وَهُوَ معنى مَا قَالَه أَبُو إِسحاق وَغَيره من ذَوي التَّمييز.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَذِه الأنواء فِي غَيْبوبة هَذِه النُّجُوم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (الْقَصَص: 76) .
قَالَ: نَوْؤها بالعُصبة: أَن تُثقلهم.
وَالْمعْنَى: أَن مفاتحه تُنيء العُصبة، أَي: تُميلهم من ثِقلها.
فَإِذا أدخلت (الْبَاء) قلت: تنوء بهم، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {آتُونِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} (الْكَهْف: 96) .
وَالْمعْنَى: آتوني بقِطْر أُفْرِغْ عَلَيْهِ.
فَإِذا حذفت (الْبَاء) زِدْت على الْفِعْل ألفا فِي أوّله.
قَالَ الْفراء: وَقد قَالَ رَجُلٌ من أَهل العربيّة: مَا إنّ العُصبة لَتَنوء بمَفاتحه، فحوّل الفِعْل إِلَى (المفاتح) ؛ كَمَا قَالَ الراجز:
إنّ سِراجاً لكريمٌ مَفْخَرُهْ
تَحْلَى بِهِ العَيْنُ إِذا مَا تَجْهَرُهْ
وَهُوَ الَّذِي يَحْلَى بِالْعينِ، فَإِن كَانَ سُمع (آتوا) بِهَذَا، فَهُوَ وَجْه، وإلاّ فَإِن الرَّجُلَ جَهِلَ المَعنى؛ وَقد أنْشدني بعضُ الْعَرَب:
حتّى إِذا مَا التأمت مواصِلُهْ
وناء فِي شِقّ الشِّمالِ كاهِلُهْ
يَعْنِي: الرَّامِي لمّا أَخذ الْقوس ونَزع مالَ عَلَيْهَا.
قَالَ: ونرى أَن قَول الْعَرَب: مَا ساءك وناءك، من ذَلِك، إِلَّا أَنه أَلْقى الْألف، لِأَنَّهُ مُتْبَعٌ ل (سَاءَك) ؛ كَمَا قَالَت الْعَرَب: أكلت طَعَاما فهنأَني ومَرَأني.
مَعْنَاهُ، إِذا أُفرد: أَمْرأني، فَحذف مِنْهُ الْألف لما أُتْبِع مَا لَيْسَ فِيهِ الْألف، وَمَعْنَاهُ: مَا ساءك وأناءك.
قلت: وَأرى الفَرّاء عَنَى بالرَّجُل الَّذِي قَالَ إِنَّه من أهل العربّية: أَبَا الْحسن الْأَخْفَش.
قلت وأصل (النوء) المَيْل فِي شِقّ.
وَقيل: لمن نَهَضَ بِحمْلِهِ: ناء بِهِ، لِأَنَّهُ إِذا نَهض بِهِ وَهُوَ ثَقيل أناء الناهضَ، أَي: أماله.
وَكَذَلِكَ النَّجم، إِذا سَقَط، مائلٌ نَحْو مَغيبه الَّذِي يَغيب فِيهِ.
وَقَول ذِي الرّمّة فِي وَصف الْجَارِيَة:
تنوء بأُخراها
الْبَيْت مَعْنَاهُ: أَن أُخراها، وَهُوَ عَجيزتها، تُنيئها إِلَى الأرضِ لضخمها وَكَثْرَة لَحْمها فِي أردافها. وَهَذَا تَحْويل للفِعْل أَيْضا.
أَبُو زيد: يُقَال: ناء اللَّحم يَنيء نَيْئاً. وأنأتُه أَنا إناءةً، إِذا لم تُنْضجه. وَكَذَلِكَ: نَهىءَ اللَّحْمُ.(15/388)
وَهُوَ لحمٌ بَيِّن النُّهوء والنُّيُوء، بِوَزْن (النُّيُوع) .
قلت: وَالْعرب تَقول: لحمٌ نِيّ، فيحذفون الْهمزَة، وَأَصله الهَمز.
وَالْعرب تَقول للبَّن الْمَحْض: نِيءٌ.
فَإِذا حَمُض فَهُوَ نَضيج؛ وأَنْشد الأَصمعيّ:
إِذا مَا شَئتُ باكَرني غُلامٌ
بِزقَ فِيهِ نِيءٌ أَو نَضِيجُ
قَالَ: أَرَادَ (بالنِّيء) : خمرًا لم تَمْسَسْها النارُ، وب (النَّضيج) : المَطْبوخ.
وَقَالَ شَمر: النِّيء من اللَّبن: ساعةَ يُحْلب قبل أَن يُجْعل فِي السِّقاء.
قَالَه ابْن الأعرابيّ.
قَالَ شَمر: وناء اللحمُ يَنُوء نَوْءاً ونِيًّا، لم يَهْمز (نيًّا) .
فَإِذا قَالُوا: النَّي، بِفَتْح النُّون، فَهُوَ الشَّحْم دون اللَّحم.
وأمّا النُّؤْي، بِوَزْن النّعْي، فَهُوَ الحاجز حَول الخَيْمة. وَجَمعهَا: أَنْآء.
ويُقال: إنْء نُؤْيك، كَقَوْلِك: انْع نُعيك، إِذا أَمرته أَن يُسوِّي حول خبائه نُؤْياً مُطِيفاً بِهِ، كالطَّوْف يَصرف عَنهُ ماءَ الْمَطَر.
والنُّهيْر: الَّذِي دون النُّؤْي، هُوَ: الأتيّ.
وَمن تَرك الْهَمْز قَالَ: نَ نُؤْيَك. وللاثنين: نَيَا نُؤْيَكما. وللجماعة: نَوْا نُؤْيَكم.
وأمّا: نأى يَنْأى، بِوَزْن: نَعَى يَنْعى، فَمَعْناه: بَعُد. وَقد: أنأيته إنئاء، إِذا أَبْعدته. والنَّأْيُ: البُعْد.
وَيُقَال للرَّجل إِذا تكبّر وأَعْرض بوَجْهه: نَأَى بِجَانِبه.
وَمَعْنَاهُ: أَنه أَنأى جانبَه من وَراء، أَي: نحّاه.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} (الْإِسْرَاء: 83) ، أَي: أنأى جانِبَه عَن خالقه مُتغانياً عَنهُ مُعْرِضاً عَن عِبادته ودُعائه.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن المبرّد، أَنه أَنْشده:
أعاذلَ إِن يُصْبِح صَدَاي بِقَفْرةٍ
بَعِيداً نآنِي زائِرِي وقَرِيِبي
قَوْله: نآنِي، فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: أَنه بِمَعْنى: أَبعدني، كَقَوْلِك: زِدْته فَزَاد، ونَقَصْته فنقص.
وَالْوَجْه الثَّانِي فِي (نآني) بِمَعْنى: نَأى عنَّي.
وَقد قَالَ اللَّيْث: يُقال: نأيت الدمع عَن خدّي بإصبعي نَأْياً؛ وأَنْشد:
إِذا مَا الْتقينا سالَ مِن عَبَراتِنا(15/389)
شآبِيبُ يُنْأَى سَيْلُها بالأَصابِعِ
قَالَ: والانتياء، بِوَزْن (الابتغاء) ، افتعال من (النأي) .
ويُجمع نُؤْي الخِباء: نُوًى، على فُعَل.
وَقد آنتأيت نُؤْياً.
والمُنْتأى: مَوْضِعه؛ قَالَ الطّرمّاح:
مُنتأى كالقَرْوِ رَهْنَ انْثلامِ
وَمن قَالَ: النُّؤْي: الأتيّ الَّذِي هُوَ دُون الحاجز، فقد أَخطَأ؛ قَالَ النَّابِغَة:
ونُؤْيٌ كجِذْم الحَوْضِ أَثْلم خاشِعُ
وَإِنَّمَا يَنْثلم الحاجز الأتِيّ.
وَكَذَلِكَ قَوْله:
وسَفْع على آسٍ ونُؤْي مُعَثْلَب
والمُعَثْلب: المَهْدوم، وَلَا يَنْهدم إِلَّا مَا كَانَ شاخصاً.
وَالْعرب تَقول: نأى فلانٌ يَنْأَى، إِذا بَعُد، وناء عنِّي، بِوَزْن (بَاعَ) ، على القَلْب.
وَمثله: رَآنِي فلَان، بِوَزْن (رعاني) ، وراءني، بِوَزْن (راعني) .
وَمِنْهُم من يُميل أَوله فَيَقُول: نأى وَرَأى.
ابْن السِّكيت: يُقَال، ناوأت الرَّجُل مَناوأةً ونِوَاءً، إِذا عادَيْته.
وَأَصله الْهَمْز، لِأَنَّهُ من: ناء إِلَيْك، ونُؤْت إِلَيْهِ، أَي: نَهَضَ إِلَيْك، ونَهضت إِلَيْهِ؛ وأَنشد غَيره:
إِذا أَنْت ناوأت الرِّجالَ فَلم تَنُؤْ
بقَرْنَيْن غَرَّتْك القُرونُ الكَوامِلُ
وَلَا يَسْتَوي قَرْنُ النِّطَاح الَّذِي بِهِ
تَنُوء وقَرْنٌ كلّما نُؤْت مائِلُ
والنِّواء والمُناوأة: المُعاداة.
وَفِي الحَدِيث فِي الْخَيل: ورجُلٌ رَبطها فَخْراً ورِياءً ونِواءً لأهل الْإِسْلَام، أَي: مُعاداةً لَهُم.
نأنأ: رُوي عَن أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ: طُوبَى لمن مَاتَ فِي النَّأنأَة.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ النأنأة، مَهْمُوزَة، وَمَعْنَاهَا: أوّل الْإِسْلَام.
إِنَّمَا سُمّي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ قَبل أَن يَقْوى الْإِسْلَام وَيكثر أَهله وناصرُه، فَهُوَ عِنْد النَّاس ضَعيف، وأصل (النأنأة) الضَّعْف.
ورَجل نَأنأٌ: ضَعِيف؛ قَالَ امْرُؤ القَيس:
لَعَمْرك مَا سَعْدٌ بخُلّة آثِم
وَلَا نَأنإٍ عِنْد الحِفاظ وَلَا حَصِرْ
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن ذَلِك قولُ عليّ رَضِي الله عَنهُ لسُلَيمان بن صُرَد، وَكَانَ تخلّف عَنهُ يومَ الْجمل ثمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ عليّ رَضِي الله عَنهُ: تَنَأنأَت وتَراخَيْت فَكيف رَأَيْت صُنْع الله؟
قَوْله (تنأنأت) ، يُرِيد: ضَعُفت(15/390)
واسْتَرْخَيْت.
وَقَالَ الأُموي: نأنأت الرجلَ نأنأة، إِذا نهَنهْتَه عَمَّا يُريد وكَففته، كَأَنَّهُ يُرِيد: إِنِّي حَملته على أَن ضَعف عَمَّا أَرَادَ وتراخى.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: رَجلٌ نَأنأ، ونأنَاء، بالمدِّ وَالْقصر.
وَقَالَ الْكسَائي: ناءَيت عَنْك الشَّرَّ، على (فاعلت) ، أَي: دافعت؛ وأَنْشد:
وَأَطْفَأت نيرانَ الحروب وَقد عَلَتْ
وناءَيْتُ عَنْهُم حَرْبَهم فتقرَّبوا
قَالَ: والنَّأي، لُغَة فِي: نُؤْي الدَّار.
وَكَذَلِكَ: النِّئي.
ويُجمع (النُّؤي) نُؤْيَاناً، بِوَزْن (نُعْيَاناً) ، وأَنْآء.
آن يؤون: ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: آن يَؤُون أَوْناً، إِذا استراح؛ وأَنْشد:
غَيَّر يَا بِنْتَ الحُلَيْس لَوْنِي
مَرُّ اللَّيالِي واخْتِلافُ الجَوْنِ
وسَفَرٌ كَانَ قَلِيلَ الأوْنِ
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: أُنْتُ أَؤُون أَوْناً، وَهِي الرَّفاهيَة والدَّعَة.
وَهُوَ رَجُلٌ أئِن، مثل (قَاعد) ، أَي: وادِع.
ابْن السِّكيت: بَيْننا وَبَين مَكَّة عَشْر ليالٍ آئِنات، أَي: وادِعات.
ويُقال: أُن على نَفسك، أَي: ارْفُق بهَا فِي السَّير.
وَتقول لَهُ أَيْضا إِذا طاش: أُن على نَفسك، أَي: اتَّدِعْ.
وَيُقَال: أَوِّن على قَدْرك، أَي: اتَّئد على نَحْوِك.
وَقد أَوَّن تَأْوِيناً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال للعِدْلين يُعْكمَان: الأَوْنان.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شَرِب حَتَّى أَوَّنَ، وحَتَّى عَدَّن، وَحَتَّى كأنّه طِرَافٌ؛ قَالَ رُؤْبة:
سِرًّا وَقد أَوَّن تَأوِينَ العُقُقْ
وصف أُتناً وَرَدت المَاء فشَربت حَتَّى امْتَلَأت خَواصرُها، فَصَارَ المَاء مثل الأَوْنين إِذا عُدِلا على الدابّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّأوُّن: امتلاء البَطن.
والتَّوؤن: ضَعْف البَدن والرأي، أَي ذَلِك كَانَ.
قلت: التّوؤّن: مَأْخُوذ من قَوْلهم: رجل وَأنٌ، وَهُوَ الأَحْمق.
رَوَاهُ أَبُو عُبيد، عَن الْفراء، عَن ابْن السّكيت.
يُقَال: أَوِّنوا فِي سَيركم، أَي: اقْتَصِدوا.(15/391)
من (الأَوْن) وَهُوَ: الرِّفْق.
وَقد أوّنت، أَي: اقْتصدت.
وَيُقَال: رِبْعٌ آئنٌ خَيْرٌ من عَبَ حَصْحاص.
قلت: الوَأْبة، بِالْبَاء: مُقاربة الخَلْق.
والوأنة، بالنُّون: الحمقاء.
ابْن السِّكيت: امْرَأَة وَأْنة، إِذا كَانَت مُقاربة الخَلْق.
وَقَالَ اللّيث: الوأنةُ؛ سَواء فِيهِ الرَّجُل وَالْمَرْأَة، يَعْني: المُقْتدر الخَلْق.
والإوان: شبه أَزَج غير مَسدود الوَجْه.
والإيوان، لُغَة؛ وَأنْشد:
إيوَان كِسْرى ذِي القِرَى والرَّيحان
وَجَمَاعَة (الإوَان) أُوُن، مثل: خِوان وخُوُن.
وَجَمَاعَة (الإيوان) : أواوين، وإيوانات؛ وأَنْشد:
شَطَّت نَوَى مَن أَهْلُه بالإيوان
قَالَ: وَجَمَاعَة إيوَان اللِّجام: إيوانات.
وَقَالَ غَيره: الإوان: من أعمدة الخِبَاء.
قَالَ: وكل شَيْء عَمدت بِهِ شَيْئا فَهُوَ: إوَان؛ قَالَ الرّاعي يَذْكر امْرأة:
تَبِيت ورِجْلاها إوانان لاسْتها
عَصَاها اسْتُها حَتَّى يكلّ قَعودُها
أَي: رِجْلاها سَندان لاستها تَعْتمد عَلَيْهِمَا. وَقَوله: عَصاها استُها، أَي: تُحرّك استها على البَعير.
اللَّيْث: الأَوان: الحَين وَالزَّمَان.
تَقول: جَاءَ أوانُ الْبرد؛ قَالَ العجّاج:
هَذَا أَوَان الجِدّ إِذْ جَدّ عُمَرْ
وَجمع، الأوان: آونة.
ابْن السِّكيت، عَن الْكسَائي، قَالَ: قَالَ ابْن جَامع: هَذَا إوان ذَلِك.
وَالْكَلَام: أَوَان ذَلِك، بِالْفَتْح.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أتَيْتُه آئنة بعد آئنة، بِمَعْنى: آونة.
الْآن: سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ: الْآن، حرف بُني على الْألف وَاللَّام، وَلم يُخْلعا مِنْهُ وتُرك على مَذْهَب الصِّفة، لِأَنَّهُ صفة فِي الْمَعْنى واللَّفظ، كَمَا رَأَيْتهمْ فَعلوا ب (الَّذِي) و (اللَّذين) فتركوهما على مَذهب الأداة، وَالْألف وَاللَّام لَهما غير مُفَارقَة؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فإنّ الألاء يعلمونك مِنْهُم
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (أَولا) .
ثمَّ تَركهَا مخفوضةً فِي مَوضِع النصب، كَمَا كَانَت قبل أَن تدْخلهَا الْألف وَاللَّام؛ وَمثله قَوْله:(15/392)
وإنّي حُبِسْت اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه
ببابك حتّى كَادَت الشمسُ تَغْرُبُ
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (أمس) ثمَّ تَركه مخفوضاً على جِهَة (الأُلاء) ، وَمثله قَوْله:
وجُنَّ الخازِ بازِ بِهِ جُنُونا
فَمثل (الْآن) بِأَنَّهَا كَانَت مَنْصُوبَة قبل أَن تدخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام، ثمَّ أدخلتهما فَلم يُغيِّراها.
قَالَ: وأصل (الْآن) إِنَّمَا كَانَ (أَوَان) فَحذف مِنْهُ الْألف، وغيّرت واوها إِلَى الْألف، كَمَا قَالُوا فِي (الراح) : الرِّياح؛ وأَنْشد أَبُو القَمقام:
كَأَن مَكَاكِيّ الجِواء غُدَيَّة
نَشَاوى تساقَوْا بالرِّياح المُفَلْفَل
فَجعل (الرِّياح) و (الأوان) مرّة على جِهَة (فَعَل) ، وَمرَّة على جِهَة (فعَال) كَمَا قَالُوا: زَمَن، وزَمَان.
قَالُوا: وَإِن شِئْت جعلت (الْآن) أَصْلهَا من قَوْلك: آن لَك أَن تفعل، أدخلت عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام، ثمَّ تركتهَا على مَذْهَب (فَعَل) فَأَتَاهَا النصب من نَصْب (فَعل) ، وَهُوَ وَجه جَيد.
كَمَا قَالُوا: نَهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قِيل وَقَالَ، فَكَانَت كالاسمين، وهما مَنْصوبتان.
وَلَو خَفَضْتهما، على أَنَّهُمَا أُخرجتا من نِيّة الفِعل إِلَى نيّة الْأَسْمَاء، كَانَ صَوَابا.
وَسمعت الْعَرَب يَقُولُونَ: من شُبَّ إِلَى دُبَّ، وبعضٌ: مِن شُبَ إِلَى دُبَ.
وَمَعْنَاهُ: فَعل مذ كَانَ صَغِيرا إِلَى أَن دَبّ كَبِيرا.
وَقَالَ الْخَلِيل: الْآن، مبنيّ على الْفَتْح، تَقول: نَحن من الآنَ نَصيرُ إِلَيْك.
فنفتح (الْآن) لِأَن الْألف وَاللَّام إِنَّمَا يَدْخُلان لعْهدٍ، و (الْآن) لم تَعْهده قبل هَذَا الْوَقْت، فَدخلت الْألف وَاللَّام للْإِشَارَة إِلَى الْوَقْت، وَالْمعْنَى: نَحن من هَذَا الْوَقْت نَفْعل. فَلَمَّا تضمّنت معنى هَذَا وَجَب أَن تكون مَوقوفة، ففُتحت لالتقاء الساكنين، وهما الْألف وَالنُّون.
قلت: وَأنكر الزّجاج مَا قَالَ الفَراء أَن (الْآن) إِنَّمَا كَانَ فِي الأَصْل (آن) ، وَأَن الْألف وَاللَّام دخلت على جِهَة الْحِكَايَة.
وَقَالَ: مَا كَانَ على جِهَة الْحِكَايَة، نَحْو قَوْلك (قَامَ) إِذا سمّيت بِهِ شَيْئا، فَجَعَلته مبنيًّا على الْفَتْح، لم تدخله الْألف وَاللَّام.
ثمَّ ذكر قَول الْخَلِيل (الْآن) مبنيّ على الْفَتْح، وذَهب إِلَيْهِ، وَهُوَ قولُ سِيبويه.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله عزّ وجلّ: {الئَانَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) فِيهِ ثَلَاث لُغَات:
قَالُوا: الْآن، بِالْهَمْزَةِ وَاللَّام سَاكِنة.
وَقَالُوا: أَلان، متحركة اللَّام بِغَيْر همز، وتُفْصل، قَالُوا: مِن لاَن.(15/393)
ولغة ثَالِثَة: قَالُوا: لانَ جِئْت بِالْحَقِّ.
قَالَ: والآن: مَنْصُوبَة النُّون، فِي جَمِيع الْحَالَات، وَإِن كَانَ قبلهَا حرف خافض، كَقَوْلِك: مِن الآنَ.
وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي (الْآن) فَقَالَ: وانتصاب (الْآن) بالمُضمر، وعلامةُ النصب فِيهِ فتحُ النُّون، وَأَصله: (الأوان) فأُسْقطت الْألف الَّتِي بعد الْوَاو، وَجعلت الْوَاو ألفا، لانفتاح مَا قَبلها.
قَالَ: وَقيل: أَصله: آن لَك أَن تفعل، فسمّى الْوَقْت بالفِعل الْمَاضِي، وَترك آخِره على الفَتْح.
قَالَ: وَيُقَال على هَذَا الْجَواب: أَنا لَا أُكَلِّمك من الآنَ يَا هَذَا، وعَلى الْجَواب الأول: من الْآن؛ وَأنْشد لأبي صَخْر:
كأنّهما مِلآنِ لم يَتغيَّرا
وَقد مَرَّ للدارَيْن من بَعدنَا عَصْر
وَقَالَ ابْن شُميل: هَذَا أَوَان الآنَ تَعلم، وَمَا جِئْت إِلَّا أوانَ الآنَ، أَي: مَا جِئْت إِلَّا الآنَ، بَنصب (الْآن) فيهمَا.
وَسَأَلَ رجلٌ ابْن عمر عَن عُثمان، قَالَ: أَنْشدك الله هَل تعلم أنّه فَرَّ يَوْم أُحد، وَغَابَ عَن بَدْر وَعَن بَيعة الرّضوان؛ فَقَالَ ابْن عمر: أمّا فرَاره يَوْم أُحد فَإِن الله عز وَجل يَقُول: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} (آل عمرَان: 155) ، وأمّا غَيبته عَن بَدر، فَإِنَّهُ كَانَت عِنْده بِنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت مَرِيضَة، وَذكر عُذْره فِي ذَلِك ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ تلآن مَعك.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأُموي: قَوْله (تلآن) يُرِيد: الْآن، وَهِي لُغَة مَعْرُوفَة، يَزيدون التّاء فِي (الْآن) ، وَفِي (حِين) ، ويحذفون الْهمزَة الأولى، فَيُقَال: (تَلأن) ، و (تِحين) .
قَالَ: وأنْشد لأبي وَجْزة:
العاطفُون تَحينَ مَا من عاطِفٍ
والمُطْعمون زَمان مَا مِن مُطْعِمِ
وَقَالَ آخر:
وصَلّينا كَمَا زَعَمت تَلاَنا
قَالَ: وَكَانَ الْكسَائي والأحمر وَغَيرهمَا يَذْهبون إِلَى أَن الرِّواية: العاطفونه، فَيَقُولُونَ: جعل الْهَاء صلَة، وَهُوَ فِي وسط الْكَلَام، وَهَذَا لَيْسَ يُوجد إلاَّ على السَّكْت.
قَالَ: فحدّثت بِهِ الأُمويّ فأَنْكره.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَهُوَ عِنْدِي على مَا قَالَ الأُمويّ، وَلَا حُجّة لمن احْتج بِالْكتاب فِي قَوْله: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ} (ص: 3) لِأَن التَّاء مُنْفصلة من (حِين) ، لأَنهم كتبُوا مثلهَا مُنْفَصِلا أَيْضا ممّا لَا يَنْبَغِي أَن يفصل كَقَوْلِه: {ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ} (الْكَهْف: 49) والّلام مُنْفصلة من (هَذَا) .
قلت: والنَّحْويون على أَن التَّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ} (ص: 3) فِي الأَصْل(15/394)
هَاء، وَإِنَّمَا هِيَ: وَلاَه، فَصَارَت تَاء للمُرور عَلَيْهَا، كالتاآت المُؤنَّثة.
وَقد ذكرت أقاويلهم فِي بَاب (لَا) من كتاب اللَّام، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
أَبُو زَيد: الْعَرَب تَقول: مَرَرْتُ بِزَيْد الْآن، تنقل اللَّام وتكسر الدَّال وتُدغم التَّنْوِين فِي اللاّم.
أَيَّانَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النَّحْل: 21) أَي: لَا يعلمُونَ مَتى البَعْث؟
وَقَالَ الفرّاء: قَرَأَ أَبُو عَبد الرحمان السُّلمي (إيّان يُبْعثون) بِكَسْر الْألف، وَهِي لُغَة لسُلَيم.
قَالَ: وَقد سَمِعت الْعَرَب تَقول: مَتى إوان ذَاك؟ وَالْكَلَام: أَوَان.
قلت: وَلَا يجوز أَن تَقول: أَيَّانَ فعلت هَذَا؟ أَي: مَتى فعلت؟
وَقَالَ تَعَالَى: {سَاهُونَ يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} (الذاريات: 12) لَا يكون إِلَّا استفهاماً عَن الْوَقْت الَّذِي لم يَجِىء.
أَيْن: اللَّيْث: أَيْن، وَقت من الأَمْكنة.
تَقول: أَيْن فلَان؟ فَيكون مُنْتصباً فِي الْحَالَات كلهَا، مالم تَدْخله الْألف وَاللَّام.
وَقَالَ الزّجاج: أَيْن، وَكَيف: حرفان يُستفهم بهما، وَكَانَ حقّهما مَوْقُوفين فحرِّكا لِاجْتِمَاع الساكنين، ونُصبا وَلم يُخْفضا من أجل الْيَاء، لِأَن الكسرة مَعَ الْيَاء تَثْقُل والفَتحة أخَفّ.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَول الله تَعَالَى: {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (طه: 69) : فِي حرف ابْن مَسْعود: أَيْن أَتَى؟
قَالَ: وَتقول الْعَرَب: جئتُك من أَيْن لَا تَعلم.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أمّا مَا حُكي عَن الْعَرَب: جئْتُك من أَيْن لَا تعلم، فَإِنَّمَا هُوَ جَوَاب مَن لم يَفْهم فاستفهم، كَمَا يَقُول قَائِل: أَيْن المَاء والعُشب؟
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: الأين: الإعياء وَلَيْسَ لَهُ فِعْل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: آن يئين أيْناً، من الإعياء، وَأنْشد:
إنّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِر
إنّا، أَي: أَعْيَيْنا.
اللَّيْث: الأين: الإعياء، وَلَا يُشتقّ مِنْهُ فِعل إلاّ فِي الشّعْر.
شَمر، عَن أبي خَيْرة؛ والحراني، عَن ابْن السِّكيت: الأَن والأَيم: الذّكر من الحيّات.
وَقَالَ ابْن شُميل: كُل حَيّة: أَيْم، ذكرا كَانَ أَو أُنْثى.(15/395)
وَرُبمَا شُدد فَقيل: أيّم؛ قَالَ الهُذلي:
باللَّيْل مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضّف
وَقَالَ العجاج:
وبَطْنَ أَيْم وقَواماً عُسْلُجاً
وَقَالَ أَبُو خَيرة: الأُيون، والأُيوم: جمَاعَة.
أَنى: قَالَ بَعضهم: أنَّى: أَدَاة، وَلها مَعنيان:
أَحدهمَا: أَن تكون بِمَعْنى: مَتى، قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا} (آل عمرَان: 165) أَي: مَتى هَذَا؟ وَكَيف هَذَا؟
وَتَكون (أنَّى) بِمَعْنى: من أَيْن؛ قَالَ الله تَعَالَى: {ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن} (سبأ: 52) .
يَقُول: من أَيْن لَهُم ذَلِك.
وَقد جَمعهمَا الشَّاعِر تَأْكِيدًا فَقَالَ:
أَنّى ومِن أَيْن آبَك الطَّرَبُ
وَقَالَ الله تَعَالَى: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا} (آل عمرَان: 165) . يَحتمل الْوَجْهَيْنِ: قُلْتُمْ: من أَيْن هَذَا؟ وَيكون: قُلتم كَيفَ هَذَا؟
وَقَوله تَعَالَى: {قَالَ يامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَاذَا} (آل عمرَان: 37) أَي: من أَيْن لَك هَذَا.
وَقَالَ اللَّيْث: أَنى، مَعْنَاهَا: كَيفَ؟ وَمن أَيْن؟ من أَنَّى شِئْت؟ من أَين شِئْت؟
وَقَالَ فِي قَول عَلْقمة:
ومُطْعَمُ الغُنْمِ يَوْمَ الغُنْم مُطْعَمُه
أنَّى تَوجَّه والمَحْرومُ مَحْرُومُ
أَرَادَ: أَيْنَمَا توجَّه؟ وكيفما توجَّه؟
قَالَ ابْن الأنباريّ: وَقَرَأَ بَعضهم: { (طَعَامِهِ ط {أَنَّا صَبَبْنَا} (عبس: 25) .
قَالَ: من قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة قَالَ: الْوَقْف على (طَعَامه) تامّ، وَمعنى: أنَّى: أَيْن؟
إِلَّا أنّ فِيهَا كِنَايَة عَن الوُجوه، وتأويلها: من أيّ وَجْه صَبَبْنا المَاء؛ وأَنْشد:
أنّى ومِن أَين آبَك الطَّرَبُ
وَقَول الله تَعَالَى: {وَمِنْءَانَآءِ الَّيْلِ} (طه: 130) . قَالَ أهل اللُّغَة: آنَاء اللَّيْل: ساعاته. وَاحِدهَا: إنْيٌ، وإنًى.
فَمن قَالَ (إنيٌ) فَهُوَ مثل: نِحْي وأَنحاء.
وَمن قَالَ: إنًى، فَهُوَ مثل: مِعى وأَمْعاء؛ قَالَ الشَّاعِر:
بكُلّ إنْيٍ قَضَاه اللَّه يَنْتَعل
كَذَا رَوَاهُ ابْن الأنباريّ. وَقَالَ: وَاحِد: آنَاء اللَّيْل، على ثَلَاثَة أوجه: إنْي، بِسُكُون النُّون.
وإنى، بِكَسْر الْألف.
وأنًى: بِفَتْح الْألف.
وَقَوله:
فورَدَتْ قبل إنَى صحَابها(15/396)
يُروى: إنًى، وأَنًى. وَقَالَهُ الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ الْأَخْفَش: وَاحِد (الآناء) إنْو.
وأَنشد ابْن الْأَعرَابِي فِي (الإنَى) :
أَتَمّت حَملها فِي نصف شَهْر
وحَمْل الْحَامِلَات إنى طَوِيلُ
قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: تأنيت الرَّجل، أَي: انتظرته وتأخّرت فِي أمره وَلم أَعْجل.
وَيُقَال: إنّ خَير فلَان لِبَطيء أَنِيّ؛ قَالَ ابْن مُقْبل:
ثمَّ احتملْن أنِيًّا بعد تضْحية
مثل المخَارِيف من جَيْلان أَو هَجَر
قَالَ: وَرجل متأنَ، أَي متمكِّث متلبِّث، أنّيت، وآنَيت.
قَالَ ابْن الأنباريّ: الأنَى، من بُلُوغ الشَّيْء مُنتهاه، مَقْصور يكْتب بِالْيَاءِ.
وَقد أَنَى يَأنِي؛ وَقَالَ:
بِيَوْم أَنًى ولِكُلّ حامِلة تمَامُ
أَي: أَدْرك وبَلغ.
وَقَوله تَعَالَى: {إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ} (الْأَحْزَاب: 53) أَي: غير مُنْتظرين نُضْجَه وبُلوغه.
تَقول: أَنى يَأْنِي، إِذا نَضج.
وَقَالَ تَعَالَى: {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ} (الرحمان: 44) . قيل: هُوَ الَّذِي انْتهى فِي الْحَرَارَة.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: { (حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ} (الغاشية: 5) أَي: مُتناهية فِي شدّة الْحَرَارَة.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {الْمَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ} (الْحَدِيد: 16) هُوَ من: أَنى يَأنِي، وَفِيه لُغات: يُقال: أنَى لَك يَأني، وآن لَك يَئين، ونال لَك، وأنال لَك أَن تفعل كَذَا، كُله بِمَعْنى وَاحِد، وأجودها: أَنَى لَك.
قَالَ الزجّاج: وَمَعْنَاهَا كلّها: حَان لَك يَحِين.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الفَرّاء فِي اللُّغَات الثَّلَاث.
اللَّيْث، يُقَال: أَنَى الشيءُ يَأني أُنِيًّا، إِذا تأخّر عَن وَقته؛ وَمِنْه قَوْله:
والزَّاد لَا آنٍ وَلَا قَفَارُ
أَي: لَا بطيء وَلَا جَشِبٍ غير مَأدُوم.
وَمن هَذَا يُقال: تأنَّى فلَان يتأنَّى، إِذا تمكّث وانْتَظر.
قَالَ: والأَنَى، من: الأَناة والتُّؤدة، قَالَ العجّاج، فَجعله الأَناء:
طَال الأناء وزَايَل الحقّ الأَشر
وَهِي: الأَناة.
ابْن السِّكيت: الإنى من السَّاعات، وَمن بُلوغ الشَّيْء مُنتهاه، مَقصور، يُكتب بِالْيَاءِ، ويُفتح فيمدّ؛ قَالَ الحُطيئة:
وآنَيْتُ العَشَاء إِلَى سُهَيْلٍ
أَو الشِّعرى فَطال بِي الأنَاءُ
روى أَبُو سَعيد بَيت الحُطيئة:(15/397)
وأنَّيْت العَشَاء إِلَى سُهَيل
بتَشْديد النّون.
قَالَ: وَيُقَال: أنَّيْت الطَّعامَ فِي النَّار، إِذا أَطَلْت مُكْثه.
وأنَّيْت فِي الشَّيْء، إِذا قَصّرت فِيهِ.
وَفِي الحَدِيث: إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجُل جَاءَ يَوْم الْجُمُعَة يتخطَّى رِقَاب النَّاس: (رأيتُك آنَيْت وآذَيْت) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: آنيت، أَي أَخَّرت الْمَجِيء وأَبْطأت.
وَمِنْه قيل للمُتمكّث فِي الأُمور: مُتأَنَ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: تأنّى، إِذا رَفق. وآنَيْت، وأَنَّيت، بِمَعْنى وَاحِد.
اللَّيْث: يُقَال: اسْتأنَيْتَ بفلان، أَي: لم أُعْجِلْه.
وَيُقَال: اسْتَأن فِي أَمْرك، أَي: لَا تعجل؛ وأَنْشد:
اسْتأن تَظْفر فِي أمورك كلّها
وَإِذا عَزَمْت على الهَوى فتوكَّلِ
والأَناة: التُّؤَدة.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الأَناة من النِّساء: الَّتِي فِيهَا فُتور عَن القِيام.
والوَهْنانة، نَحْوهَا.
اللَّيث: يُقال للْمَرْأَة المُباركة الحكيمة المُواتية: أَنَاة. وَالْجمع: أَنَوات.
قَالَ: وَقَالَ أهلُ الْكُوفَة: إِنَّمَا هِيَ الوَناة، من الضَّعْف، فهمزوا الْوَاو.
وَقَالَ أَبُو الدّقَيش: هِيَ المُباركة.
والإناء، مَمْدُود: وَاحِد: الْآنِية؛ مثل: رِدَاء وأَرْدية.
ثمَّ تجمع الْآنِية: الْأَوَانِي، على فواعل، جمع (فاعلة) .
وَيُقَال: لَا تُؤْن فُرْصَتك، أَي: لَا تؤخِّرها إِذا أَمْكَنَتْك.
وكل شَيْء أَخَّرته، فقد آنَيْته.
وَقيل: امْرَأَة أَنَاة، أَي رَزِينة لَا تَصْخب وَلَا تُفْحش؛ قَالَ الشَّاعِر:
أناةٌ كأنّ المِسْك تَحت ثِيَابهَا
ورِيحَ خُزَامَى الطَّلّ فِي دَمِثِ الرَّمْل
ونى يني: اللَّيْث: الوَنَى: الفَتْرة فِي الأعْمال والأمور والتَّوانِي.
تَقول: فلانٌ لاَ يَني فِي أَمْره، أَي لَا يَفْتُر وَلَا يَعْجِز.
يُقَال: وَنَى يَنِي ونْياً، فَهُوَ وانٍ.
ويُقال: فلانٌ لَا يَنِي يَفْعل كَذَا وَكَذَا، بِمَعْنى: لَا يَزال؛ وأَنْشد:
فَمَا يَنُون إِذا طافُوا بحَجِّهمُ
يهتِّكُون لِبَيْت اللَّه أَسْتَارَا
وناقة وانيةٌ، إِذا أَعْيت؛ وأَنشد:
ووانيةٍ زَجَرْتُ على وَجَاهَا
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ أَبُو العبَّاس: الوَنى: واحدته: ونِيّة، وَهِي اللّؤْلُؤة.(15/398)
قلت: وَاحِدَة (الوَنى) : وناة، لَا: وَنِيّة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَنِيّة: الدُّرّة؛ قَالَ أَوْس بن حَجَر:
فحطَّت كَمَا حَطَّت وَنِيّة تاجِرٍ
وَهَى نَظْمُها فارْفَضّ مِنْهَا الطَّوائِفُ
عَمْرو، عَن أَبِيه، هِيَ الوَنِيّة والوَناة، للدُّرّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سُمِّيت: وَنِيّة، لثَقبها.
وَقَالَ غَيره: جَارِيَة وَنَاة، كَأَنَّهَا الدُّرّة.
والوَناة: الَّتِي فِيهَا فُتور لِنَعْمتها.
نوى: اللَّيْث: النَّوَى: التَّحوُّل مِن دارٍ إِلَى دارٍ غَيرهَا، كَمَا تَنْتوي الأعرابُ فِي بادِيَتها.
وانْتَوى القومُ، إِذا انتقلوا من بَلدٍ إِلَى بَلد.
والنِّيّة، والنَّوى، وَاحِد.
والعربُ تؤّنث: النَّوى، وأَنْشد:
عَدَتْه نِيَّةٌ عَنْهَا قَذُوفُ
قَالَ الطِّرمّاح:
آذَن النَّاوِي بِبَيْنُونة
ظَلْت مِنْهَا كصَرِيع المُدَام
النَّاوِي: الَّذِي أَزْمع على التحوّل. والنَّوى: البُعد. والنَّوى: النِّيَّة.
وَهِي: النِّيَة، مُخفَّفة، وَمَعْنَاهَا: القَصْد لبلد غير الْبَلَد الَّذِي أَنت فِيهِ مُقِيم.
وفلانٌ يَنْوي وَجه كَذَا، أَي يقْصده، من سَفر أَو عَمل.
والنَّوى: الوَجه الَّذِي يَقْصده.
وفلانٌ نَواك، وَنِيَّتك، ونَواتُك؛ قَالَ الشَّاعِر:
صَرَمَتْ أُمَيمةُ خُلَّتي وصِلاَتِي
ونَوتْ ولمّا تَنْتَوي كنَواتِي
ويُقال: لي فِي بني فلانٍ نَواة، ونِيّة، أَي حَاجَة.
وَقَالَ الفرّاء: نَواك اللَّهُ، بِمَعْنى: حَفِظك الله؛ وأَنْشد:
يَا عَمْرو أَحْسِن نَواكَ الله بالرَّشَد
واقْر السَّلامَ على الأَنقاء والثَّمَدِ
قَالَ: وَقَالَ أعرابيّ من بني سُليم لابْنٍ لَهُ سمّاه (إِبْرَاهِيم) : ناويتُ بِهِ إِبْرَاهِيم، أَي: قَصدْت قَصْده فتبرّكت باسمه.
وَفِي الحَدِيث: (نّية الرّجُل خيرٌ مِن عَمله) .
وَلَيْسَ هَذَا بمخالف لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من نَوى حَسَنةً فَلم يَعْملها كُتِبت لَهُ حَسنة، ومَن عَملهَا كُتبت لَهُ عَشْراً) .
وَالْمعْنَى فِي قَوْله: (نِية الْمُؤمن خيرٌ من عمله) : أَنه يَنْوي الْإِيمَان مَا بَقِي، ويَنْوي الْعَمَل لله بِطَاعَتِهِ مَا بَقِي، وَإِنَّمَا يخلّده الله جلّ وعزّ بِهَذِهِ النيّة لَا بِعَمَلِهِ أَلا ترى أَنه إِذا آمن ونَوى الثَّبَات على الْإِيمَان وأَداء(15/399)
الطَّاعَات مَا بَقي، وَلَو عَاشَ مائَة سنة يَعمل الطَّاعَات وَلَا نيّة لَهُ فِيهَا أَنه يعملها لله، فَهُوَ فِي النَّار.
والنّية: عَمل الْقلب، وَهِي تَنْفَع الناوي وَإِن لم يعْمل الْأَعْمَال، وأداؤها لَا يَنفعه دونهَا.
فَهَذَا معنى قَوْله: (نِيَّة الرجل خيرٌ من عمله) .
قَالَ أَبُو عُبيد: وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الرَّجل يُعْرف بالصِّدْق يُضْطَرّ إِلَى الْكَذِب، قَوْلهم: عِندَ النّوى يَكْذبك الصَّادِقُ.
وَذكر قِصَّة العَبد الَّذِي خُوطر صاحبُه على كذبه.
والنَّوَى: هَاهُنَا: مَسِير الحيّ مُتحوِّلين من دارٍ إِلَى أُخرى.
وأَخبرني المُنذري، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: النِّية والنَّوى: الْوَجْه الَّذِي تُريده وتَنْويه.
قَالَ: ونَوِيّك: صاحبُك الَّذِي نِيّته نِيّتك؛ وأَنْشد:
وَقد عَلِمْت إذْ دُكين لي نَوِي
أنّ الشَّقِيّ يَنْتَحِي لَهُ الشَّقِي
قَالَ: وحَكى الفَرّاء: نَواه اللَّهُ، أَي: صَحِبه الله. وَيكون: حَفِظه الله.
قَالَ: ورجلٌ مَنْوِيٌّ، ونِيّةٌ مَنْوِيّة.
إِذا كَانَ يُصيب النُّجْعة المَحْمودَة.
وَفِي حَدِيث عَبد الرحمان بن عَوْف: أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى عَلَيْهِ وَضَراً من صُفرة فَقَالَ: مَهْيَم. فَقَالَ: تَزوَّجت امْرَأَة من الْأَنْصَار على نَواةٍ من ذهب. فَقَالَ: (أَوْلِمْ وَلَو بِشَاة) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: على نواة؛ يَعْنِي: خَمْسَة دَرَاهِم، فسمَّى (نواة) ، كَمَا تُسمَّى الْأَرْبَعُونَ: أَوقيّة، وَالْعشْرُونَ نَشًّا.
وَقَالَ: حدّثني يحيى بن سعيد، عَن سُفيان، عَن مَنصور، عَن مُجَاهِد، قَالَ: الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ، والنَّشّ عشرُون، والنَّواة خَمْسَة.
قلت: وَلَفظ حَدِيث عبد الرحمان يدُلّ على أنّه تَزوّج امْرَأَة على ذَهب قِيمَته خَمْسة دَرَاهِم، أَلا ترَاهُ قَالَ: على نواة من ذَهب.
وَرَوَاهُ جماعةٌ عَن حُميد، عَن أنس. وَلَا أَدري لِمَ أَنْكره أَبُو عُبيد؟
وَقَالَ إِسْحَاق: قلت لِأَحْمَد بن حَنبل: كم وَزْن نَواة من ذَهب؟ قَالَ: ثَلَاثَة دَراهم.
قَالَ: وَقَالَ لي إِسْحَاق: النواة: خَمْسَة دَرَاهِم.
وَقَالَ المُبرد فِي تَفسير (النواة) مثلَ قَول أبي عُبيد سَوَاء.
وَقَالَ: العربُ تَعْنِي بالنّواة خَمسة دَراهم.
قَالَ: وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولون: على نَواة من ذَهب قِيمتُها خَمْسة دَرَاهِم، وَهُوَ(15/400)
خطأ وَغلط.
وَقَالَ غير وَاحِد: نَوَيْت النَّوى، وأَنْوَيته، وَذَلِكَ إِذا أكلت التَّمر وَجمعت نَوَاه.
اللَّيْث: نَوَّت البُسرة، وأَنْوَت، إِذا عَقَدت نَوَاتها. وَثَلَاث نَوَيات. والجميع: النَّوَى.
قَالَ: والنَّوَى: مَخْفِض الْجَارِيَة، وَهُوَ الَّذِي يَبْقى من بَظْرها إِذا قُطِع المُتْك.
وَقَالَت أعرابّية: مَا تَرَك النَّخْجُ لنا مِن نَوًى.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا سَمِنت النَّاقة، فَهِيَ ناوِية.
وَقد نَوت تَنْوِي نَيًّا.
وهُن نُوقٌ نِوَاءٌ؛ قَالَ أَبُو النَّجم:
أَو كالمُكَسَّر لَا تَؤُوب جِيادُه
إلاّ غّوانِمَ وَهِي غَيْرُ نِوَاء
قَالَ أَبُو الدُّقَيش: النِّيّ، الِاسْم، وَهُوَ الشَّحْمُ.
والنَّيّ، هُوَ الفِعل.
يُقَال: نَوت النَّاقة نَيًّا، إِذا كثر نِيّها.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّيّ، والنِّيّ.
وَقَالَ غَيره: النِّيّ: اللَّحْم، بِكَسْر النُّون.
والنَّيّ: الشَّحم.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: النَّوى: الْحَاجَات. والوَنى: ضَعْف البَدن. وأَنْوَى الرَّجُل، إِذا كثرت أَسْفارُه. وأَنوى، إِذا تبَاعد.
وأَنْوَى، ونَوَى، ونَوَّى، إِذا أَلْقى النَّوى.
وأَنْوى، ونَوَى، ونَوَّى، من النِّيّة.
وأَنْوى، ونَوى، ونَوَّى، فِي السَّفَر. وأَنْشد:
إنّك أَنت المَحْزون فِي أَثر الْ
حَيّ فَإِن تَنْوِينّهم تُقِم
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قلت للمُفضَّل: مَا تَقول فِي هَذَا الْبَيْت؟ قَالَ: فِيهِ مَعنيان:
أَحدهمَا: يَقُول: قد نَوْوا فِراقَك فَإِن تَنْو كَمَا نَوَوْا تُقم فَلَا تَطْلُبهْم.
وَالثَّانِي: قد نَوَوْا السَّفَر، فَإِن تَنْو كَمَا نَوَوْا تُقِم صُدُور الْإِبِل فِي طَلبهم؛ كَمَا قَالَ الآخر:
أقِم لَهَا صُدورَها يَا بَسْبَسُ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الوَنْوة: الاسترخاء فِي العَقل. والوَنى: الضَّعْف. والنَّنّ: الشَّعر الضَّعيف.
والوَنّ: الصَّنْج الَّذِي يُضْرب بالأصابع، وَهُوَ الونج، مشتقّ من كَلَام العَجم.
أَبُو عُبيد: وَنَيْت فِي الْأَمر: فَتَرت.
وأَوْنَيْت غَيْرِي.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلانٌ نَوِيّ الْقَوْم وناويهم، ومُنْتويهم، أَي صَاحب أَمرهم(15/401)
ورأيهم.
نون: قَالَ الله جلّ وعزّ: (ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: 1) .
قَالَ الْفراء: لَك أَن تُدغم النُّون وتُظهرها، وإظهارها أَعجب إليّ، لأنَّها هِجاء والهِجاء كالموقوف عَلَيْهِ وَإِن اتَّصَل.
وَمن أخفاها بناها على الاتِّصال.
وَقد قَرَأَ القُرَّاء بالوَجْهين جَمِيعًا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن (ن) الحُوت الَّذِي دُحِيت عَلَيْهِ سَبْع أَرَضين.
وَجَاء فِي التَّفْسِير، أَن (ن) : الدَّواة.
وَلم يجىء فِي التَّفْسِير كَمَا فُسرت حُرُوف الهجاء.
قلت: (ن والقلم) لَا يجوز فِيهِ غير الهجاء، أَلا ترى أَن كُتَّاب الْمُصحف كتبوه (ن) ، وَلَو أُرِيد بِهِ: الدواة والحوت، لكُتب: نون.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ فِي بَاب إخفاء النّون وإظهارها: النّون، مَجهورة ذَات غُنّة، وَهِي تخفى مَعَ حُرُوف الْفَم خَاصَّة، وَتبين مَعَ حُرُوف الْحلق عَامَّة، وَإِنَّمَا خفيت مَعَ حُرُوف الْفَم لقربها مِنْهَا، وَبَانَتْ مَعَ حُرُوف الْحلق لبُعدها مِنْهَا.
وَكَانَ أَبُو عَمْرو يخفي النُّون عِنْد الْحُرُوف الَّتِي تُقاربها، وَذَلِكَ أَنَّهَا من حُروف الْفَم، كَقَوْلِك: من قَالَ؟ وَمن كَانَ؟ وَمن جَاءَ؟ قَالَ الله تَعَالَى {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ} (الْأَنْعَام: 160) على الْإخْفَاء.
وَأما بَيَانهَا عِنْد حُرُوف الْحلق السّتة، فَإِن هَذِه السِّتَّة تَبَاعَدت من مَخرجها وَلم تكن مِن قَبيلتها وَلَا من حيِّزها، فَلم تخف فِيهَا كَمَا أَنَّهَا لم تُدْغم فِيهَا.
وكما أَن حُرُوف اللِّسَان لَا تُدغم فِي حُرُوف الحَلق لبُعدها مِنْهَا، وَإِنَّمَا أُخْفيت مَعَ حُرُوف الْفَم كَمَا أُدغمت اللَّام وَأَخَوَاتهَا، كَقَوْلِك: من أَجلك، من هُنَا، من خَافَ، من حرم زِينَة الله، من عليّ، من عَلَيْك.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يُجري الْغَيْن وَالْخَاء مجْرى الْقَاف وَالْكَاف فِي إخفاء النُّون مَعَهُمَا.
وَقد حَكَاهُ النَّضر عَن الْخَلِيل.
قَالَ: وَإِلَيْهِ ذهب سِيبويه.
قَالَ الله تَعَالَى: {) تُكَذِّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} (الرحمان: 46) إِن شِئْت أَخفيت، وَإِن شِئْت أَبَنْت.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النُّونة: الْكَلِمَة مِن الصَّواب.
والنُّونة: النُّقْبة الَّتِي تكون فِي ذَقَن الصّبيّ الصَّغير.
وَفِي حَدِيث عُثْمَان أَنه رأى صَبِيًّا مَلِيحاً فَقَالَ: وسِّموا نُونته، أَي: سَوِّدوها لِئَلَّا تُصيبه العَين.(15/402)
وَذُو النُّون: سيفٌ كَانَ لمَالِك بن زُهير، أخي قيس بن زُهَيْر، فَقتله حَمل بن بَدْر وَأخذ مِنْهُ سيفَه (ذَا النُّون) ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الهَباءة قتل الْحَارِث بن زُهير حَمَل بن بدر وَأخذ مِنْهُ ذَا النُّون، وَفِيه يَقُول الْحَارِث:
ويُخبرهم مكانُ النُّون منِّي
وَمَا أُعطيتُه عَرَق الخِلاَلِ
أَي: مَا أُعطيته مُكَافَأَة وَلَا مَودَّة، وَلَكِنِّي قتلت حَملاً وأخذتُه مِنْهُ قَسْراً.
وَقَول الله تَعَالَى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} (الْأَنْبِيَاء: 87) هُوَ: يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام، سمّاه الله (ذَا النُّون) لِأَنَّهُ حَبسه فِي جَوف الْحُوت الَّذِي التقمه.
والنُّون: الحُوت.
وَيُقَال للسَّيف العَريض الْمَعْطُوف طَرَفي الظُّبة: ذُو النُّونَيْن؛ وَمِنْه قَوْله:
قَرَيْتُك فِي الشَّريط إِذا التَقَيْنَا
وَذُو النّونيْن يومَ الحَرْب زَيْني
والتَّنْوين: تَنْوِين الِاسْم إِذا أَجْرَيته.
أَن: قَالَ أَبُو زيد: أنّ الرّجُل يَئِن أَنِيناً، وأَنَت يَأنِت أَنِيتاً، ونَأَتَ يَنْئِت نَئِيتاً، بِمَعْنى وَاحِد.
اللَّيْث: رَجُلٌ أُنَنَة: كثير الْكَلَام والبَثّ والشُّكْوى. وَلَا يُشْتقّ مِنْهُ فِعْل.
وَمن (الأنين) يُقال: أنّ يَئِن أَنِيناً، وأَنًّا، وأَنَّةً.
وَإِذا أَمَرْت قُلت: إينَنْ، لِأَن الهمزتين إِذا الْتقتا فسَكنت الأخيرةُ اجْتمعوا على تَلْيِينها.
وَأما فِي الْأَمر الثَّانِي فإِنه إِذا سكنت الْهمزَة بَقي النُّون مَعَ الْهمزَة وَذَهَبت الْهمزَة الأولى.
وَيُقَال للْمَرْأَة: إنّي، كَمَا يُقال للرُّجل: اقْرِرْ، وللمرأة: قِرّي.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أنَّ الماءَ يُؤنّه، إِذا صَبَّه.
وَفِي بعض أَخْبَار الْعَرَب: أُنّ مَاء ثمَّ أَغْلِه، أَي: صُبَّه وأَغْلِه.
ابْن السِّكيت: يُقال: مَا لَهُ حانّة وَلَا آنَّة، أَي مَا لَهُ نَاقَة وَلَا شَاة.
قَالَ: وَيُقَال: لَا أَفعلهُ بِمَا أنّ فِي السَّمَاء نَجْمٌ، أَي: مَا كَانَ فِي السَّمَاء نجم؛ وَمَا عَنّ فِي السَّمَاء نجم، أَي: مَا عَرض؛ وَبِمَا أنّ فِي الفُرات قَطرة، أَي: مَا كَانَ فِي الفُرات قَطْرَة.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إنّ طول الصَّلَاة وقِصَر الخُطْبة مَئِنّة من فِقْه الرَّجُل، أَي: بَيَان مِنْهُ.
قَالَ أَبُو زيد: إِنَّه لَمِئّنة أَن يَفعل ذَلِك، وَإِنَّهَا وإنهن لمِئَّنة أَن يَفْعَلُوا ذَلِك، بِمَعْنى: لخليق أَن يَفْعَلُوا ذَلِك: وأَنْشد:
ومَنزل من هَوَى جُمْلٍ نزلتُ بِهِ
مَئِنّة من مَراصيد المَئِنّاتِ(15/403)
بِهِ تجاوزتُ عَن أولى وكائِده
إنّي كَذَلِك رَكّاب الحَشِيّاتِ
أولى، حِكَايَة عَمْرو، عَن أَبِيه.
الأنّة والمَئِنة، والعَدْقة، والشَّوّزب، وَاحِد؛ وَقَالَ دُكَين:
يَسْقِي على دَرّاجة خَرُوس
مَعْصُوبة بَين رَكايا شُوسِ
مَئِنَّة مِنْ قَلَتِ النّفوسِ
يُقَال: مَكَان من هَلاك النُّفُوس. وَقَوله: مَكَان من هَلَاك النُّفُوس: تَفْسِير لِمئِنّة، ودلّ ذَلِك على أَنه بِمَنْزِلَة (مَظِنّة) والخَروس: البَكْرة الَّتِي لَيست بصافية الصَّوْت. والجَروس، بِالْجِيم: الَّتِي لَهَا صَوت.
وَقَالَ أَبو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلَني شُعبة عَن (مَئِنّة) ، فَقلت: هُوَ كَقَوْلِك عَلامَة، وخليق.
قَالَ أَبُو زيد: هُوَ كَقَوْلِك: مَخْلقة، ومَجْدَرة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يَعني أَن هَذَا مِمَّا يُعْرف بِهِ فِقه الرجل ويُستدلّ بِهِ عَلَيْهِ.
قَالَ: وكل شَيْء دلّك على شَيْء فَهُوَ مَئِنَّة لَهُ؛ وأَنشد للمَرّار:
فتَهامَسُوا سِرًّا فَقَالُوا عَرِّسُوا
من غَيْر تَمْئِنة لغير مُعَرَّسِ
قلت: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي، وَأبي زيد، فِي تَفْسِير المَئِنّة، صَحِيح، وَأما احتجاجه بِرَأْيهِ بِبَيْت المَرّار فِي التَّمْئنة للمَئِنّة، فَهُوَ غَلط وسَهو؛ لِأَن الْمِيم فِي (التمئنة) أَصْلِيَّة، وَهِي فِي (مئنّة) مَفْعلة لَيست بأَصلية.
وَقد فسرت بَيت المَرّار فِي بَاب (مأن) .
وَأما (مئنة) فَإِن اللحياني قَالَ: هُوَ مَئِنّة أَن يفعل ذَلِك، ومَظِنَّة أَن يفعل ذَلِك، وأَنْشد:
إنّ اكْتحالا بالنَّقِيِّ الأَبْلج
ونَظَراً فِي الحاجِب المُزجَّجِ
مَئِنّة من الفَعال الأعْوج
فَكَانَ (مَئِنّة) عِنْد اللّحياني مُبدل الْهمزَة فِيهَا من الظَّاء فِي (المظنة) ، لِأَنَّهُ ذكر حروفاً تُعاقب فِيهَا الظَّاء الْهمزَة، مِنْهَا قَوْلهم: بَيت حَسن الأَهْرة والظَّهرة، وَقد أَفر وظَفر، أَي: وَثب.
إِن: قَالَ اللَّيْث: قَالَ الْخَلِيل: (إِن) الثَّقِيلَة تكون مَنْصُوبَة الْألف، وَتَكون مَكْسُورَة الْألف، وَهِي الَّتِي تَنْصب الْأَسْمَاء.
قَالَ: وَإِذا كَانَت مُبتدأة لَيْسَ قبلهَا شيءٌ يُعتمد عَلَيْهِ، أَو كَانَت مُستأنفة بعد كَلَام قديم ومَضى، أَو جَاءَت بعْدهَا لَام مُؤَكدَة يُعْتمد عَلَيْهَا، كُسرت الْألف، وَفِيمَا سوى ذَلِك تُنصب الْألف.
وَقَالَ الفرّاء فِي (أنّ) إِذا جَاءَت بعد القَوْل وَمَا تصرّف من القَوْل، وَكَانَت حِكَايَة لم يَقع عَلَيْهَا القولُ وَمَا تصرف مِنْهُ، فَهِيَ(15/404)
مَكْسُورَة، وَإِن كَانَت تَفْسيراً لِلْقَوْلِ نَصَبتها، وَذَلِكَ مثل قَول الله تَعَالَى: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً} (يُونُس: 65) .
وَكَذَلِكَ المَعنى اسْتِئْنَاف، كَأَنَّهُ قَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا.
وَكَذَلِكَ {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} (النِّسَاء: 157) كسرتها، لِأَنَّهَا بعد القَوْل على الْحِكَايَة.
قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِى بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ} (الْمَائِدَة: 117) فَإنَّك فَتحت الْألف، لِأَنَّهَا مُفَسَّرة ل (مَا) ، و (مَا) قد وَقع عَلَيْهَا القولُ فنصبها، وموضعها نَصْب.
وَمثله فِي الْكَلَام: قد قلت لَك كلَاما حَسناً أنّ أَبَاك شريفٌ، وأنَّك عَاقل، فتحت (أنّ) لِأَنَّهَا فَسَّرت الْكَلَام، وَالْكَلَام مَنْصوب.
وَلَو أردْت تَكْرِير القَوْل عَلَيْهَا كَسَرْتها.
قَالَ: وَقد تكون (إنّ) بعد القَوْل مَفْتُوحَة، إِذا كَانَ القَوْل يُرافعها؛ من ذَلِك أَن تَقول: قولُ عبد الله مُذ الْيَوْم أنّ النَّاس خارجون، كَمَا تَقول: قولُك مُذ الْيَوْم كلامٌ لَا يُفْهم.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا وَقعت (إنّ) على الْأَسْمَاء والصِّفات فَهِيَ مُشدَّدة.
وَإِذا وَقعت على فعل أَو حرف لَا يتَمَكَّن فِي صِفة أَو تَصريف فخفِّفها، تَقول: بَلغنِي أَن قد كَانَ كَذَا وَكَذَا، تخفّف من أجل (كَانَ) ، لِأَنَّهَا فِعل، وَلَوْلَا قد لم تَحْسن على حَال من الفِعل حَتَّى تعتمد على (مَا) أَو على (الْهَاء) ، كَقَوْلِك: إِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ غَائِبا، وَبَلغنِي أَنه كَانَ أَخُو بكر غنِيًّا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَنه كَانَ كَذَا وَكَذَا، تشدِّدها إِذا اعتمدَتْ.
وَمن ذَلِك قَوْلك: إنْ رُبّ رجل، فتخفّف.
فَإِذا اعتمدَت قلت: إِنَّه رُبّ رجُل، شدَّدْت.
وَهِي مَعَ الصّفات مشدّدة: إنّ لَك، وإنّ فِيهَا، وإنّ بك، وأَشَباهها.
قَالَ: وللعرب لُغَتَانِ فِي (إنّ) الْمُشَدّدَة:
إِحْدَاهمَا التَّثقيل، وَالْأُخْرَى التَّخْفِيف.
فأمّا من خَفّف فَإِنَّهُ يَرفع بهَا.
إِلَّا أَن نَاسا من أهل الْحجاز يخفِّفون ويَنصبون على توُّهم الثَّقِيلَة.
وقرىء: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: 111) خفَّفوا ونَصبوا.
وأنْشد الفَرّاء فِي تَخْفيفها مَعَ المُضْمر:
فَلَو أَنْك فِي يومِ الرَّخاء سأَلْتني
فِراقَك لم أَبْخل وَأَنت صَدِيقُ
وأنْشد القولَ الآخر:(15/405)
لقد عَلِم الضَّيْفُ والمُرْمِلون
إِذا اغْبرّ أفْقٌ وهَبّت شَمالا
بأنْك رَبيعٌ وغَيثٌ مَرِيعٌ
وقِدْماً هُناك تكون الثِّمالا
وَقَالَ أَبُو طَالب النّحوي، فِيمَا رَوى عَنهُ المُنذري، قَالَ: أهلُ الْبَصْرَة غير سِيبَوَيْهٍ وذَويه يَقُولُونَ: إنّ الْعَرَب تخفِّف (أَن) الشَّدِيدَة وتُعملها؛ وأَنشدوا:
ووَجْهٍ مُشْرق النَّحْر
كأنْ ثَدْيَيه حُقّانِ
أَرَادَ (كأنّ) فخفَّف وأَعمل.
وَقَالَ الفَرّاء: لم نسْمع الْعَرَب تُخفّف (أَن) وتُعملها إلاّ مَعَ المَكنّى، لِأَنَّهُ لَا يتبيّن فِيهِ إِعْرَاب، فأمّا فِي الظَّاهِر فَلَا.
وَلَكِن إِذا خفّفوها رَفَعوا
وأمّا من خَفف: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} فإِنهم نَصبوا {أَخْلَدَهُ} ب {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} ، كَأَنَّهُ قَالَ: (وَإِن ليوفينهم كُلا) .
قَالَ: وَلَو رُفعت (كل) لصَلح ذَلِك، تَقول: إنْ زيدٌ لقائم.
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.
قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ لساحران) .
ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .
ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد (أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت الزيدان.
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.
قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة، الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا
كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع (نعم) ، وَأَن اللَّام(15/406)
وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لَهما ساحران.
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.
قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .
وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على (إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.
فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي، عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.
قَالَ: وتجيء (إِن) فِي مَوضِع (لقد) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) ، الْمَعْنى، لقد كَانَ من غير شكّ من الْقَوْم.
وَمثله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) ، {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} (الْإِسْرَاء: 76) .
وتجيء (إِن) بِمَعْنى (إِذْ) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} (الْبَقَرَة: 278) الْمَعْنى: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (النِّسَاء: 59) مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم.
قَالَ: و (أَن) بِفَتْح الْألف وتَخفيف النُّون، قد تكون فِي مَوضِع (إِذْ) أَيْضا.
و (إِن) بَخْفض الْألف تكون مَوضِع (إِذا) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {لاَ تَتَّخِذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ} (التَّوْبَة: 23) .
من خَفضها جعلهَا فِي مَوضِع (إِذا) .
ومَن فتحهَا جعلهَا فِي مَوضِع (إِذْ) .
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن} (الْأَعْلَى: 9) .
قَالَ: (إِن) فِي معنى (قد) .
وَقَالَ أَبُو العبّاس، العربُ تَقول: إِن قَامَ زيد، بِمَعْنى قد قَامَ زيد.
وَقَالَ الْكسَائي: سمعتُهم يَقُولُونَهُ فظننته شرطا، فسألتهم فَقَالُوا: نُرِيد: قد قَامَ زيد، وَلَا نُرِيد: مَا قَامَ زيد.
وَقَالَ الْفراء: (إِن) الْخَفِيفَة أُمّ الْجَزاء، وَالْعرب تُجازي بحروف الِاسْتِفْهَام كُلّها وتجزم الْفِعْلَيْنِ: الشَّرْط وَالْجَزَاء، إِلَّا (الْألف) و (هَل) ، فَإِنَّهُمَا يَرفعان مَا يليهما.(15/407)
وَسُئِلَ ثَعلب: إِذا قَالَ الرّجل لامْرَأَته: إِن دخلت الدَّار، إِن كلمت أَخَاك، فَأَنت طَالِق، مَتى تَطْلُق؟ فَقَالَ: إِذا فعلتهما جَمِيعًا. قيل لَهُ: لِم؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قد جَاءَ بشَرطين. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق إِن احمرّ البُسْر. فَقَالَ: هَذِه مسألةُ محَال، لأنّ البُسر لَا بُدّ من أَن يَحمرّ. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ: أَنْت طَالِق إِذا احْمَرّ البُسر. قَالَ: هَذَا شَرط صَحِيح، تطلُق إِذا احمرّ البُسر.
وَقَالَ الشَّافِعِي: فِيمَا أثْبت لنا عَنهُ: إنْ قَالَ الرَّجُل لامْرَأَته: أنتِ طَالِق إِن لم أُطلِّقك، لم يَحْنث حَتَّى يُعلم أنّه لَا يُطلِّقها بِمَوْتِهِ أَو بموتها.
وَهُوَ قَول الكوفيّين.
وَلَو قَالَ: إِذا لم أطلّقك، وَمَتى مَا لم أُطلّقك، فَأَنت طَالِق، فَسكت مُدّة يُمكنهُ فِيهَا الطَّلَاق، طُلّقت.
أَنا: للْعَرَب فِي (أَنا) لُغات، وأجودها: أنّك إِذا وَقَفْت عَلَيْهَا قُلت: أنَا، بِوَزْن (عَنَا) .
وَإِذا مَضَيت عَلَيْهَا قلت: أَنَ فَعَلْت ذَاك، بِوَزْن: عَنَ فَعَلْت ذَاك.
تُحرِّك النُّون فِي الوَصل وَهِي سَاكِنة من مثله فِي الْأَسْمَاء غير المتمكِّنة، مثل: (من) و (كم) إِذا تَحرّك مَا قبلهَا.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَنا فعلت ذَاك، فَيثبت الْألف فِي الْوَصْل وَلَا يُنوّن.
وَمِنْهُم من يسكّن النُّون، وَهِي قَليلَة، فَيَقُول: أنْ قُلت ذَاك.
وقُضاعة تَمُدّ الْألف الأُولى: آنَ قُلته؛ قَالَ عَدِيّ:
يَا لَيت شعري آنَ ذُو عَجّةٍ
مَتَى أرى شَرْباً حوالَي أَصِيصْ
وَقَالَ العُدَيل فِيمَن يُثبت الْألف:
أَنا عَدْل الطِّعان لمن بَغَانِي
أَنا العَدْل المُبيِّن فاعْرفونِي
و (أَنا) لَا تَثْنية لَهُ من لَفظه إِلَّا ب (نَحن) ، ويَصلح (نَحن) فِي التّثنية وَالْجمع.
فَإِن قيل: لمَ ثَنَّوا (أَنْت) فَقَالُوا: أَنْتُمَا، وَلم يثنوا (أَنا) .
قيل: لمَا لم تجز: أَنا وَأَنا، لرجُل آخر، لم يُثنّوا.
وَأما (أَنْت) فثنّوه (بأنتما) لِأَنَّك تُجيز أَن تقولَ لرجلٍ: أَنْت وَأَنت، لآخر مَعَه، فَلذَلِك ثُنِّي.
وَأما (إنّي) فتثنية (إِنَّا) ، وَكَانَ فِي الأَصْل: إنّنا، فكثرت النونات، فحذفت إِحْدَاهَا، وَقيل: إنّا.
وَقَوله عزّ وجلّ: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ} (سبأ: 24) . الْمَعْنى: إنّنا وَإِنَّكُمْ، فعطف (إيَّاكُمْ) على الِاسْم فِي قَوْله (إنّا) على النُّون وَالْألف، كَمَا تَقول: إِنِّي وإيّاك. مَعْنَاهُ: إنّي وإنّك، فافهمه؛ وَقَالَ:(15/408)
إنّا اقْتَسمنا خُطّتَيْنا بعدكم
فحملتُ بَرّة واحْتملت فجارِ
(إِنَّا) تَثْنِيَة (إِنِّي) فِي الْبَيْت.
نِينَوَى: اسْم قَرْيَة مَعْروفة تُتاخم كَرْبلاء.
وين: الوَيْنة: العِنَبة السَّوداء. وَجمعه: الوَيْن؛ وأَنْشد:
كَأَنَّهُ الوَيْن إِذْ يُجْنى الوَيْن
يَصف شَعْر امرأَة.
يين: قَالَ أَبُو عَمْرو: يَيَن: اسْم مَوضع.
النُّون: اللَّيْث: النُّون حرف فِيهِ نونان بَينهمَا وَاو، وَهِي مدّة.
وَلَو قيل فِي الشّعْر: نن، كَانَ صَوَابا.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو (نون) جزما.
وَقَرَأَ أَبُو إِسْحَاق (نون) : جرًّا.
وَقَالَ الفَراء {ن والقلم} (الْقَلَم: 1) : لَك أَن تُدْغَم النُّون الْأَخِيرَة وتُظهرها، وإظهارها أعجب إليّ. لِأَنَّهَا هجاء، والهجاء كالموقوف عَلَيْهِ، وَإِن اتَّصل.
وَمن أخفاها بناها على الآتصال.
وَقد قَرَأَ القُرّاء بالوَجهْين جَمِيعًا.
وَكَانَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة يُبِينانها، وَبَعْضهمْ يتْرك الْبَيَان.
وَقَالَ النحويون: (النّون) تزاد فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال.
أما فِي الْأَسْمَاء فَإِنَّهَا تزاد أَولا فِي: تفعل، إِذا سُمِّي بِهِ.
وتُزاد ثَانِيَة فِي: جُنْدب، وجَنْدل.
وتُزاد ثَالِثَة فِي: حَبَنطى، وسَرَندى، وَمَا أشْبهه.
وتُزاد رَابِعَة فِي: خَلْبن، وضَيْفن، وعَلْجن، ورَعْشن.
وتُزاد خَامِسَة فِي: مثل: عُثْمَان، وسُلطان.
وتُزاد سادسة فِي: زعفران، وكَيْذُبان.
وتُزاد سابعة فِي مثل: عُبَيْثران.
وتُزاد عَلامَة للصَّرف فِي كل اسْم منصرف.
وتُزاد فِي الْأَفْعَال ثَقيلَة وخَفِيفة.
وتُزاد فِي التّثنية وَالْجمع، وَفِي الْأَمر فِي جمَاعَة النِّساء.
حَدثنَا عبد الله، عَن حَمْزَة، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر والثَّوري، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظَبيان، أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول مَا خَلق الله خَلق الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: إِي رَبّ، وَمَا أكتب؟ فَقَالَ: الْقدر. قَالَ: فَكتب فِي ذَلِك الْيَوْم مَا هُوَ كَائِن إِلَى قيام السَّاعَة. ثمَّ خلق النُّون، ثمَّ بسط الأَرْض عَلَيْهَا فاضطربَ النُّون فمادت الأَرْض، فخلق الله الجِبال فأثْبتها بهَا. ثمَّ قَرَأَ ابْن عبّاس: {ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: 1) .(15/409)
وبالإسْناد عَن الحَسن وقَتادة فِي قَوْله: {} (الْقَلَم: 1) قَالَا: الدَّواة والقَلم. وَمَا يَسْطُرون: مَا يَكْتبون.
قَالَ أَبُو تُراب: وأَنْشدني جماعةٌ من فُصحاء قيس وأَهل الصِّدْق مِنْهُم:
حاملةٌ دَلوك لَا مَحمولَهْ
مَلأى من المَاء كعَين النُّونَهْ
فَقلت لَهُم: رَوَاهَا الْأَصْمَعِي (كعين الموله) فَلم يَعْرفوها، وَقَالُوا: النونة: السّمكة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المُوله: العَنْكبوت.(15/410)
حرف الْفَاء
قَالَ ابْن المُظَفّر: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: ذهبت العربيّة مَعَ الْحُرُوف الَّتِي مرت فَلم يَبْق للفاء إِلَّا اللّفيف وأحرف قَليلَة من المُعتل، وَهِي:
فُمّ، فَأم، فوم، فَمٌ
فمّ: وَمن المضاعف: ثُم وفُمّ، فِي النَّسَق.
يُقال: رَأَيْت عمرا فُمَّ زيدا، وثُمّ زيدا، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الفَرّاء: فُمّ وثُم، من حُروف النّسَق.
فَأم: أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الفِئام: وطاءٌ يكون للمَشاجِر.
وَجمعه: فُؤُم، على وزن فُعُم؛ قَالَ لَبِيد:
وأَرْبَد قارسُ الهَيْجَا إِذا مَا
تَقعَّرت المَشاجِرُ بالفِئَامِ
وَقَالَ غَيره: هَوْدجٌ مُفَأَّم، وُطِّىء بالفِئَام؛ وَأنْشد قولَ زُهَير:
على كُلِّ قَيْنيّ قَشِيب مُفَأَّمِ
وَرَوَاهُ غيرُه: قشيب مُفْأَّم.
والتَّفْئيم: تَوسيع الدَّلْو.
يُقال: أفأمت الدَّلْو، وأَفْعمته، إِذا مَلأْتَه.
ومَزَادةٌ مُفَأَّمة، إِذا وُسِّعت بِجلْد ثَالِث.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: عِنْد فلَان فِئامٌ من النَّاس، والعامة تَقول: فِيام، وهم الْجَمَاعَة؛ وَأنْشد غَيره:
فِئَامٌ يَنْهضُون إِلَى فِئَام
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: فأَمْت وصأمْت، إِذا رَوِيتَ من المَاء.
وروى ابْن الْفرج لِابْنِ الأعرابيّ فِي بَاب الصَّاد وَالْفَاء: فَئِبْت وصَئِبْت، إِذا رويتَ من المَاء.
قَالَ أَبُو عَمْرو: التفاؤم: أَن تملأ الْمَاشِيَة أَفواهَها من العُشب؛ وَأنْشد:
ظلَّت برَمْلٍ عالجٍ تَسَنَّمُهْ
فِي صِلِّيانٍ ونَصِيَ تَفْأمُهْ
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ أَبَا السَّميدع يَقُول: فئِمت فِي الشَّراب وصَئِمت، إِذَا كَرعت فِيهِ نَفَساً.
قلت: وكأنّه من: فأمت الْإِنَاء، إِذا أَفْعمته ومَلأته.(15/411)
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فَئِب وصَئِب، إِذا رَوِي من المَاء.
قلت: وَهِي كُلها لُغَات، الْقَاف وَالْفَاء وَالْمِيم.
فام: ابْن شُميل، يُقال: قَطعوا الشَّاة فُوماً فُوماً، أَي قِطَعاً قِطَعاً.
اللَّيْث: الفامِيّ: السُّكرىّ.
قلت: مَا أرَاهُ عَربيّاً مَحْضاً.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا} (الْبَقَرَة: 61) .
قَالَ: الفُوم، فِيمَا يذكرُونَ: لغةٌ قديمَة، وَهِي الحِنْطة والخُبز، جَمِيعًا قد ذُكِرَا.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: سمعتُ الْعَرَب من أهل هَذِه اللُّغة يَقُولُونَ: فَوِّموا لنا، بالتَّشديد، يُريدون: اخْتبزوا لنا.
قَالَ: وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله (وثُومها) بالثاء.
وَكَأَنَّهُ أشبه الْمَعْنيين بالصّواب، لِأَنَّهُ مَعَ مَا يُشاكله من العَدس والبَصل.
وَالْعرب تُبدل الْفَاء ثاء فَيَقُولُونَ: جَدَف وجدث، للقَبْر؛ وَوَقع فِي عافور شّر، وعاثور شّر.
وَقَالَ الزجّاج: الفوم: الحِنْطة.
وَيُقَال: الحُبوب.
لَا اخْتِلَاف بَين أهل اللُّغة أنّ (الفوم) : الحِنطة، وَسَائِر الحُبوب الَّتِي تُختبز يَلْحقها اسمُ الفُوم.
قَالَ: وَمن قَالَ (الفوم) هَاهُنَا: الثُّوم، فَإِن هَذَا لَا يُعرف. ومُحال أَن يَطلب القومُ طَعَاما لَا بُرّ فِيهِ، وَهُوَ أَصْل الْغذَاء. وَهَذَا يَقطع هَذَا القَوْل.
وَقَالَ اللِّحياني: هُوَ الثُّوم والفُوم، للحِنْطة.
قلت: إِن كَانَ قَرَأَ ابْن مَسْعُود بالثاء فَمَعْنَاه: الفُوم، وَهُوَ الحِنْطة.
فَم: ابْن السّكيت: قَالَ الفرّاء: يُقال: هَذَا فمٌ، مَفْتُوح الْفَاء مخفف الْمِيم.
وَكَذَلِكَ فِي النَّصب والخَفض: رَأَيْت فَمَا، ومررت بِفَمٍ.
وَمِنْهُم من يَقُول: هَذَا فُمٌ، ومررت بفُم، وَرَأَيْت فُماً.
فيَضم الْفَاء فِي كل حَال، كَمَا يَفتحها فِي كل حَال.
وأمَّا تَشديد الْمِيم فَإِنَّهُ يَجوز فِي الشّعْر؛ كَمَا قَالَ:
يَا ليتها قد خَرَجت من فُمّه
وَلَو قَالَ: من فَمِّه، لجَاز.
قَالَ: وأمّا: فُو، وَفِي، وفا، فَإِنَّمَا يُقَال فِي الْإِضَافَة، إِلَّا أَن العجّاج قَالَ:(15/412)
خالط من سَلْمى خياشِيم وفا
قَالَ: وَرُبمَا قَالُوا ذَلِك فِي غير الْإِضَافَة، وَهُوَ قَلِيل.
اللَّيْث: أمّا: فو، وفا، وَفِي، فَإِن أصل بنائها (الفَوْه) حذفت الْهَاء من آخرهَا. وحُملت الْوَاو على الرّفْع والنَّصب والجرّ، فاجترت الْوَاو صُروفَ النَّحْو إِلَى نَفسهَا، فَصَارَت كَأَنَّهَا مدّة تَتبع الْفَاء.
وَإِنَّمَا يستحسنون هَذَا اللَّفْظ فِي الْإِضَافَة، أما إِذا لم تُضف فَإِن الْمِيم تُجعل عماداً للفاء، لِأَن الْيَاء وَالْوَاو وَالْألف يَسْقطن مَعَ التَّنوين، فكرهوا أَن يكون اسْم بِحرف مغلق، فعمِّدت الْفَاء بِالْمِيم، إِلَّا أَن الشَّاعِر قد يَضطر إِلَى إِفْرَاد ذَلِك بِلَا مِيم، فَيجوز فِي القافية؛ كَقَوْلِه:
خالط مِن سَلْمى خياشيمَ وفا
قلت: وممّا يَدُلّ على أَن الأَصْل فِي: فَم، وفو، وفا، وَفِي، (هَاء) حُذفت من آخرهَا: قولُهم للرّجُل الْكثير الْأكل: فَيِّهٌ، وَامْرَأَة فَيِّهةٌ.
ابْن السِّكيت: رَجُلٌ أَفْوه: عَظِيم الفَم طَوِيل الأسْنان.
وَكَذَلِكَ: مَحالَة فوهاء، إِذا طَالَتْ أسنانها الَّتِي يَجري الرِّشاء فِيهَا.
ورَجُلٌ مُفَوَّه، وفَيِّهٌ: حَسن الْكَلَام.
سلَمة، عَن الفَرّاء: أَلْقَيت على الْأَدِيم دَبْغةً، والدَّبْغة: أَن تُلْقِي عَلَيْهِ فَمَا مِن دباغ خَفِيفة، أَي: فَماً من دِبَاغ، أَي نَفْساً.
ودَبَغْتُه نَفْساً، ويُجمع: أنْفُساً، كأنْفُس النّاس، وَهِي المرّة.
أَخْبرنِي المُنْذري، عَن ثَعلب عَنهُ، قَالَ أَبُو زُبيد يصف شِبْلين:
ثمَّ اسْتفاها فَلم يَقْطع رَضَاعَهما
عَن التَّصَبُّب لَا شَعْبٌ وَلَا قَدْعُ
اسْتَفاها: اشتدّ أكلُها. والتَّصَبُّب: اكتساء اللَّحم للسِّمن بعد العِظام، والتَّحلُّم، مثله. والقَدْع: أَن تُدفَع عَن الْأَمر تُريده؛ يُقَال: قَدَعته فقُدع قَدْعاً.
ورَجُلٌ فَيّه: جَيِّد الْأكل. وَقد اسْتفاه. وَهِي مُسْتَفِيه.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم فِي الدُّعاء على الرَّجُل قولُهم: فاهَا لفيك؛ تُرِيدُ: فَا الدّاهية.
قَالَ: ومَعناه: الخَيبةُ لَك.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَأَصله أَنه يُريد: جَعل الله بفيك الأرضَ.
وكما يُقَال: بفيك الأَرْض، يُقال: بفيك الأثلب والحَجر؛ وأَنْشد:
فَقلت لَهَا فاها لفيك فَإِنَّهَا
قلُوص امرىء قارِيك مَا أَنت حاذِرُهْ
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فاهَا لفيك، غير مُنوّن، إِنَّمَا يُرِيدُونَ: الدَّاهية، وَصَارَ بَدَلا من اللفّظ، بقوله: دَهاك الله، يدلّك على ذَلِك قَوْله:(15/413)
وداهية مِن دَواهي المَنو
ن يَرْهَبها الناسُ لَا فَالها
فَجعل للدّاهية: فَمَا.
وَقَالَ آخر:
لَئِن مالكٌ أَمْسى ذليلاً لطالما
سَعَى للَّتِي لَا فَالها غَيْر آئِبِ
أَرَادَ: لَا فَم لَهَا، أَي: للداهية.
وأنْشد شَمر للكُميت:
وَلَا أَقُول لذِي قُربَى وآصِرة
فاهَا لفِيك على حالٍ من العَطَبِ
وَقَالَ شَمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فاهاً بفيك، منوّنة، أَي: ألصق الله فَاك بِالْأَرْضِ.
قلت: وَقد مَرّ الْحَرْف مشبعاً فِي كتاب الْهَاء.
بَاب حُرُوف اللفيف من الْفَاء
فَاء فأى فأفأ فيف فوف فو فِي وفا آف أفّ.
فَاء: قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِن فَآءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الْبَقَرَة: 226) .
وَقَالَ الله تَعَالَى: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ} (النَّحْل: 48) .
وَقَالَ الله تَعَالَى: {قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآءَاتَاكُمُ} (الْحَشْر: 7) .
(فالفيء) فِي كتاب الله تَعَالَى على ثَلَاثَة معَان، مَرجعها إِلَى أصل وَاحِد، وَهُوَ الرُّجوع.
قَالَ تقدّس ذِكره فِي المُولين من نِسَائِهِم، {فَإِن فَآءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وَذَلِكَ أَن الْمولي حَلف ألاَ يطأَ امرأتَه، فَجعل الله لَهُ مُدّة أَرْبَعَة أشهر بعد إيلائه، فَإِن جَامعهَا هِيَ فِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر فقد فَاء، أَي: رَجَعَ عمّا حَلف عَلَيْهِ مِن ألاّ يُجامعها إِلَى جِماعها، وَعَلِيهِ لِحْنثه كفّارةُ يَمين، وَإِن لم يُجامعها حَتَّى تَنقضي أَرْبَعَة أشهر من يَوْم آلَى، فَإِن ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أوقعوا عَلَيْهَا تطْليقةً، وجَعلوا عَزِيمَة الطَّلَاق انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر. وَخَالفهُم الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم من أهل العِلم، وَقَالُوا: إِذا آنقضت أَربعة أشهر وَلم يُجامعها وُقِّفَ المُولي، فإمّا أَن يَفيء، أَي يُجَامِعهَا ويكفِّر، وَإِمَّا أَن يُطلِّق.
فَهَذَا هُوَ الْفَيْء من الْإِيلَاء، وَهُوَ الرُّجوع إِلَى مَا حَلف عَلَيْهِ أَلا يَفعله.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ} (النَّحْل: 48) فإِنْ التَّفيّؤ، تفَاعل من (الْفَيْء) ، وَهُوَ الظل بالعشيّ.
وتَفّيؤ الظلال: رُجوعها بعد انتصاف النّهار، وانتعال الْأَشْيَاء ظِلالَها.(15/414)
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي طَالب النَّحْوِيّ، أَنه قَالَ: التفيَّؤ لَا يكون إلاّ بالْعَشي، والظّل بِالْغَدَاةِ، وَهُوَ مَا لم تَنَلْه الشَّمْس.
والفيء بالعَشي: مَا انصرفت عَنهُ الشَّمس.
قَالَ: وَقد بَيَّنه الشَّاعِر فَقَالَ:
فَلَا الظِّلّ مِن بَرْد الضُّحَى تَسْتَطيعه
وَلَا الفَيء مِن بَرْد العَشِيّ تَذوقُ
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن الْحَرَّانِي، عَن ابْن السّكيت نحوَه.
قَالَ: وَجمع (الْفَيْء) : أفياء، وفُيوء؛ وَأنْشد:
لعمري لأَنْت الْبَيْت أُكْرِم أَهْلَه
وأقْعُد فِي أَفْيائه بالأَصائِلِ
قَالَ: والظل: مَا نَسخَتْه الشَّمْس.
والفيء: مَا نَسخ الشمسَ.
ابْن الْأَعرَابِي عَن المفضّل، يُقَال للقِطْعة من الطَّير: فَيْءٌ، وعَرِقة، وصَفّ.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآءَاتَاكُمُ} (الْحَشْر: 7) .
فَإِن (الْفَيْء) : مَا ردّ الله تَعَالَى على أَهل دِينه من أَموال مَن خَالف أَهل دينه بِلَا قِتال، إمّا بِأَن يُجْلَوا عَن أوطانهم ويُخَلّوها للمُسلمين، أَو يُصالحوا على جِزية يُؤَدّونها عَن رُؤوسهم، أَو مالٍ غير الْجِزْيَة يَفْتدون بِهِ من سَفك دِمَائِهِمْ.
فَهَذَا المَال، هُوَ (الْفَيْء) فِي كتاب الله.
قَالَ الله تَعَالَى: {الْفَاسِقِينَ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} (الْحَشْر: 6) أَي: لم تُوجفوا عَلَيْهِ خيلاً وَلَا ركاباً.
نزلت فِي أَمْوَال بَني النّضير حِين نَقضوا العَهد وجَلَوْا عَن أوطانهم إِلَى الشَّام، فقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْوَالهم من النخيل وَغَيرهَا فِي الوُجوه الَّتِي أرَاهُ الله أَن يَقْسمها فِيهَا.
وقِسمة الْفَيْء غيرُ قِسمة الغَنيمة، الَّتِي أوْجف الله عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ والرِّكاب.
وَقد بَيّنت جماع ذَلِك فِيمَا مَرّ من الْكتاب.
وأصل (الْفَيْء) : الرُّجُوع، كَمَا أعلمتك، سُمّي هَذَا المَال: فَيْئا، لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى الْمُسلمين من أَمْوَال الكُفّار عَفْواً بِلَا قتال.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي قِتال أهل البَغي {تَبْغِى حَتَّى تَفِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَ إِلَى أَمْرِ} (الحجرات: 9) أَي: تَرجع إِلَى الطَّاعَة.
وَيُقَال لنَوى التَّمر، إِذا كَانَ صُلْباً: ذُو فَيْئة، وَذَلِكَ أَنه تُعْلَفه الدّوابّ فتأكله، ثمَّ يَخرج من بُطونها كَمَا كَانَ نَدِيًّا؛ وَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة يَصف فرسا:
سُلاَّءة كعَصا النَّهديّ غُلّ لَهَا(15/415)
ذُو فَيْئَة من نَوى قُرّان مَعْجُومُ
ويفسّر قَوْله: (غُلّ لَهَا ذُو فَيْئة) تفسيرَيْن:
أَحدهمَا: أَنه أَدخل جَوْفَها نَوى من نَوى نَخِيل قُرّان حَتَّى اشتدَ لَحْمُها.
وَالثَّانِي: أَنه خُلِق لَهَا فِي بَطن حوافرها نُسورٌ صِلابٌ كأنّها نوى قُرّان.
وَيُقَال: تفيأَت المرأةُ لزَوجهَا، إِذا تكسّرت لَهُ تدلُّلاً؛ وَمِنْه قَول الراجز:
تَفّيأَت ذَات الدَّلال والخَفْر
لعابسٍ جافي الدَّلالَ مُقْشَعِرّ
قَالَ النَّضر: الأَفَى: القِطَع من الْغَيْم، وَهِي الفِرَق يَجِئْن قِطَعاً كَمَا هِيَ.
قلت: الْوَاحِدَة: أَفَاة.
وَيُقَال: هَفاة، أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أفأتُ فلَانا على الأَمْر، إفاءةً، إِذا أَرَادَ أمرا فَعدلْتَه إِلَى أَمر غَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: المَفْيؤة، وَهِي المَقْنؤة، من الْفَيْء.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: مَقْنأة، ومقْنُؤة، للمكان الَّذِي لَا تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمس.
وَلم أَسمع (مفيؤة) بِالْفَاءِ، لغير اللَّيْث، وَهُوَ يُشبه الصَّواب.
أَبُو زيد: يُقَال: فِئت إِلَى الْأَمر فَيْئاً، إِذا رَجَعت إِلَيْهِ.
وأفأت على الْقَوْم فَيْئا، إِذا أخذت لَهُم سَلَب قوم آخَرين فجِئْتهم بِهِ.
وأفأت عَلَيْهِم فَيْئا، إِذا أخذت لَهُم فَيْئا أُخذ مِنْهُم.
وَقَالَ النَّضر: يُقال لِلْحَديدة إِذا كَلّت بعد حِدّتها: قد فاءَتْ.
فأى: أَبُو زيد: فَأَوْت رأسَ الرَّجُل، إِذا فَلَقتَه بالسَّيف.
وَكَذَلِكَ: فَأَيْته.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الفَأْوُ: مَا بَين الجَبَلْين؛ قَالَ ذُو الرُّمّة:
حَتَّى انْفأَى الفَأْوُ عَن أَعْناقها سَحَرا
قَوْله: انْفأَى، أَي: انْكَشَفَ. والفَأو، فِي بَيت ذِي الرُّمة: طَرِيق بَين قارَتين بِنَاحِيَة الدَّوّ بَينهمَا فَجٌّ واسِعٌ، يُقَال لَهُ: فأو الرَّيّان؛ وَقد مَرَرْتُ بِهِ.
والفِئة، بِوَزْن (فِعَة) : الفِرْقة من النّاس.
مَأْخُوذَة من: فأيت رَأسه، أَي: شَققته.
وَكَانَت فِي الأَصْل فِئْوة، بِوَزْن (فِعْلة) فنُقص.
وَجمع (الفئة) : فِئُون، وفِئَات.
اللَّيْث: يُقال فأوت رَأسه، وفأَيْته، وَهُوَ ضَرْبك قِحْفَه حتّى يَنْفرج عَن الدِّماغ.
والانْفِياء: الانفْراج.(15/416)
قَالَ: وَمِنْه اشتُق اسْم (الفِئة) ، وهم طَائِفَة من النَّاس.
فأفأ: اللَّيْث: الفَأْفأة، فِي الْكَلَام كأنّ الْفَاء تَغْلب على اللِّسان.
تَقول: فَأْفأ فلانٌ فِي كَلَامه، فَأْفأةً.
ورَجُلٌ فَأْفاء، وَامْرَأَة فَأفاءة.
وَقَالَ المبرّد: الفَأْفأة: التَّرْديد فِي (الْفَاء) .
اللّحيانيّ، يُقال: رَجُلٌ فأْفأ وفَأْفَاء، يُمدّ ويُقْصر.
فيف: اللَّيْث: الفَيْف: المَفازة الَّتِي لَا مَاء فِيهَا، مَعَ الاسْتواء والسَّعة.
وَإِذا أُنِّثت، فَهِيَ: الفَيْفاء.
وَجَمعهَا: الفَيافي.
وَجمع (الفيف) : فُيوف، وأَفْياف.
قلت: وبالدَّهناء مَوضعٌ يُقَال لَهُ: فَيْف الرِّيح.
قَالَ شَمر: وَقَالَ المؤرِّج: الفَيْف من الأَرْض: مُختلَف الرِّياح؛ وأَنشد لِعَمْرو ابْن مَعْد يكرب:
أَخْبر المُخْبِرُ عَنْكُم أنّكم
يومَ فَيْف الرِّيح أُبْتُمْ بالفَلَج
ويُقال: فيف الرّيح: موضعٌ مَعْرُوف؛ قَالَ ذُو الرّمة:
والرَّكْب يعْلُو بهم صُهْبٌ يَمانِيةٌ
فَيْفاً عَلَيْهِ لِذيل الرِّيح نِمْنِيمُ
وَقَالَ غَيره: الفيفاء: الصَّحرَاء المَلْساء؛ وَجَمعهَا: الفَيافي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كُلّ طَرِيق بَين جَبَلين: فَيْفٌ؛ وأَنْشد:
مَهِيلُ أَفْيافٍ لَهَا فُيوف
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
ومُغْبَرّة الأَفياف مَسْحولة الحَصَا
دَيامِيمها مَوْصُولة بالصَّفاصِفِ
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: الفَيْفاء: البعيدةُ من المَاء.
وَقَالَ شمر: والقَول فِي (الفَيْف) (والفيفاء) مَا ذكره المُؤرّج من مُخْتَلف الرِّياح.
فوف: اللَّيْث: الأفواف: ضربٌ من عُصْب البُرود.
يُقال: بُرْدٌ أفواف، وبُرْد مُفَوّف.
قَالَ: والفَوْف، مصدر: الفُوفة.
يُقَال: مَا فافَ عنِّي بخَيْرٍ وَلَا زَنْجَر.
وَذَلِكَ أَن تسْأَل رجلا فَيَقُول بظُفر إبهامه على ظُفر سبّابته: وَلَا مثل ذَا.
وَالِاسْم مِنْهُ: الفُوفة.
وأمّا (الزَّنجرة) فَمَا يأخُذ بَطْنُ الظُّفر من طرف الثَّنية إِذا أخذْتها بِهِ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفُوفة: القِشْرة الرَّقيقة تكون على النَّواة.
قَالَ: وَهِي القِطْمير أَيْضا.
قَالَ: والفُوف ثيابٌ رِقاقٌ من ثِياب اليَمن(15/417)
مُوشّاة.
ونحوَ ذَلِك حكى شَمِرٌ عَنهُ.
وَعَن أبي حَاتِم: الفُوف، بِضَم الْفَاء، وبُرد مُفَوَّف.
قلت: وروى أصحابُ أبي عُبيد عَنهُ، عَن الْفراء: الفُوف: البَياض الَّذِي يكون فِي أظفار الأَحْداث.
وَمِنْه قيل: بُرْدٌ مُفَوَّف.
وَقَالَ شَمر: هُوَ الفُوف، بالضّم.
قَالَ: وَسَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَن (الفُوف) فَلم يعرفهُ؛ وأَنشد:
وَأَنت لَا تُغْنين عني فُوفَا
فو: اللَّيْث: الفُوَّة: عُروق تُسْتَخرج من الأَرْض تُصْبغ بهَا الثِّيَاب.
يُقَال لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: رُوبِين.
ولفظها على تَقْدِير: خُوّة، وقُوّة.
وَلَو وَصفت بهَا أَرضًا لَا يُزرع فِيهَا غيرُه، قلت: أرضٌ مَفْواة، من المَفَاوِي.
وثَوْبٌ مُفَوَّى، لِأَن الْهَاء الَّتِي فِي (الفُوَّة) لَيست بأصليّة، بل هِيَ هَاء التَّأْنِيث.
فِي: اللَّيْث: (فِي) حرفٌ من حُروف الصِّفَات.
وَقَالَ غَيره: (فِي) تَأتي بِمَعْنى (وسط) ، وَتَأْتِي بِمَعْنى (دَاخل) ، كَقَوْلِك: عبدُ الله فِي الدَّار، أَي: دَاخل الدَّار، ووَسط الدَّار.
وتجيء (فِي) بِمَعْنى، على، قَالَ الله جلّ وعزّ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه: 71) .
الْمَعْنى: على جُذوع النّخل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله تَعَالَى: {طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} (نوح: 16) ، أَي: مَعَهُنَّ.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: جَاءَت (فِي) بِمَعْنى: (مَعَ) ؛ قَالَ الجَعْديّ:
ولَوْحُ ذراعَيْن فِي بِرْكةٍ
إِلَى جُؤْجُؤٍ رَهِلِ المَنْكِبِ
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يَدْفع عَنْهَا الجُوعَ كُلَّ مَدْفَع
خَمْسون بُسْطاً فِي خَلايا أَرْبَعِ
أَرَادَ: مَعَ خلايا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول عَنْترة:
بَطَلٌ كأنّ ثِيابه فِي سَرْحَةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْت لَيْسَ بِتَوْأَمِ
قَالَ: مَعْنَاهُ: كَأَن ثِيَابه على سَرحةٍ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ} (الشورى: 11) أَي: يكثركم بِهِ؛ وَأنْشد:
وأَرْغبُ فِيهَا عَن عُبَيدٍ ورَهْطه
وَلَكِن بهَا عَن سِنْبِسٍ لستُ أَرْغَبُ
أَي: أَرغب بهَا.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ(15/418)
وَمَنْ} (النَّمْل: 8) أَي: بُورِكَ مَن على النَّار، وَهُوَ الله جَلّ وعَزّ.
وفا: اللَّيْث: يُقال: وَفَا يَفِي وَفَاءً؛ فَهُوَ وافٍ.
ووَفى رِيشُ الْجنَاح، فَهُوَ وافٍ. وكل شَيْء بَلغ تَمام الْكَمَال، فقد وَفَى وتَمّ.
وَكَذَلِكَ: دِرْهم وافٍ، يَعني: أَنه دِرْهم يَزِن مِثْقالاً. وكَيْلٌ وافٍ.
وَقَالَ شَمر: بَلغنِي عَن ابْن عُيينة، قَالَ: الوافِي: دِرْهمٌ ودانِقَان.
وَقَالَ غَيره: هُوَ الَّذِي وفَى مِثْقالاً.
ورَجُلٌ وَفِيٌّ: ذُو وَفاء.
قَالَ أَبُو بكر: قَوْلهم: لَزِم الوَفاء: معنى (الْوَفَاء) فِي اللُّغَة: الخُلق الشَّريف العالي الرَّفيع من قَوْلهم: وَفى الشَّعَرُ فَهُوَ وافٍ، إِذا زَاد.
قَالَ ذَلِك أَبُو العبّاس.
قَالَ: وَوَفَيْت لَهُ بالعهد أَفِي، ووافَيْت أُوافِي.
وارْضَ من الْوَفَاء باللَّفاء، أَي: بِدُونِ الْحق؛ وأَنْشد:
وَلَا حَظِّي اللَّفاء وَلَا الخَسِيس
والمُوافاة: أَن تُوافي إنْساناً فِي المِيعاد.
تَقول: وافَيْتُه.
ويُقال: أَوْفيته حَقَّه، ووفَّيته أَجْره.
وأوْفَيْت على شَرف مِن الأَرْض، إِذا أشْرَفْت عَلَيْهِ. فَأَنا مُوفٍ.
والميفاة: الْموضع الَّذِي يُوفِي فَوْقه الْبَازِي، لإيناس الطَّير أَو غَيره.
وَإنَّهُ لَمِيفاء على الْأَشْرَاف، إِذا لم يَزل يُوفي على شرف؛ قَالَ رُؤبة:
أبلغ مِيفاء رُؤس فوره
والوفاة: المَنِيّة. وتُوفي فلَان. وتوفّاه الله، إِذا قَبض نَفْسه.
وَقَالَ غَيره: تَوَفِّي الْمَيِّت، بِمَعْنى: اسْتيفاء مُدَّته الَّتِي كُتبت من عَدد أَيّامه وشُهُوره وأعوامه فِي الدّنيا.
ويُقال: تَوَفَّيْت المالَ مِنْهُ، واسْتوْفيته، إِذا أَخَذته كُلّه.
وتَوفَّيْت عَدد الْقَوْم، إِذا عَدَدْتَهم كلهم؛ وأَنْشد أَبُو عُبيدة لِمَنظور الوَبْريّ:
إنّ بني الأَدْرم لَيسوا من أَحد
وَلَا تَوفّاهم قُريْشٌ فِي العَدَدْ
أَي: لَا تجعلهم قريشٌ تَمام عَددهمْ، وَلَا تستوفي بهم عَدَدَهم.
وَمن هَذَا قولُ الله جلّ وعزّ: {بِوَكِيلٍ اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُْخْرَى إِلَى} (الزمر: 42) أَي: يَسْتَوْفِي مُدد آجالهم فِي الدُّنْيا.
وَقيل: يَستوفي تمامَ عَدَدِهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وأمّا تَوَفِّي النَّائِم، فَهُوَ اسْتيفاء وَقت عَقله وتمييزه إِلَى أَن نَام.(15/419)
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبِّهِمْ كَافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السَّجْدَة: 11) هُوَ من: تَوْفية العَدَد.
تَأْوِيله: أَن يَقْبض أَرواحكم أَجْمَعِينَ فَلَا ينقُص وَاحِد منْكم.
كَمَا تَقول: قد اسْتوفيت من فلَان، وتوفَّيت مِنْهُ مَا لي عَلَيْهِ. تَأْوِيله: لم يَبْق عَلَيْهِ شَيْء.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي وَأبي عُبيدة: وَفَيت بالعهد، وَأَوْفيت بِهِ، سَوَاء.
وَقَالَ شَمر: يُقال: وَفَى، وأَوْفَى.
من قَالَ (وَفَى) فَإِنَّهُ يَقُول: تَمّ، كَقَوْلِك: وَفَى لنا فلانٌ، أَي: تَمّ لنا قولُه وَلم يَغْدر.
ووَفَى هَذَا الطَّعَام قَفِيزاً، أَي: تمّ قَفِيزا؛ وَقَالَ الحُطيئة:
وَفى كَيْل لَا نِيبٍ وَلَا بَكَرات
أَي: تَمَّ.
ثمَّ قَالَ: وَمن قَالَ: (أوفى) فَمَعْنَاه: أوفاني حقَّه، أَي: أتَمَّه وَلم يَنْقُص مِنْهُ شَيْئا.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا رَدّ على شَمر: الَّذِي قَالَ شَمر فِي (وفى) و (أوفى) باطلٌ لَا معنى لَهُ، إِنَّمَا يُقال: أوفيت بالعهد، ووَفَيت بالعهد.
وكل شَيْء فِي كتاب الله تَعَالَى من هَذَا فَهُوَ بِالْألف؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: 1) و {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} (الْإِسْرَاء: 34) .
ويُقال: وَفى الكيلُ، ووَفَى الشيءُ، أَي: تَمّ.
وأوْفَيته أَنا: أَتْمَمْتُه؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ الْكَيْلَ} (الشُّعَرَاء: 181) .
قَالَ: ويُرْوى عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِنَّكُم وَفَيتم سَبْعين أُمّةً أَنْتُم خَيرها وأَكْرمها على الله) ، أَي تمت العِدّة سَبعين أُمّة بكم.
قَالَ: وَأما قَوْلهم: وفى لي فلانٌ بِمَا ضَمِن لي.
فَهَذَا من بَاب: أوفيت لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، ووَفَّيت لَهُ بِكَذَا؛ قَالَ الأَعْشى:
وقبلك مَا أَوْفى الرُّقَادُ بجارَةٍ
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله تَعَالَى: {مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى} (النَّجْم: 37) ، أَي: بلّغ.
يُرِيد: بلّغ أَن لَيْست تَزر وازرةٌ وِزْرَ أُخرى، أَي: لَا تحمل الوازرة ذَنْب غَيرهَا.
وَقَالَ الزّجاج: وفّى إِبْرَاهِيم مَا أُمِر بِهِ، وَمَا امْتحن بِهِ من ذَبح وَلَده، فعزم على ذَلِك حَتَّى فَداه الله بِذبح عَظِيم، وامْتُحن بالصَّبر على عَذاب قَومه، وأُمر بالاختتان فاخْتَتن.
قيل: وَفَّى، وَهِي أبلغ من (وَفى) ، لِأَن الَّذِي امتحن بِهِ من أعظم المِحَن.(15/420)
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الوفي: الَّذِي يَأْخُذ الحقّ ويُعْطي الْحق.
قَالَ: المِيفَى: طَبَق التَّنُّور.
وَقَالَ رَجُلٌ من العَرب لطّباخه: خَلِّب مِيفَاك حَتَّى يَنْضَج الرَّوْدَق.
قَالَ: خَلِّب، أَي: طَبِّق. والرَّوْدَق: الشِّواء.
وَقَالَ أَبُو الخطّاب: الْبَيْت الَّذِي يُطبخ فِيهِ الآجُر يُقَال لَهُ: المِيفَى.
قَالَ ذَلِك ابْن شُمَيل.
وَأما (المُوافاة) الَّتِي يَكتبها كتّاب دواوين الخَراج فِي حِسابهم، فَهِيَ عِنْدِي مَأْخُوذَة من قَوْلك: أَوْفيته حقَّه.
وَقد جَاءَ (فاعلت) بِمَعْنى: أفْعلت، وفَعَّلت، فِي حُرُوف بِمَعْنى وَاحِد.
يُقال: جَارِيَة مُناعمة ومُنعَّمة.
وضاعفت الشَّيْء، وأضعفته، وضَعَّفته، بِمَعْنى.
وتعاهدت الشَّيْء وتعهّدته.
وباعدته، وبَعّدته، وأبْعدته.
وقارَبْت الصبيَّ، وقَرَّبته.
وَهُوَ يُعاطيني الشَّيْء، ويُعْطيني.
قَالَ بِشْر بن أبي خازم:
كَأَن الأتْحميّة قَامَ فِيهَا
لِحُسْن دَلاَلها رَشَأٌ مُوافِي
قَالَ الباهليّ: مُوافٍ، مثل (مفاجىء) ؛ وأَنشد:
وكأنما وافاك يَوْم لَقيتَها
مِن وحْش وَجْرة عاقِدٌ مُتَرَبِّب
وَقيل: موافٍ: قد وافى جسمُه جسم أمّه.
صَار مثلَها.
آف: اللَّيْث: الآفة: عَرض مُفْسدٌ لما أَصاب من شَيْء.
وَيُقَال: آفةُ الظَّرف الصَّلَف، وَآفَة العِلْم النِّسْيان.
قَالَ: وَإِذا دَخلت الآفة على قَوم، قيل: قد إفُوا.
ويُقال فِي لُغة: إيفُوا.
ابْن بُزُرْج: إيف الطَّعام، فَهُوَ مَئيف، مثل: مَعيف.
قَالَ: وعِيه، فَهُوَ مَعُوه، ومَعيه، ومَعْهُوه.
قلت: وَقَول اللَّيْث (إفوا) الْألف مُمالة بَينهَا وَبَين الْفَاء سَاكن يُبَيِّنه اللّفظ لَا الخَطّ.
الْكسَائي: طَعام مَؤْوف، أَي: أصابتْه آفَة.
أُفٍّ: قَالَ الله تَعَالَى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} (الْإِسْرَاء: 23) .
أَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي طَالب، عَن أَبِيه، عَن الفرّاء، قَالَ: فِي (أفّ) سِتّ لُغات: يُقال: أُفَّ لَك، وأُفًّا لَك؛ وأُفِّ لَك، وأُفَ لَك؛ وأفُّ لَك، وأفٌّ لَك.
وَزَاد غَيره: أفَّة وإفَّة.(15/421)
قَالَ الفّراء: وَلَا تقل فِي (أفّة) إِلَّا الرّفع والنَّصب.
قَالَ الفّراء: فَأَما الْقِرَاءَة فقُرىء: أُفِّ، بِالْكَسْرِ بِغَيْر تَنْوِين، وأُفَ، بالتَّنْوين.
فَمن خَفَض ونّون ذَهب إِلَى أَنَّهَا صَوت لم يُعرف مَعْنَاهُ إِلَّا بالنُّطق بِهِ، فَخَفضوه كَمَا تُخفض الْأَصْوَات، ونَوَّنوه كَمَا قَالَت الْعَرَب: سَمِعت طاقٍ طاقٍ، لصوت الضَّرْب؛ وَيَقُولُونَ: سَمِعت تَغٍ تَغٍ، لصوت الضَّحك.
وَالَّذين لم يُنَوِّنوه وخَفَضوا قَالُوا: أُفِّ، على ثَلَاثَة أحرف، وَأكْثر الْأَصْوَات على حرفين، مثل صَهٍ، وتَغٍ، ومَهٍ، فَذَلِك الَّذِي يُخفض وينون، لأنّه متحرك الأول، ولسنا بمُضطرين إِلَى حَرَكَة الثَّانِي من الأدوات وأَشباهها، فخفض بالنُّون.
وشُبهت (أُف) بقَوْلهمْ: مُدّ، ورُدّ، إِذْ كَانَت على ثَلَاثَة أَحْرف.
قَالَ: والعربُ تَقول: جَعل فلانٌ يتأفّف من رِيح وَجَدها.
مَعْنَاهُ: يَقُول أُف أُف.
وحُكي عَن الْعَرَب: لَا تقولنَّ لَهُ أُفًّا وَلَا قُفًّا.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: من قَالَ أُفاً لَك، نَصَبه على مَذْهَب الدُّعاء، كَمَا يُقَال: ويلاً للْكَافِرِينَ.
وَمن قَالَ: أُفٌّ، رَفَعه بِاللَّامِ، كَمَا يُقَال: ويلٌ للْكَافِرِينَ.
وَمن قَالَ: أُفَ لَك، خَفضه على التَّشْبِيه بالأصوات، كَمَا يُقَال: صَهٍ ومَهٍ.
وَمن قَالَ: أُفيِّ لَك، أَضَافَهُ إِلَى نَفْسه.
وَمن قَالَ: أُفْ لَك، شَبّهه بالأدوات، ب (من) ، و (كم) ، و (بل) ، و (هَل) .
وَقَالَ أَبُو طَالب: أُفٌّ لَك وتُفٌّ؛ وأُمَّةٌ وتُفَّةٌ.
وَقَالَ الأصعمي: الأُفّ وسخ الْأذن؛ والتُّفّ: وسخ الأَظْفار.
يُقال ذَلِك عِنْد استقذار الشّيء، ثمَّ كثُر حَتَّى استعملوه فِي كل مَا يتأذّون بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: أُف، مَعْنَاهُ: قلّة، وتُف، إتباع، مَأْخُوذ من (الأَفف) ، وَهُوَ الشَّيْء الْقَلِيل.
أَبُو الْهَيْثَم بخطّه لِابْنِ بُزُرْج، يُقَال: كَانَ فلَان أُفوفة، وَهُوَ الَّذِي لَا يَزال يَقُول لبَعض أمره: أُف لَك، فَذَلِك الأُفوفة.
قَالَ القُتيبي، فِي قَول الله تَعَالَى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} (الْإِسْرَاء: 23) أَي: لَا تَسْتَثْقل شَيْئا من أَمرهمَا وتضيق صَدرا بِهِ، وَلَا تُغلظ لَهما.
قَالَ: وَالنَّاس يَقُولُونَ لما يكْرهُونَ ويَسْتَثقلون: أُفّ لَهُ.
وأصل هَذَا نَفْخك للشَّيْء يَسْقط عَلَيْك من تُرَاب أَو رماد، وللمكان تُريد إمَاطَة(15/422)
الأَذى عَنهُ، فقيلت لكل مُسْتَثقل.
وَقَالَ الزجّاج: مَعنى (أفّ) النَّتن.
وَمعنى الْآيَة: لَا تَقُل لَهما مَا فِيهِ أَدنى تَبرُّم إِذا كبرا وأسَنَّا، بل تَولَّ خِدْمتهما.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأففُ: الضَّجر.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: اليأفوف، واليَهْفوف: الْحَدِيد القَلب من الرِّجال.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: واليأفوف: العَيِي الخَوّار؛ وأَنْشد لِلرَّاعِي:
مُغَمَّر العَيْش يَأفُوفٌ شَمائِلُه
يأبَى المودّة لَا يُعْطي وَلَا يَصِل
قَوْله: مُغَمَّر العَيش، أَي: لَا يكَاد يُصيب من الْعَيْش إِلَّا قَلِيلا، أُخذ مِن (الْغمر) .
وَقيل: هُوَ المُغفّل عَن كُلِّ عَيْش.
وَيُقَال: جِئْت على إفّان ذَاك، وعَلى تَئِفّة ذَاك، وعَلى أَفَف ذَاك، وعَلى تَئِفَة ذَاك، كل ذَلِك قُيِّدَ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أَتَانِي على إفّان ذَاك، وأفَّان ذَاك، وأَفَف ذَاك، وعِدّان ذَاك، وتَئفّة ذَاك، وتَئِفَته، بِمَعْنى وَاحِد.
(آخر حرف الْفَاء)(15/423)
حرف الْبَاء
ابْن المُظفر، قَالَ أَبُو عبد الرحمان: قد مَضت العربيّة مَعَ سَائِر الحُروف، فَلم يبْق للباء مضاعف، وَلَا صَحِيح وَلَا معتل وَلَا رُباعي، وَبَقِي مِنْهُ اللَّفيف وأحرف من المعتل مُعربة، مثل: البوم، ولميبة، وَهِي فارسيّة؛ وبَمَّ العُود، ويَبَنْبَم، مَوضِع.
البوم: قلت: أما (البوم) ، فَهُوَ الذّكر من الْهَام، وَهُوَ عربيّ.
يُقال: بُوم بَوّام باللَّيل، إِذا كَانَ يَصِيح.
يبنبم: وَذكر حُميد بن ثَوْر (يَبَنْبَم) :
إِذا شِئت غَنَّتْني بأجْزاع بِيشةٍ
أَو النّخل مِن تَثْليث أَو من يَبَنْبَمَا
بِمَ: و (بَمّ) : مَدِينَة بكرَمان، ذكرهَا الطِّرمّاح فَقَالَ:
ألَيْلَتنا فِي بَمّ كَرْمان أَصْبِحي
وَأما (بِمَ) العُود، الَّذِي يُضْرب بِهِ، فَهُوَ أحَد أوتاره، وَلَيْسَ بعربيّ.
بَاب اللفيف من حرف الْبَاء
بب بِي بَاء بأى بو بَاب بيا أَب آب ابى واب وبا.
بب: روى زَيد بن أَسلم، عَن أَبِيه، عَن عمر، أَنه قَالَ: لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأُلْحقنّ آخر النّاس بأولهم حَتَّى يَكُونُوا بَبَّاناً وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ عبد الرحمان بن مَهْدِيّ: يَعْني: شَيْئا وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَذَاكَ الَّذِي أَرَادَ. وَلَا أَحسب الْكَلِمَة عربيّة، وَلم أسمعها فِي غير هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرير: لَا نَعرِف (بَبّاناً) فِي كَلَام الْعَرَب؛ وَالصَّحِيح عندنَا: بَيَّاناً وَاحِدًا.
قَالَ: وأصل هَذِه الْكَلِمَة أَن الْعَرَب تَقول إِذا ذكرت مَن لَا يُعرف: هَذَا هيّان بن بيّان، كَمَا يُقال: طامِر بن طامِر.
قَالَ: فالمَعنى: لأُسوّينّ بَينهم فِي العَطاء، فَلَا أُفضِّل أحدا على أحد.
قلت: بَبّاء، بباءين، حرف رَوَاهُ هِشَام بن سعد وَأَبُو مَعْشر، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: سَمِعت عمر.
وَمثل هَؤُلَاءِ الرُّواة لَا يُخطئون فيُصحِّفوا، و (بَبّان) وَإِن لم يكن عربيًّا مَحضاً فَهُوَ(15/424)
صَحِيح بِهَذَا المَعنى.
وَقَالَ اللَّيْث: ببّان، على تَقْدِير (فَعْلان) ، ويُقال على تَقْدِير (فَعّال) ، وَالنُّون أَصْلِيَّة، وَلَا يُصرف مِنْهُ فِعْل.
قَالَ: وَهُوَ و (البأج) فِي معنى وَاحِد.
قلت: وَكَانَ رَأْي عُمر فِي أعطية النَّاس التَّفْضِيل على السَّوابق، وَكَانَ رَأْي أبي بكر التَّسْوية، ثمَّ رَجع عمر إِلَى رَأْي أبي بكر، وَالْأَصْل فِي رُجُوعه هَذَا الحَدِيث.
سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْحَاق السَّعدي يَقُول ذَلِك.
قلت: وبَبَّان، كَأَنَّهَا لُغَة يَمانية.
اللَّيْث: بَبَّة، يُوصف بِهِ الأَحمق.
وَكَانَ رَجُلٌ من قُريش يُقَال لَهُ: بَبَّة، وَكَانَ فِي صِغَره كثير اللَّحْم، فَلذَلِك سُمِّي: بَبّة.
ورَوى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: البَبّ: الغُلام السائِل، وَهُوَ السَّمِين.
وروى عَمْرو، عَن أَبِيه، يُقال: تببّب، إِذا سَمِن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقال للشابّ المُمتلىء البَدن نَعْمة وشَباباً: بَبّة؛ وأَنشد لامْرَأَة تُرقِّص ابْنهَا:
لأنْكِحَنَّ بَبَّهْ
جَارِيَة خِدَبَّهْ
مُكْرَمة مُحَبّهْ
تَجُبّ أَهْلَ الكَعْبَهْ
بِي أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: البَيّ: الخَسِيس من الرِّجال.
وَكَذَلِكَ، ابْن بَيّان، وَابْن هَيّان، كُله الخَسِيس من النَّاس وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ اللَّيْث فِي كِتَابه: هَيّ بن بيّ، وهَيّان بن بيّان.
قَالَ: ويُقال: إِن (هَيّ بن بَيّ) من ولد آدم، ذَهب فِي الأَرْض كَمَا تَفَرَّق سائرُ ولد آدم، فَلم يُحَسَّ مِنْهُ عَيْنٌ وَلَا أثرٌ وفُقد.
أَخبرني المُنذريّ، عَن أبي طَالب، أَنه قَالَ فِي قَوْلهم: حَيّاك الله وبَيّاك.
قَالَ: قَالَ الأصمعيّ: معنى (بَيّاك) : أضْحَكك.
وَذكر أَبُو عُبيد أَن آدم لما قُتل ابنُه مَكث مائَة سنةٍ لَا يضْحك، فَقيل لَهُ: حَيّاك الله وبَيّاك؛ فَقَالَ: وَمَا بَيَّاك؟ فَقَالَ: أَضحكك.
رَوَاهُ بِإِسْنَاد لَهُ عَن سَعيد بن جُبَير.
قَالَ أَبُو طَالب: وَقَالَ الآخر فِي (بياك) :(15/425)
مَعْنَاهُ: بَوّأك مَنْزلاً، فَقَالَ: (بيَّاك) لازدواج الْكَلَام.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: بَيَّاك: قَصدك بالتحيَّة؛ وأَنْشد:
لما تَبَيَّيْنَا أخَا تَمِيم
أعْطى عَطاء اللَّحِز اللَّئِيم
وَقَالَ آخر:
باتت تَبَيَّا حَوْضَها عُكُوفَا
مِثْل الصُّفوف لاقت الصُّفُوفَا
أَي: تعتمد حَوْضَها.
وَقَالَ أَبُو مَالك: بَيَّاك: قَرَّبك؛ وأَنْشد:
بَيّا لَهُم إِذْ نزلُوا الطَّعاما
الكِبْدَ والمَلْحَاءَ والسَّنَامَا
ويُقال: بَيَّيْت الشَّيْء وبَيّنته، إِذا أَوْضحته.
والتّبْيِيُ: التَّبْيِين من قُرب.
بَاء: اللَّيْث: الْبَاءَة والمَباءة: منزل الْقَوْم حيثُ يَتَبّوءون من قِبَل وادٍ أَو سَنَد جَبَلٍ.
ويُقال: كُلّ مَنْزل يَنْزله الْقَوْم؛ قَالَ طرفَة:
طيِّبو الْبَاءَة سَهْلٌ وَلَهُم
سُبُلٌ إِن شِئْتَ فِي وَحْش وَعِر
قَالَ: والمَباءة أَيْضا: مَعْطن الْقَوْم لِلْإِبِلِ حَيْثُ تُناخ فِي المَوارد.
يُقَال: أبأنا الْإِبِل إباءة، أَي أَنَخْنَا بعضَها إِلَى بعض؛ وَأنْشد:
حَلِيفان بَينهمَا مِيرةٌ
يُبِيآن فِي عَطَنٍ ضَيِّقِ
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: المَباءة: المَنزل.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم، عَنهُ: يُقَال: تبوّأ فلَان منزلا، إِذا اتَّخذه.
وبَوَّأْته مَنْزِلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: أبأت القَوْمَ مَنْزِلاً.
وأبأت الإبلَ، فَأَنا أُبيئها إباءةً، إِذا رَدَدْتها إِلَى المَباءَة، وَهِي المَراحُ الَّذِي تَبيت فِيهِ.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله تَعَالَى: {إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وَالَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ} (العنكبوت: 58) .
يُقال: بَوّأته منزلا، وأَثْوَيته منزلا، سَوَاء، مَعْنَاهُمَا: أنزلته.
وَقَالَ الْأَخْفَش: أبأت بِالْمَكَانِ: أَقَمْت بِهِ.
وبَوّأك بَيْتاً: اتّخذت لَك بَيْتاً.
وَقَوله تَعَالَى: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} (يُونُس: 87) أَي: اتَّخِذَا.
أَبُو زَيد: أبأت الْقَوْم مَنزلاً، وبَوَّأتهم منزلا، تَبْوِيئاً، إِذا نَزلت بهم إِلَى سَنَد جَبل أَو قِبَل نَهْر.
قَالَ: وَالِاسْم: المَباءة، وَهُوَ المَنزل.
شَمِر، عَن الْفراء، يُقَال: تَبَوّأ فلَان منزلا، إِذا نَظر إِلَى أَسْفَل مَا يُرَى وأشَدِّه(15/426)
اسْتِوَاء وأَمْكنه لِمَبيته فاتَّخذه.
قَالَ شَمر: وَقد قَالُوا: تَبَوّأ: هيّأ وأَصلح.
وتَبَوَّأ: نَزل وَأقَام.
قَالَ: والمعنيان قريبان.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فَلْيَتَزوَّج، ومَن لم يَسْتطع فَعَلَيهِ بالصَّوْم فإِنه لَهُ وجَاء) .
أَرَادَ ب (الْبَاءَة) : النِّكَاح والتَّزْويج.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال: فلانٌ حريصٌ على الْبَاءَة، أَي: على النِّكاح؛ وأَنْشد:
يُعْرِس أَبْكاراً بهَا وعُنّسَا
أكرمُ عِرْسٍ باءَةً إِذْ أَعْرَسَا
قلت: ويُقال: للجماع نَفسه: باءة.
وَالْأَصْل فِي (الْبَاءَة) : الْمنزل، ثمَّ قيل لِعَقْد التّزويج: باءة، لأنّ من تزوج امْرَأَة بَوَّأها مَنْزِلاً.
سَلمة، عَن الفرّاء: الْبَاءَة: النِّكاح، وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة.
وَالنَّاس يَقُولُونَ: الباه.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الْبَاء، والباءة، والباه: مقولاتٌ كُلّها.
ابْن الْأَنْبَارِي: الْبَاء: النِّكاح.
يُقال: فلانٌ حريصٌ على الْبَاء، والباءة، والباه، بِالْهَاءِ وَالْقصر، أَي: على النِّكاح.
والباءة: الْوَاحِدَة. وَالْبَاء: الْجمع.
قَالَ: وتُجمع (الْبَاءَة) على (الباآت) ؛ وأَنْشد:
يأيّها الرّاكبُ ذُو الثَّبات
إِن كنت تَبْغي صاحبَ الباآتِ
فاعْمِد إِلَى هاتيكم الأبيات
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: بَاء فلانٌ بِبِيئة سَوْء، أَي: بِحَال سَوْء.
ويُقال: فِي أَرض فلَان فلاةٌ تُبِيء فِي فلاة، أَي: تذْهب.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} (الْبَقَرَة: 90) .
قَالَ: باءُوا، فِي اللُّغَة: احْتَملوا.
يُقال: بُؤت بِهَذَا الذَّنْب، أَي: احْتَملتُه.
وَقيل: باءوا بِغَضب، أَي: بإثم اسْتَحّقوا بِهِ النَّار، على إِثْم تقدّم اسْتَحقّوا بِهِ أَيْضا النَّار.
وَقيل: باءوا: رجعُوا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بَاء بإثمه، ويبُوء بِهِ بَوْءاً، إِذا أَقَرَّ بِهِ.
قَالَ: وباء فلانٌ بفلانٍ، إِذا كَانَ كُفْئاً لَهُ يُقْتل بِهِ، وَمِنْه قَول المُهلهل لِابْنِ الْحَارِث بن عَبَّاد حِين قَتله: بُؤ بِشسْع نَعْل كُلَيب.
مَعْنَاهُ: كن كُفْئاً لِشِسْع نَعْله لَا لِدَمه.
قَالَ الزجّاج: معنى: بَاء بذَنبه: احْتمله، وَصَارَ المُذْنب مَأْوَى الذَّنْب.(15/427)
وبَوّأته منزلا، أَي: جعلته: ذَا مَنْزل.
وَقَالَ أَبُو زيد: بُؤْتُ بالذَّنْب أبُوء بِهِ بَوْءًا، إِذا اعْتَرَفْتَ بِهِ.
وباءَ الرجُل بِصَاحِبِهِ، إِذا قُتل بِهِ.
قَالَ صَخْر الغَيّ يَمْدح سَيْفاً لَهُ:
وصارِمٍ أُخْلِصَتْ خَشِيبتُه
أَبيض مَهْوٍ فِي مَتْنة رُبَدُ
الخَشِيبة: الطَّبع الأول قبل أَن يُصْقل ويُهيّأ.
فَلَوْتُ عَنهُ سُيوف أَرْ
يَحَ حتَّى باءَ كَفِّي وَلم أَكد أجِدُ
فلوت: انْتَفيت. أَرْيح، من الْيمن. بَاء كَفِّي، أَي: صَار كفِّي لَهُ مباءَةً، أَي: مرجعاً.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ أَبُو العبّاس، قَالَ أَبُو عُبيدة: يُقال: الْقَوْم بَواء، أَي سَوَاء.
وَيُقَال: مَا فلانٌ لفلانٍ بِبَواء، أَي: مَا هُوَ بكفء.
وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقال بَاء فلَان بفلانٍ، إِذا قُتل بِهِ وَصَارَ دَمُه بِدَمه. والبَواءُ: السَّواء. يُقَال: القومُ على بَوَاء.
وقَسم المَال بَينهم على بَوَاء، أَي: على سَواء.
وأبأتُ فلانَاً بفلانٍ: قَتَلْتُه بِهِ.
وَفِي الحَدِيث أَنه كَانَ بَين حَيَّين من الْعَرَب قِتالٌ، وَكَانَ لأحد الحَيّين طَوْلٌ على الآخرين، فَقَالُوا: لَا نَرْضى حَتَّى يُقتل بالعَبد منّا الحُرّ مِنْهُم، وبالمرأة الرّجُل. فأَمرهم النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتباءَوا.
قَالَ أَبُو عُبيد: هَكَذَا رُوي لنا: يتباءوا، بِوَزْن (يتباعوا) .
وَالصَّوَاب: عندنَا يَتَبَاوَءُوا، بِوَزْن (يتباوعوا) مثل: يتقاولوا، من (القَول) .
وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ: (الْجِرَاحَات بَوَاء) ، يَعْنِي: أَنَّهَا مُتساوية فِي القِصاص، وَأَنه لَا يُقْتص للمجروح إلاّ من جارحه الْجَانِي عَلَيْهِ، وَلَا يُؤْخَذ إِلَّا مثل جراحته سَوَاء، وَذَلِكَ: البَواء؛ وَقَالَت ليلى الأخيلية فِي مقتل تَوْبَة بن الحُمَيِّر:
فإِن تَكن القَتْلى بَوَاءً فإِنّكم
فَتى مَا قتلتُم آلَ عَوْفِ بن عامِرِ
قَالَ: وأنْشدني الْأَحْمَر لرجُل قَتل قَاتل أَخِيه:
فقلتُ لَهُ بُؤ بامرىءٍ لَسْتَ مِثْلَه
وَإِن كنتَ قُنْعاناً لمن يَطلبُ الدَّمَا
يَقُول: أَنْت وَإِن كنت فِي حَسَبك مَقْنعاً لكُل مَنْ طَلبك بثأْرٍ فلستَ مِثلَ أَخِي.
وَإِذا أَقَّص السُّلطانُ رجلا برجُل، قيل: أباء فلَانا بفلان؛ قَالَ طُفَيل الغَنَوي:(15/428)
أباء بقَتْلانَا من القومِ ضعْفَهم
وَمَا لَا يُعَدّ من أَسِيرٍ مُكَلَّبِ
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَحْمَر: فإِن قَتله السّلطانُ بقَود، قيل: قد أقاد السَّلطانُ فلَانا، وأَقَصَّه، وأَباءه، وأَصْبره.
وَقد أبأتة أُبيئه إباءةً.
وَقَالَ ابْن السِّكيت فِي قَول زُهير بن أبي سُلْمَى:
فَلم أَرَ مَعْشراً أَسَرُوا هَدِيًّا
وَلم أَرَ جارَ بَيْتٍ يُسْتَباءُ
قَالَ: الهَدِيّ: ذُو الحُرمة. وَقَوله: يُستباء، أَي: يُتَبوّأ، تُتَّخذ امْرَأَته أَهْلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيباني: يُسْتباء، من (البَواء) ، يُرِيد: (القَوَد) ، وَذَلِكَ أَنه أَتاهم يُريد أَن يَسْتجير بهم فَأَخَذُوهُ وقتلوه بِرَجُل مِنْهُم.
اللَّيْث: يُقَال: بَوّأت الرُّمح نَحْو الْفَارِس، إِذا سَدَّدته قَصْده وقابَلْته بِهِ.
ويُقال: هم بَوَاء فِي هَذَا الْأَمر، أَي: أكْفاء ونُظَراء.
وَقَالَ أَبُو الدُّقيش: كلّمناهم فأَجابوا عَن بَواء وَاحِد، أَي: أَجابُوا كُلّهم جَوَابا وَاحِدًا؛ وَأنْشد للتَّغلبيّ:
أَلا تَنْتَهِي عنّا مُلوكٌ وتَتَّقي
مَحارِمَنا لَا يُبْأه الدَّم بالدَّم
ويُروى: لَا يَبْؤؤ الدَّم بالدّمِ، أَي: حِذارَ أَن تَبوء دِمَاؤُهُمْ بدماء من قَتَلُوهُ.
بو: اللَّيْث: البَوّ، غير مَهْمُوز: جِلد حُوار يُحْشى تبْناً تُظْأر عَلَيْهِ نَاقَة فَترْأمه.
قَالَ: والرَّمَاد: بَوّ الأثافِيّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَوي: الرَّجُل الأَحْمق.
وب: الوَبّ: التهَّيؤ للحملة فِي الحَرْب.
يُقَال: هَبّ، ووَبّ، إِذا تهيّأ للحَمْلة.
قلت: الأَصْل فِيهِ: أَب، فقُلبت الْهمزَة واواً.
أَب: وَقَالَ أَبُو عُبيدة: أَبَبْت أؤبّ أَبًّا، إِذا عَزمت على المَسير وتَهيّأت؛ قَالَ الأعْشى:
صَرَمْتُ وَلم أَصْرِمْكمُ وكصارِمٍ
أخٌ قد طَوى كَشحاً وأَبَّ لِيَذْهَبا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال للظِّباء: إِن أَصَابَت المَاء فَلَا عَباب، وَإِن لم تُصب المَاء فَلَا أَباب، أَي: لم تأتَبّ لَهُ وَلم تَتهيَّأ لِطَلبه.
وَقَوله تَعَالَى: {غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} (عبس: 31) . قَالَ الفَرّاء: الأبّ: مَا تَأْكُله الأَنْعام.
وَقَالَ الزجّاج: الأبّ: جَمِيع الْكلأ الَّذِي تَعتلفه الْمَاشِيَة.
وَقَالَ عَطاء: كل شَيْء يَنْبت على وَجه الأَرْض، فَهُوَ الأبّ.(15/429)
وَقَالَ مُجَاهِد: الْفَاكِهَة: مَا أكله النَّاس؛ والأبّ: مَا أكلت الْأَنْعَام؛ وَأنْشد بَعضهم:
جِذْمنا قَيْسٌ ونجْدٌ دارُنا
وَلنَا الأبّ بِهِ والمَكْرَعُ
ثَعْلَب: عَن ابْن الاعرابي: أبّ، إِذا حَرّك.
وأَبّ، إِذا هَزم بحَمْلة لَا مَكذوبةَ فِيهَا.
اللَّيْث: يُقال: أَبَّ فلانٌ يَده إِلَى سَيْفه، أَي: رَدَّ يدَه لِيَسْتلّه.
بأى: أَبُو زيد: بأوت على الْقَوْم أَبأى بأواً، إِذا فَخرت عَلَيْهِم.
وَقَالَ اللّحياني: بَأَوت أَبْأَى بَأْواً، وبَأَيْت أبأَى بَأْياً، لُغَتَانِ.
سَلمَة، عَن الْفراء: البَأَواء، يُمد ويُقْصر، وَهِي العظمة. والبأْو، مثله.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: بَأَى يَبْأَى، مِثَال: بَعَى يَبْعى، بأْواً، مثل (بَعْواً) ؛ وأَنْشد أَبُو حَاتِم:
فَإِن تَبْأَيْ بِبَيْتك مِن مَعَدَ
يَقُل تَصْديقَك العُلماءُ جَيْرِ
وَقَالَ بَعضهم: بأَوت أبؤو، مثل (أبعو) ، وَلَيْسَت بجيِّدة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بأى، أَي شقّ شَيْئا. وَيُقَال: بأى بِهِ، بِوَزْن: بَعى بِهِ، إِذا شَقّ بِهِ.
سَلمة، عَن الْفراء: بَاء بِوَزْن (بَاعَ) ، إِذا تكبر، كَأَنَّهُ مقلوب من (بأى) ، كَمَا قَالُوا: رَاء، وَرَأى.
بأبأ: اللَّيْث: البأبأة: قَول الْإِنْسَان لصَاحبه: بِأبي أَنْت، وَمَعْنَاهُ: أفديك بِأبي، فُيشتْق من ذَلِك فِعل، فيُقال: بأْبَأَ بِهِ.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: وإبابَا أَنْت، جعلوها كلمة مبنيّة على هَذَا التّأسيس.
قلت: وَهَذَا كَقَوْلِه: يَا وَيْلتا، مَعْنَاهُ: يَا ويلتى، فقُلبت الْيَاء ألفا، وَكَذَلِكَ: يَا أَبتَا، مَعْنَاهُ: يَا أبتى.
وعَلى هَذَا توجّه قِرَاءَة من قَرَأَ: (يَا أَبَت إنِّي رأيْتُ) .
أَرَادَ: يَا أبتا: وَهُوَ يُرِيد يَا أبتي، ثمَّ حَذف الْألف.
وَمن قَالَ: يَا بِيَبَا: حوّل الْهمزَة يَاء، وَالْأَصْل: يَا بَابَا، مَعْنَاهُ، يَا بِأبي.
والفِعل من هَذَا: بَأبَأ يُبَأبىء بَأْبَأَةً.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البأباء: مَمْدُود: ترقيص المَرأة ولَدها.
والبأباء: زَجْر السِّنور، وَهُوَ الغِسّ؛ وأَنشد ابْن الأعرابيّ لرجل فِي الْخَيل:
وهُنّ أهلُ مَا يَتمازَيْن
وهُن أهل مَا يُبَأْبَيْن
أَي: يُقَال لَهَا: يَأْبَى فرسي، نجّاني يَوْم كَذَا، و (مَا) فيهمَا صلَة، مَعْنَاهُ: أَنَّهُنَّ(15/430)
يَعْنِي الْخَيل أهل للمُناغاة بِهَذَا الْكَلَام، كَمَا يُرقَّص الصّبيّ، وَقَوله: يتمازَين، أَي: يتفاضلْن.
أَبُو عبيد، عَن الْأمَوِي: تَبأبأت تَبَأْبُؤاً، إِذا عَدَوْت؛ وأنْشد ابْن السِّكِّيت:
وَلَكِن يُبَأْبِئُه بُؤْبؤٌ
وبِئْباؤَه حَجَأٌ أَحْجؤُه
وَقَالَ ابْن السِّكيت: يُبأْبئه: يُفدِّيه. بؤبؤ: سيّد كريم. وبئباؤه: تفديته. وحَجأَ، أَي: فَرح. أحجؤه، أَي: أفرح بِهِ.
والبؤبؤ: إِنْسَان الْعين الَّذِي بِهِ تُبصر.
وَفُلَان فِي بُؤْبؤ صِدْق، أَي: فِي أَصْل صِدْق.
أَبَا: قَالَ ابْن السِّكيت: يُقال: أَبَوْتُ الرَّجُلَ آبوه، إِذا كنتَ لَهُ أَبَا.
ويُقال: مَا لَهُ أبٌ يَأْبُوه، أَي: يَغْذوه ويُربِّيه.
قَالَ: وأَبَيْت الشَّيْء آباه إباءً: كرهته.
أَبُو عُبيد: تأَبَّيْت أَبَا، أَي اتَّخذت أَبَا، وتأَمَّيت أُمّاً، وتَعَمَّمت عمّاً.
وأَخبرني الْمُنْذِرِيّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فلَان يأْبُوك، أَي يكون لَك أَبَا؛ وأنْشد لِشَرِيك بن حَيَّان العَنبريّ يَهجو أَبَا نُخَيلة:
يَا أَيُّهذا المُدَّعي شَرِيكا
بَيِّن لنا وحَلِّ عَن أَبِيكَا
إِذا انْتَفَى أَو شَكّ حَزْنٌ فِيكا
وقَد سأَلنا عَنْك مَن يَعْزُوكَا
إِلَى أبٍ فكلُّهم يَنْفيكا
فاطْلُب أبَا نَخْلَة مَن يأبُوكا
وادَّع فِي فَصيلة تُؤْويكا
اللَّيْث: يُقال: فلَان يأْبُو هَذَا اليَتيم إباوةً، أَي: يَغْذوه كَمَا يَغذو الوالدُ ولدَه.
أَبُو عُبيد، عَن اليزيديّ: مَا كنتَ أَبَا، وَلَقَد أَبيت أُبُوَّة.
وَمَا كنت أُمّاً، وَلَقَد أَمِمْت أُمُومةً.
وَمَا كنتَ أَخا، وَلَقَد أَخَّيت وتأَخَّيت.
وَقَالَ غَيره: مَا كنت أَبَا، وَلَقَد أَبَوْت.
وَمَا كنت أَخا، وَلَقَد أَخَوْت.
وَمَا كنت أُما، وَلَقَد أَمَوْت.
وَيُقَال: هما أَبَواه، لِأَبِيهِ وأُمّه.
وَجَائِز فِي الشّعْر: هما أَبَاه.
وَكَذَلِكَ: رَأَيْت أَبَيْه.
واللغة الْعَالِيَة: رَأَيْت أَبَويه.
قَالَ: وَيجوز أَن يُجمع (الْأَب) بالنُّون. فيُقال: هَؤُلَاءِ أبونكم، أَي: آباؤكم، وهم الأبون.
قلت: وَالْكَلَام الجيّد فِي جمع (الْأَب) : هَؤُلَاءِ الْآبَاء، بِالْمدِّ.
وَمن الْعَرَب من يَقول: أُبُوّتنا أكْرم الْآبَاء، يجمعُونَ (الْأَب) على (فعولة) ، كَمَا يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ عُمومتنا وخُؤولتنا؛ وَقَالَ(15/431)
الشَّاعِر فِيمَن جمع (الْأَب) أَبِين:
أقبل يَهْوِي مِن دُوَيْن الطِّرْبَالْ
وهْو يُفدَّى بالأبين والخالْ
رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تُنكح الْمَرْأَة لمالها وحسبها، عَلَيْك بِذَات الدِّين تَرِبَت يَداك) .
قَالَ أَبُو عُبيد: هَذِه كلمة جاريةٌ على لِسَان الْعَرَب يقُولونها وَلَا يُريدن وقُوع الْأَمر.
قَالَ: وَزعم بعضُ الْعلمَاء أَن قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، وَلَا أبَ لَك، مَدح؛ وَلَا أُمّ لَك، ذمٌّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقد وجَدنا (لَا أُم لَك) وُضع مَوضِع الْمَدْح أَيْضا، وَاحْتج بِبَيْت كَعب بن سعد الغَنوي يرثي أَخَاهُ:
هوت أُمّه مَا يبْعَث الصُّبْحُ غادياً
وماذا يُؤدي اللَّيْل حِين يؤوبَ
وَإِنَّمَا رد أَبُو الْهَيْثَم بِهِ على أبي عُبيد قَوْله وَقَالَ: إِنَّمَا معنى هَذَا كَقَوْلِهِم: وَيْح أُمّه، وويل أُمّه، وَلَيْسَ للرَّجُل فِي هَذَا من الْمَدْح مَا ذهب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ يشبه هَذَا قَوْلهم، فِي: لَا أُمَّ لَك.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِذا قَالَ الرّجُل للرجل، لَا أُمَّ لَك، فَمَعْنَاه: لَيْسَ لَك أُمٌّ حُرّة، وَهُوَ شَتْم.
وَذَلِكَ أنّ بَني الْإِمَاء لَيْسوا بمَرْضِيِّين ولاحِقين بِبَني الأحْرار والأَشراف.
قَالَ: وَلَا يَقُول الرجلُ لصَاحبه: لَا أمّ لَك، إِلَّا فِي غَضبه عَلَيْهِ وتَقْصيره بِهِ شاتماً لَهُ.
وأمّا إِذا قَالَ: لَا أَبَا لَك، فَلم يتْرك لَهُ من الشَّتيمة شَيْئا.
وَإِذا أَرَادَ إكرامه قَالَ: لَا أَبَا لشانيك. وَلَا أبَّ لشانيْك، وَمَا أشبه ذَلِك.
روى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن شُميل أَنه سَأَلَ الخليلَ عَن قَول الْعَرَب: لَا أَبا لَك. فَقَالَ: مَعْنَاهُ: لَا كافِيَ لَك.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: أَنَّك تُجْزَى أَمرك، وَهَذَا أَحْمد.
قَوْلهم: لَا أُم لَك، أَي: أَنْت لَقيط لَا تُعرف لَك أُمّ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ: قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، كَلمةٌ تَفْصل بهَا العربُ كلامَها.
وَقَالَ المبرّد: يُقال: لَا أَبَ لَك، وَلَا أبك، بِغَيْر لَام.
أَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: اسْتَئِب أَباً، واسْتأبِبْ أَباً، وتأَبَّ أَباً، واسْتَئمّ أُمّاً، واسْتَأْمَم أُمّاً، وتأَمَّم أمّاً.
قلت: وَإِنَّمَا شُدِّد (الْأَب) وَالْفِعْل مِنْهُ، وَهُوَ فِي الأَصْل غير مشدّد، لِأَن (الْأَب) أَصله: أَبُو، فزادوا بدل (الْوَاو) يَاء، كَمَا قَالُوا: قِنّ، للْعَبد، وَأَصله: قِنْيٌ.(15/432)
وَمن الْعَرَب من قَالَ ل (الْيَد) : يدّ، فشدّد الدَّال، لِأَن أَصله: يَدْيٌ.
وَمن المَكنِيّ بِالْأَبِ قولُهم:
أَبُو الْحَارِث: كنية الْأسد.
وَأَبُو جَعدة: كنية الذِّئب.
وَأَبُو حُصَين: كُنية الثَّعلب.
وَأَبُو ضَوَطرى: الأحمق.
وَأَبُو حُباحب: للنار الَّتِي لَا يُنتفع بهَا.
وَأَبُو جُخادب: للجراد.
وَأَبُو برَاقش: لطائر مُبَرْقش.
وَأَبُو قَلَمون: لثوبٍ يتلوّن ألواناً.
وَأَبُو قُبيس: جَبل بمكّة.
وَأَبُو دارس: كُنيته الفَرْج، من (الدَّرس) ، وَهُوَ الحَيْض.
وَأَبُو عَمْرة: كنيته الجُوع؛ قَالَ:
حَلّ أبُو عَمْرة وَسْط حُجْرَتي
وَأَبُو مَالك: كُنية الْهَرم؛ وَقَالَ:
أَبَا مالكٍ إنّ الغَواني هَجَرْنني
أَبَا مالكٍ إنِّي أَظُنّك دائِبَا
أَبى يَأْبَى: أَبُو زيد: يُقال: أَبَى التَّيْس، وَهُوَ يَأْبَى أَبىً، مَنْقوص. وتَيس: آبَى. وعَنْز أَبْواء، فِي تُيوس أُبْوٍ. وأَعْنُز أُبْو؛ وَذَلِكَ أَن يَشم التَّيس من المِعزى الأهليّة بَوْل الأُرْوِيّة فِي مواطنها فَيَأْخذهُ من ذَلِك داءٌ فِي رَأسه ونُفَّاخ فَيرم رَأسه ويقتُله الداءُ فَلَا يكَاد يُقْدر على أكل لَحْمه من مَرارته.
وربّما أَبِيت الضأنُ من ذَلِك، غير أَنه قلّما يكون ذَلِك فِي الضَّأْن؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر لراعي غَنم لَهُ أَصابها الأُباء:
أقولُ لِكَنّازٍ تَدَكَّلْ فإنّه
أَبى لَا أظنّ الضأنَ مِنْهُ نَواجِيَا
فيا لكِ من أَرْوى تعادَيْت بالعَمَى
ولاقَيْت كَلاَّباً مُطِلاً ورامِيَا
أَبُو عبيد، عَن أبي زِيَاد الكِلابي والأَحمر: أَخذ الغَنم الأبَى، مَقْصُور، وَهُوَ أَن تشرب أَبْوَال الأَرْوَى فيُصيبها مِنْهُ دَاء.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، قَالَ: إِذا شَمّت الماعزةُ السّهْليَّة بَول الماعزة الجَبليّة، وَهِي الأرْويّة، أَخذها الصُّداع فَلَا تكَاد تَبرأ، فَيُقَال: أَبِيت تَأْبَى.
قلت: قَوْله (تَشْرب أَبْوَال الأرْوى) خطأ، إِنَّمَا هُوَ تشمّ؛ كَمَا قَالَ أَبُو زَيد.
وَكَذَلِكَ سمعتُ الْعَرَب.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، فِي قَول العَرب: إِذا حَيَّا أحدُهم الْملك، قَالَ: أَبَيت اللَّعن.
قَالَ: أَبيت أَن تأَتي من الْأُمُور مَا تُلْعن عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ الفَرّاء: لم يجىء عَن الْعَرَب حَرفٌ على (فَعَل يَفْعَل) مَفْتُوح الْعين فِي الْمَاضِي والغابر، إِلَّا وثانيه أَو ثالثه أحد(15/433)
حُروف الْحلق، غير: أَبَى يَأْبَى، فَإِنَّهُ جَاءَ نَادرا.
قَالَ: وَزَاد أَبُو عَمْرو: رَكن يَرْكَن، أَيْضا.
وَخَالفهُ الفَرّاء فَقَالَ: إِنَّمَا يُقال: رَكَن يَرْكُن، ورَكِنَ يَرْكَن.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: لم يُسمع من الْعَرَب (فَعَل يَفْعَل) ممّا لَيْسَ لامه أَو عينه من حُروف الْحلق إلاّ: أَبَى يَأْبَى، وقَلاه يَقْلاه، وغَشى يَغْشى، وشَجَى يَشْجَى.
وَزَاد المبرّد: جَبَى يَجْبَى.
قلت: وَهَذِه الأحرف أَكثر الْعَرَب فِيهَا على: قَلَى يَقْلِي، وغَشِي يَغْشَى، وعَشى اللَّيْل يَعْشو، إِذا أظلم، وشَجاه يَشْجوه، وشَجِي يَشْجى، وجَبَا يَجْبِي.
ويُقال: رجلٌ أبِيّ، ذُو إباء شَديد، إِذا كَانَ يَأْبَى أَن يُضام.
ورَجُلٌ أَبَيَان: ذُو إبَاء شَدِيد.
ويُقال: تأَبّى عَلَيْهِ تأَبِّياً، إِذا امْتنع عَلَيْهِ. ورجُلٌ أبّاء، إِذا أَبَى الضَّيم.
ويُقال: أَخذه أُبَاءٌ، إِذا كَانَ يَأَبى الطَّعام فَلَا يَشْتهيه.
وَقَالَ بعضُهم: آبى المَاء، أَي امْتنع أَن ينزل فِيهِ إِلَّا بتَغْرير.
وَإِن نزل فِي الركيَّة ماتحٌ فأَسِنَ، فقد غَرَّر بِنَفسِهِ، أَي خاطر بهَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: آبى، أَي: نقَص.
رَوَاهُ عَن المُفضل؛ وَأنْشد:
وَمَا جُنِّبَتْ خَيْلي ولكنْ وَزَعْتُها
تُسَرّ بهَا يَوْمًا فآبَى قَتَالُها
ورَواه أَبُو نَصْر، عَن الْأَصْمَعِي: فأَنّى قَتَالها، أَي: من أنَّى قَتَالها.
وروى أَبُو عمر، عَن أَحْمد بن يحيى، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، قَالَ: الأَبِي: السَّنِق من الْإِبِل.
والأبيّ: المُمْتنعَة من العَلف لِسَنَقها، والمُمتنعة من الْفَحْل لقلّة هَدَمها.
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: المُؤْبِي: الْقَلِيل من المَاء.
وَحكى: عندنَا ماءٌ مَا يُؤْبَى، أَي: مَا يقل.
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للْمَاء إِذا انْقَطع: مَاء مُؤْبىً.
وَيُقَال: عِنْده دَراهم لَا تُؤْبى، أَي لَا تَنْقَطِع.
وركَّية لَا تُؤْبى: لَا تَنْقطع.
وأوبِى الفصيلُ عَن لبن أمه، أَي اتَّخم عَنهُ لَا يَرْضعها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المُؤْبِي: الْقَلِيل.
وبا: أَبُو زيد: يُقال: وَبئت الأرضُ تَوْبأ وَبَأً.
وَهِي أَرض مَوْبُوءة، وَأَرْض وَبِئة، إِذا كثر مَرضُها.(15/434)
وَقَالَ القُشيريون: وَبِئت الأرضُ تِيبَأُ، وأَوْبأت إيباءً.
وَهُوَ فصيل مُوبىً، إِذا سَنِق لآمْتِلائه.
وَقَالَ اللّحياني: مَاء مُوبىء، أَي وَبىء، مَن شَربه مرض.
قَالَ شَمر: وَقَالَ ابْن شُميل: أَرض وَبئة، على فعلة، ومَوْبوءة.
وَقد وَبئت، إِذا كَثر مَرضهَا.
وَيُقَال: وَبيئة، على (فعيلة) .
وَالْبَاطِل وبيء لَا تُحمد عاقبته.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: أرضٌ وبئة، على (فعلة) ، ووبيئة: على (فعيلة) .
ابْن بُزُرْج: أَوْمأت بالعَينين والحاجبَين، ووبَأْتُ باليَدين والثَّوب والرَّأْس.
قَالَ: ووبأت الْمَتَاع، وعَبَأته، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: وبأت إِلَيْهِ، مثل: أَوْمَأت إِلَيْهِ.
آب: يُقَال: آب الْغَائِب يَؤُوب إياباً.
قَالَ الفَرَّاء: وأوبة؛ وأيبة؛ ومآبا، إِذا رَجَع.
ويُقال: لِتَهنئك أوبة الْغَائِب، أَي: إيابه.
والمآب: المَرجع.
وآبت الشَّمْس تؤوب مآباً، إِذا غَابَتْ فِي مآبها، أَي: فِي مغيبها؛ وَقَالَ تُبّع:
فَرَأى مَغيب الشَّمْس عِنْد مآبها
فِي عَين ذِي خُلُب وثَأطٍ حَرْمَدِ
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا أقبل من سَفر قَالَ: (آيبون تائبون لربِّنا حامدون) .
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَالِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ} (ص: 25 و 40) أَي: حُسن الْمرجع الَّذِي يَصير إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة.
وَيُقَال: جَاءَ النَّاس من كل أَوب، أَي: مِن كُل وَجه.
وَيُقَال: مَا أحسن أوْبَ ذراعَي هَذِه النَّاقة، وَهُوَ رَجعها قَوَائِمهَا فِي السّيْر.
وَقَالَ شَمر: كل شَيْء يَرجع إِلَى مَكَانَهُ فقد آب يَؤُوب إياباً، إِذا رَجَعَ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مِنَّا فَضْلاً ياَجِبَالُ أَوِّبِى} (سبأ: 10) .
وَقَرَأَ بَعضهم: (يَا جبال أُوبي مَعَه) .
فَمن قَرَأَ (أَوِّبي مَعَه) ، مَعْنَاهُ: رَجِّعي مَعَه التَّسْبيح.
وَمن قَرَأَ (أُوبي مَعَه) فَمَعْنَاه: عُودي مَعَه فِي التَّسبيح كلّما عَاد فِيهِ.
قَالَ أَبُو بكر: فِي قَوْلهم (رجل أوّاب) سَبعة أَقْوَال:
قَالَ قوم: الأوّاب: الراحم.
وَقَالَ قوم: الأوّاب: التائب.
وَقَالَ سَعيد بن جُبير: الأوّاب: المُسبِّح.
وَقَالَ ابْن المسيّب: الأوّاب: الَّذِي يُذْنب(15/435)
ثمَّ يَتوب، ثمَّ يُذْنب ثمَّ يَتوب.
وَقَالَ قَتَادَة: الأوّاب: المُطيع.
وَقَالَ عُبيد بن عُمير: الَّذِي يَذْكُر ذَنْبه فِي الْخَلَاء فَيسْتغفر الله مِنْهُ.
وَقَالَ أهل اللُّغة: الأواب: الرجّاع الَّذِي يَرجع إِلَى التَّوْبَة والطّاعة.
من: آبَ يؤوب، إِذا رَجَعَ: قَالَ الله تَعَالَى: {تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ} (ق: 32) .
قَالَ عَبيد:
وكُلّ ذِي غَيْبة يَؤُوب
وغائبُ الْمَوْت لَا يَؤُوب
وَقَالَ: تأوّبه مِنْهَا عَقابيل، أَي: رَاجعه.
وَقَالَ غَيره: يُقال للرجل يَرجع باللّيل إِلَى أَهله: قد تأوّبهم وائْتابهم، فَهُوَ مؤتاب ومتأوِّب.
والتأويب، فِي كَلَام الْعَرَب: مَسير النَّهَار كُلّه إِلَى اللّيل.
يُقال: أَوّب يُؤَوّب تَأْويبا.
وَالْمعْنَى: يَا جبال أوبي النَّهَار كلّه بالتّسبيح إِلَى اللَّيْل؛ قَالَ سلامةُ بن جَنْدل:
يَوْمانُ يومُ مُقامات وأنْدية
ويومُ سَيْرٍ إِلَى الأعَداء تَأْويب
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: التأْويب: أَن يسير النَّهَار وَينزل اللَّيْل.
وَقَالَ أَبُو مَالك: أوّب الْقَوْم تأَويباً، أَي: سارُوا بالنّهار.
قَالَ: وأسأدُوا، إِذا سارُوا باللَّيْل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال أَنا عُذيقها المُرجَّب وحُجَيرها المُؤَوَّب.
قَالَ: المُؤوب: المُدوّر المقَوَّر المُلَمْلم.
وكلّها أَمْثَال.
قَالَ: والأَوْب: رَجْع الْأَيْدِي والقوائم فِي السَّير؛ قَالَ كَعْب بن زُهير:
كأَنّ أَوب ذِراعَيْها وَقد عَرِقَت
وَقد تَلَفَّع بالقُور العساقِيلُ
أوْبُ يَدَيْ ناقةٍ شَمْطاء مُعْولةٍ
ناحَت وجاوَبها نُكْدٌ مَثاكِيلُ
قَالَ: والمُؤَاوبة: تَبارِي الرَّكب فِي السَّير؛ وأَنْشد:
وإنْ تُؤاوبه تَجِدْه مِثْوَبَا
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: { (الاَْكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} (الغاشية: 25) .
قَالَ: هُوَ بتَخفيف الْيَاء، والتّشديد فِيهِ خطأ.
وَقَالَ الزّجاج: قرىء (إيّابهم) بالتّشديد.
قَالَ: وَهُوَ مصدر: أَيّب إيّاباً، على معنى: فَيْعل فِيعالا، من: آب يَؤُوب.
وَالْأَصْل: إيواباً، فأُدغمت الْيَاء فِي الْوَاو، وانقلبت الْوَاو إِلَى الْيَاء، لِأَنَّهَا سُبقت بسُكون.
قلت: وَلَا أَدْرِي مَن قَرَأَ (إيّابهم)(15/436)
بالتّشديد، والقُرّاء على (إيابهم) مخفّفاً.
قَالَ: ومآبة الْبِئْر ومثابتها: حَيْثُ يجْتَمع إِلَيْهِ المَاء فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: آبك الله، أَي: أبعدك الله، دُعَاء عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إِذا أَمرته بخُطّة فعصاك ثمَّ وَقع فِيمَا يكره، فأَتاك فأَخبرك بذلك، فَعِنْدَ ذَلِك تقولُ لَهُ: آبك الله؛ وأنْشد:
فَآبك هَلاّ واللَّيالي بغرَّة
تُلِمّ وَفِي الأيّام عَنك غُفُول
وَقَالَ آخر:
فآبَك ألاّ كُنْت آلَيْت حَلْفةً
عَليه وأغْلقت الرِّتاجَ المُضَبَّبا
أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ سريع الأوبة، أَي: الرُّجوع.
وَقوم يحوّلون الْوَاو يَاء، فَيَقُولُونَ: سريع الأيْبَة.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ} (ص: 17) .
حَدثنَا أَبُو زيد، عَن عبد الْجَبَّار، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عبيد بن عُمير، قَالَ: الأوّاب: الحفيظ الَّذِي لَا يَقوم عَن مَجْلِسه حَتَّى يَسْتغفر.
وَقَالَ الزّجاجُ: الأوّاب: الكثيرُ الرّجوع.
والأوّاب: التوَّاب.
ويُقال: جَاءَ القومُ من كل أَوْب، أَي: من كلّ ناحِية.
ورمينا أوباً أَو أَوْبين، أَي رشقاً أَو رشقين؛ قَالَ ذُو الرّمة يصف صائداً:
طَوَى شَخْصَه حَتَّى إِذا مَا تَودَّفَتْ
على هِيلة من كُلّ أَوْب نِفَالها
على هيلة: أَي: على فَزع وهَول لِما مرّ بهَا مِن الصَّائد مرّة بعد أَخرى. من كُل أَوب، أَي: من كُل وَجْه؛ لِأَنَّهُ لَا مكمن لَهَا من كل وَجه، عَن يَمينها وَعَن شِمالها وَمن خَلفها.
وَأب: اللَّيْث: وَأَب الحافِرُ يَئِب وَأْبةً، إِذا انْضَمَّت سنابِكُه. وإنّه لوأْب الحافِر. وحافرٌ وَأْبٌ: شَديد.
ابْن السِّكيت: حافرٌ وَأْبٌ، إِذا كَانَ قَدْراً، لَا وَاسِعًا عَريضاً وَلَا مَصْرُوراً.
وقِدْرٌ وَئيبة، من: الْحَافِر الوَأْب.
وقِدْرٌ وَئِية، بياءين، من: الفَرس الوآة.
أَبُو عُبيد: الإبَة: العَيْب: وأَنْشد:
عَصَبْن برَأْسه إبَةً وعارَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيباني: التُّؤَبَةُ: الاستحياء، وَأَصلهَا: وُأَبة، مَأْخُوذ من (الإبة) ، وَهُوَ العَيب.
قَالَ أَبُو عَمْرو: تَغدَّى عِنْدِي أعرابيّ فَصِيح من بني أَسَد، فَلَمَّا رَفع يدَه قُلت لَهُ: ازْدَد؛ فَقَالَ: وَالله مَا طَعَامك يأبا عَمْرو بِذِي تُؤبة، أَي: لَا يُسْتَحيا مِن(15/437)
أكله.
وَقد اتَّأَب الرَّجُل من الشَّيْء يَتَّئِب، فَهُوَ مُتَّئِب، وَهُوَ افتعال، من (الإبة) ، و (الوأب) . وَقد وَأَب يَئِب، إِذا أَنِف.
وأوأبت الرّجل، إِذا فعلت بِهِ فعلا يُسْتحيا مِنْهُ؛ وَأنْشد شَمر:
وإنّي لكَىءٌ عَن المُوئِبات
إِذا مَا الرَّطيء انْمأَى مَرْتَؤُهْ
ابْن شُمَيْل: ركّية وَأْبة: قَعِيرة.
وقَصْعة وَأْبة: مُفَلْطحة واسِعة.
بوب بيب: اللَّيْث: البابُ: مَعْرُوف، وَالْفِعْل مِنْهُ: التَّبْوِيب. والبابة، فِي الْحُدُود والحساب وَنَحْوه: الْغَايَة. والبابة: ثَغر من ثُغور الرّوم. وَبَاب الأَبواب: من ثُغور الْخَزَر. والبوّاب: الحاجِب.
وَلَو اشْتَقّ مِنْهُ فِعل على (فِعَالة) لقيل: بِوَابة، بِإِظْهَار الْوَاو، وَلَا يُقلب يَاء، لأنّه لَيْسَ بمَصْدر مَحْض، إنّما هُوَ اسْم.
قَالَ: وَأهل البَصْرة فِي أسواقهم يُسمُّون الساقي الَّذِي يَطُوف عَلَيْهِم بِالْمَاءِ: بَيَّاباً.
ثَعْلَب: بَاب فلانٌ، إِذا حَفَر كُوَّة، وَهُوَ البِيبُ.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: البِيبُ: كُوَّة الْحَوْض، وَهِي مَسيل المَاء، والصُّنْبور، والثَّعْلَب، والمَثْعب، والأسْكُوب.
أَبُو عُبَيد: تَبَوَّبْت بَوَّاباً، أَي: اتَّخذت بَوَّاباً.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقال: أَتَانَا فلانٌ بِبَابِيَّة، أَي: بأُعجوبة؛ وأَنْشد قَول الجَعدِيّ:
ولكنّ بابيّةً فاعْجَبُوا
حَدِيث قُشَير وأفْعالُها
بابيّة: عَجِيبة.
اللَّيْث: البابيّة: هَدير الفَحل فِي تَرْجيعه تكْرَار لَهُ؛ قَالَ رُؤْبة:
بَغْبَغةً مرًّا ومَرًّا بابِيَّا
وَقَالَ أَيْضا:
يَسُوقُها أَعْيَسُ هدَّارٌ بَبِبْ
إِذا دَعَاهَا أَقْبَلت لَا تَتَّئِبْ
وبَيْبة: اسْم؛ وأنْشد:
ومارَ دَمٌ مِن جارِ بَيْبة ناقِعُ
وبالبَحْرين موضعٌ يُعرف ببابَيْن، وَفِيه يَقُول قائلُهم:
إِن ابْن بُورٍ بَيْن بابَيْن وجَمْ
والخيلُ تَنْحاه إِلَى قُطْر الأَجَمْ
وضبَّةُ الدُّغْمانُ فِي رُوس الأَكَمْ
مُخْضَرّةً أعْيُنها مِثْلُ الرَّخَمْ
عَمْرو، عَن أَبِيه: وبَوّبَ الرَّجُلُ، إِذا حَمل على العَدُوّ.
والبَوْبَاة: الفلاة، وَهِي المَوْمَاة.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: هَذَا من بابَتِي.(15/438)
قَالَ يَعقوب بن السِّكيت وَغَيره: البابة، عِنْد الْعَرَب: الْوَجْه الَّذِي أُريده ويَصْلُح لي.
وَقَالَ أَبُو العَميثل: البابَة: الخَصْلة.
وَقيل: بابات الكِتاب: سُطُوره.
بابة، وبابات، وأبواب؛ وأنْشد لِتَميم بن مُقْبل:
تخيَّر بابات الكِتَاب هِجائيَا
قَالَ: مَعْنَاهُ: تخيّر هجائي من وُجوه الكِتاب.
فَإِذا قَالَ النَّاس: من بابتي، فَمَعْنَاه: من الْوَجْه الَّذِي أُريده ويَصْلُح لي.
قَالَ ابْن دُريد: البِيبَة: المَثْعب الَّذِي يَنصب مِنْهُ المَاء إِذا أُفْرغ من الدَّلو فِي الْحَوْض. وَهُوَ البِيب، والبِيبَة.
يبب: قَالَ أَبُو بكر، فِي قَوْلهم: خرابٌ يَبَاب: اليَبَاب، عِنْد الْعَرَب: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أحد؛ قَالَ ابْن أبي رَبِيعة:
مَا عَلَى الرّسْم بالبُلَيَّيْن لَو بَيّ
نَ رَجْعَ السَّلاَمِ أَو لَو أَجَابَا
فَإلَى قصْر ذِي العَشِيرة فالصَّا
لِف أَمْسى من الأَنِيس يَبابَا
مَعْنَاهُ: خَالِيا لَا أَحد بِهِ.
وَقَالَ شمر: اليَباب: الْخَالِي الَّذِي لَا شَيْء بِهِ.
يُقَال: خراب يَباب، إتباع ل (خراب) قَالَ الكُميت:
بِيَبَابٍ من التَّنائف مَرْتٍ
لم تُمَخَّط بِهِ أُنُوف السِّخَالِ
لم تُمخَّط، أَي: لم تُمْسح. والتَّمْخيط: مَسْح مَا على الْأنف من السِّخلة إِذا ولدت.
ويب: سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ الْكسَائي: من الْعَرَب مَن يَقُول: وَيْبَك، وَويْب غَيْرِك.
وَمِنْهُم من يَقُول: وَيْباً لزيد، كَقَوْلِك: ويلاً لزَيد. وَقد مرّ تَفْسِيره.
الْبَاء: وَقَالَ النَّحويون: الجالب للبَاء فِي (بِسم الله) معنى الِابْتِدَاء، كَأَنَّهُ قَالَ: أبتدىء باسم الله.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: (الْبَاء) مَعْنَاهَا: الإلصاق، ودَخلت (الْبَاء) فِي قَول الله تَعَالَى {أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ} (آل عمرَان: 151) لأَن معنى (أشرك بِاللَّه) : قَرن بِاللَّه غَيره، وَفِيه إِضْمَار، وَالْبَاء للإِلصاق والقِران.
وَمعنى قَوْلهم: وَكّلت بفلان، مَعْنَاهُ: قرنت بِهِ وَكيلا.
ورَوى مُجَاهِد عَن ابْن عمر أَنه قَالَ:
رَأَيْته يَشتدّ بَين الهَدَفَيْن فِي قَمِيص فَإِذا أصَاب خَصْلةً يَقُول: أَنا بهَا، أَنا بهَا يَعْنِي: إِذا أصَاب الهدف ثمَّ يرجع متنكّباً قوسه حَتَّى يَمُر فِي السُّوق.
وَقَالَ شمر، قَوْله: أَنا بهَا، يَقُول:(15/439)
صَاحبهَا.
وَفِي حَدِيث سَلمة بن صَخْر أَنه أَتَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر أنّ رجلا ظاهَر من امْرَأَته ثمَّ وَقع عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لعلّك بذلك يَا سَلمة؟ فَقَالَ: نعم، أَنا بذلك) .
يَقُول: لعلّك صاحبُ الْأَمر.
وَفِي حَدِيث عُمر أَنه أُتي بِامْرَأَة قد زَنت، فَقَالَ لَهَا: مَنْ بك؟
يَقُول: من صاحُبك؟
قَالَ شمر: ويُقال: لما رَآنِي بالسَّلاح هِرِب.
مَعْنَاهُ: لما رَآنِي أَقبلت بالسِّلاح، وَلما رَآنِي صاحبَ سِلاح؛ قَالَ حُميد:
رأَتْني بحَبْلَيها فردَّت مَخَافَة
أَرَادَ: لمّا رأتني أَقبلت بحبلَيْها.
وَقَوله تَعَالَى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الْحَج: 25) أَدخل (الْبَاء) فِي قَوْله (بإلحاد) لِأَنَّهَا حَسُنت فِي قَوْله: وَمن يُرد بِأَن يُلحِد فِيهِ.
وقولُه تَعَالَى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ} (الْإِنْسَان: 6) ، قيل: ذهب (بِالْبَاء) إِلَى الْمَعْنى، لِأَن الْمَعْنى: يَرْوَى بهَا عبادُ الله.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول الله تَعَالَى: {} (المعارج: 1) .
أَرَادَ، وَالله أعلم: سَأَلَ عَن عَذَاب وَاقع.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: { (عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (الْقَلَم: 5، 6) الْبَاء، بِمَعْنى (فِي) ، كَأَنَّهُ قَالَ: فِي أَيّكُم الْمفْتُون.
قَالَ الفَراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النِّسَاء: 79 و 166) : دَخلت (الْبَاء) فِي قَوْله {كفى باللَّه للمُبالغة فِي المَدْح وَالدّلَالَة على قَصد سَبيله، كَمَا قَالُوا: أَظرفْ بعَبد الله وأَنْبِل بِعَبْد الرحمان فأَدْخلوا (الْبَاء) على صَاحب الظّرف والنُّبل للمُبالغة فِي المَدح.
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: ناهيك بأخينا وحَسبك بصديقنا أدخلُوا (الْبَاء) لهَذَا الْمَعْنى، وَلَو أَسقطت (الْبَاء) لقُلْت: كفى اللَّهُ شَهِيداً.
قَالَ: وَمَوْضِع (الْبَاء) وَقع فِي قَوْله تَعَالَى: وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النِّسَاء: 79 و 166) .
وَقَالَ أَبُو بكر: انتصاب قَوْله {شَهِيدا على الْحَال من الله أَو على القَطْع.
وَيجوز أَن يكون مَنْصوباً على التَّفسير مَعْنَاهُ: كفى بِاللَّه من الشَّاهِدين، فَيجْرِي من المَنْصوبات مَجْرى (الدِّرْهم) فِي قَوْلهم: عِنْدِي عشرُون دِرْهماً.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} (الْفرْقَان: 59) ، أَي: سَلْ عَنهُ خَبِيرا يُخبرك؛ وَقَالَ عَلْقَمَة:
فَإِن تسأَلوني بالنّساء فإِنني
بصيرٌ بأَدْواء النِّساء طَبيبُ
أَي: تسأَلوني عَن النِّساء.(15/440)
قالَه أَبُو عُبيد.
وَقَالَ تَعَالَى: {الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} (الانفطار: 6) ، أَي: مَا خَدعك عَن ربّك الْكَرِيم وَالْإِيمَان بِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ} (الْحَدِيد: 14) أَي: خدعكم عَن الله وَالْإِيمَان بِهِ وَالطَّاعَة لَهُ الشيطانُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمة، عَن الْفراء، قَالَ: سمعتُ رجلا من الْعَرَب يَقُول: أَرْجُو بِذَاكَ. فسأَلته؛ فَقَالَ: أَرْجُو ذَاك.
وَهُوَ كَمَا تَقول: يُعجبني بأَنك قَائِم، وَأُرِيد لأذهبَ، مَعْنَاهُ: أُرِيد أَذْهب.(15/441)
حرف الْمِيم
(بَاب اللفيف من حرف الْمِيم)
مِيم موم موا ميا مأَى مَاء وَأم أمْ مَا أمّا، إمّا أمّ يم أما مأ آم يَوْم ويم مَاء.
قَالَ اللَّيْث: قَالَ أَبُو عبد الرحمان: قد فنيت العربّية فَلم يَبْق للميم إِلَّا الَّلفيف.
مِيم: قَالَ اللَّيْث: الْمِيم: حرف هجاء، لَو قصرت فِي اضطرار شِعْر جَازَ.
زعم الْخَلِيل أَنه رأى يَمَانِيا سُئل عَن هجائه، فَقَالَ: بَابا، مِمْ مِمْ.
قَالَ: وَأصَاب الْحِكَايَة على اللَّفظ، وَلَكِن الَّذين مدّوا أَحْسنوا الْحِكَايَة بالمَدّة.
قَالَ: والميمان، هما بِمَنْزِلَة النُّونين من (الجَلَمين) .
قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيل يُسمِّي الْمِيم مُطْبقة، لِأَنَّك إِذا تَكلّمت بهَا أَطْبقت.
قَالَ: وَالْمِيم من الْحُرُوف الصِّحاح السّتة المُذْلَقة الَّتِي هِيَ فِي حَيّزين: حَيز الْفَاء، وَالْآخر حيّز اللَّام.
وَجعلهَا فِي التَّأْلِيف الْحَرْف الثَّالِث للفاء وَالْبَاء، وَهِي آخر الْحُرُوف من الحيز الأول، وَهَذَا الحيّز شفويّ.
موم: اللَّيْث وَغَيره: المُوم: البِرْسَام.
يُقال: رجلٌ مَمُوم.
وَقد مِيم يُمام مُوماً ومَوْماً.
وَلَا يكون (يموم) لِأَنَّهُ مفعول بِهِ، مثل بُرْسِم؛ قَالَ ذُو الرمة يصف صائداً:
إِذا تَوجَّس رِكزاً من سَنابكها
أَو كَانَ صاحبَ أَرض أوا بِهِ المُومُ
وَمَعْنَاهُ: أَن الصّياد يُذهب نَفسه إِلَى السَّمَاء ويفغر إِلَيْهَا أبدا لِئَلَّا يجد الوحشُ نَفْسَه فينفر، وشَبّهه بالمُبَرْسَم، والمَزكوم، لِأَن البِرْسام مُفْغِرٌ والزَّكام مُفْغر.
الْحَرَّانِي، عَن ابْن السّكيت: مِيم، فَهُوَ مَمُوم، من (المُوم) .
قَالَ شمر، قَالَ ابْن شُميل: المَوْماة: الفلاة الَّتِي لَا مَاء بهَا وَلَا أنيس بهَا.
قَالَ: وَهِي جماع أسماءَ الفلوات.
والمَوامِي: الْجَمَاعَة.
ويُقال: علونا مَوْمَاةً.
وَأَرْض مَوْمَاة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المَوامِي، مثل السَّباسِب.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: هِيَ المَوْماء، والمَوْماة.(15/442)
وَبَعْضهمْ يَقُول: الهَوْمة، والهَوْماة.
وَهُوَ اسْم يَقع على جَمِيع الفلوات.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن المبرّد، أَنه قَالَ: يُقال لَهَا: الموماة والبَوْباة، بِالْمِيم وَالْبَاء.
ومامَة: اسْم أُمّ عَمرو بن مامة.
موا: الْأَصْمَعِي: الماويّة: المِرآة، كأَنها نُسِبت إِلَى المَاء.
وَقَالَ اللّيث: الماوِيّة: البِلَّور.
ويُقال: ثَلَاث ماويّات.
وَلَو تُكلِّف مِنْهُ فِعْل، لقيل: مُمْوَاة.
قلت: ماويّة، كَانَت فِي الأَصْل (مائية) ، فقُلبت المدّة واواً فقِيل: ماويّة.
وَرَأَيْت فِي الْبَادِيَة على جادّة البَصْرة مَنْهلة بَين حَفَر أبي مُوسَى ويَنْسوعةَ، يُقَال لَهَا: ماويّة.
وماويّة: من أَسمَاء النِّساء؛ وأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
ماويَّ يَا ربّتما غارةٍ
شَعْواءَ كاللَّذْعة بالمِيسَمِ
أَرَادَ: ماوّية، فرَخَّم.
ميا: اللَّيْث: ميّة: اسْم امْرَأَة.
وَزَعَمُوا أنّ القِردة الأُنثى تسمى: مَيَّة.
وَيُقَال: مَنَّة.
ويُقال فِي الِاسْم: مَيّ.
مأى: أَبُو زيد، يُقَال: مأَوْت السِّقاء مَأْواً، ومأَيته مأْياً: إِذا وسَّعته فجعلتَه وَاسِعًا.
وَكَذَلِكَ: الْوِعَاء. ويُقال تمأَّى السِّقاء.
فَهُوَ يَتمأَّى تمئِّياً وتَمَوُّءًا، إِذا مَا مددتَه فاتّسَع.
وَقَالَ اللَّيْث: المَأَى: النّميمة بَين القَوم.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: مأَيت بَين الْقَوْم: أَفْسدت.
اللَّيْث: مأَوت بَينهم، إِذا ضربت بعضَهم بِبَعْض.
ومأَيت، إِذا دَببت بَينهم بالنَّميمة؛ وأنْشد:
ومأَى بَينهم أخُو نكراتٍ
لم يَزَلْ ذَا نَمِيمةٍ مأَءَا
وَامْرَأَة مَاَّاءَة: نمّامة، مثل: منَّاعة.
ومُستقبله: يَمْأَى.
اللَّيْث: الْمِائَة، حُذفت من آخرهَا (وَاو) .
وَقيل: حرف لين لَا يُدْرى: أ (واوٌ) هُوَ أَو (يَاء) ؟ والجميع: المِئُون.
ابْن السِّكيت: أمأَت الدراهمُ، إِذا صَارَت مائَة.
وأمأَيْتها أَنا.
قَالَ: وَتقول: ثَلثمائة.
وَلَو قلت: ثَلَاث مئين، مِثَال (معِين) كَانَ جَائِزا، أَو ثَلَاث مِىءٍ، مِثَال (مَعَ) ؛ قَالَ مُزَرّد:
وَمَا زَوَّدُوني غَيْر سَحقِ عِمَامَة
وخَمْسمىءٍ مِنْهَا قَسِيّ وزائِفُ(15/443)
قَالَ: وَلَو قلت: مئات، بِوَزْن (معاة) ، لجَاز.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِذا تَمّمت الْقَوْم بِنَفْسِك مئة، فقد مَأَيْتَهم. وهم مَمْئيّون. وأَمْئَاهم، فهم مُمْؤُون. فَإِن أَتممَتهم بغيرك، فقد أَمْأَيتهم. فهم مُمْأَوْن.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: كَانَ الْقَوْم تِسْعةً وتِسْعين فأمأيتُهم، بِالْألف، مثل: أفْعلتهم.
وَكَذَلِكَ فِي (الأَلْف) : آلفتهم.
وَكَذَلِكَ إِذا صَارُوا هم كَذَلِك، قلتُ: قد أَمْأَوْا، وألْفُوا، إِذا صارُوا مائَة وأَلْفاً.
مَاء: اللحياني: ماءت الهِرّة تَمُوء، مثل: ماعت تَمُوع. وَهُوَ الضُّغاء، إِذا صاحَت.
وَقَالَ: هِرّةٌ مَؤُوء، بِوَزْن (مَعُوع) .
وصوتها: المُواء، على (فُعال) .
عَمْرو، عَن أَبِيه: أَمْوأَ: إِذا صَاح صِيَاح السِّنّور.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ المائِيّة، بِوَزْن (الماعيّة) . يُقَال ذَلِك للسِّنَّوْر.
وَأم: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَأْمة: المُوافَقَةَ. والويمة: التُّهْمَة. أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: واءَمْتُه وئاماً، ومُواءَمة، وَهِي المُوافقة، أنْ تَفعل كَمَا يَفعل.
قَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي المُياسرة: لَوْلَا الوِئام لهلك اللِّئام.
قَالَ: والوئام: المُباهاة.
يَقُول: إِن اللِّئام لَيْسُوا يأْتونَ الْجَمِيل من الأُمور على أَنَّهَا أخلاقُهم، وَإِنَّمَا يفعلونها مباهاة وتَشَبُّهاً بِأَهْل الْكَرم، وَلَوْلَا ذَلِك لهلكوا.
هَذَا قَول أبي عُبيدة.
وَأما غَيره من عُلمائنا فيُفَسّرون (الوئام) : المُوافقة، يَقُولُونَ: لَوْلَا مُوافقة النَّاس بَعضهم بَعْضًا فِي الصُّحْبة والعِشرة لكَانَتْ الهَلَكة.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَلَا أَحسب الأَصْل كَانَ إلاّ هَذَا.
ابْن السّكيت: يُقال لَهما: تَوْأمان؛ وَهَذَا تَوأم. وَهَذِه توأمة. والجميع: تَوائم، وتُؤام.
وَقد أتأمت الْمَرْأَة، إِذا ولدت اثْنَيْنِ فِي بَطْن وَاحِد. فَهِيَ مُتْئِم.
اللَّيْث: التَّوأم: ولدان مَعًا.
وَلَا يُقال: هما توأمان، وَلَكِن يُقال: هَذَا تَوأم هَذِه، وَهَذِه توأمتُه.
فَإِذا جُمعا، فهما تَوْأم.
قلتُ: أَخطَأ اللَّيث فِيمَا قَالَ، والقولُ مَا قَالَ ابْن السِّكيت.(15/444)
وَهَذَا قَول الفَرّاء والنَّحويين الَّذين يُوثق بعِلْمهم.
قَالُوا: يُقال للْوَاحِد: توأم.
وهما توأمان، إِذا ولدا فِي بَطن وَاحِد؛ قَالَ عَنْترة:
بَطَلٌ كأنّ ثِيابَه فِي سَرْحةٍ
يُحْذَى نِعال السِّبْت لَيْسَ بتَوْأم
قلتُ: وَقد ذكرتُ هَذَا الْحَرْف فِي كتاب التَّاء، فَأَعَدْت ذِكْره لأعرِّفك أنّ التَّاء مُبْدلة من الْوَاو.
ف (التوأم) وَوْأم، فِي الأَصْل، وَكَذَلِكَ: (التَّوْلج) ، فِي الأَصْل: وَوْلَج، وَهُوَ الكِنَاس.
وأصل ذَلِك من (الوِئَام) ، وَهُوَ الوِفاق.
ويُقال: فلانٌ يُغَنِّي غِنَاءً مُتوائِماً، إِذا وَافق بعضُه بَعْضًا وَلم تَخْتلف ألحْانُه؛ قَالَ ابنُ أَحْمر:
أَرَى نَاقَتي حنَّت بلَيْلٍ وساقها
غِناءٌ كمَوْج الأعْجَم المُتَوائِمِ
وَقَالَ أَبُو عَمرو: لَيَالٍ أُوَّمٌ، أَي: مُنكرة: وأَنْشد:
لمّا رَأَيْت آخر اللَّيل غنَمْ
وأنّها إحْدى لَيالِيك الأُوَمْ
أَبُو عُبيد: المُؤَوَّم، مثل (المعوَّم) : الْعَظِيم الرَّأس.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الطُّوسي، عَن الخَرّاز، عَن ابْن الأعرابيّ: و (يَوْأم) : قَبيلَة من الحَبش؛ وأَنْشد:
وَأَنْتُم قبيلةٌ من يَوْأَمْ
جَاءَت بكُم سَفِينةٌ من اليمْ
قَالَ المُوأَّم: المشوّه الخَلق.
وَأَمّه الله، أَي: شَوّه خَلْقه.
وَقَوله (من يَوْأم) ، أَي: إِنَّكُم سُودان فَخَلْقكم مُشَوَّه.
آم: أَبُو عبيد: الأَيْم والأَيْن، جَمِيعًا: الحيّة.
قَالَ شَمر: قَالَ أَبُو خَيْرة: الأيْم والأيْن والثُّعْبان: الذكران من الْحَيَّات، وَهِي الَّتِي لَا تَضُرّ أحدا.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُميل: كل حيَّة أَيم، ذكرا كَانَت أَو أُنثى.
وَرُبمَا شدد فَقيل: أيِّم، كَمَا يُقال: هَيِّن وهَيْن.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ} (النُّور: 32) .
قيل فِي تَفْسِيره: الْحَرَائِر.
والأيامى: القَرابات: الآبنة وَالْخَالَة وَالْأُخْت.(15/445)
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، يُقال للرجل الَّذِي لم يتَزَوَّج: أَيّم، وللمرأة أيّمة، إِذا لم تتزوَّج.
قَالَ: والأيّم: البِكْر والثَّيِّب.
قَالَ: وَيُقَال: آم الرَّجُلُ يَئِيم أيْمةً، إِذا لم تكن لَهُ زَوْجة.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة، إِذا لم يكن لَهَا زَوْج.
وَفِي الحَدِيث إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَتَعوَّذ من الأيْمة والعَيْمة، وَهِي طول العُزْبة.
ابْن السِّكيت: فُلَانَة أَيِّم، إِذا لم يكن لَهَا زوج؛ وَرجل أيِّم، لَا امْرَأَة لَهُ؛ وَالْجمع: الأيَامى. وَالْأَصْل: أيَايم، فقُلبت الْيَاء وجُعلت بعد الْمِيم.
وَقد آمت الْمَرْأَة تَئِيم أَيْمةً وأَيْماً؛
وتأيَّم الرّجُلُ زَمَانا، وتأيَّمت الْمَرْأَة، إِذا مَكَثا أيّاماً وزماناً لَا يتزَوَّجان.
والحَرْبُ مَأْيَمة، أَي: تقتل الرِّجال وَتَدَع النِّساء بِلَا أَزوَاج.
ابْن الأنباريّ: رجل أيِّم، ورجلان أيِّمان، وَرِجَال أيِّمون، وَنسَاء أيِّمات.
وأُيَّمٌ: بَيِّن الأيُوم والأَيْمَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الإيَام: الدُّخان؛ وأَنْشد لأبي ذُؤيب:
فَلَمَّا جَلاَها بالإيَام تَحيَّزت
ثُباتٍ عَلَيْهَا ذلُّها واكتئابُها
يُقَال: آم الدُّخانُ يَئيم إياماً.
قَالَ: وَأما الأُوام، فَهُوَ شِدّة العَطَش؛
وَقد آم الرَّجُلُ يَؤُوم أوْماً.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأوام: الْعَطش، وَلم يَذكر لَهُ فِعْلاً.
والأيامى، كَانَ فِي الأَصْل: أيايم، جمع (الأيّم) فقُلبت الْيَاء جُعلت بعد الْمِيم.
قَالَه ابْن السِّكيت.
قَالَ: ويُقال: مَا لَهُ آمٌ وعامٌ، أَي: هَلكت امْرَأَته.
وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقال: أيم، فَجعلت الْيَاء ألفا.
وَقد آم يَئيم أَيْمة.
وَمعنى (عامٌ) : هَلَكت مَاشِيَته حَتَّى يَعِيم إِلَى اللّبن.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال رَجُلٌ أَيْمان، وعَيْمان أَيْمان: هَلكت امْرَأَته.
ابْن السِّكيت: تأيّمت الْمَرْأَة، وتأيّم الرجلُ زَمَانا، إِذا مكَثا لَا يَتزوَّجان.
قَالَ: أَأَمْتُ الْمَرْأَة، مثل: أَعَمْتها، فَأَنا أُئِيمها، مثل أُعِيمها.
وَالْحَرب مَأْيَمة، أَي: تقتل الرِّجال وتَدع النِّساء بِلَا أَزوَاج.
اللَّيْث: يُقال امْرَأَة أيِّم، وَقد تأيّمت، إِذا كَانَت بِغَيْر زَوْج.
وَقيل ذَلِك إِذا كَانَ لَهَا زوج فَمَاتَ عَنْهَا،(15/446)
وَهِي تصلح للأزواج، لِأَن فِيهَا سُؤْرةٌ من شباب؛ قَالَ رُؤبة:
مغايراً أَو يَرْهب التّأْيِيما
وَقَوله:
وكأنّما ينأى بِجَانِب دفِّها الْ
وَحْشِي مِن هَزِج العَشِيّ مُؤَوَّمِ
أَرَادَ: من حادٍ هَزِج العَشيّ بحُدائه.
اللَّيْث: المُواءمة: المُباراة.
قَالَ: ويُقال: فُلَانَة تُوَائِم صَواحباتها، إِذا تكلّفت مَا يتكلَّفن من الزِّينة؛ قَالَ المَرّار:
يَتواءَمْن بنَوْمات الضُّحى
حَسَنات الدَّلّ والأُنْس الخَفِرْ
أم: قَالَ الفَرّاء: أَمْ، فِي الْمَعْنى تكون ردّاً على الِاسْتِفْهَام على جِهَتَيْن:
إِحْدَاهمَا: أَن تُفارق معنى (أم) .
وَالْأُخْرَى: أَن تَستفهم بهَا على جِهة النَّسق الَّذِي يُنْوى بهَا الابتداءُ، إِلَّا أَنه ابتداءٌ مُتَّصل بِكَلَام.
فَلَو ابتدأت كلَاما لَيْسَ قبله كَلَام، ثمَّ استفهمت لم يكن إِلَّا ب (الْألف) أَو ب (هَل) ، من ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {} {رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن} (السَّجْدَة: 1، 3) فَجَاءَت (أم) وَلَيْسَ فِيهَا اسْتِفْهَام، فَهَذَا دَلِيل على أَنه اسْتِفْهَام مُبْتَدأ على كَلَام قد سبقه.
قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ} (الْبَقَرَة: 108) .
فَإِن شِئْت جعلته استفهاماً مُبْتَدأ قد سبقه كَلَام، وَإِن شِئْت قلت: قبله اسْتِفْهَام فَرُد عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الْبَقَرَة: 106) .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ} {الاَْشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} (ص: 62، 63) .
فَإِن شِئْت جعلته استفهاماً مُبتدأ على كَلَام قد سَبقه كَلَام.
وَإِن شِئْت جعلته مَرْدُوداً على قَوْله: {وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ} (ص: 62) .
وَمثله قَوْله تَعَالَى: {ياقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَاذِهِ الاَْنْهَارُ تَجْرِى مِن} (الزخرف: 51) ثمَّ قَالَ: {تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} (الزخرف: 52) .
فالتفسير فيهمَا وَاحِد.
قَالَ الْفراء: وَرُبمَا جعلت الْعَرَب (أم) إِذا سَبقها اسْتِفْهَام، وَلَا يصلح فِيهِ (أم) على جِهَة (بل) . فَيَقُولُونَ: هَل لَك قِبلنا حق أم أَنْت رجل مَعْرُوف بالظلم؟ .
يُريدون: بل أَنْت رجُلٌ مَعْروف بالظُّلم؛ وأَنشد:
فوَاللَّه مَا أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَت
أم النَّوم أم كُلٌّ إليّ حَبِيبُ(15/447)
يُرِيد: بَلْ كُلٌّ.
قَالَ: ويَفعلون مثل ذَلِك ب (أَو) ، وسنذكره فِي مَوْضِعه.
وَقَالَ الزجّاج: أم، إِذا كَانَت مَعْطوفة على لفظ الِاسْتِفْهَام، فَهِيَ مَعْرُوفَة لَا إِشْكَال فِيهَا؛ كَقَوْلِك: أزَيْدٌ أحسن أم عَمْرو؟ و: أكذا خير أم كَذَا؟
وَإِذا كَانَت لَا تقع عطفا على ألف الِاسْتِفْهَام، إِلَّا أَنَّهَا تكون غير مُبتَدأَة، فَإِنَّهَا تؤذن بِمَعْنى (بل) ، وَمعنى (ألف الِاسْتِفْهَام) .
ثمَّ ذكر قَول الله تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ رَسُولَكُمْ} (الْبَقَرَة: 108) .
قَالَ الْمَعْنى: بل أَتُريدون أَن تسألوا.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ} {} {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (السَّجْدَة: 1، 3) .
الْمَعْنى: بل يَقُولُونَ افتراه.
وَقَالَ اللَّيْث: أم، حرف أحسن مَا يكون فِي الِاسْتِفْهَام على أَوله، فَيصير الْمَعْنى كَأَنَّهُ اسْتفهام بعد اسْتفهام.
قَالَ: وَيكون (أم) بِمَعْنى (بل) .
وَيكون (أم) بِمَعْنى (ألف الِاسْتِفْهَام) ، كَقَوْلِك: أم عِندك غداء حاضرٌ؟ وَهِي لُغَة حَسَنَة من لُغات الْعَرَب.
قلت: وَهَذَا يجوز إِذا سَبقه كَلَام.
قَالَ اللَّيْث: وَتَكون (أم) مُبتَدأَة للْكَلَام فِي الْخَبَر، وَهِي لُغَة يَمَانِية، يَقُول قَائِلهمْ: أم نَحن خرجنَا خيارَ النَّاس، أم نُطعم الطَّعَام، أم نضرب السِّهَام؛ وَهُوَ يُخْبِر.
وروى ابْن اليزيدي، عَن أبي حَاتِم، قَالَ: قَالَ أَبُو زيد: (أم) تكون زَائِدَة، لُغَة لأهل الْيمن؛ وأَنْشد:
يَا دَهْن أم مَا كَانَ مَشْيِي رَقَصَا
بل قد تكون مِشْيَتي ترقُّصَا
أَرَادَ يَا دَهناء، فرَخَّم، و (أم) زَائِدَة؛ أَرَادَ: مَا كَانَ مَشيي رَقَصاً، أَي: كنت أترقَّص وَأَنا فِي شَبِيبتي واليومَ قد أَسْنَنْت حتّى صَار مَشيي رَقَصا.
وَقَالَ غَيره: تكون (أم) بلغَة أهل الْيمن بِمَعْنى: الْألف وَاللَّام.
وَفِي الحَدِيث: (لَيْسَ من امْبِرّ امْصِيامٌ فِي امْسَفَر) .
أَي: لَيْسَ من البرّ الصّيام فِي السَّفر.
قلت: وَالْألف فِيهَا ألف وصل، تُكتب وَلَا تُظهر إِذا وُصلت، وَلَا تُقطع كَمَا تُقطع ألف (أم) الَّتِي قدّمنا ذكرهَا؛ وأَنْشد أَبُو عُبيد:
ذَاك خَلِيلي وَذُو يُعاتِبُني
يَرْمي وَرائي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَهْ(15/448)
أَلا تَراه كَيفَ وَصل الْمِيم باللاَّم، فافهمه.
قلت: وَالْوَجْه ألاّ تثبت الْألف فِي الْكِتَابَة، لأنّها مِيم جُعلت بدل الْألف وَاللَّام، للتَّعْريف.
مَا: قَالَ أهل العربيّة: (مَا) إِذا جُعِلت اسْما هِيَ لغير المُميِّزين من الجِنّ وَالْإِنْس؛ و (من) تكون للمميِّزين.
وَمن الْعَرَب من يَستعمل (مَا) فِي مَوضِع (من) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (النِّسَاء: 22) التَّقْدِير: لَا تَنكحوا مَن نكح آباؤكم.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ} (النِّسَاء: 3) ، مَعْنَاهُ: من طَابَ لكم.
وروى سَلمة، عَن الفَراء، قَالَ الْكسَائي: تكون (مَا) اسْما، وَتَكون جَحْداً، وَتَكون استفهاماً، وَتَكون شَرْطاً، وَتَكون تعجُّباً، وَتَكون صِلَةً، وَتَكون مَصْدراً.
قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: وَقد تَأتي (مَا) تمنع العاملَ عمله، وَهُوَ كَقَوْلِك: كَأَنَّمَا وَجهك الْقَمَر، وَإِنَّمَا زَيْد صديقنا.
قلت: وَمِنْه قولْه تَعَالَى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (الْحجر: 2) ربّ: وضعت للأسماء، فَلَمَّا أُدخلت فِيهَا (مَا) جُعلت للفِعْل.
وَقد توصل (مَا) ب (رب) و (ربت) فَتكون صلَة؛ كَقَوْلِه:
ماوِيّ يَا رُبَّتما غارةٍ
شَعْواء كاللَّذْعةِ بالمِيَسمِ
يُريد: يَا ربّت غَارة.
وتجيء (مَا) صلَة يُراد بهَا التَّأْكِيد، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ} (النِّسَاء: 155) . الْمَعْنى: بِنَقْضهم ميثاقهم.
وَتَكون مصدرا؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (الْحجر: 94) أَي: فَاصْدَعْ بالأَمر.
وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَتَبَّ مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا} (المسد: 2) أَي: وكَسْبه.
و (مَا) التَّعجب؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (الْبَقَرَة: 175) .
والاستفهام ب (مَا) كَقَوْلِك: مَا قَولك فِي كَذَلِك؟
والاستفهام ب (مَا) مِن الله لِعِبَادِهِ على وَجهين: هُوَ للمُؤمن تَقْرير؛ وللكافر تَقْريع وتَوْبيخ.
فالتَّقرير، كَقَوْلِه تَعَالَى لمُوسى عَلَيْهِ السَّلَام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى} {قَالَ هِىَ عَصَاىَ} (طه: 17 و 18) قَرَّره الله أَنَّهَا عَصىً كَرَاهِيَة أَن يَخافها إِذا حَوَّلها حَيَّة.
والشَّرط؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {شَىْءٍ قَدِيرٌ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (فاطر: 2) .
والجحد؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} (النِّسَاء: 66) .(15/449)
وتجيء (مَا) بِمَعْنى (أَي) ؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} (الْبَقَرَة: 69) الْمَعْنى: يبين لنا أيّ شَيْء لَوْنهَا؟ و (مَا) فِي هَذَا الْموضع رَفع، لِأَنَّهُ ابْتِدَاء، ومُرافعها قَوْله (لَوْنهَا) .
الْفراء: و {ضَلاَلاً مِّمَّا خَطِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ} (نوح: 25) تَجعل (مَا) صلَة فِيمَا تَنْوي بِهِ مَذْهَب الْجَزَاء، كَأَنَّهُ: من خطيئاتهم مَا أُغرقوا.
وَكَذَلِكَ رَأَيْتهَا فِي مُصحف عبد الله، وتأخرها دَلِيل على مَذْهَب الْجَزَاء.
وَمثلهَا فِي مصحفه: (أَي الْأَجَليْنِ مَا قَضيتَ) .
أَلا ترى أَنَّك تَقول: حَيْثُمَا تكن أكن، وَمهما تقل أقُل.
وَقَوله تَعَالَى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى} (الْإِسْرَاء: 110) وُصل الْجَزَاء ب (مَا) ، فإِذا كَانَ استفهاماً لم يُوصل ب (مَا) ، وَإِنَّمَا يُوصل إِذا كَانَ جَزَاء؛ أَنْشد ابْن الأعرابيّ قولَ حسّان:
إِن يكُن غَثّ مِنْ رَقَاشِ حَدِيثٌ
فبمَا يَأْكُل الحديثُ السَّمينَا
قَالَ: فبمَا، أَي: رُبمَا.
قلت: وَهُوَ مَعروف فِي كَلَامهم قد جاءَ فِي شعر الْأَعْشَى وَغَيره.
أما: وَقَالَ اللَّيْث (أمَا) اسْتِفْهَام جحود؛ كَقَوْلِك: أما تَسْتَحي من الله؟
قَالَ: وَتَكون (أما) تَأْكِيد للْكَلَام ولليمين، كَقَوْلِك: أما إِنَّه لرجل كَرِيم.
وَفِي الْيَمين كَقَوْلِك: أمَا وَالله لَئِن سَهرت كُل لَيْلَة لأدَعنّك نَادِما؛ أما لَو علمتُ بمكانك لأزعجنّك مِنْهُ.
إِمَّا وَأما: وافتراقهما
أَبُو الْعَبَّاس، عَن سَلمة، عَن الفراءِ، قَالَ: قَالَ الْكسَائي فِي بَاب (إمّا) و (أمّا) :
إِذا كنت آمراً، أَو ناهياً، أَو مُخبراً، فَهِيَ (أمّا) مَفْتُوحَة.
وَإِذا كنت مُشترطاً أَو شاكاً أَو مخيِّراً أَو مُخْتَارًا، فَهِيَ (إمّا) بِكَسْر الْألف.
قَالَ: وَتقول من ذَلِك فِي الأول: أما الله فاعْبد، وَأما الخَمر فَلَا تَشْربها، وأمّا زيد فقد خَرج.
قَالَ: وَتقول فِي النَّوْع الثَّانِي؛ إِذا كنت مُشترطاً: إمّا تَشْتمنّ زيدا فَإِنَّهُ يَحْلُم عَنْك.
وَتقول فِي الشكّ: لَا أَدْري من قَامَ إمَّا زيدٌ وإمّا عَمْرو.
وَتقول فِي التَّخيير: تعلّم إمّا الفِقه: وإمّا النَّحو.
وَتقول فِي الْمُخْتَار: لي بِالْكُوفَةِ دارٌ وَأَنا خَارج إِلَيْهَا فإمّا أَن أَسْكنها وإمّا أَن أبِيعها.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَجعل (إمّا) بِمَعْنى: إمّا الشّرطِيَّة. قَالَ: وَأنْشد الْكسَائي(15/450)
لصَاحب هَذِه اللُّغَة، إِلَّا أَنه أبدل إِحْدَى الميمين يَاء:
يَا لَيْت مَا أُمّنا شالت نعامتها
إيما إِلَى جَنّة إيما إِلَى نارِ
وَقَالَ المبرّد: إِذا أتيت ب (إمّا) و (أما) فافتحها مَعَ الْأَسْمَاء واكسرها مَعَ الْأَفْعَال؛ وأَنْشد:
إمّا أَقمت وأمّا أَنْت ذَا سَفر
فَالله يَحْفظ مَا تَأتي وَمَا تَذَرُ
كسرت (إِمَّا أَقمت) مَعَ الْفِعْل، وَفتحت (وَأما أَنْت) لِأَنَّهَا وَليهَا الِاسْم. وَقَالَ:
أَبَا خُراشة أمّا أنْت ذَا نَفر
الْمَعْنى: إِذا كنت ذَا نفر. قَالَه ابْن كَيسان.
وَقَالَ الزجّاج: (إِمَّا) الَّتِي للتَّخيير شُبهت ب (إِن) الَّتِي ضمّت إِلَيْهَا (مَا) ، مثل قَوْله تَعَالَى: {إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} (الْكَهْف: 86) .
كتبت بِالْألف لما وَصفنَا، وَكَذَلِكَ (إِلَّا) كتبت بِالْألف، لِأَنَّهَا لَو كُتبت بِالْيَاءِ لأَشْبهت (إِلَى) .
قَالَ البَصريون: (أمّا) هِيَ (أَن) الْمَفْتُوحَة ضُمت إِلَيْهَا (مَا) عوضا من الْفِعْل، وَهِي بِمَنْزِلَة (إِذْ) ، الْمَعْنى: إِذْ كنت قَائِما فإِني قَائِم مَعَك؛ ويُنْشدون:
أَبَا خُراشة أمّا أَنْت ذَا نفر
قَالُوا: فَإِن ولي هَذِه الْفِعْل كُسرت، فَقيل: إمّا انْطَلَقت انْطلقت مَعَك؛ وأَنْشدوا:
إمّا أَقمت وأمّا أَنْت مُرتحلا
فكَسر الأُولى وفتَح الثَّانِيَة.
فَإِن ولي هَذِه الْمَكْسُورَة فعل مُستقبل أحدثت فِيهِ النُّون، فَقلت: إمّا تذهبنّ فإنّي مَعَك.
فَإِن حَذفت النُّون جَزمت، فَقلت: إمّا يَأْكُلك الذِّئْب فَلَا أَبكيك.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} (الْإِنْسَان: 3) .
قَالَ (إمّا) هَا هُنَا تكون جَزَاء، أَي: إِن شكر وَإِن كَفر.
قَالَ: وَيكون على (إمّا) الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} (التَّوْبَة: 106) فَكَأَنَّهُ قَالَ: خَلَقناه شقيّاً أَو سعيداً.
أم: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأُم: امْرَأَة الرَّجل المُسِنّة.
وَالأُم، الوالدة من كل الحَيوان.
ويُقال: مَا أَمِّي وأَمُّه؟ وَمَا شَكلي وشَكله؟ أَي: مَا أَمْري وأَمْره لبُعده منّي، فلمَ يتعرّض لي؟ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فَمَا أَمضي وأَمّ الوَحْش لمّا
تَفَرَّع فِي ذُؤابَتِي المَشِيبُ(15/451)
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: قَالُوا مَا أَمّك وأمّ ذَات عِرْق؟ أَي: أَيْهات مِنْك ذَات عِرْق؟
قَالَ اللَّيْث: الأُم، هِيَ الوالدة؛ وَالْجمع الأُمَّهات.
وَقَالَ غَيره: تُجمع (الأُم) من الآدميّات: أمّهات؛
وَتجمع من الْبَهَائِم: أُمّات؛ قَالَ:
لقد آليْت أُعْذَر فِي خِداع
وَإِن مَنَّيت أمّاتِ الرِّبَاعِ
اللَّيْث: يُقَال: تأمّم فلَان أُمّاً، أَي: اتخذها لنَفسِهِ أُمّاً.
وَتَفْسِير (الْأُم) فِي كل مَعَانِيهَا: أمّة، لِأَن تأسيسه من حَرْفين صَحِيحَيْنِ، وَالْهَاء فِيهِ أَصْلِيَّة، وَلَكِن الْعَرَب حذَفت تِلْكَ الْهَاء إِذا أمنُوا اللَّبْس.
قَالَ: وَيَقُول بعضُهم فِي تَصغير (أُمّ) : أمَيْمة.
وَالصَّوَاب: أُمَيْهة، تُرد إِلَى أصل تأسيسها.
وَمن قَالَ (أُميمة) صغّرها على لَفظهَا، وهم الَّذين يَقُولُونَ (أمّات) ؛ وأَنشد:
إِذا الأمّهات قَبَحْن الوُجُوهَ
فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمّاتِكَا
قَالَ ابْن كيسَان: يُقال: أُمّ، وَهِي الأصْل؛
وَمِنْهُم من يَقُول: أُمّة؛ وَمِنْهُم من يَقُول: أُمّهة؛ وأَنْشد:
تَقَبَّلْتها عَن أُمَّةٍ لَك طالما
تُنوزِع فِي الأَسواق عَنْهَا خِمارُها
يُريد: عَن أُم لَك، فألحقها هَاء التَّأْنِيث.
وَقَالَ آخر:
أُمَّهتي خندفُ والياس أَبِي
فأمّا الْجمع فَأكْثر الْعَرَب على (أمّهات) وَمِنْهُم من يقُول: أُمّات.
وَقَالَ المبرّد: الْهَاء من حُرُوف الزّيادة، وَهِي مزيدة فِي (الأُمهات) وَالْأَصْل (الأُم) وَهُوَ: القَصْد.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، أَن (الْهَاء) مزيدة فِي (الْأُمَّهَات) .
وَقَالَ اللَّيْث: من الْعَرَب مَن يَحذف ألف (أم) كَقَوْل عديّ بن زيد:
أيّها العائب عِنْدِي مّ زَيْد
وَأعلم أَن كل شَيْء يُضم إِلَيْهِ سَائِر مَا يَلِيهِ فَإِن الْعَرَب تسمِّي ذَلِك الشَّيْء: أُمًّا، من ذَلِك: أُم الرَّأْس، وَهُوَ الدِّماغ؛ ورَجُلٌ مَأْمُوم؛ والشجّة الآمّة: الَّتِي تبلغ أُمَّ الدِّماغ.
والأَميم: المَأْموم.
قَالَ والأُمَيْمة: الْحِجَارَة الَّتِي تُشْدخ بهَا الرُّؤوس؛ قَالَ:
ويومَ جَلَّينا عَن الأهاتم
بالمَنْجنيقات وبالأمَائمِ(15/452)
المكنىّ بِالْأُمِّ
قَالَ: وأُم التّنائف: الْمَفَازَة الْبَعِيدَة.
وَأم القُرَى: مَكَّة.
وكُل مَدِينَة، هِيَ أُم مَا حولهَا من القُرى.
وأُم الكِتَاب: كُل آيَة محكمَة من آيَات الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام والفرائض.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (إِن أُم الْكتاب هِيَ فَاتِحَة الْكتاب) ، لِأَنَّهَا هِيَ المتقدّمة أَمَام كل سُورة فِي جَمِيع الصَّلَوَات، وابتدى بهَا فِي المُصحف فقدّمت، وَهِي الْقُرْآن الْعَظِيم.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ} (الزخرف: 4) . فَقَالَ: هِيَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَالَ قَتَادَة: أُم الْكتاب: أَصل الْكتاب.
وَعَن ابْن عبّاس: أُمّ الْكتاب، الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره.
وَقَوله تَعَالَى: {مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (القارعة: 9) أَي: أُمه الَّتِي يأوي إِلَيْهَا، كَمَا يأوي الرجل إِلَى أُمه، هاوية، وَهِي النَّار يهوي فِيهَا من يدخلهَا، أَي: يَهلك.
وَقيل: فَأم رَأسه هاوية فِيهَا، أَي: سَاقِطَة.
وأُم الرُّمْح: لواؤُه وَمَا لُفّ عَلَيْهِ من خِرقة؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وسَلَبْنا الرُّمْح فِيهِ أُمّه
مِن يَدِ العاصِي وَمَا طالَ الطِّوَلْ
وَأخْبرنَا عبد الْملك، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، قَالَ: العربُ تَقول للرجل يَلِي طَعَام الْقَوْم وَخدمَتهمْ: هُوَ أُمتهم؛ وأَنْشد للشَّنْفرى:
وأُمّ عِيَال قد شهِدت تَقُوتهم
إِذا حَتَرتْهم أَتْفَهت وأَقَلَّت
قَالَ: ويُقال للْمَرْأَة الَّتِي يأوي إِلَيْهَا الرَّجُلُ: هِيَ أُم مَثْواه.
وَفِي الحَدِيث: (اتَّقوا الْخمر فَإِنَّهَا أُم الْخَبَائِث) .
وَقَالَ شمر: أم الْخَبَائِث: الَّتِي تجمع كُل خَبِيث.
قَالَ: وَقَالَ: الفصيح فِي أَعْرَاب قَيس: إِذا قيل: أُمّ الشَّرّ، فَهِيَ تَجمع كل شَرّ على وَجه الأَرْض. -
وَإِذا قيل أُمّ الْخَيْر، فَهِيَ تَجمع كُلّ خَير.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْأُم لكُل شَيْء، هِيَ المجَمع لَهُ والمَضَمّ.
وأُم الرَّأْس، هِيَ الخريطة الَّتِي فِيهَا الدِّماغ.
وأمُّ النُّجوم: المَجَرّة.
وأمُّ الطَّريق: مُعظمها، إِذا كَانَ طَرِيقا عَظِيما وَحَوله طُرق صِغار فالأعظم أُمّ الطَّرِيق.(15/453)
وأمّ اللُّهَيْم: هِيَ المَنِيّة.
وأمّ خَنُّور: الخِصْب.
وأمّ جَابر: الخُبز.
وأمّ صَبَّار: الحَرَّة.
ورُوي عَن عَمرو، عَن أَبِيه، أَنه قَالَ:
أمّ عُبَيد: هِيَ الصَّحراء.
وأمّ عَطِيّة: الرَّحَى.
وأمّ شَمْلة: الشَّمْس.
وأمّ الخُلْفُف: الدَّاهية.
وأمّ رُبَيْق: الْحَرْب.
وأمّ ليْلى: الخَمْرُ. وليلى: النَّشوة.
وأمّ دَرْز: الدُّنيا.
وأمّ بَحنة: النَّخلة.
وأمّ سِرياح: الجرادة.
وأمّ عَامر: المَقْبُرة.
وأمّ جَابر: السُّنْبلة.
وأمّ طِلْبة: العُقاب.
وَكَذَلِكَ: أمّ شَعْواء.
وأمّ حباب: هِيَ الدُّنيا؛ وَهِي أمّ وافرة.
وأمّ زافرة: البَيْن.
وأمّ سَمْحة: العَنْز.
ويُقال لِلْقِدْر: أمّ غِياث، وأمّ عُقْبة، وأمّ بَيْضَاء، وأمّ دسمة، وأمّ العِيَال.
وأمّ جِرْذَان: النَّخلة، وَإِذا سَمَّيت رجلا بأُم جِرذان لم تَصْرفه.
وأمّ خَبِيص، وأمّ سُويد، وأمّ عَقاق، وأمّ عَزمة، وأمّ طبيخة، وَهِي أمّ تسعين.
وأمّ حِلْس: الأثان.
وأمّ عَمْرو، وأمّ عَامر: الضَّبُع.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد، يُقَال: إِنَّه لحسن أمّة الوَجْه، يعنون: سُنَّته وصُورته.
وَإنَّهُ لقبيح أمّة الوَجه.
وَأَخْبرنِي المنُذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال للرجل الْعَالم: أُمّة.
قَالَ: والأُمّة: الْجَمَاعَة.
والأُمّة: الرجل الْجَامِع للخَيْر.
والأُمة: الطَّاعَة.
وأُمّة الرَّجُل: وَجهه وقامَتُه.
وأُمّة الرَّجل: قَوْمُه.
والإمّة، بِالْكَسْرِ: الْعَيْش الرَّخِيّ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ الْمُنْذِرِيّ، قَالَ: الأُمَّة: الحِين.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} (يُوسُف: 45) .
قَالَ: بعد حينٍ من الدَّهْر.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: والأُمّة: الدِّين.(15/454)
والأُمّة: المُعلِّم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} (النَّحْل: 120) .
قَالَ: أُمّة معلِّما للخير.
وروى سَلمة، عَن الْفراء: {قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّا وَجَدْنَآءَابَآءَنَا عَلَى} (الزخرف: 22) ، وَهِي مثل: السُّنّة والمِلّة.
وقرىء (على إمّة) ، وَهِي الطَّرِيقَة، من: أَمَمْت.
يُقَال: مَا أحسن إمّته
قَالَ: والإمّة أَيْضا: الْملك والنَّعيم؛ وأَنْشد لعديّ بن زَيد:
ثمَّ بعد الفَلاح والمُلك والإمّ
ة وارتْهمُ هُنَاكَ القُبور
قَالَ: أَرَادَ: إِمَامَة المُلك ونعيمه.
وَقَالَ أَبو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} (الْبَقَرَة: 213) ، أَي: كانو على دين وَاحِد.
قَالَ: والأُمّة: فِي اللُّغَة أَشْيَاء، فَمِنْهَا؛ أَن الأُمُّة: الدّين، وَهُوَ هَذَا.
والأُمّة: الْقَامَة؛ وَأنْشد:
وَإِن مُعاوية الأَكْرمي
ن حِسان الوُجوه طِوال الأُمَمْ
أَي: طوال القَامات.
قَالَ: والأُمّة، من النَّاس، يُقال: قد مَضَت أُمم، أَي: قُرُون.
والأُمّة: الرجل الَّذِي لَا نَظير لَهُ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} (النَّحْل: 120) .
وَقَالَ أَبو عُبيدة: معنى قَوْله (كَانَ أُمة) أَي: كَانَ إمَاماً. والأُمّة: النِّعمة.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: هُوَ فِي إمّة من العَيش؛ وآمة، أَي: خِصْب.
قَالَ شمر. وآمة، بتَخْفِيف الْمِيم: عَيْب؛ وأُنْشد:
مَهلاً أَبيت اللّعْن مَهْ
لَا إنّ فِيمَا قُلت آمَهْ
وَذكر أَبُو عَمْرو الشَّيباني أَن الْعَرَب تَقول للشَّيْخ إِذا كَانَ بَاقِي القُوة: فلَان بإِمّةٍ، رَاجع إِلَى الْخَيْر والنّعمة، لِأَن بَقَاء قُوته من أعظم النِّعمة.
قَالَ: وأَصل هَذَا الْبَاب كُله من (القَصْد) .
يُقَال: أممت إِلَيْهِ، إِذا قَصدته.
فَمَعْنَى (الأمّة) فِي الدّين، أَن مَقصدهم مقصدٌ وَاحِد.
وَمعنى (الإمّة) فِي النِّعمة؛ إِنَّمَا هُوَ الشَّيْء الَّذِي يَقْصده الْخلق ويَطْلُبونه.
وَمعنى (الْأمة) فِي الرجُل المُنفرد الَّذِي لَا نَظير لَهُ: أنّ قَصْده مُنفرد من قصد سَائِر النَّاس؛ قَالَ النَّابِغَة:
وَهل يَأْثمن ذُو أُمّة وَهُوَ طائع
ويُروى: ذُو إمّة.(15/455)
فَمن قَالَ: ذُو أمّة، فَمَعْنَاه: ذُو دِين.
وَمن قَالَ: ذُو إمّة، فَمَعْنَاه: ذُو نعْمَة أُسديت إِلَيْهِ.
قَالَ: وَمعنى (الأُمّة) : الْقَامَة، سَائِر مَقْصَد الْجَسَد.
فَلَيْسَ يخرج شَيْء من هَذَا الْبَاب عَن معنى (أممت) ، أَي: قصدت.
وَيُقَال: إمامنا هَذَا حَسن الإمّة، أَي: حسن الْقيام بإمامته إِذا صلّى بِنَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالُوا فِي معنى الْآيَة غيْرَ قولٍ.
قَالَ بَعضهم: كَانَ النَّاس فِيمَا بَين آدم ونوح كُفَّاراً فَبعث الله النَّبيين يُبشِّرون مَن أَطاع بالجنّة ويُنذرون مَن عَصى بالنَّار
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ جَمِيع مَن مَعَ نوح فِي السَّفِينة مُؤمناً ثمَّ تَفرّقوا من بعده عَن كُفْر، فَبعث الله النَّبِيين.
قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: النَّاس كَانُوا كفّاراً فَبعث الله إِبْرَاهِيم والنَّبيِّين من بعده.
قلت: و (الأمّة) فِيمَا فسروا، يَقع على الكفّار وعَلى المُؤمنين.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِىَّ} (الْبَقَرَة: 78) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: معنى (الْأُمِّي) فِي اللُّغَة: الْمَنْسُوب إِلَى مَا عَلَيْهِ جَبَلَتْه أُمّه، أَي: لَا يكْتب، فَهُوَ فِي أَنه لَا يكْتب على مَا ولد عَلَيْهِ. وارتفع (أُمِّيُّونَ) بِالِابْتِدَاءِ، و (مِنْهُم) الْخَبَر.
وَقَالَ غَيره: قيل للَّذي لَا يكْتب: أُمي، لِأَن الْكِتَابَة مكتسبة، فَكَأَنَّهُ نُسب إِلَى مَا وُلد عَلَيْهِ، أَي: هُوَ على مَا وَلدته أُمه عَلَيْهِ.
وَكَانَت الْكِتَابَة فِي الْعَرَب فِي أهل الطَّائِف تعلّموها من رجل من أهل الْحيرَة، عَن أَهل الأنبار.
قَالَ أَبُو زيد: الأمّي من الرِّجَال: العَيِيّ الْقَلِيل الْكَلَام الجافي الجلْف؛ وأَنشد:
وَلَا أَعُود بعْدهَا كَرِيّا
أمارس الكَهْلة والصَّبِيَّا
والعَرَب المنفَّه الأمِّيّا
قيل لَهُ: أميّ، لِأَنَّهُ على مَا وَلدته أُمه عَلَيْهِ من قلَّة الْكَلَام وعُجْمة اللّسان.
وَقيل للنَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأُمي، لِأَن أُمة الْعَرَب لم تكن تكْتب وَلَا تقْرَأ الْمَكْتُوب، بَعثه الله رَسُولا وَهُوَ لَا يكْتب وَلَا يقْرَأ من كتاب، وَكَانَت هَذِه الْخلَّة إِحْدَى آيَاته المُعجزة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا عَلَيْهِم كتاب الله منظوماً مَعَ أميته بآيَات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تَارَة بعد أُخْرَى، بالنَّظم الَّذِي أُنزل عَلَيْهِ، فَلم يغيّره وَلم يبدِّل أَلْفَاظه.
وَكَانَ الْخَطِيب من الْعَرَب إِذا ارتجل خطْبَة ثمَّ أَعَادَهَا زَاد فِيهَا ونَقص، فَحفِظه الله(15/456)
جلّ وعزّ على نبيّه كَمَا أَنزله، وأَبانه من سَائِر مَن بَعثه إِلَيْهِم بِهَذِهِ الْآيَة الَّتِي بايَن بَينه وَبينهمْ بهَا، وَفِي ذَلِك أَنزل الله تَعَالَى: {) إِلاَّ الْكَافِرونَ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: 48) .
يَقُول جلّ وعزّ: لَو كنت تتلو من الْكتاب، أَو تخط لارتاب المُبطلون الَّذين كفرُوا، ولقالوا إِنَّه وَجد هَذِه الأقاصيص مَكْتُوبَة فحفظها من الْكتب.
اللَّيْث: كُل قوم نُسبوا إِلَى نَبِي فأُضيفوا إِلَيْهِ، فهم: أُمّته.
وَقيل: أُمة مُحَمَّد: كُل من أَرسل إِلَيْهِ ممَّن آمن بِهِ أَو كفر.
قَالَ: وكل جيل من النَّاس، فهم: أُمة على حِدة.
وَقَالَ غَيره: كل جنس من الْحَيَوَان غير بني آدم أُمّة على حِدة؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى الاَْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (الْأَنْعَام: 38) الْآيَة.
وَمعنى قَوْله: (إِلَّا أُمَم أمثالكم) فِي معنى دون معنى.
يُرِيد: وَالله أَعلم: أَن الله خلقهمْ وتعبّدهم بِمَا شَاءَ أَن يتعبَّدهم بِهِ من تَسبيح وَعبادَة عَلِمها مِنْهُم وَلم يُفقِّهنا ذَلِك.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَوْلَا أَن الْكلاب أُمّة تُسبِّح لأَمرتُ بقَتْلها، وَلَكِن اقْتُلوا مِنْهَا كُلَّ أَسْود بَهيم) .
اللَّيْث: الإمّة: الائتمام بِالْإِمَامِ.
يُقال: فلَان أَحقّ بإِمّة هَذَا الْمَسْجِد من فلَان، أَي: بِالْإِمَامَةِ.
قلت: الإمّة: الْهَيْئَة فِي الإمَامة وَالْحَالة.
يُقال: فلَان حَسن الإمّة، أَي: حسن الْهَيْئَة إِذا أمّ النَّاس فِي الصَّلَاة.
وَالْإِمَام: كل من ائتم بِهِ قومٌ كَانُوا على الصّراط الْمُسْتَقيم أَو كَانُوا ضالّين.
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إمَام أُمته، وَعَلَيْهِم جَمِيعًا الائتمام بسُنَّته الَّتِي مَضى عَلَيْهَا.
والخليفة: إمَام رَعيّته.
وَالْقُرْآن: إمَام المُسلمين.
وإمَام الغُلام فِي المَكتب، مَا يتعلّمه كُلَّ يَوْم.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول الله تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (الْإِسْرَاء: 71) قَالَت طَائِفَة، بإِمامهم. وَقَالَت طَائِفَة: دينهم وشَرعهم.
وَقيل: بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أحصى فِيهِ عَمَلهم. وَقَول الله تَعَالَى: {فَقَاتِلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (التَّوْبَة: 12) أَي: قَاتلُوا رُؤساء الكفّار وقادَتهم الَّذين ضُعَفاؤُهم تَبع لَهُم.
وقرىء قَوْله تَعَالَى: {أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} على حَرْفين.(15/457)
فَأكْثر القُراء قرؤوا: أيِمة؛ بِهَمْزَة وَاحِدَة.
وَقَرَأَ بَعضهم: أَئِمَّة، بهمزتين.
وكل ذَلِك جَائِز.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: إِذا فَضلنا رجلا فِي الْإِمَامَة قُلْنَا: هَذَا أَوَمُّ من هَذَا.
وَبَعْضهمْ يَقُول: هَذَا أَيَمّ من هَذَا.
قَالَ: وَالْأَصْل فِي (أَئِمَّة) : أأْمِمَة، لِأَنَّهُ جمع (إِمَام) مثله: مِثَال وأَمثلة.
وَلَكِن الميمين لمّا اجتمعتا أُدْغمت الأولى فِي الثَّانِيَة، وأُلقيت حركتها على الْهمزَة، فَقيل: أَئمّة، فأبدلت الْعَرَب من الْهمزَة الْمَكْسُورَة الْيَاء.
قَالَ: وَمن قَالَ: هَذَا أَيَمّ من هَذَا، جعل هَذِه الْهمزَة كلّما تحركت أَبدل مِنْهَا يَاء.
وَالَّذِي قَالَ: فلَان أَوَمُّ من هَذَا، كَانَ عِنْده أَصلها (أَأَمّ) ، فَلم يُمكنهُ أَن يُبدل مِنْهُ ألفا لِاجْتِمَاع الساكنين، فَجَعلهَا واواً مَفْتُوحَة؛ كَمَا فِي جمع (آدم) : أوادم.
وَهَذَا هُوَ الْقيَاس.
قَالَ: وَالَّذِي جعلهَا يَاء قَالَ: قد صَارَت الْيَاء فِي (أَيمّة) بَدَلا لَازِما.
وَهَذَا مَذْهَب الْأَخْفَش.
وَالْأول مَذْهَب المازنيّ، وَأَظنهُ أَقيس المذهبين.
فَأَما (أَئِمَّة) باجتماع الهمزتين، فَإِنَّمَا يُحكى عَن أبي إِسْحَاق: فإِنه كَانَ يُجِيز اجْتِمَاعهمَا، وَلَا أَقول إِنَّهَا غير جَائِزَة.
وَالَّذِي بدأنا بِهِ هُوَ الِاخْتِيَار.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (الْحجر: 79) يَقُول: فِي طَرِيق لَهُم يَمُرون عَلَيْهَا فِي أَسْفارهم. فَجعل الطَّريقَ إمَاماً، لِأَنَّهُ يُؤَمّ ويُتّبع.
اللَّيْث: الْأَمَام، بِمَعْنى: القُدّام.
وَفُلَان يَؤُم الْقَوْم، أَي: يَقْدُمهم.
وَيُقَال: صَدرك أمامُك، بِالرَّفْع، إِذا جعلته اسْماً.
وَتقول: أَخُوك أمامَك، بِالنّصب، لِأَنَّهُ صِفة.
وَقَالَ لَبيد، فَجعله اسْماً:
فعدتْ كلا الفرْجين تَحسب أنّه
مولَى المخَافة خَلْفُها وأَمامُها
يصف بقرة وحشيّة غرّها القنّاص فعَدت، وكِلا فَرْجَيها، وهما أمامها وَخَلفهَا، تحسب أَنه ألهاه عِمادٌ مولى مخافتها، أَي: وليّ مَخافتها.
قَالَ أَبُو بكر: معنى قَوْلهم: فلانٌ يؤُمّ أَي: يتقدّمهم.
أُخذ من (الْأَمَام) ، يُقَال: فلَان إِمَام الْقَوْم، إِذا تَقدَّمهم.
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: فلَان إِمَام الْقَوْم، مَعْنَاهُ: هُوَ المتقدِّم لَهُم.
وَيكون الإِمَام رَئِيسا، كَقَوْلِك: إِمَام(15/458)
المُسلمين.
وَيكون: الْكتاب؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (الْإِسْرَاء: 71) .
وَيكون (الإِمَام) : الطَّرِيق الْوَاضِح، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (الْحجر: 79) . وَيكون (الإِمَام) : الْمِثَال، وَأنْشد:
أَبوهُ قبله وَأَبُو أَبِيه
بنَوا مجد الْحَيَاة على إِمامِ
مَعْنَاهُ: على مِثَال؛ وَقَالَ لَبيد:
ولكُلّ قَومِ سُنَّة وإمامُها
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: الأَمُّ، هُوَ القَصْد.
يُقَال: أممته أؤُمه أمّاً، إِذا قَصَدْت لَهُ.
وأَمَمته أَمًّا: إِذا شَجَجْته.
وشَجَّة آمَّةٌ.
قَالَ: والأَمَم، بَين الْقَرِيب والبَعيد.
وَيُقَال: ظَلَمت ظلما أَمَماً؛ قَالَ زُهير:
كَأَن عَيْني وَقد سَالَ السَّلِيلُ بهم
وَجِيرة مَا هُمُ لَو أَنهم أَمَمُ
وَيُقَال: هَذَا أَمر مُؤَامٌّ، أَي: قَصْدٌ مُقَارِب.
وأَنشد اللَّيْث:
تسألُني برامَتَين سَلْجَمَا
لَو أَنَّهَا تَطْلب شَيئاً أَمَمَا
أَرَادَ: لَو طلبت شَيْئا يقرب مُتناوله لأطْلَبْتُها، فَأَما أَن تطلُب بِالْبَلَدِ القَفر السَّلْجم، فَإِنَّهُ غير مُتَيَسِّر وَلَا أَمَم.
وَيُقَال: أَمَمْتُه أمًّا، وتَيَمَّمته تَيَمُّمًّا، وتَيَمَّمْتُه يَمامةً.
قَالَ: وَلَا يَعرف الأصمعيّ (أَمَّمْته) بالتّشديد.
ويُقال: أَمَمْتُه، وأَمَّمْته، وتأَمَّمْته، وتَيَمَّمته، بِمَعْنى وَاحِد، أَي: توخيته وقَصَدْتُه.
والتَيمُّم بالصَّعيد، مَأْخُوذ من هَذَا.
وَصَارَ (التيمّم) عِنْد عوام النَّاس المَسْح بِالتُّرَابِ، وَالْأَصْل فِيهِ، القَصْد والتوخِّي؛ قَالَ الْأَعْشَى:
تَيَمَّمت قيسا وَكم دُونه
من الأَرْض من مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ
اللّحياني، يُقَال: أَمّوا، ويَمُّوا، بِمَعْنى وَاحِد، ثمَّ ذكر سَائِر الُّلغات.
اللَّيْث: إِذا قَالَت الْعَرَب للرجل: لَا أُم لَك، فإِنه مَدْحٌ عِنْدهم.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: زَعم بعضُ الْعلمَاء أَن قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، وَلَا أَب لَك: مدح؛ وَأَن قَوْلهم: لَا أُمَّ لَك: ذمّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقد وجدنَا قَوْلهم: لَا أُمّ لَك، قد وُضع مَوضِع المَدح؛ قَالَ كَعْب الغَنويّ:
هَوت أُمّه مَا يَبْعث الصُّبح غادياً
وماذا يُؤَدّي الليلُ حِين يُؤوبُ(15/459)
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَأَيْنَ هَذَا ممّا ذهب إِلَيْهِ أَبُو عُبيد، وَإِنَّمَا معنى هَذَا كَقَوْلِهِم: وَيْح أُمه، ويل أمّه، وهَوت أُمه، والوَيل لَهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا من الْمَدْح مَا ذَهب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ يُشبه هَذَا قَوْلهم: لَا أُم لَك، لِأَن قَوْله: لَا أم لَك، فِي مَذْهَب: لَيْسَ لَك أُمٌّ حرَّة، وَهَذَا السبّ الصَّرِيح، وَذَلِكَ أَن بني الْإِمَاء عِنْد الْعَرَب مَذْمُومون لَا يَلحقون ببني الْحَرَائِر، وَلَا يَقُول الرَّجلُ لصَاحبه: لَا أُم لَك، إِلَّا فِي غَضَبه عَلَيْهِ مُقصِّراً بِهِ شاتماً لَهُ.
قَالَ: وَأما إِذا قَالَ: لَا أَبا لَك، فَلم يَتْرك من الشَّتيمة شَيئاً.
يم: اللَّيْث: اليَمُّ: البَحر الَّذِي لَا يُدْرك قَعْره وَلَا شَطّاه.
وَيُقَال: اليَمُّ: لُجّته.
ويُمَّ الرَّجُل، فَهُوَ مَيْمُوم، إِذا وَقع فِي البَحر وغَرِق فِيهِ.
ويُقال: يُمَّ الساحلُ، إِذا طَما عَلَيْهِ البحرُ فغَلَب عَلَيْهِ.
قلت: اليَمّ: البَحر، وَهُوَ مَعْرُوف، وَأَصله بالسُّريانية، فعرّبته الْعَرَب، وَأَصله: (يَماً) .
وَيَقَع اسْم (اليم) على مَا كَانَ مَاؤُهُ مِلْحاً زُعافاً، وعَلى النَّهر الْكَبِير العَذْب المَاء.
وأُمرت أُم مُوسى حِين وَلدتْه وخافت عَلَيْهِ فِرعون أَن تَجْعَلهُ فِي تَابُوت ثمَّ تَقذفه فِي اليَمّ، وَهُوَ نَهر النّيل بِمصْر، وماؤه عَذب؛ قَالَ الله تَعَالَى: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} (طه: 39) فَجعل لَهُ ساحلاً؛ وَهَذَا كُله دليلٌ على بُطلان قَول اللَّيْث فِي (اليم) : إِنَّه الْبَحْر الَّذِي لَا يُدرك قَعْره وَلَا شَطَّاه.
وَأما (اليمام) من الطَّير، فَإِن أَبَا عُبيد قَالَ: سمعتُ الْكسَائي يَقُول: اليمَام: من الحَمام الَّتِي تكون فِي البُيوت، وَالْحمام: البرّي.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليمام: ضَرْب من الْحمام؛ بَرِّيّ.
وَأما (الْحمام) فكُل مَا كَانَ ذَا طَوق، مثل القُمْريّ والفاختة.
وَقَالَ غَيره فِي (الْيَمَامَة) وَهِي الْقرْيَة الَّتِي قَصبتها: حَجْر، يُقَال: إِن اسْمهَا فِيمَا خَلا كات (جَوًّا) فسُمِّيت: يمامة باسم امْرَأَة كَانَت تَسكنها، وَاسْمهَا (يمامة) ، وَالله أعلم.
أما: قَالَ اللَّيْث: الأمَة: الْمَرْأَة ذاتُ العُبوديّة.
وَقد أَقرّت بالأُمُوَّة.
وَقَالَ غَيره: يُقال لجمع (الْأمة) : إِمَاء، وإمْوان، وَثَلَاث آمٍ، وأَنْشد:
تَمْشي بهَا رُبدُ النَّعا
مِ تَماشِيَ الآم الزَّوافِر(15/460)
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الآم: جمع الأَمَة، كالنَّخلة والنَّخْل، والبَقْلة والبَقْل.
وأصل (الْأمة) أَمْوة، حذفوا لامها لمّا كَانَت من حُرُوف اللين، فَلَمَّا جَمعوها على مِثَال: نَخلة ونخل، لَزِمهم أَن يقُولوا: أَمة وآم، فكرهوا أَن يجعلوها على حَرفين، وكرهوا أَن يردُّوا الْوَاو المحذوفة لمّا كَانَت فِي آخر الِاسْم، لاستثقالهم السُّكُوت على (الْوَاو) ، فقدموا (الْوَاو) فجعلوها ألفا، فِيمَا بَين الْألف وَالْمِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقال: ثَلَاث آمٍ.
وَهُوَ على تَقْدِير (أفْعُل) .
قلت: لم يزدْ اللَّيْث على هَذَا، وأُراه ذهب إِلَى أَنه كَانَ فِي الأَصْل: ثَلَاث أَمْوُيٍ.
وَالَّذِي حَكَاهُ لي المُنذريّ أصحّ وأَقيس، لِأَنِّي لم أَر فِي بَاب الْقلب حرفين حُوِّلا، وأُراه جُمع على (أَفْعُل) على أَن الْألف الأولى من (آم) ألف (أفْعُل) ، وَالْألف الثَّانِيَة فَاء (أفعل) وَحذف (الْوَاو) من (آمُو) فَانْكَسَرت (الْمِيم) كَمَا يُقَال فِي جمع (جِرْو) ثَلَاثَة أَجْرٍ، وَهُوَ فِي الأَصْل: ثَلَاثَة أَجْرُوٍ، فَلَمَّا حُذفت الْوَاو جُرّت الرَّاء.
وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْهَيْثَم قَول حَسَن.
قَالَ الْمبرد: أصل (أمَة) : فَعَلة، متحركة العَين، وَلَيْسَ شَيْء من الْأَسْمَاء على حرفين إلاّ وَقد سَقط مِنْهُ حرف يُستدَلّ عَلَيْهِ بجمعه أَو تَثنيته، أَو بِفعل إِن كَانَ مُشتقَّاً مِنْهُ، لِأَن أقلّ الْأُصُول ثَلَاثَة أحرف، ف (أَمة) الذَّاهِب مِنْهَا (وَاو) لقَولهم: إِمْوَان.
قَالَ: و (أمة) : فَعَلة، متحرِّكة.
ويُقال فِي جمعهَا: آمٍ، وَوزن هَذَا (أَفْعُل) ، كَمَا يُقَال: أَكمة وأكم، وَلَا يكون (فَعْلة) على (أَفْعُل) . ثمَّ قَالُوا: إِمْوان، كَمَا قَالُوا: إخْوان.
وَقَالَ ابْن كيسَان: تَقول: جاءتْني أَمة الله.
وَإِذا ثَنّيت قلت: جَاءَتْنِي أمتا الله.
وَفِي الْجمع على التكسير: جَاءَتْنِي إِمَاء الله، وإِمْوان الله، وأَمَوات الله، وَيجوز: أَمات الله، على النَّقص.
ويُقال: هن آمٌ لزيد، وَرَأَيْت آماً لزيد، ومررت بآمٍ لزيد.
فَإِذا كثرت: فَهِيَ الْإِمَاء، والإمْوان، والأُمْوان.
أَبُو عُبيد: مَا كنتِ أمة، وَلَقَد أَمَوْتِ أُمُوَّة.
وَمَا كنتِ أمَة، وَلَقَد تأمَّيتِ، وأَمِيت، أُمُوّة.
ومأ: أَبُو عُبيد، عَن الفَرّاء: ومأت إِلَيْهِ أمَأ وَمْئاً، مثل: أَوْمأت.(15/461)
قَالَ: وأَنشدني القَنَانِيّ:
مَا كَانَ إلاّ وَمْؤُها بالْحَوَاجِبِ
اللَّيْث: الْإِيمَاء: أَن تُومىء برأسك أَو بِيَدِك، كَمَا يُومىء الْمَرِيض بِرَأْسِهِ للرُّكوع والسُّجود.
وَقد تَقول الْعَرَب: أَوْمَأ بِرَأْسِهِ، أَي قَالَ: لَا؛ قَالَ ذُو الرمّة.
قِياماً تَذُبّ البَقَّ عَن نُخراتها
بنَهْزٍ كإيماء الرُّؤُوس المَوانِعِ
وأَنْشد ابْن شُميل:
قد كُنت أَحْذَر مَا أَرى
فأَنا الغداةَ مُوامِئُهْ
قَالَ النَّضر: وزَعم أَبُو الخَطَّاب: مُوَامِئه: مُعاينه.
وَقَالَ الفرّاء: استولى عليّ الْأَمر، واسْتَومى، إِذا غَلب عَلَيْهِ.
ابْن السِّكيت: يُقال: ذَهب ثوبي فَمَا أَدْرِي مَا كَانَت وامِئته، وَمَا أَدري من أَلمْأ عَلَيْهِ.
وَهَذَا قد يُتكلّم بِغَيْر جحد.
وَقَالَ الفرّاء: أَوْمى يُومي، ووَمى يَمي، مثل: أَوحى يُوحي، ووَحى.
وَيُقَال: ومأ بالشَّيْء، إِذا ذَهب بِهِ.
آم: أَبُو عُبيد، عَن أبي زَيد، قَالَ: الآمة، على مِثَال الْعَامَّة: الإمة، وَهِي الخِصْب.
وَقَالَ شمر: الآمة: الْعَيْب، وأَنْشد:
مَهْلاً أَبَيْت اللَّعْ
ن إنّ فِيمَا قُلت آمَهْ
اللَّيْث: الآمَة من الصَّبِيّ: مَا يَعْلَق بسُرّته حِين يُولَد.
ويُقال: مَا لُفّ فِيهِ من خِرْقة وَمَا خَرج مَعَه؛ قَالَ حسّان:
ومَوْءُودَة مَقْرورة فِي معَاوِزٍ
بآمتها مَرْسُومة لم تُوسَّدِ
وروى ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الآمة: العَيْب.
والآمَة: العُزّاب، جمع آمٍ. أَرَادَ: أَيِّم، فقَلب.
وَقَول النَّابِغَة:
أُمْهِرْن أَرْماحاً وَهن بآمَةٍ
أَعْجَلْنُهُنّ مَظّنة الإعْذارِ
يُرِيد: أَنَّهُنَّ سُبِين قبل أَن يُخْفضن، فَجعل ذَلِك عَيْباً.
ودعا جريرٌ رجُلاً من بني كَلب إِلَى مُهاجاته، فَقَالَ الْكَلْبِيّ: إنّ نسَائِي بآمتهنّ، وَإِن الشُّعراء لم تدع فِي نِسَائِك مُتَرَقَّعاً.
أَرَادَ: أَن نِسَاءَهُ لم يُهتْك سِتْرهن، وَلم تذكر سوآتهن بسُوء، وأنهن بِمَنْزِلَة الَّتِي وُلدتْ وَهِي غير مَخْفوضة وَلَا مُفْتَضَّة.(15/462)
يَوْم: اللَّيْث: الْيَوْم، مِقْدَار من طُلوع الشَّمْس إِلَى غُروبها؛ والجميع: الأيّام. وَالْيَوْم: الْكَوْن؛ يُقَال: نعِم الْأَخ فلَان فِي الْيَوْم، إِذا نزل بِنَا، أَي: فِي الكائنة من الْكَوْن إِذا حدثت؛ وأَنْشد:
نِعْم أخُو الهَيْجاء فِي اليَوْمِ اليَمِي
قَالَ: أَرَادَ أَن يشتقّ من الِاسْم نعتاً فَكَانَ حدُّه أَن يَقُول: فِي اليَوم اليَوْم، فقَلبه كَمَا قلبوا (العشيّ) و (الأينق) .
وَتقول الْعَرَب لليوم الشّديد: يَوْم ذُو أيّام، وَيَوْم ذُو أياييم، لطُول شرّه على أَهله.
وَقَالَ: و (الأيّام) فِي أصل الْبناء: أَيْوام، وَلَكِن الْعَرَب إِذا وجدوا فِي كلمة (يَاء) و (واواً) فِي مَوضِع وَاحِد، وَالْأولَى مِنْهُمَا سَاكِنة، أدغموا إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى، وَجعلُوا الْيَاء هِيَ الْغَالِبَة، كَانَت قبل الْوَاو أَو بعْدهَا، إِلَّا فِي كَلِمَات شواذّ تُرْوَى مثل: الفتوة، والهوّة.
قَالَ ابْن كيسَان: وسُئل عَن (أَيَّام) لم ذهبت (الْوَاو) ؟ فَأجَاب: إِن كُل (يَاء) و (وَاو) سَبق أَحدهمَا الآخر بِسُكُون، فَإِن (الْوَاو) تصير (يَاء) فِي ذَلِك الْموضع. وتُدغم إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى، من ذَلِك (أَيَّام) أَصْلهَا: أيوام، وَمثلهَا: سيّد، وميت، الأَصْل: سَيْود، ومَيوِت.
فَأكْثر الْكَلَام على هَذَا إلاّ حرفين: صَيْوب وحَيْوة، وَلَو أعلُّوهما لقالوا: صيّب، وحيّة.
وَأما الْوَاو إِذا سَبقت فقولك: لويته ليّاً، وشَويته شَيّاً؛ وَالْأَصْل: شَوْياً، ولَوياً.
وسُئل أَبُو العبّاس أَحْمد بن يحيى عَن قَول العَرب: اليَوْم اليَوْم؟
فَقَالَ: يُريدون: اليَوم اليَوِم، ثمَّ خَفّفوا (الْوَاو) فَقَالُوا: اليَوْم اليَوْم.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إِبْرَاهِيم: 5) يَقُول: خَوِّفهم بِمَا نَزل بعَادٍ وثَمود وَغَيرهم من الْعَذَاب، وبالعفو عَن آخَرين، وَهُوَ فِي الْمَعْنى كَقَوْلِهِم: خذهم بالشدّة واللِّين.
الحرّاني، عَن ابْن السّكيت: الْعَرَب تَقول: الْأَيَّام، فِي معنى (الوقائع) .
يُقال: هُوَ عَالم بأيّام الْعَرَب، يُرِيد: وقائعها؛ وأنْشد:
وقائع فِي مُضر تِسعةٌ
وَفِي وائِل كَانَت العاشِرَةْ
فَقَالَ: تِسْعَة، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: تِسع، لأنّ الوقيعة أُنْثَى، ولكنّه ذَهب إِلَى (الْأَيَّام) .
وَقَالَ شَمر: جَاءَت (الْأَيَّام) بِمَعْنى: الوقائع والنِّعَم.
قَالَ: وَإِنَّمَا قصّوا الْأَيَّام دون ذِكر اللَّيَالِي فِي الوقائع، لِأَن حروبهم كَانَت نَهَارا، وَإِذا كَانَت لَيْلًا ذكروها، كَقَوْل لَبِيد:(15/463)
لَيلة العُرْقوب حتّى غامَرتْ
جَعْفر يُدْعَى ورَهْط ابْن شَكَل
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله تَعَالَى: {يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ} (الجاثية: 14) .
قَالَ: نِعَمه.
وَقَالَ شمر فِي قَوْلهم:
يوماه يَوْم نَدىً ويومُ طِعان
ويوماه: يَوْم نعيم وَيَوْم بُؤس.
فاليوم، هَا هُنَا: بِمَعْنى الدَّهْر، أَي: هُوَ دَهْرَه كَذَلِك.
وَحدثنَا المُنذري، عَن مكين، عَن عبد الحميد بن صَالح، عَن مُحَمَّد بن أبان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن سعيد بن جُبير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن أُبيّ بن كَعْب، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إِبْرَاهِيم: 5) قَالَ: (أَيَّامه: نِعمه) .
وَأما قَول عَمرو بن كُلثوم:
وأيّام لنا غرٌّ طوال
فَإِنَّهُ أَرَادَ أيّام الوقائع الَّتِي نُصروا فِيهَا على أَعْدائهم. وَقَوله:
شَرّ يَوْمَيْها وأَغواه لَهَا
رَكِبت عَنْزُ بحدْجٍ جَمَلاَ
أَرَادَ: شَرّ أيّام دَهرها، كَأَنَّهُ قَالَ: شَرّ يَوْمَي دَهْرها الشَّرَّين.
وَهَذَا كَمَا يُقَال: إِن فِي الشّر خياراً.
ويم: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَيْمة: التُّهمة.
المَاء: اللَّيْث: المَاء: مَدَّتُه فِي الأَصْل زِيَادَة، وَإِنَّمَا هِيَ خَلف من (هَاء) محذوفة.
وَبَيَان ذَلِك أَنه فِي التصغير: (مُوَيه) ، وَفِي الْجمع: مِيَاه.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: هَذِه ماءة، كبني تَمِيم، يَعنون: الركّية بِمَائِهَا.
فَمنهمْ من يَرويها ممدودة، وَمِنْهُم من يَقُول: ماةَ، مَقْصورة، وَمَاء كثير، على قِيَاس: شَاة وَشاء.
قلت: أصل (المَاء) : ماه، بِوَزْن (تاه) ، فَثقلَتْ الْهَاء مَعَ السّاكن قبلهَا فقلبوا الْهَاء مدّة، فَقَالُوا: مَاء، كَمَا ترى.
وَالدَّلِيل على أَن الأَصْل فِيهِ الْهَاء قولُهم: أَماه فلَان رَكِيَّة، وَقد ماهت الركيّة، وَهَذِه مُوَيْهة عذبة. ويُجمع: مياهاً.
وَقد ذكرت هَذَا فِي معتل (الْهَاء) بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرح.
وَالْمَاء، الْمِيم مُمالة والأَلف ممدودة: حِكَايَة أصوات الشَّاء والظّباء، قَالَ ذُو الرّمة:
داعٍ يُناديه باسم الماءِ مَبْغُومُ
وَقَالَ الْكِنَانِي: مَوّيت مَاء حَسنة، إِذا كتبتها.(15/464)
وَحكى اللّحياني عَن الرُّؤَاسي، يُقَال: هَذِه قصيدة مَوويّة: قافيتها (مَا) ، ولوَويّة، إِذا كَانَت على (لَا) .
وَقَالَ غَيره: قصيدة مائّية وماويّة، ولائيّة ولاويّة، ويائية وياويّة.
وَهَذَا أَقيس.
والماويّة: الْمرْآة، أَصْلهَا مائية، فقُلبت المَدّة واواً؛ كَمَا يُقَال: شاوِيّ.
وَقَالَ: (الماوّية) بتَشْديد الْيَاء، هِيَ الْمرْآة، نُسبت إِلَى المَاء لصفائها، وَأَن الصُّور ترى فِيهَا كَمَا ترى فِي المَاء الصافي، وَالْمِيم أَصْلِيَّة فِيهَا.(15/465)
كتاب الْحُرُوف الْجوف
يُقَال للياء وَالْوَاو وَالْألف: الأحرف الْجوف.
وَكَانَ الْخَلِيل يُسمّيها الْحُرُوف الضَّعيفة الهوائية.
سُميت جوفاً لِأَنَّهُ لَا أحياز لَهَا، فنسبت إِلَى أحيازها كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي لَهَا أَحياز، إِنَّمَا تخرج من هَوَاء الْجوف، فسمِّيت مرّة جُوفاً، وَمرَّة هوائية.
وسُميت ضَعِيفَة لانتقالها من حَال إِلَى حَال عِنْد التصرّف باعتلال.
قلت: وَأَنا أبدأ بتفسير مَا يأتلف مِنْهَا، وَيكون لَهَا أَفعَال، أَو يكون أَسمَاء وأدوات، ثمَّ أَذكر هجاءها مُنْفَرِدَة ومعروفة بمعانيها، لتقف عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(أَبنية أفعالها وأسمائها)
أَوَى وأى وي أيّ أيْ أوْ أوّ وَا
الْوَاو: وَمَعْنَاهَا فِي الْعَطف وَغَيره.
(فعل) الْألف مَهْمُوزَة وساكنة (فعل) اليائي.
أَوَى: تقولُ الْعَرَب: أَوَى إِلَى منزلهِ يَأوي أُويّاً.
وآويته أَنا إيواءً.
هَذَا الْكَلَام الْجيد.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَويت فلَانا، إِذا أنزلته بك.
وأَوَيت الْإِبِل، بِمَعْنى آويتها.
وأقرأني الْإِيَادِي عَن شَمر لأبي عُبيد؛ يُقَال: أَوَيته، بِالْقصرِ؛ وآويته، بِالْمدِّ، على أفعلته، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وأويت إِلَى فلَان، بِالْقصرِ لَا غير.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه أنكر أَن يُقَال: أويت؛ بقصر الْألف، بِمَعْنى آويت.
قَالَ: وَيُقَال: أويت فلَانا، بِمَعْنى: أويت إِلَيْهِ.
قلت: وَلم يَحفظ أَبُو الْهَيْثَم رَحمَه الله هَذِه اللُّغَة، وَهِي صَحِيحَة.(15/466)
وَسمعت أعرابيّاً فصيحاً من بني نُمير كَانَ اسْتُرعي إبِلا جُرْباً، فَلَمَّا أراحها مَلَثَ الظّلامِ نَحَّاها عَن مأوى الْإِبِل الصّحاح، ونادى عريفَ الحيّ وَقَالَ: أَلا أَيْن آوي هَذِه الْإِبِل المُوقَّسة؟ وَلم يقل: أُووِي.
وروى الرُّواة عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يأوي الضالّة إلاّ ضالّ) .
هَكَذَا رَوَاهُ فُصحاء المُحدّثين، بِفَتْح الْيَاء.
وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح لَا ارتياب فِيهِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عُبيد عَن أَصحابه.
وسمعتُ الفصيح من بني كلاب يقولُ لمأوى الْإِبِل: مأواة، بِالْهَاءِ.
وأَخبرني الْمُنْذِرِيّ، عَن الْمفضل، عَن أَبِيه، عَن الْفراء، أَنه قَالَ: ذُكر لي أنَّ بعض الْعَرَب يُسمِّي مَأْوى الْإِبِل: مأوِي، بِكَسْر الْوَاو.
قَالَ: وَهُوَ نَادِر، وَلم يجىء فِي ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو: مَفْعِل، بِكَسْر الْعين، غير حرفين: مَأْقِي الْعين، ومَأْوِي الْإِبِل، وهما نادران.
واللغة الْعَالِيَة فيهمَا: مأوَى، ومُوقٌ ومأقٌ.
ويُجمع (الآوي) مِثَال (العاوي) : أُوِيّاً، بِوَزْن (عُوِيّاً) ؛ وَمِنْه قولُ العجّاج:
كَمَا يُدانِي الحِدأ الأُوِيّ
شبّه الأثافي واجتماعها بحدأ انضمت بَعْضهَا إِلَى بعض، فَهِيَ متأوّية ومتأوّيات.
قلت: وَيجوز: تآوَت، بِوَزْن (تعاوت) على (تفاعلت) .
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تأوّى الْجرْح، وأَوَى، وتآوَى، وآوَى، إِذا تقَارب للبُرء.
وَفِي الحَدِيث: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُخَوِّي فِي سُجوده حَتَّى كَنّا نَأْوي لَهُ.
قلت: معنى قَوْله (كُنَّا نأوي لَهُ) بِمَنْزِلَة قَوْلك: كنّا نرثي لَهُ، ونرقّ لَهُ، ونُشفق عَلَيْهِ من شدّة إقلاله بَطْنَه عَن الأَرْض ومدّه ضَبُعَيه عَن جَنْبيه.
يُقَال: أَوَيْت لَهُ آوي لَهُ أويةً، وأيّة، ومَأوية، ومأواة، إِذا رَثَيت لَهُ.
واستأويته، أَي استرحمته، استيواء؛ وَقَالَ:
وَلَو أنِّي اسْتأْوَيْتُه مَا أَوى لِيا
وَقَالَ الآخر:
أَرَانِي وَلَا كُفرانَ لله أَيَّةً
لِنَفسي لقد طالَبْتُ غيرَ مُنِيلِ
أَي: غير مُقْلق من الْفَزع. أَرَادَ: لَا أكفر الله أيّة لنَفْسي، نَصبه لِأَنَّهُ مَفْعول لَهُ.
وأياة الشَّمْس، وآياتها: ضوؤها؛ قَالَ:
سَقته إياة الشَّمس إِلَّا لِثَاتِه
وَيُقَال: الأياء، بِالْمدِّ؛ والإِيا،(15/467)
بِالْقصرِ.
وَلم أسمع لَهما فعلا.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: الأياء: مَفْتُوح الأول مَمْدُود؛ والإياء، مكسور الْألف مَقْصُور، وإياة، كُله وَاحِد: شُعاع الشّمْس وضوؤها.
رَوى ذَلِك الْفراء، عَن الْكسَائي؛ وَأنْشد:
سَقَتْه إياةَ الشَّمْس الإلثاته
أُسِفّ وَلم يُكْمَد عَلَيْهِ بإثمد
وروى ابْن شُميل عَن الْعَرَب: أَوّيتُ بِالْخَيْلِ تأَوِيةً، إِذا دَعوتَها: آوُوه، لِتَريع إِلَى صَوْتك؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فِي حاضِرٍ لَجِبٍ قاسٍ صواهلُه
يُقال للخيل فِي أَسْلافه آوُو
قلت: وَهُوَ مَعروف مِن دُعَاء العَرب خَيْلَها.
وأى: الْأَصْمَعِي وَغَيره، يُقال: وأيت أَئِي وَأْياً، إِذا ضَمنت ووَعدت؛ وأَنْشد أَبُو عُبيد:
وَمَا خُنْتُ ذَا عَهد وَأَيْت بعَهْده
وَلم أحْرم المُضْطَرّ إِذْ جَاءَ قانِعاً
اللَّيْث: يُقَال: وَأَيْت لَك بِهِ على نَفسِي وَأْياً. وَالْأَمر: أَهْ. والاثنين: أَيَا. والجميع: أَوْا.
تَقول: أَهْ، وتسكت؛ وَلَا تَأَه، وتَسْكت.
وَهُوَ على تَقْدِير: عه، وَلَا تَعَه.
وَإِن مَررت قلت: إبِمَا وعدت، إيَا بِما وعدتما، كَقَوْلِك: عِ مَا يُقال لَك، فِي المُرور.
والوَأَى: الْفرس السَّريع المُقْتدر الخَلْق.
والنَّجيبة من الْإِبِل يُقَال لَهَا: الوآة، بِالْهَاءِ؛ وأَنْشد:
وَيَقُول ناعتُها إِذا أَعْرضْتها
هذي الوآة كصَخْرة الوَعْلِ
وَقَالَ القُتيبي: قَالَ الرِّياشي: الوئيّة: الدُّرة، مثل: وَئيّة القِدر.
قلت: وَلم يضْبط القُتيبي هَذَا الْحَرْف، وَالصَّوَاب الوَنِيّة، بالنُّون: الدُّرة، وَكَذَلِكَ الوَنَاة، وَهِي الدُّرة المَثْقوبة.
وَأما (الوئيّة) فَهِيَ القِدر الْكَبِيرَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: من القُدور: الوَئِيّة، على (فَعِيلة) وَهِي الواسعة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي مثله؛ وأنشدنا:
وقِدْر كرأل الصَّحْصَحان وَئِيَّة
أنخت لَهَا بَعد الهُدوِّ الأثافِيا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، أَنه قَالَ: قِدْر وَئِيّة، ووَئِيبة.
فَمن قَالَ: (وئيّة) ، فَهِيَ من الْفرس الوَأَى، وَهُوَ الضَّخم.
وَمن قَالَ: وَئيبة، فَهُوَ من الحافِر الوَأْب.
والقِدح المُقعَّب يُقال لَهُ: وَأْبٌ؛ وأَنْشد:(15/468)
جَاءَ بِقدْرٍ وَأْبة التَّصْعيد
والأفتعال من: وأى يئي: اتَّأَى يَتَّئي، فَهُوَ مُتَّىءٍ.
والاستفعال مِنْهُ: اسْتوأى يَسْتوئي، فَهُوَ مُسْتَوْءٍ.
وي: اللَّيْث: وَي: يكنى بهَا عَن (الوَيْل) .
وَقد تدخل (وي) على (كَأَن) المُخفَّفة والمشدّدة؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} (الْقَصَص: 82) .
قَالَ الْخَلِيل: هِيَ مَفْصولة، تَقُول: وي، ثمَّ تبتدىء فَتَقول: كَأَن.
وَقد ذكر الفَراء قَول الْخَلِيل هَذَا، وَقَالَ: (ويكأن) : (وي) مُنفصلة من (كَأَن) ، كَقَوْلِك للرجل: وَيْ أما ترى مَا بَين يَديك فَقَالَ: وي، ثمَّ اسْتَأْنف {بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} ، وَهُوَ تعجّب؛ و (كَأَن) فِي الْمَعْنى: الظنّ والعِلْم.
قَالَ الفَراء: وَهَذَا وَجه يَستقيم، وَلَو تَكْتُبهَا العربُ مُنْفصلة.
وَيجوز أَن يكون كَثر بهَا الْكَلَام فوُصلت بِمَا لَيست مِنْهُ، كَمَا اجْتمعت الْعَرَب على كتاب (بابْنؤُمّ) فوصلوها لكثرتها.
قلت: هَذَا صَحِيح، وَالله أعلم.
أَي ووجوهها
رُوي عَن أَحْمد بن يحيى والمُبرّد أنّهما قَالَا: ل (أَي) ثَلَاثَة أُصول:
تكون استفهاماً، وَتَكون تعجّباً، وَتَكون شرطا؛ وأَنشد:
أيّاً فعلت فإنّني لَك كاشِحٌ
وعَلى انتقاصك فِي الحَياة وأَزْدَدِ
وَقَالا مَعًا: جزم قَوْله (وأزدَد) على النَّسق، على مَوضِع الْفَاء الَّتِي فِي (فإنني) ، كَأَنَّهُ قَالَ: أيّاً تَفْعل أُبْغضك وأَزَدد.
وَهُوَ مثل معنى قِراءة من قَرَأَ: {قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} (المُنَافِقُونَ: 10) .
فتقدير الْكَلَام: إِن تُؤَخِّرني أَصَّدَّق وأَكُن.
قَالَا: وَإِذا كَانَت (أَي) استفهاماً لم يعْمل فِيهَا الفِعل الَّذِي قبلهَا، وَإِنَّمَا يَرفعها أَو يِنصبها مَا بعْدهَا؛ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا} (الْكَهْف: 12) .
قَالَ المبرّد: ف (أَي) رَفعٌ، و (أحصى) رفع بِخَبَر الِابْتِدَاء.
وَقَالَ ثَعْلَب: (أَي) يرافعه (أحصى) .
وَقَالا: عمل الفِعل فِي الْمَعْنى لَا فِي اللَّفْظ، كَأَنَّهُ قَالَ: لنعلم أيّاً من أيّ، ولنعلم أحدَ هذَيْن.
قَالَا: وَأما المَنصوبة بِمَا بعْدهَا، فَقَوله تَعَالَى: {ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَىَّ مُنقَلَبٍ} (الشُّعَرَاء: 227) نَصَب (أيًّا)(15/469)
ب (يَنْقَلِبُون) .
وَقَالَ الفَرّاء: أَي، إِذا أَوْقَعت الفِعل المتقدّم عَلَيْهَا خَرجت من معنى الِاسْتِفْهَام، وَذَلِكَ إِن أردته جَائِز، يَقُولُونَ: لأضربنّ أَيُّهم.
يَقُول ذَلِك لأنّ الضَّرْب لَا يَقع على اسمٍ يَأْتِي بعد ذَلِك اسْتِفْهَام، وَذَلِكَ أَن الضَّرب لَا يَقع على اثْنَيْنِ.
قَالَ: وَقَول الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً} (مَرْيَم: 69) .
من نصب (أيا) أَوقع عَلَيْهَا النَّزْعَ، وَلَيْسَ باستفهام، كَأَنَّهُ قَالَ: لنستخرجن العاتي الَّذِي هُوَ أشدّ.
ثمَّ فسّر الفَراء وَجه الرَّفع، وَعَلِيهِ القُرّاء، على مَا قدّمنا ذكره من قَول ثَعْلب والمُبرّد.
وَقَالَ الفَرّاء: و (أَي) إِذا كَانَت جَزَاء فَهِيَ على مَذْهَب الَّذِي قَالَ: وَإِذا كَانَت (أَي) تَعَجبا لم يُجاز بهَا؛ لأنّ التَّعَجُّب لَا يُجازى بِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِك: أيّ رجل زيد؛ وأيّ جَارِيَة زَيْنَب؟
قَالَ: وَالْعرب تَقول: أيّ، وأيّان، وأيّون.
إِذا أفردوا (أيّا) ثنّوها وجمعوها وأنّثوها، فَقَالُوا: أيّة، وأيّتان، وأيّات.
وَإِذا أضافوها إِلَى ظَاهر أفردوها وذكّروها، فَقَالُوا: أيّ الرجلَيْن؟ وأيّ الْمَرْأَتَيْنِ؟ وأيّ الرِّجَال؟ وَأي النِّساء.
وَإِذا أضافوا إِلَى المَكْنِيّ المُؤَنّث ذكّروا وأَنّثوا، فَقَالُوا: أيّهما، وأيتهما، للمرأتين.
وَقَالَ تَعَالَى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ} (الْإِسْرَاء: 110) .
وَقَالَ زُهير فِي لُغة من أَنّث:
وزَوّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكُوا
أَرَادَ: أيّة وُجهة سَلكوا، فأنّثها حِين لم يُضِفْها.
قَالَ: وَلَو قُلْت: أيّاً سَلكوا، بِمَعْنى: أيّ وَجه سلكوا؟ كَانَ جَائِزا.
وَيَقُول لَك قَائِل: رأيتُ ظَبْيًا؛ فتُجِيبه: أيّاً؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظَبْيَيْن؛ فَتَقول: أَيَّيْن؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظِباءً؛ فَتَقول: أيّات؟
وَيَقُول: رَأَيْت ظَبْيَة؛ فَتَقول: أيّةً؟
قَالَ: وَإِذا سَأَلت الرجل عَن قبيلته، قلت: المَيِّيُّ.
وَإِذا سَأَلته عَن كُورته، قلت: الأيِّيّ.
وَتقول: مَيِّيٌّ أَنْت؟ وأَيِّيٌّ أنْت؟ بياءين شَدِيدتَيْن.
وَحكى الفرّاء عَن الْعَرَب فِي لُغَيَّة لَهُم:
أيّهم مَا أدْرك يركب على أيّهم يُريد.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله:(15/470)
فأَيِّي مَا وأَيّك كَانَ شَرّاً
فسِيقَ إِلَى المَقامة لَا يَراها
فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة قَول الرّجُل: الكاذبُ منِّي ومنك فَعل الله بِهِ.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا يُريد أَنَّك شرّ، وَلكنه دَعا عَلَيْهِ بلَفظ هُوَ أحسن من التَّصريح، كَمَا قَالَ الله تعالَى: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى} (سبأ: 24) .
وَأنْشد المفضّل:
لقد علم الأَقوامُ أيّي وأَيّكم
بَني عامِرٍ أَوْفَى وَفَاء وأَظْلَمُ
مَعْنَاهُ: علمُوا أَنِّي أوفى وَفَاء وَأَنْتُم أظلم.
قَالَ: وَقَوله: فأيّي مَا وأيك، (أَي) مَوضِع رفع، لِأَنَّهُ اسْم (كَانَ) ، وأيّك، نَسق عَلَيْهِ، و (شَرّ) ، خَبَرهَا.
قَالَ: وَقَوله:
فسِيق إِلَى المقامة لَا يَرَاهَا
أَي: عَمي، دعاءٌ عَلَيْهِ.
أَبُو زيد: صَحِبه الله أيّاً مَا تَوَجَّه.
يُرِيد: أَيْنَمَا توجَّه.
وَقَالَ اللَّيث: أيّان، هِيَ بِمَنْزِلَة: مَتَى.
قَالَ: وَيخْتَلف فِي نونها، فَيُقَال: أصليّة، وَيُقَال: زَائِدَة.
وَقَالَ الفَرّاء: أصل (أَيَّانَ) : أَي أوَان، فخفّفوا (الْيَاء) من (أيّ) ، وَتركُوا همزَة (أَوَان) فالتَقَتْ ياءٌ سَاكِنة بعْدهَا وَاو، فأُدغمت (الْوَاو) فِي (الْيَاء) .
حَكَاهُ عَن الْكسَائي.
وَأما قَوْلهم فِي النّداء: أيّها الرجل، وأيتها الْمَرْأَة، وأيّها النَّاس.
فإنّ الزّجاج قَالَ: أَي: اسْم مُبْهم مَبْنِيّ على الضَّم، من: أيّها الرجل، لِأَنَّهُ منادَى مُفرد، و (الرجل) صفة ل (أَي) لَازِمَة، تَقول: يأيها الرجل أَقْبل، وَلَا يجوز: يَا الرجل، لِأَن (يَا) تَنْبِيه بِمَنْزِلَة التَّعريف فِي (الرجل) ، فَلَا يجمع بَين (يَا) وَبَين (الْألف وَاللَّام) فتصل إِلَى (الْألف وَاللَّام) ب (أَي) ، و (هَا) لَازِمَة ل (أَي) للتَّنْبيه، وَهِي عوض من الْإِضَافَة فِي (أَي) ، لِأَن أصل (أَي) أَن تكون مُضَافَة إِلَى الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر، والمُنادى فِي الْحَقِيقَة (الرجل) ، و (أَي) وُصلت إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذا قلت: يأيها الرّجل، ف (يَا) نِدَاء، و (أَي) اسْم منادى، و (هَا) تَنْبِيه، و (الرجل) صفة، ف (الْوَاو) وَصلت (أَي) بالتّنبيه، فَصَارَ اسْما تامّاً، لِأَن (أيا) و (مَا) و (من) و (الَّذِي) أَسمَاء نَاقِصَة لَا تتمّ إِلَّا بالصّلات.
وَيُقَال: (الرّجل) تَفْسِير لمن نُودي.
أَي سَاكِنة الْيَاء
قَالَ أَبُو عَمْرو: سَأَلت المُبرّد عَن (أَي) مَفْتُوحَة سَاكِنة مَا يكون بعْدهَا؟
فَقَالَ: يكون الَّذِي بعْدهَا بَدَلا، وَيكون(15/471)
مستأنفاً، وَيكون مَنْصوباً.
قَالَ: وَسَأَلت أَحْمد بن يحيى، فَقَالَ: يكون مَا بعْدهَا مُترجِماً، وَيكون مُستأنفاً، وَيكون نَصباً بِفعل مُضمر.
تَقول: جَاءَنِي أَخُوك، أَي: زيدٌ.
وَرَأَيْت أَخَاك، أَي: زيدا.
ومررت بأخيك، أَي: زيدٍ.
وَتقول: جَاءَنِي أَخُوك، فَيجوز فِيهِ: أَي: زيدٌ، وَأي: زيدا.
ومررت بأخيك، فَيجوز فِيهِ: أَي زيدٍ، وَأي زيدا، وَأي زيدٌ.
وَيُقَال: رَأَيْت أَخَاك، أَي زيدا، وَيجوز: أَي زيدٌ.
إِي، بِمَعْنى نعم
الليثُ: إِي: يَمِين؛ قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ إِى وَرَبِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِنَّهُ لَحَقٌّ} (يُونُس: 53) الْمَعْنى: إِي وَالله.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله جَلّ وعزّ: {أَي وربي إِنَّه الْحق} (يُونُس 53) ، الْمَعْنى: نَعم وَرَبِّي.
وَنَحْو ذَلِك رَوَى أَحْمد بن يحيى، عَن ابْن الْأَعرَابِي.
وَهَذَا هُوَ القَوْل الصَّحِيح.
أَو: ومعانيها
قَالَ أَبُو العبّاس ثَعْلَب: (أَو) تكون تخييراً، وَتَكون شَكّاً، وَتَكون بِمَعْنى (بل) ، وَتَكون بِمَعْنى (مَتى) ، وَتَكون بِمَعْنى (الْوَاو) .
وَقَالَ الْكسَائي وَحده: وَتَكون شرطا.
وَأنْشد أَبُو زيد فِيمَن جعلهَا بِمَعْنى (الْوَاو) :
وَقد زَعمت ليلى بأَنِّيَ فاجِرٌ
لِنَفْسي تُقاها أَو عَلَيْهَا فُجورُها
مَعْنَاهَا: وَعَلَيْهَا.
وأنْشد الْفراء:
إنّ بهَا أَكْتلَ أَو رِزَامَا
خُويربان يَنْقُفَان الهامَا
وَقَالَ أَبُو زيد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ} (الصافات: 147) إِنَّمَا هِيَ: وَيزِيدُونَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ} (هود: 87) . قَالَ: تَفْسِيره: وَأَن نَفْعل.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وَعز: {) مِّن يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ} (الصافات: 147) أَو يزِيدُونَ عنْدكُمْ، فَيجْعَل مَعْنَاهَا للمخاطبين، أَي: هم أَصْحَاب شارة وزيّ وجَمال رائع، فَإِذا رَآهُمْ النَّاس قَالُوا: هَؤُلَاءِ مِائَتَا ألف.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس المبرّد: (إِلَى مائَة ألف) ، فهم فَرْضُه الَّذِي عَلَيْهِ أَن يُؤدّيه.(15/472)
وَقَوله {أَو يزيدونٍ} يَقُول: فَإِن زادوا بالأولاد قبل أَن يُسْلِموا فادْعُ الْأَوْلَاد أَيْضا، فَيكون دعاؤُك للأولاد نَافِلَة لَك لَا يكون عَلَيْك فَرْضاً.
قلت: وأمّا قَوْله تَعَالَى فِي آيَة الطَّهَارَة: {وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ} (النِّسَاء: 43) فَهُوَ بِمَعْنى (الْوَاو) الَّتِي تُعرف بواو الْحَال.
الْمَعْنى: وَجَاء أَحد مِنْكُم من الْغَائِط، أَي: فِي هَذِه الْحَالة.
وَلَا يجوز أَن يكون تَخْييراً.
وأَما قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَآءَ} (النِّسَاء: 43) فَهِيَ معطوفة على مَا قبلهَا بمعناها.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِماً أَوْ} (الْإِنْسَان: 24) .
فَإِن الزّجاج قَالَ: (أَو) هَا هُنَا أوكد من (الْوَاو) ، لِأَن (الْوَاو) إِذا قلت: لَا تُطع زيدا وعمراً، فأطاع أَحدهمَا كَانَ غير عاصٍ، لِأَنَّهُ أَمره ألاّ يُطيع الِاثْنَيْنِ، فَإِذا قَالَ: وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِماً أَو كفورا، ف (أَو) قد دَلّت على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أهل لِأَن يعْصى.
وَقَالَ الْفراء: (أَو) إِذا كَانَت بِمَعْنى (حَتَّى) فَهُوَ كَمَا تَقول: لَا أَزَال مُلازمك أَو تُعطيني، وَإِلَّا أَن تُعطيني.
وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَْمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} (آل عمرَان: 128) .
مَعْنَاهُ: حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم، وَإِلَّا أَن يَتُوب عَلَيْهِم؛ وَمِنْه قولُ امرىء الْقَيْس:
يُحاول مُلْكاً أَو يَمُوت فيُعْذرا
مَعْنَاهُ: إِلَّا أَن يَمُوت.
وَأما الشكّ، فَهُوَ كَقَوْلِك: خرج زيد أَو عَمْرو؟
وَقَالَ محمّد بن يزِيد: (أَو) من حُرُوف الْعَطف، وَلها ثَلَاثَة معَان:
تكون لأحد أَمريْن عِنْد شكّ المُتكلم أَو قَصده أَحدهمَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِك: أتيتُ زيدا أَو عمرا، وَجَاءَنِي رجل أَو امْرَأَة؛ فَهَذَا شَكّ.
فَأَما إِذا قَصد أَحدهمَا، فكقولك: كل السّمك أَو اشرب اللَّبن، أَي: لَا تجمعهما، وَلَكِن اختر أيّهما شِئت.
وَكَذَلِكَ: أَعْطِنِي دِينَارا أَو اكسُني ثوبا.
وَتَكون بِمَعْنى الْإِبَاحَة، كَقَوْلِك: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرين، وأْتِ المَسْجِد أَو السُّوق، أَي: قد أَذِنت لَك فِي هَذَا الضَّرب من النَّاس؛ وَإِن نهيته عَن هَذَا قلت: لَا تجَالس زيدا أَو عمرا، أَي: لَا تجَالس هَذَا الضَّرْب من النَّاس.
وعَلى هَذَا قولُه تَعَالَى: {رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْءَاثِماً أَوكفوراْ} (الْإِنْسَان: 24) أَي: وَلَا تُطع(15/473)
وَاحِدًا مِنْهُمَا، فافْهمه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: (أَوَ لَم يَرَوْا) و (أَو لم يَأْتهم) إِنَّهَا (وَاو) مُفْردَة دَخَلت عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام كَمَا دَخَلت على (الْفَاء) و (ثمَّ) و (لَا) .
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: إِنَّه لفُلَان أَو مَا بنَجد قرظَة، ولآتينّك أَو مَا بنَجد قرظة، أَي: لآتينّك حقّاً، وَهُوَ توكيد.
أوّ: قَالَ النّحويون: إِذا جعلت (أَو) اسْما، ثقّلت واوها، فَقلت: هَذِه أوّ حَسنة.
وَتقول، دع الأوّ جانباً.
تَقول ذَلِك لمن يسْتَعْمل فِي كَلَامه: افْعَلْ كَذَا أَو كَذَا، وَكَذَلِكَ تثقل (لوَّ) إِذا جعلته اسْما؛ قَالَ أَبُو زيد:
إنّ ليَتْاً وإنّ لَوًّا عَناءُ
وَقَول الْعَرَب: أَوِّ من كَذَا، بواو ثَقيلَة، هُوَ بِمَعْنى: تشكّى مشقّة أَو همّ أَو حُزن؛ وأَنْشد بَعضهم:
فأوِّ من الذِّكْرى إِذا مَا ذكرتها
وَمن بُعْد أرْضٍ بَيْننَا وسَماءِ
وَقَالَ أَبُو زيد: أنشدنيه أَبُو الجرّاح:
فَأَوِّه من الذكرى إِذا مَا ذكرتها
قَالَ: وَيجوز فِي الْكَلَام لمن قَالَ: (أَوّهِ) مَقْصُورا، أَن يَقُول فِي (يَتَفعّل) : يتأَوَّى، وَلَا يَقُولهَا بِالْهَاءِ.
وَقَالَ الْمَازِني: أَوَّةٌ، من الفِعْل، وَأَصله: أوِوَةٌ، فأدغمت الْوَاو فِي الْوَاو وشُدِّدت.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ من الفِعل: فَعْلَةٌ، بِمَعْنى: أَوّة، زيدت هَذِه الْألف، كَمَا قَالُوا: ضَرب حاقَّ رَأسه، فزادوا هَذِه الْألف.
قَالَ: وَلَيْسَ (أوّة) بِمَنْزِلَة قَول الشَّاعِر:
تأوَّه آهة الرَّجُل الحزين
لِأَن الْهَاء فِي (أَوّة) زَائِدَة، وَفِي (تأوه) أَصليّة.
أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: أوتا، فيقلبون الْهَاء تَاء.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وقومٌ من الْعَرَب يَقُولُونَ: آوُوه، بِوَزْن: عاووه، وَهُوَ من الفِعْل: فاعول؛ وَالْهَاء فِيهِ أَصْلِيَّة.
وَقَالَ أَبُو طَالب: قَول العامّة: آوَّة: مَمْدُود، خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ: آوَّة من كَذَا، أَو: أَوْة مِنْهُ، بقصر الْألف.
وروى أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي إِذا قَالَ الرجل: أَوّة من كَذَا: رَدّ عَلَيْهِ الآخر: عَلَيْك أَوْهَتُك.
وَقَالَ الْفراء: أنْشدني أَبُو ثَروان:
أوِّ من الهِجران يَوْم لقيتها
وَمن طُول أَرض دونهَا وسَماءِ
قَالَ: ويروى: (فأَوْه) ، و (فأَوِّه) .
وَقَالَ غَيره: أوّة: فَعْلة، هاؤها للتأنيث، لأَنهم يَقُولُونَ: سَمِعت أَوَّتَك، فيجعلونها(15/474)
تَاء.
وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث: أوَّة، بِمَنْزِلَة: (فَعْلة) ، أَوَّةً لَك.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال: أَوْهِ على زيد، كسروا الْهَاء وبينّوها.
وَقَالُوا: أوَّ تَا عَليك، بِالتَّاءِ؛ وَهُوَ التلهّف على الشَّيْء عَزِيزًا كَانَ أَو هَيِّناً.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ؛ فِيمَا رَوى ثَعْلَب عَن عَمْرو، عَن أَبِيه: الأُوَّة: الداهية، بِضَم الْهمزَة.
قَالَ: وَيُقَال: مَا هِيَ إِلَّا أُوَّةٌ من الأُوَو يَا فَتى، أَي: داهية من الدَّوَاهِي.
قَالَ: وَهَذَا من أَغرب مَا جَاءَ عَنْهُم حِين جَعلوا (الْوَاو) كالحرف الصَّحِيح فِي مَوضِع الْإِعْرَاب؛ فَقَالُوا: الأُوَو، بِالْوَاو الصَّحيحة.
وَا: قَالَ اللَّيْث: وَا: حرف نُدبة، كَقَوْل النادبة: وافلاناه(15/475)
بَاب الألفات ومعانيها
ألف: رَوى أَبُو عَمْرو، عَن أَحْمد بن يحيى، وَمُحَمّد بن يزِيد، أَنهما قَالَا: أُصول الألفات ثَلَاثَة وتَتَبعها الْبَاقِيَات:
ألف أصْلية، وَهِي فِي الثلاثي من الْأَسْمَاء؛
وَألف قَطْعِيَّة، وَهِي فِي الرُّباعي.
وَألف وَصْليّة، وَهِي فِيمَا جَاوز الرّباعيّ.
قَالَا: فالأصلية مثل: ألِفٍ ألِفٍ، وإلْفٍ إلْفٍ؛ وَمَا أشبهه.
والقطعية، مثل: ألف (أَحْمد) و (أَحْمَر) وَمَا أشبهه.
والوصلية، مثل ألف (استنباط) و (اسْتِخْرَاج) .
وَهن فِي الْأَفْعَال إِذا كَانَت أَصْلِيَّة مثل ألف (أكل) ، وَفِي الرباعي إِذا كَانَت قَطْعِيَّة مثل ألف (أحسن) ، وَفِيمَا زَاد عَلَيْهِ مثل ألف (استكبر) و (استدرج) ، إِذا كَانَت وصلية.
قَالَا: وَمعنى ألف الِاسْتِفْهَام ثَلَاثَة:
تكون بَين الآدميّين، يَقُولهَا بعضُهم لبَعض استفهاماً.
وَتَكون من الجبّار لوليّه تقريراً.
ولِعدوّه توبيخاً.
فالتّقرير، كَقَوْلِه تَعَالَى للمسيح عَلَيْهِ السَّلَام: {أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} (الْمَائِدَة: 116) .
قَالَ أَحْمد بن يحيى: إِنَّمَا وَقع التَّقرير لعيسى، لأنّ خُصومه كَانُوا حُضُوراً، فَأَرَادَ الله من عِيسَى أَن يكذِّبهم بِمَا ادّعوا عَلَيْهِ.
وأمّا التّوبيخ لعدوّه، فكقوله تَعَالَى: { (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى} (الصافات: 153) ، وَقَوله تَعَالَى: {ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} (الْبَقَرَة: 140) ، و {تُورُونَ أَءَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ} (الْوَاقِعَة: 72) .
قلت: فَهَذِهِ أُصول الألفات.
وللنحويّين ألقابٌ لألفات غَيرهَا، وَأَنا ذاكرها لَك فتقف عَلَيْهَا:
فَمِنْهَا: الْألف الفاصلة، وَهِي فِي موضعَيْن:
إِحْدَاهمَا: الْألف الَّتِي يُثبتها الكتبة بعد (وَاو) الْجمع ليُفصل بهَا بَين (وَاو) الْجمع وَبَين مَا بعْدهَا، فِي مثل: كفرُوا، وشكروا.
وَكَذَلِكَ الْألف الَّتِي فِي مثل: يَغْزوا،(15/476)
ويَدْعوا.
وَإِذا اسْتغنى عَنْهَا، لاتصال المكنى بالفِعل، لم تَثبت هَذِه الْألف الفاصِلة.
والأُخرى: الْألف الَّتِي فَصلت بَين النُّون، الَّتِي هِيَ عَلامَة الْإِنَاث، وَبَين النُّون الثَّقِيلَة، كَرَاهَة اجْتِمَاع ثَلَاث نونات فِي مثل قَوْلك للنّساء، وَأَنت تَأمر: افْعلنانّ، بِكَسْر النُّون وَزِيَادَة ألف بَين النونين.
وَمِنْهَا: ألف الْعبارَة، لِأَنَّهَا تعبِّر عَن الْمُتَكَلّم، مثل قَوْلك: أَنا أفعل كَذَا، وَأَنا أسْتَغْفر الله، وتسمّى: العاملة، وَقد مَر ذكر اللُّغَات الَّتِي فِيهَا، فِيمَا تقدّم من الْكتاب.
وَمِنْهَا: الْألف المَجهولة، مثل ألف (فَاعل) و (فاعول) وَمَا أشبههَا، وَهِي كل ألف تدخل فِي الْأَفْعَال والأسماء، مِمَّا لَا أصل لَهَا، إِنَّمَا تَأتي لإشباع الفتحة فِي الفِعل وَالِاسْم.
وَهِي إِذا لَزمتها الْحَرَكَة تصِير واواً، كَقَوْلِك: خَاتم وخواتم، صَارَت (واواً) لما لزمتها الْحَرَكَة لسكون الْألف بعْدهَا، وَالْألف الَّتِي بعْدهَا هِيَ أَلف الْجمع، وَهِي مَجْهُولَة أَيْضا.
وَمِنْهَا: ألف العِوض، وَهِي المبدلة من التَّنوين المَنصوب، إِذا وقفت عَلَيْهَا، كَقَوْلِك: رَأَيْت زيدا، وَفعلت خيرا، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: ألف الصّلة، وَهِي ألف توصل بهَا فَتْحة القافية وفتحة هَاء الْمُؤَنَّث:
فَأَما فَتْحة القافية، فَمثل قَوْله:
بَانَتْ سُعاد وأَمسى حبلها انْقَطعا
فوصل فَتْحة الْعين بِأَلف بعْدهَا.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ} (الْأَحْزَاب: 10) : الْألف الَّتِي بعد النُّون الْأَخِيرَة هِيَ صِلة لفتحة النُّون:
وَلها أَخَوَات فِي تواصل الْآيَات، كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَوَارِيرَاْ} (الْإِنْسَان: 15) و {تُسَمَّى} (الْإِنْسَان: 18) .
وأَما فَتْحة هَاء الْمُؤَنَّث، فقولك: ضربتها، ومررت بهَا.
وَالْفرق بَين أَلف الْوَصْل وأَلف الصِّلَة، أَن أَلف الْوَصْل إِنَّمَا اجْتلبت فِي أَوائل الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال، وأَلف الصِّلَة فِي أَواخر الْأَسْمَاء كَمَا تَرى.
وَمِنْهَا أَلف النُّون الْخَفِيفَة، أَصْلهَا الثَّقِيلَة إِلَّا أَنَّهَا خففت؛ وَمن ذَلِك قولُ الْأَعْشَى:
وَلَا تَحْمد المُثْرين وَالله فاحْمَدَا
بالنُّون الْخَفِيفَة، فَوقف على الْألف.
وَقَالَ آخر:
وقُمَيْرٍ بَدَا ابْن خَمْس وعِشْري
ن فَقَالَت لَهُ الفَتاتان قُومَا
أَرَادَ: قومن، فَوقف على الْألف.
وَقَالَ:(15/477)
يَحْسَبه الجاهِلُ مَا لم يَعْلَما
شَيْخاً على كرسيّه معمّما
فنصب (يعلم) لِأَنَّهُ أَرَادَ: مَا لم يعلمن. بالنُّون الْخَفِيفَة، فَوقف بِالْألف.
وَقَالَ أَبُو عِكْرِمَة الضّبيّ فِي قَول امرىء الْقَيْس.
قِفا نَبْك مِن ذِكْرى حَبيب ومَنْزل
أَرَادَ: قِفن، فأبدل الْألف من النُّون الْخَفِيفَة، كَقَوْلِك: قُوماً، أَرَادَ: قُومن.
قَالَ أَبُو بكر: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} (ق: 24) .
أَكثر الرِّوَايَة أنّ الخِطاب لمَالِك خَازِن جَهنم وَحده، فبناه على مَا وصفناه.
وَقيل: هُوَ خطاب لمَالِك وملَك مَعَه، وَالله أَعلم.
وَمِنْهَا: ألف الْجمع، مثل: مَسَاجِد، وجبال، وفُرسان، وفواعِل.
وَمِنْهَا: ألف التَّفْضيل والتصغير: كَقَوْلِك: فلَان أَكرم مِنْك، وألأم مِنْك، وَفُلَان أَجْهَل النَّاس.
وَمِنْهَا: ألف النداء، كَقَوْلِك: أَزِيد، تُريد: يَا زيد.
وَمِنْهَا: ألف النّدبة، كَقَوْلِك: وازيداه.
أَعنِي (الْألف) الَّتِي بعد (الدَّال) .
وتُشاكلها ألف الاستنكار، إِذا قَالَ الرجل: جَاءَ أَبُو عَمْرو، فيُجيب المُجيب: أَبُو عَمْراه، زيدت الْهَاء على المدّة فِي الاسْتنكار، كَمَا زيدت فِي: وافلاناه، فِي النُّدبة.
وَمِنْهَا: ألف التَّأْنِيث، نَحْو مُدَّة: حَمْرَاء ونُفساء.
وَمِنْهَا: ألف: سَكرى، وحُبْلَى.
وَمِنْهَا: ألف التَّعايي، وَهُوَ أَن يَقُول الرجل: إِن عُمر، ثمَّ يُرْتَج عَلَيْهِ كلامُه، فيقف على (عمر) وَيَقُول: إِن عُمرا، فيمدها مُستمدًّا لما يفتح لَهُ من الْكَلَام، فَيَقُول: مُنطلق. الْمَعْنى: إِن عمر مُنطلق، إِذا لم يَتعَايَ.
ويفعلون ذَلِك فِي التَّرخيم، كَقَوْلِك: يَا عُما، وَهُوَ يُرِيد (عُمر) ، فيمد فَتْحة الْمِيم بِالْألف ليمتدّ الصَّوْت.
وَمِنْهَا: ألفات المدّات، كَقَوْل العَرب ل (الكلكل) : الكَلْكال، وَيَقُولُونَ ل (الْخَاتم) : خاتام، ول (الدانَق) : دانَاق.
قَالَ أَبُو بكر: الْعَرَب تصل الفتحة بِالْألف، والضمة بِالْوَاو، والكسرة بِالْيَاءِ.
فَمن وَصْلهم الفتحة بِالْألف قولُ الراجز:
قُلْت وَقد خَرّت على الكَلْكال
يَا نَاقَتي مَا جُلْت عَن مَجالِي
أَرَادَ: على الكَلكل، فوصل فَتْحة الْكَاف بِالْألف. وَقَالَ آخر:
لَهَا مَتْنتان خظاتاكما(15/478)
أَرَادَ: خَظَتا.
ومِن وَصْلهم الضمّة بِالْوَاو: مَا أَنْشده الْفراء:
لَو أنْ عَمْراً هَمَّ أَن يَرْقُودَا
فانْهض فشُدّ المِئْزَرَ المَعْقُودَا
أَرَادَ: أَن يَرْقُد، فوصل ضمّة الْقَاف بِالْوَاو. وَأنْشد أَيْضا:
الله يعلم أنّا فِي تَلفُّتنا
يومَ الْفِرَاق إِلَى إخْواننا صُورُ
وأنّني حَيْثما يَثْنِي الْهوى بَصَري
مِن حَيْثُمَا سَلكُوا أدْنُو فأنْظُور
أَرَادَ: فَأنْظر.
وَأنْشد فِي وَصل الكسرة بِالْيَاءِ:
لَا عَهْد لي بِنيضالِ
أَصْبحتُ كالشَّنّ الْبَالِي
أَرَادَ: بنضال. وَقَالَ:
على عَجل منِّي أطأطىءُ شِيمالِي
أَرَادَ: شمَالي، فوصل الكسرة بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: الْألف المحوَّلة، وَهِي كل ألف أَصْلهَا الياءُ وَالْوَاو المُتحرَّكتان كَقَوْلِك: قَالَ، وَبَاعَ، وقضا، وغزا، وَمَا أشْبهها.
وَمِنْهَا: ألف التَّثنية، كَقَوْلِك: يجلسان، ويذهبان.
وَمِنْهَا: ألف التَّثْنية فِي الْأَسْمَاء، كَقَوْلِك: الزَّيدان، والقَمران.
قَالَ أَبُو زيد: وسمعتُهم يَقُولُونَ: أَيَا أَيَّاهُ أَقْبل، وَزنه: عَيَا عَيَاه.
وَقَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: ألف الْقطع فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن تكون فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء المُفردة.
وَالْوَجْه الآخر: أَن تكون فِي أَوَائِل الْجمع.
فالتي فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء تَعرفها بثباتها فِي التَّصْغير، بِأَن تَمتحن الْألف فَلَا تجدها فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً؛ من ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 14) الْألف فِي (أحسن) ألف قطع، وتصغيره: أُحَيْسن.
وَتقول فِي مِثَاله من الفِعل: افْعَل، فتجد الْألف لَيست فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} (النِّسَاء: 86) .
وَالْفرق بَين ألف الْقطع وَألف الْوَصْل أَن ألف الْوَصْل (فَاء) من الْفِعْل، وَألف الْقطع لَيست: فَاء، وَلَا عينا، وَلَا لاماً، وَتدْخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام الَّتِي هِيَ للتعريف، تَقول: الأبوان والأزواج، وَكَذَلِكَ ألف الْجمع فِي السّتَة.
وَأما ألفات الْوَصْل فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء فَهِيَ تِسْعَة، ألف: ابْن، وَابْنَة، وابنين، وابنتين، وامرىء، وَامْرَأَة، وَاسم، واست.(15/479)
فَهَذِهِ ثَمَانِيَة تكسر الْألف فِي الِابْتِدَاء وتحذف فِي الْوَصْل.
والتاسعَة: الْألف الَّتِي تدخل مَعَ اللَّام للتَّعريف، وَهِي مَفْتُوحَة فِي الِابْتِدَاء سَاقِطَة فِي الْوَصْل، كَقَوْلِك: الرحمان، وَالْقَارِعَة، والحاقّة، تسْقط هَذِه الألفات فِي الْوَصْل وتنفتح فِي الِابْتِدَاء.
بَاب الياآت وألقابها الَّتِي تعرف بهَا
الْيَاء: فَمِنْهَا: يَاء التَّأْنِيث فِي مثل: اضْربي، وتَضربين، وَلم تَضربي.
وَفِي الْأَسْمَاء: (يَاء) حُبْلى، وعَطْشى؛ يُقَال: هَا حُبْليان، وعَطْشيان، وجُماديان، و (يَاء) ذِكْرى، وسيما.
وَمِنْهَا: يَاء التَّثنية وَالْجمع، كَقَوْلِك: رَأَيْت الزيدَيْن.
وَمِنْهَا: يَاء الصِّلة فِي القوافي؛ كَقَوْل النَّابِغَة:
يَا دَار مَيَّة بالعَلْياء فالسَّندِي
فوصل كسرة الدَّال بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: يَاء الإشباع فِي المَصادر والنُّعوت؛ كَقَوْلِك: كاذبته كيذاباً، أَرَادَ: كِذَابا. أَرَادَ أَن يُظهر الْألف الَّتِي فِي ضاربته فِي الْمصدر، فجعلوها يَاء، لكسرة مَا قبلهَا.
وَمِنْهَا: يَاء (مِسْكين) و (عَجِيب) أَرَادوا بِنَاء (مِفْعِل) ، وَبِنَاء (فَعِل) فأَشْبَعوا بِالْيَاءِ.
وَمِنْهَا: الْيَاء المحوَّلة، مثل (يَاء) الْمِيزَان، والميعاد، وَقيل: ودُعي، وَهِي فِي الأَصْل (وَاو) فقُلبت يَاء لكسر مَا قبلهَا.
وَمِنْهَا: يَاء النّداء؛ كَقَوْلِك: يَا زيد، وَيَقُولُونَ: أزَيد.
وَمِنْهَا: يَاء الاستنكار، كَقَوْلِك: مَرَرْت بالحَسن، فَيَقُول المُجيب مُستنكراً لقَوْله: ألْحَسنيهْ، مدّ النُّون بياء، وَألْحق بهَا هَاء الوقْف.
وَمِنْهَا: يَاء التّعايي، كَقَوْلِك: مَرَرْت بالَحَسني، ثمَّ تَقول: أخي بَني فلَان.
وَمِنْهَا: يَاء مدّ المُنادى، كندائهم: يَا بِّشْر، يمدّون ألف (يَا) ويُشدِّدون (بَاء) (بِشْر) ويمدونها. بياء (يَا بيشر) ، يمدّون كسرة الْبَاء بِالْيَاءِ، فَيجْمَعُونَ بَين ساكنين؛ وَيَقُولُونَ: يَا مُنْذير، يُرِيدُونَ: يَا مُنْذر.
وَمِنْهُم من يَقُول: يَا بشير، فيكسرون الشين ويُتبعونها الْيَاء يمدّونها بهَا، يُرِيدُونَ: يَا بِشْر.
وَمِنْهَا: الْيَاء الفاصلة فِي الْأَبْنِيَة، مثل: (يَاء) صَيْقل، و (يَاء) بَيْطار، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: يَاء الْهمزَة، فِي الخطّ مرّة، وَفِي اللَّفْظ أُخْرَى.
فأمّا الْخط: فَمثل (يَاء) : قَائِم، ومائل، صُورت الْهمزَة يَاء، وَكَذَلِكَ من: شركائهم، وَأُولَئِكَ، وَمَا أشبههَا.(15/480)
وأمّا اللَّفْظ فَقَوْلهم فِي جَمع (الْخَطِيئَة) : خطايَا؛ وَفِي جمع (الْمرْآة) : مَرايا، اجْتمعت همزتان فَليَّنوهما وَجعلُوا إِحْدَاهمَا ألفا.
وَمِنْهَا: يَاء التَّصْغير، كَقَوْلِك فِي تَصغير (عَمْرو) : عُمَير، وَفِي تَصْغِير (ذَا) : ذَيّا، وَفِي تَصغير (شيخ) : شُيَيْخ.
وَمِنْهَا: الْيَاء المُبدلة من لَام الفِعْل، كَقَوْلِك: الخامي، والسادي، للخامس وَالسَّادِس، يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي القوافي وَغير القوافي.
وَمِنْهَا: يَاء الثَّعالي، يُرِيدُونَ: الثعالب؛ وأَنْشد:
ولِضَفادِي جَمَّه نَقانِقُ
يُرِيد: لِضَفادع.
وَقَالَ الآخر:
إِذا مَا عُدّ أربعةٌ فِسالٌ
فَزوْجكِ خامسٌ وَأَبُوك سادِي
وَمِنْهَا: الْيَاء الساكنة تُترك على حَالهَا فِي مَوضع الجَزم فِي بعض اللُّغَات؛ وأَنْشد الْفراء:
ألم يَأْتِيك والأنباء تَنْمى
بِمَا لاقت لَبُون بني زيَادِ
فَأثْبت الْيَاء فِي (يَأْتِيك) وَهِي فِي مَوضِع جزم. وَمثله قَوْله:
هُزِّي إِلَيْك الجِذْعَ يُجْنِيْكِ الجَنَى
وَوجه الْكَلَام: يُجْنبك.
وَقد نَقلوا مثل ذَلِك فِي (الْوَاو) ؛ وأَنشد:
هجوتَ زيّان ثمَّ جِئْتَ مُعْتذراً
من هَجْو زيّان لم تَهْجو وَلم تَدَعِ
وَمِنْهَا: يَاء النِّداء، وحذفُ المنادى وإضماره، كَقَوْل الله تَعَالَى، على قِرَاءَة مَن قَرَأَ: {يَهْتَدُونَ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (النَّمْل: 25) ، الْمَعْنى: أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا؛ وأَنْشد:
يَا قاتلَ الله صِبْياناً تَجِيء بهم
أمُّ الهُنَيْنَين مِن زَنْدٍ لَهَا وارِي
كَأَنَّهُ أَرَادَ: يَا قوم، قَاتل الله صبياناً.
وَمثله قَوْله:
يَا من رأى بارقاً أُكَفْكفه
بَين ذِرَاعَي وجَبْهة الأَسَدِ
كَأَنَّهُ دَعَا: يَا قوم، يَا إخوتي، فَلَمَّا أَقبلُوا عَلَيْهِ قَالَ: من رأَى؟
وَمِنْهَا: يَاء نِدَاء مَا لَا يُجيب تَنْبِيها لمن يَعْقل؛ من ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {هُمْ خَامِدُونَ ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ} (يس: 30) و {ياوَيْلَتَاءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} (هود: 72) وَالْمعْنَى: أَن استهزاء الْعباد بالرُّسل صَار حَسْرةً عَلَيْهِم، فنُوديت تِلْكَ الحسرةُ تَنْبِيها للمُتحسِّرين. الْمَعْنى: يَا حسرةً على الْعباد، أَيْن أَنْت فَهَذَا أوانك، وَكَذَلِكَ مَا أشبهه.
وَمِنْهَا: ياآت تدل على أَفعَال بعْدهَا فِي أوائلها ياآت؛ وأَنشد بَعضهم:(15/481)
مَا للظّلِيم عاكَ كَيفَ لايا
يَنْقَدّ عَنهُ جلدُه إِذا يَا
يُذّرَى التُّرابُ خَلفه إذْ رَايَا
أَرَادَ: كَيفَ لَا ينقدّ جلده إذَا يُذْرَى الترابُ خَلْفه.
وَمِنْهَا: يَاء الْجَزْم المُرسل والجَزم المُنْبسط.
فَأَما يَاء الْجَزْم المُرسل فكقولك: أَقضي الْأَمر، وتحذف لِأَن قبل الْيَاء كسرة تَخلُف مِنْهَا.
وَأما يَاء الْجَزْم المُنبسط فكقولك: رَأَيْت عَبدِي الله؛ ومررت بعبدي الله، لم تكن قبل الْيَاء كسرة تكون عوضا مِنْهَا، فَلم تَسْقط وكُسرت لالتقاء الساكنين، وَلم تَسقط لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا خَلف.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الحرّاني، عَن ابْن السّكيت، قَالَ: إِذا كَانَت الْيَاء زَائِدَة فِي حرف رباعيّ أَو خماسيّ أَو ثلاثيّ، فالرباعيّ: كالقَهْقرى، والخَوْزَلى، وبَعير جَلْعبى، فَإِذا ثَنّته العربُ أَسقطت الْيَاء، فَقَالُوا: الْخوزلان، والقهقران، وَلم يثبتوا الْيَاء فيقولا: الخوزَليان، وَلَا القَهْقريان، لِأَن الْحَرْف كرّر حُروفه، فاسْتثقلوا مَعَ ذَلِك جمع الْيَاء مَعَ الْألف، وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِي نَصبه لَو ثُنّي على هَذَا: الخوزَليين، فثقُل وَسَقَطت الْيَاء الأولى.
وَفِي الثلاثي إِذا حُرّكت حروفُه كُلها: الجَمزَى والوَثَبى، ثمَّ ثَنَّوه فَقَالُوا: الجَمزان، والوَثبان، وَرَأَيْت الجَمزَيْن والوَثَبْين.
قَالَ الْفراء: مَا لم يَجتمع فِيهِ ياآن كتبته بِالْيَاءِ للتأنيث، فَإِذا اجْتمع الياآن كتبت إِحْدَاهمَا ألفا لثقلها.
بَاب الواوات
الْوَاو: الواوات، لَهَا معَان مُخْتَلفَة، لكُل معنى مِنْهَا اسْم تُعرف بِهِ.
فَمِنْهَا: وَاو الْجمع، كَقَوْلِك، اضربوا، ويَضربون. وَفِي الأسماه: المُسلمون.
وَمِنْهَا: وَاو الْعَطف، وَالْفرق بَينهَا وَبَين (الْفَاء) فِي الْمَعْطُوف، أَن الْوَاو يُعطف بهَا جملَة جُمل، وَلَا تَدلّ على التَّرْتِيب فِي تَقديم المُقدّم ذكره، وَتَأْخِير المؤخّر ذكرُه.
و (أما) الْفَاء فَإِنَّهَا يُوصل بهَا مَا بعْدهَا بِالَّذِي قبلهَا، والمقدّم هُوَ الأوّل.
قَالَ الْفراء: إِذا قلت: زُرت عبد الله وزيداً، فَأَيّهمَا شِئت كَانَ الْمُبْتَدَأ بالزيارة.
وَإِذا قلت: زرت عبد الله فَزَيْداً، كَانَ الأول هُوَ الأول وَالْآخر هُوَ الآخر.
وَمِنْهَا: وَاو الْقسم تخَفْض مَا بعْدهَا؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يُوعَدُونَ} {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ} (الطّور: 1، 2) ف (الْوَاو) الَّتِي فِي(15/482)
(الطّور) هِيَ وَاو الْقسم، وَالْوَاو الَّتِي هِيَ فِي {وَالطُّورِ} هِيَ وَاو الْعَطف، أَلا ترى أَنه لَو عطف بِالْفَاءِ كَانَ جَائِزا، و (الْفَاء) لَا يقسم بهَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {} {ذَرْواً فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً} (الذرايات: 1، 2) غير أَنه إِذا كَانَ بِالْفَاءِ فَهُوَ مُتّصل بِالْيَمِينِ الأولى، وَإِذا كَانَ بِالْوَاو فَهُوَ شَيْء آخر أُقسِم بِهِ.
وَمِنْهَا: وَاو الاستنكار، إِذا قلت: جَاءَنِي الْحسن، قَالَ المُستنكر: الْحسَنُوه. وَإِذا قلت: جَاءَنِي عَمْرو، قَالَ: أعمْروه، يمدّ بواو، وَالْهَاء للوقفة.
وَمِنْهَا: وَاو الصِّلة فِي القوافي؛ كَقَوْلِه:
قِف بالدِّيار الَّتِي لم يَعفها القِدَمُو
فوُصلت ضمة الْمِيم بواو تَمّ بهَا وزن البَيْت.
وَمِنْهَا: وَاو الإشباع؛ مثل قَوْلهم: البُرْقُوع، والمُعْلُوق. 2
وَحكى الْفراء: أَنظور، فِي مَوضِع (أنظر) ؛ وَأنْشد غيرُه:
لَو أنّ عَمْراً همّ أَن يَرْقُودَا
أَرَادَ: أَن يرقد، فأشبع الضمة بِالْوَاو، ونَصَب (يرقودا) على مَا يُنصب بِهِ الْفِعْل.
وَمِنْهَا: وَاو التَّعايي، كقوك: هَذَا عَمْرو، فيستمدّ، ثمَّ يَقُول: مُنطلق.
وَقد مضى بعض أخواتها فِي بَاب الألفات والياآت.
وَمِنْهَا: وَاو مَدّ الِاسْم بالنداء؛ كَقَوْلِهِم: أيَا قُورط، يُرِيد قُرْطاً، فمدّوا ضمّة الْقَاف ليمتدّ الصوتُ بالنداء.
وَمِنْهَا: الْوَاو المُحوّلة، نَحْو، طُوبى، أَصْلهَا: طيِبى، فقلبت الْيَاء واواً، لانضمام الطَّاء قبلهَا، وَهِي من: طَابَ يَطيب.
وَمِنْهَا: وَاو: المُوقنين، والموسرين، أَصْلهَا: المُيْقنين، من: أيقنت، والمُيْسرين، من: أَيْسرت.
وَمِنْهَا: وَاو الْجَزْم المُرسل؛ مثل قَوْله تَعَالَى: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} (الْإِسْرَاء: 4) فأسقط الْوَاو لالتقاء الساكنين، لِأَن قبلهَا ضَمّة تخلفها.
وَمِنْهَا جَزم الْوَاو المُنْبسط؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَتُبْلَوُنَّ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَمْوَالِكُمْ} (آل عمرَان: 186) فَلم يُسقط الْوَاو وَحَرّكها لِأَن قبلهَا فَتْحة، وَلَا تكون عِوضاً مِنْهَا.
هَكَذَا أَخْبرنِي المُنذريّ بِهِ، عَن أَبي طَالب، وَقَالَ: إِنَّمَا يَسقط أحد الساكنين إِذا كَانَ الأول من الْجَزْم المُرسل انْكَسَرَ وَلم يسْقط. والجزم المُرسل كل وَاو قبلهَا فَتْحة، وياء قبلهَا كسرة، أَو ألف قبلهَا فَتْحة.
فالألف كَقَوْلِك للاثنين: اضربا الرجل، سَقطت الْألف عِنْد التقاء الساكنين، لِأَن قبلهَا فَتْحة فَهِيَ خلف مِنْهَا.(15/483)
وَمِنْهَا: واوات الْأَبْنِيَة، مثل الجَورب، والتّورب، للتّراب والجورب، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: وَاو الْهمزَة فِي الخطّ واللّفظ.
فَأَما الْخط، فقولك: هَذِه شاؤك، صورت الْهمزَة وَاواً لضمّتها.
وَأما اللَّفْظ فقولك: حَمروان، وسوداوان.
وَمثل قَوْلك: أُعِيذك بأَسْماوات الله، وأبناوات سعد، وَمثل (السَّماوات) وَمَا أَشبهها.
وَمِنْهَا: وَاو النداء، وواو النُّدبة.
فَأَما النّداء، فقولك: وازيد.
وَأما النّدبة، فقولك، وازَيداه، والهفاه، واغُربتاه.
وَمِنْهَا: وَاو الْحَال، كَقَوْلِك: أتيتُه وَالشَّمْس طالعة، أَي: فِي حَال طُلُوعهَا؛ قَالَ الله تَعَالَى: {الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ} (الْقَلَم: 48) .
وَمِنْهَا: وَاو الْوَقْت، كَقَوْلِك: اعْمَلْ وَأنت صَحِيح، أَي: فِي وَقت صِحَّتك، والآن وَأَنت فارغ.
فَهَذَا وَاو الْوَقْت، وَهِي قريبَة من وَاو الْحَال. وَمِنْهَا: وَاو الصَّرف.
قَالَ الْفراء: الصَّرف أَن تَأتي (الْوَاو) مَعطوفة على كَلَام فِي أَوله حَادِثَة لَا تَسْتقيم إعادتُها على مَا عُطف عَلَيْهَا؛ كَقَوْلِه:
لَا تَنْه عَن خُلُقٍ وتأتِيَ مِثْلَه
عارٌ عَلَيْك إِذا فَعَلْت عظيِمُ
أَلا ترى أَنه لَا يَجوز إِعَادَة (لَا) على: (وَتَأْتِي مثله) ، فَلذَلِك سُمّي صَرْفاً، إِذْ كَانَ مَعْطُوفًا وَلم يَسْتقم أَن يُعاد فِيهِ الْحَادِث الَّذِي فِيمَا قبله.
وَمِنْهَا: الَّتِي تدخل فِي الْأَجْوِبَة فَتكون جَوَابا مَعَ الْجَواب، وَلَو حُذفت كَانَ الْجَواب مُكتفياً بِنَفسِهِ؛ وَأنْشد الْفراء:
حَتَّى إِذا قَمِلت بُطُونكمُ
ورأيتُمُ أبناءكم شَبُّوا
وقَلبتُم ظَهْر المِجَنّ لنا
إنّ اللَّئِيم العاجزُ الْخَبُّ
أَرَادَ: قلبتم.
وَمثله فِي الْكَلَام: لما أَتَانِي وأثب عَلَيْهِ. كَأَنَّك قلت: وَثَبت عَلَيْهِ.
قَالَ: وَهَذَا لَا يجوز إِلَّا مَعَ (لما) و (حَتَّى) و (إِذا) .
الْأَصْمَعِي قَالَ: قلت لأبي عَمرو بن الْعَلَاء: رَبّنا وَلَك الْحَمد، مَا هَذِه الْوَاو؟
فَقَالَ: يَقُول الرجل للرجل: بِعْني هَذَا الثَّوْب، فَيَقُول: وَهُوَ لَك.
أَصله يُرِيد: هُوَ لَك؛ وَقَالَ أَبُو كَبِير الهُذلي:
فَإِذا وَذَلِكَ لَيس إِلَّا حِينَه(15/484)
وَإِذا مَضى شيءٌ كَأَن لمْ يُفْعَلِ
أَرَادَ: فَإِذا ذَلِك، يَعْنِي شَبابه وَمَا مضى من أَيَّام تمتُّعه.
وَمِنْهَا: وَاو النِّسْبة.
حكى أَبُو عبيد، عَن اليَزيدي، عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء، أَنه كَانَ يَقُول: يُنْسب إِلَى (أَخ) : أخوي، وَإِلَى (الرِّبَا) : رِبَويّ، وَإِلَى (أُخْت) : أُخَويّ، وَإِلَى (ابْن) : بَنَوِيّ، وَإِلَى (عالية) الْحجاز: عُلْوِيّ، وَإِلَى (عَشِيّة) عشويّ، وَإِلَى (أَب) : أبَوِيّ.
وَمِنْهَا: الْوَاو الدائمة، وَهِي كل وَاو تُلابس الْجَزَاء، وَمَعْنَاهَا: الدَّوَام؛ كَقَوْلِك: زُرْني وأَزورَك، وأزورُك، بِالنّصب وَالرَّفْع.
فالنصب على المُجازاة، ومَن رَفع فَمَعْنَاه: زيارتك عليّ وَاجِبَة أُديمها لَك عل كُلّ حَال.
وَمِنْهَا: الْوَاو الفارقة، وَهِي كُل وَاو دَخلت فِي أحد الحرفين المُشْتبهين لُيفرق بَينه وَبَين المُشْبه لَهُ فِي الخطّ، مثل واوِ (أُولَئِكَ) وواو (أولى) ؛ قَالَ الله تَعَالَى: {غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ} (النُّور: 31) : زيدت فِيهَا الْوَاو فِي الْخط ليَفرق بَينهَا وَبَين مَا شاكلها فِي الصُّورَة، مثل: إِلَيّ، وَإِلَيْك.
وَمِنْهَا: وَاو (عَمْرو) فَإِنَّهَا زيدت لتفرق بَين (عَمْرو) و (عمر) . وزيدت فِي (عَمْرو) دون (عُمر) ، لِأَن (عُمر) أثْقل من (عَمْرو) .
بَاب تصريف أَفعَال حُرُوف اللين وَغَيرهَا
الِّلحياني عَن الْكسَائي: مَا كَانَ من ثَلَاثَة أحرف وَسطه (ألف) فَفِي فِعله لُغَتَانِ: الْوَاو وَالْيَاء، كَقَوْلِك: دَوّلت دَالا، وقَوّفت قافاً، أَي كتبتهما: إِلَّا (الْوَاو) فَإِنَّهَا بِالْيَاءِ لَا غير، لِكَثْرَة (الواوات) ، فَتَقول فِيهَا: وَيَّيْت واواً حَسَنَة، وَغَيره يَقُول: أَوَّيت، وَبَعْضهمْ يَقُول: وَوَّيت.
الْكسَائي: تَقول الْعَرَب: كلمة مُؤَوَّاة، مثل (مُعَوَّاة) ، أَي: مبنيّة من بَنَات (الْوَاو) .
غَيره كلمة: مُؤَيّاة، من بَنَات (الْوَاو) وَكلمَة مُيَوَّاة، من بَنَات (الْيَاء) .
وَإِذا صَغَّرت (الْوَاو) قلت: أُوَيَّة؛ وَإِذا صغرت (الْيَاء) قلت: أُيَيَّة.
غَيره: هَذِه قصيدة واويّة، إِذا كَانَت على (الْوَاو) ، ويائيّة، على الْيَاء.
وَيُقَال: أشبهت ياؤك يائِي، وأشبهت ياءَك، بِوَزْن (ياعك) .
فَإِذا ثَنّيت قلت: ياءَيّ، بِوَزْن: (ياعَيّ) .
وَقَالَ الْكسَائي: جَائِز أَن تَقول: يَيَّيت يَاء حَسَنَة، إِذا كتبتها.
وَكَذَلِكَ: ووَّيت واواً حَسنة.
وَأما الْألف فتأليفها من: همزَة، وَلَام، وَألف.
وَقيل: إِنَّهَا سُميت (ألفا) لِأَنَّهَا تألف(15/485)
الْحُرُوف، وَهِي أَكثر الحُروف دُخولاً فِي المَنْطق.
وَيَقُولُونَ: هَذِه ألِفٌ مُؤَلَّفة.
وَقد جَاءَ عَن بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (الْبَقَرَة: 1) أَن (الْألف) من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَالله أعلم بِمَا أَراد.
وَقَالَ الْخَلِيل: وجدتُ كُلَّ (يَاء) و (وَاو) فِي الهجاء لَا تعتمد على شَيْء بعْدهَا تَرجع فِي التَّصريف إِلَى (الْيَاء) ، نَحْو: يَا، وفا، وطا، وَنَحْوه.
بَاب مَا جَاءَ فِي تَفْسِير الْحُرُوف الْمُقطعَة
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْحُرُوف المُقطعة، مثل: الم، المص، المر، وَغَيرهَا: ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهمَا: أَن الله تَعَالَى أقسم بِهَذِهِ الْحُرُوف، وَأَن هَذَا الْكتاب الَّذِي أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْكتاب الَّذِي عِنْد الله لَا شكّ فِيهِ.
قَالَ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: 1، 2) .
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن: الر، حم، ن، اسْم (الرحمان) مقطع فِي اللَّفْظ مَوْصُول فِي الْمَعْنى.
وَالْقَوْل الثَّالِث: الم، مَعْنَاهُ: أَنا الله أعلم وَأرى.
وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - م صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} {ذَالِكَ الْكِتَابُ} قَسم.
وَحدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن الزَّعْفَرَانِي، عَن يحيى بن عباد، عَن شُعْبَة، عَن السّديّ، عَن ابْن عَبَّاس: الر: اسْم من أَسمَاء الله، وَهُوَ الِاسْم الْأَعْظَم.
وَقَالَ قَتَادَة: الم: اسْم من أَسمَاء الله.
وَحدثنَا مُحَمَّد: حَدثنَا ابْن قنبر، عَن عَليّ بن حُسَيْن بن واقِد، قَالَ: أَخْبرنِي أُبَيّ، عَن يزِيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس: الر، الم، حم: حُرُوف معرّفة.
قَالَ أُبيّ: فحدّثت بِهِ الْأَعْمَش، فَقَالَ: عنْدك مثل هَذَا وَلَا تُحدِّثنا بِهِ.
وَحدثنَا ابْن هَاجك، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن قَتَادَة، قَالَ: الم: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ: حم، وَيس، وَجَمِيع مَا فِي الْقُرْآن من حُرُوف الهجاء فِي أَوَائِل السُّور.
وَحدثنَا مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن حُريت الْعَتكِي، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَوانة، عَن إِسْمَاعِيل بن سَالم، قَالَ: سُئل عَامر عَن فواتح الْقُرْآن، نَحْو: حم، وَنَحْو: صَاد، وألم، والر، فَقَالَ: هِيَ اسْم من أَسمَاء الله مقطعَة بالهجاء، إِذا وصلتها كَانَت اسْما من أَسمَاء الله.(15/486)
ثمَّ قَالَ عَامر: الرحمان، هَذِه فَاتِحَة ثَلَاث سور، إِذا جمعتهن كَانَت اسْما من أَسمَاء الله.
وَحدثنَا أَبُو الإصبع الْمصْرِيّ، عَن شبيب بن حَفْص، عَن بشر بن بكر، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيم، عَن ضَمْرة بن حبيب، وَحَكِيم، وَرَاشِد بن سعد؛ قَالُوا: إنّ: المر، والمص، والم، وَأَشْبَاه ذَلِك، وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا، إِن فِيهَا اسْم الله الْأَعْظَم.
وروى ابْن نجيح؛ عَن مُجَاهِد: الم: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن.
قَالَ أَبُو عبد الله: وَحدثنَا إِبْرَاهِيم بن هانىء: حَدثنَا آدم بن أبي إِيَاس: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله (الم) قَالَ: هَذِه الْأُصُول الثَّلَاثَة من التِّسْعَة وَالْعِشْرين حرفا، لَيْسَ فِيهَا حرف إلاّ وَهُوَ مِفْتَاح اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى.
قَالَ: وَلَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي آلائه وبلائه؛ وَلَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي مُدّة قوم وآجالهم.
قَالَ: وَقَالَ عِيسَى بن عمر: أعجب أَنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون فِي رِزقه كَيفَ يَكْفُرون بِهِ؛ فالألف مِفْتَاح اسْمه (الله) ، وَلَام مِفْتاح اسْمه (لطيف) ، وَمِيم مِفْتَاح اسْمه (مجيد) . فالألف آلَاء الله، وَاللَّام لطف الله، وَالْمِيم مجد الله؛ وَالْألف وَاحِد، وَاللَّام ثلاتَون، وَالْمِيم أَرْبَعُونَ.
قَالَ مُحَمَّد: وَحدثنَا عُبيد الله بن جَرير: حَدثنَا ابْن كثير، عَن الثَّوْريّ، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن أبي عبد الرحمان السّلمِيّ، قَالَ: آلم: آيَة، وحم: آيَة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي فهم، عَن الْأَثْرَم، عَن أبي عُبيدة، أَنه قَالَ: هَذِه الْحُرُوف المُقَطعة حُرُوف الهجاء، وَهِي افْتِتَاح كَلَام.
وَقَالَ الْأَخْفَش نحوَه.
وَدَلِيل ذَلِك أَن الْكَلَام الَّذِي ذُكر قبل السُّورة قد تَمّ.
وَزعم قُطرب أَن (الر) و (المص) و (الم) و (كهيعص) و (ص) و (ق) و (يس) و (ن) حُرُوف المعجم لتدلّ أَن هَذَا الْقُرْآن مؤلّف من هَذِه الْحُرُوف المقطّعة، الَّتِي هِيَ حُرُوف: ا، ب، ت، ث، فجَاء بَعْضهَا متقطَّعاً وَجَاء تمامُها مؤلف ليدل الْقَوْم الَّذين نزل عَلَيْهِم الْقُرْآن أَنه بحروفهم الَّتِي يَعقلونها لَا ريبَ فِيهِ.
ولقُطرب قولٌ آخرُ فِي (الم) : زعم أَنه يجوز أَن يكون لمّا لغَا القومُ فِي الْقُرْآن فَلم يتفهّموه حِين قَالُوا: {كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْاْ} (فصلت: 26) ، أنزل عَلَيْهِم ذِكْر هَذِه الْحُرُوف، لأَنهم لم يعتادوا الْخطاب بتقطيع الْحُرُوف، فَسَكَتُوا(15/487)
لما سمعُوا الْحُرُوف طَمَعا فِي الظَّفر بِمَا يحبونَ، ليفهموا بعد الْحُرُوف الْقُرْآن وَمَا فِيهِ، فَتكون الحجّة عَلَيْهِم أَثْبت، إِذا جَحدوا بعد تفهّم وَتعلم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْمُخْتَار من هَذِه الْأَقَاوِيل مَا رُوي عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَن معنى (الم) : أَنا الله أعلم، وَأَن كل حرف مِنْهَا لَهُ تَفْسِير.
قَالَ: والدّليل على ذَلِك أَن الْعَرَب تنطق بالحرف الْوَاحِد تدلّ بِهِ على الْكَلِمَة الَّتِي هُوَ مِنْهَا؛ وأَنشد:
قُلت لَهَا قِفي فَقَالَت ق
فَنَطَقَ بقاف فَقَط، يُرِيد: قَالَت أَقف.
وَأنْشد: أَيْضا:
نادَيتهم أَن أَلْجِمُوا ألاتا
قالُوا جَمِيعًا كلّهم أَلاَفَا
قَالَ: تَفْسِيره: نادوهم أَن ألجموا، ألاَ تَرْكَبُونَ؟ قَالُوا جَمِيعًا: ألاَ فارْكَبُوا.
فَإِنَّمَا نطق ب (تا) و (فا) ، كَمَا نَطق الأول ب (قَاف) .
قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أختاره فِي معنى هَذِه الْحُرُوف، وَالله أعلم بحقيقتها.
ورُوي عَن الشّعبي أَنه قَالَ: لله فِي كل كتابٌ سِرٌّ، وسره فِي الْقُرْآن حُروف الهجاء الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل السُّور.
وَأجْمع النحويون أَن حُرُوف التهجّي، وَهِي الْألف وَالْبَاء وَالتَّاء والثاء، وَسَائِر مَا فِي الْقُرْآن مِنْهَا، أَنَّهَا مبنيَّة على الْوَقْف وأنّها لَا تُعرب.
وَمعنى (الْوَقْف) أَنَّك تقدّر أَن تسكت على كل حرف مِنْهَا، فالنَّطق بهَا: ألف لَام مِيم.
وَالدَّلِيل على أَن حُرُوف الهجاء مبنيّة على السكت كَمَا بُني الْعدَد على السَّكت، أَنَّك تَقول فِيها بِالْوَقْفِ مَعَ الْجمع بَين الساكنين، كَمَا تَقول إِذا عددت: وَاحِد، إثنان، ثَلَاثَة، أَرْبَعَة، فتقطع ألف (اثْنَيْنِ) وَألف (اثْنَيْنِ) ألف وصل، وتذكر الْهَاء فِي (ثَلَاثَة) ، و (أَرْبَعَة) . وَلَوْلَا أَنَّك تقدِّر السكت لَقلت: ثَلَاثَة، كَمَا تَقول: ثَلَاثَة يَا هَذَا. وحقّها من الْإِعْرَاب أَن تكون سَواكن الْأَوَاخِر.
وشَرْح هَذِه الْحُرُوف وتفسيرها أَن هَذِه الْحُرُوف لَيست تجَري مجْرى الْأَسْمَاء المتمكنة وَالْأَفْعَال المضارعة الَّتِي يجب لَهَا الْإِعْرَاب، وَإِنَّمَا هِيَ تقطيع الِاسْم المؤلّف الَّذِي لَا يجب الْإِعْرَاب إِلَّا مَعَ كَمَاله، فقولك: جَعْفَر، لَا يجب أَن تُعرب مِنْهُ الْجِيم وَلَا الْعين وَلَا الْفَاء وَلَا الرَّاء، دون تَكْمِيل الِاسْم.
وَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَة وُضعت على هَذِه الْحُرُوف، فَإِن أجريتها مجْرى الْأَسْمَاء وحدَّثت عَنْهَا قلت: هَذِه كافٌ حَسَنَة،(15/488)
وَهَذَا كافٌ حَسَن.
وَكَذَلِكَ سَائِر حُرُوف المعجم.
فَمن قَالَ: هَذِه كَاف، أنّث لِمَعْنى الْكَلِمَة؛ وَمن ذكَّر فلمعنى الحَرْف.
وَالْإِعْرَاب وَقع فِيهَا لِأَنَّك تُخرجها من بَاب الْحِكَايَة؛ قَالَ الشَّاعِر:
كافاً وميمَيْن وسيناً طاسِمَا
وَقَالَ آخر:
كَمَا بُيِّنت كافٌ تلُوح وميمُها
فذكَّر (طاسما) لِأَنَّهُ جعله صفة للسِّين، وَجعل السِّين فِي مَعنى الْحَرْف.
وَقَالَ: كَاف تلُوح، فأنّث (الْكَاف) لِأَنَّهُ ذَهب بهَا إِلَى الْكَلِمَة.
وَإِذا عطفت هَذِه الْحُرُوف بَعْضهَا على بعض أعربتها: فَقلت: ألف وباء وتاء وثاء، إِلَى آخرهَا.
وَكَذَلِكَ الْعدَد إِذا عَطفت بَعْضهَا على بعض أعربتها، فَقلت: وَاحِد، وَاثْنَانِ، إِلَى آخرهَا.(15/489)
أَبْوَاب الْهَمْز
اعْلَم أَن الْهمزَة لَا هجاءَ لَهَا، إِنَّمَا تكْتب مرّة ألفا، وَمرَّة يَاء، وَمرَّة واواً.
وَالْألف اللينة لَا حَرف لَهَا إِنَّمَا هِيَ جزءٌ من مُدَّة بعد فَتْحة.
والحروف ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا، مَعَ الْوَاو وَالْألف وَالْيَاء، وتتم بِالْهَمْزَةِ تِسْعَة وَعشْرين حرفا.
والهمزة كالحرف الصَّحِيح، غير أَن لَهَا حالات من التَّلْيين والحَذْف والإبدال والتَّحقيق، تعتلّ فِيهَا، فأُلحقت بالأحرف المعتلة الجُوف، وَلَيْسَت من الْجوف إِنَّمَا هِيَ حلقية فِي أقْصَى الْحلق.
وَلها ألقاب كألقاب الْحُرُوف:
فَمِنْهَا: همزَة التَّأْنِيث، كهمزة العُشَراء، والنّفساء والخُششاء.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الأصليَّة فِي آخر الْكَلِمَة، مثل: الحفاء، والبواء، والوطاء، والطواء؛ وَمِنْهَا: الوصاء، وَالْبَاء، والواء، والإيطاء فِي الشّعْر. هَذِه كُلها همزها أصْلِيّ.
وَمِنْهَا: همزَة المدّة المُبدلة من الْيَاء وَالْوَاو، كهمزة: السَّمَاء، والبكاء، والكساء، وَالدُّعَاء، وَالْجَزَاء، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: الْهمزَة المُجلبة بعد الْألف الساكنة، نَحْو: همزَة: وَائِل، وطائف، وَفِي الْجمع، نَحْو: كتائب، وسرائر.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الزَّائِدَة، نَحْو همزَة: الشمأل، والشأمل، والغرقىء.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الَّتِي تُزاد لِئَلَّا يجْتَمع ساكنان، نَحْو: اطمأنّ، واشمأز، وازبأر، وَمَا شاكلها.
وَمِنْهَا: همزَة الوقفة فِي آخر الفِعل، لُغَة لبَعض دون بعض، نَحْو قَوْلهم للمرأَة: (قولىء) ، وللرجلين: قولأ، وللجميع: قولؤ، وَإِذا وصلوا الْكَلَام لم يَهمزوه، وَلَا يهمزون إِلَّا إِذا وقفُوا عَلَيْهَا.
وَمِنْهَا: همزَة التوهّم، كَمَا رَوى الْفراء عَن بعض الْعَرَب أَنهم يهمزون مَا لَا همز فِيهِ إِذا ضارع المَهموز.
قَالَ: وَسمعت امرأَة من غَنِيّ تَقول: رثأت زَوجي بأَبيات، كأَنها لمّا سَمعت: (رثأَت اللَّبن) ذهبت إِلَى أَنّ مرثية الْمَيِّت مِنْهَا.
قَالَ: وَيَقُولُونَ: لبّأَت بِالْحَجِّ، وحلأت السويق، فيغلطون، لِأَن (حلأت) يُقَال فِي دَفع العَطشان عَن المَاء، و (لبأت) يذهب(15/490)
بهَا إِلَى اللّبأ.
وَقَالُوا: استنشأَت الرّيح، وَالصَّوَاب: استنشيت، ذَهَبُوا بِهِ إِلَى قَوْلهم: نَشأ السَّحَاب.
وَمِنْهَا: الْهمزَة الْأَصْلِيَّة الظَّاهِرَة فِي اللَّفْظ، نَحْو همزَة: الخبء، والدفء، والكفء، والعبء، وَمَا أشبههَا.
وَمِنْهَا: اجْتِمَاع الهمزتين فِي كل وَاحِدَة، نَحْو همزتي: الرئاء، والحلوئاء.
وَأما (الضياء) فَلَا يجوز همز يائه، والمدة الْأَخِيرَة فِيهِ همزَة أصليّة، من: ضاء يضوء ضوءاً؛ وَأنْشد أَحْمد بن يحيى فِيمَن هَمز مَا لَيْسَ بمَهموز:
وَكنت أرجِّي بِئْر نعْمَان حائراً
فَلوّأ بالعينين والأَنف حائِرُ
أَرَادَ: لوّى، فهمز.
قَالَ: وَالنَّاس كلهم يَقُولُونَ: إِذا كَانَت الْهمزَة طرفا وَقبلهَا سَاكن حَذَفوها فِي الخَفض والرَّفْع وأثبتوها فِي النصب، إِلَّا الْكسَائي وحَده فَإِنَّهُ يُثبتها كُلَّها.
قَالَ: وَإِذا كَانَت الْهمزَة وُسْطى أَجمعُوا كلّهم على ألاّ تَسْقط.
قَالَ: وَاخْتلف الْعلمَاء بأيّ صُورة تكون الْهمزَة؟ .
فَقَالَت طَائِفَة: تَكْتُبهَا بحركة مَا قبلهَا، وهم الْجَمَاعَة.
وَقَالَ أَصْحَاب الْقيَاس: تَكْتُبهَا بحركة نَفسهَا.
واحتجت الْجَمَاعَة بأنّ الخطّ يَنُوب عَن اللّسان، وَإِنَّمَا يلْزمنَا أَن نتوهّم بالخطّ مَا نَطق بِهِ اللِّسَان.
قَالَ أَحْمد بن يحيى: وَهَذَا هُوَ الْكَلَام.
بَاب: اجْتِمَاع الهمزتين لَهما مَعْنيانِ
قَالَ الله تَعَالَى: {ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الْبَقَرَة: 6) ،
من القُراء من يُحقق الهمزتين، فَيقْرَأ: (أأنذرتهم) قَرَأَ بِهِ عَاصِم وهَمزه وَالْكسَائِيّ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (آنذرتهم) بِهَمْزَة مطوّلة.
وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا شاكله نَحْو قَوْله تَعَالَى:
{أَءَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} (الْمَائِدَة: 116) . {ءَأَلِدُ} (هود: 72) ، {شَجَرَهَا} (النَّمْل: 60 64) .
وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَيَعْقُوب بِهَمْزَة مطوَّلة.
وَقَرَأَ عبد الله بن أبي إِسْحَاق: (آأنذرتهم) بِأَلف سَاكِنة بَين الهمزتين، وَهِي لُغَة سائرةٌ بَين الْعَرَب؛ قَالَ ذُو الرمّة:
أيا ظَبْيَة الوَعساء بَين حُلاحل
وَبَين النَّفا آأنت أم أُمّ سالِم
وَقَالَ آخر:(15/491)
تطالَلْت فَاسْتشرفْتُه فعرفته
فقُلت لَهُ آأنت زيدُ الأرانبِ
وَأنْشد أَحْمد بن يحيى:
خِرق إِذا مَا الْقَوْم أَجْرَوا فكاهةً
تذكَّر آإيّاه يَعْنون أم قِرْدا
وَقَالَ الزجّاج: زعم سِيبَوَيْهٍ أَن من الْعَرَب من يحقِّق الْهمزَة وَلَا يجمع همزتين، وَإِن كَانَتَا من كَلِمَتَيْنِ.
قَالَ: وَأهل الْحجاز لَا يخفّفون وَاحِدَة مِنْهُمَا.
قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيل يَرى تَخفيف الثَّانِيَة، فَيجْعَل الثَّانِيَة بَين الْهمزَة وَالْألف، وَلَا يَجْعَلهَا ألفا خَالِصَة.
قَالَ: وَمن جعلهَا ألفا خَالِصَة فقد أَخطَأ من جِهَتَيْنِ:
إِحْدَاهمَا: أَنه جَمع بَين ساكنَيْن.
وَالْأُخْرَى: أَنه أبدل من همزَة متحرِّكة قبلهَا ألفا، وَالْحَرَكَة الْفَتْح.
قَالَ: وَإِنَّمَا حَقّ الْهمزَة إِذا تحرّكت وَانْفَتح مَا قبلهَا أَن تُجعل بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَتَقول فِي: (سَأَلَ) : سَالَ؛ وَفِي (رؤف) : روف؛ وَفِي (يئس) بِيس.
وَهَذَا فِي الْخط وَاحِد، وَإِنَّمَا تحكمه المُشافهة.
قَالَ: وَكَانَ غير الْخَلِيل يَقُول فِي مثل قَوْله تَعَالَى: {بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ} (مُحَمَّد: 18) أَن تخفّف الأُولى.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: جمَاعَة من الْعَرَب يقرؤون (فقد جا أشراطها) يحقِّقون الثَّانِيَة ويخفّفون الأولى.
قَالَ: وَهَذَا مَذْهَب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء.
قَالَ: وأمّا الْخَلِيل فَإِنَّهُ يقْرَأ بتحقيق الأولى وَتَخْفِيف الثَّانِيَة.
قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَرْت تَخْفيف الثَّانِيَة، لِاجْتِمَاع النَّاس على بدل الثَّانِيَة فِي قَوْلهم: آدم، وَآخر، لِأَن الأَصْل فِي (آدم) : أأدم، وَفِي (آخر) : أَأْخر.
قَالَ الزجّاج: وَقَول الْخَلِيل أَقيس، وَقَول أبي عَمْرو جيّد أَيْضا.
قَالَ: وَأما الهمزتان إِذا كَانَتَا مكسورتين نَحْو قَوْله تَعَالَى: {عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} (النُّور: 33) ، وَإِذا كَانَتَا مضمومتين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {دُونِهِ أَوْلِيَآءُ} (الْأَحْقَاف: 32) ، فإِن أَبَا عَمْرو يُخفف الْهمزَة الأولى مِنْهُمَا، فَيَقُول (على البغا إِن أَردن) ، و (أوليا أُولَئِكَ) فَيجْعَل الْهمزَة الأولى فِي (الْبغاء) بَين الْهمزَة وَالْيَاء ويكسرها؛ وَيجْعَل الْهمزَة فِي قَوْله تَعَالَى: (أَوْلِيَاء أُولَئِكَ) الأولى بَين الْوَاو والهمزة وبضمّها.
قَالَ: وَجُمْلَة مَا قَالَ النحويون فِي مثل هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال:(15/492)
أَحدهَا: وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل، أَن تجْعَل مَكَان الْهمزَة الثَّانِيَة همزَة بَين بَين أَعنِي: بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَإِذا كَانَ مضموماً جُعل الْهمزَة بَين الْوَاو والهمزة، فَقَالَ: أَوْلِيَاء أُولَئِكَ.
وَأما أَبُو عَمْرو فَيقْرَأ على مَا ذكرنَا.
وَأما ابْن أبي إِسْحَاق وَجَمَاعَة من الْقُرَّاء فَإِنَّهُم يَجمعون بَين الهمزتين.
وَأما اخْتِلَاف الهمزتين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {السُّفَهَآءُ أَلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - َ} (الْبَقَرَة: 13) فَأكْثر القُراء على تَحْقِيق الهمزتين.
وَأما أَبُو عَمْرو فَإِنَّهُ يحقِّقَ الْهمزَة الثَّانِيَة فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ، ويخفّف الأولى فيجعلها بَين الْوَاو والهمزة، فَيَقُول (السُّفَهَاء أَلا) وَيقْرَأ (من السَّمَاء إِن) فيخفّف الثَّانِيَة.
وَأما سِيبَوَيْهٍ والخليل فَيَقُولُونَ (السُّفَهَاء وَلَا) يَجعلون الْهمزَة الثَّانِيَة واواً خَالِصَة؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى: {النُّشُورُ أَءَمِنتُمْ مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الاَْرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ} (الْملك: 1) يَاء خَالِصَة.
فَهَذَا جَمِيع مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب.
بَاب مَا جَاءَ عَن الْعَرَب فِي تَحْقِيق الْهَمْز وتليينه وتحويله وحذفه
قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: الْهَمْز على ثَلَاثَة أوجه: التَّحْقِيق، وَالتَّخْفِيف، والتحويل.
فالتحقيق مِنْهُ أَن تُعْطِي الْهمزَة حَقّهَا من الإشباع، فإِذا أردْت أَن تعرف إشباع الْهمزَة فَاجْعَلْ (العَين) فِي موضعهَا، كَقَوْلِك من (الخبء) : قد خبأت لَك، بِوَزْن (خبعت) ، وقرأت، بِوَزْن (قرعت) ، فَأَنا أخبع وأقرع، وَأَنا خابىء وقارىء، نَحْو: خابع، وقارع.
فخُذ تَحْقِيق الْهَمْز بِالْعينِ كَمَا وصفت لَك.
قَالَ: وَالتَّخْفِيف من الْهَمْز، إِنَّمَا سمّوه تَخْفِيفًا لِأَنَّهُ لم يُعط حقّه من الْإِعْرَاب والإشباع، وَهُوَ مُشْرب همزاً تصرّف فِي وُجُوه العربيّة بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تحرّك، كَقَوْلِك: خبأت وقرأت، فَجعل الْهمزَة ألفا سَاكِنة على سُكونها فِي التَّحْقِيق، إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا.
وَهِي كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي يدخلهَا التحريك، كَقَوْلِك: لم يَخبا الرجل، وَلم يقرا الْقُرْآن، فيكسر الْألف من (يخبا) و (يقرا) ، لسكون مَا بعْدهَا، فكأنك قلت: لم يَخْبِيَّرجُل، وَلم يَقْر يَلْقرآن، وَهُوَ يخبو ويَقرو، فيجعلها واواً مَضْمُومَة فِي الإدراج.
فإِن وقفتها جَعلتهَا ألفا، غيرأنك تهيئها للضَّمة من غير أَن تظهر ضمتها، وَتقول: مَا أخباه وَأَقَرَّاهُ، فتحرّك الْألف بِفَتْح لبقيّة مَا فِيهَا من الْهمزَة، كَمَا وَصفت لَك.(15/493)
قَالَ: وأمّا التَّحويل من الْهَمْز فأَن تحوّل الْهمزَة إِلَى (الْيَاء) و (الْوَاو) ، كَقَوْلِك: قد خَبَيت الْمَتَاع؛ فَهُوَ مخبيّ، وَهو يَخباه، فاعْلم.
فَيجْعَل الياءَ ألفا حَيْثُ كَانَ قبلهَا فَتْحة، نَحْو ألف: يسعا، و: يخشا؛ لِأَن مَا قبلهَا مَفْتُوح.
قَالَ: وَتقول: رفوت الثَّوْب رَفواً، فحوّلت الْهمزَة واواً، كَمَا ترى.
وَتقول: لم يخب عني شَيْئا، فَتسقط مَوضِع اللَّام من نظيرها من الفِعْل؛ للإعراب، وَتَدَع مَا بَقِي على حَاله متحركاً، وَتقول: مَا أخباه؛ فتسكن الْألف المحوّلة كَمَا أسكنت الْألف من قَوْلك: مَا أخشاه.
قَالَ: وَمن محقّق الْهَمْز قولُك للرجل: يلؤم، كَأَنَّك قلت: يَلعم، إِذا كَانَ بَخِيلًا؛ والأسد يَزْئر، كَقَوْلِك: يزعر.
فإِذا أردْت التَّخفيف قلت للرجل: يَلُم، وللأسد: يَزر؛ على أَن ألقيت الْهمزَة من قَوْلك: يلؤم ويزئر، وحركت مَا قبلهَا بحركتها على الضَّم وَالْكَسْر، إِذا كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا.
فإِذا أردْت تَحْويل الْهمزَة مِنْهُمَا قلت للرجل: يَلُوم، فجعلتها واواً سَاكِنة، لِأَنَّهَا تَبعت الضمة؛ وللأسد: يزير، فجعلتها يَاء للكسرة قبلهَا، نَحْو: يَبِيع.
وَكَذَلِكَ كل همزَة تبْعَث حرفا سَاكِنا عَدلتها إِلَى التَّخْفِيف، فإِنك تلقيها وتحرّك بحركتها الحرفَ السَّاكِن قبلهَا، كَقَوْلِك للرجل: يسل، فتحذف الْهمزَة وتحرك مَوضِع الْفَاء من نظيرها من الْفِعْل بحركتها، لِأَنَّهُ سَاكن؛ كَقَوْلِك فِي الْأَمر: سل، فَتحَرك مَا قبل الْهمزَة بحركتها، وأسقطت ألف الْوَصْل إِذْ تحرّك مَا بعْدهَا.
وَإِنَّمَا يجتلبونها للإسكان؛ فإِذا تحرّك مَا بعْدهَا لم يحتاجوا إِلَيْهَا.
وَمن الْمُحَقق بَاب آخر: وَهُوَ قَوْلك من (رَأَيْت) ، وَأَنت تَأمر: ارأ، كَقَوْلِك: ارْع زَيداً.
فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رَ زَيْداً، فَتسقط ألف الْوَصْل لتحرّك مَا بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَسمعت من الْعَرَب من يَقُول: يَا فلَان نُويك، على التَّخْفِيف، وتحقيقه: انْأَ نُؤْيك، كَقَوْلِك: انْع نعيك، إِذا أمره أَن يَجْعَل حول خبائه نؤياً كالطّوق يَصْرف عَنهُ مَاء الْمَطَر.
وَمن هَذَا الْبَاب قَوْلك: رَأَيْت الرجل، فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رايت، فحركت الْألف بِغَيْر إشباع همز، وَلَا تسْقط الْهمزَة لِأَن مَا قبلهَا متحرك.
وَتقول للرجل: ترأى ذَلِك، على التَّحْقِيق.(15/494)
وعامّة كَلَام الْعَرَب فِي: يرى، وَترى، وَأرى، ونرى، على التَّخْفِيف.
قَالَ: وَتقول: رأب الْقدح، فَهُوَ مرؤوب، بِوَزْن: مرعوب، ومروب، على التَّخْفِيف، لم تزد على أَن ألقيت الْهمزَة من الْكَلِمَة وَجعلت حركتها بالضمّ على الْحَرْف السَّاكِن قَبلها.
قَالَ أَبُو زيد: وَاعْلَم أَن وَاو (فعول) و (مفعول) وياء (فعيل) وياء التصغير لَا يَعتقبن الْهَمْز فِي شَيء من الْكَلَام، لِأَن الْأَسْمَاء طوّلت بهَا، كَقَوْلِك فِي التَّحْقِيق: هَذِه خَطِيئَة، بِوَزْن (خطيعة) ، فَإِذا عدلتها إِلَى التَّخْفِيف قلت: هَذِه خطية، جعلت حركتها يَاء للكسرة، وَتقول: هَذَا رجل خبوء، كَقَوْلِك: خبوع، فَإِذا خفّفت قلت: رجل خبو، فَجعلت الْهمزَة واواً للضمة الَّتِي قبلهَا، وجعلتها حرفا ثقيلاً فِي وزن حرفين مَعَ الْوَاو الَّتِي قبلهَا، وَتقول هَذَا، مَتَاع مخبوء، بِوَزْن مخبوع، فإِذا خففت قلت: مَتَاع مخبو، فحولت الْهمزَة واواً للضمة قبلهَا.
أَبُو زيد: تَقول: رجل برَاء من الشّرك، كَقَوْلِك: براع، فَإِذا عدلتها إِلَى التَّخْفِيف قلت: براو، فَتَصِير الْهمزَة واواً، لِأَنَّهَا مَضْمُومَة.
وَتقول: مَرَرْت بِرَجُل براي، فَتَصِير يَاء على الكسرة، وَرَأَيْت رجلا برايا، فَتَصِير ألفا لِأَنَّهَا مَفْتُوحَة.
وَمن تَحْقِيق الْهَمْز قَوْلك: هَذَا غطاء، وَكسَاء، وخباء، فتهمز مَوضِع اللَّام من نظيرها من الْفِعْل، لِأَنَّهَا غَايَة وَقبلهَا ألف سَاكِنة، كَقَوْلِك: هَذَا غطاع، وَهَذَا كساع، وَهَذَا خباع، فالعين مَوضِع الْهمزَة.
فَإِذا جمعت الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد فِي التَّحْقِيق قلت: هَذَانِ غذاآن، وكساآن، وخباآن، كَقَوْلِك غطاعان وكساعان وخباعان، فتهمز الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد.
وَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: هَذَا غطاو، وكساو، وخباو، فتجعل الْهمزَة واواً لِأَنَّهَا مَضْمُومَة.
وَإِن جمعت الِاثْنَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ على سنة الْوَاحِد، قلت: هَذَانِ غطاآن، وكساآن، وخباآن، فَتحَرك الْألف الَّتِي فِي مَوضِع اللَّام من نظيرها من الْفِعْل بِغَيْر إشباع، لِأَن فِيهَا بَقِيَّة من الْهمزَة وَقبلهَا ألف سَاكِنة.
فَإِذا أردْت تَحْويل الْهمزَة، قلت: هَذَا غطاو، وكساو، وخباو، لِأَن قبلهَا حرفا سَاكِنا وَهِي مَضْمُومَة، وَكَذَلِكَ: الْقَضَاء، هَذَا قضاو، على التَّحْوِيل، لِأَن ظُهُور الْوَاو هَاهُنَا أخف من ظُهُور الْيَاء.
وَتقول فِي الِاثْنَيْنِ إِذا جمعتهما على سنة(15/495)
تَحْويل الْوَاو: غطاوان، وكساوان، وخباوان، وقضاوان.
قَالَ أَبُو زيد: وَقد سَمِعت بعض بني فَزَارَة يَقُول: هما كسايان، وخبايان، وقضايان، فيحول الْوَاو إِلَى الْيَاء.
قَالَ: وَالْوَاو فِي هَذِه الْحُرُوف أَكثر فِي الْكَلَام.
وَمن تَحْقِيق الْهَمْز قَوْلك: يَا زيد من أَنْت؟ كَقَوْلِك: من عَنت.
فَإِذا عدلت الْهمزَة إِلَى التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نت، كَأَنَّك قلت: نعنت؛ لِأَنَّك أسقطت الْهمزَة من (أَنْت) وحركت مَا قبلهَا بحركتها، وَلم يدْخلهُ إدغام لِأَن النُّون الْأَخِيرَة سَاكِنة وَالْأولَى متحركة.
وَتقول: من أَنا، كَقَوْلِك: من عَنَّا، على التَّحْقِيق.
فإِن أردْت التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نَا، كَأَنَّك قلت: يَا زيد منا، لِأَنَّك أسقطت الْهمزَة وحركت مَا قبلهَا بحركتها.
فَإِذا أردْت الإسكان قلت: يَا زيد منا، أدخلت النُّون الأولى فِي الْأَخِيرَة، وجعلتهما حرفا وَاحِدًا ثقيلاً فِي وزن حرفين، لِأَنَّهُمَا متحركان فِي حَال التَّخْفِيف، وَمثله قَول الله تَعَالَى: {لَّكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّى} (الْكَهْف: 38) خففوا الْهمزَة من: لَكِن أَنا، فَصَارَت (لَكِن نَا) ، كَقَوْلِك: لكننا، ثمَّ أسكنوا، بعد التَّخْفِيف. فَقَالُوا: لَكنا.
قَالَ: وَسمعت أَعْرَابِيًا من قيس يَقُول: يَا أَب أقبل، وياب اقبل، وَيَا أَبَة أقبل، ويابة أقبل، فألغى الْهمزَة من كل هَذَا.
وَمن تَحْقِيق الْهمزَة قَوْلك: افْعوعلت، من (رَأَيْت) : إياوْأيْت، كَقَوْلِك: افْعوْعيت.
فَإِذا عدلته إِلَى التَّخْفِيف قلت: إيويت وَحدهَا، وويت، وَالْأولَى مِنْهُمَا فِي مَوضِع الْفَاء من الْفِعْل، وَهِي سَاكِنة، وَالثَّانيَِة هِيَ الزَّائِدَة، فحرّكتها بحركة الهمزتين قبلهَا، وَثقل ظُهُور الواوين مفتوحتين، فهمزوا الأولى مِنْهُمَا.
وَلَو كَانَت الْوَاو الأولى وَاو عطف لم يثقل ظُهُورهَا فِي الْكَلَام، كَقَوْلِك: ذهب زيد ووافد؛ وَقدم عَمْرو وراهب.
قَالَ: وَإِذا أردْت تَحْقِيق (مُفْعوعل) من (وأيت) قلت: مُوأَوْئى، كَقَوْلِك: مُوعوعى.
فَإِذا عدلت إِلَى التَّخْفِيف قلت: مُواوِي، فتفتح الْوَاو الَّتِي فِي مَوضع الْفَاء بفتحة الْهمزَة الَّتِي فِي مَوضِع الْعين من الْفِعْل، وتكسر الْوَاو الثَّانِيَة، وَهِي الزَّائِدَة، بِكَسْر الْهمزَة الَّتِي بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَسمعت بعض بني عجلَان بن قيس يَقُول: رأَيت غُلامِيَّبَيْك. وَرَأَيْت غُلاَميَّسَد. تحوّل الْهمزَة الَّتِي فِي (أَسد) وَفِي (أَبِيك) إِلَى الْيَاء، ويدخلونها(15/496)
فِي الْيَاء الَّتِي فِي (الغلامين) الَّتِي هِيَ نفس الْإِعْرَاب فيظْهر يَاء ثَقيلَة فِي وزن حرفين، كَأَنَّك قلت: رَأَيْت غلاميبيك، وَرَأَيْت غلاميَّسد.
قَالَ: وَسمعت رجلا من بني كلب يَقُول: هَذِه وأبة، وَهَذِه امْرَأَة شأبة، فهمزوا الْألف مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنه ثقل عَلَيْهِ إسكان الحرفَيْن مَعًا. وَإِن كَانَ الْحَرْف الآخر مِنْهَا متحرِّكاً؛ وَأنْشد الفَرّاء:
يَا عَجَبا لقد رأيتُ عَجَبَا
حِمار قَبَّان يَسُوق أَرْنَبَا
وأمّها خاطُمها أَن تذهبَا
وَقَالَ أَبُو زيد: أهل الْحجاز إِذا اضطروا نَبَروا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الْهُذلِيّ: قد توضَّيْت، فَلم يهمز وحَوَّلها يَاء.
وَكَذَلِكَ مَا أشبه هَذَا.
قلت: وَقد ميزَّت فِي معتلات كل كتاب مَا يهمز ممّا لَا يهمز، تمييزاً لَا تتعذّر عَلَيْك مَعْرفَته، وحقّقت مَا يجب تَحْقِيقه فِي موَاضعه من أَبْوَاب المعتلات، وفصَّلت مَا لَا يهمز ممّا يهمز تَفْصِيلًا يقف بك على الصَّوَاب إِذا أَتَت بك الْقِرَاءَة عَلَيْهَا.
وَأما اللَّيْث بن المظفّر فَإِنَّهُ خلط فِي كِتَابه المَهموز بِمَا لَا يُهمز، حَتَّى يَعْسر على النَّاظر فِيهِ تَمْيِيز مَا لَا يهمز مِمَّا لَا يهمز، لاختلاط بعضه بِبَعْض.
وَللَّه الْحَمد على حسن توفيقه وتَسديده.
(خَاتِمَة الْكتاب)
وَهَذَا آخر الْكتاب الَّذِي سمّيته (تَهْذِيب اللُّغَة) وَقد حَرصت أَلا أُودعه من كَلَام الْعَرَب إلاّ مَا صحّ لي سَمَاعا، من أعرابيّ فَصيح، أَو مَحْفُوظًا لإِمَام ثِقة، حَسن الضّبط، مأمونٍ على مَا أَدّى.
وأمّا مَا يَقع فِي تضاعيف الْكتاب لأبي بكر مُحَمَّد بن دُريد الشَّاعِر وللّيث، ممّا لم أحفظه لغَيْرِهِمَا، فَإِنِّي قد ذكرت فِي أَول الْكتاب أَنِّي وَاقِف حُرُوف كَثيرة لَهما، وَأَنه يجب على النَّاظر فِيهَا أَن يَفحص عَنْهَا، فَإِن وجدهَا مَحْفُوظَة لإِمَام من أَئمة اللُّغَة، أَو فِي شعر جاهليّ، أَو بدويّ إسلامي، عَلِم أَنَّهَا صَحِيحة؛ وَإِذا لم تصحّ من هَذِه الْجِهَة توقّف عَن تصحيحها.
وَأما (النَّوَادِر) الَّتِي رَواها أَبُو عُمر الزَّاهِد وَأَودعها كِتَابه، فَإِنِّي قد تأمّلتها، وَمَا عثرت مِنْهَا على كلمة مصحّفة، أَو لَفْظَة مُزالة عَن وَجههَا، أَو محرفة عَن مَعْنَاهَا.
ووجدتُ عُظم مَا رَواه لأبي عمروٍ الشَّيباني، وَابْن الْأَعرَابِي، وَأبي زيد، وَأبي عُبَيْدَة، والأصمعي، مَحْفُوظًا من كُتبهم الْمَعْرُوفَة لَهُم، والنوادر الَّتِي رَواها الثِّقَات عَنْهُم.
وَلَيْسَ يَخفى ذَلِك على مَن درس كُتبهم وعُني بحفظها والتفقّد لَهَا.
وَلم أذهب أَنا فِيمَا أَلّفت وجَمعت فِي كتابي هَذَا مَذْهَب من تصدَّى للتأليف فَجمع مَا جمع من كُتب لم يُحكم مَعْرفَتهَا، أَو لم يَسمعها مِمَّن أَتقنها، وَحمله الجهلُ وقلّةُ الْمعرفَة على تحَصيل مَا لم يحصِّله، وإكمال مَا لم يكمّله، حَتَّى أَفضى بِهِ الْحَال إِلَى أَن صَحّف فَأكْثر، وغَيَّر فَأَخْطَأَ.
ولمّا رأَيْت مَا أَلّفْه هَذِه الطبقةُ، وجنايتهم على لِسَان الْعَرَب الَّذِي نَزل بِهِ الْكتاب وَوَردت السّنَن وَالْأَخْبَار، وإزالتهم لُغات الْعَرَب عَن صِيغَة أَلسنتها، وإدخالهم فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، علمتُ أَن المميّزين من عُلماء اللُّغَة قد قلّوا فِي أَقطار الأَرْض. وأَن من درس تِلْكَ الْكتب رُبمَا اغترّ بهَا واتّخذها أُصولاً فَبنى عَلَيْهَا؛ فألّفت هَذَا الْكتاب وأَعفيتُه من الحشو، وبيّنت فِيهِ الصَّوَاب من الْخَطَأ، بقَدر معرفتي، ونقيته من التَّصْحِيف المغيّر، وَالْخَطَأ المُستفحش والتَّغيير المُزال عَن جِهَته.
وَلَو أَني كثّرت كتابي هَذَا وحَشوته بِمَا حوته دفاتري، وَاشتملت عَلَيْهِ الْكتب الَّتِي أَفْسدها الورّاقون، وغيَّرها المصحِّفون، لطال الْكتاب وتضاعف على مَا انْتهى، وَكنت أَحد الجانين على لِسَان الْعَرَب.
وَالله يُعيذنا من ذَلِك، ويوفّقنا للصّواب، ويؤم بنَا سَمْت الْحق، ويتغمَّد برأفته زللنا بمنّه ورَحمته.
وَاعْلَم أَيهَا النَّاظر فِي كتابي هَذَا أَنِّي لَا أَدّعي أَنِّي حَصَّلت فِيهِ لُغَات الْعَرَب كلّها، وَلَا طَمِعت فِيهِ، غير أَنِّي اجتهدت أَن يكون مَا دوّنته مهذباً من آفَة التَّصْحِيف، منقىًّ من فَسَاد التَّغيير.
فَمن نظر فِيهِ من ذَوي المَعرفة فَلَا يَعجلن إِلَى الرَّد وَالْإِنْكَار، ولْيَتَثبَّث فِيمَا يخْطر بِبَالِهِ، فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك بَان لَهُ الحقّ وانتفع بِمَا اسْتَفَادَ.
وَمهما قَصرنَا عَنهُ فَإِنَّمَا هُوَ لعجز الْإِنْسَان عَن الْكَمَال، وَمَا كَانَ من إحساس فبتوفيق الله وتسديده، وَالنِّيَّة فِي كل ذَلِك مِنْهَا الِاجْتِهَاد فِي بُلُوغ الْحق.
وَأَسأَل الله ذَا المَنّ وَالطَّوْل أَن يعظم لي الْأجر على حسن النِّيَّة، وَلَا يحرمني ثَوَاب مَا توخّيته من النَّصِيحة لأهل الْعلم وَالْأَدب، وإياه أَسأَل مُبدياً ومُعيداً أَن يصلّي على مُحَمَّد النَّبِي وعَلى آله الطيبين أطيب الصَّلَاة وأزكاها، وَأن يُحلنا دَار كرامته، وَمُستقر رَحمته، إِنَّه أكْرم مسؤول، وَأقرب مُجيب.(15/497)