات) ، وَالتَّاء فِي (هَيْهَات) وَالْهَاء وَالْألف فِي قَوْلك إِنَّهَا هِنْد
والمؤنث الْحَقِيقِيّ مَا بإزائه ذكر من الْحَيَوَان كامرأة وناقة
وَغير الْحَقِيقِيّ مَا لم يكن كَذَلِك، بل يتَعَلَّق بِالْوَضْعِ والاصطلاح كالظلمة وَغَيرهَا
وكل أَسمَاء الْأَجْنَاس يجوز فِيهَا التَّذْكِير حملا على الْجِنْس، والتأنيث حملا على الْجَمَاعَة نَحْو: {أعجاز نخل خاوية} ، و {أعجاز نخل منقعر} وكل اسْم جمع لآدَمِيّ فَإِنَّهُ يذكر وَيُؤَنث ك (الْقَوْم) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكذب بِهِ قَوْمك} و {كذبت قوم نوح} وَأما لغير الْآدَمِيّ فلازم التَّأْنِيث وكل شَيْء لَيْسَ فِيهِ روح إِن شِئْت فَذكر وَإِن شِئْت فأنث
وكل مَا قرب من مَكَان أَو نسب فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، قَالَ الزّجاج: وَالْفرق غلط
وكل جمع مؤنث إِلَّا مَا صَحَّ بِالْوَاو وَالنُّون فِيمَن يعلم، تَقول: جَاءَ الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَجَاءَت الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَأَسْمَاء الجموع مُؤَنّثَة نَحْو: الْإِبِل وَالْغنم وَالْخَيْل والوحش وَالْعرب والعجم
وَكَذَا كل مَا بَينه وَبَين واحده تَاء أَو يَاء النِّسْبَة كتمر ونخل ورمان ورومي وبختي
وكل عُضْو زوج من أَعْضَاء الْإِنْسَان فَهُوَ مؤنث إِلَّا الخد وَالْجنب والحاجب
وكل عُضْو فَرد مِنْهَا فَهُوَ مُذَكّر إِلَّا الكبد والكرش وَالطحَال، لِأَن كل عُضْو فِي الْإِنْسَان أول اسْمه كَاف فَهُوَ مؤنث
وحروف المعجم كلهَا مُؤَنّثَة تَقول: هَذِه ألف قَائِمَة وجيم قَاعِدَة
والشهور كلهَا مذكرة إِلَّا جماديها
وَأَسْمَاء الْحَشْر كلهَا مُؤَنّثَة، وتأنيثها تَأْنِيث تهويل ومبالغة
وتذكير الْأَمْكِنَة وتأنيثها غير حَقِيقِيّ
والظروف كلهَا مذكرة إِلَّا (قُدَّام) و (وَرَاء) فَإِنَّهُمَا شَاذان، وَإِثْبَات التَّاء فِي تصغيرهما لإِزَالَة كَون (قُدَّام) بِمَعْنى الْملك، و (وَرَاء) بِمَعْنى ولد الْوَلَد، كَمَا أَنَّهُمَا بِمَعْنى الْجِهَة
وَلَا يقدر من جملَة عَلَامَات التَّأْنِيث إِلَّا التَّاء لِأَن(1/819)
وَضعهَا على الْعرُوض والانفكاك، فَيجوز أَن تحذف لفظا وتقدر معنى بِخِلَاف الْألف
والأسنان كلهَا مُؤَنّثَة إِلَّا الأضراس والأنياب
والجمادات تؤنث من حَيْثُ إِنَّهَا ضاهت الْإِنَاث لانفعالها
وتأنيث الْحُرُوف إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي حُرُوف المباني والمعاني لَا فِي لفظ الْحَرْف
قيل: حُرُوف الهجاء والحروف المعنوية نَحْو: فِي، وعَلى، وأشباههما مؤنثات سماعية
وَقيل: تَأْنِيث الْحُرُوف بِاعْتِبَار تَأْوِيل اللَّفْظَة أَو الْكَلِمَة
والتأنيث ثَلَاثَة أَقسَام: لَفْظِي ومعنوي مَعًا كَالْمَرْأَةِ، والناقة، وحبلى، وحمراء
ومعنوي فَقَط كهند، وَزَيْنَب وَهَذَانِ القسمان وَاجِبا التَّأْنِيث فِي إرجاع الضَّمِير وَإسْنَاد الْفِعْل
ولفظي فَقَط مثل: كلمة، وظلمة، وَحُمرَة، وَطَلْحَة، وَرجل عَلامَة، وحلة حَمْرَاء، وصخرة بَيْضَاء، وَدَعوى، وذكرى، وبشرى وَهَذَا الْقسم يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ بِاعْتِبَار اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَمن هَذَا الْقسم جَمِيع المؤنثات السماعية مثل: الشَّمْس، وَالنَّار، وَالدَّار، والنعل، وَالْعَقْرَب وَغَيرهَا فَإِن تأنيثها بِاعْتِبَار ألفاظها فَقَط دون مَعَانِيهَا
والتفرقة بَين الْمُذكر والمؤنث فِي الْأَسْمَاء غير الصِّفَات نَحْو: حمَار وحمارة غَرِيب
وَمَتى اجْتمع الْمُذكر والمؤنث غلب حكم الْمُذكر إِلَّا فِي موضِعين: أَحدهمَا: (ضبعان) حَيْثُ أجريت التَّثْنِيَة على لفظ الْمُؤَنَّث الَّذِي هُوَ (ضبع) لَا على لفظ الْمُذكر
وَالثَّانِي: التَّارِيخ فَإِنَّهُ بالليالي دون الْأَيَّام مُرَاعَاة للأسبق
وتغليب الْمُذكر على الْمُؤَنَّث إِنَّمَا يكون فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع، وَفِي عود الضَّمِير، وَفِي الْوَصْف، وَفِي الْعدَد
والتذكير والتأنيث مَعْنيانِ من الْمعَانِي لَا يتحققان مَعًا إِلَّا فِي الْأَسْمَاء وَأما الْأَفْعَال فَإِنَّهَا مذكرة، لَان مدلولها الْحَدث، وَالْحَدَث جنس، وَالْجِنْس مُذَكّر
والأسماء قبل الِاطِّلَاع على تأنيثها وتذكيرها يعبر عَنْهَا بِلَفْظ مُذَكّر نَحْو: شَيْء، وحيوان، وإنسان، فَإِذا علم تأنيثها ركب عَلَيْهَا الْعَلامَة
وتذكير الْمُؤَنَّث أسهل من تَأْنِيث الْمُذكر لِأَن التَّذْكِير أصل والتأنيث فرع، فتذكير الْمُؤَنَّث على تَأْوِيله بمذكر نَحْو: {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} أَي: وعظ
{وأحيينا بِهِ بَلْدَة مَيتا} : أَي مَكَانا
{فَلَمَّا رأى الشَّمْس بازغة قَالَ هَذَا رَبِّي} أَي: هَذَا الشَّخْص، أَو الجرم، أَو الطالع
{إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} أَي: إِحْسَان الله، [وَالْقَوْل بِأَن تأنيثه غير حَقِيقِيّ لَيْسَ بجيد إِلَّا مَعَ تَقْدِيم الْفِعْل، وَفِي التَّأْخِير لَا يجوز إِلَّا التَّأْنِيث، وَقيل لِاكْتِسَابِ الْمُضَاف تذكيرا من الْمُضَاف إِلَيْهِ، ويبعده {لَعَلَّ السَّاعَة قريب} ] (وَلِأَن تأنيثها غير حَقِيقِيّ)(1/820)
وتأنيث الْمُذكر نَحْو: {الَّذين يَرِثُونَ الفردوس هم فِيهَا خَالدُونَ} أنث الفردوس وَهُوَ مُذَكّر حملا على معنى الْجنَّة
{من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} حذف التَّاء من (عشرَة) مَعَ إضافتها إِلَى الْأَمْثَال وواحدها مُذَكّر قيل لإضافة الْأَمْثَال وَهُوَ ضمير الْحَسَنَات فاكتسب مِنْهُ التَّأْنِيث كَمَا فِي: شَرقَتْ صدر الْقَنَاة من الدَّم
وَقيل: هُوَ من بَاب مُرَاعَاة الْمَعْنى لِأَن الْأَمْثَال فِي الْمَعْنى مؤنث لِأَن مثل الْحَسَنَة حَسَنَة، وَالتَّقْدِير: فَلهُ عشر حَسَنَات أَمْثَالهَا
وَإِذا أضيف فَاعل الْفِعْل إِلَى ضمير الْمُؤَنَّث يجوز فِي فعل الْفَاعِل التَّذْكِير والتأنيث كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا}
وَمَا لَا يعرف ذكوره من إناثه يحمل على اللَّفْظ يُقَال للذّكر وَالْأُنْثَى: هَذَا ابْن عرس، وَهَذَا ابْن دأية، وَفِي الْجمع: بَنَات عرس، وَبَنَات دأية
وَامْتِنَاع الْهَاء من (فعول) بِمَعْنى (فَاعل) أصل مطرد لم يشذ مِنْهُ إِلَّا قَوْلهم: (عدوة الله) ليماثل صديقَة
وَالشَّيْء قد يحمل على ضِدّه ونقيضه كَمَا يحمل على نَظِيره؛ وَإِنَّمَا تدخل الْهَاء على (فعول) إِذا كَانَ بِمَعْنى (مفعول) كَقَوْلِك: نَاقَة ركوبة، وشَاة حلوبة
وَأما (فعيل) فَهُوَ إِذا كَانَ بِمَعْنى (فَاعل) لحقته الْهَاء و (بغي) لَيْسَ بفعيل، وَإِنَّمَا هِيَ (فعول) بِمَعْنى (فاعلة) لِأَن الأَصْل بغوي قيل: (فعيل) بِمَعْنى (فَاعل) يلْزم تأنيثه، وَبِمَعْنى (مفعول) يجب تذكيره وَمَا جَاءَ شاذا من النَّوْعَيْنِ يؤول، وَالْحق أَن كليهمَا يُطلق على الْمُذكر بِلَا تَاء وَلَا خلاف فِيهِ
وَيُطلق على الْمُؤَنَّث تَارَة مَعَ التَّاء وَأُخْرَى بِدُونِهَا أَصَالَة كَمَا ورد فِي أشعار الفصحاء لَا على سَبِيل التّبعِيَّة وَلَا على وَجه الشذوذ والندرة
و (فعيل) بِمَعْنى (مفعول) إِذا ذكر مَعَه الِاسْم اسْتَوَى فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى يُقَال: عين كحيل، وكف خضيب
وَإِذا أفردوا الصّفة أدخلُوا الْهَاء ليعلم أَنَّهَا صفة لمؤنث فَقَالُوا: رَأينَا كحيلة
وَالصِّفَات فِي الْمُؤَنَّث لَا تَأتي إِلَّا على (فعلى) ، بِالضَّمِّ ك (حُبْلَى، وَأُنْثَى)
وعَلى (فعلى) ، بِالْفَتْح ك (سكرى، وعطشى)
وَلَا تَأتي على (فعلى) ، بِالْكَسْرِ إِلَّا فِي بِنَاء الْأَسْمَاء ك (الشعرى، والدفلى) وَفِي الْمصدر ك (الذكرى)
والمعدود إِذا كَانَ جمعا وواحده مونثا حذف التَّاء مِنْهُ نَحْو: (ثَلَاث نسْوَة) وَإِذا كَانَ مذكرا ثبتَتْ التَّاء سَوَاء كَانَ فِي لفظ الْجمع عَلامَة التَّأْنِيث ك (أَرْبَعَة حمامات) فِي جمع (حمام) أَو لم يكن
والمعدود الْمُذكر إِذا جمع، وكل جمع مؤنث، فَإِنَّهُ يلْزم إِلْحَاق التَّاء بعدده، وَإِذا لحقته فَلم يلْحق بالمؤنث فرقا بَينهمَا، وَفِيمَا وَرَاء الْعشْرَة إِذا كَانَ الْمَعْدُود مذكرا فَإِنَّهُ تدخل التَّاء فِي الشّطْر الأول وتحذف فِي الشّطْر الثَّانِي وَإِذا كَانَ مؤنثا فَتدخل التَّاء فِي الْعشْرَة وتحذف من الشّطْر الأول، يُقَال: ثَلَاث عشرَة نسْوَة، أَو ثَلَاثَة عشر رجلا
وَفِي (عشرَة) يجوز تسكين الشين وتحريكها إِذا كَانَت مَعَ تَاء وَأما شين أحد عشر إِلَى تِسْعَة(1/821)
فمفتوحة لَا غير لعدم توالي الفتحات وَمَا لحق بِآخِرهِ الْوَاو وَالنُّون من الْأَعْدَاد فالمذكر والمؤنث فِيهِ سَوَاء نَحْو: عشرُون رجلا، وَعِشْرُونَ امْرَأَة، وَكَذَا الْمِائَة وَالْألف
(وَإِذا كَانَ تَمْيِيز مَا فَوق الِاثْنَيْنِ اسْم جمع يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى كَالْإِبِلِ يسْتَعْمل بِلَا تَاء
والاسمان المذكران أَعنِي الْعشْرَة وَمَا زيد عَلَيْهَا يبنيان على الْفَتْح، إِلَّا اثْنَي عشر فَإِنَّهُم أعربوه إِعْرَاب الِاسْم الْمثنى نَحْو: (هَذَا اثْنَا عشر، وَرَأَيْت اثْنَي عشر، ومررت بِاثْنَيْ عشر) وَذَلِكَ لأَنهم جعلُوا آخر شطريه بِمَنْزِلَة النُّون من التَّثْنِيَة عوضا عَنهُ بِدَلِيل أَنه لَا يجوز الْجمع بَينهمَا وَإِذا كَانَ (عشر) بِمَنْزِلَة النُّون وَلم يكن الِاسْم مركبا فَلَا يكون الشّطْر الأول مَبْنِيا)
وَزِيَادَة التَّاء فِي عدد الْمُذكر وَتركهَا فِي عدد الْمُؤَنَّث إِنَّمَا يجب إِذا كَانَ الْمُمَيز مَذْكُورا بعد اسْم الْعدَد، وَأما إِذا حذف أَو قدم وَجعل الْعدَد صفة مثلا فَفِيهِ وَجْهَان: إِجْرَاء هَذِه الْقَاعِدَة وَتركهَا تَقول: مسَائِل تسع، وَرِجَال تِسْعَة، وَبِالْعَكْسِ صرح بِهِ النُّحَاة، وَذكره النَّوَوِيّ فِي شرح حَدِيث: " من صَامَ رَمَضَان وستا من شَوَّال " وَعَلِيهِ: " بني الْإِسْلَام على خمس " أَي: خمس دعائم أَو قَوَاعِد، أَو خَمْسَة أَشْيَاء أَو أَرْكَان أَو أصُول
وَدخُول تَاء التَّأْنِيث فِي الْكَلَام أَكثر من دُخُول ألف التَّأْنِيث لِأَنَّهَا قد تدخل فِي الْأَفْعَال الْمَاضِيَة للتأنيث نَحْو: (قَامَت هِنْد) وَتدْخل فِي الْمُذكر توكيدا ومبالغة نَحْو: عَلامَة ونسابة
وَألف التَّأْنِيث تزيد على تَاء التَّأْنِيث قُوَّة لِأَنَّهَا تبنى مَعَ الِاسْم وَتصير كبعض حُرُوفه، ويتغير الِاسْم مَعهَا عَن هَيْئَة التَّذْكِير
وَمَا كَانَ تأنيثه بِالْهَمْزَةِ إِذا صغر لم تقع الْهمزَة فِي حشوه ك (حميرة)
وَإِذا كَانَت كلمة لَا يُوجد فِي الِاسْتِعْمَال مذكرها كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة والهمزة وَالْمَسْأَلَة وَنَحْوهَا جَازَ فِيهَا وَجْهَان، يُقَال: الصَّلَاة يجوز فِيهَا أَو فِيهِ شَيْء فلاني
وَإِذا توَسط الضَّمِير أَو الْإِشَارَة بَين مُبْتَدأ أَو خبر أَحدهمَا مُذَكّر وَالْآخر مؤنث جَازَ فِي الضَّمِير أَو الْإِشَارَة التَّذْكِير والتأنيث
وَالِاسْم الْمُفْرد الَّذِي يَقع على الْجمع فيتميز بَينه وَبَين واحده بِالتَّاءِ هُوَ غَالب فِي الْأَشْيَاء المخلوقة دون المصنوعة نَحْو: (تَمْرَة وتمر) ، و (بقرة وبقر) وَأما نَحْو: (سفينة وسفين) ، و (لبنة وَلبن) فقليل
وَالْعرب تسمي الْمُذكر بِمَا فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث ك (طَلْحَة) ، وبالأسماء الَّتِي هِيَ للمؤنث فِي الأَصْل نَحْو: (هِنْد) ، وَكَانَ لِخَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا ابْن يُسمى هِنْد ابْن هَالة وتسمي الْمُؤَنَّث باسم الْمُذكر ك (جَعْفَر)
وَمَا زَاد على ثَلَاثَة أحرف من المونث الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَلامَة نَحْو: عِقَاب وعقرب وَزَيْنَب، فالحرف الزَّائِد على الثَّلَاثَة يجْرِي مجْرى عَلامَة التَّأْنِيث فَلَا ينْصَرف لذَلِك إِذا سميت بهَا
المنصرف: كل جمع يكون ثالثه ألفا وَبعدهَا حرفان أَو ثَلَاثَة أحرف أوسطها سَاكن ك (دَوَاب، ومساجد ومفاتيح) فَكل مَا كَانَ من هَذَا النَّوْع فَإِنَّهُ(1/822)
لَا ينْصَرف نكرَة وَلَا معرفَة وكل جمع لَهُ نَظِير من الْوَاحِد وَحكمه فِي التكسير وَالصرْف كَحكم نَظِيره فَهُوَ منصرف فِي النكرَة والمعرفة ك (كلاب) لِأَن نَظِيره فِي الْوَاحِد (كتاب، وإياب) ، وَلَو كَانَ (كلاب) مِمَّا يجمع لَكَانَ قِيَاس جمعه (كَلْبا) على حد (كتاب وَكتب) ، وَكَذَلِكَ بَاقِي الجموع
وكل لفظ وضع على مؤنث لم ينْصَرف ذَلِك اللَّفْظ فِي الْعلم سَوَاء كَانَ ثلاثيا أَو غَيره وَسَوَاء وضع ذَلِك الِاسْم أَولا على مُذَكّر ثمَّ نقل إِلَى مؤنث أَو لَا
وَأما إِذا وضع اسْم لمذكر فانه يكون منصرفا
وَإِذا وضع اسْم مؤنث معنوي لمذكر فَإِن كَانَ الِاسْم ثلاثيا فَإِنَّهُ يكون منصرفا، سَوَاء كَانَ متحرك الْوسط أَو سَاكن الْوسط وَإِن كَانَ أبدا على الثلاثي فَإِنَّهُ يكون غير منصرف فِي الْعلم وَإِن كَانَ الْمُؤَنَّث ثلاثيا سَاكن الْوسط وَوضع علما على مؤنث فَفِيهِ خلاف، وَإِن لم يكن علما فمنصرف إِلَّا مَا فِيهِ الْألف الْمَقْصُورَة أَو الممدودة فَإِنَّهُ غير منصرف مَعَ كَونه نكرَة لِأَن التَّأْنِيث بِالْألف الْمَقْصُورَة أَو الممدودة سَبَب قَامَ مقَام السببين التَّأْنِيث وَأَن لَا يكون مذكرا قطّ، وَهُوَ معنى لُزُوم التَّأْنِيث، بِخِلَاف غير الْألف الْمَقْصُورَة والممدودة من أَنْوَاع الْمُؤَنَّث فَإِنَّهُ يَزُول حكم التَّأْنِيث عَنهُ وَذَلِكَ إِذا صَار نكرَة لِأَن التَّأْنِيث فِي النكرَة غير مُؤثر من غير الْألف الْمَقْصُورَة والممدودة لِأَنَّك تَقول: (مَرَرْت بقائمة) ، فَهِيَ مؤنث وَصفَة فحقها أَن تكون غير منصرفة بالِاتِّفَاقِ، فَعلم أَن التَّأْنِيث فِي غير الْعلم لَا يُؤثر
الْمَقْصُور: كل اسْم وَقعت فِي آخِره ألف مُفْردَة فَهُوَ الْمَقْصُور نَحْو: الْعَصَا، والفتى، وحبلى، وسكرى
[المنقوص] : وكل اسْم وَقعت فِي آخِره يَاء قبلهَا كسرة فَهُوَ المنقوص نَحْو: القَاضِي، والداعي، وقاض، وداع
وكل مؤنث لأَفْعَل التَّفْضِيل
وكل مؤنث بِغَيْر هَاء ك (فعلان) من الصّفة
وكل جمع لفعيل بِمَعْنى مفعول إِذا تضمن معنى الْبلَاء والآفة
وكل مُذَكّر لفعلاء المعتل لامه من الألوان والحلي
وكل مؤنث بِالْألف من أَنْوَاع الْمثنى
وكل مَا يدل على مُبَالغَة الْمصدر من المكسور فاؤه، المشدد عينه ك (الحليفي) كل ذَلِك من الْمَقْصُور القياسي، وَمِمَّا الْغَالِب فِيهِ الْقصر
كل مُفْرد معتل اللَّام يجمع على أَفعَال ك (نِدَاء وأنداء)
وكل مَا جَاءَ من الصِّفَات على وزن (فعلى) بِالْفَتْح فَهُوَ مَقْصُور مُلْحق بالرباعي نَحْو: (سكرى)
وكل مصدر لأَفْعَل وفاعل غير مصدر بميم زَائِدَة
وكل مصدر لافتعل وانفعل واستفعل وأفعل وأفعال وكل مصدر معتل اللَّام لفعلل على غير فعللة نَحْو: (قوقى قيقاء) وكل مصدر ل (فعنلى)
وكل صَوت معتل اللَّام مضموم الْفَاء وكل مُفْرد لافعل معتل اللَّام مَفْتُوح الْفَاء وَالْعين وكل مؤنث بِغَيْر التَّاء لافعل الَّذِي هُوَ للألوان والحلي كل ذَلِك مَمْدُود
وكل حرف على (فعلاء) فَهُوَ مَمْدُود إِلَّا أحرفا جَاءَت نَوَادِر وَهِي: أدنى، وأدمى، وسبعى، وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مَا مفرده مَمْدُود، وَجمعه مَمْدُود أَيْضا إِلَّا (دَاء) و (أدواء)(1/823)
الْمعرفَة: [فِي اصْطِلَاح النُّحَاة] كل اسْم خص وَاحِدًا بِعَيْنِه من جنسه فَهُوَ الْمعرفَة
[وَهِي أول فرض افترضه الله على خلقه كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} ، وَالْمرَاد الْمعرفَة الإيمانية لَا الْمعرفَة بكنه الْحَقِيقَة لِأَن الْمعرفَة فِي الإطلاع على الْحَقَائِق إِمَّا ممتنعة كَمَا فِي الْوَاجِب، أَو متعذرة كَمَا فِي الْجَوَاهِر غير المادية كالجواهر القدسية والأرواح البشرية، أَو متعسرة كالجواهر المادية وَمَا يتبعهَا من الْأَعْرَاض إِلَّا أَنه لَا يلْزم عَن ذَلِك عدم معرفَة الْبشر بأحوال تِلْكَ الْحَقَائِق وَلِهَذَا يُمكن للبشر معرفَة صِفَات الْبَارِي تَعَالَى وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْوَال وَمذهب أهل الْحق أَعنِي جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين هُوَ أَن الْعلم بِحَقِيقَة الْوَاجِب تَعَالَى حَاصِل للبشر وَإِن قَالَ بِعَدَمِهِ كثير من الْمُحَقِّقين
وَقَالَ ابْن العميد: بَلغنِي من حثالة النَّاس أَنهم ظنُّوا ظنا فَاسِدا كاسدا وَزَعَمُوا زعما بَاطِلا عاطلا فَقَالُوا: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يعرف الله حق مَعْرفَته وافتروا فِي ذَلِك حَدِيثا وَهَذَا عَن قَائِله مَعْصِيّة كَبِيرَة وَجِنَايَة عَظِيمَة {كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا} وَكَيف يُقَال مثل ذَلِك وَقد قيل فِيهِ: وعلمك مَا لم تكن تعلم
وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي أَنه هَل يُمكن علمهَا فِي الْآخِرَة عقلا أم لَا؟ فَقَالَ بَعضهم: نعم يُمكن ذَلِك لحُصُول الرُّؤْيَة فِيهَا وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: الرُّؤْيَا لَا تفِيد الْعلم بِالْحَقِيقَةِ، وَتوقف الْبَعْض قَالَ البُلْقِينِيّ رَحمَه الله: وَالصَّحِيح أَنه لَا سَبِيل للعقول إِلَى ذَلِك
ثمَّ الْمعرفَة بِالدَّلِيلِ الإجمالي فرض عين لَا مخرج عَنهُ لأحد من الْمُكَلّفين، وبالتفصيل فرض كِفَايَة لَا بُد أَن يقوم بِهِ الْبَعْض
والمعرفة تقال للإدراك الْمَسْبُوق بِالْعدمِ ولثاني الإدراكين إِذا تخللهما عدم ولإدراك الجزئي ولإدراك الْبَسِيط كَمَا فِي الْعلم يُقَال لحُصُول صُورَة الشَّيْء عِنْد الْعقل وللاعتقاد الْجَازِم المطابق الثَّابِت ولإدراكه الْكُلِّي، ولإدراك الْمركب
والمعرفة قد تقال فِيمَا يدْرك آثاره وَإِن لم تدْرك ذَاته وَالْعلم لَا يُقَال إِلَّا فِيمَا تدْرك ذَاته
والمعرفة تقال فِيمَا لَا يعرف إِلَّا كَونه مَوْجُودا فَقَط، وَالْعلم أَصله أَن يُقَال فِيمَا يعرف وجوده وجنسه وكيفيته
والمعرفة يُقَال فِيمَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ بتفكر وتدبر، وَالْعلم قد يُقَال فِي ذَلِك وَفِي غَيره]
والمعارف كلهَا إِذا نوديت تنكرت ثمَّ تكون معارف بالنداء، هَذَا قَول الْمبرد وَهُوَ الصَّوَاب كإضافة الْأَعْلَام
والمعرفة فِي لَفظهَا إِشَارَة إِلَى أَن مفهومها مَعْهُود مَعْلُوم بِوَجْه مَا بِخِلَاف النكرَة فَإِن مَعْنَاهَا وَإِن كَانَت مَعْلُومَة للسامع أَيْضا لَكِنَّهَا لَيست فِي لَفظهَا إِشَارَة إِلَى تِلْكَ المعلومية، وَبِهَذَا يظْهر بَين كَون الضمائر الراجعة إِلَى النكرَة معرفَة مَعَ كَون المرجوع إِلَيْهِ نكرَة، وَبَين كَون الْمُعَرّف بلام الْعَهْد معرفَة مَعَ كَون الْمَعْهُود نكرَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول}
والمعرفة لَا يجوز أَن تكون صفة لنكرة، وَلِهَذَا(1/824)
يؤول مثل قَوْله تَعَالَى: {عَارض مُمْطِرنَا} بممطر لنا الْعَرَب تَقول هَذَا فِي الْأَسْمَاء المشتقة من الْأَفْعَال دون غَيرهَا
والمعرفة لَا تدخل تَحت النكرَة لِأَنَّهُمَا ضدان، وَهَذَا عِنْد اتِّحَاد السِّيَاق بِأَن يَكُونَا فِي الشَّرْط أَو فِي الْجَزَاء دون اختلافه بِأَن يكون أَحدهمَا فِي الشَّرْط وَالْآخر فِي الْجَزَاء
وَكَذَا لَا تدخل تَحت النكرَة إِلَّا فِي الْجُزْء الْمُتَّصِل مثل: الرَّأْس، وَالْيَد، وَالرجل، وَنَحْوهَا، إِذْ الِاتِّصَال الْحسي كالإضافة فِي التَّعْرِيف، بِخِلَاف الْمُنْفَصِل كَالدَّارِ وَنَحْوهَا
والمعرفة والنكرة فِي بَاب الْجِنْس سَوَاء لَا فرق بَين (فَإِذا الْأسد بِالْبَابِ) ، وَبَين (إِذا أَسد بِالْبَابِ) ، هَكَذَا رَأْي ابْن جني
والمضمرات معارف وَالْأَحْوَال نكرات، وَقد نظمت فِيهِ:
(أحوالنا نكرات عِنْد عاذلنا ... والمضمرات معارف الإخوان)
والمعرفة فِي اللُّغَة: [هِيَ التَّصَوُّر] مصدر عَرفته أعرفهُ، وَكَذَلِكَ الْعرْفَان
وَأما فِي اصْطِلَاح أهل الْكَلَام: هِيَ معرفَة الله بِلَا كَيفَ وَلَا تَشْبِيه
[مِيم مفعل ومفعله] : (كل اسْم فِي أَوله مِيم زَائِدَة على (مفعل) أَو (مفعلة) مِمَّا ينْقل وَيعْمل بِهِ فَهُوَ مكسور الأول نَحْو: مطرقة، ومروحة، ومرآة، ومئزر إِلَّا أحرفا جَاءَت نَوَادِر بِالضَّمِّ وَهِي: مكحلة، ومدهن، ومحرضة، ومنخل، ومنصل، ومنقر، ومدق، وفتحوا الْمِيم فِي منقبة البيطار)
[عين مفعل من فعل يفعل] : كل مَا كَانَ على (فعل يفعل) مثل: دخل يدْخل فالمفعل مِنْهُ بِالْفَتْح، اسْما كَانَ أَو مصدرا، وَلَا يَقع فِيهِ الْفرق إِلَّا أحرفا من الْأَسْمَاء ألزموها كسر عينهَا، من ذَلِك: الْمَسْجِد، والمطلع، والمشرق، وَالْمغْرب، والمسقط، والمجزر، والمسكن، والمرفق، والمنبت، والمنسك، فَجعل الْكسر عَلامَة للاسم وَرُبمَا فَتحه بعض الْعَرَب فِي الِاسْم
[عين مفعل من فعل يفعل] : وَمَا كَانَ من بَاب (فعل يفعل) مثل: جلس يجلس فالموضع بِالْكَسْرِ، والمصدر بِالْفَتْح للْفرق بَينهمَا تَقول: نزل منزلا، بِفَتْح الزَّاي تُرِيدُ: نزل نزولا وَهَذَا منزل فلَان، فتكسر لِأَنَّك تَعْنِي الدَّار
[عين مفعل مِمَّا مضارعه يفعل] : وكل مَا جَاءَ على (مفعل) بِكَسْر الْعين مِمَّا مضارعه (يفعل) بِالضَّمِّ فَهُوَ شَاذ من وَجه، وَكَذَا (مفعلة) بِالتَّاءِ مَعَ فتح الْعين، وَكَذَا (مفعل) بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْعين، (ومفعلة) بِضَم الْعين، والمقبرة شَذَّ إِذْ هُوَ قِيَاس الْموضع إِمَّا بِفَتْح الْعين أَو بِكَسْرِهَا
وَكَذَا كل مَا جَاءَ من (يفعل) مكسور الْعين، (ومفعلة) بِفَتْحِهَا فَإِنَّهُ أشذ، لَكِن كل مَا ثَبت اخْتِصَاصه بِبَعْض الْأَشْيَاء دون بعض وَخُرُوجه عَن طَريقَة الْفِعْل هُوَ الْعذر فِي خُرُوجه عَن الْقيَاس
[عين مفاعل من معتل الْعين] : (وكل (مفاعل) من المعتل الْعين فَإِنَّهُ يجب التَّصْرِيح فِيهِ بِالْيَاءِ(1/825)
ونقطها، كمعايش ومشايخ، إِلَّا (مصائب) فَإِنَّهُ صَحَّ بِالْهَمْزَةِ سَمَاعا، وَالْقِيَاس فِيهِ بِالْوَاو وَأما نَحْو
صَحَائِف ورسائل وروائح وفصائل وقلائل فحقها أَن لَا تنقط لِأَنَّهُ خطأ قَبِيح، لَكِن بِهَمْزَة فَوق الْيَاء أَو تحتهَا وَأما اسْم الْفَاعِل فبالياء، لَكِن (قَائِل) بِالْهَمْزَةِ، و (بَايع) بِالْيَاءِ فرقا بَين الواوي واليائي)
الْمَكَان: كل مَكَان لَيْسَ بظرف كَمَا كَانَت أَسمَاء الزَّمَان كلهَا ظروفا، وَذَلِكَ لِأَن الْأَمْكِنَة أجسام ثَابِتَة فَهِيَ بعيدَة من الْأَفْعَال والأزمان، وَالْأَفْعَال أَحْدَاث منقضية ومتجددة وَالْفِعْل يدل على الزَّمَان بالتضمن وعَلى الْمَكَان بالالتزام، فَالْأول أقوى
وَمن الْمَكَان مَا كَانَ مَجْهُول الْقدر مَجْهُول الصُّورَة، وَهُوَ الْجِهَات السِّت الَّتِي لَا بُد لكل متحيز مِنْهَا، إِذْ لَيْسَ لَهَا مِقْدَار مَعْلُوم من المساحة، وَلم يكن لَهَا نِهَايَة تقف عِنْدهَا، فَهَذِهِ تكون ظروفا تَقول: (سرت خَلفك) ، (وَجَلَست أمامك
وَمِنْه مَا كَانَ مَعْلُوم الْقدر مَجْهُول الصُّورَة كالفرسخ والميل والبريد، إِذْ الفرسخ اثْنَا عشر ألف ذِرَاع
والميل ثلث فَرسَخ، والبريد أَرْبَعَة فراسخ، وَلَا يخْتَص بمساحتها مَوضِع فَأَشْبَهت الْجِهَات السِّت
وَمِنْه مَا كَانَ مَعْلُوم الصُّورَة، وَيُمكن علم قدره بالمساحة، وَذَلِكَ إِمَّا أَسمَاء شائعة كسوق وَدَار وبلدة وغرفة وَمَسْجِد، وَإِمَّا أَعْلَام لأماكن كمكة
ودمشق ومصر، فَلَا تكون ظروفا لِأَن هَذِه أَمَاكِن مَخْصُوصَة ينْفَصل بَعْضهَا من بعض بصور وَتعلق
وكل اسْم مَكَان ينْتَصب بِمَا اشتق مِنْهُ أَو بمرادفه، وَلَا ينْتَصب الْمَكَان بِغَيْر مَا اشتق مِنْهُ أَو مرادفه وَمَا فِي أَوله مِيم زَائِدَة إِن كَانَ مشتقا من حدث بِمَعْنى الِاسْتِقْرَار والكون فَإِنَّهُ ينْتَصب، وَبِمَا انتصب بِهِ الْمَكَان الْمَخْصُوص وَهُوَ دخلت وسكنت وَنزلت، وَإِن لم يكن كَذَلِك فَلَا ينْتَصب بِهِ الْمَكَان الْمَخْصُوص
وَالْمَكَان، لُغَة: الْحَاوِي للشَّيْء المستقر [كمقعد الْإِنْسَان من الأَرْض وَمَوْضِع قِيَامه وإضجاعه وَهُوَ] (فعال) من التَّمَكُّن لَا (مفعل) من الْكَوْن، كالمقال من القَوْل، لأَنهم قَالُوا فِي جمعه: (أمكن) و (أمكنة) و (أَمَاكِن) وَقَالُوا: تمكن، وَلَو كَانَ من القَوْل لقالوا: تكون
وَالْمَكَان عِنْد الْمُتَكَلِّمين بعد موهوم يشْغلهُ الْجِسْم بنفوذه فِيهِ، وَهَكَذَا عِنْد أفلاطون، وَأما عِنْد أرسطو فَهُوَ السَّطْح [وَمن الفلاسفة من قَالَ: هُوَ الْخَلَاء]
والحيز: هُوَ الْفَرَاغ المتوهم الَّذِي يشْغلهُ شَيْء ممتد أَو غير ممتد كالجوهر الْفَرد، فالمكان أخص من الحيز، والحيز مطلب المتحرك للحصول فِيهِ، والجهة مطلب المتحرك للوصول إِلَيْهَا والقرب مِنْهَا
وَالْمَكَان أَمر مُحَقّق مَوْجُود فِي الْخَارِج عِنْد الْحُكَمَاء، وَكَذَا الْحُصُول فِيهِ فَإِنَّهُ أَمر مُحَقّق أَيْضا
وَأما الزَّمَان فَلَا وجود اله عِنْدهم بل هُوَ أَمر وهمي، وَكَذَا الْحُصُول فِيهِ(1/826)
وَالْمَكَان قار الذَّات فَجَمِيع أَجْزَائِهِ مَوْجُود
وَالزَّمَان غير قار الذَّات فأجزاؤه منصرمة مُنْقَطِعَة بَعْضهَا حَال يصير مَاضِيا وَبَعضهَا مُسْتَقْبل يصير حَالا
والآن: هُوَ السيال الَّذِي قَالُوا بِوُجُودِهِ وَلَيْسَ لَهُ امتداد وَقبُول للتجزيء فَلَا يصلح ظرفا للحوادث
وَالْمَكَان يسْتَعْمل فِي الْحَقِيقِيّ والمجازي [فالحقيقي للجسم هُوَ مَا يملؤه وَلَا يسع مَعَه غَيره وَلَا يكون إِلَّا وَاحِدًا وَغير الْحَقِيقِيّ مَا لَيْسَ كَذَلِك، وَهُوَ مُتَعَدد ومختلف بِحَسب الْقرب والبعد من الْحَقِيقِيّ كالبيت والبلد والإقليم والمعمورة إِلَى غير ذَلِك]
والمكانة تخص بالمجازي كالمنزل والمنزلة، فَإِن الْمنزل فِي الْحسي والمنزلة فِي الْمَعْنَوِيّ
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": المكانة اسْم للمكان، يستعار للْحَال كَمَا يستعار (هُنَا) و (حَيْثُ) من الْمَكَان للزمان وَالْمَكَان الْوَاحِد يُسمى مرّة مقَاما إِذا اعْتبر بقيامه، ومقعدا إِذا اعْتبر بقعوده
والمقامة، بِالْفَتْح: الْإِقَامَة
وبالضم: الْجَمَاعَة من النَّاس
وَالْمقَام، بِالْفَتْح من (قَامَ يقوم) ، وَهُوَ مَوضِع الْقيام وَالْمرَاد الْمَكَان وَهُوَ من الْخَاص الَّذِي جعل مُسْتَعْملا فِي الْمَعْنى الْعَام، فَإِن مَوضِع قيام الشَّيْء أَعم من أَن يكون قِيَامه فِيهِ بِنَفسِهِ أَو بِإِقَامَة غَيره، وَمن أَن يكون ذَلِك بطرِيق الْمكْث فِيهِ أَو بِدُونِهِ وبالضم: من (أَقَامَ يُقيم) ، وَهُوَ مَوضِع الْإِقَامَة أَي: مَوضِع إِقَامَة الْغَيْر إِيَّاه أَو مَوضِع قِيَامه بِنَفسِهِ قيَاما ممتدا وَالْفِعْل إِذا جَاوز الثَّلَاثَة فالموضع بِضَم الْمِيم وَمعنى الْمقَام مَكَان فِيهِ الْقيام لشَيْء مَا، أَو ذَات مَا فِيهِ الْقيام، ولذاك صَحَّ أَن يجْرِي عَلَيْهِ الصِّفَات، وَلم يَصح أَن يكون صفة للْغَيْر وَكَانَ فِي عداد الْأَسْمَاء دون الصِّفَات
وَالْمقَام يُقَال للمصدر وَالْمَكَان وَالزَّمَان وَالْمَفْعُول لَكِن الْوَارِد فِي الْقُرْآن هُوَ الْمصدر
والموضوع مَخْصُوص بِالْعرضِ، يُقَال: مَوْضُوع الْبيَاض والسواد وَغير ذَلِك، وَلَا يُقَال مَوْضُوع الْجَوْهَر بل يُقَال مَحل الْجَوْهَر
وَالْمحل (وَهُوَ مَا يحل فِيهِ الْعرض أَو الصُّورَة) من (حل يحل) بِالضَّمِّ وَالْكَسْر وَقد يُرَاد بِهِ الذَّات الَّتِي تقوم بهَا الصِّفَات لَا الْمَكَان الَّذِي تجاوزه الْأَجْسَام إِذْ كل مَا لَيْسَ بِذَات مفتقر إِلَى مَحل أَي ذَات يقوم بهَا أَي يخْتَص بهَا اخْتِصَاص النَّعْت بالمنعوت [وَالْمرَاد بالناعت مَا يجوز حمله على الشَّيْء بالاشتقاق بِالْمَعْنَى الْمُقَابل للْحَمْل بالتركيب] كافتقار صِفَات الله تَعَالَى إِلَى ذَاته الْعلية (فَلَا تستقل بِدُونِهَا لَا بِمَعْنى الِاحْتِيَاج إِلَى الموجد لَا بِالِاخْتِيَارِ وَلَا بِالْإِيجَابِ)
وَمن الموجودات مَا هُوَ مفتقر إِلَى الْمحل والمخصص وَهُوَ الْأَعْرَاض، وَمِنْهَا مَا هُوَ مفتقر إِلَى الْمُخَصّص دون الْمحل وَهُوَ الأجرام والغني مِنْهَا (عَن الْمحل والمخصص) هُوَ الذَّات الْحَقِيقِيَّة الْعُظْمَى (القيومية المستلزمة لكل سبوحية قدوسية فِي كل جلال وجمال استلزاما لَا يقبل الانفكاك والانفصال)(1/827)
[وَالْمحل، بِكَسْر الْحَاء يُطلق للمكان وَالزَّمَان]
والمباءة: منزل الْقَوْم فِي كل مَوضِع، وَيُسمى كناس الثور الوحشي مباءة
والمراح، بِالضَّمِّ حَيْثُ تأوي الْمَاشِيَة بِاللَّيْلِ
وبالفتح: اسْم الْموضع الَّذِي يروح مِنْهُ الْقَوْم، أَو يروحون إِلَيْهِ
والمروحة، بِالْفَتْح: هِيَ الْموضع الْكثير الرّيح وبالكسر: مَا يتروح بِهِ
والمقيل: مَكَان القيلولة وَهِي النّوم نصف النَّهَار
وَقَالَ الرَّازِيّ: هُوَ زمَان القيلولة أَو مَكَانهَا وَهِي الفردوس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأحسن مقيلا}
والمأوى، بِفَتْح الْوَاو كَقَوْلِه تَعَالَى {فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} إِلَّا مأوى الْإِبِل فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ سَمَاعا من الْعَرَب
والمحط: الْمنزل
والمخيم: مَوضِع الْإِقَامَة والمعسكر: مَكَان الْعَسْكَر
والمعركة: مَكَان الْحَرْب
ومواطن الْحَرْب: مواقعها، وَقد يُفَسر الموطن بِالْوَقْتِ كمقتل الْحُسَيْن
والمرقد: مَكَان الرقاد
والمرقب: مَكَان الديدبان
والمربع: مَكَان الْحَيّ فِي الرّبيع
والمدرس: مَكَان درس الْكتب
والمحفل: مَكَان اجْتِمَاع الرِّجَال
والمأتم: مَكَان اجْتِمَاع النِّسَاء
والمجلس: مَكَان اسْتِقْرَار النَّاس فِي الْبيُوت
والنادي لَا يُقَال إِلَّا لمجلس فِيهِ أَهله
وَالْعَقار: الْمنزل فِي الْبِلَاد والضياع والمنزل فِي طلب الْكلأ، وَكَذَا المنجع
[والمقبرة، بِفَتْح الْبَاء: مَكَان الْفِعْل وَبِضَمِّهَا: مُرَاد الْبقْعَة الَّتِي من شَأْنهَا أَن يقبر فِيهَا، أَي الَّتِي هِيَ متخذة لذَلِك، وَالتَّاء لإِرَادَة الْبقْعَة أَو الْمُبَالغَة]
والمصطبة: مَكَان اجْتِمَاع الغرباء
والماخور: الْموضع الَّذِي يُبَاع فِيهِ الْخمر
والموسم: مَكَان سوق الحجيج
والملحمة: هِيَ الْحَرْب وَمَوْضِع الْقِتَال
الْمركب: كل مركب فَلهُ اعتباران: الْكَثْرَة والوحدة، فالكثرة بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ، والوحدة بِاعْتِبَار هَيئته الْحَاصِلَة فِي تِلْكَ الْكَثْرَة
والأجزاء الْكَثِيرَة تسمى مَادَّة
والهيئة الاجتماعية الْمُوَحدَة تسمى صُورَة
والمركب: إِمَّا تَامّ أَو غير تَامّ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يَصح(1/828)
السُّكُوت عَلَيْهِ أَي: يُفِيد الْمُخَاطب فَائِدَة تَامَّة فَلَا يكون مستتبعا للفظ آخر ينتظره الْمُخَاطب، وَإِمَّا أَن لَا يَصح ذَلِك كَمَا إِذا قيل: (زيد) فَبَقيَ الْمُخَاطب ينْتَظر فَائِدَة لِأَن يُقَال: قَائِم أَو قَاعد مثلا، بِخِلَاف مَا إِذا قيل: (زيد قَائِم)
والمركب إِن صَحَّ السُّكُوت عَلَيْهِ فَكَلَام، فَإِن احْتمل الصدْق وَالْكذب فقضية وَخبر، وَإِلَّا فَإِن دلّ على طلب الْفِعْل أَو التّرْك مَعَ الاستعلاء فَأمر أَو نهي، أَولا مَعَه، فَإِن طلب من الله تَعَالَى فدعاء أَو لَا مِنْهُ مَعَ التَّوَاضُع فالتماس، أَو أَعم مِنْهُمَا فسؤال وَإِن لم يدل فباقي الإنشاءات كالتمني والترجي وَالْقسم والنداء وَإِن لم يَصح السُّكُوت عَلَيْهِ فتقييدي إِن أوجب قيدا أَو لَا فَغَيره
والمركب أَعم من الْمُؤلف، إِذْ لَا بُد فِي التَّأْلِيف من نِسْبَة تحصل فَائِدَة تَامَّة مَعَ التَّرْكِيب
والمفرد صَالح لِأَن يُرَاد بِهِ جَمِيع الْجِنْس وَأَن يُرَاد بِهِ بعضه إِلَى الْوَاحِد
وَقد يُطلق الْمُفْرد وَيُرَاد بِهِ مَا يُقَابل الْمثنى وَالْمَجْمُوع، أَعنِي بِهِ الْوَاحِد
وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا يُقَابل الْمُضَاف يُقَال: هَذَا مُفْرد أَي: لَيْسَ بمضاف
وَقد يُطلق على مَا يُقَابل الْمركب وَهُوَ أَن لَا يدْخل جزؤه على جُزْء مَعْنَاهُ بِأَن لم يكن للفظ أَو للمعنى جُزْء كهمزة الِاسْتِفْهَام
وَقد يُطلق على مَا يُقَابل الْمركب وَالْجُمْلَة فَيُقَال: هَذَا مُفْرد أَي: لَيْسَ بجملة
والمفرد الْحَقِيقِيّ هُوَ أدنى الْجِنْس والحكمي جَمِيع الْجِنْس
والمفرد عِنْد اصْطِلَاح الْمُحَقِّقين من النُّحَاة: هُوَ الملفوظ بِلَفْظ وَاحِد بِحَسب الْعرف إِذْ نظرهم فِي اللَّفْظ من حَيْثُ الْإِعْرَاب وَالْبناء
وَيُرَاد بالمفرد فِي بَاب الْكَلِمَة مَا يُقَابل الْمركب
وَفِي بَاب الْإِعْرَاب مَا لَيْسَ مثنى وَلَا مجموعا وَلَا من الْأَسْمَاء السِّتَّة
وَفِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر مَا لَيْسَ بجملة وَلَا شبهها
وَفِي بَاب المنادى مَا لَيْسَ مُضَافا وَلَا مشبها بِهِ
والمفرد: إِمَّا أَن لَا يكون لَهُ جُزْء أصلا كهمزة الِاسْتِفْهَام كَمَا عرفت آنِفا، أَو يكون لَهُ جُزْء لَكِن لَا لمعناه كالنقطة، أَو يكون لَهُ جُزْء ولمعناه كَذَلِك لَكِن لَا يدل ذَلِك الْجُزْء من اللَّفْظ على جُزْء الْمَعْنى ك (زيد) أَو يكون لَهُ جُزْء وَدلّ ذَلِك على الْمَعْنى لَكِن لَا على جُزْء مَعْنَاهُ كَعبد الله علما، أَو يكون لَهُ جُزْء وَدلّ ذَلِك الْجُزْء على مَعْنَاهُ لَكِن لَا تكون دلَالَته عَلَيْهِ مُرَادة كالحيوان النَّاطِق علما
والمفرد إِذا كَانَ صفة جَازَ أَن يُطَابق وَأَن يفرد كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ}
والمفرد الْمُضَاف إِلَى الْمعرفَة للْعُمُوم، صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِدْلَال على أَن الْأَمر للْوُجُوب فِي قَوْله تَعَالَى: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره}
أَي: عَن كل أَمر الله
والمفرد الْمُعَرّف إِذا وَقع مُضَافا إِلَيْهِ الْكل فَهُوَ لاستغراق أَجْزَائِهِ، وَلَا يعم الْمُفْرد الْمُضَاف بِالْإِضَافَة
[الْمثنى] : كل مثنى أَو مَجْمُوع فتعريفه بِاللَّامِ إِلَّا نَحْو: أبانين، وعمايتين، وعرفات، وَأَذْرعَات
قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي شرح هَذِه الْمَسْأَلَة: فَلَا(1/829)
يكون مثنى أَو مجموعا من الْأَعْلَام إِلَّا وَفِيه الْألف وَاللَّام، هَذَا إِذا كَانَ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى مثنى أَو مجموعا وَأما إِذا كَانَ فِي اللَّفْظ مثنى أَو مجموعا وَفِي الْمَعْنى مُفردا لم يدْخل فِيهِ الْألف وَاللَّام كَمَا فِي أبانين وَغَيره
وَحقّ الْمثنى أَن تكون صِيغَة الْمُفْرد فِيهِ مَحْفُوظَة إِلَّا فِيمَا آخِره ألف، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا كَانَت ثَالِثَة ردَّتْ إِلَى أَصْلهَا نَحْو: عصوان، ورحيان وَإِن كَانَت رَابِعَة فَصَاعِدا لم تقلب إِلَّا يَاء نَحْو: حبليان، وأوليان وأخريان
وَإِن كَانَت ممدودة للتأنيث كحمراء وصحراء قلبت واوا، وَمَا عَداهَا بَاقٍ على حَاله
وَيجوز إِفْرَاد الْمُضَاف الْمثنى معنى إِذا كَانَ جُزْء مَا أضيف إِلَيْهِ نَحْو: (أكلت رَأس شَاتين) ، وَجمعه أَجود كَمَا فِي: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} والتثنية مَعَ أصالتها قَليلَة
وَإِن لم يكن الْمُضَاف جزأه فالأكثر مَجِيئه بِلَفْظ التَّثْنِيَة نَحْو: (سل الزيدان سيفيهما) وَإِن أَمن اللّبْس جَازَ جعل الْمُضَاف بِلَفْظ الْجمع
وَمَا وحد من خلق الْإِنْسَان فتثنيته بِلَفْظ التَّثْنِيَة، وَكَذَا مَا كَانَ اثْنَيْنِ من وَاحِد ك (الْكَعْبَيْنِ) ، وَأما (مَا كَانَ وَاحِدًا من وَاحِد فتثنيته بِلَفْظ الْجمع ك (الْمرَافِق) وَالْعرب تجْعَل الِاثْنَيْنِ على لفظ الْجمع إِذا كَانَا متصلين وَلَا تَقول منفصلين مثل: (أفراسهما وغلمانهما)
والمثنى: مَا دلّ على اثْنَيْنِ بِزِيَادَة فِي آخِره صَالح للتجريد وَعطف مثله عَلَيْهِ مثلا إِذا قلت: الزيدان، فقد دلّ على اثْنَيْنِ بِزِيَادَة فِي آخِره وَهِي الْألف وَالنُّون، وَيصْلح أَن يجرد من الزِّيَادَة فَيَعُود زيدا، وعَلى أَن أَحدهمَا عطف على مثله لِأَن الأَصْل فِيهِ زيد وَزيد
وَأما التَّثْنِيَة فَهِيَ ضم وَاحِد إِلَى مثله بِشَرْط اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ والمعنيين أَو الْمَعْنى الْمُوجب للتثنية، هَكَذَا فرق النُّحَاة بَينهمَا
والمثنى لَهُ إِعْرَاب يَخُصُّهُ، فيعرب بِالْألف فِي حَالَة الرّفْع وَفتح مَا قبل الْألف، وبالياء فِي حالتي النصب والجر وَفتح مَا قبلهَا، وَنون مَكْسُورَة فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة
الْمَبْنِيّ: كل مَبْنِيّ حَقه أَن يبْنى على السّكُون إِلَّا أَن تعرض عِلّة توجب لَهُ الْحَرَكَة وَالَّتِي تعرض أُمُور: أَحدهَا اجْتِمَاع الساكنين مثل: (كَيفَ وَأَيْنَ)
ثَانِيهَا: كَونه على حرف وَاحِد مثل الْبَاء الزَّائِدَة
ثَالِثهَا: الْفرق بَينه وَبَين غَيره مثل: الْفِعْل الْمَاضِي بني على الْفَتْح لِأَنَّهُ ضارع بعض المضارعة، فَفرق بالحركة بَينه وَبَين مَا لم يضارع وَهُوَ فعل الْأَمر المواجه بِهِ وَبِنَاء بِالْأَصَالَةِ كبناء الْحَرْف وَالْفِعْل الْمَاضِي وَالْأَمر بِغَيْر اللَّام على أفْصح القَوْل، وَبِنَاء بالمطابقة كالأسماء المبنية، وَبِنَاء بالتبعية كالتوابع
والمنادى فِي قَوْلك: يَا رجل ظريف، وَيَا زيد عَمْرو وإعراب بِالْأَصَالَةِ كإعراب الِاسْم، وإعراب بالتبعية كإعراب التوابع
والمبني مَا لزم وَجها وَاحِدًا وَهُوَ جَمِيع الْحُرُوف وَأكْثر الْأَفْعَال وَهُوَ الْمَاضِي وَأمر الْمُخَاطب وَبَعض(1/830)
الْأَسْمَاء نَحْو " (من وَكم وَكَيف وَأَيْنَ) وَمَا أشبه الْحَرْف ك (الَّذِي وَالَّتِي وَمن) و (مَا) فِي معنى الَّذِي أَو تضمن مَعْنَاهُ: وَالْبَاء لَازم فِيمَا ذكر وعارض فِي نَحْو: (غلامي) ، و (لَا رجل فِي الدَّار) ، و (يَا زيد) ، و (خَمْسَة عشر)
وَمن الْأَفْعَال الْمُضَارع إِذا اتَّصل بِهِ ضمير جمَاعَة الْمُؤَنَّث نَحْو: (هَل يفعلن) ، وَنون التوكيد نَحْو: (هَل تفعلن)
من: كل مَوضِع يَصح الْكَلَام فِيهِ بِدُونِ (من) ف (من) فِيهِ للتَّبْعِيض كَمَا فِي قَوْلك (أخذت من الدَّرَاهِم) و (أكلت من هَذَا الْخبز) وَلَو زيد (الْجيد) كَانَ (من) حِينَئِذٍ للْبَيَان
وكل مَوضِع لَا يَصح الْكَلَام فِيهِ بِدُونِ (من) ف (من) فِيهِ صلَة زيدت لتصحيح الْكَلَام
وَقَالَ بَعضهم: المبعضة مَا يَصح فِي موضعهَا (بعض) كَمَا فِي: (أخذت من الدَّرَاهِم) أَو يكون الْمَذْكُور قبلهَا لفظا أَو معنى بَعْضًا مِمَّا بعْدهَا كَقَوْلِك: (أخذت درهما من الدَّرَاهِم)
وَلها مَسْلَك آخر غير مَعْهُود من أهل اللِّسَان وَهُوَ أَنَّهَا إِن تقدمها كلمة (مَا) كَانَت لتبعيض مَا قبلهَا، فَكَانَ وجودهَا وَعدمهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعْدهَا سَوَاء، وَإِن لم يتقدمها (مَا) كَانَت لتبعيض مَا بعْدهَا
[وَفِي كل مَوضِع تمّ الْكَلَام بِنَفسِهِ وَلَكِن اشْتَمَل على ضرب إِبْهَام ف (من) للتمييز، وَإِلَّا فللتبعيض قَالَه الْعَلامَة الشَّيْخ النَّسَفِيّ]
وَقَالَ السَّيِّد الشريف: (من) إِذا كَانَت للتَّبْعِيض يكون مَا قبلهَا أقل مِمَّا بعْدهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَقَالَ رجل مُؤمن من آل فِرْعَوْن} وَإِن كَانَت للتبيين يكون مَا قبلهَا أَكثر مِمَّا بعْدهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان}
والبعضية الْمُعْتَبرَة فِي (من) التبعيضية هِيَ البعضية فِي الْأَجْزَاء لَا البعضية فِي الْأَفْرَاد خلاف التنكير الَّذِي يكون للتَّبْعِيض، فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ التَّبْعِيض فِي الْأَفْرَاد لَا فِي الْأَجْزَاء وَقد صرح الزَّمَخْشَرِيّ فِي مَوَاضِع من " الْكَشَّاف " بِأَنَّهُ قد يقْصد بالتنكر الدّلَالَة عيلى البعضية فِي الْأَجْزَاء، مِنْهَا مَا ذكره فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}
وَالْحق مَا قَالَه الشَّيْخ سعد الدّين: وَهُوَ أَن البعضية الَّتِي تدخل عَلَيْهَا (من) هِيَ البعضية الْمُجَرَّدَة المنافية للكلية لَا البعضية الَّتِي هِيَ أَعم من أَن تكون فِي ضمن الْكُلِّي أَو بِدُونِهِ لِاتِّفَاق النُّحَاة على ذَلِك، حَيْثُ احتاجوا إِلَى التَّوْفِيق بَين قَوْله تَعَالَى: (يغْفر لكم من ذنوبكم} وَبَين قَوْله: {إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} إِلَى أَن قَالُوا: لَا يبعد أَن يغْفر جَمِيع الذُّنُوب لقوم وَبَعضهَا لقوم وَلم يذهب أحد إِلَى أَن التَّبْعِيض لَا يُنَافِي الْكُلية، [قَالَ الْأَخْفَش: كلمة (من) فِي قَوْله تَعَالَى: {يغْفر لكم من ذنوبكم} زَائِدَة وَإِلَّا لتناقضت هَذِه الْآيَة لقَوْله تَعَالَى: {إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} ومحمولة على الْبَعْض عِنْد سَائِر النُّحَاة وَهُوَ الْحق، لِأَن زِيَادَة (من) فِي الْوَاجِب لَا يجوز عِنْد الْعَرَب، دلّ عَلَيْهِ انْتِفَاء صِحَة قَوْلهم: مَاتَ من رجل، ومورد الْآيَة الأولى قوم(1/831)
سيدنَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ومورد الثَّانِيَة أمة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تنَاقض وَلَو سلم اتحادهما فَمَا الْمَانِع من أَن يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا لبَعْضهِم وَيغْفر بَعْضًا لبَعْضهِم، إِذْ من الذُّنُوب مَا لَا يغْفر بِالْإِيمَان كذنوب الْمَظَالِم وَنَحْوهَا وَلَفْظَة (من) للابتداءات الْمَخْصُوصَة لَا بأوضاع مُتعَدِّدَة حَتَّى يلْزم كَونه مُشْتَركا بل بِوَضْع وَاحِد عَام وَلَفْظَة الِابْتِدَاء مَوْضُوع لمُطلق الِابْتِدَاء]
(وَجِيء فِي {يغْفر لكم} فِي الْقُرْآن ب (من) فِي خطاب الْكَفَرَة دون الْمُؤمنِينَ مثل: {يغْفر لكم ذنوبكم} فِي خطاب الْمُؤمنِينَ فِي " الْأَحْزَاب "
وَفِي " الصَّفّ " {وَيغْفر لكم من ذنوبكم} فِي خطاب الْكفَّار فِي " نوح " وَفِي " إِبْرَاهِيم " وَفِي " الْأَحْقَاف " وَمَا ذَاك إِلَّا للتفرقة بَين الخطابين لِئَلَّا يسوى بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي الْوَعْد)
و (من) لابتداء الْغَايَة غَالِبا فِي الْمَكَان اتِّفَاقًا نَحْو: {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى}
وَفِي الزَّمَان عِنْد الْكُوفِيّين نَحْو: {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} ، وَالصَّحِيح أَن (من) فِيهِ للتَّبْعِيض لِأَن النداء يَقع فِي بعض الْيَوْم، وَالْمرَاد بالغاية هُنَا جَمِيع الْمسَافَة إطلاقا لاسم الْجُزْء على الْكل إِذْ لَا معنى لابتداء النِّهَايَة وَمن غير الْغَالِب وُرُودهَا للتَّبْعِيض نَحْو: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون}
والتبيين نَحْو: {أساور من ذهب} [والابتداء والتبيين أصلان لَا يعدل عَنْهُمَا إِلَى التَّبْعِيض بِغَيْر دَاع]
وَالتَّعْلِيل نَحْو: {من غم أعيدوا فِيهَا} أَي لأَجله، كَذَا و (من ثمَّة)
وَالْبدل نَحْو: {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة} أَي بدلهَا
والتنصيص على الْعُمُوم وَهِي الدَّاخِلَة على نكرَة لَا تخْتَص بِالنَّفْيِ نَحْو: (مَا فِي الدَّار من رجل)
والفصل بَين المتضادين نَحْو: {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح}
ومرادفة الْبَاء نَحْو: {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} أَي بأَمْره
ومرادفة (عَن) نَحْو: {قد كُنَّا فِي غَفلَة من هَذَا} أَي عَنهُ
ومرادفة (فِي) نَحْو: {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم} أَي فِي قوم، (و {إِذا نُودي للصَّلَاة} أَي: فِي الصَّلَاة)
ومرادفة (عِنْد) نَحْو: {لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا} أَي: عِنْد الله(1/832)
ومرادفة (على) نَحْو: {نصرناه من الْقَوْم} أَي عَلَيْهِم
وَتَكون لانْتِهَاء الْغَايَة نَحْو: (رَأَيْته من ذَلِك الْموضع) أَي: جعلته غَايَة للرؤية أَي: محلا للابتداء والانتهاء وَمِمَّا يشْهد بذلك أَن فعل الاقتراب كَمَا يسْتَعْمل ب (من) يسْتَعْمل أَيْضا ب (إِلَى) وَلم يذكر أحد فِي مَعَاني كلمة (إِلَى) أَن تكون لابتداء الْغَايَة، وَالْأَصْل أَن يكون الصلتان بِمَعْنى فَيحمل (من) على (إِلَى) فَعلم أَن المُرَاد بهَا انْتِهَاء الْغَايَة
و (من) إِذا وَقع بعْدهَا (مَا) كَانَت بِمَعْنى (رُبمَا) وَعَلِيهِ خَرجُوا قَول سِيبَوَيْهٍ: " وَاعْلَم أَنهم مِمَّا يَجدونَ كَذَا "
و (من) تسْتَعْمل فِيمَا ينْتَقل مثل: (أخذت مِنْهُ الدَّرَاهِم)
و (عَن) تسْتَعْمل فِيمَا لَا ينْتَقل مثل: (أخذت عَنهُ الْعلم)
وتجيء (من) للتجريد نَحْو: (لقِيت من زيد أسدا)
وَتَكون فعل أَمر من: مان يَمِين
وَمَتى كَانَ مَا قبل (من) البيانية نكرَة يكون مدخولها صفة لَهُ نَحْو: (رَأَيْت رجلا من قَبيلَة بني تَمِيم)
وَمَتى كَانَ معرفَة يكون حَالا مِنْهُ نَحْو: {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان}
و (من) الَّتِي للابتداء لَا تكون إِلَّا فِي مُقَابلَة (إِلَى)
وَبَيَان (من) الابتدائية هُوَ إِمَّا أَن يكون الِابْتِدَاء دَاخِلا فِي الِانْتِهَاء كَقَوْلِك: (لفُلَان عَليّ دِرْهَم من وَاحِد إِلَى الْعشْرَة) فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الِابْتِدَاء والانتهاء داخلين فِي الحكم فَيكون الدِّرْهَم عشرَة، وَإِمَّا أَن يكون الِابْتِدَاء دَاخِلا دون الِانْتِهَاء فَيكون الدِّرْهَم تِسْعَة، أَو لَا يكونَانِ داخلين فِي الحكم فَيكون الدِّرْهَم ثَمَانِيَة
وَقد تكون ابتدائية على سَبِيل الْعلية فَيكون مَا بعْدهَا أمرا باعثا على الْفِعْل الَّذِي قبلهَا فَيُقَال مثلا: (قعد من الْجُبْن) وَلَا يكون غَرضا مَطْلُوبا مِنْهُ إِلَّا إِذا صرح بِمَا يدل على التَّعْلِيل ظَاهرا كَقَوْلِك: (ضَربته من أجل التَّأْدِيب) بِخِلَاف اللَّام لِأَنَّهَا وَحدهَا تسْتَعْمل فِي كل مِنْهُمَا
مَا: يسْأَل بهَا عَن الْجِنْس تَقول: (مَا عنْدك) أَي: أَي أَجنَاس الْأَشْيَاء عنْدك؟ وَجَوَابه: كتاب وَنَحْوه
وَيدخل فِيهِ السُّؤَال عَن الْمَاهِيّة والحقيقة نَحْو: (مَا الْكَلِمَة) أَي: أَي أَجنَاس الْأَلْفَاظ؟ وَجَوَابه: لفظ مُفْرد مَوْضُوع و (مَا الِاسْم) أَي: أَي أَجنَاس الْكَلِمَات هُوَ؟ وَجَوَابه: الْكَلِمَة الدَّالَّة على معنى فِي نَفسهَا غير مقترنة بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة
أَو عَن الْوَصْف، تَقول: (مَا زيد) وَجَوَابه: الْكَرِيم وَنَحْوه
و (مَا) حَيْثُ وَقعت قبل (لَيْسَ) أَو (لم) ، أَو (لَا) ، أَو بعد (إِلَّا) فَهِيَ مَوْصُولَة
وَحَيْثُ وَقعت بعد كَاف التَّشْبِيه فَهِيَ مَصْدَرِيَّة
وَحَيْثُ وَقعت بعد الْبَاء تحتملهما نَحْو: {بِمَا كَانُوا يظْلمُونَ}
وَحَيْثُ وَقعت بعد فعلين سابقهما علم أَو دراية أَو نظر تحْتَمل الموصولية والاستفهامية والمصدرية(1/833)
وَحَيْثُ وَقعت فِي الْقُرْآن قبل (إِلَّا) فَهِيَ نَافِيَة إِلَّا فِي ثَلَاثَة عشر موضعا ذكرهَا صَاحب " الإتقان " وَقد نظمت فِيهِ:
(لضابط مَا فاسمع مقَالا منظما ... ولاتك فِي ضبط الْقَوَاعِد غافلا)
(إِذا وَقعت مَا قبل لَيْسَ وَلَا وَلم ... كَذَا بعد إِلَّا فَهِيَ مَوْصُولَة بِلَا)
(وَلَو وَقعت فِي وسط فعلين مِنْهُمَا ... لَهَا نظر علم دراية أَولا)
(فموصولة سمها سوى المصدرية ... كَذَاك بالاستفهام سمها بِلَا وَلَا)
(وَمَا بعد كَاف الشّبَه تصديرها بدا ... وَمَا بعد بَاء يحتملها وموصلا)
(وَمَا قبل إِلَّا فَهِيَ نَافِيَة سوى ... مَوَاضِع يج فِي النُّور إِن شِئْت رتلا)
مَا الْإِثْبَات نَحْو: {لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ}
مَا النَّفْي نَحْو: {مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق}
مَا الْجحْد نَحْو: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول}
مَا الواقفة نَحْو: {مَا داموا فِيهَا}
مَا الصِّلَة نَحْو: {جند مَا هُنَالك}
مَا الاستفهامية نَحْو: {وَمَا تِلْكَ بيمينك}
مَا الموصولة نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} أَي: بِمَا تُؤمر بالصدع بِهِ
وَفِي بعض الْمُعْتَبرَات لم يَأْتِ فِي الْقُرْآن إِثْبَات الْعَائِد إِلَّا فِي ثَلَاث آيَات وَهِي: {كَالَّذي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} ، {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين} ، {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه}
مَا الشّرطِيَّة نَحْو: {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة}
مَا التَّعَجُّب نَحْو: {فَمَا أصبرهم على النَّار}
وَمَا النافية إِذا دخلت الْأَسْمَاء تكون لنفي المعارف كثيرا والنكرات قَلِيلا
وَلَا النافية إِذا دخلت الْأَسْمَاء تكون بِالْعَكْسِ مَعَ تَكْرِير (لَا) ، وَإِذا دخلتا الْأَفْعَال ف (مَا) لنفي الْحَال عِنْد الْجُمْهُور و (لَا) لنفي الِاسْتِقْبَال عِنْد الْأَكْثَرين (مَا لنفي مَا فِي الْحَال لَا غير، و (لَا) قد تكون لنفي الْمَاضِي نَحْو: {فَلَا صدق وَلَا صلى} ، فَلَمَّا كَانَت (مَا) ألزم لنفي مَا فِي الْحَال كَانَت أوغل فِي الشّبَه (لَيْسَ) من (لَا) ، فَلذَلِك قل اسْتِعْمَال (لَا) بِمَعْنى لَيْسَ وَكثر اسْتِعْمَال (مَا) وَكَانَت لذَلِك أَعم تَصرفا حَيْثُ تعْمل فِي الْمعرفَة والنكرة نَحْو:(1/834)
(مَا زيد قَائِما) ، و (مَا أحد مثلك) و (لَا) لَيْسَ لَهَا عمل إِلَّا فِي النكرَة
مَا الاسمية تكون نَاقِصَة نَحْو: {مَا عِنْد الله بَاقٍ}
وَتَكون تَامَّة وَهِي نَوْعَانِ: عَامَّة نَحْو: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} أَي: فَنعم الشَّيْء هِيَ، وَهِي الَّتِي لم يتقدمها اسْم
وخاصة: وَهِي الَّتِي تقدمها اسْم، وتقدر من لفظ ذَلِك الِاسْم نَحْو: (غسلته غسلا نعما) أَي: نعم غسلا
وَتَكون نكرَة مَوْصُوفَة متضمنة معنى الْحَرْف نَحْو: {مَا لَوْنهَا}
وَتَكون شَرْطِيَّة غير زمانية نَحْو: {مَا ننسخ من آيَة}
وزمانية نَحْو: {فَمَا استقاموا لكم} أَي: اسْتَقِيمُوا لَهُم مُدَّة استقامتهم لكم
مَا الْحَقِيقَة: هِيَ الَّتِي يسْأَل بهَا عَن الْحَقِيقَة
وَمَا الشارحة: هِيَ الَّتِي يسْأَل بهَا عَن الْمَفْهُوم
و (مَا) فِي مثل: (أَعْطِنِي كتابا مَا) إبهامية، وَهِي الَّتِي إِذا اقترنت باسم نكرَة أبهمت إبهاما وزادته شياعا وعموما أَي: أَي كتاب كَانَ، أَو صفة للتَّأْكِيد كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فبمَا نقضهم ميثاقهم} وَيتَفَرَّع على الْإِبْهَام الحقارة نَحْو: (أعْطه شَيْئا مَا)
والفخامة نَحْو: (لأمر مَا يسود من يسود) إِذا لم تجْعَل مَصْدَرِيَّة
والنوعية مثل: (اضربه ضربا مَا)
وَفِي الْجُمْلَة يُؤَكد بهَا مَا أَفَادَهُ تنكير الِاسْم قبلهَا
وَمَا الحرفية تكون نَافِيَة وَإِن دخلت على الْجُمْلَة الاسمية أعملها الحجازيون والتهاميون والنجديون عمل (لَيْسَ) بِشُرُوط مَعْرُوفَة نَحْو: {مَا هَذَا بشرا}
وَتَكون مَصْدَرِيَّة غير زمانية نَحْو: {ودوا مَا عنتم}
وزمانية نَحْو: {مَا دمت حَيا}
وَتَكون زَائِدَة وَهِي نَوْعَانِ كَافَّة وَغير كَافَّة، فالكافة إِمَّا كَافَّة عَن عمل الرّفْع وَهِي الْمُتَّصِلَة ب (قل) و (طَال) و (كثر)
وَأما الكافة عَن عمل النصب وَالرَّفْع وَهِي الْمُتَّصِلَة بإن وَأَخَوَاتهَا نَحْو: {إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد}
وَأما الكافة عَن عمل الْجَرّ فَهِيَ تتصل بأحرف وظروف، فالأحرف: رب وَالْكَاف وَالْبَاء وَمن
والظروف: بعد وَبَين
وَغير الكافة عوض وَغير عوض، فالعوض كَمَا فِي: (مَا أَنْت مُنْطَلقًا انْطَلَقت) وَغير الْعِوَض يَقع بعد الرافع نَحْو: (شتان مَا زيد وَعَمْرو) وَبعد الناصب والرافع نَحْو: (ليتما زيد قَائِم) وَبعد الْخَافِض نَحْو: {فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم} ، و {عَمَّا قَلِيل} ، و {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا}(1/835)
وتزاد مَعَ أدوات الشَّرْط نَحْو: (إذما مَا تخرج أخرج) و (مَتى مَا تذْهب أذهب) ، و (أَيْنَمَا تجْلِس أَجْلِس) ، {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا}
و (مَا) فِي قَوْله تَعَالَى: {مَال هَذَا الرَّسُول يَأْكُل} استفهامية
وَعلة وُقُوع اللَّام مُنْفَصِلَة فِي الْمُصحف أَنه كتب على لفظ المملي، قَالَ الْفراء: أَصله: مَا بَال هَذَا (ثمَّ حذفت (با) فَبَقيت مُنْفَصِلَة) وَقيل: أصل حُرُوف الْجَرّ أَن تَأتي مُنْفَصِلَة عَمَّا بعْدهَا نَحْو: من وَعَن وعَلى، فَأتى مَا هُوَ على حرف على قِيَاس مَا هُوَ على حرفين وَمثله: {فَمَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم}
و (مَا) فِي (مَا دَامَ) مَصْدَرِيَّة فِي مَوضِع نصب على الظّرْف، وَفِي بَاقِي أخواتها حرف نفي، وَمعنى جَمِيعهَا الدَّوَام والثبات
وَمَا الموصولة مَعَ الصِّلَة معرفَة، وبدونها نكرَة
و (مَا) ك (من) بِالْفَتْح فِي أَنَّهَا إِذا كَانَت شَرْطِيَّة أَو استفهامية تكون عَامَّة غير مُعْتَبر فِي عمومها الِانْفِرَاد كَمَا فِي (كل) وَلَا الِاجْتِمَاع كَمَا فِي (جَمِيع) لَا إِن كَانَت مَوْصُولَة فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تكون عَامَّة قطعا
و (مَا) فِي (مَاذَا) اسْتِفْهَام و (ذَا) إِمَّا إِشَارَة نَحْو: (مَاذَا الْوُقُوف) أَو مَوْصُولَة أَو كلمة اسْتِفْهَام على التَّرْكِيب كَقَوْلِك: (لماذا جِئْت) ؟ أَو كلمة اسْم جنس بِمَعْنى شَيْء أَو الَّذِي، أَو مَا زَائِدَة وَذَا إِشَارَة، أَو اسْتِفْهَام وَذَا زَائِدَة كَمَا فِي: (مَاذَا صنعت) ؟ وَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى} لَيْسَ ك (مَا) فِي قَوْله: {فغشيهم من اليم مَا غشيهم} {فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} أَعنِي التفخيم، بل هُوَ مثل: (هَذَا مِمَّا يحفظ) أَي: مِمَّا يجب أَن يحفظ، فَمَعْنَى مَا يُوحى: مَا يجب أَن يُوحى (وَهُوَ قذفه فِي التابوت وقذفه فِي اليم) إِذْ لَا سَبِيل إِلَى [معرفَة قذف سيدنَا مُوسَى فِي التابوت وقذفه فِي اليم] سوى الْوَحْي، وإنقاذ نَبِي من عَدو غوي مصلحَة لَا يَلِيق الْإِخْلَال بهَا
من، بِالْفَتْح: هِيَ صَالِحَة لكل من يعقل و " مَا " صَالِحَة لكل مَا لَا يعقل من غير حصر وَالْمرَاد بالصلاحية التَّنَاوُل لأفراده دفْعَة لَا على سَبِيل الْبَدَل كالنكرة فِي الْإِثْبَات، فَإِنَّهَا فِي حَال الْإِفْرَاد تتَنَاوَل كل فَرد فَرد، بَدَلا عَن الآخر، وَفِي حَال التَّثْنِيَة تتَنَاوَل كل اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَفِي حَال الْجمع تتَنَاوَل كل جمع جمع تنَاول بدل لَا شُمُول
وَالْأَكْثَرُونَ على أَن (مَا) تعم الْعُقَلَاء وَغَيرهم قَالَ بَعضهم: وَالْغَالِب فِي اسْتِعْمَال (من) فِي الْعَالم عكس (مَا) ونكتته أَن (مَا) أَكثر وقوعا فِي الْكَلَام من (من) ، وَمَا لَا يعقل أَكثر مِمَّن يعقل، فأعطوا مَا كثرت صفته للتكثير وَمَا قلت للتقليل للمشاكلة
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": (مَا) يسْأَل بِهِ عَن كل شَيْء مَا لم يعرف فَإِذا عرف خص الْعُقَلَاء ب (من) إِذا سُئِلَ عَن تَعْيِينه، وَإِذا سُئِلَ عَن وَصفه قيل: (مَا زيد أفقيه أم طَبِيب؟) وَلما اسْتعْمل (مَا) للعقلاء كَمَا(1/836)
اسْتعْمل لغَيرهم كَانَ اسْتِعْمَال حَيْثُ اجْتمع القبيلان أولى من إِطْلَاق (من) تَغْلِيبًا للعقلاء
وَقد يكون (مَا) و (من) للخصوص وَإِرَادَة الْبَعْض، وَقد يستعار أَحدهمَا للْآخر نَحْو: {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} ، {وَالسَّمَاء وَمَا بناها}
وَإِذا اسْتعْمل (مَا) فِي ذَوي الْعُقُول يُرَاد الْوَصْف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} وَاسْتدلَّ على إِطْلَاق (مَا) على ذَوي الْعُقُول بإطباق أهل الْعَرَبيَّة على صِحَة قَوْلهم (من) لما يعقل من غير تجوز فِي ذَلِك، حَتَّى لَو قيل لمن يعقل كَانَ لَغوا من الْكَلَام بِمَنْزِلَة أَن يُقَال لذِي عقل: عَاقل
قَالَ بَعضهم (من) عَامَّة لذوات من يعقل قطعا إِن كَانَت شَرْطِيَّة أَو استفهامية، لَا إِن كَانَت مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة فإئها حِينَئِذٍ لَا تكون عَامَّة قطعا، أما الموصولة فَإِنَّهَا قد تكون للخصوص وَإِرَادَة الْبَعْض نَحْو: {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك وَمِنْهُم من ينظر إِلَيْك} فَإِن المُرَاد بعض مَخْصُوص من الْمُنَافِقين وإفراد الضَّمِير وَجمعه بِاعْتِبَار اللَّفْظ وتعددهم معنى وَأما الموصوفة فَإِنَّهَا فِي الْمَعْنى نكرَة وتخص (من) إِذا لحقه لفظ أول لِأَن الأول اسْم لفرد سَابق، فَإِذا قَالَ: (من دخل الْحصن أَولا) فَهُوَ تَصْرِيح بالخصوص فيرجح معنى الْخُصُوص و (مَا) ك (من) فِي جَمِيع مَا ذكر لكنه لصفات من يعقل وَذَوَات غَيرهم، كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول
وَقَالَ بَعضهم: (من) للعاقل وَقد يَقع لغيره قيل مُطلقًا، وَالصَّحِيح أَنه إِذا اخْتَلَط بالعاقل و (مَا) لغير الْعَاقِل وَقد يُطلق على الْعَاقِل قيل مُطلقًا وَقيل إِذا اخْتَلَط وَيُطلق أَيْضا على الْعَاقِل إِذا جهل أذكر أم أُنْثَى وَقد يصنع هَذَا فِي (من) الموصوفة إِذْ لَا تَخْصِيص فِيهَا بِخِلَاف الموصولة لِأَن وَضعهَا على أَن لَا تخصص بمضمون الصِّلَة وَتَكون معرفَة بهَا
وَمن اسْتِعْمَال الْقُرْآن أَن (من) مَوْصُوفَة عِنْد إِرَادَة الْجِنْس وموصولة عِنْد إِرَادَة الْعَهْد
و (من) فِي الشَّرْط والاستفهام تعم عُمُوم الِانْفِرَاد، وَفِي الْخَبَر تعم عُمُوم الاشتمال، حَتَّى لَو قَالَ: (من زارني فأعطه درهما) ، يسْتَحق كل من زَارَهُ الْعَطِيَّة وَلَو قَالَ: (أعْط من فِي هَذِه الدَّار درهما) اسْتحق الْكل درهما
وَمن الشّرطِيَّة نَحْو {من يعْمل سوءا يجز بِهِ}
والاستفهامية نَحْو: {من ذَا الَّذِي يعصمكم من الله}
والموصولة نَحْو: {لله يسْجد من فِي السَّمَوَات}
و (من) فِي قَوْله: (مَرَرْت بِمن معجب لَك) نكرَة مَوْصُوفَة أَي بِإِنْسَان معجب لَك
وَقد تدخل (رب) على (من) دون (أَي)
و (من) تدْخلهَا الْألف وَاللَّام وياء النِّسْبَة فِي الْحِكَايَة بِخِلَاف (أَي) ، و (أَي) قد يُوصف بهَا بِخِلَاف (من) ، (وَقد تكون من فِي معنى اثْنَيْنِ كَمَا(1/837)
فِي قَوْله: نَكُنْ مثل من يَا ذِئْب يصطحبان) و (من) إِنَّمَا تذكر وتؤنث بِاعْتِبَار مدلولها وإبهامه وشيوعه كالمشترك، وَأما لفظ (من) فَلَيْسَ إِلَّا مذكرا (وَمَا) كَذَلِك
وَكلمَة (من) مَفْتُوحًا نَص فِي الْعُمُوم، ومكسورا وَإِن كَانَت للتَّبْعِيض إِلَّا أَنَّهَا تحمل على التَّمْيِيز وَالْبَيَان فِي مَوضِع الْإِبْهَام كَمَا فِي (من شِئْت من نسَائِي طَلاقهَا فَطلقهَا) حَتَّى يجوز أَن يُطَلِّقهُنَّ جَمْعَاء عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَأما عِنْد أبي حنيفَة يعم الْكل إِلَّا وَاحِدَة مِنْهُنَّ لِأَن كلمة (من) مَفْتُوحًا للتعميم والإحاطة فِيمَا يُرَاد بِهِ وَيذكر فِي صلته بِشَهَادَة النَّقْل والاستعمال
ومكسورا للتَّبْعِيض حَقِيقَة إِذا قرنت بِمَا فِيهِ تعدد وشمول على مَا يشْهد بِهِ الِاسْتِعْمَال، وَإِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الْبَيَان والتمييز لما فِيهِ من معنى التَّمْيِيز فِي الْجُمْلَة، وَقد جمع الْمُتَكَلّم بَينهمَا فَوَجَبَ الْعَمَل بحقيقتها فَيَقَع الطَّلَاق على أَكثر من وَاحِد عملا بِالْعُمُومِ وَلَا يَقع على الْكل عملا بالخصوص، وَإِنَّمَا تعين الْوَاحِد لِأَنَّهُ الْأَقَل الْمُتَيَقن
وَاخْتلف فِي (من) هَل بتناول الْأُنْثَى؟ فعندنا لَا يتَنَاوَلهُ خلافًا للشَّافِعِيَّة
و (من) يثنى وَيجمع فِي الْحِكَايَة كَقَوْلِه: منان ومنون
مَعَ: اسْم، (وَقد يسكن وينون) ، أَو حرف خفض، أَو كلمة تضم الشَّيْء إِلَى الشَّيْء ظرف بِلَا خلاف فَإِنَّهُ مُضَاف إِلَى أحد المتصاحبين وَهُوَ لإِثْبَات المصاحبة ابْتِدَاء كَمَا أَن الْبَاء لاستدامتها
وَأما: {وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان} فثمة يحمل على التَّخْصِيص للصارف من الْحمل على الْحَقِيقَة، أَو الْمَعْنى أسلمت مصاحبة بِسُلَيْمَان
وَهُوَ فِي الْقُرْآن لمعان: للقران وَهُوَ الأَصْل نَحْو: {وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر}
وَله وللحوق أَيْضا نَحْو: {هَذَا ذكر من معي وَذكر من قلبِي}
وَبِمَعْنى " بعد " نَحْو: {وَدخل مَعَه السجْن فتيَان}
وَبِمَعْنى " عِنْد " نَحْو: {مُصدقا لما مَعكُمْ}
وَبِمَعْنى " الْعلم " نَحْو: {وَهُوَ مَعَهم إِذْ يبيتُونَ}
[وَقَوله تَعَالَى: {إِن الله مَعَ الصابرين} أَي لَا يُفَارق قُلُوبهم وهم فِي ذكره فَيكون بِمَعْنى شُهُود الْقلب
وَبِمَعْنى الْمُتَابَعَة نَحْو: {وَطَائِفَة من الَّذين مَعَك}(1/838)
وَبِمَعْنى شُهُود الصُّورَة نَحْو: {ألم نَكُنْ مَعكُمْ}
وَبِمَعْنى شُهُود الْقلب نَحْو: {إِنَّا مَعكُمْ}
وَبِمَعْنى شهودهما مَعًا نَحْو: {وَالَّذين مَعَه}
والمعية الشرفية كشخصين متساويين فِي الْفَضِيلَة
والمعية بالرتبة كنوعين مُتَقَابلين تَحت جنس وَاحِد وشخصين متساوين فِي الْقرب إِلَى الْمِحْرَاب
والمعية بِالذَّاتِ كجرمين متقومين لماهية وَاحِدَة فِي رُتْبَة وَاحِدَة
والمعية بالعلية كعلتين لمعلولين شخصيين عَن نوع وَاحِد، وَلَا تدخل " مَعَ " إِلَّا على الْمَتْبُوع
وَيَقْتَضِي معنى النُّصْرَة وَأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظ مَعَ الْمَنْصُور نَحْو: {لَا تحزن إِن الله مَعنا} ، {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا} وَنَحْو ذَلِك كثير (فِي النّظم الْمُبين)
وَإِن سكنت عينه كَانَ حرفا، وَإِن فتحت وأضيفت كَانَ ظرفا، وَإِن فتحت ونونت كَانَ اسْما
وَكُنَّا مَعًا: أَي جَمِيعًا
وَفِي حِكَايَة سِيبَوَيْهٍ: ذهبت من مَعَه
وَإِذا قيل: جَاءَ زيد وَعَمْرو كَانَ إِخْبَارًا عَن (اشتراكهما فِي الْمَجِيء على احْتِمَال أَن يكون فِي وَقت وَاحِد أَو سبق أَحدهمَا وَإِذا قيل: جَاءَ زيد مَعَ عَمْرو، كَانَ إِخْبَارًا عَن) مجيئهما متصاحبين وَبَطل تَجْوِيز الِاحْتِمَالَيْنِ الآخرين
وَيُقَال: (رجل إمعة) أَي من شَأْنه أَن يَقُول لكل أحد: أَنا مَعَك
مَتى: من الظروف الزمانية المتضمنة للشّرط الجازمة للْفِعْل وَقد يكون خَبرا وَالْفِعْل الْوَاقِع بعده مُبْتَدأ على تَنْزِيله منزلَة الْمصدر كَقَوْل صَاحب " الْهِدَايَة ": مَتى يصير مُسْتَعْملا أَي: صَيْرُورَته مُسْتَعْملا فِي أَي زمَان
وَمَتى لتعميم الْأَوْقَات فِي الِاسْتِقْبَال بِمَعْنى أَن الحكم الْمُعَلق بِهِ يعم كل وَقت من أَوْقَات وُقُوع مَضْمُون الْجَزَاء و (مَتى مَا) أَعم من ذَلِك وأشمل، وَرُبمَا يجْرِي فِي " مَتى " من التَّخْصِيص مَا لَا يجْرِي فِي " مَتى مَا "، وَقد يشبه مَتى بإذا فَلم يجْزم، كَمَا يشبه إِذا بمتى فِي قَوْله: " إِذا أخذتما مضاجعكما فَكَبرَا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ "
وَفِي " الْكرْمَانِي ": يجوز الْجَزْم بإذا
وَالِاسْم بعد " مَتى " يَقع مَرْفُوعا تَارَة ومجرورا أُخْرَى، وَالْفِعْل بعْدهَا يَقع مَرْفُوعا أَو مَجْزُومًا وَمَعْنَاهَا مُخْتَلف باخْتلَاف أحوالها
و" مَتى " إِذا أطلق يُفِيد الْجُزْئِيَّة و " كلما " إِذا أطلق يُفِيد الْكُلية
وَمَتى الشّرطِيَّة للزمان الْمُبْهم، وَلما لَا يتَحَقَّق وُقُوعه
و" إِذا " الشّرطِيَّة للزمان الْمعِين وَلما لَا يتَحَقَّق وُقُوعه
و" مَتى " للزمان فِي الِاسْتِفْهَام وَالشّرط نَحْو: " مَتى تقوم "، و " مَتى تقم أقِم "
و" أَيْن " للمكان فيهمَا نَحْو: " أَيْن كنت تجْلِس أَجْلِس " و " حَيْثُمَا " للمكان فِي الشَّرْط فَقَط نَحْو: " حَيْثُمَا تجْلِس أَجْلِس " ولكونه أَدخل فِي الْإِبْهَام لم يصلح(1/839)
للاستفهام
وَتقول الْعَرَب: " أخرجه من مَتى كمه " بِمَعْنى وسط كمه
و (المتى) : هُوَ حُصُول الشَّيْء فِي الزَّمَان، ككون الْكُسُوف فِي وَقت كَذَا [وَهُوَ إِحْدَى المقولات]
مهما: كلمة تسْتَعْمل للشّرط وَالْجَزَاء، قيل هِيَ بسيطة وَقيل هِيَ مركبة أَصْلهَا " ماما " ضمت إِلَى " مَا " الجزائية " مَا " المزيدة للتَّأْكِيد كَمَا ضمت إِلَى " أَيْن " فِي {أَيْنَمَا تَكُونُوا} خلا أَن الْألف الأولى قلبت هَاء حذرا من تَكْرِير المتجانسين، وَلها ثَلَاثَة معَان: الأول: مَا لَا يعقل غير الزَّمَان مَعَ تضمن معنى الشَّرْط نَحْو: {مهما تأتنا بِهِ من آيَة}
وَالثَّانِي: الزَّمَان وَالشّرط فَتكون ظرفا لفعل الشَّرْط كَقَوْلِه: وَإنَّك مهما تعط بَطْنك سؤله
وَالثَّالِث: الِاسْتِفْهَام نَحْو:
(مهما لي اللَّيْلَة مهماليه ... أودى بنعلي وسرباليه)
(ومحلها الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ أَو النصب بِفعل يفسره)
الْمَاضِي: هُوَ مَا وضع لحَدث سبق
والمضارع: مَا وضع لحاضر أَو مُسْتَقْبل بِزِيَادَة أحد حُرُوف " أتين " على الْمَاضِي
والغابر: يسْتَعْمل بِمَعْنى الْمَاضِي والمستقبل بالاشتراك وكل مَاض يسند إِلَى التَّاء أَو النُّون فَإِنَّهُ يسكن آخِره ويحذف مَا قبله من حُرُوف الْعلَّة، فَإِن كَانَ على " فعل " بِضَم الْعين ك " طَال " فَإِن أَصله " طول " بِدَلِيل (طَوِيل) ، أَو " فعل " بِكَسْرِهَا ك " خَافَ " فَإِن أَصله " خوف " بِدَلِيل (يخَاف) فتقلب حَرَكَة ذَلِك الْحَرْف لالتقائه سَاكِنا مَعَ آخر الْفِعْل الْمسكن للإسناد
وَإِن كَانَ على " فعل " ك " كَانَ وَبَاعَ " فَفِيهِ خلاف مَذْكُور فِي مَحَله
والماضي كالمضارع فِي الثَّنَاء وَالدُّعَاء فِي لُغَة الْعَرَب، يَقُولُونَ: (مَاتَ فلَان رَحمَه الله، وَغفر الله لَهُ)
والماضي جعل للإنشاء كثيرا كَمَا فِي " بِعْت " و " زوجت " وَلم يَجْعَل الْمُضَارع للإنشاء إِلَّا فِي الثَّنَاء والأيمان وَالدُّعَاء، والايمان لما عرف فِي " أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " وَفِي " أشهد أَن لفُلَان حَقًا "
والمضارع حَقِيقَة فِي الْحَال عِنْد الْفُقَهَاء، ومشترك بَين الْحَال والاستقبال فِي الْعرف
والمقابل للماضي هُوَ الْمُضَارع لَا الْمُسْتَقْبل، وَالْأَفْعَال الْوَاقِعَة بعد " إِلَّا " و " لما " مَاضِيَة فِي اللَّفْظ مُسْتَقْبلَة فِي الْمَعْنى، لِأَنَّك إِذا قلت: " عزمت عَلَيْك لما فعلت " لم يكن قد فعل وَإِنَّمَا طلبت فعله وَأَنت تتوقعه
والماضي بِمَعْنى الْمُسْتَقْبل نَحْو: {أَتَى أَمر الله}
وَيكون فِي بَاب الْجَزَاء، يُقَال: كَيفَ أعظ من(1/840)
لَا يقبل موعظتي؟ أَي: من لَا يقبل
وَالتَّعْبِير عَن الْمَاضِي بالمضارع وَعَكسه يعد من بَاب الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة على مَا حَقَّقَهُ السَّيِّد فِي حَوَاشِي " المطول "
وتستعمل صِيغَة الْمَاضِي مُجَرّدَة عَن الدّلَالَة على الْحُدُوث كَمَا فِي قَوْلهم: سُبْحَانَ من تقدس عَن الأنداد وتنزه عَن الأضداد
والماضي إِذا وَقع جَوَابا للقسم وَكَانَ من الْأَفْعَال المتصرفة فَلَا بُد من (قد) أَو (رُبمَا) ، وَلَا يكْتَفى فِي الصُّورَة الأولى ب (قد) إِلَّا للضَّرُورَة أَو إِذا طَال الْقسم، بل لَا بُد مَعَ (قد) من اللَّام وَإِذا كَانَ الْمَاضِي بعد (إِلَّا) فالاكتفاء بِدُونِ الْوَاو وَقد كثر نَحْو: (مَا لَقيته إِلَّا أكرمني) لِأَن دُخُول (إِلَّا) فِي الْأَغْلَب الْأَكْثَر على الْأَسْمَاء فَهُوَ بِتَأْوِيل إِلَّا مكرما، فَصَارَ كالمضارع الْمُثبت
وَإِذا ورد الْمَاضِي مُجَردا من (قد) كَانَ مُبْهما فِي بعد الْمُضِيّ وقربه، وَإِذا اقْترن ب (قد) تخلص للقرب وَهَذَا شَبيه بإبهام الْمُضَارع عِنْد تجرده من الْقَرَائِن وتخلصه للاستقبال بِحرف التَّنْفِيس
وَإِذا كَانَت الْجُمْلَة الفعلية الْوَاقِعَة حَالا منفية جَازَ حذف الْوَاو وإثباتها مضارعا كَانَ أَو مَاضِيا، تَقول: (جَاءَ زيد مَا تفوه ببنت شفة) و (جلس عَمْرو وَلم يتَكَلَّم)
وَلَا يَأْتِي فِي الْمُضَارع (يفعل) بِالْكَسْرِ إِلَّا ويشركه (يفعل) بِالضَّمِّ إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا مَا خلا (حبه يُحِبهُ) بِكَسْر الْعين فِي الْمُضَارع
وقلما يَأْتِي النَّعْت من (فعل يفعل) بِكَسْر الْعين فِي الْمُضَارع على (فعيل) ، وَلم يَأْتِ اسْم فعل بِمَعْنى الْمُضَارع إِلَّا قَلِيلا نَحْو: (أُفٍّ وأوه) بِمَعْنى أتوجع
[وينتصب الْفِعْل الْمُضَارع بِأَن مقدرَة بعد الْفَاء إِذا كَانَ مَا قبلهَا سَببا لما بعْدهَا بعد عدَّة أَشْيَاء مِنْهَا النَّفْي]
والمضارع الْمُثبت إِذا وَقع جَوَابا للقسم لَا بُد فِيهِ من نون التَّأْكِيد كَقَوْلِه تَعَالَى: {تالله لأكيدن أصنامكم}
وينتقل من الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارع نَحْو: {وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحابا} وَنَحْو: {خر من السَّمَاء فتخطفه الطير}
وَمن الْمُضَارع إِلَى الْمَاضِي نَحْو: {وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات} ، {وَترى الأَرْض بارزة وحشرناهم} كل ذَلِك لنكات بليغة حواها النّظم الْمُبين
وَالْمرَاد بالتجدد فِي الْمَاضِي الْحُصُول وَفِي الْمُضَارع أَنه من شَأْنه أَن يتَكَرَّر وَيَقَع مرّة بعد أُخْرَى، وَبِهَذَا يَتَّضِح الْجَواب عَمَّا يَدُور فِي نَحْو: (علم الله كَذَا) ، وَكَذَا سَائِر الصِّفَات الدائمة الَّتِي يسْتَعْمل فِيهَا الْفِعْل
الْمَعْنى: هُوَ إِمَّا (مفعل) كَمَا هُوَ الظَّاهِر من (عَنى يَعْنِي) إِذا قصد الْمَقْصد، وَإِمَّا مخفف (معنى) بِالتَّشْدِيدِ اسْم مفعول مِنْهُ أَي: الْمَقْصُود وأيا مَا كَانَ لَا يُطلق على الصُّور الذهنية من حَيْثُ هِيَ بل من حَيْثُ إِنَّهَا تقصد من اللَّفْظ
وَالْمعْنَى مقول بالاشتراك على مَعْنيين:(1/841)
الأول: مَا يُقَابل اللَّفْظ سَوَاء كَانَ عينا أَو عرضا
وَالثَّانِي: مَا يُقَابل الْعين الَّذِي هُوَ قَائِم بِنَفسِهِ، وَيُقَال: هَذَا معنى أَي: لَيْسَ بِعَين سَوَاء كَانَ مَا يُسْتَفَاد من اللَّفْظ أَو كَانَ لفظا
وَالْمرَاد بالْكلَام النَّفْسِيّ هُوَ هَذَا الْمَعْنى الثَّانِي وَهُوَ الْقَائِم بِالْغَيْر أَعم من أَن يكون لفظا أَو معنى لَا مَدْلُول اللَّفْظ كَمَا فهم أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ من كَلَامه: " الْكَلَام هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ "
وَالْمعْنَى مُطلقًا: هُوَ مَا يقْصد بِشَيْء، وَأما مَا يتَعَلَّق بِهِ الْقَصْد بِاللَّفْظِ فَهُوَ معنى اللَّفْظ وَلَا يطلقون الْمَعْنى على شَيْء إِلَّا إِذا كَانَ مَقْصُودا، وَأما إِذا فهم الشَّيْء على سَبِيل التّبعِيَّة فَهُوَ يُسمى معنى بِالْعرضِ لَا بِالذَّاتِ
وَالْمعْنَى: هُوَ الْمَفْهُوم من ظَاهر اللَّفْظ [وانفهامه مِنْهُ صفة للمعنى دون اللَّفْظ فَلَا اتِّحَاد فِي الْمَوْضُوع] وَالَّذِي تصل إِلَيْهِ بِغَيْر وَاسِطَة
وَمعنى الْمَعْنى: هُوَ أَن يعقل من اللَّفْظ معنى ثمَّ يُفْضِي لَك ذَلِك الْمَعْنى إِلَى معنى آخر
وَالْمعْنَى: مَا يفهم من اللَّفْظ
والفحوى مُطلق الْمَفْهُوم، وَقيل: فحوى الْكَلَام مَا فهم مِنْهُ خَارِجا عَن أصل مَعْنَاهُ
وَقد يخص بِمَا يعلم من الْكَلَام بطرِيق الْقطع كتحريم الضَّرْب من قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} أَو من خلال التراكيب وَإِن لم يكن بالمطابقة
وَاللَّفْظ إِذا وضع بِإِزَاءِ الشَّيْء فَذَلِك الشَّيْء من حَيْثُ يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ يُسمى مدلولا، وَمن حَيْثُ يعْنى بِاللَّفْظِ يُسمى معنى، وَمن حَيْثُ يحصل مِنْهُ يُسمى مفهوما، وَمن حَيْثُ كَون الْمَوْضُوع لَهُ اسْما يُسمى مُسَمّى والمسمى أَعم من الْمَعْنى فِي الِاسْتِعْمَال لتنَاوله الْأَفْرَاد
وَالْمعْنَى قد يخْتَص بِنَفس الْمَفْهُوم، مثلا: يُقَال لكل من زيد وَبكر وَعَمْرو: مُسَمّى للفظ الرجل، وَلَا يُقَال: مَعْنَاهُ
والمدلول قد يعم من الْمُسَمّى لتنَاوله الْمَدْلُول التضمني والالتزامي دون الْمُسَمّى
والمسمى يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمَفْهُوم الإجمالي الْحَاصِل فِي الذِّهْن عِنْد وضع الِاسْم، وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ اصدق عَلَيْهِ هَذَا الْمَفْهُوم فَإِذا أضيف إِلَى الِاسْم يُرَاد بِهِ الأول فالإضافة بِمَعْنى اللَّام، وَإِذا أضيف إِلَى الْعلم يُرَاد بِهِ الثَّانِي فالإضافة بَيَانِيَّة والمنطوق هُوَ الملفوظ وَقد يُرَاد بِهِ مَدْلُول اللَّفْظ وبالمفهوم مَا يلْزم من الْمَدْلُول
وَالْمعْنَى مَا قَامَ بِغَيْرِهِ، وَالْعين مَا يُقَابله هَذَا هُوَ المصطلح النَّحْوِيّ
وَأما اسْم الْمَعْنى الَّذِي هُوَ مَا دلّ على شَيْء فَهُوَ بِاعْتِبَار أَي صفة عارضة لَهُ سَوَاء كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ كالمكتوب والمضمر، وَحَاصِله الْمُشْتَقّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ
وَاسم الْعين: هُوَ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِك كَالدَّارِ وَالْعلم فإضافة اسْم الْمَعْنى يُفِيد الِاخْتِصَاص بِاعْتِبَار الصّفة الدَّاخِلَة فِي مَفْهُوم الْمُضَاف تَقول (مَكْتُوب زيد) وَالْمرَاد اخْتِصَاصه بِهِ بمكتوبيته لَهُ
وَإِضَافَة اسْم الْعين تفِيد الِاخْتِصَاص مُطلقًا أَي: غير مُقَيّدَة بِصفة دَاخِلَة فِي مُسَمّى الْمُضَاف
ثمَّ إِن اللَّفْظ وَالْمعْنَى إِمَّا أَن يتحدا فَهُوَ الْمُفْرد(1/842)
كلفظة (الله) أَو يتعددا فَهِيَ الْأَلْفَاظ المتباينة كالإنسان وَالْفرس وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلفَة الْمَوْضُوعَة لمعان مُخْتَلفَة، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يمْتَنع الِاجْتِمَاع كالسواد وَالْبَيَاض فتسمى المتباينة المتفاضلة، أَو لَا يمْتَنع كالاسم وَالصّفة نَحْو: السَّيْف والصارم، أَو الصّفة وَصفَة الصّفة كالناطق والفصيح فتسمى المتباينة المتواصلة، أَو يَتَعَدَّد اللَّفْظ ويتحد الْمَعْنى، فَهِيَ الْأَلْفَاظ المترادفة، أَو يتحد اللَّفْظ ويتعدد الْمَعْنى، فَإِن كَانَ قد وضع للْكُلّ فَهُوَ الْمُشْتَرك، وَإِلَّا فَإِن وضع لِمَعْنى ثمَّ نقل إِلَى غَيره لَا لعلاقة فَهُوَ المرتجل، أَو لعلاقة فَإِن اشْتهر فِي الثَّانِي كَالصَّلَاةِ يُسمى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأول مَنْقُولًا عَنهُ، وَإِلَى الثَّانِي مَنْقُولًا إِلَيْهِ، وَإِن لم يشْتَهر فِي الثَّانِي كالأسد فَهُوَ حَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأول مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّانِي
المشاكلة: هِيَ اتِّفَاق الشَّيْئَيْنِ فِي الْخَاصَّة
كَمَا أَن المشابهة اتِّفَاقهمَا فِي الْكَيْفِيَّة
والمساواة اتِّفَاقهمَا فِي الكمية
والمماثلة اتِّفَاقهمَا فِي النوعية وَقد يُرَاد من المشاكلة التناسب الْمُسَمّى بمراعاة النظير، أَعنِي جمع أَمر مَعَ أَمر يُنَاسِبه لَا بالتضاد كَمَا قَالَ مصري لبغدادي: " خسنا خير من خسكم " فَقَالَ الْبَغْدَادِيّ فِي جَوَابه: " خيارنا خير من خياركم " فَفِيهِ التقابل بَين الخس وَالْخيَار بِوَجْه بِأَن يُرَاد بالخس الخسيس وبالخيار خلاف الأشرار
والمشاكلة أَيْضا بِوَجْه آخر بِأَن يُرَاد بالخس النبت الْمَعْرُوف وبالخيار القثاء، والتقابل مَعَ التشاكل فِي هَذَا الْكَلَام إِنَّمَا نَشأ من اشْتِرَاك كل من الخس وَالْخيَار بَين معنييه
والموازاة اتِّفَاقهمَا فِي جَمِيع الْمَذْكُورَات
والمناسبة: أَعم من الْجَمِيع
والمضاهاة: شُعْبَة من الْمُمَاثلَة
فِي " التَّبْصِرَة ": إِنَّا لَا نقُول مثل الْأَشْعَرِيّ أَي لَا مماثلة إِلَّا بالمساواة من جَمِيع الْوُجُوه، لِأَن أهل اللُّغَة لم يمتنعوا عَن القَوْل بِأَن زيدا مثل عَمْرو
وَفِي " الْفِقْه ": إِذا كَانَ يُسَاوِيه فِيهِ ويسد مسده وَإِن كَانَ بَينهمَا مُخَالفَة كَثِيرَة صُورَة وَمعنى وَفِي " التسديد ": إِنَّمَا تقع إِذا كَانَ فِي وصف وَاحِد يصلح أَحدهمَا لما يصلح لَهُ الآخر لَا فِي جَمِيع الْوُجُوه وَكَذَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُوله الْمُؤَذّن "
وَقَوله: " الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ مثلا بِمثل " أَرَادَ بِهِ الاسْتوَاء فِي الْكَيْل فَقَط
ومجيء الْكَلَام على سَبِيل الْمُقَابلَة وإطباق الْجَواب على السُّؤَال فن من كَلَامهم يُسمى مشاكلة وَهِي قِسْمَانِ: تحقيقية وتقديرية
فالتحقيقية: هِيَ أَن يذكر الشَّيْء بِلَفْظ غَيره لوُقُوعه فِي صحبته كَقَوْلِه:
(قَالُوا اقترح شَيْئا نجد لَك طبخه ... قلت أطنجوا لي جُبَّة وقميصا)
وَقَوله تَعَالَى: {تعلم مَا فِي نَفسِي وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك}
والمشاكلة التقديرية: هِيَ أَن يكون فعل لَهُ لفظ دلّ(1/843)
عَلَيْهِ وَلم يذكر، فيذكر لفظ كاللفظ الدَّال على ذَلِك الْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى: {صبغة الله} ذكر لفظ الصَّبْغ فِي صُحْبَة فعلهم الَّذِي هُوَ الصَّبْغ بِمَاء المعمودية؛ وَالْأَصْل فِيهِ أَن النَّصَارَى كَانُوا يغمسون أَوْلَادهم فِي مَاء أصفر يسمونه المعمودية وَيَقُولُونَ إِنَّه تَطْهِير لَهُم فَعبر عَن الْإِيمَان بصبغة الله أَي: تَطْهِير الله للمشاكلة بِهَذِهِ الْقَرِينَة
والصحبة التحقيقية مُتَأَخِّرَة عَن الذّكر، والصحبة التقديرية مُتَقَدّمَة عَلَيْهِ
قَالَ الشَّيْخ سعد الدّين: تَحْقِيق العلاقة فِي مجَاز المشاكلة مُشكل، إِذْ لَا يظْهر بَين الطَّبْخ والخياطة علاقَة، وَكَأَنَّهُم جعلُوا المصاحبة فِي الذّكر علاقَة
وَتعقبه الْأَبْهَرِيّ بِأَن المصاحبة فِي الذّكر لَا تصلح لِأَن تكون علاقَة لِأَن حُصُولهَا بعد اسْتِعْمَال الْمجَاز، أجَاب بَعضهم بِأَن الْمُتَكَلّم يعبر عَمَّا فِي نَفسه فَلَا بُد من مُلَاحظَة المصاحبة فِي الذّكر قبل التَّعْبِير بالمتصاحبين فِي التحقيقية، وبأحدهما فِي التقديرية
وَاخْتَارَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي " الْفُصُول ": إِنَّهَا التقارن فِي الخيال، وَالْأولَى أَنَّهَا التقارن فِي الْعلم لوقوعها فِي كَلَام من لَا يَصح إِطْلَاقه
وَالْحق أَن بَيَان العلاقة فِي المشاكلة مُشكل، وَكَذَا فِي التغليب
وَقد تكون المشاكلة بِذكر الشَّيْء بِلَفْظ غَيره لوُقُوعه فِي صُحْبَة مُقَابِله كَمَا فِي قَول مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي: " من طَالَتْ لحيته تكوسج عقله "، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " صدق الله وَكذب بطن أَخِيك
وَيُمكن فِي بعض صور المشاكلة اعْتِبَار الِاسْتِعَارَة كَمَا فِي حِكَايَة شُرَيْح وَهِي أَنه قَالَ لرجل شهد عِنْده: إِنَّك لسبط الشَّهَادَة فَقَالَ الرجل: " إِنَّهَا لن تجعد عني. فَقَالَ: لله بلادك! حَيْثُ أَرَادَ أَنه يُرْسل الشَّهَادَة إرْسَالًا من غير تَأْوِيل وروية كالشعر السبط المسترسل فَأجَاب: بِأَنَّهَا [لم تجعد عني أَي] ، لم تنقبض عني بل أَنا واثق من نَفسِي بِحِفْظ مَا شهِدت فاسترسل الْقُوَّة الذاكرة إِيَّاهَا واستحضر أولاها وأخراها فَشبه انقباض الشَّهَادَة عَن الْحِفْظ، وتأتيها عَن الْقُوَّة الذاكرة بتجعيد الشّعْر وَاسْتعْمل التجعيد فِي مُقَابلَة السبوطة أَولا، وَهَذِه من المشاكلة الْمَحْضَة، إِلَّا أَن فِيهَا شَائِبَة الِاسْتِعَارَة وَقَوله: لله بلادك تعجب من بِلَاده فَإِنَّهُ خرج مِنْهَا فَاضل مثله
(وَلَا شكّ أَن المشاكلة من قبيل الْمجَاز والعلاقة فِيهَا التقارن فِي الخيال لَا الْوُقُوع فِي الصُّحْبَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور، لِأَن العلاقة مصححة للاستعمال الَّذِي بِهِ الْوُقُوع فِي الصُّحْبَة ومقدمة عَلَيْهَا)
الْمُطَابقَة: قَالَ الْأَصْمَعِي: أَصْلهَا وضع الرجل مَوضِع الْيَد فِي ذَوَات الْأَرْبَع وَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: تَقول طابقت بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا جمعت بَينهمَا على حد وَاحِد
وَفِي الِاصْطِلَاح: هِيَ الْجمع بَين الضدين فِي كَلَام أَو فِي بَيت شعر كالإيراد والإصدار، وَاللَّيْل وَالنَّهَار، وَالْبَيَاض والسواد
وَقَالَ الرماني وَغَيره: الْبيَاض والسواد ضدان(1/844)
بِخِلَاف بَقِيَّة الألوان، لِأَن كلا مِنْهُمَا إِذا قوي زَاد بعدا من صَاحبه والمطابقة لَا تكون إِلَّا بِالْجمعِ بَين ضدين
والمقابلة تكون غَالِبا بَين أَرْبَعَة أضداد، ضدان فِي صدر الْكَلَام وضدان فِي عَجزه نَحْو: {فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا} وتبلغ إِلَى الْجمع بَين عشرَة أضداد
وَقد تكون الْمُطَابقَة بالأضداد وبغيرها، لَكِن الأضداد أَعلَى رُتْبَة وَأعظم موقعا، وَلَا تكون الْمُقَابلَة إِلَّا بالأضداد
والمطابقة، وَتسَمى طباقا أَيْضا، وَهِي قِسْمَانِ: حَقِيقِيّ ومجازي وَالثَّانِي يُسمى بالتكافؤ، وكل مِنْهُمَا إِمَّا لَفْظِي أَو معنوي، وَإِمَّا طباق إِيجَاب أَو سلب وَمن أَمْثِلَة ذَلِك قَوْله: {وَأَنه هُوَ أضْحك وأبكى وَأَنه هُوَ أمات وَأَحْيَا}
وَمن أَمْثِلَة الْمجَازِي قَوْله: {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه} أَي: ضَالًّا فهديناه
وَمن أَمْثِلَة طباق السَّلب قَوْله: {فَلَا تخشوا النَّاس واخشون}
وَمن أَمْثِلَة الْمَعْنَوِيّ قَوْله: {جعل لكم الأَرْض فراشا وَالسَّمَاء بِنَاء}
وَمِنْه نوع يُسمى الطباق الْخَفي كَقَوْلِه تَعَالَى: {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نَارا} وأملح الطباق وأخفاه قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الْقصاص حَيَاة}
الْمُحكم: المتقن: يُقَال: بِنَاء مُحكم أَي: متقن لَا وَهن فِيهِ وَلَا خلل
وَمَا أحكم: المُرَاد بِهِ قطعا، وَلَا يحْتَمل من التَّأْوِيل إِلَّا وَجها وَاحِدًا
والمتشابه: مَا اشْتبهَ مِنْهُ مُرَاد الْمُتَكَلّم على السَّامع لاحْتِمَاله وُجُوهًا مُخْتَلفَة
وَقيل: الْمُحكم مَا عرف المُرَاد مِنْهُ إِمَّا بالظهور وَإِمَّا بالتأويل
والمتشابه: مَا اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ كقيام السَّاعَة وَخُرُوج الدَّجَّال والحروف الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور
وَمن الْمُتَشَابه إِيرَاد الْقِصَّة الْوَاحِدَة فِي سور شَتَّى وفواصل مُخْتَلفَة فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالزِّيَادَة وَالتّرْك والتعريف والتنكير وَالْجمع والإفراد والإدغام والفك وتبديل حرف بِحرف آخر
وَقيل: الْمُحكم مَا لَا يتَوَقَّف مَعْرفَته على الْبَيَان
والمتشابه مَا لَا يُرْجَى بَيَانه
وَعَن عِكْرِمَة وَغَيره: أَن الْمُحكم هُوَ الَّذِي يعْمل بِهِ، والمتشابه هُوَ الَّذِي يُؤمن بِهِ وَلَا يعْمل
قَالَ الطَّيِّبِيّ: المُرَاد بالمحكم مَا اتَّضَح مَعْنَاهُ
والمتشابه بِخِلَافِهِ، لِأَن اللَّفْظ الَّذِي يقبل معنى إِمَّا أَن يحْتَمل غَيره أَولا، الثَّانِي النَّص، وَالْأول إِمَّا أَن يكون دلَالَته على ذَلِك الْغَيْر أرجح أَولا الأول هُوَ الظَّاهِر، وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكون مساويه أَولا، الأول الْمُجْمل، وَالثَّانِي المؤول، فالمشترك بَين النَّص وَالظَّاهِر هُوَ الْمُحكم، وَبَين الْمُجْمل والمؤول هُوَ الْمُتَشَابه(1/845)
وَقَالَ بَعضهم: اللَّفْظ إِذا ظهر المُرَاد مِنْهُ فَإِن لم يحْتَمل النّسخ فَحكم، وَإِلَّا فَإِن لم يحْتَمل التَّأْوِيل فمفسر، وَإِلَّا فَإِن سيق الْكَلَام لأجل ذَلِك المُرَاد فنص، وَإِلَّا فَظَاهر وَإِذا خَفِي لعَارض أَي لغير الصِّيغَة فخفي وَإِن خَفِي لنَفسِهِ أَي لنَفس الصِّيغَة فَأدْرك عقلا فمشكل أَو نقلا فمهمل، أَو لم يدْرك أصلا فمتشابه فَالظَّاهِر هُوَ مَا انْكَشَفَ واتضح مَعْنَاهُ للسامع من غير تَأمل وتفكر كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأحل الله البيع} وضده الْخَفي وَهُوَ الَّذِي لَا يظْهر المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بِالطَّلَبِ
وَالنَّص: مَا فِيهِ زِيَادَة ظُهُور سيق الْكَلَام لأَجله وَأُرِيد بالإسماع ذَلِك باقتران صِيغَة أُخْرَى بِصِيغَة الظَّاهِر كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} سيق هَذَا النَّص للتفرقة بَينهمَا، وَهُوَ المُرَاد بالإسماع؛ لِأَن الْكَفَرَة كَانُوا يدعونَ الْمُمَاثلَة بَينهمَا فورد الشَّرْع بالتفرقة، فالآية ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه ظهر بهَا إحلال البيع وَتَحْرِيم الرِّبَا، وإسماع الصِّيغَة من غير قرينَة نَص فِي التَّفْرِقَة بَينهمَا، حَيْثُ أُرِيد بالإسماع ذَلِك بِقَرِينَة دَعْوَى الْمُمَاثلَة
والمشكل على خلاف النَّص وَهُوَ اللَّفْظ الَّذِي اشْتبهَ المُرَاد مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُوقف على المُرَاد مِنْهُ بِمُجَرَّد التَّأَمُّل
والمفسر: اسْم للظَّاهِر المكشوف الَّذِي اتَّضَح مَعْنَاهُ وَالنَّص وَالظَّاهِر والمفسر سَوَاء من حَيْثُ اللُّغَة
والمجمل: مَا لَا يُوقف على المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بِبَيَان من جِهَة الْمُتَكَلّم نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} فَإِنَّهُ مُجمل فِي مَاهِيَّة الصَّلَاة وَمِقْدَار الزَّكَاة
والمشترك: اسْم متساو بَين المسميات يَتَنَاوَلهَا على الْبَدَل، فَإِذا تعين بعض وُجُوه الْمُشْتَرك بِدَلِيل غير مَقْطُوع بِهِ - وَهُوَ الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد - فَهُوَ مؤول
وَمَتى أُرِيد بالمشترك أَو الْمُشكل أَو الْمُجْمل بعض الْوُجُوه قطعا يُسمى مُفَسرًا
ثمَّ اعْلَم أَن الْمُتَشَابه على ثَلَاثَة أضْرب: ضرب لَا سَبِيل إِلَى الْوُقُوف عَلَيْهِ كوقت السَّاعَة وَنَحْو ذَلِك
وَضرب للْإنْسَان سَبِيل إِلَى مَعْرفَته كالألفاظ الغريبة وَالْأَحْكَام المغلقة
وَضرب (مُتَرَدّد بَين الْأَمريْنِ) يخْتَص بِمَعْرِِفَة حَقِيقَته بعض الراسخين فِي الْعلم وَيخْفى على من دونهم وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِابْنِ عَبَّاس: " اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل "، (وَإِذا عرفت هَذَا فقد وقفت) على أَن الْوَقْف على قَوْله: {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} وَوَصله بقوله: {والراسخون فِي الْعلم} كِلَاهُمَا جَائِز
ثمَّ اعْلَم أَن كل لفظ من الْقُرْآن أَفَادَ معنى وَاحِدًا جليا يعلم أَنه مُرَاد الله تَعَالَى فَمَا كَانَ من هَذَا الْقسم فَهُوَ مَعْلُوم لكل أحد بِالضَّرُورَةِ وَأما مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَهُوَ مِمَّا يجْرِي مجْرى الْغَيْب، فَلَا مساغ للِاجْتِهَاد فِي تَفْسِيره، وَلَا طَرِيق إِلَى ذَلِك إِلَّا بالتوقيف بِنَصّ من الْقُرْآن أَو الحَدِيث أَو الْإِجْمَاع على تَأْوِيله وَأما مَا يُعلمهُ الْعلمَاء فَيرجع إِلَى(1/846)
اجتهادهم
وكل لفظ احْتمل مَعْنيين فَصَاعِدا فَهُوَ الَّذِي لَا يجوز لغير الْعلمَاء الِاجْتِهَاد فِيهِ وَعَلَيْهِم اعْتِمَاد الشواهد والدلائل دون مُجَرّد الرَّأْي فَإِن كَانَ أحد الْمَعْنيين أظهر وَجب الْحمل عَلَيْهِ إِلَّا أَن يقوم دَلِيل على أَن المُرَاد الْخَفي، وَإِن اسْتَويَا والاستعمال فيهمَا حَقِيقَة لَكِن فِي أَحدهمَا حَقِيقَة لغوية أَو عرفية وَفِي الآخر شَرْعِيَّة فالحمل على الشَّرْعِيَّة أولى إِلَّا أَن يدل دَلِيل على إِرَادَة اللُّغَوِيَّة وَلَو كَانَ فِي أَحدهمَا عرفية وَفِي الآخر لغوية فالحمل على الْعُرْفِيَّة أولى، وَإِن اتفقَا فِي ذَلِك، فَإِن لم يُمكن إرادتهما بِاللَّفْظِ الْوَاحِد اجْتهد فِي المُرَاد مِنْهُمَا بالأمارات الدَّالَّة عَلَيْهِ فَمَا ظَنّه فَهُوَ مُرَاد الله تَعَالَى فِي حَقه وَإِن لم يظْهر لَهُ شَيْء فَهَل يتَخَيَّر فِي الْحمل أَو يَأْخُذ بالأغلظ حكما أَو بالأخف حكما فِيهِ أَقْوَال، وَإِن أمكن إرادتهما وَجب الْحمل عَلَيْهِمَا عِنْد الْمُحَقِّقين. [وَالْحكمَة فِي أَن الْعلم بِمُرَاد الله تَعَالَى مستنبط بأمارات وَدَلَائِل هِيَ من الله أَرَادَ أَن يتفكر عباده بكتابه فَلم يَأْمر نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالتنصيص على المُرَاد فِي جَمِيع آيَاته
ومسلك الْأَوَائِل أَن يُؤمنُوا بالمتشابهات ويفوضوا مَعْرفَتهَا إِلَى الله وَرَسُوله وَلذَلِك سموا بالمفوضة
ومسلك الْأَوَاخِر أَن يؤولوها بِمَا ترتضيه الْعُقُول وَلذَلِك سموا بالمؤولة، وهم قِسْمَانِ: قسم أَصْحَاب الْأَلْفَاظ يؤولونها بِالْحملِ على الْحَذف كَمَا فِي: {وَجَاء رَبك} [ {فَأتى الله بنيانهم} أَو على الْمجَاز الْمُفْرد كَمَا فِي: {يَد الله فَوق أَيْديهم} أَي: قدرَة الله
وَقسم أَصْحَاب الْمعَانِي يؤولونها بِالْحملِ على التَّمْثِيل والتصوير وَالْمُخْتَار التَّفْوِيض لِأَن اللَّفْظ إِذا كَانَ لَهُ معنى رَاجِح ثمَّ دلّ دَلِيل أقوى مِنْهُ على أَن ذَلِك الظَّاهِر غير مُرَاد علم أَن مُرَاد الله بعض مجازات تِلْكَ الْحَقِيقَة، وَفِي المجازات كَثْرَة، وترجيح الْبَعْض لَا يكون إِلَّا بالتراجيح اللُّغَوِيَّة الظنية، وَمثل ذَلِك لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي الْمسَائِل القطعية فيفوض تَعْبِير ذَلِك المُرَاد إِلَى علمه تَعَالَى، فَجَمِيع أهل السّنة سلفهم وخلفهم صرفُوا المتشابهات من مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّة إِلَى المجازات، إِمَّا اجمالا بِنَفْي الكيفيات وتفويض تعْيين الْمَعْنى الْمجَازِي المُرَاد إِلَى الله تَعَالَى مُطلقًا، أَو بِتَعْيِين نوع الْمجَاز وَهُوَ الصّفة وتفويض تعْيين تِلْكَ الصّفة إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ أسلم وَهُوَ مُخْتَار الإِمَام أبي حنيفَة، وَصرح بِهِ الْأَشْعَرِيّ وَأكْثر السّلف وَإِمَّا تَفْصِيلًا بِتَعْيِين المُرَاد بِحَسب الظَّاهِر من المجازات، وَهُوَ مُخْتَار الْخلف، وَهُوَ أحكم
قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: وَقد يُقَال: إِن التَّوَقُّف عَن تَأْوِيل التشابه إِنَّمَا هُوَ عَن طلب الْعلم حَقِيقَة لَا ظَاهرا
وَالْأَئِمَّة إِنَّمَا تكلمُوا فِي تَأْوِيله ظَاهرا لَا حَقِيقَة، وَبِهَذَا يُمكن أَن يرفع نزاع الْفَرِيقَيْنِ
الْمُطلق: هُوَ مَا يتَنَاوَل الْأَفْرَاد على سَبِيل الْبَدَل ك (رجل) مثلا
وَالْعَام: مَا يتَنَاوَل جَمِيع الْأَفْرَاد
وَالْمُطلق: هُوَ الدَّال على الْمَاهِيّة من غير دلَالَة(1/847)
على الْوحدَة وَالْكَثْرَة
والنكرة دَالَّة على الْوحدَة وَلَا فرق بَينهمَا فِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ
والمطلقة، بِالتَّاءِ: النكرَة وَهُوَ الدَّال على فَرد غير معِين لِأَن التَّاء لَا تدخل على الْمُطلق المصطلح لِأَنَّهُ صَار لقبا فَخرج عَن الوصفية
وَالْمُطلق: هُوَ المتعري عَن الصّفة وَالشّرط وَالِاسْتِثْنَاء
والمقيد: مَا فِيهِ أحد هَذِه الثَّلَاثَة
وَالْمُطلق إِذا كَانَ مقولا بالتشكيك ينْصَرف إِلَى الْكَمَال، وَكَذَا إِذا كَانَ هُنَاكَ قرينَة مَانِعَة عَن إِرَادَة مَعْنَاهُ الْعَام وَأما إِذا كَانَ مقولا بالتواطؤ فَلَا ينْصَرف إِلَى الْكَمَال
وَالْمُطلق عَلَيْهِ: مَا وَقع عَلَيْهِ اللَّفْظ وَصَارَ الحكم مُتَعَلقا بِهِ بِحَسب الْوَاقِع من غير اشْتِرَاط تفهيمه للمخاطب
والمستعمل فِيهِ مَا يكون الْغَرَض الْأَصْلِيّ طلب دلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ ويقصد تفهيمه بِخُصُوصِهِ للمخاطب، وَإِذا لم يكن اللَّفْظ مُفِيدا بِخُصُوصِهِ يجب نصب قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ
وَالْمُطلق لَا يحمل على الْمُقَيد عندنَا [إِذا وردا فِي الحكم فِي حادثين أصلا لَا فِي حكمين وَلَا فِي حكم وَاحِد وَلَا فِي حَادِثَة وَاحِدَة بعد أَن يَكُونَا فِي حكمين
وَأما فِي حَادِثَة وَاحِدَة فِي حكم وَاحِد فَيحمل عَلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ، وَذَلِكَ لِأَن الْإِطْلَاق أَمر مَقْصُود لِأَنَّهُ يُنبئ عَن التَّوسعَة على الْمُكَلف، كَمَا أَن التَّقْيِيد أَمر مَقْصُود يُنبئ عَن التَّضْيِيق، وَعند إِمْكَان الْعَمَل بهما لَا يجوز إبِْطَال أَحدهمَا بِالْآخرِ أما الْإِمْكَان فِي الحادثتين فَظَاهر فَكَذَا فِي حَادِثَة وَاحِدَة لجَوَاز أَن تكون التَّوسعَة مَقْصُودَة للشارع فِي حكم حَادِثَة، والتضييق مَقْصُودا فِي حكم آخر فِي تِلْكَ الْحَادِثَة كَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَام فِي كَفَّارَة الظِّهَار فَلَا يجوز إبِْطَال أَحدهمَا بِالْآخرِ وَالْعَمَل بالمطلق وَاجِب، وَالْوَصْف فِي الْمُطلق مسكوت عَنهُ وَقد نهى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن السُّؤَال عَن الْمَسْكُوت عَنهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} فالرجوع إِلَى الْمُقَيد مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بالمطلق إقدام على هَذَا الْمنْهِي عَنهُ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ: أبهموا مَا أبهم الله وَاتبعُوا مَا بَين الله أَي اتركوه على إبهامه فَإِن الِاسْتِقْصَاء شُؤْم وَالْمُطلق مُبْهَم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقَيد فَلَا يحمل عَلَيْهِ] إِلَّا إِذا اتّحدت الْحَادِثَة وَكَانَ الْإِطْلَاق وَالتَّقْيِيد فِي الحكم دون السَّبَب كَقِرَاءَة الْعَامَّة: {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} ، وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود: {ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات} ، فَيحمل على الْمُقَيد لِامْتِنَاع الْجمع بَينهمَا، [وَإِنَّمَا حمل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمُطلق على الْمُقَيد فِي آيَة السّرقَة حَتَّى قَالَ: دلّت الْآيَة على قطع يسرى السَّارِق فِي الكرة الثَّانِيَة مَعَ الِاتِّفَاق على الْحمل فِي صُورَة اتِّحَاد الحكم والحادثة فَإِنَّهُ لَا يعْمل بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود {فَاقْطَعُوا أيمانهما} لكَونهَا متواترة وَلَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد] عِنْد اخْتِلَاف الحكم إِلَّا فِي صُورَة الاستلزام بِأَن كَانَ أحد الْحكمَيْنِ مُوجبا لتقييد(1/848)
الآخر بِالذَّاتِ نَحْو: (أعتق رَقَبَة وَلَا تعْتق رَقَبَة كَافِرَة) أَو بالواسطة مثل: (أعتق عني رَقَبَة وَلَا تملكني رَقَبَة كَافِرَة) فَإِن نفي تمْلِيك الْكَافِرَة يسْتَلْزم نفي إعْتَاقهَا عَنهُ، وَهَذَا يُوجب تَقْيِيد إِيجَاب الْإِعْتَاق عَنهُ بالمؤمنة فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيد
وَالْمُطلق يجْرِي على إِطْلَاقه إِلَّا إِذا قَامَ دَلِيل التَّقْيِيد، فالوكيل بِالنِّكَاحِ من جَانب الْمَرْأَة أَو الزَّوْج يتَحَمَّل مِنْهُ الْغبن الْفَاحِش عِنْد الإِمَام بِنَاء على أَصله هَذَا لَا عِنْدهمَا للتَّقْيِيد بِدلَالَة الْعرف، وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة
وَالْمُطلق يَكْفِي فِي صدقه صُورَة وَاحِدَة بِدَلِيل: {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} ، فَإِن فَضلهمْ على الْكل فِي أَمر مَا لَا يَقْتَضِي الْفضل من الْكل فِي كل الْأُمُور، فَلَا دلَالَة فِيهِ على تَفْضِيل الْبشر على الْملك
وَالْمُطلق مَا تعرض للذات دون الصِّفَات كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَتَحْرِير رَقَبَة}
والمقيد مَا تعرض ذاتا مَوْصُوفَة بِصفة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة}
وَالْمُطلق يحمل على الْمُقَيد فِي الرِّوَايَات، وَلِهَذَا ترى مطلقات الْمُتُون يقيدها الشُّرَّاح، وَلَا خلاف فِي تَقْيِيد المطلقات بِالشُّرُوطِ كالحول وَالْعَدَالَة وَالطَّهَارَة وَغير ذَلِك من الشَّرَائِط
المناظرة: هِيَ النّظر بالبصيرة من الْجَانِبَيْنِ فِي النِّسْبَة بَين الشَّيْئَيْنِ إِظْهَارًا للصَّوَاب، وَقد يكون مَعَ نَفسه
والمجادلة: هِيَ الْمُنَازعَة فِي الْمَسْأَلَة العلمية لإلزام الْخصم سَوَاء كَانَ كَلَامه فِي نَفسه فَاسِدا أَو لَا
وَإِذا علم بِفساد كَلَامه وَصِحَّة كَلَام خَصمه فنازعه فَهِيَ المكابرة
وَمَعَ عدم الْعلم بِكَلَامِهِ وَكَلَام صَاحبه فنازعه فَهِيَ المعاندة
وَأما المغالطة: فَهُوَ قِيَاس مركب من مُقَدمَات شَبيهَة بِالْحَقِّ، وَيُسمى سفسطة أَو شَبيهَة بالمقدمات الْمَشْهُورَة وَيُسمى مشاغبة
وَأما المناقضة: فَهِيَ منع مُقَدّمَة مُعينَة من الدَّلِيل إِمَّا قبل تَمَامه وَإِمَّا بعده
وَالْأول: إِمَّا منع مُجَرّد عَن ذكر مُسْتَند الْمَنْع، أَو مَعَ ذكر الْمُسْتَند [وَهُوَ الَّذِي يكون الْمَنْع مَبْنِيا عَلَيْهِ] ك (لَا نسلم أَن الْأَمر كَذَا، وَلم لَا يكون الْأَمر كَذَا) أَو (لَا نسلم كَذَا وَإِنَّمَا يلْزم لَو كَانَ الْأَمر كَذَا) وَيُسمى أَيْضا بِالنَّقْضِ التفصيلي عِنْد الجدليين
وَالثَّانِي: وَهُوَ منع الْمُقدمَة بعد تَمام الدَّلِيل، أما أَن يكون مَعَ منع الدَّلِيل أَيْضا بِنَاء على تخلف حكمه فِي صُورَة بِأَن يُقَال: مَا ذكر من الدَّلِيل غير صَحِيح لتخلف حكمه فِي كَذَا فالنقض الإجمالي لِأَن جِهَة الْمَنْع فِيهِ غير مُعينَة وَأما الْمَنْع لمقدمة من مُقَدمَات الدَّلِيل مَعَ تَسْلِيم الدَّلِيل وَمَعَ الِاسْتِدْلَال بِمَا يُنَافِي ثُبُوت الْمَدْلُول مَعَ تَسْلِيم الدَّلِيل فالمعارضة، فَيَقُول الْمُعْتَرض للمستدل فِي صُورَة الْمُعَارضَة: مَا ذكرت من الدَّلِيل إِن دلّ على مَا تدعيه فعندي مَا يُنَافِيهِ أَو يدل على نقيضه وَيثبت(1/849)
بطريقه، فَيصير الْمُعْتَرض بهَا مستدلا والمستدل مُعْتَرضًا وعَلى الْمُسْتَدلّ الْمَمْنُوع دَلِيله الدّفع لما اعْترض بِهِ عَلَيْهِ بِدَلِيل ليسلم لَهُ دَلِيله الْأَصْلِيّ، وَلَا يَكْفِيهِ الْمَنْع الْمُجَرّد كَمَا لَا يَكْتَفِي من الْمُعْتَرض بذلك، فَإِن ذكر الْمُسْتَدلّ دَلِيلا آخر منع ثَانِيًا تَارَة قبل تَمام الدَّلِيل وَتارَة بعد تَمَامه وَهَكَذَا يسْتَمر الْحَال مَعَ منع الْمُعْتَرض ثَالِثا ورابعا دفع الْمُسْتَدلّ لما يُورد عَلَيْهِ إفحام الْمُسْتَدلّ وَأما فِي صُورَة المناقضة فَإِن أَقَامَ الْمَانِع دَلِيلا على انْتِفَاء الْمُقدمَة فالاحتجاج الْمَذْكُور يُسمى غصبا، لِأَن الْمُعْتَرض غصب منصب الْمُسْتَدلّ فَلَا يسمعهُ الْمُحَقِّقُونَ من أهل الجدل لاستلزام الْخبط فِي الْبَحْث فَلَا يسْتَحق الْمُعْتَرض بِهِ جَوَابا، وَقيل: يسمع جَوَابا فَيسْتَحق الْمُعْتَرض بِهِ
والمناقضة المصطلح عَلَيْهَا فِي علم الجدل هِيَ تَعْلِيق أَمر على مُسْتَحِيل إِشَارَة إِلَى اسْتِحَالَة وُقُوعه كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط}
والمناقضة فِي البديع: تَعْلِيق الشَّرْط على نقيضين مُمكن ومستحيل وَمُرَاد الْمُتَكَلّم المستحيل دون الْمُمكن ليؤثر التَّعْلِيق عدم وُقُوع الْمَشْرُوط، فَكَأَن الْمُتَكَلّم نَاقض نَفسه فِي الظَّاهِر كَقَوْلِه:
(وَإنَّك سَوف تحلم أَو تناهى ... إِذا مَا شبت أَو شَاب الْغُرَاب)
لِأَن مُرَاده التَّعْلِيق على الثَّانِي، وَهُوَ مُسْتَحِيل، لَا الأول الَّذِي هُوَ مُمكن، لِأَن الْقَصْد أَن يَقُول: إِنَّك لَا تحلم أبدا
والمعارضة: هِيَ فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْمُقَابلَة على سَبِيل الممانعة والمدافعة يُقَال: لفُلَان ابْن يُعَارضهُ أَي: يُقَابله بِالدفع وَالْمَنْع، وَمِنْه سمي الْمَوَانِع عوارض
[وَفِي الِاصْطِلَاح: تَسْلِيم دَلِيل الْمُعَلل دون مَدْلُوله وَالِاسْتِدْلَال على خلاف مَدْلُوله وَمَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمُعَارضَة لُغَة نَوْعَانِ: مُعَارضَة خَالِصَة وَهِي المصطلح الْمَذْكُور، ومعارضة مناقضة وَهِي الْمُقَابلَة بتعليل مُعَلل، سميت بذلك لتضمنها إبِْطَال دَلِيل الْمُعَلل]
وَمن شَرط تحقق الْمُعَارضَة الْمُمَاثلَة والمساواة بَين الدَّلِيلَيْنِ فِي الثُّبُوت وَالْقُوَّة والمنافاة بَين حكمهمَا واتحاد الْوَقْت وَالْمحل والجهة، فَلَا يتَحَقَّق التَّعَارُض أَيْضا فِي الْجمع بَين الْحل وَالْحُرْمَة وَالنَّفْي وَالْإِثْبَات فِي زمانين فِي مَحل وَاحِد، أَو فِي محلين فِي زمَان وَاحِد لِأَنَّهُ مُتَصَوّر؛ وَكَذَلِكَ لَا تعَارض عِنْد اخْتِلَاف الْجِهَتَيْنِ كالنهي عَن البيع وَقت النداء مَعَ دَلِيل الْجَوَاز وَإِن اجْتمعت هَذِه الشَّرَائِط وَتعذر التَّخَلُّص عَن التَّعَارُض بِهَذَا الطَّرِيق ينظر إِن كَانَا عَاميْنِ يحمل أَحدهمَا على الْقَيْد وَالْآخر على الْإِطْلَاق؛ أَو يحمل أَحدهمَا على الْكل وَالْآخر على الْبَعْض دفعا للتعارض وَإِن كَانَا خاصين يحمل أَحدهمَا على الْقَيْد وَالْمجَاز على مَا أمكن، وَإِن كَانَ أَحدهمَا خَاصّا وَالْآخر عَاما يقْضِي الْخَاص على الْعَام هُنَا بِالْإِجْمَاع دفعا للتعارض
وَفِي " جمع الْجَوَامِع ": يتَحَصَّل من النصين المتعارضين سِتَّة وَثَلَاثُونَ نوعا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونَا عَاميْنِ أَو خاصين، أَو أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا، أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا عَام من وَجه خَاص من(1/850)
وَجه، فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَنْوَاع كل مِنْهُمَا يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام، لِأَنَّهَا إِمَّا مَعْلُومَات أَو مظنونات، أَو أَحدهمَا مَعْلُوم والأخر مظنون يحصل اثْنَا عشر، وكل مِنْهُمَا إِمَّا أَن يعلم تقدمه أَو تَأَخره، أَو يجهل فَيحصل سِتَّة وَثَلَاثُونَ
الْمُبَالغَة: هِيَ أَن يذكر الْمُتَكَلّم وَصفا فيزيد فِيهِ حَتَّى يكون أبلغ فِي الْمَعْنى الَّذِي قَصده، فَإِن كَانَت بِمَا يُمكن عقلا لَا عَادَة فإغراق نَحْو:
(ونكرم جارنا مَا دَامَ فِينَا ... ونتبعه الْكَرَامَة حَيْثُ مَالا)
وَالْمُبَالغَة ضَرْبَان: مُبَالغَة بِالْوَصْفِ بِأَن يخرج إِلَى حد الاستحالة، وَمِنْه: {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط}
ومبالغة بالصيغة
وصيغ الْمُبَالغَة عِنْد الْجُمْهُور محصورة فِي ثَلَاث وَهِي: فعال ومفعال وفعول وَمَا نقل عَن سِيبَوَيْهٍ أَن فعيلا من صِيغ الْمُبَالغَة فَمَحْمُول على حَالَة الْعَمَل للنصب، فَحَيْثُ لَا عمل لَهُ لَا يحمل على صيغها، بل مَعْنَاهُ أَنه صفة مشبهة لإِفَادَة الْمُبَالغَة
وَمَا بني للْمُبَالَغَة فعلان وفعيل وَفعل كفرح، وَفعل ككبر، وفعلاء كعلياء
قَالَ بَعضهم: صِيغ الْمُبَالغَة قِسْمَانِ: أَحدهمَا مَا تحصل الْمُبَالغَة فِيهِ بِحَسب زِيَادَة الْفِعْل
وَالثَّانِي بِحَسب تعدد المفعولات وَلَا شكّ أَن تعددها لَا يُوجب للْفِعْل زِيَادَة، إِذْ الْفِعْل الْوَاحِد قد يَقع على جمَاعَة متعددين، وعَلى هَذَا الْقسم تنزل صِفَات الله
الْمثل، بِالْكَسْرِ: [أَعم الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة للمشابهة والنظير أخص مِنْهُ، وَكَذَا الند فَإِنَّهُ يُقَال لما يُشَارِكهُ فِي الْجَوْهَر فَقَط، وَكَذَا الشّبَه والمساوي والشكل] وَقد يُطلق الْمثل وَيُرَاد بِهِ الذَّات كَقَوْلِك: (وَمثلك لَا يفعل هَذَا) أَي: أَنْت لَا تَفْعَلهُ وَعَلِيهِ: {لَيْسَ كمثله شَيْء} أَي: كَهُوَ تَقول الْعَرَب: (مثلي لَا يُقَال لَهُ هَذَا) أَي: أَنا لَا يُقَال لي هَذَا، أَو المُرَاد فِيهِ نفي (التَّمَاثُل عَن الْمثل، فَلَا مثل لله حَقِيقَة) أَو المُرَاد نفي الْمثل وَزِيَادَة الْحَرْف بِمَنْزِلَة أعادة الْجُمْلَة ثَانِيًا، أَو الْجمع بَين الْكَاف والمثل لتأكيد النَّفْي تَنْبِيها على أَنه لَا يَصح استعمالهما فنفي ب (لَيْسَ) الْأَمْرَانِ جَمِيعًا
أَو الْمثل بِمَعْنى الصّفة، وَفِيه تَنْبِيه على أَن الصِّفَات لَهُ تَعَالَى لَا على حسب مَا تسْتَعْمل فِي الْبشر {وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى} وَالْأَكْثَرُونَ على كَون الْكَاف فِيهِ زَائِدَة إِذْ الْقَصْد نفي الْمثل
وَاعْلَم أَن الْمثل الْمُطلق للشَّيْء هُوَ مَا يُسَاوِيه فِي جَمِيع أَوْصَافه، وَلم يتجاسر أحد من الْخَلَائق على إِثْبَات الْمثل الْمُطلق لله، بل من أثبت لَهُ شَرِيكا ادّعى أَنه كالمثل لَهُ يَعْنِي يُسَاوِيه فِي بعض صِفَات الإلهية، فالآية رد على من زعم التَّسَاوِي من وَجه دون وَجه {} [ثمَّ اعْلَم أَن الْمثل لَو فرض عَاما لَا يلْزم عجزهما(1/851)
من جِهَة التمانع والتطارد بَين إرادتهما وقدرتيهما، اتفقَا على مُمكن وَاحِد وَاخْتلفَا وَالثَّانِي ظَاهر، وَأما الأول فلاستحالة نُفُوذ الإرادتين فِي مُمكن وَاحِد، وَإِلَّا لزم انقسام مَا لَا يَنْقَسِم أَو تَحْصِيل الْحَاصِل فَلَا بُد من عجز إِحْدَى القدرتين وَإِحْدَى الإرادتين وَيلْزم مِنْهُ عجز الْأُخْرَى بالمماثلة، وَلَو فرض الْمثل خَاصّا فِي بعض الصِّفَات كالقدرة الإلهية مثلا فَإِنَّهُ يلْزم الْحُدُوث لكل من المثلين لافتقارهما إِلَى مُخَصص يخصصهما بِالْمحل الَّذِي وجدت فِيهِ لقبُول كل مِنْهُمَا حِينَئِذٍ المحلين، وَذَلِكَ يُنَافِي مَا ثَبت للإله من وجوب الْوُجُود، وَيلْزم حِينَئِذٍ الْعَجز أَيْضا للحدوث والتمانع]
والمثل، بِفتْحَتَيْنِ لُغَة؛ اسْم لنَوْع من الْكَلَام، وَهُوَ مَا تراضاه الْعَامَّة والخاصة لتعريف الشَّيْء بِغَيْر مَا وضع لَهُ من اللَّفْظ، يسْتَعْمل فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء [ويستعار لفظ الْمثل للْحَال كَقَوْلِه تَعَالَى: {مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} أَي حَالهم العجيبة
و {مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون} ؛ أَي فِيمَا قَصَصنَا عَلَيْك من الْعَجَائِب وَمن الْعَجَائِب قصَّة الْجنَّة العجيبة {وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى} أَي الصّفة العجيبة] (وَهُوَ أبلغ من الْحِكْمَة
وَقد يَأْتِي المكسور بِمَعْنى (الْمثل) بِفتْحَتَيْنِ، أَعنِي الصّفة كَقَوْلِه تَعَالَى: {مثل الْجنَّة} أَي: صفتهَا وَقد يَأْتِي بِمَعْنى النَّفس، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِن آمنُوا بِمثل مَا آمنتم بِهِ} )
والمثال: من مثل الرجل بَين يَدي رجل ككرم: إِذا انتصب قَائِما أَو سقط بَين يَدَيْهِ
والأمثل: للتفضيل وَسمي أفاضل النَّاس أماثل لقيامهم فِي كل الْمُهِمَّات
وَمِنْه الْمثل يسد مسد غَيره
وَيُسمى الْكَلَام الدائر فِي النَّاس للتمثيل مثلا لقصدهم إِقَامَة ذَلِك مقَام غَيره
وَالشّرط فِي حسن التَّمْثِيل هُوَ أَن يكون على وفْق الممثل لَهُ من الْجِهَة الَّتِي تعلق بهَا التَّمْثِيل فِي الْعظم والصغر والخسة والشرف وَإِن كَانَ الممثل أعظم من كل عَظِيم كَمَا مثل فِي الْإِنْجِيل غل الصَّدْر بالنخالة، والقلوب القاسية بالحصاة، ومخاطبة السُّفَهَاء بإثارة الزنانير
وَفِي كَلَام الْعَرَب: (أسمع من قراد) ، و (أطيش من فراشة) ، و (أعز من مخ البعوض) وَنَحْو ذَلِك
والمثلة: كاللمزة للْمَفْعُول كلون مَقْطُوع الْأنف وَنَحْوه، كالمنصوب بَين يَدي النَّاس بِاعْتِبَار تكلمهم بِهِ للتمثيل فِي التقبيح
(والمثل، محركة: الْحجَّة والْحَدِيث
وتمثل: أَي أنْشد بَيْتا ثمَّ آخر
وتمثل بالشَّيْء: ضربه مثلا
وَمثله لَهُ تمثيلا: صوره لَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهِ
{فتمثل لَهَا بشرا سويا} : أَي أَتَاهَا جِبْرِيل(1/852)
بِصُورَة شَاب أَمْرَد سوي الْخلق، يُقَال: تمثل كَذَا عِنْد كَذَا، إِذا حضر منتصبا عِنْده بِنَفسِهِ أَو بمثاله
والطريقة المثلى: أَي الْأَشْبَه بِالْحَقِّ
و {أمثلهم طَريقَة} أَي: أعدلهم وأشبههم بِأَهْل الْحق وأعلمهم عِنْد نَفسه بِمَا يَقُوله
الْملك، بِالْكَسْرِ: أَعم من المَال يُقَال: ملك النِّكَاح، وَملك الْقصاص، وَملك الْمُتْعَة وَهُوَ قدرَة يثبتها الشَّارِع ابْتِدَاء على التَّصَرُّف، فَخرج نَحْو الْوَكِيل كَذَا فِي " فتح الْقَدِير " وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِلَّا لمَانع كالمحجور عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَالك وَلَا قدرَة لَهُ على التَّصَرُّف
وَالْمَبِيع الْمَنْقُول ملك للْمُشْتَرِي وَلَا قدرَة لَهُ على بَيْعه قبل قَبضه
وَملك يَمِيني، بِالْفَتْح أفْصح من الْكسر
وَالْملك، بِالضَّمِّ: عبارَة عَن الْقُدْرَة الحسية الْعَامَّة لما يملك شرعا وَلما لَا يملك فِي " الْقَامُوس ": بِالضَّمِّ مَعْلُوم وَيُؤَنث، وبالفتح، وككتف وأمير وَصَاحب: ذُو الْملك
وَقَالَ الزّجاج: بِالضَّمِّ السُّلْطَان وَالْقُدْرَة وبالكسر مَا حوته الْيَد. وبالفتح مصدر
وَقيل: بِالضَّمِّ يعم التَّصَرُّف فِي ذَوي الْعُقُول وَغَيرهم، وبالكسر يخْتَص بِغَيْر الْعُقَلَاء
وَقيل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه، فالمضموم هُوَ التسلط على من يَتَأَتَّى مِنْهُ الطَّاعَة، وَيكون بِالِاسْتِحْقَاقِ وَبِغَيْرِهِ، والمسكور كَذَلِك إِلَّا أَنه لَا يكون لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ
وَالْملك؛ بِالْفَتْح وَكسر اللَّام: أدل على التَّعْظِيم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَالِك، لِأَن التَّصَرُّف فِي الْعُقَلَاء المأمورين بِالْأَمر وَالنَّهْي أرفع وأشرف من التَّصَرُّف فِي الْأَعْيَان الْمَمْلُوكَة الَّتِي أشرفها العبيد وَالْإِمَاء
وَأَيْضًا الْملك من حَيْثُ إِنَّه ملك أَكثر تَصرفا من الْمَالِك من حَيْثُ إِنَّه مَالك وأقدر على مَا يُريدهُ فِي تصرفانه وَأقوى تمَكنا مِنْهَا واستيلاء عَلَيْهَا وَأكْثر إحاطة وورود لفظ الْملك فِي الْقُرْآن أَكثر من وُرُود لفظ الْمَالِك إِذْ هُوَ أَعلَى شَأْنًا من الْمَالِك
وَقَالَ بَعضهم: الْمَالِك اسْم فَاعل من الْملك بِالْكَسْرِ، وَاسم الْفَاعِل مَا اشتق مِمَّا حدث مِنْهُ الْفِعْل فِي الْحَال
وَالْملك: من لَهُ السلطنة وَالتَّصَرُّف فِي الْأَمر وَالنَّهْي فِي جمَاعَة الْعُقَلَاء فَهُوَ صفة مشبهة من الْملك بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْإِمَارَة والسلطنة وَالصّفة المشبهة مَا اشتق مِمَّا ثَبت فِيهِ الْفِعْل وَاسْتمرّ، وَمن ثمَّة خصت باللازم كالحسن وَالْكَرم والجود
فالمالك وَإِن كَانَ أوسع لشُمُوله لغير الْعُقَلَاء أَيْضا لَكِن الْملك أبلغ لدلالته على الْقُوَّة الْقَاهِرَة
وَقيل: الْمَالِك أَكثر إحاطة وتصرفا من الْملك، لِأَن الْملك لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى أَحْرَار من النَّاس بِخِلَاف الْمَالِك وَإِن الْمَالِك يتَصَرَّف بِالْبيعِ وَأَمْثَاله، وَلَيْسَ ذَلِك للْملك
وَقيل: الْمَالِك من الْملك بِالضَّمِّ عَام من جِهَة الْمَعْنى وَفِيه معنى التسلط
وَالْمَالِك من الْملك بِالْكَسْرِ خَاص وَفِيه معنى الِاسْتِحْقَاق، فَكل مَالك ملك وَلَيْسَ كل ملك مَالِكًا
وَالْمُتوَلِّيّ من الْمَلَائِكَة شَيْئا من السياسة يُقَال لَهُ (ملك) بِفَتْح اللَّام وَمن الْبشر يُقَال لَهُ (ملك)(1/853)
بِكَسْرِهَا، فَكل ملك مَلَائِكَة وَلَيْسَ كل مَلَائِكَة ملكا؛ بل الْملك هم الْمشَار إِلَيْهِم بقوله تَعَالَى: {فالمدبرات} ، {فَالْمُقَسِّمَات} وَنَحْو ذَلِك وَمِنْه ملك الْمَوْت
(وملكوت الشَّيْء عِنْد الصُّوفِيَّة حَقِيقَة الْمُجَرَّدَة اللطيفة، غير الْمقيدَة بقيود كثيفة شجية جسمانية
ويقابله الْملك بِمَعْنى الْمَادَّة الكثيفة بالقيود)
وَالْمَلَائِكَة جمع (ملأك) على أَصله الَّذِي هُوَ (لأك) بِالْهَمْزَةِ، وَالتَّاء لتأكيد ثأنيث الْجَمَاعَة (أَو الْمُبَالغَة) هَكَذَا كَلَام السّلف وليت شعري مَا وَجه قَوْله تَعَالَى {قَالُوا لَا علم لنا} {} (وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم) {} (فنادته الْمَلَائِكَة} وَاخْتلف فِي حقيقتهم بعد الِاتِّفَاق على أَنهم ذَوَات مَوْجُودَة قَائِمَة بِأَنْفسِهِم، فَأكْثر الْمُتَكَلِّمين على أَنهم أجسام لَطِيفَة قادرة على التشكل بصور مُخْتَلفَة، كَمَا أَن الرُّسُل كَانُوا يرونهم كَذَلِك [إِمَّا بانضمام الْأَجْزَاء وتكاتفها دون إفناء الزَّائِد من خلقه وإعادته، وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك على مَا يَشَاء الله تَعَالَى]
(وَالْمَلَائِكَة عباد الله الْعَامِلُونَ بِأَمْر الله إِلَّا هاروت وماروت، كَمَا أَن الشَّيَاطِين أَعدَاء الله المخالفون لأمر الله إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم قرين النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أسلم وَهُوَ هَامة بن هميم بن لاقيس بن إِبْلِيس اللعين)
وَذهب الْحُكَمَاء إِلَى أَنهم جَوَاهِر مُجَرّدَة مُخَالفَة للنفوس الناطقة فِي الْحَقِيقَة
[وَالْحق أَنهم جَوَاهِر بسيطة معقولة مبرأة من الْحُلُول فِي الْموَاد، وَهِي مَعَ ذَلِك إِمَّا غير مُتَعَلقَة بعلائق الْمَادَّة كالعقول، وَإِمَّا مُتَعَلقَة بعلائق الْمَادَّة كالنفوس، وَلَهُم نطق عَقْلِي غير نَام يحْتَمل خلقهمْ توليدا كَمَا جَازَ إبداعا، غير محجوبين عَن تجلي الْأَنْوَار القدسية لَهُم وَلَا ممنوعين من الالتذاذ بهَا فِي وَقت من الْأَوْقَات وَلَا فِي حَالَة من الْحَالَات بنوم وَلَا غَفلَة وَلَا شَهْوَة، بل هم فِي التذاذ ونعيم بِمَا يشاهدونه ويطالعونه من الْعَالم الْقُدسِي والنور الرباني أبدا دَائِما سرمدا وطاعتهم طبع وعصيانهم تكلّف خلاف الْبشر فَإِن طاعتهم تكلّف ومتابعة الْهوى مِنْهُم طبع
قيل: الْمَلَائِكَة مكلفون بالتكليفات الكونية لَا الشَّرْعِيَّة الَّتِي بعث بهَا الرُّسُل وَلَيْسَ كَذَلِك، كَيفَ وَقد دلّت الْآثَار على أَنهم مكلفون بشرعنا فيؤذنون أذاننا وَيصلونَ صَلَاتنَا وملائكة اللَّيْل وَالنَّهَار يشْهدُونَ صَلَاة الْفجْر وَيصلونَ فِي جماعتنا ويحضرون مَعَ الْأمة فِي قتال الْعَدو لنصرة الدّين وَهَذِه خصيصة مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا مُخْتَصَّة بالبدر، وَقد أَعْطَيْت لَهُم قِرَاءَة سُورَة الْفَاتِحَة من الْقُرْآن لَا غير، ومطالعة اللَّوْح الْمَحْفُوظ مِمَّا لَا تحقق لَهُ وَاخْتلف فِي الْفضل بَين الْأَنْبِيَاء(1/854)
وَالْمَلَائِكَة، فمذهب الأشاعرة والشيعة أَن الْأَنْبِيَاء أفضل والأدلة على ذَلِك كَثِيرَة مِنْهَا سجودهم لسيدنا آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْلَا أَن السَّجْدَة دَالَّة على زِيَادَة منصب السُّجُود لَهُ على الساجد لما قَالَ إِبْلِيس: {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ} وَمِنْهَا أَنه أعلم مِنْهُم بِدَلِيل {يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ} والأعلم أفضل بِدَلِيل {هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ}
وَمِنْهَا إطاعة الْبشر أشق لِكَثْرَة الْمَوَانِع، وَالْفِعْل مَعَ الْمَانِع أشق مِنْهُ مَعَ غير الْمَانِع، والأشق أفضل لحَدِيث: " أفضل الْعِبَادَة أحمزها "
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {إِن الله اصْطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على الْعَالمين} والإشكال بقوله تَعَالَى فِي بني إِسْرَائِيل {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} حَيْثُ يسْتَلْزم تَفْضِيلهمْ على سيدنَا مُحَمَّد وَسَيِّدنَا آدم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام مَدْفُوع بِأَن يُقَال: إِن سيدنَا مُحَمَّدًا كَانَ مَوْجُودا حَال وجود بني إِسْرَائِيل وَأما الْمَلَائِكَة فهم موجودون حَال وجود سيدنَا مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَت الفلاسفة والمعتزلة: إِن الْمَلَائِكَة السماوية أفضل من الْبشر وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي بكر الباقلاني وَأبي عبد الله الْحَلِيمِيّ من أَصْحَاب الأشاعرة وَاحْتَجُّوا بأدلة كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون} وَالْجَوَاب: أَنه من قبيل مَا أعَان على هَذَا الْأَمر لَا زيد وَلَا عَمْرو وَهَذَا لَا يُغير كَون الْمُتَأَخر فِي الذّكر أفضل من الْمُتَقَدّم
وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} أَو المُرَاد أَن النَّصَارَى لما شاهدوا من الْمَسِيح مَا شاهدوا من الْقُدْرَة العجيبة أَخْرجُوهُ بهَا من عبَادَة الله وَقَالَ تَعَالَى: {لن يستنكف الْمَسِيح} بِهَذِهِ الْقُدْرَة عَن عبوديتي وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون الَّذين فَوْقه بِالْقُوَّةِ والبطش والاستيلاء على عَالم السَّمَاوَات وَالْأَرضين وَأما الِاحْتِجَاج بقوله تَعَالَى: {وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} فمعارض بقوله تَعَالَى فِي صفة الْبشر {فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر} وَبِحَدِيث: " أَنا عِنْد المنكسرة قُلُوبهم " وَأما الِاحْتِجَاج بقوله تَعَالَى: {والمؤمنون كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله} بِنَاء على أَن التَّقْدِيم فِي الذّكر يدل على التَّقْدِيم فِي الرُّتْبَة فمعارض بتقديمه على الْكتب أَيْضا، وَلم يقل أحد بِأَنَّهُم أفضل من الْكتب، وَأما الِاحْتِجَاج بقوله تَعَالَى: {علمه شَدِيد القوى} فمعارض بقوله تَعَالَى: {وَلَا تعجل بِالْقُرْآنِ قبل أَن يقْضى إِلَيْك وحيه} وَفِيه سر لَا يعرفهُ إِلَّا العرفاء بِاللَّه تَعَالَى وَأما الِاحْتِجَاج بقوله تَعَالَى: (قل لَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله وَلَا أعلم الْغَيْب وَلَا أَقُول(1/855)
لكم إِنِّي ملك} ، وَقَوله تَعَالَى أَيْضا: {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ} فَفِيهِ أبحاث دقيقة وَمذهب أَكثر أهل السّنة أَن الرُّسُل من بني آدم أفضل من الْمَلَائِكَة الرُّسُل وَغير الرُّسُل، وَالرسل من الْمَلَائِكَة أفضل من عَامَّة بني آدم، والمؤمنون من بني آدم أفضل من عَامَّة الْمَلَائِكَة
(وَالْملك: جَوْهَر بسيط ذُو حَيَاة ونطق عَقْلِي غير نَام، يحْتَمل خلقه توليدا كَمَا جَازَ إبداعا طَاعَته طبع وعصيانه تكلّف خلاف الْبشر، فَإِن طَاعَته تكلّف ومتابعة الْهوى مِنْهُ طبع، وَلَا يُنكر من الْملك تصور الْعِصْيَان، إِذْ لَوْلَا التَّصَوُّر لما مدح بِأَنَّهُم لَا يعصون الله وَلَا يَسْتَكْبِرُونَ)
والملكة: تطلق على مُقَابلَة الْعَدَم وعَلى مُقَابلَة الْحَال، فعلى الأول بِمَعْنى الْوُجُود، وعَلى الثَّانِي بِمَعْنى الْكَيْفِيَّة الراسخة
وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة كلهَا أَعْجَمِيَّة إِلَّا أَرْبَعَة: (مُنكر وَنَكِير وَمَالك ورضوان)
وَملكه يملكهُ: (من بَاب ضرب) ملكا مُثَلّثَة الْمِيم وملكة ومملكة بِفَتْح اللَّام فيهمَا وَقد يضم وَقيل يثلث
(وَمَاله ملك: مثلث الْمِيم وبضم الْمِيم وَاللَّام أَيْضا، وَذَلِكَ بانضمام الْأَجْزَاء وتكاثفها حَتَّى يصير على قدر رجل وهيئته على مَا روى النَّسَائِيّ من صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ ثمَّ يعود إِلَى هَيئته الْأَصْلِيَّة دون إفناء الزَّائِد من خلقه وإعادته)
الْمُحَاذَاة: هِيَ أَن يَجْعَل كَلَام بحذاء كَلَام فَيُؤتى بِهِ على وَزنه لفظا وَإِن كَانَا مُخْتَلفين وَمن هَذَا الْبَاب قَوْله: {وَلَو شَاءَ الله لسلطهم عَلَيْكُم فلقاتلوكم} فَهَذِهِ حوذيت بِاللَّامِ الَّتِي فِي (لسلطهم) وَهِي جَوَاب (لَو) فَالْمَعْنى: لسلطهم عَلَيْكُم فقاتلوكم، وَمثله: {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه} فهما لاما قسم وَأما {أَو ليأتيني} فَلَيْسَ ذَا مَوضِع قسم لكنه لما جَاءَ على إِثْر مَا يجوز فِيهِ الْقسم أجري مجْرَاه
وَمِنْه أَيْضا كِتَابَة الْمُصحف، مثلا إِنَّهُم كتبُوا: {وَاللَّيْل إِذا سجى} بِالْيَاءِ وَهُوَ من ذَوَات الْوَاو، وَلما قرن بِغَيْرِهِ مِمَّا يكْتب بِالْيَاءِ وَقد نظمت فِيهِ:
(قد يقرن بِي امْرُؤ فَيعْطى شأني ... كالليل إِذا سجى ليأتيني)
الْمُسَاوَاة: هِيَ أَن يكون اللَّفْظ مُسَاوِيا للمعنى بِحَيْثُ(1/856)
لَا يزِيد مِنْهُ وَلَا ينقص عَنهُ، وَهِي مُعْتَبرَة فِي قسمي البلاغة الإيجاز والإطناب مَعًا
أما الإيجاز فكقوله تَعَالَى: {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة}
والإطناب هَذَا الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا فَلَا يسرف فِي الْقَتْل}
وَأما الإيجاز من غير هَذَا الْمَعْنى فكقوله تَعَالَى: {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} طرفاها مَنْسُوخ وَالْوسط مُحكم
والإطناب كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى} وَلَا بُد من الْإِتْيَان بِهَذَا الْفَصْل لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن الإيجاز لَا يُوصف بالمساواة وَمن أَمْثِلَة الْمُسَاوَاة قَوْله:
(فَإِن تكتموا الدَّاء لَا نخفه ... وَإِن تبعثوا الْحَرْب لَا نقعد)
(وَإِن تقتلونا فنقتلكم ... وَإِن تقصدوا الذَّم لَا نقصد)
والمساوقة عِنْدهم تسْتَعْمل فِيمَا يعم الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم
الْمَسْأَلَة، لُغَة: السُّؤَال أَو المسؤول أَو مَكَان السُّؤَال
وَعرفا: هِيَ قَضِيَّة نظرية فِي الْأَغْلَب تتألف مِنْهَا حجتها وَهِي مبانيها التصديقية وَقد تكون ضَرُورِيَّة محتاجة إِلَى تَنْبِيه وَأما مَا لَا خَفَاء فِيهِ فَلَيْسَ من الْمَسْأَلَة فِي شَيْء وَالْمرَاد الْقَضِيَّة الْكُلية الَّتِي تشْتَمل بِالْقُوَّةِ على أَحْكَام تتَعَلَّق بجزئيات موضوعها
الْمَدْح: هُوَ الثَّنَاء الْحسن، ومدحه وامتدحه بِمَعْنى، والمدحة والأمدوحة مَا يمدح بِهِ
وَقيل: الْمَدْح هُوَ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل مُطلقًا سَوَاء كَانَ من الفواضل أَو من الْفَضَائِل، وَسَوَاء كَانَ اختياريا أَو غير اخْتِيَاري، وَلَا يكون إِلَّا قبل النِّعْمَة وَلِهَذَا لَا يُقَال مدحت الله إِذْ لَا يتَصَوَّر تقدم وصف الْإِنْسَان على نعْمَة الله بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَن نفس الْوُجُود نعْمَة من الله تَعَالَى
وَفِي " التَّبْيِين ": الْحَمد يسْتَعْمل فِي الْإِحْسَان السَّابِق على الثَّنَاء، والمدح يسْتَعْمل فِي السَّابِق وَغَيره، وَهَذَا كالماضي والمضارع فَإِنَّهُمَا يدلان سَوَاء على مُطلق الْمَعْنى بِحَسب الِاشْتِرَاك فِي الْحُرُوف، ثمَّ كل وَاحِد يخْتَص بِزَمَان بِحَسب الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ، وَلَا يخْتَص الْمَدْح بالفاعل الْمُخْتَار وَلَا بِاخْتِيَار الممدوح عَلَيْهِ وَلَا بِقصد التَّعْظِيم كَمَا يشْهد بِهِ موارد استعمالاته
[والمدح بِمَعْنى عد المآثر والمناقب يُقَابله الهجو بِمَعْنى عد المثالب والمدح بِالْوَصْفِ الْجَمِيل يُقَابله الذَّم]
والمدح زِيَادَة على الرضى وَقد يرضى الْمَرْء عَن الشَّيْء وَإِن لم يمدحه
الْمَوْت: [هُوَ ضد الْحَيَاة لُغَة وَالْأولَى فِي التَّعْرِيف عدم الْحَيَاة عَمَّا وجد فِيهِ الْحَيَاة لِئَلَّا ينْتَقض بالجنين وَفِي " شرح الْمَقَاصِد ": زَوَال(1/857)
الْحَيَاة، وَمعنى زَوَال الْحَيَاة عدمهَا عَمَّا يَتَّصِف بِالْفِعْلِ وَهَذَا معنى مَا قيل إِنَّه عدم الْحَيَاة عَمَّا من شَأْنه الْحَيَاة] وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة جسم على صُورَة الْكَبْش، كَمَا أَن الْحَيَاة جسم على صُورَة الْفرس وَأما الْمَعْنى الْقَائِم بِالْبدنِ عِنْد مُفَارقَة الرّوح فَإِنَّمَا هُوَ أَثَره، فتسميته بِالْمَوْتِ من بَاب الْمجَاز [فخلق الْمَوْت مجَاز عَن تعلقه بمصحح الْمَوْت ومبدئه وَفِي " شرح الْمَقَاصِد ": المُرَاد بِخلق الْمَوْت إِحْدَاث أَسبَابه وَقَالَ بَعضهم: لَا ضَرَر لَو أُرِيد إِحْدَاث نفس الْمَوْت، لِأَن الْأُمُور العدمية قد تحدث بعد أَن لم تكن كالعمى
وَالْمرَاد بقوله تَعَالَى: {موتوا ثمَّ أحياهم} إماتة الْعقُوبَة مَعَ بَقَاء الْأَجَل وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى} إماتة بانتهاء الْأَجَل، وَالْمعْنَى لَا يعْرفُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى فَعبر عَن إِدْرَاك الْمَوْت ومعرفته حِين يُؤْتى بِهِ للذبح فِي صُورَة الْكَبْش بالذوق تجوزا {وأحيينا بِهِ بَلْدَة مَيتا} قيل بِزَوَال الْقُوَّة النامية الْمَوْجُودَة فِي الْإِنْسَان وَالْحَيَوَان والنبات
[وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْإِحْيَاء عبارَة عَن تهييج الْقُوَّة النامية وإثارتها وَهُوَ التَّحْقِيق لِأَنَّهُ لَا تَزُول القوى النامية بل تنعزل عَن الْعَمَل كَمَا فِي المفلوج، فالحياة هيجانها وَالْمَوْت فتورها، فالحواس الَّتِي انعدمت انكمنت فَلَا نشك بِسَمَاع الْمَيِّت ورؤيته كَمَا كَانَ فِي حَال حَيَاته، ويتأثر بالعنف واللطف من الْغَاسِل وَمِمَّنْ يُبَاشر جِسْمه، وَقد دلّت الْأَخْبَار على ذَلِك] {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه} بِزَوَال الْقُوَّة الْعَاقِلَة
{أئذا مَا مت} بِزَوَال الْقُوَّة الحساسة
{ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} أَي: الْحزن المكدر للحياة
والإماتة: جعل الشَّيْء عادم الْحَيَاة ابْتِدَاء، أَو التصيير كالتصغير وَالتَّكْبِير
وَالْمَوْت الْأَحْمَر يرْوى بالتوصيف وبالإضافة أَيْضا، فالأحمز على الثَّانِي بالزاي. قيل: هُوَ حَيَوَان بحري يشق مَوته وعَلى الأول بالراء يُرَاد موت الشُّهَدَاء حَيْثُ لَا مشقة فِي مَوْتهمْ وَالْمَوْت الْأَبْيَض: الْفُجَاءَة
وَالْمَيِّت، مُخَفّفَة: هُوَ الَّذِي مَاتَ
وَالْمَيِّت والمائت: هُوَ الَّذِي لم يمت بعد قَالَ الشَّاعِر:
(وَمن يَك ذَا روح فَذَلِك ميت ... وَمَا الْمَيِّت إِلَّا من إِلَى الْقَبْر يحمل)
وَلَا يسْتَعْمل (مَاتَ حتف أَنفه) فِي الْميتَة بِالْغَرَقِ وَالْهدم [يُقَال لَهُ هَكَذَا زعما أَن روحه تخرج من أَنفه، وَفِي الْمَجْرُوح من جرحه] وَجَمِيع فجاءات الْمَوْت؛ وَإِنَّمَا يسْتَعْمل فِي الْميتَة المماطلة(1/858)
(والموتة، بِالضَّمِّ: ضرب من الْجُنُون)
وَالْميتَة تَأْنِيث مجازي فَإِنَّهَا تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى من الْحَيَوَان فَمن أنث الْفِعْل الْمسند إِلَيْهِ نظر إِلَى اللَّفْظ، وَمن ذكر نظر إِلَى الْمَعْنى
وَالْميتَة: مَا لم تلْحقهُ الذَّكَاة
وبالكسر: للنوع
وبالضم: الغشي وَالْجُنُون
وَفِي {مت} قراءتان: الْكسر من مَاتَ يمات كخاف يخَاف، وبالضم من مَاتَ يَمُوت
والموات، كغراب: الْمَوْت، وكسحاب: مَا لَا روح فِيهِ وَالْأَرْض الَّتِي لَا مَالك لَهَا
والموتان، بِالتَّحْرِيكِ: خلاف الْحَيَوَان أَو أَرض لم تحي بعد، وَمِنْه قَوْلهم: (اشْتَرِ الموتان وَلَا تشتر الْحَيَوَان)
وبالضم: موت يَقع فِي الْمَاشِيَة، وَيفتح
وَرجل موتان الْفُؤَاد: كحيوان
[والمواتاة: الْمُوَافقَة]
الْمسْح: مسح يتَعَدَّى إِلَى المزال عَنهُ بِنَفسِهِ، وَإِلَى المزيل بِالْيَاءِ الْمَفْهُوم الْمَقْصُود من اللَّفْظ سَوَاء كَانَ مَوْجُودا ومعدوما
وَالْمسح، كالملح: البلاس أَي اللبَاس الْخلق وَالْجمع مسوح
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْمسْح، بِالْفَتْح: الْمس وَالْغسْل جَمِيعًا، فالنسبة إِلَى الرَّأْس مس، وَإِلَى الرجل غسل وَالدَّلِيل على هَذَا فعل النَّبِي وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ
وَاعْلَم أَن الْوَاو إِنَّمَا تعطف الِاسْم على الِاسْم فِي نوع الْفِعْل أوفي جنسه لَا فِي كميته وَلَا فِي كيفيته، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} فِي قِرَاءَة خفض الأرجل: إِن الأرجل تغسل والرؤوس تمسح، وَلم يُوجب عطفها على الرؤوس أَن تكون ممسوحة كمسح الرؤوس لِأَن الْعَرَب تسْتَعْمل الْمسْح على مَعْنيين: أَحدهمَا النَّضْح، وَالْآخر الْغسْل وَحكى أَبُو زيد: تمسحت للصَّلَاة أَي: تَوَضَّأت، فَلَمَّا كَانَ الْمسْح على نَوْعَيْنِ أَوجَبْنَا لكل عُضْو مَا يَلِيق بِهِ، إِذْ كَانَت وَاو الْعَطف كَمَا قُلْنَا إِنَّهَا توجب الِاشْتِرَاك فِي نوع الْفِعْل وجنسه، فالنضح وَالْمسح جَمعهمَا جنس الطَّهَارَة، وَلَا يسن تكْرَار مسح الرَّأْس عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي مسح الرَّأْس ركن فَيسنّ تكراره كالغسل، وَيشْهد لتأثير الْمسْح فِي عدم التّكْرَار أصُول كمسح الْخُف وَالتَّيَمُّم والجورب والجبيرة، وَلَا يشْهد لتأثير الرُّكْن فِي التّكْرَار إِلَّا الْغسْل يَقُول الشَّافِعِي فِي مسح الرَّأْس ثَلَاثًا: هُوَ مسح فَيسنّ الإيتار فِيهِ كالاستنجاء بِالْحجرِ، فيعترضه الْحَنَفِيّ بِأَن مسح الْخُف لَا يسن إيتاره إِجْمَاعًا، وَالْقِيَاس الْمُخَالف للْإِجْمَاع بَاطِل
[والمسيح: الصّديق قَالَه إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَحمَه الله، سمي سيدنَا عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسيحا لِأَنَّهُ مَسحه سيدنَا جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بجناحه حَتَّى لَا يكون للشَّيْطَان سَبِيل، أَو كَانَ مسيح الْقدَم الَّذِي لَا أَخْمص لَهُ، أَو أَنه مَا مسح لعاهة إِلَّا براها، أَو كَانَ يسيح فِي الأَرْض وَلَا يُقيم فِي مَكَان(1/859)
والمسيح فِي حق الدَّجَّال لكَونه مَمْسُوح أحد الْعَينَيْنِ، أَو بِمَعْنى الْكذَّاب والحرف من الأضداد]
الْمَوْصُول: هُوَ مَا لَا يتم جزأ إِلَّا بصلَة وعائد
[قيل هُوَ وَحده بِمَنْزِلَة الزَّاي من (زيد) بِخِلَاف الْحُرُوف وَأَنت خَبِير بِأَن جعل الموصولات فِي الإفادة والاستقلال دون الْحُرُوف خُرُوج عَن الْإِنْصَاف]
والموصول والمضاف إِلَى الْمعرفَة كالمعرف بِاللَّامِ من حَيْثُ إنَّهُمَا يحْملَانِ على الْمَعْهُود الْخَارِجِي إِن كَانَ، وَإِلَّا فعلى الْجِنْس وَإِن أريدا من حَيْثُ إنَّهُمَا يتحققان فِي ضمن الْأَفْرَاد وَلم تُوجد قرينَة الِاسْتِغْرَاق فيحملان على الْمَعْهُود الذهْنِي، وَإِن لم يرد بالموصول مَعْهُود خارجي وَلَا جنس من حَيْثُ هُوَ وَلَا استغراق لانْتِفَاء قرينَة تعين إِرَادَته فِي ضمن بعض الْأَفْرَاد لَا بِعَيْنِه يكون فِي الْمَعْنى كالنكرة، فَتَارَة ينظر إِلَى مَعْنَاهُ فيعامل مُعَاملَة النكرَة كالوصف بالنكرة وَبِالْجُمْلَةِ، وَأُخْرَى إِلَى لَفظه فيوصف بالمفرد وَيجْعَل مُبْتَدأ وَذَا حَال
والموصول إِن طابق لَفظه مَعْنَاهُ وَجب مُطَابقَة الْعَائِد لَهُ لفظا وَمعنى، وَإِن خَالف لَفظه مَعْنَاهُ بِأَن كَانَ مُفْرد اللَّفْظ مذكرا وَأُرِيد بِهِ غير ذَلِك ك (من) ، وَمَا جَازَ فِي الْعَائِد وَجْهَان: أَحدهمَا: مُرَاعَاة اللَّفْظ وَهُوَ الْأَكْثَر نَحْو: {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} (وَالثَّانِي: مُرَاعَاة الْمَعْنى نَحْو: {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك}
والموصول الاسمي: مَا لَا يتم جزأ إِلَّا بصلَة وعائد، وصلته جملَة خبرية والعائد ضمير لَهُ
والموصول الْحرفِي: مَا أول مَعَ مَا يَلِيهِ من الْجمل بمصدر وَلَا يحْتَاج إِلَى عَائِد وَلَا أَن تكون صلته جملَة خبرية وصلَة الْمَوْصُول صفة فِي الْمَعْنى
الْمَفْهُوم: هُوَ الصُّورَة الذهنية سَوَاء وضع، بإزائها الْأَلْفَاظ أَو لَا، كَمَا أَن الْمَعْنى هُوَ الصُّورَة الذهنية من حَيْثُ وضع بإزائها الْأَلْفَاظ
وَقيل: هُوَ مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ لَا فِي مَحل النُّطْق
[وَالْمَفْهُوم الْكُلِّي: هُوَ أَمر وَاحِد فِي نَفسه متكثر بِحَسب مَا صدق عَلَيْهِ، فقد اجْتمع فِيهِ الْوحدَة وَالْكَثْرَة من جِهَتَيْنِ وَيُسمى وَاحِدًا نوعيا إِن كَانَ نوعا لجزئياته كالإنسان، وجنسيا وفصليا على قِيَاس النوعي، وأفراده كَثِيرَة من حَيْثُ ذواتها وَاحِدَة من حَيْثُ جزئيات الْمَفْهُوم الْوَاحِد فِي نَفسه وَتسَمى وَاحِدًا بالنوع أَو بِالْجِنْسِ أَو بِالْفَصْلِ
وَالْمَفْهُوم عِنْد بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي] قِسْمَانِ: (مَفْهُوم الْمُخَالفَة: وَيُسمى بِدَلِيل الْخطاب، وفحوى الْخطاب، ولحن الْخطاب: وَهُوَ أَن يثبت الحكم فِي الْمَسْكُوت عَنهُ على خلاف مَا ثَبت فِي الْمَنْطُوق
وَمَفْهُوم الْمُوَافقَة: هُوَ أَن يكون الْمَسْكُوت مُوَافقا للمنطوق فِي الحكم، كالجزاء بِمَا فَوق المثقال فِي(1/860)
قَوْله تَعَالَى: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} وَهُوَ تَنْبِيه بالأدنى على أَنه فِي غَيره أولى)
وَدلَالَة (إِلَى) و (حَتَّى) وأمثالهما على مُخَالفَة حكم مدخولها لما قبلهَا بطرِيق الْإِشَارَة لَا بطرِيق الْمَفْهُوم، وَالْمَفْهُوم إِنَّمَا يعْتَبر حَيْثُ لَا يظْهر للتخصيص وَجه سوى اخْتِصَاص الحكم، وَقد ظهر فِي آيَة {الْحر بِالْحرِّ} إِلَى آخِره وَجه للتخصيص سوى اخْتِصَاص الحكم، فَإِنَّهَا نزلت بَعْدَمَا تحاكم بَنو النَّضِير وَبَنُو قُرَيْظَة إِلَى رَسُول الله فِيمَا كَانَ بَينهم قبل أَن جَاءَ الْإِسْلَام من قتل الْحر من بني قُرَيْظَة بِالْعَبدِ من بني النَّضِير، وَالرجل مِنْهُم بِالْمَرْأَةِ مِنْهُم، وحرين مِنْهُم بَحر مِنْهُم فَنزلت، فَأَمرهمْ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يتساووا، فَلَا دلَالَة فِيهَا على أَن يقتل الْحر بِالْعَبدِ وَالذكر بِالْأُنْثَى، كَمَا لَا دلَالَة على عَكسه بل هِيَ مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: {أَن النَّفس بِالنَّفسِ}
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ " أَي: تتساوى وَلَا عِبْرَة للتفاضل فِي النُّفُوس وَإِلَّا لما قتل جمع بفرد لكنه يقتل بِالْإِجْمَاع، وَلَا مَفْهُوم للْخَارِج مخرج الْغَالِب كَمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا} إِنَّه خرج مخرج الْغَالِب من أَن يكون الْإِكْرَاه غَالِبا إِنَّمَا يكون عِنْد إِرَادَة التحصن
وَقَالَ ابْن كَمَال: الْمَفْهُوم مُعْتَبر فِي الرِّوَايَات والقيود، وَالْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي النُّصُوص وَأنكر أَبُو حنيفَة المفاهيم الْمُخَالفَة لمنطوقاتها كلهَا فَلم يحْتَج بِشَيْء مِنْهَا فِي كَلَام الشَّارِع فَقَط نَقله ابْن الْهمام فِي " تحريره " كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي أَوَائِل الْكتاب
وَمِمَّا يجب أَن يعلم فِي هَذَا الْمقَام أَن المُرَاد بِكَوْن الْمَفْهُوم مُعْتَبرا فِيمَا عدا كَلَام الله وَكَلَام نبيه سَوَاء كَانَ فِي الرِّوَايَات أَو غَيرهَا وَلَو كَانَ من أَدِلَّة الشَّرْع كأقوال الصَّحَابَة. وَالظَّاهِر أَن الْحَنَفِيَّة النافين للمفهوم فِي الْكتاب وَالسّنة إِنَّمَا مالوا إِلَى الِاعْتِبَار بِهِ فِي الرِّوَايَات لوجه وجيه وَفِي بعض الْمُعْتَبرَات: لَعَلَّ قَول الْعلمَاء: إِن التَّخْصِيص بِالذكر فِي الرِّوَايَات يُوجب نفي الحكم عَمَّا عدا الْمَذْكُور كَلَام من هَذَا الْقَبِيل، حَيْثُ يعلم أَنه لَو لم يكن للنَّفْي لما كَانَ للتخصيص فَائِدَة إِذْ الْكَلَام فِيمَا لم يدْرك فَائِدَة أُخْرَى بِخِلَاف كَلَام النَّبِي فَإِنَّهُ أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم، فَلَعَلَّهُ قصد فَائِدَة لم ندركها
أَلا ترى أَن الْخلف اسْتَفَادَ مِنْهُ أحكاما وفوائد لم يبلغ إِلَيْهَا السّلف، بِخِلَاف أَمر الرِّوَايَة فَإِنَّهُ لَا يَقع التَّفَاوُت فِيهِ
(وَالْحَاصِل أَن النزاع لَيْسَ إِلَّا فِيمَا لم يظْهر للتخصيص وَجه غير نفي الحكم عَمَّا عداهُ، وَلذَلِك تمسك بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ، وَقد أجَاب النافون عَنهُ بِأَن موجودات التَّخْصِيص وفوائده(1/861)