بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
خير مَنْطُوق بِهِ أَمَام كل مقَال، وَأفضل مصدر بِهِ كل كتاب فِي كل حَال، مُقَدّمَة تَنْزِيل الْقُرْآن، وَآخر دَعْوَى سكان منَازِل الْجنان، لمن رسمت آيَات جبروته على صفحات الْأَنْفس والآفاق، ورقمت سطور عظموته فِي جباه السَّبع والطباق، ثمَّ أولى مَا قفي بِهِ ذَلِك، وَأَحْرَى مَا شفع بِهِ للسالك، هُوَ التحنن والاستغماد والاستجلاب، حَسْبَمَا سرد رب الأرباب، على أنفس جَوْهَرَة توجت بهَا هَامة تهَامَة، وأصوب سهم استخرج من كنَانَة كنَانَة، وأسنى أنوار السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وأبهى أسرار ملكوته بالطول وَالْعرض، وَأحمد من حمد وَحمد، وأوفى من وعد وعهد، مُحَمَّد الَّذِي ابتهجت بيمن أخمصيه سرة الْبَطْحَاء، وباهت بترب نَعْلَيْه حظائر الْقُدس فَوق الْقبَّة الشماء، وعَلى حواريه الَّذين اجتهدوا فِي تأسيس قَوَاعِد الْكَلم، واستفرغوا فِي تشييد ضوابط الحكم.
وَبعد: فمذ أميطت عني التمائم، ونيطت بِي العمائم، قدر الله لي أَن ألازم الْكتاب وأداوم الْفُنُون، وأكتحل بإثمد اللَّيَالِي لتنوير الْعُيُون، ملتقطا فرائدها، ومرتبطا بِالْكِتَابَةِ فوائدها، مَا رَأَيْت فَنًّا إِلَّا وَكنت فِيهِ خَطِيبًا، مَا ألفيت غصنا إِلَّا وصرت فِيهِ عندليبا. وَالْكتاب إِلَيّ أحب من كل حبيب، وأعجب لدي من كل عَجِيب. فَإِن الْعلم فَخر يبْقى على مُرُور الأحقاب، وَذكر يتوارثه الأعقاب بعد الأعقاب، وَأول الْمجد وَآخره، وباطن الشّرف وَظَاهره، بِهِ يترقى على كل الْمَرَاتِب، وَبِه يتَوَصَّل إِلَى المآرب والمطالب؛ وَهُوَ الأرتع مرعاه، وَهُوَ الأرفع مسعاه يمْلَأ الْعُيُون نورا، والقلوب سُرُورًا؛ وَيزِيد الصُّدُور انشراحا، ويفيد الْأُمُور انفساحا؛ وَهُوَ الْغنم الْأَكْبَر والحظ الأوفر والبغية الْعُظْمَى والمنية الْكُبْرَى، وتعريف الْمَعْرُوف من بَاب الْمَرْدُود، كَمَا أَن الزِّيَادَة على(1/15)
الْحَد نُقْصَان من الْمَحْدُود، وَأَيْنَ هَذَا الشّرف؟ إِذْ لَا يدْرك بالأماني، وَلَا ينَال بالتهاون والتواني. وَقد يسر الله ذَلِك لأسلافنا الْكِرَام، صُدُور الْأَنَام وبدور الْأَيَّام، حَتَّى صرفُوا جهدهمْ واجتهادهم، وبذلوا أعمارهم وأعصارهم، فبلغوا قاصية الْمَقَاصِد، وملكوا نَاصِيَة المراصد، فألفوا وأجادوا، وصنفوا وأفادوا، فَبَقيَ لَهُم الذّكر الْبَهِي، على مر الدهور وَالْأَيَّام، وَالشُّكْر السّني على كرّ الشُّهُور والأعوام؛ نور الله ضريحهم، وَغفر كنايتهم وصريحهم.
وَلما وفقني الله الْجَمِيل، لهَذَا الْمطلب الْجَلِيل، أدرت أَن أنخرط فِي سلكهم، وأعقد مَعَهم الخناصر، قبل أَن تبلى السرائر وتفنى العناصر، وأكون بِخِدْمَة الْعلم موسوعا، وَفِي حَملته منظوما، وَفِي رياضه راتعا، وَفِي أفقه طالعا، وأستنير فِي ظلم الزَّمَان بِهَذَا الْمِصْبَاح، وأطير فِي دَرك النجاح بِهَذَا الْجنَاح.
لكني كنت فِي عصر عضت فِيهِ أَبنَاء الْعلم نَوَائِب الزَّمن، ونشبت فيهم مخالب المحن، وخصتني من بَينهم بأصعب أَمر وخيم، ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم.
وَلَوْلَا أَن منّ الله سُبْحَانَهُ علينا فِي هَذَا الزَّمَان بِمن أعنه عنايته معطوفة على تربية أهل الْعرْفَان، وأزمة عاطفته مصروفة إِلَى إسعاف مطَالب الْعلمَاء، كُنَّا فِي زَاوِيَة الخمول وبادية الأفول هباء. وَهُوَ الْوَزير الأكرم والدستور الأفخم، الملكي النسم، الْقُدسِي الشيم، الأصدق الأحق الأوفر. الأعدل الأجمل الأوقر سمي النَّبِي الأوفى فِي عَالم الْإِنْشَاء، مصطفى باشا يسر الله لَهُ مَا يَشَاء، وَمَا زَالَت قُلُوب عنيده أكنة أسنة عبيده. وَهُوَ نظام المفاخر والمآثر. غوث الشاكي وغيث الشاكر؛ إِن لفظ فالإصابة تقدم لفظته. وَإِن لحظ فالإجابة تخْدم لحظته؛ تشْتَمل أردية عواطفه مناكب الْآفَاق. وتمتلي من أَوديَة عوارفه مطامح الأحداق. جلب الْقُلُوب فَصَارَ ظَاهرهَا فِي كل بَاطِن، وحنت إِلَيْهِ الْجَوَارِح فحركت كل سَاكن؛ بل ملك الدَّهْر فامتطى لياليه أداهم. وقلد بيض أَيَّامه صوارم؛ ووهب أقماره دَنَانِير ودراهم. وَجعل أوقاته ولائم؛ ينحني الْهلَال لتقبيل أقدامه، ويمتد كف الثريا لاستحداب صوب غمامه. ويتضاءل كل مِنْهُمَا فَيصير هَذَا غرَّة فرسه وَهَذَا حلية لجامه. وَلما تنبه الدَّهْر لمحاسنه وتيقظ. بَعْدَمَا تحرى وتحقد وَتحفظ. كَاد من الخجل يضيق صَدره وَلَا ينْطَلق لِسَانه. حَتَّى عرق بالندى جبين النسيم. والورد قد احمر مِنْهُ وَجهه الوسيم؛ وابتل جنَاح الْهَوَاء. واغرورقت مقلة(1/16)
السَّمَاء فابتسمت ثغور الْآفَاق عَن شنب قطرها. وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا. وأرضعت حوامل المزن أجنة الأزهار فِي أحشاء الْأَرَاضِي. فالخلق كلهم فِي التكافي والتصالح والتراضي. وَلِهَذَا صَار لِوَاء النَّصْر فِي كل جَانب مديد. وخاب كل جَبَّار عنيد.
وَلما رَأَيْت فضلاء الأقطار وعلماء الْأَمْصَار يجلبون إِلَى حَضرته الرفيعة وساحته المنيعة مَا زَالَت ملْجأ للأفاضل، وملاذا للأواخر والأوائل، بضائع صنائع أفكارهم، وبدائع رسائلهم وأسفارهم [فصاروا مغمورين بذوارف عوارفه الَّتِي تصل إِلَيْهِم على الدَّوَام، ومنتظمين بهَا أَحْوَالهم غَايَة الانتظام، لَا سِيمَا الراحلين إِلَيْهِ القاطعين السباسب والفلوات عائذين بِهِ من مكاره الدهور والنكبات، فَلم أدر أَي شَيْء أجعله ذَرِيعَة للوصول إِلَى ذَلِك الجناب، وأتشرف بتقبيل أنامله الَّتِي تشاهد مِنْهَا آثَار الهطال من السَّحَاب] . فاستفضت من فياض ذوارف العوارف. واستعنت بالنُّون والقلم فِي تَبْيِين المعارف، [مَعَ مَا بِي من مقاساة الأحزان، ومعاداة الزَّمَان بِحَيْثُ أتجرع كؤوسا علق بهَا العلقم، بل أَشد سما من الأرقم، وأتطلب رضى الْأَيَّام، وَهِي عَليّ أضرّ حقدا من الْكبر، وأتلقى الخطوب عاديا من الْبَصَر فَامْتنعَ الرَّاحَة بِالْكِنَايَةِ بَكَيْت، كامتناع الْفَاء من خبر لَعَلَّ وليت، حَتَّى لقِيت يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيبا، ووهن الْعظم مني واشتعل الرَّأْس شيبا] ؛ فَقَامَ الْقَلَم فِي محراب أَطْرَاف البنان، وَركع وَسجد، على مصلى القرطاس واضطرب وارتعد قَائِلا:
(كَأَن فمي قَوس لساني لَهُ يَد ... كَلَامي لَهُ نزع بِهِ أملي نبل)
(كَأَن دواتي مطفل حبشية ... بناني لَهَا بعل وَنَفْسِي لَهَا نسل)
فَجرى مِنْهُ كتاب بديع الْمِثَال، منيع المنال، مُحِيط تنصب إِلَيْهِ الجداول وَلَا يزْدَاد، وتغترف من لجته السحب فَمَا لَهُ من نفاد، تزهى بِهِ الألسن، وترمق نَحوه الْأَعْين، ويحمله الحذاق على الأحداق. من سَافر فِيهِ نظر، وَكَانَ الذَّوْق السَّلِيم رَفِيقه، علم أَنه تأليف جليل، يضْرب بِهِ الْأَمْثَال على الْحَقِيقَة.
نعم قد جمعت فِيهِ مَا فِي تصانيف الأسلاف من الْقَوَاعِد وَلَا كالروض للأمطار، وتسارعت لضبط مَا فِيهَا من الْفَوَائِد وَلَا كَالْمَاءِ إِلَى الْقَرار، منقولة بأقصر عبارَة وأتمها،(1/17)
وأوجز إِشَارَة وأعمها، وترجمت هَذَا الْمَجْمُوع الْمَنْقُول، فِي المسموع والمعقول، ورتبتها على تَرْتِيب كتب اللُّغَات، وسميتها بالكليات، راجيا من الله محو السَّيِّئَات، وتخليد الذّكر الْجَمِيل على الْأَيَّام، والتعيش بعد مشارفة الْحمام. وَالْجَامِع الْفَقِير، إِلَى الله الْغَنِيّ الْخَبِير، أَبُو الْبَقَاء الْحُسَيْنِي الكفوي الْحَنَفِيّ، خص باللطف الْجَلِيّ والخفي، يسْأَل مِمَّن نظر فِيهِ أَن يصلح ببنانه مَا عثر عَلَيْهِ فِيهِ من زلل الْقَلَم الفاتر، وخلل الخاطر الضَّعِيف الخائر، أَو يستر بِعَين الْحبّ نقصي كَيفَ مَا كَانَ، فَإِن رقصي على مِقْدَار تنشيط الزَّمَان، وَمَا قل من زل فِي جرداء التَّأْلِيف، بل هُوَ مصايبه.
(وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا ... كفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه)
وَيَد الأفكار قَاصِرَة عَن تنَاول مَا يرام، والصباغة فِي الصِّنَاعَة على النصاعة أصعب مرام، وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل. نعم الْمولى وَنعم الْوَكِيل.(1/18)
(فصل الْألف)
الْألف: بِكَسْر اللَّام، هِيَ أول حُرُوف المعجم، وَأول اسْم الله تَعَالَى، وَأول مَا خَاطب الله بِهِ عباده فِي الْوُجُود بقوله: {أَلَسْت بربكم} وَهِي من أقْصَى الْحلق وَهُوَ مبدأ المخارج
و [الْألف] : بِالسُّكُونِ اسْم علم لكَمَال الْعدَد بِكَمَال ثَالِث رُتْبَة، مُذَكّر وَلَا يجوز تأنيثه بِدَلِيل {يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف} ، وَقَوْلهمْ: (هَذِه ألف دِرْهَم) ، لِمَعْنى الدَّرَاهِم وآلفه يؤالفه إلافا، وآلفه يؤلفه إيلافا، والإيلاف فِي التَّنْزِيل لِمَعْنى الْعَهْد وَاللَّام فِيهِ للتعجب أَي: اعجبوا لِإِيلَافِ قُرَيْش، أَو مَوْصُولَة بِمَا قبلهَا أَي: لتألف قُرَيْش
وألفه يألفه: أعطَاهُ ألفا
وَألف بَينهمَا تأليفا: أَي أوقع الألفة
والألفة: بِالضَّمِّ اسْم من الائتلاف
والإلف: كالفسق الاليف
ثمَّ الْألف وَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي يتركب مِنْهَا الْكَلَام مسميات لأسماء تتهجى، واسميتها لدخولها فِي حد الِاسْم واتصافها بخواصه، وَبِه صرح الْخَلِيل، وَأَبُو عَليّ وَمَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود وَهُوَ: " لَا أَقُول ألف حرف " إِلَخ المُرَاد المسميات، أَي مُسَمّى هَذَا اللَّفْظ حرف من يشهده فَلهُ حَسَنَة، لِأَن النَّبِي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - بصدد بَيَان ثَوَاب مسميات الْأَلْفَاظ الَّتِي تتهجى بهَا لَا الْكَلِمَات وَلَا المركبات مِنْهَا، إِذْ اللَّائِق بمقام التَّرْغِيب تَكْثِير الْفَائِدَة، فالحسنة بِعَدَد الْحُرُوف مُطلقًا مَكْتُوبَة كَانَت أَو ملفوظة كالألفاظ فِي (الحواميم) و (الطواسين) و (كهيعص) و (طه) و (ص) و (ق) و (الر) وَكَذَا (الرَّحْمَن) و (إِبْرَاهِيم) و (إِسْحَق) و (إِسْمَعِيل) وَكَذَا ألف (هَذَا) و (هَؤُلَاءِ) و (أُولَئِكَ) و (لَكِن) و (لَكِن) و (ثلث) و (ثلثين) وَقد تقرر فِي فنه أَن المُرَاد من مَوْضُوع الْقَضِيَّة ذَاته لَا لَفظه إِلَّا أَن يَقْتَضِي الْمقَام ذَلِك، وَإِطْلَاق الْمُتَقَدِّمين على هَذِه الالفاظ بالحروف بعد الْبُرْهَان على اسميتها(1/19)
يصرف إِلَى التسامح أَو يدْفع بِالْعرْفِ المتجدد
[ألف الْقطع] : فَكل مَا ثَبت فِي الْوَصْل فَهُوَ ألف الْقطع، ك (أَحْمد) و (أحسن)
[ألف الْوَصْل] : وَمَا لم يثبت فَهُوَ ألف الْوَصْل ك (استخرج) و (استوفى) : [الْألف المجهولة] : كل ألف لإشباع الفتحة فِي الِاسْم أَو الْفِعْل فَهِيَ الْألف المجهولة، كألف (فَاعل) و (فاعول) [الْألف المحولة] : كل ألف أَصْلهَا وَاو أَو يَاء، ك (بَاعَ) و (قَالَ) فَهِيَ المحولة
وكل ألف التَّأْنِيث فَهِيَ على (فعلى) مُثَلّثَة الْفَاء، ك (طُوبَى) و (ذكرى) و (مرضى)
كل كلمة فِي آخرهَا ألف، إِن كَانَت حروفا فَيكْتب الْجَمِيع بِالْألف إِلَّا (بلَى) و (على) و (حَتَّى) وَكَذَا إِذا كَانَت مَبْنِيَّة إِلَّا (أَنى) و (مَتى) و (لَدَى)
وَإِن كَانَت أَسمَاء معربة زَائِدَة على الثَّلَاثَة فَصَاعِدا فَيكْتب جَمِيعهَا بِالْيَاءِ لَا غير، لِأَن الْوَاو تنْقَلب إِلَى الْيَاء فِيهَا إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ قبل الْألف يَاء نَحْو (الْعليا) و (الدُّنْيَا) كَرَاهَة الْجمع بَين الياءين، إِلَّا فِي نَحْو (يحيى) و (رَبِّي) علمين للْفرق
وَإِن كَانَت الْأَسْمَاء المعربة ثلاثية فَحِينَئِذٍ ينظر إِلَى أَصْلهَا الَّذِي انْقَلب مِنْهُ الْألف، فَإِن كَانَ يَاء فَيكْتب بِالْيَاءِ تَنْبِيها على أَصْلهَا ويعدل عَن جَوَاز إمالتها، وَإِن كَانَ واوا فَيكْتب بِالْألف ك (عَصا) وَالْفِعْل الثلاثي ينظر إِلَى أَصله، فَمَا زَاد فبالياء لَا غير، وَقد نظم بعض الأدباء:
(إِذا الْفِعْل يَوْمًا غم عَنْك هجاؤه ... فَألْحق بِهِ تَاء الْخطاب وَلَا تقف)
(فَإِن تَرَ قبل التَّاء يَاء فَكَتبهُ ... بياء وَإِلَّا فَهُوَ يكْتب بِالْألف)
(وَلَا تحسب الْفِعْل الثلاثي وَالَّذِي ... تعداه والمهموز فِي ذَاك يخْتَلف)
وَإِن كَانَ منونا فالمختار أَنه يكْتب بِالْيَاءِ وَهُوَ قِيَاس الْمبرد وَقِيَاس الْمَازِني أَنه يكْتب بِالْألف، وَقِيَاس سِيبَوَيْهٍ أَن الْمَنْصُوب يكْتب بِالْألف وَمَا سواهُ بِالْيَاءِ وَإِن جهل كَون الْألف من الْوَاو وَالْيَاء بِأَن لم يكن شَيْء مِمَّا ذكر، فَإِن أملت فالياء نَحْو (مَتى) وَإِلَّا فالألف وَقد نظمت فِيهِ:
(وَكتب ذَوَات الْيَاء بِالْألف جَائِز ... وَكتب ذَوَات الْوَاو بِالْيَاءِ بَاطِل)
(وَقصر ذَوي مد يجوز بِلَا مرا ... وَمد ذَوي قصر خطاء وعاطل)
(وتذكير تَأْنِيث من الْعَكْس أسهل ... فَلَا تنس واحفظ أَنْت فِي الْعَصْر كَامِل)
كل همزَة بعْدهَا حرف مد: كصورتها فَإِنَّهَا تحذف، وَلذَلِك كتبُوا نَحْو (خطأ) فِي حَال النصب بِأَلف وَاحِدَة و (مستهزؤن) بواو وَاحِدَة و (مستهزئين) بياء وَاحِدَة، وَقد تقلب الْهمزَة فِي نَحْو (مستهزئين) فَيكْتب بياءين، وَلم يَفْعَلُوا فِي (مستهزؤن) كَذَلِك، فكأنهم لما استثقلوا الواوين لفظا استثقلوهما خطأ وَلَيْسَ الْيَاء فِي الاستثقال مثلهَا
كل كلمة اجْتمع فِي أَولهَا همزتان وَكَانَت الْأُخْرَى(1/20)
سَاكِنة فلك أَن تصيرها واوا إِن كَانَت الأولى مَضْمُومَة، أَو يَاء إِن كَانَت الأولى مَكْسُورَة، أَو ألفا إِن كَانَت الأولى مَفْتُوحَة
كل اسْم مَمْدُود فَلَا تَخْلُو همزته إِمَّا أَن تكون أَصْلِيَّة فتتركها فِي التَّثْنِيَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَتَقول: (خطاآان)
وَإِمَّا أَن تكون للتأنيث فتقلبها فِي التَّثْنِيَة واوا لَا غير فَتَقول: (صفراوان) و (سوداوان)
وَإِمَّا أَن تكون منقلبة عَن وَاو أَو يَاء أَصْلِيَّة مثل (كسَاء) و (رِدَاء) أَو مُلْحقَة مثل (علْبَاء) و (حرباء) ب (سرداح) و (شملال) ، فَأَنت فِيهَا بِالْخِيَارِ إِن شِئْت تقلبها واوا مثل التَّأْنِيث، وَإِن شِئْت تتركها همزَة مثل الْأَصْلِيَّة وَهُوَ أَجود فَتَقول: (كساآن) و (رداآن)
كل كلمة أَولهَا همزَة وصل مَفْتُوحَة دَخَلتهَا همزَة الِاسْتِفْهَام وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ: الأولى: لَام التَّعْرِيف
وَالثَّانيَِة: (ايمن الله) و (ايم الله)
فَإِن همزَة الْوَصْل لَا تكون مَفْتُوحَة إِلَّا فيهمَا
[الْألف الفاصلة] : وَالْألف الفاصلة تثبت بعد وَاو الْجمع فِي الْخط ك (شكروا) لتفصل بَين الْوَاو وَمَا بعْدهَا
والفاصلة: بَين عَلَامَات الْإِنَاث وَبَين النُّون الثَّقِيلَة ك (افعلنان)
[ألف الْعِوَض] : وَألف الْعِوَض تبدل من التَّنْوِين ك (رَأَيْت زيدا)
وَألف الصِّلَة: اجتلبت فِي أَوَاخِر الْأَسْمَاء
وَألف الْوَصْل: فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال
وَألف النُّون الْخَفِيفَة:: ك (نسفعا)
وَألف الْجمع: ك (مَسَاجِد) و (جبال)
وَألف التَّفْضِيل وَالتَّقْصِير: ك (هُوَ أكْرم مِنْك) و (أَجْهَل مِنْهُ)
وَألف النداء: (أَزِيد) تُرِيدُ يَا زيد
وَألف الندبة: (وازيداه)
وَألف التَّأْنِيث: كمدة (حَمْرَاء) وَألف (سكرى) و (حُبْلَى)
وَألف التَّثْنِيَة: كَمَا فِي (يذهبان) و (الزيدان)
وَالْألف مُشْتَركَة: بَين الْعَام وَالْخَاص، وَقد راعوا فِي وضع الِاسْم التشابه حَيْثُ سموا الْهمزَة وَالْألف باسم وَاحِد، والتمييز بِوَضْع الِاسْم للألف، ونبهوا على كَثْرَة الْألف وَقلة الْهمزَة بذلك، حَيْثُ لم يسموا الْهمزَة باسم خَاص
وَقد يُطلق الْألف على الْهمزَة إِمَّا لكَونهَا اسْما للساكنة والمتحركة جَمِيعًا كَمَا قيل، أَو على سَبِيل الْمجَاز، لكَونهَا تكْتب بِصُورَة الْألف إِذا كَانَت فِي أول الْكَلِمَة
وَوضع الْخط: أَن يكْتب كل كلمة على صُورَة لَفظهَا بِتَقْدِير الِابْتِدَاء بهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا نَحْو (مَه أَنْت) إِلَّا إِذا اتَّصل (مَا) الاستفهامية بِحرف الْجَرّ، فَإِنَّهُ لَا يكْتب بِالْهَاءِ نَحْو: (حتام) و (إلام) و (علام) وَذَلِكَ لشدَّة الِاتِّصَال حَيْثُ صارتا كالشيء الْوَاحِد
وللاتصال الْمَذْكُور أَيْضا كتب (مِم) و (عَم) بِغَيْر النُّون وَيكْتب (أَنا زيد) بِالْألف إِذْ الْوَقْف كَذَلِك؛ وَمِنْه: {لَكنا هُوَ الله رَبِّي}
وتاء التَّأْنِيث: فِي نَحْو (رَحْمَة) بِالْهَاءِ إِذْ الْوَقْف بهَا(1/21)
وَيكْتب الْمنون الْمَنْصُوب بِالْألف، وَغير الْمَنْصُوب بالحذف، إِذْ الْوَقْف كَذَلِك
( [الْألف اللينة وَالْألف المتحركة] )
وَالْألف على ضَرْبَيْنِ: لينَة ومتحركة فاللينة تسمى ألفا، والمتحركة تسمى همزَة
قَالَ بَعضهم: الْألف إِذا تحركت صَارَت همزَة، والهمزة إِذا سكنت ومدت صَارَت ألفا، وَلِهَذَا شبهوهما بالهواء وَالرِّيح وَقد نظمت فِيهِ:
(كألف يُرِيك الدَّهْر فِي أعين الورى ... وَلَو شَاءَ يبدى للعيون كهمزة)
(فكم من سُكُون مد بِالرِّيحِ كالهوا ... إِلَيْك فكم فِي الْغَيْب عون بنصرة)
وَذكر ابْن جني فِي " سر الصِّنَاعَة " أَن الْألف فِي الأَصْل اسْم الْهمزَة، واستعمالهم إِيَّاهَا فِي غَيرهَا توسع
وَاتفقَ العارفون بِعلم الْحُرُوف على أَن الْألف لَيست بِحرف تَامّ، بل هِيَ مَادَّة جَمِيع الْحُرُوف، فَإِن الْحَرْف التَّام هُوَ الَّذِي يتَعَيَّن لَهُ صُورَة فِي النُّطْق وَالْكِتَابَة مَعًا، وَالْألف لَيست كَذَلِك، فَإِن صورتهَا تظهر فِي الْخط لَا فِي النُّطْق، عكس الْهمزَة، فَإِن الْهمزَة تظهر صورتهَا فِي النُّطْق لَا فِي الْخط فمجموع الْهمزَة وَالْألف عِنْدهم حرف وَاحِد
وَالْألف إِن كَانَت حَاصِلَة من إشباع الحركات كَانَت مصوتة، وَإِلَّا فَهِيَ صامتة، سَوَاء كَانَت متحركة أَو سَاكِنة وَالْألف إِذا كَانَت صامتة تسمى همزَة
والمصوتة، هِيَ الَّتِي تسمى فِي النَّحْو حُرُوف الْمَدّ واللين، وَلَا يُمكن الِابْتِدَاء بهَا، والصامتة مَا عَداهَا والمصوتة لَا شكّ أَنَّهَا من الهيئات الْعَارِضَة للصوت، والصوامت فِيهَا مَا لَا يُمكن تمديده كالباء وَالتَّاء وَالدَّال والطاء، وَهِي لَا تُوجد إِلَّا فِي الْآن الَّذِي هُوَ آخر زمَان حبس النَّفس وَأول زمَان إرْسَاله، وَهِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّوْت كالنقطة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخط والآن بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَان
وَهَذِه الْحُرُوف لَيست بِأَصْوَات وَلَا عوارض فِي أصوات، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُور تحدث فِي مبدإ حُدُوث الْأَصْوَات
وَإِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: لَا خلاف فِي أَن السَّاكِن إِذا كَانَ حرفا مصوتا لم يُمكن الِابْتِدَاء بِهِ، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الِابْتِدَاء بالساكن الصَّامِت، فقد منع إِمْكَان الِابْتِدَاء بِهِ قوم للتجرية، وَجوزهُ الْآخرُونَ
قَالَ الْعَلامَة الكافيجي: " وَالْحق هَهُنَا هُوَ التَّفْصِيل بِأَن يُقَال: إِن كَانَ السّكُون للساكن لَازِما لذاته فَيمْتَنع كالألف، وَإِلَّا فَيمكن؛ لكنه لم يَقع فِي كَلَامهم لِسَلَامَةِ لغتهم من كل لَكِن وبشاعة وَحقّ ألف الْوَصْل الدُّخُول فِي الْأَفْعَال نَحْو: (انْطلق) و (اقتدر) ؛ وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي لَيست بِجَارِيَة على أفعالها فألف الْوَصْل غير دَاخِلَة عَلَيْهَا، إِنَّمَا دخلت على أَسمَاء قَليلَة، وجعلوها فِي الْأَسْمَاء الْعشْرَة عوضا عَن اللَّام المحذوفة حَتَّى احتاجوا فِي (امْرِئ) إِلَى حمله على (ابْن) بِجَامِع أَن لامه همزَة ويلحقها الْحَذف فَيُقَال (مر) و (بن) فَجعل همزَة الْوَصْل فِي (اسْم) عوضا عَن الصَّدْر دون الْعَجز، خلاف مَا عهد فِي كَلَامهم من نَظَائِره
وهمزة الْوَصْل مَا عدا الْأَسْمَاء الْعشْرَة: همزَة(1/22)
الْمَاضِي، والمصدر، وَالْأَمر الخماسي والسداسي، وهمزة أَمر الْحَاضِر من الثلاثي، والهمزة الْمُتَّصِلَة بلام التَّعْرِيف
وتقلب همزَة الْوَصْل ألفا كَمَا يفعل بِالَّتِي مَعَ لَام التَّعْرِيف نَحْو: {آللَّهُ أذن لكم} وهمزة الْقطع: بَاب الإفعال، وهمزة الْجمع، وَنَفس الْمُتَكَلّم من كل بَاب، وهمزة الِاسْتِفْهَام
وَقطعت الْهمزَة فِي النداء ووصلت فِي غَيره لِأَن تَعْرِيف النداء أغْنى عَن تَعْرِيفهَا فجرت مجْرى الْهمزَة الْأَصْلِيَّة فَقطعت
وَفِي غير النداء: لما لم ينخلع عَنهُ معنى التَّعْرِيف رَأْسا وصلوا الْهمزَة
والهمزة فِي الصَّدْر: تكْتب على صُورَة الْألف فِي كل حَال
وَفِي الْوسط: إِذا كَانَت سَاكِنة تكْتب على وفْق حَرَكَة مَا قبلهَا ك (رَأس) و (لؤم) و (ذِئْب) وَإِذا كَانَت متحركة وَسكن مَا قبلهَا تكْتب على وفْق حَرَكَة نَفسهَا نَحْو: (يسْأَل) و (يلؤم) و (يسئم) وَكثر حذف الْمَفْتُوحَة بعد الْألف ك (ساءل) وَقل بعد سَاكن تنقل إِلَيْهِ حركتها ك (مسئلة) وَإِذا كَانَت متحركة بعد متحرك فَهِيَ كتخفيفها ف (مُؤَجل) بِالْوَاو، و (فِئَة) بِالْيَاءِ، وَالْبَاقِي بِحرف حركتها
وَفِي الأول الْمُتَّصِل بِهِ غَيره: لَا يكون كالوسط، فتكتب بِالْألف نَحْو: (بِأحد) و (لأحد) بِخِلَاف (لِئَلَّا) لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله أَو لكَرَاهَة صورته، وَبِخِلَاف (لَئِن) لكثرته
وَفِي الآخر: تكْتب بِحرف حَرَكَة مَا قبلهَا ك (قَرَأَ) و (قرئَ) و (ردؤ) فَإِن سكن مَا قبلهَا حذفت ك (خبء) و (ملْء)
وهمزة ألف التَّأْنِيث الممدودة: ألف فِي الأَصْل بِخِلَاف الْمَقْصُورَة
وَالْألف إِذا كَانَت لاما: وَجَهل أَصْلهَا حملت على الانقلاب عَن الْيَاء بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت عينا فَإِنَّهَا تحمل على الانقلاب عَن الْوَاو
وَألف التَّأْنِيث إِذا كَانَت رَابِعَة: تثبت فِي التكسير نَحْو (حُبْلَى) و (حبالى) و (سكرى) و (سكارى) ، وَلَيْسَت التَّاء كَذَلِك، بل قد تحذف فِي التكسير نَحْو (طَلْحَة وطلاح)
وَلما كَانَت الْألف مختلطة بِالِاسْمِ كَانَ لَهَا مزية على التَّاء فَصَارَت مشاركتها فِي التَّأْنِيث عِلّة، ومزيتها عَلَيْهَا عِلّة أُخْرَى، فَكَأَنَّهُ تأنيثان، وَلذَلِك منعت الصّرْف وَحدهَا وَلم تمنع التَّاء إِلَّا مَعَ سَبَب آخر
وَألف التَّأْنِيث تبنى مَعَ الِاسْم وَتصير كبعض حُرُوفه ويتغير الِاسْم مَعهَا عَن هَيْئَة التَّذْكِير فزادت على التَّأْنِيث قُوَّة، لَكِن دُخُول تَاء التَّأْنِيث فِي الْكَلَام أَكثر من دُخُولهَا لِأَنَّهَا قد تدخل فِي الْأَفْعَال الْمَاضِيَة للتأنيث وَتدْخل الْمُذكر للتَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة نَحْو (عَلامَة) و (نسابة)
وتحذف الْألف من الْأَسْمَاء الأعجمية الْكَثِيرَة الِاسْتِعْمَال ك (إِبْرَاهِيم) و (إسرئيل) كَمَا يحذف أحد الواوين من (دَاوُد) لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَلَا تحذف الْألف مِمَّا لَا يكثر اسْتِعْمَاله ك (هاروت) و (ماروت)
وَمَا كَانَ على (فَاعل) ك (صَالح) يجوز إِثْبَات أَلفه وحذفها إِن كثر اسْتِعْمَاله، وَإِلَّا فَلَا يحذف(1/23)
ك (سَالم)
وَمَا كثر اسْتِعْمَاله ودخله الْألف وَاللَّام يكْتب بِغَيْر الْألف، فَإِن حذفتهما أثبت الْألف تَقول: (قَالَ الْحَرْث) و (قَالَ حَارِث) وَلَا يحذف من (عمرَان) وَيجوز الْحَذف وَالْإِثْبَات فِي (عُثْمَان) و (مُعَاوِيَة) و (سُفْيَان) و (مَرْوَان)
وتكتب الْألف: فِي نفس الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر إِذا كَانَ واويا كَمَا فِي (نرجوا) ، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: {أندعوا من دون الله}
وَكتب الْألف فِي (ذووا) وَاقع من الثِّقَات
وزيدت الْألف بعد الْوَاو آخر اسْم مَجْمُوع نَحْو: (بنوا إِسْرَائِيل) و (أولُوا الْأَلْبَاب) بِخِلَاف الْمُفْرد نَحْو: (لذُو علم) إِلَّا (الربوا) ، و {إِن امرؤا هلك} وَآخر فعل مُفْرد أَو جمع مَرْفُوع أَو مَنْصُوب إِلَّا (جاؤ) و (باؤ) {وعتوا عتوا} {وَالَّذين تبوؤ الدَّار} {فَإِن فاؤ} {عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم} فِي النِّسَاء و {سعو فِي آيَاتنَا} فِي سبأ، كَذَا فِي " الاتقان " وتكتب ألف (الصلواة) و (الزكواة) بِمَعْنى (نما) أَو (طهر) ، و (الربوا) غير مضافات بِالْوَاو على لُغَة من يفخم، وزيدت الْألف بعْدهَا تَشْبِيها لَهَا بواو الْجمع
وَيحْتَمل أَن يكون من هَذَا الْقَبِيل كتب الْألف بعد الْوَاو فِي الْأَفْعَال المضارعة المفردة، مَرْفُوعَة كَانَت أَو مَنْصُوبَة فِي كل الْقُرْآن
وَالْحق أَن مثل ذَلِك يكْتب فِي الْمُصحف بِالْوَاو اقْتِدَاء بنقله عَن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي غَيره بِالْألف، وَقد اتّفقت فِي خطّ الْمُصحف أَشْيَاء خَارِجَة عَن القياسات الَّتِي بني عَلَيْهَا علم الْخط والهجاء قَالَ ابْن درسْتوَيْه: " خطان لَا يقاسان، خطّ الْعرُوض وَخط الْقُرْآن "
وَتدْخل الْألف للْفرق بَين الضَّمِير الْمَرْفُوع وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون} فتحذف إِذا أردْت: (كالوا لَهُم ووزنوا لَهُم) ، لِأَن الضَّمِير مَنْصُوب؛ وَإِذا أردْت: (كالوا) فِي أنفسهم و (وزنوا) فِي أنفسهم
أثبت الْألف مثل: (قَامُوا هم) و (قعدوا هم) لِأَن الضَّمِير مَرْفُوع
وزادوها فِي (مائَة) فرقا بَينه وَبَين (مِنْهُ) وألحقوا الْمثنى بهَا بِخِلَاف الْجمع
وَالْألف دَائِما حرف مد ولين، وَالْيَاء بعد الفتحة حرف لين، وَبعد الضمة والكسرة حرف مد ولين
وَإِذا نسبت الابْن: إِلَى لقب قد غلب على أَبِيه أَو صناعَة مَشْهُورَة قد عرف بهَا فَحِينَئِذٍ تحذف الْألف لِأَن ذَلِك يقوم مقَام اسْم الْأَب
وَيكْتب: (هَذِه هِنْد ابْنة فلَان) بِالْألف وَالْهَاء، وَإِذا أسقطت الْألف تكْتب: (هَذِه هِنْد بنت فلَان) بِالتَّاءِ(1/24)
والحرف الَّذِي عِنْد عد الْحُرُوف قبل (الْيَاء) يرى ابْن جني أَن اسْمه (لَا) ؛ وَقَول المتعلمين: (لَام ألف) خطأ لسبقهما، وَلَيْسَ الْغَرَض بَيَان كَيْفيَّة تركيب الْحُرُوف، بل سرد أَسمَاء الْحُرُوف البسائط قَالَ بَعضهم: لما احتاجوا إِلَى بَيَان مسميات الْحُرُوف جعلوها أَوَائِل أسمائها، ك (ألف) و (بَاء) و (تَاء) إِلَى آخِره، وَلم يَأْتِ هَذَا الطَّرِيق فِي الْألف الهوائية لسكونها فأضافوا اللَّام لذَلِك، وَلما جعل الْألف مظهر اللَّام ناسب أَن يكون اللَّام مظْهرا لَهَا أَيْضا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: " الْحُرُوف الَّتِي استعملتها الْعَرَب فِي كَلَامهم فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال والحركات والأصوات تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا مرجعهن إِلَى ثَمَانِيَة وَعشْرين حرفا، وَأما الْحَرْف التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فحرف بِلَا صرف - أَي بِلَا تصريف - وَهِي الْألف الساكنة "
قَالَت الشَّافِعِيَّة: فَلَو جنى شخص على لِسَان أحد حَتَّى بَطل كَلَامه بِبَعْض الْحُرُوف توزع الدِّيَة على عدد الْحُرُوف
(فصل الْألف وَالْبَاء)
[أَبْلَج] : كل متضح أَبْلَج، وَهُوَ فِي الأَصْل خلاف الأقرن ثمَّ قَالُوا للرجل الطلق الْوَجْه ذِي الْكَرم وَالْمَعْرُوف أَبْلَج، وَإِن كَانَ أقرن ثمَّ استعير للواضح على الْإِطْلَاق، وَمِنْه: صباح أَبْلَج وابتلج الْفجْر وتبلج: إِذا أنار وأضاء والابليجاج: الوضوح
الْأَب: هُوَ إِنْسَان تولد من نطفته إِنْسَان آخر
وَلَا بُد من أَن يذكر الابْن فِي تَعْرِيف الْأَب فالأب من حَيْثُ هُوَ الْأَب لَا يُمكن تصَوره بِدُونِ تصور الابْن كَمَا يُقَال (الْعَمى عدم الْبَصَر عَمَّا من شَأْنه أَن يبصر) فَلَا بُد من ذكر الْبَصَر فِي تَعْرِيف الْعَمى مَعَ أَنه خَارج عَن ماهيته، كَمَا أَن الابْن خَارج عَن مَاهِيَّة الْأَب
وَقد يُرَاد بِالْأَبِ مَا يتَنَاوَل الْأُم، إِذْ كل من نطفتي الْأَب وَالأُم تدخل فِي التولد
وَكَذَلِكَ قد يُرَاد بالابن مَا يتَنَاوَل الْبِنْت عِنْد تَعْرِيفه بحيوان تولد من نُطْفَة شخص آخر من نَوعه من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك
وكل من كَانَ سَببا لإيجاد شَيْء أَو إِصْلَاحه أَو ظُهُوره فَهُوَ أَب لَهُ وأرباب الشَّرَائِع الْمُتَقَدّمَة كَانُوا يطلقون الْأَب على الله تَعَالَى، بِاعْتِبَار أَنه السَّبَب الأول، حَتَّى قَالُوا، " الْأَب هُوَ الرب الْأَصْغَر وَالله هُوَ الرب الْأَكْبَر " ثمَّ ظنت الجهلة مِنْهُم أَن المُرَاد بِهِ معنى الْولادَة فاعتقدوا ذَلِك تقليدا، وَلذَا كفر قَائِله وَمنع مِنْهُ مُطلقًا حسما لمادة الْفساد
وَلَا يُرَاد بِالْأَبِ المربي أَو الْعم من غير قرينَة، وَلم يرد فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السّنة مُفردا، وَإِنَّمَا ورد فِي ضمن الْجمع بطرِيق التغليب بِالْقَرِينَةِ الْوَاضِحَة
قَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن بني يَعْقُوب: {نعْبد إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} وَكَانَ إِسْمَاعِيل عَم يَعْقُوب(1/25)
وَالْعرب تجْعَل الْعم أَبَا وَالْخَالَة أما، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} يَعْنِي أَبَاهُ وخالته وَكَانَت أمه قد مَاتَت
وَقَالَ أَيْضا حِكَايَة عَن يُوسُف: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} وَكَانَ إِسْحَق جده وَإِبْرَاهِيم جد أَبِيه
وَالْمرَاد من قَوْله تَعَالَى: {كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة} آدم وحواء
وَورد أَيْضا: الْخَال أحد الْأَبَوَيْنِ
إِلَّا أَنه تَسْمِيَة الْجد أَبَا بِمَعْنى التفرع مِنْهُ بِخِلَاف الْعم وَالْخَال، فَإِنَّهُمَا إِنَّمَا سميا أَبَا للازم آخر من لوازمه وَهِي التربية وَالْقِيَام بمصالح الْمَرْء؛ وَهَذَا الْمجَاز مَشْهُور فِي الشَّرَائِع السالفة على مَا رُوِيَ فِي الْإِنْجِيل أَن عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ: " أَنطلق إِلَى أبي وأبيكم " وَأَرَادَ الرب سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ الْقَائِم بمصالح الْعباد وإتمام أُمُورهم
وَالِابْن: أَصله (بني) بِالْيَاءِ لما قيل أَن مَعْنَاهُ أَنه يبْنى على مَا بني أَبوهُ
والبنوة: لَا تدل على كَونه بِالْوَاو، كالفتوة، والفتى، شبه الْأَب بالأس وَالِابْن بِمَا يبْنى عَلَيْهِ
{ونادى نوح ابْنه} أَي ابْن امْرَأَته بلغَة طَيئ وَقد قرئَ ابْنهَا
ويستعار الابْن فِي كل شَيْء صَغِير فَيَقُول الشَّيْخ للشاب الْأَجْنَبِيّ: (يَا ابْني) ويسمي الْملك رَعيته بالأبناء، والأنبياء فِي بني إِسْرَائِيل كَانُوا يسمون أممهم أَبْنَاءَهُم والحكماء وَالْعُلَمَاء يسمون المتعلمين مِنْهُم أَبْنَاءَهُم
وَقد يكنى بالابن فِي بعض الْأَشْيَاء لِمَعْنى الصاحب كَقَوْلِهِم (ابْن عرس) و (ابْن مَاء) و (بنت وردان) و (بَنَات نعش) على الِاسْتِعَارَة والتشبيه
وَيُقَال أَيْضا لكل مَا يحصل من جِهَة شَيْء أَو تَرْبِيَته أَو كَثْرَة خدمته أَو قِيَامه بأَمْره أَو توجهه إِلَيْهِ أَو إِقَامَته عَلَيْهِ هُوَ ابْنه كَمَا يُقَال: (أَبنَاء الْعلم) و (أَبنَاء السَّبِيل) و (من أَبنَاء الدُّنْيَا) وَمن هُنَا سمي عِيسَى النَّبِي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - ابْنا، وَذَلِكَ لتوجهه فِي أَكثر أَحْوَاله شطر الْحق واستغراق أغلب أوقاته فِي جَانب الْقُدس
قَالَ الإِمَام الْعَلامَة مُحَمَّد بن سعيد الشهير بالبوصيري - نور الله مرقده وَفِي أَعلَى غرف الْجنان أرقده -: " إِن بعض النَّصَارَى انتصر لدينِهِ وانتزع من الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة دَلِيلا على تَقْوِيَة اعْتِقَاده فِي الْمَسِيح وَصِحَّة يقينه بِهِ فَقلب حروفها، ونكر معروفها، وَفرق مألوفها وَقدم فِيهَا وَأخر وفكر وَقدر، ثمَّ عبس وَبسر، ثمَّ أدبر واستكبر فَقَالَ: قد انتظم من الْبَسْمَلَة: الْمَسِيح ابْن الله الْمُحَرر
فَقلت لَهُ: فيحث رضيت الْبَسْمَلَة بَيْننَا وَبَيْنك حكما وجوزت مِنْهَا أحكاما وَحكما، فلتنصرن الْبَسْمَلَة الأخيار منا على الأشرار، ولتفضلن أَصْحَاب الْجنَّة على أَصْحَاب النَّار قَالَت لَك(1/26)
الْبَسْمَلَة بِلِسَان حَالهَا: إِنَّمَا الله رب للمسيح رَاحِم النَّحْر لأمم لَهَا الْمَسِيح رب مَا برح الله رَاحِم الْمُسلمين سل ابْن مَرْيَم أحل لَهُ الْحَرَام لَا الْمَسِيح ابْن الله مُحَرر لَا مرحم للئام أَبنَاء السَّحَرَة رحم حر مُسلم أناب إِلَى الله لله نَبِي مُسلم حرم الراح الْحلم ربح رَأس مَاله الْإِيمَان
فَإِن قلت: إِنَّه رَسُول، صدقتك وَقَالَت: إيل أرسل الرَّحْمَة من بِلَحْم وإيل: من أَسمَاء الله بِلِسَان كتبهمْ وترجمة (بِلَحْم) : بَيت اللَّحْم الَّذِي ولد فِيهِ الْمَسِيح إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يدل على إبِْطَال مَذْهَب النَّصَارَى
ثمَّ انْظُر إِلَى الْبَسْمَلَة قد تخبر أَن من وَرَاء حولهَا خيولا وليوثا وَمن دون طلها سيولا وغيوثا وَلَا تحسبني استحسنت كلمتك الْبَارِدَة فَنسجَتْ على منوالها، وقابلت الْوَاحِدَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا بل أَتَيْتُك بِمَا يبغتك فيبهتك، ويسمعك مَا يصمك عَن الْإِجَابَة ويصمتك، فتعلم بِهِ أَنه هَذِه الْبَسْمَلَة مُسْتَقر لسَائِر الْعُلُوم والفنون، ومستودع لجوهر سرها الْمكنون أَلا ترى أَن الْبَسْمَلَة إِذا حصلت جملها كَانَ عَددهَا سَبْعمِائة وَسِتَّة وَثَمَانِينَ، فَوَافَقَ جملها مثل عِيسَى كآدم لَيْسَ لله من شريك، بِحِسَاب الْألف الَّتِي بعد لامي الْجَلالَة {وَلَا أشرك بربي أحدا} {يهدي الله لنوره من يَشَاء} بِإِسْقَاط ألف الْجَلالَة فقد أجابتك الْبَسْمَلَة بِمَا لم تحط بِهِ خَبرا، وجاءتك بِمَا لم تستطع عَلَيْهِ صبرا " انْتهى مُلَخصا
ثمَّ اعْلَم أَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ للِابْن: هُوَ الصلبي، كَذَا للْوَلَد مُنْفَردا وجمعا، لَكِن فِي الْعرف اسْم الْوَلَد حَقِيقَة فِي ولد الصلب وَاسْتِعْمَال الابْن وَالْولد فِي ابْن الابْن مجَاز، وَلِهَذَا صَحَّ أَن يُقَال: (إِنَّه لَيْسَ وَلَدي بل ولد ابْني) و (لَيْسَ ابْني بل ابْن ابْني) فَلَا بُد من قرينَة صارفة عَن إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِذا استعملا فِي ابْن الابْن أَو فِي معنى شَامِل لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا بني آدم} فَإِن عدم كَون أحد من ولد آدم من صلبه مَوْجُودا عِنْد وُرُود الْخطاب قرينَة صارفة عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، فَيكون المُرَاد أَبنَاء الْأَبْنَاء فَقَط، لَا معنى شَامِلًا للِابْن الصلبي وَابْن الابْن، وَهَذَا لَا يدل على صِحَة اسْتِعْمَال لفظ الْوَلَد فِي الْمَعْنى الشَّامِل للأولاد الصلبية وَأَوْلَاد الْأَبْنَاء وَالْحق أَن إِطْلَاق الابْن على ابْن الابْن لَا يسْتَلْزم إِطْلَاق الْوَلَد على ابْن الابْن قطعا، فَإِن حكم لفظ الابْن مُغَاير لحكم لفظ الْوَلَد فِي أَكثر الْمَوَاضِع
وَتَنَاول لفظ الابْن لِابْنِ الابْن إِنَّمَا يدل على تنَاول الْوَلَد لِابْنِ الابْن أَن لَو كَانَ لفظ الْوَلَد مرادفا للفظ الابْن أَو كَانَ الابْن أخص مُطلقًا من الْوَلَد، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوع، لِأَن الْأَوْلَاد تطلق عرفا على أَوْلَاد الْأَبْنَاء، بِخِلَاف الْأَبْنَاء فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهَا بِدَلِيل دُخُول الحفدة فِي الْمُسْتَأْمن على أبنائه، فبينهما عُمُوم وخصوص وَجْهي فَلَا يلْزم من تنَاول لفظ الابْن لَهُ تنَاول لفظ الْوَلَد لَهُ أَيْضا
وَلَا يُطلق الابْن إِلَّا على الذّكر بِخِلَاف الْوَلَد
والبنون: جمع (ابْن) خَالف تَصْحِيح جمعه تثنيته لعِلَّة تصريفية أدَّت إِلَى حذف الْهمزَة، وَيَقَع على الذُّكُور وَالْإِنَاث كأبناء إِذا اجْتَمعُوا، وَقَوله تَعَالَى: {يذبحون أبناءكم} المُرَاد الذُّكُور خَاصَّة(1/27)
الْأَب: بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد: مَا رعته الْأَنْعَام، وَيُقَال: الْأَب للبهائم كالفاكهة للنَّاس، أَو هُوَ فَاكِهَة يابسة تؤوب للشتاء: أَي تهَيَّأ لَهُ
وَأب للسير: تهَيَّأ رُوِيَ أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لما سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: {وَفَاكِهَة وَأَبا} قَالَ: " أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِن أَنا قلت فِي كتاب الله تَعَالَى مَا لَا أعلم "
وَأب أبه: قصد قَصده
وإبان الشَّيْء: بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد، حِينه وأوله
يُقَال: (كل الْفَاكِهَة فِي إبانها)
وإبانئذ: بِمَعْنى حِينَئِذٍ
والأباب: بِالضَّمِّ، مُعظم السَّيْل والموج
الإباء: هُوَ امْتنَاع بِاخْتِيَار وأبى الشَّيْء: لم يرضه، و [أَبى] عَلَيْهِ: امْتنع، وَهُوَ غير الاستكبار
وكل إباء: امْتنَاع بِلَا عكس، فَإِن الإباء شدَّة الِامْتِنَاع وإباء الشكيمة: مثل فِيهِ؛ وَيُقَال: أَبى على فلَان وتأبى عَلَيْهِ: إِذا امْتنع
والاستنكاف: تكبر فِي تَركه أَنَفَة، وَلَيْسَ فِي الاستكبار ذَلِك، وَإِنَّمَا يسْتَعْمل الاستكبار حَيْثُ لَا استخفاف، بِخِلَاف التكبر فَإِنَّهُ قد يكون باستخفاف
والتكبر: هُوَ أَن يرى الْمَرْء نَفسه أكبر من غَيره، والاستكبار: طلب ذَلِك بالتشبع وَهُوَ التزين بِأَكْثَرَ مَا عِنْده
والصفح: أَصله أَن تنحرف عَن الشَّيْء فتوليه صفحة وَجهك أَي ناحيته
كَذَلِك الْإِعْرَاض: وَهُوَ أَن تولي الشَّيْء عرضك أَي جَانِبك وَلَا تقبل عَلَيْهِ
والتولي: الاعراض مُطلقًا وَلَا يلْزمه الادبار، فَإِن تولي الرَّسُول عَن ابْن أم مَكْتُوم لم يكن بالإدبار
والتولي بالإدبار قد يكون على حَقِيقَته كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بعد أَن توَلّوا} وَقد يكون كِنَايَة عَن الانهزام كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ وليتم مُدبرين}
والتولي: قد يكون لحَاجَة تَدْعُو إِلَى الِانْصِرَاف مَعَ ثُبُوت العقد
والإعراض: الِانْصِرَاف عَن الشَّيْء بِالْقَلْبِ قَالَ بَعضهم: " المعرض وَالْمُتوَلِّيّ يَشْتَرِكَانِ فِي ترك السلوك، إِلَّا أَن المعرض أَسْوَأ حَالا، لِأَن الْمُتَوَلِي مَتى نَدم سهل عَلَيْهِ الرُّجُوع والمعرض يحْتَاج إِلَى طلب جَدِيد، وَغَايَة الذَّم الْجمع بَينهمَا "
والتولي إِذا وصل بإلى: يكون بِمَعْنى الإقبال عَلَيْهِ: {ثمَّ تولى إِلَى الظل} وَإِذا وصل بعن لفظا أَو تَقْديرا اقْتضى معنى الاعراض وَترك الْقرب وَعَلِيهِ {فَإِن توَلّوا فَإِن الله عليم بالمفسدين}
والصد: هُوَ الْعُدُول عَن الشَّيْء عَن قلى يسْتَعْمل لَازِما بِمَعْنى الِانْصِرَاف والامتناع {يصدون عَنْك} {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله} ، ومتعديا بِمَعْنى الصّرْف وَالْمَنْع الَّذِي(1/28)
يطاوعه الِانْصِرَاف والامتناع {وَلَا يصدنك عَن آيَات الله} {هم الَّذين كفرُوا وصدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَنَظِير صد: صدف: حَيْثُ يسْتَعْمل لَازِما بِمَعْنى أعرض، ومتعديا بِمَعْنى صدف غَيره، {فَمن أظلم مِمَّن كذب بآيَات الله وصدف عَنْهَا} وَالْآيَة مُحْتَملَة لَهَا كآية {فَمنهمْ من آمن بِهِ وَمِنْهُم من صد عَنهُ}
الإبداع: لُغَة، عبارَة عَن عدم النظير وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ إِخْرَاج مَا فِي الْإِمْكَان والعدم إِلَى الْوُجُوب والوجود
قيل: هُوَ أَعم من الْخلق، بِدَلِيل {بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض} و {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَلم يقل بديع الانسان
وَقيل: الإبداع إِيجَاد الأيس عَن الليس والوجود عَن كتم الْعَدَم
والإيجاد والاختراع: إفَاضَة الصُّور على الْموَاد الْقَابِلَة، وَمِنْه جعل الْمَوْجُود الذهْنِي خَارِجا
وَقَالَ بَعضهم: الإبداع: إِيجَاد شَيْء غير مَسْبُوق بمادة وَلَا زمَان كالعقول، فيقابل التكوين لكَونه مَسْبُوقا بالمادة، والإحداث لكَونه مَسْبُوقا بِالزَّمَانِ
والإبداع يُنَاسب الْحِكْمَة
والاختراع يُنَاسب الْقُدْرَة
والإنشاء: إِخْرَاج مَا فِي الشَّيْء بِالْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْل، وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي الْحَيَوَان
قَالَ الله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم}
{ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر}
وَالْفطر: يشبه أَن يكون مَعْنَاهُ الإحداث دفْعَة كالإبداع
فِي " الْجَوْهَرِي " الْفطر: الشق، يُقَال: فطرته فانفطر، فالفطر الِابْتِدَاء والاختراع
والبرء: هُوَ إِحْدَاث الشَّيْء على الْوَجْه الْمُوَافق للْمصْلحَة
وَقَالَ بَعضهم: الإبداع، والاختراع، والصنع، والخلق، والإيجاد، والإحداث وَالْفِعْل، والتكوين، والجعل: أَلْفَاظ مُتَقَارِبَة الْمعَانِي
أما الإبداع: فَهُوَ اختراع الشَّيْء دفْعَة
والاختراع: إِحْدَاث الشَّيْء لَا عَن شَيْء
والصنع: إِيجَاد الصُّورَة فِي الْمَادَّة
والخلق: تَقْدِير وإيجاد، وَقد يُقَال للتقدير من غير إِيجَاد
والإيجاد: إِعْطَاء الْوُجُود مُطلقًا
والإحداث: إِيجَاد الشَّيْء بعد الْعَدَم
وَالْفِعْل: أَعم من سَائِر اخواته
والتكوين: مَا يكون بتغيير وتدريج غَالِبا
والجعل: إِذا تعدى إِلَى المفعولين يكون بِمَعْنى(1/29)
التصيير، وَإِذا تعدى إِلَى مفعول وَاحِد يكون بِمَعْنى الْخلق والإيجاد، وَلَا فرق على عرف أهل الْحِكْمَة بَين الْجعل الإبداعي والجعل الاختراعي فِي اقتضائه المجعول وَهُوَ الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ والمجعول إِلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُود، وَإِن كَانَ بَينهمَا فرق، من حَيْثُ إِن الأول إِيجَاد الأيس عَن مُطلق الليس، أَي أَعم من أَن يكون مُقَيّدا بِمَا ذكر أَو غير مُقَيّد بِهِ
وَاعْلَم أَن الْحَقَائِق من حَيْثُ معلوميتها وعدميتها، وَتعين صورها فِي الْعلم الإلهي الذاتي الأزلي يَسْتَحِيل أَن تكون مجعولة لكَونه قادحا فِي صرافة وحدة ذَاته تَعَالَى أزلا، غير أَن فِيهِ تحصيلا للحاصل، فالتأثير إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي اتصافها بالوجود، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من أهل الْكَشْف وَالنَّظَر
والإبداع: من محسنات البديع، هُوَ أَن يشْتَمل الْكَلَام على عدَّة ضروب من البديع، كَقَوْلِه تَعَالَى: {يَا أَرض ابلعي ماءك} إِلَى آخِره، فَإِنَّهَا تشْتَمل على عشْرين ضربا من البديع، وَهِي سبع عشرَة لَفْظَة، كَذَا فِي " الإتقان "
الِابْتِدَاء: هُوَ اهتمامك بِالِاسْمِ وجعلك إِيَّاه أَولا لثان يكون خَبرا عَنهُ، والأولية: معنى قَائِم بِهِ يكسبه قُوَّة إِذا كَانَ غَيره مُتَعَلقا بِهِ، وَكَانَت رتبته مُتَقَدّمَة على غَيره
والبدء: من بَدَأَ الشَّيْء، أنشأه واخترعه قَالَ الله تَعَالَى: {أولم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق} ثمَّ قَالَ: {كَيفَ بَدَأَ الْخلق} هَذَا فِيمَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ
وبدأت بالشَّيْء، وبدأته، وابتدأت بِهِ وابتدأته: بِمَعْنى قَدمته على غَيره وَجَعَلته أَو الْأَشْيَاء، وَمِنْه (بدأت الْبَسْمَلَة) ، وَقَول الخطباء: " إِن الله أَمركُم بِأَمْر بَدَأَ فِيهِ بِنَفسِهِ " إِلَّا أَن فِي الِابْتِدَاء زِيَادَة كلفة كَمَا فِي مثل: (حملت) ، و (احتملت)
وَإِذا شرعت فِي قِرَاءَة الْكتاب مثلا وَقلت: (بدأت الْكتاب، وابتدأت بِالْكتاب) فَلَا اسْتِحَالَة فِي أَن يكون مَعْنَاهُ: أنشأت قِرَاءَته وأحدثته، لَكِن الظَّاهِر الْمَعْقُول أَن هَذَا البدء والابتداء يستعملان فِيمَا لَهُ أَجزَاء أَو جزئيات، وَيكون حُدُوثه على التدريج كالقراءة وَالْكِتَابَة، فالبدء إضافي بِالْإِضَافَة إِلَى سَائِر أَجْزَائِهِ أَو جزئياته
والابتداء: أَمر عَقْلِي وَمَفْهُوم كلي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج إِلَّا فِي ضمن الْأَفْرَاد كَسَائِر الْأُمُور الْكُلية، وَلَا أَفْرَاد لَهُ فِي الْخَارِج حَقِيقَة، كالإنسان مثلا، وَإِنَّمَا أَفْرَاده حصص الْجِنْس الْحَاصِلَة بِالْإِضَافَة إِلَى الْأَزْمِنَة والأمكنة، وَهَكَذَا مفهومات المصادر كلهَا، فَإِنَّهَا لكَونهَا أمورا اعتبارية نسبية لَا وجود لَهَا إِلَّا فِي ضمن النّسَب الْمعينَة، والإضافات الخارجية فالابتداء الْحَقِيقِيّ: هُوَ الَّذِي لم يتقدمه شَيْء أصلا؛ والإضافي: هُوَ الَّذِي لم يتقدمه شَيْء من الْمَقْصُود بِالذَّاتِ، والعرفي: هُوَ الِابْتِدَاء الممتد من زمن الِابْتِدَاء إِلَى زمن الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود، حَتَّى يكون كل مَا يصدر فِي ذَلِك الزَّمَان يعد مُبْتَدأ بِهِ
قَالَ بَعضهم: الإضافي: يعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعده شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى الْمَقْصُود بِالذَّاتِ(1/30)
بِخِلَاف الْعرفِيّ: فَإِنَّهُ يعْتَبر شَيْئا وَاحِدًا ممتدا إِلَى الْمَقْصُود
والابتداء بِالِاسْمِ الشريف أَعم من أَن يكون بِالذَّاتِ أَو بالواسطة، وَمَا ورد فِي حَدِيثي الِابْتِدَاء فَفِي صِحَّته مقَال، وَلِهَذَا لم يكْتب فِي " البُخَارِيّ " إِلَّا الْبَسْمَلَة، وَإِن صَحَّ فصورة التَّعَارُض فِي صُورَة ضم الدَّال فِي (الْحَمد) على الْحِكَايَة وَزِيَادَة الْبَاء على بَاء الْبَسْمَلَة وَالدَّفْع إِمَّا بِأَن يحمل الِابْتِدَاء على الشَّامِل للحقيقي كَمَا فِي الْبَسْمَلَة، وللإضافي كَمَا فِي الحمدلة، أَو على الْمُتَعَارف بَين الممتثلين للْحَدِيث فالتنزيل الْجَلِيل مبدؤه عرفا الْفَاتِحَة بكمالها كَمَا يشْعر بِهِ التَّسْمِيَة بهَا، والكتب الْمُدَوَّنَة مبدؤها الْخطْبَة الَّتِي تَضَمَّنت الْبَسْمَلَة وَالْحَمْد وَالصَّلَاة، أَو تجْعَل الْبَاء فيهمَا للاستعانة؛ وَيجوز الِاسْتِعَانَة بأَشْيَاء مُتعَدِّدَة كَيْفَمَا اتّفقت بِلَا تَرْتِيب لَازم بهَا، أَو للملابسة وَالشَّرْع يعْتَبر المتلبس فِي الأول متلبسا من الأول إِلَى الآخر، كالمتلبس بالبسملة فِي أول الْأكل أَو بِالنِّيَّةِ فِي أول كل عبَادَة، أَو بِأَن يكون أَحدهمَا بالجنان أَو بِاللِّسَانِ أَو بِالْكِتَابَةِ، وَالْآخر بِالْآخرِ مِنْهُمَا أَو كِلَاهُمَا بالجنان مَعًا، لجَوَاز إِحْضَار الشَّيْئَيْنِ بالبال إِذا كَانَ لَهُ حُضُور وَتوجه تَامّ، أَو المُرَاد مِنْهُمَا ذكره تَعَالَى سَوَاء وجد فِي ضمن الْبَسْمَلَة أَو الحمدلة، وَقد صَحَّ رِوَايَة بِذكر الله؛ وَقد تقرر فِي الْأُصُول أَن الْحكمَيْنِ إِذا تَعَارضا وَلم يعلم سبق حمل على التَّخْيِير، فِي " الْقُهسْتَانِيّ " قد ورد أَيْضا: " كل خطْبَة لَيْسَ فِيهَا تشهد فَهِيَ كَالْيَدِ الجذماء، وكل كَلَام لَا يبتدأ فِيهِ بِالصَّلَاةِ عَليّ فَهُوَ ممحوق مِنْهُ كل بركَة "
وَلما كَانَ الِابْتِدَاء آخِذا فِي التحريك لم يكن المبدوء بِهِ إِلَّا متحركا، وَلما كَانَ الِانْتِهَاء آخِذا فِي السّكُون لم يكن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِلَّا سَاكِنا كل ذَلِك للمناسبة
الابدال: هُوَ رفع الشَّيْء وَوضع غَيره مَكَانَهُ والتبديل: قد يكون عبارَة عَن تَغْيِير الشَّيْء مَعَ بَقَاء عينه، يُقَال: (بدلت الْحلقَة خَاتمًا) : إِذا أدرتهما وسويتها وَمِنْه: {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} {وَيَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض}
وَقد يكون عبارَة عَن إفناء الذَّات الأولى واحداث ذَات أُخْرَى، كَمَا تَقول: (بدلت الدَّرَاهِم دَنَانِير) وَمِنْه: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا}
والتبديل: يتَعَدَّى إِلَى المفعولين بِنَفسِهِ مثل: {فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا} وَإِلَى المذهوب بِهِ الْمُبدل مِنْهُ بِالْبَاء أَو بِمن مثل: (بدله بخوفه أَو من خَوفه أمنا) وَمِنْه: {بَدَّلْنَاهُمْ بجنتيهم جنتين}
وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، تَقول: (بدلت الشَّيْء) إِذا غيرته، وَمِنْه: {فَمن بدله بعد مَا سَمعه}
والإبدال والتبدل: إِذا استعملا بِالْبَاء نَحْو (أبدل الْخَبيث بالطيب) و (تبدل بِهِ) فَلَا تدخل الْبَاء حِينَئِذٍ إِلَّا على الْمَتْرُوك والتبديل: مثلهمَا
والإبدال: يكون من حُرُوف الْعلَّة وَغَيرهَا، وَالْقلب لَا يكون من حُرُوف الْعلَّة
والإبدال فِي البديع: إِقَامَة بعض الْحُرُوف مقَام(1/31)
الْبَعْض وَجعل مِنْهُ ابْن فَارس {فانفلق} أَي الْبَحْر: أَي انفرق بِدَلِيل {كل فرق}
الْأَبَد: الدَّهْر، والدائم، وَالْقَدِيم، والأزلي
والأبد والأمد: متقاربان لَكِن الْأَبَد عبارَة عَن مُدَّة الزَّمَان ألتي لَيْسَ لَهَا حد مَحْدُود، وَلَا يتَقَيَّد فَلَا يُقَال: (أَبَد كَذَا)
والأمد: مُدَّة لَهَا حد مَجْهُول إِذا أطلق، وَقد ينْحَصر فَيُقَال: (أمد كَذَا) كَمَا يُقَال: (زمَان كَذَا)
وأبدا (مُنْكرا) يكون للتَّأْكِيد فِي الزَّمَان الْآتِي نفيا وإثباتا لَا لدوامه واستمراره فَصَارَ ك (قطّ) و (الْبَتَّةَ) فِي تَأْكِيد الزَّمَان الْمَاضِي يُقَال: (مَا فعلت كَذَا قطّ والبتة) و (لَا أَفعلهُ أبدا)
و [الْأَبَد] الْمُعَرّف: للاستغراق، لِأَن اللَّام للتعريف وَهُوَ إِذا لم يكن معهودا يكون للاستغراق قيل: الْأَبَد: لَا يثنى وَلَا يجمع، والآباد مولد، وأبد الآبدين: مَعْنَاهُ دهر الداهرين، وعصر البَاقِينَ، أَي يبقي مَا بَقِي دهر وداهر
وَآخر الْأَبَد: كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة فِي التَّأْبِيد؛ وَالْمعْنَى: الْأَبَد الَّذِي هُوَ آخر الْأَوْقَات
الْإِبَاحَة: أبحتك الشَّيْء: أحللته
وأبحته: أظهرته، والمباح مِنْهُ وَالْإِبَاحَة شرعا: ضد الْحُرْمَة، فِي " النِّهَايَة " ضد الْكَرَاهَة
وَفِي " الْمُضْمرَات " أَن الْحل يتَضَمَّن الْإِبَاحَة لِأَنَّهُ فَوْقهَا، وكل مُبَاح جَائِز، دون الْعَكْس، لِأَن الْجَوَاز ضد الْحُرْمَة وَالْإِبَاحَة ضد الْكَرَاهَة، فَإِذا انْتَفَى الْحل ثَبت ضِدّه، وَهُوَ الْحُرْمَة فتنتفي الْإِبَاحَة أَيْضا فَثَبت ضدها وَهُوَ الْكَرَاهَة، وَلَا يَنْتَفِي الْجَوَاز لجَوَاز اجْتِمَاع الْجَوَاز مَعَ الْكَرَاهَة، كَمَا فِي نِكَاح الْأمة الْمسلمَة عِنْد الْقُدْرَة على مهر الْحرَّة ونفقتها، وَكَذَا نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة، وَإِن لم يجز كلا النكاحين عِنْد الشَّافِعِي بِنَاء على مَفْهُوم الْوَصْف وَالشّرط اللَّذين ليسَا بِحجَّة عندنَا وَحكم الْمُبَاح عدم الثَّوَاب وَالْعِقَاب فعلا وتركا، بل عدم الْعقَاب
وَالْإِبَاحَة: ترديد الْأَمر بَين شَيْئَيْنِ يجوز الْجمع بَينهمَا وَإِذا أُتِي بِوَاحِد مِنْهُمَا كَانَ امتثالا لِلْأَمْرِ
كَقَوْلِك: (جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين) فَلَا يكون إِلَّا بَين مباحين فِي الأَصْل، وَهِي تدفع توهم الْحُرْمَة، كَمَا أَن التَّسْوِيَة تدفع توهم الرجحان
وَأما التَّخْيِير: فَهُوَ ترديد الْأَمر بَين شَيْئَيْنِ وَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا، كَقَوْلِك: (تزوج زَيْنَب أَو أُخْتهَا) فَلَا يكون إِلَّا بَين ممنوعين فِي الأَصْل، وَمن ثمَّة يجوز بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ
وَالْإِبَاحَة والتخيير: قد يضافان إِلَى صِيغَة الْأَمر، وَقد يضافان إِلَى كلمة " أَو " وَالتَّحْقِيق أَن كلمة " أَو " لأحد الْأَمريْنِ أَو الْأُمُور، وَأَن جَوَاز الْجمع وامتناعه إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَحل الْكَلَام وَدلَالَة الْقَرَائِن، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِبَاحَةِ الْإِبَاحَة الشَّرْعِيَّة، لِأَن الْكَلَام فِي معنى كلمة أَو بِحَسب اللُّغَة قبل ظُهُور الشَّرْع، بل المُرَاد الْإِبَاحَة بِحَسب الْعقل أَو بِحَسب الْعرف فِي أَي وَقت كَانَ؛ وَعند أَي قوم كَانُوا
الْإِبَاق: من أبق العَبْد كسمع، وَضرب، وَطلب، وَمنع: وَهُوَ هرب العَبْد من السَّيِّد خَاصَّة، وَلَا يُقَال للْعَبد آبق إِلَّا إِذا استخفى وَذهب من غير خوف وَلَا كد عمل؛ وَإِلَّا فَهُوَ هارب(1/32)
والفرار من محلّة إِلَى محلّة أَو من قَرْيَة إِلَى بلد لَيْسَ بإباق شرعا، وَإِنَّمَا الْإِبَاق من بلد إِلَى خَارج، وَلَا يشْتَرط مسيرَة السّفر
الْإِبْهَام: أبهم الْأَمر: اشْتبهَ، وَأبْهم الْبَاب: أغلقه
وَهُوَ فِي الْيَد والقدم: أكبر الْأَصَابِع والأسماء المبهمة عِنْد النَّحْوِيين أَسمَاء الإشارات
والإبهام البديعي: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم بِكَلَام مُبْهَم يحْتَمل مَعْنيين متضادين لَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر، وسمى السكاكي وَمن تبعه هَذَا النَّوْع بالتورية، كَقَوْلِه فِي خياط أَعور اسْمه عَمْرو:
(خاط لي عَمْرو قبَاء ... لَيْت عَيْنَيْهِ سَوَاء)
وَمِنْه قَوْله:
(تَفَرَّقت غنمي يَوْمًا فَقلت لَهَا ... يَا رب سلط عَلَيْهَا الذِّئْب والضبعا)
الإباتة: من البيتوتة، يُقَال: (أباتك الله بِخَير)
والإبتات: قطع الْعَمَل، وَالْحكم، والعزم
الْإِبِل: فِي الْقَامُوس وَاحِد يَقع على الْجمع لَيْسَ بِجمع وَلَا اسْم جمع، وَقيل: اسْم جمع لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، مُؤَنّثَة، لِأَن أَسمَاء الجموع الَّتِي لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا إِذا كَانَت لغير الْآدَمِيّين فالتأنيث لَهَا لَازم، وَيَجِيء بِمَعْنى اسْم الْجِنْس كالطير؛ دلّ على ذَلِك: {وَمن الْإِبِل اثْنَيْنِ}
والإبالة: ككتابة، السياسة
والأبلة: كالقرحة، الطّلبَة وَالْحَاجة
والإبلة: بِالْكَسْرِ، الْعَدَاوَة، وبالضم، العاهة
الإبلاغ: الإيصال، وَكَذَا التَّبْلِيغ إِلَّا أَن التَّبْلِيغ يُلَاحظ فِيهِ الْكَثْرَة فِي الْمبلغ، وَفِي أصل الْفِعْل أَيْضا على مَا يظْهر من قَوْله تَعَالَى: {وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} وَمن قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك}
الإبرام: الإملال من " أبرمه " إِذا أمله وأضجره وأبرم الشَّيْء: أحكمه
الابتهال: الِاجْتِهَاد فِي الدُّعَاء وإخلاصه، قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ نبتهل} أَي نخلص فِي الدُّعَاء
الإبار: اسْم من (أبر نخله) إِذا لقحه وَأَصْلحهُ؛ وَمِنْه: سكَّة مأبورة
الْإِبْرَاء: هبة الدّين لمن عَلَيْهِ الدّين، وكما يسْتَعْمل فِي الْإِسْقَاط يسْتَعْمل فِي الِاسْتِيفَاء يُقَال: أَبرَأَهُ بَرَاءَة قبض وَاسْتِيفَاء، وَلِهَذَا يكْتب فِي الصكوك: وأبرأه عَن الثّمن قبض وَاسْتِيفَاء
وَالْإِبْرَاء عَن الْأَعْيَان لَا يجوز، وَعَن دَعْوَاهَا يجوز، فَلَو ادّعى دَارا فَصَالح عَن قِطْعَة مِنْهَا لم يَصح، وَكَذَا لَو أخرج أحد الْوَرَثَة عَن النَّقْد بِأَقَلّ من حِصَّته؛ وَأما لَو قَالَ: (بَرِئت من دعواي فِي هَذِه الدَّار) بِإِضَافَة الْبَرَاءَة إِلَى نَفسه، فَإِنَّهُ يَصح لمصادقة الْبَرَاءَة الدَّعْوَى، وَكَذَا لَو ادَّعَت مِيرَاث زَوجهَا جَازَ الْإِبْرَاء، لِأَن الْمَدْفُوع إِلَيْهَا لقطع الْمُنَازعَة
الإبلاء: الإفناء
الإبادة: الاهلاك(1/33)
الْإِبِط: هُوَ مَا تَحت الْجنَاح، يذكر وَيُؤَنث
الإبلاس: الانكسار، والحزن، وَالسُّكُوت، يُقَال: (ناظرته فَأبْلسَ) ، أَي سكت وأيس من أَن يحْتَج
الابتهاج: السرُور
الِابْتِلَاء: فِي الأَصْل، التَّكْلِيف بِالْأَمر الشاق من الْبلَاء لكنه لما استلزم الاختبار بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يجهل العواقب ظن ترادفهما
وَقَالَ بَعضهم: الِابْتِلَاء يكون فِي الْخَيْر وَالشَّر مَعًا، يُقَال فِي الْخَيْر: أبليته، وَفِي الشَّرّ: بلوته بلَاء
الْأَبْطَال: إِفْسَاد الشَّيْء وإزالته، حَقًا كَانَ ذَلِك الشَّيْء أَو بَاطِلا
الأبهة: العظمة، وَالْكبر، والنخوة، والبهجة وأبهته تأبيها: نبهته وفطنته، وبكذا: أزننته [أَي: اتهمته]
(نوع فِي بَيَان لُغَات أَلْفَاظ النّظم الْجَلِيل)
أبابيل: قيل: هُوَ جمع وَإِن لم يسْتَعْمل واحده
وطير أبابيل: أَي مُتَفَرِّقَة أَو متتابعة مجتمعة، كَمَا فِي " الْمُفْردَات " و " الْقُرْطُبِيّ "
آب: بِمَعْنى رَجَعَ
وآبت الشَّمْس: لُغَة فِي: غَابَتْ
فَلَنْ أَبْرَح: لن أُفَارِق
وَابْن السَّبِيل: الضَّيْف الَّذِي نزل بِالْمُسْلِمين أَو الْمُسَافِر
وابتلوا: واختبروا
وابتغاء مرضاة الله: طلبا لرضاه
وَمَا أبرئ نَفسِي: أَي مَا أنزهها
ابلعي ماءك: ازدرديه أَو اشربيه
هُوَ الأبتر: أَي الَّذِي لَا عقب لَهُ
وَأبْصر: أَي انْتظر
إِبْرَاهِيم: اسْم سرياني، مَعْنَاهُ، أَب رَحِيم، وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": اسْم أعجمي وعَلى هَذَا لَا يكون معربا
وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: إِن إِجْمَاع أهل الْعَرَبيَّة على أَن منع الصّرْف فِي (إِبْرَاهِيم) وَنَحْوه للعجمة والعلمية، فَتبين مِنْهُ وُقُوع المعرب فِي الْقُرْآن
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ؛ " ولد على رَأس ألفي سنة من خلق آدم وَعَن أبي هُرَيْرَة أَنه اختتن بعد عشْرين وَمِائَة سنة وَمَات ابْن مِائَتي سنة "
(فصل الْألف وَالتَّاء)
الْإِتْيَان: هُوَ عَام فِي الْمَجِيء والذهاب وَفِيمَا كَانَ طبيعيا وقهريا
والذهاب: يُقَابل الْمَجِيء
والمرور: يعمه
وَفِي " الرَّاغِب ": الْمَجِيء: أَعم لِأَن الْإِتْيَان مَجِيء بسهولة وَيُقَال: جَاءَ: فِي الْأَعْيَان والمعاني ويما يكون مَجِيئه بِذَاتِهِ وبأمر وَلمن قصد مَكَانا وزمانا وَذكر " الزَّمَخْشَرِيّ " إِن أَتَى: يَجِيء بِمَعْنى (صَار) ك (جَاءَ) فِي قَوْلك: (جَاءَ الْبناء محكما) : أَي صَار {وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} : أَي كَانَ
أَتَى وَجَاء: يطلقان بِمَعْنى فعل فيتعديان تعديته؛ وَيُقَال: (أَتَى زيد أَتَيَا وإتيانا) إِذا كَانَ جائيا و (أَتَى بزيد وبمال) مثلا: إِذا أجاءه أَي جعله جائيا
وأتى الْمَكَان: حَضَره(1/34)
وأتى الْمَرْأَة إتيانا: جَامعهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله}
وأتى على الشَّيْء: أنفذه وَبلغ آخِره أَو مر بِهِ
وأتى عَلَيْهِم الدَّهْر: أهلكهم وأفناهم
{وَمَا آتَاكُم الرَّسُول} أَي أَمركُم بِهِ
وأتى الرجل الْقَوْم: انتسب إِلَيْهِم وَلَيْسَ مِنْهُم
وَأَتَاهُ آتٍ: أَي ملك
وأتيته على الْأَمر بِالْقصرِ: وافقته
وَقد يتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي بِالْبَاء مثل (أَتَيْته بالبلية) وَيذكر الْإِتْيَان وَيُرَاد بِهِ الزِّيَارَة وَفِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْلِيس {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم} إِلَى آخِره: عدى الْفِعْل إِلَى الْأَوَّلين ب (من) وَإِلَى الآخرين ب (عَن) لِأَن الْآتِي من الْأَوَّلين مُتَوَجّه إِلَيْهِم، والآتي من الآخرين كالمنحرف عَنْهُم، الْمَار على عرضهمْ
الإتباع: أتبع بِالتَّخْفِيفِ يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، وبالتشديد إِلَى وَاحِد قيل: تبع وَاتبع بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ اللحوق
فأتبعهم فِرْعَوْن: أَي لحقهم أَو كَاد
وَاتبعهُ: بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى سَار خَلفه وَقيل: اتبع: بِقطع الْألف بِمَعْنى اللحوق والإدراك؛ وبوصلها بِمَعْنى اتبع أَثَره، أدْركهُ أَو لم يُدْرِكهُ وَفِي " الْأَنْوَار " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَرَأَ نَافِع بِالتَّخْفِيفِ؛ وَقُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وتسكين الْعين تَشْبِيها لتَبعه بِقَصْدِهِ يَعْنِي تَشْبِيها بِمَا هُوَ أبلغ فِي ذَلِك الْمَعْنى
وَنَظِير هَذَا التَّشْبِيه قَوْله تَعَالَى: {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم}
والإتباع: هُوَ أَن تتبع الْكَلِمَة على وَزنهَا أَو رويها إشباعا وتوكيدا حَيْثُ لَا يكون الثَّانِي مُسْتَعْملا بِانْفِرَادِهِ فِي كَلَامهم، وَذَلِكَ يكون على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون للثَّانِي معنى كَمَا فِي (هَنِيئًا) مريئا)
وَالثَّانِي: أَن لَا يكون لَهُ معنى، بل ضم إِلَى الأول لتزيين الْكَلَام لفظا وتقويته معنى نَحْو قَوْلك: (حسن بسن) وَعَلِيهِ {عبس وَبسر} وَمن أَنْوَاع الإتباع: إِدْخَال اللَّام على (يزِيد) للوليد وَمن أحد ضربيه: قسيم وسيم، كِلَاهُمَا بِمَعْنى الْجَمِيل، فَيُؤتى بِهِ للتَّأْكِيد، لِأَن لَفظه مُخَالف للْأولِ وَمن الآخر: (شَيْطَان ليطان) أَي: لصوق لَازم للشر، و (عطشان نطشان) أَي: قلق
فَمَعْنَى الثَّانِي غير الأول، وَهُوَ لَا يكَاد يُوجد بِالْوَاو وَاتِّبَاع ضمير الْمُذكر بضمير الْمُؤَنَّث كَحَدِيث " وَرب الشَّيَاطِين وَمَا أضللن "
وَاتِّبَاع كلمة فِي ابدال الْوَاو فِيهَا همزَة لهمزة فِي أُخْرَى كَحَدِيث: " ارْجِعْنَ مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات "
وَاتِّبَاع كلمة فِي ابدال واوها بِالْيَاءِ للياء فِي أُخْرَى كَحَدِيث: " لَا دَريت وَلَا تليت "
وَاتِّبَاع كلمة فِي التَّنْوِين لكلمة أُخْرَى منونة صحبتهَا ك (سلاسلا وأغلالا) وَأما (حياك الله وبياك) فِي حَدِيث آدم حِين قتل ابْنه فَمَكثَ مائَة سنة لَا يضْحك، ثمَّ قيل لَهُ ذَلِك فَلَيْسَ بإتباع
وَقد يُؤْتى بلفظين بعد المتبع كَمَا يُؤْتى بِلَفْظ(1/35)
وَاحِد، فَيُقَال: (حسن بسن قسن) و (لَا بَارك الله فِيك وَلَا تَارِك وَلَا دَارك)
الاتساع: هُوَ ضرب من الْحَذف إِلَّا أَنَّك لَا تقيم المتوسع فِيهِ مقَام الْمَحْذُوف وتعربه بإعرابه وتحذف الْعَامِل فِي الْحَذف وَتَدَع مَا عمل فِيهِ على حَاله فِي الْإِعْرَاب وَلَا يجْرِي الاتساع فِي الْمُتَعَدِّي إِلَى اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ يصير مُلْحقًا ببنات الثَّلَاثَة، وَهِي أَفعَال محصورة لَا يجوز الْقيَاس عَلَيْهَا
والاتساع فِي الظّرْف: هُوَ أَن لَا يقدر مَعَه (فِي) توسعا؛ فينصب نصب الْمَفْعُول بِهِ نَحْو: (دخل بَيْتا) و (قَامَ لَيْلًا) و (صَاد يَوْمَيْنِ) و (صَامَ شهرا) و (سرق اللَّيْلَة) وَالْمعْنَى على ظَاهر التَّرْكِيب من غير تَقْدِير (فِي) وَإِن كَانَ أصل الْمَعْنى على الظَّرْفِيَّة وَمن ثمَّة يفهم مِنْهُ غَالِبا قيام اللَّيْلَة بِتَمَامِهَا، وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي؛ وَلَو كَانَ بِتَقْدِير (فِي) لم يفهم التَّمام
وَمعنى التَّوَسُّع فِي الظروف: هُوَ أَن كل حَادث فِي الدُّنْيَا فحدوثه يكون فِي زمَان وَفِي مَكَان، والانفكاك محَال؛ وَلما كَانَ الزَّمَان وَالْمَكَان من ضرورات الحادثات، وَكَانَ بَينهمَا شدَّة الِاتِّصَال وَقُوَّة الالتصاق كَانَ الزَّمَان وَالْمَكَان مَعَ كل شَيْء كجزئه وَبَعضه، لَا أَجْنَبِيّا مِنْهُ، فَهُوَ إِذن كالمحارم يدْخلُونَ حَيْثُ لَا يدْخل الْأَجْنَبِيّ وَلَيْسَ التَّوَسُّع مطردا فِي كل ظروف الْأَمْكِنَة كَمَا فِي الزَّمَان، بل التَّوَسُّع فِي الْأَمْكِنَة سَماع نَحْو (نحا نَحْوك) و (قصد قصدك) و (أقبل قبلك) وَلَا يجوز ذَلِك فِي (خلف) واخواتها، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَن ظرف الزَّمَان أَشد تمَكنا من ظرف الْمَكَان [وَإِذا توسع فِي فعل لَهُ مفعول وَاحِد يُقَال للظرف المتوسع فِيهِ مفعول ثَان، وَلَا يتوسع فِيمَا لَهُ ثَلَاثَة مفاعيل لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ مَفْعُولا رَابِعا، وَلم يجِئ فِي كَلَام الْعَرَب مَاله أَرْبَعَة مفاعيل]
والاتساع البديعي: هُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر بِبَيْت يَتَّسِع فِيهِ التَّأْوِيل على قدر قوى الناظرين فِيهِ بِحَسب مَا تحمله الْأَلْفَاظ كَمَا فِي فواتح السُّور وَقد اتَّسع النقاد فِي تَأْوِيل قَول الشَّاعِر:
(إِذا قامتا تضوع الْمسك مِنْهُمَا ... نسيم الصِّبَا جَاءَت بريا القرنفل)
فَمن قَائِل: تضوع مثل الْمسك مِنْهُمَا نسيم الصِّبَا
وَمن قَائِل: تضوع نسيم الصِّبَا كالمسك مِنْهُمَا
وَمن قَائِل: تضوع الْمسك مِنْهُمَا كتضوع نسيم الصِّبَا وَهَذَا أَجود الْوُجُوه وَمعنى قَوْلهم: هَذَا على الاتساع: أَي على التَّجَوُّز
الِاتِّحَاد: هُوَ يُطلق بطرِيق الْمجَاز على صيرورة شَيْء شَيْئا آخر بطرِيق الاستحالة، أَعنِي التَّغْيِير والانتقال دفعيا كَانَ أَو تدريجيا، كَمَا يُقَال: (صَار المَاء هَوَاء وَالْأسود أَبيض)
وَيُطلق أَيْضا بطرِيق الْمجَاز على صيرورة شَيْء شَيْئا آخر بطرِيق التَّرْكِيب، وَهُوَ أَن يَنْضَم شَيْء إِلَى شَيْء ثَان فَيحصل مِنْهُمَا شَيْء ثَالِث، كَمَا يُقَال: (صَار التُّرَاب طينا والخشب سريرا) وَلَا شكّ فِي وُقُوع الِاتِّحَاد بِهَذَيْنِ الْمَعْنيين، وَأما مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ عِنْد الْإِطْلَاق وَهُوَ الْمَفْهُوم الْحَقِيقِيّ لَهُ، وَهُوَ أَن يصير شَيْء بِعَيْنِه شَيْئا آخر من غير أَن يَزُول عَنهُ شَيْء أَو يَنْضَم إِلَيْهِ شَيْء؛ فَهَذَا الْمَعْنى بَاطِل بِالضَّرُورَةِ(1/36)
قَالَ بَعضهم: الِاتِّحَاد شُهُود الْوُجُود الْحق الْوَاحِد الْمُطلق الَّذِي لكل مَوْجُود بِالْحَقِّ فيتحد بِهِ الْكل من حَيْثُ كَون كل شَيْء مَوْجُودا بِهِ مَعْدُوما بِنَفسِهِ، لَا من حَيْثُ أَنه لَهُ وجودا خَاصّا اتَّحد بِهِ فَإِنَّهُ محَال، واتحاد الشَّيْء بأَشْيَاء كَثِيرَة مُمْتَنع بِخِلَاف انطباق الصُّورَة الْوَاحِدَة على أَشْيَاء كَثِيرَة [وَاعْلَم أَن الْأُمَم قد اخْتلفُوا فِي أَنه هَل يجوز أَن يتحد موجودان بحث لَا تبقى الأثنينية بَينهمَا أم لَا؟ ، فَذهب الْمُحَقِّقُونَ أَن امْتِنَاعه وَمَال إِلَيْهِ طَائِفَة من متألهة الفلاسفة فَقَالَ بَعضهم باتحاد النَّفس مَعَ الْبدن، وَذهب بَعضهم إِلَى اتِّحَاد النَّفس مَعَ الْعقل الغول، وَزعم قوم من الْمَشَّائِينَ أَن النَّفس إِذا عقلت شَيْئا اتّحدت مَعَ الصُّورَة المعقولة، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو عَليّ وَذهب قوم من متصوفة الْإِسْلَام إِلَى أَن الْمُنْقَطع عَن الدُّنْيَا المتوجه إِلَى الله تَعَالَى قد يتحد مَعَ الله تَعَالَى؛ وَزعم قوم من النَّصَارَى أَن الِاتِّحَاد هُوَ الممازجة بِحَيْثُ لَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر كممازجة المَاء مَعَ اللَّبن، وَهَذَا غير متنازع فِيهِ، إِلَّا إِذا ادعوا ذَلِك فِي الله سُبْحَانَهُ وَالْمَشْهُور عِنْد الْعلمَاء فِي ابطال الِاتِّحَاد هُوَ أَنَّهُمَا بعد الِاتِّحَاد إِن بقيا موجودين فهما اثْنَان وَإِن عدما أَو أَحدهمَا فَلَا اتِّحَاد لِأَن الْمَعْدُوم لَا يتحد بالمعدوم وَلَا بالموجود وَفِيه أَن الاثنينية فِي صُورَة كَونهَا بوجودين وتعينين، وَلم لَا يجوز أَن يَكُونَا بعد الِاتِّحَاد موجودين بِوُجُود وَاحِد وَتعين وَاحِد كَمَا فِي الْجِنْس والفصل فَإِنَّهُمَا حقيقتا مغايرين موجودتان بِوُجُود وَاحِد وَتعين وَاحِد وَهَذَا مَا اتّفق عَلَيْهِ الْحُكَمَاء] وَفِيه مناظرة لبَعض الْفُضَلَاء جرت بِبَعْض النَّصَارَى فهاك ملخصه
قَالَ: قلت لَهُ: هَل تسلم أَن عدم الدَّلِيل لَا يدل على عدم الْمَدْلُول؟ فَإِن انكرت لزمك أَنه لَا يكون الله قَائِما، لِأَن دَلِيل وجوده هُوَ الْعَالم، فَلَزِمَ من عدم الْعَالم، وَهُوَ الدَّلِيل، عدم الْمَدْلُول فَإِذا جوزت اتِّحَاد كلمة الله بِعِيسَى أَو حلولها فِيهِ، فَلم خصصت بِهِ؟ وَكَيف عرفت أَنَّهَا مَا حلت فِي سَائِر الْخلق؟ فَقَالَ: إِنَّمَا اثبتنا ذَلِك بِنَاء على مَا ظهر على يَد عِيسَى من إحْيَاء الْمَوْتَى وإبراء الأكمه والابرص وَلم نجد شَيْئا من ذَلِك فِي يَد غَيره
فَقلت لَهُ: قد سلمت أَن عدم الدَّلِيل لَا يدل على عدم الْمَدْلُول، فَلَا يلْزم من عدم ظُهُور هَذِه الخوارق على يَد غَيره من الْمَخْلُوق عدم ذَلِك الْحُلُول، فَثَبت أَنَّك مهما جوزت القَوْل بالاتحاد والحلول لزمك تَجْوِيز حُصُول ذَلِك فِي سَائِر الْمَخْلُوق فَإِن قيل: الْمَعْنى بالإلهية أَنه حلت فِيهِ صفة الْإِلَه، فَالْجَوَاب: هَب أَنه كَانَ كَذَلِك، لَكِن الْحَال هُوَ صفة الْإِلَه، والمسيح هُوَ الْمحل مُحدث مَخْلُوق، فَكيف يُمكن وَصفه بالالهية؟ وَلَو كَانَ الله تَعَالَى ولد فَلَا بُد أَن يكون من جنسه، فَإِذن قد اشْتَركَا من بعض الْوُجُوه، فَإِن لم يتَمَيَّز فَمَا بِهِ الامتياز غير مَا بِهِ الِاشْتِرَاك، فَيلْزم التَّرْكِيب فِي ذَات الله تَعَالَى، وكل مركب مُمكن، فَالْوَاجِب مُمكن، وَهنا خلف هَذَا كُله على الِاتِّحَاد والحلول فَإِن قَالُوا: معنى كَونه إِلَهًا أَنه سُبْحَانَهُ خص نَفسه أَو بدنه بِالْقُدْرَةِ على خلق الْأَجْسَام وَالتَّصَرُّف فِي هَذَا الْعَالم، فَهَذَا أَيْضا بَاطِل، كَيفَ وَإِنَّهُم قد نقلوا عَنهُ الضعْف وَالْعجز، وَأَن الْيَهُود(1/37)
قَتَلُوهُ، وَإِن قَالُوا: معنى كَونه إِلَهًا أَنه اتَّخذهُ لنَفسِهِ على سَبِيل التشريف وَهَذَا قد قَالَ بِهِ قوم من النَّصَارَى، وَلَيْسَ فِيهِ كثير خطأ إِلَّا فِي اللَّفْظ
انْتهى، وَمِمَّا يقرب إِلَيْهِ مَا يحْكى أَن لهارون الرشيد غُلَاما نَصْرَانِيّا جَامعا لخصال الْأَدَب، فألح الرشيد عَلَيْهِ يَوْمًا بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ: ان فِي كتابكُمْ حجَّة لما أنتحله، قَوْله تَعَالَى: {وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ} حَتَّى أجَاب عَنهُ عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد بقوله تَعَالَى: {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ}
فَأسلم النَّصْرَانِي [واتحاد الِاسْم والمسمى بَاطِل سَوَاء كَانَ الْمُسَمّى مُسَمّى بالمطابقة أَو التضمن لِأَن الْمُسَمّى مَدْلُول الِاسْم دَال، وَلَا بُد للدلالة من طرفين]
والاتحاد فِي الْجِنْس: يُسمى مجانسة كاتفاق الانسان وَالْفرس فِي الحيوانية
وَفِي النَّوْع: مماثلة كاتفاق زيد وَعَمْرو فِي الإنسانية
وَفِي الْخَاصَّة: مشاكلة كاتفاق العناصر الْأَرْبَعَة فِي الكرية
وَفِي الكيف: مشابهة كاتفاق الْإِنْسَان وَالْحجر فِي السوَاد
وَفِي الْكمّ: مُسَاوَاة كاتفاق ذِرَاع من خشب وذراع من ثوب فِي الطول
وَفِي الْأَطْرَاف: مُطَابقَة كاتفاق الأجانين فِي الْأَطْرَاف
وَفِي الْإِضَافَة: مُنَاسبَة كاتفاق زيد وَعَمْرو فِي بنوة بكر
وَفِي الْوَضع الْمَخْصُوص: موازنة وَهُوَ أَن لَا يخْتَلف الْبعد بَينهمَا كسطح كل وَاحِد من الافلاك
الاتقاء: هُوَ افتعال من الْوِقَايَة، وَهِي فرط الصيانة وَشدَّة الاحتراس من الْمَكْرُوه [وَاصل الاتقاء الْحجر بَين شَيْئَيْنِ وَمِنْه يُقَال: (اتَّقى بترسه) وَفِي الحَدِيث " كُنَّا إِذا احمر الْبَأْس اتقينا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " قيل: الصَّحِيح أَنه لَا يعْتَبر فِي مَفْهُوم المتقي اجْتِنَاب الصَّغَائِر، فعلى هَذَا يُقَال، هُوَ من تجنب الْكَبَائِر وَمن الْمَعْلُوم لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار فيندرج فِي الاجتناب وَالْفرق بَينه وَبَين اسْم الْمُؤمن اظهر ان لم يشْتَرط دُخُول الْأَعْمَال فِي الايمان] والمتقي فِي عرف الشَّرْع اسْم لمن يقي نَفسه عَمَّا يضرّهُ فِي الْآخِرَة وَهُوَ الشّرك المفضي إِلَى الْعَذَاب المخلد، وَعَن كل مَا يؤثم من فعل أَو ترك، وَعَن كل مَا يشغل عَن الْحق والتبتل عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ التقي الْحَقِيقِيّ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {وَاتَّقوا الله حق تُقَاته} وَإِلَى الأول قَوْله تَعَالَى: {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} وَإِلَى الثَّانِي قَوْله: {وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا}
وَاتَّقَى: يتَعَدَّى إِلَى [مفعول] وَاحِد، وَوقى، يتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ {ووقاهم عَذَاب الْجَحِيم}
الاتكاء: هُوَ أَعم من الِاسْتِنَاد، وَهُوَ الِاعْتِمَاد على(1/38)
شَيْء بِأَيّ شَيْء كَانَ وَبِأَيِّ جَانب كَانَ
والاستناد: اتكاء بِالظّهْرِ لَا غير، وَيَتَعَدَّى (اتكأ) ب (على) دون (إِلَى) الِاتِّصَال: هُوَ أَن يكون لأجزاء شَيْء حد مُشْتَرك تتلاقى عِنْده
الإتراع: أترع الْإِنَاء: ملأَهُ، وَهُوَ مَقْصُور على الْحِيَاض، كَمَا أَن الإمراع مَخْصُوص بالرياض
الاتهاب: هُوَ قبُول الْهِبَة والتقبل بعد التقبض
والاستيهاب: سؤالها
الإتقان: هُوَ معرفَة الْأَدِلَّة بعللها وَضبط الْقَوَاعِد الْكُلية بجزئياتها
{آتت أكلهَا ضعفين} : أَعْطَتْ ثَمَرهَا ضعْفي غَيرهَا من الارضين
{وَآتُوهُمْ من مَال الله} : ضَعُوا عَنْهُم من مكاتبتهم
{اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} : اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كَرَامَة الْخَلِيل عِنْد خَلِيله
{أترفناهم} : نعمناهم
المترف: المتقلب فِي لين الْمَعيشَة والعيش
{أَتَيْنَا بهَا} : أحضرناها
{أَتْرَابًا} : لدات كُلهنَّ بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ كأزواجهن
{أتقن كل شَيْء} : أحكم خلقه وسواه على مَا يَنْبَغِي {لآتوها} : لأعطوها {أتوكأ عَلَيْهَا} أعْتَمد عَلَيْهَا {فَاتبع قرآنه} : اعْمَلْ بِهِ
{وَالْقَمَر إِذا اتسق} : اجْتمع وَتمّ بَدْرًا
{رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا} : اجْعَل إيتاءنا ومنحتنا فِي الدُّنْيَا
{فأتمهن} : فأداهن كملا وَقَامَ بِهن حق الْقيام
{وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم} : أرشدناه إِلَيْهَا وعملناه إِيَّاهَا
{لأت} : لكائن لَا محَالة
{اتل} : اقْرَأ
(فصل الْألف والثاء)
[أثبت] : كل من شدّ فقد أثبت لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْحَرَكَة فِي الذّهاب والمجيء
وَالْإِثْبَات: مصدر أثبت وأفعل يَصح للتعدية وَالنِّسْبَة أَي نِسْبَة ثُبُوت الشَّيْء
وَالْإِثْبَات: هُوَ الحكم بِثُبُوت شَيْء لآخر، وَيُطلق على الإيجاد [وَهُوَ من الْوُجُوه المتعددة للْوَقْف عِنْد الْأَئِمَّة والقراء] وَقد يُطلق على الْعلم تجوزا
يُقَال: الْعلم إِثْبَات الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ
الأثاث: هُوَ مَا يكتسبه الْمَرْء ويستعمله فِي الغطاء والوطاء
وَالْمَتَاع: مَا يفرش فِي الْمنَازل ويزين بِهِ
وَقيل: الأثاث: مَا جد من مَتَاع الْبَيْت
والخرثي: مَا رث
وَذكر بَعضهم أَن الْمَتَاع من متع النَّهَار: إِذا طَال(1/39)
وَيسْتَعْمل فِي امتداد مشارف للزوال، وَلِهَذَا يسْتَعْمل فِي معرض التحقير، لَا سِيمَا فِي التَّنْزِيل وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْمَتَاع لُغَة: كل مَا ينْتَفع بِهِ من عرُوض الدُّنْيَا، قليلها وكثيرها فَيكون مَا سوى الحجرين مَتَاعا وَعرفا كل مَا يلْبسهُ النَّاس ويبسط
الْأَثر: فِي " الْقَامُوس ": أثر يفعل كَذَا، كفرح: طفق و [أثر] على الْأَمر: عزم و [أثر] لَهُ: تفرغ
وآثر: اخْتَار
و [أثر] كَذَا بِكَذَا: أتبعه إِيَّاه
واستأثر بالشَّيْء: استبد بِهِ وَخص بِهِ نَفسه
و [اسْتَأْثر] الله بفلان: إِذا مَاتَ ورجي لَهُ الغفران
وَمَا بَقِي من رسم الشَّيْء فَهُوَ أثر بِالْكَسْرِ والسكون وَبِفَتْحِهَا أَيْضا
وَأثر الْجرْح: بِالضَّمِّ والتسكين
وَحَدِيث مأثور: من الْأَثر، بِالْفَتْح والسكون
وآثر على نَفسه: بِالْمدِّ من الإيثار وَهُوَ الِاخْتِيَار
أَو آثاره من علم: بِالْفَتْح أَي بَقِيَّة مِنْهُ وبالكسر أَي مناظرة
وَعَن ابْن عَبَّاس أَن المُرَاد الْخط الْحسن
والأثرة: بِمَعْنى التَّقَدُّم والاختصاص، من الإيثار
والأثرة: بِالضَّمِّ المكرمة المتوارثة ويستعار (الاثر) للفضل، والإيثار للتفضيل
وآثرت فلَانا عَلَيْك: بِالْمدِّ فَأَنا أوثره؛ وأثرت الحَدِيث فَأَنا آثره: أَي أرويه وأثرت التُّرَاب فَأَنا أثيره
[والأثر فِي اصْطِلَاح أهل الشَّرْع قَول الصَّحَابِيّ أَو فعله وَهُوَ حجَّة فِي الشَّرْع]
الْإِثْم: الذَّنب الَّذِي يسْتَحق الْعقُوبَة عَلَيْهِ، وَلَا يَصح أَن يُوصف بِهِ إِلَّا الْمحرم، سَوَاء أُرِيد بِهِ الْعقَاب أَو مَا يسْتَحق بِهِ من الذُّنُوب وَبَين الذَّنب وَالْإِثْم فرق من حَيْثُ أَن الذَّنب مُطلق الجرم عمدا كَانَ أَو سَهوا، بِخِلَاف الْإِثْم، فَإِنَّهُ مَا يسْتَحق فَاعله الْعقَاب فَيخْتَص بِمَا يكون عمدا وَيُسمى الذَّنب تبعة اعْتِبَارا بذنب الشَّيْء، كَمَا أَن الْعقُوبَة بِاعْتِبَار مَا يحصل من عاقبته والهمزة فِيهِ من الْوَاو، كَأَنَّهُ يثم الْأَعْمَال أَي يكسرها وَهُوَ أَيْضا عبارَة عَن الانسلاخ عَن صفاء الْعقل، وَمِنْه سمي الْخمر إِثْمًا، لِأَنَّهَا سَبَب الانسلاخ عَن الْعقل {قل فيهمَا إِثْم كَبِير} أَي فِي تناولهما إبطاء عَن الْخيرَات و {آثم قلبه} أَي ممسوخ
والأثام: كسلام: الاثم وجزاؤه [يلق أثاما: أَي عقَابا]
والأثيم: كثير الْإِثْم
وَالْإِثْم والوزر: هما وَاحِد فِي الحكم الْعرفِيّ، وَإِن اخْتلفَا فِي الْوَضع، فَإِن وضع الْوزر للقوة لِأَنَّهُ من الْإِزَار، وَهُوَ مَا يُقَوي الْإِنْسَان، وَمِنْه الْوَزير
لَكِن غلب اسْتِعْمَاله لعمل الشَّرّ لمَكَان أَن صَاحب الْوزر يتقوى وَلَا يلين للحق وَوضع الْإِثْم للذة، وَإِنَّمَا خص بِهِ فعل الشَّرّ، لِأَن الشرور لذيذة
والذنب وَالْمَعْصِيَة: كِلَاهُمَا اسْم لفعل محرم يَقع الْمَرْء عَلَيْهِ عَن قصد فعل الْحَرَام بِخِلَاف الزلة، فَإِنَّهُ اسْم لفعل محرم يَقع الْمَرْء عَلَيْهِ عَن قصد فعل(1/40)
الْحَلَال يُقَال: (زل الرجل فِي الطين) : إِذا لم يُوجد مِنْهُ الْقَصْد إِلَى الْوُقُوع وَلَا إِلَى الثَّبَات بعده، وَلَكِن وجد الْقَصْد إِلَى الْمَشْي فِي الطَّرِيق كَمَا وجد فِي الزلة قصد الْفِعْل لَا قصد الْعِصْيَان، وَإِنَّمَا يُعَاتب لتقصير مِنْهُ، كَمَا يُعَاتب من زل فِي الطين
وَقد تسمى الزلة مَعْصِيّة مجَازًا، وَيسْتَعْمل الذَّنب فِيمَا يكون بَين العَبْد وربه، وَفِيمَا يكون بَين إِنْسَان وإنسان وَغَيره، بِخِلَاف الْجنَاح فَإِنَّهُ ميل يسْتَعْمل فِيمَا بَين إِنْسَان وإنسان فَقَط
والحنث: أبلغ من الذَّنب، لِأَن الذَّنب يُطلق على الصَّغِيرَة والحنث يبلغ مبلغا يلْحقهُ فِيهِ الْكَبِيرَة
والجرم بِالضَّمِّ: لَا يُطلق إِلَّا على الذَّنب الغليظ، والمجرمون: هم الْكَافِرُونَ
والعصيان: بِحَسب اللُّغَة هُوَ الْمُخَالفَة لمُطلق الْأَمر لَا الْمُخَالفَة لِلْأَمْرِ التكليفي خَاصَّة، يرشدك إِلَيْهِ قَول عَمْرو بن الْعَاصِ لمعاوية:
(أَمرتك أمرا جَازِمًا فعصيتني)
والعاصي: من يفعل مَحْظُورًا لَا يَرْجُو الثَّوَاب بِفِعْلِهِ، بِخِلَاف المبتدع فَإِنَّهُ يَرْجُو بِهِ الثَّوَاب فِي الْآخِرَة والعاصي وَالْفَاسِق فِي الشَّرْع سَوَاء
الاثابة: هِيَ مَا يرجع للْإنْسَان من ثَوَاب أَعماله وتستعمل فِي المحبوب نَحْو: {فأثابهم الله بِمَا قَالُوا جنَّات} وَفِي الْمَكْرُوه أَيْضا نَحْو: {فأثابكم غما} لكنه على الِاسْتِعَارَة
الِاثْنَان: هُوَ ضعف الْوَاحِد، من ثنيت الشَّيْء: إِذا عطفته، حذف اللَّام وَهُوَ الْيَاء؛ والهمزة فِي أَوله كالعوض عَن الْمَحْذُوف والمؤنث (اثْنَتَانِ) بإلحاق التَّاء وَإِن شِئْت قلت: (ثِنْتَانِ) ، كَمَا تَقول (بنتان) فِي (ابنتان) ؛ وَالْجمع (اثانين) ، وَلَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا اكْتِفَاء عَنهُ بِالْوَاحِدِ، كَمَا لَا تَثْنِيَة للْوَاحِد
والاثنان: الغيران عِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَت الأشاعرة: لَيْسَ كل اثْنَيْنِ غيرين، بل الغيران موجودان جَازَ انفكاكهما فِي حيّز أَو عدم، فَخرج بِقَيْد الْوُجُود الاعدام وَالْأَحْوَال أَيْضا؛ إِذْ لَا يثبتونها فَلَا يتَصَوَّر اتصافها بِالْغَيْر؛ وَخرج بِقَيْد جَوَاز الانفكاك أَيْضا مَا لَا يجوز انفكاكه كالصفة مَعَ الْمَوْصُوف والجزء مَعَ الْكل، فَإِنَّهُ لَا هُوَ وَلَا غَيره
الأثل: الطرفاء لَا ثَمَر لَهُ
والأثال: كسحاب وغراب: الْمجد والشرف
وأثل مأله تأثيلا: زَكَّاهُ
وأثل الرجل: كثر مَاله
الأثمد: بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْمِيم: اسْم مَوضِع
و [الإثمد] بكسرهما: حجر يكتحل بِهِ
الأثافي: الصخرات الَّتِي يوضع عَلَيْهَا الْقدر
ورماه بثالثة الأثافي: أَي بِالشَّرِّ كُله
الاثنوي: هُوَ من يَصُوم الِاثْنَيْنِ دَائِما
{اثاقلتم} : تباطأتم
{وأخرجت الأَرْض أثقالها} : مَا فِي جوفها
{يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم} : أَي الْحَرَام أَو الْكَذِب
الأثام: الْعقُوبَة والاثم أَيْضا أَو وَاد فِي جَهَنَّم
{فأثرن بِهِ} : فهيجن بِهِ
{أثخنتموهم} : أَكثرْتُم قَتلهمْ وأغلظتم(1/41)
{وأثاروا الأَرْض} : قلبوا وَجههَا
{تحمل أثقالكم} : أحمالكم {مناع للخير مُعْتَد أثيم} : متجاوز فِي الظُّلم كثير الآثام
{وَمَا يكذب بِهِ إِلَّا كل مُعْتَد أثيم} : متجاوز عَن التفكر فِي الظُّلم، منهمك فِي الشَّهَوَات
(فصل الْألف وَالْجِيم)
[أجم] : كل بَيت مربع مسطح فَهُوَ أجم
وآجام الْأسد: غاباتها
الْإِجْمَال: أجمل إِلَيْهِ: أحسن
وأجمل الصَّنْعَة وَفِي الصَّنْعَة وأجمله: أَي: حسنه وكثره وزينه
وأجمل الْأَمر: أبهم وَمِنْه: الْمُجْمل: وَهُوَ مَا لَا يُوقف على المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بِبَيَان من جِهَة الْمُتَكَلّم وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وآتو حَقه يَوْم حَصَاده}
وَنَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} وَنَوع آخر شرعا لَا لُغَة كالعام الَّذِي خص مِنْهُ بعض مَجْهُول، فَيبقى الْمَخْصُوص مِنْهُ مَجْهُولا فَيصير مُجملا وَالْعَام الَّذِي اقترنت بِهِ صفة مَجْهُولَة مثل قَوْله تَعَالَى: {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} فَإِنَّهُ لما قَيده بِصفة مَجْهُولَة وَهُوَ قَوْله (محصنين) وَلَا يدرى مَا الْإِحْصَان صَار قَوْله (وَأحل لكم) مُجملا
والمجمل يحمل على الْمُحكم، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا أدعى الْمَدْيُون الْإِيفَاء فشهدا بِالْإِبْرَاءِ أَو التَّحْلِيل جَازَت شَهَادَتهمَا؛ فَإِن الْإِبْرَاء أَو التَّحْلِيل يحْتَمل الْبَرَاءَة بالإيفاء والإسقاط، فَيحمل على الْبَرَاءَة الْمقيدَة بالإيفاء، بِقَرِينَة الْقَصْد، فكأنهما شَهدا بالإيفاء بِدلَالَة الْحَال وَهِي تَحْسِين الظَّن بِالشَّاهِدِ، لما أَن ظَاهر حَاله أَنه يُرِيد الْجِهَة الْمُوَافقَة للدعوى فَينزل ذَلِك منزلَة الْبَيَان لمجمل كَلَام الْمُدَّعِي، فَتكون الدَّعْوَى هُنَا مفسرة فَلَا حَاجَة إِلَى السُّؤَال
والإجمال: إِيرَاد الْكَلَام على وَجه يحْتَمل أمورا مُتعَدِّدَة وَالتَّفْصِيل: تعْيين تِلْكَ المحتملات
الْإِجْمَاع: هُوَ فِي اللُّغَة يُطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا الْعَزْم التَّام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَجْمعُوا أَمركُم} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " لَا صِيَام لمن لَا يجمع الصّيام من اللَّيْل " وَالْإِجْمَاع بِهَذَا الْمَعْنى يتَصَوَّر من الْوَاحِد
وَثَانِيهمَا: الِاتِّفَاق يُقَال: (أجمع الْقَوْم على كَذَا) : إِذا اتَّفقُوا
وَفِي الِاصْطِلَاح: يُطلق على اتِّفَاق الْمُجْتَهدين من أمة مُحَمَّد بعد زَمَانه فِي عصر على حكم شَرْعِي
وَمن عمم اقْتصر على حكم
وَالْإِجْمَاع: اتِّفَاق جَمِيع الْعلمَاء، والاتفاق: اتِّفَاق معظمهم وَأَكْثَرهم
وَلَا خلاف فِي أَن جَمِيع أهل الِاجْتِهَاد وَلَو اجْتَمعُوا على قَول وَاحِد من الْحل وَالْحُرْمَة، أَو الْجَوَاز وَالْفساد، أَو على وَاحِد نَحْو أَن يَفْعَلُوا بأجمعهم فعلا وَاحِدًا وَوجد الرضى من الْكل بطرِيق التَّنْصِيص على حكم من أُمُور الدّين يكون(1/42)
ذَلِك إِجْمَاعًا وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نَص الْبَعْض وَسكت الْبَاقُونَ لَا عَن خوف وضرورة بعد اشتهار القَوْل وانتشار الْخَبَر ومضي مُدَّة التَّأَمُّل فَقَالَ عَامَّة أهل السّنة يكون ذَلِك إِجْمَاعًا، وَيكون حجَّة، فَإِن مَا هُوَ حجَّة فِي حَقنا إِن كَانَ من الله يُوحى بِالروحِ الْأمين، وَقد تَوَاتر نَقله فَهُوَ الْكتاب، وَإِلَّا فَإِن كَانَ من الرَّسُول فَهُوَ السّنة؛ وَإِن كَانَ من غَيره، فَإِن كَانَ آراء جَمِيع الْمُجْتَهدين فَهُوَ الْإِجْمَاع، أَو رَأْي بَعضهم فَهُوَ الْقيَاس وَأما رَأْي غير الْمُجْتَهد سَوَاء كَانَ الْحَاكِم وَهُوَ الإلهام، أَو رَأْي غَيره وَهُوَ التَّقْلِيد، فَلَا يثبت بهما الحكم الشَّرْعِيّ، لعدم كَونهمَا حجَّة وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يجوز الْإِجْمَاع إِلَّا عَن سَنَد من دَلِيل أَو أَمارَة، لِأَن عدم السَّنَد يسْتَلْزم الْخَطَأ، إِذْ الحكم فِي الدّين بِلَا دَلِيل خطأ، وَيمْتَنع إِجْمَاع الْأمة على الْخَطَأ
وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع حرَام، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى} إِلَى قَوْله: {وَسَاءَتْ مصيرا} وَكفر جَاحد الْإِجْمَاع لَيْسَ بكلي أَلا يرى أَن متروكة التَّسْمِيَة عمدا مُحرمَة عِنْد الْحَنَفِيَّة، ثَابِتَة بِالْإِجْمَاع؛ مَعَ أَن الشَّافِعِي قَائِل بحلها وَالْخلْوَة الصَّحِيحَة كَالْوَطْءِ عِنْد الْحَنَفِيَّة بِالْإِجْمَاع، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد الشَّافِعِي، وترث زَوْجَة الفار عِنْد الْحَنَفِيَّة بِالْإِجْمَاع، وَلم تَرث عِنْد الشَّافِعِي، وَأَشْبَاه ذَلِك
وَالِاسْتِدْلَال على حجية الْإِجْمَاع بقوله تَعَالَى: {كُنْتُم خير أمة} إِلَخ لَيْسَ بتام
[والعامة تمسكوا فِي حجية الْإِجْمَاع بِالدَّلِيلِ النقلي، وَأَنه يَنْقَسِم إِلَى مُصَرح بِهِ وَإِلَى مُقَدّر أما الْمُصَرّح بِهِ فَقَوله تَعَالَى: {كُنْتُم خير أمة} إِلَى قَوْله: {وتنهون عَن الْمُنكر} فَلَو اتَّفقُوا على مُنكر لما نهوا عَنهُ وَكَانَ (لما) نَاقِصَة أَو تَامَّة أَو زَائِدَة فَلَا دلَالَة فِيهَا على عدم كَونهم كَذَلِك فِي الْحَال وَقَوله تَعَالَى: {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} وَالْحكم الْمجمع عَلَيْهِ سَبِيل الْمُؤمنِينَ مَا يخْتَار لنَفسِهِ قولا وفعلا فَيجب اتباعهم فِيهِ لِأَن الله تَعَالَى جعل مُخَالفَة سَبِيل الْمُؤمنِينَ أحد أَسبَاب اسْتِحْقَاق النَّار وَأما النقلي الْمُقدر فَهُوَ أَنا نستدل بِالْعَادَةِ المطردة أَن جمعا من الْعلمَاء الْمُتَّقِينَ الْبَالِغين عَددهمْ التَّوَاتُر لم يجز عَلَيْهِم الِاتِّفَاق على الْكَذِب، فَإِذا قطعُوا بتخطئة الْمُخَالف دلنا ذَلِك أَنه بَلغهُمْ نَص من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم ينْقل إِلَيْنَا لاحْتِمَال أَنهم استغنوا بِالْإِجْمَاع عَن الدَّلِيل أَو نقل ثمَّ اندرس والتمسك بِهَذَا أولى مِمَّا يحْتَمل وُجُوهًا، على أَن التَّمَسُّك بالظواهر إِنَّمَا بثبت بِالْإِجْمَاع فَلَزِمَ الدّور وَالِاخْتِلَاف على الْأَقْوَال الثَّلَاثَة إِجْمَاع مِنْهُم على بطلَان القَوْل الرَّابِع؛ وَهَذَا وَارِد فِي كل مَوضِع كاختلاف عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة فِي حكم المَاء الْمُسْتَعْمل على الْأَقْوَال الثَّلَاثَة من كَونه نَجَاسَة غَلِيظَة وخفيفة وطاهر أَو غير طَاهِر فَقَوْل سيدنَا مَالك وَالْإِمَام الشَّافِعِي رَحِمهم الله بِأَنَّهُ طَاهِر ومطهر قَول رَابِع يُخَالف الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فَهُوَ مَحْكُوم بِالْبُطْلَانِ عِنْد الثَّلَاثَة لوُقُوعه مُخَالفا لإِجْمَاع الثَّلَاثَة]
ثمَّ الْإِجْمَاع على مَرَاتِب: إِجْمَاع الصَّحَابَة وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْآيَة وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر يكفر جاحده ثمَّ(1/43)
إِجْمَاع من بعدهمْ فِيمَا لم يرو فِيهِ الصَّحَابَة وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْخَبَر الْمَشْهُور يضلل جاحده ثمَّ إِجْمَاعهم فِيمَا رُوِيَ خلافهم لَا يضلل جاحده وَنقل الْإِجْمَاع إِلَيْنَا قد يكون بالتواتر فَيُفِيد الْقطع؛ وَقد يكون بالشهرة فَيقرب مِنْهُ وَقد يكون بِخَبَر الْوَاحِد فَيُفِيد الظَّن وَيُوجب الْعَمَل وَالِاخْتِلَاف فِي الْعَصْر الأول لَا يمْنَع انْعِقَاد الْإِجْمَاع فِي الْعَصْر الثَّانِي عندنَا وتخطئة الصَّحَابَة من حَيْثُ الْعَمَل دون الِاعْتِقَاد لَا يُسمى تضليلا، لِأَن التضليل يجْرِي فِي العقليات وَفِيمَا كَانَ من بَاب الِاعْتِقَاد دون الشرعيات، لِأَن الحكم الشَّرْعِيّ جَازَ أَن يكون على خلاف مَا شرع، وعَلى الْمُجْتَهد الْعَمَل فِي الشرعيات
الِاجْتِهَاد: افتعال من جهد يجْهد: إِذا تَعب؛ والافتعال فِيهِ للتكلف لَا للطوع؛ وَهُوَ بذل المجهود فِي إِدْرَاك الْمَقْصُود ونيله وَفِي عرف الْفُقَهَاء: هُوَ استفراغ الْفَقِيه الوسع، بِحَيْثُ يحس من نَفسه الْعَجز عَن الْمَزِيد عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ لتَحْصِيل ظن بِحكم شَرْعِي، وَلَا يُكَلف الْمُجْتَهد بنيل الْحق وإصابته بِالْفِعْلِ، إِذْ لَيْسَ ذَلِك فِي وَسعه لغموضه وخفاء دَلِيله، بل ببذل الْجهد واستفراغ الطَّاقَة فِي طلبه، وَلَيْسَ فِيهِ تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق أصلا، خلافًا لجمهور الْمُعْتَزلَة والأشاعرة فِي صُورَة عدم تعدد الْحق والتكليف بِالِاجْتِهَادِ فِي العمليات
وأجمعت الْأمة على أَن الْمُجْتَهد قد يُخطئ ويصيب فِي العقليات، إِلَّا على قَول الْحسن الْعَنْبَري من الْمُعْتَزلَة
وَاخْتلفُوا فِي الشرعيات؛ والمروي عَن أبي حنيفَة أَن كل مُجْتَهد مُصِيب، وَالْحق عِنْد الله وَاحِد، مَعْنَاهُ: أَنه مُصِيب فِي الطّلب وَإِن أَخطَأ الْمَطْلُوب
[يحْكى أَن صَاحب " الْبَدَائِع " وَهُوَ أَبُو بكر الكاشاني نَاظر مَعَ فَقِيه فِي مَسْأَلَة وَهِي أَن الْمُجْتَهدين هَل هما مصيبان أم أَحدهمَا مُخطئ؟ فَقَالَ الْفَقِيه: الْمَنْقُول عَن أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن كل مُجْتَهد مُصِيب؟ فَقَالَ: لَا بل الصَّحِيح عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنَّهُمَا مُصِيب ومخطئ وَمَا تَقوله فِي مَذْهَب الْمُعْتَزلَة]
وَالْإِجْمَاع على عدم الْعذر للمخطئ الْمُجْتَهد فِي طلب عقائد الْإِسْلَام وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِي وفَاقا لِلْجُمْهُورِ أَن الْمُصِيب فِي الشرعيات وَاحِد، وَللَّه تَعَالَى فِيهَا حكم قبل الِاجْتِهَاد، وَأَن عَلَيْهِ أَمارَة، وَأَن الْمُجْتَهد مُكَلّف بإصابته، وَأَن الْمُخطئ لَا يَأْثَم بل يُؤجر لبذله وَسعه فِي طلبه، كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث الِاجْتِهَاد
واتفقنا على أَن الْحق فِي العقليات وَاحِد، وَأَن الْمُجْتَهد فِيهَا يُخطئ ويصيب وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْعَنْبَري من أَن الْحق فِيهَا حُقُوق، وَأَن كل مُجْتَهد فِيهَا مُصِيب بَاطِل لما فِيهِ من تصويب الدهري والثنوي وَالنَّصَارَى والمجسمة والمشبهة، وَجعل كل فريق على الْحق وَهُوَ محَال
وَأما فِي الشرعيات فَمَا ثَبت بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَالْحق فِيهِ وَاحِد حَتَّى يكفر راده ويضلل جاحده وَمَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد فقد اخْتلفُوا فِيهِ قَالَت الْمُعْتَزلَة: الْحق فِيهَا حُقُوق؛ وَقَالَ أهل السّنة: الْحق فِيهَا وَاحِد معِين، لِأَن الْجمع بَين النقيضين المتنافيين وَهُوَ الْحل وَالْحُرْمَة، وَالصِّحَّة وَالْفساد فِي حق شخص وَاحِد، فِي مَحل وَاحِد، فِي زمَان وَاحِد من بَاب التَّنَاقُض؛ وَنسبَة التَّنَاقُض إِلَى(1/44)
الشَّرْع محَال وَلِهَذَا اتفقنا على أَن الْحق فِي العقليات وَاحِد؛ لِأَن القَوْل بِوُجُود الصَّانِع وَعَدَمه وحدوث الْعَالم وَقدمه تنَاقض بَين
وَمن جملَة مقالتهم الْفَاسِدَة أَن اجْتِهَاد الْمُجْتَهد فِي الحكم كاجتهاد الْمُصَلِّي فِي أَمر الْقبْلَة عِنْد التباسها وَالْحق فِي أَمر الْقبْلَة مُتَعَدد اتِّفَاقًا، فَكَذَا هَهُنَا لعدم الْفرق
وَالْجَوَاب: أَنا لَا نسلم تعدد الْحق فِي أَمر الْقبْلَة، إِذْ لَو تعدد لما فَسدتْ صَلَاة مُخَالف الإِمَام عَالما حَاله؛ إِذْ لَو كَانَ كل مُجْتَهد مصيبا لصَحَّ صَلَاة الْمُخَالف، لإصابتهما جَمِيعًا فِي جِهَة الْقبْلَة، نظرا إِلَى الْوَاقِع؛ وَفَسَاد الصَّلَاة يدل على حَقِيقَة مَذْهَبنَا
وَاخْتلف فِي الِاجْتِهَاد للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
قَالَ بَعضهم: يمْتَنع لَهُ الِاجْتِهَاد لقدرته على الْيَقِين فِي الحكم بالتلقي من الْوَحْي بِأَن ينتظره وَقَالَ بَعضهم بِالْجَوَازِ والوقوع فِي الآراء والحروب فَقَط، جمعا بَين الْأَدِلَّة المجوزة والمانعة وَأكْثر الْمُحَقِّقين على الْوَقْف، حَكَاهُ الإِمَام فِي " الْمَحْصُول "
[وَقَالَ بَعضهم: لَهُ الْوَحْي الْخَاص وَإِنَّمَا الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد حَظّ أمته وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} وَقَالَ بَعضهم: كَانَ لَهُ الْعَمَل فِي أَحْكَام الشَّرْع بِالْوَحْي لَا الرَّأْي جَمِيعًا وَهُوَ مَنْقُول عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله وَهُوَ مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي - رَحمَه الله - وَعَامة أهل الحَدِيث، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَالنَّبِيّ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أعظم النَّاس بَصِيرَة وأصفاهم فطنة وَأَحْسَنهمْ استنباطا فَكَانَ أولى بِالدُّخُولِ تَحت هَذَا الْخطاب الْعَام، وَالصَّحِيح أَنه كَانَ مَأْمُورا بانتظار الْوَحْي فِي حَادِثَة لَيْسَ فِيهَا وَحي، ثمَّ إِذا انْقَطع طمعه عَن الْوَحْي فِي بَيَان حَال الْحَادِثَة الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِ يعْمل بِالِاجْتِهَادِ كَمَا فِي انْتِظَار الْمُتَيَمم، ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز خطئه فِي اجْتِهَاده]
وَالصَّحِيح جَوَازه لَهُ فِيمَا لَا نَص فِيهِ، ووقوعه لقَوْله تَعَالَى: {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} أَي: لمن ظهر نفاقهم فِي التَّخَلُّف عَن غَزْوَة تَبُوك، لَكِن لَا يجوز إِقْرَاره على الْخَطَأ، بل يُنَبه عَلَيْهِ فِي الْحَال، وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى أَمر الْأمة بِاتِّبَاع الْخَطَأ وَقيل: الصَّوَاب أَن اجْتِهَاده لَا يُخطئ تَنْزِيها لمنصب النُّبُوَّة عَن ذَلِك واجتهاد الصَّحَابِيّ أقرب من اجْتِهَاد التَّابِعِيّ لما لَهُم من الدرجَة الزَّائِدَة وَلَهُم زِيَادَة جهد وحرص فِي طلب الْحق
وَالِاجْتِهَاد على مَرَاتِب: بَعْضهَا فَوق بعض فَيجب الْعَمَل بِمَا فِيهِ احْتِمَال الْغَلَط أقل، وَلِهَذَا قُلْنَا: خبر الْوَاحِد مقدم على الْقيَاس؛ وَالِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِمثلِهِ، لِأَن الثَّانِي لَيْسَ بأقوى من الأول، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن لَا يسْتَقرّ حكم، وَفِيه مشقة، فَلَو حكم القَاضِي برد شَهَادَة الْفَاسِق ثمَّ تَابَ فَأَعَادَهَا لم تقبل، لِأَن قبُول شَهَادَته بعد التَّوْبَة يتَضَمَّن نقض الِاجْتِهَاد بِالِاجْتِهَادِ
وَالِاجْتِهَاد قد يكون فِي مورد النَّص: كالاجتهاد فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا
وَالْقِيَاس شَرطه فقد النَّص فالاجتهاد يُوجد بِدُونِ(1/45)
الْقيَاس، وَلَا يُوجد الْقيَاس بِدُونِ الِاجْتِهَاد؛ وتبدل رَأْي الْمُجْتَهد بِمَنْزِلَة انتساخ النَّص، يعْمل بِهِ فِي الْمُسْتَقْبل لَا فِيمَا مضى
[وَلَا يرجح الِاجْتِهَاد بِكَثْرَة الْمُجْتَهدين بِخِلَاف الرِّوَايَة فَإِنَّهَا ترجح بِكَثْرَة الروَاة]
الِاجْتِمَاع: هُوَ حُصُول المتحيزين فِي حيزين بِحَيْثُ يُمكن أَن يتوسطهما ثَالِث واجتماع المثلين فِي مَوضِع وَاحِد مُسْتَحِيل، وَأما عرُوض أَحدهمَا على الآخر فَلَا اسْتِحَالَة فِيهِ، كَمَا فِي قَوْلهم: (الْوُجُود مَوْجُود) وَأَيْضًا استحالته لَيْسَ مثل اسْتِحَالَة اجْتِمَاع النقيضين واجتماع الضدين محَال كالسواد وَالْبَيَاض، بِخِلَاف الخلافين فَإِنَّهُمَا أَعم من الضدين، فيجتمعان من حَيْثُ الأعمية كالسواد والحلاوة وَيجوز فِي كل من الضدين والخلافين والمثلين ارتفاعهما بضد آخر، أَو بِخِلَاف آخر، أَو بِمثل آخر؛ وَأما النقيضان فَلَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان، وشرطهما أَن يكون أَحدهمَا وجوديا وَالْآخر عدميا كالقيام وَعَدَمه
واجتماع النقيضين مَوْجُود فِي الذِّهْن مَعْنَاهُ أَن إِدْرَاك الذِّهْن النقيضين مَوْجُود فِي الْخَارِج، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن اجْتِمَاع النقيضين لَهُ مَاهِيَّة أَو صُورَة مَوْجُودَة فِي الذِّهْن؛ فَإِن الممتنعات لَيست لَهَا ماهيات وحقائق مَوْجُودَة فِي الْعقل، فَإِن الْوُجُود عين الْمَاهِيّة، فَمَا لَا وجود لَهُ مَاهِيَّة لَهُ، لَا سِيمَا إِذا كَانَ مُمْتَنعا، فَإِنَّهُ لَا ثُبُوت لَهُ اتِّفَاقًا
واجتماع الْأَمْثَال مَكْرُوه، وَلِهَذَا قلبت الْيَاء الثَّانِيَة من الْحَيَوَان واوا، وَإِن كَانَ الْوَاو أثقل مِنْهَا، كَذَا فِي (دِينَار) و (قِيرَاط) و (ديوَان) وَمن ذَلِك قَوْلهم فِي الْجمع: (أخون) و (أبون) حَيْثُ أجري الْجمع على حكم الْمُفْرد حذار اجْتِمَاع ضمات أَو كسرات وَلما كَانَ هَذَا الْمَانِع مفقودا فِي التَّثْنِيَة رد الْمَحْذُوف فَقيل: (أَخَوان) و (أَبَوَانِ)
واجتماع العاملين على مَعْمُول وَاحِد غير جَائِز
وَلِهَذَا رد قَول من قَالَ: إِن الْفِعْل وَالْفَاعِل مَعًا عاملان فِي الْمَفْعُول، والابتداء والمبتدأ مَعًا عاملان فِي الْخَبَر؛ والمتبوع وعامله مَعًا عاملان فِي التَّابِع
وَإِذا اجْتمع العاملان فإعمال الْأَقْرَب جَائِز بالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْأَبْعَد اخْتِلَاف مَنعه البصريون وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ
وَإِذا اجْتمعت همزتان متفقتان فِي كَلِمَتَيْنِ نَحْو: (جَاءَ أَجلهم) جَازَ حذف إِحْدَاهمَا تَخْفِيفًا وَفِي الْمَحْذُوف اخْتِلَاف فَقيل: الْمَحْذُوف هُوَ الأولى لِأَنَّهَا وَقعت آخر الْكَلِمَة مَحل التَّغْيِير، وَقيل: الثَّانِيَة
وَإِذا اجْتمعت همزَة الِاسْتِفْهَام مَعَ همزَة قطع نَحْو: {أأمنتم من فِي السَّمَاء}
فَإِنَّهَا ترسم بِالْألف الْوَاحِدَة وتحذف الْأُخْرَى
وَاخْتلف فِي المحذوفة فَقيل: الأولى، لِأَن الْأَصْلِيَّة أولى بالثبوت، وَقيل: الثَّانِيَة، لِأَن بهَا يحصل الاستثقال
وَإِذا اجْتمع نون الْوِقَايَة وَنون (إِن) و (أَن) و (كَأَن) و (لَكِن) جَازَ حذف أَحدهمَا وَفِي الْمَحْذُوف قَولَانِ: أَحدهمَا، نون الْوِقَايَة، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، وَقيل: نون (إِن)
[وَإِذا اجْتمعت الهمزتان فِي كلمة وَاحِدَة: فالمختار عِنْدهم أَن تحذف إِحْدَاهمَا أَو تخفف،(1/46)
لِأَن حذف إِحْدَاهمَا أَو تخفيفها أخف من الْإِدْغَام إِلَّا فِي بَاب (فعال) بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد فَإِنَّهُ بَاب قيامي حوفظ عَلَيْهِ مَعَ وجود الْمدَّة بعْدهَا فَكَانَت مسهلة لأمرهما]
وَإِذا اجْتمعت همزَة الِاسْتِفْهَام مَعَ حرف الْعَطف [نَحْو: (أَو من كَانَ مَيتا) ] فَحِينَئِذٍ تدخل همزَة الِاسْتِفْهَام فِي الْمُقدر لرعاية حَقّهَا
وَإِذا اجْتمع اسمان من جنس وَاحِد، وَكَانَ أَحدهمَا أخف على أَفْوَاه الْقَائِلين غلبوه فسموا الآخر باسمه ك (العمرين)
[وَإِذا اجْتمع سَبَب الإعلال وَسبب الْإِدْغَام قدم الإعلال، لِأَن سَببه مُوجب وَسبب الْإِدْغَام مجوز يدل عَلَيْهِ امْتنَاع الفتحة فِي (رَضِي) وَجَوَاز الفك فِي (حَيّ) ]
وَإِذا اجْتمع فعلان متقاربان فِي الْمَعْنى، وَلكُل وَاحِد مُتَعَلق على حِدة، جَازَ ذكر أَحدهمَا وَعطف مُتَعَلق الآخر الْمَتْرُوك على [مُتَعَلق] الْمَذْكُور، كَقَوْلِه: (مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا)
وَإِذا اجْتمع طالبان نَحْو الْقسم وَالشّرط فَالْجَوَاب للْأولِ
وَإِذا اجْتمع ضميران: مُتَكَلم ومخاطب، روعي الْمُتَكَلّم نَحْو (قمنا)
وَإِذا اجْتمع الْمُخَاطب وَالْغَائِب: روعي الْمُخَاطب نَحْو (قمتما)
وَإِذا اجْتمع الْمُخَاطب وَالْغَائِب: روعي الْمُخَاطب نَحْو (قمتما)
وَإِذا اجْتمع الْمعرفَة والنكرة: روعي الْمعرفَة
تَقول: (هَذَا زيد وَرجل منطلقين) على الْحَال؛ وَلَا يجوز الرّفْع والأعدل فِيمَا إِذا اجْتمعَا أَن يكون الْمعرفَة اسْما والنكرة خَبرا، وَلَا يجوز الْعَكْس إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر
واجتماع المعرفتين جَائِز إِذا كَانَ فِي أَحدهمَا مَا فِي الآخر وَزِيَادَة
وَإِذا اجْتمع الْوَاو وَالْيَاء: روعي الْيَاء نَحْو (طويت طيا) وَالْأَصْل (طويا)
وَإِذا اجْتمع فِي الضمائر مُرَاعَاة اللَّفْظ وَالْمعْنَى بُدِئَ بِاللَّفْظِ ثمَّ بِالْمَعْنَى هَذَا هُوَ الجادة فِي الْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا} ثمَّ قَالَ: {وَمَا هم بمؤمنين} أفرد أَولا بِاعْتِبَار اللَّفْظ، ثمَّ جمع بِاعْتِبَار الْمَعْنى
وَإِذا اجْتمع الْمُبَاشر والمتسبب: أضيف الحكم إِلَى الْمُبَاشر، فَلَا ضَمَان على حافر الْبِئْر تَعَديا بِمَا تلف بإلقاء غَيره، وَلَا من دلّ سَارِقا على مَال إِنْسَان فسرقه، إِلَّا إِذا تعذر الْوُقُوف على الْمُبَاشر، فَحِينَئِذٍ يعلق الحكم بِالسَّبَبِ الظَّاهِر، كَمَا إِذا اجْتمع الْقَوْم بِالسَّيْفِ وَتَفَرَّقُوا، فَظهر فِي مَوضِع الِاجْتِمَاع قَتِيل حَيْثُ تجب الدِّيَة والقامة على أهل الْمحلة
وَإِذا اجْتمع الْحَلَال وَالْحرَام: غلب الْحَرَام
وَعلله الأصوليون بتقليل النّسخ، لِأَنَّهُ لَو قدم الْمُبِيح لزم تكْرَار النّسخ، لِأَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة، فَإِذا جعل الْمُبِيح مُتَأَخِّرًا كَانَ الْمحرم نَاسِخا للْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة ثمَّ يصير مَنْسُوخا؛ وَلَو جعل الْمحرم مُتَأَخِّرًا لَكَانَ نَاسِخا للمبيح، وَهُوَ لم ينْسَخ شَيْئا لكَونه وفْق الأَصْل
وَإِذا اجْتمع الحقان قدم حق العَبْد إِلَّا فِي صُورَة صيد الْمحرم قدم حق الله تَعَالَى(1/47)
الْأجر: الْجَزَاء على الْعَمَل كَالْإِجَارَةِ، وَالذكر الْحسن وَأَجَارَهُ الله من الْعَذَاب: أنقذه وَنعم مَا قَالَ من قَالَ: (من أَجَارَ جَاره أَعَانَهُ الله وَأَجَارَهُ)
وَقَالَ بَعضهم: الْأجر وَالْأُجْرَة يُقَال فِيمَا كَانَ عقدا وَمَا يجْرِي مجْرى العقد، وَلَا يُقَال إِلَّا فِي النَّفْع
وَالْجَزَاء: يُقَال فِيمَا كَانَ عَن عقد وَعَن غير عقد، وَيُقَال فِي النافع والضار
والأجير: هُوَ الْمُسْتَأْجر بِفَتْح الْجِيم، فعيل بِمَعْنى مفاعل بِفَتْح الْعين، أَو فَاعل وَمن الظَّن أَنه مفعول أَو مفاعل بِالْكَسْرِ فَإِنَّهُ سَمَاعي وَاخْتلف فِي قَوْلهم: (أجرت الدَّار أَو الدَّابَّة) بِمَعْنى أكريتها هَل هُوَ (أفعل) أَو (فَاعل) وَالْحق أَنه بِهَذَا الْمَعْنى مُشْتَرك بَينهمَا، لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ لُغَتَانِ: إِحْدَاهمَا (فَاعل) ومضارعه (يُؤَاجر) وَالْأُخْرَى (أفعل) ومضارعه (يُؤجر) ، وَجَاء لَهُ مصدران: فالمؤاجرة مصدر (فَاعل) و (الْإِيجَار) مصدر (أفعل) ، وَالْمَفْهُوم من " الأساس " وَغَيره اخْتِصَاص (آجرت الدَّابَّة) بِبَاب: أفعل واختصاص: (آجرت الْأَجِير) بِبَاب: فَاعل وَاسم الْفَاعِل من الأول (مؤجر) وَاسم الْمَفْعُول (مؤجر) ، وَمن الثَّانِي اسْم الْفَاعِل (مؤاجر) وَاسم الْمَفْعُول (مؤاجر) وَقَالَ الْمبرد: " أجرت دَاري ومملوكي غير مَمْدُود، وآجرت فلَانا بِكَذَا: أَي أثْبته فَهُوَ مَمْدُود " وَقيل: (أجرته) بِالْقصرِ يُقَال إِذا اعْتبر فعل أَحدهمَا، و (آجرته) بِالْمدِّ، يُقَال إِذا اعْتبر فعلاهما، وَكِلَاهُمَا يرجعان إِلَى معنى [وَاحِد]
وَالْإِجَارَة: شرعا: تمْلِيك الْمَنَافِع بعوض
والإعارة: تمْلِيك الْمَنَافِع بِغَيْر عوض
والأجير الْخَاص: هُوَ الَّذِي يسْتَحق الْأُجْرَة بِتَسْلِيم نَفسه فِي الْمدَّة، عمل أَو لم يعْمل، كراعي الْغنم
والأجير الْمُشْتَرك: هُوَ من يعْمل لغير وَاحِد، كالصباغ
الإجراء: مَعْنَاهُ ظَاهر
إِجْرَاء اللَّازِم مجْرى غير اللَّازِم: كَقَوْلِه: الْحَمد لله الْعلي الأجلل وَبِالْعَكْسِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَكنا هُوَ الله رَبِّي} أَصله: (لَكِن أَنا) خففت الْهمزَة بحذفها وإبقاء حركتها على نون (لَكِن) فَصَارَت (لكننا) فَأجرى غير اللَّازِم مجْرى اللَّازِم فاستثقل إبْقَاء المثلين متحركين، فأسكن الأول وأدغم فِي الثَّانِي
[وإجراء الظّرْف مجْرى الْمَفْعُول بِهِ: كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَذَلِكَ يَوْم مشهود} ] وإجراء الْمُتَعَدِّي مجْرى غير الْمُتَعَدِّي: حَيْثُ يكون الْمَفْعُول سَاقِطا عَن حيّز الِاعْتِبَار، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون} أَو يكون الْمُتَعَدِّي نقيضا لغير الْمُتَعَدِّي، فَإِن من دأبهم حمل النقيض على النقيض، كَفعل الْإِيمَان فَإِنَّهُ يعدى بِالْبَاء حَيْثُ قصد التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ نقيض الْكفْر
وإجراء غير الْمُتَعَدِّي مجْرى الْمُتَعَدِّي: هُوَ طَريقَة الْحَذف والإيصال، أَو اعْتِبَار مَا فِي اللَّازِم من معنى الْمُبَالغَة، فَإِن ذَلِك قد يصلح أَن يكون سَببا للتعدية من غير أَن ينْتَقل اللَّازِم من صيغته إِلَى صِيغَة الْمُتَعَدِّي ويتغير مَعْنَاهُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي(1/48)
قَوْله تَعَالَى: {مَاء طهُورا} أَي: بليغا فِي طَهَارَته، وبلاغته فِي طَهَارَته بِأَن كَانَ طَاهِرا فِي نَفسه ومطهرا لغيره، أَو بِاعْتِبَار مَا فِي غير الْمُتَعَدِّي من الاشتهار بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّي أَو بِاعْتِبَار التَّضْمِين
وإجراء الْأَكْثَر مجْرى الْكل: إِنَّمَا يجوز فِي الصُّورَة الَّتِي يكون الْخَارِج عَن الحكم حَقِيرًا قَلِيل الْقدر، فَيجْعَل وجوده كَعَدَمِهِ وَيحكم على الْبَوَاقِي بِحكم الْكل
وإجراء الْأَصْلِيّ مجْرى الزَّائِد: كَقَوْلِهِم فِي النّسَب إِلَى (تَحِيَّة) (تحوي) وَبِالْعَكْسِ كَقَوْلِهِم فِي تَثْنِيَة مَا همزته منقلبة عَن حُرُوف الْإِلْحَاق نَحْو: (علْبَاء) و (حرباء) (عُلَبًا آن) و (حَربًا آن) بِالْإِقْرَارِ تَشْبِيها لَهَا بالمنقلبة عَن الْأَصْلِيّ
وإجراء الْوَصْل مجْرى الْوَقْف: كَمَا فِي قِرَاءَة نَافِع {محياي} بِإِسْكَان الْيَاء
وإجراء الِاسْم مجْرى الصّفة: كَقَوْلِه: (الطير أغربة عَلَيْهِ) أَي: باكية عَلَيْهِ بكاء الْغرْبَان
وإجراء الْموَات وَمَا لَا يعقل مجْرى بني آدم: كَقَوْلِهِم فِي جمع (أَرض) (أرضون) وَفِي التَّنْزِيل: {كل فِي فلك يسبحون}
وإجراء الضَّمِير مجْرى اسْم الْإِشَارَة: كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن أَخذ الله سمعكم وأبصاركم وَختم على قُلُوبكُمْ من إِلَه غير الله يأتيكم بِهِ} أَي بذلك
ومجرى: فِي أَمْثَال هَذِه الْمَوَاضِع مفعول مُطلق، فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَظْهر جعله ك (مُوسَى) دون (مرضِي)
الْإِجْزَاء: بِالْكَسْرِ هُوَ الْفِعْل الْكَافِي فِي سُقُوط مَا فِي الْعهْدَة، ومورده أخص من مورد الصِّحَّة، فَإِن الصِّحَّة يُوصف بهَا الْعِبَادَة وَالْعقد
والإجزاء: لَا يُوصف بِهِ إِلَّا الْعِبَادَة؛ وَهل هُوَ يخْتَص بِالْوُجُوب أَو يعم الْمَنْدُوب فِيهِ قَولَانِ لأهل الْأُصُول
والإجزاء: يُقَابله الْعَدَم، وَالصِّحَّة يقابلها الْبطلَان
والاجتباء: هُوَ أَن تَأْخُذ الشَّيْء بِالْكُلِّيَّةِ، (افتعال) من (جبيت) أَصله: جمع المَاء فِي الْحَوْض
والجباية: الْحَوْض {وجفان كالجواب}
واجتباه: أَي اصطفاه وَاخْتَارَهُ
والإجباء: بيع الزَّرْع قبل أَن يَبْدُو صَلَاحه
وَفِي الحَدِيث: " من أجبى فقد أربى "
الْإِجْبَار: فِي الأَصْل حمل الْغَيْر على الْأَمر، تعورف فِي الْإِكْرَاه الْمُجَرّد فَقيل: (أجْبرهُ على كَذَا) أَي: أكرهه فَهُوَ (مجبر)
(وجبرت الْعظم وَالْفَقِير) : فَهُوَ (مجبور)
والجبر: بِمَعْنى الْملك، سمي بذلك لِأَنَّهُ يجْبر بجوده
الْأَجَل: الْوَقْت الَّذِي كتب الله فِي الْأَزَل انْتِهَاء الْحَيَاة فِيهِ بقتل أَو غَيره؛ وَقيل: يُطلق على مُدَّة(1/49)
الْحَيَاة كلهَا وعَلى مُنْتَهَاهَا؛ يُقَال لعمر الْإِنْسَان أجل، وللموت الَّذِي يَنْتَهِي بِهِ أجل [قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ قضى أَََجَلًا وَأجل مُسَمّى عِنْده} : المُرَاد بالأجل الأول آجال الماضين، وَبِالثَّانِي آجال البَاقِينَ، أَو الأول أجل الْمَوْت وَالثَّانِي أجل الْقِيَامَة والبعث والنشور أَو مَا بَين أَن يخلق إِلَى أَن يَمُوت، وَالثَّانِي هُوَ النّوم؛ أَو مَا انْقَضى من عمر كل وَاحِد وَمَا بَقِي]
وَفِي " الْأَنْوَار ": {ثمَّ قضى أَََجَلًا} أجل الْمَوْت {وَأجل مُسَمّى عِنْده} أجل الْقِيَامَة وَالْأول سماوي لكَونه من الزَّمَان الَّذِي هُوَ مِقْدَار أسْرع الحركات السماوية عِنْد الفلاسفة وَهَذَا بَاطِل على تَقْدِير تقدم خلق الأَرْض على قَول الْأَكْثَرين لتحَقّق الزَّمَان من قبل الأفلاك، وَهَذَا الْأَجَل قدر وَكتب فِي الجباه وَالثَّانِي وَهُوَ (أجل مُسَمّى) أَي معِين فِي حق الْكل، وَهُوَ عِنْده، لَا يُعلمهُ سواهُ، وَلم يكْتب فِي الجباه، بِدَلِيل ترك ذكر (قضى) لعدم اخْتِصَاصه بأربابها، ويكذب المتمسكين بِهَذِهِ الْآيَة من الْحُكَمَاء الإسلامية على أَن للْإنْسَان أجلين: اخترامي، وَهُوَ الَّذِي يحصل بالأسباب الخارجية وطبيعي وَهُوَ الَّذِي يحصل بِفنَاء الرُّطُوبَة وَعدم الْحَار الغريزي قَوْله تَعَالَى: {إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى: {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره} مَحْمُول على إِرَادَة النَّقْص عَن الْخَيْر وَالْبركَة، كَمَا فِي زِيَادَة الرزق ونقصه، أَو مؤول بإرجاع الضَّمِير إِلَى مُطلق المعمر لَا الشَّخْص المعمر بِعَيْنِه، أَي لَا ينقص عمر شخص من أَعمار أضرابه وَعَلِيهِ جُمْهُور الْمُفَسّرين
[وَحَدِيث: " لَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر " فَقيل إِنَّه خبر الْوَاحِد فَلَا يعْتَمد فِي هَذَا الْبَاب وَقد يُقَال: (زِيَادَة الْعُمر ونقصانه) إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا أثْبته الْمَلَائِكَة فِي صحيفتهم، إِذْ قد يثبت فِيهِ الشَّيْء مُطلقًا وَهُوَ فِي علم الله مُقَيّد، فيؤول إِلَى مُوجب علم الله على مَا أُشير إِلَيْهِ بقوله: {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} إِلَخ]
وَقد نظمت فِي زِيَادَة الْأَجَل ونقصه:
(لنا مَوَازِين عِنْد الدَّهْر قد نصبت ... بهَا مقادير أَعمار بِلَا ملل)
(يضم إِن شَاءَ من بعث لنا أَََجَلًا ... وَلَو يَشَاء يزِيد الْبَعْث من أجل)
وَالْأَجَل: حُلُول الدّين
وفعلته من إجلك وإجلاك: بِالْكَسْرِ فيهمَا أَي: من جللك
الْأَجَل فِي الأَصْل: مصدر أجل شرا: إِذا جناه؛ اسْتعْمل فِي تَعْلِيل الْجِنَايَات، ثمَّ اتَّسع فِيهِ فَاسْتعْمل فِي كل تَعْلِيل
الْإِجَابَة: هِيَ مُوَافقَة الدعْوَة فِيمَا طلب بهَا لوقوعها على تِلْكَ الصِّحَّة
والاستجابة: يتَعَدَّى إِلَى الدُّعَاء بِنَفسِهِ كَقَوْلِه:(1/50)
فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب
وَإِلَى الدَّاعِي بِاللَّامِ نَحْو: {فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لَك} ويحذف الدُّعَاء إِذا عدي إِلَى الدَّاعِي فِي الْغَالِب فَيُقَال: (اسْتَجَابَ الله دعاءه) و (اسْتَجَابَ لَهُ) وَلَا يكَاد يُقَال: (اسْتَجَابَ لَهُ دعاءه)
ويستجيب: فِيهِ قبُول لما دعِي إِلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك يُجيب لِأَنَّهُ قد يُجيب بالمخالفة
والإجابة: أَعم من الْقبُول، لِأَنَّهُ عبارَة عَن قطع سُؤال السَّائِل؛ وَالْقطع قد يكون بترتيب الْمَقْصُود بالسؤال، وَقد يكون بِمثل: (سَمِعت سؤالك وَأَنا أَقْْضِي حَاجَتك) وَقد نظمت فِيهِ:
(تقبل سُؤَالِي، لَا تجبه فإنني ... لوعدك فِي ضمن الْإِجَابَة خَائِف)
الْإِجَازَة: أجَاز لَهُ: سوغ لَهُ
و [أجَاز] رَأْيه: أنفذ ك (جوزه)
و [أجَاز] البيع: أَمْضَاهُ
وَالْإِجَازَة: تعْمل فِي تَنْفِيذ الْمَوْقُوف لَا فِي تَصْحِيح الْفَاسِد؛ فَفِيمَا إِذا تزوج أمة بِغَيْر شُهُود وَبِغير إِذن مَوْلَاهَا، ثمَّ أجَازه الْمولى بِحَضْرَة الشُّهُود لَا يجوز النِّكَاح، لِأَن الْإِشْهَاد شَرط العقد، وَلم يُوجد، فَكَانَ بَاطِلا لَا مَوْقُوفا فَلَا تلْحقهُ الْإِجَازَة
وَالْفَسْخ أقوى من الْإِجَازَة، فَإِن الْمجَاز يقبل الْفَسْخ، وَلَا ترد الْإِجَازَة على عقد قد انْفَسَخ؛ لِأَن الْإِجَازَة إِثْبَات صفة النَّفاذ، ويستحيل ذَلِك فِي الْمَعْدُوم
وَالْإِجَازَة فِي الشّعْر: مُخَالفَة حركات الْحَرْف الَّذِي يَلِي حرف الروي؛ أَو أَن تتمّ مصراع غَيْرك
والاستجازة: طلب الْإِجَازَة إِذا سقاك مَاء لماشيتك أَو أَرْضك؛ فَكَذَا الطَّالِب يستجيز الْعَالم علمه فيجيزه لَهُ
وأجزت على الجريح: أجهزت، أَي أسرعت قَتله
الأجيج: هُوَ تلهب النَّار
وَمَاء أجاج: أَي ملح وَمر
أجمع: لَا يُضَاف أجمع الْمَوْضُوع للتَّأْكِيد وَلَا يدْخل عَلَيْهِ الْجَار، بِخِلَاف مَا فِي قَوْلهم: (جَاءَ الْقَوْم بأجمعهم) بِضَم الْمِيم، فَإِنَّهُ مَجْمُوع جمع ك (أفرخ) و (أعبد) فيضاف وَيدخل عَلَيْهِ الْجَار
وَجَمِيع وَأجْمع وأجمعون: يسْتَعْمل لتأكيد الِاجْتِمَاع على الْأَمر
وأجمعون: يُوصف بِهِ الْمعرفَة، وَلَا يجوز نَصبه على الْحَال
وجميعا: ينْتَصب على الْحَال نَحْو قَوْله: {اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا}
أَجْدَر: أَي أليق وَأولى يؤنث ويثنى وَيجمع؛ من الْجِدَار، وَهُوَ الْحَائِط
والجدير: الْمُنْتَهى لانْتِهَاء الْأَمر إِلَيْهِ انْتِهَاء الشَّيْء إِلَى الْجِدَار وَالَّذِي يظْهر أَنه من (الْجدر) وَهُوَ أصل الشَّجَرَة، فَكَأَنَّهُ ثَابت كثبوت الْجدر فِي قَوْلك: (جدير بِكَذَا)
أجاء: هُوَ فِي الأَصْل [مَنْقُول] من (جَاءَ) لكنه خص بالإلجاء فِي الِاسْتِعْمَال ك (أَتَى) فِي (أعْطى) يُقَال: (أجأته إِلَى كَذَا) إِذا ألجأته إِلَيْهِ(1/51)
{فأجاءها الْمَخَاض} : فألجأها وجع الْولادَة [نوع قَوْله تَعَالَى] {لَوْلَا اجتبيتها} لَوْلَا أحدثتها، لَوْلَا تلقيتها
{بلغن أَجلهنَّ} أَي آخر عدتهن
{وبلغنا أجلنا الَّذِي أجلت لنا} أَي حد الْمَوْت وَقيل حد الْهَرم وهما وَاحِد فِي التَّحْقِيق
{كل يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى} فِي مُدَّة دوره أَو منتهاه أَو يَوْم الْقِيَامَة
{واجنبني} بعدني
{اجترحوا} اكتسبوا
{ملح أجاج} بليغ الملوحة، يحرق لملوحته
{لأي يَوْم أجلت} أخرت
{من الأجداث} من الْقُبُور
{اجتباه} اصطفاه وقربه
{فعلي إجرامي} : وباله
{أُجُورهنَّ} : مهورهن
{من أجل ذَلِك} : من جِنَايَة ذَلِك أَو من سَبَب ذَلِك
{وأجلب عَلَيْهِم} : اجْمَعْ عَلَيْهِم أَو صَحَّ عَلَيْهِم
{فَأَجْمعُوا كيدكم} فأزمعوه واجعلوه جمعا عَلَيْهِ، أَو أحكموه أَو اعزموا عَلَيْهِ
{اجتثت} : استؤصلت وَأخذت جثة بِالْكُلِّيَّةِ
(فصل الْألف والحاء)
[أحدية] : كل مَا يتحد بِهِ فِي الْأُمُور المتكثرة فَهُوَ أحدية جمع جَمِيعهَا كلفظة الْجَلالَة، فَإِنَّهُ أحدية جمع جَمِيع الْأَسْمَاء الإلهية
والحقيقة الإنسانية: فَإِنَّهَا أحدية جمع جَمِيع زيد وَعَمْرو وَبكر وَغَيرهم
وَالْبَيْت: فَإِنَّهُ أحدية جمع جَمِيع السّقف والجدران
الْأَحَد: هُوَ بِمَعْنى الْوَاحِد، وَيَوْم من الْأَيَّام، وَاسم لمن يصلح أَن يُخَاطب، مَوْضُوع للْعُمُوم فِي النَّفْي مُخْتَصّ بعد نفي مَحْض نَحْو: {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} أَو نهي نَحْو: (وَلَا يلْتَفت مِنْكُم(1/52)
أحد} أَو اسْتِفْهَام يشبهها نَحْو: {هَل تحس مِنْهُم من اُحْدُ} يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْمَجْمُوع والمذكر والمؤنث، وَحَيْثُ أضيف " بَين " اليه أَو أُعِيد إِلَيْهِ ضمير الْجمع، أَو نَحْو ذَلِك يُرَاد بِهِ جمع من الْجِنْس الَّذِي يدل الْكَلَام عَلَيْهِ، فَمَعْنَى: {لَا نفرق بَين أحد من رسله} أَي بَين جمع من الرُّسُل وَمعنى: {فَمَا مِنْكُم من أحد} أَي من جمَاعَة وَمعنى: {لستن كَأحد من النِّسَاء} كجماعة من جمَاعَة النِّسَاء
وَلَا يَقع فِي الْإِثْبَات إِلَّا مَعَ " كل " وَلَا يدْخل فِي الضَّرْب وَالْعدَد وَالْقِسْمَة وَلَا فِي شَيْء من الْحساب
قَالَ الْأَزْهَرِي: " هُوَ صفة من صِفَات الله اسْتَأْثر بهَا فَلَا يشركهُ فِيهَا شَيْء "
وَيَأْتِي فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنى الأول ك (يَوْم الْأَحَد) وَمِنْه {هَل هُوَ الله أحد} فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَبِمَعْنى الْوَاحِد كَقَوْلِنَا: (مَا فِي الدَّار أحد) أَي من يصلح للخطاب
والأحد: اسْم بني لنفي مَا يذكر مَعَه من الْعدَد
وَالْوَاحد: اسْم بني لمفتتح الْعدَد
وهمزته إِمَّا أَصْلِيَّة، وَإِمَّا منقلبة عَن الْوَاو على تَقْدِير أَن يكون أَصله (وحد) وعَلى كل من الْوَجْهَيْنِ يُرَاد بالأحد مَا يكون وَاحِدًا من جَمِيع الْوُجُوه، لِأَن الأحدية هِيَ البساطة الصرفة عَن جَمِيع أنحاء التَّعَدُّد عدديا أَو تركيبا أَو تحليليا، فاستهلاك الْكَثْرَة النسبية الوجودية فِي أحدية الذَّات، وَلِهَذَا رجح على الْوَاحِد فِي مقَام التَّنْزِيه، لِأَن الْوَاحِد مِنْهُ عبارَة عَن انْتِفَاء التَّعَدُّد العددي، فالكثرة العينية وَإِن كَانَت منتفية فِي الواحدية إِلَّا أَن الْكَثْرَة النسبية تتعقل فِيهَا
وَلَا يسْتَعْمل أحد وَإِحْدَى إِلَّا فِي التنيف أَو مضافين نَحْو (أحدهم) و (إِحْدَاهُنَّ) .
وَلَا يسْتَعْمل وَاحِد وَوَاحِدَة فِي التنيف إِلَّا قَلِيلا وأتى بِإِحْدَى الْأَحَد: أَي بِالْأَمر الْمُنكر الْعَظِيم؛ فَإِن الْأَمر المتفاقم (إِحْدَى الْأَحَد) وَيُقَال أَيْضا: (إِحْدَى من سبع)
الْإِحْسَان: هُوَ فعل مَا ينفع غَيره بِحَيْثُ يصير الْغَيْر حسنا بِهِ، كإطعام الجائع أَو يصير الْفَاعِل بِهِ حسنا بِنَفسِهِ؛ فعلى الأول الْهمزَة فِي أحسن للتعدية، وعَلى الثَّانِي للصيرورة يُقَال: (أحسن الرجل) إِذا صَار حسنا أَو دخل فِي شَيْء حسن
وَأحسن: يتَعَدَّى بإلى وباللام وَيَتَعَدَّى بِالْبَاء أَيْضا
ولطف: لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِاللَّامِ يُقَال: (لطف الله لَهُ) من بَاب نصر، أَي أوصل إِلَيْهِ مُرَاده بلطف، ولطف بِهِ: غير مُسلم
وَالْإِحْسَان أَعم من الْأَنْعَام
وَالرَّحْمَة أَعم من اللطف
والإفضال أَعم من الإنعام والجود، وَقيل: هُوَ أخص مِنْهُمَا لِأَن الإفضال إِعْطَاء بعوض وهما عبارَة عَن مُطلق الْإِعْطَاء.
وَالْكَرم: إِن كَانَ بِمَال فَهُوَ جود. وَإِن كَانَ بكف ضَرَر مَعَ الْقُدْرَة فَهُوَ عَفْو وَإِن كَانَ ببذل النَّفس فَهُوَ شجاعة(1/53)
الإحساس: هُوَ إِدْرَاك الشَّيْء مكتنفا بالعوارض الغربية واللواحق المادية مَعَ حُضُور الْمَادَّة وَنسبَة خَاصَّة بَينهمَا وَبَين الْمدْرك
والإحساس: للحواس الظَّاهِرَة، كَمَا أَن الْإِدْرَاك للحس الْمُشْتَرك أَو الْعقل
وَالْفِعْل الْمَأْخُوذ من الْحَواس رباعي، كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَمَّا أحس عِيسَى}
وحس الثلاثي: لَهُ معَان ثَلَاثَة
حسه: قَتله، نَحْو: {إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ} ، أَو مَسحه، أَو ألْقى عَلَيْهِ الْحِجَارَة المحماة لينضج، فَهَذِهِ الثَّلَاثَة يُقَال فِيهَا للْمَفْعُول محسوس، أما الْمَفْعُول من الْحَواس فمحس وَجَمعهَا محسات لَا محسوسات
والإحساس: إِن كَانَ للحس الظَّاهِر فَهُوَ المشاهدات، وَإِن كَانَ للحس الْبَاطِن فَهُوَ الوجدانيات والمتكلمون أَنْكَرُوا الْحَواس الْبَاطِنَة [وَهِي الْحس الْمُشْتَرك والخيال والواهمة والحافظة والمتخيلة] لابتنائها على أصُول الفلاسفة فِي نفي الْفَاعِل على الْمُخْتَار، وَالْقَوْل بِأَن الْوَاحِد لَا يصدر عَنهُ إِلَّا الْوَاحِد وَقد صرح الْمُحَقِّقُونَ من متأخري الْحُكَمَاء بِأَن القوى الجسمانية آلَات للإحساس وَإِدْرَاك الجزئيات، والمدرك هُوَ النَّفس وأثبتها بعض الْمُتَكَلِّمين أَيْضا من الماتريدية والأشاعرة وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ يحصل عقيب صرفهَا الإدراكات، الحسية؛ وَلَو أَصَابَت وَاحِدَة مِنْهَا آفَة اخْتَلَّ ذَلِك الْفِعْل كالحواس الظَّاهِرَة وَقَالُوا: إِثْبَات ذَلِك إِنَّمَا يُخَالف الشَّرْع لَو جعلت مُؤثرَة فِي تِلْكَ الفعال وفاعلة لهاتيك الْآثَار
وَلَو جعلت آلَات للإحساس وَإِدْرَاك الجزيئات، والمدرك هُوَ النَّفس كَمَا ذهب إِلَيْهِ متأخرو الفلاسفة فَلَا مُخَالفَة فِيهِ
[وَمن النَّاس من يَقُول: للنَّفس حاسة سادسة تدْرك بهَا عوارض النَّفس كالجوع والعطش والشبع، وَالأَصَح مَا عَلَيْهِ الْعَامَّة وَهُوَ الْخمس، إِذْ لكل من الْخمس يحصل علم مَخْصُوص بِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ آلَة مَخْصُوصَة بِهِ، وَأما مَا يدْرك بِهِ عوارض النَّفس فبخلق الله فِي الْحَيَوَان بِدُونِ اخْتِيَاره إِذا وجد شَرطه]
وَاعْلَم أَن مثبتي الْحَواس الْخمس الْبَاطِنَة لَا يسمون عقليا إِلَّا الْمعَانِي الْكُلية، وَلَا وهميا إِلَّا الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة، وَلَا خياليا إِلَّا الصُّور المحسوسات، ومقالة أَرْبَاب البلاغة لَيست على وفْق مقالتهم، فَإِنَّهُم عدوا الِاتِّحَاد والتماثل والتضايف عقلية سَوَاء كَانَت كُلية أَو جزئية؛ وعدوا شبه التَّمَاثُل والتضاد وَشبهه وهمية، سَوَاء كَانَت كُلية أَو جزئية أَيْضا، وَسَوَاء كَانَت بَين المحسوسات أَو بَين الْمعَانِي؛ وعدوا تقارن الْأَمريْنِ مُطلقًا فِي أَي قُوَّة كَانَ بِسَبَب غير مَا ذكر خياليا كَمَا تقرر فِي فنه
الْإِحْصَار: هُوَ شرعا أَن يعرض للرجل مَا يحول بَينه وَبَين الْحَج أَو الْعمرَة بعد الْإِحْرَام من مرض أَو أسر أَو عَدو، وَيُقَال: (أحْصر الرجل إحصارا فَهُوَ محصر) فَإِن حبس فِي سجن أَو دَار يُقَال: (حصر فَهُوَ مَحْصُور)
وَقيل: الْإِحْصَار: الْمَنْع من أحصره وحصره(1/54)
وَالْأول فِي الْمَرَض أشهر، وَالثَّانِي فِي الْعَدو أشهر وَآيَة الْإِحْصَار وَردت فِي الْإِحْصَار بِالْمرضِ بِإِجْمَاع أهل اللُّغَة، وَعَن جمَاعَة من الصَّحَابَة: من كسر أَو عرج فقد أحْصر، وَهُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا وَقَالَ الشَّافِعِي: " لَا يكون الْإِحْصَار إِلَّا عَن عَدو فَإِن إحصار النَّبِي كَانَ بالعدو لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَإِذا أمنتهم} وَذَلِكَ زَوَال الْخَوْف من الْعَدو " قُلْنَا: الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب والأمن يكون عَن الْعِلَل أَيْضا
قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " الزَّكَاة أَمَان من الجذام "
الْإِحْصَان: الْعِفَّة وتحصين النَّفس من الْوُقُوع فِي الْحَرَام {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات}
وَالتَّزْوِيج: {فَإِذا أحصن}
وَالْحريَّة: {نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب}
والإصابة فِي النِّكَاح: {محصنين غير مسافحين}
والمحصن من الأحرف: الَّتِي جَاءَ الْفَاعِل مِنْهَا على (مفعل) بِفَتْح الْعين وَإِن كَانَ قِيَاس اسْم الْفَاعِل فِي بَاب الإفعال أَن يَجِيء بِالْكَسْرِ، وَاسم الْمَفْعُول بِالْفَتْح، إِلَّا مَا شَذَّ
وَمِنْهَا المسهب: من (أسهب) أَي: أطنب وَأكْثر من الْكَلَام قيل لِابْنِ عمر: ادْع الله لنا فَقَالَ: " أكره أَن أكون من المسهبين "
والمفلج: من (أفلج) أَي: أفلس
والإحصان: عبارَة عَن اجْتِمَاع سَبْعَة أَشْيَاء: الْبلُوغ، وَالْعقل، وَالْحريَّة، وَالنِّكَاح الصَّحِيح، وَالدُّخُول، وَكَون كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ مثل الآخر فِي صفة الْإِحْصَان وَالْإِسْلَام وَعند الشَّافِعِي: الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط للإحصان؛ وَكَذَا عِنْد أبي يُوسُف فِي رِوَايَة، كَمَا فِي " كِفَايَة الْمُنْتَهى " بِمَا رُوِيَ أَن رَسُول الله رجم يهوديين وَالْجَوَاب: كَانَ ذَلِك بِحكم التَّوْرَاة ثمَّ نسخ؛ يُؤَيّدهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من أشرك بِاللَّه فَلَيْسَ بمحصن "
وأحصنها زَوجهَا: أَي أعفها فَهِيَ مُحصنَة بِفَتْح الصَّاد
وأحصنت فرجهَا: فَهِيَ مُحصنَة بِكَسْرِهَا
{وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} بعد قَوْله {حرمت} بِالْفَتْح لَا غير، وَفِي سَائِر الْمَوَاضِع بِالْفَتْح وَالْكَسْر، لِأَن الَّتِي حرم التَّزَوُّج بهَا المتزوجات دون العفيفات، وَفِي سَائِر الْمَوَاضِع يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ
الاحتراس: هُوَ أَن يُؤْتى فِي كَلَام يُوهم خلاف الْمَقْصُود بِمَا يدْفع ذَلِك الْوَهم نَحْو {لَا يحطمنكم سُلَيْمَان وَجُنُوده وهم لَا يَشْعُرُونَ}
(واسلك يدك فِي جيبك تخرج بَيْضَاء من غير سوء} وَنَحْوهمَا(1/55)
وَهُوَ أَعم من الإيغال بِاعْتِبَار الْمحل، وأخص مِنْهُ بِاعْتِبَار النُّكْتَة
ومباين للتذييل مفهوما، إِذْ التذييل تَأْكِيد والتأكيد يدْفع التَّوَهُّم والتكميل الَّذِي يُسمى احتراسا يدْفع الْإِيهَام، وَالْإِيهَام غير التَّوَهُّم
الْإِحَاطَة هِيَ إِدْرَاك الشَّيْء بِكَمَالِهِ ظَاهرا وَبَاطنا، والاستدارة بالشَّيْء من جَمِيع جوانبه
قيل: الْإِحَاطَة بالشَّيْء علما: أَن يعلم وجوده، وجنسه، وَقدره، وَصفته، وكيفيته، وغرضه الْمَقْصُود بِهِ، وَمَا يكون بِهِ مِنْهُ وَعَلِيهِ؛ وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا الله تَعَالَى وَقَوله تَعَالَى: {أحاطت بِهِ خطيئته} أبلغ اسْتِعَارَة؛ فَإِن الْإِنْسَان إِذا ارْتكب ذَنبا وَاسْتمرّ عَلَيْهِ استجره إِلَى معاودة مَا هُوَ أعظم مِنْهُ، فَلَا يزَال يرتقي حَتَّى يطبع على قلبه فَلَا يُمكنهُ أَن يخرج عَن تعاطيه؛ وَقد يتَعَدَّى بعلى لتضمنها معنى الاشتمال
الِاحْتِيَاط: هُوَ فعل مَا يتَمَكَّن بِهِ من إِزَالَة الشَّك وَقيل: التحفظ والاحتراز من الْوُجُوه لِئَلَّا يَقع فِي مَكْرُوه وَقيل: اسْتِعْمَال مَا فِيهِ الحياطة أَي الْحِفْظ هُوَ الْأَخْذ بالأوثق من جَمِيع الْجِهَات وَمِنْه قَوْلهم: (افْعَل الْأَحْوَط) يَعْنِي افْعَل مَا هُوَ أجمع لأصول الْأَحْكَام وَأبْعد عَن شوائب التَّأْوِيل
الإحباب: أحب الشَّيْء وحبه يمعنى: إِلَّا أَنهم اخْتَارُوا أَن بنوا الْفَاعِل من لفظ (أحب) وَالْمَفْعُول من لَفظه (حب) فَقَالُوا للْفَاعِل (محب) وللمفعول (مَحْبُوب) ليعادلوا بَين اللَّفْظَيْنِ فِي الِاشْتِقَاق؛ على أَنه قد سمع فِي الْمَفْعُول (محب)
وأحببت عَلَيْهِ: بِمَعْنى آثرت عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الأَصْل، لَكِن فِي قَوْله تَعَالَى: {أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي} لما أنيب مناب (أنبت) عدي تعديته
وَالْحب: بِالضَّمِّ الْمُحب
و [الْحبّ] بِالْكَسْرِ: المحبوب وَقد وضعُوا للمحبة حرفين مناسبين لَهَا غَايَة الْمُنَاسبَة بَين اللَّفْظ وَالْمعْنَى، حَتَّى اعتبروا تِلْكَ الْمُنَاسبَة فِي الحركات خفَّة وثقلة وَقد نظمت فِيهِ:
(وأثقل يُعْطي للأخف كَعَكْسِهِ ... وَمَا هُوَ إِلَّا من عَدَالَة عَادل)
(فَمَا وَجه ضم الْحَاء فِي الْحبّ عَاشِقًا ... وبالكسر فِي المحبوب عكس التعادل؟)
وَإِذا كَانَ مَا تعلق ب (أحب) فَاعِلا من حَيْثُ الْمَعْنى عدي إِلَيْهِ ب (إِلَى) تَقول: (زيد أحب إِلَى عَمْرو من خَالِد) فَالضَّمِير فِي (أحب) مفعول من حَيْثُ الْمَعْنى، و (عَمْرو) هُوَ الْمُحب و (خَالِد) مَحْبُوب وَإِذا كَانَ مَا تعلق بِهِ معفولا عدي إِلَيْهِ ب (فِي)
تَقول: (زيد أحب فِي عَمْرو من خَالِد) فَالضَّمِير فَاعل و (عَمْرو) هُوَ المحبوب و (خَالِد) محب
و (أفعل من) لَا يفرق فِيهِ بَين الْوَاحِد وَمَا فَوْقه، وَالْمَذْكُور وَمَا يُقَابله بِخِلَاف أخواته، فَإِن الْفرق وَاجِب فِي الْمحلى جَائِز فِي الْمُضَاف
الاحتقار: هُوَ كالتحقير، لِأَن الافتعال قد يَأْتِي(1/56)
بِمَعْنى التفعيل، وَهُوَ نِسْبَة الحقارة إِلَى شَيْء بِالْقَلْبِ والقالب
والحقارة: عبارَة عَن كَون الشَّيْء سَاقِطا عَن النَّفْع وَالِانْتِفَاع
الاحتضار: هُوَ من احْتضرَ الرجل مَبْنِيا للْمَجْهُول إِذا جعل حَاضرا، فَكَأَن الرجل فِي حَال صِحَّته بدورانه إِلَى حَيْثُ شَاءَ، كالغائب، فَإِذا مرض وَعجز عَن الدوران حَيْثُ شَاءَ صَار كالحاضر عِنْد بواب السُّلْطَان، وَهُوَ ملك الْمَوْت فيمسكه ويدخله إِلَى السُّلْطَان
والإحضار الْمُطلق: مَخْصُوص بِالشَّرِّ عرفا
{وأحضرت الْأَنْفس الشُّح} أَي جعلت حَاضِرَة لَهُ مطبوعة عَلَيْهِ
الاحتباك: هُوَ من الحبك الَّذِي مَعْنَاهُ الشد والإحكام وتحسين أثر الصَّنْعَة فِي الثَّوْب
و [الاحتباك] : من ألطف أَنْوَاع البديع وأبدعها؛ وَقد يُسمى حذف الْمُقَابل: وَهُوَ أَن يحذف من الأول مَا أثبت نَظِيره فِي الثَّانِي، وَمن الثَّانِي مَا أثبت نَظِيره فِي الأول كَقَوْلِه تَعَالَى: {ويعذب الْمُنَافِقين إِن شَاءَ أَو يَتُوب عَلَيْهِم} فَلَا يعذبهم [وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وَأُخْرَى كَافِرَة}
الِاحْتِمَال: هُوَ يسْتَعْمل بِمَعْنى الْوَهم وَالْجَوَاز فَيكون لَازِما، وَيسْتَعْمل بِمَعْنى الِاقْتِضَاء والتضمين فَيكون مُتَعَدِّيا نَحْو: (يحْتَمل أَن يكون كَذَا) و (احْتمل الْحَال وُجُوهًا كَثِيرَة)
الاحتساب: هُوَ طلب الْأجر من الله بِالصبرِ على الْبلَاء مطمئنة نَفسه غير كارهة لَهُ
والحسبة: بِالْكَسْرِ، الْأجر وَاسم من الاحتساب
وأحسب عيه: أنكر، وَمِنْه: الْمُحْتَسب
الإحباط: هُوَ إبِْطَال الْحَسَنَات بالسيئات
والتكفير: بِالْعَكْسِ
الْإِحْرَاز: الصيانة والادخار لوقت الْحَاجة
الإحالة: (أحَال الرجل فِي الْمَكَان) : قَامَ فِيهِ حولا و (أحَال الْمنزل إِحَالَة) أَي: حَال عَلَيْهِ حول
وَحَال الشَّيْء بيني وَبَيْنك حولا؛ وَحَال الْحول، وَحَال عَن الْعَهْد حوالا
وحالت النَّاقة والنخلة حيالا: إِذا لم تحمل
وَأحلت زيدا بِكَذَا من المَال على رجل فاحتال زيد بِهِ عَلَيْهِ فَأَنا محيل وَفُلَان محَال ومحتال، وَالْمَال محَال بِهِ ومحتال بِهِ، وَالرجل محَال عَلَيْهِ ومحتال عَلَيْهِ
الأحداد: أحددت السكين احدادا وَكَذَا أحددت إِلَيْك النّظر
وحددت حُدُود الدَّار أَحدهَا حدا
وحدت الْمَرْأَة على زَوجهَا تحد حدا وحدادا: إِذا تركت الزِّينَة
وحددت الرجل أحده حدا، وحددت على الرجل أحده حِدة وحدا
الاحمرار: احمر: يُقَال لما احمر وهلة نَحْو: احمر الثَّوْب(1/57)
واحمار: لما يَبْدُو فِيهِ اللَّوْن شَيْئا بعد شَيْء على التدريج نَحْو: احمار الْبُسْر، وَكَذَا فِي نَظَائِره فرقا بَين اللَّوْن الثَّابِت والعارض
الْإِحْرَام: الْمَنْع وَقيل: إِدْخَال الْإِنْسَان نَفسه فِي شَيْء حرم عَلَيْهِ بِهِ مَا كَانَ حَلَالا لَهُ وَيُقَال: أحرم الرجل: إِذا دخل فِي الْحرم، وَأحل: إِذا دخل فِي الْحل، أَو الْمَعْنى: صَار ذَا حل: أَي حَلَالا بتحليل الله؛ ومجيء (افْعَل) على كلا الْوَجْهَيْنِ كثير فِي لِسَان الْعَرَب
الإحفاء: الْمُبَالغَة وبلوغ الْغَايَة يُقَال: أحفى شَاربه: إِذا استأصله
الإجحاف: الإذهاب والتنقيص
أَحْمد: هُوَ (أفعل) مُبَالغَة فِي صفة الْحَمد
وَأحمد الرجل: أَي صَار ذَا حمد
وأحمدته: وجدته مَحْمُودًا وَقَوْلهمْ: الْعود أَحْمد: أَي أَكثر حمدا وَهُوَ (أفعل) من الْمَحْمُود؛ لِأَن الِابْتِدَاء إِذا كَانَ مَحْمُودًا كَانَ الْعود أَحَق بِأَن يحمد مِنْهُ، أَو من الحامد، على حذف الْمُضَاف؛ كَأَنَّهُ قيل: ذُو الْعود أَحْمد على الْإِسْنَاد الْمجَازِي؛ لِأَن وصف الْفِعْل بِالْحَمْد وصف لصَاحبه بِهِ وَقد ألغز فِيهِ بعض الْفُضَلَاء:
(واركعه فِي ظلّ غُصْن منوطة ... بلؤلوة نيطت بمنقار طَائِر)
أَحْسَنت: هُوَ بِالْخِطَابِ لَا يُقَال إِلَّا لمن قل صَوَابه حُكيَ أَن مُحَمَّد [بن الْحسن] سَأَلَ فِي حَال صغره أَبَا حنيفَة عَمَّن قَالَ [وَالله] لَا أُكَلِّمك ثَلَاث مَرَّات متعاقبة فَقَالَ الإِمَام: ثمَّ مَاذَا؟ فَتَبَسَّمَ مُحَمَّد وَقَالَ: يَا شيخ انْظُر حسنا فَنَكس الإِمَام رَأسه ثمَّ رفع وَقَالَ: حنث مرَّتَيْنِ
فَقَالَ مُحَمَّد: أَحْسَنت فَقَالَ الإِمَام: لَا أَدْرِي أَي قوليه أوجع لي قَوْله: انْظُر حسنا، أَو قَوْله: أَحْسَنت لِأَن (أَحْسَنت) إِنَّمَا يُقَال لمن قل صَوَابه
[نوع قَوْله تَعَالَى]
{أحصن} : تَزَوَّجن
{لأحتنكن} : لأستولين
{أحاطت بِهِ} : استولت عَلَيْهِ وشملت جملَة أَحْوَاله
[ {فَإِن أحصرتم} : منعتم
{أحسن عملا} : أصوبه وأخلصه
{أحكمت آيَاته} : حفظت من فَسَاد الْمَعْنى وركاكة اللَّفْظ]
{أحقابا} : دهورا متتابعة
ب {الْأَحْقَاف} : الرمال
{أحلامهم} : عُقُولهمْ(1/58)
{فَلَمَّا أحسوا بأسنا} : أدركوا شدَّة عذابنا إِدْرَاك الْمشَاهد المحسوس
{أَحَادِيث} : حكايات
{أحصى لما لَبِثُوا أمدا} ضبط أمد زمَان لبثهم
{غثاء أحوى} : يَابسا أسود، فَإِن أُرِيد بِهِ الْأسود من الْجَفَاف واليبس فَهُوَ صفة ل (غثاء) أَو من شدَّة الخضرة فحال من (المرعى)
{أَحْصَاهُ الله} : أحَاط بِهِ عددا لم يغيب مِنْهُ شَيْئا
[وَفِي " تَاج المصادر ": الإحصاء أخص من الْعد لِأَنَّهُ الْعد على سَبِيل الِاسْتِقْصَاء، وَظَاهر كَلَام " الصِّحَاح " يدل على الترادف]
(فصل الْألف وَالْخَاء)
[اخشب] : كل شَيْء غليظ فَهُوَ اخشب وخشب
[الِاخْتِصَاص] : كل مركب من خَاص وعام فَلهُ جهتان، قد يقْصد من جِهَة عُمُومه وَقد يقْصد من جِهَة خصوصه؛ فالقصد من جِهَة الْخُصُوص هُوَ الِاخْتِصَاص
وَأما الْحصْر: فَمَعْنَاه نفي غير الْمَذْكُور وَإِثْبَات الْمَذْكُور فَإِذا قلت: (مَا ضربت إِلَّا زيدا) كنت نفيت الضَّرْب عَن غير زيد وأثبته لزيد؛ وَهَذَا الْمَعْنى زَائِد على الِاخْتِصَاص، لِأَن الِاخْتِصَاص إِعْطَاء الحكم للشَّيْء وَالسُّكُوت عَمَّا عداهُ؛ وَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَن الِاخْتِصَاص هُوَ الْحصْر نَفسه لِأَنَّهُ يُفِيد مفاده
والاختصاص يَسْتَدْعِي الرَّد على مدعي الشّركَة، بِخِلَاف الاهتمام فَإِنَّهُ للتبرك لَا للرَّدّ
واختصاص الناعت بالمنعوت: هُوَ أَن يصير الأول نعتا وَالثَّانِي منعوتا، سَوَاء كَانَ متحيزا كَمَا فِي سَواد الْجِسْم أَولا، كَمَا فِي صِفَات الْبَارِي
والاختصاص النَّحْوِيّ: هُوَ النصب على الْمَدْح
و [الِاخْتِصَاص] الْبَيَانِي: هُوَ النصب بإضمار فعل لَائِق، وَأكْثر الْأَسْمَاء دُخُولا فِي النصب على الِاخْتِصَاص (معشر) و (آل) و (أهل) و (بَنو) وَأما (أهل) فِي قَوْله تَعَالَى: {ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} فَالصَّوَاب أَنه منادى، والمنصوب على الِاخْتِصَاص لَا يكون نكرَة وَلَا مُبْهما
والاختصاص على ثَلَاثَة أوجه: أكمل: وَهُوَ فِي الْإِضَافَة بِمَعْنى اللَّام نَحْو: (غُلَام زيد)
وكامل: وَهُوَ فِي الْإِضَافَة بِمَعْنى (من) أَو (فِي) نَحْو: (خَاتم فضَّة) و (ضرب الْيَوْم)
وناقص: وَهُوَ فِي الْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة نَحْو: (كَوْكَب الخرقاء) وَالْأَصْل فِي لفظ الِاخْتِصَاص وَالْخُصُوص والتخصيص أَن يسْتَعْمل بِإِدْخَال البا على الْمَقْصُور عَلَيْهِ، أَعنِي مَا لَهُ الْخَاصَّة يُقَال: (اخْتصَّ الْجُود بزيد) أَي صَار مَقْصُورا عَلَيْهِ، إِلَّا أَن الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال إِدْخَال الْبَاء على(1/59)
الْمَقْصُور، أَعنِي الْخَاصَّة بِنَاء على تضمين معنى التَّمْيِيز والإفراد لِأَن تَخْصِيص شَيْء بآخر فِي قُوَّة تَمْيِيز الآخر بِهِ
والاختصاص يتَعَدَّى وَيلْزم
الِاخْتِصَار: اختصر فلَان أَي أَخذ المخصرة
و [اختصر] الْكَلَام: أوجزه بِحَذْف طوله
و [اختصر] السَّجْدَة: قَرَأَ سورتها وَترك آيتها كَيْلا يسْجد، أَو أفرد آيتها فَقَرَأَ بهَا ليسجد فِيهَا، وَقد نهي عَنْهُمَا
وَهُوَ عرفا: تقليل المباني مَعَ إبْقَاء الْمعَانِي أَو حذف عرض الْكَلَام وَهُوَ جلّ مَقْصُود الْعَرَب وَعَلِيهِ مبْنى أَكثر كَلَامهم وَمن ثمَّة وضعُوا الضمائر لِأَنَّهَا أخصر من الظَّوَاهِر خُصُوصا ضمير الْغَيْبَة، فَإِنَّهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أعد الله لَهُم مغْفرَة} قَامَ مقَام عشْرين ظَاهرا [كَمَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين]
والاختصار أَمر نسبي، يعْتَبر تَارَة إِضَافَته إِلَى مُتَعَارَف الأوساط وَتارَة إِلَى كَون الْمقَام خليقا بِعِبَارَة أبسط من الْعبارَة الَّتِي ذكرت؛ وَقد أَكْثرُوا من الْحَذف، فَتَارَة لحرف من الْكَلِمَة، وَتارَة للكلمة بأسرها، وَتارَة للجملة كلهَا، وَتارَة لأكْثر من ذَلِك، وَلِهَذَا تَجِد الْحَذف كثيرا عِنْد الاستطالة كحذف عَائِد الْمَوْصُول فَإِنَّهُ كثير عِنْد طول الصِّلَة
الِاخْتِلَاف: هُوَ لفظ مُشْتَرك بَين معَان، يُقَال: (هَذَا الْكَلَام مُخْتَلف) إِذا لم يشبه أَوله آخِره فِي الفصاحة أَو بعضه على أسلوب مَخْصُوص فِي الجزالة وَبَعضه على أسلوب يُخَالِفهُ وَالنّظم الْمُبين على منهاج وَاحِد فِي النّظم مُنَاسِب أَوله آخِره وعَلى دَرَجَة وَاحِدَة فِي غَايَة الفصاحة وَلذَلِك كَانَ أحسن الحَدِيث وأفصحه
{وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا}
وَمَا جَازَ من الِاخْتِلَاف فِي الْقُرْآن هُوَ اخْتِلَاف تلاؤم وَهُوَ مَا يُوَافق الْجَانِبَيْنِ، كاختلاف وُجُوه الْقُرْآن ومقادير السُّور والآيات، وَالْأَحْكَام، من(1/60)
النَّاسِخ والمنسوخ، وَالْأَمر وَالنَّهْي، والوعد والوعيد، وَمَا يمْتَنع عَلَيْهِ هُوَ مَا يَدْعُو فِيهِ أحد الشَّيْئَيْنِ إِلَى خلاف الآخر وَمَا يُوهم الِاخْتِلَاف والتناقض
وَلَيْسَ كَذَلِك كنفي الْمَسْأَلَة يَوْم الْقِيَامَة وإثباتها وكتمان الْمُشْركين حَالهم وإفشائها، وَخلق الأَرْض وَالسَّمَاء بِدَلِيل قَوْله: {الَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى قَوْله: {وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام} وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ أَيَّام التخليق ثَمَانِيَة، مَعَ أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام
وَنَظِير هَذَا حَدِيث " من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط وَمن تبعها فَلهُ قيراطان " وَالْمرَاد بهما: الأول وَآخر مَعَه، بِدَلِيل {مثنى وَثَلَاث وَربَاع}
وَنَظِير هَذَا: " من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف اللَّيْل، وَمن صلى الْفجْر بِجَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْل كُله " وَقد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي " جَامع التِّرْمِذِيّ أَيهمَا تقدم "
والإتيان بِحرف (كَانَ) الدَّالَّة على الْمُضِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ الله} مَعَ أَن الصِّيغَة لَازِمَة، وَقد أجَاب عَنهُ ابْن عَبَّاس بِأَن نفي الْمَسْأَلَة فِيمَا قبل النفخة الثَّانِيَة وإثباتها فِيمَا بعد ذَلِك والكتمان بألسنتهم فَتَنْطِق جوارحهم وَبَدَأَ خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ غير مدحوة، فخلق السَّمَاوَات فسواهن فِي يَوْمَيْنِ ثمَّ دحا الأَرْض وَجعل مَا فِيهَا فِي يَوْمَيْنِ، تِلْكَ أَرْبَعَة أَيَّام للْأَرْض، فتم خلقهَا فِي سِتَّة أَيَّام
و (كَانَ) وَإِن كَانَت للماضي، لَكِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم الِانْقِطَاع، بل المُرَاد أَنه لم يزل كَذَلِك
وَالِاخْتِلَاف فِي الْأُصُول ضلال، وَفِي الآراء والحروب حرَام وَالِاخْتِلَاف فِي الْفُرُوع هُوَ كالاختلاف فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَنَحْوهمَا؛ والاتفاق فِيهِ خير قطعا وَلَكِن هَل يُقَال إِن الِاخْتِلَاف فِيهِ ظلال؟ كالأولين فِيهِ خلاف
وَالِاخْتِلَاف: هُوَ أَن يكون الطَّرِيق مُخْتَلفا وَالْمَقْصُود وَاحِدًا
وَالْخلاف: هُوَ أَن يكون كِلَاهُمَا مُخْتَلفا
وَالِاخْتِلَاف: مَا يسْتَند إِلَى دَلِيل
وَالْخلاف: مَا لَا يسْتَند إِلَى دَلِيل وَالِاخْتِلَاف من آثَار الرَّحْمَة، كَمَا فِي الحَدِيث الْمَشْهُور وَالْمرَاد فِيهِ الِاجْتِهَاد لَا اخْتِلَاف النَّاس فِي الهمم بِدَلِيل " أمتِي "
وَالْخلاف من آثَار الْبِدْعَة [وَفسّر الشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر حَدِيث: " سَأَلت رَبِّي فِيمَا يخْتَلف فِيهِ أَصْحَابِي من بعدِي فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيّ أَن يَا مُحَمَّد إِن أَصْحَابك عِنْدِي بِمَنْزِلَة النُّجُوم بَعْضهَا أَضْوَأ من بعض فَمن أَخذ بِشَيْء مِمَّا هم عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدِي على الْهدى " رَوَاهُ سعيد بن الْمسيب عَن سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله تعلى عَنْهُمَا بِأَن من تمسك بِطَاعَة الْأُمَرَاء إِلَّا فِي الْمعْصِيَة، وباتباع الْعلمَاء إِلَّا فِي الزلة والبدعة وَلُزُوم الْجَمَاعَة وَالْجمعَات إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة، فَهُوَ فِي الْفُرُوع من أهل الْخلاف وَالرَّحْمَة، وَمن ترك شَيْئا مِنْهَا فَهُوَ من أهل الْخلاف والبدعة، فالاختلاف من آثَار الرَّحْمَة، وَالْخلاف من آثَار الْبِدْعَة] وَلَو حكم القَاضِي بِالْخِلَافِ وَرفع لغيره يجوز فَسخه، بِخِلَاف الِاخْتِلَاف، فَإِن الْخلاف هُوَ مَا وَقع فِي(1/61)
مَحل لَا يجوز فِيهِ الِاجْتِهَاد، وَهُوَ مَا كَانَ مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
الْأَخْذ: التَّنَاوُل
وَأخذ إخذهم: أَي سَار سيرتهم وتخلق بأخلاقهم
وَأخذ يعدى بِالْبَاء نَحْو: {يُؤْخَذ بالنواصي} وبنفسه نَحْو: {خُذْهَا وَلَا تخف} وَإِن كَانَ الْمَقْصُود بِالْأَخْذِ غير الشَّيْء الْمَأْخُوذ حسا فيتعدى إِلَيْهِ بِحرف وَالْفِعْل مَعَ صلته قد يكون بِمَعْنى فعل آخر مَعَ صلَة أُخْرَى ك (أَخذ بِهِ) فَإِنَّهُ بِمَعْنى (حمل عَلَيْهِ) وَعَلِيهِ: {أَخَذته الْعِزَّة بالإثم} وك (تقدم إِلَيْهِ) فَإِنَّهُ بِمَعْنى (أَمر بِهِ) ودائرة الْأَخْذ أوسع من دَائِرَة الِاشْتِقَاق، وكل مَا مادته ثلاثية فلهَا تقاليب سِتَّة، أَرْبَعَة مِنْهَا مستعملة، وَاثْنَانِ مُهْملَة مِثَاله مَادَّة الْكَلَام، فَإِن تقاليب هَذِه الْحُرُوف الثَّلَاثَة تدل على التَّأْثِير بِشدَّة: (كلم) (ملك) (لكم) (كمل) هَذَا معنى الْأَخْذ وَلَيْسَ فِيهِ اشتقاق
الِاخْتِيَار: هُوَ طلب مَا هُوَ خير وَفعله، وَقد يُقَال لما يرَاهُ الْإِنْسَان خيرا وَإِن لم يكن خيرا
وَقَالَ بَعضهم: الِاخْتِيَار: الْإِرَادَة مَعَ مُلَاحظَة مَا للطرف الآخر، كَأَن الْمُخْتَار ينظر إِلَى الطَّرفَيْنِ ويميل إِلَى أَحدهمَا والمريد ينظر إِلَى الطّرف الَّذِي يُريدهُ
وَالْمُخْتَار فِي عرف الْمُتَكَلِّمين: يُقَال لكل فعل يَفْعَله الْإِنْسَان لَا على سَبِيل الْإِكْرَاه فَقَوْلهم (هُوَ مُخْتَار فِي كَذَا) فَلَيْسَ يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرَاد بقَوْلهمْ: (فلَان لَهُ اخْتِيَار) فَإِن الِاخْتِيَار أَخذ مَا يرَاهُ خيرا
وَالْمُخْتَار: قد يُقَال للْفَاعِل وَالْمَفْعُول
وَاعْلَم أَن الْبَارِي سُبْحَانَهُ فَاعل بِالِاخْتِيَارِ عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على إِثْبَات الصِّفَات الزَّائِدَة لَهُ تَعَالَى من الْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة واشتمال أَفعاله على الحكم والمصالح لكَونهَا مبادئ الْأَفْعَال الاختيارية عَن الْفَاعِل الْمُخْتَار؛ وَلَا يلْزم قدم الْمَعْلُول من قدم الْفَاعِل الْمُخْتَار، لِأَن تعلق الْإِرَادَة بِوُجُود الْمَعْلُول عِنْد كَون الْفَاعِل مُخْتَارًا جُزْء من الْعلَّة؛ فَيجوز أَن يتَأَخَّر وجوده مَعَ تَمام استعداده فِي ذَاته، كَمَا فِي الكبريت مثلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّار، عَن وجود الْفَاعِل المستقل بالتأثير بِأَن تتَعَلَّق إِرَادَته بِوُجُودِهِ فِي وَقت معِين دون وَقت سَابق أَو لَاحق، لحكمة اقتضته، فَلَا يلْزم ذَلِك، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ مُوجبا، فَإِنَّهُ يلْزم من قدم الْفَاعِل الْمُوجب قدم الْمَعْلُول، وَإِلَّا لزم التَّخَلُّف عَن الْعلَّة التَّامَّة وَلِهَذَا ذهب الفلاسفة إِلَى قدم الأفلاك
الآخر: بِكَسْر الْخَاء مُقَابل للْأولِ وَهُوَ فِي حَقنا اسْم لفرد لَاحق لمن تقدمه وَلم يتعقبه مثله؛ يجمع على (آخَرين) بِالْكَسْرِ، وتأنيثه بِالتَّاءِ لَا غير
وَرجل آخر: مَعْنَاهُ أَشد تأخرا فِي الذّكر هَذَا أَصله ثمَّ أجري مجْرى غَيره، ومدلول الآخر فِي اللُّغَة خَاص بِجِنْس مَا تقدمه فَلَو قلت: (جَاءَنِي زيد وَآخر مَعَه) لم يكن الآخر إِلَّا من جنس مَا قلته؛ بِخِلَاف غير فَإِنَّهَا تقع على الْمُغَايرَة مُطلقًا فِي جنس أَو صفة(1/62)
وَأخر: كزفر جمع أُخْرَى ك (الْكبر) و (الْكُبْرَى) ؛ وَإِنَّمَا لم ينْصَرف لِأَنَّهُ وصف معدول عَن الآخر
وَالْقِيَاس أَن يعرف وَلم يعرف، إِلَّا أَنه فِي معنى الْمُعَرّف وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن من الْأَلْفَاظ المعدولة إِلَّا أَلْفَاظ الْعدَد (مثنى وَثَلَاث وَربَاع) وَمن غَيرهَا: {طوى} وَمن الصِّفَات: (أخر) فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأخر متشابهات} قَالَ الْكرْمَانِي: مَا فِي الْآيَة لَا يمْتَنع كَونهَا معدولة عَن الْألف وَاللَّام مَعَ كَونهَا وَصفا لنكرة، لِأَن ذَلِك مُقَدّر من وَجه وَغير مُقَدّر من وَجه
وَأُخْرَى: مؤنث آخر، الَّذِي هُوَ اسْم التَّفْضِيل يجمع على آخَرين بِالْفَتْح وَقد نظمت فِيهِ:
(مُقَابل الأول قل آخر ... كفاعل تأنيثه الْآخِرَة)
(وَآخر أفعل تأنيثه ... أُخْرَى فهاك درة فاخرة)
وَقَوْلهمْ: (جَاءَ فِي أخريات النَّاس) و (خرج فِي أوليات اللَّيْل) يعنون بهما الْأَوَاخِر والأوائل من غير نظر لِمَعْنى الصّفة
وَالْآخِرَة وَكَذَا الدُّنْيَا: مَعَ كَونهمَا من الصِّفَات الْغَالِبَة قد جرتا مجْرى الْأَسْمَاء إِذْ قل مَا يذكر مَعَهُمَا موصوفهما، كَأَنَّهُمَا ليسَا من الصِّفَات
والأخرة: كالثمرة بِمَعْنى الْأَخير (جَاءَنِي فلَان أخرة وبأخرة) و (عرفه بِأخرَة) أَي: أخيرا
وَهُوَ فِي مَوضِع الْحَال، وَحقّ الْحَال أَن تكون نكرَة و (عَن آخِرهم) فِي قَوْلهم: (اتَّفقُوا عَن آخِرهم) مُتَعَلق بِصفة مصدر مَحْذُوف أَي اتِّفَاقًا صادرا عَن آخِرهم وَهُوَ عبارَة عَن الْإِحَاطَة التَّامَّة
وَوَجهه أَن تَمام الشَّيْء وانتهاءه بِآخِرهِ، فَعبر عَن تَمَامه بِهِ فَيكون من بَاب ذكر الْجُزْء وَإِرَادَة الْكل، إِذْ آخر الشَّيْء هُوَ الْجُزْء الَّذِي يتم عِنْده الشَّيْء
الْأَخ: هُوَ كل من جمعك وإياه صلب أَو بطن، ويستعار لكل مشارك لغيره فِي الْقَبِيلَة أَو فِي الدّين أَو فِي الصَّنْعَة أَو فِي مُعَاملَة أَو فِي مَوَدَّة أَو فِي غير ذَلِك من المناسبات
وَالْأُخْت: كالأخ و {يَا أُخْت هَارُون} يَعْنِي أُخْته فِي الصّلاح لَا فِي النّسَب، وَالتَّاء لَيست للتأنيث
وَالإِخْوَة: تسْتَعْمل فِي النّسَب والمشابهة والمشاركة فِي شَيْء، وتتناول الْمُخْتَلط من الذُّكُور وَالْإِنَاث، لِأَن الْجمع الْمُذكر يتَنَاوَل الذُّكُور وَالْإِنَاث تَغْلِيبًا، كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء} قيل: الْإِخْوَة جمع الْأَخ من النّسَب والإخوان جمع أَخ من الصداقة
وَلم يعن النّسَب فِي: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة} وَأما {أَو بيُوت إخْوَانكُمْ} فَفِي النّسَب
وَالإِخْوَة: إِذا كَانُوا من أَب وَاحِد وَمن أم وَاحِدَة، يُقَال: بَنو أَعْيَان؛ وَإِذا كَانُوا من رجال شَتَّى يُقَال: بَنو أخياف؛ وَإِذا كَانُوا من نسَاء شَتَّى يُقَال: بَنو علات
واستعارة الْأُخْت للمثل اسْتِعَارَة غَرِيبَة غير مصنوعة للنحاة(1/63)
{كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا} : أَي مثلهَا {وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر من أُخْتهَا} أَي: من الْآيَة الَّتِي تقدمتها سَمَّاهَا أُخْتا لاشْتِرَاكهمَا فِي الصِّحَّة والإبانة والصدق
الْإِخْبَار: هُوَ تكلم بِكَلَام يُسمى خَبرا، وَالْخَبَر: اسْم لكَلَام دَال على أَمر كَائِن أَو سَيكون
والإخبار كَمَا يتَحَقَّق بِاللِّسَانِ يتَحَقَّق بِالْكِتَابَةِ والرسالة لِأَن الْكتاب من الْغَائِب كالخطاب، ولسان الرَّسُول كلسان الْمُرْسل وَصَحَّ أَن يُقَال: (أخبر الله بِكَذَا) وَإِن كَانَ ذَلِك بِالْكتاب، لكِنهمْ فرقوا بَين كتاب القَاضِي وَبَين رَسُوله من حَيْثُ أَن القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ يعْمل بِالْكتاب وَلَا يعْمل برسالة الرَّسُول، وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة الْخطاب مشافهة، لِأَن الْكِتَابَة فِي مجْلِس حكمه فإخباره فِي مجْلِس ولَايَته يقوم مقَام شَاهِدين، لِأَنَّهُ نَائِب رَسُول الله وَقَول المنوب عَنهُ حجَّة على الِانْفِرَاد، فَكَذَا قَول نَائِبه، وَأما أَدَاء الرسَالَة من الرَّسُول فقد وجد فِي غير مَحل ولَايَة الْمُرْسل فَيكون قَوْله شَهَادَة وَلَو ذهب بِنَفسِهِ إِلَى بلد القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ فَلَا تقبل مَا لم يَنْضَم إِلَيْهِ شَاهد آخر، إِلَّا أَن يكون الذَّاهِب الْمخبر قَاضِي الْقُضَاة لِأَن إخْبَاره حجَّة ككتابه
والإظهار والإفشاء والإعلام: يكون بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَة وَالْكَلَام
وَالْإِخْلَاص: هُوَ الْقَصْد بِالْعبَادَة إِلَى أَن يعبد المعبود بهَا وَحده وَقيل: تصفية السِّرّ وَالْقَوْل وَالْعَمَل؛ و {إِنَّه كَانَ مخلصا} بِفَتْح اللَّام أَي: اجتباه الله واستخلصه وبالكسر: أَي أخْلص لله فِي التَّوْحِيد وَالْعِبَادَة
وَمَتى ورد الْقُرْآن بقراءتين فَكل مِنْهُمَا ثَابت مَقْطُوع بِهِ
الاختفاء: الاستخراج وَمِنْه قيل للنباش مختف واستخفيت من فلَان: استترت مِنْهُ
وأخفيت الشَّيْء: كتمته وأظهرته جَمِيعًا
وَبلا ألف: أظهرته الْبَتَّةَ وَقد نظمت فِيهِ:
(إِذا أخفيت شَيْئا فِيهِ ... كتمان وَإِظْهَار)
(وَإِن أخفيت ألفا لَيْسَ ... فِيهِ غير إِظْهَار)
{أكاد أخفيها} بِالضَّمِّ: أكتمها وبالفتح: أظهرها
والخفاء: اسْم مصدر ل (أخفيته) لَا مصدر ل (خفيته)
الاختيان: هُوَ أبلغ من الْخِيَانَة، لتَضَمّنه الْقَصْد وَالزِّيَادَة
الإخراب: التعطيل أَو ترك الشَّيْء خرابا
والتخريب: الْهدم
الاختلاج: هُوَ حَرَكَة الْعين أَو عُضْو آخر بِسَبَب ريح خالط أجزاءها
أخلف الله عَلَيْك هَذَا: يُقَال لمن مَاتَ لَهُ ابْن أَو ذهب لَو شَيْء يعتاض مِنْهُ وَأما لَو مَاتَ أَبوهُ أَو أَخُوهُ أَو ذهب لَهُ من لَا يستعيض مِنْهُ يُقَال لَهُ: خلف الله عَلَيْك أَي: كَانَ الله خَليفَة عَلَيْك من مصائبك(1/64)
قَوْله تَعَالَى: {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} تعاقبهما وانتقاص أَحدهمَا وازدياد الآخر
و {أخبتوا إِلَى رَبهم} : اطمأنوا إِلَيْهِ وخشعوا {أخزيته} : أهلكته [وَالْآيَة خَاصَّة لمن لَا يخرج من النَّار؛ فَمَعْنَى تدخل على الْقلب وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه} ]
{اخسؤوا} : اسْكُتُوا سكُوت الهوان
{الْأُخْدُود} : شقّ فِي الأَرْض
{أخدان} : أخلاء فِي السِّرّ
{أخلد إِلَى الأَرْض} : مَال إِلَى الدُّنْيَا أَو إِلَى السفالة
{اخْتِلَاق} : كذب، وكل مَوضِع اسْتعْمل فِيهِ الْخلق فِي وصف الْكَلَام فَالْمُرَاد بِهِ الْكَذِب، وَمن هَذَا الْوَجْه امْتنع كثير من النَّاس عَن إِطْلَاق لفظ الْخلق على الْقُرْآن
{لَوْلَا أخرتني} : أمهلتني
{واخفض جناحك} : لين جَانِبك وتواضع لَهُم وارفق بهم
{وَأَنا اخْتَرْتُك} : أَنا اصطفيتك للنبوة
{أخرج ضحاها} : أبرز ضوء شمسها
[ {أَخَذته الْعِزَّة بالإثم} : حَملته الْجَاهِلِيَّة على الْإِثْم الَّذِي يُؤمر باتقائه {بنعمته إخْوَانًا} : متحابين مُجْتَمعين على الْأُخوة فِي الله]
(فصل الْألف وَالدَّال)
[الإدلاء] : كل إِلْقَاء قَول أَو فعل فَهُوَ إدلاء يُقَال للمحتج: (أدلى بحجته) كَأَنَّهُ يرسلها ليصل إِلَى مُرَاده إدلاء المستسقي الدَّلْو
وأدليت الدَّلْو: أرسلتها فِي الْبِئْر
ودلوتها: أخرجتها
[الْأَدَب] : كل رياضة محمودة يتَخَرَّج بهَا الْإِنْسَان فِي فَضِيلَة من الْفَضَائِل فَإِنَّهَا يَقع عَلَيْهَا الْأَدَب
[الْإِدْغَام] : كل حرفين التقيا وأولهما سَاكن وَكَانَا مثلين أَو جِنْسَيْنِ وَجب إدغام الأول مِنْهُمَا لُغَة وَقِرَاءَة
كل إدغام مضاعف: ك (مد) وكل مضاعف لَيْسَ بإدغام ك (مددت)
كل مَا جَاءَ من الْأَفْعَال المضاعفة على وزن فعل وأفعل وفاعل وافتعل وتفاعل واستفعل فالإدغام فِيهِ لَازم إِلَّا أَن يتَّصل بِهِ ضمير الْمَرْفُوع، أَو يُؤمر فِيهِ جمَاعَة الْمُؤَنَّث فَيلْزم حِينَئِذٍ فك الْإِدْغَام وَقد جوز الْإِدْغَام والإظهار فِي الْأَمر الْوَاحِد ك (رد) و (ارْدُدْ) ؛ وَكَذَلِكَ فِي المجزوم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {من يرْتَد مِنْكُم} (وَمن يرتدد(1/65)
مِنْكُم} {وَمن يشاق الله} {وَمن يُشَاقق الله} وَفِيمَا عدا هَذِه المواطن الْمَذْكُورَة لَا يجوز إبراز التَّضْعِيف إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر؛ وحروف ضم شفوي يدغم فِيهَا مَا يجاورها دون الْعَكْس
الْأَدَاء: هُوَ فِي عرف أهل الشَّرْع عبارَة عَن تَسْلِيم عين الْوَاجِب فِي الْوَقْت
وَالْقَضَاء: عبارَة عَن تَسْلِيم مثل الْوَاجِب فِي غير وقته، كالحائض، نظر فَخر فَخر الْإِسْلَام إِلَى مَعْنَاهُمَا اللّغَوِيّ وَوجد معنى الْقَضَاء شَامِلًا لتسليم الْعين والمثل فَجعله حَقِيقَة فيهمَا، وَوجد معنى الْأَدَاء خَاصّا فِي تَسْلِيم الْعين فَجعله مجَازًا فِي غَيره
وَنظر شمس الْأَئِمَّة إِلَى الْعرف وَالشَّرْع وَوجد كل وَاحِد مِنْهُمَا خَاصّا بِمَعْنى فَجعلَا مجَازًا فِي غير مَا اخْتصَّ كل وَاحِد بِهِ؛ ثمَّ الْمُؤَدى بعد فَوَاته عَن الْوَقْت الْمعِين يكون قَضَاء عندنَا، سَوَاء كَانَ الْوَاجِب ثَابتا فِي الْوَقْت أَو لم يكن وَقَالَ أَصْحَاب الحَدِيث: إِن كَانَ وَاجِبا فِي الْوَقْت يكون أَدَاء حَقِيقَة؛ وَهُوَ فرض ثَان، وَإِنَّمَا سمي قَضَاء مجَازًا
الْإِدْرَاك: هُوَ عبارَة عَن الْوُصُول واللحوق يُقَال: أدْركْت الثَّمَرَة: إِذا بلغت النضج وَقَالَ أَصْحَاب مُوسَى: {إِنَّا لمدركون} : أَي ملحقون وَمن رأى شَيْئا وَرَأى جوانبه ونهاياته قيل إِنَّه أدْرك بِمَعْنى أَنه رأى وأحاط بِجَمِيعِ جوانبه وَيصِح: (رَأَيْت الحبيب وَمَا أدْركهُ بَصرِي) وَلَا يَصح: (أدْركهُ بَصرِي وَمَا رَأَيْته) فَيكون الْإِدْرَاك أخص من الرُّؤْيَة
والإدراك: تمثل حَقِيقَة الشَّيْء عِنْد الْمدْرك يشاهدها مَا بِهِ يدْرك، وَإِدْرَاك الجزئي على وَجه جزئي ظَاهر؛ وَإِدْرَاك الجزئي على وَجه كلي هُوَ إِدْرَاك كُلية الَّذِي ينْحَصر فِي ذَلِك الجزئي والإدراك وَمُطلق التَّصَوُّر وَاحِد
وَاعْلَم أَن الْإِدْرَاك هُوَ عبارَة عَن كَمَال يحصل بِهِ مزِيد كشف على مَا يحصل فِي النَّفس من الشَّيْء الْمَعْلُوم من جِهَة التعقل بالبرهان أَو الْخَبَر وَهَذَا الْكَمَال الزَّائِد على مَا حصل فِي النَّفس بِكُل وَاحِدَة من الْحَواس هُوَ الْمُسَمّى إدراكا ثمَّ هَذِه الإدراكات لَيست بِخُرُوج شَيْء من الْآلَة الداركة إِلَى الشَّيْء الْمدْرك وَلَا بانطباع صُورَة الْمدْرك فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ معنى يخلقه الله تَعَالَى فِي تِلْكَ الحاسة، فَلَا محَالة أَن الْعقل يجوز أَن يخلق الله فِي الحاسة المبصرة، بل وَفِي غَيرهَا زِيَادَة كشف بِذَاتِهِ وبصفاته على مَا حصل مِنْهُ بِالْعلمِ الْقَائِم فِي النَّفس، من غير أَن يُوجب حدوثا وَلَا نقصا فعلى هَذَا لَا يستبعد أَن يتَعَلَّق الْإِدْرَاك بِمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ الإدراكات فِي مجاري الْعَادَات؛ فَأَيْنَ استدعاء الرُّؤْيَة على فَاسد أصُول المنكرين الْمُقَابلَة المستدعية للجهة الْمُوجبَة كَونه جوهرا أَو عرضا
وَقد تبين أَن الْإِدْرَاك نوع من الْعُلُوم بِخلق الله تَعَالَى، وَالْعلم لَا يُوجب فِي تعلقه بالمدرك مُقَابلَة وجهة؛ وَقد وَردت الْأَخْبَار وتواترت الْآثَار من أَن مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يرى جِبْرِيل وَيسمع كَلَامه عِنْد نُزُوله عَلَيْهِ، وَمن هُوَ حَاضر فِي مَجْلِسه لَا يدْرك شَيْئا من ذَلِك، مَعَ سَلامَة آلَة الْإِدْرَاك
وَاعْلَم أَن أول مَرَاتِب وُصُول الْعلم إِلَى النَّفس(1/66)
الشُّعُور، ثمَّ الْإِدْرَاك، ثمَّ الْحِفْظ: وَهُوَ استحكام الْمَعْقُول فِي الْعقل، ثمَّ التَّذَكُّر: وَهُوَ محاولة النَّفس استرجاع مَا زَالَ من المعلومات، ثمَّ الذّكر: وَهُوَ رُجُوع الصُّورَة الْمَطْلُوبَة إِلَى الذِّهْن، ثمَّ الْفَهم: وَهُوَ التَّعَلُّق غَالِبا بِلَفْظ من مخاطبك، ثمَّ الْفِقْه: وَهُوَ الْعلم بغرض الْمُخَاطب من خطابه، ثمَّ الدِّرَايَة: وَهُوَ الْمعرفَة الْحَاصِلَة بعد تردد مُقَدمَات، ثمَّ الْيَقِين: وَهُوَ أَن تعلم الشَّيْء وَلَا تتخيل خِلَافه، ثمَّ الذِّهْن: وَهُوَ قُوَّة استعدادها لكسب الْعُلُوم غير الْحَاصِلَة، ثمَّ الْفِكر: وَهُوَ الِانْتِقَال من المطالب إِلَى المبادئ ورجوعها من المبادئ إِلَى المطالب، ثمَّ الحدس: وَهُوَ الَّذِي يتَمَيَّز بِهِ عمل الْفِكر، ثمَّ الذكاء: وَهُوَ قُوَّة الحدس، ثمَّ الفطنة: وَهِي التنبه للشَّيْء الَّذِي يقْصد مَعْرفَته، ثمَّ الْكيس: وَهُوَ استنباط الأنفع، ثمَّ الرَّأْي: وَهُوَ استحضار الْمُقدمَات وإجالة الخاطر فِيهَا، ثمَّ التبين: وَهُوَ علم يحصل بعد الالتباسس، ثمَّ الاستبصار: وَهُوَ الْعلم بعد التَّأَمُّل، ثمَّ الْإِحَاطَة: وَهِي الْعلم بالشَّيْء من جَمِيع وجوهه، ثمَّ الظَّن: وَهُوَ أَخذ طرفِي الشَّك بِصفة الرجحان، ثمَّ الْعقل: وَهُوَ جَوْهَر تدْرك بِهِ الغائبات بالوسائط والمحسوسات بِالْمُشَاهَدَةِ
والمدرك إِن كَانَ مُجَردا عَن الْمَادَّة كإمكان زيد فإدراكه تعقل أَيْضا، وحافظه مَا ذكر أَيْضا
وَإِن كَانَ ماديا: فإمَّا أَن يكون صُورَة وَهِي مَا يدْرك بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الظَّاهِرَة، فَإِن كَانَ مَشْرُوطًا بِحُضُور الْمَادَّة فإدراكه تخيل وحافظها الخيال
وَإِمَّا أَن يكون معنى وَهُوَ مَا لَا يدْرك بِإِحْدَى الْحَواس الظَّاهِرَة، فإدراكه توهم وحافظها الذاكرة، كإدراك صداقة زيد وعداوة عَمْرو، وَإِدْرَاك الْغنم عَدَاوَة الذِّئْب، وَلَا بُد من قُوَّة أُخْرَى متصرفة تسمى مفكرة ومتخيلة
الإدماج: هُوَ فِي البديع أَن يدمج الْمُتَكَلّم غَرضا فِي غَرَض، أَو بديعا فِي بديع، بِحَيْثُ لَا يظْهر فِي الْكَلَام إِلَّا أَحدهمَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَهُ الْحَمد فِي الأولى وَالْآخِرَة} فَإِن الْغَرَض تفرده سُبْحَانَهُ بِوَصْف الْحَمد، فأدمج فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى الْبَعْث وَالْجَزَاء
وَهُوَ أَعم من الاستتباع: لشُمُوله الْمَدْح وَغَيره، والاستتباع: يخْتَص بالمدح
الإدلاج: بِالتَّخْفِيفِ سير أول اللَّيْل و [الادلاج] : بِالتَّشْدِيدِ سير آخر اللَّيْل
الادعاء: هُوَ مصدر ادّعى افتعال من دَعَا
وَادّعى كَذَا: زعم لَهُ حَقًا وباطلا
وَالدَّعْوَى: على وزن (فعلى) اسْم مِنْهُ وألفها للتأنيث فَلَا تنون؛ يُقَال: (دَعْوَى بَاطِلَة أَو صَحِيحه) وَالْجمع بِفَتْح الْوَاو لَا غير، ك (فَتْوَى) و (فَتَاوَى) وَمَا يدعى: هُوَ الْمُدعى بِهِ، وَالْمُدَّعِي خطأ
وَالدَّعْوَى: فِي الفغة قَول يقْصد بِهِ إِيجَاب حق على غَيره، وَفِي عرف الْفُقَهَاء: مُطَالبَة حق فِي مجْلِس من لَهُ الْخَلَاص عِنْد ثُبُوته؛ وسببها تعلق الْبَقَاء الْمُقدر بتعاطي الْمُعَامَلَات، وَشَرطهَا حُضُور الْخصم ومعلومية الْمُدَّعِي وَكَونه ملزما على(1/67)
الْخصم، وَحكم الصِّحَّة مِنْهَا وجوب الْجَواب على الْخصم بِالنَّفْيِ أَو الْإِثْبَات؛ وشرعيتها لَيست لذاتها بل لانقطاعها دفعا للْفَسَاد المظنون ببقائها
الْأَدَب: هُوَ علم يحْتَرز بِهِ عَن الْخلَل فِي كَلَام الْعَرَب لفظا أَو كِتَابَة، أُصُوله: اللُّغَة، وَالصرْف، والاشتقاق، والنحو، والمعاني، وَالْبَيَان، وَالْعرُوض، والقافية. وفروعه: الْخط، وقرض الشّعْر، والإنشاء، والمحاضرات وَمِنْهَا التواريخ، والبديع ذيل للمعاني وَالْبَيَان
الأد: بِالْفَتْح وَالْكَسْر هُوَ الْعَظِيم الْمُنكر
والإدة: الشدَّة
وأدني وآدني: أثقلني وَعظم عَليّ
الأدمة: هِيَ بَاطِن الْجلد والبشرة ظَاهره
والآدمي: مَنْسُوب إِلَى آدم النَّبِي بِأَن يكون من أَوْلَاده وَلَو كَانَ كَافِرًا
الإدام: هُوَ مَا يؤتدم بِهِ مَائِعا كَانَ أَو جَامِدا، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يطيب الْخبز ويصلحه ويلتذ بِهِ الْآكِل ومدار التَّرْكِيب على الْمُوَافقَة والملاءمة
والصبغ: مُخْتَصّ بالمائع وَهُوَ مَا يغمس فِيهِ الْخبز ويلون
إِدْرِيس: هُوَ نَبِي، وَلَيْسَ من الدراسة لِأَنَّهُ أعجمي، واسْمه خنوخ قَالَ الْقُرْطُبِيّ: " إِدْرِيس بعد نوح على الصَّحِيح، أعطي النُّبُوَّة والرسالة فَلَمَّا رأى الله من أهل الأَرْض مَا رأى من جَوْرهمْ واعتدائهم فِي أَمر الله تَعَالَى رَفعه إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة "
رُوِيَ أَنه لم ينم وَلم يَأْكُل وَلم يشرب سِتّ عشرَة سنة، وَهُوَ أول من خطّ بالقلم [نوع قَوْله تَعَالَى] {أَو أدنى} : أَي أقرب منزلَة وأدون قدرا
{فادارأتم} : اختصمتم
{وَلَا أدراكم} : لَا أعلمكُم
{ادارك علمهمْ} : غَابَ علمهمْ
{أدنى الأَرْض} : طرف الشَّام
{فأدلى دلوه} : فأرسلها
{ادْعُونِي} : وحدوني
{فَادع لنا} : سل لنا بدعائك]
{وإدبار النُّجُوم} : وَإِذا أَدْبَرت النُّجُوم من آخر اللَّيْل
{وأدبار السُّجُود} : أعقاب الصَّلَاة
آدم: النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سمي بِهِ لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض قَالَ بَعضهم: هُوَ التُّرَاب بالعبرانية وَقَالَ بَعضهم: أعجمي مُعرب وَمَعْنَاهُ بالسُّرْيَانيَّة: السَّاكِن قَالَ بَعضهم: أَصله بهمزتين على (أفعل) ، لين الثَّانِيَة؛ وَإِذا احْتِيجَ إِلَى تحريكها جعلت واوا، فَيُقَال فِي الْجمع أوادم
وَأقرب أمره أَن يكون على فَاعل لاتفاقهم على أَنه(1/68)
لَو جمع ف (أوادم) بِالْوَاو، وَاعْتذر من قَالَ على (أفعل) بِأَنَّهُ لما لم يكن للهمزة أصل فِي الْيَاء مَعْرُوف جعلت الْغَالِب عَلَيْهَا الْوَاو
وَأما الآدم: من الْإِنْسَان لِمَعْنى الأسمر ف (أفعل) جمعه (أدمان)
وَكَونه اسْما أعجميا يمنعهُ كَون الِاشْتِقَاق من خَصَائِص اللَّفْظ الْعَرَبِيّ وَقيل: الْحق صِحَة الِاشْتِقَاق فِي الْأَلْفَاظ العجمية أَيْضا وَالْقَوْل بالاشتقاق قبل وجود الْعَرَب والعجم إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار مَا يحدث
(فصل الْألف والذال)
كل مَا ورد فِي الْقُرْآن: وَإِذ، ف (اذكر) : فِيهِ مُضْمر أَي: اذكر لَهُم أَو فِي نَفسك كَيْفَمَا يَقْتَضِيهِ صدر الْكَلَام و [إِذْ مَنْصُوب بِهِ، وَعَلِيهِ اتِّفَاق أهل التَّفْسِير، مَعَ أَن القَوْل وَاقع فِيهِ، وَلم يَجْعَلُوهُ ظرفا لَهُ بل مَفْعُولا بِهِ على سَبِيل التَّجَوُّز، مَعَ أَنه لَازم الظَّرْفِيَّة فعدلوا عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز لعدم إِمْكَان اعْتِبَار مظروفية الْمُضَاف إِلَيْهِ]
إِذْ: هَل هُوَ ظرف زمَان أَو مَكَان أَو حرف بِمَعْنى المفاجأة، أَو حرف مُؤَكد أَي زَائِد؟ فِيهِ أَقْوَال
وَالْحق ان إِذْ وَكَذَا إِذا كِلَاهُمَا من الْأَسْمَاء اللَّازِمَة الظَّرْفِيَّة؛ بِمَعْنى أَنَّهُمَا يكونَانِ فِي أَكثر الْمَوَاضِع مَفْعُولا فِيهِ؛ وَأما كَونهمَا مَفْعُولا بِهِ وبدلا وخبرا لمبتدأ فقليل لَكِن الْفرق بَينهمَا ان إِذْ ظرف وضع لزمان نِسْبَة مَا ضية وَقع فِيهِ أُخْرَى، وَإِذا: ظرف وضع لزمان نِسْبَة مُسْتَقْبلَة يَقع فِيهِ أُخْرَى؛ وَلذَلِك تجب إضافتهما إِلَى الْجمل، ك (حَيْثُ) فِي الْمَكَان، وبنيا تَشْبِيها بالموصولات، واستعملتا للتَّعْلِيل والمجازاة؛ ومحلهما النصب أبدا على الظَّرْفِيَّة، فَإِنَّهُمَا من الظروف غير المتصرفة لبنائهما؛ وَقد تسْتَعْمل إِذا للماضي نَحْو: {إِذا بلغ بَين السدين} {إِذا سَاوَى بَين الصدفين}
والاستمرار فِي الْمَاضِي دون الشَّرْط نَحْو: {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا}
وتستعمل للشّرط من غير سُقُوط الْوَقْت ك (مَتى) و (حَيْثُمَا) وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين
وَاسْتدلَّ لإِفَادَة الْوَقْت الْخَاص فِي أَمر مترقب، أَي منتظر لَا محَالة بقوله تَعَالَى {إِذا الشَّمْس كورت}
ولإفادة الْوَقْت فِي أَمر كَائِن فِي الْحَال بقول الْقَائِل:
(وَإِذا تكون كريهة أدعى لَهَا ... وَإِذا يحاس الحيس يدعى جُنْدُب)
هَذَا عِنْد الْإِمَامَيْنِ؛ وَأما عِنْد أبي حنيفَة ف (إِذا) مُشْتَرك بَين الظّرْف وَالشّرط، يسْتَعْمل فيهمَا، وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين؛ وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقول الشَّاعِر فِي نصيحة ابْنه:
(واستغن مَا أَغْنَاك رَبك بالغنى ... وَإِذا تصبك خصَاصَة فتجمل)
وَوجه ذَلِك ان إِصَابَة الْخَصَاصَة من الْأُمُور المترددة، وَهِي لَيست مَوضِع (إِذا) فَكَانَت بِمَعْنى (إِن) ؛ وَلم يسْتَدلّ على جَانب الظَّرْفِيَّة اكْتِفَاء بدليلهما(1/69)
[قَالَ الْمبرد: " وَإِذا جَاءَ (إِذْ) مَعَ الْمُسْتَقْبل كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذ يمكر بك} (وَإِذ مكروا) وَإِذا جَاءَ (إِذا) مَعَ الْمَاضِي كَانَ مَعْنَاهُ مُسْتَقْبلا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} و {إِذا جَاءَ نصر الله} ]
وَقد يَجِيء (إِذا) و (إِذا) لمحض الِاسْم، يَعْنِي أَنَّهُمَا يستعملان من غير أَن يكون فيهمَا معنى الظّرْف أَو الشَّرْط، نَحْو: (إِذا يقوم زيد) أَي: وَقت قِيَامه
و (إِذْ) يدل على وَقت مَاض ظرفا نَحْو: (جئْتُك إِذْ طلع الْفجْر)
ومفعولا بِهِ نَحْو: {واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا} وَكَذَا الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل الْقَصَص، كلهَا مفعول بِهِ بِتَقْدِير (اذكر)
وبدلا نَحْو: {وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم إِذْ انتبذت}
ومضافا إِلَيْهَا اسْم زمَان صَالح للحذف نَحْو: {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} وَهِي من إِضَافَة الْأَعَمّ إِلَى الْأَخَص، أَو غير صَالح لَهُ نَحْو {بعد إِذْ هديتنا}
وللتعليل نَحْو: {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم}
و (إِذْ) فِي قَوْله تَعَالَى: {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم} للماضي على تَنْزِيل الْمُسْتَقْبل الْوَاجِب الْوُقُوع منزلَة مَا قد وَقع
وَترد للمفاجأة بعد (بَينا) و (بَيْنَمَا) وتلزمها الْإِضَافَة إِلَى جملَة إِمَّا اسمية أَو فعلية فعلهَا مَاض لفظا وَمعنى، أَو معنى لَا لظفا وَقد اجْتمعت الثَّلَاثَة فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه}
وَإِذا للأمور الْوَاجِبَة الْوُجُود وَمَا جرى ذَلِك المجرى مِمَّا علم انه كَائِن
وَمَتى: لما لم يتَرَجَّح بَين أَن يكون وَبَين أَن لَا يكون تَقول: (إِذا طلعت الشَّمْس خرجت) وَلَا يَصح فِيهِ مَتى وَتقول: (مَتى تخرج اخْرُج) لمن لم يتَيَقَّن بِأَنَّهُ خَارج
[وَفِي إِذا الْمُسْتَعْمل لمُجَرّد الظّرْف لَا بُد أَن يكون الْفِعْل فِي الْوَقْت الْمَذْكُور مُتَّصِلا بِهِ مثل: {وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى} ]
وَفِي إِذا الشّرطِيَّة لَا يلْزم ذَلِك، فَإنَّك إِذا قلت: (إِذا علمتني تثاب) يكون الثَّوَاب بعده زَمَانا؛ لَكِن اسْتِحْقَاقه يثبت فِي ذَلِك الْوَقْت مُتَّصِلا بِهِ؛ وَلَو قَالَ: (أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار [أَو إِذا دخلت الدَّار] لم تطلق حَتَّى تدخل، فقد اسْتَوَت (إِن) و (إِذا) فِي هَذَا الْموضع وَلَو قَالَ: (إِذا لم(1/70)
أطلقك) أَو (مَتى لم أطلقك فَأَنت طَالِق) وَقع على الْفَوْر بِمُضِيِّ زمَان يُمكن أَن يُطلق فِيهِ وَلم يُطلق
وَلَو قَالَ: (إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق) كَانَ على التَّرَاخِي، فيمتد إِلَى حِين موت أَحدهمَا
[وَاعْلَم أَن كلمة (إِذا) عِنْد نَحْويي الْكُوفَة مُشْتَرك بَين الْوَقْت وَالشّرط، وَإِذا اسْتعْملت للشّرط لم يبْق فِيهَا معنى الْوَقْت أصلا وَيصير بِمَعْنى (إِن) وَهُوَ قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله؛ وَعند الْبَصرِيين أَنَّهَا مَوْضُوعَة للْوَقْت وتستعمل فِي الشَّرْط مجَازًا من غير سُقُوط معنى الْوَقْت عَنْهَا مثل (مَتى) فَإِنَّهَا للْوَقْت لَا يسْقط ذَلِك عَنْهَا بِحَال وَهَذَا قَول صَاحِبيهِ رَحِمهم الله]
وَإِذا: بِالنّظرِ إِلَى كَونهَا شرطا تدخل على الْمَشْكُوك وبالنظر إِلَى كَونهَا ظرفا تدخل على الْمُتَّقِينَ كَسَائِر الظروف
وَإِذا: غير جازم فِي الْجَازِم، وَإِن: جازم فِي غير الْجَازِم وَقد نظمت فِيهِ:
(ووعدتني فخلفته ... وَشَكَكْت فِيهِ جزمته)
(بإذا كَأَنَّك عَالم ... وبإن كَأَنِّي جازم)
وَإِذا: المفاجأة تخْتَص بالجمل الإسمية وَلَا تحْتَاج لجواب، وَلَا تقع فِي الِابْتِدَاء وَمَعْنَاهَا الْحَال لَا الِاسْتِقْبَال نَحْو: (خرجت فَإِذا زيد وَاقِف) وَهل الْفَاء الدَّاخِلَة فِيهَا زَائِدَة لَازِمَة أَو عاطفة لجملة المفاجأة على مَا قبلهَا أَو للسَّبَبِيَّة الْمَحْضَة كفاء الْجَواب؟ فِيهِ أَقْوَال
إِذن: حرف جَزَاء ومكافأة، وفيهَا اتساعات انْفَرَدت بهَا دون غَيرهَا من نواصب الْأَفْعَال
الأول: أَن تدل على انشاء السَّبَبِيَّة وَالشّرط بِحَيْثُ لَا يفهم الارتباط من غَيرهَا نَحْو: (أزورك) فَتَقول: (إِذن أكرمك) وَهِي حِينَئِذٍ عاملة تدخل على الْجُمْلَة الفعلية فتنصب الْمُضَارع الْمُسْتَقْبل الْمُتَّصِل إِذا صدرت
وَالثَّانِي: أَن تكون مُؤَكدَة بِجَوَاب ارْتبط بِمقدم أَو منبهة على سَبَب حصل فِي الْحَال، فَهِيَ حِينَئِذٍ غير عاملة، لِأَن المؤكدات لَا يعْتَمد عَلَيْهَا وَالْعَامِل يعْتَمد عَلَيْهِ
قَالَ سبويه: إِذن للجواب وَالْجَزَاء مَعًا، قيل دَائِما وَقيل غَالِبا، وَمعنى ذَلِك أَنه يَقْتَضِي جَوَابا أَو تَقْدِير جَوَاب، ويتضمن مَا يَصْحَبهُ من الْكَلَام جَزَاء
وَمَتى صدر بِهِ الْكَلَام وَتعقبه فعل مضارع جَازَ رَفعه ونصبه، وَمَتى تَأَخّر عَن الْفِعْل أَو لم يكن مَعَه الْفِعْل الْمُضَارع لم يعْمل
وَإِذا وَقع بعد الْوَاو وَالْفَاء لَا لتشريك مُفْرد جَازَ فِيهِ الإلغاء والإعمال
وَاخْتلف فِي الْوَقْف على إِذن: قيل يكْتب بِالْألف إشعارا بِصُورَة الْوَقْف عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يُوقف عَلَيْهَا إِلَّا بِالْألف، وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين، وَقيل بالنُّون، وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين اعْتِبَارا بِاللَّفْظِ لِأَنَّهَا عوض عَن لفظ أُصَلِّي فَإِنَّهُ يُقَال (أقوم) فَتَقول: (إِذن أكرمك) ، فالنون عوض عَن مَحْذُوف، وَالْأَصْل: (إِذا تقوم أكرمك) أَو للْفرق بَينهمَا وَبَين إِذا فِي الصُّورَة
وَقَالَ بَعضهم: إِذن إِن أعملت كتبت بالنُّون وَإِن أهملت كتبت بِالْألف(1/71)
إِذا مَا: فِيهِ إِيهَام فِي الِاسْتِقْبَال لَيْسَ فِي (إِذا) بِمَعْنى أَنَّك إِذا قلت: (آتِيك إِذا طلع الشَّمْس) فَإِنَّهُ رُبمَا يكون لطلوع الْغَد حَتَّى يسْتَحق العتاب بترك الْإِتْيَان فِي الْغَد، بِخِلَاف (إِذا مَا طلعت) فَإِنَّهُ يخص ذَلِك وَلَا يسْتَحق العتاب وَأَيْضًا: إِذا مَا: يكون جَازِمًا فِي السعَة مثل: (إِذا مَا تخرج أخرج) بِخِلَاف (إِذا) فَإِنَّهُ لَا يجْزم إِلَّا فِي الضَّرُورَة
والجزم فِي (إِذا مَا) من (مَا) لِأَن (إِذا) إِذا كَانَ اسْما يُضَاف إِلَى الْجمل غير عَامل فَجعلت (مَا) حرفا من حُرُوف المجازاة عَاملا كمتى، فسميت هَذِه ال (مَا) مسلطة لتسليطها على الْجَزْم وَقد نظمت فِيهِ:
(إِذا جعلت مَا حرفا فسلطت ... على الْجَزْم لولاها لما كَانَ عَاملا)
إِذْ مَا: هِيَ عِنْد النَّحْوِيين مسلوب الدّلَالَة على مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ، مَنْقُول إِلَى الدّلَالَة على الشَّرْط فِي الْمُسْتَقْبل، وَلم تقع فِي الْقُرْآن كمذ ومنذ
الْإِذْن: أذن بالشَّيْء، كسمع: علم بِهِ، وَفعله باذني: بعلمي
وَأذن لَهُ فِي الشَّيْء إِذْنا وأذينا: أَبَاحَهُ بِهِ لَهُ
وَأذنه الْأَمر وَبِه: أعلمهُ
وَأذن إِلَيْهِ وَله: اسْتمع معجبا أَو علم
وَأذنه تأذينا: أَكثر من الْإِعْلَام
وَالْأَذَان: الْإِعْلَام مُطلقًا قَالَ الله تَعَالَى: {وأذان من الله وَرَسُوله} وَفِي الشَّرْع: الْإِعْلَام على وَجه مَخْصُوص {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله} : أَي بإرادته وَأمره أَو بِعِلْمِهِ؛ لَكِن الْإِذْن أخص من الْعلم وَلَا يكَاد يسْتَعْمل إِلَّا فِيمَا فِيهِ مَشِيئَة مَا ضامه الْأَمر أَو لم يضمه {وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله} : فِيهِ مَشِيئَة من وَجه، إِذْ لَا خلاف أَن الله تَعَالَى أوجد فِي الْإِنْسَان قُوَّة بهَا إِمْكَان قبُول الضَّرَر من جِهَة من يظلم فيضره، وَلم يَجعله كالحجر الَّذِي لَا يوجعه الضَّرْب؛ فَمن هَذَا الْوَجْه يَصح أَن يُقَال: بِإِذن الله ومشيئته يلْحق الضَّرَر من جِهَة الظَّالِم
وَالْأَذَان الْمُتَعَارف: من التأذين كالسلام من التَّسْلِيم؛ وَالدَّلِيل على مشروعيته للصَّلَاة قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} وَلم يشرع إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَقد سنّ فِي الهموم يَأْمر من يُؤذن فِي أُذُنه لِأَنَّهُ يزِيل الْهم، وَكَذَا لمن سَاءَ خلقه وَلَو بَهِيمَة قَالَه ابْن حجر
وَالْأُذن: الضَّم، محبس جَمِيع الصَّوْت، قد خلقت غضروفية، لِأَنَّهَا لَو خلقت لحمية أَو غشائية لم يحفظ شكل التقعير والتعميق والتعريج الَّذِي فِيهَا [فسبحان من أسمع بِعظم كَمَا أبْصر بشحم وأنطق بِلَحْم]
الإذعان: الخضوع والذل وَالْإِقْرَار والإسراع فِي الطَّاعَة والانقياد، لَا بِمَعْنى الْفَهم والإدراك
وَقيل: هُوَ عزم الْقلب؛ والعزم جزم الْإِرَادَة بعد التَّرَدُّد(1/72)
[نوع قَوْله تَعَالَى] {إِلَّا أَذَى} : ضَرَرا يَسِيرا كطعن وتهديد
{أذن خير} : يُقَال: فلَان أذن خير أَي: يقبل كل مَا قيل لَهُ
{أَذِنت لِرَبِّهَا وحقت} : سَمِعت لِرَبِّهَا وَحقّ لَهَا أَن تسمع
{فضربنا على آذانهم} أَي: أنمناهم إنامة لَا تنبههم فِيهَا الْأَصْوَات
[ {وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ} : بتيسيره أطلق لَهُ من حَيْثُ إِنَّه من أَسبَابه، وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَة (الْإِذْن) لحصوله بقوله: " دَاعيا إِلَى الله "]
{يتبعهَا أَذَى} أَي من وتعيير للسَّائِل
{فأذنوا} بِكَسْر الذَّال ممدودا بِمَعْنى أعلمُوا غَيْركُمْ؛ أَصله من الاذن أَي: أوقعوا فِي الْأَذَان وبفتح الذَّال مَقْصُورا بِمَعْنى: أعلمُوا أَنْتُم وأيقنوا
{قل هُوَ أَذَى} أَي: الْحيض مستقذر مؤذ، من يقربهُ نفر مِنْهُ
{آذناك} : أعلمناك
{إِذن} : رخص
(فصل الْألف وَالرَّاء)
[الأَرْض] : كل مَا اسْتَقر عَلَيْهِ قدماك، وكل مَا سفل فَهُوَ أَرض وَرب مُفْرد لم يَقع فِي الْقُرْآن جمعه لثقله وخفة الْمُفْرد كالأرض
وَرب جمع لم يَقع فِي الْقُرْآن مفرده لثقله وخفة الْجمع كألباب
[الأرملة] : كل امْرَأَة بَالِغَة فقيرة فَارقهَا زَوجهَا أَو مَاتَ عَنْهَا، دخل بهَا أَو لم يدْخل فَهِيَ أرملة
والأرمل: يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى قَالَ جرير:
(هذي الأرامل قد قضيت حَاجَتهَا ... فَمن لحَاجَة هَذَا الأرمل الذّكر)
وَالصَّحِيح مَا قَالَه مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ
وَحكى الْهَاشِمِي عَن صَاحب " الْعين ": وَهُوَ أَنه لَا يُقَال رجل أرمل إِلَّا فِي تلميح الشّعْر
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: لَا يُقَال رجل أرمل إِلَّا فِي الشذوذ
فِي " الْقَامُوس ": رجل أرمل وَامْرَأَة أرملة: محتاجة أَو مسكينة وَلَا يُقَال للعزبة الموسرة أرملة
[الْإِرَادَة: هِيَ من (الرود) والرود يذكر وَيُرَاد بِهِ الطّلب، وَالْوَاو لما سكنت نقلت حركتها إِلَى مَا قبلهَا فَانْقَلَبت فِي الْمَاضِي ألفا وَفِي الْمُسْتَقْبل يَاء وَسَقَطت فِي الْمصدر لمجاورتها الْألف الساكنة، وَعوض مِنْهَا الْهَاء فِي آخرهَا
وراودته على كَذَا: مراودة أَي: أَرَادَتْهُ](1/73)
والإرادة: هِيَ فِي الأَصْل قُوَّة مركبة من شَهْوَة وحاجة وخاطر وأمل، ثمَّ جعلت اسْما لنزوع النَّفس إِلَى شَيْء مَعَ الحكم فِيهِ أَنه يَنْبَغِي أَن يفعل أَو أَن لَا يفعل
وَفِي " الْأَنْوَار ": هِيَ نزوع النَّفس وميلها إِلَى الْفِعْل بِحَيْثُ يحملهَا عَلَيْهِ؛ وَيُقَال للقوة الَّتِي هِيَ مبدأ النُّزُوع؛ وَالْأول مَعَ الْفِعْل وَالثَّانِي قبله
وتعريفها بِأَنَّهَا اعْتِقَاد النَّفْع أَو ظَنّه أَو هِيَ ميل يتبع ذَلِك الِاعْتِقَاد أَو الظَّن
كَمَا أَن الْكَرَاهَة نفرة تتبع اعْتِقَاد الضّر أَو ظَنّه، إِنَّمَا هُوَ على رَأْي الْمُعْتَزلَة والاتفاق على أَنَّهَا صفة مخصصة لأحد المقدورين بالوقوع
وَقيل فِي حَدهَا: إِنَّهَا بِمَعْنى يُنَافِي الْكَرَاهَة والاضطرار فَيكون الْمَوْصُوف بهَا مُخْتَارًا فِيمَا يَفْعَله وَقيل: إِنَّهَا معنى يُوجب اخْتِصَاص الْمَفْعُول بِوَجْه دون وَجه لِأَنَّهُ لَوْلَا الْإِرَادَة لما كَانَ وَقت وجوده أولى من وَقت آخر، وَلَا كمية وَلَا كَيْفيَّة أولى مِمَّا سواهَا
والإرادة إِذا اسْتعْملت فِي الله: يُرَاد بهَا الْمُنْتَهى، وَهُوَ الحكم دون المبدأ، فَإِنَّهُ تَعَالَى غَنِي عَن معنى النُّزُوع بِهِ
وَاخْتلف فِي معنى ارادته تَعَالَى: وَالْحق أَنه تَرْجِيح أحد طرفِي الْمَقْدُور على الآخر وتخصيصه بِوَجْه دون وَجه، أَو معنى يُوجب هَذَا التَّرْجِيح
وَهِي أَعم من الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ ميل مَعَ تَفْضِيل
ثمَّ إِن إِرَادَة الله تَعَالَى لَيست زَائِدَة على ذَاته كإرادتنا، بل هِيَ عين حكمته الَّتِي تخصص وُقُوع الْفِعْل على وَجه دون وَجه، وحكمته عين علمه الْمُقْتَضِي لنظام الْعَالم على الْوَجْه الْأَصْلَح وَالتَّرْتِيب الْأَكْمَل، وانضمامها مَعَ الْقُدْرَة هُوَ الِاخْتِيَار
والإرادة حَقِيقَة وَاحِدَة قديمَة قَائِمَة بِذَاتِهِ كعلمه؛ إِذْ لَو تعدّدت إِرَادَة الْفَاعِل الْمُخْتَار أَو تعلقهَا لم يكن وَاحِدًا من جَمِيع الْجِهَات ومتعلقة بِزَمَان معِين، إِذْ لَو تعلّقت بِفعل من أَفعَال نَفسه لزم وجود ذَلِك الْفِعْل وَامْتنع تخلفه عَن إِرَادَته اتِّفَاقًا من أهل الْملَّة والحكماء
وَأما إِذا تعلّقت بِفعل غَيره فَفِيهِ خلاف الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بِأَن معنى الْأَمر هُوَ الْإِرَادَة لَا يُوجب الْمَأْمُور بِهِ كَمَا فِي الْقَضَاء وَأما الْإِرَادَة الْحَادِثَة فَلَا توجبه اتِّفَاقًا، وَلَا يلْزم من ضَرُورَة وجود الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة فِي الْقدَم قدم مَا يتخصص بهَا، والتعدد فِي متعلقاتها وتعلقها على نَحْو مُتَعَلق الشَّمْس بِمَا قابلها واستضاء بهَا وَهُوَ المعني بسلب النِّهَايَة عَن ذَات وَاجِب الْوُجُود؛ وَكَذَا فِي غير الْإِرَادَة من صِفَات الذَّات؛ وَأما سلب النِّهَايَة عَنْهَا بِالنّظرِ إِلَى المتعلقات فَمَا يَصح أَن يتَعَلَّق بِهِ الْإِرَادَة من الجائزات فَلَا نِهَايَة لَهُ بِالْقُوَّةِ لَا انه غير متناه بِالْفِعْلِ؛ وَهَذَا لَا مراء فِيهِ وَلَا دَلِيل يُنَافِيهِ
وَاخْتلفُوا فِي كَونه تَعَالَى مرِيدا مَعَ اتِّفَاق الْمُسلمين على إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ على الله تَعَالَى، فَقَالَ النجار: إِنَّه معنى سَلبِي وَمَعْنَاهُ أَنه غير مغلوب وَلَا مستكره؛ وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّه أَمر ثبوتي، وَهَؤُلَاء اخْتلفُوا قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ علم الله باشتمال الْفِعْل على الْمصلحَة أَو الْمفْسدَة، ويسمون هَذَا الْعلم بالداعي أَو الصَّارِف، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه صفة زَائِدَة على الْعلم
تمّ اخْتلفُوا فِي تِلْكَ الصّفة قَالَ بَعضهم: ذاتية،(1/74)
وَقَالَ بَعضهم: معنوية وَذَلِكَ الْمَعْنى قديم وَهُوَ قَول الأشعرية، وَقَالَ بَعضهم: مُحدث، وَذَلِكَ الْمُحدث إِمَّا قَائِم بِاللَّه وَهُوَ قَول الكرامية؛ وَقَالَ بَعضهم: مَوْجُود لَا فِي مَحل، وَهُوَ قَول أبي عَليّ وَأبي هَاشم وأتباعهما، وَلم يقل أحد إِنَّه قَائِم بجسم آخر؛ فَإِذا اسْتعْمل فِي الله فَإِنَّهُ يُرَاد بِهِ الْمُنْتَهى وَهُوَ الحكم دون الْمُبْتَدَأ، فَإِنَّهُ يتعالى عَن معنى النُّزُوع؛ فَمَتَى قيل: أَرَادَ كَذَا، فَمَعْنَاه حكم فِيهِ أَنه كَذَا وَلَيْسَ بِكَذَا
وَلَفْظَة الْإِرَادَة: تطلق فِي الشَّاهِد وَالْغَائِب جَمِيعًا
وَلَفْظَة الْقَصْد: لَا تطلق إِلَّا فِي الْإِرَادَة الْحَادِثَة
والمشيئة فِي الأَصْل مَأْخُوذَة من الشَّيْء وَهُوَ اسْم للموجود وَهِي كالإرادة عِنْد أَكثر الْمُتَكَلِّمين، لِأَن الْإِرَادَة من ضرورتها الْوُجُود لَا محَالة، وَإِن كَانَتَا فِي أصل اللُّغَة مختلفتين فَإِن الْمَشِيئَة: لُغَة الايجاد والإرادة: طلب الشيئ؛ وَالْفرق بَينهمَا قَول للكرامية، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: مَشِيئَة الله صفة أزلية وإرادته صفة حَادِثَة فِي ذَاته الْقَدِيم وَالْحق أَنَّهُمَا إِذا أضيفا إِلَيْهِ تَعَالَى يكونَانِ بِمَعْنى وَاحِد، لِأَن الْإِرَادَة لله تَعَالَى من ضرورتها الْوُجُود لَا محَالة وَالْفرق بَينهمَا فِي حق الْعباد، وَذَلِكَ فِيمَا لَو قَالَ: (شيئي طَلَاقك) فَشَاءَتْ يَقع؛ وَفِي: (أريدي) فَأَرَادَتْ لَا يَقع؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى: {يفعل الله مَا يَشَاء} و {يحكم مَا يُرِيد} رِعَايَة لهَذَا الْفرق، حَيْثُ ذكر الْمَشِيئَة عِنْد ذكره الْفِعْل الْمَخْصُوص بالموجود، وَذكر الْإِرَادَة عِنْد ذكره الحكم الشَّامِل للمعدوم أَيْضا
وَفِي " الزِّيَادَات " لمُحَمد فِي: (أَنْت طَالِق بِمَشِيئَة الله) لَا يَقع كَمَا فِي إِن شَاءَ الله؛ ولمشيئة الله بِاللَّامِ يَقع، كَذَا الْإِرَادَة؛ وَأما الْعلم فَإِنَّهُ يَقع من الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين: وَمن الْفرق بَينهمَا أَن إِرَادَة الانسان قد تحصل من غير أَن تتقدمها إِرَادَة الله تَعَالَى، فَإِن الانسان قد يُرِيد أَن لَا يَمُوت ويأبى الله ذَلِك، ومشيئته لَا تكون إِلَّا بعد مَشِيئَته لقَوْله تَعَالَى: {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَ بَعضهم: لَو أَن الْأُمُور كلهَا مَوْقُوفَة على مَشِيئَة الله وَأَن أفعالنا مُتَعَلقَة بهَا وموقوفة عَلَيْهَا لما أجمع النَّاس على تَعْلِيق الِاسْتِثْنَاء بِهِ فِي جَمِيع أفعالنا
والمشيئة: ترجح بعض الممكنات على بعض، مَأْمُورا كَانَ أَو مَنْهِيّا، حسنا كَانَ أَو غَيره
والإرادة: قد يُرَاد بهَا معنى الْأَمر، إِلَّا أَن الْأَمر مفوض إِلَى الْمَأْمُور، إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل، والإرادة غير مفوض إِلَى أحد، بل يحصل كَمَا أَرَادَهُ المريد
والشهوة: ميل جبلي غير مَقْدُور للبشر بِخِلَاف الْإِرَادَة
وَكَذَلِكَ النفرة: فَإِنَّهَا حَالَة جبلية غير مقدورة بِخِلَاف الْكَرَاهَة؛ وَقد يَشْتَهِي الْإِنْسَان مَا لَا يُريدهُ بل يكرههُ، وَقد يُرِيد مَا لَا يَشْتَهِي بل ينفر عَنهُ، وَلِهَذَا قَالُوا: (إِرَادَة الْمعاصِي مِمَّا يُؤَاخذ عَلَيْهَا دون شهوتها) وَكَرَاهَة الطَّاعَات الشاقة يُؤَاخذ عَلَيْهَا دون النفرة مِنْهَا
وَالْكَرَاهَة: طلب الْكَفّ عَن الْفِعْل طلبا غير جازم كَقِرَاءَة الْقُرْآن مثلا فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود؛ وَهَذِه(1/75)
الْكَرَاهَة تصح أَن تَجْتَمِع مَعَ الايجاز فيوجد الله الْفِعْل مَعَ كَرَاهَته لَهُ أَي مَعَ نَهْيه عَنهُ
أما الْكَرَاهَة: بِمَعْنى عدم إِرَادَة الله للْفِعْل فيستحيل أجتماعها مَعَ الايجاد إِذْ يَسْتَحِيل أَن يَقع فِي ملك الله مَا لَا يُرِيد وُقُوعه؛ وَأما رضى الله فَهُوَ ترك الِاعْتِرَاض لَا الْإِرَادَة كَمَا قَالَت الْمُعْتَزلَة، فَإِن الْكفْر مَعَ كَونه مرَادا لَهُ تعلى لَيْسَ بمرضي عِنْده تَعَالَى، لِأَنَّهُ يعْتَرض عَلَيْهِ ويؤاخذ بِهِ وَقد نظمت فِيهِ:
(بِسَهْم الْحَظ معترض لحب ... رِضَاء الله ترك الِاعْتِرَاض)
والمحبة والرضى: كل مِنْهُمَا أخص من الْمَشِيئَة؛ فَكل رضَا إِرَادَة وَلَا عكس؛ والأخص غير الْأَعَمّ؛ وَقَوله تَعَالَى: {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} إِرَادَة أَمر وتشريع تتَعَلَّق هِيَ بالطاعات لَا بالمعصية؛ وَقَوله تَعَالَى: {وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا} إِرَادَة قَضَاء وَتَقْدِير شَامِلَة لجَمِيع الكائنات
والإرادة: قد تتَعَلَّق بالتكليف من الْأَمر وَالنَّهْي، وَقد تتَعَلَّق بالمكلف بِهِ أَي إيجاده أَو إعدامه؛ فَإِذا قيل إِن الشَّيْء مُرَاد، قد يُرَاد بِهِ أَن التَّكْلِيف بِهِ هُوَ المُرَاد لَا مَجِيئه وذاته، وَقد يُرَاد بِهِ أَنه فِي نَفسه هُوَ المُرَاد أَي إيجاده أَو عَدمه فعلى هَذَا مَا وصف بِكَوْنِهِ مرَادا بِلَا وُقُوع لَهُ، فَلَيْسَ المُرَاد بِهِ إِلَّا إِرَادَة التَّكْلِيف بِهِ فَقَط
وَمَا قيل: إِنَّه غير مُرَاد وَهُوَ وَاقع فَلَيْسَ المُرَاد بِهِ إِلَّا أَنه لم يرد التَّكْلِيف بِهِ فَقَط، فَالْمُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَمَا الله يُرِيد ظلما للعباد} نفي لإِرَادَة التَّكْلِيف بِهِ لَا من حَيْثُ حُدُوثه، وَلَيْسَ المُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وُقُوع الْعِبَادَة، بل الْأَمر بهَا
وَاحْتج أَصْحَابنَا بقوله تَعَالَى: {قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ ... وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} على أَن الْحَوَادِث بِإِرَادَة الله تَعَالَى، وَأَن الْأَمر قد يَنْفَكّ عَن الْإِرَادَة، وَإِلَّا لم يكن للشّرط بعد الْأَمر معنى وَالْحق أَن دلَالَته على أَن مُرَاد الله تَعَالَى وَاقع لَا ان الْوَاقِع لَيْسَ إِلَّا مُرَاده، وَلَا أَن الْأَمر قد يَنْفَكّ عَن الْإِرَادَة، إِذْ مَحل الْخلاف الْأَمر التكليفي وَالْأَمر هَا هُنَا للارشاد بِدَلِيل {أتتخذنا هزوا} ثمَّ الدَّلِيل على أَن الْأَمر غير الْإِرَادَة قَوْله تَعَالَى: {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} ثمَّ قَوْله: {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} ثمَّ قَوْله: {وَيهْدِي من يَشَاء} دَلِيل على أَن الْمصر على الضَّلَالَة لم يرد الله رشده
وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} دَلِيل صِحَة تعلق الْإِرَادَة بالإغواء وَإِن خلاف مُرَاده محَال
والإرادة قد تكون بِحَسب الْقُوَّة الاختيارية، وَلذَلِك تسْتَعْمل فِي الْجِدَار وَفِي الْحَيَوَانَات نَحْو:(1/76)
{فوجدوا فِيهَا جدارا يُرِيد أَن ينْقض} وَيُقَال: (فرس يُرِيد التِّبْن)
الْإِرْسَال: التسليط وَالْإِطْلَاق والإهمال والتوجيه؛ وَالِاسْم: الرسَالَة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح
وَقد يذكر وَيُرَاد بِهِ مُطلق الإيصال، كَمَا فِي: {يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} وإرسال الْكَلَام: إِطْلَاقه بِغَيْر تَقْيِيد
وإرسال الحَدِيث: عدم ذكر صحابيه
وَفِي إرْسَال الرَّسُول تَكْلِيف دون بَعثه لِأَنَّهُ تكوين مَحْض؛ وَكَفاك شَاهدا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " بعثت إِلَى النَّاس عَامَّة " لَا مُرْسلا إِلَيْهِم كَافَّة، لِأَن تَبْلِيغ الرسَالَة إِلَى أَطْرَاف الْعَالم من أَصْنَاف الْأُمَم كَانَ خَارِجا عَن الوسع قَالَ الله تَعَالَى: {وأرسلناك للنَّاس} وَلم يقل إِلَى النَّاس: وَأما قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا} فَهُوَ بِاعْتِبَار تضمين الْبَعْث؛ وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن: {وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة}
{كَذَلِك أَرْسَلْنَاك فِي أمة} لما أَن الْأمة أَو الْقرْيَة جعلت موضعا للإرسال، وعَلى هَذَا الْمَعْنى جَاءَ (بعث) فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيرا} وَيُقَال فِيمَا يتَصَرَّف بِنَفسِهِ أَرْسلتهُ: كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا}
وَفِيمَا يحمل: (بعثت بِهِ) و (أرْسلت بِهِ) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية}
وإرسال الْمثل: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي بعض كَلَامه بِمَا يجْرِي مجْرى الْمثل السائر من حِكْمَة أَو نعت أَو غير ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم وَإِن أسأتم فلهَا} {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} و {مَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ} {وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} {وكل يعْمل على شاكلته} {ضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب} {الْآن حصحص الْحق} [إِلَى غير ذَلِك]
الأَرْض: هِيَ اسْم جنس، لم يَقُولُوا بواحدها، وَالْجمع: أرضات، لأَنهم قد يجمعُونَ الْمُؤَنَّث ألتي لَيست فِيهَا تَاء التَّأْنِيث بِالتَّاءِ ك (فرسات) ثمَّ قَالُوا: (أرضون) بِالْوَاو وَالنُّون عوضا عَمَّا حذفوه وَتركُوا فَتْحة الرَّاء على حَالهَا
وَأَرْض أريضة: أَي زكية
وأرضت الأَرْض: بِالضَّمِّ زكتْ
وَدَلِيل تعددها قَوْله تَعَالَى: وَمن الأَرْض(1/77)
مِثْلهنَّ} وَقد تؤول بالأقاليم السَّبْعَة أَو بطبقات العناصر الْأَرْبَعَة حَيْثُ عدت سبعا بالصرفة والاختلاط؛ وَلَا دَلِيل فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا} على عدم كرية الأَرْض، لِأَن الكرة إِذا عظمت كَانَت الْقطعَة مِنْهَا كالسطح فِي إِمْكَان الِاسْتِقْرَار عَلَيْهِ
وَالْأَرْض على مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين: مركبة من الْجَوَاهِر المفردة، فلهَا أَجزَاء ومفاصل بِالْفِعْلِ مَوْجُودَة بوجودات مُغَايرَة لوُجُود الْكل، كَمَا هُوَ شَأْن المركبات الخارجية
وعَلى مَذْهَب الْحُكَمَاء: أَن البسائط عِنْدهم، وَإِن لم تكن ذَات أَجزَاء ومفاصل بِالْفِعْلِ، بل مُتَّصِلا وَاحِدًا فِي نفس الْأَمر، إِلَّا أَن الأَرْض ألتي عندنَا لَيست أَرضًا صرفة، فَإِنَّهَا لَا ترى لكَونهَا شفافة، بل مخلوطة بِالْمَاءِ والهواء، فَهِيَ مركبة من أَجزَاء مَوْجُودَة بِالْفِعْلِ
وَالتُّرَاب: جنس لَا يثنى وَلَا يجمع؛ وَعَن الْمبرد: أَنه جمع (ترابة) وَالنِّسْبَة (ترابي)
الْأَرْش: هُوَ بدل الدَّم أَو بدل الْجِنَايَة مُقَابل بآدمية الْمَقْطُوع أَو الْمَقْتُول، لَا بماليته؛ وَلِهَذَا وَجَبت الْقسَامَة فِي النَّفس، وَالْكَفَّارَة فِي الْخَطَأ، ويتحمله الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين بِالْإِجْمَاع، مُخَالفا لضمان الاموال
الأرب: هُوَ فرط الْحَاجة الْمُقْتَضِي للاحتيال فِي الدّفع
وكل أرب حَاجَة بِلَا عكس، ثمَّ اسْتعْمل تَارَة فِي الْحَاجة المفردة وَأُخْرَى فِي الاحتيال وَإِن لم تكن حَاجَة
الإرهاص: هُوَ إِحْدَاث أَمر خارق للْعَادَة دَال على بعثة نَبِي [قبل الْبَعْث] كتظليل الْغَمَام لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْإِرْث: الْمِيرَاث وَالْأَصْل وَالْأَمر الْقَدِيم توارثه الآخر عَن الأول، والبقية من الشَّيْء؛ [وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {وَللَّه مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض} أَنه الْبَاقِي بعد فنَاء خلقه وَزَوَال أملاكهم فيموتون ويرثهم، وَنَظِيره: {إِنَّا نَحن نرث الأَرْض} ]
وَقيل: الْإِرْث فِي الْحسب والورث فِي المَال
الأرذل: الدون الخسيس، أَو الرَّدِيء من كل شَيْء، وأرذل الْعُمر: أسوأه، وَجمعه أرذلون على الصِّحَّة؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى: {هم أراذلنا} على التكسير
الإرصاد: الترقب يُقَال: أرصدت لَهُ الشَّيْء: إِذا جعلته لَهُ عدَّة والإرصاد فِي الشَّرّ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي رصدت وأرصدت: فِي الْخَيْر وَالشَّر جَمِيعًا
والإرصاد فِي البديع: إِيرَاد مَا يدل على الْعَجز {وَمَا كَانَ الله ليظلمهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ}
الإرداف: هُوَ عبارَة عَن تَبْدِيل كلمة بردفها من غير(1/78)
انْتِقَال من لَازم إِلَى ملزوم، كَقَوْلِه تَعَالَى: {واستوت على الجودي}
وأردفته: أركبته خَلْفي وردفت الرجل: ركبت خَلفه، وَقيل: تَقول ردفت وأردفت: إِذا فعلت ذَلِك بِنَفْسِك وَأما إِذا فعلته بغيرك فأردفت لَا غير
وَهُوَ من أَنْوَاع البديع كَقَوْلِه:
(لَيْسَ التكحل فِي الْعَينَيْنِ كالكحل)
الأرق: هُوَ مَا استدعاك
والسهر: مَا استدعيته وَقيل: السهر فِي الشَّرّ وَالْخَيْر، والأرق لَا يكون إِلَّا فِي الْمَكْرُوه
الارتياح: النشاط وَالرَّحْمَة
وارتاح الله لَهُ برحمته: أنقذه من البلية
الإرجاف: الْإِخْبَار الْكَاذِب
الإرفاد: الْإِعَانَة والإعطاء
الارتجال: ارتجل الْكَلَام: تكلم بِهِ من غير أَن يهيئه، وبرأيه: انْفَرد
الارتحال: ارتحل: سَار وَمضى؛ وَالْقَوْم عَن الْمَكَان: انتقلوا، كترحلوا، وَالِاسْم الرحلة بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، أَو بِالْكَسْرِ الارتحال، وبالضم: الْوَجْه الَّذِي تقصده
والرحيل: اسْم ارتحال الْقَوْم
أرأيتك: هَذِه الْكَلِمَة فِي الأَصْل على وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَنَّهَا من رُؤْيَة الْعين، فالكاف إِمَّا مفعول وَالْمعْنَى: هَل أبصرتك، أَو تَأْكِيد للْفَاعِل وَالْمَفْعُول شَيْء آخر، فَالْمَعْنى: هَل أَبْصرت أَنْت فلَانا؟
وَالثَّانِي: أَنَّهَا من رُؤْيَة الْقلب، فالكاف إِمَّا مفعول أول وَالثَّانِي أَمر آخر وَالْمعْنَى: هَل علمتك فَاضلا؟ أَو تَأْكِيد ومفعولاه شَيْء آخر فَالْمَعْنى: هَل علمت أَنْت زيدا فَاضلا؟ وعَلى أَي وَجه كَانَ يجب مُطَابقَة الْكَاف للتاء فِي الْإِفْرَاد والتثنية والتذكير والتأنيث، ثمَّ نقلوه عَن أَصله إِلَى معنى أَخْبرنِي بعلاقة السَّبَبِيَّة والمسببية، لِأَن الْعلم بالشَّيْء سَبَب للإخبار عَنهُ، وَكَذَا مُشَاهدَة الشَّيْء من أبصاره سَبَب وَطَرِيق إِلَى الْإِحَاطَة بِهِ علما، وَهِي إِلَى صِحَة الْإِخْبَار عَنهُ، وَلما نقلت صِيغَة الِاسْتِفْهَام إِلَى معنى الْأَمر وَجب حِينَئِذٍ أَن تتْرك التَّاء مُوَحدَة على كل حَال ليَكُون بَقَاؤُهَا على حَالَة وَاحِدَة وعلامة للنَّقْل [نوع]
أَرِنِي: بِكَسْر الرَّاء: بصرني، وبسكونها: أَعْطِنِي
و {أَرِنِي أنظر إِلَيْك} : أَي أرنيك، وَفِيه بَيَان بعد الْإِبْهَام
أرابه: أَي أوقعه فِي الرِّيبَة
أراب الرجل: كَانَ ذَا رِيبَة
{فارهبون} : خافوني، حذفت الْيَاء لِأَنَّهَا فِي رَأس آيَة، ورؤوس الْآي يُوقف عَلَيْهَا، وَالْوَقْف على الْيَاء يستثقل، فاستغنوا عَنْهَا بالكسرة
{أروني} : أخبروني
{أركسهم} : أوقفهم أَو حَبسهم أَو ردهم أَو نكسهم(1/79)
{اربي} : أَكثر وأزيد وَمِنْه الرِّبَا
{وارحمنا} : تعطف بِنَا وتفضل علينا
{قَالُوا أرجه} : أَي أخر أمره
{وَإِرْصَادًا} : ترقبا
{فَارْتَد بَصيرًا} عَاد بَصيرًا
{على الأرائك} : أَي على السرر
{أراذلنا} : اسافلنا
{وَالْجِبَال أرساها} : أثبتها
{وَإِلَى رَبك فارغب} : بالسؤال وَلَا تسْأَل غَيره
{فَارْتَقِبْ} : فانتظر
{أريناه آيَاتنَا} : بصرناه إِيَّاهَا أَو عَرفْنَاهُ
{أرذل الْعُمر} : الْهَرم
{غير أولي الإربة من الرِّجَال} أولي الْحَاجة إِلَى النِّسَاء وهم الشُّيُوخ الأهمام والممسوحون، وَفِي الْمَجْبُوب والخصي خلاف، وَقيل: البله الَّذين يتبعُون النِّسَاء لفضل طعامهم وَلَا يعْرفُونَ شَيْئا من أُمُور النِّسَاء
{اركض} : اضْرِب أَو ادْفَعْ
{سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} : سأغشيه عقبَة شاقة المصعد
{مَا أريكم إِلَّا مَا أرى} : مَا أُشير إِلَيْكُم إِلَّا مَا أرى وأستصوب
{أرداكم} : أهلككم
[ {إرم} : اسْم بَلْدَة بناها عَاد إِن صَحَّ
{بِمَا أَرَاك الله} : عرفك وَأوحى إِلَيْك]
(فصل الْألف وَالزَّاي)
الْأَزَل: هُوَ اسْم لما يضيق الْقلب عَن تَقْدِير بدايته من الْأَزَل وَهُوَ الضّيق
والأبد: اسْم لما ينفر الْقلب عَن تَقْدِير نهايته، عَن الأبود: وَهُوَ النفور
فالأزل بِالتَّحْرِيكِ: هُوَ مَا لَا بداية لَهُ فِي أَوله كالقدم
والأبد: مَا لَا نِهَايَة لَهُ فِي آخِره كالبقاء يجمعهما وَاجِب الْوُجُود كالاستمرار فَإِنَّهُ مَا لَا نِهَايَة لَهُ فِي أَوله وَآخره؛ وَلما كَانَ بَقَاء الزَّمَان بِسَبَب مُرُور أَجْزَائِهِ بَعْضهَا عقيب بعض لَا جرم أطْلقُوا المستمر فِي حق الزَّمَان، وَأما فِي حق الْبَارِي فَهُوَ محَال لِأَنَّهُ بَاقٍ بِحَسب ذَاته الْعلية
والسرمد: من السرد وَهُوَ التوالي والتعاقب، سمي الزَّمَان بِهِ لذَلِك، وَزَادُوا عَلَيْهِ الْمِيم ليُفِيد الْمُبَالغَة فِي ذَلِك الْمَعْنى، وَلما كَانَ هَذَا الْمَعْنى فِي حق(1/80)
الله تَعَالَى محالا كَانَ إِطْلَاق السرمد عَلَيْهِ محالا أَيْضا، فَإِن ورد فِي الْكتاب وَالسّنة أطلقناه وَإِلَّا فَلَا
والأزلي: أَعم من الْقَدِيم، لِأَن اعدام الْحَوَادِث أزلية وَلَيْسَت بقديمة قَالَ ابْن فَارس: وَأرى كلمة - يَعْنِي الأزلي - لَيست بمشهورة وَأجِيب أَنهم قَالُوا للقديم: (لم يزل) ثمَّ نسب إِلَى هَذَا فَلم يسْتَقلّ إِلَّا بالاختصار فَقَالُوا: يزلي، ثمَّ أبدلت الْيَاء ألفا لِأَنَّهَا أخف فَقَالُوا أزلي: كَقَوْلِهِم فِي الرمْح الْمَنْسُوب إِلَى ذِي يزن: أزني
وَقيل الأزلي: هُوَ الَّذِي لم يكن ليسَا، وَالَّذِي لم يكن ليسَا لَا عِلّة لَهُ فِي الْوُجُود
والأزليات: تتَنَاوَل ذَات الْبَارِي وَصِفَاته الْحَقِيقَة الاعتبارية الأزلية، وتتناول أَيْضا المعدومات الأزلية مُمكنَة كَانَت أَو ممتنعة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أزلي وأبدي وَلَا تَقول: كَانَ الله مَوْجُودا فِي الْأَزَل فَإِنَّهُ يَقْتَضِي كَونه تَعَالَى زمانيا وَهُوَ محَال، وَالْقَوْل بأزليته سُبْحَانَهُ لَا يُوجب الِاعْتِرَاف بِكَوْن الزَّمَان أزليا، وعالم الدُّنْيَا مَعَ مَا فِيهِ لَا هَذَا وَلَا ذَاك وَمَا هُوَ مُمْتَنع الْوُجُود أزلي لَا أبدي، لِأَن مَا ثَبت قدمه امْتنع عَدمه
وَالْإِنْسَان وَالْملك أبدي لَا أزلي، والقدم بِحَق الْبَارِي بِمَعْنى الأزلية الَّتِي هِيَ كَون وجوده غير مستفتح، لَا بِمَعْنى تطاول الزَّمن، فَإِن ذَلِك وصف للمحدثات كالعرجون الْقَدِيم
وَلَيْسَ الْقدَم معنى زَائِدا على الذَّات فيلزمك أَن تَقول: ذَلِك الْمَعْنى أَيْضا قديم بقدم زَائِد عَلَيْهِ، فيتسلسل إِلَى غير نِهَايَة؛ لَا يُقَال إِثْبَات مَوْجُود لَا أول لَهُ إِثْبَات أَوْقَات متعاقبة لَا نِهَايَة لَهَا، إِذْ لَا يعقل اسْتِمْرَار وجود إِلَّا فِي أَوْقَات، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أثبات حوادث لَا أول لَهَا وَهُوَ بَاطِل لأَنا نقُول: الْأَوْقَات يعبر بهَا عَن موجودات تقارن مَوْجُودا، وكل مَوْجُود أضيف إِلَى مُقَارنَة مَوْجُود فَهُوَ وقته، والمستمر فِي الْعَادَات هُوَ التَّعْبِير بالأوقات عَن حركات الْفلك وتعاقب الجديدين؛ فَإِذا تبين ذَلِك فِي معنى الْوَقْت فَلَيْسَ من شَرط وجود الشَّيْء أَن يقارنه مَوْجُود آخر إِذا لم يتَعَلَّق أَحدهمَا بِالثَّانِي فِي قَضِيَّة عقلية
وَلَو افْتقر كل مَوْجُود إِلَى وَقت وَقدر الْأَوْقَات مَوْجُودَة لافتقرت إِلَى أَوْقَات، وَذَلِكَ يجر إِلَى جهالات لَا ينتحلها عَاقل وَالله سُبْحَانَهُ قبل حُدُوث الْحَوَادِث متفرد بِوُجُودِهِ وَصِفَاته لَا يقارنه حَادث
وَلما كَانَ لفظ الأزلي يُفِيد الانتساب إِلَى الْأَزَل، وَكَانَ يُوهم أَن الْأَزَل شَيْء حصل ذَات الله فِيهِ - وَهُوَ بَاطِل - إِذْ لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لكَانَتْ ذَات الله مفتقرة إِلَى ذَلِك الشَّيْء ومحتاجة إِلَيْهِ وَهُوَ محَال فَقُلْنَا: المُرَاد بِهِ وجود لَا أول لَهُ الْبَتَّةَ، فَلم يزل سُبْحَانَهُ أَي لم يكن زمَان مُحَقّق أَو مُقَدّر، وَلم يمض إِلَّا وَوُجُود الْبَارِي مُقَارن لَهُ، فَهَذَا معنى الأزلية والقدم
وَلَا يزَال: أَي لَا يَأْتِي زمَان فِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا ووجوده مُقَارن لَهُ، وَهَذَا معنى الأبدية والدوام
الإزجاء: السُّوق، وَمِنْه: (البضاعة المزجاة) فَإِنَّهَا يزجيها كل أحد
الأزر: الْإِحَاطَة، وَالْقُوَّة، والضعف، ضد
والإزار: الملحفة وَيُؤَنث كالمئزر، والإزر، والإزار، بكسرهما، وائتزر بِهِ وتأزر: وَلَا تقل: اتزر وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث وَلَعَلَّه من تَحْرِيف الروَاة
وآزر: قيل: هُوَ اسْم عَم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام،(1/81)
وَأما أَبوهُ فَإِنَّهُ تارخ
الإزدار: الإصدار، وَقُرِئَ: {يَوْمئِذٍ يزدر النَّاس أشتاتا}
الازدواج: هُوَ فِي البديع تناسب المتجاورين، نَحْو: {من سبإ بنبإ}
الْإِزَالَة: الإذهاب، وأزال، وأزال: يتقاربان فِي الْمَعْنى، غير أَن أزل يَقْتَضِي عَثْرَة مَعَ الزَّوَال، يُقَال: (أزللته فزل) و (أزلته فَزَالَ)
الأزلام: هِيَ القداح الَّتِي على أَحدهَا: " أَمرنِي رَبِّي " وعَلى الآخر: " نهاني رَبِّي " وَالثَّالِث: غفل
فَإِن خرج الْآمِر مضوا على ذَلِك، وَإِن خرج الناهي تجنبوا عَنهُ، وَإِن خرج الغفل أجالوها ثَانِيًا [نوع] {يَوْم الآزفة} : أَي الْقِيَامَة سميت بهَا لأزوفها أَي لقربها]
{احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} وأشباههم
{أَزوَاج} : ألوان من الْعَذَاب
{ازدجر} : من الزّجر وَهُوَ الِانْتِهَار
{أزلفت الْجنَّة} : قربت من الْمُؤمنِينَ
{فآزره} : فقواه
{أزفت الآزفة} : دنت السَّاعَة
{أزاغ} : صرف
{أزكى طَعَاما} : أحل وَأطيب، أَو أَكثر وأرخص
{اشْدُد بِهِ أزري} : قوتي
[ {أزكى لكم} : أَنْفَع]
(فصل الْألف وَالسِّين)
[الأسف] : كل مَا فِي الْقُرْآن من ذكر الأسف فَمَعْنَاه الْحزن، إِلَّا {فَلَمَّا آسفونا} فَإِن مَعْنَاهُ أغضبونا
[الإسكاف] : كل صانع عِنْد الْعَرَب فَهُوَ إسكاف، إِلَّا الْخفاف، فَإِنَّهُ الأسكف
[الِاسْتِصْحَاب] : كل شَيْء لَازم شَيْئا ولاءمه فقد استصحبه
كل حكم عرف وُجُوبه فِي الْمَاضِي ثمَّ وَقع الشَّك فِي زَوَاله فِي الْحَال الثَّانِي فَهُوَ معنى الِاسْتِصْحَاب، وَله معنى آخر، وَهُوَ كل حكم عرف وُجُوبه بدليله فِي الْحَال وَوَقع الشَّك فِي كَونه على الأول زائلا فِي الْمَاضِي فبعض الْفُرُوع مُفَرع على الأول وَالْبَعْض على الثَّانِي
[الأسلوب] : كل شَيْء امْتَدَّ فَهُوَ أسلوب، وَكَأَنَّهُ(1/82)
(أفعول) من السَّلب، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من الْمَدّ، وَمِنْه شجر سلب: أَي طَوِيل، لِأَنَّهُ إِذا أَخذ ورقه وسعفه امْتَدَّ وَطَالَ وَهُوَ الْفَنّ والطريقة وَالْجمع أساليب
[الاستخبار] : كل استخبار سُؤال بِلَا عكس، لِأَن الاستخبار استدعاء الْخَبَر، وَالسُّؤَال يُقَال فِي الاستعطاف فَتَقول: سَأَلته كَذَا، وَيُقَال فِي الاستخبار أَيْضا فَتَقول: سَأَلته عَن كَذَا
[الِاسْتِفْهَام] : كل اسْتِفْهَام استخبار بِلَا عكس، لِأَن قَوْله تَعَالَى: {أَأَنْت قلت للنَّاس} إِلَى آخِره استخبار وَلَيْسَ باستفهام، وَقيل: الِاسْتِفْهَام فِي الْآيَة على حَقِيقَته لِأَن طلب الْفَهم كَانَ مصروفا إِلَى غَيره مِمَّن يطْلب فهمه فَلَا يَسْتَحِيل
الاستعلام: كل استعلام اسْتِفْهَام بِلَا عكس، لِأَن الاستعلام طلب الْعلم وَهُوَ أخص من الِاسْتِفْهَام، إِذْ لَيْسَ كل مَا يفهم يعلم، بل قد يظنّ ويخمن كل اسْتِفْهَام دخل فِي جحد فَمَعْنَاه التَّقْرِير
[الِاسْم] : كل كلمة تدل على معنى فِي نَفسهَا وَلَا تتعرض لزمان فَهِيَ الِاسْم، وَلَو تعرضت لَهُ فَهِيَ الْفِعْل، وَالِاسْم أَصله سمو كعلم ومصدره السمو وَهُوَ الْعُلُوّ، وَاحِد الْأَسْمَاء، أَو وسم ووسمه: أعلمهُ، والموسم: الْمعلم، وَالْأول أصح لعدم وُرُود الأوسام، وَكلما وَقع التَّعَارُض بَين المذهبين فمذهب الْبَصرِيين من حَيْثُ اللَّفْظ أصح وأفصح وَمذهب الْكُوفِيّين من حَيْثُ الْمَعْنى أقوى وَأصْلح
وَالِاسْم مُسَمَّاهُ مَا سواهُ، أَو هُوَ مُسَمَّاهُ، أَو مُسَمَّاهُ لَا هُوَ وَلَا مَا سواهُ، [واستعماله فِي التَّسْمِيَة أَكثر من الْمُسَمّى] وَلكُل وَاحِد أصل، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيله
قَالَ بَعضهم: الِاسْم مَا انبأ عَن الْمُسَمّى وَالْفِعْل مَا أنبأ عَن حَرَكَة الْمُسَمّى، والحرف مَا أنبأ عَن معنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل، وَالْمَشْهُور فِي تَعْرِيف الِاسْم: مَا دلّ على معنى فِي نَفسه دلَالَة مُجَرّدَة عَن الاقتران [بِأحد الْأَزْمَان] وَلَا يخفى أَن الضَّمِير فِي نَفسه سَوَاء عَاد إِلَى الدَّال أَو الْمَدْلُول لَا يَخْلُو عَن خلل، إِذْ لَا معنى لما دلّ على معنى حصل فِي نَفسه لكَون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ مَا دلّ على معنى هُوَ مَدْلُوله، وَهَذَا عَبث وَكَذَا مَا دلّ على معنى حَاصِل فِي نفس ذَلِك الْمَعْنى لِامْتِنَاع كَون الشَّيْء حَاصِلا فِي نَفسه، وَلَو أُرِيد بِكَوْنِهِ حَاصِلا فِي نَفسه أَنه لَيْسَ حَاصِلا فِي غَيره فينتقض الْحَد بأسماء الصِّفَات وَالنّسب والتعريف بِمَا يَصح الْإِخْبَار عَنهُ ينْتَقض بأين وَإِذا وَكَيف وَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد مَا جَازَ الْأَخْبَار عَن مَعْنَاهُ بِدَلِيل صِحَة (طَابَ الْوَقْت) ، وَهُوَ معنى (إِذا) ضَعِيف، إِذْ لَيْسَ (إِذا عبارَة عَن الْوَقْت فَقَط، بل هُوَ يفِيدهُ حَال مَا جعل ظرفا لشَيْء آخر، وَالْوَقْت حَال مَا جعل ظرفا لحادث آخر لَا يُمكن الْإِخْبَار عَنهُ الْبَتَّةَ
وَالِاسْم لُغَة: مَا وضع لشَيْء من الْأَشْيَاء وَدلّ على معنى من الْمعَانِي، جوهرا كَانَ أَو عرضا، فَيشْمَل الْفِعْل والحرف أَيْضا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} أَي: أَسمَاء الْجَوَاهِر والاعراض كلهَا(1/83)
واشتقاقا: هُوَ مَا يكون عَلامَة للشَّيْء ودليلا يرفعهُ إِلَى الذِّهْن من الالفاظ وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال ووعرفا: هُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى، سَوَاء كَانَ مركبا أَو مُفردا، مخبرا عَنهُ أَو خَبرا أَو رابطة بَينهمَا وَفِي عرف النُّحَاة: هُوَ اللَّفْظ الدَّال على الْمَعْنى الْمُفْرد الْمُقَابل للْفِعْل والحرف
وَقد يُطلق الِاسْم وَيُرَاد بِهِ مَا يُقَابل الصّفة وَمَا يُقَابل الظّرْف، وَمَا يُقَابل الكنية واللقب وَالِاسْم: هُوَ اللَّفْظ الْمُفْرد الْمَوْضُوع للمعنى على مَا يعم أَنْوَاع الْكَلِمَة؛ وَأما تَقْيِيده بالاستقلال والتجرد عَن الزَّمَان ومقابلته بِالْفِعْلِ والحرف فاصطلاح النُّحَاة
وَالِاسْم أَيْضا ذَات الشَّيْء قَالَ ابْن عَطِيَّة: يُقَال: ذَات، ومسمى، وَعين، وَاسم بِمَعْنى
وَالِاسْم أَيْضا: الصّفة يُقَال: الْحق والخالق والعليم أَسمَاء الله تَعَالَى وَهُوَ رَأْي الاشعري والمسمى: هُوَ الْمَعْنى الَّذِي وضع الِاسْم بإزائه، وَالتَّسْمِيَة: هِيَ وضع الِاسْم للمعنى؛ وَقد يُرَاد بِالِاسْمِ نفس مَدْلُوله، وبالمسمى الذَّات من حَيْثُ هِيَ هِيَ، وبالتسمية نفس الاقوال، وَقد يُرَاد ذكر الشَّيْء باسمه، كَمَا يُقَال: سمي زيدا وَلم يسم عمرا
وَالِاسْم لَا يدل بِالْوَضْعِ إِلَّا على الثُّبُوت والدوام
والاسمتمرار معنى مجازي لَهُ، وَالْفِعْل يدل على التجدد والحدوث؛ وَلَا يحسن وضع أَحدهمَا مَوضِع الآخر؛ وَالِاسْم أَعلَى من صَاحِبيهِ إِذْ كَانَ يخبر بِهِ وَعنهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك صَاحِبَاه
وَالِاسْم إِن دلّ على معنى يقوم بِذَاتِهِ فَهُوَ اسْم عين كَالرّجلِ وَالْحجر، وَإِلَّا فاسم معنى، سَوَاء كَانَ مَعْنَاهُ وجوديا كَالْعلمِ أَو عدميا كالجهل
وَمثل: زيد وَعَمْرو وَفَاطِمَة وَعَائِشَة وَدَار وَفرس هُوَ اسْم علم
وَمثل: رجل وَامْرَأَة وشمس وقمر هُوَ اسْم لَازم، أَي لَا يَنْقَلِب وَلَا يُفَارق وَمثل: صَغِير وكبير وَقَلِيل وَكثير وطفل وكهل هُوَ اسْم مفارق
وَمثل: كَاتب وخياط هُوَ اسْم مُشْتَقّ
وَمثل: غُلَام جَعْفَر وثوب زيد هُوَ اسْم مُضَاف وَمثل: فلَان أَسد هُوَ اسْم مشبه. وَمثل: أَب وَأم وَأُخْت هُوَ اسْم مَنْسُوب يثبت بِنَفسِهِ وَيثبت غَيره
وَمثل: حَيَوَان وناس اسْم جنس
وَالِاسْم بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ على سِتَّة أَقسَام: فنحو: (زيد) جزئي حَقِيقِيّ
وَنَحْو: (الْإِنْسَان) كلي متواطئ
وَنَحْو: (الْوُجُود) كلي مشكك
وَنَحْو (الْعين) : مُشْتَرك
وَنَحْو (الصَّلَاة) : مَنْقُول مَتْرُوك
وَنَحْو (الْأسد) : حَقِيقِيّ ومجاز
وَالِاسْم الْمُفْرد ك (زيد) و (عَمْرو) والمركب إِمَّا من فعل ك (تأبط شرا) وَإِمَّا من مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ ك (عبد الله) أَو من اسْمَيْنِ قد ركبا وَجعلا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد ك (سِيبَوَيْهٍ)
وَقد يكون الْمُفْرد مرتجلا، وَهُوَ الَّذِي مَا اسْتعْمل فِي غير العلمية ك (مذْحج) و (أدد)
وَقد يكون مَنْقُولًا إِمَّا من مصدر ك (سعد) و (فضل) أَو من اسْم فَاعل ك (عَامر) و (صَالح) أَو من اسْم مفعول ك (مَحْمُود) و (مَسْعُود) أَو من أفعل التَّفْضِيل ك (احْمَد) و (اِسْعَدْ) أَو من صفة ك (عَتيق) وَهُوَ الدارب بالأمور والظافر بالمطلوب و (سلول) وَهُوَ كثير السل(1/84)
وَقد يكون مَنْقُولًا من اسْم عين ك (اسد) و (صقر)
وَقد يكون مَنْقُولًا من فعل مَاض ك (ابان) و (شمر) أَو من فعل مضارع ك (يزِيد) و (يشْكر)
وَوُقُوع الِاسْم على الشَّيْء بِاعْتِبَار ذَاته كالأعلام
وَبِاعْتِبَار صفة حَقِيقَة قَائِمَة بِذَاتِهِ كالأسود والأبيض والحار والبارد
وَاعْتِبَار جُزْء من أَجزَاء ذَاته كَقَوْلِنَا للحيوان إِنَّه جَوْهَر وجسم
وَبِاعْتِبَار صفة إضافية فَقَط كَقَوْلِنَا للشَّيْء، إِنَّه مَعْلُوم وَمَفْهُوم ومذكور وَمَالك ومملوك. وَبِاعْتِبَار صفة سلبية كالأعمى وَالْفَقِير
وَبِاعْتِبَار صفة حَقِيقِيَّة مَعَ صفة إضافية كَقَوْلِنَا للشَّيْء إِنَّه عَالم وقادر، فَإِن الْعلم عِنْد الْجُمْهُور صفة حَقِيقِيَّة وَلها إِضَافَة إِلَى المعلومات، وَكَذَا الْقُدْرَة صفة حَقِيقِيَّة وَلها إِضَافَة إِلَى المقدورات
وَبِاعْتِبَار صفتين حَقِيقِيَّة وسلبية كشجاع وَهِي الملكة وَعدم الْبُخْل
وَبِاعْتِبَار صفتين إضافية وسلبية كَالْأولِ لِأَنَّهُ سَابق لغيره وَلم يسْبقهُ غَيره، وقيوم لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج إِلَى غَيره ومقوم لغيره
وَبِاعْتِبَار الصِّفَات الثَّلَاث كالإله لِأَنَّهُ دَال على وُجُوبه لذاته وعَلى إيجاده لغيره وعَلى تنزيهه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ
وَالِاسْم غير الصّفة: مَا كَانَ جِنْسا غير مَأْخُوذ من الْفِعْل نَحْو: رجل وَفرس وَعلم وَجَهل
وَالصّفة مَا كَانَ مأخوذا من الْفِعْل نَحْو اسْم الْفَاعِل وَاسم الْمَفْعُول ك (ضَارب ومضروب) وَمَا أشبههما من الصِّفَات الفعلية، و (أَحْمَر) و (أصفر) وَمَا أشبههما من صِفَات الْحِلْية، و (مصري) و (مغربي) وَنَحْوهمَا من صِفَات النِّسْبَة؛ وَهَذَا من حَيْثُ اللَّفْظ، وَأما من حَيْثُ الْمَعْنى فالصفة تدل على ذَات وَصفَة نَحْو: (أسود) إِلَّا أَن دلالتها على الذَّات تَسْمِيَة، ودلالتها على السوَاد من جِهَة أَنه مُشْتَقّ من لَفظه فَهُوَ خَارج، وَغير الصّفة لَا يدل إِلَّا على شَيْء وَاحِد وَهُوَ ذَات الْمُسَمّى
وَالِاسْم الْوَاقِع فِي الْكَلَام قد يُرَاد بِهِ نفس لَفظه كَمَا يُقَال: (زيد) : مُعرب و (ضرب) : فعل مَاض، و (من) : حرف جر
وَقد يُرَاد بِهِ مَعْنَاهُ كَقَوْلِنَا: (زيد كَاتب)
وَقد يُرَاد بِهِ نفس مَا هية الْمُسَمّى مثل (الْإِنْسَان نوع وَالْحَيَوَان جنس)
وَقد يُرَاد بِهِ فَرد مِنْهُ نَحْو: (جَاءَنِي إِنْسَان) و (رَأَيْت حَيَوَانا)
وَقد يُرَاد جزؤها كالناطق، أَو عَارض لَهَا كالضاحك، فَلَا يبعد أَن يَقع اخْتِلَاف واشتباه فِي أَن اسْم الشَّيْء نفس مُسَمَّاهُ أَو غَيره؛ وَفِي مثل: (كتبت زيدا) يُرَاد بِهِ اللَّفْظ، وَفِي مثل (كتب زيد) يُرَاد بِهِ الْمُسَمّى، وَإِذا أطلق بِلَا قرينَة ترجح اللَّفْظ أَو الْمُسَمّى كَمَا فِي قَوْلك: (زيد حسن) فَإِنَّهُ يحتملهما بِلَا رُجْحَان، فالقائل بالغيرية يحملهُ على اللَّفْظ، وبالعينية على الْمُسَمّى، فَعِنْدَ النَّحْوِيين غير الْمُسَمّى، إِذْ لَو كَانَ إِيَّاه لما جَازَ إِضَافَته إِلَيْهِ، إِذْ الشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه؛ فالاسم هُوَ اللَّفْظ الْمُطلق على الْحَقِيقَة عينا تِلْكَ الْحَقِيقَة أَو معنى، تمييزا لَهَا باللقب مِمَّن يشاركها فِي النَّوْع، والمسمى تِلْكَ الْحَقِيقَة وَهِي ذَات ذَلِك اللقب أَي صَاحبه، فَمن ذَلِك: (لَقيته ذَات مرّة) وَالْمرَاد الزَّمن الْمُسَمّى بِهَذَا الِاسْم الَّذِي هُوَ مرّة، وَالدَّلِيل على التغاير بَينهمَا أَيْضا ثُبُوت كل مِنْهُمَا حَال عدم الآخر، كالحقائق الَّتِي مَا وضعُوا لَهَا اسْما بِعَيْنِه، وكألفاظ الْمَعْدُوم والمنفي، وكالأسماء المترادفة والمشتركة فَإِن كَثْرَة المسميات ووحدة(1/85)
الِاسْم فِي الْمُشْتَرك، وَبِالْعَكْسِ فِي المترادف يُوجب الْمُغَايرَة، لَا سِيمَا أَن الِاسْم أصوات مقطعَة وصنعت لتعريف المسميات، وَتلك الْأَصْوَات أغراض غير بَاقِيَة، والمسمى قد يكون بَاقِيا، بل يكون وَاجِب الْوُجُود لذاته
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ: " قد يكون الِاسْم عين الْمُسَمّى نَحْو (الله) فَإِنَّهُ علم للذات من غير اعْتِبَار معنى فِيهِ، وَقد يكون غَيره نَحْو: الْخَالِق والرازق مِمَّا يدل على نِسْبَة إِلَى غَيره، وَلَا شكّ أَنه غَيره، وَقد يكون لَا هُوَ وَلَا غَيره، كالعليم وَالْقَدِيم مِمَّا يدل على صفة حَقِيقِيَّة قَائِمَة بِذَاتِهِ " انْتهى لَكِن إِطْلَاق الِاسْم بِمَعْنى الصّفة على مَا مَدْلُوله مُجَرّد للذات بِلَا معنى زَائِد مَحل نظر؛ فَإِن قيل: لَو كَانَ الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى لاستقام أَن يُقَال: إِن الله اسْم، كَمَا يَسْتَقِيم القَوْل بِأَن الله مُسَمّى، واستقام أَن يُقَال بِأَنَّهُ [عبد] اسْم الله، كَمَا يَسْتَقِيم القَوْل بِأَنَّهُ عبد الله قُلْنَا: السَّبِيل فِي مثله التَّوْقِيف وَلم يرد التَّوْقِيف بِأَن اسْم الله هُوَ الله، وَلَا بِأَن (عبد اسْم الله) عبد الله كَذَا فِي " الْكَافِي "
والمحكي عَن الْمُعْتَزلَة أَن الِاسْم غير الْمُسَمّى، وَلَفظ الِاسْم فِي قَوْله تَعَالَى: {سبح اسْم رَبك} و {تبَارك اسْم رَبك} مقحم؛ وَلنَا أَن تِلْكَ الْآيَة دَلِيل على أَنَّهُمَا وَاحِد، إِذْ لَو كَانَ الِاسْم غير الْمُسَمّى لَكَانَ أمرا بالتسبيح لغير الله؛ وعَلى هَذَا إِذا قَالَ: (زَيْنَب طَالِق) وَاسم امْرَأَته زَيْنَب يَقع على ذَات الْمَرْأَة لَا على اسْمهَا، وَإِذا اسْتعْمل بِمَعْنى التَّسْمِيَة يكون غير الْمُسَمّى لَا محَالة؛ فجواب (مَا اسْمك) زيد لِأَن (مَا) لغير الْعُقَلَاء، وَجَوَاب (من زيد) ؟ أَنا، بِالْإِضَافَة إِلَى الذَّات؛ وَفِي الْجُمْلَة: الِاسْم هُوَ مَدْلُول اللَّفْظ لَا اللَّفْظ؛ يُقَال زيد هَذَا الشَّخْص، وَزيد جَاءَ؛ وَلَو كَانَ هُوَ اللَّفْظ لما صَحَّ الْإِسْنَاد، فَعلم أَنه عين الْمُسَمّى خَارِجا لَا مفهوما، وَأما اللَّفْظ الْحَاصِل بالتكلم وَهُوَ الْحُرُوف المركبة تركبا مَخْصُوصًا فيسمى بِالتَّسْمِيَةِ
ثمَّ اعْلَم أَن الِاسْم إِمَّا أَن يوضع لذات مُعينَة من غير مُلَاحظَة معنى من الْمعَانِي مَعهَا مثل (الْإِبِل وَالْفرس) ، وَإِمَّا أَن يوضع لذات مُعينَة بِاعْتِبَار صدق معنى مَا عَلَيْهَا، فيلاحظ الْوَاضِع تِلْكَ الذَّات بِاعْتِبَار صدق ذَلِك الْمَعْنى عَلَيْهَا، ثمَّ يوضع الِاسْم بِإِزَاءِ تِلْكَ الذَّات فَقَط خَارِجا عَنْهَا ذَلِك الْمَعْنى، أَو بِإِزَاءِ الذَّات المتصفة بذلك الْمَعْنى دَاخِلا ذَلِك الْمَعْنى فِي الْمَوْضُوع لَهُ فَيكون الْمَعْنى سَببا باعثا للوضع فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ، مَعَ أَنه خَارج فِي الصُّورَة الأولى دَاخل فِي الثَّانِيَة وكل من هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة اسْم يُوصف وَلَا يُوصف بِهِ، إِذْ مَدْلُوله الذَّات الْمعينَة الْقَائِمَة بِنَفسِهَا ممتنعة الْقيام بغَيْرهَا حَتَّى يُوصف بهَا الْغَيْر؛ وَإِمَّا أَن يوضع لذات مُبْهمَة يقوم بهَا معنى معِين على أَن يكون قيام ذَلِك الْمَعْنى بأية ذَات كَانَت من الذوات مصححا للاطلاق فَهَذَا الْقسم هُوَ الصّفة إِذْ مَدْلُوله قَائِم بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ، لِأَنَّهُ مركب من مَفْهُوم الذَّات المبهمة وَالْمعْنَى، وَقيام الْمَعْنى بِغَيْرِهِ ظَاهر، وَكَذَا الذَّات المبهمة معنى من الْمعَانِي، إِذْ لَا اسْتِقْلَال(1/86)
لَهُ بِنَفسِهِ فَيقوم بِغَيْرِهِ، وَالضَّابِط فِيهِ هُوَ أَن كل ذَات قَامَت بهَا صِفَات زَائِدَة عَلَيْهَا، فالذات غير الصِّفَات، وَكَذَا كل وَاحِد من الصِّفَات، غير الآخر ان اخْتلف بالذوات، بِمَعْنى أَن حَقِيقَة كل وَاحِد، وَالْمَفْهُوم مِنْهُ عِنْد انْفِرَاده غير مَفْهُوم الآخر لَا محَالة، وَإِن كَانَت الصِّفَات غير مَا قَامَت بِهِ من الذَّات، فَالْقَوْل بِأَنَّهَا غير مَدْلُول الِاسْم الْمُشْتَقّ مِنْهَا أَو مَا وضع لَهَا وللذات من غير اشتقاق، وَذَلِكَ مثل صفة الْعلم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُسَمّى الْعَالم أَو مُسَمّى الاله؛ فعلى هَذَا، وَإِن صَحَّ القَوْل بِأَن علم الله غير مَا قَامَ بِهِ من الذَّات لَا يَصح أَن يُقَال: إِن علم الله غير مَدْلُول اسْم الله أَو عينه، إِذْ لَيْسَ هُوَ عين مَجْمُوع الذَّات مَعَ الصِّفَات، وَلَعَلَّ هَذَا مَا أَرَادَهُ بعض الحذاق من الْأَصْحَاب فِي أَن الصِّفَات النفسية لَا هِيَ هُوَ وَلَا هِيَ غَيره؛ إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: إِن الاله اسْم لَا وصف، مَعَ أَنه صَالح للوصفية أَيْضا، لاشتمال مَعْنَاهُ على الذَّات المبهمة الْقَائِمَة بهَا معنى وَعين وَالدَّلِيل على ذَلِك جَرَيَان الْأَوْصَاف عَلَيْهِ وَعدم جَرَيَانه على مَوْصُوف مَا، وَالسَّبَب فِي ذَلِك كَونه فِي أصل وَضعه لذات مُعينَة، بِاعْتِبَار وصف الألوهية؛ وَمَعْلُوم أَن الذَّات الْمعينَة قَائِمَة بِنَفسِهَا لَا يحْتَمل قِيَامهَا بغَيْرهَا حَتَّى يَصح إِجْرَاء اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهَا على مَوْصُوف مَا؛ وَهَذَا هُوَ الْفرق بَين الِاسْم وَالصّفة
اسْم الْجِنْس: هُوَ يُطلق على الْوَاحِد على سَبِيل الْبَدَل ك (رجل) ، وَلَا يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير، وَالْجِنْس يُطلق عَلَيْهِمَا ك (المَاء)
وَاسم الْجِنْس: لَا يتَنَاوَل الْأَفْرَاد على سَبِيل الْعُمُوم والشمول فِي غير مَوضِع الِاسْتِغْرَاق، ويتناول مَا تَحْتَهُ من الْأَنْوَاع كالحيوان يتَنَاوَل الْإِنْسَان وَغَيره مِمَّا فِيهِ الحيوانية
وَاسم النَّوْع: لَا يتَنَاوَل الْجِنْس كالإنسان فَإِنَّهُ لَا يتَنَاوَل الْحَيَوَان
وَاسم الْجِنْس إِذا عرف بِاللَّامِ، فَإِن كَانَ هُنَاكَ حِصَّة من الْمَاهِيّة مَعْهُود حمل عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَإِن لم يكن هُنَاكَ مَا يدل على إِرَادَة الْحَقِيقَة من حَيْثُ وجودهَا فِي ضمن أفرادها حمل على الْحَقِيقَة؛ وَإِن دلّت قرينَة على إرادتها من حَيْثُ الْوُجُود فَإِن كَانَ الْمقَام مناسبا للاستغراق حمل عَلَيْهِ، وَإِلَّا حمل على غير معِين
وشمول اسْم الْجِنْس لكل فَرد ومثنى ومجموع إِنَّمَا يتَصَوَّر على مَذْهَب من يَقُول ان اسْم الْجِنْس مَوْضُوع للماهية من حَيْثُ هِيَ المتحدة فِي الذِّهْن يُمكن فرض صدقهَا على كثيرين فِي الْخَارِج فَهِيَ متعينة فِي الذِّهْن بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْحَقَائِق، وَلَيْسَت بمشخصة حَيْثُ تُوجد فِي الْخَارِج فِي ضمن أَفْرَاد كَثِيرَة هَذَا مَا هُوَ مُخْتَار السَّيِّد الشريف وَالْقَاضِي الْعَضُد
وَأما على مَذْهَب من يَقُول إِنَّه مَوْضُوع للماهية مَعَ وحدة شخصية أَو نوعية بِاعْتِبَار وجودهَا فِي الْخَارِج يُسمى فَردا منتشرا فَهُوَ لَيْسَ بمتعين وَلَا بشخص، وَهُوَ مَذْهَب الْأُصُولِيِّينَ ومختار ابْن الْحَاجِب والرضي والتفتازاني
وَاسم الْجِنْس مَوْضُوع للفرد الْمُبْهم، وَعلم الْجِنْس مَوْضُوع للماهية، وَإِذا قَالَ الْوَاضِع: وضعت لَفْظَة (أُسَامَة) لإِفَادَة ذَات كل وَاحِد من أشخاص الْأسد بِعَينهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ على سَبِيل الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ، فَإِن ذَلِك علم الْجِنْس
وَإِذا قَالَ: وضعت لفظ (الْأسد) لإِفَادَة الْمَاهِيّة الَّتِي هِيَ الْقدر الْمُشْتَرك بَين هَذِه الْأَشْخَاص فَقَط من غير أَن يكون فِيهَا دلَالَة على الشَّخْص الْمعِين كَانَ اسْم الْجِنْس(1/87)
الِاسْم المتمكن: أَي اسْم راسخ الْقدَم فِي الاسمية، وَهُوَ مَا يجْرِي عَلَيْهِ الاعراب، أَي مَا يقبل الحركات الثَّلَاث ك (زيد)
وَغير المتمكن: مَا لَا يجْرِي عَلَيْهِ الْإِعْرَاب
وَالِاسْم التَّام: مَا يَسْتَغْنِي عَن الْإِضَافَة
والمقصور: مَا فِي آخِره ألف مُفْردَة
والمنقوص: مَا فِي آخِره يَاء قبلهَا كسرة ك (القَاضِي)
وَالِاسْم الْمُشْتَرك: مَا لَهُ وضعان أَو أَكثر بِإِزَاءِ مدلولية أَو مدلولاته، فَلِكُل مَدْلُول وضع
وَالْعَام: مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا وضع وَاحِد يتَنَاوَل كل فَرد ويستغرق الْأَفْرَاد
وَأَسْمَاء الْأَفْعَال: مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ أَلْفَاظ الْأَفْعَال ك (استجب) و (أمْهل) و (أسْرع) و (أقبل) من حَيْثُ يُرَاد بهَا مَعَانِيهَا، لَا من حَيْثُ يُرَاد بهَا أَنْفسهَا، لِأَن مدلولاتها الَّتِي وضعت لَهَا هِيَ أَلْفَاظ لم يعْتَبر اقترانها بِزَمَان؛ وَأما الْمعَانِي المقترنة بِالزَّمَانِ فَهِيَ مدلولة لتِلْك الْأَلْفَاظ، فينقل من الْأَسْمَاء إِلَيْهَا بواسطتها
وَحكم أَسمَاء الْأَفْعَال فِي التَّعَدِّي واللزوم حكم الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ بمعناها، إِلَّا أَن الْبَاء تزاد فِي مفعولها كثيرا نَحْو (عَلَيْك بِهِ) لِضعْفِهَا فِي الْعَمَل، فَيعْمل بِحرف عَادَته إِيصَال اللَّازِم إِلَى الْمَفْعُول
اسْم الْفَاعِل: هُوَ مَا اشتق لما حدث مِنْهُ الْفِعْل
وَالْفَاعِل: مَا أسْند إِلَيْهِ الْمَعْرُوف أوشبهه
ونائب الْفَاعِل: مَا أسْند إِلَيْهِ الْمَجْهُول أَو شبهه وَالْفَاعِل كاسم الْفَاعِل إِذا اعْتمد على الْهمزَة يُسَاوِي الْفِعْل فِي الْعَمَل نَحْو: (أقائم الزيدان) وَالْفَاعِل الَّذِي بِمَعْنى ذِي كَذَا لَا يؤنث لقَوْله تَعَالَى: {السَّمَاء منفطر بِهِ} أَي ذَات انفطار، بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل
وَاسم الْفَاعِل مجَاز فِي الْمَاضِي عِنْد الْأَكْثَرين وَحَقِيقَة فِي الْحَال عِنْد الْكل، ومجاز فِي الِاسْتِقْبَال اتِّفَاقًا، وَقيل: حَقِيقَة فِي الْمَاضِي؛ وَقيل: إِن كَانَ الْفِعْل مِمَّا لَا يُمكن بَقَاؤُهُ كالمتحرك والمتكلم وَنَحْو ذَلِك فحقيقة، وَإِلَّا فمجاز؛ وَهَكَذَا اسْم الْمَفْعُول
وكل اسْم دلّ على الْمصدر فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التّكْرَار كالسارق فِي آيَة السّرقَة فَإِن الْمصدر الثَّابِت بِلَفْظ السَّارِق لما لم يَجْعَل للعدد أُرِيد بهَا الْمرة، وبالمرة الْوَاحِدَة لَا يقطع إِلَّا يَد وَاحِدَة، واليمنى متعينة بِالْإِجْمَاع وبالسنة قولا وفعلا؛ وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: {فَاقْطَعُوا أيمانهما}
يَقُول الشَّافِعِي: " الْآيَة تدل على قطع يسرى السَّارِق فِي الكرة الثَّانِيَة " وَهُوَ ضَعِيف؛ وَإِنَّمَا يحمل الشَّافِعِي الْمُطلق على الْمُقَيد هَهُنَا مَعَ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ فِي صُورَة اتِّحَاد الحكم والحادثة، لِأَنَّهُ لَا يعْمل بِالْقِرَاءَةِ غير المتواترة
وَيجوز تَعديَة اسْم الْفَاعِل بِحرف الْجَرّ وَامْتنع ذَلِك فِي فعله نَحْو: {فعال لما يُرِيد}
وَاسم الْفَاعِل الْمُتَعَدِّي لَا يُضَاف إِلَى فَاعله لوُقُوع الالتباس، وَهُوَ مَعَ فَاعله يعد من الْمُفْردَات، بِخِلَاف الْفِعْل مَعَ فَاعله
وَلَا يكون مُبْتَدأ حَتَّى يعْتَمد على الِاسْتِفْهَام أَو(1/88)
النَّفْي أَو معنى النَّفْي لِأَنَّهُمَا يقربانه بِمَالِه صدر الْكَلَام؛ وَيدل فِي كثير من الْمَوَاضِع على ثُبُوت الْمصدر فِي الْفَاعِل ورسوخه فِيهِ، وَالْفِعْل الْمَاضِي لَا يدل عَلَيْهِ
وَاسم الْفَاعِل مَعَ فَاعله لَيْسَ بجملة لشبهه بالخالي عَن الضَّمِير حَيْثُ لم يتفاوتا فِي الْحِكَايَة وَالْخطاب والغيبة تَقول: (أَنا قَائِم، أَنْت قَائِم، هُوَ قَائِم) كَمَا تَقول: (أَنا غُلَام، أَنْت غُلَام، هُوَ غُلَام) إِلَّا أَنه إِذا وَقع صلَة كَانَ مُقَدرا بِالْفِعْلِ فَيكون جملَة؛ وَإِنَّمَا عدل إِلَى صُورَة الِاسْم كَرَاهَة دُخُول مَا هُوَ فِي صُورَة لَام التَّعْرِيف على صَرِيح الْفِعْل وَالْفِعْل مَعَ فَاعله جملَة لأصالته
ويبنى اسْم الْفَاعِل من اللَّازِم كَمَا يبْنى من الْمُتَعَدِّي
وَاسم الْمَفْعُول إِنَّمَا يبْنى من فعل مُتَعَدٍّ
وَاسم الْفَاعِل المُرَاد بِهِ الْمُضِيّ لَا يعْمل إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ اللَّام بِمَعْنى (الَّذِي) ويتعرف بِالْإِضَافَة، وَإِذا ثني أَو جمع لَا يجوز فِيهِ إِلَّا حذف النُّون والجر بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل المُرَاد بِهِ الْحَال والاستقبال فَإِنَّهُ يعْمل مُطلقًا
وَلَا يتعرف بِالْإِضَافَة، وَيجوز فِيهِ فِي صُورَة التَّثْنِيَة وَالْجمع حذف النُّون والجر وَبَقَاء النُّون وَالنّصب
وَاسْتِعْمَال اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الْحَاضِر أقوى مِنْهُ بِمَعْنى الْمُسْتَقْبل
وَاسم الْفَاعِل دون الصّفة المشبهة فِي الدّلَالَة على الثُّبُوت، وَلَا يكون اسْم الْفَاعِل إِلَّا مجاريا للمضارع فِي حركاته وسكناته، وَالصّفة المشبهة تكون مجارية لَهُ ك (منطلق اللِّسَان) و (مطمئن) الْقلب) ؛ وَغير مجارية لَهُ وَهُوَ الْغَالِب
وَاسم الْفَاعِل لَا يُخَالف فعله فِي الْعَمَل وَالصّفة المشبهة تخَالفه فِيهِ، لِأَنَّهَا تنصب مَعَ قُصُور فعلهَا، وَيجوز حذف اسْم الْفَاعِل وإبقاء معموله، وَالصّفة المشبهة لَا تعْمل محذوفة
وَاسم الْفَاعِل لما كَانَ جَارِيا على الْفِعْل جَازَ أَن يقْصد بِهِ الْحُدُوث بمعونة الْقَرَائِن كَمَا فِي (ضايق) وَيجوز أَن يقْصد بِهِ الدَّوَام كَمَا فِي الْمَدْح وَالْمُبَالغَة، وَكَذَا حكم اسْم الْمَفْعُول
وَأما الصّفة المشبهة فَلَا يقْصد بهَا إِلَّا مُجَرّد الثُّبُوت وضعا، والدوام باقتضاء الْمقَام
وَاسم الْفَاعِل يتَحَمَّل الضَّمِير، بِخِلَاف الْمصدر؛ وَالْألف وَاللَّام فِيهِ تفِيد التَّعْرِيف والموصولية؛ وَفِي الْمصدر تفِيد التَّعْرِيف فَقَط
وَيجوز تَقْدِيم معموله عَلَيْهِ نَحْو: (هَذَا زيدا ضَارب) بِخِلَاف الْمصدر
وَيعْمل بشبه الْفِعْل، والمصدر لَا يعْمل بشبه شَيْء لِأَنَّهُ الأَصْل
وَلَا يعْمل إِلَّا فِي الْحَال والاستقبال، والمصدر يعْمل فِي الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة
وَلَا يعْمل مُعْتَمدًا على مَوْصُوف أَو ذِي خبر أَو حَال، والمصدر يعْمل مُعْتَمدًا وَغير مُعْتَمد
وَقد يُضَاف مَعَ الْألف وَاللَّام، والمصدر لَا يُضَاف كَذَلِك.
وَلَا يُضَاف إِلَّا إِلَى الْمَفْعُول، والمصدر يُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول
وَالظَّاهِر من صِيغَة الْفَاعِل غير الْمُضَاف هُوَ الِاسْتِقْبَال، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي (ضَارب غلامك) حَيْثُ قَالُوا: هُوَ عدَّة إِن لم يضف وَإِقْرَار إِن أضَاف
وَاسم الْفَاعِل من الْعدَد: إِذا أضيف إِلَى أنقص مِنْهُ يكون بِمَعْنى الْمصير نَحْو: (ثَالِث اثْنَيْنِ) أَي مصير الِاثْنَيْنِ ثَلَاثَة؛ وعَلى هَذَا قَول الرضي: الثَّالِث الْمَعْنيين أَي مصير الْمَعْنيين السَّابِقين(1/89)
ثَلَاثَة؛ وَإِنَّمَا دخل (ال) على الْمُضَاف إِضَافَة لفظية لكَونهَا دَاخِلَة أَيْضا على الْمُضَاف إِلَيْهِ نَحْو: (الْجَعْد الشّعْر)
[وَإِذا أضيف إِلَى أَزِيد مِنْهُ أَو إِلَى مُسَاوِيَة يكون بِمَعْنى الْحَال نَحْو: (ثَانِي اثْنَيْنِ) أَو (ثَانِي ثَلَاثَة) أَي أَحدهمَا]
وَاسم الْفَاعِل والمصدر المتعديين إِلَى الْمَفْعُول بأنفسهما قد يقويان بِاللَّامِ، وَيُسمى لَام التقوية فِي غير نَحْو: (عل) و (عرف) و (درى) و (جهل) ؛ وَلَا يقوى الْفِعْل بِاللَّامِ إِذا قدم مَفْعُوله فَيُقَال (لزيدا ضربت)
وَاسم الْفَاعِل يجوز عطفه على الْفِعْل وَبِالْعَكْسِ مثل: {صافات ويقبضن}
وَعمل اسْم الْفَاعِل مَشْرُوط بِشَرْطَيْنِ: أَحدهمَا كَونه بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال
وَثَانِيهمَا اعْتِمَاده على أحد الْأَشْيَاء السِّتَّة: حرف النَّفْي، وحرف الِاسْتِفْهَام ملفوظا أَو مُقَدرا، والمبتدأ صَرِيحًا أَو منويا؛ والموصوف؛ وَذُو الْحَال؛ والموصول، كَمَا أَن الظّرْف مَشْرُوط فِي عمله الِاعْتِمَاد على أحد مَا ذكر وَزَاد الْبَعْض فِي اسْم الْفَاعِل الِاعْتِمَاد على حرف النداء نَحْو: (يَا طالعا جبلا) وَبَعْضهمْ على (إِن) نَحْو: (إِن قَائِم الزيدان)
وَاسم الْفَاعِل وَنَحْوه يدل على شخص متصف بِالْمَصْدَرِ الْمُشْتَقّ مِنْهُ، وَلَا دلَالَة لَهُ على الزَّمَان إِذا أُرِيد بِهِ الثُّبُوت، بل هُوَ كَلَفْظِ (أَسد) و (إِنْسَان) فِي الدّلَالَة على الزَّمَان؛ فَمَعْنَى (ضَارب) مرَادا بِهِ الثُّبُوت: شخص متصف بِالضَّرْبِ، صادر مِنْهُ، وَإِن أُرِيد بِهِ الْحُدُوث كَمَا يقْصد بالأفعال بِحَيْثُ يعْمل عمل الْفِعْل دلّ على الزَّمَان
وَقد يُطلق اسْم الْفَاعِل بِاعْتِبَار مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ
وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول والمصدر إِذا وصف بِشَيْء يمْنَع إعماله بعد ذَلِك فِي شَيْء؛ وَلِهَذَا قَالُوا: عَامل (يَوْم) فِي {يَوْم ينظر الْمَرْء} مَحْذُوف، وَهُوَ (اذكر) لَا (الْعَذَاب)
وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول إِذا جرى على غير مَا هُوَ لَهُ كَانَ كالفعل يذكر وَيُؤَنث على حسب مَا عمل فِيهِ، كَمَا فِي قَوْله: {رَبنَا أخرجنَا من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا}
وَبِنَاء اسْم الْفَاعِل من (فعل) على (فَاعل) مُتَعَدِّيا كَانَ أَو لَازِما وَمن (فعل) إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا على (فَاعل) أَيْضا؛ وَأما إِذا كَانَ لَازِما فَهُوَ على (أفعل) ك (أبخل) و (أَحول)
وَاسم الْمَفْعُول: هُوَ مَا وَقع عَلَيْهِ الْفِعْل بِالْقُوَّةِ: وَالْمَفْعُول مَا وَقع عَلَيْهِ الْفِعْل بِالْفِعْلِ؛ وَالْفَاعِل لَا بُد لَهُ من فعل، وَهُوَ الْمصدر، وَلَا بُد لذَلِك الْفِعْل من زمَان وَمن غَرَض ثمَّ قد يَقع ذَلِك الْفِعْل فِي شَيْء آخر وَهُوَ الْمَفْعُول بِهِ، وَفِي مَكَان وَمَعَ شَيْء آخر هَذَا ضبط القَوْل فِي المفاعيل
وَالْمَفْعُول إِذا كَانَ ضميرا مُنْفَصِلا وَالْفِعْل مُتَعَدٍّ لوَاحِد وَجب تَأْخِير الْفِعْل نَحْو: {إياك نعْبد} وَلَا يجوز أَن يتَقَدَّم إِلَّا فِي ضَرُورَة وَفِي بعض(1/90)
الشُّرُوح: إِن كَانَ مفعول الْمَجْهُول جارا أَو مجرورا لَا يتَقَدَّم على الْفِعْل لِأَنَّهُ لَو تقدم اشْتغل الْفِعْل بضميره وَلَا يُمكن جعله مُبْتَدأ لأجل حرف الْجَرّ؛ وَمِنْهُم من أجَازه محتجا بقوله تَعَالَى: {كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} لِأَن مَا لم يسم فَاعله مفعول فِي الْمَعْنى
وَالنّصب بعد حذف الْخَافِض عَلامَة الْمَفْعُول بِهِ، لِأَن حُرُوف الْجَرّ إِنَّمَا تدخل الْأَسْمَاء لإخفاء مَعَاني الْأَفْعَال إِلَيْهَا، فَتكون تِلْكَ الْأَسْمَاء مفاعيل لتِلْك الْأَفْعَال مَنْصُوبَة الْمحَال لعدم ظُهُور النصب فِيهَا لفظا لضَرُورَة وجود آثَار تِلْكَ الْحُرُوف؛ وَلما حذف مَانع ظُهُور النصب عَادَتْ منصوبات على المفعولية
وَيجوز حذف أحد مفعولي أَفعَال الْقُلُوب فِيمَا إِذا كَانَ الْفَاعِل والمفعولان شَيْئا وَاحِدًا فِي الْمَعْنى، ذكره صَاحب " الكاشف "
الِاسْتِثْنَاء: فِي اللُّغَة: الْمَنْع وَالصرْف، فينتظم الوضعي الَّذِي هُوَ مَا يكون بأداته، والعرفي الَّذِي هُوَ التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى
وَلَفظ الِاسْتِثْنَاء يُطلق على فعل الْمُتَكَلّم وعَلى الْمُسْتَثْنى وعَلى نفس الصِّيغَة، وَالْمرَاد من قَوْلهم: إِن الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل مجَاز فِي الْمُنْقَطع صِيغ الِاسْتِثْنَاء، وَأما لفظ الِاسْتِثْنَاء فحقيقة اصطلاحية فِي الْقسمَيْنِ بِلَا نزاغ
وَالِاسْتِثْنَاء إِيرَاد لفظ يَقْتَضِي رفع مَا يُوجِبهُ عُمُوم اللَّفْظ، أَو رفع مَا يُوجِبهُ اللَّفْظ
فَمن الأول قَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة} وَمن الثَّانِي قَوْله الْقَائِل: (وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِن شَاءَ الله) و (عَبده عَتيق وَامْرَأَته طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى)
والمخرج بِالِاسْتِثْنَاءِ عينه، وباستثناء الْمَشِيئَة خلاف الْمَذْكُور
وَالِاسْتِثْنَاء من قبيل الْأَلْفَاظ، والتلفظ تكلم بالحاصل بعد الثنيا وَلِهَذَا دخل فِي الْعدَد وَلم يجز إضماره، وَالنِّيَّة لَيست كَذَلِك، لِأَنَّهَا لَيست من قبيل الْأَلْفَاظ وَالثَّابِت بهَا إِذن التَّخْصِيص لَا الِاسْتِثْنَاء، إِذْ التَّخْصِيص لَا يخْتَص بالألفاظ، فَإِنَّهُ يكون تَارَة بِاللَّفْظِ وَتارَة بِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ التَّخْصِيص بِالْعقلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {تدمر كل شَيْء}
وَالِاسْتِثْنَاء يجْرِي حَقِيقَة فِي الْعَام وَالْخَاص، والتخصيص لَا يجْرِي حَقِيقَة إِلَّا فِي الْعَام
وَالِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات، كَقَوْلِك: (لَيْسَ لَهُ على شَيْء إِلَّا عشرَة) فَيلْزمهُ عشرَة؛ وَبِالْعَكْسِ كَقَوْلِك: (لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة) فَيلْزمهُ خَمْسَة هَذَا عِنْد الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا، يَعْنِي أَنه اسْتِخْرَاج صوري وَبَيَان معنوي، إِذْ الْمُسْتَثْنى لم يرد أَولا نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} وَالْمرَاد تسعمئة سنة قَالَ الْبرمَاوِيّ مَا قَالَه الشَّافِعِي وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور مُوَافق لقَوْل سِيبَوَيْهٍ والبصريين، وَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة مُوَافق لقَوْل نحاة الْكُوفَة لِأَنَّهُ كُوفِي(1/91)
وَأما الْإِجْمَاع المنعقد على أَن (لَا إِلَه إِلَّا الله) يُفِيد التَّوْحِيد وَلَو من الدهري وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بالإثبات بعد النَّفْي، فَالْجَوَاب أَن إِفَادَة كلمة التَّوْحِيد الْإِثْبَات بعد النَّفْي بِالْعرْفِ الشَّرْعِيّ، وكلامنا فِي الْوَضع اللّغَوِيّ، وَلِأَن مُرَاد أهل الْإِجْمَاع بالإثبات فِي قَوْلهم: الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات عدم النَّفْي، ومرادهم بِالنَّفْيِ فِي قَوْلهم: الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي عدم الْإِثْبَات إطلاقا للخاص على الْعَام [أَو نقُول: الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَبِالْعَكْسِ لَكِن بطرِيق الْإِشَارَة على معنى أَن حكم الْإِثْبَات يَنْتَهِي بِهِ كَمَا يَنْتَهِي بالغاية، وَذَلِكَ لِأَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْحَقِيقَة غَايَة للمستثنى مِنْهُ، فَمَتَى دخل على نفي يَنْتَهِي بالإثبات وَمَا دخل على إِثْبَات يَنْتَهِي بِالنَّفْيِ لِانْعِدَامِ عِلّة الْإِثْبَات، وَسمي هَذَا نفيا وإثباتا مجَازًا، وَالْمرَاد أَنه لم يحكم على الْمُسْتَثْنى بِحكم الصَّدْر إِلَّا أَنه حكم عَلَيْهِ بنقيض حكم الصَّدْر فَفِي قَوْله: (لَا إِلَه إِلَّا الله) لما انْتهى نفي الأولوهية عَمَّا سوى الله تَعَالَى بالألوهية ثَبت ألوهية الله تَعَالَى ضَرُورَة لَكِن بطرِيق الْإِشَارَة]
وَالِاسْتِثْنَاء وضع للنَّفْي، لِأَنَّهُ لبَيَان أَن الْمُسْتَثْنى لم يدْخل فِي حكم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، لَكِن جَعَلْنَاهُ للنَّفْي إِذا كَانَ من الْإِثْبَات، وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ ضَرُورَة المضادة بَين الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ، فَكَانَ النَّفْي ذاتيا؛ أما نفي الْإِثْبَات إِن كَانَ من الْإِثْبَات أَو نفي النَّفْي إِن كَانَ من النَّفْي وَالْإِثْبَات فلعارض المضادة، وَمَا بِالذَّاتِ أولى [مِمَّا بالعارض]
وَجَمِيع كلم الِاسْتِثْنَاء إِذا أدخلت قبل النَّفْي أوجبت نفي الحكم عَمَّا عَداهَا، وَإِذا دخلت بعد النَّفْي أوجبت إِثْبَات الحكم بعْدهَا، وَقد يَجِيء بِلَفْظ يدل على معنى الِاسْتِثْنَاء وَلَيْسَ هُوَ إِيَّاه مثل: (هَذِه الدَّار لزيد وَهَذَا الْبَيْت مِنْهَا لي) لِأَنَّهُ إِخْرَاج مَا يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ، فَكَانَ كالاستثناء
وَدخُول الْمُسْتَثْنى فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ ثمَّ إِخْرَاجه بإلا وَأَخَوَاتهَا إِنَّمَا كَانَ قبل إِسْنَاد الْفِعْل أَو شبهه إِلَيْهِ، فَلَا تنَاقض فِي مثل: (جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة قَوْلك: (الْقَوْم الْمخْرج مِنْهُم زيد جاؤوني) ، وَذَلِكَ لِأَن الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْفِعْل وَإِن تَأَخّر عَنهُ لفظا، لَكِن لَا بُد لَهُ من التَّقْدِيم وجودا على النِّسْبَة الَّتِي يدل عَلَيْهَا الْفِعْل، إِذْ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ والمنسوب سابقان على النِّسْبَة بَينهمَا ضَرُورَة، والمنسوب إِلَيْهِ فِي الِاسْتِثْنَاء هُوَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَعَ إِلَّا والمستثنى فَلَا بُد من وجود هَذِه الثَّلَاثَة قبل النِّسْبَة، فَلَا بُد إِذن من حُصُول الدُّخُول والإخراج قبل النِّسْبَة، فَلَا تنَاقض
وَالِاسْتِثْنَاء معيار الْعُمُوم، أَي مَا يختبر بِهِ عُمُوم اللَّفْظ، فَكل مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ مِمَّا لَا حصر فِيهِ فَهُوَ عَام، للُزُوم تنَاوله للمستثنى، وَأما مَا فِيهِ حصر كأسماء الْأَعْدَاد فَإِنَّهُ خَارج عَن مَفْهُوم الْعُمُوم، فَانْدفع مَا يُقَال إِن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ قد يكون اسْم عدد نَحْو: (عِنْدِي عشرَة إِلَّا وَاحِدًا) أَو اسْم علم نَحْو:
(كسوت زيدا إِلَّا رَأسه) أَو مشاراً إِلَيْهِ نَحْو: (صمت هَذَا الشَّهْر إِلَّا يَوْم كَذَا) فَلَا يكون الِاسْتِثْنَاء دَلِيل الْعُمُوم، أَو تَقول: إِن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي مثل هَذِه الصُّور وَإِن لم يكن عَاما، لكنه يتَضَمَّن صِيغَة(1/92)
عُمُوم باعتبارها يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَهُوَ جمع مُضَاف إِلَى الْمعرفَة أَي جَمِيع أَجزَاء الْعشْرَة وأعضاء زيد وَأَيَّام الشَّهْر
وَالِاسْتِثْنَاء من أَعم عَام الْأَحْوَال نَحْو قَوْلك: (مَا رَأَيْت إِلَّا زيدا) وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء يَقع فِي جَمِيع مقتضيات الْفِعْل؛ أَعنِي فَاعله وَمَا شبه بِهِ
فقولك: (إِلَّا زيدا) مُسْتَثْنى من أَعم عَام الْمَفْعُول بِهِ، وَكَذَلِكَ (مَا لَقيته إِلَّا رَاكِبًا) فَإِنَّهُ اسْتثِْنَاء من أَعم عَام أعراضه
وَالِاسْتِثْنَاء قصر للمستثنى مِنْهُ وَبَيَان لانْتِهَاء حكمه: كَمَا أَن الْغَايَة قصر لامتداد المغيا وَبَيَان لانتهائه
واستثناء الشَّيْء اسْتثِْنَاء لَهُ وَلما دونه فِي الْغَرَض المسوق لَهُ الْكَلَام لَا لمثله وَلَا لما فَوْقه، لِأَن الشَّيْء لَا يستتبع إِلَّا لما دونه؛ أَلا يرى أَن من قَالَ: (مَا رَأَيْت الْيَوْم إِلَّا رجلا) يصدق مَعَ أَنه رأى ثِيَابه وسلاحه وفرسه
واستثناء الْأَمر الْكُلِّي من الحكم السلبي لَا يدل على خُرُوج جَمِيع أَفْرَاده من ذَلِك الحكم، بل خُرُوج الْبَعْض كَاف
واستثناء الشَّيْء من جنسه يَصح وَمن خلاف جنسه لَا يَصح، لِأَن الِاسْتِثْنَاء وضع لمنع دُخُول مَا لولاه لدخل تَحت اللَّفْظ؛ وَلَا يتَحَقَّق ذَلِك فِي خلاف الْجِنْس
وَيجوز حذف الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي النَّفْي لَا فِي الْإِثْبَات يُقَال: (مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد) ، وَلَا يُقَال: (جَاءَنِي إِلَّا زيد) لِأَن النكرَة فِي النَّفْي تعم، وَفِي الْإِثْبَات تخص، فالحذف فِي النَّفْي يدل على أَن الْمَحْذُوف لَفْظَة (أحد) وَهُوَ عَام لوُقُوعه فِي سِيَاق النَّفْي، وَلَا يُمكن تَقْدِيره فِي الْإِثْبَات، لِأَنَّهُ خَاص، فَيلْزم اسْتثِْنَاء الْوَاحِد من الْوَاحِد وَهُوَ لَا يَصح
[وَالِاسْتِثْنَاء إِن كَانَ من الْمُثبت يكون لقصر النَّفْي نَحْو: {كل شَيْء هَالك إِلَى وَجهه} أَي انْتِفَاء الْهَلَاك مَقْصُور على ذَات الله وَإِن كَانَ من الْمَنْفِيّ] يكون لقصر الْإِثْبَات نَحْو: (مَا زيد إِلَّا عَالم) فِي قصر الْمَوْصُوف، و (مَا الْعَالم إِلَّا زيد) [فِي قصر الصّفة]
واستثناء الْكل من الْكل لَا يَصح إِذا كَانَ بِلَفْظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ بِأَن قَالَ: (نسَائِي طَوَالِق إِلَّا نسَائِي) وَبِغير ذَلِك اللَّفْظ يَصح مثل: (نسَائِي طَوَالِق إِلَّا زَيْنَب) وَكَذَا لَا يَصح (ثلث مَالِي لزيد إِلَّا ثلث مَالِي وَيصِح (ثلث مَالِي لزيد إِلَّا ألف) وَثلث مَاله ألف، لَكِن لَا يسْتَحق شَيْئا وَلَو أقرّ بِقَبض عشرَة دَرَاهِم جِيَاد وَقَالَ مُتَّصِلا: إِلَّا أَنَّهَا زيوف، لم يَصح الِاسْتِثْنَاء وَلَو قَالَ: (غلاماي حران سَالم ويزيغ إِلَّا يزيفا) صَحَّ الِاسْتِثْنَاء، لِأَنَّهُ فصل على سَبِيل التَّفْسِير فَانْصَرف إِلَى الْمُفَسّر، وَقد ذكرهمَا جملَة، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: (سَالم حر ويزيغ حر إِلَّا يزيغا) لِأَنَّهُ أفرد كلا مِنْهُمَا بِالذكر، فَكَانَ هَذَا الِاسْتِثْنَاء لجملة مَا تكلم بِهِ فَلَا يَصح
وَيبْطل الِاسْتِثْنَاء بأَرْبعَة: بالكستة وبالزيادة على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مثل: (أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا أَرْبعا) ، وبالمساواة، وباستثناء بعض الطَّلَاق واتصال الِاسْتِثْنَاء بالمستثنى مِنْهُ لفظا أَو مَا هُوَ فِي حكم الِاتِّصَال لفظا، وَهُوَ أَن لَا يعد الْمُتَكَلّم بِهِ إثْبَاته بعد فَرَاغه من الْكَلَام قطعا عرفا، بل يعد الْكَلَام وَاحِدًا غير مُنْقَطع اسْتِدْلَالا بقوله تَعَالَى: (وَاذْكُر رَبك إِذا(1/93)
نسيت} ، وَإِن تخَلّل بَينهمَا فاصل بِانْقِطَاع نفس أَو سعال أَو عطاس أَو نَحْوهَا شَرط عِنْد عَامَّة الْعلمَاء؛ وَمَا نقل عَن ابْن عَبَّاس من جَوَاز تَأْخِير الِاسْتِثْنَاء إِن صَحَّ فعله أَرَادَ بِهِ إِذا نوى الِاسْتِثْنَاء أَولا ثمَّ أظهر نِيَّته بعده فيدين فِيمَا بَينه وَبَين الله فِيمَا نَوَاه؛ وَأما تَجْوِيز التَّأْخِير لَو أصر عَلَيْهِ دون هَذَا التَّأْوِيل فَيردهُ عَلَيْهِ اتِّفَاق أهل اللُّغَة على خِلَافه لِأَنَّهُ جُزْء من الْكَلَام يحصل بِهِ الْإِتْمَام، وَإِذا انْفَصل لم يكن إتماما كالشرط وَخبر الْمُبْتَدَأ، [وَلَو جَازَ الِانْفِصَال لما اسْتَقر شَيْء من الطَّلَاق وَالْعتاق، وَكَذَا علم صدق صَدُوق وَكذب كَاذِب، وَلم يحصل الوثوق بِيَمِين وَلَا وعد ووعيد، وَهُوَ خلاف النَّقْل وَالْعقل وَفِيه حِكَايَة مَشْهُورَة لأبي حنيفَة مَعَ الرشيد] وَلِأَن الِاسْتِثْنَاء تَغْيِير صدر الْكَلَام من التَّنْجِيز إِلَى التَّعْلِيق أَو إِلَى الْإِبْطَال فَلَا يَصح إِلَّا مَوْصُولا، بِخِلَاف الْعَطف، فَإِنَّهُ تَقْرِير لصدر الْكَلَام وَلَيْسَ بتغيير فَيصح مَفْصُولًا مَا دَامَ الْمجْلس قَائِما دلّ عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (والمقصرين) فِي الْمرة الثَّالِثَة بعد السُّكُوت عطفا على (المحلقين) قَالَ عِكْرِمَة: معنى قَوْله تَعَالَى: {إِذا نسيت} إِذا ارتكبت ذَنبا مَعْنَاهُ: اذكر الله إِذا قصدت ارْتِكَاب ذَنْب يكن ذَلِك دافعا لَك
وَالِاسْتِثْنَاء كَمَا يكون من الْمَنْطُوق يكون من الْمَفْهُوم أَيْضا؛ وَعَلِيهِ حَدِيث: " إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث " إِلَى آخِره
وَقَوله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} إِلَى آخِره، فَإِنَّهُ قد فهم من (لَا أجد) معنى (لَا يكون)
وَالِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب الْجمل المعطوفة ينْصَرف إِلَى الْأَخِيرَة عندنَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقن وَهُوَ أولى بِالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ الْمَذْهَب عِنْد محققي الْبَصْرَة، وَيعود للْكُلّ عِنْد الشَّافِعِي لِأَن الْجمع بِحرف الْجمع كالجمع بِلَفْظ الْجمع مِثَاله آيَة الْقَذْف فَإِن قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا الَّذين تَابُوا} منصرف عِنْده إِلَى قَوْله: {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} حَتَّى إِن التائب تقبل شَهَادَته عِنْده، وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فَهُوَ منصرف إِلَى قَوْله: {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} حَتَّى إِن فسقهم يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ، وَلَا تفِيد التَّوْبَة شَهَادَتهم، بل ردهَا من تَمام الْحَد وَفِي الشَّرْط والمشيئة إِجْمَاع على أَنه ينْصَرف إِلَى الْكل، حَتَّى لَو قَالَ: (امْرَأَته طَالِق) و (عَبده حر) و (عَلَيْهِ حج إِن دخل الدَّار) وَقَالَ فِي آخِره: (إِن شَاءَ الله) ، ينْصَرف إِلَى مَا سبق
وَالِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع: حسن فِيهِ دُخُول (إِن) فِي الْمُسْتَثْنى، وَلم يحسن ذَلِك فِي الْمُتَّصِل؛ وَالْعَامِل فِي المفرغ مَشْغُول بالمستثنى مِنْهُ، على أَنه منَاط الحكم ومقصود بِهِ، بِخِلَاف غير المفرغ، وَيقدر الْعُمُوم فِي المفرغ بِالنَّفْيِ فِيمَا تعذر فِيهِ الْإِثْبَات، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل أَرَأَيْتكُم إِن أَتَاكُم عَذَاب الله بَغْتَة أَو جهرة هَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الظَّالِمُونَ} أَي: مَا يهْلك هَلَاك سخط وتعذيب إِلَّا الْقَوْم الظَّالِمُونَ، وَفِيمَا لم يتَعَذَّر جَازَ الْإِثْبَات(1/94)
نَحْو قَوْلك: (قَرَأت إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة) إِذْ يَصح (قَرَأت كل الْأَيَّام إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة)
وَالِاسْتِثْنَاء كَمَا يتَعَذَّر فِي المحصور نَحْو: (جَاءَنِي مئة رجل إِلَّا زيد) قد يتَعَذَّر فِي غير المحصور أَيْضا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله} إِلَى آخِره، فيضطر هُنَاكَ إِلَى حمل (إِلَّا) على (غير)
وَالِاسْتِثْنَاء يمْنَع بعض الْكَلَام وَالتَّعْلِيق يمْنَع كُله، وَلِهَذَا صَار التَّعْلِيق أقوى
وَالِاسْتِثْنَاء الصناعي: هُوَ الَّذِي يُفِيد بعد إِخْرَاج الْقَلِيل من الْكثير معنى يزِيد على الِاسْتِثْنَاء ويكسوه بهجة وطلاوة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس} {فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} فَإِن مَعَاني هَذِه الْآيَات الشَّرِيفَة زَائِدَة على مِقْدَار الِاسْتِثْنَاء
وَمن الِاسْتِثْنَاء نوع سَمَّاهُ بعض اسْتثِْنَاء الْحصْر؛ وَهُوَ غير الِاسْتِثْنَاء الَّذِي يخرج الْقَلِيل من الْكثير كَقَوْلِه:
(إِلَيْك وَإِلَّا مَا تحث الركائب ... وعنك وَإِلَّا فالمحدث كَاذِب)
أَي: لَا تحث الركائب إِلَّا إِلَيْك، وَلَا يصدق الْمُحدث إِلَّا عَنْك
اسْم التَّفْضِيل: هُوَ مَا اشتق لما زَاد على غَيره فِي الْفِعْل؛ وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ (من) أَو اللَّام أَو الْإِضَافَة؛ وَلَا بَأْس باجتماع الْإِضَافَة و (من) إِذا لم يكن الْمُضَاف إِلَيْهِ مفضلا عَلَيْهِ كَمَا يُقَال: (زيد أفضل الْبَصْرَة من كل فَاضل) وَلَا يُقَال: (هُوَ أفضل) بِدُونِ هَذِه الثَّلَاثَة إِلَّا أَن يكون الْمفضل عَلَيْهِ مَعْلُوما بِقَرِينَة؛ وَبِالْجُمْلَةِ شَرط حذف (من) أَن يكون (أفعل) خَبرا لَا صفة، فيكثر حذف (من) فِي الْخَبَر، لِأَن الْغَرَض مِنْهُ الْفَائِدَة، وَقد يَكْتَفِي فِي حُصُوله بِقَرِينَة ويقل فِي الصّفة لِأَن الْمَقْصُود من الصّفة إِمَّا التَّخْصِيص أَو الثَّنَاء وَكِلَاهُمَا من بَاب الإطناب والإسهاب لَا من مَوَاضِع الْمُبَالغَة والاختصار
والمعرف ب (ال) يمْتَنع اتِّصَاله ب (من) ، وَالَّذِي مَعَ (من) ملفوظا بهَا أَو مقدرَة أَو مُضَافَة إِلَى نكرَة لَا يسْتَعْمل إِلَّا مُفردا مذكرا على كل حَال، سَوَاء كَانَ لمذكر أم لمؤنث مُفْرد أم مثنى أم مَجْمُوع، لِأَن (من) بِمَنْزِلَة جُزْء مِنْهُ، فَيمْتَنع تثنيته وَجمعه وتأنيثه، وَإِذا ثني أَو جمع أَو أنث طابق مَا هُوَ لَهُ وَلَزِمَه أحد أَمريْن، إِمَّا الْألف وَاللَّام وَإِمَّا الْإِضَافَة لمعْرِفَة
وَالَّذِي بِاللَّامِ لَا يسْتَعْمل إِلَّا مطابقا لاسْتِحْقَاق الْمُطَابقَة وَعدم الْمَانِع؛ وَالَّذِي بِالْإِضَافَة يجوز فِيهِ الْمُطَابقَة، وَذَلِكَ إِذا أضيف وَقصد بِهِ التَّفْضِيل على كل مَا سواهُ مُطلقًا لَا على الْمُضَاف إِلَيْهِ فَقَط، وَالْإِضَافَة لمُجَرّد التَّوْضِيح والتخصيص كَقَوْلِنَا: (نَبينَا أفضل قُرَيْش) أَي: أفضل النَّاس من بَين قُرَيْش، وَيجوز عدم الْمُطَابقَة وَذَلِكَ فِيمَا إِذا أضيف وَالْمَقْصُود تفضيله على الْمُضَاف إِلَيْهِ فَقَط
وأفعل التَّفْضِيل إِذا أضيف وَأُرِيد تَفْضِيل موصوفه فِي معنى الْمصدر الْمُشْتَقّ مِنْهُ على كل وَاحِد مِمَّا بَقِي بعده من أَجزَاء مَا أضيف إِلَيْهِ لم يجز إِفْرَاد(1/95)
ذَلِك الْمُضَاف إِلَيْهِ إِذا كَانَ معرفَة ك (أفضل الرجل) إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك الْمُفْرد جِنْسا يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير نَحْو: (البرني أطيب التمرة)
وَاسم التَّفْضِيل مَا كَانَ بعلامة، وَعكس هَذَا أفعل التَّفْضِيل، وَقيل: أفعل التَّفْضِيل هُوَ الَّذِي غلب عَلَيْهِ الفعلية وَاسم التَّفْضِيل هُوَ الَّذِي غلب عَلَيْهِ الإسمية ك (خير مِنْهُ) و (شَرّ مِنْهُ) ، وَذكر صَاحب " الْمغرب " وَغَيره أَن أفعل التَّفْضِيل إِذا وَقع خَبرا يحذف مِنْهُ أَدَاة التَّفْضِيل قِيَاسا وَمِنْه: (الله أكبر)
وَقَول الشَّاعِر:
(دعائمه أعز وأطول)
وَإِذا قلت مثلا: (زيد أعلم الْقَوْم) فقد أردْت أَنه زَائِد فِي الْجُمْلَة على الْمُضَاف إِلَيْهِم فِي الْخصْلَة الَّتِي هُوَ وهم فِيهَا شُرَكَاء
وَأما أَنه زَائِد على الْمُضَاف إِلَيْهِم فِي الْخصْلَة الْمَذْكُورَة بِالزِّيَادَةِ الْكَامِلَة فَلَا يتجاسر عَلَيْهِ عَاقل؛ كَيفَ وَفَوق كل ذِي علم عليم علام
وَأما إِطْلَاق النُّحَاة الزِّيَادَة فِي قَوْلهم: أفعل التَّفْضِيل إِذا أضيف فَلهُ مَعْنيانِ: الأول: أَن يقْصد بِهِ الزِّيَادَة على جَمِيع مَا عداهُ مِمَّا أضيف إِلَيْهِ
وَالثَّانِي: أَن يقْصد بِهِ الزِّيَادَة على جَمِيع مَا عداهُ مُطلقًا فَمن مساهلاتهم لظُهُور المُرَاد
وأفعل يُضَاف إِلَى مَا هُوَ بعضه، وَإِذا كَانَ بِمَعْنى فَاعل جَازَت إِضَافَته إِلَى مَا لَيْسَ بعضه نَحْو: {أعلم بِمَا كَانُوا يكتمون} وأفعل إِنَّمَا يُضَاف إِلَى مَا بعده إِذا كَانَ من جنس مَا قبله كَقَوْلِك: (وَجهك أحسن وَجه) أَي أحسن الْوُجُوه، فَإِذا نصبت مَا بعده كَانَ غير الَّذِي قبله كَقَوْلِك: (زيد أنزه عبدا) فالنزاهة للْعَبد لَا لزيد
وَقد يكون أفعل مَوْضُوعا لمشتركين فِي معنى وَاحِد أَحدهمَا يزِيد على الآخر فِي الْوَصْف بِهِ كَقَوْلِك: (زيد أفضل الرجلَيْن) فزيد وَالرجل المضموم إِلَيْهِ مشتركان فِي الْفضل، إِلَّا أَن فضل زيد يزِيد على فضل المقرون بِهِ
وَقد يجْرِي مثل هَذَا اللَّفْظ من غير مُشَاركَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلا}
والمشاركة بَين الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ قد تكون تَحْقِيقا وَقد تكون فرضيا نَحْو مَا يُقَال: (زيد أعلم من الْحمار وَعَمْرو أفْصح من الْأَشْجَار) أَي لَو كَانَ للحمار علم وللشجرة فصاحة
وَقَوْلنَا: (هُوَ أَهْون عَلَيْهِ) أَي هَين عَلَيْهِ
وَقد يسْتَعْمل أفعل لبَيَان الْكَمَال وَالزِّيَادَة فِي وَصفه الْخَاص وَإِن لم يكن الْوَصْف الَّذِي هُوَ الأَصْل مُشْتَركا وَعَلِيهِ قَوْلهم: (الصَّيف أبرد من الشتَاء) أَي الصَّيف أكمل فِي حرارته من الشتَاء فِي برودته
وَقد يقْصد بِهِ تجَاوز صَاحبه وتباعده عَن الْغَيْر فِي الْفِعْل لَا بِمَعْنى تفضيله بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بعد الْمُشَاركَة فِي أصل الْفِعْل بل بِمَعْنى أَن صَاحبه متباعد فِي أصل الْفِعْل متزايد إِلَى كَمَاله فِيهِ على وَجه الِاخْتِصَار فَيحصل كَمَال التَّفْضِيل وَهُوَ الْمَعْنى الأوضح فِي الأفاعل فِي صِفَاته تَعَالَى إِذْ لم(1/96)
يُشَارِكهُ أحد فِي أَصْلهَا حَتَّى يقْصد التَّفْضِيل نَحْو: (الله أكبر)
قَالُوا: أفعل قد يسْتَعْمل لغير الْمُبَالغَة كَمَا فِي صِفَات الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ يُنبئ عَن التَّفَاوُت وَهُوَ لَا يَلِيق بصفاته تَعَالَى؛ وَفِيه نظر لِأَن أفعل قد يكون بِمَعْنى الْفَاعِل كَمَا فِي قَوْلهم: (النَّاقِص والأشج أعدلا بني مَرْوَان) أَي عادلاهم وكقولنا: (الله أكبر) أَي: كَبِير، وَقَوله تَعَالَى: {وبعولتهن أَحَق بردهن}
وأفعل التَّفْضِيل إِنَّمَا ينصب النكرات على التَّمْيِيز خَاصَّة كَقَوْلِهِم: (هَذَا أكبر مِنْهُ سنا) وَإِذا نصب مَا بعده لم يكن من جنسه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو أَشد خشيَة}
وأفعل الَّذِي يلْزمه الْفضل لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث، وَالَّذِي لَا يلْزمه الْفضل يثنى وَيجمع وَيُؤَنث وَيذكر
قَالَ بَعضهم: صِيغَة (أفعل) إِذا لم يقْصد بهَا المفاضلة وَصَارَت بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل للْعَرَب فِيهِ لحظان
لحظ الأَصْل: فَيلْزم الْإِفْرَاد والتذكير كَيْفَمَا كَانَ قبله نَحْو قَوْله تَعَالَى: {نَحن أعلم بِمَا يَقُولُونَ} هَذَا هُوَ الْأَكْثَر
وَالثَّانِي: لحظ عدم الأَصْل فَيلْزم الْمُطَابقَة إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا
وأفعل التَّفْضِيل يجب أَن يكون من الْفَاعِل كَقَوْلِك: (زيد ضَارب وَعَمْرو أضْرب مِنْهُ) وَلَا يجوز أَن تَقول: (زيد مَضْرُوب وَعَمْرو أضْرب مِنْهُ)
وَلَا يسْتَعْمل (أفعل من كَذَا) إِلَّا مِمَّا يسْتَعْمل مِنْهُ (مَا أَفعلهُ) والتعجب لَا يكون مِمَّا هُوَ على أَرْبَعَة أحرف
الِاسْتِفْهَام: الاستخبار، وَقيل: الاستخبار مَا سبق أَولا وَلم يفهم حق الْفَهم، فَإذْ سُئِلَ عَنهُ ثَانِيًا كَانَ استفهاما
قَالَ بَعضهم: حَقِيقَة الِاسْتِفْهَام طلب الْمُتَكَلّم من مُخَاطبَة أَن يحصل فِي ذهنه مَا لم يكن حَاصِلا عِنْده مِمَّا سَأَلَهُ عَنهُ
وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء: يَنْبَغِي أَن يكون الْمَطْلُوب تَحْصِيل ذَلِك فِي ذهن أَعم من الْمُتَكَلّم وَغَيره كحقيقة الاسْتِغْفَار وَفِيه أَن أعمية السّتْر لغيره أَيْضا عَادَة مُسلم، لَكِن طلب إفهام الْمَطْلُوب للْغَيْر مَعَ كَون الطَّالِب عَالما وَإِن كَانَ مُمكنا إِلَّا أَنه لم تَنْصَرِف إِرَادَة الْوَاضِع إِلَى ذَلِك الْقَصْد لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ غَالِبا
والاستفهام فِي الْمعرفَة عَن الصّفة وَفِي النكرَة عَن الْعين، وَلما اخْتلف الْمَعْنى خالفوا بَينهمَا فِي اللَّفْظ، حَيْثُ استفهموا مخاطبهم فِي النكرات بالحرف عِنْد الْوَقْف وأسقطوا الْحَرْف فِي المعارف عِنْد الْوَصْل
وَمن دَقِيق بَاب الِاسْتِفْهَام أَن يوضع فِي الشَّرْط وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة للجزاء نَحْو: {أَفَإِن مت فهم الخالدون} أَي: أفهم الخالدون إِن مت؟ وَقد يكون استخبارا وَالْمعْنَى تبكيت نَحْو: {أَأَنْت قلت للنَّاس} إِلَى آخِره، فَإِنَّهُ تبكيت(1/97)
لِلنَّصَارَى فِيمَا ادعوهُ وَذَلِكَ أَنه طلب بِهِ إِقْرَار عِيسَى فِي ذَلِك المشهد الْعَظِيم بِأَنَّهُ لم يقل ذَلِك ليحصل فهم النَّصَارَى ذَلِك فيقرر كذبهمْ فِيمَا ادعوهُ
أَو استرشادا نَحْو: {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
أَو نفيا نَحْو: {فَمن يهدي من أضلّ الله} أَو إِخْبَارًا وتحقيقا نَحْو: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر}
وَقد يكون استخبارا وَالْمرَاد بِهِ الافهام والايناس نَحْو: {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى}
وَقَوله تَعَالَى: {فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا} وَمَا أشبه ذَلِك من الْآيَات فالاستفهام فِيهَا للنَّفْي وَالْمعْنَى خبر، وبتخصيص كل مَوضِع بِالصَّلَاةِ يَزُول التَّنَاقُض، [بَين هَذِه الْآيَة وَبَين مَا أشبه ذَلِك من الْآيَات] وَلَا يلْزم من نفي التَّفْضِيل نفي الْمُسَاوَاة
وَمن مَعَاني الِاسْتِفْهَام التَّقْرِير: أَي حمل الْمُخَاطب على الْإِقْرَار وَالِاعْتِرَاف بِأَمْر قد اسْتَقر عِنْده
وَحَقِيقَة اسْتِفْهَام التَّقْرِير إِنْكَار، وَالْإِنْكَار نفي وَقد دخل على النَّفْي، وَنفي النَّفْي إِثْبَات وَمن أمثلته قَوْله تَعَالَى: {أَلَسْت بربكم}
وَفِي قَوْله تَعَالَى: {أَلا تَأْكُلُونَ} يحْتَمل الْعرض والحث على الْأكل على طَرِيق الْأَدَب إِن قَالَه أول مَا وَضعه، وَيحْتَمل الْإِنْكَار إِن قَالَه حينما رأى إعراضهم
وَمِنْهَا: التَّعَجُّب أَو التعجيب نَحْو: {كَيفَ تكفرون بِاللَّه}
والتذكير نَحْو: {ألم أَعهد إِلَيْكُم}
والافتخار نَحْو: {أَلَيْسَ لي ملك مصر}
والتهويل والتخويف نَحْو: {القارعة مَا القارعة}
وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {مَاذَا عَلَيْهِم لَو آمنُوا}
والتهديد والوعيد نَحْو {ألم نهلك الْأَوَّلين}
وَالْأَمر نَحْو: {أَتَصْبِرُونَ}
والتكثير نَحْو: {وَكم من قَرْيَة}
والتنبيه وَهُوَ من أَقسَام الْأَمر نَحْو: {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء}
وَالتَّرْغِيب نَحْو: {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم}
وَالنَّهْي نَحْو: {مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم}(1/98)
وَالدُّعَاء نَحْو: {أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء} أَي: لَا تُهْلِكنَا
وَالتَّمَنِّي نَحْو: {فَهَل لنا من شُفَعَاء}
والاستبطاء نَحْو: {مَتى نصر الله}
والتعظيم نَحْو: {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ}
والتحقير نَحْو: {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا}
والاكتفاء نَحْو: {أَلَيْسَ فِي جنهم مثوى للمتكبرين}
والاستبعاد نَحْو: {أَنى لَهُم الذكرى}
والتهكم والاستهزاء نَحْو {أصلاتك تأمرك}
والتأكيد لما سبق من معنى إِرَادَة الِاسْتِفْهَام قبله نَحْو: {أَفَمَن حق عَلَيْهِ كلمة الْعَذَاب}
والتسوية وَهُوَ بعد (سَوَاء) و (مَا أُبَالِي) و (مَا أَدْرِي) و (لَيْت شعري)
وَالْإِنْكَار التوبيخي نَحْو: {أفعصيت أَمْرِي}
والاستفهام الإنكاري: إِنَّمَا يكون فِي معنى النَّفْي إِذا كَانَ إبطاليا، وَأما إِذا كَانَ توبيخا فَلَا
والاستفهام عقيب ذكر المعايب أبلغ من الْأَمر بِتَرْكِهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} وَيَقَع بعد كل فعل يُفِيد معنى الْعلم ك (علمت) و (دَريت) و (تبينت) وَبعد كل مَا يطْلب بِهِ الْعلم ك (تفكرت) ، و (امتحنت) ، و (بلوت) وَبعد جَمِيع أَفعَال الْحَواس ك (لمست) ، و (أَبْصرت) ، و (سَمِعت) و (ذقت) و (شممت)
وأدوات الِاسْتِفْهَام: الْهمزَة، و (هَل) ، و (مَا) و (من) و (أَي) و (كم) و (كَيفَ) و (أَيْن) و (أَنى) و (مَتى) و (أَيَّانَ) وَمَا عدا الْهمزَة نَائِب عَنْهَا
وَأما أدوات الِاسْتِفْهَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّصْدِيق والتصور فَثَلَاثَة أَقسَام: مُخْتَصّ بِطَلَب التَّصَوُّر: وَهُوَ (أم) الْمُتَّصِلَة وَجَمِيع أَسمَاء الِاسْتِفْهَام
ومختص بِطَلَب التَّصْدِيق: وَهُوَ (أم) المنقطعة و (هَل)
ومشترك بَينهمَا: وَهِي الْهمزَة الَّتِي لم تسْتَعْمل مَعَ (أم) الْمُتَّصِلَة لعراقتها فِي الِاسْتِفْهَام، وَلِهَذَا يجوز أَن تقع بعد (أم) سَائِر كَلِمَات الِاسْتِفْهَام سوى الْهمزَة
وَمَتى قَامَت قرينَة ناصة على أَن السُّؤَال عَن الْمسند إِلَيْهِ تعيّنت الْجُمْلَة الإسمية، أَو عَن الْمسند تعيّنت الفعلية، وَإِلَّا فَالْأَمْر على الِاحْتِمَال والأرجح الفعلية، لِأَن طلب الْهمزَة للْفِعْل أقوى فَهِيَ بِهِ أولى
وكل مَادَّة يمْتَنع فِيهَا حَقِيقَة الِاسْتِفْهَام يستعملون لفظ الِاسْتِفْهَام هُنَاكَ فِيمَا يُنَاسب الْمقَام ويحيلون دركها على ذوق السامعين، فَلَا تَنْحَصِر المتولدات وَلَا ينْحَصر أَيْضا شَيْء مِنْهَا فِي أَدَاة، فَعَلَيْك(1/99)
بِالتَّصَرُّفِ وَاسْتِعْمَال الروية
الْإِسْنَاد: هُوَ ضم كلمة حَقِيقَة أَو حكما أَو أَكثر إِلَى أُخْرَى مثلهَا أَو أَكثر يُفِيد السَّامع فَائِدَة تَامَّة
وَقَالَ بَعضهم: الْإِسْنَاد قِسْمَانِ: عَام وخاص
فالعام: هُوَ نِسْبَة إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى
وَالْخَاص: هُوَ نِسْبَة إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى بِحَيْثُ يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا
والإسناد وبالبناء، والتفريغ، والشغل: أَلْفَاظ مترادفة، يدل على ذَلِك أَن سبيويه قَالَ: " الْفَاعِل مَا اشْتغل بِهِ الْفِعْل " وَفِي مَوضِع آخر: " فرغ لَهُ " وَفِي آخر: " بني لَهُ " و " أسْند لَهُ "، وَهُوَ وَالْحكم وَالنِّسْبَة التَّامَّة بِمَعْنى وَاحِد يعم الْإِخْبَار، والإنشاء، والوقوع، واللاوقوع وَأما الْإِيقَاع، والانتزاع، فيختصان بالإخبار دون الْإِنْشَاء
وَالنِّسْبَة التقييدية أَعم من جَمِيع ذَلِك
والإسناد يَقع على الِاسْتِفْهَام وَالْأَمر وَغَيرهمَا، وَلَيْسَ الْإِخْبَار كَذَلِك، بل هُوَ مَخْصُوص بِمَا صَحَّ أَن يُقَابل التَّصْدِيق والتكذيب، فَكل إِخْبَار إِسْنَاد، وَلَا عكس
وَإِن كَانَ مرجع الْجَمِيع إِلَى الْخَبَر من جِهَة الْمَعْنى، أَلا ترى أَن معنى (قُم) أطلب قيامك، وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْهَام وَالنَّهْي
والإسناد إِذا أطلق على الحكم كَانَ الْمسند والمسند إِلَيْهِ من صِفَات الْمعَانِي، ويوصف بهما الْأَلْفَاظ تبعا، وَإِذا أطلق على الضَّم كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ
واعتبارات الْإِسْنَاد تجْرِي فِي كلا معنييه على سَوَاء؛ وَأما اعتبارات الْمسند والمسند إِلَيْهِ فَإِنَّمَا جريانها فِي الْأَلْفَاظ
الِاسْتِعَارَة: هِيَ من (استعرت زيدا ثوبا لعَمْرو) لَكِنَّهَا فِي صُورَة إِطْلَاقهَا على لفظ الْمُشبه بِهِ مُسْتَعْملا فِي الْمُشبه نقلت من الْمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول إِلَى معنى لَا يَصح الِاشْتِقَاق مِنْهُ وَفِي صُورَة إِطْلَاقهَا على نفس اسْتِعْمَال لفظ الْمُشبه بِهِ فِي الْمُشبه نقلت من معنى مصدر إِلَى معنى يَصح الِاشْتِقَاق مِنْهُ
والاستعارة: هِيَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ للمشابهة، وَبِهَذَا فَارَقت الْمجَاز الْمُرْسل
والأصوليون يطلقون الِاسْتِعَارَة على كل مجَاز
قَالَ الرَّازِيّ: الِاسْتِعَارَة هِيَ جعلك الشَّيْء للشَّيْء للْمُبَالَغَة فِي التَّشْبِيه، وَقيل: زوج الْمجَاز بالتشبيه فتولد بَينهمَا الِاسْتِعَارَة، وَالأَصَح أَنَّهَا مجَاز لغَوِيّ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة للمشبه بِهِ لَا للمشبه وَلَا لأعم مِنْهُمَا
وَقَالَ بَعضهم: حَقِيقَة الِاسْتِعَارَة أَن تستعار الْكَلِمَة من شَيْء مَعْرُوف بهَا إِلَى شَيْء لم يعرف بهَا إِظْهَارًا للخفي، وإيضاحا للظَّاهِر الَّذِي لَيْسَ بجلي، أَو لحُصُول الْمُبَالغَة، أَو لمجموع ذَلِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب} {واخفض لَهما جنَاح الذل} {وفجرنا الأَرْض عيُونا}
والاستعارة أخص من الْمجَاز، إِذْ قصد الْمُبَالغَة شَرط فِي الِاسْتِعَارَة دون الْمجَاز
وَلَا يحسن الِاسْتِعَارَة إِلَّا حَيْثُ كَانَ التَّشْبِيه مقررا،(1/100)
وَكلما زَاد التَّشْبِيه خَفَاء زَادَت الِاسْتِعَارَة حسنا وَاعْلَم أَن الِاسْتِعَارَة بِاعْتِبَار ذَاتهَا تَنْقَسِم: أَولا: إِلَى مُصَرح بهَا، ومكنى عَنْهَا
والمصرح بهَا تَنْقَسِم إِلَى قطيعة واحتمالية
والقطيعة تَنْقَسِم إِلَى تخييلية وتحقيقية
ثَانِيًا: إِلَى أَصْلِيَّة وتبعية
وثالثا: إِلَى مُجَرّدَة ومرشحة
أما الِاسْتِعَارَة الْمُصَرّح بهَا التحقيقية مَعَ الْقطع: فَهِيَ أَن تذكر مشبها بِهِ فِي مَوضِع مشبه مُحَقّق مُدعيًا دُخُول الْمُشبه فِي جنس الْمُشبه بِهِ مَعَ سد طَرِيق التَّشْبِيه وَنصب قرينَة مَانِعَة من الْحمل على الظَّاهِر احْتِرَازًا عَن الْكَذِب، كَمَا إِذا أردْت أَن تلْحق شجاعا بالأسود فِي شدَّة الْبَطْش وَكَمَال الْإِقْدَام فَقلت: (رَأَيْت أسدا يتَكَلَّم) أَو ذَا وَجه جميل بالبدر فِي الوضوح وَالْإِشْرَاق وملاحة الاستدارة فَقلت: (لقِيت بَدْرًا يتبسم)
وَمن الِاسْتِعَارَة اسْتِعَارَة اسْم أحد الضدين للْآخر بِوَاسِطَة تَنْزِيل التضاد منزلَة التناسب بطرِيق التهكم والتمليح، كَمَا إِذا قلت: (تَوَاتَرَتْ على فلَان البشارات بعزله وَنهب أَمْوَاله وَقتل أَوْلَاده)
وَمِنْهَا اسْتِعَارَة وصف إِحْدَى صُورَتَيْنِ منتزعتين من عدَّة أُمُور لوصف الْأُخْرَى، أَن تَجِد من استفتي فِي مَسْأَلَة فيهم بِالْجَوَابِ تَارَة، ويمسك عَنهُ أُخْرَى، فَيُشبه تردده بتردد من قَامَ لأمر، فَتَارَة يُرِيد الذّهاب فَيقدم رجلا، وَتارَة لَا يُريدهُ فيؤخر أُخْرَى، ثمَّ تَدعِي دُخُول الْمُشبه فِي الْمُشبه بِهِ وتسد طَرِيق التَّشْبِيه قَائِلا: (أَرَاك تقدم رجلا وتؤخر أُخْرَى)
وَتسَمى هَذَا التَّمْثِيل على سَبِيل الِاسْتِعَارَة قَائِلا ذَلِك
وَقد صرح أهل الْبَيَان بِأَن التَّمْثِيل لَا يسْتَلْزم الِاسْتِعَارَة فِي شَيْء من أَجْزَائِهِ، بل لَا يجوز فِيهِ ذَلِك، حَتَّى بنى بعض الْمُحَقِّقين عدم اجْتِمَاع التمثيلية والتبعية على ذَلِك قَالَ القطب: فِي الْمثل شهرة بِحَيْثُ يصير علما للْحَال الأولى الَّتِي هِيَ المورد بِخِلَاف الِاسْتِعَارَة التمثيلية فَكل مثل اسْتِعَارَة تمثيلية، وَلَيْسَ كل اسْتِعَارَة تمثيلية مثلا
[وَحَقِيقَة الِاسْتِعَارَة التمثيلية أَن تُؤْخَذ أُمُور مُتعَدِّدَة من الْمُشبه وَتجمع فِي الخاطر وَكَذَا من الْمُشبه بِهِ وَيجْعَل المجموعات متشاركين فِي مَجْمُوع منتزع يشملهما، وَمذهب السكاكي هُوَ أَن الِاسْتِعَارَة تَشْمَل التَّمْثِيل، وَيُقَال: التَّمْثِيل اسْتِعَارَة تمثيلية، وَأما على مَذْهَب عبد القاهر وجار الله فالاستعارة مُخْتَصَّة بالمجاز فِي الْمُفْرد الْمَبْنِيّ على التَّشْبِيه]
وَأما الِاسْتِعَارَة الْمُصَرّح بهَا التخييلية مَعَ الْقطع: فَهِيَ أَن تذكر مشبها بِهِ فِي مَوضِع مشبه وهمي تقدر مشابهته للمذكور مَعَ الْإِفْرَاد فِي الذّكر والقرينة، كَمَا إِذا شبهت الْحَالة الدَّالَّة على أَمر بالإنسان الَّذِي يتَكَلَّم فيخترع الْوَهم للْحَال مَا قوام الْكَلَام بِهِ ثمَّ تطلق عَلَيْهِ اسْم اللِّسَان الْمُحَقق وتضيفه إِلَى الْحَال قَائِلا: (لِسَان الْحَال الشبيه بالمتكلم نَاطِق بِكَذَا
وَأما الِاسْتِعَارَة الْمُصَرّح بهَا المحتملة للْقطع والتخييل فَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فأذاقها الله لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف} إِذْ الظَّاهِر من(1/101)
اللبَاس الْحمل على التخييل، وَيحْتَمل الْحمل على التَّحْقِيق بِأَن يستعار لما يلْبسهُ الْإِنْسَان من امتقاع لون ورثاثة
وَأما الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ: فَهِيَ أَن تذكر الْمُشبه وتريد الْمُشبه بِهِ دَالا على ذَلِك بِإِضَافَة شَيْء من لَوَازِم الْمُشبه بِهِ المساوية إِلَى الْمُشبه مثل أَن تشبه الْمنية بالسبع ثمَّ تفردها بِالذكر مضيفا إِلَيْهَا الأنياب والمخالب قَائِلا: (أَنْيَاب الْمنية أَو مخالب الْمنية قد نشبت بفلان) وَنَحْوه (لِسَان الْحَال نَاطِق بِكَذَا} وَهِي لَا تنفك عَن التخييلية
وَأما الِاسْتِعَارَة الْأَصْلِيَّة فَهِيَ أَن يكون الْمُسْتَعَار اسْم جنس فَيكون الْمُسْتَعَار لَهُ كَذَلِك ك (أَسد) فِي الشجاع، و (حَاتِم) فِي الْجواد، و (قتل) فِي الإيلام الشَّديد
وَأما الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة فَهِيَ مَا تقع فِي غير أَسمَاء الْأَجْنَاس من الْأَفْعَال وَالصِّفَات وَأَسْمَاء الزَّمَان وَالْمَكَان والآلة والحروف، لِأَن مفهومات الْأَشْيَاء مركبات، أما مَفْهُوم الْفِعْل فَمن الْحَدث وَالنِّسْبَة إِلَى ذَات مَا وَالزَّمَان وَأما مَفْهُوم الصّفة فَمن الْحَدث وَالنِّسْبَة إِلَى ذَات مَا وَأما مَفْهُوم أَسمَاء الزَّمَان وَالْمَكَان والآلة فَمن الْحَدث وَالنِّسْبَة إِلَى زمَان مَا أَو مَكَان مَا أَو آلَة مَا وَأما مَفْهُوم الْحَرْف فَمن النِّسْبَة وَالْإِضَافَة إِلَى شخص مَخْصُوص
وَمَعْلُوم أَن مجازية الْجُزْء يسْتَلْزم مجازية الْكل، وَقد تقرر فِي قَوَاعِد الْمعَانِي وَالْبَيَان أَن الِاسْتِعَارَة فِي الصّفة وَالْفِعْل وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَفِي الْحَرْف تَبَعِيَّة، وَفِي الِاسْم أَصْلِيَّة، والاستعارة الْوَاقِعَة فِي الْحُرُوف إِنَّمَا هِيَ وَاقعَة فِي مُتَعَلق مَعْنَاهَا، فَيَقَع فِي المصادر ومتعلقات الْمعَانِي ثمَّ بتبعيتها تسري فِي الْأَفْعَال وَالصِّفَات والحروف فَمَعْنَى الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة أَن يكون الْمُسْتَعَار فعلا أَو صفة أَو حرفا، والمستعار لَهُ لفظ الْمُشبه لَا الْمُشبه بِهِ، إِذا تحققت هَذَا فَاعْلَم أَنَّك إِذا وجدت مثلا (قتل زيد عمرا) بِمَعْنى ضربه ضربا شَدِيدا، وفتشت جَمِيع أَجزَاء مَفْهُومه فَلَا تَجِد المجازية إِلَّا فِي جزئه الْحَدث وَهِي مجازية الْكل، وَلذَلِك تسمى الِاسْتِعَارَة فِي الْفِعْل تَبَعِيَّة وَقس عَلَيْهِ واستوضح مِنْهُ حَال الْمُشْتَقّ والحرف
وأوضح من هَذَا أَنه إِذا أُرِيد اسْتِعَارَة (قتل) لمَفْهُوم (ضرب) لتشبيه (ضرب) بِمَفْهُوم (قتل) فِي شدَّة التَّأْثِير يشبه الضَّرْب بِالْقَتْلِ ويستعار لَهُ الْقَتْل ويشتق مِنْهُ (قتل) فيستعار (قتل) بتبعية اسْتِعَارَة الْقَتْل، وَهَكَذَا بَاقِي المشتقات
وَبَيَان الِاسْتِعَارَة فِي الْحُرُوف هُوَ أَن مَعَاني الْحُرُوف لعدم استقلالها لَا يُمكن أَن يشبه بهَا، لِأَن الْمُشبه بِهِ هُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بمشاركة الْمُشبه لَهُ فِي أَمر فتجري التَّشْبِيه فِيمَا يعبر بِهِ عَنهُ، وَيلْزم بتبعية الِاسْتِعَارَة فِي التعبيرات الِاسْتِعَارَة فِي مَعَاني الْحُرُوف؛ وَقد يكون جَرَيَان التَّشْبِيه فِي مصدر الْفِعْل وَفِي مُتَعَلقَة على التَّسْوِيَة، فَيجوز اخْتِيَار كل من التّبعِيَّة والمكنية كَمَا فِي (نطقت الْحَال بِكَذَا)
وَأما الْمُجَرَّدَة والمرشحة فالاستعارة إِذا عقبت بِمَا يلائم الْمُسْتَعَار لَهُ فَهِيَ مُجَرّدَة لتجردها عَن روادف الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ نَحْو: (رَأَيْت أسدا شاكي السِّلَاح) وَإِذا عقبت بِمَا يلائم الْمُسْتَعَار مِنْهُ فَهِيَ مرشحة لإتباعها بِمَا يرادف الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ نَحْو: (رَأَيْت أسدا لَهُ لبد) وَإِن لم تعقب بِشَيْء من الْمُسْتَعَار مِنْهُ والمستعار لَهُ فَهِيَ مُطلقَة نَحْو: (رَأَيْت أسدا)
وَأما الِاسْتِعَارَة بِاعْتِبَار بنائها على التَّشْبِيه فَهِيَ خَمْسَة أَنْوَاع: فَإِن الْمُسْتَعَار مِنْهُ والمستعار لَهُ إِمَّا حسيان وَالْجَامِع(1/102)
أَيْضا حسي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {واشتعل الرَّأْس شيبا}
أَو الطرفان حسيان وَالْجَامِع عَقْلِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِذْ أرسلنَا عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم} أَو كل مِنْهُمَا عقلية وَكَذَا الْجَامِع نَحْو قَوْله تَعَالَى: {من بعثنَا من مرقدنا} أَو الْمُسْتَعَار مِنْهُ حسي والمستعار لَهُ عَقْلِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه فَإِذا هُوَ زاهق} وَمِثَال الْخَامِس نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ} فالمستعار مِنْهُ إِلْقَاء الشَّيْء وَرَاءه والمستعار لَهُ التَّعَرُّض للغفلة وَالْجَامِع الزَّوَال عَن الْمُشَاهدَة
والاستعارة أبلغ من الْحَقِيقَة، لِأَن الِاسْتِعَارَة كدعوى الشَّيْء بَيِّنَة، وأبلغ من التَّشْبِيه أَيْضا وأبلغ أَنْوَاعهَا التمثيلية ويليها المكنية
والترشيحية أبلغ من الْمُجَرَّدَة والمطلقة
والترشيح عِنْدهم، ذكر مَا يلائم الْمُسْتَعَار مِنْهُ مَعَه فَهُوَ فِي التصريحية بِمَنْزِلَة التخييل فِي المكنية، كإثبات الْأَظْفَار للمنية فِي (أنشبت الْمنية أظفارها)
والتخييلية أبلغ من التحقيقية، وَالْمرَاد من الأبلغية إِفَادَة زِيَادَة التَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة فِي كَمَال التَّشْبِيه
والاستعارة، وَإِن كَانَ فِيهَا التَّشْبِيه فتقدير حرف التَّشْبِيه لَا يجوز فِيهَا، والتشبيه الْمَحْذُوف الأداة على خلاف ذَلِك، لِأَن تَقْدِير حرف التَّشْبِيه وَاجِب فِيهِ فنحو: (زيد أَسد) يقْصد بِهِ التَّشْبِيه تَارَة، فالأداة مقدرَة ويقصد بِهِ الِاسْتِعَارَة أُخْرَى، فَلَا تكون مقدرَة، فالأسد مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته، والإخبار عَن زيد بِمَا لَا يصلح لَهُ حَقِيقَة قرينَة صارفة إِلَى الِاسْتِعَارَة، فَإِن قَامَت قرينَة على حذف الأداة صرنا إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَنحْن بَين إِضْمَار واستعارة والاستعارة أولى فيصار إِلَيْهَا
الِاسْتِغْرَاق: هُوَ التَّنَاوُل على سَبِيل الشُّمُول لَا على سَبِيل الْبَدَل، وَإِلَّا يلْزم أَن تكون النكرَة فِي الْإِثْبَات كَمَا فِي النَّفْي مستغرقة
وَهُوَ جنسي وفردي وعرفي: فالجنسي مثل: (لَا رجل فِي الدَّار)
والفردي مثل: (لَا رجل فِي الدَّار) بِالتَّنْوِينِ؛ فَلَا يُنَافِي أَن يكون فِيهَا اثْنَان أَو ثَلَاثَة، والجنسي يُنَافِي ذَلِك
والعرفي: هُوَ مَا يكون الْمرجع فِي شُمُوله وإحاطته إِلَى حكم الْعرف مثل: (جمع الْأَمِير الصاغة) ، وَإِن كَانَ بعض الْأَفْرَاد فِي الْحَقِيقَة
وَغير الْعرفِيّ: مَا يكون الْمَدْلُول جَمِيع الْأَفْرَاد فِي نفس الْأَمر
واستغراق الْجمع كاستغراق الْمُفْرد فِي الشُّمُول لِأَن [استغراق] الْمُفْرد أشمل على مَا الْمَشْهُور بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {فَمَا لنا من شافعين وَلَا صديق حميم} فَإِن " مَا لنا من شافعين " يُقيد مَا(1/103)
أَفَادَهُ " مَا لنا من شَافِع " وَلَو قيل: (مَا لنا من أصدقاء) يُفِيد مَا أَفَادَهُ) (مَا لنا من صديق)
الِاسْتِخْدَام: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ الْمَشْهُور من الْخدمَة؛ وَجوز أَن يكون بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى الْقطع
سمي حَقِيقَة الِاسْتِخْدَام فِي البديع بِهِ فَكَأَنَّهُ على الْوَجْه الْمَشْهُور جعل الْمَعْنى الْمَذْكُور أَولا تَابعا وخادما للمعنى المُرَاد؛ وعَلى الْوَجْه غير الْمَشْهُور كَأَن الضَّمِير قطع عَمَّا هُوَ حَقه من الرُّجُوع إِلَى الْمَذْكُور فَإِن الِاسْتِخْدَام هُوَ أَن يُؤْتى بِلَفْظ لَهُ مَعْنيانِ فَأكْثر مرَادا بِهِ أحد مَعَانِيه ثمَّ يُؤْتى بضميره مرَادا بِهِ الْمَعْنى الآخر وَهَذِه طَريقَة السكاكي وَأَتْبَاعه؛ أَو يُرَاد بِأحد ضميريه أحد الْمَعْنيين ثمَّ يُرَاد بالضمير الآخر مَعْنَاهُ الآخر، وَهَذِه طَريقَة بدر الدّين بن مَالك فِي " الْمِصْبَاح " فَالْأولى كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين} فَإِن المُرَاد بِهِ آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ أعَاد الضَّمِير عَلَيْهِ مرَادا بِهِ وَلَده فَقَالَ: {ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين} وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل} استخدم سُبْحَانَهُ لَفْظَة (الصَّلَاة) لمعنيين: أَحدهمَا: إِقَامَة الصَّلَاة، بِقَرِينَة (حَتَّى تعلمُوا) وَالْآخر: مَوضِع الصَّلَاة، بِقَرِينَة (وَلَا جنبا) إِلَى آخِره وكقول الْقَائِل:
(إِذا نزل السَّمَاء بِأَرْض قوم ... رعيناه وَإِن كَانُوا غضابا)
وَالثَّانِي كَقَوْل البحتري:
(فسقى الغضا والساكنية وَإِن هم ... شبوه بَين جوانحي وضلوعي)
أَرَادَ بِأحد الضميرين الراجعين إِلَى الغضا وَهُوَ الْمَجْرُور فِي الساكنيه الْمَكَان وبالآخر الْمَنْصُوب فِي (شبوه) النَّار أَي أوقدوا بَين جوانحي نَار الْهوى الَّتِي تشبه نَار الغضا
والاستخدام: اسْتِعْمَال معني اللَّفْظَة مَعًا، بِخِلَاف التورية، فَإِنَّهَا اسْتِعْمَال أحد معنيي اللَّفْظَة وإهمال الآخر
الِاسْتِبْرَاء: هُوَ لُغَة: طلب الْبَرَاءَة؛ وَشرعا: التَّرَبُّص الْوَاجِب على كَامِلَة الرّقّ بِسَبَب تَجْدِيد ملك أَو زَوَال فرَاش مُقَدرا بِأَقَلّ مَا يدل على الْبَرَاءَة، فَلَو بَاعَ جَارِيَة ثمَّ اشْتَرَاهَا فِي الْمجْلس ثَبت الِاسْتِبْرَاء فِيهَا تَقْديرا عِنْد الْحَنَفِيَّة
وَقَالَ غير الْحَنَفِيَّة: الِاسْتِبْرَاء فِي الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة تعبد، كَمَا فِي الْمُشْتَرَاة من امْرَأَة، لِأَن الْمُغَلب فِي الِاسْتِبْرَاء جَانب التَّعَبُّد وَقد نظمت فِيهِ:
(وَقد يحصل الْمَقْصُود من شرع حكمنَا ... يَقِينا كَمَا فِي البيع إِذْ كنت مَالِكًا)
(وظنا كَمَا فِي الْقَتْل يقْتَصّ قَاتل ... لينزجروا حَتَّى تحاشوا مهالكا)
(ومحتملا فِي حد خمر مُسَاوِيا ... فكم منته كم مدمن قد تهالكا)
(وَرجح الْقَصْد نَفسه من حُصُوله ... كآيسة لَو أنكح الدَّهْر ذلكا)(1/104)
(وَيعْتَبر الْمَقْصُود فِي بعض صُورَة ... وَإِن ندرت فَالْحكم صَحَّ هنالكا)
(كمن صَار بِالتَّوْكِيلِ زوج زينبا ... لَهَا الغرب مأوى وَهُوَ فِي الشرق سالكا)
(فَلَو ولدا لما أَتَتْهُ فملحق ... لَهُ نسب ظن اللحوق سوالكا)
(وَجَارِيَة لَو بَاعهَا ثمَّة اشْترى ... من المُشْتَرِي فِي مجْلِس قد تملكا)
(فَيثبت الِاسْتِبْرَاء فِيهَا لجهلنا ... بَرَاءَة رحم مِنْهُ تَقْديرا اذلكا)
(وَلم يعْتَبر تِلْكَ الْجَهَالَة غَيرنَا ... بل اعتبروا فِيهِ التَّعَبُّد مسلكا)
وَيجوز التَّعْلِيل بِمَا لَا يطلع على حكمته وَإِن قطع بانتفائها فِي صُورَة من الصُّور كوجوب اسْتِبْرَاء الصَّغِيرَة لظن وجود الْحِكْمَة فِيهَا
وَقَالَ الجدليون: لَا يثبت الحكم فِيهَا لانْتِفَاء الْحِكْمَة الَّتِي هِيَ روح الْعلَّة، وَلَا عِبْرَة للمظنة عِنْد تَحْقِيق المئنة
الإسجال: هُوَ الْإِتْيَان بِأَلْفَاظ سجلت على الْمُخَاطب وُقُوع مَا خُوطِبَ بِهِ نَحْو: {رَبنَا وآتنا مَا وعدتنا على رسلك} {رَبنَا وأدخلهم جنَّات عدن الَّتِي وعدتهم} فَإِن فِي ذَلِك إسجالا بالإيتاء والإدخال، حَيْثُ وصف بالوعد من الله الَّذِي لَا يخلف الميعاد
الاستتباع: هُوَ أَن يذكر النَّاظِم أَو الناثر معنى بمدح أَو ذمّ أَو غَرَض من الْأَغْرَاض فيستتبع معنى آخر من ذَلِك الْغَرَض يَقْتَضِي زِيَادَة وصف فِي ذَلِك الْفَنّ كَقَوْلِه:
(نهبت من الْأَعْمَار مَا لَو حويته ... لهنئت الدُّنْيَا بأنك خَالِد)
مدحه ببلوغ النِّهَايَة فِي الشجَاعَة إِذْ كثر قتلاه بِحَيْثُ لَو ورث أعمارهم لخلد فِي الدُّنْيَا على وَجه يستتبع مدحه بِكَوْنِهِ سَببا لصلاح الدُّنْيَا ونظامها، حَيْثُ جعل الدُّنْيَا مهنأة بخلوده
الِاسْتِقْصَاء: هُوَ أَن يتَنَاوَل الْمُتَكَلّم معنى فيستقصيه فَيَأْتِي بِجَمِيعِ عوارضه ولوازمه بعد أَن يستقصي جَمِيع أَوْصَافه الذاتية، بِحَيْثُ لَا يتْرك لمن يتَنَاوَلهُ بعده فِيهِ مقَالا كَقَوْلِه تَعَالَى: {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة من نخيل وأعناب} إِلَى آخِره
وَالِاسْتِقْصَاء: يرد على الْمَعْنى التَّام الْكَامِل
والتتميم: يرد على الْمَعْنى النَّاقِص
والاستكانة: قيل هُوَ (افتعل) من (سكن) وَالْألف للإشباع، لِأَن مَعْنَاهُ خضع وتذلل، فَكَأَن الخاضع يسكن لصَاحبه ليفعل بِهِ مَا يُريدهُ
وَقيل: هُوَ (استفعل) من (كَانَ) التَّامَّة، فَكَأَن الخاضع يطْلب من نَفسه أَن يكون وَيثبت على مَا يُرِيد بِهِ صَاحبه، وَالْأول أقوى من حَيْثُ الْمَعْنى، وَلَكِن لَا يساعده وُجُوه الِاشْتِقَاق والتصريف، وَالثَّانِي أصح لفظا أَو أَضْعَف معنى
واستكان خَاص بالتغير عَن كَون مَخْصُوص، وَهُوَ خلاف الذل
واستحال: عَام فِي كل حَال
الاستقراء: هُوَ تتبع جزئيات الشَّيْء(1/105)
فالتام مِنْهُ: هُوَ الاستقراء بالجزئي على الْكُلِّي نَحْو: (كل جسم متحيز) فَإِنَّهُ لَو استقريت جَمِيع جزئيات الْجِسْم من جماد وحيوان ونبات لوجدتها متحيزة؛ وَهَذَا الاستقراء دَلِيل يقيني فَيُفِيد الْيَقِين [لَكِن لَا دَائِما فِيمَا هُوَ الْمَشْهُور كَقَوْلِهِم: الْقيَاس يُفِيد الْيَقِين]
والناقص: هُوَ الاستقراء بِأَكْثَرَ الجزئيات نَحْو: (كل حَيَوَان يُحَرك فكه الْأَسْفَل عِنْد المضغ) وَهَذَا الاستقراء دَلِيل ظَنِّي فَلَا يُفِيد إِلَّا الظَّن
وَيُسمى النَّاقِص عِنْد الْفُقَهَاء إِلْحَاق الْفَرد بالأغلب
والاستقراء بجزئي على جزئي هُوَ تَمْثِيل يُسَمِّيه الْفُقَهَاء قِيَاسا، وَهُوَ مُشَاركَة أَمر لأمر فِي عِلّة الحكم
الِاسْتِئْنَاف: هُوَ من الْأنف، لِأَن الْجَواب ذُو شرف وارتفاع، أَو من أنف كل شَيْء، وَهُوَ أَوله، أَو من أنف الْبَاب وَهُوَ طرفه، لِأَن الْجَواب كَلَام مُبْتَدأ مُسْتَقل وطرف من سُؤال
فالاستئناف: هُوَ أَن يكون الْكَلَام الْمُتَقَدّم بِحَسب الفحوى موردا للسؤال فَيجْعَل ذَلِك الْمُقدر كالمحقق، وَيُجَاب بالْكلَام الثَّانِي، فَالْكَلَام مُرْتَبِط بِمَا قبله من حَيْثُ الْمَعْنى وَإِن كَانَ مَقْطُوعًا لفظا
وَالْقطع: كَون الْكَلَام مَقْطُوعًا عَمَّا قبله لفظا وَمعنى
والاستئناف عِنْد أهل الْمعَانِي: ترك الْوَاو بَين جملتين نزلت أولاهما منزلَة السُّؤَال، وَتسَمى الثَّانِيَة استئنافا أَيْضا وَلَا يُصَار إِلَى الِاسْتِئْنَاف إِلَّا لجهات لَطِيفَة، إِمَّا لتنبيه السَّامع على موقعه، أَو لاعتنائه أَن يسْأَل أَو لِئَلَّا يسمع مِنْهُ شَيْء، أَو لِئَلَّا يَنْقَطِع كلامك بِكَلَامِهِ، أَو للقصد إِلَى تَكْثِير الْمَعْنى مَعَ قلَّة اللَّفْظ أَو ترك العاطف
الِاسْتِصْحَاب: هُوَ الحكم بِبَقَاء أَمر كَانَ فِي الزَّمَان الأول وَلم يظنّ عَدمه
واستصحاب الْحَال: هُوَ التَّمَسُّك بالحكم الثَّابِت فِي حَالَة الْبَقَاء، وَهُوَ حجَّة عندنَا حَتَّى يجب الْعَمَل فِي حق نَفسه، وَلَا يصلح حجَّة للإلزام على الْخصم، لِأَن مَا ثَبت فَالظَّاهِر فِيهِ الْبَقَاء، وَالظَّاهِر يَكْفِي لإبقاء مَا كَانَ، وَلَا يصلح أَيْضا حجَّة لإِثْبَات أَمر لم يكن، كحياة الْمَفْقُود، فَإِنَّهُ لما كَانَ الظَّاهِر بَقَاءَهُ منع الْإِرْث وَهُوَ لَا يَرث فَهُوَ إِثْبَات أَمر لم يكن
وَأما عِنْد الشَّافِعِي فَهُوَ حجَّة فِي إِثْبَات كل حكم ثَبت بِدَلِيل ثمَّ شكّ فِي بَقَائِهِ
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: التَّمَسُّك بالاستصحاب على أَرْبَعَة أوجه: الأول: عِنْد الْقطع بِعَدَمِ المغير بحس أَو عقل أَو نقل، وَيصِح إِجْمَاعًا كَمَا نطقت بِهِ آيَة {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ} إِلَى آخِره
وَالثَّانِي: عِنْد الْعلم بِعَدَمِ [دَلِيل مغير ثَابت بِالنّظرِ وبالاجتهاد بِقدر الوسع مَعَ احْتِمَال قيام المغير من حَيْثُ هُوَ لَا يشْعر وَهَذَا بِهِ يَصح إِجْمَاعًا لإبداء عذر لَا حجَّة على الْغَيْر إِلَّا عِنْد الشَّافِعِي وَالشَّيْخ أبي مَنْصُور الماتريدي وَبَعض مَشَايِخنَا رَحِمهم الله لِأَنَّهُ غَايَة وسع الْمُجْتَهد](1/106)
وَالثَّالِث: قيل هُوَ التَّأَمُّل فِي طلب المغير وَهُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع، لِأَنَّهُ جهل مَحْض كَعَدم علم من أسلم فِي دَارنَا بالشرائع، وَصَلَاة من اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة بِلَا سُؤال وَلَا تحر
وَالرَّابِع: إِثْبَات حكم مُبْتَدأ، وَهُوَ خطأ مَحْض، لِأَن مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ إبْقَاء مَا كَانَ، فَفِيهِ تَغْيِير [حَقِيقَة]
الِاسْتِحْسَان: [هُوَ لُغَة عد الشَّيْء واعتقاده حسنا يُقَال: (استحسنت كَذَا) أَي اعتقدته حسنا
وَقيل] : هُوَ طلب الْأَحْسَن من الْأُمُور
وَقيل: هُوَ ترك الْقيَاس وَالْأَخْذ بِمَا هُوَ أرْفق للنَّاس، وَهُوَ اسْم لدَلِيل نصا كَانَ أَو إِجْمَاعًا أَو قِيَاسا خفِيا إِذا وَقع فِي مُقَابلَة قِيَاس جلي سبق إِلَيْهِ الْفَهم حَتَّى يُطلق على دَلِيل إِذا لم يقْصد فِيهِ تِلْكَ الْمُقَابلَة، وَإِذا كَانَ الدَّلِيل ظَاهرا جليا وأثره ضَعِيفا يُسمى قِيَاسا؛ وَإِذا كَانَ بَاطِنا خفِيا وأثره قَوِيا يُسمى اسْتِحْسَانًا؛ وَالتَّرْجِيح بالأثر لَا بالخفاء والظهور كالدنيا مَعَ العقبى
وَقد يقوى أثر الْقيَاس فِي بعض الْفُصُول فَيُؤْخَذ بِهِ، وَقد يقوى أثر الِاسْتِحْسَان فيرجح بِهِ؛ وَهَذَا اللَّفْظ فِي اصْطِلَاح الْأُصُول فِي مُقَابلَة الْقيَاس الْجَلِيّ شَائِع [يعْمل بِهِ إِذا كَانَ أقوى مِنْهُ سموهُ بذلك لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَب يكون أقوى من الْقيَاس الْجَلِيّ فَيكون قِيَاسا مستحسنا قَالَ الله تَعَالَى: {فبشر عباد} {الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه}
الِاسْتِطَاعَة: استفعال من الطوع، وَهِي عِنْد(1/107)
الْمُحَقِّقين اسْم للمعاني الَّتِي بهَا يتَمَكَّن الْإِنْسَان مِمَّا يُريدهُ من إِحْدَاث الْفِعْل، وَهِي أَرْبَعَة أَشْيَاء: نِيَّة مَخْصُوصَة للْفَاعِل
وتصور للْفِعْل
ومادة قَابِلَة للتأثير
وَآلَة إِن كَانَ الْفِعْل آليا كالكتابة
ويضاده الْعَجز، وَهُوَ أَلا يجد أحد هَذِه الْأَرْبَعَة فَصَاعِدا
والاستطاعة: هِيَ التهيؤ لتنفيذ الْفِعْل بِإِرَادَة الْمُخْتَار من غير عائق
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: هِيَ اسْم للمعاني الَّتِي يتَمَكَّن الْمَرْء بهَا مِمَّا يُريدهُ من إِحْدَاث فعل؛ وَهِي أخص من الْقُدْرَة
وَالْحق مَا صرح بِهِ الإِمَام أَبُو حنيفَة أَن الْقُدْرَة تصلح للضدين بِمَعْنى أَنَّهَا قُوَّة بهَا يتَمَكَّن الْحَيّ مَعَ الْفِعْل وَالتّرْك، وَصِحَّة الْأَمر وَالنَّهْي يعْتَمد عَلَيْهِ
وَلَو قُلْنَا: إِن الْقُدْرَة هِيَ الْآلَات على مَذْهَب الاعتزال لسقط عَمَّن يُوجد لَا الْآلَات وَلَيْسَ بهَا قدرَة كاللسان مثلا حكم التَّكَلُّم وَالْقِرَاءَة
وَقيل: الْقُدْرَة مَا يظْهر من الْقُوَّة بِقدر الْعَمَل لَا زَائِدا عَلَيْهِ وَلَا نَاقِصا مِنْهُ
وَنفي الِاسْتِطَاعَة قد يُرَاد بِهِ نفي الْقُدْرَة والإمكان نَحْو: {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية} {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقبا}
وَقد يُرَاد بِهِ نفي الِامْتِنَاع نَحْو: {هَل يَسْتَطِيع رَبك} على الْقِرَاءَتَيْن أَي: هَل يفعل؟(1/108)
وَقد يُرَاد بِهِ الْوُقُوع بِمَشَقَّة وكلفة نَحْو: {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا}
والاستطاعة: مِنْهَا مَا يصير بِهِ الْفِعْل طَائِعا لَهُ بسهولة وَفِي " التَّعْدِيل " وَغَيره: هِيَ جملَة مَا يتَمَكَّن بِهِ العَبْد من الْفِعْل إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا اخْتِيَاره الصَّالِحَة للضدين على الْبَدَل، وَهِي المرادة بِالنَّفْيِ بقوله: {مَا كَانُوا يتسطيعون السّمع} لَا الِاسْتِطَاعَة بِمَعْنى سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات الْمُتَقَدّمَة على الْفِعْل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} لِأَنَّهَا كَانَت ثَابِتَة للْكفَّار
والاستطاعة أخص من الْقُدْرَة
والوسع من الِاسْتِطَاعَة: مَا يسع لَهُ فعله بِلَا مشقة
والجهد مِنْهَا: مَا يتعاطى بِهِ الْفِعْل بِمَشَقَّة
والطاقة مِنْهَا: بُلُوغ غَايَة الْمَشَقَّة يَقُولُونَ: (فلَان لَا يَسْتَطِيع أَن يرقى هَذَا الْجَبَل) و (هَذَا الْجمل يُطيق السّفر) و (هَذَا الْفرس صبور على مماطلة الْحَضَر) وَقد فسر رَسُول الله الِاسْتِطَاعَة بالزاد وَالرَّاحِلَة، وَمَا فسر استطاعة السَّبِيل إِلَى الْبَيْت فِي الْقُرْآن باستطاعة الْحَج فَإِنَّهَا لَا بُد فِيهَا من صِحَة الْبدن أَيْضا
واستطاعة الْأَمْوَال وَالْأَفْعَال كِلَاهُمَا يُسمى بالتوفيقية
واستطاعة الْأَحْوَال: وَهِي الْقُدْرَة على الْأَفْعَال تسمى بالتكليفية
الاسْتوَاء: هُوَ إِذا لم يَتَعَدَّ بإلى يكون بِمَعْنى الِاعْتِدَال والاستقامة؛ وَإِذا عدي بهَا صَار بِمَعْنى قصد الاسْتوَاء فِيهِ، وَهُوَ مُخْتَصّ بالأجسام
[ {واستوت على الجودي} : أَي اسْتَقَرَّتْ
{وَلما بلغ أشده واستوى} : أَي تمّ {فَإِذا استويت أَنْت وَمن مَعَك على الْفلك} : أَي عَلَوْت وَارْتَفَعت]
وَاخْتلف فِي معنى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} فَقيل: بِمَعْنى اسْتَقر، وَهُوَ يشْعر بالتجسيم؛ وَقيل: بِمَعْنى استولى، وَلَا يخفى أَن ذَلِك بعد قهر وَغَلَبَة؛ وَقيل: بِمَعْنى صعد، وَالله منزه عَن ذَلِك أَيْضا؛ وَقَالَ الْفراء والأشعري وَجَمَاعَة من أهل الْمعَانِي: مَعْنَاهُ أقبل على خلق الْعَرْش وَعمد إِلَى خلقه؛ وَهَذَا معنى {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} لَا على الْعَرْش وَقَالَ ابْن اللبان: الاسْتوَاء الْمَنْسُوب إِلَى الله تَعَالَى بِمَعْنى (اعتدل) أَي: قَامَ بِالْعَدْلِ كَقَوْلِه: {قَائِما بِالْقِسْطِ} فقيامه بِالْقِسْطِ وَالْعدْل هُوَ استواؤه تَعَالَى
[وَاعْلَم أَن الله تَعَالَى أخبر بِأَنَّهُ على الْعَرْش اسْتَوَى، وَأخْبر رَسُوله بالنزول وَغير ذَلِك، فَكل مَا ورد من هَذَا الْقَبِيل دَلَائِل التَّوْحِيد فَلَا يتَصَرَّف فِيهَا بتشبيه وتعطيل، فلولا إِخْبَار الله تَعَالَى وإخبار رَسُوله مَا تجاسر عقل أَن يحوم حول ذَلِك الْحمى، وتلاشى دون ذَلِك عقل الْعُقَلَاء ولب الألباء، فَالله سُبْحَانَهُ وَفِي من عباده بِمَا أخبر وَدلّ على نَفسه بِمَا(1/109)
أظهر وَرفع حِجَابا من الْحجب عَن وَجه الْكِبْرِيَاء وكشف شَيْئا من سبحات العظمة والْعَلَاء فَكل أَخْبَار الصِّفَات تجليات إلهية وكشوف جلية عقل من عقل وَجَهل من جهل، فَلَا تبعد عَن الله بالتشبيه وَقد قرب مِنْك، وَلَا تَفِر مِنْهُ بالتعطيل وَقد دنا إِلَيْك أطلق لِسَان الاسْتوَاء وَأعْرض عَن الْكَيْفِيَّة، وَهَكَذَا سَائِر الصِّفَات، فَهُوَ سُبْحَانَهُ بِمَا تجلى لِعِبَادِهِ بِهَذَا الْإِخْبَار ظَاهر، وَبِمَا قصرت الْعُقُول عَن إِدْرَاك كنهها وكيفيتها بَاطِن فَلَا ينْكَشف من عظم شَأْنه مَا بطن وَلَا يتشف من علو سُلْطَانه مَا انكمن]
الاستطراد: هُوَ سوق الْكَلَام على وَجه يلْزم فِيهِ كَلَام آخر وَهُوَ غير مَقْصُود بِالذَّاتِ بل بِالْعرضِ، من (استطراد الْفَارِس فِي جريه فِي الْحَرْب) وَذَلِكَ أَن يفر من بَين يَدي الْخصم يُوهِمهُ الانهزام ثمَّ يعْطف عَلَيْهِ، وَهُوَ ضرب من المكيدة
وَفِي الِاصْطِلَاح: أَن يكون فِي غَرَض من أغراض الشّعْر يُوهم أَنه يسْتَمر فِيهِ ثمَّ يخرج مِنْهُ إِلَى غَيره لمناسبة بَينهمَا
وَلَا بُد من التَّصْرِيح باسم المستطرد بِهِ بِشَرْط أَن يكون قد تقدم لَهُ ذكر ثمَّ يرجع إِلَى الأول وَيقطع الْكَلَام فَيكون المستطرد بِهِ آخر كَلَامه
وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ معدومان فِي التَّخَلُّص فَإِنَّهُ لَا يرجع إِلَى الأول وَلَا يقطع الْكَلَام بل يسْتَمر فِيمَا تخلص إِلَيْهِ كَقَوْلِه:
(لَهَا برص بِأَسْفَل إسكتيها ... كعنفقة الفرزدق حِين شَابًّا)
وَحسن التَّخَلُّص والاستطراد: من أساليب الْقُرْآن الْجَلِيل وَقد خرج على الاستطراد قَوْله تَعَالَى: {لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون} فَإِن أول الْكَلَام رد على النَّصَارَى الزاعمين بنوة الْمَسِيح، ثمَّ استطرد الرَّد على الْعَرَب الزاعمين بنوة الْمَلَائِكَة
وَمِنْه أَيْضا قَوْله تَعَالَى: {أَلا بعدا لمدين كَمَا بَعدت ثَمُود}
وَمِنْه تَغْيِير الضَّمِير إِلَى الْجمع بعد التَّثْنِيَة وَلَو كَانَت الْقِصَّة وَاحِدَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ} فَإِن مَا بعد قصَّة ابْني آدم كمخلص إِلَى قصَّة الْعَرَب وإشراكهم الْأَصْنَام فَيكون من الْمَوْصُول لفظا والمفصول معنى
[وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْله: {فَمَاذَا تأمرون} فَإِنَّهُ قَول فِرْعَوْن {أَن يخرجكم من أَرْضكُم} قَول الْمَلأ
و {أَنا راودته عَن نَفسه وَإنَّهُ لمن الصَّادِقين} قَول زليخا
و {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} كَلَام يُوسُف
و {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} كَلَام بلقيس(1/110)
{وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} كَلَام الله
و {من بعثنَا من مرقدنا} قَول الْكفَّار
و {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن} قَول الْمَلَائِكَة إِلَى غير ذَلِك]
أسلوب الْحَكِيم: هُوَ لُغَة كل كَلَام مُحكم
وَاصْطِلَاحا: هُوَ إِمَّا تلقي الْمُخَاطب بِغَيْر مَا يترقب بِسَبَب حمل كَلَام الْمُخَاطب على خلاف مَا أَرَادَهُ تَنْبِيها على أَنه الأولى بِالْقَصْدِ والإرادة، وَهَذَا عين القَوْل بِالْمُوجبِ، لِأَن حَقِيقَته حمل لفظ وَقع فِي كَلَام الْغَيْر على خلاف مُرَاده مِمَّا يحْتَملهُ بِذكر مُتَعَلقَة؛ وَإِمَّا تلقي السَّائِل بِغَيْر مَا يتطلب تَنْبِيها على أَن الأولى لَهُ والأهم إِنَّمَا هُوَ السُّؤَال عَمَّا أُجِيب عَنهُ
مِثَال الأول قَول القبعثري للحجاج حِين قَالَ متوعدا " لأحملنك على الأدهم ": " مثل الْأَمِير يحمل على الأدهم والأشهب " فَقَالَ الْحجَّاج: " إِنَّه الْحَدِيد " فَقَالَ: " لِأَن يكون حديدا خير من أَن يكون بليدا " وَمِثَال الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج} وَهَذَا على احْتِمَال أَن السَّائِل غير الصَّحَابَة
وَقد رُوِيَ مَا يَقْتَضِي أَنهم لم يسْأَلُوا عَن سَبَب زِيَادَة الْهلَال ونقصانه، بل عَن سَبَب خلقه على مَا هُوَ الْأَلْيَق بحالهم
روى أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع عَن أبي عالية قَالَ: بلغنَا أَنهم قَالُوا: يَا رَسُول الله لم خلقت الْأَهِلّة؟ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فعلى هَذَا لَيْسَ فِيهَا من اسلوب الْحَكِيم شَيْء بل يصير الْجَواب طبق السُّؤَال، فَصَارَت الْآيَة مُحْتَملَة للوجهين
وَمن أسلوب الْحَكِيم أَيْضا: جَوَاب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة: بِأَن الله تَعَالَى خلق آدم ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ فاستخرج من ذُريَّته إِلَى آخر الحَدِيث، فَإِن هَذَا جَوَاب بِبَيَان الْمِيثَاق المقالي، وَالسُّؤَال عَن بَيَان الْمِيثَاق الحالي؛ وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى ميثاقين مَعَ بني آدم، أَحدهمَا: يَهْتَدِي إِلَيْهِ الْعقل من نصب الْأَدِلَّة الباعثة على الِاعْتِرَاف الحالي وَثَانِيهمَا: المقالي الَّذِي لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ الْعقل، بل يتَوَقَّف على أَخْبَار الْأَنْبِيَاء؛ فَأَرَادَ النَّبِي أَن يخبر الْأمة عَمَّا لَا تهتدي إِلَيْهِ عُقُولهمْ من مِيثَاق آخر أزلي فَقَالَ مَا قَالَ، ليعرف مِنْهُ أَن هَذَا النَّسْل الَّذِي يخرج فِيمَا لَا يزَال من أصلاب بني آدم هُوَ الذَّر الَّذِي أخرج فِي ابْتِدَاء خلق آدم من صلبه وَأخذ مِنْهُ الْمِيثَاق المقالي الأزلي كَمَا أَخذ مِنْهُم فِيمَا لَا يزَال بالتدريج حِين أخرجُوا الْمِيثَاق الحالي اللايزالي
وَقَالَ بَعضهم: المخاطبون بقوله: {أَلَسْت بربكم} هم الصُّور العلمية الْقَدِيمَة ألتي هِيَ ماهيات الْأَشْيَاء وحقائقها ويسمونها بالأعيان الثَّابِتَة، وَلَيْسَت تِلْكَ الصُّور مَوْجُودَة فِي الْخَارِج، وجوابهم إِنَّمَا هُوَ بألسنة استعداداتهم الأزلية، فَالْمُرَاد بالذرية هُوَ الصُّور العلمية والأعيان الثَّابِتَة، وباستخراجها هُوَ تجلي الذَّات وظهوره فِيهَا وَنسبَة الْإِخْرَاج إِلَى ظُهُورهمْ بِاعْتِبَار أَن تِلْكَ الصُّور إِذا(1/111)
وجدت فِي الْأَعْيَان كَانَت عينهم، وَإِن هَذِه المقاولة حَالية استعدادية أزلية لَا قالية لَا يزالية حَادِثَة
وَذكر صَاحب " التَّلْخِيص " أَن القَوْل بِالْمُوجبِ ضَرْبَان: أَحدهمَا: مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا وَهُوَ المتداول بَين النَّاس
وَالثَّانِي: أَن يَقع صفة من كَلَام الْغَيْر كِنَايَة عَن شَيْء أثبت لَهُ حكم، فَتثبت فِي كلامك تِلْكَ الصّفة لغير ذَلِك الشَّيْء من غير تعرض لثُبُوت ذَلِك الحكم وانتفائه عَنهُ كَقَوْلِه تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ}
الاستئمان: هُوَ طلب الْأمان من الْعَدو، حَرْبِيّا كَانَ أَو مُسلما
قَالَ الشَّافِعِي: صَحَّ أَمَان العَبْد للحربي كَالْحرِّ بِجَامِع الاسلام وَالْعقل فَإِنَّهُمَا مَظَنَّة لإِظْهَار مصلحَة بِالْإِيمَان من بذل الْأمان فيعترضه الْحَنَفِيّ بِاعْتِبَار الْحُرِّيَّة مَعَهُمَا، فَإِنَّهُمَا مَظَنَّة فرَاغ الْقلب للنَّظَر، بِخِلَاف الرّقية، فَإِنَّهَا لَيست مَظَنَّة الْفَرَاغ، لاشتغال الرَّقِيق بِخِدْمَة سَيّده، فيلغي الشَّافِعِي مَا اعْتَبرهُ الْحَنَفِيّ من كَون الْحُرِّيَّة جُزْء علته بِثُبُوت الْأمان بِدُونِهَا فِي الرَّقِيق الْمَأْذُون لَهُ فِي الْقِتَال اتِّفَاقًا، فيجيب الْحَنَفِيّ بِأَن الْإِذْن لَهُ خلف الْحُرِّيَّة، لِأَنَّهُ مَظَنَّة لبذل وَسعه فِي النّظر فِي مصلحَة الْقِتَال والأمان
الاسلام: لُغَة: الانقياد الْمُتَعَلّق بالجوارح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا}
وَالدّين {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}
وَالْإِيمَان: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ} ثمَّ ذكر فَاء التَّعْلِيل فَقَالَ: {فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} فَالْمُنَاسِب أَن يُرَاد بِالْمُؤْمِنِينَ الْمُسلمُونَ
وَشرعا: هُوَ على نَوْعَيْنِ دون الْإِيمَان وَهُوَ الِاعْتِرَاف بِاللِّسَانِ، وَإِن لم يكن لَهُ اعْتِقَاد، وَبِه يحقن الدَّم؛ وَفَوق الْإِيمَان؛ وَهُوَ الِاعْتِرَاف مَعَ الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ وَالْوَفَاء بِالْفِعْلِ
وَاعْلَم أَن مُخْتَار جُمْهُور الْحَنَفِيَّة والمعتزلة وَبَعض أهل الحَدِيث أَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام متحدان، وَعند أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ أَنَّهُمَا متباينان؛ وَغَايَة بهَا يُمكن فِي الْجَواب أَن التغاير بَين مفهومي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام لَا مَا صدق عَلَيْهِ الْمُؤمن وَالْمُسلم إِذْ لَا يَصح فِي الشَّرْع أَن يحكم على وَاحِد بِأَنَّهُ مُؤمن وَلَيْسَ بِمُسلم وَلَا بِالْعَكْسِ
وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو مَنْصُور الماتريدي أَن الْإِسْلَام معرفَة الله بِلَا كَيفَ وَلَا شُبْهَة وَمحله الصَّدْر، وَالْإِيمَان مَعْرفَته بالالهية وَمحله دَاخل الصَّدْر، وَهُوَ الْقلب والمعرفة معرفَة الله بصفاته، ومحلها دَاخل الْقلب، وَهُوَ الْفُؤَاد
فَهَذِهِ عُقُود أَرْبَعَة لَيست بِوَاحِدَة وَلَا بمتغايرة، فَإِذا اجْتمعت صَارَت دينا وَهُوَ الثَّبَات على هَذِه الْخِصَال الْأَرْبَع إِلَى الْمَوْت(1/112)
وَدين الله فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَاحِد وَهُوَ الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}
ثمَّ اعْلَم أَنه ذكر فِي كتب أصُول الشَّافِعِيَّة أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق القلبي، أَي بِمَا علم مَجِيء الرَّسُول بِهِ من عِنْد الله ضَرُورَة يَعْنِي الإذعان وَالْقَبُول لَهُ والتكليف بذلك، وَلَا يعْتَبر التَّصْدِيق الْمَذْكُور فِي الْخُرُوج بِهِ من عُهْدَة التَّكْلِيف بِالْإِيمَان إِلَّا مَعَ التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ من الْقَادِر عَلَيْهِ الَّذِي جعله الشَّارِع عَلامَة لنا على التَّصْدِيق الْخَفي عَنَّا حَتَّى يكون الْمُنَافِق مُؤمنا بَيْننَا، كَافِرًا عِنْد الله تَعَالَى وَهل التَّلَفُّظ الْمَذْكُور شَرط للْإيمَان أَو شطر مِنْهُ؟ فِيهِ خلاف للْعُلَمَاء وَالرَّاجِح الأول
وَالْإِسْلَام أَعمال الْجَوَارِح من الطَّاعَات كالتلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَغير ذَلِك، فَلَا تعْتَبر الْأَعْمَال الْمَذْكُورَة فِي الْخُرُوج بهَا من عُهْدَة التَّكْلِيف بالاسلام إِلَّا مَعَ الْإِيمَان أَي التَّصْدِيق الْمَذْكُور
وَعَن بعض الْمَشَايِخ: الْإِيمَان تَصْدِيق الْإِسْلَام، وَالْإِسْلَام تَحْقِيق الْإِيمَان
وَالْحَاصِل أَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا، فالعام هُوَ الْإِيمَان، وَالْخَاص هُوَ الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ فعل الْجَوَارِح، فَإِن الْمُنَافِق مُسلم وَلَيْسَ بِمُؤْمِن
الْإِسْرَاف: هُوَ صرف الشَّيْء فِيمَا لَا يَنْبَغِي زَائِدا على مَا يَنْبَغِي، بِخِلَاف التبذير فَإِنَّهُ صرف الشَّيْء فِيمَا لَا يَنْبَغِي
والإسراف: تجَاوز فِي الكمية، فَهُوَ جهل بمقادير الْحُقُوق
والتبذير: تجَاوز فِي مَوضِع الْحق، فَهُوَ جهل بمواقعها، يرشدك إِلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي تَعْلِيل الْإِسْرَاف: {إِنَّه لَا يحب المسرفين} وَفِي تَعْلِيل التبذير: {إِن المبذرين كَانُوا إخْوَان الشَّيَاطِين} فَإِن تَعْلِيل الثَّانِي فَوق الأول
الاستدراج: هُوَ أَن يُعْطي الله العَبْد كل مَا يُريدهُ فِي الدُّنْيَا لِيَزْدَادَ غيه وضلاله وجهله وعناده فَيَزْدَاد كل يَوْم بعدا من الله تَعَالَى
الاستعداد: استعداد الشَّيْء كَونه بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة إِلَى الْفِعْل الْبعيد فَيمْتَنع أَن يُجَامع وجوده بِالْفِعْلِ
الِاسْتِسْعَاء: هُوَ أَن يُكَلف العَبْد الِاكْتِسَاب حَتَّى يحصل قيمَة نصيب الشَّرِيك وَمعنى (استسعى) : اكْتسب بِلَا تَشْدِيد فِيهِ، أَو استخدم بِلَا تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق
الإستقاء: هُوَ أبلغ من السَّقْي، لِأَن الإسقاء هُوَ أَن يَجْعَل لَهُ مَا يستقى مِنْهُ وَيشْرب، والسقي: هُوَ أَن تعطيه مَا يشرب
وَقيل: سقى لما لَا كلفة فِيهِ؛ وَلِهَذَا ورد فِي شراب الْجنَّة: {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا}
وأسقي لما فِيهِ كلفة وَلِهَذَا ذكر فِي مَاء الدُّنْيَا {لأسقيناهم مَاء غدقا}
وسقاه من العيمة: أَي من أجل عطشه، وَعَن العيمة: إِذا أرواه حَتَّى أبعده عَن الْعَطش وَهَكَذَا: قسا قلبه من ذكر الله وَعَن ذكر الله فَمَعْنَى الأول: قسا من أجل الشَّيْء وبسببه، وَالثَّانِي غلظ عَن قبُول الذّكر، وَالْأول أبلغ(1/113)
الْأَسير: الْمَأْخُوذ قهرا، أَصله الشد، فَإِن من أَخذ قهرا شدّ غَالِبا، فَسُمي الْمَأْخُوذ أَسِيرًا وَإِن لم يشد
فِي " الْقَامُوس ": الْأَسير: الأخيذ والمقيد والمسجون قَالَ أَبُو عَمْرو: الأسراء هم الَّذين جاؤوا مستأثرين؛ وَالْأسَارَى: هم الَّذين جاؤوا بِالْوَثَاقِ والسجن
الاستغاثة: من الْغَوْث وَهُوَ النَّصْر والعون يُقَال: استغثته فأغاثني
وَأما استغثته فغاثني فَهُوَ من الْغَيْث وَهُوَ الْمَطَر
وَلم يجيئ (اسْتَغَاثَ) فِي الْقُرْآن إِلَّا مُتَعَدِّيا بِنَفسِهِ
والاستغاثة: طلب الانخراط فِي سلك الْبَعْض والنجاة عَمَّا ابْتُلِيَ بِهِ الْبَعْض الآخر
الإسباغ: يُقَال: أَسْبغ الله النِّعْمَة: إِذا أتمهَا، وَفُلَان الْوضُوء: إِذا أبلغه موَاضعه ووفي كل عُضْو حَقه
الْإِسْعَاف: هُوَ قَضَاء الْحَاجة، يعدى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِالْبَاء
وَقد يتَضَمَّن معنى التَّوَجُّه فيعدى تعديته وَهُوَ (إِلَى)
وساعفه: ساعده أَو وافاه فِي مصافاة ومعاونة
الِاسْتِحْبَاب: هُوَ أَن يتحَرَّى الْإِنْسَان فِي الشَّيْء أَن يُحِبهُ
وَفِي الشَّرِيعَة: هُوَ مثل التَّطَوُّع وَالنَّفْل وَالنَّدْب
وَحكمه الثَّوَاب بِالْفِعْلِ الشَّامِل للترك وَعدم الْعقَاب بترك كل مِنْهَا
الِاسْتِدْلَال: لُغَة: طلب الدَّلِيل وَيُطلق فِي الْعرف على إِقَامَة الدَّلِيل مُطلقًا من نَص أَو إِجْمَاع أَو غَيرهمَا، وعَلى نوع خَاص من الدَّلِيل وَقيل: هُوَ فِي عرف أهل الْعلم تَقْرِير الدَّلِيل لإِثْبَات الْمَدْلُول سَوَاء كَانَ ذَلِك من الْأَثر إِلَى الْمُؤثر أَو بِالْعَكْسِ
الأسف: حزن مَعَ غضب لقَوْله تَعَالَى: {وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا}
سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْحزن وَالْغَضَب فَقَالَ: مخرجهما وَاحِد وَاللَّفْظ مُخْتَلف، فَمن نَازع من يقوى عَلَيْهِ أظهر غيظا وغضبا، وَمن نَازع من لَا يقوى عَلَيْهِ أظهر حزنا وجزعا
والأسى واللهف: حزن على الشَّيْء الَّذِي يفوت
والكمد: حزن لَا يُسْتَطَاع إمضاؤه
والبث: أَشد الْحزن
وَالْكرب: الْغم الَّذِي يَأْخُذ بِالنَّفسِ
والسدم: هم فِي نَدم
الاستهلال: هُوَ أَن يكون من الْوَلَد مَا يدل على حَيَاته من رفع الصَّوْت أَو حَرَكَة عُضْو، كَذَا فِي " التَّبْيِين "
الإستار: بِالْكَسْرِ فِي الْعدَد أَرْبَعَة، وَفِي الزنة أَرْبَعَة مَثَاقِيل وَنصف
الاساءة: أساءه: أفْسدهُ، وَإِلَيْهِ: ضد أحسن؛ وَهِي دون الْكَرَاهَة
وأسوت بَين الْقَوْم: أصلحت
وَيُقَال: آسى أَخَاهُ بِنَفسِهِ وبماله
والإساءة من هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا هِيَ منقولة عَن " سَاءَ "
الأسوة: الْحَالة الَّتِي يكون الْإِنْسَان عَلَيْهَا فِي اتِّبَاع(1/114)
غَيره إِن حسنا وَإِن قبيحا، إِن سارا وَإِن ضارا
الإسكان: هُوَ جعل الْغَيْر سَاكِنا، وَالْأَصْل أَن يعدى ب (فِي) لِأَن السُّكْنَى نوع من اللّّبْث والاستقرار، إِلَّا أَنهم لما نقلوه إِلَى سُكُون خَاص تصرفوا فِيهِ، فَقَالُوا: أسكن الدَّار
الِاسْتِئْنَاس: هُوَ عبارَة عَن الآنس الْحَاصِل من جِهَة المجالسة
وَهُوَ خلاف الاستيحاش
وَقد يكون بِمَعْنى الاستعلام
الِاسْتِدْرَاك: هُوَ دفع توهم يتَوَلَّد من الْكَلَام الْمُتَقَدّم دفعا شَبِيها بِالِاسْتِثْنَاءِ
إِسْمَاعِيل: هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَمَعْنَاهُ: مُطِيع الله، وَهُوَ الذَّبِيح على الصَّحِيح، وَهُوَ المُرَاد من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
" أَنا ابْن الذبيحين " أَحدهمَا جده اسماعيل وَالْآخر أَبوهُ عبد الله، فَإِن عبد الْمطلب نذر أَن يذبح ولدا إِن سهل الله لَهُ حفر زَمْزَم، أَو بلغ بنوه عشرَة؛ فَلَمَّا خرج السهْم على عبد الله فدَاه بمئة من الْإِبِل، وَلذَلِك سنت الدِّيَة
[إِسْحَاق: ولد بعد إِسْمَاعِيل بِأَرْبَع عشرَة سنة
وعاش مائَة وَثَمَانِينَ سنة، قيل مَعْنَاهُ بالعبرانية: الضَّحَّاك]
اسرائيل: لقب يَعْقُوب قيل: مَعْنَاهُ عبد الله، لِأَن (إيل) اسْم من أَسمَاء الله بالسُّرْيَانيَّة؛ وَقيل صفوة الله، وَقيل سر الله؛ أَو لِأَنَّهُ انْطلق إِلَى حَاله خشيَة أَن يقْتله أَخُوهُ عيصو، فَكَانَ يسري بِاللَّيْلِ ويكمن بِالنَّهَارِ، وقصته مسطورة فِي بعض كتب الْأَحَادِيث
قَالَ بَعضهم: لم يُخَاطب الْيَهُود فِي الْقُرْآن إِلَّا ب (يَا بني إِسْرَائِيل) دون (يَا بني يَعْقُوب) لنكتة هِيَ لأَنهم خوطبوا بِعبَادة الله وَذكروا بدين أسلافهم موعظة لَهُم وتنبيها من غفلتهم فسموا بِالِاسْمِ الَّذِي فِيهِ تذكرة بِاللَّه [نوع] {فَكيف آسى} : أَحْزَن
{أسفا} : حَزينًا
{فاستعصم} : امْتنع
{وَمَا اسْتَكَانُوا} : وَمَا خضعوا لِلْعَدو
[وَأَسْبَاب السَّمَاء: مراقيها ونواحيها أَو أَبْوَابهَا]
{فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} : السَّمَاء
{استيأسوا} : يئسوا
{غير آسن} : أَي غير متغير
{واستغشوا ثِيَابهمْ} : تغطوا بهَا
{إِذا أَسْفر} : أَضَاء
{استحوذ} : استولى(1/115)
{فاستغلظ} : فَصَارَ من الرقة إِلَى الغلظ
{فاستفتهم} : فاستخبرهم
{أُسْوَة حَسَنَة} : خصْلَة حَسَنَة
{استمسك} : تعلق
{أساطير الْأَوَّلين} : أكاذيبهم الَّتِي كتبوها
{اسْترق السّمع} : اختلسه
{استجارك} : استأمنك وَطلب مِنْك جوارك
{فاسلك فِيهَا} : فَأدْخل فِيهَا
{من إستبرق} : من ديباج غليظ بلغَة الْعَجم، أَصله استبرك
{فَاسْتَوَى على سوقه} : فاستقام على أَصله
{من أسلم وَجهه} : أخْلص نَفسه
{أسفارا} : هِيَ الْكتب بالسُّرْيَانيَّة، وَقَالَ بَعضهم بالنبطية
{أسلنا} : أذبنا
{وأسروا الندامة} : أظهروها وَهُوَ من الأضداد
{واستفزز} : استخف
{فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} : بَادرُوا بِالنِّيَّةِ وَالْجد، وَلم يرد الْعَدو والإسراع فِي الْمَشْي
{وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} : أَي الْوَصْل الَّتِي كَانَت بَينهم
{استهوته الشَّيَاطِين} : ذهبت بِهِ مَرَدَة الْجِنّ فِي المهامه
{فَمَا اسطاعوا} : فَمَا اسْتَطَاعُوا
{وَمَا اسْتَكَانُوا} : فَمَا انتقلوا من حَالهم وَمَا خضعوا
[ {وشددنا أسرهم} : وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب
{استمتع بَعْضنَا بِبَعْض} : أَي انْتفع
{وأسيرا} : يَعْنِي أُسَارَى الْكفَّار
{بِمَا أسلفتم} : بِمَا قدمتهم من الْأَعْمَال الصَّالِحَة
{أَسْفَل سافلين} : أهل النَّار أَو النَّار، أَو أرذل الْعُمر
{فَمَا اسْتَيْسَرَ} : فَمَا تيَسّر
{فاستبقوا الْخيرَات} : فابتدروها انتهازا للفرصة وحيازة لفضل السَّبق والتقديم](1/116)
(فصل الْألف والشين)
[اشْترى] : كل من ترك شَيْئا وَتمسك بِغَيْرِهِ فقد اشْتَرَاهُ
وَمِنْه: {اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى}
الِاشْتِقَاق: هُوَ أَخذ شقّ الشَّيْء، وَالْأَخْذ فِي الْكَلَام وَفِي الْخُصُومَة يَمِينا وَشمَالًا
وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ اقتطاع فرع من أصل يَدُور فِي تصاريفه حُرُوف ذَلِك الأَصْل
وَقيل: هُوَ أَخذ كلمة من أُخْرَى بتغيير مَا مَعَ التناسب فِي الْمَعْنى
وَقيل: هُوَ رد كلمة إِلَى أُخْرَى لتناسبهما فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى
وَهُوَ من أصل خَواص كَلَام الْعَرَب، فَإِنَّهُم أطبقوا على أَن التَّفْرِقَة بَين اللَّفْظ الْعَرَبِيّ والعجمي بِصِحَّة الِاشْتِقَاق
قَالَ ابْن عُصْفُور: لَا يدْخل الِاشْتِقَاق فِي سِتَّة أَشْيَاء وَهِي: الْأَسْمَاء الأعجمية: ك (اسماعيل)
والأصوات ك (غاق)
والأسماء المتوغلة فِي الْإِبْهَام ك (من) و (مَا)
والبارزة ك (طُوبَى) اسْم للنعمة
(واللغات المتقابلة ك (الجون) للأبيض وَالْأسود
(والأسماء الخماسية ك (سفرجل)
وَجَاز الِاشْتِقَاق من الْحُرُوف وَقد قَالُوا: (أنعم لَهُ بِكَذَا) أَي قَالَ لَهُ: نعم
وسوفت: الرجل: أَي قلت لَهُ: سَوف أفعل
وَسَأَلْتُك الْحَاجة فلوليت لي أَي: قلت لي: لَوْلَا
وَلَا لَيْت لي: أَي قلت لي: لالا، وَأَشْبَاه ذَلِك
ومحال أَن يشتق الأعجمي من الْعَرَبِيّ أَو بِالْعَكْسِ، لِأَن اللُّغَات لَا تشتق الْوَاحِدَة مِنْهَا من الْأُخْرَى، مواضعة كَانَت فِي الأَصْل أَو إلهاما، وَإِنَّمَا يشتق فِي اللُّغَة الْوَاحِدَة بَعْضهَا من بعض، لِأَن الِاشْتِقَاق نتاج وتوليد، ومحال أَن تنْتج النوق إِلَّا حورانا، وتلد الْمَرْأَة إِلَّا إنْسَانا؛ وَمن اشتق الأعجمي من الْعَرَبِيّ كَانَ كمن ادّعى أَن الطير من الْحُوت
والاشتقاق يعم الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، ك (النَّاطِق) الْمَأْخُوذ من (النُّطْق) بِمَعْنى التَّكَلُّم حَقِيقَة، وَبِمَعْنى الدَّال مجَازًا؛ وَمن قَوْلهم: (الْحَال ناطقة بِكَذَا) أَي دَالَّة عَلَيْهِ، فَاسْتعْمل النُّطْق فِي الدّلَالَة مجَازًا ثمَّ اشتق مِنْهُ اسْم الْفَاعِل
وَقد لَا يشتق من الْمجَاز، كالأمر [أَي لفظ الْأَمر] بِمَعْنى الْفِعْل مجَازًا لَا يشتق مِنْهُ اسْم فَاعل وَلَا اسْم مفعول، ويشتقان من الْأَمر بِمَعْنى القَوْل حَقِيقَة
وأركانه أَرْبَعَة: الْمُشْتَقّ والمشتق مِنْهُ والمشاركة بَينهمَا فِي الْمَعْنى والحروف، والتغيير؛ فَإِن فَقدنَا التَّغْيِير لفظا حكمنَا بالتغيير تَقْديرا؛ وَلَيْسَ من شَرط الِاسْم الْمُشْتَقّ اتصاف الذَّات بالمشتق مِنْهُ، بِدَلِيل أَن الْمَعْلُوم مُشْتَقّ من الْعلم، وَالْعلم لَيْسَ قَائِما بالمعلوم، وَشرط صدق الْمُشْتَقّ حُصُول الْمُشْتَقّ مِنْهُ فِي الْحَال
وَجَوَاز صدق الْمُشْتَقّ مَعَ انْتِفَاء مَأْخَذ الِاشْتِقَاق، كَمَا يذهب إِلَيْهِ الْمُعْتَزلَة القائلة بِأَن الله تَعَالَى عَالم لَا علم لَهُ فَلَيْسَ بمرضي عِنْد الْمُحَقِّقين، بِدَلِيل أَن من كَانَ كَافِرًا ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بِكَافِر، فَدلَّ على أَن بَقَاء الْمُشْتَقّ مِنْهُ شَرط فِي صدق الِاسْم الْمُشْتَقّ، وَوُجُود معنى الْمُشْتَقّ مِنْهُ(1/117)
كالضارب لمباشرة الضَّرْب حَقِيقَة اتِّفَاقًا
وَقيل: وجوده - أَعنِي فِي الِاسْتِقْبَال - كالضارب لمن لم يضْرب وسيضرب مجَاز اتِّفَاقًا، وَبعد وجوده مِنْهُ وانقضائه - أَعنِي فِي الْمَاضِي - كالضارب لمن قد ضرب قبل وَهُوَ الْآن لَا يضْرب، اخْتلف فِيهِ؛ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّة مجَاز، وَعند الشَّافِعِيَّة حَقِيقَة؛ وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي نَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا " فَلم يثبت أَبُو حنيفَة خِيَار الْمجْلس بعد انْقِطَاع البيع، وَحمل التَّفَرُّق على التَّفَرُّق بالأقوال، واثبته الشَّافِعِي وَحمله [على التَّفَرُّق] بالابدان
[الِاشْتِقَاق الصَّغِير] : ثمَّ الِاشْتِقَاق ان اعْتبر فِيهِ الْحُرُوف الْأُصُول مَعَ التَّرْتِيب وموافقة الْفَرْع الأَصْل فِي الْمَعْنى فَهُوَ الصَّغِير
[الِاشْتِقَاق الْكَبِير] : وان اعْتبر فِيهِ الْحُرُوف الْأُصُول مَعَ عدم التَّرْتِيب فالكبير
وَيشْتَرط فِي كل مِنْهُمَا الْمُنَاسبَة بَين الْمَعْنيين فِي الْجُمْلَة وَالْمَشْهُور فِي الْمُنَاسبَة المعنوية أَن يدْخل معنى الْمُشْتَقّ مِنْهُ فِي الْمُشْتَقّ، وَاخْتِلَاف الاسمين فِي الْمَعْنى بالخصوص والعموم لَا يمْنَع اشتقاق أَحدهمَا من الآخر، لِأَن ذَلِك مُنَاسبَة فِي الْمَعْنى، وَهُوَ شَرط فِي الِاشْتِقَاق
وَقَالَ بَعضهم: يَكْفِي فِي الْأَكْبَر أَن يكون بَين الْكَلِمَتَيْنِ تناسب فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَلَا يَكْفِي ذَلِك فِي الْكَبِير، بل لَا بُد من الِاشْتِرَاك فِي حُرُوف الْأُصُول بِلَا تَرْتِيب
والاشتقاق عدل من اللَّفْظ وَالْمعْنَى، ك (ضَارب) من (الضَّرْب)
وَالْعدْل: اشتقاق من اللَّفْظ دون الْمَعْنى وَجَاز اشتقاق الثلاثي من المتشعبة فِي الْكَبِير لَا فِي الصَّغِير
وَقد جعل صَاحب " الْكَشَّاف " الرَّعْد من الارتعاد، لِأَنَّهُ أشهر فِي معنى الِاضْطِرَاب
واشتقاق الثلاثي من الْمَزِيد فِيهِ شَائِع إِذا كَانَ الْمَزِيد فِيهِ أشهر فِي الْمَعْنى الَّذِي يَشْتَرِكَانِ فِيهِ، وَأقرب للفهم من الثلاثي لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله، كَمَا فِي الدبر مَعَ التَّدْبِير
والاشتقاق عِنْد أهل البديع أَن يشتق من الِاسْم الْعلم معنى فِي غَرَض قَصده الْمُتَكَلّم من مدح أَو هجاء أَو غير ذَلِك مِثَاله فِي التَّنْزِيل: {فأقم وَجهك للدّين الْقيم} {يمحق الله الرِّبَا ويربي الصَّدقَات}
وَفِي الشّعْر:
(عممت الْخلق بالنعماء حَتَّى ... غَدا الثَّقَلَان مِنْهَا مثقلين)
الِاشْتِرَاك: هُوَ إِمَّا لَفْظِي أَو معنوي
فاللفظي: عبارَة عَن الَّذِي وضع لمعان مُتعَدِّدَة كَالْعَيْنِ
والمعنوي: عبارَة عَن الَّذِي كَانَ وجودا فِي محَال مُتعَدِّدَة كالحيوان
وَالْحَاصِل ان الْمَعْنَوِيّ يَكْفِي فِيهِ الْوَضع الْوَاحِد دون اللَّفْظِيّ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الأوضاع المتعددة
وَاللَّفْظ الْمُشْتَرك بَين مَعْنيين قد يُطلق على أَحدهمَا؛ وَلَا نزاع فِي صِحَّته وَفِي كَونه بطرِيق(1/118)
الْحَقِيقَة؛ وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ أحد الْمَعْنيين لَا على التَّعْيِين، بِأَن يُرَاد بِهِ فِي اطلاق وَاحِد هَذَا أَو ذَاك
وَقد أُشير فِي " الْمِفْتَاح " بِأَن ذَلِك حَقِيقَة الْمُشْتَرك عِنْد التجرد عَن الْقَرَائِن، وَقد يُطلق إطلاقا وَاحِدًا وَيُرَاد بِهِ كل وَاحِد من معنييه، بِحَيْثُ يُفِيد ان كلا مِنْهُمَا منَاط الحكم ومتعلق الْإِثْبَات وَالنَّفْي، وَهَذَا هُوَ مَحل الْخلاف
وَقد يُطلق إطلاقاً وَاحِدًا وَيُرَاد بِهِ مَجْمُوع معنييه من حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُم، بِحَيْثُ لَا يُفِيد ان كلا مِنْهُمَا منَاط الحكم وَالْفرق بَينه وَبَين الثَّالِث هُوَ الْفرق بَين الْكل الإفرادي وَالْكل المجموعي: وَهُوَ مَشْهُور يُوضحهُ انه يَصح (كل الْأَفْرَاد يرفع هَذَا الْحجر) وَلَا يَصح (كل فَرد)
وَهَذَا الرَّابِع لَيْسَ من مَحل النزاع فِي شَيْء، إِذْ لَا نزاع فِي امْتِنَاعه حقيقه، وَلَا فِي جَوَازه مجَازًا إِن وجدت علاقَة مصححة
[قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: يجْرِي الْعُمُوم فِي الْمُشْتَرك الْمَعْنَوِيّ بِلَا خلاف، وَلَا يجْرِي فِي اللَّفْظ؛ فَإِن الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ بِأَن يكون اللَّفْظ مَوْضُوعا لِمَعْنى يَشْمَل ذَلِك الْمَعْنى أَشْيَاء مُخْتَلفَة، كاسم الْحَيَوَان يتَنَاوَل الْإِنْسَان وَالْفرس وَغَيرهمَا بِالْمَعْنَى الْعَام وَهُوَ التحرك بالإرادة، وكاسم الشَّيْء يتَنَاوَل الْبيَاض والسواد وَغَيرهمَا بِمَعْنى اللونية
والاشتراك اللَّفْظِيّ بِأَن يكون اللَّفْظ مَوْضُوعا بِإِزَاءِ كل وَاحِد من الْمعَانِي الدَّاخِلَة تَحْتَهُ قصدا كاسم الْقُرْء وَالْعين
والمشترك فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء اللَّفْظ فَإِنَّهُ مُشْتَرك فِيهِ وَالْمعْنَى مُشْتَرك أَو الْأَعْيَان
والمشترك الْمَعْنَوِيّ: وَهُوَ أَن يكون الْمَعْنى مُشْتَركا فِيهِ فَلَيْسَ باصطلاح الْفُقَهَاء، وَلَا يشْتَرط فِي ثُبُوت الِاشْتِرَاك فِي لفظ نقل أهل اللُّغَة أَنه مُشْتَرك بل يشْتَرط نقلهم أَنه مُسْتَعْمل فِي مَعْنيين أَو أَكثر وَإِذا ثَبت ذَلِك بنقلهم فَنحْن نُسَمِّيه مُشْتَركا باصطلاحنا
ورجحان بعض وُجُوه الْمُشْتَرك فقد يكون بِوَاسِطَة التَّأَمُّل فِي صيغته، وَقد يكون بِالتَّأَمُّلِ فِي سِيَاقه، وَقد يكون بِالتَّأَمُّلِ فِي غَيره]
وَاعْلَم أَن الشَّافِعِي قَالَ: يجوز أَن يُرَاد من الْمُشْتَرك كلا معنييه عِنْد التجرد عَن الْقَرَائِن، وَلَا يحمل عِنْده على أَحدهمَا إِلَّا بِقَرِينَة؛ وَمحل النزاع إِرَادَة كل وَاحِد من معنييه على أَن يكون مرَادا ومناطا للْحكم، وَأما إِرَادَة كليهمَا فَغير جَائِز اتِّفَاقًا
وَعند أبي حنيفَة لَا يسْتَعْمل الْمُشْتَرك فِي أَكثر من معنى وَاحِد، لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يسْتَعْمل فِي الْمَجْمُوع بطرِيق الْحَقِيقَة أَو بطرِيق الْمجَاز، وَالْأول غير جَائِز، لِأَنَّهُ غير مَوْضُوع للمجموع بِاتِّفَاق أَئِمَّة اللُّغَة وَكَذَا الثَّانِي، إِذْ لَا علاقَة بَين الْمَجْمُوع وَبَين كل وَاحِد من الْمَعْنيين؛ وَيمْنَع كَون الصَّلَاة فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} مُشْتَركَة بَين الرَّحْمَة وَالِاسْتِغْفَار، لِأَنَّهُ لم يثبت عَن أهل اللُّغَة، بل هِيَ حَقِيقَة فِي الدُّعَاء، وَلِأَن سِيَاق الْآيَة إِيجَاب اقْتِدَاء الْمُؤمنِينَ بِاللَّه وَمَلَائِكَته فِي الصَّلَاة على النَّبِي، فَلَا بُد من اتِّحَاد معنى الصَّلَاة فِي الْجَمِيع، سَوَاء كَانَ معنى حَقِيقِيًّا أَو معنى مجازيا
أما الْحَقِيقِيّ فَهُوَ الدُّعَاء فَالْمُرَاد: الله يَدْعُو ذَاته بإيصال الْخَيْر إِلَى النَّبِي، ثمَّ من لَوَازِم الدُّعَاء(1/119)
الرَّحْمَة، فَمن قَالَ إِن الصَّلَاة من الله رَحْمَة أَرَادَ هَذَا الْمَعْنى، لَا ان الصَّلَاة وضعت للرحمة
وَأما الْمجَازِي فكإرادة الْخَيْر وَنَحْوه مِمَّا يَلِيق بِهَذَا الْمقَام
والاشتراك لَا يكون إِلَّا باللفظة الْمُشْتَركَة؛ والتوهم يكون بهَا وبغيرها من تَحْرِيف أَو تَبْدِيل؛ والإيضاح يكون فِي الْمعَانِي خَاصَّة وَهَذَا نوع اشْتِرَاك اللَّفْظَة
واشتراك النكرات مَقْصُود بِوَضْع الْوَاضِع فِي كل مُسَمّى غير معِين
واشتراك المعارف فِي الاعلام اتفاقي غير مَقْصُود بِالْوَضْعِ
والاشتراك فِي البديع ثَلَاثَة أَقسَام: قِسْمَانِ مِنْهَا من الْعُيُوب والسرقات
وَقسم وَاحِد من المحاسن: وَهُوَ أَن يَأْتِي النَّاظِم فِي بَيته بِلَفْظَة مُشْتَركَة بَين مَعْنيين اشتراكا أَصْلِيًّا أَو فرعيا فَيَسْبق ذهن السَّامع إِلَى الْمَعْنى الَّذِي لم يردهُ النَّاظِم فَيَأْتِي فِي آخر الْبَيْت بِمَا يُؤَكد أَن الْمَقْصُود غير مَا توهمه السَّامع كَقَوْلِه:
(شيب المفارق يروي الضَّرْب من دمهم ... ذوائب الْبيض بيض الْهِنْد لَا اللمم)
فلولا (بيض الْهِنْد) لسبق ذهن السَّامع إِلَى أَنه أُرِيد بيض اللمم لقَوْله: " شيب المفارق "
الاشارة: التَّلْوِيح بِشَيْء يفهم مِنْهُ النُّطْق؛ فَهِيَ ترادف النُّطْق فِي فهم الْمَعْنى
وَالْإِشَارَة عِنْد إِطْلَاقهَا حَقِيقَة فِي الحسية، وَإِشَارَة ضمير الْغَائِب وأمثالها ذهنية لَا حسية
وَالْإِشَارَة إِذا اسْتعْملت ب (على) يكون المُرَاد الْإِشَارَة بِالرَّأْيِ، وَإِذا اسْتعْملت ب (إِلَى) يكون المُرَاد الْإِيمَاء بِالْيَدِ
واشار بِهِ: عرفه
وَالْإِشَارَة الحسية: تطلق على مَعْنيين
أَحدهمَا: أَن يقبل الْإِشَارَة بِأَنَّهُ هَهُنَا أَو هُنَاكَ
وَثَانِيهمَا: أَن يكون مُنْتَهى الْإِشَارَة الحسية - أَعنِي الامتداد الخطي أَو السطحي الْآخِذ من المشير - منتهيا إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ
وَالْإِشَارَة عبارَة عَن أَن يُشِير الْمُتَكَلّم إِلَى معَان كَثِيرَة بِكَلَام قَلِيل يشبه الْإِشَارَة بِالْيَدِ، فَإِن المشير بِيَدِهِ يُشِير دفْعَة وَاحِدَة إِلَى أَشْيَاء لَو عبر عَنْهَا لاحتاج إِلَى أَلْفَاظ كَثِيرَة وَمن أمثلتها قَوْله تَعَالَى: {وغيض المَاء} فانه أَشَارَ بِهَاتَيْنِ اللفظتين إِلَى انْقِطَاع مَادَّة الْمَطَر وبلع الأَرْض وَذَهَاب مَا كَانَ حَاصِلا من المَاء على وَجههَا من قبل
وَالْإِشَارَة إِلَى الشَّيْء تَارَة تكون بِحَسب شخص، وَأُخْرَى بِحَسب نَوعه، قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي يَوْم عَاشُورَاء: " هَذَا الْيَوْم الَّذِي أظهر الله فِيهِ مُوسَى على فِرْعَوْن " وَالْمرَاد: النَّوْع وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} أَي: من نوع الْإِنْسَان زوج آدم، وَالْمَقْصُود مِنْهُ التَّنْبِيه على أَنه تَعَالَى جعل زوج آدم إنْسَانا مثله؛ وَقد ورد التَّفْسِير بذلك عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ حبر الْأمة
واشارة النَّص مَا عرف بِنَفس الْكَلَام لَكِن بِنَوْع تَأمل وَضرب تفكر، غير أَنه لَا يكون مرَادا بالانزال، نَظِيره فِي الحسيات أَن من نظر إِلَى شَيْء يُقَابله فَرَآهُ وَرَأى غَيره مَعَ أَطْرَاف عينه مِمَّا يُقَابله فَهُوَ مَقْصُود بِالنّظرِ، وَمَا وَقع عَلَيْهِ أَطْرَاف بصر فَهُوَ(1/120)
مرئي لَكِن بطرِيق الْإِشَارَة تبعا لَا مَقْصُودا
وَالِاسْتِدْلَال باشارة النَّص إِثْبَات الحكم بالنظم غير المسوق لَهُ، كَمَا أَن الِاسْتِدْلَال بِدلَالَة النَّص إِثْبَات الحكم بالنظم المسوق لَهُ، وَبِعِبَارَة النَّص إِثْبَات الحكم بِالْمَفْهُومِ اللّغَوِيّ غير النّظم، وباقتضاء النَّص اثبات الحكم بِالْمَفْهُومِ الشَّرْعِيّ، غير النّظم
[وَدلَالَة النَّص وإشارته بِالنِّسْبَةِ إِلَى عبارَة النَّص من قبيل سوق الْكَلَام لغَرَض على وَجه يتَضَمَّن جَوَابا عَن شَيْء أَو فَائِدَة أُخْرَى وَقَالَ بَعضهم: الْمَعْنى الَّذِي اريد بِاللَّفْظِ إِن كَانَ نفس الْمَوْضُوع لَهُ أَو جزأه أَو لَازمه غير الْمُتَقَدّم عَلَيْهِ سمي عبارَة إِن سيق لَهُ وَإِشَارَة إِن لم يسق لَهُ، وَإِن كَانَ لَازمه الْمُتَقَدّم فاقتضاء وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك فَإِن فهم مِنْهُ معنى يعلم اللّغَوِيّ أَن الحكم الْمَنْطُوق لأَجله فدلالة وَإِلَّا فَلَا دلَالَة]
وَالْإِشَارَة تقوم مقَام الْعبارَة إِذا كَانَت معهودة، فَذَلِك فِي الْأَخْرَس دون معتقل اللِّسَان، حَتَّى لَو امْتَدَّ ذَلِك وَصَارَت لَهُ إِشَارَة معهودة كَانَ بِمَنْزِلَة الْأَخْرَس
الاشراك: هُوَ إِثْبَات الشَّرِيك لله فِي الألوهية، سَوَاء كَانَ بِمَعْنى وجوب الْوُجُود أَو اسْتِحْقَاق الْعِبَادَة، لَكِن أَكثر الْمُشْركين لم يَقُولُوا بِالْأولِ، بِدَلِيل {ليَقُولن الله} وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مُطلق الْكفْر، بِنَاء على عدم خلق الْكفْر عَن شرك مَا
الاشعار: هُوَ بِالنّظرِ إِلَى فهم الْمَقَاصِد لأصل المُرَاد، والتنصيص بِالنّظرِ إِلَى فهم البليغ الَّذِي يقْصد أَولا وبالذات المزايا، وَلَا ينظر إِلَى أصل الْمَعْنى إِلَّا باللمح
الاشفاق: هُوَ عناية مختلطة بخوف، فَإِن عدي ب (من) فَمَعْنَى الْخَوْف فِيهِ أظهر كَمَا فِي {أشفقن مِنْهَا}
وَإِن عدي ب (على) فَمَعْنَى الْعِنَايَة فِيهِ أظهر [نوع] {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} : تداخلهم حبه ورسخ فِي قُلُوبهم صورته لفرط شغفهم بِهِ
{وَلما بلغ أشده} : مُنْتَهى اشتداد جِسْمه وقوته، وَهُوَ سنّ الْوُقُوف مَا بَين الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ، فَإِن الْعقل يكمل حِينَئِذٍ
{اشمأزت} : انقبضت ونفرت
{أشتاتا} : مُتَفَرّقين
{وَأشْهدُوا} : أحضروا
{أشحة} : بخلاء
{اشْتَروا بِهِ أنفسهم} : باعوا نصِيبهم
{اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} : اختاروها عَلَيْهِ واستبدلوها بِهِ(1/121)
{كَذَّاب أشر} : بطر متكبر؛ والأشر لَا يكون إِلَّا فَرحا بِحَسب قَضِيَّة الْهوى؛ بِخِلَاف الْفَرح فَإِنَّهُ قد يكون من سرُور بِحَسب قَضِيَّة الْعقل
(فصل الْألف وَالصَّاد)
[أَصْحَاب النَّار:] كل مَا فِي الْقُرْآن من أَصْحَاب النَّار فَالْمُرَاد أَهلهَا إِلَّا {وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار إِلَّا مَلَائِكَة} فَالْمُرَاد خزنتها
[الْإِصْرَار] : كل عزم شددت عَلَيْهِ فَهُوَ إِصْرَار
[الإصر] : كل عقد وعهد فَهُوَ إصر
{وأخذتم على ذَلِكُم إصري} أَي: عهدي
وَقَالَ الْأَزْهَرِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحمل علينا إصرا} أَي: عُقُوبَة ذَنْب يشق علينا
{وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} أَي: مَا عقد من عقد ثقيل عَلَيْهِم مثل قتل أنفسهم وَمَا أشبه ذَلِك من قرص الْجلد إِذا أَصَابَته نَجَاسَة
الأَصْل: هُوَ أَسْفَل الشَّيْء
وَيُطلق على الرَّاجِح بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَرْجُوح
وعَلى القانون وَالْقَاعِدَة الْمُنَاسبَة المنطبقة على الجزئيات
وعَلى الدَّلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدْلُول
وعَلى مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيره
وعَلى الْمُحْتَاج إِلَيْهِ كَمَا يُقَال: (الأَصْل فِي الْحَيَوَان الْغذَاء)
وعَلى مَا هُوَ الأولى كَمَا يُقَال: (الأَصْل فِي الْإِنْسَان الْعلم) أَي: الْعلم أولى وَأَحْرَى من الْجَهْل
وَالْأَصْل فِي الْمُبْتَدَأ التَّقْدِيم، أَي: مَا يَنْبَغِي أَن يكون الْمُبْتَدَأ عَلَيْهِ إِذا لم يمْنَع مَانع
وعَلى المتفرع عَلَيْهِ كَالْأَبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الابْن
وعَلى الْحَالة الْقَدِيمَة كَمَا فِي قَوْلك: الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة وَالطَّهَارَة، وَالْأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْعَدَم، أَي: الْعَدَم فِيهَا مقدم على الْوُجُود
وَالْأَصْل فِي الْكَلَام هُوَ الْحَقِيقَة أَي: الْكثير الرَّاجِح وَالْأَصْل فِي الْمُعَرّف بِاللَّامِ هُوَ الْعَهْد الْخَارِجِي
وتخلف الأَصْل فِي مَوضِع أَو موضِعين لَا يُنَافِي أصالته
وَحمل الْمَفْهُوم الْكُلِّي على الْمَوْضُوع على وَجه كلي بِحَيْثُ ينْدَرج فِيهِ أَحْكَام جزئياته يُسمى أصلا وَقَاعِدَة
وَحمل ذَلِك الْمَفْهُوم على جزئي معِين من جزئيات مَوْضُوعه يُسمى فرعا ومثالا
وَالْأُصُول من حَيْثُ إِنَّهَا مبْنى وأساس لفرعها سميت قَوَاعِد
وَمن حَيْثُ إِنَّهَا مسالك وَاضِحَة إِلَيْهَا سميت مناهج
وَمن حَيْثُ إِنَّهَا عَلَامَات لَهَا سميت أعلاما
وَالْأُصُول تتحمل مَا لَا تتحمله الْفُرُوع
وَالْأُصُول تراعى ويحافظ عَلَيْهَا
والملزوم أصل ومتبوع من حَيْثُ ان مِنْهُ الِانْتِقَال، وَاللَّازِم فرع وَتبع من جِهَة أَن إِلَيْهِ الِانْتِقَال
وَالْكل أصل يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْجُزْء فِي الْحُصُول من(1/122)
اللَّفْظ، بِمَعْنى أَنه يفهم من اسْم الْكل بِوَاسِطَة أَن فهم الْكل مَوْقُوف على فهمه
والجزء أصل بِاعْتِبَار احْتِيَاج جِهَة كَون الْقَصْد إِلَيْهِ؛ وَالسَّبَب أصل من جِهَة احْتِيَاج الْمُسَبّب إِلَيْهِ وابتنائه عَلَيْهِ
وَالسَّبَب الْمَقْصُود أصل من جِهَة كَونه بِمَنْزِلَة الْعلَّة الغائية
وَالْأَصْل فِي الدّين التَّوْحِيد
[وَالْأَصْل فِي الِاعْتِقَاد هُوَ الْإِيمَان بالمبدأ والمعاد]
وَالْأَصْل: بَقَاء الشَّيْء على مَا كَانَ
وَالْأَصْل فِي الْأَشْيَاء التَّوَقُّف - عِنْد أَصْحَابنَا - لَا الْإِبَاحَة حَتَّى يرد الشَّرْع بالتقرير أَو بالغيير إِلَى غَيره، كَمَا قَالَ عَامَّة الْمُعْتَزلَة وَلَا الْحَظْر إِلَى أَن يرد الشَّرْع مقررا أَو مغيرا كَمَا قَالَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث، لِأَن الْعقل لاحظ لَهُ فِي الحكم الشَّرْعِيَّة؛ وَإِلَيْهِ ذهب عَامَّة أَصْحَاب الحَدِيث وَبَعض الْمُعْتَزلَة، غير أَنهم يَقُولُونَ: لَا حكم لَهُ فِيهَا أصلا لعدم دَلِيل الثُّبُوت، وَهُوَ خبر أَصْحَاب الشَّرْع عَن الله تَعَالَى وأصحابنا قَالُوا: لَا بُد وَأَن يكون لَهُ حكم إِمَّا الْحُرْمَة بِالتَّحْرِيمِ الأزلي وَإِمَّا الْإِبَاحَة، لَكِن لَا يُمكن الْوُقُوف على ذَلِك بِالْعقلِ فَيتَوَقَّف فِي الْجَواب، فَوَقع الِاخْتِلَاف بَيْننَا وَبينهمْ فِي كَيْفيَّة التَّوَقُّف
[وَالْأَصْل فِي الْعرف الشَّرْعِيّ أَن يكون على وفْق الْعرف العادي]
وَالْأَصْل فِي الْكَلَام الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا يعدل إِلَى الْمجَاز لثقل الْحَقِيقَة أَو بشاعتها أَو جهلها للمتكلم أَو الْمُخَاطب، أَو شهرة الْمجَاز، أَو غير ذَلِك، كتعظيم الْمُخَاطب نَحْو: (سَلام على الْمجْلس العالي) وموافقة الروي والسجع والمطابقة والمقابلة والمجانسة إِذا لم يحصل ذَلِك بِالْحَقِيقَةِ
وَالْأَصْل ان يكون لكل مجَاز حَقِيقَة بِدَلِيل الْغَلَبَة وَإِن لم يجب
وَالْأَصْل فِي الْأَسْمَاء التنكير بِدَلِيل اندراج الْمعرفَة تَحت عمومها، كأصالة الْعَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَاص، والتذكير وَالصرْف أَيْضا، وَلذَا لم يمْتَنع السَّبَب الْوَاحِد اتِّفَاقًا مَا لم يعتضد بآخر يجذبه عَن الْأَصَالَة إِلَى الفرعية، نَظِيره فِي الشرعيات أَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فَلم تصر مشتغلة إِلَّا بعدلين
وَالْأَصْل فِي الْأَسْمَاء المختصة بالمؤنث أَن لَا تدْخلهَا الْهَاء نَحْو: (شيخ) و (عَجُوز) و (حمَار) وَغَيرهمَا؛ وَرُبمَا أدخلُوا الْهَاء تَأْكِيدًا للْفرق ك (نَاقَة) و (نعجة)
وَالْأَصْل فِي الِاسْم، صفة كَانَ ك (عَالم) أَو غير صفة ك (غُلَام) الدّلَالَة على الثُّبُوت؛ وَأما الدّلَالَة على التجدد فَأمر عَارض فِي الصِّفَات
[وَلَا يدل الِاسْم بِالْوَضْعِ إِلَّا على الثُّبُوت، والدوام والاستمرار معنى مجازي]
وَالْأَصْل فِي اسْم الاشارة أَن يشار بِهِ إِلَى محسوس مشَاهد قريب أَو بعيد، وَإِن أُشير إِلَى مَا يَسْتَحِيل إحساسه نَحْو: {ذَلِكُم الله} أَو إِلَى محسوس غير مشَاهد نَحْو: {تِلْكَ الْجنَّة} لتصييره كالمشاهد
وَالْأَصْل فِي الْأَفْعَال التَّصَرُّف، وَمن التَّصَرُّف تَقْدِيم الْمَنْصُوب بهَا على الْمَرْفُوع، واتصال الضمائر(1/123)
الْمُخْتَلفَة بهَا؛ وَقد اسْتثْنى مِنْهَا (نعم) و (بئس) و (عَسى) وفعلا التَّعَجُّب
وَالْأَصْل فِي الْأَسْمَاء الْعَارِية عَن العوامل الْوَقْف على السّكُون
وَالْأَصْل فِي التَّعْرِيف الْعَهْد، وَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا عِنْد التَّعَذُّر
وَالْأَصْل فِي الْجُمْلَة ان تكون مقدرَة بالمفرد
وَالْأَصْل فِي روابط الْجُمْلَة الضَّمِير
وَالْأَصْل فِي حرف الْعَطف أَن لَا يحذف، لِأَنَّهُ جِيءَ بِهِ نَائِبا عَن الْعَامِل وَلَكِنَّك قد تتخير فِي حذفه، وَذَلِكَ فِي عطف الصِّفَات بَعْضهَا على بعض؛ وَفِي الْحَال قد يمْتَنع حذفه، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَ بَين الجملتين مُشَاركَة وَلم يكن بَينهمَا تعلق ذاتي، مثل: (فلَان يَقُول وَيفْعل) و (زيد طَوِيل وَعَمْرو قصير) وَقد يجب حذفه، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا لم يكن بَينهمَا مُشَاركَة
وَالْأَصْل فِي الصّفة التَّوْضِيح والتخصيص، وَلَا يعدل عَنهُ مَا أمكن
وَالْأَصْل فِي الْوَصْف التَّمْيِيز، لَكِن رُبمَا يقْصد بِهِ معنى آخر مَعَ كَون التَّمْيِيز حَاصِلا أَيْضا
وَالْأَصْل فِي الرّفْع الْفَاعِل وَالْبَاقِي مشبه بِهِ، قَالَه الْخَلِيل، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: الأَصْل هُوَ الْمُبْتَدَأ وَالْبَاقِي مشبه بِهِ
وَالْأَصْل تَقْدِيم الْمَفْعُول بِهِ بِلَا وَاسِطَة ثمَّ ظرف الزَّمَان ثمَّ ظرف الْمَكَان ثمَّ الْمَفْعُول الْمُطلق ثمَّ الْمَفْعُول لَهُ
وَقيل: الأَصْل تَقْدِيم الْمَفْعُول الْمُطلق لكَونه جُزْء مَدْلُول الْفِعْل، وَالْبَاقِي كَمَا ذكر
وَالْأَصْل ذكر التَّابِع مَعَ الْمَتْبُوع لِأَنَّهُ مُتحد بِهِ من جِهَة كَونهمَا بإعراب وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة، وَعند اجْتِمَاع التوابع الأَصْل تَقْدِيم النَّعْت ثمَّ التَّأْكِيد ثمَّ الْبَدَل أَو الْبَيَان
وَالْأَصْل فِي كل من جملتي الشَّرْط وَالْجَزَاء أَن تكون فعلية استقبالية لَا اسمية وَلَا ماضوية
وَالْأَصْل كَون الْحَال للأقرب؛ فَإِذا قلت: (ضربت زيدا رَاكِبًا) ف (رَاكِبًا) حَال من الْمَضْرُوب لَا من الضَّارِب
وَالْأَصْل فِي تَعْرِيف الْجِنْس اللَّام، وَالْإِضَافَة فِي ذَلِك التَّعْرِيف مُلْحقَة بِاللَّامِ؛ وَاللَّام للاختصاص فِي أصل الْوَضع، ثمَّ إِنَّهَا قد تسْتَعْمل فِي الْوَقْت إِذا كَانَ للْحكم اخْتِصَاص بِهِ، وَقد تسْتَعْمل فِي التَّعْلِيل لاخْتِصَاص الحكم بِالْعِلَّةِ
وَالْأَصْل أَن يكون الْأَمر كُله بِاللَّامِ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فبذلك فليفرحوا} وَفِي الحَدِيث: " لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ " وإثباته بِغَيْر لَام كثير
وَالْأَصْل فِي الِاشْتِقَاق أَن يكون من المصادر [عِنْد البصرية]
وَالْأَصْل فِي اللَّفْظ الْخَالِي من عَلامَة التَّأْنِيث أَن يكون للمذكر.
وَالْأَصْل وَالْقِيَاس أَن لَا يُضَاف اسْم إِلَى فعل وَلَا بِالْعَكْسِ؛ وَلَكِن الْعَرَب اتسعت فِي بعض ذَلِك، فخصت أَسمَاء الزَّمَان بِالْإِضَافَة إِلَى الْأَفْعَال، لِأَن الزَّمَان مضارع للْفِعْل، وَاخْتلفُوا أَي أَقسَام الْفِعْل أصل، فالاكثرون قَالُوا: هُوَ فعل الْحَال لَان الأَصْل فِي الْفِعْل أَن يكون خَبرا، وَالْأَصْل فِي الْخَبَر أَن يكون صدقا، وَفعل الْحَال يُمكن الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَيتَحَقَّق وجوده فَيصدق الْخَبَر عَنهُ وَقَالَ قوم: الأَصْل هُوَ الْمُسْتَقْبل لانه يخبر بِهِ عَن الْمَعْدُوم ثمَّ(1/124)
يخرج الْفِعْل إِلَى الْوُجُود فيخبر عَنهُ بعد وجدوه، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْمَاضِي لانه كمل وجوده فَاسْتحقَّ أَن يُسمى أصلا [وَبِه قَالَت الكوفية فِي الِاشْتِقَاق]
وَالْأَصْل فِي الِاسْتِثْنَاء الِاتِّصَال
وَالْأَصْل فِي الْحَال أَن تكون نكرَة وَفِي صَاحبهَا أَن يكون معرفَة
وَالْأَصْل فِي المبهمات الْمَقَادِير
وَالْأَصْل فِي بَيَان النّسَب والتعلقات هُوَ الْأَفْعَال
وَالْأَصْل أَن يكون بِنَاء الْجمع بِنَاء مغايرا من مُفْرد ملفوظ مُسْتَعْمل [وَلَو تَقْديرا]
وَالْأَصْل فِي كل معدول عَن شَيْء أَن لَا يخرج عَن النَّوْع الَّذِي ذَلِك الشَّيْء مِنْهُ
وَالْأَصْل فِي اسْم التَّفْضِيل أَن يكون الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ فِيهِ مُخْتَلفين بِالذَّاتِ؛ فَفِي صُورَة الِاتِّحَاد ضعف الْمَعْنى التفضيلي
وَالْأَصْل فِي التوابع تبعيتها لمتبوعاتها فِي الْإِعْرَاب دون الْبناء
وَالْأَصْل فِي الصِّفَات أَن يكون الْمُجَرّد من التَّاء مِنْهَا صفة الْمُذكر
وَالْأَصْل فِي الْمُبْتَدَأ أَن يكون معرفَة، لِأَن الْمَطْلُوب الْمُبْهم الْكثير الْوُقُوع فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ الحكم على الْأُمُور الْمعينَة
وَالْأَصْل فِي الْفَاعِل أَن يَلِي الْفِعْل لانه كالجزء مِنْهُ لشدَّة احْتِيَاج الْفِعْل إِلَيْهِ وَلَا كَذَلِك الْمَفْعُول
وَالْأَصْل فِي الْخَبَر الْإِفْرَاد
وَالْأَصْل فِي الْعَمَل الْفِعْل
وَالْأَصْل فِي اسْتِحْقَاق الرّفْع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وَغَيرهمَا من المرفوعات مَحْمُول عَلَيْهِمَا
وَالْأَصْل فِي الظروف التَّصَرُّف، وَهُوَ الصَّحِيح
[وَالْأَصْل فِي التَّاء أَن يكون دُخُولهَا لتأنيث مدخولها كَمَا فِي (ضاربة) فَجعل دُخُولهَا فِي مثل (مَلَائِكَة) كَذَلِك يَجْعَل مدلولها مؤنثا لتأويل الْجَمَاعَة]
وَالْأَصْل فِي كلمة (أَو) أَن تسْتَعْمل لأحد الْأَمريْنِ، والعموم مُسْتَفَاد من وُقُوع الْأَحَد الْمُبْهم فِي سِيَاق النَّفْي لَا من كلمة (أَو)
وَالْأَصْل فِي كلمة (إِذا) الْقطع، أَي قطع الْمُتَكَلّم بِوُقُوع الشَّرْط، وَذَلِكَ لغَلَبَة اسْتِعْمَال (إِذا) فِي المقطوعات، كَمَا أَن غَلَبَة اسْتِعْمَال (إِن) فِي المشكوكات
وَالْأَصْل فِي اسْتِعْمَال (إِذا) أَن يكون لزمان من أزمنة الْمُسْتَقْبل، مُخْتَصّ من بَينهَا بِوُقُوع حدث فِيهِ مَقْطُوع بِوُقُوعِهِ فِي اعْتِقَاد الْمُتَكَلّم
وَالْأَصْل فِي كلمة (غير) أَن تكون صفة، كَمَا تَقول: (جَاءَنِي رجل غير زيد) واستعمالها على هَذَا الْوَجْه كثير فِي كَلَام الْعَرَب
وَالْأَصْل فِي كلمة (من) ابْتِدَاء الْغَايَة، والبواقي متفرعة عَلَيْهِ قَالَه الْمبرد وَقَالَ الْآخرُونَ: الاصل فِيهِ هُوَ التَّبْعِيض والبواقي متفرعة عَلَيْهِ
وَالْأَصْل فِي كلمة (إِن) الْخُلُو عَن الْجَزْم بِوُقُوع الشَّرْط أَو لَا وُقُوعه أَيْضا، فانه يسْتَعْمل فِيمَا يتَرَجَّح، أَي يتَرَدَّد بَين أَن يكون وَبَين أَن لَا يكون؛ واللاوقوع مُشْتَرك بَين (إِن) و (إِذا)
وَالْأَصْل فِي فرض المحالات كلمة (لَو) دون (إِن) لِأَنَّهَا لما لَا جزم بِوُقُوعِهِ وَلَا وُقُوعه، والمحال(1/125)
مَقْطُوع بِلَا وُقُوعه
[وَالْأَصْل فِي (حَتَّى) أَن تكون جَارة لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا
وَالْأَصْل فِي (كَانَ) أَن تكون نَاقِصَة لكَونهَا حَقِيقَة فَلَا يُصَار إِلَى التَّامَّة إِلَّا لضَرُورَة دَاعِيَة]
وَالْأَصْل فِي (إِلَّا) الِاسْتِثْنَاء، وَقد اسْتعْملت وَصفا؛ وَفِي (غير) أَن يكون صفة كَمَا مر، وَقد اسْتعْملت فِي الِاسْتِثْنَاء؛ وَفِي (سَوَاء) و (سوى) الظَّرْفِيَّة، وَقد استعملتا بِمَعْنى (غير)
وَالْأَصْل فِي خبر (أَن) بِالْفَتْح الْإِفْرَاد
وَالْأَصْل فِي الْبناء السّكُون؛ وأصل الْإِعْرَاب أَن يكون بالحركات؛ وَالْأَصْل فِيمَا حرك مِنْهُمَا الْكسر
وَالْأَصْل تَحْرِيك السَّاكِن الْمُتَأَخر، لِأَن الثّقل يَنْتَهِي عِنْده، كَمَا كَانَ فِي صِيغَة الخماسي وتصغيره
وَالْأَصْل فِي (مفعل) للمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان أَن يكون بِالْفَتْح
[وَالْأَصْل أَن يكون الِاسْتِثْنَاء من الْجِنْس وَلذَلِك كَانَ هُوَ الْغَالِب والمتبادر إِلَى الْفَهم من الِاسْتِثْنَاء]
وَالْأَصْل فِي الْجَرّ حُرُوف الْجَرّ، لِأَن الْمُضَاف مَرْدُود فِي التَّأْوِيل إِلَيْهِ
وَالْأَصْل فِي هَاء السكت أَن تكون سَاكِنة، لِأَنَّهَا إِنَّمَا زيدت لأجل الْوَقْف، وَالْوَقْف لَا يكون إِلَّا على سَاكن
وَالْأَصْل فِي (إِن) المخففة الْمَكْسُورَة دُخُولهَا على فعل من الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ من دواخل الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لَا غير مثل (كَانَ) و (ظن) واخواتهما
وَالْأَصْل فِي بَاب الْقصر (إِلَّا) لكَونه مَوْضُوعا لَهُ بالاصالة من غير اعْتِبَار تضمين شَيْء، أَو ابتناء على مُنَاسبَة، ومفيدا لَهُ من غير احْتِمَال وَاخْتِلَاف
وَالْأَصْل فِي التَّشْبِيه الْمُشبه لِأَنَّهُ الْمَقْصُود فِي الْكَلَام ظَاهرا، وَإِلَيْهِ يعود الْغَرَض غَالِبا، والمشبه بِهِ هُوَ الْفَرْع، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَونه أصلا وَكَون الْمُشبه فرعا نظرا إِلَى وَجه الْمُشبه
وَالْأَصْل فِي الْمُشبه بِهِ أَن يكون محسوسا سَوَاء كَانَ الْمُشبه محسوسا أَو معقولا
وَالْأَصْل فِي وَجه الشّبَه أَن يكون محسوسا أَيْضا
وَالْأَصْل دُخُول أَدَاة التَّشْبِيه على الْمُشبه بِهِ، وَقد تدخل على الْمُشبه إِمَّا لقصد الْمُبَالغَة مثل: {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} وَإِمَّا لوضوح الْحَال نَحْو: {وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} وَقد تدخل على غَيرهمَا اعْتِمَادًا على فهم الْمُخَاطب نَحْو: {كونُوا أنصار الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم} أَي: كونُوا أنصار الله خالصين فِي الانقياد كشأن مخاطبي عِيسَى إِذْ قَالُوا. . إِلَخ
وَالْأَصْل فِي الْجَواب أَن يشاكل السُّؤَال، فَإِن كَانَ جملَة اسمية فَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب كَذَلِك
وَيَجِيء كَذَلِك فِي الْجَواب الْمُقدر أَلا ترى إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقيل للَّذين اتَّقوا مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا} حَيْثُ تطابق فِي الفعلية، وَإِنَّمَا لم يَقع التطابق فِي قَوْله: {مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الْأَوَّلين} إِذْ لَو طابقوا لكانوا مقرين بالإنزال، وهم من الإذعان على مفاوز(1/126)
وَالْأَصْل أَن يقدر الشَّيْء فِي مَكَانَهُ الْأَصْلِيّ لِئَلَّا يُخَالف الأَصْل من وَجْهَيْن: الْحَذف وَوضع الشَّيْء فِي غير مَحَله
وَالِاسْم الْمُفْرد هُوَ الأَصْل وَالْجُمْلَة فرع عَلَيْهِ؛ نَظِير ذَلِك شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ على شَهَادَة رجل
وَالْأول من جزأي الْمركب هُوَ الأَصْل فِي التَّسْمِيَة ك (سِيبَوَيْهٍ) و (نفطويه)
وَالْألف أصل فِي الْحُرُوف نَحْو: (مَا) و (لَا) وَفِي الْأَسْمَاء المتوغلة فِي شبه الْحَرْف نَحْو: (اذا) و (أَنى) لَا فِي الْأَسْمَاء المعربة وَلَا فِي الْأَفْعَال
وأصل الِاسْم الْإِعْرَاب
[وأصل الْإِعْرَاب أَن يكون بالحركات]
وأصل الْفِعْل الْبناء وَالرُّجُوع إِلَى الأَصْل وَهُوَ الْبناء فِي الافعال أيسر من الِانْتِقَال عَن الأَصْل
وأصل الْجمل الْجمل الفعلية
وأصل الْمثنى أَن يكون معربا
وأصل الْخَبَر أَن يتَأَخَّر عَن الْمُبْتَدَأ، وَيحْتَمل تَقْدِيره مقدما لمعارضة أصل آخر، وَهُوَ أَنه عَامل فِي الظّرْف
وأصل الْعَامِل أَن يتَقَدَّم على الْمَعْمُول، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يقدر الْمُتَعَلّق فعلا، فَيجب التَّأْخِير، لِأَن الْخَبَر الْفعْلِيّ لَا يتَقَدَّم على الْمُبْتَدَأ فِي مثل هَذَا
وأصل الْوَاو وَاو الْعَطف الَّتِي فِيهَا معنى الْجمع
وَلِهَذَا وضعُوا الْوَاو مَوضِع (مَعَ) فِي الْمَفْعُول مَعَه
[و (أَو) فِي الأَصْل للتساوي فِي الشَّك ثمَّ اتَّسع فَاسْتعْمل فِي التَّسَاوِي بِلَا شكّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {آثِما أَو كفورا} ]
وَمَا لَا ينْصَرف أَصله الِانْصِرَاف
و (لله دَرك) أَصله الْمصدر ثمَّ منع المصدرية و (وَالِد) و (صَاحب) و (عبد) أَصْلهَا الْوَصْف ثمَّ منعته
وأصل حُرُوف الْعَطف الْوَاو
وأصل حُرُوف النداء (يَا)
وأصل أدوات الشَّرْط (إِن) لانها حرف
وأصل أدوات الِاسْتِفْهَام الْألف
وأصل الْمُضمر أَن يكون على صِيغَة وَاحِدَة فِي الرّفْع وَالنّصب والجر
وأصل الضَّمِير والمنفصل الْمَرْفُوع
وأصل الْفِعْل أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ شَيْء من الْإِعْرَاب لعدم الْعلَّة الْمُقْتَضِيَة لَهُ فِي الْفِعْل
وأصل الْخَبَر أَن يكون نكرَة
وأصل حُرُوف الْقسم الْبَاء، وَلذَلِك خصت بِجَوَاز ذكر الْفِعْل مَعهَا نَحْو: (اقْسمْ بِاللَّه ليفعلن) ودخولها على الضَّمِير نَحْو: (بك لافعلن) واستعمالها فِي الْقسم الاستعطافي نَحْو: (بِاللَّه هَل قَائِم زيد؟)
وأصل الْفِعْل التَّذْكِير، لِأَن مَدْلُوله الْمصدر وَهُوَ مُذَكّر، وَأَنه عبارَة عَن انتساب الْحَدث إِلَى فَاعله فِي الزَّمن الْمعِين
وأصل الْأَسْمَاء أَن لَا تقصر على بَاب دون بَاب، وَلَا يجود هَذَا إِلَّا فِي الظروف والمصادر، وَإِلَّا فِي بَاب النداء لِأَنَّهَا أَبْوَاب وضعت على التَّغْيِير
وأصل الْجُمْلَة أَن لَا يكون لَهَا مَوضِع من الْإِعْرَاب
وأصل حذف حرف النداء فِي نِدَاء الْأَعْلَام، ثمَّ كل مَا أشبه الْعلم(1/127)
وأصل النواصب للْفِعْل (أَن) وَهِي أم الْبَاب بالِاتِّفَاقِ
وأصل الْحُرُوف أَن لَا تعْمل رفعا وَلَا نصبا لِأَنَّهُمَا من عمل الْأَفْعَال، فَإِذا عملهما الْحَرْف فَإِنَّمَا يعملهما بشبه الْفِعْل، وَلَا يعْمل عملا لَيْسَ لَهُ حق الشّبَه إِلَّا عمل الْجَرّ إِذا كَانَ مضيفا للْفِعْل أَو لما هُوَ فِي مَعْنَاهُ إِلَى الِاسْم
وكل حرف اخْتصَّ باسم مُفْرد فَإِنَّهُ يعْمل فِيهِ الْجَرّ إِن اسْتحق الْعَمَل، وَلم يجِئ من الْحُرُوف المختصة باسم وَاحِد مَا يعْمل فِيهِ غير خفض إِلَّا (أَلا) الَّتِي لِلتَّمَنِّي، فَإِن الِاسْم الْمَبْنِيّ مَعهَا فِي مَوضِع نصب بهَا فِي مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ
وَالْإِعْرَاب أصل فِي الْأَسْمَاء لِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَيْهِ للتفرقة بَين الْمعَانِي نَحْو: (مَا أحسن زيدا) بِالنّصب فِي التَّعَجُّب، وبالرفع فِي النَّفْي، وبرفع (أحسن) وخفض (زيد) فِي الِاسْتِفْهَام عَن الْأَحْسَن
والإيجاب أصل لغيره من النَّفْي وَالنَّهْي والاستفهام وَغَيرهَا، فَإِن الْإِيجَاب يتركب من مُسْند ومسند إِلَيْهِ من غير احْتِيَاج إِلَى الْغَيْر، وَلَيْسَ كَذَلِك غَيره
والعطف على اللَّفْظ هُوَ الأَصْل نَحْو: (زيد لَيْسَ بقائم وَلَا قَاعد) بالخفض
وَالْأُصُول تراعى تَارَة وتهمل أُخْرَى، فمما تراعى قَوْلهم: (صغت الْخَاتم وحكت الثَّوْب) وَنَحْو ذَلِك؛ فلولا أَن أصل هَذَا (فعلت) بِفَتْح الْعين لما جَازَ أَن تعْمل (فعلت) وَمِنْه؛
(ليبك يزِيد ... الْبَيْت)
وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى: {خلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} و {خلق الْإِنْسَان من علق}
وَقد يُرَاجع من الْأُصُول إِلَى الْفُرُوع عِنْد الْحَاجة: مِنْهُ الصّرْف الَّذِي يُفَارق الِاسْم لمشابهته للْفِعْل، فَمَتَى احتجت إِلَى صرفه جَازَ أَن تراجعه فتصرفه
وَمِنْه إِجْرَاء المعتل مجْرى الصَّحِيح وَإِظْهَار الضَّعِيف
وَمَا لَا يُرَاجع من الْأُصُول عِنْد الضَّرُورَة كالثلاثي المعتل الْعين نَحْو: (قَامَ) و (بَاعَ) وَكَذَلِكَ مضارعه
وَبَاب (افتعل) إِذا كَانَت فاؤه صادا أَو ضادا أَو طاء أَو ظاء أَو دَالا أَو ذالا أَو زايا حَيْثُ لَا يجوز خُرُوج هَذِه التَّاء على أَصْلهَا بل تقلب
وَالْأَصْل فِي (فعلى) أَن تسْتَعْمل فِي الْجمع بِالْألف وَاللَّام ك (كبرى) و (الْكبر)
وَلَا يَنْبَغِي أَن يجذب الأَصْل إِلَى حيّز الْفَرْع إِلَّا بِسَبَب قوي، وَيَكْفِي فِي العودة إِلَى الأَصْل أدنى شُبْهَة لانه على وفْق الدَّلِيل، وَلذَلِك صرف (أَربع) فِي قَوْلك (مَرَرْت بنسوة أَربع) مَعَ أَن فِيهِ الْوَصْف وَالْوَزْن اعْتِبَارا لأصل وَضعه وَهُوَ الْعدَد
وَالْأُصُول المرفوضة مِنْهَا مصدر (عَسى) لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل، وَإِن كَانَ الأَصْل، لِأَنَّهُ أصل مرفوض؛ وَخبر (لَا) فَإِن بني تَمِيم لَا يجيزون ظُهُوره وَيَقُولُونَ: هُوَ من الْأُصُول المرفوضة؛ و (سُبْحَانَ الله) فَإِنَّهُ إِذا نظرت إِلَى مَعْنَاهُ وجدت الْإِخْبَار عَنهُ صَحِيحا لَكِن الْعَرَب رفضت ذَلِك
وَالْأَصْل فِي الالفاظ أَن لَا تجْعَل خَارِجَة عَن مَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّة بِالْكُلِّيَّةِ(1/128)
[وَالْأَصْل عِنْد اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ اخْتِلَاف مَعَانِيهَا]
وَالْأَصْل فِي الْكَلَام التَّصْرِيح وَهُوَ اظهار، وَلَا شكّ أَن الْمَقْصُود من الْكَلَام إِظْهَار الْمعَانِي، فَإِذا ذكر لفظ التَّصْرِيح مِنْهُ فهم أَنه الأَصْل
وَالْأَصْل فِي قيود التَّعْرِيف تَصْوِير مَاهِيَّة الْمُعَرّف، والاحتراز بهَا إِنَّمَا يحصل ضمنا
[وَالْأَصْل فِي فن الْعرُوض قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ عدم التَّغَيُّر عَن شَيْء، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا يحصل بتكراره بَحر، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا وضع فِي كل بَحر من أَجزَاء الافاعيل مُطلقًا بِدُونِ التَّغْيِير]
وَالْأَصْل فِي مبَاحث الالفاظ هُوَ النَّقْل لَا الْعقل
وَالْأَصْل فِي الْمسَائِل الاعتقادية أَن يُقَال مَا اعتقدته وَقلت بِهِ حق يَقِينا وَمَا قَالَه غَيْرِي بَاطِل يَقِينا
وَالْأَصْل بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ، فَلَو كَانَ لرجل على آخر ألف مثلا فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على الاداء أَو الْإِبْرَاء فبرهن الْمُدَّعِي على أَن لَهُ ألفا لم يقبل حَتَّى يبرهن على الْحُدُوث بعد الاداء أَو الْإِبْرَاء
وَالْأَصْل الْعَدَم فِي الصِّفَات الْعَارِضَة، فَالْقَوْل للْمُضَارب أَنه لم يربح لِأَن الأَصْل فِيهِ عَدمه، وَكَذَا لَو اشْترى عبدا على أَنه خباز أَو كَاتب وانكر المُشْتَرِي وجود ذَلِك الْوَصْف فَالْقَوْل لَهُ، لِأَن الأَصْل عَدمه، لكَونه من الصِّفَات الْعَارِضَة
وَالْأَصْل فِي الصِّفَات الْأَصْلِيَّة الْوُجُود، فَلَو اشْترى أمة على انها بكر وانكر المُشْتَرِي قيام الْبكارَة وادعاها البَائِع فَالْقَوْل للْبَائِع لِأَن الأَصْل وجودهَا لكَونهَا صفة أَصْلِيَّة
وَالْأَصْل إِضَافَة الْحَادِث إِلَى أقرب اوقاته، فَلَو مَاتَ مُسلم وَتَحْته نَصْرَانِيَّة فَجَاءَت مسلمة بعد مَوته وَقَالَت: اسلمت قبل مَوته، وَقَالَت الْوَرَثَة: أسلمت بعد مَوته فَالْقَوْل للْوَرَثَة
[وَالْأَصْل فِي المتعارضين الْعَمَل بهما بِقدر الْإِمْكَان]
وَالْأَصْل فِي الْإِيمَان أَن تكون الشُّرُوط مُتَقَدّمَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها} إِذْ الْمَعْنى: إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها أحللناها لَهُ إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي، لِأَن إِرَادَة الاستنكاح سَابِقَة على الْهِبَة
قَالَ ثَعْلَب: قَوْلهم: (لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا فصل) الأَصْل: الْوَالِد، والفصل: الْوَلَد، وَقيل: الأَصْل الْحسب والفصل اللِّسَان
(وَمَا فعلته أصلا) أَي بِالْكُلِّيَّةِ، وانتصابه على الْمصدر أَو الْحَال أَي: (ذَا أصل) فَإِن الشَّيْء إِذا أَخذ مَعَ أَصله كَانَ الْكل، وَكَذَا (رَأْسا)
والأصيل: المتمكن فِي أَصله
و [الْأَصِيل] : مَا بعد الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب
الِاصْطِلَاح: هُوَ اتِّفَاق الْقَوْم على وضع الشَّيْء، وَقيل: إِخْرَاج الشَّيْء عَن الْمَعْنى اللّغَوِيّ إِلَى معنى آخر لبَيَان المُرَاد
واصطلاح التخاطب هُوَ عرف اللُّغَة
والاصطلاح: مُقَابل الشَّرْع فِي عرف الْفُقَهَاء، وَلَعَلَّ وَجه ذَلِك أَن الِاصْطِلَاح (افتعال) من (الصُّلْح) للمشاركة كالاقتسام، والأمور الشَّرْعِيَّة مَوْضُوعَات الشَّارِع وَحده لَا يتصالح عَلَيْهَا بَين(1/129)
الأقوام، وتواضع مِنْهُم
وَيسْتَعْمل الِاصْطِلَاح غَالِبا فِي الْعلم الَّذِي تحصل معلوماته بِالنّظرِ وَالِاسْتِدْلَال
وَأما الصِّنَاعَة: فَإِنَّهَا تسْتَعْمل فِي الْعلم الَّذِي تحصل معلوماته بتتبع كَلَام الْعَرَب
واللغات كلهَا اصطلاحية عِنْد عَامَّة الْمُعْتَزلَة وَبَعض الْفُقَهَاء، وَقَالَ عَامَّة الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء وَعَامة أهل التَّفْسِير إِنَّهَا توقيفية
وَقَالَ بعض أهل التَّحْقِيق: لَا بُد وَأَن تكون لُغَة وَاحِدَة مِنْهَا توقيفية ثمَّ اللُّغَات الْأُخَر فِي حد الْجَوَاز بَين أَن تكون اصطلاحية أَو توقيفية، لِأَن الِاصْطِلَاح من الْعباد على أَن يُسمى هَذَا كَذَا، وَهَذَا لَا يتَحَقَّق بِالْإِشَارَةِ وَحدهَا بِدُونِ الْمُوَاضَعَة بالْقَوْل
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} أَن اللُّغَات توقيفية، فَإِن الْأَسْمَاء تدل على الْأَلْفَاظ بِخُصُوص أَو عُمُوم وَتَعْلِيمهَا ظَاهر فِي إلقائها على المتعلم مُبينًا لَهُ مَعَانِيهَا، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي سَابِقَة وضع، وَالْأَصْل يَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك الْوَضع مِمَّن كَانَ قبل آدم، فَيكون من الله تَعَالَى
الْإِصَابَة: فِي الأَصْل هُوَ النّيل والوصول، وَفِي (إِن أصبتك فَكَذَا) مُضَافا إِلَى الْمَرْأَة يحْتَمل وُجُوهًا مُتعَدِّدَة: مِنْهَا إِصَابَة الذَّنب يُقَال: (أصبت من فلَان) وَيُرَاد بِهِ الْغَيْبَة وَالْمَال يُقَال: (أصَاب من امْرَأَته مَالا) وَالْوَطْء وَلِهَذَا يُقَال للثيب: مصابة، والقبلة، وَمِنْه حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: " كَانَ رَسُول الله يُصِيب من بعض نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِم " أَرَادَت بهَا الْقبْلَة
[وَفِي " التسديد " لفظ الْإِصَابَة يدل على مَا يَقع من غير اخْتِيَار العَبْد وَكَسبه، وَلَا يكون مَقْدُورًا لَهُ لَا على مَا يَفْعَله العَبْد بِقَصْدِهِ واختياره كَمَا يُقَال: (أَصَابَهُ مرض أَو هم أَو مشي أَو قعُود أَو قيام) بل يُقَال: كسب وَقَول وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَتْكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} ]
الإصغاء: مَعْنَاهُ (كوش داشتن) لَا السماع؛ وَقد يُرَاد بِهِ السماع للاستلزام بَينهمَا بِالنّظرِ إِلَيْنَا بِنَاء على الْغَالِب؛ وَصَحَّ فِي حق الله تَعَالَى بِالنّظرِ إِلَى أصل اللُّغَة بِمَعْنى الِاسْتِمَاع
الاصطفاء: فِي الأَصْل تنَاول صفوة الشَّيْء، كَمَا أَن الِاخْتِيَار تنَاول خَيره
والاجتباء: تنَاول جابته أَي وَسطه، وَهُوَ الْمُخْتَار
[واصطفاء آدم النَّبِي على الْعَالم بِأَن رَجحه على جَمِيع الْمَلَائِكَة
واصطفاه نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْعَالم بِأَن أهلك قومه وَحفظ نوحًا وَأَتْبَاعه
واصطفاء آل إِبْرَاهِيم على الْعَالم بِأَن جعل دينهم شَائِعا وذلل مخالفيهم
واصطفاء مُوسَى وَهَارُون على الْعَالم بِأَن جعل فِرْعَوْن مَعَ عَظمته وَغَلَبَة جُنُوده مَغْلُوبًا
واصطفاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جَمِيع المكونات بِأَن جعله حبيبا {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} ](1/130)
الأصفاد: صفده: قَيده
وَسمي بِهِ الْعَطاء لِأَنَّهُ ارتباط للمنعم عَلَيْهِ
قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: " من برك فقد أسرك، وَمن جفاك فقد أطلقك "
وكل من أَعْطيته عَطاء جزلا فقد أصفدته
وكل من شددته شدا وثيقا فقد صفدته
الاصباح: هُوَ مصدر (أصبح) وَالصُّبْح الِاسْم، يُقَال من نصف اللَّيْل إِلَى نصف النَّهَار: كَيفَ أَصبَحت؟ وَمِنْه إِلَى نصف اللَّيْل: كَيفَ أمسيت؟
وَيَجِيء (أصبح) بِمَعْنى استصبح بِالْمِصْبَاحِ
الاصعاد: السّير فِي مستوى الأَرْض
والانحدار: الْوَضع
والصعود: الِارْتفَاع على الْجَبَل والسطح
أصحت السَّمَاء: فَهِيَ مصحية وَكَذَلِكَ الْيَوْم وَاللَّيْل
وصحا السَّكْرَان: فَهُوَ صَاح
أَصْحَاب الرَّأْي: هم أَصْحَاب الْقيَاس، لأَنهم يَقُولُونَ برأيهم فِيمَا لم يَجدوا فِيهِ حَدِيثا أَو أثرا
آصف: كهاجر كَاتب سُلَيْمَان النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام [نوع] {فِي الأصفاد} : فِي وثاق
{إصرا} : عَبَثا ثقيلا يأصر صَاحبه أَي: يحْبسهُ فِي مَكَانَهُ، وَالْمرَاد التكاليف الشاقة
{اصلوها} : ادخلوها أَو ذوقوا حرهَا أَو احترقوا بهَا
{أصب إلَيْهِنَّ} : أمل إِلَى جانبهن أَو إِلَى أَنْفسهنَّ بطبعي وَمُقْتَضى شهوتي
{أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ} : أهلكناهم
{فَمَا أصبرهم على النَّار} : مَا أجرأهم أَو ادعاهم إِلَيْهَا [أَو أَي شَيْء صبرهم على النَّار]
{واصبروا} : واثبتوا
{واصطبر} : داوم
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} : فاجهر بِهِ أَو أمضه
{أفأصفاكم} : افخصكم
{أَصْحَاب النَّار} : ملازموها
{وأصروا} : اكبوا
{حَيْثُ أصَاب} : أَرَادَ: من قَوْلهم: أصَاب الصَّوَاب فَأَخْطَأَ فِي الْجَواب {فاصفح} : فَأَعْرض. [ {واصطنعتك لنَفْسي} : واخترتك لمحبتي](1/131)
(فصل الْألف وَالضَّاد)
[كل فعل الله تَعَالَى جَاءَ فِي الْقُرْآن فَإِنَّهُ يَصح اضمار الله تَعَالَى من غير سبق ذكره لتعينه فِي الْعُقُول، وَلَيْسَ فِي اضمار الْمُتَعَيّن المتفرد قبل ذكره اضمار قبل الذّكر]
[الْإِضَافَة] : كل مَا لم يكن فِيهِ الْمُضَاف إِلَيْهِ جنس الْمُضَاف من الْإِضَافَة الْمَحْضَة فالإضافة بِمَعْنى اللَّام
وكل إِضَافَة كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ جنس الْمُضَاف فالإضافة بِتَقْدِير (من) وَلَا ثَالِث لَهما عِنْد الْأَكْثَر
وَالْإِضَافَة فِي اللُّغَة: نِسْبَة الشَّيْء إِلَى الشَّيْء مُطلقًا
وَفِي الِاصْطِلَاح: نِسْبَة اسْم إِلَى اسْم جر ذَلِك الثَّانِي بِالْأولِ نِيَابَة عَن حرف الْجَرّ أَو مشاكله، فالمضاف إِلَيْهِ إِذن اسْم مجرور باسم نَائِب مناب حرف الْجَرّ أَو بمشاكل لَهُ
وَقيل: الْإِضَافَة ضم شَيْء إِلَى شَيْء وَمِنْه الْإِضَافَة فِي اصْطِلَاح النُّحَاة، لِأَن الأول منضم إِلَى الثَّانِي ليكتسب مِنْهُ التَّعْرِيف أَو التَّخْصِيص
وَفِي الْإِضَافَة بِمَعْنى اللَّام لَا يَصح أَن يُوصف الأول بِالثَّانِي وَأَن يكون الثَّانِي خَبرا عَن الأول
وَلَا يَصح انتصاب الْمُضَاف إِلَيْهِ فِيهَا على التَّمْيِيز وَالْكل صَحِيح فِي الْإِضَافَة بِمَعْنى (من)
وَالْإِضَافَة بِمَعْنى (فِي) لم تثبت عِنْد جُمْهُور النُّحَاة، ذكر التَّفْتَازَانِيّ، بل ردهَا أَكثر النُّحَاة إِلَى الْإِضَافَة بِمَعْنى اللَّام
وَصرح الرضي بِأَنَّهَا من مخترعات ابْن الْحَاجِب؛ وَالْقَوْل بِكَوْنِهَا بِمَعْنى (فِي) أَخذ بِالظَّاهِرِ الَّذِي عَلَيْهِ النُّحَاة دون التَّحْقِيق الَّذِي عَلَيْهِ عُلَمَاء الْبَيَان، وَقد نَص عَلَيْهَا صَاحب " الْكَشَّاف " فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {أَلد الْخِصَام}
وَاللَّام أصل حُرُوف الْإِضَافَة لِأَن أخْلص الإضافات وأصحها إِضَافَة الْملك إِلَى الْمَالِك وَسَائِر الإضافات مضارعة لَهَا
وَقد تكون للاختصاص وَلَا ملك ك (الْحَمد لله) لِأَن هَذَا مِمَّا لَا يتَمَلَّك
وَالْمذهب الصَّحِيح من الْمذَاهب أَن الْعَامِل فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ هُوَ الْمُضَاف لَكِن بنيابته عَن حرف الْجَرّ وَكَونه قَائِما مقَامه ومكونه بَدَلا مِنْهُ
وَإِضَافَة اسْم الْفَاعِل إِلَى مَفْعُوله أَو الْمَفْعُول إِلَى مَا يقوم مقَام الْفَاعِل إِذا أُرِيد بهما الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَهِيَ لفظية
وَإِضَافَة اسْم الْفَاعِل الَّذِي أُرِيد بِهِ الْمَاضِي أَو الِاسْتِمْرَار معنوية مفيدة للتعريف نَحْو (مَرَرْت بزيد ضاربك أمس) أَو (مَالك عبيده)
وَإِذا اعْتبر اسْم الْفَاعِل المستمر من جِهَة حُصُوله فِي الْمَاضِي فإضافته حَقِيقِيَّة وَتَقَع صفة للمعرفة
وَإِذا اعْتبر من جِهَة حُصُوله فِي الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال تكون إِضَافَته غير حَقِيقِيَّة فَيعْمل فِيمَا أضيف إِلَيْهِ
وكل مَا كَانَت الْمَاهِيّة كَامِلَة فِيهِ فإضافته للتعريف
وكل مَا كَانَت الْمَاهِيّة نَاقِصَة فِيهِ فإضافته للتَّقْيِيد
نَظِير الأول: (مَاء الْبَحْر) و (مَاء الْبِئْر) و (صَلَاة الْكُسُوف)
ونظيرالثاني: (مَاء الباقلا) و (صَلَاة الْجِنَازَة)
وَإِضَافَة الصّفة المشبهة إِلَى فاعلها معنوية مفيدة للتعريف أَو التَّخْصِيص إِذا كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ معرفَة أَو نكرَة(1/132)
وَإِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة مَشْهُورَة وَإِن اتحدا كَقَوْلِه: (ولدار الْآخِرَة) و (حق الْيَقِين) و (صَلَاة الأولى) و (يَوْم الْجُمُعَة) و (عنقاء مغرب) لِأَن الصّفة تَضَمَّنت معنى (لَيْسَ) فِي الْمَوْصُوف فتغايرا
وَالْعرب إِنَّمَا تفعل ذَلِك فِي الْوَصْف اللَّازِم للموصوف لُزُوم اللقب للاعلام، كَمَا قَالُوا: (زيد بطة) أَي صَاحب هَذَا اللقب
وَأما الْوَصْف الَّذِي لَا يثبت كالقائم والقاعد وَنَحْو ذَلِك فَلَا يُضَاف الْمَوْصُوف إِلَيْهِ لعدم الْفَائِدَة المصححة الَّتِي لأَجلهَا أضيف الِاسْم إِلَى اللقب
وَإِضَافَة الْمصدر كلهَا معنوية إِلَّا إِذا كَانَ بِمَعْنى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول
وَحكم الْإِضَافَة المعنوية تعرف الْمُضَاف، وَلِهَذَا لَا يجوز فِيهِ الْألف وَاللَّام، فَلَا يُقَال: (الْغُلَام زيد)
وَأما اللفظية الَّتِي هِيَ إِضَافَة الصّفة إِلَى فاعلها أَو مفعولها فَحكمهَا التَّخْفِيف لَا التَّعْرِيف، وَلِهَذَا يجوز الْجمع بَينهَا وَبَين الْألف وَاللَّام نَحْو (الْحسن الْوَجْه) و (الضَّارِب الرجل) وَفِي التَّنْزِيل: {والمقيمي الصَّلَاة}
وَالْإِضَافَة المعنوية عِنْد التَّحْلِيل تعود إِلَى تركيب وصفي؛ أَلا ترى أَن (غُلَام زيد) عِنْد التَّحْلِيل (غُلَام لزيد) بِمَعْنى (كَائِن لزيد) ؛ و (ضرب الْيَوْم) (ضرب فِي الْيَوْم) أَي (كَائِن فِيهِ)
وَالْإِضَافَة بِأَدْنَى مُلَابسَة نَحْو قَوْلك: (لَقيته فِي طريقي) و (كَوْكَب الخرقاء)
وَالْإِضَافَة فِي الْأَعْلَام أَكثر من تَعْرِيف اللَّام. وَإِضَافَة الْجُزْء إِلَى الْكل فِي جَمِيع الْمَوَاضِع بِمَعْنى اللَّام
وَإِضَافَة الشَّيْء إِلَى جنسه بِمَعْنى (من) البيانية مثل: (خَاتم فضَّة) و (ثوب حَرِير) و (خبز شعير)
وَإِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص إِضَافَة إِلَى الْجِنْس، وَهِي أَن يكون الْمُضَاف إِلَيْهِ بعد الْإِضَافَة أَعم من الْمُضَاف مُطلقًا، كإضافة علم الْمعَانِي ذكره التَّفْتَازَانِيّ، كإضافة وَجه الِاخْتِصَار ذكره السَّيِّد الشريف، كإضافة الْبَهِيمَة المفسرة بِكُل ذَات قَوَائِم أَربع إِلَى الْأَنْعَام المفسرة بالأزواج الثَّمَانِية ذكره صَاحب " الْكَشَّاف " و " الْأَنْوَار "
قَالَ ابْن الْكَمَال: وَالَّذِي تقرر عَلَيْهِ رَأْيِي أَن شَرط الْإِضَافَة بِمَعْنى (من) البيانية عُمُوم الْمُضَاف للمضاف إِلَيْهِ وَلغيره سَوَاء كَانَ مَعَ عُمُوم الْمُضَاف إِلَيْهِ أَيْضا أم لَا
وَالْإِضَافَة للْملك ك (غُلَام زيد) والاختصاص ك (حَصِير الْمَسْجِد) و (سحبان الفصاحة) و (فِي دَار زيد) لمن يسكن بِالْأُجْرَةِ مجازية
وَالْإِضَافَة كاللام للتعيين وَالْإِشَارَة إِلَى حِصَّة من الْجِنْس أَو إِلَى الْجِنْس نَفسه وَحِينَئِذٍ قد تدل الْقَرِينَة على البعضية فتصرف إِلَى الْبَعْض وَقد لَا تدل فتصرف إِلَى الْكل وَهُوَ معنى الِاسْتِغْرَاق، فَكَمَا أَن فِي جَانب الْقلَّة تَنْتَهِي البعضية فِي الْمُفْرد إِلَى الْوَاحِد وَفِي الْجمع إِلَى الْقلَّة كَذَلِك فِي جَانب الْكَثْرَة ترتقي إِلَى أَن لَا يخرج مِنْهُ فَرد فِي الْمُفْرد وَفِي الْجمع إِلَى أَن لَا يخرج مِنْهُ جمع
وَالْإِضَافَة الْمَحْضَة على ضَرْبَيْنِ: إِضَافَة اسْم إِلَى اسْم هُوَ بعضه لبَيَان جنس الْمُضَاف لَا لتعريف شخصه وَيقدر لذَلِك بِمن نَحْو: (ثوب خَز) و (بَاب سَاج)(1/133)
وَإِضَافَة اسْم إِلَى اسْم غَيره بِمَعْنى اللَّام لتعريف شخص الْمُضَاف وتخصيصه، فالتعريف نَحْو: (غُلَام زيد) والتخصيص نَحْو (رَاكب فرس) فَالْمُرَاد بِالْإِضَافَة الأولى التَّبْعِيض وَأَن الثَّانِي من الأول، وبالثانية الْملك أَو الِاخْتِصَاص
والمضاف يكْتَسب من الْمُضَاف إِلَيْهِ التَّخْصِيص نَحْو: (غُلَام رجل) والتعريف نَحْو: (غُلَام زيد) وَالْجِنْس نَحْو: (غُلَام الرجل) والتذكير نَحْو:
(إنارة الْعقل مكسوف بطوع هوى ... وعقل عاصي الْهوى يزْدَاد تنويرا)
فَقَوله: (مكسوف) خبر (إنارة) وَهِي مؤنث اكْتسب التَّذْكِير من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلِهَذَا لم يقل: (مكسوفة) وعَلى هَذَا المنوال ورد قَوْله تَعَالَى: {إِن رَحْمَة الله قريب} فِي أحد الْوُجُوه
والتأنيث نَحْو: {يلتقطه بعض السيارة} وكما فِي قَوْله:
(لما أَتَى خبر الزبير تضعضعت ... سور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الخضع)
وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُضَاف جُزْء الْمُضَاف إِلَيْهِ فَلَا يُقَال: (جَاءَتْنِي غُلَام هِنْد)
وَقد صرح الرضي بِأَن الْمُضَاف يكْتَسب التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ إِذا صَحَّ حذف الْمُضَاف وَإسْنَاد الْفِعْل إِلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ كَمَا فِي: (سَقَطت بعض أَصَابِعه) وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك على مَا ذكره صَاحب " الْكَشَّاف " فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تَنْفَع نفسا إيمَانهَا} فِي قِرَاءَة التَّأْنِيث أَنَّهَا لإضافة الْإِيمَان إِلَى ضمير الْمُؤَنَّث الَّذِي هُوَ بعضه أَي بِمَنْزِلَة بعضه لكَونه وَصفا لَهُ
وَذكر فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَن مفاتحه لينوء بالعصبة} فِي قِرَاءَة التَّذْكِير أَنه على إِعْطَاء الْمُضَاف حكم الْمُضَاف إِلَيْهِ
ويكتسب أَيْضا الِاشْتِقَاق فِي نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل أَي رجل)
والمصدرية نَحْو: (ضَربته كل الضَّرْب)
والظرفية نَحْو: (مَرَرْت أَي وَقت)
والاستفهام نَحْو: (غُلَام من عنْدك)
وَالشّرط نَحْو: (غُلَام من تضرب أضْرب)
والتنكير نَحْو: (هَذَا زيد رجل)
وَالتَّخْفِيف نَحْو: (ضَارب زيد)
وَإِزَالَة الْقبْح نَحْو: (مَرَرْت بِالرجلِ الْحسن الْوَجْه) فَإِن الْوَجْه إِن رفع قبح الْكَلَام لخلو الصّفة لفظا من ضمير الْمَوْصُوف، وَإِن نصب حصل التَّجَوُّز بإجراء ذَلِك الْوَصْف الْقَاصِر مجْرى الْمُتَعَدِّي
وَمَسْأَلَة إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته وَبِالْعَكْسِ مُخْتَلف فِيهَا، فالبصريون قَائِلُونَ بالامتناع والكوفيون قَائِلُونَ بِالْجَوَازِ
وَحقّ الْمُضَاف إِلَيْهِ أَن لَا يَقع عَنهُ حَال لكَونه بِمَنْزِلَة التَّنْوِين من الْمنون من حَيْثُ تكميله للمضاف إِلَّا أَن يكون مُضَافا إِلَى معموله نَحْو: (عرفت قيام زيد مسرعا) أَو يكون الْمُضَاف جزأه نَحْو: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا} أَو كجزئه نَحْو: {وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا}
وَإِذا كَانَ الْمقَام مقَام الِاشْتِبَاه بِأَن يكون الْكَلَام متحملا لمعنيين على اعتباري رُجُوع الضَّمِير إِلَى(1/134)
الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَا يجوز إرجاعه إِلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَن الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم رُجُوعه إِلَى الْمُضَاف لأصالته فِي الْكَلَام
وَالدَّلِيل على أَن لَا رُجْحَان وَلَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر من جِهَة الْعَرَبيَّة أَو الفصاحة قَوْله تَعَالَى: {وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون} وَقَوله تَعَالَى: {ونقول للَّذين ظلمُوا ذوقوا عَذَاب النَّار الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون} وَالْكَلَام وَاحِد
[وَإِضَافَة كُلية الْأَشْيَاء إِلَى الله تَعَالَى نَحْو قَوْله تَعَالَى {لله ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وإضافته إِلَى كُلية الْأَشْيَاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {رب الْعَالمين} يخرج مخرج التَّعْظِيم لله والتحميد لَهُ
وَإِضَافَة خَاصَّة الْأَشْيَاء إِلَيْهِ وَكَذَا إِضَافَته إِلَى خَاصَّة الْأَشْيَاء يخرج مخرج تَعْظِيم ذَلِك الْخَاص كَمَا يُقَال: (إِلَه مُحَمَّد) و (إِلَه مُوسَى) و (إِلَه هرون) و (عبد الله) و (نَاقَة الله) ] الْإِضْمَار: الْإِسْقَاط، والإخفاء، وَالِاسْتِقْصَاء، وَإِسْكَان التَّاء من (متفاعلن) فِي الْكَامِل
والاضمار عِنْد النُّحَاة: أسهل من التَّضْمِين لِأَن التَّضْمِين زِيَادَة بتغيير الْوَضع، والإضمار زِيَادَة بِغَيْر تَغْيِيره
والإضمار: أحسن من الِاشْتِرَاك وَلِهَذَا كَانَ قَول الْبَصرِيين: إِن النصب بعد (حَتَّى) بِأَن مضمرة أرجح من قَول الْكُوفِيّين: إِنَّه ب (حَتَّى) نَفسهَا وَأَنَّهَا حرف نصب مَعَ الْفِعْل وحرف جر مَعَ الِاسْم والإضمار والاقتضاء هما سَوَاء وأنهما من بَاب الْحَذف والاقتصار، لَكِن الْإِضْمَار كالمذكور لُغَة حَتَّى قُلْنَا إِن للمضمر عُمُوما، فَإِن من قَالَ لامْرَأَته: (طَلِّقِي نَفسك) وَنوى الثَّلَاث صَحَّ لِأَن الْمصدر مَحْذُوف فَهُوَ كالمذكور لُغَة فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: (طَلِّقِي نَفسك طَلَاقا) وَأما الْمُقْتَضِي فَلَيْسَ بمذكور لُغَة بل يَجْعَل ثَابتا ضَرُورَة صِحَة الْكَلَام شرعا، فَلَا يعم هَذَا عندنَا وعَلى قَول الشَّافِعِي: للمقتضي عُمُوم لِأَن الْمَذْكُور شرعا كالمذكور حَقِيقَة فَيعم
والإضمار أولى من النَّقْل عِنْد أبي حنيفَة وَبِالْعَكْسِ عِنْد الشَّافِعِي: مِثَاله قَوْله تَعَالَى: {وَحرم الرِّبَا} أَي أَخذ الرِّبَا، وَهِي الزِّيَادَة كَبيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ مثلا، فَيصح البيع إِذا سَقَطت الزِّيَادَة ويرتفع الْإِثْم، هَذَا عِنْد أبي حنيفَة والربا عِنْد الشَّافِعِيَّة تقل شرعا إِلَى العقد فَيفْسد وَيَأْثَم فَاعله
وَمن الاضمار: وضع الْعَرَب (فعيلا) فِي مَوضِع (مفعل) نَحْو (أَمر حَكِيم) بِمَعْنى: (مُحكم) ؛ ومفعل نَحْو: (عَذَاب أَلِيم) بِمَعْنى: مؤلم قَالَ:
(أَمن رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيع)
بِمَعْنى: المسمع
وَيجوز الْإِضْمَار قبل الذّكر لفظا وَمعنى عِنْد أَرْبَاب البلاغة إِذا قصد تفخيم شَأْن الْمُضمر
وَجَاز عِنْد النَّحْوِيين أَيْضا فِي ضمير الشَّأْن نَحْو: (إِنَّه زيد قَائِم) وَفِي ضمير (رب) نَحْو: (ربه رجلا(1/135)
لَقيته وَفِي ضمير (نعم) نَحْو: (نعمه رجلا زيد) وَفِي إِبْدَال الْمظهر من الضَّمِير نَحْو: (ضَربته زيدا)
وَفِي بَاب التَّنَازُع على مَذْهَب الْبَصرِيين نَحْو: (ضَرَبَنِي وأكرمت زيدا)
والإضمار قد يكون على مُقْتَضى الظَّاهِر وَقد يكون على خِلَافه؛ فَإِن كَانَ على مُقْتَضى الظَّاهِر فشرطه أَن يكون الْمُضمر حَاضرا فِي ذهن السَّامع بِدلَالَة سِيَاق الْكَلَام أَو مساقه عَلَيْهِ أَو قيام قرينَة فِي الْمقَام لإرادته، أَو أَن يكون حَقه أَن يحضر لما ذكر وَإِن لم يحضر لقُصُور من جَانب السَّامع؛ وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْله:
(مِمَّن حملن بِهِ وَهن قَوَاعِد)
وَقَوله تَعَالَى: {عبس وَتَوَلَّى} وَإِن كَانَ على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر فشرطه أَن يكون هُنَاكَ نُكْتَة تَدْعُو إِلَى تَنْزِيله منزلَة الأول، وَتلك النُّكْتَة قد تكون تفخيم شَأْن الْمُضمر، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {من كَانَ عدوا لجبريل فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك} وَقَوله تَعَالَى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} فخم الْقُرْآن بالإضمار من غير ذكر لَهُ شَهَادَة لَهُ بالنباهة الْمُغنيَة عَن التَّصْرِيح
وكما يكون الْإِضْمَار على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر كَذَلِك يكون الْإِظْهَار على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر، كَمَا إِذا أظهر وَالْمقَام مقَام الْإِضْمَار، وَذَلِكَ أَي كَون الْمقَام مقَام الْإِضْمَار عِنْد وجود أَمريْن أَحدهمَا كَونه حَاضرا أَو فِي شرف الْحُضُور فِي ذهن السَّامع لكَونه مَذْكُورا لفظا أَو معنى أَو فِي حكم الْمَذْكُور لأمر خطابي كَمَا فِي الاضمار قبل الذّكر، على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر، بل لقِيَام قرينَة حَالية أَو مقالية، وَثَانِيهمَا أَن يقْصد الْإِشَارَة إِلَيْهِ من حَيْثُ أَنه حَاضر فِيهِ، فَإِذا لم يقْصد الْإِشَارَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة يكون حَقه الْإِظْهَار، كَمَا فِي قَوْلك (إِن جَاءَك زيد فقد جَاءَك فَاضل كَامِل)
وَمن الْمَوَاضِع الَّتِي تظهر فِي مقَام الْإِضْمَار قَوْله تَعَالَى: {من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ} كَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر فَإِن الله عَدو لَهُم، فَعدل إِلَى الظَّاهِر للدلالة على أَن الله تَعَالَى عاداهم لكفرهم، وَأَن عَدَاوَة الْمَلَائِكَة وَالرسل كفر
وإضمار شَيْء خَاص بِدُونِ قرينَة خَاصَّة لَا يجوز
وإضمار الْجَار مَعَ بَقَاء عمله مَرْدُود غير جَائِز اتِّفَاقًا وَأما قَوْلهم (الله لَأَفْعَلَنَّ) شَاذ، وَالْكل مُصَرح بِهِ ومتفق عَلَيْهِ
الِاضْطِرَار: الِاحْتِيَاج إِلَى الشَّيْء، واضطره إِلَيْهِ: ألجأ وأحوجه فاضطر بِضَم الطَّاء
والاضطرار: بِمَعْنى حمل الْإِنْسَان على مَا يكره ضَرْبَان: اضطرار بِسَبَب خَارج، كمن يضْرب أَو يهدد لينقاد
واضطرار بِسَبَب دَاخل، كمن اشْتَدَّ جوعه فاضطر إِلَى أكل ميتَة وَمِنْه: {فَمن اضْطر غير بَاغ}
وَاصل الِاضْطِرَار عدم الِامْتِنَاع عَن الشَّيْء قهرا
والاضطرار لَا يبطل حق الْغَيْر؛ وَلذَا ضمن قَاتل جمل صائل وَإِن كَانَ فِي قَتله مُضْطَرّا لدفع الضَّرَر عَن نَفسه(1/136)
الإضراب: الْإِبْطَال وَالرُّجُوع
وَعند النُّحَاة لَهُ مَعْنيانِ: إبِْطَال الحكم الأول وَالرُّجُوع عَنهُ إِمَّا لغلط أَو لنسيان، كَقَوْلِك: (قَامَ زيد بل عَمْرو) و (مَا قَامَ زيد بل عَمْرو)
وَالثَّانِي: إبِْطَال الأول لانْتِهَاء مُدَّة ذَلِك، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {أتأتون الذكران} ثمَّ قَالَ: {بل أَنْتُم قوم عادون} كَأَنَّهُ انْتَهَت مُدَّة الْقِصَّة الأولى فَأخذ فِي قصَّة أُخْرَى؛ وَلم يرد أَن الأولى لم تكن
والإضراب يبطل بِهِ الحكم السَّابِق وَلَا يبطل بالاستدراك
الِاضْطِرَاب: الاختلال يُقَال: (اضْطربَ أمره) إِذا اخْتَلَّ، و (اضْطَرَبَتْ أَقْوَالهم) إِذا اخْتلفت، من قَوْلهم: (اضْطربَ حَبل الْقَوْم) بِمَعْنى اخْتلفت كلماتهم
الإضاءة: فرط الإنارة
وأضاء: يرد لَازِما ومتعديا تَقول: (أَضَاء الْقَمَر الظلمَة) و (أَضَاء الْقَمَر) ؛ واللزوم هُوَ الْمُخْتَار
الأضحوكة: مَا يضْحك مِنْهُ
وضحكت الأرنب كفرحت: حَاضَت قيل: وَمِنْه: {فَضَحكت فبشرناها بِإسْحَاق} [نوع]
{أضاعوا الصَّلَاة} : تركوها
{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أضعافا مضاعفة} لَا تَزِيدُوا زيادات مكررة
{أضغانهم} : أحقادهم
{أضلّ سَبِيلا} : أبعد حجَّة
{ثمَّ أضطره} : أَلْجَأَهُ
{فَمن اضْطر} : دَعَتْهُ الضَّرُورَة
(فصل الْألف والطاء)
[أطلس] : كل مَا كَانَ على لَونه فَهُوَ أطلس
[إطار] : كل شَيْء أحَاط بِشَيْء فَهُوَ إطار لَهُ
الْإِطْلَاق: الْفَتْح وَرفع الْقَيْد
وَأطلق الْأَسير: خلاه
و [أطلق] عدوه: سقَاهُ سما
وَإِطْلَاق اسْم الشَّيْء: ذكره
وَإِطْلَاق الْفِعْل: اعْتِبَاره من حَيْثُ هُوَ، بِأَن لَا يعْتَبر عُمُومه بِأَن يُرَاد جَمِيع أَفْرَاده، وَلَا خصوصه بِأَن يُرَاد بعض أَفْرَاده، وَلَا تعلقه بِمن وَقع عَلَيْهِ، فضلا عَن عُمُومه وخصوصه
وَالْإِطْلَاق: التَّلَفُّظ
والاستعمال: ذكر اللَّفْظ الْمَوْضُوع ليفهم مَعْنَاهُ أَو مناسبه، فَهُوَ فرع الْوَضع
إِطْلَاق اسْم الْكل على الْجُزْء كإطلاق اسْم الْقُرْآن على كل آيَة من آيَاته
وَاسم الْعَالم على كل جُزْء من أَجْزَائِهِ، وَفِي التَّنْزِيل نَحْو: {يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم} وَبِالْعَكْسِ نَحْو: (وَيبقى وَجه(1/137)
(رَبك} أَي: ذَاته. وَإِطْلَاق لفظ (بعض) مرَادا بِهِ الْكل، نَحْو: {ولأبين لكم بعض الَّذِي تختلفون فِيهِ} أَي: كُله {وَإِن يَك صَادِقا يصبكم بعض الَّذِي يَعدكُم}
وَإِطْلَاق اسْم الْخَاص على الْعَام نَحْو: {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} أَي: رُفَقَاء {إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين} أَي: رسله
وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} أَي: الْمُؤمنِينَ بِدَلِيل {وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا}
وَإِطْلَاق اسْم الْمُسَبّب على السَّبَب نَحْو: {وَينزل لكم من السَّمَاء رزقا}
وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع} أَي: القَوْل وَالْعَمَل بِهِ لِأَنَّهُ مسبب عَن السّمع
وَإِطْلَاق اسْم الْحَال على الْمحل نَحْو: {فَفِي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ} أَي: فِي الْجنَّة لِأَنَّهَا مَحل الرَّحْمَة
وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {فَليدع نَادِيه} أَي: أهل مَجْلِسه
وَإِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم على اللَّازِم كَقَوْلِه تَعَالَى: {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا فَهُوَ يتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يشركُونَ} سميت الدّلَالَة كلَاما لِأَنَّهَا من لوازمه وَمِنْه قيل: كل صَامت نَاطِق أَي: أثر الْحُدُوث فِيهِ يدل على محدثه، فَكَأَنَّهُ ينْطق
وَبِالْعَكْسِ كَقَوْل الشَّاعِر:
(قوم إِذا حَاربُوا شدوا مآزرهم ... دون النِّسَاء وَلَو باتت بأطهار)
أُرِيد بشد المئزر الاعتزال عَن النِّسَاء، لِأَن شدّ الْإِزَار من لوزام الاعتزال
وَإِطْلَاق اسْم الشَّيْء على مَا يدانيه ويتصل بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} فَإِنَّهُ مستعار من بَين جهتي يَدي من لَهُ يدان وَهُوَ جِهَة الإِمَام
وَإِطْلَاق الْفِعْل المُرَاد مقاربته وإرادته نَحْو: {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} أَي: فَإِذا قرب مَجِيئه {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} أَي: إِذا أردتم الْقيام
وَإِطْلَاق الْمصدر على الْفَاعِل نَحْو: {فَإِنَّهُم عَدو لي} وعَلى الْمَفْعُول نَحْو: {صنع الله}
وَإِطْلَاق الْفَاعِل على الْمصدر نَحْو: {لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة} أَي: تَكْذِيب(1/138)
وَإِطْلَاق الْمَفْعُول على الْمصدر نَحْو: {بأيكم الْمفْتُون} أَي: الْفِتْنَة
وَإِطْلَاق فَاعل على مفعول نَحْو: {جعلنَا حرما آمنا} أَي: مامونا فِيهِ
وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {وعده مأتيا} أَي: آتِيَا
وَإِطْلَاق الْمُفْرد على الْمثنى نَحْو: {وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} أَي: يرضوهما
وعَلى الْجمع نَحْو: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر} أَي: الأناسي، بِدَلِيل الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ
وَإِطْلَاق الْمثنى على الْمُفْرد نَحْو: {ألقيا فِي جَهَنَّم} أَي: ألق
وعَلى الْجمع نَحْو: {ثمَّ ارْجع الْبَصَر كرتين} أَي: كرات، لِأَن الْبَصَر لَا يحسر إِلَّا بهَا
وَإِطْلَاق الْجمع على الْمُفْرد نَحْو: {قَالَ رب ارْجِعُونِ} أَي: أرجعني
وعَلى الْمثنى نَحْو: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} أَي: قلباكما
وَإِطْلَاق الْمَاضِي على الْمُسْتَقْبل لتحَقّق وُقُوعه نَحْو: {أَتَى أَمر الله} أَي: السَّاعَة
وَبِالْعَكْسِ لإِفَادَة الدَّوَام والاستمرار نَحْو: {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم}
وَإِطْلَاق مَا بِالْفِعْلِ على مَا بِالْقُوَّةِ، كإطلاق الْمُسكر على الْخمر فِي الدن
وَإِطْلَاق الْمُشْتَقّ على الشَّيْء من غير أَن يكون مَأْخَذ الِاشْتِقَاق وَصفا قَائِما بِهِ، كإطلاق الْخَالِق على الْبَارِي تَعَالَى قبل الْخلق وَهَذَا عِنْد الأشعرية من قبيل إِطْلَاق مَا بِالْقُوَّةِ على مَا بِالْفِعْلِ
وَإِطْلَاق اسْم الْمُطلق على الْمُقَيد كَقَوْل الشَّاعِر:
(وَيَا لَيْت كل اثْنَيْنِ بَينهمَا هوى ... من النَّاس قبل الْيَوْم يَلْتَقِيَانِ)
أَي: قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَبِالْعَكْسِ كَقَوْل شُرَيْح: " أَصبَحت وَنصف النَّاس عَليّ غَضْبَان يُرِيد أَن النَّاس بَين مَحْكُوم عَلَيْهِ ومحكوم لَهُ، لَا نصف النَّاس على سَبِيل التعديد والتسوية
وَإِطْلَاق اسْم آلَة الشَّيْء عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى حِكَايَة: {وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين} أَي: ذكرا حسنا أطلق اسْم اللِّسَان وَأُرِيد بِهِ الذّكر، هُوَ حَرَكَة اللِّسَان
وَإِطْلَاق لفظ الْعَام وَإِرَادَة الْخَاص كإطلاق لفظ الْعلم وَإِرَادَة التَّصْدِيق
وَإِطْلَاق الْكَلِمَة على أحد جزأي الْكَلِمَة الْمُضَاف مجَاز مُسْتَعْمل فِي عرف النُّحَاة وَأما إِطْلَاقهَا على الْكَلَام كَمَا يُقَال (كلمة الشَّهَادَة) فمجاز مهمل فِي عرفهم ومستعمل فِي اللُّغَة وَالْعرْف الْعَام
وَإِطْلَاق أحد الْمَعْنيين المتجاورين على الآخر مجَاز مُرْسل كإطلاق النُّكْتَة على اللطيفة فَإِن من(1/139)
تَأمل شَيْئا بفكره يَجْعَل الأَرْض خُطُوطًا ويؤثر فِيهَا بِنَحْوِ قصب
وَإِطْلَاق الْأسد على الرجل الشجاع مجَاز فِي صفة ظَاهِرَة
وَقد ينزل التقابل منزلَة التناسب بِوَاسِطَة تمليح أَو تهكم كَمَا فِي إِطْلَاق الشجاع على الجبان
أَو تفاؤل كَمَا فِي إِطْلَاق الْبَصِير على الْأَعْمَى
أَو مشاكلة كَمَا فِي إِطْلَاق السَّيئَة على جزائها وَمَا أشبه ذَلِك
وَإِطْلَاق الْأسد على صورته المنقوشة فِي جِدَار مجَاز بالشكل
وَإِطْلَاق اسْم الشَّيْء على بدله كَقَوْلِهِم: (فلَان آكل الدَّم) إِذا أكل الدِّيَة وَمِنْه قَوْله:
( [إِن بِنَا أحمرة عِجَافًا ... يأكلن كل لَيْلَة إكافا)
أَي ثمن إكاف
وَإِطْلَاق الْمُعَرّف بِاللَّامِ وَإِرَادَة وَاحِد مُنكر كَقَوْلِه تَعَالَى: {وادخلوا الْبَاب سجدا} أَي بَابا من الْأَبْوَاب
وَإِطْلَاق الظّرْف على الْجَار وَالْمَجْرُور شَائِع حَتَّى إِذا ذكر الظّرْف وَأطلق فَهُوَ شَامِل للثَّلَاثَة بِلَا كلفة
وَإِطْلَاق الْمُتَعَلّق بِالْكَسْرِ على الْمَعْمُول وبالفتح على الْعَامِل وَهُوَ الْمُتَعَارف مَعَ أَنه يجوز بِالْعَكْسِ، والسر فِيهِ أَن التَّعَلُّق هُوَ التشبث والمعمول لضَعْفه متشبث على عَامله، وَالْعَامِل لقُوته متشبث فِيهِ
وَإِطْلَاق الْقَوْم على طَائِفَة فِيهَا امْرَأَة وَكَانَ بعلاقة البعضية والكلية فَهُوَ مجَاز مُرْسل، وَإِن كَانَ لادعاء أَنَّهَا مِنْهُم فَفِيهِ تَغْلِيب
[وَلَا بُد فِي إِطْلَاق اللَّفْظ على ذَات الله تَعَالَى من الِاسْتِنَاد على الْإِذْن الشَّرْعِيّ لإِجْمَاع أهل السّنة على أَن أَسمَاء الله تَعَالَى مَأْخُوذَة من التَّوْقِيت الشَّرْعِيّ إِمَّا الْكتاب أَو السّنة المتواترة أَو الْمَشْهُورَة أَو الْإِجْمَاع، وَلَا يجوز بِدُونِ ذَلِك بِخِلَاف إِطْلَاق اللَّفْظ على مَفْهُوم صَادِق عَلَيْهِ كإطلاق الخادع الْمَفْهُوم من قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ خادعهم} فَإِنَّهُ لم يُطلق عَلَيْهِ على وَجه الْحَقِيقَة بل يُطلق على مَفْهُوم مجازي صَادِق عَلَيْهِ) وَأَجَازَ الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي الْوَصْف دون الِاسْم وَتوقف إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَأما الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهُم يجوزون إِطْلَاق كل اسْم يدل على اتصافه تَعَالَى وجودية أَو سلبية أَو فعلية مِمَّا يدْرك سَوَاء ورد بذلك الْإِطْلَاق إِذن شَرْعِي أم لَا، وَجَاز إِطْلَاق الْمُضْمرَات عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات} و {إياك نبعد} وَكَذَا المبهمات: (مثل) و (مَا) و (من) و (أَيْن) و (حَيْثُ)
وَإِطْلَاق البيع على الشِّرَاء وَبِالْعَكْسِ فِيمَا إِذا كَانَ اليدان غير نقدين]
الاطراد: اطرد الْأَمر تبع بعضه بَعْضًا وَجرى
واطرد الْحَد: تَتَابَعَت أَفْرَاده وَجَرت مجْرى وَاحِدًا كجري الْأَنْهَار
والاطراد: هُوَ أَنه كلما وجد الْحَد وجد الْمَحْدُود، وَيلْزمهُ كَونه مَانِعا من دُخُول غير الْمَحْدُود فِيهِ
والانعكاس: هُوَ أَنه كلما انْتَفَى الْحَد انْتَفَى الْمَحْدُود، أَو كلما وجد الْمَحْدُود وجد الْحَد، وَهَذَا معنى كَونه جَامعا(1/140)
والاطراد فِي البديع: هُوَ أَن يذكر الْمُتَكَلّم اسْم الممدوح وَاسم من أمكن من آبَائِهِ فِي بَيت وَاحِد مرتبَة على حكم ترتبيها فِي الْولادَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن يُوسُف: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} حَيْثُ لم يرد مُجَرّد ذكر الْآبَاء وَلِهَذَا لم يَأْتِ على التَّرْتِيب المألوف بل قصد ذكر ملتهم الَّتِي اتبعتها
وَقَالَ الشَّيْخ صفي الدّين: الاطراد هُوَ أَن يذكر الشَّاعِر اسْم الممدوح ولقبه وكنيته وَصفته اللائقة بِهِ وَاسم من أمكن من أَبِيه وجده وقبيلته، وَشرط أَن يكون ذَلِك فِي بَيت وَاحِد من غير تعسف وَلَا تكلّف وَلَا انْقِطَاع بِأَلْفَاظ أَجْنَبِيَّة؛ وَأورد على ذَلِك قَول بَعضهم:
(مؤيد الدّين أَبُو جَعْفَر ... مُحَمَّد بن العلقمي الْوَزير)
الإطناب: هُوَ أَدَاء الْمَقْصُود بِأَكْثَرَ من الْعبارَة المتعارفة
والإسهاب: تَطْوِيل لفائدة أَو لَا لفائدة
والإطناب: كَمَا يكون فِي اللَّفْظ يكون فِي الْمَعْنى، وَكَذَا الإيجاز
وَمن الإطناب الْمَعْنَوِيّ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} فَإِن مَا فِي الْيَمين من الْقَيْد الْخَارِج عَن مَفْهُوم الْيَد زَائِد إِلَّا أَنه مُنَاسِب لما سيق لأَجله
الإطلاع: هُوَ بِالسُّكُونِ جعل الْغَيْر مطلعا
[والاطلاع] : بِالتَّشْدِيدِ لَازم، طلع الْكَوْكَب وَالشَّمْس طلوعا أَي ظهر
وتعدية اطلع ب (على) لما فِيهِ من معنى الإشراف
وَحَدِيث: " أطلع فِي الْقُبُور " بِاعْتِبَار تضمنه معنى النّظر والتأمل
وطلع فلَان علينا: أَتَانَا كأطلع، وطلع عَنْهُم: غَابَ، ضد
وَرجل طلاع الثنايا: كشداد، مجرب الْأُمُور
وطليعة الْجَيْش: من يبْعَث ليطلع طلع الْعَدو أَي مِقْدَاره
وَلكُل حد مطلع: أَي مصعد يصعد إِلَيْهِ من معرفَة علمه، والمطلع فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الِاطِّلَاع
وَيجوز أَن يكون اسْما للزمان و (نَعُوذ بِاللَّه من هول المطلع) : أَي يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ وَقت الِاطِّلَاع على الْحَقَائِق
وطالعه طلاعا ومطالعة: اطلع عَلَيْهِ
وتطلع إِلَى وُرُوده: استشرف
واستطلع رَأْي فلَان: نظر مَا عِنْده وَمَا الَّذِي يبرز إِلَيْهِ من أمره
الإطالة: أَصله إطوال، نقلت حَرَكَة الْوَاو إِلَى الطَّاء وقلبت ألفا ثمَّ حذفت إِحْدَى الْأَلفَيْنِ وأدخلت الْهَاء عوضا عَن الْمَحْذُوف وَمَعْنَاهُ: التَّطْوِيل
الإطاقة: هِيَ الْقُدْرَة على الشَّيْء
والطاقة: مصدر بِمَعْنى الإطاقة يُقَال: (أطقت الشَّيْء إطاقة وطاقة) وَمثلهَا: (أطَاع إطاعة) وَالِاسْم الطَّاعَة و (أغار إغارة) وَالِاسْم الْغَارة و (أجَاب إِجَابَة) وَالِاسْم الجابة
الإطماع: هُوَ فِي البديع أَن يخبر عَن شَيْء لَا يُمكن بِشَيْء يُوهم أَنه يُمكن كَقَوْلِه:(1/141)
(وَإنَّك سَوف تحلم أَو تناهى ... إِذا مَا شبت أَو شَاب الْغُرَاب)
الإطباق: هُوَ أَن يطبق على مخرج الْحَرْف من اللِّسَان مَا حاذاه من الحنك الْأَعْلَى أَي يلصقه
الْإِطْعَام: هُوَ ظَاهر، وَيسْتَعْمل فِي معنى الشّرْب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني} أَي من لم يشربه [نوع] {أطوارا} : أصنافا فِي الألوان واللغات، وَالطور: الْحَال والتارة والمرة، وَفِي " الْأَنْوَار ": تارات: عناصر ثمَّ مركبات تغذي الانسان ثمَّ أخلاطا ثمَّ نطفا ثمَّ علقا ثمَّ مضغا ثمَّ عضاما ولحوما ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر {مَا أطغيته} : مَا أوقعته فِي الطغيان
[ {فَإِذا اطمأننتم} : سكنت قُلُوبكُمْ من الْخَوْف]
(فصل الْألف والظاء)
[أظل] : كل مَا دنا مِنْك فقد اظلك أَي: ألْقى عَلَيْك ظلاله
كل فعل من (اظتلم) على وزن (افتعل) كَانَ للْعَرَب فِيهِ ثَلَاث لُغَات: الأولى: قلب التَّاء طاء ثمَّ إظهارها مَعَ الظَّاء جَمِيعًا
وَالثَّانيَِة: إدغام الْمُعْجَمَة فِي الْمُهْملَة
وَالثَّالِثَة: قلب الْمُهْملَة مُعْجمَة ثمَّ ادغام الأولى فِيهَا
وأظلم لنسبة الْفَاعِل إِلَى مَا اشتق مِنْهُ الْفِعْل أَو لدُخُوله فِيهِ تَقول: (أظلم اللَّيْل) : إِذا صَار ذَا ظلام
وأظلم الْقَوْم: إِذا دخلُوا فِي الظلام وَمِنْه: {فَإِذا هم مظلمون}
وأظلم الثغر: تلألأ
وأظلم الرجل: أصَاب ظلما
واظلم: بتَشْديد الظَّاء وَاللَّام لمجانبة الْفَاعِل أصل الْفِعْل، وَالْأَصْل (تظلم) أَي: جَانب الظُّلم وَأحب زَوَاله
و [اظلم] : بتَشْديد الظَّاء فَقَط: الاتصاف بِأَصْلِهِ
الاظلال: أظل يَوْمنَا: أَي صَار ذَا ظلّ
وأظلني الشَّيْء: غشيني
واستظل بالظل: مَال إِلَيْهِ وَقعد فِيهِ
الأظفور: بِالضَّمِّ وَاحِد كالظفر، لأجمع، وَإِنَّمَا جمعه أظفار وأظافير والأظفر: الطَّوِيل الْأَظْفَار العريضها. والأظفار: كواكب قُدَّام النسْر وكبار القردان [نوع] {أَظْفَرَكُم} : أظْهركُم(1/142)
(فصل الْألف وَالْعين)
[الْأَعْجَم] : كل مَا لَا ينْطق فَهُوَ أعجم وكل نَاطِق فَهُوَ فصيح
[أعيا] : كل من مَشى حَتَّى أعيا إِن كَانَ من التَّعَب يَقُول: (أعييت) ، وَإِن كَانَ من انْقِطَاع الْحِيلَة والتحير من الْأَمر يَقُول: (عييت) مخففا
[الْأَعْرَاف] : كل مُرْتَفع عِنْد الْعَرَب فَهُوَ أعراف
الْإِعْرَاب: لُغَة: الْبَيَان والتغيير والتحسين، يُقَال: (أعرب عَن حَاجته) : إِذا أبان عَنْهَا
و (عربت معدة الفصيل) : إِذا تَغَيَّرت لفساد
وَامْرَأَة عروب: أَي متحببة
وَجَارِيَة عروب: أَي حسناء
وَاصْطِلَاحا: على القَوْل بِأَنَّهُ لَفْظِي: هُوَ أثر ظَاهر أَو مُقَدّر يجلبه الْعَامِل فِي آخر الْكَلِمَة أَو مَا نزل مَنْزِلَته
وعَلى القَوْل بِأَنَّهُ معنوي هُوَ تَغْيِير أَوَاخِر الْكَلم أَو مَا نزل منزلتها لاخْتِلَاف العوامل الدَّاخِلَة عَلَيْهَا لفظا أَو تَقْديرا، وَعَلِيهِ كثير من الْمُتَأَخِّرين
وَالِاخْتِلَاف: عبارَة عَن موصوفية آخر تِلْكَ الْكَلِمَة بحركة أَو سُكُون بعد أَن كَانَ مَوْصُوفا بغَيْرهَا، وَلَا شكّ أَن تِلْكَ الموصوفية حَالَة معقولة لَا محسوسة
وَلِهَذَا الْمَعْنى قَالَ عبد القاهر: الْإِعْرَاب حَالَة معقولة لَا محسوسة، وانما اخْتصَّ الاعراب بالحرف الْأَخير لِأَن العلامات الدَّالَّة على الْأَحْوَال الْمُخْتَلفَة المعنوية لَا تحصل إِلَّا بعد تَمام الْكَلِمَة، وَلِأَن الْإِعْرَاب دَلِيل والمعرب مَدْلُول عَلَيْهِ وَلَا يَصح إِقَامَة الدَّلِيل إِلَّا بعد إِقَامَة الْمَدْلُول عَلَيْهِ، وَلَو جعل أَولا والحرف الأول لَا يكون إِلَّا متحركا لم يعلم أإعراب هُوَ أم بِنَاء، وَمن جملَة الْإِعْرَاب الْجَزْم الَّذِي هُوَ السّكُون، وَهُوَ فِي آخر الْأَفْعَال؛ وَإِنَّمَا لم يَجْعَل وسطا لِأَن بالوسط يعرف وزن الْكَلِمَة مَعَ أَن من الْأَسْمَاء مَا هُوَ رباعي لَا وسط لَهُ
فَإِن قيل: الْكَلَام الْمَنْطُوق بِهِ الَّذِي تعرف الْآن بَيْننَا، هَل الْعَرَب كَانَت نطقت بِهِ زَمَانا غير مُعرب ثمَّ أدخلت عَلَيْهِ الْإِعْرَاب، أم هَكَذَا نطقت بِهِ فِي أَو تبلبل ألسنتها؟ قُلْنَا: بل هَكَذَا نطقت بِهِ فِي أول وهلة، فَإِن للأشياء مَرَاتِب فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، إِمَّا بالتفاضل أَو بِالِاسْتِحْقَاقِ أَو بالطبع أَو على حسب مَا يُوجِبهُ الْمَعْقُول فتحكم لكل وَاحِد مِنْهَا بِمَا يسْتَحقّهُ وَإِن كَانَت لم تُوجد إِلَّا مجتمعة
إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: الْإِعْرَاب فِي الِاسْتِحْقَاق دَاخل على الْكَلَام لما توجبه مرتبَة كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْمَعْقُول وَإِن كَانَ لم يوجدا مفترقين كالسواد والجسم، لأَنا قد نرى الْكَلَام فِي حَال غير مُعرب وَلَا يخْتل مَعْنَاهُ ونرى الْإِعْرَاب يدْخل عَلَيْهِ وَيخرج وَمَعْنَاهُ فِي ذَاته غير مَعْدُوم؛ فَالْكَلَام إِذن سَابِقَة فِي الرُّتْبَة
وَالْإِعْرَاب الَّذِي لَا يعقل أَكثر الْمعَانِي إِلَّا بِهِ تَابع من توابعه؛ وَالْحَاصِل أَن المعرب لما كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ من غير إِعْرَاب بِخِلَاف الْإِعْرَاب صَار المعرب كالمحل لَهُ وَالْإِعْرَاب كالعرض فِيهِ، فَكَمَا يلْزم تَقْدِيم الْمحل على الْحَال كَذَلِك يلْزم تَقْدِيم المعرب على الْإِعْرَاب
قَالَ بَعضهم: وَالصَّحِيح أَن الْإِعْرَاب زَائِد على مَاهِيَّة الْكَلِمَة ومقارن للوضع
وَالْمُخْتَار أَن الْإِعْرَاب نفس الحركات والحروف لَا الِاخْتِلَاف، لِأَنَّهُ عَلامَة من حَقّهَا الظُّهُور والإدراك فِي الْحس هَذَا مَذْهَب قوم من الْمُتَأَخِّرين؛ فالإعراب عِنْدهم لفظ لَا معنى
وَعند من قَالَ: هُوَ اخْتِلَاف يكون معنى لِأَن(1/143)
الِاخْتِلَاف معنى لَا محَالة، وَهَذَا أظهر لاتفاقهم على أَن قَالُوا: حركات الْإِعْرَاب وَلَو كَانَت نفس الحركات لَكَانَ من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه، وَذَلِكَ مُمْتَنع
وللإعراب مَعْنيانِ: عَام: وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ عرُوض معنى بتعلق الْعَامِل ليَكُون دَلِيلا عَلَيْهِ؛ فَإِن لم يمْنَع من ظُهُوره شَيْء فلفظي، وَإِن منع، فَإِن كَانَ فِي آخِره فتقديري، أَو فِي نَفسه فمحلى والمحلى إِنَّمَا يسْتَعْمل حَيْثُ لم تسْتَحقّ الْكَلِمَة الْإِعْرَاب لأجل بنائها على معنى أَنَّهَا وَقعت فِي مَحل لَو وَقع فِيهِ غَيرهَا لظهر فِيهِ الْإِعْرَاب، فالمانع من الْإِعْرَاب فِي الْمحلي مَجْمُوع الْكَلِمَة لبنائه، بِخِلَاف الْمَانِع فِي التقديري فَإِنَّهُ الْحَرْف الْأَخير
ثمَّ الْمحلي فِي الْأَسْمَاء والمضمرات المبنية كالموصولات وَأَسْمَاء الإشارات وكالأفعال الْمَاضِيَة والجمل [والحروف]
والتقديري: فِي الْأَسْمَاء الَّتِي فِي أواخرها ألف مَقْصُورَة
وَفِيمَا أضيف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم مُفردا أَو جمعا مَوْصُوفا
وَفِيمَا فِيهِ إِعْرَاب محكي جملَة منقولة إِلَى العلمية
وَفِي الْأَسْمَاء المنقوصة وَفِي الْجمع الْمُصَحح مُضَافا ملاقيا سَاكِنا
وَفِي الْأَسْمَاء السِّتَّة ك (أَبوهُ) إِذا لاقاها سَاكن بعْدهَا
وَفِي التَّثْنِيَة مُضَافا ولاقاها سَاكن بعْدهَا فِي حَالَة الرّفْع
واللفظي: فِيمَا آخِره حرف صَحِيح أَو فِي حكم الصَّحِيح فِي تحمل الحركات الثَّلَاث
وَفِي الْأَسْمَاء السِّتَّة المعتلة المضافة إِلَى غير يَاء الْمُتَكَلّم
وَفِي التَّثْنِيَة وَفِي الْجمع الصَّحِيح، و (أولو) و (عشرُون) وَأَخَوَاتهَا، وَفِي (كلا) مُضَافا إِلَى مُضْمر
وَالْإِعْرَاب مَا بِهِ الِاخْتِلَاف، وكل من الرّفْع وأخواته مِنْهُ
وَالْبناء عبارَة عَن صفة فِي الْمَبْنِيّ لَا عَن الحركات والسكون، وكل من الضَّم وأخواته لَيْسَ نوعا مِنْهُ، بل اسْم لما فِي آخِره من الحركات والسكون
وَالْإِعْرَاب كَمَا يكون بالحروف والحركات يكون أَيْضا بالصيغة والحركات لِأَن (أَنْت) فِي (أَنْت عَالم) ضمير مَنْصُوب يدل على النصب بالصيغة
وَالْإِعْرَاب بالحركة أصل، وبالحرف فرع، واللفظي أصل، والتقديري فرع
وإعراب الْجمع الْمُذكر بالحرف وتقديري
وإعراب الْجمع الْمُؤَنَّث بالحركة ولفظي
والمبنيات لَا تقبل الْإِعْرَاب بِسَبَب مُنَاسبَة بَينهَا وَبَين الْحُرُوف
الِاعْتِرَاض: الْمَنْع، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الطَّرِيق إِذا اعْترض فِيهِ بِنَاء أَو غَيره منع السابلة من سلوكه
وَاعْترض الشَّيْء: صَار عارضا كالخشبة المعترضة فِي النَّهر
وَاعْترض الشَّيْء دون الشَّيْء: حَال دونه
وَاعْترض لَهُ بِسَهْم: أقبل بِهِ قبله فَرَمَاهُ فَقتله(1/144)
وَاعْترض الشَّهْر: ابتدأه من غير أَوله
وَاعْترض فلَان فلَانا: وَقع فِيهِ وعارضه: جَانِبه وَعدل عَنهُ
والاعتراض: هُوَ أَن يُؤْتى فِي أثْنَاء الْكَلَام أَو بَين كلامين متصلين معنى بجملة أَو أَكثر لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب
وَجوز وُقُوع الِاعْتِرَاض فرقة فِي آخر الْكَلَام، لَكِن كلهم اتَّفقُوا على اشْتِرَاط أَن لَا يكون لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب؛ والنكتة فِيهِ إِفَادَة التقوية أَو التَّشْدِيد أَو التحسين أَو التَّنْبِيه أَو الاهتمام أَو التَّنْزِيه أَو الدُّعَاء أَو الْمُطَابقَة أَو الاستعطاف أَو بَيَان السَّبَب لأمر فِيهِ غرابة أَو غير ذَلِك
والاعتراض عِنْد أهل البديع: هُوَ أَن يَقع قبل تَمام الْكَلَام شَيْء يتم الْغَرَض بِدُونِهِ وَلَا يفوت بفواته، وَسَماهُ قوم الحشو
واللطيف مِنْهُ هُوَ الَّذِي يُفِيد الْمَعْنى جمالا ويكسو اللَّفْظ كمالا وَيزِيد بِهِ النّظم فصاحة وَالْكَلَام بلاغة وَهُوَ الْمَقْصُود مِثَاله قَوْله تَعَالَى: {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} إِلَى آخِره فَإِن (وَلنْ تَفعلُوا) اعْتِرَاض حسن أَفَادَ معنى آخر وَهُوَ النَّفْي بِأَنَّهُم لن يَفْعَلُوا ذَلِك أبدا ومثاله من الشّعْر قَوْله:
(وَلما تعامى الدَّهْر وَهُوَ أَبُو الورى ... عَن الرشد فِي أنحائه ومقاصده)
(تعاميت حَتَّى قيل إِنِّي أَخُو الْعَمى ... وَلَا غرو إِذْ يحذو الْفَتى حَذْو وَالِده)
والاعتراض فِي الأول (أَبُو الورى) وَفِي الثَّانِي (أَخُو الْعَمى)
الْإِعَادَة: هِيَ ذكر الشَّيْء ثَانِيًا، وَقد يُرَاد ذكره مرّة أُخْرَى كَقَوْلِه:
(أعد ذكر نعْمَان لنا ... إِلَى آخِره)
وَمَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا لخلل فِي الأول وَقيل لعذر فَهُوَ إِعَادَة أَيْضا
[وإعادة الشَّيْء: وجود مُسْتَأْنف لَهُ فِي الزَّمَان الثَّانِي
اخْتلف فِي جَوَاز إِعَادَة الْمَعْدُوم عقلا فَذَهَبت الفلاسفة والتناسخية وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَبَعض الكرامية إِلَى الْمَنْع من ذَلِك، وَذهب أَكثر الْمُتَكَلِّمين إِلَى جَوَازه ثمَّ اخْتلف المجوزون، فالأشاعرة وَمن تَابعهمْ ذَهَبُوا إِلَى جَوَاز إِعَادَة مَا عدم ذاتا ووجودا، وَاخْتلفُوا فِي إِعَادَة الْأَعْرَاض مُطلقًا، فَمنهمْ من منع ذَلِك، وَأَكْثَرهم ذاهبون إِلَى جَوَاز إِعَادَتهَا مُطلقًا
ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا الْقَائِلُونَ بِجَوَاز إِعَادَة الْأَعْرَاض فِي أَنه هَل يجوز إِعَادَتهَا فِي غير محالها أَو أَنَّهَا لَا تُعَاد إِلَّا فِي محالها
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم جَوَاز إِعَادَتهَا فِي غير محالها
وَأما الْمُعْتَزلَة الْقَائِلُونَ بِكَوْن الْمَعْدُوم الْمُمكن ذاتا وَأَن وجوده زَائِد على ذَاته فَإِنَّهُم جوزوا إِعَادَة مَا عدم وجودا، وَمنعُوا من إِعَادَة الْمَعْدُوم ذاتا
وَأما الْأَعْرَاض فقد اتَّفقُوا على جَوَاز إِعَادَة مَا كَانَ على أصولهم بَاقِيا غير متولد، وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز إِعَادَة الْمُتَوَلد مِنْهَا، وَكَذَا فِي جَوَاز إِعَادَة مَا لَا يُعَاد كالحركات والأصوات؛ فَذهب الْأَكْثَرُونَ مِنْهُم إِلَى الْمَنْع من إِعَادَتهَا، وجوزها الأقلون كالبلخي رَحمَه الله وَغَيره(1/145)
وتعليل منكري إِعَادَة الْمَعْدُوم بِعَيْنِه بِلُزُوم تخَلّل الْعَدَم بَين شَيْء وَاحِد بِعَيْنِه على تَقْدِير وُقُوعهَا وَهُوَ محَال، إِذْ لَا بُد للتخلل من طرفين متغايرين، فَحِينَئِذٍ لَا يكون الْمعَاد هُوَ الْمُبْتَدَأ بِعَيْنِه فَلَيْسَ بِشَيْء، إِذْ التخلل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ لزمان الْعَدَم بَين زماني الْوُجُود الْوَاحِد؛ وَإِذا اعْتبر نِسْبَة هَذَا التخلل إِلَى الْمَعْدُوم مجَازًا كَفاهُ اعْتِبَار التغاير فِي الْوُجُود الْوَاحِد بِحَسب زمانيه
فِي " الاقتصاد ": معنى الْإِعَادَة أَن يُبدل الْوُجُود للعدم الَّذِي سبق لَهُ الْوُجُود
وَمعنى الْمثل أَن يخترع الْوُجُود لعدم لم يسْبق لَهُ الْوُجُود
وَاعْلَم أَن مُقْتَضى ذَات الشَّيْء أَو لَازمه الذاتي لَا يخْتَلف بِحَسب الْأَزْمِنَة، فَلَا يكون مُمْتَنعا فِي وَقت مُمكنا فِي وَقت وكما لَا يكون الْمَاهِيّة الموصوفة بالوجود بعد الْعَدَم وَاجِب الْوُجُود وممتنع الْوُجُود كَذَلِك لَا يكون الْمَاهِيّة الموصوفة بِالْعدمِ بعد الْوُجُود مُمْتَنع الْوُجُود وواجب الْعَدَم، بل هُوَ أقبل للوجود وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ}
وَالْحكم بِصِحَّة عود الْمَعْدُوم لَا على الْمَعْدُوم الْمُطلق، بل على الْمَوْجُود فِي الذِّهْن، لِأَنَّهُ يَصح أَن يُعَاد فِي الْخَارِج
ثمَّ القَوْل بِثُبُوت الْمعَاد الجسماني فَقَط هُوَ لأكْثر الْمُتَكَلِّمين النافين للنَّفس الناطقة؛ وبثبوت الْمعَاد الروحاني فَقَط للفلاسفة الإلهيين، وثبوتهما مَعًا لكثير من الْمُحَقِّقين، وبعدم ثُبُوت شَيْء مِنْهُمَا للفلاسفة الطبيعيين
والتوقف فِي هَذِه الْأَقْسَام هُوَ الْمَنْقُول عَن جالينوس حَيْثُ قَالَ: " لم يتَبَيَّن لي أَن النَّفس هَل المزاج الَّذِي يَنْعَدِم عِنْد الْمَوْت فيستحيل إِعَادَتهَا أَو جَوْهَر بَاقٍ بعد فَسَاد البنية فَيمكن الْمعَاد "
بَقِي احْتِمَال ثُبُوت الْمعَاد مُطلقًا مَعَ التَّوَقُّف فِي خُصُوصِيَّة كل من الجسماني والروحاني
ثمَّ الْمعَاد الروحاني لَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف باعتقاده، وَلَا يكفر منكره، وَلَا منع شَرْعِيًّا وَلَا عقليا من إثْبَاته
وَأما الْمعَاد الجسماني فمما يجب الِاعْتِقَاد بِهِ وَيكفر منكره
وَأما حشر الأجساد اللَّازِمَة على تَقْدِير وُقُوع الْمعَاد الجسماني فقد قَالَ بَعضهم: هُوَ حشر الْمُكَلّفين لَا غير الْمُكَلّفين، لِأَن الْأَخْبَار المنقولة فِيهِ لم تصل إِلَى حد التَّوَاتُر، وَلم ينْعَقد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع، بل كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ فِيمَا بَينهم، وَلم يكن الِاعْتِقَاد بِهِ من شَرَائِط الْإِسْلَام
والمتفق عَلَيْهِ عِنْد أهل الْحق وُقُوع الْمعَاد الجسماني مُطلقًا، وَأما تعْيين أَنه بالإيجاد بعد الاعدام أَو بِالْجمعِ بعد التَّفْرِيق فمختلف فِيهِ فِيمَا بَينهم؛ والسمع لَا يعين وَاحِدًا مِنْهُمَا على الْقطع
وَالْجُمْهُور على أَن المحشور الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة الَّتِي سَمَّاهَا الْأَوَائِل الْجِسْم لَا الْأَجْزَاء الفضلية الَّتِي سَموهَا أَيْضا الجرم
وَالْحكمَة المحمدية تَقْتَضِي حشرهما جَمِيعًا بِدَلِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصّى أَن يجْتَنب الْجنب عَن إِزَالَة(1/146)
الشّعْر وَالظفر قبل الِاغْتِسَال لكَون أمثالهما معادا، بل جَاوز الحكم من الْبدن إِلَى اللبَاس، وَأمر بتحسين الأكفان؛ فالمعاد حَقِيقَة هُوَ الْبدن بالأجزاء الْأَصْلِيَّة والفضلية، وَلَكِن بِحَسب الْمَاهِيّة وَالِاسْم
وَأما الْوُجُود فمختلف فِيهِ، وَقد قَالَ الله تَعَالَى:
{وننشئكم فِيمَا لَا تعلمُونَ} لعدم الإحساس بنظير ذَلِك الْوُجُود والشكل وَهُوَ أَيْضا غير الشكل الأول من عوارض الْوُجُود؛ وَلذَا وُرُود أَن ضرس الْكَافِر يصير مثل أحد، وَجلده أَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْجَبَّار لما أَن الْغَالِب على الأشقياء خَواص التَّرْكِيب والكثافة لاستهلاك قَوْلهم وصفاتهم الروحانية فِي القوى الطبيعية وتلاشي جوهريتها فَصَارَت كثيفة
كَمَا أَن أَصْحَاب الْجنان لما استهلكت نشآتهم الكثيفة فِي لطائف جواهرها وغلبت خَواص نُفُوسهم وقواهم الروحانية على قوى أمزجتهم الطبيعية صَارُوا يظهرون فِي الْوَقْت الْوَاحِد فِي الْأَمَاكِن الجنانية متنعمين فِي كل طَائِفَة من أَهَالِيهمْ متقلبين فِيمَا اشتهوا من الصُّور كالملائكة يحضر وَاحِد مِنْهُم فِي ألف مَكَان فَصَاعِدا كقابض الْأَرْوَاح ونافخها]
الْإِعَارَة: أَعَارَهُ الشَّيْء، وأعاره مِنْهُ، وعاوره إِيَّاه، وتعور، واستعار: طلبه
واعتور الشَّيْء وتعاوره: تداوله
وعاره يعوره ويعيره: أَخذه وَذهب بِهِ أَو أتْلفه
الِاعْتِبَار: هُوَ مَأْخُوذ من العبور والمجاوزة من شَيْء إِلَى شَيْء، وَلِهَذَا سميت الْعبْرَة عِبْرَة والمعبر معبرا وَاللَّفْظ عبارَة
وَيُقَال: السعيد من اعْتبر بِغَيْرِهِ، والشقي من اعْتبر بِهِ غَيره
وَلِهَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الِاعْتِبَار هُوَ النّظر فِي حقائق الْأَشْيَاء وجهات دلالتها ليعرف بِالنّظرِ فِيهَا شَيْء آخر من جِنْسهَا
وَقيل: الِاعْتِبَار هُوَ التدبر وَقِيَاس مَا غَابَ على مَا ظهر
وَيكون بِمَعْنى الاختبار والامتحان وَبِمَعْنى الِاعْتِدَاد بالشَّيْء فِي ترَتّب الحكم نَحْو قَول الْفُقَهَاء: الِاعْتِبَار بالعقب أَي الِاعْتِدَاد فِي التَّقَدُّم بِهِ
وَالِاعْتِبَار عِنْد الْمُحدثين: أَن تَأتي إِلَى حَدِيث لبَعض الروَاة فتعتبره بروايات غَيره من الروَاة لسير الحَدِيث لتعرف هَل شَاركهُ فِيهِ غَيره
وَالِاعْتِبَار يُطلق تَارَة وَيُرَاد بِهِ مُقَابل الْوَاقِع، وَهُوَ اعْتِبَار مَحْض يُقَال: هَذَا أَمر اعتباري: أَي لَيْسَ بِثَابِت فِي الْوَاقِع
وَقد يُطلق وَيُرَاد مَا يُقَابل الْمَوْجُود الْخَارِجِي؛ فالاعتبار بِهَذَا الْمَعْنى اعْتِبَار الشَّيْء الثَّابِت فِي الْوَاقِع، لَا اعْتِبَار مَحْض وَالْوَاقِع هُوَ الثُّبُوت فِي نفس الْأَمر مَعَ قطع النّظر عَن وُقُوعه فِي الذِّهْن وَالْخَارِج
[والاعتبارية الْحَقِيقِيَّة: هِيَ الَّتِي لَهَا نحقق فِي نفس الْأَمر كمراتب الْأَعْدَاد وَإِن كَانَت من الْأُمُور الْوَاهِيَة
والاعتبارات الْعَقْلِيَّة: عِنْد الفلاسفة
وَأما الاعتبارات الْفَرْضِيَّة: فَهِيَ الَّتِي لَا وجود لَهَا إِلَّا بِحَسب الْفَرْض]
وَالِاعْتِبَار للمقاصد والمعاني لَا الصُّور والمباني،(1/147)
وَمن فروعها الْكفَالَة بِشَرْط بَرَاءَة الْأَصِيل حِوَالَة، وَهِي بِشَرْط عدم بَرَاءَته كَفَالَة
وَاعْتِبَار الْمَعْنيين من لفظ وَاحِد لَا يجوز بِلَا مُرَجّح فِي الْإِثْبَات وَيجوز فِي النَّفْي؛ وَلِهَذَا من أوصى لمواليه وَله مُعتق بِالْكَسْرِ ومعتق بِالْفَتْح بطلت لتعذر إِرَادَة أحد الْمَعْنيين بِلَا مُرَجّح فِي مَوْضُوع الْإِثْبَات، بِخِلَاف مَا إِذا حلف لَا يكلم موَالِي فلَان حَيْثُ يتَنَاوَل الْأَعْلَى والأسفل، لِأَنَّهُ مقَام النَّفْي وَلَا تنَافِي فِيهِ
الْإِعْلَام: مصدر (أعلم) وَهُوَ عبارَة عَن تَحْصِيل الْعلم وإحداثه عِنْد الْمُخَاطب جَاهِلا بِالْعلمِ بِهِ ليتَحَقَّق إِحْدَاث الْعلم عِنْده وتحصيله لَدَيْهِ
وَيشْتَرط الصدْق فِي الْإِعْلَام دون الْإِخْبَار، لِأَن الْإِخْبَار يَقع على الْكَذِب بِحكم التعارف، كَمَا يَقع على الصدْق قَالَ لله تَعَالَى: {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}
اخْتصَّ الْإِعْلَام بِمَا إِذا كَانَ بِإِخْبَار سريع
والتعليم بِمَا يكون بتكرير وتكثير حَتَّى يحصل مِنْهُ أثر فِي نفس المتعلم
والإلهام أخص من الْإِعْلَام، لِأَنَّهُ قد يكون بطرِيق الْكسْب، وَقد يكون بطرِيق التَّنْبِيه
وَالْأَمر من (الْعلم) يسْتَعْمل فِي الْكَلَام الْآتِي، وَمن الْفَهم فِي الْكَلَام السَّابِق
وَفِي الأول تَنْبِيه من إيقاظ لأهل الطّلب والترقي على التَّوَجُّه الْكَامِل والإقبال التَّام على إصغاء مَا يرد بعده بقلب حَاضر وإيماء إِلَى جلالة قدره فَحسن موقعه فِي مثل هَذَا الْموضع كَمَا حسن موقع {واستمع يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي}
الإعداد: هُوَ التهيئة والإرصاد
وأعده: هيأه
وعدده: جعله عدَّة للدهر
واستعد لَهُ: تهَيَّأ لَهُ
وعدة الْمَرْأَة: أَيَّام أقرائها وَأَيَّام إحدادها على الزَّوْج
وعداد الشَّيْء: بِالْفَتْح وَالْكَسْر: زَمَانه وَعَهده وأفضله
وَيَوْم عداد: أَي جُمُعَة أَو فطر أَو أضحى
وعداده فِي بني فلَان: أَي يعد مِنْهُم فِي الدِّيوَان
وَأكْثر اسْتِعْمَال الاعداد فِي الْمَوْجُود، وَقد يسْتَعْمل فِيمَا هُوَ فِي معنى الْمَوْجُود كَقَوْلِه تَعَالَى: {أعد الله لَهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما}
والإعداد فِي البديع: إِيقَاع أَسمَاء مُفْردَة على سِيَاق وَاحِد، فَإِن روعي فِي ذَلِك ازدواج أَو مُطَابقَة أَو تجنيس أَو مُقَابلَة فَذَلِك الْغَايَة فِي الْحسن، كَقَوْلِه:
(فالخيل وَاللَّيْل والبيداء تعرفنِي ... وَالضَّرْب والطعن والقرطاس والقلم)
الإعجام: من الْعَجم، وَهُوَ النقط بِالسَّوَادِ، يُقَال: (أعجمت الْحَرْف)
والتعجيم: مثله، وَلَا يُقَال عجمته، وَمِنْه حُرُوف المعجم، وَهِي الْحُرُوف الْمُقطعَة الَّتِي يخْتَص أَكْثَرهَا بالنقط من سَائِر حُرُوف الْأُمَم، وَمَعْنَاهُ: حُرُوف الْخط المعجم ك (مَسْجِد الْجَامِع)
وَبَعْضهمْ يجْعَلُونَ المعجم بِمَعْنى الإعجام مثل: (الْمخْرج والمدخل) ؛ وَقد يُقَال: مَعْنَاهُ حُرُوف(1/148)
الإعجام أَي إِزَالَة العجمة وَذَلِكَ بالنقط
[الإعجاز] : أعجزه الشَّيْء: فَاتَهُ، وَفُلَانًا: وجده عَاجِزا، أَو صيره عَاجِزا
ومعجزة النَّبِي: مَا أعجز بِهِ الْخصم عِنْد التحدي، وَالْهَاء للْمُبَالَغَة
والمعجز فِي وضع اللُّغَة: مَأْخُوذ من الْعَجز، وَفِي الْحَقِيقَة لَا يُطلق على غير الله أَنه معْجزَة، أَي خَالق الْعَجز؛ وَتَسْمِيَة غَيره معجزا ك (فلق الْبَحْر) و (إحْيَاء الْمَيِّت) فَإِنَّمَا هُوَ بطرِيق التَّجَوُّز والتوسع من حَيْثُ أَنه ظهر بِقدر الْمُعَارضَة والمقابلة من الْمَبْعُوث إِلَيْهِ عِنْد ظُهُوره، وَإِن لم يكن هُوَ الْمُوجب لذَلِك تَسْمِيَته للشَّيْء بِمَا بَدَأَ مِنْهُ وَمَا هُوَ مِنْهُ بِسَبَب فِي ذَلِك، كَمَا فِي تسيمة مخلوقات الله دَالَّة عَلَيْهِ لظُهُور الْمعرفَة بِاللَّه عِنْد ظُهُورهَا وَإِن لم تكن دَالَّة فِي الْحَقِيقَة، إِذْ الدَّال فِي الْحَقِيقَة هُوَ ناصب الدَّلِيل، وَهُوَ الله تَعَالَى، والمخلوقات إِنَّمَا هِيَ أَدِلَّة
وَخلق المعجز لَيْسَ لغَرَض تَصْدِيق الْمُدَّعِي، بل يعرف قيام التَّصْدِيق بِذَات الله
وكما أَن هَذِه الْكَلِمَات الْمَخْصُوصَة صَارَت دَالَّة بِسَبَب الْوَضع والاصطلاح على الْمعَانِي الْقَائِمَة بِذَات الْمُتَكَلّم فَكَذَا هَذِه الْأَفْعَال الخارقة للْعَادَة إِذا حصلت عقيب الدَّعْوَى دَالَّة على قيام التَّصْدِيق من فعل المعجز، فالمعجزة من أَفعاله تَعَالَى قطعا]
والاعجاز: هُوَ فِي الْكَلَام أَن يُؤدى الْمَعْنى بطرِيق أبلغ من كل مَا عداهُ من الطّرق
وإعجاز الْقُرْآن: ارتقاؤه فِي البلاغة إِلَى أَن يخرج عَن طوق الْبشر ويعجزهم عَن معارضته على مَا هُوَ الرَّأْي الصَّحِيح، لَا الْإِخْبَار عَن المغيبات، وَلَا [عدم التَّنَاقُض وَالِاخْتِلَاف، وَلَا] الأسلوب الْخَاص، وَلَا صرف الْعُقُول عَن الْمُعَارضَة، [وَلَا إيجاز اللَّفْظ أَو كَثْرَة الْمَعْنى وَلَيْسَ إعجازه لمعناه فَقَط، بل هُوَ فِي الْمَعْنى تَامّ كَمَا هُوَ فِي النّظم، وَلَو كَانَ حَاصِلا بِدُونِ النّظم لم يكن مُخْتَصًّا بِالْقُرْآنِ، بل يكون بعض الْأَحَادِيث معجزا أَيْضا، وَهَذَا خرق الْإِجْمَاع]
وإفراد الْبشر بِالذكر لمُجَرّد التصدي للمعارضة وَإِلَّا فالمعجزة مَا يكون خَارِجا عَن طوق الْمَخْلُوق
وَالْقُرْآن معجز من حَيْثُ إِنَّه كَلَام الله مُطلقًا، لَا من(1/149)
حَيْثُ إِن بعضه كَلَام مُتَكَلم آخر حَكَاهُ الله بِلَفْظِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يلْزم أَن يثبت لَهُ الاعجاز من هَذِه الْحَيْثِيَّة
[والإعجاز ذاتي لِلْقُرْآنِ، فَلَا ينْتَقض بِالْآيَةِ القصيرة، لِأَن مَا كَانَ ذاتيا للمجموع لَا يلْزم أَن يُوجد فِي كل جُزْء، أَلا ترى أَن كَون الْقُرْآن كلَاما أَو عَرَبيا ذاتي لَهُ وَلَا يُوجد ذَلِك فِي كل جُزْء مِنْهُ مثل حرف أَو كلمة]
وَاعْلَم أَن دلَالَة المعجزة على صدق الْمبلغ تتَوَقَّف على امْتنَاع تَأْثِير غير قدرَة الله الْقَدِيمَة فِيهَا، وَألا يخبر بِأَنَّهَا فعله فضلا عَن أَنَّهَا تَصْدِيقه، وَالْعلم بذلك الِامْتِنَاع يتَوَقَّف على قَاعِدَة خلق الْأَفْعَال، وَأَن لَا تَأْثِير لقدرة الْعباد، بل لَا مُؤثر فِي الْوُجُود إِلَّا الله، فالمعجزة من أَفعاله تَعَالَى قطعا، وَفِيه أَن من أثبت لغيره قدرَة مُؤثرَة مَعَ تفَاوت مراتبها وتباين آثارها فَهُوَ فِي دلَالَة المعجزة على ورطة الْحيرَة
والمعجزة الحسية:: كإحياء الْمَوْتَى ونبع المَاء من الْأَصَابِع، وَهِي للعوام
والعقلية: كَالْعلمِ بالمغيبات، وَهِي لأولي الْأَلْبَاب
والذوقية الحدسية: كالقرآن، وَهِي لأرباب الْقُلُوب، وَفِي الظَّاهِر الأولى أقوى ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة، وَفِي الْبَاطِن والشرف على الْعَكْس، وَالْإِيمَان بِسَبَب الأولى أقل ثَوابًا، وَتَركه أَشد عقَابا، ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة، فَهُوَ أَكثر ثَوابًا وَتَركه أقل عقَابا، لِأَن الْإِيمَان بِالْغَيْبِ أقوى
والمعجزة الظَّاهِرَة إِدْرَاكهَا أسهل فالإيمان بهَا أيسر، فَيكون أقل ثَوابًا، وَلَا عذر لتاركه فَتَركه أَشد عقَابا
وَأما الْبَاطِنَة فإدراكها أشق، فثواب الْإِيمَان أعظم، لَكِن من لم يُدْرِكهَا فعذره أوضح من عذر تَارِك المعجزة الظَّاهِرَة، فعقابه أقل من عِقَاب تَارِك الْإِيمَان بالمعجزة الظَّاهِرَة
الِاعْتِدَال: هُوَ توَسط حَال بَين حَالين فِي كم أَو كَيفَ
وكل مَا تناسب فقد اعتدل
وكل مَا أقمته فقد عدلته
وَعدل فلَانا بفلان: سوى بَينهمَا
وَعدل عَنهُ: رَجَعَ
وعادل: اعوج
الاعتداء: هُوَ مُجَاوزَة حد مَا، وَذَلِكَ قد لَا يكون مذموما، بِخِلَاف الظُّلم، فَإِنَّهُ وضع الشَّيْء فِي الْموضع الَّذِي لَا يحِق أَن يوضع فِيهِ
وَقيل: هُوَ فِي أصل وَضعه تجَاوز الْحَد فِي كل شَيْء، وعرفه: فِي الظُّلم والمعاصي
الْإِعْتَاق: هُوَ إِثْبَات الْقُوَّة الشَّرْعِيَّة للمملوك
الاعتناق: اعتنقا فِي الْحَرْب وَنَحْوهَا
وتعانقا وعانقا: فِي الْمحبَّة
الاعلال: هُوَ تَخْفيف حرف الْعلَّة بالإسكان وَالْقلب والحذف
الإعصار: الرّيح الَّتِي تنشر السَّحَاب، أَو الَّتِي فِيهَا نَار، أَو الَّتِي تهب فِي الأَرْض كالعمود نَحْو السَّمَاء، أَو الَّتِي فِيهَا العصار وَهُوَ الْغُبَار الشَّديد
الاعتضاد: اعتضدته: أَي جعلته فِي عضدي وَبِه استعنت(1/150)
الِاعْتِمَاد: قَالَ بعض الْفُضَلَاء: اعْتمد لَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ، بل بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ، يُقَال: (اعْتمد عَلَيْهِ) لَكِن فِي " الأساس " وَغَيره: اعْتَمدهُ
وَأما اعْتمد بِهِ فَمن قبيل التَّضْمِين أَو إِجْرَاء الشَّيْء مجْرى النظير، وَهُوَ الْقَصْد إِلَى الشَّيْء والاستناد إِلَيْهِ مَعَ حسن الركون
الِاعْتِقَاد: فِي الْمَشْهُور هُوَ الحكم الْجَازِم الْمُقَابل للتشكيك، بِخِلَاف الْيَقِين
وَقيل: هُوَ إِثْبَات الشَّيْء بِنَفسِهِ
وَقيل: هُوَ التَّصَوُّر مَعَ الحكم
الاعتذاب: هُوَ أَن تسبل للعمامة عذبتين من خلفهَا
الاعتمال: الِاضْطِرَاب فِي الْعَمَل، وَهُوَ أبلغ من الْعَمَل
الِاعْتِرَاف: اعْترف بِذَنبِهِ: أقرّ وَفُلَانًا: سَأَلَهُ عَن خبر ليعرفه، وَالشَّيْء: عرفه، وذل وانقاد، وإلي: أَخْبرنِي باسمه وبشأنه
الاعوجاج: هُوَ فِي المحسوسات عدم الاسْتقَامَة الحسية، وَفِي غَيرهَا: عدم كَونهَا على مَا يَنْبَغِي
والاعوجاج يعم الْأَعْضَاء كلهَا، والانحناء يخْتَص بالقامة، وَهُوَ تقوس الظّهْر، أَو هما مُتَرَادِفَانِ
الاعتباط: هُوَ إِدْرَاك الْمَوْت شَابًّا صَحِيحا وَفِي بعض كتب النَّحْو: ذبح الشَّاة بِلَا عِلّة وَمِنْه: الْحَذف الاعتباطي
الْأَعْيَان الثَّابِتَة: هِيَ حقائق الممكنات فِي علم الله، وَهِي صور حقائق الْأَسْمَاء الإلهية فِي الحضرة الْعلية، لَا تَأَخّر لَهَا عَن الْحق إِلَّا بِالذَّاتِ لَا بِالزَّمَانِ، فَهِيَ أزلية أبدية
الْأَعْلَى: هِيَ من صِفَات الذكران، لِأَنَّهُ (أفعل) ك (الْأَكْبَر) و (الْأَصْغَر) وَعَلِيهِ: الفردوس الْأَعْلَى
والعليا والكبرى وَالصُّغْرَى من صِفَات الْإِنَاث
وَيجمع الْأَعْلَى بِالْوَاو وَالنُّون وعَلى (أفَاعِل) ، وتأنيثه على (فعلى) ، وَيسْتَعْمل ب (من) وَيلْزمهُ أحد الثَّلَاثَة: التَّعْرِيف، أَو الْإِضَافَة، أَو (من) وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي (الْأَحْمَر) وبابه ك (الْأَصْفَر) و (الْأَخْضَر)
[الْأَعْشَى: هُوَ من لَا يبصر بِاللَّيْلِ ويبصر بِالنَّهَارِ، ومصدره العشا، والأجهر: ضِدّه، فَإِن البخار يكدر نور الباصرة لَيْلًا ويذوب بِالنَّهَارِ بِسَبَب حرارة الشَّمْس، وَسبب الضِّدّ ضد ذَلِك]
أعجبني كَذَا: يُقَال ذَلِك فِي الِاسْتِحْسَان
وَعَجِبت من كَذَا: فِي الذَّم وَالْإِنْكَار
أعجلته: أَي استعجلته
وعجلته: أَي سبقته [نوع]
{أعدت} : هيئت
{أُعِيذهَا بك} : أجيرها بحفظك
{واعف عَنَّا} : وامح ذنوبنا
{لأعنتكم} : لأحرجكم وضيق عَلَيْكُم
{أعجاز نخل} : أصُول نخل(1/151)
{وَأَنْتُم الأعلون} : الأغلبون
{اعتدوا مِنْكُم فِي السبت} : تجاوزا الْحَد الَّذِي حد لَهُم من ترك الصَّيْد يَوْم السبت
{إعصار} : ريح عَاصِفَة تنعكس من الأَرْض إِلَى السَّمَاء ملتفة فِي الْهَوَاء، حاملة للتراب، مستديرة كالعمود
{فاعتلوه} : فجروه
{بأعيننا} : بحفظنا
{فظلت أَعْنَاقهم} : رقابهم أَو رؤساؤهم أَو جماعاتهم
{أعثرنا عَلَيْهِم} : أطْلعنَا على حَالهم
{اعْتَمر} : زار الْبَيْت
{أعصر خمرًا} : استخرج خمرًا من الْعِنَب
{اعتراك} : أَصَابَك
{كالأعلام} : كالجبال
(فصل الْألف والغين)
[الأغلف] : كل شَيْء فِي غلاف فَهُوَ أغلف، يُقَال: (سيف أغلف) ، وقوس أغلف، وَرجل أغلف: إِذا لم يختتن
[الإغريض] : كل أَبيض طري فَهُوَ إغريض
قَالَ:
(وثنايا كَأَنَّهَا إغريض)
الْإِغْمَاء: هُوَ غَلَبَة دَاء يزِيل الْقُوَّة [لَا الْعقل فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَار مغمى عَلَيْهِ فِي الْمَرَض الَّذِي توفّي فِيهِ، وَلَا يجوز أَن يكون عديم الْعقل، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا صَاحبكُم بمجنون} ]
{وَمَا بصاحبكم من جنَّة} ] وَالْجُنُون يزِيل الْعقل
والغشي: بِالضَّمِّ والسكون دَاخل فِي الْإِغْمَاء وَكَذَا السكر
الإغلاق: هُوَ يعم الْإِكْرَاه وَالْغَضَب وَالْجُنُون، وكل أَمر يغلق على صَاحبه علمه وقصده مَأْخُوذ من غلق الْبَاب
الإغلال: الْخِيَانَة فِي كل شَيْء، والغلول من الْمغنم خَاصَّة {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} أَي: يخون فِي الْمغنم
الإغراق: هُوَ إفراط وصف الشَّيْء بالممكن الْقَرِيب وُقُوعه عَادَة، وَهُوَ فَوق الْمُبَالغَة ربتة، والغلو فَوْقهمَا، لِأَنَّهُ إفراط فِي وصف الشَّيْء بالمستحيل وُقُوعه عقلا وَعَادَة، كَقَوْلِه:
(وأخفت أهل الشّرك حَتَّى إِنَّه ... لتخافك النطف الَّتِي لم تخلق)
وَفِي اصْطِلَاح عُلَمَاء البديع: هُوَ وصف الشَّيْء بالممكن الْبعيد وُقُوعه عَادَة، وكل من الإغراق والغلو لَا يعد من المحاسن إِلَّا إِذا اقْترن بِمَا يقربهُ من الْقبُول، مثل: (كَاد) و (لَو) وَمَا يجْرِي مجراهما(1/152)
من أَنْوَاع التَّقْرِيب، كَقَوْلِه تَعَالَى: {يكَاد سنا برقه يذهب بالأبصار} إِذْ لَا يَسْتَحِيل فِي الْعقل أَن الْبَرْق يخطف الْأَبْصَار لكنه يمْتَنع عَادَة وَمن شَوَاهِد تقريب نوع الإغراق قَوْله:
(لَو كَانَ يقْعد فَوق الشَّمْس من كرم ... قوم بأولهم أَو مجدهم قعدوا)
فاقتران هَذِه الْجُمْلَة بامتناع (لَو) من قعُود الْقَوْم فَوق الشَّمْس هُوَ الَّذِي أظهر بهجة شمسها فِي بَاب الإغراق
الإغراء: من (أغريت الْكَلْب بالصيد) : إِذا حرضته عَلَيْهِ
و [الإغراء] : وضع الظّرْف أَو الْجَار وَالْمَجْرُور مَوضِع فعل الْأَمر، وَلَا يجوز إِلَّا فِيمَا سمع من الْعَرَب نَحْو: (عَلَيْك) و (عنْدك) و (دُونك) و (أمامك) و (وَرَاءَك) و (مَكَانك) و (إِلَيْك) و (لديك)
{فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة} فألزمنا من (غري بالشَّيْء) : إِذا لصق بِهِ، وَالْيَاء من وَاو، واشتقاقه من الغراء، وَهُوَ الَّذِي يلصق بِهِ، يُقَال: (سهم مغرو)
الأغلوطة: بِالضَّمِّ الْكَلَام الَّذِي يغلط فِيهِ ويغالط بِهِ [نوع]
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} : أذهب الرِّفْق عَنْهُم
{أغويتني} : أضللتني
{واغفر لنا} : واستر عيوبنا اغتفر: استتر
[ {أَن اغدوا} : ان أخرجُوا غدْوَة]
{أغطش لَيْلهَا} : أظلم
{واغضض} : وأنقص أَو أقصر
(فصل الْألف وَالْفَاء)
[الْإِفْك] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن إفْك فَهُوَ كذب
[الأف] : كل مستقذر بَين وسخ وقلامة ظفر وَمَا يجْرِي مجراهما فَهُوَ الأف وَعَن ابْن مَالك: هُوَ الردئ من الْكَلَام وَيسْتَعْمل عِنْد الضجر، وَعَن مُجَاهِد: {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} : لَا تقذرهما
[الْإِفَاضَة] : كل دفْعَة إفَاضَة
وأفاض النَّاس من عَرَفَات: دفعُوا وَرَجَعُوا وَتَفَرَّقُوا وأسرعوا مِنْهَا إِلَى مَكَان آخر
وأفاض عَلَيْهِ نعمه: وسعهَا
الإفادة: هِيَ صُدُور الشَّيْء عَن نَفسه إِلَى غَيره
والاستفادة: صُدُور الشَّيْء عَن غَيره إِلَى نَفسه
والإفادة: إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الْمعَانِي المفهومة بِالدّلَالَةِ الْعَقْلِيَّة، أَعنِي الْمعَانِي الثواني، وَهِي الْخَواص والمزايا وَالدّلَالَة تسْتَعْمل فِيمَا يفهم بِالدّلَالَةِ الوضعية، أَعنِي الْمعَانِي الأول الَّتِي هِيَ الْوَسَائِل إِلَى الْمعَانِي الثواني؛ والملحوظ فِي الإفادة إِنَّمَا هُوَ جَانب السَّائِل، وَفِي الدّلَالَة جَانب اللَّفْظ أَو الْمُتَكَلّم(1/153)
الْأُفق: النَّاحِيَة، وَيجمع على آفَاق بِالْمدِّ وَعَن سِيبَوَيْهٍ أَن الْأَفْعَال للْوَاحِد، فعلى هَذَا الْيَاء فِي (الآفاقي) للْوَاحِد، كَمَا قَالُوا فِي (رومي) وعَلى تَقْدِير الْجمع لَا يجب رده فِي النِّسْبَة إِلَى الْوَاحِد فَإِنَّهُم أَرَادوا بالآفاق الخارجين، وبالآفاقي الْخَارِجِي فَصَارَ كالأنصاري
الْإِفْسَاد: هُوَ جعل الشَّيْء فَاسِدا خَارِجا عَمَّا يَنْبَغِي أَن يكون عَلَيْهِ وَعَن كَونه مُنْتَفعا بِهِ وَفِي الْحَقِيقَة هُوَ إِخْرَاج الشَّيْء عَن حَالَة محمودة لَا لغَرَض صَحِيح؛ وَلَا يُوجد ذَلِك فِي فعل الله؛ وَمَا ترَاهُ فِي فعله تَعَالَى فَسَادًا فَهُوَ بِالْإِضَافَة إِلَيْنَا، وَأما بِالنّظرِ إِلَيْهِ فكله صَلَاح وَلِهَذَا قَالَ بعض الْحُكَمَاء: يَا من إفساده صَلَاح
الْإِفْضَاء: أَصله: الْوُصُول إِلَى الشَّيْء بسعة، من الفضاء
وأفضى إِلَى امْرَأَة: فِي بَاب الْكِنَايَة أبلغ وَأقرب إِلَى التَّصْرِيح من قَوْلهم: خلا بهَا
والمفضاة: الْمَرْأَة الَّتِي اتَّحد سبيلاها
(وَفِي المفضاة مَسْأَلَة عَجِيبَة ... لَدَى من لَيْسَ يعرفهَا غَرِيبه)
(إِذا حرمت على زوج وحلت ... لثان نَالَ من وَطْء نصِيبه)
(فَطلقهَا وَلم تحبل فَلَيْسَتْ ... حَلَالا للقديم وَلَا خَطِيبه)
(لشك أَن ذَاك الْوَطْء مِنْهَا ... بفرج أَو شكيلته القريبه)
(فَإِن حبلت فقد وطِئت بفرج ... وَلم تبْق الشكوك وَلَا مريبه)
الافتراء: هُوَ الْعَظِيم من الْكَذِب، يُقَال لمن عمل عملا فَبَالغ فِيهِ: إِنَّه ليفري الفرى
وَمعنى افترى: افتعل واختلق مَالا يَصح أَن يكون؛ ومالا يَصح أَن يكون أَعم مِمَّا لَا يجوز أَن يُقَال وَمَا لَا يجوز أَن يفعل. . [وَهل الْإِطْلَاق على القَوْل وَالْفِعْل بالاشتراك الْمَعْنَوِيّ أَو اللَّفْظِيّ، أَو حَقِيقَة فِي الأول مجَاز فِي الثَّانِي؟ رجح التَّفْتَازَانِيّ القَوْل الثَّالِث على الْقَوْلَيْنِ]
والبهتان: هُوَ الْكَذِب الَّذِي يبهت سامعه، أَي: يدهش ويتحير، وَهُوَ أفحش الْكَذِب، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عَن قصد يكون إفكأ
والإفك: إِذا كَانَ على الْغَيْر يكون افتراء
والافتراء: إِذا كَانَ بِحَضْرَة الْمَقُول فِيهِ يكون بهتانا
الافتنان: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم بفنين من فنون الْكَلَام وأغراضه فِي بَيت وَاحِد مثل النسيب والحماسة وَالْفَخْر والمدح كَقَوْلِه:
(وَلَقَد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الْهِنْد تقطر من دمي)
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كل من عَلَيْهَا فان} الْآيَة: فَإِنَّهُ عزى جَمِيع الْمَخْلُوقَات وتمدح بِالْبَقَاءِ بعد فنَاء الموجودات مَعَ وصف ذَاته بعد الِانْفِرَاد بِالْبَقَاءِ بالجلال وَالْإِكْرَام
والافتنان فِي ضروب الفصاحة أَعلَى من الِاسْتِمْرَار(1/154)
على ضرب وَاحِد وَلِهَذَا ورد بعض آي الْقُرْآن متماثل المقاطع وَبَعضهَا غير متماثل
الإفلاس: أفلس الرجل: أَي صَار ذَا فلس بعد أَن كَانَ ذَا دِرْهَم ودينار، فَاسْتعْمل مَكَان افْتقر
وفلسه القَاضِي أَي قضى بإفلاسه حِين ظهر لَهُ حَاله
الْإِفَاقَة: أَفَاق من مَرضه: رجعت الصِّحَّة إِلَيْهِ أَو رَجَعَ إِلَى الصِّحَّة، كاستفاق
الإفخام: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: التَّعْظِيم؛ وبالمهملة هُوَ أَن يعجز الْمُعَلل السَّائِل، أَو بِالْعَكْسِ وَهُوَ الْإِلْزَام
الآفة: هِيَ العاهة
وَقد أيف الزَّرْع: على مَا لم يسم فَاعله: إِذا أَصَابَته آفَة
الإفراط: التجاوز عَن الْحَد ويقابله التَّفْرِيط
الْإِفْتَاء: هُوَ تَبْيِين الْمُبْهم
أفْصح الأعجمي وفصح اللِّسَان [نوع]
{افْتَحْ} : اقْضِ
{قد أَفْلح} : فَازَ وَسعد
{أفلت} : زَالَت الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء
{أَفَضْتُم من عَرَفَات} : دفعتم مِنْهَا بِكَثْرَة
{فِي مَا أَفَضْتُم} : خضتم
{أفرغ علينا} : أفض علينا أَو صب علينا
{أفيضوا} : انفروا
{أَفْوَاجًا} : جماعات
{الْأُفق الْمُبين} : مطلع الشَّمْس
{بالأفق الْأَعْلَى} : أفق الشَّمْس
{أفاك} : شرير كَذَّاب
{أفتوني} : أجيبوني
{أُفٍّ لكم} : تضجر على إصرارهم بِالْبَاطِلِ الْبَين وَمَعْنَاهُ: قبحا ونتنا
{أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض} : [أَي خلا] الافضاء هُوَ الْخلْوَة، من الفضاء وَهُوَ الْمَفَازَة الخالية
{وَمَا أَفَاء} : وَمَا أعَاد
{من إفْك} : من صرف
(فصل الْألف وَالْقَاف)
الاقتباس: هُوَ طلب القبس وَهُوَ الشعلة من النَّار،(1/155)
ثمَّ يستعار لطلب الْعلم يُقَال: اقتبست مِنْهُ علما وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ أَن يضم الْمُتَكَلّم إِلَى كَلَامه كلمة أَو آيَة من آيَات الْكتاب الْعَزِيز خَاصَّة، بِأَن لَا يَقُول فِيهِ: (قَالَ الله) وَنَحْوه، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْخطب والمواعظ ومدحة الرَّسُول والآل وَالْأَصْحَاب، وَلَو فِي النّظم، فَهُوَ مَقْبُول؛ وَمَا كَانَ فِي الْغَزل والرسائل والقصص فَهُوَ مُبَاح ونعوذ بِاللَّه مِمَّن ينْقل مَا نسب إِلَى الله تَعَالَى إِلَى نَفسه، أَو يضمن الْآي فِي معرض الْهزْل
والتلميح قريب من الاقتباس، إِلَّا أَن الاقتباس بجملة الْأَلْفَاظ أَو بِبَعْضِهَا والتلميح يكون بلفظات يسيرَة وَلَا يكون الاقتباس إِلَّا من الْقُرْآن والْحَدِيث
والتلميح قد يكون مِنْهُمَا وَمن سَائِر كَلِمَات النَّاس من شعر ورسالة وخطبة وَغير ذَلِك كَقَوْلِه:
(لعَمْرو مَعَ الرمضاء وَالنَّار تلتظي ... أرق وأحنى مِنْهُ فِي سَاعَة الكرب)
فقد ضمن كَلَامه كَلِمَات من الْبَيْت الْمَشْهُور وَهُوَ:
(والمستجير بِعَمْرو عِنْد كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنَّار)
وَإِن ترك اللَّفْظ وَأَشَارَ إِلَيْهِ جَازَ
[وَاعْلَم أَن الظَّاهِر من كَلَامهم أَن الاقتباس مَقْصُور على الْقُرْآن والْحَدِيث
وَقد وسع بَعضهم المجال فِي ذَلِك بِذكر أَن الاقتباس يكون فِي مسَائِل الْفِقْه، وَإِذا قُلْنَا بذلك فَلَا معنى للاقتصار على مسَائِل الْفِقْه، بل يكون فِي غَيره من الْعُلُوم أما الاقتباس من مسَائِل الْفِقْه فكقول بَعضهم:
(أَقُول لشادن فِي الْحسن أضحى ... يصيد بلحظه قلب الكمي)
(ملكت الْحسن أجمع فِي نِصَاب ... فأد زَكَاة منظرك الْبَهِي)
(فَقَالَ: أَبُو حنيفَة لي إِمَام ... يرى أَن لَا زَكَاة على الصَّبِي)
(فَإِن تَكُ مالكي الرَّأْي أَو من ... يرى رَأْي الإِمَام الشَّافِعِي)
(فَلَا تَكُ طَالبا مني زَكَاة ... فإخراج الزَّكَاة على الْوَلِيّ)
وَمِنْه قَوْله:
(طلبت زَكَاة الْحسن مِنْهَا فجاوبت ... إِلَيْك فَهَذَا لَيْسَ تُدْرِكهُ مني)
(عَليّ دُيُون للعيون فَلَا ترم ... زَكَاة فَإِن الدّين يسْقطهُ عني)
وَأما الاقتباس من مسَائِل الحَدِيث فَمِنْهُ:
(قَالَت: أعندك من أهل الْهوى خبر؟)
فَقلت: إِنِّي بِذَاكَ الْعلم مَعْرُوف)
(مسلسل الدمع من عَيْني ومرسلة ... على مذبح ذَاك الخد مَوْقُوف)
(قَالَت: حَدِيثك مَرْدُود لِأَنَّك مَا ... بَين الْأَنَام بِجرح الْحبّ مَوْصُوف)
وَمِنْه:
(فضائله صِحَاح فاعتمدها ... فصحة نقلهَا ذَات اتضاح)(1/156)
(فَمن طرق المسامع عَن جميل ... وَمن طرق الأنامل عَن ريَاح)
وَأما الاقتباس من علم الْأُصُول فَمِنْهُ قَوْله:
(لَا تعجبوا من عُمُوم الْحبّ فِي رشأ ... كل الْجمال لَهُ فِي النَّاس مَخْصُوص)
(بدر وَلَكِن إِلَى الغزلان منتسب ... قد نَص ذَلِك جيد مِنْهُ مَنْصُوص)
وَمِنْه قَوْله:
(جِئْتهَا طَالبا لسالف وعد ... فأجابت لقد جهلت الطريقه)
(إِنَّمَا موعدي مجَاز فَقلت الأَصْل ... يَا هِنْد فِي الْكَلَام الْحَقِيقَة)
وَأما الاقتباس من علم أصُول الدّين فَمِنْهُ قَوْله:
(عرض الصَّبْر دون جَوْهَر ذَاك الثغر ... من أكبر الْمحَال فجودي)
(أجمع الناظرون فِي ذَاك أَن لَا ... عرض دون جَوْهَر فِي الْوُجُود)
وَأما الاقتباس من علم الْمنطق فَمِنْهُ قَوْله:
(مُقَدمَات الرَّقِيب كَيفَ غَدَتْ ... عِنْد لِقَاء الحبيب متصله)
(تَمْنَعنَا الْجمع والخلو مَعًا ... وَإِنَّمَا ذَاك حكم منفصله)
وَمِنْه:
(قِيَاس غرامي صَادِق مَعَ أَنه ... تركب من تِلْكَ الْعُيُون السوالب)
(وَقد حكمُوا أَن السوالب كل مَا ... تركب مِنْهَا لَا يرى غير كَاذِب)
وَأما الاقتباس من علم النَّحْو فَقَوله:
(أيا قمرا من حسن وجنته لنا ... وظل عذاريه الضُّحَى والأصائل)
(جعلت بالتمييز نصبا لناظري ... فَهَلا رفعت الهجر والهجر فَاعل)
وَمِنْه:
(انْظُر إِلَيّ بِعَين مولى لم يزل ... يولي الندا وتلاف قبل تلافي)
(أَنا كَالَّذي احْتَاجَ مَا تحتاجه ... فاغنم دعائي وَالثنَاء الوافي)
وَأما الاقتباس من علم الْعرُوض فَمِنْهُ:
(وبقلبي من الْجفَاء مديد ... وبسيط ووافر وطويل)
(لم أكن عَالما بِذَاكَ إِلَى أَيْن ... قطع الْقلب بالفراق الْخَلِيل)
وَأما الاقتباس من علم الموسيقا فَمِنْهُ قَوْله:
(صَوت يشابه ضرب سَوط ... وعود مثل عود النسديان)
(فَقلت لَهُ وَقد غنى حجازا: ... وَدِدْنَا أَن تكون بأصبهان)
وَقد نظمت فِيهِ أَيْضا:
(ثقيل علينا كَانَ فِي مجْلِس الْغِنَا ... يَقُول لعذال لآتي من الهوا)
(فَقلت: أيا ضد الْحُسَيْنِي انْصَرف ... حجازا عراقا والخفيف لنا النَّوَى)
وَأما الاقتباس من علم النُّجُوم فَمِنْهُ:
(يَا حسن ليلتنا الَّتِي قد زارني ... فِيهَا وأنجز مَا مضى من وعده)
(قومت شمس جماله فَوَجَدتهَا ... فِي عقرب الصدع الَّذِي فِي خَدّه)
وَأما الاقتباس من علم الْحساب فَمِنْهُ قَوْله:
(وَلَقِيت كل الفاضلين كَأَنَّمَا ... رد الْإِلَه نُفُوسهم والأعصرا)(1/157)
(فسقوا لناسق الْحساب مقدما ... وأتى فَذَاك إِذا أتيت مُؤَخرا)
وَأما الاقتباس من علم ضرب الرمل فَمِنْهُ قَوْله:
(تعلمت ضرب الرمل لما هجرتم ... لعَلي أرى شكلا يدل على الْوَصْل)
(فَقَالُوا: طَرِيق، قلت: يَا رب للقا ... وَقَالُوا: اجْتِمَاع، قلت: يَا رب للشمل)
وَأما الاقتباس من علم الْخط وَمَا يتَعَلَّق بذلك من حُرُوف الهجاء وَغَيرهَا فَمِنْهُ قَوْله:
(يَا أَيهَا الْقَمَر الَّذِي بذلك لَهُ ... عشاقه الْأَمْوَال والأرواحا)
(ريحَان خدك فِي حَوَاشِي صُدْغه ... سر بِهِ دمعي غَدا فضاحا)
وَمِنْه:
(لله يَوْم فِي دمشق قطعته ... حلف الزَّمَان بِمثلِهِ لَا يغلط)
(الطير تقْرَأ والغدير صحيفَة ... وَالرِّيح تكْتب والسحاب ينقط)
وَمِنْه:
(كَأَن عذراء فِي الخد لَام ... ومبسمه الشهي العذب صَاد)
(وطرة شعره ليل بهيم ... فَلَا عجب إِذا سرق الرقاد] ... الاقتصاد: هُوَ من الْقَصْد، وَالْقَصْد: استقامة الطَّرِيق
والاقتصاد فِيمَا لَهُ طرفان إفراط وتفريط مَحْمُود على الْإِطْلَاق وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {واقصد فِي مشيك} ، و {إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} وَقد يكنى بِهِ عَمَّا تردد بَين الْمَحْمُود والمذموم، كالواقع بَين الْجور وَالْعدْل، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله}
الِاقْتِصَار: هُوَ من أحد الطّرق الْأَرْبَعَة لثُبُوت الْأَحْكَام كثبوتها بالتصرفات الإنشائية بِلَا تخَلّل مَانع
ثَانِيهَا: التبين، وَهُوَ أَن يتَبَيَّن فِي ثَانِي الْحَال أَن الحكم كَانَ ثَابتا من قبل كثبوت حكم الْحيض بعد تَمام ثَلَاثَة أَيَّام
ثَالِثهَا: الِاسْتِنَاد، وَهُوَ أَن يثبت الحكم بعد زَوَال الْمَانِع، مُضَافا إِلَى السَّبَب السَّابِق كثبوت الْملك للْغَاصِب بعد الضَّمَان مُسْتَندا إِلَى الْغَصْب السَّابِق
رَابِعهَا: الانقلاب وَهُوَ تبدل الحكم إِلَى آخر، كتبدل حكم الْبر فِي الْيَمين بعد الْحِنْث إِلَى الْكَفَّارَة وَقد نظمته:
(إِذا كنت لَا تَدْرِي لشرع رَسُولنَا ... بكم طرق تهدى لأحكامه طرا)
(فَخذ من عُلُوم الْأَوَّلين مُصَرحًا ... بأَرْبعَة مِنْهَا عَلَيْك بهَا درا)
(وَكَانَ حكم بِالتَّصَرُّفِ ثَابتا ... بِلَا مَانع فالاقتصار لَهُ أمرا)
(وَبعد ضَمَان الْغَاصِب الْملك ثَابت ... لَهُ باستناد غصب سَابِقَة جرا)
(وَلَو أَن حكما كَانَ من قبل ثَابتا ... تبين فِي ثَان من الْحَال مَا مرا)(1/158)
(كبعد تَمام الْحيض يثبت حكمه ... يُسَمِّيه شرع بالتبين كن جَهرا)
(وَكم لَك فِي التَّعْلِيق حكم مبدل ... إِلَى مَا غَدا قد كنت تَاركه عذرا)
(تبدل حكم الْبر بعد إِلَى الجزا ... يُسمى انقلابا ذَاك مَا كَانَ لي جبرا)
والاقتصار أَيْضا: الْحَذف لغير دَلِيل
والاختصار: هُوَ الْحَذف لدَلِيل
الِاقْتِضَاء: هُوَ أَضْعَف من الْإِيجَاب، لِأَن الحكم إِذا كَانَ ثَابتا بالاقتضاء لَا يُقَال يُوجب، بل يُقَال يَقْتَضِي
والإيجاب يسْتَعْمل فِيمَا إِذا كَانَ الحكم ثَابتا بالعبارة أَو بِالْإِشَارَةِ أَو بِالدّلَالَةِ فَيُقَال: النَّصْر يُوجب ذَلِك؛ وَأما الاستلزام فَهُوَ عبارَة عَن امْتنَاع الانفكاك فَيمْتَنع فِيهِ وجود الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم، بِخِلَاف الِاقْتِضَاء، فَإِنَّهُ يُمكن وجود الْمُقْتَضى بِدُونِ مُقْتَضَاهُ
الاقتصاص: هُوَ أَن يكون الْكَلَام فِي مَوضِع مقتصا من كَلَام فِي مَوضِع آخر، أَو فِي ذَلِك الْموضع، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين} وَالْآخِرَة دَار الثَّوَاب لَا عمل فِيهَا، فَهَذَا يقْتَصّ من قَوْله تَعَالَى: {وَمن يَأْته مُؤمنا قد عمل الصَّالِحَات فَأُولَئِك لَهُم الدَّرَجَات العلى}
الاقتضاب، اقتضب كلَاما أَو خطْبَة أَو رِسَالَة: ارتجلها، أَصله من قضب الْغُصْن، وَهُوَ اقتطاعه؛ وَمِنْه الاقتضاب فِي اصْطِلَاح أهل البديع: وَهُوَ انْتِقَال من كَلَام إِلَى كَلَام من غير رِعَايَة مُنَاسبَة بَينهمَا، فَإِذا بَدَأَ كَاتب أَو شَاعِر بِكَلَام قبل مَقْصُوده يُسمى هَذَا الْكَلَام تشبيبا، ثمَّ انْتِقَاله مِنْهُ إِلَى مَقْصُوده إِن كَانَ بملاءمة بَينهمَا يُسمى تخلصا، وَإِلَّا يُسمى اقتضابا
وَمن الاقتضاب مَا هُوَ قريب من التَّخَلُّص وَمَا هُوَ بعيد مِنْهُ، وَجَمِيع الْعبارَات الْوَاقِعَة فِي عناوين المباحث من الْأَبْوَاب والفصول وَنَحْوهَا من بَاب الاقتضاب الْقَرِيب من التَّخَلُّص
الْإِقَالَة: هِيَ رفع العقد بعد وُقُوعه، وألفه إِمَّا من الْوَاو فاشتقاقه من (القَوْل) لِأَن الْفَسْخ لَا بُد فِيهِ من قيل وَقَالَ، أَو من الْيَاء فاشتقاقه من لفظ القيلولة، لِأَن النّوم سَبَب الْفَسْخ والانفساخ
وأقلت الرجل فِي البيع إِقَالَة وَقلت من القائلة قيلولة
وَأَقل رجل: أَي لم يكن مَاله إِلَّا قَلِيلا، والهمزة فِيهِ للصيرورة ك (أحصد الزَّرْع) ؛ وَأما فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " وَلَا تخش من ذِي الْعَرْش إقلالا " فهمزته للتعدية
الاقتراح: الاستدعاء والطلب يُقَال: (اقترحت عَلَيْهِ شَيْئا) إِذا سَأَلته إِيَّاه وطلبته على سَبِيل التَّكْلِيف والتحكم
واقترح الشَّيْء: ابتدعه وَمِنْه: اقترح الْكَلَام لارتجاله
الْإِقْدَام: الشجَاعَة والجراءة على الْأَمر
والإحجام: كف النَّفس عَنهُ يُقَال: (أقدم الرجل) إِذا صَار إِلَى قُدَّام [والشجاعة على مَا فَسرهَا(1/159)
الْحُكَمَاء مُخْتَصَّة بذوات الْأَنْفس، كوجوب كَونهَا صادرة عَن ذويه؛ بِخِلَاف الجراءة فَإِنَّهَا أَعم]
الإقحام: هُوَ إِيقَاع النَّفس فِي الشدَّة
والاقتحام: هُوَ أَن تَجِد الْعين الشَّيْء حَقِيرًا كريها
الإقبال: الذّهاب إِلَى جِهَة القدام، والدولة، والعزة
والإدبار: هُوَ الذّهاب إِلَى جِهَة الْخلف، وَقد نظمت فِيهِ:
(وَلَو أَقبلت دنياك جَازَ بِمِثْلِهَا ... وجزها لَهَا الإدبار لَا تَكُ مُدبرا)
والإقبال: التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة، وَكَذَا الِاسْتِقْبَال، وَالسِّين للتَّأْكِيد لَا للطلب
الاقتفاء: هُوَ اتِّبَاع الْقَفَا، كَمَا أَن الارتداف اتِّبَاع الردف
الإقتار: النَّقْص من الْقدر الْكَافِي
والاقتصاد: هُوَ التَّوَسُّط بَين الْإِسْرَاف والتقتير
الاقتناص: هُوَ أَخذ الصَّيْد، وَيُشبه بِهِ أَخذ كل شَيْء بِسُرْعَة
الْإِقْرَار: هُوَ إِثْبَات الشَّيْء بِاللِّسَانِ أَو بِالْقَلْبِ أَو بهما، وإبقاء الْأَمر على حَاله
وَالْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ وَمَا يجْرِي مجْرَاه لَا يُغني بِاللِّسَانِ مَا لم يضامه الْإِقْرَار بِالْقَلْبِ، ويضاده الْإِنْكَار
وَأما الْجُحُود فَإِنَّمَا يُقَال فِيمَا يُنكر بِاللِّسَانِ دون الْقلب
وَالْإِقْرَار الَّذِي هُوَ ضد الْجحْد يتَعَدَّى بِالْبَاء
الاقتدار: هُوَ أَن يبرز الْمُتَكَلّم الْمَعْنى الْوَاحِد فِي عدَّة صور اقتدارا مِنْهُ على نظم الْكَلَام وتركيبه على صياغة قوالب الْمعَانِي والأغراض، فَتَارَة يَأْتِي بِهِ فِي لفظ الِاسْتِعَارَة، وَتارَة فِي صروة الإرداف، وحينا فِي مخرج الإيجاز، وَمرَّة فِي قالب الْحَقِيقَة
وعَلى هَذَا أَتَت جَمِيع قصَص الْقُرْآن
الْإِقَامَة: من أَقَامَ الشَّيْء إِذا قومه وسواه، أَو من أَقَامَهُ إِذا أدامه وَاسْتمرّ عَلَيْهِ، أَو من قَامَ بِالْأَمر وأقامه: إِذا جد فِيهِ وتجلد
وأقمت ببلدة: يُفِيد أَنه كَانَ مخالطا بِالْبَلَدِ، وأقمت فِيهَا: يدل على إحاطتها بِهِ، فَالْأول أَعم، لِأَن الْقَائِم فِيهَا قَائِم بهَا بِلَا عكس
وإقام الصَّلَاة: عوض فِيهِ الْإِضَافَة من التَّاء المعوضة عَن الساقطة بالإعلال
الإقواء: فِي الْقَامُوس: أقوى الشّعْر: خَالف قوافيه، وَهُوَ عيب إِن كثر [نوع] {أقلعي} : اسكني أَو أمسكي
{اقتت} : جمعت أَو عين لَهَا وَقتهَا، أَو بلغت ميقاتها الَّذِي كَانَت منتظرة
{وأقوم قيلا} : أَسد مقَالا أَو أثبت قِرَاءَة بِحُضُور الْقلب وهدو الْأَصْوَات
{إِذْ يلقون أقلامهم} : قداحهم للاقتراع
{من أقطارها} : من جوانبها
{وأقنى} : وَأعْطى الْقنية [أَو أفقر](1/160)
{فأقيموا الصَّلَاة} : فعدلوا واحفظوا أَرْكَانهَا وشرائطها وائتوا بهَا تَامَّة
و {إِذا أقلت} : أَي حملت
{فاقذفيه فِي اليم} : أَي ألقيه وضعيه فِيهِ
(فصل الْألف وَالْكَاف)
[الْأكل] : كل مَا يُؤْكَل فَهُوَ أكل؛ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أكلهَا دَائِم} وَيُقَال: (أكلت الْيَوْم أَكلَة وَاحِدَة وَمَا أكلت عِنْده إِلَّا أَكلَة) بِالضَّمِّ أَي شَيْئا قَلِيلا كاللقمة، والمستعمل فِي الْغَيْبَة الْأكلَة بِالضَّمِّ وَالْكَسْر
وَالْأكل: هُوَ البلع عَن مضغ، ويعبر بِالْأَكْلِ عَن إِنْفَاق المَال، نَحْو: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} لما أَن الْأكل أعظم مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى المَال؛ وَأكل المَال بِالْبَاطِلِ صرفه إِلَى مَا يُنَافِيهِ الْحق
الِاكْتِسَاب: هُوَ وَالْكَسْب بِمَعْنى عِنْد أهل اللُّغَة؛ وَالْقُرْآن نَاطِق بذلك نَحْو {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} {وَلَا تكسب كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا} وَمن فرق بَينهمَا قَالَ: الْكسْب يَنْقَسِم إِلَى كَسبه بِنَفسِهِ وَلغيره، وَلِهَذَا قد يتَعَدَّى إِلَى مفعوليه فَيُقَال: (كسبت فلَانا كَذَا) ؛ والاكتساب خَاص بِنَفسِهِ، فَكل اكْتِسَاب كسب بِدُونِ الْعَكْس وَقيل: الِاكْتِسَاب يَسْتَدْعِي التعمل والمحاولة والمعاناة، فَلم يَجْعَل على العَبْد إِلَّا مَا كَانَ من الْقَبِيل الْحَاصِل بسعيه ومعاناته وبعمله وَأما الْكسْب فَيحصل بِأَدْنَى مُلَابسَة حَتَّى بالهم بِالْحَسَنَة وَنَحْو ذَلِك، فَخص الشَّرّ بالاكتساب وَالْخَيْر بأعم مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} وَفِيه تَنْبِيه على لطفه تَعَالَى بخلقه حَيْثُ أثبت لَهُم ثَوَاب الْفِعْل على أَي وَجه كَانَ، وَلم يثبت عَلَيْهِم عِقَاب الْفِعْل الْأَعْلَى وَجه الْمُبَالغَة والاعتمال فِيهِ، [فَإِن النَّفس من شَأْنهَا الْمُبَالغَة فِي تَحْصِيل مَا يَضرهَا من الآثام] : وَاعْلَم أَن الْكسْب يخْتَص بِالْعَبدِ، والخلق بِاللَّه، هَذَا إِذا كَانَ الْخلق بِمَعْنى الإيجاد، فَأَما إِذا كَانَ بِمَعْنى التَّقْدِير فَيجوز من العَبْد أَيْضا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذ تخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير} أَي تقدر، وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى: {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} أَي المقدرين
(وَقد اخْتلفُوا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم وَلَا تسْأَلُون عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ} فالأشعري على أَنه لَا تَأْثِير بقدرة الْبعد فِي مقدوره أصلا، بل الْمَقْدُور وَالْقُدْرَة كِلَاهُمَا وَاقع بقدرة الله، لَكِن الشَّيْء الَّذِي حصل بِخلق الله وَكَونه مُتَعَلق(1/161)
الْقُدْرَة الْحَادِثَة هُوَ الْكسْب، فالأفعال مُسندَة إِلَى الله تَعَالَى خلقا وَإِلَى العَبْد كسبا لإِثْبَات قدرَة مُقَارنَة للْفِعْل)
والماتريدية يسندون إِلَيْهِ كسبا بِإِثْبَات قدرَة مرجحة وَكَذَلِكَ الصُّوفِيَّة، لَكِن قدرته مستعارة عِنْدهم كوجوده، ومستفادة عِنْد الماتريدية وَقَول الْأَشْعَرِيّ أقرب إِلَى الْأَدَب
وَذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِلَى أَن الْقُدْرَة الْحَادِثَة مَعَ الدَّوَاعِي توجب الْفِعْل، فَالله تَعَالَى هُوَ الْخَالِق للْكُلّ، بِمَعْنى أَنه تَعَالَى هُوَ الَّذِي وضع الْأَسْبَاب المؤدية إِلَى دُخُول هَذِه الْأَفْعَال فِي الْوُجُود، وَالْعَبْد هُوَ المكتسب، بِمَعْنى أَن الْمُؤثر فِي وُقُوع فعله هُوَ الْقُدْرَة والداعية القائمتان بِهِ، وَهَذَا مُنَاسِب لقَوْل الفلاسفة وَهُوَ أقرب إِلَى التَّحْقِيق، لِأَن نِسْبَة الْأَثر إِلَى الْمُؤثر الْقَرِيب لَا تنَافِي كَون ذَلِك الْأَثر مَنْسُوبا إِلَى مُؤثر آخر بعيد ثمَّ إِلَى أبعد إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى مسبب الْأَسْبَاب وفاعل الْكل
وَزعم جُمْهُور الْمُعْتَزلَة أَن الْقُدْرَة مَعَ الدَّاعِي لَا توجب الْفِعْل، بل الْقُدْرَة على الْفِعْل وَالتّرْك مُتَمَكنًا مِنْهُمَا إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك، وَمِنْه الْفِعْل وَالْكَسْب وَعَن القَاضِي أَن ذَات الْفِعْل وَاقعَة بقدرة الله، ثمَّ يحصل ذَلِك الْفِعْل صفة طَاعَة الله أَو صفة مَعْصِيَته، فَهَذِهِ الصّفة تقع بقدرة العَبْد وَهَذَا القَوْل مُخْتَار محققي الْحَنَفِيَّة، كَمَا فِي " شرح المسايرة " و " التسديد " و " تَعْدِيل " صدر الشَّرِيعَة
[وَالْحَاصِل أَن منَاط التَّكْلِيف بعد خلق الِاخْتِيَار للْعَبد هُوَ قصد الْفِعْل، وَتَعْلِيق قدرته بِهِ بِأَن يَقْصِدهُ قصدا مصمما، طَاعَة كَانَ أَو مَعْصِيّة، وَإِن لم تُؤثر قدرته فِي وجود الْفِعْل الْمَانِع، وقدرة الله لَا يقاومها شَيْء فَلَا اسْتِقْلَال للْعَبد وَلَا اضطرار مَعَ الإقدار على الْعَزْم على كل من الْفِعْل وَالتّرْك؛ وَلَيْسَ لعلم الله السَّابِق بِظُهُور الْمُخَالفَة من الْمُكَلف لأَمره أَو الطَّاعَة لَهُ خاصية التَّأْثِير فِي إِيجَاد الْأَعْمَال، بل تعلق الْعلم تعلق كشف، فَكَانَ أَحَق بِأَن لَا يسلب ذَلِك الْعَزْم وَالْكَسْب الَّذِي هُوَ مَحل قدرَة العَبْد فَلَا جبر](1/162)
الْإِكْرَاه: لُغَة حمل الْإِنْسَان على أَمر لَا يُريدهُ طبعا أَو شرعا
وَشرعا: فِي " الْمَبْسُوط " أَنه إسم لفعل من يفعل الْأَمر لغيره فَيَنْتَفِي بِهِ اخْتِيَاره، وَفِي " الوافي ": هُوَ عبارَة عَن تهديد الْقَادِر على مَا هدد غَيره بمكروه على أَمر بِحَيْثُ يَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا وَفِي " الْقُهسْتَانِيّ ": هُوَ فعل سوء يوقعه بِغَيْرِهِ فَيفوت رِضَاهُ أَو يفْسد اخْتِيَاره مَعَ بَقَاء أَهْلِيَّته
والتسخير: هُوَ الْقَهْر على الْفِعْل، وَهُوَ أبلغ من الْإِكْرَاه، فَإِنَّهُ حمل الْغَيْر على الْفِعْل بِلَا إِرَادَة مِنْهُ، كحمل الرَّحَى على الطَّحْن
الْإِكْمَال: هُوَ بُلُوغ الشَّيْء إِلَى غَايَة حُدُود فِي قدر أَو عد حسا أَو معنى
أكننت الشَّيْء: أضمرته؛ وَيسْتَعْمل فِي الشَّيْء الَّذِي يخفيه الْإِنْسَان ويستره عَن غَيره، وَهُوَ ضد أعلنت وأظهرت
وكننت الشَّيْء: صنته حَتَّى لَا تصيبه آفَة، وَإِن لم يكن مَسْتُورا؛ يُقَال: (در مَكْنُون) و (جَارِيَة مكنونة)
أكبرته: أعظمته؛ وَأنكر الزّجاج تَفْسِير {أكبرنه} بِالْحيضِ، لِأَنَّهُ عداهُ إِلَى الضَّمِير [نوع]
{أكاد أخفيها} لَا أظهر عَلَيْهَا أحدا غَيْرِي
{أكرمي مثواه} : اجعلي مقَامه عندنَا كَرِيمًا حسنا وَالْمعْنَى: أحسني تعهده
{وأكدى} : كدره بمنه أَو قِطْعَة
{أكواب} : أَبَارِيق بِلَا عُرْوَة
{أكفلنيها} : ملكنيها، وَحَقِيقَته: اجْعَلنِي أكفلها
{من الْجبَال أكنانا} : مَوَاضِع تستكنون بهَا من الكهوف والبيوت المنحوتة فِيهَا، من (الْكن) وَهُوَ الستْرَة
{الأكمام} : أوعية الثَّمر
{أكله} : ثمره وَمَا يُؤْكَل مِنْهُ.
[اكنة: أغطيه
{رَبِّي أكرمن} : فضلني بِمَا أَعْطَانِي]
(فصل الْألف وَاللَّام)
[الم] : كل سُورَة استفتحت ب (الم) فَهِيَ مُشْتَمِلَة على مبدأ الْخلق ونهايته والتوسط بَينهمَا من التشريع بالأوامر والنواهي، وَهَذَا وَسَائِر حُرُوف الهجاء فِي أَوَائِل السُّور إِمَّا أَسمَاء للسور أَو أَقسَام أَو حُرُوف مَأْخُوذَة من صِفَات الله تَعَالَى وَلَا يجوز إِعْرَاب فواتح السُّور إِذا قُلْنَا بِأَنَّهَا من الْمُتَشَابه الَّذِي اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ وَفِي " التَّيْسِير " أَن كل حرف من المقطعات فِي الْقُرْآن إِشَارَة إِلَى أَمر جليل الْخطر(1/163)
عَظِيم الْقدر من بَيَان مُنْتَهى ملك تِلْكَ الْأمة وَظُهُور الْحق فيهم وَعدد أئمتهم وخلفائهم، وَعدد الْبِقَاع الَّتِي يبلغ دولة الْإِسْلَام بهَا
[الْأَلِيم] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن أَلِيم فَهُوَ الموجع
[الَّذِي وَالَّذين] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الَّذِي وَالَّذين يجوز فِيهِ الْوَصْل بِمَا قبله نعتا وَالْقطع على أَنه خبر إِلَّا فِي سَبْعَة مَوَاضِع، فَإِنَّهُ تعين فِيهَا الِابْتِدَاء بهما، كَمَا تقرر فِي علمه
[الْأَدِلَّة] : كل اسْم اشتق من فعل إسماً لِأَن يستعان بِهِ فِي ذَلِك الْفِعْل فَهُوَ الْأَدِلَّة.
[الْآل] : كل من يؤول إِلَى الرئيس فِي خَيرهمْ وشرهم، أَو يؤولون إِلَى خَيره وشره فَهُوَ الْآل، وَالْقَوْم أَعم مِنْهُ، لِأَن كل من يقوم الرئيس بأمرهم أَو يقومُونَ بِأُمِّهِ فَهُوَ الْقَوْم
[ال التَّعْرِيف ودخولها على مَا أَوله لَام] : كل اسْم كَانَ أَوله لاما ثمَّ أدخلت عَلَيْهِ لَام التَّعْرِيف فَإِنَّهُ يكْتب بلامين نَحْو: (اللَّحْم وَاللَّبن واللجام) إِلَّا (الَّذِي وَالَّتِي) لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَإِذا ثنيت (الَّذِي) تكتبه بلامين، وَإِذا جمعته فبلام وَاحِدَة
وَأما (التان والاتي والائي) فكله يكْتب بلام وَاحِدَة، وَإِنَّمَا كتبُوا (الَّذِي) بلام وَاحِدَة وَلَفْظَة (الله) بلامين مَعَ استوائهما فِي لُزُوم التَّعْرِيف وَغَيره، لِأَن قَوْلنَا (الله) معرف متصرف تصرف الْأَسْمَاء فأبقوا كتباته على الأَصْل، و (الَّذِي) مَبْنِيّ لأجل أَنه نَاقص، إِذْ لايفيد إِلَّا مَعَ صلته فَهُوَ كبعض الْكَلِمَة، وَبَعض الْكَلِمَة يكون مُبينًا؛ وَإِنَّمَا كتبوها فِي التَّثْنِيَة لِأَن التَّثْنِيَة أخرجته عَن مشابهة الْحَرْف فَإِن الْحَرْف لَا يثنى، وَلَا التباس فِي ترك اللَّام الْوَاحِدَة فِي (الَّذِي) وَلَا تفخيم لَهُ فِي الْمَعْنى، بِخِلَاف لَفْظَة (الله) ، فَترك تفخيمه فِي الْخط
وَأَسْمَاء الله تَعَالَى التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ تذكر بِالْألف والام وَإِن لم يَكُونَا من نفس الْكَلِمَة
وَقد أنكر بعض الْمَشَايِخ على من يكْتب أَو يذكر اسْما من أَسمَاء الله مُنْكرا، وحاشا الله أَن يكون اسْمه نكرَة
وَاخْتلفُوا فِي (اللَّيْل) و (اللَّيْلَة) فَكتب بَعضهم بلام وَاحِدَة اتبَاعا للمصحف
وكل شَيْء مِنْهَا إِذا دخلت عَلَيْهِ لَام الْإِضَافَة يكْتب بلامين وتحذف وَاحِدَة استثقالا لِاجْتِمَاع ثَلَاث لامات
و (الَّذِي) يَصح للعاقل وَغَيره، وَكَذَا الْمثنى؛ و (الَّذين) لَا يسْتَعْمل إِلَّا للعقلاء خَاصَّة وَيجوز التَّعْبِير بِلَفْظ (الَّذِي) عَن الْجمع لأَنهم جوزوا فِي الموصولات وَأَسْمَاء الإشارات مَا لم يجوزوا فِي أَسمَاء الْأَجْنَاس، فيراد بالمفرد مِنْهَا مَا يُرَاد بالتثنية وَالْجمع، وبالمذكر مَا يُرَاد بالمؤنث، وَإِنَّمَا لم يعرب (الَّذِي) لِأَنَّهُ مَوْصُول لَا يتم إِلَّا بصلته، وَلَا إِعْرَاب إِلَّا لتَمام الْكَلِمَة فِي آخِره
وأعرب التَّثْنِيَة لتحَقّق معنى الِاسْم فِيهِ
وَلَيْسَ (اللَّذَان) و (التان) تَثْنِيَة (الَّذِي) و (الَّتِي) على حد لَفْظهمَا، إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لقالوا: (اللذيان) و (التيان) وَإِنَّمَا هما صيغتان مرتجلتان للتثنية
وَلَيْسَ (الَّذين) جمع (الَّذِي) الْمُصَحح بل ذُو زِيَادَة زيدت لزِيَادَة الْمَعْنى وَلذَلِك جَاءَ بِالْيَاءِ أبدا فِي اللُّغَة الفصيحة الَّتِي عَلَيْهَا التَّنْزِيل
و (الَّذِي) تدخل على الْجُمْلَة الاسمية والفعلية و (ال) لَا تدخل إِلَّا على الْجُمْلَة المصدرة بِفعل(1/164)
متصرف مُثبت و (أولاء) كلمة مَعْنَاهَا الْكِنَايَة عَن جمَاعَة نَحْو (هم) جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه بني على الْكسر وَالْكَاف الْمُتَّصِل بِهِ للخطاب
و (اللائي) : وَاحِدهَا (الَّتِي) و (الَّذِي) جَمِيعًا، و (اللَّاتِي) : وَاحِدهَا (الَّتِي) وَقيل هِيَ جمع (الَّتِي) بِحَسب الْمَعْنى دون اللَّفْظ، وَقيل جمع على غير قِيَاس
فِي " أدب الْكَاتِب " وَغَيره: (أولي) بِمَعْنى (الَّذين) واحده (الَّذِي) و (أولو) بِمَعْنى أَصْحَاب واحده (ذُو) و (أولات) وَاحِدهَا (ذَات) وَقَالَ الْكسَائي: من قَالَ فِي الْإِشَارَة: (أولاك) فواحده (ذَاك) وَمن قَالَ: (أُولَئِكَ) فواحده (ذَلِك)
و (بعد التيا وَالَّتِي) : مَعْنَاهُ بعد الخطة الَّتِي من فظاعة شَأْنهَا كَيْت وَكَيْت، وَإِنَّمَا حذفوا ليوهم أَنَّهَا بلغت من الشدَّة مبلغا تقاصرت الْعبارَة عَن كنهه
الْألف وَاللَّام: هِيَ مَتى أطلقت إِنَّمَا يُرَاد بهَا الَّتِي للتعريف، وَإِذا أُرِيد غَيرهَا قيد بالموصولية والزائدة وَكَذَلِكَ التَّنْوِين فَإِنَّهُ مَتى أطلق إِنَّمَا يُرَاد بِهِ الصّرْف وَإِذا أُرِيد بِهِ غَيره قيد بتنوين التنكير والمقابلة والعوض
وَإِذا دخل الْألف وَاللَّام فِي إسم فَردا كَانَ أَو جمعا وَكَانَ ثمَّة مَعْهُود يصرف إِلَيْهِ إِجْمَاعًا، وَإِن لم يكن ثمَّة مَعْهُود يحمل على الِاسْتِغْرَاق عِنْد الْمُتَقَدِّمين وعَلى الْجِنْس عِنْد الْمُتَأَخِّرين، إِلَّا أَن الْمقَام إِذا كَانَ خطابيا يحمل على كل الْجِنْس وَهُوَ الِاسْتِغْرَاق، وَإِذا كَانَ الْمقَام استدلاليا أَو لم يُمكن حمله على الِاسْتِغْرَاق يحمل على أدنى الْجِنْس حَتَّى يبطل الجمعية وَيصير مجَازًا عَن الْجِنْس، فَلَو لم نصرفه إِلَى الْجِنْس وأبقيناه على الجمعية يلْزم إِلْغَاء حرف التَّعْرِيف من كل وَجه، إِذْ لَا يُمكن حمله على بعض أَفْرَاد الْجمع لعدم الْأَوْلَوِيَّة، إِذْ التَّقْدِير (أَن لَا عهد) فَتعين أَن يكون للْجِنْس، فَحِينَئِذٍ لَا يُمكن القَوْل بتعريف الْجِنْس مَعَ بَقَاء الجمعية، لِأَن الْجمع وضع لأفراد الْمَاهِيّة لَا للماهية من حَيْثُ هِيَ، فَيحمل على الْجِنْس بطرِيق الْمجَاز
وَاعْلَم أَن (أل) التَّعْرِيف إِمَّا عهدية وَإِمَّا جنسية
فالعهدية: إِمَّا أَن يكون مصحوبها معهودا ذكريا نَحْو: {فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زجاجة الزجاجة كَأَنَّهَا كوب} أَو ذهنيا نَحْو: {إِذْ هما فِي الْغَار} أَو حضوريا نَحْو {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
والجنسية: إِمَّا الِاسْتِغْرَاق الْأَفْرَاد، وَهِي الَّتِي تخلفها (كل) حَقِيقَة نَحْو: {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} وَمن دلائلها صِحَة الإستثناء من مدخولها نَحْو: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا} وَوَصفه بِالْجمعِ نَحْو: (أَو الطِّفْل(1/165)
الَّذين لم يظهروا} وَإِمَّا لاستغراق خَصَائِص الْأَفْرَاد وَهِي الَّتِي تخلفها (كل) مجَازًا نَحْو: {ذَلِك الْكتاب} أَي الْكتاب الْكَامِل فِي الْهِدَايَة الْجَامِع لصفات جَمِيع الْكتب الْمنزلَة وخصائصها. وَأما لتعريف الْمَاهِيّة والحقيقة وَالْجِنْس، وَهِي الَّتِي لَا تخلفها (كل) لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا نَحْو: {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ}
وَقد تَجِيء الْألف وَاللَّام فِي كَلَام الْعَرَب على معَان غير الْمعَانِي الْأَرْبَعَة الْمَشْهُورَة كالتعظيم نَحْو: (الْحسن) ، والتزيين والتحسين نَحْو: (الَّذِي وَالَّتِي)
وَقد يُرَاد من مدخولها مُجَرّد شهرته بَين النَّاس، وَذَلِكَ إِذا كَانَ خَبرا لمبتدأ نَحْو: (ووالدك العَبْد) أَي ظَاهر أَنه على هَذِه الصّفة مَعْرُوف بِهِ
وَالْألف وَاللَّام تلْحق الْآحَاد بِالْجمعِ وَالْجمع بالآحاد ذكره النَّيْسَابُورِي [رَحمَه الله وَغَيره]
وَكَون الْألف وَاللَّام عوضا من الْمُضَاف إِلَيْهِ مَذْهَب الْكُوفِيّين، وَالصَّوَاب أَن اللَّام تغني عَن الْإِضَافَة فِي الْإِشَارَة إِلَى الْمَعْهُود، وَإِذا دخلت على اسْم الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول كَانَت بِمَعْنى (الَّذِي وَالَّتِي) لَا للْعهد
وَتدْخل الْألف وَاللَّام فِي الْعدَد الْمركب على الأول نَحْو: (الثَّالِث عشر) ، وَفِي الْعدَد الْمُضَاف على الثَّانِي نَحْو: (خَمْسمِائَة الْألف) ، وَعَلَيْهِمَا فِي الْعدَد الْمَعْطُوف نَحْو قَوْله:
(إِذا الْخمس وَالْخمسين جَاوَزت فَارْتَقِبْ)
وَإِنَّمَا تدخل على الأول فِي الْعدَد الْمركب لِأَن الاسمين إِذا ركبا نزلا منزلَة الِاسْم الْوَاحِد، وَالِاسْم الْوَاحِد يلْحق لَام التَّعْرِيف بأوله
إِلَّا: مشدودة حرف مَحْض و (غير) و (سوى) و (سَوَاء) اسْم مَحْض و (لَيْسَ) و (لَا يكون) و (مَا خلا) و (مَا عدا) فعل مَحْض
وَمعنى الْمُغَايرَة فِي: (غير) و (سوى) و (لَا سِيمَا)
وَمعنى النَّفْي فِي: (لَيْسَ) وَفِي (لَا يكون)
وَمعنى الْمُجَاوزَة فِي: (خلا) و (عدا)
وَمعنى التَّنْزِيه فِي: (حاشى)
وَمعنى التّرْك فِي: (بله)
و (غير) : يسوغ إِقَامَتهَا مقَام (إِلَّا) والإسم الْوَاقِع بعد (غير) لَا يَقع أبدا إِلَّا مجرورا بِالْإِضَافَة، وَضمير الْمَجْرُور لَا يكون إِلَّا مُتَّصِلا، وَلِهَذَا امْتنع أَن يفصل بَينهمَا، وَلَيْسَ كَذَلِك الِاسْم الْوَاقِع بعد (إِلَّا) لِأَنَّهُ يَقع إِمَّا مَنْصُوبًا أَو مَرْفُوعا، وَكِلَاهُمَا يجوز أَن يفصل بَينه وَبَين الْعَامِل نَحْو: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا} نصب مَا بعْدهَا بهَا و {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل} رفع مَا بعْدهَا على أَنه بدل بعض
نقل عَن الْآمِدِيّ أَنَّك إِذا قلت: (لَا رجل فِي الدَّار إِلَّا عمرا) كَانَ نصب (عَمْرو) على الِاسْتِثْنَاء أحسن من رَفعه على الْبَدَل، وَقد قَالُوا: إِذا لم تحصل الْمُشَاركَة فِي الِاتِّبَاع كَانَ النصب على الِاسْتِثْنَاء أولى
فِي " الْمِيزَان ": الْمُسْتَثْنى بإلا على ثَلَاثَة أضْرب: مَنْصُوب أبدا وَهُوَ مَا اسْتثْنى من كَلَام مُوجب نَحْو: (جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا) وَمَا قدم على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ(1/166)
نَحْو: (مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد) ، وَمَا كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ مُنْقَطِعًا نَحْو: (مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا حمارا)
وَالثَّانِي: جَازَ فِيهِ الْبَدَل وَالنّصب، وَهُوَ الْمُسْتَثْنى من كَلَام غير مُوجب نَحْو: (مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وَإِلَّا زيدا)
وَالثَّالِث: جَار على إعرابه قبل دُخُول (إِلَّا) [وَالْمُخْتَار مَعَ الْفَصْل الْكثير بَين الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ النصب على الِاسْتِثْنَاء صرح بِهِ فِي " التسهيل " وَوَافَقَهُ الرضي]
و (إِلَّا) يخرج مَا بعْدهَا مِمَّا أَفَادَهُ الْكَلَام الَّذِي قبلهَا فِي الْكَلَام التَّام الْمُوجب، وَكَذَا فِي غير الْمُوجب، وَمن ثمَّة كَانَ تركيب مثل: (مَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا) مُفِيدا للحصر مَعَ أَنَّهَا للاستثناء أَيْضا لِأَن الْمَذْكُور بعد (إِلَّا) لَا بُد أَن يكون مخرجا من شَيْء قبلهَا، فَإِن كَانَ مَا قبلهَا تَاما لم يحْتَج إِلَى تَقْدِير، وَإِلَّا فَيتَعَيَّن تَقْدِير شَيْء قبل (إِلَّا) ليحصل الْإِخْرَاج مِنْهُ، لَكِن إِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّقْدِير لتصحيح الْمَعْنى، فَعلم مِنْهُ أَن الْمَقْصُود فِي الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ بتام إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات الحكم الْمَنْفِيّ قبل (إِلَّا) لما بعْدهَا، وَأَن الِاسْتِثْنَاء لَيْسَ بمقصود، وَلِهَذَا اتّفق النُّحَاة على أَن الْمَذْكُور بعد (إِلَّا) فِي نَحْو: (مَا قَامَ إِلَّا زيد) مَعْمُول لِلْعَامِلِ الَّذِي قبلهَا
وَإِلَّا: تنقل الْكَلَام من الْعُمُوم إِلَى الْخُصُوص ويكتفى بهَا من ذكر الْمُسْتَثْنى مِنْهُ إِذا قلت: (مَا قَامَ إِلَّا زيد) فَكَانَت هِيَ الأَصْل فِي الِاسْتِثْنَاء
والا الاستثنائية: قد تكون عاطفة بِمَنْزِلَة الْوَاو فِي التَّشْرِيك كَقَوْلِه تَعَالَى: {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا} أَي: وَلَا الَّذين ظلمُوا
وَتَكون بِمَعْنى (بل) نَحْو: {إِلَّا تذكرة لمن يخْشَى}
وَبِمَعْنى (لَكِن) نَحْو {لست عَلَيْهِم بمسيطر إِلَّا من تولى وَكفر} وَنَحْو: {إِلَّا مَا اضطررتم} وَتَكون صفة بِمَعْنى (غير) فيوصف بهَا أَو بتاليها جَمِيعًا جمع مُنكر أَو شبه نَحْو: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} أَو شَبيهَة وَالْمرَاد بشبه الْجمع الْمُنكر الْجمع الْمُعَرّف بلام الْجِنْس والمفرد غير الْمُخْتَص بِوَاحِد وَكَون (إِلَّا) فِي هَذِه الْآيَة للاستثناء غير صَحِيح من جِهَة اللَّفْظ وَالْمعْنَى، إِذْ الْمَعْنى حِينَئِذٍ (لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة لَيْسَ فيهم الله لفسدتا) وَهُوَ بَاطِل بِاعْتِبَار مَفْهُومه، وَأما اللَّفْظ فَلِأَن (آلِهَة) جمع مُنكر فِي الْإِثْبَات فَلَا عُمُوم لَهُ فَلَا يَصح الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ، [وَحكم ابْن الْحَاجِب بِضعْف (إِلَّا) بِمَعْنى (غير) غير مَا إِذا كَانَت تَابِعَة بِجمع منكور غير محصورة] وَقد يَجِيء بِمَعْنى (بدل) وَعَلِيهِ خرج ابْن الصَّائِغ أَي (بدل الله) أَو (عوضه) فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ
وَقد يذكر (إِلَّا) وَيُرَاد بِهِ تَأْكِيد الأول بتعليق الثَّانِي بِعَدَمِ الأول، كَقَوْل الإِمَام للمرتد: (تب وَإِلَّا قتلناك)
وَيذكر وَيُرَاد بِهِ التَّخْيِير، كَمَا يُقَال: (اركب هَذِه الدَّابَّة وَإِلَّا هَذِه الدَّابَّة)
وَيَجِيء بِمَعْنى (إِمَّا) كَمَا فِي قَوْلهم: (إِمَّا أَن(1/167)
تكلمني وَإِلَّا فَاذْهَبْ) أَي وَإِمَّا أَن تذْهب وَقد تكون زَائِدَة
[و (إِلَّا) فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قيل بِمَعْنى (سوى) كَقَوْلِه: (عَليّ ألف إِلَّا الألفان القديمان) وَالْمعْنَى سوى مَا شَاءَ رَبك من الزِّيَادَة الَّتِي لَا آخر لَهَا على مُدَّة بَقَاء السَّمَاوَات وَالْأَرْض]
و (إِلَّا) و (الْوَاو) الَّتِي بِمَعْنى (مَعَ) كل وَاحِدَة مِنْهَا يعدى الْفِعْل الَّذِي قبلهَا إِلَى الِاسْم الَّذِي بعْدهَا مَعَ ظُهُور النصب فِيهِ
[وَقد يكون للشّرط كَمَا فِي قَوْله:
(وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان)
أَي: إِن لم يُوجد الفرقدان لَكَانَ كل أَخ مفارق أَخِيه، فَلَا شذوذ فِي الْبَيْت على هَذَا الْوَجْه] أَلا بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد: حرف تحضيض مُخْتَصّ بِالْجُمْلَةِ الفعلية الخبرية
وبالكسر وَالتَّشْدِيد مَعَ التَّنْوِين: بِمَعْنى الْعَهْد، وَالْحلف، والقرابة، وَالْأَصْل، والجيد، وَالْجَار، والمعدن، والحقد، والعداوة، والربوبية، وَالْوَحي، والأمان
أَلا أَن: هِيَ مَتى دخلت على مَا يقبل التَّوْقِيت تجْعَل غَايَة نَحْو: {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} أَي: حَتَّى، دلّ عَلَيْهِ قِرَاءَة (إِلَى أَن تقطع) وَمَتى دخلت على مَا لَا يقبل التَّوْقِيت، وَهُوَ أَن يكون فعلا لَا يَمْتَد ك (إِلَّا أَن يقدم فلَان) تجْعَل شرطا بِمَنْزِلَة (إِن) لما بَين الْغَايَة وَالشّرط من الْمُنَاسبَة، وَهِي أَن حكم مَا بعد كل مِنْهُمَا يُخَالف حكم مَا قبله
أَلا: تَأتي حرف استفتاح ك (أما) لَكِن يتَعَيَّن كسر (إِن) بعد (أَلا) ، وَيجوز الْفَتْح وَالْكَسْر بعد (أما) كالواقعة بعد (إِذْ)
وَتَأْتِي للتّنْبِيه، وتفيد التَّحْقِيق لتركبها من همزَة الِاسْتِفْهَام الَّتِي هِيَ الْإِنْكَار وحرف النَّفْي الَّذِي لإِفَادَة التَّنْبِيه على تَحْقِيق مَا بعده، فَإِن إِنْكَار الشَّيْء تَحْقِيق للإثبات لكنهما بعد التَّرْكِيب صارتا كلمتي تَنْبِيه يدخلَانِ على مَا لَا يجوز أَن يدْخل عَلَيْهِ حرف النَّفْي
وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن لَا تركيب فيهمَا، نظيرهما الْهمزَة الدَّاخِلَة على (لَيْسَ) فِي كَونهَا لتحقيق مَا بعْدهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر}
وَتَكون للتوبيخ وَالْإِنْكَار والاستفهام عَن النَّفْي وللعرض والتحضيض
وَتَكون اسْما بِمَعْنى (النِّعْمَة) وَالْجمع (آلَاء) ، وفعلا مَاضِيا بِمَعْنى (قصر) أَو اسْتَطَاعَ)
إِلَى: هِيَ نقيضة (من) لِأَنَّهَا بِإِزَاءِ طرف (من) فِي " الْمُفْردَات ": حرف لتحديد النِّهَايَة من الجوانب السِّتَّة وَلكنهَا لَا تخْتَص بِالْمَكَانِ كَمَا اخْتصّت (من)
وَفِي التَّنْزِيل: {وَالْأَمر إِلَيْك} {وَإِلَى الله الْمصير}(1/168)
وَإِلَى الزمانية، نَحْو: {أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل}
والمكانية، {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} وَتَكون بِمَعْنى (مَعَ) وَهُوَ قَلِيل وَعَلِيهِ {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} وَالتَّحْقِيق أَنه يحمل على التَّضْمِين أَي: (مُضَافَة إِلَى الْمرَافِق) و (ضامين إِلَى أَمْوَالكُم
وَتَكون بِمَعْنى الظّرْف ك (فِي) نَحْو: {ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة}
وَإِذا دخلت على ظَاهر أبقيت ألفها إِذْ الأَصْل فِي الْحُرُوف أَلا يتَصَرَّف فِيهَا
وَإِذا دخلت على مُضْمر قلبت ألفها يَاء حملا على (على) و (لَدَى) فَإِنَّهُمَا لَا تنفكان عَن الْإِضَافَة
وَإِلَى بِمَعْنى على كَمَا فِي حَدِيث: " من ترك كلا وعيالا فَإِلَيَّ "
وَإِلَى وَاللَّام يتعاقبان نَحْو: {وأوحي إِلَى نوح} {أوحى لَهَا} و (إِلَيْك كَذَا) : أَي خُذْهُ
و (اذْهَبْ إِلَيْك) : أَي اشْتغل بِنَفْسِك
و (إِلَيْك عني) : أَي أمسك عني وكف وأصل (إِلَيْك) (إلاك) قلبت الْألف يَاء فرقا بَين الْإِضَافَة إِلَى المكنى وَغَيره
الِالْتِفَات: هُوَ نقل الْكَلَام من أسلوب إِلَى آخر، أَعنِي من التَّكَلُّم أَو الْخطاب أَو الْغَيْبَة إِلَى آخر مِنْهَا بعد التَّعْبِير الأول، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور
مِثَاله من التَّكَلُّم إِلَى الْخطاب قَوْله: {وأمرنا لنسلم لرب الْعَالمين وَأَن أقِيمُوا الصَّلَاة} وَمن التَّكَلُّم إِلَى الْغَيْبَة نَحْو: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله} وَمن الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة نَحْو: {ادخُلُوا الْجنَّة أَنْتُم وأزواجكم تحبرون يُطَاف عَلَيْهِم}
وَمن الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم نَحْو: {وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا وزينا}
وَمن الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب نَحْو: {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا} وَقَوله تَعَالَى: (إِن الْإِنْسَان لرَبه لكنود، وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد، وَإنَّهُ لحب(1/169)
الْخَيْر لشديد} يحسن أَن يُسمى الْتِفَات الضمائر، قَالَه ابْن أبي الْأصْبع، وَلم يَقع فِي الْقُرْآن مِثَال من الْخطاب إِلَى التَّكَلُّم، [وَفِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى} إِلَى قَوْله: {إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} أَربع: الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم إِلَى قَوْله (باركنا) ، وَفِي قِرَاءَة (ليريه) بالغيبة من التَّكَلُّم إِلَى الْغَيْبَة وَفِي (آيَاتنَا) بِالْعَكْسِ، وَفِي (إِنَّه) كالمعكوس
وَمن شَرط الِالْتِفَات أَن يكون الضَّمِير فِي الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَائِدًا فِي نفس الْأَمر إِلَى الْمُنْتَقل عَنهُ، وَأَن يكون فِي جملتين]
وَلَا الْتِفَات فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة كَمَا ظن، لِأَن الْمَوْصُول مَعَ صلته كاسم وَاحِد فَلَا يجْرِي عَلَيْهِ حكم الْخطاب بِإِدْخَال (يَا) عَلَيْهِ، إِلَّا بعد ارتباط الصِّلَة بِهِ وعود ضمير الصِّلَة إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي هَذِه الْحَالة غَائِب، إِذْ الِاسْم الظَّاهِر من قبيل الْغَيْب مَا لم يدْخل عَلَيْهِ مَا يُوجب الْخطاب، فَمُقْتَضى الظَّاهِر أَن يكون الضَّمِير الْعَائِد إِلَيْهِ من الصِّلَة ضمير غيبَة، فلاحقه مُوَافق لسابقه؛ والالتفات لَا بُد فِيهِ من الْمُخَالفَة بَينهمَا، وَكَذَا الِالْتِفَات بَين (الَّذين آمنُوا) وَبَين (إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة) لِأَن الْمَوْصُول مَعَ صلته لما صَار بورود حرف الْخطاب عَلَيْهِ معنى مُخَاطبا اقْتضى الظَّاهِر أَن يكون الْعَائِد إِلَيْهِ فِي هَذِه الْحَالة ضمير خطاب ليُوَافق سابقه فِي الْخطاب والتجريد، بِجَامِع الْكِنَايَة، دون الِالْتِفَات، لِأَن الِالْتِفَات يَقْتَضِي اتِّحَاد الْمَعْنيين، والتجريد يغايرهما؛ وَلِأَن التَّجْرِيد مِمَّا يتَعَلَّق بِمَفْهُوم اللَّفْظ
والالتفات: نقل الْكَلَام من أسلوب إِلَى أسلوب وَهُوَ نقل معنوي لَا لَفْظِي فَقَط فبينهما عُمُوم وخصوص وَجْهي، وَكَذَا وضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر وَبِالْعَكْسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِالْتِفَات
والعدول من أسلوب إِلَى آخر أَعم من الِالْتِفَات، كَمَا فِي الرّفْع وَالنّصب المعدول إِلَيْهِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ عَامل المنعوت، وسنشبعك من الْبَيَان فِي بحث " التَّجْرِيد " إِن شَاءَ الله تَعَالَى
[وَمن الِالْتِفَات نقل الْكَلَام من خطاب الْوَاحِد إِلَى الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَالُوا أجئتنا لتلفتنا} إِلَى قَوْله: {وَتَكون لَكمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْض}
وَإِلَى الْجمع، نَحْو: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء}
وَمن الِاثْنَيْنِ إِلَى الْوَاحِد، نَحْو: {فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى}
وَإِلَى الْجمع، نَحْو: {وأوحينا إِلَى مُوسَى وأخيه أَن تبوأا}
وَمن الْجمع إِلَى الْوَاحِد، نَحْو: {أقِيمُوا الصَّلَاة وَبشر الْمُؤمنِينَ}
وَإِلَى الِاثْنَيْنِ نَحْو: (يَا معشر الْجِنّ(1/170)
وَالْإِنْس} إِلَى قَوْله: {تُكَذِّبَانِ} ]
الْآل: هُوَ جمع فِي الْمَعْنى فَرد فِي اللَّفْظ يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على ثَلَاثَة معَان: أَحدهَا: الْجند والأتباع نَحْو (آل فِرْعَوْن)
وَالثَّانِي: النَّفس نَحْو (آل مُوسَى) و (آل هرون) و (آل نوح)
وَالثَّالِث: أهل الْبَيْت خَاصَّة نَحْو: (آل مُحَمَّد) وَرُوِيَ أَن الْحسن كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ صل على ألى مُحَمَّد، أَي على شخصه، وَآل إِبْرَاهِيم: اسماعيل واسحاق وأولادهما، وَقد دخل فيهم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَآل عمرَان: مُوسَى وَهَارُون ابْنا عمرَان بن يصهر ابْن يافث بن لاوي بن يَعْقُوب أَو عِيسَى وَأمه مَرْيَم بنت عمرَان إِلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَى يهودا ابْن يَعْقُوب
وَاصل آل: أهل، كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ صَاحب " الْكَشَّاف " أَو من (آل يؤول) إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ بِقرَابَة أَو رَأْي أَو نَحْوهمَا كَمَا هُوَ رَأْي الْكسَائي، وَرجحه بعض الْمُتَأَخِّرين
وعَلى كل من التَّقْدِيرَيْنِ قد دلّت الْأَحَادِيث على أَن آل مُحَمَّد مَخْصُوص بمستحقي خمس الْخمس الَّذين حرمت عَلَيْهِم الصَّدَقَة، وهم بَنو هَاشم فَقَط، هَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَأهل بَيت النَّبِي: فَاطِمَة، وَعلي، وَالْحسن وَالْحُسَيْن رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لف عَلَيْهِ كسَاء وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي
والمتبادر إِلَى الذِّهْن عِنْد الْإِطْلَاق هم مَعَ أَزوَاجه وَقد نظمت فِيهِ:
(حَقًا بَنو هَاشم آل الرَّسُول فَقَط ... عِنْد الإِمَام فَكُن فِي أَمرهم عسا)
(أما عَليّ وإبناه وَفَاطِمَة ... من أهل بَيت عَلَيْهِم كَانَ لف كسا)
(لَا منع من دَاخل فِي حق خَارِجَة ... وَالنَّص لَا يَقْتَضِي أَن لَيْسَ مِنْهُ نسا)
والآل عرفا: هم الْمُؤْمِنُونَ من هَذِه الْأمة، أَو الْفُقَهَاء الْعَامِلُونَ مِنْهُم، فَلَا يُقَال (الْآل) على المقلدين كَمَا فِي " الْمُفْردَات "
وَآل النَّبِي من جِهَة النّسَب: أَوْلَاد عَليّ وَعقيل وجعفر وَالْعَبَّاس
وَمن جِهَة الدّين: كل مُؤمن تَقِيّ، كَذَا أجَاب رَسُول الله حِين سُئِلَ عَن الْآل
قَالَ بَعضهم: الْآل هم المختصون بِالْقربِ مِنْهُ قرَابَة أَو صُحْبَة أَو خلَافَة عَنهُ فِي مواريثه العلمية والعملية والحالية، وهم ثَلَاثَة أَصْنَاف: صنف مِنْهُم آله صُورَة وَمعنى، وَهُوَ خَلِيفَته وَالْإِمَام الْقَائِم مقَامه حَقِيقَة
وصنف مِنْهُم آله معنى لَا صُورَة، كَسَائِر الْأَوْلِيَاء الَّذين هم أهل الْكَشْف وَالشُّهُود
وصنف مِنْهُم آله صُورَة طينية لَا معنى، كمن صحت نسبته الطينية والعنصرية إِلَيْهِ، وَهَذَا الصِّنْف هم السادات والشرفاء، وَقد نظمت فِيهِ:
(من خص بِالْقربِ مِمَّن قد علا نسبا ... قرب الْقَرَابَة كالسادات والشرفا)
(قرب الْخلَافَة أَو قرب مصاحبة ... كالأولياء وَمن فِي الْعدْل كالخلفا)
قيل لجَعْفَر الصَّادِق: إِن النَّاس يَقُولُونَ: إِن الْمُسلمين كلهم آل النَّبِي فَقَالَ: صدقُوا وكذبوا(1/171)
فَقيل لَهُ: مَا معنى ذَلِك؟ فَقَالَ: كذبُوا فِي أَن الْأمة كَافَّة هم آله، وَصَدقُوا إِذا قَامُوا بشرائط شَرِيعَته هم آله
وَبَين الْآل والصحب عُمُوم وخصوص من وَجه، فَمن اجْتمع بِالنَّبِيِّ من أَقَاربه الْمُؤمنِينَ فَهُوَ من الْآل والصحب، وَمن لم يجْتَمع بِهِ مِنْهُم فَهُوَ من الْآل فَقَط، وَمن اجْتمع بِهِ من غير الْقَرَابَة بِشَرْط كَونه مُؤمنا بِهِ فَهُوَ من الصحب فَقَط
قَالَ بَعضهم: إِضَافَة الْآل إِلَى الضَّمِير قَليلَة أَو غير جَائِزَة، وَالصَّحِيح جَوَاز ذَلِك
وَلَا يسْتَعْمل مُفردا غير مُضَاف إِلَّا نَادرا
وَيخْتَص بالأشراف دنيويا كَانَ أَو أخرويا من الْعُقَلَاء الذُّكُور، فَلَا يُقَال: (آل الإسكاف) وَلَا (آل فَاطِمَة) وَلَا (آل مَكَّة) ، وَعَن الْأَخْفَش أَنهم قَالُوا: (آل الْمَدِينَة) و (آل الْبَصْرَة)
اللَّهُمَّ: كلمة تسْتَعْمل فِيمَا إِذا قصد اسْتثِْنَاء أَمر نَادِر مستبعد، كَأَنَّهُ يستعان بِاللَّه تَعَالَى فِي تَحْصِيله
حذف حرف النداء وَأخر مَا عوض عَنهُ من الْمِيم الْمُشَدّدَة تبركا بِالِابْتِدَاءِ باسمه سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال من كلمة (يَا) الْمَوْضُوعَة للبعيد، مَعَ أَنه أقرب قرب علم أَلا إِنَّه بِكُل شَيْء مُحِيط
وأصل اللَّهُمَّ: يَا الله، وَهُوَ قَول أهل الْبَصْرَة فتمحض ذكرا، و (يَا الله أمنا بِخَير) ، أَي: اقصدنا بِخَير، وَهُوَ قَول أهل الْكُوفَة فَلم يَك تَعْظِيمًا خَالِصا
وَاخْتلف فِي لَفْظَة الْجَلالَة على عشْرين قولا، أَصَحهَا أَنه علم [لذاته الْمَخْصُوص جزئي الْمَفْهُوم، فَلَيْسَ لَهُ مَاهِيَّة كُلية، لِئَلَّا يلْزم أَن يكون وجود الْبَارِي مُمْتَنعا إِذا كَانَ وجود بَاقِي الْأَفْرَاد أنفس الْمَاهِيّة، وَأَن يكون وجود الْأَفْرَاد الْبَاقِيَة مُمكنا بِالذَّاتِ، مُمْتَنعا بِالْغَيْر إِذا كَانَ لغير الْمَاهِيّة فَإِنَّهُمَا محَال، و] غير مُشْتَقّ، على مَا هُوَ اخْتِيَار الْمُحَقِّقين، لاستلزام الِاشْتِقَاق أَن يكون الذَّات بِلَا مَوْصُوف، لِأَن سَائِر الْأَسَامِي الْحَقِيقِيَّة صِفَات، وَهَذَا إِذا كَانَ مشتقا يلْزم أَن يكون صفة وَلَيْسَ مَفْهُومه المعبود بِالْحَقِّ كالإله ليَكُون كليا بل هُوَ اسْم للذات الْمَخْصُوص المعبود بِالْحَقِّ الدَّال على كَونه مَوْجُودا أوعليكيفيات ذَلِك الْوُجُود أَعنِي كَونه أزليا أبديا وَاجِب الْوُجُود لذاته، وعَلى الصِّفَات السلبية الدَّالَّة على التَّنْزِيه، وعَلى الصِّفَات الإضافية الدَّالَّة على الْإِيجَاب والتكوين، [وَمن قَالَ أَنه مُشْتَقّ غير علم علل بِأَن الْعلم قَائِم مقَام الْإِشَارَة وَهِي محَال فِي حَقه تَعَالَى] وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي أَنه من الْأَعْلَام الْخَاصَّة أَو الْغَالِبَة، وَقد صَرَّحُوا بِأَن لفظ إِلَه مُنْكرا بِمَعْنى المعبود مُطلقًا بِحَق كَانَ أَو بباطل، إِلَّا أَنه يحمل فِي كلمة التَّوْحِيد على المعبود بِالْحَقِّ بِقَرِينَة أَن المراء والجدال إِنَّمَا هُوَ فِي المعبود بِحَق وَهُوَ الْمَقْصُود بِإِثْبَات الْوُجُود وحصره وَيكون مجَازًا مُسْتَعْملا فِي معنى أخص من مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ
وَالْحَاصِل أَن الْإِلَه اسْم لمَفْهُوم كلي هُوَ المعبود بِحَق، وَالله علم لذات معِين هُوَ المعبود بِالْحَقِّ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار كَانَ قَوْلنَا: (لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة تَوْحِيد) أَي: لَا معبود بِحَق إِلَّا ذَلِك الْوَاحِد الْحق
وَاتَّفَقُوا على أَن لفظ الله مُخْتَصّ بِاللَّه، وأصل اسْم الله الَّذِي هُوَ الله (إِلَه) ثمَّ دخلت عَلَيْهِ الْألف والام فَصَارَ (الْإِلَه) ثمَّ تخفف الْهمزَة التَّخْفِيف الصناعي بِأَن تلين وتلقى حركتها على السَّاكِن قبلهَا وَهُوَ لَام التَّعْرِيف فَصَارَ (اللاه) بِكَسْر اللَّام الأولى وَفتح(1/172)
الثَّانِيَة، فأدغموا الأولى فِي الثَّانِيَة بعد إسكانها وفخموها تَعْظِيمًا
قَالَ بَعضهم: وَكَذَا الْإِلَه مُخْتَصّ بِهِ تَعَالَى وَقَالَ بَعضهم: اسْم الْإِلَه يُطلق على غَيره تَعَالَى كَانَ مُضَافا أَو نكرَة {وَانْظُر إِلَى إلهك} {وَاجعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة}
وأصل لَفْظَة الْجَلالَة الْهَاء الَّتِي هِيَ ضمير الْغَائِب، لأَنهم لما أثبتوا الْحق سُبْحَانَهُ فِي عُقُولهمْ أشاروا إِلَيْهِ بِالْهَاءِ؛ وَلما علمُوا أَنه تَعَالَى خَالق الْأَشْيَاء ومالكها زادوا عَلَيْهَا لَام الْملك فَصَارَ (الله)
وَحَاصِل مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ هُوَ أَنه كَانَ وَصفا لذات الْحق بالألوهية الجامعة لجَمِيع الْأَسْمَاء الْحسنى وَالصِّفَات العلى والحيطة بِجَمِيعِ مَعَاني اشتقاقاته الْعُظْمَى، فَصَارَ بِغَلَبَة اسْتِعْمَاله فِيهِ لعدم إِمْكَان تحقق تِلْكَ الجمعيات فِي غَيره علما لَهُ، فَجرى سَائِر أَوْصَافه عَلَيْهِ بِلَا عكس؛ وَتعين كلمة التَّوْحِيد عَلامَة للْإيمَان، وَلم يعلم لَهُ مُسَمّى فِي اللِّسَان لِأَن الله سُبْحَانَهُ قبض الألسن عَن أَن يدعى بِهِ أحد سواهُ
وكما تاهوا فِي ذَاته وَصِفَاته لاحتجابها بأنوار العظمة وأستار الجبروت، كَذَلِك تحيروا فِي اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ أَنه اسْم أَو صفة مُشْتَقّ أَو غير مُشْتَقّ، علم أَو غير علم، إِلَى غير ذَلِك، كَأَنَّهُ انعكس إِلَيْهِ من مُسَمَّاهُ أشعة من تِلْكَ الْأَنْوَار فقصرت أعين المستبصرين عَن إِدْرَاكه
الإلهام: هُوَ إِيقَاع الشَّيْء فِي الْقلب من علم يَدْعُو إِلَى الْعَمَل بِهِ من غير اسْتِدْلَال تَامّ وَلَا نظر فِي حجَّة شَرْعِيَّة وَقد يكون بطرِيق الْكَشْف، وَقد يحصل من الْحق من غير وَاسِطَة الْملك بِالْوَجْهِ الْخَاص الَّذِي لَهُ مَعَ كل مَوْجُود
وَالْوَحي يحصل بِوَاسِطَة الْملك، وَلذَلِك لَا تسمى الْأَحَادِيث القدسية بِالْوَحْي وَإِن كَانَت كَلَام الله
وَقد يُرَاد بالإلهام التَّعْلِيم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فألهمها فجورها وتقواها} وَلَا يُرَاد بِهِ إلهام الْخَواص لِأَنَّهُ لَا يكون مَعَ القدسية، وَأَيْضًا إلهام الْخَواص للروح لَا للنَّفس والتعليم من جِهَة الله تَارَة يكون بِخلق الْعُلُوم الضرورية فِي الْمُكَلف، وَتارَة بِنصب الْأَدِلَّة السمعية أَو الْعَقْلِيَّة وَأما الإلهام فَلَا يجب إِسْنَاده وَلَا استناده إِلَى الْمعرفَة بِالنّظرِ فِي الْأَدِلَّة، وَإِنَّمَا هُوَ اسْم لما يهجس فِي الْقلب من الخواطر بِخلق الله فِي قلب الْعَاقِل فيتنبه بذلك ويتفطن فيفهم الْمَعْنى بأسرع مَا يُمكن، وَلِهَذَا يُقَال: (فلَان ملهم) إِذا كَانَ يعرف بمزيد فطنته وذكائه مَا لَا يُشَاهِدهُ، وَلذَلِك يُفَسر وَحي النَّحْل بالإلهام دون التَّعْلِيم
والإلهام: من الْكَشْف الْمَعْنَوِيّ، وَالْوَحي: من الشهودي المتضمن لكشف الْمَعْنَوِيّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحصل بِشُهُود الْملك وَسَمَاع كَلَامه
وَالْوَحي من خَواص النُّبُوَّة والإلهام أَعم
وَالْوَحي مَشْرُوط بالتبليغ دون الإلهام
الِالْتِزَام: هُوَ فِي اصْطِلَاح البديعيين أَن يلْتَزم الناثر فِي نثره والناظم فِي نظمه بِحرف قبل حرف الروي أَو بِأَكْثَرَ من حرف بِالنِّسْبَةِ إِلَى قدرته مَعَ عدم التَّكَلُّف وَفِي التَّنْزِيل كَقَوْلِه: (فَلَا أقسم(1/173)
بالخنس؛ الْجوَار الكنس} {وَاللَّيْل وَمَا وسق؛ وَالْقَمَر إِذا اتسق} وَفِي الحَدِيث: " اللَّهُمَّ بك أحاول وَبِك أوصاول " و " زر غبا تَزْدَدْ حبا "
الإلغاء: هُوَ حَقِيقَة ترك الْعَمَل مَعَ التسليط نَحْو: (زيد قَائِم ظَنَنْت)
وَلَا يُنكر إِلْغَاء مَعَاني الْأَلْفَاظ كَمَا يتَأَوَّل فِي الشَّيْء مَا لَا يكون فِي أَصله
وَأما إِلْغَاء الْعَمَل: فَلَا يكون إِلَّا فِيمَا لَا يكون أَصله الْعَمَل، وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام: إِلْغَاء فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى: مثل (لَا) فِي: {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب}
وإلغاء فِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى مثل: (كَانَ فِيمَا كَانَ أحسن زيدا)
وَبِالْعَكْسِ: نَحْو: {كفى بِاللَّه شَهِيدا} نقل ابْن يعِيش عَن ابْن السراج أَنه قَالَ: حق الملغى عِنْدِي أَن لَا يكون عَاملا وَلَا مَعْمُولا فِيهِ حَتَّى يلغى من الْجمع، وَيكون دُخُوله كخروجه لَا يحدث معنى غير التَّأْكِيد، واستغرب زِيَادَة حُرُوف الْجَرّ لِأَنَّهَا عاملة، قَالَ: وَدخلت لمعان غير التَّأْكِيد
الْآلَة: هِيَ مَا يعالج بهَا الْفَاعِل الْمَفْعُول كالمفتاح وَنَحْوه، وَلَيْسَ الْمِنْبَر بِآلَة، وَإِنَّمَا هُوَ مَوضِع الْعُلُوّ والارتفاع، وَالصَّحِيح أَن هَذَا وَنَحْوه من الْأَسْمَاء الْمَوْضُوعَة على هَذِه الصِّيغَة لَيست على الْقيَاس
الْأَلَم: الوجع، [والأليم: المؤلم من الْعَذَاب الَّذِي يبلغ إيجاعه غَايَة الْبلُوغ] وَهُوَ مصدر ألم يألم كعلم يعلم: إِذا أَصَابَهُ الوجع
والألم: إِدْرَاك الْمنَافِي من حَيْثُ هُوَ منَاف كَمَا أَن اللَّذَّة إِدْرَاك الملائم من حَيْثُ هُوَ ملائم
وَهَذَا لَا يُنَاسب فن البديع، لِأَن اللَّذَّة حَالَة تدركها عِنْد عرُوض الْمنَافِي لإدراكها، وَيدل عَلَيْهِ قَوْلهم: (فلَان يدْرك اللَّذَّة والألم) وَالْمُنَاسِب لفن البديع أَن يُقَال: الْأَلَم: الوجع، واللذة ضِدّه
وَسبب الْأَلَم عِنْد الْحُكَمَاء تفرق الِاتِّصَال
ورده الْفَخر بِأَن قطع الْعُضْو بسكين حادة بِسُرْعَة لَا يحس مَعَه الْأَلَم إِلَّا بعد حِين، بل تفرق الِاتِّصَال سَبَب المزاج الْمُوجب للألم
الْإِلْحَاق: لحق بِهِ كسمع، ولحقه لَحقا ولحاقا بِالْفَتْح: أدْركهُ، كألحقه وَألْحق بِهِ غَيره، وَمِنْه: (ان عذابك بالكفار مُلْحق) أَي: لَاحق فِي الْقَامُوس: الْفَتْح أحسن أَو الصَّوَاب
والإلحاق: جعل مِثَال على مِثَال أَزِيد مِنْهُ بِزِيَادَة حرف أَو أَكثر موازنا لَهُ فِي عدد الْحُرُوف وَفِي الحركات والسكنات
والملحق يجب أَن يكون فِيهِ مَا يزِيد للإلحاق دون الملحق بِهِ، وَزِيَادَة الْحُرُوف فِي المنشعبة لقصد زِيَادَة معنى
وَفِي الملحق لقصد مُوَافقَة لفظ للفظ آخر ليعامل مُعَامَلَته لَا لزِيَادَة معنى
[والإلحاق بِمَا هُوَ الأَصْل فِي نَوعه أظهر من الْإِلْحَاق فِيمَا هُوَ الأَصْل فِي جنسه](1/174)
ألم تَرَ: كلمة تسْتَعْمل لقصد التعجيب، وَكَذَا (أَو كَالَّذي) ، وَفِي زِيَادَة حرف التَّشْبِيه ترق فِي التَّعَجُّب
وَلَا يخفى أَن قَوْلك: (هَل رَأَيْت مثل هَذَا) أبلغ من قَوْلك: (هَل رَأَيْت هَذَا)
وك (ألم تَرَ) (أَرَأَيْت) ، إِلَّا أَن (ألم تَرَ) تتَعَلَّق بالمتعجب مِنْهُ فَيُقَال: (ألم تَرَ إِلَى الَّذِي صنع كَذَا) بِمَعْنى أَنه من الغرابة عَجِيب لَا يرى لَهُ مثل، وَكَذَا يُقَال: (أما ترى إِلَى فلَان كَيفَ صنع) أَي: هَذَا الْحَال مِمَّا يستغرب ويتعجب مِنْهُ فَانْظُر وتعجب مِنْهُ، وَلَا يَصح: (أَرَأَيْت الَّذِي مثله) إِذْ يكون الْمَعْنى: انْظُر إِلَى الْمثل وتعجب من الَّذِي صنع
وَقد يُخَاطب ب (ألم تَرَ) من لم يسمع وَلم ير فَإِنَّهُ صَار مثلا فِي التَّعَجُّب
وتعدية (ألم تَرَ) بإلى إِذا كَانَ من رُؤْيَة الْقلب فلتضمن معنى الِانْتِهَاء [نوع] {ألفينا} : وجدنَا
{أَلْهَاكُم} : أشغلكم
{إلحافا} : هُوَ أَن يلازم المسؤول حَتَّى يُعْطِيهِ
{ألْقى السّمع} : أصغى لاستماعه
{بإلحاد} : عدُول عَن الْقَصْد
{أَلد الْخِصَام} : شَدِيد الْخُصُومَة
{إِلَّا وَلَا ذمَّة} : الإل: الْقَرَابَة، والذمة: الْعَهْد
{فألهمها فجورها وتقواها} : بَين الْخَيْر وَالشَّر
{والغوا فِيهِ} : وعارضوا بالخرافات [أَو ارْفَعُوا أَصْوَاتكُم لتشوشوا على الْقَارئ]
{وَمَا ألتناهم} : وَمَا نقصناهم
{ألفافا} : ملتفة بَعْضهَا بِبَعْض
{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا} : بِأَيّ نعْمَة الله
[ {وَألقى الألواح} : طرحها من شدَّة الْغَضَب حمية للدّين]
{إلْيَاس} : بِهَمْزَة قطع، اسْم عبراني حُكيَ أَنه من سبط يُوشَع وَفِي " أنوار التَّنْزِيل " هُوَ إلْيَاس بن ياسين سبط هرون أخي مُوسَى بعث بعده قَالَ وهب: إِنَّه عمر كَمَا عمر الْخضر وَأَنه يبْقى إِلَى آخر الدُّنْيَا [وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه هُوَ إِدْرِيس جد نوح]
(فصل الْألف وَالْمِيم)
كل مَوضِع فِي الْقُرْآن وَقع فِيهِ لَفْظَة امْرَأَة إِذا قرنت باسم زَوجهَا طولت تاؤها وَإِلَّا قصرت، كَقَوْلِه(1/175)
تَعَالَى: {إِذْ قَالَت امرأت عمرَان} و {امرأت الْعَزِيز}
كل آيَة فِي الْقُرْآن فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ الْإِسْلَام، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر هُوَ عبَادَة الْأَوْثَان
[الإِمَام] : كل من ائتم بِهِ قوم فَهُوَ إِمَام لَهُم
[الْأمة] : كل جمَاعَة يجمعها أَمر أَو دين أَو زمَان أَو مَكَان وَاحِد، سَوَاء كَانَ الْأَمر الْجَامِع تسخيرا أم اخْتِيَارا فَهِيَ أمة
كل من آمن بِنَبِي فَهُوَ أمة الْإِجَابَة
وكل من بلغه دَعْوَة النَّبِي فَهُوَ أمة الدعْوَة
وَأم كل شَيْء: أَصله
قَالَ الْخَلِيل: كل شَيْء، ضم إِلَيْهِ مَا يَلِيهِ يُسمى أما قَالَ ابْن عَرَفَة: وَلِهَذَا سميت أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب
وَقَالَ الْأَخْفَش: كل شَيْء انْضَمَّ إِلَيْهِ أَشْيَاء فَهُوَ أم لَهَا، وَلذَلِك سمي رَئِيس الْقَوْم أما لَهُم
وَأم الدِّمَاغ: مجتمعه
وَأم النُّجُوم: المجرة، هَكَذَا جَاءَ فِي شعر ذِي الرمة، لِأَنَّهَا مُجْتَمع النُّجُوم
وَأم الْكتاب: أَصله أَو اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَو سُورَة الْحَمد لِأَنَّهُ يبتدأ بهَا فِي الْمَصَاحِف وَفِي كل صَلَاة، أَو الْقُرْآن جَمِيعه
وَأم الْقرى: علم لمَكَّة [شرفها الله تَعَالَى وَهِي مأثرة إِبْرَاهِيم، ومنشأة إِسْمَاعِيل، ومفخر الْعَرَب، وسرة جزيرتها، وقبلة جماعتها، ومأمن خائفها، وملاذ هَارِبهَا، وَحرم الله فِي أرضه، وَأم قرى عباده، وَأول بَيت وضع للنَّاس] لِأَنَّهَا توسطت الأَرْض فِيمَا زَعَمُوا، أَو لِأَنَّهَا قبْلَة النَّاس يؤمونها، أَو لِأَنَّهَا أعظم الْقرى شَأْنًا أَو لتقدمها على سَائِر الْقرى
وَأم الدُّنْيَا: علم لمصر لِكَثْرَة أَهلهَا، وَيُقَال لَهَا الْقَاهِرَة، لوُقُوع الْقَهْر على أَهلهَا بِالْقَحْطِ وَالْغَرق، أَو لغلبتها على سَائِر الْبِلَاد
[الْأَمَانَة] كل مَا يؤتمن عَلَيْهِ كأموال وَحرم وأسرار فَهُوَ أَمَانَة
[أمحض] : كل شَيْء أخلصته فقد أمحضته
الْأَمر: هُوَ فِي اللُّغَة اسْتِعْمَال صِيغَة دَالَّة على طلب من الْمُخَاطب على طَرِيق الاستعلاء
وَفِي عرف النُّحَاة: صِيغَة (افْعَل) خَاصَّة بِلَا قيد الاستعلاء والعلو، على مَا هُوَ الظَّاهِر من عبارَة السَّيِّد الشريف
قَالَ الشَّيْخ سعد الدّين: الْأَمر فِي عرف النُّحَاة مَا هُوَ المقرون بِاللَّامِ والصيغة الْمَخْصُوصَة
وَصرح صَاحب " الْمِفْتَاح " بِأَن الْأَمر فِي اللُّغَة عبارَة عَن اسْتِعْمَال نَحْو (لينزل) و (انْزِلْ) و (نزال) على سَبِيل الاستعلاء
وَفِي اصْطِلَاح الشَّافِعِيَّة: هُوَ الصِّيغَة الطالبة للْفِعْل مُطلقًا من الْمُخَاطب
وَفِي اصْطِلَاح الْأُصُول: هُوَ الصِّيغَة الطالبة لَهُ على طَرِيق الاستعلاء، لَكِن بِشَرْط أَن لَا يُرَاد بهَا التهديد أَو التَّعْجِيز أَو نَحْوهمَا
وَقد يُطلق على الْمَقْصد والشأن تَسْمِيَة للْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ
وَصِيغَة الْأَمر وَهُوَ قَوْله: (افْعَل) على سَبِيل(1/176)
الاستعلاء دون التضرع ذَاتهَا لَيْسَ بِأَمْر عِنْد أهل السّنة وَإِنَّمَا هِيَ دلَالَة على الْأَمر
وَعند الْمُعْتَزلَة: نفس هَذِه الصِّيغَة أَمر
وَأمر: يسْتَعْمل تَارَة مُجَردا من الْحُرُوف فيتعدى إِلَى مَفْعُوله الثَّانِي بِنَفسِهِ فَيُقَال: (أَمرتك أَن تفعل) وَأُخْرَى مَوْصُولا بِالْبَاء يُقَال: (أَمرتك بِأَن تفعل) ، وَقد يسْتَعْمل بِاللَّامِ، لَكِن التَّعْلِيل وُقُوعه على مفعوليه لَا لتعديته إِلَيْهِمَا أَو إِلَى أَحدهمَا فَيُقَال: (أَمرتك لِأَن تفعل)
وَالْأَمر فِي الْحَقِيقَة: هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم فِي النَّفس فَيكون قَوْله: (افْعَل) عبارَة عَن الْأَمر الْمجَازِي تَسْمِيَة للدال باسم الْمَدْلُول
وَالْأَمر: التَّقَدُّم بالشَّيْء سَوَاء كَانَ ذَلِك بقول (افْعَل) و (ليفعل) ، أَو بِلَفْظ خبر نَحْو: {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ} ، أَو بِإِشَارَة، أَو غير ذَلِك، أَلا ترى أَنه قد سمي مَا رأى فِي الْمَنَام إِبْرَاهِيم من ذبح ابْنه أمرا حَيْثُ قَالَ: {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك، قَالَ يَا أَبَت أفعل مَا تُؤمر}
وَالْأَمر حَقِيقَة فِي نَحْو: {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} أَي: قل لَهُم صلوا
[وَهُوَ [مجَاز فِي الْفِعْل اللّغَوِيّ نَحْو: {أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله} {وشاورهم فِي الْأَمر} أَي فِي الْفِعْل الَّذِي تعزم عَلَيْهِ
وَالْأَمر فِي الشَّأْن نَحْو: {وَمَا أَمر فِرْعَوْن} وَهُوَ عَام فِي أَقْوَاله وأفعاله
وَفِي الصّفة نَحْو: (لأمر مَا يسود) أَي: لأي صفة من صِفَات الْكَمَال
وَالْأَمر فِي الشَّيْء نَحْو: (لأمر مَا كَانَ كَذَا) أَي لشَيْء مَا
وَيذكر الْأَمر وَيُرَاد بِهِ الدّين نَحْو: {حَتَّى جَاءَ الْحق وَظهر أَمر الله} يَعْنِي دين الله، وَالْقُرْآن، وَمُحَمّد
وَالْقَوْل نَحْو: {فَلَمَّا جَاءَ أمرنَا}
وَالْعَذَاب نَحْو: {وَقَالَ الشَّيْطَان لما قضي الْأَمر}
وَعِيسَى النَّبِي نَحْو: {إِذا قضى أمرا} أَي: إِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب كعيسى بن مَرْيَم
وَفتح مَكَّة نَحْو: {فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره}
وَالْحكم وَالْقَضَاء نَحْو: {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر}
وَالْوَحي نَحْو: {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض}
وَالْملك الْمبلغ للوحي نَحْو: {يلقِي الرّوح من أمره}(1/177)
والنصرة نَحْو: {هَل لنا من الْأَمر شَيْء}
والذنب نَحْو: {فذاقت وبال أمرهَا} يَعْنِي عُقُوبَة ذنبها
و {أَتَى أَمر الله} أَي: السَّاعَة، عبر بالماضي تَنْبِيها لقربها وضيق وَقتهَا
وأقسام صِيغَة الْأَمر ثَلَاثَة: الأول: المقترنة بِاللَّامِ الْجَازِم وَيخْتَص بِمَا لَيْسَ للْفَاعِل الْمُخَاطب
وَالثَّانِي: مَا يَصح أَن يطْلب بهَا الْفِعْل من الْفَاعِل الْمُخَاطب بِحَذْف حرف المضارعة
وَالثَّالِث: اسْم دَال على طلب الْفِعْل وَهُوَ عِنْد النُّحَاة من أَسمَاء الْأَفْعَال
والأولان لغَلَبَة استعمالهما فِي حَقِيقَة الْأَمر، أَعنِي طلب الْفِعْل على سَبِيل الاستعلاء سماهما النحويون أمرا، سَوَاء اسْتعْمل فِي حَقِيقَة الْأَمر أَو فِي غَيرهَا، حَتَّى إِن لفظ (اغْفِر) فِي (اللَّهُمَّ اغْفِر لنا) أَمر عِنْدهم
وَأما الثَّالِث فَلَمَّا كَانَ اسْما لم يسموه أمرا تمييزا بَين الْبَابَيْنِ
وَاشْترط الاستعلاء فِي الطّلب بِالْأَمر أَي، عد الطَّالِب نَفسه عَالِيا وَإِن لم يكن فِي الْوَاقِع كَذَلِك ليخرج بِهِ الدُّعَاء والالتماس مِمَّا هُوَ بطرِيق الخضوع والتساوي
وَلم يشْتَرط الْعُلُوّ ليدْخل فِي قَول الْأَدْنَى للأعلى على سَبِيل الاستعلاء (افْعَل) وَلِهَذَا نسب إِلَى سوء الْأَدَب، وَقَول فِرْعَوْن لِقَوْمِهِ: {فَمَاذَا تأمرون} مجَاز بِمَعْنى (تشيرون) أَو (تشاورون) أَو إِظْهَار التَّوَاضُع لَهُم لغاية دهشته من مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَالْأَمر الملطق للْوُجُوب وَلَا يَنْقَسِم إِلَى أَمر النّدب وَغَيره فَلَا يكون موردا للتقسيم
وَمُطلق الْأَمر يَنْقَسِم إِلَى أَمر إِيجَاب وَأمر ندب
وَالْأَمر الْمُطلق فَرد من أَفْرَاد مُطلق الْأَمر بِلَا عكس
وَنفي مُطلق الْأَمر يسْتَلْزم نفي الْأَمر الْمُطلق بِلَا عكس
وَثُبُوت مُطلق الْأَمر جنس لِلْأَمْرِ الْمُطلق
وَالْأَمر الْمُطلق مُقَيّد باطلاق لفظا مُجَرّد عَن التَّقْيِيد معنى، وَمُطلق الْأَمر مُجَرّد عَن التَّقْيِيد لفظا مُسْتَعْمل فِي الْمُقَيد وَغَيره معنى
وَالْأَمر الْمُطلق هُوَ الْمُقَيد بِقَيْد الْإِطْلَاق، فَهُوَ مُتَضَمّن للإطلاق وَالتَّقْيِيد، وَمُطلق الْأَمر يصلح للمطلق والمقيد، وَهُوَ عبارَة عَمَّا صدق عَلَيْهِ الْأَمر
وَالْأَمر الْمُطلق عبارَة عَن الْأَمر الْخَارِجِي عَن الْقَرِينَة
وَإِذا قلت (الْأَمر الْمُطلق) فقد أدخلت الْألف وَاللَّام على الْأَمر وَهِي تفِيد الْعُمُوم والشمول ثمَّ وَصفته بِالْإِطْلَاقِ بِمَعْنى أَنه لم يُقيد بِقَيْد يُوجب تَخْصِيصه من شَرط أَو صفة أَو غَيرهمَا، فَهُوَ عَام فِي كل فَرد من الْأَفْرَاد الَّتِي هاذ شَأْنهَا
وَأما (مُطلق الْأَمر) فالإضافة فِيهِ لَيست للْعُمُوم، بل للتمييز، بل هُوَ قدر مُشْتَرك مُطلق لَا عَام فَيصدق على فَرد من أَفْرَاده
وَالْأَمر مُطلقًا لَا يسْتَلْزم الْإِرَادَة، وَلَو قُلْنَا بالاستلزام لزم ذَلِك فِي جَمِيع الصُّور وَمن جُمْلَتهَا أَمر الله(1/178)
تَعَالَى؛ والمعتزلة لما لم يفرقُوا بَين إِرَادَة الرب وَإِرَادَة العَبْد فِي جَوَاز تخلف المُرَاد اتجه لَهُم الْقَوْم بالاستلزام
وَنقل الزَّرْكَشِيّ فِي " الْبَحْر " عَن بعض الْمُتَأَخِّرين أَن الْحق أَن الْأَمر يسْتَلْزم الْإِرَادَة الدِّينِيَّة وَلَا يسْتَلْزم الْإِرَادَة الكونية، فَإِنَّهُ لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا يُريدهُ شرعا ودينا، وَقد يَأْمر بِمَا لَا يُريدهُ كونا وَقدرا، كَإِيمَانِ أبي لَهب، وكأمره خَلِيله بِالذبْحِ وَلم يذبح، وَأمره رَسُوله مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِخَمْسِينَ صَلَاة وَلم يصلها، وَفَائِدَته الْعَزْم على الِامْتِثَال وتوطين النَّفس عَلَيْهِ
وَصِيغَة (افْعَل) ترد للْوُجُوب وَالنَّدْب نَحْو: {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا وَآتُوهُمْ من مَال الله} ، فالإيتاء وَاجِب وَالْكِتَابَة مَنْدُوبَة
وَالْإِبَاحَة نَحْو: {وَإِذا حللتم فاصطادوا} وَهِي أدنى دَرَجَات الْأَمر، وَهُوَ الْمُخْتَار
والتهديد نَحْو: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} أَي من حرَام أَو مَكْرُوه
والإرشاد نَحْو: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}
وَالْإِذْن كَقَوْلِك لمن طرق الْبَاب: ادخل
والتأديب كَقَوْلِك لصبي تجول يَده فِي الْقَصعَة: كل مِمَّا يليك
والإنذار نَحْو: {قل تمَتَّعُوا فَإِن مصيركم إِلَى النَّار}
وَيُفَارق التهديد بِذكر الْوَعيد والامتنان نَحْو: {كلوا مِمَّا رزقكم الله} وَيُفَارق الْإِبَاحَة بِذكر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
وَالْإِكْرَام للْمَأْمُور نَحْو: {ادخلوها بِسَلام آمِنين}
والتسخير نَحْو: {كونُوا قردة خَاسِئِينَ}
والتكوين نَحْو: {كن فَيكون}
والتعجيز نَحْو: {فَأتوا بِسُورَة من مثله}
والإهانة نَحْو: {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم}
والتسوية نَحْو: {فَاصْبِرُوا أَو لَا تصبروا}
وَالدُّعَاء نَحْو: {رَبنَا أنزل علينا مائدة} وَالتَّمَنِّي نَحْو:
(أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل أَلا انجلي)
تمناه لكَونه مستحيلا بِحَسب ظَنّه واعتقاده وَإِن كَانَ مرجوا
والاحتقار نَحْو: {ألقوا مَا أَنْتُم ملقون} فَإِنَّهُ حقير بِالنِّسْبَةِ إِلَى معْجزَة مُوسَى
والتفويض نَحْو: {فَاقْض مَا أَنْت قَاض}(1/179)
وَيُسمى أَيْضا التَّحْكِيم
والتعجب للمخاطب نَحْو: {انْظُر كَيفَ ضربوا لَك الْأَمْثَال}
وَالِاعْتِبَار نَحْو: {انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر} [وَلما اخْتلفت وُجُوه استعمالات الْأَمر قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: لَيْسَ لَهُ مُوجب خَاص، بل هُوَ مُجمل فِي حق الحكم، فَيتَوَقَّف حَتَّى يتَبَيَّن المُرَاد بِالدَّلِيلِ وَيُسمى الواقفية وَقَالَ بعض الْمَالِكِيَّة: إِنَّه حَقِيقَة فِي جَوَاز الْفِعْل، وَالْأَصْل عدم الْوُجُوب وَالنَّدْب فَتثبت الْإِبَاحَة وَقَالَ بعض الأشاعرة: إِنَّه لترجيح الْفِعْل وَالْأَصْل عدم الْوُجُوب بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّة فَيحمل على النّدب، وَهُوَ مَذْهَب أبي هَاشم
وَقيل: مُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب وَقيل: يُطلق عَلَيْهِمَا وَقَالَ أَكثر الْفُقَهَاء والمتكلمين: إِنَّه حَقِيقَة فِي الْوُجُوب مجَاز فِي الْبَاقِي وَهُوَ الْمُخْتَار]
وَقد يكون الْكَلَام أمرا وَالْمعْنَى وَعِيد نَحْو: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم}
أَو تَسْلِيم نَحْو: {فَاقْض مَا أَنْت قَاض}
أَو تحسير نَحْو: {موتوا بغيظكم}
أَو تعجب نَحْو: {أسمع بهم}
أَو تمن كَمَا تَقول لشخص ترَاهُ: (كن فلَانا)
أَو خبر نَحْو: {فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا} وَاسْتِعْمَال صِيغَة الْأَمر فِي مَوضِع الالتماس سَائِغ شَائِع بِدَلِيل: {وَاجعَل لي وزيرا} وَعَلِيهِ: {وَمن ذريتي} أَي: وَاجعَل بعض ذريتي! وَعطف التَّلْقِين لَا يَخْلُو عَن سوء أدب
وَصِيغَة الْأَمر لَا تدل على فعل الْمَأْمُور بِهِ متكررا، وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء ومختار إِمَام الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَبُو اسحاق الاسفرائيني: هُوَ للتكرار مُدَّة الْعُمر إِن أمكن، وَلنَا أَن الائتمار يحصل بالإتيان بالمأمور بِهِ مرّة وَاحِدَة، فَلَا يُصَار إِلَى التّكْرَار، وَإِنَّمَا تَكَرَّرت الْعِبَادَات بِتَكَرُّر أَسبَابهَا، كالشهر للصَّوْم وَالْوَقْت للصَّلَاة
وَلَا يَأْمر بالفحشاء فِي الْأَمر الشَّرْعِيّ و {أمرنَا مُتْرَفِيهَا ففسقوا} فِي الْأَمر الكوني بِمَعْنى الْقَضَاء وَالتَّقْدِير
وَالْأَمر التعبدي: هُوَ أَمر تعبدنا بِهِ، أَي كلفنا الله بِهِ من غير معنى يعقل، وَالْيَاء للنسبة أَو للْمُبَالَغَة
وَالْأَمر الاعتباري: هُوَ مَا يعتبره الْعقل من غير تحقق فِي الْخَارِج، والحكماء يسمون الْأُمُور الاعتبارية معقولات ثَانِيَة وَهِي مَا لَا يكون لَهَا فِي الْخَارِج مَا يطابقها ويحاذي بهَا نَحْو الذاتية والعرضية والكلية والجزئية الْعَارِضَة للأشياء الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن وَلَيْسَ فِي الْخَارِج مَا يطابقها
وَأما المعقولات الأولى فَهِيَ المفهومات الْمَقْصُورَة من حَيْثُ هِيَ عارضة لموجود فِي الذِّهْن
والأمور الْعَامَّة هِيَ مَا لَا يخْتَص بقسم من أَقسَام(1/180)
الموجودات الَّتِي هِيَ الْوَاجِب والجوهر وَالْعرض
قَالَ الدواني: الْأُمُور الْعَامَّة مشتقات وَهِي لَيست بأحوال وَالْمَشْهُور عِنْد الْجُمْهُور أَنَّهَا أَحْوَال كالوجود والماهية الْمُطلقَة والشخص الملطق، وَلَيْسَ مِنْهَا الْحَال عِنْد من يَنْفِيه، وَالْوَاجِب لذاته والقدم ليسَا مِنْهَا أَيْضا، كَمَا هُوَ رَأْي الفلاسفة الْقَائِلين بقدم المجردات وَالْحَرَكَة وَالزَّمَان
وَالْأَمر يسْتَعْمل فِي الْأَفْعَال، والأمور فِي الْأَقْوَال، وَيجمع الْأَمر بِمَعْنى الْفِعْل على أُمُور لَا غير، وَبِمَعْنى القَوْل على أوَامِر لَا غير
[وَاخْتِلَاف الجمعين بِحَيْثُ إِن كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَعْنى يدل على اخْتِلَاف الْمَعْنيين، وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون لفظ الْأَمر حَقِيقَة فيهمَا بالاشتراك اللَّفْظِيّ أَو مجَازًا فيهمَا أَو حَقِيقَة فِي الْفِعْل مجَازًا فِي الْأَمر أَو بِالْعَكْسِ، لَا سَبِيل إِلَى الأول، لِأَن الِاشْتِرَاك خلاف الأَصْل، وَلَا إِلَى الثَّانِي وَالثَّالِث لانعقاد الْإِجْمَاع على خِلَافه فَتعين الرَّابِع، فالمتوقف على الصِّيغَة حَقِيقَة عندنَا، فَإِن لكل مَقْصُود صِيغَة تدل عَلَيْهِ كالماضي وَالْحَال والاستقبال وَإِلَّا يلْزم قُصُور الْعبارَات عَن الْمَقَاصِد فيختل الْغَرَض الْمَفْرُوض من وضع الْكَلَام، فَيكون المُرَاد بِالْأَمر صِيغَة تدل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ معنى مَقْصُود، وَذَلِكَ الْمَعْنى الْمَقْصُود مُخْتَصّ بِتِلْكَ الصِّيغَة الْمَوْضُوعَة]
وَالْأَمر لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، بِخِلَاف الْخَبَر
وَالْأَمر صِيغَة مرتجلة لَا مقتطع من الْمُضَارع، وَالنَّهْي لَيْسَ بِصِيغَة مرتجلة، وَإِنَّمَا يُسْتَفَاد من الْمُضَارع المجزوم الَّذِي دخلت عَلَيْهِ (لَا) للطلب، لِأَن النَّهْي يتنزل من الْأَمر منزلَة النَّفْي من الْإِيجَاب، فَكَمَا احْتِيجَ فِي النَّفْي إِلَى أَدَاة، كَذَلِك فِي النَّهْي احْتِيجَ إِلَى ذَلِك، وَلذَلِك كَانَ ب (لَا) الَّتِي هِيَ مُشَاركَة فِي اللَّفْظ (لَا) الَّتِي للنَّفْي
وَالْأَمر وجودي، وَالنَّهْي عدمي
وَالْأَمر استدعاء الْفِعْل بالْقَوْل، وَالنَّهْي استدعاء ترك الْفِعْل بالْقَوْل
وَالْأَمر بالشَّيْء يكون نهيا عَن ضِدّه إِذا كَانَ لَهُ ضد وَاحِد، كالأمر بِالْإِيمَان وَالْأَمر بالحركة
وَالنَّهْي عَن الْفِعْل أَمر بضده بِإِجْمَاع أهل السّنة وَالْجَمَاعَة إِذا كَانَ لَهُ ضد وَاحِد أَيْضا، كالنهي عَن الْكفْر فَإِنَّهُ يكون أمرا بِالْإِيمَان، وَالنَّهْي عَن الْحَرَكَة فَإِنَّهُ يكون أمرا بِالسُّكُونِ
وَإِن كَانَ لَهُ أضداد يكون أمرا بِوَاحِد مِنْهَا غير عين عِنْد الْعَامَّة من أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الحَدِيث
وأولو الْأَمر: أَصْحَاب النَّبِي وَمن اتبعهم من أهل الْعلم وَمن الْأُمَرَاء إِذا كَانُوا أولي علم وَدين
الْأمة: بِالضَّمِّ، فِي الأَصْل: الْمَقْصُود، الْعُمْدَة وَالْعدة فِي كَونهمَا معمودا ومعدا، وَتسَمى بهَا الْجَمَاعَة من حَيْثُ تؤمها الْفرق كَقَوْلِه: {أمة من النَّاس يسقون}
وَأَتْبَاع الْأَنْبِيَاء أمتهم
وَتطلق على الرجل الْجَامِع لخصال محمودة {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله}
[وَمن هُنَا قيل: لَو لم يبْق من الْمُجْتَهدين إِلَّا وَاحِد يكون قَوْله إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ عِنْد الِانْفِرَاد يصدق عَلَيْهِ أَنه أمة](1/181)
وعَلى الرجل الْمُنْفَرد بدين لَا يشركهُ فِيهِ غَيره
" وَيبْعَث زيد بن عَمْرو بن نفَيْل يَوْم الْقِيَامَة أمة وَحده "، الحَدِيث
وعَلى الدّين وَالْملَّة والطريقة الَّتِي تؤم {قَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} وعَلى الْحِين وَالزَّمَان {إِلَى أمة مَعْدُودَة} {وادكر بعد أمة} وعَلى الْقَامَة، يُقَال: (فلَان حسن الْأمة) وعَلى الْأُم، يُقَال: (هَذِه أمة فلَان) يَعْنِي أمه
وعَلى جنس من أَجنَاس الْكَلْب: " لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها "، الحَدِيث
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: خلق الله ألف أمة، ستمئة فِي الْبَحْر وأربعمئة فِي الْبر
وَفِي حُدُود الْمُتَكَلِّمين: الْأمة هم المصدقون بالرسول دون الْمَبْعُوث إِلَيْهِم فِي " المصفي ": الْكفَّار أمة دَعْوَة لَا أمة إِجَابَة
والأمية: الصّفة الَّتِي هِيَ على أصل ولادَة أمة لم يتَعَلَّم الْكِتَابَة وَلَا قرَاءَتهَا، [وَقيل: هُوَ من لَا يحسن الْكِتَابَة لِأَنَّهُ لَا يقدر عَلَيْهَا] وَنَبِينَا مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يقْرَأ من الْكتاب وَإِن كَانَ لَا يكْتب، على مَا رَوَاهُ جَعْفَر الصَّادِق، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ من معجزاته
وَجمع أم: أُمَّهَات، والأمات: للبهائم، لِأَن الْهَاء تخْتَص بالعقلاء، وَقد سمع فِيهَا الْأَمْرَانِ جَمِيعًا
والإمة، بِالْكَسْرِ: النِّعْمَة وَالْحَالة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الآم أَي: القاصد و [الْأمة] بِالْفَتْح: الشَّجَّة
أم: كلمة تفِيد الِاسْتِفْهَام، وَهِي مَعَ الْهمزَة المعادلة تقدر ب (أَي) ، و (أَو) مَعَ الْهمزَة تقدر ب (أحد) ، وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مَعَ (أم) المعادلة بِالتَّعْيِينِ وَمَعَ (أَو) ب (لَا) أَو (نعم)
وَيَقَع (أم) موقع (بل) {أم يَقُولُونَ شَاعِر} و (أم) الْمُتَّصِلَة لطلب التَّصَوُّر، والمنقطعة لطلب التَّصْدِيق؛ والمتصلة تفِيد معنى وَاحِدًا، والمنقطعة تفِيد مَعْنيين غَالِبا، وهما الإضراب والاستفهام
والمتصلة مُلَازمَة لإِفَادَة الِاسْتِفْهَام أَو لَازِمَة وَهُوَ التَّسْوِيَة والمنقطعة قد تنسلخ عَنهُ رَأْسا لما عرفت أَنَّهَا تفِيد مَعْنيين؛ فَإِذا تجردت عَن أَحدهمَا بَقِي عَلَيْهَا الْمَعْنى الآخر؛ والمتصلة لَا تفِيد إِلَّا الِاسْتِفْهَام، فَلَو تجردت عَنهُ صَارَت مُهْملَة
وَمَا قبل الْمُتَّصِلَة لَا يكون إِلَّا استفهاما، وَمَا قبل المنقطعة يكون استفهاما وَغَيره
وَمَا بعد الْمُتَّصِلَة يكون مُفردا وَجُمْلَة، وَمَا بعد المنقطعة لَا يكون إِلَّا جملَة
والمتصلة قد تحْتَاج لجواب وَقد لَا يحْتَاج؛ والمنقطعة تحْتَاج للجواب
والمتصلة إِذا احْتَاجَت إِلَى جَوَاب فَإِن جوابها يكون بِالتَّعْيِينِ، والمنقطعة إِنَّمَا تجاب ب (نعم) أَو ب (لَا)
وَنقل أَبُو حَيَّان عَن جَمِيع الْبَصرِيين وَهُوَ رَأْي ابْن مَالك أَن (أم) المنقطعة لَا يتَعَيَّن تقديرها ب (بل) والهمزة، ونظيرها قَوْله تَعَالَى: (أم جعلُوا لله(1/182)
شُرَكَاء} {أم هَل تستوي الظُّلُمَات والنور} ، وَذهب الْكسَائي إِلَى أَن (أم) المنقطعة لَا يتَعَيَّن تقديرها ب (بل) فَقَط، ونظيرها قَوْله تَعَالَى: {أم لَهُ الْبَنَات وَلكم البنون} تَقْدِيره: بل أَله الْبَنَات وَلكم البنون
وَذهب أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ إِلَى أَن (أم) فِي قَوْله تَعَالَى: {أم أَنا خير من هَذَا} زَائِدَة
أما: وضعت لمزيد تَقْرِير لَا يفهم هُوَ لَوْلَا هِيَ، أَلا ترى إِلَى قَوْلك: (زيد منطلق) حَيْثُ يفهم مِنْهُ خبر الانطلاق ساذجا، وَإِذا زِدْت فِي أَوله (أما) يفهم مِنْهُ الانطلاق لَا محَالة، فَعَن هَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي تَقْرِيره: مهما يكن من شَيْء فزيد منطلق، وَهِي حرف وضع لتفصيل الْجمع، وَقطع مَا قبله عَمَّا بعده عَن الْعَمَل وأنيب عَن جملَة الشَّرْط وحرفه فَاسْتحقَّ بذلك جَوَابا، وَجَوَابه جملَة يلْزمهَا الْفَاء، وَلَا بُد أَن يفصل بَين (أما) وَبَين الْفَاء فاصل، مُبْتَدأ أَو مفعول أَو جَار ومجرور؛ فالمبتدأ كَقَوْلِك: أما زيد فكريم وَأما بكر فلئيم؛ وَالْمَفْعُول كَقَوْلِك: أما زيدا فأكرمت وَأما عمرا فأهنت؛ وَالْجَار وَالْمَجْرُور كَقَوْلِك: أما فِي زيد فرغبت وَأما على بكر فَنزلت، وَهِي على نَوْعَيْنِ فِي الِاسْتِعْمَال: الأول أَنَّهَا مركبة من (أَن) المصدرية و (مَا) كَمَا فِي قَوْلك: أما أَنْت مُنْطَلقًا انْطَلَقت، أَي: لِأَن كنت مُنْطَلقًا انْطَلَقت، فَحذف اللَّام، كَمَا فِي {أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} ثمَّ حذف (كَانَ) للاختصار وَزيد (مَا) عوضا عَنهُ
وَالثَّانِي أَنَّهَا متضمنة معنى الشَّرْط وَهِي على نَوْعَيْنِ: إِمَّا للاستئناف من غير أَن يتقدمها إِجْمَال، كَمَا فِي أَوَائِل الْكتب وَهُوَ: (أما بعد) ، وَإِمَّا للتفصيل، وَهُوَ غَالب أَحْوَاله كَقَوْلِك بعد ذكر زيد وَعَمْرو وَبكر: أما زيد فاكسه وَأما عَمْرو فأطعمه وَأما بكر فَأَحبهُ، وَمِنْه: {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين} {وَأما الْغُلَام} {وَأما الْجِدَار} الْآيَة وللتوكيد، كَقَوْلِك: أما زيد فذاهب، إِذا أردْت أَنه ذَاهِب لَا محَالة وَأَنه مِنْهُ عَزِيمَة وَالْمَشْهُور أَنَّهَا فِي (أما بعد) لتفصيل الْمُجْمل مَعَ التَّأْكِيد وَفِي " الرضي " أَنَّهَا لمُجَرّد التَّأْكِيد، وَمَتى كَانَت لتفصيل الْمُجْمل وَجب تكرارها، ولتضمنها معنى الِابْتِدَاء لم يَأْتِ عقيبها إِلَّا الِاسْم لاختصاصه بِهِ، ولتضمنها معنى الشَّرْط لزم الْفَاء فِي جوابها نَحْو: (أما زيد فمنطلق) ، أَي: مهما يكن من شَيْء فزيد منطلق، بِمَعْنى إِن يَقع فِي الدُّنْيَا شَيْء يَقع ثُبُوت انطلاق زيد، وَمَا دَامَت الدُّنْيَا لَا بُد من وُقُوع شَيْء، فَيدل على انطلاق زيد على جَمِيع التقادير، وَقد تدخل الْفَاء على الْجَزَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون} وَأَن كَانَ الأَصْل دُخُول الْفَاء على الْجُمْلَة، لِأَنَّهَا الْجَزَاء كَرَاهَة إِيلَاء حرف الشَّرْط، والمبتدأ عوض عَن الشَّرْط لفظا، وَلَا تدخل (أما) على الْفِعْل لِأَنَّهَا قَائِمَة مقَام كلمة الشَّرْط وَفعله، وَلَا يدْخل فعل على فعل(1/183)
وَأما: فِيمَا يُرَاد تَفْصِيل الْمُجْمل كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَأَما الَّذين شَقوا فَفِي النَّار} {وَأما الَّذين سعدوا فَفِي الْجنَّة}
وتركيب (إِمَّا) العاطفة على قَول سِيبَوَيْهٍ من (إِن) الشّرطِيَّة و (مَا) النافية
و (إِمَّا) بِالْكَسْرِ فِي الْجَزَاء مركبة من (إِن) و (مَا) وَقد تبدل ميمها الأولى يَاء كَمَا فِي (أما) بِالْفَتْح، استثقالا لَا للتضعيف كَقَوْلِه:
(يَا ليتما أمنا شالت نعامتها ... إيما إِلَى جنَّة إيما إِلَى النَّار)
وَقد تحذف (مَا) كَقَوْلِه:
(سقته الرواعد من صيف ... وَإِن من خريف فَلَنْ يعدما)
أَي: إِمَّا من صيف وَإِمَّا من خريف و (إِمَّا) بِالْكَسْرِ فِيمَا يُرَاد التَّخْيِير أَو الشَّك نَحْو: {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} ؛ وَتقول فِي الشَّك: (لقِيت إِمَّا زيدا وَإِمَّا عمرا)
وتجيء للتفصيل ك (أما) بِالْفَتْح نَحْو: {إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا}
وللإبهام نَحْو: {إِمَّا يعذبهم وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِم}
وَالْإِبَاحَة نَحْو: (تعلم إِمَّا فقها وَإِمَّا نَحوا) وَنَازع فِي هَذَا جمَاعَة
وَإِذا ذكرت مُتَأَخِّرَة يجب أَن يتقدمها (إِمَّا) أُخْرَى
وَإِذا ذكرت سَابِقَة فقد تذكر فِي اللَّاحِق (إِمَّا) أَو كلمة (أَو) ويبنى الْكَلَام مَعَ (إِمَّا) من أول الْأَمر على مَا جِيءَ بهَا من أَجله، وَلذَلِك وَجب تكرارها، وَقد جَاءَت غير مكررة بقوله تَعَالَى: {فَأَما الَّذين آمنُوا بِاللَّه واعتصموا بِهِ فسيدخلهم فِي رَحْمَة مِنْهُ وَفضل}
ويقبح الْكَلَام مَعَ (أَو) على الْجَزْم ثمَّ يطْرَأ الْإِبْهَام أَو غَيره، وَلِهَذَا لَا يتَكَرَّر
وَاعْلَم أَن كلمتي (إِمَّا) و (أَو) لَهما ثَلَاثَة معَان فِي الْخَبَر: الشَّك والإبهام وَالتَّفْصِيل وَفِي الْأَمر لَهما معينان: التَّخْيِير وَالْإِبَاحَة، فالشك إِذا أخْبرت عَن أحد الشَّيْئَيْنِ وَلَا تعرفه بِعَيْنِه، والإبهام: إِذا عَرفته بِعَيْنِه وقصدت أَن يبهم الْأَمر على الْمُخَاطب، فَإِذا قلت: (جَاءَنِي إِمَّا زيد وَإِمَّا عَمْرو) ، و (جَاءَنِي زيد أَو عَمْرو) وَلم تعرف الجائي مِنْهُمَا بِعَيْنِه ف (إِمَّا) و (أَو) للشَّكّ؛ وَإِذا عَرفته وقصدت الْإِبْهَام على السَّامع فهما للإبهام؛ وَإِذا لم تشك وَلم تقصد الْإِبْهَام على السَّامع فهما للتفصيل
و (مَا) فِي (أما وَالله) بِالتَّخْفِيفِ مزيدة للتوكيد رَكبُوهَا مَعَ همزَة الِاسْتِفْهَام واستعملوا مجموعهما على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يُرَاد بِهِ معنى حَقًا فِي قَوْله: (أما وَالله لَأَفْعَلَنَّ)
وَالْآخر: أَن يكون افتتاحا للْكَلَام بِمَنْزِلَة (أَلا) كَقَوْلِك: (أما زيد منطلق)
وَأكْثر مَا يحذف ألفها إِذا وَقع بعْدهَا الْقسم ليدل على شدَّة اتِّصَال الثَّانِي بِالْأولِ، لِأَن الْكَلِمَة إِذا(1/184)
بقيت على حرف وَاحِد لم تقم بِنَفسِهَا، فَعلم بِحَذْف ألف (مَا) افتقارها إِلَى الْهمزَة
الْإِمْكَان: هُوَ أَعم من الوسع، لِأَن الْمُمكن قد يكون مَقْدُورًا للبشر، وَقد يكون غير مَقْدُور لَهُ، والوسع رَاجع إِلَى الْفَاعِل والإمكان إِلَى الْمحل، وَقد يكونَانِ مترادفين بِحَسب مُقْتَضى الْمقَام
والإمكان إِمَّا عبارَة عَن كَون الْمَاهِيّة بِحَيْثُ يتساوى نِسْبَة الْوُجُود والعدم إِلَيْهِ، أَو عبارَة عَن نفس التَّسَاوِي على اخْتِلَاف العبارتين، فَيكون صفة للماهية حَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ، والاحتياج صفة الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْوُجُود والعدم، لَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ، لِأَن الْمُمكن فِي ترجح أحد طَرفَيْهِ على الآخر يحْتَاج إِلَى الْفَاعِل إيجادا أَو إحداثا لَا فِي نفس التَّسَاوِي، فَإِنَّهُ مَحْض اعْتِبَار عَقْلِي
وللمكن أَحْوَال ثَلَاث: تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ، ورجحان الْعَدَم بِحَيْثُ لَا يُوجب الِامْتِنَاع، ورجحان الْوُجُود بِحَيْثُ لَا يُوجب الْوُجُود
[ويستحيل أَن يخرج كل مُمكن إِلَى الْوُجُود بِحَيْثُ لَا يبْقى من الممكنات شَيْء فِي الْعَدَم، بل يجوز أَن يكون مُمكن لَا يُوجد أصلا، وَلم تتَعَلَّق الْإِرَادَة بِوُجُودِهِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} ونظائره كَثِيرَة
وَهل يُمكن وجود مُمكن لَيْسَ متحيزا أَو لَا قَائِما بالمتحيز كَمَا يَقُول الفلاسفة فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية والإنسانية؟ قَالَت الْمُعْتَزلَة وَكثير من أَصْحَاب الأشاعرة: هَذَا مِمَّا لَا يدل عَلَيْهِ دَلِيل من عقل وَلَا نقل، فَلَا يكون ثَابتا فِي نَفسه؛ وَحَاصِله يرجع إِلَى نفي الْمَدْلُول لانتفاه دَلِيله وَالْأَقْرَب فِي هَذَا الْبَاب أَن يُقَال: وجود مُمكن مثل هَذَا شَأْنه لَا سَبِيل إِلَى إثْبَاته، وَسَوَاء كَانَ ثَابتا فِي نفس الْأَمر أَو لم يكن ثَابتا
وَقَالَ بَعضهم: مَا الْمَانِع من وجود مَا لَيْسَ متحيزا وَلَا قَائِما بالمتحيز، وَيمْتَنع اختراعه بِحَيْثُ المتحيز؛ كَمَا أَنه يمْتَنع اختراع عرض غير قَائِم بالمتحيز، وَمَا الْمَانِع أَيْضا من جَوَاز قِيَامه بالمتحيز إِذا خلق فِي حيثه، وَيكون قَائِما بِنَفسِهِ إِذا لم يخلق فِي حَيْثُ المتحيز وَبِه وينفصل عَن الْعرض، حَيْثُ لَا تصور لوُجُوده إِلَّا فِي حَيْثُ المتحيز]
والإمكان الْعَام: هُوَ سلب الضَّرُورَة عَن أحد الطَّرفَيْنِ
والإمكان الْخَاص: سلب الضَّرُورَة عَن الطَّرفَيْنِ
والإمكان الذاتي: بِمَعْنى التجويز الْعقلِيّ الَّذِي لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال، وَهَذَا النَّوْع من الْمُمكن قد لَا يكون الْبَتَّةَ وَاقعا كمنارة من مَاء، وتمييز ماءين صبا فِي إِنَاء
وَقد يعد محالا عَادَة فتبتنى على امْتِنَاعه أَدِلَّة بعض المطالب الْعَالِيَة، كبرهان الوحدانية المبتنى على التمانع عِنْد وُقُوع التَّعَدُّد، وَلَا يكون احْتِمَال وُقُوعه قادحا فِي كَون إِدْرَاك نقيضه علما، كالجزم بِأَن هَذَا حجر لَا يقْدَح فِي كَونه علما لاحْتِمَال انقلابه حَيَوَانا، مَعَ اشتراطهم فِي الْعلم عدم احْتِمَال النقيض، والخلاء عِنْد الْمُتَكَلِّمين من هَذَا الْقَبِيل
والإمكان الذاتي أَمر اعتباري يعقل الشَّيْء عِنْد انتساب ماهيته إِلَى الْوُجُود، وَهُوَ لَازم لماهية الْمُمكن، قَائِم بهَا، يَسْتَحِيل انفكاكه عَنْهَا، وَبِه يسْتَدلّ على جَوَاز إِعَادَة الْمَعْدُوم، خلافًا(1/185)
للفلاسفة، وَلَا يتَصَوَّر فِيهِ تفَاوت بِالْقُوَّةِ والضعف والقرب والبعد
والإمكان الاستعدادي أَمر مَوْجُود من مقولة الكيف، قَائِم بِمحل الشَّيْء الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الْإِمْكَان لَا بِهِ، وَغير لَازم وقابل للتفاوت
وَالْمَفْهُوم الْمُمكن الْعَام يصدق على الْوَاجِب والممتنع والممكن الْخَاص، فَالْوَاجِب من أَفْرَاده الضَّرُورِيّ الْوُجُود والممتنع من أَفْرَاده الضَّرُورِيّ الْعَدَم
والممكن الْخَاص من أَفْرَاد اللاضروري الْوُجُود واللاضروري الْعَدَم، [والممتنع من أَفْرَاده الضَّرُورِيّ الْعَدَم] وَلَا يكون الْمَفْهُوم الْمُمكن الْعَام جِنْسا لشَيْء من الْأَشْيَاء لتباين المقولات الَّتِي هُوَ الْجَوَاهِر والأعراض الصَّادِق على جَمِيعهَا الْمُمكن الْعَام
الإِمَام: جمع بِلَفْظ الْوَاحِد، وَلَيْسَ على حد عدل، لأَنهم قَالُوا: إمامان، بل جمع مكسر، وأيمة وآمة: شَاذ، كَذَا فِي " الْقَامُوس " قَالَ بَعضهم: وَالْجمع (أَئِمَّة) بِهَمْزَة بعْدهَا همزَة بَين بَين، أَي: بَين مخرج الْهمزَة وَالْيَاء، وَتَخْفِيف الهمزتين قِرَاءَة مَشْهُورَة وَإِن لم تكن مَقْبُولَة عِنْد الْبَصرِيين وَلَا يجوز التَّصْرِيح بِالْيَاءِ
والإمامة: مصدر (أممت الرجل) أَي: جعلته أَمَامِي، أَي: قدامي؛ ثمَّ جعلت عبارَة عَن رياسة عَامَّة تَتَضَمَّن حفظ مصَالح الْعباد فِي الدَّاريْنِ، يُقَال: (هَذَا أيم مِنْهُ وأوم) أَي: أحسن إِمَامَة، كَمَا فِي " الراموز "
وَقَالَ بَعضهم: الإِمَام من يؤتم بِهِ: أَي يقْتَدى، سَوَاء كَانَ إنْسَانا يقْتَدى بقوله وَفعله، ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، أَو كَاتبا، أَو غَيرهمَا وَالصَّوَاب ترك الْهَاء مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصفة، بل هُوَ اسْم مَوْضُوع لذات وَمعنى مُعينين كاسم الزَّمَان وَالْمَكَان، بِخِلَاف نَحْو (الْمُقْتَدِي) فَإِن الذَّات فِيهِ مُبْهمَة
[قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله: هُوَ (فعال) من صِيغ الْآلَة كالإزار والرداء وَغير ذَلِك]
وَالْإِمَام: الْكتاب نَحْو: {أحصيناه فِي إِمَام مُبين} أَي: فِي لوح مَحْفُوظ سمي بِهِ لكَونه أصل كل مَا كتب [من كتب] وصحف، كَمَا سمي مصحف عُثْمَان إِمَامًا لذَلِك
وَأما {يَوْم نَدْعُو كل أنَاس بإمامهم} فقد قَالُوا: الإِمَام هُنَاكَ جمع (أم) أَي: يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة بأمهاتهم، رِعَايَة لحق عِيسَى النَّبِي، أَو إِظْهَارًا لشرف الْحسن وَالْحُسَيْن، أَو أَن لَا يفتضح أَوْلَاد الزنية قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَهَذَا غلط، لِأَن أما لَا يجمع على إِمَام
{وإنهما لبإمام مُبين} أَي: لبطريق وَاضِحَة
والأمام بِالْفَتْح: نقيض الوراء كقدام، يكون اسْما وظرفا، وَقد يذكر
وأمامك: كلمة تحذير
وَالْإِمَام: إِذا ذكر فِي كتب الْمَعْقُول يُرَاد بِهِ الْفَخر الرَّازِيّ؛ وَفِي كتب الْأُصُول: إِمَام الْحَرَمَيْنِ
الْأَمَانَة: مصدر (أَمن) بِالضَّمِّ: إِذا صَار أَمينا، ثمَّ(1/186)
يُسمى بهَا مَا يُؤمن عَلَيْهِ وَهِي أهم من الْوَدِيعَة لاشْتِرَاط قصد الْحِفْظ فِيهَا بِخِلَاف الْأَمَانَة
وَالْأَمَانَة عين والوديعة معنى، فيكونان متابنين
وكل مَا افْترض على الْعباد فَهُوَ أَمَانَة كَصَلَاة وَزَكَاة وَصِيَام وَأَدَاء دين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الْأَسْرَار
والأمن: فِي مُقَابلَة الْخَوْف مُطلقًا، لَا فِي مُقَابلَة خوف الْعَدو بِخُصُوصِهِ، وَلَا يتَعَدَّى إِلَّا ب (من) ، وَأما {أفأمنوا مكر الله} فَإِنَّمَا هُوَ بتضمين معنى الْفِعْل الْمُتَعَدِّي
الامتلاء: هُوَ مُطَاوع (مَلأ) الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى أحد مفعوليه بِنَفسِهِ وَإِلَى الآخر بِحرف الْجَرّ؛ و (مَلَأت الْإِنَاء مَاء) نصب (مَاء) على التَّمْيِيز؛ وَفِي (امْتَلَأَ الْإِنَاء مَاء) الأَصْل (من مَاء) وَإِذا جعل تمييزا فَالْأولى أَن يحمل على أَنه مُمَيّز جملَة جرى مجْرى مُمَيّز الْمُفْرد، فَإِن (من) لَا تدخل على مُمَيّز الْجُمْلَة
الْإِمْدَاد: هُوَ تَأْخِير الْأَجَل، وَأَن تنصر الأجناد بِجَمَاعَة غَيْرك، والإعطاء، والإغاثة
[قيل: مَا كَانَ على جِهَة الْقُوَّة والإعانة يُقَال فِيهِ: أمده إمدادا، وَمَا كَانَ على جِهَة الزِّيَادَة يُقَال فِيهِ: مده مدا، وَمِنْه: {وَالْبَحْر يمده} ]
وَأكْثر مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن الْإِمْدَاد فِي الْخَيْر نَحْو: {وأمددناكم بأموال وبنين}
وَالْمدّ: فِي الشَّرّ نَحْو: {ونمد لَهُ من الْعَذَاب} {ويمدهم فِي طغيانهم} بِخِلَاف أمطر، فَإِنَّهُ فِي الْخَيْر وَالشَّر، ومطر فِي الْخَيْر فَقَط، وَفِي أمطر معنى الْإِرْسَال حَتَّى يعدى إِلَى مَا أَصَابَهُ ب (على) وَإِلَى من أرسل وَأُصِيب بِنَفسِهِ ومطر يعدى إِلَى مَا أَصَابَهُ بِنَفسِهِ
[الإملال والإملاء: لُغَتَانِ فصيحتان مَعْنَاهُمَا وَاحِد جَاءَ بهما الْقُرْآن: {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بكرَة وَأَصِيلا} من الْإِمْلَاء، {وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق} من الإملال
وَلما قلبت اللَّام يَاء فِي (أمللت) تبعه الْمصدر فِي ذَلِك فَصَارَ (إملايا) فَقلب حرف الْعلَّة الْوَاقِع بعد الْألف الزَّائِدَة همزَة]
الْأُم: الوالدة حَقِيقَة: وَفِي مَعْنَاهَا: كل امْرَأَة رَجَعَ نسبك إِلَيْهَا بِالْولادَةِ من جِهَة أَبِيك أَو من جِهَة أمك
الأمل: هُوَ مَا تقيد بالأسباب
والأمنية: مَا تجردت عَنْهَا؛ {ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} أَي: فِي تِلَاوَته
وَالْجمع أماني؛ والأماني أَيْضا مَا يتمناه الْإِنْسَان ويشتهيه، والأكاذيب أَيْضا
الْإِمَارَة: بِالْكَسْرِ، الْولَايَة، وبالفتح: الْعَلامَة(1/187)
أمس: إِذا أُرِيد بِهِ قبل يَوْمك فَهُوَ مَبْنِيّ لتَضَمّنه معنى لَام التَّعْرِيف، فَإِنَّهُ معرفَة بِدَلِيل (الدابر) ، وَلَوْلَا أَنه معرفَة بِتَقْدِير اللَّام لما وصف بالمعرفة، وَهَذَا مِمَّا وَقعت مَعْرفَته قبل نكرته
وَالَّذِي يُرَاد بِهِ الزَّمَان الْمَاضِي فَهُوَ مُعرب يدْخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام {كَأَن لم تغن بالْأَمْس} وَلَا يُضَاف [نوع] {إِلَّا أماني} : أَحَادِيث آمين: استجب أَو كَذَلِك افْعَل هَذَا الْفِعْل
{وأملي لَهُم} : أطيل لَهُم الْمدَّة وأتركهم ملاوة من الدَّهْر، أَي: حينا من الدَّهْر
وأمرنا وآمرنا: بِمَعْنى وَاحِد أَي: كَثرْنَا وأمرناهم: مشددا جعلناهم أُمَرَاء وَيُقَال: أمرنَا من الْأَمر أَي: أمرناهم بِالطَّاعَةِ
{خشيَة إملاق} : الْفقر أَو الْجُوع
{أمرنَا مُتْرَفِيهَا} : سلطنا شِرَارهَا
{عرضنَا الْأَمَانَة} : الْفَرَائِض، أَو كلمة التَّوْحِيد، وَقيل: الْعَدَالَة، وَقيل: حُرُوف التهجي، وَقيل: الْعقل وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي " الْمُفْردَات "
{نُطْفَة أمشاج} : مُخْتَلفَة الألوان؛ عَن ابْن عَبَّاس: اخْتِلَاط مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة
{وأملي لَهُم} : وأمهلهم
{فِي إِمَام مُبين} : يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
{أمتعكن} : أعطكن الْمُتْعَة
{لكل أمة} : أهل دين
{بعد أمة} : بعد حِين
{امتكم} : دينكُمْ
{شَيْئا} : أمرا عَظِيما
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا} : دوموا على الْإِيمَان
{كل أنَاس بإمامهم} : كتاب رَبهم. {أمتكُم أمة وَاحِدَة} : ملتكم مِلَّة وَاحِدَة، أَي: متحدة فِي العقائد وأصول الشَّرَائِع، أَو جماعتكم جمَاعَة وَاحِدَة، أَي: متفقة على الْإِيمَان والتوحيد فِي الْعِبَادَة
{أمثلهم طَريقَة} : أعدلهم رَأيا أَو عملا
{عوجا وَلَا أمتا} : نتوءا أَو ارتفاعا وهبوطا
{أمدا} : غَايَة
{وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ} : جهلة
{لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني} : أَي إِلَّا كذبا(1/188)
أَو تِلَاوَة مُجَرّدَة عَن الْمعرفَة من حَيْثُ التِّلَاوَة بِلَا معرفَة الْمَعْنى تجْرِي عِنْد صَاحبهَا مجْرى أُمْنِية يمنيه على التخمين
{فأمه هاوية} : أَي: مثواه النَّار
{امكثوا} : أقِيمُوا مَكَانكُمْ
{أَو أمضي حقبا} : أَو أَسِير زَمَانا طَويلا
{آمين الْبَيْت} : قَاصِدين لزيارته
(فصل الْألف وَالنُّون)
[الْإِنْكَار] : عَن مُجَاهِد: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَن) فَهُوَ إِنْكَار
[الْإِنْفَاق] : قَالَ بَعضهم: كل إِنْفَاق فِي الْقُرْآن فَهُوَ الصَّدَقَة، إِلَّا {فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا} فَإِن المُرَاد الْمهْر
[انْتهى] : كل شَيْء بلغ الْحَد فقد انْتهى
[أنسي] : كل مَا يؤنس بِهِ فَهُوَ أنسي
[انتحى] : كل من جد فِي أَمر فقد انتحى فِيهِ، وَمِنْه: (انتحى الْفرس فِي عدوه) [إِنَّمَا، أَنما] كل مَا أوجب (إِنَّمَا) بِالْكَسْرِ للحصر أوجب (أَنما) بِالْفَتْح للحصر أَيْضا، لِأَنَّهَا فرع عَنْهَا، وَمَا ثَبت للْأَصْل ثَبت للفرع، مَا لم يثبت مَانع مِنْهُ وَالْأَصْل عَدمه، وَمُوجب الْحصْر مَوْجُود فيهمَا، وَهُوَ تضمن معنى (مَا) و (إِلَّا) أَو اجْتِمَاع حرفي التَّأْكِيد؛ وَقد اجْتمع الحصران فِي قَوْله تَعَالَى: {قل إِنَّمَا يُوحى إِلَيّ أَنما إِلَهكُم إِلَه وَاحِد} وَفَائِدَة الِاجْتِمَاع الدّلَالَة على أَن الْوَحْي مَقْصُور على استئثار الله بالوحدانية؛ والحصر مُقَيّد لِأَن الْخطاب مَعَ الْمُشْركين، لَا مُطلق، لاقْتِضَائه أَنه لم يُوح إِلَيْهِ سوى التَّوْحِيد
وَلَيْسَ كَذَلِك هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ والبيضاوي
[وَقَالَ الْفَخر الرَّازِيّ: (إِنَّمَا) لحصر الشَّيْء فِي الحكم أَو لحصر الحكم فِي الشَّيْء، لِأَن (إِن) للإثبات و (مَا) للنَّفْي، وَيَقْتَضِي إِثْبَات الْمَذْكُور وَنفي مَا عداهُ، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن (مَا) فِي (إِنَّمَا) كَافَّة عِنْد النُّحَاة وَلَيْسَت بنافية، لِأَنَّهَا قسيمه، وقسيم الشَّيْء لَا يكون عينه وَلَا قسمه، وَبِأَن دُخُول (إِن) على (مَا) النافية لَا يَسْتَقِيم، لِأَن كلا مِنْهُمَا لَهُ صدر الْكَلَام فَلَا يجمع بَينهمَا]
وَذهب جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَالْغَزالِيّ وَغَيرهم إِلَى أَن (إِنَّمَا) بِالْكَسْرِ ظَاهر فِي الْحصْر إِن احْتمل التَّأْكِيد، لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق " و " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ "
قُلْنَا: الْحصْر لم ينشأ إِلَّا من عُمُوم الْوَلَاء والأعمال، إِذْ الْمَعْنى: كل وَلَاء للْمُعْتق، وكل عمل بنية، وَهُوَ كلي مُوجب فَيَنْتَفِي مُقَابِله الجزئي السالب
قَالَ الْآمِدِيّ وَأَبُو حَيَّان: (إِنَّمَا) لَا تفِيد الْحصْر وَإِنَّمَا تفِيد تَأْكِيد الْإِثْبَات فَقَط، لِأَنَّهَا مركبة من (إِن) الْمُؤَكّدَة و (مَا) الزَّائِدَة الكافة، وَلَا تعرض لَهَا للنَّفْي الْمُشْتَمل عَلَيْهِ الْحصْر، بِدَلِيل حَدِيث: " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة " فَإِن الرِّبَا فِي غير النَّسِيئَة كربا الْفضل ثَابت بِالْإِجْمَاع وَقَوله تَعَالَى: (إِنَّمَا(1/189)
حرم رَبِّي الْفَوَاحِش} إِذْ لَيْسَ (إِنَّمَا) فِيهِ للحصر، والحصر فِي {إِنَّمَا إِلَهكُم الله} من أَمر خَارج، وَذَلِكَ أَنه سيق للرَّدّ على المخاطبين فِي اعْتِقَادهم إلهية غير الله وَالْجُمْهُور على أَن (أَنما) بِالْفَتْح لَا يُفِيد الْحصْر؛ وَالْفرع لَا يجب أَن يجْرِي على وتيرة الأَصْل فِي جَمِيع أَحْكَامه وَقيل: الْمَفْتُوحَة أصل الْمَكْسُورَة؛ وَقيل: كل مِنْهُمَا أصل بِرَأْسِهِ، وَأحسن مَا يسْتَعْمل (إِنَّمَا) فِي مَوَاضِع التَّعْرِيض نَحْو: {إِنَّمَا يتَذَكَّر أولو الْأَلْبَاب} إِن: بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد هِيَ فِي لُغَة الْعَرَب تفِيد التَّأْكِيد وَالْقُوَّة فِي الْوُجُود، وَلِهَذَا أطلقت الفلاسفة لفظ الإنية على وَاجِب الْوُجُود لذاته، لكَونه أكمل الموجودات فِي تَأْكِيد الْوُجُود وَفِي قُوَّة الْوُجُود، وَهَذَا لفظ مُحدث لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب
(وَإِن) من الْحُرُوف الَّتِي شابهت الْفِعْل فِي عدد الْحُرُوف وَالْبناء على الْفَتْح وَلُزُوم الْأَسْمَاء وَإِعْطَاء مَعَانِيهَا والتعدي خَاصَّة فِي دُخُولهَا على اسْمَيْنِ، وَلذَلِك عملت عمله الفرعي، وَهُوَ نصب الْجُزْء الأول وَرفع الثَّانِي إِيذَانًا بِأَنَّهُ فرع فِي الْعَمَل دخيل فِيهِ
وَهِي مَعَ (مَا) فِي حيزها جملَة وَلَا تعْمل فِي موضعهَا عوامل الْأَسْمَاء
والمفتوحة مَعَ (مَا) فِي حيزها مُفْرد وتعمل فِي موضعهَا عوامل الْأَسْمَاء، وَإِنَّمَا اخْتصّت الْمَفْتُوحَة فِي مَوضِع الْمُفْرد لِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّة فَجرى مجْرى (أَن) الْخَفِيفَة
وَقد تنصب الْمَكْسُورَة الِاسْم وَالْخَبَر كَمَا فِي حَدِيث: " إِن قَعْر جَهَنَّم سبعين خَرِيفًا " وَقد يرْتَفع بعْدهَا الْمُبْتَدَأ فَيكون اسْمهَا ضمير شَأْن محذوفا نَحْو: " إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون " وَالْأَصْل إِنَّه
و (إِن) و (أَن) كِلَاهُمَا حرفا تَحْقِيق، فَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا، لأَنا إِذا منعنَا الْجمع بَين (ان) وَاللَّام لاتِّفَاقهمَا فِي الْمَعْنى، مَعَ أَنَّهُمَا مفترقان فِي اللَّفْظ، فَلِأَن نمْنَع الْجمع بَين (إِن) و (أَن) مَعَ اتِّفَاقهمَا لفظا وَمعنى أولى وَقَالَ بَعضهم: (إِن) الشَّدِيدَة الْمَكْسُورَة إِنَّمَا لَا تدخل على الْمَفْتُوحَة إِذا لم يكن بَينهمَا فصل، وَأما إِذا كَانَ فصل فَلَا منع، للاطباق على جَوَاز (إِن عِنْدِي أَن زيدا منطلق)
و (إِن) الْمَكْسُورَة لَا تغير معنى الْجُمْلَة بل تؤكدها، والمفتوحة تغير معنى الْجُمْلَة، لِأَنَّهَا مَعَ الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا فِي حكم الْمُفْرد؛ وَلِهَذَا وَجب الْكسر فِي كل مَوضِع تبقى الْجُمْلَة بِحَالِهَا، وَوَجَب الْفَتْح فِي كل مَوضِع يكون مَا بعْدهَا فِي حكم الْمُفْرد
وَكسرت همزَة (إِن) بعد القَوْل نَحْو: {قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا} لِأَن مقول القَوْل جملَة
وَبعد الدُّعَاء نَحْو: {رَبنَا إِنَّك}
وَبعد النَّهْي نَحْو: {لَا تحزن إِن الله مَعنا}
وَبعد النداء نَحْو: {يَا لوط إِنَّا رسل رَبك}
وَبعد (كلا) نَحْو: {كلا إِنَّهُم}(1/190)
وَبعد الْأَمر نَحْو: {ذُقْ إِنَّك}
وَبعد (ثمَّ) نَحْو: {ثمَّ إِن علينا}
وَبعد الإسم الْمَوْصُول، لِأَن صلَة الْمَوْصُول لَا تكون إِلَّا جملَة نَحْو: {آتيناه من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه}
وتكسر أَيْضا إِذا دخل اللَّام على خَبَرهَا نَحْو: {إِنَّك لرَسُوله}
وَكَذَا إِذا وَقعت جَوَاب الْقسم نَحْو: {وَالْعصر إِن الْإِنْسَان}
لِأَن جَوَاب الْقسم لَا يكون إِلَّا جملَة
وَكَذَا إِذا كَانَت مبدوءا بهَا لفظا أَو معنى نَحْو: (إِن زيدا قَائِم)
وَكَذَا بعد (أَلا) التنبيهية، وَبعد وَاو الْحَال، وَبعد حَيْثُ
قَالَ بَعضهم: وَالْأَوْجه جَوَاز الْوَجْهَيْنِ بعد (حَيْثُ) : الْكسر بِاعْتِبَار كَون الْمُضَاف إِلَيْهِ جملَة، وَالْفَتْح بِاعْتِبَار كَونه فِي معنى الْمصدر
وَلُزُوم إضافتها إِلَى الْجُمْلَة لَا يَقْتَضِي وجوب الْكسر، لِأَن الأَصْل فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ أَن يكون مُفردا، وَامْتِنَاع إضافتها إِلَى الْمُفْرد إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظ لَا فِي الْمَعْنى؛ على أَن الْكسَائي جوز إضافتها إِلَيْهِ
وَإِن: فعل أَمر للمؤنث مُؤَكد بالنُّون الثَّقِيلَة
أَن وَأَن الْمَفْتُوحَة الشَّدِيدَة للْحَال، والخفيفة تصلح للماضي والاستقبال
وَأَن الشَّدِيدَة تفِيد التَّأْكِيد، وَأَن الناصبة لَا تفيده، وَلذَلِك وَجب أَن تقرن الشَّدِيدَة بِمَا يُفِيد التَّحْقِيق، والمخففة الناصبة بِمَا يدل على الشَّك والتردد فِيهِ
وَلَا تعْمل الْخَفِيفَة فِي الضَّمِير إِلَّا لضَرُورَة، بِخِلَاف الشَّدِيدَة؛ وَفِي غير هَذَا من الْأَحْكَام حَالهَا كَحال الشَّدِيدَة إِذا عملت
والمفتوحة الشَّدِيدَة تصير مَكْسُورَة بقطعها عَمَّا تتَعَلَّق بِهِ، وَلَا تصير الْمَكْسُورَة مَفْتُوحَة إِلَّا بوصلها بِمَا تتَعَلَّق بِهِ
وَالْجُمْلَة مَعَ الْمَكْسُورَة بَاقِيَة على استقلالها بعائدها، وَمَعَ الْمَفْتُوحَة منقبلة إِلَى حكم الْمُفْرد، وهما سيان فِي إِفَادَة التَّأْكِيد
وتفتح (أَن) وجوبا بِأَن كَانَت مَعَ مَا بعْدهَا فاعلة نَحْو: (بَلغنِي أَن زيدا قَائِم) لوُجُوب كَون الْفَاعِل مُفردا، وَكَذَا إِذا كَانَت مَعَ مَا بعْدهَا مُبْتَدأ نَحْو: (عِنْدِي أَنَّك عَالم) لوُجُوب كَون الْمُبْتَدَأ مُفردا.
وَكَذَا إِذا كَانَت مَعَ مَا بعْدهَا مَفْعُولا نَحْو: (علمت أَنَّك كريم) لوُجُوب كَون الْمَفْعُول مُفردا
وَكَذَا إِذا كَانَت مَعَ مَا بعْدهَا مُضَافا إِلَيْهِ نَحْو: (أعجبني اشتهار أَنَّك فَاضل) لوُجُوب كَون الْمُضَاف إِلَيْهِ مُفردا
وَكَذَا بعد (لَوْلَا) الابتدائية نَحْو: (لَوْلَا أَنَّك منطلق) لِأَن مَا بعد (لَوْلَا) مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف
وَكَذَا بعد (لَو) التحضيضية نَحْو: (لَوْلَا أَن زيدا قَائِم) بِمَعْنى (هلا) ، لِأَن (لَوْلَا) هَذِه يجب دُخُولهَا على الْفِعْل لفظا أَو تَقْديرا
وَكَذَا بعد (لَو) نَحْو: (لَو أَنَّك قَائِم) لوُقُوعه موقع الْمُفْرد، لكَونه فَاعِلا لفعل مَحْذُوف، أَي: لَو وَقع قيامك(1/191)
وَجَاز الْكسر وَالْفَتْح فِي مَوضِع جَازَ فِيهِ تَقْدِير الْمُفْرد وَالْجُمْلَة نَحْو: (من يكرمني فَإِنِّي أكْرمه) فَإِن جعلت تَقْدِيره (فَأَنا أكْرمه) وَجب الْكسر لكَونهَا وَاقعَة ابْتِدَاء، وَإِن جعلت تَقْدِيره (فَجَزَاؤُهُ الْإِكْرَام مني) وَجب الْفَتْح لوقوعها خَبرا لمبتدأ وَهُوَ وَاحِد نَحْو: (أول قولي إِنِّي أَحْمد الله)
وَكَذَا إِذا وَقعت بعد (إِذا) الفجائية أَو فَاء الْجَزَاء أَو (أما) أَو (لَا جرم) أَو وَقعت فِي مَوضِع التَّعْلِيل
وَقد تخفف الْمُشَدّدَة فَيبْطل عَملهَا عِنْد النُّحَاة كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَن لعنة الله على الظَّالِمين} (أَن) : بِالْفَتْح مُخَفّفَة تدل على ثبات الْأَمر واستقراره لِأَنَّهَا للتوكيد كالمشددة، فَمَتَى وَقعت بعد علم وَجب أَن تكون المخففة نَحْو: {علم أَن سَيكون}
وَإِذا وَقعت بعد مَا لَيْسَ بِعلم وَلَا شكّ وَجب أَن تكون الناصبة، وَإِذا وَقعت بعد فعل يحْتَمل الْيَقِين وَالشَّكّ جَازَ فِيهَا وَجْهَان باعتبارين: إِن جَعَلْنَاهُ يَقِينا جعلناها المخففة ورفعنا مَا بعْدهَا، وَإِن جَعَلْنَاهُ شكا جعلناها الناصبة ونصبنا مَا بعْدهَا نَحْو: {وَحَسبُوا أَن لَا تكون} قرئَ بِالرَّفْع إِجْرَاء للظن مجْرى الْعلم، وَبِالنَّصبِ إِجْرَاء لَهُ على أَصله من غير تَأْوِيل، وَهُوَ أرجح وَلِهَذَا أَجمعُوا عَلَيْهِ فِي {الم أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا}
وَالَّذِي لَا يدل على ثبات واستقرار تقع بعده الناصبة نَحْو: {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي} والمحتمل للأمرين تقع بعده تَارَة المخففة وَتارَة الناصبة لما تقدم من الإعتبارين
وتزاد مَعَ (لما) كثيرا نَحْو: {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} ، وَبعد وَاو الْقسم الْمُتَقَدّم عَلَيْهِ نَحْو: (وَالله أَن لَو قَامَ زيد قُمْت) ، وَبعد الْكَاف قَلِيلا كَقَوْلِه: كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى ناضر السّلم
والفارق بَين (أَن) المخففة والمصدرية: أما من حَيْثُ الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِن عني بِهِ الِاسْتِقْبَال فَهِيَ الْخَفِيفَة، وَإِلَّا فَهِيَ المصدرية، وَأما من حَيْثُ اللَّفْظ لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْفِعْل الْمَنْفِيّ مَنْصُوبًا فَهِيَ المصدرية، وَإِلَّا فَهِيَ المخففة
وَأَن المصدرية يجوز أَن تتقدم على الْفِعْل لِأَنَّهَا معمولة، وَإِذا كَانَت مفسرة لم يجز ذَلِك لِأَن الْمُفَسّر لَا يتَقَدَّم على الْمُفَسّر
وَأَن الموصولة المصدرية إِذا وصلت بالماضي يؤول بِالْمَصْدَرِ الْمَاضِي، وَإِذا وصلت بالمضارع يؤول بِالْمَصْدَرِ الْمُسْتَقْبل، وَإِذا وليت الْمُضَارع تنصبه وَكَانَ مَعْنَاهَا الِاسْتِقْبَال، وَإِذا وليت الْمَاضِي خلع عَنْهَا الدّلَالَة على الْمُسْتَقْبل، وَلِهَذَا يَقع بعْدهَا الْمَاضِي الصَّرِيح، تَقول: (سرني أَن قُمْت أمس)
وَلَا تدخل (أَن) المصدرية على الْأَفْعَال غير المتصرفة الَّتِي لَا مصَادر لَهَا
و (أَن) المخففة: تكون شَرْطِيَّة وَتَكون للنَّفْي كالمكسورة، وَتَكون بِمَعْنى (إِذْ) ، قيل: وَمِنْه: (بل(1/192)
عجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر} ؛ وَبِمَعْنى (لِئَلَّا) قيل: وَمِنْه: {يبين الله لكم أَن تضلوا} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّوَاب أَنَّهَا هَهُنَا مَصْدَرِيَّة، وَالْأَصْل: كَرَاهَة أَن تضلوا
وَتَقَع بِمَعْنى (الَّذِي) كَقَوْلِهِم: (زيد أَعقل من أَن يكذب) أَي: من الَّذِي يكذب
وَتَكون مفسرة بِمَنْزِلَة (أَي) نَحْو: {فأوحينا إِلَيْهِ أَن أصنع الْفلك}
و (أَن) المفسرة لَا تكون إِلَّا بعد فعل يتَضَمَّن معنى القَوْل أَعم من أَن يكون ذَلِك بِحَسب دلَالَة اللَّفْظ بِنَفسِهِ، كَمَا فِي: (لبيت) و (ناديت) ، أَو دلَالَة الْحَال كَمَا فِي: {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا} : أَي امشوا
[وَقدر (أَن) بعد لَام (كي) وَلَام الْجُحُود فِي " الرضى ": يقدر فِي أَمْثَاله مَعَ كَونهَا زَائِدَة وَفِي " التسهيل ": تظهر (أَن) وتضمر بعد لَام الْجَرّ غير الجحودية]
وَيجوز إِظْهَار (أَن) مَعَ لَام (كي) ، وَلَا يجوز مَعَ لَام النَّفْي، لِأَن (لم يكن ليقوم) إِيجَابه (كَانَ سيقوم) فَجعلت اللَّام فِي مُقَابلَة السِّين، فَكَمَا لَا يجوز أَن يجمع بَين (أَن) الناصبة وَبَين السِّين وسوف، كَذَلِك لَا يجمع بَين (أَن) وَاللَّام الَّتِي هِيَ مُقَابلَة لَهَا
وَأَن: مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ، وَلذَلِك كَانَت عاملة فِيهِ؛ و (مَا) تدخل على الْفِعْل وَالْفَاعِل والمبتدأ وَالْخَبَر، وَلعدم اخْتِصَاص (مَا) لم تعْمل شَيْئا
و (أَن) فِي (أَن الْحَمد وَالنعْمَة لَك) كَمَا فِي أَرْكَان الْحَج بِالْفَتْح على التَّعْلِيل كَمَا قَالَه الشَّافِعِي، كَأَنَّهُ يَقُول: أجيبك لهَذَا السَّبَب، وبالكسر عِنْد أبي حنيفَة وَهُوَ أصح وَأشهر على مَا قَالَه النَّوَوِيّ وأحوط عِنْد الْجُمْهُور كَمَا قَالَه ابْن حجر، وَوجه ذَلِك أَنه يَقْتَضِي أَن تكون الْإِجَابَة مُطلقَة غير مُقَيّدَة
وَقد تَجِيء (أَن) بِالْفَتْح بِمَعْنى (لَعَلَّ) حَكَاهُ الْخَلِيل عَن الْعَرَب
(إِن) بِالْكَسْرِ مُخَفّفَة: للشَّكّ مثل: {وَإِن كُنْتُم جنبا} و (إِذا) للجزم مثل: {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} لِأَن الْقيام إِلَى الصَّلَاة فِي حق الْمُسلم قَطْعِيّ الْوُقُوع غَالِبا، وَأما الْجَنَابَة فَإِنَّهَا من الْأُمُور الْعَارِضَة غير المجزوم بوقوعها، حَيْثُ يجوز أَن يَنْقَضِي عمر شخص وَلَا يحصل لَهُ الْجَنَابَة بعد أَن صَار مُخَاطبا بالتكاليف الشَّرْعِيَّة
[وَاسْتشْكل بقوله تَعَالَى: {وَلَئِن متم} {} (أَفَإِن مَاتَ} ، بقوله {وَإِذا مس الْإِنْسَان ضرّ} وَأجِيب بِأَن الْمَوْت لما كَانَ مَجْهُول الْوَقْت أجري المجزوم مجْرى غير المجزوم وَلما قصد التوبيخ والتقريع أَتَى ب (إِذا) تخويفا لَهُم وإخبارا بِأَنَّهُم لَا بُد أَن يمسهم شَيْء من الْعَذَاب، والتقليل مُسْتَفَاد من لفظ (الْمس) وتنكير (الضّر)
قَالَ الْجُوَيْنِيّ: الَّذِي أَظُنهُ أَن (إِذا) يجوز دُخُولهَا على الْمُتَيَقن والمشكوك، لِأَنَّهَا ظرف وَشرط، فبالنظر إِلَى الشَّرْط يدْخل على الْمَشْكُوك، وبالنظر(1/193)
إِلَى الظّرْف يدْخل على الْمُتَيَقن كَسَائِر الظروف]
وَإِن: تكون بِمَعْنى (إِذْ) نَحْو: {وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين}
وَبِمَعْنى (لقد) نَحْو: {إِن كُنَّا عَن عبادتكم لغافلين}
وَتَكون شَرْطِيَّة نَحْو: {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَكَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين} فَإِنَّهَا لمُجَرّد الشّرطِيَّة فَلَا تشعر بِانْتِفَاء الطَّرفَيْنِ وَلَا بنقيضه، بل بِانْتِفَاء مَعْلُول اللَّازِم الدَّال على انْتِفَاء ملزومه
وَقد تقترن ب (لَا) فيظن أَنَّهَا (إِلَّا) الاستثنائية نَحْو: {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله}
وَتَكون نَافِيَة وَتدْخل على الْجُمْلَة الاسمية نَحْو: {إِن الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غرور} و {إِن الحكم إِلَّا لله} والفعلية نَحْو: {إِن أردنَا إِلَّا الْحسنى} {وَإِن أَدْرِي أَقَرِيب} وتزاد مَعَ (مَا) النافية نَحْو: (مَا إِن رَأَيْت زيدا) وَحَيْثُ وجدت (إِن) وَبعدهَا لَام مَفْتُوحَة فاحكم بِأَن أَصْلهَا التَّشْدِيد
وَقد تكون بِمَعْنى (قد) ، قيل مِنْهُ: {إِن نَفَعت الذكرى} {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين} وَنَحْو ذَلِك مِمَّا كَانَ الْفِعْل فِيهِ محققا [وَقد تَجِيء للتَّأْكِيد كَمَا فِي حَدِيث: " وَإِن زنى وَإِن سرق]
وَإِذا دخلت (إِن) على (لم) فالجزم ب (لم)
وَإِذا دخلت على (لَا) فالجزم ب (إِن) لَا ب (لَا) ؛ وَذَلِكَ أَن (لم) عَامل يلْزمه معموله، وَلَا يفصل بَينهمَا بِشَيْء؛ و (إِن) يجوز الْفَصْل بَينهَا وَبَين معمولها بمعموله، و (لِئَلَّا) تعْمل الْجَزْم إِذا كَانَت نَافِيَة فأضيف الْعَمَل إِلَى (إِن)
وَقد أجروا كلمة (إِن) مَكَان (لَو) وَعَلِيهِ قَوْلنَا: (وَإِلَّا لما فعلته) ، (وَإِلَّا لَكَانَ كَذَا)
إِن الوصلية: مُوجبهَا ثُبُوت الحكم بِالطَّرِيقِ الأولى عِنْد نقيض شَرطهَا
وَإِن للاستقبال سَوَاء دخلت على الْمُضَارع أَو الْمَاضِي، كَمَا أَن (لَو) للمضي على أَيهمَا دخلت؛ وَقد تسْتَعْمل ك (إِن) فِي الْمُسْتَقْبل فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة وَلَو أَعجبتكُم} ؛ و (إِن) لكَونه لتعليق أَمر بِغَيْرِهِ فِي الِاسْتِقْبَال لَا يكون كل من جملتيه إِلَّا فعلية استقبالية، وَقد يُخَالف ذَلِك لفظا لنكتة، كإبراز غير الْحَاصِل فِي معرض الْحَاصِل لقُوَّة الْأَسْبَاب أَو لكَون مَا هُوَ للوقوع كالواقع، أَو للتفاؤل، أَو لإِظْهَار الرَّغْبَة فِي وُقُوعه نَحْو: (إِن ظَفرت بِحسن الْعَاقِبَة) وَإِن جعلت تِلْكَ الجملتين أَو إِحْدَاهمَا(1/194)
اسمية أَو فعلية ماضوية فَالْمَعْنى على الاستقبالية
وَلَكِن قد يسْتَعْمل (إِن) فِي غير الِاسْتِقْبَال قِيَاسا إِذا كَانَ الشَّرْط لفظ (كَانَ) ، إِذْ قد نَص الْمبرد والزجاج على أَن (إِن) لَا تقلب (كَانَ) إِلَى معنى الِاسْتِقْبَال ومجيء (إِن) للشّرط فِي الْمُضِيّ مطرد مَعَ (كَانَ) نَحْو: {إِن كُنْتُم فِي ريب} ، وَمَعَ الْوَصْل نَحْو: (زيد بخيل وَإِن كثر مَاله) ، وَمَعَ غَيرهمَا قَلِيل كَقَوْلِه:
(فيا وطني إِن فَاتَنِي بك سَابق)
وَقد يُؤْتى بِالشّرطِ مَعَ الْجَزْم بِعَدَمِ وُقُوعه إِقَامَة للحجة بِقِيَاس بَين، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل بئْسَمَا يَأْمُركُمْ بِهِ إيمَانكُمْ إِن كُنْتُم مُؤمنين} أَي: إِن كُنْتُم مُؤمنين بِالتَّوْرَاةِ فبئس مَا يَأْمُركُمْ بِهِ إيمَانكُمْ، لِأَن الْمُؤمن يَنْبَغِي أَن لَا يتعامل إِلَّا بِمَا يَقْتَضِيهِ إيمَانه، لَكِن الْإِيمَان بِالتَّوْرَاةِ لَا يَأْمر بِهِ فَإِذن لَسْتُم بمؤمنين
وَقَول النَّحْوِيين إِن (إِن) إِذا دخل على الْمَاضِي يصيره مُسْتَقْبلا عكس (لَو) ينْتَقض بقوله تَعَالَى: {إِن كنت قلته فقد عَلمته}
[قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِن قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانَت لكبيرة} تَأْكِيد يشبه الْيَمين، أَي: وَقد كَانَت، وَلذَلِك دخلت اللَّام فِي الْجَواب]
و (إِن) لَا تسْتَعْمل فِي خطر، بِخِلَاف (كلما) فَإِنَّهَا قد تسْتَعْمل فِي الْأُمُور الكائنة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ} إِلَى آخِره
ونضج الْجُلُود كَائِن لَا محَالة، وَلما كَانَت (إِن) لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي خطر وَالشّرط هُوَ مَا يكون فِي خطر ف (إِن) لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الشَّرْط
قَالَ بَعضهم: وَقع فِي الْقُرْآن (إِن) بِصِيغَة الشَّرْط وَهُوَ غير مُرَاد فِي سِتَّة مَوَاضِع: {إِن أردن تَحَصُّنًا} ، {إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ} {وَإِن كُنْتُم على سفر} ، {إِن ارتبتم فعدتهن} {إِن خِفْتُمْ} {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك إِن أَرَادوا إصلاحا} أَنى ك (حَتَّى) : استفهامية بِمَعْنى (كَيفَ) نَحْو: {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا}
أَو بِمَعْنى (أَيْن) نَحْو: {أَنى لَك هَذَا}
وَترد أَيْضا بِمَعْنى (مَتى) و (حَيْثُ)
وَيحْتَمل الْكل قَوْله تَعَالَى: {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} لَكِن لما كَانَت كلمة (أَنى) مُشْتَركَة فِي معنيي (كَيفَ) و (أَيْن) وأشكل الْإِتْيَان فِي الْآيَة تأملنا فِيهِ فَظهر أَنه بِمَعْنى (كَيفَ) لقَرِينَة الْحَرْث، وَالَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان وَغَيره أَنَّهَا فِي هَذِه الْآيَة شَرْطِيَّة حذف جوابها لدلَالَة مَا قبلهَا عَلَيْهِ(1/195)
الْإِنْزَال: هُوَ نقل الشَّيْء من أَعلَى إِلَى أَسْفَل، وَهُوَ إِنَّمَا يلْحق الْمعَانِي بتوسط لُحُوقه الذوات الحاملة لَهَا
وَيسْتَعْمل فِي الدفعي لِأَن (أفعلته) يكون لإيقاع الْفِعْل دفْعَة وَاحِدَة
والتنزيل: يسْتَعْمل فِي التدريجي، لِأَن (فعلته) يكون لإيقاع الْفِعْل شَيْئا فَشَيْئًا [وَقَوله تَعَالَى: {لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} بِمَعْنى أنزل ك (خبر) بِمَعْنى (أخبر) فَلَا تدافع] قَالَ ابْن كَمَال: تَضْعِيف (نزلنَا) بِمَنْزِلَة همزَة الْفِعْل، وَلَا دلَالَة فِي (نزل) مشددا على النُّزُول منجما فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة، لِأَن مبناه على أَن يكون التَّضْعِيف للتكثير، وَذَلِكَ فِي الْمُتَعَدِّي نَحْو: (قطعت) وَلَا يكون فِي اللَّازِم إِلَّا نَادرا نَحْو: (مَاتَ الْإِبِل) و (موت) إِذا كثر ذَلِك فِيهِ
وَقيل: الْإِنْزَال بِوَاسِطَة جِبْرِيل، والتنزيل بِلَا وَاسِطَة
والتنزيل: النُّزُول على مهل لِأَنَّهُ مُطَاوع (نزل) ، وَقد يُطلق بِمَعْنى النُّزُول مُطلقًا كَمَا يُطلق (نزل) بِمَعْنى (أنزل)
وَالنُّزُول بِاعْتِبَار أَنه من فَوق يعدى ب (على) ، وَبِاعْتِبَار أَنه يَنْتَهِي إِلَى الْمُرْسل إِلَيْهِ يعدى ب (إِلَى) قَالَ الله تَعَالَى فِي خطاب الْمُسلمين: {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} و (إِلَى) يَنْتَهِي بهَا من كل جِهَة يَأْتِي مبلغه إيَّاهُم مِنْهَا، وَقَالَ مُخَاطبا للنَّبِي: {قل آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل علينا} لِأَن النَّبِي إِنَّمَا أُتِي لَهُ من جِهَة الْعُلُوّ خَاصَّة
وَنسبَة التَّنْزِيل إِلَى النَّبِي أَولا وبالذات وَإِلَى الْأمة ثَانِيًا وبالعرض، كالحركة بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّفِينَة، فَيكون مجَازًا فيهم، لَكِن قَوْله تَعَالَى: {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ} يُفِيد الْحَقِيقَة وَيُؤَيِّدهُ عمومات الْخطاب، وَلَا يُنَافِيهِ نزُول جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام واختصاص الْوَحْي بِهِ وَهُوَ الْفَرد الْكَامِل الْعُمْدَة مِمَّن أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن الْوَاسِطَة فِي التَّبْلِيغ؛ نَظِيره أَن الْمُسَافِر إِذا نزل بداره وَنزل بِبَلَدِهِ حَقِيقَة
الانسجام: هُوَ أَن يكون الْكَلَام لخلوه من العقادة متحدرا كتحدر المَاء المنسجم لسهولته وعذوبة أَلْفَاظه وَعدم تكلفه ليَكُون لَهُ فِي الْقُلُوب موقع وَفِي النُّفُوس تَأْثِير؛ من ذَلِك مَا وَقع فِي أثْنَاء آيَات التَّنْزِيل مَوْزُونا بِغَيْر قصد
فَمن الطَّوِيل {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر}
وَمن المديد: {واصنع الْفلك بأعيننا}
وَمن الْبَسِيط: {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم}
وَمن الوافر: {ويخزهم وينصركم عَلَيْهِم ويشف صُدُور قوم مُؤمنين}
وَمن الْكَامِل: {وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم}
وَمن الهزج: (فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ(1/196)
بَصيرًا}
وَمن الرجز: {ودانية عَلَيْهِم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا}
وَمن الرمل: {وجفان كالجواب وقدور راسيات}
وَمن السَّرِيع: {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة}
وَمن المنسرح: {إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة}
وَمن الْخَفِيف: {لَا يكادون يفقهُونَ حَدِيثا}
وَمن الْمُضَارع: {تولون مُدبرين}
وَمن المقتضب: {فِي قُلُوبهم مرض}
وَمن المجتث: {نبىء عبَادي أَنِّي أَنا الغفور الرَّحِيم}
وَمن المتقارب: {وأملي لَهُم إِن كيدي متين}
وَمن أَمْثِلَة الانسجام الْجَارِي من أشعار الفصحاء قَول أبي تَمام:
(نقل فُؤَادك حَيْثُ شِئْت من الْهوى ... مَا الْحبّ إِلَّا للحبيب الأول)
الْإِنْشَاء: الإيجاد والإحداث
وَأَنْشَأَ يَحْكِي: جعل وابتدأ
و [أنشأ] الله السَّحَاب: رَفعه
و [أنشأ] الحَدِيث: وَضعه
والنشيئة: مَا غض من كل نَبَات وَلم يغلظ بعد كالنشاءة
والإنشاء: إِخْرَاج مَا فِي الشَّيْء بِالْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْل
وَهُوَ كَمَا يُطلق على الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ لنسبته خَارج تطابقه أول، كَذَلِك يُطلق على فعل الْمُتَكَلّم، أَعنِي إِلْقَاء الْكَلَام الإنشائي كالإخبار، [والإنشاء والإخبار ليسَا بممتنعي الِاجْتِمَاع فِي كَلَام الْفُقَهَاء، كَمَا فِي المنقولات الشَّرْعِيَّة، فَإِنَّهَا من جِهَة أَن مضمونها لَا يثبت إِلَّا بهَا إنْشَاء، وَمن جِهَة أَن الشَّرْع قد اعْتبر إِيقَاع مضمونها من الْمُتَكَلّم لتصحيح الْكَلَام خبر، وَالْفرق بَينهمَا إِنَّمَا هُوَ بَين الْإِنْشَاء والإخبار عَمَّا فِي الْخَارِج تَحْقِيقا، كَمَا فِي الإخبارات الْمَحْضَة، وَأما الْفرق بَين الْإِنْشَاء والإخبار عَن خَارج ضَرُورِيّ لم يُثبتهُ الشَّرْع اقْتِضَاء لتصحيح الْكَلَام فأدق من الْفرق بَين الْإِنْشَاء والإخبار عَمَّا فِي النَّفس]
ثمَّ الْإِنْشَاء على نَوْعَيْنِ: إيقاعي: أَي مَوْضُوع لطلب الْمُتَكَلّم شَيْئا لم يكن بعد
وطلبي: أَي مَوْضُوع لطلب الْمُتَكَلّم شَيْئا من غَيره
ثمَّ الإيقاعي مِنْهُ على أنحاء، مِنْهَا أَفعَال متصرفة مَاضِيَة، أَو مضارعة حَالية بعد نقلهَا عَن مَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّة الإخبارية
أما الْمَاضِي فكألفاظ الْعُقُود والفسوخ الصادرة عَن الْمُتَكَلّم حَال مُبَاشَرَته العقد وَالْفَسْخ
وَأما الْمُضَارع فنحو: (أشهد بِاللَّه) و (أقسم بِاللَّه)(1/197)
و (أعوذ بِاللَّه) الصادرة عَنهُ حِين أَدَاء الشَّهَادَة وَالْقسم والاستعاذة
وَمِنْهَا أَفعَال غير متصرفة منقولة أَيْضا عَن مَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّة الإخبارية بِلَا اسْتِعْمَال فِيهَا بعد النَّقْل كأفعال الْمَدْح والذم والمقاربة والتعجب
وَمِنْهَا حُرُوف كواو الْقسم وبائه وتائه و (رب) و (كم) الخبرية و (لَعَلَّ)
وَمِنْهَا جمل اسمية إخبارية بعد النَّقْل أَيْضا كَقَوْل الْقَائِل: (أَنْت حر) و (أَنْت طَالِق) و (الْحَمد لله) على قَول، أَي حَال إِعْتَاقه وتطليقه وحمده
وَكَذَا الطلبي على أنحاء: أَمر، وَنهي، واستفهام وتمن، ونداء
وَقد يسْتَعْمل مقَام الْأَمر صِيغ الْإِخْبَار من الْمَاضِي والمضارع وَاسم الْمَفْعُول وَالْجُمْلَة الاسمية، وَذَلِكَ لاعتبارات خطابية لَطِيفَة يقتضيها الْمقَام، مثل إِظْهَار الْحِرْص فِي وُقُوع الْأَمر الْمَطْلُوب، والاحتراز عَن صُورَة الْأَمر رِعَايَة لحسن الْأَدَب، بِنَاء على أَن ظَاهر الْأَمر يُوهم علو دَرَجَة الْآمِر على دَرَجَة الْمَأْمُور، وَالْقَصْد إِلَى الْمُبَالغَة فِي الطّلب ليَكُون الْمَأْمُور مسارعا فِي إِتْيَانه بالمطلوب، وَغير ذَلِك من الاعتبارات الْمَذْكُورَة فِي كتب الْمعَانِي
[الْإِنْسَان: هُوَ عَام بِالنّظرِ إِلَى الْأَفْرَاد، خَاص بِالنّظرِ إِلَى نفس الْمَعْنى وَقطع النّظر عَن الْأَفْرَاد]
وَاعْلَم أَن الْإِنْسَان هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِهَذَا الْبدن وَلَا مدْخل للبدن فِي مُسَمَّاهُ، وَلَيْسَ الْمشَار إِلَيْهِ ب (أَنا) الهيكل المحسوس، بل الإنسانية [الَّتِي هِيَ صورتهَا النوعية الْحَالة فِي مادتها المحصلة لنَوْع الْبدن الإنساني، الَّتِي هِيَ كالآلة للنَّفس الناطقة فِي التَّصَرُّف فِي الْبدن فِي أَجْزَائِهِ
وَأما النَّفس الناطقة فَهِيَ وَإِن كَانَت كمالا أَولا ومبدءا للآثار والخواص الإنسانية، لَكِنَّهَا لَيست حَالَة فِي الْمَادَّة، بل هِيَ مُتَعَلقَة بهَا، فَلَا يُسمى صُورَة إِلَّا مجَازًا، وَتلك الإنسانية] المقومة لهَذَا الهيكل هَذَا على مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة وَالْغَزالِيّ، وَهِي لَطِيفَة ربانية نورانية روحانية سلطانية خلقت فِي عَالم اللاهوت فِي أحسن تَقْوِيم، ثمَّ ردَّتْ إِلَى عَالم الْأَبدَان الَّذِي هُوَ أَسْفَل فِي نظام سلسلة الْوُجُود؛ وَتلك اللطيفة هِيَ الْمُكَلف والمطيع والعاصي والمثاب والمعاقب
وَقَالَ جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين: إِن الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الهيكل المحسوس، وَيَعْنِي بِهِ هَذَا الْبدن الْمُتَقَوم بِالروحِ وَعبارَة الْأَشْعَرِيّ فِي " الابحار " أَن الْإِنْسَان هُوَ هَذِه الْجُمْلَة المصورة ذَات الأبعاض والصور، وَلَا خلاف لأحد من الْعُقَلَاء فِي أَن مَا عبر عَنهُ ب (أَنا) فِي (أَنا أكلت وشربت وَأمرت ومرضت وَخرجت وَدخلت) وأمثالها لَيْسَ إِلَّا الْبدن، وَالروح الْمُخْتَلف فِيهِ شَيْء آخر غير هَذَا؛ وَأما فِي مثل (أَنا رَأَيْت الْمَنَام) فيراد بِهِ الرّوح، وَذَلِكَ لشدَّة الملابسة بَينهمَا وعَلى هَذَا الأَصْل اخْتلف الْفُقَهَاء فِي مسَائِل
مِنْهَا: أَن مورد الْحل فِي النِّكَاح هَل هُوَ هَذَا الهيكل بأجزائه الْمُتَّصِلَة اتِّصَال خلقه، أَو إنسانية الْمَرْأَة دون الْأَجْزَاء والأعضاء؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة: هُوَ الْبدن بِدَلِيل: {فانكحوهن بِإِذن أهلهن} حَيْثُ أضَاف النِّكَاح إِلَى ذواتهن، والمعني بِالذَّاتِ جَمِيع الْأَجْزَاء والأعضاء الْمَوْجُودَة لَدَى العقد وَعند(1/198)
الْحَنَفِيَّة: الإنسانية، لِأَن الْأَجْزَاء الْمَوْجُودَة عِنْد العقد تتحلل وتتجدد فَيلْزم تجدّد النِّكَاح كل يَوْم، وَفِيه أَن النِّكَاح عرض فَلَا يبْقى زمانين، فَلَزِمَ التجدد أَيْضا فِي صُورَة كَون الْمَعْقُود عَلَيْهِ إنسانيتها، وَإِنَّمَا لم يضف الْحل إِلَى الْبضْع لِأَن الْبضْع مَوضِع بدل الْعِوَض، مَعَ عدم قطع النّظر عَن الإنسانية؛ وَالْمعْنَى هَهُنَا أَن الإنسانية مورد الْحل؛ وَأَن وُرُود العقد على جسم مُتَقَوّم
وَمِنْهَا: مَسْأَلَة غسل الزَّوْج زَوجته الْميتَة، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة جَائِز بِدَلِيل غسل عَليّ فَاطِمَة لبَقَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْبدن، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك عِنْد الْحَنَفِيَّة بِنَاء على أَن مورد العقد الْمَعْنى الزائل بِالْمَوْتِ، فَتبْطل أَهْلِيَّة المملوكية، مَعَ أَن لَهَا غسل زَوجهَا الْمَيِّت فِي الْعدة أَلْبَتَّة، إِذْ الزَّوْجِيَّة مَمْلُوكَة لَهُ فَبَقيَ مالكيتها لَهُ إِلَى انْقِضَاء الْعدة
وَمِنْهَا: لَو طلق روحها وَقع على الْمَذْهَب، وَفِيه خلاف مَبْنِيّ على أَن الرّوح جسم أَو عرض
وَمِنْهَا: لَو علق طَلاقهَا على رُؤْيَة زيد فرأته حَيا أَو مَيتا وَقع، وَلم يُخرجهُ الْمَوْت عَن كَونه زيدا
وَمِنْهَا: إِذا وجد بعض الْمَيِّت هَل يَنْوِي الصَّلَاة على جملَة الْمَيِّت أَو على مَا وجد مِنْهُ؟ كالاختلاف بَين الْمُتَكَلِّمين فِي أَن الْعُضْو المبان هَل يحضر مَعَه وَيدخل الْجنَّة إِن كَانَ من أَهلهَا؟ ثمَّ الْإِنْسَان عِنْد عُلَمَاء الشَّرِيعَة جنس وَالْمَرْأَة كَالرّجلِ نوع
وَعند المناطقة: الْإِنْسَان نوع وَالْحَيَوَان جنس [ثمَّ اعْلَم أَن الشَّيْء هُوَ إِنْسَان فِي الْحَقِيقَة أَجزَاء لَطِيفَة سَارِيَة فِي هَذَا الْبدن، بَاقِيَة من أول الْعُمر إِلَى آخِره، إِمَّا لأجل أَن تِلْكَ الْأَجْسَام أجسام مُخَالفَة للماهية لهَذِهِ الْأَجْسَام العنصرية الكائنة الْفَاسِدَة المتحللة، وَتلك الْأَجْسَام حَيَّة لذاتها، مضيئة شفافة، فَلَا جرم كَانَت مصونة عَن التبدل والتحلل، وَإِمَّا لِأَنَّهَا كَانَت مُتَسَاوِيَة لهَذِهِ الْأَجْسَام العنصرية إِلَّا أَن الْفَاعِل الْمُخْتَار صانها عَن التَّغَيُّر والانحلال بقدرته، وَجعلهَا بَاقِيَة دائمة من أول الْعُمر إِلَى آخِره، فَعِنْدَ الْمَوْت تنفصل تِلْكَ الْأَجْزَاء الجسمانية الَّتِي هِيَ الْإِنْسَان، وَتبقى على حَالهَا حَيَّة مدركة عَاقِلَة فاهمة، وتتخلص إِمَّا إِلَى منَازِل السُّعَدَاء، وَإِمَّا إِلَى منَازِل الأشقياء
ثمَّ إِن الله تَعَالَى يضم يَوْم الْقِيَامَة إِلَى هَذِه الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة أَجزَاء آخر زَائِدَة كَمَا فعل ذَلِك فِي الدُّنْيَا، ويوصل الثَّوَاب وَالْعِقَاب على مَا كَانَ مُطيعًا أَو عَاصِيا فِي الدُّنْيَا هَذَا على القَوْل بِأَن الْإِنْسَان جسم محسوس سَار فِي هَذَا الْبدن، وَكَذَا على قَول من يَقُول: إِن الْإِنْسَان عبارَة عَن جَوْهَر مُجَرّد عَن الحجمية والمقدار وَسَيَجِيءُ التَّفْصِيل فِي بحث الرّوح وَالنَّفس إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَيْضا أَن] من عادات الْقُرْآن أَنه إِذا كَانَ الْمقَام مقَام التَّعْبِير عَن الْمُفْرد يذكر الْإِنْسَان نَحْو: {وكل إِنْسَان ألزمناه} وَإِذا كَانَ مقَام التَّعْبِير عَن الْجمع يذكر النَّاس نَحْو: {إِن الله لذُو فضل على النَّاس} وَلذَلِك لَا يذكر الْإِنْسَان إِلَّا وَالضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهِ مُفْرد، وَلَا يذكر النَّاس إِلَّا وَالضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهِ ضمير جمع(1/199)
وَإِذا كَانَ الْمقَام مقَام التَّعْبِير عَن طَائِفَة مِنْهُ يذكر الأناس نَحْو: {يَوْم نَدْعُو كل أنَاس بإمامهم}
وَأكْثر مَا أَتَى الْقُرْآن باسم الْإِنْسَان عِنْد ذمّ وَشر نَحْو: {قتل الْإِنْسَان مَا أكفره} {وَكَانَ الْإِنْسَان عجولا} {يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم}
والأناسي: جمع إِنْسَان الْعين، وَهُوَ الْمِثَال الَّذِي بِهِ يرى فِي السوَاد فَيكون الْيَاء عوضا من النُّون، وَقد يعبر بهَا عَن فنون اللطائف وخيارها
الإنباء: هُوَ إِذا كَانَ بِمَعْنى الْإِعْلَام يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل، يجوز الِاكْتِفَاء بِوَاحِد وَلَا يجوز الإكتفاء بإثنين دون الثَّالِث وَفِي جَوَاب {من أَنْبَأَك} {نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} فضلا عَن كَونه أبلغ تَنْبِيه على تَحْقِيقه وَكَونه من قبل الله
وَإِذا كَانَ بِمَعْنى الْإِخْبَار يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، يجوز الِاكْتِفَاء بِوَاحِد دون الثَّانِي، (وأنبأته كَذَا) : اعلمته كَذَا؛ و (أنبأته بِكَذَا) كَقَوْلِك: (اخبرته بِكَذَا) وَلَا يُقَال: (نبأ) إِلَّا لخَبر فِيهِ خطر
قَالَ المحدثون: أَنبأَنَا أحط دَرَجَة من دَرَجَة أخبرنَا
الْإِنَابَة: أناب فِي الأَصْل بِمَعْنى أَقَامَ غَيره مقَام شَيْء
وناب يَنُوب: بِمَعْنى قَامَ الشَّيْء مقَام غَيره
وَقيل: الْإِنَابَة بِمَعْنى الرُّجُوع، وَلم يُوجد فِي الْكتب المتداولة مَجِيئه بِمَعْنى جعل الْغَيْر نَائِبا عَن نَفسه، وَقد استعملها صَاحب الْكَشَّاف فِي ذَلِك الْمَعْنى وَفِي " الأساس ": أَنْبَتَهُ منابي واستنبته
الْإِنْكَار: ثلاثيه فِيمَا يرى بالبصر، ورباعية فِيمَا لَا يرى من الْمعَانِي؛ وإنكار الشَّيْء قطعا أَو ظنا إِنَّمَا يتَّجه إِذا ظهر امْتِنَاعه بِحَسب النَّوْع أَو الشَّخْص أَو بحث عَمَّا يدل عَلَيْهِ أقْصَى مَا يُمكن فَلم يُوجد
وَالْإِنْكَار التوبيخي: يَقْتَضِي أَن مَا بعده وَاقع، وَأَن فَاعله ملوم على ذَلِك، والإبطالي: يَقْتَضِي أَنه غير وَاقع، وَأَن مدعيه كَاذِب نَحْو: {أفأصفاكم ربكُم بالبنين} [وَالْإِنْكَار من الله تَعَالَى إِمَّا بِمَعْنى أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يعقل أَو بِمَعْنى (لَا يُمكن) ]
الانحصار: الانضباط والتعين؛ وَالْقَوْم بانحصار التَّقْسِيم سَهْو، إِذْ التَّقْسِيم حاصر، إِلَّا أَن يُوَجه بِأَنَّهُ مجَاز من بَاب الْإِسْنَاد إِلَى السَّبَب
الانبجاس: أَكثر مَا يُقَال [ذَلِك] فِيمَا يخرج من شَيْء ضيق
والانفجار: يسْتَعْمل فِيهِ وَفِيمَا يخرج من شَيْء وَاسع وَمَا فِي سُورَة " الْبَقَرَة " لَعَلَّه انبجس أَولا ثمَّ انفجر ثَانِيًا
الانطواء: انطوى عَلَيْهِ: اشْتَمَل؛ وانطوى فِيهِ: اندرج؛ ومنطو تَحت ذَاك: أَي مندرج
الِانْعِقَاد: هُوَ تعلق كَلَام أحد الْعَاقِدين بِالْآخرِ(1/200)
شرعا على وَجه يظْهر أَثَره فِي الْمحل
والإيجاب: مَا يذكر أَولا من كَلَام الْعَاقِدين، وَبِه يثبت خِيَار الْقبُول للْآخر
الْإِنْذَار: هُوَ إبلاغ الْمخوف مِنْهُ، والتهديد، والتخويف
وَذكر الْوَعيد مَعَ الْإِنْذَار وَاجِب لَا مَعَ التهديد
الإنجاء: قيل: معنى أَنْجَاهُ: أخلصه قبل وُقُوعه فِي الْمهْلكَة؛ ونجاه: أخلصه بعد الْوُقُوع
الإنجاح: أنجح فلَان: بلغ مُرَاده
وأنجح الْحَاجة: قَضَاهَا
وأنجح عمل فلَان: بلغ الْعَمَل إِلَى مَا أُرِيد من النجاح وَالثَّوَاب
الإنارة: جعل الشَّيْء منيرا، وَيَجِيء لَازِما أَيْضا كأضاء
الْإِنَاء: بِالْكَسْرِ مَقْصُور وبالفتح مَمْدُود
وأناه: وقته؛ وَبلغ هَذَا أناءه، وبكسر: غَايَته أَو نضجه إِدْرَاكه كَذَا فِي " الْقَامُوس "
وآناء اللَّيْل: ساعاته
والانفصال: أَعم من الانفكاك
آنِفا: أَي قَرِيبا أَو هَذِه السَّاعَة، أَو أول وَقت كُنَّا فِيهِ، من قَوْلهم: (أنف الشَّيْء) لما تقدم مِنْهُ، مستعار من الْجَارِحَة؛ وَمِنْه: اسْتَأْنف، وَهُوَ ظرف بِمَعْنى وقتا مؤتنفا، أَو حَال، وَالْمدّ أشهر
أنعم صباحا: كلمة تَحِيَّة من (نعم) : طَابَ عَنهُ، وَخص الصَّباح لِأَنَّهُ وَقت الغارات والمكاره
أَنْت: كلمة (أَن) فِي (أَنْت) مَوْضُوع للمخاطب، وَمَا لحقه لخصوصية التَّذَكُّر والتأنيث والإفراد والتثنية وَالْجمع، وَالْخطاب أبلغ فِي الْإِعْلَام والإفهام من النداء، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بِالتَّاءِ أَو الْكَاف، وَهُوَ يقطع شركَة الْغَيْر، والنداء يكون بِالِاسْمِ أَو بِالصّفةِ، وَذَلِكَ لَا يقطع الِاشْتِرَاك
وَأعرف المعارف (أَنا) وأوسطها (أَنْت) وَأَدْنَاهَا (هُوَ) ؛ وَكلمَة التَّوْحِيد قد وَردت بِكُل وَاحِدَة من هَذِه الْأَلْفَاظ، وَلما قَالَ فِرْعَوْن {آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بنوا إِسْرَائِيل} لم يقبل الله مِنْهُ ذَلِك، وَقد نظمت فِيهِ:
(شَأْن الضمائر أَعلَى إِذْ بهَا وَردت ... مفاتح الْخلد فِي الْآيَات تَفْصِيلًا)
(لما خلا اللَّفْظ عَن شَأْن الضَّمِير إِذن ... لم يقبل الله من فِرْعَوْن مَوْصُولا)
[نوع]
{أناسي} : جمع إنسي، وَهُوَ وَاحِد الْإِنْس، جمعه على لَفظه مثل: كرْسِي وكراسي، أَو جمع إِنْسَان، فالياء بدل من النُّون، لِأَن الأَصْل (أناسين) مثل: سراحين، جمع سرحان، وَالنَّاس قد يكون من الْإِنْس وَمن الْجِنّ
{أنكاثا} : [النكث هُوَ مَا نقض من غزل الشّعْر وَغَيره]
{أنقض ظهرك} : أَي: كَسره حَتَّى صَار لَهُ(1/201)
نقيض أَي: صَوت، لِأَن نقيض المفاصل صَوتهَا
{آنستم} : عَرَفْتُمْ
{فانبجست} : انفجرت
{فانفروا ثبات} : فاخرجوا إِلَى الْجِهَاد جماعات مُتَفَرِّقَة
{آنَاء اللَّيْل} : ساعاته
{فَإِذا انسلح} : انْقَضى
{فانبذ إِلَيْهِم} : فاطرح إِلَيْهِم عَهدهم
{فانهار} : فانهدم
{أنكر الْأَصْوَات} : أقبحها وأوحشها
{انكدرت} : انْقَضتْ أَو تَغَيَّرت
{انفطرت} : انشقت
{فانصب} : فاتعب فِي الْعِبَادَة أَو فِي الدُّعَاء
{فانتصر} : فانتقم
{أَنْصتُوا} : اسْكُتُوا
{وأناسي كثيرا} : يَعْنِي أهل الْبَوَادِي الَّذين يعيشون بالحيا
{إِذا انتبذت} : اعتزلت
{فأنظرني} : فأخرني
{لانفضوا من حولك} : لتفرقوا عَنْك وَلم يسكنوا إِلَيْك
{أَنْفقُوا} : تصدقوا
{وأنشأنا} : وأحدثنا
{فَانْتهى} : فاتعظ وَاتبع النهى
{كره الله انبعاثهم} : أَي نهوضهم لِلْخُرُوجِ
{وَقُولُوا انظرنا} : من: نظره: إِذا انتظره، وَأما (انْظُر إِلَيْنَا) فَلَا يُنَاسب الْمقَام
{من عين آنِية} : جَارِيَة
{حميم آن} : هُوَ الَّذِي انْتهى حره
{غير ناظرين إناه} : غير منتظرين وقته أَو إِدْرَاكه
{فَانْتَشرُوا} : تفَرقُوا وَلَا تمكثوا
{انتثرت} : تساقطت مُتَفَرِّقَة
{وأناب} : وَرجع إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ(1/202)
{انفروا} : اغزوا
{أندادا} : أشباها
[ {أنبتكم من الأَرْض} : أنشأكم مِنْهَا
{إِذْ انْبَعَثَ} : حِين قَامَ رَسُولا
{من أنفسهم} : من نسبهم أَو جنسهم عَرَبيا، أَو من أَشْرَفهم، على قِرَاءَة فَتْحة الْفَاء
والأنصاب: أَي الْأَصْنَام الَّتِي نصبت لِلْعِبَادَةِ
وَالْأَنْصَار: أهل بيعَة الْعقبَة الأولى وَأهل الْعقبَة الثَّانِيَة، وَالَّذين آمنُوا حِين قدم عَلَيْهِم أَبُو زُرَارَة وَمصْعَب بن عُمَيْر]
(فصل الْألف وَالْوَاو)
[أَو] : أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن جريج أَنه قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَو) فللتخيير إِلَّا قَوْله: {أَن يقتلُوا أَو يصلبوا} قَالَ الشَّافِعِي: وَبِهَذَا أَقُول
[الأواه] : كل كَلَام يدل على حزن يُقَال لَهُ التأوه ويعبر بالأواه
[الْأُوقِيَّة] : كل أُوقِيَّة اثْنَان وَأَرْبَعُونَ مِثْقَالا، ومثقال الشَّيْء: مِيزَانه من عينه كَمَا فِي " الْعباب "
والمثقال فِي الْفِقْه من الذَّهَب عبارَة عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين شعيرَة، قَالَه الْكرْمَانِي
أَو: كلمة (أَو) إِذا كَانَت للشَّكّ أَو التَّقْسِيم أَو الْإِبْهَام أَو التَّسْوِيَة أَو التَّخْيِير أَبُو بِمَعْنى (بل) أَو (إِلَى) أَو (حَتَّى) أَو (كَيفَ) كَانَت عاطفة سَاكِنة
وَإِذا كَانَت للتقرير أَو التَّوْضِيح أَو الرَّد أَو الْإِنْكَار أَو الِاسْتِفْهَام كَانَت مَفْتُوحَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَو لَو كَانَ آباؤهم لَا يعلمُونَ}
قَالَ ابْن عَطِيَّة: هِيَ عاطفة، والزمخشري جعلهَا وَاو الْحَال
[لَو] : و (لَو) الَّتِي تَجِيء هَذَا الْمَجِيء شَرْطِيَّة
وَكلمَة (أَو) إِذا وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي تحْتَمل مَعْنيين: أَحدهمَا نفي أحد الْأَمريْنِ، وَذَلِكَ إِذا دخلت قبل تسليط النَّفْي عَلَيْهِ، وَالْآخر: نفي أحد النفيين، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون إِذا دخلت بعد تسليط النَّفْي على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، لِأَن النَّفْي لَا يتَصَوَّر إِلَّا بعد تصور الْإِثْبَات فَإِذا قيل: (مَا جَاءَنِي زيد أَو عَمْرو) فَرُبمَا يتَصَوَّر مَجِيء أَحدهمَا، وَلَا يكون إِلَّا بعد مجيئهما؛ وَرُبمَا يتَصَوَّر مَجِيء زيد وينفى ثمَّ يعْطف عَلَيْهِ عَمْرو، فَيجب النَّفْي فِيهِ أَيْضا، فَيكون الْمَعْنى أحد النفيين
وَإِذا وَقعت فِي الْإِثْبَات ذكر بَعضهم أَنَّهَا تخص فِي الْإِثْبَات كَمَا فِي آيَة التَّكْفِير، وَفِي النَّفْي وَالْإِبَاحَة تعم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا لبعولتهن أَو آبائهن}
وَمن قَالَ إِنَّهَا للتشكيك فَهُوَ مُخطئ، لِأَن التشكيك لَيْسَ بمقصود ليوضع لَهُ حرف، بل(1/203)
مُوجبه إِثْبَات أحد الْأَمريْنِ
ثمَّ القَوْل بِأَنَّهَا تخص فِي الْإِثْبَات ينْتَقض بِالْإِبَاحَةِ، لِأَنَّهَا إِثْبَات، و (أَو) فِيهَا تفِيد الْعُمُوم كَقَوْلِهِم: (جَالس الْفُقَهَاء أَو الْمُحدثين) وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {إِلَّا مَا حملت ظهورهما أَو الحوايا أَو مَا اخْتَلَط بِعظم} وَالِاسْتِثْنَاء من التَّحْرِيم إِبَاحَة فَتثبت فِي جَمِيع هَذِه الْأَشْيَاء
وَإِذا وَقعت بَين نفي وَإِثْبَات ينظر إِلَى الْمَذْكُور آخرا، فَإِن صلح غَايَة للْأولِ حمل على غَايَة لما بَين الْغَايَة والتخيير من الْمُنَاسبَة، و (أَو) تسْتَعْمل فِي الْغَايَة بِمَعْنى (حَتَّى) نَحْو: {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} {لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} وَإِن لم يصلح للغاية كَانَت للتَّخْيِير عملا بِالْحَقِيقَةِ عِنْد عدم الْمَانِع، وَإِذا دخلت بَين المستثنيات كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ} إِلَى آخِره، وَقَوله: {وَلَا يبدين زنينتهن} إِلَى آخِره
وَكَذَا بَين نفيين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} فَإِن (أَو) فِيهَا بِمَعْنى (وَلَا)
وَكَذَا بَين إباحتين كَمَا فِي (جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين}
فَفِي هَذِه الصُّور أفادت الْجمع كالواو، وَالِاسْتِثْنَاء فِي الْحَقِيقَة من التَّحْرِيم إِبَاحَة، كَمَا عرفت آنِفا، فَتثبت فِي جَمِيع مَا عَداهَا
وَهَذَا لَيْسَ بِاعْتِبَار أصل الْوَضع، بل بِاعْتِبَار الِاسْتِعَارَة، فَإِنَّهَا تستعار لعُمُوم الْأَفْرَاد فِي مَوضِع النَّفْي بِاعْتِبَار أَنَّهَا إِذا تناولت أَحدهَا غير عين صَار ذَلِك المتناول نكرَة فِي مَوضِع النَّفْي فتعم
وتستعار أَيْضا لعُمُوم الِاجْتِمَاع فِي مَوضِع الْإِبَاحَة بِقَرِينَة طارئة على الْوَضع، وَهِي أَن الْمُسْتَفَاد من الْإِبَاحَة رفع الْقَيْد فَيثبت الْإِطْلَاق على الْعُمُوم
وَالْحَاصِل أَن الْعُمُوم بنوعية طارئة عَلَيْهِ، وَتَنَاول أحد الْمَذْكُورين بِالْوَضْعِ لقَوْله تَعَالَى: {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم}
فَفِيمَا إِذا قَالَ: (لَا أَدخل هَذِه الدَّار أَو لَا أَدخل هَذِه) فَأَيّهمَا دخل حنث، لما أَن دُخُول (أَو) بَين نفيين يَقْتَضِي انتفاءهما وَفِي (لأدخلن هَذِه الدَّار الْيَوْم أَو هَذِه الدَّار الْأُخْرَى) بر بِدُخُول وَاحِدَة مِنْهُمَا، لما أَن دُخُول (أَو) بَين إثباتين يَقْتَضِي ثُبُوت أَحدهمَا
وَأما إِذا دخل بَين نفي وَإِثْبَات ك (لَا أَدخل هَذِه الدَّار أبدا أَو لأدخلن هَذِه الْأُخْرَى الْيَوْم) بر بِدُخُول الثَّانِيَة فِي الْيَوْم، وَحنث بفوت الدُّخُول أصلا، أَو دُخُول الأولى، لِأَنَّهُ ادخل كلمة (أَو) بَين نفي مؤبد وَإِثْبَات مُؤَقّت، والمؤقت لَا يصلح غَايَة للمؤيد، فأفادت مُوجبهَا الْأَصْلِيّ وَهُوَ التَّخْيِير فِي الْتِزَام أَي الشَّرْطَيْنِ شَاءَ، وَإِنَّمَا جعلت هَهُنَا للتَّخْيِير مَعَ أَن الأَصْل أَن (أَو) إِذا دخلت بَين نفي وَإِثْبَات تجْعَل بِمَعْنى (حَتَّى) كَقَوْلِه تَعَالَى: {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} (لأذبحنه أَو(1/204)
ليأتيني بسُلْطَان مُبين} وَهَكَذَا اسْتِعْمَال الفصحاء وَالْعرْف لِأَنَّهُ امكن فِي الْآيَة جعلهَا بِمَعْنى (حَتَّى) وَتعذر هُنَاكَ فَجعلت للتَّخْيِير، وَكَذَا تجْعَل بِمَعْنى الْغَايَة فِيمَا إِذا دخلت بَين نفي وإثباتين، كَمَا إِذا قَالَ: (وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار أَو أَدخل هَذِه الْأُخْرَى أَو أَدخل هَذِه الْأُخْرَى) فَاقْتضى الْخُصُوص فِي الْإِثْبَات وَيجْعَل الْمُثبت فِي حكم الْغَايَة للنَّفْي، فَإِذا دخل الأولى قبل أَن يدْخل إِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ حنث، وَإِن دخل بعده بر لانْتِهَاء الْحَظْر بِوُجُود الْغَايَة
ثمَّ اعْلَم أَن كلمة (أَو) على مَا بَين فِي الْكتب تَجِيء لسِتَّة معَان: أَحدهَا: التَّسْوِيَة ن فَإِن الْمخبر إِذا جزم بتعلق الحكم بكلا الشَّيْئَيْنِ بطرِيق اسْتِقْلَال كل مِنْهُمَا فِي الثُّبُوت لَهُ مَعَ تساويهما فِي جنس الثُّبُوت ف (أَو) هَذِه للتسوية، وَكَونهَا للإضراب ك (بل) قد أجَازه سِيبَوَيْهٍ بِشَرْطَيْنِ: تقدم نفي أَو نهي، وإعادة عَامل، فَهَذَا الْمَعْنى رَاجع إِلَى معنى التَّسْوِيَة فِي النَّفْي، لِأَن الْجُمْلَة المنفية إِذا ذكرت بعد جملَة أُخْرَى مثلهَا وَحكم بتساويهما يتَوَلَّد مِنْهُ معنى الإضراب أَيْضا، وَكَذَا كَونهَا شَرْطِيَّة نَحْو: (لأضربنه عَاشَ أَو مَاتَ) أَي: إِن عَاشَ بعد الضَّرْب وَإِن مَاتَ، فَإِنَّهُ رَاجع أَيْضا إِلَى معنى التَّسْوِيَة، لِأَن التَّسْوِيَة بَين أَمريْن يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا الْإِتْيَان يُفِيد معنى الشّرطِيَّة
وَالثَّانِي: لنفي الشُّمُول، فَإِن الْمخبر إِذا شكّ فِي تعلق الحكم بِكُل من الشَّيْئَيْنِ على التَّعْيِين مَعَ جزمه بِأَصْل الثُّبُوت فَلَا يَسعهُ إِلَّا الْإِخْبَار عَن تعلقه بِوَاحِد مِنْهُمَا لَا على التَّعْيِين؛ ف (أَو) هَذِه لنفي الشُّمُول، وَكَونهَا للتقريب نَحْو: (لَا أَدْرِي أسلم أَو ودع) رَاجع إِلَى معنى نفي شُمُول الْعَدَم، وَلما اسلتزم هَذِه الشَّك لزم مِنْهُ معنى التَّقْرِيب، لِأَن اشْتِبَاه السَّلَام بالوداع لَا يكون إِلَّا من قربهما
وَالثَّالِث: للتشكيك فَإِن الْمُخَاطب إِذا حزم بتعلق الحكم بِوَاحِد من الشَّيْئَيْنِ على التَّعْيِين يُورد الْمخبر كلمة أَو تشكيكا للمخاطب إِمَّا لرد خطئه إِلَى الشَّك إِن أَخطَأ، وَهَذَا جَائِز، وَإِمَّا لرد إِصَابَته إِلَى الشَّك إِن أصَاب، وَهَذَا غير جَائِز ف (أَو) هَذِه تسمى تشكيكية
وَالرَّابِع: للإبهام: فَإِن الْمُخَاطب إِن كَانَ خَالِي الذِّهْن يُورد الْمخبر كلمة (أَو) إبهاما لِلْأَمْرِ عَلَيْهِ صونا عَن الْخَطَأ، وَهَذَا جَائِز، أَو عَن الْإِصَابَة، وَهَذَا غير جَائِز، ف (أَو) هَذِه تسمى إبهامية أَو يُورد إِظْهَار النصفة بَينه وَبَين الْمُخَاطب مثل: (أَنا أَو أَنْت رجل عَالم)
هَذَا كُله إِذا وَردت كلمة (أَو) فِي الْخَبَر، وَأما إِذا وَردت فِي الْإِنْشَاء فلهَا مَعْنيانِ: التَّخْيِير، كَمَا إِذا قَالَ لَك الْأَمِير: (أطلق هَذَا الْأَسير أَو استعبده) وَالْإِبَاحَة، كَمَا إِذا قَالَ صديقك: (خُذ من مَالِي درهما أَو دِينَارا)
فَفِي التَّخْيِير يتَحَقَّق نفي شُمُول الْوُجُود والعدم مَعًا، وَفِي الْإِبَاحَة يتَحَقَّق نفي شُمُول الْعَدَم دون الْوُجُود
ثمَّ إِن كلمة (أَو) لمُطلق الْجمع كالواو وَذَلِكَ من لَوَازِم التَّقْسِيم، مثلا إِذا قلت: (الْكَلِمَة اسْم أَو فعل أَو حرف) بِاعْتِبَار أَنْوَاع متباينة، يجوز لَك جمعهَا فِي جنس الْكَلِمَة بِدُونِ اعْتِبَار توَسط تِلْكَ الْأَنْوَاع
وَكَذَا كَونهَا بِمَعْنى (إِلَّا) للاستثناء رَاجع إِلَى معنى(1/205)
التَّقْسِيم، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ ينصب الْمُضَارع بعْدهَا بإضمار (أَن) كَقَوْلِه: (لأقتلنه أويسلم) مَعْنَاهُ: حَاله منقسم إِلَى الْقَتْل وَالْإِسْلَام؛ وَلما كَانَ الْقَتْل فِي غير زمَان الْإِسْلَام تولد مِنْهُ معنى (إِلَّا)
وَكَذَا كَونهَا بِمَعْنى (إِلَى) رَاجع إِلَى معنى التَّقْسِيم أَيْضا، إِذْ هِيَ كَالَّتِي قبلهَا فِي انتصاب الْمُضَارع بعْدهَا ب (أَن) مضمرة نَحْو: (لألزمنك أَو تقضيني حَقي) أَي: حَالي مَعَك منقسم إِلَى الْإِلْزَام عِنْد قَضَاء الْحق تولد مِنْهُ معنى (إِلَى)
وَكَذَا كَونهَا للتَّبْعِيض نَحْو: {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} من لَوَازِم معنى التَّقْسِيم أَيْضا، لِأَن هَذَا الْمَعْنى تَقْسِيم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمقسم، وتبعيض بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَقْسَام
وَلَا ترد فِي كَلَام الله للشَّكّ وَلَا للتشكيك وَلَا للإبهام إِلَى على سَبِيل الْحِكَايَة عَن الْغَيْر، وَإِنَّمَا ترد فِي أَخْبَار الله إِمَّا لتسوية المستقلين زَمَانا فِي الحكم، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ أَو بيُوت آبائكم} أَو لتسوية المستقلين علما فِي الحكم أَيْضا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو كصيب من السَّمَاء} أَو للتقسيم سَوَاء كَانَت كلمة (أَو) بَين المفردين أَو بَين الجملتين، وَالَّتِي تقع بَين الجملتين لَا تكون إِلَّا للتسوية وَلَا تكون لنفي الشُّمُول وَلَا للتشكيك لنبو الْجمل عَنْهَا
ثمَّ إِن التَّخْيِير وَالْإِبَاحَة كل مِنْهُمَا معنى مجازي ل (أَو) ؛ وَأما مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ فالشك
وتستعمل فِي غير الْخَبَر بِالْمَعْنَى الْمجَازِي فَقَط، وَفِي الْخَبَر بِكُل من معنييها الْحَقِيقِيَّة وَالْمجَاز
والمتكلم فِي الشَّك لَا يعرف التَّعْيِين بل هُوَ مُتَرَدّد فِي الَّذِي أخبرهُ، مثل: {لبثنا يَوْمًا أَبُو بعض يَوْم} وَمن ثمَّة يمْتَنع وُرُود كلمة (أَو) للشَّكّ فِي كَلَام الله، إِلَّا أَن يصرف إِلَى تردد الْمُخَاطب، وَعَلِيهِ {فأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} وَأما الْمُتَكَلّم فِي الْإِبْهَام فَإِنَّهُ يعرف التَّعْيِين لكنه أبهمه على السَّامع لغَرَض الإيجاز أَو غَيره، نَحْو: {وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين}
وَتَكون (أَو) لمُطلق الْجمع كالواو، نَحْو: {لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما كثر اسْتِعْمَال (أَو) فِي الْإِبَاحَة الَّتِي مَعْنَاهَا جَوَاز الْجمع اسْتعْملت فِي معنى الْجمع كالواو، وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {أَو تكون لَك جنَّة} الْآيَة، فَإِن الْكفَّار طلبُوا تعنتا جَمِيع مَا ذكر فِي الْآيَة، لَا وَاحِدًا مِنْهَا غير معِين
وَقد تَجِيء للنَّقْل، تَقول لآخر: (افْعَل كَذَا إِلَى الشَّهْر) ثمَّ تَقول: (أَو أسْرع مِنْهُ) ، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا}
و (أَو) فِي مثل قَوْلنَا: (الْجِسْم مَا يتركب من جوهرين أَو أَكثر) لتقسيم الْمَحْدُود؛ وَفِي قَوْلنَا:(1/206)
(من جوهرين أَو مَاله طول وَعرض وعمق) لتقسيم الْحَد
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ من النُّحَاة: كَون (أَو) للْإِبَاحَة اسْتِحْسَان وُقُوع الْوَاو موقعها مثل: (جَالس الْحسن أَبُو ابْن سِرين)
الأول: أول الشَّيْء جزؤه [الأسبق] وَهُوَ (أفعل) ومؤنثه (أولى) وَأَصلهَا (وَولى) قلبت الْوَاو همزَة ففاؤها وعينها واوان عِنْد سِيبَوَيْهٍ، وَلم يتَصَرَّف مِنْهَا فعل لاعتلال فائها وعينها، وَعند الْكُوفِيّين وَزنه (افْعَل) أَيْضا، وَأَصله (أَو أل) من (وأل) فأبدلت همزته الثَّانِيَة واوا تَخْفِيفًا أَو (أعفل) وَأَصله (أأول) بهمزتين من (آل) ففصل بَينهمَا بِالْوَاو بعد سكونها وَفتحت الْهمزَة بعْدهَا، ثمَّ قلبت واوا وأدغمت فِيهَا الْوَاو
وَفِي " الجمهرة ": هُوَ (فوعل) لَيْسَ لَهُ فعل، وَالْأَصْل (ووول) قلبت الْوَاو الأولى همزَة وأدغمت إِحْدَى الواوين فِي الْأُخْرَى
وَقَالَ ابْن خالويه: الصَّوَاب أَنه (أفعل) بِدَلِيل صُحْبَة من إِيَّاه تَقول (أول من كَذَا)
وَيجمع على (أَوَائِل) و (أوالي) وَهُوَ حَقِيقَة ظرف للزمان، وَلذَلِك يَصح ترك (فِي) فِيهِ، وَإِنَّمَا يُوصف بِهِ الْعين وَالْفِعْل بِاعْتِبَار اشتماله على الْأَزْمِنَة
وَله استعمالان: أَحدهمَا: أَن يكون اسْما فَيَنْصَرِف، وَمِنْه قَوْلهم: (مَا لَهُ أول وَلَا آخر) قَالَ أَبُو حَيَّان: فِي محفوظي أَن هَذَا يؤنث بِالتَّاءِ وَيصرف فَتَقول: (أولة وآخرة) بِالتَّنْوِينِ
وَالثَّانِي: أَن يكون صفة أَي: (أفعل) تَفْضِيل، بِمَعْنى الأسبق، فَيعْطى لَهُ حكم غَيره من صِيغ (أفعل) التَّفْضِيل من دُخُول (من) عَلَيْهِ وَمنع الصّرْف وَعَدَمه، فَأتيت بِالتَّاءِ، فعلى هَذَا يكون من (آل يؤول) إِذا رَجَعَ
وَفِي قَوْلنَا: (أول النَّاس) و (أول الْغَرَض) معنى الرُّجُوع، لِأَن الْجُزْء السَّابِق من الْوَقْت وَغَيره يرجع من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود الْخَارِجِي، كَمَا أَن الْوُجُود الْخَارِجِي، يرجع إِلَى الْعَدَم فَيكون الْجُزْء الثَّانِي آيلا أَي رَاجعا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، لَكِن الْجُزْء السَّابِق أول مِنْهُ أَي أرجع مِنْهُ، فالتفضيل بِاعْتِبَار السَّبق إِلَى الرُّجُوع
وَنَظِير (أول) فِي المبنيات على الضَّم (فَوق) وَغَيره تَقول: (انحدر من فَوق) و (أَتَاهُ من قُدَّام) و (استردفته من وَرَاء) و (أَخذه من تَحت) فتبنى هَذِه الْأَسْمَاء على الضَّم وَإِن كَانَت ظروف أمكنه لانقطاعها عَن الْإِضَافَة
و (الأول) فِي حق الله تَعَالَى بِاعْتِبَار ذَاته هُوَ الَّذِي لَا تركيب فِيهِ، وَأَنه المنزه عَن الْعِلَل، وَأَنه لم يسْبقهُ فِي الْوُجُود شَيْء، وَإِلَى هَذَا يرجع من قَالَ: هُوَ الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى غَيره، وَمن قَالَ: هُوَ المستغني بِنَفسِهِ وبإضافته إِلَى الموجودات هُوَ الَّذِي يصدر عَنهُ الْأَشْيَاء
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: الله أول الْأَشْيَاء، وَلَا أول كل شَيْء، لِأَنَّهُ لَا يُوَافِقهَا وَلَا هُوَ مثلهَا، و (أفعل) يُضَاف إِلَى مَا هُوَ مثله
وَقَالَ الْفَخر: هُوَ أول لكل مَا سواهُ وَآخر لكل مَا سواهُ فَيمْتَنع أَن يكون لَهُ أول وَآخر لِامْتِنَاع كَونه أَولا لأوّل نَفسه وآخرا لآخر نَفسه، بل هُوَ أزلي لَا(1/207)
أول لَهُ وأبدي لَا آخر لَهُ، بل هُوَ الآخر الَّذِي يرجع إِلَيْهِ الموجودات فِي سلسلة الترقي أَو فِي سلوك السالكين
[وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: لَا معنى لكَونه تَعَالَى قبل الْعَالم إِلَّا أَنه كَانَ وَلَا شَيْء سواهُ، وَلَا معنى لكَون الْعَالم بعده إِلَّا أَنه لم يكن مَعَه تَعَالَى ثمَّ كَانَ، وَإِلَّا فَلَو كَانَ الرب قبل الْعَالم بِالزَّمَانِ، وَالزَّمَان من الْعَالم، يلْزم أَن يكون مُتَقَدما على الزَّمَان بِالزَّمَانِ وَهُوَ محَال
وَأَيْضًا لَيْسَ وجود الْبَارِي وجودا زمانيا، فَلَا يكون قبل الزَّمَان، كَمَا أَنه لما لم يكن وجوده وجودا مكانيا لم يكن قبل الْمَكَان، فسبحان من لَا تحد أزليته بمتى، وَلَا تقيد أبديته بحتى، وَهُوَ قيوم أزلي ديوم سرمدي إِن قلت أَيْن فقد سبق الْمَكَان، وَإِن قلت مَتى فقد تقدم الزَّمَان، وَإِن قلت كَيفَ فقد جَاوز الْأَشْبَاه والأمثال والأقران، وَإِن طلبت الدَّلِيل فقد غلب الْخَبَر العيان، وَإِن رمت الْبَيَان فذرات الكائنات لَهُ بَيَان وبرهان]
وَالْأول فِي حَقنا: هُوَ الْفَرد السَّابِق، وَالْأول إِنَّمَا يتَوَقَّف على آخر إِذا صَحَّ اجْتِمَاع الآخر مَعَ الأول، فَإِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: (هَذِه طَالِق وَطَالِق) وَقع الأول ولغا الثَّانِي لعدم الْمحل، وَإِن كَانَ قد جمع بَينهمَا بِحرف الْجمع لعدم تغير أَوله بِآخِرهِ فَلم يتَوَقَّف على الآخر وَكَذَا قَوْله لشَرِيكه فِي صَغِير: (هُوَ ابْني وابنك) فَإِنَّهُ يكون ابْنا للْأولِ وَلم يتَوَقَّف أَوله على آخِره، لِأَن النّسَب لَا يحْتَمل الشّركَة فَلَا يتَغَيَّر بِهِ الْكَلَام، وَلِأَنَّهُ إِقْرَار على الْغَيْر، وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَيْهِمَا إِذا ادّعَيَا مَعًا لعدم الْأَوْلَوِيَّة وَالنّسب حَقِيقَة من أَحدهمَا
وَنصب (أَولا) فِي قَوْلنَا: (أَولا وبالذات) على الظَّرْفِيَّة بِمَعْنى (قبل) وَهُوَ منصرف حِينَئِذٍ لعدم الوصفية مَعَ أَنه (أفعل) تَفْضِيل فِي الأَصْل بِدَلِيل (الأولى) و (الْأَوَائِل) ، و (بِالذَّاتِ) عطف على (أَولا) وَالْبَاء بِمَعْنى (فِي) أَي فِي ذَات الْمَعْنى بِلَا وَاسِطَة
الأولى: بِالْفَتْح وَاحِد الأوليان، وَالْجمع الْأَولونَ، وَالْأُنْثَى الوليا، وَالْجمع الوليات
وَالْأولَى: يسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الْجَوَاز، كَمَا أَن الصَّوَاب فِي مُقَابلَة الْخَطَأ
وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {فَأولى لَهُم} : فويل لَهُم، دُعَاء عَلَيْهِم بِأَن يليهم الْمَكْرُوه، أَو يؤول إِلَيْهِ أَمرهم، فَإِنَّهُ (أفعل) من (الولى) أَو (فعلى) من (آل)
الأوب: لَا يُقَال هَذَا إِلَّا فِي الْحَيَوَان الَّذِي لَهُ إِرَادَة وَالرُّجُوع أَعم
وَتَابَ إِلَى الله: رَجَعَ إِلَيْهِ
وَتَابَ الله عَلَيْهِ: وَفقه للتَّوْبَة، أَو رَجَعَ بِهِ من التَّشْدِيد إِلَى التَّخْفِيف، أَو رَجَعَ عَلَيْهِ بفضله وقبوله، وَهُوَ التواب على عباده(1/208)
أَوَى: هُوَ بِالْقصرِ إِذا كَانَ فعلا لَازِما، وَهُوَ أفْصح
وآوى غَيره: بِالْمدِّ، وَهُوَ أفْصح وَأكْثر
أوهمت فِي الشَّيْء أوهم إيهاما
ووهمت فِي الْحساب وَغَيره أوهم وهما: إِذا غَلطت فِيهِ
ووهمت إِلَى الشَّيْء أهم وهما: إِذا ذهب قَلْبك إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غَيره أولويته إِيَّاه: أذنيته مِنْهُ. وَوليت إِلَيْهِ وليا: دَنَوْت مِنْهُ
وأوليت بِمَعْنى أَعْطَيْت
أَوَان: هُوَ مُفْرد بِمَعْنى الْحِين، وَجمعه آونة كزمان وأزمنة
الأوابد: الوحوش، سميت بهَا لِأَنَّهَا لم تمت حتف أنفها؛ وَيُقَال للْفرس: قيد الأوابد لِأَنَّهُ يلْحق الوحوش بِسُرْعَة [نوع]
{آوي إِلَى ركن شَدِيد} : أنضم إِلَى عشيرة منيعة
{وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} : ألهمها
{أوسطهم} : أعدلهم
{أَوْفوا} : الْوَفَاء الْقيام بِمُقْتَضى الْعَهْد، وَكَذَا الْإِيفَاء
{آوى إِلَيْهِ} : ضم إِلَيْهِ
{أواب:} : رجاع
{أوبي مَعَه} : رَجْعِيّ مَعَه
{أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك} : اجْعَلنِي أزع شكر نِعْمَتك عِنْدِي: أَي أكفه وأرتبطه لَا يَنْقَلِب عني بِحَيْثُ لَا أَنْفك عَنهُ
{أوزعني} : ألهمني، وَأَصله أولعني
{فأوجس مِنْهُم خيفة} : وَأدْركَ
{وأوصاني} : وَأَمرَنِي
{فأوجس فِي نَفسه} : فأضمر فِيهَا
{فَأوحى إِلَيْهِم} : فَأَوْمأ إِلَيْهِم
{أَو جفتم} : أجريتم، من الوجيف، وَهُوَ سرعَة السّير
{أَوْفوا الْكَيْل} : أتموه
{لأواه} : هُوَ الْمُؤمن التواب، أَو الرَّحِيم، أَو المسبح، أَو دُعَاء بالعبرانية
[ {فآوعى} : فَجعله فِي وعَاء وكنز حرصا
{أورثتموها} أَي: أعطيتموها](1/209)
(فصل الْألف وَالْهَاء)
[الإهالة: كل مَا يؤتدم بِهِ من زَيْت أَو دهن أَو سمن أَو ودك شَحم فَهُوَ إهالة
[أهل وَأَهلي] : كل دَابَّة ألف مَكَانا يُقَال لَهُ أهل وَأَهلي
وَأهل الرجل: من يجمعه وإياهم مسكن وَاحِد، ثمَّ سميت بِهِ من يجمعه وإياهم نسب أَو دين أَو صَنْعَة أَو نَحْو ذَلِك
وَعند أبي حنيفَة، أهل الرجل: زَوجته خَاصَّة، لِأَنَّهَا المُرَاد فِي عرف اللِّسَان
يُقَال: فلَان تأهل، وَبنى على أَهله: تزوج
وَعِنْدَهُمَا: كل من يعولهم ويضمهم نَفَقَته بِاعْتِبَار الْعرف؛ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فأنجيناه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته} ؛ وَقَوله تَعَالَى فِي جَوَاب قَول نوح: {إِن ابْني من أَهلِي} {إِنَّه لَيْسَ من أهلك} يدل على أَن من لم يدن بدين امْرِئ لَا يكون من أَهله، وَكَذَا قَوْله فِي امْرَأَة لوط: {إِنَّا منجوك وَأهْلك إِلَّا امْرَأَتك} لاستثناء الامرأة الْكَافِرَة من الْأَهْل، وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا
فِي " الْمُفْردَات " لما كَانَت الشَّرِيعَة حكمت بِرَفْع حكم النّسَب فِي كثير من الْأَحْكَام بَين الْمُسلم وَالْكَافِر قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّه لَيْسَ من أهلك إِنَّه عمل غير صَالح}
وَأهل النَّبِي: أَزوَاجه وَبنَاته وصهره عَليّ، أَو نساؤه، وَالرِّجَال الَّذين هم آله
وَأهل كل نَبِي: أمته
وَآل الله وَرَسُوله: أولياؤه، وَأَصله: أهل
وَقيل: الْأَهْل: الْقَرَابَة، كَانَ لَهَا تَابع أَو لم يكن
والآل: الْقَرَابَة يتابعها
وَأهل الْأَمر: ولاته
و [أهل] الْبَيْت: سكانه أَو من كَانَ من قوم الْأَب، وَالْبَيْت بَيت النِّسْبَة، وَبَيت النِّسْبَة للْأَب، أَلا ترى أَن ابراهيم بن مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أهل بَيت النُّبُوَّة وَلم يكن من القبط وأنسابه
وَأهل الْمَذْهَب: من يدين بِهِ
وَأهل الْحق: هم الَّذين يعترفون بِالْأَحْكَامِ الْمُطَابقَة للْوَاقِع، والأقوال الصادقة، والعقائد السليمة والأديان الصَّحِيحَة والمذاهب المتينة
وَالْمَشْهُور من أهل السّنة فِي ديار خُرَاسَان وَالْعراق وَالشَّام وَأكْثر الأقطار هم الاشاعرة أَصْحَاب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ من نسل أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ من أَصْحَاب الرَّسُول وَفِي ديار مَا وَرَاء النَّهر وَالروم أَصْحَاب أبي مَنْصُور الماتريدي
[وَأهل الْقبْلَة: من صدق بضروريات الدّين كلهَا عِنْد التَّفْصِيل]
وَأهل الْأَهْوَاء من أهل الْقبْلَة: الَّذين معتقدهم غير مُعْتَقد أهل السّنة، وهم: الجبرية، والقدرية، وَالرَّوَافِض، والخوارج، والمعطلة، والمشبهة، فَكل مِنْهُم إثنتا عشرَة فرقة كلهم فِي الهاوية على مَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " افترق الْيَهُود على إِحْدَى وَسبعين(1/210)
فرقة كلهَا فِي الهاوية إِلَّا وَاحِدَة، وافترق النَّصَارَى على ثِنْتَيْنِ وَسبعين فرقة كلهَا فِي الهاوية إِلَّا وَاحِدَة، وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي الهاوية إِلَّا وَاحِدَة "
وَأهل الْوَبر: سكان الْخيام
وَأهل الْمدر: سكان الْأَبْنِيَة
وَهُوَ أهل لكذا: أَي مستوجب للْوَاحِد والجميع
واستأهله: استوجبه، لُغَة جَيِّدَة
الإهانة: أهانه: استخفه، أَصله: هان يهون: إِذا لَان وَسكن و " الْمُؤْمِنُونَ هَينُونَ ": أَي ساكنون لَا يتحركون بِمَا يضر، " لَينُونَ ": أَي يتعطفون للحق وَلَا يتكبرون، فعلى هَذَا يكون الْهمزَة فِي (أهان) لسلب هَذِه الصّفة الجميلة
الإهداء: أهديت إِلَى الْبَيْت هَديا، وَأهْديت الْهَدِيَّة إهداء، وهديت الْعَرُوس إِلَى زَوجهَا هداء، وهديت الْقَوْم الطَّرِيق هِدَايَة، وَفِي الدّين: هدى، والاهتداء مُقَابل الإضلال، كَمَا أَن الْهدى مُقَابل للضلال
الإهتاف: هُوَ بريق السراب، والدوي فِي المسامع
الإهمال: أهمله: خلى بَينه وَبَين نَفسه، أَو تَركه وَلم يَسْتَعْمِلهُ
أهيا شراهيا: هُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا وبفتح الشين كلمة يونانية مَعْنَاهَا الأزلي الَّذِي لم يزل
آه: كلمة توجع، أَي: وجعي عَظِيم وتندمي زَائِد دَائِم، وَقد نظمت فِيهِ:
(رميت بلحظ قد أصبت بمهجتي ... فآهي وَمَا من شَاهد لي سوى آهي)
[نوع]
{أهل بِهِ لغير الله} : رفع بِهِ الصَّوْت عِنْد ذبحه للطواغيت
{اهبطوا مصرا} : انحدروا إِلَيْهِ
{واهجرني} : اجتنبني.
{اهون} : أيسر أَو أسهل
{أهواءكم} : آراءكم الزائفة
{هُوَ أهل التَّقْوَى} : حقيق بِأَن يتقى عِقَابه
{وَأهل الْمَغْفِرَة} : حقيق بِأَن يغْفر لِعِبَادِهِ لَا سِيمَا الْمُؤمنِينَ مِنْهُم
{اهتزت وربت} : تزخرفت وَانْتَفَخَتْ بالنبات
{فاهدوهم} : وجهوهم
{أَحَق بهَا وَأَهْلهَا} : والمستأهل لَهَا
{وأهش بهَا} : أخبط الْوَرق بهَا على رُؤُوس غنمي، أَو بِالسِّين، بِمَعْنى أنحي عَلَيْهَا زاجرا لَهَا من (الهس) وَهُوَ زجر الْغنم
{ثمَّ اهْتَدَى} : ثمَّ استقام على الْهدى الْمَذْكُور(1/211)
{بأهوائهم} : بتشهيهم
[ {قد أهمتهم أنفسهم} : أوقعتهم فِي الهموم، أَو مَا يهمهم إِلَّا أنفسهم وَطلب خلاصها]
(فصل الْألف وَالْيَاء)
[الإيتاء] : كل مَوضِع ذكر فِي وصف الْكتاب (آتَيْنَا) فَهُوَ أبلغ من كل مَوضِع ذكر فِيهِ (أُوتُوا) ، لِأَن (أُوتُوا) قد يُقَال إِذا أُوتِيَ من لم يكن مِنْهُ قبُول، و (آتَيْنَا) يُقَال فِيمَن كَانَ مِنْهُ قبُول
والإيتاء: أقوى من الْإِعْطَاء، إِذْ لَا مُطَاوع لَهُ
[يُقَال: آتَانِي فَأَخَذته، وَفِي الْإِعْطَاء يُقَال: أَعْطَانِي فعطوت؛ وَمَا لَهُ مُطَاوع أَضْعَف فِي إِثْبَات مَفْعُوله مِمَّا لَا مُطَاوع لَهُ]
وَلِأَن الإيتاء فِي أَكثر مَوَاضِع الْقُرْآن فِيمَا لَهُ ثبات وقرار، كالحكمة والسبع المثاني، وَالْملك الَّذِي لَا يُؤْتى إِلَّا لذِي قُوَّة
والإعطاء: فِيمَا ينْتَقل مِنْهُ بعد قَضَاء الْحَاجة مِنْهُ كإعطاء كل شَيْء خلقه لتكرر حُدُوث ذَلِك بِاعْتِبَار الموجودات وَإِعْطَاء الْكَوْثَر للانتقال مِنْهُ إِلَى مَا هُوَ أعظم مِنْهُ، وَكَذَا {يعطيك رَبك فترضى} للتكرر إِلَى أَن يرضى كل الرِّضَا
الإيلية: كل اسْم إلهي مُضَاف إِلَيّ ملك أَو روحاني فَهُوَ الإيلية وَفِي " الْمُفْردَات ": قيل فِي (جِبْرَائِيل) إِن (إيل) اسْم الله، وَهَذَا لَا يَصح بِحَسب كَلَام الْعَرَب
الْإِيمَان: الثِّقَة، وَإِظْهَار الخضوع، وَقبُول الشَّرِيعَة (إفعال) من الْأَمْن ضد الْخَوْف، [ثلاثية] يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، [نَحْو: أمنته: أَي كنت أَمينا] وَإِذا عدي بِالْهَمْزَةِ يعدى إِلَى مفعولين
تَقول: (آمَنت زيدا عمرا) بِمَعْنى جعلته آمنا مِنْهُ؛ [وَقد يكون بِمَعْنى صَار ذَا أَمن] ثمَّ اسْتعْمل فِي التَّصْدِيق إِمَّا مجَازًا لغويا لاستلزامه مَا هُوَ مَعْنَاهُ، فَإنَّك إِذا صدقت أحد آمنته من التَّكْذِيب فِي ذَلِك التَّصْدِيق؛ وَإِمَّا حَقِيقَة لغوية
وَالْإِيمَان المعدى إِلَى الله: مَعْنَاهُ التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ نقيض الْكفْر، فيعدى بِالْبَاء، لِأَن من دأبهم حمل النقيض على النقيض، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا} أَي بمصدق، وَفِي (مُؤمن) مَعَ التَّصْدِيق إِعْطَاء الْأَمْن، لَا فِي مُصدق، وَاللَّام مَعَ الْإِيمَان فِي الْقُرْآن لغير الله، وَذَلِكَ لتضمين معنى الِاتِّبَاع وَالتَّسْلِيم
وَهُوَ عرفا: الِاعْتِقَاد الزَّائِد على الْعلم، كَمَا فِي (التَّقْوَى) قَالَ الرَّازِيّ: التَّصْدِيق هُوَ الحكم الذهْنِي المغاير للْعلم، فَإِن الْجَاهِل بالشَّيْء قد يحكم بِهِ فقد أشكل مَا قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: أَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق الَّذِي قسم الْعلم إِلَيْهِ فِي الْمنطق، ثمَّ التَّصْدِيق مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ هُوَ أَن(1/212)
ينْسب الصدْق إِلَى الْمخبر اخْتِيَارا، إِذْ لَو وَقع صدقه فِي الْقلب ضَرُورَة، كَمَا إِذا ادّعى النُّبُوَّة وَأظْهر المعجزة من غير أَن ينْسب الصدْق إِلَيْهِ اخْتِيَارا، لَا يُقَال فِي اللُّغَة إِنَّه صدقه؛ وَأَيْضًا التَّصْدِيق مَأْمُور بِهِ، فَيكون فعلا اختياريا
والتصديق وانقياد الْبَاطِن متلازما، فَلهَذَا يُقَال: أسلم فلَان، وَيُرَاد بِهِ آمن
والتصديق يكون فِي الإخبارات، والانقياد يكون فِي الْأَوَامِر والنواهي، فتبليغ الشَّرَائِع إِن كَانَ بِلَفْظ الْإِخْبَار فالإيمان يكون بالتصديق، وَإِن كَانَ بِالْأَمر وَالنَّهْي فالإيمان بانقياد الْبَاطِن
وَالْفرق بَين التَّصْدِيق والإيقان أَن التَّصْدِيق قد يكون مُؤَخرا عَن الإيقان، وَلَا يكون الإيقان مستلزما للتصديق، كَالَّذي شَاهد المعجزة فَيحصل لَهُ الْعلم اليقيني بِأَنَّهُ نَبِي، وَمَعَ ذَلِك لَا يصدقهُ؛ فاليقين الضَّرُورِيّ رُبمَا يحصل وَمَعَ ذَلِك لَا يحصل التَّصْدِيق الِاخْتِيَارِيّ
وَقد يكون التَّصْدِيق مقدما على الْيَقِين، كَمَا فِي أَحْوَال الْآخِرَة، فَإِنَّهُ لَا يحصل الْيَقِين بهَا إِلَّا بِأَن يصدق النَّبِي، فَعلم مِنْهُ أَن الْيَقِين لَيْسَ بِإِيمَان
[والتصديق والمعرفة ليسَا بمتحدين، فَإِن التَّصْدِيق عبارَة عَن ربط الْقلب بِأَنَّهُ على مَا علمه من إِخْبَار الْمخبر بِأَنَّهُ كَذَا، فَهَذَا الرَّبْط أَمر كسبي يثبت بِاخْتِيَار الْمُصدق وَأما الْمعرفَة فَلَيْسَتْ كَذَلِك، لحصولها بِدُونِ الِاخْتِيَار، كَمَا فِي وُقُوع بصر الْإِنْسَان على شَيْء بِدُونِ اخْتِيَاره، فَإِنَّهُ يحصل لَهُ معرفَة المبصر بِأَنَّهُ حجر أَو مدر أَو غير ذَلِك بِدُونِ ربط قلبه عَلَيْهِ بالاشتغال بِأَنَّهُ هُوَ، فالمعرفة لَيست بِإِيمَان، بِخِلَاف التَّصْدِيق، فَإِنَّهُ إِيمَان]
وَالْإِيمَان شرعا: هُوَ إِمَّا فعل الْقلب فَقَط، أَو اللِّسَان فَقَط، أَو فعلهمَا جَمِيعًا، أَو هما مَعَ سَائِر الْجَوَارِح
فعلي الأول: هُوَ إِمَّا التَّصْدِيق فَقَط، وَالْإِقْرَار لَيْسَ ركنا، بل شَرط لإجراء الْأَحْكَام الدُّنْيَوِيَّة، وَهُوَ مُخْتَار الماتريدي، وَقَالَ الإِمَام الرضي وفخر الْإِسْلَام: إِنَّه ركن أحط، فَإِنَّهُ قد يسْقط، [بِمَا فِيهِ شَائِبَة العرضية والتبعية]
أَو التَّصْدِيق بِشَرْط الْإِقْرَار، وَهُوَ مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَأَتْبَاعه وَلَا دلَالَة فِي قَوْله تَعَالَى: {كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم وشهدوا} على أَن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ خَارج عَن حَقِيقَة الْإِيمَان المصطلح عِنْد أهل الشَّرْع، إِنَّمَا دلالتها على أَنه خَارج عَن الْإِيمَان بِمَعْنى التَّصْدِيق بِاللَّه وبرسوله، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يقبل النزاع
وَالرَّابِع: مَذْهَب الْمُحدثين، وَبَعض السّلف، والمعتزلة، والخوارج، وَفِيه إِشْكَال ظَاهر، وَجَوَابه أَن الْإِيمَان يُطلق على مَا هُوَ الأَصْل والأساس فِي دُخُول الْجنَّة، وَهُوَ التَّصْدِيق مَعَ الْإِقْرَار وعَلى مَا هُوَ الْكَامِل المنجي بِلَا خلاف، وَهُوَ التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار وَالْعَمَل وَفِي التَّصْدِيق الْمُجَرّد خلاف، فَعِنْدَ بعض مَشَايِخنَا منج، وَعند الْبَعْض لَا
وَالْمذهب عندنَا أَن الْإِيمَان فعل عبد بهداية الرب وتوفيقه، وَهُوَ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ والتصديق بِالْقَلْبِ، والتصديق بِالْقَلْبِ هُوَ الرُّكْن الْأَعْظَم، وَالْإِقْرَار كالدليل عَلَيْهِ(1/213)
وَقَوله تَعَالَى: {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين} يدل على أَن الْإِقْرَار بِغَيْر تَصْدِيق لَيْسَ بِإِيمَان، بِإِشَارَة النَّص واقتضائه، فينتهض حجَّة على الكرامية وَلَيْسَ لَهُم دَلِيل بِعِبَارَة النَّص على خِلَافه حَتَّى يرجح
وَلَيْسَ الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ فَقَط، كَمَا زعمت الكرامية، وَلَا إِظْهَار الْعِبَادَات وَالشُّكْر بالطاعات كَمَا زعمت الْخَوَارِج، فَإنَّا نعلم من حَال الرَّسُول عِنْد إِظْهَار الدعْوَة أَنه لم يكتف من النَّاس بِمُجَرَّد الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَلَا الْعَمَل بالأركان مَعَ تَكْذِيب الْجنان، بل كَانَ يُسَمِّي من كَانَت حَاله كَذَلِك كَاذِبًا ومنافقا؛ قَالَ الله تَعَالَى تَكْذِيبًا لِلْمُنَافِقين عِنْد قَوْلهم: نشْهد أَنَّك لرَسُول الله {وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} وَمَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة وأقوال الْأَئِمَّة فِي ذَلِك أَكثر من أَن يُحْصى، وَلَا يخفى قبح القَوْل بِأَن الْإِيمَان مُجَرّد الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ لإفضائه إِلَى تَكْفِير من لم يظْهر مَا أبطنه من التَّصْدِيق وَالطَّاعَة، وَالْحكم بنقيضه لمن أظهر خلاف مَا أبطن من الْكفْر بِاللَّه وَرَسُوله، وَأَشد قبحا مِنْهُ جعل الْإِيمَان مُجَرّد الْإِتْيَان بالطاعات لإفضائه إِلَى إبِْطَال مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة من جَوَاز خطاب العَاصِي بِمَا دون الشّرك قبل التَّوْبَة بالعبادات الْبَدَنِيَّة وَسَائِر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وبصحتها مِنْهُ إِن لَو أَتَاهَا، وبإدخاله فِي زمرة الْمُؤمنِينَ، وَبِهَذَا تبين قبح قَول الحشوية أَن الْأَيْمَان هُوَ التَّصْدِيق بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان نعم لَا يُنكر جَوَاز إِطْلَاق اسْم الْإِيمَان على هَذِه الْأَفْعَال، وعَلى الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} أَي: صَلَاتكُمْ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ بَابا، أَوله شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَآخره إمَاطَة الْأَذَى عَن الطَّرِيق " لَكِن من جِهَة أَنَّهَا دَالَّة على التَّصْدِيق بالجنان ظَاهرا، فعلى هَذَا مهما كَانَ مُصدقا بالجنان وَإِن أخل بِشَيْء من الْأَركان فَهُوَ مُؤمن حَقًا، وَإِن صَحَّ تَسْمِيَته فَاسِقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا أخل بِهِ، وَلذَلِك صَحَّ إدراجه فِي خطاب الْمُؤمنِينَ، وإدخاله فِي جملَة تكاليف الْمُسلمين
[وَاخْتلف فِي زِيَادَة الْإِيمَان ونقصه قَالَ بَعضهم:] إِن الْإِيمَان الْكَامِل هُوَ الْإِيمَان الْمُطلق لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان
وَمُطلق الْإِيمَان يُطلق على النَّاقِص والكامل، وَلِهَذَا نفى رَسُول الله الْإِيمَان الْمُطلق عَن الزَّانِي وشارب الْخمر وَالسَّارِق، وَلم ينف عَنْهُم مُطلق الْإِيمَان، فَلَا يدْخلُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالله ولي الْمُؤمنِينَ} ، وَلَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} ، ويدخلون فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا} وَفِي قَوْله تَعَالَى: (فَتَحْرِير رَقَبَة(1/214)
مُؤمنَة} وَالْإِيمَان الْمُطلق يمْنَع دُخُول النَّار، وَمُطلق الْإِيمَان يمْنَع الخلود
[وَقَالَ بَعضهم: إِيمَان الله الَّذِي أوجب اتصافه بِكَوْنِهِ مُؤمنا لَا يزِيد وَلَا ينقص، إِذْ لَيْسَ محلا للحوادث، وإيمان الإنبياء وَالْمَلَائِكَة يزِيد وَلَا ينقص، وإيمان من عداهم يزِيد وَينْقص إِن فسر الْإِيمَان بِالطَّاعَةِ، وَإِن فسر بخصلة وَاحِدَة من تَصْدِيق أَو غَيره فَلَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان من هَذِه الْحَيْثِيَّة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن ينظر إِلَى كَثْرَة أعداد أشخاص تِلْكَ الْخصْلَة وقلتها فِي آحَاد النَّاس، فَحِينَئِذٍ يكون قَابلا للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان]
وَأما الْعَمَل فَلَيْسَ بِجُزْء إِلَّا من مُطلق الْإِيمَان، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه} إِلَى قَوْله: {كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} فَإِن جُزْء الثَّابِت فِي الْقلب يكون ثَابتا فِيهِ، وأعمال الْجَوَارِح لَا تثبت فِيهِ، وَفِي الْمُقَارنَة بِالْإِيمَان فِي أَكثر الْقُرْآن إيذان بِأَنَّهُمَا كالمتلازمين فِي توقف مَجْمُوع النجَاة وَالثَّوَاب عَلَيْهِمَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَون الْإِيمَان الْمُجَرّد عَن الْعَمَل الصَّالح منجيا وَحجَّة الشَّافِعِي فِي أَن الْأَعْمَال الصَّالِحَة من الْإِيمَان قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} أَي: صَلَاتكُمْ؛ وَعِنْدنَا مَعْنَاهُ ثباتكم على الْإِيمَان، وَلِأَن الْمَعْطُوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} بِخِلَاف الْعَطف فِي: {من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} فَإِنَّهُ عطف تَفْسِير، وَحجَّتنَا فِي أَن الْعَمَل لَيْسَ من الْإِيمَان قَوْله تَعَالَى: {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة} سماهم مُؤمنين قبل إِقَامَة الصَّلَاة
وَالْإِجْمَاع على أَن أَصْحَاب الْكَهْف وَكَذَا سحرة فِرْعَوْن من أهل الْجنَّة، وَإِن لم يُوجد مِنْهُم الْعَمَل، وَكَذَا من آمن مثلا قبل الضحوة فَمَاتَ قبل الزَّوَال
وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} دَلِيل على نُقْصَان إِيمَان قبل الْيَوْم، وَإِلَّا يلْزم موت الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار كلهم على دين نَاقص، بل المُرَاد من الْيَوْم عصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ كَانَت قبل ذَلِك فَتْرَة، أَو الْمَعْنى: أظهرت لكم دينكُمْ حَتَّى قدرتهم على إِظْهَاره، أَو التَّكْمِيل لإرعاب الْعَدو
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم} وَقَوله: {وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا} ، وَمَا رُوِيَ " إِن إِيمَان أبي بكر لَو وزن مَعَ إِيمَان أمتِي لترجح إِيمَان أبي بكر "، فَنَقُول: الْإِيمَان الْمُطلق عبارَة عَن التَّصْدِيق، والتصديق لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، فَقَوله تَعَالَى: {ليزدادوا} إِلَى آخِره فِي حق الصَّحَابَة، لِأَن الْقُرْآن كَانَ ينزل فِي كل وَقت(1/215)
فيؤمنون بِهِ، فتصديقهم للثَّانِي زِيَادَة على الأول؛ أما فِي حَقنا فقد انْقَطع الْوَحْي وَمَا زَاد بالإلف وَكَثْرَة التَّأَمُّل وتناصر الْحجَج فثمراته لَا أَصله
وَقَوله: {زادتهم إِيمَانًا} المُرَاد بِهِ الْمَجْمُوع الْمركب من التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار وَالْعَمَل، لَا التَّصْدِيق وَحَدِيث أبي بكر كَانَ تَرْجِيحا فِي الثَّوَاب، لِأَنَّهُ سَابق فِي الْإِيمَان
وَعدم صِحَة الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِيمَان هُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَقوم من الْمُتَكَلِّمين [وَقد روى ترك الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام خَمْسَة من الصَّحَابَة الْأَعْلَام]
وَالَّذين قَالُوا: الطَّاعَة دَاخله فِي الْإِيمَان، فَمنهمْ من جوز مُطلقًا وَهُوَ ابْن مَسْعُود وَقوم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالشَّافِعِيّ، وَمِنْهُم من جوز فِي الاسقبال دون الْحَال، وَهُوَ جُمْهُور الْمُعْتَزلَة والخوارج والكرامية
قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: لَا خلاف فِي الْمَعْنى بَين الْفَرِيقَيْنِ، يَعْنِي الأشاعرة والماتريدية لِأَنَّهُ إِن أُرِيد بِالْإِيمَان مُجَرّد حُصُول الْمَعْنى فَهُوَ حَاصِل فِي الْحَال، وَإِن أُرِيد مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من النجَاة والثمرات فَهُوَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى، وَلَا قطع فِي حُصُوله فَمن قطع بالحصول أَرَادَ الأول، وَمن فوض إِلَى الْمَشِيئَة أَرَادَ الثَّانِي
لنا أَن مثل هَذَا الْكَلَام صَرِيح فِي الشَّك فِي الْحَال، وَلَا يسْتَعْمل فِي الْمُحَقق فَفِي الْحَال، مثل: (أَنا شَاب إِن شَاءَ الله) ؛ والصريح لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة، وَمَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود من جَوَاز الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِيمَان فَمَحْمُول على الخاتمة، أَو كَانَ زلَّة مِنْهُ فَرجع؛ كَيفَ يسْتَثْنى وَالْإِيمَان عقد فَهُوَ يُبطلهُ كَمَا فِي الْعُقُود، قَالَ الله تَعَالَى: {أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا} بعد وجود حَقِيقَة الْإِيمَان مِنْهُم [وَلِأَن التَّصْدِيق أَمر مَعْلُوم لَا تردد فِيهِ عِنْد تحَققه، بل فِي التَّرَدُّد فِي الْحَال مفْسدَة جر الِاعْتِبَار بِهِ آخر الْحَيَاة
وَأما الِاسْتِثْنَاء فِي أَخْبَار الله تَعَالَى فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ثَابتا فِي نَفسه كَائِن لَا محَالة، وَلكنه مُسْتَقْبل فَكَانَ ذَلِك من الله تَعَالَى تَعْلِيما لِعِبَادِهِ أَن يَقُولُوا فِي عداتهم مثل ذَلِك متأدبين بآداب الله تَعَالَى ومقتدين بسننه]
وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء: إِن للْإيمَان وجودا عينيا أَصْلِيًّا، ووجودا قلبيا ذهنيا، ووجودا فِي الْعبارَة
فالوجود الْعَيْنِيّ للْإيمَان: هُوَ حُصُول المعارف الإلهية بِنَفسِهَا لَا بتصورها فِي الْقلب، فَإِن من تصور الْإِيمَان لَا يصير مُؤمنا، كَمَا أَن من تصور الْكفْر لَا يصير كَافِرًا وَلَا شكّ أَن الصُّور العلمية أنوار فائضة من المبدأ الْفَيَّاض، فَإِذن حَقِيقَة الْإِيمَان نور حَاصِل للقلب بِسَبَب ارْتِفَاع الْحجاب بَينه وَبَين الْحق؛ وَهَذَا النُّور قَابل للزِّيَادَة وَالنَّقْص وَالْقُوَّة والضعف
وَأما الْوُجُود الذهْنِي للْإيمَان فملاحظة الْمُؤمن بِهِ وتصوره للتصديق القلبي وَمَا يتبعهُ من المعارف والأنوار
وَأما الْوُجُود اللَّفْظِيّ: فشهادة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
وَلَا يخفي أَن مُجَرّد الْوُجُود الذهْنِي وَكَذَا مُجَرّد التَّلَفُّظ بِكَلِمَة الشَّهَادَة من غير أَن يحصل عين(1/216)
الْإِيمَان والنور الْمَذْكُور لَا يُفِيد، كَمَا لَا يُفِيد العطشان تصور المَاء الْبَارِد وَلَا التَّلَفُّظ بِهِ
وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَيْضا أَن كثيرا من الْآيَات وَالْأَحَادِيث يدل على أَن الْإِيمَان مُجَرّد الْعلم، مثل قَوْله تَعَالَى: {فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله} وَقَول رَسُوله: " من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة "
وَالْإِيمَان الْمُجْمل: يتم بِشَهَادَة وَاحِدَة عِنْد أبي حنيفَة، ثمَّ يجب عَلَيْهِ الثَّبَات والتقرر بأوصاف الْإِيمَان، وَعند الشَّافِعِي: يتم بشهادتين ثمَّ يجب عَلَيْهِ سَائِر أَوْصَاف الْإِيمَان وشرائطه [وَلم يثبت التَّعَبُّد من الشَّارِع بِلَفْظ (أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) بل يَصح بِكُل لفظ دَال على الْإِقْرَار والتصديق وَلَو بِغَيْر الْعَرَبيَّة مَعَ إحسانها، وَكَذَا يَصح بترك القَوْل
وَالْإِيمَان الإجمالي كَافِي فِي الْخُرُوج عَن عُهْدَة التَّكْلِيف فِيمَا لَو خطّ إِجْمَالا، وَيشْتَرط التَّفْصِيل فِيمَا لَو خطّ تَفْصِيلًا، فَيَكْفِي فِي الْإِجْمَال التَّصْدِيق بِجَمِيعِ مَا علم بِالضَّرُورَةِ مَجِيء الرَّسُول بِهِ، أَي بِعلم كل أحد كَونه من الدّين من غير افتقار إِلَى الِاسْتِدْلَال، كوحدة الصَّانِع وَعلمه وَوُجُوب الصَّلَاة وَحُرْمَة الْخمر، وَلَو لم يصدق مِنْهَا عِنْد التَّفْصِيل كَانَ كَافِرًا بالِاتِّفَاقِ، كَمَا فِي شرح " الْمَقَاصِد " وَغَيره]
(وَاخْتلف فِي أَن الْإِيمَان مَخْلُوق أم لَا) فَمن قَالَ إِنَّه مَخْلُوق أَرَادَ بِهِ فعل العَبْد وَلَفظه؛ وَمن قَالَ غير مَخْلُوق - كَمَا هُوَ عندنَا - أَرَادَ بِهِ كلمة الشَّهَادَة، لِأَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق أَي الحكم بِالصّدقِ، وَهُوَ إِيقَاع نِسْبَة الصدْق إِلَى النَّبِي بِالِاخْتِيَارِ
وَأما الاهتداء فَهُوَ مَخْلُوق، لِأَنَّهُ الْحَالة الْحَاصِلَة بالتصديق، فالإيمان مصدر والاهتداء هُوَ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة بِالْمَصْدَرِ، فَيكون بخلقه تَعَالَى، لِأَن الْقُدْرَة مُقَارنَة بخلقه، فبمعنى الْهِدَايَة غير مَخْلُوق، وَبِمَعْنى الْإِقْرَار وَالْأَخْذ فِي الْأَسْبَاب مَخْلُوق، وَالْخلاف لَفْظِي
وَأما الْإِسْلَام: فَهُوَ من الاستسلام لُغَة
وَفِي الشَّرْع: الخضوع وَقبُول قَول الرَّسُول؛ فَإِن وجد مَعَه اعْتِقَاد وتصديق بِالْقَلْبِ فَهُوَ الْإِيمَان
وَالْإِيمَان بعد الدَّلِيل أَكثر من الْإِيمَان قبل الدَّلِيل، وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَكِن أَكثر النَّاس} وَفِي مَوضِع آخر: {كثير من النَّاس}
وإيمان الْمَلَائِكَة مطبوع، والأنبياء مَعْصُوم، وَالْمُؤمنِينَ مَقْبُول، والمبتدعين مَوْقُوف، وَالْمُنَافِقِينَ مَرْدُود
وَمثل إِيمَان الْيَأْس كشجر غرس فِي وَقت لَا يُمكن فِيهِ النَّمَاء
وَمثل تَوْبَة الْيَأْس كشجر نابت الثَّمر فِي الشتَاء عِنْد ملائمة الْهَوَاء؛ وَالْحق أَن إِيمَان الْيَأْس مَقْبُول، كَمَا فِي قوم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام(1/217)
الإيجاد: هُوَ إِعْطَاء الْوُجُود مُطلقًا
والإحداث: إِيجَاد الشَّيْء بعد الْعَدَم
ومتعلق الإيجاد لَا يكون إِلَّا أمرا مُمكنا، فَلَا يَسْتَقِيم فِي أعدام الملكات، بِخِلَاف الإحداث، فَإِنَّهُ أهم من الإيجاد، كَمَا بَين فِي مَحَله
[وإيجاد الشَّيْء مُتَوَقف على الْقُدْرَة، المتوقف على الْإِرَادَة، المتوقف على الْعلم، المتوقف وجود الْجَمِيع على الْحَيَاة؛ وَالْمرَاد بالتوقف توقف معية نظرا إِلَى صِفَات الْبَارِي، إِذْ كلهَا أزلية يَسْتَحِيل تقدم بَعْضهَا على بعض بالوجود]
وإيجاد شَيْء لَا عَن شَيْء محَال، بل لَا بُد من سنخ للمعلول قَابل لِأَن يتطور بأطوار مُخْتَلفَة؛ لَا يُقَال: هَذَا لَا يتمشى فِي الْجعل الإبداعي الَّذِي هُوَ إِيجَاد الأيس عَن الليس، لأَنا نقُول ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَارِج، وَإِلَّا فالصور العلمية الَّتِي يسمونها أعيانا ثَابِتَة سنخ لَهَا وَأَصلهَا، وَهِي قديمَة صادرة عَنهُ تعاني بالفيض الأقدس، والإبداعيات بالفيض الْمُقَدّس
والإيجاد إِذا لم يكن مَسْبُوقا بِمثلِهِ يُسمى إبداء، وَإِذا كَانَ مَسْبُوقا بِمثلِهِ يُسمى إِعَادَة
والإيجاد بطرِيق الْعلَّة لَا يتَوَقَّف على وجود شَرط وَلَا انْتِفَاء مَانع
والإيجاد بطرِيق الطَّبْع يتَوَقَّف على ذَلِك وَإِن كَانَا مشتركين فِي عدم الِاخْتِيَار؛ وَلِهَذَا يلْزم اقتران الْعلَّة بمعلولها، كتحرك الإصبع مَعَ الْخَاتم الَّتِي هِيَ فِيهِ؛ وَلَا يلْزم اقتران الطبيعة بمطبوعها، كاحتراق النَّار مَعَ الْحَطب، لِأَنَّهُ قد لَا يَحْتَرِق لوُجُود مَانع أَو تخلف شَرط، وَهَذَا فِي حق الْحَوَادِث
والإيجاد بِالِاخْتِيَارِ خَاص بالفاعل الْمُخْتَار وَهُوَ الله تَعَالَى، وَلم يُوجد عِنْد الْمُؤمنِينَ إِلَّا هُوَ
ثمَّ الإيجاد لَو كَانَ حَال الْعَدَم يلْزم الْجمع بَين النقيضين، وَلَو كَانَ حَال الْوُجُود لزم تَحْصِيل الْحَاصِل وَالْجَوَاب أَن الإيجاد بِهَذَا الْوُجُود لَا بِوُجُود مُتَقَدم، كمن قتل قَتِيلا، أَي بِهَذَا الْقَتْل، لَا بقتل سَابق فَيكون حَقِيقَة
وَاعْلَم أَن التَّأْثِير وَهُوَ إِعْطَاء الْوُجُود لَيْسَ إِلَّا فِي حَالَة الْحُدُوث، هَذَا مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين وَلُزُوم تَحْصِيل الْحَاصِل إِنَّمَا يلْزم أَن لَو كَانَ التَّأْثِير حَال بَقَاء الْوُجُود، كَمَا هُوَ عِنْد الفلاسفة المجوزين ذَلِك فِي حَال الْبَقَاء فَحسب، كالتأثير فِيمَا هُوَ قديم قدما زمانيا والمتكلمون لَا يَقُولُونَ إِن الْبَقَاء لَا يحْتَاج إِلَى سَبَب فَإِن الْبَقَاء أَمر مُمكن، وكل مُمكن مُحْتَاج إِلَى السَّبَب، لَكِن الإيجاد السَّابِق بطرِيق الْأَحْكَام سَبَب للبقاء، وَيُمكن أَن يُقَال: إِن التَّأْثِير فِي حَال الْعَدَم؛ [لَا يلْزم الْجمع بَين النقيضين] وَإِنَّمَا يلْزم تخلف الْمَعْلُول عَن الْعلَّة لَو لم يتَّصل الْوُجُود بِتمَام التَّأْثِير، كَمَا فِي قطع حَبل الْقنْدِيل، فَإِن التَّأْثِير من أول الْقطع إِلَى تَمَامه، وَحَال تَمَامه هُوَ حَال ابْتِدَاء الْوُقُوع
الْإِيجَاب: لُغَة الْإِثْبَات
وَاصْطِلَاحا: عِنْد أهل الْكَلَام: صرف مُمكن من الْإِمْكَان إِلَى الْوُجُوب
والإيجاب صفة كَمَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَات الله(1/218)
وَاعْلَم أَن أَرْبَاب الْحِكْمَة متطابقون وَأَصْحَاب الفلسفة متوافقون على أَن مبدأ الْعَالم مُوجب بِالذَّاتِ، وَالظَّاهِر أَن مُرَادهم من الْإِيجَاب أَنه قَادر على أَن يفعل وَيصِح مِنْهُ التّرْك، إِلَّا أَنه لَا يتْرك الْبَتَّةَ، وَلَا يَنْفَكّ عَن ذَاته الْفِعْل، لَا لاقْتِضَاء ذَاته إِيَّاه، بل لاقْتِضَاء الْحِكْمَة إيجاده، فَكَانَ فَاعِلا بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَار، [كَمَا هُوَ الْحق] وَيشْهد لَهُ أَنهم يدعونَ الْكَمَال فِي الْإِيجَاب، وَلَا كَمَال فِيهِ على معنى الِاضْطِرَار، بِحَيْثُ لَا يقدر على التّرْك، فَلَا يَقُولُونَ بِالْإِيجَابِ على الْمَعْنى الْمَشْهُور فِيمَا بَين خصمائهم من فرق الْمُتَكَلِّمين
والمعتزلة مَعَ إيجابهم على الله مَا أوجبوه قَائِلُونَ بِكَوْنِهِ مُخْتَارًا بِلَا خوف مِنْهُم؛ وَعَامة النَّاس كَانُوا معتقدين فِي زمَان دَعْوَى النُّبُوَّة بِأَنَّهُ تَعَالَى قَادر مُخْتَار
وَالْقَوْل بِالْإِيجَابِ الْمَشْهُور إِنَّمَا حدث بَين الْملَّة الإسلامية بعد نقل الفلسفة إِلَى اللُّغَة
والإيجاب فِي عرف الْفُقَهَاء: عبارَة عَن مَا صدر على أحد الْمُتَعَاقدين أَولا
وَإِيجَاب العَبْد مُعْتَبر بِإِيجَاب الله، وَقد صَحَّ النّذر بقوله: (لله عَليّ أَن أعتكف شهرا) وَنَفس اللّّبْث فِي الْمَسْجِد لَيْسَ بقربى، إِذْ لَيْسَ لله من جنسه وَاجِب، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يَصح هَذَا النّذر لِأَن إِيجَاب العَبْد مُعْتَبر بِإِيجَاب الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا صَحَّ إِلْحَاقًا للنذر بِالصَّلَاةِ بِاعْتِبَار الْفَرْض أَو الشَّرْط، وَكَذَا إِذا قَالَ: (مَا لي أَو مَا أملك صَدَقَة) يَقع على مَال الزَّكَاة، وَالْقِيَاس أَن يَقع على كل المَال، لَكِن ترك الْقيَاس بذلك الأَصْل، فَإِن مَا أوجبه الله بقوله: {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} انْصَرف إِلَى الفضول، لَا إِلَى كل المَال؛ فَكَذَا مَا يُوجِبهُ العَبْد إِلَى نَفسه
والإيجاب: يَسْتَدْعِي وجود الْمَوْضُوع
وَالسَّلب: لَا يستدعيه، بِمَعْنى أَن الْمُوجبَة إِن كَانَت خارجية وَجب وجود موضوعها محققا، وَإِن كَانَت حَقِيقِيَّة وَجب وجود موضوعها مُقَدرا
والسالبة لَا يجب فِيهَا وجود الْمَوْضُوع على ذَلِك التَّفْصِيل
الْآيَة: هِيَ فِي الأَصْل الْعَلامَة الظَّاهِرَة واشتقاقها من (أَي) لِأَنَّهَا تبين (أيا) عَن (أَي) وتستعمل فِي المحسوسات والمعقولات، يُقَال لكل مَا يتَفَاوَت بِهِ الْمعرفَة بِحَسب التفكر والتأمل فِيهِ، وبحسب منَازِل النَّاس فِي الْعلم آيَة وَيُقَال على مَا دلّ على حكم من أَحْكَام الله سَوَاء كَانَت آيَة أَو سُورَة أَو جملَة مِنْهَا
وَالْآيَة أَيْضا: طَائِفَة حُرُوف من الْقُرْآن علم بالتوقيف انْقِطَاع مَعْنَاهَا عَن الْكَلَام الَّذِي بعْدهَا فِي أول الْقُرْآن، وَعَن الْكَلَام الَّذِي قبلهَا فِي آخِره، وَعَن الَّذِي قبلهَا وَالَّذِي بعْدهَا فِي غَيرهمَا غير(1/219)
مُشْتَمل على مثل ذَلِك
وَالْآيَة تعم الأمارة وَالدَّلِيل الْقَاطِع، وَالسُّلْطَان يخص الْقَاطِع {وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة} لم يقل آيَتَيْنِ، لِأَن كل وَاحِد آيَة بِالْآخرِ.
[وَقَوْلهمْ: الْآيَة: هُوَ بإعراب ثَلَاثَة تَأْوِيلهَا: اقْرَأ الْآيَة، أَو أتمهَا، أَو الْآيَة إِلَى آخرهَا، وَإِلَى آخر الْآيَة]
الإيجاز: هُوَ الِاخْتِصَار متحدان، إِذْ يعرف حَال أَحدهمَا من الآخر وَقيل بَينهمَا عُمُوم من وَجه، لِأَن مرجع الإيجاز إِلَى مُتَعَارَف الأوساط، والاختصار قد يرجع تَارَة إِلَى الْمُتَعَارف، وَأُخْرَى إِلَى كَون الْمقَام خليقا بأبسط مِمَّا ذكر فِيهِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَار كَانَ الإختصار أَعم من الإيجاز، وَلِأَنَّهُ لَا يُطلق الِاخْتِصَار إِلَّا إِذا كَانَ فِي الْكَلَام حذف بِهَذَا الِاعْتِبَار كَانَ الإيجاز أَعم، لِأَنَّهُ قد يكون بِالْقصرِ دون الْحَذف
وإيجاز الْقصر: هُوَ أَن يقصر اللَّفْظ على مَعْنَاهُ كَقَوْلِه {إِنَّه من سُلَيْمَان} إِلَى قَوْله: {وأتوني مُسلمين} جَمِيع فِي أحرف العنوان وَالْكتاب وَالْحَاجة
وإيجاز التَّقْدِير: هُوَ أَن يقدر معنى زَائِد على الْمَنْطُوق وَيُسمى بالتضييق أَيْضا نَحْو: {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف} أَي: خطاياه غفرت فَهُوَ لَهُ لَا عَلَيْهِ
وَالْجَامِع هُوَ أَن يحتوي اللَّفْظ على معَان مُتعَدِّدَة نَحْو: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} إِلَى آخِره
وَمن بديع الإيجاز سُورَة الْإِخْلَاص؛ فَإِنَّهَا نِهَايَة التَّنْزِيه، وَقد تَضَمَّنت الرَّد على نَحْو أَرْبَعِينَ فرقة
وَقد جمع فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} إِلَى آخِره أحد عشر جِنْسا من الْكَلَام: نادت، كنت، نبهت، سمت، أمرت، قصت، حذرت، خصت، عَمت، أشارت، عذرت وَأَدت خَمْسَة حُقُوق: حق الله، وَحقّ رَسُوله، وحقها، وَحقّ رعيتها، وَحقّ جنود سُلَيْمَان النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
وَقد جمع الله الْحِكْمَة فِي شطر آيَة: {كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا}
وَأما تَكْرِير الْقَصَص فقد ذكرُوا فِيهِ فَوَائِد مِنْهَا: أَن فِي إبراز الْكَلَام الْوَاحِد فِي فنون كَثِيرَة وأساليب مُخْتَلفَة مَا لَا يخفى من الفصاحة وَعدم تكْرَار قصَّة يُوسُف الَّتِي فِيهَا نسيب النسْوَة بِهِ وَحَال امْرَأَة ونسوة افْتتن بأبدع النَّاس جمالا لما فِيهِ من الإغضاء والستر وَقد صحّح الْحَاكِم فِي " مُسْتَدْركه " حَدِيث النَّهْي عَن تَعْلِيم النِّسَاء سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
أَي: بِالتَّشْدِيدِ جُزْء من جملَة مُعينَة بعده مجتمعة مِنْهُ وَمن أَمْثَاله وَهُوَ اسْم ظَاهر وَلَا مُضْمر، بل هُوَ مُبْهَم، لم يسْتَعْمل إِلَّا بصلَة (إِلَّا) فِي الِاسْتِفْهَام والجزء الَّذِي كني بِهِ عَن الْمَنْصُوب(1/220)
وملحقاته من الْكَاف وَالْيَاء وَالْهَاء حُرُوف زيدت لبَيَان التَّكَلُّم وَالْخطاب والغيبة، وَلَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب مثل الْكَاف فِي (أرأيتك)
وَيسْأل ب (أَي) عَمَّا يُمَيّز أحد المتشاركين فِي أَمر يعمهما نَحْو: {أَي الْفَرِيقَيْنِ خير مقَاما} أَي: أَنَحْنُ أم أَصْحَاب مُحَمَّد
وَأي: اسْم للشّرط نَحْو: {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} وَهِي من جِهَة كَونهَا متضمنة معنى الشَّرْط عَامل فِي (تَدْعُو) ، وَمن جِهَة كَونهَا اسْما مُتَعَلقا ب (تدعوا) مَعْمُول لَهُ
والاستفهام، نَحْو: {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا}
وموصولة، نَحْو:
(فَسلم على أَيهمْ أفضل)
أَي الَّذِي هُوَ أفضل
ودالة على معنى الْكَمَال، فَتكون صفة للنكرة وَحَالا من الْمعرفَة، وَلَا تسْتَعْمل إِلَى مُضَافَة، فَإِن أضيفت لجامد فَهِيَ للمدح بِكُل صفة، وَإِن أضيفت لمشتق فَهِيَ للمدح بالمشتق مِنْهُ فَقَط
فَالْأول نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل أَي رجل) أَي: كَامِل فِي الرجولية وَالثَّانِي نَحْو: (جَاءَنِي زيد أَي رجل) أَي: كَامِل فِي صِفَات الرجولية
وَتَكون وصلَة لنداء مَا فِيهِ (ال) نَحْو: (يَا أَيهَا الرَّسُول) و (يَا أيتها النَّفس)
و (أَي) بِمَنْزِلَة (كل) مَعَ النكرَة، وبمنزلة (بعض) مَعَ الْمعرفَة وَالْفِعْل فِي قَوْلك: (أَي عَبِيدِي ضربك فَهُوَ حر) عَام حَتَّى لَو ضربه الْجَمِيع عتقوا لِأَن الْفِعْل مُسْند إِلَى عَام، وَهُوَ ضمير (أَي) وَفِي (أَي عَبِيدِي ضَربته فَهُوَ حر) خَاص، حَتَّى لَو ضرب الْجَمِيع لم يعْتق إِلَّا الأول، لِأَن الْفِعْل مُسْند إِلَى ضمير الْمُخَاطب وَهُوَ خَاص؛ إِذا الرَّاجِع إِلَى (أَي) ضمير الْمَفْعُول، وَالْفِعْل يعم بِعُمُوم فَاعله لكَونه كالجزء من الْفِعْل
وَقد تؤنث (أَي) إِذا أضيفت إِلَى مؤنث، وَترك التَّأْنِيث أَكثر فِيهَا
وَيُقَال: (أَي الرِّجَال أَتَاك) وَلَا يُقَال: (أَتَوا)
إيا: بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد، حرف لِأَنَّهُ لم يوضع لِمَعْنى حَتَّى يكون كلمة محرفة، بل هُوَ لفظ ذكر وَسِيلَة إِلَى التَّلَفُّظ بالضمير وَالْجُمْهُور على أَن (إيا) ضمير وَمَا بعده اسْم مُضَاف لَهُ يُفَسر مَا يُرَاد بِهِ من تكلم نَحْو: {وإياي فارهبون} ، وغيبة نَحْو: {بل إِيَّاه تدعون} ، وخطاب نَحْو: {إياك نعْبد} ، أَو وَحده ضمير وَمَا بعده حرف يُفَسر المُرَاد، أَو عماد وَمَا بعده هُوَ الضَّمِير
وأيا: بِالْفَتْح مُخَفّفَة حرف نِدَاء ك (هيا)
و (إياك) فِي (رَأَيْتُك إياك) بدل و (أَنْت) فِي (رَأَيْتُك أَنْت) تَأْكِيد
(وَإِيَّاك) فِي (إياك والأسد) مَنْصُوب بإضمار فعل تَقْدِيره اتَّقِ أَو باعد، واستغني عَن إِظْهَار هَذَا الْفِعْل لما تضمن هَذَا الْكَلَام من معنى التحذير، وَهَذَا الْفِعْل إِنَّمَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، وَإِذا كَانَ قد استوفى عمله ونطق بعده باسم آخر لزم إِدْخَال حرف الْعَطف عَلَيْهِ تَقول: (اتَّقِ الشَّرّ والأسد) وَقد جوز إِلْغَاء الْوَاو عِنْد تَكْرِير (إياك) كَمَا استغني(1/221)
عَن إِظْهَار الْفِعْل مَعَ تَكْرِير الِاسْم فِي مثل (الطَّرِيق الطَّرِيق)
أَي: بِالتَّخْفِيفِ، يُسمى حرف تَفْسِير، وحرف تَعْبِير، لِأَنَّهُ تَفْسِير لما قبله وَعبارَة مِنْهُ وَشَرطه أَن يَقع بَين جملتين مستقلتين تكون الثَّانِيَة هِيَ الأولى
وَأي: يُفَسر بهَا للإيضاح وَالْبَيَان، و (أَعنِي) لدفع السُّؤَال وَإِزَالَة الْإِبْهَام وَقيل: (أَي) تَفْسِير إِلَى الْمَذْكُور، و (أَعنِي) تَفْسِير إِلَى الْمَفْهُوم، و (أَي) تَفْسِير كل مُبْهَم من الْمُفْرد نَحْو: (جَاءَنِي زيد أَي أَبُو عبد الله) ؛ وَالْجُمْلَة كَقَوْلِك: (فلَان قطع رزقه أَي مَاتَ) ؛ و (أَن) مُخْتَصَّة بِمَا فِي معنى القَوْل، لَا نفس القَوْل نَحْو: (كتبت إِلَيْهِ أَن قُم) ، ف (أَي) أَعم اسْتِعْمَالا من (أَن) لجَوَاز أَن يُفَسر بهَا مَا لَيْسَ فِي معنى القَوْل وَمَا هُوَ فِي معنى القَوْل صَرِيح وَغير صَرِيح، وَلَا يُفَسر ب (أَن) إِلَّا مَا فِي معنى القَوْل غير الصَّرِيح، وَلَا يُفَسر بِهِ فِي الْأَكْثَر إِلَّا مفعول مُقَدّر نَحْو: {وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم} أَي: ناديناه بقول هُوَ قَوْلنَا يَا إِبْرَاهِيم وَقد يُفَسر بِهِ الْمَفْعُول بِهِ الظَّاهِر كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى أَن اقذفيه} ف (أَن اقذفيه) تَفْسِير لما يُوحى الَّذِي هُوَ الْمَفْعُول الظَّاهِر ل (أَوْحَينَا)
وَإِذا فسرت جملَة فعلية مُضَافَة إِلَى ضمير الْمُتَكَلّم ب (أَي) يجب أَن يُطَابق فِي الْإِسْنَاد إِلَى الْمُتَكَلّم، فَتَقول: (استكتمته سري أَي سَأَلته كِتْمَانه) بِضَم تَاء (سَأَلته) لِأَنَّك تحكي كَلَام الْمعبر عَن نَفسه، وَجَاز حِينَئِذٍ فِي صدر الْكَلَام (تَقول) على الْخطاب و (يُقَال) على الْبناء للْمَفْعُول؛ وَإِذا فتسرتها ب (إِذا) فتحت الضَّمِير فَتَقول (إِذا سَأَلته كِتْمَانه) لِأَنَّك تخاطبه، أَي أَنَّك تَقول ذَلِك إِذا فعلت ذَلِك الْفِعْل؛ وَلَا يَصح حِينَئِذٍ أَن يُقَال فِي الصَّدْر (يُقَال)
وَأي: بِالْفَتْح والسكون لنداء الْقَرِيب، قَالَه الْمبرد، والبعيد، قَالَه سِيبَوَيْهٍ، والمتوسط قَالَه ابْن برهَان
وإي: بِالْكَسْرِ بِمَعْنى (نعم) نَحْو: {إِي وربي} وَهُوَ من لَوَازِم الْقسم، وَلذَلِك وصل بواوه فِي التَّصْدِيق فَيُقَال: (إِي وَالله) وَلَا يُقَال: (إِي) وَحده، وَمن هَذَا قَالُوا: كَون (إِي) بِمَعْنى (نعم) مَشْرُوط بِوُقُوعِهِ فِي الْقسم
أَيْن: يبْحَث بِهِ عَن الْمَكَان بطرِيق الشّرطِيَّة نَحْو: (أَيْن تجْلِس أَجْلِس) و (مَتى) يبْحَث بِهِ عَن الزَّمَان
وَأَيْنَ: سُؤال عَن الْمَكَان الَّذِي حل فِيهِ الشَّيْء
وَمن أَيْن: سُؤال عَن الْمَكَان الَّذِي برز مِنْهُ الشَّيْء
و (مَا) فِي (أَيْنَمَا) مَوْصُولَة وصلت ب (أَيْن) فِي خطّ الْمُصحف، وحقها الْفَصْل
أَيَّانَ: يسْأَل بِهِ عَن الزَّمَان الْمُسْتَقْبل، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِيمَا يُرَاد تفخيم أمره وتعظيم شَأْنه، نَحْو: {أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة}
وَيكون بِمَعْنى (مَتى) نَحْو: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون}
أيا مَا: (مَا) : زَائِدَة للتَّأْكِيد، أَو شَرْطِيَّة جمع بَينهمَا تَأْكِيدًا كَمَا جمع بَين حرفي الْجَرّ للتَّأْكِيد،(1/222)
وَحسنه اخْتِلَاف اللَّفْظ
الأيم: ك (كيس) ، من لَا زوج لَهَا، بكرا أَو ثَيِّبًا، وَمن لَا امْرَأَة لَهُ أَيْضا، جمع الأول (أيايم) و (أيامى) كَمَا فِي الْقَامُوس
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": هُوَ العزب، ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، بكرا كَانَ أَو ثَيِّبًا،
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي وطِئت وَلَا زوج لَهَا، سَوَاء وطِئت بحلال أَو بِحرَام، دلّ عَلَيْهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَابل الأيم بالبكر فِي حَدِيث الْإِذْن حَيْثُ قَالَ: " الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا، وإذنها صماتها " عطف إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى وَفصل بَينهمَا فِي الحكم، وكل من الْعَطف والفصل دَلِيل على الْمُغَايرَة بَينهمَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي مَسْأَلَة النِّكَاح بِغَيْر ولي خلاف بَين أبي حنيفَة وَبَين رَسُول الله، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: " أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل " وَقَالَ أَبُو حنيفَة: نِكَاحهَا صَحِيح وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِك لِأَن الْمَرْأَة مالكة لبعضها، فَيصح نِكَاحهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا قِيَاسا على بيع سلعتها، فَحمل بعض الْحَنَفِيَّة الْمَرْأَة فِي الحَدِيث على الصَّغِيرَة، فَاعْترضَ لِأَن الصَّغِيرَة لَيست امْرَأَة فِي لِسَان الْعَرَب، كَمَا أَن الصَّغِير لَيْسَ رجلا فحملها بعض آخر مِنْهُم على الْأمة، فَاعْترضَ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " فَإِن أَصَابَهَا فلهَا مهر مثلهَا " فَإِن مهر مثلهَا لسَيِّدهَا لَا لَهَا فحملها بعض آخر من متأخريهم على الْمُكَاتبَة فَإِن الْمهْر لَهَا وَهَذِه التأويلات بعيدَة عِنْد الشَّافِعِيَّة لما أَنه على كل من التأويلات قصر للعام على صُورَة نادرة مُنَافِيَة لما قَصده الشَّارِع من عُمُوم منع اسْتِقْلَال الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ
فَحَضَرَ أَبُو الْمَعَالِي يَوْمًا مَعَ الصندلي وَسَأَلَ عَن التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة هَل هِيَ وَاجِبَة أم لَا؟ فَقَالَ الصندلي: فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلاف بَين الشَّافِعِي وَبَين الله تَعَالَى فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} وَالشَّافِعِيّ قَالَ: كلوا وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي كَذَلِك لِأَنَّهُ ذبح صدر من أَهله فِي مَحَله فَيحل كذبح ناسي التَّسْمِيَة وَالنَّص عِنْده مؤول بِحمْلِهِ على تَحْرِيم مَذْبُوح عَبدة الْأَوْثَان، فَإِن عدم ذكر الله غَالب عَلَيْهِم، فَإِذا انقدح هَذَا التَّأْوِيل عمل بِهِ، لما صَحَّ فِي الحَدِيث من أَن قوما قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن قوما يأْتونَ بِاللَّحْمِ مَا نَدْرِي أذكر اسْم الله عَلَيْهِ أم لَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " سموا عَلَيْهِ وكلوا " وَقد فصلناه فِي بحث الذَّبِيحَة تَفْصِيلًا وافيا حَتَّى ظهر الْحق من قُوَّة التَّحْقِيق
الْإِيلَاء: الْإِعْطَاء، والتقريب
و [الْإِيلَاء] : مصدر (آلَيْت على كَذَا) إِذا حَلَفت عَلَيْهِ بِاللَّه أَو بِغَيْرِهِ من الطَّلَاق، أَو الْعتاق، أَو الْحَج، أَو نَحْو ذَلِك وَالْأَمر مِنْهُ (أول) وتعديته ب (من) فِي الْقسم على قرْبَان الْمَرْأَة بِاعْتِبَار مَا فِيهِ من الِامْتِنَاع من الْوَطْء، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم} أَي: وللمؤلين من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر، فَلَا يلْزم شَيْء فِي هَذِه الْمدَّة؛ وَهَذَا لَا يُنَافِي وُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن عِنْد مضيها، كَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة؛ وَلَا يَقْتَضِي أَن تكون(1/223)
الْمدَّة أَكثر مِمَّا ذكر بِدلَالَة الْفَاء فِي قَوْله: {فَإِن فاؤوا} كَمَا قَالَه الشَّافِعِي، لِأَنَّهَا للتعقيب
وَالْعَبْد وَالْحر فِي مُدَّة الْإِيلَاء سَوَاء عِنْد الشَّافِعِي
وَأَبُو حنيفَة يعْتَبر رق الْمَرْأَة، وَمَالك يعْتَبر رق الزَّوْج
الْإِيقَاع: هُوَ الْعلَّة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن
والوقوع: هُوَ الْمَعْلُول سَوَاء كَانَ فِي الذِّهْن أَو فِي الْخَارِج
الإيغال: هُوَ ختم الْكَلَام بِمَا يُفِيد نُكْتَة يتم الْمَعْنى بِدُونِهَا وَمن أمثلته فِي الْقُرْآن: {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} إِلَى قَوْله {مهتدون} فَإِن الْمَعْنى قد تمّ بِدُونِ (وهم مهتدون) إِذْ الرَّسُول مهتد لَا محَالة، لَكِن فِيهِ زِيَادَة مُبَالغَة فِي الْحَث على اتِّبَاع الرَّسُول وَالتَّرْغِيب فِيهِ وَفِي الشّعْر كَقَوْلِه:
(كَأَن عُيُون الْوَحْش حول خبائنا ... وأرحلنا الْجزع الَّذِي لم يثقب)
الْإِيَاس: مصدر الآيسة عَن الْحيض فِي الأَصْل (إئياس) على (إفعال) حذفت الْهمزَة من عين الْكَلِمَة تَخْفِيفًا
الْإِيهَام: هُوَ إِيقَاع الشَّيْء فِي الْقُوَّة الوهمية قيل: هُوَ كالتخييل الَّذِي هُوَ إِيقَاع الشَّيْء فِي الْقُوَّة الخيالية، لِأَن ذَلِك من الصُّور الوهمية، وَهَذَا من الْأُمُور المتخيلة، بل كِلَاهُمَا موهومان لَا تحقق لَهما؛ لَكِن الأول أَن يُوجد لكل مِنْهُمَا وَجه علمي يرجحه فِي مَوْضِعه، وَلَا يحمل على التَّعْيِين
وإيهام التناسب فِي البديع، كَون اللَّفْظ مناسبا لشَيْء بِأحد معنييه لَا بِالْآخرِ
الإيعاء: هُوَ حفظ الْأَمْتِعَة فِي الْوِعَاء
والوعي: لفظ الحَدِيث وَنَحْوه
إيه: تَقول (إيه حَدثنَا) إِذا استزدته، و (إيها كف عَنَّا) إِذا أَمرته أَن يقطعهُ، و (وَبهَا) : إِذا زجرته عَن الشَّيْء أَو أغريته، و (واها لَهُ) : إِذا تعجبت مِنْهُ
أَيْضا: مصدر (آض) ، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ شَيْئَيْنِ بَينهمَا توَافق وَيُمكن اسْتغْنَاء كل مِنْهُمَا عَن الآخر، فَخرج نَحْو: (جَاءَنِي زيد أَيْضا) و (جَاءَ فلَان وَمَات أَيْضا) و (اخْتصم زيد وَعَمْرو أَيْضا) فَلَا يُقَال شَيْء من ذَلِك
وَهُوَ مفعول مُطلق حذف عَامله وجوبا سَمَاعا كَمَا نقل، وَمَعْنَاهُ: عَاد هَذَا عودا على الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة أَو حَال من ضمير الْمُتَكَلّم حذف عاملها وصاحبها، أَي: (أخبر أَيْضا) أَو (أحكي أَيْضا) أَي: رَاجعا؛ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يسْتَمر فِي جَمِيع الْمَوَاضِع [نوع]
{من جَانب الطّور الْأَيْمن} : من ناحيته الْيُمْنَى(1/224)
من (الْيَمين) ، أَو من جَانِبه الميمون، من (الْيمن)
{بأيام الله} : بوقائعه الَّتِي وَقعت على الْأُمَم
{إيابهم} : مرجعهم
{أَيَّانَ مرْسَاها} : مَتى إرساؤها، أَي: إِقَامَتهَا وإثباتها أَو مُنْتَهَاهَا ومستقرها
[ {لِإِيلَافِ قُرَيْش} : أَي اعجبوا عهد قُرَيْش، أَو لئلاف قُرَيْش]
{إيلافهم} : لزومهم
{أَصْحَاب الأيكة} : الغيضة [وهم قوم شُعَيْب]
[ {أيدتك} : قويتك] أَيُّوب [فِي " الْأَنْوَار ": هُوَ ابْن عيص بن اسحاق] : وَالصَّحِيح أَنه كَانَ من بني إِسْرَائِيل، وَلم يَصح فِي نسبه شَيْء، إِلَّا أَن اسْم أَبِيه " أَبيض "، وَأَنه مِمَّن آمن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وعَلى هَذَا كَانَ قبل مُوسَى، وَقيل: بعد شُعَيْب، وَقيل: بعد سيلمان، ابْتُلِيَ وَهُوَ ابْن سبعين، وَاخْتلف فِي مُدَّة بلائه [وَمَا حُكيَ فِيهِ من الجذام فَغير صَحِيح] وَمُدَّة عمره كَانَت ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة
(فصل الْبَاء)
[البروج] : كل مَا فِي الْقُرْآن من ذكر البروج فَهُوَ الْكَوَاكِب إِلَّا {وَلَو كُنْتُم فِي بروج مشيدة}
فَإِن المُرَاد بهَا الْقُصُور الطوَال الحصينة، وَفِي " الْأَنْوَار " فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد جعلنَا فِي السَّمَاء بروجا} اثْنَي عشر مُخْتَلفَة الهيئات والخواص على مَا دلّ عَلَيْهِ الرصد والتجربة مَعَ بساطة السَّمَاء
[الْبر وَالْبَحْر] : كل مَا فِي الْقُرْآن من ذكر الْبر وَالْبَحْر فَالْمُرَاد بِالْبرِّ التُّرَاب واليابس، وبالبحر المَاء إِلَّا {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} فَإِن المُرَاد من الْبر الْعمرَان، وَقيل: المُرَاد بِالْبرِّ ثمَّة الْبَوَادِي والمفاوز، وبالبحر الْمَدَائِن والقرى الَّتِي هِيَ على الْمِيَاه الْجَارِيَة قَالَ عِكْرِمَة: الْعَرَب تسمي الْمصر بحرا تَقول: أجدب الْبر، وانقطعت مَادَّة الْبَحْر
[البخس] : كل مَا فِي الْقُرْآن من بخس فَهُوَ النَّقْص، إِلَّا {بِثمن بخس} مَعْنَاهُ حرَام، لكَونه ثمن الْحر؛ [وَهُوَ سيدنَا يُوسُف النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام]
[البعل] : كل مَا فِي الْقُرْآن من بعل فَهُوَ زوج، إِلَّا {أَتَدعُونَ بعلا} فَإِن المُرَاد الصم
الْبكم: كل مَا فِي الْقُرْآن من ذكر الْبكم فَالْمُرَاد الخرس عَن الْكَلَام بِالْإِيمَان، إِلَّا (بكما(1/225)
وصما} فِي " الْإِسْرَاء " {أَحدهمَا أبكم} فِي " النَّحْل " فَإِن المُرَاد عدم الْقُدْرَة على الْكَلَام مُطلقًا
[برع] : كل شَيْء تناهى فِي جمال أَو نضارة فقد برع، [يُقَال: برع الرجل إِذا فاق أَصْحَابه]
[البثنية] : كل حِنْطَة تنْبت فِي الأَرْض السهلة فَهِيَ بثنية، بِخِلَاف الجبلية
[الْبغاء] : كل طلبة فَهُوَ بغاء، بِالضَّمِّ وَالْمدّ
[البخار] : كل دُخان يسطع من مَاء حَار فَهُوَ بخار، وَكَذَلِكَ من الندى
[أَبتر] : كل أَمر مُنْقَطع عَن الْخَيْر فَهُوَ أَبتر
[البخر] : كل رَائِحَة ساطعة فَهُوَ بخر والبخور، كصبور، مَا يتبخر بِهِ؛ والبخر، بِالتَّحْرِيكِ: النتن فِي الْفَم وَغَيره
[البهار] : كل حسن مُنِير فَهُوَ بهار، وَنبت طيب الرَّائِحَة
[البرزخ] : كل حاجز بَين شَيْئَيْنِ فَهُوَ برزخ وموبق
البغاث: كل طَائِر لَيْسَ من الْجَوَارِح يصاد فَهُوَ بغاث
[الْبَهِيمَة] : كل حَيّ لَا عقل لَهُ، وكل مَا لَا نطق لَهُ فَهُوَ بَهِيمَة، لما فِي صَوته من الْإِبْهَام، ثمَّ اخْتصَّ هَذَا الِاسْم بذوات الْأَرْبَع وَلَو من دَوَاب الْبَحْر، مَا عدا السبَاع
[الْبكر] : كل امْرَأَة لم يبتكرها رجل فَهِيَ بكر
هَذَا عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَأما عِنْد أبي حنيفَة إِذا زَالَت بَكَارَتهَا بِالزِّنَا فَهِيَ بكر أَيْضا وَلَيْسَت بثيب
وَالثَّيِّب: كل امْرَأَة جومعت بِنِكَاح أَو شُبْهَة
وَعِنْدَهُمَا: الثّيّب: كل أمْرَأَة زَالَت بَكَارَتهَا بجماع
[الْبِدْعَة] : كل عمل عمل على غير مِثَال سبق فَهُوَ بِدعَة
[الْبرة] : كل حَلقَة من سوار وقرط وخلخال وأشباهها فَهِيَ برة
[الْبَلَد] : كل مَوضِع من الأَرْض غامر أَو عَامر، مسكون أَو خَال فَهُوَ بلد، والقطعة مِنْهُ بَلْدَة
[البيات] : كل مَا كَانَ بلَيْل فَهُوَ بيات
[البقل] : كل مَا ينْبت الرّبيع مِمَّا يَأْكُلهُ النَّاس، وكل نَبَات اخضرت بِهِ الأَرْض، وكل مَا ينْبت أَصله وفرعه فِي الشتَاء فَهُوَ بقل
[البلاط] : كل شَيْء فرشت بِهِ الدَّار من حجر وَغَيره فَهُوَ بلاط
[الْبُهْتَان] : كل مَا يبهت لَهُ الْإِنْسَان من ذَنْب وَغَيره فَهُوَ بهتان
[الْبذر] : كل حب يبذر فَهُوَ بذر
[الْبَدْر] : كل شَيْء تمّ فَهُوَ بدر، وَسميت البدرة بدرة وَهِي عشرَة آلَاف دِرْهَم لتَمام عَددهَا
[الْبَحْر] : كل مَكَان وَاسع جَامع للْمَاء الْكثير فَهُوَ بَحر، ثمَّ سموا كل متوسع فِي شَيْء بحرا، وَفِي(1/226)
تقاليبه معنى السعَة
[الْبُسْتَان] : كل أَرض يحوطها حَائِط وفيهَا نخيل مُتَفَرِّقَة وأشجار، يُمكن الزِّرَاعَة فِي وسط الْأَشْجَار فَهِيَ بُسْتَان، مُعرب (بوستان) ؛ وَإِن كَانَت الْأَشْجَار ملتفة لَا يُمكن زراعة أرْضهَا فَهِيَ كرم
[الْبيض] : كل بيض يكْتب بالضاد إِلَّا بيظ النَّمْل فَإِنَّهُ بالظاء
كل مَا كَانَ من حُرُوف الهجاء على حرفين، الثَّانِي مِنْهُمَا ألف فَإِنَّهَا تمد وتقصر، من ذَلِك الْبَاء وَالتَّاء والثاء واشباهها
الْبَاء: هُوَ أول حرف نطق بِهِ الْإِنْسَان وَفتح بِهِ فَمه، وَمن مَعَانِيهَا: الْوَصْل والإلصاق [أَي: تَعْلِيق أحد معنييها بِالْآخرِ] وَقد رفع الله قدرهَا وَأَعْلَى شَأْنهَا وَأظْهر برهانها بجعلها مفتتح كِتَابه ومبتدأ كَلَامه وخطابه وَهِي من الْحُرُوف الجارة الْمَوْضُوعَة لإفضاء مَعَاني الْأَفْعَال إِلَى الْأَسْمَاء وَإِذا اسْتعْملت فِي كَلَام لَيْسَ فِيهِ فعل تتَعَلَّق هِيَ بِهِ يقدر فعل عَام إِذا لم يُوجد قرينَة الْخُصُوص؛ وَإِلَّا فَلَا بُد من تَقْدِير الْخَاص، لِأَنَّهُ أتم فَائِدَة وأعم عَائِدَة نَحْو: (زيد على الْفرس) و (من الْعلمَاء) و (فِي الْبَصْرَة) أَي: هُوَ رَاكب ومعدود ومقيم وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ إِن كَانَ تعلقهَا بِهِ بِوَاسِطَة مُتَعَلق عَام أَو خَاص حذف نسيا ومنسيا؛ وَله مَحل من الْإِعْرَاب يُسمى الْجَار وَالْمَجْرُور ظرفا مُسْتَقرًّا، كَمَا فِي صُورَة انْتِفَاء الْفِعْل الأول عَن أَصله: نَحْو: (زيد فِي الدَّار) لاستقرار معنى عَامله فِيهِ وانفهامه مِنْهُ، وَلِهَذَا قَامَ مقَامه وانتقل إِلَيْهِ ضَمِيره؛ وَإِن كَانَ بِالذَّاتِ وَلم يكن لَهُ مَحل من الْإِعْرَاب فلغو؛ كَمَا إِذا ذكر الْفِعْل مُطلقًا
وَالْبَاء الدَّاخِلَة على الِاسْم الَّذِي لوُجُوده أثر فِي وجود متعلقها ثَلَاثَة أَقسَام: لِأَنَّهَا إِن صَحَّ نِسْبَة الْعَامِل إِلَى مصحوبها فَهِيَ بَاء الِاسْتِعَانَة نَحْو (كتبت بالقلم) وتعرف أَيْضا بِأَنَّهَا الدَّاخِلَة على أَسمَاء الْآلَات، وَإِلَّا فَإِن كَانَ التَّعَلُّق إِنَّمَا وجد لأجل وجود مجرورها فَهِيَ بَاء الْعلَّة وتعرف أَيْضا بِأَنَّهَا الصَّالِحَة غَالِبا لحلول اللَّام محلهَا، وَإِلَّا [يكن الْمُتَعَلّق كل ذَلِك] فَهِيَ بَاء السَّبَبِيَّة نَحْو: {فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم}
[وَالْبَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {تنْبت بالدهن} للمصاحبة أَي: تنْبت ودهنها فِيهَا؛ وَكَذَا فِي قَوْله: {فانتبذت بِهِ} أَي: اعتزلت وَهُوَ فِي بَطنهَا]
وباء المصاحبة والملابسة أَكثر اسْتِعْمَالا من الِاسْتِعَانَة لاسيما فِي الْمعَانِي وَمَا يجْرِي مجْراهَا من الْأَقْوَال
وَحَقِيقَة بَاء الِاسْتِعَانَة التوسل بعد دُخُولهَا إِلَى تشريف الْمَشْرُوع فِيهِ والاعتداد بِشَأْنِهِ(1/227)
وَاخْتلف فِي بَاء الْبَسْمَلَة فَعِنْدَ صَاحب الْكَشَّاف للملابسة، كَمَا فِي (دخلت عَلَيْهِ بِثِيَاب السّفر) وَلها مَعْنيانِ: الْمُقَارنَة والاتصال وَعند الْبَيْضَاوِيّ للاستعانة كَمَا فِي (كتبت بالقلم) فعلى الأول الظّرْف مُسْتَقر، وَالتَّقْدِير: (ابتدئ ملابسا باسم الله ومقارنا بِهِ ومصاحبا إِيَّاه) وعَلى الثَّانِي لَغْو، وَالتَّقْدِير: (اتبدئ باسم الله أَي أستعين فِي الِابْتِدَاء باسم الله) وَالْأول لسلامته من الْإِخْلَال بالأدب، لما فِي الِاسْتِعَانَة من جعل اسْم الله آلَة للْفِعْل والآلة غير مَقْصُودَة لذاتها بل لغَيْرهَا وَقيل: الِاسْتِعَانَة أولى، لِأَن الْفِعْل لَا يُوجد إِلَّا بهَا
وَالْبَاء للإلصاق: أَي لتعليق أحد الْمَعْنيين بِالْآخرِ، إِمَّا حَقِيقَة نَحْو: {وامسحوا برؤوسكم} أَو مجَازًا نَحْو: {إِذا مروا بهم} والإلصاق أصل مَعَاني الْبَاء، بِحَيْثُ لَا يكون معنى إِلَّا وَفِيه شمة مِنْهُ، فَلهَذَا اقْتصر عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي " الْكتاب ": [وَفِي شرح " الْمُغنِي ": الْبَاء للإلصاق وَهُوَ مَعْنَاهَا بِدلَالَة الْعرف، وَهُوَ أقوى دَلِيل فِي اللُّغَة، كالنص فِي أَحْكَام الشَّرْع]
وَالْبَاء تكون للتعدية كالهمزة نَحْو: {ذهب الله بنورهم} أَي: أذهبه؛ وَهِي للتعدية، وَهِي الدَّاخِلَة على الْفَاعِل فَيصير مَفْعُولا كَمَا فِي الْآيَة
وللسببية: وَهِي الَّتِي تدخل على سَبَب الْفِعْل ويعبر عَنْهَا بِالتَّعْلِيلِ وَنَحْو: {ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل}
وللظرفية ك (فِي) زَمَانا ومكانا نَحْو: {وَلَقَد نصركم الله ببدر} {وَمَا كنت بِجَانِب الغربي}
وللاستعلاء ك (على) نَحْو: {من إِن تأمنه بقنطار}
{فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك}
وللمجاورة ك (عَن) نَحْو: {فاسأل بِهِ خَبِيرا}
[وَلَا يَجِيء بِهَذَا الْمَعْنى أصلا عِنْد الْبَصرِيين، وَقَوله: {فاسأل بِهِ خَبِيرا} مؤول عِنْدهم بِجعْل الْبَاء سَبَبِيَّة أَو تجريدية وَفِي " الْأَنْوَار ": تعديته بهَا لتَضَمّنه معنى الاعتناء، والتجوز فِي الْفِعْل أولى مِنْهُ فِي الْحَرْف، لقُوته على مَا قيل وَمَا فِي " الْقَامُوس ": (سَأَلَهُ كَذَا) و (عَن كَذَا) و (بِكَذَا) بِمَعْنى (عَنهُ) لَا يُوَافقهُ كَلَام الثِّقَات]
وللتبعيض: ك (من) نَحْو: (عينا يشرب بهَا(1/228)
عباد الله}
وللغاية ك (إِلَى) نَحْو: {وَقد أحسن بِي}
أَي: إِلَيّ
وللمقابلة، وَهِي تدخل تَارَة على الثّمن نَحْو: {وشروه بِثمن بخس} وَتارَة على الْمُثمن نَحْو: {فَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا}
وللحالية: نَحْو: (خرج زيد بثيابه) قَالَه ابْن اياز وللتجريد نَحْو: (لقِيت زيدا بِخَير)
وللتوكيد، وَهِي الزَّائِدَة، فتزداد فِي الْفَاعِل وجوبا نَحْو: {أسمع بهم وَأبْصر} وجوازا غَالِبا نَحْو: {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا} وَفِي الْمَفْعُول نَحْو: {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} وَفِي الْمُبْتَدَأ نَحْو: {بأيكم الْمفْتُون} ، وَفِي اسْم (لَيْسَ) فِي قِرَاءَة بَعضهم نَحْو: {لَيْسَ الْبر بِأَن توَلّوا وُجُوهكُم}
وَفِي الْخَبَر الْمَنْفِيّ نَحْو: {وَمَا الله بغافل}
وَالْبَاء الزَّائِدَة لَا تمنع من عمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وتجيء بِمَعْنى (حَيْثُ) نَحْو: {فَلَا تحسبنهم بمفازة من الْعَذَاب} أَي: بِحَيْثُ يفوزون
وباء التَّعْدِيَة بَابهَا الْفِعْل اللَّازِم نَحْو: {ذهب الله بنورهم}
الزَّمَخْشَرِيّ يُسَمِّي بَاء التَّعْدِيَة صلَة، وَالَّذِي يَسْتَعْمِلهُ أَكثر المصنفين فِي مثل هَذَا هُوَ أَن الصِّلَة بِمَعْنى الزِّيَادَة، وندرت التَّعْدِيَة بِالْبَاء فِي المعتدي نَحْو: (صككت الْحجر بِالْحجرِ) أَي جعلت أَحدهمَا يصك بِالْآخرِ
وَالْبَاء القسمية: يخْتَص دُخُولهَا الْمعرفَة، ولأصالتها فِي إِفَادَة معنى الْقسم تستبد عَن أختيها بِجَوَاز إِظْهَار الْفِعْل مَعهَا وبدخولها على الْمظهر والمضمر نَحْو: (بِهِ لأعبدنه) وَالْحلف على سَبِيل الاستعطاف نَحْو: (بحياتك أَخْبرنِي) وَالْوَاو لكَونهَا فرعا لَا تدخل إِلَى على الْمظهر وَكَذَا التَّاء، لكَونهَا فرعا عَن الْوَاو لم تدخل إِلَّا على الْمظهر الْوَاحِد
وَمن عَجِيب مَا قيل فِي بَاء الْبَسْمَلَة أَنَّهَا قسم فِي أول كل سُورَة، ذكره صَاحب " الغرائب والعجائب "
وَالْبَاء ابدا تقع فِي الطي نَحْو: (مَا زيد بقائم) بِخِلَاف اللَّام، فَإِنَّهَا تقع فِي الصَّدْر نَحْو: (لزيد منطلق) و {لَأَنْتُم أَشد رهبة}
وَالْبَاء مَتى دخلت فِي الْمحل تعدى الْفِعْل إِلَى الْآلَة، فَيلْزم استيعابها دون الْمحل، كَمَا فِي: {وأمسحوا برؤوسكم} فَيكون بعض الرَّأْس ممسوحا وَهُوَ الْمحل أما إِذا دخلت فِي وَسَائِل غير مَقْصُودَة مثل: (مسحت رَأس الْيَتِيم بِالْيَدِ) فَإِن الْبَاء مَتى دخلت فِي الْوَسِيلَة، وَهِي آلَة الْمسْح(1/229)
تعدى الْفِعْل إِلَى الْمحل، فَيلْزم استيعابه دون الْآلَة، فَيكون الْمسْح بِبَعْض الْيَد
الْبَيَان: فِي الأَصْل مصدر (بَان الشَّيْء) بِمَعْنى تبين وَظهر، أَو اسْم من (بَين) كالسلام وَالْكَلَام، من (كلم) و (سلم) ثمَّ نَقله الْعرف إِلَى مَا يتَبَيَّن بِهِ من الدّلَالَة وَغَيرهَا؛ وَنَقله الِاصْطِلَاح إِلَى الفصاحة وَإِلَى ملكة أَو أصُول يعرف بهَا إِيرَاد الْمَعْنى الْوَاحِد فِي صور مُخْتَلفَة
وَقيل: الْبَيَان ينْطَلق على تَبْيِين، وعَلى دَلِيل يحصل بِهِ الْإِعْلَام على علم يحصل مِنْهُ الدَّلِيل
وَالْبَيَان أَيْضا: هُوَ التَّعْبِير عَمَّا فِي الضَّمِير، وإفهام الْغَيْر وَقيل: هُوَ الْكَشْف عَن شَيْء وَهُوَ أَعم من النُّطْق؛ وَقد يُطلق على نفس التَّبْلِيغ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} [وَالْبَيَان قد يكون بالمفعل كَمَا يكون بالْقَوْل، وَهُوَ على خَمْسَة أوجه عرف ذَلِك بالاستقراء وَوجه الْحصْر هُوَ أَن الْبَيَان لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بالمنطوق أَو غَيره الثَّانِي: بَيَان الضَّرُورَة، وَالْأول إِمَّا أَن يكون الْمُبين مَفْهُوم الْمَعْنى بِدُونِ الْبَيَان أَولا.
الثَّانِي: بَيَان التَّقْرِير، وَالْأول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بَيَانا لِمَعْنى الْكَلَام أَو للازم لَهُ كالمدة.
الثَّانِي: بَيَان التبديل؛ وَالْأول إِمَّا أَن يكون بِلَا تَغْيِير أَو مَعَه
الثَّانِي: بَيَان التَّغْيِير وَالْأول بَيَان التَّفْسِير
أما بَيَان التَّقْرِير: فَهُوَ توكيد الْكَلَام بِمَا يقطع احْتِمَال الْمجَاز والتخصيص، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} قرر معنى الْعُمُوم من الْمَلَائِكَة بِذكر الْكل حَتَّى صَارَت بِحَيْثُ لَا يحْتَمل التَّخْصِيص وَكَقَوْلِه: {وَلَا طَائِر يطير بجناحيه} فَإِن قَوْله: (يطير بجناحيه) تَقْرِير لموجب الْكَلَام وَحَقِيقَته قطعا، لاحْتِمَال الْمجَاز، إِذْ يُقَال: الْمَرْء يطير بهمته، وَيُقَال للبريد طَائِر لإسراعه فِي مَشْيه
وَأما بَيَان التَّفْسِير: فَهُوَ بَيَان مَا فِيهِ خَفَاء من الْمُشْتَرك أَو الْمُشكل أَو الْمُجْمل أَو الْخَفي
وَأما بَيَان التَّغْيِير: فَهُوَ تَغْيِير مُوجب الْكَلَام نَحْو التَّعْلِيق وَالِاسْتِثْنَاء والتخصيص
وَأما بَيَان التبديل: فَهُوَ النّسخ، والنسخ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله تَعَالَى بَيَان لمُدَّة الحكم الأول، لَا رفع وتبديل؛ وبالنسبة إِلَيْنَا بتبديل كَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ بَيَان مَحْض للأجل فِي حَقه تَعَالَى؛ لِأَن الْمَقْتُول ميت بأجله، وَفِي حَقنا تَبْدِيل للحياة بِالْمَوْتِ، لِأَن ظَاهره الْحَيَاة لَوْلَا مُبَاشرَة قَتله
وَأما بَيَان الضَّرُورَة: فَهُوَ نوع بَيَان يَقع بِغَيْر مَا يوضع لَهُ لضَرُورَة مَا، إِذْ الْمَوْضُوع لَهُ النُّطْق، وَهَذَا يَقع بِالسُّكُوتِ، فَهِيَ على أَرْبَعَة أوجه عرف ذَلِك بالاستقراء: الأول: مَا يعلم بمعونة الْمَنْطُوق لَا بِمُجَرَّد السُّكُوت كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث} أضيف الْإِرْث إِلَيْهِمَا ثمَّ خص الْأُم بِالثُّلثِ فَكَانَ بَيَانا أَن للْأَب مَا بَقِي، وَهَذَا الْبَيَان لم يحصل بمحض السُّكُوت عَن نصيب الْأَب، بل بصدر الْكَلَام الْمُوجب للشَّرِكَة،(1/230)
إِذْ لَو بَين نصيب الْأُم من غير إِثْبَات الشّركَة بصدر الْكَلَام لَا يعرف نصيب الْأَب بِالسُّكُوتِ بِوَجْه
وَالثَّانِي: مَا يثبت بِدلَالَة حَال الْمُتَكَلّم؛ وَالْمرَاد بالمتكلم الْقَادِر على التَّكَلُّم لَا النَّاطِق، وَاحْترز بِهِ عَمَّن لَا يقدر على التَّكَلُّم كالأخرس
وَالثَّالِث: مَا يثبت ضَرُورَة رفع الضَّرَر، مثل سكُوت الشَّفِيع بعد الْعلم بِالْبيعِ، فَجعل إِسْقَاط الشُّفْعَة ضَرُورَة دفع الضَّرَر عَن المُشْتَرِي
وَالرَّابِع: مَا يثبت بِدلَالَة الْكَلَام، كَمَا قَالَ: (لَهُ عَليّ مئة وَثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة أَثوَاب أَو أَفْرَاس) فالمعطوف بَيَان للمعطوف عَلَيْهِ]
وَالْبَيَان مَا يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ، والتبيان مَا يتَعَلَّق بِالْمَعْنَى
الْبر، بِالْكَسْرِ: الصِّلَة، وَالْجنَّة، وَالْخَيْر، الاتساع فِي الْإِحْسَان، وَالْحج، وَالصَّدَََقَة، وَالطَّاعَة، وضد العقوق وكل فعل مرضِي بر
[وَالْبر] ؛ بِالْفَتْح: من الْأَسْمَاء الْحسنى، والصادق، وضد الْبَحْر
والبار: حَيْثُ ورد فِي الْقُرْآن مجموعا فِي صفة الْآدَمِيّين قيل: أبرار، وَفِي صفة الْمَلَائِكَة قيل: بررة
والبرية؛ بتَشْديد الرَّاء: الصَّحرَاء، وَالْجمع براري؛ وبالتخفيف (فعيلة) من برأَ الله الْخلق: أَي خلقهمْ، وَالْجمع: البرايا والبريات
وبر الله الْحَج يبره برورا: قبله وَيُقَال (برحجك) ، بِالْفَتْح وَالضَّم
وبر خالقه: أطاعه
وبررت، بِالْكَسْرِ [كعلمت] : خلاف العقوق وبررت فِي القَوْل وَالْيَمِين أبر فيهمَا برورا أَيْضا: إِذا صدقت فيهمَا؛ وَيَتَعَدَّى بِنَفسِهِ فِي الْحَج، وبالحرف فيهمَا؛ وَفِي لُغَة يتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَال: أبر الله الْحَج، وأبرت الْيَمين، وَأبر القَوْل
وبرئت من الْمَرَض وبرأت أَيْضا برءا وبرءا، وَمن الدّين وَالرجل بَرَاءَة
وأصل الْبُرْء خلوص الشَّيْء عَن غَيره إِمَّا على سَبِيل التَّقَصِّي كَقَوْلِهِم: (برِئ الْمَرِيض من مَرضه، وَالْبَائِع من عُيُوب مبيعه، وَصَاحب الدّين من دينه) ؛ وَمِنْه اسْتِبْرَاء الْجَارِيَة أَو على سَبِيل الْإِنْشَاء كَقَوْلِهِم: (برأَ الله الْخلق) ، و (بريت الْقَلَم وَغَيره) بِفَتْح الرَّاء غير مَهْمُوز، أبريه بريا
الْبَدَل: هُوَ لُغَة: الْعِوَض ويفترقان فِي الِاصْطِلَاح؛ فالبدل أحد التوابع، يجْتَمع مَعَ الْمُبدل مِنْهُ، وَبدل الْحَرْف من غَيره لَا يَجْتَمِعَانِ أصلا، وَلَا يكون إِلَّا فِي مَوضِع الْمُبدل مِنْهُ
والعوض لَا يكون فِي مَوضِع المعوض عَنهُ أَلا ترى أَن الْعِوَض فِي (اللَّهُمَّ) فِي آخر الِاسْم، والمعوض عَنهُ فِي أَوله، لِأَن طَريقَة الْعَرَب أَنهم إِذا حذفوا من الأول عوضوا آخرا: مثل (عدَّة) و (زنة) ؛ وَإِذا حذفوا من الآخر عوضوا أَولا مثل: (ابْن) فِي (بَنو) ؛ وَرُبمَا اجْتمعَا ضَرُورَة، وَرُبمَا استعملوا الْعِوَض مرادفا للبدل فِي الِاصْطِلَاح
وَقد نظمت فِي جَوَاز جمع الْبَدَل والمبدل مِنْهُ:(1/231)
(جمعت بوصل بَين جسمي وروحه ... وَهَذَا كَلَام لم يجوزه سامعي)
(أبقت كَأَنِّي من يَد الْغَصْب غَارِم ... فعدت وَمِنْه الْإِرْث قد صَار جامعي)
وَالْبدل على ضَرْبَيْنِ: بدل: هُوَ إِقَامَة حرف مقَام حرف غَيره
وَبدل: هُوَ قلب الْحَرْف نَفسه إِلَى لفظ غَيره على معنى إحالته إِلَيْهِ
هَذَا إِنَّمَا يكون فِي حُرُوف الْعلَّة وَفِي الْهمزَة أَيْضا لمقاربتها إِيَّاهَا وَكَثْرَة تغيرها، وَذَلِكَ فِي نَحْو: (قَامَ) و (مُوسر) و (رَأس) و (آدم) ، فَكل قلب بدل، وَلَيْسَ كل بدل قلبا
وَالْبدل والمبدل مِنْهُ إِن اتحدا فِي الْمَفْهُوم يُسمى بدل الْكل من الْكل وَبدل الْعين من الْعين أَيْضا؛ وَإِن لم يتحدا فِيهِ، فَإِن كَانَ الثَّانِي جُزْءا من الأول فَهُوَ بدل الْبَعْض من الْكل، وَإِن لم يكن جُزْءا، فَإِن صَحَّ الِاسْتِغْنَاء بِالْأولِ عَن الثَّانِي فَهُوَ بدل الاشتمال نَحْو: (نظرت إِلَى الْقَمَر فلكه)
وَبدل الْكل من الْكل يُوَافق الْمَتْبُوع فِي الْإِفْرَاد والتثنية وَالْجمع والتذكير والتأنيث، لَا فِي التَّعْرِيف
وَسَائِر الأبدال لَا يلْزم موافقتها للمبدل مِنْهُ فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما
وَالْبدل على الْمَعْنى لَا على اللَّفْظ كَقَوْلِه تَعَالَى:
{كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ}
وَبدل الْغَلَط ثَلَاثَة أَقسَام: ندامة كَقَوْلِك: (محبوبي بدر شمس)
وَغلط صَرِيح: كَقَوْلِك: (هَذَا زيد جَار)
ونسيان
والأخيران لَا يقعان فِي كَلَام الفصحاء أصلا، بِخِلَاف الأول، فَإِنَّهُ يَقع فِي كَلَام الشُّعَرَاء مُبَالغَة وتفننا فِي الفصاحة
وَبدل الْمعرفَة من الْمعرفَة نَحْو قَوْله تَعَالَى: {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم}
والنكرة من الْمعرفَة نَحْو قَوْله تَعَالَى: {لنسفعا بالناصية نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة} وَلَا يحسن ذَلِك حَتَّى يُوصف نَحْو الْآيَة، لِأَن الْبَيَان مُرْتَبِط بهما جَمِيعًا
والنكرة من النكرَة نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِن لِلْمُتقين مفازا حدائق وأعنابا}
والمعرفة من النكرَة، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله}
فَإِن الثَّانِي معرفَة بِالْإِضَافَة
وَلَا يجوز إِبْدَال النكرَة غير الموصوفة من الْمعرفَة، كَمَا لَا يجوز وصف الْمعرفَة بالنكرة هَذَا إِذا لم يفد الْبَدَل مَا زَاد على الْمُبدل مِنْهُ وَأما إِذا أَفَادَ فَجَائِز نَحْو: (مَرَرْت بأبيك خير مِنْك) وَالْأَكْثَر على أَن ضمير الْمُخَاطب لَا يُبدل مِنْهُ
وَالْبدل فِي الِاسْتِثْنَاء من الأبدال الَّتِي تثبت فِي(1/232)
غير الِاسْتِثْنَاء، بل هُوَ قسم على حِدة، كَمَا فِي قَوْلك: (مَا قَامَ أحد إِلَّا زيد) ف (إِلَّا زيد) هُوَ الْبَدَل، وَهُوَ الَّذِي يَقع فِي مَوضِع (أحد) ، فَلَيْسَ (زيد) وَحده بَدَلا من (أحد) ، وَإِنَّمَا (زيد) هُوَ الْأَحَد الَّذِي نفيت عَنهُ الْقيام، و (إِلَّا زيد) بَيَان للأحد الَّذِي عينته
وَالْبدل مَشْرُوع فِي الأَصْل كالمسح على الْخُف
وَالْخلف لَيْسَ بمشروع فِي الأَصْل كالتيمم
وَالْبدل التفصيلي لَا يعْطف إِلَّا بِالْوَاو كَقَوْلِه:
(وَكنت كذي رجلَيْنِ رجل صَحِيحَة ... وَرجل رمى فِيهَا الزَّمَان فشلت)
بَين: كلمة تنصيف وتشريك، حَقّهَا أَن تُضَاف إِلَى أَكثر من وَاحِد، وَإِذا أضيفت إِلَى الْوَاحِد وَجب أَن يعْطف عَلَيْهِ بِالْوَاو، لِأَن الْوَاو للْجمع تَقول: (المَال بَين زيد وَعَمْرو) و (بَين عَمْرو) قَبِيح؛ وَأما (بيني وَبَيْنك) ف (بَين) مُضَاف إِلَى مُضْمر مجرور، وَذَلِكَ لَا يعْطف عَلَيْهِ إِلَّا بِإِعَادَة الْجَار؛ وَقد جَاءَ التكرير مَعَ الْمظهر
وَإِذا أضيف إِلَى الزَّمَان كَانَ ظرفا زمَان، تَقول: (آتِيك بَين الظّهْر وَالْعصر)
وَإِذا أضيف إِلَى الْمَكَان كَانَ ظرف مَكَان، تَقول: (دَاري بَين دَارك وَالْمَسْجِد)
وَلَا يُضَاف إِلَى مَا يَقْتَضِي معنى الْوحدَة إِلَّا إِذا كرر نَحْو: {فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك موعدا} {وَلَا بِالَّذِي بَين يَدَيْهِ} أَي: مُتَقَدما لَهُ من الْإِنْجِيل وَنَحْو: {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا} أَي: قرينا مِنْهُ
وَلَا يدْخل الضَّم على (بَين) بِحَال، إِلَّا إِذا عني بالبين الْوَصْل، وَتقول: (بَينا أَنا جَالس جَاءَ عَمْرو) وَلَيْسَ لدُخُول (إِذْ) هَهُنَا معنى وَمَا وَقع فِي الْأَحَادِيث فَمَحْمُول على زِيَادَة الروَاة، وأجازوا(1/233)
ذَلِك فِي (بَيْنَمَا) وَاعْتَذَرُوا بِأَن (مَا) ضمت إِلَى (بَين) فغيرت حكمهَا؛ كَمَا أَن (رب) لَا يَليهَا إِلَّا الِاسْم، وَإِذا زيدت فِيهَا (مَا) وَليهَا الْفِعْل
و (بَيْنَمَا) : ظرف لمتوسط فِي زمَان أَو مَكَان بِحَسب الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَإِذا قصد إِضَافَة (بَين) إِلَى (أَوْقَات) مُضَافَة إِلَى جملَة حذفت الْأَوْقَات وَعوض عَنْهَا الْألف أَو (مَا) مَنْصُوب الْمحل، وَالْعَامِل فِيهِ معنى المفاجأة الَّذِي تضمنته (إِذْ) وَيُقَال فِي التباعد الجسماني: (بَينهمَا بَين) ، وَفِي التباعد الشرفي: (بَينهمَا بون)
والبين: من الأضداد، يسْتَعْمل للوصل والفصل
والبينونة الْخَفِيفَة: تفِيد انْقِطَاع الْملك فَقَط كَمَا يحصل بِوَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ؛ والغليظة تفِيد انْقِطَاع الْحل بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا يحصل بِالثلَاثِ
بل: هُوَ مَوْضُوع لإِثْبَات مَا بعده، وللإعراض عَمَّا قبله بِأَن يَجْعَل مَا قبله فِي حكم الْمَسْكُوت عَنهُ بِلَا تعرض لنفيه وَلَا إثْبَاته، وَإِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ (لَا) صَار نصا فِي نَفْيه
وَفِي كل مَوضِع يُمكن الْإِعْرَاض عَن الأول يثبت الثَّانِي فَقَط
وَفِي كل مَوضِع لَا يُمكن الْإِعْرَاض عَن الأول يثبت الأول وَالثَّانِي
و (بل) فِي الْجُمْلَة مثلهَا فِي الْمُفْردَات، إِلَّا أَنَّهَا قد تكون لَا لتدارك الْغَلَط، بل لمُجَرّد الِانْتِقَال إِلَى آخر أهم من الأول بِلَا فضل، إِلَى إهدار الأول وَجعله فِي حكم الْمَسْكُوت عَنهُ كَقَوْلِه تَعَالَى: {بل هم فِي شكّ مِنْهَا بل هم مِنْهَا عمون}
وَاعْلَم أَن كلمة (بل) إِذا تَلَاهَا جملَة كَانَ معنى الإضراب إِمَّا الْإِبْطَال كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} ، وَقَوله تَعَالَى: {أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ}
وَإِمَّا الِانْتِقَال من غَرَض إِلَى آخر: نَحْو قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا}
وَقَوله: {ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ بل قُلُوبهم فِي غمرة} وَهِي فِي ذَلِك كُله حرف ابْتِدَاء لَا عاطفة على الصَّحِيح؛ وَإِن تَلَاهَا مُفْرد كَانَت عاطفة؛ فَإِن كَانَت بعد إِثْبَات فَهِيَ لإِزَالَة الحكم عَن الأول وإثباته للثَّانِي إِن كَانَت فِي الإخبارات، لِأَنَّهَا الْمُحْتَمل للغلظ دون الإنشاءات تَقول: (جَاءَنِي زيد بل عَمْرو) لَا (خُذ هَذَا بل هَذَا) ؛ وَإِن كَانَت بعد نفي أَو نهي فَهِيَ لتقرير الحكم لما قبلهَا وَإِثْبَات ضِدّه لما بعْدهَا، تَقول: (مَا قَامَ زيد بل عَمْرو) و (لَا تضرب زيدا بل عمرا) تقرر نفي الْقيام عَن زيد وتنهي عَن الضَّرْب لَهُ وتثبته لعَمْرو وتأمر بضربه
قَالَ بَعضهم: (بل) الإضرابية لَا تقع فِي التَّنْزِيل إِلَّا للانتقال وَقَوله تَعَالَى: (وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن(1/234)
ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} لَا يتَعَيَّن كَون (بل) فِيهَا للإبطال، لاحْتِمَال كَون الإضراب فِيهَا عَن جملَة القَوْل لَا عَن الْجُمْلَة المحكية بالْقَوْل، وَجُمْلَة القَوْل إِخْبَار من الله تَعَالَى عَن مقالتهم، صَادِقَة غير بَاطِلَة، فَلم يُبْطِلهَا الإضراب، وَإِنَّمَا أَفَادَ الإضراب الِانْتِقَال من الْإِخْبَار عَن الْكفَّار إِلَى الْإِخْبَار عَن وصف مَا وَقع الْكَلَام فِيهِ من النَّبِي وَالْمَلَائِكَة
وَقَالَ ابْن عُصْفُور: (بل) و (لَا بل) وَإِن وَقع بعدهمَا جملَة كَانَا حرفي ابْتِدَاء ومعناهما الإضراب عَمَّا قبلهمَا واستئناف الْكَلَام الَّذِي بعدهمَا ثمَّ قَالَ: و (لَا) المصاحبة لَهَا لتأكيد معنى الإضراب؛ وَإِن وَقع بعدهمَا مُفْرد كَانَا حرفي عطف ومعناهما الإضراب عَن جعل الحكم للْأولِ وإثباته للثَّانِي
وَقد يكون (بل) بِمَعْنى (إِن) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق} ، لِأَن الْقسم لَا بُد لَهُ من جَوَاب
وَقد تكون بِمَعْنى (هَل) كَقَوْلِه تَعَالَى: {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة}
و (بل) لَا يصلح أَن يصدر بهَا الْكَلَام؛ وَلِهَذَا يقدر فِي قَوْله: {بل فعله كَبِيرهمْ} مَا فعلته بل فعله
بلَى: هُوَ من حُرُوف التَّصْدِيق مثل (نعم) ، إِلَّا أَن (نعم) يَقع تَصْدِيقًا للْإِيجَاب وَالنَّفْي فِي الْخَبَر والاستفهام جَمِيعًا و (بلَى) يخْتَص بالمنفي، خَبرا أَو استفهاما على معنى أَنَّهَا إِنَّمَا تقع تَصْدِيقًا للمنفي على سَبِيل الْإِيجَاب، وَلَا تقع تَصْدِيقًا للمثبت أصلا؛ وَلِهَذَا قيل: قَائِل (بلَى) فِي جَوَاب {آلست بربكم} من الْأَرْوَاح مُؤمن، لِأَنَّهُ فِي قُوَّة (بلَى أَنْت رَبنَا) ، وَقَائِل (نعم) مِنْهَا كَافِر، لِأَنَّهُ فِي قُوَّة (نعم لست بربنا)
وَاسْتشْكل بعض الْمُحَقِّقين بِأَن (بلَى) إِذا كَانَت لإِيجَاب مَا بعد النَّفْي لم تكن تَصْدِيقًا لما سبقها، بل تَكْذِيبًا لَهُ وَالْجَوَاب أَنَّهَا وَإِن كَانَت تَكْذِيبًا للنَّفْي، لَكِنَّهَا تَصْدِيق للمنفي
و (بلَى) لَا يَأْتِي إِلَّا بعد نفي؛ و (لَا) لَا يَأْتِي إِلَّا بعد إِيجَاب؛ و (نعم) يَأْتِي بعدهمَا وَقد نظمت فِيهِ:
(بعد نفي قل نعم لَا بعد إِيجَاب كَذَا ... بعد إِيجَاب نعم لَا بعد إِيجَاب بلَى)
بعد: هُوَ من الظروف الزمانية أَو المكانية أَو الْمُشْتَركَة بَينهمَا وَله حالتان: إِمَّا الْإِضَافَة إِلَى اسْم عين، فَحِينَئِذٍ ظرف زمَان، أَو إِلَى اسْم معنى فظرف مَكَان وَإِمَّا الْقطع فَإِن كَانَ مُضَافا فَهُوَ مُعرب على حسب اقْتِضَاء العوامل من النصب أَو الْجَرّ وَلَا يكون مَرْفُوعا، إِلَّا أَن يخرج عَن الظَّرْفِيَّة، أَو يُرَاد مِنْهُ اللَّفْظ؛ وَإِن كَانَ مَقْطُوعًا عَن الْإِضَافَة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْمُضَاف إِلَيْهِ منويا أَو منسيا؛ فَإِن كَانَ منسيا فَهُوَ مُعرب على حسب اقْتِضَاء العوامل أَيْضا، وَإِن كَانَ منويا فيبنى على الضَّم وَبِهِمَا قرئَ قَوْله تَعَالَى: {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} وَقَوْلهمْ بعد الْخطْبَة: (وَبعد) بِالضَّمِّ أَو الرّفْع مَعَ التَّنْوِين أَو الْفَتْح على تَقْدِير لفظ(1/235)
الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي: (واحضر بعد الْخطْبَة مَا سَيَأْتِي) وَالْوَاو للاستئناف، أَو لعطف الْإِنْشَاء على مثله، أَو على الْخَبَر نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَبشر الَّذين آمنُوا}
وتجيء (بعد) بِمَعْنى (قبل) نَحْو: {وكتبنا فِي الزبُور من بعد الذّكر} وَمعنى (مَعَ) يُقَال: (فلَان كريم وَهُوَ بعد هَذَا أديب) وَعَلِيهِ يتَأَوَّل: {عتل بعد ذَلِك زنيم} {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} وَبعد يبعد كعلم يعلم بعدا بِفَتْح الْبَاء وَالْعين: هلك وكحسن يحسن بعدا بِالضَّمِّ: ضد الْقرب
وَهُوَ عبارَة عَن امتداد قَائِم بالجسم أَو بِنَفسِهِ، عِنْد الْقَائِلين بِوُجُود الْخَلَاء
وَالْعَبْد الَّذِي هُوَ بَين الْأَعْلَى والأسفل يُسمى عمقا إِن اعْتبر النُّزُول؛ وسمكا إِن اعْتبر الصعُود
والأبعاد الَّتِي بَين غايات الْأَجْسَام هِيَ ثَلَاثَة: بعد الطول: وَهُوَ الامتداد الْمَفْرُوض أَولا وَبعد الْعرض: وَهُوَ الْمَفْرُوض ثَانِيًا مقاطعا للْأولِ على زَوَايَا قَائِمَة
وَبعد العمق: وَهُوَ الْمَفْرُوض ثَالِثا مقاطعا لَهما عَلَيْهَا، فَلَا يُوجد جسم إِلَّا على هَذِه الأبعاد، فَمَا كَانَ ذَا بعد وَاحِد فَخط، وَذَا بعدين فسطح، وَذَا ثَلَاثَة فجسم تعليمي
و (بعد) فِي (أَفعلهُ بعد) لزمان الْحَال أَي: بَعْدَمَا مضى وَفِي (لَا أَفعلهُ بعد) للاستقبال أَي: بَعْدَمَا نَحن فِيهِ
البلاغة: مصدر (بلغ الرجل) الضَّم: إِذا صَار بليغا [وَأسد عِبَارَات الأدباء فِي حد البلاغة وأوفاها بالغرض قَوْلهم: البلاغة هِيَ التَّعْبِير عَن الْمَعْنى الصَّحِيح لما طابقه من اللَّفْظ الرَّائِق من غير مزِيد على الْمَقْصد وَلَا انتقاص عَنهُ فِي الْبَيَان
فعلى هَذَا فَكلما ازْدَادَ الْكَلَام فِي الْمُطَابقَة للمعنى وَشرف الْأَلْفَاظ ورونق الْمعَانِي والتجنب عَن الركيك المستغث كَانَ بلاغته أَزِيد]
فِي " الْجَوْهَرِي ": البلاغة: الفصاحة
وَعند أهل الْمعَانِي: البلاغة أخص من الفصاحة قَالَ بعض محققيهم: وَلم أر مَا يصلح لتعريفهما، لَكِن الْفرق بَينهمَا أَن الفصاحة يُوصف بهَا الْمُفْرد وَالْكَلَام والمتكلم، والبلاغة يُوصف بهَا الأخيران فَقَط يُقَال: كلمة فصيحة، وَلَا يُقَال بليغة
أما فصاحة الْمُفْرد فخلوصه من تنافر الْحُرُوف ك (مستشزرات) ، وَمن الغرابة: وَهِي كَون الْكَلِمَة لَا يعرف مَعْنَاهَا إِلَّا بعد الْبَحْث الْكثير عَلَيْهِ فِي كتب اللُّغَة، وَمن مُخَالفَة الْقيَاس ك (الأجلل) بفك الْإِدْغَام، وَلم يرتض بَعضهم زِيَادَة أَن لَا تكون الْكَلِمَة مستكرهة فِي السّمع نَحْو (الجرشى) أَي النَّفس
وَأما فصاحة الْكَلَام فخلوصه من ضعف التَّأْلِيف نَحْو أَن يتَّصل بالفاعل ضمير يعود على الْمَفْعُول الْمُتَأَخر، وَمثله مِمَّا لَا يجوز فِي الْعَرَبيَّة إِلَّا بِضعْف، وَمن التنافر بِأَن يعسر النُّطْق بكلماته لعسرها على اللِّسَان، وَمن التعقيد بِأَن يكون الْكَلَام غير ظَاهر الدّلَالَة على المُرَاد مِنْهُ، وَذَلِكَ إِمَّا لتعقيد فِي اللَّفْظ أَو الْمَعْنى؛ ورد بَعضهم زِيَادَة(1/236)
خلوصه من كَثْرَة التّكْرَار وتتابع الإضافات
وَأما فصاحة الْمُتَكَلّم فملكة يقتدر بهَا على التَّعْبِير عَن الْمَقْصُود بِلَفْظ فصيح
وَأما بلاغة الْكَلَام فمطابقته لمقْتَضى الْحَال مَعَ فَصَاحَته، وَمُقْتَضى الْحَال أَن يعبر بالتنكير فِي مَحَله وبالتعريف فِي مَحَله وَمَا أشبه ذَلِك
وَبِالْجُمْلَةِ أَن يُطَابق الْغَرَض الْمَقْصُود وارتفاع شَأْن الْكَلَام إِنَّمَا يكون بِهَذِهِ الْمُطَابقَة، وانحطاطه بعدمها
وَأما بلاغة الْمُتَكَلّم فملكة يقتدر بهَا على تأليف كَلَام بليغ
[وَاخْتلف فِي رتب البلاغة هَل هِيَ متناهية أم لَا؟ وَالْحق أَنَّهَا إِن نظر إِلَى اللُّغَات الْوَاقِعَة المتناهية فمراتب البلاغة فِيهَا لَا بُد وَأَن تكون متناهية؛ لِأَن البلاغة على مَا ذكرنَا عَائِدَة إِلَى مُطَابقَة الشريف من الْأَلْفَاظ للصحيح من الْمعَانِي من غير زِيَادَة فِي الْمَقْصد وَلَا نُقْصَان عَنهُ فِي الْبَيَان
وَلَا يخفى أَن الْأَلْفَاظ الشَّرِيفَة بالاصطلاح الْمُطَابقَة للمعاني متناهية، فَكَانَت مَرَاتِب البلاغة المترتبة على الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة متناهية
وَأما إِذا نظر إِلَى مَا يُمكن وُقُوعه من اللُّغَات بعد اللُّغَات الْوَاقِعَة الْمَفْرُوضَة فَلَا يبعد فِي علم الله وجود أَلْفَاظ هِيَ أشرف من الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة، وَتَكون مطابقتها لمعانيها أَعلَى رُتْبَة فِي البلاغة من الْأَلْفَاظ الْوَاقِعَة وهلم جرا إِلَى مَا لَا يتناهى] وَتَمام مبَاحث هَذِه النبذ فِي علم الْمعَانِي. ورجحان بلاغة النّظم الْجَلِيل إِنَّمَا هُوَ بإبلاغ الْمَعْنى الْجَلِيل المتسوعب إِلَى النَّفس بِاللَّفْظِ الْوَجِيز؛ وَإِنَّمَا يكون الإسهاب أبلغ فِي كَلَام الْبشر الَّذين لَا يتناولون تِلْكَ الرُّتْبَة الْعَالِيَة من البلاغة [الْبكر] : الْبكر من الْإِبِل: هِيَ الَّتِي وضعت بَطنا وَاحِدًا وَمن بني آدم: هِيَ الَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح، سَوَاء كَانَ لَهَا زوج أم لم يكن، بَالِغَة كَانَت أم لَا، ذَاهِبَة الْعذرَة بوثبة أَو حيض [أَو وضوء] وَهِي بكر إِلَّا فِي حق الشِّرَاء وَفِي " الْمغرب " أَنه يَقع على الذّكر الَّذِي لم يدْخل بِامْرَأَة؛ وَشرط مُحَمَّد ابْن الْحسن الْأُنُوثَة فِي هَذَا الِاسْم، وَهُوَ إِمَام مقلد؛ وَإِطْلَاق الثّيّب على الذّكر كَمَا فِي حَدِيث " الثّيّب بِالثَّيِّبِ " إِلَى آخِره إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الْمُقَابلَة مجَازًا ك {ومكروا ومكر الله} وَقد حكى الصغاني عَن اللَّيْث أَنه لَا يُقَال للرجل ثيب، وَإِنَّمَا يُقَال: ولد الثيبين تَغْلِيبًا
وَلم يسمع من الْبكر فعل، إِلَّا أَن فِي تركيبها الأولية وَمِنْه: البكرة والباكورة وَأما الباكرة فَلَيْسَتْ من كَلَام الْعَرَب، وَالصَّحِيح: الْبكر، والبكارة بِالْفَتْح فِي " الْقَامُوس ": كل من بَادر إِلَى شَيْء فقد أبكر إِلَيْهِ فِي أَي وَقت كَانَ
وَبكر وأبكر وتبكر: تقدم، وَعَلِيهِ: " فبكروا " فِي الحَدِيث، بِمَعْنى تقدمُوا، لَا بَادرُوا
وَبكر تبكيرا: أَتَى الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا وابتكر أول الْخطْبَة
الْبَقَاء: هُوَ سلب الْعَدَم اللَّاحِق للوجود، أَو اسْتِمْرَار الْوُجُود فِي الْمُسْتَقْبل إِلَى غير نِهَايَة وهما بِمَعْنى، كَمَا فِي شرح " الْإِرْشَاد " وَهُوَ أَعم من الدَّوَام
والدائم الْبَاقِي هُوَ الله تَعَالَى بافتقار الموجودات(1/237)
إِلَى مديم كافتقار المعدومات إِلَى موجد، وَأما المتغيرات المحسوسة فَهِيَ فِي الماديات دون الإبداعيات: [وَلَو فرض انْقِطَاع فيضان نور الْوُجُود من الله تَعَالَى على الْعَالم فِي آن لم يبْق فِي الْخَارِج] والأشعري جعل الْبَقَاء من الصِّفَات، وَالصَّحِيح [أَنه لَيْسَ صفة وجودية زَائِدَة بل هُوَ نفس] الْوُجُود المستمر [أَي الْمَوْجُود فِي الزَّمَان الثَّانِي، فَيكون أخص من مُطلق الْوُجُود، كَمَا أَن الفناء أخص من مُطلق الْعَدَم لِأَنَّهُ الْعَدَم الطَّارِئ] وتفصيل ذَلِك هُوَ أَن الْبَارِي تَعَالَى بَاقٍ لذاته، خلافًا للأشعري، فَإِن عِنْده هُوَ بَاقٍ بِبَقَاء قَائِم بِذَاتِهِ، فَيكون صفة وجودية زَائِدَة على الْوُجُود، إِذْ الْوُجُود مُتَحَقق دون الْبَقَاء، وتتجدد بعده صفة هِيَ الْبَقَاء؛ والنافون للبقاء قَالُوا: الْبَقَاء هُوَ نفس الْوُجُود فِي الزَّمَان الثَّانِي لَا أَمر زَائِد عَلَيْهِ، إِذْ لَو كَانَ مَوْجُودا لَكَانَ بَاقِيا بِالضَّرُورَةِ، فَإِن كَانَ بَاقِيا بِبَقَاء آخر لزم التسلسل، أَو بِبَقَاء الذَّات لزم الدّور، أَو بِنَفسِهِ والذات بَاقِيَة بِبَقَاء الْبَقَاء فتنقلب الذَّات صفة وَالصّفة ذاتا وَهُوَ محَال، أَو بِبَقَاء قَائِم لَهُ تَعَالَى، فَيكون وَاجِب الْوُجُود لذاته وَاجِبا لغيره، وَهُوَ محَال أَيْضا
وَالتَّحْقِيق أَن الْمَعْقُول من بَقَاء الْبَارِي امْتنَاع عَدمه، [ومقارنة مَعَ الْأَزْمِنَة من غير أَن يتَعَلَّق بهَا كتعلق الزمانيات] ، كَمَا أَن الْمَعْقُول من بَقَاء الْحَوَادِث مُقَارنَة وجودهَا لأكْثر من زمَان وَاحِد بعد زمَان أول، وَذَلِكَ لَا يعقل فِيمَا لَيْسَ بِزَمَان، وَامْتِنَاع الْعَدَم ومقارنة الزَّمَان من الْأُمُور الاعتبارية الَّتِي لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج، ولفضل الْبَقَاء على الْعُمر وصف الله بِهِ، وقلما يُوصف بالعمر وَالْبَاقِي بِنَفسِهِ لَا إِلَى مُدَّة هُوَ الْبَارِي، وَمَا عداهُ بَاقٍ بِغَيْرِهِ وباق بشخصه إِلَى أَن يَشَاء الله أَن يفنيه كالأجرام السماوية، وَالْبَاقِي بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالإنسان والحيوانات، وَالْبَاقِي بشخصه فَهِيَ الْآخِرَة كَأَهل الْجنَّة، وبنوعه وجنسه هُوَ ثمار أهل الْجنَّة، كَمَا فِي الحَدِيث؛ وكل عبَادَة يقْصد بهَا وَجه الله فِيهِ الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
والبقية: مثل فِي الْجَوْدَة وَالْفضل، يُقَال: (فلَان بَقِيَّة الْقَوْم) أَي: خيارهم، وَمِنْه قَوْلهم: (فِي الزوايا خبايا وَفِي الرِّجَال بقايا)
وَبَقِيَّة الشَّيْء من جنسه، وَلَا يُقَال للأخر بَقِيَّة الْأَب
وَالْبَاقِي يسْتَعْمل فِيمَا يكون الْبَاقِي أقل، بِخِلَاف السائر، فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِيمَا يكون الْبَاقِي أَكثر؛ وَالصَّحِيح أَن كل بَاقٍ قل أَو كثر فالسائر يسْتَعْمل فِيهِ وَقيل: السائر بِالْهَمْزَةِ الْأَصْلِيَّة بِمَعْنى الْبَاقِي، وبالمبدلة من الْيَاء بِمَعْنى الْجَمِيع؛ وَالْأول أشهر فِي الِاسْتِعْمَال وَأثبت عِنْد أَئِمَّة اللُّغَة وَأظْهر فِي الِاشْتِقَاق
وَفِي " الْقَامُوس ": السائر: الْبَاقِي لَا الْجَمِيع
والبقاء أسهل من الِابْتِدَاء كبقاء النِّكَاح بِلَا شُهُود وامتناعه بِدُونِهَا ابْتِدَاء؛ وَجَوَاز الشُّيُوع فِي الْهِبَة بَقَاء لَا ابْتِدَاء، كَمَا إِذا وهب دَارا وَرجع فِي نصفهَا وشاع بَينهمَا فالشيوع الطَّارِئ لَا يمْنَع بَقَاء الْهِبَة؛ وَبَقَاء الشَّيْء الْوَاحِد فِي محلين فِي زمَان وَاحِد محَال، وَلذَا إِذا تمت الْحِوَالَة برِئ الْمُحِيل من الدّين بِقبُول الْمُحْتَال والمحال عَلَيْهِ، لِأَن معنى الْحِوَالَة النَّقْل، وَهُوَ يَقْتَضِي فرَاغ ذمَّة الْأَصِيل لِئَلَّا يلْزم بَقَاء الشَّيْء فِي محلين فِي زمَان وَاحِد(1/238)
الْبشر: هُوَ علم لنَفس الْحَقِيقَة من غير اعْتِبَار كَونهَا مُقَيّدَة بالتشخصات والصور
وَالرجل: اسْم لحقيقة مُعْتَبرَة مَعهَا تعينات وصور حَقِيقِيَّة؛ فالمتبادر فِي الأول نفس الْحَقِيقَة، وَفِي الثَّانِي الصُّورَة
وَفِي " الْقَامُوس " الْبشر محركة: الْإِنْسَان، ذكرا أَو أُنْثَى، وَاحِدًا أَو جمعا نَحْو: {بشرا سويا} {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا}
وَقد يثنى نَحْو: {لبشرين} ؛ وَيجمع على (أبشار)
وباشر الْأَمر: وليه بِنَفسِهِ
[وباشر] الْمَرْأَة: جَامعهَا
الْبشَارَة: اسْم لخَبر يُغير بشرة الْوَجْه مُطلقًا، سارا كَانَ أَو محزنا، إِلَّا أَنه غلب اسْتِعْمَالهَا فِي الأول وَصَارَ اللَّفْظ حَقِيقَة لَهُ بِحكم الْعرف حَتَّى لَا يفهم مِنْهُ غَيره، وَاعْتبر فِيهِ الصدْق على مَا نَص عَلَيْهِ فِي الْكتب الْفِقْهِيَّة؛ فَالْمَعْنى الْعرفِيّ للبشارة هُوَ الْخَبَر الصدْق السار الَّذِي لَيْسَ عِنْد الْمخبر بِهِ علمه، وَوُجُود المبشر بِهِ وَقت الْبشَارَة لَيْسَ بِلَازِم، بِدَلِيل {وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا} قَالَ بَعضهم: الْبشَارَة الْمُطلقَة فِي الْخَيْر، وَلَا تكون فِي الشَّرّ إِلَّا بالتقييد؛ كَمَا أَن النذارة تكون على إِطْلَاق لَفظهَا فِي الشَّرّ
والبشارة بِالْفَتْح: الْجمال
والبشر، بِالْكَسْرِ: الطلاقة
والبشير: المبشر
وأبشر: فَرح، وَمِنْه: أبشر بِخَير
الْبَيْت: هُوَ اسْم لمسقف وَاحِد لَهُ دهليز
والمنزل: اسْم لما يشْتَمل على بيُوت وصحن مسقف ومطبخ يسكنهُ الرجل بعياله
وَالدَّار: اسْم لما اشْتَمَل على بيُوت ومنازل وصحن غير مسقف
(وَالدَّار دَار وَإِن زَالَت حوائطها ... وَالْبَيْت لَيْسَ بِبَيْت بَعْدَمَا انهدما)
وَالْبَيْت يجمع على أَبْيَات وبيوت، لَكِن الْبيُوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر
وَالْبَيْت: علم اتفاقي لهَذَا الْمَكَان الشريف
وكل مَا كَانَ من مدر فَهُوَ بَيت، وَإِن كَانَ من كُرْسُف فَهُوَ سرداق، وَمن صوف أَو وبر فَهُوَ خباء، وَمن عيدَان فَهُوَ خيمة، وَمن جُلُود فَهُوَ طراف، وَمن حِجَارَة فَهُوَ أقبية
والفسطاط: الْخَيْمَة الْعَظِيمَة فَكَانَ من الخباء
والخانة: اسْم لكل مسكن، صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا أَعم من الدَّار والمنزل الَّذِي يشْتَمل على صحن مسقف وبيتين أَو ثَلَاثَة
والحجرة: نَظِير الْبَيْت فَإِنَّهَا اسْم للقطعة من الأَرْض المحجورة بحائط، وَلذَلِك يُقَال لحظيرة الْإِبِل حجرَة
والخان: مَكَان مبيت الْمُسَافِرين
والحانة: بِالْمُهْمَلَةِ مَكَان التسوق فِي الْخمر، وَالنِّسْبَة حاني وحانوي
والحانوت: مَكَان البيع وَالشِّرَاء
والدكان: فَارسي مُعرب، كَمَا فِي " الصِّحَاح "، أَو عَرَبِيّ من: دكنت الْمَتَاع: إِذا نضدت بعضه فَوق(1/239)
بعض، كَمَا فِي " المقاييس "
والدير: خَان النَّصَارَى وَالْجمع أديار وَصَاحبه: ديار وديراني
وَاسم الدَّار يتَنَاوَل الْعَرَصَة وَالْبناء جَمِيعًا، غير أَن الْعَرَصَة أصل وَالْبناء تبع فَصَارَ الْبناء صفة الْكَمَال، دلّ عَلَيْهِ أَن مرافق السُّكْنَى قد تحصل بالعرصة وَحدهَا بِدُونِ الْبناء، وَلَا ينعكس، وَكَذَا الْعَرَصَة مُمكن الْوُجُود بِدُونِ الْبناء وَالْبناء بِدُونِ الْعَرَصَة غير مُمكن الْوُجُود
وَالْعَقار: بِالْفَتْح فِي الشَّرِيعَة هِيَ الْعَرَصَة، مَبْنِيَّة كَانَت أَو لَا، لِأَن الْبناء لَيْسَ من الْعقار فِي شَيْء؛ وَقيل: هُوَ مَا لَهُ أصل وقرار من دَار وضيعة وَفِي " الْعمادِيَّة ": الْعقار اسْم للعرصة المبنية، والضيعة: اسْم للعرصة لَا غير، وَيجوز إِطْلَاق اسْم الضَّيْعَة على الْعقار
البيع: هُوَ رَغْبَة الْمَالِك عَمَّا فِي يَده إِلَى مَا فِي يَد غَيره وَفِي " الْمِصْبَاح ": أَصله مُبَادلَة مَال بِمَال
يَقُولُونَ: (بيع رابح وَبيع خاسر) ؛ وَذَلِكَ حَقِيقَة فِي وصف الْأَعْيَان، لكنه أطلق على العقد مجَازًا لِأَنَّهُ سَبَب التَّمْلِيك والتملك
وَقَوْلهمْ: (صَحَّ البيع) أَو (بَطل) وَنَحْو ذَلِك أَي: صِيغَة البيع، لَكِن لما حذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَهُوَ مُذَكّر أسْند الْفِعْل إِلَيْهِ بِلَفْظ التَّذْكِير
وَبَاعَ: يتَعَدَّى إِلَى مفعولين، وَقد تدخل (من) على الْمَفْعُول الأول على وَجه التَّأْكِيد يُقَال: (بِعْت من زيد الدَّار) وَرُبمَا دخلت اللَّام مَكَان (من) فَيُقَال: (بِعْت لَك) وَهِي زَائِدَة
وبعت الشَّيْء: إِذا بِعته من غَيْرك
وبعته: اشْتَرَيْته وَيُقَال: بِعْتُك الشَّيْء وَبَاعَ عَلَيْهِ القَاضِي أَي من غير رضَا
وابتاع زيد الدَّار: بِمَعْنى اشْتَرَاهَا
وأبعته: عرضته للْبيع
والباعة: جمع (بَائِع) كالحاكة والقافة
وباعة الدَّار: ساحتها
والباع: قدر مد الْيَدَيْنِ، والشرف، وَالْكَرم
والبوع: مد الباع بالشَّيْء، وَبسط الْيَد بِالْمَالِ
وَبيع الْعين بالاثمان الْمُطلقَة يُسمى باتا؛ وَالْعين بِالْعينِ مقايضة
وَالدّين بِالْعينِ يُسمى سلما
وَالدّين بِالدّينِ صرفا
وبالنقصان من الثّمن الأول وضيعة
وبالثمن الأول تَوْلِيَة
وَنقد مَا ملكه بِالْعقدِ الأول بِالثّمن الأول مَعَ زِيَادَة ربح مُرَابحَة
وَإِن لم يلْتَفت إِلَى الثّمن السَّابِق مساومة
وَبيع الثَّمر على رَأس النّخل بِتَمْر مجذوذ مثل كيلة خرصا مزابنة
وَبيع الْحِنْطَة فِي سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصا محاقلة
وَبيع الثِّمَار قبل أَن تَنْتَهِي مخاصرة
وَالصَّحِيح من البيع مَا كَانَ مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ وَوَصفه
وَالْبَاطِل مَا لَا يكون كَذَلِك
وَالْفَاسِد مَا كَانَ مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ لَا بوصفه
وَالْمَكْرُوه مَا كَانَ مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ وَوَصفه، لَكِن جاوره شَيْء مَنْهِيّ عَنهُ
وَالْمَوْقُوف: مَا يَصح بِأَصْلِهِ وَوَصفه، لَكِن يُفِيد الْملك على سَبِيل التَّوَقُّف، وَلَا يُفِيد تَمَامه لتَعلق حق الغيرية قَالُوا: الْعَمَل صَحِيح إِن وجد فِيهِ(1/240)
الْأَركان والشروط وَالْوَصْف المرغوب فِيهِ؛ وَغير صَحِيح إِن وجد فِيهِ قبح؛ فَإِن كَانَ بِاعْتِبَار الأَصْل فَبَاطِل فِي الْعِبَادَات، كَالصَّلَاةِ بِدُونِ ركن أَو شَرط؛ وَفِي الْمُعَامَلَات كَبيع الْخمر؛ وَإِن كَانَ بِاعْتِبَار الْوَصْف ففاسد، كَتَرْكِ الْوَاجِب وكالربا؛ وَإِن كَانَ بِاعْتِبَار أَمر مجاور فمكروه، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة وَالْبيع وَقت النداء
وَالْبَاطِل وَالْفَاسِد عندنَا مُتَرَادِفَانِ فِي الْعِبَادَات؛ وَأما فِي نِكَاح الْمَحَارِم فَقيل بَاطِل، وَسقط الْحَد لشُبْهَة الِاشْتِبَاه؛ وَقيل فَاسد، وَسقط الْحَد لشُبْهَة العقد
وَفِي البيع متباينان؛ وَكَذَا فِي الْإِجَازَة وَالصُّلْح وَالْكِتَابَة وَغَيرهَا فَليرْجع إِلَى مَحَله وَعند الشَّافِعِيَّة: هما مُتَرَادِفَانِ إِلَّا فِي الْكِتَابَة وَالْخلْع وَالْعَارِية وَالْوكَالَة وَالشَّرِكَة وَالْقَرْض؛ وَفِي الْعِبَادَات فِي الْحَج، ذكره السُّيُوطِيّ
الْبناء، لُغَة: وضع شَيْء على شَيْء على صفة يُرَاد بهَا الثُّبُوت
وَبنى يبْنى بِنَاء: فِي الْعمرَان
وبنا يبنو بنيا: فِي الشّرف
وَبنى فلَان على أَهله: زفها، فَإِنَّهُم إِذا تزوجوا ضربوا عَلَيْهَا خباء جَدِيدا
وَبنى الدَّار وابتناها: بِمَعْنى
وَهُوَ مبتني على كَذَا، على بِنَاء الْمَفْعُول: كالمرتبط يُقَال: (فلَان مُرْتَبِط بِكَذَا) على بِنَاء الْمَفْعُول، لِأَن (ارْتبط) ك (رابط) اتّفقت عَلَيْهِ أَئِمَّة اللُّغَة
وَالْبناء فِي الِاصْطِلَاح على القَوْل بِأَنَّهُ لَفْظِي: مَا جِيءَ بِهِ لَا لبَيَان مُقْتَضى الْعَامِل من شبه الْإِعْرَاب، وَلَيْسَ حِكَايَة أَو اتبَاعا أَو نقلا أَو تخلصا من ساكنين؛ وعَلى القَوْل بِأَنَّهُ معنوي: هُوَ لُزُوم آخر الْكَلِمَة حَالَة وَاحِدَة من سُكُون أَو حَرَكَة لغير عَامل وَلَا اعتلال
والأسباب الْمُوجبَة لبِنَاء الِاسْم: تضمن معنى الْحَرْف، ومشابهة الْحَرْف، والوقوع موقع الْفِعْل الْمَبْنِيّ فَكل شَيْء من الْأَسْمَاء فَإِنَّمَا سَبَب بنائِهِ مَا ذكر أَو رَاجع إِلَيْهِ
وتنحصر المبنيات فِي سَبْعَة: اسْم كني بِهِ عَن اسْم وَهُوَ الْمُضمر
وَاسم أُشير بِهِ إِلَى مُسَمّى وَفِيه معنى فعل، نَحْو: هَذَا وَهَذَانِ وَهَؤُلَاء
وَاسم قَامَ مقَام حرف وَهُوَ الْمَوْصُول
وَاسم سمي بِهِ فعل نَحْو: (صه) و (مَه) وشبههما
والأصوات المحكية
وظرف لم يتَمَكَّن
وَاسم ركب مَعَ اسْم مثله
والبنية بِالضَّمِّ عِنْد الْحُكَمَاء: عبارَة عَن الْجِسْم الْمركب من العناصر الْأَرْبَعَة على وَجه يحصل من تركبيها مزاج، وَهُوَ شَرط للحياة وَعند جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين: هِيَ عبارَة عَن مَجْمُوع جَوَاهِر فردة يقوم بهَا تأليف خَاص لَا يتَصَوَّر قيام الْحَيَاة بِأَقَلّ مِنْهَا والأشاعرة نفوا البنية بل جوزوا قيام الْحَيَاة بجوهر وَاحِد
وَتجمع البنية على (بنى) بِالْكَسْرِ وَالضَّم
وَقَوْلهمْ (بِنَاء على كَذَا) : نصب على أَنه مفعول لَهُ، أَو حَال، أَو مصدر لفعل مَحْذُوف فِي مَوضِع الْحَال، أَي: لأجل الْبناء: أَو بانيا، أَو يبْنى بِنَاء
الْبَسِيط: هُوَ مَا لَا جُزْء لَهُ أصلا، أَو مَا لَيْسَ لَهُ أَجزَاء متخالفة الْمَاهِيّة، سَوَاء لم يكن لَهُ جُزْء أصلا، أَو كَانَ لَهُ أَجزَاء متفقة الْحَقِيقَة
والبسيط إِمَّا عَقْلِي لَا يلتئم فِي الْعقل من أُمُور عدَّة(1/241)
تَجْتَمِع فِيهِ، كالأجناس الْعَالِيَة والفصول البسيطة، وَإِمَّا خارجي لَا يلتئم من أُمُور كَذَلِك فِي الْخَارِج، كالمفارقات من الْعُقُول والنفوس
والمركب أَيْضا إِمَّا عَقْلِي يلتئم من أُمُور تتمايز فِي الْعقل فَقَط كحيوان نَاطِق، وَإِمَّا خارجي يلتئم من أَجزَاء متمايزة فِي الْخَارِج كالبيت
والبسيط الْحَقِيقِيّ: مَا لَا جُزْء لَهُ أصلا؛ والبسيط الإضافي: مَا هُوَ أقل جُزْءا
والبسيط الْقَائِم بِنَفسِهِ: هُوَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ، والبسيط الْقَائِم بِغَيْرِهِ كالنقطة؛ والمركب الْقَائِم بِغَيْرِهِ كالسواد
والبسط: الزِّيَادَة فِي عدد حُرُوف الِاسْم وَالْفِعْل؛ وَلَعَلَّ أَكثر ذَلِك لإِقَامَة الْوَزْن وتسوية القوافي
وَالْقَبْض: هُوَ النُّقْصَان من عدد الْحُرُوف كباب التَّرْخِيم فِي النداء وَغَيره
والبسطة: الْفَضِيلَة؛ وَفِي الْعلم: التَّوَسُّع؛ وَفِي الْجِسْم: الطول والكمال؛ وَيضم فِي الْكل
وَبسط يَده عَلَيْهِ: سلط
{وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ} أَي: وَسعه
و {كباسط كفيه إِلَى المَاء} أَي: للطلب
{وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم} أَي: للأخذ
{ويبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم} أَي: للصولة وَالضَّرْب
وبسيط الْوَجْه: متهلل؛ وَالْيَدَيْنِ: سماح
والبسيطة: هِيَ الأَرْض
الْبُخْل: هُوَ نفس الْمَنْع
وَالشح: الْحَالة النفسية الَّتِي تَقْتَضِي ذَلِك الْمَنْع
و (بخل) : يعدى ب (عَن) وب (على) أَيْضا، لتَضَمّنه معنى الْإِمْسَاك
والتعدي: فَإِنَّهُ إمْسَاك عَن مُسْتَحقّ
وَالْبخل والحسد مشتركان فِي أَن صَاحبهمَا يُرِيد منع النِّعْمَة عَن الْغَيْر، ثمَّ يتَمَيَّز الْبَخِيل بِعَدَمِ دفع ذِي النِّعْمَة شَيْئا، والحاسد يتَمَنَّى أَن لَا يعْطى لأحد سواهُ شَيْئا
وَالْبخل شُعْبَة من الْجُبْن، لِأَن الْجُبْن تألم الْقلب بتوقع مؤلم عَاجلا على وَجه يمنعهُ من إِقَامَة الْوَاجِب عقلا، وَهُوَ الْبُخْل فِي النَّفس
والبخيل يَأْكُل وَلَا يُعْطي، واللئيم لَا يَأْكُل وَلَا يُعْطي
البدء: بَدَأَ الشَّيْء وأبدأه: أنشأه واخترعه
والبداءة: بِالْهَمْزَةِ، وَهُوَ الصَّوَاب [وبادي بدا: بِالْيَاءِ وَالْألف، مَعْنَاهُ مبتدئا بِهِ، فهما اسمان ركبا وَجعلا كاسم وَاحِد، وَأَصله بهمز الأول وَمد الثَّانِي، فقلبت الْهمزَة يَاء ثمَّ اسكنت كَمَا فِي (معد يكرب) وَحذف ألف (بداء) للتَّخْفِيف فقلبت الْهمزَة ألفا لانفتاح مَا قبلهَا؛ وَقيل معنى (بَادِي بدا) أَي: ظَاهرا، وَالْوَجْه هُوَ الأول لِأَنَّهُ جَاءَ مهموزا]
وبدا لي فِي الْأَمر: أَي تغير رَأْيِي فِيهِ عَمَّا كَانَ، قَالَه التبريزي وَنَقله الزَّرْكَشِيّ عَن صَاحب " الْمُحكم " عَن سِيبَوَيْهٍ
وبيد: ك (كَيفَ) : اسْم ملازم بِمَعْنى (على)(1/242)
و (غير) ؛ وَعَلِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا "
وَبِمَعْنى (من أجل) ؛ وَعَلِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " أَنا أفْصح من نطق بالضاد، بيد أَنِّي من قُرَيْش "
وبيداء، بِالْمدِّ: فِي الأَصْل كَانَت صفة، من (باديبيد) بِمَعْنى هلك، ثمَّ غلب عَلَيْهَا الِاسْتِعْمَال فَصَارَت اسْما لنَفس الفلاة من غير مُلَاحظَة وصف، لَكِن روعي فِيهَا الأَصْل فَجمعت على (فعل) ؛ وَمِمَّا يدل على ذَلِك مَا ذكر بعض أهل اللُّغَة من أَن الْمَفَازَة هِيَ اسْم للبيداء، وَسميت بذلك تَسْمِيَة للشَّيْء باسم ضِدّه تفاؤلا، كَمَا سمي اللديغ سليما؛ (وَالْعرب تَقول: (افْعَل هَذَا بَادِي بدا) بياء وَألف، مَعْنَاهُ: أول كل شَيْء فهما اسمان ركبا ك (خَمْسَة عشر) وَأَصله بهمز الأول وَمد الثَّانِي، وَمَعْنَاهُ ظَاهرا من (بدا يَبْدُو) وَالْوَجْه هُوَ الأول، لِأَنَّهُ جَاءَ مهموزا وَالْمعْنَى مبتدئا بِهِ قبل كل شَيْء)
والبدا فِي وصف الْبَارِي تَعَالَى محَال، لِأَن منشأه الْجَهْل بعواقب الْأُمُور، وَلَا يَبْدُو لَهُ تَعَالَى شَيْء كَانَ عَنهُ غَائِبا
وَيَجِيء (بدا) بِمَعْنى أَرَادَ، كَمَا فِي حَدِيث الْأَقْرَع وَالْأَعْمَى والأبرص
بدا الله، أَي: أَرَادَ
والبذا، بِالْمُعْجَمَةِ: هُوَ التَّعْبِير عَن الْأُمُور المستقبحة بالعبارات الصَّرِيحَة، وَيجْرِي أَكثر ذَلِك فِي الوقاع
والبدوية: بِالْجَزْمِ، مَنْسُوب إِلَى البدا بِمَعْنى البدو
والبدو: الْبَسِيط من الأَرْض، يظْهر فِيهِ الشَّخْص من بعيد، وَالنِّسْبَة إِلَى الْبَادِيَة بَادِي
الْبِدْعَة: هِيَ عمل عمل على غير مِثَال سبق وَفِي " الْقَامُوس ": هِيَ الْحَدث فِي الدّين بعد الْإِكْمَال أَو مَا استحدث بعد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من الْأَهْوَاء والأعمال قيل: هِيَ أَصْغَر من الْكفْر وأكبر من الْفسق وَفِي " الْمُحِيط الرضوي ": إِن كل بِدعَة تخَالف دَلِيلا يُوجب الْعلم وَالْعَمَل بِهِ فَهِيَ كفر؛ وكل بِدعَة تخَالف دَلِيلا يُوجب الْعَمَل ظَاهرا فَهِيَ ضَلَالَة وَلَيْسَت بِكفْر وَقد اعْتمد عَلَيْهِ عَامَّة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة
ومختار جُمْهُور أهل السّنة من الْفُقَهَاء والمتكلمين عدم إكفار أهل الْقبْلَة من المبتدعة والمؤولة فِي غير الضرورية، لكَون التَّأْوِيل شُبْهَة
والواجبة من الْبِدْعَة: نظم أَدِلَّة الْمُتَكَلِّمين للرَّدّ على الْمَلَاحِدَة والمبتدعين
والمندوبة مِنْهَا: كتب الْعلم وَبِنَاء الْمدَارِس وَنَحْو ذَلِك
والمباحة مِنْهَا: الْبسط فِي ألوان الْأَطْعِمَة وَغير ذَلِك(1/243)
والمبتدع فِي الشَّرْع: من خَالف أهل السّنة اعتقادا، كالشيعة قيل: حكمه فِي الدُّنْيَا الإهانة باللعن وَغَيره؛ وَفِي الْآخِرَة على مَا فِي الْكَلَام حكم الْفَاسِق، وعَلى مَا فِي الْفِقْه حكم بَعضهم حكم الْكَافِر، كمنكر الرُّؤْيَة وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ وَغير ذَلِك
والبدع، بِالْكَسْرِ والسكون بِمَعْنى البديع؛ نَظِيره: الْخُف بِمَعْنى الْخَفِيف
الْبَاطِل: هُوَ أَن يفعل فعل يُرَاد بِهِ أَمر مَا، وَذَلِكَ الْأَمر لَا يكون من ذَلِك الْفِعْل وَهُوَ أَيْضا مَا أبطل الشَّرْع حسنه، كتزوج الْأَخَوَات
وَالْمُنكر: مَا عرف قبحه عقلا، كالكفر وعقوق الْوَالِدين
وَالْبَاطِل من الْأَعْيَان: مَا فَاتَ مَعْنَاهُ الْمَخْلُوق لَهُ من كل وَجه بِحَيْثُ لم يبْق إِلَّا صورته
وَالْبَاطِل من الْكَلَام: مَا يلغى وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ لعدم الْفَائِدَة فِي سَمَاعه وخلوه من معنى يعْتد بِهِ، وَإِن لم يكن كذبا وَلَا فحشا
البراعة: هِيَ كَمَال الْفضل، وَالسُّرُور وَحسن الفصاحة الْخَارِجَة عَن نظائرها
وبرع الرجل: فاق أَصْحَابه
وبراعة المطلع: أَن يكون الْبَيْت صَحِيح السبك، وَاضح الْمَعْنى، غير مُتَعَلق بِمَا بعده، سالما من الحشو وتعقيد الْكَلَام، سهل اللَّفْظ، متناسب الْقسمَيْنِ، بِحَيْثُ لَا يكون شطره الأول أَجْنَبِيّا من شطره الثَّانِي، مناسبا لمقْتَضى الْمقَام وَسَماهُ ابْن المعتز حسن الِابْتِدَاء؛ وفرعوا مِنْهُ براعة الاستهلال وَمَعْنَاهَا عِنْد أهل البلاغة أَن يذكر الْمُؤلف فِي طالعة كِتَابه مَا يشْعر بمقصوده، وَيُسمى بالإلماع
وَأما براعة الْمطلب: فَهِيَ أَن يلوح الطَّالِب الطّلب بِأَلْفَاظ عذبة مهذبة منقحه مقترنة بتعظيم الممدوح، خَالِيَة من الإلحاح وَالتَّصْرِيح، بل تشعر بِمَا فِي النَّفس دون كشفه كَقَوْلِه:
(وَفِي النَّفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتي بَيَان عِنْدهَا وخطاب)
الْبَعْث: الإثارة والإيقاظ من النّوم {من بعثنَا من مرقدنا}
وإيجاد الْأَعْيَان والأجناس والأنواع عَن لَيْسَ يخْتَص بِهِ الْبَارِي
والإحياء والنشر من الْقُبُور
وإرسال الرُّسُل
و (بعث فيهم) : جعله بَين أظهرهم
وَبعث إِلَيْهِم: أرسل لدعوتهم، سَوَاء كَانَ فيهم أم لَا
وَقد يسْتَعْمل كل مِنْهُمَا بِمَعْنى الآخر
وَوصف الْبعْثَة لَا يَنْتَظِم فِي الْأَنْبِيَاء كلهم، بل هِيَ مَخْصُوصَة بالرسل)
الْبَعْض: هُوَ طَائِفَة من الشَّيْء وَقيل: جُزْء مِنْهُ [كَمَا فِي قَوْلك: ضربت رَأس زيد] وَيجوز كَونه أعظم من بَقِيَّته، كالثمانية من الْعشْرَة
وَالْبَعْض يتَجَزَّأ، والجزء لَا يتَجَزَّأ
وَالْكل اسْم لجملة تركبت من أَجزَاء محصورة، وَالْبَعْض اسْم لكل جُزْء تركب الْكل مِنْهُ وَمن غَيره، لَيْسَ عينه وَلَا غَيره(1/244)
واستحال هَذَا الْمَعْنى فِي صفة الله مَعَ ذَاته لِاسْتِحَالَة التركب، فَلم تكن بَعْضًا لَهُ لِاسْتِحَالَة حد البعضية، وَلَا غَيره لِاسْتِحَالَة حد الغيرية، وَلَا عينه لِاسْتِحَالَة حد العينية وَبِهَذَا تنْدَفع شُبْهَة الْخُصُوم فِي مَسْأَلَة الرُّؤْيَة، وَقد يزِيد الْبَعْض على الْكل فِي صُورَة (أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي) فَإِنَّهُ صَرِيح، بِخِلَاف (كأمي) فَإِنَّهُ كِنَايَة وَقيل: لَيْسَ ذَلِك من بَاب زِيَادَة الْبَعْض على الْكل، بل من زِيَادَة الْقَلِيل على الْكثير، كالقطرة من الْخمر إِذا وَقعت فِي دن خل لَا يجوز شربه فِي الْحَال، بِخِلَاف مَا إِذا وَقع كوز من الْخمر فِي دن خل حَيْثُ يجوز شربه، وَمن بَاب زِيَادَة الْبَعْض على الْكل مَسْأَلَة الْمِيزَاب؛ فَإِن الْخَارِج مِنْهُ إِذا وَقع على شخص فَقتله وَجَبت الدِّيَة بِتَمَامِهَا؛ وَإِن وَقع الْجَمِيع لم يجب إِلَّا النّصْف على الصَّحِيح
(وَذكر بعض مَا لَا يتَجَزَّأ كذكر كُله، كَمَا فِي الطَّلَاق وَالْعَفو عَن الْقصاص، بِخِلَاف الْعتْق، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يتَجَزَّأ عِنْد الإِمَام؛ وَأما عدم تجزؤ الْإِعْتَاق فَهُوَ بالِاتِّفَاقِ)
وَقد يُطلق الْبَعْض على مَا هُوَ فَرد من الشَّيْء، كَمَا يُقَال: (زيد بعض الْإِنْسَان)
وَقد يَجِيء الْبَعْض بالتعظيم، وَاسم الْجُزْء يُطلق على النّصْف؛ لَا يُقَال: الثُّلُثَانِ جُزْء من ثَلَاثَة، وَإِنَّمَا يُقَال: جزءان من ثَلَاثَة، فأقصى مَا يَقع عَلَيْهِ هَذَا الإسم النّصْف، وَلَا غَايَة لأَقل مَا يَقع عَلَيْهِ هَذَا الإسم
وَلَفظ البعوض من الْبَعْض لصِغَر جِسْمه بِالْإِضَافَة إِلَى سَائِر الْحَيَوَانَات
الْبَصْرَة: بِالْكَسْرِ: حِجَارَة رخوة فِيهَا بَيَاض؛ وَهُوَ مُعرب (بس رَاه) أَي: كثر الطّرق
والبصري، بِالْكَسْرِ: مَنْسُوب إِلَى الْبَصْرَة، وبالفتح إِلَى الْبَصَر
والبصريون: هم الْخَلِيل، وسيبويه، وَيُونُس، والأخفش وأتباعهم
والكوفيون: هم الْمبرد، وَالْكسَائِيّ، وَالْفراء، وثعلب وأتباعهم
(الْبَحْث: هُوَ طلب الشَّيْء تَحت التُّرَاب وَغَيره
والفحص: طلب فِي بحث؛ وَكَذَا التفتيش
والمحاولة: طلب الشَّيْء بالحيل
والمزاولة: طلب الشَّيْء بالمعالجة وَبحث عَن الشَّيْء بحثا: استقصى طلبه.
و [بحث] فِي الأَرْض: حفرهَا وَمِنْه: {فَبعث الله غرابا يبْحَث فِي الأَرْض}
والبحث عرفا: إِثْبَات النِّسْبَة الإيجابية أَو السلبية من الْمُعَلل بالدلائل، وَطلب إِثْبَاتهَا من السَّائِل إِظْهَارًا للحق ونفيا للباطل
وللبحث أَجزَاء ثَلَاثَة مرتبَة بَعْضهَا على بعض وَهِي: المبادئ والأواسط والمقاطع، وَهِي الْمُقدمَات الَّتِي تَنْتَهِي الْأَدِلَّة والحجج إِلَيْهَا من الضروريات وَالْمُسلمَات مثل الدّور والتسلسل)
الْبَتّ: الْقطع يُقَال فِي قطع الْحَبل والوصل؛ ويقابله البتر؛ لكنه اسْتعْمل فِي قطع الذَّنب
والبتك: يُقَارب الْبَتّ، لكنه اسْتعْمل فِي قطع الْأَعْضَاء وَالشعر [والبتل: الِانْقِطَاع](1/245)
وتبتل إِلَى الله وبتل: انْقَطع وأخلص {قل الله ثمَّ دِرْهَم} أَو ترك النِّكَاح وزهد فِيهِ، وَهَذَا مَحْظُور، لَا رَهْبَانِيَّة وَلَا تبتل فِي الْإِسْلَام
والبتول: هِيَ المنقطعة عَن الرِّجَال وَمَرْيَم الْعَذْرَاء كبالتيل، وَفَاطِمَة بنت سيد الْمُرْسلين لانقطاعها عَن نسَاء زمانها وَنسَاء الْأمة فضلا ودينا وحسبا، وانقطاعها إِلَى الله تَعَالَى
وَقَوْلهمْ أَلْبَتَّة: أَي أَبَت هَذَا القَوْل قِطْعَة وَاحِدَة لَيْسَ فِيهَا تردد، بِحَيْثُ أَجْزم مرّة وأرجع أُخْرَى ثمَّ أَجْزم فَيكون قطعتين أَو أَكثر، بل لَا يثنى فِيهِ النّظر وَهُوَ مصدر مَنْصُوب على المصدرية بِفعل مُقَدّر، أَي: (بت) بِمَعْنى (قطع) ثمَّ أَدخل الْألف وَاللَّام للْجِنْس، وَالتَّاء للْمُبَالَغَة، والمسموع قطع همزته على غير الْقيَاس، وَقل تنكيرها؛ وَحكم سِيبَوَيْهٍ فِي " كِتَابه " بِأَن اللَّام فِيهَا لَازِمَة
البضاعة: هِيَ قِطْعَة وافرة من المَال تقتطع للتِّجَارَة وتدفع إِلَى آخر ليعْمَل فِيهَا بِشَرْط أَن يكون الرِّبْح للْمَالِك على وَجه التَّبَرُّع
والبضع، بِالضَّمِّ: الْجِمَاع، أَو الْفرج نَفسه، وَالْمهْر، وَالطَّلَاق، وَعقد النِّكَاح، ضد وَبِمَعْنى المبضوع كَالْأَكْلِ نَحْو: {أكلهَا دَائِم} أَي: مأكولها
وَهُوَ جملَة من اللَّحْم تبضع: أَي تقطع
والبضع، بِالْفَتْح: مصدر (بضعت الشَّيْء) : إِذا قطعته وشققته؛ وَسمي فرج الْمَرْأَة بضعا لشق فِيهِ
والبضع، بِالْكَسْرِ: المتقطع عَن الْعشْرَة، أَو مَا بَين الثَّلَاثَة وَالْعشرَة؛ وَإِذا جَاوَزت الْعشْرَة ذهب الْبضْع؛ فَلَا يُقَال: بعض وَعِشْرُونَ، لَكِن فِي " الْمغرب ": " فِي الْعدَد المنيف بضعَة عشر بِالْهَاءِ للمذكر، وبحذفها فِي الْمُؤَنَّث، كَمَا تَقول: ثَلَاثَة عشر رجلا وَثَلَاث عشرَة امْرَأَة؛ وَكَذَا بضعَة وَعِشْرُونَ رجلا وبضع وَعِشْرُونَ امْرَأَة
الْبدن: بدن الرجل بدنا وبدانة: إِذا ضخم، وَأما إِذا أسن واسترخى فَيُقَال: بدن تبدينا والجسد يُقَال اعْتِبَارا باللون
الْبَدنَة: مَا جعل فِي الْأَضْحَى للنحر وللنذر وَأَشْبَاه ذَلِك؛ وَإِذا كَانَت للنحر فعلى كل حَال هِيَ الْجَزُور
الْبَرْق: هُوَ وَاحِد بروق السَّحَاب
وبرق الْبَصَر: بِكَسْر الرَّاء: أَي شقّ؛ وَبِفَتْحِهَا: شخص؛ من البريق وَحَقِيقَة الْبَرْق نَار تحدث عِنْد اصطكاك أجرام الْهَوَاء، وَذَلِكَ أَكثر مَا يكون عِنْد انْتِقَال الزَّمَان من الْبرد إِلَى الْحر وَبِالْعَكْسِ فيصادف الْهَوَاء حارا وَبِالْعَكْسِ فَتحدث أصوات الرَّعْد من تِلْكَ الْأَصْوَات وَتَكون النيرَان لشدَّة الاصطكاك هَذَا على أصُول الْحُكَمَاء من أهل الْهَيْئَة
وَأما السنيون فيسندون جَمِيع مَا ظهر من الْآثَار العلوية والسفلية إِلَى إِرَادَة الْفَاعِل الْمُخْتَار، وَيَقُولُونَ: الرَّعْد ملك أَو صَوت ملك يزْجر السَّحَاب إِلَى الْجِهَات الَّتِي يُرِيد الله سُبْحَانَهُ، والبرق سَوْطه وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار جرم ذَلِك الْملك بِمَا يتَوَقَّف نَقله على خبر صَحِيح
البث: هُوَ إِظْهَار مَا كَانَ خفِيا عَن الحاسة، حَدِيثا كَانَ أَو هما أَو غَيرهمَا؛ والإيجاد والخلق، وَمِنْه:(1/246)
{وَبث فِيهَا من كل دَابَّة}
والفراش المبثوث: أَي المهيج بعد سكونه
وَبث السُّلْطَان الْجند: نشرهم
الْبَغي: طلب تجَاوز الاقتصاد فِيمَا يتحَرَّى؛ تَارَة يعْتَبر فِي الْقدر الَّذِي هُوَ الكمية، وَتارَة يعْتَبر فِي الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْكَيْفِيَّة
وَقَالَ بَعضهم: الْبَغي: الْحَسَد، وَقصد الاستعلاء، والترقي فِي الْفساد
وبغى: بِمَعْنى طلب، مصدره: بغاء الضَّم
[وبغت: بِمَعْنى فجرت، مصدره بغاء بِالْكَسْرِ {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء} ]
[الْبَصَر: هُوَ إِدْرَاك الْعين، وَقد يُطلق مجَازًا على الْقُوَّة الباصرة، وَكَذَا فِي السّمع]
وَالْبَصَر: قُوَّة مرتبَة فِي العصبتين المجوفتين اللَّتَيْنِ تتلاقيان فتفترقان إِلَى الْعَينَيْنِ من شَأْنهَا أَن تدْرك مَا ينطبع فِي الرُّطُوبَة الجامدية من أشباح صور الْأَجْسَام بتوسط المشف وَنَحْو: (كلمح الْبَصَر) : أَي الْجَارِحَة الناظرة
{وَإِذا زاغت الْأَبْصَار} : أَي الْقُوَّة الَّتِي فِيهَا
البصيرة: هِيَ قُوَّة فِي الْقلب تدْرك بهَا المعقولات
وَقُوَّة الْقلب المدركة بَصِيرَة
وبصر بِكَذَا: علم، وَعَلِيهِ: {فبصرك الْيَوْم حَدِيد} : أَي: علمك ومعرفتك بهَا قَوِيَّة
البهيم: الْأسود الْخَالِص الَّذِي لم يشبه غَيره
و" يحْشر النَّاس بهما "؛ بِالضَّمِّ، أَي لَيْسَ بهم شَيْء مِمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا نَحْو البرص وَالْعَرج، أَو عُرَاة
الْبُسْتَان: الْجنَّة إِن كَانَ فِيهِ نخل
والفردوس: إِن كَانَ فِيهِ كرم
البخر: بِفتْحَتَيْنِ: نَتن الْفَم وَغَيره وَالْأول مُرَاد الْفُقَهَاء
والذفر: كالبخر: شدَّة الرّيح، طيبَة أَو خبيثة، ومرادهم نَتن الْإِبِط
الْبكاء: هُوَ يمد إِذا كَانَ الصَّوْت أغلب، وَيقصر إِذا كَانَ الْحزن أغلب وَقيل: هُوَ بِالْقصرِ خُرُوج الدمع فَقَط، وبالمد خُرُوج الدمع مَعَ الصَّوْت
والمرء إِن تهَيَّأ للبكاء قيل أجهش، فَإِن امْتَلَأت عينه دموعا قيل: اغرورقت، فَإِن سَالَتْ قيل: دَمَعَتْ وهمعت، وَإِذا حكت دموعها الْمَطَر قيل: هَمت، وَإِن بَكَى بالصوت قيل: نحب، وَإِذا صَاح قيل: أعول
الْبلُوغ: هُوَ مُنْتَهى الْمُرُور، وَمثله الْوُصُول، غير أَن فِي الْوُصُول معنى الإتصال، وَلَيْسَ كَذَلِك الْبلُوغ
وَالْبُلُوغ بالحلم: قدر الشَّارِع الِاطِّلَاع بِهِ، إِذْ عِنْده يتم التجارب بتكامل القوى الجسمانية الَّتِي هِيَ مراكب القوى الْعَقْلِيَّة وَالْأَحْكَام علقت بِالْبُلُوغِ عَام الخَنْدَق، وَأما قبل ذَلِك فَكَانَت منوطة بالتمييز، بِدَلِيل إِسْلَام عَليّ رَضِي الله عَنهُ البطالة: بِالْكَسْرِ، الكسالة المؤدية إِلَى إهمال الْمُهِمَّات، جِيءَ على هَذَا الْوَزْن الْمُخْتَص بِمَا(1/247)
يحْتَاج إِلَى المعالجة من الْأَفْعَال، بِحمْل النقيض على النقيض
و [البطالة] : بِالْفَتْح: الشجَاعَة
و [البطال] : بَين البطالة
و [البطل] : بَين البطولة
البرَاز: الْفَتْح، اسْم للفضاء الْوَاسِع، يكنى بِهِ عَن قَضَاء الْغَائِط، كَمَا يكنى عَنهُ بالخلاء
و [البرَاز] : بِالْكَسْرِ، مصدر من المبارزة فِي الْحَرْب
الْبَراء: بِالْفَتْح: أول لَيْلَة من الشَّهْر، وَسميت بذلك لتبري الْقَمَر من الشَّمْس
البال: الْحَال والشأن وَالْقلب
وَأمر ذُو بَال: أَي شرف يهتم بِهِ كَأَن الْأَمر لشرفه وعظمه قد ملك قلب صَاحبه لاشتغاله بِهِ
البداهة: هِيَ الْمعرفَة الْحَاصِلَة ابْتِدَاء فِي النَّفس، لَا بسب الْفِكر كعلمك بِأَن الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ
والبداهة فِي الْمعرفَة كالبديع فِي الْعقل
والبديهي أخص من الضَّرُورِيّ، لِأَنَّهُ مَا لَا يتَوَقَّف حُصُوله على نظر وَكسب، سَوَاء احْتَاجَ لشَيْء آخر من نَحْو حدس أَو تجربة أَو لَا، كتصور الْحَرَارَة والبرودة، والتصديق بِأَن النَّفْي وَالْإِثْبَات لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان
والأوليات: هِيَ البديهيات بِعَينهَا، سميت بهَا لِأَن الذِّهْن يلْحق مَحْمُول الْقَضِيَّة بموضوعها أَولا، لَا بتوسط شَيْء آخر، وَأما الَّذِي يكون بتوسط شَيْء آخر فَذَاك الْمُتَوَسّط هُوَ الْمَحْمُول أَولا
الْبركَة: النَّمَاء وَالزِّيَادَة، حسية كَانَت أَو معنوية، وَثُبُوت الْخَيْر الإلهي فِي الشَّيْء وداومه، ونسبتها إِلَى الله تَعَالَى على الْمَعْنى الثَّانِي
وَقَالَ الله تَعَالَى: {لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض} سمي بذلك لثُبُوت الْخَيْر فِيهِ ثُبُوت المَاء فِي اليم
وبركة المَاء، بِكَسْر أَوله وَسُكُون ثَانِيه، سميت بِهِ لإِقَامَة المَاء فِيهَا
وَالْمبَارك: مَا فِيهِ ذَلِك الْخَيْر وعَلى ذَلِك: {وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ} تَنْبِيها على مَا يفِيض عَنهُ من الْخيرَات الإلهية
وَالْبركَة فِي حَدِيث: " تسحرُوا فَإِن فِي السّحُور بركَة " بِمَعْنى زِيَادَة الْقُوَّة على الصَّوْم؛ أَو الرُّخْصَة، لِأَنَّهُ لم يكن مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام، وَقيل: الزِّيَادَة فِي الْعُمر
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} : أَي: نَفَّاعًا
والتبريك: الدُّعَاء بهَا
وَبَارك الله لَك وفيك وَعَلَيْك وباركك وَبَارك على مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: أَي أَدَم لَهُ مَا أَعْطيته من الشّرف والكرامة
وَالْعرب تَقول للسَّائِل: بورك فِيك، يقصدون بذلك الرَّد عَلَيْهِ، لَا الدُّعَاء لَهُ
الْبُرْهَان: الْحجَّة وَالدّلَالَة
وَبرهن عَلَيْهِ: أَقَامَ الْبُرْهَان
وأبره: أَتَى بالبرهان والعجائب وَغلب النَّاس(1/248)
والبرهان هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي الصدْق أبدا لَا محَالة
وَفِي عرف الْأُصُولِيِّينَ: مَا فصل الْحق عَن الْبَاطِل وميز الصَّحِيح من الْفَاسِد بِالْبَيَانِ الَّذِي فِيهِ
وَعند أهل الْمِيزَان: هُوَ قِيَاس مؤلف من مُقَدمَات قَطْعِيَّة منتج لنتيجة قَطْعِيَّة
وَالْحَد الْأَوْسَط فِيهِ لَا بُد أَن يكون عِلّة لنسبة الْأَكْبَر إِلَى الْأَصْغَر، فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك عِلّة لوُجُود النِّسْبَة فِي الْخَارِج فَهُوَ برهَان لمي، لِأَنَّهُ يُفِيد اللمية فِي الذِّهْن، وَهُوَ معنى إِعْطَاء السَّبَب فِي التَّصْدِيق، وَفِي الْخَارِج أَيْضا، وَهُوَ معنى إِعْطَاء الحكم فِي الْوُجُود الْخَارِجِي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن لَا يكون عِلّة للنسبة إِلَّا فِي الذِّهْن فَهُوَ برهَان إِنِّي، لِأَنَّهُ يُفِيد إنية الحكم فِي الْخَارِج دون لميته، وَإِن أَفَادَ لمية التَّصْدِيق فبرهان الموازاة يسْتَعْمل فِي إِثْبَات تناهي الأبعاد؛ وبرهان السَّلب مَشْهُور فِي منع عدم تناهي الْأَجْسَام
الْبَاب: هُوَ فِي الأَصْل مدْخل، ثمَّ سمي بِهِ مَا يتَوَصَّل إِلَى شَيْء
وَفِي الْعرف: طَائِفَة من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على مسَائِل من جنس وَاحِد وَقد يُسمى بِهِ مَا دلّ على مسَائِل من صنف وَاحِد
البادرة: هِيَ النُّكْتَة الَّتِي يُبَادر بهَا الْإِنْسَان لحسنها؛ وَمِنْه سمي الْقَمَر لَيْلَة كَمَاله بَدْرًا لمبادرته
والنادرة: هِيَ النُّكْتَة الغريبة الَّتِي لَا يَأْتِي بهَا الْأَولونَ
والبادرة أَيْضا: مَا يَبْدُو من حدتك فِي الْغَضَب من قَول أَو فعل
الْبُؤْس: هُوَ والبأس الشدَّة، وَالْقُوَّة، وَالضَّرَر، والمكروب، لَكِن الْبُؤْس فِي الْفقر وَالْحَرب أَكثر، والبأس والبأساء فِي الشكاية والتنكيل أَكثر
والبأساء وَالضَّرَّاء: صيغتا تَأْنِيث لَا مُذَكّر لَهما
البزاق: هُوَ للْإنْسَان، واللعاب للصَّبِيّ، واللغام للبعير، والرؤال للدابة
والبصاق والبساق أَيْضا: مَاء الْفَم كبالزاق إِذا خرج مِنْهُ، وَمَا دَامَ فِيهِ فَهُوَ ريق
الْبعد: هُوَ أقصر الخطوط الْوَاصِلَة بَين الشَّيْئَيْنِ
البرهة: بِالْفَتْح وَالضَّم: الزَّمَان الطَّوِيل، أَو أَعم؛ وَأكْثر اسْتِعْمَالهَا فِي الزَّمَان الطَّوِيل
الْبَز: هُوَ الثِّيَاب أَو مَتَاع الْبَيْت من الثِّيَاب وَنَحْوهَا، بَائِعه: الْبَزَّاز، وحرفته: البزازة
وَالْبزَّة: بِالْكَسْرِ: الْهَيْئَة
البصم، بِالضَّمِّ: اسْم فُرْجَة بَين الْخِنْصر والبنصر
والعتب: اسْم فُرْجَة بَين البنصر وَالْوُسْطَى
والرتب: اسْم فُرْجَة بَين الْوُسْطَى والسبابة
والفتر: اسْم مَا بَين السبابَة والإبهام
والشبر: يجمعها
والفوت: اسْم فُرْجَة مَا بَين كل اصبعين طولا
البرزخ: الْحَائِل بَين شَيْئَيْنِ، ويعبر بِهِ عَن عَالم الْمِثَال، أَعنِي الحاجز بَين الأجساد الكثيفة وعالم الْأَرْوَاح الْمُجَرَّدَة، أَعنِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
البعل: النّخل الَّذِي يشرب بعروقه من الأَرْض، وَلَا يُسمى الرجل بعلا حَتَّى يدْخل بِامْرَأَة، وَهُوَ زوج على كل حَال
الْبلَاء: أَصله الاختبار
{وَفِي ذَلِكُم بلَاء} : أَي محنة إِن أُشير إِلَى(1/249)
صنيعهم، أَو نعْمَة إِن أُشير إِلَى الإنجاء
وَفعل الْبلوى: يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد بِنَفسِهِ، وَإِنَّمَا يتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي بِوَاسِطَة الْبَاء
والبلية: النَّاقة الَّتِي تحبس عِنْد قبر صَاحبهَا لَا تسقى وَلَا تعلف إِلَى أَن تَمُوت، كَمَا هِيَ عَادَة الْجَاهِلِيَّة، زعما مِنْهُم أَن صَاحبهَا يحْشر عَلَيْهَا
البطريق: ككبريت: الْقَائِد من قواد الرّوم تَحت يَده عشرَة آلَاف رجل، ثمَّ الطرخان: وَهُوَ على خَمْسَة آلَاف
ثمَّ القومس: على مئتين
وجاثليق، بِفَتْح الْمُثَلَّثَة: هُوَ رَئِيس لِلنَّصَارَى فِي بِلَاد الْإِسْلَام، وَيكون تَحت يَد بطرِيق أنطاكية
ثمَّ المطران: وَهُوَ تَحت يَده
ثمَّ الأسقف: يكون فِي كل بلد من تَحت يَد المطران
ثمَّ القسيس
ثمَّ الشماس
البلادة: هِيَ فتور الطَّبْع، من الابتهاج إِلَى المحاسن الْعَقْلِيَّة
الْبرد: النّوم وَمِنْه: {لَا يذوقون فِيهَا بردا} ؛ [أَي نوما]
و [الْبرد] ، بِالتَّحْرِيكِ: حب الْغَمَام
و [الْبرد] ، بِالضَّمِّ: جمع بردة، وَهِي من الصُّوف كسَاء أسود يلْبسهُ الْأَعْرَاب
[وَالْبرد: بِالضَّمِّ والتسكين جمع بريد، والبريد: ميلان] وَأَقل سفر يقصر فِيهِ سِتَّة برد عِنْد أبي حنيفَة وَهُوَ أثنا عشر ميلًا
الْبِنْت: مَعْرُوف: وَفِي مَعْنَاهَا: كل انثى رَجَعَ نَسَبهَا إِلَيْك بِالْولادَةِ بِدَرَجَة أَو دَرَجَات بإناث أَو ذُكُور؛ وَيجمع على (بَنَات) ، خلاف (أُخْت) ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يرد محذوفة
البارحة: هِيَ أقرب لَيْلَة مَضَت
وبرحى: كلمة تقال عِنْد الْخَطَأ فِي الرَّمْي
ومرحى: عِنْد الْإِصَابَة
البدال: الْبَقَّال
[البلبل] : طير مَعْرُوف]
والبلبلة: هِيَ الإبريق مَا دَامَ فِيهِ الْخمر
بَات: بِمَعْنى (عرس) لقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ: " أما رَسُول الله فقد بَات بمنى " أَي: عرس بهَا
وَقد يكون بِمَعْنى (نزل) يُقَال: (بَات بالقوم) : إِذا نزل بهم لَيْلًا؛ وَيُقَال: (باتت الْعَرُوس بليلة حرَّة) : إِذا لم يقتضها و (باتت بليلة شيباء) : إِذا افتضها
بَاء: انْصَرف؛ وَلَا يُقَال إِلَّا بشر وَقَالَ الْكسَائي: " لَا يكون (بَاء) إِلَّا بِشَيْء إِمَّا بِخَير وَإِمَّا بشر " وَلَا يكون لمُطلق الِانْصِرَاف و {باؤوا بغضب من الله} : استوجبوا
وَيُقَال: (بَاء بِكَذَا) : إِذا أقرّ بِهِ
بِأبي أَنْت وَأمي: الْبَاء فِيهِ مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف؛ أَي:(1/250)
أَنْت مفدى بِأبي، أَو فديتك بِأبي
بدل كَذَا: نصب على الْحَال، أَي: مبدلا مِنْهُ
بِهِ بِهِ: كلمة تقال عِنْد استعظام الشَّيْء؛ وَمَعْنَاهُ: بخ بخ
بله؛ ك (كَيفَ) : اسْم ل (دع) ؛ ومصدر بِمَعْنى التّرْك؛ وَاسم مرادف ل (كَيفَ) ؛ وَمَا بعْدهَا مَنْصُوب على الأول، مخفوض على الثَّانِي، مَرْفُوع على الثَّالِث؛ وَفتحهَا بِنَاء على الأول وَالثَّالِث، إِعْرَاب على الثَّانِي
و (من بله مَا اطلعتم عَلَيْهِ) : اسْتعْملت فِيهِ معربة مجرورة ب (من) ، خَارِجَة عَن الْمعَانِي الثَّلَاثَة، وفسرت ب (غير) ، وَهُوَ مُوَافق لقَوْل من يعدها من أَلْفَاظ الِاسْتِثْنَاء [نوع]
{بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض} : عديم النظير فيهمَا
البث: النشر والتفريق
{أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة} : أَي على يَقِين
و {على نَفسه بَصِيرَة} : أَي جوارحه تشهد عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ
{بطانة من دونكم} : أَي دخلاء من غَيْركُمْ؛ وبطانة الرجل: دخلاؤه؛ ودخلاؤه: أهل سره مِمَّن يسكن إِلَيْهِ ويثق بمودته
{بَرَاءَة} : خُرُوج من الشَّيْء ومفارقة لَهُ
{بوأكم} : أنزلكم بؤس: فقر وَسُوء حَال
{جَاءَ بكم من البدو} : خلاف الْحَضَر
{بغي} : ترفع وَعلا وَجَاوَزَ الْمِقْدَار
{وبعولتهن} : أَي أَزوَاج المطلقات
{مَا كنت بدعا من الرُّسُل} : أَي مبتدعا لم يتقدمني رَسُول، أَو مبدعا فِيمَا أقوله
{غير بَاغ} : أَي غير طَالب مَا لَيْسَ لَهُ طلبه، أَو غير متناول للذة، أَو غير بَاغ على إِمَام {وَلَا عَاد} : وَلَا متجاوز فِيمَا رسم لَهُ، أَو سد الجوعة، أَو فِي الْمعْصِيَة. {وَبيع} : بيع النَّصَارَى
{باسطو أَيْديهم} : الْبسط: الضَّرْب
{بنان} : أَطْرَاف الْأَصَابِع
{بازغا} : مبتدئا فِي الطُّلُوع
{الْبَاقِيَات الصَّالِحَات} : ذكر الله(1/251)
{بهيج} : حسن عَجِيب
{بورك} : قدس
{بدارا} : مبادرة، وَهِي المسارعة
{باسقات} : طوال
{برزخ} : حاجز
{بسطة} : شدَّة
{بست} : فتتت
{بورا} : هلكى
{بصائر للنَّاس} : عِبْرَة لَهُم
{ببدنك} : بدرعك
{باءوا} : استوجبوا
{بئيس} : شَدِيد
{بغيا} : حسدا، بلغَة تَمِيم
{الْبر} : مَا أمرت بِهِ
{وَالتَّقوى} : مَا نيهت عَنهُ
{على مَرْيَم بهتانا} : يَعْنِي الزِّنَا
{باخع} : قَاتل
{على الْبغاء} : الزِّنَا
{بيض مَكْنُون} : رقتهن كرقة الْجلْدَة الَّتِي فِي دَاخل الْبَيْضَة الَّتِي تلِي القشرة
{بأسنا} : عذابنا
{فباءوا} : رجعُوا
{بَيت طَائِفَة مِنْهُم} : زورت خلاف مَا قلت لَهَا، أَو قَالَت لَك
{لبلاغا} : لكفاية
{بوأنا لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت} : عَيناهُ وَجَعَلنَا لَهُ مباءة
{بَغْتَة} : فَجْأَة
{بَارك فِيهَا} : أَكثر خَيرهَا
{بطشا} : قُوَّة
{بياتا} : وَقت بيات واشتغال بِالنَّوْمِ
{بررة} : أتقياء
{بعثرت} : قلب ترابها وَأخرج موتاها
{وُجُوه يَوْمئِذٍ باسرة} : شَدِيدَة العبوس(1/252)
{برق الْبَصَر} : تحير فَزعًا
{برزت الْجَحِيم} : أظهرت
{بحيرة} : هِيَ النَّاقة الَّتِي إِذا انتجت خَمْسَة أبطن، نظرُوا إِلَى الْخَامِس، فَإِن كَانَ ذكرا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال دون النِّسَاء، وَإِن كَانَت إنثى جدعوا آذانها هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة
{الباد} : من أهل البدو
{بلَاء} : نعْمَة وَاخْتِيَار ومكروه
{باشروهن} : جامعوهن
{بَيْنكُم} : وصلكم
{شَرّ الْبَريَّة} : أَي الْخَلِيفَة
{وَلما برزوا} : أَي ظَهَرُوا ودنوا
{لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} : عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو يرى لَهُ فَهِيَ بشراه فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا، وبشراه فِي الْآخِرَة الْجنَّة
{بَالِغَة} : متناهية
{من بَاقِيَة} : من بَقِيَّة، أَو نفس بَاقِيَة، أَو بَقَاء
{لمن دخل بَيْتِي} : منزلي أَو مَسْجِدي أَو سفينتي
{حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة} : الرَّسُول أَو الْقُرْآن
{والبلد الطّيب} : الأَرْض الْكَرِيمَة التربة
{فَمَا بلغت رسَالَته} : فَمَا أدّيت شَيْئا مِنْهَا أَن لم تبلغ جَمِيع مَا أمرت بِهِ مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ مصَالح الْعباد وَقصد اطلاعهم عَلَيْهِ
{بِبَابِل} : هُوَ بلد من سَواد الْكُوفَة
{على أَن نسوي بنانه} : نجمع سلامياته ونضم بَعْضهَا إِلَى بعض
{بكة} : مَكَان الْبَيْت الشريف؛ وَمَكَّة: سَائِر الْبَلَد، سميت بطن مَكَّة بكة لأَنهم يتبكون فِيهَا أَي يزدحمون؛ وَسميت مَكَّة لاجتذابها النَّاس من كل أفق، من (أمتك الفصيل مَا فِي ضرع النَّاقة) : أَي استقصى فَلم يدع مِنْهُ شَيْئا)
(فصل التَّاء)
[التَّسْبِيح] : كل تَسْبِيح فِي الْقُرْآن فَهُوَ الصَّلَاة
والتزكي: الْإِسْلَام
[التَّهْلُكَة] : كل شَيْء تصير عاقبته إِلَى الْهَلَاك فَهُوَ تهلكة
[تُسنم] : كل شَيْء علا فقد تُسنم(1/253)
[التباشير] : تباشير كل شَيْء أَوَائِله
[التفعال] : كل مَا ورد عَن الْعَرَب من المصادر على (تفعال) فَهُوَ بِالْفَتْح ك (التّكْرَار) و (الترداد) ، إِلَّا لفظين هما (تبيان) و (تِلْقَاء) [بِالْكَسْرِ شَاذ]
وَمَا عدا ذَلِك من أَسمَاء الْأَجْنَاس نَحْو: (بتمثال) و (تمساح) و (تقصار) [فَهُوَ بِالْكَسْرِ]
التَّاء: هِيَ تَجِيء لمعان كلهَا رَاجع إِلَى التَّأْنِيث
وتاء الْجمع، وَإِن لم تكن لمحض التَّأْنِيث على مَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي منع الصّرْف، لَكِنَّهَا للتأنيث فِي الْجُمْلَة
وَدخُول التَّاء التَّأْنِيث فِي الْجمع إِمَّا للدلالة على النِّسْبَة ك (مهالبة) أَو على العجمة ك (جواربه) و (موازجة) وَتَكون عوضا عَن حرف مَحْذُوف كَمَا فِي (العبادلة) و (الزَّنَادِقَة)
وَإِذا كَانَت علما للمذكر الْعَاقِل فَلَا يعْتَبر تأنيثه فِي غير منع الصّرْف فَيرجع إِلَيْهِ ضمير الْمُذكر تَقول: (طَلْحَة قَائِم أَبوهُ) وَأما إِذا كَانَت علما لغيره فَيعْتَبر تأنيثه
وَتَكون للنَّقْل من الوصيفة إِلَى الإسمية، كَمَا فِي (الْحَقِيقَة) ؛ فَإِن اللَّفْظ إِذا صَار اسْما لغَلَبَة الِاسْتِعْمَال بعد مَا كَانَ وَصفا، كَانَ اسميته فرعا لوصفيته، فَيُشبه الْمُؤَنَّث لِأَن الْمُؤَنَّث فرع الْمُذكر، فتجعل التَّاء عَلامَة للفرعية
وَتَكون لتمييز الْوَاحِد من الْجِنْس نَحْو: (التمرة) ؛ وَمن الْجمع نَحْو: (التُّخمَة)
ولتأكيد الصّفة وَالْمُبَالغَة نَحْو: (عَلامَة)
ولتأكيد الْجمع نَحْو: (مَلَائِكَة) وَتَكون فِي أول الْكَلِمَة للقسم، وَهِي للمخاطب فِي الْفِعْل الْمُسْتَقْبل، وللتأنيث أَيْضا؛ وَفِي آخر الْكَلِمَة إِمَّا زَائِدَة للتأنيث فَتَصِير فِي الْوَقْف هَاء نَحْو: (قَائِمَة) أَو ثَابِتَة فِي الْوَقْف والوصل نَحْو: (أُخْت) و (بنت)
أَو تكون للْجمع مَعَ الْألف نَحْو: (مسلمات)
وَتَكون فِي آخر الْفِعْل الْمَاضِي لضمير الْمخبر مَضْمُومَة، وللمخاطب مَفْتُوحَة، ولضمير المخاطبة مَكْسُورَة
وتاء الْوحدَة: إِذا دخلت على ذَات الْأَفْرَاد يُرَاد فَرد مِنْهَا؛ وَإِذا دخلت على ذَات الْأَجْزَاء يُرَاد بعض مِنْهَا
وتاء التَّأْنِيث إِنَّمَا تكون فِي الْعَرَبِيّ لَا فِي اسْم اعجمي ك (التَّوْرَاة)
وتحذف التَّاء فِي الخماسي على (فعائل) ك (عناكب)
وَالتَّاء فِي مثل: (الْمعرفَة) و (النكرَة) و (الصّفة) و (الرسَالَة) و (الْمُقدمَة) من نفس الْكَلِمَة وَالْوَقْف عَلَيْهَا، وَكَونهَا صفة للمؤنث بِاعْتِبَار وجود التَّاء
وَقد يعبر عَن التَّاء فِي مثل (الْخَلِيفَة) بِالْهَاءِ لكَونهَا فِي صُورَة الْهَاء خطا، وَتصير فِي الْوَقْف هَاء
وتاء التَّأْنِيث المتحركة مُخْتَصَّة بِالِاسْمِ، والساكنة تلْحق الْفِعْل الْمَاضِي
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: تَاء التَّأْنِيث تدخل على المصادر الْمُجَرَّدَة وَذَوَات الزَّوَائِد دُخُولا مضطردا فَهِيَ تدل على الْمرة الْوَاحِدَة
وَيكون مَا قبل تَاء التَّأْنِيث مَفْتُوحًا كالميم فِي(1/254)
(فَاطِمَة) وَالرَّاء فِي (شَجَرَة) ، إِلَّا أَن يكون ألفا ك (قطاة) و (قناة) ؛ وَلما كَانَ مَا قبل التَّاء فِي (بنت) و (أُخْت) سَاكِنا وَلَيْسَ بِأَلف دلّ على أَن التَّاء فيهمَا أَصْلِيَّة
وَالتَّاء تكْتب طَويلا فِي الجموع وقصيرا فِي الْمُفْردَات؛ هَذَا فِي الْأَسْمَاء، وَأما فِي الْأَفْعَال فَلَا تكْتب إِلَّا طَويلا
التَّعْلِيق: هُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: (امْرَأَة معلقَة) أَي: مفقودة الزَّوْج، فَتكون كالشيء الْمُعَلق، لَا مَعَ الزَّوْج لفقدانه، وَلَا بِلَا زوج لتجويزها وجوده فَلَا تقدر على التَّزَوُّج
وَالتَّعْلِيق: ربط حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى
وَالشّرط: تَعْلِيق حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى
وَشرط صِحَة التَّعْلِيق كَون الشَّرْط مَعْدُوما على خطر الْوُجُود؛ فالتعليق بكائن تَنْجِيز، وبالمستحيل بَاطِل
[ووظيفة التَّعْلِيق هِيَ أَن يكون الشَّيْء الَّذِي سيوجد بَدَلا عَن ضِدّه، لَا أَن يكون المُرَاد حَال اجتماعه مَعَ ضِدّه، كَقَوْلِك: (إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق) مَعْنَاهُ: إِن باشرت الدُّخُول بَدَلا عَن الْخُرُوج، كَقَوْلِك: إِن باشرت الدُّخُول حَالَة الْخُرُوج، وَكَذَا فِي كل تَعْلِيق]
وَالتَّعْلِيق النَّحْوِيّ: هُوَ أَن تقع الْجُمْلَة موقع المفعولين مَعًا وَأما التَّعْلِيق عَن أحد المفعولين فَفِيهِ خلاف؛ وَفِي الرضي: إِذا صدر الْمَفْعُول الثَّانِي بِكَلِمَة الِاسْتِفْهَام فَالْأولى أَن يعلق فعل الْقلب عَنهُ دون الْمَفْعُول الأول نَحْو: (علمت زيدا من هُوَ) وَجوز بَعضهم تَعْلِيقه عَن المفعولين، لِأَن معنى الِاسْتِفْهَام يعم الْجُمْلَة الَّتِي بعد (علمت) كَأَنَّهُ قيل: (علمت من زيد) وَلَيْسَ بِقَوي
وَالتَّعْلِيق: إبِْطَال عمل الْعَامِل لفظا لَا تَقْديرا على سَبِيل الْوُجُوب
والإلغاء: إبِْطَال ذَلِك لفظا وتقديرا على سَبِيل الْجَوَاز؛ وإلغاء الْعَمَل بِالتَّعْلِيقِ لَا يكون إِلَّا فِي أَفعَال الْقُلُوب وَأما قَوْله تَعَالَى: {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} فَالْقِيَاس: (أَيّكُم) بِفَتْح الْيَاء، وَإِنَّمَا علق فعل الْبلوى لما فِيهِ من معنى الْعلم من حَيْثُ إِنَّه طَرِيق إِلَيْهِ، كالنظر وَالِاسْتِمَاع، فَإِنَّهُمَا طَرِيقَانِ إِلَى الْعلم فتقدير الْكَلَام: (ليَبْلُوكُمْ فَيعلم أَيّكُم أحسن عملا) فَوجدَ شَرط التَّعْلِيق، وَهُوَ عدم ذكر شَيْء من مفعوليه قبل الْجُمْلَة
والإلغاء لَا يجوز إِلَّا بِشَرْط التَّوَسُّط وَالتَّأْخِير وَأَن لَا يتَعَدَّى إِلَى مصدره، وَأَن يكون قلبيا، وَالتَّعْلِيق يكون فِي ذَلِك وَفِي أشباهه
وَالتَّعْلِيق يكون مَعَ لَام الِابْتِدَاء نَحْو: (علمت لزيد قَائِم) وَمَعَ (مَا) النافية نَحْو (علمت مَا زيد ذَاهِب) وَمَعَ الِاسْتِفْهَام سَوَاء كَانَ مَعَ الْهمزَة أَو أَسمَاء الِاسْتِفْهَام نَحْو: (علمت أَزِيد أفضل أم عَمْرو)
والإلغاء فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى مثل (لَا) فِي {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} ؛ وَفِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى نَحْو: (كَانَ) فِي (مَا كَانَ أحسن زيدا) ؛ وَفِي الْمَعْنى دون اللَّفْظ، وَذَلِكَ حُرُوف الْجَرّ الزَّوَائِد نَحْو: {كفى بِاللَّه شَهِيدا}(1/255)
وَالْفِعْل الْمُعَلق مَمْنُوع من الْعَمَل لفظا عَامل معنى وتقديرا، لِأَن معنى (علمت لزيد قَائِم) علمت قيام زيد، كَمَا كَانَ كَذَلِك عِنْد انتصاب الجزأين
التكوين: هُوَ صفة يَتَأَتَّى بهَا إِيجَاد كل مُمكن وإعدامه على وفْق الْإِرَادَة
وَالْقُدْرَة: صفة يَتَأَتَّى بهَا كَون الْجَائِز مُمكن الْوُجُود من الْفَاعِل
والتكوين: من صِفَات الْمعَانِي، لِأَن الله تَعَالَى وصف ذَاته فِي كَلَامه الأزلي بِأَنَّهُ خَالق، فَلَو لم يكن فِي الْأَزَل خَالِقًا لزم الْكَذِب أَو الْعُدُول إِلَى الْمجَاز من غير تعذر الْحَقِيقَة هَذَا عِنْد الماتريدية فعلى هَذَا: المكون مفعول، وَأَنه حَادث بإحداث الله لوقت وجوده
[وَلَا يلْزم الْعَبَث فِي أزلية الْإِخْبَار لِأَن إِخْبَار الله وَاجِب الْبَقَاء فَيبقى إِلَى وجود المخاطبين، بِخِلَاف كَلَام الْعباد فانه عرض لَا بَقَاء لَهُ]
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ من الْمُتَكَلِّمين: إِن الصّفة الْمُسَمَّاة بالتكوين والتخليق لَو كَانَت مُؤثرَة فِي وُقُوع الْمَخْلُوق فَذَلِك التَّأْثِير فِيهِ إِمَّا على سَبِيل الصِّحَّة، وَهُوَ الْمُسَمّى عندنَا بِالْقُدْرَةِ، فَالْخِلَاف لَفْظِي، أَو على سَبِيل اللُّزُوم وَالْوُجُوب، وَهُوَ قَول الفلاسفة، ونقيض القَوْل لكَونه قَادِرًا، بل التكوين من الإضافات والاعتبارات الْعَقْلِيَّة، مثل كَونه تَعَالَى قبل كل شَيْء وَمَعَهُ وَبعده ومذكورا بألسنتنا ومعبودا لنا ومحييا ومميتا وَنَحْو ذَلِك
وَالْحَاصِل فِي الْأَزَل هُوَ مبدأ التخليق والترزيق والإحياء والإماتة وَنَحْوهَا فالتكوين عِنْدهم عين المكون، فَيكون الْإِيجَاب عين الْوَاجِب، وَالْحكم عين الْمَحْكُوم، والإحداث عين الْمُحدث، وَلَا دَلِيل على كَونه صفة أُخْرَى سوى الْقُدْرَة والإرادة
[وَهَذَا الْخلاف بَين الأشاعرة والماتريدية مَبْنِيّ على الْخلاف فِي أَن الِاسْم هَل هُوَ مُشْتَرك بَين الدَّال والمدلول كَمَا هُوَ عِنْد جُمْهُور الماتريدية أم لَا كَمَا هُوَ عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَجُمْهُور أَصْحَابه وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي أَن مَدْلُول جَمِيع الْأَسْمَاء الإلهية من الصِّفَات السلبيات والإضافيات وَالصِّفَات الثبوتيات والمتشابهات ثَابت الاتصاف فِي الْأَزَل وَفِيمَا لَا يزَال عندنَا، فَيكون من قبيل إِطْلَاق الْمُشْتَقّ على الشَّيْء من غير أَن يكون مَأْخَذ الِاشْتِقَاق وصف قَائِما بِذَاتِهِ تَعَالَى وَأما عِنْد جُمْهُور الأشاعرة فمدلول الِاسْم الْمُشْتَقّ من صفة أزلية كالقادر والعالم أزلي، ومدلول الِاسْم الْمُشْتَقّ من الْفِعْل لَيْسَ بأزلي، سَوَاء كَانَ مشتقا من فعله تَعَالَى كالخالق والرازق لعدم أزلية صِفَات الْأَفْعَال عِنْدهم، أَو كَانَ مشتقا من فعل غَيره كالمعبود والمشكور، فالقسمان ليسَا بأزليين عِنْدهم فعلى هَذَا يكون من قبيل إِطْلَاق مَا بِالْقُوَّةِ على مَا بِالْفِعْلِ
وَفِي " التَّعْدِيل " صِفَات الْأَفْعَال لَيست نفس الْأَفْعَال بل منشؤها، فالصفات قديمَة وَالْأَفْعَال حَادِثَة]
والماتريدية لما أثبتوا التكوين سوى الْقُدْرَة غايروا بَين أثريهما، فأثر الْقُدْرَة صِحَة وجود الْمَقْدُور من الْقَادِر، وَأثر التكوين هُوَ الْوُجُود بِالْفِعْلِ
[وَالدَّلِيل على أَن التكوين غير المكون قَوْله تَعَالَى: {كن فَيكون} حَيْثُ أخبر عَن تكوينه(1/256)
بقوله: {كن} وَعَن المكون بقوله: {فَيكون} وَلِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي الْأَزَل {كن} أَي: ليكن كل مَا يكون فِي وقته، وَلم يَنْعَدِم قَوْله لِأَنَّهُ مُتَكَلم قَائِل لم يزل وَلَا يزَال بِلَا كَيْفيَّة، حَتَّى إِذا كَانَ فِي وقته كَانَ بِنَاء على قَوْله: ليكن، أَي: ليوجد كل مَا من شَأْنه أَن يُوجد فِي وقته الْمَخْصُوص وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصح خطاب الْمَوْجُود ب (كن) إِذْ لَا يُوجد الْمَوْجُود ثَانِيًا، وَكَذَا الْمَعْدُوم إِذْ هُوَ لَيْسَ بِشَيْء فيخاطب، وَلَا يجوز أَن يحدث الله فعل أَو قَول لتعالي الذَّات عَن الْحَوَادِث فَوَجَبَ القَوْل بِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَزَل: ليكن كل مَا يكون فِي وقته، فَلَا يلْزم قدم الْمَفْعُول والمخلوق والمكون، فَكَانَ {كن فَيكون} عبارَة عَن سرعَة الإيجاد بِلَا كلفة وَالْقَوْل بِأَن المُرَاد بقوله تَعَالَى: {كن} حَقِيقَة التَّكَلُّم لَا أَنه مجَاز عَن الْإِيجَاب وموافق لمَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فَإِن عِنْده وجود الْأَشْيَاء مُتَعَلق بِكَلَامِهِ الأزلي، وَهَذِه الْكَلِمَة دَالَّة عَلَيْهِ لَا إِن كَانَت من حُرُوف وَصَوت، أَو كَانَ لكَلَامه وَقت، تَعَالَى الله عَن ذَلِك
كَذَا فِي " شرح التأويلات " وَهَذَا مُخَالف لعامة أهل السّنة لِأَن أهل السّنة يرَوْنَ تعلق وجود الْأَشْيَاء بِخلق الله وإيجاده وَهَذَا الْكَلَام عبارَة عَن سرعَة حُصُول الْمَخْلُوق بإيجاده]
وَاعْلَم أَن الصّفة الإضافية هِيَ صفة قَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى ينشأ مِنْهَا الْإِضَافَة، كالتكوين، فَإِنَّهُ فِي الْأَزَل لم يكن ليَكُون الْعَالم كَائِنا بِهِ فِي الْأَزَل، بل ليَكُون كَائِنا بِهِ وَقت وجوده وتكوينه بَاقٍ إِلَى الْأَبَد، فَيتَعَلَّق وجود كل مَوْجُود بتكوينه الأزلي، وَهَذَا كمن علق طَلَاق امْرَأَته فِي شعْبَان بِدُخُول رَمَضَان، فَإِن التَّطْلِيق يبْقى حكما إِلَى رَمَضَان ليتعلق الطَّلَاق وَقت وجوده بذلك التَّطْلِيق، وَلَا امْتنَاع فِي الِاحْتِيَاج إِلَى الْغَيْر فِي نفس الإضافات فَإِن مَحْض الإضافات كالقبلية والمعية لَا يُسمى صِفَات لعدم قِيَامهَا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا الِامْتِنَاع فِي الصِّفَات الإضافية لِئَلَّا يكون الْبَارِي تَعَالَى مستكملا بِالْغَيْر، فالكمال هُوَ الاتصاف بِالصّفةِ الْكُلية، لَا وجود جزئياتها وآثارها، وَإِلَّا لَكَانَ إِيجَاد الشَّيْء استكمالا بِهِ
[نعم نفي الاستكمال بِالْغَيْر عَنهُ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى كَمَاله الذاتي الَّذِي لَهُ مرتبَة الْغنى عَن الْعَالمين، لَا بِالنّظرِ إِلَى كَمَاله الأسمائي الَّذِي لَا بُد لكمالها من ظُهُور آثارها وترتب أَحْكَامهَا عَلَيْهَا كَمَا هُوَ عِنْد الْمُحَقِّقين من الصُّوفِيَّة]
التَّقْدِيم: هُوَ من (قدم) و (قدمت كَذَا فلَانا) : تقدمته و (قدمت بِكَذَا إِلَى فلَان) : أعلمته قبل وَقت الْحَاجة إِلَى فعله وَقبل أَن دهمه الْأَمر {وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد}
وَاعْلَم أَن أَسبَاب التَّقْدِيم وأسراره كَثِيرَة مِنْهَا: التَّبَرُّك: كتقديم اسْم الله فِي الْأُمُور ذَوَات الشَّأْن وَمِنْه {شهد الله} إِلَى آخِره
والتعظيم: نَحْو: {وَمن يطع الله وَالرَّسُول}
والتشريف: كتقديم الذّكر على الْأُنْثَى، وَالْحر على العَبْد، والحي على الْمَيِّت، وَالْخَيْل على غَيرهَا، والسمع على الْبَصَر، وَالرَّسُول على النَّبِي، وَالْإِنْس على الْجِنّ، وَالْمُؤمن على الْكَافِر،(1/257)
والعاقل على غَيره، وَالسَّمَاء على الأَرْض، وَالشَّمْس على الْقَمَر، والغيب على الشَّهَادَة، وَأَشْبَاه ذَلِك
وَمِنْهَا: السَّبق، كتقديم اللَّيْل على النَّهَار، والظلمات على النُّور، وآدَم على نوح عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَهُوَ على إِبْرَاهِيم، وَهُوَ على مُوسَى، وَهُوَ على عِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام
هَذَا بِاعْتِبَار الإيجاد، وَأما بِاعْتِبَار الْإِنْزَال، فكقوله تَعَالَى: {صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} {وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس وَأنزل الْفرْقَان}
وَأما بِاعْتِبَار الْوُجُوب والتكليف فكتقديم الرُّكُوع على السُّجُود، وَغسل الْوُجُوه على الْأَيْدِي، والصفا على الْمَرْوَة، وَكَذَا جَمِيع الْأَعْدَاد، كل مرتبَة مِنْهَا مُتَقَدّمَة على مَا فَوْقهَا بِالذَّاتِ، وَأما مثنى وفرادى فللحث على الْجَمَاعَة
وَمِنْهَا: الْكَثْرَة كتقديم الْكَافِر على الْمُؤمن، وَالسَّارِق على السارقة، وَالزَّانِي على الزَّانِيَة، وَالرَّحْمَة على الْعَذَاب، والموتى على الْقَتْلَى بِاعْتِبَار كَثْرَة المحشور الْمَيِّت من الْمَقْتُول، وَبِالْعَكْسِ بِاعْتِبَار كَون الْمَقْتُول أَحَق بالمغفرة
وَمِنْهَا: الترقي من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِه تَعَالَى: {ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا أم لَهُم أيد يبطشون بهَا}
وَمن هَذَا النَّوْع تَأْخِير الأبلغ كتقديم الرَّحْمَن على الرَّحِيم، والرؤوف على الرَّحِيم، وَالرَّسُول على النَّبِي
وَمِنْهَا: التدلي من الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى كتقديم السّنة على النّوم، وَالصَّغِير على الْكَبِير وَنَحْو ذَلِك
وَمن الْأَسْبَاب كَون التَّقْدِيم أدل على الْقُدْرَة وأعجب كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} وَقَوله: {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يسبحْنَ وَالطير}
وَمِنْهَا: الْمُنَاسبَة لسياق الْكَلَام
وَمِنْهَا: رِعَايَة الفواصل، وإفادة الْحصْر والاختصاص، وَتَقْدِيم الْمَعْمُول على الْعَامِل نَحْو: {أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يعْبدُونَ}
وَتَقْدِيم مَا هُوَ مُتَأَخّر فِي الزَّمَان نَحْو: {فَللَّه الْآخِرَة وَالْأولَى} والفاضل على الْأَفْضَل نَحْو: {بِرَبّ هَارُون ومُوسَى} وَالضَّمِير على مَا يفسره نَحْو: {فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى} وَالصّفة الْجُمْلَة على الصّفة الْمُفْرد نَحْو: {وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشورا}
وَتَقْدِيم بعض المعمولات على الْبَعْض لَا يكون إِلَّا بِكَوْن ذَلِك الْبَعْض أهم، لَكِن يَنْبَغِي أَن يُفَسر وَجه الْعِنَايَة بِشَأْنِهِ وَيعرف لَهُ معنى وَلَا يَكْفِي أَن يُقَال: قدم للعناية والاهتمام من غير أَن يذكر من أَيْن كَانَت تِلْكَ الْعِنَايَة، وَبِمَ كَانَ أهم فَفِي تَقْدِيم الْفَاعِل يُقَال: قدم لكَون ذكره أهم إِمَّا لِأَنَّهُ فِي(1/258)
نَفسه نصب عَيْنك، وَإِمَّا لنَحْو ذَلِك من الْأَغْرَاض بِحَسب اقْتِضَاء الْمقَام وَكَذَا فِي تَقْدِيم الْجَار وَالْمَجْرُور على الْفَاعِل، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {اقْترب للنَّاس حسابهم} لِأَن الْمَقْصُود الأهم الاقتراب إِلَى الْمُشْركين ليورثهم رهبة وانزعاجا من أول الْأَمر وَكَذَلِكَ فِي تَقْدِيم الْجَار وَالْمَجْرُور على الْمَفْعُول الصَّرِيح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض} لِأَن الْمَقْصُود الأهم الْخلق لأجل المخاطبين ليسرهم من أول الْأَمر، والمسرة والمساءة تنشآن تَارَة من التَّقْدِيم وَأُخْرَى من مَجْمُوع الْكَلَام
[وَقد يقدم الْمَعْمُول حَيْثُ لَا مجَال لتقديم الْعَامِل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر وَأما السَّائِل فَلَا تنهر} فَإِن المنصوبين بالفعلين المجزومين قد يقدمان على (لَا) الناهية مَعَ امْتنَاع تقدم الْفِعْلَيْنِ عَلَيْهَا]
والتقديم فِي الذّكر لَا يسْتَلْزم التَّقْدِيم فِي الحكم
قيل لِابْنِ عَبَّاس: إِنَّك تَأمر بِالْعُمْرَةِ قبل الْحَج، وَقد بَدَأَ الله بِالْحَجِّ فَقَالَ: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة} فَقَالَ: كَيفَ تقرؤون آيَة الدّين؟ فَقَالُوا: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} فَقَالَ: فبماذا تبدؤون؟ قَالُوا: بِالدّينِ قَالَ: هُوَ كَذَلِك
وَتَقْدِيم الْفَاعِل على الْمَفْعُول من جِهَة كَون الْمُؤثر أشرف من الْقَابِل وَيجوز تَقْدِيم أَحدهمَا على الآخر من جِهَة أُخْرَى، وَهِي افتقار الْفِعْل المعتدي إِلَى الْمُؤثر والقابل مَعًا وَالْفِعْل لما وَجب كَونه مقدما على الْفَاعِل فِي الذِّهْن وَوَجَب تَقْدِيمه عَلَيْهِ فِي الذّكر أَيْضا وَالْفرق ظَاهر بَين (ضرب زيد) و (زيد ضرب) إِذْ الذِّهْن فِي صُورَة تَقْدِيم الْفِعْل يحكم بِإِسْنَاد مَفْهُومه إِلَى شَيْء مَا، ثمَّ يحكم بِأَنَّهُ هُوَ زيد الَّذِي كَانَ تقدم ذكره؛ فَحِينَئِذٍ قد أخبر عَن زيد بِأَن ذَلِك الشَّيْء الْمسند إِلَيْهِ هُوَ هُوَ، فزيد مخبر عَنهُ و (ضرب) جملَة من فعل وفاعل وَقعت خَبرا عَن ذَلِك الْمُبْتَدَأ وَفِي صُورَة تَقْدِيم الْفَاعِل لَا يلْزم من وقُوف الذِّهْن على معنى هَذَا اللَّفْظ أَن يحكم بِإِسْنَاد معنى آخر إِلَيْهِ، وَلَا يرد بِاحْتِمَال صِيغَة الْفِعْل وَحدهَا للصدق وَالْكذب وَلَا بِوُجُوب امْتنَاع الْإِسْنَاد إِلَى شَيْء معِين فِي صُورَة الدّلَالَة على الضَّرْب إِلَى شَيْء مُبْهَم للتناقض، إِذا الصِّيغَة إِنَّمَا وضعت لإسناده إِلَى شَيْء معِين يذكرهُ الْقَائِل، فَقبل الذّكر لَا يتم الْكَلَام وَلَا يحتملهما، وَالْفَاعِل إِذا اشْتَمَل على ضمير يعود إِلَى الْمَفْعُول يمْتَنع تَقْدِيمه على الْمَفْعُول عِنْد الْأَكْثَر وَإِن كَانَ مُتَقَدما فِي النِّيَّة، وَالِاسْم يقدم على الْفِعْل لِأَن الِاسْم لفظ دَال على الْمَاهِيّة، وَالْفِعْل لفظ دَال على حُصُول الْمَاهِيّة لشَيْء من الْأَشْيَاء فِي زمَان معِين، فالمفرد سَابق على الْمركب بِالذَّاتِ والرتبة فَوَجَبَ السَّبق عَلَيْهِ فِي الذّكر وَاللَّفْظ
وَتَقْدِيم الْجَزَاء أولى عِنْد أهل الْبَصْرَة لعدم الِاحْتِيَاج حِينَئِذٍ إِلَى حرف الْجَزَاء، خلاف التَّأْخِير(1/259)
وصيانة الْكَلَام عَن الزَّوَائِد أولى
وَعند أهل الْكُوفَة تَقْدِيم الشَّرْط أولى لِأَنَّهُ سَابق فِي الْوُجُود، فَالْأولى أَن يكون سَابِقًا فِي الذّكر
والتقديم على نِيَّة التَّأْخِير تَقْدِيم معنوي، وَلَا على نِيَّة التَّأْخِير تَقْدِيم لَفْظِي، قِيَاس الْإِضَافَة المعنوية واللفظية؛ وَلَا بُد فِي تَقْدِيم الشَّيْء على الشَّيْء من تقدمه على جَمِيع أَجْزَائِهِ وَأما فِي التَّأْخِير فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ تَأْخِير جُزْء وَاحِد عَنهُ
وَلَا يجوز تَقْدِيم الصِّلَة على الْمَوْصُول، والمضمر على الظَّاهِر فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى إِلَّا مَا جَازَ مِنْهُ على شريطة التَّفْسِير
وَلَا يجوز تَقْدِيم الصّفة وَمَا اتَّصل بهَا على الْمَوْصُوف، وَجَمِيع تَوَابِع الْأَسْمَاء والمضاف إِلَيْهِ وَمَا اتَّصل بِهِ على الْمُضَاف
وَمَا عمل فِيهِ حرف أَو اتَّصل بِهِ لَا يقدم على الْحَرْف
وَمَا أشبه من هَذِه الْحُرُوف بِالْفِعْلِ فنصب وَرفع لَا يقدم مرفوعها على منصوبها وَالْأَفْعَال الَّتِي لَا تتصرف لَا يقدم عَلَيْهَا مَا بعْدهَا
وَالصِّفَات المشبهة بأسماء الفاعلين، وَالصِّفَات الَّتِي لَا تشبه بهَا لَا يقدم عَلَيْهَا مَا عملت فِيهِ
والحروف الَّتِي لَهَا صدر الْكَلَام لَا يقدم مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا
وَمَا عمل فِيهِ معنى الْفِعْل لَا يقدم الْمَنْصُوب عَلَيْهِ
وَمن سنَن الْعَرَب تَقْدِيم الْكَلَام وَهُوَ فِي الْمَعْنى مُؤخر، وتأخيره وَهُوَ فِي الْمَعْنى مقدم، كَقَوْلِه: مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب
وَقَوله تَعَالَى: {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك لَكَانَ لزاما وَأجل مُسَمّى}
[قَالَ الْعَلامَة فِي " فرائده " مَا قدم لفظا لأمر النّظم قد يعْتَبر مُؤَخرا فِي الْمَعْنى إِلَى آخر مَا قَالَ، فَلَمَّا جوز اعْتِبَار الْمُقدم لفظا مُؤَخرا معنى إِذا اتَّصل الْمُقدم مُؤَخرا فَيجوز بِالْعَكْسِ إِذا اتَّصل الْمُؤخر مقدمه معنى]
التَّفْسِير: الاستبانة والكشف والعبارة عَن الشَّيْء بِلَفْظ أسهل وأيسر من لفظ الأَصْل
وَهُوَ اصْطِلَاحا: علم يبْحَث فِيهِ عَن كَيْفيَّة النُّطْق بِأَلْفَاظ الْقُرْآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبة ومعانيها التركيبية
وَتَفْسِير الشَّيْء لَاحق بِهِ ومتمم لَهُ وجار مجْرى بعض أَجْزَائِهِ
قَالَ أهل الْبَيَان: التَّفْسِير هُوَ أَن يكون فِي الْكَلَام لبس وخفاء فَيُؤتى بِمَا يُزِيلهُ ويفسره
وَالتَّفْسِير الاسمي: يكون للماهية الاعتبارية
وَالتَّفْسِير الْحَقِيقِيّ: للماهية الْحَقِيقِيَّة، وَلَا يشْتَرط فِيهِ الطَّرْد، وَالْعَكْس بقسميه
وَيفهم مِنْهُ قطعا جَوَاز التَّفْسِير بالأعم والأخص، وكما لَا يجوز تَفْسِير الشَّيْء بِنَفسِهِ، كَذَلِك لَا يكون بِمَعْنَاهُ إِلَّا إِذا كَانَ لفظا مرادفا أجلى
وَتَفْسِير الْإِعْرَاب من مُلَاحظَة الصِّنَاعَة النحوية(1/260)
وَتَفْسِير الْمَعْنى لَا يضرّهُ مُخَالفَة ذَلِك مثلا إِذا سئلنا عَن إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى: {وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين} قُلْنَا: تَقْدِيره: (وَكَانُوا أَعنِي فِيهِ من الزاهدين) ونقول فِي تَفْسِيره (وَكَانُوا من الزاهدين فِيهِ)
وَتَفْسِير قَوْلنَا: (أهلك وَاللَّيْل) الْحق أهلك قبل اللَّيْل، وَتَقْدِيره: الْحق أهلك وسابق اللَّيْل
وَتَفْسِير نَحْو قَوْلهم: (ضربت زيدا سَوْطًا) : ضربت ضَرْبَة بِسَوْط، فَهُوَ لَا شكّ كَذَلِك وَلَكِن طَرِيق إعرابه أَنه على حذف الْمُضَاف أَي ضَربته ضَرْبَة سَوط فحذفت
وَالتَّفْسِير والتأويل وَاحِد؛ وَهُوَ كشف المُرَاد عَن الْمُشكل
والتأويل فِي اللُّغَة من (الأول) وَهُوَ الِانْصِرَاف، والتضعيف للتعدية، أَو من الأيل وَهُوَ الصّرْف، والتضعيف للتكثير
وَقيل: التَّأْوِيل: بَيَان أحد محتملات اللَّفْظ، وَالتَّفْسِير: بَيَان مُرَاد الْمُتَكَلّم وَلذَلِك قيل: التَّأْوِيل مَا يتَعَلَّق بالدراية، وَالتَّفْسِير مَا يتَعَلَّق بالرواية وَفِي " الرَّاغِب ": التَّفْسِير أَعم من التَّأْوِيل وَأكْثر اسْتِعْمَال التَّفْسِير فِي الْأَلْفَاظ ومفرداتها؛ وَأكْثر اسْتِعْمَال التَّأْوِيل فِي الْمعَانِي والجمل؛ وَأكْثر مَا يسْتَعْمل التَّأْوِيل فِي الْكتب الإلهية، وَالتَّفْسِير يسْتَعْمل فِيهَا وَفِي غَيرهَا
وَقَالَ أَبُو مَنْصُور الماتريدي: التَّفْسِير: الْقطع، على أَن المُرَاد من اللَّفْظ هَذَا وَالشَّهَادَة على الله أَنه عَنى بِاللَّفْظِ هَذَا، فَإِن قَامَ دَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَصَحِيح وَإِلَّا فتفسير بِالرَّأْيِ، وَهُوَ الْمنْهِي عَنهُ، والتأويل تَرْجِيح أحد المحتملات بِدُونِ الْقطع، وَالشَّهَادَة على الله
وَكَلَام الصُّوفِيَّة فِي الْقُرْآن لَيْسَ بتفسير وَفِي " عقائد النَّسَفِيّ ": النُّصُوص على ظواهرها والعدول عَنْهَا إِلَى معَان يدعيها أهل الْبَاطِن إلحاد
وَفِي معنى الظّهْر والبطن وُجُوه أشبههَا بِالصَّوَابِ مَا قَالَه أَبُو عبيد، وَهُوَ أَن الْقَصَص الَّتِي قصها الله عَن الْأُمَم الْمَاضِيَة وَمَا عاقبهم بِهِ ظَاهرهَا الْإِخْبَار بِهَلَاك الْأَوَّلين، إِنَّمَا هُوَ حَدِيث حدث بِهِ عَن قوم، وباطنها وعظ الآخرين وتحذير أَن يَفْعَلُوا كفعلهم فَيحل بهم مثل مَا حل بهم
وَفِي تَفْسِير أبي حَيَّان: كتاب الله جَاءَ بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين لَا رمز فِيهِ وَلَا لغز وَلَا بَاطِن وَلَا إِيمَاء بِشَيْء مِمَّا يَنْتَحِلهُ الفلاسفة وَأهل الطبائع إِلَى آخر مَا قَالَ [كَمَا فِي " الإتقان "]
وَأما مَا يذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين من أَن النُّصُوص على ظواهرها وَمَعَ ذَلِك فِيهَا إشارات خُفْيَة إِلَى دقائق تنكشف على أَرْبَاب السلوك يُمكن التطبيق بَينهَا وَبَين الظَّوَاهِر المرادة فَهُوَ من كَمَال الايمان ومحض الْعرْفَان(1/261)
وَتَفْسِير الْقُرْآن مَا هُوَ الْمَنْقُول عَن الصَّحَابَة، وتأويله مَا يسْتَخْرج بِحَسب الْقَوَاعِد الْعَرَبيَّة وَلَو قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} أُرِيد بِهِ إِخْرَاج الطير من الْبَيْضَة كَانَ تَفْسِيرا، أَو إِخْرَاج الْمُؤمن من الْكَافِر، والعالم من الْجَاهِل كَانَ تَأْوِيلا
وَتَفْسِير الْقُرْآن بِالرَّأْيِ الْمُسْتَفَاد من النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَالْأُصُول جَائِز بِالْإِجْمَاع وَالْمرَاد بِالرَّأْيِ فِي الحَدِيث هُوَ الرَّأْي الَّذِي لَا برهَان فِيهِ
[وَلَا يَصح تَفْسِير الْقُرْآن باصطلاح الْمُتَكَلِّمين
وَتَفْسِير الْحَيّ بِالْبَاقِي الَّذِي لَا سَبِيل للفناء فِيهِ تَحْقِيق للغة بعد أَن أطلق الْحَيّ على الله تَعَالَى
وَتَأْويل الظَّوَاهِر أولى من مُخَالفَة الأوضاع اللُّغَوِيَّة لوَجْهَيْنِ: الأول: أَن تَأْوِيل الظَّوَاهِر مُتَّفق عَلَيْهِ بِخِلَاف مُخَالفَة الأوضاع، وَمُخَالفَة مَا اتّفق على جَوَاز مُخَالفَته أولى من مُخَالفَة مَا لم يتَّفق على مُخَالفَته
وَالثَّانِي: أَن مُخَالفَة الظَّوَاهِر فِي الشَّرْع أَكثر من مُخَالفَة الأوضاع اللُّغَوِيَّة عِنْد الْقَائِلين بمخالفة الأوضاع، وَإِن أَكثر الظَّوَاهِر مُخَالفَة، وَأكْثر الأوضاع مقررة، وَذَلِكَ يدل على أَن الْمَحْذُور فِي مُخَالفَة الأوضاع أعظم مِنْهُ فِي مُخَالفَة الظَّوَاهِر فَكَانَ مُخَالفَة الظَّوَاهِر أولى وعَلى هَذَا يجب حمل حَدِيث " من مَاتَ وَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا وَإِن شَاءَ نَصْرَانِيّا " وَحَدِيث: " من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد كفر " على حَالَة الاستحلال وإنكار الْوُجُوب، وَعَلِيهِ أَيْضا {وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين}
وَالتَّفْسِير البديعي: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي أول كَلَامه بِمَعْنى لَا يسْتَقلّ الْفَهم بمعرفته دون أَن يفسره
وَمن معْجزَة التَّفْسِير مَا جَاءَ فِي الْكتاب الْجَلِيل، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} إِلَى آخِره و {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} تَفْسِير للقيوم و {لم يلد} إِلَى آخِره تَفْسِير للصمد و (خلقه من تُرَاب} تَفْسِير للمثل وَنَحْو ذَلِك فِي الْقُرْآن كثير [مِمَّا يفسره بعضه بَعْضًا] وَفِي الشّعْر نَحْو قَوْله:
(آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ... للحادثات إِذا دجون نُجُوم)
(مِنْهَا معالم للهدى ومصابح ... تجلو الدجى والأخريات رجوم)
وَالْفرق بَينه وَبَين الْإِيضَاح أَن التَّفْسِير تَفْصِيل الْإِجْمَال، والإيضاح رفع الْإِشْكَال
التَّعْرِيف: هُوَ أَن يشار إِلَى الْمَعْلُوم من حَيْثُ إِنَّه مَعْلُوم
[والتعريف: بِاعْتِبَار الْمَفْهُوم لَا بِاعْتِبَار الذَّات،(1/262)
والتقسيم بِاعْتِبَار الذَّات لَا الْمَفْهُوم]
وكل تَعْرِيف للوصفية الْأَصْلِيَّة فَهُوَ للْعهد الْخَارِجِي
والتعريف الْحَقِيقِيّ: هُوَ الَّذِي يقْصد بِهِ تَحْصِيل مَا لَيْسَ بحاصل من التصورات، وَيكون بِالْإِضَافَة وَالْإِشَارَة الشخصية لَا بِالنِّسْبَةِ
والتعريف اللَّفْظِيّ: أَن لَا يكون اللَّفْظ وَاضح الدّلَالَة على معنى، فيفسر بِلَفْظ وَاضح دلَالَته على ذَلِك الْمَعْنى كَقَوْلِك: الغضنفر: الْأسد
وكل تَعْرِيف معنوي فالمساواة شَرط فِيهِ دون التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ، لِأَن الْمَقْصُود من التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ التَّصْدِيق بِأَن هَذَا اللَّفْظ مَوْضُوع لذَلِك الْمَعْنى، فَلَا يكون الْمَقْصُود مِنْهُ حصر ذَلِك على ذَلِك اللَّفْظ، لجَوَاز أَن يكون لفظ آخر مَوْضُوعا لذَلِك الْمَعْنى، والمتأخرون لم يفرقُوا بَين التَّعْرِيف وَالتَّفْسِير فِي لُزُوم الْمُسَاوَاة، والمتقدمون لم يفرقُوا بَينهمَا فِي عدم اللُّزُوم
وتعريف المعدومات لَا يكون إِلَّا اسميا، إِذْ لَا حقائق لَهَا، بل هِيَ مفهومات
وتعريف الموجودات قد يكون حَقِيقِيًّا، إِذْ لَهَا مَعْلُومَات وحقائق
وتعريف الْإِشَارَة إِيمَاء وَقصد إِلَى حَاضر ليعرفه الْمُخَاطب بحاسته النظرية
وتعريف النداء خطاب لحاضر وَقصد لوَاحِد بِعَيْنِه
وتعريف الْخَبَر بلام الْجِنْس لإِفَادَة قصره على الْمُبْتَدَأ، وَإِن لم يكن هُنَاكَ ضمير فصل مثل: (زيد الْأَمِير)
وتعريف الْمُبْتَدَأ بلام الْجِنْس لإِفَادَة قصره على الْخَبَر، وَإِن كَانَ مَعَ ضمير الْفَصْل، مثل: (الْكَرم هُوَ التَّقْوَى وَالدّين هُوَ النَّصِيحَة) وَأما (الْحَمد لله) فَكَلَام صَاحب " الْكَشَّاف " أَن كلا من لَام الْجِنْس وَاللَّام الجارة للحصر، وَفِيه نظر؛ لِأَنَّهُ إِن أُرِيد بهَا الْجِنْس من حَيْثُ مَا هُوَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَار فكونه لَهُ تَعَالَى لَا يُنَافِي كَونه لغيره أَيْضا؛ وَعند إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق بهَا لَا تفيده أَيْضا فِي مثل (الْحَمد لله) إِذْ غَايَته أَن يكون الله تَعَالَى مَحْمُودًا بِكُل حمد ومستحقا لَهُ، وَهُوَ لَا يسْتَلْزم أَن لَا يحمده غَيره بِبَعْض مِنْهُ، وَيكون مُسْتَحقّا لَهُ بِمَا فِيهِ من الْجَمِيل
وَأما اللَّام الجارة فَكَلَام صَاحب " الْكَشَّاف " والعلامتين فِي كثير من الْمَوَاضِع يدل على الإفادة، وَفِي كثير مِنْهَا يدل على عدم الإفادة
وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا مَوْضُوعَة للاختصاص الْمُطلق، وَإِرَادَة الِاخْتِصَاص الحصري مِنْهَا بمعاونة قَرَائِن المقامات كَيفَ، وَفِي كثير من الْمَوَاضِع لَا يُمكن إِرَادَة الْحصْر مِنْهَا كَمَا فِي اللَّام الْمقدرَة فِي إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص وَفِي الْجُمْلَة) مؤدى الحصرين وَاحِد، وَسبق أَحدهمَا على الآخر لَا يَسْتَدْعِي إِلَّا كَون الثَّانِي مؤكدا للْأولِ
والتعريف الَّذِي لَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ: هُوَ مَا كَانَ لبَيَان الْمَاهِيّة، وَالَّذِي لبَيَان الْمَفْهُوم لُغَة أَو عرفا فيستدل عَلَيْهِ صرح بِهِ ابْن الْحَاجِب فِي " أُصُوله "
والتعريف باسم الْعلم: أولى من التَّعْرِيف بِالْإِضَافَة ك (بَيت الله) و (الْكَعْبَة) و (رَسُول الله) و (مُحَمَّد) إِذا لَا تفِيد الْإِضَافَة مَا يفِيدهُ الْعلم
والتعريف بِحَسب الْمَاهِيّة: إِنَّمَا يكون بالأجزاء(1/263)
المحمولة
والتعريف بِحَسب الْوُجُود: قد يكون بالأجزاء غير المحمولة
والتعريف الدوري: عبارَة عَن توقف الْمُعَرّف اَوْ بعض أَجْزَائِهِ على الْمُعَرّف
والتعريف الْمُشْتَمل على الدّور: هُوَ عبارَة عَن توقف أَجزَاء الْمُعَرّف على الْبَعْض الآخر من تِلْكَ الْأَجْزَاء
وَفِي تَعْرِيف الشَّيْء نَفسه يلْزم تقدمه على نَفسه بمرتبة وَاحِدَة
وَفِي الدوري يلْزم تقدمه عَلَيْهِ بمرتبتين إِن كَانَ صَرِيحًا
وَفِي تَعْرِيف الإضافيات لَا بُد من قيد الْحَيْثِيَّة، إِلَّا إِنَّه كثيرا مَا يحذف من اللَّفْظ لشهرة أمره، وَالْحُدُود للتصور؛ والحيثية تكون فِي الحكم، وَهُوَ لَا يعْتَبر فِي التصورات، بل هُوَ من أَحْوَال التصديقات
والتعريف بالمفرد لَا يَصح، لِأَن الشَّيْء الْمَطْلُوب تصَوره بِالنّظرِ يجب أَن يكون متصورا بِوَجْه مَا، وَإِلَّا امْتنع طلبه
وَلَا بُد من تصور يُسْتَفَاد مِنْهُ التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، وَذَلِكَ التَّصَوُّر غير التَّصَوُّر بِوَجْه، وللتصور بِوَجْه مدْخل فِي التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، فَوَجَبَ تحقق تصورين فِي وُقُوع التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، فَلَا يَقع تصور الْمَطْلُوب بفرد
التَّقْسِيم: هُوَ على قسمَيْنِ: تقسم الْكُلِّي إِلَى جزيئاته
وتقسيم الْكل إِلَى أَجْزَائِهِ
فَالْأول: هُوَ أَن يضم إِلَى مَفْهُوم كلي قيود مخصصة تجامعه إِمَّا متقابلة أَو غير متقالبة ليحصل بانضمام كل قيد إِلَيْهِ قسيم مِنْهُ، فَيكون الْمقسم صَادِقا على أقسامه
وتقسيم الْكل إِلَى أَجْزَائِهِ تَفْصِيله وتحليله إِلَيْهَا، فعلا يصدق الْمقسم على أقسامه وَصرح عماد الدّين بِأَن التَّقْسِيم نوع وَاحِد لِأَن تَقْسِيم الْكُلِّي إِلَى جزئياته يرجع إِلَى تَقْسِيم الْكل إِلَى الْأَجْزَاء
فقولنا: (الْحَيَوَان إِمَّا حَيَوَان أسود وَإِمَّا حَيَوَان أَبيض) مَعْنَاهُ مَجْمُوع أَفْرَاد الْحَيَوَان بَعْضهَا حَيَوَان أسود وَبَعضهَا حَيَوَان أَبيض، والترديد لَا يسْتَلْزم اشتراكا بَين أقسامه، خلاف تَقْسِيم الْكُلِّي إِلَى أَجْزَائِهِ، كَمَا فِي المنفصلات وَقد يجْرِي فِي الجزئيات الْحَقِيقِيَّة كَمَا فِي الحمليات الشبيهة بهَا، كَقَوْلِك: (زيد إِمَّا أَن يكون قَائِما أَو قَاعِدا) والترديد الانفصالي يشبه بالترديد الحملي إِذا تعلق بكلي غير مسبور أَلا يرى الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد يحْتَمل التَّقْسِيم وَالْحمل وَالْفرق بِاعْتِبَار الْمَقَاصِد؛ وَلَا يشْتَبه بالتقسيم لِأَنَّهُ وَارِد بَين القضايا بِحَسب صدقهَا وتحققها فِي نفس الْأَمر؛ وَكَذَا لَا يشْتَبه بالترديد الحملي إِذا كَانَ مُتَعَلقا بجزئي حَقِيقِيّ أَو بكلي مسور
ثمَّ الترديد لَا يكون إِلَّا بَين الْمعَانِي المحتملة، فَلَا يُقَال: المُرَاد بالإنسان إِمَّا الْحَيَوَان النَّاطِق أَو الحجرء والتقسيم للذات، والتعريف للمفهوم
والتحديد: وضع لمعْرِفَة الجزئيات بِوَاسِطَة الكليات، والتقسيم بِالْعَكْسِ
وتقسيم الْكُلِّي إِلَى جزئياته حَقِيقِيّ نَحْو: (الْكَلِمَة اسْم أَو فعل أَو حرف)(1/264)
وتقسيم الْكُلِّي إِلَى أَجْزَائِهِ مجازي كَقَوْلِه:
(فَقَالُوا: لنا ثِنْتَانِ لَا بُد مِنْهُمَا ... صُدُور رماح أشرعت أَو سلاسل)
وتقسيم الْكُلِّي إِلَى الجزئيات كتقسيم الْجِنْس إِلَى الْأَنْوَاع، والأنواع إِلَى الْأَصْنَاف، والأصناف إِلَى الْأَشْخَاص
وتقسيم الذاتي إِلَى العرضي كتقسيم الْإِنْسَان إِلَى الْأَبْيَض وَالْأسود، وَبِالْعَكْسِ كتقسيم الْأَبْيَض إِلَى الْإِنْسَان، وَالْفرس، وتقسيم العرضي إِلَى العرضي، كتقسيم الْأَبْيَض إِلَى الطَّوِيل والقصير
والتقسيم التَّام فِي الطول أَن يكون بِلَا طفرة وَلَا وَقفه والتقسيم التَّام فِي الطول وَالْعرض أَن يكون بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات متقابلا، وَهُوَ التَّقْسِيم الحاصر، لكَونه مرددا بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَالْغَرَض من القسيم تَكْثِير الوسائط فِي الْبَرَاهِين وأجزاء الْحُدُود
وَحَقِيقَة التَّقْسِيم الاستقرائي ضم الْقُيُود المتحققة فِي الْوَاقِع إِلَى مَفْهُوم كلي
وَحَقِيقَة التَّقْسِيم الْعقلِيّ ضم الْقُيُود الممكنة الانضمام بِحَسب الْعقل إِلَى مَفْهُوم كلي، سَوَاء طابق الْوَاقِع أَو لَا
والسبر والتقسيم: هُوَ حصر الْأَوْصَاف فِي الأَصْل وإلغاء الْبَعْض الْبَاقِي للعلية، كَمَا يُقَال: عِلّة الْخمر إِمَّا الْإِسْكَار أَو كَونه مَاء الْعِنَب إو الْمَجْمُوع أَو غير ذَلِك
والتقسيم يَقْتَضِي انْتِفَاء مُشَاركَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على قسم صَاحبه، كَمَا فِي تَقْسِيم الْبَيِّنَة وَالْيَمِين بَين الْمُدَّعِي وَالْمُنكر، حَيْثُ لَا يشْتَرك أحد مِنْهُمَا فِي قسم صَاحبه بِمُقْتَضى الحَدِيث الْمَشْهُور حَتَّى صَار فِي حيّز التَّوَاتُر فعلى هَذَا لَو عجز الْمُدَّعِي عَن إِقَامَة شَاهد آخر يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَقَط، وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ لَا برد الْيَمين عَلَيْهِ، فَيقْضى لَهُ لَو حلف كَمَا هُوَ عِنْد الشَّافِعِي اسْتِدْلَالا بِقَضَاء رَسُول الله بِشَاهِد وَيَمِين، فَإِن هَذَا الحَدِيث غَرِيب
والتقسيم: التكثير من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل
والتحليل: هُوَ تَكْثِير الوسايط وإعادة الْمُقدمَات من الْأَسْفَل إِلَى الْأَعْلَى، وَإِنَّمَا يذكر للانتفاء
والتحديد: تَصْوِير وَنقش لصورة الْمَحْدُود فِي الذِّهْن، وَلَا حكم فِيهِ أصلا فالحاد إِنَّمَا ذكر الْمَحْدُود ليتوجه الذِّهْن إِلَى مَا هُوَ مَعْلُوم من وَجه مَا، ثمَّ يرسم فِيهِ صُورَة أُخْرَى أتم من الأولى، لَا ليحكم بِالْحَدِّ عَلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ يصور التَّصْدِيق بِثُبُوتِهِ لَهُ، فَمَا مثله إِلَّا كَمثل النقاش، إِلَّا أَن الحاد ينقش فِي الذِّهْن صُورَة معقولة وَهَذَا ينقش فِي اللَّوْح صُورَة محسوسة
والتحديد: هُوَ فعل الْحَد وَذكر الْأَشْيَاء بحدودها الدَّالَّة على حقائقها دلَالَة تفصيلية
والتقسيم البديعي: هُوَ ذكر مُتَعَدد ثمَّ إِضَافَة مَا لكل إِلَيْهِ على التَّبْعِيض ليخرج اللف والنشر نَحْو قَوْله:
(وَلَا يُقيم على ضيم يُرَاد بِهِ ... إِلَّا الأذلان غير الْحَيّ والوتد)
(هَذَا على الْخَسْف مربوط برمتِهِ ... وَذَا يشج فَلَا يرثي لَهُ أحد)(1/265)
قَالَ السكاكي: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم شَيْئا ذَا جزأين أَو أَكثر، ثمَّ يضيف إِلَى كل وَاحِد من أَجْزَائِهِ مَا هُوَ لَهُ، وَقيل: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم معتددا أَو مَا هُوَ فِي حكم المتعدد، ثمَّ يذكر لكل وَاحِد من المعتددات حكمه على التَّعْيِين، وَالْكل رَاجع إِلَى مَقْصُود وَاحِد
التَّضْمِين: هُوَ إشراب معنى فعل لفعل ليعامل مُعَامَلَته وَبِعِبَارَة أُخْرَى: هُوَ أَن يحمل اللَّفْظ معنى غير الَّذِي يسْتَحقّهُ بِغَيْر آلَة ظَاهِرَة
وَالْعدْل: هُوَ أَن تُرِيدُ لفظا فتعدل عَنهُ إِلَى غَيره ك (عمر) من (عَامر) والمعدول عَن اللَّام يجوز إظهارها مَعَه، وَلذَلِك أعرب، والمتضمن لَهَا لَا يجوز إظهارها مَعَه كأسماء الِاسْتِفْهَام وَالشّرط المتضمنة معنى الْحَرْف وَلذَلِك بني التَّضْمِين ثمَّ الْأَسْمَاء المتضمنة للحرف على ثَلَاثَة أضْرب: ضرب: لَا يجوز إِظْهَار الْحَرْف مَعَه نَحْو (من) و (كم) فِي الِاسْتِفْهَام فَلَا يُقَال: (أَمن) وَلَا (أكم) حذار التّكْرَار فيبنى لَا محَالة
وَضرب: يكون الْحَرْف المتضمن مرَادا كالمنطوق بِهِ، لَكِن عدل عَن النُّطْق بِهِ إِلَى النُّطْق بِدُونِهِ، فَكَأَنَّهُ ملفوظ بِهِ، وَلَو كَانَ ملفوظا بِهِ لما يبْنى الِاسْم، وَكَذَلِكَ إِذا عدل عَن النُّطْق بِهِ
وَضرب: وَهُوَ الْإِضَافَة والظرف إِن شِئْت أظهرت الْحَرْف، وَإِن شِئْت لم تظهر، نَحْو: (قُمْت الْيَوْم) و (قُمْت فِي الْيَوْم) فَلَمَّا جَازَ إِظْهَاره لم يبن
قَالَ بَعضهم: التَّضْمِين: هُوَ أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ، وَهُوَ الْمَقْصُود أَصَالَة، لَكِن قصد تبعيته معنى آخر يُنَاسِبه من غير أَن يسْتَعْمل فِيهِ ذَلِك اللَّفْظ أَو يقدر لَهُ لفظ آخر، فَلَا يكون التَّضْمِين من بَاب الْكِنَايَة، وَلَا من بَاب الْإِضْمَار بل من قبيل الْحَقِيقَة الَّتِي قصد بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ معنى آخر يُنَاسِبه ويبتعه فِي الْإِرَادَة
وَقَالَ بَعضهم: التَّضْمِين: إِيقَاع لفظ موقع غَيره لتَضَمّنه مَعْنَاهُ، وَهُوَ نوع من الْمجَاز، وَلَا اخْتِصَاص للتضمين بِالْفِعْلِ، بل يجْرِي فِي الِاسْم أَيْضا قَالَ التَّفْتَازَانِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض} لَا يجوز تعلقه بِلَفْظَة (الله) لكَونه اسْما لَا صفة، بل هُوَ مُتَعَلق بِالْمَعْنَى الوصفي الَّذِي ضمنه اسْم (الله) كَمَا فِي قَوْلك: (هُوَ حَاتِم من طي) على تضمين معنى الْجواد
وجريانه فِي الْحَرْف ظَاهر فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة} فَإِن (مَا) تضمن معنى (إِن) الشّرطِيَّة وَلذَلِك لزم جزم الْفِعْل
وكل من الْمَعْنيين مَقْصُود لذاته فِي التَّضْمِين، إِلَّا أَن الْقَصْد إِلَى أَحدهمَا وَهُوَ الْمَذْكُور بِذكر مُتَعَلقَة يكون تبعا للْآخر وَهُوَ الْمَذْكُور بِلَفْظِهِ وَهَذِه التّبعِيَّة فِي الْإِرَادَة من الْكَلَام فَلَا يُنَافِي كَونه مَقْصُودا لذاته فِي الْمقَام؛ وَبِه يُفَارق التَّضْمِين الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، فَإِن كلا من الْمَعْنيين فِي صُورَة الْجمع مُرَاد من الْكَلَام لذاته، مَقْصُود فِي الْمقَام أَصَالَة، وَلذَلِك اخْتلف فِي صِحَّته مَعَ الِاتِّفَاق فِي صِحَة التَّضْمِين
والتضمين سَمَاعي لَا قياسي، وَإِنَّمَا يذهب إِلَيْهِ(1/266)
عِنْد الضَّرُورَة أما إِذا أمكن إِجْرَاء اللَّفْظ على مَدْلُوله فَإِنَّهُ يكون أولى وَكَذَا الْحَذف والإيصال، لَكِن لشيوعهما صَار كالقياس حَتَّى كثر للْعُلَمَاء التَّصَرُّف وَالْقَوْل بهما فِيمَا لَا سماح فِيهِ
وَنَظِيره مَا ذكره الْفُقَهَاء من أَن مَا ثَبت على خلاف الْقيَاس إِذا كَانَ مَشْهُورا يكون كالثبات بِالْقِيَاسِ فِي جَوَاز الْقيَاس عَلَيْهِ
وَجَاز تضمين اللَّازِم الْمُتَعَدِّي مثل: {سفه نَفسه} فَإِنَّهُ مُتَضَمّن ل (أهلك)
وَفَائِدَة التَّضْمِين هِيَ أَن تُؤدِّي كلمة مؤدى كَلِمَتَيْنِ، فالكلمتان معقودتان مَعًا قصدا وتبعا؛ فَتَارَة يَجْعَل الْمَذْكُور أصلا والمحذوف حَالا، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} كَأَنَّهُ قيل: ولتكبروا الله حامدين على مَا هدَاكُمْ وَتارَة بِالْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} أَي: يعترفون بِهِ مُؤمنين
وَمن تضمين لفظ معنى لفظ آخر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} أَي: لَا تفتهم عَيْنَاك مجاوزين إِلَى غَيرهم {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} أَي وَلَا تضموها آكلين و {من أَنْصَارِي إِلَى الله} أَي: من ينضاف فِي نصرتي إِلَى الله و {هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} أَي أَدْعُوك وأرشدك إِلَى أَن تزكّى و {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} أَي: فَلَنْ يحرموه، فعدي إِلَى اثْنَيْنِ و {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح} أَي: لَا تنووه، فعدي بِنَفسِهِ لَا بعلى {وَلَا يسمعُونَ إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى} أَي: لَا يصغون فعدي بإلى، وَأَصله أَن يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَنَحْو (سمع الله لمن حَمده) أَي: اسْتَجَابَ فعدي بِاللَّامِ {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} أَي: يُمَيّز: وَمن هَذَا الْفَنّ فِي اللُّغَة شَيْء كثير لَا يكَاد يحاط بِهِ وَمن تضمين لفظ لفظا آخر قَوْله تَعَالَى: {هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين} إِذْ الأَصْل (أَمن) حذف حرف الِاسْتِفْهَام وَاسْتمرّ الِاسْتِعْمَال على حذفه كَمَا فِي (هَل) فَإِن الأَصْل (أهل) ، فَإِذا أدخلت حرف الْجَرّ فَقدر الْهمزَة قبل حرف الْجَرّ فِي ضميرك، كَأَنَّك تَقول: (أَعلَى من تنزل الشَّيَاطِين) كَقَوْلِك: (أَعلَى زيد مَرَرْت؟) وَهَذَا تضمين لفظ لفظا آخر
والتضمين يُطلق أَيْضا على إدراج كَلَام الْغَيْر فِي أثْنَاء الْكَلَام لقصد تَأْكِيد الْمَعْنى أَو تَرْتِيب النّظم؛ وَهَذَا هُوَ النَّوْع البديعي كإبداع حكايات المخلوقين فِي الْقُرْآن
التَّأْكِيد: هُوَ أَن يكون اللَّفْظ لتقرير الْمَعْنى الْحَاصِل قبله وتقويته
والتأسيس: هُوَ أَن يكون لإِفَادَة معنى آخر لم يكن حَاصِلا قبله وَيُسمى الأول إِعَادَة وَالثَّانِي إِفَادَة؛(1/267)
والإفادة أولى وَإِذا دَار اللَّفْظ بَينهمَا تعين الْحمل على التأسيس وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: لَو قَالَ لزوجته (أَنْت طَالِق طَالِق طَالِق) طلقت ثَلَاثًا، وَإِن قَالَ: عنيت التَّأْكِيد صدق ديانَة لَا قَضَاء
والتأكيد إِذا كَانَ ضميرا لَا يُؤَكد بِهِ إِلَّا مُضْمر، والفصل لَيْسَ كَذَلِك، بل يَقع بعد الظَّاهِر والمضمر
والتأكيد يُفِيد مَعَ التقوية نفي احْتِمَال الْمجَاز وَلَيْسَ كَذَلِك التَّابِع
وَالْحق أَن التَّابِع لَا يُفِيد التقوية اسْتِقْلَالا، بِخِلَافِهِ تَابعا وَلَعَلَّ مُرَاد الْبَيْضَاوِيّ هَذَا من قَوْله، إِذْ التَّابِع لَا يُفِيد وَالتَّابِع من شَرطه أَن يكون على زنة الْمَتْبُوع، والتأكيد لَا يكون كَذَلِك
والتأكيد: يرفع الْإِبْهَام عَن نفس الْمَتْبُوع فِي النِّسْبَة، وَيرْفَع أَيْضا إِبْهَام مَا عَسى يتَوَهَّم فِي النِّسْبَة
والتأكيد بِذكر مَا هُوَ كالعلة أقوى من التَّأْكِيد بالتكرار الْمُجَرّد
والتكرار إِعَادَة الشَّيْء، فعلا كَانَ أَو قولا، وَتَفْسِيره بِذكر الشَّيْء مرّة بعد أُخْرَى اصْطِلَاح
والتأكيد كَمَا يكون لإِزَالَة الشَّك وَنفي الْإِنْكَار مَعَ السَّامع كَذَلِك يكون لصدق الرَّغْبَة ووفور النشاط من الْمُتَكَلّم ونيل الرواج وَالْقَبُول من السَّامع، وَكَون الْخَبَر على خلاف مَا يترقب نَحْو: {رب إِن قومِي كذبون} و {رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} ، وتحسين إتْيَان ضمير الشَّأْن نَحْو: {إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ}
وَكَذَلِكَ ترك التَّأْكِيد فَإِنَّهُ كَمَا يكون لعدم الْإِنْكَار يكون أَيْضا لعدم الْبَاعِث والمحرك من جِهَة الْمُتَكَلّم، وَلعدم الرواج وَالْقَبُول من جِهَة السَّامع
وَقد يكون التَّأْكِيد لرد ظن الْمُتَكَلّم كَقَوْلِك: (أَحْسَنت إِلَيْهِ ثمَّ أَسَاءَ إِلَيّ) أَو لإِظْهَار كَمَال الْعِنَايَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّك لمن الْمُرْسلين} أَو كَمَال التضرع والابتهال نَحْو: {إننا آمنا} أَو كَمَال الْخَوْف نَحْو: {إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} إِلَى غير ذَلِك من الْمعَانِي الَّتِي تناسب التَّأْكِيد بِوَجْه خطابي
وَالشَّيْء إِمَّا أَن يُؤَكد بِنَفسِهِ وَيُسمى التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " لأغزون قُريْشًا " ثَلَاثًا، أَو يُؤَكد بِغَيْرِهِ وَيُسمى التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون تَأْكِيدًا للمفرد، وَهُوَ الْمُقَابل للجملة، سَوَاء كَانَ تَأْكِيدًا للْوَاحِد مذكرا أَو مؤنثا، كَلَفْظِ النَّفس وَالْعين، أَو تَأْكِيدًا لتثنية الْمُذكر أَو الْمُؤَنَّث، كلفظة (كل) و (أَجْمَعِينَ) وأخواته؛ وَإِمَّا أَن يكون تَأْكِيدًا للجملة كلفظة (إِن) وَأَخَوَاتهَا
والفصل بَين المعطوفين يقوم مقَام التَّأْكِيد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لقد كُنْتُم أَنْتُم وآباؤكم فِي ضلال مُبين} و {مكروا مَكْرهمْ} ك {سعى لَهَا سعيها} يحْتَمل التَّأْكِيد وَالنَّوْع و (جَلَست(1/268)
جُلُوسًا) للتَّأْكِيد و (جلْسَة) بِالْكَسْرِ للنوع وبالفتح فِي الْعدَد لبَيَان الْمرة
وأدوات التَّأْكِيد: (إِن) و (أَن) الْمَفْتُوحَة على مَذْهَب التنوخي الْقَائِل بِأَنَّهَا لتأكيد النِّسْبَة، وَلَام الِابْتِدَاء، وَالْقسم، و (أَلا) الاستفتاحية، و (أما) و (هَا) التَّنْبِيه، و (كَأَن) و (لَكِن) و (لَيْت) و (لَعَلَّ) ، وَضمير الشَّأْن، وَضمير الْفَصْل، و (أما) فِي تَأْكِيد الشَّرْط، و (قد) و (السِّين) ، و (سَوف) ، والنونات فِي تَأْكِيد الفعلية، و (لَا) التبرئة، و (لن) و (لما) فِي تَأْكِيد النَّفْي
ويتفاوت التَّأْكِيد بِحَسب قُوَّة الْإِنْكَار وَضَعفه، وَإِذا اجْتمعت (إِن) وَاللَّام كَانَ بِمَنْزِلَة تَكْرِير الْجُمْلَة ثَلَاث مَرَّات، اثْنَتَانِ ل (إِن) وَوَاحِدَة للام، وَكَذَلِكَ نون التوكيد الشَّدِيدَة بِمَنْزِلَة تَكْرِير الْفِعْل ثَلَاثًا، والخفيفة بِمَنْزِلَة تكريره مرَّتَيْنِ
والتأكيد الْمَعْنَوِيّ ب (كل) و (أجمع) و (كلا) و (كلتا) وَفَائِدَته رفع توهم الْمجَاز فِي الْمسند إِلَيْهِ وَعدم الشُّمُول والإحاطة بِجَمِيعِ الْأَفْرَاد
وَيمْتَنع التَّأْكِيد ب (كل) إِذا أضيفت إِلَى ظَاهر، أَو إِلَى ضمير مَحْذُوف وَلَا يُؤَكد ب (كل) و (أجمع) إِلَّا ذُو أَجزَاء يَصح افتراقها حسا وَحكما، [قَالَ الزّجاج والمبرد فِي قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} إِن (كلهم) دلّ على الْإِحَاطَة و (أَجْمَعُونَ) على أَن السُّجُود مِنْهُم فِي حَالَة وَاحِدَة حملا على الإفادة دون الْإِعَادَة] وَفَائِدَة (أَجْمَعِينَ) فِي قَوْله: {لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} إِمَّا استغراق أَفْرَاد العصاة وشمولها بِتَقْدِير الْمُضَاف، وَإِمَّا بَيَان أَن الداخلين فِي جَهَنَّم لَيْسُوا مقصورين على أحد الْفَرِيقَيْنِ؛ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي شُمُول أَفْرَاد كلا الْفَرِيقَيْنِ، لَكِن الْأَخير يدل على جَوَاز وُقُوع (أَجْمَعِينَ) تَأْكِيدًا للمثنى وَهُوَ مَحل بحث وَلَعَلَّ المُرَاد من الْجنَّة وَالنَّاس التابعون لأبليس، وَقد ورد {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} فَلَا مَحْذُور
والتأكيد اللَّفْظِيّ: هُوَ تكْرَار اللَّفْظ إِمَّا بمرادف نَحْو: {ضيقا حرجا} بِكَسْر الرَّاء، وَالْعرب تقدم الْأَشْهر ثمَّ تؤكده تَقول (أسود غربيب) فاستشكل بقوله تَعَالَى: {غرابيب سود} [وَالْجَوَاب أَن (سود) بدله لِأَن توكيد الألوان لَا يتَقَدَّم] فَتَأمل، وَإِمَّا بِلَفْظِهِ وَيكون فِي الِاسْم نَحْو: {دكا دكا} ، وَفِي الْفِعْل نَحْو: {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويدا} وَفِي اسْم الْفِعْل نَحْو: {هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون} وَفِي الْحَرْف نَحْو: {فَفِي الْجنَّة خَالِدين فِيهَا} ، وَفِي الْجُمْلَة نَحْو: {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا وَإِن مَعَ الْعسر يسرا} وَمن هَذَا النَّوْع تَأْكِيد الضَّمِير الْمُتَّصِل بالمنفصل نَحْو: {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك} والمنفصل بِمثلِهِ نَحْو: (وهم بِالآخِرَة هم(1/269)
كافرون}
وتأكيد الْفِعْل بمصدره وَهُوَ عوض عَن تكْرَار الْفِعْل مرَّتَيْنِ وَفَائِدَته دفع توهم الْمجَاز فِي الْفِعْل نَحْو: {وسلموا تَسْلِيمًا} {} (وتسير الْجبَال سيرا}
وَالْأَصْل فِي هَذَا النَّوْع أَن ينعَت الْوَصْف المُرَاد كَقَوْلِه تَعَالَى: {اذْكروا الله ذكرا كثيرا} {} (وسرحوهن سراحا جميلا} وَقد يُضَاف وَصفه إِلَيْهِ نَحْو: {اتَّقوا الله حق تُقَاته} وَقد يُؤَكد بمصدر فعل آخر نَحْو: {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} والتبتل مصدر (بتل) أَو اسْم عين نِيَابَة الْمصدر نَحْو: {أنبتكم من الأَرْض نباتا} أَي: إنباتا، إِذْ النَّبَات اسْم عين وَالْحَال الْمُؤَكّدَة نَحْو: {وَيَوْم أبْعث حَيا} . والتكرير أبلغ من التَّأْكِيد، وَله فَوَائِد مِنْهَا: التَّقْرِير وَقد قيل: الْكَلَام إِذا تكَرر تقرر
وَمِنْهَا زِيَادَة التَّنْبِيه على مَا يَنْفِي التُّهْمَة ليكمل تلقي الْكَلَام بِالْقبُولِ، وَهُوَ مَعَ التَّأْكِيد يجامعه ويفارقه وَيزِيد عَلَيْهِ وَينْقص عَنهُ، فَإِن التَّأْكِيد قد يكون تَكْرَارا وَقد لَا يكون، وَقد يكون التكرير غير تَأْكِيد صناعَة وَإِن كَانَ مُفِيدا للتَّأْكِيد معنى
وَمِنْه مَا وَقع فِيهِ الْفَصْل بَين المكررين كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسَاء الْعَالمين} والتأكيد لَا يفصل بَينه وَبَين مؤكده
وَالْكَلَام الابتدائي الْمُجَرّد، والطلبي الْمُؤَكّد اسْتِحْسَانًا، والإنكاري الْمَذْكُور وجوبا، فَهَذِهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة ظَاهِرَة الجريان بأسرها فِي إِفَادَة الحكم دون إِفَادَة لَازمه، لِأَن الْمُؤَكّد إِذا ذكر كَانَ التَّأْكِيد رَاجعا بِحَسب الظَّاهِر إِلَى الْفَائِدَة لَا إِلَى اللَّازِم
وتأكيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم وَعَكسه نَحْو قَوْله:
(وَلَا عيب فيهم غير أَن ضيوفهم ... تلام بنسيان الْأَحِبَّة والوطن) أكدت: أَجود فِي عقد الْإِيمَان، ووكدت: أَجود فِي القَوْل وَفِي " الدِّيوَان ": وكده أفْصح من أكده
التَّشْبِيه: فِي اللُّغَة التَّمْثِيل مُطلقًا؛ وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ الدّلَالَة على اشْتِرَاك شَيْئَيْنِ فِي وصف من أَوْصَاف الشَّيْء الْوَاحِد فِي نَفسه
[والتشبيه الاصطلاحي الَّذِي يبتنى عَلَيْهِ الِاسْتِعَارَة: هُوَ أخص من مُطلق التَّشْبِيه اللّغَوِيّ فَإِنَّهُ أَعم من أَن يكون على وَجه الِاسْتِعَارَة أَو على وَجه يبتنى عَلَيْهِ الِاسْتِعَارَة أَو غير ذَلِك]
والتشبيه، على مَا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين إِن كَانَ بِحرف فَهُوَ حَقِيقَة، وَإِلَّا فمجاز بِنَاء على أَن الْحَذف من بَاب الْمجَاز، وَالصَّحِيح، أَنه حَقِيقَة، وَله أَلْفَاظ تدل عَلَيْهِ وضعا، وَلَيْسَ فِيهِ نقل اللَّفْظ(1/270)
عَن مَوْضُوعه، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْطِئَة لمن يسْلك سَبِيل الِاسْتِعَارَة والتمثيل لِأَنَّهُ كالأصل لَهما، وَالَّذِي يَقع مِنْهُ فِي حيّز الْمجَاز عِنْد أهل البديع هُوَ الَّذِي يَجِيء على حد الِاسْتِعَارَة كَقَوْلِك لمن يتَرَدَّد فِي أَمر بَين أَن يَفْعَله أَو يتْركهُ: (إِنِّي أَرَاك تقدم رجلا وتؤخر أُخْرَى) وَالْأَصْل: (أَرَاك فِي ترددك كمن يقدم رجلا وَيُؤَخر أُخْرَى)
وَمن الشُّرُوط اللَّازِمَة فِي التَّشْبِيه أَن يشبه البليغ الأدون بالأعلى إِذا أَرَادَ الْمَدْح، والبلاغة فِي الهجو بِالْعَكْسِ وأداته الْكَاف {كرماد} و (كَأَن) {كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين} و (شبه) و (مثل) {مثل مَا يُنْفقُونَ} وَلَا يسْتَعْمل (مثل) إِلَّا فِي حَال أَو صفة لَهَا شَأْن، وفيهَا غرابة، والمصدر الْمُقدر بِتَقْدِير الأداة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَهِي تمر مر السَّحَاب} وَرُبمَا يذكر فعل يُنبئ عَن حَال التَّشْبِيه فِي الْقرب والبعد والأداة محذوفة مقدرَة لعدم استقامة الْمَعْنى بِدُونِهَا نَحْو: {يحسبه الظمآن مَاء} {يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى}
وَالْأَصْل دُخُول أَدَاة التَّشْبِيه على الْمُشبه بِهِ، وَقد تدخل على الْمُشبه، إِمَّا لقصد الْمُبَالغَة نَحْو: {قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق}
وَإِمَّا لوضوح الْحَال نَحْو: {وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} وَقد تدخل على غَيرهمَا ثِقَة بفهم الْمُخَاطب نَحْو: {كونُوا أنصار الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم} وَالْمرَاد: كونُوا أنصار الله خالصين فِي الانقياد كشأن مخاطبي عِيسَى إِذْ قَالُوا
والتشبيه المقلوب كَقَوْلِه:
(وبدا الْمِصْبَاح كَأَن غرته ... وَجه الْخَلِيفَة حِين يمتدح)
وَقد نظمت فِيهِ:
(لَا تقلب الشّبَه كلا فِيهِ مَا فِيهِ ... حق التشابيه تَشْبِيه بِمَا فِيهِ)
(فالسهم فِي هدف كاللحظ فِي جَسَدِي ... والدر فِي صدف كالثغر فِي فِيهِ)
(والبدر جَبهته والقوس حَاجِبه ... والجوهر الْفَرد فوه لَا يُنَافِيهِ)
(وَلَا قِيَاس على تَشْبِيه خالقنا ... لنوره الْعِزّ فِيمَا لَا يوافيه)
والتشبيه الْمُطلق: هُوَ أَن يشبه شَيْء بِشَيْء من غير عكس وَلَا تَبْدِيل كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر كالأعلام}
والتشبيه الْمَشْرُوط: هُوَ أَن يشبه شَيْء بِشَيْء لَو(1/271)
ركناه وضعا وَاخْتلفَا فِي النقط مثل: (يسقين) و (يشفين) ، وَكَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَلي: كَانَ بِصفتِهِ كَذَا، أَو لَوْلَا أَنه بِصفتِهِ كَذَا كَقَوْلِه:
(قد كَاد يحكيه صوب الْغَيْث منسكبا ... لَو كَانَ طلق الْمحيا يمطر الذهبا)
(والدهر لَو لم يخن وَالشَّمْس لَو نطقت ... وَاللَّيْث لَو لم يصد وَالْبَحْر لَو عذبا)
وتشبيه الْكِنَايَة: هُوَ أَن يشبه شَيْء بِشَيْء من غير أَدَاة التَّشْبِيه كَقَوْلِه:
(وأستمطرت لؤلؤا من نرجس فسقت ... وردا وعضت على الْعنَّاب بالبرد)
وتشبيه التَّسْوِيَة: هُوَ أَن يَأْخُذ صفة من صِفَات نَفسه وَصفَة من الصِّفَات الْمَقْصُودَة ويشبههما بِشَيْء وَاحِد كَقَوْلِه:
(صدغ الحبيب وحالي ... كِلَاهُمَا كالليالي)
(وثغره فِي صفاء ... وأدمعي كاللآلي)
والتشبيه المعكوس: هُوَ أَن يشبه شَيْئَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْآخرِ كَقَوْلِه:
(رق الزّجاج وراقت الْخمر ... فتشابها فتشاكل الْأَمر)
(فَكَأَنَّهُ خمر وَلَا قدح ... وَكَأَنَّهُ قدح وَلَا خمر)
وتشبيه الْإِضْمَار: هُوَ أَن يكون مَقْصُوده التَّشْبِيه بِشَيْء، وَيدل ظَاهر لقطه على أَن مَقْصُوده غَيره كَقَوْلِه:
(إِن كَانَ وَجهك شمعا ... فَمَا لجسمي يذوب)
وتشبيه التَّفْضِيل: هُوَ أَن يشبه شَيْئا بِشَيْء ثمَّ يرجع فَيرجع الْمُشبه على الْمُشبه بِهِ كَقَوْلِه:
(من قَاس جدواك بالغمام فَمَا ... أنصف فِي الحكم بَين شَيْئَيْنِ)
(أَنْت إِذا جدت ضَاحِك أبدا ... وَهُوَ إِذا جاد دامع الْعين)
وتشبيه محسوس بمحسوس: كتشبيه الخد بالورد واللين الناعم بالخز، ورائحة بعض الزهر بالمسك هَذَا فِي المحسوسات الأولى
وَأما فِي المحسوسات الثَّانِيَة وَهِي الأشكال المستقيمة والمستديرة والمقادير والحركات كتشبيه المنتصب بِالرُّمْحِ، وَالْقد اللَّطِيف بالغصن، وَقد نظمت فِيهِ:
(وقدك غُصْن البان خدك ورده ... وَذَلِكَ أَمر الْحق قد بَان مزهرا)
وَالشَّيْء المستدير بالكرة وَالْحَلقَة، وعظيم الجثة بِالْجَبَلِ، والذاهب على الاسْتقَامَة بنفوذ السهْم(1/272)
وَفِي الكيفيات الجسمانية، كالصلابة والرخاوة
وَفِي الكيفيات النفسانية كالغرائز والأخلاق
وَفِي حَالَة إضافية، كَمَا تَقول: (أَلْفَاظه كَالْمَاءِ فِي السلالة، وكالنسيم فِي الرقة، وكالعسل فِي الْحَلَاوَة)
وتشبيه الْمَعْقُول بالمعقول كتشبيه الْوُجُود العاري عَن الْفَوَائِد بِالْعدمِ، وتشبيه الْفَوَائِد الَّتِي تبقى بعد عدم الشَّيْء بالوجود
وتشبيه المقعول بالمحسوس، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب بقيعة}
وَفِي مَوضِع آخر {كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف} وتشبيه المحسوس بالمعقول غير جَائِز، لِأَن الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة مستفادة من الْحَواس ومنتهية إِلَيْهَا، فَلَا يجوز جعل الْفَرْع أصلا وَالْأَصْل فرعا وَأما مَا جَاءَ فِي الْأَشْعَار فوجهه أَن يقدر الْمَعْقُول محسوسا على طَرِيق الْمُبَالغَة فرعا، فَيصح التَّشْبِيه حِينَئِذٍ، وَيقرب من هَذَا تَشْبِيه الْمَوْجُود بالمتخيل الَّذِي لَا وجود لَهُ فِي الْأَعْيَان، كتشبيه الْجَمْر بَين الرماد ببحر من الْمسك موجه الذَّهَب؛ وَذَلِكَ إِنَّمَا يتم أَن لَو فرض المتخيل من أُمُور كل وَاحِد مِنْهَا مَوْجُود فِي الْأَعْيَان فَحِينَئِذٍ يكون التَّشْبِيه حسنا
[وَقد يذكر مَعَ التَّشْبِيه وَجه الشّبَه كَقَوْلِك: (فلَان كالأسد فِي الشجَاعَة أَو نَتن الْفَم) إِلَى غير ذَلِك
وَقد يذكر مَعَه لأحد الطَّرفَيْنِ صفة تكون هِيَ منَاط وَجه التَّشْبِيه فِي ذَلِك الطّرف لينتقل مِنْهَا إِلَيْهِ كتشبيه الحبيب بالغزال الثني، وَذكر طيب النكهة مَقْرُونا بسواد الْخَال]
وتوافق الطَّرفَيْنِ فِي الْإِفْرَاد والتعدد غير لَازم فَإِنَّهُ قد يَتَعَدَّد الْمُشبه بِهِ ويتحد الْمُشبه وَيُسمى تَشْبِيه التَّسْوِيَة؛ وَقد ينعكس الْأَمر وَيُسمى تشيبه الْجمع
والتشبيه الْمُؤَكّد الَّذِي أجري فِيهِ الْمُشبه بِهِ على الْمُشبه نَحْو: (زيد أَسد) فَهُوَ اسْتِعَارَة عِنْد الْبَعْض
وَأما التَّجْرِيد مثل: (لقِيت مِنْهُ أسدا) فَهُوَ تَشْبِيه عِنْد بعض؛ وَالِاخْتِلَاف فيهمَا رَاجع إِلَى الِاخْتِلَاف فِي تَفْسِير الِاسْتِعَارَة والتشبيه
وَأما علو التَّشْبِيه فَهُوَ إِمَّا بإيهام اشْتِرَاك الْمُشبه مَعَ الْمُشبه بِهِ فِي جَمِيع أَوْصَافه، وَهُوَ بِحَذْف الْوَجْه، وَإِمَّا بإبهام الِاتِّحَاد بَينهمَا، وَهُوَ بِحَذْف الأداة، فَمَا لم يُوجد فِيهِ شَيْء من الْأَمريْنِ فَلَا علو فِيهِ من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَإِن كَانَ كلَاما بليغا فِي نَفسه، وَمَا وجد فِيهِ أَحدهمَا فَهُوَ عَال، وَمَا وجد فِيهِ كِلَاهُمَا فَهُوَ أَعلَى
التَّجْرِيد: هُوَ أَن ينتزع من أَمر ذِي صفة أَمر آخر مماثل لَهُ فِي تِلْكَ الصّفة مُبَالغَة فِي كمالها فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ بلغ من الاتصاف بِتِلْكَ الصّفة إِلَى حَيْثُ يَصح أَن ينتزع مِنْهُ مَوْصُوف آخر بِتِلْكَ الصّفة، وَيكون ب (من) التجريدية، كَقَوْلِه: (لي من فلَان صديق حميم) وبالباء التجريدية الدَّاخِلَة على المنتزع مِنْهُ نَحْو قَوْلهم: (لَئِن سَأَلت فلَانا لتسألن بِهِ الْبَحْر) وَيُمكن بِدُخُول بَاء الْمَعِيَّة والمصاحبة فِي المنتزع نَحْو قَوْله:(1/273)
(وشوهاء تعدو بِي إِلَى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل)
وَيكون بِدُخُول (فِي) فِي المنتزع نَحْو قَوْله تَعَالَى: {لَهُم فِيهَا دَار الْخلد} وَيكون بِدُونِ توَسط حرف نَحْو قَوْله:
(وَلَئِن بقيت لأرحلن بغزوة ... تحوي الْغَنَائِم أَو يَمُوت كريم)
يَعْنِي نَفسه
وَيكون بطرِيق الْكِنَايَة نَحْو قَوْله: (يَا خير من يركب الْمطِي وَلَا ... يشرب كأسا بكف من بخلا)
أَي: يشرب الكأس بكف الْجواد، فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هُوَ الكأس بكفه على طَرِيق الْكِنَايَة، لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى عَنهُ الشّرْب بكف الْبَخِيل فقد أثبت لَهُ الشّرْب بكف كريم، وَمَعْلُوم أَنه يشرب بكف نَفسه، فالكريم نَفسه
وَمن التَّجْرِيد مُخَاطبَة الْإِنْسَان نَفسه
ثمَّ اعْلَم أَن التَّجْرِيد هُوَ حذف بعض مَعَاني اللَّفْظ وَإِرَادَة الْبَعْض وَيتَعَلَّق بِمَفْهُوم اللَّفْظ
والالتفات على ماقالوا: هُوَ نقل معنوي لَا لَفْظِي فَقَط، فبينهما عُمُوم وخصوص من وَجه، كَمَا مر ذكره فِيمَا تقدم وَشَرطه أَن يكون الضَّمِير فِي الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَائِدًا فِي نفس الْأَمر إِلَى الْمُنْتَقل عَنهُ، فَمثل (أكْرم زيدا وَأحسن إِلَيْهِ) لَيْسَ التفاتا، فَإِن ضمير فَاعل (أكْرم) غير الضَّمِير فِي (إِلَيْهِ) وَمثل (إِنِّي أخاطبك فأجب الْمُخَاطب) تَجْرِيد، لِأَن ضمير النِّسْبَة وَاقع مَوْضِعه، وَلَيْسَ ذَلِك وضعا لضمير الْغَائِب مَوضِع ضمير الْمُتَكَلّم؛ وَكَذَلِكَ {وَمَالِي لَا أعبد الَّذِي فطرني وَإِلَيْهِ ترجعون} لِأَن الضَّمِير وَاقع فِي مَحَله فَهُوَ الْتِفَات وَتَجْرِيد على رَأْي السكاكي، وعَلى رَأْي غَيره هُوَ تَجْرِيد فَقَط
وَمثل قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا تكلم فِي الْفلك وجرين بهم} تَجْرِيد والتفات؛ إِذْ الضميران فِي نفس الْأَمر لشَيْء وَاحِد، وبالادعاء لشيئين وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح} إِلَى آخِره فِي لفظ الْجَلالَة على رَأْي السكاكي الْتِفَات وَتَجْرِيد، وعَلى رَأْي غَيره تَجْرِيد فَقَط، وَقَوله: (فسقناه) الْتِفَات على رأيهما وَقَوله: (الْحَمد لله) الْتِفَات على رَأْي السكاكي وَتَجْرِيد أَيْضا، و {وَإِيَّاك نعْبد} الْتِفَات لَا تَجْرِيد وَمثل: (رَأَيْت مِنْهُ أسدا} تَجْرِيد؛ وَمثل: (تطاول ليلك) و (يكلفني ليلِي) ؛ و (فسقناه) الْتِفَات دون تَجْرِيد على رَأْي الْجُمْهُور وَمثل: {فصل لِرَبِّك وانحر} الْتِفَات وَتَجْرِيد وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا كغالب الْقُرْآن
وَوضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر قد يجمتع مَعَ الِالْتِفَات، كَمَا فِي مثل قَوْله تَعَالَى: {وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح} و (أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمُرك بِكَذَا)
وينفرد الِالْتِفَات فِي نَحْو: (تطاول ليلك)(1/274)
وَقد ينْفَرد وضع الظَّاهِر عَن الِالْتِفَات كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين}
وينفرد وضع الْمُضمر مَوضِع الظَّاهِر عَن الِالْتِفَات فِي نَحْو: (نعم رجلا زيد) ، لِأَن الضَّمِير وَالظَّاهِر كِلَاهُمَا على أسلوب الْغَيْبَة
وينفرد الِالْتِفَات عَنهُ كثيرا نَحْو: وَبَات وباتت لَهُ لَيْلَة
ويجتمعان فِي قَول (الْخَلِيفَة نعم الرجل أَمِير الْمُؤمنِينَ)
وَأما على رَأْي غير السكاكي فَوضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر والالتفات قد يَجْتَمِعَانِ مثل: {فصل لِرَبِّك}
وَقد ينْفَرد الِالْتِفَات وَهُوَ الْغَالِب مثل: {إياك نعْبد}
وَقد ينْفَرد وضع الظَّاهِر مثل: (الْحَمد لله) وَوضع الْمُضمر مَوضِع الظَّاهِر لَا يجْتَمع مَعَ الِالْتِفَات
التَّجْنِيس: تفعيل من الْجِنْس، وَمِنْهُم من يَقُول من الجناس، وَمِنْهُم من يَقُول من المجانسة، لِأَن إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ إِذا شابهت الْأُخْرَى وَقع بَينهمَا مفاعلة الجنسية والمجانسة
والجناس: مصدر (جانس)
وَمِنْهُم من يَقُول من (التجانس) وَهُوَ التفاعل من الْجِنْس أَيْضا وَلما انقسم أقساما كَثِيرَة وتنوع أنواعا عديدة تنزل منزلَة الْجِنْس الَّذِي يصدق على كل وَاحِد من أَنْوَاعه، فَهُوَ حِينَئِذٍ جنس
وَمن أَنْوَاعه التلفيق: وَهُوَ مَا تماثل ركناه وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مركبا من كَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدا كَقَوْلِه:
(إِلَى حتفي مَشى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي)
والمركب: وَهُوَ مَا كَانَ أحد ركنيه مركبا من كَلِمَتَيْنِ وَالْآخر لَيْسَ بمركب مثل: (سلعا) و (سل عَن) ؛ و (سل سَبِيلا) و (سلسبيلا)
والمذيل: وَهُوَ مَا زَاد أحد ركنيه على الآخر إِمَّا حرفا وَاحِدًا فِي آخِره أَو حرفين، فَصَارَ لَهُ كالذيل
نَحْو: (هُوَ حام حَامِل لأعباء الْأُمُور) و (كَاف كافل بمصالح الْجُمْهُور)
واللاحق: وَهُوَ مَا أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه وَلَا قريب مِنْهُ، فَإِن كَانَ من مخرجه سمي مضارعا وَالْمرَاد بالمضارع هَهُنَا المشابه
نَحْو: {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} واللاحق ك (الْيَمين) و (الثمين)
والتام وَهُوَ مَا تماثل ركناه واتفقا لفظا وَاخْتلفَا معنى من غير تفَاوت فِي تَصْحِيح تركيبهما وَلَا اخْتِلَاف فِي حركاتهما كَقَوْلِهِم: (زائر السُّلْطَان الجائر كزائر اللَّيْث الزائر) وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {يكَاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله اللَّيْل وَالنَّهَار إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولي الْأَبْصَار}
والمطرف: وَهُوَ مَا زَاد أحد ركنيه على الآخر حرفا فِي طرفه الأول، وَهُوَ عكس المذيل ك (السَّاق) و (المساق)
والمصحف: وَيُسمى جناس الْخط، وَهُوَ مَا تماثل(1/275)
" قصر ثَوْبك فَإِنَّهُ أتقى وأنقى وَأبقى "
والمحرف: وَهُوَ مَا اتّفق ركناه فِي أعداد الْحُرُوف وترتيبها وَاخْتلفَا فِي الحركات، سَوَاء كَانَا من اسْمَيْنِ أَو من فعلين أَو من اسْم وَفعل، أَو من غير ذَلِك، فَإِن الْقَصْد فِيهِ اخْتِلَاف الحركات ك (الشدَّة) و (الشدَّة) وَفِي قَوْله وَتَعَالَى: {وَلَقَد أرسلنَا فيهم منذرين فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذرين} وكقول الْقَائِل
(وَلما أَرَانِي الشّعْر وَهُوَ مذيل ... وجانب ذَاك الصدغ وَهُوَ مطرف)
(بدا بخمار من خمار بريقه ... فَقلت لَهُ هَذَا الجناس المحرف)
واللفظي: هُوَ الَّذِي إِذا تماثل ركناه وتجانسا خطا خَالف أَحدهمَا الآخر بإبدال حرف فِيهِ مُنَاسبَة لفظية ك (ناضرة) و (ناظرة) ؛ وَسَماهُ قوم بجناس الْعَكْس وَهُوَ الَّذِي يشْتَمل كل وَاحِد من ركنيه على حرف آخر من غير زِيَادَة وَلَا نقص وَيُخَالف أَحدهمَا فِي التَّرْتِيب كَقَوْلِه تَعَالَى: {بَين بني إِسْرَائِيل} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لصَاحب الْقُرْآن " اقْرَأ وارقأ "
وَالْمُطلق: هُوَ الَّذِي كل ركن مِنْهُ يباين الآخر فِي الْمَعْنى نَحْو: {وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان} ؛ {ليريه كَيفَ يواري} ؛ {وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله}
وَالْمعْنَى فِي الِاشْتِقَاق رَاجع إِلَى أصل وَاحِد كَقَوْلِه: فِي خَادِم أسود مَشْهُور بالظلم:
(فعلك من لونك مستخرج ... وَالظُّلم مُشْتَقّ من الظُّلم)
وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} وَقَوله: {أزفت الآزفة}
وَالْقلب مِنْهُ كلا نَحْو: (حسامه فتح لأوليائه وحتف لأعدائه) ؛ وبعضا نَحْو: (اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتنا وآمن روعاتنا)
وَإِن وَقع أَحدهمَا فِي الأول وَالْآخر فِي الآخر يُسمى مجنحا ك (مرض) و (ضرم)
وَإِن كَانَ التَّرْكِيب بِحَيْثُ لَو عكس حصل عينه فمستويا نَحْو: {كل فِي فلك} ، (كَبرت آيَات رَبك) ، (كن كَمَا أمكنك) ، (دَامَ علا الْعِمَاد) (سر فَلَا كبا بك الْفرس) ، (سور حماة بربها محروس)
(آس أرملا إِذا عرا ... وآرع إِذا الْمَرْء أسا)
وَالْإِشَارَة: وَيُسمى تجنيس الْكِنَايَة، وَهُوَ أَن لَا يظْهر بل يُشِير بِهِ، وَسبب وُرُود هَذَا النَّوْع فِي النّظم هُوَ أَن الشَّاعِر يقْصد المجانسة فِي بَيته بَين الرُّكْنَيْنِ من الجناس فَلَا يساعده الْوَزْن على إبرازهما فيضمر الْوَاحِد ويعدل بقوته إِلَى مرادف فِيهِ كِنَايَة تدل على الرُّكْن الْمُضمر فَإِن لم يتَّفق لَهُ مرادف الرُّكْن الْمُضمر يَأْتِي بِلَفْظَة فِيهَا كِنَايَة لفظية تدل عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يتَّفق فِي الْكَلَام المنثور، كَقَوْلِه:(1/276)
(حلقت لحية مُوسَى باسمه ... وبهارون إِذا مَا قلبا)
والإضمار: هُوَ أَن يضمر النَّاظِم ركني التَّجْنِيس، وَيَأْتِي فِي الظَّاهِر بِمَا يرادف الْمُضمر للدلالة عَلَيْهِ، فَإِن تعذر المرادف يَأْتِي بِلَفْظ فِيهِ كِنَايَة لَطِيفَة تدل على الْمُضمر بِالْمَعْنَى كَقَوْلِه:
(جمع الصِّفَات الصَّالِحَات مليكنا ... فغدا بنصر الْحق مِنْهُ مؤيدا)
(كَأبي الْأمين برايه وكجده ... أَنى توجه وَابْن يحيى فِي الندى)
فَأَبُو الْأمين الرشيد وجده الْمَنْصُور وَابْن يحيى الْفضل فقد قصد الشَّاعِر أَن الممدوح رشيد فِي رَأْيه مَنْصُور أَنى توجه وَهُوَ الْفضل فِي الندى
والطباق: هُوَ أَن تجمع بَين متضادين مَعَ مُرَاعَاة التقابل فَلَا يَجِيء باسم مَعَ فعل وَلَا بِفعل مَعَ اسْم، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}
التورية: وَتسَمى أَيْضا بالإيهام والتوجيه والتخييل، والتورية أولى بِالتَّسْمِيَةِ لقربها من مُطَابقَة الْمُسَمّى لِأَنَّهَا مصدر (وريت الْخَبَر تورية) إِذا سترته وأظهرت غَيره فَكَأَن الْمُتَكَلّم يَجعله وَرَاءه بِحَيْثُ لَا يظْهر
وَهِي فِي الِاصْطِلَاح أَن يذكر الْمُتَكَلّم لفظا مُفردا لَهُ حقيقتان، أَو حَقِيقَة ومجاز أَحدهمَا قريب وَدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ ظَاهِرَة وَالْآخر بعيد وَدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ خُفْيَة، وَيُرِيد الْمُتَكَلّم الْمَعْنى الْبعيد، ويوري عَنهُ بالقريب فيوهم السَّامع أول وهلة أَنه يُرِيد الْمَعْنى الْقَرِيب وَلَيْسَ كَذَلِك؛ وَلِهَذَا سمي هَذَا النَّوْع إيهاما وَمثل ذَلِك قَوْله:
(وحرف كنون تَحت رَاء وَلم يكن ... بدال يؤم الرَّسْم غَيره النقط)
فَإِن المُرَاد الْمَعْنى الْبعيد المورى عَنهُ بالقريب هُوَ النَّاقة المهزولة المنحنية تَحت شخص يضْرب رئتها وَلم يرفق بهَا ويؤم بهَا دَارا غير الْمَطَر رسمها
وَالْمعْنَى المتقارب الْمُتَبَادر أَولا إِلَى ذهن السَّامع حُرُوف الهجاء
والتورية أَنْوَاع: مُجَرّدَة ومرشحة ومبينة ومهيأة
فالمجردة: هِيَ الَّتِي لم يذكر فِيهَا لَازم من لَوَازِم المورى بِهِ، وَهُوَ الْمَعْنى الْقَرِيب وَلَا من لَوَازِم المورى عَنهُ، وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَأعظم أَمْثِلَة هَذَا النَّوْع قَوْله تَعَالَى: {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى}
إِذْ للاستواء مَعْنيانِ: قريب وَهُوَ الِاسْتِقْرَار، وبعيد وَهُوَ الِاسْتِيلَاء وَأَنت تعلم أَن الْآيَة إِذا حملت على التَّمْثِيل فَلَا تورية فِيهَا
والمرشحة: هِيَ الَّتِي يذكر فِيهَا لَوَازِم المورى بِهِ(1/277)
قبل لفظ التورية أَو بعده فَمن أعظم شَوَاهِد مَا ذكر لَازمه قبل ذكره التورية قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} فَإِن قَوْله (بأيد) يحْتَمل الْجَارِحَة وَهُوَ الْمَعْنى الْقَرِيب المورى بِهِ، وَقد ذكر من لوزامه على جِهَة الترشيح (الْبناء) ، وَالْمعْنَى الْبعيد المورى عَنهُ هُوَ الْقُوَّة وعظمة الْخَالِق وَهُوَ المُرَاد وَالْآيَة أَيْضا إِذا حملت على التَّمْثِيل والتصوير على مَا هُوَ التَّحْقِيق فَلَا تورية فِيهَا
وَمن أَمْثِلَة مَا ذكر لَازمه بعد لفظ التورية قَوْله:
(مذ هَمت من وجدي فِي خالها ... وَلم أصل مِنْهُ إِلَى اللثم)
(قَالَت قفوا وَاسْتَمعُوا مَا جرى ... خَالِي قد هام بِهِ عمي)
فان الْمَعْنى الْقَرِيب المورى بِهِ خَال النّسَب، وَقد ذكر لَازمه بعد لفظ التورية على جِهَة الترشيح وَهُوَ الْعم
والمبينة: هِيَ الَّتِي ذكر فِيهَا لَازم المورى عَنهُ قبل لفظ التورية أَو بعده وَمن أحسن الشواهد على مَا ذكر لَازم المورى عَنهُ قبل التورية قَوْله:
(قَالُوا أما فِي جلق نزهة ... تنسيك من أَنْت بِهِ مغرى)
(يَا عاذلي دُونك من لحظه ... سَهْما وَمن عَارضه سطرا)
فَإِن السهْم والسطر موضعان بِدِمَشْق، وَذكر النزهة قبله هُوَ الْمُبين لَهما، وَالْمعْنَى الْقَرِيب سهم اللحظ وسطر الْعَارِض وَمن أَمْثِلَة مَا ذكر فِي المبنية لَازم المورى عَنهُ بعد لفظ التورية قَوْله:
(أرى ذَنْب السرحان فِي الْأُفق ساطعا ... فَهَل مُمكن أَن الغزالة تطلع)
وَقد نظمت فِيهِ أَيْضا:
(أتطلع سلمى والرقيب أمامها ... وَمن ذَنْب السرحان بطء الغزالة)
أَرَادَ بذنب السرحان ضوء الْفجْر وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَقد بَينه بِذكر لَازمه بعده بقوله (ساطعا) ، وَكَذَا أَرَادَ بالغزالة الشَّمْس، وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَقد بَينه بِذكر لَازمه وَهُوَ (تطلع) ، وَالْمعْنَى الْقَرِيب فِي كلا الْمَوْضِعَيْنِ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف
والمهيأة: هِيَ الَّتِي لَا تقع فِي التورية وَلَا تتهيأ إِلَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي قبلهَا نَحْو قَوْله:
(وسيرك فِينَا سيرة عمرية ... فروحت عَن قلب وفرجت عَن كرب)
(وأظهرت فِينَا من سميك سنة ... فأظهرت ذَاك الْفَرْض من ذَلِك النّدب)
فَإِن المُرَاد من الْفَرْض وَالنَّدْب مَعْنَاهُمَا الْبعيد وَهُوَ الْعَطاء بِالْفَرْضِ، وَالرجل السَّرِيع فِي الْحَوَائِج بالندب، وَلَوْلَا ذكر السّنة قبلهمَا لما تهيأت التورية فيهمَا، وَلم يفهم مِنْهُمَا الحكمان الشرعيان اللَّذَان صحت بهما التورية، أَو لَا تتهيأ إِلَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي بعْدهَا نَحْو قَوْله:
(لَوْلَا التطير بِالْخِلَافِ وَأَنَّهُمْ ... قَالُوا مَرِيض لَا يعود مَرِيضا)
(لقضيت نحبا فِي جنابك خدمَة ... لأَكُون مَنْدُوبًا قضى مَفْرُوضًا)
فَإِن المُرَاد بالمندوب هَهُنَا الْمَيِّت الَّذِي يبكي(1/278)
عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَالْمعْنَى الْقَرِيب أحد الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَلَوْلَا ذكر الْمَفْرُوض بعده لم يتَنَبَّه السَّامع لِمَعْنى الْمَنْدُوب، وَلَكِن لما ذكره تهيأت التورية بِذكرِهِ
أَو تكون التورية فِي لفظين لَوْلَا كل مِنْهُمَا لما تهيأت التورية فِي الآخر نَحْو قَوْله:
(أَيهَا المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ)
فَإِن المُرَاد من الثريا عَليّ بن عبد الله بن الْحَارِث، وَمن سُهَيْل رجل مَشْهُور من المين، وَكِلَاهُمَا معنى بعيد، وَلَوْلَا ذكر الثريا الَّتِي هِيَ النَّجْم لم يتَنَبَّه السَّامع لسهيل الَّذِي هُوَ النَّجْم أَيْضا، وَلَوْلَا ذكر سُهَيْل لما فهمت الثريا الَّتِي هِيَ النَّجْم، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا هيأ صَاحبه للتورية
التَّأْثِير: أثر فِيهِ تَأْثِيرا: ترك فِيهِ أثرا، فالأثر مَا ينشأ عَن تَأْثِير الْمُؤثر، وتأثير الْمُؤثر فِي الْأَثر لَا بعد وجود الْأَثر، بل زمَان وجوده، لَا يمْتَنع ذَلِك كَمَا فِي الْعلَّة مَعَ معلولها، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع معيتهما بِالذَّاتِ كَمَا فِي الْعلَّة مَعَ معلولها أَيْضا لتأخر الْمَعْلُول بِالذَّاتِ عَن الْعلَّة، وَكَذَا عدم الْمَعْلُول فَإِنَّهُ يتَأَخَّر عَن عدم الْعلَّة لتأخر الْمَعْلُول عَن الْعلَّة بِالذَّاتِ
فالمؤثر إِنَّمَا يُؤثر فِي الْأَثر لَا من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم
ثمَّ اعْلَم أَن الْمُؤثر إِمَّا الشَّيْء النفساني فِي مثله، أَو الجسماني فِي مثله، أَو فِي النفساني، أَو بِالْعَكْسِ
الأول: كتأثير المبادئ الْعَالِيَة فِي النُّفُوس الناطقة الإنسانية بإفاضة الْعُلُوم والمعارف، وَيدخل تَحت هَذَا النَّوْع الْوَحْي والكرامات لانهما إفَاضَة الْمعَانِي الْحَقِيقِيَّة على النُّفُوس البشرية المستعدة لذَلِك، وَيدخل تَحت هَذَا أَيْضا صنفان من الْآيَات والمعجزات: أَحدهمَا مَا يتَعَلَّق بِالْعلمِ الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ أَن يُؤْتى النَّفس المستعد لذَلِك كَمَال الْعلم من غير تَعْلِيم وَتعلم حَتَّى يُحِيط بِمَعْرِِفَة حقائق الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِقدر الطَّاقَة البشرية، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أُوتيت جَوَامِع الْكَلم " وَقد أُوتِيَ علم الْأَوَّلين والآخرين مَعَ كَونه أُمِّيا
وَثَانِيهمَا: مَا يتَعَلَّق بالتخيل الْقوي بِأَن يلقى إِلَى من يكون مستعدا للتخيل الْقوي مَا يُقَوي على تخيلات الْأُمُور الْمَاضِيَة والاطلاع على المغيبات الْمُسْتَقْبلَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ من أنباء الْغَيْب نوحيها إِلَيْك مَا كنت تعلمهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} وَيدخل تَحت هَذَا النَّوْع أَيْضا: [أَولا] المنامات والإلهامات لِأَنَّهَا تلقي للنَّفس مَا فِي المبادئ الْعَالِيَة من صور الْحَوَادِث، وَكَذَا يدْخل تَحت هَذَا النَّوْع صنف من السحر، وَهُوَ تَأْثِير النُّفُوس البشرية القوية فِيهَا قوتا التخيل وَالوهم فِي نفوس بشرية أُخْرَى ضَعِيفَة فهيا هَاتَانِ القوتان كنفوس البله وَالصبيان وَالنِّسَاء والعوام الَّذين لم تقو قوتهم الْعَقْلِيَّة على قمع التخيل وَترك عَادَة الانقياد، فتتخيل مَا لَيْسَ بموجود فِي الْخَارِج
مَوْجُودا فِيهِ، وَمَا هُوَ مَوْجُود فِيهِ تتخيله على ضد الْحَال الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فعله(1/279)
سحرة فِرْعَوْن
وَالثَّانِي: كتأثير السمُوم والأدوية فِي الْأَبدَان، وَيدخل فِيهِ أَجنَاس النيرنجات والطلسمات، فَإِنَّهَا بتأثير بعض المركبات الطبيعية فِي بعض بخواص تخص كل وَاحِد مِنْهُمَا، كجذب المغناطيس، وكهرب باغض الْخلّ من الْخلّ، واختطاف الكهرباء بالتبن، وتأثير الْحجر الْمَعْرُوف فِيمَا بَين الأتراك فِي تَغْيِير الْهَوَاء ونزول الثَّلج والمطر إِلَى غير ذَلِك وَقد يستعان فِي ذَلِك بتمزيج القوى السماوية الفعالة بالقوى الأرضية المنفعلة بتحصيل المناسبات بالأجرام العلوية المؤثرة فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد
وَالثَّالِث: كتأثير الصُّور المستحسنة والمستقبحة فِي النُّفُوس الإنسانية؛ ويندرج فِي هَذَا النَّوْع صنف من السحر، كتأثير المعشوق فِي العاشق، وكتأثير الْحَيَوَانَات المستحسنة والأمتعة النفسية، وكتأثير أَصْنَاف الأغاني والملاهي، وكتأثير الْكَلَام فِي نفس السامعين، كَمَا ورد فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ: " إِن من الْبَيَان لسحرا "
وَالرَّابِع: كتأثير النُّفُوس الإنسانية فِي الْأَبدَان، من تغذيتها وإنمائها، وقيامها وقعودها، إِلَى غير ذَلِك
وَمن هَذَا الْقَبِيل صنف من المعجزة، وَهُوَ مَا يتَعَلَّق بِالْقُوَّةِ المحركة للنَّفس، بِأَن يبلغ قوتها إِلَى حَيْثُ تتمكن من التَّصَرُّف فِي أجسام الْعَالم تصرفها فِي بدنهَا، كتدمير قوم برِيح عَاصِفَة أَو صَاعِقَة أَو زَلْزَلَة أَو طوفان، وَرُبمَا يستعان فِيهِ بالتضرع والابتهال إِلَى الْبَارِي تَعَالَى كَأَن يَسْتَقِي للنَّاس فيسقوا وَيَدْعُو عَلَيْهِم فيخسف بهم، وَيَدْعُو لَهُم فينجوا من المهالك ويندرج فِي هَذَا النَّوْع صنف من السحر أَيْضا، كَمَا فِي بعض النُّفُوس الخبيثة الَّتِي تقوى فِيهَا الْقُوَّة الوهمية بالرياضة والمجاهدة تسلطها على التَّأْثِير فِي إِنْسَان آخر بتوجه تَامّ وعزيمة صَادِقَة إِلَى أَن يحصل الْمَطْلُوب، كإمراض شخص بل إفنائه وَرُبمَا يستعان فِي تَقْوِيَة هَذِه الْقُوَّة الوهمية بِضَم بعض الْأَجْسَام إِلَى بعض، وبشد بعض إِلَى بعض، وغرز الإبر فِي الْأَشْيَاء، وَدفن بعض الْأَشْيَاء فِي مَوَاضِع مَخْصُوصَة، كالعتبة والمقابر وَتَحْت النَّار قَالَ الشَّيْخ سعد الدّين: غرائب الْأَحْوَال وَالْأَفْعَال الَّتِي تظهر من النُّفُوس الإنسانية فِيمَا يتَعَلَّق بأفعالها مثل المعجزات والكرامات والإصابة بِالْعينِ وَمَا يتَعَلَّق بإدراكاتها حَالَة النّوم واليقظة نَحْو مُشَاهدَة مَا لَا حُضُور لَهُ بمحض خلق الله تَعَالَى عندنَا من غير تَأْثِير للنفوس خلافًا للفلاسفة وَالْحق أَن تَأْثِير قدرَة الله تَعَالَى لَيْسَ مُنْقَطِعًا فِي كل حَال عَن تَأْثِير المؤثرات، فصدور مَا صدر عَنْهَا أَيْضا يلْزم أَن يكون بقدرة الله، فَيكون الْأَثر الصَّادِر عَنْهَا صادرا عَن قدرَة الله تَعَالَى وإرادته، صُدُور الْأَثر عَن سَبَب السَّبَب(1/280)
التغليب: هُوَ لُغَة إِيرَاد اللَّفْظ الْغَالِب وَعرفا: هُوَ أَن يغلب على الشَّيْء مَا لغيره لتناسب بَينهمَا أَو اخْتِلَاط، كالأبوين فِي الْأَب وَالأُم، والمشرقين والمغربين والخافقين فِي الْمشرق وَالْمغْرب، والقمرين فِي الشَّمْس وَالْقَمَر، والعمرين فِي أبي بكر وَعمر، والمروتين فِي الصَّفَا والمروة وَلأَجل الِاخْتِلَاط أطلقت كلمة (من) على مَا لَا يعقل فِي نَحْو: {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} ؛ وَأطلق اسْم المخاطبين على الغائبين فِي نَحْو: {اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} لِأَن (لَعَلَّ) مُتَعَلقَة ب (خَلقكُم)
والمذكرين على الْمُؤَنَّث حَتَّى عدت مِنْهُم نَحْو: {وَكَانَت من القانتين} ؛ وَالْمَلَائِكَة على إِبْلِيس حَتَّى اسْتثْنِي فِي {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} والمخاطبين والعقلاء على الغائبين والأنعام فِي قَوْله تَعَالَى: {يذرؤكم فِيهِ} وَمن التغليب قَوْله: {أَو لتعودن فِي ملتنا} لِأَن شعيبا لم يكن فِي ملتهم قطّ، بِخِلَاف الَّذين آمنُوا مَعَه
وَالْعرب تغلب الْأَقْرَب على الْأَبْعَد بِدَلِيل تَغْلِيب الْمُتَكَلّم على الْمُخَاطب، وهما على الْغَائِب فِي الْأَسْمَاء نَحْو: (أَنا وَأَنت قمنا) و (أَنْت وَزيد قمتما)
وَاسْتدلَّ بذلك على أَن الْمُضَارع يسْتَعْمل للْحَال بِلَا قرينَة، لِأَن الْحَال أقرب، وللمستقبل بِقَرِينَة السِّين أَو سَوف، وَإِنَّمَا الْآن والساعة قرينَة لنفي الْمجَاز لَا لتحققه، كَقَوْلِك: (رَأَيْت أسدا يفترس) ، وَكَذَا يغلب الأعرف على غَيره، وَلَو اعْترض على هَذَا بِلُزُوم كَون اسْم الْإِشَارَة أعرف من اسْم الْعلم، مَعَ أَن أَكثر النُّحَاة على عَكسه، وَلِهَذَا جَازَ نعت الْعلم باسم الْإِشَارَة دون الْعَكْس
فَلَا يُقَال: (جَاءَ هَذَا زيد) فيجاب عَنهُ بِأَن الْعلم وَإِن كَانَ أعرف مِنْهُ من حَيْثُ إِن تَعْرِيف العلمية لَا يُفَارق الْمُعَرّف حَاضرا كَانَ أَو غَائِبا، حَيا كَانَ أَو مَيتا بِخِلَاف اسْم الْإِشَارَة، لكنه فِي قطع الِاشْتِرَاك دون اسْم الْإِشَارَة، لِأَن تَعْرِيفه حظا من الْعين وَالْقلب؛ وَالْعلم حَظه من الْقلب خَاصَّة
وَقد يُرَاد بالتغليب تَعْمِيم اللَّفْظ الْعَام بِحَسب الْوَضع على مَا هُوَ غير المصطلح
قَالَ التِّرْمِذِيّ: " قد يكون التغليب لقُوَّة مَا يغلب وفضله كَمَا فِي (أَبَوَانِ) ؛ وَقد يكون لمُجَرّد كَونه مذكرا كَمَا فِي (القمرين) ؛ وَقد يكون لقلَّة حُرُوفه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُغَلب عَلَيْهِ كَمَا فِي (العمرين) ، وَقد يكون لكثرته كَمَا فِي قصَّة شُعَيْب وقصة لوط وقصة مَرْيَم وقصة آدم عَلَيْهِم السَّلَام "
ومدار التغليب على جعل بعض المفهومات تَابعا لبَعض، دَاخِلا تَحت حكمه فِي التَّعْبِير عَنْهُمَا(1/281)
بِعِبَارَة مَخْصُوصَة للمغلب بِحَسب الْوَضع الشخصي أَو النوعي، وَلَا عِبْرَة فِي الْوحدَة والتعدد لَا فِي جَانب الْغَالِب وَلَا فِي جَانب المغلوب
والمشاكلة وَإِن كَانَ فِيهَا أَيْضا جعل بعض المفهومات تَابعا لبَعض دَاخِلا تَحت حكمه فِي التَّعْبِير عَنهُ بِعِبَارَة الْمَتْبُوع إِلَّا أَنه يعبر فِيهَا عَن كل من المشاكلين بِعِبَارَة مُسْتَقلَّة
وشبهة الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي بَاب التغليب إِنَّمَا وَردت إِذا أُرِيد كل من الْمَعْنيين بِاللَّفْظِ، وَفِيه أُرِيد بِهِ معنى وَاحِد مركب من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي، وَلم يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا بل فِي الْمَجْمُوع مجَازًا نعم إِنَّمَا يتمشى هَذَا فِي مثل (العمرين) و {مَا تَعْبدُونَ من دون الله} وَأما فِي نَحْو {أَو لتعودن} فَلَا يتمشى، لِأَن الْعود إِن أخرج عَن مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي فَلَا تَغْلِيب؛ وَإِن أُبْقِي على مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور وَلَا مجَاز للتركيب بَينهمَا
وَقد يكون التغليب كِنَايَة، فَإِن قَوْله تَعَالَى: {بل أَنْتُم قوم تجهلون} من قبيل الِالْتِفَات الْمَعْدُود من الْكِنَايَة
وَاعْلَم أَن التغليب أَمر قياسي يجْرِي فِي كل متناسبين ومختلطين بِحَسب المقامات، لَكِن غَالب أمره دائر على الخفة والشرف
التلفيف: هُوَ لُغَة لف الشَّيْء فِي الشَّيْء قَالَ ابْن أبي الإصبع فِي " بَدَائِع الْقُرْآن ": هُوَ عبارَة عَن إِخْرَاج الْكَلَام مخرج التَّعْلِيم بِحكم أَو أدب لم يرد الْمُتَكَلّم ذكره، وَإِنَّمَا قصد ذكر حكم خَاص دَاخل فِي عُمُوم الحكم الْمَذْكُور الَّذِي خرج بتعليمه وَبَيَان هَذَا التَّعْرِيف أَن يسْأَل السَّائِل عَن حكم هُوَ نوع من أَنْوَاع جنس تَدْعُو الْحَاجة إِلَى بَيَانهَا، كلهَا أَو أَكْثَرهَا، فيعدل المسؤول عَن الْجَواب الْخَاص عَمَّا سُئِلَ عَنهُ من تَبْيِين ذَلِك النَّوْع، ويجيب بِجَوَاب عَام بتضمين الْإِبَانَة عَن الحكم المسؤول عَنهُ وَعَن غَيره لدعاء الْحَاجة إِلَى بَيَانه مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} إِلَى آخِره على مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن عَمْرو بن الجموح الانصاري قَالَ: يَا رَسُول الله مَاذَا ينْفق من ينْفق من أَمْوَاله وَأَيْنَ يَضَعهَا؟ فَنزلت نقلهَا الزَّمَخْشَرِيّ فَكَانَ من قبيل تلقي السَّائِل بِمَا يتطلب وَزِيَادَة، كَمَا هِيَ طَريقَة التَّعْلِيم فِي جَوَاب الاسترشاد، إِذْ حق الْمعلم أَن يكون كطبيب يتحَرَّى شِفَاء سقيم فيبين المعالجة على مَا يَقْتَضِيهِ الْمَرَض، لَا على مَا يحكيه الْمَرِيض وَحُصُول الْجَواب ضمنا مَعَ التَّصْرِيح بِغَيْرِهِ قرينَة على عدم الاهتمام بِهِ وَمَعَ هَذَا الْكل مجمعون على أَن المسؤول عَنهُ مَذْكُور وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد أُجِيب عَن السُّؤَال بأزيد من جَوَابه، كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدًا أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} فَإِنَّهُ جَوَاب سُؤال مُقَدّر(1/282)
قيل: أَتَرَى مُحَمَّدًا أَبَا زيدا؟ فَأتى بِالْجَوَابِ الْعَام ليُفِيد هَذَا الترشيح التَّمْهِيد للمعنى المُرَاد، وَهُوَ الْإِخْبَار بِأَن مُحَمَّدًا خَاتم النَّبِيين، فالتف معنى الْخَاص فِي الْمَعْنى الْعَام فَأفَاد نفي الْأُبُوَّة بِالْكُلِّيَّةِ لأحد من الرِّجَال، وَفِي ذَلِك نفي الْأُبُوَّة لزيد
التَّقْدِير: هُوَ تَحْدِيد كل مَخْلُوق بحده الَّذِي يُوجد من حسن وقبح ونفع وضر وَغير ذَلِك
[وَالْقدر: هُوَ مَا يقدره الله من الْقَضَاء وَيُقَال: قدرت الشَّيْء أقدره، وأقدره قدرا، وَقدرته تَقْديرا فَهُوَ قدر أَي مَقْدُور، كَمَا يُقَال: هدمت الْبناء فَهُوَ هدم أَي مهدوم، وَلَك أَن تسكن الدَّال مِنْهُ وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر يُرَاد بِهِ الْمُقدر تَارَة وَالتَّقْدِير أُخْرَى
فِي " الأساس ": الْأُمُور تجْرِي بِقدر الله ومقداره وَتَقْدِيره وإقداره ومقاديره، فالقدر وَالتَّقْدِير كِلَاهُمَا تبين كمية الْأَشْيَاء
وَيَجِيء التَّقْدِير بِمَعْنى التَّخْصِيص الَّذِي هُوَ نتيجة الْإِرَادَة التابعة للْعلم، أَو نتيجة الْحِكْمَة التابعة لَهُ كَمَا فِي " التَّعْدِيل " وَغَيره وَإِذا كَانَ التَّقْدِير تَابعا للْعلم التَّابِع للمعلوم فِي الْمَاهِيّة كَمَا هُوَ الحَدِيث الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ ثَمَانِيَة من الصَّحَابَة فتقدير السَّعَادَة قبل أَن يُولد لَا يدْخلهُ فِي حيّز ضَرُورَة السَّعَادَة وَكَذَا تَقْدِير الشقاوة قبل أَن يُولد لَا يُخرجهُ عَن قابلية السَّعَادَة، وَلَيْسَ التَّقْدِير أَنه إِن فعل كَذَا كَانَ كَذَا وَإِلَّا لَا، لِأَن الْوَاقِع بخلقه تَعَالَى أَحدهمَا معينا
ثمَّ التَّقْدِير إِمَّا بالحكم مِنْهُ تَعَالَى أَن يكون كَذَا أَو أَن لَا يكون كَذَا، إِمَّا على سَبِيل الْوُجُوب وَإِمَّا على سَبِيل الْإِمْكَان وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} وَإِمَّا بِإِعْطَاء الْقُدْرَة عَلَيْهِ
وَقَوله تَعَالَى: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} أَي قَضَاء مبتوتا وَقَالَ بَعضهم: (قدرا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق بِهِ الْقَضَاء وَالْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: " فرغ رَبك من الْخلق وَالْأَجَل والرزق " و (مَقْدُورًا) إِشَارَة إِلَى مَا يحدث حَالا فحال، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} يَعْنِي شؤونا يبديها لَا شؤونا يبتديها، وَلَا يُنَافِيهِ قَضِيَّة " رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف " لِأَن الْجُود الإلهي لما كَانَ مقتضيا لتكميل الموجودات قدر بلطف حكمته زَمَانا يخرج تِلْكَ الْأُمُور من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ رَحمَه الله فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} : الْقَضَاء مَا يكون مَقْصُودا فِي الأَصْل وَالْقدر مَا يكون تَابعا، فالخير كُله بِقَضَاء، وَمَا فِي الْعَالم من الضَّرَر فبقدر]
(وَتَقْدِير الله الْأَشْيَاء على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: بِإِعْطَاء الْقُدْرَة
وَالثَّانِي: بِأَن يجعلهما على مِقْدَار مَخْصُوص وَوجه مَخْصُوص حَسْبَمَا اقتضته الْحِكْمَة؛ وَمَا أوجده بِالْفِعْلِ بِأَن أبدعه كَامِلا دفْعَة لَا يَعْتَرِيه الْكَوْن وَالْفساد إِلَى أَن يَشَاء أَن يفنيه أَو يُبدلهُ، كالسماوات بِمَا فِيهَا؛ وَمَا جعل أُصُوله مَوْجُودَة بِالْفِعْلِ وأجراه بِالْقُوَّةِ وَقدره على وَجه لَا يَتَأَتَّى فِيهِ غير مَا قدر فِيهِ، كتقدير مني الْآدَمِيّ أَن يكون مِنْهُ إِنْسَان لَا حَيَوَان)(1/283)
وَالتَّقْدِير فِي الْكَلَام: لتصحيح اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَقد يكون لتوضيح الْمَعْنى كَمَا قَالَ عبد القاهر فِي تَقْدِير اللَّام بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ
وَيَنْبَغِي تقليل الْمُقدر مَا أمكن لثقل مُخَالفَة الأَصْل، فالتقدير فِي (أَنْت مني فرسخان) (بعْدك مني فرسخان) أولى من (أَنْت مني ذُو مَسَافَة فرسخين) وَالتَّقْدِير فِي {أشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} (الْحبّ أولى من حب عبَادَة الْعجل) وَإِذا استدعى الْكَلَام تَقْدِير أَسمَاء متضايقة أَو مَوْصُوف وَصفَة مُضَافَة أَو جَار ومجرور مُضْمر عَائِد على مَا يحْتَاج الرابط إِلَيْهِ فَلَا يقدر أَن ذَلِك حذف دفْعَة وَاحِدَة بل على التدريج، فَيقدر فِي نَحْو (كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ) (كدوران عين الَّذِي يغشى عَلَيْهِ) وَفِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} (لَا تجزي فِيهِ) ثمَّ حذف الضَّمِير مَنْصُوبًا لَا مخفوضا قَالَه الْأَخْفَش
وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُقدر من لفظ الْمَذْكُور مهما أمكن، فَيقدر فِي (ضربي زيدا قَائِما) ضربه قَائِما، فَإِنَّهُ من لفظ الْمُبْتَدَأ دون (إِذْ كَانَ) إِن أُرِيد الْمُضِيّ و (إِذْ كَانَ) إِن أُرِيد الْمُسْتَقْبل، وَيقدر فِي (زيدا أضربه) (اضْرِب) دون (أهن) فَإِن منع من تَقْدِير الْمَذْكُور مَانع معنوي نَحْو: (زيدا اضْرِب أَخَاهُ) أَو صناعي نَحْو: (زيدا امرر بِهِ) قدر مَا لَا مَانع لَهُ؛ فَيقدر فِي الأولى (أهن) دون (اضْرِب) وَفِي الثَّانِيَة (جَاوز) دون (امرر) ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّ بِنَفسِهِ
نعم إِن كَانَ الْعَامِل مِمَّا يتَعَدَّى تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة بِحرف الْجَرّ نَحْو: (نصح) فِي قَوْلك: (زيدا نصحت لَهُ) جَازَ أَن يقدر (نصحت زيدا) بل هُوَ أولى من تَقْدِير غير الملفوظ بِهِ
التَّخْصِيص: هُوَ الحكم بِثُبُوت الْمُخَصّص لشَيْء ونفيه عَمَّا سواهُ [وَكِلَاهُمَا عبارتان عَن معنى وَاحِد] وَيُقَال أَيْضا: تَمْيِيز أَفْرَاد بعض الْجُمْلَة بِحكم اخْتصَّ بِهِ
وخصصت فلَانا بِالذكر: أَي ذكرته دون غَيره
و {الله يخْتَص برحمته من يَشَاء} أَي يَجعله مُنْفَردا بِالرَّحْمَةِ لَا يرحم سواهُ،
وَتَخْصِيص تَقْدِيم مَا هُوَ أولى بالتقديم يُنَاسب فِيمَا يعْتَبر فِيهِ حَال مَا هُوَ أَعلَى حَالا وَهُوَ السَّائِل
وَتَخْصِيص تَأْخِير مَا هُوَ أولى بالتقديم يُنَاسب فِيمَا يعْتَبر فِيهِ حَال مَا هُوَ أَعلَى حَالا أَيْضا، وَهُوَ الْمُنكر
وَتَخْصِيص الْعَام بِالنِّيَّةِ مَقْبُول ديانَة لَا قَضَاء؛ وَعند الْخصاف: يَصح قَضَاء أَيْضا
والتخصيص: قصر الْعَام على بعض مَا يتَنَاوَلهُ عِنْد الشَّافِعِيَّة؛ وَأما عِنْد الحنيفة فَهُوَ الْقصر عَلَيْهِ بِدَلِيل مُسْتَقل لَفْظِي مُقَارن احْتَرز بمستقبل عَن الصّفة وَالِاسْتِثْنَاء وَالشّرط والغاية، وبلفظي عَن الْمُقْتَضى كَقَوْلِه تَعَالَى: {خَالق كل شَيْء} فَالله تَعَالَى مَخْصُوص مِنْهُ وَتَخْصِيص الْعَام بِدَلِيل الْعقل جَائِز عِنْد عَامَّة الْفُقَهَاء، وَجَاز ذَلِك عِنْد الْعَامَّة إِلَى أَن يبْقى مِنْهُ وَاحِد كاستثناء مَا زَاد على الْوَاحِد من لَفْظَة الْعُمُوم
وَجَاز ذَلِك أَيْضا فِي مَوضِع الْخَبَر، بِدَلِيل(1/284)
{وَأُوتِيت من كل شَيْء}
وَتَخْصِيص السمعي بالسمعي إِذا كَانَا مثلين جَائِز، كتخصيص الْكتاب بِالْكتاب، والمتواتر بِالْكتاب، وَالْكتاب بالمتواتر وَكَذَا التَّخْصِيص بِفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا بِالْإِجْمَاع
وَفِي تَخْصِيص الْكتاب والمتواتر بِالْقِيَاسِ وَخبر الْوَاحِد اخْتِلَاف
وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي من أبي تَخْصِيص السّنة بِالْكتاب
وَالْخلاف فِي تَخْصِيص الْعِلَل إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْصَاف المؤثرة فِي الْأَحْكَام لَا فِي الْعِلَل الَّتِي هِيَ أَحْكَام شَرْعِيَّة، كالعقود والفسوخ
وَلَا يجوز تَخْصِيص الْعلَّة على قَول مَشَايِخ سَمَرْقَنْد؛ وَإِلَيْهِ ذهب كَبِيرهمْ أَبُو مَنْصُور الماتردي، وَهُوَ أظهر أَقْوَال الشَّافِعِي، وَجوزهُ مَشَايِخ الْعرَاق وَالْقَاضِي أَبُو زيد مِمَّا وَرَاء النَّهر، وَبِه قَالَت الْمُعْتَزلَة، وَيُسمى تَخْصِيص الْقيَاس
وَلَا يخفى أَن فِي القَوْل بتخصيص الْعلَّة نِسْبَة التَّنَاقُض إِلَى الله، تَعَالَى عَن ذَلِك بَيَانه: أَن من قَالَ: إِن الْمُؤثر فِي استدعاء الحكم فِي مَوضِع النَّص هَذَا الْوَصْف فقد قَالَ: إِن الشَّرْع جعله عِلّة ودليلا وأمارة على الحكم أَيْنَمَا وجد أبدا حَتَّى يُمكنهُ التَّعْدِيَة؛ فَمَتَى وجد ذَات الْمَوْصُوف وَلَا حكم لَهُ لم يكن أَمارَة ودليلا على الحكم شرعا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ دَلِيل الحكم شرعا فَلَيْسَ بِدَلِيل وأمارة وَهَذَا تنَاقض ظَاهر، وَدلَالَة مَا خص فِي التَّخْصِيص فِي الْأَعْيَان بَاقِيَة
[وَفِي التَّخْصِيص فِي الْأَزْمَان زائلة بالنسخ،(1/285)
والتخصيص فِي الرِّوَايَات وَفِي متفاهم النَّاس وَفِي الْعُقُوبَات يدل على نفي الحكم عَمَّا عداهُ، كَذَا فِي أَكثر الْمُعْتَبرَات، وَقَالَ صَاحب " النِّهَايَة ": ذَلِك أغلبي لَا كلي وَقَالَ بَعضهم: التَّخْصِيص فِي الرِّوَايَات يُوجب نفي الحكم عَمَّا عدا الْمَذْكُور، وَهَذَا إِذا لم يدْرك للتخصيص فَائِدَة سوى نفي الحكم عَمَّا عداهُ، فَأَما إِذا وجد فيكتفي بِهَذِهِ الْفَائِدَة، وَلَا يحكم بِنَفْي الحكم عَمَّا عداهُ بِسَبَب التَّخْصِيص وَلَو فِي الرِّوَايَات، وَهَذَا الْقَيْد يُسْتَفَاد من عبارَة الْعَلامَة النَّسَفِيّ حَيْثُ قَالَ: إِن التَّخْصِيص بالشَّيْء لَا يدل على نفي مَا عداهُ عندنَا، وَحَيْثُ دلّ إِنَّمَا دلّ لأمر خَارج لَا من التَّخْصِيص، فالاستدلال بقوله تَعَالَى: {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} من حَيْثُ كَون الْكفَّار محجوبين عُقُوبَة لَهُم، فَيكون أهل الْجنَّة بخلافهم، وَإِلَّا لَا يكون الْحجب فِي حق الْكفَّار عُقُوبَة لِاسْتِوَاء الْفَرِيقَيْنِ فِي الْحجب حِينَئِذٍ وَقَالَ بَعضهم: تَخْصِيص الشَّيْء بِالذكر لَا يدل على نفي الحكم عَن الْمَسْكُوت عَنهُ فَإِن قَوْلنَا: مُحَمَّد رَسُول الله، لَا يدل على نفي الرسَالَة عَن غَيره وَفَائِدَته تَعْظِيم الْمَذْكُور وتفضيله على غَيره، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم} إِذْ الْمنْهِي حرَام فِي غَيره من الشُّهُور
وَفِي " حقائق الْمَنْظُومَة ": التَّخْصِيص بِالصّفةِ لَا يدل على نفي الحكم عَمَّا عداهُ، وَقَالَ ابْن كَمَال: تَخْصِيص الشَّيْء بِالذكر وَإِن لم يدل على النَّفْي عَمَّا عداهُ لكنه فِي النُّصُوص سلمنَا الْإِطْلَاق لكنه لَا يرفع الْإِيهَام
والتخصيص فِي الرِّوَايَات مثل قَوْله: " وَلَيْسَ على الْمَرْأَة أَن تنقض ضفائرها فِي الْغسْل " فَدلَّ على أَن الرجل ينْقض
وَفِي الْمُعَامَلَات مثلا إِذا أَمر بِأَن يَشْتَرِي لَهُ عبدا فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يَشْتَرِي لَهُ عَبْدَيْنِ
وَفِي الْعُقُوبَات مثل قَوْله تَعَالَى: {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} فَدلَّ على أَن الْمُؤمنِينَ غير محجوبين
والتخصيص: تقليل الِاشْتِرَاك فِي النكرات
والتوضيح: رفع الِاحْتِمَال فِي المعارف]
التَّيَمُّم: فِي اللُّغَة: الْقَصْد على الْإِطْلَاق
وَفِي الشَّرْع: الْقَصْد إِلَى الصَّعِيد لإِزَالَة الْحَدث
وَالتَّيَمُّم: خلف عَن الْكل، وَالْمسح عَن الْبَعْض، والصعيد إِن جعل خلفا عَن المَاء فِي التَّيَمُّم، فَحكم الأَصْل إِفَادَة الطَّهَارَة وَإِزَالَة الْحَدث فَكَذَا حكم الْخلف، وَإِن جعل خلفا عَن التَّوَضُّؤ فِي إِبَاحَة الدُّخُول فِي الصَّلَاة بِوَاسِطَة رفع الْحَدث لطهارة حصلت بِهِ لَا مَعَ الْحَدث فَكَذَا التَّيَمُّم، إِذْ لَو كَانَ خلفا فِي حق الْإِبَاحَة مَعَ الْحَدث لم يكن خلفا، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ خلف ضَرُورِيّ، بِمَعْنى أَنه تثبت خلفيته ضَرُورَة الْحَاجة إِلَى إِسْقَاط الْفَرْض عَن الذِّمَّة مَعَ قيام الْحَدث، كطهارة الْمُسْتَحَاضَة فَلَا يجوز تَقْدِيمه على الْوَقْت، وَلَا أَدَاء فرضين بِتَيَمُّم وَاحِد، أما قبل الْوَقْت فلانتفاء الضَّرُورَة المبيحة، وَأما بعد أَدَاء فرض وَاحِد فلزوال الضَّرُورَة؛ وَعِنْدنَا جَازَ قبل الْوَقْت وَأَدَاء الْفَرَائِض أَيْضا بِتَيَمُّم وَاحِد، ثمَّ إِن النِّيَّة فِي التَّيَمُّم مُتَّفق عَلَيْهَا، بِخِلَاف النِّيَّة فِي الْوضُوء وَالْغسْل قَالَ(1/286)
الْحَنَفِيّ: كل من الْوضُوء وَالْغسْل طَهَارَة بالمائع فَلَا تجب فيهمَا النِّيَّة، كإزالة النَّجَاسَة، فَإِنَّهَا لَا تجب النِّيَّة فِي الطَّهَارَة لَهَا، بِخِلَاف التَّيَمُّم لِأَنَّهُ بالجامد، فيعترضه الشَّافِعِي بِأَن كلا مِنْهُمَا طَهَارَة، فيستوي جامدها ومائعها كالنجاسة، يَسْتَوِي جامدها ومائعها فِي حكمهَا، وَقد وَجَبت النِّيَّة فِي التَّيَمُّم فلتجب أَيْضا فِي الْوضُوء وَالْغسْل، فَيَقُول الْحَنَفِيّ بِالْفرقِ بإبداء خُصُوصِيَّة فِي الأَصْل وَهِي أَن الْعلَّة فِي الأَصْل كَون الطَّهَارَة بِالتُّرَابِ، لَا مُطلق الطَّهَارَة، أَو لِأَن الأَصْل فِي الشُّرُوط الْمَأْمُور بهَا أَن يُلَاحظ فِيهَا جِهَة الشّرطِيَّة، فيكتفى بِمُجَرَّد وجوده بِلَا اشْتِرَاط النِّيَّة فِيهَا، وَالْقَصْد فِي إيجادها والضوء من هَذَا الْقَبِيل، وَقد يُلَاحظ فِيهَا جِهَة كَونهَا مَأْمُورا بهَا، إِذا دلّت عَلَيْهِ قرينَة فَيشْتَرط فِيهَا النِّيَّة، وَالتَّيَمُّم من هَذَا الْقَبِيل فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ شرطا أَيْضا لَكِن لما وَقع التَّيَمُّم جَزَاء للشّرط فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم مرضى} إِلَى آخِره علم أَنه لَيْسَ من الشُّرُوط الَّتِي لَا يعْتَبر فِيهَا الْقَصْد فترجح جَانب كَونه مَأْمُورا بِهِ بِالضَّرُورَةِ، فَاشْترط فِيهِ النِّيَّة لهَذِهِ الْقَرِينَة ضَرُورَة وَلما كَانَ الْوضُوء شرطا للصَّلَاة وَلم تدل قرينَة على جِهَة كَونه مَأْمُورا بِهِ لم يشْتَرط فِيهِ النِّيَّة، فَاكْتفى بِمُجَرَّد وجوده بِلَا اشْتِرَاط النِّيَّة فِيهِ، فَإِن قيل: بِمَ اشْترط النِّيَّة فِي التَّيَمُّم مَعَ أَن النَّص سَاكِت عَنهُ؟ قُلْنَا: الْأَمر بِقصد الصَّعِيد يُوجب الائتمار بِهِ، وَقصد الائتمار عين النِّيَّة، فَإِن اتّفق مسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ بالصعيد من غير قصد الائتمار لَا يجوز، لِأَن الصَّعِيد طهُور حكما لَا طبعا، وَفِي الْوضُوء المَاء يزِيل النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة بالطبع، فيزيل النَّجَاسَة الْحكمِيَّة بالتبع، فَلَو اتّفق غسل أَعْضَاء الْوضُوء بِغَيْر قصد إِبَاحَة الصَّلَاة تُوجد الطَّهَارَة الصَّالِحَة لإباحتها، فَتجوز الصَّلَاة بهَا
التَّأَمُّل: هُوَ اسْتِعْمَال الْفِكر
والتدبر: تصرف الْقلب بِالنّظرِ فِي الدَّلَائِل وَالْأَمر بالتدبر بِغَيْر فَاء للسؤال فِي الْمقَام، وبالفاء يكون بِمَعْنى التَّقْرِير وَالتَّحْقِيق لما بعده، كَذَلِك (تَأمل) و (فَلْيتَأَمَّل)
قَالَ بعض الأفاضل: (تَأمل) بِلَا فَاء إِشَارَة إِلَى الْجَواب الْقوي، وبالفاء إِلَى الْجَواب الضَّعِيف و (فَلْيتَأَمَّل) إِلَى الْجَواب الأضعف
وَمعنى (تَأمل) أَن فِي هَذَا الْمحل دقة وَمعنى، (فَتَأمل) فِي هَذَا الْمحل أَمر زَائِد على الدقة بتفصيل
وَمعنى (فَلْيتَأَمَّل) هَكَذَا مَعَ زِيَادَة بِنَاء على أَن كَثْرَة الْحُرُوف تدل على كَثْرَة الْمَعْنى
و (فِيهِ بحث) : مَعْنَاهُ أَعم من أَن يكون فِي هَذَا الْمقَام تَحْقِيق أَو فَسَاد، فَيحمل على الْمُنَاسب للمحل
و (فِيهِ نظر) يسْتَعْمل فِي لُزُوم الْفساد
وَإِذا كَانَ السُّؤَال أقوى يُقَال: (وَلقَائِل) ، فَجَوَابه: (أَقُول) أَو (نقُول) أَي: أَقُول أَنا بإعانة سَائِر الْعلمَاء
وَإِذا كَانَ ضَعِيفا يُقَال: (فَإِن قيل) وَجَوَابه: (أُجِيب) أَو (يُقَال)(1/287)
وَإِذا كَانَ أَضْعَف يُقَال: (لَا يُقَال) وَجَوَابه (لأَنا نقُول)
وَإِذا كَانَ قَوِيا يُقَال: (فَإِن قلت) ، وَجَوَابه: (قُلْنَا) أَو (قلت)
وَقيل: (فَإِن قلت) بِالْفَاءِ: سُؤال عَن الْقَرِيب، وبالواو سُؤال عَن الْبعيد
و (قيل) : فِيمَا فِيهِ اخْتِلَاف؛ وَفِي بعض شُرُوح الْكَشَّاف: فِيهِ إِشَارَة إِلَى ضعف مَا قَالُوا
و (اسْتدلَّ) : فِيمَا ثَبت الدَّلِيل لَا الدَّعْوَى
و (لنا) : فِي الدَّلِيل مَعَ الدعْوَة الثَّابِتَة
[وَعبارَة (لنا) شائعة عِنْد ذكر دَلِيل على الْمُدَّعِي، ويجعلونها خَبرا لما يذكر بعْدهَا من الدَّلِيل]
و (الْأَظْهر) : فِيمَا إِذا قوي الْخلاف ك (الْأَصَح) ؛ وَإِلَّا ف (الْمَشْهُور) كَالصَّحِيحِ
و (فِي الْجُمْلَة) : يسْتَعْمل فِي الْإِجْمَال
و (بِالْجُمْلَةِ) : فِي نتيجة التَّفْصِيل
و (مُحَصل الْكَلَام) : إِجْمَال بعد تَفْصِيل
و (حَاصِل الْكَلَام) : تَفْصِيل بعد الْإِجْمَال
و (فِيهِ مَا فِيهِ) : أَي تَأمل فِيهِ حَتَّى يحصل مَا فِيهِ أَو مَا ثَبت فِيهِ من الْخلَل والضعف حَاصِل فِيهِ
والتنبيه: هُوَ إِعْلَام مَا فِي ضمير الْمُتَكَلّم للمخاطب من (نبهته) بِمَعْنى رفعته من الخمول: أَو من (نبهته من نَومه) بِمَعْنى أيقظته من نوم الْغَفْلَة أَو من (نبهته على الشَّيْء) بِمَعْنى وقفته عَلَيْهِ وَمَا ذكر فِي حيّز التَّنْبِيه بِحَيْثُ لَو تَأمل المتأمل فِي المباحث الْمُتَقَدّمَة فهمه مِنْهَا بِخِلَاف التذنيب
وَيسْتَعْمل التنبه أَيْضا فِيمَا يكون الحكم الْمَذْكُور بعده بديهيا
والتمهيد لُغَة: جعل الْمَكَان على صفة يُمكن أَن يبْنى عَلَيْهِ وَفِي " الْقَامُوس " تمهيد الْأَمر: تسويته وإصلاحه، وَذَلِكَ الْمَكَان المتصف بِتِلْكَ الصّفة يُسمى بِالْأَصْلِ
وَعرفا: هُوَ كَلَام يُوطأ بِهِ فهم كَلَام دَقِيق بِأَيّ وَجه كَانَ
التَّأْلِيف: هُوَ جمع الْأَشْيَاء المتناسبة، من الألفة، وَهُوَ حَقِيقَة فِي الْأَجْسَام، ومجاز فِي الْحُرُوف
والتنظيم: من نظم الْجَوَاهِر، وَفِيه جودة التركب
والتأليف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحُرُوف لتصير كَلِمَات، والتنظيم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَلِمَات لتصير جملا
والتركيب: ضم الْأَشْيَاء مؤتلفة كَانَت أَولا، مرتبَة الْوَضع أَولا، فالمركب أَعم من الْمُؤلف والمرتب مُطلقًا
وَالتَّرْتِيب: أَعم مُطلقًا من التنضيد، لِأَن التَّرْتِيب عبارَة عَن وُقُوع بعض الْأَجْسَام فَوق بعض
والتنضيد: عبارَة عَن وُقُوع بَعْضهَا فَوق بعض على سَبِيل التمَاس اللَّازِم لعدم الْخَلَاء
ومراتب تأليف الْكَلَام خمس: الأولى: ضم الْحُرُوف المبسوطة بَعْضهَا إِلَى بعض لتَحْصِيل الْكَلِمَات الثَّلَاث: الِاسْم وَالْفِعْل والحرف
وَالثَّانيَِة: تأليف هَذِه الْكَلِمَات بَعْضهَا إِلَى بعض لتَحْصِيل الْجمل المفيدة، وَيُقَال لَهُ: المنثور من الْكَلَام
وَالثَّالِثَة: ضم بعض ذَلِك إِلَى بعض ضما لَهُ مباد ومقاطع ومداخل ومخارج، وَيُقَال لَهُ: المنظوم(1/288)
وَالرَّابِعَة: أَن يعْتَبر فِي أَوَاخِر الْكَلَام مَعَ ذَلِك تسجيع، وَيُقَال لَهُ: المسجع
وَالْخَامِسَة: أَن يَجْعَل لَهُ مَعَ ذَلِك وزن، وَيُقَال لَهُ: الشّعْر
والمنظوم: إِمَّا محاورة وَيُقَال لَهُ الخطابة؛ وَإِمَّا مُكَاتبَة وَيُقَال لَهُ: الرسَالَة
فأنواع الْكَلَام لَا تخرج عَن هَذِه الْأَقْسَام
وَأما أَجنَاس الْكَلَام فَهِيَ مُخْتَلفَة ومراتبها فِي دَرَجَات الْبَيَان مُتَفَاوِتَة، فَمِنْهَا البليغ الرصين الجزل، وَمِنْهَا الفصيح الْقَرِيب السهل؛ وَمِنْهَا الْجَائِز الطلق الرُّسُل، وَالْأول أَعْلَاهَا، وَالثَّانِي أوسطها وَالثَّالِث أدناها وأقربها
(وَقد حازت بلاغات الْقُرْآن من كل قسم من هَذِه الْأَقْسَام حِصَّة، وَأخذت من كل نوع شُعْبَة)
وَقد تُوجد الْفَضَائِل الثَّلَاث على التَّفَرُّق فِي أَنْوَاع الْكَلَام
فَأَما أَن تُوجد مَجْمُوعَة فِي نوع وَاحِد مِنْهُ فَلم تُوجد إِلَّا فِي كَلَام الْعَلِيم العلام
التَّمْيِيز: مصدر بِمَعْنى الْمُمَيز بِفَتْح الْيَاء، على معنى أَن الْمُتَكَلّم يُمَيّز هَذَا الْجِنْس من سَائِر الْأَجْنَاس الَّتِي توقع الْإِبْهَام، أَو بِكَسْر الْيَاء، على معنى أَن هَذَا الِاسْم يُمَيّز مُرَاد الْمُتَكَلّم من غير مُرَاده
والتمييز فِي المشتبهات نَحْو {ليميز الله الْخَبيث من الطّيب}
وَفِي المختلطات نَحْو: {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون}
و [التَّمْيِيز] قد يُقَال للقوة الَّتِي فِي الدِّمَاغ وَبهَا تستنبط الْمعَانِي وَمِنْه: (فلَان لَا تَمْيِيز لَهُ)
وَسن التَّمْيِيز عِنْد الْفُقَهَاء: وَقت عرفان المضار من الْمَنَافِع
والتمييز: مَا يرفع الْإِبْهَام من الْمُفْرد، والمفرد هُوَ الْمُبْهم الطَّالِب للتمييز لإبهامه الناصب لَهُ، تَمَامه بِالتَّنْوِينِ مثل: (رَطْل زيتا) ؛ أَو بنُون التَّشْبِيه مثل: (منوان سمنا) ؛ أَو بنُون الْجمع مثل: (عشرُون درهما) ، أَو بِالْإِضَافَة مثل: (مَا فِي السَّمَاء قدر رَاحَة سحابا) وَأما نَحْو: (طَابَ زيد نفسا) فَهُوَ تَمْيِيز عَن نِسْبَة فِي جملَة، فَإِن الْإِبْهَام إِن كَانَ فِي الْإِسْنَاد فالتمييز الرافع لَهُ تَارَة يُسمى تمييزا عَن الْجُمْلَة، وَأُخْرَى عَن ذَات مقدرَة وَإِن كَانَ الْإِبْهَام فِي أحد طرفِي الْإِسْنَاد فالتمييز الرافع لَهُ يُسمى تمييزا عَن الْمُفْرد تَارَة، وَعَن ذَات مَذْكُورَة أُخْرَى
والتمييز عَن النِّسْبَة: إِذا كَانَ اسْما يُطَابق مَا قصد فِي جَانب الْمُمَيز، من الْإِفْرَاد والتثنية وَالْجمع، إِلَّا أَن يكون جِنْسا يُطلق مُجَردا عَن التَّاء على الْقَلِيل، وَالْكثير فَإِنَّهُ يفرد حِينَئِذٍ، إِلَّا أَن يقْصد الْأَنْوَاع
والتمييز يجوز أَن يكون للتَّأْكِيد مثله فِي: (نعم الرجل رجلا) قَالَ الله تَعَالَى: {ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا}
وَيجب أَن يكون التَّمْيِيز فَاعِلا؛ إِمَّا لنَفس الْفِعْل الْمَذْكُور نَحْو: (طَابَ زيد نفسا) وَإِمَّا لمتعديه نَحْو: (امْتَلَأَ الْإِنَاء مَاء) فَإِن المَاء لَا يصلح فَاعِلا للامتلاء بل لمتعديه وَهُوَ الملء لِأَنَّهُ مالىء؛ وَإِمَّا للازمه نَحْو: {وفجرنا الأَرْض عيُونا} فَإِن(1/289)
الأَرْض متفجرة لَا منفجرة
وَشرط التَّمْيِيز الْمَنْصُوب بعد (أفعل) كَونه فَاعِلا فِي الْمَعْنى و {أحصى لما لَبِثُوا أمدا}
(أحصى) : فِيهِ فعل و (أمدا) مفعول مثل: و {أحصى كل شَيْء عددا}
وَيجوز حذف التَّمْيِيز إِذا دلّ عَلَيْهِ دَلِيل نَحْو: {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ} أَي: رجلا
والمتميز فِي التَّمْيِيز لَا يلْزم أَن يكون مُبْهما قبل التَّمْيِيز
وَأما التَّعْيِين فَإِنَّهُ يلْزم فِيهِ أَن يكون الْمُتَعَيّن مُبْهما قبل التَّعْيِين
التَّصَوُّر: هُوَ بِحَسب الِاسْم تصور مَفْهُوم الشَّيْء الَّذِي لَا يُوجد وجوده فِي الْأَعْيَان، وَهُوَ جَار فِي الموجودات والمعدومات
وَأما التَّصَوُّر بِحَسب الْحَقِيقَة أَي تصور الْمَاهِيّة الْمَعْلُومَة الْوُجُود، فَهُوَ مُخْتَصّ بالموجودات
نقل عَن الشَّيْخ أَن كل مَا يحصل فِي الذِّهْن لَا يَخْلُو من أَن يكون إِمَّا صور الماهيات أَو الإذعان أَو الِاعْتِرَاف أَو الِاعْتِقَاد بمطابقة تِلْكَ الصُّور
فَالْأول: هُوَ التَّصَوُّر، وَالثَّانِي: هُوَ التَّصْدِيق
والإذعان بِاعْتِبَار حُصُوله فِي الذِّهْن أَيْضا تصور لَكِن بخصوصية كَونه إذعانا لغيره تَصْدِيق
وَحُصُول تصور الْإِنْسَان فِي الذِّهْن مَعَ تصور الْفرس لَيْسَ تصورا وَلَا تَصْدِيقًا
والتصور الَّذِي فِيهِ نِسْبَة كالمركب التقييدي لَا فرق بَينه وَبَين التَّصْدِيق، إِلَّا أَنه إِن عبر بالْكلَام التَّام يُسمى تَصْدِيقًا، وَإِن عبر بِغَيْر التَّام يُسمى تصورا
فَإِن كَانَت النِّسْبَة فِي الذِّهْن ناشئة عَمَّا فِي الْأَعْيَان كَانَت صَادِقَة، وَإِلَّا كَانَت كَاذِبَة، سَوَاء عبرت بِكَلَام تَامّ أَو غير تَامّ
وَقد يكون التَّصَوُّر بِلَا نِسْبَة أصلا، فَهُوَ لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب فحصول الماهيات الْكُلية وَصُورَة الْمُمْتَنع وَنَحْو ذَلِك فِي الذِّهْن، فَإِن تِلْكَ الْأُمُور لَو لم يكن لَهَا صُورَة خَارج الذِّهْن كَانَت كَاذِبَة، بل لَا تكون صَادِقَة وَلَا كَاذِبَة لَا يُقَال: الْمُمْتَنع حَاصِل فِي الذِّهْن، وَالْحَاصِل فِي الذِّهْن مَوْجُود فِي الْأَعْيَان، فالممتنع مَوْجُود فِي الْأَعْيَان، لأَنا نقُول: الْحَاصِل فِي الذِّهْن هُوَ الْمِثَال، والمثال الْقَائِم بالذهن غير مُمْتَنع
والتصور قد يكون علما وَقد لَا يكون كالتصور الْكَاذِب
وَالْعلم قد لَا يكون تصورا كالتصديق
والتصديق أَيْضا قد يكون علما وَقد لَا يكون كالتصديق الْكَاذِب
وَالْعلم قد لَا يكون تَصْدِيقًا بل تصورا، فالعلم أَعم من وَجه من التَّصَوُّر وَكَذَا من التَّصْدِيق
والتصور الضَّرُورِيّ كتصور الْوُجُود، والنظري كتصور الْملك
والتصديق الضَّرُورِيّ كتصديق أَن الْكل أعظم من جزئه
والنظري كتصديق أَن زَوَايَا المثلث تَسَاوِي قائمتين(1/290)
والتصديق أَمر كسبي، والمعرفة قد تحصل بِدُونِ الْكسْب، حَتَّى إِن بصر إِنْسَان لَو وَقع على شَيْء بِدُونِ اخْتِيَاره يحصل لَهُ معرفَة المبصر بِأَنَّهُ حجر أَو مدر بِدُونِ ربط قلبه عَلَيْهِ بالاشتغال بِأَنَّهُ هُوَ أَو غير ذَلِك
وَأما التَّصْدِيق فعبارة عَن ربط قلبه على شَيْء بِأَنَّهُ على مَا علمه من إِخْبَار الْمخبر بِأَنَّهُ كَذَا، فَربط قلبه على مَعْلُوم من خبر الْمخبر بِأَنَّهُ كَذَا كسبي يثبت بِاخْتِيَار الْمُصدق
والتصديق المنطقي الَّذِي قسم الْعلم إِلَيْهِ وَإِلَى التَّصَوُّر هُوَ بِعَيْنِه اللّغَوِيّ الْمعبر عَنهُ فِي الفارسية ب (كرديدن) الْمُقَابل للتكذيب، إِلَّا أَن التَّصْدِيق مَأْمُور بِهِ فَيكون فعلا اختياريا، بِخِلَاف التَّصْدِيق المنطقي فَإِنَّهُ قد يَخْلُو عَن الِاعْتِبَار كمن وَقع فِي قلبه تَصْدِيق النَّبِي ضَرُورَة عِنْد إِظْهَار المعجزة من غير أَن ينْسب إِلَيْهِ اخْتِيَار، فَإِنَّهُ لَا يُقَال فِي اللُّغَة إِنَّه صدقه
والتصديق إِدْرَاك الكليات، والتصور إِدْرَاك الجزئيات
والتصديق إِدْرَاك مَعَه حكم، والتصور إِدْرَاك لَا حكم مَعَه
[والتصديق يَنْقَسِم إِلَى الْعلم وَالْجهل بِخِلَاف التَّصَوُّر إِذْ لَا جهل مِنْهُ أصلا، وكل تصور مقدم على التَّصْدِيق بِدُونِ الْعَكْس، وكل تَصْدِيق مَوْقُوف على تصور بِدُونِ الْعَكْس؛ وَإِن كَانَ بعض التصورات متوقفة على بعض التصديقات كتصور الْحَقِيقَة فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على التَّصْدِيق بالهيئة]
وَذهب الإِمَام إِلَى أَن التَّصْدِيق إِدْرَاك الْمَاهِيّة مَعَ الحكم عَلَيْهَا بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات
وَذهب الْحُكَمَاء إِلَى أَنه مُجَرّد إِدْرَاك النِّسْبَة خَاصَّة والتصورات الثَّلَاثَة عِنْدهم شُرُوط لَهُ
وَهَذَا معنى قَوْلهم: التَّصْدِيق بسيط على مَذْهَب الْحُكَمَاء، ومركب على مَذْهَب الإِمَام فمذهب الْحُكَمَاء أَن التَّصْدِيق من قَوْلك: (الْعَالم حَادث) مُجَرّد إِدْرَاك نِسْبَة الْحُدُوث إِلَى الْعَالم وَمذهب الإِمَام أَنه الْمَجْمُوع من إِدْرَاك وُقُوع النِّسْبَة، وتصور الْعَالم والحدوث وَالنِّسْبَة وَمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى التَّصَوُّر يدعى بالْقَوْل الشَّارِح كالحد والرسم، والمثال كالقياس والاستقراء، والتمثيل وَمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى التَّصْدِيق يُسمى حجَّة
والتصور الْعَام: هُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل
والتصور الْخَاص: هُوَ الِاعْتِقَاد الْجَازِم الثَّابِت المطابق للْوَاقِع وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يعتري الإنشاءات
التصريع: هُوَ أَن يخترع الشَّاعِر معنى لم يسْبق إِلَيْهِ وَلم يتبعهُ أحد فِيهِ
وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: عروضي وبديعي،
فالعروضي: عبارَة عَن كل بَيت اسْتَوَت عروضه وضربه فِي الْوَزْن وَالْإِعْرَاب والتقفية، إِلَّا أَن عروضه غيرت لتلحق ضربه
والبديعي: كل بَيت يتساوى الْجُزْء الْأَخير من صَدره والجزء الْأَخير من عَجزه فِي الْوَزْن وَالْإِعْرَاب والتقفية؛ وَلَا يعْتَبر بعد ذَلِك شَيْء آخر
وَهُوَ فِي الْأَشْعَار، لَا سِيمَا فِي أول القصائد، وَقد(1/291)
يَقع فِي أَثْنَائِهَا
والتصريع الْكَامِل: هُوَ أَن يكون كل مصراع مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فِي فهم مَعْنَاهُ، وَأَن يكون الأول غير مُحْتَاج إِلَى الثَّانِي؛ فَإِذا جَاءَ جَاءَ مرتبطا بِهِ، وَأَن يكون المصراعان بِحَيْثُ يَصح وضع كل مِنْهُمَا مَوضِع الآخر
والناقص: هُوَ أَن لَا يفهم معنى الأول إِلَّا بِالثَّانِي
والمكرر: هُوَ أَن يكون بِلَفْظَة وَاحِدَة فِي المصراعين
وَإِن كَانَ فِي المصراع الأول مُعَلّقا على صفة يَأْتِي ذكرهَا فِي أول الثَّانِي يُسمى تَعْلِيقا، وَهُوَ معيب جدا
والمشطور: هُوَ أَن يكون التصريع فِي الْبَيْت مُخَالفا لقافيته
والتشطير: هُوَ أَن يقسم الشَّاعِر بَيته قسمَيْنِ ثمَّ يصرع كل شطر مِنْهُمَا، لكنه يَأْتِي بِكُل شطر من بَيته مُخَالفا لقافيته الْأُخْرَى ليتميز كل شطر عَن أَخِيه
الترصيع: [بِتَقْدِيم الرَّاء] هُوَ نوع من الطباق يُسمى ترصيع الْكَلَام، وَهُوَ اقتران الشَّيْء بِمَا يجْتَمع مَعَه فِي قدر مُشْتَرك، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن لَك أَن لَا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} جَاءَ بِالْجُوعِ مَعَ العري، وَالضُّحَى مَعَ الظمأ وَبَاب الْجُوع مَعَ الظمأ، وَالضُّحَى مَعَ العري، لَكِن الْجُوع خلو الْبَاطِن، والعري خلو الظَّاهِر، فاشتركا فِي الْخُلُو، والظمأ احتراق الْبَاطِن، وَالضُّحَى احتراق الظَّاهِر، فاشتركا أَيْضا فِي الاحتراق
التَّنْوِين: هُوَ حرف ذُو مخرج يثبت لفظا لَا خطا؛ وَإِنَّمَا سيم تنوينا لِأَنَّهُ حَادث بِفعل الْمُتَكَلّم، والتفعيل من أبنية الْأَحْدَاث وَله قُوَّة لَيست للنون، لِأَن التَّنْوِين لَا يُفَارق الِاسْم عِنْد عدم الْمَانِع، بِخِلَاف النُّون، وَلِأَن التَّنْوِين مُخْتَصّ بِالِاسْمِ وَهُوَ قوي وَالنُّون، وَلِأَن التَّنْوِين مُخْتَصّ بِالِاسْمِ وَهُوَ قوي وَالنُّون مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ وَهُوَ ضَعِيف
والتنوين زِيَادَة على الْكَلِمَة كالنقل فَإِنَّهُ زِيَادَة على الْفَرْض
وَإِذا وَقع بعد التَّنْوِين سَاكن يكسر لالتقاء الساكنين نَحْو: {قل هُوَ الله أحد الله}
وَإِذا انْفَتح مَا قبل التَّنْوِين يقلب فِي الْوَقْف ألفا
وَإِذا انْضَمَّ أَو أنكسر يحذف
وَمَتى أطلق التَّنْوِين فَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ تَنْوِين الصّرْف
وَإِذا أُرِيد غَيره قيد، كالألف وَاللَّام، فَإِنَّهَا مَتى أطلقت فَإِنَّمَا يُرَاد الَّتِي للتعريف، وَإِذا أُرِيد غَيرهَا قيد بالموصولة والزائدة
نظم بعض الأدباء أَقسَام التَّنْوِين:
(أَقسَام تنوينهم عشر عَلَيْك بهَا ... فَإِن تَحْصِيلهَا من خير مَا حرْزا)
(مكن وَعوض وقابل وَالْمُنكر زد ... رنم أَو احك اضطرر غال وَمَا همزا)
وتنوين التَّمَكُّن: وَهُوَ اللَّاحِق للأسماء المعربة، نَحْو: {هدى وَرَحْمَة}
والتنكير: وَهُوَ اللَّاحِق لأسماء الْأَفْعَال فرقا بَين مَعْرفَتهَا ونكرتها
والمقابلة: وَهُوَ اللَّاحِق لجمع الْمُؤَنَّث السَّالِم نَحْو: (مسلمات) و (مؤمنات)
والعوض: وَهُوَ إِمَّا عوض عَن حرف آخر لفاعل(1/292)
المعتل نَحْو {وَمن فَوْقهم غواش} ، أَو عَن اسْم مُضَاف إِلَيْهِ فِي (كل) و (بعض) و (أَي) نَحْو: {كل فِي فلك} ، {تِلْكَ الرُّسُل فضلنَا بَعضهم على بعض} ، و {أيا مَا تدعوا} وَعَن الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا (إِذْ) نَحْو: (يَوْمئِذٍ) أَي: يَوْم إِذْ كَانَ كَذَا، أَو (إِذْ) نَحْو: {وَإِنَّكُمْ إِذا لمن المقربين} أَي: إِذا غلبتم
وتنوين الفواصل: وَهُوَ الَّذِي يُسمى فِي غير الْقُرْآن الترنم بَدَلا من حُرُوف الْإِطْلَاق نَحْو {قواريرا} {وَاللَّيْل إِذا يسر} {كلا سيكفرون} بتنوين فِي الثَّلَاثَة وَيكون فِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف، وَلَيْسَ الترنم مَوْضُوعا بِإِزَاءِ معنى من الْمعَانِي، بل هُوَ مَوْضُوع لغَرَض الترنم، كَمَا أَن حُرُوف التهجي مَوْضُوعَة لغَرَض التَّرْكِيب، لَا بِإِزَاءِ معنى من الْمعَانِي
وتنوين الْجمع: هُوَ تَنْوِين الْمُقَابلَة، لَا تَنْوِين التَّمَكُّن، وَلذَلِك يجمع مَعَ اللَّام
والتنوين الغالي: من الغلو وَهُوَ التجاوز عَن الْحَد كَمَا فِي قَوْله:
(وقاتم الأعماق خاوي المخترقن)
وَقد تجَاوز الْبَيْت بلحوق هَذَا التَّنْوِين عَن حد الْوَزْن، وَلِهَذَا يسْقط عَن حد التقطيع، وَمَا بَقِي من التنوينات يطْلب من المفصلات
التسلسل: هُوَ إِمَّا أَن يكون فِي الْآحَاد المجتمعة فِي الْوُجُود أَو لم يكن
الثَّانِي: كالتسلسل فِي الْحَوَادِث
وَالْأول: إِمَّا أَن يكون فِيهَا ترَتّب أَو لَا
الثَّانِي: التسلسل فِي النُّفُوس الناطقة
وَالْأول: إِمَّا أَن يكون ذَلِك التَّرْتِيب طبعيا كالتسلسل فِي الْعِلَل والمعلولات وَالصِّفَات والموصوفات؛ أَو وضعيا كالتسلسل فِي الْأَجْسَام
والتسلسل فِي جَانب الْعِلَل بَاطِل بالِاتِّفَاقِ، وَفِي المعلولات بِأَن لَا تقف، بل يكون بعد كل مَعْلُول مَعْلُول آخر فِيهِ خلاف فَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمين لَا يجوز، وَعند الْحُكَمَاء يجوز
والتسلسل فِي الْأُمُور الاعتبارية غير مُمْتَنع بل وَاقع [بِمَعْنى أَن الِاعْتِبَار فِي تِلْكَ الْأُمُور لَا يصل إِلَى حد قد يجب وُقُوعه عِنْده وَلَا يُمكن أَن يتجاوزه، لَا بِمَعْنى أَنَّهَا تترتب فِي الِاعْتِبَار بِالْعقلِ إِلَى غير النِّهَايَة، لِأَن الْعقل لَا يقوى على اعْتِبَار مَا لَا يتناهى فَصله]
التعويض: هُوَ إِقَامَة اللَّفْظ مقَام اللَّفْظ، وَقد جرت الْعَادة على أَنهم يستعملون لفظا مقَام لفظ آخر، ثمَّ يعكسون الْقَضِيَّة فيستعملون ذَلِك الْغَيْر مقَام الأول فَمن ذَلِك لفظ (غير) فَإِنَّهُم يقيمونها مقَام (إِلَّا) فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء، ويعكسون الْأَمر فِي بَاب الصّفة ويقيمون لفظ الْمُضَارع مقَام اسْم الْفَاعِل فيعربونه، ثمَّ يعكسون الْأَمر فيعلمونه ويقيمون(1/293)
لفظ الْحَال، أَعنِي لفظ الْمُشْتَقّ مقَام الْمصدر فَيَقُولُونَ: (قُم قَائِما) ثمَّ يعكسون الْأَمر نَحْو: (أَتَيْته ركضا) فَفِي هَذِه الطَّرِيقَة إِشْعَار بِمَا بَين اللَّفْظَيْنِ من التشابه والتشابك
التَّعْلِيل: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم ذكر حكم وَاقع أَو متوقع فَيقدم قبل ذكره عِلّة وُقُوعه، لكَون رُتْبَة الْعلَّة مُتَقَدّمَة على الْمَعْلُول كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم} فَسبق الْكتاب من الله عِلّة النجَاة من الْعَذَاب
وَمن أحسن أَمْثِلَة التَّعْلِيل قَوْله:
(سَأَلت الأَرْض لم جعلت مصلى ... وَلم كَانَت لنا طهرا وطيبا)
(فَقَالَت غير ناطقة فَإِنِّي ... حويت لكل إِنْسَان حبيبا)
[وَالتَّعْلِيل: تَقْرِير ثُبُوت الْمُؤثر لإِثْبَات الْأَثر كَمَا أَن الِاسْتِدْلَال هُوَ تَقْرِير ثُبُوت الْأَثر لإِثْبَات الْمُؤثر
وَالِاسْتِدْلَال فِي عرف أهل الْعلم: هُوَ تَقْرِير الدَّلِيل لإِثْبَات الْمَدْلُول سَوَاء كَانَ ذَلِك من الْأَثر إِلَى الْمُؤثر أَو بِالْعَكْسِ أَو من أحد الْأَمريْنِ إِلَى الآخر]
التَّحْوِيل: هُوَ عبارَة عَن تَبْدِيل ذَات إِلَى ذَات أُخْرَى مثل تَحْويل التُّرَاب إِلَى الطين
والتغيير: عبارَة عَن تَبْدِيل صفة إِلَى صفة أُخْرَى مثل تَغْيِير الْأَحْمَر إِلَى الْأَبْيَض
والتغيير إِمَّا فِي ذَات الشَّيْء أَو جزئه أَو الْخَارِج عَنهُ وَمن الأول: تَغْيِير اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن الثَّانِي: تَغْيِير العناصر بتبديل صورها وَمن الثَّالِث: تَغْيِير الأفلاك بتبديل أوضاعها والتحويل يتَعَدَّى وَيلْزم، والتغيير لَا يكون إِلَّا مُتَعَدِّيا
والتحريف: تَغْيِير اللَّفْظ دون الْمَعْنى
والتصحيف: تَغْيِير اللَّفْظ وَالْمعْنَى
التعديد: هُوَ إِيقَاع أَسمَاء مُفْردَة على سِيَاق وَاحِد؛ فَإِن روعي فِي ذَلِك ازدواج أَو مُطَابقَة أَو تجنيس أَو مُقَابلَة فَذَلِك الْغَايَة فِي الْحسن مِثَاله قَوْله تَعَالَى: {ولنبلونكم بِشَيْء من الْخَوْف والجوع وَنقص من الْأَمْوَال والأنفس والثمرات وَبشر الصابرين} وكقول الشَّاعِر:
(الْخَيل وَاللَّيْل والبيداء تعرفنِي ... والطعن وَالضَّرْب والقرطاس والقلم)
التعسف: هُوَ ارْتِكَاب مَا لَا يجوز عَن الْمُحَقِّقين، وَإِن جوزه الْبَعْض، وَيُطلق على ارْتِكَاب مَا لَا ضَرُورَة فِيهِ وَالْأَصْل عَدمه وَقيل: هُوَ حمل الْكَلَام على معنى لَا تكون دلَالَته عَلَيْهِ ظَاهِرَة، وَهُوَ أخف من الْبطلَان
والتساهل: يسْتَعْمل فِي كَلَام لَا خطأ فِيهِ، وَلَكِن يحْتَاج إِلَى نوع تَوْجِيه تحتمله الْعبارَة
والتسامح: اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَوْضِعه الْأَصْلِيّ، كالمجاز بِلَا قصد علاقَة مَقْبُولَة، وَلَا نصب قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ اعْتِمَادًا على ظُهُور الْفَهم من ذَلِك الْمقَام
والتمحل: الاحتيال، وَهُوَ الطّلب بحيلة
والتخيير: هُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر بِبَيْت يسوغ فِيهِ أَن يقفى بقواف شَتَّى، فَيتَخَيَّر مِنْهَا قافية مرجحة على سائرها يسْتَدلّ بهَا بتخييره على حسن اخْتِيَاره(1/294)
كَقَوْلِه:
(إِن الْغَرِيب الطَّوِيل الذيل ممتهن ... فَكيف حَال غَرِيب مَا لَهُ قوت)
فَإِن (مَا لَهُ قوت) أبلغ من (مَا لَهُ مَال) و (مَا لَهُ أحد) وَأبين للضَّرُورَة وأشجى للقلوب وأدعى للاستعطاف
التَّسْلِيم: تَسْلِيم كل شَيْء مَا يُنَاسِبه، فتسليم الْوَاجِبَات إخْرَاجهَا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَقد يثبت فِي قَوَاعِد الشَّرْع أَن الْوَاجِبَات لَهَا حكم الْجَوَاهِر، فَيجْرِي التَّسْلِيم فِيهَا كَمَا يجْرِي فِي الْأَعْيَان
وَالتَّسْلِيم: أَن يفْرض الْمُتَكَلّم أَو الشَّاعِر فرضا محالا إِمَّا منفيا أَو مَشْرُوطًا بِحرف الِامْتِنَاع ليَكُون مَا ذكره مُمْتَنع الْوُقُوع بِشَرْطِهِ ثمَّ يسلم وُقُوع ذَلِك تَسْلِيمًا جدليا يدل على عدم الْفَائِدَة فِي وُقُوعه،
كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} مَعْنَاهُ وَالله أعلم: أَنه لَيْسَ مَعَه من إِلَه، وَلَو سلمنَا أَن مَعَه إِلَهًا لزم من ذَلِك أَن كل إِلَه يذهب بِمَا خلق، وَالله خَالق كل شَيْء، وَأَن بَعضهم يَعْلُو على بعض، فَلَا يتم فِي الْعَالم أَمر وَلَا ينفذ فيهم حكم، وَالْوَاقِع خلاف ذَلِك، فَفرض إِلَهَيْنِ فَصَاعِدا محَال
التَّمْثِيل: هُوَ أَن تثبت الْقَاعِدَة سَوَاء كَانَ مطابقا للْوَاقِع أم لَا، بِخِلَاف الاستشهاد
والتمثيل أَيْضا: أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم معنى فَلَا يدل عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ الْمَوْضُوع لَهُ وَلَا بِلَفْظ قريب مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِلَفْظ هُوَ أبعد من لفظ الإرداف يَصح أَن يكون مِثَالا للفظ الْمَعْنى المرادف، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَقضي الْأَمر}
وَبَاب التَّمْثِيل وَاسع فِي كَلَام الله تَعَالَى وَرَسُوله وَفِي كَلَام الْعَرَب
وَيُطلق التَّمْثِيل على التَّشْبِيه مُطلقًا وَكتب التفاسير مشحونة بِهَذَا الْإِطْلَاق وَلَا سِيمَا " الْكَشَّاف " وَيُطلق أَيْضا على مَا كَانَ وَجه التَّشْبِيه مركبا غير مُحَقّق حسا وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخ، وعَلى مَا كَانَ وَجهه مركبا غير مُحَقّق لَا حسا وَلَا عقلا وَهُوَ مَذْهَب السكاكي؛ وعَلى مَا وَجهه مركبا محققا أَو لَا وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، فَلِكُل أَن يُطلق على مَا اشتهاه
[وَاعْلَم أَن الْخلاف الْمَشْهُور بَين العلامتين فِي مجْلِس أَمِير تيمور قد نَشأ من كَلَام جَار الله الْعَلامَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون} حَيْثُ قَالَ: فِيهِ اسْتِعَارَة تَبَعِيَّة على طَرِيق التَّمْثِيل لِأَن الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة مُفْردَة ولتمثيلية مركبة فَلَا وَجه لكَون الْمُفْرد على طَرِيق الْمركب فَقَالَ التَّفْتَازَانِيّ عَلَيْهِ الرَّحْمَة: طرفا التَّمْثِيل مفردان لِأَن كل تَشْبِيه تمثيلي إِذا ترك فِيهِ التَّشْبِيه وَكَانَ اسْتِعَارَة تصير اسْتِعَارَة تمثلية، فَإِذا كَانَ الطرفان هُنَاكَ مفردين كَانَا هُنَا أَيْضا كَذَلِك
وَقَالَ السَّيِّد الشريف: إِن طَرفَيْهِ مركبان كَمَا هُوَ مَشْهُور من الانتزاع مَعَ أَنه صرح فِي " الْمِفْتَاح " من أَن انحصار الِاسْتِعَارَة التمثيلية فِيمَا هُوَ مركب من الطَّرفَيْنِ ثمَّ لَا يخفى أَن نزاعهما لَفْظِي كَمَا حَقَّقَهُ بعض الْمُفَسّرين](1/295)
والتمثيل أَكثر من التَّشْبِيه، إِذْ كل تَمْثِيل تَشْبِيه، وَلَيْسَ كل تَشْبِيه تمثيلا
والتمثيل الملحق بِالْقِيَاسِ: هُوَ إِثْبَات حكم فِي جزئي لوُجُوده فِي جزئي لِمَعْنى مُشْتَرك بَينهمَا وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الدَّلِيل إِذا قَامَ فِي الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ أغْنى عَن النّظر فِي جُزْء غَيره، لَكِن يصلح لتطييب النَّفس وَتَحْصِيل الِاعْتِقَاد
[وَإِذا لم يكن التَّشْبِيه عقليا يُقَال: إِنَّه يتَضَمَّن التَّشْبِيه وَلَا يُقَال: إِن فِيهِ تمثيلا وَضرب الْمثل وَإِن كَانَ عقليا جَازَ إِطْلَاق اسْم التَّمْثِيل عَلَيْهِ وَأَن يُقَال ضرب الِاسْم مثلا لكذا، يُقَال: ضرب النُّور مثلا لِلْقُرْآنِ والحياة للْعلم]
التتميم: هُوَ عبارَة عَن الْإِتْيَان فِي النّظم أَو النثر بِكَلِمَة إِذا طرحتها من الْكَلَام نقص حسن مَعْنَاهُ، وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: ضرب فِي الْمعَانِي وَضرب فِي الْأَلْفَاظ وَالَّذِي فِي الْمعَانِي هُوَ تتميم الْمَعْنى، وَالَّذِي فِي الْأَلْفَاظ هُوَ تتميم الْوَزْن، وَيَجِيء للْمُبَالَغَة وَالِاحْتِيَاط
والتتميم يرد على النَّاقِص فيتممه
والتكميل يرد على الْمَعْنى التَّام فيكمله، إِذْ الْكَمَال أَمر زَائِد على التَّمام، والتمام يُقَابل نُقْصَان الأَصْل، والكمال يُطَابق نُقْصَان الْوَصْف بعد تَمام الأَصْل، وَلِهَذَا كَانَ قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} أحسن من (تَامَّة) ، لِأَن التَّمام من الْعدَد قد علم، وَإِنَّمَا احْتِمَال النَّقْص فِي صفاتها
وَقيل: الْكَمَال: اسْم لِاجْتِمَاع أبعاض الْمَوْصُوف، والتمام: اسْم للجزء الَّذِي يتم بِهِ الْمَوْصُوف
وَتمّ على أمره: أَمْضَاهُ وأتمه
وَتمّ على أَمرك: أَي أمضه وَمِنْه حَدِيث " تمّ على صومك " بِكَسْر التَّاء وَفتح الْمِيم الْمُشَدّدَة على صِيغَة الْأَمر
التَّحْقِيق: تفعيل من (حق) بِمَعْنى (ثَبت) ؛ وَقَالَ بَعضهم: التَّحْقِيق لُغَة: رَجَعَ الشَّيْء إِلَى حَقِيقَته بِحَيْثُ لَا يشوبه شُبْهَة وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي إِثْبَات حَقِيقَة الشَّيْء بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ
والتحقق: مَأْخُوذ من الْحَقِيقَة، وَهُوَ كَون الْمَفْهُوم حَقِيقَة مَخْصُوصَة فِي الْخَارِج
والتحقق والوجود والحصول والثبوت والكون: كلهَا أَلْفَاظ مترادفة عندنَا
وَتَفْسِير الْوُجُود بالتحقق لدفع توهم أَن الْوُجُود مَا بِهِ التحقق
والتحقق أَعم من الْوُجُود، فَإِن عدم الْمُمْتَنع مُتَحَقق، وَلما كَانَ التحقق مرادفا للوجود لَا يُقَال عدم شريك الْبَارِي مُتَحَقق، كَمَا لَا يُقَال مَوْجُود
وَالتَّحْقِيق يسْتَعْمل فِي الْمَعْنى، والتهذيب فِي اللَّفْظ
وَالتَّحْقِيق: إِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة مُطلقًا أَو بدليلها
والتدقيق: إِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة على وَجه فِيهِ دقة، سَوَاء كَانَت الدقة لإِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة بِدَلِيل آخر أَو لغير ذَلِك مِمَّا فِيهِ دقة فَهُوَ أخص بِالْمَعْنَى الأول
وَقد يُفَسر بِأَنَّهُ إِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة بِدَلِيل آخر، فَيكون مباينا للتحقيق بِالْمَعْنَى الثَّانِي
وَالتَّحْقِيق فِي الْقِرَاءَة: يكون للرياضة والتعليم والتمرين
وَأما الترتيل فَإِنَّهُ للتدبر والتفكر والاستنباط، فَكل تَحْقِيق ترتيل وَلَا عكس وَقد نظمت فِيهِ:(1/296)
(وَاحْذَرْ من اللّحن فِي الترتيل غَايَته ... قَالُوا من الْبدع مَا سموهُ ترعيدا)
(تحزينه وَكَذَا الترقيص بدعته ... كَذَاك تطريبه بِالْمدِّ تمديدا)
التّكْرَار: هُوَ مصدر ثلاثي يُفِيد الْمُبَالغَة ك (الترداد) مصدر (رد) عِنْد سِيبَوَيْهٍ، أَو مصدر مزِيد أَصله (التكرير) قلب الْيَاء ألفا عِنْد الكوفية، وَيجوز كسر التَّاء فَإِنَّهُ اسْم من (التكرر)
وَفسّر بَعضهم التكرير بِذكر الشَّيْء مرَّتَيْنِ وَبَعْضهمْ بِذكرِهِ مرّة بعد أُخْرَى، فَهُوَ على الأول: مَجْمُوع الذكرين؛ وعَلى الثَّانِي: الذّكر الْأَخير وأيا مَا كَانَ لَا يكون التَّفْصِيل بعد الْإِجْمَال تكريرا، بل هُوَ بَيَان وتوضيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِجْمَال لَا ذكر لَهُ ثَانِيًا
فالتفصيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِجْمَال إِفَادَة، والتكرير إِعَادَة
[وَقَالَ بَعضهم: التّكْرَار إِنَّمَا يحصل بِذكر الشَّيْء مرَّتَيْنِ مُطَابقَة بعد ذكره مُطَابقَة أَو تضمنا لَا بِذكرِهِ مُطَابقَة بعد ذكره التزاما وَلَا بِالْعَكْسِ؛ وَأما إِذا ذكر تضمنا مرَّتَيْنِ أَو ذكر تضمنا بعد ذكره مُطَابقَة فَهُوَ تكْرَار وَلَا فِيهِ تردد]
وتكرير اللَّفْظ الْوَاحِد فِي الْكَلَام الْوَاحِد حقيق بالاجتناب فِي البلاغة، إِلَّا إِذا وَقع ذَلِك لأجل غَرَض ينتحيه الْمُتَكَلّم من تفخيم أَو تهويل أَو تنويه أَو نَحْو ذَلِك فعلى هَذَا مَا معنى قَوْله تَعَالَى: {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} ؛ وَمَا الْفَائِدَة فِي ترك مَا هُوَ أوجز وأشبه بِالْمذهبِ الْأَشْرَف فِي البلاغة وَهُوَ (فتذكرها) الْأُخْرَى، [لمراعاة الترصيع وتوازن الْأَلْفَاظ فِي التَّرْكِيب] فليتدبر
والتكرار فِي البديع: هُوَ أَن يُكَرر الْمُتَكَلّم اللَّفْظَة الْوَاحِدَة بِاللَّفْظِ وَالْمعْنَى؛ وَالْمرَاد بذلك التهويل والوعيد، كَقَوْلِه تَعَالَى: {القارعة مَا القارعة وَمَا أَدْرَاك مَا القارعة} ، أَو الْإِنْكَار والتوبيخ كتكرار قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} أَو الاستبعاد كَقَوْلِه تَعَالَى: {هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون} أَو لغَرَض من الْأَغْرَاض
[وَلَا بُد للمتكلم أَن يُلَاحظ التَّحَرُّز عَن التكرير فِي الْمَعْنى أَولا ثمَّ فِي اللَّفْظ، فيلاحظ التَّحَرُّز عَن انفكاك النّظم أَو التَّرْتِيب وتشويشه أَولا ثمَّ فِي الْمَعْنى
والتكرار إِذا ورد جَوَابا لكَلَام خَاص لم يكن لَهُ مَفْهُوم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} فَإِنَّهُ ورد جَوَابا لمن قَالَ (ظلام)
التَّسْبِيح: إِذا أُرِيد بِهِ التَّنْزِيه وَالذكر الْمُجَرّد لَا يتَعَدَّى بِحرف الْجَرّ، فَلَا تَقول: (سبحت بِاللَّه)
وَإِذا أُرِيد بِهِ المقرون بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّلَاة فيتعدى بِحرف الْجَرّ تَنْبِيها على ذَلِك المُرَاد
وَالتَّسْبِيح: بالطاعات والعبادات
وَالتَّقْدِيس: بالمعارف والاعتقادات
وَالتَّسْبِيح: نفي مَا لَا يَلِيق
وَالتَّقْدِيس: إِثْبَات مَا يَلِيق
وَالتَّسْبِيح حَيْثُ جَاءَ فِي الْقُرْآن يقدم على التَّحْمِيد(1/297)
نَحْو: {سبح بِحَمْد رَبك} {وَسبح بِحَمْدِهِ} وَقد جَاءَ التَّسْبِيح بِمَعْنى التَّنْزِيه فِي الْقُرْآن على وُجُوه {سُبْحَانَهُ هُوَ الله الْوَاحِد القهار} أَي: أَنا المنزه عَن النظير وَالشَّرِيك {سُبْحَانَ رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي: أَنا الْمُدبر لَهما
{سُبْحَانَ الله رب الْعَالمين} أَي: أَنا الْمُدبر لكل الْعَالمين {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ} أَي: أَنا المنزه عَن قَول الظَّالِمين
{سُبْحَانَهُ أَن يكون لَهُ ولد} أَي: أَن المنزه عَن الصاحبة وَالْولد
وَأما تَسْبِيح التَّعَجُّب: فكقوله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا} {سُبْحَانَ إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا}
التَّفْرِيق: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم أَو النَّاظِم بشيئين من نوع وَاحِد فيوقع بَينهمَا تباينا وَتَفْرِيقًا يُفِيد زِيَادَة ترشيح فِيمَا هُوَ بصدده من مدح أَو ذمّ أَو نسيب أَو غَيره من الْأَغْرَاض كَقَوْلِه:
(مَا نوال الْغَمَام وَقت ربيع ... كنوال الْأَمِير يَوْم سخاء)
(فنوال الْأَمِير بدرة عين ... ونوال الْغَمَام قَطْرَة مَاء)
وَالْجمع مَعَ التَّفْرِيق: هُوَ أَن يدْخل شَيْئَيْنِ من معنى وَاحِد وَيفرق بَين جهتي الإدخال، كَقَوْلِه تَعَالَى: {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} إِلَى آخِره جمع النفسين فِي حكم التوفي، ثمَّ فرق بَين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك والإرسال
التّرْك: هُوَ إِمَّا مُفَارقَة مَا يكون الْإِنْسَان فِيهِ، أَو تَركه الشَّيْء رَغْبَة عَنهُ من غير دُخُول فِيهِ، وَمَتى علق بمفعول وَاحِد يكون بِمَعْنى الطرح أَو التَّخْلِيَة والدعة؛ وَإِذا علق بمفعولين كَانَ متضمنا معنى التصيير فَيجْرِي مجْرى أَفعَال الْقُلُوب مِنْهُ: {وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون} ؛ {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} أَي: أبقينا
وَترك الشَّيْء: رفضه قصدا واختيارا أَو قهرا واضطرارا فَمن الأول: {واترك الْبَحْر رهوا} ؛ وَمن الثَّانِي: {كم تركُوا من جنَّات وعيون}
وَالتّرْك: عدم فعل الْمَقْدُور، سَوَاء كَانَ هُنَاكَ قصد من التارك أَو لَا، كَمَا فِي حَالَة النّوم والغفلة، وَسَوَاء تعرض لضده أَو لم يتَعَرَّض، وَأما عدم فعل(1/298)
مَا لَا قدرَة فِيهِ، فَلَا يُسمى تركا وَلذَلِك لَا يُقَال (ترك فلَان خلق الْأَجْسَام) وَقيل: يعْتَبر فِي عدم فعل الْمَقْدُور؛ وَالْقَصْد لولاه لما تعلق بِالتّرْكِ الذَّم والمدح وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب
وَقيل: التّرْك: فعل الضِّدّ، لِأَنَّهُ مَقْدُور، وَعدم الْفِعْل مُسْتَمر من الْأَزَل، فَلَا يَصح أثرا للقدرة الْحَادِثَة
وَقد يُقَال: دوَام استمراره مَقْدُور، لِأَنَّهُ قَادر على أَن يفعل ذَلِك الْفِعْل، فيزول اسْتِمْرَار عَدمه وَعند الْجُمْهُور: هُوَ من مَا صدقَات الْفِعْل، لِأَنَّهُ كف النَّفس عَن الْإِيقَاع لَا عَدمه
والتركة: بِكَسْر الرَّاء بِمَعْنى المتروكة لُغَة
وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يتْركهُ الْمَيِّت خَالِيا من تعلق حق الْغَيْر
و [تريكة] : كسفينة، امْرَأَة تتْرك بِلَا تزوج
والتركة: الْمَرْأَة الربعة
وَفِي الحَدِيث: " جَاءَ الْخَلِيل إِلَى مَكَّة يطالع تركته "
وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء: فعل بِمَعْنى مفعول أَي: مَا تَركه أَي: هَاجر وَوَلدهَا إِسْمَاعِيل قَالَ ابْن الْأَثِير: وَلَو رُوِيَ بِالْكَسْرِ فِي الرَّاء لَكَانَ وَجها بِمَعْنى الشَّيْء الْمَتْرُوك
التَّقْوَى: هُوَ على مَا قَالَه عَليّ رَضِي الله عَنهُ ترك الْإِصْرَار على الْمعْصِيَة وَترك الاغترار بِالطَّاعَةِ، وَهِي الَّتِي يحصل بهَا الْوِقَايَة من النَّار والفوز بدار الْقَرار
وَغَايَة التقى الْبَرَاءَة من كل شَيْء سوى الله؛ ومبدؤه اتقاء الشّرك، وأوسطه اتقاء الْحَرَام؛ وَالتَّقوى مُنْتَهى الطَّاعَات، والرهبة من مبادئ التَّقْوَى، وَقد تسمى التَّقْوَى خوفًا وخشية، وَيُسمى الْخَوْف تقوى
والتقي أخص من النقي بالنُّون، لَان كل متق منقى لجَوَاز أَن يكون نقيا بِالتَّوْبَةِ؛ وَأما المنقى فَهُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ هَذَا الْوَصْف، وَالْوَاو مبدلة من الْيَاء، وَالتَّاء مبدلة من الْوَاو، أَصله (وقيا) ، وَإِنَّمَا لم يُبدل فِي نَحْو: (ريا) لِأَنَّهَا صفة، فتركوها على أَصْلهَا؛ وَإِنَّمَا يبدلون فِي (فعلى) إِذا كَانَ اسْما، وَالْيَاء مَوضِع اللَّام ك (ثروى) من (ثريت)
التَّكْلِيف: مصدر (كلفت الرجل) إِذا ألزمته مَا يشق عَلَيْهِ، مَأْخُوذ من الكلف الَّذِي يكون فِي الْوَجْه، وَهُوَ نوع مرض يسود بِهِ الْوَجْه؛ وَإِنَّمَا سمي الْأَمر تكليفا لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الْمَأْمُور تَغْيِير الْوَجْه إِلَى العبوسة، وَهُوَ الانقباض لكَرَاهَة الْمَشَقَّة
وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاح، كَمَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِلْزَام مَا فِيهِ كلفة؛ فالمندوب عِنْده لَيْسَ مُكَلّفا بِهِ لعدم الْإِلْزَام فِيهِ أَو طلب مَا فِيهِ كلفة، كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني، فالمندوب عِنْده مُكَلّف بِهِ لوُجُود الطّلب
والتكليف مُتَعَلق بالأفراد دون المفهومات الْكُلية الَّتِي هِيَ أُمُور عقلية
وَاخْتلفُوا فِي منَاط التَّكْلِيف فِي وجوب الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى، فَذهب الْأَشْعَرِيّ وَمن تَابعه، وَعَلِيهِ الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى أَنه مَنُوط ببلوغ دَعْوَة الرُّسُل وَذهب أَبُو حنيفَة وَمن تَابعه على مَا هُوَ الصَّحِيح الْمُوَافق الظَّاهِر الرِّوَايَة، وَمَشى عَلَيْهِ صَاحب " التَّقْوِيم "، وفخر الْإِسْلَام أَنه مَنُوط إِمَّا ببلوغ دَعْوَة الرُّسُل أَو مُضِيّ مُدَّة يتَمَكَّن الْعَاقِل فِيهَا أَن يسْتَدلّ بالمصنوعات على وجود صانعها، فَمن لَا يفهم الْخطاب أصلا كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون وَمن لم يقل لَهُ أَنه مُكَلّف كَالَّذي لم يبلغهُ دَعْوَة نَبِي قطعا، كِلَاهُمَا غافلان عَن تصور التَّكْلِيف بالتنبيه عَلَيْهِ، فَلَا(1/299)
تَكْلِيف على الأول اتِّفَاقًا، وَلَا على الثَّانِي عندنَا؛ وَأما من لَا يعلم أَنه مُكَلّف مَعَ أَنه خُوطِبَ بِكَوْنِهِ مُكَلّفا حَال مَا كَانَ فاهما فَإِنَّهُ غافل عَن التَّصْدِيق بالتكليف لَا عَن تصَوره، وَذَلِكَ لَا يمْنَع من تَكْلِيفه وَإِلَّا لم تكن الْكفَّار مكلفين، إِذْ لَيْسُوا مُصدقين بالتكليف وَاتفقَ الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة على أَن لَا أَمر للْكفَّار بِالْعبَادَة حَال كفرهم كَمَا اتَّفقُوا على أَن لَا قَضَاء عَلَيْهِم بعد الْإِيمَان وعَلى أَنهم يؤاخذون بترك الِاعْتِقَاد للْوُجُوب فِي الْعِبَادَات، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنهم هَل يُعَذبُونَ بترك الْعِبَادَات كَمَا يُعَذبُونَ بترك الْأُصُول أم لَا؟ فالشافعية تخْتَار الأول وَالْحَنَفِيَّة تخْتَار الثَّانِي
والتكليف بِمَا يمْتَنع لذاته كجمع الضدين وقلب الْحَقَائِق غير جَائِز فضلا عَن الْوُقُوع عِنْد الْجُمْهُور، وَبِمَا يمْتَنع الْفِعْل لتَعلق الْإِرَادَة بِعَدَمِ وُقُوعه جَائِز، بل وَاقع إِجْمَاعًا؛ وَالَّذِي وَقع النزاع فِي جَوَازه هُوَ التَّكْلِيف بِمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة عَادَة كالطيران إِلَى السَّمَاء [وَالْجمع بَين النقيضين لاستحالته عقلا وَعَادَة] والأشاعرة، وَإِن قَالُوا بِإِمْكَان تَكْلِيف الْعَاجِز، لَا يَقُولُونَ بِوُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ
والتكليف بِحَسب الوسع، وَلِهَذَا يجب اسْتِقْبَال عين الْكَعْبَة لمكي وجهتها للآفاقي فَإِذا تبين خَطؤُهُ فِي التَّحَرِّي لَا يُعِيدهَا، وَكَذَا كل من فَاتَهُ شطر من شَرَائِط الصَّلَاة عِنْد الضَّرُورَة لَا يُعِيدهَا، كمن صلاهَا مَعَ نجس عِنْد عدم مزيل النَّجَاسَة وَمَعَ التَّيَمُّم عِنْد عدم القردة على الْوضُوء وَغير ذَلِك
[وَأعلم أَن أَكثر الْمُحَقِّقين على أَن التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق غير جَائِز عقلا وسمعا لِأَنَّهُ عَبث، كتكليف الْأَعْمَى بالإبصار وَهُوَ مِمَّا لَا يجوز على الْحَكِيم وَلقَوْله تَعَالَى: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَى وسعهَا} {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَاحْتج المجوزون بِأَنَّهُ تَعَالَى كلف أَبَا لَهب بِالْإِيمَان مَعَ أَن الْإِيمَان مِنْهُ محَال لعلمه تَعَالَى بِعَدَمِ إيمَانه أصلا، وَمَا علم الله يمْتَنع خِلَافه وَقد تحير الأصوليون فِي جَوَابه وَوَضَعُوا لَهُ قَاعِدَة لدفع هَذِه الشهبة وَهِي أَن هَذَا النَّوْع من الْمُمْتَنع الَّذِي امْتنع لغيره جَازَ أَن يُكَلف بِهِ، وَإِنَّمَا النزاع فِي الْمُمْتَنع لذاته كالجمع بَين الضدين، وَلَا خَفَاء فِي كَونه عَبَثا كالممتنع لذاته لِأَنَّهُمَا فِي عدم الوسع والحرجية والعبثية سَوَاء، بل جَوَابه أَن الله تَعَالَى يعلم أَنه لَا يُؤمن بِاخْتِيَارِهِ وَقدرته فَيعلم أَن لَهُ اخْتِيَارا وقدرة فِي الْإِيمَان وَعَدَمه فَلَا يكون إيمَانه مُمْتَنعا وَإِلَّا لزم الْجَهْل على الله، تَعَالَى عَن ذَلِك، نعم لَكِن لَا نسلم كَون التَّكْلِيف بالممتنع لغيره عَبَثا لِأَنَّهُ لما كَانَ فِي ذَاته مُمكنا دخل تَحت الوسع وَالِاخْتِيَار نظرا إِلَى الذَّات، إِذْ الِامْتِنَاع بِالْغَيْر لَا يعْدم الِاخْتِيَار وَالْقُدْرَة فَيصح التَّكْلِيف بِهِ، بِخِلَاف(1/300)
الْمُمْتَنع لذاته فَإِنَّهُ خَارج عَن الْقُدْرَة وَالِاخْتِيَار أصلا، هَكَذَا ذكره السّلف]
التَّوْجِيه: قسْمَة البديعيون على قسمَيْنِ: أَحدهمَا: هُوَ أَن يبهم الْمُتَكَلّم الْمَعْنيين بِحَيْثُ لَا يرشح أَحدهمَا على الآخر بِقَرِينَة، كَمَا فِي الْبَيْت المنظوم فِي الْخياط وَهَذَا عِنْد الْمُتَقَدِّمين فَإِنَّهُم نزلوه منزلَة الْإِبْهَام وسموه توجيها
وَأما التَّوْجِيه عِنْد الْمُتَأَخِّرين: فَهُوَ أَن يؤلف الْمُتَكَلّم مُفْرَدَات بعض الْكَلَام أَو جملياته ويوجهها إِلَى أَسمَاء متلائمات صفاتها اصْطِلَاحا من أَسمَاء أَعْلَام أَو قَوَاعِد عُلُوم أَو غير ذَلِك مِمَّا يتشعب لَهُ من الْفُنُون توجيها مطابقا لِمَعْنى اللَّفْظ الثَّانِي من غير اشْتِرَاك حَقِيقِيّ، بِخِلَاف التورية وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن التورية تكون باللفظة الْمُشْتَركَة والتوجيه بِاللَّفْظِ المصطلح؛ وَالثَّانِي: أَن التورية تكون باللفظة الْوَاحِدَة؛ والتوجيه لَا يَصح إِلَّا بعدة أَلْفَاظ متلائمة
التسهيم: هُوَ أَن يتَقَدَّم من الْكَلَام مَا يدل على أَن الْمُتَأَخر مِنْهُ تَارَة بِالْمَعْنَى وطورا بِاللَّفْظِ
ثمَّ إِذا كَانَت دلَالَته معنوية، فَمرَّة يدل بِمَعْنى وَاحِد وَمرَّة يدل بمعنيين وَالْفرق بَينه وَبَين التوشيح هُوَ أَن التسهيم يعرف من أول الْكَلَام آخِره، وَيعلم مقطعه من حشوه من غير أَن يتَقَدَّم سجعه أَو قافيته إِلَّا بعد مَعْرفَتهَا
والتوشيح: لَا يدل أَوله على القافية فَحسب
والتسهيم: يدل تَارَة على عجز الْبَيْت، وَتارَة على مَا دون الْعَجز بِشَرْط الزِّيَادَة على القافية؛ وَيدل تَارَة أَوله على آخِره وَتارَة بِالْعَكْسِ، بِخِلَاف التوشيح
وَمن التوشيح فِي الشّعْر قَوْله:
(لم يبْق غير خَفِي الرّوح فِي جَسَدِي ... فدى لَك الباقيان الرّوح والجسد)
[التلميح: بِتَقْدِيم الْمِيم هُوَ إتْيَان بِمَا فِيهِ ملاحة وظرافة، يُقَال: ملح الشَّاعِر، إِذا أَتَى بِشعر مليح
وَالْفرق بَينه وَبَين التهكم بِحَسب الْمقَام فَإِن كَانَ الْغَرَض مُجَرّد الملاحة والظرافة من غير قصد إِلَى استهزاء فتمليح وَإِلَّا فتهكم
وَأما] التلميح: [بِتَقْدِيم اللَّام] هُوَ أَن يضمن الْمُتَكَلّم كَلَامه بِكَلِمَة أَو كَلِمَات من آيَة أَو قصَّة أَو بَيت من الشّعْر أَو مثل سَائِر أَو معنى مُجَرّد من كَلَام أَو حِكْمَة نَحْو قَوْله:
(فوَاللَّه مَا أَدْرِي أأحلام نَائِم ... ألمت بِنَا أم كَانَ فِي الركب يُوشَع)
أَشَارَ إِلَى قصَّة يُوشَع النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام واستيقافه الشَّمْس وَفِي النّظم الْجَلِيل: {أَلا بعدا لمدين كَمَا بَعدت ثَمُود}(1/301)
[وَسَماهُ ابْن المعتز مخترعه الأول: حسن التَّضْمِين، وَوَافَقَهُ قدامَة وَغَيره، وَسَماهُ المطرزي وَصَاحب " التَّلْخِيص ": التلميح بِتَقْدِيم الْمِيم، وَسَماهُ الْفَخر الرَّازِيّ فِي " نِهَايَة الإيجاز " التَّلْوِيح، وَقَالُوا جَمِيعًا: هُوَ أَن يشار فِي فحوى الْكَلَام إِلَى مثل سَائِر أَو شعر نَادِر أَو قصَّة مَشْهُورَة من غير أَن يذكر جَمِيعهَا من غير أَن يَخْتَلِفُوا فِي الشواهد]
التَّمْكِين، هُوَ أَن يمهد الناثر بسجعه فقرة أَو النَّاظِم لبيته قافية حَتَّى تَأتي متمكنة فِي مَكَانهَا مطمئنة فِيهِ مُسْتَقِرَّة فِي قَرَارهَا، غير نافرة وَلَا قلقة وَلَا مستدعاة بِمَا لَيْسَ لَهُ تعلق بِلَفْظ الْبَيْت وَمَعْنَاهُ بِحَيْثُ لَو طرحت من الْبَيْت نقص مَعْنَاهُ واضطرب مَفْهُومه، بل يكون بِحَيْثُ إِن منشد الْبَيْت إِذا سكت دون القافية كملها السَّامع بطباعه بِدلَالَة من اللَّفْظ عَلَيْهَا وَقد جَاءَ من ذَلِك فِي فواصل الْقُرْآن كل عَجِيبَة باهرة
الترشيح: هُوَ أَن يذكر شَيْء يلائم الْمُشبه بِهِ إِن كَانَ فِي الْكَلَام تَشْبِيه؛ أَو الْمُسْتَعَار مِنْهُ إِن كَانَ فِيهِ اسْتِعَارَة، أَو الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِن كَانَ فِيهِ مجَاز مُرْسل كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَسْرَعكُنَّ لُحُوقا بِي أَطْوَلكُنَّ يدا " فَإِن (أَطْوَلكُنَّ) ترشيح لليد وَهُوَ مجَاز عَن النِّعْمَة
وَمن ترشيح الِاسْتِعَارَة قَوْله:
(إِذا مَا رَأَيْت النسْر عز ابْن داية ... وعشش فِي وكريه طارت لَهُ نَفسِي)
شبه الشيب بالنسر، وَالشعر الْأسود بالغراب، واستعار التعشش من الطَّائِر للشيب، والوكرين للرأس واللحية، وَرشح بِهِ إِلَى ذكر الطيران الَّذِي استعاره لنَفسِهِ من الطَّائِر
والترشيح يعم الطباق أَلا ترى إِلَى قَوْله:
(وخفوق قلب لَو رَأَيْت لهيبه ... يَا جنتي لظَنَنْت فِيهِ جهنما)
فَإِن (يَا جنتي) رشحت لَفظه (جَهَنَّم) للمطابقة
التوهيم: هُوَ عبارَة عَن إتْيَان الْمُتَكَلّم بِكَلِمَة يُوهم بَاقِي الْكَلَام قبلهَا أَو بعْدهَا أَن الْمُتَكَلّم أَرَادَ تصحيفها أَو تحريفها باخْتلَاف بعض إعرابها، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ} فَإِن الْقيَاس (ثمَّ لَا ينصرُوا) مَجْزُومًا، لِأَنَّهُ عطف على (يولوكم) ، وَلَكِن لما كَانَ الِاخْتِيَار أَنهم لَا ينْصرُونَ أبدا نفى الْعَطف وَأبقى صِيغَة الْفِعْل على حَالهَا لتدل على الْحَال والاستقبال
أَو باخْتلَاف مَعْنَاهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن يكرههن فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور رَحِيم} فَإِنَّهُ يُوهم السَّامع أَنه غَفُور رَحِيم للمكروه، وَإِنَّمَا هُوَ لَهُنَّ
أَو باشتراك نعتها بِأُخْرَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان والنجم وَالشَّجر يسجدان} فَإِن ذكر الشَّمْس وَالْقَمَر يُوهم أَن النَّجْم أحد نُجُوم السَّمَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد النبت الَّذِي لَا سَاق لَهُ
التصغير: هُوَ يَجِيء لمعان: تَصْغِير التحقير ك (رجيل)(1/302)
والتقليل ك (دريهم)
والتقريب كَقَوْلِك: (دَاري قبيل الْمَسْجِد)
والتحزن: ك (يَا بني)
والتكريم والتلطيف: ك (أخي) و (بني) ، عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي عَائِشَة (حميراء) وَقد يَجِيء للتعظيم ك (قُرَيْش)
ويصغر من الْكَلِمَة الِاسْم؛ وَمن الْأَفْعَال فعل التَّعَجُّب كَمَا قَالُوا: (مَا أميلح زيدا)
وتصغير أَسمَاء الْإِشَارَة بِإِقْرَار فَتْحة أوائلها على صيغتها، وَبِأَن زَادَت الْألف فِي آخرهَا عوضا عَن ضم أَولهَا، فتصغير (الَّذِي) (اللذيا) و (الَّتِي) (اللتيا) ؛ وتصغير (ذَلِك) و (ذَاك) (ذياك) و (ذيالك)
وتصغير الْأَسْمَاء المعظمة مَنْهِيّ شرعا يحْكى أَن مُحَمَّد بن الْحسن سَأَلَ الْكسَائي عَمَّن سَهَا فِي سُجُود السَّهْو، هَل يسْجد مرّة أُخْرَى؟ فَقَالَ: لَا قَالَ: لماذا؟ قَالَ: لِأَن النُّحَاة قَالُوا: المصغر لَا يصغر؛ ثمَّ سَأَلَ مُحَمَّد عَمَّن علق الطَّلَاق بِالْملكِ، فَقَالَ: لَا يَصح قَالَ: لماذا؟ قَالَ: لِأَن السَّيْل لَا يسْبق الْمَطَر
التهكم: هُوَ مَا كَانَ ظَاهره جدا وباطنه هزلا، والهزل الَّذِي يُرَاد بِهِ الْجد بِالْعَكْسِ وَلَا تَخْلُو أَلْفَاظ التهكم من لَفْظَة من اللَّفْظ الدَّال على نوع من أَنْوَاع الذَّم، أَو لَفْظَة من مَعْنَاهَا الهجو
وألفاظ الهجاء فِي معرض الْمَدْح لَا يَقع فِيهَا شَيْء من ذَلِك، وَلَا تزَال تدل على ظَاهر الْمَدْح حَتَّى يقْتَرن بهَا مَا يصرفهَا عَنهُ
والتهكم والسخرية كِلَاهُمَا لَا يُنَاسب كَلَام الله
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} فَمن قبيل تَنْزِيل غير المتحمل منزلَة الْمُحْتَمل؛ وَذَلِكَ قد يكون فِي مقَام الْمَدْح، وَقد يكون فِي مقَام الإقناط الْكُلِّي، وَقد يكون فِي الْوَعيد
التَّسْمِيَة: هِيَ مصدر بِمَعْنى الذّكر
وَوضع الِاسْم للمسمى: أَي جعل اللَّفْظ دَالا على الْمَعْنى الْمَخْصُوص، بِحَيْثُ لَا يتَنَاوَل غَيره
وَسمي زيد إنْسَانا: أَي يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْإِنْسَان وَسميت فلَانا باسمه: أَي ذكرته بِهِ
(وَالِاسْم الجامد عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَغَيره هُوَ الْمُسَمّى، فَلَا يفهم من اسْم الله مثلا سواهُ
والمشتق غير الْمُسَمّى عِنْده إِن كَانَ صفة فعل كالخالق والرازق، وَلَا عينه وَلَا غَيره إِن كَانَ صفة ذَات كالعالم والمريد وَعند غَيره هُوَ الْمُسَمّى، لخلاف فِي مَادَّة (اس م) لِأَن تمسكات الْفَرِيقَيْنِ تشعر بذلك لَا فِي مَدْلُول اسْم نَحْو: الْإِنْسَان وَالْفرس وَالِاسْم وَالْفِعْل)
وَتَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَكَانَهُ: كتسمية الْحَدث بالغائط
وَتَسْمِيَة الْمُشْتَقّ بالمشتق مِنْهُ: كتسمية الْمَعْلُوم علما
وَتَسْمِيَة الشَّيْء باسم مشابهه كتسمية البليد حمارا
وَتَسْمِيَة الشَّيْء باسم ضِدّه: كتسمية الْأسود كافوار
وَتَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يؤول إِلَيْهِ: كتسمية الْعِنَب خمرًا وَيُقَال لَهُ مجَاز الأول
التَّوَقُّف: هُوَ فِي الشَّيْء كالتلوم، وعَلى الشَّيْء التثبت(1/303)
وَتوقف الشَّيْء على الشَّيْء: إِن كَانَ من جِهَة الشُّرُوع يُسمى مُقَدّمَة، وَمن جِهَة الشُّعُور يُسمى مُعَرفا؛ وَمن جِهَة الْوُجُود: إِن كَانَ دَاخِلا فِيهِ يُسمى ركنا، كالقيام بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة، وَإِلَّا فَإِن كَانَ مؤثرا فِيهِ يُسمى عِلّة فاعلية، كالمصلى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة؛ وَإِلَّا يُسمى شرطا فِيهِ وجوديا أَو عدميا
والتوقف العادي الوضعي: هُوَ الَّذِي يُمكن الشُّرُوع بِدُونِهِ
والتوقف الْعقلِيّ بِالْعَكْسِ
والتوقف الشَّرْعِيّ: هُوَ الَّذِي يَأْثَم تَاركه
والتوقف فِيمَا يفترض اعْتِقَاده كالإنكار سَوَاء، لِأَن التَّوَقُّف مُوجب الشَّك
والتوقف فِي الحَدِيث تبيينه؛ وَفِي الشَّرْع كالنص؛ وَفِي الْحَج: وقُوف النَّاس فِي المواقف؛ وَفِي الْجَيْش: أَن يقف وَاحِد بعد وَاحِد [والتوقف عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة وَترك التَّرْجِيح من غير دَلِيل دَال على كَمَال الْعلم وَغَايَة الْوَرع وَلِهَذَا] وَتوقف أَبُو حنيفَة فِي فضل الْأَنْبِيَاء على الْمَلَائِكَة، والدهر مُنكر، وَالْجَلالَة، وَالْخُنْثَى الْمُشكل، وسؤر الْحمال، وَوقت الْخِتَان، وَتعلم الْكَلْب، وثواب الْجِنّ، ودخولهم الْجنَّة؛ وَمحل أَطْفَال الْمُشْركين، وسؤالهم فِي قُبُورهم، وَجَوَاز نقش جِدَار الْمَسْجِد للمتولي من مَاله هَذَا مَا ظَفرت بِهِ وَقد نظم بعض الأدباء جملَة مَا توقف فِيهِ الإِمَام من الْمسَائِل:
(ثَمَان توقف فِيهَا الإِمَام ... وَقد عد ذَلِك دينا مُبينًا)
(أَوَان الْخِتَان وسؤر الْحمار ... وَفضل الملائك والمرسلينا)
(ودهر وَخُنْثَى وجلالة ... وكلب وطفل من المشركينا)
التخلخل الْحَقِيقِيّ: هُوَ أَن يزْدَاد حجم الشَّيْء من غير انضمام شَيْء آخر إِلَيْهِ، وَمن غير أَن يَقع بَين أَجْزَائِهِ خلاء، كَالْمَاءِ إِذا سخن تسخينا شَدِيدا
والتكاثف الْحَقِيقِيّ: هُوَ أَن ينقص حجم الشَّيْء من غير أَن يَزُول عَنهُ شَيْء من أَجْزَائِهِ، أَو يَزُول عَنهُ ذَلِك، أَو يَزُول خلاء كَانَ بَينهَا وهما غير الانتفاش: وَهُوَ أَن تتباعد الْأَجْزَاء (ويدخلها الْهَوَاء أَو جسم غَرِيب، كالقطن المنفوش، وَغير الاندماج أَيْضا: وَهُوَ ضِدّه، وَهُوَ أَن تتقارب الْأَجْزَاء)
الوحدانية الطَّبْع بِحَيْثُ يخرج عَنْهَا مَا بَينهَا من الْجِسْم الْغَرِيب كالقطن الملفوف بعد نفشه، وَإِن كَانَ يُطلق عَلَيْهَا بالاشتراك
التحضيض: هُوَ وَالْعرض والاستفهام وَالنَّفْي وَالشّرط وَالتَّمَنِّي معَان تلِيق بِالْفِعْلِ وَكَانَ الْقيَاس اخْتِصَاص الْحُرُوف الدَّالَّة عَلَيْهَا بالأفعال، إِلَّا أَن بَعْضهَا بقيت على ذَلِك الأَصْل من الِاخْتِصَاص كحروف التحضيض؛ وَبَعضهَا اخْتصّت بالاسمية ك (لَيْت) و (لَعَلَّ) ؛ وَبَعضهَا اسْتعْملت فِي القبيلين مَعَ أولويتها بالأفعال كهمزة الِاسْتِفْهَام و (مَا) و (لَا) للنَّفْي؛ وَبَعضهَا اخْتلف فِي اختصاصها بالأفعال ك (أَلا) للعرض وَكَذَا (إِن) الشّرطِيَّة فَإِن الْمَرْفُوع فِي نَحْو {إِن امْرُؤ هلك} يجوز عِنْد الْأَخْفَش وَالْفراء أَن يكون مُبْتَدأ، وَالْمَشْهُور وجوب النصب(1/304)
فِي (إِن زيدا ضَربته) و (أَلا زيدا تضربه) فِي الْعرض
التناسخ: هُوَ وُصُول روح إِذا فَارق الْبدن إِلَى جَنِين قَابل للروح
والبروز: هُوَ أَن يفِيض الرّوح من أَرْوَاح الكمل على كَامِل، كَمَا يفِيض عَلَيْهِ التجليات، وَهُوَ يصير مظهره وَيَقُول أَنا هُوَ
والتناسخ الْمحَال: تعلق بدن ببدن آخر لَا يكون مخلوقا من أَجزَاء بدنه وَلَا يكون عين الْبدن الأول شرعا وَعرفا؛ وتبدل الشكل غير مُسْتَلْزم لكَون الثَّانِي غير الأول عرفا، فَإِن زيدا من أول عمره إِلَى آخِره يتوارد عَلَيْهِ الأشكال مَعَ بَقَاء وحدته الشخصية عرفا، وَتعلق بعض النُّفُوس بأبدان أُخْرَى فِي الدُّنْيَا محكي عَن كثير من الفلاسفة والنصوص القاطعة من الْكتاب وَالسّنة ناطقة بِخِلَافِهَا، وَالْعقل لَا يدل على امْتنَاع التناسخ، لَكِن يحكم بِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاقعا لتذكرت نفس مَا أحوالا مَضَت عَلَيْهَا فِي الْبدن السَّابِق، وَالْقَوْل بالمعاد يَنْفِيه
والتناسخية يسمون تعلق روح الْإِنْسَان ببدن إِنْسَان نسخا، أَو ببدن حَيَوَان آخر مسخا، وبجسم نباتي فسخا، وبجسم جمادي رسخا، بِنَاء على أَن الْأَرْوَاح الْمُفَارقَة عَن الْأَبدَان بَاقِيَة ومتناهية، والدورات الْمَاضِيَة غير متناهية بِنَاء على قدم الْعَالم، والأبدان الْمَاضِيَة أَيْضا غير متناهية، لِأَنَّهَا نتائجها، فَإِذا قسمت على الْأَبدَان يصل بِكُل مِنْهَا نفس وَاحِدَة
التَّقْلِيد: هُوَ قبُول قَول الْغَيْر بِلَا دَلِيل فعلى هَذَا قبُول قَول الْعَاميّ مثله، وَقبُول قَول الْمُجْتَهد مثله يكون تقليدا
وَلَا يكون قبُول قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقبُول قَول الْإِجْمَاع، وَقبُول القَاضِي قَول الْمُفْتِي وَقَول الْعدْل تقليدا لقِيَام الدَّلِيل من المعجزة، وتصديق قَول النَّبِي وَرُجُوع النَّاس إِلَى قَول الْمُفْتِي يُوجب الظَّن بصدقه، وَالْعلم وَالْعَدَالَة كَذَلِك
وَقيل: التَّقْلِيد قبُول قَول الْغَيْر للاعتقاد فِيهِ فعلى هَذَا يكون الْكل تقليدا وتقليد كل متدين بَاطِل، لِأَن الْأَدْيَان متضادة، وَاخْتِيَار كل وَاحِد مِنْهَا بِلَا دَلِيل تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح فَيكون مُعَارضا بِمثلِهِ وَاخْتلف فِي إِيمَان الْمُقَلّد؛ وَالأَصَح أَنه يكْتَفى بالتقليد الْجَازِم فِي الْإِيمَان وَغَيره عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَغَيره، خلافًا لأبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالَ: لَا بُد لصِحَّة الْإِيمَان من الِاسْتِدْلَال
التَّنَاقُض: هُوَ اخْتِلَاف الجملتين بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات اخْتِلَافا يلْزم مِنْهُ لذاته كَون إِحْدَاهمَا صَادِقَة وَالْأُخْرَى كَاذِبَة فَإِن كَانَت الْقَضِيَّة شخصية أَو مُهْملَة فتناقضها بِحَسب الكيف وَهُوَ الْإِيجَاب وَالسَّلب بِأَن تبدله سلبا، وَبِالْعَكْسِ كالإنسان حَيَوَان، لَيْسَ الْإِنْسَان بحيوان، وَإِن كَانَت الْقَضِيَّة محصورة بِأَن تقدمها سور فتناقضها بِذكر نقيض سورها
والسور أَرْبَعَة أَقسَام: سور إيجابي كلي ك (كل إِنْسَان حَيَوَان)
وسور إيجابي جزئي، ك (بعض الْإِنْسَان حَيَوَان)(1/305)
وسور سلب كلي، ك (لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر)
وسور سلب جزئي، ك (لَيْسَ بعض الْإِنْسَان بِحجر)
فالمحصورات أَربع: مُوجبَة كُلية ك (كل إِنْسَان حَيَوَان) ، فنقيضها سالبة جزئية ك (لَيْسَ بعض الْإِنْسَان بحيوان)
وسالبة كُلية ك (لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر) فنقيضها مُوجبَة جزئية نَحْو: (بعض الْإِنْسَان حجر)
والتناقض يمْنَع صِحَة الدَّعْوَى، وَلِهَذَا قَالُوا: إِقْرَار مَال لغيره، كَمَا يمْنَع الدَّعْوَى لنَفسِهِ يمْنَعهَا لغيره بوكالة أَو وصاية، لِأَن فِيهِ تناقضا وَالْمرَاد من التَّنَاقُض أَن يتَضَمَّن دَعْوَى الْمُدَّعِي الْإِنْكَار بعد الْإِقْرَار
وكل مَا كَانَ مبناه على الخفاء فالتناقض فِيهِ مَعْفُو، فَلَا يمْنَع صِحَة الدَّعْوَى، كَمَا إِذا ادّعى بعد الْإِقْرَار بِالرّقِّ الْعتْق وَنَحْو ذَلِك
وَلَا يمْنَع التَّنَاقُض صِحَة الْإِقْرَار على نَفسه فَإِن من أنكر شَيْئا ثمَّ أقرّ يَصح إِقْرَاره، لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ، بِخِلَاف الدَّعْوَى، وَهَذَا إِذا لم يتَضَمَّن الْإِقْرَار إبِْطَال حق أحد وَأما إِذا تضمن يمْنَع صِحَّته، فَمن بَاعَ دَار غَيره بِلَا أمره وَأقر بِالْغَضَبِ وَأنكر المُشْتَرِي لم يَصح إِقْرَاره، لِأَن إِقْرَاره هَهُنَا يتَضَمَّن إبِْطَال حق المُشْتَرِي فَلَا يَصح
ومكنة التَّوْفِيق تَنْفِي التَّنَاقُض، وَعدمهَا يُثبتهُ
التَّوْزِيع: هُوَ أَن يوزع الْمُتَكَلّم حرفا من حُرُوف الهجاء فِي كل لَفْظَة من كَلَامه بِشَرْط عدم التَّكَلُّف، وَقد جَاءَ فِي التَّنْزِيل مثل ذَلِك بِغَيْر قصد، كَقَوْلِه تَعَالَى: {نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إِنَّك كنت بِنَا بَصيرًا}
التَّكْمِيل: هُوَ تعقيب جملَة بِمَا يدْفع مَا توهمه من خلاف الْمَقْصُود نَحْو: {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين} وَلَو اقْتصر على (أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ) لَكَانَ مدحا تَاما بالرياضة والانقياد لإخوانهم، وَلكنه زَاده تكميلا وَمِنْه قَوْله:
(حَلِيم إِذا مَا الْحلم زين أَهله ... مَعَ الْحلم فِي عين الْعَدو مهيب)
التصدير: وَيُسمى أَيْضا رد الْعَجز على الصَّدْر وَهُوَ أَن يُوَافق آخر الفاصلة آخر كلمة فِي الصَّدْر، نَحْو: {وَالْمَلَائِكَة يشْهدُونَ وَكفى بِاللَّه شَهِيدا}
أَو يُوَافق أول كلمة مِنْهُ نَحْو: {وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب}
أَو يُوَافق بعض كَلِمَاته نَحْو: {وَلَقَد استهزئ} إِلَى قَوْله: {مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون}
الطّرق بَينه وَبَين التوشيح الَّذِي هُوَ أَن يكون فِي أول الْكَلَام مَا يسْتَلْزم القافية أَن التصدير دلَالَة لفظية والتوشيح دلَالَة معنوية فَإِن (اصْطفى) فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله اصْطفى آدم} يدل على الفاصلة وَهِي الْعَالمين لَا بِاللَّفْظِ بل بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يعلم أَن من لَوَازِم اصطفاه شَيْء أَن يكون مُخْتَارًا(1/306)
على جنسه، وجنس هَؤُلَاءِ المصطفين الْعَالمُونَ
والتصدير فِي المنظوم على أَرْبَعَة أَنْوَاع: الأول: أَن يقعا طرفين إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(سريع إِلَى ابْن الْعم يلطم وَجهه ... وَلَيْسَ إِلَى دَاعِي الندى بسريع)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:
(ذوائب سود كالعناقيد أرْسلت ... فَمن أجلهَا منا النُّفُوس ذوائب)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(تمنيت أَن ألقِي سليما وعامرا ... على سَاعَة تنسي الْحَلِيم الأمانيا)
أَو لَا صُورَة وَلَا معنى وَلَكِن بَينهمَا مشابهة اشتقاق كَقَوْلِه:
(ولاح يلحى على جري الْعَنَان إِلَى ... ملحى فسحقا لَهُ من لائح لاحا)
الثَّانِي: أَن يقعا فِي حَشْو المصراع الأول وَعجز الثَّانِي إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(تمتّع من شميم عرار نجد ... فَمَا بعد العشية من عرار)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:
(وَإِذا البلابل أفصحت بلغاتها ... فآنف البلابل باحتساء بلابل)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(إِذا الْمَرْء لم يخزن عَلَيْهِ لِسَانه ... فَلَيْسَ على شَيْء سواهُ بخزان)
أَو فِي الِاشْتِقَاق فَقَط كَقَوْلِه:
(لَو آختصرتم من الْإِحْسَان زرتكمو ... والعذب يهجر للإفراط فِي الخصر)
الثَّالِث: أَن يقعا فِي آخر المصراع الأول وَعجز الثَّانِي، إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(وَمن كَانَ بالبيض الكواعب مغرما ... فَمَا زلت بالبيض القواضب مغرما)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:
(فمشغوف بآيَات المثاني ... ومفتون برنات المثاني)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(ففعلك إِن سَأَلت لنا مُطِيع ... وقولك إِن سَأَلت لنا مُطَاع)
وَالرَّابِع: أَن يقعا فِي أول المصراع الثَّانِي وَالْعجز إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(فإلا يكن إِلَّا مُعَلل سَاعَة ... قَلِيلا فَإِنِّي نَافِع لي قليلها)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:(1/307)
(أملتهم ثمَّ تأملتهم ... فلاح لي أَن لَيْسَ فيهم فلاح)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(ثوى فِي الثرى من كَانَ يحيا بِهِ الورى ... ويغمر صرف الدَّهْر نائله الْغمر)
(وَقد كَانَت الْبيض البواتر فِي الوغى ... بواتر فَهِيَ الْآن من بعده بتر)
التَّعْظِيم: هُوَ يكون بِاعْتِبَار الْوَصْف والكيفية، ويقابله التحقير فيهمَا بِحَسب الْمنزلَة والرتبة
والتكثير: يكون بِاعْتِبَار الْعدَد والكمية ويقابله التقليل، والتكثير يسْتَعْمل فِي الذوات، والإكثار فِي الصِّفَات
والتفخيم: ضد التَّوْفِيق، وَهُوَ التَّغْلِيظ وَترك الإمالة، وإمالة الْألف إِلَى مخرج الْوَاو كَمَا فِي اسْم (الصَّلَاة) وَإِخْرَاج اللَّام من أَسْفَل اللِّسَان كَمَا فِي اسْم الله تَعَالَى
التَّتَابُع: هُوَ يكون فِي الصّلاح وَالْخَيْر، وبالياء [المثناه التَّحْتِيَّة] بدل الْبَاء يخْتَص بالمنكر وَالشَّر كالتهافت فَإِنَّهَا لَا تسْتَعْمل إِلَى فِي الْمَكْرُوه والحزن
وَيُقَال: جَاءَت الْخَيل متتابعة: إِذا جَاءَ بَعْضهَا فِي إِثْر بعض بِلَا فصل
وَجَاءَت متواترة: إِذا تلاحقت وفيهَا فصل وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى}
التِّلَاوَة: هِيَ قِرَاءَة الْقُرْآن متتابعة، كالدراسة والأوراد الموظفة
وَالْأَدَاء: هُوَ الْأَخْذ عَن الشُّيُوخ
وَالْقِرَاءَة: أَعم مِنْهُمَا
وَالْحق أَن الْأَدَاء هُوَ الْقِرَاءَة بِحَضْرَة الشُّيُوخ عقيب الْأَخْذ من أَفْوَاههم لَا الْأَخْذ نَفسه
التَّوْبَة: النَّدَم على الذَّنب، تقر بِأَن لَا عذر لَك فِي إِتْيَانه
والاعتذار: إِظْهَار نَدم على ذَنْب تقر بِأَن لَك فِي إِتْيَانه عذرا، فَكل تَوْبَة نَدم وَلَا عكس
وَالتَّوْبَة: الرُّجُوع عَن الْمعْصِيَة إِلَى الله تَعَالَى
والإنابة: الرُّجُوع عَن كل شَيْء إِلَى الله
والأوب: الرُّجُوع عَن الطَّاعَات إِلَى الله
وَالتَّوْبَة: النَّدَم ك (الْحَج عَرَفَة)
وَالتَّوْبَة: إِذا اسْتعْملت ب (على) دلّت على معنى الْقبُول، وَاسم الْفَاعِل مِنْهُ (تواب) يسْتَعْمل فِي الله لِكَثْرَة قبُول التَّوْبَة من الْعباد وَإِذا اسْتعْملت ب (عَن) كَانَ اسْم الْفَاعِل (تَائِبًا)
وَتَابَ إِلَيْهِ: أناب
التَّهْذِيب: هُوَ عبارَة عَن ترداد النّظر فِي الْكَلَام بعد عمله والشروع فِي تنقيحه نظما كَانَ أَو نثرا، وتغيير مَا يجب تَغْيِيره، وَحذف مَا يَنْبَغِي حذفه، وَإِصْلَاح مَا يتَعَيَّن إِصْلَاحه، وكشف مَا يشكل من غَرِيبه، وَإِعْرَابه، وتحرير مَا يدق من مَعَانِيه، وإطراح مَا(1/308)
تجافى عَن مضاجع الرقة من غليظ أَلْفَاظه لتشرق شموس الْهدى فِي سَمَاء البلاغة
[التَّوَاتُر: هُوَ إِمَّا لَفْظِي أَو معنوي]
التَّوَاتُر اللَّفْظِيّ: هُوَ خبر جمع يمْتَنع عَادَة توافقهم على الْكَذِب عَن محسوس
والمعنوي: هُوَ نقل رُوَاة الْخَبَر قضايا مُتعَدِّدَة بَينهَا قدر مُشْتَرك، كنقل بَعضهم عَن حَاتِم مثلا أَنه أعْطى دِينَارا وَآخر قوسا وَآخر جملا وَهَكَذَا، فَهَذِهِ القضايا الْمُخْتَلفَة متفقة على معنى كلي مُشْتَرك بَينهَا، وَهُوَ الْإِعْطَاء الدَّال على جود حَاتِم
[والتواتر من حَيْثُ الرِّوَايَة: هُوَ أَن يرويهِ جمَاعَة لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب فيكفر جاحده
وَأما التَّوَاتُر من حَيْثُ ظُهُور الْعَمَل بِهِ قرنا فقرنا من غير ظُهُور الْمَنْع والنكير عَلَيْهِم فِي الْعَمَل بِهِ غير أَنهم مَا رَوَوْهُ على التوتر، لِأَن ظُهُور الْعَمَل بِهِ أغناهم عَن رِوَايَته، فجاحد هَذَا الْمُتَوَاتر لَا يكفر لِمَعْنى عرف فِي أصُول الْفِقْه]
التولي: تولاه: اتَّخذهُ وليا
{لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم}
وَتَوَلَّى إِلَيْهِ: أقبل {ثمَّ تولى إِلَى الظل}
و [تولى] عَنهُ: أعرض {وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا هم فِي شقَاق}
وَفِي التَّعَدِّي بِنَفسِهِ يَقْتَضِي معنى الْولَايَة وحصوله فِي أقرب الْمَوَاضِع يُقَال: وليت سَمْعِي كَذَا وعيني كَذَا
وَفِي التَّعَدِّي ب (عَن) يَقْتَضِي معنى الْإِعْرَاض وَترك الْقرب
وَقد يجب حمل التولي فِيمَا لَا يُمكن الْحمل على معنى الْإِعْرَاض، إِمَّا على لَازم مَعْنَاهُ، وَهُوَ عدم الِانْتِفَاع، لِأَنَّهُ يلْزم الْإِعْرَاض؛ أَو على ملزومه، وَهُوَ الارتداد لِأَنَّهُ يلْزمه الْإِعْرَاض
التدوين: فِي اللُّغَة: جمع الصُّحُف والكتب، وَمِنْهَا الدِّيوَان، وَهُوَ مجمع الصُّحُف والكتب
وَكَانَ يُطلق فِي الأول على كتاب يجمع فِيهِ أسامي الْجَيْش وَأهل الْعَطِيَّة من بَيت المَال
وَأول من وَضعه عمر، ثمَّ نقل عَنهُ إِلَى جمع الْمسَائِل فِي الصُّحُف والكراريس
التدبيج: هُوَ أَن يذكر النَّاظِم أَو الناثر ألوانا يقْصد الْكِنَايَة بهَا أَو التورية بذكرها عَن أَشْيَاء من وصف أَو مدح أَو نسيب أَو هجاء أَو غير ذَلِك من الْفُنُون، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن الْجبَال جدد بيض وحمر مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود}
التَّابِع: هُوَ إِن كَانَ بِوَاسِطَة فَهُوَ الْعَطف بالحرف، وَإِن كَانَ بِغَيْر وَاسِطَة، فَإِن كَانَ هُوَ الْمُعْتَمد بِالْحَدَثِ فَهُوَ الْبَدَل، وَإِلَّا فَإِن كَانَ مَشْرُوط الِاشْتِقَاق فَهُوَ الصّفة، وَإِلَّا فَإِن اشْترطت فِيهِ الشُّهْرَة دون الأول فَهُوَ عطف الْبَيَان، وَإِلَّا فَهُوَ التَّأْكِيد
وَالتَّابِع لَا يفرد بالحكم، وَمن فروعها الْحمل(1/309)
يدْخل فِي بيع الْأُم تبعا، وَلَا يفرد بِالْهبةِ وَالْبيع، بِخِلَاف الْعتْق فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ مَا يشْتَرط فيهمَا
وَالتَّابِع يسْقط بِسُقُوط الْمَتْبُوع، وَلِهَذَا إِذا مَاتَ الْفَارِس سقط سهم الْفرس لَا عَكسه وَمِمَّا خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة إِجْرَاء الموسى على رَأس الْأَقْرَع، وَعدم سُقُوط حق من هُوَ فِي ديوَان الْخراج حَيْثُ يفْرض لأولادهم، وَلَا يسْقط بِمَوْت الْأَصِيل
[التَّحْرِير: الْإِفْرَاد، يُقَال: حَرَّره بِأَمْر كَذَا أَي: أفرده لَهُ وتحرير المبحث تَعْيِينه وتعريفه]
وتحرير الْكتاب وَغَيره: تقويمه
و [تَحْرِير الرَّقَبَة] : إعْتَاقهَا
والتحرير: بَيَان الْمَعْنى بِالْكِتَابَةِ
والتقرير: بَيَان الْمَعْنى بالعبارة
والتقرير بِمَعْنى التَّحْقِيق والتثبيت وَقد يُقَال بِمَعْنى حمل الْمُخَاطب على الْإِقْرَار بِمَا يعرفهُ وإلجائه إِلَيْهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {ألم نشرح لَك صدرك}
التَّقْصِير: هُوَ ترك الشَّيْء أَو بعضه عَن عجز
والإقصار: ترك ذَلِك عَن قدرَة
التَّلْوِيح: هُوَ نوع خَاص من الْإِشَارَة
والإيماء: نوع خَاص من الْكِنَايَة
وَقيل: التَّلْوِيح إِشَارَة إِلَى الْقَرِيب، والإيماء إِلَى الْبعيد
التعمية: يُقَال: عميت الْبَيْت تعمية: إِذا أخفيته
وَمِنْه المعمى
وألغز فِي كَلَامه: إِذا عمى مُرَاده وَالِاسْم اللغز
[التَّوْفِيق: هُوَ التسهيل وكشف حسن الشَّيْء على الْقلب، لَا خلق قدرَة الطَّاعَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ المحدثون وَوَافَقَهُمْ الْأَشْعَرِيّ، وَلَا خلق الطَّاعَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله وَمن تبعه، لِأَن الْقُدْرَة صَالِحَة للضدين وَالطَّاعَة متوقفة على التَّوْفِيق فَهُوَ سَببهَا
والتوفيق: هُوَ النُّصْرَة والتيسير، والخذلان: هُوَ عدم النُّصْرَة، فبينهما تقَابل الْعَدَم والملكة دون التضاد، وَقَالَ الرستغفني وَمن تبعه منا وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمن تبعه من الأشاعرة: الخذلان خلق قدرَة على الْمعْصِيَة وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْقُدْرَة صَالِحَة للضدين على الْبَدَل، بل هُوَ بِمَعْنى عدم التَّوْفِيق والإعانة على الطَّاعَة وَترك العَبْد مَعَ نَفسه كَمَا فِي " المسايرة "، والخذلان والإضلال مُتَرَادِفَانِ عِنْد الْمُعْتَزلَة كَمَا فِي " التَّبْصِرَة " وَغَيره، وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه} لَيْسَ كل فَرد فَرد من توفيقاتي (إِلَّا بِاللَّه) إِذْ الْمصدر الْمُضَاف من صِيغ الْعُمُوم]
التشعب: هُوَ أَن يمتاز بعض الْأَجْزَاء عَن بعض مَعَ(1/310)
اتِّصَال الْكل بِأَصْل وَاحِد، كأغصان الشّجر
والتجزؤ: هُوَ أَن يتفرق أبعاض الشَّيْء بَعْضهَا عَن بعض بِالْكُلِّيَّةِ
التجويد: هُوَ إِعْطَاء الْحُرُوف حُقُوقهَا وترتيلها، ورد الْحَرْف إِلَى مخرجه وَأَصله، وتلطيف النُّطْق بِهِ على كَمَال هَيئته من غير إِسْرَاف وَلَا تعسف وَلَا إفراط وَلَا تكلّف وَهُوَ حلية الْقُرْآن
التَّصْرِيح: هُوَ الْإِتْيَان بِلَفْظ خَالص للمعنى عَار عَن تعلقات غَيره، لَا يحْتَمل الْمجَاز وَلَا التَّأْوِيل
التأسف: هُوَ على الْفَائِت من فعلك وَمن فعل غَيْرك
والندم: يتَعَلَّق بِفعل النادم دون غَيره
والتحسر: أَشد التلهف على الشَّيْء الْفَائِت
التطرية: هُوَ بِدُونِ الْهمزَة التَّجْدِيد والإحداث؛ وَمن (طريت الثَّوْب) : إِذا عملت بِهِ مَا يَجعله جَدِيدا
و [التطرئة] بِالْهَمْزَةِ بِمَعْنى الْإِيرَاد والإحداث من (طَرَأَ عَلَيْهِ) : إِذا ورد وَحدث
التَّنَافِي: هُوَ يكون بِاعْتِبَار اتِّحَاد الْمحل مَعَ اخْتِلَاف الْحَال، سَوَاء كَانَ بطرِيق المضادة، كالحركة مَعَ السّكُون، أَو بطرِيق الْمُخَالفَة، كالقيام مَعَ الْقعُود
والتباين: أَعم من التَّنَافِي فَكل متنافيين متباينان بِلَا عكس
وَالشعر وَالْكِتَابَة متباينان، وَكَذَا الزِّنَا والإحصان
والتماثل: هُوَ اشْتِرَاك الْمَوْجُودين فِي جَمِيع صِفَات النَّفس على الْأَصَح
والتماثل الْبَيَانِي: هُوَ تشارك الْأَمريْنِ فِي أَمر مُطلقًا، حَتَّى إِذا أَرَادوا الدّلَالَة على هَذَا التشارك بالتشبيه يجْعَلُونَ الْأَمر الْمُشْتَرك فِيهِ وَجه الشّبَه، والمتشاركين طرفِي التَّشْبِيه
وَشبه التَّمَاثُل: هُوَ كَون النَّوْعَيْنِ المتخالفين فِي قلَّة التَّفَاوُت، بِحَيْثُ يسْبق إِلَى الْوَهم أَنَّهُمَا نوع وَاحِد
كالصفرة وَالْبَيَاض، والخضرة والسواد
[والتنافي عِنْد أهل الْحِكْمَة أَرْبَعَة أَقسَام: التضاد، والتضايف، والعدم والملكة، والتناقض
وَعند الْمُتَكَلِّمين قِسْمَانِ: التضاد والتناقض فَإِن المتنافيين إِن جَازَ انتفاؤهما فهما الضدان، وَإِلَّا فالنقيضان والتضايف والعدم والملكة من قبيل التضاد عِنْدهم]
والتضاد: هُوَ تمانع العرضين لذاتهما فِي مَحل وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة
وَشبه التضاد: هُوَ أَن يَتَّصِف أحد الْأَمريْنِ بِأحد الضدين، وَالْآخر بِالْآخرِ كالأسود والأبيض، وَالسَّمَاء وَالْأَرْض، وَالْأَعْمَى والبصير، وَالْمَوْجُود والمعدوم
والتضايف: هُوَ أَن لَا يدْرك كل من الْأَمريْنِ إِلَّا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر كالأبوة والبنوة
التَّعْدِيَة: هِيَ عِنْد الصرفيين تَغْيِير الْفِعْل، وإحداث معنى الْجعل والتصيير، نَحْو: (ذهبت بزيد) فَإِن مَعْنَاهُ: جعلته ذَا ذهَاب، أَو صيرته ذَا ذهَاب
وَعند النُّحَاة: هِيَ إِيصَال مَعَاني الْأَفْعَال إِلَى الْأَسْمَاء
والتعدي: مُجَاوزَة الشَّيْء إِلَى غَيره يُقَال: (عديته فتعدى) : إِذا تجَاوز(1/311)
التجاذب: هُوَ أَن يُوجد فِي الْكَلَام معنى يَدْعُو إِلَى أَمر وَالْإِعْرَاب يمْنَع مِنْهُ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّه على رجعه لقادر يَوْم تبلى السرائر}
فَالْمَعْنى يتقضي أَن الظّرْف، وَهُوَ (يَوْم) يتَعَلَّق بالرجع الَّذِي هُوَ مصدر، لَكِن الْإِعْرَاب يمْنَع مِنْهُ لعدم جَوَاز الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله، فيؤول لصِحَّة الْإِعْرَاب بِأَن يَجْعَل الْعَامِل فِي الظّرْف فعلا مُقَدرا دلّ عَلَيْهِ الْمصدر وَكَذَا قَوْله: {أكبر من مقتكم إِذْ تدعون} إِذْ الْإِعْرَاب يمْنَع عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْمَعْنى، وَهُوَ تعلق (إِذْ) بالمقت للْفِعْل الْمَذْكُور، فَيقدر لَهُ فعل يدل عَلَيْهِ
التَّحْرِيمَة: هِيَ من (التَّحْرِيم) بِمَعْنى الْمحرم، بِالْكَسْرِ، فَإِنَّهُ منع مَا يحل خَارج الصَّلَاة، وَالتَّاء للنَّقْل أَو للْمُبَالَغَة
والتعاطي: هُوَ إِعْطَاء البَائِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي على وَجه البيع وَالتَّمْلِيك، وَالْمُشْتَرِي الثّمن للْبَائِع كَذَلِك بِلَا إِيجَاب وَلَا قبُول
التَّذْكِرَة: هِيَ مَا يتَذَكَّر بِهِ الشَّيْء، أَعم من الدّلَالَة والأمارة
والتذكر: مصدر مَبْنِيّ للْمَفْعُول فيؤول إِلَى معنى التَّذْكِير
الترصيع: هُوَ توازن الْأَلْفَاظ مَعَ توَافق الأعجاز أَو تقاربها نَحْو {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم} وَكَقَوْلِه:
(فحريق جَمْرَة سَيْفه للمعتدي ... ورحيق خمرة سيبه للمعتفي)
التعس: هُوَ أَن يخر على وَجهه
والنكس: أَن يخر على رَأسه
وَإِذا خاطبت تَقول: تعست، ك (منعت) ، وَإِذا حكيت تَقول: (تعس) ، ك (سمع)
التبري: التَّعَرُّض
والتبرؤ: الْبَرَاءَة: تبرأنا إِلَيْك
التوليد: التربية، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام: " أَنْت نبيي وَأَنا وَلدتك " أَي: ربيتك، فَقَالَت النَّصَارَى " أَنْت نبيي وَأَنا وَلدتك " بِالتَّخْفِيفِ تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
التأبين: الثَّنَاء على الشَّخْص بعد مَوته؛ واقتفاء أثر الشَّيْء كالتأبن؛ وترقب الشَّيْء أَيْضا
التسريح: هُوَ إِطْلَاق الشَّيْء على وَجه لَا يتهيأ للعود، فَمن أرسل الْبَازِي ليسترده فَهُوَ مُطلق؛ وَمن أرْسلهُ لَا ليَرُدهُ فَهُوَ مسرح
التَّعْبِير: هُوَ مُخْتَصّ بتعبير الرُّؤْيَا، وَهُوَ العبور من ظواهرها إِلَى بواطنها
وَهُوَ أخص من التَّأْوِيل؛ فَإِن التَّأْوِيل يُقَال فِيهِ وَفِي غَيره
التَّوْقِيت: مَعْنَاهُ أَن يكون الشَّيْء ثَابتا فِي الْحَال (وَيَنْتَهِي فِي الْوَقْت الْمَذْكُور)
وألفاظ التَّأْقِيت: (مَا دَامَ) ، و (مَا لم) و (حَتَّى) و (إِلَى)
والتأجيل: مَعْنَاهُ أَن لَا يكون ثَابتا (فِي الْحَال) كتأجيل مُطَالبَة الثّمن إِلَى مُضِيّ الشَّهْر مثلا(1/312)
التناصر: التعاون
والتنصر: هُوَ الدُّخُول فِي دين النَّصْرَانِيَّة
والتهجد: يُقَال: تهجد الرجل: إِذا سهر لِلْعِبَادَةِ
وأرق: إِذا سهر لعِلَّة
التلقي: هُوَ يَقْتَضِي اسْتِقْبَال الْكَلَام وتصوره
والتلقن: يَقْتَضِي الحذق فِي تنَاوله
والتلقف: يُقَارِبه، لكنه يتقضي الاحتيال فِي التَّنَاوُل
التَّعَجُّب: هُوَ بِالنّظرِ إِلَى الْمُتَكَلّم
والتعجيب: بِالنّظرِ إِلَى الْمُخَاطب
التَّحَرِّي: أَصله التحرر كالتحدي
والتفعل بِمَعْنى الاستفعال، لِأَنَّهُ طلب الأحرى أَو الْحر، أَي: الأخلص أَو الْخَالِص فَكَانَ بِمَعْنى (استحرى)
التجلي: هُوَ قد يكون بِالذَّاتِ نَحْو: {وَالنَّهَار إِذا تجلى} وَقد يكون بِالْأَمر وَالْفِعْل نَحْو: {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل}
التوفي: الإماتة وَقبض الرّوح، وَعَلِيهِ اسْتِعْمَال الْعَامَّة أَو الِاسْتِيفَاء وَأخذ الْحق، وَعَلِيهِ اسْتِعْمَال البلغاء
وَالْفِعْل من الْوَفَاة (توفّي) على مَا لم يسم فَاعله، لِأَن الْإِنْسَان لَا يتوفى نَفسه فالمتوفى هُوَ الله تَعَالَى أَو أحد من الْمَلَائِكَة وَزيد هُوَ (الْمُتَوفَّى) بِالْفَتْح
التشخص: هُوَ الْمَعْنى الَّذِي يصير بِهِ الشَّيْء ممتازا عَن الْغَيْر، بِحَيْثُ لَا يُشَارِكهُ شَيْء آخر أصلا
وَهُوَ والجزئية متلازمان، فَكل شخص جزئي وكل جزئي شخص
التعقل: هُوَ إِدْرَاك الشَّيْء مُجَردا عَن الْعَوَارِض الغريبة واللواحق المادية
والتبعية: هُوَ كَون التَّابِع بِحَيْثُ لَا يُمكن انفكاكه عَن الْمَتْبُوع، بِأَن يكون وجوده فِي نَفسه هُوَ وجوده فِي متبوعه وَلَا تُوجد هَذِه التّبعِيَّة إِلَّا فِي الْأَعْرَاض
وَهَذَا تَامّ
وَغير التَّام بِخِلَافِهِ، كتبعية الْفَرْع للْأَصْل
التَّقْرِيب: هُوَ تطبيق الدَّلِيل على الْمُدَّعِي وَبِعِبَارَة أُخْرَى: هُوَ سوق الدَّلِيل على وَجه يُفِيد الْمَطْلُوب
التَّنْقِيح: هُوَ اخْتِصَار اللَّفْظ مَعَ وضوح الْمَعْنى من (نقح الْعظم) : إِذا استخرج مخه
وتنقيح الشّعْر وإنقاحه: تهذيبه
وتنقيح المناط: إِسْقَاط مَا لَا مدْخل لَهُ فِي الْعلية. وَتَخْرِيج المناط: تعْيين الْعلَّة بِمُجَرَّد إبداء الْمُنَاسبَة
التطبيق: تطبيق الشَّيْء على الشَّيْء: جعله مطابقا لَهُ، بِحَيْثُ يصدق هُوَ عَلَيْهِ
التَّرْجَمَة: بِفَتْح التَّاء وَالْجِيم: هُوَ إِبْدَال لَفْظَة بِلَفْظَة تقوم مقَامهَا، بِخِلَاف التَّفْسِير
التقليل: هُوَ رد الْجِنْس إِلَى فَرد من أَفْرَاده، لَا تنقيص فَرد إِلَى جُزْء من أجازئه
التَّجَسُّس: بِالْجِيم، هُوَ السُّؤَال عَن العورات من غَيره
و [التحسس] ، بِالْحَاء المغفلة: استكشاف ذَلِك بِنَفسِهِ(1/313)
التَّوَهُّم: هُوَ إِدْرَاك الْمَعْنى الجزئي الْمُتَعَلّق بالمحسوس
التَّمْر: هُوَ اسْم المجذود من النخيل، وَمَا على رؤوسه يُسمى رطبا وَتَمْرًا أَيْضا، إِذْ هُوَ اسْم جنس يتَنَاوَل ثمار النّخل من حِين الِانْعِقَاد إِلَى حِين الْإِدْرَاك، وَمَا يترادف عَلَيْهِ من الْأَوْصَاف بِاعْتِبَار الْأَحْوَال لَا يُوجب تبدل اسْم الْعين، كالآدمي يكون صَبيا ثمَّ شَابًّا ثمَّ كهلا ثمَّ شَيخا؛ وَإِنَّمَا يُوجب فَوت اسْم الصّفة عَنهُ، وَهُوَ الرطب، وَذَلِكَ بعد الْجَفَاف، وَبَقِي اسْم الْعين وَهُوَ التَّمْر
وَالْحَيَوَان لَا يتَغَيَّر بِتَغَيُّر الْوَصْف جنسه، ويتغير جنس سَائِر الْأَشْيَاء فالفائت من الصَّبِي بعد الْكبر صفة الصِّبَا، لَا جُزْء من ذَاته، بِخِلَاف غير الْحَيَوَان، فَإِن الرطب مثلا بعد مَا صَار تَمرا فَاتَ جُزْء من ذَاته، فَلَا تكون ذَاته بِعَينهَا مَوْجُودَة بعد التمرية، فَلَا تَقول: تمر رطب، كَمَا تَقول: رجل شَاب
التَّدْلِيس: هُوَ كتمان عيب السّلْعَة عَن المُشْتَرِي
وَمِنْه التَّدْلِيس فِي الْإِسْنَاد: وَهُوَ أَن يحدث عَن الشَّيْخ الْأَكْبَر، وَلَعَلَّه مَا رَآهُ وَإِنَّمَا سَمعه مِمَّن هُوَ دونه، أَو مِمَّن سَمعه مِنْهُ وَنَقله جمَاعَة من الثِّقَات
التمويه: هُوَ إلباس صُورَة حَسَنَة لشَيْء قَبِيح، كإلباس الذَّهَب للنحاس وَغَيره
التَّقْرِيب: هُوَ سوق الدَّلِيل على وَجه يسْتَلْزم الْمَطْلُوب
التعزيز: هُوَ تَأْدِيب دون الْحَد، أَصله التَّطْهِير والتعظيم {وتعزروه وتوقروه} [وكل مَا لَيْسَ فِيهِ حد مُقَرر شرعا فموجبه التَّعْزِير]
التيقظ: هُوَ كَمَال التنبه والتحرز عَمَّا لَا يَنْبَغِي
التَّحِيَّة: هِيَ: سَلام عَلَيْك وَسَلام الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أبلغ من سَلام الْمَلَائِكَة حَيْثُ {قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام} فَإِن نصب (سَلاما) إِنَّمَا يكون على إِرَادَة الْفِعْل، أَي سلمنَا سَلاما
وَهَذِه الْعبارَة مؤذنة بحدوث التَّسْلِيم مِنْهُم، إِذْ الْفِعْل مُتَأَخّر عَن وجود الْفَاعِل، بِخِلَاف سَلام إِبْرَاهِيم، فَإِنَّهُ مُرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ، فَاقْتضى الثُّبُوت على الْإِطْلَاق، وَهُوَ أولى مِمَّا يعرض لَهُ الثُّبُوت، فَكَأَنَّهُ قصد أَن يحييهم بِأَحْسَن مَا حيوه بِهِ
وتحية الْعَرَب: حياك الله
والانحناء تَحِيَّة الْمَجُوس
وتحية الْكَافِر وضع الْيَد على الْفَم
قَالَ يَعْقُوب: التَّحِيَّات لله: أَي: الْملك لله وَالتَّشَهُّد فِي التعارف: اسْم للتحيات المقروءة فِي الصَّلَاة، وللركن الَّذِي يقْرَأ فِيهِ ذَلِك
التربية: هِيَ تَبْلِيغ الشَّيْء إِلَى كَمَاله شَيْئا فَشَيْئًا
التحديث: عَام؛ والسمر: خَاص بِاللَّيْلِ
التفل: هُوَ مَا صَحبه شَيْء من الرِّيق
والنفث: النفخ بِلَا ريق
التهاتر: الشَّهَادَة الَّتِي يكذب بَعْضهَا بَعْضًا
وتهاترا: أَي ادّعى كل على صَاحبه بَاطِلا
التَّمَنِّي: هُوَ الْكَلَام المتمنى بِهِ أَو التَّلَفُّظ بِهِ قَالَ صَاحب " الْكَشَّاف " لَيْسَ التَّمَنِّي من أَعمال(1/314)
الْقُلُوب، إِنَّمَا هُوَ قَول الْإِنْسَان بِلِسَانِهِ (لَيْت لي كَذَا)
والمتمنى إِمَّا مَا لم يقدر أَو قدر بكسب أَو بِغَيْر كسب
وَالْأول: مُعَارضَة لحكمة الْقدر
وَالثَّانِي: بطالة وتضييع حَظّ
وَالثَّالِث: ضائع ومحال
التَّكَلُّم: هُوَ اسْتِخْرَاج اللَّفْظ من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، ويعدى بِنَفسِهِ وبالباء أَيْضا
وَبَين الْمُتَكَلّم وحروف كَلَامه علاقَة مصححة للإضافة لَيست تِلْكَ العلاقة بَين شخص وَالصَّوْت الَّذِي أوجده فِي غَيره، فَيُقَال لَهُ: مصوت، لَا مُتَكَلم
التصيير: تصيير الشَّيْء شَيْئا، إِمَّا بِحَسب الذَّات، كتصيير المَاء حجرا، وَبِالْعَكْسِ وَحَقِيقَته إِزَالَة الصُّورَة الأولى عَن الْمَادَّة وإفاضة صُورَة أُخْرَى عَلَيْهَا
وَإِمَّا بِحَسب الْوَصْف، كتصيير الْجِسْم أسود بَعْدَمَا كَانَ أَبيض، وَحَقِيقَته إفَاضَة الْأَعْرَاض على الْمحل الْقَابِل لَهَا
التَّطَوُّع: فِي الأَصْل: تكلّف الطَّاعَة
وَفِي التعارف: تبرع بِمَا لَا يلْزم كالنقل
وَفِي الشَّرِيعَة: الْمُسْتَحبّ
التَّرْجِيح: هُوَ بَيَان الْقُوَّة لأحد المتعارضين على الآخر
التَّنَزُّه: التباعد، وَالِاسْم: النزهة، بِالضَّمِّ، وَاسْتِعْمَال التَّنَزُّه فِي الْخُرُوج إِلَى الْبَسَاتِين والرياض غلط قَبِيح
التمثال: هُوَ مَا يصنع ويصور مشبها بِخلق الله من ذَوَات الرّوح وَالصُّورَة، عَام
والصنم: مَا كَانَ من حجر
والوثن: عَام وَحُرْمَة التصاوير شرع مُجَدد
التبر، بِالْكَسْرِ: الحجران قبل الضَّرْب، وَيُسمى بِالْعينِ بعده، وَقد يُطلق على غَيرهمَا من المعدنيات، إِلَّا أَنه بِالذَّهَب أَكثر اختصاصا
الترادف: الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم، لَا الِاتِّحَاد فِي الذَّات، كالإنسان والبشر وَحقّ المترادفين صِحَة حُلُول كل مِنْهُمَا مَحل الآخر هَذَا مُخْتَار ابْن الْحَاجِب فِي " أُصُوله " وَهُوَ أَنه يجب ذَلِك مُطلقًا ومختار الْبَيْضَاوِيّ: إِن كَانَا من لُغَة وَاحِدَة ومختار الإِمَام أَنه غير وَاجِب
والمترادفان يفيدان فَائِدَة وَاحِدَة من غير تفَاوت، وَالتَّابِع لَا يُفِيد وَحده شَيْئا، بل بِشَرْط كَونه مُقَيّدا بتقدم الأول عَلَيْهِ قَالَه فَخر الدّين والمترادفان مثل: {بثي وحزني} {سرهم ونجواهم} ، {شرعة ومنهاجا} ، {لَا تبقي وَلَا تذر} {إِلَّا دُعَاء ونداء} {أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا} ، {صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} ، {عذرا أَو نذرا}
والمخلص فِي هَذَا أَن يعْتَقد أَن مَجْمُوع المترادفين(1/315)
يحصل معنى لَا يُوجد عِنْد انفرادهما؛ فَإِن التَّرْكِيب يحدث معنى زَائِدا
وَإِذا كَانَت كَثْرَة الْحُرُوف تفِيد زِيَادَة الْمَعْنى فَكَذَلِك كَثْرَة الْأَلْفَاظ
والمترادفان قد يكونَانِ مفردين كالليث والأسد، وَقد يكونَانِ مركبين كجلوس اللَّيْث وقعود الْأسد
وَقد يكون أَحدهمَا مُفردا وَالْآخر مركبا، كالمز والحلو الحامض
التمجيد: هُوَ أَن تَقول: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
التارة: الْحِين والمرة
وأتاره: أَعَادَهُ مرّة بعد مرّة وَيجمع على (تير) و (تارات)
وألفها تحْتَمل أَن تكون عَن وَاو أَو يَاء، قيل: هُوَ من (تار الْجرْح) : إِذا التأم
وَتارَة، مَنْصُوب: إِمَّا ظرف، أَو مصدر على قِيَاس مَا قيل فِي (مرّة) فِي (ضَربته مرّة)
التحت: هُوَ مُقَابل للفوق، وَيسْتَعْمل فِي الْمُنْفَصِل، كَمَا أَن الْأَسْفَل فِي الْمُتَّصِل وَفِي الحَدِيث: " لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يظْهر التحوت " أَي الدون من النَّاس
تحقق اللّبْس: هُوَ عِنْد تَسَاوِي الِاحْتِمَالَات، وَرَفعه وَاجِب
وتوهم اللّبْس: يكون عِنْد رُجْحَان الْبَعْض، وَرَفعه مُخْتَار
تعال، بِفَتْح اللَّام: أَمر أَي: جئ، وَأَصله أَن يَقُوله من فِي الْمَكَان الْمُرْتَفع لمن فِي الْمَكَان المستوطي، ثمَّ كثر حَتَّى اسْتَوَى اسْتِعْمَاله فِي الْأَمْكِنَة، عالية كَانَت أَو سافله، فَيكون من الْخَاص الَّذِي جعل عَاما، وَاسْتعْمل فِي مَوضِع الْعَام وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْلهم: (أَقمت بَين ظهرانيهم) أَي: بَين ظهر فِي وَجْهي وَظهر فِي ظَهْري؛ ثمَّ اسْتعْمل فِي مُطلق الْإِقَامَة وَمِنْه (الحصان) للْفرس الذّكر، خلاف الْحجر وَهِي الْأُنْثَى مِنْهُ وَالْأَصْل فِيهِ أَن الْفَحْل الْكَرِيم الَّذِي يضن بمائه لَا ينزى إِلَّا على فرس كريم، كَأَنَّهُ حصن من الإنزاء، ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله حَتَّى أطلق على الْفَحْل الْكَرِيم وَغَيره، وَأَشْبَاه ذَلِك وَلم يجِئ من (تعال) أَمر غَائِب وَلَا نهي وَهُوَ مُخْتَصّ بالجلالة ك (تبَارك) مَعْنَاهُ تجَاوز عَن صِفَات المخلوقين، وَإِنَّمَا خص لفظ التفاعل لمبالغة ذَلِك مِنْهُ، لَا على سَبِيل التَّكَلُّف كَمَا يكون من الْبشر
[قَالَ الْحسن بن فُضَيْل: تبار الله فِي ذَاته وَبَارك فِيمَن شَاءَ من خلقه]
تشابه الْأَطْرَاف: هُوَ ختم الْكَلَام بِمَا يُنَاسب صَدره نَحْو: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير}
[التحيز: هُوَ عبارَة عَن نِسْبَة الْجَوْهَر إِلَى الحيز بِأَنَّهُ فِيهِ، والحيز: هُوَ الْمَكَان أَو تَقْدِير الْمَكَان، وَالْمرَاد بِتَقْدِير الْمَكَان كَونه فِي الْمَكَان، وَلم نقل هُوَ الْمَكَان، لِأَن المتحيز عندنَا هُوَ الْجَوْهَر والحيز من لَوَازِم نفس الْجَوْهَر لَا انفكاك لَهُ عَنهُ](1/316)
[نوع]
{تقطعت بهم} : تصرمت عَنْهُم
{تألمون} : توجعون
{تبسل} : تفضح
{ترهقهم} : تغشاهم
{تسيمون} : ترعون
{تشاقون} : تخالفون
{يتفيأوا} : يتميلوا
{وتصف ألسنتهم} : أَي: وَتقول
{وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} : أَي وَلَا تلقوا حُكُومَة أَمْوَالكُم إِلَى الْحُكَّام
{يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} : أَي بَيَانه الَّذِي هُوَ غَايَته الْمَقْصُودَة مِنْهُ
{وَأحسن تَأْوِيلا} : أَي معنى وترجمة أَو ثَوابًا فِي الْآخِرَة
{فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ} : أَي تقاربا وتقابلا حَتَّى يرى كل مِنْهُمَا الآخر
{تعاسرتم} : تضايقتم
{تغيض} : تنقص
{فتهجد} : فاترك الهجود أَي: النّوم للصَّلَاة
{لتشقى} : لتتعب
{بِمَا تسْعَى} : بعملها من خير وَشر
{ولتصنع على عَيْني} : ولتربى وَيحسن إِلَيْك فأراعيك وأراقبك
{الْيَوْم تنسى} : تتْرك
{جَزَاء من تزكّى} : تطهر من أدناس الْكفْر والمعاصي
{تؤزهم أزا} : تغويهم إغواء
{تستأنسوا} : تستأذنوا
{تخلقون} : تَصْنَعُونَ
{ترجي} : تُؤخر
{تحبرون} : تكرمون
{تلبسوا} : تخلطوا
{أتحاجوننا} : أتخاصموننا(1/317)
{تتبيب} : هَلَاك وتخسير
{الترائب} : مَوضِع القلادة من الْمَرْأَة
{تركنوا} : تميلوا
{تبيعا} : نَصِيرًا
{تباب} : خسران
{تعولُوا} : تميلوا
{تَارَة} : مرّة
{فناداها من تحتهَا} : من بَطنهَا بالنبطية
{تله للجبين} : صرعه [على شقَّه فَوَقع جَبينه على الأَرْض]
{تَذْرُوهُ} : تفرقه
{إِذْ تحسونهم} : تقتلونهم
{ترهقهم} : تلحقهم
{تؤويه} تضمه
{تَدْعُو} : تجذب
{تبارا} : هَلَاكًا
{التكاثر} : التباهي بِالْكَثْرَةِ
{تبت} : هَلَكت، أَو خسرت
{التراقي} : أَعلَى الصَّدْر
{تصدي} : تتعرض بالإقبال عَلَيْهِ
{تلهي} : تتشاغل
{ترهقها قترة} : يَغْشَاهَا سَواد وظلمة التطفيف: البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن
{تسنيم} : علم لعين بِعَينهَا، سميت بِهِ لارْتِفَاع مَكَانهَا أَو رفْعَة شرابها
ترائب الْمَرْأَة: عِظَام صدرها
{التراث} : الْمِيرَاث
{تلظى} : تتلهب
{تَوَارَتْ بالحجاب} : غربت الشَّمْس
{أحسن تَقْوِيم} : تَعْدِيل
{تَفُور} : تغلي
{تمور} : تضطرب، والمور: التَّرَدُّد فِي(1/318)
الْمَجِيء والذهاب
{تقشعر} : تشمئز
اقشعرار الْجلد: تقبضه
{تمرحون} : تتوسعون فِي الْفَرح
{ترجمون} : تؤذونني
تعسا: عثورا وانحطاطا ونقيضه لعسا أَي: ثباتا
{تفيء} : ترجع
{تحيد} : تميل وتنفر عَنهُ
{فَتَدَلَّى} : تعلق
{من نُطْفَة إِذا تمنى} : تدفق فِي الرَّحِم، أَو تخلق
{تؤفكون} : تصرفون
{تلقف} : تلقم وتأكل
{تصدية} : تصفيقا
{تثقفنهم} : تصادفنهم وتظفرن بهم
{ترهبون} : تخوفون
{تسر الناظرين} : تعجبهم
{حق تُقَاته} : حق تقواه
{أَن تَفْشَلَا} : أَي تجبنا وتضعفا
{تحروا} : توخوا
{فتشقى} : فتتعب فِي طلب المعاش
{تميد} : تميل وتضطرب
{فتبهتهم} : فتغلبهم أَو تحيرهم
{تنكصون} : تعرضون مُدبرين
{تبَارك} : تكاثر خَيره أَو تزايد على كل شَيْء وَتَعَالَى عَنهُ فِي صِفَاته وأفعاله
{تبرنا تتبيرا} : فتتنا تفتيتا
{تِلْقَاء مَدين} : قبالة مَدين، قَرْيَة شُعَيْب
{تعتدونها} : تستوفون عدتهَا
{تطلع على الأفئدة} : تعلو أوساط الْقُلُوب ويشتمل عَلَيْهَا.
{تشخص فِيهِ الْأَبْصَار} : فَلَا تقر فِي أمكانها من هول مَا ترى
{كَأَن لم تغن} : كَأَن لم تنْبت زَرعهَا
{وَإِذ تَأذن ربكُم} : بِمَعْنى أذن
{أَن تطؤوهم} : أَن توقعوا بهم وتبيدوهم(1/319)
{أفتمارونه} : أفتجادلونه
{تتمارى} : تتشكك {تزاور عَن كهفهم} : تميل عَنهُ. {حِين تريحون} : تردونها من مراعيها إِلَى مراحها بالْعَشي
{وَحين تسرحون} : تخرجونها بِالْغَدَاةِ إِلَى المراعي
{تأفكنا} : تصرفنا
{تعزروه} : تقووه
{توقروه} : تعظموه
{تفيضون} : تخوضون
{تَتَجَافَى} : ترْتَفع وتتنحى
{فظلتم تفكهون} : تعْجبُونَ أَو تَنْدمُونَ
{تَفَسَّحُوا} : توسعوا
{فَتَوَلّى بركنه} : كنأى بجانبه، أَو أعرض بِمَا يتقوى بِهِ من جُنُوده
{تزيلوا} : تفَرقُوا
{تحاوركما} : تراجعكما
{تهجرون} : تعرضون أَو تهذون
{تفلح} : تحرق
{تراءت الفئتان} : تلاقى الْفَرِيقَانِ
{إِلَّا إِذا تمنى} : زور فِي نَفسه مَا يهواه، أَو قَرَأَ وَتكلم كَقَوْلِه:
(تمنى كتاب الله أول لَيْلَة ... تمني دَاوُد الزبُور على رسل)
أَي: على سكينَة ووقار
{هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله} : أَي عاقبته
التَّرَبُّص: التمكث
{التَّوْرَاة} : مَعْنَاهَا الضياء والنور
{تجلى} : ظهر
{تَأذن رَبك} : أعلم
{تغشاها} : علاها بِالنِّكَاحِ
{تنوء بالعصبة} : تنهض بهَا، وَهُوَ من المقلوب، مَعْنَاهُ مَا إِن الْعصبَة لتنوء بمفاتحه أَي ينهضون بهَا يُقَال: ناء بِحمْلِهِ إِذا نَهَضَ بِهِ متثاقلا
{تَجْعَلُونَ رزقكم أَنكُمْ تكذبون} : أَي تَجْعَلُونَ شكركم التَّكْذِيب، أَو تَجْعَلُونَ شكر رزقكم(1/320)
التَّكْذِيب على طَريقَة {واسأل الْقرْيَة}
{تبوؤا الدَّار} : لزموها اتَّخَذُوهَا مسكنا {وَالْإِيمَان} : أَي تمكنوا فِي الْإِيمَان وَاسْتقر فِي قُلُوبهم
{من تفَاوت} : اضْطِرَاب وَاخْتِلَاف واختلال
{تميز من الغيظ} : تَنْشَق غيظا على الْكفَّار
{تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} : تتَّخذ لَهُم مصافا ومعسكرا
{تذودان} : تكفان، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْإِبِل وَالْغنم، وَرُبمَا اسْتعْمل فِي غَيرهمَا فَيُقَال: سنذودكم عَن الْجَهْل علينا: أَي نكفكم ونمنعكم
{أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} : إِن كَانَت بِمَعْنى الاتقاء، فَهِيَ مصدر، أَو بِمَعْنى متقى: أَي أمرا يجب اتقاؤه، فمفعول بِهِ، أَو جمعا ك (رُمَاة) فحال
{من تولاه} : تبعه
{يَوْم ترجف الراجفة} : تشتد حَرَكَة الأجرام السفلية
{تهتز} : تتحرك بِالِاضْطِرَابِ
{أَنى لَهُم التناوش} : من أَيْن لَهُم أَن يتناولوا الْإِيمَان تناولا سهلا
{تَقوله} : اختلقه
{من تِلْقَاء نَفسِي} : أَي من عِنْد نَفسِي
{تورون} : تقدحون
{وَإِذ تخلق من الطين} : تصور، أَو تقدر يُقَال لمن قدر شَيْئا وَأَصله قد خلقه والخلق بِمَعْنى الإحداث لله وَحده
{تسوروا} : نزلُوا من ارْتِفَاع وَلَا يكون التسور إِلَّا من فَوق
{تزدري أعينكُم} : استرذلتموهم لفقرهم
{وَكَانَ تقيا} : مُطيعًا متجنبا عَن الْمعاصِي
{وتتلقاهم} : وتستقبلهم
{أَو تهوي بِهِ الرّيح} : أَو تسقطه
{فَأنى تسحرون} : فَمن أَيْن تخدعون فتنصرفون عَن الرشد
{أَن تشيع} : أَن تَنْتَشِر
[ {تفندون} : تنسبونني إِلَى الفند وَهُوَ نُقْصَان عقل يحدث من هرم(1/321)
{تذكرة} : عِبْرَة وَدلَالَة
{تفثهم} : وسخهم
{تتقوا مِنْهُم} : تحذروا أَو تخافوا
{فتخبت لَهُ قُلُوبهم} : تطمئِن وتسكن
{فَتَبَيَّنُوا} : فَاطْلُبُوا بَيَان الْأَمر وثباته
{فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} : اسْتَقْبلهَا بِالْأَخْذِ وَالْقَبُول وَالْعَمَل بهَا حِين علمهَا
{وَأَشد تنكيلا} : تعذيبا
{تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة} : أَي تمكنهم من اسْتِيفَاء أنفسهم فيستوفونها
{ثمَّ توفى كل نفس مَا كسبت} : تُعْطى جَزَاء مَا كسبت وافيا
{أَن تبسل نفس} : أَن تسلم إِلَى الْهَلَاك وترهن لسوء عَملهَا
{لَعَلَّكُمْ تعقلون} : ترشدون
{ثمَّ آيتنا مُوسَى الْكتاب تَمامًا} : أَي أتممناه إتماما
{تختانون أَنفسكُم} : تظلمونها
{قل تَعَالَوْا} : هلموا
{لتبلون} : لتختبرن
{هَل تَنْقِمُونَ منا} : هَل تنكرون منا وتعيبون
{وتمت كلمت رَبك} : أَي استمرت كل كلمة
{وَأَن تصدقوا خير لكم} : أَي وَإِن تسقطوا حقكم من الْقصاص بِالْعَفو، وَفِي الحَدِيث: " من تصدق بِهِ فَهُوَ خير لَهُ " أَي عَفا {لتلقنا} : أَي لتصرفنا. {تستخفونها} : تجدونها خَفِيفَة
{كُنْتُم بِهِ تدعون} : تطلبون وتستعجلون، من الدُّعَاء، أَو تدعون أَن لَا بعث، من الدَّعْوَى
{لَوْلَا تسبحون} : تذكرونه وتتوبون إِلَيْهِ، أَو لَوْلَا تستثنون
{وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} : وَانْقطع إِلَيْهِ بِالْعبَادَة وجرد نَفسك عَمَّا سواهُ
{عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} ملكا أَو صنفا من الْمَلَائِكَة يلون أمرهَا
{إِن أردن تَحَصُّنًا} : تعففا
{تتقلب} : تضطرب وتتغير(1/322)
{تَدْعُو من أدبر} : تجذب وتحضر؛ وَقيل تهْلك
{إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} : إِلَّا بِأَن تتسامحوا فِيهِ
{تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل} : أَي تدخل أَحدهمَا فِي الآخر إِمَّا بالتعقيب أَو الزِّيَادَة وَالنَّقْص
{يأتيكم التابوت} : وَهُوَ صندوق فِيهِ التَّوْرَاة وَكَانَ من خشب الشمشاو مموها بِالذَّهَب نَحوا من ثَلَاثَة أَذْرع فِي ذراعين، وَكَانَ سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا قَاتل قدمه فتحمله الْمَلَائِكَة فيسكن بَنو اسرائيل وَلَا يفرون
{ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا تبيعا} : أَي تَأْثِيرا وَلَا طَالبا]
(فصل الثَّاء)
[الثَّمر] : كل مَا يستطعم من أحمال الشّجر فَهُوَ ثَمَر؛ ويكنى بِهِ عَن المَال الْمُسْتَفَاد وَيُقَال لكل نفع يصدر عَن شَيْء ثَمَرَة كَقَوْلِه (ثَمَرَة الْعلم الْعَمَل الصَّالح)
[الثميلة] : كل بَقِيَّة فَهِيَ ثميلة
[والثقل] : كل شَيْء لَهُ قدر وَوزن ينافس فِيهِ فَهُوَ ثقل ك (فتل) ؛ من (ثقل الشَّيْء) ك (نصر) : إِذا وَزنه
والثقل، كالعنب: ضد الخفة، مصدر (ثقل) ك (كرم) و [الثّقل] ، بتسكين الْعين: ك (الْفسق) هُوَ الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ
و [الثّقل] ، بِالتَّحْرِيكِ: هُوَ مَتَاع الْمُسَافِر وحشمه، وكل شَيْء نَفِيس مصون
والثقل: قُوَّة يحس من محلهَا بواسطتها مدافعة هابطة، كالحجر والمدر
والخفة: قُوَّة يحس من محلهَا بواسطتها مدافعة صاعدة، كالنار وَالدُّخَان وَهُوَ أصل فِي الْأَجْسَام، ثمَّ يُقَال فِي الْمعَانِي
والثقلان: الْإِنْس وَالْجِنّ سميا بذلك لِكَوْنِهِمَا ثقيلين على وَجه الأَرْض، وَهِي كالحمولة لَهما، أَو لِأَنَّهُمَا مثقلان بالتكليف، أَو لرزانة آرائهم وأقدارهم، أَو الثقيل أَحدهمَا لَا غير، وَسمي الآخر تَغْلِيبًا
[وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي تَحْقِيق معنى الثّقل والخفة، فَمنهمْ من قَالَ: الثّقل لَيْسَ عرضا زَائِدا على الْجَوْهَر بِنَفسِهِ وذاته، وَمَا نجده من التَّفَاوُت فِي الثّقل بَين الْأَجْسَام المركبة فَهُوَ عَائِد إِلَى كَثْرَة الْأَجْزَاء فِي الثقيل وقلتها فِي الْخَفِيف، وَمِنْهُم من قَالَ: إنَّهُمَا من الْأَعْرَاض الزَّائِدَة على نفس الْجَوْهَر، وَهُوَ الْأَظْهر كالزئبق وَالْمَاء وَإِن تَسَاوَت أجزاؤهما عددا فِي الْحصْر المتحد لَهما]
والأثقال: كنوز الأَرْض، وموتاها، والذنُوب، والأحمال الثَّقِيلَة
و {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي السَّاعَة، أَي: خَفِي علمهَا على أَهلهَا، وَإِذا خَفِي الشَّيْء فقد ثقل(1/323)
والخفيف: يُقَال تَارَة بِاعْتِبَار المضايقة بِالْوَزْنِ، وَتارَة بِاعْتِبَار مضايقة الزَّمَان نَحْو (فرس خَفِيف) ، و (فرس ثقيل) : إِذا عدا أَحدهمَا أَكثر من الآخر فِي زمَان وَاحِد
وَقد يكون الْخَفِيف ذما، والثقيل مدحا، كمن فِيهِ طيش يُقَال فِيهِ: خَفِيف وَمن فِيهِ وقار يُقَال فِيهِ: ثقيل
[وَكَمن ثقل مِيزَانه نظرا إِلَى الْمُؤمنِينَ وَمن خف مِيزَانه نظرا إِلَى الْكفَّار، لكنه مَحْمُول على لَازم الخفة وَهُوَ عدم الِاعْتِدَاد جمعا بَين الْأَدِلَّة، وَمَا ورد فِي بعض الْأَخْبَار من ميزَان الْكفَّار يحمل على تمييزهم لتفاوتهم فِي الْعَذَاب
{وَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا} أَي نَافِعًا؛ أَو فِي حق منكري الْحَشْر]
والثقيل من الْكَلِمَات: مَا كثرت مدلولاته ولوزامه، كالفعل، فَإِن مدلولاته الْحَدث وَالزَّمَان، ولوازمه الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالتَّصَرُّف وَغير ذَلِك
والخفيف من الْكَلِمَات: مَا قل فِيهِ ذَلِك، كالاسم، فَإِنَّهُ يدل على مُسَمّى وَاحِد، وَلَا يلْزمه غَيره فِي تحقق مَعْنَاهُ وَلِهَذَا خصت تَاء التَّأْنِيث الساكنة بِالْفِعْلِ والمتحركة بِالِاسْمِ، لِأَن السّكُون أخف من الْحَرَكَة وَخص الضَّم بمضارع الرباعي، وَالْفَتْح بمضارع الثلاثي، لِأَن الرباعي أقل وَالضَّم أثقل، فَجعل الأثقل للأقل والأخف للْأَكْثَر وألحقت التَّاء عدد الْمُذكر، وأسقطت من عدد الْمُؤَنَّث لثقل الْمُؤَنَّث وخفة الْمُذكر
وحذفت الْيَاء وَالتَّاء فِي بَاب (فعيلة) فِي النّسَب نَحْو: (حنيفَة) و (حَنَفِيّ) بِخِلَاف الْمُذكر، كل ذَلِك للتعادل وَقد كَانَ النّظم الْجَلِيل مُشْتَمِلًا على الفصيح والأفصح والمليح والأملح ف (تتلو) أحسن من (تقْرَأ) لثقل الْهمزَة؛ و (لَا ريب) من (لَا شكّ) لثقل الْإِدْغَام؛ و (وَهن) من (ضعف) لثقلة الضمة؛ و (آمن) أخف من (صدق) ؛ و (أنذر) أخف من (خوف) ؛ و (نكح) أخف من (تزوج) إِلَى غير ذَلِك فَكل مَا كَانَ أخف كَانَ ذكره أَكثر
الثَّنَاء: هُوَ مَأْخُوذ من الثني، وَهُوَ الْعَطف ورد الشَّيْء بعضه على بعض وَمِنْه ثنيت الثَّوْب: إِذا جعلته اثْنَيْنِ بالتكرار وبالإمالة والعطف؛ فَذكر الشَّيْء مرَّتَيْنِ يتَنَاوَل أَحدهمَا مَا لم يتَنَاوَلهُ الآخر
وهلم جرا بِمَنْزِلَة جعله اثْنَيْنِ؛ فَأطلق اسْم الثَّنَاء على تكْرَار ذكر الشَّيْء لشيئين
وَمِنْه التَّثْنِيَة فِي الِاسْم؛ فالمثنى مُكَرر لمحاسن من يثني عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى
وَهُوَ الْكَلَام الْجَمِيل وَقيل: هُوَ الذّكر بِالْخَيرِ، وَقيل: يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر على سَبِيل الْحَقِيقَة وَعند الجهور حَقِيقَة فِي الْخَيْر ومجاز فِي الشَّرّ على ضرب من التَّأْوِيل والمشاكلة والاستعارة التهكمية
[الثنا] : وَقيل بِتَقْدِيم النُّون وَالْقصر هُوَ الذّكر بِالشَّرِّ
وَقيل: الثَّنَاء هُوَ الْإِتْيَان بِمَا يشْعر التَّعْظِيم مُطلقًا، سَوَاء كَانَ بِاللِّسَانِ أَو بالجنان أَو بالأركان؛ وَسَوَاء كَانَ فِي مُقَابلَة شَيْء أَو لَا، فَيشْمَل الْحَمد وَالشُّكْر والمدح، وَهُوَ الْمَشْهُور بَين الجهور وَالْمَفْهُوم من " الْكَشَّاف " وَغَيره فعلى هَذَا قيد بِاللِّسَانِ لدفع احْتِمَال التَّجَوُّز، أَعنِي إِطْلَاق الثَّنَاء على مَا لَيْسَ(1/324)
بِاللِّسَانِ مجَازًا وَقَوله تَعَالَى {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة} إِلَى آخِره هُوَ ثَنَاء وَقيل بلَاء
(وَالثنَاء عِنْد الْمُحَقِّقين تَعْرِيف من المثني للمثنى عَلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ مثنى عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ للمثني أَي مثن كَانَ، وَأي مثنى عَلَيْهِ كَانَ
وَحَقِيقَة الذّكر التَّام التَّصْرِيح بِمَا يدل على الْمَذْكُور دلَالَة تَامَّة ويعرب عَن ذَاته، واستحضار الذاكر الْمَذْكُور فِي نَفسه أَو حُضُوره مَعَه والحضور والاستحضار عبارَة عَن استجلاء الْمَعْلُوم
فحاصله أَيْضا رَاجع إِلَى الْعلم؛ فَهُوَ من وَجه غير مُغَاير للثناء، لَكِن بِالنِّسْبَةِ لمن يذكر الْحق ذكر معرفَة وتعريف)
ثمَّ: للْعَطْف مُطلقًا، سَوَاء كَانَ مُفردا أَو جملَة
وَإِذا ألحق التَّاء تكون مَخْصُوصَة بعطف الْجمل
وَلَا يجوز فِي (ثمَّ) العاطفة مَا جَازَ فِي (شدّ) و (مد) من اللُّغَات الثَّلَاث
وَفِي (ثمَّ) تراخ، وَهُوَ أَن يكون بَين المعطوفين مهلة دون الْفَاء والتراخي فِي (ثمَّ) عِنْد أبي حنيفَة فِي التَّكَلُّم؛ وَعند صَاحِبيهِ فِي الحكم؛ وَوُجُوب دلَالَة (ثمَّ) على التَّرْتِيب مَعَ التَّرَاخِي مَخْصُوص بعطف الْمُفْرد
والتراخي الرتبي لَيْسَ معنى (ثمَّ) فِي اللُّغَة وَغَيرهَا، بل يُطلق عَلَيْهِ (ثمَّ) مجَازًا
وَقد يَجْعَل تغاير البحثين والكلامين بِمَنْزِلَة التَّرَاخِي فِي الزَّمَان، فيستعمل لَهُ (ثمَّ) ؛ وَهُوَ أصل فِي الزَّمَان فَمَا أمكن لَا يصرف عَنهُ إِلَى غَيره
وَلَفْظَة (ثمَّ) أبلغ من الْوَاو فِي التقريع كَمَا فِي: {ثمَّ اتخذتم الْعجل}
وَقد يكون ظرفا؛ بِمَعْنى (هُنَاكَ) ، كَمَا فِي مثل قَوْلك: (الشَّخْص سَواد الْإِنْسَان ترَاهُ من بعد ثمَّ اسْتعْمل فِي ذَاته)
وَقد يَجِيء لمُجَرّد الاستبعاد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا} وَقد يَجِيء بِمَعْنى التَّعَجُّب نَحْو: {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} وَبِمَعْنى الِابْتِدَاء نَحْو: {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} وَبِمَعْنى الْعَطف وَالتَّرْتِيب نَحْو: {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا}
وَبِمَعْنى (قبل) نَحْو: {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} أَي: فعل ذَلِك قبل استوائه على الْعَرْش و (ثمَّ) فِي قَوْله تَعَالَى: (ثمَّ كلا سَوف(1/325)
تعلمُونَ} للتدرج، كَمَا فِي: (وَالله ثمَّ وَالله) وَقد يَجِيء لمُجَرّد الترقي نَحْو:
(إِن من سَاد ثمَّ سَاد أَبوهُ ... ثمَّ قد سَاد قبل ذَلِك جده)
وَقد تَجِيء للتَّرْتِيب فِي الْأَخْبَار، كَمَا يُقَال: (بَلغنِي مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ مَا صنعت أمس أعجب) أَي: ثمَّ أخْبرك أَن الَّذِي صنعت أمس أعجب
[وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا} أَي: ثمَّ أخْبركُم أَن هَذَا لمن كَانَ مُؤمنا كَمَا فِي " التَّيْسِير "
وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: ثمَّ دَامَ على الْإِيمَان، إِذْ الْأُمُور بخواتيمها كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى} أَي دَامَ على الاهتداء]
وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى الْوَاو الَّتِي بِمَعْنى (مَعَ) أَي مَعَ ذَلِك كَانَ من الَّذين آمنُوا
[وَمثل قَوْله تَعَالَى: {وَإِمَّا نرينك بعض الَّذِي نعدهم أَو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثمَّ الله شَهِيد على مَا يَفْعَلُونَ} أَي: وَالله، لأَنا لَو حملنَا على حَقِيقَته لَأَدَّى أَن يكون الله شَهِيدا بعد أَن لم يكن وَهُوَ مُمْتَنع]
وَقد تَجِيء للتّنْبِيه على أَنه يَنْبَغِي أَن يستبد السَّامع فِي تَحْقِيق مَا تقدم حَتَّى يصير على ثِقَة وطمأنينة
وَقد تَجِيء فصيحة لمُجَرّد استفتاح الْكَلَام
وَقد تَجِيء زَائِدَة كَمَا فِي: {أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم} وثمة: اسْتِعَارَة من الْإِشَارَة إِلَى الْمَكَان، وَهِي بِفَتْح الثَّاء وَالْمِيم الْمُشَدّدَة وهاء السكت الَّتِي هِيَ هَاء زَائِدَة فِي آخر الْكَلِمَة، محركة بحركة غير إعرابية مَوْقُوفا عَلَيْهَا لبَيَان تِلْكَ الْحَرَكَة؛ تدرج فِي الْوَصْل إِلَّا إِذا أجري مجْرى الْوَقْف
قَالَ بَعضهم: (ثمَّ) إِشَارَة إِلَى الْمَكَان الْبعيد نَحْو: {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} وَيجوز أَن يُوقف عَلَيْهَا بهاء السكت
وَقَول الْعَامَّة: (ثمت) بِالتَّاءِ من قَبِيح اللّحن وَفِي " شرح مُسلم ": بِلَا هَاء يدل على الْمَكَان الْبعيد، وبهاء على الْقَرِيب
قَالَ الطَّبَرِيّ: فِي قَوْله: {أَثم إِذا مَا وَقع آمنتهم بِهِ} مَعْنَاهُ: هُنَالك، وَلَيْسَت (ثمَّ) العاطفة
وَهَذَا وهم اشْتبهَ عَلَيْهِ المضمومة بالمفتوحة
وَقيل: (ثمت) بِالتَّاءِ لُغَة فِي (ثمَّ) العاطفة للجمل خَاصَّة، وَالتَّاء عَلامَة تَأْنِيث الْجُمْلَة وكما تتصل هَذِه الْعَلامَة بِالِاسْمِ نَحْو: (امْرَأَة) ، وبالصفة نَحْو: (قَائِمَة) كَذَلِك تتصل بِالْفِعْلِ؛ إِلَّا أَنَّهَا تبدل فِي الِاسْم مِنْهَا الْهَاء فِي الْوَقْف، وينتقل الْإِعْرَاب عَن آخر الِاسْم إِلَيْهَا، وَفِي الْفِعْل تسكن إِلَّا أَن يلاقيها سَاكن، وَتَكون التَّاء فِي الْوَقْف والوصل جَمِيعًا؛ وَإِذا حرك بِالْفَتْح بَقِي تَاء فِي كل حَال، لِأَن دُخُول تَاء التَّأْنِيث على الْحَرْف قَلِيل، فَإِذا دخل حرك بِالْفَتْح كَمَا فِي (ربت)
الثلاثي: بِضَم الثَّاء الأولى، وَكَذَا (الرباعي) وهما شَاذان، لِأَنَّهُمَا منسوبان إِلَى (ثَلَاثَة) و (أَرْبَعَة)(1/326)
وَالْقِيَاس الْفَتْح، وَهَكَذَا نظائرهما
الثماني: تأنيثه (الثَّمَانِية) ؛ وَالْيَاء فِيهِ كهي فِي الرباعي فِي أَنَّهَا للنسبة، كَمَا فِي (الْيَمَانِيّ) قَالَ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: تَقول ثَمَانِيَة رجال وثماني نسْوَة، وَلَا يُقَال ثَمَان نسْوَة بِلَا يَاء لِأَن الْيَاء المنقوصة ثَابِتَة فِي حَالَة الْإِضَافَة وَالنّصب، ك (القَاضِي)
وَالثَّمَانِيَة فِي الأَصْل مَنْسُوب إِلَى الثّمن بِالضَّمِّ، لِأَنَّهُ الْجُزْء الَّذِي صير السَّبْعَة ثَمَانِيَة فَفتح أَولهَا للتغيير فِي النِّسْبَة، وَحذف إِحْدَى ياءي النِّسْبَة وَعوض عَنْهَا الْألف كَمَا فِي الْمَنْسُوب إِلَى الْيمن
وَالْأَصْل فِي (ثَمَانِي عشرَة) فتح الْيَاء لبَقَاء صُدُور الْأَعْدَاد المركبة على الْفَتْح ك (ثَلَاثَة عشر) ، وَجَاز إسكانها، وشذ حذفهَا بِفَتْح النُّون
الثَّالِث عشر: هُوَ بِفَتْح الثَّالِث على أَنه مركب مَعَ عشر، وَكَذَا الرَّابِع عشر وَنَحْوه، وَلَا يجوز فِيهِ الضَّم على الْإِعْرَاب، وَذَلِكَ أَنه إِذا صِيغ موازن (فَاعل) من التِّسْعَة فَمَا دونهَا، وَركب مَعَ الْعشْرَة فلك فِيهِ أوجه: إِمَّا أَن تضيفه إِلَى الْمركب المطابق لَهُ، أَو أَن تقتصر عَلَيْهِ مَعَ الْبناء على الْفَتْح، أَو أَن تقتصر عَلَيْهِ وتعرب الأول مُضَافا إِلَى الثَّانِي مَبْنِيا، وَهَذَا الْأَخير إِنَّمَا يكون مَعَ فقد حرف التَّعْرِيف أما إِذا وجد فَحِينَئِذٍ تعين الْبناء وامتنعت الْإِضَافَة
الثَّانِي: هُوَ بِاعْتِبَار التصيير، واثنين بِاعْتِبَار حَاله
[وَقد يُرَاد بِالثَّانِي كل مَا هُوَ ثَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قبله لَا الْفَرد اللَّاحِق من الِاثْنَيْنِ، وَهَذَا كَمَا يُقَال: (فعلت كَذَا مرّة بعد أُخْرَى) أَي فعلته مرَارًا كَثِيرَة غير مقتصرة على الْمرة]
وَالثَّانيَِة: هِيَ جُزْء من سِتِّينَ جُزْءا من الدقيقة، والدقيقة جُزْء من سِتِّينَ جُزْءا من الدرجَة؛ والدرجة جُزْء من خَمْسَة عشر جُزْءا من السَّاعَة
وَيُقَال: ثَانِي اثْنَيْنِ، وثالث ثَلَاثَة، ورابع أَرْبَعَة؛ وَلَا يُقَال: اثْنَيْنِ ثَان، وَلَا ثَلَاثَة ثَالِث، وَلَا أَرْبَعَة رَابِع وَقَول أبي تَمام:
(ثَانِيه فِي كبد السَّمَاء وَلم يكن ... كاثنين ثَان إِذْ هما فِي الْغَار)
فَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير وتقليب للتركيب وتغيير، وَهُوَ: وَلم يكن كاثنين إِذْ هما فِي الْغَار؛ وَالْمرَاد أَنه لم يكن كهذه الْقَضِيَّة قَضِيَّة أُخْرَى
لم يكن كهذه الْقَضِيَّة قَضِيَّة أُخْرَى
واثنين ثَان: تركيب جملَة
وَثَانِي اثْنَيْنِ: تركيب إِضَافَة
الثُّلُث: بِضَمَّتَيْنِ سهم من ثَلَاثَة
وَيَوْم الثُّلَاثَاء، بِالْمدِّ وَيضم، وَثَلَاث إِن أفرد، كَمَا فِي قَوْلك: (بِعْت من النوق ثَلَاثًا) يكْتب بِالْألف لاتقاء اللّبْس بِثلث؛ وَإِن أضيف أَو وصف كَمَا فِي قَوْلك: (حلبت ثلث نُوق) و (مَا حلبت النوق الثُّلُث) يكْتب بِحَذْف الْألف لارْتِفَاع اللّبْس، وَكَذَلِكَ (ثلثة وَثَلَاثُونَ) بِحَذْف الْألف لِأَن عَلامَة التَّأْنِيث وَالْجمع الملتحقة بآخرهما منعت من إِيقَاع اللّبْس
الثَّوَاب: هُوَ عبارَة عَن الْمَنْفَعَة الْخَالِصَة المقرونة بالتعظيم وَقيل: الْجَزَاء كَيفَ مَا كَانَ من الْخَيْر(1/327)
وَالشَّر، إِلَّا أَن اسْتِعْمَاله فِي الْخَيْر أَكثر، وَفِي الشَّرّ على طَريقَة {فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} [وَالثَّوَاب يتَعَلَّق بِصِحَّة الْعَزِيمَة وَالْجَزَاء يتَعَلَّق بالركن وَالشّرط]
وَالثَّوَاب الَّذِي يعْطى أجرا لَا يتَصَوَّر بِدُونِ الْعَمَل، بِخِلَاف مُطلق الثَّوَاب، والإثابة: إِعْطَاؤُهُ
وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب على اسْتِعْمَال الْفِعْل الْمَخْلُوق، لَا على أصل الْخلق، ويعاقب عَلَيْهِ بِصَرْف الِاسْتِطَاعَة الَّتِي تصلح للطاعة إِلَى الْمعْصِيَة، لَا على إِحْدَاث الطَّاعَة
الثَّوْب: لُغَة مَا يلبس من الْقطن أَو الصُّوف أَو الْخَزّ أَو غير ذَلِك، وَلَا يُطلق عَادَة على الْبسَاط وَالْمسح والستر والعمامة والقلنسوة، [يُقَال: تعمم، وتقلنس، وَلَا يُقَال: لبس] ، وَلِهَذَا لَا يدْخل تَحت الْوَصِيَّة وَأَصله الرُّجُوع إِلَى الْحَالة الأولى أَو الْمقدرَة
{وثيابك فطهر} : قيل قَلْبك
وَالْمَيِّت يبْعَث فِي ثِيَابه: أَي فِي أَعماله
وَللَّه ثوباه: أَي لله دره
الثَّنية: هِيَ تجمع على [ثنايا] وَهِي الْأَسْنَان الْمُتَقَدّمَة، اثْنَان فَوق وَاثْنَانِ تَحت، وَخَلفهَا الرباعيات بِالْفَتْح وَتَخْفِيف الْيَاء
والأنياب: هِيَ الْأَرْبَع خلف الرباعيات الْأَرْبَع
ثمَّ الأضراس وَهِي عشرُون، من كل جَانب عشرَة، مِنْهَا الضواحك أَرْبَعَة، ثمَّ الطواحن، ثمَّ النواجذ، من كل جَانب اثْنَان، وَاحِد من أَعلَى وَآخر من أَسْفَل، وَهِي أقْصَى الأضراس وَهِي لَا تنْبت لبَعض النَّاس، وَقد ينْبت لبَعض بَعْضهَا، ولبعض كلهَا يُقَال لَهَا أَسْنَان الْحلم
والثنايا: الْجبَال أَيْضا وَيُقَال (فلَان طلاع الثنايا) أَي: يقْصد عظائم الْأُمُور كَقَوْلِه:
(أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني)
والثني عرفه بعض الأدباء بالنظم:
(الثني ابْن لحول وَابْن ضعف ... وَابْن خمس من ذَوي ظلف وخف)
الثغر: السن، وَمَا يَلِي دَار الْحَرْب من الْبِلَاد، وَمَوْضِع المخافة من فروج الْبلدَانِ، وَهُوَ كالثلمة بِالضَّمِّ للحائط يخَاف هجوم السَّارِق مِنْهَا
وَيُقَال (ثغر شتيث) إِذا كَانَ بَين الْأَسْنَان كلهَا تَفْرِيق يسير، وَإِن كَانَ التَّفْرِيق بَين الثنايا خَاصَّة فالثغر أفلج قَالَ ابْن دُرَيْد: لَا تَقول رجل أفلج إِلَّا إِذا ذكرت مَعَه الْأَسْنَان
الثَّمر: هُوَ فروع النَّبَات، يَقع فِي الْأَغْلَب على مَا يحصل على الْأَشْجَار، وَيَقَع أَيْضا على الزَّرْع والنبات كَقَوْلِه تَعَالَى: {كلوا من ثمره إِذا أثمر وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده}
وثمر الرجل: تمول
وَالثِّمَار: جمع ثَمَر جمع ثَمَرَة [وَالثَّمَرَة أَعم من المطعوم، كَمَا أَن الرزق أَعم من الْمَأْكُول والمشروب](1/328)
الثّمن: مَا ثَبت دينا فِي الذِّمَّة، وَقِيمَة الشَّيْء عبارَة عَن قدر مَالِيَّته بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير بتقويم المقومين، وَهِي مُسَاوِيَة لَهُ بِخِلَاف الثّمن، فَإِنَّهُ يكون نَاقِصا وزائدا وَمن الْأَمْوَال: مَا هُوَ ثمن بِكُل حَال كالنقدين، صَحبه الْبَاء أَو لَا، قويل بِجِنْسِهِ أَو غَيره ومبيع بِكُل حَال، كالثياب وَالدَّوَاب والمماليك
وَثمن بِوَجْه: مَبِيع بِوَجْه كالمكيل وَالْمَوْزُون، فَإِذا كَانَ معينا فِي العقد كَانَ مَبِيعًا؛ وَإِن لم يكن معينا وصحبة الْبَاء وقابله مَبِيع فَهُوَ ثمنه
وَثمن فِي الِاصْطِلَاح: وَهُوَ سلْعَة فِي الأَصْل إِن كَانَ رائجا كَانَ ثمنا، وَإِن كَانَ كاسدا كَانَ سلْعَة
والثقبة: بِالضَّمِّ، الْخرق النَّافِذ الصَّغِير
ونقب الْحَائِط: بالنُّون، وَهُوَ الْخرق الْعَظِيم النَّافِذ الَّذِي لَهُ عمق
الثرى: بِالْقصرِ، الندى، وَالتُّرَاب الندي، أَو الَّذِي إِذا بل لم يصر طينا وَيسْتَعْمل فِي انْقِطَاع الْمَوَدَّة
والثروة كَثْرَة الْعدَد من النَّاس وَالْمَال
وَتَحْت الثرى: هِيَ الطَّبَقَة الترابية من الأَرْض وَهِي آخر طبقاتها
الثمام: بِالضَّمِّ، نبت ضَعِيف لَهُ خوص أَو شَيْء يُشبههُ، يُقَال إِنَّه نبت على قدر قامة الْمَرْء
وَقَوْلهمْ، على طرف الثمام: مثل يضْرب فِي سهولة الْحَاجة وَقرب المُرَاد
الثمال: ككتاب، الغياث الَّذِي يقوم بِأَمْر قومه
[الثِّقَة: لفظ الثِّقَة مُتَرَدّد بَين الْأَمَانَة والفهم إِلَّا إِذا اقترنت بالمعلوم فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تعيّنت فِيهِ جِهَة الْفَهم]
الثواء: النُّزُول للإقامة يُقَال ثوى بالمنزل، وأثوى غَيره
الثَّعْلَب: بِالْفَتْح، حَيَوَان مَعْرُوف وَهِي الْأُنْثَى
وَالذكر ثعلبان، بِالضَّمِّ وَفِي الْبَيْت الْمَشْهُور بِالْفَتْح لِأَنَّهُ مثنى
الثلَّة: بِالضَّمِّ، الْقطعَة من النَّاس، وبالفتح: قِطْعَة من الْغنم
الثلب: ثلبه: صرح بِالْعَيْبِ فِيهِ وتنقص، وبابه (ضرب)
والمثالب: الْعُيُوب، وأحدها مثلبة
الثبور: الْهَلَاك
الثج: هُوَ إسالة الدِّمَاء من الذّبْح والنحر
ثل الله عَرْشه: أَي أَمَاتَهُ وأذهب ملكه
ثكلتك أمك، وَكَذَا هبلته الهبول ونظائرهما كَلِمَات يستعملونها عِنْد التَّعَجُّب والحث على التيقظ فِي الْأُمُور وَلَا يُرِيدُونَ بهَا الْوُقُوع وَلَا الدُّعَاء على الْمُخَاطب بهَا، لكِنهمْ أخرجوها عَن أَصْلهَا إِلَى التَّأْكِيد مرّة، وَإِلَى التَّعَجُّب(1/329)
وَالِاسْتِحْسَان تَارَة، وَإِلَى الْإِنْكَار والتعظيم تَارَة أُخْرَى [نوع]
{فانفروا ثبات} : أَي جماعات مُتَفَرِّقَة
{ثجاجا} : منصبا بِكَثْرَة
{ثقفتموهم} : وَجَدْتُمُوهُمْ
{ثبورا} : بلَاء ويلا
{ثَانِي عطفه} : مستكبرا فِي نَفسه
{النَّجْم الثاقب} : المضيء كَأَنَّهُ يثقب الظلام بضوئه فَينفذ فِيهِ
{وَمَا كنت ثاويا} : مُقيما
{ثلة من الْأَوَّلين} : أَي هم كثير من الْأَوَّلين
{هَل ثوب الْكفَّار} : أَي: هَل أثيبوا
{فثبتطهم} : فحبسهم بالجبن والكسل
[ {قولا ثقيلا} : يَعْنِي الْقُرْآن فَإِنَّهُ لما فِيهِ من التكاليف الشاقة ثقيل على الْمُكَلّفين لَا سِيمَا على الرَّسُول
{يَوْمًا ثقيلا} : شَدِيدا
{يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} : ثَمَانِيَة أَمْلَاك
{ثعبان} : حَيَّة عَظِيمَة الْجِسْم
{ثَمُود} : من الثمد وَهُوَ المَاء الْقَلِيل، وَمن جعله اسْم حَيّ أَو أَب صرفه لِأَنَّهُ مُذَكّر، وَمن جعله اسْم قَبيلَة أَو أَرض لم يصرفهُ]
(فصل الْجِيم)
[جثيا] : كل مَا فِي الْقُرْآن جثيا فَمَعْنَاه جَمِيعًا، إِلَّا {وَترى كل أمة جاثية} فَإِن مَعْنَاهُ تجثو على ركبهَا
[جعل] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن جعل فَهُوَ بِمَعْنى خلق
[الْجلد] : وَفِي " الْقَامُوس " قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا} أَي: لفروجهم
[الْجَبَل] : كل وتد فِي الأَرْض عظم وَطَالَ فَهُوَ جبل، فَإِن انْفَرد فأكمة أَو قنة
[الْجَوْهَر] : كل حجر يسْتَخْرج مِنْهُ شَيْء ينْتَفع بِهِ فَهُوَ جَوْهَر
[جرد] : كل شَيْء قشرته عَن شَيْء فقد جردته عَنهُ
[الْجَارِحَة] : كل مَا يصيد من السبَاع وَالطير فَهُوَ جارحة
[الْجُحر] : كل شَيْء تحتفره الْهَوَام وَالسِّبَاع لأنفسها فَهُوَ جُحر بِالضَّمِّ(1/330)
[الْجِنَايَة] : كل فعل مَحْظُور يتَضَمَّن ضَرَرا فَهُوَ جِنَايَة
[الجم] : وَالْكثير من كل شَيْء جم
الجرثومة] : أصل كل شَيْء ومجتمعه جرثومة، وَمِنْه: جرثومة الْعَرَب
[الجهور] : ومعظم كل شَيْء جُمْهُور
[الجرو] : ولد كل سبع جرو؛ ووحشية: طلا؛ وطائر: فرخ؛ وإنسان طِفْل
كل جَار ومجرور إِذا وَقع حَالا أَو خَبرا أَو صلَة أَو صفة فَإِنَّهُ يتَعَلَّق بِمَحْذُوف كل جَار ومجرورو إِذا جَاءَ بعد النكرَة يكون صفة، وَبعد الْمعرفَة يكون حَالا مِنْهَا. كل مَوضِع حمل فِيهِ الْجَرّ على الْجوَار فَهُوَ خلاف الأَصْل إِجْمَاعًا للْحَاجة وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن خفض الْجوَار يكون فِي النَّعْت قَلِيلا، وَفِي التَّأْكِيد نَادرا، وَلَا يكون فِي النسق، أَي فِي الْعَطف بِالْوَاو، لِأَن العاطف يمْنَع التجاور، وَمن شَرط الْخَفْض على الْجوَار أَن لَا يَقع فِي مَحل الِاشْتِبَاه
كل جمع يفرق بَينه وَبَين واحده بِالتَّاءِ يجوز فِي وَصفه التَّذْكِير والتأنيث نَحْو: {أعجاز نخل خاوية} و {أعجاز نخل منقعر} ؛ والأغلب على أهل الْحجاز التَّأْنِيث، وعَلى أهل نجد التَّذْكِير، وَقيل: التَّذْكِير فِيهِ بِاعْتِبَار اللَّفْظ، والتأنيث بِاعْتِبَار الْمَعْنى
كل جمع حُرُوفه أقل من حُرُوف واحده فَإِنَّهُ جَازَ تذكيره مثل: (بقر) و (نخل) و (سَحَاب)
كل جمع إِذا كَانَ عين فعل مفرده يَاء فَإِنَّهُ لَا يقْرَأ جمعه بِالْهَمْزَةِ ك (معايش) و (فوايد) وَنَحْوهمَا، وَإِلَّا فبالهمزة ك (نَظَائِر) و (فَضَائِل) و (قلائد) وَأما فِي اسْم الْفَاعِل فبالياء مُطلقًا و (الْمَدَائِن) بِالْهَمْزَةِ أفْصح، وَعَلِيهِ (قَرَائِن) قَالَ الْجَوْهَرِي: سَأَلت أَبَا عَليّ النسوي عَن همزَة (مَدَائِن) فَقَالَ: من جعله (فعيلة) من الْإِقَامَة همزه، وَمن جعله (مفعلة) لم يهمز
كل جمع كسر على غير واحده وَهُوَ من أبنية الْجمع فَإِنَّهُ يرد فِي تصغيره إِلَى واحده
كل جمع ثالثه ألف فَإِنَّهُ بِكَسْر الْحَرْف الَّذِي بعْدهَا نَحْو (مَسَاجِد) و (جعافر)
كل جمع مؤنث وتأنيثه لَفْظِي، لِأَن تأنيثه بِسَبَب أَنه بِمَعْنى الْجَمَاعَة، وتأنيث الْجَمَاعَة لَفْظِي
كل مَا كَانَ مفرده مشددا ك (كرْسِي) و (عَارِية) و (سَرِيَّة) فَإِنَّهُ جَازَ فِي جمعه التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف
(كل مَا كَانَ يجمع بِغَيْر الْوَاو وَالنُّون نَحْو (حسن) و (حسان) فالأجود فِيهِ أَن تَقول: (مَرَرْت بِرَجُل حسان قومه) من قبل، لِأَن هَذَا الْجمع المكسر هُوَ اسْم وَاحِد صِيغ للْجمع أَلا ترى أَنه يعرب كإعراب الْوَاحِد الْمُفْرد
وكل مَا كَانَ يجمع بِالْوَاو وَالنُّون نَحْو (منطلقين) فالأجود فِيهِ أَن تَجْعَلهُ بِمَنْزِلَة الْفِعْل الْمُقدم
فَتَقول: (مَرَرْت بِرَجُل منطلق قومه)
كل اسْم غير إِلَى نَحْو (رجال) و (مُسلمين) و (مسلمات) فَهُوَ للْجَمِيع من مسميات ذَلِك الِاسْم
وكل جمع عرف بِاللَّامِ فَهُوَ لجَمِيع تِلْكَ المسميات(1/331)
كل جمع مصحح مذكرا كَانَ أَو مؤنثا فَهُوَ أوزان الْقلَّة و (أفعل) و (أَفعَال) و (أفعلة) من المكسر، وَالْكَثْرَة مَا عَداهَا
كل جمع تغير فِيهِ نظم الْوَاحِدَة فَهُوَ جمع التكسير
كل جمع مكسر ك (الْأسد) و (الأبيات) فَهُوَ نَظِير الْفَرد فِي الْإِعْرَاب
كل جمع بعد ثَانِيَة ألف فَهُوَ خماسي، فَلَا يتَصَرَّف، وَكَذَا السداسي نَحْو: (دَنَانِير) كل جمع فِيهِ تَاء زَائِدَة فرفعه بِالضَّمِّ ونصبه وجره بِالْكَسْرِ
كل مَا كَانَ على (فعلة) من الْأَسْمَاء مَفْتُوح الأول سَاكن الثَّانِي، وَالثَّانِي حرف صَحِيح فَإِنَّهُ حرك فِي جمع التَّصْحِيح نَحْو: (سَجدَات) ؛ وَإِن كَانَ الثَّانِي واوا نَحْو (حومات) ، أَو يَاء نَحْو: (بيضات) فَلَا يُحَرك لِئَلَّا يَنْقَلِب ألفا وَهَكَذَا إِذا كَانَ صفة نَحْو (صعبة) و (صعبات) ؛ و (ضخمة) و (ضخمات)
كل جمع من غير الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ (بَنَات) ك (بَنَات عرس) و (بَنَات دأبة) و (بَنَات نعش)
كل اسْم على (فعل) ثَانِيه وَاو فَإِنَّهُ جَازَ أَن يجمع على ثَلَاثَة أوجه ك (نون) و (نينات) و (أنوان) و (نونات)
كل اسْم جنس جمعي فَإِن واحده بِالتَّاءِ وَجمعه بِدُونِهَا ك (سدر) و (سِدْرَة) ، و (نبق) و (نبقة) ، إِلَّا لفظين وَهِي (الكمأة) جمع (كمء) ، و (الفقعة) جمع (فقع) ، وَهُوَ ضرب من الكمأة، وَهَذَا من النَّوَادِر
كل مَا كَانَ على (أَفعَال) فَهُوَ جمع إِلَّا فِي مَوَاضِع نَحْو: (أَرض أحصاب) : إِذا كَانَت ذَات حَصْبَاء، و (بلد أمحال) أَي: قحط و (مَاء أسدام) أَي: متغير من طول الْقدَم، كَمَا أَن (إفعالا) بِالْكَسْرِ مصدر، إِلَّا (إستارا) وَهُوَ فِي الْعدَد أَرْبَعَة من جنس وَاحِد، و (إعصارا) و (إسكافا) و (إمخاضا) وَهُوَ السقاء الَّذِي يمخض فِيهِ اللَّبن، و (إنشاطا) يُقَال (بِئْر إنشاط) وَهِي الَّتِي يخرج مِنْهَا الدَّلْو بجذبة وَاحِدَة
كل مَا هُوَ على (أفعل) فَهُوَ جمع، إِلَّا (أبلم) و (أجرب) و (أذرح) و (أسلم) و (أَسْقُف) و (أصبح) و (أصوع) و (أعصر) و (أقرن)
كل مَا يجمع من أَسمَاء الْأَجْنَاس ثمَّ يعرف تَعْرِيف الْجِنْس فَإِنَّهُ يُفِيد أَمريْن: أَحدهمَا أَن ذَلِك الْجِنْس تَحْتَهُ أَنْوَاع مُخْتَلفَة، وَالْآخر أَنه مُسْتَغْرق لجَمِيع مَا تَحْتَهُ مِنْهَا
وَالْمَعْرُوف بِاللَّامِ من الجموع وأسمائها للْعُمُوم فِي الْأَفْرَاد قلت أَو كثرت
وَالْجمع الْمُعَرّف تَعْرِيف الْجِنْس مَعْنَاهُ جمَاعَة الْآحَاد وَهِي أَعم من أَن يكون جَمِيع الْآحَاد أَو بَعْضهَا، فَهُوَ إِذا أطلق احْتمل الْعُمُوم والاستغراق، وَاحْتمل الْخُصُوص أَيْضا، وَالْحمل على وَاحِد مِنْهُمَا يتَوَقَّف على الْقَرِينَة، كَمَا فِي الْمُشْتَرك هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ وَصَاحب " الْمِفْتَاح " وَمن تبعهما، وَهُوَ خلاف مَا ذهب إِلَيْهِ أَئِمَّة الْأُصُول
الْجمع: فِي اللُّغَة ضم الشَّيْء إِلَى الشَّيْء، وَذَلِكَ حَاصِل فِي الِاثْنَيْنِ بِلَا نزاع، وَإِنَّمَا النزاع فِي صِيغ الْجمع وضمائره، وَالأَصَح أَن أقل مُسَمّى الْجمع ك (رجال) و (زيدين) ثَلَاثَة بِإِجْمَاع أهل اللُّغَة
وَالْمرَاد من قَوْله تَعَالَى: {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا} أَي: طَائِفَتَانِ خصمان وَحَدِيث:(1/332)
" الِاثْنَان وَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة " مَحْمُول على الْمَوَارِيث والوصايا وعَلى سنية تقدم الإِمَام وَإِنَّمَا حمل على مَا ذكر لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث لتعليم الْأَحْكَام لَا لبَيَان اللُّغَات
بَقِي أَن هَذَا فِي جمع الْقلَّة وَاضح، وَأما فِي جمع الْكَثْرَة فمشكل، لِأَن النُّحَاة أطبقوا على أَن أَقَله أحد عشر وَالْجَوَاب بشيوع الْعرف فِي إِطْلَاق الدَّرَاهِم على ثَلَاثَة، وَيجْرِي الْخلاف فِي ضمير الْجمع أَيْضا
وَالْجمع الْمُنكر يتَنَاوَل الثَّلَاثَة وَأكْثر سَوَاء كَانَ جمع الْقلَّة أَو الْكَثْرَة، لِأَنَّهَا أقل الْجمع مُطلقًا عرفا لَا الْأَدْنَى من الثَّلَاثَة، لِأَنَّهُ غير مَا وضع لَهُ أصلا
وَالْجمع تَصْحِيحا وتكسيرا يصدق على الْوَاحِد مجَازًا لاستعماله فِيهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} فَإِن المُرَاد عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وجموع السَّلامَة للقلة بِاتِّفَاق النُّحَاة، وَعند الْأُصُولِيِّينَ أَن صِيغَة (الْمُؤمنِينَ) و (الْمُشْركين) وَنَحْوهمَا للْعُمُوم وَلَعَلَّ التَّوْفِيق بَين الْكَلَامَيْنِ هُوَ أَنه لَا مَانع من أَن يكون أصل وَضعهَا للقلة، وَغلب اسْتِعْمَالهَا فِي الْعُمُوم لعرف أَو لشرع، فَنظر النُّحَاة إِلَى أصل الْوَضع والأصوليون إِلَى غَلَبَة الِاسْتِعْمَال؛ أَو تَقول: كَلَام النُّحَاة فِي الْجمع الْمُنكر، وَكَلَام الْأُصُولِيِّينَ فِي الْجمع الْمُعَرّف، وَقد نظم بعض الأدباء:
(جمع السَّلامَة منكورا يُرَاد بِهِ ... من الثَّلَاث إِلَى عشر فَلَا تزد)
(وأفعل ثمَّ أَفعَال وأفعلة ... وفعلة مثله فِي ذَلِك الْعدَد)
(كأنفس وكأثواب وأرغفة ... وغلمة فاحفظنها حفظ مُجْتَهد)
وأبنية الْقلَّة أقرب إِلَى الْوَاحِد من أبنية الْكَثْرَة، وَلذَلِك يجْرِي عَلَيْهِ كثير من أَحْكَام الْمُفْرد من ذَلِك جَوَاز تصغيره على لَفظه خلافًا للْجمع الْكثير، وَجَوَاز وصف الْمُفْرد بهَا نَحْو: (ثوب أسمال) وَجَوَاز عود الضَّمِير إِلَيْهِ بِلَفْظ الْإِفْرَاد، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} وَمن جمع الْقلَّة مَا جمع بِالْوَاو وَالنُّون، وَالْألف وَالتَّاء
جمع التكسير كالتصغير يرد الشَّيْء على أَصله؛ وَالْجمع المكسر إِذا صغر فإمَّا أَن يكون من جمع الْقلَّة، وَهِي أَربع على الصَّحِيح، فيصغر على لَفظه، وَإِن كَانَ من جمع الْكَثْرَة فَلَا يصغر على لَفظه على الصَّحِيح أَيْضا؛ وَإِن ورد مِنْهُ شَيْء عد شاذا، بل يرد إِلَى واحده، فَإِن كَانَ من غير الْعُقَلَاء صغر وَجمع بِالْألف وَالتَّاء ك (حميرات) فِي تَصْغِير (حمر) جمع (حمَار) ؛ وَإِن كَانَ من الْعُقَلَاء صغر وَجمع بِالْوَاو وَالنُّون ك (رجيلون) فِي تَصْغِير (رجال) ؛ وَإِن كَانَ اسْم جمع ك (قوم) و (رَهْط) أَو اسْم جنس ك (تمر) و (شجر) صغر على لَفظه كَسَائِر الْمُفْردَات
وَالْجمع المكسر عقلاؤه وَغير عقلائه سَوَاء فِي حكم التَّأْنِيث
وَالْجمع المكسر لغير الْعَاقِل يجوز أَن يُوصف بِمَا يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث نَحْو: {مآرب أُخْرَى} وَهُوَ قَلِيل(1/333)
وَالْجمع المكسر سوى مَا على صِيغَة مُنْتَهى الجموع يَصح تثنيته بِتَأْوِيل فرْقَتَيْن
وَجمع التكسير يجْرِي مجْرى الْمُفْرد
وَالْجمع لَا ينْسب إِلَّا فِيمَا لَا يكون لَهُ مُفْرد أصلا ك (الْأَعرَابِي) ، أَو من لَفظه ك (الركباني) فَإِن مفردها (رَاحِلَة) ، أَو يكون علما الْآن، وَإِن كَانَ جمعا ك (أنبار) وَهُوَ اسْم بلد بالعراق، وَكَانَ جمع (نبر) ، أَو يكون جَارِيا مجْرى الْعلم ك (الْأَنْصَار) فَإِنَّهُ فِي الأَصْل جمع (نَاصِر) لنصرتهم الْإِسْلَام
وَالْجمع يُوصف بالمفرد الْمُؤَنَّث بِالتَّاءِ وَهُوَ الشَّائِع، وَقد يُوصف بالمفرد الْمُؤَنَّث بالصيغة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {من آيَات ربه الْكُبْرَى}
وَالْجمع مَا يكون مَوْضُوعا للآحاد المتكثرة بِاعْتِبَار كَونهَا كَثْرَة لوَاحِد مَفْهُوم من لفظ يَصح أَن يكون مُفردا لَهُ
وَاسم الْجمع وَإِن كَانَ لَهُ مُفْرد من لَفظه إِلَّا أَن وَضعه للآحاد من حَيْثُ هِيَ آحَاد بِلَا مُلَاحظَة كَونهَا كَثْرَة لوَاحِد مَفْهُوم من لَفظه يَصح أَن يكون مُفردا لَهُ وَلِهَذَا لَا تكون أَسمَاء الجموع على صِيغ الْجمع، وَمَا لَا يكون لَهُ مُفْرد مُنَاسِب من لَفظه وَيكون فِيهِ كَثْرَة كالقوم والرهط فَهُوَ اسْم بِمَعْنى الْجمع
والنحويون نصوا على أَنه إِذا كَانَ اللَّفْظ على صِيغَة تخْتَص بالجموع لم يسموه اسْم جمع، بل يَقُولُونَ: هُوَ جمع وَإِن لم يسْتَعْمل واحده
وَاسم الْجمع مُفْرد اللَّفْظ مَجْمُوع الْمَعْنى ك (ركب) و (سفر) و (حجب) بِدَلِيل جَوَاز تصغيره على صيغته، وَالْجمع الْحَقِيقِيّ لَا يجوز تصغيره إِذا كَانَ جمع كَثْرَة، بل يرد إِلَى واحده، أَو إِلَى جمع قلَّة إِن وجد، لجَوَاز تَصْغِير جمع الْقلَّة وَأَسْمَاء الجموع سماعية، صرح بِهِ الْمُحَقِّقُونَ.
وَجمع الْعَاقِل لَا يعود عَلَيْهِ الضَّمِير غَالِبا إِلَّا بِصِيغَة الْجمع، سَوَاء كَانَ للقلة أَو للكثرة؛ وَأما غير الْعَاقِل فالغالب فِي الْكَثْرَة الْإِفْرَاد، وَفِي الْقلَّة الْجمع
وَالْعرب تَقول: (الْجُذُوع انْكَسَرت) لِأَنَّهُ جمع كَثْرَة، و (الأجذاع انكسرن) لِأَنَّهُ جمع قلَّة، كَمَا فِي قَوْله:
(وأسيافنا يقطرن من نجدة دَمًا)
[يحْكى عَن النَّابِغَة وَهُوَ نقاد الْجَاهِلِيَّة أَنه عرض عَلَيْهِ حسان بن ثَابت ميميته فَمَا نبس ثمَّ نقد عَلَيْهِ قَوْله:
(لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من جدة دَمًا)
فَأخذ عَلَيْهِ (الجفنات) ، و (الأسياف) لِأَنَّهُمَا جمع قَلِيل وَالشعر فِي معنى الافتخار فعلية أَن يكثر
وَهَذَا مِمَّا يبعد من مثل النَّابِغَة الذبياني وَحسان ابْن ثَابت، وَلَعَلَّ الْإِشْكَال جَاءَ من النقال]
جمع الْقلَّة: هُوَ الَّذِي يُطلق على الْعشْرَة وَمَا فَوْقهَا بِقَرِينَة، وَمَا دونهَا بِغَيْر قرينَة وَجمع الْكَثْرَة عكس هَذَا
والقلة وَالْكَثْرَة إِنَّمَا يعتبران فِي نكرات الجموع، لَا فِي معارفها وَقد يستعار أَحدهمَا للْآخر من اسْتِعْمَال الْقَلِيل فِي الْكثير وَبِالْعَكْسِ وَمِمَّا وَقع فِيهِ جمع الْقلَّة موقع جمع الْكَثْرَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {كم تركُوا من جنَّات} لِأَن (كم) للتكثير، وَمِمَّا(1/334)
وَقع فِيهِ بِالْعَكْسِ مثل: {ثَلَاثَة قُرُوء} فَإِن تَمْيِيز الثَّلَاثَة لَا يكون إِلَّا جمع قلَّة
وَالتَّحْقِيق أَن الْجمع الصَّحِيح إِنَّمَا هُوَ للقلة إِذا لم يعرف بِاللَّامِ
وَقد يسْتَغْنى بِبَعْض الجموع عَن بعض أَلا يرى أَنهم قَالُوا فِي (رسن) (أرسان) وَفِي (قلم) (أَقْلَام) فاستغنوا بهَا عَن جمع الْكَثْرَة؛ وَقُولُوا فِي (رجل) (رجال) وَفِي (سبع) (سِبَاع) وَلم يأتو لَهما بِبِنَاء الْقلَّة؛ وَإِذا لم يَأْتِ للاسم إِلَّا بِنَاء الْقلَّة ك (أرجل) فِي (الرجل) ، أَو بِنَاء الْكَثْرَة ك (رجال) فِي (رجل) فَهُوَ مُشْتَرك بَين الْقلَّة وَالْكَثْرَة
وَالْجمع الْمُضَاف قد يكون للْجِنْس فَيشْمَل الْقَلِيل وَالْكثير والعهد لِأَن الْإِضَافَة كاللام فِي أَنَّهَا للْجِنْس والعهد والاستغراق
وَجمع الْجمع لَيْسَ بِقِيَاس، بل مُتَوَقف على السماع، لِأَن الْغَرَض من الْجمع الدّلَالَة على الْكَثْرَة، وَذَلِكَ يحصل من لفظ الْجمع فَلَا حَاجَة إِلَى جمعه ثَانِيًا، بِخِلَاف جمع الْقلَّة، فَإِنَّهُ تستفاد الْكَثْرَة من الْجمع ثَانِيًا لدلالته على الْقلَّة
وَجمع الْجمع قِسْمَانِ: جمع التَّصْحِيح وَجمع التكسير وَإِذا أَرَادوا أَن يجمعوه جمع التكسير يقدرونه مُفردا فجمعوه مثل جمع الْوَاحِد الَّذِي على زنته ك (جمال) جمع (جمل) على (جمائل) ، و (شمال) وَهُوَ الرّيح على (شمائل)
وَإِذا أَرَادوا جمع التَّصْحِيح ألْحقُوا بأخره الْألف وَالتَّاء نَحْو: (جمالات) فِي جمع (جمال) جمع (جمل)
وَجمع التَّصْحِيح إِنَّمَا يكون للقلة إِذا لم يعرف بِاللَّامِ؛ وَجمع الْجمع لَا يُطلق على أقل من تِسْعَة؛ وَجمع الْمُفْرد لَا يُطلق على أقل من ثَلَاثَة إِلَّا مجَازًا؛ وَبِنَاء الْوَاحِد إِن كَانَ سالما فِيهِ فمصحح وَإِلَّا فمكسر؛ (وَالْجمع على (المفعولات) فِي غير الْعُقَلَاء، إِذْ قد تقرر أَن) الْجمع بِالْألف وَالتَّاء مطرد فِي صِيغَة الْمُذكر الَّذِي لَا يعقل، سَوَاء كَانَ مذكرا حَقِيقِيًّا ك (الصافنات) للذكور من الْخَيل، أَو غير حَقِيقِيّ ك (الْجبَال الراسيات) ، و (الْأَيَّام الخاليات) فرقا بَين الْعَاقِل وَغير الْعَاقِل، وَإِن كَانَ غير الْعَاقِل فرعا على الْعَاقِل، كَمَا أَن الْمُؤَنَّث فرع على الْمُذكر، فَألْحق غير الْعَاقِل بالمؤنث وَجمع جمعه
وَالْجمع على (أفعل) مَخْصُوص للإناث، ك (أَذْرع) فِي جمع (ذِرَاع)
وَالْجمع الْمُذكر بعلامة الذُّكُور نَحْو: (مُسلمين) ، و (فعلوا) يخْتَص بالذكور إِلَّا عِنْد الِاخْتِلَاط بالإناث، فَحِينَئِذٍ يتَنَاوَل الذُّكُور أَصَالَة وَالْإِنَاث تبعا بطرِيق الْحَقِيقَة عرفا؛ وَقد كَانَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَتْلُو الْخطاب على الْكل، وَكَانَ يعْتَقد الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا دُخُولهمْ تَحت الْخطاب، وَكَانَ حكم الْخطاب يلْزم الْكل؛ وَلم يكن ثمَّة دَلِيل زَائِدَة على ظَاهر الْخطاب، إِذْ لَو كَانَ ذَلِك لنقل إِلَيْنَا
وَالْجمع الْمُذكر بعلامة الْإِنَاث نَحْو: (مسلمات)
و (فعلن) يخْتَص بِهن، وَلَا يتَنَاوَل الذُّكُور أصلا، إِذْ لَا وَجه للتبعية هَهُنَا وَسبب نزُول آيَة {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات} هُوَ أَن النِّسَاء شكون إِلَى رَسُول الله فَقُلْنَ: مَا بالنا لم نذْكر فِي الْقُرْآن؟(1/335)
مَعَ عرفانهن الدُّخُول فِي جمع الذُّكُور، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة لتطييب قلوبهن وَلَا خلاف فِي دخولهن فِي الْجمع المكسر، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي جمع الْمُذكر السَّالِم
وَالْجمع فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى ك (رجال) و (زيدين)
وَفِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى، كَمَا فِي {فقد صغت قُلُوبكُمَا}
وَفِي الْمَعْنى دون اللَّفْظ ك (رَهْط) و (نفر) و (قوم) و (بشر) و (كل) فِي التَّأْكِيد وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه من أَسمَاء الجموع، وَكَذَا (تمر) و (عسل) وَنَحْو ذَلِك من أَسمَاء الْأَجْنَاس
وَالْعَام من الْجمع جمع التكسير لعمومه للمذكر والمؤنث مُطلقًا؛ وَالْخَاص مِنْهُ الْمُذكر السَّالِم؛ والمتوسط: الْجمع الْمُؤَنَّث السَّالِم، لِأَنَّهُ إِن لم يسلم فِيهِ نظم الْوَاحِد وبناؤه فَهُوَ مكسر، وَإِن سلم فَهُوَ إِمَّا مُذَكّر أَو مؤنث
وَوزن صِيغَة مُنْتَهى الجموع سَبْعَة ك (أقَارِب) و (أقاويل) و (مَسَاجِد) و (مصابيح) و (ضواريب) و (جداول) و (براهين)
وَاسم الْجمع يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير ك (المَاء) وَاسم الْجِنْس لَا يُطلق عَلَيْهِمَا، بل يُطلق على كل مِنْهُمَا على سَبِيل الْبَدَل ك (رجل) فعلى هَذَا كل جنس هُوَ اسْم الْجِنْس لَا الْعَكْس، ومقابلة الْجمع بِالْجمعِ تَارَة تَقْتَضِي مُقَابلَة كل فَرد من هَذَا كل فَرد من هَذَا، خُصُوصا إِذا تعذر مُقَابلَة الْجمع بالمفرد، وَتارَة تَقْتَضِي ثُبُوت الْجمع لكل فَرد من أَفْرَاد الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، وَتارَة يحْتَمل الْأَمريْنِ فَيحْتَاج إِلَى دَلِيل يعين أَحدهمَا وَأما مُقَابلَة الْجمع بالمفرد فالغالب أَنه لَا تَقْتَضِي تَعْمِيم الْفَرد، وَقد تَقْتَضِيه
وَالِاسْم إِذا كَانَ جمعا وَلَا يكون مفرده من ذَوي الْعُقُول وَدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَلَا يُرَاد حِينَئِذٍ الْجمع، بل يُرَاد بِهِ الْمُفْرد
وَالْجمع الْمُعَرّف بِاللَّامِ يسْتَغْرق جَمِيع الْأَفْرَاد بِلَا تَفْصِيل، بِخِلَاف لفظ (الْكل) مُضَافا إِلَى نكرَة، فَإِنَّهُ يُفِيد الِاسْتِغْرَاق التفصيلي، وَلِهَذَا لَو قَالَ: (للرِّجَال عِنْدِي دِرْهَم) لزمَه دِرْهَم وَاحِد، وَلَو قَالَ: (لكل رجل عِنْدِي دِرْهَم) لزمَه دَرَاهِم بعددهم
وَالْجمع الْمُعَرّف بِحرف التَّعْرِيف أَو الْإِضَافَة أَو اسْم الْجمع، وَهُوَ مَا لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه ك (النِّسَاء) أصل تَعْرِيفهَا الْعَهْد، إِذْ بِهِ كَمَال التَّمْيِيز الشخصي، فَعِنْدَ عدم الْعَهْد جنس حكما، فَحكمه حكم الْجِنْس وضعا، لِأَن بَين حَقِيقِيّ التَّعْرِيف والجمصة مُنَافَاة، إِذْ مؤدى الْجمع عِنْد عدم الْعَهْد أَفْرَاد مُتعَدِّدَة مُبْهمَة، فالملحوظ فِيهِ التَّعَدُّد والإبهام وَفِي التَّعْرِيف رفع تردد التَّعَدُّد وَرفع الْإِبْهَام فَحمل على معنى الْجِنْس الَّذِي فِيهِ الْعَمَل بالتعريف والجمعية من وَجه لِأَن الْعَمَل بالدليلين وَلَو من وَجه أولى من إهمال أَحدهمَا، لِأَن الْجِنْس هُوَ الْمُعَرّف من بَين الْأَجْنَاس الْجَامِع لأفراده
وتوابع الْجمع إِذا لم تكن من الْأَعْدَاد يلْزم أَن تكون مُؤَنّثَة، وَإِذا كَانَت من الْأَعْدَاد فتذكيرها وتأنيثها تابعان لتذكير وَاحِد ذَلِك الْجمع وتأنيثه لَا لنَفس ذَلِك الْجمع وَالْقَوْل بِأَن الْألف وَاللَّام إِذا دخلا فِي الْجمع يكون معنى الْجمع مضمحلا ومنسلخا قَول مَخْصُوص بموقع النَّفْي، أَو بِمَا(1/336)
إِذا كَانَ اللَّام للْجِنْس وَأما إِذا كَانَ للتعريف والاستغراق وَغير ذَلِك فَلَا يكون كَذَلِك وَاللَّام يرد الْجمع إِلَى الْجِنْس
وَإِذا دخل على الْجمع لَام التَّعْرِيف يكون نَعته مذكرا كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} وَأدنى الْجمع لُغَة يتَصَوَّر فِي الِاثْنَيْنِ لِأَن فِيهِ جمع وَاحِد مَعَ وَاحِد
وَأدنى كَمَال الْجمع ثَلَاثَة، لِأَن فِيهِ معنى الْجمع لُغَة واصطلحا وَشرعا
وَالْجمع الْمُعَرّف إِذا انْصَرف إِلَى الْجِنْس جَازَ أَن يُرَاد بِهِ الْفَرد وَالْكل لَا الْمثنى، بِخِلَاف الْمُنكر مِنْهُ، فَإِن إِرَادَة الْمثنى مِنْهُ جَائِزَة، لِأَنَّهُ كالجمع فِي بعض اللُّغَات
وَحكم الْجمع الْمُعَرّف غير الْمَعْهُود حكم الْمُفْرد الْمُعَرّف غير الْمَعْهُود فِي أَن المنصرف إِلَيْهِ الْوَاحِد أَو الْكل
وَلَفظ الْجمع فِي مقَام الْإِفْرَاد يدل على التَّعْظِيم كَقَوْلِه: أَلا فارحموني يَا إِلَه مُحَمَّد وَكَذَا لفظ الْإِفْرَاد فِي مقَام الْجمع قد يدل عَلَيْهِ كَمَا فِي حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: " إِذا مرت بك جَنَازَة يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مُسلم فَقومُوا لَهَا "
وَمَا ورد بِلَفْظ الْجمع فِي حَقه تَعَالَى مرَادا بِهِ التَّعْظِيم ك {نَحن الْوَارِثين} فَهُوَ مَقْصُور على مَحل وُرُوده، فَلَا يتَعَدَّى فَلَا يُقَال: (الله رحيمون) قِيَاسا على ماورد
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: مَا يسْندهُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى نَفسه بِصِيغَة ضمير الْجمع يُرِيد بِهِ مَلَائكَته، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} و {نَحن نقص عَلَيْك} ونظائرهما
وَالْجمع أَخُو التَّثْنِيَة فَلذَلِك نَاب منابها كَقَوْلِه تَعَالَى: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} وَاشْترط النحويون فِي وُقُوع الْجمع موقع التَّثْنِيَة شُرُوطًا، من جُمْلَتهَا أَن يكون الْجُزْء الْمُضَاف مُفردا من صَاحبه نَحْو (قُلُوبكُمَا) و (رُؤُوس الكبشين) لأمن الإلباس، بِخِلَاف الْعَينَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ للبس، وَمن الْجمع الَّذِي يُرَاد بِهِ الِاثْنَان قَوْلهم: (امْرَأَة ذَات أوراك)
وَقد تذكر جمَاعَة وَجَمَاعَة، أَو جمَاعَة وَوَاحِد ثمَّ يخبر عَنْهُمَا بِلَفْظ الِاثْنَيْنِ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِن السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَت رتقا ففتقناهما} ، وَقَوْلهمْ: الْجمع الْمُضَاف من قبيل الْفَرد حكما منقوض بِمَا إِذا حلف لَا يكلم إخْوَة فلَان، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث مَا لم يكلم جَمِيعهم، والمخلص مِنْهُ بِحَدِيث الْعَهْد، وَكَذَا بِمَا إِذا حلف لَا يكلم عبيد فلَان هَذِه فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث مَا لم يكلم ثَلَاثَة مِنْهُم، وَإِن كَانَ لَهُ غلْمَان، والمخلص مِنْهُ أَيْضا بِأَن يُقَال الْإِضَافَة عدم عِنْد الْإِشَارَة فَبَقيَ مُجَرّد الْجمع الْمُنكر، وَلَا يكون الْجمع للْوَاحِد إِلَّا فِي مسَائِل، مِنْهَا أَنه وقف على أَوْلَاده وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا وَاحِد، بِخِلَاف بنيه، أَو على أَقَاربه المقيمين فِي بلد كَذَا، وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا وَاحِد، أَو حلف لَا(1/337)
يكلم إخْوَة فلَان، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا وَاحِد؛ أَو لَا يَأْكُل ثَلَاثَة أرغفة من هَذَا الْحبّ، وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا وَاحِد أَو لَا يكلم الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين أَو الرِّجَال، حنث بِوَاحِد فِي تِلْكَ الصُّورَة
وَلَا فرق عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء بَين جمع الْقلَّة وَالْكَثْرَة فِي الأقارير وَغَيرهَا، على خلاف طَريقَة النَّحْوِيين، كَمَا فِي " التَّمْهِيد "
والجميع قد يكون بِمَعْنى الْكل الإفرادي، وَقد يكون بِمَعْنى الْمَجْمُوع، وَلَيْسَ فِي اللُّغَة جمع ومثنى بِصِيغَة وَاحِدَة إِلَّا (قنوان) جمع (قنو) ، و (صنْوَان) جمع (صنو) وَلم يَقع فِي الْقُرْآن لفظ ثَالِث
[وَالْجمع فِي أَلْسِنَة المتصوفين: هُوَ اتِّصَال لَا يُشَاهد صَاحبه إِلَّا الْحق جلّ شَأْنه، فَمَتَى شَاهد غَيره فَمَا جمع، والتفرقة شُهُود لمن شَاهد بالمباينة فَقَوله: {آمنا بِاللَّه} جمع {وَمَا أنزل علينا} تَفْرِقَة وكل جمع بِلَا تَفْرِقَة زندقة، وكل تَفْرِقَة بِلَا جمع تَعْطِيل قَالَ الْجُنَيْد: الْقرب بالوجد جمع وغيبته فِي البشرية تَفْرِقَة]
وَالْجمع البديعي: هُوَ أَن يجمع بَين شَيْئَيْنِ أَو أَشْيَاء مُتعَدِّدَة فِي حكم، كَقَوْلِه تَعَالَى: {المَال والبنون زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَكَذَا قَوْله: {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان والنجم وَالشَّجر يسجدان}
وَالْجمع والتفريق: هُوَ أَن يدْخل شَيْئَيْنِ فِي معنى، وَيفرق بَين جهتي الإدخال، وَجعل الطَّيِّبِيّ قَوْله تَعَالَى: {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} إِلَى آخِره وَمِنْه قَوْله:
(تشابه دمعانا غَدَاة فراقنا ... مشابهة فِي قصَّة دون قصَّة)
(فوجنتها تكسو المدامع حمرَة ... ودمعي يكسو حمرَة اللَّوْن وجنتي)
وَالْجمع والتقسيم: هُوَ جمع مُتَعَدد تَحت حكم ثمَّ تقسيمه، كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا} إِلَى آخِره
وَالْجمع مَعَ التَّفْرِيق والتقسيم، كَقَوْلِه تَعَالَى: {يَوْم لَا تكلّف نفس} إِلَى قَوْله: {وَأما الَّذين سعدوا}
وَجمع المؤتلف والمختلف: هُوَ أَن يُرِيد الشَّاعِر التَّسْوِيَة بَين ممدوحين فَيَأْتِي بمعان مؤتلفة فِي مدحهما ويروم بعد ذَلِك تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر بِزِيَادَة فضل لَا ينقص بهَا مدح الآخر، فَيَأْتِي لأجل التَّرْجِيح بمعان تخَالف معنى التَّسْوِيَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث} إِلَى قَوْله: {وكلا آتَيْنَا حكما وعلما}
الْجِنْس: هُوَ عبارَة عَن لفظ يتَنَاوَل كثيرا؛ وَلَا تتمّ ماهيته بفرد من هَذَا الْكثير، كالجسم(1/338)
وَإِن تنَاول اللَّفْظ كثيرا على وَجه تتمّ ماهيته بفرد مِنْهُ يُسمى نوعا كالإنسان
ثمَّ هَذَا الْفَرد الَّذِي تتمّ بِهِ مَاهِيَّة النَّوْع يُسمى فصلا، وَهَذَا عِنْد الْمُتَكَلِّمين والمناطقة
الْجِنْس من الطبيعات الْكُلية، وَهِي موجودات خارجية كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَعْض، وَرجحه الْبَيْضَاوِيّ حَيْثُ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِن مَعَ الْعسر يسرا} بقوله: سَوَاء كَانَ اللَّام للْعهد أَو الْجِنْس
وَالْجِنْس الْخَاص: مَا يشْتَمل على كثيرين متفاوتين فِي أَحْكَام الشَّرْع، كالإنسان
وَالنَّوْع الْخَاص: هُوَ مَا يشْتَمل على كثيرين متفقين فِي الحكم، كَالرّجلِ. وَالْعين الْخَاص: هُوَ مَا لَهُ معنى وَاحِد حَقِيقَة ك (زيد)
وَالْجِنْس العالي: هُوَ الَّذِي تَحْتَهُ جنس وَلَيْسَ فَوْقه جنس، كالجوهر على القَوْل بجنسيته
وَالْجِنْس السافل: هُوَ الَّذِي فَوْقه جنس وَلَيْسَ تَحْتَهُ جنس، كالحيوان، لِأَنَّهُ الَّذِي تَحْتَهُ أَنْوَاع الْأَجْنَاس
وَالْجِنْس الْمُتَوَسّط: هُوَ الَّذِي فَوْقه جنس وَتَحْته جنس كالجسم النامي
وَالْجِنْس الْمُنْفَرد: هُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقه جنس وَلَا تَحْتَهُ جنس، قَالُوا: لم يُوجد لَهُ مِثَال
والأجناس الْعَالِيَة بسيطة لَا يتَصَوَّر لَهَا حد حَقِيقِيّ بل ترسم
وَالْجِنْس يدل على الْكَثْرَة تضمنا، بِمَعْنى أَنه مَفْهُوم كلي لَا يمْنَع شركَة الْكثير فِيهِ، لَا بِمَعْنى أَن الْكَثْرَة جُزْء مَفْهُومه
وَالْجِنْس يدل على جَوْهَر الْمَحْدُود دلَالَة عَامَّة، والقريب مِنْهُ أدل على حَقِيقَة الْمَحْدُود، لِأَنَّهُ يتَضَمَّن مَا فَوْقه من الذاتيات الْعَامَّة
والفصل يدل على جَوْهَر الْمَحْدُود دلَالَة خَاصَّة وَالْجِنْس ضرب من الشَّيْء
وَالنَّوْع أخص مِنْهُ يُقَال (تنوع الشَّيْء أنواعا) فالإبل جنس من الْبَهَائِم
وَعند الأصولي: الْجِنْس أخص من النَّوْع
وَالنَّوْع فِي عرف الشَّرْع قد يكون نوعا منطقيا، كالفرس، وَقد لَا يكون، كَالرّجلِ، فَإِن الشَّرْع يَجْعَل الرجل وَالْمَرْأَة نَوْعَيْنِ مُخْتَلفين نظرا إِلَى اخْتِصَاص الرجل بِالْأَحْكَامِ
وَالْجِنْس عِنْد النَّحْوِيين وَالْفُقَهَاء هُوَ اللَّفْظ الْعَام، فَكل لفظ عَم شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا فَهُوَ جنس لما تَحْتَهُ، سَوَاء اخْتلف نَوعه أَو لم يخْتَلف وَعند آخَرين: لَا يكون جِنْسا حَتَّى يخْتَلف بالنوع نَحْو: الْحَيَوَان، فَإِنَّهُ جنس للْإنْسَان وَالْفرس والطائر وَنَحْو ذَلِك
فالعام جنس وَمَا تَحْتَهُ نوع، وَقد يكون جِنْسا لأنواع، ونوعا لجنس كالحيوان، فَإِنَّهُ نوع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِسْم، وجنس بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان وَالْفرس
والجزء الْمَحْمُول إِن كَانَ تَمام الْمُشْتَرك لحقيقتين فَهُوَ الْجِنْس، وَإِلَّا فَهُوَ الْفَصْل، والفصل قد يكون خَاصّا بِالْجِنْسِ كالحساس للنامي مثلا، فَإِنَّهُ لَا يُوجد لغيره، وَقد لَا يكون، كالناطق للحيوان عِنْد من يَجعله مقولا على غير الْحَيَوَان، كبعض الْمَلَائِكَة مثلا(1/339)
وَالْجِنْس فِيهِ معنى الْجمع، لكَونه معروض الْكَثْرَة ذهنا أَو خَارِجا، وَكَذَا الْجمع فِيهِ معنى الْجِنْس لِأَن كل فَرد مِنْهُ يتضمنه، لَكِن الْجِنْس مَا يُمكن أَن يكون معروض الْوحدَة وَالْكَثْرَة، وَأما فِي الْجمع لَيْسَ كَذَلِك
وَالْجِنْس الجمعي إِذا زيد عَلَيْهِ التَّاء نقص مَعْنَاهُ ك (تمر) و (تَمْرَة)
وكل جمع جنس، وَلَيْسَ كل جنس جمعا
الْجَار: الْجَار وَالْمَجْرُور إِذا كَانَ ب (فِي) يكون مَفْعُولا فِي غير صَرِيح؛ وَإِذا كَانَ بِاللَّامِ يكون مَفْعُولا لَهُ غير صَرِيح؛ وَإِذا كَانَ بِغَيْرِهِمَا يكون مَفْعُولا بِهِ، وَيعْمل إِذا لم يكن صلَة، وَإِن كَانَ زَائِدا لم يحْتَج إِلَى مُتَعَلق لِأَنَّهُ لَا يكون ظرفا، وَأما إِذا كَانَ ظرفا فَلَا بُد من مُتَعَلق مَذْكُور أَو مُقَدّر
وَالْجَار وَالْمَجْرُور إِنَّمَا يقومان مقَام الْفَاعِل إِذا تأخرا عَن الْفِعْل، وَأما إِذا تقدما فَلَا يقومان مقَامه قِيَاسا على الِاسْم لِأَن الِاسْم إِذا تَأَخّر عَن الْفِعْل أَو مَا قَامَ مقَامه كَانَ فَاعِلا وَإِذا تقدم عَلَيْهِ صَار مُبْتَدأ
وحر الْجَرّ إِذا تقدم لم يصر مُبْتَدأ، بل ينْتَصب بِالْفِعْلِ
ومتعلق الْجَار وَالْمَجْرُور إِنَّمَا يكون محذوفا إِذا وَقع خَبرا أَو صفة أَو صلَة أَو حَالا
وَالْجَار وَالْمَجْرُور مُطلقًا يُسمى ظرفا، لِأَن كثيرا من المجرورات ظروف زمانية أَو مكانية، فَأطلق اسْم الْأَخَص عل الْأَعَمّ، وَقيل: سمي بذلك لِأَن معنى الِاسْتِقْرَار يعرض لَهُ، وكل مَا يسْتَقرّ فِيهِ غَيره فَهُوَ ظرف
وَالْجَار وَالْمَجْرُور إِذا وَقعا بعد نكرَة مَحْضَة كَانَا صفتين نَحْو: (رَأَيْت طائرا فَوق غُصْن، أَو على غُصْن) ؛ وَإِذا وَقعا بعد معرفَة مَحْضَة كَانَا حَالين نَحْو: (رَأَيْت الْهلَال بَين السَّحَاب، أَو فِي السَّحَاب) ؛ ومحتملان نَحْو: (يُعجبنِي الزهر فِي أكمامه وَالثَّمَر على أغصانه) لِأَن الْمُعَرّف الجنسي كالنكرة فِي نَحْو: (هَذَا ثَمَر يَانِع على قضبانه) لِأَن النكرَة الموصوفة كالمعرفة
الْجَائِز: هُوَ الْمَار على جِهَة الصَّوَاب، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْمُجَاوزَة، وَكَذَلِكَ النَّافِذ، يُقَال: جَازَ السهْم إِلَى الصَّيْد: إِذا نفذ إِلَى غير الْمَقْصد؛ وَعَن الصَّيْد: إِذا أَصَابَهُ وَنفذ مِنْهُ وَرَاءه
والجائز فِي الشَّرْع: هُوَ المحسوس الْمُعْتَبر الَّذِي ظهر نفاذه فِي حق الحكم الْمَوْضُوع لَهُ مَعَ الْأَمْن عَن الذَّم وَالْإِثْم شرعا وَقد يُطلق على خَمْسَة معَان بالاشتراك: الْمُبَاح، وَمَا لَا يمْتَنع شرعا مُبَاحا كَانَ أَو وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا أَو مَكْرُوها وَمَا لَا يمْتَنع عقلا وَاجِبا أَو راجحا أَو متساوي الطَّرفَيْنِ أَو مرجوحا وَمَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ شرعا كالمباح، أَو عقلا، كَفعل الصَّبِي وَمَا يشك فِيهِ شرعا أَو عقلا
والمشكوك إِمَّا بِمَعْنى اسْتِوَاء الطَّرفَيْنِ، أَو بِمَعْنى عدم الِامْتِنَاع
وَالْجَوَاز الشَّرْعِيّ من هَذِه الْمعَانِي هُوَ الْإِبَاحَة
وَيُطلق الْجَائِز أَيْضا على الْجَائِز الَّذِي هُوَ أحد أَقسَام الْعقلِيّ، أَعنِي الْمُمكن؛ فالممكن والجائز الْعقلِيّ فِي اصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمين مُتَرَادِفَانِ، والممكن الْخَاص عِنْد المناطقة هُوَ المرادف للجائز الْعقلِيّ وَأما الْمُمكن الْعَام فَهُوَ عِنْدهم مَا لَا يمْتَنع وُقُوعه، فَيدْخل فِيهِ الْوَاجِب والجائز العقليان، وَلَا يخرج مِنْهُ إِلَّا المستحيل الْعقلِيّ
فَعَلَيْك بالتمييز بَينهمَا
وَقد يسْتَعْمل الْجَوَاز فِي مَوضِع الْكَرَاهَة بِلَا اشْتِبَاه فِي " الْمُهِمَّات ": لجَوَاز يشْعر بِعَدَمِ الْكَرَاهَة، وَفِي(1/340)
" الصُّغْرَى وَغَيره: قد يُطلق عدم الْجَوَاز على الْكَرَاهَة
والجائز: مَا يُمكن تَقْدِير وجوده فِي الْعقلِيّ، بِخِلَاف الْمحَال، وَتَقْدِير وجود الشَّيْء وَعَدَمه بِالنّظرِ إِلَى ذَاته، لَا بِالنّظرِ إِلَى علم الله وإرادته، إِذْ لَو صَار مَا علم وجوده وَاجِبا وَمَا علم أَن لَا يُوجد وجوده مستحيلا لم يكن جَائِز الْوُجُود لتحَقّق كَون الْإِرَادَة لتمييز الْوَاجِب من المجال لَا لتخصيص أحد الجائزين من الآخر، وَأَنه خلاف قَول الْعُقَلَاء
(والجائز الْمَقْطُوع بِوُجُودِهِ كأنصاف الجرم بِخُصُوص الْبيَاض أَو خُصُوص الْحَرَكَة وَنَحْوهمَا، وكالبعث وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب)
والجائز الْمَقْطُوع بِعَدَمِهِ كَإِيمَانِ أبي لَهب وَأبي جهل، وَدخُول الْكَافِر الْجنَّة، وَنَحْو ذَلِك
(والجائز الْمُحْتَمل للوجود والعدم كقبول الطَّاعَات منا، وفوزنا بِحسن الخاتمة إِن شَاءَ الله، وسلامتنا من عَذَاب الْآخِرَة وَنَحْو ذَلِك)
الْجُمْلَة: هِيَ أَعم من الْكَلَام على االاصطلاح الْمَشْهُور، لِأَن الْكَلَام مَا تضمن الْإِسْنَاد الْأَصْلِيّ، سَوَاء كَانَ مَقْصُودا لذاته أَو لَا فالمصدر وَالصِّفَات المسندة إِلَى فاعلها لَيست كلَاما وَلَا جملَة لِأَن إسنادها لَيْسَ أصلا
وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا أَو وَصفا أَو حَالا أَو شرطا أَو صلَة أَو نَحْو ذَلِك هِيَ جملَة وَلَيْسَت بِكَلَام، لِأَن إسنادها لَيْسَ مَقْصُودا لذاته
وكل جملَة خبرية فضلَة بعد نكرَة مَحْضَة فَهِيَ صفة، وَبعد معرفَة مَحْضَة حَال، وَبعد غير مَحْضَة مِنْهُمَا تحتملهما، إِلَّا إِذا تعين أَحدهمَا أَو غَيرهمَا بِدَلِيل
وَالْجُمْلَة الاسمية إِذا وَقعت حَالا وَلم يكن فِيهَا ضمير عَائِد إِلَى ذِي الْحَال جرت مجْرى الظّرْف، وَلَا تكون مبينَة لهيئة الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول، بل تكون مبينَة لهيئة زمَان صُدُور الْفِعْل عَن الْفَاعِل ووقوعه على الْمَفْعُول نَحْو: (لقيتك والجيش قادم)
وَالْجُمْلَة الاسمية مَوْضُوعَة للإخبار بِثُبُوت الْمسند للمسند إِلَيْهِ بِلَا دلَالَة على تجدّد أَو اسْتِمْرَار، وَإِذا كَانَ خَبَرهَا اسْما فقد يقْصد بِهِ الدَّوَام والاستمرار الثبوتي بمعونة الْقَرَائِن، وَإِذا كَانَ خَبَرهَا مضارعا فقد يُفِيد استمرارا تجدديا إِذا لم يُوجد دَاع إِلَى الدَّوَام فَلَيْسَ كل جملَة اسمية مفيدة للدوام فَإِن (زيد قَائِم) يُفِيد تجدّد الْقيام لَا دَوَامه
وَالْجُمْلَة الظَّرْفِيَّة تحتملهما
وَالْجُمْلَة الفعلية مَوْضُوعَة لإحداث الْحَدث فِي الْمَاضِي أَو الْحَال فتدل على تجدّد سَابق أَو حَاضر وَقد يسْتَعْمل الْمُضَارع للاستمرار بِلَا مُلَاحظَة التجدد فِي مقَام خطابي يُنَاسِبه
وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة حَالا لَهَا إِعْرَاب بِالْأَصَالَةِ محلي قطعا
وَالْجُمْلَة من حَيْثُ هِيَ جملَة مُسْتَقلَّة بإفادة فَائِدَة هِيَ النِّسْبَة التَّامَّة بَين طرفيها، وَإِن كَانَت غير مُسْتَقلَّة بِاعْتِبَار مَا عرض لَهَا من وُقُوعهَا موقع الْمُفْرد وقيدا للْفِعْل مثلا
[وَالْجُمْلَة إِذا وَقعت حَالا لَا بُد أَن تشْتَمل على فعل أَو مَا يشتق مِنْهُ سَوَاء كَانَ اسْم فَاعل أَو غَيره ليَكُون مُبينًا لهيئة الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول، وَاخْتِلَاف الجملتين طلبا وخبرا أَمارَة الحالية](1/341)
والجلمة إِذا وَقعت حَالا فَحكمهَا فِي دُخُول الْوَاو على قِيَاس الْأَحْكَام الْخَمْسَة، فقد يمْتَنع وَقد يجب وَقد يجوز، إِمَّا مَعَ التَّسَاوِي، وَإِمَّا مَعَ رُجْحَان أحد طَرفَيْهِ
وَالْجُمْلَة تسْتَعْمل اسْتِعْمَال الْمُفْردَات، وَلَا يعكس
والجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَاقعَة موقع الْمُفْردَات، وَلَيْسَت النّسَب الَّتِي بَين أَجْزَائِهَا مَقْصُودَة بِالذَّاتِ، فَلَا الْتِفَات إِلَى إختلاف تِلْكَ النّسَب بالخبرية والطلبية، خُصُوصا فِي الْجمل المحكية بعد القَوْل، بل الْجمل حنيئذ فِي حكم الْمُفْردَات الَّتِي وَقعت موقعها لظُهُور فَائِدَة الْعَطف بَينهمَا بِالْوَاو، بِخِلَاف مَا لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب، فَإِن نسبتها مَقْصُودَة بذواتها فَتعْتَبر صفاتها الْعَارِضَة لَهَا، فَلَيْسَ تظهر فَائِدَة الْعَطف بَينهمَا بِالْوَاو إِلَّا بِتَأْوِيل
وَالْجُمْلَة لَا تقع مفعولة إِلَّا فِي الْأَفْعَال الدَّاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، نَحْو (كَانَ) و (ظَنَنْت) وأخواتهما وَلَا تقع صفة إِلَّا للنكرة، لِأَن الْجُمْلَة نكرَة لكَونهَا خَبرا شَائِعا كالفعل، فَلَا بُد من التطابق بَين الصّفة والموصوف تعريفا وتنكيرا
وَوُقُوع الْجُمْلَة الإنشائية خَبرا لضمير الشَّأْن مِمَّا يناقش فِيهِ والزمخشري مُسْتَمر عَلَيْهِ
وَالْجُمْلَة لَيست معرفَة وَلَا نكرَة، لِأَنَّهُمَا من عوارض الذَّات، وَهِي لم تكن ذاتا وَقَوْلهمْ: " النَّعْت يُوَافق المنعوت فِي التَّعْرِيف والتنكير " يخص بالنعت الْمُفْرد، وَإِنَّمَا جَازَ نعت النكرَة بهَا دون الْمعرفَة مَعَ أَنَّهَا لم تكن معرفَة وَلَا نكرَة لمناسبتها للنكرة من حَيْثُ يَصح تَأْوِيلهَا بالنكرة
كَمَا تَقول: (مَرَرْت بِرَجُل أَبوهُ زيد) بِمَعْنى كَائِن زيدا
وَالْجُمْلَة مَتى كَانَت وَارِدَة على أصل الْحَال، فَإِن كَانَت فعلية، فَمَتَى كَانَت وَارِدَة على نهجها بِأَن كَانَت مصدرة بمضارع مُثبت وَجب ترك الْوَاو، نَحْو: (جَاءَ زيد يعدو فرسه) وَقَوله: نجوت وأرهنهم مَالِكًا مَحْمُول على إِظْهَار مُبْتَدأ وَمَتى كَانَت غير وَارِدَة على نهج الْحَال، كَمَا إِذا صدرت بمضارع منفي جَازَ ترك الْوَاو وَذكرهَا
واتفاق الجملتين يرتقي إِلَى ثَمَان صور، لِأَنَّهُمَا إِمَّا خبران لفظا وَمعنى، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم}
أَو إنْشَاء كَذَلِك نَحْو قَوْله: {وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا}
وَإِمَّا خبران معنى وإنشاءان لفظا نَحْو قَوْلك للفخور: (ألم تكن نُطْفَة، وَألا تكون جيفة؟)
أَو مُخْتَلِفَانِ لفظا بِأَن يكون لفظ الأولى إنْشَاء وَالثَّانيَِة خَبرا، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {ألم يُؤْخَذ عَلَيْهِم مِيثَاق الْكتاب أَن لَا يَقُولُوا على الله إِلَّا الْحق ودرسوا مَا فِيهِ} أَي: أَخذ عَلَيْهِم
أَو بِالْعَكْسِ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي أشهد الله واشهدوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تشركون} أَي: وأشهدكم(1/342)
وَأما إنشاءان معنى وخبران لفظا، أَو مُخْتَلِفَانِ كَذَلِك نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله وبالوالدين إحسانا} على اخْتِلَاف الْقِرَاءَة وَالتَّقْدِير
والجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب حصروها فِي سبع: الابتدائية، والمعترضة، والتفسيرية، والمجاب بهَا الْقسم، والواقعة جَوَابا لشرط غير جازم مُطلقًا ك (لَو) و (لَوْلَا) و (لما) و (كَيفَ) ؛ أَو جازم وَلم يقرن بِالْفَاءِ وَلَا بإذا الفجائية، والواقعة صلَة اسْم أَو حرف، والتابعة لما لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب
والجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب حصروها فِي سبع أَيْضا: الخبرية، والحالية، والمحكية، والمضاف إِلَيْهَا، وَالْمُعَلّق عَنْهَا، والتابعة لما هُوَ مُعرب أَو ذُو مَحل، وَجَزَاء شَرط جازم بِالْفَاءِ وبإذا الفجائية
وَالْجُمْلَة الَّتِي تكون صفة لما لَهَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب بِحَسب إِعْرَاب موصوفها
وَالْجُمْلَة الَّتِي تكون صلَة لَهَا لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب
وَالْجُمْلَة المعترضة على مَا تقرر فِي علم الْمعَانِي يُؤْتى بهَا فِي أثْنَاء كَلَام أَو بَين كلامين متصلين معنى عِنْد الْأَكْثَرين وَجوز وُقُوعهَا فرقة فِي آخر الْكَلَام، لَكِن اتَّفقُوا على اشْتِرَاط أَن لَا يكون لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب؛ وَتَقَع بَين الْفِعْل ومرفوعه، وَبَين الْفِعْل ومفعوله، والمبتدأ وَالْخَبَر، وَمَا أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وَالشّرط وَجَوَابه، والموصوف وَصفته، والموصول وصلته، وَبَين أَجزَاء الصِّلَة، والمتضايفين وَالْجَار وَالْمَجْرُور، والحرف النَّاسِخ وَمَا دخل عَلَيْهِ، وحرف التَّنْفِيس وَالْفِعْل، و (قد) وَالْفِعْل، وحرف النَّفْي ومنفيه، وَبَين جملتين مستقلتين، وبأكثر من جملتين وَكَثِيرًا مَا تَلْتَبِس بالحالية، ويميزها امْتنَاع قيام الْمُفْرد مقَامهَا، وَجَوَاز اقترانها بِالْفَاءِ أَو بِالْوَاو مَعَ تصديرها بالمضارع الْمُثبت، و (إِن) الشّرطِيَّة، و (لن) وَالسِّين و (سَوف) ، وَكَونهَا طلبية
والحالية قيد لعامل الْحَال وَوصف لَهُ فِي الْمَعْنى، بِخِلَاف الاعتراضية، فَإِن لَهَا تعلقا بِمَا قبلهَا لَكِن لَيست بِهَذِهِ الْمرتبَة
والاعتراض أبلغ من الْحَال، لِأَن فِيهِ عُمُوم الْحَال بِخِلَاف الْحَال وَالْوَاو الدَّاخِلَة عَلَيْهَا تسمى اعتراضية
وَالْجُمْلَة القسمية لَا يُؤْتى بهَا إِلَّا لتأكيد الْجُمْلَة الْمقسم عَلَيْهَا الَّتِي هِيَ جوابها، وَالْجَوَاب متوقع للمخاطب عِنْد سَماع الْقسم، وَلِهَذَا كثر دُخُول لَام الْقسم على (قد) لما فِيهَا من التوقع
وَالْجُمْلَة قد تقع صفة للمعارف بتوسط (الَّذِي) نَحْو: (جَاءَنِي زيد الَّذِي أَبوهُ قَائِم)
وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة إِذا وَقعت حَالا استغني عَن الْجَزَاء لتجردها عَن معنى الشَّرْط
وَالْجُمْلَة المصدرة بأداة السُّور تسمى كُلية وجزئية ومسورة
وَإِن كَانَ الْمَوْضُوع معينا تسمى محصورة، وَإِلَّا تسمى مُهْملَة:
وَالْجُمْلَة المستأنفة المقرونة بالعاطفة لَا تكون إِلَّا مُعْتَرضَة أَو مذيلة
وَالْجُمْلَة إِذا وَقعت صفة للنكرة جَازَ أَن يدخلهَا الْوَاو وَهُوَ الصَّحِيح فِي إِدْخَال الْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى: {وثامنهم كلبهم}(1/343)
وَالْجُمْلَة اعْتبر فِيهَا الْهَيْئَة الاجتماعية دون الْجمع فَإِنَّهُ لم يعْتَبر فِيهِ ذَلِك
[الْجِسْم: هُوَ فِي اللُّغَة مَبْنِيّ عَن التَّرْكِيب والتأليف بِدَلِيل أَنهم إِذا راموا تَفْضِيل الشَّخْص على شخص فِي التَّأْلِيف وَكَثْرَة الْأَجْزَاء يَقُولُونَ: فلَان أجسم من فلَان، إِذا كَانَ أَكثر مِنْهُ ضخامة وتأليف أَجزَاء
وَاخْتلف النَّاس فِي تَحْدِيد الْجِسْم وَمَعْنَاهُ فَقيل: الْجِسْم هُوَ الْقَائِم بِنَفسِهِ، ورد بالجوهر الْفَرد وبالباري تَعَالَى، فَإِنَّهُ قَائِم بِنَفسِهِ وَلَيْسَ بجسم مَعَ أَنه مُخَالف لوضع اللُّغَة لما تحقق من أَن مَدْلُول الْجِسْم هُوَ التَّأْلِيف، وَلَا تأليف فِي الْجَوْهَر الْفَرد وَلَا فِي الْبَارِي تَعَالَى وَقيل: الْجِسْم هُوَ الْمَوْجُود، ورد بالجوهر الْفَرد وبالعرض فَإِنَّهُمَا شَيْء وليسا بجسم {وكل شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزبر} وَالْمرَاد تحريفهم وتبدليهم، وأفعال الْعباد أَعْرَاض وَالله سُبْحَانَهُ شَيْء بالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ جسما
والجسم: هُوَ جمَاعَة الْبدن والأعضاء من النَّاس وَغَيرهم وَسَائِر الْأَنْوَاع الْعَظِيمَة الْخلق، ك (الجسمان) ، بِالضَّمِّ، و (الجسماني) خطأ، يعنون بذلك مَا يكون حَالا فِي الْجِسْم، وَهُوَ خطأ لِأَن الشاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ
والذات تطلق على الْجِسْم وَغَيره
والشخص: لَا يُطلق إِلَّا على الْجِسْم
والجسد: جسم ذُو لون كالإنسان وَالْملك وَالْجِنّ، وَمِنْه الجساد للزعفران، وَلذَلِك لَا يُطلق الْجَسَد على المَاء والهواء
والجرم، بِالْكَسْرِ: الْجَسَد، كالجرمان
والجسم: لطيف بَاطِن، والجرم كثيف دائر
والأوائل ذكرُوا الْجِسْم والجرم؛ والمتكلمون ذكرُوا الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة والفضيلة
والجسم فِي بادئ النّظر هُوَ هَذَا الْجَوْهَر الممتد فِي الْجِهَات، أَعنِي الصُّورَة الجسمية وَأما أَن هَذَا الْجَوْهَر قَائِم بجوهر آخر فمما لَا يثبت إِلَّا بأنظار دقيقة فِي أَحْوَال الْجَوْهَر الممتد
والجسم لَا تخرج أجزاؤه عَن كَونهَا أجساما وَإِن قطع وجزئ، بِخِلَاف الشَّخْص فَإِنَّهُ يخرج بالتجزؤ عَن كَونه شخصا
وأطراف الرَّأْس دَاخل فِي الْجَسَد دون الْبدن لِأَن الْبدن مَا سوى الْأَطْرَاف من الْمنْكب إِلَى الألية، فالرأس والعنق وَالْيَد وَالرجل يدْخل فِي حكم الطَّهَارَة تَغْلِيبًا
والرقبة: اسْم للبنية مُطلقًا
والجثمان: بالثاء الْمُثَلَّثَة: شخص الْإِنْسَان قَاعِدا
والجسم: إِمَّا بسيط وَهُوَ الَّذِي لم يتألف من اجسام مُخْتَلفَة الطبائع، أَو مركب إِن تألف
والبسيط إِن كَانَ جزؤه كالكل فِي الرَّسْم وَالْحَد فَهُوَ الْبَسِيط العنصري، وَإِلَّا فالفلكي
والمركب إِن لم يكن لَهُ النمو فَهُوَ الجماد، وَإِلَّا فَإِن لم يكن لَهُ الْحس فَهُوَ النَّبَات، وَإِن كَانَ فَإِن(1/344)
لم يكن مَعَ ذَلِك نطق فَهُوَ الْحَيَوَان غير الْإِنْسَان، وَإِن كَانَ فَهُوَ الْإِنْسَان
والنزاع بَين الأشاعرة والمعتزلة فِي أَن لفظ الْجِسْم فِي اللُّغَة هَل يُطلق على الْمُؤلف المنقسم وَلَو فِي جِهَة وَاحِدَة؟ أَو على الْمُؤلف المنقسم فِي الْجِهَات الثَّلَاث؟ فَحَيْثُ وَقع فِي " الْمَقَاصِد " من أَن النزاع معنوي يُرَاد بِهِ الأول، وَحَيْثُ وَقع فِي " المواقف " من أَن النزاع لَفْظِي يُرَاد بِهِ الثَّانِي
فالنزاع لَفْظِي
والجسم النَّاطِق هُوَ تَمام الْمُشْتَرك بَين الْإِنْسَان وَالْملك عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وَبَين الْإِنْسَان والفلك عِنْد الْحُكَمَاء، مَعَ أَن تَمام الْمُشْتَرك بَين الْحَيَوَان وَالْملك هُوَ الْجِسْم عِنْد الْمُتَكَلِّمين والجوهر عِنْد الْحُكَمَاء؛ وَبَين الْحَيَوَان والفلك هُوَ الْجِسْم اتِّفَاقًا
والجسم والجوهر فِي اللُّغَة بِمَعْنى، وَإِن كَانَ الْجِسْم أخص من الْجَوْهَر اصْطِلَاحا، لِأَنَّهُ الْمُؤلف من جوهرين أَو أَكثر، على الْخلاف فِي أقل مَا يتركب مِنْهُ الْجِسْم على مَا بَين فِي المطولات
والجوهر يصدق بِغَيْر الْمُؤلف وبالمؤلف
والفلاسفة يطلقون الْجِسْم على مَاله مَادَّة، والجوهر على مَا لَا مَادَّة لَهُ ويطلقون الْجَوْهَر أَيْضا على كل متحيز، فَيكون أَعم من الْجِسْم على الْوَجْه الثَّانِي، وبالمعنى الأول يطلقون اسْم الْجَوْهَر على الْبَارِي تَعَالَى
والجسم جَوْهَر بسيط لَا تركيب فِيهِ بِحَسب الْخَارِج أصلا، وَهَذَا عِنْد أفلاطون فَإِنَّهُ لم يقل إِلَّا بالصورة الجسمية وَأما عِنْد أرسطو فالجسم مركب من حَال وَمحل؛ فالحال هُوَ الصُّورَة، وَالْمحل هُوَ الهيولى
وَأما عِنْد جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين وَبَعض الْحُكَمَاء الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ مركب من أَجزَاء متناهية لَا تتجزأ بِالْفِعْلِ وَلَا بالوهم، وَتسَمى تِلْكَ الْأَجْزَاء جَوَاهِر فردة [تتألف مِنْهَا الْأَجْسَام متماثلة لَا تتمايز إِلَّا بالأعراض] ، إِذْ لَو لم يتناه الْجُزْء كَانَ الْعَالم أبديا مشاركا لأحد وصفي قديم، وَهُوَ عدم الِانْتِهَاء، كَمَا أَن الْعَالم مشارك الْقَدِيم عِنْد الدهري فِي الِابْتِدَاء لعدم الدُّخُول فِي وجوده تَحت الْقُدْرَة فالتناهي يُؤَدِّي إِلَى حُدُوث الْعَالم كَمَسْأَلَة الْحَوْض الْكَبِير إِذا وَقعت نَجَاسَة فِيهِ، فعلى تناهي الْجُزْء طَاهِر، وعَلى عدم التناهي غير طَاهِر، وَلَو قلت: كَانَ فِي كل قطرات المَاء نَجَاسَة فعلى تَقْدِير ثُبُوت الْجَوْهَر الْفَرد لَا صُورَة وَلَا هيولى وَلَا مَا يتركب مِنْهُمَا، بل هُنَاكَ جسم مركب من جَوَاهِر فردة، فاستحال خلوه عَن الأكوان الَّتِي هِيَ عبارَة عَن الْحَرَكَة والسكون والاجتماع والافتراق وَهِي معَان حَادِثَة، فيترتب عَلَيْهَا أَن مَا لَا يَخْلُو عَن الأكوان الْحَادِثَة لَا يسبقها، وَمَا لَا يسْبق الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث، أَو يُؤَدِّي إِلَى مَا لَا أول لَهُ من الْحَوَادِث، وَهُوَ محَال
وَاعْلَم أَن عُظَمَاء قدماء الْحُكَمَاء لما وقفُوا على حجَّة تدل على نفي الْجُزْء أذعنوا لَهَا، وحكموا بِأَن الْجِسْم يَنْقَسِم انقسامات لَا تتناهى؛ وَلما وقفُوا أَيْضا على حجَّة تدل على عدم الِاتِّصَال، وَهِي أَنه لَو كَانَ الْجِسْم مُتَّصِلا يلْزم انعدامه بكليته(1/345)
عِنْد انْفِصَال شَيْء قَلِيل مِنْهُ، وأذعنوا لَهَا وأنكروه وَقَالُوا صَرِيحًا بِأَن جَمِيع أَجزَاء الْجِسْم مَوْجُودَة بِالْفِعْلِ فلزمهم بِحكم هَذِه الْمُقدمَات القَوْل بِوُجُود الْجُزْء وتركب الْجِسْم مِنْهُ، إِلَّا أَنهم رَأَوْا أَن فِي عدم تناهي الانقسام مخلصا عَنهُ، إِذْ حِينَئِذٍ يكون كل جُزْء منقسما، وَإِلَّا يلْزم تناهي الْقِسْمَة عِنْده، وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض، فَلم يلتزموا بِوُجُود الْجُزْء، فالخلل فِي مَذْهَبهم من جِهَة أَنهم جمعُوا بَين مقدمتين، مُوجب إِحْدَاهمَا وجود الْجُزْء، وَمُوجب الْأُخْرَى عَدمه، وَلَا يخفى أَن مُنَافَاة الموجبين مستلزمة لمنافاة الموجبين، هَكَذَا قَرَّرَهُ بعض الْفُضَلَاء، وَذهب من كَانَ قبل أرسطو مثل سقراط وفيثاغورث إِلَى قدم الْأَجْسَام بذواتها، سَوَاء كَانَت فلكية أَو عنصرية؛ وحدوث صورها وصفاتها وَبَاقِي أحوالها
والجسم الطبيعي: هُوَ الَّذِي يفْرض فِيهِ أبعاد ثَلَاثَة متقاطعة على زَوَايَا قَائِمَة
والجسم التعليمي: هُوَ عرض لَا وجود لَهُ على الِاسْتِقْلَال
الْجَوْهَر: هُوَ والذات والماهية والحقيقة كلهَا أَلْفَاظ مترادفة
[وَالْمَشْهُور فِيمَا بَين الفلاسفة اسْتِعْمَال الْجَوْهَر بِمَعْنى الْمَوْجُود الْقَائِم بِنَفسِهِ وَبِمَعْنى الذَّات والحقيقة، وَبَين الْمُتَكَلِّمين هُوَ بِمَعْنى المتحيز بِالذَّاتِ، وَمعنى الْقيام بِنَفسِهِ أَن يَصح وجوده من غير مَحل يقوم بِهِ، لَا مَا يَسْتَغْنِي وجوده عَن غَيره كَمَا قَالَه الْأَشْعَرِيّ حَتَّى قَالَ: لَا قَائِم بِالنَّفسِ إِلَّا الله، فَأنْكر قيام الْجَوَاهِر بِنَفسِهَا وَكَون الْجَوَاهِر أصلا للمركبات حدا لَهُ أَو عِلّة أقوى من كَون الْقيام بِالذَّاتِ حدا لَهُ أَو عِلّة، لما أَن فِي لفظ الْجَوْهَر مَا يُنبئ عَن كَونه أصلا، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنبئ عَن الْقيام بِالذَّاتِ
وَاسم الْجَوْهَر لَيْسَ باسم لمُطلق الْوُجُود، بل هُوَ اسْم لموجود يتركب مِنْهُ وَمن غَيره الْجِسْم، أَو لما هُوَ قَابل للأعراض، حَتَّى إِنَّه لَا يتَنَاوَل مَوْجُودا لَيْسَ يتركب مِنْهُ الْأَجْسَام، وَلَا مَوْجُودا لَا يقبل الْعرض، وَكَذَلِكَ الْعرض لَيْسَ باسم لمُطلق الْمَوْجُود، إِذْ موجودات كَثِيرَة لَيست بأعراض، بل هُوَ اسْم لما يعرض فِي الْجَوْهَر مِمَّا يَسْتَحِيل بَقَاؤُهُ، فَمَا لم يُوجد فِيهِ هَذَا الْمَعْنى لم يكن عرضا، وَكَذَا كل اسْم جنس كالحيوان والنبات وَغير ذَلِك]
ثمَّ الْجَوْهَر مُمكن الْوُجُود لَا فِي مَوْضُوع عِنْد الْحُكَمَاء؛ وحادث متحيز عِنْد الْمُتَكَلِّمين
والمتحيز: الشاغل للحيز الَّذِي هُوَ عِنْد الْمُتَكَلِّمين الْفَرَاغ المتوهم المشغول بالشَّيْء الَّذِي لَو لم يشْغلهُ لَكَانَ ذَا خلاء كداخل الْكوز للْمَاء وَقد يذكر وَيُرَاد بِهِ أحد أُمُور أَرْبَعَة: الأول: المتحيز الَّذِي لَا يقبل الْقِسْمَة هَذَا على قَول من يثبت الْجَوْهَر الْفَرد الْمُسَمّى بالجزء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ لَا كسرا لصغره، وَلَا قطعا لصلابته، وَلَا وهما لِامْتِنَاع تميزه، وَلَا فرضا لاستلزام(1/346)
انقسام مَالا يَنْقَسِم فِي نفس الْأَمر، إِذْ لَيْسَ الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ جسما على مَا ذكره المتكلمون، بل لَا يُمكن أَن يكون جسما والجسم عِنْد الْحُكَمَاء مَأْخُوذ مِنْهُ فِي الْوَاقِع، وَقد يطلع الله بعض أوليائه عَلَيْهِ
وَالثَّانِي: هُوَ الذَّات الْقَابِلَة لتوارد الصِّفَات المتضادة عَلَيْهَا
وَالثَّالِث: أَنه الْمَاهِيّة الَّتِي إِذا وجدت فِي الْأَعْيَان كَانَت فِي مَوْضُوع أَي ذَات، وَيخرج عَنهُ الْوَاجِب لذاته، إِذْ لَيْسَ لَهُ مَاهِيَّة وَرَاء الْوُجُود
وَالرَّابِع: أَنه الْمَوْجُود الْغَنِيّ عَن مَحل يحل فِيهِ
فالجوهر بِهَذَا الْمَعْنى يجوز إِطْلَاقه على الْبَارِي تَعَالَى من حَيْثُ الْمَعْنى، لوُجُود الْمَعْنى الْمُصَحح لَهُ فِيهِ، لَا من حَيْثُ اللَّفْظ أما سمعا فلعدم وُرُود الْإِذْن من الشَّارِع بِصَرِيح إِطْلَاقه على الْوَاجِب فِي الْكتاب وَالسّنة، أَو بِمَا يرادفه، أَو بِمَا كَانَ مَوْصُوفا بِمَعْنَاهُ
وَلَا يَكْفِي فِي صِحَة الْأَجْزَاء على الْإِطْلَاق مُجَرّد وُقُوع مَا لَا يَصح إِطْلَاقه على الْوَاجِب فِي الْكتاب وَالسّنة بِحَسب اقْتِضَاء الْمقَام وَسِيَاق الْكَلَام، بل يجب أَن لَا يَخْلُو عَن نوع وتعظيم ورعاية أدب
وَأما عقلا فلإيهامه لما يُنَافِي الألوهية من تبادر الْفَهم إِلَى المتحيز الْمحَال إِطْلَاقه على الْوَاجِب تَعَالَى
وَاعْلَم أَن الْقَائِم بِالنَّفسِ الَّذِي يكون متحيزا وقابلا للْقِسْمَة هُوَ الْجِسْم؛ والقائم بِالنَّفسِ الَّذِي يكون متحيزا لَا قَابلا للْقِسْمَة هُوَ الْجَوْهَر الْفَرد، والقائم بِالنَّفسِ الَّذِي لَا يكون متحيزا هُوَ الْجَوْهَر الروحاني، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون مثلا للباري تَعَالَى، إِذْ الِاشْتِرَاك فِي السلوب لَا يُوجب الِاشْتِرَاك فِي الْمَاهِيّة
وَاتفقَ الْحُكَمَاء على أَن كل جَوْهَر عَاقل فَهُوَ لَيْسَ بجسم وَلَا بجسماني
(والجوهر عبارَة عَن الأَصْل فِي اللُّغَة أَي أصل المركبات، لَا عَن الْقَائِم بِالذَّاتِ)
والجواهر الْعَقْلِيَّة هِيَ الْعُقُول الْعشْرَة، والجسمية هِيَ الهيولى وَالصُّورَة
والنفسانية هِيَ نفس الْحَيَوَان
وَالْمرَاد بالجواهر فِي عرف النَّحْوِيين الْأَجْسَام المتشخصة
والجوهر والكم كِلَاهُمَا جنس عِنْد الْحُكَمَاء؛ وَعند غَيرهم: الْكمّ جنس والجوهر كالجنس
وللجوهر تحققان: تحقق فِي نَفسه وَهُوَ الْوُجُود الْمُقَابل لعدمه، وَتحقّق فِي مَكَانَهُ وَهُوَ حُصُوله فِيهِ، بِخِلَاف الْعرض، فَإِنَّهُ لما لم يقم بِنَفسِهِ كَانَ تحَققه حصولي فِي مَوْضُوعه بِحَيْثُ لَا يتمايزان فِي الْإِشَارَة الحسية كاللون مَعَ المتلون، بِخِلَاف الْجِسْم فِي الْمَكَان وخلو الْجَوْهَر عَن أعراضه مُمْتَنع عِنْد أهل الْحق مُفردا كَانَ الْجَوْهَر أَو مركبا مَعَ جَوْهَر آخر، وَهُوَ الْجِسْم، إِذْ لَا يُوجد جَوْهَر بِدُونِ تشخصه، وتشخصه إِنَّمَا هُوَ بأعراضه، فَيجب أَن يقوم بِهِ عِنْد تشخصه بِشَيْء من الْأَعْرَاض
والجوهر جنس للأنواع المندرجة تَحْتَهُ عرض عَام لفصولها، بل كل جنس بِالْقِيَاسِ إِلَى الْفَصْل الَّذِي يقسمهُ عرض عَام لَهُ
الْجعل: (جعل) أَعم من (فعل) و (صنع)(1/347)
وَسَائِر أخواتها، وَهُوَ يجْرِي مجْرى (صَار) و (طفق) فَلَا يتَعَدَّى نَحْو (جعل زيد يفعل كَذَا) أَي: أقبل وَأخذ وَشرع وتلبس
وَمعنى {مَا جعل الله} : مَا شرع وَمَا وضع
وَلذَلِك تعدى إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ الْبحيرَة
وَيجْرِي مجْرى (أوجد) فيتعدى إِلَى وَاحِد أَيْضا نَحْو: {وَجعل الظُّلُمَات والنور}
وَيكون بِمَعْنى إِيجَاد شَيْء من شَيْء وتكوينه مِنْهُ نَحْو: {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا}
وَبِمَعْنى تصيير الشَّيْء على حَالَة دون حَالَة، فيتعدى إِلَى اثْنَيْنِ نَحْو: {جعل لكم الأَرْض فراشا} والتصيير يكون بِالْفِعْلِ نَحْو: (جعلت الْفضة خَاتمًا) وبالقول غير مُسْتَند إِلَى وثوقه نَحْو: (جعلت زيدا أَمِيرا) ؛ وبالعقد نَحْو: (جعلت زيدا قَائِما) وَهُوَ اعْتِقَاد كَون الشَّيْء على صفة اعتقادا غير مُطَابق للْوَاقِع
وَيكون الْجعل بِمَعْنى الحكم بالشَّيْء على الشَّيْء حَقًا كَانَ نَحْو: {جاعلوه من الْمُرْسلين}
أَو بَاطِلا نَحْو: {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين}
وَبِمَعْنى بعث نَحْو: {وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيرا}
وَبِمَعْنى قَالَ نَحْو: {وَجعلُوا لله أندادا}
وَبِمَعْنى تبين نَحْو: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} و {جعلنَا لكل نَبِي عدوا} وَقَالَ الشَّاعِر:
(جعلنَا لَهُم نهج الطَّرِيق فَأَصْبحُوا ... على ثَبت من أَمرهم حَيْثُ يمموا)
وَبِمَعْنى التَّسْمِيَة نَحْو: {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا}
و (جعلت زيدا أَخَاك) : نسبته إِلَيْك
و (جعل لَهُ كَذَا على كَذَا) : شارطه بِهِ عَلَيْهِ
وَلَا يُقَال: (جعل كَذَا إِلَيْهِ) إِلَّا بتضمين معنى الضَّم
وَجعل الشَّيْء جعلا: وَضعه
و [جعل] بعضه فَوق بعض: أَلْقَاهُ
والجعل: بِالضَّمِّ: أَعم من الْأجر وَالثَّوَاب
والجعل لَا يسْتَعْمل لابتداء الْفِعْل وإنشائه، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار}
وَلِهَذَا قَالُوا: إِذا قَالَت الْمَرْأَة: (جعلت نَفسِي لَك بِكَذَا) وَقبل كَانَ نِكَاحا إِذا كَانَ بِحَضْرَة الشُّهُود، بِخِلَاف الْإِجَازَة، فَإِنَّهَا تسْتَعْمل لتنفيذ مَا تقدم
الْجِهَة: هِيَ والحيز متلازمان فِي الْوُجُود، لِأَن كلا مِنْهُمَا مقصد للمتحرك الأيني، إِلَّا أَن الحيز مقصد للمتحرك بالحصول فِيهِ، والجهة مقصد لَهُ بالوصول إِلَيْهَا والقرب مِنْهَا فالجهة مُنْتَهى الْحَرَكَة، لَا مَا يَصح فِيهِ الْحَرَكَة، وَلِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مقصد الْإِشَارَة الحسية، فَمَا يكون مُخْتَصًّا بِجِهَة يكون مُخْتَصًّا بحيز
والجهة قِسْمَانِ:(1/348)
حَقِيقَة لَا تتبدل أصلا، وَهِي الفوق والتحت
وَإِنَّمَا يتبدلان بتبدل جِهَة الرَّأْس وَالرجل فِي الْحَيَوَانَات، كَمَا فِي النملة والذباب وأشباههما، حَيْثُ تدب منتكسة تَحت السّقف وعَلى مقعرها
وَغير حَقِيقِيَّة وَهِي تتبدل بِالْعرضِ، وَهِي الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة
والأولان جهتان وَاقِعَتَانِ بالطبع لَا يتغيران بِالْعرضِ
والجهات المتبدلة بِالْعرضِ غير متناهية لِأَن الْجِهَة طرف الامتداد، وَيُمكن أَن يفْرض فِي كل جسم امتدادات غير متناهية فَيكون كل طرف مِنْهَا جِهَة
فَالْحكم بِأَن الْجِهَات سِتّ مَشْهُور عَامي، وَلَيْسَ بِحَق عِنْد الْخَاص، فَإِن الْجِسْم يُمكن أَن يفْرض فِيهِ أبعاد ثَلَاثَة متقاطعة على زَوَايَا قَوَائِم، وَلكُل بعد مِنْهَا طرفان، فَلِكُل جسم جِهَات سِتّ فَهَذَا الِاعْتِبَار يشْتَمل على الِاعْتِبَار الْمَشْهُور مَعَ زِيَادَة هِيَ تقاطع الأبعاد على زَوَايَا قَوَائِم وَلَا شكّ أَن قيام بعض الامتدادات على بعض مِمَّا لَا يجب فِي اعْتِبَار الْجِهَات فَتكون غير متناهية، لِإِمْكَان أَن يفْرض فِي جسم وَاحِد امتدادات غير متناهية هَكَذَا حَقَّقَهُ بعض الْفُضَلَاء
الْجُنُون: هُوَ اخْتِلَاف الْقُوَّة المميزة بَين الْأُمُور الْحَسَنَة والقبيحة، المدركة للعواقب بِأَن لَا يظْهر أَثَرهَا ويتعطل أفعالها إِمَّا بِالنُّقْصَانِ الَّذِي جبل عَلَيْهِ دماغه فِي أصل الْخلقَة، وَإِمَّا بِخُرُوج مزاج الدِّمَاغ عَن الِاعْتِدَال بِسَبَب خلط أَو آفَة، وَإِمَّا لاستيلاء الشَّيْطَان عَلَيْهِ وإلقاء الخيالات الْفَاسِدَة إِلَيْهِ، بِحَيْثُ يفزع من غير مَا يصلح سَببا
والسفه: الخفة، والحلم يُقَابله
وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء: عبارَة عَن التَّصَرُّف فِي المَال بِخِلَاف مُقْتَضى الشَّرْع وَالْعقل بالتبذير فِيهِ والإسراف مَعَ قيام خفَّة الْعقل فَلَا يدْفع إِلَيْهِ مَاله قبل الْبلُوغ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} إِلَى آخِره وَأما عدم الدّفع إِلَيْهِ بعد الْبلُوغ قبل الإيناس فَلَا دلَالَة عَلَيْهِ فِي هَذِه الْآيَة
أما منطوقا فَظَاهر، وَأما مفهوما فَلِأَن مَفْهُوم قَوْله: {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} عدم الدّفع على الْفَوْر، لَا عدم الدّفع مُطلقًا قَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا زَادَت على سنّ الْبلُوغ سبع سِنِين وَهِي مُدَّة مُعْتَبرَة فِي تغير الْأَحْوَال، إِذْ الطِّفْل يُمَيّز بعْدهَا وَيُؤمر بِالْعبَادَة تدفع إِلَيْهِ المَال، وَإِن لم يؤنس مِنْهُ الرشد فسن الرشد عِنْد الإِمَام هُوَ أَن يبلغ سنّ الجدية، وَهُوَ خمس وَعِشْرُونَ سنة، فَإِن أقل مُدَّة الْبلُوغ اثْنَتَا عشرَة سنة، وَأَقل مُدَّة الْحمل نصف سنة، فَأَقل مَا يُمكن أَن يصير الْمَرْء فِيهِ جدا ذَلِك
وَعند الْإِمَامَيْنِ إِلَى الرشد، وَهُوَ الصّلاح فِي الْعقل وَالْحِفْظ وَالْمَال
والعته: آفَة توجب خللا فِي الْعقل، فَيصير صَاحبه مختلط الْكَلَام يشبه بعض كَلَامه بِكَلَام الْعُقَلَاء وَبَعضه بِكَلَام المجانين وَكَذَا سَائِر أُمُوره؛ فَكَمَا أَن الْجُنُون يشبه أول أَحْوَال الصَّبِي فِي عدم الْعقل يشبه العته أَحْوَال اصبي فِي وجود أصل الْعقل مَعَ تمكن خلل فِيهِ
وَقيل: الْعَاقِل من يَسْتَقِيم حَاله وَكَلَامه غَالِبا وَلَا يكون غَيره إِلَّا نَادرا، وَالْمَجْنُون ضِدّه
وَالْمَعْتُوه: من يخْتَلط حَاله وَكَلَامه فَيكون هَذَا غَالِبا(1/349)
وَذَاكَ غَالِبا
وَقَالَ بَعضهم: الْمَجْنُون من يفعل مَا يَفْعَله الْعُقَلَاء لَا عَن قصد؛ والعاقل من يفعل مَا يَفْعَله المجانين فِي الْأَحَايِين لَكِن عَن قصد؛ وَالْمَعْتُوه من يفعل مَا يَفْعَله المجانين فِي الْأَحَايِين لَكِن عَن قصد
وَتَفْسِير الْقَصْد: هُوَ أَن الْعَاقِل يفعل على ظن الصّلاح، وَالْمَعْتُوه يفعل مَعَ ظُهُور وَجه الْفساد
والمغفل: اسْم مفعول من التغفل، وَهُوَ الَّذِي لَا فطنة لَهُ
وجنون مطبق: بِالْكَسْرِ
ومجنونة مطبق عَلَيْهَا، بِالْفَتْح
[وَمعنى مطبق: الممتد، والامتداد عبارَة عَن تعاقب الْأَزْمِنَة وَلَيْسَ لَهُ حد معِين فقدروه بالأدنى، وَهُوَ أَن يستوعب الْجُنُون وَظِيفَة الْوَقْت وَهُوَ الْيَوْم وَاللَّيْلَة فِي الصَّلَاة وَجَمِيع الشَّهْر فِي حق سُقُوط الصَّوْم]
الْجَهْل: يُقَال للبسيط، وَهُوَ عدم الْعلم عَمَّا من شَأْنه أَن يكون عَالما، وَيُقَال أَيْضا للمركب، وَهُوَ عبارَة عَن اعْتِقَاد جازم غير مُطَابق، سمي بِهِ لِأَنَّهُ يعْتَقد الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَهَذَا جهل آخر قد تركبا مَعًا
وَيقرب من الْبَسِيط السَّهْو وَسَببه عدم استثبات التَّصَوُّر، فَيثبت مرّة وَيَزُول أُخْرَى، وَيثبت بدله تصور آخر، فيشتبه أَحدهمَا بِالْآخرِ اشتباها غير مُسْتَقر، حَتَّى إِذا نبه بِأَدْنَى تنبه وَعَاد إِلَى التَّصَوُّر الأول
وَيقرب من الْجَهْل أَيْضا الْغَفْلَة، وَيفهم مِنْهَا عدم التَّصَوُّر مَعَ وجود مَا يَقْتَضِيهِ
كَذَلِك يقرب مِنْهُ الذهول، وَسَببه عدم استثبات التَّصَوُّر حيرة ودهشا
وَالْجهل يُقَال اعْتِبَارا بالاعتقاد؛ والغي يُقَال اعْتِبَارا بالأفعال وَلِهَذَا قيل: زَوَال الْجَهْل بِالْعلمِ، وَزَوَال الغي بِالرشد، وَيُقَال لمن أصَاب: رشد؛ وَلمن أَخطَأ: غوى
وَالْجهل أَنْوَاع: بَاطِل لَا يصلح عذرا، وَهُوَ جهل الْكَافِر بِصِفَات الله وَأَحْكَامه، وَكَذَا جهل الْبَاغِي وَجَهل من خَالف فِي اجْتِهَاده الْكتاب وَالسّنة، كالفتوى بِبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد، بِخِلَاف الْجَهْل فِي مَوضِع الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ يصلح عذرا وَهُوَ الصَّحِيح وَكَذَا الْجَهْل فِي مَوضِع الشُّبْهَة
وَأما جهل ذَوي الْهوى بِالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلّقَة بِالآخِرَة كعذاب الْقَبْر والرؤية والشفاعة لأهل الْكَبَائِر، وعفو مَا دون الْكفْر، وَعدم خُلُود الْفُسَّاق فِي النَّار فَلم يكن هَذَا الْجَهْل عذرا لكَونه مُخَالفا للدليل الْوَاضِح فِي الْكتاب وَالسّنة والمعقول، لكنه لما نَشأ من التَّأْوِيل للأدلة كَانَ دون جهل الْكَافِر
وَجَهل مُسلم فِي دَار الْحَرْب لم يُهَاجر إِلَيْنَا بالشرائع كلهَا يكون عذرا حَتَّى لَو مكث ثمَّة مُدَّة وَلم يصل وَلم يصم وَلم يعلم أَنَّهُمَا واجبان عَلَيْهِ لَا يجب الْقَضَاء بعد الْعلم بِالْوُجُوب، خلافًا لزفَر، لِأَن الْخطاب النَّازِل خَفِي فِي حَقه، فَيصير الْجَهْل بِهِ عذرا، لِأَنَّهُ غير مقصر، وَإِنَّمَا جَاءَ الْجَهْل من قبل خَفَاء الدَّلِيل
وَيلْحق بِهَذَا الْجَهْل جهل الشَّفِيع بِالْبيعِ، وَالْأمة بِالْإِعْتَاقِ، وَالْبكْر بِنِكَاح الْوَلِيّ، وَالْوَكِيل والمأذون بِالْإِطْلَاقِ وضده
الْجِنّ: حَده أَبُو عَليّ بن سينا بِأَنَّهُ حَيَوَان هوائي(1/350)
يتشكل بأشكال مُخْتَلفَة ثمَّ قَالَ: وَهَذَا شرح الِاسْم أَي بَيَان لمدلول هَذَا اللَّفْظ مَعَ قطع النّظر عَن انطباقه على حَقِيقَة خارجية، سَوَاء كَانَ مَعْدُوما فِي الْخَارِج أَو مَوْجُودا وَلم يعلم وجوده فِيهِ، فَإِن التَّعْرِيف الاسمي لَا يكون إِلَّا كَذَلِك، بِخِلَاف التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ، فَإِنَّهُ عبارَة عَن تصور مَا لَهُ حَقِيقَة خارجية فِي الذِّهْن [وَقد دلّ الْكتاب وأخبار الْأَنْبِيَاء على وجود الْجِنّ] ، وَجُمْهُور ارباب الْملَل المصدقين بالأنبياء قد اعْتَرَفُوا بِوُجُودِهِ، واعترف بِهِ جمع عَظِيم من قدماء الفلاسفة أَيْضا
[وَمن أحَاط معرفَة بعجائب المقدورات وَمَا خلق الله من السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا من الْعَجَائِب والغرائب علم أَن خلق الْجِنّ مِمَّا لَيْسَ بمحال بِنَفسِهِ، وَلَا الْقُدْرَة الأزلية قَاصِرَة عَنهُ، وَلَا أَنه مِمَّا يلْزم عَنهُ إبِْطَال قَاعِدَة من الْقَوَاعِد الْعَقْلِيَّة وَلَا هدم أصل من الْأُصُول الدِّينِيَّة فَلم يستدع وجود الْجِنّ وَالْعَمَل بظواهر الْأَدِلَّة السمعية من غير تَأْوِيل، وَغَايَة مَا فِيهِ وجود أشخاص بَيْننَا لَا نراهم، وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يمْنَع من وجودهم وَإِلَّا لزم مِنْهُ امْتنَاع وجود الْمَلَائِكَة والحفظة الْكَاتِبين، وَهُوَ خلاف مَذْهَب الْمُسلمين وأرباب الشَّرَائِع ثمَّ نقُول: خُرُوج الشَّيْء عَن الْوَهم الَّذِي هُوَ نتيجة الْحس مِمَّا لَا يُوجب اسْتِحَالَة ثُبُوته عِنْد قيام الدَّلِيل على ثُبُوته، فَإِن الْعلم مُحِيط بِثُبُوت الرّوح فِي الْبدن وَثُبُوت الْعقل فِيهِ وَوُجُود الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة لثبوتهم بِالدَّلِيلِ وَإِن كُنَّا لم نعاينهم وَمن يتبع الْوَهم فَأول مَا يلْزمه إِنْكَار ثُبُوت صانع لَيْسَ بجوهر وَلَا جسم وَلَا عرض وَلَا قَائِم بِنَاؤُه بِجِهَة من الْجِهَات منا وَلَا اتِّصَال لَهُ بِنَا، وَلَا انْفِصَال لَهُ عَنَّا، وَيلْزمهُ أَن يخرج ثُبُوت الصَّانِع عَن الْعقل لِخُرُوجِهِ عَن الْوَهم، وَيَقُول: إِن ثُبُوته لَيْسَ بمعقول لَا إِنَّه لَيْسَ بموهوم، فَمن أقرّ بِثُبُوت الصَّانِع اتبَاعا للدليل وَإِن لم يَتَقَرَّر ذَلِك فِي الْوَهم يلْزمه الْإِقْرَار بذلك اتبَاعا لما أَقَمْنَا من الدَّلِيل وَإِن لم يتَصَوَّر ذَلِك فِي الْوَهم]
وَالْجِنّ يُقَال على وَجْهَيْن: أَحدهمَا للروحانيين المستترة عَن الْحَواس كلهَا بِإِزَاءِ الْإِنْس فعلى هَذَا يدْخل فِيهِ الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو صَالح: الْمَلَائِكَة كلهَا جن نعم إِلَّا أَن يُقَال بِأَن هَذَا من بَاب تَقْيِيد الْمُطلق بِسَبَب الْعرف
وَالثَّانِي أَن الْجِنّ بعض الروحانيين، وَذَلِكَ أَن الروحانيين ثَلَاثَة: أخيار: وهم الْمَلَائِكَة
وأشرار: وهم الشَّيَاطِين
وأخيار وأشرار: وهم الْجِنّ
وَظَاهر الْكَلَام الفلاسفة أَن الْجِنّ وَالشَّيَاطِين هم النُّفُوس البشرية الْمُفَارقَة عَن الْأَبدَان بِحَسب الْخَيْر وَالشَّر
وَمِمَّا توقف فِيهِ أَبُو حنيفَة ثَوَاب الْجِنّ بِنَاء على أَن الإثابة لَا تجب على الله فَلَا يسْتَحق العَبْد الثَّوَاب على الله تَعَالَى بِالطَّاعَةِ، وَالْمَغْفِرَة لَا تَسْتَلْزِم الإثابة لِأَنَّهُ ستر؛ والإثابة بالوعد فضل هَذَا هُوَ الْقيَاس إِلَّا أَن الْأَثر ورد فِي بني آدم فَصَارَ معدولا عَنهُ، وَلم يرد فِي حق من آمن من الْجِنّ إِلَّا سُقُوط عُقُوبَة الْكفْر عَنْهُم فهم يبعثون ويحاسبون ويعذب من كفر مِنْهُم فِي جَهَنَّم وَيجْعَل من آمن مِنْهُم تُرَابا(1/351)
وَمن قَالَ بالْحسنِ والقبح العقليين وبوجوب ثَوَاب الْمُطِيع لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يقطع بِأَن مؤمني الْجِنّ يدْخلُونَ الْجنَّة ويثابون فِيهَا وَمن لَا يَقُول بهما وَذهب إِلَى إثابتهم بِالْجنَّةِ والحور الْعين من الجنيات فَإِنَّمَا يذهب إِلَيْهَا اسْتِدْلَالا بقوله تَعَالَى {حور مقصورات فِي الْخيام} وبكونهن {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} حَيْثُ فهم مِنْهُ أَن كل فريق مِنْهُم يدْخلُونَ الْجنَّة ويثابون بنعيمها ويطمثون مَا أعد لَهُم من الْحور الْعين وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بالتوقف التَّوَقُّف فِي المآكل والمشارب لَا الدُّخُول فِي الْجنَّة كدخول الْمَلَائِكَة للسلام والزيارة والخدمة
ذكر أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ أَن أهل السّنة يَقُولُونَ: إِن الْجِنّ تدخل فِي بدن المصروع وَفِي " المواقف تقدر على أَن تلج فِي بواطن الْحَيَوَانَات وتنفذ فِي منافذها الضيقة نُفُوذ الْهَوَاء المستنشق
[وَفِي حَاشِيَة عِصَام على " الْأَنْوَار " كَون المصروع ممسوس الشَّيْطَان بَاطِل، بل هُوَ مرض]
وَذكر وهب أَن من الْجِنّ من يُولد لَهُم ويأكلون وَيَشْرَبُونَ بِمَنْزِلَة الْآدَمِيّين، وَمِنْهُم بِمَنْزِلَة الرّيح
وَالْجِنّ يَمُوت، والشيطان يَمُوت إِذا مَاتَ إِبْلِيس
وَالْجنَّة، بِالْكَسْرِ: الْجِنّ وَالْجُنُون أَيْضا وبالفتح: الْبُسْتَان، وبالضم نوع من السِّلَاح
والجنان: بِالْفَتْح: الْقلب
والجنين: الْوَلَد مَا دَامَ فِي بطن أمه، وَيجمع على (أجنة)
وجن عَلَيْهِ اللَّيْل وأجنه: فالثلاثي لَازم و (أفعل) مُتَعَدٍّ، وَهُوَ الأجود فِي الِاسْتِعْمَال فمادة الْجِيم وَالنُّون للاستتار والاختفاء
وَلم ير رَسُول الله الْجِنّ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ}
وَذهب الْحَارِث المحاسبي إِلَى أَن الْجِنّ فِي الْآخِرَة يكونُونَ عكس مَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا بِحَيْثُ نراهم وَلَا يروننا
والجان: اسْم جمع للجن، وَقيل هُوَ أَبُو الْجِنّ
وإبليس: أَبُو الشَّيَاطِين
والجني: نِسْبَة إِلَى الْجِنّ أَو إِلَى الْجنَّة
الْجَواب: هُوَ مُشْتَقّ من (جاب الفلاة) إِذا قطعهَا، سمي الْجَواب جَوَابا لِأَنَّهُ يَنْقَطِع بِهِ كَلَام الْخصم
وَهُوَ يكون تَارَة ب (نعم) وَتارَة ب (لَا) وَيسْتَعْمل فِيمَا يتَحَقَّق ويجزم وُقُوعه
وَالْجَزَاء يسْتَعْمل فِيمَا لَا يجْزم وُقُوعه وَعدم وُقُوعه
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: الْجَواب لَا يجمع وَقَوْلهمْ: (جوابات كتبي) و (أجوبة كتبي) مولد، وَإِنَّمَا يُقَال: (جَوَاب كتبي)
والجوابي: جمع (جابية) من (الجباية) وَهِي الْحَوْض الْكَبِير
الْجَامِع الْعقلِيّ: هُوَ أَمر بِسَبَبِهِ يَقْتَضِي الْعقل اجْتِمَاع الجملتين فِي المفكرة
وَالْجَامِع الوهمي: هُوَ أَمر بِسَبَبِهِ يَقْتَضِي الْوَهم اجْتِمَاعهمَا فِي المفكرة أَيْضا
وَالْجَامِع الخيالي: أَمر بِسَبَبِهِ يَقْتَضِي الخيال(1/352)
اجْتِمَاعهمَا أَيْضا فِي المفكرة، وَإِن كَانَ الْعقل من حَيْثُ الذَّات غير مُقْتَض لذَلِك
الْجُود: هُوَ صفة ذاتية للجواد وَلَا يسْتَحق بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا بالسؤال
وَالْكَرم: مَسْبُوق بِاسْتِحْقَاق السَّائِل وَالسُّؤَال مِنْهُ
والجواد: يُطلق على الله تَعَالَى دون السخي
والجود لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِالْبَاء أَو اللَّام، وينتظم بِهِ الْإِعْطَاء فيتعدى إِلَى مَفْعُوله الأول بِاللَّامِ وَإِلَى الثَّانِي بِالْبَاء
الجدل: هُوَ عبارَة عَن دفع الْمَرْء خَصمه عَن فَسَاد قَوْله بِحجَّة أَو شُبْهَة، وَهُوَ لَا يكون إِلَّا بمنازعة غَيره وَالنَّظَر قد يتم بِهِ وَحده
الجامد: هُوَ الَّذِي لَا يَنْمُو كالحجر
والنامي: مَا يزِيد كالشجر، وَيدخل فِيهِ الْبَهَائِم والهوام كالبرغوث وَالْقمل وَنَحْوهمَا
[وَالِاسْم الجامد عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَغَيره هُوَ الْمُسَمّى، فَلَا يفهم من اسْم الله مثلا سواهُ
والمشتق غير الْمُسَمّى عِنْده إِن كَانَ صفة فعل كالخالق والرازق، وَلَا عينه وَلَا غَيره إِن كَانَ صفة ذَات كالعالم والمريد وَعند غَيره هُوَ الْمُسَمّى، وَالْخلاف فِي مَادَّة (اس م) لِأَن تمسكات الْفَرِيقَيْنِ تشعر بذلك، لَا فِي مَدْلُول (اسْم) نَحْو: الْإِنْسَان، وَالْفرس، وَالِاسْم، وَالْفِعْل]
الْجَبْر: هُوَ ربط المنكسر ليلتئم ويكمل، وَمِنْه اسْم الْجَبَّار
والجبار أَيْضا: المتكبر المتعالي عَن قبُول الْحق نَحْو: {وَلم يَجْعَلنِي جبارا}
والمتسلط نَحْو: {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار}
والقتال نَحْو: {إِذا بطشتم بطشتم جبارين} وَيُقَال: أجبرت فلَانا على كَذَا، وَلَا يُقَال: (جبرت) إِلَّا فِي الْعظم والفقر
(والجبيرة: مَا يرْبط من الْعود وَنَحْوه على الْعُضْو حَال الْكسر وَنَحْوه
والجبرية: بِالتَّحْرِيكِ: خلاف الْقَدَرِيَّة، والتسكين لحن أَو صَوَاب والتحريك للازدواج وَهُوَ اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين، وَفِي تعارف الْمُتَكَلِّمين يسمون الْمُجبرَة، وَفِي التعارف الشَّرْعِيّ المرجئة
والجبار، بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف: الهدر وَالْبَاطِل
[وَفِي الحَدِيث: " جرح العجماء جَبَّار "]
الجزالة: هِيَ إِذا أطلقت على اللَّفْظ يُرَاد بهَا نقيض الرقة، وَإِذا أطلقت على غَيره يُرَاد بهَا نقيض الْقلَّة
الْجَرّ: هُوَ اصْطِلَاح أهل الْبَصْرَة؛ والخفض اصْطِلَاح أهل الْكُوفَة
والجر لم يجِئ فِي الْقُرْآن مُجَردا من الْبَاء إِلَّا وَهُوَ مَنْصُوب وَلِهَذَا قُلْنَا: إِن الْمَجْرُور فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رَبك بغافل} فِي مَوضِع نصب وَهُوَ الصَّوَاب
الْجمل: هُوَ بِمَنْزِلَة الرجل، والناقة بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان، يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْبكْر بِمَنْزِلَة الْفَتى، والقلوص بِمَنْزِلَة الفتاة
والجمل، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد: تعداد الْحُرُوف(1/353)
الأبجدية، وَأكْثر مَا يَسْتَعْمِلهُ المشارقة هُوَ الْجمل الْكَبِير ومشايخ المغاربة يعتنون بشأن الْجمل الصَّغِير
الجري: هُوَ المر السَّرِيع، وَأَصله ممر المَاء، وَهُوَ فِي كَلَامهم يسْتَعْمل فِي أَشْيَاء يُقَال: هَذَا الْمصدر جَار على هَذَا الْفِعْل: أَي أصل لَهُ ومأخذ اشتق مِنْهُ، فَيُقَال فِي (حمدت حمدا) أَن الْمصدر جَار على فعله، وَفِي {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} إِنَّه لَا يجْرِي عَلَيْهِ وَيُقَال اسْم الْفَاعِل جَار على الْمُضَارع: أَي يوازيه فِي الحركات والسكنات
وَالصّفة جَارِيَة على شَيْء: أَي ذَلِك الشَّيْء صَاحبهَا إِمَّا مُبْتَدأ لَهَا أَو مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة
والجريان أتم فِي الْمُبَالغَة من السيلان
الجرموق، بِالضَّمِّ: مَا يلبس فَوق الْخُف لحفظه من الطين وَغَيره على الْمَشْهُور، لَكِن فِي الْمَجْمُوع أَنه الْخُف الصَّغِير
الْجِدَار: هُوَ كالحائط، لَكِن الْحَائِط يُقَال اعْتِبَارا بالإحاطة للمكان، والجدار اعْتِبَارا بالنتوء والارتفاع
والجدر، بِضَمَّتَيْنِ: جمع (جِدَار) وبفتحتين وَاحِدَة الجدران
الْجزع، بِفتْحَتَيْنِ: حزن يصرف الْإِنْسَان عَمَّا هُوَ بصدده ويقطعه عَنهُ؛ وَهُوَ أبلغ من الْحزن لِأَن الْحزن عَام
الْجِمَاع: الْمُوَافقَة والمساعدة فِي أَي شَيْء كَانَ
وجامعناكم على كَذَا: وافقناكم، لكنه لما كثر اسْتِعْمَاله فِي الِاجْتِمَاع الْخَاص عِنْد الْإِضَافَة إِلَى النِّسَاء صَار صَرِيحًا لَا يفهم غَيره وينصرف إِلَيْهِ بِلَا نِيَّة، وَفِيه حِكَايَة الإِمَام الطَّحَاوِيّ مَعَ ابْنَته على مَا نَقله صَاحب " النِّهَايَة " عَن " الْفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "
وَمَا جمع عددا فَهُوَ جماع أَيْضا يُقَال: الْخمر جماع الْإِثْم وَيُقَال: جمعت شركائي، وأجمعت أَمْرِي وَقَوله تَعَالَى: {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} للمجاورة
وَيُقَال: جمع المَال، وجبى الْخراج، وَكتب الكتبية، وقرى المَاء فِي الْحَوْض، وصرى اللَّبن فِي الضَّرع، وعقص الشّعْر على الرَّأْس
الْجِهَاد: الدُّعَاء إِلَى الدّين الْحق، والقتال مَعَ من لَا يقبله
والجهد، بِالضَّمِّ وَالْفَتْح: الطَّاقَة وبالفتح فَقَط: الْمَشَقَّة وبفتح الْهَاء: من أَسمَاء الْجِمَاع
وَجهد الْبلَاء: هِيَ الْحَالة الَّتِي يخْتَار عَلَيْهَا الْمَوْت، أَو كَثْرَة الْقِتَال والفقر
الجاسوس: هُوَ صَاحب سر الشَّرّ، كَمَا أَن الناموس صَاحب سر الْخَيْر
الْجب: هُوَ اسْم ركية لم تطو، وَإِذا طويت فَهِيَ بِئْر
الْجور: هُوَ خلاف الاسْتقَامَة فِي الحكم
وَالظُّلم: قيل، هُوَ ضَرَر من حَاكم أَو غَيره
الْجُمُعَة: بِسُكُون الْمِيم: اسْم من الِاجْتِمَاع، أَو بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي: الفوج الْمَجْمُوع
و [الْجُمُعَة] بتحريكها: بِمَعْنى الْفَاعِل أَي: الْوَقْت الْجَامِع فحركوا الْفَاعِل لقُوته وَسَكنُوا الْمَفْعُول لضَعْفه وَهَذِه قَاعِدَة كُلية فِي (فعلة)(1/354)
ك (ضحكة) و (همزَة) و (لُمزَة)
وَالْجُمْهُور على أَنه يضم الْمِيم وَهُوَ الأَصْل والإسكان تَخْفيف، وَكِلَاهُمَا مصدر بِمَعْنى الِاجْتِمَاع
الْجنب، كالنصر: هُوَ والجانب أَيْضا شقّ الْإِنْسَان وَغَيره
وَيُقَال: جناب الْبَارِي: وَالْمرَاد الذَّات، وَفِيه تَعْظِيم ورعاية للأدب وَمِنْه قَوْله: حَضْرَة فلَان، ومجلس فلَان، وأرسلته إِلَى جنابه الْعَزِيز
وَفِي جنب الله أَي: فِي أمره وَحده الَّذِي حَده لنا
وَالْجَار الْجنب: أَي الْبعيد [الَّذِي لَا قرَابَة لَهُ، كَمَا أَن الْجَار ذَا الْقُرْبَى هُوَ الَّذِي قرب جواره، أَو لَهُ مَعَ الْجوَار قرب اتِّصَال بِنسَب أَو دين]
والصاحب بالجنب: أَي الْقَرِيب وَصَاحِبك فِي السّفر
وَالْجَار الْجنب: بِضَمَّتَيْنِ: وَهُوَ جَارك من غير قَوْمك
والجنابة: [خُرُوج] الْمَنِيّ [وَالْجنب: يَسْتَوِي فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْوَاحد والتثنية وَالْجمع لِأَنَّهُ على صِيغَة الْمصدر كالنكر وَالنّذر بِمَعْنى الْإِنْكَار والإنذار]
الْجَرَاد: هُوَ مَعْرُوف، كَانَ بحري الأَصْل بري المعاش، كَمَا قيل إِن بيض السّمك إِذا انحسر عَنهُ المَاء يصير جَرَادًا، كَمَا فِي " الْمَبْسُوط "
الجميلة: هِيَ الَّتِي تَأْخُذ ببصرك على الْبعد
والمليحة: هِيَ الَّتِي تَأْخُذ بقلبك على الْقرب
الْجَزْم: الْقطع وَالْأَخْذ فِي الشَّيْء بالثقة
وَجزم الْأَمر: قطعه لَا عودة فِيهِ
و [جزم] الْحَرْف: أسْكنهُ
و [جزم] عَلَيْهِ: سكت
و [جزم] عَنهُ: جبن وَعجز
(الْجَبْهَة: هِيَ الَّتِي يسْجد الْإِنْسَان عَلَيْهَا)
الجسر: هُوَ اسْم لما يوضع وَيرْفَع مِمَّا يكون متخذا من الْخشب والألواح، والقنطرة من الْحجر والآجر
الْجد: بِالْفَتْح: أَبُو الْأَب وَأَبُو الْأُم
وَالْجدّة: أم الْأُم وَأم الْأَب
وَالْجد أَيْضا: الْقطع وَمِنْه جد فِي سيره، وَفِي أمره
والفيض الإلهي: وَمِنْه: {تَعَالَى جد رَبنَا} أَي: فيضه، أَو تجَاوز عَظمته عَن دَرك أفهامنا
وَالْعَظَمَة وَمِنْه حَدِيث عمر: كَانَ الرجل منا إِذا قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جد فِينَا أَي: جلّ قدره وَعظم
وَالْجد أَيْضا: الْغنى، وَمَا يَجعله الله للْعَبد من الحظوظ الدُّنْيَوِيَّة، وَهُوَ البخت
" وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد "
أَي: لَا يتَوَصَّل إِلَى ثَوَاب الله فِي الْآخِرَة بالجد، وَإِنَّمَا ذَلِك بالجد فِي الطَّاعَة
وَالْجد فِي الْأَمر: الِاجْتِهَاد وَهُوَ مصدر، وَالِاسْم بِالْكَسْرِ، وَمِنْه: فلَان محسن جدا: أَي نِهَايَة ومبالغة(1/355)
وضد الْهزْل بِالْكَسْرِ أَيْضا وَمِنْه حَدِيث: " ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد "
الجمة: الشّعْر الْكثير وَهِي أَكثر من اللمة وَالْجمع الجم
الجثوم: هُوَ للنَّاس وَالطير بِمَنْزِلَة البروك للبعير
الْجوف: المطمئن من الأَرْض
وجوف اللَّيْل: هُوَ الْخَامِس من أسداسه
والأجوفان: الْبَطن والفرج
الجرو: هُوَ ولد السَّبع، وَهُوَ أَيْضا الصغار من القثاء وَالرُّمَّان
الْجِنَازَة؛ بِالْفَتْح: الْمَيِّت، وَقيل: بِالْفَتْح السرير وبالكسر الْمَيِّت أَو بِالْعَكْسِ أَو بِالْكَسْرِ السرير مَعَ الْمَيِّت، قَالَ بَعضهم: الْأَعْلَى للأعلى والأسفل للأسفل
الْجِنَايَة؛ بِالْكَسْرِ [كالكناية] : فِي الأَصْل أَخذ الثَّمر من الشّجر، نقلت إِلَى إِحْدَاث الشَّرّ، ثمَّ إِلَى الشَّرّ، ثمَّ إِلَى فعل محرم
[الجزرة: اسْم لما أعد لجزر وَذبح وَهُوَ الشَّاة لَا الْبَعِير وَالْبَقر فَإِنَّهُمَا يصلحان لعمل آخر، وَالْجمع يتَنَاوَل الْبَعِير، يركب أَو لَا، وَلَا يتَنَاوَل بقرًا وشَاة]
الْجحْد: هُوَ نفي مَا فِي الْقلب ثباته وَإِثْبَات مَا فِي الْقلب نَفْيه، وَلَيْسَ بمرادف للنَّفْي من كل وَجه
الْجَزَاء: الْمُكَافَأَة على الشَّيْء وَقد ورد فِي الْقُرْآن (جزى) دون (جازى) وَذَلِكَ أَن المجازاة هِيَ الْمُكَافَأَة، والمكافأة مُقَابلَة نعْمَة بِنِعْمَة هِيَ كفؤها، ونعمة الله لَا كُفْء لَهَا وَلِهَذَا لَا يسْتَعْمل لفظ الْمُكَافَأَة فِي حق الله تَعَالَى (فِي " الْقَامُوس ": الْحَمد لله كُفْء الْوَاجِب: أَي مَا يكون مكافئا لَهُ)
[وَالْجَزَاء إِذا أطلق فِي معرض الْعُقُوبَات يُرَاد بِهِ مَا يجب حَقًا لله تَعَالَى بِمُقَابلَة فعل العَبْد لِأَنَّهُ الْمجَازِي على الْإِطْلَاق، وَلِهَذَا سميت دَار الْآخِرَة دَار الْجَزَاء]
الجنف: الْخَطَأ وَالْإِثْم الْعمد
وجنف: ك (فَرح) فِي مُطلق الْميل عَن الْحق
وأجنف: مُخْتَصّ بِالْوَصِيَّةِ
جَاءَ: هُوَ لَازم ومتعد بِنَفسِهِ، وبالباء أَيْضا تَقول: جِئْت شَيْئا حسنا: إِذا فعلته
وَجئْت زيدا: إِذا أتيت إِلَيْهِ
وَقد يُقَال: جِئْت إِلَيْهِ، على معنى ذهبت
وَجَاء الْغَيْث: نزل
و [جَاءَ] أَمر السُّلْطَان: بلغ
وَجَاء: بِمَعْنى تَقْرِير الشَّيْء على صفة نَحْو: (مَا جَاءَت حَاجَتك) : أَي مَا صَارَت
وَبِمَعْنى ظهر نَحْو: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم}
جهرة: أَي عيَانًا فِي الأَصْل مصدر (جهرت بِالْقُرْآنِ) استعيرت للمعاينة، لما بَينهمَا من الِاتِّحَاد فِي الوضوح والانكشاف، إِلَّا أَن الأول فِي المسموعات وَالثَّانِي فِي المبصرات(1/356)
و {أرنا الله جهرة} : نصب على المصدرية لِأَنَّهَا نوع من الرُّؤْيَة، أَو حَال
جُمَادَى: جَاءَت على بنية (فعالى) ك (حبارى) وَهِي لَا تكون إِلَّا للمؤنث فَإِن سمع (جُمَادَى) مذكرا فِي شعر فَإِنَّمَا يذهب بِهِ إِلَى الشَّهْر وَأَسْمَاء الشُّهُور كلهَا مذكرة إِلَّا (جُمَادَى) فِي " الْقَامُوس ": " وجمادى خَمْسَة الأولى، وجمادى سِتَّة الْآخِرَة "
وهما معرفتان فإدخال اللَّام فيهمَا غير صَحِيح
جَمِيعًا: حَال فِي اللَّفْظ وتأكيد فِي الْمَعْنى، أَي: أَجْمَعُونَ كَقَوْلِهِم: (جاؤوا جَمِيعًا) ، وَلَا يَسْتَدْعِي الِاجْتِمَاع فِي زمَان [نوع]
{فَلَا جنَاح} : فَلَا حرج
{جنفا} : ميلًا عَن الْحق
{جاسوا} : ترددوا للطلب
{جذاذا} : قطاعا
{جسدا} : شَيْطَانا
{جد رَبنَا} : فعله وَأمره وَقدرته
{جما} : شَدِيدا
{رطبا جنيا} : طريا
{كالجواب} : كالحياض الواسعة
{حبا جما} : كثيرا مَعَ حرص وشره
{جابوا الصخر} : نقبوا الْحِجَارَة
{جثيا} : على ركبهمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْقيام
{جاثية} : باركة على الركب وَتلك جلْسَة المخاصم والمجادل
{الْجَوَارِي الكنس} : السيارات الَّتِي تختفي تَحت ضوء الشَّمْس
{جنود رَبك} : جموع خلقه
{وَلكم فِيهَا جمال} : زِينَة
{جاثمين} : جامدين ميتين
{وَمن آيَاته الْجوَار} : السفن
{الجبت} : الشَّيْطَان أَو السَّاحر [وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم صنم فَاسْتعْمل فِي كل مَا عبد من دون الله]
{الْجَوَارِح} : الْكلاب والفهود والصقور وأشباهها(1/357)
{الجبلة} : الْخلق
{جهولا} : غرا بِأَمْر الله
{فِي جيبك} : فِي قَمِيصك
{جنيا} : غضا
{إِلَى جناحك} : إِلَى جَنْبك تَحت الْعَضُد
{فَصَبر جميل} : لَا جزع فِيهِ
{فِي جيدها} : فِي عُنُقهَا
{بصرت بِهِ عَن جنب} : عَن بعد الأَرْض
{جذوة} : مُثَلّثَة الْفَاء، قِطْعَة غَلِيظَة من الْحَطب فِيهَا نَار لَا لَهب لَهَا
{وأضعف جندا} : فِئَة وأنصارا
{جزوعا} : كثير الْجزع
{وَجَبت جنوبها} : سَقَطت على الأَرْض
{جنَّة} : بِالْكَسْرِ: جُنُون
{تحسبها جامدة} : ثَابِتَة مَكَانهَا
{الجرز: الأَرْض الَّتِي جرز نباتها أَي قطع وأزيل
(جفان} : صحاف
{من الْجبَال جدد} : أَي ذُو خطط وطرائق
{فِي جنب الله} : فِي حَقه
{الْجلاء} : بِالْفَتْح: الْخُرُوج من الوطن
{الصافنات الْجِيَاد} : جمع جواد وَهُوَ الَّذِي يسْرع فِي جريه
{أرنا الله جهرة} : عيَانًا
{جنحوا} : مالوا
{جفَاء} ؛ بِالضَّمِّ: بَاطِلا
{فِي جو السَّمَاء} : فِي الْهَوَاء المتباعد من الأَرْض
{كَأَنَّهَا جَان} : حَيَّة خَفِيفَة سريعة
{جَهَنَّم} : قيل عجمية وَقيل فارسية وَقيل عبرانية أَصْلهَا (كهنام) وَالله أعلم
[ {أَكثر شَيْء جدلا} : خُصُومَة بِالْبَاطِلِ
{كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} : يُرِيد الْبُسْتَان، كَانَ دون صنعاء بفرسخين
{حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} : فِي سفينة نوح(1/358)
{نفر من الْجِنّ} : هم أجسام عَاقِلَة خُفْيَة تغلب عَلَيْهِم النارية أَو الهوائية
{واهجرهم هجرا جميلا} : بِأَن تجانبهم وتداريهم لَا تكافئهم وتكلهم إِلَى الله
{ثمَّ الْجَحِيم صلوه} : وَهِي النَّار الْعُظْمَى
{وَجعل الظُّلُمَات والنور} : أنشأهما
{جعلنَا فِي كل قَرْيَة} : صيرنا فِيهَا]
(فصل الْحَاء)
[الحسبان] : كل مَا فِي الْقُرْآن من حسبان فَهُوَ من الْعدَد، إِلَّا {حسبانا من السَّمَاء} فِي " الْكَهْف " فَإِنَّهُ الْعَذَاب
[الْحَسْرَة] : كل مَا فِي الْقُرْآن من حسرة فَهِيَ الندامة، إِلَّا {ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم} فَإِن مَعْنَاهُ الْحزن
[الْحَمد] : كل مَا ورد فِي الْقُرْآن من (الْحَمد لله) فَهُوَ إِخْبَار بِمَعْنى الْأَمر، لِأَن مثل هَذَا تَعْلِيم للعباد وَتقول على ألسنتهم
[الْحَرَام] : كل مَوضِع ذكر الله فِيهِ الْمَسْجِد الْحَرَام فَالْمُرَاد بِهِ الْحرم إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} فَإِن المُرَاد بِهِ الْكَعْبَة
[الْحِفْظ] : كل آيَة ذكر فِيهَا حفظ الْفروج فَهُوَ من الزِّنَا إِلَّا {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم} فَإِن المُرَاد الاستتار
[الْحُضُور] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الْحُضُور فَهُوَ بالضاد من الْمُشَاهدَة إِلَّا قَوْله: {كهشيم المحتظر} فَإِنَّهُ بالضاء من الاحتظار، وَهُوَ الْمَنْع
[الْحَظ] : كل حَظّ فِي الْقُرْآن فَهُوَ بالظاء إِلَّا فِي " الْفجْر " و " الماعون " و " الحاقة " فَإِنَّهُ بالضاد فِيهَا
[الحنيف] : كل مَوضِع فِي الْقُرْآن ذكر الحنيف مَعَ الْمُسلم فَهُوَ الْحَاج {وَلَكِن كَانَ حَنِيفا مُسلما} وَفِي كل مَوضِع ذكر وَحده فَهُوَ الْمُسلم نَحْو: {لله حَنِيفا} وكل من أسلم لله وَلم ينحرف عَنهُ فِي شَيْء فَهُوَ حنيف و {مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} أَي: مُخَالفا للْيَهُود وَالنَّصَارَى منصرفا عَنْهُمَا
[الْحَادِث] : كل مَا كَانَ وجوده طارئا على عَدمه أَو عَدمه طارئا على وجوده فَهُوَ حَادث
[الحم] : كل من كَانَ من قبل الزَّوْج مثل الْأَخ وَالْأَب فَهُوَ حم
[الحيد] : كل نتو فِي الْقرن والجبل وَغَيرهمَا فَهُوَ حيد(1/359)
[الحصب] : كل مَا هيجت بِهِ النَّار إِذا أوقدتها فَهُوَ حصب، وَلَا يكون الْحَطب حَصْبًا حَتَّى يسجر بِهِ
أَي يحمى بِهِ التَّنور، [قَالَ بَعضهم: لحصب جَهَنَّم اعتباران فَمن حَيْثُ تتقد بِهِ النَّار بِلَا مهلة وقود، وَمن حَيْثُ زَمَانا بقدرة الله حصب]
[الحديقة] : كل بُسْتَان عَلَيْهِ حَائِط فَهُوَ حديقة
[الْحمام] : كل طَائِر لَهُ طوق فَهُوَ حمام
[الحم والحمة] : كل مَا أذيب من الألية فَهُوَ حم وحمة، كَمَا أَن كل مَا أذيب من الشَّحْم فَهُوَ صهارة
[الْحلِيّ] : كل مَا حليت بِهِ امْرَأَة أَو سَيْفا فَهُوَ حلي
[الْحصْر] : كل من امْتنع من شَيْء لم يقدر عَلَيْهِ فقد حصر عَنهُ، وَلِهَذَا قيل: حصر فِي الْقِرَاءَة، وَحصر عَن أَهله
[الحيز] : كل نَاحيَة فَهِيَ حيّز
[الْحجاب] : كل مَا يستر الْمَطْلُوب وَيمْنَع من الْوُصُول إِلَيْهِ فَهُوَ حجاب، كالستر والبواب والجسم وَالْعجز وَالْمَعْصِيَة
[الحنش] : كل مَا يصاد من الطير والهوام فَهُوَ حَنش بِفتْحَتَيْنِ
[الْحمل] : كل مُتَّصِل فَهُوَ حمل بِالْفَتْح وكل مُنْفَصِل فَهُوَ حمل بِالْكَسْرِ
[الحمولة] : كل مَا احْتمل عَلَيْهِ الْحَيّ من حمَار أَو غَيره سَوَاء كَانَت عَلَيْهِ الْأَحْمَال أَو لم تكن فَهُوَ حمولة، بِالْفَتْح
والحمولة، بِالضَّمِّ: الْأَحْمَال و (فعولة) تدخله الْهَاء إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول
والحمول، بِلَا هَاء: الْإِبِل الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج، كَانَ فِيهَا نسَاء أَو لم يكن
[حَال واستحال] : كل مَا تحرّك أَو تغير من الاسْتوَاء إِلَى العوج فقد حَال واستحال
[حل] : كل جامد أذيب فقد حل
وحبل الحبلة: نتاج النِّتَاج
[حَال] : كل مَا حجز بَين شَيْئَيْنِ فقد حَال بَينهمَا
[الْحيرَة] : كل محلّة دنت مِنْك مَنَازِلهمْ فَهِيَ الْحيرَة
[حلا يحلو] : كل طَعَام وشراب يحدث فِيهِ حلاوة ومرارة فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: حلا يحلو، وَمر يمر وكل مَا كَانَ من دبير أَو أَمر يشْتَد ويلين وَلَا طعم لَهُ فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: أحلى يحلى، وَأمر يمر
[حج] : كل من قصد شَيْئا فقد حجَّة
[حَرْب] : كل من عصاك فَهُوَ حَرْب لَك
[الحريد] : كل قَلِيل من كثير فَهُوَ حريد، يُقَال رجل حرد: إِذا ترك أَهله وحول
[الْحرَّة] : كل أَرض ذَات حِجَارَة سود فَهِيَ حرَّة كَأَنَّهَا محترقة من الْحر
[حَاز] : كل من ضم إِلَى نَفسه شَيْئا فقد حازه حوزا وحيازا وحيازة، واحتازه أَيْضا وبيضة كل شَيْء حوزته(1/360)
[الحَدِيث] : كل كَلَام يبلغ الْإِنْسَان من جِهَة السّمع أَو الْوَحْي فِي يقظة أَو مَنَام يُقَال لَهُ حَدِيث
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذا أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} {وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} أَي مَا يحدث بِهِ الْإِنْسَان من نَومه
[الْحَال] : كل اسْم نكرَة منتصب بعد تَمام الْكَلَام فَهُوَ الْحَال
[الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة] : كل لفظ وضع لِمَعْنى فِي اللُّغَة ثمَّ اسْتعْمل فِي الشَّرْع لِمَعْنى آخر مَعَ هجران الِاسْم اللّغَوِيّ عَن الْمُسَمّى بِحَيْثُ لَا يسْبق إِلَى أفهام السامعين الْوَضع الأول فَهُوَ حَقِيقَة شَرْعِيَّة لَا يقبل النَّفْي أصلا كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا وضعت للدُّعَاء ثمَّ صَارَت فِي الشَّرْع عبارَة عَن الْأَركان الْمَعْلُومَة
والحقيقة الْعُرْفِيَّة: هِيَ اللَّفْظ الَّذِي نقل عَن مَوْضُوعه الْأَصْلِيّ إِلَى غَيره لغَلَبَة الِاسْتِعْمَال وَصَارَ الْوَضع الْأَصْلِيّ مَهْجُورًا، كاسم الْعدْل فَإِنَّهُ فِي صنع اللُّغَة مصدر كالعدالة، ثمَّ فِي عرف الِاسْتِعْمَال صَار عبارَة عَن الْعَادِل، فَصَارَ حَقِيقَة عرفية حَتَّى لَا يَسْتَقِيم نَفْيه فِي الشَّاهِد وَالْغَائِب جَمِيعًا
[الْحَقِيقَة الْكَامِلَة] : كل لفظ إِذا اسْتعْمل فِيمَا هُوَ مَوْضُوع لَهُ فَهُوَ حَقِيقَة كَامِلَة
وَفِيمَا هُوَ جُزْء من مَوْضُوعه فَهُوَ حَقِيقَة قَاصِرَة
وَفِيمَا هُوَ خَارج عَن مَوْضُوعه فَهُوَ مجَاز
[الْحَقِيقَة البلاغية] : كل كلمة أُرِيد بهَا مَا وضعت لَهُ فَهِيَ حَقِيقَة، كالأسد للحيوان المفترس وَالْيَد للجارحة وَنَحْو ذَلِك وَإِن أُرِيد بهَا غير مَا وضعت لَهُ لمناسبة بَينهمَا فَهِيَ مجَاز، كالأسد للرجل الشجاع، وَالْيَد للنعمة أَو للقوة، فَإِن النِّعْمَة تُعْطى بِالْيَدِ وَالْقُوَّة تظهر بكمالها فِي الْيَد، هَذَا حدهما فِي الْمُفْرد، وَأما حدهما فِي الْجُمْلَة: فَهُوَ أَن كل جملَة كَانَ الحكم الَّذِي دلّت عَلَيْهِ كَمَا هُوَ فِي الْعقل فَهِيَ حَقِيقَة، كَقَوْلِنَا (خلق الله الْخلق)
[الْمجَاز] : وكل جملَة أخرجت الحكم المفاد بهَا عَن مَوْضُوعه فِي الْعقل لضرب من التَّأْوِيل فَهِيَ مجَاز، كَمَا إِذا أضيف الْفِعْل إِلَى شَيْء يضاهي الْفَاعِل كالمفعول بِهِ فِي {عيشة راضية} و {مَاء دافق} ، أَو الْمصدر ك (شعر شَاعِر) ، أَو الزَّمَان ك (نَهَاره صَائِم) ، أَو الْمَكَان ك (طَرِيق سَائِر) ، أَو الْمُسَبّب ك (بنى الْأَمِير الْمَدِينَة) ، أَو السَّبَب كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا} فمجاز لمفرد لغَوِيّ وَيُسمى مجَازًا فِي الْمُثبت، ومجاز الْجُمْلَة عَقْلِي وَيُسمى مجَازًا فِي الْإِثْبَات، فَكل نِسْبَة وضعت فِي غير موضعهَا بعلامة فَهِيَ مجَاز عَقْلِي، تَامَّة كَانَت أَو نَاقِصَة
وعلامة الْحَقِيقَة أَن لَا يجوز نَفيهَا عَن الْمُسَمّى بِحَال بِخِلَاف الْمجَاز [فَإِن عَلامَة كَونه مجَازًا أَن يَصح نَفْيه عَن الْمُسَمّى، قَالَ بَعضهم: صِحَة النَّفْي يتَوَقَّف على معرفَة الْمجَاز، فَلَو عَرفْنَاهُ بِصِحَّة النَّفْي لزم الدّور، نعم لَكِن معرفَة كَونه مجَازًا للْحَال تتَوَقَّف على صِحَة النَّفْي فِي مجَال استعمالاته، وَذَلِكَ لَا يتَوَقَّف على معرفَة كَونه(1/361)
مجَازًا] ، وعلامة أُخْرَى لَهَا هِيَ أَن الْحَقِيقَة مَا يفهم السَّامع مَعْنَاهَا من غير قرينَة
الْحَقِيقَة: [هِيَ إِمَّا (فعيل) بِمَعْنى فَاعل من (حق الشَّيْء) إِذا ثَبت، وَمِنْه (الحاقة) لِأَنَّهَا ثَابِتَة كائنة لَا محَالة وَإِمَّا بِمَعْنى (مفعول) من (حققت الشَّيْء) إِذا أثْبته فَيكون مَعْنَاهَا الثَّابِتَة والمثبتة فِي موضعهَا الْأَصْلِيّ، وَالتَّاء للتأنيث فِي الْوَجْه الأول، ولنقل اللَّفْظ من الوصفية إِلَى الاسمية فِي الثَّانِي كَمَا فِي (نطيحة) و (أكيلة) لِأَن (فعيلا) بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَقَالَ صَاحب " الْمِفْتَاح ": إِنَّهَا للتأنيث فِي الْوَجْهَيْنِ: لِأَنَّهُ صفة غير جَارِيَة على موصوفها وَالتَّقْدِير كلمة حَقِيقِيَّة، وَإِنَّمَا يَسْتَوِي الْمُذكر والمؤنث فِي (فعيل) بِمَعْنى مفعول إِذا كَانَ جَارِيا على موصوفه نَحْو: (رجل) قَتِيل) و (امْرَأَة قَتِيل) وَإِلَّا فالتأنيث وَاجِب دفعا للالتباس نَحْو: (مَرَرْت بقتيل بني فلَان) و (قتيلة بني فلَان) ، و (فعيل) بِمَعْنى فَاعل يذكر وَيُؤَنث سَوَاء أجري على موصوفه أَو لَا نَحْو: (رجل ظريف) و (امْرَأَة ظريفة)
و] حَقِيقَة الشَّيْء: كَمَاله الْخَاص بِهِ يُقَال: حَقِيقَة الله وَلَا يُقَال: مَاهِيَّة الله لإيهامها معنى التجانس
وَفِي اصْطِلَاح الميزانيين: حَقِيقَة الشَّيْء المحمولة ب (هُوَ) ذَات الشَّيْء كالحيوان النَّاطِق للْإنْسَان
وَأما ذاتيته وَهِي الحيوانية، والناطقية فتسمى مَاهِيَّة فَاعْتبر مثل هَذَا فِي الْوُجُود فَإِنَّهُ نفس الْمَاهِيّة، وَوُجُود الْإِنْسَان هُوَ نفس كَونه حَيَوَانا ناطقا فِي الْخَارِج
وَقد تطلق الْحَقِيقَة وَيُرَاد بهَا مَا يُقَال فِي جَوَاب السُّؤَال بِمَا هُوَ، وَهُوَ حَقِيقَة نوعية إِن كَانَ السُّؤَال عَن جزئيات النَّوْع بالاشتراك فَقَط، وَحَقِيقَة شخصية إِن كَانَ السُّؤَال بالخصوصية، كالحيوان النَّاطِق مَعَ التشخص فِي الثَّانِي، وبدونه فِي الأول، فَلَا يَصح أَن تقع الْحَقِيقَة النوعية جَوَابا عَن السُّؤَال ب (مَا هُوَ) إِذا أفرد بعض الجزئيات بِالذكر، لعدم الْمُطَابقَة بَينهمَا
وَقد تطلق الْحَقِيقَة وَيُرَاد بهَا مَا يكون مَعْرفَتهَا غنية عَن الِاكْتِسَاب، وَهِي الَّتِي يكون مَعْرفَتهَا حَاصِلَة عِنْد الْإِنْسَان من غير كسب وَطلب مِنْهُ، فَلَا يُمكن تَعْرِيفهَا، لِأَنَّهُ لَو أمكن لَكَانَ بِأُمُور هِيَ أظهر وَأعرف مِنْهَا، وَلَا يُوجد شَيْء أعرف وَأظْهر من المحسوسات
والحقيقة الَّتِي يبْحَث عَنْهَا أهل الْحِكْمَة هِيَ الْأَحْوَال الثَّابِتَة للأشياء فِي نَفسهَا، مَعَ قطع النّظر عَن جعل جَاعل وَاعْتِبَار مُعْتَبر وَهَذِه الْحَقِيقَة لَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعلمِ وَالْيَقِين، بِخِلَاف الاعتبارية الَّتِي هِيَ المباحث المنوطة بالجعل وَالِاعْتِبَار، كالمباحث الشَّرْعِيَّة والعرفية، فَإِن الظَّن يعْتَبر فِيهَا عدم الْوُصُول إِلَى الْيَقِين
وَلَفْظَة الْحَقِيقَة مجَاز فِي مَعْنَاهَا، فَإِنَّهَا (فعلية) مَأْخُوذَة من الْحق، وَالْحق بِحَسب اللُّغَة: الثَّابِت، لِأَنَّهُ نقيض الْبَاطِل الْمَعْدُوم، و (الفعيل) الْمُشْتَقّ من الْحق إِن كَانَ بِمَعْنى الْفَاعِل كَانَ مَعْنَاهُ الثَّابِت، وَإِن كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول كَانَ مَعْنَاهُ الْمُثبت، نقل من الْأَمر الَّذِي لَهُ ثبات إِلَى العقد المطابق للْوَاقِع، لِأَنَّهُ أولى بالوجود من العقد غير المطابق، ثمَّ نقل(1/362)
من العقد إِلَى القَوْل المطابق لهَذِهِ الْعلَّة بِعَينهَا، ثمَّ نقل إِلَى الْمَعْنى المصطلح، وَهُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ فِي اصْطِلَاح التخاطب، (وَالتَّاء الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمُشْتَقّ من الْحق لنقل اللَّفْظ من الوصفية إِلَى الاسمية الصرفة) وَكَذَا الْمجَاز مجَاز فِي مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ (مفعل) من الْجَوَاز بِمَعْنى العبور، وَهُوَ حَقِيقَة فِي الْأَجْسَام، وَاللَّفْظ عرض يمْتَنع عَلَيْهِ الِانْتِقَال من مَحل إِلَى آخر، وَبِنَاء (مفعل) مُشْتَرك بَين الْمصدر وَالْمَكَان لكَونه حَقِيقَة فيهمَا، ثمَّ نقل من الْمصدر أَو الْمَكَان إِلَى الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الْجَائِز، ثمَّ من الْفَاعِل إِلَى الْمَعْنى المصطلح، وَهُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ يُنَاسب الْمَعْنى المصطلح بِحَسب التخاطب
والحقيقة: عبارَة عَن الِاسْتِعْمَال فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ
والحقيقي: عبارَة عَن الْوَضع وَالْمجَاز يتَوَقَّف على الثَّانِي لَا على الأول وَالْمجَاز لَا يفهم مَعْنَاهُ إِلَّا بِقَرِينَة من حَيْثُ اللَّفْظ أَو دلَالَة الْحَال وَاعْتِبَار العلاقة مَعَ الْقَرِينَة كَاف فِي الْمجَاز هَذَا عِنْد الْجُمْهُور، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد الْبَعْض، بل السماع عَن الْعَرَب شَرط لَهُ كَأَن يُقَال: إِن هَذِه العلاقة السَّبَبِيَّة مثلا مسموع من الْعَرَب فِي مثل هَذَا الْمجَاز
وَالْمُعْتَبر نوع العلاقة المضبوطة فِي استعمالات البلغاء الخلص، لَا علاقَة جزئية حَتَّى يلْزم نقل عينهَا عَن أَرْبَاب البلاغة السليقية، لاتفاقهم على ارْتِفَاع الْكَلَام الْمُشْتَمل على الِاسْتِعَارَة البديعية الَّتِي صدرت عَن أَصْحَاب البلاغة المكتسبة، (وَيدل على عدم شَرط السماع عدم بيانهم الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة فِي كتب اللُّغَة كبيانهم الْحَقِيقَة فِيهَا)
[وَلَا ينْقل الِاسْم عَن مَحل الْحَقِيقَة إِلَى غَيره بطرِيق الْمجَاز إِلَّا لمشابهة قَوِيَّة بَينهمَا حَتَّى قَالَ أهل اللُّغَة: إِن الْمجَاز تَشْبِيه بِدُونِ كَاف التَّشْبِيه، وَذَلِكَ بِدلَالَة تَأَكد المشابهة بَينهمَا فَكَانَت المشابهة لَازِمَة بَين مَحل الْمجَاز وَمحل الْحَقِيقَة]
وأنواع العلاقات قيل خَمْسَة وَعِشْرُونَ كَمَا ذكره الْقَوْم؛ وَضبط صَاحب " التَّوْضِيح " فِي تِسْعَة؛ وَابْن الْحَاجِب فِي خَمْسَة؛ (وَمَا ذكره الْقَوْم بالاستقراء، وَإِن كَانَ بعض مِنْهَا متداخلا، وَهُوَ اسْتِعْمَال اسْم السَّبَب للمسبب نَحْو: (بلوا أَرْحَامكُم) أَي: صلوا؛ وَبِالْعَكْسِ كالإثم للخمر، وَاسْتِعْمَال الْكل للجزء كالأصابع للأنامل وَبِالْعَكْسِ كالوجه للذات؛ وَاسْتِعْمَال الملزم للازم كالنطق للدلالة، وَبِالْعَكْسِ كشد الْإِزَار للاعتزال عَن النِّسَاء فِي قَوْله:
(قوم إِذا حَاربُوا شدوا مآزرهم ... دون النِّسَاء وَلَو باتت بأطهار)
وَاسْتِعْمَال أحد المتشابهين فِي صفة شكلا أَو غَيره للْآخر كالأسد للشجاع
وَاسْتِعْمَال الْمُطلق للمقيد كَالْيَوْمِ ليَوْم الْقِيَامَة، وَبِالْعَكْسِ كالمشفر للشفة
وَاسْتِعْمَال الْخَاص للعام نَحْو: {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} أَي: رُفَقَاء(1/363)
وَبِالْعَكْسِ، كالعام الْمَخْصُوص
وَحذف الْمُضَاف نَحْو: {واسأل الْقرْيَة} وَيُسمى مجَازًا بِالنُّقْصَانِ؛ وَبِالْعَكْسِ نَحْو: أَن ابْن جلا ... والمجاورة كالميزاب للْمَاء وَالْأول وَاعْتِبَار مَا كَانَ
وَالْمحل للْحَال وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {فَفِي رَحْمَة الله} أَي: الْجنَّة
وَآلَة الشَّيْء لَهُ، كاللسان للذّكر
وَأحد الْبَدَلَيْنِ للْآخر نَحْو: الدَّم للدية
والنكرة فِي الْإِثْبَات للْعُمُوم نَحْو: {علمت نفس مَا أحضرت} والضد للضد
والمعرف للْمُنكر، كَقَوْلِه: {وادخلوا الْبَاب} أَي: بَابا من أَبْوَابهَا
والحذف نَحْو {يبين الله لكم أَن تضلوا} أَي: لِئَلَّا تضلوا
وَالزِّيَادَة نَحْو {لَيْسَ كمثله شَيْء} [وَاعْلَم أَن اللَّفْظ إِذا تجرد عَن الْقَرِينَة فإمَّا أَن يحمل على حَقِيقَته أَو مجازه أَو عَلَيْهِمَا أَو لَا على وَاحِد مِنْهُمَا، وَالثَّلَاثَة الْأَخِيرَة بَاطِلَة لِأَن شَرط الْحمل على الْمجَاز حُصُول الْقَرِينَة الْمَانِعَة اتِّفَاقًا، وَالْمَجْمُوع من حَيْثُ لَيْسَ حَقِيقَة لَهُ إِذْ الْمُقدر خِلَافه فَيكون مَعْنَاهُ الْمجَازِي وَقد فَاتَ شَرط الْحمل عَلَيْهِ، وعَلى التَّقْدِير الْأَخير يكون مهملا أَو مُجملا وَذَلِكَ خلاف الْإِجْمَاع فَتعين الْوَجْه الأول ثمَّ اعْلَم أَن الْحَقِيقَة إِمَّا متعذرة وَإِمَّا مهجورة]
فالحقيقة المتعذرة هِيَ مَا لَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِلَّا بِمَشَقَّة ك (أكل النَّخْلَة)
والمهجورة: مَا يتْركهُ النَّاس وَإِن تيَسّر الْوُصُول إِلَيْهِ، ك (وضع الْقدَم) وَقيل: المتعذرة مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم وَإِن تحقق والمهجورة قد يثبت بهَا الحكم إِذا صَار فَردا من أَفْرَاد الْمجَاز عَادَة أَو شرعا وَقيل: المهجورة كِنَايَة كالمجاز غير الْغَالِب الِاسْتِعْمَال
(والحقيقة إِذا تَعَذَّرَتْ يُصَار إِلَى الْمجَاز، والمهجور شرعا أَو عرفا كالمتعذر)
وَإِذا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، أَو كَانَ اللَّفْظ مُشْتَركا بِلَا مرجع أهمل لعدم الْإِمْكَان
والحقيقة إِذا كَانَت مستعملة وَالْمجَاز أَكثر مِنْهَا اسْتِعْمَالا فَالْعَمَل بالمجاز على وَجه يصير الْحَقِيقَة فَردا مِنْهُ أولى هَذَا عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد تَرْجِيحا بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، إِذْ الْحَقِيقَة مَتى قل اسْتِعْمَالهَا لَا تتسارع الأفهام إِلَيْهَا، فَالْعِبْرَة للمجاز تَحْقِيقا لغَرَض الإفهام بأبلغ الْوُجُوه وَأما عِنْد أبي حنيفَة فَالْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أولى لِأَنَّهَا الأَصْل وَإِذا اسْتَويَا فِي الِاسْتِعْمَال فَالْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أولى بالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ بالتعارض يسْقط اعْتِبَار الْعرف سَوَاء كَانَ بالتعامل، وَهُوَ قَوْلهمَا وَعَلِيهِ مَشَايِخ بَلخ، أَو بالتفاهم والأقوال وَهُوَ قَول الإِمَام وَعَلِيهِ مَشَايِخ الْعرَاق(1/364)
[وَجُمْلَة مَا تتْرك بِهِ الْحَقِيقَة خَمْسَة أَنْوَاع عرف ذَلِك بطرِيق الاستقراء: تتْرك بِدلَالَة الْعدة أَي الْعرف وَالشَّرْع، وبدلالة مَحل الْكَلَام، لِأَن مَحل الْحَقِيقَة مَا لم يقبل حكمهَا للتعذر تعين إِرَادَة الْمجَاز؛ وبدلالة معنى يرجع إِلَى الْمُتَكَلّم أَي صفة من صِفَاته، كَمَا لَو وكل بشرَاء اللَّحْم فَإِنَّهُ ينفذ بالنيء إِن كَانَ مُقيما وبالمطبوخ والمشوي إِن كَانَ مُسَافِرًا بِدلَالَة حَالهمَا على ذَلِك وبقرينة لفظية التحقت بِهِ سَابِقَة أَو مُتَأَخِّرَة، إِلَّا أَن السِّيَاق أَكثر اسْتِعْمَاله فِي الْمُتَأَخِّرَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر إِنَّا أَعْتَدْنَا للظالمين نَارا} لِأَن حَقِيقَة الْأَمر الْإِيجَاب عِنْد الْجُمْهُور، وَعند الْبَعْض للنَّدْب وَالْإِبَاحَة وَالْكفْر غير وَاجِب وَلَا مَنْدُوب وَلَا مُبَاح، إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لما اسْتوْجبَ الْعقُوبَة بسياق الْآيَة
وتترك أَيْضا بِدلَالَة اللَّفْظ فِي نَفسه بِأَن يكون الِاسْم منبئا عَن كَمَال فِي مُسَمَّاهُ لُغَة، وَفِي أَفْرَاد ذَلِك الْمُسَمّى نوع قُصُور، فَعِنْدَ الْإِطْلَاق لَا يتَنَاوَل اللَّفْظ ذَلِك الْفَرد الْقَاصِر، كَلَفْظِ الصَّلَاة فَإِنَّهُ لما كَانَ عبارَة عَن الْأَركان الْمَخْصُوصَة لَا يتَنَاوَل عِنْد الْإِطْلَاق صَلَاة الْجِنَازَة لقُصُور فِيهَا، أَلا يرى أَنَّهَا لَا تذكر إِلَّا بِقَرِينَة]
والحقيقة المقدسة: هِيَ الْمَاهِيّة الْكُلية المفاضة للوجود والتشخص عِنْد الْمُتَكَلِّمين، والوجود الْخَاص الْحَقِيقِيّ الْقَائِم بِذَاتِهِ عِنْد الْحُكَمَاء
وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ يمْتَنع تعقلها بخصوصها، وَلَا تتعقل إِلَّا بمفهومات كُلية اعتبارية فَقَط عِنْد الْحَكِيم والمعتزلة، أَو بهَا وبصفات حَقِيقِيَّة عِنْد الماتريدية والأشاعرة
الْحَمد: هُوَ الشُّكْر، والرضى، وَالْجَزَاء وَقَضَاء الْحق
وَأحمد (فلَان) : صَار أمره إِلَى الْحَمد، أَو فعل مَا يحمد عَلَيْهِ
و [أَحْمد] فلَانا: رَضِي فعله ومذهبه وَلم ينشره للنَّاس
و [أَحْمد] أمره: صَار عِنْده مَحْمُودًا
[وحمدت الله على كَذَا، أَي حمدته بإلقاء ذَلِك الْحَمد على كَذَا، إِذْ لَا يتَعَدَّى بعلى]
والحميد: فعيل من الْحَمد بِمَعْنى الْمَحْمُود وأبلغ مِنْهُ، وَهُوَ من حصل لَهُ من صِفَات الْحَمد أكملها، أَو بِمَعْنى الحامد أَي: يحمد أَفعَال عباده
والتحميد: حمد الله مرّة بعد مرّة وَإنَّهُ لحماد الله وَمِنْه: مُحَمَّد كَأَنَّهُ يحمد مرّة بعد مرّة
وَأحمد إِلَيْك الله: أشكره
وَالْعود أَحْمد: أَي أَكثر حمدا، لِأَنَّك لَا تعود إِلَى شَيْء غَالِبا إِلَّا بعد خيريته أَو مَعْنَاهُ أَنه إِذا ابْتَدَأَ الْمَعْرُوف جلب الْحَمد لنَفسِهِ، فَإِذا عَاد كَانَ أحمل أَي: أكسب للحمد لَهُ (أَو هُوَ (أفعل) من الْمَفْعُول. أَي: الِابْتِدَاء مَحْمُود وَالْعود أَحَق بِأَن يحمدوه كَذَا فِي " الْقَامُوس ")
وَاخْتلف فِي الْحَمد وَالثنَاء وَالشُّكْر والمدح هَل هِيَ أَلْفَاظ متباينة، أَو مترادفة أَو بَينهَا عُمُوم وخصوص مُطلق، أَو من وَجه؟ فَمن قَالَ بالتباين نظر إِلَى مَا انْفَرد بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا من الْجِهَة وَمن قَالَ(1/365)
بالترادف نظر إِلَى جِهَة اتحادها وَاسْتِعْمَال كل وَاحِد مِنْهَا فِي مَكَان الآخر وَلِهَذَا ترى أهل اللُّغَة يفسرون هَذِه الْأَلْفَاظ بَعْضهَا بِبَعْض وَمن قَالَ بالاجتماع والافتراق فقد نظر إِلَى الْجِهَتَيْنِ مَعًا، وَهُوَ قَول بعض أهل اللُّغَة، وَعَلِيهِ جُمْهُور الأدباء وَالْأَصْل فِي الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْمعَانِي التباين، والاتحاد والاشتراك خلاف الأَصْل
فِي " الْفَائِق ": الْحَمد والمدح أَخَوان، حمله السَّيِّد على الترادف بَينهمَا، إِمَّا بعد قيد الِاخْتِيَار فِي الْحَمد، أَو بِاعْتِبَارِهِ فيهمَا والتفتازاني حمله على الِاشْتِقَاق كَبِيرا كَانَ أَو أكبر، مَعَ اتِّحَاد فِي الْمَعْنى، أَو تناسب فَلَا ترادف
قَالُوا: الْحَمد هُوَ الثَّنَاء مَعَ الرضى بِشَهَادَة موارد اسْتِعْمَاله والمدح مُطلقًا هُوَ الثَّنَاء، وَيشْتَرط فِي الْحَمد صدوره عَن علم لَا عَن ظن، وَكَون الصِّفَات المحمودة صِفَات الْكَمَال
والمدح قد يكون عَن ظن وبصفة مستحسنة، وَإِن كَانَ فِيهِ نقص مَا
وَالْحَمْد مَأْمُور بِهِ: {قل الْحَمد لله}
والمدح مَنْهِيّ عَنهُ: " احثوا التُّرَاب على المداحين "
وَالْحَمْد وضع بعد النِّعْمَة، وَفِيه دلَالَة على أَنه فَاعل بِاخْتِيَارِهِ وقائله مقرّ بِهِ، والمدح لَيْسَ كَذَلِك
[وَفِي الْحَمد اعْتِرَاف بدوام النِّعْمَة واقتضاء سَابِقَة الْإِحْسَان بِخِلَاف الْمَدْح فَإِنَّهُ عَام]
وَتعلق الْحَمد فِي قَوْلك (حمدته) بمفعوله منبئ عَن معنى الإنهاء، فَصَارَ كبعض الْأَفْعَال فِي استدعاء أدنى الملابسة ك (أعنته إِلَيْهِ) و (استعنته مِنْهُ) ، وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَدْح، لِأَن تعلقه بمفعوله فِي قَوْلك: (مدحته) على منهاج عَامَّة الْأَفْعَال بمفعولاتها فِي الملابسة التَّامَّة المؤثرة فِيهِ، وَمن ثمَّة صَار التَّعَلُّق فِيهِ بالمفعول الْحَقِيقِيّ، وَفِي الْحَمد بِوَاسِطَة الْجَار الْمُنَاسب، وَمَا هَذَا إِلَّا لاختلافهما فِي الْمَعْنى قطعا
وَلَا بُد فِي الْحَمد أَن يكون الْمَحْمُود مُخْتَارًا، وَفِي الْمَدْح غير لَازم، وَلِهَذَا يكون وصف اللؤلؤة بصفائها مدحا لَا حمدا، وَأما {مقَاما مَحْمُودًا} فَمَعْنَاه مَحْمُودًا فِيهِ النَّبِي لشفاعته، أَو الله تَعَالَى لتفضله عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَة
وَلَا يلْزم النَّقْض بِالْوَصْفِ الْجَمِيل فِي مُقَابلَة الصِّفَات الذاتية كالقدرة والإرادة غير الاختيارية بِنَاء على أَن كل اخْتِيَاري حَادث، لِأَن الِاخْتِيَارِيّ يَقْتَضِي أَن يكون مَسْبُوقا بالإرادة، والإرادة مسبوقة بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة، وَذَلِكَ يسْتَلْزم الْحُدُوث على مَا تقرر فِي مَحَله، إِذْ الصِّفَات الذاتية أَمر اخْتِيَاري أَي أَمر مَنْسُوب إِلَى الِاخْتِيَار نِسْبَة المصاحب إِلَى المصاحب الآخر، لَا نِسْبَة الْمَعْلُول إِلَى علته حَتَّى يكون مَعْنَاهُ أمرا أَو مَنْسُوبا إِلَى الِاخْتِيَار الَّذِي هُوَ منشأ ذَلِك الْأَمر، أَو هِيَ بِمَنْزِلَة أَفعَال اختيارية، لكَونهَا مبدأ لَهَا، وَالْحَمْد عَلَيْهَا بِاعْتِبَار تِلْكَ الْأَفْعَال، فَيكون الْمَحْمُود عَلَيْهِ اختياريا فِي الْمَآل، أَو لكَون الذَّات مُسْتقِلّا وكافيا فِيهَا غير مُحْتَاج فِيهَا إِلَى أَمر خَارج كَمَا هُوَ شَأْن بعض الْأَفْعَال الاختيارية، وَفِيه أَن بعض الصِّفَات لَيْسَ الذَّات مُسْتقِلّا فِيهَا، بل يحْتَاج إِلَى صفة أُخْرَى، إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد من الْخَارِج الْخَارِج من الذَّات وَالصِّفَات، وَيُمكن أَن(1/366)
يُجَاب بِأَن الِاخْتِيَارِيّ كَمَا يَجِيء بِمَعْنى مَا صدر بِالِاخْتِيَارِ يَجِيء بِمَعْنى مَا صدر من الْمُخْتَار، أَو المُرَاد من الِاخْتِيَارِيّ هَهُنَا الْمَعْنى الْأَعَمّ الْمُشْتَرك بَين الْقَادِر والموجب، وَهُوَ إِن شَاءَ الله فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل
وَلَا شكّ أَن صِفَاته تَعَالَى عِنْد الأشاعرة صادرة عَن الْفَاعِل الْمُخْتَار الَّذِي هُوَ ذَاته تَعَالَى، وَإِن لم يصدر عَنهُ بِالِاخْتِيَارِ، (وَأَيْضًا هِيَ صادرة بِالِاخْتِيَارِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَأجَاب الْبَعْض بِأَنا لَا نسلم عدم كَون الصِّفَات الْمَذْكُورَة صادرة بِالِاخْتِيَارِ بِالْمَعْنَى الْأَخَص أَيْضا لجَوَاز أَن يكون سبق الِاخْتِيَار عَلَيْهِ سبقا ذاتيا، كسبق الْوُجُوب على الْوُجُود، لَا سبقا زمانيا حَتَّى يلْزم حدوثها، وَفِيه أَنهم قَالُوا بِأَن أثر الْفَاعِل الْمُخْتَار حَادث قطعا بِلَا خلاف، وَإِن اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يجوز أَن يكون سبق الِاخْتِيَار عَلَيْهِ ذاتيا لَا زمانيا حَتَّى يلْزم الْحُدُوث وَيَكْفِي فِي الْجَمِيل أَن كَون طَرِيقه وَسبب تَحْصِيله اختياريا كَمَا فِي الْعلم، وَأَن يكون ثمراته وآثاره اختيارية كَمَا فِي الْكَرم والشجاعة)
ثمَّ الْحَمد لَا يخْتَص بِهَذِهِ الْمَادَّة والصيغة، بل قد يكون بغَيْرهَا مِمَّا يشْعر بالتعظيم نَحْو: (العظمة لله) و (الْأَمر بيد الله) حَتَّى قيل: قَول الْقَائِل (زيد حسن الْوَجْه) وصف لزيد وَحمد لباريه، إِذْ كل حسن صَنِيع جمال فطرته، أَو كل محسن رَضِيع لبان نعْمَته، وَمَا من خير إِلَّا هُوَ موليه بوسط [على مَذْهَب من يَقُول بمؤثر سوى الله] أَو بِغَيْر وسط [على مَذْهَب من لَا يرى مؤثرا سواهُ] ، فَكل حمد وثناء رَاجع إِلَيْهِ عِنْد التَّحْقِيق، لِأَنَّهُ الْمُنعم الْحَقِيقِيّ الْمُبْدع المخترع الْمُوفق المقتدر، وَمَا سواهُ شَرَائِط ووسائط وَأَسْبَاب وآلات لوصول نعمائه إِلَى الْخلق، وَهُوَ الْمُسْتَحق للحمد ذاتا وَصفَة وَلَا شَيْء مِنْهُ لغيره فِي الْحَقِيقَة فاستحقاق الذَّات الْعلية للحمد إِنَّمَا هُوَ بصفاته الذاتية الَّتِي لَا يحمد عَلَيْهَا إِلَّا الذَّات فَقَط فِي قَول الحامدين لله: (الْحَمد لله)
وَاسْتِحْقَاق الصِّفَات الذاتية أَيْضا للحمد إِنَّمَا هُوَ بِكَمَال صفاتها أَيْضا، كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من صِفَات الْأَفْعَال، فَإِنَّهَا وَسِيلَة لإنعام صِفَات الذَّات الْعلية الَّتِي هِيَ منشأ تِلْكَ الصِّفَات المتفجرة من الإنعام وَالْإِحْسَان على جَمِيع الأكوان فاستحقاق الذَّات أَولا من حَيْثُ هُوَ بصفاته الذاتية السَّبع أَو الثماني على اخْتِلَاف الرائين ثمَّ اسْتِحْقَاق الصِّفَات الْمَذْكُورَة ثَانِيًا إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَة الْفِعْل كالإنعام مثلا وَلما كَانَت الذَّات الْعلية منشأ الْحَمد، وَالْوَصْف آلَة لملاحظتها، لَا أَنه مَقْصُود أَصَالَة فَهِيَ محمودة بِاعْتِبَار أَنَّهَا نصب عين الحامد، ومحمود عَلَيْهَا بِاعْتِبَار أَن الْحَمد لأَجلهَا، ومحمود بهَا بِاعْتِبَار أَن الْحَمد كَانَ بهَا
بَقِي الْكَلَام فِيهِ من جِهَة التَّقْسِيم وَالْإِعْرَاب فَنَقُول: إِن الْحَمد اللّغَوِيّ هُوَ الْوَصْف الْجَمِيل على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل بِاللِّسَانِ وَحده
والعرفي: هُوَ فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم لكَونه منعما أَعم من أَن يكون فعل اللِّسَان والجنان والأركان
والقولي: هُوَ حمد اللِّسَان وثناؤه على الْحق بِمَا(1/367)
أثنى بِهِ على نَفسه على أَلْسِنَة الْأَوْلِيَاء والأنبياء وَالرسل
والفعلي: هُوَ الْإِتْيَان بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّة ابْتِغَاء لوجه الله
والحالي: هُوَ مَا يكون بِحَسب الرّوح وَالْقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية والنبوية
فَحَمدَ الله عبارَة عَن تَعْرِيفه وتوصيفه بنعوت جَلَاله وصفات جماله وسمات كَمَاله الْجَامِع لَهَا، سَوَاء كَانَ بِالْحَال أَو بالمقال، وَهُوَ معنى يعم الثَّنَاء بأسمائه فِيهِ جليلة، وَالشُّكْر على نعمائه فَهِيَ جزيلة، والرضى بأقضيته فَهِيَ حميدة، والمدح بأفعاله فَهِيَ جميلَة وَذَلِكَ لِأَن صِفَات الْكَمَال أَعم من صِفَات الذَّات وَالْأَفْعَال، والتعريف بهَا أَعم مِنْهُ بِاللِّسَانِ أَو بالجنان أَو بالأركان
وَأما الْحَمد الذاتي: فَهُوَ على أَلْسِنَة المكملين ظُهُور الذَّات فِي ذَاته لذاته
وَالْحَمْد الحالي: اتصافه بِصِفَات الْكَمَال
(وَالْحَمْد الْفعْلِيّ: إِيجَاد الأكوان بصفاتها حَسْبَمَا يقتضيها فِي كل زمَان وَمَكَان وَنَفس الأكوان أَيْضا محامد دَالَّة على صِفَات مبدعها) سوابقها ولواحقها مثل الْأَقْوَال وَالله سُبْحَانَهُ يثني بِنَفسِهِ على نَفسه {نعم الْمولى وَنعم النصير}
وَقيل: كل مَا أثنى الله بِهِ على نَفسه فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة إِظْهَاره بِفِعْلِهِ فحمده لنَفسِهِ بَث آيَاته وَإِظْهَار نعمائه بمحكمات أَفعاله، وعَلى ذَلِك {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} فَإِن شَهَادَته لنَفسِهِ إِحْدَاث الكائنات دَالَّة على وحدانيته، ناطقة بِالشَّهَادَةِ لَهُ، ويثني بِنَفسِهِ على فعله: {نعم العَبْد إِنَّه أواب} ويثني بِفِعْلِهِ على نَفسه كَقَوْل العَبْد: (الْحَمد لله) ، ويثني بِفِعْلِهِ على فعله كَقَوْل العَبْد: (نعم الرجل زيد) فَكل حمد إِذن مُضَاف إِلَيْهِ وَإِن اخْتلفت جِهَة الْإِضَافَة
وَالْحَمْد لله تَعَالَى وَاجِب فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ على نعْمَة متفضل بهَا وَهُوَ الطَّرِيق إِلَى تَحْصِيل نعم الْآخِرَة
وَالْحَمْد لَهُ فِي الْآخِرَة لَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ على نعْمَة وَاجِبَة الإيصال إِلَى مستحقها، وَإِنَّمَا هُوَ تَتِمَّة سرُور الْمُؤمنِينَ، يتلذذون بِهِ كَمَا يتلذذ من بِهِ الْعَطش بِالْمَاءِ الْبَارِد
والحامد فِي بَدْء تصنيفه إِن لم يُقَابل حَمده بِنِعْمَة فَهُوَ حَامِد لُغَة فَقَط، وَإِن قابله بهَا فَهُوَ حَامِد لُغَة وَعرفا، وشاكر لُغَة؛ وَإِن جعله جُزْءا من شكر عرفي بِأَن صرف سَائِر مَا أنعم عَلَيْهِ إِلَى مَا أنعم لَهُ كَمَا صرف لِسَانه فَهُوَ حَامِد لُغَة وَعرفا وشاكر كَذَلِك وَذَلِكَ أَعلَى مَرَاتِب الحامدين
وَأما إِعْرَاب (الْحَمد لله) فَهُوَ فِي الأَصْل من المصادر المنصوبة بالأفعال الْمقدرَة السَّادة مسدها، كَمَا فِي (شكرا) و (سقيا) و (رعيا) وَنَحْوهَا، فَحذف فعله لدلَالَة الْمصدر عَلَيْهِ، ثمَّ عدل إِلَى الرّفْع لقصد الدَّوَام والثبات، وَأدْخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَصَارَ (الْحَمد لله)
وَلما كَانَت نعم الله على كثرتها قسمَيْنِ دائمة ثَابِتَة وحادثة متجددة اخْتلف من هَهُنَا اخْتِيَار الْعلمَاء، مِنْهُم من يخْتَار الْجُمْلَة الاسمية وَمِنْهُم من يخْتَار(1/368)
الفعلية جَريا على قَضِيَّة التناسب، لَكِن (الْحَمد لله) أبلغ من (أَحْمد الله) و (الله أَحْمد)
أما من الأول فَلِأَنَّهُ يحْتَمل الِاسْتِقْبَال فَيكون وَعدا لَا تنجيزا؛ وَكَونه حَقِيقَة فِي الْحَال عِنْد الْفُقَهَاء لَا يدْفع الِاحْتِمَال؛ على أَن إِرَادَة الْحَال تفِيد انْقِطَاعه من الْجَانِبَيْنِ لعدم مَا يدل على الِاسْتِمْرَار، إِلَّا أَن يُرَاد معنى قَوْلهم: (مَا مضى فَاتَ والمؤمل غيب وَلَك السَّاعَة الَّتِي أَنْت فِيهَا)
وَأما من الثَّانِي فَلِأَن الْحصْر إِنَّمَا يعْتَبر فِي مقَام يكون فِيهِ خطأ يرد إِلَى الصَّوَاب
ومقام الْحَمد من الْمُسلم يَأْبَى أَن يعْتَقد أَن غير الله مَحْمُود اعتقادا خطأ فَيرد إِلَى الصَّوَاب، وَيَقْتَضِي أَن يكون على أسلوب دَال على الثُّبُوت لَهُ دَائِما وَهُوَ (الْحَمد لله)
وَصِيغَة الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر وَإِن دلّت على وجود مشارك فِي صفة الحامدين من بني صنفه أَو نَوعه أَو جنسه أَو كل الْعَالمين أَو مِمَّا يخْتَص بِهِ من الْجَوَارِح والموارد مَعَ مَا فِي التَّشْرِيك من الِاسْتِعَانَة والإشفاق وَدفع توهم الِاخْتِصَاص وَغير ذَلِك، لكنه لَا يُفِيد أَيْضا مَا يفِيدهُ (الْحَمد لله) من كَونه تَعَالَى مَحْمُودًا أزلا وأبدا بِحَمْدِهِ الْقَدِيم سَوَاء حمد أَو لم يحمد، وَأَن الْحَمد حَقه وَملكه بِسَبَب كَثْرَة أياديه وأنواع آلائه على الْعباد، وَلَيْسَ فِيهِ ادِّعَاء أَن العَبْد آتٍ بِالْحَمْد، بل تَقول: من أَنا حَتَّى أَحْمَده، لكنه مَحْمُود بِجَمِيعِ حمد الحامدين، وَلِأَن فِيهِ دخل حَمده وَحمد غَيره من أول الْعَالم إِلَى آخِره، بل إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد
وَفِي (الْحَمد لله) تَصْرِيح بِأَن الْمُؤثر فِي وجود الْعَالم فَاعل مُخْتَار، لَا مُوجب، كَمَا تَقول بِهِ الفلاسفة، وَلَيْسَ فِي الْمَدْح لله هَذِه الْفَائِدَة، وَفِيه أَيْضا دلَالَة على أَن الْحَمد لأجل كَونه مُسْتَحقّا لَهُ لَا لخُصُوص أَنه أوصل النِّعْمَة إِلَيْهِ فَيكون الْإِخْلَاص أكمل والانقطاع عَمَّا سواهُ أقوى وَأثبت وَلَيْسَ من الشُّكْر لله ذَلِك، بل فِيهِ إِشْعَار بِأَن ذكر تَعْظِيمه إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب مَا وصل إِلَيْهِ من النِّعْمَة وَهِي الْمَطْلُوب الْأَصْلِيّ، وَهَذِه دَرَجَة صَغِيرَة
وَإِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: إِن فِي الْإِتْيَان بِالْجُمْلَةِ الاسمية الإخبارية لفظا كَمَا هُوَ الأَصْل، والإنشائية معنى كَمَا فِي أَلْفَاظ الْعُقُود وَغَيرهَا على معنى أَنه منشئ للْأَخْبَار أَن كل حمد ثَابت لَهُ لَا أَنه منشئ لكل حمد، محلاة جزؤها الأول بلام لَا يقْصد الْمصدر الْمُؤَكّد إِلَّا بهَا، وَهُوَ لَام الْجِنْس الصَّالح
بِحَسب الْمقَام للاستغراق بتنزيل الْأَفْرَاد الثَّابِتَة للْغَيْر فِي الْمقَام الْخطابِيّ منزلَة الْعَدَم كَمَا وكيفا، وجزؤها الثَّانِي بلام الِاخْتِصَاص الَّذِي يُقَال لَهُ لَام التَّمْلِيك والاستحقاق [لَا سِيمَا فِيهِ] التأسي بمفتتح التَّنْزِيل الْجَلِيل والتنبيه على استغنائه عَن حمد الحامدين [مَعَ مَا فِيهِ من الْإِيمَاء إِلَى أَنه لَا يَلِيق بِذَاتِهِ الْقَدِيم إِلَّا حَمده الْقَدِيم الصَّادِر عَن ذَاته الْقَدِيمَة، وَهَذَا الْمَعْنى على الْعَهْد الرَّاجِح عِنْد بعض الْمُحَقِّقين وَإِمَّا على الْجِنْس والاستغراق]
وَالْمعْنَى أَن مَا يعرفهُ كل أحد من الْمَعْنى الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظ أَو جَمِيع أَفْرَاده ثَابت لذاته تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ على وَجه الِاخْتِصَاص، وَأَنه الْحقيق بِهِ بِالِاخْتِيَارِ الْحَقِيقِيّ المنحصر فِيهِ حمد أَو(1/369)
لم يحمد
وَتَقْدِيم الْحَمد لمزيد الاهتمام لَا لعدم صَلَاحِية التَّخْصِيص فِي التَّأْخِير لَا يلْزم من ثُبُوت الْحَمد لَهُ تَعَالَى قيام الصّفة الْوَاحِدَة بشيئين متغايرين بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار، إِذْ من الْقَاعِدَة المقررة أَن كل مصدر مُتَعَدٍّ كَمَا يَقْتَضِي الْقيام بالفاعل اقْتِضَاء الْمصدر اللَّازِم إِيَّاه، كَذَلِك يَقْتَضِي التَّعَلُّق بالمفعول، وَهَذَا التَّعَلُّق كالتعلق الْكَائِن فِي قَوْلنَا: (أكرمت زيدا) فَإِن الْإِكْرَام مُتَعَلق بزيد، بِمَعْنى أَنه حينما صدر عَن الْمُتَكَلّم وَقَامَ بِهِ قد تعلق بزيد وَتوجه إِلَيْهِ، لَا أَنه قَامَ بِهِ قِيَامه بفاعله، فَالْمَعْنى حِينَئِذٍ أَن الْحَمد الَّذِي صدر عني وَقَامَ بِي قد تعلق فِي هَذَا الْحِين بجنابة الأقدس وَتوجه إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيره، إِذْ لَا حقيق بِهِ غَيره، فَكَمَا أَن الْحَمد حقيق بِهِ فَهُوَ حقيق بِالْحَمْد أَيْضا
الحَدِيث: هُوَ اسْم من التحديث، وَهُوَ الْإِخْبَار، ثمَّ سمي بِهِ قَول أَو فعل أَو تَقْرِير نسب إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيجمع على (أَحَادِيث) على خلاف الْقيَاس
قَالَ الْفراء: وَاحِد الْأَحَادِيث أحدوثة ثمَّ جَعَلُوهُ جمعا للْحَدِيث، وَفِيه أَنهم لم يَقُولُوا أحدوثة النَّبِي
وَفِي " الْكَشَّاف " الْأَحَادِيث اسْم جمع، وَمِنْه حَدِيث النَّبِي
وَفِي " الْبَحْر ": لَيْسَ الْأَحَادِيث باسم جمع، بل هُوَ جمع تكسير ل (حَدِيث) على غير الْقيَاس ك (أباطيل) ، وَاسم الْجمع لم يَأْتِ على هَذَا الْوَزْن، وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْكَلِمَات والعبارات أَحَادِيث، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {فليأتوا بِحَدِيث مثله} لِأَن الْكَلِمَات إِنَّمَا تتركب من الْحُرُوف المتعاقبة المتوالية، وكل وَاحِد من تِلْكَ الْحُرُوف يحدث عقيب صَاحبه، أَو لِأَن سماعهَا يحدث فِي الْقُلُوب من الْعُلُوم والمعاني
والْحَدِيث نقيض الْقَدِيم كَأَنَّهُ لوحظ فِيهِ مُقَابلَة الْقُرْآن
وَحدث أَمر: وَقع
والحادثة وَالْحَدَث والحدثان: بِمَعْنى
والْحَدِيث: مَا جَاءَ عَن النَّبِي
وَالْخَبَر: مَا جَاءَ عَن غَيره، وَقيل: بَينهمَا عُمُوم وخصوص مُطلق، فَكل حَدِيث خبر من غير عكس
والأثر: مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة، وَيجوز إِطْلَاقه على كَلَام النَّبِي أَيْضا
وَعلم الحَدِيث رِوَايَة: هُوَ علم يشْتَمل على نقل مَا أضيف إِلَى النَّبِي قولا أَو فعلا أَو تقريرا أَو صفة، وموضوعه ذَات النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من حَيْثُ إِنَّه نَبِي وغايته الْفَوْز بسعادة الدَّاريْنِ
وَعلم الحَدِيث دراية، وَهُوَ المُرَاد عِنْد الْإِطْلَاق: هُوَ علم يعرف بِهِ حَال الرَّاوِي والمروي من حَيْثُ ذَلِك، وغايته معرفَة مَا يقبل وَمَا يرد من ذَلِك؛ ومسائلة مَا يذكر فِي كتبه من الْمَقَاصِد
والمحدثون يطلقون الأسناد، والسند بِمَعْنى الْإِخْبَار عَن رفع الحَدِيث إِلَى قَائِله
فَالْمُسْنَدُ: مَا رفع إِلَى النَّبِي خَاصَّة
والمتصل: مَا اتَّصل إِسْنَاده إِلَى النَّبِي أَو إِلَى وَاحِد من الصاحبة وَكَذَا الْمَوْصُول(1/370)
وَالْمَوْقُوف: هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الصَّحَابِيّ وَلم يسند إِلَى النَّبِي
وَالْمَرْفُوع: هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الصَّحَابِيّ وَأسْندَ إِلَى النَّبِي
والمرسل: هُوَ الَّذِي رَوَاهُ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله وَلم يسم الصَّحَابِيّ الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ
وَالصَّحِيح: هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل الْعدْل فينقل الضَّابِط إِلَى منتهاه.
وَالْحسن: هُوَ الَّذِي يكون رَاوِيه مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة، غير أَنه لم يبلغ دَرَجَة رجال الصَّحِيح فِي الْحِفْظ والإتقان
وَالَّذِي يرْوى بِإِسْنَادَيْنِ يُقَال لَهُ: حَدِيث حسن صَحِيح
والمقطوع من الحَدِيث: قَول التَّابِعِيّ وَفعله
والمنقطع: مَا سقط من رُوَاته راو وَاحِد غير الصَّحَابِيّ
والشاذ: مَا لَهُ إِسْنَاد وَاحِد، شَذَّ بذلك، فَمَا كَانَ من ثِقَة يتَوَقَّف فِيهِ وَلَا يحْتَج وَمَا كَانَ من غير ثِقَة فمتروك
والغريب: قد يكون من حَدِيث تفرد الرَّاوِي بروايته وَهُوَ مَعَ ذَلِك صَحِيح لكَون كل من نقلته صحابيا، وَقد يكون بمخالفة وَاحِد من الثِّقَات أَصْحَابه
والضعيف: مَا كَانَ أدنى مرتبَة من الْحسن وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَا لم يجمع صِفَات الصَّحِيح وَلَا صِفَات الْحسن، وَهُوَ حجَّة اتِّفَاقًا فِي الْفَضَائِل والمناقب وَمعنى قَوْلهم: لَا يثبت بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف الْأَحْكَام أَنه لَا يجوز أَن يتَمَسَّك بِهِ الْمُجْتَهد فِي إِثْبَات الْأَحْكَام الاجتهادية، ويجعله مبْنى مذْهبه ومناط اجْتِهَاده فِي مَسْأَلَة وَهَذَا لَا يُنَافِي أَن يسْتَحبّ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف الْوَارِد فِي الْفَضِيلَة
والمتواتر: مَا لَيْسَ بمعرفته حَاجَة
والآحاد: مَا يسند إِلَى آحَاد
والمحكم: مَا لَيْسَ بمحتاج إِلَى التَّأْوِيل
والمتشابه: مَا يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل
وَالْقَوِي: مَا قَالَه وَقَرَأَ بعده آيَة من كتاب الله
والناسخ: مَا قَالَه فِي آخر عمره
والمنسوخ: مَا قَالَه فِي أول عمره
وَالْعَام: مَا أَرَادَ بِهِ جَمِيع الْخلق
وَالْخَاص: مَا قضى بِهِ لوَاحِد من الْخلق
والمردود: لَهُ ظَاهر وَلَيْسَ لَهُ معنى وَرِوَايَة كَاف
والمفترى: مَا قَالَه أَبُو مُسَيْلمَة
والمضطرب: مَا اخْتلف رَاوِيه فِيهِ فَرَوَاهُ مرّة على وَجه، وَمرَّة على وَجه آخر مُخَالف لَهُ
والمستفيض: مَا زَاد نقلته على ثَلَاثَة
والْحَدِيث الْمَشْهُور: فِي حق الْعَمَل بِمَنْزِلَة الْمُتَوَاتر والدلائل القطعية، وبمثله يُزَاد على الْكتاب
[الحَدِيث الْمَوْضُوع] : وكل خبر نقل عَن رَسُول الله وأوهم أمرا بَاطِلا وَلم يقبل التَّأْوِيل لمعارضته للدليل الْعقلِيّ فَهُوَ مَكْذُوب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الْمُسَمّى بالموضوع
وَسبب الْوَضع نِسْيَان من الرواي لمرويه لطول عَهده بِهِ فيذكر غير مرويه ظَانّا أَنه مرويه، وَهُوَ وضع أَو افتراء أَي كذب عمد على النَّبِي، كوضع(1/371)
الزَّنَادِقَة أَرْبَعَة عشر ألف حَدِيث يُخَالف الْمَعْقُول تنفيرا للعقلاء عَن شَرِيعَته، أَو غلط من الرَّاوِي كَأَن يُرِيد النُّطْق بِكَلِمَة فَيَسْبق لِسَانه إِلَى النُّطْق بغَيْرهَا
أَو غير ذَلِك، كوضع الخطابية أَحَادِيث نصْرَة لآرائهم، وكوضع الكرامية أَحَادِيث فِي التَّرْغِيب فِي الطَّاعَة والترهيب عَن الْمعْصِيَة، وَكِلَاهُمَا رَاجع إِلَى الافتراء وَعدم شهرة الحَدِيث فِيمَا فِيهِ [عُمُوم] بلوى دَلِيل الافتراء بِهِ أَو دَلِيل النّسخ
والْحَدِيث المتعبد بِلَفْظِهِ، كالأذان وَالتَّشَهُّد وَالتَّكْبِير وَالتَّسْلِيم، وَكَذَا الحَدِيث الْمُتَشَابه وَالَّذِي هُوَ من جَوَامِع الْكَلم الَّتِي أوتيها نَحْو: " الْخراج بِالضَّمَانِ " و " العجماء جَبَّار " لَا يجوز نقلهَا بِغَيْر ألفاظها إِجْمَاعًا
وَاخْتلف فِيمَا سوى ذَلِك وَالْأَكْثَر من الْعلمَاء وَمِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة على جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى للعارف بمدلولات الْأَلْفَاظ ومواقع الْكَلَام من الْخَبَر والإنشاء فَيَأْتِي بِلَفْظ بدل لفظ النَّبِي مسَاوٍ لَهُ فِي الْمَعْنى جلاء وخفاء من غير زِيَادَة فِي الْمَعْنى وَلَا نقص، لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الْمَعْنى وَاللَّفْظ آلَة لَهُ وَمن أقوى حجتهم الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة للعجم بلسانهم للعارف بِهِ
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: إِن نسي اللَّفْظ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا
وَقيل بِجَوَازِهِ بِلَفْظ مرادف، وَقيل بِجَوَازِهِ وَإِن كَانَ مُوجبه عَاما، وَقيل يمْنَع مُطلقًا
(وَقَالَ بَعضهم: جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى فِيمَا إِذا كَانَ اللَّفْظ ظَاهرا مُفَسرًا، فَأَما إِذا كَانَ اللَّفْظ مُشْتَركا أَو مُجملا أَو مُشكلا فَلَا يجوز إِقَامَة لفظ آخر مقَامه بِالْإِجْمَاع، لِأَن فِيهِ احْتِمَال الِاخْتِلَاف بِالْمَعْنَى)
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: يَنْبَغِي سد بَاب الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِئَلَّا يتسلط من لَا يحسن مِمَّن يظنّ أَنه يحسن، كَمَا وَقع لكثير من الروَاة قَدِيما وحديثا
ويحتج بقول الصَّحَابِيّ: " قَالَ النَّبِي كَذَا "، وَهُوَ الصَّحِيح وَكَذَا بقوله: " عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَذَا "، على الْأَصَح وَكَذَا بقوله: " إِن النَّبِي قَالَ كَذَا "
[وَقَول الصَّحَابِيّ فِيمَا لَا طَرِيق إِلَى مَعْرفَته إِلَّا خبر النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي قُوَّة الرّفْع إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام]
وَاخْتلفُوا فِي (إِن) بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير الصَّحَابِيّ، وَالْجُمْهُور على أَن (عَن) و (إِن) سَوَاء إِذا ثَبت السماع واللقاء
وإيراد الحَدِيث بِلَفْظ (عَن) من غير تَصْرِيح بِالسَّمَاعِ يُسمى عِنْد الْمُحدثين العنعنة
وَاشْترط فِي نقل الحَدِيث الْقِرَاءَة على الشَّيْخ لخوف أَن يدْخل فِي الحَدِيث مَا لَيْسَ مِنْهُ، أَو يَقُول على النَّبِي مَا لم يقلهُ، بِخِلَاف الْقُرْآن فَإِنَّهُ مَحْفُوظ متلقى متداول ميسر فَكل من يسمع من لفظ مُحدث يحدثه يَقُول: حَدثنِي فلَان؛ وَإِن كَانَ مَعَه أحد يَقُول: حَدثنَا فلَان؛ وَلَو قَرَأَ على الْمُحدث بِنَفسِهِ يَقُول: أَخْبرنِي؛ وَإِن قرئَ على الْمُحدث وَهُوَ حَاضر يَقُول: أخبرنَا
وَلَو عرض المستفيد كتابا أَو جُزْءا على الْمُحدث وروى الْمُحدث عَنهُ أَنه سَمَاعه أَو قِرَاءَته أَو تصنيفه فَيَقُول للمستفيد: أجزت لَك أَن تروي عني مَا فِي هَذَا الْكتاب فَإِذا روى المستفيد ذَلِك الْكتاب(1/372)
يَقُول: أنبأني فلَان؛ وَإِن لم يقل للمستفيد ارو عني هَذَا الْكتاب، بل كتب من مَدِينَة إِلَى مَدِينَة أَنِّي أجزت لفُلَان أَن يروي عني كتابي الْفُلَانِيّ، أَو كتب إِلَيْهِ: يَا فلَان ارو عني الْكتاب الْفُلَانِيّ فَيَقُول إِذا روى ذَلِك الْكتاب: كتب إِلَيّ فلَان وَأَجَازَ لي أَن أروي هَذَا الْكتاب
وَلَو قَالَ الْمُحدث مشافهة: أجزت لَك أَن تروي عني الْكتاب الْفُلَانِيّ من غير أَن يدْفع ذَلِك الْكتاب إِلَيْهِ بِيَدِهِ يَقُول المستفيد: أجازني فلَان، وَلَو قَالَ: أنبأني جَازَ أَيْضا وَيُقَال للنوع الأول: السماع، وَللثَّانِي: الْإِخْبَار، وللثالث: الْعرض والمناولة، وللرابع: الْكِتَابَة، وللخامس: الْإِجَازَة وَالْأول أقوى ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث ثمَّ الرَّابِع ثمَّ الْخَامِس
وَفِي " ثمار اليوانع " أَلْفَاظ الرَّاوِي فِي عرض المناولة أَن يَقُول: ناولني فلَان كَذَا، أَو أجازني مَا فِيهِ أَو يَقُول: أَخْبرنِي أَو حَدثنِي مناولة، وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ
فَإِن اقْتصر على (حَدثنِي) أَو (أَخْبرنِي) امْتنع فِي الْأَصَح
وَالْمُكَاتبَة: هِيَ أَن يكْتب الشَّيْخ شَيْئا من حَدِيثه، أَو يَأْمر غَيره بكتابته عَنهُ إِمَّا لحاضر عِنْده أَو لغَائِب عَنهُ اقتران بهَا إجَازَة فَهِيَ كالمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة، وَإِن تجردت عَن الْإِجَازَة صحت أَيْضا وَكَانَت أقوى الْإِجَازَة، وَجزم بذلك فِي " الْمَحْصُول "
وَتجوز الْإِجَازَة لمعدوم كَقَوْلِه: أجزت لفُلَان وَلمن يُولد لَهُ مَا تَنَاسَلُوا
وانعقد الْإِجْمَاع على منع إجَازَة من يُوجد مُطلقًا من غير تَقْيِيد بِنَسْل فلَان، لِأَنَّهَا فِي حكم إجَازَة مَعْدُوم لمعدوم
والشائع عِنْد الْمُحدثين تَخْصِيص التحديث بِالسَّمَاعِ، والإخبار بِمَا يقْرَأ على الشَّيْخ، لَكِن الإِمَام البُخَارِيّ والمغاربة على عدم الْفرق، وَهُوَ الْمَذْهَب عِنْد فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة، بل جَازَ جَمِيع الصِّيَغ فِي صُورَة الْإِجَازَة أَيْضا على مَا يُسْتَفَاد من تَقْرِير الشَّيْخ فِي " شرح البُخَارِيّ " لَكِن الْجَزرِي جعل هَذَا التجويز ضَعِيفا، إِلَّا أَنه لَا يَصح تَغْيِير (حَدثنَا) أَو (أخبرنَا) بِالآخِرَة فِي الْكتب الْمُؤَلّفَة
وَلَو قَالَ مُحدث: لَا ترو هَذَا عني، فَإِنَّهُ يروي يروي عَنهُ، لِأَنَّهُ روى مَا سمع، كالمشهور عَلَيْهِ إِذا قَالَ: لَا تشهد عَليّ بِهَذَا الْإِقْرَار
وَلَو قَالَ: لَيْسَ هَذَا حَدِيثي، لَا يروي عَنهُ، لِأَنَّهُ أنكر الرِّوَايَة وَلَو قَالَ بعد ذَلِك، اروه عني جَازَ لَهُ أَن يروي عَنهُ
وَالْأَعْمَى إِذا سمع الحَدِيث فَلهُ أَن يروي فَإِن قَتَادَة ولد أعمى وَقد روى أَحَادِيث كَثِيرَة عَن أنس ابْن مَالك وَعَن غَيره وهم قبلوا رِوَايَته، وَلَو قَرَأَ الْأَحَادِيث على عَالم وَهُوَ يسمع ذَلِك إِلَّا أَنه ذهب عَن سَمعه من الْوسط كَلِمَات فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قَالَ لَهُ الْقَارئ ارو عني مَا قَرَأت عَلَيْهِ حل لَهُ أَن يروي عَنهُ تِلْكَ الْأَحَادِيث كالشاهد إِذا قرئَ عَلَيْهِ الصَّك فَسمع بعضه وَذهب عَنهُ بعضه جَازَ لَهُ أَن يشْهد بِمَا فِي الصَّك لِأَنَّهُ قرئَ عَلَيْهِ وَأقر الْمقر بذلك فَشهد على ذَلِك
وَيُقَال: أخرج فلَان فِي مُسْنده عَن فلَان بن فلَان، قَالَ: (كَانَ يَقُول) وَلَفظ (كَانَ يَقُول) حكمه الرّفْع، فَإِن صدر من صَحَابِيّ كَانَ مَرْفُوعا، أَو من تَابِعِيّ فمرفوع مُرْسل
وَإِذا قَالَ الصَّحَابِيّ: من السّنة كَذَا فَهُوَ كَقَوْلِه (قَالَ رَسُول الله) هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار(1/373)
الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور من الْفُقَهَاء والمحدثين والأصوليين قَالُوا: وَيَنْبَغِي لمن أَرَادَ رِوَايَة حَدِيث أَو ذكره أَن ينظر، فَإِن كَانَ صَحِيحا أَو حسنا يَقُول
قَالَ رَسُول الله كَذَا، أَو فعل كَذَا، أَو نَحْو ذَلِك من صِيغ الْجَزْم، وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَلَا يُقَال بصيغ الْجَزْم، بل يُقَال رُوِيَ عَنهُ كَذَا، أَو يرْوى عَنهُ كَذَا، أَو جَاءَ عَنهُ كَذَا، أَو يذكر، أَو يحْكى، أَو يُقَال، أَو بلغنَا، أَو مَا أشبه ذَلِك
الْحَال: لفظ الْحَال كَلَفْظِ (التَّمْر) وَالْحَالة ك (التمرة) ، وَالْأول يُنبئ عَن الْإِبْهَام فيناسب الْإِجْمَال، وَالثَّانِي يدل على الْإِفْرَاد فيناسب التَّفْصِيل
وَالْحَال: مَا كَانَ الْإِنْسَان عَلَيْهِ من خير أَو شَرّ، يذكر وَيُؤَنث
وَالْحَال يُطلق على الزَّمَان الْحَاضِر وعَلى الْمعَانِي الَّتِي لَهَا وجود فِي الذِّهْن لَا فِي الْخَارِج كعرضية الْعرض، وجسمية الْجِسْم، وإنسانية الرجل وَالْمَرْأَة فَإِنَّهَا مقومة لَا قَائِمَة؛ وعَلى الْمعَانِي الَّتِي لَهَا وجود فِي الْخَارِج، كالعدد من الثلاثية والأربعية والعشرية؛ وعَلى الْمعَانِي الخارجية الَّتِي يصدر عَنْهَا الْفِعْل والانفعال كَالْحلمِ والشجاعة وأضدادهما
وَالْحَال يخْتَص بِهِ الْإِنْسَان وَغَيره من أُمُوره المتغيرة فِي نَفسه وجسمه وَصِفَاته
والحول: مَا لَهُ من الْقُوَّة فِي أحد هَذِه الْأُصُول الثَّلَاثَة
وَفِي تعارف أهل الْمنطق هِيَ كَيْفيَّة سريعة الزَّوَال نَحْو: حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة
والهيئة النفسانية أول حدوثها قيل أَن ترسخ تسمى حَالا، وَبعد أَن ترتسخ تسمى ملكة
وَالْأَمر الدَّاعِي إِلَى إِيرَاد الْكَلَام على وَجه مَخْصُوص وَكَيْفِيَّة مُعينَة من حَيْثُ إِنَّه بِمَنْزِلَة زمَان يقارنه ذَلِك الْوَجْه الْمَخْصُوص يُسمى حَالا
وَمن حَيْثُ إِنَّه بِمَنْزِلَة مَكَان حل فِيهِ ذَلِك الْوَجْه يُسمى مقَاما
وَالْحَالة: عبارَة عَن الْمعَانِي الراسخة أَي الثَّابِتَة الدائمة؛ وَالصّفة أَعم مِنْهَا، لِأَنَّهَا تطلق على مَا هُوَ فِي حكم الحركات كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة
وَالْحَال أَعم من الصُّورَة لصدق الْحَال على الْعرض أَيْضا
وَالْمحل: أَعم من الْمَادَّة، لصدق الْمحل على الْمَوْضُوع أَيْضا، والموضوع والمادة متباينان مندرجان تَحت الْحَال
وَأثبت بعض الْمُتَكَلِّمين وَاسِطَة بَين الْمَوْجُود والمعدوم وسماها الْحَال، وَعرف بِأَنَّهَا صفة لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة، لَكِنَّهَا قَائِمَة بموجود كالعالمية، وَهِي النِّسْبَة بَين الْعَالم والمعلوم
والأمور النسبية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج وأسبق الْأَفْعَال فِي الرُّتْبَة الْمُسْتَقْبل ثمَّ فعل الْحَال ثمَّ الْمَاضِي
والمتقدم إِن اعْتبر فِيمَا بَين أَجزَاء الْمَاضِي فَكل مَا كَانَ أبعد من الْآن الْحَاضِر فَهُوَ الْمُتَقَدّم، وَإِن اعْتبر فِيمَا بَين أَجزَاء الْمُسْتَقْبل فَكل مَا هُوَ أقرب إِلَى الْآن الْحَاضِر فَهُوَ الْمُتَقَدّم، وَإِن اعْتبر فِيمَا بَين الْمَاضِي والمستقبل فقد قيل: الْمَاضِي مقدم وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الْجُمْهُور
وَتَعْيِين مِقْدَار الْحَال مفوض إِلَى الْعرف بِحَسب الْأَفْعَال، فَلَا يتَعَيَّن لَهُ مِقْدَار مَخْصُوص هَذَا على مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين الْقَائِلين بِأَن الزَّمَان موهوم مَحْض مركب من آنات موهومة لَا من أَجزَاء(1/374)
مَوْجُودَة فَالْآن عِنْدهم جُزْء موهوم لموهوم آخر هُوَ الزَّمَان
وَأما عِنْد الْحُكَمَاء الْقَائِلين بِأَن الزَّمَان مَوْجُود مُتَّصِل فالحال عِنْدهم وَهُوَ الْآن عرض حَال فِي الزَّمَان لَا جُزْء مِنْهُ
وَالْحَال: بَيَان الْهَيْئَة الَّتِي عَلَيْهَا صَاحب الْحَال عِنْد مُلَابسَة الْفِعْل لَهُ وَاقعا مِنْهُ أَو عَلَيْهِ نَحْو: (ضربت زيدا قَائِما) و (جَاءَنِي زيد رَاكِبًا)
وَالْحَال ترفع الْإِبْهَام عَن الصِّفَات، والتمييز يرفع الْإِبْهَام عَن الذَّات
وَالْحَال تكون مُؤَكدَة على عاملها إِذا كَانَ فعلا متصرفا أَو وَصفا يُشبههُ، وَلَا يجوز ذَلِك فِي التَّمْيِيز على الصَّحِيح وتزاد (من) فِي التَّمْيِيز ك (عز من قَائِل) لَا فِي الْحَال
وَالْحَال هِيَ الْفَاعِل فِي الْمَعْنى، وَالْمَفْعُول لَا يكون إِلَّا غير الْفَاعِل أَو فِي حكمه
وَيعْمل فِي الْحَال الْفِعْل اللَّازِم، وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَفْعُول
وَلَا يكون الْحَال إِلَّا نكرَة، وَالْمَفْعُول يكون نكرَة وَمَعْرِفَة
وَالْحَال مَتى امْتنع كَونهَا صفة جَازَ مجيئها من النكرَة، وَلِهَذَا جَاءَت مِنْهَا عِنْد تقدمها نَحْو: (فِي الدَّار قَائِما رجل) وَعند جمودها نَحْو: (هَذَا خَاتم حديدا) وَفِيه أَن (خَاتم حديدا) تَمْيِيز لَا حَال، كَمَا صرح بِهِ ابْن الْحَاجِب
وعامل الْحَال لَا يجب أَن يكون فعلا أَو شبهه، بل يجوز أَن يعْمل فِيهِ معنى الْفِعْل، أَي يستنبط مِنْهُ معنى الْفِعْل من غير أَن يكون من صِيغَة الْفِعْل وتركيبه كالظرف وَالْجَار وَالْمَجْرُور وحرف التَّنْبِيه وَاسم الْإِشَارَة وحرف النداء وَالتَّمَنِّي والترجي وحرف الِاسْتِفْهَام، لِأَن فِيهَا معنى الْفِعْل
وَيمْتَنع حذف عَامل الْحَال إِذا كَانَ معنويا
وَالْحَال لَا يتَقَدَّم على الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ وَلَا على الْفِعْل غير الْمُتَصَرف وَلَا على الْفِعْل الْمصدر بِمَا لَهُ صدر الْكَلَام وَلَا على الْمصدر بالحروف المصدرية وَلَا الْمصدر بِاللَّامِ الموصولة وَلَا على (أفعل) التَّفْضِيل فِيمَا عدا (هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ رطبا) وَلَا على صَاحبه الْمَجْرُور على الْأَصَح نَحْو: (مَرَرْت جالسة بهند) إِلَّا أَن يكون الْحَال ظرفا، فَإِن الْحَال إِذا كَانَت ظرفا أَو حرف جر كَانَ تَقْدِيمهَا على الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ أحسن مِنْهُ إِذا لم يكن كَذَلِك
وَالْحَال وصاحبها يشبهان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَلذَلِك يجوز أَن يكون صَاحب الْحَال متحدا، ويتعدد حَاله نَحْو: (جَاءَ زيد رَاكِبًا وضاحكا) ، كَمَا أَن الْمُبْتَدَأ يكون وَاحِدًا ويتعدد خَبره، وَكَذَلِكَ يجوز أَن يَتَعَدَّد خبر مَا دخل عَلَيْهِ نواسخ الِابْتِدَاء وَيجوز أَن يكون الْحَال وَصَاحبه كِلَاهُمَا مُتَعَددًا أَو متحدا، وَيشْتَرط وجود الرابط لكل من الصاحبين كَمَا يشْتَرط وجود الرابط لكل من المبتدأين
وَالْحَال الْمقدرَة: هِيَ أَن تكون غير مَوْجُودَة حِين وَقع الْفِعْل نَحْو: {فادخلوها خَالِدين} وَهِي الْمُسْتَقْبلَة
والمتداخلة: وَهِي الَّتِي تكون حَالا من الضَّمِير فِي مثل: (جَاءَنِي زيد رَاكِبًا كَاتبا) فَإِن (كَاتبا) حَال من الضَّمِير فِي (رَاكِبًا)(1/375)
[وَقَالَ بَعضهم: إِذا عملت الْحَال الأولى فِي الثَّانِيَة وكانتا بشيئين مُخْتَلفين فَهُوَ التَّدَاخُل، وَإِن كَانَتَا بِشَيْء وَاحِد فَهُوَ الترادف]
والموطئة: هِيَ أَن تَجِيء بالموصوف مَعَ الصّفة نَحْو: {فتمثل لَهَا بشرا سويا} وَإِنَّمَا ذكر (بشرا) تَوْطِئَة لذكر (سويا)
والمثقلة: هِيَ أَن تكون صفة غير لَازِمَة للشَّيْء فِي وجوده عَادَة لَا وضعا وَهِي الجامدة غير المؤولة بالمشتق نَحْو: (هَذَا مَالك ذَهَبا) وَقَالَ بَعضهم: المتنقلة هِيَ الَّتِي ينْتَقل ذُو الْحَال عَنْهَا مثل: (جَاءَنِي زيد رَاكِبًا) فَإِن (زيدا) ينْتَقل عَن الْحَال إِذا كَانَ مَاشِيا
والمؤكدة: هِيَ أَن تكون صفة لَازِمَة لصَاحب الْحَال حَتَّى لَو أمسك عَنْهَا لفهمت من فحوى الْكَلَام وَقَالَ بَعضهم: الْمُؤَكّدَة هِيَ الَّتِي لَا ينْتَقل ذُو الْحَال عَنْهَا مَا دَامَ مَوْجُودا غَالِبا مثل: (زيد أَبوك عطوفا) فَإِن الْأَب لَا ينْتَقل عَنهُ الْعَطف مَا دَامَ مَوْجُودا
والمؤكدة لعاملها نَحْو: {ولى مُدبرا}
ولصاحبها نَحْو: {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا}
وَلَا تقع الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ لكَونه بِمَنْزِلَة التَّنْوِين من الْمنون من حَيْثُ تكميله للمضاف، إِلَّا أَن يكون مُضَافا إِلَى معموله نَحْو: (عرفت قيام زيد مسرعا) أَو يكون الْمُضَاف جزأه كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا} أَو كجزئه كَقَوْلِه تَعَالَى: {اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا}
وَالْحَال، وَإِن كَانَت لَا تتبع صَاحبهَا إعرابا وتعريفا لَكِن تتبعه إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا إِلَّا إِذا جرت على غير مَا هِيَ لَهُ، فَحِينَئِذٍ لَا يلْزم الِاتِّبَاع فِي ذَلِك أَيْضا تَقول: (مَرَرْت بِرَجُل قاعدات نساؤه وقائمات جواريه)
وَفعل التَّعَجُّب لَا يَقع حَالا لِأَنَّهُ لَا يَجِيء إِلَّا خَبرا ل (مَا) ، وَإِنَّمَا لم يكن لفعل الْحَال لفظ يتفرد بِهِ عَن الْمُسْتَقْبل ليعرف بِلَفْظِهِ أَنه للْحَال كَمَا كَانَ للماضي، لِأَن الْفِعْل الْمُسْتَقْبل لما ضارع الْأَسْمَاء بِوُقُوعِهِ موقعها وبسائر الْوُجُوه المضارعة الْمَشْهُورَة قوي فأعرب وَجعل بِلَفْظ وَاحِد يَقع لمعينين ليَكُون مُلْحقًا بالأسماء حِين ضارعها والماضي لما لم يضارع الْأَسْمَاء بَقِي على حَاله
وَالْحَال يجْرِي الشَّرْط حَتَّى لَو قَالَ: (أَنْت طَالِق فِي حَال دخولك الدَّار) يصير تَعْلِيقا
والحل الَّذِي تقربه (قد) هُوَ حَال الزَّمَان
وَمَا يبين الْهَيْئَة هُوَ حَال الصِّفَات هَكَذَا قَالَه السَّيِّد وَتَبعهُ الكافيجي وَالْحق أَنَّهُمَا، وَإِن تغايرا، لكنهما متقاربان كَمَا هُوَ شَأْن الْحَال وعاملها، وَحِينَئِذٍ لزم من تقريب الأولى تقريب الثَّانِيَة الْمُقَارنَة لَهَا فِي الزَّمَان [وَالْمرَاد من قَوْلهم: " حَال من أَعم الْأَحْوَال " الْأَوْقَات لَا الْحَال المصطلح]
الْحَرَكَة: هِيَ عبارَة عَن كَون الْجِسْم فِي مَكَان عقيب كَونه فِي مَكَان آخر
والسكون: عبارَة عَن كَون الْجِسْم فِي مَكَان أَزِيد من آن وَاحِد(1/376)
وَقيل: الْحَرَكَة كونان فِي آنين فِي مكانين، والسكون كونان فِي آنين فِي مَكَان وَاحِد
(وَتطلق الْحَرَكَة تَارَة بِمَعْنى الْقطع وَهُوَ الْأَمر الْمُتَّصِل الَّذِي يعقل للتحرك فِيمَا بَين الْمُبْتَدَأ والمتهى وَتطلق أُخْرَى بِمَعْنى الْحُصُول فِي الْوسط، وَهُوَ حَالَة مُنَافِيَة للاستقرار يكون بهَا الْجِسْم أبدا متوسطا بَين الْمُبْتَدَأ والمنتهى وَالْأولَى مَعْدُومَة اتِّفَاقًا، وَالثَّانيَِة مَوْجُودَة اتِّفَاقًا)
وَالْحَرَكَة مِنْك إِلَى مَوضِع: ذهَاب، وَمن مَوضِع إِلَيْك: مَجِيء
والمتكلمون إِذا أطْلقُوا الْحَرَكَة أَرَادوا بهَا الْحَرَكَة الأينية الْمُسَمَّاة بالنقلة وَهِي المتبادرة فِي اسْتِعْمَال اللُّغَة وَقد تطلق عِنْدهم على الوضعية دون الكمية والكيفية
وَالْحَرَكَة لَا تقع وَصفا بِالذَّاتِ إِلَّا للمتحيز بِالذَّاتِ
والأعراض سَوَاء كَانَت قارة أَو سيالة إِنَّمَا تُوصَف بهَا بتبعية محلهَا كالمتحيز، وَلكنهَا لَا تَقْتَضِي التَّجَوُّز إِذْ لَا اسْتِحَالَة فِي حَرَكَة الْعرض بتبعية حَرَكَة مَحَله
وَالْحَرَكَة أَعم من النقلَة لوُجُود الْحَرَكَة بِدُونِهَا فِيمَن يَدُور فِي مَكَانَهُ
والنقلة أَعم من الْمَشْي لتحققها بِدُونِهِ فِيمَن زحف ودب وَسمي الزَّحْف مشيا فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْهُم من يمشي على بَطْنه} على الِاسْتِعَارَة أَو المشاكلة
وَالْمَشْي جنس الْحَرَكَة الْمَخْصُوصَة وَإِذا اشْتَدَّ فَهُوَ سعي وَإِذا زَاد فَهُوَ عَدو {وَالَّذين يسعون فِي آيَاتنَا معاجزين} أَي: مجتهدين فِي إِظْهَار الْعَجز
والسكون مُقَابل الْحَرَكَة والثبات مُقَابل النقلَة، فَهُوَ أَعم من السّكُون؛ فَإِن الْغُصْن المتمايل ثَابت غير سَاكن
والسكون أَعم من الثَّبَات لِأَنَّهُ سُكُون خَاص
وَالْحَرَكَة الكمية كحكرة النمو، وَهُوَ أَن يزْدَاد مِقْدَار الْجِسْم فِي الطول وَالْعرض والعمق وَذهب الرَّازِيّ إِلَى أَن النمو والذبول ليسَا من الْحَرَكَة الكمية، وَكَلَام الشريف يمِيل إِلَيْهِ
وَالْحَرَكَة الْكَيْفِيَّة المحسوسة كحركة المَاء من الْبُرُودَة إِلَى السخونة. وَالْحَرَكَة الْكَيْفِيَّة النفسانية كحركة النَّفس فِي المعقولات فتسمى فكرا، كَمَا أَنَّهَا فِي المحسوسات تسمى تخيلا
وَالْحَرَكَة الوضعية كحركة الْجِسْم من وضع إِلَى وضع آخر، ككون الْقَاعِدَة قَائِما، وكحركة الْفلك فِي مَكَانَهُ على الاستدارة
وَالْحَرَكَة الأينية كحركة الْجِسْم من مَكَان إِلَى مَكَان آخر(1/377)
وَالْقُوَّة المحركة إِن كَانَت خَارِجَة عَن المتحرك فالحركة قسرية، وَإِلَّا، فإمَّا أَن تكون الْحَرَكَة بسيطة أَي على نهج وَاحِد، وَإِمَّا مركبة أَي لَا على نهج وَاحِد
والبسيطة إِمَّا بِإِرَادَة وَهِي الْحَرَكَة الفلكية، أَو لَا، وَهِي الْحَرَكَة الطبيعية
والمركبة إِمَّا أَن يكون مصدرها الْقُوَّة الحيوانية أَو لَا
الثَّانِيَة الْحَرَكَة النباتية، وَالْأولَى إِمَّا أَن تكون مَعَ شُعُور بهَا وَهِي الْحَرَكَة الإرادية الحيوانية أَو لَا مَعَ شُعُور وَهِي الْحَرَكَة التسخينية كحركة النبض
وَالْحَرَكَة الإعرابية مَعَ كَونهَا طارئة أقوى من النباتية الدائمة، لِأَن الإعرابية علم لمعان مَقْصُودَة، متميز بَعْضهَا عَن بعض فالإخلال بهَا يُفْضِي إِلَى التباس الْمعَانِي وفوات مَا هُوَ الْغَرَض الْأَصْلِيّ من وضع الْأَلْفَاظ وهيئاتها، أَعنِي الْإِبَانَة عَمَّا فِي الضَّمِير وَيُقَال فِي حَرَكَة الْإِعْرَاب رفع وَنصب وجر وخفض وَجزم وَفِي حركات الْبناء: ضم وَفتح وَكسر ووقف وَمَا بَقِي من أَنْوَاع هَذِه الحركات حَرَكَة تخلص عَن التقاء الساكنين، وحركة حِكَايَة، وحركة نقل، وحركة إتباع، وحركة مُنَاسبَة ثمَّ الحري بِهَذِهِ الْخَواص هُوَ المعرب، لِأَن وجودهَا فِي الْمَبْنِيّ فِي الْجُمْلَة
وَقَوْلهمْ: حرف متحرك، وتحركت الْوَاو، وَنَحْو ذَلِك لَيْسَ بتساهل مِنْهُم، لِأَن الْحَرْف وَإِن كَانَ عرضا فقد يُوصف بالحركة تبعا لحركة مَحَله
وَاخْتلف النَّاس فِي الْحَرَكَة هَل تحدث بعد الْحَرْف أَو مَعَه أَو قبله؟ وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا حَادِثَة بعد حرفها المحرك بهَا، وَهُوَ الصَّحِيح وَقد ثَبت أَن الْحَرَكَة بعض الْحَرْف، فالفتحة بعض الْألف، والكسرة بعض الْيَاء، والضمة بعض الْوَاو فَكَمَا أَن الْحَرْف لَا يُجَامع حرفا آخر فينشآن مَعًا فِي وَقت وَاحِد، فَكَذَا بعض الْحَرْف لَا يجوز أَن ينشأ مَعَ حرف آخر فِي وَقت وَاحِد، لِأَن حكم الْبَعْض فِي هَذَا جَار مجْرى حكم الْكل وَلَا يجوز أَن يتَصَوَّر أَن حرفا من الْحُرُوف حدث بعضه مُضَافا لحرف وبقيته حدث من بعده فِي غير ذَلِك الْحَرْف لَا فِي زمَان وَاحِد وَلَا فِي زمانين
وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي حركات الْإِعْرَاب هَل هِيَ سَابِقَة على حركات الْبناء، أَو بِالْعَكْسِ، أَو كل مِنْهُمَا أصل فِي مَوْضِعه؟ قَالَ فِي " التَّبْيِين ": والأقوى هُوَ الأول
الْحمل: حمله على الْأَمر يحملهُ فانحمل: أغراه بِهِ
وَحمله الْأَمر تحميلا فتحمله تحملا
وَحمل عَنهُ: حلم فَهُوَ حمول أَي: ذُو حلم
وحملت الْمَرْأَة تحمل: علقت
وَحمل بِهِ يحمل حمالَة: كفل
وَالْحمل، بِالْكَسْرِ: مَا كَانَ على رَأس أَو ظهر
و [الْحمل] ، بِالْفَتْح: مَا كَانَ فِي بطن أَو على شَجَرَة وَيجمع غَالِبا فِي الْقلَّة على (أحمال) ، وَفِي الْكَثْرَة على (حمول)
وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الْحمل فَقيل: هُوَ اتِّحَاد المتغايرين فِي الْمَفْهُوم بِحَسب الهوية، وَنقض بالأمور العدمية المحمولة على الموجودات الخارجية، كَمَا فِي (زيد أعمى) إِذْ لَا هوية للمعدومات وَقيل: هُوَ اتِّحَاد المتغايرين فِي الْمَفْهُوم بِحَسب الذَّات، أَعنِي مَا صدق عَلَيْهِ
وَيجوز حمل المفهومات العدمية على الموجودات(1/378)
وَحمل المواطأة: هُوَ أَن يكون الشَّيْء مَحْمُولا على الْمَوْضُوع بِالْحَقِيقَةِ بِلَا وَاسِطَة كَقَوْلِنَا: (الْإِنْسَان حَيَوَان)
وَحمل الِاشْتِقَاق: هُوَ أَن لَا يكون مَحْمُولا عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ، بل ينْسب إِلَيْهِ كالبياض بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان
وَقيل: حمل هُوَ هُوَ حمل المواطأة نَحْو: (زيد نَاطِق) وَحمل ذُو حمل الِاشْتِقَاق نَحْو: (زيد ذُو نطق)
وَحمل الْمُطلق على الْمُقَيد يجب عندنَا إِذا كَانَا فِي حكم وَاحِد فِي حَادِثَة وَاحِدَة، لِأَن الْعَمَل بهما غير مُمكن، فَيجب الْحمل ضَرُورَة مثل صَوْم كَفَّارَة الْيَمين
وَقد حمل الْأُصُول على الْفُرُوع من ذَلِك أَن لَا يُضَاف (ضَارب) إِلَى فَاعله، لِأَنَّك لَا تضيفه إِلَيْهِ مضمرا، فَكَذَلِك مظْهرا لِأَن الْمُضمر أقوى حكما فِي بَاب الْإِضَافَة من الْمظهر لمشابهته للتنوين
والمضمر يحمل على الْمظهر فِي الْإِعْرَاب لكَون الْمظهر أصلا فِيهِ، وَالْحمل على مَا لَهُ نَظِير أولى من الْحمل على مَا لَا نَظِير لَهُ
مثلا (مَرْوَان) يحْتَمل (فعلان) و (مفعال) و (فعولًا) وَالْأول لَهُ نَظِير فَيحمل عَلَيْهِ
وَصفَة اسْم (لَا) الْمَبْنِيّ يجوز فَتحه نَحْو: (لَا رجل ظريف فِي الدَّار) وَهِي فَتْحة بِنَاء، لِأَن الْمَوْصُوف وَالصّفة جعلا كالشيء الْوَاحِد، ثمَّ دخلت (لَا) عَلَيْهِمَا بعد التَّرْكِيب ولايجوز دُخُولهَا عَلَيْهِمَا وهما معربان فبنيا مَعهَا، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جعل ثَلَاثَة أَشْيَاء كشيء وَاحِد وَلَا نَظِير لَهُ
وَالْحمل على أحسن القبيحين كحمل (قَائِما فِي نَحْو: (فِيهَا قَائِما رجل) على الْحَال، لِأَن الْحَال من النكرَة قَبِيح، وَتَقْدِيم الصّفة على الْمَوْصُوف بِأَن ترفع (قَائِما) وَهُوَ أقبح، فَحمل على أحْسنهَا
وَحمل الشَّيْء على الشَّيْء كحذف التَّنْوِين من الِاسْم لمشابهته لما لَا حِصَّة لَهُ فِي التَّنْوِين وَهُوَ الْفِعْل
وَالْحمل على الْأَكْثَر أولى من الْحمل على الْأَقَل، وَمن ثمَّة قَالَ الْأَكْثَرُونَ: (رحمان) غير منصرف، وَإِن لم يكن لَهُ فعل، لِأَن مَا لَا ينْصَرف من (فعلان) أَكثر، فالحمل عَلَيْهِ أولى
وَقَول سِيبَوَيْهٍ أَن الْمَرْفُوع بعد (لَوْلَا) مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أولى من قَول الْكسَائي أَنه فَاعل بإضمار فعله، لِأَن إِضْمَار الْخَبَر أَكثر من إِضْمَار الْفِعْل
وَالْحمل أَولا على الْمَعْنى ثمَّ على اللَّفْظ غير مَمْنُوع، وَله نَظِير فِي الْقُرْآن؛ وَإِن كَانَ الْكثير بِالْعَكْسِ
وَالْحمل على الْمَعْنى كتأنيث الْمُذكر وَبِالْعَكْسِ، وتصور معنى الْوَاحِد فِي الْجَمَاعَة وَبِالْعَكْسِ، وَغير ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى: {تلتقطه بعض السيارة} على قِرَاءَة التَّاء و (ذهبت بعض أَصَابِعه) لِأَن بعض السيارة سيارة فِي الْمَعْنى، وَكَذَا بعض الْأَصَابِع إِصْبَع وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {فَلَمَّا رأى الشَّمْس بازغة قَالَ هَذَا رَبِّي} أَي: هَذَا الشَّخْص أَو الجرم
{وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله} : أَرَادَ امْرَأَة، فَحمل فِي الْكل على الْمَعْنى(1/379)
وَالشَّيْء إِذا حمل على اللَّفْظ جَازَ الْحمل بعده على الْمَعْنى، وَإِذا حمل على الْمَعْنى ضعف الْحمل بعده على اللَّفْظ، لِأَن الْمَعْنى أقوى فَلَا يبعد الرُّجُوع إِلَيْهِ بعد اعْتِبَار اللَّفْظ، ويضعف بعد اعْتِبَار الْمَعْنى الْقوي الرُّجُوع إِلَى الأضعف
وَحمل الشي على نقيضه مثل: {سبع عجاف} حمل على (سمان)
وعدي (رَضِي) ب (على) حملا على (سخط) و (فضل) ب (عَن) حملا على (نقص)
وعلقوا (نسي) حملا على (علم)
وحملوا (جيعان) و (عطشان) على (شبعان) و (رَيَّان) و (ملآن) ، لِأَن بَاب (فعلان) للامتلاء
وحملوا (دخل) معتديا على (خرج) فجاؤوا بمصدره، كمصدر لَكِن هَذَا غير مضطرد لِأَن (ذهب) لَازم، وَمَا يُقَابله جَاءَ مُتَعَدِّيا نَحْو: {أَو جاؤوكم} وعدي (شكر) بِالْبَاء حملا على (كفر) ، وحملوا (كم) الخبرية على (رب) فِي لُزُوم الصَّدْر لِأَنَّهَا نقيضها وحملوا (مَاتَ مَوتَانا) على (حَيّ حَيَوَانا) ؛ لِأَن بَاب (فعلان) للتقلب التحرك و (عدوة) على (صديقَة) وَلَا يثنى (بعض) وَلَا يجمع حملا على (كل)
الحكم، فِي اللُّغَة: الصّرْف وَالْمَنْع للإصلاح، وَمِنْه (حِكْمَة الْفرس) وَهِي الحديدة الَّتِي تمنع عَن الجموح
وَمِنْه: الْحَكِيم، لِأَنَّهُ يمْنَع نَفسه ويصرفها عَن هَواهَا؛ والإحكام والإتقان أَيْضا
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أحكمت آيَاته} أَي: منعت وحفظت عَن الغلظ وَالْكذب وَالْبَاطِل وَالْخَطَأ والتناقض
وَمِنْه اسْم الْحَكِيم أَي: الْعَالم صَاحب الْحِكْمَة والمتقن للأمور
وَمعنى الْحَكِيم فِي الله بِخِلَاف مَعْنَاهُ إِذا وصف بِهِ غَيره وَمن هَذَا الْوَجْه قَالَ تَعَالَى: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين}
وَالْحكم أَيْضا: الْفَصْل والبت وَالْقطع على الْإِطْلَاق
و {آيَات محكمات} مَعْنَاهُ أحكمت عباراتها بِأَن حفظت من الِاحْتِمَال أَو (محكمات) مُشَدّدَة أَي: ذَوَات حِكْمَة، لاشتمالها على الحكم؛ أَو (حاكمات) أَي: منقاد لأحكامها، أَو متقنات لتحكيم نظمها وبلوغ بلاغتها الْغَايَة القصوى؛ أَو ممنوعات من التحريف، أَو موضحات لوضوح مَعَاني الْآيَات كلهَا وَلَا يشْتَرط الوضوح لكل وَاحِد، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُحكم غير مُحكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأعجمي ومتشابه الْقُرْآن [مِمَّا يعلم] على مَا هُوَ مُخْتَار الْمُحَقِّقين عَن ابْن عَبَّاس: " وَأَنا مِمَّن يعلم الْمُتَشَابه "
وَحكم بَينهم وَله وَعَلِيهِ: أَي قضى
وَالْحكم أَعم من الْحِكْمَة، وكل حِكْمَة حكم، وَلَيْسَ كل حكم حِكْمَة
وَالْحكم فِي الْعرف إِسْنَاد أَمر إِلَى آخر إِيجَابا أَو سلبا، و [فِي اصْطِلَاح أهل الْمِيزَان] : إِدْرَاك(1/380)
وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا، وَهُوَ الحكم المنطقي
وَفِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الْأُصُول: خطاب الله الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير، وَيُقَال لَهُ الْكَلَام النَّفْسِيّ ومدلول الْأَمر وَالنَّهْي والإيجاب وَالتَّحْرِيم، وَيُسمى هَذَا بالاختصاصات الشَّرْعِيَّة، وَأثر الْخطاب الْمُتَرَتب على الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة، وَهَذَا يُسمى بالتصرفات الْمَشْرُوعَة، وَهُوَ نَوْعَانِ: دُنْيَوِيّ كالصحة فِي الصَّلَاة وَالْملك فِي البيع وأخروي كالثواب وَالْعِقَاب وَجَمِيع المسببات الشَّرْعِيَّة عَن الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة، كل ذَلِك مَحْكُوم لله تَعَالَى ثَبت بِحكمِهِ وإيجاده وتكوينه وَإِنَّمَا سمي حكم الله على لِسَان الْفُقَهَاء بطرِيق الْمجَاز عندنَا، خلافًا للمعتزلة والأشعرية، فَإِن عِنْدهم التكوين عين المكون كَمَا عرفت فِيمَا تقدم
وَحكم الشَّرْع مَا ثَبت جبرا لَا اخْتِيَارا للْعَبد فِيهِ، وَمَا ثَبت جبرا هِيَ الصّفة الثَّابِتَة للْفِعْل شرعا، لَا نفس الْفِعْل الَّذِي اتّصف بِالْوُجُوب وَالْحسن والقبح وَالصِّحَّة وَالْفساد، لِأَن نفس الْفِعْل يحصل بِاخْتِيَار العَبْد وَكَسبه وَإِن كَانَ خالقه هُوَ الله تَعَالَى
وَالْحكم الشَّرْعِيّ: مَا لَا يدْرك لَوْلَا خطاب الشَّارِع: سَوَاء ورد الْخطاب فِي عين هَذَا الحكم أَو فِي صُورَة يحْتَاج إِلَيْهَا هَذَا الحكم كالمسائل القياسية، إِذْ لَوْلَا خطاب الشَّارِع فِي الْمَقِيس عَلَيْهِ لَا يدْرك الحكم فِي الْمَقِيس
وَالْحكم الْعقلِيّ: إِثْبَات أَمر لآخر أَو نَفْيه عَنهُ من غير توقف على تكَرر وَلَا وضع وَاضع، وينحصر فِي الْوُجُوب والاستحالة وَالْجَوَاز
وَالْحكم العادي: إِثْبَات ربط بَين أَمر وَآخر وجودا أَو عدما بِوَاسِطَة تكَرر الْقُرْآن بَينهمَا على الْحس مَعَ صِحَة التَّخَلُّف وَعدم تَأْثِير أَحدهمَا فِي الآخر الْبَتَّةَ
وَالْحكم العادي القولي: كرفع الْفَاعِل وَنصب الْمَفْعُول وَنَحْو ذَلِك من الْأَحْكَام النحوية واللغوية
وَالْحكم العادي الْعقلِيّ: كَقَوْلِنَا فِي الْإِثْبَات: (شراب السكنجين مسكن للصفراء) وَفِي النَّفْي: (الفطير من الْخبز لَيْسَ بسريع الانهضام)
وَقد يُطلق العادي على مَا يسْتَند إِلَى شَيْء من الْعقل وَالنَّقْل، وَيُطلق أَيْضا على مَا اسْتَقر فِي النُّفُوس من الْأُمُور المتكررة المقبولة عِنْد الطباع السليمة، وعَلى مَا اسْتمرّ الزَّمَان على حكمه وَعَاد إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى، وعَلى مَا وَقع فِي الْخَارِج على صفة اتِّفَاقًا
وَالْحكم عِنْد أهل الْمَعْقُول يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْقَضِيَّة، إطلاقا لاسم الْجُزْء على الْكل
وَقد يُطلق على التَّصْدِيق وَهُوَ الْإِيقَاع والانتزاع، وعَلى مُتَعَلّقه، وَهُوَ الْوُقُوع واللاوقوع، وعَلى النِّسْبَة الْحكمِيَّة، وعَلى الْمَحْمُول، فَإِذا أطلق الحكم على وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى من قبيل الْمَعْلُوم وَمن أَجزَاء الْقَضِيَّة وَإِذا أطلق على إِيقَاع النِّسْبَة أَو انتزاعها فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى من قبيل الْعلم والتصديق عِنْد الحكم
فَاخْتَارَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي عبارَة مرجع صدق الْخَبَر أَو كذبه عِنْد الْجُمْهُور إِلَى مُطَابقَة حكمه(1/381)
للْوَاقِع أَو عدم مطابقته الْمَعْنى الأول، وَأَن التغاير بَين المطابق والمطابق بِالِاعْتِبَارِ إِلَى آخر مَا قَالَ
وَذهب الْعَلامَة الشريف إِلَى أَن المُرَاد بِهِ هَهُنَا الْمَعْنى الثَّانِي، وَأَن الْمُغَايرَة بَينهمَا ذاتية إِلَى آخر مَا قَالَ أَيْضا، فَمَا اخْتَارَهُ السعد أوفق لكَلَام أهل الْعَرَبيَّة، وَمَا اخْتَارَهُ السَّيِّد إِنَّمَا يلائم رَأْي أَرْبَاب الْمَعْقُول
الْحِكْمَة: هِيَ الْعدْل وَالْعلم وَالْحكم والنبوة وَالْقُرْآن وَالْإِنْجِيل: وَوضع الشَّيْء فِي مَوْضِعه، وصواب الْأَمر وسداده وأفعال الله كَذَلِك، لِأَنَّهُ يتَصَرَّف بِمُقْتَضى الْملك فيفعل مَا يَشَاء، وَافق غَرَض الْعباد أم لَا
وَفِي عرف الْعلمَاء: هِيَ اسْتِعْمَال النَّفس الإنسانية باقتباس الْعُلُوم النظرية واكتساب الملكة التَّامَّة على الْأَفْعَال الفاضلة قدر طاقتها
وَقَالَ بَعضهم: الْحِكْمَة هِيَ معرفَة الْحَقَائِق على مَا هِيَ بِقدر الِاسْتِطَاعَة، وَهِي الْعلم النافع الْمعبر عَنهُ بِمَعْرِِفَة مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا}
وإفراطها: الجربزة: وَهِي اسْتِعْمَال الْفِكر فِيمَا لَا يَنْبَغِي كالمتشابهات، وعَلى وَجه لَا يَنْبَغِي كمخالفة الشَّرَائِع
وتفريطها: الغباوة الَّتِي هِيَ تَعْطِيل الْقُوَّة الفكرية وَالْوُقُوف عَن اكْتِسَاب الْعلم وَهَذِه الْحِكْمَة غير الْحِكْمَة الَّتِي هِيَ الْعلم بالأمور الَّتِي وجودهَا من أفعالنا، بل هِيَ ملكة تصدر مِنْهَا أَفعَال متوسطة بَين أَفعَال الجربزة والبلاهة
{وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة} أَي: السّنة، ذكره قَتَادَة وَوجه الْمُنَاسبَة أَن الْحِكْمَة تنتظم الْعلم وَالْعَمَل، كَمَا أَن السّنة تنتظم القَوْل وَالْفِعْل
{وَمَا أنزل عَلَيْكُم من الْكتاب وَالْحكمَة} يَعْنِي: مواعظ الْقُرْآن
{وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} يَعْنِي الْفَهم وَالْعلم
{فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة}
يَعْنِي النُّبُوَّة
{ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة} يَعْنِي بِالْقُرْآنِ
وَجَمِيع هَذِه الْوُجُوه عِنْد التَّحْقِيق يرجع إِلَى الْعلم [وَأكْثر أهل الْعلم على أَن الْحِكْمَة لَيست للْعلم الْمُجَرّد بل للْعلم مَعَ زِيَادَة مُبَالغَة فِيهِ، أَو للْعلم مَعَ الْعَمَل، وَأمر التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير بَينهمَا إِنَّمَا يكون بِحَسب اقْتِضَاء الْمقَام، فَفِي سُورَة الْبَقَرَة فِي قَوْله جلّ شَأْنه: {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا} إِلَى آخِره قد وَقع الْكَلَام فِي الْعلم، وَكَذَا فِي الانفال فِي قَوْله جلّ شَأْنه: {وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتك} إِلَى آخِره فَإِن الْكَلَام سبق فِي علم الله خِيَانَة الخائنين، وَكَذَلِكَ فِي سُورَة يُوسُف فِي قَوْله تَعَالَى: {ويعلمك من تَأَول الْأَحَادِيث} وَأما فِي سُورَة الذريات فَإِن الْآيَة سيقت لإِظْهَار الْحِكْمَة فَإِن إيتَاء الْوَلَد للشَّيْخ الْهَرم وَالْمَرْأَة الْعَقِيم على مَا قَالَ فِي سُورَة هود من بَاب(1/382)
الْحِكْمَة فتقديمها فِي نَحره ومقطعه]
وَالْحكمَة تراعي فِي الْجِنْس لَا فِي الْأَفْرَاد
فالحكمة فِي فَسَاد البيع بِشَرْط لَا يَقْتَضِيهِ العقد، ولأحد الْعَاقِدين نفع لاحْتِمَال النزاع، فَلَا يَنْقَلِب صَحِيحا فِيمَا إِذا لم يُوجد النزاع فِي بعض الْأَفْرَاد، فَحق الْفَسْخ ثَابت لمن لَهُ النَّفْع
وَالْحكمَة فِي حُرْمَة الْخمر الْبغضَاء والصدود عَن الصَّلَاة، فَلَا عِبْرَة بِعَدَمِ وُقُوعهَا فِي بعض الْأَفْرَاد
وَالْحُرْمَة ثَابِتَة لكل أحد
الْحصْر: هُوَ إِثْبَات الحكم ونفيه عَمَّا عداهُ يحصل بِتَصَرُّف فِي التَّرْكِيب، كتقديم مَا حَقه التَّأْخِير من متعلقات الْفِعْل وَالْفَاعِل الْمَعْنَوِيّ وَالْخَبَر وتعريف الْمسند والمسند إِلَيْهِ
والأصولي يعْتَبر بعض أَنْوَاع الْحصْر وَهُوَ أَن يعرف الْمُبْتَدَأ بِحَيْثُ يكون ظَاهرا فِي الْعُمُوم، سَوَاء كَانَ صفة أَو اسْم جنس، وَيجْعَل الْخَبَر مَا هُوَ أخص مِنْهُ بِحَسب الْمَفْهُوم، سَوَاء كَانَ علما أَو غَيره مثل: (الْعَالم زيد) و (الرجل بكر) و (صديقي خَالِد)
وَلَا خلاف فِي ذَلِك بَين عُلَمَاء الْمعَانِي متمسكا بِاسْتِعْمَال الفصحاء، وَلَا فِي عَكسه أَيْضا مثل: (زيد الْعَالم المنطلق) حَتَّى قَالَ صَاحب " الْمِفْتَاح ": (المنطلق زيد) و (زيد المنطلق) كِلَاهُمَا يُفِيد حصر الانطلاق على زيد، والحصر رَاجع إِلَى التَّقْسِيم وَالسير إِلَى الأشكال
والحصر الْعقلِيّ: هُوَ الدائر بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات لَا يجوز الْعقل فِيمَا وَرَاءه شَيْئا آخر نَحْو قَوْلنَا: (الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد) والحقيقي كَذَلِك
والوقوعي: هُوَ مَا يكون وُقُوعه بِحَسب الاستقراء والتتبع بِكَلَام الْعَرَب كانحصار الدّلَالَة اللفظية فِي الْعَقْلِيَّة والطبعية والوضعية وكانحصار الْكَلِمَة فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة، إِذْ الْمعَانِي ثَلَاثَة: ذَات، وَحدث، ورابطة وَيجوز أَن يكون فِيمَا وَرَاءه شَيْء آخر كمخالفة وَبَين بَين وَقَالَ ابْن الخباز: وَلَا يخْتَص انحصار الْكَلِمَة فِي الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة بلغَة الْعَرَب، لِأَن الدَّلِيل الدَّال على الانحصار فِي الثَّلَاثَة عَقْلِي، والأمور الْعَقْلِيَّة لَا تخْتَلف باخْتلَاف اللُّغَات
والحصر الجعلي: هُوَ مَا يكون بِحَسب جعل الْجَاعِل، كانحصار الْكتب فِي الْفُصُول والأبواب المعدودة
والوضعي كَذَلِك
وَحصر الْكل فِي أَجْزَائِهِ: هُوَ الَّذِي لَا يَصح إِطْلَاق اسْم الْكل على أَجْزَائِهِ، كانحصار الْعشْرَة فِي أَجْزَائِهَا
وطرق الْحصْر: النَّفْي ب (لَا) وب (مَا) وَغَيرهمَا، وَالِاسْتِثْنَاء ب (إِلَّا) وَغَيرهمَا، (وَإِنَّمَا) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح عِنْد الْبَعْض، والعطف ب (لَا) وب (بل) ، وَتَقْدِيم الْمَعْمُول، وَضمير الْفَصْل، وَتَقْدِيم الْمسند إِلَيْهِ، وَتَقْدِيم الْمسند، وتعريف الجزأين نَحْو: الْحَمد لله، (والمنطلق زيد) ، وقلب بعض حُرُوف الْكَلِمَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت} لِأَن وَزنه (فعلوت) من (الطغيان) قلب بِتَقْدِيم اللَّام، فوزنه (فعلوت) ، وَالْقلب للاختصاص، إِذْ لَا يُطلق على غير الشَّيْطَان،(1/383)
وَنَحْو: (جَاءَ زيد نَفسه) و (إِن زيدا الْقَائِم) ، وَنَحْو (قَائِم) فِي جَوَاب (زيد إِمَّا قَائِم أَو قَاعد) [وَفِي كل من أَدَاة الْحصْر نُكْتَة بِحَسب الْمقَام]
وَحصر الجزئي وإلحاقه بالكلي: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم إِلَى نوع فَيَجْعَلهُ بالتعظيم بِهِ جِنْسا بعد حصر أَقسَام الْأَنْوَاع فِيهِ والأجناس كَقَوْلِه تَعَالَى:
(وَعِنْده مفاتح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ وَيعلم مَا فِي الْبر وَالْبَحْر} فَإِنَّهُ حصر الجزيئات المتولدات فَرَأى الِاقْتِصَار على ذَلِك لَا يكمل بِهِ التمدح لاحْتِمَال أَن يظنّ أَنه يعلم الكليات دون الجزيئات فَإِن المتولدات، وَإِن كَانَت جزئيات بِالنِّسْبَةِ إِلَى جملَة الْعَالم، فَكل وَاحِد مِنْهَا كلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُ من الْأَجْنَاس والأنواع والأصناف، فَقَالَ لكَمَال التمدح: {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا} وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن علم ذَلِك يُشَارِكهُ فِيهِ كل ذِي إِدْرَاك تمدح بِمَا لَا يُشَارِكهُ فِيهِ أحد فَقَالَ: {وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي فِي كتاب مُبين}
الْحَذف: حذفه: أسْقطه
و [حذفه] من شعره: أَخذه
و [حذفه] بالعصا: رَمَاه بهَا
و [حذف] فلَانا بجائزة: وَصله بهَا
و [حذف] السَّلَام: خففه وَلم يطلّ القَوْل بِهِ
والحذف: إِسْقَاط الشَّيْء لفظا وَمعنى
والإضمار: إِسْقَاط الشَّيْء لفظا لَا معنى
والحذف: مَا ترك ذكره فِي اللَّفْظ وَالنِّيَّة كَقَوْلِك (أَعْطَيْت زيدا)
والإضمار: مَا ترك ذكره من اللَّفْظ وَهُوَ مُرَاد بِالنِّيَّةِ
وَالتَّقْدِير كَقَوْلِه تَعَالَى: {وأسال الْقرْيَة} [وعلماء الْمعَانِي يعبرون عَن إِسْقَاط الْمسند إِلَيْهِ عَن اللَّفْظ بالحذف عَن إِسْقَاط الْمسند بِالتّرْكِ]
والحذف مقدم على الْإِتْيَان لتأخير وجود الْحَادِث عَن عَدمه
وأصالة الْحَذف بِمَعْنى السَّابِق والقدم
وأصالة الذّكر بِمَعْنى الشّرف وَالْكَرم؛ وَهَذِه لَا تَقْتَضِي نُكْتَة زَائِدَة عَلَيْهِ، وَتلك تستدعي نُكْتَة باعثة دَاعِيَة إِلَيْهِ
والحذف فِي الذَّات، وَالسَّلب فِي الصِّفَات
والحذف والتضمين وَإِن اشْتَركَا فِي أَنَّهُمَا خلاف الأَصْل، لَكِن فِي التَّضْمِين تَغْيِير معنى الأَصْل، وَلَا كَذَلِك الْحَذف
وَشرط الْحَذف والإضمار هُوَ أَن يكون ثمَّة مُقَدّر نَحْو: {وأسأل الْقرْيَة} بِخِلَاف الإيجاز فَإِنَّهُ عبارَة عَن اللَّفْظ الْقَلِيل الْجَامِع للمعاني بِنَفسِهِ
وَمن جملَة فَوَائِد الْحَذف التفخيم والإعظام لما فِيهِ من الْإِبْهَام لذهاب الذِّهْن كل مَذْهَب فَرجع قاصرا عَن إِدْرَاكه فَيُفِيد ذَلِك تَعْظِيم شَأْنه وَيزِيد فِي النَّفس مكانة وَزِيَادَة لَذَّة استنباط الذِّهْن الْمَحْذُوف، وَكلما كَانَ الشُّعُور بالمحذوف أعْسر كَانَ الالتذاذ بِهِ أَشد، وَزِيَادَة الْأجر بِسَبَب الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك
وَمن جملَة أَسبَابه مُجَرّد (الِاخْتِصَار والاحتراز عَن(1/384)
الْعَبَث بِنَاء على الظَّاهِر، والتنبيه على تقاصر الزَّمَان عَن إتْيَان الْمَحْذُوف، وَأَن الِاشْتِغَال بِهِ يُفْضِي إِلَى) فَوت المهم، والتفخيم والإعظام وَالتَّخْفِيف لِكَثْرَة دورانه فِي كَلَامهم، ورعاية الفواصل وصيانة الْمَحْذُوف تَشْرِيفًا لَهُ، وصيانة اللِّسَان عَنهُ تحقيرا لَهُ، وَغير ذَلِك
وَمن جملَة أدلته أَنه يدل عَلَيْهِ الْعقل حَتَّى يَسْتَحِيل صِحَّته بِلَا تَقْدِير، كَمَا فِي {واسأل الْقرْيَة}
وَالْعَادَة الشَّرْعِيَّة كَمَا فِي {إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة} أَي: التَّنَاوُل وَيدل الْعقل على الْحَذف وَالْعَادَة على التَّعْيِين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فذالكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} ، فَإِن يُوسُف النَّبِي لَيْسَ مَحل اللوم، فَتعين أَن يكون غَيره عقلا، وَعين الْعَادة مراودتها للوم، إِذْ الْحبّ لَا يلام عَلَيْهِ صَاحبه لكَونه اضطراريا
وتدل الْعَادة على تعْيين الْمَحْذُوف كَقَوْلِه تَعَالَى: {بِسم الله} فَإِن اللَّفْظ يدل على أَن فِيهِ حذفا، وَدلّ الشَّرْع على تَعْيِينه من قِرَاءَة أَو أكل أَو شرب أَو غير ذَلِك
وَمن جملَة الْأَدِلَّة اللُّغَة ك (ضربت) فَإِن اللُّغَة شاهدة على أَن الْفِعْل الْمُتَعَدِّي لَا بُد لَهُ من مفعول، لَكِن لَا على التَّعْيِين وَتقدم مَا يدل على الْحَذف إِمَّا فِي سِيَاقه أَو فِي مَوضِع آخر.
وَمن جملَة شُرُوط الْحَذف أَن يكون فِي الْمَذْكُور دلَالَة على الْمَحْذُوف إِمَّا من لَفظه أَو من سِيَاقه، وَهَذَا من قَوْلهم: لَا بُد أَن يكون فِيمَا أبقى دَلِيل على مَا ألْقى وَإِلَّا يصير اللَّفْظ مخلا بالفهم، وَتلك الدّلَالَة مقالية وحالية
فالمقالية: قد تحصل من إِعْرَاب اللَّفْظ، وَذَلِكَ كَمَا إِذا كَانَ مَنْصُوبًا فَيعلم أَن لَهُ ناصبا، وَإِذا لم يكن ظَاهرا لم يكن بُد من التَّقْدِير نَحْو: {أَهلا وسهلا ومرحبا}
والحالية: قد تحصل من النّظر إِلَى الْمَعْنى، وَالْعلم لَا يتم إِلَّا بِمَحْذُوف كَمَا فِي قَوْلنَا: (فلَان يحل ويربط) أَي: يحل الْأُمُور ويربطها، وَقد تدل الصِّنَاعَة النحوية على التَّقْدِير كَقَوْلِهِم فِي (لَا أقسم) لَا أَنا أقسم، لِأَن الْفِعْل الحالي لَا يقسم عَلَيْهِ، وَقد تَتَعَدَّد الْأَدِلَّة وَالتَّقْدِير بحسبها وَهَذَا الشَّرْط مُحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ الْمَحْذُوف جملَة بأسرها نَحْو: {قَالُوا سَلاما} أَي: سلمنَا سَلاما أَو ركنا نَحْو: {قَالَ سَلام قوم منكرون} أَي: سَلام عَلَيْكُم أَنْتُم قوم منكرون
وأقسام الْحَذف: الاقتطاع: وَهُوَ ذكر حرف من الْكَلِمَة وَإِسْقَاط الْبَاقِي وَقد جعل مِنْهُ بَعضهم فواتح السُّور، لِأَن كل حرف يدل على اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وأمسحوا برؤوسكم} إِن الْبَاء هَهُنَا أول كلمة بعض وَفِي الحَدِيث: " كن بِالسَّيْفِ شاه " أَي: شَاهدا
والاكتفاء: وَهُوَ أَن يَقْتَضِي الْمقَام ذكر شَيْئَيْنِ بَينهمَا تلازم وارتباط فيكتفى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، وَيخْتَص بالارتباط العطفي غَالِبا كَقَوْلِه تَعَالَى:(1/385)
{الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} أَي: وَالشَّهَادَة، آثر الْغَيْب لكَونه أمدح ولكونه مستلزما للْإيمَان بِالشَّهَادَةِ من غير عكس، وَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل {سرابيل تقيكم الْحر} فَإِن الْآيَة مسوقة لامتنان وقاية الْحر، فَلَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار الْبرد
والتضمين وَهُوَ أَن يضمر فِي الْكَلَام جُزْءا كَقَوْل الْفَقِيه: النَّبِيذ مُسكر فَهُوَ حرَام، فَإِنَّهُ أضمر وكل مُسكر حرَام
وَيكون فِي الْقيَاس الاستثنائي كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَأَن يسند الْفِعْل لشيئين وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لأَحَدهمَا فَيقدر للْآخر فعل يُنَاسِبه، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَالَّذين تبوؤا الدَّار وَالْإِيمَان} أَي: واعتقدوا الْإِيمَان
وَأَن يَقْتَضِي الْأَمر شَيْئَيْنِ فَيقْتَصر على أَحدهمَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُود كَقَوْلِه تَعَالَى حِكَايَة عَن فِرْعَوْن: {فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى} وَلم يقل (وَهَارُون) ، لِأَن الْمَقْصُود هُوَ المتحمل لأعباء الرسَالَة
وَأَن يذكر شَيْئَانِ وَيعود الضَّمِير إِلَى أَحدهمَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقتتلو}
وَقد يحذف من الْكَلَام الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ، وَقد يعكس
وَقد يحْتَمل اللَّفْظ لأمرين
والاختزال: وَهُوَ حذف كلمة أَو أَكثر، وَهِي إِمَّا اسْم أَو فعل أَو حرف فَمن الأول حذف الْمُبْتَدَأ كَقَوْلِه تَعَالَى: {سيقولون ثَلَاثَة} أَي: هم
وَحذف الْخَبَر نَحْو: {أكلهَا دَائِم وظلها} أَي: دَائِم
وَقد يحذفان جملَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {والائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم}
وَحذف الْفَاعِل مَشْهُور امْتِنَاعه إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِيمَا إِذا بني الْفِعْل للْمَفْعُول
وَفِي الْمصدر إِذا لم يذكر مَعَه الْفَاعِل مظْهرا يكون محذوفا وَلَا يكون مضمرا، وَفِيمَا إِذا لَاقَى الْفَاعِل سَاكِنا من كلمة أُخْرَى كَقَوْلِك للْجَمَاعَة: (اضربوا الْقَوْم) وَجوزهُ الْكسَائي مُطلقًا إِذا وجد مَا يدل عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {كلا إِذا بلغت التراقي} أَي: الرّوح
وَالْحق أَن الْفَاعِل هَهُنَا مُضْمر وَالْفرق بَينهمَا وَاضح
وَحذف الْمَفْعُول نَحْو: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} ، {وَمَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} وَهَذَا كثير فِي مفعول الْمَشِيئَة والإرادة
وَحذف الْفَاعِل ونيابة الْمَفْعُول نَحْو: {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى}
وَحذف الْمُضَاف نَحْو: {إِن مَعَ الْعسر يسرا} وَهُوَ الِانْقِضَاء(1/386)
وَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ يكثر فِي يَاء الْمُتَكَلّم نَحْو: {رب اغْفِر لي} وَفِي الغايات نَحْو: {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} أَي: من قبل الغلب وَمن بعده
وَفِي (كل) و (أَي) و (بعض) و (قد سمع) (سَلام عَلَيْك) مَرْفُوعا بِلَا تَنْوِين، أَي: سَلام الله عَلَيْك
وَحذف جَوَاب (لَو) كثير إِذا كَانَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ وَتقول (لَو كَانَ لي مَال) وتسكت، تُرِيدُ (لفَعَلت كَذَا)
وَحذف الْمَوْصُوف نَحْو: {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف} أَي: حور، وَنَحْو: (أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ) أَي: الْقَوْم الْمُؤْمِنُونَ
وَحذف الصّفة نَحْو: {يَأْخُذ كل سفينة غصبا} أَي: صَالِحَة
وَحذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ نَحْو: {اضْرِب بعصاك الْبَحْر فانفلق} أَي: فَضرب فانفلق
وَحذف الْمُسْتَثْنى قَلِيل، وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا بعد (إِلَّا) و (غير) الكائنتين بعد (لَيْسَ) ، تَقول: (جَاءَنِي زيد، لَيْسَ إِلَّا، وَلَيْسَ غير) أَي: لَيْسَ الجائي إِلَّا زيدا، وَلَيْسَ الجائي غَيره و (غير) هُنَا يضم تَشْبِيها لَهَا بالغايات فِي الْقطع عَن الْإِضَافَة
وَحذف الْمَعْطُوف مَعَ العاطف نَحْو: {بِيَدِك الْخَيْر} أَي: وَالشَّر أَيْضا
وَحذف الْحَال كثير إِذا كَانَ قولا نَحْو: {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب. سَلام} أَي: قائلين
وَحذف المنادى نَحْو: (أَلا يَا اسجدوا)
وَحذف الْعَائِد فِي الصِّلَة نَحْو: {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا} أَي: بَعثه، والعائد إِذا كَانَ مَفْعُولا يحذف كثيرا
وَحذف الصِّلَة نَحْو: {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس} أَي: فِيهِ
وَحذف الْمَوْصُول نَحْو: {آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم} أَي: وَالَّذِي أنزل إِلَيْكُم
وَحذف مُتَعَلق (أفعل) التَّفْضِيل نَحْو: {يعلم السِّرّ وأخفى} ، {خير وَأبقى}
وَحذف الْفِعْل تطرد إِذا كَانَ مُفَسرًا نَحْو: {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك}
وَحذف القَوْل نَحْو: {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا} أَي: يَقُولَانِ
وَحذف همزَة الِاسْتِفْهَام نَحْو: {هَذَا رَبِّي}
وَحذف الْجَار يطرد من (أَن) و (أَن) نَحْو: {أطمع أَن يغْفر لي} ، {أيعدكم أَنكُمْ} وَجَاء من غَيرهمَا نَحْو: {قدرناه منَازِل} ، (ويبغونها(1/387)
عوجا}
وَحذف العاطف نَحْو: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناعمة}
وَحذف حرف النداء نَحْو: {فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض}
[وَلَا يجوز حذف حرف النداء فِي الندبة، وَقَوله جلّ شَأْنه {ونادى نوح ابْنه} حِكَايَة الندبة نَفسهَا]
وَحذف (قد) فِي الْمَاضِي إِذا وَقع حَالا نَحْو: {أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون}
وَحذف (لَا) النافية يطرد فِي جَوَاب الْقسم إِذا كَانَ الْمَنْفِيّ مضارعا نَحْو: {تالله تفتأ} وَفِي غَيره نَحْو: {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة} {و} (يبين الله لكم أَن تضلوا} أَي: كَرَاهَة أَن تضلوا]
وَحذف لَام الْأَمر نَحْو: {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا} أَي: ليقيموا
وَحذف لَام (لقد) نَحْو: {قد أَفْلح من زكاها} وَحذف نون التَّأْكِيد نَحْو: {ألم نشرح لَك صدرك} على قِرَاءَة النصب
وَحذف التَّنْوِين نَحْو: {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} على قِرَاءَة النصب أَيْضا
وَحذف نون الْجمع نَحْو: {وَمَا هم بضاري بِهِ من أحد}
وَحذف الشَّرْط وَفعله يطرد بعد الطّلب نَحْو: {فَاتبعُوني يحببكم الله} أَي: إِن تتبعوني
وَحذف جَوَاب الشَّرْط نَحْو: {وَإِذا قيل لَهُم اتَّقوا مَا بَين أَيْدِيكُم وَمَا خلفكم لَعَلَّكُمْ ترحمون} أَي: أَعرضُوا
وَحذف جملَة الْقسم نَحْو: {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} أَي: وَالله
وَحذف جَوَابه نَحْو: {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} أَي: إِنَّه لمعجز
وَأما حذف الصِّلَة من صِيغَة الْفَاعِل فَلم يُوجد قِيَاسا
وَيجوز حذف جَمِيع المنصوبات سوى خبر (كَانَ) وَاسم (إِن)
وَلَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد مفعولي أَفعَال الْقُلُوب، لِأَن وَضعهَا أَن تعرف الشَّيْء بِصفتِهِ
وَأما المفعولان مَعًا فقد جَاءَ حذفهما، وَمِنْه قَوْلهم: (من يسمع يخل) أَي: يظنّ المسموع صَحِيحا
وَقد تحذف جملَة الشَّرْط، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون} أَي فَإِن(1/388)
لم يَأْتِ إخلاص الْعِبَادَة فِي هَذِه الْبَلدة فاعبدوني فِي غَيرهَا، وَحَيْثُ قيل: (لَأَفْعَلَنَّ) أَو (لقد فعل) أَو (لَئِن فعل) وَلم تتقدم جملَة قسم فثمة جملَة قسم مقدرَة نَحْو: {لأعذبنه} ، {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} ، و {لَئِن أخرجُوا}
وَحذف لَام التوطئة نَحْو: {وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
وَحذف (أَن) الناصبة قِيَاسا بعد الْأَشْيَاء السِّتَّة وشذوذا فِي غَيرهَا نَحْو: (خُذ اللص قبل يأخذك) وَحذف الإيصال مثل: (جَاءَنِي) إِذْ أَصله (جَاءَ إِلَيّ)
وَقد يحذف فِي الْكَلَام أَكثر من جملَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى} قيل: تَقْدِيره،: فضربوه فحي فَقُلْنَا كَذَلِك وَقَوله تَعَالَى: {اذْهَبَا إِلَى الْقَوْم الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا فدمرناهم تدميرا} قيل: تَقْدِيره فأتياهم فأبلغا الرسَالَة فكذبوهما فدمرناهم تدميرا
وَحذف يَاء المنقوص الْمُعَرّف نَحْو: {الْكَبِير المتعال} و {يَوْم التناد}
وَحذف يَاء الْفِعْل غير المجزوم نَحْو: {وَاللَّيْل إِذا يسر}
وَحذف يَاء الْإِضَافَة نَحْو: {فَكيف كَانَ عَذَابي وَنذر} ، {فَكيف كَانَ عِقَاب}
وَحذف الْوَاو من {ويدع الْإِنْسَان} و {يمح الله} ، {وَيَوْم يدع الداع} ، {سَنَدع الزَّبَانِيَة} والسر فِيهِ التَّنْبِيه على سرعَة وُقُوع الْفِعْل وسهولته على الْفَاعِل وَشدَّة قبُول المنفعل المتأثر بِهِ فِي الْوُجُود
الْحُلُول: حل بِمَعْنى نزل، فِي مضارعه الضَّم، فَيجوز فِي اسْم الْمَكَان مِنْهُ الْكسر وَالْفَتْح
وَحل بِمَعْنى وَجب، فِي مضارعه الْكسر، وَقُرِئَ بهما {فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي}
وَأما: {أَو تحل قَرِيبا} فبالضم بِمَعْنى تنزل
وَحل بِمَعْنى بلغ، مضارعه بِالْكَسْرِ فَقَط، كَذَا اسْم الْمَكَان مِنْهُ
والحل: بِالْكَسْرِ: مصدر حل يحل بِالْكَسْرِ فِي الْمُضَارع، وَكَذَا الْحَلَال
والحل: بِالْفَتْح: مصدر (حل) بِالْمَكَانِ (تحل) بِالضَّمِّ، وَكَذَا الْحُلُول
وَمِنْه: حل الْعقْدَة
وَمن الأول: حل الْمحرم حلا، بِالْكَسْرِ: أَي خرج عَن إِحْرَامه
وَأحل: مثله فَهُوَ مَحل
وَحل أَيْضا: تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ وحلال أَيْضا(1/389)
وَمحل الدّين، بِكَسْر الْحَاء: وَقت وجوب أَدَائِهِ كَمَا فِي " الْكَشَّاف "
وحللته تحليلا وتحلة: قَالَ الله تَعَالَى: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} أَي شرع لكم تحليلها بِالْكَفَّارَةِ فالتحلة: مَا تنْحَل بِهِ عقدَة الْيَمين: وَالْأَشْهر أَن المُرَاد من تَحِلَّة الْقسم الزَّمَان الْيَسِير الَّذِي يُمكن فِيهِ تَحِلَّة الْقسم بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِل بِهِ هَذَا هُوَ الأَصْل فِيهِ، ثمَّ جعل ذَلِك مثلا لكل شَيْء يقل وقته وَالْعرب تَقول: فعلته تَحِلَّة الْقسم: أَي لم أفعل إِلَّا بِقدر مَا حللت بِهِ يَمِيني؛ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه الْأَشْهر لِأَن تَحِلَّة الْقسم مَذْكُور فِي كَلَامهم قبل أَن جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ؛ وَكَذَا إِذا أَرَادوا تقليل مُدَّة فعل أَو ظُهُور شَيْء خَفِي قَالُوا: فعله كلا، وَرُبمَا كرروا فَقَالُوا: كلا وَلَا؛ وَنزل الْقَوْم كلا وَلَا: أَي كَانَ مكثهم زَمَانا يَسِيرا كالتفوه بِكَلِمَة (لَا)
والحلول: هُوَ أَن يكون الشَّيْء حَاصِلا فِي الشَّيْء ومختصا بِهِ بِحَيْثُ تكون الْإِشَارَة إِلَى أَحدهمَا إِشَارَة إِلَى الآخر تَحْقِيقا أَو تَقْديرا
والحلول أَعم من الْقيام، لِأَن الْعرض مَا يحل فِي الْجِسْم، والحلول اخْتِصَاص الناعت بالمنعوت [وَأما علمنَا بذاتنا وَبِمَا حصل من الكيفيات والصور فَهُوَ حضوري بحت، وَعلمنَا بِمَا هُوَ الْغَائِب عَنَّا انطباعي صرف، وَبِمَا ترتسم صورته فِي قوانا يشبه الأول من وَجه وَالثَّانِي من وَجه]
والحلول الحيزي: كحلول الْأَجْسَام فِي الأحياز
والحلول الوضعي: كحلول السوَاد فِي الْجِسْم
والحلول السرياني: قد يكون فِي الْجَوَاهِر كحلول الصُّورَة فِي الهيولى وَقد يكون فِي الْأَعْرَاض كحلول الْأَعْرَاض النفسانية
والحلول الْجَوَارِي: هُوَ أَن يتَعَلَّق الْحَال بِالْمحل كحلول النقطة فِي الْخط، وحلول الْخط فِي السَّطْح
وَفِي الْحُلُول السرياني يسْتَلْزم كل وَاحِد من الْمحل وَالْحَال انقسام الآخر، ويستلزم عدم انقسام كل مِنْهُمَا عدم انقسام الآخر وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فِي الْحُلُول الْجَوَارِي
[وَمعنى الْحُلُول فِي المتحيز أَن يخْتَص بِهِ بِحَيْثُ تكون الْإِشَارَة الحسية وَاحِدَة كاللون مَعَ المتلون لَا كَالْمَاءِ مَعَ الْكوز فَإِنَّهُ لَيْسَ حَالا فِي الْكوز اصْطِلَاحا]
الْحق: حق الشَّيْء: وَجب وَثَبت
وحققت الشَّيْء: أثْبته
وَمعنى {لقد حق القَوْل} : ثَبت الحكم وَسبق الْعلم
وتحققته: تيقنته وَجَعَلته ثَابتا لَازِما
وَكَلَام مُحَقّق: أَي رصين
وثوب مُحَقّق: أَي مُحكم النسج
وحقت الْقِيَامَة: أحاطت
و [حقت] الْحَاجة: نزلت واشتدت
وَزيد حقيق بِكَذَا: أَي خليق بِهِ
وَهُوَ أَحَق بِمَالِه: أَي لَا حق لغيره فِيهِ، بل هُوَ(1/390)
مُخْتَصّ بِهِ بِغَيْر شريك
والأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا: أَي هما مشتركان، لَكِن حَقّهَا آكِد
والحقة، بِالْكَسْرِ: الْحق الْوَاجِب
هَذِه حقتي، وَهَذَا حَقي؛ تكسر مَعَ التَّاء وتفتح بِدُونِهَا
وَالْحق: الْقُرْآن، وضد الْبَاطِل، وَمن أَسْمَائِهِ تَعَالَى، أَو من صِفَاته بِمَعْنى الثَّابِت فِي ذَاته وَصِفَاته، أَو فِي ملكوته يسْتَحقّهُ لذاته
وَالْحق: من لَا يقبح مِنْهُ فعل، وَهُوَ صفة سلبية، وَقيل: من لَا يفْتَقر فِي وجوده إِلَى غَيره، وَقيل: الصَّادِق فِي القَوْل
وَالْحق، مصدرا: يُطلق على الْوُجُود فِي الْأَعْيَان مُطلقًا، وعَلى الْوُجُود الدَّائِم، وعَلى مُطَابقَة الحكم وَمَا يشْتَمل على الحكم للْوَاقِع ومطابقة الْوَاقِع لَهُ
وَالْحق، اسْم فَاعل وَصفَة مشبهة: يُطلق على الْوَاجِب الْوُجُود لذاته، وعَلى كل مَوْجُود خارجي، وعَلى الحكم المطابق للْوَاقِع، وعَلى الْأَقْوَال والأديان والمذاهب بِاعْتِبَار اشتمالها على الحكم الْمَذْكُور؛ وعَلى الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ يُقَابله الْبَاطِل؛ وعَلى الْوَجْه الأول يُقَابله الْبطلَان فَوَاجِب الْوُجُود هُوَ الْحق الْمُطلق، كَمَا أَن مُمْتَنع الْوُجُود هُوَ الْبَاطِل الْمُطلق، والممكن الْوُجُود هُوَ بِاعْتِبَار نَفسه بَاطِل، وبالنظر إِلَى مُوجبه وَاجِب، وَإِلَى رفع سَببه مُمْتَنع، وَإِلَى عدم الِالْتِفَات إِلَى السَّبَب وَعدم السَّبَب مُمكن
وَالْحق: مَا غلبت حججه وَأظْهر التمويه فِي غَيره
وَالصَّوَاب: مَا أُصِيب بِهِ الْمَقْصُود بِحكم الشَّرْع
وَحقّ الْمُنكر: أَي الْمُنَاسب لَهُ اللَّائِق بِحَالهِ
وَحقّ زيد عرف الْحمل على التقوي، وَرجل عرف على التَّخْصِيص
{وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق} مُعَرفا: أَي بِغَيْر الْحق الَّذِي حَده الله تَعَالَى وَأذن فِيهِ
ومنكرا كَمَا فِي " الْأَعْرَاف ": أَي بِغَيْر حق من حُقُوق الْقَتْل
وَحقّ الله: امْتِثَال أمره وابتغاء مرضاته
وَحقّ الْإِنْسَان: كَونه نَافِعًا لَهُ ورافعا للضر عَنهُ
الْحَد، فِي اللُّغَة: الْمَنْع والحاجز بَين شَيْئَيْنِ، وتأديب المذنب، وَالنِّهَايَة الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا تَمام الْمَعْنى، وَمَا يُوصل إِلَى التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، وَهُوَ الْحَد المرادف للمعرف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ
وحد الشَّيْء: هُوَ الْوَصْف الْمُحِيط بِمَعْنَاهُ، الْمُمَيز لَهُ من غَيره
وحد الْخمر: سمي بِهِ لكَونه مَانِعا لمتعاطيه عَن معاودة مثله، ومانعا لغيره أَن يسْلك مسلكه
وحد الْحَد: الْجَامِع الْمَانِع الَّذِي يجمع الْمَحْدُود وَيمْنَع غَيره من الدُّخُول فِيهِ وَمن شَرطه أَن يكون مطردا ومنعكسا وَمعنى الاطراد أَنه مَتى وجد الْحَد وجد الْمَحْدُود، وَمعنى الانعكاس أَنه إِذا عدم الْحَد عدم الْمَحْدُود وَلَو لم يكن مطردا لما كَانَ مَانِعا لكَونه أَعم من الْمَحْدُود، وَلَو لم يكن(1/391)
منعكسا لما كَانَ جَامعا لكَونه أخص من الْمَحْدُود وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يحصل التَّعْرِيف
وعلامة استقامته دُخُول كلمة " كل " فِي الطَّرفَيْنِ جَمِيعًا، كَمَا يُقَال فِي تَحْدِيد النَّار: كل نَار فَهُوَ جَوْهَر محرق، وكل جَوْهَر محرق فَهُوَ نَار
وَالْحَد: تَعْرِيف الشَّيْء بِالذَّاتِ، كتعريف الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق.
والرسم: تَعْرِيف الشَّيْء بالخارج، كتعريف الْإِنْسَان الضاحك
[وَلما كَانَ منع خُرُوج الشَّيْء من أَفْرَاد الْمُعَرّف وَدخُول شَيْء من أغياره فِي الْحَد بِاعْتِبَار الذَّات والحقيقة، كَانَ أولى باسم الْحَد الَّذِي هُوَ الْمَنْع فَلذَلِك سمي بِهِ، وَلما كَانَ ذَلِك فِي الرَّسْم بِاعْتِبَار الْعَارِض كَانَ حَقِيقا بِأَن يُسمى بالرسم لكَونه بِمَنْزِلَة الْأَثر يسْتَدلّ بِهِ على الطَّرِيق]
والتحديد: هُوَ إِعْلَام مَاهِيَّة الشَّيْء
والتعريف: هُوَ إِعْلَام مَاهِيَّة الشَّيْء أَو مَا يميزه عَن الْغَيْر
وَالْحَد فِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ الْجَامِع الْمَانِع، وَذَلِكَ يَشْمَل الرَّسْم
وَعند أهل الْمِيزَان: قَول دَال على مَاهِيَّة الشَّيْء
وَالْحَد الاسمي: هُوَ الْحَد المحصل لصور المفهومات
وَالْحَد اللَّفْظِيّ: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَفْظ أظهر عِنْد السَّائِل من اللَّفْظ المسؤول عَنهُ مرادف لَهُ كَقَوْلِنَا:
الغضنفر: الْأسد، لمن يكون عِنْده الْأسد أظهر من الغضنفر
وَالْحَد الرسمي: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَازِم لَهُ مُخْتَصّ بِهِ كَقَوْلِك: الْإِنْسَان ضَاحِك، منتصب الْقَامَة، عريض الْأَظْفَار، بَادِي الْبشرَة
وَالْحَد الْحَقِيقِيّ: مَا أنبأ عَن تَمام مَاهِيَّة الشَّيْء وَحَقِيقَته كَقَوْلِك فِي حد الْإِنْسَان: هُوَ جسم نَام حساس متحرك بالإرادة، نَاطِق
وَمن شَرَائِط الْحَقِيقِيّ أَن يذكر جَمِيع أَجزَاء الْحَد من الْجِنْس والفصل، وَأَن يذكر جَمِيع ذاتياته بِحَيْثُ لَا يشذ وَاحِد، وَأَن يقدم الْأَعَمّ على الْأَخَص، وَأَن لَا يذكر الْجِنْس الْبعيد مَعَ وجود الْجِنْس الْقَرِيب، وَأَن يحْتَرز عَن الْأَلْفَاظ الوحشية الغريبة والمجازية الْبَعِيدَة والمشتركة المترددة، وَأَن يجْتَهد فِي الإيجاز
وَالْحَد للكليات المرتسمة فِي الْعقل دون الجزئيات المنطبعة فِي الْآلَات على مَا هُوَ الْمَشْهُور
وَالْحَد لَا يركب من الْأَشْخَاص، فَإِن الْأَشْخَاص لَا تحد، بل طَرِيق إِدْرَاكهَا الْحَواس الظَّاهِرَة أَو الْبَاطِنَة
وَالْحَد الْمُشْتَرك: هُوَ ذُو وضع بَين مقدارين يكون بِعَيْنِه نِهَايَة لأَحَدهمَا وبداية للْآخر، أَو نِهَايَة لَهما، أَو بداية لَهما على اخْتِلَاف الْعبارَات باخْتلَاف الاعتبرات، فَإِذا قسم خطّ إِلَى جزأين كَانَ الْحَد الْمُشْتَرك بَينهمَا نقطة وَإِذا قسم السَّطْح إِلَيْهِمَا فالحد الْمُشْتَرك هُوَ الْخط وَإِذا قسم الْجِسْم فالحد الْمُشْتَرك هُوَ السَّطْح
وَلَا يجوز دُخُول (أَو) فِي الْحَقِيقِيّ لِئَلَّا يلْزم أَن يكون للنوع الْوَاحِد فصلان على الْبَدَل، وَذَلِكَ(1/392)
محَال وَأما فِي الرسوم فَهُوَ جَائِز، وَلَا بُد أَن يجْتَنب فِي الْحُدُود من دُخُول الحمن لِأَن التَّصْدِيق فرع التَّصَوُّر، والتصور فرع الْحَد، فَيلْزم الدّور
والرسم التَّام: هُوَ مَا تركب من الْجِنْس الْقَرِيب والخاصة كتعريف الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ الضاحك
والرسم النَّاقِص: مَا يكون بالخاصه وَحدهَا، أَو بهَا وبالجنس الْبعيد كتعريف الْإِنْسَان بالضاحك، وبالجسم الضاحك وَبَاقِي الحيثيات تخْتَص جُمْلَتهَا بحيقته وَأحسن الْحُدُود الرسمية مَا وضع فِيهِ الْجِنْس الْأَقْرَب وَأتم باللوازم الْمَشْهُورَة
وَالْحَد يشْتَرط فِيهِ الاضطراد والانعكاس نَحْو قَوْلنَا: كل مَا دلّ على معنى مُفْرد فَهُوَ اسْم، وَمَا لم يدل على ذَلِك فَلَيْسَ باسم
والعلامة: يشْتَرط فِيهَا الاضطراد دون الانعكاس نَحْو قَوْلك: كل مَا دخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَهُوَ اسْم، فَهَذَا مضطرد فِي كل مَا تدخله هَذِه الأداة وَلَا ينعكس فَلَا يُقَال: كل مَا لم يدْخلهُ الْألف وَاللَّام فَلَيْسَ باسم، لِأَن الْمُضْمرَات أَسمَاء وَلَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام، وَكَذَا غَالب الْأَعْلَام والمبهمات وَكثير من الْأَسْمَاء
وَلَا يذكر فِي الْحَد لفظ الْكل لِأَن الْحَد للماهية من حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَلَا يدْخل فِي الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ مَا يُفِيد الْعُمُوم والاستغراق وَلِأَن الْحَد يجب صدقه وَحمله على كل فَرد من أَفْرَاد الْمَحْدُود من حَيْثُ هُوَ فَرد لَهُ، وَلَا يصدق الْحَد بِصفة الْعُمُوم على كل فَرد
قيل: أَرْبَعَة لَا يُقَام عَلَيْهَا برهَان وَلَا تطلب بِدَلِيل وَهِي: الْحُدُود والفوائد وَالْإِجْمَاع والاعتقادات الكائنة فِي النَّفس فَلَا يُقَال: مَا الدَّلِيل على صِحَّتهَا فِي نفس الْأَمر؟ وَلَا يُقَال على صِحَة هَذَا الْحَد؟ وَإِنَّمَا يرد بِالنَّقْضِ والمعارضة
الْحَرْف: هُوَ من كل شَيْء طرفه وشفيره وَحده، وَوَاحِد من حُرُوف الهجاء، سميت حُرُوف التهجي بذلك لِأَنَّهَا أَطْرَاف الْكَلِمَة، وَيسْتَعْمل فِي معنى الْكَلِمَة يُقَال: (إِذا) مثلا حرف أَي: كلمة
النَّاقة الضامرة والمهزولة حرف أَيْضا
[وَيَجِيء بِمَعْنى الأَصْل وَالْقَاعِدَة]
{وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} أَي: على وَجه وَاحِد وَفِي " الْمُفْردَات " قد فسر ذَلِك بقوله بعده: {فَإِن أَصَابَهُ خير} وَفِي مَعْنَاهُ: {مذبذبين بَين ذَلِك} وَنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف أَي: لُغَات من لُغَات الْعَرَب مفرقة فِي الْقُرْآن، وأصوب محمل يحمل عَلَيْهِ هُوَ أَن المُرَاد سَبْعَة أنحاء من الِاعْتِبَار مُتَفَرِّقَة فِي الْقُرْآن، رَاجِعَة إِلَى اللَّفْظ وَالْمعْنَى دون صُورَة الْكِتَابَة وَلَا صُورَة الْكَلم لما أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ أُمِّيا، وَلَا قِرَاءَة السَّبْعَة فَلَا يُنَافِي اخْتِلَاف الْقرَاءَات على عشرَة
وحرف لِعِيَالِهِ: كسب
وحرف وَجهه: صرف
والحرفة، بِالْكَسْرِ: الصِّنَاعَة يرتزق مِنْهَا
والحرف عِنْد الْأَوَائِل: مَا يتركب مِنْهُ الْكَلم من الْحُرُوف المبسوطة، وَرُبمَا يُطلق على الْكَلِمَة أَيْضا تجوزا، وَإِطْلَاق الْحَرْف على مَا يُقَابل الِاسْم(1/393)
وَالْفِعْل عرف جَدِيد
والحرف عِنْد النُّحَاة: مَا جَاءَ بِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل، وَلَو قيل: الْحَرْف مَا جَاءَ لِمَعْنى فِي غَيره فَهَذَا مُبْهَم، فَإِن أُرِيد أَن الْحَرْف مَا دلّ على معنى يكون ذَلِك الْمَعْنى حَاصِلا فِي غَيره أَو حَالا فِي غَيره لزم أَن يكون اسْم الْأَعْرَاض وَالصِّفَات كلهَا حروفا، وَإِن أُرِيد معنى ثَالِث فَلَا بُد من بَيَانه
وَالصَّوَاب أَن الْمَعْنى الَّذِي وضع لَهُ الْحَرْف سَوَاء كَانَ نِسْبَة أَو مستلزما لَهَا هُوَ الْمعِين بِتَعْيِين
لَا يحصل فِي الذِّهْن إِلَّا بِذكر الْمُتَعَلّق مثلا: (لَيْت) مَوْضُوع لكل فَرد معِين من التمنيات الَّتِي تتَعَيَّن بالمتعلقات مثل: (زيد قَائِم) فَلَا بُد من ذكره، وَهَذَا معنى مَا قيل: إِن الْحَرْف وضع بِاعْتِبَار معنى عَام هُوَ نوع من النِّسْبَة، وَالنِّسْبَة لَا تتَعَيَّن إِلَّا بالمنسوب إِلَيْهِ، فَمَا لم يذكر مُتَعَلق الْحَرْف لَا يتَحَصَّل فَرد من ذَلِك النَّوْع، وَهُوَ مَدْلُول الْحَرْف لَا فِي الْعقل وَلَا فِي الْخَارِج، وَإِنَّمَا يتَحَصَّل بتعلقه فيتعقل بتعلقه، فقد ظهر أَن ذكر مُتَعَلق الْحَرْف إِنَّمَا هُوَ لقُصُور فِي مَعْنَاهُ لِامْتِنَاع حُصُوله فِي الذِّهْن بِدُونِ مُتَعَلّقه، وَاعْتبر مثل هَذَا فِي الِابْتِدَاء وَلَفْظَة (من) ، وَأما نَحْو: (ذُو) و (فَوق) فَهُوَ مَوْضُوع لذات مَا بِاعْتِبَار نِسْبَة مُطلقَة كالصحبة والفوقية لَهَا نِسْبَة تقييدية إِلَيْهَا فَلَيْسَ فِي مَفْهُومه مَا لَا يتَحَصَّل إِلَّا بِذكر مُتَعَلقَة بل هُوَ مُسْتَقل بالتعقل، والحرف من حَيْثُ هُوَ حرف مَاهِيَّة مَعْلُومَة متميزة عَمَّا عَداهَا، فَكل مَا كَانَ كَذَلِك صَحَّ الْإِخْبَار عَنهُ بِكَوْنِهِ ممتازا عَن غَيره
والحرف كَيْفيَّة تعرض للصوت، بهَا يمتاز الصَّوْت عَن صَوت آخر مثله فِي الحدة والثقل تميزا فِي المسموع، لَا يُقَال عرُوض الْكَيْفِيَّة للصوت يسْتَلْزم قيام الْعرض بِالْعرضِ، لأَنا نقُول: اللَّام فِي الصَّوْت لأجل التّبعِيَّة، فَالْمَعْنى أَن الْحَرْف كَيْفيَّة تعرض للجسم بتبعية الصَّوْت فَلَا يلْزم مَا ذكر
[مَعَ أَن الإِمَام رَحمَه الله جوز ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِي " الْمَحْصُول ": إِن السرعة والبطء عرضان قائمان بالحركة لَا بالجسم، إِذْ يُقَال: جسم بطيء فِي حركته وَلَا يُقَال: جسم بطيء فِي جسميته وَأجَاب المانعون عَنهُ بِأَن السرعة والبطء قائمان بالمتحرك بِوَاسِطَة الْحَرَكَة لَا بِنَفس الْحَرَكَة، وَالْأَشْبَه بِالْحَقِّ الْجَوَاز إِذْ الْمَعْنى من الْقيام أَن يَتَّصِف عرض بِعرْض يُقَال: هَذِه رَائِحَة طيبَة وَتلك مُنْتِنَة، وَهَذَا الْفِعْل حسن وَذَاكَ قَبِيح]
والحرف سِتَّة أَنْوَاع: مَا لَا يخْتَص بالأسماء وَلَا بالأفعال، بل يدْخل على كل مِنْهُمَا وَلَا يعْمل ك (هَل)
وَمَا لَا يخْتَص بهما وَلكنه يعْمل، كالأحرف المشبهة ب (لَيْسَ)
وَمَا يخْتَص بالأسماء وَيعْمل فِيهَا الْجَرّ، ك (فِي) وَالنّصب وَالرَّفْع ك (إِن) وَأَخَوَاتهَا
وَمَا يخْتَص بالأسماء وَلَا يعْمل فِيهَا، كَلَام التَّعْرِيف
وَمَا يخْتَص بالأفعال وَيعْمل فِيهَا الْجَزْم ك (لم) أَو النصب ك (لن)
وَمَا يخْتَص بالأفعال وَلَا يعْمل فِيهَا ك (قد) وَالسِّين و (سَوف)
وحروف الْمعَانِي: هِيَ الَّتِي تفِيد معنى كسين(1/394)
الِاسْتِقْبَال وَغَيرهَا، سميت بهَا للمعنى الْمُخْتَص بهَا [أَو لِأَنَّهَا توصل مَعَاني الْأَفْعَال إِلَى الْأَسْمَاء، إِذْ لَو لم يكن (من) و (إِلَى) فِي قَوْلك: (خرجت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة) لم يفهم ابْتِدَاء خُرُوجك وانتهاؤه، أَو لِأَن لَهَا مَعَاني كالباء فِي (بزيد) بِخِلَاف الْبَاء فِي (بكر) ]
وحروف المباني: هِيَ الَّتِي تبنى مِنْهَا الْكَلِمَات كزاي (زيد)
وحرف الْإِطْلَاق: هُوَ حرف مد يتَوَلَّد من إشباع حَرَكَة الروي فَلَا وجود لَهُ إِلَّا بعد تَحْرِيك الروي فَلَا يلتقي سَاكِنا
وحروف الْجَرّ تسمى حُرُوف الصِّفَات لِأَنَّهَا تقع صِفَات للنكرة
وحروف الزِّيَادَة قد جمعهَا بعض الأدباء فِي بَيت مرَّتَيْنِ:
(أَتَى من سُهَيْل وَمن سُهَيْل أَتَى)
وَثَلَاث مَرَّات فِي قَوْله:
(يَا أَوْس هَل نمت وَلم يأتنا ... سَهْو فَقَالَ الْيَوْم تنساه)
وَأَرْبع مَرَّات فِي قَوْله:
(هناء وَتَسْلِيم تَلا يَوْم أنسه ... نِهَايَة مسؤول أَمَان وتسهيل)
حَتَّى: هِيَ مُخْتَصَّة بغاية الشَّيْء فِي نَفسه، وَلذَلِك تَقول: (أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا) ، وَلَا تَقول (حَتَّى نصفهَا) ، بِخِلَاف (إِلَى) فَإِنَّهَا عَامَّة
وتخفض وترفع وتنصب وَلِهَذَا قَالَ الْفراء: " أَمُوت وَفِي نَفسِي شَيْء من حَتَّى "، وخالفت (إِلَى) أَيْضا فِي أَنَّهَا لَا تدخل على مُضْمر، وَأَن فِيهَا معنى الِاسْتِثْنَاء، وَلَا تقع خَبرا للمبتدأ، وَالْمَجْرُور بهَا يجب أَن يكون آخر جُزْء مِمَّا قبلهَا أَو ملاقي الآخر، وَأَن مَا بعْدهَا لَا يكون إِلَّا من جنس مَا قبلهَا، ووافقتها إِذا كَانَت جَارة نَحْو {حَتَّى مطلع الْفجْر} و (إِلَى) مَعَ مجرورها تقوم مقَام الْفَاعِل بِخِلَاف (حَتَّى) والغاية تدخل فِي حكم مَا قبلهَا مَعَ (حَتَّى) دون (إِلَى) حملا على الْغَالِب لِأَن الْأَكْثَر مَعَ الْقَرِينَة عدم الدُّخُول فِي (إِلَى) وَالدُّخُول فِي (حَتَّى) ، فَإِن كَانَت عاطفة دخلت اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْوَاو وَالشَّيْء إِذا مد إِلَى جنسه تدخل فِيهِ الْغَايَة، وَإِذا مد إِلَى غير جنسه لَا تدخل الْغَايَة فِيهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} وَقيل: الْغَايَة إِن كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا لَا تدخل وَإِلَّا فَإِن كَانَ أصل الْكَلَام متناولا لَهَا تدخل وَإِلَّا أَو كَانَ فِي تنَاوله شكّ لَا تدخل وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَن الْغَايَة إِن كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا لَا تدخل إِلَّا أَن يكون صدر الْكَلَام يَقع على الْجُمْلَة
وَإِذا وَقعت (حَتَّى) فِي الْيَمين فَشرط الْبر فِي صُورَة كَونهَا لإِفَادَة الْغَايَة وجود الْغَايَة، إِذْ لَا انْتِهَاء بِدُونِهَا وَشرط الْبر فِي صُورَة السَّبَبِيَّة وجود مَا يصلح سَببا سَوَاء ترَتّب عَلَيْهِ الْمُسَبّب أم لَا وَشرط الْبر فِي صُورَة الْعَطف وجود الْفِعْلَيْنِ الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ
والغاية بِكَلِمَة (إِلَى) فِي مَسْأَلَة الْحَائِط وَالصَّوْم والسمكة وتأجيل الدني وَقَوله تَعَالَى: {فنظرة إِلَى مسيرَة} لم تدخل فِي المغيا وفَاقا وَفِي (قرأته من أَوله إِلَى آخِره) و (خُذ من مَالِي من دِرْهَم إِلَى مئة) وَفِي (اشْتَرِ لي هَذَا من مئة إِلَى ألف) تدخل(1/395)
فِي المغيا وفَاقا أَيْضا
[و (حَتَّى) فِيمَا لَا يصلح للغاية وَالْمجَاز يحمل على معنى يُنَاسب الْحَقِيقَة بِوَجْه من الْوُجُوه لَكِن بِشَرْط الْقَرَائِن الدَّالَّة على إِرَادَة الْمُتَكَلّم للمجاز]
واستعارة (حَتَّى) للْعَطْف الْمَحْض أَي للتشريك من غير اعْتِبَار غَايَته وسببيته لم تُوجد فِي كَلَامهم، بل هِيَ من مخترعات الْفُقَهَاء
و (حَتَّى) الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمُضَارع بِتَقْدِير (أَن) جَارة لَا عاطفة وَلَا ابتدائية
وَإِذا دخلت على الْفِعْل الْمُضَارع فتنصب وترفع، وَفِي كل وَاحِد وَجْهَان
فأحد وَجْهي النصب (إِلَى أَن) وَالثَّانِي (كي) ، والفاصل أَنه ينظر إِلَى الْفِعْل الَّذِي بعد (حَتَّى) فَإِن كَانَ مسببا عَن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا فَهِيَ بِمَعْنى (كي) ، نَحْو (جَلَست ببابك حَتَّى تكرمني) فالإكرام مسبب عَن الْجُلُوس وَإِن كَانَ غَايَة للْفِعْل الَّذِي قبلهَا فَهِيَ بِمَعْنى (إِلَى أَن) نَحْو: (جَلَست حَتَّى تطلع الشَّمْس)
وَأحد وَجْهي الرّفْع أَن يكون الْفِعْل قبلهَا مَاضِيا نَحْو (مشيت حَتَّى دخلت) وَالثَّانِي أَن يكون مَا بعْدهَا حَالا نَحْو (مرض حَتَّى لَا يرجونه) وأفيد مِنْهُ أَن (حَتَّى) لَا تنصب إِلَّا فعلا مُسْتَقْبلا، وَلَا تنصبه إِذا كَانَ حَالا، وَالَّتِي يرفع بعْدهَا الْفِعْل لَيست الجارة وَلَا العاطفة وَإِنَّمَا هِيَ الدَّاخِلَة على الْجمل وَالَّتِي تنصب الْأَفْعَال بِمَعْنى (إِلَى أَن) هِيَ الجارة وَهِي للغاية وَالْفِعْل بعْدهَا مَاض معنى مُسْتَقْبل لفظا
وَالَّتِي تنصب بِمَعْنى (كي) هِيَ العاطفة وَالْفِعْل بعْدهَا مُسْتَقْبل لفظا وَمعنى نَحْو (أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة) وَالْإِسْلَام قد وجد وَالدُّخُول لم يُوجد
وَالْغَالِب ل (حَتَّى) أَن تكون لانْتِهَاء الْغَايَة، وَمن غير الْغَالِب أَن تكون للابتداء نَحْو: حَتَّى مَاء دجلة أشكل
و (حَتَّى) الابتدائية وَإِن لم تكن عاملة إِلَّا أَنَّهَا تفِيد معنى الْغَايَة فَيكون مَضْمُون الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا غَايَة للْحكم الْمَذْكُور قبلهَا
وَتَكون (حَتَّى) للتَّعْلِيل نَحْو: (أسلم حَتَّى تدخل الْجنَّة) أَي: لتدخلها
ونندر مجيئها للاستثناء كَقَوْلِه:
(لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة ... حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل)
أَي: إِلَّا أَن تجود، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع
وَفرقُوا بَين (حَتَّى) و (إِلَّا) فِيمَا لَو قَالَ البَائِع: (وَالله لَا أبيعه بِعشْرَة حَتَّى تزيد) وَزَاد شَيْئا أَو نقص ثمَّ بَاعه، أَو لَا يَبِيعهُ بِعشْرَة إِلَّا بِالزِّيَادَةِ أَو بِأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ لم يَحْنَث فِي صُورَة (حَتَّى) لوُجُود غَايَة بره فِي الصُّورَة الأولى، وَهُوَ الزِّيَادَة الْمُطلقَة، وفقد شَرط الْحِنْث، وَهُوَ البيع بِعشْرَة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة، وَفِي صُورَة (إِلَّا) الاستثنائية يَحْنَث بِالْبيعِ بِعشْرَة وبأقل مِنْهَا، وَلَا يَحْنَث بِالْبيعِ بِزِيَادَة لِأَنَّهُ شَرط الْبر فَقَط، وَإِنَّمَا حنث فِي البيع بِعشْرَة وبأقل مِنْهَا فِي هَذِه الصُّورَة، لِأَن الشَّائِع فِي الِاسْتِعْمَال اسْتثِْنَاء الْقَلِيل من الْكثير، وَفِي هَذِه الصُّورَة يلْزم اسْتثِْنَاء الْأَنْوَاع من نوع وَاحِد، فَإِن الزِّيَادَة على الْعشْرَة تتَنَاوَل أنواعا من البيع، وَالْبيع بِعشْرَة نوع وَاحِد، فيحول(1/396)
لفظ الْعشْرَة من صدر الْكَلَام إِلَى مَا بعد الِاسْتِثْنَاء حذرا مِمَّا ذكر حَتَّى يصير التَّقْدِير (لَا أبيعه إِلَّا بِالزِّيَادَةِ على الْعشْرَة) فَيصح الْكَلَام
و (حَتَّى) مثل (ثمَّ) فِي التَّرْتِيب بمهلة، غير أَن المهلة فِي (حَتَّى) أقل مِنْهَا فِي (ثمَّ) فَهِيَ متوسطة بَين الْفَاء الَّتِي لَا مهلة فِيهَا وَبَين (ثمَّ) المفيدة للمهلة، وَيشْتَرط كَون الْمَعْطُوف ب (حَتَّى) جُزْءا من متبوعه، وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِي (ثمَّ) ، والمهلة الْمُعْتَبرَة فِي (ثمَّ) إِنَّمَا هِيَ بِحَسب الْخَارِج نَحْو: (جَاءَنِي زيد ثمَّ عَمْرو) ، وَفِي (حَتَّى) بِحَسب الذِّهْن، وَفِي اعْتِبَار الْمُتَكَلّم بِأَن يَجْعَل الْمَعْطُوف هُوَ الْأَدْنَى أَو الْأَعْلَى أَو الأقدم أَو نَحْو ذَلِك لَا بِحَسب الْوُجُود، إِذْ رُبمَا يكون الْمَعْطُوف سَابِقًا كَمَا فِي (مَاتَ كل أَب لي حَتَّى الْأَنْبِيَاء) أَو مختلطا من غير سبق أَو تَأْخِير، بل غَايَة فِي الْقُوَّة والشرف مثل (مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء) ، أَو فِي الضعْف وَالنَّقْص مثل: (قدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة)
الحسبان؛ بِالضَّمِّ: مصدر (حسب) بِفَتْح السِّين، وبالكسر: مصدر (حسب) بِكَسْرِهَا، وَالْكَسْر وَالْفَتْح فِي مضارعه لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد، وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن من الحسبان قرئَ باللغتين جَمِيعًا، وَالْفَتْح عِنْد أهل اللُّغَة أَقيس، لِأَن الْمَاضِي إِذا كَانَ على (فعل) ك (شرب) و (خرب) كَانَ الْمُضَارع على (يفعل) ، وَالْكَسْر حسن لمجيء السّمع بِهِ وَإِن كَانَ شاذا عَن الْقيَاس
وَحذف مفعولي بَاب (حسب) أسوغ من حذف أَحدهمَا قَالَه السفناقي قلت: إِنَّمَا يجوز حذف أحد مفعوليه إِذا كَانَ فَاعل (حسب) ومفعوله شَيْئا وَاحِدًا فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تحسبن اللَّذين قتلوا} على الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة، وَإِنَّمَا حذفت لقُوَّة الدّلَالَة
وَقد يَأْتِي (حسب) لليقين كَقَوْلِه:
(حسبت التقى والجود خير تِجَارَة)
و (حسب) بِالسُّكُونِ: أجري مجْرى الْجِهَات السِّت فِي حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَالْبناء على الضَّم وَإِن لم يكن من الظروف، وَشبه ب (غير) فِي عدم التَّعْرِيف بِالْإِضَافَة، وَقد تدخل الْفَاء لتحسين اللَّفْظ، وقولك: (اعْمَلْ على حسب مَا أَمرتك) مثقل، و (حَسبك مَا أَعطيتك) مخفف، و (حَسْبَمَا ذكر) أَي: قدره وعَلى وَفقه، وَهُوَ بِفَتْح السِّين، وَرُبمَا يسكن فِي ضَرُورَة الشّعْر، وَفِي كل مَوضِع لَا يكون فِيهِ مَعَ حرف الْجَرّ وَأما (حَسبك) بِمَعْنى (كَفاك) فشيء آخر
وَاخْتلف فِي أَن النصب فِي قَوْلهم: (حَسبك وزيدا دِرْهَم) بِمَاذَا فَذهب الزّجاج والزمخشري وَابْن عَطِيَّة إِلَى أَن (حسب) اسْم فعل بِمَعْنى (يَكْفِي) ، فالضمة بنائية، وَالْكَاف مفعول بِهِ، و (دِرْهَم) فَاعل و (زيدا) مفعول مَعَه وَغَيرهم إِلَى أَن (حسب) بِمَعْنى (كَاف) فالضمة إعرابية، وَهُوَ مُبْتَدأ و (دِرْهَم) خَبره، و (زيدا) مفعول بِهِ بِتَقْدِير (يحْسب) وَالْوَاو لعطف جملَة على جملَة، وفاعل (يحْسب) مُضْمر عَائِد إِلَى (دِرْهَم) لتقدمه، وَهَذَا مُرَجّح لِأَن الْمَفْعُول مَعَه لَا يعْمل فِيهِ إِلَّا فعل أَو مَا(1/397)
يجْرِي مجْرَاه، وَلَيْسَ (حَسبك) مِمَّا يجْرِي مجْرى الْفِعْل
و {حَسبنَا الله} أَي: محسبنا وكافينا، وَالدَّلِيل على أَنه بِمَعْنى المحسب قَوْلهم: (هَذَا رجل حَسبك) على أَنه صفة للنكرة، لكَون الْإِضَافَة غير حَقِيقِيَّة، وَهِي إِضَافَة اسْم الْفَاعِل إِلَى معموله
و {كفى بِاللَّه حسيبا} أَي: محاسبا وكافيا
[و {حَسبنَا الله} : كِنَايَة عَن قَوْلهم أعتمدنا،
كَمَا أَن {نعم الْوَكِيل} كِنَايَة عَن وكلنَا أمورنا إِلَى الله تَعَالَى]
الْحبّ: هُوَ عبارَة عَن ميل الطَّبْع فِي الشَّيْء الملذ، فَإِن تَأْكِيد الْميل وَقَوي يُسمى عشقا
والبغض: عبارَة عَن نفرة الطَّبْع عَن المؤلم المتعب، فَإِذا قوي يُسمى مقتا
والعشق: مقرون بالشهوة، وَالْحب مُجَرّد عَنْهَا
وَأول مَرَاتِب الْحبّ: الْهوى، وَهُوَ ميل النَّفس، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ نفس المحبوب
ثمَّ العلاقة: وَهِي الْحبّ اللَّازِم للقلب، وَسميت علاقَة لتَعلق الْقلب بالمحبوب
ثمَّ الكلف [كالكرم] : وَهُوَ شدَّة الْحبّ، وَأَصله من الكلفة، وَهِي الْمَشَقَّة
ثمَّ الْعِشْق: فِي " الصِّحَاح ": هُوَ فرط الْحبّ؛ وَعند الْأَطِبَّاء: نوع من الماليخوليا
ثمَّ الشغف: شغفة الْحبّ: أَي أحرق قلبه مَعَ لَذَّة يجدهَا
واللوعة واللاعج مثل الشغف، فاللاعج: هُوَ الْهوى المحرق، واللوعة: حرقة الْهوى
ثمَّ الجوى: وَهُوَ الْهوى الْبَاطِن وَشدَّة الوجد من عشق أَو حزن
ثمَّ التتيم: وَهُوَ أَن يستعبده الْحبّ، وَمِنْه قيل: (رجل متيم)
ثمَّ التبل: وَهُوَ أَن يسقمه الْهوى، وَمِنْه: (رجل متبول)
ثمَّ الوله: وَهُوَ ذهَاب الْعقل من الْهوى، يُقَال ولهة الْحبّ: إِذا حيره
ثمَّ الهيام: وَهُوَ أَن يذهب على وَجهه لغَلَبَة الْهوى عَلَيْهِ، يُقَال: (رجل هائم) ، و (قوم هيام) : أَي عطاش
والصبابة: رقة الشوق وحرارته
والمقة: الْمحبَّة، والوامق: الْمُحب
والوجد: الْحبّ الَّذِي يتبعهُ الْحزن، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْحزن
والشجن: حب يتبعهُ هم وحزن
والشوق: سفر إِلَى المحبوب، فِي " الصِّحَاح ": الشوق والاشتياق: نزع النَّفس إِلَى الشَّيْء
والوصب: ألم الْحبّ ومرضه
والكمد: الْحزن المكتوم
والأرق: السهر، وَهُوَ من لَوَازِم الْمحبَّة والشوق
والخلة: تَوْحِيد الْمحبَّة وَهِي رُتْبَة لَا تقبل الْمُشَاركَة، وَلِهَذَا اخْتصَّ بهَا الخليلان إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَقد صَحَّ أَن الله تَعَالَى قد اتخذ نَبينَا مُحَمَّدًا خَلِيلًا
والود: خَالص الْمحبَّة، وَهُوَ من الْحبّ بِمَنْزِلَة الرأفة من الرَّحْمَة(1/398)
والغرام: الْحبّ اللَّازِم، يُقَال: رجل مغرم بالحب، وَقد لزمَه الْحبّ، فِي " الصِّحَاح ": الغرام: الولوع، والغريم: هُوَ الَّذِي يكون عَلَيْهِ الدّين، وَقد يكون هُوَ الَّذِي لَهُ الدّين، والمحبة أم هَذِه الْأَسْمَاء كلهَا
وَالْحب، بِالْفَتْح: جنس من الْحِنْطَة وَالشعِير والأرز وَغَيرهَا من أَجنَاس الحبوبات، وَهُوَ الأَصْل فِي الأرزاق، وسائرها تَابِعَة لَهُ، أَلا يرى أَنه إِذا قل الْحبّ حدث الْقَحْط، بِخِلَاف سَائِر الثمرات وَلذَلِك قيل: {فَمِنْهُ يَأْكُلُون} وَفِي غَيره: {ليأكلوا من ثمره}
وَالْحيض: هُوَ فِي اللُّغَة السيلان
وَفِي الِاصْطِلَاح: دم ينفضه رحم امْرَأَة بَالِغَة سَالِمَة عَن دَاء، وَيكون للأرنب والضبع والخفاش
والمحيض: وَإِن كَانَ للموضع كالمبيت والمقيل والمعيب فقد يَجِيء أَيْضا بِمَعْنى الْمصدر يُقَال: (حَاضَت محيضا)
وَاخْتلف فِي مُدَّة الْحيض، فَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَن أَكثر مُدَّة الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا بِدَلِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حق النِّسَاء: " تقعد إِحْدَاهُنَّ فِي قَعْر بَيتهَا شطر دهرها " أَي: نصف عمرها وَلَا تصلي، بعد قَوْله: " إنَّهُنَّ ناقصات الْعقل وَالدّين " وَهُوَ معَارض بِمَا روى أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: " أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام " وَهَذَا دَال بعبارته فرجح، وَاعْترض بِأَن المُرَاد بالشطر الْبَعْض لَا النّصْف على السوا، وَلَو سلم فَأكْثر أَعمار الْأمة سِتُّونَ، ربعهَا أَيَّام الصِّبَا، وربعها أَيَّام الْحيض فِي الْأَغْلَب، فَاسْتَوَى النصفان فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة وتركهما، وَأجِيب بِأَن الشّطْر حَقِيقَة فِي النّصْف، وَأكْثر أَعمار الْأمة بَين سِتِّينَ إِلَى سبعين على مَا ورد فِي الحَدِيث، وَترك الصَّلَاة وَالصَّوْم مُدَّة الصِّبَا مُشْتَرك بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلَا يصلح سَببا لنَقص دينهن، وَلَا تحيض الْحَامِل، وَأكْثر مُدَّة الْحمل سنتَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِي: تحيض الْحَامِل وَأكْثر مُدَّة الْحمل أَربع سِنِين، فعلى هَذَا يلْزم أَن ذَات الْأَقْرَاء إِذا طلقت لَا تَنْقَضِي عدتهَا إِلَى أَربع سِنِين لجَوَاز أَن تكون حَامِلا على أَنه مُخَالف لقَوْله تَعَالَى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} إِلَى آخِره
وَحُرْمَة وَطْء حُبْلَى من الزِّنَا حَتَّى تضع كي لَا يسْقِي مَاؤُهُ زرع الْغَيْر، إِذْ الرَّحِم يتشرب من مَاء الْغَيْر بطرِيق المسام فالحمل يسقى مِنْهُ، لَكِن هَذَا التشرب لَا يُفْضِي إِلَى الْعلُوق
حَيْثُ: هِيَ للزمان وَالْمَكَان، وَالْغَالِب كَونهَا للمكان كَمَا فِي حَدِيث " أخروا النِّسَاء حَيْثُ أخرهن الله " والظرفية لَهَا غالبة لَيست بلازمة قَالَ:
(أما ترى حَيْثُ سُهَيْل طالعا)
وَكَذَا {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} ويثلث آخرهَا، وتضاف إِلَى الْجُمْلَة فَيكون مَا بعد (حَيْثُ) من مظان الْجُمْلَة فتكسر (إِن) بعْدهَا قَالَه ابْن هِشَام وَقَالَ السَّيِّد: تفتح (أَن) بعد (حَيْثُ)(1/399)
لِأَن الأَصْل الْإِفْرَاد، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يجوز الْفَتْح فِي الْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد وَالْحق جَوَاز الْأَمريْنِ وَإِن كَانَ الْكسر أَكثر
وَقد يُرَاد بهَا الْإِطْلَاق، وَذَلِكَ فِي مثل قَوْلنَا: (الْإِنْسَان من حَيْثُ هُوَ إِنْسَان) ، أَي نفس مَفْهُومه الْمَوْجُود من غير اعْتِبَار أَمر آخر مَعَه
وَقد يُرَاد بهَا التَّقْيِيد وَذَلِكَ فِي مثل: (الْإِنْسَان من حَيْثُ إِنَّه يَصح وتزول عَنهُ الصِّحَّة مَوْضُوع الطِّبّ)
وَقد يُرَاد بهَا التَّعْلِيل مثل: (النَّار من حَيْثُ إِنَّهَا حارة تسخن المَاء) أَي: حرارة النَّار عِلّة تسخنه
و (حَيْثُمَا) : ك (أَيْنَمَا) لتعميم الْأَمْكِنَة وتعمل الْجَزْم
الْحَلَال: هُوَ أَعم من الْمُبَاح، لِأَنَّهُ يُطلق على الْفَرْض دون الْمُبَاح، فَإِن الْمُبَاح مَا لَا يكون تَاركه آثِما وَلَا فَاعله مثابا بِخِلَاف الْحَلَال وَالظَّاهِر من كَلَام الْفُقَهَاء أَن الْمُبَاح مَا أذن الشَّارِع فِي فعله لَا مَا اسْتَوَى فعله وَتَركه كَمَا هُوَ فِي الْأُصُول، وَالْخلاف لَفْظِي
والحلال: مَا أَفْتَاك الْمُفْتِي أَنه حَلَال
وَالطّيب: مَا أَفْتَاك قَلْبك أَن لَيْسَ فِيهِ جنَاح، وَقيل: الطّيب مَا يستلذ من الْمُبَاح
وَقيل: الْحَلَال: الصافي القوام، فالحلال مَا لَا يعْصى الله فِيهِ، والصافي: مَا لَا ينسى الله فِيهِ، والقوام: مَا يمسك النَّفس ويحفظ الْعقل
وَفِي " الزَّاهدِيّ ": الْحَلَال مَا يُفْتى بِهِ، وَالطّيب مَا لَا يعْصى الله فِي كَسبه وَلَا يتَأَذَّى حَيَوَان بِفِعْلِهِ
وَبَين الطّيب والطاهر عُمُوم من وَجه لتصادقهما فِي الزَّعْفَرَان وتفارقهما فِي الْمسك وَالتُّرَاب
والحلال: هُوَ الْمُطلق بِالْإِذْنِ من جِهَة الشَّرْع
وَالْحرَام: مَا اسْتحق الذَّم على فعله، وَقيل: مَا يُثَاب على تَركه بنية التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى
وَالْمَكْرُوه: مَا يكون تَركه أولى من إِتْيَانه وتحصيله
وَالْمُنكر: مَا هُوَ الْمَجْهُول عقلا، بِمَعْنى أَن الْعقل لَا يعرفهُ حسنا. والمحظور: مَا هُوَ الْمَمْنُوع شرعا
وَالْحرَام: عَام فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا عَنهُ بالقهر وَالْحكم
والبسل: مَا هُوَ الْمَمْنُوع عَنهُ بالقهر
والحل وَالْحُرْمَة: هما من صِفَات الْأَفْعَال الاختيارية حَتَّى إِن الْحرم يكون وَاجِب التّرْك بِخِلَاف حُرْمَة الْكفْر وَوُجُوب الْإِيمَان فَإِنَّهُمَا من الكيفيات النفسانية دون الْأَفْعَال الاختيارية
الْحُدُوث: الْخُرُوج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، أَو كَون الْوُجُود مَسْبُوقا بِالْعدمِ اللَّازِم للوجود، أَو كَون الْوُجُود خَارِجا من الْعَدَم اللَّازِم للموجود
والإمكان: كَون الشَّيْء فِي نَفسه بِحَيْثُ لَا يمْتَنع وجوده وَلَا عَدمه امتناعا وَاجِبا ذاتيا
[وَأظْهر التعريفات للحدوث هُوَ أَنه حُصُول الشَّيْء بعد مَا لم يكن وَقَول الْمُتَكَلِّمين: هُوَ الْخُرُوج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود فَهُوَ تَعْرِيف مجازي، إِذْ الْعَدَم(1/400)
لَيْسَ بظرف للمعدوم، وَلَا حَقِيقَة فِيهِ]
والحدوث الذاتي عِنْد الْحُكَمَاء: هُوَ مَا يحْتَاج وجوده إِلَى الْغَيْر، فالعالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحدث بالحدوث الذاتي عِنْدهم [كَمَا أَن الْقدَم الذاتي هُوَ أَن لَا يكون وجود الشَّيْء من الْغَيْر، وَهُوَ الْبَارِي جلّ شَأْنه، والقدم الْمُطلق: هُوَ أَن لَا يكون وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ]
وَأما الْحُدُوث الزماني: فَهُوَ مَا سبق الْعَدَم على وجوده سبقا زمانيا، فَيجوز قدم بعض أَجزَاء الْعَالم بِمَعْنى الْقدَم الَّذِي بِإِزَاءِ الْمُحدث بالحدوث الزماني عِنْدهم، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا، وَيكون جَمِيع الْحَوَادِث بالحدوث الزماني عِنْدهم مَا لَا أول لَهَا، فَإِنَّهُ لَا يو [د لَهَا سبق الْعَدَم على وجودهَا سبقا زمانيا
والحدوث الإضافي: هُوَ الَّذِي مضى من وجود شَيْء أقل مِمَّا مضى من وجود شَيْء آخر [كوجود الابْن مَعَ وجود الْأَب، كَمَا أَن الْقدَم الإضافي هُوَ كَون مَا مضى من وجود شَيْء أَكثر مِمَّا مضى من وجود غَيره، كوجود الْأَب بِالْقِيَاسِ إِلَى وجود الابْن] ، وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَادِث الْقَائِم بِذَاتِهِ يُسمى حَادِثا، وَمَا لَا يقوم بِذَاتِهِ من الْحَوَادِث يُسمى مُحدثا لَا حَادِثا
والممكن: إِمَّا أَن يكون مُحدث الذَّات وَالصِّفَات بحدوث زماني، وَإِلَيْهِ ذهب أَرْبَاب الْملَل من الْمُسلمين إِلَّا قَلِيلا؛ وَإِمَّا أَن يكون قديم الذَّات وَالصِّفَات بالقدم الزماني، وَإِلَيْهِ ذهب أرسطو ومتابعوه، وَالْمرَاد بِالصِّفَاتِ هَهُنَا مَا يعم الصُّور والأعراض وَإِمَّا أَن يكون قديم الذَّات بالقدم الزماني مُحدث الصِّفَات بالحدوث الزماني؛ وَإِلَيْهِ ذهب قدماء الفلاسفة وَأما كَونه مُحدث الذَّات قديم الصِّفَات فَمَا لم يذهب إِلَيْهِ أحد
وَفِي الْجُمْلَة أَن الْكل اتَّفقُوا على أَن جَمِيع الموجودات غير الْوَاجِب سُبْحَانَهُ، مُحدث الذَّات من غير نَكِير مِمَّن ينسلك فِي سلك ذَوي الْأَلْبَاب
وتحير الْبَعْض فِي الْبَاقِي وَلم يجد إِلَيْهِ سَبِيلا
[وَاخْتلف فِي أَن افتقار الموجودات إِلَى الْمُؤثر هَل هُوَ من حَيْثُ الْحُدُوث، أَو من حَيْثُ الْإِمْكَان والحدوث جَمِيعًا؟ فَإلَى الأول ذهب المتكلمون، وَالثَّانِي مُخْتَار محققي الْمُتَكَلِّمين على خلاف فِي كَون الْحُدُوث شرطا أَو شطرا فِي الْعلية
قَالَ بَعضهم: مَسْلَك الْحُكَمَاء فِي إِثْبَات الصَّانِع الْإِمْكَان، ومسلك الْمُتَكَلِّمين فِيهِ الْحُدُوث وَقَالَ بَعضهم: كلا المسلكين للمتكلمين، والفلاسفة وافقتهم فِي مَسْلَك الْإِمْكَان، وَفِي " تَلْخِيص المحصل ": الْقَائِلُونَ بِكَوْن الْإِمْكَان عِلّة الْحَاجة هم الفلاسفة والمتأخرون من الْمُتَكَلِّمين، والقائلون بِكَوْن الْحُدُوث عِلّة هم الأقدمون مِنْهُم
قيل: الِاسْتِدْلَال بحدوث الْجَوَاهِر طَريقَة الْخَلِيل حَيْثُ قَالَ: {لَا أحب الآفلين} ، وَالِاسْتِدْلَال بِإِمْكَان الْأَعْرَاض مقيسة إِلَى محالها طَريقَة سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَيْثُ قَالَ: {رَبنَا الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} ]
وحدثان الْأَمر، بِالْكَسْرِ: أَوله وابتداؤه كحداثته، وَمن الدَّهْر نوبه كحوادثه وأحداثه(1/401)
والأحدوثة: مَا يتحدث بِهِ
الْحسن، بِالضَّمِّ: عبارَة عَن تناسب الْأَعْضَاء، يجمع على (محَاسِن) على غير قِيَاس، وَأكْثر مَا يُقَال فِي تعارف الْعَامَّة فِي المستحسن بالبصر؛ وَأكْثر مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من (الْحسن) فَهُوَ للمستحسن من جِهَة البصيرة.
[قيل] : كَمَال الْحسن فِي الشّعْر، والصباحة فِي الْوَجْه، والوضاءة فِي الْبشرَة، وَالْجمال فِي الْأنف، والملاحة فِي الْفَم، والحلاوة فِي الْعَينَيْنِ، والظرف فِي اللِّسَان، والرشاقة فِي الْقد، واللباقة فِي الشَّمَائِل
[قَالَ بَعضهم] : الْحسن: هُوَ الْكَائِن على وَجه يمِيل إِلَيْهِ الطَّبْع وتقبله النَّفس، غير أَن مَا يمِيل الْمَرْء إِلَيْهِ طبعا يكون حسنا طبعا، وَمَا يمِيل إِلَيْهِ عقلا وَشرعا هُوَ كالإيمان بِاللَّه وَالْعدْل وَالْإِحْسَان
وأصل الْعِبَادَات ومقاديرها وهيئاتها يمِيل إِلَيْهِ الْمَرْء لدعاء الشَّرْع إيانا إِلَيْهِ فَهُوَ حسن شرعا لَا عقلا وَلَا طبعا
وَقيل: الْحسن مَا لَو فعله الْعلم بِهِ اخْتِيَارا لم يسْتَحق ذما على فعله
والقبيح: مَا لَو فعله الْعَالم بِهِ اخْتِيَارا يسْتَحق الذَّم عَلَيْهِ
[وَمَا كَانَ حسنه لعَينه وَهُوَ الْحسن الْعقلِيّ كمحاسن الشَّرَائِع فَهُوَ غير قَابل للتغيير، بِخِلَاف حسن الْأَجْسَام والأعراض الضرورية فَإِنَّهَا مخلوقات الله تَعَالَى، وحسنها بِسَبَب أَن الله تَعَالَى طبعها كَذَلِك، وَذَلِكَ الْحسن قَابل للتغيير من الْحسن إِلَى الْقبْح] .
وَمَسْأَلَة الْحسن والقبح مُشْتَركَة بَين الْعُلُوم الثَّلَاثَة: كلامية من جِهَة الْبَحْث عَن أَفعَال الْبَارِي تَعَالَى أَنَّهَا هَل تتصف بالْحسنِ؟ وَهل تدخل القبائح تَحت إِرَادَته؟ وَهل تكون بخلقه ومشيئته؟ وَالْحق عِنْد أهل الْحق أَن الْقبْح هُوَ الاتصاف وَالْقِيَام لَا الإيجاد والتمكين.
وأصولية من جِهَة أَنَّهَا تبحث عَن أَن الحكم الثَّابِت بِالْأَمر يكون حسنا، وَمَا يتَعَلَّق بِهِ النَّهْي يكون قبيحا
وفقهية من حَيْثُ إِن جَمِيع محمولات الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة يرفع إِلَيْهِمَا ويثبتان بِالْأَمر وَالنَّهْي.
ثمَّ إِن كلا من الْحسن والقبح يُطلق على معَان ثَلَاثَة:
الأول: صفة الْكَمَال وَصفَة النَّقْص كَمَا يُقَال: (الْعلم حسن وَالْجهل قَبِيح)
وَالثَّانِي: ملاءمة الْغَرَض ومنافرته، وَقد يعبر عَنْهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ والمفسدة
وَالثَّالِث: تعلق الْمَدْح والذم عَاجلا وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب آجلا
فالحسن والقبح بالمعنيين الْأَوَّلين ثبتا بِالْعقلِ اتِّفَاقًا، أما بِالْمَعْنَى الثَّالِث فقد اخْتلفُوا فِيهِ
[قَالَت الأشاعرة: إنَّهُمَا بِحكم الشَّرْع، وَقَالَت السّنيَّة والمعتزلة والكرامية إنَّهُمَا قد يعرفان بِالْعقلِ أَيْضا، وَهُوَ اخْتِيَار الْفُقَهَاء أَيْضا، فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى تَعْلِيل أَحْكَام الله برعاية مصَالح الْعباد فَكَانَت أولى بهم فِي الْوَاقِع، وَإِلَّا لما كَانَت مصلحَة لَهُم، وَأَيْضًا لَو لم يَقُولُوا بالْحسنِ والقبح العقليين لما استقام تقسيمهم الْمَأْمُور بِهِ إِلَى حسن بِعَيْنِه وَغَيره(1/402)
وَإِلَى قَبِيح كَذَلِك، وَلما صَحَّ قَوْلهم: إِن مِنْهُ مَا لَا يحْتَمل السُّقُوط والنسخ أصلا كالإيمان بِاللَّه وَصِفَاته]
وَبَاقِي التَّفْصِيل فليطلب فِي مَحَله، وَأول من قَالَ بالْحسنِ والقبح العقليين إِبْلِيس اللعين
وَالْحسن يُقَال فِي الْأَعْيَان والأحداث، وَكَذَلِكَ الْحَسَنَة إِذا كَانَت وَصفا، وَأما إِذا كَانَت اسْما فمتعارف فِي الْأَحْدَاث
والحسناء، بِالْفَتْح وَالْمدّ: صفة الْمُؤَنَّث، وَهُوَ اسْم أُنْثَى من غير تذكير، إِذْ لم يَقُولُوا (الرجل أحسن) ، وَقَالُوا فِي ضِدّه (رجل أَمْرَد) وَلَو يَقُولُوا (جَارِيَة مرداء) ، ويضبط أَيْضا بِالضَّمِّ وَالْقصر وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْألف وَاللَّام
وَالْجمع المكسر لغير الْعَاقِل يجوز أَن يُوصف بِمَا يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث نَحْو: {مآرب أُخْرَى} كَمَا تقدم فِي بحث الْجمع
حبذا: هِيَ لَيست باسم وَلَا فعل وَلَا حرف، بل هِيَ مركبة من فعل وَاسم، أما الْفِعْل فَهُوَ (حب) يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا بِمَعْنى (أحب) وَمِنْه (المحبوب) ، وَيسْتَعْمل لَازِما أَيْضا وَهُوَ الَّذِي ركب مَعَ (ذَا) ، وَأَصله (حبب) بِالضَّمِّ، لقَولهم فِي اسْم الْفَاعِل (حبيب)
وحبذا مَعَ كَونهَا للْمُبَالَغَة فِي الْمَدْح تَتَضَمَّن قرب الممدوح من الْقلب، وَكَذَلِكَ تَتَضَمَّن بعد المذموم من الْقلب، وَلَيْسَ فِي (نعم) و (بئس) يعرض شَيْء من ذَلِك
حاشا: حرف جر عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَفِيه معنى الِاسْتِثْنَاء، كَمَا أَن (حَتَّى) تجر مَا بعْدهَا وَفِيه معنى الِانْتِهَاء
وَفِي " الْإِيضَاح ": هِيَ كلمة اسْتعْملت للاستثناء فِيمَا ينزه عَن الْمُسْتَثْنى فِيهِ كَقَوْلِك (ضربت الْقَوْم حاشا زيدا) وَلذَلِك لم يحسن (صلى النَّاس حاشا زيدا) لفَوَات معنى التَّنْزِيه وَقَالَ الْمبرد: وَيكون فعلا مَاضِيا بِمَعْنى (أستثنى) يُقَال: حاشا يحاشي.
قَالَ النَّابِغَة: ... وَلَا أحاشي من الأقوام من أحد ... )
وَالدَّلِيل على كَونه فعلا أَنه يتَصَرَّف وَالتَّصَرُّف عَن خَصَائِص الْأَفْعَال، وَيدخل على لَام الْجَرّ، ويدخله الْحَذف، والحرف لَا يدْخل على مثله، والحذف إِنَّمَا يكون فِي الْأَسْمَاء نَحْو: (أَخ) و (يَد) وَفِي الْأَفْعَال نَحْو: (لم يَك) (وَلم أدر) .
وحاش الله: بِمَعْنى معَاذ الله، مَنْصُوب بِأَن يكون قَائِما مقَام الْمصدر، وَيجوز أَن يكون مصدرا مَعْنَاهُ (أبرئ تبرئة) . [وَرِوَايَة الْأَصْمَعِي عَن نَافِع بِإِثْبَات الْألف بعد الشين وَهِي الأَصْل لِأَنَّهَا من المحاشاة وَهِي التَّخْلِيَة والتبعيد، وَالْبَاقُونَ بِحَذْف الْألف للتَّخْفِيف وَاتِّبَاع الْمُصحف] .
الْحَلَاوَة: حلا الشَّيْء فِي فمي يحلو، وحلى الشَّيْء بعيني يحلى حلاوة فيهمَا جَمِيعًا
والحلو: اسْم مُشْتَقّ من الْحَلَاوَة
وَهُوَ فِي الْعرف: أسم لكل حُلْو لَا يكون من جنسه غير حُلْو فعلى هَذَا: الْبِطِّيخ مثلا لَيْسَ بحلو، لِأَن من جنسه حامض غير حُلْو(1/403)
وتزيد فِي حُرُوف الْفِعْل مُبَالغَة تَقول (حلا الشَّيْء، فَإِذا انْتهى تَقول) : احلولي.
الْحمام، كشداد: الديماس، مُذَكّر، وَلَا يُقَال: طَابَ حمامك، إِنَّمَا يُقَال: طابت حمتك بِالْكَسْرِ، وحميمك: أَي طَابَ عرقك
وَلَا يُقَال (حواميم) فِي السُّور المفتتحة بهَا، إِنَّمَا يُقَال: (آل حَامِيم) و (ذَوَات حَامِيم) . وَهُوَ اسْم الله الْأَعْظَم، أَو حُرُوف الرَّحْمَن مقطعَة، وَتَمَامه (الر) و (ن)
وَالْحمام، كالهوان: الدواجن فَقَط عِنْد الْعَامَّة.
وَعند الْعَرَب: هِيَ ذَوَات الأطواق من نَحْو القماري والفواخت والوراشين وَأَشْبَاه ذَلِك قَالَ الْكسَائي: الْحمام: هُوَ الْبري، واليمام: هُوَ الَّذِي يألف الْبيُوت.
وَالْحمام، بِالْكَسْرِ: الْمَوْت
الْحلم، بِالضَّمِّ: فِي الأَصْل اسْم لما يتلذذ بِهِ الْمَرْء فِي حَال النّوم، ثمَّ اسْتعْمل لما يتألم بِهِ، ثمَّ اسْتعْمل لبلوغ الْمَرْء حد الرِّجَال، ثمَّ اسْتعْمل لِلْعَقْلِ لكَون الْبلُوغ وَكَمَال الْعقل يلازم حَال تلذذ الشَّخْص فِي نَومه على نَحْو تلذذ الذّكر بِالْأُنْثَى.
وَغلب الْحلم على مَا يرَاهُ من الشَّرّ والقبيح، كَمَا غلب اسْم الرُّؤْيَا على مَا يرَاهُ من الْخَيْر وَالشَّيْء الْحسن
وَقد يسْتَعْمل كل مِنْهُمَا مَوضِع الآخر.
وحلمت فِي النّوم أحلم حلما، وَأَنا حالم، وبابه (دخل) ومصدره الْحلم والحلم، بِضَم الْحَاء مَعَ ضم اللَّام وسكونها.
وحلمت عَن الرجل أحلم حلما وَأَنا حَلِيم، وبابه (كرم) ومصدره الْحلم بِالْكَسْرِ وَهُوَ الأناة والسكون مَعَ الْقُدْرَة وَالْقُوَّة.
وَأما حلم الْأَدِيم أَي: فسد وتنقب فبابه (فَرح) ومصدره الْحلم بِفَتْح اللَّام
الْحسب: هُوَ مَا تعده من مفاخر آبَائِك، أَو المَال، أَو الدّين، أَو الْكَرم، أَو الشّرف فِي الْعقل، أَو الْفِعْل الصَّالح، أَو الشّرف الثَّابِت فِي الْآبَاء
وَيُقَال: الْحسب من طرف الْأُم وَالنّسب من طرف الْأَب
والحسب وَالْكَرم قد يكونَانِ لمن لَا آبَاء لَهُ شرفا
والشرف وَالْمجد لَا يكونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ
الْحيَاء، بِالْمدِّ: الحشمة، وبالقصر: الْمَطَر الْخَيْر
وَالْحيَاء أَيْضا: انقباض النَّفس عَن الْقَبِيح مَخَافَة اللوم، وَهُوَ الْوسط بَين الوقاحة الَّتِي هِيَ الجرأة على القبائح وَعدم المبالاة بهَا، والخجل الَّذِي هُوَ انحصار النَّفس عَن الْفِعْل مُطلقًا وَإِذا وصف بِهِ الْبَارِي تَعَالَى فَالْمُرَاد بِهِ التّرْك اللَّازِم للانقباض، كَمَا أَن المُرَاد من رَحمته وغضبه إِصَابَة الْمَعْرُوف وَالْمَكْرُوه اللازمين لمعنييهما
الْحرم، بِالْكَسْرِ والسكون: الحرمان، وكالقتل: الْمَمْنُوع يُقَال: فعل حرَام: أَي منع عَنَّا تحصيلا واكتسابا وَعين حرَام: أَي منع عَنَّا التَّصَرُّف فِيهَا
وَيُقَال: (فلَان لَا يعرف حل الشَّيْء وحرمته) وَهُوَ الْمَشْهُور، لَكِن الصَّوَاب: وَحرمه، لِأَنَّهُ لَا يُقَال: حل وحلال، وَحرم وَحرَام
وَالْحرَام: الْمَمْنُوع مِنْهُ إِمَّا بتسخير إلهي كَقَوْلِه(1/404)
تَعَالَى: {من يُشْرك بِاللَّه فقد حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة} ، {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها} ، وَقَوله: {فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة}
وَإِمَّا بِمَنْع بشري كَقَوْلِه تَعَالَى: {وحرمنا عَلَيْهِ المراضع}
وَأما بِمَنْع من جِهَة الْعقل كَقَوْلِه: {وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث}
أَو من جِهَة الشَّرْع كتحريم بيع الطَّعَام مُتَفَاضلا
وَالْحرَام: مَا ثَبت الْمَنْع عَنهُ بِلَا أَمر معَارض لَهُ، وَحكمه الْعقَاب بِالْفِعْلِ وَالثَّوَاب بِالتّرْكِ لله تَعَالَى، لَا بِمُجَرَّد التّرْك، وَإِلَّا لزم أَن يكون لكل أحد فِي كل لَحْظَة مثوبات كَثِيرَة بِحَسب كل حرَام لم يصدر عَنهُ
والأعيان تُوصَف بِالْحلِّ وَالْحُرْمَة وَنَحْوهمَا حَقِيقَة كالأفعال لَا فرق بَينهمَا هَذَا عِنْد مَشَايِخنَا فَمَتَى جَازَ وصف الْأَعْيَان بِالْحلِّ وَالْحرم أمكن الْعَمَل فِي حَقِيقَة الْإِضَافَة فِي قَوْله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم اليمتة} و {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} فَلَا ضَرُورَة فِي إِضْمَار الْفِعْل وَهُوَ الْأكل وَالنِّكَاح وَالْوَطْء، وَأما عِنْد الأشاعرة فالمعاني الشَّرْعِيَّة لَيست من صِفَات الْأَعْيَان، بل هِيَ من صِفَات التَّعَلُّق، وَصفَة التَّعَلُّق لَا تعود إِلَى وصف فِي الذَّات، فَلَيْسَ معنى قَوْلنَا (الْخمر حرَام) ذَاتهَا، وَإِنَّمَا التَّحْرِيم رَاجع إِلَى قَول الشَّرْع فِي النَّهْي عَن شربهَا وذاتها لم تَتَغَيَّر، كمن علم زيدا قَاعِدا بَين يَدَيْهِ، فَإِن علمه وَإِن تعلق بزيد لَكِن لم يُغير من صِفَات زيد شَيْئا، وَلَا أحدث لزيد صفة ذَات
وَالْحرَام: المأمن {وَمن دخله كَانَ آمنا}
وَحُرْمَة الرجل: حرمه وَأَهله
الْحِين: الدَّهْر أَو وَقت مِنْهُ يصلح لجَمِيع الْأَزْمَان طَال أَو قصر، وَيكون سنة أَو أَكثر، أَو يخْتَص بِأَرْبَعِينَ سنة، أَو سنتَيْن، أَو سِتَّة أشهر، أَو شَهْرَيْن، أَو كل غدْوَة وَعَشِيَّة، أَو يَوْم الْقِيَامَة {وتول عَنْهُم حَتَّى حِين} أَي: حَتَّى تَنْقَضِي الْمدَّة الَّتِي أمهلوها وَإِذا باعدوا بَين الْوَقْتَيْنِ باعدوا ب (إِذا) فَقَالُوا: حِينَئِذٍ
والحين، أَيْضا: الْهَلَاك والمحنة، وكل مَا لم يوفق للرشاد فقد حَان
والحائن: الأحمق
الحليلة: الزَّوْجَة، لِأَن الزَّوْج يحل عَلَيْهَا، أَو تحل هِيَ لَهُ، تصدق على الْمَنْكُوحَة وعَلى السّريَّة وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: {وحلائل أَبْنَائِكُم} فَإِنَّهُ إِن فسر بِمن حلت لَهُ لم يثبت بِالْآيَةِ حُرْمَة من زنى بهَا الابْن على الْأَب، وَإِن فسر بِمن حل عَلَيْهَا أَي نزل: ثَبت حُرْمَة من زنى بهَا الابْن على الْأَب
الْحَج: مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ الْقَصْد على جِهَة التَّعْظِيم، وَهُوَ كأخواته من المنقولات الشَّرْعِيَّة
وَمَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ: الْقَصْد إِلَى بَيت الله الْحَرَام(1/405)
بأعمال مَخْصُوصَة وَالْفَتْح وَالْكَسْر لُغَة فِيهِ، وَقيل: بِالْفَتْح الِاسْم، وبالكسر الْمصدر، وَقيل بِالْعَكْسِ وَهُوَ نَوْعَانِ: فالأكبر: حج الْإِسْلَام، والأصغر: الْعمرَة
وَالْحجّة، بِالضَّمِّ: الْبُرْهَان وَعند النظار أَعم مِنْهُ لاختصاصه عِنْدهم بِيَقِين الْمُقدمَات
وَمَا ثَبت بِهِ الدَّعْوَى من حَيْثُ إفادته للْبَيَان يُسمى بَيِّنَة وَمن حَيْثُ الْغَلَبَة بِهِ على الْخصم يُسمى حجَّة
والمجادلة الْبَاطِلَة قد تسمى حجَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: {حجتهم داحضة عِنْد رَبهم} [إِمَّا على حسبانهم ومساقهم أَو على أسلوب قَوْلهم تَحِيَّة بَينهم ضرب وَجمع]
وَالْحجّة الإقناعية: هِيَ الَّتِي تفِيد القانعين القاصرين عَن تَحْصِيل المطالب بالبراهين القطعية الْعَقْلِيَّة، وَرُبمَا تُفْضِي إِلَى الْيَقِين بالاستكثار
وَلَيْسَ آيَة {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} حجَّة إقناعية، بل هِيَ برهانية تحقيقية، إِذْ لَا تكَاد النَّفس تخطر للمتأمل نقيض الْإِلَه بعد مَا تحقق عِنْده اسْتِحَالَة الْخلف فِي خَبره تَعَالَى واستمرار الْعَادة بَين ذِي قدرتين على تطلب الِانْفِرَاد والقهر فِي كل جليل وحقير، فَكيف بِمن اتّصف بأقصى غايات التكبر فضلا عَن أخطار فرض النقيض مَعَ الْجَزْم بِأَن الْوَاقِع هُوَ الطّرف الآخر نعم تفِيد الْأَدِلَّة الخطابية فِي حق الْأَكْثَرين تَصْدِيقًا ببادي الرَّأْي وسابق الْفَهم إِذا لم يكن الْبَاطِل مشحونا بتعصب ورسوخ اعْتِقَاد على خلاف مُقْتَضى الدَّلِيل، إِلَّا إِذا شوش مجادل بنكات المماراة والتشكيك، فاستماع هَذَا الْقدر يشوش عَلَيْهِ تَصْدِيقه، ثمَّ رُبمَا يعسر الْحل وَالدَّفْع فِي حق بعض الأفهام القاصرة، يُؤَيّدهُ قَوْله تَعَالَى: {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} أَي: بالرهان كالخطابة والجدل
وَحجَّة الْحق على الْخلق هُوَ الْإِنْسَان الْكَامِل كآدم عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّهُ كَانَ حجَّة على الْمَلَائِكَة فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ}
[وَقد يعبر عَن نفي المعذرة بِنَفْي الْحجَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} فَفِيهِ تَنْبِيه على أَن المعذرة فِي الْقبُول عِنْده تَعَالَى بِمُقْتَضى كرمه بِمَنْزِلَة الْحجَّة القاطعة الَّتِي لَا مرد لَهَا]
وَالْحجّة، بِالْكَسْرِ: السّنة، فِي التَّنْزِيل: {ثَمَانِي حجج} وَهُوَ المسموع من الْعَرَب، وَإِن كَانَ الْقيَاس فتح الْحَاء لكَونهَا اسْما للكرة الْوَاحِدَة، وَلَيْسَت عبارَة عَن الْهَيْئَة حَتَّى تكسر
الْحَيَاة: هِيَ بِحَسب اللُّغَة عبارَة عَن قُوَّة مزاجية(1/406)
تَقْتَضِي الْحس وَالْحَرَكَة، وَفِي حق الله تَعَالَى لَا بُد من الْمصير إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي الْمُنَاسب لَهُ وَهُوَ الْبَقَاء وَأما الَّذِي ذكره المتكلمون بقَوْلهمْ: (الْحَيّ هُوَ الَّذِي يَصح أَن يعلم وَيقدر) فَمَعْنَاه الاصطلاحي الْحَادِث، وَلَيْسَت صفة حَقِيقِيَّة عَارِية عَن النِّسْبَة وَالْإِضَافَة فِي حق الله تَعَالَى إِلَّا صفة الْحَيَاة وَغَيرهَا من الصِّفَات وَإِن كَانَت حَقِيقِيَّة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة إِلَّا أَنَّهَا يلْزمهَا لَوَازِم من بَاب النّسَب والإضافات كتعلق الْعلم بالمعلوم وَالْقُدْرَة بإيجاد الْمَقْدُور
والحياة تسْتَعْمل على أوجه: للقوة النامية الْمَوْجُودَة فِي النَّبَات وَالْحَيَوَان وَالْقُوَّة الحساسة بِهِ سمي الْحَيَوَان حَيَوَانا وَالْقُوَّة العاملة الْعَاقِلَة وَتَكون عبارَة عَن ارْتِفَاع الْغم، وَبِهَذَا النّظر قَالَ:
(لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت ... إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء)
وعَلى هَذَا: {بل أَحيَاء عِنْد رَبهم} أَي: هم يتلذذون والحياة الأخروية الأبدية يتَوَصَّل إِلَيْهَا بِالْحَيَاةِ الَّتِي هِيَ الْعقل وَالْعلم، والبنية الْمَخْصُوصَة لَيست شرطا للحياة، بل يجوز أَن يَجْعَلهَا الله فِي جُزْء لَا يتَجَزَّأ، خلافًا للمعتزلة والفلاسفة
وَالْحَيَوَان أبلغ من الْحَيَاة، لما فِي بِنَاء (فعلان) من الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب اللَّازِم للحياة
وَالْحَيَوَان: فِي الْجنَّة
والحياة: فِي الدُّنْيَا
الحفا، بِالْقصرِ: دَاء الرجل،
وبالمد: الْمَشْي بِلَا نعل
والحفي: البليغ فِي الْبر والإلطاف
وحفا الْبَرْق يحفو حفوا وحفي يحفى حفيا: إِذا لمع ضَعِيفا مُعْتَرضًا فِي نواحي الْغَيْم
وَإِذا لمع قَلِيلا ثمَّ سكن وَلَيْسَ لَهُ اعْتِرَاض فَهُوَ وميض
وَإِن شقّ الْغَيْم واستطال فِي وسط السَّمَاء من غير أَن يَأْخُذ يَمِينا وَلَا شمالا فَهُوَ عقيقة
الحنين [بِالْفَتْح] : الشوق، وَشدَّة الْبكاء، والطرب، [وبالتصغير: وَاد مَعْرُوف]
والحنان: كسحاب: الرَّحْمَة والرزق وَالْبركَة والهيبة وَالْوَقار ورقة الْقلب وَالشَّر الطَّوِيل
وحنان الله، معَاذ الله
والحنان، مشددا: من أَسمَاء الله تَعَالَى، مَعْنَاهُ الرَّحِيم، أَو الَّذِي يقبل على من أعرض عَنهُ
والحن، بِالْكَسْرِ: حَيّ من الْجِنّ من الْكلاب السود البهم، أَو سفلَة الْجِنّ وضعفاؤهم أَو كلابهم، أَو خلق بَين الْجِنّ والأنس كَذَا فِي " الْقَامُوس "
الحوج: السَّلامَة، حوجا لَك: أَي سَلامَة لَك
وبالضم: الْفقر وَالْحَاجة والحوائج على غير قِيَاس، أَو مولد، فكأنهم جمعُوا (حائجة)
الحيز، كالسيد،: الْفَرَاغ المتحقق كَمَا هُوَ عِنْد أفلاطون، أَو المتوهم كَمَا هُوَ عِنْد الْمُتَكَلِّمين، لَا السَّطْح الْبَاطِن من الْحَاوِي
والحيز الطبيعي،: هُوَ الْمَكَان الْأَصْلِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى(1/407)
طبيعة الشَّيْء
الحقد: هُوَ سوء الظَّن فِي الْقلب على الْخلق لأجل الْعَدَاوَة
والحسد: اخْتِلَاف الْقلب على النَّاس لِكَثْرَة الْأَمْوَال والأملاك
الحرق، بِالسُّكُونِ: أثر النَّار فِي الثَّوْب وَغَيره
وبفتح الرَّاء: هُوَ النَّار نَفسهَا و {عَذَاب الْحَرِيق} : النَّار
الحلأ: هُوَ مُخْتَصّ بالنبات الْيَابِس، وبالمعجمة: يخْتَص بالرطب
والكلأ، بِهَمْزَة مَقْصُورا يَقع على كليهمَا، وَقيل: مُخْتَصّ بالرطب أَيْضا، إِلَّا أَنه يتَأَخَّر نَبَاته ويقل
والعشب: مَا يتَقَدَّم نَبَاته وَيكثر
الْحلَّة: هِيَ الثَّوْب السَّاتِر لجَمِيع الْبدن، وَلَا يُقَال للثوب حلَّة إِلَّا إِذا كَانَ من جنس وَاحِد، وَالْجمع حلل
والحلي [بِالضَّمِّ وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء جمع (حلي) بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَهُوَ] مَا يخْتَص بعضو دون عُضْو كالخاتم والخلخال
والحالي: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحلِيّ، ضد العاطل
الْحُلْقُوم: أَصله الْحلق زيد الْوَاو وَالْمِيم وَهُوَ مجْرى النَّفس لَا غير وَفِي " الطّلبَة ": هُوَ مجْرى الطَّعَام، والمريء مَهْمُوز اللَّام: مجْرى الشَّرَاب
وَفِي " الْعين ": الْحُلْقُوم مجراهما، وَمَا فِي " المبسوطين " أَنَّهُمَا عكس مَا ذكر مُوَافق لما فِي " النِّهَايَة "
الحض، كالحث: التحريك، إِلَّا أَن الْحَث يكون بسير وسوق، والحض لَا يكون بذلك
الحبر: الْعَالم وَفِي " ديوَان الْأَدَب " بِالْكَسْرِ أفْصح لِأَنَّهُ يجمع على (أَفعَال) وَكَانَ أَبُو اللَّيْث وَابْن السّكيت يَقُولَانِ بِالْفَتْح وَالْكَسْر للْعَالم ذِمِّيا كَانَ أَو مُسلما بعد أَن يكون من أهل الْكتاب وَقَالَ أهل الْمعَانِي: الحبر الْعَالم الَّذِي صناعته تحبير الْمعَانِي بِحسن الْبَيَان عَنْهَا وإتقانها
والأحبار: مُخْتَصّ بعلماء الْيَهُود من ولد هَارُون، وَكَعب الحبر وَيكسر وَلَا تقل كَعْب الْأَحْبَار
والحبورة: الْإِمَامَة
الْحصَّة: هِيَ لَا تطلق فِي الْمُتَعَارف إِلَّا على الْفَرد الاعتباري الَّذِي يحصل من أَخذ الْمَفْهُوم الْكُلِّي مَعَ الْإِضَافَة إِلَى معِين وَلَا تطلق على الْفَرد الْحَقِيقِيّ
الْحَظ: النَّصِيب وَالْجد، أَو خَاص بالنصيب من الْخَيْر وَالْفضل
الْحَظْر، بالظاء الْمُعْجَمَة: الْمَنْع، واستعماله بالضاد فِي معنى الْمَنْع لَيْسَ بمعهود
وحظيرة الْقُدس: الْجنَّة
والمحظور: الْمحرم
{وَمَا كَانَ عَطاء رَبك مَحْظُورًا} : أَي مَقْصُورا على طَائِفَة دون أُخْرَى
الحيال، بِالْكَسْرِ: الْحذاء
يُقَال: قعد على حياله وبحياله: أَي بإزائه
وَأعْطى كل وَاحِد على حياله: أَي على انْفِرَاده(1/408)
الْحِرْز: يسْتَعْمل فِي النَّاظر أَكثر
والحرس: فِي الْأَمْتِعَة أَكثر
الحمية، مُشَدّدَة كالدنية: الأنفة وَالْغَضَب
وَأَرْض حمئة؛ مهموزا: أَي ذَات حمأة
وحمية وحامية، بِلَا همز: أَي حارة
وَالْحمية، كالقنية: الاحتماء
والحفيف: هُوَ صَوت يسمع من جلد الأفعى
والفحيح: صَوت يسمع من فِيهَا
الْحول: تأليفه للدوران والإطافة، وَقيل للعام حول لِأَنَّهُ يَدُور
وحوال الدَّهْر، كسحاب: تغيره وصروفه
والحويل: الشَّاهِد وَالْكَفِيل
الْحِكَايَة: هِيَ إِيرَاد اللَّفْظ على اسْتِيفَاء صورته الأولى وَقيل: الْإِتْيَان بِمثل الشَّيْء، [وحكايات الْقُرْآن عَن الْغَيْر إِنَّمَا هُوَ مُعرب عَن معانيهم وَلَيْسَ بِحَقِيقَة ألفاظهم] ، فَلَا يُقَال كَلَام الله محكي، وَلَا يُقَال أَيْضا: حكى الله كَذَا، إِذْ لَيْسَ لكَلَامه مثل وتساهل قوم فِي إِطْلَاق لفظ الْحِكَايَة بِمَعْنى الْإِخْبَار، [وَلَا يجوز أَن يُقَال: أخبرنَا الله ونبأنا وأنبأنا وَلَا يجوز حَدثنَا وَلَا كلمنا وَإِنَّمَا ذَلِك خَاص بسيدنا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام]
الحذر: هُوَ اجْتِنَاب الشَّيْء خوفًا مِنْهُ، قيل: الحذر، بِكَسْر الذَّال: المتيقظ، والحاذر: المستعد، وَقيل: الحاذر من يحذرك والحذر: الْمخوف
الْحيرَة: من حَار يحار ويحير واستحار: نظر إِلَى الشَّيْء فَغشيَ وَلم يهتد لسبيله، فَهُوَ حيران وحائر، وَهِي حيرى، وهم حيارى، وَيضم
وحير دهر: كعنب: مُدَّة الدَّهْر
وحير مَا أرى: بِمَعْنى رُبمَا
الْحَبْس: الْمَنْع وَحبس الرجل عَن حَاجته فَهُوَ مَحْبُوس وأحبست فرسا فِي سَبِيل الله فَهُوَ محبس وحبيس [وكل شَيْء وَقفه صَاحبه من نخل أَو كرم وَغَيرهَا فَهُوَ محبس أَصله ويسبل غَلَّته]
الْحمالَة: بِالْفَتْح: مَا لزم من غرم ودية
وحمالة السَّيْف: بِالْكَسْرِ
الْحلقَة: [بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، وَرُوِيَ عَن الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّهَا بِفَتْح الْحَاء فِي الدرْع وبكسرها فِي النَّاس وَقيل] حَلقَة الدرْع، كغلبة، وَيجوز الْجَزْم وَحل ة الْبَاب وَالْقَوْم تفتح وتكسر وَقيل: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب (حَلقَة) متحركة إِلَّا جمع (حالق)
الحيزوم: هُوَ فرس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
حيهل: اسْم لفعل أَمر
وحبهل الثَّرِيد: أَي ائْتِ الثَّرِيد
و [حيهل] بزيد وَعَلِيهِ: أقبل
و [حيهل] إِلَيْهِ: تعال
حُصَيْن: فِي الْبناء
حصان، كسحاب: فِي الْمَرْأَة
حنف: يسْتَعْمل فِي الْميل إِلَى الْخَبَر
و [جنف] بِالْجِيم: فِي الْميل إِلَى الْجور
[حوى، بِالْقصرِ: جمع، وبالمد ميل نفساني](1/409)
حذاء وحذو: كِلَاهُمَا صَحِيح
وَفُلَان يحذو حَذْو وَالِده، بِمَعْنى أَنه يسير بسيرته وَيجْرِي على طَرِيق هـ
حسن التَّعْلِيل: هُوَ أَن يدعى لوصف عِلّة مُنَاسبَة نَحْو قَوْله:
(لَو لم تكن نِيَّة الجوزاء خدمته ... لما رَأَيْت عَلَيْهَا عقد منتطق)
حسن النسق: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم بِكَلِمَات متتالية معطوفات تلاحما تلاحما سليما مستحسنا بِحَيْثُ إِذا أفردت كل جملَة مِنْهُ قَامَت بِنَفسِهَا واستقل مَعْنَاهَا بلفظها وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك} إِلَى آخِره وَمن الشواهد الشعرية قَوْله:
(جاور عليا وَلَا تحفل بحادثة ... إِذا ادرعت فَلَا تسْأَل عَن الأسل)
(سل عَنهُ وانطق بِهِ وَانْظُر إِلَيْهِ تَجِد ... ملْء المسامع والأفواه والمقل)
[نوع]
{حَنِيفا} : حَاجا أَو مائلا عَن الْبَاطِل إِلَى الْحق
{حُدُود الله} : طَاعَة الله
{حوبا كَبِيرا} : إِثْمًا عَظِيما
{حصرت} : ضَاقَتْ
{حجر} : حرَام
{كَأَنَّك حفي} : يُقَال تحفيت بفلان فِي الْمَسْأَلَة: إِذْ سَأَلت عَنهُ سؤالا أظهرت فِيهِ الْعِنَايَة والمحبة وَالْبر , مِنْهُ {إِنَّه كَانَ بِي حفيا} أَي بارا معينا، وَقيل: كَأَنَّك أَكثر السُّؤَال عَنْهَا حَتَّى علمتها والحفي: السؤول باستقصاء
{وحففناهما بِنَخْل} : جعلنَا النّخل مُحِيطَة بهما
{بعجل حنيذ} : النضيج مِمَّا يشوى بِالْحِجَارَةِ
{حصحص} : تبين
{حَاضِرَة الْبَحْر} : قريبَة مِنْهُ
{حفدة} : أصهارا، وَعَن ابْن عَبَّاس: ولد الْوَلَد
{حَصِيرا} سجينا [محبسا لَا يقدرُونَ الْخُرُوج أَبَد الآباد]
{حقبا} : دهرا
{عين حمئة} : حارة
{حصب جَهَنَّم} : عَن ابْن عَبَّاس: حطب(1/410)
جَهَنَّم بالزنجية
{وَقُولُوا حطة} : أَي قُولُوا هَذَا الْأَمر حق كَمَا قيل لكم أَو قُولُوا صَوَابا بلغَة الزنجية
{من كل حدب} : شرف
{حَبل الوريد} : عرق الْعُنُق
{حقت} : سبقت
{الْحِنْث الْعَظِيم} : الشّرك
{حسير} : كليل ضَعِيف
{حنانا} : رَحْمَة
{من حمإ مسنون} : الحمأ: السوَاد، والمسنون: المصور
{حسبانا من السَّمَاء} : مرامي أَو نَارا من السَّمَاء أَو بردا
{حسبانا} : عدد الْأَيَّام والشهور والسنين {ذَات الحبك} : ذَات الطرائق والخلق الْحسن.
{حرض} : حض
{فَلَا يكن فِي صدرك حرج} : ضيق
{بألسنة حداد} : الطعْن بِاللِّسَانِ
{حولا} : تحولا
{حصورا} : مبالغا فِي حبس النَّفس عَن الشَّهَوَات والملاهي
{وحاجه قومه} : خاصموه
{عَطاء حسابا} : تفضلا كَافِيا
{حَسِيسهَا} : الحسيس: صَوت يحس بِهِ
{فحسبه جَهَنَّم} : كفته جَزَاء وَعَذَابًا
{وَالشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} : أَي على أدوار مُخْتَلفَة يحْسب بهَا الْأَوْقَات
{يَطْلُبهُ حثيثا} : يعقبه سَرِيعا كالطالب لَهُ
{حَسبنَا الله} : كفانا فضلا
{حاق بهم} : أحَاط بهم
{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} : النُّبُوَّة وَكَمَال الْعلم وإتقان الْعَمَل
{فَالْحق وَالْحق أَقُول} : أَي فأحق الْحق وأقوله
{حميم} : مَاء حَار(1/411)
{حطاما} : هشيما
{حاصبا} : ريحًا عاصفا فِيهِ حَصْبَاء
{حشر} : جمع [وَإِذا اسْتعْمل بإلى يشْعر بالأضطرار والسوق]
{أَو أمضي حقبا} : أَسِير زَمَانا طَويلا
{خلاف مهين} : حقير الرَّأْي [كثير الْحلف بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل]
{الحاقة} : السَّاعَة
{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَاهُنَا حميم} : قريب يحميه
{حاجزين} : دافعين
{حِين من الدَّهْر} : طَائِفَة محدودة من الزَّمن الممتد غير الْمَحْدُود
{حبا} : مَا يقتات بِهِ
{فِي الحافرة} : فِي الْحَالة الأولى يعنون الْحَيَاة بعد الْمَوْت
{حنفَاء} : ماثلين عَن العقائد الزائغة
{فِي الحطمة} : فِي النَّار من شَأْنهَا أَن تحطم كل مَا يطْرَح فِيهَا
{حافين} : محدقين
{صِرَاط الحميد} : الْمَحْمُود نَفسه أَو عاقبته
{وَالله يَقُول الْحق} : مَا لَهُ حَقِيقَة عَيْنِيَّة مُطَابقَة لَهُ
{وحقت} : جعلت حَقِيقَة بالاستماع والانقياد
{لذِي حجر} : عقل
{وَجعل بَينهمَا برزخا وحجرا مَحْجُورا} : أَي منعا لَا سَبِيل إِلَى دَفعه وَرَفعه كَمَا فِي " الْمُفْردَات "
{حجرا مَحْجُورا} : حَرَامًا محرما
{حملت الأَرْض وَالْجِبَال} : رفعت من أماكنها
{ملئت حرسا} : حراسا
{إِحْدَى الحسنيين} : العاقبتين اللَّتَيْنِ كل مِنْهُمَا حسن النُّصْرَة وَالشَّهَادَة
{حرث الْآخِرَة} : ثَوَابهَا
{فبصرك الْيَوْم حَدِيد} : نَافِذ(1/412)
{من كل حدب} : نشز من الأَرْض
{كَأَنَّك حفي عَنْهَا} : عَالم بهَا
{يعبد الله على حرف} : على طرف من الدّين لَا ثبات لَهُ
{حسرة} : ندامة واغتمام على مَا فَاتَ
{حبطت} : بطلت
{حسيبا} : كَافِيا وعالما ومقتدرا ومحاسبا
{الْحَشْر} : الْجمع بكره
{حميم حميما} : قريب قَرِيبا
{حتما مقضيا} : وَاجِبا أوجبه الله على نَفسه وَقضى بِأَن وعد بِهِ وَعدا لَا يُمكن خَلفه
{حرضا} : مَرِيضا مشفيا على الْهَلَاك
{حسوما} : مُتَتَابِعَات أَو نحسات أَو قاطعات قطعت جمعهم
{وَكَانَ وعد رَبِّي حَقًا} : كَائِنا لَا محَال
{حرمات الله} : أَحْكَامه وَسَائِر مَا لَا يحل هتكه
{بِغَيْر حق} : بِغَيْر مُوجب
{على حرد} : على نكد من حاردت السّنة: إِذا لم يكن فِيهَا مطر، وحاردت الْإِبِل: إِذا منعت درها
{حوبا كَبِيرا} : الْحُوب مُطلق الْإِثْم
والحام: الْفَحْل من الْإِبِل إِذا ولد لوَلَده قَالُوا: حمى هَذَا ظَهره فَلَا يحملون عَلَيْهِ شَيْئا، وَلَا يجزون لَهُ وَبرا، وَلَا يمنعونه من حمى رعي وَلَا من حَوْض يشرب مِنْهُ
{أَو الحوايا} : أَو مَا اشْتَمَل على الأمعاء
{مَا حملت ظهورهما} : مَا علق بهَا من الشَّحْم
{حمولة} : الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير
[ {وَحصل مَا فِي الصُّدُور} : جمع محصلا فِي الصُّحُف أَو ميز
{قَالَ الحواريون} : أصفياء سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من (الْحور) وَهُوَ الْبيَاض، وهم أول من آمن بِهِ وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا]
(فصل الْخَاء)
[الختن] : كل من كَانَ من قبل الْمَرْأَة كَالْأَبِ وَالْأَخ فَهُوَ ختن بِالتَّحْرِيكِ، أَو الختن الصهر، وَهُوَ(1/413)
زوج بنت الرجل وَزوج أُخْته، فالأختان أَصْهَار أَيْضا
[الخلود] : كل شَيْء فِي الْقُرْآن خُلُود فَإِنَّهُ لَا تَوْبَة لَهُ
[خدم] : كل شَيْء أسرعت فِيهِ فقد خدمته
[الخزف] : كل مَا عمل من طين وشوي بالنَّار حَتَّى يكون فخارا فَهُوَ خزف محركة
[الْخلف] : كل شَيْء يَجِيء بعد شَيْء فَهُوَ خَلفه
[الْخَالِص] : كل شَيْء يتَصَوَّر أَن يشوبه غَيره وَإِذا صفا عَن شبوه فخلص مِنْهُ يُسمى خَالِصا، وَيُسمى الْفِعْل المخلص إخلاصا
[الخمط] : كل نبت أَخذ طعما من مرَارَة فَهُوَ خمط
[الْخط والخطة] : كل مَكَان يخطه الْإِنْسَان لنَفسِهِ يُقَال لَهُ خطّ وخطة
[الخلود] : كل مَا يتباطأ عَنهُ التَّغَيُّر وَالْفساد تصفه الْعَرَب بالخلود كَقَوْلِهِم للأيام خوالد، وَذَلِكَ لطول مكثها لَا للدوام
[الْخمر] : كل شراب مغط لِلْعَقْلِ سَوَاء كَانَ عصيرا أَو نقيعا، مطبوخا كَانَ أَو نيئا فَهُوَ خمر وكل شَيْء غطيته فقد خمرته وكل مَا يستر شَيْئا فَهُوَ خماره
وخمر، كفرح: توارى، وأخمرته الأَرْض عني ومني وَعلي: وارته
[الخيتعور] : كل شَيْء لَا يَدُوم على حَالَة وَاحِدَة ويضمحل كالسراب وَالَّذِي ينزل من الْهَوَاء كنسج العنكبوت فَهُوَ الخيتعور
[الْخَاص] : كل لفظ وضع لِمَعْنى مَعْلُوم على الِانْفِرَاد فَهُوَ الْخَاص
[الخفق] : كل ضرب بِشَيْء عريض فَهُوَ الخفق
[الْخلق] : كل فعل وجد من فَاعله مُقَدرا لَا على سَهْو وغفلة فَهُوَ الْخلق
خَاتِمَة كل شَيْء آخِره
[الْخَبَر الْمُتَوَاتر] : كل كَلَام سمع من فِي رَسُول الله أَي من فَمه جمَاعَة وَمن الْجَمَاعَة الأولى الْجَمَاعَة الثَّانِيَة وَمِنْهَا الثَّالِثَة إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى المتمسك فَهُوَ الْخَبَر الْمُتَوَاتر
[خبر الْوَاحِد] : كل كَلَام سمع من فِي رَسُول الله وَاحِد وَسمع من ذَلِك الْوَاحِد وَاحِد آخر وَمن الْوَاحِد الآخر آخر إِلَى أَن يَنْتَهِي من وَاحِد إِلَى وَاحِد إِلَى المتمسك فَهُوَ خبر الْوَاحِد
الْخَبَر: لُغَة بِمَعْنى الْعلم، والخبير فِي أَسمَاء الله تَعَالَى بِمَعْنى الْعَلِيم، وَلِهَذَا سمي الامتحان الْموصل بِهِ إِلَى الْعلم اختبارا بِمُقْتَضى مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ أَن يَقع على الصدْق خَاصَّة ليحصل بِهِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْعلم إِلَّا أَنه كثر فِي الْعرف للْكَلَام الدَّال على وجود الْمخبر بِهِ صَادِقا كَانَ أَو كَاذِبًا، عَالما كَانَ أَو لم يكن، وَلِهَذَا يُقَال: أَخْبرنِي فلَان كَاذِبًا والحقيقة الْعُرْفِيَّة قاضية على اللُّغَوِيَّة، وَيُؤَيّد هَذَا الْعرف بقوله تَعَالَى: {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} إِذْ لَو كَانَ للصدق خَاصَّة لم يكن للتبين معنى، والنبأ وَالْخَبَر الْوَاحِد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} أَي أَخْبرنِي(1/414)
وَاخْتلف فِي حد الْخَبَر، قيل: لَا يحد لعسره، وَقيل: لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ، وَيحد عِنْد الْأَكْثَر فَقَالَ بَعضهم: الْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب ورد بِخَبَر الله [وَخبر الرَّسُول] فَأُجِيب بِأَنَّهُ يَصح دُخُوله لُغَة، وَقَالَ بَعضهم: الْخَبَر كَلَام يُفِيد بِنَفسِهِ نِسْبَة فأورد عَلَيْهِ نَحْو (قُم) فَإِنَّهُ يدْخل فِي الْحَد، لِأَن الْقيام والطلب كِلَاهُمَا مَنْسُوب
قيل: الْخَبَر مَا يحْتَمل التَّصْدِيق والتكذيب وَهَذَا يُوجب تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ، لِأَن التَّصْدِيق هُوَ الْإِخْبَار عَن كَونه صَادِقا، والتكذيب هُوَ الْإِخْبَار عَن كَونه كَاذِبًا فَصَارَ قَوْله جَارِيا مجْرى مَا إِذا قيل: الْخَبَر مَا يصلح للإخبار عَنهُ بِأَنَّهُ صدق أَو كذب، فَهَذَا يُوجب تَعْرِيف الْخَبَر بالْخبر، وَيُوجب الدّور أَيْضا، لِأَن الصدْق هُوَ الْخَبَر الْمُوَافق، وَالْكذب هُوَ الْخَبَر الْمُخَالف، فَلَمَّا عرفنَا الْخَبَر بِالصّدقِ وَالْكذب وعرفناهما بالْخبر لزم الدّور
وَقَالَ بَعضهم: الْخَبَر كل كَلَام لَهُ خَارج صدق أَو كذب نَحْو: (قُم زيد) ، فَإِن مَدْلُوله وَهُوَ قيام زيد حَاصِل قبل التَّكَلُّم بالْخبر، فَإِن وَافق الْخَارِج فَالْكَلَام صدق، وَإِلَّا فَهُوَ كذب، وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا
وَقَالَ الرَّاغِب: الصدْق هُوَ الْمُطَابقَة الخارجية مَعَ الِاعْتِقَاد لَهَا فَإِن فقدا مَعًا أَو على الْبَدَل (فَمَا فقد فِيهِ كل مِنْهُمَا فَهُوَ كذب، سَوَاء فقد اعْتِقَاد الْمُطَابقَة باعتقاد عدمهَا، أم بِعَدَمِ اعْتِقَاد شَيْء) ، وَمَا فقد فِيهِ وَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ مَوْصُوف بِالصّدقِ من جِهَة مطابقته للاعتقاد أَو للْخَارِج وبالكذب [أَيْضا] من جِهَة أَنه انْتَفَى فِيهِ الْمُطَابقَة للْخَارِج أَو اعتقادها فَهُوَ وَاسِطَة بَين الصدْق وَالْكذب
(وَاعْلَم أَن أهل الْعَرَبيَّة اتَّفقُوا على أَن الْخَبَر مُحْتَمل للصدق وَالْكذب وَهَذَا الْكَلَام يحْتَمل الصدْق وَالْكذب أَيْضا، وَلَا تقصي عَنهُ إِلَّا بِأَن يُقَال: إِن هَذَا القَوْل) فَرد من أَفْرَاد مُطلق الْخَبَر فَلهُ اعتباران: أَحدهمَا من حَيْثُ ذَاته مَعَ قطع النّظر عَن خُصُوصِيَّة كَونه خَبرا جزئيا وَالثَّانِي من حَيْثُ عرُوض هَذَا الْمَفْهُوم لَهُ فثبوت الِاحْتِمَال لَهُ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يُنَافِي عدم الِاحْتِمَال بِالِاعْتِبَارِ الأول كاللاممكن التَّصَوُّر إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: الْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي يقبل الصدْق وَالْكذب لأجل ذَاته، أَي لأجل حَقِيقَته من غير نظر إِلَى الْمخبر والمادة الَّتِي تعلق بهَا الْكَلَام، كَأَن يكون من الْأُمُور الضرورية الَّتِي لَا يقبل إِثْبَاتهَا إِلَّا الصدْق وَلَا يقبل نَفيهَا إِلَّا الْكَذِب، فَقَوْل غير مَعْصُوم: فلَان من أهل الْجنَّة وَفُلَان من أهل النَّار يحْتَمل الصدْق وَالْكذب مُطلقًا، سَوَاء نَظرنَا إِلَى صُورَة نسبته أَو إِلَى مادته وَمَعْنَاهُ، أَو إِلَى الْمُتَكَلّم بِهِ
وأخبار الله وَرَسُوله إِذا نَظرنَا إِلَى حقائقها اللُّغَوِيَّة وقطعنا النّظر عَمَّا زَاد على ذَلِك نجدها لمُجَرّد صورتهَا تقبل الِاحْتِمَال، أما إِذا نَظرنَا إِلَى زَائِد على ذَلِك وَهُوَ كَون الْمخبر بهَا هُوَ الله المنزه وَرَسُوله الْمَعْصُوم من الْكَذِب عقلا فَحِينَئِذٍ يتحتم لَهَا الصدْق لَا غير، وَمثله الْإِخْبَار عَن الْأُمُور الضرورية ابْتِدَاء كَقَوْلِك: الِاثْنَان أَكثر من الْوَاحِد، وانتهاء كَقَوْل أهل الْحق: الله قديم قَائِم بِنَفسِهِ وَاحِد فِي(1/415)
ذَاته وَفِي صِفَاته وَفِي أَفعاله وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ يحتملهما من غير نظر إِلَى زَائِد على ذَلِك أما إِذا نَظرنَا إِلَى براهينها القطعية فَحِينَئِذٍ يجب لَهَا الصدْق لَا غير
وَمن الْخَبَر مَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب بِالنّظرِ إِلَى ذَاته وَصورته فَقَط وَإِذا نَظرنَا إِلَى زَائِد على ذَلِك تحتم كذبه كَقَوْل الْمُعْتَزلَة: " الْإِرَادَة الأزلية لَا تتَعَلَّق بالْكفْر وَلَا بالمعصية " وَنَحْو ذَلِك من عقائدهم الْفَاسِدَة، فَإِنَّهُ إِذا قصر النّظر على مُجَرّد حقائقها اللُّغَوِيَّة تحتملهما، أما إِذا نظر إِلَى براهين عُمُوم إِرَادَة الله ارْتَفع الِاحْتِمَال وَتعين الْكَذِب، وَمثله الْإِخْبَار، بِخِلَاف الْمَعْلُوم ضَرُورَة نَحْو: الْأَرْبَعَة أقل من الثَّلَاثَة
ثمَّ إِن الْخَبَر بِالنّظرِ إِلَى مَا يعرض لَهُ إِمَّا مَقْطُوع بصدقه كالمعلوم ضَرُورَة كالواحد نصف الِاثْنَيْنِ، أَو اسْتِدْلَالا كَقَوْل أهل السّنة: الْعَالم حَادث، وَمن الْمَقْطُوع بصدقه خبر الصَّادِق وَهُوَ الله تَعَالَى وَرَسُوله وَبَعض الْخَبَر الْمَنْسُوب إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن جهلنا عينه، والمتواتر معنى فَقَط أَو لفظا وَمعنى، وَإِمَّا مَقْطُوع بكذبه كالمعلوم خِلَافه ضَرُورَة (كَقَوْلِك: السَّمَاء أَسْفَل وَالْأَرْض فَوق، أَو اسْتِدْلَالا كَقَوْل الفلاسفة: الْعَالم قديم)
وكل خبر سمي فِي اصْطِلَاح الْمُحدثين بالموضوع فَمن ذَلِك مَا رُوِيَ أَنه تَعَالَى خلق نَفسه وَمن الْمَقْطُوع خبر مدعي الرسَالَة بِلَا معْجزَة (أَو بِلَا تَصْدِيق الصَّادِق) وَمَا فتش عَنهُ فِي الحَدِيث وَلم يُوجد عِنْد رُوَاة الحَدِيث وَأَصْحَابه، وَالْمَنْقُول آحادا فِيمَا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله تواترا كالنص على إِمَامَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي "، فَعدم تَوَاتر ذَلِك دَلِيل على الْقطع بكذبه
وَقد ذكرُوا لقبُول خبر الْوَاحِد شُرُوطًا مِنْهَا: أَن يكون مُوَافقا للدليل الْقطعِي وَمِنْهَا أَن لَا يُخَالف الْكتاب والمتواتر وَالْإِجْمَاع وَمِنْهَا أَن لَا يكون واردا فِي حَادِثَة تعم بهَا الْبلوى بِأَن يحْتَاج النَّاس كلهم إِلَيْهِ حَاجَة متأكدة مَعَ كَثْرَة تكرره، وَلِهَذَا أنكر الْحَنَفِيَّة خبر نقض الْوضُوء من مس الذّكر، لِأَن مَا تعم بِهِ الْبلوى يكثر السُّؤَال عَنهُ فتقضي الْعَادة بنقله تواترا، وَإِن أُجِيب من طرف الشَّافِعِيَّة بِمَنْع اقْتِضَاء الْعَادة لذَلِك، [وَلِأَنَّهُ يُخَالف قَوْله تَعَالَى: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} فَإِنَّهَا نزلت فِي قوم يستنجون بِالْمَاءِ بعد الْحجر فقد مدحهم الله بذلك وسمى فعلهم تَطْهِيرا والاستنجاء بِالْمَاءِ لَا يكون إِلَّا بِمَسّ الذّكر]
وَحكم الْخَبَر الْوَاحِد أَنه يُوجب الْعَمَل دون الْعلم، وَلِهَذَا لَا يكون حجَّة فِي الْمسَائِل الاعتقادية، لِأَنَّهَا تتبنى على الِاعْتِقَاد، وَهُوَ الْعلم الْقطعِي وَخبر الْوَاحِد يُوجب علم غَالب الرَّأْي(1/416)
وأكبر الظَّن لَا علما قَطْعِيا، وَخبر الْوَاحِد إِذا لحق بَيَانا للمجمل كَانَ الحكم بعده مُضَافا إِلَى الْمُجْمل دون الْبَيَان، وَإِذا تأيد بِالْحجَّةِ القطعية صَحَّ إِضَافَة حكم الْفَرْضِيَّة إِلَيْهِ وَالْخَبَر للصدق وَغَيره كَمَا عرفت، إِلَّا أَن يصله بِالْبَاء فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يحمل على الصدْق خَاصَّة، كَمَا فِي (إِن اخبرتني بقدوم فلَان) لِأَن الْبَاء للإلصاق وَهُوَ لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِالصّدقِ، كَذَا الْكِتَابَة وَالْعلم والبشارة، لَا يُقَال: إِن كل فَرد من أَفْرَاد الْخَبَر إِنَّمَا يَتَّصِف بِأَحَدِهِمَا لَا بهما، لأَنا نقُول: الْوَاو للْجمع الْمُطلق الْأَعَمّ من الْمُقَارنَة والمعية، وَقد يكون مَعْنَاهَا الْجمع فِي مُطلق الثُّبُوت فِي الْأَمر، كالواو الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة لعطفها على جملَة أُخْرَى، كَقَوْلِك: (ضربت زيدا وأكرمت عمرا)
وَالْخَبَر مَا أسْند إِلَى الْمُبْتَدَأ وَهُوَ عَامله فِي الْأَصَح، وَخبر بَاب (إِن) مَا أسْند إِلَى اسْمه وَهُوَ كالخبر، لَكِن لَا يقدم إِلَّا ظرفا
وَخبر (لَا) لنفي الْجِنْس مَا أسْند إِلَى اسْمهَا وَلَا يقدم وَكثر حذفه، وَيجب فِي تَمِيم
وَخبر (كَانَ) مَا أسْند إِلَى اسْمه وَهُوَ كالخبر، وَقد يحذف (كَانَ) فِي (إِن خيرا فَخير)
وَمَتى كَانَ الْخَبَر مشبها بِهِ الْمُبْتَدَأ لَا يجوز تَقْدِيمه مثل: (زيد زهر)
وَخبر (كَانَ) لَا يجوز أَن يكون مَاضِيا لدلَالَة (كَانَ) على الْمَاضِي، إِلَّا أَن يكون الْمَاضِي مَعَ (قد) فَإِنَّهُ يجوز لتقريبه إِيَّاه من الْحَال، أَو وَقع الْفِعْل الْمَاضِي شرطا
وَتَقْدِيم أَخْبَار الْأَفْعَال النَّاقِصَة على أَنْفسهَا يجوز على الِاتِّفَاق، وَذَلِكَ فِيمَا لم يكن فِي أَوله (مَا) لِأَنَّهَا أَفعَال صَرِيحَة، وَأما فِيمَا كَانَ فِي أَوله (مَا) فَلَا يجوز اتِّفَاقًا، لِأَن (مَا) إِمَّا نَافِيَة فلهَا صدر الْكَلَام، وَإِمَّا مَصْدَرِيَّة فَلَا يتَقَدَّم معموله عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُخْتَلفا فِيهِ وَالصَّحِيح الْجَوَاز
وَنَصّ النُّحَاة على أَن خبر (كَانَ) لَا يجوز حذفه وَإِن دلّ عَلَيْهِ دَلِيل إِلَّا ضَرُورَة، وَقَوله تَعَالَى: {لم يكن الله ليغفر لَهُم} خبر (كَانَ) فِي أَمْثَال ذَلِك مَحْذُوف تعلق بِهِ اللَّام مثل (مرِيدا)
وَقد تدخل الْفَاء فِي خبر (كل) مُضَاف إِلَى نكرَة وَخبر مَوْصُول بِفعل أَو ظرف، وَخبر نكرَة مَوْصُوفَة بهما(1/417)
والتوافق بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي التَّذْكِير والتأنيث إِنَّمَا يجب بِثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا: أَن يكون الْخَبَر مشتقا أَو فِي حكمه، وَلَا يشْتَرط فِيمَا إِذا كَانَ مشتقا مِنْهُ وَثَانِيها: أَن لَا يكون مِمَّا يتحد فِيهِ الْمُذكر والمؤنث ك (جريح) وَثَالِثهَا: أَن لَا يكون فِي الْخَبَر ضمير الْمُبْتَدَأ، فَلَا يؤنث (هِنْد حسن وَجههَا) بِخِلَاف (هِنْد حسن الْوَجْه)
وَالْخَبَر الْمُعَرّف بلام الْجِنْس قد يقْصد تَارَة حصره فِي الْمُبْتَدَأ إِمَّا حَقِيقَة أَو ادِّعَاء نَحْو: (زيد الْأَمِير) إِذا انحصرت الْإِمَارَة فِيهِ وَكَانَ كَامِلا فِيهَا كَأَن قيل: (زيد كل الْأَمِير وَجَمِيع أَفْرَاده) فَيظْهر الْوَجْه فِي إِفَادَة الْجِنْس الْحصْر، ويقصد أُخْرَى أَن الْمُبْتَدَأ هُوَ عين ذَلِك الْجِنْس ومتحد بِهِ، لَا أَن ذَلِك الْجِنْس مَفْهُوم مُغَاير للمبتدأ منحصر فِيهِ على أحد الْوَجْهَيْنِ فَهَذَا معنى آخر للْخَبَر الْمُعَرّف بلام الْجِنْس غير الْحصْر
وَإِدْخَال الْبَاء على خبر (أَن) لَا يجوز إِلَّا إِذا دخل حرف النَّفْي، فَلَا يجوز (ظَنَنْت أَن زيدا بقائم) ، وَإِنَّمَا جَازَ (مَا ظَنَنْت أَن زيدا بقائم)
وَالْفَاء فِي خبر الْمُبْتَدَأ المقرون ب (إِن) الوصلية شَائِع فِي عِبَارَات المصنفين مثل: (زيد وَإِن كَانَ غَنِيا فَهُوَ بخيل) وَوَجهه أَن يَجْعَل الشَّرْط عطفا على مَحْذُوف وَالْفَاء جَوَابه والشرطية خبر الْمُبْتَدَأ وَإِن جعل الْوَاو للْحَال على مَا يرَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ
وَالشّرط غير مُحْتَاج إِلَى الْجَزَاء فَأشبه الْخَبَر بالجزاء حَيْثُ قرن بالمبتدأ الشَّرْط
وَالْخَبَر قد يكون مَعَ الْوَاو وَإِن كَانَ حَقه أَن لَا يكون بهَا كَخَبَر الْمُبْتَدَأ وَإِن كَانَ قَلِيلا
وَخبر بَاب (كَانَ) نَحْو: فأمسى وَهُوَ عُرْيَان
وَخبر (مَا) الْوَاقِعَة بعْدهَا (إِلَّا) نَحْو: (مَا من أحد إِلَّا وَله نفس أَمارَة)
وَخبر (لَا) الْوَاقِعَة بعْدهَا (بُد) نَحْو: (لابد وَأَن يكون) قَالُوا: هَذِه الْوَاو لتأكيد لصوق الْخَبَر بِالِاسْمِ كالواو الَّتِي لتأكيد لصوق الصّفة بالموصوف فِي {وثامنهم كلبهم} وَغير ذَلِك مِمَّا ورد على خلاف الأَصْل، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك تَشْبِيها بِالْحَال فِي كَون كل مِنْهُمَا حَاصِلا لصَاحبه
وَالْكَلَام الخبري إِذا دَار بَين الْإِنْشَاء والإخبار فالحمل على الْإِخْبَار أولى، لِأَن وَضعه لَهُ
وَالْخَبَر بِمَعْنى الدُّعَاء نَحْو: {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} أَي: أعنا وَمِنْه: {تبت يدا أبي لَهب وَتب} فَإِنَّهُ دُعَاء لَهُ
وَأما الْخَبَر فِي مثل: {والوالدات يرضعن} ، {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} فَمَعْنَاه مَشْرُوعا لَا محسوسا كَمَا فِي مثل: {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} و {فَلَا رفث} إِلَى آخِره، فَإِن مَعْنَاهُ لَا يمسهُ أحد مِنْهُم شرعا، وَلَا يرْفث فِيهِ أحد شرعا، وَإِن وجد فعلى خلاف الشَّرْع فالنفي عَائِد إِلَى الحكم الشَّرْعِيّ لَا إِلَى الْوُجُود الْحسي
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: المُرَاد بالْخبر فِي تِلْكَ الْآيَات وَغَيرهَا الْأَمر وَالنَّهْي وَهَذَا أبلغ من الصَّرِيح كَأَنَّهُ(1/418)
تورع فِيهِ إِلَى الِامْتِثَال فَأخْبر عَنهُ
الْخطاب: خاطبه: وَهَذَا الْخطاب لَهُ، لَا خَاطب مَعَه وَالْخطاب مَعَه إِلَّا بِاعْتِبَار تضمين معنى المكالمة وَهُوَ الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ الإفهام
وَلَفظ (الْمُخَاطب) لم يوضع لمخاطب يتَوَجَّه إِلَيْهِ الْخطاب بِلَفْظ الْمُخَاطب، بِخِلَاف (أَنْت) بل هُوَ، وَكَذَا لفظ (الْمُتَكَلّم) موضوعان لمفهومهما لَا لذاتهما فِي الْأَحْكَام
الْخطاب: اللَّفْظ المتواضع عَلَيْهِ الْمَقْصُود بِهِ إفهام من هُوَ متهيئ لفهمه احْتَرز " بِاللَّفْظِ " عَن الحركات والإشارات المفهمة بالمواضعة و " بالتواضع عَلَيْهِ " عَن الْأَلْفَاظ الْمُهْملَة، و " بِالْمَقْصُودِ بِهِ الإفهام " عَن كَلَام لم يقْصد بِهِ إفهام المستمع فَإِنَّهُ لَا يُسمى خطابا، وَبِقَوْلِهِ: " لمن هُوَ متهيئ لفهمه " عَن الْكَلَام لمن لَا يفهم كالنائم
وَالْكَلَام يُطلق على الْعبارَة الدَّالَّة بِالْوَضْعِ وعَلى مدلولها الْقَائِم بِالنَّفسِ، فالخطاب إِمَّا الْكَلَام اللَّفْظِيّ أَو الْكَلَام النَّفْسِيّ الموجه نَحْو الْغَيْر للإفهام وَقد جرى الْخلاف فِي كَلَام الله هَل يُسمى بالأزل خطابا قبل وجود المخاطبين تَنْزِيلا لما سيوجد منزلَة الْمَوْجُود أَو لَا؟ فَمن قَالَ: الْخطاب هُوَ الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ الإفهام سمي الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا، لِأَنَّهُ يقْصد بِهِ الإفهام فِي الْجُمْلَة وَمن قَالَ: هُوَ الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ إفهام من هُوَ أهل للفهم على مَا هُوَ الأَصْل لَا يُسَمِّيه فِي الْأَزَل خطابا وَالْأَكْثَر مِمَّن أثبت الله تَعَالَى الْكَلَام النَّفْسِيّ من أهل السّنة على أَنه كَانَ فِي الْأَزَل أَمر وَنهي وَخبر، وَزَاد بَعضهم الاستخبار والنداء أَيْضا والأشعرية على أَنه تَعَالَى تكلم بِكَلَام وَاحِد وَهُوَ الْخَبَر، وَيرجع الْجَمِيع إِلَيْهِ لينتظم لَهُ القَوْل بالوحدة، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِذْ مَدْلُول اللَّفْظ مَا وضع لَهُ اللَّفْظ لَا مَا يَقْتَضِي مَدْلُوله على تَقْدِير، وَإِلَّا لجَاز اعْتِبَاره فِي الْخَبَر فَحِينَئِذٍ يرْتَفع الوثوق عَن الْوَعْد والوعيد بِاحْتِمَال معنى آخر غير مَا يفهم وَمن يُرِيد أَن يَأْمر أَو يُنْهِي أَو يخبر أَو يستخبر أَو يُنَادي يجد فِي نَفسه قبل التَّلَفُّظ مَعْنَاهَا ثمَّ يعبر عَنهُ بِلَفْظ أَو كِتَابَة أَو إِشَارَة، وَذَلِكَ الْمَعْنى هُوَ الْكَلَام النَّفْسِيّ، وَمَا يعبر بِهِ هُوَ الْكَلَام الْحسي، ومغايرتهما بَيِّنَة، إِذْ الْمعبر بِهِ هُوَ الْكَلَام الْحسي، ومغايرتهما بَيِّنَة، إِذْ قد يخْتَلف دون الْمَعْنى، وفرقه من الْعلم هُوَ أَن مَا خَاطب بِهِ مَعَ نَفسه أَو مَعَ غَيره فَهُوَ كَلَام، وَإِلَّا فَهُوَ علم، وَنسبَة علمه تَعَالَى إِلَى جَمِيع الْأَزْمِنَة على السوية، فَيكون جَمِيع الْأَزْمِنَة من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ تَعَالَى كالحاضر فِي زَمَانه فيخاطب بالْكلَام النَّفْسِيّ مَعَ مُخَاطب نَفسِي، وَإِلَّا يجب فِيهِ حُضُور الْمُخَاطب الْحسي، كَمَا فِي الْحسي فيخاطب الله كل قوم بِحَسب زَمَانه وتقدمه وتأخره، مثلا إِذا أرْسلت زيدا إِلَى عَمْرو تكْتب فِي مكتوبك إِلَيْهِ: إِنِّي أرْسلت إِلَيْك زيدا، مَعَ أَنه حينما تكتبه لم يتَحَقَّق الْإِرْسَال فتلاحظ حَال الْمُخَاطب، وكما تقدر فِي نَفسك مُخَاطبَة وَتقول لَهُ: تفعل الْآن كَذَا، وستفعل بعده كَذَا، وَكَانَ قبل ذَلِك كَذَا، وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمُضِيّ والحضور والاستقبال إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمَان الْوُجُود الْمُقدر من هَذَا الْمُخَاطب لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمَان الْمُتَكَلّم
وَمن أَرَادَ أَن يفهم حَقِيقَة هَذَا الْمَعْنى فليجرد نَفسه عَن الزَّمَان، ولينتظر نسبته إِلَى الْأَزْمِنَة يجد هَذَا(1/419)
الْمَعْنى مُعَاينَة، وَهَذَا سر هَذَا الْموضع
وَالْخطاب نَوْعَانِ: تكليفي: وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير
ووضعي: وَهُوَ الْخطاب بِأَن هَذَا سَبَب ذَلِك أَو شَرطه كالدلوك سَبَب للصَّلَاة وَالْوُضُوء شَرط لَهَا
وَالْخطاب الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف لَا بالاقتضاء أَو التَّخْيِير أَو الْوَضع نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} فَإِنَّهُ مُتَعَلق بِفعل الْمُكَلف من حَيْثُ الْإِخْبَار بِأَنَّهُ مَخْلُوق لله تَعَالَى
وخطاب الله الْمُتَعَلّق بِذَاتِهِ الْعلية نَحْو: {لَا إِلَه إِلَّا الله} وبفعله نَحْو: {الله خَالق كل شَيْء} ، وبالجمادات نَحْو: {وَيَوْم تسير الْجبَال وَترى الأَرْض بارزة} ، وبذوات الْمُكَلّفين نَحْو: {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ} وَمذهب جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ أَن الْأَحْكَام التكليفية، وَهِي الَّتِي يُخَاطب بهَا المكلفون خَمْسَة: أَرْبَعَة تدخل فِي الطّلب: الْإِيجَاب وَالنَّدْب وَالتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة، وَالْخَامِس: الْإِبَاحَة وَأما خلاف الأولى فمما أحدثه الْمُتَأَخّرُونَ
وكل خطاب فِي الْقُرْآن ب (قل) فَهُوَ خطاب التشريف
وخطاب الْعَام وَالْمرَاد بِهِ الْعُمُوم نَحْو: {وَالله الَّذِي خَلقكُم}
وخطاب الْخَاص وَالْمرَاد بِهِ الْخُصُوص: نَحْو: {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ}
وخطاب الْعَام وَالْمرَاد بِهِ الْخُصُوص نَحْو: {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} لم يدْخل فِيهِ غير الْمُكَلّفين
وخطاب الْخَاص وَالْمرَاد بِهِ الْعُمُوم نَحْو: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء}
وخطاب الْمَدْح نَحْو: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا}
وخطاب الذَّم نَحْو: {يَا أَيهَا الَّذين كفرُوا}
وخطاب الْكَرَامَة نَحْو: {يَا أَيهَا النَّبِي}
وَقد يعبر فِي مقَام التشريع الْعَام ب {يَا أَيهَا النَّاس} ، وَفِي مقَام الْخَاص ب {يَا أَيهَا النَّبِي}
وخطاب الإهانة نَحْو: {فَإنَّك رجيم}
وخطاب الْجمع بِلَفْظ الْوَاحِد نَحْو: {يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم} وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات} وَقيل: خطاب الْمُرْسلين، أَي قُلْنَا لكل مِنْهُم ذَلِك لتتبعهم الْأُمَم
وخطاب الْوَاحِد بِلَفْظ الِاثْنَيْنِ نَحْو: {ألقيا فِي جَهَنَّم} وَبِالْعَكْسِ نَحْو: (فَمن رَبكُمَا يَا(1/420)
مُوسَى} أَي: وَيَا هَارُون
وخطاب الِاثْنَيْنِ بِلَفْظ الْجمع نَحْو: {أَن تتبواً لقومكما بِمصْر بُيُوتًا} {وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة} وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {ألقيا فِي جَهَنَّم}
وخطاب الْجمع بعد الْوَاحِد نَحْو: {وَمَا تكون فِي شَأْن وَمَا تتلو مِنْهُ من قُرْآن وَلَا تَعْمَلُونَ}
وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَبشر الْمُؤمنِينَ}
وخطاب الْعين وَالْمرَاد بِهِ الْغَيْر نَحْو: {يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله} وَبِالْعَكْسِ نَحْو {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ}
وخطاب عَام لم يقْصد بِهِ معِين نَحْو: {وَلَو ترى إِذْ المجرمون}
وخطاب الشَّخْص ثمَّ الْعُدُول إِلَى غَيره نَحْو: {فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لكم} خُوطِبَ بِهِ النَّبِي ثمَّ قيل للْكفَّار {فاعلموا} بِدَلِيل: {فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ}
وخطاب التلوين وَهُوَ الِالْتِفَات
وخطاب التهييج نَحْو: {وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين}
وخطاب الاستعطاف نَحْو: {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا}
وخطاب التجنب نَحْو: {يَا أَبَت لَا تعبد الشَّيْطَان}
وخطاب التَّعْجِيز نَحْو: {فَأتوا بِسُورَة}
وخطاب الْمَعْدُوم، وَيصِح ذَلِك تبعا لموجود نَحْو: {يَا بني آدم}
وخطاب المشافهة لَيْسَ بخطاب لمن بعده، وَإِنَّمَا يثبت لَهُم الحكم بِدَلِيل آخر من نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس، فَإِن الصَّبِي وَالْمَجْنُون لما لم يصلحا لمثل هَذَا الْخطاب فالمعدوم أولى بِهِ
وخطاب الِاثْنَيْنِ فِي كَلَام وَاحِد غير جَائِز إِلَّا إِذا عطف إحدهما على الآخر، وَعَلِيهِ التَّلْبِيَة وَهِي: (لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك) بِحَذْف العاطف
[وَمن البلاغة القرآنية أَن الْخطاب فِي الْأَمر بِأَفْعَال الْخَيْر جَاءَ موحدا موجها إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظَّاهِر، وَإِن كَانَ الْمَأْمُور بِهِ من حَيْثُ الْمَعْنى عَاما
وَفِي النَّهْي عَن الْمَحْظُورَات موجها إِلَى غير الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُخَاطبا بِهِ أمته] وَاخْتلف فِي الْخطاب ب (يَا أهل الْكتاب) هَل يَشْمَل الْمُؤمنِينَ؟ فَالْأَصَحّ لَا وَقيل: إِن شركوهم فِي الْمَعْنى يشملهم، وَإِلَّا فَلَا
وَاخْتلف فِي {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} هَل يَشْمَل أهل الْكتاب؟ فَقيل: لَا، بِنَاء على أَنهم غير مخاطبين بالفروع وَقيل: هَذَا خطاب تشريف لَا تَخْصِيص(1/421)
[وَاخْتلف أَيْضا فِي الْخطاب بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَحْو: {يَا أَيهَا النَّبِي} وَكَذَا {يَا أَيهَا الرَّسُول} هَل يَشْمَل الْأمة؟ قَالَت الْحَنَفِيَّة والحنابلة: نعم، لِأَن أَمر الْقدْوَة أَمر لأتباعه مَعَه عرفا إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على الْفرق، وَفِي " الإتقان ": الْأَصَح فِي الْأُصُول بِالْمَنْعِ لاخْتِصَاص الصِّيغَة بِهِ
وَاخْتلف أَيْضا فِي الْخطاب ب {يَا أَيهَا النَّاس} هَل يَشْمَل الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على مَذَاهِب فِي " الإتقان " أَصَحهَا وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ أَنه يعم لعُمُوم الصِّيغَة، قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: {يَا أَيهَا النَّاس} خطاب لأهل مَكَّة و {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} خطاب لأهل الْمَدِينَة، وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم} عَام للمكلفين]
الْخَاص: هُوَ لُغَة: الْمُنْفَرد يُقَال: (فلَان خَاص لفُلَان) أَي: مُنْفَرد لَهُ
واختص بفلان بِكَذَا: أَي انْفَرد بِهِ
والتخصيص: تَمْيِيز أَفْرَاد الْبَعْض من الْجُمْلَة بِحكم اخْتصَّ بِهِ
وخاصة الشَّيْء: مَا اخْتصَّ بِهِ وَلَا يُوجد فِي غَيره كلا أَو بَعْضًا
والخاصية، بإلحاق الْيَاء تسْتَعْمل فِي الْموضع الَّذِي يكون السَّبَب مخفيا فِيهِ، كَقَوْل الْأَطِبَّاء: هَذَا الدَّوَاء يعْمل بالخاصية، فقد عبروا بهَا عَن السَّبَب الْمَجْهُول للأثر الْمَعْلُوم، بِخِلَاف الْخَاصَّة فَإِنَّهُ فِي الْعرف يُطلق على الْأَثر أَعم من أَن يكون سَبَب وجوده مَعْلُوما أم لَا يُقَال: مَا خَاصَّة ذَلِك الشَّيْء؟ أَي: مَا أَثَره النَّاشِئ مِنْهُ؟
والخواص: اسْم جمع (الخاصية) ، لَا جمع (الخاصية) ، لِأَن جمعهَا (الخاصيات) ، وَمُطلق الخاصية إِمَّا أَن يكون لَهَا تعلق بالاستدلال أَو لَا يكون، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ إِمَّا أَن تكون هِيَ لَازِمَة لذَلِك التَّرْكِيب لما هُوَ هُوَ، أَو تكون كاللازمة لَهُ، وَالْأول هُوَ الْخَواص الاستدلالية اللَّازِمَة لما هُوَ هُوَ، كعكوس القضايا ونتائج الأقيسة، وَالثَّانِي: هُوَ الْخَواص الاستدلالية الْجَارِيَة مجْرى اللَّازِم كلوازم التمثيلات والاستقراءات من التراكيب، لَا بِمُجَرَّد الْوَضع
والمزايا والكيفيات عبارَة عَن الخصوصيات المفيدة لتِلْك الْخَواص
وأرباب البلاغة يعبرون عَن لطائف علم الْمعَانِي بالخاصة الجامعة لَهَا، وَعَن لطائف علم الْبَيَان بالمزية وخواص بعض التراكيب كالخواص الَّتِي يفيدها الْخَبَر الْمُسْتَعْمل فِي معنى الْإِنْشَاء، وَبِالْعَكْسِ مجَازًا، فَإِنَّهُ لَا بُد فِي بَيَانهَا من بَيَان الْمعَانِي المجازية الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا تِلْكَ الْخَواص
وَأما المتولدات من أَبْوَاب الطّلب فَلَيْسَتْ من جنس الْخَواص، بل هِيَ معَان جزئية والخواص وَرَاءَهَا، وَذَلِكَ أَن الِاسْتِفْهَام يتَوَلَّد مِنْهُ الاستبطاء، وَهُوَ معنى مجازي لَهُ وَيلْزمهُ الطّلب، وَهُوَ خاصية يقصدها البليغ فِي مقَام يَقْتَضِيهِ، وَقس على هَذَا سَائِر المتولدات
وَحَقِيقَة المزية الْمَذْكُورَة فِي كتب البلاغة هِيَ خُصُوصِيَّة لَهَا فضل على سَائِر الخصوصيات من جِنْسهَا سَوَاء كَانَت تِلْكَ الخصوصية فِي تَرْتِيب(1/422)
مَعَاني النَّحْو الْمعبر عَنهُ بالنظم أَو فِي دلَالَة الْمعَانِي الأول على الْمعَانِي الثواني، فَهِيَ متنوعة إِلَى نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مَا فِي النّظم حَقه أَن يبْحَث عَنهُ فِي علم الْمعَانِي، وَثَانِيهمَا: مَا فِي الدّلَالَة حَقه أَن يبْحَث عَنهُ فِي علم الْبَيَان
وَالْفرق بَين الْخَواص والمزايا الَّتِي تتَعَلَّق بِعلم الْمعَانِي هُوَ أَن تِلْكَ المزايا تثبت فِي نظم التراكيب فيترتب عَلَيْهَا خواصها الْمُعْتَبرَة عِنْد البلغاء
فالمزايا الْمَذْكُورَة منشأ لتِلْك الْخَواص، وَكَذَا المزايا الَّتِي تتَعَلَّق بِعلم الْبَيَان، فَإِنَّهَا تثبت بِدلَالَة الْمعَانِي الثواني فيترتب عَلَيْهَا الْخَواص الْمَقْصُودَة بِتِلْكَ الدّلَالَة، وَهِي الْأَغْرَاض المترتبة على الْمجَاز الْمُرْسل والاستعارة وَالْكِنَايَة
والخصوصية: بِالْفَتْح أفْصح، وَحِينَئِذٍ تكون صفة، وإلحاق الْيَاء المصدرية بِكَوْن الْمَعْنى على المصدرية وَالتَّاء للْمُبَالَغَة، وَإِذا ضم يحْتَاج إِلَى أَن يَجْعَل الْمصدر بِمَعْنى الصّفة، أَو الْيَاء للنسبة، كَمَا فِي (أحمري) وَالتَّاء للْمُبَالَغَة كَمَا فِي (عَلامَة)
الْخَيْر، مخففا: اسْم تَفْضِيل أَصله (أخبر) حذفت همزته على خلاف الْقيَاس لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله، أَو مصدر من (خار) (يُخَيّر) ، أَو صفة مشبهة تَخْفيف (خير) مثل (سيد)
والمشدد وَاحِد الأخيار، وَلَا يُغير بالتثنية وَالْجمع والتأنيث و (خير) بِمَعْنى (أخير) لَا يجمع
و (خير) فِي {خير مُسْتَقرًّا} للتفضيل لَا للأفضلية كَقَوْلِنَا: (الثَّرِيد خير من النعم) و (الْجِهَاد خير من الْقعُود) أَي: خير فِي نَفسه
وَالْخَيْر، بِالْفَتْح مُخَفّفَة فِي الْجمال والميسم
و [الْخَيْر] مُشَدّدَة فِي الدّين وَالصَّلَاح
و [الْخَيْر] ، بِالْكَسْرِ: الْكَرم والشرف وَالْأَصْل والهيئة
وخار الله لَك فِي الْأَمر: جعل لَك فِيهِ الْخَيْر
وَهُوَ أخير مِنْك: كخير
وَإِذا أردْت التَّفْضِيل قلت: (فلَان خيرة النَّاس) بِالْهَاءِ، و (فلَان خَيرهمْ) بِتَرْكِهَا، أَو (فُلَانَة خيرة من الْمَرْأَتَيْنِ)
وَالْخَيْر: وجدان كل شَيْء كمالاته اللائقة، وَالشَّر مَا بِهِ فقدان ذَلِك
وَالْخَيْر يعم الدُّعَاء إِلَى مَا فِيهِ صَلَاح ديني أَو دُنْيَوِيّ، فينتظم الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
وَالْخَيْر: الْقُرْآن نَفسه: {أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم}
وَبِمَعْنى الأنفع: {نأت بِخَير مِنْهَا}
وَالْمَال: {إِن ترك خيرا}
وضد الشَّرّ: {بِيَدِك الْخَيْر}
والإصلاح: {يدعونَ إِلَى الْخَيْر}
وَالْولد: {وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا}
والعافية: {وَإِن يمسسك بِخَير}
وَالْإِيمَان: {وَلَو علم الله فيهم خيرا}(1/423)
وَرخّص الأسعار: {إِنِّي أَرَاكُم بِخَير}
والنوافل: {وأوحينا إِلَيْهِم فعل الْخيرَات}
وَالْأَجْر: {لكم فِيهَا خير}
وَالْأَفْضَل: {وَأَنت خير الرَّاحِمِينَ}
والعفة: {ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا}
وَالصَّلَاح: {إِن علمْتُم فيهم خيرا}
وَالطَّعَام: {إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير}
وَالظفر: {لم ينالوا خيرا}
وَالْخَيْل: {إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي}
وَالْقُوَّة: {أهم خير}
وَالدُّنْيَا: {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد}
ومشاهدة الْجمال كَمَا هُوَ المُرَاد من: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا}
و {لَا يسأم الْإِنْسَان من دُعَاء الْخَيْر} أَي: من طلب السعَة فِي النِّعْمَة
وَالْخَيْر الْمُطلق: هُوَ أَن يكون مرغوبا لكل أحد كالجنة
و [الْخَيْر] الْمُقَيد: هُوَ أَن يكون خيرا لوَاحِد وشرا لآخر، كَالْمَالِ قيل: لَا يُقَال لِلْمَالِ (خير) حَتَّى يكون كثيرا، وَقيل: الْخَيْر حُصُول الشَّيْء لما من شَأْنه أَن يكون حَاصِلا لَهُ أَي يُنَاسِبه ويليق بِهِ
فَالْحَاصِل الْمُنَاسب من حَيْثُ إِنَّه خَارج من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل كَمَال، وَمن حَيْثُ إِنَّه مُؤثر فَهُوَ خير
وَأَنت بِالْخِيَارِ وبالمختار: أَي اختر مَا شِئْت
الْخَطَأ: هُوَ ثُبُوت الصُّورَة المضادة للحق بِحَيْثُ لَا يَزُول بِسُرْعَة وَقيل: هُوَ الْعُدُول عَن الْجِهَة، وَذَلِكَ أضْرب
أَحدهَا: أَن تُرِيدُ غير مَا يحسن إِرَادَته فتفعله، وَهَذَا هُوَ الْخَطَأ التَّام الْمَأْخُوذ بِهِ الْإِنْسَان، يُقَال فِيهِ: خطأ يخطأ خطأ وخطاء بِالْمدِّ
وَالثَّانِي: أَن تُرِيدُ مَا يحسن فعله وَلَكِن يَقع عَنهُ بِخِلَاف مَا تريده، فَيُقَال فِيهِ أَخطَأ يُخطئ خطأ فَهُوَ مُخطئ، وَهَذَا قد أصَاب فِي الْإِرَادَة وَأَخْطَأ فِي الْفِعْل هَذَا هُوَ الْمَعْنى لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان " وَبِقَوْلِهِ: " من اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر "
وَالثَّالِث: أَن تُرِيدُ مَا لَا يحسن فعله ويتفق مِنْهُ خِلَافه، فَهَذَا مُخطئ فِي الْإِرَادَة مُصِيب فِي الْفِعْل، وَهُوَ مَذْمُوم بِقَصْدِهِ غير مَحْمُود على فعله
وَجُمْلَة الْأَمر أَن من أَرَادَ شَيْئا وَاتفقَ مِنْهُ غَيره يُقَال(1/424)
فِيهِ: أَخطَأ وَإِن وَقع مِنْهُ كَمَا أَرَادَهُ يُقَال: أصَاب
والخطاء، بِالْكَسْرِ ممدودا: مصدر (خاطأ) ك (قَاتل)
و [الْخَطَأ] بِالْفَتْح، غير مَمْدُود: مصدر (خطئَ)
و [الخطء] بِالْكَسْرِ وَسُكُون الطَّاء بِغَيْر مد مصدر (خطئَ) ك (أَثم إِثْمًا) وزنا وَمعنى
وَالْخَطَأ فِي الْقَصْد: هُوَ أَن ترمي شخصا تظنه صيدا أَو حَرْبِيّا فَإِذا هُوَ مُسلم
وَالْخَطَأ فِي الْفِعْل: هُوَ أَن ترمي غَرضا فَأصَاب آدَمِيًّا
وَالْخَطَأ تَارَة يكون بخطأ مَادَّة، وَتارَة بخطأ صُورَة
فَالْأول من جِهَة اللَّفْظ أَو الْمَعْنى، أما اللَّفْظ فكاستعمال المتباينة كالمترادفة نَحْو: السَّيْف والصارم وَأما الْمَعْنى فكالحكم على الْجِنْس بِحكم النَّوْع المندرج تَحْتَهُ نَحْو: (هَذَا لون، واللون سَواد فَهَذَا سَواد) وكإجراء غير الْقطعِي كالوهميات وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ قَطْعِيا مجْرى الْقطعِي كجعل العرضي كالذاتي نَحْو: (هَذَا إِنْسَان وَالْإِنْسَان كَاتب) وكجعل النتيجة إِحْدَى مقدمتي الْبُرْهَان لتغيرها، وَيُسمى مصادرة على الْمَطْلُوب ك (هَذِه نقلة وكل نقلة حَرَكَة فَهَذِهِ حَرَكَة)
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا يكون خطأ صُورَة كالخروج عَن الأشكال الْأَرْبَعَة بِمَا لَا يكون على تأليفها لَا فعلا وَلَا قُوَّة كانتفاء شَرط من شُرُوط الإنتاج
والخطيئة تقع على الصَّغِيرَة: {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي}
وَتَقَع على الْكَبِيرَة: {بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خطيئته}
والخطيئة: تغلب فِيمَا يقْصد بِالْعرضِ
والسيئة: قد تقال فِيمَا يقْصد بِالذَّاتِ
والخطيئة قد تكون من غير تعمد، وَالْإِثْم لَا يكون إِلَّا بالتعمد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: خطئَ وَأَخْطَأ وَاحِد
وَقَالَ غَيره: (خطئَ) فِي الدّين، و (أَخطَأ) فِي كل شَيْء
وَيُقَال: (خطئَ) إِذا أَثم، و (أَخطَأ) إِذا فَاتَهُ الصَّوَاب
والخطايا: جمع كَثْرَة
والخطيئات: جمع سَلامَة وَهِي للقلة وَمن هَذَا أَن الله تَعَالَى لما ذكر الْفَاعِل فِي " الْبَقَرَة " وَهُوَ قَوْله: {وَإِذ قُلْنَا} قرن بِهِ مَا يَلِيق بجوده وَكَرمه وَهُوَ غفران الْخَطَايَا الْكَثِيرَة، وَلما لم يسم الْفَاعِل فِي " الْأَعْرَاف " لَا جرم ذكر اللَّفْظ الدَّال على الْقلَّة
وَالْخَطَأ عذر فِيمَا هُوَ صلَة لم يُقَابل مَالا ومبنى الصِّلَة على التَّخْفِيف، وَلِهَذَا وَجَبت الدِّيَة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين
والخلل أَعم من الْخَطَأ، لِأَن الْخَطَأ خلاف الصَّوَاب وواقع فِي الحكم، والخلل يَقع فِيهِ وَفِي غَيره
والخلل فِي الْمَادَّة إِمَّا فِي نَفسهَا وَيُسمى خطأ، وَإِمَّا فِي الدّلَالَة عَلَيْهَا وَيُسمى نقصا
الْخَلَاء، بِالْمدِّ: هُوَ أَن يكون الجسمان بِحَيْثُ لَا(1/425)
يتماسان وَلَيْسَ بَينهمَا مَا يماسهما ليَكُون مَا بَينهمَا بعدا موهوما ممتدا فِي الْجِهَات، صَالحا لِأَن يشْغلهُ جسم ثَالِث، لكنه الْآن خَال عَن الشواغل
وَاحْتج الْحُكَمَاء على امْتنَاع الْخَلَاء بعلامات حسية والمتكلمون أجابوا عَن تِلْكَ العلامات بِأَن شَيْئا مِنْهَا لَا يُفِيد الْقطع بامتناع الْخَلَاء لجَوَاز أَن تكون تِلْكَ الْأُمُور الَّتِي ذكروها بِسَبَب آخر لَكِن لَا معرفَة بِخُصُوصِهِ وَاسْتَدَلُّوا على جَوَاز الْخَلَاء بالصفحة الملساء وَالْخلاف بَينهمَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْخَلَاء دَاخل الْعَالم لَا فِي خَارج الْعَالم، والنزاع فِيمَا وَرَاء كرة الْعَالم إِنَّمَا هُوَ فِي التَّسْمِيَة بالبعد فَإِنَّهُ عِنْد الْحُكَمَاء عدم مَحْض وَنفي صرف يُثبتهُ الْوَهم ويقدره من عِنْد نَفسه، وَلَا عِبْرَة بتقديره الَّذِي لَا يُطَابق الْوَاقِع فِي نفس الْأَمر، لجَوَاز أَن لَا يُسمى بعدا وَلَا خلاء
وَعند الْمُتَكَلِّمين هُوَ بعد موهوم كالمفروض فِيمَا بَين الْأَجْسَام على رَأْيهمْ
[وَقَالَ بَعضهم: الْخَلَاء بِمَعْنى عدم الملاء عدم صرف كوراء الْعَالم، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يكون مَكَانا للجسم إِذْ الْمَكَان مِمَّا يُمكن الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَيصِح أَن يُوصف الْجِسْم بِأَنَّهُ فِيهِ وَأَنه منتقل عَنهُ وَإِلَيْهِ، وَذَلِكَ غير مُتَصَوّر فِي الْعَدَم
وَقد يُطلق الْخَلَاء وَيُرَاد بِهِ الْبعد الْقَائِم لَا فِي مَحل من شَأْنه أَن تتعاقب عَلَيْهِ الْأَجْسَام ويملأ، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار مُخْتَلف فِي إثْبَاته وَفِي كَونه مَكَانا]
وَالْجُمْهُور على أَن لَيْسَ فِي الْخَلَاء قُوَّة جاذبة وَلَا دافعة، وَهُوَ الْحق
والخلو بِمَعْنى الْفَرَاغ وَعدم الشاغل
وخلا الزَّمَان من الْأَهْل
وخلت الدَّار من الأنيس
وَالزَّمَان الْخَالِي
وَالْمَكَان الْخَالِي: أَي الْفَرَاغ من الشَّيْء
والتخلية: حَال الْفَاعِل وَفعله كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من كتب اللُّغَة
وخلا الزَّمَان: مضى وَذهب
وخلا الْإِنْسَان: أَي صَار خَالِيا
وخلا بِهِ وَإِلَيْهِ وَمَعَهُ خلوا وخلاء وخلوة: سَأَلَهُ أَن يجْتَمع بِهِ فِي خلْوَة فَفعل وبالباء أَكثر اسْتِعْمَالا
وخلا مَكَانَهُ: مَاتَ
و [خلا] عَن الْأَمر وَمِنْه: تَبرأ
والخلا، بِالْقصرِ: الْحَشِيش
وخلا: فعل لَازم فِي أَصله لَا يتَعَدَّى إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء خَاصَّة
ول (خلا) معَان ثَلَاثَة: الِانْفِرَاد والمضي والسخرية، وصلته على الْمَعْنيين الْأَوَّلين (إِلَى)
وَأما إِذا كَانَ بِمَعْنى السخرية فَيحْتَاج إِلَى تضمين معنى الإنهاء، كَمَا فِي (أَحْمد إِلَيْك فلَانا)
الْخلاف: خَالف إِلَيْهِ: مَال
و [خَالف] عَنهُ: بعد يُقَال: (خالفني زيد إِلَى كَذَا) : إِذا قَصده وَأَنت مول عَنهُ
وخالفني عَنهُ: إِذا كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ، وَلَعَلَّ هذَيْن الاستعمالين بِاعْتِبَار التَّضْمِين
وَالْخلاف بِمَعْنى الْمُخَالفَة أَعم من الضِّدّ، لِأَن كل ضدين مُخْتَلِفَانِ
وَشَجر الْخلاف: مَعْرُوف
وَالْخلاف: كم الْقَمِيص(1/426)
وَاخْتلف: ضد اتّفق
وَفُلَان كَانَ خَليفَة
وَخلف فلَان فلَانا: قَامَ بِالْأَمر إِمَّا بعده وَإِمَّا مَعَه
والخلافة: النِّيَابَة عَن الْغَيْر، إِمَّا لغيبة المنوب عَنهُ، وَإِمَّا لمَوْته، وَإِمَّا لعَجزه، وَإِمَّا لتشريف الْمُسْتَخْلف وعَلى هَذَا اسْتخْلف الله عباده فِي الأَرْض
والخليفة: السُّلْطَان الْأَعْظَم، وَالَّذِي يحكم بَين الْخُصُوم وَمن هُنَا انتقد الْمَلَائِكَة بالإفساد
وَقيل: الْخَلِيفَة من يخلف غَيره وَيقوم مقَامه
وَفِي (الْخَلِيفَة) فِي قَوْله: {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنه آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمرَاد من قَوْله: {أَتجْعَلُ فِيهَا} إِلَى آخِره: ذُريَّته
وَالثَّانِي: أَنه ولد أَدَم لقَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف} وَالْخُلَفَاء: جمعهَا أَو جمع (الخليف) و (الخلائف) جمع (خَليفَة) ولكونه مُذَكّر الْمَعْنى جمع على (خلفاء) وَإِلَّا فقياسه (خلائف) ك (كرائم) إِذا (الفعيلة) بِالتَّاءِ لاتجمع على (فعلاء)
[وَفِي ثمار اليوانع، كَانَ سيدنَا أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ تَعَالَى عَنهُ يدعى خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وكل من الثَّلَاثَة يدعى بأمير الْمُؤمنِينَ، وَفِي " الْجَوْهَرَة " لما وجد فِي خلَافَة سيدنَا أبي بكر وَسَيِّدنَا عمر قَوْله تَعَالَى: {كُنْتُم خير أمة} وَقَوله جلت عَظمته: {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} ، وَوجد أَيْضا إِجْمَاع الْجَمِيع فِي خِلَافَتهمَا كَانَ وجوب طاعتهما كوجوب طَاعَة الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيكون جحود خِلَافَتهمَا كفرا وَأما خلَافَة سيدنَا عُثْمَان وَسَيِّدنَا عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَلم يُوجد فيهمَا مَا وجد فيهمَا لمَوْت سيدنَا أبي بكر وَسَيِّدنَا عمر رضوَان الله عَنْهُمَا قبل العقد لَهما فَصَارَ شُبْهَة فَسقط إكفار جَاحد خِلَافَتهمَا وَمن بعدهمَا بِالطَّرِيقِ الأولى، قَالَ تَاج الدّين السُّبْكِيّ: " الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ " وَذَلِكَ سر تَسْمِيَة الصَّحَابَة سيدنَا أَبَا بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون مَا عداهُ لِأَن خَليفَة الشَّخْص هُوَ الَّذِي يَنُوب عَنهُ فِي غيبته كَمَا قَالَ سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَخِيهِ سيدنَا هَارُون: {اخلفني فِي قومِي} فسيدنا أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نَائِب عَن سيدنَا ومولانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْمدَّة الَّتِي ولي فِيهَا]
وَخَلِيفَة الله: كل نَبِي، استخلفهم الله فِي عمَارَة الأَرْض وسياسة النَّاس وتكميل نُفُوسهم وتنفيذ أمره فيهم، لَا لحَاجَة بِهِ تَعَالَى إِلَى من ينوبه، بل لقُصُور الْمُسْتَخْلف عَلَيْهِ عَن قبُول فيضه وتلقي أمره بِغَيْر وسط، وَلذَلِك لم يستنبئ ملكا
وَالْخلف، بِفَتْح اللَّام وسكونها هَل يُطلق كل مِنْهُمَا على الْقرن الَّذِي يخلف غَيره صَالحا كَانَ أَو طالحا، أَو أَن سَاكن اللَّام فِي الطالح والمفتوح فِي(1/427)
الصَّالح؟ خلاف مَشْهُور بَين اللغويين
وَأكْثر مَجِيء (الْخلف) كالطلب فِي الْمَدْح، وكالقتل فِي الذَّم
وَالْخلف، كالكفر: اسْم وَهُوَ فِي الْمُسْتَقْبل كالكذب فِي الْمَاضِي وَهُوَ أَن تعد عدَّة وَلَا تَنَجزهَا
وَالْخلف، كالسلف: يجمع على (أخلاف)
[وَالْخلف] ، كالعدل: على (خلوف) ، وَقيل بِالضَّمِّ من (الْمُخَالفَة)
و [الْخلف] ، بِالْفَتْح: بِمَعْنى الالتباس
{جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} : أَي إِذا ذهب هَذَا يَجِيء هَذَا كَأَنَّهُ يخلفه، أَو يُخَالف أَحدهمَا صَاحبه وقتا ولونا
وَسكت ألفا ونطق خلفا: أَي رديئا
وَهُوَ خلف صدق من أَبِيه: أَي قَامَ مقَامه فِي الْآثَار وَالْأَحْكَام
والتخلف: التَّأَخُّر
والخوالف: النِّسَاء {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} ]
الْخَوْف: خَافَ: يلْزم وَيَتَعَدَّى إِلَى وَاحِد وَإِلَى اثْنَيْنِ بِنَفسِهِ، وبوسط (على) نَحْو: {فَإِذا خفت عَلَيْهِ}
ويتضمن معنى الظَّن فِي حَقِيقَته ومجازه وهوغم يلْحق لتوقع الْمَكْرُوه، وَكَذَا الْهم
وَأما الْحزن فَهُوَ غم يلْحق من فَوَات نَافِع أَو حُصُول ضار
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": الْخَوْف عِلّة المتوقع والحزن عِلّة الْوَاقِع
وَمعنى قَوْله تَعَالَى: {ليحزنني أَن تذْهبُوا بِهِ} قصد أَن تذْهبُوا بِهِ وَالْقَصْد حَاصِل فِي الْحَال. (وَقد نظمت فِيهِ:
(عَلَيْك بِأَن تسْعَى لإحراز رُتْبَة ... لأَنْت بهَا للشدتين مدافع)
(وَذَلِكَ بِالنَّصِّ الْجَلِيل مُقَرر ... هما عِلَّتَانِ الْوَاقِع المتوقع)
والخشية: أَشد من الْخَوْف، لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من قَوْلهم: شَجَرَة خاشية: أَي يابسة، وَهُوَ فَوَات بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْخَوْف: النَّقْص
من نَاقَة خوفاء: أَي بهَا دَاء وَلَيْسَ بِفَوَات، وَلذَلِك خصت الخشية بِاللَّه فِي قَوْله: {ويخشون رَبهم}
والخشية تكون من عظم المخشي وَإِن كَانَ الخاشي قَوِيا وَالْخَوْف يكون من ضعف الْخَائِف وَإِن كَانَ الْمخوف أمرا يَسِيرا
وأصل الخشية خوف من تَعْظِيم، وَلذَلِك خص بهَا الْعلمَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} على قِرَاءَة نصب الْجَلالَة وَقد نظمت فِيهِ:
(من قلب شيخ للقلب تَسْلِيَة ... فِي الْعلم من خشيَة الرَّحْمَن تبشير)
وَإِذا قلت: الشَّيْء مخوف، كَانَ إِخْبَارًا عَمَّا حصل مِنْهُ الْخَوْف كَقَوْلِك، الطَّرِيق مخوف، وَإِذا قلت:(1/428)
الشَّيْء مخيف كَانَ إِخْبَارًا عَمَّا يتَوَلَّد مِنْهُ الْخَوْف كَقَوْلِك مَرِيض مخيف: أَي يتَوَلَّد الْخَوْف لمن شَاهده، وَقد نظمت فِيهِ:
(وَلَا تَسْقِنِي كأس الْمَلَامَة إِنَّنِي ... مَرِيض مخيف وَالطَّرِيق مخوف)
وَالْخَوْف: الْقَتْل، قيل: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ولنبلونكم بِشَيْء من الْخَوْف} والقتال أَيْضا، وَمِنْه: {فَإِذا جَاءَ الْخَوْف} ، والتوقع وَالْعلم وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَمن خَافَ من موص جنفا}
وأخاف فلَان: أَي أَتَى خيف منى فنزله ك (أمنى فلَان) : أَي نزل منى
والخيفة: من الْخَوْف وَفِي تَخْصِيصه بِالْمَلَائِكَةِ فِي قَوْله: {وَالْمَلَائِكَة من خيفته} تَنْبِيه على أَن الْخَوْف مِنْهُم حَالَة لَازِمَة لَا تفارقهم
والحذر: شدَّة الْخَوْف، وَكَذَا الجذار، والرهبة خوف مَعَه تحير
ورهبوت خير من رحموت: أَي لَئِن ترهب خير من أَن ترحم
وَالْفرق: كالرهب {وَلَكنهُمْ قوم يفرقون} : يخَافُونَ
والرعب: الْفَزع
الْخبث: هُوَ مَا يكره رداءة وخسة، محسوسا كَانَ أَو معقولا، وَذَلِكَ يتَنَاوَل الْبَاطِل فِي الِاعْتِقَاد، وَالْكذب فِي الْمقَال، والقبح فِي الفعال
الْخلق: خلق، ككرم: صَار خليقا أَي جَدِيرًا
والخليقة: الطبيعة
وخليق، كزبير: صغروه بِلَا هَاء، لِأَن الْهَاء لَا تلْحق تَصْغِير الصِّفَات
والخلق، بِالضَّمِّ وبضمتين: السجية والطبع والمروءة وَالدّين
والخلقة بِالْكَسْرِ: الْفطْرَة
والخلق، بِالْفَتْح: مصدر مُخَالف لسَائِر المصادر فَإِن معنى كلهَا التَّأْثِير الْقَائِم بالفاعل المغاير لَهُ وللمفعول وَأما الْخلق فَهُوَ نفس الْمَخْلُوق
[وَخص المفتوح بالهيئة والأشكال والصور المدركة بالبصر، والمضموم بالقوى والسجيات المدركة بالبصيرة]
والخلق، فِي اللُّغَة [بِالْفَتْح] : التَّقْدِير بِمَعْنى الْمُسَاوَاة بَين شَيْئَيْنِ يُقَال: خلقت النَّعْل إِذا قدرته فَأطلق على إِيجَاد شَيْء: أَي على مِقْدَار شَيْء سبق لَهُ الْوُجُود
والخلق: الْجمع أَيْضا، وَمِنْه الخليقة لجَماعَة الْمَخْلُوقَات، وَالْقطع أَيْضا يُقَال: خلقت هَذَا على ذَاك: إِذا قطعته على مِقْدَاره وَمِنْه: {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} ، لِأَن الموجد سُبْحَانَهُ يجمع بَين الْوُجُود والماهية وَيقطع من أشعة مُطلق نور الْوُجُود قدرا معينا ويضيفه إِلَى الْحَقِيقَة الكونية بِقطع نسبته(1/429)
من إِطْلَاقه
و {أحسن الْخَالِقِينَ} أَي: المقدرين أَو جمع بطرِيق عُمُوم الْمجَاز، إِذْ لَا مُؤثر فِي الْحَقِيقَة إِلَّا الله تَعَالَى
والخلق: إِحْدَاث أَمر يُرَاعِي فِيهِ التَّقْدِير حسب إِرَادَته
[وَفِي " الْأَنْوَار " الْخلق: إِيجَاد الشَّيْء على تَقْدِير، أَي مُشْتَمِلًا على تعْيين قدر كَانَ ذَلِك التَّعْيِين قبل ذَلِك الإيجاد ومشتملا على اسْتِوَاء الْمُوجب للمعين فِي الْقدر، فَكَمَا يَجْعَل الْفِعْل مُسَاوِيا للمقياس يَجْعَل الْخَالِق مُسَاوِيا لما قدره فِي علمه وَلَا يُخَالف الْمُوجب الْمُقدر فِي الْعلم] كخلق الْإِنْسَان من مواد مَخْصُوصَة وصور وأشكال مُعينَة، وَقد يُطلق لمُجَرّد الإيجاد من غير نظر إِلَى وَجه الِاشْتِقَاق [وَلَيْسَ المُرَاد بالخلق فِي قَوْله تَعَالَى: {خَلقكُم من تُرَاب} {وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طين} غير الْإِحْيَاء وتأليف الْأَجْزَاء]
وَلَيْسَ الْخلق الَّذِي هُوَ الإبداع إِلَّا لله تَعَالَى وَأما الَّذِي يكون بالاستحالة فقد جعله الله لغيره فِي بعض الْأَحْوَال كعيسى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
وَقد يُرَاد بالخلق الْهم بالشَّيْء والعزم على فعله
وَقد يُطلق بِمَعْنى الْكَذِب والافتراء، وَعَلِيهِ: {وتخلقون إفكا} أَي: تكذبون كذبا
وَالْفرق بَين الْخلق والجعل الْمُتَعَدِّي إِلَى وَاحِد هُوَ أَن الْخلق فِيهِ معنى التَّقْدِير والتسوية، والجعل فِيهِ معنى التَّعَلُّق والارتباط بِالْغَيْر بِأَن يكون فِيهِ أَو مِنْهُ أَو إِلَيْهِ، لَا بِأَن يصير إِيَّاه، لِأَنَّهُ معنى آخر للجعل، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يتَعَدَّى إِلَى مفعولين
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": الْخلق فِيهِ معنى التَّقْدِير، والجعل الَّذِي لَهُ مفعول وَاحِد فِيهِ معنى التَّضْمِين، يَعْنِي اعْتِبَار شَيْئَيْنِ وارتباط بَينهمَا قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: التَّضْمِين وَاجِب فِي الثَّانِي دون الأول وتضمين النَّقْل مَخْصُوص بِهِ، والإنشاء مُشْتَرك، والتصيير فِي {خَلَقْنَاكُمْ} مُحْتَمل وَهَذَا التَّحْقِيق لَا سِيمَا قَوْله والإنشاء مُشْتَرك يدل على أَن التَّضْمِين حَقِيقَة فيهمَا لكنه وَاجِب فِي أَحدهمَا دون الآخر وَهَذَا مُوَافق لما فِي " الْكَشْف " من أَن التَّضْمِين فِي (جعل) مطرد، وَفِي (خلق) غير مضطرد على مَا اقْتَضَاهُ طَريقَة صَاحب " الْكَشَّاف "
والخلق إِن جعل بِمَعْنى الإيجاد لم يستقم فِي أعدام الملكات، إِذْ شَائِبَة التَّحْقِيق لَا تَكْفِي فِي حَقِيقَة الإيجاد، وَإِن جعل بِمَعْنى الإحداث استقام فِيهَا لِأَنَّهُ أَعم من الإيجاد فيتصور فِي تِلْكَ الأعدام
والخلاق، كَالطَّلَاقِ: نصيب الْإِنْسَان من أَفعاله المحمودة الَّتِي تكون خلقا لَهُ وَقد يُرَاد النَّصِيب من الْخَيْر على وَجه الِاسْتِحْقَاق، لِأَنَّهُ لما اسْتَحَقَّه فَكَأَنَّهُ خلق لَهُ، أَو لِأَن صَاحبه خليق بنيله وجدير بِهِ، وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق}
الخضوع: هُوَ ضراعة فِي الْقلب(1/430)
والخشوع: بالجوارح، وَلذَلِك إِذا تواضع الْقلب خَشَعت الْجَوَارِح
والخنوع: ضراعة لمن هُوَ دونه طَمَعا لغَرَض فِي يَده
الخيال: الظَّن والتوهم وَكسَاء أسود ينصب على عود يخيل بِهِ للبهائم وَالطير فتظنه إنْسَانا
والخيال مرتع الأفكار كَمَا أَن الْمِثَال مرتع الْأَبْصَار
والخيال قد يُقَال للصورة الْبَاقِيَة عَن المحسوس بعد غيبته فِي الْمَنَام وَفِي الْيَقَظَة
والطيف لَا يُقَال إِلَّا فِيمَا كَانَ حَال النّوم، وَقد ألغزت فِيهِ:
(وَمَا بَاطِل قد يشبه الْحق بدؤه ... يُعَذِّبنِي جَهرا وينعمني سرا)
وَالْخَيْل: فِي الأَصْل اسْم للأفراس والفرسان جَمِيعًا، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمن رِبَاط الْخَيل} وَيسْتَعْمل فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَردا، فَمَا رُوِيَ: " يَا خيل الله ارْكَبِي " للفرسان و " عَفَوْت لكم عَن صَدَقَة الْخَيل " يَعْنِي الأفراس
الخدع: يُقَال: خَادع إِذا لم يبلغ مُرَاده، وخدع: إِذا بلغ مُرَاده وَلَا بُد للمشترك فِيهِ من اثْنَيْنِ مغايرين بِالذَّاتِ، بِخِلَاف الخدع فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْمُغَايرَة بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِالِاعْتِبَارِ، كَمَا فِي معالجة الطَّبِيب نَفسه، وَعلم الشَّخْص بِنَفسِهِ، وَالْمَذْكُور صَرِيحًا فِي بَاب المفاعلة فعل الْفَاعِل فَقَط، وَأما فعل الْمَفْعُول فَهُوَ مَدْلُول الْكَلَام
الْخَتْم: هُوَ يسْتَعْمل تَارَة مُتَعَدِّيا بِنَفسِهِ وَأُخْرَى ب (على) وَهُوَ قريب من الكتم لفظا لتوافقهما فِي الْعين وَاللَّام، وَكَذَا معنى لِأَن الْخَتْم على الشَّيْء يسْتَلْزم كتم مَا فِيهِ
وَختم الله على قلبه: جعله بِحَيْثُ لَا يفهم شَيْئا وَلَا يخرج عَنهُ شَيْء
وَختم الشَّيْء: بلغ آخِره
والخاتم، بِكَسْر التَّاء: فَاعل الْخَتْم وَهُوَ الْإِتْمَام وَالْبُلُوغ، وَبِفَتْحِهَا: بِمَعْنى الطابع، وَتَسْمِيَة نَبينَا خَاتم الْأَنْبِيَاء لِأَن الْخَاتم آخر الْقَوْم قَالَ الله تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} وَنفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص والاستدراك شبه الْعلَّة لما نَفَاهُ من أبوته للكبار الَّذين يُطلق عَلَيْهِم اسْم الرِّجَال
وَالْأَحْسَن أَنه من الكتم، لِأَنَّهُ سَاتِر الْأَنْبِيَاء بِنور شَرِيعَته كَالشَّمْسِ تستتر بنورها الْكَوَاكِب، كَمَا أَنَّهَا تستضيء بهَا
[وَالدَّلِيل الْعقلِيّ بِكَوْنِهِ خَاتم الْأَنْبِيَاء جمعه بَين الظَّاهِر وَالْبَاطِن]
والخزي، بِالْكَسْرِ: من خزي الرجل ك (علم) إِذا لحقه انكسار إِمَّا من نَفسه أَو من غَيره، وَالْأول هُوَ(1/431)
الْحيَاء المفرط ومصدره (الخزاية) بِالْفَتْح، وَالثَّانِي: ضرب من الاستخفاف، ومصدره (الخزي) وَقَوله تَعَالَى: {رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} يحتملهما و {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه} من الخزاية وَهِي النكال والفضيحة، وَلَيْسَ كل من يدْخل النَّار يزل وينكل بِهِ ويفضح، أَو المُرَاد من الإخزاء الْإِقَامَة وَالْخُلُود، لَا إِدْخَال تَحِلَّة الْقسم الدَّال عَلَيْهَا {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} وَإِدْخَال التَّطْهِير الَّذِي يكون لبَعض الْمُؤمنِينَ بِقدر ذنوبهم
الْخُرُوج: قد يسْتَعْمل فِي معنى الظُّهُور، يُقَال: (خرجت الشَّمْس من السَّحَاب) أَي: انكشفت وَقد يسْتَعْمل فِي معنى الِانْتِقَال يُقَال: (خرجت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة) وَهُوَ متنوع فِي نَفسه لُغَة، لِأَنَّهُ عبارَة عَن الِانْفِصَال من مَكَانَهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ إِلَى مَكَان قَصده، وَذَلِكَ الْمَكَان تَارَة يكون قَرِيبا، وَتارَة يكون بَعيدا، فعلى هَذَا السّفر أحد نَوْعي الْخُرُوج وضعا ولغة يُقَال: (سَافر فلَان) من غير ذكر الْخُرُوج، فيجعلون الْخُرُوج عين السّفر
وَيُقَال: خرج الرجل من دَاره وبرز الشجاع من مكمنه ودلق السَّيْف من غمده
وَنور النبت: أَي خرج زهره
وصبأ فلَان: أَي خرج من دين إِلَى دين
وَيُقَال: خرجت لعشر بَقينَ، وبالليل، وَفِي شهر كَذَا، وَلم يحسن (خرجت بِيَوْم الْجُمُعَة) أَو (بليلة الْجُمُعَة) وَحسن (خرجت بِيَوْم سعد وبيوم نحس) فَإِن النَّهَار وَاللَّيْل مِمَّا لم يكن فيهمَا خُصُوص وَتَقْيِيد فَجَاز اسْتِعْمَال الْبَاء فيهمَا وَإِذا قيدتهما وخصصتهما زَالَ الْجَوَاز، وَلما كَانَ فِي يَوْم الْجُمُعَة خصوصيات وتقييدات زَائِدَة على الزَّمَان لم يجز اسْتِعْمَال الْبَاء فِيهِ
الخرس: هُوَ آفَة فِي اللِّسَان لَا يُمكن مَعهَا أَن يعْتَمد مَوَاضِع الْحُرُوف، وَهُوَ أَعم من الْبكم لانتظامه الْعَارِض والأصلي، والبكم مَخْصُوص بالأصلي
والأخرس: هُوَ الَّذِي خلق وَلَا نطق لَهُ
والأبكم: هُوَ الَّذِي لَهُ نطق وَلَا يعقل الْجَواب
واللكنة: عدم جَرَيَان اللِّسَان وَقد تزداد الحبسة فِي اللِّسَان بانقباض الرّوح إِلَى بَاطِن الْقلب عِنْد ضيقه بِحَيْثُ لَا ينْطَلق
الخرج: هُوَ أخص من الْخراج يُقَال: (أد خرج رَأسك وخراج مدينتك)
وَحَدِيث " وَالْخَرَاج بِالضَّمَانِ) أَي غلَّة العَبْد للْمُشْتَرِي بِسَبَب أَنه من ضَمَانه، وَذَلِكَ بِأَن يَشْتَرِي عبدا ويستغله زَمَانا ثمَّ يعثر مِنْهُ على عيب دسه البَائِع فَلهُ رده وَالرُّجُوع بِالثّمن، وَأما الْغلَّة الَّتِي استغلها فَهِيَ لَهُ طيبَة، لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانه، وَلَو هلك هلك من مَاله
الخشن، ككتف: من خشن الشَّيْء ك (كرم) فَهُوَ خشن ضد (لِأَن)
والخشين: بِالْيَاءِ: من خشونة الطَّبْع
والخشونة: عدم اسْتِوَاء وضع الْأَجْزَاء، بِأَن يكون بَعْضهَا أرفع وَبَعضهَا أَخفض(1/432)
الْخطْبَة: هِيَ كَلِمَات تَتَضَمَّن طلب شَيْء لَكِنَّهَا فِي طلب النِّسَاء بِالْكَسْرِ، وَفِي غَيرهَا بِالضَّمِّ، وَالْفِعْل فِي الْكل من حد (طلب)
الْخلطَة: بِالضَّمِّ: الشّركَة، وَلَا فرق إِذن بَين الخليط وَالشَّرِيك، وَالِاخْتِلَاف بَينهمَا إِنَّمَا يَقع بِسَبَب اخْتِلَاف الْمحل، فَتَارَة يذكر الشَّرِيك فِي نفس الْمَبِيع، والخليط فِي حق البيع، وَتارَة بِالْعَكْسِ
والخلط: الْجمع بَين أَجزَاء شَيْئَيْنِ فَأكْثر، مائعين أَو جامدين أَو متخالفين، وَهُوَ أَعم من المزج
الخاطر،: هُوَ اسْم لما يَتَحَرَّك فِي الْقلب من رَأْي أَو معنى، سمي مَحَله باسم ذَلِك، وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة، يُقَال مِنْهُ: خطر ببالي أَمر، وعَلى بالي أَيْضا
وأصل تركيبه يدل على الِاضْطِرَاب وَالْحَرَكَة
والخطر: الإشراف على الْهَلَاك
وَهَذَا أَمر خطر: أَي مُتَرَدّد بَين أَن يُوجد وَبَين أَن لَا يُوجد
والختر، بِالتَّاءِ: أَشد الْغدر
الْخلْع، بِالْفَتْح: الْقلع والإزالة، واختص فِي إِزَالَة الزَّوْجِيَّة بِالضَّمِّ، وَفِي إِزَالَة غَيرهَا بِالْفَتْح، كَمَا أَن التسريح عَن قيد النِّكَاح اخْتصَّ بِالطَّلَاق، وَعَن غَيره بِالْإِطْلَاقِ
الْخرق: خرقه: جابه ومزقه
وخرق بالشَّيْء ك (كرم) : جَهله، ومحركة: الدهش من خوف أَو حَيَاء
والخارق: معْجزَة إِن قَارن التحدي، وَإِن سبقه فإرهاص، وَإِن تَأَخّر عَنهُ بِمَا يُخرجهُ عَن الْمُقَارنَة الْعُرْفِيَّة فكرامة فِيمَا يظْهر، وَإِن ظهر بِلَا تحد على يَد ولي فكرامة لَهُ، أَو على يَد غَيره فسحر أَو مَعُونَة أَو اسْتِدْرَاج أَو شعبذة أَو إهانة كَمَا وَقع لمُسَيْلمَة الْكذَّاب
وَالْحق أَن السحر لَيْسَ من الخوارق، لِأَن مَا يَتَرَتَّب على الْأَسْبَاب كلما بَاشَرَهَا أحد يخلق عقيبها الْبَتَّةَ، فَصَارَ كالإسهال بعد شرب السقمونيا، وشفاء الْمَرِيض بِالدُّعَاءِ خارق لَا بالأدوية الطبية
[وكل خارق ظهر على يَد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِعَيْنِه فَهُوَ من بَاب الكرامات، والأنبياء قبل الْبعْثَة لَا يخرجُون عَن دَرَجَة الْأَوْلِيَاء، وَظُهُور الكرامات على يَد الْأَوْلِيَاء جَائِز عندنَا]
ومعجزة النَّبِي يَرَاهَا الْمُسلم وَالْكَافِر، والمطيع والعاصي وَأما كَرَامَة الْوَلِيّ فَلَا يَرَاهَا إِلَّا مثله، وَلَا يَرَاهَا الْفَاسِق
الْخلّ، بِالْكَسْرِ: المصادقة والإخاء، وَكَذَا الْخلَّة، بِالْكَسْرِ
والخلة تَدْعُو إِلَى السلَّة: أَي الْفقر، وَالْحَاجة تَدْعُو إِلَى السّرقَة
والخلة، بِالضَّمِّ،: الْمَوَدَّة، وَمَا كَانَ حلوا من المرعى
و [الْخلَّة] ، بِالْفَتْح: الِاخْتِلَاف الْعَارِض للنَّفس إِمَّا لشهوتها لشَيْء أَو حَاجَتهَا إِلَيْهِ
الْخيف: هُوَ اخْتِلَاف فِي الْعَينَيْنِ يُقَال (فرس أخيف) إِذا كَانَت إِحْدَى عَيْنَيْهِ زرقاء وَالْأُخْرَى كحلاء، فينتمي بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ إِلَى شَيْء وبالأخرى إِلَى شَيْء آخر وَمِنْه سميت الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات لأم(1/433)